Professional Documents
Culture Documents
عصرنا والعيش في زمان الصعب
عصرنا والعيش في زمان الصعب
www.
s h a w a t i.com
__1
:
المد ال رب العالي,والصلة والسلم على سيدنا ممد وعلى آله وصحبه أجعي وبعد:
فقد كان هذا الكتاب الذي بي يدي القارئ مكونا من خسة أجزاء,حيث تدثت ف الزء الول منها
عن عصرنا:أوضاعة وملمه,وتدثت ف الجزاء الربعة الباقية عن العيش فيه والصعوبات الت يواجهها
السلم اللتزم بالقيام بأمر ال-تعال -ف ظل ظروف وأوضاع كثيا ما تكون غي مواتية.وقد تناولت ف
الجزاء الربعة ما يتاجه العيش ف زماننا الصعب من وعي عميق للواقع,وما يتاجه هذا الواقع من
تطوير وتسي للبعاد العقلية والنفسية والسمية والجتماعية,بالضافة إل تسي إدارة شؤون العيش.
وقد اقترح علينا الكثي من الخوة أن نعل الجزاء المسة ف كتاب واحد,حيث إنه ليس من الألوف
ف (كتاب اليب) أن يكون ذا أجزاء متعددة .وقد كانت هذه اللحظة ف ملها؛ولذا فقد تفق مع رأيي
مع رأي الناشر الستاذ ممد علي دولة على أن ترج الطبعة الثانية للكتاب على النحو الذي بي يدي
القارئ.
وإن أود أن أشكر كل أولئك الذين زكّوا هذا العمل وحثوا على قراءته.
وأسأل ال تعال أن يوفقنا لا هو خي وأبقى.وصلى ال وسلم على عبده ونبيه ممد وعلى آله وصحبه
أجعي.
وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي.
الؤلف:
أ.د.عبد الكري بكار.
الفصل الول-:
__2
إن من عنوان هذا الباب,يثير لدى كثير من الناس سؤال ً كبيراً,هو:
كيف يمكن القول:إن الناس في الرض يعيـشون عصرا ً واحدا ً مع
تباين معتقداتهم ونظمهم السياسية والجتماعية,ومع الختلف
الكبير في مستوى ما وصلوا إليه من التقدم التقني والحضاري
عامة؟.
وهذا السؤال وجيه حقاً؛فقد كان الناس في القرون
الغابرة,يعيشون في عوالم وعصور مختلفة؛فالعصور الوسطى-
على سبيل المثال -تمثل حقبة زاهية بالنسبة إلى المسلمين؛لكنها
بالنسبة إلى أوروبا,فقد كانت عصور الظلم وتخلف هائل.وقد كان
ذلك هو الشيء الطبيعي,فصعوبة المواصلت والتصالت,وقلة
البعثات العلمية الجوالة بين المم,وقلة السلع التي يتبادلها
التجار,وتقارب مستويات العيش بين الشعوب المختلفة
-كذلك التقارب الذي كان في السلحة وأدوات القتال -كل تلك
العوامل ,وعوامل أخرى لم توفّر إمكانات جيدة,ول مغريات قوية
لجعل أمم الرض تتزامن في أفكارها ونظمها وأساليب
عيشهـــا....
لكن النصف الخير من هذا القرن,قد شهد انقلبا ً خطيرا ً في كل
شيء ,وكان أشد تطوراته خطورة
ما يسمى اليوم بثورة التصالت والمواصلت؛ حيث يشاهد الناس
ث أثناءفي أقصى المشرق الن الحد َ
وقوعه في أقصى المغرب,بل إن من المألوف اليوم أن يتلقف أهل
مدينة في قُطْرٍ ما أخبار ما يحدث في
بعض أحياء مدينتهم عن وكالت أنباء,ومصادر معلوماتية,تبعد عنهم
آلف الميال()1([)1أثناء حرب الخليج الثانية كان سكان الكويت
يسألون أبناءهم في (أمريكا) عما يحدث داخل بلدهم!]
ل نعني بما نقوله أن البشر صاروا عجينة واحدة,مصبوبة في قالب
ف لسنّة الختلف التي بثها الله- منا ٍ
واحد ,فهذا غير ممكن لنه ُ
تعالى -في هذا الكون:
)ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين( )118إل
من رحم ربك ولذالك خلقهم) [هود]119-118:
ولكن المقصود أن فكرة وجود عالم أول وثان وثالث التي هيمنت
مدة طويلة في الزمن,لم تعد موجودة الن ,فعلى الرض اليوم
__3
عام واحد فقط؛وإطلق كلمات مثل(العالم السلمي)و(العالم
الغربي) ل يُراد منه سوى التمييز بين بقع وأماكن جغرافية وسوى
قدي ومصلحي. الدللة على تباين عَ َ
ول نعني-بالطبع -بواحدية العالم أننا نعيش عصرا ً واحدا ً في النظم
السياسية ومستويات العيش؛
حيث إن هناك تفاوتا ً كبيرا ً في واقع المر بين بلد مثل الصومال أو
أوغندا وبين بلد مثل فرنسا أو اليابان...
وإنما نعني أن هناك أفكارا ً وقيما ً وأساليب وآمال ً وطموحات تهيمن
على معظم شعوب الرض,ونفوذها
آخذة في التساع يوما ً بعد يوم.
شعوب الرض تنقسم اليوم إلى قسمين:قسم ينتج ويحقق كثيراً
من مبادئ هذا الزمان في حياته
اليومية,وقسم يستهلك,ويتمنى أن يصبح عصريّاً,ويخطط لذلك.
إذا تسـاءلنا:هل هناك شعب في الرض ل يرى في المؤسسات
التعليمية والتربوية والمهنية والتقنية وسيلة,ل بديل عنها للتقدم في
ضر؟؟مدارج التح ّ
هل هناك شعب ل يتطلع إلى أن تتوفر له إمدادات المياه
والكهرباء,وخطوط الهاتف,والطرق المعبَّدة,وقنوات الصرف
الصحي,والخدمات البلدية المختلفة؟؟
هل هناك شعب ل يتطلع إلى أن يؤسس في حياته علقات قائمة
على نيل الحقوق وأداء الواجبات,إلى جانب بناء حياة تسودها
الستقامة الدارية وتكافؤ الفرص ومحاصرة الفساد والرشوة
والتَّسيُّب؟؟
هل هناك شعب ل يتطلع إلى تحقيق وليته على نفسه عبر
مية,تمثل حقوقه,وتنافح عن قضاياه, مؤسسات شعبيّة ,ورس ّ
وتتحسس مشكلته؟؟
هل هناك شعب ل يرنو إلى أن يساهم في الحضارة الحديثة بغزارة
وكفاءة من خلل العطاء الثقافي والمادي ,ومن خلل التفوّق
والتقني؟
أعتقد أن الجواب على كل هذه السئلة وما شابهها هو(ل).
ول يعني كل هذا بالطبع تساوي درجات التطلّع لدى أبناء الشعوب
ول تساوي درجات الوعي بهذه المطالب,لكن ل خلف-فيما أظن-
خة لكل المم,ومعظم أفراد أن كل ما ذكرناه يعد مطالب مل َّ
الناس,ومن نال حظا من ذلك طالب بالمزيد المزيد ؛لن الحصول
__4
على شيءٍ من تلك المطالب هو نفسه الذي يحفز على العمل لنيل
المزيد منها.
حد في عدد,ل هذه المطالب الممية ,تستدعى درجة ما من التو ّ
يكاد يحصى من البنى الفكرية والنظم السياسية والدارية
والساليب التنفيذية,مما يكسو الناس في هذه الزمان
حلية(المعاصرة)في جوانب الحياة
المختلفة.هنا نصيـر إلى السؤال الثاني:عصرنا من يعيش العالم
اليوم؟؟
ل ينبغي أن نختلف أن الدول والشعوب التي تنتج القيم
المعاصرة,ونظم تحقيقها ووسائله هي المم التي تترك أقوى
البصمات على العصر الذي نعيش فيه,من خلل ما تضعه من
شروط ومواصفات للعيش والرتقاء الحضاري,ومن خلل الهيمنة
الدبية والمادية التي تمكنها من الحراك الولي والستفادة من
ضعف الضعفاء وجهل الجهلء واحتراب الخصوم والعداء....
ن من كان قبلكم شبرا ً شبراً سن َ َ
ن َ
في الحديث الصحيح""لتتبعُ ّ
ب تبعتموهم.قلنا :يا رسول الله وذراعا ً ذراعا ً حتى لو دخلوا حجر ض ٍّ
اليهود والنصارى؟؟قال :فمن""؟.
إن السير خلف الخرين خطوة خطوة ,حتى لو دخلوا مداخل ضيقة
ومهلكة,وعملوا أعمال ً ل خير فيها,ول معنى لها-لم يتحقق في عصر
من العصور كتحققه في هذا العصر.إن الحديث يشير إلى أمم
تقود,وشعوب تتبع,والذي ينظر اليوم في نهم الشعوب الضعيفة
إلى استيراد كل شيء من الدول التي تقود الحضارة؛ ما هو نافع
وما هو ضار-على حد ًّ سواء -يتأكد له دقة التشبيه بدخول جحر
الضب!.
على مقدار ما تسهم الشعوب المقودة في أنتاج قيم ونظم
وأدوات,تسهّل الحياة,وتحل المشكلت-تترك بصماتها على العصر
َ
الذي نعيش فيه,وتبل ّغ رسالتها ورؤيتها في الحياة 0
إن من الثابت أن قدرة بني البشر على التمييز بين الجيد
والرديء,ليست قوية,كما أن قدرتهم على مناقشة الفكار
وتمحيصها أيضا ً محدودة؛ ولذا فإن أي فكر أو نظام يحظى بدعاية
مناسبة,ويتمكن من الوصول إلى الخرين,سيجد له أنصارا ً ومؤيدين
وأتباعاً 0
ومشكلة المم الضعيفة ل تقتصر اليوم على ضعف إنتاجها
الحضاري,وإنما تتجاوز ذلك إلى معاناتها من العجز عن عرض ما
__5
لديها من قيم وخبرات ونظم ,وتسويقه في بلد المم المتقدمة
المغرورة والمصابة بعقدة القوى والكبر والصلح 000
__6
في القرنين السادس والسابع الهجريتين -الثاني عشر والثالث
عشر الميلديين-تعاظم الحتكاك واللتقاء بين السلم والنصرانية
عبر محورين أساسيين:الول هو المحور الفكري,حيث تأثر
الوروبيون تأثرا ً بالغا ً بالفكر الحضاري السلمي عبر تعلَُم العربية 0
وعبر الترجمات من العربية إلى اللتينية على الشاطئ الشمالي
للبحر البيض خاصة في أسبانيا وجنوب إيطاليا وصقلية 000
أما المحور الثاني:فقد كان يتمثل في الحروب الصليبية التي بدأت
قبل نهاية القرن الخامس,ولم تنتهِ إل قُبيل انتهاء القرن السابع
م تصفية النفوذ الصليبي في الشام 0 الهجري عندما ت َّ
كان يصاحب النصر العسكري السلمي نوع من النبهار الغربي
بالحضارة السلمية وتفوقها في المجالت التنظيمية والمدنية
والصناعية 000
بعد القرن السابع الهجري-الرابع عشر الميلدي -أخذ نجم العالم
السلمي في الفول,واخذ نجم أوروبا في السطوع,حيث ابتلي
المسلمون بخبو نار الجتهاد إلى جانب ضعف اللتزام,والتفكك
السياسي ,وانتشار الجهل والفقر واجترار الذات,والتباس سبل
النجاة والرتقاء 000
أما الغرب فقد بدأ يستفيد مما أخذه من المسلمين,وأضاف إليه
الكثير من البداع والختراع والكتشاف 00
وظل كل الفريقين مشغول ً بذاته وهمومه إلى أن جاء القرن التاسع
عشر,وبدأت حركة الستعمار الحديثة,وحصل اللتقاء الخير الذي
ما زال يتعمق ويمتدد في أبعاد جديدة إلى يومنا هذا 00
ويلحظ أن مسار المسلمين ومسار الغربيين يشكلن خطين
متداخلين على التبادل؛فحين يكون المسلمون في القمة ,يكون
الغربيون في القاع 0وإذا كان الغربيون في القمة كان المسلمون
في القاعدة 0عندما يكون المسلمون في طور الستاذية,يكون
الغربيون في طور التلمذة 0وعندما يكون الغربيون في طور
الستاذية ,يكون المسلمون في طور التلمذة 000
من المهم لفهم العصر الذي يعيشه المسلم اليوم أن نعرف الصور
المتبادلة بينا وبين الغرب:ما هي الصور المنطبعة في ذهن الغربيين
عن المسلمين,وما هي الصور المنطبعة في ذهن المسلمين عن
الغربيين؛لن تلك الصور,هي التي تحدد المواقف,وتغذي التوجهات
الفكرية والتجديدات السلوكية لدى الطرفين؛
ول سيما الطرف المسلم 0
__7
أما صورة السلم في ذهن الغربيين فهي صورة غامضة,يكتنفها
الكثير من الجهل والتشويش؛فعلى الرغم من الحروب الدامية الني
شنّها الغرب على المسلمين في المنطقة العربية من آسيا,وفي
الهند والبلقان وافريقية,
وعلى الرغم من كل العلوم والمعارف السلمية التي كان قد نقلها
إليه من قبل إل أنه لم يكن يحفل أبدا ً بمعرفة كنه السلم
وجوهره -للوضاع الفردية طبعا ً شأن خاص -وكان المأمول من
وراء حركة الستشراق الهائلة أن يتوفر
لغرب معرفة أفضل بالسلم 0
إل أن الواقع هو أن قلة قليلة من المستشرقين استطاعت النفاذ
إلى أعماق الموضوعات التي عالجوها وإقامة دراسات أصلية
وافية حولها عبر منهجية منطقية,مدركة لخفايا تلك الموضوعات
ومشكلتها 0وإن النظر في ترجمات القرآن الكريم إلى لغات
أوروبا المختلفة,يوقفنا على مدى ضحالة استيعابهم للطرح
الفكري الحضاري للسلم في الجوانب والمجالت المختلفة 0
أما العامة وأشبه العامة في الغرب ,فإن اعتقادهم بهامشية
الشعوب النامية –والسلمية خاصة -وأل ّ فائدة تُرتجى من وراء
معرفة أحوالها -أدى إلى جهل عريض بجغرافية العالم السلمي
وتاريخه ودينه ومجمل شؤونه ,مما هيّأهم على نحو فريد للوقوع
فريسة سهلة في شباك رغبات كتّاب وصنّاع الروايات والفلم
ووسائل العلم ,التي رسمت صورة قاتمة للشرق عامة,فالشرقي
ذو نزوات مفاجئة غير مألوفة,كما أنه أسير الغضب العمى ,فظ
س,وهو قبل ذلك سادر في الملذات,أسير الشهوات, غليظ قا ٍ
معربد بين القيان والحسان واللحان والكؤوس والندمان!!!
الشرق موطن السحر والخرافات والوهام,وظلم المعابد,وتعاويذ
الكهّان 0وهو موطن النسل الوفير والكوارث الطبيعية من
الفيضانات والزلزل التي تحصد اللوف 0وهو ل يعرف حرية
جوْر و أكل الحقوق 0والبلدان الشرقية التي الفراد,بل الظلم وال َ
أحرزت بعض التقدم التقني,أحرزته بأموال الغرب ومنهجية الغرب
وتقنية الغرب 000
ويحظي العالم السلمي بنوع من الخصوصية في الصور الذهنية
المنطبعة
عند لدى الغربيين؛فهو إلى جانب كل ما ذكرناه عن الشرقيين,
عالم دموي متطرف إرهابي أصولي 0 00وحين سقط المعسكر
__8
الشيوعي,صار الغرب ينظر إلى العالم السلمي على أنه العدو
القادم الذي ينبغي أن تُرصد تحركاته وأوضاعه 0وكلما أحرز
المسلمون نوعا ً من التقدم في اتجاه التمسك بالسلم ,ازداد
الخوف الغرب من العالم السلمي 0والمتأمل ير أن (السلم
الصولي) صار يحتل القمة فيما يشغل العلم العالمي,وصار
جنرالت حلف الناتو ,يضعون في حسبانهم أن أكثر المواجهات
العسكرية احتمالً,لن تكون بين الشرق والغرب,وإنما بين الشمال
والجنوب الذي يشغل المسلمون منه حيزا ً مهماً 0
إن الذي يغذ ّي هذه الصور,ويعيد تلميعها ,هو رواسب الحروب
الصليبية ,وتنافر المصالح الكونية بين أغنياء الشمال وفقراء
الجنوب,والتشويه العلمي المتعمد الذي تقف وراءه وسائل
العلم الصهيونية والعنصرية,بالضافة إلى سوء أحوال المسلمين
في كثير من المجالت,وشناعة العمال غير المسئولة التي تقوم
بها فئات وجماعات ودول وأحزاب من التعذيب والقتل والحتراب
الداخلي ,والخروج عن القانون,وانتهاك الحرمات,وأكل الحقوق 000
أضف إلى كل ذلك أن الغرب ل يستطيع أن يهضم,ويتفهم وضعية ل
ينفصل فيها الدين عن الدولة,كما ل يستطيع أن يستوعب منطقية
دين تغطي أحطامه كل حياة البشر ,وغي جميع لطوارها؛ فهو
دائما ً يفهم الدين على أنه شأن شخصي,وعلقة خاصة بين العبد
وربه؛ وهو بذلك ينطلق في نظرته للدين والتدين من خلل معرفته
جلَتها العلمانية عن كل بالنصرانية,وبالكنيسة التي أ ْ
مواقعها,وحوَّلتها إلى مؤسسة تعني بالخدمات الجتماعية!!
ولو أن المر اقتصر على ذلك لهان الخطب,لكن الكنيسة قد
أصبحت تضفي المشروعية على بعض العمال والتصرفات التي ل
يمكن لي دين سماوي أن يقبل بها 0وعلى سبيل المثال فإن
الكنيسة النكليزية,قد أجازت عقد القران بين الرجال,وكانت
الكنيسة المريكية أدخلت من قبل إلى أروقتها الرقص والموسيقى
والغناء 000لذا فإن مقاييس الغرب للتدين,تدفعه نحو اعتبار كل
مسلم-مهما كانت درجة التزامه-أصولياً!
لست أعتقد أن بإمكاننا أن نغيَّر الصورة القاتمة التي يحملها
المواطن الغربي عن السلم والمسلمين.ما لم يتغير واقعنا,ونردم
جزءا ً من الهوة التي تفصلنا عن المضامين الخلقية والحضارية
التي نؤمن ونعتزبها 0
__9
أما صورة الغرب في ذهنيّة المسلم فهي –بالطبع -ليست صورة
سه احتقار واحدة 0ويمكن القول:إن بعض المسلمين يغلب على ح ّ
كل ما ينتمي إلى الحضارة الغربية,إلى جانب العتقاد بأن العالم
الغربي يتآمر على المسلمين ,وهو أكبر مصدر لشقائهم وتخلفهم
000
لكن الشريحة العظمى من المسلمين ترى في الغرب نموذج
التقدم والنهضة والحداثة والتغير الجتماعي,كما أنه مهد العلم
والكتشاف والتطور الصناعي والتقني,إلى جانب أنه يقدم نموذجاً
على الصعيد النساني,تُراعي فيه الحقوق,وتُحفظ فيه كرامة
النسان,كما أنه نجح في تأسيس قوانين وأعراف تؤمن سهولة
التداول للسلطة سلمياً 000
وهذه النطباعات تتعمق في أذهان المسلمين كل يوم,ولسيما في
البلدان التي يشعر فيها الناس بسوء الحوال وانسداد الفاق
0ليعني هذا أن هذه الشريحة ل تنتقد الباحية وتفكك السرة
والنزعة المادية المبالغ فيها لدى الغرب؛فهذه المور وغيرها موضع
نقد بالغ,لكن يغض الطَّْرف عنها في كثير من الحيان انشغالً
باليجابيات التي تتناقلها وسائل العلم عن وكالت النباء الغربية 0
بعض المثقفين في بلد المسلمين,يحاولون على نحو مستمر تكوين
الصور السابقة وتجديدها عبر طموحات ومقولت ومحكَّات عديدة
0بداية الخطأ-على المستوى الفكري والمعرفي -تنبع من النظر
إلى تأزم الواقع السلمي على أنه صدى لتأزم الفكر
السلمي,والثقافة السلمية,مع غض الطرف عن العلقة الجدلية
بينهما,وعن أن الصحيح أن تأزم الفكر كثيرا ً ما يكون ناتجا ً عن
تدهور الواقع المعيش,وعجز عن حفز الفكر ,كي يجدد بنيته
ومقولته,وطرق عمله 0
وحين أُغلق باب الجتهاد في القرن الرابع الهجري,لم يتم إغلقه
بقرار من أي جهة,وإنما أغلق لن المجتمع لم يعد بحاجة إليه؛فما
كان متوفرا ً لديه من فكر ومعرفة لم يكن كافيا ً لتيسير دفة
الحياة,والجابة على تساؤلتها فحسب,بل كان فائضا ً عن الحاجة!
وواضح اليوم أن المزيد من طرح الفكار والمزيد من النقد للعقل
العربي والثقافة التقليدية,ل يصحبه تقدم حقيقي ,وإنما المزيد من
الشكوى من تدهور الوضاع والحوال 0وأكثر الذين يحملون رايات
الحتجاج,هم من
__10
الفئة الكثر اعتزازا ً بالحضارة الغربية,والكثر إلحاحا ً على ضرورة
تقليدها 0
َّ
هذا الخطأ الولي جعل كثيرا ً من مثقفينا ,يبحث عن مخلص من
الزمة الحضارية التي نعاني منها,ووجد أن النموذج الذي يصلح لن
يكون مرجعا ً في شؤون الحضارة,ينبغي أن يكون(مطلقاً) حتى
يصبح محورا ً ومقياساً,وقد وجدوا أن (العقل الثقافي) الغربي هو
ذلك المطلق المنشود,وكل ما فيه ثوابت مطلقات 0
وهم بذلك يحوَّلون عددا ً ضخما ً من الفكار والمفاهيم والنظم إلى
مفردات (أيدلوجية),وفي ذلك خيانة واضحة لدستور
العقلنية,وميثاق العقل نفسه 0وهم في سبيل النجاح في عملهم
ذاك,يبرزون أمورا ً في شأن المنافس الغربي,ويغيّبون أموراً
أخرى:فالحاضر منه لطروحاتهم هو الوجه(العاقل),والغالب منه هو
الوجه(المنفعل)؛الحاضر هو الوجه(الفيلسوف),والغائب هو الوجه
(المتأدلج)؛الحاضر هو المعيارية الثابتة عبر التاريخ,والغائب هو
الذرائعية المتبدّلة عبر اقتضاءات المصلحة؛الحاضر والمقبول منه
هو(الخر الستراتيجي),والغائب المسكوت عنه هو(الخر التكتيكي)
0
يتجاهل كثير من مثقفينا المنهمكين في جَّرنا إلى التماهي مع
النموذج الحضاري الغربي-أن بزوغ كثير من النظريات المعرفية
والجتماعية والسياسية في الغرب -كان مقترنا ً بدخول الغرب في
طور التوسع القتصادي والجغرافي,وغزو القارات,والستيلء على
ل من حضارة)ول يمكن لكل ذلك أن يكون وليد كل مكان(خا ٍ
المصادفة 0
ولما كان غزو الدول الخرى ونهب خيراتها,يتناقض مع قيم الحرية
والديمقراطية,ومجمل القيم التي بُنيت عليها فكرة الرقي البشري-
فإن الغرب كان بحاجةٍ إلى تسويٍغ لعماله تلك,وانبثق عن تلك
الحاجة نزعة عميقة,تقول بتفاضلية الثقافات والمجتمعات
والحضارات والديان,وآلت تلك المقولة إلى نظرية(العقليات)التي
ظلّت وكأنها القول الفصل إلى ما بعد الحرب العالمية
َ
الثانية,وأصبح من المسل ّم به أن البشرية في تطورها التاريخي
ومسيرتها الكونية نحو الحضارة,أصناف وأقسام متباعدة,وأن
الحضارة الغربية تمثل خلصة التطور الكوني المطلق,بيد أن
المجموعات الخرى,ما تزال(بدائية)تعيش طور التوحش والهمجية
وشتى أوجه النحلل والجهل والفقر والبؤس والتخلف 000
__11
أصور الغرب على أنه مجموعة من الشرور,وأن َّ ل أريد هنا أن
جميع قيمه بالية,ل حاجة لحد من الناس في شيء منها؛فهذا
خلُق النصاف الذي أُمرنا له؛ولكني أود أن مخالف للواقع,ومخالف ل ُ
نفهم المور على ما هي عليه مفَّرقين بين الوجه والقناع,والقول
والفعل 0كما أود أل يؤدي الوعي بالخر إلى احتقار
الذات,والصيرورة إلى العدمية والتشاؤمية 000وإنما إلى تقديم ما
لدينا,واكتشاف إيجابياته وسلبياته,والستفادة من التجربة الحضارية
العالمية,دون تجاهل للخصوصيات,ودون خلط بين التجديد
الحضاري والتبعية للخرين 000
إننا نؤمن بتلقي الحضارات وتلقح الثقافات,ووجود مساحات
واسعة للتعاون العالمي,كما نؤمن بالتسامح مع المخالفين,ولكن
بشرط أل يقابل تسامحنا بإنكار المخالف بحق الختلف والنَّدَّية
العتبارية,والصرار على البتزاز الثقافي؛وإل فإن الموقف اللئق بنا
آنذاك هو رفض الحتواء والتبعية,وليس النفتاح والتسامح 0
إن عالمية رسالة السلم,ل تستوي على سوقها إل من خلل
استهدافنا لهداية العالم كله:قريبه وبعيده,حليفه ومنافسه 0وهذا
الستهداف يستدعي كياسة في التعامل,وفهما ً عميقا ً للخر 0وإن
منهجنا الصلحي الكوني,ل يتأيى له النضج والمناهزة المستمرة
للكتمال من غير تلَّقي ما لدى الخرين بعقل مفتوح وإرادة صلبة
وعزم أكيد على الستفادة مما لديهم في تصحيح الخطاء وسد
الثغرات وتلفي أشكال القصور الذاتي 000
ول ينبغي أن يغيب عن بالنا أن في الدول غير السلمية مئات
المسلمين الذين يشكَّلون أقليات في تلك الدول,ول بد من مراعاة
مصالحهم عند كل حركة مد أو جزر,تتعرض لها علقاتنا مع تلك
الدول 0
الغرب غرب,والشرق شرق,ول يمكن لهما أن يصبحا شيئاً
واحداً,ولكن سيكون بإمكان كل واحد منهما أن يستفيد من الخر
إذا ما راعى كل منهما حقوق الطرق الخر,وخصوصيته
الحضارية,وأخذها بعين العتبار في حالت التعاون وفي حالت
التنافس والعداء؛وسنظل نأمل بحصول شيء من ذلك,مهما كانت
المعطيات السائدة باعثة على التشاؤم 0
__12
الفصــــــــل الثاني -:
__13
هذا التفاوت بين عناصر البنية التي ندرك من خللها الواقع,يؤدي
في الحقيقة إلى تشابك ألوف الخيوط والمعطيات والعتبارات
التي تستدعي في النهاية ما ل يحصى من الفهوم والرؤى وزوايا
النظر والمواقف وأشكال الستجابة 0وهذا كله يجعل فهمنا لعصرنا
وواقعنا بالتالي نسبياً 0وكثيرا ً ما نجد أنفسنا حيال فهم مسألة من
مسائله كمن يدور داخل دوامة ,فقدت محورها!
إن كل أشكال القراءة للنصوص الشعرية والفلسفية,يمكن أن
م في قراءة الواقع,وربما استطعنا أن نميّز منها ثلثة أشكال تُستخد َ
أساسية,هي:القراءة المزيفة,والقراءة العادية,والقراءة الناقدة
المتعمقة,وكل واحدة من هذه القراءات درجات عدة 0وإن كل ما
سنذكره في هذا الكتاب,ل يعدو أن يكون نوعا ً من
المقاربة,وتوضيح بعض الملمح والوضاع,ليس أكثر 0
حين نريد فهم قضية بالغة التعقيد؛ فإن مما يعيننا على ذلك,تفتيت
تلك القضية إلى أكبر عدد ممكن من الجزاء؛وكلما نجحنا في
تفتيتها أكثر,كان ذلك أعون لنا على فهم أعمق لها 0إذا أردنا-على
سبيل المثال -فهم ظاهرة (الفقر)وجب أن نعَّرف الفقر,ونحدد
مرادنا من وراء إطلق هذه الكلمة,وأن نحدد زمان هذه الظاهرة
ومكانها,ونبحث بعد ذلك في جذور الفقر العميقة وأسبابه المباشرة
والغير مباشرة,والجهات المسؤولة عن وجوده 000
ورغم كل هذه التجزئة,فإن فهمنا لهذه الظاهرة,هو فهم
مناهز,يروم ول يصل ,ول يقترب,ول يُمسك!
ل ينبغي أن نهمل في هذا الشأن قضية مهمة,هي علقات القضية
التي نحاول فهمها,ففي زمان شديد التعقيد كزماننا ,يصبح ما
تستفيده أية قضية من علقتها بالقضايا الخرى بمثابة طبيعة ثانية
لها 0من العسير جدا ً أن نفهم ظاهرة كظاهرة الفقر دون فهم تاريخ
البلد الذي توطنت فيه الظاهرة,وجغرافيه وموارده
القتصادية,والعادات الجتماعية السائدة فيه,وطبيعة النظام
السياسي الذي يحكمه,وفعاليّة نظامه القيمي في توجيه
السلوك,ومدى سيادة القانون والنظم فيه 00
إني ل أطمح إلى الفهم النهائي,ول الفهام الكامل,لكن كل ما
أرجوه هو أل أعطي انطباعات خاطئة عن المسائل التي سأتطرق
َّ
ول 0حوْل والط ْ
إليها؛ومن الله ال َ
أولً_من التفاؤل إلى العـدميـة:
__14
حين ينسى النسان خالقه,وبداية وجوده,وضعفه الشديد أمام
عوادي الزمان-فإنه يصبح من اليسير عليه أن يغرق في شبر من
قوة,وأن يسير خلف أوهام المكتشفات العلمية,والمخترعات
سر من خللها كل مسائل الحياة,حتى مسألة والصناعات,وأن يف ّ
الروح وبداية الخلق! وحين يغادر النسان كل
الطر الثابتة,فإنه سيكون عاجزا ً عن المساك بالكليات الكبرى
التي تحدد له
مساره,وتؤسس له علقته بما حوله؛وذلك لنه المحك المرجعي
آنذاك,سيكون عبارة عن بنية فكرية-كونية,ما فتئت تتغير,وتتشكل
وفق هيكل الحقيقة الذي تطرأ عليه تغيرات مستمرة,من جراء
مة أصول البحوث والكشوف والدراسات الجديدة,وبهذا ل تكون ث ّ
يتحاكم إليها,وإنما بُنيات فكرية ومعرفية انتقائية وتاريخية
متغيرة,وُلِدت في بيئات ذات خصوصيات ثقافية معينة 0
ومن العجب أن يأمل الملحدون وأشباههم في أن تستطيع تلك
البنيات تقديم تفسير شامل للكون والحياة,وتقديم أطر ومرتكزات
صالحة لتقنين العلقات بين البشر,وتحديد المطالب الساسية
للحياة والحياء!!0وذاك خطأ –ل ريب فيه -في المنطلق الساسي
الذي وضعه الغرب في هذا الشأن 0
يقول(توماس كون)"" :القرن العشرون الذي يوشك أن يأفل,هو
بمعنى من المعاني الوجه المقابل للقرن التاسع عشر,على نحو
يؤذن بعالم جديد تماما ً في فكر وفلسفة إنسان القرن الحادي
والعشرين :كان القرن التاسع عشر قرن العقل و اليقين,وأما
العشرون,فهو قرت الشك ةالحتمال 0وكان القرن التاسع عشر
قرن اليمان بالنظريات والمذاهب,وواحدية النظرية أو المذهب
0أما القرن العشرون فهو قرن التمرد والثورة والتعددية 0و كان
القرن التاسع عشر قرن الثقة في الستقرار وانتصار النسان 0أما
القرن العشرون فهو قرن الزمات والصدمات 0كان القرن التاسع
عشر قرن الذات-الجوهر الفاعلة المتعالية على السياق والتاريخ
00أما القرن العشرون ,فهو قرن الذات –الموضوع رهن السياق
ل القرن العشرون بأزمة عصفت بكل دعائم ووليد التاريخ 00أه َّ
الثقة,وبكل أركان اليقين ,وبكل مبررات استقلل الذات أو
الموضوع,وثار العقل على نفسه في سياق من الحداث الجتماعية
المأساوية,وبقوة دفع التطورات والنجازات العلمية الطبيعية منها
والنسانية 0وتغيرت مقومات الفكر,بل أسس الثقافة ذاتها
__15
000أثبتت نظرية(النسبية)أن أساس العلوم المضبوطة الذي كان
يعتبر أمرا ً بدهيا َ يمكن أن يتغير ,بعد أن أحاطت الشكوك بجوهر
الفيزياء الكلسيكية""
ربطت نظريات القرن التاسع عشر الخاصة بالتقدم بين شرور
البشر وبين حالة التخلف والتطور الجتماعي؛وحين وقعت الحرب
العالمية الولى والحرب الثانية,وألقيت القنابل الذرية على البشر
في اليابان,وارتُكِبَت أبشع الفظائع تجاه الضعفاء والنساء والشيوخ-
نشأ إحساس قوي بأن التطور القتصادي,وانتشار التعليم,واغتناء
الثقافات,أمور غير كافية للحد َّ من الجرائم والتدهور الخلقي،وصار
هناك من يتساءل:ما جدوى ما ندعيه من التقدم التاريخي إذن؟!
التفاؤل المبالغ فيه الذي كان يعم الغرب في القرن التاسع
َّ
عشر,نشأ من أن الغرب,لم يكن يعرف محدودية(العلم) الذي علق
عليه كل آماله؛وقد كان العلم آنذاك في أوله,ولم يكن بالمكان
معرفة تلك المحدودية إل بعد أن يبلغ العلم مداه,أو يكاد 0وحين
وصل العلماء إلى طريق مسدود ببحث كثير من المسائل,ساد في
الوساط العلمية شعور بأن التفاؤل المفرط,هو أول خطوة في
طريق التشاؤم والعبث,وانقطاع الرجـاء 000
بعد التفاؤل المفرط بإمكانية سيطرة النسان على الطبيعة,حل
الشعور بالتفاهة والنحسار؛وقد عبَّر(الوجوديون)عن الحالة التي
م
صار إليها الوجود النساني بأنها:عدم وموت وحصر وه ّ
وضيق,وضياع للفرد في للجماعة,وثرثرة وغثيان وفراغ وعبث
000والنسان على حد تعبير( كامـو) :تناقض وسخف,ول معقول,بل
غاية أو هدف,ومصيره النتحار!0
والوجود النساني عند(ميرلو بونتي) و (مارسل):جسم ,والنفس
أحد أبعاده 0ومنذ(كير كجادو) الوجود النساني تناقض وفضيحة
وعار؛حتى انتهى كثير من الفلسفات الوجودية إلى البعث
واللمعقول,على عكس ما كان عليه الوعي الوروبي في البداية
عندما كان يتسم بالعقل والهدف والغاية والحرية والتقدم والوضوح
والتساق 0
إن عالمنا السلمي لم ولن يستطيع أن يلفت من روح التشاؤم
التي ولدت في بلد الغرب,وأخذت تنسل في كل شبر في
الرض؛ونظرة واحدة في معظم الواوين الشعرية الحديثة,وفي
الكتابات الحضارية عامة,بل في أحاديث مجالس السمر لدى
العامة والخاصة-كافية لتأكيد أن الناس يشعرون أن أفضل أيام
__16
البشرية,قد ولى,وأن صنوفا ً من اللم والخفاقات الهائلة,تنتظر
الجيال القادمة 0
إن إعراض البشرية عن هدي النبياء -عليهم الصلة والسلم -قد
جعل التقدم العلمي يقترن بالمزيد من انتشار الفاحشة,والنحلل
الخلقي وإدمان المخدرات وفشو الرشوة,والنهب المنظم,والتزوير
والغش 000
وإن الذين سيتفاءلون مع انتشار هذه الوبئة لن يكونوا
موضوعيين,وإنما سيكونون كمن اختار أن يغني بين القبور!0
النصوص التي تدل على حدوث انهيارات إيمانية وخلقية واجتماعية
ل على أن هناك في آخر الزمان كثيرة,لكن هناك أيضا ً نصوص تد ّ
ضمن سياق التراجع حركة مد ّ وزجر ,وكثيرا ً من مضات الخير
َ
وإشراقات الصلح؛ هذا بالضافة إلى أن المسلم مكل ّف دائما ً أن
يفعل كل ما يستطيع ,وأن يقدم أفضل ما لديه,مهما كان الوسط
الذي يعيش فيه سيئا ً وميؤوسا ً منه,والمسلمون الملتزمون يعرفون
إلى هذه اللحظة طريق العودة,ويعرفون كيف يبعثون في الحياة
المل والرجاء من جديد,لكن لبد لذلك من شيء من
التضحية,ودفع الثمن الذي يجب أن يدفعه كل من يسبح ضد
التيار,ويحاول إنقاذ سفينة مشرفة على الغرق؛ وكل الثمان
الباهظة ستكون قليلة حين يكون العوض الطمأنينة في الدنيا,
والنجاة في الخرة!
ثانياً_ضياع الهدف النهائي:
تجمع الديانات والرسالت السماوية على تحديد هدف نهائي واحد
ل-وما يترتب على ذلك لهذه الحياة هو:الفوز برضوان الله-عَّز و ج َّ
من النعيم المقيم في جنات الخلد 0وجود هذا الهدف لم يحفز
الهمم على العمل فحسب,وإنما أسبغ نوعا ً من التوحد والمنطقية
على مناشط الحياة كلها،وجعلها معقولة ومفهومة 0
ميزة هذا الهدف للحياة أن الهداف الخرى جميعها,تصبح وسائل
بالنسبة إليه؛مما يوجد ارتباطا ً فريدا ً بين مجموعة الهداف
المختلفة 0سيطرة هذا الهدف على حس الناس ومشاعرهم
وتصرفاتهم وحساباتهم كان باستمرار يشكل مخرجا ً حيث ل
حي بالحياةمخرج,وحل ً حيث ل حل؛فهدف على هذا المستوى,يُض َّ
كلها من أجله,وهذا ما يفعله في الحقيقة الشهيد والملتزم التزاماً
صارماً 0الشهيد والملتزم,هما أعظم الناس نفعا ً للبشرية؛لنهما
يعطيان للحياة,ول يسحبان من رصيدها,وإنما يسحبان من رصيد
__17
آخر,هو رصيد الخرة,مما يخفف من كثير من الزمات في زمان
تتجه الشياء كلها نحو(الندرة) وفي زمان لم يصبح فيه شيء بدون
ثمن 0
وجود هدف يسمو على مطالب الحياة الدنيا,قد أعطى للنسان
مل لواء الحياة,فحين تنسد طاقة هائلة في مواجهة الصعاب,وتح ُّ
السبل,وتنقطع حبال الرجاء؛يجد المسلم في معونة الله-تعالى-
والمل في تفريجه,ونيل المثوبة منه,ما يفتح أمامه أبواباً
جديدة,فيتجاوز كل أسباب اللم والضيق؛إذ يتصل بمسبَّب السباب-
ل و عل-وهذا هو السر في الظاهرة العالمية المشهورة؛ظاهرة ج َّ
أن المسلم ل ينتحر!أما الخرون فإنهم ينتحرون لسباب تافهة(([)1
)1ذكرت وكالت النباء أن أمرأة إنكليزية,انتحرت؛لن كلبها أصيب
بمرض عضال,فلم تطق رؤيته يتألم!0
وفي أيامنا هذه شنق كوري نفسه لنه خسر دراجته النارية في
رهان فوز أحد فرقاء كرة القدم في فرنسا! ,]0مع أنهم اخترعوا
في وسائل السلمة والمرفهات أشياء كثيرة,ل تخلو من المبالغة
والحتياط الشديد!0
ل البشرية اليوم,وما مدى إحساس الناس بهدف ما حا ُ
الهداف,والغاية الكبرى من الوجود على هذه البسيطة؟0
يمكن أن نقسم الناس تجاه هذه المسألة إلى ثلثة أقسام:قسم
فقد التجاه نحو الغاية,وفقد من قبل الغاية نفسها 0
قسم يعرف الغاية,ويقوم ببعض العمال التي قد توصل إليها,لكنها
ليست حاضرة دائما ً في شعوره وبرامج عمله,واعتباراته المختلفة
0
قسم ثالث يتخذ من النسجام مع الغاية الكبرى مؤشرا ً على صحة
ما هو فيه,ويعد العمل على الوصول إليها ذا أولوية مطلقة في كل
ما يأتي ويذر,وإلى القسمين الخيرين ينتمي كل من هو داخل
حظيرة السلم 0
فس مادي مصلحي نفعي,وإن فس العام لواقعنا الحاضر,هو ن َ َإن الن َّ َ
الحساس بالهدف من هذا الوجود,معدوم لدى السواد العظم من
صنَّاع الحضارة التي تظلل عصرنا 0وإذا تساءلنا عن السبب في
ذلك فإننا سنجد أسبابا ً عديدة ,وأهمها سببان:
.1الول منهما أن انحرافات الكنيسة,ووقوعها ضد مصالح الطبقات
الفقيرة إلى جانب وقوعها ضد حركة البحث العلمي في
َّ
الغرب,بالضافة إلى فساد رجالها الخلقي والسلوكي؛قد ولد
__18
عداءً مستحكما ً بين قادة الفكر والتنوير والقوى الجتماعية
الجديدة وبين الكنيسة,وكل ما يتصل بها من إيمان بالله والبعث
والجزاء والحساب 000
حتى قال (فو رباخ)"":إن الدين هو إضاعة النسان لجوهره؛فالدين
يقذف بهذا الجوهر في (كائن إلهي) خارج عن ذاته,وهو محض من
إنتاج ضميره""!!0
.2السبب المهم الثاني هو النتصارات التي حققها العلم في
القرون الثلثة الماضية في كافة مجالت الحياة,والتي أدخلت
الوهم على الوعي الغربي,حيث ساد اعتقاد بأن العلم قادر على
ل كل الشكالت,ورسم كل خطوط السير في كل شؤون ح ّ
البشرية,ومن ثم فإن (اليمان) قد فقد مجالته ووظائفه,وقد آن
أن يذهب إلى غير رجعة,وصارت المعادلة:إما أن تكون مؤمناً
غير عالم,وإما أن تكون عالما ً غير مؤمن!0
إن الحداثة الغربية,تتعرض اليوم لمراجعة من لدن مفكرين كبار
بغية إعادة التوازن إليها,وإيجاد علقة جديدة بين العلم
واليمان؛حتى إن بعضهم يذهب إلى أن (العصر الوضعي) قد
خلَْفنا ل أمامنا,وأننا الن على عتبة عصر جديد,هو عصر ولّى,وأصبح َ
ما بعد الحداثة ,وهو عصر أقرب إلى اليمان منه إلى اللحاد 0
ويمكن القول:إن بعض علماء الغرب المشتغلين في مجالت
العلوم الطبيعية خاصة-قد بدؤوا حقا ً يدركون أن أخطاء الكنيسة
الفادحة,قد قوبلت بردود فعل غير متزنة من قبل الفلسفة والدباء
والعلماء الغربيين عامة؛مما يقضي من كل الفريقين-الكنيسة
وخصومها -أن يخطوا خطوات إلى الوراء 0
بدأ بعض علماء الغرب يشعرون بالتفاوت بين العلم واليمان,أو بين
العلم والوحي على مستويين:مستوى الطبيعة والمنهج,ومستوى
الهدف؛فهما ل يتموضعان على مستوى واحد؛ولذا فل ينبغي إقامة
صراع بينهما 0
يقول(بيير كارلي) :يستخدم العلم أداة محددة,هي العقل والمنهجية
الرياضية من أجل وصف الظواهر والبرهنة عليها 0ويهتم العقل
بكل ما هو قابل للتحقق منه علمياً,أو البرهنة عليه تجريبياً 0العلم
يبتدئ بصياغة الفرضيات عن ظاهرة من الظواهر,ثم يجرى
التجارب لكي يتأكد من صحة هذه الفرضيات,أو من عدم صحتها 0
ويتميز العلم بالتصحيح المستمر لنتائجه,بمعنى أنه يقبل بوضعها
على محك الشك,كلما دعت الحاجة إلى ذلك؛ فليس هناك حقيقة
__19
مطلقة في مجال العلم,وإنما هناك حقائق تقريبية مؤقتة,وعن هذا
الطريق يتقدم العلم باستمرار 0
ويقول(أندريه ليشنرويز) أستاذ الفيزياء الرياضية في (الكوليج):إن
الخطاب العلمي,ل يستطيع أن يخرج من ذاته دون أن يفقد
خصوصيته,وتكمن مهمته في تفسير تركيبة الشياء والظواهر؛فهو
يحللها ويشَّرحها تشريحاً,ويكشف عن قوانينها وبنيتها الداخلية,ولكن
ليس عنده كل شيء لكي يقوله عن غائية الشياء,أو معنى
الوجود,او الهدف من الحياة في نهاية المطاف,فهذه هي مهمة
(الدين) أو الفلسفة بشكل أساسي 0العلم يستطيع أن يف َّ
سر
الشياء,لكنه ل يستطيع أن يقوا:لماذا وجدت الشياء,أو ما هي
الغاية من الكون 0الموت أو القطيعة البدية تحرق قلب
النسان,وتشغل باله كثيرا ً إذا لم يكن مؤمنا ً راضيا ً بقضاء الله,
واثقا ً من عفوه ومغفرته في الخرة 0
قدإن الغربيين الذين يشعرون بمدى الضياع الذي أصابهم بسبب فَ ْ
اليمان,وفَْقد الهدف النهائي للحياة-يتزايدون في الحقيقة,لكن
المؤسف أن الغرب,قد رتَّب شؤونه كلها في المجالت كافة على
أن الحياة هي الحياة الدنيا وحدها,ولن على المجتمع أن يتجاوز كل
المبادئ والخلق والفكار المتعالية التي تأتي من خارج المجتمع
البشري لتنظمه 0إنه يطمح لن يرى في إنتاجه الحضاري
الشخصي المبادئ والوسائل التي تمنحه للستقرار,وتصلح شؤونه 0
جر كل سبل العودة إلى الدين والنكى من هذا أن الغرب ف َّ
َ
والوحي؛ ولذا فإن مشاعر الحباط التي ول ّدها اللحاد,وتفتحات
بعض علمائه على ضرورة تغيير المسار -لن تكون كافية لبعث
أهداف جديدة للحياة,وللتصال بالحياة الخرة 0ومثل هذا لو
محاً مل ْ َ
انطلق,فإنه سيكون بحاجة إلى أجيال عديدة حتى يصبح َ
واضحا ً من ملمح المجتمعات هناك 0
السواد العظم من المسلمين يمتلك-بحمد الله -على المستوى
النظري المعرفة بالغاية الكبرى لوجوده,وكثير أولئك الذين يحاولون
منْهَجية حياتهم على مقتضاها؛ وهذا ما يخفف من ضغوط الحياة َ
ً
عليهم,ويمنح مجتمعاتنا السلمية نوعا من التماسك على الرغم من
سوء كثير من الحوال,لكن هذا ل ينبغي أن ينسينا أن روح الحياة
الغربية,تسري أكثر فأكثر في حياة المسلمين,وقد أخذت الهداف
الدنيوية النية ,ومطالب الحياة اليومية,تضغط أكثر فأكثر
عليهم,وتشكل بالتالي حركتهم ومناشطهم اليومية على مقتضاها 0
__20
ف أن كثيرا ً من الناس اليوم يقوم بأعمال ليس لها أي
وليس بخا ٍ
تفسير مقنع,وليس لها أي معنى:تجد كثيرين يملكون مئات
المليين,ومع ذلك فهم يكذبون ويغشون ويضيعون بعض
الفرائض,ويقطعون أرحامهم,ويغامرون بصحتهم في سبيل الحصول
على المزيد من المال الذي ل يعرفون متى سيتمتعون به,ول مدى
حاجتهم إليه,إنه التيه,والغرق في دوامة الضياع,ل ترحم! مهمة
اليمان بالغاية العظمى للوجود,ل تقتصر على رسم الفضاء النظري
للعقل والقلب فحسب,وإنما جعل الغاية حاضرة على مستوى
خلُق والسلوك والعلقة وترتيب الولوياتالشعور,وعلى مستوى ال ُ
والتخلي عن بعض الرغبات,أي:صياغة حياة المسلم وفق المنهج
الربَّاني الرشيد 0
وهنا تبرز مسؤولية القلة المؤمنة التي تنعم بالعيش في ظلل
اللتزام الصحيح -في التفكير مليا ً في نوعية الظروف الكثر ملءمة
لدفع السواد العظم من المسلمين في اتجاه العيش على مقتضى
المر الشرعي,والسعي الحثيث إلى توفير ما يمكن توفيره منها؛
وما تلك بالمهمة السهلة؛ولكن ليس ثمة خيارات أخرى 0
ثالثاً_التأّزم الخـــــــــلقـــــي:
هل كان أمام العالم من سبيل يحول دون الخواء الروحي والخراب
الداخلي الذي يعاني منه النسان الحديث بعد أن تم شطب كل أو
معظم ما يقع وراء إدراكات الحواس,شأنا ً غامضاً,أو غير مهم؟0
المركز المحوري الذي احتلته(الروح) على مدار آلف السنين
غادرته منذ أكثر من مئة عام,وصار يُنْظَر إليها اليوم على أنها وهم
أو خرافة من خرافات الماضي,وصار يعبَّر عن الحديث عنها بأنه
رجعي,ول علمي,وما ورائي؛وصار النسان في القرن
العشرين,يقبل دون جدل بأنه ل شيء في هذا الكون إل الطاقة
والمادة المعروفتان 0صارت(الروح)تُصوَّر في كثير من الكتب على
أنها الوعي أو الصورة الذهنية للمدركات,أو المعنى ,أو المعنويات
000
ل ريب أن العالم السلمي لم يصل إلى هذا الحد,لكن يصح القول
أيضاً:إن
الخطط التنموية في معظم البلدان السلمية,ل تعكس اهتماماً
خاصا ً بهذه المسألة عما ذكرناه لدى الخرين,وما نراه من اختلف
يعود إلى جهود فردية وشعبية في أكثر المر 0
__21
ومن الواضح أننا بدأنا نسير شيئا ً فشيئا ً خلف الغرب في تقديم كل
رهاناتنا للنتاج والتقدم المادي,وتأمين حاجات الجسد 000حتى
السلوك الشعبي اختلف في العشرين سنة الخيرة,وصار كثير من
الناس ينظر إلى الحاديث التي تدور حول تعزيز البعد الروحي بأنها
وعظ جميل-وأحيانا ً ثقيل!-لكن الستجابة السلوكية لتلك الحاديث
ضعيفة وبطيئة 0وعلى المستوى النظري,فإن هناك انحيازا ً واضحاً
إلى الشكلي والمادي والحيَّي على حساب المعنى والمضمون
والفحوى والطلقة و التدفّق الداخلي والمشاعر والحاسيس
واللمسات الشخصية 00وهذا كله وافد على أمة السلم في جملة
ما وفد من الشوائب والعوالق المصاحبة للتقدم المادي الصم!0
هذه الوضعية للروح تمثل خلفية ثقافية للوضعية الخلقية التي
نشعر أنها هي الخرى,أخذت تدرج في مسالك التأزم والنحطاط 0
وأعتقد أن مصادر الزمة الخلقية عديدة,ولعل لهمها ثلثة,هي:
أ-المسألة الحاسمة في مجال الخلق,هي (إطارها
المرجعي)بمعنى المصدر الذي نستمد منه الحكم على وصفة أو
قيمة بأنها حسنة أو قبيحة,والجهة التي ستتولى الثابة أو العقوبة
عليها 0
في العالم الغربي ذهب معظم الفلسفة إلى أن واضع القيم هو
النسان,ويذهب بعضهم إلى أن واضعها هو المجتمع,ومحصلة ذلك
أن العقل البشري هو الساس الذي يتشكل عليه الطار المرجعي
لجميع القيم؛وهذا في الحقيقة يجعل الخلق والقيم أسيرة لهواء
َّ
وملونة بألوان البرمجات المحلية ومقولت البيئات الثقافية البشر
المختلفة,والمصالح الحيوية 000
شة ومعلقة إن فقد مصدر الخلق لتعاليه ومطلقيته يجعلها تبدو ه َّ
في الفراغ,ومفتقرة إلى المعيار الموضوعي,وهذا كله يحرم
الخلق من وشاح القدسية والحترام,ويجعل المثيب والمعاقب
عليها مجهول ً في أكثر الحيان؛مما يسهَّل مسألة الخروج عليها
وتجاوزها وتطويرها,وهذا ما يحدث في شتى أنحاء العالم!0
يقول(فوكوياما)"":لقد غدا المريكيون مشغولين بصحة
أبدانهم:ماذا يأكلون ويشربون,والرياضة التي يمارسون,وفي أي
شكل يبدو أكثر من انشغالهم بالمسائل الخلقية التي كانت تقض
مضاجع أجدادهم""0
ويقول( ستيفن كوفي)الخبير بالدارة والعلقات التجارية:كان
أساس النجاح في أمريكا مدة()150عاما ً قبل الحرب الولى,يقوم
__22
على ما يمكن تسميته بـ(المزايا الخلقية)؛مثل الستقامة
والتواضع,والخلص والعتدال,والشجاعة والنزاهة,والصبر
والمواظبة والبساطة,والقاعدة الذهبية)):عامل الناس كما تحب أن
منا المزايا الخلقية بأن هناك مبادئ أساسية يعاملوك))000وتُعْل ِ ُ
للحياة الفاعلة,وأن الناس ل يستطيعون تحقيق نجاح حقيقي,أو أن
ينعموا بالسعادة إل إذا تعلموا هذه المبادئ,واستوعبوها باعتبارها
أخلقا ً أساسية 0
بعد الحرب العالمية الولى اختلفت النظرة الساسية إلى
النجاح,من المزايا
الخلقية إلى ما يمكن أن نطلق عليه(مزايا شخصية)فقد أصبح
النجاح مرتبطا ً بالشخصية والتصور العام لها,وبالمواقف والتصرفات
والمهارات والتقنيات التي تسهَّل التعامل بين الناس 000
أما النواحي الخرى التي تناولت الشخصية,فمن الواضح أنها
متحايلة,أو حتى مخادعة,تشجع الناس على استخدام تقنيات تحبب
الخرين بهم,مثل الهتمام بهوايات الخرين لستخلص ما نريد
منهم أو(التظاهر بالقوة)أو تخويفهم من المستقبل 000
وهكذا نجد أن إبعاد الخلق والسلوك والعلقات العامة عن فلك
الدين,وقطع صلتها بالرؤية العامة للحياة,حرمها من الطار
المرجعي الثابت,ومن المعايير الموضوعية المتفق عليها,وصار
بالتالي كل شيء في النهاية ممكنا ً حتى السس الراسخة والثوابت
الشامخة,ويمكن عن طريق التغيرات البطيئة والناعمة أن تتحول
إلى مسائل فرعية,أو خلفيات ثقافية,أو مظاهر كياسة!0
قد انتقل هذا الداء إلى كثير من الدوائر المالية والتجارية وإلى
بعض مجالت العلقات العامة في بلداننا السلمية,وسوى من
يتأمل في الدورات التي تُقام لمندوبي المبيعات وموظفي
الستقبال والعلقات العامة,والتعليمات التي يتلقاها هؤلء من
رؤسائهم-أن ما وقع فه غيرنا قد وقعنا في كثير منه من أجل
المزيد من الربح,والمزيد من المكاسب المادية 0بل يمكن
القول:إن السس التي تقوم عليها العلقات الجتماعية قد أصابها
بعض التبدل,حيث أضحت تقوم-على نحو متصاعد-على تبادل
المنافع,وليس على الحب والتقدير والوفاء والتناغم الخلقي
والروحي؛مما يجعل كثيرا ً منها يبدو وكأنه من فروع نظام التجارة
الغلّب لكل النظم الخرى!0
__23
ب-تعاني المنظومات الخلقية في العالم السلمي من عدوان بعض
أبنائه عليها,حيث إن بعض المثقفين الذين فُتنوا بتفوق الغرب
وتقدمه,جعلوا من أولوياتهم تفكيك المنظومات الخلقية السائدة
بين المسلمين,باعتبارها عائقا ً قويا ً لمام التقدم؛فقد
افترضت(الحداثة العربية)انه يجب بناء كل نشاط على
العلم,واعتبرت مل مال يخضع للمعايير العلمية جزءا ً من أوهام
النسان القديم,وعامل ً من عوامل استلبه,وقد حاولت أن تصوَّر
القيم السلمية بأنها تقليدية وبالية ومنحطة وجامدة,وهي تحث
على الكسل والتعصب,وتدعم العشائرية المدمرة للفردية,وتؤكد
على العاطفة والروح,وتقتل العقلنية والموضوعية,وهي على نحو
عام سبب فقدان العرب مقدرتهم على استيعاب الحضارة
الحديثة,ومنشأ روح العبودية فيهم 0
وهذا التقليص-كما يقول د 0غليون-للتجربة النسانية والفردية
والجتماعية,واختصارها إلى تجربة وممارسة علمية ومعرفية
ومنطقية,والحكم على التجارب الدينية والخلقية والجمالية
َ
بالزوال-هو من مخل ّفات الوضعية الفلسفية الولى التي تحولت
إلى(علموية)و(تقنوية)ل إنسانية 0
إن الفكرة التي تقول:إن المرحلة العلمية قد ألغت المطالب
الروحية والنفسية والجتماعية واللعلمية-هي نتاج للتخبط الذي
تعيش فيه المجتمعات النامية التي فقدت أسسها المعنوية
والتقليدية,ولم تحرز التقدم المنشود !0
أصحاب الفائدة من الندماج في الحضارة الغربية,والمالكون للقوة
الغاشمة
رحبوا بفكرة إنهاء المنظومة الخلقية السلمية؛لن ذلك يسهَّل
السبل أمام
جد إمكانية كبيرة لستخدام ازدهار تجارتهم ونفوذهم,ويو ِ
قوتهم,والوصول إلى مصالحهن دون قيد؛على حين أن الضعفاء من
المسلمين,كانوا-ومازالوا -يعتقدون أن التمسك بالخلق والقيم
السلمية والنسانية,والستنجاد بها -هو السلح الذي يمكن أن يَحدَّ
من تلك القوة,ويحول دون تدمير المدينة السلمية,وجعل أهلها
هامشا ً ضئيل ً على متن الغرب المنتصر 0
ويمكن القول بعد هذا و ذاك:إن هناك صراعا ً حقيقيا ً بين حماة
القيم والخلق السلمية العربية وبين دعاة تدميرها؛والعاقبة
للتقوى 0
__24
جـ -المصدر الثالث لتأّزم الخلق في عصرنا هذا,هو سوء الحوال
المعيشية التي تكتنف حياة كثير من الناس في بلدنا السلمية
خاصة
,وعدم ملءمة الجواء العامة السائدة للتفتح الخلقي,وعدم
مساعدتها على اللتزام بالفضيلة 0إن الفضيلة-في معظم الحوال-
هي شيء يقع بين رذيلتين,فالشجاعة وضعية تقع بين الجبن والتهور
0والكرم وضعية يحدها من أمها السرف والتبذير,ومن خلفها
الشح,والحتياط الشديد في التدبير؛وهذه الطبيعة تساعد الناس
على امتلك قدرة فائقة على تأويل الفهم,وجعلها أشبه بالحالت
الخاصة؛إذ من السهل على الواحد أن يقول:إن ما أفعله ليس
نفاقاً,وإنما هو مجاملة 0وأن يقول آخر:إن ما أفعله ليس بخلً,وإنما
هو تدبير,وهكذا 000
ن تحت مطارق ومن الواضح أن كثيرا ً من المجتمعات السلمية,تئ ُّ
الفقر
والجهل والمرض والبطالة والستبدال,كما أن شروط العيش
الكريم فيها تزداد صعوبة يوما ً بعد يوم,وكثير من الشباب الذين
قذفت بهم الثانويات والجامعات إلى معترك الحياة,يشعرون
بالحباط وانسداد الفاق 000
خلُقية,ول لوضوح وهذا كله ل يشكّل الوسط الصالح للستقامة ال ُ
مثُل العليا في أذهان الناس 0حين يعيش المرء في مجتمع يقتات ال ُ
معظم موظفيه من وراء الرشوة,والستيلء على المال العام,
عَّفته بمثابة عقوبة لهوالحتيال على النظم-تصبح نزاهته و ِ
ولسرته,حيث إن عليه آنذاك أن يعمل غير عمل-إن وجد -حتى
من ضروريات الحياة؛ وفي هذه الحال, يؤ َّ
فإن أقل من %20من الناس يحجزهم دينهم وخلقهم عن الولوغ
في الحرام,أما الباقي فيسبحون مع التيار,بحجة الضرورة,وبحجة
أن هذا ليس حراماً؛لنه موظف وله حق الكفاية,وحجة أن
ي)يفعله؛ولذا فإنه لم يعد حراماً,وهكذا 000 فلناً(التق َّ
ول يخفى أن ألفاظ الثناء في الشارع السلمي,صارت تعكس
معيارا ً قيميا ً جديداً؛فعلى حين كان الناس يقولون:فلن آدمي وابن
حلل وطيب,صاروا يقولون:فلن(كدع)و(شاطر) ويعرف كيف يدبر
نفسه 00وصارت كلمة(طيب)التي كانت
حسن تدبيره 000 كلمة مديح,ترمز إلى نوع من اللمز في نباهته و ُ
والخطر من كل هذا أن(العرف)يتحور شيئا ً فشيئا ً لينسجم في
__25
النهاية مع الواقع الرديء 0كما أن المجتمع الذي ينتشر فيه
النحراف الخلقي والسلوكي ,يفقد تدريجيا ً قدرته على ممارسة
الضغط الدبي على المنحرفين من أبنائه؛لن الذين سيمارسون
الضغط,
يصبحون آنذاك قلة قليلة,وموقفها نفسها يصبح موضع
تشكيك,ويتحولون من قوة نافذة إلى قوة غريبة(فطوبى للغرباء)بل
إن (الفتوى) نفسها قد تتراجع حيث تكثر الضرورات,
ويتضخم ما تعم به البلوى,ويتراجع المصلحون من موقع إلى
موقع؛ليؤكدوا في النهاية على جوهر اليمان وأصول الخلق عوضاً
عن الحديث عن السنن والمكروهات والواجبات والمحرمات!0
لبد من القول:إن
صور التأّزم الخلقي ل
يمكن أن تكون
متطابقة في سائر أنحاء العالم
فالمشكلت الخلقية في عالم يسوده الغنى والحرية
والكتشاف,وهو بدون إي عقيدة دينية-لبد أن تكون مغايرة
للمشكلت الخلقية في بلد فقير,تنتشر فيه البطالة والخرافة
والعصبية القبيلة والظالم 0
فالفكار والعقائد والوضاع المعيشية والسياسية 000تنعكس على
نحو مباشر على الوضاع الخلقية,وتتنوع هذه الخيرة بتنوعها 0ومع
هذا فل ينبغي أن يُفهم من هذا أنه ليست هناك أخلق مشتركة بين
المم؛فنحن-كما ذكرنا من قبل-نعيش زمانا ً واحدا ً وفي مكان واحد
ومن المستحيل أل تنتشر في هذه الحالة القيم مشتركة 0
ويصح القول أيضاً:إنه على الرغم من القواسم المشتركة الكثيرة
بين شعوبنا السلمية إل أن شدة المعاناة من التأّزم
الخلقي,تختلف من بلد إلى آخر,فعلى حين يعاني بلد من سوء
النظام الداري وإفرازاته الخلقية,يعاني بلد آخر من الثار الخلقية
للفقر والبطالة,وهكذا 000
مثُل السلمية -كثير من المسلمين اليوم يعيش دون شعور بال ُ
العليا,ودون أهداف سامية,يسعى إلى تحقيقها؛فتأمين الحاجات
الضرورية هو شغلهم الشاغل,وامتلك بيت يؤوي الواحد منهم فيه
عياله,صار يعد اليوم عبارة عن نصر كبير في معركة شرسة؛وهذا
__26
جعل كثيرا ً منهم يقع تحت ضغوط المتطلبات النية والشياء
الصغيرة,ويقع فريسة لضروراتها 0
وقد صار كثيرون منهم أشبه بالحيوان البري الذي يقضي حياته في
حديقة حيوانات؛فهو ليس معزول ً عن بيئته الطبيعة فحسب,بل هو
معزول عن أعماق ذاته!0
-يعاني السواد العظم من المسلمين من ضعف الحساس
بـ(الواجب) وهو المبدأ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة
والفردية؛ليعكس تسامي النسان,وقدرته على اللتزام تجاه
غيره,والتضحية في سبيله 0
-هناك فريق كبير من المسلمين,يعاني على الصعيد الحضاري من
ذبول روح المدنية لديه,وهو ينزع باستمرار إلى نوع من النطواء
على الذات أو السرة أو القبيلة 000
وهو نزوع ذو أثر سلبي على الحساس بالمصلحة
الوطنية؛والمصلحة العامة 0
-هناك سلوكات خاطئة,تنم عن نوع من الخواء الروحي,حيث إ َّ
ن
كثيرا ً من الناس,أخذوا يعوَّضون عن النقص في كينونتهم اليمانية
والخلقية بالتجاه نحو المزيد من الستهلك البذخي والترفي,
بالضافة إلى رغبة قوية في الكتناز بشراء العقارات والقصور
وشراء السيارات الفاخرة 000
-على الرغم من سهولة التصال بين الناس,وكثرة المناسبات التي
تجمعهم,إل أن الحقيقة أن هناك عزلة شعورية كبيرة,تحتاج كثيرين
منهم وهناك اندفاع متزايد نحو البحث عن الخلص الشخصي بعيداً
عن خلص الجماعة-المجتمع-مع أن الدبيات السلمية في هذا
الشأن,تعلمنا أن من غير الممكن الحصول على تقدم فردي حقيقي
في وسط منهار 0
ل أريد أن أستطرد بذكر مفردات الزمة الخلقية-وهي كثيرة-التي
تعاني منها
المة,وإنما أود أن أؤكد أن حاجتنا إلى التنمية الروحية والخلقية,ل
تقل بحال من الحوال عن حاجتنا إلى التنمية المعرفية أو
القتصادية()1؛[( )1انظر-إن شئت-ما ذكرناه عن التنمية الخلقية في
كتابنا _مدخل إلى التنمية المتكاملة)]0حيث إن التقدم الحضاري
من غير قاعدة روحية وخلقية,سيكون مشكوكا ً فيه,وما يتحقق
منه,لن يكون مصدر سعادة حقيقية 0
__27
وخميرة التنمية الروحية,موجودة,فبالضافة إلى المنهج والتراث
ي,لدينا المليين من الرجال والنساء الذين يُعدُّن
الخلقي الغن َّ
نماذج راقية في الطيبة والستقامة والسمو الخلقي!0
رابعاً_تـقدُّم بل حـــــــدود:
مما ترسخ في الوعي الوربي الحديث أن النسان حصاد ما
يعرفه,وما يتقنه؛وبالتالي مايملكه 0ومن هنا اندفع الغرب في
الكتشاف والتصنيع إلى أقصى حد ممكن,مما أنتج تعاظم الملكية
ونشوء مجتمعات الوفرة والخدمات والجامعات والمصانع 000وصار
التقدم نحو الفضل,والبحث في الكيفيات والوسائل التي تحقق
ذلك,الهاجس اليومي لعالم الغرب كله,ولكل من تواصل معه من
شعوب الطراف 0
الحداثة والتغير والتطور والتقدم,معان محايدة عقائدياً
وأخلقياً,فهي قد تكون في اتجاه الحسن 0وقد تكون في اتجاه
السوأ؛لكن العرف انعقد في الكهولة,تستمر في تطورها نحو
الشيخوخة ثم الموت؛لكن العرف انعقد في العصر الحديث على أن
(التقدم) يعني دائما ً تغيرا ً نحو الفضل 0في ظل فقد المرجعية
العليا,يكون من الصعب في ظروف كثيرة وضع فواصل بين ما هو
من قبيل التقدم,وما هو من قبيل التطور,بل إن مجرد إعطاء التغير
مدلول ً أخلقيا ً أو إيجابياً,ساهم في إضعاف النضباط الذي
يمكن أن تصنعه المعايير الساسية لنمو الحياة والتي يمكن أن
يحاكم إليها 0
َ
إن قصور العقل البشري,ل يمك ّن من رؤية الحقائق الكبرى دفعة
واحدة,مما يجعل النسان منهمكا ً دائما ً في تجارب(الصواب
م عليه وخوف منه 00وهذا ما نشاهده ح بإنجاز,ثم ند ٌ
والخطأ)فر ٌ
اليوم في مسائل وقضايا كثيرة 0
السعي نحو الفضل فطرة,فطر الخالق-جل و عل-الحياء
ي من التخلّص من مشكلته,وتحقيق عليها,حيث يتمكن الكائن الح ّ
أهدافه,وتحسين وضعية العامة من خلل ما يمتلك من طموحات
جدت وآمال في النتقال من طور إلى طور 0وأمة الغرب حين م َّ
(التقدّم)إلى حد العبادة,لم تندفع إليه من خلل إحساسها بالملذ
والمنافع,وصنوف الراحة,وأشكال القوة التي توفرت لها بسبب
التقدم فحسب,وإنما من طبيعة التقدم أنه حين يحث في جانب من
جوانب الحياة,يحصل لدى الناس تشوق وطموح إلى تعميمه على
جوانب الحياة الخرى 0
__28
كما أن طبيعة العلقات العتمادية بين جوانب الوجود
البشري,تستدعي إحداث تقدم شامل في جميع جوانب الحياة كي
يتم ضمان التناصر بين عناصر البناء الحضاري المختلفة 0ول يخفى
أن نظرية(داروين)في النشوء والرتقاء,قد أحدثت زلزال ً في بنية
ب التغيير والتجديد,بسبب الفكر الغربي,وأوجدت تيارا ً عميقا ً من ح ّ
ما أحدت به من مصاحبة التطوّر للكائنات الحية في جميع مراحل
وجودها 0
إن الذي يتأمل في العلنات التجارية يجد أنها تُركَّز-على نحو
ممجوج-على أن
المنتج الفلني جميل لنه جديد,والمنتج الفلني لذيذ لنه
جديد,والمنتج الفلني قوي لنه جديد؛مما ل يدع مجال ً للشك في أن
البشرية تسير دوما ً نحو الفضل,ما دام كل جديد هكذا!0
كانت كلمة التقدّم-في مدلولها الحديث-تعني التقدم الشامل
الروحي والمادي,لنساني والطبيعي,ثم تم اختزال هذا
المفهوم؛ليدل على التقدم المادي,ثم اختزال مرة أخرى؛ليدل على
التقدم القتصادي وحده!وهذا الختزال المخيف كاف لتحييد المكانة
الحيوية لكل جوانب الحياة الخرى؛الروحية والخلقية والجتماعية
والمعنوية 000
في سبيل التقدم الذي هو أولويّة مطلقة,تصبح الراحة من أجل
العمل,ويصبح إشباع
الغرائز-بأي وسيلة كانت-أمرا ً مشروعاً,ما دام إلى فرغ البال من
أجل المزيد من النتاج 0الربا يصبح عمود القتصاد العالمي؛ما دام
يسهل الستثمار-هكذا يظن,-وإنشاء الشركات العملقة 0
ل مانع في سبيل التقدم أن تترك المرأة أسرتها وحصنها الحصين-
بيتها-وتنخرط في الوظائف والمهن,وينبغي عليها أن تتحمل
الضغوط الرهيبة التي ل تتحملها جملتها العصبية,كما أن عليها أن
تتكيف مع كل ما تتعرض له من مضايقات الجنس الخر,فكل ذلك
يجب احتماله في سبيل المزيد من التقدم والرفاه 0تفكك العلقات
السرية,وتفاعل المشكلت البيتية بسبب عمل المرأة,أو سفر
الزوج سنوات عدة-قد تكون متصلة-كل ذلك مقبول,وعلى النسان
أن يتحمل 000
التقدم يستلزم السحب من الرصيد البيئي والحيوي,من أجل حركة
التصنيع,وما تستلزمه من استهلك الموارد,وعلى الناس أن يقبلوا
بذلك,ولو أدى إلى اختناق العالم,وتصاعد أمراض الحساسية
__29
والسرطان,ففقه الولويات,جعل التقدم في المرتبة الولى,وأباح
بالتالي التضحية بكل أشياء المراتب الخرى!0
انطلقا ً من الرؤية الغربية في إهمال ما ل يمكن قياسه,ثم إهمال
الثمن الذي تدفعه البشرية لتأليه التقدم والسعي إليه مهما كانت
النتيجة؛لن عائد التقدم محسوس ومباشر,
ويمكن قياسه؛أما ثمنه,فهو غير محسوس,ول يمكن قياسه 0لو تم
تحويل السعادة والطمأنينة والشعور بالستنارة الداخلية والرفاهية
الروحية إلى مؤشرات على التقدم,ماذا سيكون حال المجتمعات
المتقدمة؟!0
سيقال لنا:إن السعادة شيء نسبي متغير,وكذا الستنارة
والطمأنينة؛وهي تختلف من فرد إلى آخر,وقياسها صعب 0فهل هذا
يعني أن التقدم شيء والسعادة شيء آخر؟وإذا كان المر فما
الذي ينجزه التقدم للنسان إذن:التمدد المادي أم التحقق
النساني؟
في هذه اللحظة يكشف مفهوم التقدم عن وجهه المادي
الحقيقي؛فبدل ً من مؤشرات من عالم النسان,نسقط في
مؤشرات من عالم السلع والمؤشرات المأخوذة من عالم
الشياء(النتاجية والرفاهية)دون أي اكتراث بمدى تحقيقها السعادة
أو البؤس لبني البشر 0
ثمة إحصائية تذهب إلى أنه لو تم حساب التكاليف الحقيقية لي
مشروع صناعي(أي حساب الكسب المادي النهائي مخصوما ً منه
الخسارة الكونية والنسانية)لظهر أنه
مشروع خاسر!0والمشروع الصناعي الغربي قد حقق ما حقق من
نجاح واستمرار؛لن الخرين دفعوا الثمن 0وقد تبين من خلل نجاح
بعض الدول السيوية في اللحاق بالغرب فداحة الكارثة الكونية
التي تتواتر أخبارها في الجرائد والقنوات الفضائية يومياً!0
مهما كثر المواعظ,ومهما انكشف من أمر نحر البيئة وشقاء
البشرية,فإن العالم الغربي لن يستطيع التراجع إلى الوراء مرة
أخرى,فهو محا كل معالم العودة,وسوف يكون قادرا ً على تسويغ
كل ما يصيبه من جّراء ذلك,والتظاهر باحتماله,مما يذكرنا بالزنبور
يتخبط بل هدف على زجاج نافذة مغلقة!0
العالم السلمي ما زال محافظا ً على كثير من أوضاعه وعلقاته
النسانية,لكن واضعي خطط التنمية فيه قلما يراعون الخصوصية
الحضارية لشعوبهم؛فقد وضعوا النموذج التنموي الغربي
__30
أمامهم,وهو غير قادرين على أخذ العبرة من النتكاسات التي
أحدثها التقدم العمى في الغرب 0ومع هذا فإن التقدم المادي
الغربي ,هو ثمرة تطور بُنى عقدية وفكرية ومعرفية وبيئية خاصة
بأوروبا,ومن هو على شاكلتها ومحاولة النقل دون تمييز,لن يؤدي
إلى حدوث تقدم,وإنما ستؤدي إلى تفكيك البنيات الجتماعية
لدينا,وإحداث نوع جديد في النقسام في الوعي,دون القدرة على
توليد بنيات جديدة أو وعي جديد 0
في زمان كزماننا لم يبق لدى المسلمين اليوم سوى السعي إلى
تحقيق النطلقة الذاتية المتوازنة التي تنسجم مع أهدافنا وطاقاتنا
ومبادئنا,انطلقة تتم وفق أولويتنا وحاجاتنا,تحافظ على البيئة,ول
تستهلك النسان في طلب مزيد من المتاع واللهو,ول تستهدف
العلو والفساد في الرض 0
إن تحررنا من الخضوع للمقولت الشائعة عن التحضر والرقي
والتقدم,سيكون أول خطوة على طريق التصحيح والبناء,وهذا ما
علينا أن نفعله 0
خامساً-تغيــر المـــــــفاهيم:
عند النظر في المفاهيم التي تزداد انتشارها بين الناس اليوم,نجد
أن هناك تغيرا ً كبيرا ً قد شمل عددا ً هائل ً من الفكار والمفاهيم
والحاسيس في كل الحقول المعرفية,وجميع مجالت الحياة 0
ول يعني التغير أن تبدل ً تاما ً قد حصل في كل شيء فيما
سنعرضه,كما ل يعني ما سنذكره أن الشعوب والمجتمعات قد نالها
أقدار متساوية من ذلك التغير؛وإنما يعني أن التغيرات التي نتحدث
عنها آخذة في التعميق والنتشار في الرض كلها,وهي تغيرات
بعضها إيجابي,وبعضها سلبي,لكنها جميعا ً نشأت بسبب مجمل
التغيرات العلمية والحضارية,وما استجد من الصور الذهنية عن
البنية الكونية الهائلة,وما حدث من أنماط وأساليب معيشية في
حياة المجتمعات المختلفة 0
ومعرفة تغيّر هذه المفاهيم والفكار مهمة جدا ً في موضوع فهم
عصرنا وإدراك توجهاته التية والمستقبلية,حيث إن الفهم العميق
هو مفتاح التعامل الراشد,وأساس اختيار الموقف الصحيح 0ولعلنا
نجمل الحديث عن تلك التغيرات في المفردات التالية:
أ-كان (الحاضر)وحده هو الذي يسيّر معظم حياة الناس؛ذلك لن
معرفتهم بالماضي محدودة,وهي ترتكز على نحو أساسي على
ذكريات تجاربهم الشخصية أو تجارب ذويهم وأصدقائهم 0أما
__31
المستقبل فل يعنيهم كثيراً 0وكان (الوقت)بالنسبة إلى معظم
الناس,ل يعني شيئاً,فهم يأكلون وينامون ويمرحون عندما يشعرون
بالرغبة في ذلك 0وكان معظمهم يقضون أوقاتهم في أعمال
بسيطة,ل تحتاج إلى تفكير عقلي,ودون أن يبدو عليهم أي شعور
بالملل 0
اليوم كل ذلك تغير,فالتاريخ-الذي هو سجل حياة الماضين-صار
علما ً مهماً-وعند بعض المؤرخين هو علم العلوم-؛إذ فيه جذور
الحاضر,ول فهم للحاضر من غير فهمه 0كما أن المم تستخدم
معطياته العامة على أنها أدوات في تربية أجيالها 0
أما المستقبل؛فبعد أن كان غائبا ً عن إحساس أكثر الناس,صار هو
البعد الساسي,وصار ينُظر إلى الحاضر من خلله,حيث يسود
شعور قوي بأنه ل يمكن ضبط الحاضر,والستفادة منه على نحو
جيد إل من خلل الضغط عليه بآمال مستقبلية؛بل عن هناك من
المقولت ما يجعل التحقق الذاتي لكل واحد منا مرهونا ً بحضور بُعد
المستقبل في ذهنه ومشاعره,وذلك الحضور رهن بوجود ذات
تتحرك نحوه؛لكن تلك الذات ليست جوهرا ً ثابتا ً قد تحقق
مسبقاً,ولكنها حركة فاعلة,وتحقق مستمر من خلل صيرورة
تشو ٌ
ف وانتظار للمستقبل 0 ُّ يحكمها
ول نستطيع الذات مهما كانت عظيمة أن تحافظ على تماسكها إل
من خلل إمساكها ببُعد المستقبل 0وذلك المساك,هو الذي يمكَّنها
من استمرار التجاوز إلى ما هو أحسن وأفضل 0وهكذا فقد صار
الحاضر الذي كان كل شيء ل شيء,فهو موَّزع على الماضي
والمستقبل 0
ب-كان الناس في الماضي حريصين على سمعتهم حرصاً
شديداً,وكان يدفعهم إلى ذلك سهولة الساءة إليها,من خلل
الشائعات والمقولت المرسلة 0وكان الناس سريعي التصديق لكل
ما يقال 0أما الذين يساء إليهم,فإنهم ل يستطيعون تكذيب مايقال
عنهم؛فهم ل يملكون وسائل ذلك 0أضف إلى هذا أن الحكم على
مكانة المرء وعلمه وتوجهه,كان يتم وفق معايير جزئية جداً,فزلة
واحدة من شخص كافية لتكوين محور لنقائص كثيرة,يتم توليدها
وإلصاقها به 0وكثير أولئك الذين غادروا قراهم فرارا ً من سوء
الحدوثة,وما تلوكه اللسنة 000وكل ذلك كان بسبب سيادة التفكير
النمطي والجزئي لدى الناس 0
__32
لم يكن هذا على صعيد العامة فحسب,بل ابتلي به كثير من الدوائر
العلمية؛فقد كان من المألوف أن يدخل عالمان-يُعتقد أنهما ندّان-
في مناظرة,ونتيجة لعدم معرفة أحدهما سؤال أو سؤالين,يحكم
عليه شهود المناظرة بالهزيمة,وضآلة المعرفة 0وهكذا يدخل
عالماً,ويخرج وهو نصف عالم,أو نصف جاهل 000وله بعد ذلك أن
يعيش مغموماً,وملفوفا ً بمشاعر الحباط,وقد تسوء المور ليلقى
حتفه كمداً,كما مات سيبويه-كما زعموا-بسبب هزيمته في
()1
المسألة(الزنبورية),لنه لم يجب على سؤال الكسائي
[()1التقي سيبويه شيخ النحاة مع الكسائي مؤسس المدرسة
ي ,سيبويه:ماذا الكوفية في النحو بحضرة البرمكي،وسأل الكسائ ُّ
تقول العرب:كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من
الزنبور,فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟قال سيبويه:العرب تقول:فإذا
هو هي 0قال له الكسائي:أخطأت العرب تقول:فإذا هو هي,وتقول
فإذا هو إياها 0فخرج شيخ النحاة مكسور الخاطر,وخرج الكسائي
منتصرا ً وإماما ً في العربية!ويقولون:إن سيبويه مات كمدا ً بعد ذلك
بمدة يسيرة من جراء َّّّ هزيمته في تلك المناظرة ]0
ضعف التصال,لم يمك ّّن الناس من إجراء الكثير من المقارنات؛مما
يجعلهم غير ماهرين في التفريق بين ما هو من قبيل الحقائق
المستقرة,ما هو من قبيل الراء الجتهادية,وهذا ما كان يزيد في
سهولة تشويه الشخاص والراء والعمال 0
هذا كله قد تغير اليوم,فمعايير الحكم صارت أكثر شمولً,والناس
صاروا أكثر جرأة,وأقل اهتماما ً بنقد غيرهم,بل إن هذا تجاوز
ل حياء كثير من الناس,وضعفت قدرة المجتمع على حدوده,حتى ق َّ
ضبط أفراده وردعهم,وعلى كل حال فالتغيرات في هذه المسألة
تميل إلى الصحة واليجابية.
