Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 23

‫صورة عن اقتصاد‬

‫المجتمع السلمي‬

‫الشهيد السيد محمد باقر الصدر‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫والحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على سيد خلقه‬


‫محمد‬
‫وعلى الهداة الميامين من آله الطاهرين‬

‫وبعد فإني أشعر باعتزاز كبير يغمر نفسي وأنا أتحدث‬


‫إلى هذا الشعب العظيم إلى هذا الشعب اليراني المسلم‬
‫الذي كتب بجهاده ودمه وبطولته الفريدة تاريخ السلم من‬
‫جديد وقدم إلى العالم تجسيدا ً حيا ً ناطقا ً ليام السلم الولى‬
‫بكل ما زخرت به من ملحم الشجاعة واليمان ‪.‬‬
‫ويزداد شعوري عميقا ً وأنا أجد هذا الشعب أمام لحظة‬
‫عظيمة ل تشكل منعطفا ً في تاريخه فحسب بل تشكل‬
‫منعطفا ً في تاريخ المة السلمية كلها وهي اللحظة التي‬
‫يقف فيها هذا الشعب المجاهد ليعلن رأيه في الجمهورية‬
‫السلمية التي طرحها قائده المام الخميني وليؤكد من جديد‬
‫بتصويته إلى جانب الجمهورية السلمية إيمانه بالسلم بعد‬
‫أن أكد ذلك سابقا ً بما قدم من تضحيات وما مارسه من‬
‫ألوان العطاء والجهاد وليبدي مع كلمة ) نعم ( التي سوف‬
‫يقولها الشعب اليراني المجاهد للجمهورية السلمية مرحلة‬
‫جديدة من حياة المسلمين تخرجهم من ظلمات الجاهلية إلى‬
‫نور التوحيد ومن ألوان استغلل النسان للنسان إلى‬
‫العبودية المخلصة لله تعالى التي تشكل الساس الحقيقي‬
‫للحرية والعدل والمساواة ‪.‬‬
‫لم يكن المام الخميني في طرحه لشعار الجمهورية‬
‫السلمية إل استمرارا ً لدعوة النبياء وامتدادا ً لدور محمد‬
‫وعلي عليهما السلم في إقامة حكم الله على الرض وتعبيرا ً‬
‫صادقا ً‬
‫من أعماق ضمير هذه المة التي لم تعرف لها مجدا ً إل‬
‫بالسلم ولم تعش الذل والهوان والبؤس والحرمان والتبعية‬
‫للكافر المستعمر إل حين تركت السلم وتخلت عن رسالتها‬
‫العظيمة في الحياة ‪.‬‬
‫وليست الشريعة السلمية خيارا ً من خيارين بل ل خيار‬
‫سواها لنها حكم الله تعالى وقضائه في الرض وشريعته‬
‫التي ل بديل عنها ‪:‬‬
‫مرا ً َأن‬ ‫ذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫من َةٍ إ ِ َ‬ ‫ن وَل َ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫م ‪‬‬‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬‫م ْ‬‫خي ََرةُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫كو َ‬
‫‪((1‬‬

‫ولكن المام أراد أن يؤكد للشعب اليراني المسلم من‬


‫جديد اختياره وإرادته وجدارته بتحمل هذه المانة العظيمة‬
‫بوعي وتصميم ‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة الحزاب آية ‪36‬‬


‫ول شك أنكم باختيار الجمهورية السلمية منهجا ً في‬
‫الحياة وإطارا ً للحكم تؤدون فريضة من أعظم فرائض الله‬
‫تعالى وتعيدون إلى واقع الحياة روح التجربة التي مارسها‬
‫الرسول العظم )ص( وكرس حياته كلها من أجلها وروح‬
‫الطروحة التي جاهد من أجلها المام أمير المؤمنين وحارب‬
‫لحسابها المارقين والقاسطين وروح الثورة التي ضحى‬
‫المام الحسين آخر قطرة من دمه الطاهر في سبيلها ‪.‬‬
‫إنكم بالختيار العظيم تحققون للدماء الطاهرة التي‬
‫أريقت قبل ثلثة عشر قرنا ً على ساحة كربلء هدفها الكبير ‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن تجد الحضارة الغربية في اختياركم‬
‫الواعي للسلم منهجا ً للحياة تحديا ً صارخا ً لسسها الفكرية‬
‫وأيدلوجيتها الحضارية كما وجدت في إصراركم الشجاع في‬
‫طرد الشاه من السلطة والقضاء على حكمه تحديا ً صارخا ً‬
‫لمصالحها السياسية وتصوراتها العلمية ‪.‬‬
‫ذلك أن الحضارة الوربية للنسان الوربي المريكي‬
‫ظنت منذ أمد طويل أنها صّفت السلم نهائيا ً واستطاعت أن‬
‫تفرض على المسلمين عسكريا ً أو سياسيا ً أو ثقافيا ً التخلي‬
‫عنه واستبداله بتقليد النسان الغربي في مناهجه وطرائقه‬
‫في الحياة وقال الجناح الغربي من الحضارة الوربية أن أوربا‬
‫لم تتطور إل حين فصلت الدين عن الحياة وقال الجناح‬
‫الشرقي أن الدين أفيون الشعوب فلكي تستطيع الشعوب‬
‫أن تكافح من أجل الحرية ل بد لها أن تتخلى عن الدين ‪.‬‬
‫وأنتم أقدر الناس على الرد على هاتين الكذوبتين معا ً‬
‫لنكم تردون عليهم من واقع حياتكم وتجربتكم فلم يكن‬
‫العائق عن تطور الشعب اليراني المسلم ونموه الحقيقي إل‬
‫ابتعاده عن السلم وفرض النظام الشاهنشاهي عليه وما‬
‫يعبر عنه من أفكار الجاهلية وقيمتها ولم تكن الطاقة التي‬
‫دفعت الشعب إلى الثورة وتحطيم الطاغوت إل الدين وهذا‬
‫السلم الذي سوف تختارونه غدا ً منهجا ً للحياة وطريقا ً للبناء‬
‫‪.‬‬
‫هل السلم منهج للحياة ؟‬
‫ويردد المثقفون الغربيون والمستغربون أن السلم دين‬
‫وليس انتصارا ً وانه عقيدة وليس منهجا ً للحياة وانه علقة بين‬
‫النسان وربه ول يصلح أن يكون أساسا ً لثورة اجتماعية في‬
‫إيران ‪.‬‬
‫وقد فات هؤلء أن السلم ثورة ل تنفصل فيها الحياة‬
‫عن العقيدة ول ينفصل فيها الوجه الجتماعي عن المحتوى‬
‫الروحي ومن هنا كانت ثورة فريدة على مر التاريخ ‪.‬‬
‫فالتوحيد هو جوهر العقيدة السلمية وبالتوحيد يحرر‬
‫السلم النسان من عبودية غير الله ] ل إله إل الله [‬
‫ويرفض كل أشكال اللوهية المزيفة على مر التاريخ وهذا هو‬
‫تحرير النسان من داخل ثم يقرر كنتيجة طبيعية لذلك تحرير‬
‫الثروة والكون من أي مالك سوى الله تعالى وهذا هو تحرير‬
‫النسان من خارج وقد ربط المام أمير المؤمنين ‪ ‬بين‬
‫الحقيقتين حين قال ) العباد عباد الله والمال مال الله (‬
‫وبذلك حطم السلم كل القيود المصطنعة والحواجز‬
‫التاريخية التي كانت تعوق تقدم النسان وكدحه إلى ربه‬
‫وسيره الحثيث نحوه سواء تمثلت هذه القيود والحواجز على‬
‫مستوى آلهة ومخاوف وأساطير وتحجيم للنسانية بين يدي‬
‫قوى أسطورية أو تمثلت على مستوى ملكيات تكرس‬
‫السيادة على الرض لطاغوت فردا ً كان أو فئة أو طبقة على‬
‫حساب الناس وتحول دون نموهم الطبيعي وتفرض عليهم‬
‫بالتالي علقات التبعية والستعباد ‪.‬‬
‫ومن هنا كان السلم الذي يكافح من أجله النبياء ثورة‬
‫اجتماعية على الظلم والطغيان وعلى ألوان الستغلل‬
‫والستعباد ‪.‬‬
‫ُ‬
‫غير أن ثورة النبياء تميزت عن أي ثورة اجتماعية أخرى‬
‫في التاريخ تميزا ً نوعيا ً لنها حررت النسان من الداخل‬
‫وحررت الكون من الخارج في وقت واحد وأطلقت على‬
‫التحرير الول أسم الجهاد الكبر وعلى التحرير الثاني أسم‬
‫الجهاد الصغر لن هذا الجهاد لن يحقق هدفه العظيم إل في‬
‫إطار الجهاد الكبر ‪.‬‬
‫ونجم عن ذلك ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إنها لم تضع مستغل ً جديدا ً في موضع مستغل‬
‫سابق ول شكل ً من الطغيان بديل ً عن شكل آخر لنها في‬
‫الوقت الذي حررت فيه النسان من الستغلل حررته من‬
‫منابع الستغلل في نفسه وغيرت من نظرته إلى الكون‬
‫والحياة ‪.‬‬
‫قال سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫ضعُِفوا في الْر ِ‬ ‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ريد ُ أن ن ّ ُ‬ ‫‪ ‬وَن ُ َ ِ‬
‫ة‬
‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫ن ‪‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫‪( (1‬‬

