السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 24

‫السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية‬

‫للمام ابن تيمية‬


‫المقدمة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمسد ل الذي أرسسل رسسله بالبينات‪ ،‬وأنزل معهسم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسسط‪ ،‬وأنزل‬
‫الحد يد ف يه بأس شد يد‪ ،‬ومنا فع للناس‪ ،‬وليعلم ال من ين صره ور سله بالغ يب‪ ،‬إن ال قوي عز يز‪،‬‬
‫وختم هم بمح مد صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬الذي أر سله بالهدى ود ين ال حق‪ ،‬ليظهره على الد ين كله‪،‬‬
‫وأيده بالسلطان النصير‪ ،‬الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة‪ ،‬ومعنى القدرة والسيف للنصرة‬
‫والتعزيسر‪ ،‬وأشهسد أن ل إله إل ال وحده ل شريسك له‪ ،‬شهادة خالصسة خلص الذهسب البريسز‪،‬‬
‫وأش هد أن محمدا عبده ور سوله صلى ال عل يه وعلى آله و صحبه‪ ،‬و سلم ت سليما كثيرا‪ ،‬وشهادة‬
‫يكون صاحبها في حرز حريز‪( .‬أما بعد) فهذه رسالة مختصرة‪ ،‬فيها جوامع من السياسة اللهية‬
‫والنابسة النبويسة‪ ،‬ل يسستغني عنهسا الراعسي والرعيسة‪ ،‬اقتضاهسا مسن أوجسب ال نصسحه مسن ولة‬
‫المور‪ ،‬ك ما قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬في ما ث بت ع نه من غ ير و جه‪{ :‬إن ال ير ضى ل كم‬
‫ثل ثة‪ :‬أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا‪ ،‬وأن تعت صموا بح بل ال جمي عا ول تفرقوا‪ ،‬وأن تنا صحوا‬
‫من وله ال أمر كم} موضوع الر سالة (وهذه) وهذه ر سالة مبن ية على آ ية المراء في كتاب ال‪،‬‬
‫و هي قوله تعالى‪{ :‬إن ال يأمر كم أن تؤدوا المانات إلى أهل ها وإذا حكم تم ب ين الناس أن تحكموا‬
‫بالعدل إن ال نعمسا يعظكسم بسه إن ال كان سسميعا بصسيرا‪ .‬يأيهسا الذيسن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي المر منكم‪ ،‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول‪ ،‬إن كنتم تؤمنون بال‬
‫واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل} (قال العلماء) نزلت الية الولى في ولة المور‪ ،‬عليهم أن‬
‫يؤدوا المانات إلى أهلها‪ ،‬وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل‪ ،‬ونزلت الثانية في الرعية من‬
‫الجيوش وغيرهسم‪ ،‬عليهسم أن يطيعوا أولي المسر الفاعليسن لذلك فسي قسسمهم وحكمهسم ومغازيهسم‬
‫وغير ذلك‪ ،‬إل أن يأمروا بمعصية ال‪ ،‬فإن أمروا بمعصية فل طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪،‬‬
‫فإن تنازعوا في ش يء ردوه إلى كتاب ال و سنة ر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ .‬وإن لم تف عل ولة‬
‫المر ذلك‪ ،‬أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة ال‪ ،‬لن ذلك من طاعة ال ورسوله‪ ،‬وأديت حقوقهم‬
‫إليهسم كمسا أمسر ال ورسسوله {وتعاونوا على البر والتقوى‪ ،‬ول تعاونوا على الثسم والعدوان} وإذا‬
‫كانست اليسة قسد أوجبست أداء المانات إلى أهلهسا‪ ،‬والحكسم بالعدل‪ .‬فهذان جماع السسياسة العادلة‪،‬‬
‫والولية‪.‬‬

‫الباب الول أسس اختيار الولي‬

‫•استعمال الصلح‬
‫فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة طلبها منه العباس‪،‬‬
‫ليجمع له بين سقاية الحاج‪ ،‬وسدانة البيت‪ ،‬فأنزل ال هذه الية‪ ،‬بدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة‬
‫فيجب على ولي المر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين‪ ،‬أصلح من يجده لذلك العمل‪،‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وسلم {‪ :‬من ولي من أمر المسلمين شيئا‪ ،‬فولى رجل وهو يجد من هو‬
‫أصلح للمسلمين منه فقد خان ال ورسوله}‪ .‬وفي رواية‪{ :‬من قلد رجل عمل على عصابة‪ ،‬وهو‬
‫ي جد في تلك الع صابة أر ضى م نه‪ ،‬ف قد خان ال وخان ر سوله وخان المؤمن ين} رواه الحا كم في‬
‫صحيحه وروى بعض هم أ نه من قول ع مر ل بن ع مر روي ذلك ع نه‪ .‬وقال ع مر بن الخطاب‬
‫ر ضي ال ع نه‪ :‬من ولي من أ مر الم سلمين شيئا فولى رجل لمودة أو قرا بة بينه ما‪ ،‬ف قد خان ال‬
‫ورسوله والمسلمين وهذا واجب عليه فيجب عليه البحث عن المستحقين للوليات‪ ،‬من نوابه على‬
‫المصار‪ ،‬من المراء الذين هم نواب ذي السلطان‪ ،‬والقضاة‪ ،‬ومن أمراء الجناد ومقدمي العساكر‬
‫والصغار والكبار‪ ،‬وولة الموال من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات‪،‬‬
‫وغير ذلك من الموال التي للمسلمين‪ .‬وعلى كل واحد من هؤلء‪ ،‬أن يستنيب ويستعمل أصلح من‬
‫يجده‪ ،‬وينتهسي ذلك إلى أئمسة الصسلة والمؤذنيسن‪ ،‬والمقرئيسن‪ ،‬والمعلميسن‪ ،‬وأميسر الحاج‪ ،‬والبرد‪،‬‬
‫والعيون الذين هم القصاد‪ ،‬وخزان الموال‪ ،‬وحراس الحصون‪ ،‬والحدادين الذين هم البوابون على‬
‫الح صون والمدائن‪ ،‬ونقباء الع ساكر الكبار وال صغار‪ ،‬وعرفاء القبائل وال سواق‪ ،‬ورؤ ساء القرى‬
‫الذ ين هم الدهاقون‪ .‬في جب على كل من ولي شيئا من أ مر الم سلمين‪ ،‬من هؤلء وغير هم‪ ،‬أن‬
‫يستعمل فيما تحت يده في كل موضع‪ ،‬أصلح من يقدر عليه‪ ،‬ول يقدم الرجل لكونه طلب الولية‪،‬‬
‫أو يسبق في الطلب‪ .‬بل ذلك سبب المنع‪ ،‬فإن في الصحيحين عن النبي صلى ال عليه وسلم‪{ :‬أن‬
‫قو ما دخلوا عل يه ف سألوه الول ية‪ ،‬فقال‪ :‬إ نا ل نولي أمر نا هذا من طل به}‪ .‬وقال لع بد الرح من بن‬
‫سمرة‪ { :‬يا ع بد الرح من ل ت سأل المارة‪ ،‬فإ نك إن أعطيت ها من غ ير م سألة أع نت علي ها‪ ،‬وإن‬
‫أعطيت ها عن م سألة وكلت إل يه} أخرجاه في ال صحيحين وقال صلى ال عل يه و سلم‪ { :‬من طلب‬
‫القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه‪ ،‬أنزل ال إليه ملكا يسدده}‬
‫رواه أ هل ال سنن‪ .‬فإن عدل عن ال حق ال صلح إلى غيره‪ ،‬ل جل قرا بة بينه ما‪ ،‬أو ولء عتا قة أو‬
‫صداقة‪ ،‬أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس‪ ،‬كالعربية والفارسية والتركية والرومية‪،‬‬
‫أو لرشوة يأخذهسا منسه مسن مال أو منفعسة‪ ،‬أو غيسر ذلك مسن السسباب‪ ،‬أو لضغسن فسي قلبسه على‬
‫الحق‪ ،‬أو عداوة بينهما‪ ،‬فقد خان ال ورسوله والمؤمنين‪ ،‬ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى‪{ :‬يا‬
‫أي ها الذ ين آمنوا ل تخونوا ال والر سول وتخونوا أمانات كم وأن تم تعلمون}‪ .‬ثم قال‪{ :‬واعلموا أن ما‬
‫أموالكم وأولدكم فتنة‪ ،‬وأن ال عنده أجر عظيم}‪ .‬فإن الرجل لحبه لولده‪ ،‬أو لعتيقه‪ ،‬قد يؤثره في‬
‫بعض الوليات‪ ،‬أو يعطيه ما ل يستحقه‪ ،‬فيكون قد خان أمانته‪ ،‬كذلك قد يؤثره زيادة في ماله أو‬
‫حفظه‪ ،‬بأخذ ما ل يستحقه‪ ،‬أو محاباة من يداهنه في بعض الوليات‪ ،‬فيكون قد خان ال ورسوله‪،‬‬
‫وخان أمانتسه‪ .‬ثسم إن المؤدي للمانسة مسع مخالفسة هواه‪ ،‬يثبتسه ال فيحفظسه فسي أهله وماله بعده‪،‬‬
‫والمطيع لهواه يعاقبه ال بنقيض قصده فيذل أهله‪ ،‬ويذهب ماله‪ .‬وفي ذلك‪ ،‬الحكاية المشهورة‪ ،‬أن‬
‫بعسض خلفاء بنسي العباس سسأل بعسض العلماء أن يحدثسه عمسا أدرك فقال‪ :‬أدركست عمسر بسن عبسد‬
‫العز يز‪ ،‬فق يل له‪ :‬يا أم ير المؤمن ين أقفرت أفواه بن يك من هذا المال‪ ،‬وتركت هم فقراء ل ش يء ل هم‬
‫وكان في مرض مو ته‪ ،‬فقال‪ :‬أدخلو هم علي‪ ،‬فأدخلو هم‪ ،‬بض عة ع شر ذكرا‪ ،‬ل يس في هم بالغ‪ ،‬فل ما‬
‫رآهم ذرفت عيناه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا بني‪ ،‬وال ما منعتكم حقا هو لكم‪ ،‬ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس‬
‫فأدفعها إليكم‪ ،‬وإنما أنتم أحد رجلين‪ :‬إما صالح‪ ،‬فال يتولى الصالحين‪ ،‬وإما غير صالح‪ ،‬فل أترك‬
‫له ما ي ستعين به على مع صية ال‪ ،‬قوموا ع ني قال‪ :‬فل قد رأ يت ولده‪ ،‬ح مل على مائة فرس في‬
‫سبيل ال‪ ،‬يعني أعطاها لمن يغزو عليها‪ .‬قلت‪ :‬هذا وقد كان خليفة المسلمين‪ ،‬من أقصى المشرق‪،‬‬
‫سبرص وثغور الشام‬ ‫سن جزائر قس‬ ‫سا‪ ،‬ومس‬‫سى المغرب‪ ،‬بلد الندلس وغيرهس‬ ‫بلد الترك‪ ،‬إلى أقصس‬
‫والعواصم كطرسوس ونحوها‪ ،‬إلى أقصى اليمن وإنما أخذ كل واحد من أولده‪ ،‬من تركته شيئا‬
‫يسيرا‪ ،‬يقال‪ :‬أقل من عشرين درهما ‪ -‬قال وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه‪ ،‬فأخذ‬

‫‪2‬‬
‫كل واحد منهم ستمائة ألف دينار‪ ،‬ولقد رأيت بعضهم‪ ،‬يتكفف الناس ‪ -‬أي يسألهم بكفه ‪ -‬وفي هذا‬
‫الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله‪ ،‬ما فيه عبرة لكل ذي لب‪.‬‬
‫وقد دلت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم على أن الولية أمانة يجب أداؤها في مواضع‪ ،‬مثل‬
‫ما تقدم‪ ،‬ومثل {قوله لبي ذر رضي ال عنه في المارة‪ :‬إنها أمانة‪،‬‬
‫وإنها يوم القيا مة خزي وندامة‪ ،‬إل من أخذ ها بحق ها‪ ،‬وأدى الذي عليه في ها}‪ .‬رواه م سلم‪ .‬وروى‬
‫البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال ع نه‪ :‬أن النبي قال‪{ :‬إذا ضيعت الما نة‪ ،‬انت ظر‬
‫الساعة}‪ .‬وقد أجمع المسلمون على معنى هذا‪ ،‬فإن وصي اليتيم‪ ،‬وناظر الوقف‪ ،‬ووكيل الرجل في‬
‫ماله‪ ،‬عليه أن يتصرف له بالصلح فالصلح‪ ،‬كما قال ال تعالى‪{ :‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي‬
‫هي أحسن} ولم يقل إل بالتي هي حسنة وذلك لن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم‪ ،‬كما‬
‫قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪{ :‬كل كم راع وكل كم م سئول عن رعي ته‪ ،‬فالمام الذي على الناس‬
‫راع وهو مسئول عن رعيته‪ ،‬والمرأة راعية في بيت زوجها‪ ،‬وهي مسئولة عن رعيتها‪ ،‬والولد‬
‫راع في مال أبيه‪ ،‬وهو مسئول عن رعيته‪ ،‬والعبد راع في مال سيده‪ ،‬وهو مسئول عن رعيته‪،‬‬
‫أل فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} أخرجاه في الصحيحين وقال النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫{مسا مسن راع يسسترعيه ال رعيسة‪ ،‬يموت يوم يموت‪ ،‬وهسو غاش لهسا‪ ،‬إل حرم ال عليسه رائحسة‬
‫الجنة} رواه مسلم‪ .‬ودخل أبو مسلم الخولني‪ ،‬على معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬فقال‪ :‬السلم عليك أيها‬
‫الجير‪ ،‬فقالوا‪ :‬قل السلم عليك‪ :‬أيها المير‪ ،‬فقال السلم أيها الجير فقالوا‪ :‬قل أيها المير فقال‬
‫ال سلم عل يك أي ها الج ير فقالوا قل الم ير فقال معاو ية‪ :‬دعوا أ با م سلم فإ نه أعلم ب ما يقول فقال‪:‬‬
‫إن ما أ نت أج ير ا ستأجرك رب هذه الغ نم لرعايت ها‪ ،‬فإن أ نت هنأت جربا ها‪ ،‬وداو يت مرضا ها‪،‬‬
‫وحبست أولها على أخراها وفاك سيدها أجرك‪ ،‬وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها‪ ،‬ولم‬
‫تح بس أول ها على أخرا ها عاق بك سيدها وهذا ظا هر العتبار‪ ،‬فإن الخلق عباد ال‪ ،‬الولة نواب‬
‫ال على عباده‪ ،‬وهسم وكلء العباد على أنفسسهم‪ ،‬بمنزلة أحسد الشريكيسن مسع الخسر‪ ،‬ففيهسم معنسى‬
‫الولية والوكالة‪ ،‬ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجل‪ ،‬وترك من هو أصلح للتجارة أو‬
‫المقارب منه‪ ،‬وباع السلعة بثمن‪ ،‬وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن‪ ،‬فقد خان صاحبه‪ ،‬ل‬
‫سيما إن كان ب ين من حاباه وبي نه مودة أو قر بة‪ ،‬فإن صاحبه يبغ ضه ويذ مه‪ ،‬أ نه قد خان ودا هن‬
‫قريبه أو صديقه‪.‬‬

‫•اختيار المثل فالمثل‬


‫إذا عرف هذا‪ ،‬فل يس أن ي ستعمل إل أ صلح الموجود‪ ،‬و قد ل يكون في موجوده‪ ،‬من هو صالح‬
‫لتلك الوليسة‪ ،‬فيختار المثسل فالمثسل فسي كسل منصسب يحسسبه‪ ،‬وإذا فعسل ذلك بعسد الجتهاد التام‪،‬‬
‫وأخذه للول ية بحق ها‪ ،‬ف قد أدى الما نة‪ ،‬وقام بالوا جب في هذا‪ ،‬و صار في هذا المو ضع من أئ مة‬
‫العدل والمقسطين عند ال‪ ،‬وإن اختل بعض المور بسبب من غيره‪ ،‬إذا لم يمكن إل ذلك‪ ،‬فإن ال‬
‫يقول‪{ :‬فاتقوا ال ما استطعتم} ويقول‪{ :‬ل يكلف ال نفسا إل وسعها}‪ .‬وقال في الجهاد‪{ :‬فقاتل في‬
‫سسبيل ال ل تكلف إل نفسسك وحرض المؤمنيسن}‪ .‬وقال‪{ :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا عليكسم أنفسسكم‪ ،‬ل‬
‫يضر كم من ضل إذا اهتدي تم} ف من أدى الوا جب المقدور عل يه ف قد اهتدى‪ :‬وقال ال نبي صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪{ :‬إذا أمرت كم بأ مر فأتوا م نه ما ا ستطعتم} أخرجاه في ال صحيحين‪ ،‬ل كن إذا كان م نه‬
‫ع جز ول حا جة إل يه‪ ،‬أو خيا نة عو قب على ذلك وينب غي أن يعرف ال صلح في كل من صب‪ ،‬فإن‬
‫الول ية ل ها ركنان‪ :‬القوة والما نة‪ ،‬ك ما قال تعالى‪{ :‬إن خ ير من ا ستأجرت القوي الم ين} وقال‬
‫صاحب مصر ليوسف عليه السلم‪{ :‬إنك اليوم لدينا مكين أمين} وقال تعالى في صفة جبريل‪{ :‬إنه‬

