Professional Documents
Culture Documents
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية
الحمسد ل الذي أرسسل رسسله بالبينات ،وأنزل معهسم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسسط ،وأنزل
الحد يد ف يه بأس شد يد ،ومنا فع للناس ،وليعلم ال من ين صره ور سله بالغ يب ،إن ال قوي عز يز،
وختم هم بمح مد صلى ال عل يه و سلم ،الذي أر سله بالهدى ود ين ال حق ،ليظهره على الد ين كله،
وأيده بالسلطان النصير ،الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة ،ومعنى القدرة والسيف للنصرة
والتعزيسر ،وأشهسد أن ل إله إل ال وحده ل شريسك له ،شهادة خالصسة خلص الذهسب البريسز،
وأش هد أن محمدا عبده ور سوله صلى ال عل يه وعلى آله و صحبه ،و سلم ت سليما كثيرا ،وشهادة
يكون صاحبها في حرز حريز( .أما بعد) فهذه رسالة مختصرة ،فيها جوامع من السياسة اللهية
والنابسة النبويسة ،ل يسستغني عنهسا الراعسي والرعيسة ،اقتضاهسا مسن أوجسب ال نصسحه مسن ولة
المور ،ك ما قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم ،في ما ث بت ع نه من غ ير و جه{ :إن ال ير ضى ل كم
ثل ثة :أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا ،وأن تعت صموا بح بل ال جمي عا ول تفرقوا ،وأن تنا صحوا
من وله ال أمر كم} موضوع الر سالة (وهذه) وهذه ر سالة مبن ية على آ ية المراء في كتاب ال،
و هي قوله تعالى{ :إن ال يأمر كم أن تؤدوا المانات إلى أهل ها وإذا حكم تم ب ين الناس أن تحكموا
بالعدل إن ال نعمسا يعظكسم بسه إن ال كان سسميعا بصسيرا .يأيهسا الذيسن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا
الرسول وأولي المر منكم ،فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول ،إن كنتم تؤمنون بال
واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل} (قال العلماء) نزلت الية الولى في ولة المور ،عليهم أن
يؤدوا المانات إلى أهلها ،وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ،ونزلت الثانية في الرعية من
الجيوش وغيرهسم ،عليهسم أن يطيعوا أولي المسر الفاعليسن لذلك فسي قسسمهم وحكمهسم ومغازيهسم
وغير ذلك ،إل أن يأمروا بمعصية ال ،فإن أمروا بمعصية فل طاعة لمخلوق في معصية الخالق،
فإن تنازعوا في ش يء ردوه إلى كتاب ال و سنة ر سوله صلى ال عل يه و سلم .وإن لم تف عل ولة
المر ذلك ،أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة ال ،لن ذلك من طاعة ال ورسوله ،وأديت حقوقهم
إليهسم كمسا أمسر ال ورسسوله {وتعاونوا على البر والتقوى ،ول تعاونوا على الثسم والعدوان} وإذا
كانست اليسة قسد أوجبست أداء المانات إلى أهلهسا ،والحكسم بالعدل .فهذان جماع السسياسة العادلة،
والولية.
•استعمال الصلح
فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة طلبها منه العباس،
ليجمع له بين سقاية الحاج ،وسدانة البيت ،فأنزل ال هذه الية ،بدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة
فيجب على ولي المر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين ،أصلح من يجده لذلك العمل،
قال النبي صلى ال عليه وسلم { :من ولي من أمر المسلمين شيئا ،فولى رجل وهو يجد من هو
أصلح للمسلمين منه فقد خان ال ورسوله} .وفي رواية{ :من قلد رجل عمل على عصابة ،وهو
ي جد في تلك الع صابة أر ضى م نه ،ف قد خان ال وخان ر سوله وخان المؤمن ين} رواه الحا كم في
صحيحه وروى بعض هم أ نه من قول ع مر ل بن ع مر روي ذلك ع نه .وقال ع مر بن الخطاب
ر ضي ال ع نه :من ولي من أ مر الم سلمين شيئا فولى رجل لمودة أو قرا بة بينه ما ،ف قد خان ال
ورسوله والمسلمين وهذا واجب عليه فيجب عليه البحث عن المستحقين للوليات ،من نوابه على
المصار ،من المراء الذين هم نواب ذي السلطان ،والقضاة ،ومن أمراء الجناد ومقدمي العساكر
والصغار والكبار ،وولة الموال من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات،
وغير ذلك من الموال التي للمسلمين .وعلى كل واحد من هؤلء ،أن يستنيب ويستعمل أصلح من
يجده ،وينتهسي ذلك إلى أئمسة الصسلة والمؤذنيسن ،والمقرئيسن ،والمعلميسن ،وأميسر الحاج ،والبرد،
والعيون الذين هم القصاد ،وخزان الموال ،وحراس الحصون ،والحدادين الذين هم البوابون على
الح صون والمدائن ،ونقباء الع ساكر الكبار وال صغار ،وعرفاء القبائل وال سواق ،ورؤ ساء القرى
الذ ين هم الدهاقون .في جب على كل من ولي شيئا من أ مر الم سلمين ،من هؤلء وغير هم ،أن
يستعمل فيما تحت يده في كل موضع ،أصلح من يقدر عليه ،ول يقدم الرجل لكونه طلب الولية،
أو يسبق في الطلب .بل ذلك سبب المنع ،فإن في الصحيحين عن النبي صلى ال عليه وسلم{ :أن
قو ما دخلوا عل يه ف سألوه الول ية ،فقال :إ نا ل نولي أمر نا هذا من طل به} .وقال لع بد الرح من بن
سمرة { :يا ع بد الرح من ل ت سأل المارة ،فإ نك إن أعطيت ها من غ ير م سألة أع نت علي ها ،وإن
أعطيت ها عن م سألة وكلت إل يه} أخرجاه في ال صحيحين وقال صلى ال عل يه و سلم { :من طلب
القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه ،أنزل ال إليه ملكا يسدده}
رواه أ هل ال سنن .فإن عدل عن ال حق ال صلح إلى غيره ،ل جل قرا بة بينه ما ،أو ولء عتا قة أو
صداقة ،أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس ،كالعربية والفارسية والتركية والرومية،
أو لرشوة يأخذهسا منسه مسن مال أو منفعسة ،أو غيسر ذلك مسن السسباب ،أو لضغسن فسي قلبسه على
الحق ،أو عداوة بينهما ،فقد خان ال ورسوله والمؤمنين ،ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى{ :يا
أي ها الذ ين آمنوا ل تخونوا ال والر سول وتخونوا أمانات كم وأن تم تعلمون} .ثم قال{ :واعلموا أن ما
أموالكم وأولدكم فتنة ،وأن ال عنده أجر عظيم} .فإن الرجل لحبه لولده ،أو لعتيقه ،قد يؤثره في
بعض الوليات ،أو يعطيه ما ل يستحقه ،فيكون قد خان أمانته ،كذلك قد يؤثره زيادة في ماله أو
حفظه ،بأخذ ما ل يستحقه ،أو محاباة من يداهنه في بعض الوليات ،فيكون قد خان ال ورسوله،
وخان أمانتسه .ثسم إن المؤدي للمانسة مسع مخالفسة هواه ،يثبتسه ال فيحفظسه فسي أهله وماله بعده،
والمطيع لهواه يعاقبه ال بنقيض قصده فيذل أهله ،ويذهب ماله .وفي ذلك ،الحكاية المشهورة ،أن
بعسض خلفاء بنسي العباس سسأل بعسض العلماء أن يحدثسه عمسا أدرك فقال :أدركست عمسر بسن عبسد
العز يز ،فق يل له :يا أم ير المؤمن ين أقفرت أفواه بن يك من هذا المال ،وتركت هم فقراء ل ش يء ل هم
وكان في مرض مو ته ،فقال :أدخلو هم علي ،فأدخلو هم ،بض عة ع شر ذكرا ،ل يس في هم بالغ ،فل ما
رآهم ذرفت عيناه ،ثم قال :يا بني ،وال ما منعتكم حقا هو لكم ،ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس
فأدفعها إليكم ،وإنما أنتم أحد رجلين :إما صالح ،فال يتولى الصالحين ،وإما غير صالح ،فل أترك
له ما ي ستعين به على مع صية ال ،قوموا ع ني قال :فل قد رأ يت ولده ،ح مل على مائة فرس في
سبيل ال ،يعني أعطاها لمن يغزو عليها .قلت :هذا وقد كان خليفة المسلمين ،من أقصى المشرق،
سبرص وثغور الشام سن جزائر قس سا ،ومسسى المغرب ،بلد الندلس وغيرهس بلد الترك ،إلى أقصس
والعواصم كطرسوس ونحوها ،إلى أقصى اليمن وإنما أخذ كل واحد من أولده ،من تركته شيئا
يسيرا ،يقال :أقل من عشرين درهما -قال وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه ،فأخذ
2
كل واحد منهم ستمائة ألف دينار ،ولقد رأيت بعضهم ،يتكفف الناس -أي يسألهم بكفه -وفي هذا
الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله ،ما فيه عبرة لكل ذي لب.
وقد دلت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم على أن الولية أمانة يجب أداؤها في مواضع ،مثل
ما تقدم ،ومثل {قوله لبي ذر رضي ال عنه في المارة :إنها أمانة،
وإنها يوم القيا مة خزي وندامة ،إل من أخذ ها بحق ها ،وأدى الذي عليه في ها} .رواه م سلم .وروى
البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال ع نه :أن النبي قال{ :إذا ضيعت الما نة ،انت ظر
الساعة} .وقد أجمع المسلمون على معنى هذا ،فإن وصي اليتيم ،وناظر الوقف ،ووكيل الرجل في
ماله ،عليه أن يتصرف له بالصلح فالصلح ،كما قال ال تعالى{ :ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي
هي أحسن} ولم يقل إل بالتي هي حسنة وذلك لن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم ،كما
قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم{ :كل كم راع وكل كم م سئول عن رعي ته ،فالمام الذي على الناس
راع وهو مسئول عن رعيته ،والمرأة راعية في بيت زوجها ،وهي مسئولة عن رعيتها ،والولد
راع في مال أبيه ،وهو مسئول عن رعيته ،والعبد راع في مال سيده ،وهو مسئول عن رعيته،
أل فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} أخرجاه في الصحيحين وقال النبي صلى ال عليه وسلم:
{مسا مسن راع يسسترعيه ال رعيسة ،يموت يوم يموت ،وهسو غاش لهسا ،إل حرم ال عليسه رائحسة
الجنة} رواه مسلم .ودخل أبو مسلم الخولني ،على معاوية بن أبي سفيان ،فقال :السلم عليك أيها
الجير ،فقالوا :قل السلم عليك :أيها المير ،فقال السلم أيها الجير فقالوا :قل أيها المير فقال
ال سلم عل يك أي ها الج ير فقالوا قل الم ير فقال معاو ية :دعوا أ با م سلم فإ نه أعلم ب ما يقول فقال:
إن ما أ نت أج ير ا ستأجرك رب هذه الغ نم لرعايت ها ،فإن أ نت هنأت جربا ها ،وداو يت مرضا ها،
وحبست أولها على أخراها وفاك سيدها أجرك ،وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ،ولم
تح بس أول ها على أخرا ها عاق بك سيدها وهذا ظا هر العتبار ،فإن الخلق عباد ال ،الولة نواب
ال على عباده ،وهسم وكلء العباد على أنفسسهم ،بمنزلة أحسد الشريكيسن مسع الخسر ،ففيهسم معنسى
الولية والوكالة ،ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجل ،وترك من هو أصلح للتجارة أو
المقارب منه ،وباع السلعة بثمن ،وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن ،فقد خان صاحبه ،ل
سيما إن كان ب ين من حاباه وبي نه مودة أو قر بة ،فإن صاحبه يبغ ضه ويذ مه ،أ نه قد خان ودا هن
قريبه أو صديقه.