‫لحظوا كيف يسير العملن الثوريان جنبا ً إلى جنب يجعل‬


‫المستضعفين أئمة ويجعلهم الوارثين وهذا يعني أن حلول‬
‫المستضعفين محل المستغلين والمستثمرين وتسلمهم‬
‫للمقاليد من أيديهم يواكب جعلهم أئمة أي تطهيرهم من‬
‫داخل والرتفاع بهم إلى مستوى القدوة والنموذج النساني‬
‫الرفيع ولهذا لن تكون عملية الستبدال الثوري على يد‬
‫النبياء كما أستبدل القطاعي بالرأسمالي أو الرأسمالي‬
‫بالبروليتاريا أي مجرد تغيير لمواقع الستغلل وإنما هي‬
‫تصفية نهائية للستغلل ولكل ألوان الظلم البشري ‪.‬‬
‫وقد حدد القرآن الكريم في نص آخر صفة هؤلء‬
‫المستضعفين الذين ترشحهم ثورة النبياء لتسلم مقاليد‬
‫الخلفة في الرض إذ قال تعالى ‪:‬‬
‫صل َةَ َوآت َوُا ْ‬ ‫َ‬ ‫م في ال َْر‬
‫موا ْ ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن ِإن ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ‬ال ّ ِ‬
‫عاقِب َ ُ ُ‬ ‫منك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬
‫مورِ ‪‬‬
‫ة ال ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ف وَن ََهوا عَ ِ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ْ ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ َوأ َ‬ ‫الّز َ‬
‫‪((2‬‬

‫وثانيا ً ‪ :‬إن صراع النبياء مع الظلم والستغلل لم يتخذ‬


‫طابعا ً طبقيا ً كما وقع الكثير من الثورات الجتماعية لنه كان‬
‫ثورة إنسانية ‪ ،‬ولتحرير النسان من داخل قبل كل شيء ولم‬
‫يكن جانبه الثوري الجتماعي إل بناء علويا ً لتلك الثورة حتى‬
‫أن الرسول العظم )ص( أطلق على ثورة التحرير من‬
‫الداخل اسم الجهاد الكبر وعلى ثورة التحرير من الخارج‬
‫اسم الجهاد الصغر كما تقدم ‪.‬‬
‫وقد استطاع السلم بعملية التحرير من الداخل وبتحقيق‬
‫متطلبات الجهاد الكبر أن ينبه في النفوس الخّيرة كل‬
‫كوامن الخير والعطاء ويفجر فيها طاقات البداع على‬

‫)‪ (1‬سورة القصص آية ‪5‬‬


‫)‪ (2‬سورة الحج آية ‪41‬‬
‫اختلف انتماءاتها الطبقية في المجتمعات الجاهلية فكان‬
‫الغني يقف جانب الفقير على خط المواجهة للظلم‬
‫والطغيان وكان مستغل المس يندمج مع المستَغل ‪-‬بالفتح‪-‬‬
‫في إطار ثوري واحد بعد أن يحقق الجهاد الكبر فيه قيمه‬
‫العظيمة ‪.‬‬
‫إن الثائر على أساس نبوي ليس ذلك المستغل الذي‬
‫يؤمن بأن النسان يستمد قوته من ملكية وسائل النتاج‬
‫وتمكنه في الرض ويسعى من أجل ذلك في سبيل انتزاع‬
‫هذه القيمة من يد مستغليه والستئثار بها لنفسه لكي تفرض‬
‫طبيعة هذا الصراع أن يكون النتماء إلى طبقة المستغلين أو‬
‫المستغلين هو الذي يحدد موقع النسان في الصراع بل‬
‫الثائر النبوي هو ذلك النسان الذي يؤمن بأن النسان يستمد‬
‫قيمته من سعيه الحثيث نحو الله واستيعابه لكل ما يعنيه هذا‬
‫السعي من قيم إنسانية ويشن حربا ً ل هوادة فيها على‬
‫الستغلل باعتباره هدرا ً لتلك القيم وتحويل ً للنسانية من‬
‫مسيرتها نحو الله وتحقيق أهدافها الكبرى وإلهائها بالتكاثر‬
‫وتجميع المال ‪ .‬والذي يحدد هذا الموقع للثائر النبوي مدى‬
‫نجاحه في الجهاد الكبر ل موقعه الجتماعي والنتماء‬
‫الطبقي ‪.‬‬
‫خلفة النسان ‪:‬‬
‫وبعد أن قرر السلم مبدأ ملكية الله تعالى رتب عليه أن‬
‫دور النسان في الثروة هو دور الخليفة المستأمن من قبل‬
‫الله تعالى على مصادر الثروة في الكون ليدبر أمرها ويدير‬
‫شأنها وفقا ً للروح العامة لملكية الله تعالى ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ِفيهِ ‪‬‬ ‫مسَتخل َِفي َ‬ ‫كم ُ‬ ‫جعَل َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫فُقوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫‪ ‬وَأن ِ‬
‫‪( (1‬‬