‫‪3‬‬
‫لقول رسول كريم‪ .‬ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين}‪ .‬والقوة في كل ولية بحسبها‪،‬‬
‫فالقوة فسي إمارة الحرب ترجسع إلى شجاعسة القلب‪ ،‬وإلى الخسبرة بالحروب‪ ،‬والمخادعسة فيهسا‪ ،‬فإن‬
‫الحرب خدعسة‪ ،‬وإلى القدرة على أنواع القتال‪ :‬مسن رمسي وطعسن وضرب‪ ،‬وركوب وكسر وفسر‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} وقال النبي صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪{ :‬ارموا واركبوا‪ ،‬وأن ترموا أ حب إلي من أن تركبوا‪ ،‬و من تعلم الر مي ثم ن سيه‬
‫فل يس م نا} و في روا ية‪{ :‬ف هي نع مة جحد ها} رواه م سلم والقوة في الح كم ب ين الناس‪ ،‬تر جع إلى‬
‫العدل الذي دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وإلى القدرة على تنفيذ الحكام‪ .‬والمانة ترجع إلى خشية ال‪،‬‬
‫وأل يشتري بآياته ثمنا قليل‪ ،‬وترك خشية الناس‪ ،‬وهذه الخصال الثلث التي اتخذها ال على كل‬
‫حكم على الناس‪ ،‬في قوله تعالى‪{ :‬فل تخشوهم واخشون ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل} ‪{ ،‬ومن لم‬
‫يحكسم بمسا أنزل ال فأولئك هسم الكافرون} ولهذا قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪{ :‬القضاة ثلثسة‪:‬‬
‫قاضيان في النار‪ ،‬وقاض في الجنة‪ ،‬فرجل علم الحق وقضى بخلفه‪ ،‬فهو في النار‪ ،‬ورجل قضى‬
‫ب ين الناس على ج هل‪ ،‬ف هو في النار‪ ،‬ور جل علم ال حق وق ضى به‪ ،‬ف هو في الج نة} رواه أ هل‬
‫السنن والقاضي اسم لكل من قضى بين اثنين وحكم بينهما‪ ،‬سواء كان خليفة أو سلطانا‪ ،‬أو نائبا‪،‬‬
‫أو وال يا‪ ،‬أو كان من صوبا ليق ضي بالشرع‪ ،‬أو نائ با له‪ ،‬ح تى يح كم ب ين ال صبيان في الخطوط‪ ،‬إذا‬
‫تخايروا‪ ،‬هكذا ذكر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬وهو ظاهر‪.‬‬

‫•قلة اجتماع المانة والقوة في الناس‬


‫اجتماع القوة والما نة في الناس قل يل‪ ،‬ولهذا كان ع مر بن الخطاب ر ضي ال ع نه يقول‪ :‬الل هم‬
‫أشكو إليك جلد الفاجر‪ ،‬وعجز الثقة‪ ،‬فالواجب في كل ولية‪ ،‬الصلح بحسبها‪ .‬فإذا تعين رجلن‬
‫أحده ما أع ظم أما نة‪ ،‬وال خر أع ظم قوة‪ ،‬قدم أنفعه ما لتلك الول ية‪ :‬وأقله ما ضررا في ها‪ ،‬فيقدم في‬
‫إمارة الحرب الرجل القوي الشجاع‪ ،‬وإن كان فيه فجور فيها‪ ،‬على الرجل الضعيف العاجز‪ ،‬وإن‬
‫كان أمي نا‪ ،‬ك ما سئل المام أح مد‪ :‬عن الرجل ين يكونان أمير ين في الغزو‪ ،‬وأحده ما قوي فا جر‬
‫وال خر صالح ضع يف‪ ،‬مع أيه ما يغزو؟ فقال‪ :‬أ ما الفا جر القوي‪ ،‬فقو ته للم سلمين‪ ،‬وفجوره على‬
‫نفسه‪ ،‬وأما الصالح الضعيف فصلحه‪ ،‬لنفسه‪ ،‬وضعفه على المسلمين‪ ،‬فيغزي مع القوي الفاجر‪.‬‬
‫و قد قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم {‪ :‬إن ال يؤ يد هذا الد ين بالر جل الفا جر} وروي {بأقوام ل‬
‫خلق لهم}‪ .‬فإذا لم يكن فاجرا‪ ،‬كان أولى بإمارة الحرب مما هو أصلح منه في الدين‪ ،‬إذا لم يسد‬
‫م سده‪ .‬ولهذا {كان ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ي ستعمل خالد بن الول يد على الحرب‪ ،‬م نذ أ سلم‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إن خالدا لسيف سله ال على المشركين} مع أنه أحيانا كان قد يعمل ما ينكره النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬حتى إنه ‪ -‬مرة ‪ -‬رفع يديه إلى السماء وقال‪{ :‬اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد}‪.‬‬
‫لما أرسله إلى خزيمة فقتلهم‪ ،‬وأخذ أموالهم بنوع شبهة‪ ،‬ولم يكن يجوز ذلك‪ ،‬وأنكره عليه بعض‬
‫من معه من الصحابة‪ ،‬حتى وداهم النبي صلى ال عليه وسلم وضمن أموالهم‪ ،‬ومع هذا فما زال‬
‫يقدمه في إمارة الحرب؛ لنه كان أصلح في هذا الباب من غيره‪ ،‬وفعل ما فعل بنوع تأويل‪ .‬وكان‬
‫أ بو ذر ر ضي ال ع نه‪ ،‬أ صلح م نه في الما نة وال صدق‪ ،‬و مع هذا فقال له ال نبي صلى ال عل يه‬
‫وسلم {يا أبا ذر إني أراك ضعيفا‪ ،‬وإني أحب لك ما أحب لنفسي‪ :‬ل تأمرن على اثنين‪ ،‬ول تولين‬
‫مال يت يم}‪ .‬رواه م سلم‪ .‬ن هى أ با ذر عن المارة والولية؛ لنه رآه ضعي فا‪ .‬مع أ نه قد روي‪{ :‬ما‬
‫أظلت الخضراء ول أقلت ال غبراء‪ ،‬أ صدق له جة من أ بي ذر} {وأ مر ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫مرة عمرو بن العاص في غزوة ذات ال سلسل ا ستعطافا لقار به الذ ين بع ثه إلي هم‪ ،‬على من هم‬
‫أفضل منه وأمر أسامة بن زيد‪ ،‬لجل ثأر أبيه}‪ .‬ولذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة‪ ،‬مع أنه قد‬

‫‪4‬‬
‫كان يكون مع المير من هو أفضل منه‪ ،‬في العلم واليمان‪ .‬وهكذا أبو بكر خليفة رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم رضسي ال عنسه مسا زال يسستعمل خالدا فسي حرب أهسل الردة‪ ،‬وفسي فتوح العراق‬
‫والشام‪ ،‬وبدت م نه هفوات كان له في ها تأو يل‪ ،‬و قد ذ كر له ع نه أ نه كان له في ها هوى‪ ،‬فلم يعزله‬
‫مسن أجلهسا‪ ،‬بسل عتبسه عليهسا لرجحان المصسلحة على المفسسدة‪ ،‬فسي بقائه‪ ،‬وأن غيره لم يكسن يقوم‬
‫مقا مه؛ لن المتولي ال كبير‪ ،‬إذا كان خل قه يم يل إلى الل ين‪ ،‬فينب غي أن يكون خلق نائ به يم يل إلى‬
‫الشدة‪ ،‬وإذا كان خل قه يم يل إلى الشدة‪ ،‬فينب غي أن يكون خلق نائ به يم يل إلى الل ين‪ ،‬ليعتدل ال مر‬
‫ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي ال عنه‪ ،‬يؤثر استنابة خالد‪ ،‬وكان عمر بن الخطاب رضي ال‬
‫عنسه‪ ،‬يؤثسر عزل خالد‪ ،‬واسستنابة أبسي عسبيدة بسن الجراح رضسي ال عنسه؛ لن خالدا كان شديدا‪،‬‬
‫كع مر بن الخطاب‪ ،‬وأ با عبيدة كان لي نا كأ بي ب كر‪ ،‬وكان ال صلح ل كل منه ما أن يولي من وله‪،‬‬
‫ليكون أمره معتدل‪ ،‬ويكون بذلك من خلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬الذي هو معتدل‪ ،‬حتى‬
‫قال النبي صلى ال عل يه و سلم‪{ :‬أ نا نبي الرح مة أ نا نبي الملحمة}‪ .‬وقال‪{ :‬أ نا الضحوك القتال}‪.‬‬
‫وأمته وسط قال تعالى فيهم‪{ :‬أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضل من‬
‫ال ورضوانسا} وقال تعالى‪{ :‬أذلة على المؤمنيسن أعزة على الكافريسن}‪ .‬ولهذا لمسا تولى أبسو بكسر‬
‫وعمر‬
‫رضي ال عنهما صارا كاملين في الولية‪ ،‬واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في‬
‫حياة النبي صلى ال عليه وسلم من لين أحدهما وشدة الخر‪ ،‬حتى قال فيهما النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪{ :‬اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر}‪ .‬وظهر من أبي بكر من شجاعة القلب‪ ،‬في قتال‬
‫أهل الردة وغيرهم‪ ،‬ما برز به علي وعمر وسائر الصحابة‪ ،‬رضي ال عنهم أجمعين‪ .‬وإن كانت‬
‫الحاجسة فسي الوليسة إلى المانسة أشسد‪ ،‬قدم الميسن مثسل حفسظ الموال ونحوهسا‪ ،‬فأمسا اسستخراجها‬
‫وحفظها‪ ،‬فل بد فيه من قوة وأمانة‪ ،‬فيولى عليها شاد قوي يستخرجها بقوته‪ ،‬وكاتب أمين يحفظها‬
‫ب خبرته وأمانتسه‪ .‬وكذلك فسي إمارة الحرب‪ ،‬إذا أ مر الميسر بمشورة أولي العلم والديسن جمسع بيسن‬
‫المصلحتين وهكذا في سائر الوليات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد‪ ،‬جمع بين عدد‪ ،‬فل بد من‬
‫ترجيسح الصسلح‪ ،‬أو تعدد المولى‪ ،‬إذا لم تقسع الكفايسة بواحسد تام‪ .‬ويقدم فسي وليسة القضاء‪ ،‬العلم‬
‫الورع الكفسأ‪ ،‬فإن كان أحدهمسا أعلم‪ ،‬والخسر أورع‪ ،‬قدم ‪ -‬فيمسا قسد يظهسر حكمسه‪ ،‬ويخاف فيسه‬
‫الهوى الورع‪ ،‬وفي ما يدق حك مه‪ ،‬ويخاف ف يه الشتباه‪ :‬العلم‪ .‬ف في الحد يث عن ال نبي صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ،‬أ نه قال‪{ :‬إن ال ي حب الب صر النا فذ‪ ،‬ع ند ورود الشبهات‪ ،‬وي حب الع قل ع ند حلول‬
‫الشهوات} ويقدمان على الكفأ‪ ،‬إن كان القاضي مؤيدا تأييدا تاما‪ ،‬من جهة والي الحرب‪ ،‬أو العامة‬
‫ويقدم الكفسأ‪ .‬إن كان القضاء يحتاج إلى قوة‪ ،‬وإعانسة القاضسي‪ ،‬أكثسر مسن حاجسة إلى مزيسد العلم‬
‫والعلم‪ ،‬فإن القاضي المطلق‪ ،‬يحتاج أن يكون عالما عادل قادرا بل وكذلك كل وال للمسلمين‪ ،‬فأي‬
‫صفة من هذه الصفات نقصت‪ ،‬ظهر الخلل بسببه‪ ،‬والكفاءة‪ :‬إما بقهر ورهبة وإما بإحسان ورغبة‪،‬‬
‫وفي الحقيقة فل بد منهما‪ .‬وسئل بعض العلماء‪ :‬إذا لم يوجد من يولى القضاء‪ ،‬إل عالم فاسق أو‬
‫جاهل دين فأيهما يقدم؟ فقال‪ :‬إن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لغلبة الف ساد‪ ،‬قدم الد ين وإن كانت‬
‫الحاجسة إلى الديسن أكثسر لخفاء الحكومات قدم العالم‪ .‬وأكثسر العلماء يقدمون ذا الديسن فإن الئمسة‬
‫متفقون على أ نه ل بد في المتولي من أن يكون عدل أهل للشهادة واختلفوا في اشتراط العلم هل‬
‫يجسب أن يكون مجتهدا‪ ،‬أو يجوز أن يكون مقلدا‪ ،‬أو الواجسب توليسة المثسل فالمثسل كيفمسا تيسسر؟‬
‫على ثل ثة أقوال وب سط الكلم على ذلك في غ ير هذا المو ضع و مع أ نه يجوز تول ية غ ير ال هل‬
‫للضرورة‪ ،‬إذا كان أ صلح الموجود‪ ،‬في جب مع ذلك ال سعي في إ صلح الحوال‪ ،‬ح تى يك مل في‬
‫الناس ما ل بد ل هم م نه‪ ،‬من أمور الوليات والمارات ونحو ها‪ ،‬ك ما ي جب على المع سر ال سعي‬

‫‪5‬‬
‫في وفاء دي نه‪ ،‬وإن كان في الحال ل يطلب م نه إل ما يقدر عل يه‪ ،‬وك ما ي جب ال ستعداد للجهاد‪،‬‬
‫بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز‪ ،‬فإن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب بخلف‬
‫الستطاعة في الحج ونحوها فإنه ل يجب تحصيلها؛ لن الوجوب هناك ل يتم إل بها‪.‬‬

‫•معرفة الصلح وكيفية تمامها‬


‫والم هم في هذا الباب معر فة ال صلح‪ ،‬وذلك إن ما ي تم بمعر فة مق صود الول ية‪ ،‬ومعر فة طر يق‬
‫المقصود‪ ،‬فإذا عرفت المقاصد والوسائل تم المر‪ .‬فلهذا لما غلب على أكثر الملوك قصد الدنيا‪،‬‬
‫دون الد ين‪ ،‬قدموا في وليت هم من يعينهم على تلك المقا صد‪ ،‬وكان من يطلب رئا سة نف سه‪ ،‬يؤثر‬
‫تقديم من يقيم رئاسته‪ ،‬وقد كانت السنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم‪،‬‬
‫هم أمراء الحرب‪ ،‬الذ ين هم نواب ذي ال سلطان على الج ند‪ ،‬ولهذا ل ما قدم ال نبي صلى ال عل يه‬
‫وسلم أبا بكر في الصلة‪ ،‬قدمه المسلمون في إمارة الحرب وغيرها‪ .‬وكان النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم إذا بعث أميرا على حرب‪ ،‬كان هو الذي يؤمره للصلة بأصحابه‪ ،‬وكذلك إذا استعمل رجل‬
‫نائ با على مدي نة‪ ،‬ك ما ا ستعمل عتاب بن أ سيد على م كة‪ ،‬وعثمان بن أ بي العاص على الطائف‬
‫وعليا ومعاذا‪ ،‬وأبا موسى على اليمن وعمرو بن حزم على نجران كان نائبه هو الذي يصلي بهم‪،‬‬
‫ويق يم في هم الحدود وغير ها‪ ،‬م ما يفعله أم ير الحرب‪ ،‬وكذلك خلفاؤه بعده‪ ،‬و من بعد هم من الملوك‬
‫الموييسن وبعسض العباسسيين‪ ،‬وذلك؛ لن أهسم أمسر الديسن الصسلة والجهاد‪ .‬ولهذا كانست أكثسر‬
‫الحاديث‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في الصلة والجهاد‪ ،‬وكان إذا عاد مريضا‪ ،‬يقول‪{ :‬اللهم‬
‫ا شف عبدك‪ ،‬يش هد لك صلة وين كأ لك عدوا}‪{ .‬ول ما ب عث ال نبي صلى ال عل يه و سلم معاذا إلى‬
‫الي من‪ ،‬قال‪ :‬يا معاذ إن أ هم أمرك عندي ال صلة}‪ .‬وكذلك كان ع مر بن الخطاب ر ضي ال ع نه‬
‫يكتب إلى عماله‪ :‬إن أهم أموركم عندي الصلة‪ ،‬فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه‪ ،‬ومن ضيعها‬
‫كان ل ما سواها من عمله أ شد إضا عة وذلك لن ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال‪{ :‬ال صلة عماد‬
‫الدين}‪ .‬فإذا أقام المتولي عماد الدين‪ ،‬فالصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ .‬وهي التي تعين الناس‬
‫على ما سواها من الطاعات‪ ،‬ك ما قال ال تعالى‪{ :‬وا ستعينوا بال صبر وال صلة‪ ،‬وإن ها ل كبيرة إل‬
‫على الخاشعين}‪ .‬وقال سبحانه وتعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلة‪ ،‬إن ال مع‬
‫الصابرين} وقال لنبيه‪{ :‬وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقا‪ ،‬نحن نرزقك‪ ،‬والعاقبة‬
‫للتقوى}‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬و ما خل قت الجن والنس إل ليعبدون ما أريد من هم من رزق وما أريد أن‬
‫يطعمون إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين} فالمقصود الواجب بالوليات‪ :‬إصلح دين الخلق الذي‬
‫متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا‪ ،‬ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا‪ ،‬وإصلح ما ل يقوم الدين إل‬
‫به من أمر دنياهم‪ .‬وهو نوعان‪ :‬قسم المال بين مستحقيه‪ ،‬وعقوبات المتعدين‪ ،‬فمن لم يعتد أصلح‬
‫له دي نه ودنياه‪ .‬ولهذا كان ع مر بن الخطاب يقول‪ :‬إن ما بع ثت عمالي إلي كم‪ ،‬ليعلمو كم كتاب رب كم‬
‫وسنة نبيكم‪ ،‬ويقيموا بينكم دينكم فلما تغيرت الرعية من وجه‪ ،‬والرعاة من وجه‪ ،‬تناقضت المور‪،‬‬
‫فإذا اجتهد الراعي في إصلح دينهم ودنياهم بحسب المكان‪ ،‬كان من أفضل أهل زمانه‪ ،‬وكان‬
‫من أف ضل المجاهد ين في سبيل ال‪ ،‬ف قد روي {يوم من إمام عادل‪ ،‬أف ضل من عبادة ستين سنة}‬
‫وفي مسند المام أحمد عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪{ :‬أحب الخلق إلى ال إمام عادل‪،‬‬
‫وأبغض هم إل يه إمام جائر} و في ال صحيحين عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه‪ ،‬قال‪ :‬قال ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪{ :‬سبعة يظلهم ال يوم ل ظل إل ظله‪ :‬إمام عادل‪ ،‬وشاب نشأ في عبادة ال‪،‬‬
‫ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه‪ ،‬ورجلن تحابا في ال‪ ،‬اجتمعا على ذلك‬
‫وتفر قا عل يه‪ ،‬ور جل ذ كر ال خال يا ففا ضت عيناه‪ ،‬ور جل دع ته امرأة ذات من صب وجمال إلى‬