جـ-اختلف النظرة الكبار السن,فقد كانوا هم المرجع في ح ّ
ل
المنازعات,كما كانوا يمثلون الخبرة المتناقلة عن الجيال
السابقة؛مما أعطاهم تميزا ً ظاهرا ً على الشباب 0بعد انتشار
المعرفة,وتوفر الجامعات والمعاهد العليا,انعكس المر؛فالجمهور
من الناشئة اليوم أفضل تعلما ً من جيل الكبار-على نحو عام-وقد
صار احترام الكبار في السن وتقديرهم نابعا ً من احترام
السن,فحسب 0أما المعارف والمعلومات وفهم العصر ,والقدرة
على التأثير فيه,وإدارة أوضاعه,فكل ذلك صار من مهارات الجيال
الحديثة 0
__33
وهذا أو جد نوعا ً من الصراع بين الجيال؛فالكبار يتهمون الشباب
بأنهم متهورون ,ول
يعطون الهتمام المطلوب للقيم المتوارثة,ول يستفيدون من
ن سبقهم 000 م ْ
خبرات َ
أما الشباب فيتأففون من عدم استيعاب الكبار للتحديات
الجديدة,وما تفرضه من قيم ومفاهيم جديدة 0ولعل عمر بن
الخطاب-رضي الله عنه-قد أشار إلى هذه البلبلة حين قال[:فساد
ل الصغير استعصى عليه الكبير 0وصلح الدين إذا جاء العلم من قِب َ ِ
ل الكبير تابعه عليه الصغير]0 الناس إذا جاء العلم من قِب َ ِ
د-إذا عدنا بالنظر إلى الوراء,وتأملنا في النظرة القديمة للشياء
والماهيّات,وإلى طبيعة نظر المفكرين والفلسفة إلى القضايا
والمسائل المختلفة-وجدنا -على نحو واضح-اهتماما ً بذات الشيء
وماهيته 0بعيدا ً عن علقاته وظروفه؛فالخطاب الدعوي والصلحي-
مثلً-خطاب فردي,يركز على ما ينبغي على الناس أن يفعلوه,ول
يتفكر أصحابه في شروط الستجابة له,ول يتحدثون عن تلك
الشروط فضل ً عن العمل على توفيرها 0اليوم يشيع
مصطلح(الصلح),وشيوعه تعبير عن أن اهتماما ً جديداً,قد بدأ في
التفكير في العلقة الذات والموضوع,والنسان والظروف التي
يعيش فيها 000
صب على كل نظام من النُّظم الحياتية في الماضي كان التركيز ين ُّ
على حدة,دون النتباه إلى ارتباطاته بالنظم الخرى؛فالباحث في
علم القتصاد,ل يحاول استشفاف العلقة بين علم القتصاد أو
النظام القتصادي وبين نظام السياسي أو الجتماعي أو لخلقي
000
اليوم هناك نظرة جديدة أيضاً؛فمجموعة النظم الحياتية,تشكل في
النهاية المناخ
ل كل أنشطة الناس,وهي وإن تبدَّت منفصلة,إل الحضاري الذي يغ َّ
ن0
أنها على مستوى بُناها العميقة مترابطة ومتداخلة أكثر مما يُظ ّ
وهذه الرؤية الجديدة هي التي ساهمت في طرح
م طبائع الشياءمصطلح(المفكر)والذي من أهم خصائصه فَهْ ُ
وجوهر العلقات التي تربط بينهما,والمؤثرات التي تتبادلها؛مما
يمكنه من تقديم رؤى كلية 0
جرت في الماضي محاولت كثيرة من أجل الفصل بين الثوابت
والمتحولت انطلقا ً من العتقاد أن كل ً منهما متمايز عن صاحبه
__34
إلى حد بعيد 0واليوم يتجه كثيرون إلى الشتغال بفهم العلقة بين
الثابت والمتغير,ويرون أن جوهر التطور,ل يقوم على التخلي عن
الثابت,وإنما على توفير العلقة الحية الخصبة التي تربط بينه وبين
المتغير 0
ويصل المر ببعض المفكرين إلى القول:إن(الماهّيات)ما هي إل
هبة العلقات التي تربط بينهما 0واكتشاف الماهيات سيكون من
خلل نقد العلقات التي تربط بين الشياء,ومحاولة اكتشاف
علقات جديدة إلى مال نهاية 0وكان هؤلء يقتربون من أن
يصبحوا(ل أدريين)حيال كثير مما يتطلب فهما ً ناجزاً!0
من خلل التركيز على ما ذكرنا يشبع الن في الوساط الفكرية
نوع من الرفض لكل النماذج الجاهزة والفكار الكلية؛إذ ليس أمام
الناس شيء يسعون إلى تمثيله أو التحقق به,وإنما عليهم أن
يتجاوزوا كل ما هو موجود,ل بتداع نماذج جديدة 0وهذه النماذج
يجب أن تكون طليقة,وغير محكومة بأي معايير سابقة أو
معقولة!وهذا التوجه سيوجد من إبداعات العقل,ومخزون الخبرة
الناقصة,ونزوات الهوى خلطة عجيبة,ل ندري بأي اسم نسميها؟!0
م تغيير كثير من المفاهيم المتعلقة بالنفس هـ-في عصرنا الحاضر ت ّ
البشرية والجتماع
النساني,والحياة والموت,والحقوق والواجبات؛وتم البحث في
جذور هذه المسائل,وجذور جذورها,كما تم نزع كثير من أردية
التقديس والحترام عنها؛ليجد النسان-في الغرب خاصة-نفسه
بعيدا ً عن أي شيء مقدس,قريبا ً من كل ما هو مادي وغريزي
ومصلحي 000
كانت النظرة إلى النسان عامة قائمة على الحترام؛فهو المخلوق
في أحسن تقويم,وهو المخلوق الذي سخرت له جميع الشياء التي
حوله 000
هذا النسان يجد نفسه فجأة ومرة واحدة مسلوبا ً كل
س كثير من الناس انعدام ذلك,فنظرية(داروين)ركَّزت في ح َّ
الفواصل بين النسان والحيوان؛فالكل أنواع في مغامرة الحياة
الكبرى؛وكان ذلك-كما عبّر أحدهم-عبارة عن محَّرض لعملية(إعادة
حيْوَنَة),فأخذ الناس يعوضون عن فقدهم(مركزهم الروحي)بالعودة َ
إلى حيوانيتهم في جو من الصخب والبتهاج؛وارتفع شأن
الجسد,وراجت سوق الصور العارية,وزاد استهلك الطعمة
__35
000صحيح أن المسلمين لم ينفعلوا بنظرية التطور على المستوى
العقدي,لكن مسهم الكثير مما أحدثته في مجال الحضاري!0
ب العالمين,وهو كان الموت مظهرا ً من مظاهر استسلم الناس لر ّ
ل حيث ل حل,كما ح ٌّ
أنه البوَابة الوحيدة للحياة السرمدية الباقية 0
ومهما تفاوت الناس,فإنهم أمام الموت سواء 0ومهما طابت الحياة
أو قست,فإن الموت سيضع حدا ً لها,وكان هذا يشكل عامل توازن
نفسي على المستوى المجتمعي,ومظهرا ً من مظاهر العدل اللهي
المطلق 0كان الموت هو الغائب الحاضر,كان كثير من الناس يُعد
كفنه ويهيء قبره ويكتب وصيته 000
أما اليوم فإن النزعة الدنيوية التي تصبغ الوجدان والشعور
والسلوك لدى معظم الناس,جعلت النظرة إلى الموت على أنه
شيء ل معقول ول يمكن هضمه أو استيعابه,وصار ينظر إليه على
أنه مصدر تحدٍ غير محدود,ويجب على الناس أن يقاوموا أسبابه
إلى آخر لحظة 000لكن هناك يقين بأنها معركة خاسرة,وأن أشكال
الحتياطات الصحية,ومقاومة المراض لن تأتي بالخلود,لكنها كثيراً
ما تطيل أمد المعاناة 0
ارتباك عظيم يواجهه الوعي,وتواجهه الفلسفة والخطط
ض مضاجع الكثيرين,وكل ذلك من جراء الصحية,وقلق عظيم يق ّ
استدبار الوحي,والعراض عن ذكر الله 0وحين تنظر في سلوك
بعض الناس,وانهماكهم في الملذ ّات والشهوات وجمع المال-دون
قيد-وأكل حقوق العباد 000يتأكد لديك أن هؤلء ل يفكرون في
الموت,ول فيما بعد الموت,وإل فإنك لن تعثر على أي تفسير
مقبول لكل ما هم عليه 0
كانت رابطة القرابة والجوار والصداقة,تعني دائما ً نوعا ً من العطاء
غير المشروط,كما تعني وجود فائض اجتماعي,يزيَّت العلقات بين
الناس,ويضفي على الحياة بعض المعاني السامية 0المقابل
لذلك,هو لمسات الحب والحنان والتقدير,ومواقف التعاون
والمروءة والنخوة 000
أما اليوم فقد ضعف وجود كل هذا,وصارت العلقات قائمة في
الدرجة الولى على نوع من توازن المصالح,وحين يتم التأكد من
انعدام المصلحة,فإن كل أسس القرابة والمعرفة والصداقة تصبح
غير كافية لقامة علقات أن تلقى منهم تضحيات مماثلة 0
__36
أما على مستوى الشعوب والمم,فإن كل الروابط التاريخية
والجغرافية والثقافية قد تكون غير كافية عندما يقع غبن حقيقي أو
استغلل مكشوف لمنع نشوب حرب أهلية,أو تفكك دولة أو
قبيلة؛وكلنا يذكر الحرب الهلية التي وقعت بين بنغلدش و
الباكستان حيث انتهت بتمزق الدولة الواحدة إلى دولتين,بعد أن
شعر البنغلديشيون بنوع من الغبن القتصادي والداري 0
المفاهيم التي أصابها التغير والتطور,كثيرة جداً,وحصرها
عسير,ويكفي أن نعلم أننا نعيش حياة لم تتبدل,ولكن كل شيء
فيها قد تغير؛ ومن المهم أن نفكر في أبعاد ذلك التغير,وتأثيره في
إبعادنا عن أصولنا الحضارية والخلقية 0ومهمة هذا الكتاب
استهداف إضاءة ذلك وتعظيم الوعي به 0
سادساً-العـــــــنف وإدارة الـقوة:
يمكن القول:إن الحضارة الحديثة,نزعت من النسان قلبه,فأصبح
من غير مشاعر,وأضعفت لديه سلطان الضمير,والخوف من عقوبة
الخرة,وأحلت محله العداد الهائلة من القوانين والعقوبات
والجند,ومع ذلك فأعمال العنف والجرائم المختلفة في تزايد
مستمر 0
لم يحدث ذلك من غير أساس,ول من فراغ,وإنما كان ثمرة طبيعية
لبعض النظريات العلمية والفلسفية والخلقية التي ركَّزت في
وعي النسان الحديث حتمية الصراع في العالم والذي يحتم توفير
الطاقة التي يحتاجها النتصار في معارك,لنهاية لها
0أوضح(داروين)في نظريته أن المجتمع النساني والطبيعة
البيولوجية شيء واحد.وبناء عليه لبد أن يحكم هذا المجتمع
النساني القوانين نفسها:قوانين المنافسة والصراع
والعدوان؛وبالتالي لبد أن تتقاتل المم بعضها مع بعض من أجل
البقاء,مثل الكائنات العضوية,وإل فسوف تتعرض للفناء!0
وهذا(نيتشه)يرى في جملة ما يراه في مبادئ الخلق أن الخير كل
ما يعلو في
النسان بشعور لقوة,وإرادة القوة,والقوة نفسها 0أما الشر فهو
كل ما يصدر عن الضعف 0يرى أن الضعفاء العجز يجب أن
يفنوا:هذا أول مبدأ من مبادئ حبنا للنسانية
أن يُساعدوا أيضا ً على هذا الفناء 0وأن أشد الرذائل ضررا ً الشفقة
على الضعفاء العاجزين 0أول صفات النسان العلى هي البطولة
__37
والنضال في سبيل مستوى أعلى باستمرار 0واهذا كان أبغض شيء
إلى(نيتشه)السلم 0والحرب عنده أقدس شيء 0
لشيء أخطر على المجتمع من الشفقة على المنحلين والضعفاء
العاجزين؛لن الشفقة تقوم عقبة في سبيل قانون(النتخاب
الطبيعي)الذي يقضي بأل يبقي غير الصالح للبقاء!0
ول تختلف فلسفة(سبنسر) في هذه المسألة عن مفهوم(نيتشه)
0مفهوم الصراع وإرادة القوة جديد على المجتمعات النامية-ل
سيما السلمية منها-فالقيم السائدة فيها هي الشفقة والرحمة
والمحبة والعناية والتضامن بين أفراد المجتمع,لكن الوضعية
الحضارية-العامة القائمة على تضخيم المكاسب والتمدد باستمرار-
تشجع على التنافس والتصارع,وتجاوز الضعفاء والمساكين 0
في خضم القرن العشرين-قرن التقدم والرقي وغزو الفضاء -000
ينفجر العنف في كل مكان نتيجة انتشار النموذج الفكري المعرفي
الغربي الذي يمجد القوة وأسبابها 0في هذا القرن قام أكثر من(
)130حرباً,وقُتل فيها أكثر من()120مليون إنسان!0
__39
ل يخفى على أحد اليوم زيادة وعي الناس بمجمل التحديات التي
تواجههم والضرورات التي تحط من نسق تحققهم بمبادئهم وقيمهم
000وإذا تأملنا في معظم أنشطتنا اليومية وجدنا أنها في الحقيقة
ردود أفعال,واستجابات لمطالب وصعوبات وتحديات,ومن خلل
تلك الستجابات نحافظ على وجودنا ,ونُرقَّي مواهبنا,ونزيد في
المكانات التي في حوزتنا 0ولعلنا نسلط الضوء على هذه المسألة
من خلل الحروف
الصغيـــــــــــــرة التـالـــــــية:
أ-المثيرات التي تتطلب منا استجابات كثيرة جداً,وما نسميه ردود
أفعال نوع من اللية التي اعتمدها الناس في حفظ العلقة بينهم
وبين الوسط المحيط ونوع من
استثمار تلك العلقة 0ونوعية الستجابة للتحديات والمثيرات,تعد
تلخيصا ً دقيقا ً لفهم المستجيب ووضعيته وعمق تقديره لما يترتب
على استجاباته من منافع وأضرار 000
كلما كان النسان أقرب إلى البساطة في الدراك,والبدائية في
الخبرة والمعرفة-كانت استجاباته ذات طابع عفوي,وغير واٍع,حيث
تفرض طبيعة التحديات,وطبيعة الظروف والوضاع المحيطة آنذاك
نوعية الستجابة,وحجمها وتوجهها 0
النسان ذو الخبرة والمعرفة الجيدة يشعر بلذة الطعام,ويدرك في
الوقت نفسه المخاطر التي تترتب على الفراط في تناوله 0هو
يدرك جمال العمل اليدوي وإنسانيته,ويدرك أيضا ً ما ينفقه من جهد
ووقت زائدين على ما يتم إنفاقه في حالة استخدام آلة في إنجاز
ما أنحزه 0هذا الدراك لم يصبح حقيقة ملموسة لدى كثير من
الناس إل بعد اتساع مساحات الرؤية للشياء المختلفة 0أي بعد أن
حدث نوع من الوفرة في المعارف والخبرات والتجارب؛مما جعل
النسان يرى في آن واحد ميزات الفعال والشياء وعيوبها,ومردود
الستجابات وتكاليفها 0
جهل الناس يوقعهم أسرى في فلك المثيرات,فيقتربون بذلك من
الحيوان الذي يتصرف على هدي من البرمجة الغريزية التي أودعها
فيه الخالق-تبارك وتعالى0-النسان يدرك ما يحدثه تناول المخدر
من إدمان,ويعرف أن حالة الضيق والَعَوز التي تصيب المدمن هي
بسبب الحرمان منه 0أما الحيوان الراقي-القرد-فإنه يستطيع الربط
بين المخدر والمتعة,لكنه ل يستطيع الربط بين الضيق الشديد الذي
__40
يجده وبين الحرمان من مخدر أدمن تناوله؛إن عقله ل يستطيع
الربط بين سلسلتين مختلفتين 0
إن تعقد الحياة الراهنة جعلت خبرات الناس-في كثير من الحيان-
غير كافية لدراك طبيعة التحديات,وإدراك ما تستحقه من
استجابات,مما يعني أننا سنرى المزيد من ردود الفعال غير
الراشدة ,وغير المتزنة 0
الحضارة الحديثة رفعت من وعي الناس بأمور كثيرة,لكنها قد
أحاطت النسان بكميات هائلة من الشياء التي يشعر أنه بحاجة
إلى اقتنائها أو استهلكها,مما أضعف من إرادته,ونقل مركز التحكم
من النسان إلى الشياء؛وبذلك تم إجهاض الكثير من فاعلية الوعي
الذي وفرته الحضارة الحديثة 0الناس يدركون اليوم
مخاطر(اليدز)لكن ضعف إرادتهم جعل قدرة إدراكهم لمخاطرة
ضئيلة القيمة في كفهم عن أسباب الصابة به؛إذ إن هذا المرض
الفتاك,ينتشر بسرعة متزايدة 0وتذكر أخر الحصائيات أن نحوا ً من
ستة عشر ألف شخص ينتسبون يوميا ً إلى(نادي اليدز)ليدخلوا بعد
مدة في مرحلة المعاناة من آلمه الرهيبة!0وهكذا تأخذ الحضارة
الزائفة باليد اليمنى ما أعطته باليد اليـــــــــــسرى!0
ب-مما يتعاظم به الحساس في عصرنا هذا اختلف النظرة إلى
(الزمات)التي تعرض للناس في حياتهم؛فقد كان وعي الناس في
القديم,ل يكاد يدرك ما تمثله الزمات والمشكلت العويصة من
مثيرات ومحرضات على التغيير والرتقاء,وما تتيحه من فرص
جديدة للنمو؛وإنما كان يدرك الوجه المظلم من الزمة-وجه العاقة
ف لشاعة روح والحباط والخسارة 0وهذا في حد ذاته كا ٍ
الستسلم والخنوع لحداث الحياة المعاكسة 0
خبرة أبناء زماننا بالتاريخ,وبالكثير من خبايا الوضع النساني العام
أرتهم الوجه الثاني للزمات والمشكلت؛مما جعل كثيرا ً من
المفكرين يعدون فقد(التحدي)مشكلة عويصة,حيث نشأ اليوم
مصطلح جديد هو(خيانة الرخاء)ويرون أن من السباب الكبرى
لتخلف(أفريقية) عدم وجود تحديات,تدفع إلى الكدح والعمل؛فالماء
والغذاء متوفران-في الماضي-واعتدال المناخ,ل يحوج الناس إلى
البحث عن أسباب التدفئة 000وهذا كله جعل النسان
الفريقي,يشعر أل شيء يدعو إلى العجلة والكد وتنمية
المهارات,ما دام الحد الدنى من وسائل العيش متوفراً 0
__41
ب السرة أو مدير المصنع أو في الماضي كانت الطاعة العمياء لر َّ
الكبير في السن دليل ً على التهذيب والوفاق والتضامن 000فهي
دائما ً بشرى خير؛لكن المر قد اختلف اليوم,حيث يرى كثير من
المفكرين أن ما كان يراه الناس من محاسن للنقياد العمى
ما هو إل فوائد زائفة,وإن من حسن حظ رب السرة,ومدير
المصنع 000أن يجد من يقول له(ل),ومن يصحح له خطأه,ومن
ينهاه ويحذره؛لن ذلك قد يكون الوسيلة الوحيدة لردعه عن كثير
من الخطاء والتجاوزات,كما أنه أفضل وسيلة للحيلولة دون توافق
شكلي,ل يخفي تحته إل القهر والستبداد والتبرم والضغائن 000
جـ-مما صار معترفا ً به في سياق التحدي والستجابة أن مجابهة
التحديات بشجاعة هي أفضل طريقة للمحافظة على الوجود,بل
تنميته والرتقاء به 0النسان يتشوق دائما ً إلى الطلقة وتوسيع
إمكاناته إلى أبعد مدى ممكن,لكن(الضرورات)وقيود الزمان
والمكان والمصالح المعاكسة؛تحد دائما ً من عالم الممكن,وتخَّفض
طموحاتنا وأحلمنا,أي تتحدانا,وتستنفر قوانا,كي نتجاوزها,ونظل
في حالة من النطلق غير المحدود 000
لكن المشكلة أن النسان ل يملك دائما ً من الوعي وقوة الشكيمة
ما يمكَّنه من
الستمرار في المواجهة,فهو ل يستنفر في العادة كل قواه إل عند
حدوث صدمة قوية,أو عند بلوغه حدود الخطر المحدق 000إنه
إنسان ميّال إلى العطالة والقتصاد في الجهد إلى أبعد حد ممكن 0
صار واضحا ً لدى كثير من المفكرين أن أزمة الستفادة من
التحديات التي يواجهها بنو النسان كثيرا ً ما تتمثل في
(التكيس)و(التكيف)0أما التكيس فإنه يتمثل في أن يقلل النسان
علقاته,أو يوقفها مع بيئة غير مواتية انتظارا ً لتحسن الظروف 0
تلك هي حال كل من يستلم للخفاق,فينفض يديه من كل
ب بعناء(الرضة)وإصرارها على بناء المشكلت التي يهز العالم,وينك ُّ
عشه,وإحاطته بسياج متين,ويرفض اللتزام بأي شيء,ويتملص من
مسؤولياته بلباقة 0إنه مثل بعض البذور حين تعجز عن الهرب في
الفضاء,تبتدع استراتيجية,تتيح لها التحرر من مؤثرات البيئة
بالتشرنق في وسط محمي,والبقاء على المبادلت الخارجية عند
أدنى حد ممكن 0
كثير من مسلمي اليوم يُظْهِرون انعزال ً عجيبا ً تجاه المشكلت
والزمات المعاصرة,ول تسمع منهم إل مر الشكوى,دون أن يقوم
__42
الواحد منهم بأي عمل إيجابي؛مع أن أمامهم الكثير مما يمكن أن
يعملوه لو أرادوا 0والنتيجة هي تراكم المشكلت,وتناسل
حف بها الجيال القادمة! سنُت ْ ِ
التحديات؛لتتعاظم التركة الثقيلة التي َ
0
أما التكيف فهو تحمل آلم المشكلت إلى ما ل نهاية,وإبداء طاقة
احتمال غير مجودة تجاه التحديات,دون التفكير بأن شيئا ً ما يمكن
تغييره أو الخلص من شره 0والحجة الدائمة:ليس في أيدينا أن
نفعل أي شيء,ونحن على كل حال أحسن من غيرنا,ولبد أن تتبدل
الحوال يوما ً ما!0
على مدار التاريخ كان معظم الناس يتعاملون مع مشكلتهم على
أنها شيء طبيعي؛فقد
ظلت النسوة تكنس البيوت وهن يحنين ظهور هن عشرات
القرون,إلى أن جاء من وضع عصا للمكنسة,حتى يكنس بها الناس
وهو واقفون دون انحناء؛وما ذلك إل لن الناس لم يفكروا في
التطوير,ولن فكرة ليس بالمكان أبدع مما كان(كانت تحكم كل
رؤاهم الحضارية 0
هنا يأتي دور المفكرين الكبار والعلماء الربّانيين الذين ينقلون
س الناس وأعصابهم,والذين ينشرون من صور المشكلت إلى ح َّ
المقارنة ويبدعون من مقولت التنظير ما يجعل الناس يرون
الفارق بين الصواب والخطأ,والكائن وما ينبغي أن يكون,والطبيعي
وغير الطبيعي 000
إن جوهر الضرورات والقيود والتحديات,ل يقوم في طبائع الشياء
بمقدار ما يقوم في نوعية علقتنا بها 0والواجب أن نفقه تلك
العلقة كي تكون استجاباتنا للتحديات راشدة ومكافئة 0
ثامـناً-انتشــــــــار نظام التجارة:
نظام التجارة هو أحد النظم التي اخترعها البشر لتبادل المنافع
وسد الثغرات المعيشية,
وبالتالي تنظيم العنف,وضبط الحقوق 0نظام التجارة قديم,بزغ
فجره يوم شعر النسان أنه ل يستطيع أن يزرع,أو ينع كل ما يحتاج
إليه,ويوم شعر أنه ل يستطيع دائما ً أن يستهلك كل ما ينتج 000
أثبت نظام التجارة في عصرنا أنه أقوى النظم جميعاً؛ومن النادر
أن يجمع النسان بينه وبين أي نظام آخر في حياته دون أن تكون
الغلبة لصالح النظام التجاري,فإذا كان النسان معلما ً وتاجراً,أو
طبيبا ً وتاجراً,أو صانعا ً وتاجراً 000
__43
فإن صفة(التاجر)ستغلب عليه بكل ما تقتضيه من فهم وحركة
وأخلق وأدبيات 000
ويبدو أن الفاق غير المحددة من النمو وجمع الثروة التي تعد بها
التجارة,هي التي منحتها هذه الجاذبية 0وفي النهاية فإن تأثيرها
الشديد يأتي من صلتها بالمال الذي أصبح المحور الساسي
لفلسفة العيش في حياة معظم شعوب الرض 0
وتشهد خبرات عدة أن النظام التجاري قادر على تطوير معظم
جوانب الحياة,وترك بصماته عليها,حتى الجوانب التي يظن أنها
تطوَّر التجارة,ول تتأثر بها,مثل المجال(الكاديمي)فقد ظلت
جامعتا(أكسفورد)و(كامبردج)تخنقهما القرارات الشديدة التحفظ
والجامدة في منتصف القرن السابع عشر,وجاء التجديد لمناهجهما
وخططهما الدراسية على أيدي التجار الجدد الناحجين 0الشركات
الكبرى المتعددة الجنسيات والعابر للحدود,تركت آثارا ً هائلة في
الثقافة والسياسة والقتصاد,وهي في الحقيقة أشبه بحكومات
الظل في سائر أنحاء العالم,وهناك منها اليوم نحو من()40ألف
شركة,تملك أو تسيطر على نصف النتاج العالمي تحديداً!0
عاشت البشرية معظم أيام حياتها السابقة دون أن
تعرف(النقد)وكان تبادل السلع؛هو السائد بين الناس,وكان يُشعر
بنوع من التكافؤ-الظاهري على القل-بين الناس؛لكن الوضع اليوم
قد تغير,فالسلطة التي يتمتع بها الشخص اليوم تُعتبر,وتقوَّم بكمية
النقد التي يستطيع التصرف بها,وصار المحروم من النقد,يشعر
بالضآلة والتلشي في زمان انتهت فيه المجانية المطلقة أو كادت
000
طوفان المعلومات الذي أغرق البيوت,يُشعر الكثيرين بالحسرة
والحرقة حيث يرون بأم أعينهم الثروات الهائلة المكدَّسة لدى قلة
محظوظة من بني البشر,على حين أن معظم سكان الرض,هم
درجة من درجات البؤس والفاقة 0
اليوم تتزايد نسبة العلقات الجتماعية التي يحكمها
مفهوم(البضاعة)ومن شكل إلى
شكل يتسع ذلك الجزء من حياتنا الذي يقع تحت سلطان
َ
المال؛فكثير من الناس,يتخذ مما ظاهره تواصل وتوادد سل ّماً
للوصول إلى أغراض نفعية محضة 0وصار من المألوف أن تسمع
م ل و(العلقات العامة)تدرس من يقول:النجاح نجاح علقات 0ول ِ َ
__44
في المعاهد والجامعات مما جعلها أشبه بالعمال الهندسية منها
بمبادرات عفوية عاطفية!0
منذ قديم الزمان اقترن مفهوم التجارة بالسفر و الترحال
والمغامرة,وفي عصرنا زاد كل ذلك إلى حدود مخيفة,فسهولة
َّ
المواصلت,والخدمات الضخمة التي تُقدم لمن معه مال,أينما حط
رحاله,شجعت على التنقل,وخففت بالتالي من فكرة الرتباط
بالوطن والهل 0وهناك من ينظر اليوم إلى الزواج على أنه قيد,ل
معنى له(!) يعوق حركة
الرتحال,وما تفرضه التجارة من ارتباطات وأسفار 000
خم نظام التجارة الميل الشديد إن من آثار تض ُّ
إلى(الشيئية)ومحاولة(تنميط)كل شيء من أجل تسهيل
تبادله,وهناك حركة متنامية لبيع أعضاء الموات,ومن هم مشرفون
على الموت؛وغدا ً سيتم إنتاج وتسويق (قطع غيار)بشرية بالجملة
والمفَّرق,ول يدري أحد كنه ما هو قادم في هذا السياق!0
خلُق(الصفقة)الخلق الذي يميل إلى نظام التجارة يُشبع اليوم ُ
التركيز على المحاسن والميزات,وإخفاء العيوب,والشكوى الدائمة
من سوء الحوال,و اتباع الحلول الوسط وهندسة وضعيات التلفيق
والمساومة,وهذا ما نلحظ نموه في مجتمعاتنا,حيث صارت
الحقائق والمعايير النقية المحايدة قليلة؛لنه يتم توزيعها بين البائع
والمشتري 000إنه التبادل؛ولذا فإن كثيرا ً من القوال
والفعال,يمكن وصفه بأنه خطأ باعتبار طرق,وصواب باعتبار طرق
أخرى,وذلك نتيجة الميوعة في التصوير والنتماء 0إنه
قول محسوب,وفعل مدقَّق,يبتغي منه النهاية الربح ل
الخسارة,والنمو ل النكماش!0
كما يقتضي نظام التجارة المزيد من الترحال,يقتضي أيضا ً المزيد
من(اللياقة)في الجسم والهندام والكلم والدراك؛فكل ذلك سيكون
عونا ً على النجاح في التسويق والمنافسة التجارية 0وذلك ضروري
أيضا ً للحيازة على(الَقبول الجتماعي)إذ إنه هو البوابة التي يلج منها
كل من يريد أن يحيا في قلب النظام التجاري,وليس على هامشه
0على كل حال المجالس اليوم عامرة بأحاديث التجارة والمكاسب
المادية,وقد صار الحديث عن(الشياء)هو الحديث عن العالم
بأسلوب جديد!لم نرد من وراء ذم
التجارة,ولكن التحذير من التطرف والمبالغة في النسياق خلف
نظامها النفعي,ومحاولة فرز العراض السيئة التي تصاحب كثيراً
__45
من النشطة والعمال؛وإل فإن الضرب في الرض,وكسب لقمة
العيش وعقد الصفقات الكبرى-ليس شرا ً ول عاراً,وذلك على كل
حال أشرف وأكرم من الحاجة إلى الناس وجمع المال عن طريق
الرشوة والنهب واللصوصية-وهذه الخيرة أنواع-زكل العمال في
النهاية منوطة بمقاصدها وصوابها,ومدى مساهمتها في التوازن
العام,الفردي والجتماعي 0
إن مواجهة مخاطر سيطرة المال,ونظام التجارة عبارة عن أجوبة
شخصية,وتعود إلى كل فرد في النهاية مسؤولية القرار بالعمل
على أن يتقدم البداع على السلبية,والدائم على الزائل,وإضفاء
اللمسات النسانية على كل ما يتصل به,إلى جانب تحقيق الغنى
الروحي والخلقي,واستعادة التعاطف والتضامن الخوي 000مما هو
ضروري لحياة جديدة ذات معــــــــــنى 0
تاسعاً-جنـــــون الستهلك:
لم يحدث في التاريخ أن نجح مجتمع بشري في تأمين حاجاته
وكمالياته كما نجحت
مجتمعات عصرنا الحاضر؛فالفتوحات العلمية والتقنية والستغللية
لموارد البر والبحر-وغدا ً الجو-مكنت النسان من توفير سلع
وخدمات ,ولو ذ ُكرت للناس قبل نصف قرن من الن,لظنوها
ضروريا ً من الوهم والخيال!0
ونتيجة للفلس الروحي الذي يسبق له مثيل أيضاً,قام الناس
بإحلل الشهوات وأصناف المتع حل السعادة القلبية والشراق
الروحي,فحينما شعر النسان باليتم العقدي والنتمائي,تحوَّل إلى
مستهلك,وصار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة الكبر,كما صار
التقدم القتصادي كبير أصنام العصر 0حين تم اختزال التقدم العام-
وهو بالطبع روحي مادي-إلى النمو القتصادي وحده,أخذت أنشطة
الحياة تتمحور بالتدرج حول هدف أعظم نهائي هو:مزيد من العمل
من أجل مزيد من النتاج من أجل مزيد من الستهلك من أجل
مزيد من المــــتـعـــــــة!0
لم يكن الندفاع نحو الستهلك العظيم ناجما ً عن التعويض عن
انهيار المركز الروحي للنسان الغربي فحسب,بل كان إلى جانب
ذلك نتيجة ما تقضي به وتيرة النمو التي تخضع لها اقتصادات
البلدان المتقدمة من ضرورة إيجاد احتياجات متجددة,وتنشيط
الرغبة في تلبيتها,باستخدام الدعاية وفتح أسواق جديدة
للتصدير,وخفض مدة صلحية السلع 0الدعاية في العمال
__46
التجارية,تؤدي دورا ً مهما ً اليوم في فتح شهية الستهلك
والتبذير,وتبديد الموارد والثروات 0وتذكر بعض الحصاءات أن
أمريكا أنفقت عام 19996نحوا ً من()84مليار دولر في الدعاية
والعلن عن السلع والخدمات 0وهذا الرقم يكفي لطعام عشرة
من الشعوب التي تتضور جوعاً!0كما تذكر إحصاءات أخرى أن
مجمل ما يتم إنفاقه على الدعاية الن في العالم قد تجاوز(
)350مليار دولر سنوياً 0
ويؤسفني القول:إن فن الدعاية لدينا,يسير باتجاه النمط الغربي,مع
أنها تؤثر تأثيرا ً مباشرا ً في حجم الدخار الوطني في وقت نحن
بأمس الحاجة فيه إلى رؤوس أموال جديدة وجيدة من أجل توفير
فرص عمل لمليين الشباب المسلمين العاطلين عن
العمل 0قد كان الناس على مدار التاريخ ينتجون ما يحتاجون إلى
استهلكه,من أجل إبقاء مسيرة الحياة مستمرة,لكن الذي أحدثته
الفلسفة الرأسمالية وأدبياتها,وطيوفها النفسية والفكرية,هو الرغبة
في الستهلك من أجل الستهلك!وهذا أدى إلى تسارع نضوب
موارد المعادن,والطاقة غير المتجددة,كما أدى إلى تلويت الهواء
والماء,وتسخين حرارة الرض؛مما ينذر بأوخم العواقب 0ولو قدر
لسكان الهند والصين أن يسلكوا المسلك الستهلكي الذي يسلكه
الغرب-ل سيما أمريكا-لختنق العالم عشرات سنـــــــــــوات!0
فقد انتشرت بسبب التلوث المراض الخطيرة,وهناك بعض الرقام
المخيفة في هذا الشأن,فأمراض السرطان يعود مابين()80إلى(
)90منها إلى تلوث البيئة,كما أن ارتفاعها يكاد يمضي على وتيرة
ثابتة,هي في حدود()%3سنوياً 0سوف يطرح العالم قريبا ً في كل
سنة ما يكفي لطمر عاصمة-مهما كانت كبيرة-بأكوام من الفضلت
والمخلفات-وبعضها سام-سماكتها مئة متر!0
مما يؤسف له أن العالم السلمي يسير في الطريق عينه الذي
يسير فيه الدول الصناعية من استهلك وإسراف؛بل إننا قد تجاوزنا
نمط المعيشة الغربية قي بعض الجوانب,مثل ما ينفق على
الحفلت والمناسبات والولئم,ومثل ما يتم استهلكه من قبل كثير
من النساء على شراء الثياب,وعلى الحلي وأدوات الزينة 000
لدينا الكثير من النصوص التي تدعو إلى ترشيد والنفاق,والتنفير
من السراف
والتبذير,على نحو ما نجده في قوله-جل وعل[-وكلوا
واشربوا ول تسرفوا] {العراف0}31:وقوله-سبحانه-
__47
[إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين]{السراء:
}27بدافع حب التنعيم,وبسبب من عدم الشعور بالمسؤولية,صار
القليل من المسلمين من يتعظ بقوله-سبحانه[-ثم لتسئلن
يومئذ عن النعيمـ]{التكاثر}8:وصار كثير من الناس
يحتج[وأما بنعمة ربك فحدث]{الضحى}11:
ليس ثمة مسوغ مقبول لنجراف المسلم في التسابق على إرواء
حاجات الجسد,ما دام يعتقد أن الخر,هي دار العيش الحقيقي,وما
دام يعتقد أن الله –تعالى-سائله عما استخلفه فيه من مال,وما دام
يعتقد أن حماية البيئة,والمحافظة على موارد الرض مسؤولية من
مسؤوليات المسلم 000فهل نستطيع أن نخطو خطوة إلى الوراء
على صعيد أنماط سلوكنا وعيشنا؛كي نحفظ ما تبقى من طاقة
الحياة,وكي نعطي العظة والقدرة لمن هم بحاجة إليها من
َ
س تجاه مسؤولياتها الكونية؟ الشعوب المترفة التي تبل ّد الح ّ
0ونسأل الله المـــــــــــــعونة والتوفيــــــــــــــــق
*****
__48
الفصل الول:
__50
يتطلبه العداد التعليمي والمهني الذي يؤهل الشاب للحصول على
عمل مناسب ,عالي التكلفة 0
في أكثر بلدان العالم السلمي,يحتاج الموظف المتوسط الدخل
إلى أن يدخر كل مرتباته التي يتقاضاها خلل عشرين سنة؛حتى
يتمكن من امتلك بيت,يؤويه مع أسرته!
فكيف إذا علمنا أن مرتَّبه ل يكفيه للنفاق على حياة شبه كريمة
سوى نصف الشهر,
ويدبَّر نفقات باقِيهِ عن طريق الفتراض؟!0
مة وسائل طبية متقدمة للعلج؛فكان الموت في الماضي لم تكن ث َّ
يحل كل إشكالت الحالت الصعبة 0وأما المراض والصابات
جه بالتحمل والصبر 0أما اليوم, الصغرى فتُوا َ
فماذا يكون موقف أسرة أصيب أحد أفرادها بعطالة بـ(الكُلى)أو
بأحد المراض الخطيرة,هل تتركه يموت,أو تسلمه إلى مشفى
حكومي كثيرا ً ما يكون نموذجا ً للعوز والهمال أو تدخله إلى مشفى
خاص,تدفع فيه كل ما وفرته,وكل ما يمكن أن تستدينه ؟!.
ماذا تكون حال أسرة مسلمة تقيم في مسكن من صفيح ليس فيه
ماء ول كهرباء ول علج,على هامش مدينة مترفة,يساوي البيت فيها
المليين؟!0
ستظل مشكلة المشاكل بالنسبة إلى كثير من الشباب المسلم
هي(البطالة)الضاربة أطنابها في معظم الدول السلمية,والخذة
في التفاقم,حيث الركود العام وصعوبة الحصول على عمل ذي أجر
مناسب,حتى قال أحد الباحثين(:إن هناك أجيال ً قد
تولد,وتعيش,وتموت دون أن تجد عمل ً ملئماً))!0
المشكلة في البطالة أن الرقام التي تصور قوة العمل,وعدد
العاطلين شحيحة جدا ً .
في الدول الصناعية,تسهل معرفة حجم البطالة عن طريق
المساعدات الحكومية التي تدفع للعاطلين عن العمل 0قد أضحت
البطالة صفة لصيقة بخصائص الهيكل القتصادي المعاصر؛ففي
أمريكا واليابان نحو من()35مليون عاطل عن العمل,وهذا الرقم
يساوي()%12من قوة العمل فيهما 0لكن قوة القتصاد,وكثرة
الموارد والضرائب
صلها الدولة هناك,تمكنها من النفاق على العاطلين عن التي تُح َّ
العمل وحمايتهم من التسول والنحراف 0في العالم السلمي
الرقام البطالة-كما ذكرنا-شحيحة,لكن المتوفر منها مخيف 0ويذكر
__51
بعضها أن نسبة البطالة في الباكستان تبلغ نحوا ً من( ,)%19وفي
اندونيسيا(,)%50وفي أفغانستان(0)%70
وليست مشكلة البطالة محصورة في فقد المرء المصدر
قوته,وإنما يتولد عنها آثار نفسية وسلوكية واجتماعية خطيرة؛فحين
يجلس المرء مدة طويلة من غي عمل,فإن ارتكاسات كريهة تصيب
شخصية باعتبار إنساناً,وباعتباره حياته السرية,وتسمم الجو الذي
يعيش فيه أطفاله 0وهذا كله كفة,وانغماسه في اللهو مع قرناء
السوء,وإمكان إدمان للمخدرات في كفة أخرى؛ليصبح في النهاية
أقرب إلى المعوَّق والمشوَّه 0
إذا تأملنا مرة أخرى في المسافات الفاصلة بين الشعوب السلمية
والشعوب الصناعية,وجدنا أن تلك المسافات تزيد,والهوة تتسع
0وتلك الهوة تتمثل في فاعلية الشخص ومعرفته,وقدرته على
التكيف والمرونة الذهنية,وفي مستوى الدخل الوطني والستقرار
السياسي ونوعية الخدمات المقدمة لكل فرد وكميتها ,والسيطرة
على البيئة 0
ول تتوفر مؤشرات واضحة على كل ذلك,لكن الملموس منها,يبعث
على الحباط .
فعلى حين ترتفع أسعار منتجاتهم بصورة مطردة,فإن أسعار
صادراتنا,تتدهور,أو تتجمد؛
وهذا يعني أنه يجب أن نصدَّر أكثر حتى نستطيع الحصول على عين
قدْر من الواردات 0في عام 1991كان دخل الفرد السويسري( ال َ
)36300دولرا ً على حين أن هناك مليارا ً من البشر-كثير منهم
مسلمون-يكافحون ليعيشوا بأقل من( )370دولرا ً في السنة!؟
قد توقف النمو تقريبا ً في كثير من دول أفريقية خلل العقد
المنصرم,وهبط دخل الفرد في معظم دول أفريقية 0جاء في تقرير
اقتصادي صادر في جنيف عام 1988أن متوسط الدخل الحقيقي
للفرد في العالم النامي قد انخفض بمعدل()%6في المدة التي بين
عام 1981وعام 0 1987في حين ارتفع متوسط الدخل الحقيقي
للفرد في العالم المتقدم في المدة نفسها نحوا ً من (. )%13
مضاعفات هذه الهوة,تظهر,وتتفاعل كلما أخذ التصال والنفتاح
العالمي في التوسع,وهذا ما نشاهده الن .
تقد نشأت حضارة شديدة الغراء,تتجاوز فيها-بالضرورة-الحاجا ُ
ل المتوفرة,وصار الناس بين خيارين,أحدهما المطلوبة الوسائ َ
مر:إما لعزلة,وبالتالي سيطرة مشاعر التهميش والحباط,وإما
__52
النخراط في الموجات المادية والدنيوية العاتية 0وقد آثر أكثر
الناس الخيار الثاني,واستقر في العماق من الشعور إحساس
بالسطحية,وبالنغماس في استجداء الستمرارية على أبواب
الثقافة القاهرة 0
صار الناس يشعرون يوما ً بعد يوم أنه ل بد للمرجعية السلمية
العليا حتى تستطيع الصمود أمام الفلسفة الليبرالية من أن تسهم
في تطوير أساليب للتفكير المنتج الفعال,وبناء أخلقية ناجعة
للرقي الحضاري ,ووضع (استراتيجية) أفضل ,وأكثر ملءمة
للتقدم القتصادي والجتماعي,وإل فإنه سينشأ لدى كثير من الناس
نوع من الزدواجية المقيتة,تمارس في ضوئها الشعائر السلمية
وفق تعاليم ديننا الحنيف,ويتم تشييد التقدم القتصادي والتقني
والتنظيمي وفق النماط الغريبة ؛ وهذا ما نلحظ أنه يتغلغل في
مفاصل الحركة اليومية لكثير من المسلمين الن .
***
__53
الدنيا دار ابتلء,ولذا فإن النسان سيظل-كيفما تقلبت عليه
الحوال-في إطار اختبار,أي سيظل يواجه ما ل يشتهيه,وسيظل غير
متأكد من الوضعية التي سيؤول إليها على وجه التحديد 0
في إطار البتلء ليست الوضعية العامة للناس واحدة,فهناك من
يشعر أنه مضغوط تحت إلحاح المزيد من مطالب العيش 0وهناك
من يشعر بدرجة من السعة والرتياح,لكن هناك في كل حال أشياء
مشتركة غامضة في حياة الجميع,تسبب لهم نوعا ً من المعاناة
الشعورية 0وتلك الشياء الغامضة ربما كانت نابعة من الضجيج
والزحام وزيادة التحديات,وتعقيد النظم وسرعة التغيرات,وانتشار
روح التشاؤم,وكثرة الجرائم,وانخفاض الدعم الجتماعي ,وضعف
التيار الروحي,والخوف من مفاجآت المستقبل,وضعف الحساس
بالهدف 0وربما كانت نابعة من مصادر أخرى ل نعرفها 0وسيظل
لكل واحد منا مع هذه المور المشتركة منغصاته ومشكلته الخاصة
0
ولعلّي هنا أسلّط الضوء على ما أظنه في جملة السباب المهمة
لصعوبة العيش في زماننا هذا,على وجه الختصار,تاركا ً التفصيل
لبعض موضوعات هذا الكتاب والرسائل القادمة,وبإذن الله تعالى 0
ل وعل -والنسان بالدارة الحرة في الوقت الذي -1متَّع الله-ج َّ
يخضع فيه الحيوان لخطوط غريزية,ل يخرج عنها 0وقد كان النسان
في الماضي,يشعر فعل ً بحرية إرادته,وسيطرته على بيئته المحلية
0وكان لقلة الشياء والدوات والنظم المتوفرة وظيفة أساسية في
ذلك 0لكن المر انقلب اليوم رأسا ً على عقب؛فما توفر من أشكال
الثاث والمرفَّهات,وما استقر من النظم والساليب المعيشية
المقتَّنة 000نقل مركز السيطرة في الحياة اليومية النسان إلى
الشياء 0وهذا أضعف إرادة الناس,وجعلهم مطالبين بالمزيد من
الحركة الدائبة من أجل توفير الشياء وصيانتها وتبديلها 0
إن الرادة الحرة نعمة من الله-تعالى-لكن حين أضعفتها أساليب
الحياة المعاصرة,صارت مصدر تهديد في بعض الحيان؛فالحيوان
المبرمج بخطوط غريزية صارمة في تصرفاته محمي من ضغوط
الشياء,فهو-غالباً-ل يصاب بحالت التخمة الناجمة عن النهم في
تناول الطعام 0أما النسان فقد أصبحت(الوفرة)في الطعمة لدى
بعض الشعوب,تشكل مصدر تهديد للحياة,حيث تتسبب في حدوث
عدد من المراض القاتلة 0قد صار النسان يشعر أنه أسير لشياء
كثيرة,وصار من الواجب عليه أن يبذل جهدا ً إضافيا ً في تقوية
__54
إرادته,وتقوية جهازه النقدي الداخلي حتى يسترد حريته من
جديد؛وهذا في حد ذاته يشكل مصدر إزعاج 0
-2القتراب من المعايير الجتماعية السائدة في بيئة الواحد منا
مصدر للشعور بالرضا,والحساس بالكفاءة الجتماعية؛مما يستلزم
من الواحد منا نوعا ً من المتثال لما هو سائد 0وهذا يستدعي أن
نتصرف تصرفات كثيرة,ونقتني أشياء كثيرة,لسنا مقتنعين بها,ول
نشعر بحاجة حقيقية إليها 0
مع تعقد الحضارة وهيمنة الثقافة الغربية الطاغية,تحول الكثير
الكثير من الشياء الكمالية إلى أشياء أساسية؛فأكثر من()%95من
أثاث المنزل الن,كان يُعد في الماضي في جملة الكماليات,وكثير
منه لم يكن معروفا ً أصلً,لكن الناس ل يقبلون أية مساومة
عليه,ويعدُّون وجوده من مقومات الحياة الهانئة 0واقتناء هذه
الشياء صار-بالضافة
إلى ذلك -مؤشرا ً على الطبقة الجتماعية التي يستحق مقتنيها
النتساب إليها 0وهذا كله رفع مستوى عتبة الحد الدنى للعيش
المقبول,وزاد بالتالي في صعوبة العيش
وتكاليفه,وفرض بذلك على الناس التزامات وواجبات جديدة,ينوء
كثير منهم بحملها 0
-3التقدم الحضاري عَّقد مصالح الناس إلى حد بعيد,صار بذلك ما
هو فطري وغريزي لديهم غير كاف لعيش حياة كريمة وسويّة 0إن
النسان يستطيع أن يجري بدافع غريزته دون الحاجة إلى ترتيب
سابق-كما هو الشأن لدى الحيوان-لكنه ل يستطيع أن يقود طائرة
0يستطيع أن يرمي حجرا ً دون مران سابق,لكنه ل يستطيع
استخدام مدفع 000
وذلك لن أفق الغريزة لديه ل يلمس تلك المهارات الراقية
قدة 0وهذا يعني أن النسان اليوم مطالب حتى يحصل على والمع ّ
المهارات المطلوبة للعيش أن يتعلم ويتدرب ويستفيد الكثير من
الخبرات 0وبما أن تكاليف التدريب والتعليم الفني عالية إذا ما
قورنت بتكاليف التعليم النظري,فإن نجاحات الدول الفقيرة في
هذا المجال محدودة 0وغلنسان لديها-مثل مواردها-ما زال خاماً,أي
إنسانا ً بالقوة ل بالفعل؛كما يقول المناطقة 0
-4يميل النسان بطبعه إلى التعامل مع الشياء الثابتة
من له نوعا ً من(العطالة)وتوفير الجهد؛لكن والساكنة؛فذاك يؤ َّ
الثورة المعلوماتية,وما يتبعها من تغيير سريع في التقنيات والنظم
__55
وأساليب العيش والتعامل والتبادل-أدت إلى تسارع إيقاع
الحياة,وإحداث موجات من التجديد الذي يصعب استيعابه على
معظم الناس 0إنه ل يكاد يُعمم نموذج من الحاسبات اللية حتى
يطرح في السواق نموذج آخر منه أكثر كفاءة وأصغر حجماً
وأرخص ثمناً 0
سم العالم إلى قسمين متمايزين:قسم ينظم التغيّر السريع ق َّ
شعراؤه الشعار الحماسية
التي تتغنى بأمجاد الوطان,والعادات والتقاليد المحلية 000وقسم
يتغنى مثقفون بفضائل(عالم بل حدود)وميزات الوعي بوحدة
الكوكب وعولمة الثقافة 000وفي داخل كل قسم من هذين
القسمين أناس كثيرون,يلهثون في متابعة التغييرات
الجديدة,وأناس يخافون من عواقب التبدل في كل شيء,وأناس
يهمشهم التقدم السريع,فيعجزون عن فهم حقيقة ما يجري,لكن
السواد العظم من البشر يشعرون بأنهم قد غُلِبُوا على أمرهم,أو
كادوا,فقد صار الحصان خلف العربة,وعليه الن أن يجري
جهده,وقد كان هو الذي يقودها!0
ل أحد يدري عواقب هذه التبدلت السريعة,لكن الملموس أن على
المرء أن يبذل جهدا ً مضاعفا ً اليوم حتى ل يصبح خارج الحلية كلياً 0
-5المن والطمأنينة من المطالب الساسية,ليس للحياة الهانئة
ن الله-سبحانه- فحسب,وإنما للنمو السوي للشخصية أيضاً 0وقد امت َّ
على قريش بإفاضة الرزق,وتخييم المن على بلدتهم حيث
قال(ليلف قريش إيلفهم رحلة الشتاء
والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي
أطعمهم من جوع وآمنهم من
خوف)[قريش]
بضعف الوازع الديني,وضعف الخوف من الله –تعالى-إلى جانب
عجز كثير من الدول والقوانين عن ضمان المن للناس انتشرت
الجرائم-ول سيما في المدن الكبرى-وصار على كثير من الناس أن
يبحثوا عن الوسائل التي يحمون بها أنفسهم 0
ونتيجة للشعور بالسأم والضجر والعدميّة,فَ َ
قد َ كثير من الناس
القدرة على الصبر والتحمل
__56
والتسامح,وصار العبوس والتجهم هو الحالة الطبيعية للكثيرين؛بل
انتشر نوع من الجرائم الوقتية 0والناتجة عن النزق
والبَرم,والحساس بالكرب والضغط النفسي 0
وقد ذكرت دراسة جرت في(ألمانيا)أن المنحنى البياني لحداث
العنف هناك,يبدأ بالرتفاع بحلول شهر آذار(مارس),ثم يبدأ
بالنحدار بحلول شهر أيلول(سبتمبر)0
عموما ً ترتفع معدلت الجرائم بنسبة()%15مع ارتفاع كل درجة
حرارة مئوية يسجلها المحرار!0
وتذكر إحصائية أخرى جرت في(أمريكا)أن كل درجة حرارة زائدة
يسجلها الميزان الحراري,تعني ارتكاب()6,6جريمة أكثر لكل مئة
ألف مواطن في المعدل الوسطى 0وعلى نحوٍ عام يتم ارتكاب(
)60ألف جريمة إضافية في العام في الوليات المتحدة عند ارتفاع
درجة الحرارة الجو درجة مئوية واحدة 0
هذه الوضعية لم تبلغ هذا الحد في العالم السلمي,لكن من
الملحظ أن (المن)ل يتقدم في معظم الدول السلمية,وإنما
يتراجع,وهذا يمثل مصدر إزعاج إضافي لنسان هذا العصر 0
-6لدى كثير من الشعوب النامية شعور بالعدميّة والعبث والستلب
بسبب فقد العدالة وتكافؤ الفرص,وغياب القانون في ضبط الحياة
العامة 0
إن كثيرين من الناس يشعرون بانقطاع الرابطة بين الفعل
وجزائه؛فالتعب ل يؤدي إلى الراحة وإنما إلى مزيد من الشقاء
0والمعادلة مقلوبة:الذين يتعبون,ل ينالون,والذين ل يتعبون ينالون
َ
كل شيء 0قد حط ّمت النخبة الزائفة التكافؤ بين الفصلية
والسعادة,وبين
الكد الشريف والراحة 000كل ما هو مرسوم سوف
يمضي,والصامت والمتكلم سواء؛فالسكوت إذن أولى 0وهذا هو
سر (اللمبالة)التي يبديها كثير من الناس 0وقد بلغ اليأس من
صلح الحوال مداه,فلم يعد كثير من المقهورين يبحثون عن
ب ما يحصلون به قسم المعايير العادلة أو الصحيحة,وإنّما عن أسلو ٍ
من(الكعكة)المنهوبة 0وهم بذلك يقومون بدور المستلَب الذي ضاع
شعوره بذاته,فاغتراب عنها,وأخذ يتبنّى عقائد الذين
قهروه,واغتصبوا حقوقه,ويتبع(استراتيجيتهم)0
إن للناس عقيدتين:عقيدة نظرية وعقيدة احتماعية 0العقيدة
النظرية تنتمي إلى(المطلق)البعيد عن المصالح
__57
والظروف؛فالمسلم يعتقد أن الكذب والغش والرياء,والسكوت
على الباطل محّرمة,لكن من خلل حركته اليومية,ومن خلل
خبرته,يقيم موازنات دائمة بين مبادئه وعقائده,وبين مصالحه
والضغوط التي تماَرس عليه 0وينتج عن هذه الموازنات شيء
اسمه(العقيدة الجتماعية)0العقيدة الجتماعية:هي ترجمة لمبادئ
المر ومصالحه,ومركز التوازن بينهما 0وهي في كثير من الحيان
أقرب إلى أن تكون انعكاسا ً للواقع المعيش من أن تكون أفقاً
نظرياً 0
حين يكون المجتمع مريضاً,ويكون الصدق فيه مجلبة للذى,وحين
يكون الحصول على الضروريات الحياتية,ل يتهيأ إل عن طريق
الرشوة أو اللصوصية والنهب,فإن الح َّ
س
الجتماعي,يضعف حيال هذه المحرمات,بل إن الم تنهى ابنها
آنذاك عن الصدق-الذي تعتقد نظريا ً أنه فضيلة-إذا كان يسبَّب له
الذى,وتوصيه أن يكون (شاطراً)و(كدعاً)أي متخففا ً من القيود
الخلقية التي قد تسبب له الضرر,أو تفوَّت عليه بعض
المــــــــنافع!0
حين يكون المرء شريفا ً في مجتمع تسوده السرقة,فإن شرفه
يصبح عقوبة له,ويجعل مصالحه في مهب الريح,وجهاده في غير
عدو 000وهذا ما يعاني منه كثير من الناس اليوم؛لكن العاقبة
للتقوى 0
-7إن أصحاب الشركات الكبرى,يسيطرون على حركة
النتاج,ويسيطرون في كثير من البلد على القرارات الكبرى
المتعلقة ب(التنمية)0ومعظم أولئك قد تشبعوا بنهم لجمع
الثروات,ل يعرف الرتواء؛مما أدى إلى ترتيب جديد لوضاع
البشرية,ل تراعي فيه أحوال الموارد ول البيئة الطبيعية ول أحوال
المناخ 000
وهناك اليوم اعتقاد راسخ أن الثمن الذي سيتم دفعه للتنمية
المجنونة السائدة سيفوق كل حساب 0وقد قامت المم المتحدة
َ
بجمع أكبر فريق علمي في التاريخ,وكل ّفته بدراسة هذه المسألة
التي تتعلق بمصير البشرية جمعاء,وشكلت هذا الفريق الضخم من(
)2500عالم,ينتمون إلى بلدان شتى 0
وبناءً على التقارير التي قدّموها للمنظمة الدولية,فإن ما هو
متوقع,يبعث على الخوف والرعب؛فالتغيرات المناخية ستسير في
اتجاهين متطرفين؛حيث إن بعض مناطق في العالم,ستشهد الكثير
__58
من المطار والفيضانات التي ستغمر أراضيها الزراعية,على حين
أن مناطق أخرى ستقل فيها المطار,ويضربها الجفاف والتصحر 0
وثمة دول أخرى سيزداد فيها الصقيع,كما أن أخرى سترتفع درجة
الحرارة 0وهذا كله سيؤدي إلى تراجع المساحات الزراعية,وندرة
الغذاء وانتشار البطالة ...