‫م ‪‬‬
‫‪( (2‬‬
‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ل اللهِ ال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬
‫من ّ‬ ‫هم ِ‬ ‫‪َ ‬وآُتو ُ‬
‫والستخلف يتم على مرحلتين ‪:‬‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬استخلف للجماعة البشرية الصالحة ككل‬
‫قال الله سبحانه ‪:‬‬
‫ً ‪( (1‬‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫َ‬
‫كم قَِياما ‪‬‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ال ِّتي َ‬
‫جع َ َ‬ ‫وال َك ُ ُ‬
‫سَفَهآَء أم َ‬ ‫‪َ ‬ول ُتؤُتوا ْ ال ّ‬
‫)‪ (1‬سورة الحديد آية ‪7‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء آية ‪33‬‬
‫)‪ (1‬سورة النساء آية ‪5‬‬
‫وهذا النص الشريف يتحدث عن أموال السفهاء وينهى‬
‫الجماعة أن يسلموها إلى السفهاء ويضيف الموال إلى‬
‫الجماعة نفسها على الرغم من أنها أموال أفراد منهم وذلك‬
‫إشعارا ً بأن الموال في هذا الكون قد جعلت لقامة حياة‬
‫الجماعة وتمكينها من مواصلة حياتها الكريمة وتحقيق‬
‫الهداف اللهية من خلل النسان على الرض ولما كان‬
‫السفيه ل يصلح لتحقيق هذه الهداف فقد منع الله الجماعة‬
‫من إطلق يده في أمواله ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى نلحظ أن القرآن الكريم والفقه‬
‫السلمي يطبق على كل الثروات الطبيعية التي تحصل عليها‬
‫الجماعة المسلمة من الكفار أسم الفيء ويعتبرها ملكية‬
‫عامة والفيء كلمة تدل على إعادة الشيء إلى أصله وهذا‬
‫يعني أن هذه الثروات كلها في الصل للجماعة وإن‬
‫الستخلف من الله تعالى استخلف للجماعة ‪.‬‬
‫ولهذا فإن الجماعة ‪-‬ككل‪ -‬بحكم هذا الستخلف‬
‫مسؤولة أمام الله تعالى وهذه المسؤولية تحددها الية‬
‫الكريمة في قوله تعالى ‪:‬‬
‫ماًء‬
‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض وََأنَز َ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫‪ ‬الل ُ‬
‫م ال ُْفل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ى‬
‫جرِ َ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬‫س ّ‬‫م وَ َ‬ ‫ت رِْزقا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬
‫مَ َ‬ ‫ج ب ِهِ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َ‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬‫م الن َْهاَر ‪ ‬وَ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫مرِهِ وَ َ‬ ‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫في ال ْب َ ْ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل َوالن َّهاَر ‪َ ‬وآَتا ُ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دائ ِب َي ْ ِ‬
‫مَر َ‬ ‫َوال َْق َ‬
‫َ‬
‫ن ل َظ َُلو ٌ‬
‫م‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة اللهِ ل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ ن ِعْ َ‬‫موهُ وَِإن ت َعُ ّ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ك َّفاٌر ‪‬‬
‫‪( (2‬‬

‫فإن هذا النص القرآني الشريف بعد أن يستعرض ما‬


‫استخلف الله عليه النسان من ثروات الكون وطاقاته ونعمه‬
‫الموفورة أشار إلى لونين من النحراف أحدهما الظلم‬
‫والخر كفران النعمة ‪ ،‬والظلم يعني سوء التوزيع وعدم‬
‫توفير هذه النعم لفراد الجماعة على السواء ‪ -‬وهو ظلم‬
‫بعض أفراد الجماعة للبعض الخر ‪ -‬وكفران النعمة يعني‬
‫تقصير الجماعة في استثمار ما جباها الله به من طاقات‬
‫الكون وخبراته المتنوعة أي التوقف عن البداع الذي هو في‬

‫)‪ (2‬سورة إبراهيم اليات ‪34-33-32‬‬


‫نفس الوقت توقف عن السير نحو المطلق نحو الله تعالى ‪-‬‬
‫وهذا ظلم الجماعة نفسها ‪. -‬‬
‫وهذه الشارة تحدد في الوقت نفسه مسؤولية الجماعة‬
‫بين يدي المستخلف سبحانه وتعالى في أمرين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬العدل في توزيع الثروة أي أن ل يقع تصرف‬
‫في الثروة التي استخلفت عليها الجماعة تصرفا ً يتعارض مع‬
‫خلفتها العامة وحقها ككل فيما خلق الله ‪.‬‬
‫والخر ‪ :‬العدل في رعاية الثروة وتنميتها وذلك ببذل‬
‫مجمل طاقاتها في استثمار الكون وأعمار الرض وتوفير‬
‫النعم ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬من الستخلف هي استخلف الفراد‬
‫الذي يتخذ من الناحية الفقهية والقانونية شكل الملكية‬
‫الخاصة والستخلف هنا من الجماعة للفرد ‪ .‬ولهذا أضافت‬
‫الية الكريمة أموال الفراد إلى الجماعة في النص القرآني‬
‫النف الذكر ‪ ،‬وعلى هذا الساس ل يمكن أن تقر أي ملكية‬
‫خاصة تتعارض مع خلفة الجماعة وحقها ‪ -‬ككل ‪ -‬في‬
‫الثروة ‪.‬‬
‫وما دامت الملكية الخاصة استخلفا ً للفرد من قبل‬
‫الجماعة فمن الطبيعي أن يكون الفرد مسؤول ً أمام الجماعة‬
‫عن تصرفاته في ماله وانسجامها مع مسؤولياتها أمام الله‬
‫تعالى ومتطلبات خلفتها العامة ‪ ،‬ومن الطبيعي أن يكون من‬
‫حق الممثل الشرعي للجماعة أن ينتزع من الفرد ملكيته‬
‫الخاصة إذا جعل منها أداة للضرار بالجماعة والتعدي على‬
‫الخرين وتوقف دفع ذلك على انتزاعها ‪ ،‬كما صنع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وآله في قصة سمرة بن جندب ‪ ،‬فقد‬
‫جاء في عدة روايات أن سمرة بن جندب كان له عذق وكان‬
‫طريقه إليه في جوف منزل رجل من النصار فكان يجيء‬
‫ويدخل إلى عذقه بغير إذن من النصاري فقال النصاري يا‬
‫سمرة ل تزال تفجأنا على حال ل نحب أن تفجأنا عليه فإذا‬
‫دخلت فاستأذن فقال ل أستأذن في طريق وهو طريقي إلى‬
‫عذقي فشكاه النصاري إلى رسول الله )ص( فأرسل إليه‬
‫النبي فأتاه فقال أن فلنا ً قد شكاك وزعم أنك تمر عليه‬
‫وعلى أهله بغير إذن فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل فقال‬
‫يا رسول الله استأذن في طريقي إلى عذقي فقال له النبي‬
‫)ص( خل عنه ولك عذق في مكان كذا وكذا فقل ل ‪. . .‬‬
‫فقال له رسول الله )ص( انك رجل مضار ول ضرر على‬
‫مؤمن ثم أمر بها رسول الله فقلعت ورمي بها إليه ‪.‬‬
‫وينبغي أن نشير هنا إلى أن العدل الذي قامت على‬
‫أساسه مسؤوليات الجماعة في خلفتها العامة هو الوجه‬
‫الجتماعي للعدل اللهي الذي نادى به النبياء وأكدت عليه‬
‫رسالة السماء كأصل ثان من أصول الدين يتلو التوحيد‬
‫مباشرة ‪.‬‬
‫ولم يكن الهتمام على هذا المستوى بالعدل اللهي‬
‫وتمييزه كأصل مستقل للدين من بين سائر صفات الله‬
‫تعالى من علم وقدرة وسمع وبصر وغير ذلك إل لما لهذا‬
‫الصل من مدلول اجتماعي وارتباط عميق بمغزى الثورة‬
‫التي يمارسها النبياء على صعيد الواقع ‪ ،‬فالتوحيد يعني‬
‫اجتماعيا ً أن المالك هو الله دون غيره من اللهة المزيفة ‪،‬‬
‫والعدل يعني أن هذا المالك الوحيد بحكم عدله ل يؤثر فردا ً‬
‫على فرد ول يمنح حقا ً لفئة على حساب فئة ‪ ،‬بل يستخلف‬
‫الجماعة الصالحة ككل على ما وفر من نعم وثروات ‪.‬‬
‫أهداف الخلفة ‪:‬‬
‫والسلم إذ يضع مبدأ الخلفة ويستخلف الجماعة‬
‫البشرية على الرض يضع للخلفة أهدافها الصالحة ‪ ،‬وبهذا‬
‫يحدث انقلبا ً عظيما ً في تصور الهداف وتقييمها يؤدي‬
‫بالمقابل إلى انقلب عظيم في الوسائل والساليب ‪.‬‬
‫ولكن ما هو التغيير الذي يريد السلم تحقيقه في مجال‬
‫تلك الهداف ؟‬
‫إن المجتمعات الجاهلية ل تنظر إلى الحياة إل من خلل‬
‫شوطها القصير الذي ينتهي بالموت ول تدرك ذاتها ومتعها إل‬
‫من خلل إشباع ما لدى النسان من غرائز وشهوات ‪ ،‬وهي‬
‫على هذا الساس تجد في المال بوصفه مال ً وفي تجميعه‬
‫وادخاره والتنافس فيه الهدف الطبيعي الذي يضمن للنسان‬
‫القدرة على امتصاص أكبر قدر ممكن من الحياة وتحديدها‬
‫نوعيا ً وكميا ً أي على الخلود النسبي بقدر ما تسمح به‬
‫إمكانات الحياة المادية على الرض ‪.‬‬
‫وكان هذا التصور للحياة ولدور المال في تحديدها هو‬
‫الساس لكل ما زخرت به المجتمعات الجاهلية من محاولت‬
‫الستزادة والتكاثر وألوان التناقض والستغلل ‪ ،‬لن المسرح‬
‫محدود والوراق معدودة واللعبون كثيرون وصاحب الحظ‬
‫السعيد من يحصل على أكبر عدد من تلك الوراق ولو على‬
‫حساب الخرين ‪.‬‬
‫ولزالة هذا التصور واستئصال جذوره النفسية من‬
‫النسان شجب السلم المال وتجميعه وادخاره والتكاثر فيه‬
‫كهدف ‪ ،‬ونفى أي دور له في تخليد النسان أو منحه وجودا ً‬
‫حقيقيا ً أكبر ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫بأ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مال ً وَعَد ّد ّهُ ‪ ‬ي َ ْ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذى َ‬ ‫مَزةٍ ‪ ‬ال ّ ِ‬ ‫مَزةٍ ل ُ َ‬ ‫ل هُ َ‬ ‫ل ل ِك ُ ِ‬ ‫‪ ‬وَي ْ ٌ‬
‫خل َد َهُ ‪‬‬ ‫ه أَ ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ة ‪َ ‬ناُر الل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫حط َ َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫درا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫مة ِ ‪ ‬و َ َ‬ ‫حط َ َ‬ ‫ن في ال ْ ُ‬ ‫ك َل ّ ل َُينب َذ َ ّ‬
‫ي ت َط ّل ِعُ عََلى ال َفْئ ِد َةِ ‪‬‬
‫‪( (1‬‬
‫موقَد َةُ ‪ ‬اّلت ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن ‪ ‬ثُ ّ‬
‫م‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫مَقاب َِر ‪ ‬ك َل ّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حّتى ُزْرت ُ ُ‬ ‫كاث ُُر ‪َ ‬‬ ‫م الت ّ َ‬ ‫‪‬أل َْهاك ُ ُ‬
‫م‪‬‬‫حي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن‪ ‬ل َت ََروُ ّ‬ ‫م الي َِقي ِ‬
‫عل ْ َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ‪ ‬ك َل ّ ل َوْ ت َعَل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سوْ َ‬ ‫ك َل ّ َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫م ل َت ََروُن َّها عَي ْ َ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن الي َِقي ِ‬
‫‪( (2‬‬

