Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 1

‫الصدق‬

‫التمسّك بالصدق في القول والعمل دِعامة ركينة في خُلُق المسلم‪ ،‬ومن ثَمّ كان بناء المجتمع السلمي قائمًا على محاربة الكذب‪ ،‬والنهي عن الظنون‪،‬‬
‫ونبذ الشاعات؛ قال ‪" :r‬إِيّاكُمْ وَالظّنّ فَإِنّ الظّنّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ‪ .]1["...‬ولقد كانت المعالم الُولَى للجماعة المسلمة صدقَ الحديث‪،‬‬
‫ودقّة الداء‪ ،‬وضبط الكلم‪ ،‬أمّا الكذب والتدليس فتلك أمارات النفاق الواضحة‪.‬‬
‫إن رذيلة الكذب تُنْبِئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها‪ ،‬وعن اندفاعه إلى الشرّ عن هوى في النفس وضعف في الرجولة‪ ،‬فإنه ل عذر لمن يتّخذون‬
‫الكذب خُلُقًا أو يعيشون على خديعة الناس‪.‬‬
‫والكذب ينافي اليمان؛ فقد سُئِل الرسول ‪ r‬أيكون المؤمن كذّابًا‪ ،‬قال‪" :‬ل"[‪ .]2‬وكُلّما اتّسع نطاق الضرر إثر كذبة يُشيعها أفّاق جريء كان الوزر عند‬
‫ال أعظم‪ ،‬كمن ينشر في الصحف على اللوف خبرًا باطلً‪ ،‬أو كسياسي يُعطي الناس صورًا مقلوبة عن الحقائق الكبرى‪ ،‬ومن ينشر الفاحشة بإشاعة‬
‫القصص الكاذبة والمختلَقة من خياله المريض‪ ...‬وأيضًا كَذِب الحكام على شعوبهم‪.‬‬
‫ومن ضروب الكذب ‪-‬الفاحشة في حقيقتها‪ ،‬الوخيمة في عاقبتها‪ -‬الكذب على دين ال‪ ،‬والنسبة إليه أو إلى الرسول ‪ r‬ما لم يَقُلْهُ؛ فإنّ هذا من أقبح‬
‫المنكرات‪ ،‬قال ‪" :r‬إِنّ كَذِبًا عَلَيّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ‪ ،‬مَنْ كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّدًا فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ"[‪.]3‬‬
‫لذلك نجد السلم يوصي بأن تُغْرَس فضيلة الصدق في نفوس الطفال؛ حتى يَشِبّوا عليها وقد أَلِفُوها في أقوالهم وأحوالهم كلها‪ ،‬وقال ‪" :r‬مَنْ قَالَ‬
‫لِصَبِيّ‪ :‬تَعَالَ‪ ،‬هَاكَ‪ .‬ثُمّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذِبَةٌ"[‪.]4‬‬
‫لقد كان ‪ r‬يؤكّد على الُمّهات والباء أن يُنشئوا أولدَهم تنشئة يقدّسون فيها الصدق ويتنزّهون عن الكذب‪ ،‬ولو أنه تجاوز عن هذه المور وحسبها من‬
‫التوافه الهيّنة؛ لخشي أن يكبر الطفال وهم يعبرون الكذب ذنبًا صغيرًا وهو عند ال عظيم‪.‬‬
‫والسلم الذي أباح الترويح عن القلوب لم يرضَ وسيلة لذلك إلّ في حدود الصدق المحض‪ ،‬والمُشاهَد أن الناس يُطلِقون لخيلتهم العِنان في تلفيق‬
‫الضاحيك ول يحسّون حرجًا في التندّر والسخرية كذبًا عن خصومهم وأصدقائهم‪ ،‬وقد حرّم السلم هذا المسلك؛ إذ الحقّ أن اللهو بالكذب كثيرًا ما‬
‫ينتهي إلى أحزان وعداوات‪ ،‬أمّا في مجال المدح فعلى المسلم ألّ يمدح إلّ صادقًا‪ ،‬ول يذكر إلّ ما يعلم من خير‪ ،‬ول يجنح إلى تضخيم المحامد وطيّ‬
‫المثالب‪ ،‬ومهما كان الممدوح جديرًا بالثناء فإن المبالغة في إطرائه ضرب من الكذب المحرّم‪ ،‬قال ‪" :r‬ل تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النّصَارَى ابْنَ‬
‫مَرْيَمَ‪ ،‬فَإِنّمَا أَنَا عَبْدُهُ‪ ،‬فَقُولُوا‪ :‬عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ"[‪ .]5‬أمّا المدح للترغيب على فعل المحمود والتحريض على الفتداء فل بأس به ما دام‬
‫لن يؤَدّي إلى عُجْبٍ أو كِبْر‪.‬‬

‫من نماذج الصدق‬


‫الصدق في التجارة وهو أمر بالغ الهميّة‪ ،‬وطريق إلى البركة‪ ،‬فإن من المشترين من يُقْبِل على الباعة وهم قليلو الخبرة‪ ،‬سريعو التصديق لِمَا يقال لهم‪،‬‬
‫فمن اليمان ألّ تستغل سذاجتهم في كسب مضاعف‪ ،‬أو تغطية عيب؛ لذلك قال ‪" :r‬كَبُرَتْ خِيَانَةً؛ تُحَدّثُ أَخَاكَ حَدِيثًا‪ ،‬هُوَ لَكَ‬
‫مُصَدّقٌ‪ ،‬وَأَنْتَ بِهِ كَاذِبٌ"[‪.]6‬‬
‫كما أن الحيف في الشهادة من أشنع الكذب‪ ،‬فعلى المسلم أن يقول الحقّ ‪-‬مهما كان‪ -‬دون ميلِ قرابةٍ أو عصبيّة‪ ،‬ول تَزْيِيغَه رغبة أو رهبة؛ وتزكية‬
‫المرشّحين للمناصب العامّة نوع من الشهادة ينبغي ألّ يخالطه كذب أو زور‪ ،‬فإن التزوير كذب كثيف الظلمات؛ ل يكتم الحقّ فحسب‪ ،‬بل يمحقه ليثبت‬
‫مكانه الباطل‪ ،‬وكما أنه خطير على الفراد في القضايا الخاصّة؛ فإن خطره يشتدّ على الُمَم في القضايا العامّة‪ ،‬ومهما هجس في النفس من مخاوف –إذا‬
‫قيل الحقّ‪ -‬فالجدر بالمسلم أن يتشجّع‪ ،‬وأن يتحرج من لوثاتِ الكذب‪.‬‬
‫إن نجاح الُمَم في أداء رسالتها يعود إلى جملة ما يقدّمه بنوها من أعمال صادقة‪ ،‬فإذا كانت ثروتها من هذه العمال كبيرة سبقت‪ ،‬وإلّ هزلت وتأخّرت‪.‬‬
‫وفي الختام نذكر قول ال تعالى‪:‬‬

‫{يَا أَيّهَا الّذِينَ آَمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (‪ )70‬يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[‪.}]7‬‬

You might also like