‫‪6‬‬
‫نف سها‪ ،‬فقال‪ :‬إ ني أخاف ال رب العالم ين‪ ،‬ور جل ت صدق ب صدقة فأخفا ها‪ ،‬ح تى ل تعلم شماله ما‬
‫تنفق يمينه}‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد‪ ،‬رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪{ :‬أهل الجنة ثلثة‪ :‬سلطان مقسط‪ ،‬ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم‪ ،‬ورجل‬
‫غ ني عف يف مت صدق} و في ال سنن ع نه صلى ال عل يه و سلم أ نه قال {‪ :‬ال ساعي على ال صدقة‬
‫بال حق‪ ،‬كالمجا هد في سبيل ال} و قد قال ال تعالى‪ ،‬ل ما أ مر بالجهاد‪{ :‬وقاتلو هم ح تى ل تكون‬
‫فتنة‪ ،‬ويكون الدين كله ل}‪{ .‬وقيل للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا رسول ال الرجل يقاتل شجاعة‪،‬‬
‫ويقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل رياء‪ ،‬فأي ذلك في سبيل ال؟ فقال‪ :‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو‬
‫في سبيل ال} أخرجاه في الصحيحين‪ .‬فالمقصود أن يكون الدين كله ل‪ ،‬وأن تكون كلمة ال هي‬
‫العل يا‪ ،‬وكل مة ال ا سم جا مع لكلماته التي تضمن ها كتا به‪ ،‬وهكذا قال ال تعالى‪{ :‬ل قد أر سلنا ر سلنا‬
‫بالبينات‪ ،‬وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} فالمقصود من إرسال الرسل‪ ،‬وإنزال‬
‫الك تب‪ ،‬أن يقوم الناس بالق سط‪ ،‬في حقوق ال‪ ،‬وحقوق خل قه‪ .‬ثم قال تعالى‪{ :‬وأنزل نا الحد يد ف يه‬
‫بأس شديسد ومنافسع للناس‪ ،‬وليعلم ال مسن ينصسره ورسسله بالغيسب}‪ .‬فمسن عدل عسن الكتاب قوم‬
‫بالحديد‪ ،‬ولهذا كان قوام الدين‬
‫بالم صحف وال سيف‪ .‬و قد روي عن جابر بن ع بد ال ر ضي ال عنه ما‪ ،‬قال‪{ :‬أمر نا ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أن نضرب بهذا ‪ -‬يعني السيف ‪ -‬من عدل عن هذا ‪ -‬يعني المصحف} فإذا‬
‫كان هذا هو المق صود‪ ،‬فإ نه يتو سل إل يه بالقرب فالقرب‪ ،‬وين ظر إلى الرجل ين‪ ،‬أيه ما كان أقرب‬
‫إلى المقصود ولي‪ ،‬فإذا كانت الولية مثل‪ ،‬إمامة صلة فقط‪ ،‬قدم من قدمه النبي صلى ال عليه‬
‫و سلم‪ ،‬ح يث قال‪{ :‬يؤم القوم أقرؤ هم لكتاب ال‪ ،‬فإن كانوا في القراءة سواء‪ ،‬فأعلم هم بال سنة فإن‬
‫كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ول يؤمن الرجل في‬
‫سسلطانه‪ ،‬ول يجلس فسي بيتسه على تكرمتسه إل بإذنسه} ‪ ،‬رواه مسسلم فإذا تكافسأ رجلن‪ ،‬أو خفسي‬
‫أصلحهما أقرع بينهما‪ ،‬كما أقرع سعد بن أبي وقاص بين الناس يوم القادسية‪ ،‬لما تشاجروا على‬
‫الذان‪ ،‬متابعسة لقوله صسلى ال عليسه وسسلم {لو يعلم الناس مسا فسي النداء والصسف الول‪ ،‬ثسم لم‬
‫يجدوا إل أن يسستهموا عليسه لسستهموا}‪ .‬فإذا كان التقديسم بأمسر ال إذا ظهسر‪ ،‬وبفعله ‪ -‬وهسو مسا‬
‫يرجحه بالقرعة إذا خفي المر ‪ -‬كان المتولي قد أدى المانات في الوليات إلى أهلها‪.‬‬

‫الباب الثاني الموال‬


‫وف يه أربعسة ف صول الثا ني مسن المانات والموال ك ما قال تعالى فسي الديون‪{ :‬فإن أ من بعض كم‬
‫بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته‪ ،‬وليتق ال ربه}‬

‫ما يدخل في باب الموال‬


‫ويدخسل فسي هذا القسسم‪ :‬العيان‪ ،‬والديون الخاصسة والعامسة‪ ،‬مثسل رد الودائع‪ ،‬ومال الشريسك‪،‬‬
‫والموكسل‪ ،‬والمضارب‪ ،‬ومال الولي مسن اليتيسم وأهسل الوقسف ونحسو ذلك‪ ،‬وكذلك وفاء الديون مسن‬
‫أثمان ال مبيعات‪ ،‬وبدل القرض‪ ،‬و صدقات الن ساء‪ ،‬وأجور المنا فع ون حو ذلك و قد قال تعالى‪{ :‬إن‬
‫الن سان خلق هلو عا‪ ،‬إذا م سه ال شر جزو عا وإذا م سه الخ ير منو عا‪ ،‬إل الم صلين الذ ين هم على‬

‫‪7‬‬
‫صلتهم دائمون‪ ،‬والذين في أموالهم حق معلوم‪ ،‬للسائل والمحروم} إلى قوله‪{ :‬والذين هم لماناتهم‬
‫وعهد هم راعون}‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬إ نا أنزل نا إل يك الكتاب بال حق لتح كم ب ين الناس ب ما أراك ال ول‬
‫تكن للخائنين خصيما} أي ل تخاصم عنهم‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم‪{ :‬أد المانة إلى من‬
‫ائتمنك‪ ،‬ول تخن من خانك} وقال النبي صلى ال عليه وسلم‪{ :‬المؤمن من أمنه المسلمون على‬
‫دمائهم وأموالهم‪ ،‬والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬والمهاجر من هجر ما نهى ال عنه‪،‬‬
‫والمجاهد من جاهد نفسه في ذات ال} وهو حديث صحيح بعضه في الصحيحين‪ ،‬وبعضه في سنن‬
‫الترمذي‪ ،‬وقال {‪ :‬من أخذ أموال الناس يريد أداءها‪ ،‬أداها ال عنه‪ ،‬ومن أخذها يريد إتلفها أتلفه‬
‫ال} رواه البخاري‪ .‬وإذا‬
‫كان ال قد أو جب أداء المانات ال تي قبضت ب حق‪ ،‬ففيه تنبيه على وجوب أداء الغصب وال سرقة‬
‫والخيانة ونحو ذلك من المظالم‪ ،‬وكذلك أداء العارية وقد {خطب النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫حجة الوداع‪ ،‬وقال في خطبته‪ :‬العارية مؤداة‪ ،‬والمنحة مردودة‪ ،‬الدين مقضي‪ ،‬والزعيم غارم‪ ،‬إن‬
‫ال قد أعطى كل ذي حق حقه‪ ،‬فل وصية لوارث}‪ .‬وهذا القسم يتناول الولة والرعية‪ ،‬فعلى كل‬
‫منهما‪ :‬أن يؤدي إلى الخر ما يجب أداؤه إليه‪ ،‬فعلى السلطان ونوابه‪ ،‬أن يؤتوا كل ذي حق حقه‪،‬‬
‫وعلى جباة الموال‪ ،‬كأهسل الديوان أن يؤدوا إلى ذي السسلطان‪ ،‬مسا يجسب إيتاؤه إليسه‪ ،‬وكذلك على‬
‫الرعية‪ ،‬الذين يجب عليهم من الحقوق‪ ،‬وليس للرعية أن يطلبوا من ولة الموال ما ل يستحقونه‬
‫فيكونوا مسن جنسس مسن قال ال تعالى فيسه‪{ :‬ومنهسم مسن يلمزك فسي الصسدقات‪ ،‬فإن أعطوا منهسا‬
‫رضوا‪ ،‬وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون‪ ،‬ولو أنهم رضوا ما آتاهم ال ور سوله وقالوا حسبنا‬
‫ال سسيؤتينا ال مسن فضله ورسسوله‪ ،‬إنسا إلى ال راغبون إنمسا الصسدقات للفقراء والمسساكين‬
‫والعامل ين علي ها‪ ،‬والمؤل فة قلوب هم‪ ،‬و في الرقاب والغارمين‪ ،‬و في سبيل ال‪ ،‬وا بن ال سبيل فري ضة‬
‫من ال‪ ،‬وال عليم حكيم}‪ .‬ول لهم أن يمنعوا السلطان ما يجب دفعه من الحقوق‪ ،‬وإن كان ظالما‪،‬‬
‫ك ما أ مر ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ل ما ذ كر جور الولة‪ ،‬فقال‪{ :‬أدوا إلي هم الذي ل هم‪ ،‬فإن ال‬
‫سائلهم عما استرعاهم} ففي الصحيحين‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫و سلم قال‪{ :‬كا نت ب نو إ سرائيل ت سوسهم ال نبياء‪ ،‬كل ما هلك نبي‪ ،‬خل فه نبي‪ ،‬وإ نه ل نبي بعدي‪،‬‬
‫و سيكون خلفاء ويكثرون قالوا‪ :‬ف ما تأمر نا؟ فقال‪ :‬أوفوا ببي عة الول فالول ثم أعطو هم حق هم فإن‬
‫ال سائلهم عما استرعاهم} وفيها عن ابن مسعود رضي ال ع نه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪{ :‬إن كم سترون بعدي‪ ،‬أثرة أو أمورا تنكرون ها‪ ،‬قالوا‪ :‬ف ما تأمر نا يا ر سول ال؟ قال‪:‬‬
‫أدوا إلي هم حق هم‪ ،‬وا سألوا ال حق كم} ول يس لولة الموال أن يق سموها بح سب أهوائ هم‪ ،‬ك ما يق سم‬
‫المالك ملكسه‪ ،‬فإنمسا هسم أمناء ونواب ووكلء‪ ،‬ليسسوا ملكسا‪ ،‬كمسا قال رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫و سلم‪{ :‬إ ني ‪ -‬وال ‪ -‬ل أع طي ول أم نع أحدا‪ ،‬وإن ما أ نا قا سم أ ضع ح يث أمرت} رواه البخاري‬
‫عن أ بي هريرة ع نه نحوه‪ .‬فهذا ر سول رب العالم ين‪ ،‬قد أ خبر أ نه ل يس الم نع والعطاء بإراد ته‬
‫واختياره‪ ،‬كما يفعل ذلك المالك الذي أبيح له التصرف في‬
‫ماله‪ ،‬وكمسا يفعسل ذلك الملوك الذيسن يعطون مسن أحبوا‪ ،‬وإنمسا هسو عبسد ال‪ ،‬يقسسم المال بأمره‪،‬‬
‫فيضعه حيث أمره ال تعالى‪ .‬وهكذا قال رجل لعمر بن الخطاب‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ -‬لو وسعت‬
‫على نف سك في النف قة‪ ،‬من مال ال تعالى‪ ،‬فقال له ع مر‪ :‬أتدري ما مثلي وم ثل هؤلء؟ كم ثل قوم‬
‫كانوا في سفر‪ ،‬فجمعوا من هم مال‪ ،‬و سلموه إلى وا حد ينف قه علي هم‪ ،‬ف هل ي حل لذلك الر جل‪ ،‬أن‬
‫ي ستأثر عن هم من أموال هم؟‪ .‬وح مل مرة إلى ع مر بن الخطاب ر ضي ال ع نه‪ ،‬مال عظ يم من‬
‫الخ مس‪ ،‬فقال‪ :‬إن قو ما أدوا الما نة في هذا لمناء‪ ،‬فقال له ب عض الحاضر ين‪ :‬إ نك أد يت الما نة‬
‫إلى ال تعالى‪ ،‬فأدوا إليك الما نة‪ ،‬ولو رتعت رتعوا وينبغي أن يعرف أن أولي المر‪ ،‬كال سوق‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫ما نفق فيه جلب إليه‪ ،‬هكذا قال عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه‪ .‬فإن نفق فيه الصدق والبر‬
‫والعدل والمانسة‪ ،‬جلب إليسه ذلك‪ ،‬وإن نفسق فيسه الكذب والفجور والجور والخيانسة‪ ،‬جلب إليسه ذلك‬
‫والذي على ولي ال مر‪ ،‬أن يأ خذ المال من حله‪ ،‬ويض عه في ح قه‪ ،‬ول يمن عه من م ستحقه وكان‬
‫علي بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه‪ ،‬إذا بل غه أن ب عض نوا به ظلم‪ ،‬يقول‪ :‬الل هم إ ني لم آمر هم أن‬
‫يظلموا خلقك‪ ،‬أو يتركوا حقك‪.‬‬

‫•أصناف الموال السلطانية الغنيمة‬


‫الغني مة) الموال ال سلطانية ال تي أ صلها في الكتاب وال سنة‪ ،‬ثل ثة أ صناف‪ :‬الغني مة‪ ،‬وال صدقة‪،‬‬
‫والف يء‪ .‬فأ ما الغني مة‪ :‬ف هي المال المأخوذ من الكفار بالقتال‪ ،‬ذكر ها ال في سورة النفال‪ ،‬ال تي‬
‫أنزلها في غزوة بدر‪ ،‬وسماها أنفال‪ ،‬أنها زيادة في أموال المسلمين‪ ،‬فقال‪{ :‬يسألونك عن النفال‪،‬‬
‫قل النفال ل والر سول} إلى قوله‪{ :‬واعلموا أن ما غنم تم من ش يء فأن ل خم سه وللر سول ولذي‬
‫القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} الية‪ ،‬وقال‪{ :‬فكلوا مما غنمتم حلل طيبا‪ ،‬واتقوا ال إن‬
‫ال غفور رح يم} و في ال صحيحين عن جابر بن ع بد ال‪ ،‬ر ضي ال عنه ما‪ ،‬أن ال نبي صلى ال‬
‫عل يه و سلم قال‪{ :‬أعط يت خم سا لم يعط هن نبي قبلي‪ :‬ن صرت بالر عب م سيرة ش هر‪ ،‬وجعلت لي‬
‫الرض مسجدا وطهورا‪ ،‬فأيما رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل‬
‫ل حد قبلي‪ ،‬وأعط يت الشفا عة‪ ،‬وكان ال نبي يب عث إلى قو مه خا صة‪ ،‬وبع ثت إلى الناس عا مة}‪.‬‬
‫وقال النبي صلى ال عليه و سلم‪{ :‬بعثت بالسيف بين يدي الساعة‪ ،‬حتى يعبد ال وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬وجعل رزقي تحت ظل رمحي‪ ،‬وجعل الذل والصغار على من خالف أمري‪ ،‬ومن تشبه بقوم‬
‫فهو منهم} رواه أحمد في المسند عن‬
‫ابن عمر‪ ،‬واستشهد به البخاري‪ .‬فالواجب في المغنم تخميسه‪ ،‬وصرف الخمس إلى من ذكره ال‬
‫تعالى‪ ،‬وقسمة الباقي بين الغانمين‪ ،‬قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة‬
‫وهسم الذيسن شهدوا القتال‪ ،‬قاتلوا أو لم يقاتلوا‪ ،‬ويجسب قسسمها بينهسم بالعدل‪ ،‬فل يحابسي أحدا‪ ،‬ل‬
‫لرياسسته ول لنسسبه ول لفضله‪ ،‬كمسا كان النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وخلفاؤه‪ ،‬يقسسمونها‪ .‬وفسي‬
‫صحيح البخاري‪{ :‬أن سعد بن أ بي وقاص ر ضي ال ع نه‪ ،‬رأى له فضل على من دو نه‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬هل تنصرون وترزقون إل بضعفائكم؟} وفي مسند أحمد عن سعد بن‬
‫أبي وقاص‪ ،‬قال‪{ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ :‬الرجل يكون حامية القوم‪ ،‬يكون سهمه وسهم غيره سواء؟‬
‫قال‪ :‬ثكل تك أ مك ا بن أم سعد‪ ،‬و هل ترزقون وتن صرون إل بضعفائ كم} ؟‪ .‬و ما زالت الغنائم ب ين‬
‫الغانمين‪ ،‬في دولة بني أمية وبني العباس‪ ،‬لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر‪ ،‬لكن‬
‫يجوز للمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية كسرية تسرت من الجيش‪ ،‬أو رجل صعد حصنا‬
‫عاليسا ففتحسه‪ ،‬أو حمسل على مقدم العدو فقتله‪ ،‬فهزم العدو ونحسو ذلك؛ لن النسبي صسلى ال عليسه‬
‫و سلم وخلفاءه كانوا ينفلون لذلك‪ .‬وكان ين فل ال سرية في البدا ية الر بع ب عد الخ مس‪ ،‬و في الرج عة‬
‫الثلث ب عد الخ مس‪ ،‬وقال بعض هم‪ :‬إ نه يكون من خ مس الخ مس‪ ،‬لئل يف ضل ب عض الفاتح ين على‬
‫بعسض‪ ،‬والصسحيح أنسه يجوز مسن أربعسة الخماس‪ ،‬وإن كان فيسه تفضيسل بعضهسم على بعسض‬
‫لمصلحة دينية‪ ،‬ل لهوى نفس‪ ،‬كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم غير مرة‪ ،‬وهذا قول فقهاء‬
‫الشام وأبسي حنيفسة‪ ،‬وأحمسد‪ ،‬وغيرهسم‪ ،‬وعلى هذا فقسد قيسل‪ :‬إنسه ينفسل الربسع والثلث بشرط وغيسر‬
‫شرط‪ ،‬وينفل الزيادة على ذلك الشرط‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬من دلني على قلعة فله كذا‪ ،‬ومن جاء برأس‬
‫فله كذا‪ ،‬ونحسو ذلك‪ ،‬وقيسل‪ :‬ل ينفسل زيادة على الثلث‪ ،‬ول ينفله إل بالشرط‪ ،‬وهذان قولن أحمسد‬
‫وغيره‪ ،‬وكذلك ‪ -‬على القول ال صحيح للمام أن يقول‪ :‬من أ خذ شيئا ف هو له‪ ،‬ك ما روي أن ال نبي‬