‫ل اللهِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُقون ََها في َ‬ ‫ة وَل َ ُين ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ن ي َك ْن ُِزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫وى‬ ‫م فَت ُك ْ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫مى عَل َي َْها في َنارِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ب أِليم ٍ ‪ ‬ي َوْ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫هم ب ِعَ َ‬ ‫شْر ُ‬ ‫فَب َ ّ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م لنُف ِ‬ ‫ما ك َن َْزت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫م وَظ ُُهوُرهُ ْ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫جَباهُهُ ْ‬ ‫ب َِها ِ‬
‫ن ‪‬‬ ‫م ت َك ْن ُِزو َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ذوُقوا ْ َ‬ ‫فَ ُ‬
‫‪( (3‬‬

‫ولم يقتصر السلم على شجب أهداف الجاهلية وقيمها‬


‫عن الحياة بل وضع بدل ً عنها الهدف الذي يجب أن تسير في‬
‫اتجاهه ‪.‬‬
‫قال سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫ذى‬ ‫ديٌر ‪ ‬ال ّ ِ‬ ‫شيٍء قَ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ك وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫ذى ب ِي َدِهِ ال ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫‪ ‬ت ََباَر َ‬
‫خل َق ال ْموت والحياةَ ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ‬
‫زيُز‬ ‫مل ً وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ال ْغَُفوُر ‪‬‬
‫‪( (4‬‬

‫فبدل ً عن الكثر مال ً والخلد ثروة وضع الحسن عمل ً هو‬


‫المثل العلى والهدف الول ‪ ،‬وحث الله تعالى الجماعة‬
‫)‪ (1‬سورة الهمزة اليات ‪5-1‬‬
‫)‪ (2‬سورة التكاثر اليات ‪7-1‬‬
‫)‪ (3‬سورة التوبة اليات ‪35-34‬‬
‫)‪ (4‬سورة الملك اليات ‪2-1‬‬
‫البشرية التي تولى النبياء تربيتها وإعدادها على التنافس في‬
‫مجال هذا الهدف والتسابق في العمل الصالح ‪:‬‬
‫ن ‪‬‬ ‫سو َ‬ ‫مت ََنافِ ُ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫‪َ ‬وفي ذ َل ِ َ ْ‬
‫ك فَلي َت ََنافَ ِ‬
‫‪( (5‬‬

‫ولكي يقوم هذا الهدف الجديد على أساس واقعي ومتين‬


‫أعطى السلم نظرة إلى الساحة فربطها بعالم غير منظور‬
‫حسيا ً وأكد على خلود العمل بدل ً عن المال والثروة عبر ذلك‬
‫العالم غير المنظور وامتداده في أعماق نفس النسان‬
‫العامل وتبلوره في النهاية بالطريقة التي تنظم بها العمال‬
‫في ذلك العالم الحق ‪ .‬وبهذا خلق في النسان الشعور بأن‬
‫خلوده وبقائه بالعمل الصالح ل بادخار المال واكتناز الثروة‬
‫وغّير من مفهومه عن إنفاق المال في سبيل الله فبدل ً عن‬
‫أن ينظر إليه بوصفه تلشيا ً لوجود النسان ومغامرة حساب‬
‫مستقبلية وضمان استمراره ‪ -‬أو على القل بوصفه عطاء‬
‫بدون مقابل ‪ -‬خلق السلم نظرة جديدة إلى هذا النفاق‬
‫بوصفه ضمانا ً لمتداد النسان وخلوده وعطاءا ً بمقابل بل‬
‫تجارة قادرة على النمو وإثراء العامل روحيا ً ومستقبليا ً ‪.‬‬
‫شيٍء فَهُوَ ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ‪‬‬ ‫خل ُِف ُ‬ ‫من َ‬ ‫ما أنَفْقُتم ِ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫‪( (1‬‬

‫مَثال َِها ‪‬‬ ‫‪ ‬من جاَء بال ْحسنة فَل َه عَ ْ َ‬


‫شُر أ ْ‬
‫‪( (2‬‬
‫ُ‬ ‫ِ َ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ‪( (3‬‬
‫م ‪‬‬ ‫ه لك ْ‬ ‫عْف ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫سنا ً ي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه قَْرضا ً َ‬ ‫ضوا ْ الل َ‬ ‫‪ِ ‬إن ت ُْقرِ ُ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫حب ّ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫ل اللهِ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م في َ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فُقو َ‬ ‫ن ُين ِ‬‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫َ‬
‫من‬‫ف لِ َ‬‫ع ُ‬ ‫ضا ِ‬
‫ه يُ َ‬ ‫حب َةٍ َوالل ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ ُ‬‫سنب ُل َةٍ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ل في ك ُ ِ‬ ‫سَناب ِ َ‬‫سب ْعَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫أنب َت َ ْ‬
‫م ‪‬‬
‫‪( (4‬‬
‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫شاُء والل ُ‬ ‫يَ َ‬
‫وهذا هو الوجه الجتماعي الثوري للمعاد بوصفه الصل‬
‫الخامس من أصول الدين فالمعاد يلعب على صعيد الثورة‬
‫الجتماعية للنبياء دورا ً أساسيا ً بوصفه الساس الواقعي لما‬
‫يتبناه إنسان النبياء الصالح من أهداف وقيم في الحياة ‪.‬‬
‫وإذا عرفنا أن النبي هو حامل الثورة ورسولها من‬
‫السماء وأن المامة بمعنى الوصاية هي مرحلة النتقال التي‬
‫تواصل السماء من خللها قيمومتها على الثورة إلى أن ترتفع‬