3
لقول رسول كريم .ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} .والقوة في كل ولية بحسبها،
فالقوة فسي إمارة الحرب ترجسع إلى شجاعسة القلب ،وإلى الخسبرة بالحروب ،والمخادعسة فيهسا ،فإن
الحرب خدعسة ،وإلى القدرة على أنواع القتال :مسن رمسي وطعسن وضرب ،وركوب وكسر وفسر،
ونحو ذلك ،كما قال تعالى{ :وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} وقال النبي صلى
ال عل يه و سلم{ :ارموا واركبوا ،وأن ترموا أ حب إلي من أن تركبوا ،و من تعلم الر مي ثم ن سيه
فل يس م نا} و في روا ية{ :ف هي نع مة جحد ها} رواه م سلم والقوة في الح كم ب ين الناس ،تر جع إلى
العدل الذي دل عليه الكتاب والسنة ،وإلى القدرة على تنفيذ الحكام .والمانة ترجع إلى خشية ال،
وأل يشتري بآياته ثمنا قليل ،وترك خشية الناس ،وهذه الخصال الثلث التي اتخذها ال على كل
حكم على الناس ،في قوله تعالى{ :فل تخشوهم واخشون ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل} { ،ومن لم
يحكسم بمسا أنزل ال فأولئك هسم الكافرون} ولهذا قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم{ :القضاة ثلثسة:
قاضيان في النار ،وقاض في الجنة ،فرجل علم الحق وقضى بخلفه ،فهو في النار ،ورجل قضى
ب ين الناس على ج هل ،ف هو في النار ،ور جل علم ال حق وق ضى به ،ف هو في الج نة} رواه أ هل
السنن والقاضي اسم لكل من قضى بين اثنين وحكم بينهما ،سواء كان خليفة أو سلطانا ،أو نائبا،
أو وال يا ،أو كان من صوبا ليق ضي بالشرع ،أو نائ با له ،ح تى يح كم ب ين ال صبيان في الخطوط ،إذا
تخايروا ،هكذا ذكر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم :وهو ظاهر.
4
كان يكون مع المير من هو أفضل منه ،في العلم واليمان .وهكذا أبو بكر خليفة رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم رضسي ال عنسه مسا زال يسستعمل خالدا فسي حرب أهسل الردة ،وفسي فتوح العراق
والشام ،وبدت م نه هفوات كان له في ها تأو يل ،و قد ذ كر له ع نه أ نه كان له في ها هوى ،فلم يعزله
مسن أجلهسا ،بسل عتبسه عليهسا لرجحان المصسلحة على المفسسدة ،فسي بقائه ،وأن غيره لم يكسن يقوم
مقا مه؛ لن المتولي ال كبير ،إذا كان خل قه يم يل إلى الل ين ،فينب غي أن يكون خلق نائ به يم يل إلى
الشدة ،وإذا كان خل قه يم يل إلى الشدة ،فينب غي أن يكون خلق نائ به يم يل إلى الل ين ،ليعتدل ال مر
ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي ال عنه ،يؤثر استنابة خالد ،وكان عمر بن الخطاب رضي ال
عنسه ،يؤثسر عزل خالد ،واسستنابة أبسي عسبيدة بسن الجراح رضسي ال عنسه؛ لن خالدا كان شديدا،
كع مر بن الخطاب ،وأ با عبيدة كان لي نا كأ بي ب كر ،وكان ال صلح ل كل منه ما أن يولي من وله،
ليكون أمره معتدل ،ويكون بذلك من خلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ،الذي هو معتدل ،حتى
قال النبي صلى ال عل يه و سلم{ :أ نا نبي الرح مة أ نا نبي الملحمة} .وقال{ :أ نا الضحوك القتال}.
وأمته وسط قال تعالى فيهم{ :أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضل من
ال ورضوانسا} وقال تعالى{ :أذلة على المؤمنيسن أعزة على الكافريسن} .ولهذا لمسا تولى أبسو بكسر
وعمر
رضي ال عنهما صارا كاملين في الولية ،واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في
حياة النبي صلى ال عليه وسلم من لين أحدهما وشدة الخر ،حتى قال فيهما النبي صلى ال عليه
وسلم{ :اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر} .وظهر من أبي بكر من شجاعة القلب ،في قتال
أهل الردة وغيرهم ،ما برز به علي وعمر وسائر الصحابة ،رضي ال عنهم أجمعين .وإن كانت
الحاجسة فسي الوليسة إلى المانسة أشسد ،قدم الميسن مثسل حفسظ الموال ونحوهسا ،فأمسا اسستخراجها
وحفظها ،فل بد فيه من قوة وأمانة ،فيولى عليها شاد قوي يستخرجها بقوته ،وكاتب أمين يحفظها
ب خبرته وأمانتسه .وكذلك فسي إمارة الحرب ،إذا أ مر الميسر بمشورة أولي العلم والديسن جمسع بيسن
المصلحتين وهكذا في سائر الوليات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد ،جمع بين عدد ،فل بد من
ترجيسح الصسلح ،أو تعدد المولى ،إذا لم تقسع الكفايسة بواحسد تام .ويقدم فسي وليسة القضاء ،العلم
الورع الكفسأ ،فإن كان أحدهمسا أعلم ،والخسر أورع ،قدم -فيمسا قسد يظهسر حكمسه ،ويخاف فيسه
الهوى الورع ،وفي ما يدق حك مه ،ويخاف ف يه الشتباه :العلم .ف في الحد يث عن ال نبي صلى ال
عل يه و سلم ،أ نه قال{ :إن ال ي حب الب صر النا فذ ،ع ند ورود الشبهات ،وي حب الع قل ع ند حلول
الشهوات} ويقدمان على الكفأ ،إن كان القاضي مؤيدا تأييدا تاما ،من جهة والي الحرب ،أو العامة
ويقدم الكفسأ .إن كان القضاء يحتاج إلى قوة ،وإعانسة القاضسي ،أكثسر مسن حاجسة إلى مزيسد العلم
والعلم ،فإن القاضي المطلق ،يحتاج أن يكون عالما عادل قادرا بل وكذلك كل وال للمسلمين ،فأي
صفة من هذه الصفات نقصت ،ظهر الخلل بسببه ،والكفاءة :إما بقهر ورهبة وإما بإحسان ورغبة،
وفي الحقيقة فل بد منهما .وسئل بعض العلماء :إذا لم يوجد من يولى القضاء ،إل عالم فاسق أو
جاهل دين فأيهما يقدم؟ فقال :إن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لغلبة الف ساد ،قدم الد ين وإن كانت
الحاجسة إلى الديسن أكثسر لخفاء الحكومات قدم العالم .وأكثسر العلماء يقدمون ذا الديسن فإن الئمسة
متفقون على أ نه ل بد في المتولي من أن يكون عدل أهل للشهادة واختلفوا في اشتراط العلم هل
يجسب أن يكون مجتهدا ،أو يجوز أن يكون مقلدا ،أو الواجسب توليسة المثسل فالمثسل كيفمسا تيسسر؟
على ثل ثة أقوال وب سط الكلم على ذلك في غ ير هذا المو ضع و مع أ نه يجوز تول ية غ ير ال هل
للضرورة ،إذا كان أ صلح الموجود ،في جب مع ذلك ال سعي في إ صلح الحوال ،ح تى يك مل في
الناس ما ل بد ل هم م نه ،من أمور الوليات والمارات ونحو ها ،ك ما ي جب على المع سر ال سعي
5
في وفاء دي نه ،وإن كان في الحال ل يطلب م نه إل ما يقدر عل يه ،وك ما ي جب ال ستعداد للجهاد،
بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز ،فإن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب بخلف
الستطاعة في الحج ونحوها فإنه ل يجب تحصيلها؛ لن الوجوب هناك ل يتم إل بها.
6
نف سها ،فقال :إ ني أخاف ال رب العالم ين ،ور جل ت صدق ب صدقة فأخفا ها ،ح تى ل تعلم شماله ما
تنفق يمينه} .وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد ،رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم{ :أهل الجنة ثلثة :سلطان مقسط ،ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم ،ورجل
غ ني عف يف مت صدق} و في ال سنن ع نه صلى ال عل يه و سلم أ نه قال { :ال ساعي على ال صدقة
بال حق ،كالمجا هد في سبيل ال} و قد قال ال تعالى ،ل ما أ مر بالجهاد{ :وقاتلو هم ح تى ل تكون
فتنة ،ويكون الدين كله ل}{ .وقيل للنبي صلى ال عليه وسلم :يا رسول ال الرجل يقاتل شجاعة،
ويقاتل حمية ،ويقاتل رياء ،فأي ذلك في سبيل ال؟ فقال :من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو
في سبيل ال} أخرجاه في الصحيحين .فالمقصود أن يكون الدين كله ل ،وأن تكون كلمة ال هي
العل يا ،وكل مة ال ا سم جا مع لكلماته التي تضمن ها كتا به ،وهكذا قال ال تعالى{ :ل قد أر سلنا ر سلنا
بالبينات ،وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} فالمقصود من إرسال الرسل ،وإنزال
الك تب ،أن يقوم الناس بالق سط ،في حقوق ال ،وحقوق خل قه .ثم قال تعالى{ :وأنزل نا الحد يد ف يه
بأس شديسد ومنافسع للناس ،وليعلم ال مسن ينصسره ورسسله بالغيسب} .فمسن عدل عسن الكتاب قوم
بالحديد ،ولهذا كان قوام الدين
بالم صحف وال سيف .و قد روي عن جابر بن ع بد ال ر ضي ال عنه ما ،قال{ :أمر نا ر سول ال
صلى ال عليه وسلم ،أن نضرب بهذا -يعني السيف -من عدل عن هذا -يعني المصحف} فإذا
كان هذا هو المق صود ،فإ نه يتو سل إل يه بالقرب فالقرب ،وين ظر إلى الرجل ين ،أيه ما كان أقرب
إلى المقصود ولي ،فإذا كانت الولية مثل ،إمامة صلة فقط ،قدم من قدمه النبي صلى ال عليه
و سلم ،ح يث قال{ :يؤم القوم أقرؤ هم لكتاب ال ،فإن كانوا في القراءة سواء ،فأعلم هم بال سنة فإن
كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ،فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ول يؤمن الرجل في
سسلطانه ،ول يجلس فسي بيتسه على تكرمتسه إل بإذنسه} ،رواه مسسلم فإذا تكافسأ رجلن ،أو خفسي
أصلحهما أقرع بينهما ،كما أقرع سعد بن أبي وقاص بين الناس يوم القادسية ،لما تشاجروا على
الذان ،متابعسة لقوله صسلى ال عليسه وسسلم {لو يعلم الناس مسا فسي النداء والصسف الول ،ثسم لم
يجدوا إل أن يسستهموا عليسه لسستهموا} .فإذا كان التقديسم بأمسر ال إذا ظهسر ،وبفعله -وهسو مسا
يرجحه بالقرعة إذا خفي المر -كان المتولي قد أدى المانات في الوليات إلى أهلها.