‫‪9‬‬
‫صلى ال عل يه و سلم كان قد قال ذلك في غزوة بدر إذا رأى ذلك م صلحة راج حة على المف سدة‪.‬‬
‫وإذا كان المام يجمع الغنائم ويقسمها‪ ،‬لم يجز لحد أن يغل منها شيئا {ومن يغلل يأت بما غل يوم‬
‫القيامة} فإن الغلول خيانة ول تجوز النهبة‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عنها‪ ،‬فإذا ترك‬
‫المام الجمع والقسمة‪ ،‬وأذن في الخذ إذنا جائزا‪ ،‬فمن أخذ شيئا بل عدوان‪ ،‬حل له بعد تخميسه‪،‬‬
‫و كل ما دل على الذن ف هو إذن وأ ما إذا لم يأذن‪ ،‬أو أذن إذ نا غ ير جائز‪ ،‬جاز للن سان أن يأ خذ‬
‫مقدار ما ي صيبه بالقسمة‪ ،‬متحر يا للعدل في ذلك‪ .‬ومن حرم على المسلمين جمع المغانم‪ ،‬والحال‬
‫هذه‪ ،‬وأباح المام أن يفعل فيها ما يشاء‪ ،‬فقد تقابل القولن تقابل الطرفين‪ ،‬ودين ال وسط‪ .‬والعدل‬
‫في الق سمة‪ :‬أن يق سم للرا جل سهم‪ ،‬وللفارس ذي الفرس العر بي ثل ثة أ سهم له‪ ،‬و سهمان لفر سه‪،‬‬
‫هكذا ق سم ال نبي صلى ال عل يه و سلم عام خ يبر‪ .‬و من الفقهاء من يقول‪ :‬للفارس سهمان‪ ،‬والول‬
‫الذي دلت عليه السنة الصحيحة؛ ولن الفرس يحتاج إلى مئونة نفسه وسائسه ‪ -‬ومنفعة الفارس‬
‫به أكثر من منفعة راجلين ‪ -‬ومنهم من يقول‪ :‬يسوي بين الفرس العربي والهجين في هذا‪ ،‬ومنهم‬
‫من يقول‪ :‬بل الهج ين ي سهم له سهم وا حد‪ ،‬ك ما روي عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه‪،‬‬
‫والفرس الهج ين‪ ،‬الذي تكون أ مه نبط ية وي سمى البرذون ‪ -‬وبعض هم ي سميه التتري‪ ،‬سواء كان‬
‫ح صانا أو ح صانا خ صيا‪ ،‬وي سمى الكد يش أو رم كة‪ ،‬و هي؛ الح جر‪ ،‬كان ال سلف يعدون للقتال‬
‫الح سان‪ ،‬لقو ته وحد ته‪ ،‬وللغارة والبيات الحجسر؛ ل نه ليسس لهسا صسهيل‪ ،‬ينذر العدو فيحترزون‬
‫وللسير الخصي؛ لنه أصبر على السير‪.‬‬

‫•أصناف الموال السلطانية الصدقات‬


‫الصدقات) وأما الصدقات‪ ،‬فهي لمن سمى ال تعالى في كتابه‪ ،‬فقد روي عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪{ :‬أن رجل سأله من الصدقة‪ ،‬فقال‪ :‬إن ال لم يرض في الصدقة‪ ،‬بقسم نبي ول غيره‪ ،‬ولكن‬
‫جزأ ها ثمان ية أجزاء‪ ،‬فإن ك نت من تلك الجزاء أعطي تك}‪( .‬فالفقراء والم ساكين) يجمع ها مع نى‬
‫الحاجة إلى الكفاية‪ ،‬فل تحل الصدقة لغني‪ ،‬ول لقوي مكتسب (والعاملين عليها) هم الذين يجبونها‬
‫ويحفظونهسا ويكتبونهسا‪ ،‬ونحسو ذلك (والمؤلفسة قلوبهسم) سسنذكرهم ‪ -‬إن شاء ال تعالى ‪ -‬فسي مال‬
‫الفيء (وفي الرقاب) يدخل فيه إعانة المكاتبين‪ ،‬وافتداء السرى‪ ،‬وعتق الرقاب‪ ،‬هذا أقوى القوال‬
‫فيها‪( .‬والغارمين) هم الذين عليهم ديون‪ ،‬ل يجدون وفاءها‪ ،‬فيعطون وفاء ديونهم‪ ،‬ولو كان كثيرا‪،‬‬
‫إل أن يكونوا غرموه في معصية ال تعالى‪ ،‬فل يعطون حتى يتوبوا (وفي سبيل ال) وهم الغزاة‪،‬‬
‫الذين ل يعطون من مال ال ما يكفيهم لغزوهم‪ ،‬فيعطون ما يغزون به‪ ،‬أو تمام ما يغزون به‪ ،‬من‬
‫خيل وسلح ونفقة وأجرة‪ ،‬والحج من سبيل ال‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم (وابن السبيل)‬
‫هو المجتاز من بلد إلى بلد‪.‬‬

‫•أصناف الموال السلطانية الفيء‬


‫الف يء) وأ ما الف يء‪ ،‬فأ صله ما ذكره ال تعالى في سورة الح شر‪ ،‬ال تي أنزل ها ال في غزوة ب ني‬
‫النضير‪ ،‬بعد بدر‪ ،‬من قوله تعالى‪{ :‬وما أفاء ال على رسوله منهم‪ ،‬فما أوجفتم عليه من خيل ول‬
‫ركاب ولكن ال يسلط رسله على من يشاء وال على كل شيء قدير ما أفاء ال على رسوله من‬
‫أ هل القرى فلله وللر سول ولذي القر بى واليتا مى والم ساكين وا بن ال سبيل كي ل يكون دولة ب ين‬
‫الغنياء منكسم ومسا آتاكسم الرسسول فخذوه ومسا نهاكسم عنسه فانتهوا واتقوا ال إن ال شديسد العقاب‬
‫للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم‪ ،‬يبتغون فضل من ال ورضوانا وينصرون‬
‫ال ور سوله أولئك هم ال صادقون والذ ين تبوءوا الدار واليمان من قبل هم يحبون من ها جر إلي هم‬

‫‪10‬‬
‫ول يجدون في صدورهم حا جة م ما أوتوا ويؤثرون على أنف سهم ولو كان ب هم خ صاصة‪ ،‬و من‬
‫يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين‬
‫سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}‪ .‬فذكر سبحانه وتعالى‬
‫المهاجرين والنصار‪ ،‬والذين جاءوا من بعدهم على ما وصف‪ ،‬فدخل في الصنف الثالث كل من‬
‫جاء على هذا الو جه إلى يوم القيا مة‪ ،‬ك ما دخلوا في قوله تعالى‪{ :‬والذ ين آمنوا من ب عد وهاجروا‬
‫وجاهدوا معكم فأولئك منكم}‪ .‬وفي قوله‪{ :‬والذين اتبعوهم بإحسان} وفي قوله‪{ :‬وآخرين منهم لما‬
‫يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم} ومعنى قوله‪{ :‬فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب} أي ما حركتم‬
‫ول سقتم خيل ول إبل‪ .‬ولهذا قال الفقهاء‪ :‬إن الفيء هو ما أخذ من الكفار بغير قتال؛ لن إيجاف‬
‫الخيسل والركاب هسو معنسى القتال‪ ،‬وسسمي فيئا؛ لن ال أفاءه على المسسلمين‪ ،‬أي رده عليهسم مسن‬
‫الكفار‪ ،‬فإن الصسل أن ال تعالى‪ ،‬إنمسا خلق الموال إعانسة على عبادتسه؛ لنسه إنمسا خلق الخلق‬
‫لعبادته‪ ،‬فالكافرون به أباح أنفسهم التي لم يعبدوه بها‪ ،‬وأموالهم التي لم يستعينوا بها على عبادته‪،‬‬
‫لعباده المؤمن ين الذ ين يعبدو نه‪ ،‬وأفاء إلي هم ما ي ستحقونه‪ ،‬ك ما يعاد على الر جل ما غ صب من‬
‫ميرا ثه‪ ،‬وإن لم ي كن قب ضه ق بل ذلك‪ ،‬وهذا م ثل الجز ية ال تي على اليهود والن صارى والمال الذي‬
‫يصسالح عليسه العدو‪ ،‬أو يهدونسه إلى سسلطان المسسلمين كالحمسل الذي يحمسل مسن بلد النصسارى‬
‫ونحوهم‪ ،‬وما يؤخذ من تجار أهل الحرب‪ ،‬وهو العشر‪ ،‬ومن تجار أهل الذمة إذا اتجروا من غير‬
‫بلدهم‪ ،‬وهو نصف العشر‪ .‬هكذا كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يأخذ‪ ،‬وما يؤخذ من أموال‬
‫من ينقض العهد منهم‪ ،‬والخراج الذي كان مضروبا في الصل عليهم‪ ،‬وإن كان قد صار بعضه‬
‫على بعض الم سلمين‪ .‬ثم إنه يجتمع من الفيء جميع الموال ال سلطانية التي لبيت مال المسلمين‬
‫كالموال التسي ليسس لهسا مالك معيسن‪ ،‬مثسل مسن مات مسن المسسلمين وليسس له وارث معيسن‪،‬‬
‫وكالغصسوب‪ ،‬والعواري‪ ،‬والودائع ال تي عذر معر فة أصسحابها‪ ،‬وغيسر ذلك مسن أموال الم سلمين‪،‬‬
‫العقار والمنقول فهذا ونحوه مال الم سلمين‪ .‬وإنما ذكر ال تعالى في القرآن الفيء فقط؛ لن النبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم مسا كان يموت على عهده ميست‪ ،‬إل وله وارث معيسن لظهور النسساب فسي‬
‫أ صحابه‪ ،‬و قد مات مرة ر جل من قبيلة فد فع ميرا ثه إلى أ كبر تلك ال قبيلة‪ ،‬أي أقرب هم ن سبا إلى‬
‫جد هم‪ ،‬و قد قال بذلك طائ فة من العلماء‪ ،‬كأح مد في قول من صوص وغيره‪ ،‬ومات ر جل لم يخلف‬
‫إل عتيقا له‪ ،‬فدفع ميراثه إلى عتيقه‪ ،‬وقال بذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم‪ ،‬ودفع ميراث‬
‫رجل إلى رجل من أهل قريته وكان صلى ال عليه وسلم هو وخلفاؤه يتوسعون في دفع ميراث‬
‫الم يت‪ ،‬إلى من بي نه وبي نه ن سب ك ما ذكرناه ولم ي كن يأ خذ من الم سلمين إل ال صدقات‪ ،‬وكان‬
‫يأمر هم أن يجاهدوا في سبيل ال بأموال هم وأنف سهم‪ ،‬ك ما أ مر ال به في كتا به‪ .‬ولم ي كن للموال‬
‫المقبوضة والمقسومة‪ ،‬ديوان جامع‪ ،‬على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر رضي‬
‫ال عنه‪ ،‬بل كان يقسم المال شيئا فشيئا‪ ،‬فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كثر‬
‫المال واتسعت البلد‪ ،‬وكثر الناس فجعل ديوان العطاء للمقاتلة وغيرهم‪ ،‬وديوان الجيش ‪ -‬في هذا‬
‫الزمان ‪ -‬مشت مل على أكثره‪ ،‬وذلك الديوان هو أ هم دواو ين الم سلمين‪ .‬وكان للم صار دواو ين‬
‫الخراج والفيء وما يقبض من الموال‪ ،‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم وخلفاؤه يحاسبون العمال‬
‫على ال صدقات والف يء وغ ير ذلك‪ ،‬ف صارت الموال في هذا الزمان و ما قبله ثل ثة أنواع‪ :‬نوع‬
‫يسسستحق المام قبضسسه بالكتاب والسسسنة والجماع‪ ،‬كمسسا ذكرناه‪ ،‬ونوع يحرم أخذه بالجماع‪،‬‬
‫كالجنايات ال تي تؤ خذ من أ هل القر ية لب يت المال؛ ل جل قت يل ق تل بين هم‪ ،‬وإن كان له وارث‪ ،‬أو‬
‫على حد ارتكب ‪ -‬وتسقط عنه العقوبة بذلك‪ ،‬وكالمكوس التي ل يسوغ وضعها اتفاقا‪ ،‬ونوع فيه‬
‫اجتهاد وتنازع كمال من له ذو رحم ‪ -‬وليس بذي فرض ول عصبة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫•الظلم الواقع من الولة والرعية‬
‫وكثيرا ما يقع الظلم من الولة والرعية‪ :‬هؤلء يأخذون ما يحل‪ ،‬وهؤلء يمنعون ما يجب‪ ،‬كما قد‬
‫يتظالم الج ند والفلحون‪ ،‬وك ما قد يترك ب عض الناس من الجهاد ما ي جب‪ ،‬ويكنزه الولة من مال‬
‫ال‪ ،‬م ما ل ي حل كنزه‪ ،‬وكذلك العقوبات على أداء الموال‪ ،‬فإ نه قد يترك من ها ما يباح أو ي جب‪،‬‬
‫وقد يفعل ما ل يحل‪ .‬والصل في ذلك‪ :‬أن كل من عليه مال يجب أداؤه‪ ،‬كرجل عنده وديعة‪ ،‬أو‬
‫مضارة‪ ،‬أو شركة‪ ،‬أو مال لموكله‪ ،‬أو مال يت يم‪ ،‬أو مال وقف‪ ،‬أو مال لبيت المال‪ ،‬أو عنده دين‪،‬‬
‫هو قادر على أدائه‪ ،‬فإنه إذا امتنع من أداء الحق الواجب من عين أو دين‪ ،‬وعرف أنه قادر على‬
‫أدائه‪ ،‬فإ نه ي ستحق العقو بة‪ ،‬ح تى يظ هر المال أو يدل على موض عه فإذا عرف المال‪ ،‬و صير في‬
‫الح بس فإ نه ي ستوفي ال حق من المال‪ ،‬ول حا جة إلى ضر به به‪ ،‬وإن امت نع من الدللة على مال‬
‫ومن اليفاء‪ ،‬ضرب حتى يؤدي الحق أو يمكن من أدائه‪ ،‬وكذلك لو امتنع من أداء النفقة الواجبة‬
‫عليه مع القدرة علي ها؛ لما روى ع مر بن الشر يد عن أبيه‪ ،‬عن النبي صلى ال عل يه وسلم‪ ،‬أنه‬
‫قال‪{ :‬لي الواجد يحل عرضه وعقوبته‪ }.‬رواه أهل السنن وقال صلى ال عليه وسلم {مطل الغني‬
‫ظلم} أخرجاه في الصحيحين واللي هو‬
‫المطل والظالم يستحق العقوبة والتعزير وهذا أصل متفق عليه‪ :‬أن كل من فعل محرما‪ ،‬أو ترك‬
‫واجبا‪ ،‬استحق العقوبة‪ ،‬فإن لم تكن مقدرة بالشرع كان يجتهد تعزيرا فيه ولي المر‪ ،‬فيعاقب الغني‬
‫المماطل بالحبس‪ ،‬فإن أصر عوقب بالضرب‪ ،‬حتى يؤدي الواجب‪ ،‬وقد نص على ذلك الفقهاء من‬
‫أ صحاب مالك والشاف عي وأح مد وغير هم ر ضي ال عن هم عن هم ول أعلم ف يه خل فا‪ .‬و قد روى‬
‫البخاري في صحيحه عن ا بن ع مر ر ضي ال تعالى عنه ما {أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم ل ما‬
‫صالح أ هل خيبر على الصفراء والبيضاء وال سلح‪ ،‬سأل ب عض اليهود‪ ،‬و هو سعية عم حيي بن‬
‫أخطب‪ ،‬عن كنز مال حيي بن أخطب فقال‪ :‬أذهبته النفقات والحروب‪ ،‬فقال‪ :‬العهد قريب‪ ،‬والمال‬
‫أكثر من ذلك فدفع النبي صلى ال عليه وسلم سعية إلى الزبير‪ ،‬فسمه بعذاب‪ ،‬فقال‪ :‬قد رأيت حييا‬
‫يطوف؛ في خر بة هاه نا‪ ،‬فذهبوا فطافوا‪ ،‬فوجدوا الم سك في الخر بة} ‪ ،‬وهذا الر جل كان ذم يا‪،‬‬
‫والذمي ل تحل عقوبته إل بحق‪ ،‬وكذلك كل من كتم ما يجب إظهاره من دللة واجبة ونحو ذلك‪،‬‬
‫يعاقب على ترك الواجب‪.‬‬