‫)‪ (5‬سورة المطففين آية ‪26‬‬


‫)‪ (1‬سورة سبأ الية ‪39‬‬
‫)‪ (2‬سورة النعام الية ‪160‬‬
‫)‪ (3‬سورة التغابن الية ‪17‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪261‬‬
‫المة إلى مستوى النضج الثوري المطلوب إذا عرفنا ذلك‬
‫يتبين بكل وضوح أن أصول الدين الخمسة التي تمثل على‬
‫الصعيد العقائدي جوهر السلم والمحتوى الساسي لرسالة‬
‫السماء هي في نفس الوقت تمثل بأوجهها الجتماعية على‬
‫صعيد الثورة الجتماعية التي قادها النبياء الصورة المتكاملة‬
‫لسس هذه الثورة وترسم للمسيرة البشرية معالم خلفتها‬
‫العامة على الرض ‪.‬‬
‫السلم ثابت والحياة متطورة ‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما يقول المشككون كيف يمكن أن تعالج مشاكل‬
‫الحياة القتصادية في نهاية القرن العشرين على أساس‬
‫السلم مع ما طرأ على العلقات الجتماعية والقتصادية بعد‬
‫قرابة أربعة عشر قرنا ً من توسع وتعقيد وما يواجه إنسان‬
‫اليوم من مشاكل نتيجة ذلك ‪.‬‬
‫والجواب على ذلك أن السلم قادر على قيادة الحياة‬
‫وتنظيمها ضمن أطره الحية دائما ً ذلك أن القتصاد السلمي‬
‫تمثله أحكام السلم في الثروة وهذه الحكام تشتمل على‬
‫قسمين من العناصر ‪:‬‬
‫أحدهما العناصر الثابتة وهي الحكام المنصوصة في‬
‫الكتاب والسنة فيما يتصل بالحياة القتصادية ‪.‬‬
‫والخر العناصر المرنة والمتحركة وهي تلك العناصر التي‬
‫تستمد ‪ -‬على ضوء طبيعة المرحلة في كل ظرف ‪ -‬من‬
‫المؤشرات السلمية العامة التي تدخل في نطاق العناصر‬
‫الثابتة‪.‬‬
‫فهناك إذن في العناصر الثابتة ما يقوم بدور مؤشرات‬
‫عامة تعتمد كأسس لتحديد العناصر المرنة والمتحركة التي‬
‫تتطلبها طبيعة المرحلة ‪.‬‬
‫ول يستكمل القتصاد السلمي أو اقتصاد المجتمع‬
‫السلمي ‪ -‬بتعبير آخر‪ -‬صورته الكاملة إل باندماج العناصر‬
‫المتحركة مع العناصر الثابتة في تركيب واحد تسوده روح‬
‫واحدة وأهداف مشتركة ‪.‬‬
‫وعملية استنباط العناصر المتحركة من المؤشرات‬
‫السلمية العامة تتطلب ‪:‬‬
‫أول‪ :‬منهجا ً إسلميا ً واعيا ً للعناصر الثابتة وإدراكا ً معمقا ً‬
‫لمؤشراتها ودللتها العامة ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬استيعابا ً شامل ً لطبيعة المرحلة وشروطها‬
‫القتصادية ودراسة دقيقة للهداف التي تحددها المؤشرات‬
‫العامة وللساليب التي تتكفل بتحقيقها ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬فهما ً فقهيا ً قانونيا ً لحدود صلحيات الحاكم‬
‫الشرعي ) ولي المر ( والحصول على صيغة تشريعية تجسد‬
‫تلك العناصر المتحركة في إطار صلحيات الحاكم الشرعي‬
‫وحدود وليته الممنوحة له ‪.‬‬
‫ومن هنا كان التخطيط للحياة القتصادية في المجتمع‬
‫السلمي مهمة يجب أن يتعاون فيها مفكرون إسلميون‬
‫واعون ويكونون في نفس الوقت فقهاء مبدعون وعلماء‬
‫اقتصاديون محدثون ‪.‬‬
‫وأما ما هي الخطوط العامة للمؤشرات التي تشكل‬
‫أساسا ً في الصورة الكاملة في اقتصاد المجتمعات السلمية‬
‫فهي كما يلي ‪:‬‬