ول أريد أن أخوض في التفاصيل,لكن يبدو أن البشرية انزلقت إلى
وضعية,لم يعد بالمكان التراجع عنها 0إن مأساة الرض أن
مستقبلها واحد,لكن مفاهيم وتوجهات ومصالح الذين
يحكمونها,ليست واحدة!0
حين تشح الموارد,ويصبح الماء والغذاء نادرين,فإن الحصول عليها
مكْلِفاً,
سيكون ُ
وآنذاك فإن وضع الناس في المجتمع الواحد,سيكون أشبه بركب
في صحراء مجدية,وقد قارب زادهم وماؤهم على النفاد 000إن كل
ما يخطر بالبال من التنافس والتشاحن سيقع آنذاك,وقد يصل المر
إلى ذبح بعضهم للقتيات به!0
كل ما ذكرناه على سبيل الختصار؛مما يشكل مناخ الحياة
المعاصرة 0يتطلب من المسلم أن يعيد صياغة ذاته وتحسين
كفاءاته وعلقاته,حتى يستطيع مقاومة الضغوط والمغريات,ويتجاوز
العقبات التي تعترض سبيله وهو يحاول القيام بأمر الله تعالى
وتبليغ رسالة السلم 0ومهمة هذا البحث وما بعده أن يساعده على
َ
حوْل والــــــــــط ّـــوْل 0
ذلك؛ومن الله ال َ
****
الفصل الثاني-:
__59
نطاق محدود؛وذلك لن كل مقومات الحياة الساسية متوفرة
محلياً 0
حين عرف الناس(تقسيم العمل ,9حين قامت(العلقات
العتمادية)بين الشعوب على نطاق واسع,أخذ كل شيء
يختلف,وصار من الممكن أن يجوع إنسان أو شعب في أقصى
الشرق بسبب اتخاذ قرار في أقصى الغرب 0هذا التواصل الكوني
استدعى-بالطبع-وجود معايير عابرة للقارات لكل شيء
حسن التصرف مشترك,مثل الستيعاب والفاعلية والتأثير و ُ
والنتاجية والقدرة على الحتمال وما شاكل ذلك 000المم الكثر
حضورا ً في ساحات العلم والنتاج والتقنية والسياسة,هي التي
تضع معايير ما أشرنا إليه 0وبقطع النظر عن صواب تلك المعايير
فإنه ل يمكن تجاهلها على نحو تلم 0حين كان المسلمون يقودون
الحضارة,كانوا هم الذين يضعون تلك المعايير,وكان تجاهلها يعني
النعزال عن قيادة الحضارة آنذاك 0
العيش خارج العصر ل يحتاج إلى تخطيط,ول إلى جهد,فهو الصل
0والعيش داخل العصر هو الذي يتطلب الكثير من الفهم والعناء
َ
والبذل 000إن الذي ل يريد أن يصبح بطل ً رياضياً,غير مكل ّف بأي
شيء من تمارين البطال 0
وإن الذي ل يعبأ بالصحة والمرض والقوة والضعف,ليس مطالبا ً بأي
شيء من التمارين الرياضية؛وهكذا فالتصرف في الحياة على
السجية,دون أي صقل للذات أو ترقية للمهارات أو محاولت للفهم
000هو حياة نموذجية خارج هذا العصر وخارج العالم
الذي ننتمي إليـه 0
شؤون هذا العصر طبقات عديدة في شعاب كثيرة
متفرقة,واستيعابها على نحو تام غير ممكن,ولذا فلستجابة التامة
لشراطاته وتحدياته أيضا ً غير ممكنه 0والمشكلة العميقة التي
تعاني منها كثير من الناس في هذا الجانب أن الواقع يتغير على
نحو أعقد وأسرع من استيعاب الوعي له 0والطروحات
الفكرية,تكاد تكون مستخلصات مما يفرزه الواقع من مشكلت,أي
ل يتم التنبه لكثير من المشكلت والتحديات إل بعد أن تصبح حقيقة
ماثلة 0
العيش داخل العصر,يحتاج أيضا ً إلى درجة من الشفافية والمرونة
الذهنية,وهما غير متوفرين لدى الميين ومتوسطي الثقافة,والذين
يعشون في ظروف قاسية,حيث تحجب المتطلبات الضرورية
__60
للمعيشة اليومية رؤية الناس للمحيط العام,ولقدراتهم الكامنة
والخيارات المتاحة لهم على طريق التحسن والستجابة 0لهذه
السباب أبناء الشعوب التي يغلب عليها الستهلك لمنتجات
العصر,دون مشاركة فعّالة في إنتاجها .
__61
قلة
أولئك الذين يختارون العيش على الهامش وهم على دراية بما
مش,وتعيش خارج الحلبة يفعلون,فالكثرة الكاثرة من الناس تُه َّ
بسبب البيئة المحطمة التي يعيشون فيها
فهي غير ملئمة للنمو لنها إما تكون قاسية إلى درجة الكبت
الشديد والقهر,وإما أن تكون على درجة من التخلف,ل تمكّن من
صناعة الدارات ول استنفار الطاقات,وهذا-مع السف-هو شأن أكثر
من( )%70من البيئات المعاصرة 0
العيش داخل العصر يعني استيعاب المرء لتحديات عصره
ومشكلته,إلى جانب وعي بالمكانات المتاحة للستجابة لتلك
التحديات,بالضافة إلى امتلك اللية المناسبة لتحقيق ذلك على
هدي من المبادئ والثوابت التي يؤمن بها؛مما ينتج عنه العيش في
غمرة الحداث والتجديدات والتأثير فيها,والستفادة من معطياتها 0
سنذكر هنا على نحو أهم سمات الشخص الذي يعيش خارج عصره
بغية التنبيه على الوضعية البائسة لكثير من الناس,ولنتخذ من ذلك
مرشدا ً لما سنقوله بعد ذلك عن المبادئ والشروط والسمات
والوضاع المطلوبة للعيش داخل العصر 0
-1بعض الذين يعيشون خارج العصر,مكَّبلون بالوهام,فهم تارة
أسرى للتاريخ,يقيسون عليه الحاضر,ويفهمونه من
خلله,ويستبطنون إمكانية إعادته لنفسه على نحو شبه متطابق
0وهؤلء ل يتعلّقون بالتاريخ فحسب,وإنّما يفهمونه على نحو
مشوَّه,وهو غير قادرين على العتبار به,لنهم يتعاملون مع مدلولته
وفق مركباتهم الذهنية الخاصة بعيدا ً عن القراءات والمفهوم
المغايرة 0وبعض الذين يعيشون خارج العصر مكبّلون
بأوهام(المثالية)0فهم يطنون أن ما يجري في الواقع قريب,مما هو
مثُل وقِيَم ومعايير,أي يتوهمون وجود نوع مستقر في الذهن,من ُ
من التطابق بين ما هو كائن,وبين ما يجب أن يكون,غير عابئين بما
تحدثه الظروف والمصالح والهواء
والشهوات من صدوع بين المبدأ والسلوك والخبرة والواقع 0
بعض الذين يعيشون خارج عصرهم مكبَّلون بأوهام المؤامرة,فهم
جة بعناية ضد توجهاتهم يرون كل شيء محيك بإتقان ومو َّ
جد لديهمومصالحهم 0ومع أن العالم ل يخلو فعل ً حيال ذلك,مما يو ِ
__62
نوعا ً من العقيدة الجبرية,ويشجعهم على التنصل من
أخطائهم,وإلقاء تبعاتها على غيرهم 0
بعض الوهام ينشأ من فهم قاصر للذات والمحيط,إذ هناك من
يعتقد أن بإمكانه وإمكان غيره أن يفعل ما يشاء,فهو ينتقل من
مغامرة إلى أخرى متجاهل ً أن المور الشخصية محكومة بإمكانات
وموازنات خاصة,وأن القضايا العامة الكبرى محكومة باعتبارات
محلية وإقليمية وعالمية 0وتجاهل ذلك قد يكون ممكنا ً على المدى
القريب,لكنه مهلك على المدى البعيد 0وعلى العكس من هذا فإن
هناك من يتوهم أنه ليس في المكان أبدع مما كان,وكلما فكر في
خيَّل إليه أن الساحات مزدحمة ,فالفرض دائما ً لغيره,وله عمل ُ
التحسر على ما فات!0
ل لريد أن أسترسل أكثر في ذِكْر أصناف المكبَّلين
بالوهام,فنماذجهم تواجهك حيثما تولّيت 0
-2يظن بعض الذين يعيشون خارج العصر أن زماننا هذا هو زمان
الخفة والنشاط والحركة,والتخفف من القيود الخلقية,والتغاضي
عن صوت العقيدة والمبدأ؛ولذا فإن نشاطهم اليومي ل يعدو أن
يكون عبارة عن عمليات صفع على قيمهم ومبادئهم 0
فقد هؤلء الدليل والمرجع,واختلطت عليهم المور,فطلبوا السعادة
والراحة
والطمأنينة في أعمال ومواقف ل تجّر عليهم سوى المعاناة في
الدنيا والعقاب في الخرة 0والمؤسف أنهم يخسرون أنفسهم
مقابل أوهام الثراء والمتعة التي تتكشف لهم كل يوم عن سراب
خادع!0
إن الذي يتمسك بمبدئه,قد يفوته بعض الربح في بعض الحيان,لكنه
ن هذا العصر صار عصر المصالح يربح ذاته وآخرته في كل حين 0إ ّ
والمكاسب النانية الضيقة لن الناس أرادوا له ذلك,وما الكدمات
محيَّاه سوى انعكاس دقيق لمليين التصرفات والمواقف التي في ُ
اليومية لبناء زماننا 0
-3الذين يعيشون خارج العصر موَّزعون بين الماضي والحاضر؛فهم
على مستوى التصورات والمفاهيم أسرى لمقولت ماضية-يعجزون
غالبا ً عن التأكد مستوى الحاضر أسرى الهموم والمشاغل 0أما
المستقبل فل يستحوذ إل على القليل من اهتمامهم وخططهم
واستعداداتهم 0هؤلء الناس,ل يدركون أن التغيرات السريعة
المتلحقة,تتطلب أن ننظر إلى أبعد مدى ممكن؛لن البعيد صار
__63
قريباً 0بعضهم يطن أن التخطيط للمستقبل ينافي التوكل على الله
–تعالى-وبعضهم يجعل الهتمام بما هو آت نوعا ً من الشتغال
بالتنظير والنشغال عن الستفادة مما هو مائل 0ذلك كله جعل
الذين يعيشون خارج العصر ينفعلون بالحداث بدل أن يشاركوا في
صناعتها,كما جعلهم يأتون دائما ً بعد الحدث 0
-4من سمات الذين يعيشون خارج العصر أنهم يفقدون روح
المبادرة الشخصية,فهم ما زالوا ينتظرون من غيرهم نوعا ً من
الرعاية لهم( )1([0)1يُكثر الطفل من استخدام ضمير أ
(أنت):أنت لم تأخذني,أنت ل تحبني....
ويُكثر المراهق من استخدام ضمير (أنا):أنا أضرب,أنا أفعل كذا
0000
أما الناضج فيكثر من استخدام ضمير(نحن):حيث يغلب عليه شعور
الجماعة]
مق النظر في أحوال عصرنا,فإننا سنجد أن إذا حاولنا أن نع َّ
المبادرة الفردية,قد أسهمت على نحو فذ في تكوين النهضة
الحديثة,بل يمكن القول:إن مجموع المبادرات الفردية في أي
مجتمع هو مقياس دقيق لمدى حيوية ذلك المجتمع,وقابليته للنمو
والتقدم 0
التربية لدينا ما زالت تركز على تخريج النسان التابع,والمعتمد على
غيره,على أن الوضعية العامة لـ(التكليف) في السلم تؤكد على
تنمية روح المبادرة والمسؤولية الفردية,وسلوك طرق الخير مهما
كانت موحشة ومهجورة 0
-5أشعة النقد لدى كثير ممن يعيش خارج العصر دائما ً نحو
الخرج,فهم غير قادرين على إلقاء نظرة(تقييمية)على أنفسهم
وأنشطتهم,وهم يستنبطون في داخلهم نوعا ً من الشعور بالكمال
والرضا عن النفس,على حين أنهم يدققون في أحوال غيرهم 0هذه
الوضعية ولّدت مرضا ً آخر,هو الترحيب بكل ما يعزز
مواقفهم,والبتهاج بكل من يناصرهم,على حين أنهم يضيقون
بالمخالف والمعارض 0وهذا مخالف لروح العصر,فالمؤسسات
والحكومات والجماعات الناجحة في زماننا هذا,تستمد الكثير من
عناصر قوتها من كونها تتبع في أسلوب إدارتها وعملها نُظُما ً قابلة
(
للمراجعة والتجديد والتعديل؛ولذا فإنها تهتم بوجود(تغذية مرتدة)
)1([)1كان عمر رضي الله عنه يقول:
ي عيوبي ]0 رحم الله امرأ أهدى إل ّ
__64
من لدنها عملئها,وهي لذلك تنظر إلى الرأي المخالف على أنه
م في أصلح الخلل وتلفي القصور عامل ثراء وتقويهم,ومساعد مه ّ
0
ن الذين يعيشون خارج العصر,ل يدركون أن القصور الساسي,هو إ ّ
قصور ذاتي,وأن النهضة الحقيقية,هي نهضة روحية نفسية فكرية
قبل أي شيء آخر,ولذا فإنهم غير قادرين على تسليط أنوار
التصحيح على أحوالهم الخاصة 0
-6اهتمام الذين يعيشون خارج العصر بالوقت شبه معدوم,فالذي ل
جر غدا ً أو بعد غد 0وهو على خبرة يتم إنجازه اليوم يمكن أن يُن ْ َ
واسعة في قتل الوقت وإنفاقه في أنشطة,ل تعود عليهم أو على
غيرهم بأية فائدة 0العالم المتقدم اخترع آلت لقياس أجزاء
الثانية,والذين يعيشون خارج العصر يستخدمون في التعامل مع
الزمن اليام والشهور 000والقوم يعيشون من غير أهداف
واضحة,ولذا فإن الحرص على الوقت لديهم يصبح غير ذي معنى 0
متان لزمتان لكثير ممن يعيشون خارج س َ
-7الهمال والفوضى ِ
العصر:إهمال للصحة والمظهر والمستقبل والهل والعلقات
الجتماعية والعمل 000الفوضى ضاربة أطنابها في كل شؤون
حياتهم,فلديهم دائما ً التزامات كثيرة وإنجازات قليلة 0كل شيء في
حياتهم جائز,ويمكن أن تتوقع منهم أي شيء 0الذين قدموا إنجازات
كبرى البشرية في هذا الزمان,كانوا دائما ً يُبْدون اهتماما ً بكل شيء-
َ
منظ ّمون فيول سيما التفاصيل الصغيرة-وهو إلى جانب ذلك ُ
حياتهم الشخصية والعامة,وفي أسلوب تفكيرهم
وفي أعمالهم 0ويرون أن التحلي بفضيلة الهتمام شرط للنجاز
العالي 0أما التنظيم الدقيق فهو الطريق القصر لبلوغ الهداف
الكبرى 0
سوف نقف على مزيد من سمات الذين يعيشون خارج العصر
عندما نتحدث عن سمات السبّاقين والمتقاعسين,مما يزيد الصورة
جلء ووضوحاً 0
الفصل الثالث-:
__66
َ
الهتمام بالشيء الفاضل,والوضعية التي نمنحه إياها في سل ّم
الولويات 0إن إسراع الموظف إلى اللتحاق بعمله مطلوب في كل
وقت,لكن حين يكون الموظف(عامل إطفاء)فإنه يكون للسرعة
معنى آخر أكثر أهمية 0وسأحاول هنا لفت النظر إلى بعض السمات
والمهارات التي أرى أنها تحتل
مكانه خاصة في نموذج(المسلم المعاصر)وهي أشبه بمخطط
أوَّلي,سنحاول تعميق خطوطه وتوضيحها فيما بعد-بإذن الله تعالى-
وذلك على النحو التي:
-1توجيه جميع المناشط نحو الغاية العليا:
تقرر النظرة السلمية للنسان أهمية توجيه جميع مناشطه في
حياته المديدة نحو الفوز برضوان الله-تعالى{-قل إن صلتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين()162ل
شريك له وبذالك أمرت وأنا أول
المسلمين}[النعام]163-162:
مناشط أوقات الفراغ,و مناشط الترفيه تعزز التوجه اليماني لدى
المسلم إذا كانت في إطار المباح,واستحضر صاحبها النية الصالحة
عند مباشرتها 0وهذافي الحقيقة يضفي على حياة المسلم نوعا ً من
النسجام والتماسك؛فل يشعر بأي انفصام بين مناشط تحقيق
الذات والحصول على النجاح والتفوق الشخصي 000وبين مناشط
النجاة في الخرة,كما هو واقع في حياة كثير من المسلمين
اليوم,وإنما يشعر أن مكاسبه الروحية والنفسية قد تأتي من خلل
نصحه لشريك في تجارة أو أنشطة رياضية يقوم بها,أو النوم مبكراً
من أجل الستيقاظ لصلة الفجر 0حتى الحداث غير الساّرة فإن
النظرة إليها على أنها ابتلء من الله-تعالى-تجعل المسلم الحق
يتلقاها بروح عالية ونفس مطمئنة,حيث ينتظر عاقبة الصبر عليها
0قد ورد في الحديث الصحيح(:عجبا ً من المؤمن إن أمره كله له
خير,وليس ذلك لحد إل المؤمن:إن أصابته سراء شكر فكان خيراً
له,وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا ً له)0
صهَْر جميع مناشط الحياة في بوتقة واحدة,ليس عبئاً-كما قد إن َ
يتوهم-لكنه مصدر عظيم من مصادر السعادة والطمأنينة 0وإن
الخيط المنطقي والخلقي الذي ينتظمها جميعاً,يدعم كينونة
المسلم,ويزيد في وضوح رؤيته الشاملة للحياة 0
__67
-2عدم المساومة على المبدأ:
هذه سمة أخرى مهمة في نموذج المسلم المعاصرة؛فالمغريات
بالنحراف والضغوطات الحياتية المتزايدة,تدفع المسلم دفعا ً إلى
التنازل عن بعض مبادئه وقناعاته من أجل تحقيق بعض رغباته
ومصالحة؛ولذا فإن المرء الذي يحاول أن يحقق مصالحه إلى الحد
القصى مع التمسك بمبادئه,يحاول في الحقيقة الجمع بين
نقيضين,إذ لبد في بعض الحالت من التخلي عن أحدهما في سبيل
استقامة أمر الخر 0
إن تحقيق المصلحة على حساب المبدأ,يعد ّ انتصارا ً لشهوة أو
غرض آني 0أما النتصار للمبدأ فإنه بمثابة التربع على قمةٍ من
الشعور بالسعادة والرضا والنصر والحكمة والثقة بالنفس 0وقد
أثبت المبادئ أنها قادرة على أن تكرر النصر المرة تلو المرة
0وحين يخسر النسان مصلحة نتيجة الصرار على مبدأ,فإنه في
الحقيقة يخسر شيئاً,لكنه على المستوى الشعوري وعلى المدى
مكَْره,هو الذي ط وال َ البعيد يعد رابحاً 0إن التمسك بالمبدأ في المن ْ َ
ش ِ
يمنح حياتنا معنى,ويجعلها تختلف عن حياة السوائم الذليلة التي
تكافح من أجل البقاء المجرد 0ل شك أن الظروف الصعبة,توهن
قيَم والمبادئ للسلوك,لكنها نفسها هي التي تمنحنا من ضبط ال ِ
العلمة الفارقة بين أناس اختلطت مبادئهم بدمائهم ولحومهم,وبين
أناس ل تمثل المبادئ بالنسبة إليهم أكثر من تكميل
شكلي لنسانيتهم 0إن التمحور على المبدأ,يستلزم النحياز الدائم
إلى الحق ومقاومة الشر؛فاللتزام بالمبدأ,ليس مسألة شخصية
بحتة,وإنما هو موقف أخلقي واجتماعي أيضاً؛حيث إن من وظائف
المسلم الساسية في هذه الحياة إحقاق الحق وإزهاق الباطل
ومحاصرة الشر بكل صوره وأشكاله 0والتخلي عن هذه
الوظيفة,يحوّل المجتمع المسلم إلى غابة,يأكل القوي فيها
الضعيف,ويصبح البقاء فيه للقوى ل للصلح 0
-3المحافظة على الصورة الكليّة:
يقوم المنهج السلمي في بناء الشخصية على العموم والشمول
والتكامل 0وهناك نصوص وأدبيات كثيرة,تؤكد مجتمعة على ضرورة
تنمية كل أبعاد الشخصية العقلية والروحية والبدنية والعاطفية
000لكن الملحظ أن لدى النسان قابلية عجيبة للنجذاب نحو بُعد
أو محور من المحاور,وترك باقيها غفل ً دون أي اهتمام 0وهذا
مشاهد لدى معظم الناس؛إذ إن من المألوف أن ترى من يصرف
__68
كل اهتمامه إلى الرياضة,على حين أنه ل يقرأ كتابا ً واحدا ً في
السنَّة أو جزءا ً من القرآن الكريم في السبوع 0ونجد كذلك في
المقابل بين المثقفين وطلب العلم الكثير ممن ل يقيم أي وزن
َ
لِل ّياقة البدنية 0وهناك من ينهمك في المسائل الفكرية
والتنظرية,لكنه يعاني من جفاف روحي وتقصير في العبادات
0وهناك من يقف على النقيض 0إن المرء ينتزع العجاب عندما
يجتمع فيه ما تفَّرق في غيره 0وإن التنمية الزائدة لجانب من
الجوانب على حساب جانب آخر تبدو في بعض الحيان كما لو
كانت نوعا ً من البراعة النادرة,
لكنها تشويه وتبديد لفضيلة التناسق 0
حتى ل نفقد الصورة الكلية للوضعية التي ينبغي أن نكون عليها,فإن
م
علينا أن نعطي كل ذي حق حقه,وربما وجب لتحقيق ذلك القيا ُ
بأمرين:
أ-أن ننظر دائما ً إلى خارج ذواتنا من أجل المقارنة,ومن أجل أن
نستشرف ما نحن عليه عن كثب 0إن الرؤية تتشوه عندما نعزل
ذواتنا وأوضاعها عن السياق الجتماعي والتاريخي والحضاري 0
ب-أن ننظر دائما ً إلى واجباتنا العامة وأهدافنا الكليّة,ومدى خدمة
بنائنا لنفسنا لتلك الواجبات وتلك الهداف 0
-4التحرر الدائم:
خر له ما في كّرم الله-تعالى-النسان إذ خلقه في أحسن تقويم,وس ّ
ة منه وفضلً 0ومتَّعه بالعقل والدارة السماوات وما في الرض من َّ ً
مله مسؤولية اختياراته؛ليظل حرا ً كريما ً منطلقاً,ل يأسره الحرة,وح َّ
إل قِيَمه ومبادئه؛لكن النسان حتى يسهَّل عمله,ويعقل الوجود من
حوله يقوم بإنتاج عدد كبير من العادات على المستوى الفكري
والنفسي والحركي 000ول يمر وقت طويل حتى يشعر أنه صار
َ
أسيرا ً لتلك العادات,فطرق التفكير تتكل ّس مع اليام,وتصبح غير
ملئمة,فتتحول من أدوات لتسهيل المحاكمة العقلية والتحليل َّ
جم والتركيب 000إلى أطواق وسلسل,تحد ّ من انطلقة الفكر,وتح ّّ
فاعليته,بل قد تظلله,وتجعله يطرح طروحا ً شكلية 0وقل مثل ذلك
في العادات النفسية والحركية 0
حركة الحياة اليومية,ومصالح النسان,والضغوط التي يواجهها,كل
أولئك قادر على استبعاد النسان وإذلله ومسخه,وتحويله إلى
شيء أو جزء من آلة,أو تابع مقلد 000
__69
يحتاج المسلم من أجل الحتفاظ بحريته وحيويّته إلى أن يحمل بين
جوانبه روح(الثورة)أو روح التحرر الدائم,والتأبي على
القولبة,ورفض البرمجة الثقافية المحلية الصماء,وضغوط البيئة
َ
المحط ّمة التي تحد من الطموحات,وتقتل المواهب 0إنه لكي يفعل
سس ما يمكن أن مس الفاق غير المرئية,وتح ُّ ذلك بحاجة إلى تل ُّ
يكون,والسعي الدائب إلى ما هو أفضل,وعليه دائما ً أن يبحث عن
البدائل لما هو فيه 0وما لم يفعل ذلك-وهذا ما عليه أكثر الناس-فإن
من السهل أن يجد نفسه مكبل ً بالوهام,والعادات البالية,والقيود
التي صنعها لنفسه بنفسه,كما هو شأن مدمني المخدرات ومدمني
التقليد والكسل والسراف وقول الزور 000إن التحرر الدائم ينبع
من اعتقادنا أنه ل راحة لمؤمن إل بلقاء ربه,ومن اعتقادنا
بهشاشة(البُنية العميقة)للحرية والكرامة,مما يجعلها بحاجة دائمة
إلى الحذر والرعاية 0
-5التفوق على الذات:
بإمكان أكثر الناس عجزاً,وأقلهم حيلة أن يجد من هو أضعف
منه؛ليتغلب عليه ويقهره,ومن السهل على المرء أن يكشف بعض
النقاط التي تمنحه نوعا ً من التفوق والتميز 000لكن يظل المهم
دائما ً هو(التفوق على الذات)والشعور بالتحسن الدائم والرتقاء
َ
المط ّرِد 0إن التفوق على الذات يعني أن يوم المتفوق خير من
أمسه,وأن غده خير من يومه 0
وهذا غير ممكن على نحو مطلق,لكن يمكن أن يلمسه النسان إذا
أجرى تقويما ً سنويا ً لحواله ومكتسباته 0ول شيء يحول دون
التفوق المستمر,كالنرجسية والعجاب بالنفس,ونزع إنجازاتنا من
طبيعتها الزمنية,لنجعلها عمل ً نهائياً,فنقضي بذلك عنها بُعدها
النساني الحي والمرحلي,وندخلها في نفق الجمود ثم الضمحلل 0
إن قوله الله-جَّل وعل{-وفوق كل ذي علم
عليم}[يوسف]76:
ث خفي لنا على دوام الستزادة من العلم,والنظر إلى ما هو ح ٌّ
أسمى؛وإشعاٌر بأننا لن نصل إلى النهاية في الترقي,وأن الفق
أمامنا سيبقى ممتداً 0
-6الشعور بالتأنق:
حين يقصر النسان في أداء واجب,فإنه يشعر بالتقصير,ويحدث في
داخله نوع من الصراع 0وحين يؤدي واجباً,فإنه يشعر بنوع من
__70
الرضا والنجاز 0وحين يقوم بعمل زائد عن الحاجة أو عن
الواجب,فإنه يشعر ب(التأنق)0الشعور بالتأنق هو نوع من الشعور
بالَّرفَه والتجاوز لحد الضرورة 0إن المسلم حين يبدأ بإلقاء السلم
تكون مشاعره مختلفة( )1([)1كان عبد الله بن عمر-رضي الله
عنهما-ينزل السواق بهدف إلقاء السلم على الناس ]0عن
مشاعره حين يرد السلم,حيث الول سنّة,والثاني واجب 0
كذلك مشاعره عند أداءه فريضة الصلة 0تختلف عن مشاعره حين
يتنَّفل,كما تختلف أحاسيس الناس حين يأكلون ما يسد الرمق عن
أحاسيسهم عندما يأكلون الفاكهة أو الحلوى 000
القيام بما ليس مفروضاً,يعطي النسان إحساسا ً بالتفوق والقتراب
من الكمال,
وهو إحساس ضروري لتعزيز الثقة بالنفس,وتحصيل نوع من
سبْق للقران والنظراء 0المجتمعات التي تُنتج أكثر مما ال َّ
تَستهلِك,تشعر بالتأنق,كما يشعر به المم التي تجد لديها فضلة من
طاقة لحل مشكلت المم الخرى 0
الشعور بالتأنق كثيرا ً ما يرتقي بالنسان-على نحو ما-إلى درجة
الريادة,حيث يضحي قدوة لغيره 0
الفائض الجتماعي مظهر من مظاهر التأنق,وهو في الوقت نفسه
حاصل العمال التطوعيّة الخيرة التي يقوم بها أبناء المجتمع؛وعلى
مقدار ذلك الفائض تكون خيريّة ذلك المجتمع 0في الظروف
سة إلى وجود أعداد كبيرة من الرجال الصعبة تصبح الحاجة ما َّ
الخيار الذين يتجاوزون مرحلة التفكير بالحقوق
والواجبات,وينغمسون في أعمال الحسان والرتقاء,حيث تغمرهم
روح المجانية والعطاء غير المشروط 0
هذه السمة من أهم سمات(المسلم النموذجي)في عصرنا
هذا,فلنحاول أن ننمي الشعور بالتأنق من خلل تنمية العمال
التطوّعية,ومن خلل إرساء تقاليد ثابتة للنجاز العالي 0
-7وضــــــــوح الهــــــــدف:
أعتقد أن أكبر أزمة تعاني منها الحضارة الحديثة والنسان
المعاصر,هي تحديد الغاية النهائية لنشطة البشر,وهي القضية
الكبرى التي ينبغي أن تخدمها كل القضايا الخرى,القضية التي
تستحق التضحية بكل شيء إذا اقتضى المر 0إن المتداد يقتل
ن الزمان,وأعتقد أنه قد تطاول المد على
التجاه,كما يقتل المكا ُ
كثير من الناس,
__71
فنسوا هدف وجودهم,أو عاملوه معاملة الناسي أو المهمل 0
إن في الغرب اليوم تساؤلت كثيرة حول الهدف الخير لكل هذه
الجهود الضخمة,ولكل هذا العناء النساني الهائل 0ونظرا ً للغاء
الدين-عملياً-وإبعاده عن المساهمة في صياغة فلسفة الوجود,فإن
كل السئلة تظل حائرة,دون أن تجد أية إجابة شافية 0
المسلم في الصل,ل يعاني من مشكلة تحديد الوجهة أو الهدف
النهائي,لكن من الواضح أن زحمة المشاغل اليومية,والنحراف
الذي أصاب(التثقيف العام)قد تسببا في إحداث غفلة كبيرة لدى
كثير من الناس 0إن إدارك الهدف بطريقة سوقية أو مبتذلة,يجعل
حضوره ضعيفا ً كما يجعل قدرته على إثارة الحماسة للعمل من
أجله محدودة 0
كثير من الحساس بالتفاهة والفراغ,وكثير مما يعرف بأنه مشكلت
عاطفية أو عقلية,ماهو في الحقيقة سوى أعراض لفقد الناس
الحساس بهدفهم السمى,ورسالتهم في الحياة 0
-8نـــــــــحو الـــــهـــــــدف:
قضية وجود أهداف واضحة في حياة المسلم المعاصر,من القضايا
الكبرى التي ل تحتمل التأخير 0وإذا كان الهدف الكبر هو الفوز
برضوان الله-تعالى-والجنة,فإن ذلك الهدف ل يتم بلوغه إل من
خلل القيام بالوامر واجتناب المناهي,وما يستتبعه ذلك من أخلق
وآداب وأوضاع 000والقيام بذلك والتحلي به له وسائله وأساليبه
وآلياته,وهكذا فكل هدف صغير,هو وسيلة لهدف أكبر منه,وكل
هدف كبير,هو غاية
لهدف أصغرمنه 0ووضوح الهدف الكبر,يعني أن كل الهداف
الصغرى,يجب أن تسهم-على نحو ما-في القتراب منه والوصول
إليه؛وهذا وحده هو الذي يضفي على أهدافنا الصغرى
المشروعية,ويضفي على مناشطنا المختلفة المنطقية والنسجام
0ولعلنا نُبرز هنا في سمات الهدف وكيفية تحديده وقياسه النقاط
التالية:
أ-إن مجرد تحديد(الهدف)على نحو جيد,يستنفر الطاقات
الكامنة,ويوجه إرادة المرء وأنشطته؛ولذا فإن الشخاص
المتفوقين,والناجحين نجاحا ً متميزاً,هم-غالباً-أصحاب أهداف محددة
0وقد قام أحد الباحثين في إحدى الجامعات المريكية بإجراء
استفتاء لخريجي الجامعة عام ,1953وكان السؤال الذي وجهه
إليهم,هو:هل لك أهداف محددة ومكتوبة؟وكانت النتيجة ()%3فقط
__72
من هؤلء الخريجين,وضعوا لهم أهدافا ً محددة ومكتوبة عما يريدون
القيام به في حياتهم 0وبعد عشرين سنة من ذلك التاريخ,أي في
عام 1973رجع إليهم صاحب البحث؛ليستطلع أحوالهم,فوجد أم
هؤلء ال()%3حققوا نجاحا ً في وظائفهم وأعمالهم أكثر مما حققه
ال()%97الخرون مجتمعين!0
ب-من السهل على الواحد منا أن يخطط المشاريع,ويرسم
الهداف بحماس وانفعال,لكن عند المجيء للتنفيذ يتلشى الكثير
من تلك الهداف والخطط,ويشعر المرء بأنه كان في وهم,أو يشعر
بالعجز والكتئاب 0ولذا فإنه لبد من أن تكون الهداف ممكنة
التحقيق وقريبة المنال,بمعنى أن تكون الفجوة التي بينها وبين
إمكانات من يرسمها فجوة,يمكن قطعها,وإل فإن تلك
الفجوة,يمكن أن تكون مصدر
شقاء 0ومن وجه آخر فإن الصعاب التي تعترض الواحد منا في
حياته,قد تصرفه عن أهدافه,وهذا في الحقيقة,يشكل أزمة كبيرة
لكثير من الناس 0والواجب أن نتكيف مع الظروف الصعبة-في
حدود معينة-وعوضا ً أن نتخلى عن أهدافنا نجدد عزيمتنا 0وإذا
اكتشفنا أن أهدافنا,ل تتلءم مع ما لدينا من قدرات,فيمكن أن
نجري نوعا ً من التعديل عليها 0
ج-تحقيق الهدف يحتاج إلى دفق جيد من النشاط والعمل,وهذا لن
يتم ما لم نستطيع ضبط التجاهات والميول والهتمامات,وتوجيهها
نحو العمال التي تخدم الهدف 0ذلك متوقف على توفر(الرادة)0
وفي هذا السياق فإن من المهم أن نعلم أن هناك فرقا ً بين المحبة
والرادة,فكل التجار يحبون الربح,كما يحب جميع الطلب
النجاح,لكن الذين يريدون ذلك هم وحدهم الذين يحققونه 0إن
الفعل الرادي,هو تعبير عن الوعي الناضج,والرادة الحرة في
تحديد الهدف,واتخاذ القرار,وتحديد المسار الموصل إليه؛وبذلك يتم
تيسير كل القوى المتوفرة في اتجاه تحقيق الهدف 0
ونحن نخطئ حين نقول:إننا ل نستطيع أن نفعل كذا وكذا,والصواب
أن نقول:إننا ل نريد أن نفعل:لن الرادة الحقيقية,ليست
متوفرة,فنغطي على غيابها بادعاء انعدام القدرة 0وقد قال
الله-جل وعل-في المنافقين{ولو أرادوا الخروج لعدوا
له عدة}[التوبة,]46:فانعدام أي قدر من التأهب للجهاد دليل
على أن إرادة الخروج له معدومة أصلً 0
__73
د-وضوح الهدف شيء جوهري 0ووضوحه يعني تحديده على نحو
دقيق,وذلك بغية قياس التقدم نحوه فيما بعد 0ويمكن القول:إن كل
هدف,ل يمكن قياسه,ليس بهدف؛ولذا فإن قول كثير من
الناس:نحن بحاجة إلى إخلص وصدق وتقوى حتى
نتقدم-لم يثمر أي ثمرة,حيث ل نملك المعايير التي نتمكن من
خللها من قياس حجم التقدم نحوها 0
ويمكن أن نحيط الهدف الذي نريد إنجازه بالسئلة التالية:
-ما الذي يجب تحقيقه؟
-لماذا يجب أن يتحقق؟
-متى يجب تحقيقه,وما لمدة التي يستغرقها؟
-من الذي سيقوم بتحقيقه؟
-أين يجب أن يتم ذلك؟
-هل أحتاج إلى مساعدة من أحد في تحقيقه؟وإذا كانت المساعدة
ن الذي سيفعل ذلك؟ م ْ
مطلوبة,ف َ
-ما الدوات التي يحتاجها ذلك؟
يجب كتابة الجوبة عن هذه السئلة والرجوع إليها عند الحاجة 0
مما نزيد في توضيح(الهدف)أن نقسمه إلى أقسام عدة,ف‘ذا كان
الهدف أن أُصبح أستاذا ً جامعيا ً بعد خمس سنوات,فإن من
المرغوب فيه أن أُحدد وقتاً,وليكن سنتين للحصول على
(الماجستير)وثلث سنوات للحصول على(الدكتوراه)0
ي أن أستهدف إنجاز ست ساعات وحتى يتحقق ذلك,فقد يكون عل َّ
من العمل في القراءة والكتابة يوميا ً وهكذا 000إن هذا التقسيم
سيسهل إدراك الهدف وتحديده,كما يسهل إنجازه أيضاً؛فالحقيقة
أنه ليس هناك عمل صعب إذا قسمته إلى أجزاء صغيرة 0
هـ-يجب على صاحب الهدف أن يؤمن به إيماناً,ل يشوبه أي
شك,وأن يكون على ثقة تامة بالوصول إليه دون أدنى ريب,بل عليه
أن يتصرف وكأنه حاصل على ما يريد,وأن يرسخ ذلك في
أحاسيسه كلها حتى يصبح(الهدف)جزءا ً من كيانه المعنوي 0وحين
يتغلغل الهدف في(اللشعور)من صاحبه,فإنه يقوم بتوجيه طاقاته
النفسية والجسمية نحو تحقيقه 0
شر أصحابه بظهور السلم في أصقاع الرض وقد كان النبي يُب ّ
في ظروف بالغة القسوة 0وحين ساومته قريش,وعرضت عليه
الجاه والمال والنساء,قال لعمه أبي طالب قولته المشهورة(:والله
يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن
__74
أترك هذا المر ما تركته حتى يظهره الله,أو أهلك دونه)! 0إن هذا
درس بليغ جدا ً في الثقة بالوصول الهدف,وفي الصرار عليه,مهما
كانت المغريات الصارفة عنه 0
-9السلـوك المــــــــنـطقـي:
في زماننا هذا تعددت العباء التي على الواحد منا أن يقوم
بها,وصار في الحقيقة في داخل كل واحد منا عدد من الشخصيات
المخبوءة 0فانت مثل ً موظف ورب أسرة وعضو في جمعية
خيرية,وتمارس الكتابة,وتطمح إلى أن يكون لك عمل تجاري,تزيد
من خلله دخلك 000كل هذه العمال والنتماءات تحتاج إلى فكر
وجهد ووقت 0ل
خيار لك في بعض ما ذكرناه,لكن حين تختار أعمال ً إضافية,فإن
عليك أن تسأل نفسك:هل تستطيع أن تنجح في كل هذه
العمال,أو أن المنطق يحتم عليك أن تعرض عن بعضها,لنك ل
تستطيع إعطاءه حقه,وبالتالي فسيظهر تقصيرك أو إخفاقك 0
الرؤية المنطقية,هي التي ستساعد النسان على الحكم الصحيح
في مثل هذه المسائل 0
إذا كنت وكيل ً لمصنوعات ألمانية,فإن المنطق يرشد إلى أن تتعلم
اللغة اللمانية 0وإذا كنت مديرا ً لمستشفى وأنت لست طبيباً,فإن
م بشيء مما يثير النزاع بين الطباء عادة,وبينهم من المنطق أن تل َّ
وبين المرضى,مما يتعلق بالنظمة المتعلقة بالخطأ الطبي ومعايير
الكفاءة المهنية,وما شاكل ذلك 0
إذا كنت مديرا ً لمدرسة,فإن من عوامل النجاح أن يكون لديك
إلمام بأصول إدارة المؤسسات التربوية,ودرجة من الطّلع على
لسير المديرين الناجحين,إلى جانب نوع من الدُّربة على ح ّ
المشكلت وإصلح العلقات بين الساتذة والطلب 0
السلوك المنطقي سلوك قائم على إدراك عميق للمكانات
الشخصية والظروف المحيطة,وفهم جيد الشياء ومنطق تطورها
0وإذا دققنا النظر في الكثير من حالت الخفاق في كل مجالت
الحياة,فإننا سنجد نوعا ً من التجاهل لبعض هذه المور أو جلّها
0السلوك المنطقي يكتسب كل يوم وظائف حيوية في حياتنا
المعاصرة,نظرا ً لن العلقات النسانية والتجارية والتنظيمات
الجديدة للمعرفة والتقنية,تقوم جميعا ً على التسلسل المنطقي
والعتبارات المنطقية 0وفهم ذلك كله قد غدا شرطا ً مهما ً من
شروط عيش الحياة المعاصرة 0
__75
-10الحرص على النجاح مهما يكن صغيراً:
ليس في هذه الدنيا نجاح نهائي,فالنصر في أية معركة-أيّا ً كان
نوعها-يضعنا في مواجهة معركة جديدة,قد تختلف في
متطلباتها,لكنها على أي حال,تستدعي جهدا ً جديداً 0والوقوف عند
أي نجاح مهما يكن ضخماً,والتقاعس عما بعده,هو أول خطوة على
طريق تضاؤله وخسرانه 0تلك هي سنَّة الله-تعالى-في البتلء
ل وعل-هو العمل الذي اشتمل على 0العمل المقبول عند الله-ج َّ
عنصرين أساسين:عنصر الخلص و عنصر الصواب 0النجاح في
العمال الدنيوية مرتبط ب(الصواب)أكثر من ارتباطه ب(الخلص)
0أما في العمال الخروية,فالخلص هو الساس,لن الصواب قد
ينعدم,أو ينقص بسبب وجود ظروف قاهرة أو اجتهاد خاطئ 0إن
مة مهمة للمسلم المعاصر,فالعالم كله س َ
الصرار على النجاح ِ
متورط في سباق محموم للستحواذ على أي شيء وكل شيء,ول
نستطيع تجاهل ذلك 0وإن كانت نجاحات المسلم,تظل مقيدة بقيود
معينة,كما أن أهدافه تظل مؤطرة بهدف رفيع خاص 0
الخطوة الولى في طريق النجاح هي الهم,إنها بمثابة شرارة
الشعال الولى,ثم بعد ذلك يشكل التدرج التراكمي في تحقيق
النجاح نوعا ً من الدعم المتلحق للبواعث,كما أنه يولّد الرضا
والسرور من خلل العمل 0وهكذا النجاح الول-مهما كان ضئيلً-
يمهد الطريق للنجاح التالي؛ول شيء يغري بالنجاح كالنجاح نفسه 0
إن الناجحين في الحياة ل يشكلون أكثر من()%5من الناس,وأكثر
الباقين من العاديين
سر سبل والمخفقين,مع أن هناك إمكانات ووسائل كثيرة,تُي َّ
النجاح,لكن مشكلة النسان أنه طالما وقع ضحية لقصوره
الذاتي,وللوهام التي تكبل عقله ووجدانه!0
النجاح ثمرة الفكر النير والجهد الوفير والمكانات الجيدة 0هو ل
يحدث نتيجة امتلك صاحبه بعض السمات الخاصة التي يتسم بها
الناجحون عادة فحسب,وإنما هناك توفيق الله(-)1تعالى-إلى جانب
الظروف المواتيه 0
ن من الله للفتى ***فأول ما يقضي عليه [()1إذا لم يكن عو ٌ
اجتهاده]
ول أريد هنا أن أذكر الصفات التي يحملها الناجحون,وإنما أريد
التذكير بأهمها,وربما شرحنا بعضها في مواضع أخرى 0
__76
الرجل الناجح يتوقع لنفسه النجاح,وذلك التوقع,يلقي في عقله
الباطن-على نحو خفي-الخطط والرؤى التي تساعده على
النجاح,تماما ً كما هو شأن الذي يتوقع لنفسه الخفاق 0
الرجل الناجح يمتلك قدرة على خوض نوع من المخاطر,فكثير من
السكون,والرضا بالقليل من النجاز,سببه الخوف من المغامرة
0نعم من الواجب على كل عاقل أن يقلل نسبة المخاطر التي
يمكن أن يتعرض لها,لكن ل بد في النهاية من القدام على الرغم
من وجود بعضها 0
النسان الناجح,يبحث عن الفرص؛إذ إنه يعلم أنه في أسوأ
م
الظروف,وفي أشد حالت الركود,تبقى هناك مجالت وفرص للن ّ
والكسب,لكن معظم الناس ينتظرون أن تطرق الفرص أبوابهم
0أما الناجحون,فهم الذين يعَّرضون أنفسهم لها,ويتحسسونها 0
روح الستقللية,سمة مهمة من سمات الناجحين ,فهم يثقون في
أنفسهم,ويمتلكون القدرة على التجاوز,على حين يشعر العاديون
من الناس ينوع من التبعية لغيرهم,ويخافون من القيام بأعمال
منفردة.
النسان الناجح,يمتلك القدرة على الحتمال,وهو بطبعه صابر على
بذل تكاليف النجاح 0
إنه يصبر على بذل الجهد,كما يصبر على ضبط إيقاع نفسه
ورغباته,ويسيطر على الزمن فل يفلت منه 0
الخلصة:أن الناجحين,هم أشخاص غير عاديين,ولذلك فهم قلة
0وأمة السلم,ل تشكو اليوم من انعدام الكفاءات وأصحاب
مدقِع في العناصر الختصاصات في أي مجال,لكن تشكو من فقر ُ
المتفوقة والكفاءات النادرة التي تشق طرقا ً جديدة
للممارسة,وتعثر على حلول ناجعة حين يشعر الشخاص العاديون
بانسداد الفاق وانقطاع الحيلة 0
-11الوضــــــع اليجابي:
من السمات المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها(المسلم
المعاصر)سمة (اليجابيّة)وهي مغايرة لصفة(السلبية),فماذا نعني
هنا باليجابية أو الوضع اليجابي؟0
تعني اليجابية أمورا ً عديدة منها:
-القدرة على التحكم بالعواطف,حيث يتم بذلك تجاوز خطوط
الغريزة,وهذا التجاوز,يعبر في اتساعه عن مدى استطاعة صاحبه
__77
تحقيق إنسانيته من خلل بعده عن(الحيوان)الذي ل يستطيع
السيطرة على غرائزه ول تأخير رغباته,والذي ل يقوى
أيضا ً على المخاطرة 000ونعني بالسيطرة على العواطف أن يلبس
المسلم لكل حالة لبوسها,فليس من اليجابية أن يحمل الموظف
هموم بيته ومشكلته الخاصة إلى مكتبه أو مصنعه,فالداء
الكفء,يتطلب موظفا ً في أحسن أحواله,وفي أعلى درجات لياقته
النفسية والبدنية 0
كذلك ليس من اليجابية أن يزعج المرء أهل بيته بمشكلته مع
طلبه أو زملئه أو مراجعيه 000الحصول على هذه الوضعية يتطلب
تدريب العاطفة وتقوية آلية الضبط الداخلي لديه 0
-الفهم العميق لتحديات العصر ومطالبه وأشكال الستجابة
المطلوبة للعيش فيه,إلى جانب الشعور بالقدرة على التغيير:تغيير
النفس وتغيير المحيط وتغيير الرؤية للشياء 0
وينطلق الشعور بإمكانية التغيير وضرورته من خلل إدراك أن الله-
تعالى-قضى على الكون بالتقلّب والتحوّل وأن يظل في حالة من
الصيرورة المستمرة؛كما ينطلق من مبدأ الستفادة من التجارب
السابقة التي خضناها,والتي رأيناها,ومن مبدأ ضرورة النتقال إلى
مرحلة استلهام الحق والخير والفضيلة وتمثلها في السلوك الجيد
0إن الرتابة نوع من العدم,وإن الستسلم للخطاء,والقنوع بالحالة
الحاضرة,نوع من الخروج من المحيط الحي إلى محيط الجماد 0
-الصحة النفسية ركن أساسي من أركان اليجابية؛إذا ل يمكن أن
يكون المرء في وضع إيجابي وهو سيشعر بنوع من(السأم
الوجودي)أو الحسد أو الغيرة أو الخمول النفسي,أو الحقد على
الناس 000ومن ثم كان لتزكية النفس وتنقية السرائر المكانة
العظمى في السلم 0
ما من إنسان إل قد تعتريه أوضاع يفقد فيها لياقته النفسية,لكن
المهم أل يستمر ذلك,ويصبح صفة ملزمة 0وللخلصة من تلك
الحوال شرع الله-سبحانه-التوبة الغسل الشعور بالذ ّنْب,وشرع
النوافل وأعمال البر من أجل الحساس بتجاوز المصالح الضيقة
إلى أفق أرحب,ولتجديد المعاني الروحية ونفض غبار التقاعس
والخمول عن نفس المسلم 0
-12التقييم الذاتي:
التقييم الذاتي هو في الصل مفهوم النسان لذته,من حيث مظهره
وأصوله وقدراته ووسائله واتجاهاته 000وهذا المفهوم حين
__78
جهة للسلوك 0ويتكون يترسخ,ويبلغ ذروة وضوحه يصبح قوة مو َّ
مفهوم النسان لذاته من خلل الخبرات التي يكتسبها,ومن خلل
الحتكاك والتصال بالخرين 0بل إن الناس كثيرا ً ما يكوَّنون المرآة
التي يرى فيها النسان ماذا يمكن أن يكون عليه,والفاق التي
يمكن أن يرتادها,أي مجالت نموه الشخصي,وحدود ما يمكن أن
ينجزه 0
هذه الوضعية تحتم على الواحد منا أن يعيد تقييم نفسه من
جديد؛إذ إن من الوارد أن تكون المفاهيم التي كوّنَّاها عن أنفسنا
مغلوطة أو مشوَّهة,بسبب رداءة البيئة العامة,أو بسبب المربية
التي فهمنا ذاتنا بواسطتها 0على المسلم اليوم أن يمتلك القدرة
على إعادة فهم ذاته,وإعادة تقويم إنجازاته,وكشف الطاقات
الكامنة لديه .
إعادة التقييم هذه ضرورية للتحرير من حتميات البيئة والمفاهيم
الخاطئة السائدة,وضرورية أيضا ً لكشف جوانب القصور في ذواتنا
وأنشطتنا 0وفي ظل التحديات المتصاعدة,وظل المتغيرات
السريعة,تصبح هذه المسألة أكثر إلحاحاً,ويصبح إهمالها أشد
خطورة 0
مشكلة المراجعة أنها في أكثر الحيان,تنتهي إلى اتهام النفس
َ
وازدراء النسان لنجازاته الماضية؛مما يجعلها تول ّد نتائج عكسية
0ولذا فإن من المهم أن يحتفظ النسان بنوع من التقدير
لذاته,وبالثقة في قدراته على التحسن والستفادة من دروس
الماضي 0وله أن يعد مجرد المراجعة وإعادة التقييم إنجازا ً جيداً 0
ل أريد أن أتوسع أكثر في ذكر قسمات نموذج المسلم
المعاصر,فهي كثيرة,وتقبل الكثير من التفريغ والتفصيل
والضافة,فنكتفي بما ذكرناه هنا 0
وسوف يجد القارئ ما يمكن أن يعد امتدادا ّ لها فيما سنقوله عن
مسألة السبق والتقاعس؛ ونسـأل الله العون
__79
الفصل الرابع-:
__80
وتنظيمها,وتوفير أسباب الهناء في العيش,ولكنه يعني أل نتوقع
الكمال في أي شيء,إذ ليس من الحكمة أن نبحث عن حلول
كاملة في وسط غير كامل 0وعلينا أن نعد أنفسنا لمواجهة تح ًّ
د
جديد كلما أدركنا نصرا ً في معركة من معارك الحياة,فعن طريق
جدلية التحدي والستجابة يرتقي النسان,ويوسع مدى حركته
سن سجله ليوم ل ينفع فيه مال ول بنون 0 ونموّه,ويح َّ
ثانياً-إدارة الـوقـــــــــت-:
حجم استغلل الوقت,والستفادة منه؛من أهم العلمات الفارقة بين
المم المتقدمة والمم المختلفة ,وبين الشخاص الناجحين
والشخاص العاديين,ويمكن للمرء أن يقول-وهو مطمئن:-إنه ليس
هناك ناجحون في الحياة على نحو ظاهر,ل يهتمون بأوقاتهم 0كيف
يمكن للمرء أن ينجح إذا كان ل يستغل أهم مورد يمكن الستفادة
منه في تحقيق النجاح؟
أقسم الله-جل وعل-بالليل والنهار والضحى والعصر والفجر
000تذكيرا ً للناس بنعمة الزمن ونبيانا ً لقيمته العظيمة 0وفي
الحديث الصحيح(:نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:الصحة
والفراغ)0
الحساس بالمسافات الزمانية والمكانية,أحد المنتجات
الحضارية,لذا فإن أمة السلم في أيام إقبالها وازدهارها,ضربت
أروع المثلة في المحافظة على الوقت والعناية به ,وحسن
الستفادة منه 0
يقول ابن مسعود-رضي الله عنه(:-ما ندمت على شيء مثل ندمي
على يوم غربت شمسه,نقص فيه أجلي,ولم يزد في عماي) .وقال
الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز( :إن الليل والنهار يعملن فيك
فاعمل فيهما)0وما أجمل اعتبار الحسن البصري(النسان)
مساويا ً ليام عمره حين قال(:يا ابن آدم إنما أتت أيام فإذا ذهب
يوم ذهب بعضك) وكان يقول(:أدركت أقواما ً كانوا على أوقاتهم
أشد منكم حرصا ً على دراهمكم ودنانيركم)0
لو تساءلنا:ما الشيء الطول والقصر في وقت واحد,والسرع و
البطأ معاً,والذي نهمله جميعاً,ثم نأسف عليه,ول شيء يمكن أن
يتم بدونه,والذي يبتلع كل ماهو صغير,أو يتمنى كل ما هو
عظيم؟لكان الجواب:إنه الـوقـــــــت 0
__81
المشكلة الكبرى أن الوقت ل يدار,فهو سلسلة من المقاييس التي
تسجل بقاء دوران الرض حول محورها,وتسجيل فصولها المتعاقبة
000فتقدمه ثابت؛ولذا قالوا قديماً(:الوقت ل ينتظر أحداً)
أما الشيء الذي يمكن أن يدار فهو استغللنا للوقت؛ولذا فنحن في
الحقيقة ندير أنفسنا وطاقاتنا ل أوقاتنا 0
إن الطريقة التي نقضي لها أوقاتنا,هي نتيجة للطريقة التي ننظر
بها إلى أوقاتنا,والطريقة التي ينظر بها إلى أوقاتنا مرتبطة بأشياء
عديدة,منها تربيتناً,ووعينا بالتحديات المعاصرة,وأهدافنا في هذه
الحياة,وسيطرتنا على رغائبنا ,وصلبة إرادتنا ,ورؤيتنا للولويـات 0
__82
العكس من ذلك فإن الدارة الجيدة للوقت تقلل من الوقات التي
سن النتاجية,مما يسميها الناس(أوقات عمل)لنها تفعَّل الداء,وتح َّ
يجعل المرء يحصل على الكثير من وراء القليل من العمل 0
كما أن برمجة الوقت تساعدنا على تنظيم الستفادة من أوقات
الفراغ في دعم أبعاد ذاتنا كلها عوضا ً عن الشعور بالفراغ
والتفاهة,وعوضا ً عن إهمال تنمية جوانب مهمة في شخصيتنا بسبب
سوء التنظيم,وسوء التوزيع لطاقاتنا وأوقاتنا 0
إن السباب التي تكمن خلف ضياع الوقت عديدة,يمكن أن نذكر
منها ما يلي:
-1الكسل فحين ينام النسان أكثر من ثماني ساعات في اليوم,أو
يتقلب على فراشة تاركا ً خلف ظهره المهام التي عليه أن
ينجزها,فإن داءه آنذاك هو الكسل,وهبوط الهمة 0الشعوب
ُّ
المتقدمة تقضي الكثير من أوقات الفراغ في الرياضة,وتعلم
مهارات جديدة,على حين أن أبناء الشعوب المختلفة,يقضون الكثير
من فراغهم في الجلوس على أبواب بيوتهم,أو في الستلقاء على
فرشهم,أو في السهر والسمر إلى ساعات الفجر الولى!0
-2عدم وجود هدف محدد سبب مهم من أسباب ضياع
الوقت؛فالحاضر سيتفلت من بين أيدينا ما لم نضغط عليه بآمال
مستقبيلية 0والمهم دائما ً أن نحدد وقتا ً للنجاز,وأن نلتزم التزاماً
صارما ً بذلك التحديد,وإل فمن الممكن أن ننقل التنفيذ من أسبوع
إلى أسبوع,ومن شهر إلى شهر,ونكون بذلك قد قمنا بتجسيد شعار
المسوَّفين(:ل تفعل اليوم ما تستطيع تركه إلى الغد)!إذا كان
الهدف متواضعاً,ل يشغل سوى جزء من أوقات
الفراغ,فإن باقي الوقت سيضيع هدراً 0وهذا ما نجده لدى
َ
كثيرين؛حيث إن البيئة المختلفة والسر المحط ّمة,تحملن المرء
حمل ً على جعل طموحاته محدودة 0
ليست مهمة الهدف قاصرة على شغل الوقت,وإنما المساعدة
على القيام بالعمال المهمة أيضاً,فالهدف الواضح ذو التوقيت
المحدد,يخلَّصنا من مشكلة النشغال بالنشطة غير المهمة-نظراً
لسهولتها أو إمتاعها-عن الشتغال بالنشطة المهمة؛حتى إذا أصاب
الواحد منا الكلل لم يجد العزيمة لنجاز ما هو أحوج إلى إنجازه 0
-3عدم وجود خطة,تحوَّل الهدف إلى إنجاز 0الهداف بدون خطط
تكون عبارة عن أحلم وأمنيات 0الخطة في أبسط
أشكالها,هي:قائمة النشاطات التي تنقل صاحبها من موقعه الحالي
__83
إلى حيث يريد أن يكون في المستقبل 0إذا لم تكن أنشطة الخطة
متسلسلة ومنطقية,فإن كثيرا ً من الوقت سوف يتم هدره قبل بلوغ
الهدف 0
-4سوء التنظيم حيث إن العمال التافهة التي يمكن أن تبدد الوقت
أكثر من أن تحصى 0لو أننا دققنا النظر في كثير من أنشطتنا
اليومية,لوجدنا جزءا ً كبيرا ً منها كان يمكن تفويضه إلى شخص
آخر:موظف أو ابن أو زوجة 000وقسم آخر,يمكن حذفه والستغناء
عنه أو دمجه في نشاط آخر 0يذهب كثير من الوقت في السفر
والتنقل,مع أنه يمكن توفيره عن طريق التصال بالهاتف أو إرسال
رسالة,أو التسويق بالجملة بدل المفرق أو 000
-5تطفل الخرين وفوضاهم,فمشكلت الواحد منا,ليست دائماً
ذاتية,وإنما قد يكون مصدرها الخرين؛فمن المألوف في كثير من
البلدان-ول سيما الريف-أن يزور الناس
بعضهم بعضا ً من غير سابق موعد,كما أن من المألوف أن يكلمك
شخص بالهاتف,فيطيل الكلم من غير فائدة 0كما أن بعض
الشخاص يبدون من السماحة والكرم الذاتي ما يشجع الخرين
على طرح مشكلتهم عليهم,وطلب المساعدة منهم 000مما يبدد
الوقت في كثير من الحيان دون أي مردود 0وهكذا البيئات التي لم
تترسخ فيها المفاهيم الحضارية,ل تساعد من يعيش فيها على
تنظيم وقته واستغلله الستغلل المثـل 0
مبادئ وآلـيات في الستـفادة من الوقـت:
إن العمل الشاق,يؤدي إلى التعب,والعمل الذكي,يؤدي إلى زيادة
النتاجية؛ولذا فإن الهدف من إدارة الوقت,ليس أن تعمل بجهد
أكبر بل أن نعمل بذكاء أكثر؛فالمقياس لنجاحنا في إدارة
أوقاتنا,ليس زيادة ساعات العمل وإنما الثمار اليانعة التي نقطفها
من ورائها 0
يجب أن نقول في البداية:إن الواحد منا مهما أبدى من الكفاءة
والعبقرية في تنظيم وقته واستغلله,فإنه لن يستطيع أن يستثمر
وقته على نحو تام,فالعنصر الروحي الذي يتمتع به النسان,يجعل
عمله مغايرا ً لعمل(اللة)0والظروف المختلفة المحيطة هي
الخرى,تحول دون ذلك,فل بد إذن أن نقنع بمناهزة الكمال عن
الوصول إليه 0
وهذه بعض المبادئ والليات التي تساعد على استثمار الوقت-على
الوجه المثل-نسوقها في النقاط التالية:
__84
-1على الواحد منا أن يحاول التخلص من حالة الهدر الوقت,ول
سيما تلك الوقات
(البرزخية)التي تفصل بين أوقات العمل وأوقات الفراغ 0وهذا يعني
أن نحاول-إلى أقصى حد ممكن-تقليل مدة التهيؤ للعمل,ونستخدم
الصرامة مع أنفسنا في هذا المر,وقد لوحظ مثل ً أن الرد على
هاتف من أحدهم,ل يعطل المرء عن متابعة عمله فقط,وإنما يضيَّع
عليه أربع دقائق أو خمسا ً قبل أن يتمكن إلى العودة إلى ما كان
فيه من قبل 0
-2الرتابة مكروهة,لنها تقتل تفتُّح الروح والعقل,لكن يمكن أن
نستخدم شيئا ً منها استخداما ً نافعا ً في بعض الحيان,كأن يُلزم
النسان نفسه بأن يخصص بعد الفطار من كل يوم نصف ساعة
للقراءة أو العبادة أو المشي أو قضاء بعض الشياء المهمة 0وبعض
المشاهير يشعرون أنهم مدينون في شهرتهم إلى اللتزام بأشياء
محددة في ساعات محددة من يومهم 0وهذا يعني اقتطاع جزء من
الوقت الضائع لستخدامه في أشياء نافعة ومهمة 0على سبيل
المثال فإن اللتزام بساعة من كل يوم للقيام بعمل محدد,تجعل
المرء يكسب()360ساعة سنوياً,وهي مدة كافية لنجاز أشياء
جميلة:
حفظ أكثر من عشرة أجزاء من القران الكريم 0
ُ
تعل ّم أساليب القراءة السريعة 0
تحسن الخط,وتخليصه من الخطاء الملئية 0
إعداد أجمل حديقة في منطقة السكن 0
تأليف كتاب متوسط الحجم 0
الحصول على (دبلوم)0
-3لسباب متعددة,تنهال طلبات الخدمات والمقابلت والستشارات
على بعض الناس 0ومع أن هذا شيء حسن حين يكون في نفع
الناس؛لكن كثيرا ً ما يكون ذلك على حساب أشياء مهمة في حياة
النسان؛لذا كان من الواجب على كل واحد أل يسرف في إعطاء
المواعيد للناس,وأن يعلم أن كل موافقة على وعد أو القيام
بعمل,ربما كانت على حساب عمل آخر قد يكون أهم و أكثر إلحاحاً
0حتى المواعيد البعيدة,فإنها ستقرب,وسيجب الوفاء بها في النهاية
0
-4الوقت سيضيع من غير تخطيط واضح,وسوف يجد المرء نفسه
منجذبا ً إلى عمل الشياء السهلة 0لذا كان لبد من اللتزام بأهداف
__85
سنوية للتطوير الشخصي 0الهداف السنوية يتم تقسيمها إلى
أهداف شهرية وأسبوعية 0وسيكون من المفيد في هذه الحالة أن
يخصص المرء عشرين دقيقة في مطلع كل أسبوع وخمس دقائق
في مطلع كل يوم لكتابة قائمة بالعمال التي سيتم إنجازها 0العمل
الذي ل يتمكن أحدنا من إنجازه يبقيه في القائمة؛ليضاف إلى قائمة
أعمال اليوم التالي 0
-5كثيرا ً ما يذهب الوقت في تجزئة العمل وتشتيته 0كثير من الناس
يبدؤون عمل ً ثم يقفزون إلى غيره قبل إتمامه,ثم يعودون للول
وهكذا 000ولذا فإن النصيحة هنا أن يحاول الواحد منا أل يركز
اهتمامه في أكثر من عمل في وقت واحد,وإذا بدأ في عمل,فل
يتركه حتى ينهيه 0وهذا في الحقيقة يحتاج إلى العزيمة والمثابرة 0
-6وضع أحد خبراء إدارة الوقت قاعدة سماها قاعدة()20\80حيث
لحظ أن()%80
من إنتاج النسان يأتي من ()%20من جهده 0وهذا يعني أن نعرف
بشكل جيد الوقات
الملئمة لجعل()%20من جهودنا تثمر()%80من إنتاجيتنا,فنختار
الوسائل الكثر فاعلية,
والوقات التي نكون فيها في قمة نشاطنا و صفائنا,والوقات التي
نظن عدم وجود مقاطعة فيها من قبل الخرين 0
ومن وجه آخر فإن()%20من العمال التي نقوم بها قد يكون فعلً
مساويا ً في قيمته ل()%80فلنعط تلك العشرين حقها من الولوية
والعناية 0
-7احمل معك بعض أعمالك أو بعض كتاباتك إلى الماكن التي
تذهب إليها,فقد تستطيع إنجاز شيء من مهماتك وأنت في قطار أو
حافلة,أو أنت تنتظر في دائرة أو مستشفى 0
-8هناك إلى جانب ما ذكرناه بعض الرشادات التي تساعد على
توفير الوقت,مثل:
ل تقم على الطلق بزيارة صديق دون أن تبلغه بذلك أو تحادثه 0
استفد من وقت الفراغ في القراءة أو الحفظ أو في عمل شيء
نافع 0
حينما ترتب موعدا ً فتأكد أن الطرفين يفهمان الوقت و المكان
والعنوان بالضبط
__86
احسب وقت انتقالك إلى مكان الموعد,وأضف فترة زمنية
مناسبة احتياطا ً لمواجهة الطوارئ حتى تصل في الوقت المحدد
0
وفَّر كل المواد والمراجع اللزمة بين يديك قبل أن تبدأ العمل
سواء أكان ذلك العمل طهوا ً أم كتابة مقال,أم خطبة 0
لترتب رحلة لنجاز عمل ما إذا كان بوسعك إنجاز ذلك العمل
برسالة أو بمحادثة هاتفية 0
إذا كان لديك مهام قصيرة أو مشتريات,فقم بإعداد قائمة بها
تشمل كل البنود,وخطط نشاطاتك المختلفة,بحيث تحتاج إلى
قطع أقصر مسافة ممكنة 0
أستطع أن أقول بعد كل ما ذكرته:إن(الزمن)قد احتل أهمية فريدة
في تركيبة كل ما يتصل بعصرنا,وإن المة المتقدمة
والمتفوقة,ليست تلك التي تتحدث عن السنين والشهور,وتتعامل
مع الحداث من خللها,وإنما تلك التي تستخدم الن الدقائق
والثواني 0وهذا إن دل على شيء,فإنما يدل على احترام الزمن
حد ممكن 0وبإمكان الواحد منا أن ومحاولة استغلله إلى أقصى ٌ
يجعل من استخدامه لواحدت الزمن مقياسا ً لحرصه عليه,ومقياساً
لرتقائه في معارج العطاء والنمو و النجاح 0
ثالثاً-تــــــــحسين النتاجيــــة:
مة فجوة كبيرة تفصل بين العالم السلمي والعالم الغربي على ث َّ
(
مستوى الدخل والبنية الساسية والعلم والتقنية وأمور أخرى كثيرة
)1([0)1سلّطنا الضوء على ذلك في كتابنا (نحو فهم أعمق للواقع
السلمي)]
وتلك الفجوة الخذه في التساع-مع السف-هي ترجمة دقيقة
لفارق النتاجية بين المجتمعات الغربية والمجتمعات السلمية 0ول
يعني أن يفهم من هذا أن علينا أن نلحق بالغرب بأي ثمن وعن أي
طريق؛فهذا ليس وارداً,ولكن المقصود أن يتهيأ لمة السلم ما
يمكنها من توفير الحاجات الساسية لبنائها,والمحافظة على
استقللها وكرامتها؛كي تتمكن من القيام بمسؤولية الستخلف في
الرض 0
المجتمع الضعيف مكوّن في الصل من أشخاص ضعفاء,والمجتمع
القوي مكوّن من
مكوّن من أشخاص أقوياء 0وإذا كنا نشعر بآلم جراح التخلف
والستكانة أمام غيرنا,و
__87
كنا نملك الدارة على الرتقاء بهذه المة إلى المكانة التي تليق بها-
فإن مهمتنا الولى تتمثل في أن نحاول رفع سوية التزام النسان
المسلم وعطائه؛حيث إن من غير الممكن أن نوجد أمة أقوى من
مجموع أفرادها 0
النتاجية مقياس,نقيس به العلقة بين ما هو منتَج وبين الوسائل
المستخدمة في عملية النتاج 0وقيمتها الساسية تكمن في أنها
تمكننا من مقارنة أداءين أو أكثر مع بعضهما,أو مع مستوى من
الداء محدَّد مسبقاً 0إذا وجدنا خالدا ً ومحمودا ً يصنعان صناديق
خشبية,ووجدنا أن محمودا ً يصنع عشرة صناديق في ثماني
ساعات,ثم وجدنا خالدا ً يصنع ثلثة عشر صندوقا ً في تسع
ساعات,وافتراضنا إلى جانب ذلك أن إنتاجهما متساوٍ في جودة
الصنع,ومتطابق في جميع الجوانب,فأيهما أكثر إنتاجية؟
بعد القيام ببعض العمليات الحسابية سوف نجد أن خالدا ً ينتج
صناديق أكثر من محمود,وذلك بعد أن أخذنا بعين العتبار عامل
الوقت,حيث إن خالدا ً يعمل ساعة زائدة على عمل محمود 0وهكذا
يمكن القول:إن إنتاجية خالد أعلى من إنتاجية محمود(([0)1
)1يستغرق صنع السيارة في اليابان()17000ساعة عمل,على حين
يستغرق في أمريكا()27000ساعة عمل,أما في أوروبا فيستغرق(
)32000ساعة عمل,والحمد الله
أننا غير واردين في هذه المقارنة!]0
من السهل تحديد مستوى النتاجية في مزرعة أو مصنع,لكن تحديد
قد,ومع هذا فيمكن قياسها حيال (النتاجية الشخصية)غامض ومع ّ
أشياء محددة جداً,كما لو قلنا:
إن محمودا ً يحتاج إلى ست ساعات قراءة في حفظ جزء واحد من
القرآن الكريم,على حين أن سعيداً,يحتاج إلى تسع ساعات وهكذا
000
العوامل المؤثرة في النتاجية ومبادئ تحسينها:
إن العوامل المؤثرة في تحسين إنتاجية النسان,أكثر من أن
تحصى,وربما كان من الصواب القول:إن تحسين يطرأ على أي
جانب من جوانب شخصية النسان,ينعكس-بصورة ما-على
إنتاجيته؛وإذا فإن كل ما ذكرناه,وما سنذكره في هذه
الرسالة,يساعد على تحسين النتاجية الشخصية 0وما سنشير إليه
هنا,يستهدف لفت النتباه وإيجاد نوع من التركيز على أمور نحسب
__88
أنها تساهم في تحسين أداء الواحد منا,ورفع كفاءته على نحو
ظاهر؛وذلك من خلل الحروف الصغيرة التالية:
-من أهم مبادئ تحسين النتاجية أن يحاول النسان عمل ما هو
ممكن-مهما يكن ضئيلً-ول ينتظر تحسن الظروف والمكانات؛فذاك
قد يأتي,وقد ل يأتي 0ثم إن مباشرة الممكن نفسها,توسع دائرة
العمل؛وتذلل عقباته 0إن الطفل الصغير يقف عاجزا ً في البداية عن
كتابة أية كلمة حتى اسمه 0وبعد تعلم الحروف,وتعلم شبكها بعضها
مع بعض يصبح المستحيل ممكناً,وتتحسن شروط الممارسة 0
-لو راقب الواحد منا استمراريته في أداء عمله,لوجد أن أكثر ما
يقطعها,ليس الشياء المهمة,وإنما الشياء التافهة 0والحقيقة أن
الواحد منا يتخذ من قضاء بعض الحوائج الثانوية ذريعة للتخلص من
ضغط الستمرار في العمل؛لذا فإن من شروط رفع كفاءة الداء
َ
أن نتعلم كيف نؤجل رغباتنا,ونصل ّب إراداتنا تجاه القواطع
والصوارف الكثيرة 0
مما يساعد على ذلك أن يحاول الواحد منا مكافأة نفسه على
العمال التي يقوم بها,وذلك كأن يعد نفسه بإعطائها شيئا ً تحبه بعد
كل ساعة أو ساعتين العمل المستمر 0
-كل ما نقوم به يتم في ظروف محددة,وحتى نحصل على النتائج
المكافئة للجهود التي نبذلها,فل بد من كون ظروف العمل ملئمة
ومناسبة للنتاجية الجيدة 0قد نضطر أن نقرأ في مكان,ل تتوفر فيه
الضاءة أو التهوية الكافية,وقد نضطر إلى أن نجلس على كرسي
ن كل هذا قدغير مريح,أو في مكان تعلو فيه الصوت 000إ َّ
يقع,ويجب تقبُّله على أنه شيء مؤقت,لكن ل يصح أن يصبح ذلك
شيئا ًً مستمرا ً ودائماً؛لن ذلك سيؤدي إلى عدم استمرار العمل,أو
إلى كثرة حدوث انقطاعات فيه؛ولذا فإنه لبد من وضع خطة
لتحسين ظروف العمل-أيا ً كان-وإل فإن المتوقع آنذاك أن يكون ما
نحصل عليه من ثمار جهودنا محدوداً؛هذا إذا استطعنا أل نعرف عن
العمل بالكلية 0
-للمهارات في أسلوب العمل واستخدام الوسائل وظيفة أساسية
في تحسين النتاجية 0
وقد أحرز العالم تقدما ً هائل ً في هذا الصعيد؛فالدول تنفق اليوم
أموال ً طائلة على التدريب بغية تحسين أساليب العمل,كما أن
تطورا ً غير مسبوق قد طرأ على الدوات والوسائل إلى درجة
أن(النسان اللي)صار يقوم بكثير من العمال التي كان يقوم بها
__89
النسان,وهو يؤديها على نحو أكثر دقة وسرعة 0وكان هذا يعني
اختصارا ً للجهد العضلي نتيجة الستثمار المثل للجهد الذهني
والفتوحات العلمية المستمرة 0
في العالم النامي الكثير من الجهد مع قليل من المهارة وقليل من
الوسائل الجيدة 0
والنتيجة إنتاجية متواضعة للفراد,تترجم إلى إنتاجية متواضعة
للشعب أو المة()1([0)1الناتج القومي-وهو مجموع ما ينتجه شعب
ما من سلع وخدمات خلل عام-لليهود في فلسطين المحتلة,يزيد
عن الناتج القومي لكل من مصر ولبنان والردن والسودان
مجتمعة!]