‫•وجوه صرف الموال‬


‫وأ ما الم صارف فالوا جب‪ :‬أن يبتدئ في الق سمة بال هم فال هم من م صالح الم سلمين‪ ،‬كعطاء من‬
‫يحصل للمسلمين به منفعة عامة‪ .‬فمنهم المقاتلة‪ :‬الذين هم أهل النصرة والجهاد‪ ،‬وهم أحق الناس‬
‫بالفيء فإنه ل يحصل إل بهم‪ ،‬حتى اختلف الفقهاء في مال الفيء‪ :‬هل هو مختص بهم‪ ،‬أو مشترك‬
‫في جميع المصالح؟ وأما سائر الموال ال سلطانية فلجميع المصالح وفاقا‪ ،‬إل ما خص به نوعا‪،‬‬
‫كالصدقات والمغنم‪.‬‬

‫القسم الثاني الحدود والحقوق وفيه بابان‬

‫‪.1‬حدود ال وحقوقه وفيه ثمانية فصول‬

‫‪12‬‬
‫أمثلة من تلك الحدود والحقوق‬
‫أمثلة من تلك الحدود والحقوق‪ ،‬وواجب الولة نحوها وأما قوله تعالى‪{ :‬وإذا حكمتم بين الناس أن‬
‫تحكموا بالعدل} فإن الحكسم بيسن الناس‪ ،‬يكون فسي الحدود والحقوق‪ ،‬وهمسا قسسمان‪ :‬فالقسسم الول‪:‬‬
‫الحدود والحقوق التي ليست لقوم معينين بل منفعتها لمطلق المسلمين‪ ،‬أو نوع منهم‪ .‬وكلهم محتاج‬
‫إليها‪ ،‬وت سمى حدود ال‪ ،‬وحقوق ال مثل‪ :‬حد قطاع الطريق‪ ،‬وال سراق‪ ،‬والزناة ونحوهم‪ ،‬وم ثل‪:‬‬
‫الحكم في المور السلطانية‪ ،‬والوقوف والوصايا التي ليست لمعين‪ ،‬فهذه من أهم أمور الوليات‪،‬‬
‫ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ " :‬ل بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفنا ها ف ما بال الفاجرة؟ فقال يقام ب ها الحدود‪ ،‬وتأمن ب ها ال سبل‪،‬‬
‫ويجاهد بها العدو‪ ،‬ويقسم بها الفيء "‪ .‬وهذا القسم يجب على الولة البحث عنه‪ ،‬وإقامته من غير‬
‫دعوى أ حد به وكذلك تقام الشهادة ف يه‪ ،‬من غ ير دعوى أ حد به‪ ،‬وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في‬
‫قطع يد السارق‪ :‬هل يفتقر إلى مطالبة المسروق بماله؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره‪ ،‬لكنهم‬
‫يتفقون على أ نه ل يحتاج إلى مطال بة الم سروق‪ ،‬و قد اشترط بعض هم المطال بة بالمال‪ ،‬لئل يكون‬
‫للسارق فيه شبهة‪.‬‬

‫عقوبة المحاربين وقطاع الطرق‬


‫عقوبسة المحاربيسن‪ ،‬وقطاع الطريسق الذيسن يعترضون الناس‪ ،‬فسي الطرقات ونحوهسا؛ ليغصسبوهم‬
‫المال‪ ،‬مجاهرة مسن العراب والتركمان والكراد والفلحيسن وفسسقة الجنسد أو مردة الحاضرة أو‬
‫غيرهم‪ ،‬قال ال تعالى فيهم‪{ :‬إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن‬
‫يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا‬
‫ولهم في الخرة عذاب عظيم}‪ .‬وقد روى الشافعي رحمه ال في سننه عن ابن عباس رضي ال‬
‫عنسه فسي قطاع الطريسق ‪ -‬إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصسلبوا‪ ،‬وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا‬
‫ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا‪ ،‬قطعت أيديهم وأرجلهم من خلف‪ ،‬وإذا أخافوا السبيل ولم‬
‫يأخذوا مال نفوا من الرض وهذا قول كثير من أهل العلم كالشافعي وأحمد وهو قريب من قول‬
‫أبي حنيفة رحمه ال‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬للمام أن يجتهد فيهم‪ ،‬فيقتل من رأى قتله مصلحة‪ ،‬وإن كان‬
‫لم يقتل مثل أن يكون رئيسا مطاعا فيها‪ ،‬ويقطع من رأى قطعه مصلحة‪ .‬وإن كان لم يأخذ المال‪،‬‬
‫مثل أن يكون ذا جلد وقوة في أخذ المال كما أن منهم من يروي أنه إذا أخذوا المال قتلوا وقطعوا‬
‫وصلبوا‪ ،‬والول قول الكثر‪ ،‬فمن كان من‬
‫المحاربين قد قتل‪ ،‬فإنه يقتله المام حدا ل يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء‪ .‬ذكره ابن المنذر‬
‫ول يكون أمره إلى ورثة المقتول‪ ،‬بخلف ما لو قتل رجل رجل لعداوة بينهما أو خصومة أو نحو‬
‫ذلك مسن السسباب الخاصسة‪ ،‬فإن هذا دمسه لولياء المقتول‪ ،‬إن أحبوا قتلوا‪ ،‬وإن أحبوا عفوا‪ ،‬وإن‬
‫أحبوا أخذوا الديسة؛ لنسه قتله لغرض خاص‪ .‬وأمسا المحاربون فإنمسا يقتلون لخسذ أموال الناس‪،‬‬
‫فضررهم عام بمنزلة السراق فكان قتلهم حد ال‪ .‬وهذا متفق عليه بين الفقهاء حتى لو كان المقتول‬
‫غ ير مكافسئ للقا تل مثسل أن يكون القا تل حرا والمقتول عبدا‪ ،‬أو القا تل مسسلما‪ ،‬والمقتول ذميسا أو‬
‫م ستأمنا‪ .‬ف قد اختلف الفقهاء هل يق تل في المحار بة؟ والقوى أ نه يق تل ل نه ق تل للف ساد العام حدا‪،‬‬
‫كما يقطع إذا أخذ أموالهم‪ ،‬وكما يحبس بحقوقهم‪.‬‬

‫واجسب المسسلمين إذا طلب السسلطان المحاربيسن وقطاع الطريسق فامتنعوا عليسه وهذا كله إذا قدر‬
‫عليهم‬

‫‪13‬‬
‫فأما إذا طلبهم السلطان أو نوابه‪ ،‬لقامة الحد بل عدوان فامتنعوا عليه‪ ،‬فإنه يجب على المسلمين‬
‫قتالهسم باتفاق العلماء‪ ،‬حتسى يقدر عليهسم كلهسم‪ ،‬ومتسى لم ينقادوا إل بقتال يفضسي إلى قتلهسم كلهسم‬
‫قوتلوا‪ ،‬وإن أفضى إلى ذلك‪ ،‬سواء كانوا قد قتلوا أو لم يقتلوا‪ .‬ويقتلون في القتال كيفما أمكن‪ ،‬في‬
‫العنق وغيره‪ .‬ويقاتل من قاتل معهم ممن يحميهم ويعينهم فهذا قتال‪ ،‬وذاك إقامة حد‪ ،‬وقتال هؤلء‬
‫أوكد من قتل الطوائف الممتنعة عن شرائع السلم فإن هؤلء قد تحزبوا لفساد النفوس والموال‪،‬‬
‫وهلك الحرث والنسل‪ ،‬ليس مقصودهم إدامة دين ول ملك‪ ،‬وهؤلء كالمحاربين الذين يأوون إلى‬
‫حصن‪ ،‬أو مغارة أو رأس جبل‪ ،‬أو بطن واد‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬يقطعون الطريق على من مر بهم‪ ،‬وإذا‬
‫جاء هم ج ند ولي ال مر تطلب هم للدخول في طا عة الم سلمين والجما عة؛ لقا مة الحدود‪ ،‬قاتلو هم‬
‫ودفعو هم م ثل العراب الذ ين يقطعون الطر يق على الحاج أو غيره من الطرقات أو الجبلة الذ ين‬
‫يعتصمون برءوس الجبال أو المغارات؛ لقطع الطريق‪ .‬كالحلف الذين تحالفوا لقطع الطريق بين‬
‫الشام والعراق ويسسمون ذلك النهيضسة‪ ،‬فإنهسم يقاتلون كمسا ذكرنسا‪ .‬لكسن قتالهسم ليسس بمنزلة قتال‬
‫الكفار‪ ،‬إذا لم يكونوا كفارا‪ ،‬ول تؤخسذ أموالهسم‪ ،‬إل أن يكونوا أخذوا أموال الناس بغيسر حسق‪ ،‬فإن‬
‫عليهسم ضمانهسا فيؤخسذ منهسم بقدر مسا أخذوا‪ ،‬وإن لم تعلم عيسن الخسر‪ ،‬وكذلك لو علم عينسه‪ ،‬فإن‬
‫الردء والمباشر سواء كما قلناه‪ ،‬لكن إذا عرف عينه كان قرار الضمان عليه‪ ،‬ويرد ما يؤخذ منه‬
‫على أرباب الموال‪ ،‬فإن تعذر الرد علي هم كان لم صالح الم سلمين‪ ،‬من رزق الطائ فة المقاتلة ل هم‬
‫وغ ير ذلك‪ .‬بل المق صود من قتال هم التم كن من هم لقا مة الحدود ومنع هم من الف ساد‪ ،‬فإذا جرح‬
‫الرجل منهم جرحا مثخنا‪ ،‬لم يجهز عليه حتى يموت‪ ،‬إل أن يكون قد وجب عليه القتل‪ ،‬وإذا هرب‬
‫وكفانا شره لم نتبعه‪ ،‬إل أن يكون عليه حد‪ ،‬أو نخاف عاقبته‪.‬‬

‫حد السرقة‬
‫وأمسا السسارق فيجسب قطسع يده اليمنسى بالكتاب والسسنة والجماع قال تعالى‪{ :‬والسسارق والسسارقة‬
‫فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من ال وال عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن‬
‫ال يتوب عليه إن ال غفور رحيم} ول يجوز بعد ثبوت الحد بالبينة‪ ،‬أو القرار‪ ،‬تأخيره‪ ،‬ول مال‬
‫يفتدى به ول غيره‪ ،‬بل تق طع يده في الوقات المعظ مة وغير ها‪ ،‬فإن إقا مة ال حد من العبادات‪،‬‬
‫كالجهاد في سبيل ال فينب غي أن يعرف أن إقا مة الحدود رح مة من ال بعباده فيكون الوالي شديدا‬
‫في إقا مة ال حد‪ ،‬ل تأخذه رأ فة في د ين ال فيعطله‪ ،‬ويكون ق صده رح مة الخلق‪ ،‬ب كف الناس عن‬
‫المنكرات؛ لشفاء غيظه‪ ،‬وإرادة العلو على الخلق‪ ،‬به بمنزلة الوالد إذا أدب ولده‪ ،‬فإنه لو كف عن‬
‫تأديب ولده‪ ،‬كما تشير به الم رقة ورأفة لفسد الولد‪ ،‬وإنما يؤدبه رحمة به وإصلحا لحاله‪ ،‬مع‬
‫أنسه يود ويؤثسر أن ل يحوجسه إلى تأديسب‪ ،‬وبمنزلة الطسبيب الذي يسسقي المريسض الدواء الكريسه‪،‬‬
‫وبمنزلة قطسع العضسو المتآكسل والحجسم‪ ،‬وقطسع العروق بالفصساد ونحسو ذلك‪ ،‬بسل بمنزلة شرب‬
‫الن سان الدواء الكر يه‪ ،‬و ما يدخله على نف سه من المش قة لينال به الرا حة‪ .‬فهكذا شر عت الحدود‬
‫وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في‬
‫إقامت ها م تى كان ق صده صلح الرع ية والن هي عن المنكرات بجلب المنف عة ل هم‪ ،‬ود فع المضرة‬
‫عن هم‪ ،‬وابت غى بذلك و جه ال تعالى‪ ،‬وطا عة أمره ألن ال له القلوب‪ ،‬وتي سرت له أ سباب الخ ير‪،‬‬
‫وكفاه العقوبة البشرية‪ ،‬وقد يرضي المحدود‪ ،‬إذا أقام عليه الحد‪ .‬وأما إذا كان غرضه العلو عليهم‪،‬‬
‫وإقامة رياسته؛ ليعظموه أو ليبذلوا له ما يريد من الموال‪ ،‬انعكس عليه مقصوده ويروى أن عمر‬
‫بن عبد العزيز رضي ال عنه قبل أن يلي الخلفة‪ ،‬كان نائبا للوليد بن عبد الملك على مدينة النبي‬
‫صلى ال عل يه و سلم وكان قد ساسهم سياسة صالحة‪ ،‬فقدم الحجاج من العراق و قد سامهم سوء‬

‫‪14‬‬
‫العذاب‪ ،‬فسأل أهل المدينة عن عمر كيف هيبته فيكم؟ قالوا‪ :‬ما نستطيع أن ننظر إليه‪ .‬قال‪ :‬كيف‬
‫محبتكم له؟ قالوا‪ :‬هو أحب إلينا من أهلنا قال‪ :‬فكيف أدبه فيكم؟ قالوا‪ :‬ما بين الثلثة السواط إلى‬
‫العشرة قال‪ :‬هذه هيب ته‪ ،‬وهذه محب ته‪ ،‬وهذا أدبسه‪ ،‬هذا أ مر من السسماء‪ .‬وإذا قط عت يده ح سمت‬
‫واستحب أن تعلق في عنقه‪.‬‬

‫حد الزنا‬
‫وأما الزاني‪ :‬فإن كان محصنا‪ ،‬فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت‪ ،‬كما {رجم النبي صلى ال عليه‬
‫وسسلم ماعسز بسن مالك السسلمي‪ ،‬ورجسم الغامديسة ورجسم اليهوديسة ورجسم غيسر هؤلء} ‪ ،‬ورجسم‬
‫الم سلمون بعده‪ ،‬واختلف العلماء‪ :‬هل يجلد ق بل الر جم مائة؟ على قول ين في مذ هب أح مد وغيره‬
‫وإن كان غ ير مح صن‪ ،‬فإ نه يجلد مائة جلدة بكتاب ال‪ ،‬ويغرب عا ما ب سنة ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وإن كان بعض العلماء ل يرى وجوب التغريب‪ .‬ول يقام عليه الحد حتى يشهد عليه‬
‫أرب عة شهداء‪ ،‬أو يش هد على نف سه أر بع شهادات‪ ،‬ع ند كث ير من العلماء أو أكثر هم‪ ،‬ومن هم من‬
‫يكت في بشهاد ته على نف سه مرة واحدة ولو أ قر على نف سه‪ ،‬ثم ر جع فمن هم من يقول‪ :‬ي سقط ع نه‬
‫ال حد‪ ،‬ومن هم من يقول‪ :‬ل ي سقط والمح صن من و طئ‪ ،‬و هو حر مكلف؛ ل من تزوج ها نكا حا‬
‫صسحيحا فسي قبلهسا‪ ،‬ولو مرة واحدة‪ ،‬وهسل يشترط أن تكون الموطوءة مسساوية للواطسئ فسي هذه‬
‫الصسفات على قوليسن للعلماء‪ .‬وهسل تحصسن المراهقسة للبالغ وبالعكسس؟‪ .‬فأمسا أهسل الذمسة‪ ،‬فإنهسم‬
‫محصنون أيضا عند أكثر العلماء‪ ،‬كالشافعي وأحمد؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم رجم يهوديين‬
‫عند باب مسجده‪ ،‬وذلك أول رجم كان في السلم‪.‬‬