7
صلتهم دائمون ،والذين في أموالهم حق معلوم ،للسائل والمحروم} إلى قوله{ :والذين هم لماناتهم
وعهد هم راعون} .وقال تعالى{ :إ نا أنزل نا إل يك الكتاب بال حق لتح كم ب ين الناس ب ما أراك ال ول
تكن للخائنين خصيما} أي ل تخاصم عنهم .وقال النبي صلى ال عليه وسلم{ :أد المانة إلى من
ائتمنك ،ول تخن من خانك} وقال النبي صلى ال عليه وسلم{ :المؤمن من أمنه المسلمون على
دمائهم وأموالهم ،والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،والمهاجر من هجر ما نهى ال عنه،
والمجاهد من جاهد نفسه في ذات ال} وهو حديث صحيح بعضه في الصحيحين ،وبعضه في سنن
الترمذي ،وقال { :من أخذ أموال الناس يريد أداءها ،أداها ال عنه ،ومن أخذها يريد إتلفها أتلفه
ال} رواه البخاري .وإذا
كان ال قد أو جب أداء المانات ال تي قبضت ب حق ،ففيه تنبيه على وجوب أداء الغصب وال سرقة
والخيانة ونحو ذلك من المظالم ،وكذلك أداء العارية وقد {خطب النبي صلى ال عليه وسلم في
حجة الوداع ،وقال في خطبته :العارية مؤداة ،والمنحة مردودة ،الدين مقضي ،والزعيم غارم ،إن
ال قد أعطى كل ذي حق حقه ،فل وصية لوارث} .وهذا القسم يتناول الولة والرعية ،فعلى كل
منهما :أن يؤدي إلى الخر ما يجب أداؤه إليه ،فعلى السلطان ونوابه ،أن يؤتوا كل ذي حق حقه،
وعلى جباة الموال ،كأهسل الديوان أن يؤدوا إلى ذي السسلطان ،مسا يجسب إيتاؤه إليسه ،وكذلك على
الرعية ،الذين يجب عليهم من الحقوق ،وليس للرعية أن يطلبوا من ولة الموال ما ل يستحقونه
فيكونوا مسن جنسس مسن قال ال تعالى فيسه{ :ومنهسم مسن يلمزك فسي الصسدقات ،فإن أعطوا منهسا
رضوا ،وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ،ولو أنهم رضوا ما آتاهم ال ور سوله وقالوا حسبنا
ال سسيؤتينا ال مسن فضله ورسسوله ،إنسا إلى ال راغبون إنمسا الصسدقات للفقراء والمسساكين
والعامل ين علي ها ،والمؤل فة قلوب هم ،و في الرقاب والغارمين ،و في سبيل ال ،وا بن ال سبيل فري ضة
من ال ،وال عليم حكيم} .ول لهم أن يمنعوا السلطان ما يجب دفعه من الحقوق ،وإن كان ظالما،
ك ما أ مر ال نبي صلى ال عل يه و سلم ،ل ما ذ كر جور الولة ،فقال{ :أدوا إلي هم الذي ل هم ،فإن ال
سائلهم عما استرعاهم} ففي الصحيحين ،عن أبي هريرة رضي ال عنه ،عن النبي صلى ال عليه
و سلم قال{ :كا نت ب نو إ سرائيل ت سوسهم ال نبياء ،كل ما هلك نبي ،خل فه نبي ،وإ نه ل نبي بعدي،
و سيكون خلفاء ويكثرون قالوا :ف ما تأمر نا؟ فقال :أوفوا ببي عة الول فالول ثم أعطو هم حق هم فإن
ال سائلهم عما استرعاهم} وفيها عن ابن مسعود رضي ال ع نه ،قال :قال رسول ال صلى ال
عل يه و سلم{ :إن كم سترون بعدي ،أثرة أو أمورا تنكرون ها ،قالوا :ف ما تأمر نا يا ر سول ال؟ قال:
أدوا إلي هم حق هم ،وا سألوا ال حق كم} ول يس لولة الموال أن يق سموها بح سب أهوائ هم ،ك ما يق سم
المالك ملكسه ،فإنمسا هسم أمناء ونواب ووكلء ،ليسسوا ملكسا ،كمسا قال رسسول ال صسلى ال عليسه
و سلم{ :إ ني -وال -ل أع طي ول أم نع أحدا ،وإن ما أ نا قا سم أ ضع ح يث أمرت} رواه البخاري
عن أ بي هريرة ع نه نحوه .فهذا ر سول رب العالم ين ،قد أ خبر أ نه ل يس الم نع والعطاء بإراد ته
واختياره ،كما يفعل ذلك المالك الذي أبيح له التصرف في
ماله ،وكمسا يفعسل ذلك الملوك الذيسن يعطون مسن أحبوا ،وإنمسا هسو عبسد ال ،يقسسم المال بأمره،
فيضعه حيث أمره ال تعالى .وهكذا قال رجل لعمر بن الخطاب :يا أمير المؤمنين -لو وسعت
على نف سك في النف قة ،من مال ال تعالى ،فقال له ع مر :أتدري ما مثلي وم ثل هؤلء؟ كم ثل قوم
كانوا في سفر ،فجمعوا من هم مال ،و سلموه إلى وا حد ينف قه علي هم ،ف هل ي حل لذلك الر جل ،أن
ي ستأثر عن هم من أموال هم؟ .وح مل مرة إلى ع مر بن الخطاب ر ضي ال ع نه ،مال عظ يم من
الخ مس ،فقال :إن قو ما أدوا الما نة في هذا لمناء ،فقال له ب عض الحاضر ين :إ نك أد يت الما نة
إلى ال تعالى ،فأدوا إليك الما نة ،ولو رتعت رتعوا وينبغي أن يعرف أن أولي المر ،كال سوق،
8
ما نفق فيه جلب إليه ،هكذا قال عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه .فإن نفق فيه الصدق والبر
والعدل والمانسة ،جلب إليسه ذلك ،وإن نفسق فيسه الكذب والفجور والجور والخيانسة ،جلب إليسه ذلك
والذي على ولي ال مر ،أن يأ خذ المال من حله ،ويض عه في ح قه ،ول يمن عه من م ستحقه وكان
علي بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه ،إذا بل غه أن ب عض نوا به ظلم ،يقول :الل هم إ ني لم آمر هم أن
يظلموا خلقك ،أو يتركوا حقك.
9
صلى ال عل يه و سلم كان قد قال ذلك في غزوة بدر إذا رأى ذلك م صلحة راج حة على المف سدة.
وإذا كان المام يجمع الغنائم ويقسمها ،لم يجز لحد أن يغل منها شيئا {ومن يغلل يأت بما غل يوم
القيامة} فإن الغلول خيانة ول تجوز النهبة ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عنها ،فإذا ترك
المام الجمع والقسمة ،وأذن في الخذ إذنا جائزا ،فمن أخذ شيئا بل عدوان ،حل له بعد تخميسه،
و كل ما دل على الذن ف هو إذن وأ ما إذا لم يأذن ،أو أذن إذ نا غ ير جائز ،جاز للن سان أن يأ خذ
مقدار ما ي صيبه بالقسمة ،متحر يا للعدل في ذلك .ومن حرم على المسلمين جمع المغانم ،والحال
هذه ،وأباح المام أن يفعل فيها ما يشاء ،فقد تقابل القولن تقابل الطرفين ،ودين ال وسط .والعدل
في الق سمة :أن يق سم للرا جل سهم ،وللفارس ذي الفرس العر بي ثل ثة أ سهم له ،و سهمان لفر سه،
هكذا ق سم ال نبي صلى ال عل يه و سلم عام خ يبر .و من الفقهاء من يقول :للفارس سهمان ،والول
الذي دلت عليه السنة الصحيحة؛ ولن الفرس يحتاج إلى مئونة نفسه وسائسه -ومنفعة الفارس
به أكثر من منفعة راجلين -ومنهم من يقول :يسوي بين الفرس العربي والهجين في هذا ،ومنهم
من يقول :بل الهج ين ي سهم له سهم وا حد ،ك ما روي عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه،
والفرس الهج ين ،الذي تكون أ مه نبط ية وي سمى البرذون -وبعض هم ي سميه التتري ،سواء كان
ح صانا أو ح صانا خ صيا ،وي سمى الكد يش أو رم كة ،و هي؛ الح جر ،كان ال سلف يعدون للقتال
الح سان ،لقو ته وحد ته ،وللغارة والبيات الحجسر؛ ل نه ليسس لهسا صسهيل ،ينذر العدو فيحترزون
وللسير الخصي؛ لنه أصبر على السير.