ولذا فإن علينا أن نتعلم دائما ً كيف ننجز أعمالنا بمهارة أكثر,وكيف
نوفر الوسائل التي
تساعدنا على ذلك 0
-استثمار الساعة الولى من اليوم مهم,حيث إن كثيرا ً من الناس
يضيعها في النوم-الذي ل حاجة إليه-أو في أحاديث اجتماعية مع
الزملء,أو في قراءة جريدة 000
وهكذا يبدأ الكثيرون يومهم بنوع من الترهل الشعوري تجاه
الوقت,وتجاه الواجبات الشخصية 0إذا جَّرب الواحد منا أن يكف عن
تضييع الساعة الولى من يومه,فسيجد أن إنتاجيته تحسنت أكثر
من()%20كما يخف عليه الشعور بضغط العمل طيلة ذلك
اليوم,فهل نجرب؟
-لكل منا أوقات يكون فيها نشيطاً,أوقات يكون فيها خاملً؛فإن
أمكن للمرء أن يتعرف على أوقات نشاطه وأوقات خموله,كان من
الفضل له أن ينجز العمال الشاقة في أوقات نشاطه,والعمال
السهلة الرتيبة في أوقات الخمول 0التفكير والتخطيط وقراءة
النصوص الفلسفية الراقية,أعمال شاقة,وينبغي أن نختار لها أوقات
الحيوية وفراغ البال 0
-إذا أردنا تحسين النتاجية والستفادة من المكانات المتاحة,فإن
علينا أل نسأم من
أن نلقي على أنفسنا ثلثة أسئلة:
ماهو العمل الذي بإمكاني أن أؤديه الن لكني ل أؤديه؟
هل بإمكاني أن أعمل ما هو أفضل,أو أولى من العمل الذي
أعمله الن؟
__90
مة طريقة أفضل,لنجاز عملي,من الطريقة التي أستخدمها هل ث َّ
الن؟
إننا بهذه السئلة نستثمر الكثير من أوقات الفراغ,كما أننا نكوَّن
حساسية جديدة نحو الولويات في حياتنا 0وأخيرا ً فإننا بذلك نحاول
الستفادة من الخبرات الجديدة في إدارة أعمالنا وتصريف شؤوننا
0وكل ذلك سيعود بالنفع على كفاءتنا الشخصية والنتاجية 0
-عندما يشعر المرء أن حيويته,بدأن تنخفض,فإن عليه أن يمنح
نفسه استراحة قصيرة لتجديدها 0وكثيرا ً ما يحدث هذا عند منتصف
النهار عندما ينخفض مستوى السكَّر في الدم 0إذا تركت العمل
مدة ربع ساعة ثم عدت إليه؛فإنك ستعود بهمة جديدة 0
ومن المهم أيضا ً أن يخصص المرء نفسه في كل يوم وقتا ً يقضيه
بعيدا ً عن العمل,حتى ل يسأم ول يمل 0ولبد بعد هذا وذاك من أن
يحصل النسان على إجازة دورية,ويترك العمل خلف ظهره
0وقديما ً لم يكن الناس يحرصون على الجازة؛لن العمال التي
كانوا يقومون بها متفرقة,وحجمها أقل,وهي تستدعي أيضا ً تركيزاً
وتنظيما ً أقل 0أما اليوم فكل شيء قد اختلف 0ولذا فل بد من
تزييت(الماكينة)إذا ما أردنا لها أن تستمر العمل 0
رابعـاً-مـواجهة المشـــــــكلت:
في تربيتنا ونظمنا وأوضاعنا العامة تشجيع على(الغموض)وتشجيع
َ
على الهروب نحو المام 0ونحن إلى جانب ذلك قل ّما نملك الشجاعة
على العتراف بأخطائنا 0وقليل منا أولئك الذين يقدمون على
تحمل المسؤولية عن تصرفاتهم 0وهذا كله يجعل المجتمع يظهر
بمظهر المعافى وهو يعاني من علل ومشكلت فتاكة 0
نحن ل ندعي العصمة,ول تدعي لنا,لكنا أن نظهر بمظهر
المعصوم!إن وجود مشكلت في حياة الناس,هو الصل,وهو ليس
علمة المرض,فالعيش السهل والحساس بأن كل شيء على ما
يرام,قد يكون هو المدخل لتحلل الشخصية,على حين أن وجود
مشكلت,ووجود بعض الظروف المعاكسة,يصلّب لدينا روح
المقاومة,ويستخرج أفضل ما لدينا من طاقات كامنة,كما يصقل
ُ
خبراتنا وينميها()1([0)1يرى بعض الباحثين أن تخل ّف(أفريقيا)يعود
إلى سهولة العيش في الماضي,حيث المناخ المعتدل والحار الذي
ل يتطلب السعي إلى الدفء,وحيث وفرة الصيد والثمار؛مما حال
دون شعور النسان الفريقي بالحاجة إلى تحسين ذاته واكتساب
مهارات ومعارف جديدة ]0
__91
وعلى مدار التاريخ لم يكن تقدُّم العالم من خلل الرخاء,وإنما من
خلل الزمات التي كانت تمنحه الفرصة لتجديد أبنيته,ومراجعة
حساباته وإبداع الحلول لمشكلته 0
إن العتراف بأننا نعاني من وجود مشكلت معينة عامل أمان ضد
تفجر المجتمع من الداخل,وضد النهيار السريع الذي يمكن أن
يحدث عند تجاهل ما يتراكم من أخطاء وخطايا 0
وهذه إضاءة لبعض النقاط التي تتعلق بهذه المسألة المهمة:
-العتراف بالمشكلة على ما هي عليه دون محاولة طمسها أو
تشويهها,هو الخطوة الولى على طريق العلج,صحيح أن العتراف
بالحقيقة مر في كثير من الحيان,لكن ل يمكن السير في طريق
الشفاء دونه 0مافائدة وجود أطباء ومستشفيات وأدوية 000إذا كان
الناس ل يشعرون أنهم مرضى أو بحاجة إلى علج؟0
إن كثيرا ً من المشكلت التي تواجهنا أشبه ب(السرطان)في
محوريّة مرحلة الكشف عنه في الشفاء منه؛فكلما كان الكتشاف
مبكرا ً كان المل في الشفاء أكبر؛ولذا فإن إهمال المشكلة لن
يحلها,وإنما يجعل حلها يتجه نحو السوأ,كما يحل(الموت)مشكلة
المراض المعضلة والمستعصية 0قد نحتاج إلى بعض الوقت حتى
نتقبل وجود المشكلة,ونفسح لها مكانا ً في مشاعرنا
واهتماماتنا؛وهذا طبيعي 0
كثير من الناس ينتابهم إحساس غامض بوجود مشكلة في حياتهم
دون أن يتمكنوا من تحديدها 0ويمكن القول:إن كل مشكلة يمكن
توصيفها على نحو جيد,هي مشكلة محلولة جزئياً 0وعلينا هنا أن
نكون على حذر من أن نفكر في تحديد مشكلتنا ونحن في حالة
الخوف أو الكتئاب,حيث إن ذلك يجعل المشكلة تبدو كبيرة
ومعقدة 0على حين أن النظر إليها ونحن في حالة ثقة وتفاؤل
وراحة من الضغوط,يجعلها تبدو أصغر,وسوف تصغر أكثر فأكثر
عندما تبدأ بمواجهتها 0
-مما يساعد على تحديد المشكلة أن يتحدث صاحبها إلى من يثق
به ويعرفه معرفة جيدة,فالصدقاء القريبون جدا ً يشكّلون انطباعات
واضحة عن أصدقائهم في العادة,و
تلك النطباعات ستلقي المزيد من الضوء على المشكلت التي
يعانون منها 0
أوقات الجازة والستراحة أوقات ملئمة للتفكير بالمشكلت,إذ من
شأنها أن تكون أكثر وضوحا ً حين نكون بعيدين عنها 0وإذا استطعت
__92
أن تبتعد عن مشكلتك لتعالجها على أنها مشكلة إنسان آخر,فإن
ذلك سوف يساعد على تحجيم دور(العاطفة)في المعالجة,وتناول
المشكلة بقدر أكبر من الحياد والموضوعية 0ومن المهم أن يثق
النسان في حدسه وبصيرته في فهم وأوضاعه,فهو على كل حال
يظل القدر على اللمام بها 0
-ل ينبغي للواحد منا أن يفكر في أكثر من مشكلة في آن واحد,لن
ذلك سوف يجعله يشعر بالوهن والهزيمة 0قد يجد المرء أمامه
ل واحدة عددا ً من المشكلت المترابطة,مما يخيل إليه استحالة ح ّ
ل أخرى مرتبطة بها 0وهذا صحيح في بعض منها دون ح ّ
الحيان,لكن ل بد من محاولة فك الرتباط بينها-قدر المستطاع-
وعزلها بعضها عن بعض حتى يجد النسان في نفسه الطاقة
الكافية للتعامل معها؛بل إن المطلوب قد يتجاوز ذلك إلى محاولة
تفتيت المشكلة سيمنحنا نوعا ً من القدرة على حلها,كما تفعل
الشركات حين تقسم طريقا ً طويلة إلى وصلت صغيرة 0
ويمكن القول:إن في العالم اليوم اتجاها ً إلى تجزئة كثير من
العمال الكبرى؛من خلل إعطاء المزيد من الستقللية لكل قسم
أو مركز أو فرع عن مؤسسته الم,وذلك من أجل رفع كفاءة
النتاج,ومن أجل تعامل أفضل مع مشكلته,لكن المر ليس
بالسهولة التي نتصورها,فالفصل والتجزئة ليسا من الشياء
الجذابة,ومع هذا فإن علينا أن نُصّر على النجاح في ذلك 0ونحن
ل لمشكلتنا يجب أن نكون على ح ًّنبحث عن َ
وعي بأمرين:
م لهم سوى الول:أن نُعرض عن المتشائمين والمثبطين الذين ل هَ َّ
بث اليأس ودللة الناس على الطرق المسدودة 0إن الله-جل وعل-
ما أنزل داء إل أنزل له دواء,وإن كل نظرية أو رؤية تفضي بالناس
إلى الحيرة والعطالة,ليست بنظرية,وليست برؤية سديدة؛لنها
مخالفة للمبدأ الثابت الذي ذكرناه 0
الثاني:إننا تحتاج إلى أن ننتبه إلى أن المرء قد يكون اختار مجالً
خاطئا ً لنشاطه,كأن يكون اختار العمل في مجال الزراعة أو
التجارة أو التدريس 000وهو ل يملك أي مقوّم من مقوّمات النجاح
في الحقل الذي اختاره,آنذاك فإن الصرار على المضي قُدُما ً إلى
ما لنهاية,ينافي الحكمة 0والفضل للمرء آنذاك أن يغير النشاط
كله,ويتخذ قرارا ً واحدا ً جريئا ً بدل أن يواجه في كل يوم مشكلة
جديدة 0
__93
-هناك أسلوب في التفكير اسمه أسلوب(القصف الذهني),وهو
يعني أن يسمح النسان لكل الخواطر والفكار التي تدور حول
المشكلة بالنسياب مهما كانت تبدو عقيمة أو بعيدة دون أن يبدي
أي نوع من التقييم لها أو بيان لسلبياتها,وحتى إذا شعر أنه قد
ً
استنزف كل ما لديه أمكن له أن يستعرضها,ليسبر أغوارها,حل ّ بعد
ل,وفكرة بعد فكرة 0وسيكون من المفيد الستعانة بصديق ح ًّ
للمساهمة في تقييم تلك الحول والفكار,والوقوف على إيجابيات
كل منها وسلبياته 0بعد ذلك يتم اختيار حل منها وتجربيه بدأب
ومثابرة,وبعد مدة يتم تقييم الحل من جديد 0وفي الغالب سيجد
المرء تحسنا ً كثيراً 0وإذا لم يجد النتائج المرضية,فبالمكان لضافة
حل جزئي آخر إلى الحل
الول أو تجريب حل آخر غيره 0
-من الخطاء الشائعة لدى الشعوب والفراد استسهال الحلول
التي يتعلق جزء منها بالخرين 0ومع أن ذلك صحيح إلى حد ًّ ما؛حيث
إن المشكلة التي تتعلق بأكثر من طرف ينبغي أن يسهم جميع
الطراف في حلها,وهذا منطقي,بالضافة إلى أنه يخفف من ضغط
المشكلة على المرء,حيث يشعر بإمكانية تلقي الدعم من
الخرين؛لكن الذي يحدث في كثير من الحيان أن ينسى كل واحد
من الطراف وظيفته,أو أنه يعلق القيام بواجبه على قيام الخرين
بواجباتهم 0وتكون النتيجة أن تبقى المشكلة من غير أي حل,وكأننا
لم نفعل أي شيء 0وانطلقا ً من هذا فإن علينا-إذا ما أردنا أن ننجز
شيئا ً ما-أن نُؤثِر الحلول التي ل تعتمد على مشاركة الخرين 0ول
شك أن الحل ان يكون آنذاك مثالياً,لكنه يظل أفضل من تعليق
المشكلة إلى أجل غير مسمى 0
لنجعل من المشكلت والزمات نقاط انطلق جديدة,ولنكشف من
خللها قدراتنا الكامنة,ولنجدد من خللها أساليب عيشنا ووسائل
إنتاجنا,وبذلك تصبح المحنة منحة,وننجح في البتلء 0
خامساً-الهتــــــمـــــــــــــــــــام بالمستقبل:
إن النظر إلى المور بعيون مستقبلية منهج إسلمي صميم,وإن
المسلم يضبط إيقاع حركته في الحياة كلها وفق متطلبات الفوز
َ
بالجنة الموعودة في الخرة 0وقد كان المأمول أن يتول ّد من هذا
المنهج نظر مستقبلي فريد لدى المسلم في كل أمور الحياة,لكن
يبدو أن انتفاع المرء بمبادئه ل يتأتّي بطريقة عفوية,وإنما يحتاج إلى
نوع
__94
من الفاعلية الذهنية والشعورية التي ل توفّرها إل درجة معيّنه من
التحضر 0
إذا ما أراد الواحد منا أن يبحث عن شيء محوري للمستقبل-على
صعيده الشخصي-فأتصور أن ذلك الشيء سيكون كيفية توفير
الشروط النفسية والمادية التي تساعده على أن يحيا الحياة
الكريمة التي تمكنه من القيام بأمر الله-تعالى,-والنجاح في
مجموعة البتلءات التي تواجهه في هذه الحياة 0وهذا في الحقيقة
مطلب كبير,ولن يتم إل من خلل خطة شخصية لكل واحد منا؛إذ
َ
بالنشطة المؤط ّرة في سياق خطة وأهداف واضحة,يمكن-
فحسب-النتقال مما نحن فيه إلى ما هو مرجو ومأمول 0
وهذه بعض الفكار التي تساعد على رسم خطة شخصية
ملئمة,نسوقها على سبيل النجاز:
أ-علينا أن نكون على وعي بأن مصيرنا الشخصي,ليس منفصل ً عن
مصير مجتمعنا,وليس من الصواب ول المروءة أيضا ً أن نبحث عن
طريق لخلصنا بمعزل عن أهلينا وإخواننا وأبناء مجتمعنا 0وكل ما
ينوي النسان تحقيقه-على أي صعيد كان-ل يمكن أن يتم في
فراغ,فالوسط السيَّئ,ل يساعد أبدا ً على إنجازات كبيرة؛ولذا فإن
أي خطة شخصية نحاول وضعها للمستقبل,يجب أن تأخذ بعين
العتبار التشكلت المستقبلية التي تتجه إليها البيئة التي نعيش فيها
0والعوامل المؤثرة في تشكيل البيئة الخارجية كثيرة جداً ,أهمها:
•الفكار والمفاهيم السائدة 0
•ما يسود فيها من أحوال وأوضاع مادية واقتصادية 0
•بؤر الصراع الظاهرة والكامنة فيها,ومحاور التنافي بين الناس
0
•القوى المتنفذة والمؤثرة في تكوين اتجاهات الناس والمعيشة
0
يمكن للمرء من خلل إدراكه لهذه العوامل أن يحدد مدى ملءمة
بيئته لفكاره وخططه ومدى الضغوط التي يمكن أن تمارسها عليه
0
ب-كما يجب أن نتبصر في البيئة الخارجية,علينا أن نجري نوعاً
من""التقييم""لمكاناتنا لن التخطيط ماهو في الحقيقة سوى
استثمار وبرمجة وتوجيه لما هو متاح بين يدي المخطط من
إمكانات مختلفة 0ول يخفي أن كثيرا ً من الخطط باء بالخفاق
الذريع نتيجة سوء التقدير لما يمكن أن يُعتمد عليه من عناصر
__95
بشرية ومادية في إنجاز الخطة 0وكثيرا ً ما يكون الدافع لذلك توهج
الرغبة في الوصول السريع إلى الهدف 0نحن بحاجة إلى الحماسة
في تنفيذ برامجنا وخططنا,كما ينبغي أن نحتفظ بدرجة من
التعاطف الصادق معها,لكن ذلك كله يجب أن يكون وقت التنفيذ
وبذل الجهد,وليس وقت وضع الخطة التي تحتاج إلى التعقل
والخبرة أكثر من أي شيء آخر 0
جـ-يحتاج كل هدف من أهدافنا إلى خطة منفصلة سواء كان الهدف
في المجال العقلي أو الروحي أو المادي أو الجتماعي ,000حيث
يتطلب التقدم في كل مجال من هذه المجالت برنامجا ً خاصاً
واضح المعالم 0ومن المؤسف أن قليلين منا الذين يفعلون ذلك؛مما
يؤدي إلى إهمال أشياء مهمة في حياتنا,وبالتالي إلى اختلل توازننا
الشخصي 0لبد ونحن نضع لكل هدف خطته من التأمل في شأن
القوى المؤثرة سلبا ً
في نجاح الخطة,والتفكير في كيفية تلفيها,على قدر الوسع
والمكان 0
د-الكل خطة بعدان أساسيان:بُعد ٌ نظري فلسفي يتم من خلله
ترتيب أولويات الخطة 0وبُعد ٌ تنفيذي عملي,يرتب تلك الولويات
يرما ً بعد يوم,ويوزع عليها المكانات والموارد المتوفرة 0
البُعد الول يبلوره الواحد منا باعتباره قائداً,ويبلور البُعد الثاني با
عبارة مديراً 0
وحتى ينجح الواحد منا في رسم البعد الول,فإن عليه أن يجد
الجواب الواضح لتساؤل جوهري,هو:ما لشيء الذي إذ أُنجز سيكون
له أعظم الثر في تحسين وضعيته العامة,أو بلوغ هدفه السامي؟
ضحنا أهم شيء في البعد الول من إذا وجدنا الجواب,نكون قد و ّ
الخطة,وبقي علينا أن نوفّر ما يحتاجه البعد الثاني من إرادة
وأساليب 0
َ
النجاح في تنفيذ ما هو أوْلى فعلً,يحتاج إلى أن نفّرق بين الشياء
المهمة والشياء الملحة 0وهناك أمور كثيرة تدل على أن إهمالنا
حة,و بالتالي فإننا ننفق عليها لشياء تافهة,يحولها إلى أشياء مل ّ
الكثير من أوقاتنا,ونترك الشياء المصيرية والمهمة 0
َّ
إن إهمال معالجة(سن)قد يؤدي إلى التهاب جذوره,وربما عطلنا
ذلك عن أعمالنا أياماً,مع أنه لو عولج في وقته ,قد ل يحتاج إلى
أكثر من ساعة 0
__96
إذا لم نمل أنبوبة(الغاز)عند فراغها,وفي أوقات الفراغ,فقد نضطر
س الحاجة فيه إلى كل دقيقة إلى ملئها في وقت حرج,نحن بأم ّ
هكذا 000لبد أن نقول(ل)لشياء كثيرة حتى نتمكن من تنفيذ المور
ذات الولوية في حياتنا,ولبد إلى جانب ذلك من أن
نعطيها أفضل ما لدينا من فكر وجهد ووقت ومال,وإل كانت فكرة
ن وضع خر 0إ َّالهتمام بالولويات شعارا ً مجرداً,ل يقدَّم ول يؤ َّ
الخطط ليس صعباً,لكن المهم هو التنفيذ من خلل تطويع النزعات
والرغبات الشخصية لرادة صلبة راشدة 0
سادساً-الســـــــــعادة والرضا:
الحساس بالرضا والشعور بالسعادة من القضايا المهمة التي
تستحق إلقاء بعض الضوء عليها,نظرا ً لهميتها في حياتنا
ح القول:إن أكثر النشطة التي يقوم بها الشخصية,حتى إنه ليص ّ
الناس-أينما كانوا-يستهدف الحصول عليها 0وسيكون من المهم أن
نبلور طبيعة كل منها بغية الوقوف على ما يغذي كل ًّ منهما,حتى
نصل إلى بعض المحكّمات التي نستفيد منها في ترشيد
سلوكاتنا,وأنشطتنا المختلفة 0
الشعور بالسعادة شعور باعتدال المزاج وبالنشراح والسرور
والبهجة,وهي جميعا ً مشاعر ذاتية انفعالية داخلية 0الشعور
بالسعادة مطلق وشخصي وضعيف الرتباط بالظروف المادية
الخارجية,فقد يشهر بالسعادة من يعيش في خيمة أو بيت من
طين,ول يملك الكثير من المال والمتاع 0كما قد يشعر بالتعاسة من
يملك الكثير الكثير 0
الشعور بالسعادة غير الشعور باللذة أو النشوة الذي يأخذ طابع
المؤقت والعابر,والذي قد يعقبه في بعض الحيان شعور بالكآبة,ول
سيما عندما يكون مصدر اللذة محرما ً في معتقد من يح ّ
س بها 0
الشعور بـ(الرضا) ل يلمس العماق,كما يلمسها الشعور
ب(السعادة)؛لن الشعور بالرضا يكاد يكون نوعا ً من التقدير
العقلي للذات؛كما أنه عبارة عن ترجمة لشعور المرء
بالكفاءة الجتماعية وشعوره بأنه(لئق)في نظر نفسه وفي نظر
الخرين 0
المصدر الساسي للشعور بالسعادة هو مدى ما يحققه المرء من
المطابقة بين معتقداته وسلوكاته,فالنسجام بين المعتقد والقول
والسلوك,هو أكبر مصدر لحساس المرء بالسعادة 0وقد ذكر بعض
ل وعل{-من المفسرين أن معنى(الحياة الطيبة)في قوله-ج َّ
__97
عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه
حياة طيبة}[النحل]97:هو السعادة 0
وتُثبت دراسات كثيرة أن(التدين)مصدر مهم للطمأنينة والشعور
بالهناء 0وكان أرسطو يقول:على المرء أن يكون فاضل ً حتى يكون
سعيداً 0
من مصادر السعادة كذلك تمحور أنشطة النسان حول غاية عليا أو
هدف تعاوني مشروع وقريب المنال,والذين يفتقدون ذلك يشعرون
بالعبثية والتفاهة 0
ضيق الفجوة بين النجازات والطموحات هو الخر مصدر للسعادة
والنشراح,كما أن العلقات السرية والجتماعية الجيدة مصدر مهم
من مصادر الهناء والمن,حيث يتلقى المرء ما يحتاجه من الدعم
الجتماعي 0
النسجام الداخلي والخلص من الصراعات الداخلية بسهم في
الحساس بالسعادة 0ول ننسى دور الستفاضة في أعمال الخير
على الصعيد الشخصي والجتماعي؛إذ تشكل أنشطة التعبد
المختلفة ومساعدة الخرين,والتخفف من درجة العناء النساني
للضعفاء مصدرا ً ل يُستهان به للشعور بالسعادة 0
أما المصدر الساسي للحساس بالرضا فهو المقارنة:مقارنة حالة
حاضرة مع حالة سابقة,
ومقارنة النسان لنفسه بالخرين في العلم والقوة والشكل والعمل
والدخل والكفاءة
الجتماعية 000ولذا فإن الشعور بالرضا,يظل دائما ً نسبياً,وهو أقرب
إلى أن يكون أحد المنتجات الجتماعية 0حين يقارن النسان بمن
هو دونه يشعر بالرضا,وحين يقارن نفسه بمن هو فوقه يشعر بنوع
من السخط على النفس؛ولذا ورد في بعض الحاديث التوجيه بأن
ينظر المرء في أمور الخرة(الفضائل)إلى من هو فوقه حتى يتخذ
منه قدوة,أما في أمور الدنيا فينظر إلى من هو دونه,حتى ل يزدري
نعم الله-تعالى-عليه 0
ما نشاهده اليوم من اندفاع نحو اللهو والسفر والسياحة وارتياد
المطاعم,والتمسك بالمظاهر والشكليات-على نحو لم يسبق له
مثيل-ما هو في تصوري سوى عبارة عن محاولت للتعويض عن
السعادة الحقيقية التي فقدها كثير من الناس نتيجة انخفاض
مستوى التزامهم,واتساع الهوّة بين ما يعتقدون وما يفعلون,كل
__98
شيء فيهم مشرق ومبتهج سوى القلب الذي تغشاه عتمة
النحراف والتقصير!0
سابعـاً -السـبق والتقاعـس:
يقولون:أساس كل العلوم وجود ظاهرتين مختلفتين,أو وجود
مستويين في ظاهرة واحدة؛مما يشجع الناس على إجراء
المقارنات والموازنات,ومما يوسع منطقة الوعي,ويدخل فيها صوراً
وأفكارا ً كانت بعيدة عنها 0ونريد هنا تسليط بعض الضواء على
بعض سمات(السبَّاقين)وبعض
سمات(المتقاعسين)أو(العاجزين)حتى نثري مشاعرنا ِ
وأخيلتنا ببعض المفاهيم التي تساعدنا على المزيد من البَلْوَرة
للسمات والمواقف المطلوبة,وكذلك السمات والموقف المعوَّقة
للنمو والسير في طريق الكتمال 0بعض المعاني مما سنذكره,قد
يكون سبقت الشارة إليه,لكن نريد هنا جمع هذه السمات,
وإبرازها من خلل المقارنة بينهما,وهذا موجز لهمها 0
-السباقون ل يرتبطون بمن حولهم,ول يقعون أسرى لمحيطهم
الطبيعي أو محيطهم الجتماعي,ول يتخذون من انحراف المجتمع
ذريعة للنحراف؛لنهم يعتقدون أن المسؤولية أمام الله-جل وعل-
فردية{:ول تزر وازرة وزر أخرى}
السباقون يعملون إلى جانب هذا أن معظم الناس حولهم,يعيشون
خارج التاريخ,وخارج حدود مسؤولياتهم الخاصة؛ولذا فإنهم ل
يركنون إليهم,وهن بعد هذا وذاك يحاولون إغناء النماذج البشرية
الراقية من خلل نموذجهم الخاص 0
ما المتقاعسون,فهم يحملون مشاعر طفولية:تُترجم دائما ً إلى أ ّ
العتماد على الخرين,ويعتقدون بصدق قول الشاعر:
غويت وإن ترشد غزية وهل أنا إل من غزية إن غوت
وأرشـد
مشكلتهم ليست بسبب قصورهم الشخصي,وإنما بسبب سوء
الحظ أو التآمر عليهم أو تدهور الزمان 0فهم غير مسؤولين عنها,ول
قادرين على معالجتها,وهم إلى جانب كل ذلك
يُخضعون(قينهم)لمشاعرهم وظروفهم ومصالحهم,فهم محرومون
من متانة الدين وصلبة الخلق 0
-المفردات اللغوية التي يكثر أحدنا من استخدامها تعبّر بوضوح عن
رؤيته العامة للحياة,كما نعبّر عن مدى رحابة آفاقه الفكرية
والنفسية 0وإذا تأملنا في حال السابقين والمتقاعسين,فإننا سنجد
__99
أن كل فريق منهما يستخدم ما يشبه النمط اللغوي الخاص به
0ولعلّنا من خلل الجدول التالي نستطيع تكوين إحساس واضح بكل
منهما:
لغة السباقين لغة المتقاعسين
دعونا ننظر إلى البدائل ل أستطيع فعل أي
يمكنني اختيار طريقة شيء
مختلفة هكذا أنا
أستطيع السيطرة على إنه يصيبني بالجنون
مشاعري لن يسمحوا بذلك
سأجد فرصة ولو صغيرة
أنا ملزم بفعل ذلك
سوف أختار الرد المناسب
أفــــــ َّ ي000يجب عل َّ
ضــــــــــل
سوف 000 لو أن 000
هذه فرصة هذه مخاطرة 000
هذا يمثل تحـدّياً هذا صعب للغاية
ساعدني على الفهـم فهَّمنــــــــي
أود ّ الحصول على مساعدتك أشــــعر بالعجز
لغة التقاعس هذه,تشكّل مع اليام نظاما ً فكريا ً ونفسيا ً لدى
صاحبها,وتصبح في النهاية عبارة عن أداة تنميط,تضغط على التفتح
الفكري والروحي له .
-السابقون يستغلون أوقاتهم على نحو حسن,وهم واضحون جداً
في مبادئهم وطموحاتهم و أهدافهم وقرارتهم 0وعلى الرغم من
قلة المكانات التي بين أيديهم,فإن ثمار جهودهم تبدو دائماً
وفيرة,هم ل يملكون الكثير من الشياء ,لكنهم يقومون بالكثير من
العمال,والجوهر لديهم دائما ً أهم من المظهر .نجاحتهم تأتي ثماراً
لجهودهم ,وما يستخدمون من إمكاناتهم 0
أما المتقاعسون فأحلمهم متواضعة,وطموحاتهم
محدودة,ونفوسهم مستكينة,وعقولهم خاملة,وحركتهم بطيئة,وحين
يتحركون فإنهم يدورون في حلقة مفرغة,وهم يحتملون اللم إلى
ما ل نهاية 0
المتقاعسون يجلسون أمام(التلفاز)ساعات طويلة,حيث ل برامج
ول أهداف تستحق العمل 0وهم يشترون الفرش الوثيرة,ويجلسون
عليها أطول مدة ممكنة ,والستلقاء أحب إليهم من الجلوس 0
__100
المتقاعسون يعانون من البطالة على الرغم من توفر فرص العمل
0وحين يتجه الناس إلى أعمالهم في الصباح يتجهون هم إلى
النوم؛لنهم لم يناموا في الليل ,أو يتجهون إلى أماكن عملهم,حيث
البطالة المقنّعة 0
المتقاعسون ل يعتمدون على كفاءتهم الشخصية,وإنما ينجزون
أعمالهم عن طريق الرشوة أو الواسطة,وعندما تحيط بهم
مشكلة,يؤثرون الدوران حولها عوضا ً عن مواجهتها؛ولذلك
فالتسوف,وتأجيل أعمال اليوم إلى الغد من أبرز سماتهم 0ل يملك
المتقاعسون روح الستمرار على العمل,ويبحثون دائما ً عن(خبطة
العمر):فرصة واحدة تكفي 0هم أسرى اللحظة الحاضرة 0ومن
شأنهم دائما ً الحصول على القليل من الكثير .يعيش المتقاعسون
دائما ً في منطقة رمادية ,يحدّها من الشمال(الل سلم)و(الل
حرب),ومن الجنوب(الل قرار),ومن الشرق البكاء على الطلل,
ومن الغرب الرؤية الضبابية .
إن السبَّاق والمتقاعس,قد يعيشان في أسرة واحدة,وقد يحملن
شهادتين متماثلتين,
ويقومان بأعمال متشابهة,لكن كل ذلك عبارة عن تشابه شكلي,
لنهما ينتميان إلى عالَمين متناقضين,ل يجمع بينهما سوى عبقرية
المكان 0
ثامـــــــــناً-لـكل شيء ثـــــــمن:
زماننا زمان التواصل الكوني الفريد,وهو عصر الزدحام,حيث كل
شيء يحتشد,في ظل التواصل والزدحام أمكن سد فراغات كثيرة
0وقام نتيجة لذلك توازن دقيق بين كل الشياء 0قد انتهى
عصر(المجانية)أو كاد؛حيث لبد أن تقبض ثمن كل ما تتخلي
عنه,ولبد أن تدفع ثمنا ً لكل ما تأخذه 0التوازن القائم الن ,يتطلب
التعامل معه رؤية شاملة وبصيرة نافذة,كي نفّرق بين الشياء
العزيزة والشياء التافهة,فنعرف ماذا ندع ,و ماذا نأخذ 0حين يريد
الواحد منا أن يحقق مصالحة كاملة,فإن عليه أن يكون مستعداً
للتخلّي عن بعض مبادئه وقِيَمة .
وحين يأكل النسان ما لذ ّ وطاب دون أي حساب,فإن عليه أن يهيئ
نفسه لستقبال أمراض السمنة المختلفة 0
إذا جعل الواحد منا إيثار الشياء العاجلة ديدنا ً له,فعليه أن يعلم أن
ن تركم ْ
العاقبة لكل أموره ستكون مفجعة 0وفي المقابل فإن َ
__101
بعض المغانم تديُّنا ً وخوفا ً من الله-تعالى-فإنه سيجد شيئا ً من حلوة
اليمان في قلبه,وستغمره مشاعر النصر والتأنق 0
الذين يتابعون السفار مدمنين جمع الثروات وتكديس
الموال,يدفعون ثمنا ً باهظا ً قد ل يقتصر على البعد عن
أهليهم,وإهمال تربية أولدهم,وضمور علقاتهم الجتماعية 00
ح والندرة والتزاحم,يحتاج إلى أن إن التوازن الجيد في زمان الش ّ
نمتلك حاسة
جديدة تمكننا من الموازنة الدقيقة بين ما نكسب وما نخسر 0وعدم
امتلكها قد يجعلنا نخسر الكثير في سبيل أرباح وهمية 0ومن
المؤسف حقا ً أن قدرة وعينا على متابعة الموازنات المستحدثة-
محددة,كما أن خبراتنا بمآلت الشياء ,وعواقب التصرفات ضئيلة
أيضاً؛ولذا فإن قلّة من الناس أولئك الذين يملكون المهارة الكافية
للنجاح في هذه المسألة الحيوية 0
ل يجوز لي توازن أو حساب للربح والخسارة أن بعض الطرف عن
أن الخرة امتداد للدنيا 0ولذا فإن المرء قد يخسر هنا ليربح
هناك,وقد يربح هنا ليخسر هناك 0هذه الرؤية تجعل كل المكاسب
ل وعل{-فمن الدنيوية صغيرة ومؤقتة؛ولنتذكر قول الله-ج َّ
زحزح عن النار وأدخل الجـنة فقد فاز وما الحياة
الدنيا إل متاع الغرور}[آل عمران]185:
تاسعـاً-الـــــــــــــــدقة:
يمكن لنا أن نصف عصرنا بأنه عصر الشياء الدقيقة 0وجود آلة
ضخمة تحتوي على ألوف القطع الصغيرة جدا ً والتي تعمل في
إطار نظام واحد-دليل واضح على أن صانعي تلك اللة,قد بلغوا
درجة عالية جدا ً من الدقة في التصورات والمقاييس
والدوات,واستخدام خواص المواد 000وهذا يعني أنه صار لدى
النسان شبكة معقدة من النظم الدقيقة التي أتاحت إنتاج ذلك
م الهائل من الشياء الدقيقة 0 الك ّ
عصرنا إلى جانب ذلك هو عصر السرعة أيضاً,وبين الدقة والسرعة
علقة جدلية:
فكلما كنت سريعا ً وجب عليك أن تكون دقيقا ً أكثر,وكلما كنت
ن سائق السيارة بحاجة إلى دقيقا ً أمكنك أن تكون أكثر سرعة 0إ ّ
ملحظة الشياء في طريقة بتفحص أشد ودقة أكثر ,والنظر إلى
مسافات أبعد كلما زادت سرعته,وإل فإنه يؤهّل نفسه للوقوع في
__102
حادث مروَّع 0ويمكن تعميم هذا الحكم على جميع مسارات سيرنا
في هذه الحياة 0النسان بسبب تقدمه الحضاري,صار مضطرا ً إلى
أن يتناغم مع بيئة الدقيقة ,ويرفع من مستوى تعامله,ليصبح هو
الخر دقيقا ً .الواحد منا مطالَب بأن يكون دقيقا ً في فهمه,ودقيقاً
في كلمه أيضاً؛حيث إن النظم الفهم لدى الناس قد
تعقدت,وخلفياتهم الثقافية وخبراتهم قد تحسنت كثيراً؛مما يجعل
إلقاء الكلم على عواهنه بالغ الضرر على المتكلم والسامع
إذا شرحت فكرتك عشرين مرة,وفهمها الناس عنك تماما ً كما
تريد,فأنت محظوظ وبارع,بل يمكن القول:إنه ل سبيل لديهم إلى
أن يفهموا مرادك فهما ً شامل ً بكل ظلله وتلويناته وإيحاءاته
وأبعاد!الرسالة المعقدة تتطلب فهما ً معقداً ,وإل نسيء فهمها,أو
نفهم قشورها أو بعضا ً منه,وهذا يتطلب أيضا ً مزيدا ً من الدقة
والمتابعة الجيدة والمناقشة والستفسار,وقبل كل ذلك وبعده
التعمق في التخصص كلما كان ذلك ممكناً 0بسبب الفائض الضخم
من المعاني والمفاهيم والنظم والشياء تصبح(اللغة)ناقلً
قاصراً,حيث ل تستطيع أن تنمو نموا ً مكافئا ً لما عليها أن تعبّر عنه
0وتعويض ذلك يجب أن يأتي من الشخاص عن طريق المزيد من
التوضيح في الستخدام,والمزيد من الدقة في التلّقي والفهم.
عصر الدقة يفرض على كل واحد منّا أن يكون دقيقا ً في سلوكه
الشخصي:في مواعيده,وتربية أولده وتعاملته المالية وفي عقوده
0دقيقا ً في تعامله مع جسده وصحته ومع المؤثرات العامة التي يتعرض
لها 0إهمال الدقة في ذلك وفي غيره سيكون عن بوابة لشرور
ومشكلت ل حد ّ لها .
القرآن الكريم-والبنية التشريعية العامة-وضع السس الفكرية
والعقدية والشعورية التي تجعل المؤمنين به دقيقين في كل
شؤونهم 0إن(الشهادتين)تنقلن النسان نقل ً كامل ً من دين إلى
دين,كما أن كلمة واحدة ستكون كافية لخراجه من دائرة السلم
إلى دائرة الكـــــــفر .
وقد ورد في الحديث الصحيح(:إن العبد يتكلم بالكلمة من رضوان
الله-تعالى-ل يلقي لها بالً,يرفعه الله بها درجات 0وإن العبد ليتكلم
بالكلمة من سخط الله-تعالى-ل يلقي لها بالً,يهوي بها في جهنم)
0الصلة والحج والصيام,كل ذلك محدد بمواقيت دقيقة؛فصلة
الظهر-مثلً-إذا أُديت قبل وقتها بعشر دقائق لم تبرأ ذمة
صاحبها,وكان عليه أن يعيدها بعد دخول الوقت,ولو أن إنسانا ً صام
__103
عشرين ساعة,ثم أفطر قبل غروب الشمس بعشر دقائق,لم يصح
صومه 0
إن أطول آية في كتاب الله-تعالى-هي آية(المداينه)تلك الني تعلمنا
ضبط ضرورة من ضرورات الحياة(الدَّين)وهي تعلمنا(الدقة)حيث
يقول سبحانه{:ول تسئموا أن تكتبوه صغيرا ً أو كبيرا ً إلى
أجله}[البقرة.]282:
فل ينبغي للمسلم أن يسأم من كتابة الدَّين سواء أكان صغيرا ً أم
كبيرا ً إلى وقت حلول وفائه,وذلك للتقليل من العتماد على
الذاكرة,ولقطع الطريق على جحود الجاحدين 0ومرة أخرى يحثّنا
القرآن الكريم على الدقة,ويوجهنا إلى الشهاد على اليتامى حين
نرد إليهم أموالهم {:فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا
عليهم}[النساء0]6:
إن المسلم ليس مطالبا ً بأن يكون دقيقا ً في إدراك تفاعلت
محيطه وعصره فحسب,بل إن عليه أن ينظر إلى تفاعلت
المستقبلية التي قد تُحدثها أقواله وأعماله ومبادآته ومواقفه؛وقد
قال بعض المفسرين:إن المراد من(آثارهم)في قوله-سبحانه{-إنا
نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا و ءاثارهم}[يس:
:]12كل ما يبقى بعد الناس من خير أو شر؛كعلم علموه أو كتاب
صنفوه,أو مسجد بنوه,أو شيء أحدثوه فيه ضرر على المسلمين,أو
صد عن سبيل الله 000وهذا المفهوم واضح في قوله-عليه الصلة
ن في السلم سنّة حسنة,فله أجرها,وأجر من والسلم""-:من س َّ
عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء,ومن س َّ
ن
في السلم سنّة سيئة كان عليه وزرها,ووزر من عمل بها من بعده
من غير أن ينقص من أوزارهم شيء""0
ستظل دقة المرء في شؤونه عنوانا ً واضحا ً على استيعابه للمنهج
الرباني القوم ,وعلى ارتقائه الحضاري وفهمه لطبيعة عصره
وتحدياته 0
عاشـراً-مطــــــــــالب متناقضــــــــة:
في زحمة التطلعات المتطاولة للناس,وزحمة الظروف
ح والندرة-زادت وتيرة المطالب القاسية,واتجاه الشياء إلى الش ّ
المتناقضة للناس,فهم يريدون الحصول على المزيد من أشكال
المرفهات والمتع,والمزيد من التعليم والتدريب دون أن يفكروا
فيمن سيدفع الثمن,وكيف سيتم توفير ذلك؟!0
__104
كثير من الناس يهاجم نظام الطوابق والشقق في البنية
الحديثة,ويقول:إن مدننا الحديثة فقدت الروح ومعاني الحياة حين
تحولت إلى غابات من السمنت والحديد,وهم في الوقت نفسه
يطالبون بخدمات أفضل في الماء والكهرباء والصرف الصحي
والتصالت والنظافة 000وهم غير مستعدين لتفهّم أن التخلّي عن
نظام بناء الطوابق,سيؤدي-إلى جانب استهلك مساحات واسعة
من الرض-إلى جعل تكلفة الخدمات وصيانتها أعلى بكثير مما هي
عليه الن .وهم غير مستعدين لدفع رسوم أو ضرائب لذلك 0
بعض الناس يهاجم كل ما هو صناعي,ويتندرون على الحليب
المجفف والغذية المعلّبة والبيوت (البلستيكية)التي تُزرع فيها
الخضروات ...وكل مهم ل يخلو من شيء من الصواب,إل أنهم
يتجاهلون أنه في ظل الزيادة السكانية المتنامية ,وفي ظل
التنظيمات الجديدة للمجتمع,لم يعد بالمكان تلبية حاجات الناس
عن طريق المنتجات الطازجة أو الطبيعية,كما كان المر في
الماضي ,وهكـذا ..
ل أريد أن أستطرد في ذكر المثلة على عدم منطقية الناس في
مطالبهم وسعيهم إلى الحصول على كل شيء,وعلى أحسن ما
يكون؛ولكن أريد أن أقول:إن البشرية تدخل في كل يوم في أنفاق
ودهاليز ضيقة جديدة,وهي في كثير من الحيان غير قادرة على
التراجع نحو الوراء,إما لن الظروف والنظم الجديدة,ل تسمح
بذلك,وإما لنها ل تملك من الرؤية والوعي والدارة ما يمكّنها من
ذلك 0
الشعوب بحاجة إلى أن تحاول رؤية الشياء من منظار
الحكومات,كما أن الحكومات بحاجة إلى أن ترى الشياء من منظار
الشعوب 0وبالمثل فإن على المنتجين والمستهلكين والمؤجرين
والمستأجرين ...أن يفعلوا مثل ذلك 0ومن مجموع الرؤى المختلفة
تنبثق رؤية تنموية وإصلحية مشتركة,تحقق للجميع أعلى قدر
ممكن من المنافع,مع أقل قدر ممكن من التكاليف والخسائر .