‫حد شرب الخمر‬


‫وأ ما حد الشرب‪ :‬فإ نه ثا بت ب سنة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وإجماع الم سلمين‪ ،‬ف قد روى‬
‫أهل السنن‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم من وجوه أنه قال‪{ :‬من شرب الخمر فاجلدوه‪ ،‬ثم إن‬
‫شرب فاجلدوه‪ ،‬ثسم إن شرب الخمسر فاجلدوه‪ ،‬ثسم إن شرب الرابعسة فاقتلوه} وثبست عنسه أنسه جلد‬
‫الشارب غير مرة‪ ،‬وهو وخلفاؤه والمسلمون بعده‪ .‬والقتل عند أكثر العلماء منسوخ وقيل هو محكم‬
‫يقال‪ :‬هو تعزير يفعله المام عند الحاجة‪ .‬وقد ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم‪{ :‬أنه ضرب‬
‫في الخ مر بالجر يد والنعال أربع ين} وضرب أ بو ب كر ر ضي ال ع نه أربع ين‪ ،‬وضرب ع مر في‬
‫خلفته ثمانين‪ ،‬وكان علي رضي ال عنه يضرب مرة أربعين ومرة ثمانين فمن العلماء من يقول‪:‬‬
‫ي جب ضرب الثمان ين‪ ،‬ومن هم من يقول‪ :‬الوا جب أربعون‪ ،‬والزيادة يفعل ها المام ع ند الحا جة‪ ،‬إذا‬
‫أدمن الناس الخمر‪ ،‬أو كان الشارب ممن ل يرتدع بدونها ونحو ذلك‪ .‬فأما مع قلة الشاربين وقرب‬
‫أ مر الشارب فتك في الربعون‪ ،‬وهذا أو جه القول ين‪ ،‬و هو قول الشاف عي‪ ،‬وأح مد رحمه ما ال‪ ،‬في‬
‫إحدى الروايتين عن أحمد وقد كان عمر رضي ال عنه ‪ -‬لما كثر الشرب ‪ -‬زاد فيه النفي وحلق‬
‫الرأس مبالغة في الزجر عنه‪ ،‬فلو عزر الشارب مع الربعين بقطع خبزه أو عزله عن وليته كان‬
‫ح سنا‪ ،‬وإن عمر بن الخطاب ر ضي ال عنه بلغه عن ب عض نوابه‪ ،‬أنه يتمثل بأبيات في الخمر‬
‫فعزله‪.‬‬

‫المعاصي التي ليس فيها حد مقدر وبيان الحد الشرعي‬


‫وأما المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ول كفارة‪ ،‬كالذي يقبل الصبي والمرأة الجنبية‪ ،‬أو يباشر‬
‫بل جماع‪ ،‬أو يأكل ما ل يحل كالدم والميتة‪ ،‬أو يقذف الناس بغير الزنا‪ ،‬أو يسرق من غير حرز‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫أو شيئا يسسيرا‪ ،‬أو يخون أمانتسه‪ ،‬كولة أموال بيست المال أو الوقسف‪ ،‬ومال اليتيسم ونحسو ذلك‪ ،‬إذا‬
‫خانوا فيها‪ ،‬كالولة والشركاء‪ ،‬إذا خانوا‪ ،‬أو يغش في معاملته‪ ،‬كالذين يغشون في الطعمة والثياب‬
‫ونحسو ذلك‪ ،‬أو يطفسف المكيال والميزان‪ ،‬أو يشهسد الزور‪ ،‬أو يلقسن شهادة الزور‪ ،‬أو يرتشسي فسي‬
‫حكمسه‪ ،‬أو يحكسم بغيسر مسا أنزل ال‪ ،‬أو يعتدي على رعيتسه‪ ،‬أو يتعزى بعزاء الجاهليسة‪ ،‬أو يلبسي‬
‫دا عي الجاهل ية‪ ،‬إلى غ ير ذلك من أنواع المحرمات فهؤلء يعاقبون تعزيرا وتنكيل وتأدي با‪ ،‬بقدر‬
‫مسا يراه الوالي‪ ،‬على حسسب كثرة ذلك الذنسب فسي الناس وقلتسه‪ ،‬فإذا كان كثيرا زاد فسي العقوبسة‪،‬‬
‫بخلف ما إذا كان قليل‪ ،‬وعلى ح سب حال المذ نب‪ ،‬فإذا كان من المدمن ين على الفجور‪ ،‬ز يد في‬
‫عقوب ته‪ ،‬بخلف الم قل من ذلك‪ ،‬وعلى ح سب كبر الذ نب و صغره‪ ،‬فيعا قب من يتعرض لن ساء‬
‫الناس وأولدهم‪ ،‬ما ل يعاقبه من لم يتعرض إل لمرأة واحدة‪ ،‬أو صبي واحد وليس لقل التعزير‬
‫حد‪ ،‬بل هو ب كل ما ف يه إيلم الن سان‪ ،‬من قول وف عل وترك قول‪ ،‬وترك ف عل‪ ،‬ف قد يعزر الر جل‬
‫بوع ظه وتوبي خه والغلظ له‪ ،‬و قد يعزر بهجره وترك ال سلم عل يه ح تى يتوب إذا كان ذلك هو‬
‫المصلحة‪ ،‬ك ما {ه جر ال نبي صلى ال عليه و سلم وأ صحابه الثل ثة الذ ين خلفوا} و قد يعزر بعزله‬
‫عسن وليتسه‪ ،‬كمسا كان النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وأصسحابه يعزرون بذلك‪ ،‬وقسد يعزر بترك‬
‫ا ستخدامه في ج ند الم سلمين‪ ،‬كالجندي المقا تل‪ ،‬إذا فر من الز حف‪ ،‬فإن الفرار من الز حف من‬
‫الكبائر‪ ،‬وق طع خبزه نوع تعز ير له‪ ،‬وكذلك الم ير إذا ف عل ما ي ستعظم فعزله من المارة تعز ير‬
‫له‪ .‬وكذلك قسد يعزر بالحبسس‪ ،‬وقسد يعزر بالضرب‪ ،‬وقسد يعزر بتسسويد وجهسه وإركابسه على دابسة‬
‫مقلوبا‪ ،‬كما روي عن عمر بن الخطاب‪ ،‬أنه أمر بذلك في شاهد الزور‪ ،‬فإن الكاذب سود الوجه‪،‬‬
‫ف سود وج هه‪ ،‬وقلب الحد يث‪ ،‬فقلب ركو به‪ .‬وأ ما أعله‪ ،‬ف قد ق يل‪ " :‬ل يزاد على عشرة أ سواط "‪.‬‬
‫وقال كثير من العلماء‪ :‬ل يبلغ به الحد ثم هم على قولين‪ :‬منهم من يقول‪ " :‬ل يبلغ به أدنى الحدود‬
‫"‪ :‬ل يبلغ بال حر أد نى حدود ال حر‪ ،‬و هي الربعون أو الثمانون؛ ول يبلغ بالع بد أد نى حدود الع بد‪،‬‬
‫وهم العشرون أو الربعون وقيل‪ :‬بل ل يبلغ بكل منهما حد العبد‪ .‬ومنهم من يقول‪:‬‬
‫ل يبلغ بكل ذنب حد جنسه وإن زاد على جنس آخر‪ ،‬فل يبلغ بالسارق من غير حرز قطع اليد‪،‬‬
‫وإن ضرب أك ثر من حد القاذف‪ ،‬ول يبلغ ب من ف عل ما دون الز نا حد الز نا‪ ،‬وإن زاد على حد‬
‫القاذف‪ .‬كما روي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ " :‬أن رجل نقش على خاتمه‪ ،‬وأخذ بذلك‬
‫من ب يت المال‪ ،‬فأ مر به فضرب مائة ضر بة ثم في اليوم الثا ني مائة ضر بة ثم ضر به في اليوم‬
‫الثالث مائة ضر بة وروي عن الخلفاء الراشديسن‪ ،‬فسي رجسل وامرأة وجدا فسي لحاف‪ " :‬يضربان‬
‫مائة " وروي {عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬في الذي يأتي جارية امرأته‪ ،‬إن كانت أخلتها له‪:‬‬
‫جلد مائة‪ ،‬وإن لم ت كن أخلت ها له‪ :‬ر جم} وهذه القوال في مذ هب أح مد وغيره‪ ،‬والقولن الولن‬
‫في مذهب الشافعي‪ ،‬وغيره‪.‬‬

‫جهاد الكفار القتال الفاصل‬


‫العقوبات ال تي جاءت ب ها الشري عة ل من ع صى ال ور سوله نوعان‪ :‬أحده ما‪ :‬عقو بة المقدر عل يه‪،‬‬
‫من الواحد والعدد كما تقدم‪ .‬والثاني‪ :‬عقاب الطائفة الممتنعة‪ ،‬كالتي ل يقدر عليها إل بقتال فاصل‪،‬‬
‫هذا هو جهاد الكفار أعداء ال ور سوله‪ ،‬ف كل من بل غه دعوة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إلى‬
‫د ين ال الذي بع ثه به فلم ي ستجب له‪ ،‬فإ نه ي جب قتاله {ح تى ل تكون فت نة ويكون الد ين كله ل}‪.‬‬
‫وكان ال ‪ -‬لما بعث نبيه‪ ،‬وأمره بدعوة الخلف إلى دينه لم يأذن في قتل أحد على ذلك ول قتاله‪،‬‬
‫ح تى ها جر إلى المدي نة‪ ،‬فأذن له وللم سلمين بقوله تعالى‪{ :‬أذن للذ ين يقاتلون بأن هم ظلموا وإن ال‬
‫على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال ولول دفع ال الناس‬

‫‪16‬‬
‫بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا ولينصرن ال من‬
‫ينصسره إن ال لقوي عزيسز الذيسن إن مكناهسم فسي الرض أقاموا الصسلة وآتوا الزكاة وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور}‪ .‬ثم إنه بعد ذلك أوجب عليهم القتال بقوله‪{ :‬كتب‬
‫عليكم القتال وهو كره لكم‪ ،‬وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم‪ ،‬وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر‬
‫لكم وال يعلم وأنتم‬
‫ل تعلمون} وأكد اليجاب‪ ،‬وعظم أمر الجهاد‪ ،‬في عامة السور المدنية‪ ،‬وذم التاركين له‪ ،‬ووصفهم‬
‫بالنفاق ومرض القلوب‪ ،‬فقال تعالى‪ { :‬قل إن كان آباؤ كم وأبناؤ كم وإخوان كم وأزواج كم وعشيرت كم‬
‫وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد‬
‫في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقين} وقال تعالى‪{ :‬إنما المؤمنون‬
‫الذيسن آمنوا بال ورسسوله ثسم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهسم وأنفسسهم فسي سسبيل ال أولئك هسم‬
‫الصادقون} قال تعالى‪{ :‬فإذا أنزلت سورة محكمة‪ ،‬وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض‬
‫ينظرون إل يك ن ظر المغ شي عل يه من الموت فأولى ل هم طا عة وقول معروف فإذا عزم ال مر فلو‬
‫صدقوا ال لكان خيرا لهم فهل عسيتم إن تولي تم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم}‪ .‬وهذا‬
‫كثير في القرآن‪ ،‬وكذلك تعظيمه وتعظيم أهله‪ ،‬في سورة الصف التي يقول فيها‪{ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا هل أدل كم على تجارة تنجي كم من عذاب أل يم تؤمنون بال ور سوله وتجاهدون في سبيل ال‬
‫بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها‬
‫النهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك‬
‫الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من ال وفتح قريب وبشر المؤمنين}‪ .‬وكقوله تعالى‪{ :‬أجعلتم‬
‫سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم ال خر وجاهد في سبيل ال ل يستوون‬
‫عند ال وال ل يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم‬
‫أعظم درجة عند ال وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم‬
‫مقيم خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر عظيم}‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي‬
‫ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون‬
‫لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم}‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬ذلك بأنهم ل يصيبهم ظمأ‬
‫ول ن صب ول مخم صة في سبيل ال ول يطئون موطئا يغ يظ الكفار ول ينالون من عدو نيل إل‬
‫ك تب ل هم به ع مل صالح إن ال ل يض يع أ جر المح سنين ول ينفقون نف قة صغيرة ول كبيرة ول‬
‫يقطعون واديا إل كتب لهم ليجزيهم ال أحسن ما كانوا يعملون} فذكر ما يولده عن أعمالهم‪ ،‬وما‬
‫يباشرو نه من العمال‪ ،‬وال مر بالجهاد‪ ،‬وذ كر فضائله في الكتاب وال سنة‪ ،‬أك ثر من أن يح صر‪،‬‬
‫ولهذا كان أفضسل مسا تطوع بسه النسسان‪ ،‬وكان باتفاق العلماء أفضسل مسن الحسج والعمرة‪ ،‬ومسن‬
‫ال صلة التطوع‪ ،‬وال صوم التطوع‪ ،‬ك ما دل عل يه الكتاب وال سنة‪ ،‬ح تى قال ال نبي صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪{ :‬رأس ال مر ال سلم‪ ،‬وعموده ال صلة‪ ،‬وذروة سنامه الجهاد}‪ .‬وقال {إن في الج نة لمائة‬
‫درجة‪ ،‬ما بين الدرجة والدرجة‪ ،‬كما بين السماء والرض‪ ،‬أعدها ال للمجاهدين في سبيله} متفق‬
‫عل يه‪ .‬وقال {‪ :‬من ا غبر قدماه في سبيل ال حر مه ال على النار} رواه البخاري وقال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪{ :‬رباط يوم وليلة‪ ،‬خير من صيام شهر وقيامه‪ .‬وإن مات أجري عليه عمله الذي كان‬
‫يعمله‪ ،‬وأجري عليه رزقه‪ ،‬وأمن الفتان} رواه مسلم‪ .‬وفي السنن‪{ :‬رباط يوم في سبيل ال‪ ،‬خير‬
‫من ألف يوم في ما سواه من المنازل} ‪ ،‬وقال صلى ال عل يه و سلم {عينان ل تم سهما النار‪ :‬ع ين‬
‫بكت من خشية ال‪ ،‬وعين باتت تحرس في سبيل ال} قال الترمذي حديث حسن وفي مسند المام‬
‫أحمد {حرس ليلة في سبيل ال‪ ،‬أفضل من ألف ليلة يقام ليلها‪ ،‬ويصام نهارها}‪ .‬وفي الصحيحين‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫{أن رجل قال‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬أ خبرني بش يء يعدل الجهاد في سبيل ال‪ ،‬قال‪ :‬ل ت ستطيع‪ .‬قال‪:‬‬
‫أخبرني‪ .‬قال‪ :‬هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ول‬
‫تفطسر‪ ،‬وتقوم ول تفتسر؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فذلك الذي يعدل الجهاد}‪ .‬وفسي السسنن أنسه صسلى ال عليسه‬
‫وسلم قال‪{ :‬إن لكل أمة سياحة‪ ،‬وسياحة أمتي الجهاد في سبيل ال}‪ .‬وهذا باب واسع‪ ،‬لم يرد في‬
‫ثواب العمال وفضل ها‪ ،‬م ثل ما ورد ف يه‪ ،‬ف هو ظا هر ع ند العتبار‪ ،‬فإن ن فع الجهاد عام لفاعله‬
‫ولغيره في الد ين والدن يا‪ ،‬ومشت مل على جم يع أنواع العبادات الباط نة والظاهرة‪ ،‬فإ نه مشت مل من‬
‫محبسة ال ‪ -‬تعالى‪ ،‬والخلص له‪ ،‬والتوكسل عليسه‪ ،‬وتسسليم النفسس والمال له‪ ،‬والصسبر والزهسد‪،‬‬
‫وذكر ال وسائر أنواع العمال‪ ،‬على ما ل يشتمل عليه عمل آخر‪ .‬والقائم به من الشخص والمة‬
‫ب ين إحدى الح سنيين دائ ما‪ ،‬إ ما الن صر والظ فر‪ ،‬وإ ما الشهادة والج نة‪ ،‬ثم إن الخلق ل بد ل هم من‬
‫مح يا وممات‪ ،‬فف يه ا ستعمال محيا هم وممات هم في غا ية سعادتهم في الدن يا والخرة‪ ،‬و في تر كه‬
‫ذهاب السعادتين أو نقصهما‪ ،‬فإن من الناس من يرغب في العمال الشديدة في الدين أو الدنيا‪ ،‬مع‬
‫قلة منفعت ها‪ ،‬فالجهاد أن فع فيه ما من كل ع مل شد يد‪ ،‬و قد ير غب في ترق ية نف سه ح تى ي صادفه‬
‫الموت‪ ،‬فموت الشهيد أيسر من كل ميتة‪ ،‬وهي أفضل الميتات‪.‬‬