10
ول يجدون في صدورهم حا جة م ما أوتوا ويؤثرون على أنف سهم ولو كان ب هم خ صاصة ،و من
يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين
سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} .فذكر سبحانه وتعالى
المهاجرين والنصار ،والذين جاءوا من بعدهم على ما وصف ،فدخل في الصنف الثالث كل من
جاء على هذا الو جه إلى يوم القيا مة ،ك ما دخلوا في قوله تعالى{ :والذ ين آمنوا من ب عد وهاجروا
وجاهدوا معكم فأولئك منكم} .وفي قوله{ :والذين اتبعوهم بإحسان} وفي قوله{ :وآخرين منهم لما
يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم} ومعنى قوله{ :فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب} أي ما حركتم
ول سقتم خيل ول إبل .ولهذا قال الفقهاء :إن الفيء هو ما أخذ من الكفار بغير قتال؛ لن إيجاف
الخيسل والركاب هسو معنسى القتال ،وسسمي فيئا؛ لن ال أفاءه على المسسلمين ،أي رده عليهسم مسن
الكفار ،فإن الصسل أن ال تعالى ،إنمسا خلق الموال إعانسة على عبادتسه؛ لنسه إنمسا خلق الخلق
لعبادته ،فالكافرون به أباح أنفسهم التي لم يعبدوه بها ،وأموالهم التي لم يستعينوا بها على عبادته،
لعباده المؤمن ين الذ ين يعبدو نه ،وأفاء إلي هم ما ي ستحقونه ،ك ما يعاد على الر جل ما غ صب من
ميرا ثه ،وإن لم ي كن قب ضه ق بل ذلك ،وهذا م ثل الجز ية ال تي على اليهود والن صارى والمال الذي
يصسالح عليسه العدو ،أو يهدونسه إلى سسلطان المسسلمين كالحمسل الذي يحمسل مسن بلد النصسارى
ونحوهم ،وما يؤخذ من تجار أهل الحرب ،وهو العشر ،ومن تجار أهل الذمة إذا اتجروا من غير
بلدهم ،وهو نصف العشر .هكذا كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يأخذ ،وما يؤخذ من أموال
من ينقض العهد منهم ،والخراج الذي كان مضروبا في الصل عليهم ،وإن كان قد صار بعضه
على بعض الم سلمين .ثم إنه يجتمع من الفيء جميع الموال ال سلطانية التي لبيت مال المسلمين
كالموال التسي ليسس لهسا مالك معيسن ،مثسل مسن مات مسن المسسلمين وليسس له وارث معيسن،
وكالغصسوب ،والعواري ،والودائع ال تي عذر معر فة أصسحابها ،وغيسر ذلك مسن أموال الم سلمين،
العقار والمنقول فهذا ونحوه مال الم سلمين .وإنما ذكر ال تعالى في القرآن الفيء فقط؛ لن النبي
صسلى ال عليسه وسسلم مسا كان يموت على عهده ميست ،إل وله وارث معيسن لظهور النسساب فسي
أ صحابه ،و قد مات مرة ر جل من قبيلة فد فع ميرا ثه إلى أ كبر تلك ال قبيلة ،أي أقرب هم ن سبا إلى
جد هم ،و قد قال بذلك طائ فة من العلماء ،كأح مد في قول من صوص وغيره ،ومات ر جل لم يخلف
إل عتيقا له ،فدفع ميراثه إلى عتيقه ،وقال بذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم ،ودفع ميراث
رجل إلى رجل من أهل قريته وكان صلى ال عليه وسلم هو وخلفاؤه يتوسعون في دفع ميراث
الم يت ،إلى من بي نه وبي نه ن سب ك ما ذكرناه ولم ي كن يأ خذ من الم سلمين إل ال صدقات ،وكان
يأمر هم أن يجاهدوا في سبيل ال بأموال هم وأنف سهم ،ك ما أ مر ال به في كتا به .ولم ي كن للموال
المقبوضة والمقسومة ،ديوان جامع ،على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر رضي
ال عنه ،بل كان يقسم المال شيئا فشيئا ،فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كثر
المال واتسعت البلد ،وكثر الناس فجعل ديوان العطاء للمقاتلة وغيرهم ،وديوان الجيش -في هذا
الزمان -مشت مل على أكثره ،وذلك الديوان هو أ هم دواو ين الم سلمين .وكان للم صار دواو ين
الخراج والفيء وما يقبض من الموال ،وكان النبي صلى ال عليه وسلم وخلفاؤه يحاسبون العمال
على ال صدقات والف يء وغ ير ذلك ،ف صارت الموال في هذا الزمان و ما قبله ثل ثة أنواع :نوع
يسسستحق المام قبضسسه بالكتاب والسسسنة والجماع ،كمسسا ذكرناه ،ونوع يحرم أخذه بالجماع،
كالجنايات ال تي تؤ خذ من أ هل القر ية لب يت المال؛ ل جل قت يل ق تل بين هم ،وإن كان له وارث ،أو
على حد ارتكب -وتسقط عنه العقوبة بذلك ،وكالمكوس التي ل يسوغ وضعها اتفاقا ،ونوع فيه
اجتهاد وتنازع كمال من له ذو رحم -وليس بذي فرض ول عصبة ،ونحو ذلك.
11
•الظلم الواقع من الولة والرعية
وكثيرا ما يقع الظلم من الولة والرعية :هؤلء يأخذون ما يحل ،وهؤلء يمنعون ما يجب ،كما قد
يتظالم الج ند والفلحون ،وك ما قد يترك ب عض الناس من الجهاد ما ي جب ،ويكنزه الولة من مال
ال ،م ما ل ي حل كنزه ،وكذلك العقوبات على أداء الموال ،فإ نه قد يترك من ها ما يباح أو ي جب،
وقد يفعل ما ل يحل .والصل في ذلك :أن كل من عليه مال يجب أداؤه ،كرجل عنده وديعة ،أو
مضارة ،أو شركة ،أو مال لموكله ،أو مال يت يم ،أو مال وقف ،أو مال لبيت المال ،أو عنده دين،
هو قادر على أدائه ،فإنه إذا امتنع من أداء الحق الواجب من عين أو دين ،وعرف أنه قادر على
أدائه ،فإ نه ي ستحق العقو بة ،ح تى يظ هر المال أو يدل على موض عه فإذا عرف المال ،و صير في
الح بس فإ نه ي ستوفي ال حق من المال ،ول حا جة إلى ضر به به ،وإن امت نع من الدللة على مال
ومن اليفاء ،ضرب حتى يؤدي الحق أو يمكن من أدائه ،وكذلك لو امتنع من أداء النفقة الواجبة
عليه مع القدرة علي ها؛ لما روى ع مر بن الشر يد عن أبيه ،عن النبي صلى ال عل يه وسلم ،أنه
قال{ :لي الواجد يحل عرضه وعقوبته }.رواه أهل السنن وقال صلى ال عليه وسلم {مطل الغني
ظلم} أخرجاه في الصحيحين واللي هو
المطل والظالم يستحق العقوبة والتعزير وهذا أصل متفق عليه :أن كل من فعل محرما ،أو ترك
واجبا ،استحق العقوبة ،فإن لم تكن مقدرة بالشرع كان يجتهد تعزيرا فيه ولي المر ،فيعاقب الغني
المماطل بالحبس ،فإن أصر عوقب بالضرب ،حتى يؤدي الواجب ،وقد نص على ذلك الفقهاء من
أ صحاب مالك والشاف عي وأح مد وغير هم ر ضي ال عن هم عن هم ول أعلم ف يه خل فا .و قد روى
البخاري في صحيحه عن ا بن ع مر ر ضي ال تعالى عنه ما {أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم ل ما
صالح أ هل خيبر على الصفراء والبيضاء وال سلح ،سأل ب عض اليهود ،و هو سعية عم حيي بن
أخطب ،عن كنز مال حيي بن أخطب فقال :أذهبته النفقات والحروب ،فقال :العهد قريب ،والمال
أكثر من ذلك فدفع النبي صلى ال عليه وسلم سعية إلى الزبير ،فسمه بعذاب ،فقال :قد رأيت حييا
يطوف؛ في خر بة هاه نا ،فذهبوا فطافوا ،فوجدوا الم سك في الخر بة} ،وهذا الر جل كان ذم يا،
والذمي ل تحل عقوبته إل بحق ،وكذلك كل من كتم ما يجب إظهاره من دللة واجبة ونحو ذلك،
يعاقب على ترك الواجب.
12
أمثلة من تلك الحدود والحقوق
أمثلة من تلك الحدود والحقوق ،وواجب الولة نحوها وأما قوله تعالى{ :وإذا حكمتم بين الناس أن
تحكموا بالعدل} فإن الحكسم بيسن الناس ،يكون فسي الحدود والحقوق ،وهمسا قسسمان :فالقسسم الول:
الحدود والحقوق التي ليست لقوم معينين بل منفعتها لمطلق المسلمين ،أو نوع منهم .وكلهم محتاج
إليها ،وت سمى حدود ال ،وحقوق ال مثل :حد قطاع الطريق ،وال سراق ،والزناة ونحوهم ،وم ثل:
الحكم في المور السلطانية ،والوقوف والوصايا التي ليست لمعين ،فهذه من أهم أمور الوليات،
ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي ال عنه " :ل بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة ،فقيل:
يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفنا ها ف ما بال الفاجرة؟ فقال يقام ب ها الحدود ،وتأمن ب ها ال سبل،
ويجاهد بها العدو ،ويقسم بها الفيء " .وهذا القسم يجب على الولة البحث عنه ،وإقامته من غير
دعوى أ حد به وكذلك تقام الشهادة ف يه ،من غ ير دعوى أ حد به ،وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في
قطع يد السارق :هل يفتقر إلى مطالبة المسروق بماله؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره ،لكنهم
يتفقون على أ نه ل يحتاج إلى مطال بة الم سروق ،و قد اشترط بعض هم المطال بة بالمال ،لئل يكون
للسارق فيه شبهة.
واجسب المسسلمين إذا طلب السسلطان المحاربيسن وقطاع الطريسق فامتنعوا عليسه وهذا كله إذا قدر
عليهم
13
فأما إذا طلبهم السلطان أو نوابه ،لقامة الحد بل عدوان فامتنعوا عليه ،فإنه يجب على المسلمين
قتالهسم باتفاق العلماء ،حتسى يقدر عليهسم كلهسم ،ومتسى لم ينقادوا إل بقتال يفضسي إلى قتلهسم كلهسم
قوتلوا ،وإن أفضى إلى ذلك ،سواء كانوا قد قتلوا أو لم يقتلوا .ويقتلون في القتال كيفما أمكن ،في
العنق وغيره .ويقاتل من قاتل معهم ممن يحميهم ويعينهم فهذا قتال ،وذاك إقامة حد ،وقتال هؤلء
أوكد من قتل الطوائف الممتنعة عن شرائع السلم فإن هؤلء قد تحزبوا لفساد النفوس والموال،
وهلك الحرث والنسل ،ليس مقصودهم إدامة دين ول ملك ،وهؤلء كالمحاربين الذين يأوون إلى
حصن ،أو مغارة أو رأس جبل ،أو بطن واد ،ونحو ذلك ،يقطعون الطريق على من مر بهم ،وإذا
جاء هم ج ند ولي ال مر تطلب هم للدخول في طا عة الم سلمين والجما عة؛ لقا مة الحدود ،قاتلو هم
ودفعو هم م ثل العراب الذ ين يقطعون الطر يق على الحاج أو غيره من الطرقات أو الجبلة الذ ين
يعتصمون برءوس الجبال أو المغارات؛ لقطع الطريق .كالحلف الذين تحالفوا لقطع الطريق بين
الشام والعراق ويسسمون ذلك النهيضسة ،فإنهسم يقاتلون كمسا ذكرنسا .لكسن قتالهسم ليسس بمنزلة قتال
الكفار ،إذا لم يكونوا كفارا ،ول تؤخسذ أموالهسم ،إل أن يكونوا أخذوا أموال الناس بغيسر حسق ،فإن
عليهسم ضمانهسا فيؤخسذ منهسم بقدر مسا أخذوا ،وإن لم تعلم عيسن الخسر ،وكذلك لو علم عينسه ،فإن
الردء والمباشر سواء كما قلناه ،لكن إذا عرف عينه كان قرار الضمان عليه ،ويرد ما يؤخذ منه
على أرباب الموال ،فإن تعذر الرد علي هم كان لم صالح الم سلمين ،من رزق الطائ فة المقاتلة ل هم
وغ ير ذلك .بل المق صود من قتال هم التم كن من هم لقا مة الحدود ومنع هم من الف ساد ،فإذا جرح
الرجل منهم جرحا مثخنا ،لم يجهز عليه حتى يموت ،إل أن يكون قد وجب عليه القتل ،وإذا هرب
وكفانا شره لم نتبعه ،إل أن يكون عليه حد ،أو نخاف عاقبته.