‫المؤشرات العامة‬
‫‪-1‬اتجاه التشريع ‪:‬‬
‫وهذا المؤشر يعني أن تتواجد في الشريعة وضمن‬
‫العناصر الثابتة من القتصاد السلمي أحكام منصوصة في‬
‫الكتاب والسنة تتجه كلها نحو هدف مشترك على نحو يبدو‬
‫اهتمام الشارع بتحقيق ذلك الهدف بنفسه مؤشرا ً ثابتا ً وقد‬
‫يتطلب الحفاظ عليه وضع عناصر متحركة لكي يضمن بقاء‬
‫الهدف أو السير إلى ذروته الممكنة ‪:‬‬
‫وفيما يلي مثال على هذا المؤشر يتمثل في مجموعة‬
‫من الحكام الشرعية التي تشكل بمجموعها اتجاها ً تشريعيا ً ‪.‬‬
‫‪ -1‬يسمح السلم بالملكية الخاصة لرقبة المال في‬
‫مصادر الثروة الطبيعية ‪.‬‬
‫‪ -2‬ألغى السلم الحمى أي اكتساب الحق في مصدر‬
‫طبيعي على أساس الحيازة ومجرد السيطرة ‪ -‬بدون إحياء ‪-‬‬
‫فل يكتسب حق خاص في مصادر الثروة الطبيعية بدون عمل‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا تلشى العمل المنفق في مصدر طبيعي وعاد إلى‬
‫حالته الولى كان من حق أي فرد آخر غير العامل الول أن‬
‫يستثمر المصدر من جديد ويوظفه توظيفا ً صالحا ً ‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل المنفق في إحياء مصدر طبيعي كالرض أو في‬
‫استثماره ل ينقل ملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص‬
‫‪ ،‬وإنما يؤكد للعامل حق الولوية فيما أحياه على أساس‬
‫العمل ‪.‬‬
‫‪ -5‬الحياء غير المباشر بالطريقة الرأسمالية أي بدفع‬
‫الجور ووسائل العمل إلى الجراء ل يكسب حقا ً ول يبرر‬
‫للرأسمالي الدافع للجور أن يدعي لنفسه الحق في نتائج‬
‫الحياء وأن يقطف ثمار العمل المأجور كما هو الحال في‬
‫المجتمع الرأسمالي ‪.‬‬
‫‪ -6‬النتاج الرأسمالي في الصناعات الستخراجية ل‬
‫يكسب الرأسمالي حق ملكية السلعة المنتجة ‪ .‬مثل ً شخص‬
‫أو أشخاص يدفعون الجور إلى العمال الذين يستخرجون‬
‫النفط ويزودونهم بالوسائل والدوات اللزمة لذلك فل يعتبر‬
‫النفط المستخرج في هذه الحالة ملكا ً لدافعي الجور‬
‫ومالكي الدوات وهذا معنى رفض إقامة الصناعات‬
‫الستخراجية على أساس رأسمالي ‪.‬‬
‫‪ -7‬ملكية وسائل النتاج المستخدمة في الصناعات‬
‫التحويلية ومختلف عمليات النتاج ل تمنح مالك هذه الوسائل‬
‫والدوات حقا ً في السلعة المنتجة ‪ ،‬فإذا مارس عدد من‬
‫الناس غزل صوفهم في أدوات غزل ميكانيكية يملكها غيرهم‬
‫لم يكن لمالكي هذه الدوات نصيب الصوف المغزول وإنما‬
‫لهم أجور النتفاع بتلك الدوات على الممارسين لعملية‬
‫الغزل الذين يملكون القيمة المنتجة كلها ‪.‬‬
‫‪ -8‬رأس المال النقدي إذا كان مضمونا ً في عملية‬
‫الستثمار فليس من حقه أن يساهم في أي ربح ينتج عن‬
‫توظيف رأس المال المذكور لن الربا حرام ومجرد تأجيل‬
‫الرأسمالي لنتفاعه بماله أو حرمانه نفسه من الستفادة‬
‫المباشرة منه ل يبرر له حقا ً في الربح بدون عمل بل الربح‬
‫في حالة من هذا القبيل كله للعامل على الرغم من أنه قد ل‬
‫يكون‬
‫مالكا ً للبضاعة نفسها والطريقة الوحيدة التي سمح بها‬
‫السلم لمشاركة رأس المال النقدي في الربح أن يتحمل‬
‫صاحب المخاطرة به ويتحمل وحده دون العامل كل التبعات‬
‫السلبية للعملية ‪.‬‬
‫‪ -9‬ل يجوز للمستأجر أن يستثمر الجرة التي دفعها‬
‫استثمارا ً رأسماليا ً ويربح على أساسها ربحا ً بدون عمل وذلك‬
‫بأن يستأجر الدار أو السفينة أو المعمل بأجرة محددة ثم‬
‫يؤجر بأجرة أكبر دون أن يقوم بعمل في العين المستأجرة‬
‫وكذلك ل يجوز أن يستأجر الجير بأجر ثم تؤجر منافعه بأجرة‬
‫أكبر ‪.‬‬
‫‪ -10‬ل يجوز إشغال ذمة الغير بمال عن طريق القرض‬
‫بدون إقباضه مال ً حقيقيا ً لن القبض شرط في عقد القرض‬
‫وبهذا تبطل كل الوراق المالية التي تفتق عنها ذهن‬
‫الرأسمالي الوربي ووجد فيها فرصته الذهبية لتنمية المال‬
‫بدون أي عمل تنمية رأسمالية بحتة وذلك لنه لحظ أن‬
‫بإمكانه أن يصدر تعهدات بقيمة عشرة أضعاف ما لديه من‬
‫أموال حقيقية ويغطي بها قرضا ً للخرين بما يعادل القيمة‬
‫المتعهد بها في تلك الوراق ما دام يعرف أنه لن يطالب‬
‫بالتزاماته في وقت واحد وأن كل مدين يؤثر التعامل بأوراقه‬
‫المالية بدل ً عن أن يسحب المال الحقيقي من خزائن‬
‫الرأسمالي أو البنك الرأسمالي وهكذا تتضاعف ثروة‬
‫الرأسمالي بدون عمل على أساس إلغاء دور القبض في‬
‫عقد القرض ‪.‬‬
‫وهذه الحكام تتجه كلها إلى استئصال الكسب الذي ل‬
‫يقوم على أساس العمل ورفض الستثمار الرأسمالي أي‬
‫تنمية ملكية المال بالمال وحده وهذا التجاه يشل مؤشرا ً‬
‫ثابتا ً وأساسا ً للعناصر المتحركة في اقتصاد المجتمع‬
‫السلمي وعلى الحاكم الشرعي أن يسير على هذا التجاه‬
‫ضمن صيغ تشريعية تتسع لها صلحياته ول تصطدم مع عنصر‬
‫ثابت في التشريع‬
‫‪-2‬الهدف المنصوص لحكم ثابت ‪:‬‬
‫وهذا المؤشر يعني أن مصادر السلم من الكتاب والسنة‬
‫إذا شرعت حكما ً ونصت على الهدف منه كان الهدف علمة‬
‫هادية لملء الجانب المتحرك من صورة القتصاد السلمي‬
‫بصيغ تشريعية تضمن تحقيقه على أن تدخل هذه الصيغ‬
‫ضمن صلحيات الحاكم الشرعي الذي يجتهد ويقدر ما‬
‫يتطلبه تحقيق ذلك الهدف عمليا ً من صيغ تشريعية على ضوء‬
‫ظروف المجتمع وشروطه القتصادية والجتماعية ‪.‬‬
‫ومثال ذلك النص القرآني التي ‪:‬‬
‫‪ ‬ما أ ََفاَء الله عََلى رسول ِه م َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫ل ال ُْقَرى فَل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫َ ُ ِ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كو َ‬ ‫كي ل َ ي َ ُ‬ ‫ل َ‬‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬‫سا ِ‬ ‫مى َوال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ذي ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫وَل ِ ِ‬
‫َ‬ ‫دول َ ً‬
‫ما ن ََهاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذوهُ وَ َ‬‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬‫منك ُ ْ‬
‫ن الغْن َِياِء ِ‬ ‫ة ب َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ب ‪‬‬ ‫ديد ُ العَِقا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه إِ َ‬‫ه َفانت َُهوا ْ َوات ُّقوا ْ الل َ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫‪( (1‬‬

‫فإن الظاهر من النص الشريف أن التوازن وانتشار‬


‫المال بصورة تشبع كل الحاجات المشروعة في المجتمع‬
‫وعدم تركزه في عدد محدود في أفراده هدف من أهداف‬
‫التشريع السلمي ‪ .‬وهذا الهدف يعتبر مؤشرا ً ثابتا ً يتصل‬
‫بالعناصر المتحركة ‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس يضع ولي المر الصيغ التشريعية‬
‫الممكنة التي تحافظ على التوازن الجتماعي في توزيع‬
‫المال وتحول دون تركزه في أيدي أفراد محدودين وتحارب‬
‫الدولة السلمية التركيز الرأسمالي في النتاج والحتكار‬
‫بمختلف أشكاله ‪.‬‬
‫ومثال آخر ‪ :‬أن نصوص الزكاة صرحت بأن الزكاة ليست‬
‫لسد حاجة الفقير الضرورية فحسب بل لعطائه المال‬
‫بالقدر الذي يلحقه بالناس في مستواه المعيشي أي ل بد من‬
‫توفير مستوى من المعيشة للفقير يلحقه بالمستوى العام‬
‫للمعيشة الذي يتمتع به غير الفقراء في المجتمع ‪ ،‬وهذا‬
‫معنى أن توفير مستوى معيشي موحد أو متقارب لكل أفراد‬
‫المجتمع هدف إسلمي ل بد للحاكم الشرعي من السعي في‬
‫سبيل تحقيقه ‪.‬‬
‫ج‪ -‬القيم الجتماعية التي أكد السلم على الهتمام بها ‪:‬‬
‫وهذا المؤشر يعني أن في النصوص السلمية من‬
‫الكتاب والسنة ما يؤكد على قيم معينة وتبنيها كالمساواة‬
‫والخوة والعدالة والقسط ونحو ذلك وهذه القيم تشكل‬
‫)‪ (1‬سورة الحشر آية ‪7‬‬
‫أساسا ً لستيحاء صيغ تشريعية متطورة ومتحركة وفقا ً‬
‫للمستجدات والمتغيرات تكفل تحقيق تلك القيم وفقا ً‬
‫لصلحيات الحاكم الشرعي في ملء منطقة الفراغ ‪.‬‬
‫قال الله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ط ‪‬‬ ‫س ِ‬ ‫داَء بال ِْق ْ‬ ‫شه َ َ‬‫ن ل ِل ّهِ ُ‬
‫مي َ‬‫وا ِ‬‫كوُنوا ْ قَ ّ‬ ‫مُنوا ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َُها ال ّ ِ‬
‫‪( (1‬‬

‫ب‬‫ح ُ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل َ‬ ‫م بالقسط أ ِ ّ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ ‬وَإ ِ ْ‬


‫ن ‪‬‬
‫‪( (2‬‬
‫مْقسطي َ‬ ‫ال ُ‬
‫ن وَِإيَتاِء ذي الُقْرَبى ‪‬‬
‫‪( (3‬‬
‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوال ْ‬ ‫مُر بالعَد ْ ِ‬ ‫ه َيأ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫‪‬إ َ‬
‫ُ‬
‫م ‪‬‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ت لعْدِ َ‬ ‫‪ ‬وَأمْر ُ‬
‫‪( (4‬‬