إن اعتقاد المسلم أن هذه الدنيا ليست دار حصاد,ول دار راحة
واستقرار,وإنما دار عبور وعطاء وابتلء-سيمنحه رؤية جديدة
للشياء وصبراً,ل ينفد على مواجهة الصعاب,وهذا وحده يمثّل جزءاً
من الحلول المطلوبة 0والله مولنا 0
__105
الفصل الول
__106
النفسية والتربوية وأبحاث الكيمياء والفيزياء والرياضيات-أن ما تم
استخدامه من إمكانات العقل الهائلة ل يزيد على()%1
من إمكاناته الحقيقة 0كمبيوتر(كراي)حاسب عملق,يزن سبعة
أطنان,فإذا عمل بطاقة 400مليون معادلة في الثانية مدة مئة
عام,فإنه لن ينجز سوى ما يمكن للدماغ البشري أن ينجزه في
دقيقة واحدة! مع أن وزن الدماغ البشري هو نحو من كيلو ونصف
ليس أكثر؛{فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون0]14:
في العالم اليوم توجه شامل وراسخ إلى اختصار العمال
البدنية,وتقليل المواد المستخدمة في النتاج,إلى جانب تقليل
الحركة والتخفيف من أعمال المكاتب لصالح العمل في
المنازل,كما أن هناك محاولت جادّة وحثيثة في مجالت الكشف
عن المواد الجديدة وعن مصادر للطاقة المتجددة 000وكل ذلك
يدفع-على نحو متسارع-بحركة الهتمامات البحثية صوب الستثمار
في العمال الذهنية والمعرفية,كما أنه يتم التخلي شيئا ً فشيئا ً عن
الهتمام بالعمال البدنية,وما تستلزمه من المهن والحرف المتدنية
ن ما سيكون مطلوبا ً من الجيال القادمة هو 0ويمكن القول:إ ّ
المزيد من الستخدام الكفء للقوي الذهنية,حيث التعقيد المتناهي
في جميع نظم الحياة 0
وقد باتت الشركات الكثر ذكاء تدرك أن كل ً من النتاجية والربحية
يمكن أن يرتفعا ارتفاعا ً هائل ً بقدر ما يجري من تخفيض
العمل(اللذهني)إلى الحد الدنى,وهذا كله
يستلزم منا اهتماما جديدا ً بأحوالنا العقلية والذهنية 0
ن لـ(العقل)شكل ً ومضموناً,فشكله تلك القدرات يمكن القول:إ ّ
والمكانات التي زوَّد الله-تعالى-بها دماغنا,مثل قدرته على خزن
المعلومات واسترجاعها,ومثل قدرته على التخيل والتحليل
ل علىم الرأس دلي ٌ عظ َ َ
والتركيب 000وقد كان يظن قديما ً أن ِ
شرف النسان ونباهته وذكائه,والمقولت الشعبية تعكس ذلك
0وبعد تقدم المعرفة بالدماغ ساد العتقاد بأن عدد الخليا
الدماغية,يقرر مستوى الذكاء عند النسان,لكن سرعان ما تم
التخلي عن هذا العتقاد بعد أن اكتشف أن هناك العديد من الناس
الذين لديهم أدمغة كبيرة وذكاء قليل,كما أن هناك العديد منهم
الذين لهم أدمغة صغيرة وذكاء ملحوظ 0وقد كان
العالم(أنوخين)من أوائل الذين أدركوا حقيقة أن ما يقرر درجة
__107
الذكاء ليس عدد الخليا الدماغية بل علقة النتواءت الصغيرة
سات خليا الدماغ 0 لمج َّ
ووجد أن كل نتوء يرتبط على القل بنتوء آخر بفعل
الندفاعات(الكهروكيماوية)0
وتشكل هاتان الخليتان أشكال ً صغيرة مع خليا فردية أو مجموعات
خليا أخرى 0في أثناء تقدمه في هذا المجال أدرك(أنوخين)أن كل
دماغ هو(تحالق)([)1التحالق:الربط بين شيئين أو أكثر بحلقة أو
عدة حلقات]
خاذ لشكال كوَّنتها آلف النتواءت على الذرع العديدة لمليين أ ّ
الخليا الدماغية 0وقدرات الدماغ المختلفة قابلة للتنمية وللشحذ
لتعمل على أحسن وجه ممكن 0
أما مضمون العقل فمنه ما يعود إلى مجموعة المبادئ الفطرية
العالمية التي تستخدم في استيعاب الشياء وإدراك العلقات
بينهما,مثل إدراك عدم إمكانية اجتماع الضدين,
وإدراك أن الكل أكبر من الجزء,واستحالة القيام بعمل خارج
الزمان والمكان 000
والتمايز بين المم والفراد في استخدام تلك المبادئ شبه معدود
0
ومنه ما يعود إلى شيء مكتسب مرتبط ب(الثقافة) السائدة ,وهذا
في الحقيقة يتشكّل من مجموعات المفاهيم الراسخة والمترابطة
التي يحاول المجتمع من خللها وبها استيعاب الواقع الموضوعي
وتنظيمه وتكيفه مع حاجاته 000وهذا النوع من المضمون مط ٌّ
ل
بالضرورة على مبادئ التفكير الفطرية ومرتبط بها 0
القرآن الكريم يركز على هذا المضمون الفكري المكتسب باعتباره
شيئا ً قابل ً للتصحيح والتنمية,كما أنه قابل للكثير من الضلل
والنحراف,وما ذلك إل لنه يعكس الشروط الجتماعية والتاريخية
للثقافة التي تغذيه,وتمده بالمفاهيم المكونة لوجوده,والتي تحرك
الوعي وتوجهه في نهاية المر 0
والقرآن الكريم في سبيل ذلك ل يستخدم لفظ العقل أو الفقه أو
الفكر,وإنّما يستخدم صيغة
الفعل(يعقلون)(,يفقهون)(,يتفكرون)ليشير إلى المحصول النهائي
الذي يشكل العقل ومضامينه,والذي يتجلى في سلوك المرء,ويحدد
مواقفه,كما ينظم ردود أفعاله 0وكأنه بهذا النهج يشير إلى العمل
على ذلك المحصول باعتباره الثمرة الشاملة لكل جوانب
__108
العقل,وباعتباره المحك النهائي في(تقييم)ما نحرزه من تقدم في
هذه السبيل 0وذلك المحصول يسميه القرآن الكريم-على نحوٍ عام-
(الحكمة)التي هي ناتج مركب ثلثي,هو:الذكاء والمعرفة والرادة 0
العقلنــــــــــــــــــــية:
العقل من خلل شكله ومضمونه ينتج شيئا ً نسميه(العقلنية)وبما أن
الثقافة تختلف بين أمة وأخرى في كثير من قيمها ومبادئها
واهتمامها-فإن المتوقع من(العقلنية)أن تتسم بطابع النسبية بسبب
الدور البالغ للثقافة في تكوينها؛ولذا فليس ثمة عقلنية تستحوذ
على الحياد والطلق 0ومن الملحوظ في التعبير القرآني استخدم
كلمة(الحكمة) بعد كلمة(الكتاب)حيثما اجتمعا في الية
الواحدة,وهذا يشير إلى ما ذكرناه هنا,فل بد للحكمة وللعقلنية من
أن تؤطرا بإطار الكتاب(الوحي)حتى يكتسبا المرجعية العليا
والمصداقية الحاسمة,ويمثل أرضية مشتركة في تعايش الفراد
والمم,وفي صياغة الخطوط العريضة لفهم الحياة والحياء 0
ن بُنانا الفكرية ليست مسوَّرة بأسوار,تصد عنها رياح التغيير إ ّ
العاتية,فهي-باعتبار ما-انعكاس لما يجد ّ من نظريات وآراء علمية
مبثوثة في جميع مجالت الحياة,كما أن توازنها يمكن أن يتعرض
للختلل بسبب مطالب الحياة الجديدة,والصعوبات البالغة التي
تكتنف الحصول على مستوى مقبول من العيش الكريم 0
ن من واجبنا دائما ً أن نمتلك أعلى درجة من اليقظة والحذر حتى إ ّ
نحمي مضمون عقولنا من البرمجات الثقافية والبيئية الزائفة التي
تحول دون استيعاب الواقع على الوجه الصحيح,والتي تشوش
تنظيمنا لردود أفعالنا 0والهمية المتزايدة التي يكتسبها الجانب
العقلي من ذواتنا تجعل آثار الخطاء الصغيرة كبيرة ,وعواقب فقد
التوازن مدمرة 0إن كثيرا ً من تطورنا العقلي يأتي من خلل(التعليم
الرسمي)لكن ما أن يترك
كثيرون منا مقاعد المدرسة أو الجامعة حتى يتركوا عقولهم
للتجمد,فل يقومون بأية قراءة جادة,ول يستكشفون موضوعات
جديدة بعمق حقيقي خارج دائرة عملهم اليومي,ول يفكرون
بطريقة تحليلية,ول يكتبون-على القل-بطريقة يختبرون بها قدرتهم
على التعبير عن أنفسهم بلغة منفتحة وواضحة
ومختصرة,ويستسلمون عوضا ً عن ذلك لقضاء الوقت في الجلوس
لرؤية التلفاز!0
__109
وفي النهاية فإن أفكارنا حول التجديد والتغيير والنمو ستظل عديمة
الفائدة,ما لم نمتلك الرادة الصلبة التي تكتشف المكانات,وتصنعها
0
__110
الفصل الثاني
__111
•شروط للتجــــــديد:
ليس التجديد في أي جانب من جوانب الحياة شعارا ً يرفع,ول هو
نبالمر اليسير,وإل لتحسنت أشياء كثيرة وفق ما نشتهي 000إ ّ
التجديد يتضمن دائما ً نوعا ً من التخلي
عن بعض المألوفات والمحبوبات,كما يتطلب تكاليف جديدة وضبطاً
أكثر للذات,وكل ذلك من المور الشاقة على النفس؛ولذا فل بد
من توفر عدد من الشروط لذلك,منها:
ن عدم التفريق بين الثوابت أ\أن نعرف(ثوابتنا) على نحو جيد؛إذ أ ّ
والمتغيرات من أكبر العوائق التي تصد الناس عن التجديد,وتخيفهم
ن التخفف من الصول والمسارات منه 0وقد يظن بعض الناس أ ّ
المرسومة,يجعل حركة التغيير أكثر تدفقاً 0وهذا غير صحيح؛لن
التغيير المستمر المطلق كبير التكلفة,عظيم المؤنة,ومفتاح
معايشته وتحمل تبعاته هو أن يكون في داخل
ن الجوهر الثابت ل يؤدي المرء(جوهر)يستعصي على التغيير,حيث إ ّ
وظائفه من خلل تطوره وإنما من خلل جموده,وآنذاك فإن كل
خر في خدمته وتدعيمه 0 المتغيرات تُس َّ
هذا الجوهر يتجلّى في الغاية الكبرى للوجود النساني,وفي المبادئ
والقيم العليا التي يؤمن بها النسان,إلى جانب معرفته اليقينية
بذاته وإمكاناته وتوجهاته العامة 0
ب\امتلك ما يكفي من الخيال والوعي للحساس بالنهاية التي نرنو
إلى الصيرورة إليها
من شأن الخيال أن يمكننا من تصور عالم من المتدادات
والمكانات,لم تخلق بعد 0ومن شأن الوعي أن يمكننا من التصال
بالقوانين والمبادئ العامة التي تساعدنا على ارتياد تلك العوالم من
خلل مواهبنا الفردية والسبل المتاحة 0إن حجم أنشطتنا اليومية
واتجاهها وتمحورها يشير بوضوح إلى النهاية التي سننتهي إليها
على كل الصعدة 0بإمكان الواحد منا أن يستحضر تلك
النهاية,ويتخذ من إيحاءاتها حافزا ً على التغيير وبذل الجهد 0
من السهل على الواحد منا أن ينغمس في أنشطة تافهة,ويضيّع
الكثير من أيام العمر في طلب أمور ل تتلءم أبدا ً مع الوضعية التي
يتمنى أن يلقي ربه-جل وعل-عليها 0
حتى تتخلق الشياء في الواقع فإنه ينبغي أن تتخلق في الذهن
أولً,وتستقر في(اللشعور)وتختلط بمبادئ المرء وأحاسيسه,وآنذاك
يمكن للحياة أن تتنمط في الذهن وفق مقتضياتها,وآنذاك أيضاً
__112
يمكن المرء أن يتأكد على وجه الدقة من كون جهوده و
مناشطه,تقع في محلها الصحيح 0
ج\لبد للمرء حتى يتجدد من أن يوقن أن في إمكاناته أن تغيّر
عاداته الفكرية وسلوكاته 0بعض الناس يخشى من التغيير,وبعضهم
يشعر بنوع من الشلل وانعدام الحلية,
ويظن أنه ليس في المكان أبدع مما كان,فيستسلم لحواله
سن كل شيء في حياته,ويخرج من عصره,وتتضاءل الحاضرة,فيتأ َّ
فاعليته 0
ن التجديد مشروط بالقدرة على مجاهدة الهواء والوهام والكسل إ ّ
والخلد إلى المألوفات واليأس من إمكانات التقدم 0وإذا نظرنا في
سير المصلحين العظام وجدنا أنهم دائما ً يتخذون من الشياء
اليجابية الصغيرة رأس جسر للتغيير والتحسن,وما كان للواحد
منهم أن يفعل ما فعله لول إيمان راسخ بوجود إمكانات النتقال
نحو الفضل,ولول تمعنهم بالقدرة على العمل اليومي الشاق 0
•استـــــخدام العـــــــلج الدراكي:
من أهم النجازات الحديثة في علم النفس التطبيقي ما يسمى
ب(العلج الدراكي) وهو يقوم على ثلثة مبادئ أساسية:وهي:
أ-الحداث السارة والحداث السيئة عندما تتوالى على المرء,تولد
لديه انطباعا ً عن نفسه يتناسب معها,فالنجاح المتوالي يوجد حالة
نفسية,تظلل جميع حياة الفرد,وتجعله
يعتقد أنه ناجح فعلً 0ويستدعي ذلك إنتاج عدد من الصور الدراكية
التي تدعم ذلك,وتدلل عليه 0ويحدث العكس من ذلك عندما تتوالى
أحداث الخفاق على افنسان 0في كلتا الحالتين تبدو الصورة التي
نكوّنها عن أنفسنا وكأنها الصورة الوحيدة الدقيقة والصحيحة 0ولكن
المر ليس كذلك,فحين يزور خمسة من الناس مكاناً,
ل يعرفونه من قبل,فإن من الممكن أن تكون لهم حياله وجهات
نظر متعددة,وبعض تلك الصور,سيكون أكثر مطابقة للحقيقة من
بعضها الخر 0
نجاح المرء عمله,قد يكون على حساب مبدأ يؤمن به,أو على
حساب علقته بأسرته,أو على حساب صحته العامة 000والنسان
الذي أخفق في مشروع مهم من مشروعاته قد يكون أبا ً جيدا ً أو
ن نؤمن أن هناك دائماً كاتبا ً ذائع الصيت 000المراد من كل هذا أ ّ
أكثر من طريقة للنظر إلى الشياء,حيث إن هناك دائما ً منظورات
مختلفة 0كثيرا ً ما يشعر الواحد منا أنه ليس أمامه سوى رؤية
__113
واحدة أو خيار واحد؛وهذا في الحقيقة مجرد وَهْم؛حيث إن الفكار
والقناعات التي نسجناها حول قضية ما,هي التي أوحت إلينا
بذلك,وكثيرا ً ما يكون ذلك خاطئاً؛لذا كان من الحيوي أن يسأل
الواحد نفسه دائماً:
كيف أستطيع أن أفكر في هذا المر بطريقة أخرى؟وكيف يستطيع
غيري أن ينظر إليه؟وما وجهات النظر الخرى حياله؟0
ن الجابة عن هذه السئلة,تشكل تمرينا ً عقليا ً علينا أن نجَّربه من إ ّ
وقت إلى آخر 0
ب\إذا كان صحيحا ً أن هناك أكثر من طريقة واحدة للنظر إلى
المور؛فإن الصعوبة إذن تمثل في أن يجد المرء وجهات نظر أخرى
للختبار بيتها 0
في أعماقنا ميل إلى النحياز لمشاعرنا وطرق تفكيرنا,وهذا الميل
هو الذي يزهَّدنا في
البحث عن الطرق المغايرة 0نحن بحاجة إلى أن نطور في أنفسنا
عادة البحث عن المنظورات الكثر رحابة؛فذاك هو الذي يتمشى
مع الحقيقة القائلة:عندما تنشأ مصاعب وأزمات جديدة,فإنها تتيح
مل معي في قول الله -جل لنا المزيد من الفرص والختيارات 0وتأ َّ
ن مع العسر يسرا}[الشرح]6-5: وعل{:-فإن مع العسر يسرا إ َّ
ج\قلما يدرك الناس حلقات التصال بين المشاعر
والفكار,وانعكاس كل منها على الخر 0ويتوهم كثيرون منا أنهم
قادرون على عزل أفكارهم عن مشاعرهم,وأن بإمكانهم أن يحملوا
مشاعر تعاطفية نحو أمر ما رغم أنهم يحملون أفكارا ً سيئة عنه
0والحقيقة أن أفكارنا ومشاعرنا,تتناوب التأثير والتأثر طوال
الوقت,وهناك توافق حميم فيما بينها 0
إذا شعر المرء بالغبطة لنجاحه في أمر ما,فإنه سيتعرض لتيار من
الفكار الشارحة لسباب ذلك النجاح,والمذكَّرة بالمكانات التي تم
َ
توفيرها له,والعقبات التي تم اجتيازها؛وحين يقل ّب النسان نظره
في إخفاقه في أمر,كان يأمل منه الكثير,ويتمادى في بحث أسباب
الخفاق,والوهام الكثيرة التي تلبس بها حوله-فإن فيضا ً من
مشاعر الحباط والقلق وعدم تقدير الذات,والخوف من تكرار
الخفاق,سوف يجتاحه,وينغَّص حياته,وهكذا 000
في اعتقادي أن علينا للخلص من الفكار السيئة والمشاعر
المحبطة أن نتبع طريقة(إغلق الملفات)حيث يمكن أن نستخلص
العبر والدروس الممكنة من إخفاقات الماضي,ثم نحذفها نهائيا ً من
__114
اهتماماتنا,فذلك هو الطريق الفضل للتخلص من أسر الماضي
وأوهاقه 0
إنه ل ينبغي لنا أن نقع تحت ضغوط المشاعر وعلينا عوضا ً عن ذلك
أن نصنعها عن
طريق العمل الصالح,والصمود في مواجهة الصعاب 0وفي هذا
يقول الله-جل وعل{ :-ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي
هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[فصلت:
]34
إن مقابلة السيئة بالحسنة كثيرا ً ما تعني الخلص من مشاعر العداء
التي يتبادلها الخصوم,كما تعني الفكاك من حماة الفكار السلبية
والوهام التي يتبادلونها في العادة 0إن الوعي وحده هو الذي يحول
دون أن يرسف المرء في أغلل من نسج يديه 0
•النـــــــظرة المتـعمقة:
إن العقل الذي وهبه الله-تعالى-للنسان يتمتع بقدرات فائقة-كما
ذكرنا-لكنه في النهاية يظل محدوداً,الفكار التي نمتلكها,أكثرها وليد
التجربة وثمرة المعاناة,أي هي خبرة وجودية تشتبك فيها منظومات
المبدأ والرمز وأنظمة المعارف وأل عيب الهوى,
وأنماط السلطة,وأساليب العيش وأشكال الهتمام بالذات 000ولذا
فإنه يجب أل نعتبرها نهائية,فصدق الفكار ل يتبلور إل من خلل
إخضاعها للتجربة,وما من فكرة تدخل في مضمار التطبيق,تستطيع
المحافظة على ما كانت عليه من تحديد وتماسك,بل يُعاد إنتاجها
من جديد ترميما ً وتطعيما ً و إغناءً وتوسيعاً,أو انتهاكا ً وتأويلً 0
ولذا فل ينبغي أن ننتظر الفوز برؤية نهائية,نسترشد بها في
مواصلة البناء,وتخطّي
العقبات,فالعمال العقلية المتزايدة,ل تؤدي بالضرورة إلى تقدم
عقلني مطرد,فالنكوص والتراجع من المور الواردة بكثرة
اليوم؛بل إن للتقدم العقلي مفرزات جانبية شديدة الخطورة
عليه,ول سيما إذا ما تأتي للعقل أن يتحلل من القيم والقيود
الخلقية 0ثم إن المسيرة الحضارية,ل تمضي على هدى أفكار
ونظريات مبلورة,وليست هي مجرد مخطط,يتخيله مثقفون
حالمون متفائلون بمستقبل البشرية
__115
على صعيد العقل والمعرفة والحرية والحوار وإحقاق الحق وتجسيد
القيم النبيلة 000
فهناك أيضا ً المصالح والهواء والشهوات والقصور الذاتي
والظروف المعاكسة 000وكل ذلك يجعل من ميادين الحياة مصانع
سيئة لنتاج الفكار وتطبيقها 0
ما أريد قوله من وراء هذا هو أن علينا حتى نستمر في التجديد
العقلي أن نسعى دائما ً إلى تفحص برامجنا وقراءة أحوالنا وإقامة
علقات نقدية مع ذواتنا وإنجازاتنا,فالنقص شيء ملزم لنا 0وليس
المطلوب أن تصبح المحاكمة العقلية لدينا كاملة,وإنما المطلوب
هو مداومة فضح الممارسات الفكرية الخاطئة,وكشف زغل أعمال
العقل,وبالضافة إلى استشراف المزيد من النضج والقتراب من
الصواب 0
وما لم نتعامل مع منتجاتنا الفكرية وتجاربنا,ومع أحداث العالم من
حولنا على هذا النحو فإن كثيرا ً من مكتسباتنا النهضوية يمكن أن
يكون في خطر,كما يمكن لكل ما أحرزناه من تقدم عقلي وفكري
أن يصبح موضع تسأول 0
•الستــــــــــماع الجيــــــــــــد:
يصرف النسان ما بين()%50إلى()%80من ساعات يقظته في
التصال بالخرين,ويمضي()%45منه في(الستماع)0في الثقافات
الشفهية تكون(الذن)هي البوابة الساسية للمعلومات الواردة إلى
الدماغ 0
واليوم أفضى التدفق الهائل لكل ألوان المعرفة إلى إعطاء أهمية
متزايدة لكل من الذن والعين,لكن سيظل من المهم أن نحسن
الستفادة من كل ذلك من خلل تطوير آليات القراءة والستماع(
)1([,)1عالجت هذه القضية في رسالة خاصة بعنوان(القراءة
المثمرة)وقد نشرت عبر سلسلة (كتب قيمة)فارجع إليها إن شئت
]0
واستثمار المكانات الكبيرة التي تتاح لنا بواسطتهما,حيث إن تجديد
البعد العقلي,يستلزم فيما يستلزمه اتخاذ وضعيات جديدة في
التعامل مع(المعرفة)التي تشكل المادة الجوهرية في إعادة تشكيل
مفهوماتنا ورؤانا؛لكن لسباب عدة لم تنل مسألة الستماع
والنصات حقها من العناية والهتمام,مما جعل استفادة كثيرين منا
مما يسمع محدودة 0وربما كان لظهور السامع بالمظهر السلبي أو
َ
المتأثر أكبر الثر في العراض عن ذلك 0ولعلنا نجل ّي هنا بعض
__116
المبادئ والمفاهيم التي تساعد على تطوير عادات السماع لدينا
في الحروف الصغيرة التية:
أ-ليس من النادر ان يكون ما نسمعه مكررا أو مملً,أو قليل
الفائدة,وفي هذه الحالة,فإن معظم الناس,يُعرض إعراضا ً تاما ً عن
الهتمام بما يسمع 0أما الحرص على الفائدة,فإنه يسأل نفسه:كيف
يمكنني الستفادة من هذا الحديث؟يمكن للمرء ان يتعرف من
خلل ما يسمع على نمط التفكير لدى المتكلم,كما يمكنه التعرف
على بعض القيم الجتماعية السائدة,واستخلص مغزى من ذلك,أو
تدعيم نسق فكري ينبناه 000وليس من المستغرب أن يعثر المرء
على فكرة عظيمة في سيل من اللغو 0
ن الله-تعالى-خلق للنسان لسانا ً واحدا ً وأذنين اثنتين ب-يقولون:إ ّ
حتى يسمع ضعف ما يتكلم,لكن يبدو أن شهية معظم الناس
للكلم-أي كلم-ل تقاوَم 0وقدرة المرء على أن يسمع أكثر مما
َ
يتكلم دليل على تحل ّيه بقدر من الحكمة 0ومن المهم هنا
أل نحاول مقاطعة المتكلم حتى يكمل الفكرة التي يريد إيصالها
إلينا,ومن المهم أكثر أل ندلي بأي تعليق أو إصدار أي حكم قبل
الحصول على الصورة كاملة 0
ج-لنحاول أن نستمع ونحن في حالة استبشار وتفاؤل و جاهزية
عقلية جيدة,فذلك أدعى إلى إدراك مرامي الكلم,وتحسين القدرة
على الربط بين أجزائه؛كما أن عملية الستماع بمجملها تضحى
أكثر إمتاعاً 0
د-كثير من الناس يتضايق من سماع الحاديث ذات المستوى
الرفيع,ويرون أن أصحابها(يتفلسفون),وهؤلء أنفسهم,هم الذين
يعرضون عن قراءة النصوص الممتازة والراقية 0وفي اعتقادي
أن(الدماغ)بحاجة إلى مواجهة التحدي من خلل سماع أحاديث
أرقى من مستوى استيعابه؛لنها وحدها هي التي ستحفزه,ونزيد
مهارته في الفهم 0نحن في الحقيقة ل نفهم إل ما نعرف,فإذا فهمنا
كل ما يقال بيسر,فهذا يعني أننا نعرفه,وإذن ما الفائدة التي
سنجنيها من ورائه؟0
ذ-من المهم أن نشترك النظر مع الذن أثناء السماع,فالعينان
مغرفتا الكلم,وهما تنظمان التفاعل الداخلي بين المتكلم والسامع
وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن ما تشعه وضعية المتكلم
وإشاراته,ورسائله غير اللفظية,ربما يتفوق على ما نستفيده من
الدللت المباشرة للكلم الذي نسمعه 0ول ننسى إلى جانب هذا
__117
أن نتخذ الوضعية الجسدية الملئمة أثناء الستماع ,فالتكاء
والستلقاء-مثلً-يساعدان على النوم,وشرود الذهن 0
هـ-نحن بحاجة إلى أن نستمع بعقل مفتوح,ول سيما حين نسمع
كلما ً يثير المشاعر بسبب ما فيه من مبالغة أو استفزاز أو دفق
روحي عال 000وسيكون علينا أن نحاول تفسير ما نسمع تفسيراً
موضوعياً,ول نمضي مع المتحدث بعيدا ً عما هو طبيعي أو معقول
أو مخالف للصول 0ليعني هذا-بالطبع-أل نحاول فهم وجهة نظر
المتكلم حتى وإن كانت معارضة لما نراه 0وعلينا أن نتذكر دائما ً أن
كثيرا ً مما نسمعه ل يعدو أن يكون رأيا ً من الراء 0
و-إن سرعة دماغ النسان في التفكير تفوق سرعته في الحديث ما
بين()10-4أضعاف,ويمكن استخدام هذا الفارق الكبير في استغلل
القدرات العقلية المختلفة أثناء الستماع في تنظيم ما نسمعه
وتلخيصه ومقارنته مع الفكار الخرى,وتفسير ما توحي به لغة
جسد المتكلم 0وسيكون كل ذلك أكثر جدوى عند سماع متحدث
بطيء التكلم,أو كثير التكرار للفكار 0
ز-قد يكون المتحدث كثير اللحن,أو ل يحسن اختيار ألفاظه,أو ل
يحسن تنظيم جمله 000وفي هذه الحالة فإن السامع قد يعجب
بنفسه,ويقع ضحية لعقدة التفوق,وينصرف بالتالي عن محاولة
الستفادة مما يقال 0والذي يليق بنا في هذه الحالة هو التركيز على
المضمون ترميزاً,فجوهر الفائدة,إنما يكمن فيه 0
ح-لنحاول أثناء الستماع عدم النسياق خلف الفكار الجزئية أو
الستطرادات والمعترضات,وعلينا أن نحاول فهم المغزى الساسي
للحديث,وربطه بالبنية الرئيسة لفكارنا ومسلماتنا ورؤانا 0ومن
المؤسف أن كثيرين من الناس يبدون ضعفا ً في هذا الجانب!0
ط-مما يعكر صفو كثير من المجالس انشغال المستمعين
بالصوارف الطارئة,حتى أن المتكلم في بعض الحيان يضطر إلى
السكوت,أو أن يستمر في الحديث,ليجد في النهاية أنه يكلم
نفسه!المستمع الجيد يمتلك القدرة على إقصاء الملهيات,ومتابعة
النتباه لما يقوله المتــــــــــحدث 0
ي-مهما كان حرصنا على مواصلة الستماع إلى آخر كلمة يقولها
المتحدث-شديدا ً فإننا سنظل بحاجة إلى التمتع باستراحة بعد كل
ساعة استماع 0وإذا كان الحديث شديد التركيز,فستكون بحاجة إلى
الستراحة بعد أقل من نصف ساعة 0وهذا الستراحة ليست
ضرورية لتنشيط القدرة على الستيعاب فحسب,وإنما لتاحة
__118
الفرصة لبرمجة المعلومات التي حصلنا عليها ودمجها ضمن
معقولتنا ومنظوماتنا المعرفية أيضاً()1([0)1أنظر تفصيلت أكثر
حول الصغاء,ص 302من هذا الكتاب].
•تنـــــــــــشيط الذاكـرة:
يشعر معظم الناس أن ذاكرتهم تتدهور كلما تقدموا في العمر
0وهناك من يعتقد أن الذاكرة تزدحم بكثرة المعلومات,ويفقد
النسان بذلك القدرة على التذكر؛لذلك يتجهون إلى عدم إثقال
الذاكرة بالمحفوظات؛بل إن الدعوة إلى التخلي عن التعليم
التلقيني,والهجوم المكثَّف على الحفظ عن ظهر قلب,قد أديا إلى
الحط من قدر الذاكرة 0وهذا صحيح إذا تم القتصار عليه,وإل
فوظيفة المعلومات في عملية التفكير جوهرية 0
ن طبيعة الذاكرة وطبيعة عملها,من المور غير الواضحة على نحو إ َّ
جيد,ومن القوال الحديثة في ذلك أنها عبارة عن سلسلة من
التغيرات الكيميائية 0
وأعتقد أن كثيرا ً مما ينسج حول الذاكرة,يعبر عن تجارب
ناقصة,ولذا فإن هناك إمكانات كثيرة لتحسينها وتنشيطها 0ويدل
العديد من البحوث على أن لدى الدماغ سعة فيزيولوجية هائلة
لتخزين المعلومات التي ترد إليه 0وأجرى(روز ينفيغ)العملية
الحسابية التالية :لو غُذي الدماغ بعشرة أخبار كل ثانية طيلة
حياته,فإنه لن يمتلئ كلياً
ن المشكلة الجوهرية في قضية التذكر,ليست في ويمكن القول:إ ّ
طاقة الدماغ على
التخزين,وإنما في القدرة على استدعاء ما تم تخزينه 0وهناك اليوم
أفكار ونظريات كثيرة حول تحسين التذكر,واستدعاء
المعلومات,نشير إلى بعضها:
هناك خمسة عناصر أساسية,تساعد الذاكرة على
الستدعاء,هــــي:
-الوَّلية في الترتيب أو المنزلة؛فإذا ما تساوت كل الشروط
الخرى,فإن الواحد منا يتذكر بداية الحداث أكثر من
وسطها,ويتذكر الحدث الول أكثر من تكراره 0
-الحداثة:حيث يميل النسان أيضا ً إلى تذكر الحداث الخيرة,فنحن
نتذكر أحداث(أمس)أكثر من أحداث اليوم الذي قبله 0
-الربط:فالنسان يتذكر الشيء الذي يرتبط بشيء آخر,أكثر من
تذكّر الشياء غير المرتبطة 0
__119
-البروز:نحن نتذكر الشياء الغريبة أو غير الطبيعية,أو الخارجة عن
السياق العام سواء أكانت جيدة أم سيئة 0
-المراجعة:يعتقد كثير من علماء النفس المعاصرين أن إمكانية
الستدعاء,تعتمد جزئيا ً على(قوة شكل أو مخطط الدماغ)القائم
كهربائيا ً أو بيولوجياً 0ويؤكدون أن هذه القوة,
تتزايد بتكرر أشكال الذاكرة 0ويعني ذلك أن أي شيء تتم مراجعته
يتم اختزانه في الدماغ بقوة أكبر من الذي يمر عليه مروراً 0
__120
وتدخل المعلومة إلى(الذاكرة الطويلة المد)بعد أربع أو خمس
مراجعات ,وينبغي أن تتم المراجعة الولى بعد حوالي عشر دقائق
من الفراغ من إدخال المعلومة إلى الدماغ 0
أما المراجعات التالية,فتتم على فترات متباعدة تصاعدياً,كأن تكون
المراجعة الثانية بعد يوم والثانية بعد أسبوع والثالثة بعد شهر,وهكذا
0000
إن الدماغ الفارغ من المعلومات,يطرح طروحا ً شكلية,ويكون
الخيال لديه محدوداً,
ويكون وضعه العام أشبه بطاحون تدور,دون أن نضع فيها أي شيء
تطحنه؛ولذا فإن من الحيوي أن نهتم بمحفوظاتنا,ونعرف كيف
نُعمل العقل فيها,كي نستثمرها على الوجه الكمــــــــــل 0
•المـــــــــرونة الذهنيـــــــــــة:
إن ينبغي وعيه أن ما أتيح من المعلومات على هذا النحو الغزير
والمتدفق,ل يؤدي على نحو تلقائي إلى تحسين الملكات العقلية
َ
والعمال الفكرية,بل قد يؤدي إلى إعطاء نتائج تصل ّب الذهن,وتقلل
من فاعلية التفكير؛فالعلقات اللينة التي تسربل النظم والمنتجات
المعرفية كافة,قد تقرأ بطريقة خاطئة؛مما يجعل انعكاساتها على
البنية العقلية سلبية 0ولذا فل بد لتجديد البعد العقلي من أن يشتمل
على محاولة امتلك قسط ملئم من(المرونة الذهنية)حتى تستطيع
أن نستفيد الستفادة المطلوبة من هذا الكم الهائل من المعارف
المتسايلة 0
ومما يؤسف له أن كثيرا ً من الناس ل يفهم من هذا المصطلح
سوى التراجع والتنازل والستسلم 000وبذلك يتحول من ميزة إلى
ثغرة في الشخصية!أعني بالمرونة الذهنية هنا قدرة العقل البشري
على إدراك الفروق الدقيقة بين الشياء,والمراوحة المستمرة بين
السس والصول وبين المسائل الفرعية التخصصية,بالضافة إلى
القدرة على تعرية اللفاظ والمصطلحات مما يعلق بها من شوائب
الستعمال والتقليد,إلى جانب قدرته على فهم العلقات الخفية بين
الشياء والتأبي على(القولبة)والنماذج الجاهزة 000ولعلنا نفصل
بعض هذه القضايا في المفردات التالية:
أ-من مظاهر المرونة الذهنية وتطبيقاتها القدرةُ على إدراك
العلقات(المتدرجة)بين الشياء؛فالحرام ليس درجة واحدة,إذ إن
حرمة الغيبة ليست مثل حرمة قتل النفس أو
__121
الزنا 0والفرائض والواجبات أيضا ً درجات؛فوجوب الصدق ليس
كوجوب الصلة والزكاة 000
حين نتعامل مع أشياء ذات أوساط متدرجة,فإن وضع الموسى على
المفصل يكون أمرا ً تقديريا ً اجتهادياً؛فمن الصعب في لوحة زيتية
ذات ألوان متداخلة أن نقول:هنا يبدأ اللون الصفر,وينتهي اللون
البرتقالي 0ولو فعلنا ذلك لوقعنا في التعسف والتحكم 0بين ما ل
يشك أنه أصل,وما ل يشك أنه فرع(منطقة برزخية)تحتمل الخلف
الجدي؛لنها تحمل من خصائص الطرفين,وتظل قابلة للنزاع,مهما
كان وعينا عظيماً 0وإدراكنا لمثل هذا يوفر علينا الكثير من الجدل
والخذ والرد الذي ل طائل تحته 0
ب-القدرة على فهم الفوارق الدقيقة بين الشياء مظهر آخر من
مظاهر المرونة الذهنية؛
ومن المعروف أن المرء حين يحاول اكتشاف تشابه بين شيئين
فإنه يستطيع في أكثر الحيان أن يجد أكثر من وجه شبه واحد؛لكن
المهم أيضا ً أل ننساق وراء التشابه الظاهري أو الجزئي,وننسى
الفوارق العظيمة التي تميز بين المتشابهات .
ونجد في هذا السياق-على سبيل المثال-من يشبَّه الهجمة الحديثة
على امة السلم بالهجمة التاريخية للتتار والصلبين,ويعتقدون أن
آليات المواجهة والمدافعة ل تبتعد كثيرا ً عن آليات الهجمات
السابقة 0وفاتهم أن الوضعية العامة لمة السلم كانت أفضل من
وضعية التتار والصليبين آنذاك على المستويين الحضاري
والعسكري 0
والتتار خاصة قوم همج,واجهوا أمة متحضرة؛على حين أن المسلم
يرى أعداءه اليوم متفوقين عليه في المعرفة والتنظيم والتقدم
الصناعي,وينظر إلى كثير مما عند قومه بعين السى
والحسرة,حيث الجهل والفقر والفوضى والحروب الداخلية 000وهذا
كله يجعل المطلوب المواجهة اليوم مختلفا ً جذريا ً عما كان مطلوباً
من قبل 0
ج-من أمارات المرونة الذهنية القدرة على وزن مصادر المعرفة
بطريقة صحيحة,وعدم الخلط بين معلومات تفيد الظن,وأخرى تفيد
اليقين 0وقد حاول علماء المسلمين القدامى اتخاذ صحة السناد
والبرهنة العقلية المنطقية سبيلين للوصول إلى عصمة الذهن من
الخلط بين القطعي والظني,ووصلوا في ذلك إلى ضوابط
رائعة,لكن مشكلة كانت تكمن دائما ً في القدرة على تعميم تلك
__122
الضوابط بحيث تصبح جزءا ً من ثقافة المة,وفي استخدامها
وتطبيقها خارج نطاق العلوم,أي في الحياة اليومية والمواقف
المختلفة 0
هناك فارق 0مثلً-بين معلومات مصدرها الستقراء,وأخرى مصدرها
القياس 0ول شك أن المعلومات التي مصدرها استقراء تام قد
تقترب من القطعية المطلقة ,كما لو أننا استقرانا رأي أعضاء
ن(
مجلس من المجالس حول قضية ما فإن من الممكن أن نقول:إ ّ
)%56منهم يرون كذا و()%44يرون كذا,ويكون كلمنا حينئذ ٍ ذا دللة
قطعية 0
أما إذا أردنا معرفة رأي شعب تجاه قضية ما ,وقمنا بسؤال(
)4000شخص منه حول رأيهم في تلك القضية,ثم قلنا إن()%90من
الشعب الفلني يرى في تلك القضية كذا بناء على أن ()%90من
العينة ترى ذلك,فإن نتيجة ذلك الستقراء ستكون ظنية؛لننا
استخدامنا استقراء ناقصاً,وعممنا نتيجة عن طريق القياس.
إن في استخدام القياس استخداما ً لعناصر ذهنية في أمور حسية,ل
يحكمها نمط أو نموذج محدد,وذلك ل ينتج عنه سوى النتائج
الظنيــــــة 0
د-نحن دائما ً على صلة بعالمين مختلفين:عالم المدركات الواضحات
وعالم الغوامض والمبهمات 0وقد جرت العادة أن
نستخدم(الفلسفة)وسيلة للتعامل مع المسائل الغامضة 0أما المور
الواضحة,فإننا نسيطر عليها من خلل الملحظة والتجربة وإدراك
أبعادها المختلفة 0من المهم أن نفرق بين معطيات الفلسفة
ومعطيات العلم,فمهمة الفلسفة ل تتجسد في مدَّنا
بالمعلومات,وإنما في زيادة شفافيتنا,وفسح المجال أمام
استشراف المستقبل,وتكوين قدراتنا في مجال التعليل والتحليل
َ
0إنها تعل ّم الشمول,لكنها ل تمنح أبدا ً الدقة,ول تسعفنا باليقين 0
أما العلم فإنه على العكس من ذلك,فهو يوقفنا على جملة من
الخبرات الجزئية الدقيقة لكنه ينفر من التعامل مع غير المحدد
والمبلور والملموس 0ويظهر التصلب الذهني بوضوح حين يدافع
أكثر الناس عن وجهة نظرهم ورؤيتهم لحدث ما دفاعا ً مستميتاً,
حيث تبدد الساعات الطوال في البرهنة على قضية ل يحسمها أي
برهان ول أي جدال مهما طـــــــــال 0
أما صاحب الذهن المرن,فيعرف أنه يقف على أرض هشة,وأن ما
تجمع لديه من مقدمات ومعطيات,ل يكفي لجعل تحليله وحكمة
__123
قطعياً,ومن ثم فإنه يكتفي بعرض وجهة نظره,وإبداء رأيه في
وجهات نظر الخرين تاركا ً لمناظريه الخوض في الظنون
والهام,ومحاولت القبض على السراب!0
هـ-العقل المرن يفرق بين القيمة الصلية والقيمة الضافية للفكار
والساليب والشياء 0
ففي مجال الصلح الشامل-مثلً-تكتسب التربية الصحيحة للجيال
أهمية خاصة,
ن المجتمع,ل يمكن في النهاية أن يكون أقوى من مجموع حيث إ ّ
أفراده 0
أما القيمة الضافية,فتتجلى في إمكان القيام بالتربية المطلوبة في
أجواء يسودها الفساد والخوف والنغلق والطغيان 000فإذا قلنا:إن
التربية الجيدة يمكن القيام بها في هذه الجواء,فهذا يعني أن
التربية تكتسب قيمة إضافية ,حيث ل يحتاج القيام بها إلى إصلح
المناخ العام الذي يحتاج في العادة إلى وقت طويل,وهذا يعني
توفير الكثير الكثير 0
ن التربية
ن التربية المطلوبة,ل تتم في تلك الجواء,فإ ّأما إذا قلنا:إ ّ
تفقد آنذاك القيمة الضافية,كما أن اللحاح عليها قبل توفير
أجوائها,يفقد الكثير من قيمته ,لن حصولها سيكون عسيراً,ونتائجها
محدودة 0وذلك كله لن أهمية تطبيق منهج أو فكرة أو
أسلوب,تتناقص كلما كانت شروط تجسيده أشق,وكلما كانت الفئة
التي يمكن إيصاله إليها أو قيامها به ضئيلة ومحدودة والعكس
بالعكس 0
ن من المؤسف أن كثيرا ً منا يطالب بنشر أفكار طيبة دون أن إ ّ
يعبر أدنى اهتمام لتدبير الوسائل والليات التي تجعل نشرها
ممكناً,أو التفكير فيما إذا كان توفير تلك الوسائل هو من الممكن
أصلً!0
مظاهر المرونة العقلية كثيرة,واستقصاؤها يطول,فلنكتف بما
ذكرناه 0
القبـــــــــــــــــعة الصـــــــفراء:
تفكير القبعة الصفراء هو التفكير اليجابي الذي يركز على
اليجابيات في المسألة موضوع البحث,ويقوم به المرء بدافع من
الفضول والسرور 0ويستخدم النسان تفكير(القبعة الصفراء)في
الغالب حين تكون له مصلحة شخصية في الموضوع 0في بعض
الحيان تكون اليجابيات غير واضحة,وهذه هي التي ينبغي أن تلقى
الهتمام 0والناحجون دائما ً ينتبهون إلى جوانب النفع
الخفية,فيسبقون غيرهم 0
__125
ن من الثابت أنه في أغلب الحالت,ل يغلق باب إل ويفتح معه باب إ ّ
آخر,لكن غالبا ً ما يصيبنا الرتباك,ونشغل بالباب الذي أغلق عن
الباب الذي فُتح .
ن تفسير اليجابي ليس تفكيرا ً مبنيا ً على أوهام,ول علي مجرد إ ّ
ن الخط الفاصل بين الندفاع التفاؤل,ومع هذا فلبد من القول:إ ّ
الحمق والتفكير اليجابي المتفائل هو خط ضيّق جداً,وإن اختلط
المرين على الناس,ليس من المور المستغربة 0
ن تفكير القبعة الصفراء رؤية نافذة للجوانب اليجابية,ولو لم يكن إ ّ
مبنية على مؤشرات موضوعية,ثم تأتي بعد ذلك دراسة
متفائلة,لتبرز تلك اليجابية السارة في معطيات ملموسة 0
القبـــــــــــعة الخضــــــراء:
إن تفكير القبعة الخضراء,يعني النمو والتغيير,والخروج من المألوف
0إنه يخالف ميولنا الطبيعية التي تدعونا إلى البقاء ضمن الخط
المعهود؛فالعقل النساني,يكوّن لنفسه نماذج يقيس عليها ما يرد
عليه من أشياء من خارجه؛وكل ما ل يوافق النماذج المستقرة لديه
يتم طرحه وإبعاده 0
ل يعني الدخول في التفكير البداعي أن يغير المرء عقله,وإنما
يعني أن يستثمر المرء ما لديه من قدرة على التفكير على نحو
أشمل وأتم,بحيث يرى الحتمالت كلها 0
ن أكثر التفكير الذي نتشبع به من بيئاتنا مهيّأ لمعالجة إ ّ
المعلومات,وذلك مثل المنطق والرياضيات,والتنسيق بين
المعلومات 0وهذه العمليات,ل تحدث إل من خلل الرمز 0
والذي يقوم به التفكير البداعي,هو إيجاد أشكال جديدة,تضاف إلى
ما عندنا من تراكيب ندرك من خللها العالم 0التفكير المبدع,يحتاج
ة هو أن نوفر الوقت لستخراج حلول أخرى,ثم إلى وقت؛والعجل ُ
نختار منها الكثر مناسبة لحاجاتنا وإمكاناتنا 0
ن الحلول التي توصلنا إليها ليست ن من المهم أن نظل نرى أ ّ إ ّ
الوحيدة,وقد ل تكون هي الفضل 0وهذه الرؤية وحدها هي التي
تجعل تطلعنا للجديد غير قابل للستفاد 0
القبــــــــــــــــــعة الــــــــزرقاء:
تفكير القبعة الزرقاء,يعني تفكير التحكم بأنواع التفكير الخرى 0إنّه
بمنزلة لوحة التحكم كبيرة,عليها أضواء وأزرار,و أذرعة التحكم
0ويمثل من يلبس القبعة الزرقاء دور القائد لجلسة الحوار والتفكير
0ومهمته ضبط عمليات التفكير وتوجيهها,فهو يحمي المجموعة من
__126
النزلق أو البتعاد عن الموضوع الذي يدور حوله البحث أو
التفكير,كما أن عليه أن يوجه أنواع التفكير بحسب الظروف
المحددة؛ففي جو يكون الحاضرون فيه كثيري النفعال تجاه
الموضوع المطروح للبحث,يعطي للمشاعر و النفعالت وقتاً
أوسع,حتى يُخرج الحاضرون كل ما لديهم من مشاعر وأحاسيس 0
ن
وبعد فتح المجال لبداء المشاعر,قد يجد صاحب القبعة الزرقاء أ ّ
من المناسب إتاحة المجال لتفكير القبعة البيضاء أو السوداء,وهكذا
0000
نحن بحاجة إلى لبس القبعة الزرقاء في إحداث التوازن في تفكيرنا
الشخصي ,حيث يمكن عن طريقها ضبط الموازين والمقادير في
ألوان التفكير المختلفة ,فل يغلب على الواحد منا التفاؤل أو
التشاؤم أو النقد أو التفكير البنائي ,ويتم إهمال الجوانب الخرى 0
إن في جلسات الحوار,وعمليات التفكير الفردي الكثير من
الفوضى والجنف,وما أكثر اختلط التفكير النقدي بتفكير العواطف
بتفكير المعلومات!0
ن من المألوف أن نرى جلسة كاملة ,ل يذكر فيها إل النقد,كما أننا إ ّ
نرى جلسة أخرى,
ل نسمع فيها إل سرد المعلومات المفككة التي تُنثر دون أي تحليل
0وفي جلسة ثالثة نجد البشائر وألوان التفاؤل التي تنهال من كل
ن التفكير الجيد,يحتاج إلى ملحظة ومتابعة دائمة,حتى ل جانب 0إ ّ
يخرج عن مساره ويفقد توازنه 0
الفــــــــصل الثالث-:
__127
كل ذلك في فراغ,فهناك ضغوط ظرفية واجتماعية ,تكتنف
تفكيرنا,وتؤثر على نحو ما فيه 0وبما أن كل ذلك ,ل يكون في
ن علينا أل نتوقع أن يكون باستطاعتنا دائماًالعادة كامل ً ول نقياً,فإ ّ
النجاح في الوصول إلى تصورات وأحكام راشدة 0
كل تجديد لي بعد من أبعاد ذواتنا,ل بد أن يشتمل على إزالة
النقاض والتراكمات القديمة؛والفائدة من تعليم أساليب الصحيح
ستكون محدودة جدا ً ما لم نتمكن من محاصرة النماط القديمة
والمراض التفكيرية المعوجة 0
إن الفلّح يقلع الشواك والعشاب الضارة قبل أن يلقي ببذوره
ن مشكلة النحرافات الفكرية أنها كثيرا ً ما تظل خارج منطقة 0وإ ّ
الوعي,فمعظم الناس يشعرون بالرضا عن حالتهم الفكرية,وذلك
طبيعي,فالفكر الذي يقوَّم غيره على نحو خاطئ يرتكب الخطأ حين
يقوَّم نفسه 0
عدم الوعي بالخطأ الفكري هو الذي يجعل الناس ل يشعرون بأية
مسؤولية تجاهه ,وهو السبب في عدم رغبتهم في مقارنة أنماطهم
الفكرية بأنماط غيرهم ,وعدم الحرص على سماع آراء
الخرين,والنفتاح على تصورهم للمور؛مما يحرمهم من رؤية
موضوعية أدق وأوسع 0
ن كثيرا ً من أشكال التعثر التي تلقيها في حركتنا النهضوية إ ّ
والعلمية خاصة,يعود إلى أننا لم نستطع أن نخترق الكثير من
طرقنا وعاداتنا الفكرية التي ورثناها من عهود النحطاط؛فنحن في
الحقيقة ما زلنا نكرر الخطاء السابقة,ولدينا نوع من المناعة ضد
التعليم منها!0
المشكلت التي نواجهها في الحياة,تزداد كما ً وكيفاً,ل بسبب تعقد
أساليب العيش فحسب,وإنما لن النمو جزء من طبيعة
المشكلت,ولذا فإن المستوى الفكري الذي يكون سائدا ً عند ولدة
مشكلة ما يصبح بعد مدة غير كاف لمعالجة تلك المشكلة,ما لم
تكن قد نجحنا في زيادة كفاءته,وتخليصه مما يعانيه من عيب
وقصور .
لن نستطيع أن نحل مشكلتنا المختلفة إذا لم نعالج طرق التفكير
لدينا,ما دامت هي الداة التي سنستخدمها في معالجة كل شيء
0والسس العميقة لكل مشكلت المة قابعة في عقولها ونفوسها
0وعليها أن تضرب على الجذور,فضربة واحدة على الجذور خير من
ألف ضربة على الغصان 0
__128
النماذج التي تجسد العوجاج في التفكير كثيرة,ول تتسع المساحة
هنا لستعراض كثير منها,فإليك شيئا ً من أهمها في المفردات التية:
إصــــــــدار الحكام المسبقة:
نحن إذ نفكر ننطلق من مبادئ ومسلمات ثقافية,ونعد من ل
َ
يملكون تلك المسل ّمات غير قادرين على التفكير الكفء
من تسايل عمليات التفكير 0المسلَّمات الفكرية والثقافية,ل تؤ َّ
من لهفحسب ,وإنما تريح العقل من عناء البحث والتمحيص ,أي تؤ َّ
نوعا ً من العطالة والسكون,ومن هنا تنبع جاذبيتها وخطورتها في آن
واحد 0
َّ
لو فتشنا في عقولنا,لعثرنا على مخزن ضخم من المسلمات
المتعلقة بالناس والفكار والحداث 0وتصنيفات المم والشعوب
بعضها لبعض نموذج صارخ على ذلك؛فالشعب الفلني
كسول,والشعب الفلني محتال,والشعب الفلني ماهر ...ووسائل
العلم في الغرب(العقلني)تميل إلى وصم كل مسلم بالرهاب
0أما العرب في نظرها فهم شعوب مهووسة بالتبذير والجنس,
فوضوية جاهلة ...وهكذا فهناك أحكام عامة ظالمة,ل يعرف
مصدرها,وليس هناك أدلة موثوقة لتعميمها على أمة أو شعب
بأكمله,لكنها راسخة جداً,ومن العسير تغييرها 0وتلك الصور الذهنية
المنطبعة,تشكل مشاعر الناس,وتوجه سلوكهم,وتنظم ردود
أفعالهم 0
إنسان القرن الحادي والعشرين مع أنه يتحدث عن العولمة والقرية
الكونية وتلقي الثقافات,إل أنه غير قادر على تغيير أنماط تفكيره
القديمة,فهناك انجذاب هائل نحو القليمية والعنصرية والطائفية,أي
هناك انسحاب من(عالمية) الرؤية والثقافة والحساس المشترك
في الوقت الذي تتسع فيه عالمية التجارة ,ويتسايل انتقال
المعلومات والشياء!
سيكون من المفيد حين نسمع حكما ً ل يستند إلى أي إحصاء أن
نحاول التعرف على النماذج التي تخالف ذلك الحكم,وسنجد آنذاك
نماذج كثيرة معاكسة لما هو شائع,وسنتمكن في ذلك الحين من
كسر بعض الغلل التي تكبل عقولنا 0
ســـوء التعامل مع المعلومات غير الملئـــــــمة-:
حين نكوَّن اعتقادا ً ما فإن القوى غير الواعية فينا تحشد على نحو
غير مرئي كل الدلة والبراهين التي تقوَّيه,وتجعله أمرا ً غير قابل
للنقاش 0وحين تأتينا معلومات تناقض ما انتهينا إليه,فإن
__129
أكثرنا,يحاول الفلت من التغييرات التي تقتضيها المعلومات
الجديدة,ونحاول تحويرها أو إسقاطها من العتبار,أو التشكيك في
صحتها ...
إذا قيل لنا:إن صديقنا أحمد البارع جدا ً والمتفوق جدا ً كان بطيئا ً في
القراءة حين كان طالبا ً في المدرسة,فإننا ل نقبل هذه
المعلومة؛لنها مناقضة لعتقادنا أن الطفال الذين يستغرقون وقتاً
طويل ً لكي يتعلموا القراءة هم أقل ذكاء من الخرين 0ومن ثم فإن
بطء صديقنا أحمد في القراءة,ل يغير من الحقيقة شيئاً ,بل هو
الشذوذ الذي يؤكد القاعدة,فأحمد عبارة عن شخص واحد,فل
ينبغي أن يؤخذ في الحسبان!0
َ
في بعض الحيان ل نسل ّم أن أحمد كان بطيئا ً في القراءة,فهو
متفوق في جميع المهارات الدراسية,ولم يُعرف عنه أنه يشكو من
ن أحمد كان ذكيا ً جداً,والبطيء في صعوبة تعلم أي مهارة,ثم إ ّ
القراءة ل يُعد في الذكياء جداً,فهو إذن ل يمكن أن يكون بطيئاً
في القراءة 0
وقد نقول:إن من صَّرح بذلك لم يكن على خبرة به,أو إنه قال ذلك
َ
بدافع الحسد أو الحقد.وهكذا فالمسل ّمات لدينا تحول دون
الستفادة من المعلومات! .في أحيان كثيرة ل نفنَّد المعلومات
التي تشوش على آرائنا,ونعاملها بإهمال شديد-لنها ل تستحق
الهتمام-ومن ثم فإنه يتم تخزينها,ويصبح المر كما لو أن العقل
لدينا ليس فيه(خانة)مستعدة لقبول المعلومات المشوَّشة 0لو أننا
أردنا تذكر تلك المعلومات,فإننا ل نستطيع,لنه لم يتم إدخالها في
الذاكرة,وبالتالي فإنها لم تختلط بنماذجنا وأنساقنا الفكرية
الخـــــاصة 0
هذه الحالة بعيدة الثر في التركيب العقلي لكثير من الناس 0ومن
المؤسف أن أكثر الناس يقرؤون التاريخ بأحداثه المختلفة بهذه
الطريقة,كما يقرؤون الواقع ,ولذا فالفائدة من دراسة التاريخ
حص في مجريات الحداث,تكاد تكون معدومة لديهم!0 والتف ُّ
لست أدعو إلى أن يغير المرء آراءه عند كل معلومة جديدة تفد
إليه,ولكن الذي أصر عليه هو أن نأخذ ما يخالف تصوراتنا وأحكامنا
بالجدية التامة,وأن نتعامل معه بالسلوب نفسه الذي نتعامل به مع
ما يوافقها,ويدعمها 0
الضـلل في تـــــــفسـيـر الظـــــــــــــواهر-:
__130
لو تساءلنا:هل الضلل الذي ينشأ من اختراع أمور,ل أصل لها
أعظم أو الضلل الذي ينشأ من تفسير أمور موجودة تفسـيراً
خاطئاً ؟
لكان الجواب-من غير تردد-إن الضلل الذي يجتاح حياتنا الفكرية
من وراء التفسيرات الخاطئة أعظم بكثير من الضلل الذي ينشأ
ن كشف الكذاب كثيرا ً ما يكون من الكذب الصراح ,حيث إ ّ
سهلً,لكن التفسير الخاطئ,هو في أكثر الحيان نتاج نقص في
معلومات وقصور في التركيب العقلي,وهذا الخير هو الداء العياء
الذي يحتاج علجه إلى صبر ل يعرف النفاد!0
نجد في خبراتنا اليومية التي نمر من يقول:إن فلنا ً متفوق؛لن أباه
ل يكلفه شيء فهو متفرغ للدراسة,وفلن منحرف؛لنه نشأ
يتيماً,فلم يلق التربية المناسبة .والبلد الفلني ثري,لنه يملك أنهاراً
غزيرة 0والشعوب السلمية متخلفة؛لنها تقع تحت ضغوط مؤامرة
كبرى,وهكذا 000ولو أردنا تمحيص هذه التفسيرات ,لوجدنا أنها
جميعا ً محتملة وليست قطعية,فهناك طلب أثرياء ومفَّرغون
للدراسة ,ومع ذلك يرسبون 0وهناك أعداد ضخمة من اليتام ذوي
السلوك الحسن والخلق الرفيع ,وهناك 000
ن تفسير الظواهر الكبرى بعامل واحد من أكثر الخطاء الفكرية إ ّ
انتشاراً ,وهو الذي يقبع خلف عدد ل ينتهي من التفسيرات الخاطئة
للحوادث التاريخية والحداث المعاصرة,ول علج له سوى إيراد كثير
سر مع تخلف النتائج المزعوم من المثلة,يتوفر فيها العامل المف َّ
ارتباطها به 0
تأثيـــــــــــر الهالة-:
قدرة الناس على مناقشة الفكار,ومعرفة مزايا الشياء على نحو
دقيق :محدودة,ولذا فإنهم يتشبثون بأي شيء يمكن أن يساعدهم
على استيعاب ما يرغبون في استيعابه 0
وعلى الرغم من الستفاضة في الحديث عن ضرورة احترام
التخصص وعن ضرورة اعتماد الفهم المستقبل,إل أن الصحيح أن
الستيعاب الموضوعي والمجرد للمور,مازال ضيئلً 0وربما كان لهذا
الزخم الهائل من المنتجات-من كل النواع-تأثيره في ذلك,حيث
صار الناس يشعرون بعدم القدرة على اللمام الشخصي بكل ما
يتم اطلعهم عليه,فيلوذون بغيرهم ليساعدوهم على ذلك 0
حين يتفوَّق إنسان ما في مجال ما,فإنه يكوَّن لنفسه(هالة)تترك
انطباعا ً بالجدارة والثقة لدى الخرين 0وبتأثير تلك الهالة ينسى
الناس جوهرية (الختصاص) ويسألون المعجبين بهم عن أشياء
ليس هناك أي دليل على تفوقهم في فهمها ومعرفتها 0
ومن المألوف اليوم أن يُقبل الناس على استخدام نوع من
الصابون أو العطر أو معجون السنان 000لن النجم الفلني
يستخدمه,أو ظهر في دعاية له 0وطالما سئل رياضيون وفنانون عن
قضايا سياسية واجتماعية وتاريخية,وينفعل بعض الناس بأجوبتهم
أكثر من انفعالهم بأجوبة بعض المختصين!!0
__132
إذا كنت قد اشتريت جهازا ً يا بانياً,وأعجبت بأدائه,فإنه ربما يتولد
لديك انطباع بأن كل الصناعات اليابانية متفوقة 0إذا بهرت بطيبة
شخص,ينتمي إلى بلد معَّين,فليس من المستبعد أن يترسخ في
نفسك أن أهل ذلك البلد كلهم طيبون 0إذا اجتذب أحد مندوبي
المبيعات اهتمامك بحديثه البارع أو مظهره النيق أو طريقة
استخدامه للصور التوضيحية ,فإنك غالبا ً ستصدق ما يقوله عن
بضاعته 0
في عصرنا هذا صار ل(الحقيقة العلمية)هالة كبيرة,فنحن نحترمها
أشد الحترام ,ونحاول الستفادة من مؤشراتها,لكن كما أنه من
السهل أن تتاجر بعملة زائفة ,فمن السهل أيضا ً أن يتاجر بعض
الناس بالحقائق العلمية 0وقد وقع كثير من الناس ضحية لتناول
أدوية تخلصهم من السمنة أو الصلع,حيث بُهروا بالشرح العلمي
لميزاتها وخصائصها 0
تقوم معظم فروع العلم بتطوير لغتها الفنية الخاصة
0وتستطيع(التعبيرات الخاصة) والغامضة غموضا ً مقصودا ً أن تضلل
السامعين والقراء,وتولد لديهم نوعا ً من النبهار,وبالتالي الستسلم
والسقوط في يد المتحدث والكاتب 0هذا كله يدعونا إلى أن نحاول
جعل عقولنا دائما ً متيقظة,وأن نتعلم المزيد عن كيفية (تقييم)
ل من المعلومات الواردة إلينا,كما يوجب علينا أل نم َّ
طلب(تبسيط)ما نسمعه ليكون بلغة السهل,وأن نتعود تأجيل إصدار
الحكم عند عدم وجود ما يكفي من القناعة والوضوح 0
المـــــــــــــــــــــبالـــــــــــــــــــــغـــــــــــــة-:
نحن ل ندرك الشياء بطريقة مباشرة,وإنما عبر وسيط ثقافي
وفكري ونفسي أيضاً؛مما يجعل رؤيتنا لها قابلة للكثير من
الخصوصية,وبالتالي للكثير من النحراف .المبالغة مرض واسع
النتشار في كل زمان ومكان,والبنية التحتية له بنيه فكرية
نفسية,فالدراك القاصر,
وضعف المحاكمة العقلية,مما يدفع إلى المبالغة على النحو الذي
تدفع إليه الهواء والمراض النفسية,والنطباعات الخاصة والخاطئة
0ولعلنا نلقي الضوء على بعض مظاهرها في التي:
أ/بعض الناس يميل إلى تضخيم كل الشياء لتبدو كأنها
مجموعة(كوارث)فهم يتوقعون دائما ً السوأ,فأي ألم مفاجئ يصيب
الواحد منهم,هو دليل على وجود مرض خطير.
__133
وأي خطأ يقع فيه يمكن أن يحرمه من وظيفته 000
ب/هناك من ينجذب إلى(تعميم الفتراض)فلن شيئا ً ما قد
وقع,فهذا يعني أنه سيقع دائماً,فإذا نسي موظف لديه تنفيذ أحد
طلباته قال له:إنك تنسى دائما ً ما أطلبه منك 0وإذا تبين له أن
إحدى الذاعات كذبت في خبر من الخبار,حكم بأن تلك الذاعة ل
تصدق أبداً!0
ج/بعض الناس يبالغ في إعطاء الحداث السلبية أهمية أكثر مما
تستحق,وهو في الوقت نفسه يقلل من قيمة المور اليجابية؛فإذا
رسب في اختبار لنيل (رخصة قيادة)
حكم على نفسه بالغباء؛لنه يرى أن النجاح في اختبار كهذا سهل
سر ذلك بأنه على كل الشخاص السوياء 0وإذا أثنى عليه شخص ف َّ
مجاملة من أجل رفع معنوياته .وإذا نجح في أمر من المور اعتبر
ذلك من باب الحظ أو المصادفة ..إنهم يمارسون نوعا ً من تعذيب
النفس دون أي مسوَّغ !0
د/تتجلى المبالغة في بعض الحيان في صورة قراءة لما في عقول
الخرين ,حيث يعتقد بعض الناس أنه يملك حساسية خاصة لمعرفة
ما يدور في أذهان الناس,وما تنطوي عليه سرائرهم؛فإذا توجهت
إليه شركة بسؤال ظن أنها سألته لنها لم تعثر على شخص آخر
بإمكانه أن يجيب على أسئلتها 0وإذا واجه مشكلة ولم يتدخل فيها
أحد من أصدقائه,
فليس ذلك بسبب محافظتهم على خصوصيته ,وإنما بسبب
إهمالهم له ,أو شماتتهم به .وإذا نصحه شخص بنصيحة,فذلك
ليس بقصد إصلحه,وإنما بقصد تحطيمه أمام نفسه وهكذا 000
هـ/المبالغة تأخذ في بعض الحيان شكل ً من أشكال عدم
التزان,فترى بعض الشخاص يتحولون من النقيض إلى نقيضه
بسرعة البرق؛فبسبب كلمة أو حرمة,
يمكن أن يصبح مشروع ما مشروع العمر,ويمكن أن يصبح الصديق
الحميم عدوا ً ..
وتجد هذا في تعبيراتهم(:إن كان بوسعك أن تقول ذلك فهذا يعني
أن علقتنا ل تعني أي شيء)(,خطأ واحد يفسد المر كله)(,إذا لم
أستطع تصحيح هذا المر فسأتوقف عنه كلياً)0
هناك أشكال أخرى من المبالغة تتجلى في مديح الخرين,وفي
ذمهم,وفي تصوير بعض الوقائع التاريخية,سبقت لنا معالجتها(([)1
__134
)1انظر بعض ذلك في كتابنا:فصول في التفكير الموضوعي ص
204وما بعدها]
وأعتقد أن كثيرا ً من الوسائل العلمية,يبني بأساليب شتى عقلية
(المبالغة) وضعف حركة النقد,إلى جانب انعدام أجواء المصارحة و
المناصحة,يساعد على استمرارها بل نموها 0والحد من هذا
النحراف الخطير,سيظل مرتبطا ً بمدى درجة الوعي لدينا ,وبمدى
ما نحققه من تقدم حضاري .
القـــــــــراءات القـاصــــــــرة-:
نحن نحاول باستمرار أن نستوعب الواقع الموضوعي,ونسلك إلى
ذلك مسالك شتى ,لكن قد نوفق فيما نرمي إليه,وقد نخفق
0وكثيرا ً ما نخرج بنتائج غير صحيحة بسبب عدم معرفتنا ببعض
القواعد الساسية في علم(الحصاء)وهذه بعض النماذج على ذلك:
-حين نريد أن نحكم أن طرازا ً معينا ً من السيارات يعمر أكثر من
غيره,فإن علينا أن نعاين أكبر عدد ممكن منه 0وكلما كانت العيَّنة
كبيرة,وكانت عشوائية كان الحكم أقرب إلى الصحة 0وسيكون من
مر واقتصادي من خلل الخطأ أن نحكم على طراز بأكمله بأنه مع ّ
مشاهدة سيارة واحدة؛فربما كان صاحبها,ل يستخدمها إل
لماماً,وربما كانت هي في الصل ذات مواصفات خاصة,وربما كانت
الظروف المناخية التي تستخدم فيها أكثر ملءمة ...
وإذا أردنا أن نعرف نسبة المصلين في مجتمع,فل ينبغي أن
نصمم(استبانه) ونوزعها على طلب كلية الشريعة؛لنعرف المصلى
من غيره 0وإذا أردنا أن نقيس مستوى دخل الفرد في بلد,فل ينبغي
أن نأخذ عينة من رجال العمال أو العمال 000فالعيَّنة في كل هذا
ليست عشوائية,ول تمثل المجتمع على نحو صحيح 0نعم يمكن لهذه
العينات أن تعطي مؤشرات على الفئات التي أخذت منها ليس أكثر
0
-العداد المطلقة,قد تصدمنا,وقد تدفعنا إلى تفاؤل غير ذي
معنى؛لنها في الحقيقة ل تعني أي شيء ما لم نطلع على بعض
الحيثيات المتعلقة بها 0وعلى سبيل المثال إذا سمعنا أم حوادث
السير في بلد الفلني تسبب وفاة ألف شخص في العام,فإن هذه
المعلومة,ل تعني أي شيء ما لم نعرف عدد السكان في ذلك
البلد,وما لم نعرف عدد السيارات التي تتجول في طرقه
__135
وشوارعه,وهل ذلك الرقم يمثل تحسنا ً مقارنة بالسنوات
السابقة؟وإذا كان في زيادة,فهل زيادته مساوية لنسبة الزيادة
السكانية,وزيادة عدد السيارات فيه أو أكثر أو أقل؟
وإذا قارنّا أعداد تلك الوفيات بما هو موجود في البلدان
الخرى,فهل تكون منخفضة أو مرتـــــــفعة ؟0
ن بلدا ً كالهند-مثلً-سيكون أفضل بلد في العالم إذا كانت وفيات إ ّ
عدد حوادث السيارات فيه ثلثة آلف شخص في العام,على حين
أن هذا العدد سيجعل بلدا ً مثل قَطَر أو سنغافورة أسوأ بلد في
العالم في هذا الجانب 0والسبب هو الفارق الساسي في عدد
السكان الذي يزيد مئات المرات 0
-كثير من الناس يظن حين يرى أمرين يحدثان معا ً أن أحدهما
سبب لخر.
وعلى سبيل المثال فإن ذوي الشعر الحمر كثيرا ً ما تكون وجوههم
شاحبة,لكن أيا ً من هاتين الظاهرتين ل يؤثر في الخرى,وليس سبباً
ن تناول النسان لحبة(أسبرين)أثناء إصابته بالزكام تجعلهلها 0إ ّ
يشعر بالتحسن,لكن من المستبعد أن تؤثر في سرعة شفائه .
وهكذا فل بد من فحص دقيق لنوعية المقارنة والرتباط بين الشياء
المقترنة قبل إصدار حكم حولها,ول سيما في المسائل النسانية
والجتماعية؛فنحن نستطيع أن نربط بين الرياح الشديدة البرودة
ودرجات الحرارة المنخفضة جدا ً وبين تيبس أوراق الشجر وأعشاب
الرض على نحو يقيني,لكن ل نستطيع أن نملك اليقين نفسه في
التعامل مع قضية أسرية-مثلً-فل يجوز أن نقول:إن كثرة الخلفات
بين البوين سوف تؤدي قطعا ً إلى انحراف سلوكي لدى أطفالهم,
حيث إن التمزق السري,ليس هو العامل الوحيد الوثيق الصلة
بالموضوع 0
ن العيش في الزمان الصعب يتطلب ملحقة مستمرة لوجه إ ّ
القصور والخلل في فهمنا للشياء وتعاملنا معها؛ول يمكن أن
نطمئن إلى ما ننجزه في هذا الشأن ,ونكتفي به؛
فالتفكير المستمر,ينتج باستمرار مشكلت جديدة 0وبإمكاننا أن
نذكر المزيد من أشكال العوجاج في التفكير,لكن نكتفي بما
ذكرناه هنا.اتكاءً على ما ذكرناه من قبل في (فصول في التفكير
الموضوعي)من نحو التعصب,وعقلية البعد الواحد ,والتفسير
التآمري للتاريخ,وإسقاط القاعدة بالمثال الشاذ,وتقديس الشخاص
,والكيل بمكيالين 000فارجع إليها إن شئت 0والله ولي التوفيق 0
__136
_137_
الفصل الرابع-:
__140
وإجلل له ...وهذا لن يتم إل من خلل سقيها بالماء الذي ل ينبع إل
من المزيد من التعبير 0
ثم إن على المرء بعد ذلك أن يجاهد نفسه في ذات الله{:والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}[العنكبوت0]145:وهذه
المجاهدة تقوم على أمرين:
الول ملء الوقت-قدر المكان-بما يرضي الله-تعالى-من أعمال
وأنشطة.
ف النفس عن بعض مطالبها ونزواتها 0 والثاني هو ك ّ
والمشاهد اليوم أن هناك نزوعا ً قويا ً نحو الكثار من كل
شيء:الكلم ومخالطة الناس,و استهلك الشياء,والستحواذ
عليها,والتحرر من اللتزام بأي شيء نافع ..وهذا وماشاكله أوجد
خواء روحيا ً قاتلً,وباعد بين واقع المسلم وبين جوهر اللتزام
بالسلوك السلمي,وصرنا نرى في تفاصيل الحياة اليومية لكثير
من المسلمين ألوانا ً من الكبر والعجب,والحقد والحسد,والغيرة
والطمع,وسوء الظن والخيانة والظلم,وأكل الحقوق ,والشماتة
بالخرين والحرص على متاع الدنيا الزائف والضجر والهلع ...
وهذا كله جعل المجتمع السلمي يفقد روح التراحم
والتماسك,وصار أشبه بثوب نفيس,نُقض نسجه,وتحول إلى كومة
من الخيوط!أما على الصعيد الشخصي فقد ْ فقد َ المبتلون بهذه
العلل أو بعضها الحساس بالسعادة والطمأنينة والمان,كما فقدوا
الحساس بالتجاه والغايات الكبرى لوجودهم؛مما حرم حياتهم من
أهم معانيها,و أَوْكد مقوماتها 0
ومن الملحظ أن الذين يحسنون التفريق بين المراض النفسية
وبين المطالب العادلة للنفس والجسد قليلون؛فالكثرية ل تعرف
الحدود التي إذا تجاوزها المطلب العادل تحول إلى مرض نفسي أو
سلوكي,وكم رأينا بين من يخلط بين الكبر والثقة بالنفس,ومن
يخلط بين الحذر وسوء الظن,ومن يخلط بين التدبير والشح
والحرص على الدنيا,ومن يخلط بين الغيرة وبين المنافسة الشريفة
...مما يوجب على المسلم التحلي بدرجة من النظر المدقق,حتى
ل تلتبس عليه المور ,ويقع فريسة للمعايير الزائفة 0
والملحظ كذلك إلى جانب هذا اشتداد العناية بالستقامة
الفكرية,وكسب المزيد من القدرة على المحاكمة العقلية السديدة
على حين أننا نرى المزيد من الهمال لتزكية النفس وتطهير
__141
القلوب وتقويم السلوك 0وكأن هذا رد فعل غير متزن على الخلل
الذي وقع في عصور النحطاط!0
لن يستطيع أحد أن يزعم أنه تخلص من أمراضه النفسية,وصار من
َ
حقه الخلد إلى الراحة؛فملبسة أحداث الحياة,تول ّد في كل يوم
مشكلت جديدة,وتترك انطباعات سلبية في نفوس الناس؛مما
يوجب اليقظة,الستعداد لكفاح ل ينتهي إل بانقضاء العمر( ,ل راحة
المؤمن إل بلـــــــقاء ربه) .
تخفيـف القــــــــــلق:
القلق هو حالة من التوتر الشامل والمستمر نتيجة توقع خطر
فعلي أو رمزي قد يحدث ,ويصحبها خوف غامض
وأعراض(نفجسمية).
إن القلق والنشغال الذهني ببعض المور التي يمكن أن نتحدث,ل
بعد في الصل شيئا ً سيئاً,حيث إن البديل عنه قد يكون ضعف
الحساس,أو الفوضى الوجدانية,أو عدم الشعور بالمسؤولية؛ولذا
فإن قدرا ً من القلق ضروري في توازن الشخصية,فهو قد ينبه
النسان إلى وجود شيء خاطئ في حياته,والذي لن يكون من
الحكمة تجاهله 0كما أنه يدفع المرء إلى الشعور بعدم الرتياح تجاه
التفكير في أمرٍ ما يجعله بداية للتحفيز والعمل .وهو بعد هذا
َ وذاك من َّ
شط قوي للخيال إذا ما وظ ّف في العثور على بعض
الحلول أو ارتياد بعض الفاق الجديدة 0
ينشأ(القلق)من خلل ما تنطوي عليه سرائر الناس من توقعات
وطموحات,ومن كون المستقبل غيباً,يمكن أن يجعل لهم ما
يسر,وما يسوء 000ويعد(القلق)من المراض الكثيرة الشيوع؛ويُثْبت
العلماء وجود(مكّون جيني)يجعل قابلية الناس للقلق أمرا ً كثير
الورود 0وربما كان الخبرات الطفولة أيضا ً دور مؤثر في ذلك 0
ن القلق أكبر العداء للحالة المزاجية الجيدة,وهو يؤثر في مشاعر إ ّ
النسان وانفعالته ,كما يؤثر في كفاءة تفكيره 0ويشعر ذوو القلق
المَرضى بالرتباك والفزع,كما يشعرون بفقد السيطرة على
أنفسهم,والهزيمة أمام التحديات التي تواجههم 0
__142
أما تأثيره في كفاءة التفكير,فيتمثل في بقاء الِقلق في حالة ترقب
للمشكلت والكوارث,
كما أنه يؤثر في مقدرته على التركيز,وإعطاء الشياء المهمة ما
تستحقه من انتباه كامل ,وبذلك يصبح اتخاذ القرارات أمرا ً صعباً
0ويتجاوز تأثير القلق ذلك إلى التأثير في الوضع الجسدي,حيث إنه
يقلل من مقدرة النسان على السترخاء ,والنوم الجيد,كما أنه
يسبب له الصداع,ويخفض من درجة نشاط الجسد,بما يسببه من
توتر وإجهاد 0والحصيلة النهائية لكل ذلك هي انخفاض الداء لدى
الَقلِق,فهو يبالغ في العناية بأشياء ل تستحق العناية,كما يهمل
أشياء تستحق الهتمام,كما أنه يدفعه إلى العتماد على الخرين
أكثر من اعتماده على نفسه ,بالضافة إلى أن القلَق يؤدي واجباته
ببطء وتقاعس 0
كيف نـــــــخفف القلق؟:
كم سيكون مؤلما ً حين يكتشف المرء بعد أن يقضي قسما ً كبيراً
من حياته أنه كان منشغل ً على الدوام بمتاعب لم تقع,وخائفا ً من
أشياء وهمية,ل وجود لها إل في عقله .طاقات بددت,وأوقات
صرف عنها ...ولذا فإن ضاعت,وأشياء مهمة كان ينبغي أن ينجزها ُ
من الضروري للواحد منا أن يتخلص من النشغال بالمور غير
الهامة ,والمور غير الممكنة,
والمور غير القابلة للحل؛ليحافظ على لياقته النفسية,وليستخدم
جهوده وإمكاناته فيما يعود عليه بالنفع 0وهذه بعض الفكار التي
تساعد على ذلك:
ن تيارا ً من الهموم
-حين يقع أمر سيَّئ,أو نتوقع حدوثه,فإ ّ
المكثفة,يجتاح الواحد منا,ويغمره بآلمه وهواجسه,ومع مرور
الوقت يتضاءل كل ذلك إلى أن يتلشى؛وقد قالوا(:كل شيء يكون
صغيرا ً ثم يكبر إل المصيبة تكون كبيرة ثم تصغر)0
وقد يتضح أن ذلك كان ينطوي على الكثير من الخير 0وفي الحديث
الشريف( :إنما الصبر عند الصدمة الولى)فأول المصيبة,هو الذي
يحتاج إلى استجماع قوى المقاومة 0
والمهم أن نشتت الوقع النفسي لما وقع,أو لما يتوقع أن يقع,قبل
أن تشتته حوادث اليام والليالي,وذلك من خلل تجاوز
الحاضر,والستبشار بما هو آت .وبإمكان الواحد منا أن يسأل
نفسه:ماذا ستكون أهمية هذا الذي يشغلني بعد عام,أو بعد خمسة
أعوام؟ لشك أنها ستكون ضئيلة جداً 0حين يرسب طالب في
__143
مستوى من المستويات,أو يتوقع الرسوب,فإنه يعيش أهوال كارثة
حقيقة,حيث إن تخرجه سيتأخر سنة من موعده المأمول 0ولو أن
أحد الخريجين سأل نفسه بعد عشرين سنة من التخرج:ما المور
التي كانت ستتغير في حياتي لو أنني تخرجت عام 1420بدال عام
-1421لوجد أن ل شيء يستحق الذكر 0
-حين نقلق من حدوث أمرٍ ما,فلنسأل أنفسنا:هل هذا المر المتوقع
ن أهم حدوثه يستحق كل هذا النزعاج,وكل هذه الحسابات؟إ ّ
مواردنا الوقت والطاقة المختزنة,ومن السهل أن نهدر هذين
الموردين العظيمين في أمور تافهة,أو حين نعطي أمورا ً كبيرة أكثر
مما تستحق من الهتمام والنشغال .علينا أن نتذكر دائما ً حين
نقلق لمر ما أن هناك الكثير من المهمات التي تنتظرنا ,وسيكون
من غير الحكمة النصراف عنها 0
-إخراج ما يقلق إلى منطقة الوعي,أمر في غاية الهمية؛إذ إن
أخطر ما في القلق هو الغموض والبهام 0ولذا فإن من المهم أن
نحدد بدقة ما يقلقنا,ونحدد موقفنا منه,من خلل مجموعة من
السئلة:
__144
غير تلك الساعة,فينبغي أن نعمل على تأجيلها 0وحين يحين وقت
النشغال بها,فلنحاول أن نصور كل مصدر قلق على أنه مشكلة
منفردة,تستدعي حل ً معينا ً .وبذلك نكون قد ضربنا سورا ً حول
القلق ,فل يطرق في كل الوقات,كما نكون قد حولناه من هواجس
مزعجة إلى شيء محدد,يمكن التعامل معه 0
كل ذلك يحتاج من الواحد منا أل َّ يعطي الدنيا ومشكلتها أكثر مما
نستحق,وأن يعمر قلبه بذكر الله-تعالى-ويثق بعونه ولطفه,كما
يحتاج إلى إرادة صلبة حتى يقاوم هذا المرض .