حد السرقة
وأمسا السسارق فيجسب قطسع يده اليمنسى بالكتاب والسسنة والجماع قال تعالى{ :والسسارق والسسارقة
فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال وال عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن
ال يتوب عليه إن ال غفور رحيم} ول يجوز بعد ثبوت الحد بالبينة ،أو القرار ،تأخيره ،ول مال
يفتدى به ول غيره ،بل تق طع يده في الوقات المعظ مة وغير ها ،فإن إقا مة ال حد من العبادات،
كالجهاد في سبيل ال فينب غي أن يعرف أن إقا مة الحدود رح مة من ال بعباده فيكون الوالي شديدا
في إقا مة ال حد ،ل تأخذه رأ فة في د ين ال فيعطله ،ويكون ق صده رح مة الخلق ،ب كف الناس عن
المنكرات؛ لشفاء غيظه ،وإرادة العلو على الخلق ،به بمنزلة الوالد إذا أدب ولده ،فإنه لو كف عن
تأديب ولده ،كما تشير به الم رقة ورأفة لفسد الولد ،وإنما يؤدبه رحمة به وإصلحا لحاله ،مع
أنسه يود ويؤثسر أن ل يحوجسه إلى تأديسب ،وبمنزلة الطسبيب الذي يسسقي المريسض الدواء الكريسه،
وبمنزلة قطسع العضسو المتآكسل والحجسم ،وقطسع العروق بالفصساد ونحسو ذلك ،بسل بمنزلة شرب
الن سان الدواء الكر يه ،و ما يدخله على نف سه من المش قة لينال به الرا حة .فهكذا شر عت الحدود
وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في
إقامت ها م تى كان ق صده صلح الرع ية والن هي عن المنكرات بجلب المنف عة ل هم ،ود فع المضرة
عن هم ،وابت غى بذلك و جه ال تعالى ،وطا عة أمره ألن ال له القلوب ،وتي سرت له أ سباب الخ ير،
وكفاه العقوبة البشرية ،وقد يرضي المحدود ،إذا أقام عليه الحد .وأما إذا كان غرضه العلو عليهم،
وإقامة رياسته؛ ليعظموه أو ليبذلوا له ما يريد من الموال ،انعكس عليه مقصوده ويروى أن عمر
بن عبد العزيز رضي ال عنه قبل أن يلي الخلفة ،كان نائبا للوليد بن عبد الملك على مدينة النبي
صلى ال عل يه و سلم وكان قد ساسهم سياسة صالحة ،فقدم الحجاج من العراق و قد سامهم سوء
14
العذاب ،فسأل أهل المدينة عن عمر كيف هيبته فيكم؟ قالوا :ما نستطيع أن ننظر إليه .قال :كيف
محبتكم له؟ قالوا :هو أحب إلينا من أهلنا قال :فكيف أدبه فيكم؟ قالوا :ما بين الثلثة السواط إلى
العشرة قال :هذه هيب ته ،وهذه محب ته ،وهذا أدبسه ،هذا أ مر من السسماء .وإذا قط عت يده ح سمت
واستحب أن تعلق في عنقه.
حد الزنا
وأما الزاني :فإن كان محصنا ،فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت ،كما {رجم النبي صلى ال عليه
وسسلم ماعسز بسن مالك السسلمي ،ورجسم الغامديسة ورجسم اليهوديسة ورجسم غيسر هؤلء} ،ورجسم
الم سلمون بعده ،واختلف العلماء :هل يجلد ق بل الر جم مائة؟ على قول ين في مذ هب أح مد وغيره
وإن كان غ ير مح صن ،فإ نه يجلد مائة جلدة بكتاب ال ،ويغرب عا ما ب سنة ر سول ال صلى ال
عليه وسلم ،وإن كان بعض العلماء ل يرى وجوب التغريب .ول يقام عليه الحد حتى يشهد عليه
أرب عة شهداء ،أو يش هد على نف سه أر بع شهادات ،ع ند كث ير من العلماء أو أكثر هم ،ومن هم من
يكت في بشهاد ته على نف سه مرة واحدة ولو أ قر على نف سه ،ثم ر جع فمن هم من يقول :ي سقط ع نه
ال حد ،ومن هم من يقول :ل ي سقط والمح صن من و طئ ،و هو حر مكلف؛ ل من تزوج ها نكا حا
صسحيحا فسي قبلهسا ،ولو مرة واحدة ،وهسل يشترط أن تكون الموطوءة مسساوية للواطسئ فسي هذه
الصسفات على قوليسن للعلماء .وهسل تحصسن المراهقسة للبالغ وبالعكسس؟ .فأمسا أهسل الذمسة ،فإنهسم
محصنون أيضا عند أكثر العلماء ،كالشافعي وأحمد؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم رجم يهوديين
عند باب مسجده ،وذلك أول رجم كان في السلم.
15
أو شيئا يسسيرا ،أو يخون أمانتسه ،كولة أموال بيست المال أو الوقسف ،ومال اليتيسم ونحسو ذلك ،إذا
خانوا فيها ،كالولة والشركاء ،إذا خانوا ،أو يغش في معاملته ،كالذين يغشون في الطعمة والثياب
ونحسو ذلك ،أو يطفسف المكيال والميزان ،أو يشهسد الزور ،أو يلقسن شهادة الزور ،أو يرتشسي فسي
حكمسه ،أو يحكسم بغيسر مسا أنزل ال ،أو يعتدي على رعيتسه ،أو يتعزى بعزاء الجاهليسة ،أو يلبسي
دا عي الجاهل ية ،إلى غ ير ذلك من أنواع المحرمات فهؤلء يعاقبون تعزيرا وتنكيل وتأدي با ،بقدر
مسا يراه الوالي ،على حسسب كثرة ذلك الذنسب فسي الناس وقلتسه ،فإذا كان كثيرا زاد فسي العقوبسة،
بخلف ما إذا كان قليل ،وعلى ح سب حال المذ نب ،فإذا كان من المدمن ين على الفجور ،ز يد في
عقوب ته ،بخلف الم قل من ذلك ،وعلى ح سب كبر الذ نب و صغره ،فيعا قب من يتعرض لن ساء
الناس وأولدهم ،ما ل يعاقبه من لم يتعرض إل لمرأة واحدة ،أو صبي واحد وليس لقل التعزير
حد ،بل هو ب كل ما ف يه إيلم الن سان ،من قول وف عل وترك قول ،وترك ف عل ،ف قد يعزر الر جل
بوع ظه وتوبي خه والغلظ له ،و قد يعزر بهجره وترك ال سلم عل يه ح تى يتوب إذا كان ذلك هو
المصلحة ،ك ما {ه جر ال نبي صلى ال عليه و سلم وأ صحابه الثل ثة الذ ين خلفوا} و قد يعزر بعزله
عسن وليتسه ،كمسا كان النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وأصسحابه يعزرون بذلك ،وقسد يعزر بترك
ا ستخدامه في ج ند الم سلمين ،كالجندي المقا تل ،إذا فر من الز حف ،فإن الفرار من الز حف من
الكبائر ،وق طع خبزه نوع تعز ير له ،وكذلك الم ير إذا ف عل ما ي ستعظم فعزله من المارة تعز ير
له .وكذلك قسد يعزر بالحبسس ،وقسد يعزر بالضرب ،وقسد يعزر بتسسويد وجهسه وإركابسه على دابسة
مقلوبا ،كما روي عن عمر بن الخطاب ،أنه أمر بذلك في شاهد الزور ،فإن الكاذب سود الوجه،
ف سود وج هه ،وقلب الحد يث ،فقلب ركو به .وأ ما أعله ،ف قد ق يل " :ل يزاد على عشرة أ سواط ".
وقال كثير من العلماء :ل يبلغ به الحد ثم هم على قولين :منهم من يقول " :ل يبلغ به أدنى الحدود
" :ل يبلغ بال حر أد نى حدود ال حر ،و هي الربعون أو الثمانون؛ ول يبلغ بالع بد أد نى حدود الع بد،
وهم العشرون أو الربعون وقيل :بل ل يبلغ بكل منهما حد العبد .ومنهم من يقول:
ل يبلغ بكل ذنب حد جنسه وإن زاد على جنس آخر ،فل يبلغ بالسارق من غير حرز قطع اليد،
وإن ضرب أك ثر من حد القاذف ،ول يبلغ ب من ف عل ما دون الز نا حد الز نا ،وإن زاد على حد
القاذف .كما روي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه " :أن رجل نقش على خاتمه ،وأخذ بذلك
من ب يت المال ،فأ مر به فضرب مائة ضر بة ثم في اليوم الثا ني مائة ضر بة ثم ضر به في اليوم
الثالث مائة ضر بة وروي عن الخلفاء الراشديسن ،فسي رجسل وامرأة وجدا فسي لحاف " :يضربان
مائة " وروي {عن النبي صلى ال عليه وسلم ،في الذي يأتي جارية امرأته ،إن كانت أخلتها له:
جلد مائة ،وإن لم ت كن أخلت ها له :ر جم} وهذه القوال في مذ هب أح مد وغيره ،والقولن الولن
في مذهب الشافعي ،وغيره.