‫‪.2‬الحدود والحقوق التي لدمي معين وفيه ثمانية فصول‬

‫•النفوس‬
‫وأما الحدود والحقوق التي لدمي معين فمنها النفوس‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬قل تعالوا أتل ما حرم ربكم‬
‫عليكم أل تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقكم وإياهم ول‬
‫تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ذلكم وصاكم به‬
‫لعلكسم تعقلون ول تقربوا مال اليتيسم إل بالتسي هسي أحسسن حتسى يبلغ أشده وأوفوا الكيسل والميزان‬
‫بالقسط ل نكلف نفسا إل وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد ال أوفوا ذلكم وصاكم‬
‫به لعل كم تذكرون وأن هذا صراطي م ستقيما فاتبعوه ول تتبعوا ال سبل فتفرق ب كم عن سبيله ذل كم‬
‫وصاكم به لعلكم تتقون}‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ} إلى قوله‪{ :‬ومن‬
‫يق تل مؤم نا متعمدا فجزاؤه جه نم خالدا في ها وغ ضب ال عل يه ولع نه وأ عد له عذا با عظي ما} وقال‬
‫تعالى { من أ جل ذلك كتب نا على ب ني إ سرائيل أ نه من ق تل نف سا بغ ير ن فس أو ف ساد في الرض‬
‫فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} وفي الصحيحين عن النبي صلى‬
‫ال عليسه وسسلم أنسه قال‪{ :‬أول مسا يقضسى بيسن الناس يوم القيامسة فسي الدماء} فالقتسل ثلثسة أنواع‪:‬‬
‫أحده ما الع مد الم حض‪ ،‬و هو أن يق صد من يعل مه مع صوما ب ما يق تل غال با‪ ،‬سواء كان يق تل بحده‬
‫كالسيف ونحوه‪ ،‬أو بثقله كالسندان وكوذين القصار‪ ،‬أو بغير ذلك كالتحريق والتغريق واللقاء من‬
‫مكان شاهق‪ ،‬والخنق‪ ،‬وإمساك الخصيتين‪ ،‬حتى تخرج الروح‪ ،‬حتى يموت‪ ،‬وسقي السموم‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك في الفعال فهذا ر غم الو جه ف يه القود‪ ،‬و هو أن يم كن أولياء المقتول من القا تل‪ ،‬فإن أحبوا‬
‫قتلوا‪ ،‬وإن أحبوا عفوا وإن أحبوا أخذوا الدية وليس لهم أن يقتلوا غير قاتله‪ .‬قال ال ‪ -‬تعالى {ول‬
‫تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في القتل‬
‫إنه كان منصورا} ‪ ،‬قيل في التفسير‪ :‬ل يقتل غير قاتله‪ ،‬وروي عن أبي شريح الخزاعي رضي‬
‫ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال‪{ :‬من أصيب بدم أو خبل ‪ -‬الخبل الجراح ‪ -‬فهو بالخيار بين إحدى‬
‫ثلث‪ :‬فإن أراد الراب عة فخذوا على يد يه‪ :‬أن يق تل أو يعفو‪ ،‬أو يأ خذ الد ية فمن ف عل شيئا من ذلك‬
‫فعاد فإن له جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا} ‪ ،‬رواه أهل السنن قال الترمذي حديث حسن صحيح‪ ،‬فمن‬

‫‪18‬‬
‫قتل بعد العفو أو أخذ الدية فهو أعظم جرما ممن قتل ابتداء‪ ،‬حتى قال بعض العلماء‪ " :‬إنه يجب‬
‫قتله حدا ول يكون أمره لولياء المقتول " قال تعالى‬
‫‪{ :‬كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى فمن عفي له من أخيه‬
‫شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة‪ ،‬فمن اعتدى بعد ذلك فله‬
‫عذاب أل يم ول كم في الق صاص حياة يا أولي اللباب لعل كم تتقون} قال العلماء‪ :‬إن أولياء المقتول‬
‫تغلي قلوبهسم بالغيسظ‪ ،‬حتسى يؤثروا أن يقتلوا القاتسل وأولياءه‪ ،‬وربمسا لم يرضوا بقتسل القاتسل‪ ،‬بسل‬
‫يقتلون كثيرا من أ صحاب القاتل كسيد ال قبيلة ومقدم الطائ فة‪ ،‬فيكون القاتل قد اعتدى في البتداء‪،‬‬
‫وتعدى هؤلء في الستيفاء كما كان يفعله أهل الجاهلية الخارجون عن الشريعة في هذه الوقات‪،‬‬
‫من العراب والحاضرة وغير هم‪ .‬و قد ي ستعظمون ق تل القا تل لكو نه عظي ما أشرف من المقتول‪،‬‬
‫فيفضى ذلك إلى أولياء المقتول يقتلون من قدروا عليه من أولياء القاتل‪ ،‬وربما حالف هؤلء قوما‬
‫واستعانوا بهم‪ ،‬وهؤلء قوما فيفضي إلى الفتن والعداوات العظيمة‪ .‬وسبب ذلك خروجهم عن سنن‬
‫العدل الذي هو الق صاص في القتلى فك تب ال علي نا الق صاص و هو الم ساواة والمعادلة في القتلى‬
‫وأخبر أن فيه حياة‪ ،‬فإنه يحقن دم غير القاتل من أولياء الرجلين‪ ،‬وأيضا علم من يريد القتل أنه‬
‫يقتل كف عن القتل‪ .‬وقد روي عن علي‬
‫بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه وعمرو بن شع يب عن أب يه عن جده ر ضي ال تعالى عنه ما عن‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم أ نه قال‪{ :‬المؤمنون تتكا فأ دماؤ هم‪ ،‬و هم يد على من سواهم وي سعى‬
‫بذمت هم أدنا هم أل ل يقتل م سلم بكا فر ول ذو ع هد في عهده} رواه أح مد وأبو داود وغيره ما من‬
‫أ هل ال سنن فق ضى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن الم سلمين تتكا فأ دماؤ هم ‪ -‬أي تت ساوى‬
‫وتتعادل ‪ -‬فل يف ضل عر بي على عج مي‪ ،‬ول قر شي أو هاش مي على غيره من الم سلمين‪ ،‬ول‬
‫حسر أصسلي على مولى عتيسق‪ ،‬ول عالم أو أميسر‪ ،‬على أمسي أو مأمور‪ .‬وهذا متفسق عليسه بيسن‬
‫المسلمين‪ ،‬بخلف ما كان عليه أهل الجاهلية وحكام اليهود فإ نه كان بقرب مدينة النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم صنفان من اليهود‪ :‬قريظة والنضير‪ ،‬وكانت تتفضل على قريظة في الدماء‪ ،‬فتحاكموا‬
‫إلى ال نبي صلى ال عل يه و سلم في ذلك‪ ،‬و في حد الز نا‪ ،‬فإن هم كانوا قد غيروه من الر جم إلى‬
‫التحميم وقالوا إن حكم نبيكم بذلك كان لكم حجة‪ ،‬وإل فأنتم قد تركتم حكم التوراة فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫{ يا أي ها الر سول ل يحز نك الذ ين ي سارعون في الك فر من الذ ين قالوا آم نا بأفواه هم ولم تؤ من‬
‫قلوبهم} إلى قوله‪{ :‬فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم‬
‫فلن يضروك شيئا وإن حك مت فاح كم بين هم بالق سط إن ال ي حب المق سطين} إلى قوله‪{ :‬فل تخشوا‬
‫الناس واخشون ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون وكتبنا‬
‫عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح‬
‫قصاص}‪ .‬فبين ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬أنه سوى بين نفوسهم‪ ،‬ولم يفضل منهم نفسا على أخرى‪ ،‬كما‬
‫كانوا يفعلونه إلى وله‪{ :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه‬
‫فاحكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}‬
‫إلى قوله تعالى‪{ :‬أفحكسم الجاهليسة يبغون ومسن أحسسن مسن ال حكمسا لقوم يوقنون}‪ .‬فحكسم ال ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬في دماء المسلمين أنها كلها سواء‪ ،‬خلف ما عليه الجاهلية وأكثر سبب الهواء الواقعة‬
‫ب ين الناس في البوادي والحوا ضر‪ ،‬إن ما هي الب غي‪ ،‬ترك العدل فإن إحدى الطائفت ين قد ي صيب‬
‫بعضها الخرى دما أو مال‪ ،‬أو تعلو عليهم بالباطل ول تنصفها‪ ،‬ول تقتصر الخرى على استيفاء‬
‫ال حق‪ ،‬فالواجب في كتاب ال الح كم بين الناس في الدماء والموال وغير ها بالقسط الذي أ مر ال‬
‫به ومحو ما كان عليه كثير من الناس من حكم الجاهلية‪ ،‬وإذا أصلح مصلح بينهما‪ ،‬فليصلح بالعدل‬

‫‪19‬‬
‫ك ما قال ال ‪ -‬تعالى‪{ :‬وإن طائفتان من المؤمن ين اقتتلوا فأ صلحوا بينه ما فإن ب غت إحداه ما على‬
‫الخرى فقاتلوا ال تي تب غي ح تى تف يء إلى أ مر ال فإن فاءت فأ صلحوا بينه ما بالعدل وأق سطوا إن‬
‫ال يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} وينبغي أن يطلب العفو من أولياء‬
‫المقتول‪ ،‬فإ نه أف ضل ل هم ك ما قال تعالى‪{ :‬والجروح ق صاص ف من ت صدق به ف هو كفارة له}‪ .‬قال‬
‫أنس رضي ال عنه‪{ :‬ما رفع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر فيه قصاص إل أمر فيه‬
‫بالعفو}‪ .‬رواه أبو داود وغيره وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪{ :‬ما نقصت صدقة من مال‪ ،‬وما زاد ال عبدا بعفو إل عزا‪ ،‬وما‬
‫تواضع أحد ل إل رفعه ال} وهذا الذي ذكرناه من التكافؤ‪ ،‬هو في المسلم الحر‪ ،‬مع المسلم الحر‪،‬‬
‫فأ ما الذ مي فجمهور العلماء‪ :‬على أ نه ل يس بك فء للم سلم‪ ،‬ك ما أن الم ستأمن الذي يقدم من بلد‬
‫الكفار رسول أو تاجرا ونحو ذلك‪ ،‬ليس بكفء له وفاقا‪ .‬ومنهم من يقول‪ :‬بل هو كفء له‪ ،‬وكذلك‬
‫النزاع في قتل الحر بالعبد‪.‬‬

‫•الجراح‬
‫والقصاص في الجراح أيضا ثابت بالكتاب وال سنة والجماع شرط المساواة‪ ،‬فإذا قطع يده اليمنى‬
‫من مفصل‪ ،‬فله أن يقطع يده كذلك‪ ،‬وإذا قلع سنه‪ ،‬فله أن يقلع سنه‪ ،‬وإذا شجه في رأسه أو وجهه‪،‬‬
‫فأوضح العظم‪ ،‬فله أن يشجه كذلك وإذا لم تمكن المساواة‪ :‬مثل أن يكسر له عظما باطنا‪ ،‬أو يشجه‬
‫دون الموضحة‪ ،‬فل يشرع القصاص‪ ،‬بل تجب الدية المحدودة أو الرش‪.‬‬

‫•العراض‬
‫والقصاص في العراض مشروع أيضا‪ :‬وهو أن الرجل إذا لعن رجل أو دعا عليه‪ ،‬فله أن يفعل‬
‫به كذلك‪ ، .‬وكذلك إذا شتمه شتيمة ل كذب فيها‪ ،‬والعفو أفضل‪ .‬قال ال تعالى‪{ :‬وجزاء سيئة سيئة‬
‫مثل ها ف من ع فا وأ صلح فأجره على ال إ نه ل ي حب الظالم ين ول من انت صر ب عد ظل مه فأولئك ما‬
‫عليهم من سبيل} قال النبي صلى ال عليه وسلم‪{ :‬المستبان‪ :‬ما قال فعلى البادئ منهما ما لم يعتد‬
‫المظلوم} ويسمى هذا النتصار‪ ،‬والشتيمة ال تي ل كذب فيها م ثل الخبار عنه بما فيه من القبائح‬
‫أو ت سميته بالكلب أو الحمار ون حو ذلك فأ ما إن افترى عل يه‪ ،‬لم ي حل له أن يفتري عل يه ولو كفره‬
‫أو ف سقه بغ ير حق لم ي حل له أن يكفره أو يف سقه بغ ير حق ولو ل عن أباه أو قبيلته‪ ،‬أو أ هل بلده‬
‫ون حو ذلك‪ ،‬لم ي حل له أن يتعدى على أولئك‪ ،‬فإن هم لم يظلموه‪ ،‬وقال ال تعالى‪{ :‬يأي ها الذ ين آمنوا‬
‫كونوا قوام ين ل شهداء بالق سط ول يجرمن كم شنآن قوم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}‬
‫فأمر ال المسلمين أل يحملهم بغضهم للكفار على أل يعدلوا‪ .‬وقال‪{ :‬اعدلوا هو أقرب للتقوى} فإن‬
‫كان العدوان عليه في العرض محرما لحقه‪ ،‬بما يلحقه من الذى جاز القصاص فيه بمثله‪ ،‬كالدعاء‬
‫عليه ما دعاه‪ ،‬وأما إذا كان محرما لحق ال ‪ -‬تعالى‪ ،‬كالكذب‪ ،‬لم يجز بحال‪ ،‬وهكذا قال كثير من‬
‫الفقهاء‪ :‬إذا قتله بتحريق‪ ،‬أو تغريق‪ ،‬أو خنق أو نحو ذلك‪ ،‬فإنه يفعل به كما فعل‪ ،‬ما لم يكن الفعل‬
‫محر ما في نف سه كتجر يع الخ مر واللواط به‪ ،‬ومن هم من قال‪ :‬ل قود عل يه إل بال سيف‪ ،‬والولى‬
‫أشبه بالكتاب والسنة والعدل‪.‬‬

‫•الفرية ونحوها‬
‫وإذا كا نت الفر ية ونحو ها ل ق صاص في ها‪ ،‬ففي ها العقو بة بغ ير ذلك فم نه حد القذف الثا بت في‬
‫الكتاب والسسنة والجماع قال ال تعالى‪{ :‬والذيسن يرمون المحصسنات ثسم لم يأتوا بأربعسة شهداء‬
‫‪20‬‬
‫فاجلدو هم ثمان ين جلدة ول تقبلوا ل هم شهادة أبدا وأولئك هم الفا سقون إل الذ ين تابوا من ب عد ذلك‬
‫وأ صلحوا فإن ال غفور رح يم}‪ .‬فإذا ر مى ال حر مح صنا بالز نا أو اللواط فعل يه حد القذف‪ ،‬و هو‬
‫ثمانون جلدة‪ ،‬وإن رماه بغيسر ذلك عوقسب تعزيرا‪ .‬وهذا الحسد يسستحقه المقذوف‪ ،‬فل يسستوفى إل‬
‫بطلبسه باتفاق الفقهاء فإن عفسا عنسه سسقط عنسد جمهور العلماء‪ ،‬لن المغلب فيسه حسق الدمسي‬
‫كالقصساص والموال‪ .‬وقيسل‪ :‬ل يسسقط تغليبسا لحسق ال لعدم المماثلة كسسائر الحدود‪ ،‬وإنمسا يجسب‬
‫القذف‪ ،‬إذا كان المقذوف محصنا‪ ،‬وهو المسلم الحر العفيف‪.‬‬

‫•البضاع‬
‫ومن الحقوق البضاع‪ ،‬فالواجب الحكم بين الزوجين بما أمر ال ‪ -‬تعالى به‪ ،‬من إمساك بمعروف‬
‫أو تسريح بإحسان‪ ،‬فيجب على كل من الزوجين أن يؤدي إلى الخر حقوقه‪ ،‬بطيب نفس وانشراح‬
‫صدر فإن للمرأة على الرجل حقا في ماله‪ ،‬وهو الصداق والنفقة بالمعروف‪ ،‬وحقا في بدنه‪ ،‬وهو‬
‫العشرة والمت عة‪ ،‬بح يث لو آلى من ها ا ستحقت الفر قة بإجماع الم سلمين‪ ،‬وكذلك لو كان مجبو با أو‬
‫عنينا ل يمكنه جماعها فلها الفرقة‪ ،‬ووطؤها واجب عليه عند أكثر العلماء‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه ل يجب‬
‫اكتفاء بالتباعث الطبيعي‪ ،‬والصواب‪ :‬أنه واجب كما دل عليه الكتاب والسنة والصول‪ .‬وقد {قال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن عمرو رضي ال عنه ‪ -‬لما رآه يكثر الصوم والصلة ‪:-‬‬
‫إن لزو جك عل يك ح قا} ثم ق يل‪ :‬ي جب عل يه وطؤ ها كل أرب عة أش هر مرة‪ ،‬وق يل‪ :‬ي جب وطؤ ها‬
‫بالمعروف‪ ،‬على قدر قوته وحاجتها‪ ،‬كما تجب النفقة بالمعروف كذلك‪ ،‬وهذا أشبه‪ .‬وللرجل عليها‬
‫أن يتمتع بها متى شاء‪ ،‬ما لم يضر بها‪ ،‬أو يشغلها عن واجب‪ ،‬فيجب عليها أن تمكنه كذلك ول‬
‫تخرج مسن منزله إل بإذنسه أو بإذن الشارع واختلف الفقهاء هسل عليهسا خدمسة المنزل كالفرش‬
‫والكنس والطبخ ونحو ذلك؟ فقيل‪ :‬يجب عليها‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ل يجب وقيل‪ :‬يجب التخفيف منه‪.‬‬