تخلـَــــــــ ْ
ص من الكتئـاب:
الكتئاب:حالة من الحزن الشديد المستمر()1([)1يقول شاعر
مكتئب:
وتحتي بحار بالسى تتدفق وفوقي سحاب بمطر الهم والسى
ويقول آخر:
سوادٍ في ســـواد] سواد ٌ في َ شعري مثل حظي فثوبي مثل َ
تنتج عن الظروف المحزنة الليمة,وتعبر عن شيء مفقود,وإن كان
المريض ل يعي-في كل الحالت-المصدر الحقيقي لحزانه 0
وربما كان الدافع الخفي لحدوث الكتئاب,هو تهدئة القلق,ومنع
حدوثه,أو إخفاء العدوان,أو القصاص التكفيري من النفس,أو
استجداء عطف الخرين ورعايتهم 000
وأهم أنواع الكتئاب,هما:الكتئاب العصابي والكتئاب الذهاني 0ول
نريد الخوض في تفصيـل مثل هذا 0
ن أخطار الكتئاب على الصحة النفسية للنسان,وعلى كفاءة إ ّ
أدائه,أكبر مما يظن الكثيرون,حيث يصاحبه جمود انفعالي,يصعب
معه التعاطف الشعوري والبتسام الموضوعي,كما أنه في حالته
الشديدة يضعف صلة المبتلى به بالواقع الخارجي,كما أنه يؤدي إلى
احتقار النسان لذاته,إلى جانب أنه يؤدي إلى هبوط النشاط
النفسي
والحركي والوظائف العقلية,وقد يدعو صاحبه إلى النتـــــــــــحار 0
كيــــــــــف نتحامى الكتـئاب؟؟0
السباب التي تؤدي إلى الكتئاب,ليست واضحة تماماً,فربما عادت
الصابة به إلى تذبذب في كيمياء المخ,أو إلى بُعد الهوة بين
النجازات والطموحات,أو إلى حالت متكررة من الخفاق,أو بسبب
المقارنة مع الخرين,أو بسبب الحرص على درجة عالية
__145
من(المثالية)ل يتمكن صاحبها من بلوغها 000ومع هذا فإن الكتئاب
شائع جداً,
ودرجاته المنخفضة مخبورة لمعظم الناس 0وأكثر الناس ل يعيرونه
الهتمام المطلوب ,وهذا ليس خطأ عندما يكون الكتئاب في درجة
متدنية؛ولذا فإن ما سنذكره هنا من أساليب ووسائل لحماية النفس
من الكتئاب كثيرة جداً,ولها علقة بجوانب عديدة من حياتنا
0وسنقتصر على بعضها خوف الطالة:
-سيكون المكتئب محظوظا ً إذا استطاع ان يحدد المصادر والعوامل
التي أدت إلى اكتئابه؛لن ذلك سيساعد على معالجتها والتعامل
معها 0وقد يكون من العسير على الواحد منا وهو في وسط
المعمعة أن يحدد مصادر مشكلته,فينبغي أل يتردد في استشارة
ن حالت طبيب أو صديق يثق في صداقته وخبرته 0ومن المؤسف أ َّ
الكتئاب الشديد تبدد الصداقات,وتشتت الصدقاء 000وقليل أولئك
الذين يقفون إلى جانب المكتئب في محنته حتى النهاية,مع أنه
بحاجة ماسة إلى دعم اجتماعي قوي وغير مشروط,حتى يتخلص
من التمحور حول ذاته ,وحتى يهتدي إلى المخارج التي يتمكن بها
من مغادرة النفق المظلم الذي وجد نفسه فيه 0
-يحوَّل الكتئاب صاحبه إلى إنسان كسول مسلوب الرادة
والقدرة,ولذا فمن المهم أن يغمس نفسه في أنشطة يومية
بسيطة مثل تلوة جزء من القرآن أو كتابة رسالة بسيطة,أو إجراء
اتصال هاتفي,أو التيان بالطفال من المدرسة,أو اللقاء مع بعض
ن هذه النشطة وما شاكلها تجعل المكتئب الخوان والصدقاء 000إ ّ
يشعر أنه أفات-ولو جزئياً -من قبضة الكتئاب الذي عطل الكثير
من أعماله اليومية المعتادة 0
خمة ومكبَّرة,ويقوَّم إنجازاته تقويماً-المكتئب يرى أخطاءه مض َّ
سلبياً,مما يجعله مغمورا ً بأمواج الفكار السلبية السوداء عن ماضيه
وحاضره ومستقبله,وبالتالي عن ذاته وإمكاناته وهذا يفرض على
المصاب بالكتئاب أن يقطع حواره الداخلي وأن يوفر لنفسه قدراً
من الراحة العقلية 0وأسهل الطرق وأسرعها إلى تحقيق ذلك
هو(التناسي وعدم التفكير)وعليه أن يشغل تفكيره عوضا ً عن ذلك
بقراءة شيء أو تأمل شيء 0المكتئب يفقد ثقته في نفسه,ولذا
فإن من المفيد له أن يفكر بما يملك من إيجابيات ونجاحات
وقدرات؛ليتخذ من ذلك رأس جسر على طريق استعادته لحالته
المزاجية الطبيعيةوالسرية 0
__146
-إن الكتئاب مثل سوس السنان يصطفي المواقع الصالحة
لعمله؛وحتى يحمي النسان نفسه من الكتئاب,فإن عليه أن يكون
في الوضعية الصحيحة قبل كل شيء:الوضعية التي يكون فيها في
أحسن أحواله,وذلك عن طريق أمور عدة ,مثل :إعطاء الجسم
حقه من الغذاء والنوم والرياضة,حيث إن التداخل بين أحوال
النفس والجسد معقد 0كما أن عليه أن يكون واضحا ً في مبادئه
وقيمه وأفكاره وأهدافه,فالكتئاب يتغذى على الغموض؛والوضوح
هو عدوه الول .كما أن من المفيد في هذا الطار أل يحرم المرء
نفسه من حقها من بعض المباهج المباحة,فالرتابة والضغوط
الحياتية الشديدة,والجدية الزائدة عن الحد,كل أولئك يؤهل النسان
للصابة بالكتئاب 0
الكتئاب كثيرا ً ما يصيب أولئك الشخاص الذين وضعوا كل بيضهم
في سلة واحدة حين وضعوا كل إمكاناتهم وآمالهم في نجاح
عمل,أو نيل شيء,فإذا لم ينالوه شعروا بأن كل شيء قد
انتهى,ولم يعد ثمة مجال لعمل أي شيء 0
العزلة والنطواء وقلة الصدقاء,مرشحات قوية للصابة
بالكتئاب,وسيكون من المهم للنسان أن يظل منفتحا ً ومستعداً
لقامة علقات اجتماعية ناجحة,ومستعدا ً لرعايتها والمحافظة
عليها,حتى يتلقى منها في النهاية ما يحتاج إليه من دعم ول سيما
في وقت الزمــــــــــــــات 0
الثـقة بالنفـس واحترامهـــــــــا:
مطالبة المسلم بأن يزكي نفسه,ويطهرها,ويراقبها؛ل تعني أن
يهينها,وأن يحتقرها,وأن يبخسها حقها,بل إن هناك من النصوص ما
َ
ينهي عن ذلك,فليس للمسلم أن يذل نفسه وذلك بأن يكل ّفها ما ل
تطيق,أو يعرضها للوقوع في المهالك .وهو إلى جانب ذلك مأمور
بأن يثق بعون الله-تعالى-له,كما أنه مطالب بأل يتهم نفسه بأمور
هي منها بريئة,وأن يعرف قدر نفسه من خلل ذكر
ن الله-جل وعل-جعل إنجازاته,واكتشاف المكانات الكامنة فيه 0إ ّ
باب التوبة مفتوحا ً أمام العبد مدى الحياة حتى ل يكوَّن فكرة نهائية
عن نفسه,وحتى يظل قادرا ً على تجديد الثقة بها وبإمكانية إصلحها
0
كثير من الناس يفقد بنفسه واحترامه لها بسبب الخفاقات
المتكررة التي واجهها,أو بسبب أخطاء مرحلة الصبا 0وبعضهم
يكون كذلك بسبب مقارنته لنفسه بأشخاص,يعتقد أنهم أفضل منه
__147
بكثير,وأن ل أمل باللحاق بهم 0وبعضهم يكون كذلك بسبب ضخامة
طموحاته,حيث يشعر دائما ً بالنحسار والنكسار 0والحقيقة أن
السباب التي تقف خلف هذه الظاهرة كثيرة ومتشابكة,وبعضها
يستعصي على التحديد 0
كيــــــــف نبني الثقة بأنفسنا؟
احترام النفس نتيجة مباشرة للثقة بها,كما أن ازدراءها نتيجة
مباشرة للشعور بنقصها .
وحين نعتقد أن كل الحوال والوضاع السيئة,تظل قابلة لدرجة من
الصلح والتحسين فإننا في الغالب سنجد السلوب الذي نصلحها
به 0والمشكل دائما ً يكمن في ضعف الهتمام بالمشكلت,وفي ظن
ماهو في طور(الصيرورة) متحجرا ً ومنتهينا ً .
الطرق والوسائل التي تعزز ثقة النسان بنفسه كثيرة,نذكر منها ما
يلي:
ن الثقة بالنفس شيء محدد -سيكون من الخطأ العتقاد بأ ّ
ن الثقة بالنفس شيء وموحد,وعلينا فقط أن نمد أيدينا لنتناوله 0إ ّ
متأرجح,فبعض الخفاق,يخفض درجته,كما أن بعض النجاح يزيد فيه
0وثقة الناس بأنفسهم درجات عدة 0وليست زيادة الثقة بالنفس
على نحو مبالغ فيه بالشيء الحميد؛فقد تدفع الثقة الزائدة بالنفس
إلى بعض العمال الطائشة والمتهورة,وبذلك فإنها تكون أول خطوة
على طريق الحباط,والتقدير المنخفض للذات؛ولذا فإن العقلء
يتركون في أنفسهم مساحة ما من الشك في قدراتهم,وتلك
المساحة هي التي تولد لديهم الحرص على التطور,كما تولد لديهم
درجة من الحذر تجاه المغامرة والتسرع في تناول المور 0
ومع هذا فكثير من التقاليد الثقافية يدفع الناس إلى أن يظهروا
واثقين بأنفسهم أكثر مما هم عليه في واقع الحال؛وهذا بسبب
أزمة لولئك الذين يحرصون دائما ً على أن يقيَّموا أنفسهم دائما ً من
خلل المقارنة مع الخرين,ولولئك الذين يعتقدون أنهم غير
محظوظين في هذا الباب 0
-الممارسة عامل مهم في اكتساب الثقة في النفس,فالنسان يولد
مزودا ً بالحذر من كل شيء,والخوف من التعامل معه 0والمعلومات
التي نستفيدها عن المحيط والشياء,تقلل من ذلك الخوف,لكنها ل
تخلصنا منه 0الممارسة وحدها هي التي تبخر ذلك الخوف ,الذي
يحد من ثقتنا بأنفسنا,وهي وحدها التي تقضي على الوهام التي
__148
ننسجها حول الشياء .الخريج الجامعي,يتهيب التدريس,ويشك في
مقدرته على القيام به على نحو جيد,وكلما انغمس في إعطاء
الدروس اكتسب المزيد من الثقة بنفسه 0وسوف تزيد ثقته بنفسه
جه)أو عندما يلقي درساً أكثر عندما يلقي درسا ً ناجحا ً أمام(المو َّ
نموذجيا ً أمام زملئه,أو حين يدَّرس طلب الصف الثالث الثانوي
000
-بعض الناس,ل يفكر في بناء ثقته بنفسه إل عندما يكون في حالة
تدهور أو انزعاج أو عندما يواجه مشكلة أو أزمة,مع أن الصواب أن
ن علينا أننخطط لهذا المر ونحن في حالة انشراح وارتياح 0إ ّ
ندرك أن الكثير من الثقة بالنفس ,ل يأتي عن طريق التخطيط,ول
يولد ولدة صناعية,وإنما هو ثمرة النجاح في الحياة ومظهر من
مظاهر التوازن النفسي 0
-الشعور بالثقة شعور خاص,لكن له بُعد اجتماعي,ففي أوقات
الزمات-خاصة-يتأثر المرء بآراء الخرين ومواقفهم تأثرا ً بالغا [(
ً (0)1
__149
على أنها مصدر للمعلومات,ومصدر للوعي والتجربة,فيستفيدوا
منها .
-كثيرون أولئك الذين يعانون من مشكلة في الشكل أو البنية
الجسدية أو العمل ..
وكثير ممن هم كذلك,يقوم ببعض التصرفات التي يظن أنها تستر
مشكلته عن عيون الناس على نحو ما يفعل بعض المفلسين من
رجال العمال حين يتحدثون عن الجهود الجبارة التي بذلوها
لجتناب الفلس 0وكما يفعل قبيح الشكل حين يلبس بعض
الملبس التي ل تليق بمن هم في سنه أو مكانته ..وسائل
كثيرة,تستهدف القضاء على الحساس بالنقص,لكنها في الحقيقة
قلما تفلح في ذلك,بل كثيرا ً ما تؤرق صاحبها وتقلقه,حيث يخشى
أن يكتشف الناس حقيقة أمره 0ولو أن الواحد منا انصرف عن
التفكير في مشكلته,وتجاهلها لكان أجدى له,وأعون على كسب
احترامه لنفسه,واحترام الخرين أيضاً 0
-إذا تمكن النسان من معرفة السباب التي تجعل ثقته بنفسه
ضئيلة,فإن عليه أن يتأمل فيما يمكن أن يفعله لمعالجتها,فالذي
يشكو من ضعف قدرته على بناء علقات اجتماعية جيدة,يستطيع
أن يقرأ كتابا ً أو أكثر عن معاملة الناس وكسب الصدقاء,وتفهم
أصول العلقات العامة 0والذي يرى أن العجلة-مثلً-هي سبب
إخفاقاته المتكررة,يمكنه أن يتعلم كيف يخطط حياته,وكيف يحد
من اندفاعه بمحاسبة نفسه واستشارة غيره .
هكذا فأفضل علج هو ذاك الذي يسد ّ منافذ المرض,ومداخل
الشكوى,وكلما استطاع النسان أن يضيّق تلك المنافذ شعر بالمزيد
من الثقة بالنفس,وبالمزيد من التقدير لها 0
-التعويض والحلل أسلوب آخر يمكن اتباعه في معالجة أسباب
الشعور بالنقص وضعف الثقة 0فإذا كانت المشكلة المتسببة في
الستخفاف بالذات غير قابلة للمعالجة,فإن بإمكان المرء أن يبحث
عن شيء يخفف من آثار تلك المشكلة ويوفر في الوقت نفسه
فرصة للثقة بالذات؛فإذا كان المرء يعاني من قماءة شديدة-مثلً-
فإن بإمكانه أن يتجاوزها,ويرتاد الفاق الذهنية والفكرية,فنحن نقدر
أهل العلم والفكر تقديرا ً عالياً,ول يخطر في بالنا تقويمهم من خلل
أشكالهم وألوانهم 0
وإذا كان المرء يشعر بانخفاض درجة ذكائه,فإنه يستطيع التعويض
عن ذلك بتكثيف القراءة وتحسين الفهم 0ويستطيع من يشكو
__150
سن مستواه في الفقر,وضعف المكانات المادية أن يح َّ
الدارة,فيدير وقته وإمكاناته المحدودة على نحو كفء,كما يستطيع
سن من خلله أن يتعلم مهنة رائجة,أو القيام بعمل إضافي,يح َّ
مستواه المادي وهكذا 000
إنه ما يغلق باب حتى يفتح باب آخر,لكن قصورنا التربوي والثقافي
يجعلنا نُشغل بالباب الذي أغلق عن الباب الذي فتح,وبذلك نضيع
فرصا ً كثيرة,ونخسر قضايا عديدة 0
-ل يحب الناس السماع إلى قصص الخفاق وسوء الحظ,كما ل
يحبون أن يروا على المرء أمارات الفقر وعدم الهتمام؛ولذا فمن
المهم للمرء أل يدمن الشكوى إلى الناس,
فيقابلوه بما يؤكد له أنه ضعيف,ويستحق الشفاق والمساعدة 0كما
م عن الفوضى أن من المهم كذلك أل يظهر المرء بمظهر ين ّ
السلوكية,أو الفقر المدقع ...فذاك يخفض ثقته بنفسه,وثقة الناس
فيه,وكل المرين ضار بتوازن الشخصية 0
المطلوب أن نبحث عن الشخاص الذي يساعدوننا على الثقة
بأنفسنا,وكم من زوجة غيَّرت مسار حياة زوجها بسبب دعمها
وتشجيعها له,وكم من صديق دفع صديقه إلى أعلى مراتب النجاح
بسبب ثقة به,ودللته على مكامن النجاح!0
مين لحترام الذات,فاليائس إنسان -إن اليأس أحد العداء المه َّ
أعلن الستسلم وألقى أسلحته,حيث اعتقد أن كل دفاعاته,قد
انهارت,ولم يبقَ أمامه سوى انتظار النتائج المأساوية التـي تقترب
منه!0
بإن المؤمن ل ييئس أبداً,وكيف يصاب بانقطاع الرجاء,وهو عبد لر َّ
كريم معين رحيم,
ل يزداد على السؤال إل كرما ً وجوداً؟إن عظماء الرجال,ليسوا
أولئك الذين يستسلمون لمل أعدّوه من مقدمات وأسباب
للفوز,وإنما أولئك الذين يستمدون طاقتهم العظمى من(الغيب(عبر
ثقتهم بعون الله وتوفيقه وتذليله الصعاب لعباده المؤمنين 0
إن المسلم ل يستسلم؛لنه حين تنقطع به السباب,يتصل بمسبب
سن السباب-سبحانه -وبذلك يظل يأمل في زوال الغُمة وتح ُّ
الحوال 0
إن النسان ليس ضئيلً,لكنه كسول إلى حد بعيد,وإن علينا أن نثق
َ
أن ما هو كائن لدينا أعظم بكثير مما هو ظاهر,وما هو معط ّل أكبر
__151
مما هو مستغل؛ولذا فإن هناك مساحات شاسعة لتجاوز كل
الصعاب وتحقيق أسمى المطالب والرغاب 0
الدارة الصلبـــــــــــــة:
كل إنسان يملك درجة من الدارة,كما يملك قدرا ً من القدرة 0ومن
مجموع الدارة والقدرة يتكون العمل 0الدارة والقدرة تتفاوتان بين
شخص وآخر,لكن مشكلة معظم الناس,ليست في ضآلة إمكاناتهم
وطاقاتهم,وإنما في افتقارهم إلى القدر المطلوب من الدارة
والعزيمة والتصميم 0خالد وسعيد,كل منهما يملك القدرة على
ل يوم,لكن الذي يفعل ذلك هو سعيد؛أما ة ك َّقراءة شيء نافع ساع ً
خالد فيؤثر الستلقاء,أو مسامرة الصدقاء!0إنا مما يؤسف له أن
تزداد قدرات الناس اليوم على نحو مدهش بسبب معاونة
سب أولئك المنتجات التقنية المختلفة,في الوقت الذي ترتفع فيه ن ِ َ
الذين يُذعنون لرغباتهم وأهوائهم! وهذه الوضعية ناشئة في تصوري
من ثلثة أمور هــــــــي:
أ-تراجع مستوى التَّدَيُّن الحق لدى كثير من الناس,أضعف إرادتهم
ل الرادع عن الجري خلف ل الحافز على أعمال الخير,وق ّ حيث ق ّ
المتع والشهوات,كما أن النظرة إلى الدنيا على أنها ممر إلى
الخرة قد تغيرت-في البنية العميقة لثقافتنا-لدى كثير من
المسلمين 0
ب-كثرة الشياء المحيطة بالنسان,أوجدت متطلبات وضغوطاً
جديدة عليه؛مما قيد إرادته,وقنن حركتــــــــــــــه 0
ج-أسهم كثير من الفلسفة وعلماء النفس إسهاما ً سلبيا ً في هذه
القضية,حين أعطوا لبعض العوامل ثقل ً نوعيا ً في السيطرة على
التصرفات,فقد كان (نيتشه) وكذلك(شوبنهور)
ينكران حرية الدارة 0ومدرسة(التحليل النفسي)تقول إن الشهوة
الجنسية (اللبيدو) هي العامل المسيطر على تصرفاتنا-ومدرسة
السلوكيين تنفي وجود شيء يسمى الدارة أو الوعي؛وكل شيء
سر في ضوء الثارة والستجابة 0ونتيجة للثقافة النفسية عندهم يف َّ
والسلوكية السائدة,صار كثيرون يعتقدون أن للنسان إذا بلغ سن
النضج صعب عليه بعد ذلك أن يغير شيئا من عاداته وأخلقه!0
__154
وهنية 0لنحاول أن نضيف إلى أنشطتنا اليومية والسبوعية
والشهرية نشاطا ً صغيراً 0وهذه في الحقيقة أفضل طريقة لتكوين
عادات جديدة 0إذا استطاع المرء اللتزام بما أضافه إلى
نشاطه,فإنه يكون قد عوَّد نفسه البطولة على نطاق ضيق 0
فس النسان على -كثيرا ً ما تتجلى قوة الدارة في طول ن َ َ
المتابعة,ومن ثم فإنه يمكن تدريب النفس على المثابرة على بعض
العمال التي نتضايق عادة من الستمرار فيها,وسيكون من الجميل
أن يعوَّد المرء نفسه صلة ركعتين طويلتين ,يقرأ فيهما نصف جزء
من القرآن مع الحرص على الخشوع 0وكذلك قراءة جزء من
القرآن دون التفات أو انقطاع 0بل يمكن للمرء أن يقوم ببعض
العمال التي ل تعني شيئا ً بغية تقوية إدارته,
وذلك كأن يقف على كرسي وذراعاه متشابكتان فوق صدره لمدة
عشر دقائق .أو أن يحضر مئة عود ثقاب,أو مئة قصاصة ورق,ثم
يعمد إلى وضعها في صندوق بتؤدة وأناة 0
-من المجالت المهمة لتربية الدارة حرمان النفس من شيء مما
اعتادته,مما هو كمالي,ول ضرر في القلل منه,كالمتناع عن نوع
من الشراب,أو الحلوى المف َّ
ضلة 0
عادات الستيقاظ من النوم مجال مهم لهذا,فكثير من الناس
يستمتعون بالستيقاظ المتدرج الذي قد يستمر أكثر من
ساعة!وسيكون من الحميد أن يقصر النسان نفسه على
الستيقاظ السريع فور النداء عليه,أو سماع جرس المنبه؛ فذلك
يجعل المرء يشعر بقوة الدارة,كما أن التجاه الذهني عند
الستيقاظ كثيرا ً ما ينعكس على عمل اليوم كله 0
العادة هي:كل عمل يتكرر من غير تدخل من جانب الدارة,وأكثر
عاداتنا-الحميد منها والمذموم-يُكتسب عن طريق التربية 0والتخلي
عما ينبغي أن نتخلى عنه منها,ل بد أن يتم عن طريق تدخل الدارة
0لنحاول دائما ً أن نضفي على عاداتنا نكهة الدارة الواعية,حتى ل
نقع في فخ الرتابة التي هي عدو ى لدود للرادة الحرة,وحتى نشعر
بالتمكن من تسير حياتنا فيما هو خير 0وقد قال الفقهاء:إن النيّة
الحسنة تحوَّل المباحات إلى عبادات 0
وسيكون من المهم أن نحاول إحلل عادة حسنة في موضع عادة
قبيحة؛ فالمطلوب من الذي تعوّد الجأر بالشكوى من سوء الحوال
ليس أن يكف عن ذلك,ويصمت,بل أن يتعود التحدث بنعم الله-جل
وعل-والثناء عليه,وتذكر الشياء الجميلة الموجودة في حياته 0والذي
__155
تعوّد كثرة النوم,ل يطلب منه القلل منه فحسب,بل عليه أن يتعود
استخدام ما يفيض من الوقت في عمل نافع بعد أن تخلص من
النوم الذي ل حاجة له وهـــــــــــكـــــــــــذا 000
-البتكار والبداع,من أهم سمات الدارة القوية؛ولذا فإن تدريب
النسان نفسه على إبداع بعض الشياء,هو في الحقيقة تدريب على
تقوية الرادة .القدرة على البتكار ,هي القدرة على إيجاد شيء
من ل شيء,أو هي إيجاد شيء رائع من شيء أو أشياء تافهة؛فهل
يشك أحد أن في اللوحة الرائعة شيئا ً هو أكثر من القرطاس
واللوان والطار؟
الميل إلى البداع يولد مع أكثر الناس بدرجات متفاوتة,ولكنه يظل
ة للحساس بالنقص,أو ضآلة الثقافة,أو عجز التربية دفينا ً نتيج ً
والبيئة المحيطة 000ل ينبغي أن يُظن أن البداع هو ناتج آلي
للموهبة,فالشواهد الملموسة تؤكد أن المثابرة وحسن إدارة
المكانات المحدودة أعظم أثرا ً في إيجاد الشياء المبتكرة من
الومضات الذهنية أو المكانات العقلية الفائقة()1([)1يقول أحد
المفكرين:إن الذكاء ل ينفع الذين ل يملكون سواه شيئاً 0]0ليحاول
كل منا أن يعتق نفسه من ربقة التقليد,وأن يشق لنفسه طريقا ً في
الحياة,يضفي عليه التميز ,وليحاول أن يعمل عمل ً فذا ً يضع عليه
لمساته الخاصة,ويصب فيه ما ينفرد به من رؤى ونماذج وإمكانات
ومواهب 000وبمجرد العزم على فعل ذلك تكون قد بدأنا مرحلة
انتصار الرادة .
-ليحاول من يريد تقوية إرادته أن يتخذ من بعض الشخصيات
الناجحة والمتفوقة مثل ً أعلى ؛فمعظم الناجحين,يملكون قوة
سيَرهم أوالصرار على المضي مهما كانت الصعاب 0وقراءة ِ
التصال بهم,ومعرفة أخلقهم وعاداتهم ...كل ذلك يجعل المرء
يقلدهم,
سيَرهم ستشكل له البيئة ويقتدي بهم؛وإذا ما عثر على بغيته فإن ِ
الجديدة والمساندة في دعم إرادته وتقويتها 0وتاريخنا السلمي
غني جدا ً بالرجال الفذاذ الذين صنعوا العجائب في أسوأ
سيَر
الظروف,وحسبك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وب ِ
أصحابه الكرام,ففيها ما يكفي ويغني,ويفيض 0
حســــــــــم الصراع الداخـلي-:
لكل منا طاقاته وإمكاناته,إلى جانب التزامه وواجباته,بالضافة إلى
أهدافه وطموحاته ومصالحه 000وكثيرا ً ما يجري صراع شديد داخل
__156
نفوسنا حول أجزاء هذه الشبكة النفسية المعقدة,صراع متعدد
الوجود,متفاوت الشكال والوتائر 0الصراع الداخلي مزعج
للغاية,حيث تتشتت بصاحبة السبل,وتغشى أهدافه عتمة التردد,كما
يضطرب سلوكه ومواقفه 0ويفوَّت الصراع كثيرا ً من الفرص,إذ إنه
أكبر عائق في وجه اتخاذ القرارات المهمة 0من الضروري للمرء أن
ن الصراع يتجدد مع يتعلم حسم الصراع الذي يدور في نفسه,وبما أ ّ
ن من المهم أن يكون للنسان تجدد المواقف الحياتية المختلفة,فإ ّ
أصوله وأساليبه ومعاييره الخاصة في ذلك 0وأتصور أن مما يفيد
في تحديد ذلك مـا يلـي-:
-في داخل كل منّا شخصيات عدة,وعليه مسؤوليات متنوعة,ول بد
عند حسم الصراع من إعطاء كل جانب حقه من الوقت والهتمام
والجهد 0ولدى النسان قابلية شديدة للنحياز,مما يستوجب النتباه
ن الله-جل وعل-حقوقا ً يومية,ل بد من أدائها 0ولثقافة والحذر 0إ ّ
النسان وجسده ووظيفته وأهله وإخوانه ...حقوق ل بد أيضا ً من
القيام بها 0والخلل الذي يحدث في مراعاة هذه الحقوق ل يظهر
أثره على المدى القصير,لكن إذا استمر مدة طويلة,فإن عواقبه
تكون وخيمة 0قد تبدو بعض المور المهمة في بعض الحيان؛مما
يستوجب أن نوجه إليها عناية أشد؛وهذا طبيعي,لكن في الوضاع
العادية والعامة يجب أن يحسم الصراع دائما ً لصالح التوازن
والعتدال 0
-عندما نريد حسم الصراع داخل نفوسنا حول مشروع أو عمل أو
موقف أو اختبار شيء ما,فإن من المهم أن نحسمه لصالح
المبدأ,وليس المصلحة,والحساب الجل,وليس العاجل,والدائم
وليس المـؤقت 0
أمران فاعمد للعـــــــف وإذا تشاجر في فـؤادك مـرة ً
ل
الجم ِ
وحسم الصراع على غير هذا النحو,ل يعد حسماً,بمقدار ماهو بداية
سي الرؤية والح ّ لمشكلت وتوترات جديدة 0والمسلم مستقبل ّّ
م والمنهج,ولبد أن ينحاز في النهاية إلى ما ينسجم مع ذلك 0 واله ّ
0من المفيد للمرء أن يجمع المعلومات المتعلقة بالمسألة موضع
النزاع قبل اتخاذ أي قرار .
كما أن من المهم استقصاء وجهات النظر المتعلقة بها,والستفادة
من نصح ذوي الحكمة والتجربة؛ولكن عند الخذ برأي واحد
__157
منهم,فينبغي أن يتم ذلك وفق ما يستشعره المرء في
نفسه(:استفت قلبك وإن أفناك المفتون) .
وسيكون من الضرر أن نحسم صراعاتنا بعيدا ً عن بصيرتنا الداخلية
بسبب الرضوخ لمكانة من نستشيرهم أو مركزهم أو خبراتهم,أو
أي سبب آخر 0
-لبد لحسم أي صراع إذا ما أريد له أن يفلح من أن يتم في ضوء
من يشعر بوطأة الحيرة المكانات المتاحة؛إذ إن هناك َ
والتردد,فيحاول الخلص,واتخاذ قرار أي قرار مهما تكن الظروف
والحوال 0وحين تسير المور على هذا النحو ,فإن إنهاء الصراع
يكون كحال من يداوي عينا ً بقلعها !0
نحن نتحرك دائما ً في أجواء مزدحمة,وذات مطالب متناقضة؛وإذا
فل بد من التريث عند اتخاذ أي قرار,ول بد من حساب تكاليفه
وتبعاته؛حتى ل نخرج من أزمة إلى أزمة ومن حيرة إلى أخرى
0وفي الختام أود أقول:إن وجود الصراع شيء طبيعي,ودليل حيوية
المرء,ورهافة أحساسة,ما دام ذلك الصراع تحت السيطرة,وما
دمنا نعرف كيف نديره إن لم نعرف كيف نحسم أمره 0
كـــــــــــافئ نفسك:
ل شيء في سن ك ّالعيش في الزمان الصعب,يتطلب أن نح َّ
حياتنا,وهذا القدر الهائل المطلوب من التحسين,ل يمكن أن يتم
دون مضاعفة الجهود,ودون المزيد من التنظيم وتأجيل الرغبات
000وهذا كله يعني زيادة أعبائنا النفسية 0
مهما كان أحدنا قوي الشكيمة,ماضي العزيمة,فإن لتحمله في
النهاية حدوداً 0وعدم النتباه لتلك الحدود,قد يفضي إلى أن ننفض
أيدينا في النهاية من كل برامج التطوير والتحسين 0وقد يفضي إلى
أن نعمل كثيراً,وننتج قليلً,وذلك عندما يجثم الملل والسأم على
صدورنا,وعندما ل نستمع ببعض ثمار الجهود المضنية التي نبذلها
0وليس المقصود من مكأفاة النفس المساعدة على تحمل
الضغوط النفسية فحسب,وإنما إيجاد بيئة تساعد على تغيير
العادات والتجاهات الفرعية التي نرغب في التخلي عنها؛فالوقت
المملوء بالجد والمهام يقوَّض مقدرتنا على التطور,ويضعف من
استجابتنا لدواعيه؛لذا كان ل بد من أن يبتدع كل منا نظاما ً يكافئ
من خلله نفسه كيما يستطيع الستمرار والنمو على الوجه
المطلوب 0ونقارح في مكأفاة النفس ما يلي-:
__158
-ل ريب في أن مكأفاة النفس حتى تؤتي ثمارها,ينبغي أن
تكون(مشروعة),ول بد كذلك أن تكون(آمنة)ل تسبب حدوث
مشكلت شخصية أو اجتماعية,فالذي يكافئ نفسه بتناول بعض
الوجبات الشهية المؤذية لصحته,يكون قد اختار المكافأة الخاطئة 0
والذي يكافئ نفسه بالسفر مع أصدقائه؛مما يسبب له مشكلت
عائلية,يكون قد فعل مثل ذلك 0
-لبد لمكافأة النفس حتى تؤدي وظيفتها من أن تكون(ممتعة)
0يمكن إلى جانب ذلك أن نتخذ منها عنصر هدم البعض العادات
السيئة,أو عامل تعويض عن أشياء,نشعر بالعوز إليها؛وعلى سبيل
المثال فإن أحسن مكافأة لمن تعود أن يقوم عن الطعام بسرعة
أن يعِد نفسه بالبقاء دقائق إضافية على الفطار,كما أن المكافأة
المفضلة لمن تعوَّد مواصلة العمل الكثيف,أن ينظم لنفسه رحلة أو
إجازة,وهكذا 000
-لنستخدم المكافآت للقيام بالعمال غير المحببة,فإذا
كانت(القراءة)ثقيلة على نفسي فإنه سيكون بإمكاني أن أعد
نفسي بنصف ساعة واحد بعد كل ساعتين أقرأ فيهما 0
ويمكن أن أعد نفسي بزيارة لحد القرباء,أو بنزهة قصيرة عند
إتمام قراءة الكتابي الفلني 0إننا بذلك نمارس نوعا ً من الحيلة على
أنفسنا,كما يفعل صانعو الدواء حين يضيفون إلى المادة الفعالة فيه
شيئا ً حلواً,يجعل تناولها مستساغاً 0
-المكافأة الفعالة,هي التي تأتي بعد إنجاز العمل مباشرة,وإل فإنها
تفقد قيمتها على الحث,وقدرتها على كسر الحواجز والعوائق
النفسية 0بعض الناس ل يتأخر في مكافأة نفسه,وإنما يماطل
أيضاً,وقد يخلف الوعد الذي قطعه على نفسه,مما يقلل من حجم
الستجابة للمكافآت الموعودة في المستقبل 0
ملُول بطبعه,ومهما ن َ
-التنويع في مكافأة النفس أمر مطلوب,إذ إ ّ
كان نوع المكافأة محبباً,وأثيرا ً لدى النفس,فإن تكراره يجعله باهتاً
في النهاية,وغير ذي معنى؛لذا فالمكافأة قد تكون أحيانا ً يتناول
وجبة شهية,أو التحدث في الهاتف مع صديق,أو في أخذ إجازة,أو
شراء شيء جميل 000
-الستراحات أثناء العمل مهمة جدا ً لبعاد الجهاد والسأم,فإذا جعل
المرء العشر دقائق الخيرة من كل ساعة عمل للستراحة,وكسر
الرتابة,فإنه سيجدد نشاطه,ويستعيد حيويته,
وينطلق بروح جديدة 0
__159
ن المهم دائما ً ليس أن نعمل كثيراً,ولكن أن ننتج كثيراً,وأن نحافظ
إ ّ
مع العمل الكثيف على حيويتنا,وعلى قدرتنا على الستمرار مدة
طويلة,وذلك ل يكون إل من خلل
الستراحات القصيرة والطويلة 000
السيـطرة على النفعالت-:
المواقف والشياء والتصرفات والصور والذكريات 000التي تحرك
انفعالت ل تكاد تحصى,ول تكاد تنقطع في أوقات اليقظة
0والنفعالت منها ماهو إيجابي,مثل الحب والعجاب والحترام
والهتمام بالفضائل 000ومنها ما هو سلبي,مثل الخوف والبغض
والغضب والرغبة في النتقام 000وقد أوجد البارئ-جل وعل-هذه
النفعالت في النفس البشرية من أجل حمايتها وتوازنها,وبعث
الحيوية فيها؛فدورها الساسي إيجابي,
لكن إذا تجاوز أي منها حدود(السواء)فغنه يتحول إلى عامل
سلبي,قد يهدم الشخصية كلها 0هناك ما يشبه التفاق على أنه ل
ينبغي إصدار أحكام أخلقية على النفعالت,فالحساس بها,مثل
الحساس بالبرد أو الخمول,لكن الذي يتوجه إليه الحكم
الخلقي,هو (السلوك)أو التعبير عن تلك الحاسيس والعواطف 0
ن اعتقاد المسلم بأن كل ما يصيبه من مصائب ومكدرات بقضاء إ ّ
الله وقدره,واعتقاده بأن ما يأتيه من خبز وفوز ماهو إل شيء
مؤقت وزائل,وأن المصائب يجب أن تقابل بالصبر,والنعم
ل ذلك يمنح شخصيه درجة عالية من التوازن ن ك َّ
بالشكر,إ ّ
والتماسك,وقد قال الله-جل وعل{-:-ما أصاب من مصيبة في
الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك
على الله يسير لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما أتاكم
والله ل يحب كل مختال فخور}[الحديد0]22,23:
التخلق بأخلق القرآن والهتداء بهديه,يجعل ما بداخل النسان
أعلى وأقوى من طوارئ الحداث وانعكاساتها الشعورية
المختلفة,وهذا ما نلمسه في شخص النبي
وسلوكه وتعامله؛فحين دخل مكة فاتحا ً دخلها وقد ألصق صدره
بمقدمة رحله تواضعا ً
وإخباتا ً وشكرا ً الله-تعالى-على نعمة الفتح 0ويقول خادمه أنس بن
مالك-رضي الله عنه( :-خدمت رسول الله عشر سنين,فما قال لي
ُّ أ َّ
ط,ول قال لشيء فعلته:لم فعلت كذا؟ول لشيء لم افعله:أل فق
__160
فما دريت شيئاً فعلت كذا)0وفي رواية(:خدمت رسول الله
ي من الله بما كان)0وافقه ول شيئا ً خالفه رض ّ
مشكلة النفعالت أنها حين تتجاوز الحدود الطبيعية,تسبب للمرء
عددا ً من المشكلت,منها أن الميل الشديد إلى أمر من
المور,كالنفور الشديد منه,يشوش رؤيتنا للخيارات المتعلقة
به,والظروف المحيطة به,والمآلت التي قد يفضي إليها,واتخاذ
قرار بشأنه؛إذ من النار أن نتمكن من إصدار أحكام عقلية منطقية
وموزونة في حالة طغيان النفعال اليجابي أو السلبي,فالنحياز,هو
سيد الموقف:
ن عين السخط تُبْدي كما أ ّ ب كليلة وعين الرضـا عن ك َّ
ل عي ٍ
المـسـاويا
وإلى جانب هذا فإن النفعالت القوية,تفسد كثيرا ً من العلقات بين
الناس,ففي حالة الحب أو الخوف الشديد,يشعر الطرف الخر في
العلقة بعدم التكافؤ 0وفي حالة الغضب,يشعر أن علقته مع رجل
أحمق كانت غلطاً 000
والنفعالت الشديدة-بعد هذا وذاك-أقوى معول يمكن أن
يهدم(الرادة) ويشوه تجلياتها في السلوك,مما يوجب على الواحد
منا أن يتعلم بعض الطرق التي تمكنه من التعامل الجيد مع
انفعالت 0
__162
ومن تغيير الوضعية أيضا ً اللجوء إلى السكوت باعتباره نوعا ً من
إيقاف الغضب عند حده 0وفي الحديث (:إذا غضب أحدكم
فليسكت)قالها ثلثاً 0
كما أن الوضوء والغسل,مما ينصح به في حالة الغضب كذلك,وقد
ورد في الحديث( :إذا غضب أحدكم فليتوضأ)ويمكن للغضبان أن
يغادر المكان,أو يغير مجرى الحديث الذي أثار غضبه,وهكذا 0000
-المعالجة العقلية ذات أثر جيد في السيطرة على
النفعالت,فبعض ردود أفعالنا النفعالية ليس غريزياً,ولكنه عادات
أخذناها عن أسرنا وأصدقائنا,حيث تعلم الكثيرون منا-عندما كانوا
جه إليهم النتباه,أو أنها أسلوب أطفال-أن الثورات النفعالية,تو ّ
مفهوم ومقبول للتعبير عن الغضب وخيبة المل 0ولعلهم يحملون
معهم الرشد العتقاد الضمني
بأنهم يحصلون على ما يريدون إذا كانوا حادَّي
صُفقون البواب ... المزاج,يصرخون,ويضربون الرض بأرجلهم وي َ ْ
ويعتقد كثيرون أيضا ً أن رفع الصوت والظهور بمظهر الضعف
سيجعلهم يربحون قضيتهم مع خصومهم؛وكأن النفعالت
الحادة,صارت وسيلة ابتزاز وقهر للحصول على أشياء غير
مشروعة؛لكن هؤلء ينسون أن التكال على هذا السلوب,يجعل
صاحبه يظهر الضعيف والحمق الذي ل ينبغي أن يلتفت إليها؛كما
أنه على المدى الطويل,يفقد قيمته في تغيير آراء الخرين,وكسب
عواطفهم 0وقد يتسبب هذا السلوب في تحقيق بعض المكاسب
النية,لكنه على المدى الطويل ,يترك انطباعات سيئة,ل تخدم
مصالح صاحبه 0على المجتمع أن يحرم الذين تعودوا النفعال
المصطنع من قطف ما يرمون إليه من ثمار وأن يتجاهل ذلك بغية
الحدمنه 0
-لنشاور غيرنا في الموقف الذي ينبغي اتخاذه تجاه المر الذي سبَّب لنا
انفعال ً حاداً ,إيجابيا ً كان أم سلبيا ً ,فالكثير من الخطأ يكمن في هذه
الحالة في التصرف المنفرد .وإذا تعود النسان أن يشاور
غيره؛فإنه يربح من غير وجه,حيث إنه قد نجح في تأخير اتخاذ قرار
في حالة انفعالية,مما يعني تأخير المواجهة ,ومنح النفس فرصة
جديدة 0ثم إن المشاورة تجعلنا نرى الشياء من زاوية جديدة ,
وذلك يجعل مواقفنا وقراراتنا أكثر حكمة واتزاناً 0واعتياد المشاورة
بعد هذا وذاك,يعني أننا نعطي المور الصعبة ما تستحقه من الوقت
والهتمام,وفي ذلك خير كثير 0
__163
-عصرنا عصر الضغوط والمطالب المتزايدة؛والجملة العصبية لدى
كل واحد منا لها في النهاية طاقة محدودة على التحمل؛ولذا فإن
المتوقع أن ترتفع وتيرة النفعالت المختلفة لدينا,وهذا يفرض علينا
أن نتعلم كيف نخفف عن أنفسنا الضغوط 0والحقيقة أن ذلك يحتاج
إلى نوع من إعادة البرمجة الشخصية,كما يتطلب أن نستخدم ما
لدينا من خيال وإرادة في تحسن قدرتنا على المقاومة .ونحن
بحاجة إلى جانب هذا إلى أن ندرب أنفسنا على(السترخاء)وإلى
تخطيط أعمالنا أكثر كفاءة,حتى يقلل من المفاجآت غير
السارة,كما أننا في إطار من المشروعية والعتدال 0
أضف إلى هذا حاجتنا إلى أن نملك الشجاعة على رفض اللتزام
بأعباء ل نستطيع القيام بها,والبتعاد عن الشخاص الذين تُشعرنا
وضعيتهم العامة بالحباط .
وبعد؛فإن السيطرة على النفعالت,ل تعني كبتها,ولكن تعني حسن
التعبير عنها,وحسن تجسيدها في سلوكاتنا 0والله الموقف والمعين
0
__164
الفصل الول -:
__165
الروح مرة أخرى؛ليستمد منها طاقة البداع والتكيّف مع الظروف
الجديدة,لكنه سوف يجد أنه قد هدم كل المنابع الثّرة التي يمكن
أن يرتوي منها,وسيجد نفسه آنذاك مفلسا ً من المادة والروح معاً!0
إن القاعدة الروحية الخلقية في أي مجتمع هي التي تتحمل
الثقال التي تتولد من طبيعة الحياة المادية والجتماعية,وعن
النتكاسات التي تصاب بها المة في ميادين الحياة المختلفة 0وحين
خطط لهذه المة أن تجعل القيم الخلقية والروحية في مرتبة ُ
متدينة من اهتماماتها,أخذت أخلقها وقيمها في التراجع,كما فقدت
ح الموارد,وجه الكثير من شفافيتها حين واجهت ضائقات العيش وش ّ
المغريات والمحفزات على النحدار 0
الحضارة السلمية كانت غنية في جميع جوانبها,لكن الذي كان
يميزها عن غيرها ذلك الطابع الروحي الخلقي الذي كان يسربل
كل النشطة الحضارية .والحقيقة أن الجاذبية التي تتمتع بها
القرون الولى من تاريخ السلم,تنبع على نحو أساسي من طابع
الستقامة والنبل والتضحية والصفاء والتضامن الهلي الذي كان
يطبع الحياة العامة,وليس من التفوق في الحروب أو العلوم أو
العمران 0
قد آن أن ندرك أنه لن يكون بإمكان أفضل النظم الجتماعية,ول
في إمكان أقسى العقوبات الصارمة أن تقوَّم العوجاج,ول أن تمل
الفراغ الناشئ من ذبول الروح وانحطاط القيم,فالعقوبات ل تنشئ
مجتمعاً,لكنها تحميه 0والنظم مهما كانت محكَمة ومتَقنة لن تحول
دون تجاوز النسان لها,وتأويلها على نحو يفرغها من ج َّ
ل ٍ
مضامينها؛وكل الحضارات المندثرة,تركت تنظيماتها وأدوات ضبطها
خلفها شاهدة ً على نفسها بالعجز والعقــــــــــــــم 0
المنظومة الروحية والخلقية بعد هذا وذاك,هي التي تضبط سلوك
ن يردع الفرد من التقاليد 000ومن ثم فإن وظيفة(الخلق الكريم)أ ْ
أصحابه عن استغلل مساحات(الفراغ القانوني)على وجه
سيَّئ,يضر بالفرد نفسه أو مجتمعه 0إن الحالة الروحية الخلقية,هي
المرآة التي تنعكس عليها عقيدة المجتمع وظروفه وأوضاعه
العامة,ومن ثم فكما أن الخلق السامية,تساعد المجتمع وظروفه
الكثير منه منحه,فإن أزمات المجتمع الفكرية والسياسية
والقتصادية ,00وما يتحصل منها من وعي المجتمع بذاته,تنعكس
بصورة واضحة على أخلق الناس,وتعيد ترتيب سلم القيم لديهم 0
__166
حين يصاب مجتمع بالشلل الخلقي,فإنه يفقد فاعليته العقلية
والجتماعية مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوسع,إل
أن إرادته الحضارية تكون مكبَّلة بالهواء والشهوات والمطامع
الشخصية,وهذه الحالة تستفحل اليوم في طول العالم
وعرضه:المزيد من القوة وتعاظم القدرة,إلى جانب المزيد من
ضعف الرادة والمبادرة!
ميَّة الخلقية,تتمثل في شفافية روحية تمنح قي ِ
إن نواة القاعدة ال ِ
حياة الفرد معنى جديداً,وتصبغ أنشطته كلها بصباغها,وهذه
الشفافية,تستمد كينونتها من معين اليمان بالله-جل وعل-والصلة
به,وإن الشفافية الفطرية التي يتمتع بها بعض الناس تظل مهددة
بقتامة المعاصي,والقلق على المصير,وأوضار النزعة المادية؛وهذا
يعني أن اليمان العميق والمصحوب باللتزام بالسلوك السلمي
يشكل الضمانة الساسية لستمرار التألق الروحي
الفطري,والمكتسب من خلل النشطة العبادية المختلفة 0
إن عماد الشفافية الروحية,هو حب الله-تعالى-الذي يستحق وحده
كمال المحبة,فهو المتصف بجميع صفات الكمال,المنَّزه عن جميع
صفات النقصان ,وهو الذي أسدى الخير,وتكَّرم على عباده بما ل
يحصى من النعماء{:وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها إن
الله لغفور رحيم}[النحل0]18:
هذه المحبة,ل تتحقق في فراغ,ول ينفع فيها الدّعاء المجرد,وإنما
هي إجلل الله-تعالى-ورجاء لما عنده,وخوف من عواقب المعاصي
و المخالفات,إنها استجابات وجدانية وسلوكية لمحبوبات لله من
القوال والحوال والعمال ,قال-سبحانه{-يأيها الذين امنوا من
يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة
على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ول
يخافون لومة لئم}[المائدة0]54:
وتلك الستجابات هي الطريق إلى محبة الله-تعالى-لعبده,وحين
تحصل تلك المحبة,
فإن أخلق العبد كلها تتغير,كما أن حياته كلها تمسي مغمورة
بلطف الله ورضاه وتوفيقه على نحو ما ورد في الحديث
ي بالنوافل حتى أحبَّه,فإذا أحببتُه
القدسي":ول يزال عبدي يتقرب إل ّ
كنت سمعه الذي يسمع به,وبصره الذي يبصر به,ويده التي يبطش
بها,ورجله التي يمشي عليها,ولئن سألني لعطينه,ولئن استعاذني
لعيذنه"0
__167
الشراق الروحي شديد الحساسية,فل بد من مراعاته وتعاهده في
إطار من الشريعة السمحة وآدابها على الصعيد الشخصي
والجتماعي,وبذلك وحده تتأسس القواعد القيمية كلها,وتولد
إمكانات التجديد الخلقي 0إن أعظم المعارك يتم خوضها وحسمها
في حجرات صامتة داخل الروح,ففيها تصنع النتصارات والهزائم
الكبرى,وأساس النجاحات الشخصية هو نجاح روحي في المقام
الول .
خلق وسلوك جديـدان:
لم يكن العيش في زماننا صعبا ً إل لنه عصر الزمات والمشكلت؛فمع
وجود الوفرة في أشياء كثيرة هناك شح متزايد في الموارد وفرص
العمل,مما يتطلب من المسلم الذي ينبغي أن يعيش عصره باستقامة
وكفاءة أن يكون على استعداد للتجديد في أخلقه وسلوكاته وعاداته 0
ول يعني هذا-بالطبع-أن لكل زمان أخلقه الخاصة ,وإنما يعني نوعا ً من
التركيز على بعض المفاهيم والمفردات الخلقية والسلوكية التي
تساعد على الستجابة لتحديات العصر,في إطار من الثوابت والقيم
السلمية العتيدة .
ولعلي أنوَّه إلى أن كل ما سنذكره,وما ذكرناه عن تحسين اللياقة
الشخصية .,وعن تحسين العلقات مع الناس,وعن التأثير في الخرين
000إن كل ذلك يوزن بمقصد المرء ونيته,فكل أشكال القوة والنفوذ
خر في نصرة الحق وإشاعة الخير,كما يمكن أن والكفاءة,يمكن أن تس َّ
نستخدم في البغي والعدوان وتحقيق أهداف غير مشروعة .وعقيدة
المسلم تدفعه في أكثر الحيان إلى أن يحاول تحقيق مصالحه في
إطار من قيمه ومبادئه,كما تدفعه إلى توخي العدل وإحقاق الحق,ونشر
الخير بين الناس,وهذا هو بالضبط ما تتطلبه المواجهة الجيدة
للصعوبات التي نواجهها على مستوى الفرد,وعلى مستوى الجماعة .
ونحن ل نستطيع أن نتحدث هنا عن كل نواحي التجديد الخلقي
والسلوكي ,فلنقتصر إذن على ما نراه أكثر أهمية من خلل النقاط
التالية-:
سنَّـــــة-:
تمســــــك بال ُّ
النبي هو النموذج الذي على المسلمين أن يحاولوا تقليده في
جميع شؤون حياته,ممل لم يفعله بحكم بشريته,ومما ليس من
صوَرت لنا هديه-علية الصلة والسلم-على
ّ خصائصه 0وكتب السنَّة
نحو تام 0ومما هو ملموس في ذلك الهدي صلبة في الحق ل
تعرف الملينة,وخروج من حظوظ النفس ل حدود له,والسير على
هدي القرآن الكريم في كل كبيرة وصغيرة 0التمسك بالسنَّة ل
__168
يعني الجنوح إلى ما هو أكمل وأجمل في جميع أنشطة الحياة
ومواقفها فحسب,وإنما يعني أمرين إضافيين-:
الول:هو تعويد المسلم نفسه,وتمرينها على أن تحيا دائما ً في حالة
من الوعي
الداخلي,والنضباط الذاتي؛فالتزام المرء بالسنَّة يعني حضور نيته
الطيبة في مختلف المواقف والعمال,وتسليط الوعي على حركته
اليومية,فل تزيغ به الهواء,ول تحرفه الضغوط الحياتية؛ويتنسم في
الوقت نفسه عبير الستقامة 0
الثاني:تعظيم الذات الجتماعية,بما يضفي عليها التمسك بالسنَّة
من التجانس والتآلف,فيظهر في سلوكاتهم ومعاملتهم وكأنهم
متشبعون بروح واحدة ,وخاضعون لنظام واحد,وهذا كله يسهل
سن نوعية العلقات بين الناس,بالضافة إلى الحركة الجتماعية,ويح َّ
تأسيسه أعرافا ً صالحة تؤطر النشطة اليومية 0
تجسيد المبادئ الخلقية-:
ل تفتخر أمة من المم بانعدام الخلق لديها,كما أنه ليس هناك من
يخطط لتدمير المنظومة الخلقية لديه,لكن الذي يحدث دائما ً أن
الناس في غمرة تطلعهم إلى تحسين أوضاعهم,قد يقفون بعض
المواقف التي قد تؤدي إلى تحقيق بعض مصالحهم على حساب
بعض مبادئهم,أو التي تؤدي إلى إيجاد ظروف جديدة,ل يكون
للخلق تأثير توجيهي فيها 0
والمعروف أن مل مبدأ أو هدف ل يتحقق يتحول إلى شعار,ثم إلى
نوع من اللغو,ثم إلى وسيلة خداع للغرار 000والضمانة الساسية
لعدم حدوث ذلك ,هي محاولة تجسيد ما تؤمن به من قيم ومبادئ
في أطر وسلوكات محدودة؛ فالذي يماطل في الصدقة بإمكانه أن
يرتب على نفسه مبلغا ً من المال يدفعه كل أسبوع إلى أحد
المحتاجين ،والمهمل في زيارة أرحامه يقوم بترتيب موعد
أسبوعي أو شهري-بحسب الحال-لزيارة أرحامه ووصلهم 0وحين
يشعر المرء بفضل إغاثة الملهوف,يحاول مساعدة هيئة خيرية أو
إغاثته من خلل التطوع في بعض أنشطتها 0والذي يقدَّر قيمة
القرض الحسن في تفريج الكروب المسلمين ,يعزل من ماله
مبلغاً,ويخصصه لقراض من يحتاج إليه من إخوانه ,وهكذا ...
هذا التجسيد لما نؤمن به من قيم ومبادئ هو الدليل على اختلط
مبادئنا بدمائنا ولحومنا,كما أنه الدليل على أن معتقداتنا ل ترسم
ف,وتصوغ ث والك َّ
الفضاء النظري لنا فحسب,وإنما تمارس الح َّ
__169
مفردات أنشطتنا اليومية أيضاً 0إن كثرة الكلم لدينا وقلة
النشطة,تعود إلى قصور آخر في حياتنا الجتماعية,هو ضعف
التقاليد الثقافية التي تمجد الروح العملية الصامتة,فالوجاهة عندنا دائماً
للقدار على الكلم!أضف إلى هذا أن المؤسسات الخيرية التي بإمكانها
استيعاب النشطة الطوعية لكثير من الخيَّرين محدودة جدا ً في عالمنا
السلمي ,مع أنه ليس لدى أمة من الدبيات والتعاليم التي تشجع على
الحسان والمشاركة الجتماعية كالذي لدى أمتنا!0
نـحو أخلق شفيفة-:
إن مظاهر التحضر,وأشكال الرقة واللطف والدماثة في التعامل,ما
هي في الحقيقة سوى قشرة حضارية رقيقة,يكمن تحتها
متوثب,ومستعد للفتراس متى ما حانت الفرصة,أو اقتضت
المصلحة ذلك 000
جلْنا في أحوال معظم الشعوب النامية,وجدنا أن التعانف َ
وإذا أ َ
والتجارب الهلي ,واللجوء إلى حل المشكلت عن طريق الغلبة
والقوة الضاربة-هو الطابع الذي يطبع تصرفات كثير من الناس
وعلقاتهم؛فالخلق الجميلة السهلة المسالمة ما زالت في منأى
عن الحركة اليومية لكثير من الناس,بل إن النفجار الخلقي يمكن
أن يحدث في أي وقت 0
والسبب في ذلك هو ضعف العناية بالشفافية الخلقية وضعف
تركيز المؤسسات والمناهج التربوية عليها,مع أن رصيدنا من
النصوص والتوجيهات في هذا الباب كبير جداً 0
الحروب المحلية المستعرة بين أبناء البلد الواحد في أكثر من
مكان من العالم السلمي هي ثمرة لفقد تلك الشفافية,وهي سبب
للقضاء على البقية الباقية منها()1([0)1في دوائر البناء الحضاري
كثيرا ً ما تكون النتيجة مقدمة إذا نظرت إليها من زاوية ثانية,على
نحو ما نجده من العلقة بين الفقر والمرض.
إن المسلم بحاجة اليوم أن يبني حول نفسه من خلل التثقف
والمجاهدة خطوط دفاع أولية,تحول بينه وبين السلوك الهمجي
سد في مقاتلته لخيه المسلم,والتي تحول دون العدوان الذي يتج َّ
على الممتلكات والحقوق العامة 0
إن لدينا الكثير من النصوص الصحيحة التي تبني تلك الخطوط
المتقدمة,مما يكفي لجعل المسلم يتحرج من إيذاء هرة,أو قطع
شجرة,أو رمي شيء من النفاية في الطريق 000وهذا كله يشكل
__170
في النهاية بُنية نفسية وثقافية عميقة وخيّرة,تشيّد ول تهدم ,وترحم
ول تشمت,وتعطي أكثر مما تأخذ 0
َ
مل معي ما يمكن أن يحصل عليه المسلم حين يتخل ّق بما تشعُّه وتأ َّ
س,والدقة في التصرف,والنضباط بعض النصوص من رهافة الح َّ
الذاتي,على نحو ما نجده في الحاديث الصحيحة التـــــــــالية-:
"-إذا قال المسلم لخيه:يا كافر,فقد باء بها أحدهما,فإن كان كما
قال,وإل رجعت عليه"0
ن المـسـلم كقتلـــــــه" "-لَعْ ُ
شْر أحدكم إلى أخيه بالسلح,فإنه ل يدري لعل الشيطان ينزع "-ل ي ُ ِ
في يده ,فيقع في حفرة من النار"0
"-عُذَّبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت,فدخلت فيها النار,ل هي
أطعمتها ,ولهي سقتها,إذ حبستها,ولهي تركتها تأكل من خشاش
الرض"0
"-ما من مسلم غرس غرساً,فأكل منه إنسان أو دابة إل كان له
صدقـة"0
مى)وعن ب(الح ّوقد ثبت بالضافة إلى كل ما سبق نهيه عن س ّ
ب(الريح) ,كما ثبت نهيه عن البول و التغوط في الماء س ّ
الراكد,وفي طريق الناس,وأماكن استظللهم 0
إن كثيرا ً من المسلمين اليوم يعَّرض سمعة السلم الدولية لسوء
الفهم,بل للحكام الجائرة والحرب السافرة من خلل الصور
الشائنة التي يتيحونها لوسائل العلم العالمية دون أي إحساس
بالمسؤولية!0
إن المسلم حين يطرز حياته بآداب الشريعة,يقدم أرقى صورة
يمكن أن يتطلع إليها إنسان هذا العصر,ويمكن نموذجا ً فذا ً لما
خلُق وسلوك 0 ينبغي أن يكون عليه(المواطن العالمي) الحديث من ُ
التأبَّي الخلـقي-:
خلُقية على درجة عالية من تُثبت الحداث يوما ً بعد يوم أن البُنية ال ُ
الهشاشة فهي لرتباطها بالثقافة والسياسة,والظروف المعيشية
المختلفة,تتسربل بالليونة والمرونة ,ومن ثم فإن إمكانات ضمورها
وتدهورها تظل حاضرة,من خلل التحويرات والتأويلت التي
مل أخلقنا وأرواحنا أعباء تجتاحها 0الشعور بالغتراب هو الخر يح ّ
ثقيلة,تنوء بها 0
سيَر العظماء يجد أنهم دائما ً يملكون طاقة إن الذي ينظر في ِ
كبرى على التميز والتأبي على النجراف في التيار,والمتناع عن
__171
الخضوع للحدود التي ترسمها المعطيات السياسية
والقتصادية,وبالتالي فإنهم يندفعون دائما ً نحو مستقبل مفتوح.إن
التأبي الخلقي,يعني تجاوز الدلئل الزائفة القائمة على جاه
مصطنع ,وحفنة من مال,وشيء من متاع,والتي تراوح فيها
المجتمعات,وترهن كل إمكانات تفتحها لديها 0
التأبي الخلقي يعني أن ننمي ببطء القدرة على ترميز القيم
السائدة,حيث نكف عن رؤية الشياء في ضوء المعايير
القائمة,ونصير إلى طرح أسئلة جديدة عن معنى الحياة عامة,وعن
معنى حباتنا خاصة 0وسيعني هذا بالطبع سباحة ضد التيار,كما يعني
وقوع بعض الخسائر الشخصية,لكن العواقب تستحق التضحية 0
إن(الحرية)ليست ذات بنية ثورية,وإنما هي ثمرة النضج البطيء
الذي نحرزه على صعيد تقويتنا لراداتنا,وعلى صعيد فهمنا لواجباتنا
ومسؤولياتنا 0والتأبي يحتاج في أول ما يحتاج إلى الشعور بالتحرر
الداخلي من استعباد الملذات والمطامع الصغيرة؛وعلى مقدار ما
نحصل عليه من ذلك نتمكن من إيجاد صياغة جديدة لعلقاتنا بما
حولنا,وصياغة رؤية جديدة للحاضر والمستقبل 0وهذا وحده هو
الذي يمكن أن يسمى تقدما ً أخلقياً 0
إن ارتباط المسلم بالمنهج الرباني القوم,يعني دائما ً الرتباط
بثوابت تشده إلى عالم المثل والقيم,وهو عالم مرتبط بكل
الزمنة,كما أنه مرتبط بالجوهر النساني العمق,
وذلك كاف لغلق العديد من أبواب الخضوع لحكام البيئة
ومقتضيات العيش الصعب 0
لياقـــة خلـقية-:
مهما ضاقت الحوال,وتأزمت المور,فإن انعكاساتها على المنظومة
الخلقية,هي الهم؛فالنتصارات والهزائم,وحالت الرخاء
مق مدلولتها في أخلقنا ونفوسنا والشدة,تظل هامشية ما لم تع َّ
وعلقاتنا 000والعيش في الزمان الصعب,ل يتطلب-كما قد يتوهم-
المزيد من الحرص والمزيد من الدوران في فلك المصالح
الشخصية,فذاك يعَّقد المور ,ويكدَّر صفو الجميع,وإنما يتطلب أن
نحرص على بعض الداب والخلق التي تجعل كل واحد منا لئقاً
في نظرة غيره,وهذه اللياقة ينبغي أن تتمحور حول الحسان
والمودة والمشاركة إلى جانب اليحاء بالقوة والنضباط والقدرة
مل المسؤولية,وما إلى ذلك من الخلق اليجابية 0 على الريادة وتح ُّ
__172
وإنما نقول ذلك؛لن المرء حين يشع هذه المعاني في الوسط الذي
يعيش فيه,يؤكد للناس الذين حوله إمكانية النجاة من النعكاسات
السيئة للزمات القتصادية والسياسية والبيئة التي يمر بها سكان
هذا الكوكب اليوم 0وحين ل نتمكن من ذلك على نطاق مقبول,فإن
علينا أن نتوقع الدخول في(دورات أخلقية)كالدورات
القتصادية,وفي هذا من الهانة لكرامة النسان الكثير 0
وأود هنا أن أشير إلى بعض ما يشكّل اللياقة الخلقية الضرورية
للعيش في هذا الزمان من خلل المفـردات التاليـــــــــة-:
أ-إغناء الحياة العامة:إغناء الحياة بكل ما يعود نفعه على النسان
والحيوان والبيئة المحيطة عامة,فنحن وكل ما حولنا,نعيش في
حالة فريدة من التعاون والتكامل-على الرغم من كل أشكال
التنافس-وينبغي أن نتملك الخلق الذي يساعدنا على المساهمة في
إثراء هذا التكامل وتدعيمه,وتأمل معي ما رواه الشيخان من قوله-
علية الصلة والسلم(-:-كل معروف صدقة)0
وما أخرجاه من قوله(:بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك
خره ,فشكر الله له فغفر له)0على الطريق ,فا َّ
إن هناك أنشطة كثيرة ل تعود على الواحد منا بالنفع المباشر,ول
تكلفه الكثير ,لكن عندما يحتسبها المسلم,فإنه يكون في النهاية
أكبر المنتفعين بها 0
وهناك نصوص كثيرة,تؤكد أن المسلم الحق,ل يكون إل متعدي
النفع,متجاوزا ً الصلح إلى الصلح,فبذلك تنتقل المة من مرحلة
الكللة والتهميش؛ولو أن الناس عملوا على نحو ما جاء بنص واحد
من تلك النصوص لتغيَّر الكثير من حالهم؛يقول الله-جل وعل{:-ل
خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح
بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً
عظيما}[النساء0]144:
وفي حديث الشيخين":على كل مسلم صدقة"0قال أبو موسى
الشعري-رضي الله عنه-:-أرأيت إن لم يجد؟قال":يعين ذا الحاجة
الملهوف"0قال:أرأيت إن لم يستطع؟
قال":يأمر بالمعروف أو الخير"0قال:أرأيت إن لم
يفعل؟قال":يمسك عن الشر فإنه صدقة
ب-فضيلة الهتمـام:ربما كانت فضيلة الهتمام من أعظم الفضائل
التي يمكن للنسان أن يتخلق بها,فالقوى النفسية والعقلية,تظل
__173
راكدة ما لم تجد ما يحركها من الرغائب والمحفزات,أو المثيرات
والمقلقات 0
والعيش في الزمان الصعب,يتطلب على نحو جوهري أن نهتم بكل
شيء حتى التفاصيل الصغيرة جداً,فالحياة البالغة التعقيد,جعلت
الهتمام بكل شيء أمرا ً حيوياً 0الهتمام ل ينبغي أن ينصب على
الشياء الشخصية فحسب,وإنما على الحياة العامة,وعلى العلقات
النسانية أيضاً 0الشياء التي ينبغي الهتمام بها كثيرة جداً,نذكر
منـــــــــــــهــــــــا-:
-الهتمام بالخرين:ففي زماننا هذا يتجه كثير من الناس نحو المزيد
من توسيع دائرة(الخصوصية)مما ترتب عليه نوع من الهمال
للشؤون العامة,ونوع من الهمال لمشاعر الخرين,ويمكن أن
نقوا:إن بعض المسلمين باتوا يشعرون بنوع من الضيق إذا ما ألقي
عليهم السلم,أو سمعوا من يسألهم عن أحوالهم ,وهذا تطور
سلبي جدا ً في الحقيقة,ول بد من مقاومته من خلل تدعيم الروح
المشتركة,وإبداء الهتمام بجيراننا وزملئنا ومعارفنا,وكل أولئك
الذين لنا بهم من الصلة أو الحتكاك 0
والتعاليم السلمية في هذا الشأن واضحة جداً,فالمسام مطالب
بأن يلقي السلم على أخيه المسلم,وعلى من ألقى عليه السلم
أن يرد التحية بأحسن منها,كما أنه مطالب بأن يشتمه إذا
عطس,وأن يفسح له في المجلس,وأن يَعُودَه إذا مرض,وأن يكرمه
إذا نزل ضيفا ً عليه,وأن يسأل عنه إذا غاب,وأن يلطفه في
الحديث,ويتعلم كيف يجامله-من غير مبالغة-وأن يبتسم في
وجهه,وأن ينصت له إذا تحدث,ول يقاطعه حتى يفرغ مما يود
قوله,وأن ينصحه,ويقدم له النقد البَنَّاء المهذب في حالة الحاجة
ي أن أستمر في الوقوف إلى ذلك 0وإذا كان محدَّثي واقفاً,فإ َّ
ن عل َّ
ما دام هو كذلك 0
وإن جملة حقوق الخوّة والمعرفة حفظ السر,وإبرار
القسم,والوفاء بالعهد,والدقة في تنفيذ الوعد,وعدم ذكر الخبار
والمسائل التي نشعر أنها تسبب إحراجاً,أو تعكر مزاجاً,أو يعدها
صديقنا من خصوصياته التي ل يجيز تناولها في مجلس عام .أضف
إلى هذا فإن المسلم مطالب بأل يقوم ببعض المور المخلة-عرفاً-
بآداب المجالسة,مثل التثاؤب وفرقعة الصابع,ومد الرجل نحو
الجليس,وما شابة ذلك 00
__174
ة الشخصية للواحد منا,فينبغي أن -مما يحتاج إلى اهتمام:الوضعي ُ
نوحي للخرين بأن شأننا الخاص موضع عناية,وضمن منطقة وعينا
َ
ونقدنا,فنحاول أن يكون كل ما يتصل بنا منظ ّما ً ونظيفا ً ومتناسقاً-
داخل إطار العتدال-وحين يقف الواحد منّا يقف معتدل القامة,وإذا
مشى أوحى لمن يراه بالنشاط والحيوية ,فل يسحب رجليه سحباً
على الرض ,كما يفعل بعض الناس 0
-روح المبادرة من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام خاص,ففي
أوقات الزمات,يبحث الناس عمن يقودهم,أو يفتح لهم طريقاً,أو
يجمعهم على عمل خير ...لكن الجميع إل ما ندر يتجهون آنذاك
م الشخصي؛وهنا تبرز إلى حماية المصالح الخاصة ,والتفكير في اله َّ
لريحية المسلم,كما يبرز شعوره بالمسؤولية ,ووعيه بضرورة
المواجهة المشتركة للزمة؛ولذا فغن من الحيوي أن يشعر كل من
حولنا أننا نملك طاقة الريادة والمبادرة إلى عمل شيء يعود على
المجموع بالخير والنفع,ويخفف من لواء الزمة الجاثمة 0
ولو أن الواحد منا أعطى كل يوم نصف ساعة من وقته للتفكير
والعمل في مسألة من مسائل الشأن العام لوجد أنه بات محوراً
ورائدا ً لعمال خير كبيرة,كما أنه سيشجع كثيرين من إخوانه على
أن يسلكوا المسلك نفسه,وبذلك تولد فضيلة الهتمام,وتصبح
ظاهرة اجتماعية 0
حة,وتتوتر خلق التسامـح:في زمان العيش الصعب,تسود المشا َّ جُ -
العصاب ,ويشعر الكل أنهم مظلومون من قبل الجميع,ويظن كل
واحد أنه يعيش مأساة فريدة,وينتظر من الخرين أن يقدروا
ذلك,وأن يصبروا على ما يرونه منه 000في هذه الحال تبرز قيمة
الحساس المرهف,وأن يبدي كل واحد ما يستطيع من التفهم
لوضاع الخرين,إلى جانب المسامحة,وسعة الصدر,والصبر على
الذى .وهذه في الحقيقة من أهم مظاهر(اللياقة الخلقية)0
قد ل نملك شيئا ً ملموسا ً نخفف به من عناء إخواننا ومعارفنا,لكن
نملك دائما ً ما يمسح على الجرح,ويطيّب الخواطر,ويرفع
المعنويات,ويفسح في آماد التفاؤل والبشر 0قال أحدهم:
فليسعد النطق إن لم يسعد ل خير عندك تهديها ول مال
الحا ُ
ل
وقال عمرو بن معد يكرب:
ن أخلق الرجال تضيق ولك َّ لعمرك ما ضاقت بلد بأهلها
__175
والجر المنتظر على ذلك من الله-جل وعل-كبير,وليس ثمة
منافسة أشرف من المنافسة في هذه السبيـــــل 0
اكتســـــــاب عادات جديدة:
ينبع مبدأ التغيير لسلوكنا وعاداتنا من مسألة فكرية,هي أن النسان
يظل ناقصاً ,والعلقة بينه وبين الكمال عبارة عن محاولت مناهزة
ومقاربة ليس أكثر؛ونظرا ً لتبدل الظروف والتحديات والمتطلبات
على نحو سريع وحاسم,فإن الواحد منا مطالب من وجهته بأن
يقابل ذلك بإطلق إمكانات جديدة,وتطوير مواهب غير
مستثمرة,واتخاذ وضعيات جديدة 0
إن العادات التي تشكل نمط سلوكنا اليومي,تريحنا من عناء
التفكير,وتسهَّل علينا الحركة لكنها في الوقت نفسه,تضع على
مداركنا ما يشبه الغشاوة,فل نرى المكانات الكامنة والفاق
الممتدة,كما أنها تضفي على تفاعلنا الداخلي نوعا ً من السكون
والعطالة؛ولذا فإن من المهم قبل كل شيء أن نتفحص العادات
النفسية والسلوكية التي تتحكم بنا,فقد يكون بعضها غير ملئم
لمبادئنا أو طموحاتنا أو صحتنا أو علقتنا 000وبذلك قد أدخلنا عاداتنا
في منطقة الوعي تمهيدا ً لتغيير ما يحتاج منها إلى تغيير 0
إن تغيير النسان لبعض عاداته دليل على أنه قادر على الرتقاء
بمستوى سلوكه وحياته عامة من خلل السعي الواعي والجهد
المبرمج الهادف 0وهذا في الحقيقة من أعظم الحقائق التي
تستحق التقدير والتشجيع والمتابعة 0
العادة هي :ما أعتيد حتى صار يُفعل من غير جهد,إنها أنشطة تتكرر
وفق نهج ونمط معين .كل عادة من العادات,هي حصيلة لتشابك
المعرفة والمهارة والرادة ؛ وإذا تخلف أي واحد منها لم نستطع
القول:إن هذا العمل عادة .المعرفة أو الرؤية تحدد ما الذي
ينبغي فعله,ولماذا ينبغي فعله 0والمهارة هي كيفية الفعل,أو هيكل
العادة .والرادة,هي الرغبة الدافعة إلى الفعل 0هذه العناصر الثلثة
معَّرضة دائما ً لن تكون خاطئة وناقصة,
وهذا ما يجعل عاداتنا بحاجة دائمة إلى المراجعة والتغيير والتصحيح
0
العادات-كما قال أحدهم-:مثل الحبال الفولذية,نجدل فيها كل يوم
سلكاً,وسرعان ما نعجز عن قطعها 0إن العادات ذات قوة جذب
هائلة أكثر مما يعرفه الناس,أو يعترفون به؛وإطلق عملية التغيير-
__176
ككل بدايات النطلق-يحتاج إلى جهود كبيرة,لكن ما أن نتخلص من
شد الجاذبية,حتى تتخذ حريتنا بعدا ً جديداً,نتنعم بظلله الوارفة 0
العيش في زمان الصعب,يتطلب أكثر من أي وقت مضى أن نتخلى
عن بعض العادات,وأن نكتسب بعض العادات الجديدة,إذا ما أردنا
أن ننمو على نحو مكافئ للصعوبات المتزايدة التي علينا أن
نواجهها على كل الصعدة 0ولعلي أسلط الضوء هنا على بعض
العادات التي أظن أن البلوى قد عمت بها,وصار من الضروري
التخلي عنها,وإحلل عادات أخرى محلــــــــــهـــــــــــا-:
أ-التخلص من التسـويف-:
حة,ل العمال التي علينا أن ننجزها تنقسم إلى قسمين:أعمال مل َّ
حة,يصح تأجيلها إلى وقت أخر 0ما يجب يجوز تأجيلها,وأعمال غير مل َّ
إنجازه,ل يشكّل مشكلة لدى كثير من الناس,حيث يقومون به
طائعين أو مكرهين,لكن كثيرا ً ما تكمن المشكلة في الشياء غير
حة,حيث تعوَّدنا أن نعاملها بإهمال شبة تام ,بل قد نستغرب المل َّ
م بها 0وهذا الهمال يؤدي إلى أمرين سيئين: ممن يهت ّ
أولهما:أن كثير من الشياء التافهة,يتحول إلى أشياء مهمة,بل قاتلة
أحياناً 0
والثاني:أن حياتنا تصبح مزدحمة بالشياء المهمة,وهذا يعني أن
نظل دائما ً مأزومين ومغلوبين على أمرنا,وملحقين من قبل
متطلبات الحياة المتعاقبة .ونتيجة ذلك معروفة,هي التخلي عن
أشياء مهمة في حياتنا,أسنان المرء يكون علجها سهل ً ما دامت
هناك متابعة,فإذا أهملها شكّّلت له قضية مزعجة 0خلل يسير في
سيارة الواحد منا,قد ل يكلف إصلحه شيئاً,إذا تم في وقته,لكن
إهمال إصلحه,قد يخرب أجزاء أخرى مهمة,وقد يفضي إلى كارثة
مروعة!0
-قال لضيف لمضيفه:الماء يتسرب من السطح,لماذا ل تصلح
السقف؟
-رد المضيف:كيف أصلحه والمطر ينهمر؟0
قال الضيف:لماذا ل تصلحه عندما يتوقف المطر؟0
قال المضيف:عندما يتوقف المطر ل يتسرب الماء!0
وهكذا 00فشعار المسوّفين:كل ما تستطيع أن تؤجله إلى الغد,فل
تعمله اليوم! .الحجة الجاهزة لدى كثيرين:ليس عندي وقت للقيام
بالعمل الفلني,فأنا مشغول دائما ً بأمور مصيرية!0
__177
وأعتقد جازما ً أن استغلل نصف ساعة يوميا ً من الوقات الضائعة-
وهي كثيرة-سيخلصنا من كثير من العمال المتراكمة التي تسبب
أذى لمشاعرنا,وتسبب في النهاية أضرارا ً بالغة عندما تتفاقم,وقد
كان من المفترض أن يتعلم المسلم من البرمجة اليومية لداء
الصلوات ما يرسخ لديه النهوض للواجبات المختلفة,لكن يبدو أن
استفادة المرء من مبادئه تحتاج إلى درجة من الفعالية والحساسية
لم يبلغها كثيرون منا بعد!0
ب-الخـروج من دائـــــرة الكــــللة-:
طلب القرآن الكريم من المسلمين أن يقارنوا بين نمطين من
الناس:نمط العاجز ,ونمط السبّاق المبادر والمؤثر,حيث يقول-
سبحانه{:-وضرب الله مثل رجلين أحدهما أبكم ل يقدر على شيء
وهو كل على موله أينما يوجهه ل يأت بخير هل يستوي هو ومن
يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}[النحل0]76:
الول منها عاجز,وهو ثقيل عالة على موله وسيده,وهو لضعف
َ
قواه العقلية ل ينجح في أي مسعى يكل ّف به,فكأنه جمع بين
الضعف الجسدي والعقلي 0
أما الثاني فهو ذلك الرجل الذي اهتدى إلى الصراط
المستقيم,ومضى فيه ,ووجد لدى نفسه فضل ً من طاقة
وجهد,فصار متعدي النفع,إذ أمر بالمعروف ونهى عن المنكر 0هذان
الصنفان يمثلن طرفي التنافي,والمطلوب من المسلم أن ينحاز
إلى الثاني 0
وقد ثبت عن النبي في أحاديث عدة أنه كان يستعيذ بالله-تعالى-
من مظاهر العجز,وصفات الضعفاء والعاجزين؛فقد استعاذ من
العجز والكسل والجبن والبخل ,وغلبة الدَّين,وقهر الرجال,وفتنة
الغنى,وفتنة القبر,ومن الهرم 0وهذه المور كلها تشير إلى نوع من
الضعف والكللة,وهذه الحقيقة ليست كل ما ينبغي تحاميه والبعد
عنه,فهناك أمور كثيرة-على المستوى الحضاري-تعد من أمارات
القصور والهشاشة,وقد لبرزتها التحديات المعاصرة التي تواجه كل
واحد منا ,نذكر منها:
-الكثار من ذكر عبارات:لو أن , ...وبسبب كذا لم أستطع فعل
شيء ...وكامل المسؤولية تقع على فلن ...