16
بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا ولينصرن ال من
ينصسره إن ال لقوي عزيسز الذيسن إن مكناهسم فسي الرض أقاموا الصسلة وآتوا الزكاة وأمروا
بالمعروف ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور} .ثم إنه بعد ذلك أوجب عليهم القتال بقوله{ :كتب
عليكم القتال وهو كره لكم ،وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ،وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر
لكم وال يعلم وأنتم
ل تعلمون} وأكد اليجاب ،وعظم أمر الجهاد ،في عامة السور المدنية ،وذم التاركين له ،ووصفهم
بالنفاق ومرض القلوب ،فقال تعالى { :قل إن كان آباؤ كم وأبناؤ كم وإخوان كم وأزواج كم وعشيرت كم
وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد
في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقين} وقال تعالى{ :إنما المؤمنون
الذيسن آمنوا بال ورسسوله ثسم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهسم وأنفسسهم فسي سسبيل ال أولئك هسم
الصادقون} قال تعالى{ :فإذا أنزلت سورة محكمة ،وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض
ينظرون إل يك ن ظر المغ شي عل يه من الموت فأولى ل هم طا عة وقول معروف فإذا عزم ال مر فلو
صدقوا ال لكان خيرا لهم فهل عسيتم إن تولي تم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم} .وهذا
كثير في القرآن ،وكذلك تعظيمه وتعظيم أهله ،في سورة الصف التي يقول فيها{ :يا أيها الذين
آمنوا هل أدل كم على تجارة تنجي كم من عذاب أل يم تؤمنون بال ور سوله وتجاهدون في سبيل ال
بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها
النهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك
الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من ال وفتح قريب وبشر المؤمنين} .وكقوله تعالى{ :أجعلتم
سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم ال خر وجاهد في سبيل ال ل يستوون
عند ال وال ل يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم
أعظم درجة عند ال وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم
مقيم خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر عظيم} .وقوله تعالى{ :من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي
ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون
لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم} .وقال تعالى{ :ذلك بأنهم ل يصيبهم ظمأ
ول ن صب ول مخم صة في سبيل ال ول يطئون موطئا يغ يظ الكفار ول ينالون من عدو نيل إل
ك تب ل هم به ع مل صالح إن ال ل يض يع أ جر المح سنين ول ينفقون نف قة صغيرة ول كبيرة ول
يقطعون واديا إل كتب لهم ليجزيهم ال أحسن ما كانوا يعملون} فذكر ما يولده عن أعمالهم ،وما
يباشرو نه من العمال ،وال مر بالجهاد ،وذ كر فضائله في الكتاب وال سنة ،أك ثر من أن يح صر،
ولهذا كان أفضسل مسا تطوع بسه النسسان ،وكان باتفاق العلماء أفضسل مسن الحسج والعمرة ،ومسن
ال صلة التطوع ،وال صوم التطوع ،ك ما دل عل يه الكتاب وال سنة ،ح تى قال ال نبي صلى ال عل يه
و سلم{ :رأس ال مر ال سلم ،وعموده ال صلة ،وذروة سنامه الجهاد} .وقال {إن في الج نة لمائة
درجة ،ما بين الدرجة والدرجة ،كما بين السماء والرض ،أعدها ال للمجاهدين في سبيله} متفق
عل يه .وقال { :من ا غبر قدماه في سبيل ال حر مه ال على النار} رواه البخاري وقال صلى ال
عليه وسلم{ :رباط يوم وليلة ،خير من صيام شهر وقيامه .وإن مات أجري عليه عمله الذي كان
يعمله ،وأجري عليه رزقه ،وأمن الفتان} رواه مسلم .وفي السنن{ :رباط يوم في سبيل ال ،خير
من ألف يوم في ما سواه من المنازل} ،وقال صلى ال عل يه و سلم {عينان ل تم سهما النار :ع ين
بكت من خشية ال ،وعين باتت تحرس في سبيل ال} قال الترمذي حديث حسن وفي مسند المام
أحمد {حرس ليلة في سبيل ال ،أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ،ويصام نهارها} .وفي الصحيحين:
17
{أن رجل قال :يا ر سول ال ،أ خبرني بش يء يعدل الجهاد في سبيل ال ،قال :ل ت ستطيع .قال:
أخبرني .قال :هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ول
تفطسر ،وتقوم ول تفتسر؟ قال :ل .قال :فذلك الذي يعدل الجهاد} .وفسي السسنن أنسه صسلى ال عليسه
وسلم قال{ :إن لكل أمة سياحة ،وسياحة أمتي الجهاد في سبيل ال} .وهذا باب واسع ،لم يرد في
ثواب العمال وفضل ها ،م ثل ما ورد ف يه ،ف هو ظا هر ع ند العتبار ،فإن ن فع الجهاد عام لفاعله
ولغيره في الد ين والدن يا ،ومشت مل على جم يع أنواع العبادات الباط نة والظاهرة ،فإ نه مشت مل من
محبسة ال -تعالى ،والخلص له ،والتوكسل عليسه ،وتسسليم النفسس والمال له ،والصسبر والزهسد،
وذكر ال وسائر أنواع العمال ،على ما ل يشتمل عليه عمل آخر .والقائم به من الشخص والمة
ب ين إحدى الح سنيين دائ ما ،إ ما الن صر والظ فر ،وإ ما الشهادة والج نة ،ثم إن الخلق ل بد ل هم من
مح يا وممات ،فف يه ا ستعمال محيا هم وممات هم في غا ية سعادتهم في الدن يا والخرة ،و في تر كه
ذهاب السعادتين أو نقصهما ،فإن من الناس من يرغب في العمال الشديدة في الدين أو الدنيا ،مع
قلة منفعت ها ،فالجهاد أن فع فيه ما من كل ع مل شد يد ،و قد ير غب في ترق ية نف سه ح تى ي صادفه
الموت ،فموت الشهيد أيسر من كل ميتة ،وهي أفضل الميتات.
•النفوس
وأما الحدود والحقوق التي لدمي معين فمنها النفوس ،قال ال تعالى{ :قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم أل تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقكم وإياهم ول
تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ذلكم وصاكم به
لعلكسم تعقلون ول تقربوا مال اليتيسم إل بالتسي هسي أحسسن حتسى يبلغ أشده وأوفوا الكيسل والميزان
بالقسط ل نكلف نفسا إل وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد ال أوفوا ذلكم وصاكم
به لعل كم تذكرون وأن هذا صراطي م ستقيما فاتبعوه ول تتبعوا ال سبل فتفرق ب كم عن سبيله ذل كم
وصاكم به لعلكم تتقون} .وقال تعالى{ :وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ} إلى قوله{ :ومن
يق تل مؤم نا متعمدا فجزاؤه جه نم خالدا في ها وغ ضب ال عل يه ولع نه وأ عد له عذا با عظي ما} وقال
تعالى { من أ جل ذلك كتب نا على ب ني إ سرائيل أ نه من ق تل نف سا بغ ير ن فس أو ف ساد في الرض
فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} وفي الصحيحين عن النبي صلى
ال عليسه وسسلم أنسه قال{ :أول مسا يقضسى بيسن الناس يوم القيامسة فسي الدماء} فالقتسل ثلثسة أنواع:
أحده ما الع مد الم حض ،و هو أن يق صد من يعل مه مع صوما ب ما يق تل غال با ،سواء كان يق تل بحده
كالسيف ونحوه ،أو بثقله كالسندان وكوذين القصار ،أو بغير ذلك كالتحريق والتغريق واللقاء من
مكان شاهق ،والخنق ،وإمساك الخصيتين ،حتى تخرج الروح ،حتى يموت ،وسقي السموم ،ونحو
ذلك في الفعال فهذا ر غم الو جه ف يه القود ،و هو أن يم كن أولياء المقتول من القا تل ،فإن أحبوا
قتلوا ،وإن أحبوا عفوا وإن أحبوا أخذوا الدية وليس لهم أن يقتلوا غير قاتله .قال ال -تعالى {ول
تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في القتل
إنه كان منصورا} ،قيل في التفسير :ل يقتل غير قاتله ،وروي عن أبي شريح الخزاعي رضي
ال عنه قال :قال رسول ال{ :من أصيب بدم أو خبل -الخبل الجراح -فهو بالخيار بين إحدى
ثلث :فإن أراد الراب عة فخذوا على يد يه :أن يق تل أو يعفو ،أو يأ خذ الد ية فمن ف عل شيئا من ذلك
فعاد فإن له جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا} ،رواه أهل السنن قال الترمذي حديث حسن صحيح ،فمن
18
قتل بعد العفو أو أخذ الدية فهو أعظم جرما ممن قتل ابتداء ،حتى قال بعض العلماء " :إنه يجب
قتله حدا ول يكون أمره لولياء المقتول " قال تعالى
{ :كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى فمن عفي له من أخيه
شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ،فمن اعتدى بعد ذلك فله
عذاب أل يم ول كم في الق صاص حياة يا أولي اللباب لعل كم تتقون} قال العلماء :إن أولياء المقتول
تغلي قلوبهسم بالغيسظ ،حتسى يؤثروا أن يقتلوا القاتسل وأولياءه ،وربمسا لم يرضوا بقتسل القاتسل ،بسل
يقتلون كثيرا من أ صحاب القاتل كسيد ال قبيلة ومقدم الطائ فة ،فيكون القاتل قد اعتدى في البتداء،
وتعدى هؤلء في الستيفاء كما كان يفعله أهل الجاهلية الخارجون عن الشريعة في هذه الوقات،
من العراب والحاضرة وغير هم .و قد ي ستعظمون ق تل القا تل لكو نه عظي ما أشرف من المقتول،
فيفضى ذلك إلى أولياء المقتول يقتلون من قدروا عليه من أولياء القاتل ،وربما حالف هؤلء قوما
واستعانوا بهم ،وهؤلء قوما فيفضي إلى الفتن والعداوات العظيمة .وسبب ذلك خروجهم عن سنن
العدل الذي هو الق صاص في القتلى فك تب ال علي نا الق صاص و هو الم ساواة والمعادلة في القتلى
وأخبر أن فيه حياة ،فإنه يحقن دم غير القاتل من أولياء الرجلين ،وأيضا علم من يريد القتل أنه
يقتل كف عن القتل .وقد روي عن علي
بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه وعمرو بن شع يب عن أب يه عن جده ر ضي ال تعالى عنه ما عن
ال نبي صلى ال عل يه و سلم أ نه قال{ :المؤمنون تتكا فأ دماؤ هم ،و هم يد على من سواهم وي سعى
بذمت هم أدنا هم أل ل يقتل م سلم بكا فر ول ذو ع هد في عهده} رواه أح مد وأبو داود وغيره ما من
أ هل ال سنن فق ضى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن الم سلمين تتكا فأ دماؤ هم -أي تت ساوى
وتتعادل -فل يف ضل عر بي على عج مي ،ول قر شي أو هاش مي على غيره من الم سلمين ،ول
حسر أصسلي على مولى عتيسق ،ول عالم أو أميسر ،على أمسي أو مأمور .وهذا متفسق عليسه بيسن
المسلمين ،بخلف ما كان عليه أهل الجاهلية وحكام اليهود فإ نه كان بقرب مدينة النبي صلى ال
عليه وسلم صنفان من اليهود :قريظة والنضير ،وكانت تتفضل على قريظة في الدماء ،فتحاكموا
إلى ال نبي صلى ال عل يه و سلم في ذلك ،و في حد الز نا ،فإن هم كانوا قد غيروه من الر جم إلى
التحميم وقالوا إن حكم نبيكم بذلك كان لكم حجة ،وإل فأنتم قد تركتم حكم التوراة فأنزل ال تعالى:
{ يا أي ها الر سول ل يحز نك الذ ين ي سارعون في الك فر من الذ ين قالوا آم نا بأفواه هم ولم تؤ من
قلوبهم} إلى قوله{ :فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم
فلن يضروك شيئا وإن حك مت فاح كم بين هم بالق سط إن ال ي حب المق سطين} إلى قوله{ :فل تخشوا
الناس واخشون ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون وكتبنا
عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح
قصاص} .فبين -سبحانه وتعالى -أنه سوى بين نفوسهم ،ولم يفضل منهم نفسا على أخرى ،كما
كانوا يفعلونه إلى وله{ :وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه
فاحكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}
إلى قوله تعالى{ :أفحكسم الجاهليسة يبغون ومسن أحسسن مسن ال حكمسا لقوم يوقنون} .فحكسم ال -
سبحانه -في دماء المسلمين أنها كلها سواء ،خلف ما عليه الجاهلية وأكثر سبب الهواء الواقعة
ب ين الناس في البوادي والحوا ضر ،إن ما هي الب غي ،ترك العدل فإن إحدى الطائفت ين قد ي صيب
بعضها الخرى دما أو مال ،أو تعلو عليهم بالباطل ول تنصفها ،ول تقتصر الخرى على استيفاء
ال حق ،فالواجب في كتاب ال الح كم بين الناس في الدماء والموال وغير ها بالقسط الذي أ مر ال
به ومحو ما كان عليه كثير من الناس من حكم الجاهلية ،وإذا أصلح مصلح بينهما ،فليصلح بالعدل
19
ك ما قال ال -تعالى{ :وإن طائفتان من المؤمن ين اقتتلوا فأ صلحوا بينه ما فإن ب غت إحداه ما على
الخرى فقاتلوا ال تي تب غي ح تى تف يء إلى أ مر ال فإن فاءت فأ صلحوا بينه ما بالعدل وأق سطوا إن
ال يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} وينبغي أن يطلب العفو من أولياء
المقتول ،فإ نه أف ضل ل هم ك ما قال تعالى{ :والجروح ق صاص ف من ت صدق به ف هو كفارة له} .قال
أنس رضي ال عنه{ :ما رفع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر فيه قصاص إل أمر فيه
بالعفو} .رواه أبو داود وغيره وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم{ :ما نقصت صدقة من مال ،وما زاد ال عبدا بعفو إل عزا ،وما
تواضع أحد ل إل رفعه ال} وهذا الذي ذكرناه من التكافؤ ،هو في المسلم الحر ،مع المسلم الحر،
فأ ما الذ مي فجمهور العلماء :على أ نه ل يس بك فء للم سلم ،ك ما أن الم ستأمن الذي يقدم من بلد
الكفار رسول أو تاجرا ونحو ذلك ،ليس بكفء له وفاقا .ومنهم من يقول :بل هو كفء له ،وكذلك
النزاع في قتل الحر بالعبد.