‫شُعوبا ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬‫من ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫خل َْقَناك ُ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َُها الّنا ُ‬
‫َ‬ ‫ل ل ِتعارُفوا ْ إ َ‬
‫م‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عند َ اللهِ أت َْقاك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬
‫خِبيٌر ‪‬‬
‫‪( (5‬‬
‫َ‬
‫د‪ -‬اتجاه العناصر المتحركة على يد النبي أو الوصي ‪:‬‬
‫وهذا المؤشر يعني أن النبي )ص( والئمة لهم شخصيتان‬
‫الولى بوصفهم مبلغين للعناصر الثابتة عن الله تعالى ‪،‬‬
‫والخرى بوصفهم حكاما ً وقادة للمجتمع السلمي يضعون‬
‫العناصر المتحركة التي يستوحونها من المؤشرات العامة‬
‫للسلم والروح الجتماعية والنسانية للشريعة المقدسة‬
‫وعلى هذا الساس كان النبي )ص( والئمة يمارسون وضع‬
‫العناصر المتحركة في مختلف شئون الحياة القتصادية‬
‫وغيرها وهذه العناصر ‪ -‬بحكم صدورها عن صاحب الرسالة‬
‫أو ورثته المعصومين ‪ -‬تحمل بدون شك الروح العامة‬
‫للقتصاد السلمي وتعبر عن تطلعاته في واقع الحياة ومن‬
‫هنا كانت ممارسات القائد المعصوم في هذا المجال ذات‬
‫دللة ثابتة وعلى الحاكم الشرعي أن يستفيد منها مؤشرا ً‬
‫إسلميا ً بقدر ما ل يكون مشدودا ً إلى طبيعة المرحلة التي‬
‫رافقتها ‪ -‬ويحدد على أساس هذا المؤشر العناصر‬
‫المتحركة ‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة المائدة آية ‪8‬‬