‫•الحوال‬
‫وأ ما الحوال في جب الح كم بين الناس في ها بالعدل ك ما أمر ال ورسوله‪ ،‬م ثل ق سم المواريث بين‬
‫الور ثة‪ ،‬على ما جاء به الكتاب وال سنة‪ .‬و قد تنازع الم سلمون في م سائل من ذلك‪ ،‬وكذلك في‬
‫المعاملت مسن المبايعات والجارات والوكالت والمشاركات والهبات والوقوف والوصسايا ونحسو‬
‫ذلك من المعاملت المتعل قة بالعقود والقبوض‪ ،‬فإن العدل في ها هو قوام العالم ين‪ ،‬ل ت صلح الدن يا‬
‫والخرة إل به‪ .‬ف من العدل في ها ما هو ظا هر‪ ،‬يعر فه كل أ حد بعقله‪ ،‬كوجوب ت سليم الث من على‬
‫المشتري‪ ،‬وتسليم المبيع على البائع للمشتري‪ ،‬وتحريم تطفيف المكيال والميزان‪ ،‬ووجوب الصدق‬
‫والبيان‪ ،‬وتحر يم الكذب والخيا نة وال غش‪ ،‬وأن جزاء القرض الوفاء والح مد‪ .‬وم نه ما هو خ في‪،‬‬
‫جاءت بسه الشرائع أو شريعتنسا ‪ -‬أهسل السسلم ‪ -‬فإن عامسة مسا نهسى عنسه الكتاب والسسنة مسن‬
‫المعاملت‪ ،‬يعود إلى تحقيق العدل والنهي عن الظلم دقه وجله‪ :‬مثل أكل المال بالباطل وجنسه من‬
‫الربا والميسر‪ ،‬وأنواع الربا والميسر التي نهى عنها النبي صلى ال عليه وسلم مثل‪ :‬بيع الغرر‪،‬‬
‫وبيع حبل الحبلة‪ ،‬وبيع الطير في الهواء‪ ،‬والسمك في الماء‪ ،‬والبيع إلى أجل غير مسمى‪ ،‬وبيع‬
‫المصراة‪ ،‬وبيع المدلس‪ ،‬والملمسة‪ ،‬والمنابذة‪،‬‬
‫والمزاب نة والمحاقلة والن جش‪ .‬وب يع الث مر ق بل بدو صلحه‪ ،‬و ما ن هي ع نه من أنواع المشاركات‬
‫الفا سدة‪ ،‬كالمخابرة‪ ،‬بزرع بق عة بعين ها من الرض‪ .‬و من ذلك ما قد ينازع ف يه الم سلمون لخفائه‬
‫واشتباهه‪ ،‬فقد يرى هذا العقد والقبض صحيحا عدل‪ ،‬وإن كان غيره يرى فيه جورا يوجب فساده‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫و قد قال ال تعالى‪{ :‬أطيعوا ال وأطيعوا الر سول وأولي ال مر من كم فإن تنازع تم في ش يء فردوه‬
‫إلى ال والر سول إن كن تم تؤمنون بال واليوم ال خر ذلك خ ير وأح سن تأويل}‪ .‬وال صل في هذا‪،‬‬
‫أنسه ل يحرم على الناس مسن المعاملت التسي يحتاجون إليهسا‪ ،‬إل مسا دل الكتاب والسسنة على‬
‫تحري مه‪ ،‬ك ما ل يشرع ل هم من العبادات ال تي يتقربون ب ها إلى ال‪ ،‬إل ما دل الكتاب وال سنة على‬
‫شر عه‪ ،‬إذ الد ين ما شر عه ال‪ ،‬والحرام ما حر مه ال‪ ،‬بخلف الذ ين ذم هم ال‪ ،‬حيث حرموا من‬
‫دون ال ما لم يحرمه ال‪ ،‬وأشركوا بما ما لم ينزل به سلطانا‪ ،‬وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن‬
‫به ال‪ ،‬اللهم وفقنا لن نجعل الحلل ما حللته‪ ،‬والحرام ما حرمته‪ ،‬والدين ما شرعته‪.‬‬

‫•المشاورة‬
‫ل غ نى لولي ال مر عن المشاورة‪ ،‬فإن ال تعالى أ مر ب ها نبيه صلى ال عل يه و سلم فقال تعالى‪:‬‬
‫{فاعسف عنهسم واسستغفر لهسم وشاورهسم فسي المسر فإذا عزمست فتوكسل على ال إن ال يحسب‬
‫المتوكلين}‪ .‬وقد روي عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪{ :‬لم يكن أحد أكثر مشورة لصحابه من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم}‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن ال أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه‪ ،‬وليقتدي به‬
‫من بعده‪ ،‬وليسستخرج منهسم الرأي في ما لم ينزل فيسه وحسي‪ ،‬من أمسر الحروب‪ ،‬والمور الجزئ ية‬
‫وغير ذلك‪ ،‬فغيره صلى ال عليه وسلم أولى بالمشورة‪ .‬وقد أثنى ال على المؤمنين بذلك في قوله‪:‬‬
‫{و ما ع ند ال خ ير وأب قى للذ ين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذ ين يجتنبون كبائر ال ثم والفوا حش‬
‫وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذ ين ا ستجابوا لرب هم وأقاموا ال صلة وأمر هم شورى بين هم وم ما‬
‫رزقناهم ينفقون} وإذا استشارهم‪ ،‬فإن بين له بعضهم ما يجب اتباعه من كتاب أو سنة رسوله أو‬
‫إجماع المسلمين فعليه اتباع ذلك ول طاعة في خلف ذلك‪ ،‬وإن كان عظيما في الدين والدنيا‪ .‬قال‬
‫ال تعالى‪{ :‬يأيهسا الذيسن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسسول وأولي المسر منكسم} وإن كان أمرا قسد‬
‫تنازع فيه المسلمون‪ ،‬فينبغي أن يستخرج‬
‫من كل من هم رأ يه‪ ،‬وو جه رأ يه فأي الراء كان أش به بكتاب ال و سنة ر سوله ع مل به‪ ،‬ك ما قال‬
‫تعالى‪{ :‬فإن تنازعتسم فسي شيسء فردوه إلى ال والرسسول إن كنتسم تؤمنون بال واليوم الخسر ذلك‬
‫خير وأحسن تأويل}‪.‬‬

‫•وجوب اتخاذ المارة‬


‫يجب أن يعرف أن ولية الناس من أعظم واجبات الدين بل ل قيام للدين إل بها‪ ،‬فإن بني آدم ل‬
‫ت تم م صلحتهم إل بالجتماع لحا جة بعض هم إلى ب عض‪ ،‬ول بد ل هم ع ند الجتماع من رأس‪ ،‬حتى‬
‫قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم {إذا خرج ثل ثة في سفر فليؤمروا أحد هم} ‪ ،‬رواه أ بو داود‪ ،‬من‬
‫حد يث أ بي سعيد وأ بي هريرة‪ .‬وروى المام أح مد في الم سند عن ع بد ال بن عمرو‪ ،‬أن ال نبي‬
‫قال‪{ :‬ل ي حل لثلثسة يكونون بفلة مسن الرض إل أمروا عليهسم أحد هم} فأو جب صسلى ال عل يه‬
‫وسلم تأمير الواحد في الجتماع القليل العارض في السفر‪ ،‬تنبيها على سائر أنواع الجتماع‪ ،‬ولن‬
‫ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬أو جب ال مر بالمعروف والن هي عن المن كر ول ي تم ذلك إل بقوة وإمارة‪ .‬وكذلك‬
‫سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والعياد ونصر المظلوم‪ ،‬وإقامة الحدود ل‬
‫تتم إل بالقوة والمارة ولهذا روي‪{ :‬أن السلطان ظل ال في الرض} ويقال‪ " :‬ستون سنة من إمام‬
‫جائر أصسلح مسن ليلة بل سسلطان "‪ .‬والتجربسة تبين ذلك؛ ولهذا كان ال سلف كالفضيسل بسن عياض‬
‫وأح مد بن حن بل وغيره ما يقولون‪ " :‬لو كان ل نا دعوة مجا بة لدعو نا ب ها لل سلطان " وقال ال نبي‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪{ :‬إن ال لير ضى ل كم ثل ثة‪ :‬أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا‪ ،‬وأن تعت صموا‬

‫‪22‬‬
‫بحبل ال جميعا ول تفرقوا‪ ،‬وأن تناصحوا من وله ال أمركم} ‪ ،‬رواه مسلم‪ .‬وقال‪{ :‬ثلث ل يغل‬
‫عليهن قلب مسلم‪ :‬إخلص العمل ل‪ ،‬ومناصحة ولة المر‪ ،‬ولزوم جماعة المسلمين‪ ،‬فإن دعوتهم‬
‫تح يط ب هم من ورائ هم}‪ .‬رواه أ هل ال سنن‪ .‬و في ال صحيح ع نه أ نه قال‪{ :‬الد ين الن صيحة‪ ،‬الد ين‬
‫الن صيحة‪ ،‬الد ين الن صيحة‪ .‬قالوا‪ :‬ل من يا ر سول ال؟ قال‪ :‬ل ولكتا به ولر سوله ولئ مة الم سلمين‬
‫وعامت هم}‪ .‬فالوا جب اتخاذ المارة دي نا وقر بة يتقرب ب ها إلى ال‪ ،‬فإن التقرب إل يه في ها‪ ،‬بطاع ته‬
‫وطاعة رسوله من أفضل القربات‪ ،‬وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لبتغاء الرياسة أو المال بها‪.‬‬
‫وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪{ :‬ما ذئبان جائعان أرسل في غنم‬
‫بأفسد لها من حرص المرء على المال أو الشرف لدينه} قال الترمذي حديث حسن صحيح فأخبر‬
‫أن حرص المرء على المال والرياسة‪ ،‬يفسد دينه‪ ،‬مثل أو أكثر من إرسال الذئبين الجائعين لزريبة‬
‫الغنم‪ .‬وقد أخبر ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬عن الذي يؤتى كتابه بشماله‪ ،‬أنه يقول‪{ :‬ما أغنى عني ماليه‪ ،‬هلك‬
‫عني سلطانيه}‪ .‬وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون‪ ،‬وجامع‬
‫المال أن يكون كقارون وقد بين ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬في كتابه حال فرعون وقارون‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬أو لم‬
‫يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا في‬
‫الرض فأخذهم ال بذنوبهم وما كان لهم من ال من واق} وقال تعالى‪{ :‬تلك الدار الخرة نجعلها‬
‫للذيسن ل يريدون علوا فسي الرض ول فسسادا والعاقبسة للمتقيسن}‪ .‬فإن الناس أربعسة أقسسام‪ :‬القسسم‬
‫الول‪ :‬يريدون العلو على الناس‪ ،‬والف ساد في الرض هو مع صية ال‪ ،‬وهؤلء الملوك والرؤ ساء‬
‫المف سدون‪ ،‬كفرعون وحز به‪ ،‬وهؤلء هم شر الخلق قال ال تعالى‪{ :‬إن فرعون عل في الرض‬
‫وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}‪.‬‬
‫وروى م سلم في صحيحه عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪{ :‬ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر‪ ،‬ول يدخل النار من في قلبه ذرة من إيمان‪.‬‬
‫فقال رجل‪ :‬يا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا‪ .‬أفمن‬
‫الكبر ذاك؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إن ال جميل يحب الجمال‪ ،‬الكبر بطر الحق وغمط الناس} فبطر الحق‪ ،‬دفعه‬
‫وجحده‪ ،‬وغ مط الناس‪ ،‬احتقار هم وازدراؤ هم وهذا حال من ير يد العلو والف ساد‪ .‬والق سم الثا ني‪:‬‬
‫الذين يريدون الفساد‪ ،‬بل علو‪ ،‬كالسراق المجرمين من سملة الناس‪ .‬والقسم الثالث‪ :‬يريد العلو بل‬
‫ف ساد‪ ،‬كالذ ين عند هم د ين‪ ،‬يريدون أن يعلوا به على غير هم من الناس‪ .‬الق سم الرا بع‪ :‬ف هم أ هل‬
‫الجنة الذين ل يريدون علوا في الرض ول فسادا‪ ،‬مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم كما قال‬
‫ال تعالى‪{ :‬ول تهنوا ول تحزنوا وأنتسم العلون إن كنتسم مؤمنيسن} وقال تعالى‪{ :‬فل تهنوا وتدعوا‬
‫إلى السلم وأنتم العلون وال معكم ولن يتركم أعمالكم} وقال‪{ :‬ول العزة ولرسوله وللمؤمنين}‪.‬‬
‫فكم ممن يريد العلو ول يزيده ذلك إل سفول‪ ،‬وكم ممن جعل من العلين وهو ل يريد العلو ول‬
‫الفسساد‪ ،‬وذلك لن إرادة العلو على الخلق ظلم‪ ،‬لن الناس مسن جنسس واحسد‪ ،‬فإرادة النسسان أن‬
‫يكون هو العلى ونظيره تح ته‪ ،‬ظلم‪ ،‬و مع أ نه ظلم‪ ،‬فالناس يبغضون من يكون كذلك ويعادو نه‪،‬‬
‫لن العادل من هم ل ي حب أن يكون مقهورا لنظيره‪ ،‬وغ ير العادل من هم يؤ ثر أن يكون هو القا هر‪،‬‬
‫ثم إ نه مع هذا ل بد له ‪ -‬في الع قل والد ين من أن يكون بعض هم فوق ب عض ك ما قدمناه‪ ،‬ك ما أن‬
‫الجسسد ل يصسلح إل برأس‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وهسو الذي جعلكسم خلئف الرض ورفسع بعضكسم فوق‬
‫بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم}‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا‬
‫بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال‬
‫في سبيل ال‪ ،‬فإذا كان المق صود بال سلطان والمال هو التقرب إلى ال وإنفاق ذلك في سبيله‪ ،‬كان‬
‫ذلك صلح الد ين والدن يا‪ .‬وإن انفرد ال سلطان عن الد ين‪ ،‬أو الد ين عن ال سلطان ف سدت أحوال‬

‫‪23‬‬
‫الناس‪ ،‬وإنما يمتاز أهل طاعة ال عن أهل معصيته‪ ،‬بالنية والعمل الصالح‪ ،‬كما في الصحيحين‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم‪{ :‬إن ال ل ينظر إلى صوركم ول إلى أموالكم‪ ،‬وإنما ينظر إلى‬
‫قلوبكم وإلى أعمالكم}‪ .‬ولما غلب على كثير من ولة المور إرادة المال والشرف‪ ،‬صاروا بمعزل‬
‫عن حقي قة اليمان وكمال الد ين‪ ،‬ثم من هم من غلب الد ين‪ ،‬وأعرض ع ما ل ي تم الد ين إل به من‬
‫ذلك‪ ،‬ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك‪ ،‬فأخذه معرضا عن الدين‪ ،‬لعتقاده أنه مناف لذلك‪ ،‬وصار‬
‫الدين عنده في محل الرحمة والذل‪ ،‬ل في محل العلو والعز‪ ،‬وكذلك لما غلب على كثير من أهل‬
‫الديانتين العجز عن تكميل الدين‪ ،‬والجزع لما قد يصيبهم في إقامته من البلء‪ ،‬استضعف طريقتهم‬
‫واستذلها من رأى أنه ل تقوم مصلحته ومصلحة غيره بها‪ .‬وهاتان السبيلن الفاسدتان ‪ -‬سبيل من‬
‫انت سب إلى الد ين‪ ،‬ولم يكمله ب ما يحتاج إل يه من ال سلطان والجهاد والمال‪ ،‬و سبيل من أق بل على‬
‫السسلطان والمال والحرب‪ ،‬ولم يقصسد بذلك إقامسة الديسن همسا سسبيل المغضوب عليهسم والضاليسن‪،‬‬
‫الولى للضالين النصارى‪ ،‬والثانية للمغضوب عليهم اليهود وإنما الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين‬
‫أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬هي سبيل نبينا محمد صلى ال عليه‬
‫وسسلم وسسبيل خلفائه وأصسحابه‪ ،‬ومسن سسلك سسبيلهم‪ ،‬وهسم السسابقون الولون مسن المهاجريسن‬
‫والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه‪ ،‬وأعد لهم جنات تجري من تحتها‬
‫النهار خالدين فيها أبدا‪ ،‬ذلك الفوز العظيم‪ .‬فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك بحسب وسعه‪،‬‬
‫فمن ولي ولية يقصد بها طاعة ال‪ ،‬وإقامة ما يمكنه من دينه‪ ،‬ومصالح المسلمين‪ ،‬وأقام فيها ما‬
‫يمكنسه مسن ترك المحرمات‪ ،‬لم يؤاخسذ بمسا يعجسز عنسه‪ ،‬فإن توليسة البرار خيسر للمسة مسن توليسة‬
‫الفجار‪ .‬و من كان عاجزا عن إقا مة الد ين بال سلطان والجهاد‪ ،‬فف عل ما يقدر عل يه‪ ،‬من الن صيحة‬
‫بقلبه‪ ،‬والدعاء للمة‪ ،‬ومحبة الخير‪ ،‬وفعل ما يقدر عليه من الخير‪ ،‬لم يكلف ما يعجز‬
‫عنسه‪ ،‬فإن قوام الديسن الكتاب الهادي‪ ،‬والحديسث الناصسر كمسا ذكره ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬فعلى كسل أحسد‬
‫الجتهاد في إيثار القرآن والحديث ل ولطلب ما عنده مستعينا بال في ذلك‪ ،‬ثم الدنيا تخدم الدين‪،‬‬
‫ك ما قال معاذ بن ج بل ر ضي ال ع نه‪ " :‬يا بن آدم أ نت محتاج إلى ن صيبك من الدن يا وأ نت إلى‬
‫نصيبك من الخرة أحوج‪ ،‬فإن بدأت بنصيبك من الخرة مر بنصيبك من الدنيا‪ ،‬فانتظمها انتظاما‪،‬‬
‫وإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الخرة‪ ،‬وأنت من الدنيا على خطر‪ .‬ودليل ذلك ما‬
‫رواه الترمذي عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم أ نه قال‪ { :‬من أ صبح والخرة أ كبر ه مه ج مع له‬
‫شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة‪ ،‬ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرق ال عليه‬
‫ضيعته‪ ،‬وجعل فقره بين عينيه‪ ،‬ولم يأته من الدنيا إل ما كتب له}‪ .‬وأصل ذلك في ‪ -‬قوله تعالى‪:‬‬
‫{و ما خل قت ال جن وال نس إل ليعبدون ما أر يد من هم من رزق و ما أر يد أن يطعمون إن ال هو‬
‫الرزاق ذو القوة المتين}‪ .‬فنسأل ال العظيم أن يوفقنا وسائر إخواننا المسلمين‪ ،‬لما يحبه ويرضاه‬
‫من القول والعمل‪ ،‬فإنه ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ ،‬وصلى ال‬
‫على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين‪.‬‬
‫نهاية الكتاب‬
‫انتهى الكتاب والحمد ل‬

‫‪24‬‬

You might also like