•الجراح
والقصاص في الجراح أيضا ثابت بالكتاب وال سنة والجماع شرط المساواة ،فإذا قطع يده اليمنى
من مفصل ،فله أن يقطع يده كذلك ،وإذا قلع سنه ،فله أن يقلع سنه ،وإذا شجه في رأسه أو وجهه،
فأوضح العظم ،فله أن يشجه كذلك وإذا لم تمكن المساواة :مثل أن يكسر له عظما باطنا ،أو يشجه
دون الموضحة ،فل يشرع القصاص ،بل تجب الدية المحدودة أو الرش.
•العراض
والقصاص في العراض مشروع أيضا :وهو أن الرجل إذا لعن رجل أو دعا عليه ،فله أن يفعل
به كذلك ، .وكذلك إذا شتمه شتيمة ل كذب فيها ،والعفو أفضل .قال ال تعالى{ :وجزاء سيئة سيئة
مثل ها ف من ع فا وأ صلح فأجره على ال إ نه ل ي حب الظالم ين ول من انت صر ب عد ظل مه فأولئك ما
عليهم من سبيل} قال النبي صلى ال عليه وسلم{ :المستبان :ما قال فعلى البادئ منهما ما لم يعتد
المظلوم} ويسمى هذا النتصار ،والشتيمة ال تي ل كذب فيها م ثل الخبار عنه بما فيه من القبائح
أو ت سميته بالكلب أو الحمار ون حو ذلك فأ ما إن افترى عل يه ،لم ي حل له أن يفتري عل يه ولو كفره
أو ف سقه بغ ير حق لم ي حل له أن يكفره أو يف سقه بغ ير حق ولو ل عن أباه أو قبيلته ،أو أ هل بلده
ون حو ذلك ،لم ي حل له أن يتعدى على أولئك ،فإن هم لم يظلموه ،وقال ال تعالى{ :يأي ها الذ ين آمنوا
كونوا قوام ين ل شهداء بالق سط ول يجرمن كم شنآن قوم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}
فأمر ال المسلمين أل يحملهم بغضهم للكفار على أل يعدلوا .وقال{ :اعدلوا هو أقرب للتقوى} فإن
كان العدوان عليه في العرض محرما لحقه ،بما يلحقه من الذى جاز القصاص فيه بمثله ،كالدعاء
عليه ما دعاه ،وأما إذا كان محرما لحق ال -تعالى ،كالكذب ،لم يجز بحال ،وهكذا قال كثير من
الفقهاء :إذا قتله بتحريق ،أو تغريق ،أو خنق أو نحو ذلك ،فإنه يفعل به كما فعل ،ما لم يكن الفعل
محر ما في نف سه كتجر يع الخ مر واللواط به ،ومن هم من قال :ل قود عل يه إل بال سيف ،والولى
أشبه بالكتاب والسنة والعدل.
•الفرية ونحوها
وإذا كا نت الفر ية ونحو ها ل ق صاص في ها ،ففي ها العقو بة بغ ير ذلك فم نه حد القذف الثا بت في
الكتاب والسسنة والجماع قال ال تعالى{ :والذيسن يرمون المحصسنات ثسم لم يأتوا بأربعسة شهداء
20
فاجلدو هم ثمان ين جلدة ول تقبلوا ل هم شهادة أبدا وأولئك هم الفا سقون إل الذ ين تابوا من ب عد ذلك
وأ صلحوا فإن ال غفور رح يم} .فإذا ر مى ال حر مح صنا بالز نا أو اللواط فعل يه حد القذف ،و هو
ثمانون جلدة ،وإن رماه بغيسر ذلك عوقسب تعزيرا .وهذا الحسد يسستحقه المقذوف ،فل يسستوفى إل
بطلبسه باتفاق الفقهاء فإن عفسا عنسه سسقط عنسد جمهور العلماء ،لن المغلب فيسه حسق الدمسي
كالقصساص والموال .وقيسل :ل يسسقط تغليبسا لحسق ال لعدم المماثلة كسسائر الحدود ،وإنمسا يجسب
القذف ،إذا كان المقذوف محصنا ،وهو المسلم الحر العفيف.
•البضاع
ومن الحقوق البضاع ،فالواجب الحكم بين الزوجين بما أمر ال -تعالى به ،من إمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان ،فيجب على كل من الزوجين أن يؤدي إلى الخر حقوقه ،بطيب نفس وانشراح
صدر فإن للمرأة على الرجل حقا في ماله ،وهو الصداق والنفقة بالمعروف ،وحقا في بدنه ،وهو
العشرة والمت عة ،بح يث لو آلى من ها ا ستحقت الفر قة بإجماع الم سلمين ،وكذلك لو كان مجبو با أو
عنينا ل يمكنه جماعها فلها الفرقة ،ووطؤها واجب عليه عند أكثر العلماء .وقد قيل :إنه ل يجب
اكتفاء بالتباعث الطبيعي ،والصواب :أنه واجب كما دل عليه الكتاب والسنة والصول .وقد {قال
النبي صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن عمرو رضي ال عنه -لما رآه يكثر الصوم والصلة :-
إن لزو جك عل يك ح قا} ثم ق يل :ي جب عل يه وطؤ ها كل أرب عة أش هر مرة ،وق يل :ي جب وطؤ ها
بالمعروف ،على قدر قوته وحاجتها ،كما تجب النفقة بالمعروف كذلك ،وهذا أشبه .وللرجل عليها
أن يتمتع بها متى شاء ،ما لم يضر بها ،أو يشغلها عن واجب ،فيجب عليها أن تمكنه كذلك ول
تخرج مسن منزله إل بإذنسه أو بإذن الشارع واختلف الفقهاء هسل عليهسا خدمسة المنزل كالفرش
والكنس والطبخ ونحو ذلك؟ فقيل :يجب عليها ،وقيل:
ل يجب وقيل :يجب التخفيف منه.
•الحوال
وأ ما الحوال في جب الح كم بين الناس في ها بالعدل ك ما أمر ال ورسوله ،م ثل ق سم المواريث بين
الور ثة ،على ما جاء به الكتاب وال سنة .و قد تنازع الم سلمون في م سائل من ذلك ،وكذلك في
المعاملت مسن المبايعات والجارات والوكالت والمشاركات والهبات والوقوف والوصسايا ونحسو
ذلك من المعاملت المتعل قة بالعقود والقبوض ،فإن العدل في ها هو قوام العالم ين ،ل ت صلح الدن يا
والخرة إل به .ف من العدل في ها ما هو ظا هر ،يعر فه كل أ حد بعقله ،كوجوب ت سليم الث من على
المشتري ،وتسليم المبيع على البائع للمشتري ،وتحريم تطفيف المكيال والميزان ،ووجوب الصدق
والبيان ،وتحر يم الكذب والخيا نة وال غش ،وأن جزاء القرض الوفاء والح مد .وم نه ما هو خ في،
جاءت بسه الشرائع أو شريعتنسا -أهسل السسلم -فإن عامسة مسا نهسى عنسه الكتاب والسسنة مسن
المعاملت ،يعود إلى تحقيق العدل والنهي عن الظلم دقه وجله :مثل أكل المال بالباطل وجنسه من
الربا والميسر ،وأنواع الربا والميسر التي نهى عنها النبي صلى ال عليه وسلم مثل :بيع الغرر،
وبيع حبل الحبلة ،وبيع الطير في الهواء ،والسمك في الماء ،والبيع إلى أجل غير مسمى ،وبيع
المصراة ،وبيع المدلس ،والملمسة ،والمنابذة،
والمزاب نة والمحاقلة والن جش .وب يع الث مر ق بل بدو صلحه ،و ما ن هي ع نه من أنواع المشاركات
الفا سدة ،كالمخابرة ،بزرع بق عة بعين ها من الرض .و من ذلك ما قد ينازع ف يه الم سلمون لخفائه
واشتباهه ،فقد يرى هذا العقد والقبض صحيحا عدل ،وإن كان غيره يرى فيه جورا يوجب فساده،
21
و قد قال ال تعالى{ :أطيعوا ال وأطيعوا الر سول وأولي ال مر من كم فإن تنازع تم في ش يء فردوه
إلى ال والر سول إن كن تم تؤمنون بال واليوم ال خر ذلك خ ير وأح سن تأويل} .وال صل في هذا،
أنسه ل يحرم على الناس مسن المعاملت التسي يحتاجون إليهسا ،إل مسا دل الكتاب والسسنة على
تحري مه ،ك ما ل يشرع ل هم من العبادات ال تي يتقربون ب ها إلى ال ،إل ما دل الكتاب وال سنة على
شر عه ،إذ الد ين ما شر عه ال ،والحرام ما حر مه ال ،بخلف الذ ين ذم هم ال ،حيث حرموا من
دون ال ما لم يحرمه ال ،وأشركوا بما ما لم ينزل به سلطانا ،وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن
به ال ،اللهم وفقنا لن نجعل الحلل ما حللته ،والحرام ما حرمته ،والدين ما شرعته.