‫)‪ (2‬سورة‬
‫)‪ (3‬سورة‬
‫)‪ (4‬سورة‬
‫)‪ (5‬سورة الحجرات الية ‪13‬‬
‫وكما توجد قيم معلنة إسلمية كذلك نجد في مصادرنا‬
‫السلمية مفاهيم معينة وتفسيرات محددة لظواهر اجتماعية‬
‫أو اقتصادية وهذه المفاهيم بدورها تلقي ضوءا ً على العناصر‬
‫المتحركة أيضا َ ‪.‬‬
‫ومثال ذلك مفهوم المام أمير المؤمنين ‪ ‬عن الفقر‬
‫حيث روى عنه أنه قال ‪ :‬ما جاع فقير إل بما متع به غني ‪،‬‬
‫ومثال آخر ‪ :‬مفهومه عن دور التاجر ومبررات الربح التجاري‬
‫في الحياة القتصادية فقد تحدث إلى واليه في مصر مالك‬
‫الشتر عن التجارة وذوي الصناعات في سياق واحد وأكد‬
‫على أنه ل قوام للحياة القتصادية إل بالتجار وذوي الصناعات‬
‫فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه من أسواقهم‬
‫ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما ل يبلغه رفق غيرهم ‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر عنهم ] فإنهم مواد المنافع وجلبها‬
‫من المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك‬
‫وحيث ل يلتئم الناس لمواضعها ول يجترؤون عليها [ وهذا‬
‫يعني أن المام كان يجد في التاجر منتجا ً كالصانع ويربط بين‬
‫شرعية ربحه من الناحية القتصادية وما يقوم به من جهد في‬
‫توفير البضاعة وجلبها والحفاظ عليها وهو مفهوم يختلف كل‬
‫الختلف عن المفهوم الرأسمالي للتجارة ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا المؤشر‬
‫أول‪ :‬ما روي في أحاديث عديدة من أن النبي )ص( منع‬
‫في فترة معينة من إجارة الرض ففي رواية أن النبي )ص(‬
‫قال ‪ ]:‬من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ول يكرها‬
‫بثلث ول بربع ول طعام مسمى [ وفي رواية أخرى أنه قال ‪:‬‬
‫] من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى‬
‫فليمسك أرضه [ وفي رواية عن جابر بن عبد الله أن النبي‬
‫قال ‪ ] :‬من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع ‪. . . .‬‬
‫فليمنحها أخاه ول يؤاجرها إياه ‪. ‬‬
‫فإن عق الجارة وإن كان قد سمح به من وجهة القانون‬
‫المدني للفقه السلمي إل أن النبي )ص( يبدو من هذه‬
‫الروايات أنه استعمل صلحياته بوصفه ولي المر في المنع‬
‫عنها حفاظا ً على التوازن الجتماعي وللحيلولة دون نشوء‬
‫كسب مترف على يقوم على أساس العمل في الوقت الذي‬
‫يغرق فيه نصف المجتمع ‪ -‬المهاجرون ‪ -‬في ألوان العوز‬
‫والفاقة ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ما جاء في النصوص من أن النبي )ص( نهى عن‬
‫منع فضل الماء والكل فعن المام الصادق ‪ ‬أنه قال‬
‫] قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في‬
‫شارب النخل أنه ل يمنع فضل ماء وكل [ ‪.‬‬
‫وهذا النهي نهي تحريم مارسه الرسول العظم )ص(‬
‫بوصفه ولي المر نظرا ً إلى أن مجتمع المدينة كان بحاجة‬
‫شديدة لنماء الثروة الزراعية والحيوانية وإلى توفير المزاد‬
‫اللزمة للنتاج توفيرا ً عاما ً وعدم احتكارها فألزمت الدولة‬
‫على هذا الساس الفراد ببذل ما يفضل من مائهم وكلهم‬
‫للخرين ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ما جاء في عهد المام أمير المؤمنين ‪ ‬إلى مالك‬
‫الشتر واليه على مصر من التأكيد على منع الحتكار في كل‬
‫الحالت منعا ً باتا ً إذ تحدث المام إلى واليه عن التجار‬
‫ودورهم في الحياة القتصادية وأوصاه بهم ثم عقب ذلك‬
‫قائل ً ‪:‬‬
‫] واعلم ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬أن في كثير منهم ضيقا ً فاحشا ً وشحا ً‬
‫قبيحا ً واحتكارا ً للمنافع وتحكما ً في البياعات وذلك باب‬
‫مضرة للعامة وعيب على الولة فامنع من الحتكار فإن‬
‫رسول الله )ص( منع منه وليكن البيع بيعا ً سمحا ً بموازين‬
‫عدل وأسعار ل تجحف بالفريقين البائع والمبتاع [ ‪.‬‬
‫وهذا المنع الحاسم للمام للحتكار يعني حرص السلم‬
‫على شجب الرباح التي تقوم على أثمان مصطنعة تخلقها‬
‫ظروف الحتكار الرأسمالية وأن الربح النظيف هو الربح‬
‫الذي يحصل عن طريق القيمة التبادلية الواقعية للبضاعة‬
‫وهي القيمة التي يدخل في تكوينها منفعة البضاعة ودرجة‬
‫قدرتها وفقا ً للعوامل الطبيعية والموضوعية مع استبعاد دور‬
‫الندرة المصطنعة التي يخلقها التجار الرأسماليون‬
‫المحتكرون عن طريق التحكم في العرض والطلب ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬ما ثبت عن المام أمير المؤمنين ‪ ‬من أنه وضع‬
‫الزكاة على أموال غير الموال التي وضعت عليها الزكاة في‬
‫الصيغة التشريعية الثابتة فإن الصيغة التشريعية الثابتة‬
‫وضعت الزكاة على تسعة أقسام من الموال غير أنه ثبت‬
‫عن المام أنه وضع الزكاة في عهده على أموال أخرى أيضا ً‬
‫كالخيل مثل ً وهذا عنصر متحرك يكشف على أن الزكاة‬
‫كنظرة‬
‫إسلمية ل تختص بمال دون مال وإن من حق ولي المر أن‬
‫يطبق هذه النظرية في أي مجال يراه ضروريا ً ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬الهداف التي حددت لولي المر ‪:‬‬
‫وهذا المؤشر يعني أن الشريعة وضعت في النصوص‬
‫العامة وعناصرها الثابتة أهدافا ً لولي المر وكلفته بتحقيقها أو‬
‫السعي من أجل القتراب نحوها بقدر المكان وهذه الهداف‬
‫تشكل أساسا ً لرسم السياسة القتصادية وصياغة العناصر‬
‫المتحركة في القتصاد السلمي بالصورة التي تحقق تلك‬
‫الهداف أو تجعل المسيرة الجتماعية متجهة بأقصى قدر‬
‫ممكن من السرعة نحو تحقيقها ‪.‬‬
‫ومثال ذلك أنه جاء في الحديث عن المام موسى بن‬
‫جعفر‪ ‬أن على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة أن يمون‬
‫الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا ‪.‬‬
‫وكلمة ) من عنده ( تدل على أن المسؤولية في هذا‬
‫المجال متجهة نحو ولي المر بكل إمكاناته ل نحو قلم الزكاة‬
‫خاصة من أقلم بيت مال المسلمين فهناك إذن هدف ثابت‬
‫يجب على ولي المر تحقيقه أو السعي في هذا السبيل بما‬
‫أوتي من إمكانات وهو توفير حد أدنى يحقق الغنى في‬
‫مستوى المعيشة لكل أفراد المجتمع السلمي وهذا مؤشر‬
‫يشكل جزء من القاعدة الثابتة التي يقوم عليها البناء العلوي‬
‫للعناصر المتحركة من القتصاد السلمي فيما إذا لم تف‬
‫العناصر الثابتة بتحقيق الهدف المذكور ‪.‬‬
‫إن الصورة الكاملة لقتصاد المجتمع السلمي هي‬
‫الصورة التي تبرز فيها العناصر المتحركة إلى جانب العناصر‬
‫الثابتة لتتعاون معا ً لتحقيق العدل السلمي على الرض وفقا ً‬
‫لما أراده الله سبحانه وتعالى وقد وضعت بين أيديكم في‬
‫هذه الوريقات منهج الصورة الكاملة لقتصاد المجتمع‬
‫السلمي ‪ ،‬وحددت لكم قسما ً من العناصر الثابتة والهداف‬
‫الثابتة التي تشكل بدورها أساسا ً للعناصر المتحركة ومؤشرا ً‬
‫لتجاهاتها العامة وعلى‬
‫ضوء هذا يمكننا أن نلخص عددا ً من الخطوط المهمة التي‬
‫تشتمل عليها الصورة الكاملة لقتصاد المجتمع السلمي ‪.‬‬
‫فالقتصاد السلمي يؤمن بأن مصادر الثروة الطبيعية‬
‫كلها لله تعالى وإن اكتساب حق خاص في النتفاع بها ل‬
‫يقوم إل على أساس الجهد والعمل ‪.‬‬
‫ويؤمن أيضا ً بأن أي إنتاج بشري للثروة الطبيعية ل‬
‫يعطي حقا ً في الثروة المنتجة إل للعامل المنتج نفسه‬
‫وليست الطبيعة أو وسائل النتاج إل أدوات لخدمة النسان ‪.‬‬
‫ويؤمن أيضا ً بأن على الدولة أن تسعى في سبيل ربط‬
‫الكسب بالعمل والستئصال التدريجي للوان الكسب التي ل‬
‫تقوم على هذا الساس وبقد ما يتضاءل دور المخاطرة‬
‫برأس المال في المشاريع النتاجية والتجارية ينبغي أن يعمل‬
‫للتقليص من الكسب الذي يقوم على أساس رأسمالي بحت‬
‫ويؤكد بالمقابل دور الكسب الذي يقوم على أساس العمل ‪.‬‬
‫ويؤمن أيضا ً بأن عليها أن توفر مستوىً معيشيا ً موحدا ً أو‬
‫مقاربا ً لكل أفراد المجتمع وذلك بتوفير الحد المعقول من‬
‫جانب والمنع من السراف وتحريمه من جانب آخر ‪.‬‬
‫ويؤمن أيضا ً بأن عليها الحفاظ على التوازن الجتماعي‬
‫على التوازن الجتماعي بالحيلولة دون تركيز الموال وعدم‬
‫انتشاها ‪.‬‬
‫وتتجه الدولة في ظل الصورة الكاملة للقتصاد السلمي‬
‫إلى إعادة النقد إلى دوره الطبيعي كأداة للتبادل ل كأداة‬
‫لتنمية المال بالربا أو الدخار ووضع ضريبة على الدخار‬
‫والتجميد وحذف ما يمكن حذفه من العمليات الرأسمالية‬
‫الطفيلية التي تتخلل بين إنتاج السلعة ووصولها إلى‬
‫المستهلك ومقاومة الحتكار أي كل عملية يستهدف منها‬
‫إيجاد ندرة مصطنعة للسلعة بقصد رفع ثمنها ‪.‬‬
‫وتتجه الدولة أيضا ً إلى تحويل دور النظام المصرفي من‬
‫كونه وسيلة للتنمية الرأسمالية للمال إلى كونه وسيلة لثراء‬
‫المة ككل وتجميع أموالها المتفرقة في مصب واحد لسهام‬
‫أكبر عدد من المواطنين في عملية الدخار والتجميع‬
‫واستثمار ما يدخر في مشاريع إنتاجية مفيدة تخطط لها‬
‫الدولة على أساس قواعد المضاربة ) الشركة ( في الفقه‬
‫السلمي‬
‫بين العامل والمالك ‪.‬‬
‫كما تلتزم الدولة أيضا ً بتوفير العمل في القطاع العام‬
‫لكل مواطن وبإعالة كل فرد غير قادر على العمل أو لم‬
‫تتوفر له فرصة العمل وتقوم بجباية الزكاة لتوفير صندوق‬
‫للضمان الجتماعي كما أنها تخصص خمس عائدات النفط‬
‫مغيره من الثروات المعدنية للضمان الجتماعي وبناء دور‬
‫سكنى للمواطنين وفق تنظيم تضعه الدولة ‪.‬‬
‫وتلتزم الدولة بالنفاق من واردات القطاع العام على‬
‫التعليم مجانا ً وفي كل مراحله وعلى الخدمات الصحية مجانا ً‬
‫وبكل أشكالها على نحو يوفر لكل مواطن القدرة على‬
‫الستفادة من المجال التعليمي الصحي بدون مقابل وفقا ً‬
‫لنظام معين تقرره الدولة ‪.‬‬
‫هذه صورة عن اقتصاد المجتمع السلمي وسنستعرض‬
‫في حلقة قادمة التفاصيل بنحو أوسع إن شاء الله تعالى‬
‫والله ولي التوفيق ‪.‬‬
‫َ‬
‫ما‬‫م لِ َ‬ ‫عاك ُ ْ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫سو ِ‬‫جيُبوا ْ ل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫مُنوا ْ ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َُها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مْرِء وَقَل ْب ِهِ وَأن ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل ب َي ْ َ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬‫ن الل َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫م َوعل َ ُ‬ ‫حِييك ُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن ‪‬‬
‫‪( (1‬‬
‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن َأن‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ض تَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ن في ال َ‬ ‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫س‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫أن‬‫‪ ‬واذ ْك ُروا ْ إذ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫صرِهِ وََرَزقَ ُ‬ ‫َ‬
‫م وَأي َد َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ت‬‫ن الطي َِبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كم ِ‬ ‫كم ب ِن َ ْ‬ ‫س َفآَواك ُ ْ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫خطَفك ُ ُ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫‪( (2‬‬

‫محمد باقر الصدر‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪24‬‬


‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪26‬‬
‫النجف الشرف‬

You might also like