-انتظار الحسان والمعاملة الطيبة من الخرين عوضا ً عن البدء
بذلك 0
-إخضاع القيم والمبادئ للمصالح والدوافع 0
__178
-النشغال بأمور خارج دائرة التأثير ,وإهمال ما هو داخلها 0
-العتقاد أن معظم المشكلت خارجية,وليست داخلية,والتصرف
أساس هذا العتقاد 0
-النشغال بأخطاء الماضي بدل تجاوزها بعد أخذ العبرة منها 0
-كل شيء أو ل شيء,وبما أننا ل نستطيع أن ننال كل
شيء,فالحسن أل ننال أي شيء!0
-التركيز على الشياء التي تُظهر ضعف الخرين بدل الهتمام
بالرتقاء الذاتي .
-السعي إلى أن يصبح المرء جزءا ً من المشكلة بدل أن يصبح جزءاً
من الحل 0
-التطلع إلى نتائج عظيمة مع القليل من الجهد والوسائل 0
وهذه السمات ل تحتاج إلى تعليق,وما ينبغي أن نخرج إليه منها
واضح أيضاً ,لكن الذي بقى هو العزيمة والصبر 0
ج-النهماك في العمال الصغيرة-:
يمكن القول:إن الواحد منا يمارس على صعيد حركته
اليومية,وبرمجة أنشطته المختلفة وظيفتين
أساسيتين:وظيفة(القائد)ووظيفة(المدير)0العمل القيادي يبحث
دائما ً في المسائل الكبرى والخطوط العريضة لمسيرة الحياة,أما
العمل الداري,فيبحث في التفاصيل والتقنيات والطرق التي تساعد
المرء على النجاح في حياته 0الدارة-كما قال أحدهم-هي تسلّق
َ َ
السل ّم بنجاح 0أما القيادة,فإنها تحدد ما إذا كان السل ّم يرتكز على
الجدار الصحيح 0
اتساع أنشطة الحياة على هذا النحو الذي لم يسبق له مثيل أوجد
عددا ً هائل ً من الخيارات,لكن تعقد الظروف والمعطيات
المختلفة,وازدحام كل المجالت بالمتنافسين أعطى مكانة مهمة
لتحديد التجاه واتخاذ القرار,أي لعمال القيادة ,لكن الناس يفرون
من النشغال بالقضايا الكبرى لسببين جوهرين:
الول:أن التفكير فيها يعد شاقاّ,إذ إن على المرء أن يستجمع عدداً
كبيرا ً من التفاصيل والمعطيات اليجابية والسلبية للقضية التي
يفكر فيها,وهذا ثقيل على النفوس 0
أما السبب الثاني فيكمن في أن البحث في القضايا الكبرى ويحتاج
في النهاية إلى اتخاذ قرارات كبرى؛مما يجعل المرء يشعر بالخوف
من عواقبها ومن التغييرات التي تفرضها على نمط الحياة الخاصة
0
__179
ل يصح أن ننسى أن من المفرزات السيئة للحضارة الحديثة,جعل
الناس يغرقون إلى آذانهم في التفاصيل والعمال الصغيرة,حيث
صار الواحد منهم بمثابة مسمار صغير في آلة كبيرة,والهم
المسيطر هو:كيف ظل هذا المسمار في موقعه أولً؟وكيف يظل
يعمل منسجما ً مع باقي اللة ثانياً؟أما التفكير فيما إذ كان وجود
اللة كله ضرورياً,وفيما إذا كانت اللة كلها تعمل في التجاه
الصحيح,فهذا مما قل المشتغلون به,وصار ينظر إليه على أنه
اشتغال بما ل يعني!0
السرعة المتزايدة للتغيرات الشاملة ,تجعل الخروج عن المسار
الصحيح أمرا ً في غاية السهولة,مما ل يوجب على الواحد منا وضع
دستور عام لحياته فحسب ,وإنما مراجعة ذلك الدستور بين الفينة
والفينة,فنحن ل نرى الحقيقة الكلية دفعة واحدة,وإنما نقترب
منها,ونحاول اجتراحها ليس أكثر 0
العادة الجديدة التي علينا أن نكتسبها هي أن يخصص الواحد منا
كل ثلثة أشهر-مثلً -جلسة مفتوحة للتفكير في وضعيته العامة:
أهدافه,أنشطته,وسائله,علقاته ...ومحاولة اكتشاف ما يحتاج منها
إلى تحسين,أو إلى تجديد,أو إلى تصحيح 0نحن بحاجة في هذا
السياق إلى أن نوسع رؤيتنا للحياة,وأن نوسع المنظور الذي ننظر
من خلله إلى الشياء؛وذلك بواسطة الخيال والوعي,والتصال
بالهدف السمى لوجودنا-وهو الفوز برضوان الله؛ جل وعل -ومن
خلل إبراز سلسلة الهداف الصغرى التي تتصل بذلك الهدف
وتخدمه,مثل تحسين مستوى اللتزام بأمر الله-تعالى-وتحسين
مستوى النجاح
في أعمالنا,وتحسين مستوى مساهمتنا في إصلح الحياة العامة 0
ف من أن سوف يحفزنا على استلهام دور القائد في حياتنا الخو ُ
تصبح أنشطتنا المجموعة نوعا ً من الجهاد في غير عدو,أو نوعا ً من
الخطأ الفاجع على نحو ما يصنع الطائر حين يبيض في غير عيشه
الذي تعب في بنائه!0
إن التفكير في المسائل الكبرى شاق,وربما بدا عديم الجدوى,لكن
الصحيح أنه-إلى جانب كل ما ذكرناه من مسوغات القيام به-يدلنا
على البدائل والخيارات التي ل تظهر لنا أبدا ً عند النشغال بالمور
الصغيرة,وهو بذلك يسهَّل علينا اكتشاف السبل الكثر ملءمة
لمكاناتنا,والكثر ملءمة للظروف المتغيرة التي نمر بها,وهو بذلك
يساعدنا على بلورة فلسفة أفضل في التعامل مع كل ما حولنا 0
__180
هناك في الحقيقة الكثير من العادات السيئة التي ينبغي التخلص
منها,مثل عادة التدخين,والنوم الكثير,والفراط في تناول
الطعام,والمنبهات,ومثل زيادة الفضول,
وحب تتبع أخبار الخرين,ومثل الفوضى في التعامل مع الشياء
000لكن المساحة المتاحة ل تسمح بأكثر مما سطرناه,وأعتقد على
كل حال أننا إذا وعينا المور الرئيسية في حياتنا,فإن كثيرا ً من
المسائل الفرعية سيجد حله على نحو تلقائي؛والله المستعان 0
الشـــــــــــعور بالواجـــــــــب-:
الفق الفكري للنسان هو النبع الرئيس الذي تفيض منه
المشاعر,وهو الطار الذي نتفاعل في داخله تلك المشاعر,وهو
المنظم لتداعياتها المختلفة 0عقيدة التوحيد والدواعي المشتقة
منها,تجعل من المسلم أمة في رجل,فهو ل يتحسس واجباته
ومصالحه الشخصية فحسب,وإنما يتحسس واقع أمته ومستقبلها
مل نفسه من ذلك أمورا ً ربما لم تكن مفروضة عليه أيضاً ,ويح ّ
أساساً,لكن طبيعة أخلقية الشعور بالواجب,تفجر في ذات المسلم
ينابيع المجانية والكرم الذاتي التي ل تعرف الرسوم والحدود
0الشعور بالواجب شكل من أشكال اللتزام,تشعر به ذات
حرة,تلزم نفسها بنفسها,فأكثر الناس شعورا ً بالحرية,أكثرهم
شعورا ً بالواجبات والفرائض الحضارية .
عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-كان-ومازال-مضرب في
العدل,وفي القيام بواجبات الوظيفة على أفضل وجه ممكن,ومع
ي ول لي" هذا كان يقول":يا ليتني أخرج منها-أي الخلفة-ل عل َّ
ت شاة في أرض العراق لخشيت أن 0وكان يقول":والله لو عَثَر ْ
م تعبَّد لها الطريق"؟!0
مل ْيسألني الله عنها,يقول"ل َ
الحساس بالواجب هو المبدأ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة
والفردية,ليعكس تسامي النسان,أو قدرته على اللتزام تجاه
غيره,والتضحية في سبيله 0في حالت التخلف,وفي حالت الزمات
الحادة-خاصة-يصبح التهرب من المسؤولية ديدن الناس,ويندفعون
إليه بالغريزة دون تفكير,وينتظر كل واحد من الخرين أن يفعلوا
شيئاً؛ويكون السواد العظم من الناس في مقاعد النظارة!0
إن ضعف الشعور بالواجب يتولد عنه تلقائيا ً ضعف الشعور
بالمسؤولية,ويتولد عن الثاني شعور عميق بالتفاهة والعقم
والفراغ,وإن كثيرا ً مما يسمى مشكلت عاطفية ,ليس في جوهره
سوى أعراض لذلك الشعور 0
__181
تجديد البعد الخلقي,يفرض على الواحد منا أن يتفحص بدقة توعين
من اللتزام:
الول والهم:هو ما التزمنا به بسبب إيماننا بالله-تعالى-وإسلمنا
لوجه له 0
الثاني:ما قبلنا به حين انخرطنا في الحياة الجتماعية,وربطنا
ي أننا
مصيرنا,ومصير أشياء كثيرة بمصير أمة السلم 0ومن الجل ّ
حةنعاني من فراغ كبير في هذا الجانب,فالمسائل المهمة والمل ّ
التي تتعلّق بعيشنا ومستقبلنا المشترك,ل تلقي سوى القليل من
الهتمام ومن فئة محدودة من الناس!0
شط الشعور المجتمع بتربيته وأعرافه وتركيبته الثقافية,ين َّ
بالواجب,أو يقتله,وهنا يبرز دور الرواد العظام الذين ل يخضعون
للمعطيات الجتماعية السائدة وإنما يندفعون بوحي من مبادئهم
نحو تجاوز السقف الجتماعي,وتأسيس بُنى ثقافية جديدة أكثر
صحة ونقاء وصلحية 0وسيكون للمؤسسات التربوية والجتماعية
دور حاسم في هذا الشأن؛نظرا ً لكونها أدوات تغيير ودفع نحو
الوضعية الصحيحة .
إن النسان يكون إنسانا ً على مقدار ما يرتاع للفارق بين ماهو
كائن,وبين ما يجب أن يكون,ول يتم ذلك إل من خلل الحساس
بالوظيفة الشخصية في ردم الفجوة,
وإحـداث عمليـة التطــــــــابق 0
__182
الفصل الثاني-:
تحديات جديدة:
م فإن إن النظرة السلمية للنسان أنه مملوك الله-تعالى-ومن ث َّ
عليه أن يتصرف في جسمه-وجميع شؤونه-على النحو الذي يقّره
عليه الشرع,ومن هنا فإنه ليس للمرء أن يقتل نفسه,أو يقطع
عضوا ً من أعضائه,كما أنه ليس له أن يمتنع عن الطعام حتى
الموت ,وليس للمسلم أن يتناول من الطعمة و الشربة ما ثبت
ضرره,وكلما اشتد ّ ارتباط إمكانية الشفاء بدواءٍ ما كانت درجة
الحض على تناوله أقوى من أجل صيانة الجسم الذي ائتمننا الله-
تعالى-عليـه 0
ث المسلم على المحافظة على هناك العديد من النصوص التي تح ّ
بدنه قويا ً صحيحا ً
معافى,منها قوله-عليه الصلة والسلم[:-المؤمن القوي خيرا ً وأحب
ل خير],قوله[خيركم من طال إلى الله من المؤمن الضعيف,وفي ك ًّ
سن عمله],وقوله[ما مل ابن آدم وعاء شَّرا ً من ح ُعمره و َ
بطنه,بحسب ابن آدم لُقيمات يقمن صلبه,فإن كان ل محالة,فثل ٌ
ث
ث لنََفسه]0
ث لشرابه,وثل ٌ لطعامه,وثل ٌ
وعلى المسلم بعد هذا وذاك أن يتجنّب التعرض للمراض,وأن
يتجنب كذلك تعريض غيره لها,فل يدخل بلدا ً انتشر فيه وباء من
الوبئة,كما ورد في الحديث( :إذا سمعتم بالطاعون بأرض,فل
تدخلوها,وإذا وقع بأرض وأنتم فيها,فل تخرجوا منها)0
ل خلف اليوم أن الرض-على الرغم من توفير كثير من
المرفهات,ووسائل الراحة,وتقدّم التشخيص الطبي,والسيطرة على
الكثير من المراض-لم تعد المكان الكثر ملءمة لصحة النسان
وعافيته بسبب التخريب الواسع النطاق الذي أحدثه النسان في
البيئة من خلل تلويث الماء والهواء والتراب,ومن خلل إتلف
الغابات,واستهلك الموارد غير المتجددة بصورة جشعة لم يسبق
ط العيش الجديدة التي لها مثيل 0أضف إلى هذا السلوكيات وأنما َ
فرضتها,أو أتاحتها الحضارة الحديثة 0
عدد سكان الرض يقاربون الن 6مليارات,وكانوا من قبل ألفي
سنة نحوا ً من 250مليون فقط 0وقد زادوا نحوا ً من()%50خلل
الرابع الخير من القرن الحالي,ومعظم هذا العدد الضخم من
__183
الناس,ل يسلكون السلوكات التي ترضي الله-تعالى-ول السلوكات
التي اجعل الرض صالحة لستمرار العيش عليها 0
ن أمراض صل في هذا,لكن من المهم أن نعرف أ ّ ول أريد أن أف ّ
السرطان والحساسية وأمراض المناعة والكبد,وأمراض الدم
والقلب,وغيرها من المراض المستعصية,يزداد انتشارها عاما ً بعد
سن مستوى ثقافته عام,وهذا يتطلّب من ك ّ
ل واحد منّا أن يح َّ
الصحية,
ما دامت المخاطر التي تهدد حياته تزداد باستمرار 0
بعض الناس ينظر نظرة استخفاف إلى كل ما يتعلق بهذا
الشأن,ويظن أن الهتمام بالبعد الجسدي,ل يعدو أن يكون شكلً
من النغماس في المادية,أو استثمارا ً في مشروع خاسر حيث إن
الموت هو نهاية الجميع!وربما كان هذا التوجه من بعض موروثات
عصور النحطاط التي مّرت بها أمة السلم,وإل فإن مجمل
التعاليم السلمية,تدعم الهتمام بالجسد والعناية به,وحين كانت
أمة السلم تملك الرؤية الصحيحة لمور دينها ودنياها-كانت أسبق
المم في مجالت النظافة والوقاية من المراض,وبناء
المستشفيات,والعلوم الطبية عامة 0
إن محافظة النسان المسلم على جسد قوي وسليم ونشيط,هي
مطلب إسلمي لن الجسد هو الراحلة التي سنبلغ عليها كل
الهداف,وينبغي أن تكون تلك الراحة قوية بما في الكفاية 0ومن
وجه آخر فإن الجهزة الطبية المتقدمة,ومعظم الدوية-ل سيما
المواد الفعَّالة فيها-مستوردة,وتستهلك جزءا ً مهما ً من الموال
السلمية,مما يعني أن محافظة كل فرد على صحته العامة,ستعني
توفير الكثير منها ضعف المكانات,وتزايد العباء 0
إن الجال بيد الله-تعالى-واهتمام النسان بصحته قد يوفر عليه
الكثير من آلم الشيخوخة وعذاباتها,والتي تصرفه عن الكثير من
عبادة ربه,والكثير عن واجباته المختلفة 0مما يوجب استهداف
المرور بها بسلم قدر المستطاع,والله غالب على أمــره 0
قواعــــــد في حفظ الصحة العامة:
هذا بعض الفكار والقواعد والملحظات التي تساعد على حفظ
()1
الصحة العامة
[()1ننصح باقتناء كتاب حول الصحة العامة,مثل كتاب(الوقاية خير
من العلج) للدكتور عبد الرزاق الكيلني,والذي اعتمدنا عليه في
أكثر ما كتبناه هنا ]0
__184
نسوقها عبر المفردات التالية:
النظرة إلى وضعية الحياة الدنيا-:
ينبع أساس الموقف الصحيح من البدن وحقوقه والمحافظة عليه
سه من نظرة النسان إلى الدنيا والخرة,فالذي يغلب على ح َّ
ووعيه أن الحياة الدنيا هي كل شيء أو هي الشيء المضمون,فإنه
في الغالب سوف يُهزم أمام رغبات الجسد( )2([)2حدثني أحد
الشخاص ذات يوم عن أسلوبه في تأثيث بيته وإمتاع نفسه-في
دائرة المباح-وحين وجدت في ذلك نوعا ً من التوسع الزائد,قال
لي:كم حياة و سنعيش؟
فقلت:سنعيش حياتين:مؤقتة ودائمة 0وأنا في الحقيقة لم أضف
إلى معلوماته,ول إلى معتقده شيئاً,لكني نبّهته من غفوة كان فيها
]0
ومغريات الستماع بالمآكل والمشارب,وصنوف المتع,وأشكال
اللهو 0وحين ينظر المرء إلى الحياة الدنيا على أنها دار ممر,وأنه
ينبغي أن نعيش فيها وفق متطلبات الدار الخرة ورمزياتها-فإنه
حينئذٍ سيستطيع-بعون الله-أن يفعل الكثير على طريق سلمته
الصحية 0
ويؤسفني القول:إن الحساس يكون العيش هنا مؤقتا ً وزائل ً قد
ضعف لدى كثير من المسلمين,مما جعل سلوكهم العملي ل يختلف
كثيرا ً عن سلوك غيرهم ممن ل يرجو الله الدار الخرة؛ولذا فإن
التقدم على صعيد ل الجسد قد يتوقف على التقدم على صعيد
منه إلى حد ًّ ما ذكرنا في ثنايا هذاالفكر والروح والعقيدة,وهذا ما يؤ ّ
الكتاب عن ذلك 0
التـوازن:
التوازن سّر نجاح النسان وتميزه,وعند النظر في مسيرة الحياة
كلها نجد أنها تقوم على قاعدة من التوازنات المعقدة؛ول ينبغي
للنسان أن يخرج عن ذلك ,فالنسجام مع ما بثّه الله-تعالى-من
سنن في كل أرجاء الحياة مصدر مهم للفلح والنجاح,ولبد أن
نراعيه على صعيدنا الشخصي قبل أي شيء آخر,ومن الملحظ هنا
من انهمك في رعاية حاجات الجسد إلى الحد أن بين شبابنا اليوم َ
القصى,بل إن نشاطا ً واحدا ً من نشاطات الجسد-كالرياضة-صار
محور اهتمامه وتثقفه ومتابعاته 000وهو على الصعيد الروحي
والفكري والجتماعي ,يكاد يكون مفلساً!0
__185
في المقابل نجد من غلب عليه الهتمام بشؤون الفكر أو الروح أو
المال ...وأهمل جسده,فل يعرف شيئا ً عن أحواله,ول عن
ط في علجه,ول مدى صلحية أجهزته,وهذا كله من الخلل الذي يح ّ
النهاية من النسق العام التوازن الشخصية كلها,وإن لم يشعر
بذلك؛
وحين زار سلمان الفارسي أبا الدرداء-رضي الله عنه -صنع له
ل فإني صائم 0قال سلمان:ما أنا بآكل حتى تأكل طعاماً,وقال له:ك ْ
0فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم-أي الليل-فقال
له:نم,فنام,ثم أراد أن يقوم,فقال له:نم,فلما كان آخر الليل قال
َ
سلمان:قم الن:فصل ّيا جميعاً,وقال سلمان:إن لربك عليك حقاً,وإن
ي فقال: ث حَّقه 0فبلغ ذلك النب َّ ط ك َّ
ل ذي ح ًّ لنفسك عليك حقاً,فأع ِ
"صدق سلمان"0
إن تلبية حاجات الجسد,تخرج ذات المرء من أفق المثالية
والنعزال عن الواقع ,إلى الموضوعات الخارجية؛لتصبح مركز
توازن ودمج بين المثالية والواقعية,ومن خلل ذلك تستقيم شؤون
الحياة,أو يصبح الستمرار ممكناً؛ومع هذا فإن لدى النسان قابلية
كبيرة للنجذاب إلى العناية ببعض جوانب حياته وشخصيته على
حساب جوانب أخرى,ولبد من النتباه ومجاهدة النفس من أجل
استعادة التوازن,ول سيما حين تكون الشياء المهملة شاقة,أو
بعيدة عن نور الوعي 0
توجيهـات شـرعيـة-:
جهاته
من للمسلم الفضاء النظري لرؤاه وتو ّ إن العقيدة السلمية,تؤ ّ
من له بالبصيرة بمواضعومعاييره ,وأولويَّاته 0أما الشريعة,فتؤ ّ
ف من خلل الحكام الفقهية,ومن خلل الداب الفردية الفعل والك ّ
والجتماعية 0وتوجيهات الشريعة الغّراء وآدابها في مجال حفظ
الصحة العامة كثيرة جداً,نذكر طرفا ً منها في التي:
أ-أكل الطبيات من غير تبذير ول إسراف,ومراعاة العتدال في
الشأن كله,وفي هذا يقول-سبحانه{:-يا بني آدم خذوا زينتكم
عند كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب
المسرفين}[العراف0]31:وقال في وصف عباد
الرحمن{:والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين
ذلك قواما}[الفرقان]67:
__186
ب-التداوي:تناول الدواء من أجل مكافحة المراض والوبئة التي
تهاجم الجسم-شيء حثت عليه النصوص,فقد جاء بعض العراب
إلى النبي وقالوا :يا رسول الله ,أنتداوى؟فقال":نعم يا عباد الله
ل-لم يضع داء إل وضع له شفاء غير داء تداووا فإن الله-عَّز وج ّ
واحد",قالوا:وما هو؟قال":الهـرم"0
وهناك أحاديث كثيرة-كما في الطب النبوي-تصف بعض الدوية
لبعض العلل أو المراض,أو تلك التي تبيّن بعض فوائد وميزات
بعض الطعمة,ومما يؤسف له أن بعض المسلمين يرى العلل تفتك
قدَر
في جسده,ثم ل يعيرها أي اهتمام بسبب احتجاج فاسد بال َ
تارةً,أو بسبب طبيعة الهمال لديهم,أو الدّعاء بالنشغال بما هو
أهم!0
ج-المتناع عن المحرمات:إن الناظر فيما حّرمه السلم من الشياء
والفعال يجد أنه دائما ً يعود بنوع من الضرر على صحة النسان
العامة,أو على طريقة إدراكه للشياء,أو على علقته بالبيئة من
حوله 000وكلما تقدم العلم,وزادت خبرة البشرية بأوضاعها
العامة,صارت رؤيتنا لذلك الرتباط بين المحرمات و الضرار أوضح
0ولذلك فالملتزم بالشرع يريح مرتين:رضوان الله-تعالى-أولً,
وصلح وضعيته العامة ثانياً 0
ول أريد أن أستعرض هنا مشكلت الربا والقمار والخمور
والمخدرات وأكل لحم الخنزير ولحم الميتة,وما شاكل ذلك مما
يغرق العالم اليوم,فذاك حديث يطول ,ويكفي أن نتلمس بعض
الضرار التي تسببها فاحشة التصال الجنسي غير المشروع :الزنا
واللواط؛لنعرف فداحة الخسائر التي تحيط بحياة البشر من جّراء
العراض عن المنهج الربّاني القوم 0
إن فشوّ الزنا واللواط في كثير من المجتمعات قد أدى إلى انتشار
عدد من الوبئة الخطيرة,مثل مرض الفرنجي(السيفيليس)الذي
يقع منه في أمريكا وحدها نصف مليون إصابة سنويا ً على الرغم
من كثرة الدوية وتقدّم التشخيص الطبي 0يراجع عيادات
المراض(الزهرية)فيها نحو 20مليون مريض 0ويقال:إن في العالم
عام 1987م ما يقارب 250مليون شخص مصاب بالسيلن(التعقيبة)!
0
والمرض الخطير الذي بات يحصد بني النسان حصداً,هو
فيروس(اليدز) ,الذي كثيرا ً ما ينتقل عن طريق اليصال الجنسي
بأناس مصابين به,فيحطّم جهاز المناعة لدى النسان فتنهار
__187
سحب منه مقاومته,ويصبح الجسم بل حول ول قوة,كالجيش الذي ُ
سلحه أو الحصن الذي تهدّمت جدرانه 0
هناك أرقام كثيرة ومخيفة حول انتشار هذا المرض الذي لم
شف له علج ناجح حتى الن 0ونصيب الدول الفقيرة والنامية يُكت َ
من هذا أكبر من نصيب الدول المتقدمة,ل لعّفة الشعوب
الصناعية,ولكن لوجود وعي صحي لديها أفضل مما هو عند
غيرها,ويقدّر بعض الحصاءات أن عدد حاملي هذا الفيروس
موجودين في أفريقيا,وهو ينتشر بين الذين أعمارهم()25-10سنة
مسح سكانها مسحاً 0والنمو السكاني 0وبعض القرى في أوغندا ُ
الذي يبلغ في أفريقيا نحوا ً من %3يمكن أن ينعدم قريباً 0وقالت
منظمة الصحة العالمية:إن من المتوقع أن يكون عدد المصابين
بحمى اليدز في سنة :2520مليار شخص ,وإن()20من شبان دول
أفريقيا الوسطى والهند وتايلند وبعض بلد أمريكا الجنوبية مصابون
بحمى اليدز الن()1([)1أرجو أن تؤخذ كل الرقام المتعلقة باليدز
وجميع المراض الوبائية على أنها إحصاءات غير دقيقة,وهي ليست
أكثر من مؤشرات ,تنبع خطورتها من دللتها على تطوّر الحالة
الصحية للعالم أكثر من أي شيء آخر]0
وتشير تقارير وزارة الصحة الفرنسية إلى أن حالة وفاة واحدة في
ن()44-25سنة من س ّ
مدينة باريس من بين كل ثلث وفيات بين ِ
العمر,هي بسبب اليدز 0
إن الخمر تضعف كريات الدم البيضاء التي تمنع تكاثر حمى
اليدز,وإن العدوى باليدز كثيرا ً ما تحدث في الغرب نتيجة الشذوذ
الجنسي,ونتيجة حقن المدمنين على المخدران أنفسهم بحق
ملوثة,وهكذا يتلقي الشذوذ الجنسي مع الزنا وشرب الخمر وتناول
المخدرات في حملة مترابطة لبادة الجنس البشري 0
وهكذا تبدو روعة التشريع السلمي في حفظ الكيان النساني من
التدهور والنحلل .ولكن يبدو أن الحضارة الحديثة قد أضعفت
إرادة النسان على مقدار ما زادت في قدراته,فكأنها نزعت منه
من النسانية على مقدار ما زرعت فيه من البهيمية والوحشية!!0
د-النظافة:من أهم ما يساعد على المحافظة على الصحة
العامة(النظافة)على المستوى الشخصي,وعلى مستوى
البيئة,وليس هناك دين من الديان أعطى من الهتمام بمسألة
النظافة ما أعطيته الحكام والداب السلمية 0
__188
الجلد ذو أهمية بالغة في حياة النسان,فهو يشكل الدرع
الواقي,وخط الدفاع الول عن الجسم,وهو الكيَّف الذي يحفظ
حرارة الجسم في حدها الطبيعي ,ويحمي الجسم من الشعة
الضاّرة 000خليا الجلد تتجدّد باستمرار,والخليا الميتة تبلغ المليين
يومياً,وهي تتراكم على سطح الجلد,كما أن العرق الذي يرشح
منه,يتبخر ماؤه,وتبقى أملحه 000مما يوجب العناية به وتنظيفه
ب الطيب,نظيف باستمرار؛ وقد ورد الحديث":إن الله طيّب يح ّ
ب النظافة,كريم يحب الكرم,جواد يحب الجود,فنظفوا يح ّ
شبَّهوا باليهود"()1([0)1رواه الترمذي وقال حديث لفنيتكم,ول ت َ َ
حسن صحيح,والفنية:ساحات الدور ]0
وفي حديث الشيخين(:حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل
سبعة أيام ,يغسل رأسه وجسده )0الشريعة توجب على المسلم
الغتسال من الجنابة والحتلم ,كما توجب على المسلمة الغتسال
بعد الطهر من الحيض والنفاس 0وسنَّته لصله الجمعة-وبعض
الفقهاء يقول بوجوبه-وللعيدين والحرام ودخول مكة,والفاقة من
الغماء,وعند طواف الفاضة,وعند التوبة من الذنب ,وفي مناسبات
أخرى عديدة 0
وأوجبت الشريعة الوضوء-وهو غسل أعضاء الجسم الظاهرة التي
يكثر تعرضها للوسخ والغبار-للصلة والطواف وصلة الجنازة 0ومن
ضؤ قبل النوم وللذان والوقوف بَعََرفة,وعند ثورة السنّة التو ّ
الغضب وغيرها 000
وبالضافة إلى هذا فإن السلم يولي اهتماما ً خاصا ً لنظافة الفم
ما لذلك من درر جوهري في المحافظة على صحة والسنان,ل ِ
الجسم؛ولذا فقد شرع المضمضة والسواك في أوضاع وأوقات
عديدة في اليوم والليلة على ماهو معروف ومشهور 0
ل تقتصر النظافة على ما ذكرناه,وإنما تتعدّاه إلى ضرورة المداومة
على تقليم الظافر بانتظام,وغسل اليدي قبل الطعام وبعده,وبعد
قضاء الحاجة,وبالضافة إلى النتباه إلى نظافة الطعام
والشراب,ومكافحة الذباب والبعوض,وعدم التبوُّل في الماء
والطريق والظل 0
إن السلم ل يحرص على النظافة فقط,وإنما على الطهارة
أيضاً,والتي هي مفهوم شرعي ل تعرفه أمم كثيرة,ولذلك نجد أن
تنّزه المسلم عن البول والغائط في جسمه وثوبه ل نظير له عند
معظم-إن لم نقل جميع-المم الخرى,وبذلك يمكن القول:إن
__189
المسلم الملتزم بتعاليم دينه,هو الطهر والنظف في هذا
العالم؛والله الحمد 0
الغـــذاء المتوازن:
هو شرط أساسي لصحة جيدة,ومعظم الناس على جهل عظيم بما
يحتاجه جسم الواحد منهم 0ويظن كثيرون أن مجرد ملء المعدة
يعد ّ كافيا ً لحصول أجسامهم على حاجتها من الغذاء؛ولذا ترى بعض
الناس قد أصيب بالبدانة نتيجة كثرة ما يأكل,وهو إلى جانب ذلك
مصاب بفقر الدم بسبب سوء ذلك الذي يأكله!0
المتخمون في أمة السلم كُثُر,والجياع وأشباههم أيضا ً كثر,وكل
ذلك بسبب أشكال من الخلل والقصور الثقافي
والسلوكي؛والمطلوب أن نستعيد التوازن الضروري لستقامة حياتنا
الفردية والجتماعية 0
وظائف الغذاء في جسم النسان أربع:البناء,وتوليد الطاقة,ودعم
المناعة,وبقاء النوع 0ولكي يتم تزويد الجسم بالغذاء على أحسن
وجه يجب أن يشكّل(البروتين)نحوا ً من()%18-15من
غذائنا,والدهون(,)%30والسكريات والنشويات(,)%55-52بالضافة
إلى بعض المعادن و(الفيتامينات)0وإن الخلل الكبير في هذه
النسب يسبب أضرارا ً كبيرة للجسد على المدى البعيد؛وعلى سبيل
المثال فإن نقص(البروتين)في الراتب الغذائي
اليومي إذا كان حادا ً فإنه يؤدي إلى ضمور العضلت وانتفاخ البطن
ونقص المناعة 000
أما زيادته عن الحد المطلوب,فإنها تشكّل عبئا ً على الكبد
والكلى,هكذا 000
إنني ل أريد التفصيل في مسألة أنواع الغذاء,وما يشتمل عليه كل
منها من عناصر مهمة,لكن أقول:إن الوعي الصحي بما تحتاجه
ما ً وكيفاً,وبمصادر ذلك؛أمر ضروري لكي نساعدها على أجسامنا ك ّ
عبور رحلة الحياة الشاقة 0
التخلـــــــــص من البدانة-:
أساس مهم من أسس الصحة العامة,وأحد مطالب السلمة والنجاة
من معطيات زماننا ,حيث كثرت وسائل الترفيه,وصنوف الطعمة
التي ل تكاد تُحصر,مما يغري النسان بالسراف في تناولها,والذي
تنشأ عنه زيادة في الوزن لدى كثير من الناس 0
كان القدماء يعرفون الكثير عن مضار البدانة,وقد ورد من الثار
والحكم في ذمها الكثير,ومن ذلك قوله (أكثر الناس شبعا ً في
__190
الدنيا,أطولهم جوعا ً يوم القيامة) وقوله(:المؤمن يأكل في ِ
معَى
واحد والكافر في سبعة أمعاء)0
ويروي عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-أنه قال(:إياكم
()1
والبطنة
[()1البطنة:المتلء الشديد من الطعام]
في الطعام والشراب,فغنها مفسدة للجسم,مورثة للسقم,مكسلة
عن الصلة,وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد,وأبعد من
سَرف 0وإن الله-تعالى-ليبغض الحبر(:)1([ )1العالم] ال َّ
السمين,وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه)0
هناك مقاييس عدة للوقوف على الوزن المثالي,أشهرها يقوم على
تساوي الوزن مع الطول بعد حذف 100سم من الطول,فالذي
طوله 170سم يكون وزنه المثالي 70كغ؛
فإذا زادت كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص عن حاجة
الجسم اليومية ,فإن الجسم يحوّل كثيرا ً من الزائد
إلى(دهون)تتراكم تحت الجلد,وفي العضلت,وحول الوعية الدموية
000فيبدأ وزنه بالزدياد 0والبدانةأو السمنة في نظر بعض العلماء
ثلث درجــــــــــــــات-:
-1سمن معتدل إذا زاد الوزن بنسبة()%40-20من الوزن المثالي 0
-2سمن متوسط()%100-41من الوزن المثالي 0
-3سمن شديد إذا زاد الوزن بنسبة أكثر من()%100من الوزن
المثالي 0
لكن تجب معالجة السمنَة منذ أن تصل في الوزن إلى ()%10خاصة
في الطفال,لن المعالجة بعد ذلك تصبح صعبة 0
يمكن القول:إن البدانة إلى سلسلة مروَّعة من المخاطر على
الصحة العامة للنسان ,وتوضح بعض الحصاءات أن البدانة تترافق
مع نقص العمر بسبب ما تؤدي إليه من المراض,فقد تبيّن أن
ازدياد الوزن 10كغ عن الحد المثالي يترافق معه مع نقص العمر
بنسبة %18وازدياد 15كغ يترافق مع نقص العمر بنسبة %28
0ويقول أحدهم:كلما زاد الوزن عن الحد المثالي 10كغ نقص العمر
عشر سنوات()2([0)2العمار بيد الله-تعالى-وهذا الكلم عن الوضع
العام وليس عن الفراد,وإل فقد يعيش النحيف أقل من
مر البدين جدا ً أكثر من المعدل الوسطي السائد السمين,وقد يُعَ َّ
ل وعل-بنى الحياة كلها على السباب في بلده,لكن الله-ج َّ
__191
والمسببات,والحصاءات التي يذكرها العلماء في هذا الشأن,عبارة
عن استقراء لما هو واقع بالفعل,وليس لما يمكن أن يقع ]0
حم من المراض التي تسببها البدانة ارتفاع الضغط الشرياني,وتش ُّ
الكبد ,والروماتيزم المزمن,ودوالي الساقين,وخثرات
الوردة,وقصور القلب الحتقاني ,وأمراض الشرايين التاجية,والعقم
لدى النساء,وقصور التنفس,وانتفاخ الرئة ,وازدياد
(كولسترول)الدم ,والصابة بالسكري,إلى جانب الصابة بتآكل
غضاريف المفاصل ...
وعلى سبيل المثال,فقد تبيّن أن زيادة الوزن عن الحد المثالي
بمقدار( )%20تجعل صاحبها مهيّـأ للصابة بالداء السكري أكثر من
الشخص الطبيعي بنسبة عشرة أضعاف 0
وكلما ازداد وزن الجسم كيلوغراما ً واحدا ً عن الحد المثالي,يزداد
طول الوعية الدموية في الجسم 3كم؛وهكذا فالقلب الذي كان
عليه أن يخدم وزنا ً معينا ً للجسم وطول ً للوعية الدموية,يجد نفسه
ل بكثير,مما مضطرا ً لخدمة جسم أكثر وزنا ً بكثير ,وأوعية أكثر طو ً
يجهده,ويضعفه قبل الوان!0
هناك الكثير من الطرق للتخلّص من البدانة,ولكن أكثرها أمناً
وفاعلية تلك التي تعتمد على(الرادة الصلبة)التي تساعد صاحبها
على مقاومة شهوة التهام المقادير الكبيرة من الطعام,إلى جانب
شيء من الرياضة الملئمة 0د
القــلع عن التدخين:
ل نريد أن نتحدث عن البعد عن تناول الخمور والمخدرات؛لننا ل
جهه جه الخطاب إلى الفئة المتورطة في مثل هذه المور,وإنما نو ّ نو ّ
إلى تلك الشريحة الخيرة من الناس,والتي ترغب في تحسين
أحوالها,والرتقاء في معارج الكمال 0وبعض من هذه الفئة قد يجد
نفسه أسيرا ً لعادة التدخين بسبب عوامل مختلفة 0
ومن المؤسف حقا ً أنه في الوقت الذي بدأ العالم الغربي يحارب
التدخين ,ويرتب العقوبات والغرامات على تناوله في الماكن
العامة,وأماكن العمل والطائرات 000في هذا الوقت
أخذ(الدخان)ينتشر بين اليافعين والشباب من أبناء المسلمين على
نحوٍ مخيف,ينذر بأوخم العواقب 0
وقد كان بعض علماء المسلمين يتردّدون في تحريم الدخان,أما
الن بعد أن ثبت أضراره الكثيرة,فينبغي أن تصير الفتوى إلى
التحريم أو ما يقاربه,وينبغي على الحكومات أن تقف موقفا ً صارماً
__192
من التجار به وترويجه,وإلجاء المنتفعين من ورائه إلى أضيق
السبل 0
إن أهم المواد المنبعثة من الدخان ثلث,هي:النيكوتين,وغاز أوّل
أكسيد الفحم ,والقطران؛وهي ما بين مواد سامة ومسرطنة,كما
ف به التبغ أيضا ً مادة مسرطنة 0
أن الورق الذي يُل ّ
وأضرار التدخين عديدة,ويذكر د:كيلني:أن الحصاءات تشير إلى أن
التدخين يتسبب في()%30من الصابات بالسرطان,وفي()%25من
الوفيات بأمراض الشرايين التاجية لمن هم دون سنة ال()65سنة من
العمر .وهو يتسبب في( )%11من إجهاضات الحوامل,
وفي()%15من سرطانات الرئة(خاصة),ونسبة إصابة المدخنين
المعتدلين بسرطان الرئة تبلغ تسعة أضعاف نسبة غير المدخنين 0أما
في المدخنين المدمنين ,فتبلغ النسبة عشرين ضـعفاً 0
وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية ما ملخصه:يحدث كل سنة(
)2.5مليون وفاة بسبب التدخين في العالم 0وهو يسبب()%16من
وفيات أمراض القلب و( )%39من وفيات جهاز التنفس,و()%78من
وفيات سرطان الرئة 0
ل سنة يقدَّر ب( َ إن ثمن السكاير التي تُد َّ
خن في العالم كله ك ّ
)100مليار دولر ,تذهب هباء,وتلوَّث البيئة أيضاً,فهل هذا حلل؟0
إن مسؤولية القلع عن التدخين تقع على المدخن أولً,لكن لبد
ن التشريعات والقوانين التي تحارب هذه الظاهرة من س ّ
المستفحلة,ولبد للسرة والمدرسة من أن تقوما بواجبهما في
التوجيه والرقابة والمتابعة,كما أن الوسائل العلمية المختلفة لها
دور بالغ الهمية في محاصرة هذه الظاهرة 0ول يخفي أن هذه
الموجة الهائلة التي تجتاح أقطارا ً عديدة في عالمنا السلمي,هي
جزء من موجه الضياع التي يتعرض لها شبابنا اليوم,لسباب
عدة,باتت واضحة للقاصي والداني؛والله المستعان 0
الراحة النفسية-:
ل يصح للمسلم أن ينسى أن كل ما يحققه من نجاح,وما يصيبه من
خير,هو من توفيق الله-تعالى-ومعونته وفضله,وأن ما يصيبه من
بلء وشدائد قد يكون بسبب أخطائه وتقصيراته,وقد يكون ابتلء من
الله-تعالى-يُثاب عليه إذا صبر واحتسب 0وفي كلتا الحالتين,فإنَّه ل
يصح لنا أن ننسى كل مكاسب والنجاحات التي نحققها في هذه
الحياة,
__193
هي مكاسب ونجاحات مؤقتة وزائلة,هي وأصحابها,وأيضا ً فإن كل
أشكال الخفاق والبلء,هي الخرى مؤقتة,وستزول إن عاجل ً وإن
آجلً 0وهذا الدراك يؤمن للمسلم نوعا ً من التوازن النفسي,كالذي
نستشّفه من قول الله-سبحانه{-ما أصاب من مصيبة في الرض
ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله
يسير لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بمآ أتاكم والله ل يحب
كل مختال فخور}[الحديد0]23-22:
حتى يصل المسلم إلى هذه الحالة,فإن عليه أن يحرر نفسه من
اسر الهموم والوساوس والوهام؛إذ على الواحد منّا أن يأخذ
بالسباب,ويفعل كل ما يستطع فعله في التجاه الصحيح وأن
يرضى بالنتائج,ويستسلم لمر الله-تعالى0-
تقول هذا لن(الجلطة القلبية)تأتي اليوم في الدرجة الولى بين
أسباب الوفاة في كثير من بلد العالم,وهذه الجلطة سببها تصلّب
الشرايين,وحين تُصاب شرايين القلب بالتصلّب والضيق,يكون
القلب مملوءا ً بالدم,ولكنه ل يستطع أن يأخذ منه الكمية الكافية
له .وسبب تصلّب الشرايين هو ازدياد نسبة (الكولسترول)
و(الغليسيريدات)الثلثية في الدم 0
إلى جانب ذلك فإن (الكرب)ذو تأثير بالغ في تصلّب الشرايين في
حدوث الجلطة ,وبعض الطباء يجعل العامل النفسي هو السبب
الرئيسي في حدوثها ,ويذكرون أن وزنه بين أسباب حدوثها يصل
إلى(,)%70وتخفيف الكرب يكون بالعلج الدراكي,والرضا بقضاء
الله وقدره,والتذكّر بأن هناك أناسا ً كثيرين قد أصيبوا بأكبر مما
أُصبنا به,ويعانون أشد مما نعاني منه 0
ل بد بعد هذا وذاك من الحرص على السترخاء والنوم المبكر,وقد
ثبت أن نوم أول الليل أنفع للجسم من نوم آخره؛فالسهر خلف
سنّة إل من حاجة مشروعية ,فتقليله هو الصل,وتعوّد النوم ال ُّ
حر المباركة,وحضور المبكر يساعد المسلم على اغتنام أوقات الس َ
صلة الفجـر مع الجماعة 0
ممارسـة الرياضــــــــة-:
إن ممارسة الرياضة الملئمة لسن الواحد منّا على درجة عالية من
الهمية,فهذه الجهزة التي متّعنا الله-تعالى-بها تحتاج المحافظة عليها
إلى استخدامها بأسلوب يحافظ على سلمتها,ويحرضها على النمو 0
وقد كان كثير مما هو مطلوب يتم في الماضي بطريقة عفوية,حيث
اللت التي توفّر الجهد العضلي شبه معدومة,مما يضطر الناس آنذاك
__194
ل شؤونهم 0أما إلى استخدام أيديهم وأرجلهم على نحوٍ مستمر في ج ّ
اليوم,فإن كل ذلك يتجه إلى تقليل الحركة,وقضاء العمال في المنزل
أو في المكتب,واستخدام الجهد العضلي إلى أدنى حد ّ ممكن على ما
هو معلوم 000
كثيرون أولئك الذين يقولون:إنه ل وقت لديهم لممارسة الرياضة,مع أن
الواحد منهم لو حسب ما يقضيه من وقت في أحاديث غير ذات قيمة
على الهاتف,وما يقضيه من ساعات عديدة أمام التلفاز لوجد أن ما
يبذَّره من وقت أكثر بكثير مما يحتاجه لتجديده بُعد البدني,وإبقائه في
حالة جيدة من الحيوية 0
إن تنشيط الجسم ورفع كفاءة أجهزته المختلفة,ثمرة لن تكون أبداً
مجانية ,فمبدأ) :ل فائدة بدون ألم)ينطبق على موضوع الرياضة,كما
ينطبق على موضوعات أخرى كثيرة 0
فوائد الرياضة كثيرة جداً,فهي تحرق الدهون الزائدة عن حاجة الجسم,
شط الدورة وتخلّصه من أذاها وشرورها,كما أنها تحرك المفاصل,وتن ّ
الدموية ,فتأخذ المفاصل حاجتها من الكلس والمغنزيوم,وغيرهما كاملة
0
وللرياضة أيضا ً أثر جيد على الحالة النفسية 0وكلما كان الهواء
نظيفاً,وكان المكان مفتوحاً,كانت فائدة الرياضة أعظم,وبعد الفجر
يكون الهواء في قمة نقائه,لذا فإن ممارسة الرياضة بين طلوع الفجر
وطلوع الشمس تكون ذات مردود أفضل .المشي والجري والحركات
السويدية وركوب الخيل والسباحة ...كلها رياضات مفيدة ونافعة,
ويمكن الواحد منّا أن يسلك الطريق الطول إلى المسجد أثناء ذهابه
إليه والياب منه,كما يمكنه ترك استخدام سيارته يوما ً في
السبوع,وقضاء حاجاته القريبة ماشيا ً .وإن مشي نصف ساعة إلى
ساعة يوميا ً يُعد ً كافيا ً للمحافظة على درجة جيدة من اللياقة
البدنية,المهم أن يختار المرء الرياضة المناسبة لسنّه,وأن ينتظم فيها
في كل الظروف والحوال .
إن الهتمام بالبدن مطلوب في هذا الزمان أكثر من أي وقت آخر نظراً
لننا نعيش حياة مصطنعة,كثيرا ً ما تكون خارجة عن دورة الحياة
الفطرية الطبيعية ,ولبد أن نعوَّض ما فقدناه نتيجة ذلك بالوسائل
المختلفة التي أشرنا إلى كثير منها 0والله المستعان.
__195
الفصل الثالـــــــــث-:
المنطلـق النظري:
العيش في الزمان الصعب,يتطلب من المسلم أن يستنفر كل
مش,أو يجد قواه:الروحية والعقلية والجسمية والمهارية؛حتى ل يُه َّ
نفسه تابعا ً ذليل ً لجهة ما,أو يجد نفسه كسيرا ً حسيراً,ل حول له ول
طَوْل 0إن الحياة العامة التي يعيشها السواد العظم من الناس
ليست حياة سوية,حيث اختصر كثير من النشطة الروحية
والدبية,أو ألغي؛مما جعل المجال الكبر للتنافس بينهم هو
المال,وما يتبعه من متاع الدنيا,وصار مما ل جدال فيه أن(المال)قد
غدا محور الحياة الحديثة أكثر من أي وقت مضى؛فعن طريقة
يمكن الوصول إلى أي شيء,كما يمكن دفع أي شيء,و به يمكن
ستر أي شيء 000
وهذه الوضعية الصعبة ل يصح تجاهلها,كما ل تصح مسايرتها على
نحو مطلق .الرؤية السلمية العامة في مسألة المال والقتصاد
والكسب والستثمار والنفاق ,رؤية تميل إلى التوازن
والعتدال,وهي رؤية مترابطة,تراعي مصلحة الفرد ومصلحة
الجماعة في آن واحد,كما تراعي حيثية كون الدنيا مزرعة للخرة,
وكونها دار ممر,ل دار مقر أيضاً 0
ولعلنا نجمل المنطلق النظري في هذا الشأن في النقاط التالية-:
ل وعل-ضامن ومتكفل بالرزق لكل إنسان,بل لكل ذي -إن الله-ج ّ
روح ,يقول-سبحانه{-وما من دابة في الرض إل على
الله رزقها}[هود.]6:
ويقول{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}[الذاريات:
. ]58
لكن ذلك ل يعني أن رزق الله للناس سيكون درجة واحدة,فالحكمة
البالغة اقتضت التفاوت في المعايش تحقيقا ً للتكامل,وتنويعاً
للبتلء,وفي هذا يقول-سبحانه{-أهم يقسمون رحمت ربك نحن
قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض
درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما
يجمعون}[الزخرف0]32:
لكن النظام السلمي يكفل تكافؤ الفرص في العيش
من وسائله على نحوٍ متساوٍ؛ولكل مجتهد نصيب 0 والكسب,ويؤ ّ
__196
-2الكسب والعمل والكد في طلب الرزق عبادة,وإن لم تتعد َّ ثمرات
ذلك الدائرة الشخصية والسرية للمسلم,لكن بالشروط والداب
التالية:
-إن يكون العمل مشروعاً,فالعمل في الربا وأمكنة القمار
والملهي,ل يكون طيباً؛والله-تعالى-ل يقبل إل طيباً 0
-أن تصحبه النية الصالحة:نية المسلم إعفاف نفسه,وإغناء
أسرته,ونفع أمته ,وعمارة الرض,وما شابه ذلك 0
-أن يلزم فيه حدود الله-تعالى-فل يظلم,ول يخون,ول يغش,ول
يجور على حق غيره 0
-أن يحاول تأدية العمل بإتقان وإحسان ما استطاع إلى ذلك سبيلً 0
-أل يشغله عمله الدنيوي عن تأدية واجباته الدينية,كما قال-تعالى-
{رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الله وإقام الصلة وإيتاء
الزكاة}[النور0]37:و مّر على النبي
جلَده ونشاطه,فقالوا:يا رسول الله,لو كان رجل,فرأى الصحابة من َ
هذا في سبيل الله ؟! (أي الجهاد)فقال:إن كان خرج يسعى على
ولده صغاراً,فهو في سبيل الله؛وإن كان خرج يسعى على أبويْن
شيخين كبيرين,فهو في سبيل الله؛ وإن كان خرج على نفسه
يعّفها,فهو في سبيل الله,وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة,فهو
في سبيل الشيطان)()1([)1قال المنذري:رواه الطبراني ورجاله
رجال الصحيح ].وفي حديث مسلم[:دينار أنفقته في سبيل
الله,ودينار أنفقته في رقبة(أي عتق عبد)ودينار تصدّقت به على
مسكين,ودينار أنفقته على أهلك ,أعظمها الذي أنفقته على أهلك]0
-تستنهض الرؤية السلمية في مجال الكسب كل مسلم إلى العمل
وبذل الجهد في استنباط خيرات الرض,وتدوير رأس المال,وإنتاج
الخدمات المختلفة,فهي تجارب العطالة والبطالة وهدر الطاقات
والمكانات,وهناك من النصوص ما يحبّذ قيام المسلم على أعماله
بنفسه,وكسب قوْته من عمل يده وجهده الخاص,مهما كانت ثمار ذلك
متواضعة ومحدودة؛فذاك خير من سؤال الناس ,وإراقة ماء الوجه في
ل الحاجة إلى الخرين,وفي الحديث البخاري( :ما أكل أحد طعاما ً ق ّ
ط ذ ّ
خيرا ً من أن يأكل من عمل يده,وإن النبي الله داود كان يأكل من عمل
َ
حبُلَه,ثم يأتي الجبل,فيأتي
ن يأخذ أحدكم أ ْ يده)0وعند البخاري أيضاً(:ل َ ْ
ف بها وجهه خير من أن يسأل بحزمة من حطب على ظهره,فيبيعها,فيك ّ
الناس أعطوه أو منعوه)0
__197
-اختلف العلماء اختلفا ً واسعا ً في التفاصيل بين الغني الشاكر والفقير
ل كل فريق بأدلة صحيحة على اختياره 0والذي أراه أننا الصابر ,واستد ّ
حيت ننظر إلى المسألة على المستوى الفردي,فإن الفضلية تتوقف
على مسلك الغني ومسلك الفقير تجاه الحالة التي هو فيها,فالشكر
ليس درجة واحدة,وهناك رذائل وانحرافات كثيرة تصاحب الوفرة,كما
أن هناك رذائل وانحرافات كثيرة تصاحب الفقر والقلّة .
أما على المستوى العام,فل ينبغي أن يختلف في هذا المر,حيث أن
هناك اعتبارات كثيرة,تجعل المقارنة بين الغني والفقير غير
واردة,ففي زماننا خاصة,يستحيل تعليم الناس من غير مؤسسات
ترعاها الدولة,كما يستحيل إيجاد نوع من التجانس الثقافي من غير
مؤسسات إعلمية,كما يستحيل المحافظة على الستقلل الوطني
من غير جيش وسلح 0000
كما أن هناك شرائح اجتماعية عديدة,تعيش في ظروف وأوضاع
خاصة,كما هو الحال والشأن بالنسبة للرامل واليتام والمعوقين
واللجئين والباطلين عن العمل والمفلسين والغارمين,والذين
تعّرضوا لكوارث طارئة()1([)1ورد في هذا المعنى عن سعيد بن
المسيب قوله(:ل خير فيمن ل يحب جمع المال من حله ,يعطي
منه حقه,ويكف وجهه عن الناس)0وكان يقول(:اللهم إنك تعلم أني
لم أمسكه بخلً,ول حرصاً,ول محبة للدنيا ونيل شهواتها,وإنما أريد
أن أصون به وجهي عن بني مروان حتى ألقى الله,فيحكم بيني
ل منه رحمي ,وأود منه على الرملة والفقير والمسكين ص ُ َ
وبينهم,أ ِ
واليتيم والجار] ...فحين يكون الفقر هو السمة العامة للدولة
وللمجتمع,فإن كل ما ذكرناه من مؤسسات وفئات,سيكون في
حالة صعبة,وأحيانا ً مأساوية 0وسيختلف المر حين يكون المالية
الوطنية جيدة,على ما هو ملموس في بعض الدول()2([)2صّرح
وزير التعليم الندنوسي أن وزارته ل تستطيع أن تؤمن غل كتاباً
واحدا ً لكل عشرة طلب 0وفي المقابل تفيد بعض الحصاءات أن
مجمل ما تبّرعت به المؤسسات والفراد في الوليات المتحدة عام
1996م قد بلغ نحوا ً من()151مليار دولر؛ذهب نحو من()%45منها
لدعم المؤسسات الدينية,ونحو من()%13لدعم التعليم ونحو(
)%9لدعم الصحة .فكم مجمل ما تبرع به الناس في العالم
السلمي الذي يزيد عدد سكانه على عدد سكان أمريكا أكثر من
خمس مرات؟!]
__198
وقد أدرك كثير من علماء السلف أن الفقر كان وسيلة إذلل لكثير
من الناس,كما كان ذريعة لشراء بعض الذمم,ولذا فإن عددا ً غير
قليل منهم حاولوا تحسين وضعهم المادي,
وحثّوا الناس على مثل ذلك,يقول ابن الجوزي":ليس في الدنيا أنفع
م
للعلماء من جمع المال للستغناء الناس,فإن العالم إذا استغنى ض ّ
إلى العلم خير الكمال,وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن
ل الصبر,فدخلوا مداخل الكسب,فاحتاجوا إلى ما لبد منه,وق ّ
شانتهم,وإن تأؤلوا فيها,إل أن غيرها كان أحسن لهم"0
وقال حماد بن زيد:قال أيوب(:ألزم سوقك,فإنك ل تزال كريما ً على
إخوانك ما لم تحتج إليهم)0
وقال سفيان الثوري(:كان المال فيما مضى يُكره,فأما اليوم,فهو
ترس المؤمن)0
-إن ظاهرة الفقر التي تلف معظم أقطار العالم السلمي,وكثيراً
ف,وهي ظاهرة متجذرة في من أبنائه لم تُدرس على نحو كا ٍ
التاريخ السلمي,وأطن أنه مما ل ينبغي أن يختلف فيه أن هذه
الظاهرة المخفية,تعود إلى الكسل وسوء التوزيع والظلم,والفساد
الداري من جهة,وإلى اختلط بعض المفاهيم من جهة أخرى 0وفي
هذا السياق نجد على مدار التاريخ من المسلمين من يغلط في
فهم بعض قضايا القضاء والقدر,ول سيما مسألة الرزق,وأنه
مقسوم ومكتوب,على ما هو معتقد أهل السنة والجماعة,حيث فهم
م العناءكثير من المسلمين أنه ما دام الزرق مكتوبا ً ومحدداً,فِل َ
م التفكير والتخطيط؟ والكدّ,ول ِ َ
والحقيقة أن أنواع القضاء ثلثة:
أ-قضاء يستوجب الصبر والشكر,وهو كل ما يحدث للنسان بدون
تدخل إرادته ,مثل كونه ابن فلن,ومثل ما قضى الله له به من
الوسامة أو القبح والذكاء أو الغباء ..
ب-قضاء يستوجب المعالجة,أي مقابلته بما ربطه الله-تعالى-به من
أسباب؛فما قضى الله به من الجوع,يعالَج بالكل,وما قضى الله به
من المرض,يُعالَج بالدواء ,وهكذا ...