•المشاورة
ل غ نى لولي ال مر عن المشاورة ،فإن ال تعالى أ مر ب ها نبيه صلى ال عل يه و سلم فقال تعالى:
{فاعسف عنهسم واسستغفر لهسم وشاورهسم فسي المسر فإذا عزمست فتوكسل على ال إن ال يحسب
المتوكلين} .وقد روي عن أبي هريرة رضي ال عنه قال{ :لم يكن أحد أكثر مشورة لصحابه من
رسول ال صلى ال عليه وسلم} .وقد قيل :إن ال أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه ،وليقتدي به
من بعده ،وليسستخرج منهسم الرأي في ما لم ينزل فيسه وحسي ،من أمسر الحروب ،والمور الجزئ ية
وغير ذلك ،فغيره صلى ال عليه وسلم أولى بالمشورة .وقد أثنى ال على المؤمنين بذلك في قوله:
{و ما ع ند ال خ ير وأب قى للذ ين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذ ين يجتنبون كبائر ال ثم والفوا حش
وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذ ين ا ستجابوا لرب هم وأقاموا ال صلة وأمر هم شورى بين هم وم ما
رزقناهم ينفقون} وإذا استشارهم ،فإن بين له بعضهم ما يجب اتباعه من كتاب أو سنة رسوله أو
إجماع المسلمين فعليه اتباع ذلك ول طاعة في خلف ذلك ،وإن كان عظيما في الدين والدنيا .قال
ال تعالى{ :يأيهسا الذيسن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسسول وأولي المسر منكسم} وإن كان أمرا قسد
تنازع فيه المسلمون ،فينبغي أن يستخرج
من كل من هم رأ يه ،وو جه رأ يه فأي الراء كان أش به بكتاب ال و سنة ر سوله ع مل به ،ك ما قال
تعالى{ :فإن تنازعتسم فسي شيسء فردوه إلى ال والرسسول إن كنتسم تؤمنون بال واليوم الخسر ذلك
خير وأحسن تأويل}.
22
بحبل ال جميعا ول تفرقوا ،وأن تناصحوا من وله ال أمركم} ،رواه مسلم .وقال{ :ثلث ل يغل
عليهن قلب مسلم :إخلص العمل ل ،ومناصحة ولة المر ،ولزوم جماعة المسلمين ،فإن دعوتهم
تح يط ب هم من ورائ هم} .رواه أ هل ال سنن .و في ال صحيح ع نه أ نه قال{ :الد ين الن صيحة ،الد ين
الن صيحة ،الد ين الن صيحة .قالوا :ل من يا ر سول ال؟ قال :ل ولكتا به ولر سوله ولئ مة الم سلمين
وعامت هم} .فالوا جب اتخاذ المارة دي نا وقر بة يتقرب ب ها إلى ال ،فإن التقرب إل يه في ها ،بطاع ته
وطاعة رسوله من أفضل القربات ،وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لبتغاء الرياسة أو المال بها.
وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال{ :ما ذئبان جائعان أرسل في غنم
بأفسد لها من حرص المرء على المال أو الشرف لدينه} قال الترمذي حديث حسن صحيح فأخبر
أن حرص المرء على المال والرياسة ،يفسد دينه ،مثل أو أكثر من إرسال الذئبين الجائعين لزريبة
الغنم .وقد أخبر ال -تعالى -عن الذي يؤتى كتابه بشماله ،أنه يقول{ :ما أغنى عني ماليه ،هلك
عني سلطانيه} .وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون ،وجامع
المال أن يكون كقارون وقد بين ال -تعالى -في كتابه حال فرعون وقارون ،فقال تعالى{ :أو لم
يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا في
الرض فأخذهم ال بذنوبهم وما كان لهم من ال من واق} وقال تعالى{ :تلك الدار الخرة نجعلها
للذيسن ل يريدون علوا فسي الرض ول فسسادا والعاقبسة للمتقيسن} .فإن الناس أربعسة أقسسام :القسسم
الول :يريدون العلو على الناس ،والف ساد في الرض هو مع صية ال ،وهؤلء الملوك والرؤ ساء
المف سدون ،كفرعون وحز به ،وهؤلء هم شر الخلق قال ال تعالى{ :إن فرعون عل في الرض
وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}.
وروى م سلم في صحيحه عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال :قال ر سول ال صلى ال عل يه
وسلم{ :ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ،ول يدخل النار من في قلبه ذرة من إيمان.
فقال رجل :يا رسول ال صلى ال عليه وسلم :إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا .أفمن
الكبر ذاك؟ قال :ل ،إن ال جميل يحب الجمال ،الكبر بطر الحق وغمط الناس} فبطر الحق ،دفعه
وجحده ،وغ مط الناس ،احتقار هم وازدراؤ هم وهذا حال من ير يد العلو والف ساد .والق سم الثا ني:
الذين يريدون الفساد ،بل علو ،كالسراق المجرمين من سملة الناس .والقسم الثالث :يريد العلو بل
ف ساد ،كالذ ين عند هم د ين ،يريدون أن يعلوا به على غير هم من الناس .الق سم الرا بع :ف هم أ هل
الجنة الذين ل يريدون علوا في الرض ول فسادا ،مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم كما قال
ال تعالى{ :ول تهنوا ول تحزنوا وأنتسم العلون إن كنتسم مؤمنيسن} وقال تعالى{ :فل تهنوا وتدعوا
إلى السلم وأنتم العلون وال معكم ولن يتركم أعمالكم} وقال{ :ول العزة ولرسوله وللمؤمنين}.
فكم ممن يريد العلو ول يزيده ذلك إل سفول ،وكم ممن جعل من العلين وهو ل يريد العلو ول
الفسساد ،وذلك لن إرادة العلو على الخلق ظلم ،لن الناس مسن جنسس واحسد ،فإرادة النسسان أن
يكون هو العلى ونظيره تح ته ،ظلم ،و مع أ نه ظلم ،فالناس يبغضون من يكون كذلك ويعادو نه،
لن العادل من هم ل ي حب أن يكون مقهورا لنظيره ،وغ ير العادل من هم يؤ ثر أن يكون هو القا هر،
ثم إ نه مع هذا ل بد له -في الع قل والد ين من أن يكون بعض هم فوق ب عض ك ما قدمناه ،ك ما أن
الجسسد ل يصسلح إل برأس .قال تعالى{ :وهسو الذي جعلكسم خلئف الرض ورفسع بعضكسم فوق
بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم} .وقال تعالى{ :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا
بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال
في سبيل ال ،فإذا كان المق صود بال سلطان والمال هو التقرب إلى ال وإنفاق ذلك في سبيله ،كان
ذلك صلح الد ين والدن يا .وإن انفرد ال سلطان عن الد ين ،أو الد ين عن ال سلطان ف سدت أحوال
23
الناس ،وإنما يمتاز أهل طاعة ال عن أهل معصيته ،بالنية والعمل الصالح ،كما في الصحيحين
عن النبي صلى ال عليه وسلم{ :إن ال ل ينظر إلى صوركم ول إلى أموالكم ،وإنما ينظر إلى
قلوبكم وإلى أعمالكم} .ولما غلب على كثير من ولة المور إرادة المال والشرف ،صاروا بمعزل
عن حقي قة اليمان وكمال الد ين ،ثم من هم من غلب الد ين ،وأعرض ع ما ل ي تم الد ين إل به من
ذلك ،ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك ،فأخذه معرضا عن الدين ،لعتقاده أنه مناف لذلك ،وصار
الدين عنده في محل الرحمة والذل ،ل في محل العلو والعز ،وكذلك لما غلب على كثير من أهل
الديانتين العجز عن تكميل الدين ،والجزع لما قد يصيبهم في إقامته من البلء ،استضعف طريقتهم
واستذلها من رأى أنه ل تقوم مصلحته ومصلحة غيره بها .وهاتان السبيلن الفاسدتان -سبيل من
انت سب إلى الد ين ،ولم يكمله ب ما يحتاج إل يه من ال سلطان والجهاد والمال ،و سبيل من أق بل على
السسلطان والمال والحرب ،ولم يقصسد بذلك إقامسة الديسن همسا سسبيل المغضوب عليهسم والضاليسن،
الولى للضالين النصارى ،والثانية للمغضوب عليهم اليهود وإنما الصراط المستقيم ،صراط الذين
أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،هي سبيل نبينا محمد صلى ال عليه
وسسلم وسسبيل خلفائه وأصسحابه ،ومسن سسلك سسبيلهم ،وهسم السسابقون الولون مسن المهاجريسن
والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه ،وأعد لهم جنات تجري من تحتها
النهار خالدين فيها أبدا ،ذلك الفوز العظيم .فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك بحسب وسعه،
فمن ولي ولية يقصد بها طاعة ال ،وإقامة ما يمكنه من دينه ،ومصالح المسلمين ،وأقام فيها ما
يمكنسه مسن ترك المحرمات ،لم يؤاخسذ بمسا يعجسز عنسه ،فإن توليسة البرار خيسر للمسة مسن توليسة
الفجار .و من كان عاجزا عن إقا مة الد ين بال سلطان والجهاد ،فف عل ما يقدر عل يه ،من الن صيحة
بقلبه ،والدعاء للمة ،ومحبة الخير ،وفعل ما يقدر عليه من الخير ،لم يكلف ما يعجز
عنسه ،فإن قوام الديسن الكتاب الهادي ،والحديسث الناصسر كمسا ذكره ال -تعالى -فعلى كسل أحسد
الجتهاد في إيثار القرآن والحديث ل ولطلب ما عنده مستعينا بال في ذلك ،ثم الدنيا تخدم الدين،
ك ما قال معاذ بن ج بل ر ضي ال ع نه " :يا بن آدم أ نت محتاج إلى ن صيبك من الدن يا وأ نت إلى
نصيبك من الخرة أحوج ،فإن بدأت بنصيبك من الخرة مر بنصيبك من الدنيا ،فانتظمها انتظاما،
وإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الخرة ،وأنت من الدنيا على خطر .ودليل ذلك ما
رواه الترمذي عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم أ نه قال { :من أ صبح والخرة أ كبر ه مه ج مع له
شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ،ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرق ال عليه
ضيعته ،وجعل فقره بين عينيه ،ولم يأته من الدنيا إل ما كتب له} .وأصل ذلك في -قوله تعالى:
{و ما خل قت ال جن وال نس إل ليعبدون ما أر يد من هم من رزق و ما أر يد أن يطعمون إن ال هو
الرزاق ذو القوة المتين} .فنسأل ال العظيم أن يوفقنا وسائر إخواننا المسلمين ،لما يحبه ويرضاه
من القول والعمل ،فإنه ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،والحمد ل رب العالمين ،وصلى ال
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين.
نهاية الكتاب
انتهى الكتاب والحمد ل
24