ما أراد عمر رضي الله عنه عدم دخول الشام نظرا ً لوجود ولذا ل ّ
الطاعون فيه ,وقيل له(:أفرارا ً من قضاء الله(قال(:نعم أفّر من
قدر الله إلى قدر الله)0
__199
ج 0ما قضى الله به من التكاليف الشرعية,فهذا يُمارس تجاهه
حريته,فإن فعل ما أمر به كان مثاباً,وإن عصى عوقب 0ولو سلبه
الله-تعالى-الختيار لسقط عنه المسؤولية على ماهو معروف 0
إن كثيرا ً من المسلمين خلط بيم ما أراد الله-تعالى-بنا وبين ما أراد
منا,وبين ما منه بد,ويمكن دفعه ومعالجته,وبين ما ليس منه بد,فل ينفع
معه إل الرضا والستسلم والصبر والحمد .
حين نجد عالما ً من علماء المسلمين,أو رجل ً فذ ّا ً ممن يّقتدى به
فقيراً,فهذا ل يعني أن الفقر ممدوح؛وأن أصلح لحال المة وحال
الفراد,فربما يكون ذلك بسبب تفرغه للعلم,
كما عزف بعض الئمة عن الزواج خوفا ً من شغله لهم عن التأليف
والتعليم 0وقد يكون فقره بسبب أنه وجد نفسه في ظروف
صعبة,وحاول تحسين وضعه,فلم يستطع ,وقد يكون ذلك لنه خشي
على نفسه فتنة الغني,والدخول في مداخل الثراء وتبعاته,والعجز
عن القيام بحق المال 000
إن النحراف في فهم حقيقة القضاء والقدر,يحوّل اليمان به من
سلح يخوض به المسلم غمار الخطار,ويقف به المواقف
الصلبة(لنه يعلم أنه لن يصيبه إل ما كتب الله له)إلى إنسان جبري
معطّل للسباب,يتقوّت الماني,و يغوص في لوحال الكسل
والبطالة 0وهذا ما يعاني منه كثير من المسلمين اليوم!0
-من المنطلقات السلمية التوسط في النفاق,فل يمسك المسلم
المال عن مواضع البّر والصلة والصدقة 000ول ينفقه في ذلك أو
في أكل وشرب,ويظل بعد ذلك حيران,ل يدري ماذا يصنع بنفسه
ل وعل- سرين أن سبب نزول قوله-ج ّ وعياله 0وقد ذكر بعض المف ّ
{ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد
ملوما ً محسورا}
[السراء,]29:هو أن غلما ً جاء النبي :إن أمي تسألك كذا وكذا
0فقال(:ما عندما اليوم شيء)0قال:فتقول لك:اكسني قميصك
0فخلع قميصه,فدفعه إليه ,وجلس في البيت عرياناً 0
حسن التدبير,وإدارة الموارد القليلة مما يساعد على جعل حياة
المسلم أقرب إلى الستقرار,ومما يساعد على تكوين المالية
العامة في المة,ول سيما إذا علمنا أن كثيرا ً من العمال اليوم,ل
يقوم على الجهد البدني فحسب,وإنما يحتاج إلى أدوات إنتاج,والتي
ل يمكن توفيرها إل عن طريق ادّخار بعض المال,مما هو متاح
للمصاريف اليومية 0
__200
ومن العجيب أن يذم بعض علماء المسلمين(الدخار)تعلّقا ً بأدبيات
جه الشريعة السمحة,بمقدار ما تمثل نزعات أو نماذج ل تمثّل تو ّ
فردية,هي أقرب إلى المثالية ,التي إن صلحت لفرد من الناس-
نظرا ً لظروفه الخاصة-لم تصلح أن تكون قاعدة عامة في حياة
المة؛ومن ذلك ما نقله الغزالي في الحياء عن بعض علماء
المسلمين من أن من حصل له مال بإرث او كسب 000فله في
الدخار ثلثة أحوال:
الولى:أن يأخذ قدر حاجته في يومه,فيأكل إن كان جائعاً,ويلبس إن
كان عارياً ...
ويفرق الباقي في الحال,ول يدخره,فهذا الوفي بموجب التوكل
تحقيقا ً وهذه الدرجة هي الدرجة العليا 0
ة له عن حدود التوكل:أن يدّخر لسنة الثانية:المقابلة لهذه المخرج ُ
فما فوقها ,فهذا ليس من المتوكلين أصلً!0
الثالثة:أن يدخر لربعين يوما ً فما دونها,فهذا موضع خلف:هل
يخرجه ذلك عن مقام التوكل أم ل؟0
وهذا مع أنه ثبت في الصحيح أن النبي ادّخر مرة ً لهله قوت
سنة,كما أن شعيرة الزكاة قائمة على امتلك أنعام أو مال يحول
عليه الحول,كما أن العديد من الصحابة الكرام,كانوا يمتلكون
الموال الطائلة,ول يستطع أحد أن يقول :إنهم بذلك خرجوا عن
حدود التوكل 0وما أكثر القوال والمذاهب التي شوّشت الرؤية
على العامة,وكونت في حسهم التوجهات الفكرية والسلوكية
الخاطئة!0
أساليب ووسائل في تدبير شؤون العيش:
إن المنطلقات النظرية في كل أمور الحياة,ليست هي التي تنقل
الناس من حال إلى حال,والمناهج على مختلف أشكالها
وألوانها,ليست هي التي تحمل الناس إلى الغايات التي
يريدونها؛فقد حفظ الله-تعالى-هذا الدين,وظلت قطيعات الشريعة
دائما ً واضحة للعيان,لكن المة مع ذلك تراجعت عما كان عليه
سلفها؛لنها لم توفر الشروط والبيئات التي تساعد المنهج على
أداء دوره في حياة الناس 0
وهكذا فالمنطلقات النظرية ترسم الطريق,وتسهل العمل,وتزيل
العوائق الثقافية من وجهة,وتجعل النجاز يبدو مشروعا ً وممكناً,كما
أنها توفر معايير قياسه,لكنها ل توجد العمل نفسه,وإنما توجده
البرامج والساليب والدوات التي نوظفها في سبيل تحقيقه؛ولذا
__201
فقد يملك خريج من كلية التجارة كل الفكار والنظريات التي تجعل
منه رجل أعمال ناجحاً,لكن ذلك وحده,ل ينتج أي شيء ما لم يكن
لديه المشروع والمال والطار التنفيذي 00
وسأستعرض هنا بعض ما أعتقد أنه يساعد في تدبير شؤون العيش
والرزق,وإدارة المكانات المتاحة من خلل الحروف الصغيرة
التالية:
-1الستقامة واللتزام-:
تأتي الستقامة,وتقوى الله-تعالى-على رأس ما يمكن أن يفعله
المرء في مواجهة الصعاب,وتحسين ظروف المعيشة,فقد تعهّد-
سبحانه-بالرزق وتفريج الكروب لمن يتّقيه,
ويلتزم بأمره ونهيه,حيث فال{:ومن يتق الله يجعل له مخرجا
ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه
إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}[الطلق-3:
]2
مما يوسع في الرزق صلة الرحم وبر القارب,فقد ورد في الحديث
الصحيح" :من أحب أن يبسط له في رزقه,ويُنسأ له في
أجله,فليصل رحمه"0وإن من المؤسف أن كثيرا ً من الناس,يواجه
الزمات بالتفلت من الضوابط الشرعية وبقطع الرحم,والقلل من
سع خيارات الحركة لديهم,ويضغط الصدقة ظنا ً منهم أن ذلك يو َّ
نفقاتهم,وما دروا أنهم بذلك يحرمون بركة التوفيق والمعونة من
الله-تعالى-وربما تضاعفت أزماتهم,وكان ما خسروه أكثر بكثير مما
ربحوه 0
-2التفـــــــــوق-:
ل يكون المتدين الحق شخصا ً عادياً؛لن طبيعة التدين الصحيح
تقتضي التفوق والتقدم على القران؛وكلما كان استيعاب المسلم
للمرامي الخلقية والحضارية للسلم أفضل كان نجاحه في شؤونه
الحياتية المختلفة أعظم 0
قد يكون من الصعب على الواحد منّا أن يتفوق في جميع أنشطة
الحياة,إذن فليحاول أن يكون الول والثاني في محيطه في
بعضها,كالمحافظة على الوقت ,أو الدقة في أداء العمل ,أو حسن
حسن المعشر والعلقة الصغاء,أو الستفادة من الفرص المتاحة,أو ُ
بين الناس ...على أل يتخلف عن الحد ّ المقبول في باقي أموره .
إن أي تفوق في أي من هذه المور وأشباهها سيجعل قدرتنا على
__202
مواجهة الصعاب أفضل,وسيزيد من كفاءة عيشنا في الزمان
الصعب 0
-3حاول تحسين دخلك-:
يعيش كثير من الناس في هذا الزمان على حافة الفقر,وهناك
شكوى عامة من تزايد صعوبة توفير الحاجات الساسية,حيث تحوّل
كثير مما كان يُعد في الكماليات إلى أشياء ضرورية تصعب
استقامة الحياة بدونها؛أضف إلى هذا وجود بطالة متصاعدة في
قطاع الشباب-و ل سيما المتعلم منه-إلى جانب ارتفاع السعار
على نحو مستمر,ومن الحلول لمواجهة هذه الوضعية أن يحاول
جد لنفسه عملً النسان تحسين دخله,حيث إن بإمكان المرء أن يو ِ
فرعياً,يدر عليه دخل ً إضافياً؛ومهما ساءت الحوال,فإن هناك دائماً
بعض الفرص للحصول على مصدر يزيد في دخل النسان,كما أن
بإمكان ربات البيوت أن يعملن في بعض الصناعات اليدوية الخفيفة
داخل بيوتهن,لتعزيز دخل أزواجهن 0
جد اليوم فرصاً وقطاع الخدمات يتنامى على نحوٍ سريع,وهو يو ِ
كثيرة للعمل,ل تحتاج إلى الكثير من المال بمقدار ما تحتاجه من
التنسيق والتنظيم,أي المبادرة والعقل المنظّم وشيء من الجهد
والصبر 0ولننسى أن نقول:إن هذا يجب أن يتم في إطار من
التوازن ومراعاة الحقوق الخرى المترتبة على الواحد منا 0
-4تعـود تأجيل الرغبات-:
لدى النفس البشرية ميول غريزية نحو الكسل والفوضى,والهروب
من الواجبات ,والبتعاد عن العمال الجادة 0وكثيرا ً ما يرى الواحد
منا نفسه وقد قطع عمل ً مهماً,يقوم به من أجل إجراء مكالمة
حة,ول ضرورية,أو لزيارة صديق كان معه بالمس,أو هاتفية غير مل ّ
لسماع نشرة أخبار,يعرف أنه ليس فيها أي جديد 000
جل على نفسه كم مرة في اليوم المطلوب من الواحد منا أن يس ّ
استطاع تأجيل رغبة ملحة من أجل إتمام عمل مهم,وكم مرة قطع
عمله من أجل خاطر خطر على باله,وهو ل ينطوي على أية أهمية
أو قيمة 0
ن تحرك الوقت على نحو متتابع يرتّب علينا مسؤوليات وأعباء إ ّ
جديدة,ول بد من مواجهتها عن طريق الستمرار في العمل قدر
المستطاع 0
-5اكتسـاب المهـارات-:
__203
كانت متطلبات العيش في الماضي غير البعيد محدودة جداً,ولذا فإن
الواحد من الناس كان يقوم بمعظم حاجاته 0ومع ارتقاء النسان في
مدراج الحضارة أخذت أساليب الحياة تتعقد شيئا ً فشيئاً,وزاد اعتماد
الناس بعضهم على بعض ,مما جعل تقسيم العمل يزداد شمولً
وعمقاً,وصارت صلحية النسان في البناء الجتماعي,تستمد اكتمالها
من مدى ما يمكن أن يقدمه لمجتمعه من إسهامات هو بحاجة إليها 0
إن مهمة العلم أن يرتاد آفاق المجهول,ويكشف السنن,ويحلل العوامل
سن نوعية الحياة ن هذا كله ل يح َّ المتشابكة للظواهر المختلفة 000لك ّ
على نحو ملموس ما لم يتُرجم إلى تطبيقات عملية,ويتجسد في
أساليب ووسائل,توفر الراحة للناس؛وهذا ما ينجبه اللقاء السعيد بين
العلوم النظرية وبين الممارسات المهنية والتقنية 0
ن جزءا ً كبيرا ً من صعوبة العيش زماننا يعود إلى ضعف القاعدة إ ّ
الصناعية والمهنية في بلد المسلمين؛واضح أن التقدم الصناعي الذي
أحرزته الدول الغربية ,وبعض الدول التي تسير على نهجها-هو الذي
مكّنها من قيادة الحضارة,وإملء العيش الكريم على المم الخرى,وقد
أفرز ذلك بطالة ضخمة,اجتاحت مئات المليين من أبناء العالم
السلمي,وصار إتقان الشاب لحرفة أو مهنة يكتسب من ورائها رزقه
أمرا ً في غاية الهمية
ضل أن ومن المؤسف جدا ً أن كثيرا ً من الشباب-العربي خاصة-يف ّ
يجلس كسيرا ً حسيرا ً في بيته,أو يمضي سحابة يومه متجول ً في
الشوارع على تعلّم حرفة أو مهنة أو تطوير مهارة يمتلكها,وذلك من
بعض بقايا الجاهلية الولى في النفوس والعراف ,حيث كان المهنيون-
على نحو عام-هم عماد الطبقة التي تتولى خدمة المجتمع ,وهناك إلى
جانبها طبقتان أخريان:طبقة(الشجعان)وطبقة(التجار)التي تمثّل النفوذ
والثراء في المجتمع 0
وقد حاول النبي القضاء على مفاهيم كراهية المهن من خلل
أقواله,ومن خلل سلوكه الشخصي,وقد انفعل الناس بذلك في البداية
إلى حد َّ كبير,لكن المر لم يدم طويل ً حيث جاءت حركة الفتوح بمئات
اللوف من العبيد وغيرهم ممن وفد إلى الجزيرة العربية والحواضر
السلمية الخرى,وكان كثير من أولئك يتقن الكثير من المهن والحرف
والمهارات,مما جعل العرب يشعرون بعدم الحاجة على امتهان الحرف
ما دام هناك من يقوم بشؤونهم المختلفة,فعاد ازدراء المهن من جديد
إلى حياة الناس()1([!)1يقول الفرزدق معيّرا ً بأبيه الحداد:
ونفخت كيرك في الزمان إني بني لي في المكارم أوّلي
الول]0
__204
إن العيش في الزمان الصعب,يتطلب تحررا ً ثقافياً,وتجاوزاً
للعراف والتقاليد البالية التي جعلت كثيرا ً من الشباب يسلك
مسلك ذي العيال المتكبر؛إنهم يريدون أن يشكَّلون طبقة متميزة
بدون أي شيء يؤهلهم لذلك!0
التقدم الحضاري اوجد أزمات كثيرة,ومنح فرصا ً أكثر,وقد صار
حَرف والمهارات التي يمكن هناك الكثير الكثير من المهن وال ِ
اكتسابها وإتقانها في بضع شهور,حيث إنه بسبب التقدم
التقني,وتوفر اللت المساندة صار إتقان الصنائع أسهل من ذي
قبل 0
حَرف كثيرة يمكن حَرف القديمة صار هناك ِ إلى جانب المهن وال ِ
للنسان أن يتقنها؛ فالوضع الجديد للدعاية والعلن-مثلً-منح ذوي
المواهب في الرسم والخط فرصا ً عظيمة للعمل 0وبرامج
الحاسوب وفّرت المليين من فرص العمل .وليس سرا ً أن كثيراً
من البرامج ل تصممه الشركات في مبانيها,وإنما تعهد به إلى هواة
يقومون بتصميمها في منازلهم 0صيانة المحركات والجهزة
واللكترونية والكهربائية والساعات,وما شاكلها تتطلب المزيد من
العاملين,وتنمو على نحو مطّرد 0
الواجب على الواحد منّا أن يستخدم جزءا ً من أوقات فراغه في
تطوير بعض مهاراته,أو تعلّم بعض المهن الخفيفة التي يستفيد من
ن كل ذلك من جملة العمال ورائها في تحسين وضعه المعيشي,وإ ّ
التي تساعد المة على النهوض؛إذ ل نستطيع أن نوجد مجتمعاً
أقوى من مجموع أفراده,فوجود الفراد المهرة,يعني في النهاية
مجتمعا ً ماهراً 0
-6اغتنام الفرص المتاحة-:
الفرص تعني دائما ً ظروفا ً أكثر ملءمة للقيام بعمل ما,وهذه
الظروف ل تتوفر دائماً,بل إن الفرص الكبرى,قد ل تتوفر إل مرة
واحدة في العمر 0الفرص ل تطرق باب أحد,وعلى الناس أن يبحثوا
عنها 0حين يكون المرء إيجابيا ً وفعّالً ,فإنه يقع على الكثير من
الفرص أكثر من غيره,لنه يدرك جوانب النفع الخفية ,فيسبق إلى
الستفادة منها 0الكسل والخوف من الخفاق,من أكبر العوامل
التي تُقعِد النسان عن الستفادة من الفرص 0إن مشاورة أهل
الخبرة فيما يلوح من إمكانات للتحسن,تساعد كثيرا ً على التحرك
والقدام ,فلنجعل ذلك خلقا ً لـــــــنا .
__205
-7السفر باب من أبواب الرزق-:
السفر قطعة من العذاب,لكنه أيضا ً باب من أبواب الرزق,حيث
يستفيد المرء خبرات جديدة,وينقل إلى البلد الذي يسافر إليه
خبرات بلده الذي نشا فيه ,ويقع على فرص غالبا ً ل تتوفر في
ل وعل{-ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الرض بلده,وقد قال-ج ّ
مراغما كثيرة وسعة}[النساء]100:قال أبن عباس
ة
سعَة:سعة الرزق"وكان ابن عمر يقول":ما خلق الله موت ً وغيره":ال ّ
ي من الموت بين شعبتي أموتُها بعد الموت في سبيل الله أحب إل ّ
رحلي,أبتغي من فضل الله ضاربا ً في الرض"
وعلى مدار التاريخ كان الناس يهاجرون ويسافرون تفادياً
للمجاعات والزمات الخانقة,
وكان معظمهم يجد في ذلك منجاة مما هو فيه من كرب وضيق
وقلّة 0إن تعلّق المرء بمسقط رأسه,ومقام أهله شيء
فطري,ورمز في غاية الهمية()1([)1يروى عن الشافعي-رحمه الله
–قوله:
وسافر ففي السفار تغرب عن الوطان في طلب العل
خمس فوائد
وعلم وآداب وصحبة م واكتساب معيشــــــــــــــــةٍ ج ه ًّ
تفري ٌ
ماجـــــد}
وعلى كل حال فالخيّرون يبنون حيث اتجهوا,وحيث أقاموا؛وغربو
سنوات قد تساعد على الستقرار والسعة عمرا ً مديداً 0
-8توفير شيء من الـــــــدخــل-:
كانت الحياة في الماضي أقرب إلى الرتابة,والمفاجآت فيها
قليلة,والحتياجات محدودة 0أما اليوم فكل شيء قد تغيّر,وصار
توقّع الحالة الطارئة من مرض وسفر ومصرفات تعليم 00أمراً
ضرورياً 0أضف إلى هذا أن تحسين الوضع المادي لحدنا ,سيظل
مرتبطا ً بتوفير شيء-ولو قليل-من المال,مما يوجب على الواحد
منَّا أل ّ ينفق كل ما يأتيه من مورد,وأن يحاول يجتزئ شيئا ً منه,يعدّه
لما ذكرناه ولغيره 0
بعض الناس ينفق دخله الشهري في أيام معدودة,ثم يستدين إلى
نهاية الشهر ,ليظل يشعر بأنه عاجز مغلوب!ومع أن بعض الناس
يكون مضطرا ً فعل ً لمثل ذلك ,إل أن الصحيح أن كثيرين منا
يسيئون استخدام مواردهم المالية,وينفقون كثيرا ً على أشياء
__206
تََرفية,أو دعوات وولئم مظهرية,ثم يظل يطرق باب فلن وعلّن
مريقا ً ماء وجهه!0ُ
فكرة الصندوق الحتياطي التي يعمل بها بعض الناس جيدة
ومفيدة,حيث يقوم بعضهم باجتزاء( )%10من الدخل
الشهري,ويضعه في ذلك الصندوق ليستخدم فيما بعد في نحو ما
ذكرناه 0
-9إدارة المكانات المحدودة 0
كلما كانت المكانات محدودة,والموارد شحيحة,احتجنا إلى براعة
من حاجاتنا من وراء رأس مال أكثر في إدارتها؛حيث إن علينا أن نؤ ّ
محدود 0وتظهر التجارب العالمية يوما ً بعد يوم أن بإمكان الدارة
الممتازة أن تعوض ضعف المكانات المتاحة؛والتقدم التقني الهائل
يتيح أكثر فأكثر لعداد كبيرة من الناس أن ينتجوا كميات كبيرة من
المحاصيل من جّراء زراعة مساحات صغيرة جداً,وفي بعض الدول
صارت الزراعة المنتجة على أسطح المنازل,وعلى الرفف المقامة
على الجدران-مألوفة؛كما أنه صار في إمكان صاحب الخبرة أن
يقيم مصنعا ً صغيرا ً في حجرة من داره ,بل إن بعض المصانع
الكبرى كانت نواتها في يوم من اليام عبارة عن ورشة صغيرة
جداً,كما هو الشأن في مصانع (فورد) للسيارات .
مما يساعد على خفض النفقات تأجيل شراء بعض الشياء على
الوقات التي تكون فيها رخيصة-وهذا ما يفعله كثير من الناس في
أمريكا-وأكل بعض الفواكه والخضار في مواسمها,حيث تكون عادة
منخفضة,وإجراء المكالمات الهاتفية في أوقات التخفيض,والعزوف
عن شراء الشياء الترفية والكمالية ...ولبد مع هذا وذاك من
القلع عن عادات البطر والتبذير في المأكل والملبس
والمسكن,حيث تنفق النساء الموال الطائلة على الملبس وأدوات
الزينة ,وحيث تطبخ كميات كبيرة من الطعام ,ل تجد من يأكلـهـا
000
ن التفكير الجادّ,ومحاولة فهم أسرار النجاح في بعض القطاعات إ ّ
أو المؤسسات الناجحة مما يولّد الفكار المبدعة التي يمكن أن
جد الفكر ,وتُدعَم بدراسة جدوى تقوم عليها مشاريع ناجحة ,وحين ت ُ َ
عقلنية وعلمية,فغن المال ل يغدو مشكلة,حيث يتهافت
المستثمرون على صاحب الفكرة,وبذلك يكون صاحب الفكرة قد
استثمر إمكاناته الذهنية,وربح أكثر من أصحاب المكانات المادية
الجيدة,والتي ل يعرفون ماذا يصنعون بها 0
__207
مد أموالك-: -10ل تــج ّ
ث على جعله المال أداة إنتاجية مهمة,والرؤية السلمية فيه تح ّ
متحركا ً نامياً ,حيث إن في حركته توفير فرص عمل للمحتاجين
إليه,كما أن فيها تنشيطا ً للقتصاد الوطني,
وعائدا على الدولة وأصحاب رؤوس الموال,إذا ما أُدير بشكل جيد
سر قوله-عليه الصلة والسلم":-لو كان لي مثل ل هذا ما يف ّ0ولع ّ
ل وعندي منه شيء إل شيئاً ي ثلث ليا ٍ أحد ذهبا ً لسّرني أل ّ تمّر عل ّ
أرصده لدَيْن"
وعن عمر-رضي الله عنه(-:أل من ولي يتيما ً له مال,فليتّجر له في
ماله,ول يتركه فتأكله الصدَقة"0وإن في ترتيب السلم الزكاة في
ضا ً لصحابها على استثمارها,لن المال ما الموال غير المستثمرة ح ّ
جد َ من أجل أن يُكتنَز ويُكدَّس في البيوت ,وإنما من أجل ُ
أو ِ
الستغلل,حتى ينتفع بحركته الناس 0
-11العلقات الحسنة مصدر رزق-:
مصير البشرية متوقّف على عدد محدود من المور الجوهرية,أهمها
ل وعل-ثم علقتهم بعضهم مع بعض علقة الناس بخالقهم-ج ّ
0والتعاليم السلمية في هذا الشأن ,تؤسس علقات ممتازة بين
ث والعطاء والتسامح والتعاون؛ونجد هذا الناس؛لنها قائمة على الح ّ
ث على ابتداء الغير بالسلم ,إكرام الضيف واضحا ً في نحو الح ّ
سم في وجه الخ المسلم,والصبر والجار,ومقابلة الخطأ بالعفو,والتب ّ
على ما تجّره مخالطة الناس من الذى,
والمر بالمعروف والنهي عن المنكر,وعيادة المريض,وزيارة
الصدقاء,وصلة الرحم ,والنصح للشريك,وغشيان المساجد في
الجمعة والجماعات والعياد 0
ن كل ذلك فوق أنه تعبّد لله-تعالى-يعود بالنفع العظيم على إ ّ
أصحابه؛فهو مثل ً يجعل الخرين يشعرون بالمتنان,ويبحثون عن
وسيلة يردون بها المعروف,كما أنه يبني الثقة والُلفة بين
المسلمين,وهو أيضا ً وسيلة للتعارف والتعاون 0وحين يحتاج واحد
من الناس على نوٍع من الخدمة أو العمل,فغنه يلجأ أول ً لمن
يعرفهم؛وهذا هو الدافع الذي يكمن خلف الكثير من أعمال العلن
التي تُنفق فيها المليين 0
إننا بحاجة دائما ً إلى الثقة بأنه مهما ساءت الحوال,واشتدّت
الكروب,فستظل هناك فرص وخيارات,لكن قصورنا الذاتي,وضعف
__208
شفافيتنا تجاه الفرص,هما اللذان يحولن دون الستفادة
منها,واستخدامها في تجاوز الحالت الصعبة 0
__209
الفصـل الول-:
__210
حياته,كما يعني حدثا ً مزعجاً,ل ينبغي أن يخطر وقوعه في البال
0ومع اليام تتعدّد موارد الفيض الجتماعي من خلل القرابة
والزواج والصداقة إرادة منه ,وتلك التي ينتسب إليها باختباره 0
سع نشاطه وجد-على خلف وكلّما ازداد نضج النسان,وأراد أن يو ّ
ما قد يتبادر-أن حاجته للخرين صارت أعظم,وأكثر حيوية
وإلحاحاً؛فعلى حين يقول المراهق:أنا يقول البالغ الناضج:نحن 0
إن العالم الذي يحيط بنا بكل منجزاته وأشيائه وأفكاره
وانعكاساته,يربطنا على نحوّ ما بأشخاص كثيرين ل نعرفهم,ويفتح
قنوات-أحيانا ً غير مرئية-للتواصل معهم والتأثير بهم 0وفي المقابل
فإن قراراتنا واختباراتنا وأنشطتنا المختلفة ستسهم في تشكيل
من سيأتي بعدنا 0 العالم الذي سيعيش في أجوائه َ
وأعتقد أن إدراك هذه الوضعية على نحوٍ جيد,سوف يجعلنا نتأمل
أكثر فأكثر في أهمية العون الغيري لوجودنا,كما يجعلنا نفكر في
رعاية التبادلية الجتماعية وتعزيزها وترشيدها 0
-2يظل المرء يشعر بالقصور الذاتي عن فهم العالَم الذي يعيش
فيه,ومهما بلغ من النضج والكتمال,فإنه ل يفتأ يشعر بالحاجة إلى
من يساعده على تكوين رؤية إدراكية للوسط الذي يحيا َ
فيه,ولمجريات الحداث التي تقع في ذلك الوسط 0وهذا في
الحقيقة ل يتم من خلل كثرة قراءة الكتب,ول سماع نشرات
الحديث المتبادل حول مجمل الوضاع والشؤون المختلفة 0
ن الحوادث المستفيضة والمستمرة,توجد عالما ً معرفيا ً مشتركاً وإ ّ
بين الزواج والصدقاء والزملء والجيران 000وهذا العالم المشترك
مي البصيرة الجتماعية والثقافية لدى جميع المشتركين فيه ين ّ
0ونجد قيمة ذلك إذا تأملنا النمط الفكري والمعرفي الذي يسود
لدى النطوائيين والنعزاليين والعّزاب الذين ليس لهم أصدقاء
يثقون بهم,حيث يلمس المرء في كثير من الحيان تقويماً
مشوَّهاً,ورؤية غائمة لكثير من مفردات الواقع المعيش
-3تُشبع العلقات الجتماعية لعديد َ من الحاجات العاطفية والنفسية
لدى النسان؛وتلك الحاجات متعددة,ويتم إشباعها بطرق مختلفة
0وعلى الرغم من أن العلقات الجتماعية,ل تخلو من التسبب في
ن هناك أدلة عديدة على استقلل المشاعر بعض المتاعب إل أ ّ
اليجابية عن المشاعر السلبية؛إذ يمكن للمرء أن يُشبع ميوله إلى
العديد من الحاجات الجتماعية في نفس الوقت الذي يعاني فيه
صلته بالخرين,كما يحدث للم التي تستمع بوجود من مفرزات ِ
__211
طفلها المريض إلى جانبها,مع ما يسببه لها مرضه من آلم
ومخاوف ومشاق 0
ب في النهاية في على الرغم من أن العلقات الجتماعية تص ُّ
صلة واحدة إل أنها كثيرا ً ما تختلف في نوع الوظيفة,التي تقوم
مح ّ
بها في تدعيم كياننا المعنوي وإشباع حاجاته ورغباته؛وعلى سبيل
المثال فإن العلقات الزوجية إلى جانب أنها تشكَّل السياق
الشرعي لتلبية نداء الفطرة الذي وضعه البارئ-سبحانه-في
الزوجين توفّر أجواء الود ّ والرحمة والطمأنينة والثقة وإسقاط
ل وعل{-:-ومنالكلفة والتعاون والنس 000؛وما أجمل قول الله-ج َّ
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل
بينكم مودة ورحمة إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون}
[الروم]21:
علقات الخوّة والصداقة الحميمة,وتوفر تحسنا ً فوريا ً للحالة
المعنوية,كما أنها توفر المرح في حالة الطفال والشباب,كما توفر
لكبار السن الشعور بالُنس,وتمل شيئا ً من الفراغ 0ويمكن القول
سة لثلثة ن الناس يحتاجون إلى أصدقاء حاجة ما ّ على نحوٍ عام:إ ّ
أسباب جوهرية:
أ-المساعدة العملية في بعض الشؤون,وتوفير بعض المعلومات
حول بعض القضايا 0
ب-إسداء النصح وتقديم العطف,والستماع إلى الشكوى بإخلص
وتفهّم ,والمشاركة في النظرة إلى العالم 0
ج-تماثل الهتمامات والمشاركة في بعض النشطة,وممارسة بعض
ضعاللعاب .وجود البناء في السرة مهم للغاية,ومع أن الر َّ
والمرهقين –الذكور منهم خاصة-يسببون العديد من المشكلت
أسرهم,إل أنهم يشبعون الميول إلى البوّة والمومة,كما أنهم
يشبعون في المنازل الحيوية والمرح,ويستمتع البَوان برؤيتهم وهم
ن البوين يريان في أولدهما ينضجون ويكبرون 0أضف إلى هذا أ ّ
نوعا ً من التحقيق الذات,كما يريان فيهم نوعا ً من الستمرار
والرشد والعمق في فهم الحياة 0
علقات القرابة علقات قهرية,ل حيلة للمرء فيها,وهي ترتب بعض
الحقوق والواجبات الشرعية والدبية بين القرباء,مما يجعل المرء
يشعر أن بإمكانه أن يتوقع علقات وثيقة ومستمرة مع بعض الناس
على مدى الحياة,كما أن بإمكانه أن يتوقع دعما ً معنويا ً وماديا ً غير
__212
مشروط؛وهذا مما يوفر الطمأنينة والثقة,ويحد ّ من مشاعر
الغتراب والوحدة 0
من بعض الشياء أما علقات الجوار,فهي إلى جانب كونها تؤ ّ
الضرورية,كما تسهّل سبل التعاون-تجعل المرء يشعر أن له
سنداً,يعتمد عليه عند وجود المخاطر الطارئة؛فالجار كثيرا ً ما
يشبه(حزام المان)الذي ل تُعرف عَظَمة فائدته إل عند وجود
مشكلة,أو وقوع ما ليس في الحسبان 0وهكذا فإن شبكة العلقات
من للنسان من أشكال الرفاهية ما ل يمكن أن يؤ َّ
منه الجتماعية,تؤ َّ
أي شيء آخر .
-4يواجه النسان العديد من المشاقّ والزمات في حياته المهنية
والخاصة ,وذلك يسبّب له العناء,والحساس بالضعف,ويعكّر مزاجه
0والدعم الجتماعي الذي يتلّقاه النسان ممن حوله من أقرباء
وأصدقاء ...يجعل تأثير المشاق والزمات ,في حياته يتضاءل إلى
حد ّ التلشي 0
منالدعم الجتماعي ينعكس في صورة شعور الفرد بان هناك َ
يهتم به اهتماما ً عميقاً ,ويقدّره؛و في صورة شعور الفرد باندماجه
الشديد مع الخرين 00ويتجلّى تارة في صورة توفر شخص,يمكن
أن تحدثه عن نفسك ومشكلتك باطمئنان ,ودون حرج أو خوف 0
ويتجلّى في بعض الحيان في درجة تقدير المرء لذاته ,وثقته
بنفسه,وإحساسه بالسيطرة على المواقف المختلفة,باعتبار ذلك
مستمدّاً-جزئياً-من استجابات الخرين ومشاعرهم اليجابية تجاهه 0
أما طرق عمل الدعم الجتماعي في تخفيف العناء,والتغلّب على
الصعاب,فهي عديدة؛ إذ ربما كان لها تأثير فوري على(نظام
الذات)وربما كان لها تأثير مباشر على النفعالت؛
َ
ة من المشاعر اليجابية إذ يول ّد التفاعل الجتماعي الداعم درج ً
ف الكتئاب والقلق 0
القادرة على ك ّ
أضف إلى هذا أن المرء يواجه الحداث الخارجية على أنها أق ّ
ل
مشّقة,وأخف وطأة عندما يشعر أنه يتلقى نوعا ً من المساندة ممن
تربطه بهم بعض العلقات ,وعلى سبيل المثال فإن الصلة على
الميت وتشييعه,وتعزية أهله,وصنع الطعام لهم يخفف الكثير من
إحساسهم بالمصيبة,كما أن إحساس المشرف على الموت بان
من سيقوم على رعاية أسرته وأولده هناك من أقربائه وأصدقائه َ
من بعده ,يخفف من مشاعره تجاه فراق أهله والبتعاد عنهم 0
__213
إن الدعم الجتماعي يشكّل ما يشبه العوازل الزيتية التي يضعها
الشخص على جلده لوقايته من أشعة الشمس الضارة؛وقد ثبت
من خلل بعض البحوث والدراسات أن النَّساء المتزوجات واللواتي
ل عرضه للكتئاب والهواجس المزعجة من النساء لهن أطفال أق ُّ
ّ
ف احتمال غير المتزوجات,ومن اللواتي ليس لهن أطفال 0ويخ ّ
الصابة بالكتئاب إذا كان الزوج يمكن العتماد عليه في ح ّ
ل
مل الزوجة في حال الصابة المرض أو ما المشكلت ,وفي تح ّ
يشابهه 0
ن كثيرا ً من صور الضطراب العقلي ينشأ من اجتماع درجة عالية إ ّ
من المشاقّ مع درجة منخفضة من المساندة الجتماعية 0
توفّر علقات الخوّة والصداقة دعما ً ل يُستهان به؛إذ تساعد على
تجنب الشعور بالوحدة الذي يسبب الشعور بالقلق
والملل,وانخفاض تقدير الذات 0
وعلى مقدار ما تكون شبكة العلقات الجتماعية كثيفة,يستطع
المرء التخلص من تلك المشاعر 0وعلقات الصداقة الشد تأثيراً
في تخفيف العناء,هي تلك العلقات الحميمة التي تُسِقط الكثير من
ُ
التكل ّف,وتوفر مظلّة أمنية واقية من أهوال الحداث المفاجئة غير
الساّرة 0
العمل يسبب المشاقّ بطرق متعددة,فساعات العمل
الطويلة,وطبيعة(الميكنة) ذات اليقاع المتكرر وضغط الوقت
والضوضاء والحرارة,والمسؤولية عن الخرين ,والصراع معهم
صلت 000كل ذلك يسبب المشقة 0والذي يخفف من آثار كل ذلك ال ِ
الدافئة مع بعض الزملء؛كما أن تعاون المشرفين على العمل
وتشجيعهم,وإشراكهم لمرؤوسيهم في اتخاذ بعض القرارات,كل
ذلك يضفي على العمل شيئا ً من المتعة,ويخفف من ضغوطه 0
وحين تتوفر(الروح الجماعية)في أكثر العمال مشقة,فإنها تعزل
الكثير من آثارها ؛ وهذا ما يحاول كثير من العمال توفيره من خلل
الهازيج الحماسية التي يرددونها بصورة جماعية 0
إن الرؤية السلمية في مجال العلقات النسانية,تؤسس عدداً
كبيرا ً من المفاهيم والدبيات التي تدفع المرء إلى اللتحام
صلت على مختلف بمجتمعه,وإلى إقامة شبكة واسعة من ال ِ
المستويات,وفي كافة التجاهات؛وحسبك أن تستعرض النصوص
الواردة في بّر الوالدين,وصلة الرحم,والحقوق السرية ,وحقوق
__214
الجار والضيف والصديق والفقير وابن السبيل والرامل واليتام...
لتجد أن الستجابة لمر الله-تعالى-في هذا الشأن,
تجعل المرء يشعر بوجود روافد ضخمة من الدعم والحماية التي
يمكن أن تأتيه من جهات عديدة,بعضها غير معروف لديه!0
إذا كانت العلقات الجتماعية على هذه الدرجة من الهمية
والخطورة,فإن من واجبنا أن نسعى إلى رعايتها وتنميتها,وتحسين
مستواها,وفهم الساليب والدوات التي تساعد في كل ذلك 0وهذا
ما أسأل الله-تعالى-أن يعينني على توضيحه في الصفحات
القادمــة 0
َّ
سمــــــــــــــــــات اللبِنَة الصالحــــــة-:
البناء الجتماعي العام يقوم على دعامتين أساسيتين:دعامة تستمد
تشخيصها من الصفات الفردية الخيّرة والفاضلة التي ينبغي أن
من يشكلون الكيان الجتماعي؛ودعامة تستمد يتحلّى بها كل واحد م ّ
مقوماتها مما يجب العمل عليه من أفكار وأخلقيات وتدابير في
ل الشكالت والتوترات الناجمة عنه تسهيل التواصل الجتماعي,وح ّ
0والذي يلقي نظرة فاحصة على النصوص والتوجيهات الشرعية
الواردة في هذا الشأن,يجد أنها تتوزع على مساقين:مساق فردي,
ومساق جماعي 0
وعلى الرغم من استقلل هذين المساقين في الظاهر,إل أن بينهما
من معابر التأثر والتأثير والعتماد المتبادل الكثير؛على النحو الذي
نجده بين(علم النفس) الذي يبحث في شؤون السلوك
الفردي,و(علم الجتماع)الذي يبحث في شؤون السلوك الجماعي 0
إن مجمل الدبيات المتعلقة بالتنظير لمدى صلحية الفراد في
تكوين البناء الجتماعي,يستهدف تنمية الوعي حول الدور الشخصي
لفراد ذلك البناء ,وانعكاسه في النهاية على مدى صلبة البناء
وضعفه,حيث بات من الواضح أنه ل يمكن أن نؤسس مجتمعا ً أقوى
من مجموع أفراده 0وإذا وجدنا أمة حققت نصرا ً كبيرا ً عاماً,فذلك
لن كل واحد من الشريحة العظمى فيها استطاع أن يحقق نوعاً
من النصر على صعيده الشخصي 0
ن
ش,وإ ّ
شة لن تشكل في النهاية أكثر من جدار ه ّ ن اللبنات اله ّإ ّ
الخطوة الولى على طريق التقدم الجتماعي الحقيقي تظل
سن وتقدّم نشعّه في متعلقة بما يمكن أن يطرأ على ذواتنا من تح ّ
علقاتنا وأعمالنا الجماعية وإنتاجاتنا المختلفة .
__215
ولعلّى هنا أذكر أهم السمات التي تؤهّل الفرد المسلم لقامة
علقات جيدة مع الخرين وتؤهّله بالتالي لن يكون لَبِنَة صالحة في
الصرح الجتماعي؛وذلك من خلل المفردات التالية-:
-1اللـتـزام:
لكل مجتمع فلسفته ورؤيته وقيمه,وهي في مجملها
تحدد(الصبغة)التي ينبغي أن يصطبغ بها,ويضبط سلوكه وفق
مقولتها وملمحها 0تلك الصبغة هي الصفة التي ينبغي أن تستهدف
كل المؤسسات التربوية والعلمية تعميمها,وجعلها بمثابة الروح
التي تسري في جميع مناشط الحياة,حيث تشكّل في النهاية اللغة
المشتركة التي يتفاهم بها المرء مع ذاته وإخوانه 0
ولو تساءلنا عن الصفة الغالبة بالنسبة للمجتمعات السلمية والتي
ينبغي أن تجسدها في حياتها,لوجدنا أنها(اللتزام)والذي هو في
جوهره عبارة عن فعل المسلم للواجبات وتركه للمحّرمات مع
التأدب بآداب الشريعة الغّراء في شأنه عامة 0
حين تكون العلقات بين الناس عبارة عن مجموعة من الصفقات
والمقايضات ,فغنها عن كثير مما سنذكره هنا,حيث يغلب عليها
آنذاك أن تكون عابرة ومؤقتة وسطحية؛لكن حين يُنظر إليها على
أنها موارد للنموّ الذاتي والنضج الشخصي ,وموارد لتشييد البناء
الجتماعي,فإنها حينئذ ٍ تحتاج إلى الرتكاز على أسس عقدية
ومنهجية وقواسم الخلقية مشتركة؛وبذلك وحده تكون العلقات
الجتماعية (مرايا)تعكس البنى النفسية والخلقية العميقة
للناس,مما يعزز الكيان الفردي والكيان الجتماعي في ىن واحد
من خلل التفاعل والتواصل المشترك .
ن الشخص الفاسد أو المتحلل,ل يستطع أن يندمج اندماجا ً حقيقياً إ ّ
في (الجماعة المسلمة) ول يستطع أن يثريها,أو يرفد مقوماتها
المعنوية على وجه صحيح وفعّال,بل إنه يفعل العكس من
ذلك,حيث يشوّش سلوكه المنحرف رؤية الناس لـ(النواة الخلقية)
التي ينبغي أن تتشكّل حولها مفاهيم التواصل والتعامل بينهم 0
-2التــــــــواضع:
شيء جميل ومطلوب أن يثق النسان في قدراته,ويعرف قدر
نفسه الحقيقي ,ولكن سوف يكون من الخطأ الفادح المبالغة في
ن من تظنّهم دونك يستطيعون أن يضعوك دون المرتبة ذلك,إذ إ َّ
التي وضعتهم فيها؛فمقاييس التفاضل,ليست واحدة دائما ً ول
واضحة؛ فمنظومة القيم والذوق والعُرف,وزاوية النظر,ونوعية
__216
الهتمامات,كل ذلك ينعكس على تقويم الناس بعضهم لبعض,وذلك
كله مختلف ومتنوع 0وقد كان مما أرشدنا الله إليه من الحكمة
قوله{ول تمش في الرض مرحا ً إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ
الجبال طولً}[السراء0]37:
إن التواضع فوق أنه تعبير دقيق عن العَظَمة الحقيقة-قليل التكلفة
على المستوى الشعوري والعلمي؛فالمتواضع يبدو دائما ً أقل من
حقيقته,وبذا فإنه يظل يكبر في عيون الناس دون جهد يبذله,على
حين أن المتكبّر يضع نفسه في امتحان دائم,فهو رجل عريض
الدعاوى,وعليه باستمرار أن يثبت أنه ليس أقل مما يدّعيه,وهيهات
هيهات أن يستقيم له ذلك 0
إن الكِبر يولّد التوتر المرضي لدى صاحبه,ولدى المجتمع الذي
يعيش فيه ,ويكفي من ذلك ما يحدثه المتكبّر في بيئته من معادلة
الحتقار المتبادل!وقد أحسن من شبّه المتكبّر بالصاعد في
الجبل,يرى الناس صغاراً,ويرونه صغيراً 0
إن المتواضع كالرض المنخفظة تجتمع فيها خيرات السماء,على
حين تغادر القمم والسفوح 0ولو لم يكن في التواضع سوى جعل
صاحبه قادرا ً على جذب من هم أكثر منه تفوّقا ً لكان مكسبا ً كبيراً!
وعلى كل حال فإن المتكبّر يظل هو الخاسر؛حيث يفقد دفء اللفة
وحرارة اللتحام بالخرين,وبذلك فإن ما يزهو به يكون عامل إقصاء
س حاجته إليه 0له عن الناس وحرمان مما تم ّ
-3الصـــبر:
الحياة الجتماعية بطبيعتها تحدث احتكاكات ونزاعات,وذلك نظراً
لختلف أمزجة الناس وميولهم وأفهامهم ومصالحهم 000وهذا
يتطلب من كل واحد منّا أن يحاول يتَّسع لغيره,ويلتمس له نوعاً
من العذر 0وبما أن العلقات الجتماعية مستويات متعددة,فإن
المشكلت الناشئة عنها أيضا ً ذلت مستويات عدّة,ومهما يكن
مل والصبر يظل مطلوباً 0وقد ورد في الشأن,فإن قَدْرا ً من التح ّ
الحديث الصحيح"":المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم
أفضل من المؤمن الذي ل يخالط الناس ول يصبر على أذاهم""0
ل وعل-جعل هذه الدنيا دار ابتلء,وقد فّر فيها كل شروط إن الله-ج َّ
البتلء ,ولذا فحيثما اتّجه النسان,وفي أي حال كان,فإنه سيكون
حناً,وعليه أن يحاول النجاح, ممت َ
ولن يتأتّي له ذلك له ذلك إل إذا امتلك العزيمة في مواجهة
الصعاب 0
__217
إن الجزاء على الصبر يظل دائما ً أكبر مما يتوقع المرء,وقد قال
الله-سبحانه{:-إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}[الزمر:
,]10وقال{:وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا}[السجدة:
0]24
مل,قد جعلت كثيرين منّا يخسرون إن النزق والعجلة وضعف التح ّ
الكثير من الفرص,و الكثير من العلقات 0وبعضنا يتأفف حين يرى
غيره يتّخذ موقفا ً مغايرا ً لما يعتقده أو يلئمه ظنا ً منه أنه على الحق
القطعي الذي يجعله بمثابة الجماعة التي تتوجب العودة إليها؛ لنه
لم يتعلم الفرق بين الحق القطعي والحق الجتهادي ؛ ولطالما
انقطعت حيال الود ّ والتعاون بين كثير من أهل الخير نتيجة الرؤية
الغائمة لهذه القضية!0
-4الرحمــــــــــــــة-:
خلُق من أنبل الخلق النسانية التي ينبغي على المسلم أن الرحمة ُ
يتخلّق بها؛لنه يتجاوز مسألة الحقوق والواجبات إلى مرتبة المروءة
والشهامة والتبرع والحسان 0وإن طمع المسلم في ثواب الله-
ل الله,والشفافية التي يوجدها اليمان خلقَ عيا ُ
ن ال َتعالى-واعتقاده أ ّ
ن كل ذلك يدفع المسلم دفعا ً إلى أن يكون نموذجا ً في الحدب 000إ ّ
والرأفة ومد يد العون 0وهذا الخلق الكريم هو الذي يمل الفجوات
التي تسببها طوارئ الحياة,ويسببها القصور في النظم الثقافية
ى ل يضفيه أي شيء والجتماعية,وهو الذي يضفي على الحياة معن ّ
آخر 0
خلُق العظيم كثيرة,منها قوله- والنصوص التي تثني على هذا ال ُ
سبحانه{-محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء
س
حم النا َ بينهم}[الفتح0]29:ورود في الحديث الصحيح[ :من ل يَْر َ
ل يرحمه الله]0وقد كان سلوكه-عليه الصلة والسلم -كله رقة
ورحمة حتى على مستوى التشريع وبعض مسائل العبادة؛حيث ورد
عن عائشة-رضي الله عنها-أنها قالت[:إن كان رسول الله- -ليدع
ض
العمل,وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس,فيُفَر َ
عليهم]0قال-عليه الصلة والسلم[:-إني لقوم إلى الصلة ,وأريد
أن أطوَّل فيها,فأسمع بكاء الصبي ,فأتجوز في صلتي(أي
يخففها)كراهية أن أشقّ على أمتي]0
جه سلوكنا تجاه خلُق الرحمة,ل ينبغي أن يو َّ ن ُإن أدبياتنا تعلّمنا أ ّ
البشر ,فحسب ,وإنما تجاه الحيوان أيضاً؛فحبس امرأةٍ لهَّرة-كما
ورد في الحديث-حتى ماتت جوعا ً كان سببا ً في دخولها النار
__218
ي من بغايا بني إسرائيل لكلب كاد يقتله العطش-كان 0وسقي بغ ّ
سببا ً في مغفرة الله لها 0
في الرحمة يتم العفو عن الزلّت,والغضاء عن التقصير,وتقدير
الظروف الخاصة ,وذلك كله مما يؤهّل المرء لقامة علقة طيبة مع
إخوانه وأبناء مجتمعة القريب منهم والبعيد 0
-5المبادرة الفردية:
ن تربيتنا العامة,تقتل روح المبادرة ل نبعد القول إذا قلنا:إ ّ
والمبادأة؛حيث إن هناك حرصاً شديدا ً على (الرتابة)،وعلى أن يتم
كل شيء وفق نظام محدد,كما أن التعليم التلقيني,يكَّرس خلق
التبعية والتقليد,مما صار يثير المخاوف من أي شيء ليس له
نموذج سابق 0التخلّف العلمي والتقني والداري,هو الخر,يفكّك
الروح الجماعية,
ويجعل كل واحد في الناس,ينتظر غيره؛ليصنع شيئاً 0ويستنبطن
عدد كبير منّا مقولة:
(ليبدأ غيري)0و(علينا أن ننتظر النتائج)!0
ب الخير والعمل الصالح مركوز في المستوى العمق من شعور ح ّ
كل مسلم ,والمستعدّون للمساهمة والمشاركة اليجابية كثيرون,إل
أن المستفيدين لوضع أول لبنة ,وسير أول خطوة-قلّة قليلة؛حيث
الضعف الشديد في روح المبادرة ,والمسارعة إلى المقدمة 0وهذا
جب على أدى إلى ضياع ما ل يُحصى من القضايا العامة التي يتو ّ
ل على ذلك من ضمور مفاهيم الجميع النهوض بها؛وليس أد ّ
(الفروض الكفائية),إذا ما قورنت ب(الفروض العينيّة)0
المبادرة سمة أساسية من سمات البعد الجتماعي لذواتنا,ومن
خللها يمكن أن نعمر الكثير من النشطة والعلقات؛ولذا لم يكن
ث المسلم على مستغربا ً أن نجد الكثير من النصوص التي تح ّ
المسارعة إلى ما ينبغي القيام به دون النظر إلى موقف الخرين
ن سنَّةمن الكبار والصغار,ومن تلك النصوص قوله(--من س َّ
حسنة,فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
أجورهم شيء)ومنها قوله(إن أَوْلى الناس بالله من بدأُهم بالسلم)
0
م سمات العظماء في كل المم أنهم يدركون الوضعية ن أه ّإ ّ
الصحيحة لمجتمعاتهم ,و يملكون الرغبة في المساهمة في
بلوغها,حيث إن شعورهم بالمسؤولية يفتح لهم دائما ً آفاقاً
__219
جديدة,ويمدّهم بطاقات استثنائية,فيتحركون حين يسكن
ح العطاء؛فأين المبادرون؟0 الناس,ويعطون حين يش ّ
-6اللباقـــــــــــة:
جه سلوك الناس,وتنظّم ردود أفعالهم,ليست البنية العميقة التي تو ّ
بنية(عقلنية) ,وإنما هي بنية(عاطفية),وعلى مقدار ما يتم من
الرتقاء في سلّم الحضارة,تزيد إمكانات التفاهم المتبادل بين
الناس,وترتفع درجة حساسية الشخص تجاه تصّرفات الخرين,
حيث ينتظر الجميع مزيدا ً من الدقة والتهذيب والملطفة()1([ )1روح
الحضارة أنثى,وكلما ارتقى الناس في معارجها,أضفوا على جوانب
حياتهم المختلفة-حتى اللغوية -مسحة أنثوية]0
وملحظة العتبارات المختلفة 0
ن الصحيح أيضاً ومع التسليم بتفاوت طباع الناس وسجاياهم,إل أ ّ
سب من خلل التثقيف والمران والتدّرب,ومع ن(اللباقة) شيء يُكت َ أ ّ
اليام تصبح الميسم الذي يطبع اتجاهات التفكير وأشكال السلوك
لدى النسان,ويحصل من وراء ذلك خيٌر كثير 0
تحمل اللباقة معنى الظروف ومعنى التقان,فالشخص اللبق يجمع
بين خفة الروح ,وإتقان التصال بالناس,والساس العمق
ل(اللباقة)يتمثل في (الشفافية) و التي تعني قدرة المرء على
سس مواقفهم الشعورية تجاه استكناه التجاه الذهني للخرين,وتح ّ
الحداث والشياء والتصرفات المختلفة 0وهذه القدرة تتولّد عن
الثقافة والخبرة ودقة الملحظة,وعن شدة اهتمام النسان بأولئك
الذين يربطه بهم بعض العلقات الجتماعة 0
مظــــــاهر اللبــــــــاقة:
الوضع الجتماعي العام هو الذي يحدد السس والمعايير التي إذا
توفرت في سلوك شخص ما عُدَّ(لبِقاً)أو خارجا ً عن حدود اللباقة
ن هناك قواسم مشتركة بين أمم الرض في هذا الشأن,إل 0ومع أ ّ
ن هناك الكثير من العراف والعتبارات المحلية التي تجعل أ ّ
سمات الشخص اللبق تختلف من بيئة إلى أخرى 0
ولكون المجتمعات السلمية,تؤوب في كثير من شؤونها إلى
ن المعايير المشتركة بينها في هذا المجال- الدبيات السلمية ,فإ َّ
كما في المجالت الخرى-كثيرة ,منها:
-تقديم الخرين واحترامهم,والعتراف بميّزاتهم وفضائلهم,مظهر
ن
مهم من مظاهر اللباقة والكياسة,ولن يكون من المبالغة القول:إ ّ
تلهّف الفرد إلى التقدير والحترام,يُعد ّ محركا ً جوهريا ً لكثير من
__220
أعماله وأنشطته 0من القوال الرمزية في هذا الشأن(:كل شخص
يولد وعلى جبينه علمة تقول:من فضلك اجعلني أشعر أنني مهم)
0وكلما حدث اتصال بين الناس تناقلوا بينهم رسالة
صامتة,تقول(:فضل ً زكّني)(,ل تمرر بي غير آبه)(,أرجوك اعترف
بكياني)0
-البتداء بالسلم,والسؤال عن الحال,والستفسار عن مآل
قضية,تشغل بال الخ المسلم أو عن مريض يهمه أمره,وملطفة
أولده ومداعبتهم 000كل ذلك من مظاهر الهتمام التي تعبّر عن
التقدير 0
وقد أراد النبي--أن يغرس هذا المعنى في نفوس الطفال,فكان
َ
إذا مَّر على صبيان سل ّم عليهم 0
ومن المهم في هذا الباب أل َّ يتجاوز الهتمام بالخرين الحدود
سر على أنه تطُّفل,أو اقتحام للشؤون الخاصة المقبولة,فيف َّ
0والفضيلة دائما ً بين رذيلتين,والشيء إذا تجاوز حدّه انقلب إلى
ضدّه 0
على الواحد أن يعتاد فتح فمه بالثناء,وبيان المحامد,من غير مبالغة
ول إسراف ,فتشجع الخرين وشكرهم,واستحسان ما يقومون
به,يجعلهم يشعرون بنوع من المكافأة على جهودهم؛وهذا ضروري
ل ستمرارهم في أعمالهم 0
وقد أنثى النبي--على الكثير الكثير من خصائص أصحابه
وسماتهم,على نحو ماهو معروف ومشهور 0وقد مدح أموراً
صل في نفوسهم ف بها الناس عادة ليعلّمهم شكر النَّعَم ,ويؤ ّ يستخ ّ
فضيلة الثناء,فقد ورد في حديث مسلم أن النبي- -سأل أهله إداماً
م
ل,فدعا به,فجعل يأكل ,ويقول(:نِعْ َ يأتدم به ,فقالوا:ما عندنا إل َّ خ ّ
ل)0 ل,نِعم الُدم الخ ّ
الُدم الخ ّ
-من اللباقة أل َّ نزعج الناس بمشكلتنا وهمومنا الخاصة,فعندا لناس
ما يكفيهم من الهموم,ولنحاول أن نركز على استخدام
الضمير(أنت) في كلمنا ,ومناقشاتنا ,فذاك أدعى لشعار
ل على رغبتنا بمشاركته 0 المخاطَب بأننا ل نتمركز حول ذواتنا,وأد ّ
-هناك مواقف مربكة كثيرة,نتعرض لها,وربما ل تساعدنا البديهة في
بعض الحيان على التصرف الملئم فيها,وسيكون من المستحسن
آنذاك أن نتخيّل تلك المواقف,ونتأمل في العبارات التي نقولها
فيها,والتصّرفات التي تناسبها؛إنه من الستعداد للمفاجآت 0
__221
-تبشير الخ بشيء يسرهّ,وتهنئته على خير أصابه,من المور المهمة
شر الله بعض ب قرآني رفيع؛فقد ب َّفي هذا الشأن .والتبشير أد ٌ
شر المؤمنين عباده بما يسعدهم في مواضع عدَّة,وأمر نبيَّه- -أن يب َّ
بما أعدَّه لهم من الثواب,كما في قوله{:فبشر عباد الذين
شر النبي-- يستمعون القول فيتبعون أحسنه}[الزمر0]18-17:وب َّ
زوجته خديجة بيت في الجنة من قصب-اللؤلؤ المجوّف-ل صخب
فيه ول نصب 0
-التجاهل وعدم التدقيق,مظهر جميل من مظاهر اللباقة؛إذ لكل
واحد من الناس هنات وعورات ل يرغب في اطلع الناس
عليها؛وإذا كان لبد ّ من التعّرض لشيء من ذلك,
ف النسان بالتلميح عن التصريح,وبالجمال عن التفصيل؛وهذا فليكت ِ
ما نستفيده من السلوك الشخصي للنبي--فقد كان من دأبه عدم
الخوض في التفاصيل عندما يرى ماهو موضع مؤاخذة
واعتراض,كما كان يتجنّب ذكر أسماء الشخاص والقبائل إل بخير
وقد قال الله-سبحانه-فيه{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً
فلما نبات به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن
بعض}[التحريم0]3:
-7صنـاعة المشـاعر:
يمكن للمرء أن يقيم علقاته الجتماعية على أساس عقلني ووفق
حقوق التبادل الجتماعي؛كما يمكن أن يقيمها على معطيات
المشاعر 0العواطف شديدة التقلّب,سريعة التغيّر؛وردود أفعالنا
الولية على أحداث الحياة وتصرفات الناس,هي ردود عاطفية في
المقام الول 0وإذا اعتمدنا تلك الردود أساسا ً للتصرف,فإن علقاتنا
الجتماعية سيصيبها الكثير من المد والجزر والدفء
والبرود,وسنظهر بمظهر الذي ل يعرف ماذا يريد,والذي ل يدري
إلى أين يتّجه 0
من وجهٍ آخر فإن حياتنا الثقافية بعض النماط والمقولت السوقية
ن حيلته المبتذلة ,والتي تصوّر للمرء أنه نتاج مشاعره وعواطفه,وأ ّ
تجاهها ضعيفة؛ولذا فمن الفضل له أل َّ يقاومها؛فإذا كان ل يرتاح
إلى فلن من الناس,فالفضل له حتى ل يكدر نفسه أن يبتعد عنه
0وإذا لم يجد في علقته مع زوجته التوافق والنسجام الذي
يتخيّله,فالطلق هو الحل 000وهكذا يظهر النسان كليلً,وأسيراً
لعواطف ,قد يكون وراء تكوينها مجموعة من الوهام والخيالت,أو
رؤية الشياء من منظور أناني 0
__222
حتى يكون الواحد من لَبِنة صالحة في بنيان اجتماعي قوي,فإن
عليه أمرين:
أ-أن يبني علقاته على أساس عقلني قوي,يتم من خلله الخذ
ظروفهم ومصالحهم الخاصة 0ومن خلل كل ذلك يحدد المرء
مستوى العلقة الذي يمكن أن يربطه بمن يريد التصال به 0ول
يعني هذا إهمال العواطف والحاسيس وتحييدها,وإنما يعني
تأطيرها ببعض الخبرات والقواعد الثقافية؛مما يضفي عليها
المنطقية والستمرار 0
ب-النظر إلى المشاعر والعواطف على أنها نتائج وثمرات
لتصرفاتنا وسلوكاتنا ,وليست أشياء حتمية علينا أن نخضع لها
0وهذه النظرة,تشكّل فارقا ً مهما ً بين الكسالى والمتقاعسين
والفوضويين,وبين الواثقين في أنفسهم الذين يشعرون بقدر جيد
من السيطرة على مشاعرهم وعاداتهم النفسية 0ويرشدنا القرآن
الكريم إلى أن إحساننا إلى الخرين,وصبرنا عليهم,يغيّر في
مشاعرنا نحوهم,ومشاعرهم نحونا,على نحو ما نجده في قوله-
سبحانه{-ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا
الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[فصلت]34:
و في حديث مسلم وغيره(:ل تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا,ول تؤمنوا
حتى تحابوا ,أل أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم,أفشوا السلم
بينكم)0
إذا استطعنا أن نُخضع مشاعرنا لتفكيرنا وواجباتنا,فإن فصل ً جديداً
رائعا ً يمكن أن يبدأ في حياة كل واحد منّا!0
-8اللــــــــــــــــــفـــــــــــــة-:
لدى النسان نزوع فطري نحو التوافق مع غيره من الناس,فهو
اجتماعي بطبعه ,وهو في سبيل هذا مستعد للتنازل عن أشياء
عديدة,لكن بما أن هذه الدنيا دار ابتلء,فقد قضت حكمة الله-
تعالى-أن يبلو الناس بعضهم ببعض ,وكان من جملة ذلك أن طلب
من كل واحد منهم أن يشذَّب من نفسه وخلقه وسلوكه في سبيل
التآلف والنسجام مع من يقيم علقات معهم؛فالبنيان الجتماعي
حتى يكون بنيانا ً قويا ً وجميلً,يتطلب دائما ً التضحية المشتركة
والمتبادلة,وعلى مقدار ما يحدث من ذلك تكون
درجة(اللفة)والقبول الجتماعي 0
وهناك من النصوص ما يدل على أن طبيعة التديّن الحق,تجعل من
المسام النسان الصلح للتواصل الجتماعي أخذا ً وعطاء,منها
__223
قوله-علية الصلة والسلم( :-المؤمن مألفه,ول خير فيمن ل
يألف,ول يؤلف)0وقوله في حديث طويل(:فإنما المؤمن كالجمل
الَنِف حيثما انقيد انقاد)0فالفظاظة والغلظة والجفاء,ل تتناسب أبداً
مع خيرية المسلم,ول مع طبيعة اليمان 0
إن كل ما ذكرناه,وسنذكره من سمات(اللبنة الصالحة)يساعد في
الحقيقة على تآلف القلوب,ويحد من وجود النزاعات بين
الناس؛ولكن سنذكر هنا بعض المور ذات النعكاس المباشر على
تآلف الناس وتصافيهم من خلل النقاط التالية-:
أ-طيب الكلم وإلنته,من أكبر العوامل التي تؤلف بين قلوب
ل من نفوسهم وقد قال الله-تعالى{-وقل لّعبادي يقولوا الناس,وتس ّ
التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان للنسان
عدوا ً مبين}[السراء0]53:قال بعض المفسرين" :أمر الله المؤمنين
بحسن الدب وإلنة القول وخفض الجناح واطراح نزغات
الشيطان"0وورد في الحديث الشريف(:ليس المؤمن بالطعّان ول
اللعّان ول الفاحش ول البذيّ)0وفي الحديث آخر(إن الله يبغض
لفاحش البذيّ) ويقول الشاعــر:
ود ٌ فيزرعه التسلـيـم قد يمكث الناس دهرا ً ليس بينهم
واللطف
إن خلق(الحياء)الذي يغلب على المسلم,يحول بينه وبين الكلم
حرم التربية القويمة 0يقول أحد الفاحش الذي يتلفظ به من ُ
الصحابة":كان النبي--أشد حياءً من العذراء في خدرها,فإذا رأى
شيئا ً يكرهه عرفنا ذلك في وجهه"0
إن مباسطة الناس ومخالطتهم ومداعبتهم تزيد في اللفة,وتساعد
على التخلص من الكِبر والترفُّع المذموم؛ويقول الصحابة-رضي الله
عنهم[-إن كان النبي--ليخالطنا حتى يقول لخ لي صغير:يا أبا
عمير ما فعل النُّغَير]0وتجاوز المر في ذلك إلى أن يبش في وجوه
ن لمته مذاهب في التعامل,تُبقي على أقوام ل يستحقون ذلك,ليس َّ
التواصل,
واستمرار الحياة الجماعية؛على نحو ما نجده عند البخاري من أن
رجل ً استأذن على النبي--فلما رآه قال:بئس أخو العشيرة,و بئس
ابن العشيرة,فلما انطلق الرجل,قالت عائشة:يا رسول الله حين
تت في وجهه,وانبسط َ رأيت الرجل قلت كذا وكذا,ثم تطلّق َ
ن شَّرإليه؟!فقال الرسول--يا عائشة متى عهدتني فاحشاً؛إ َّ
من تركه الناس اتّقاء شّره)0 ة يوم القيامة َالناس منزل ً
__224
ميه ب(المداراة)وهي مباحة,وقد تكون ما فعله النبي--هو ما نس ّ
مستحبّة ,وهي غير (المداهنة),إذ إن المرء الذي يُدراي,يبذل الدنيا
من أجل صلح الدنيا أو صلح الدَّين أو صلحهما معاً 0أما
المداهن,فإنه يبذل دينه من أجل صلح دنياه 0
إننا بحاجة إلى أن نكثر من الدعاء لمخاطبينا في كلمنا حتى نضفي
على علقاتنا الشخصية المسحة اليمانية المتمحورة حول الخوّة
في الله والعبودية له 0
ب-الجدارة بالثقة:
علقات الناس بعضهم مع بعض على درجات:ما بين حميمة
وممتدة,وما بين هامشية وعابرة 0على مستوى العمل يحتاج المرء
أن يكون موضع ثقة من رؤسائه وزملئه 0وتلك الثقة كثيرا ً ما تكون
متعلقة بمستوى كفاءته ونشاطه,واستجابته لمل يُطلب منه إنجازه
من أعمال 0
ويحتاج كل واحد من الناس-على المستوى الجتماعي-إلى أن
يكون موضع ثقة عامة من معارفه وأقربائه,وموضع ثقة خاصة جداً
من أفراد قليلين,تركوا بينهم وبينه مسافة قصيرة,وخلطوا
بأنفسهم,وأطلعوه على أسرارهم,والخافي من شؤونهم 0وفي كلتا
سة إلى أن يؤهل نفسه لنيل الثقة الحالتين يظل المرء بحاجة ما َّ
من خلل سلوكه وتعامله وأدائه واستجاباته 0
وعلى نحو عام كلّما كان المرء مستقيما ً وحكيما ً وأقرب إلى
السواء الجتماعي ,استحوذ على ثقة الناس,وجعلهم يقصدونه في
خص ذلك ل مما يش َّ مات,وفي مسائلهم الخاصة 0ولع ّ الزمات والمل ّ
التي:
من يستشيره,ويفضي إليه -حفظ السر؛فالمرء يظل بحاجة إلى َ
ص سمات من يستشار أن يحافظ على سّرية بذات نفسه,ومن أخ ّ
ما استُشير فيه,وحفظ السر في الحقيقة نوع من الوفاء
بالعهد؛والله-جل وعل-يقول{:وأوفوا بالعهد إن العهد كان
مسئول}[السراء]34:
ويبد أن النبي--كان يركّز في تربيه لصحابه على هذه
المسألة؛حتى إننا نجد-كما في بعض الخيار-حرص الفتيان على
كتمان السر؛ففي حديث مسلم وغيره عن ثابت عن أنس بن مالك-
ي-رسول الله -وأنا ألعب مع رضي الله عنه-قال[:أتى عل َّ
َ
الغلمان,فسل ّم علينا-فبعثي في حاجة,فأبطأت على أمي 0فلما جئت
قالت:ما حسبك؟
__225
فقلت:بعثني رسول الله لحاجة 0قالت؛ما حاجته؛قلت:إنها سّر
ن بسَّر رسول الله--أحداً 0قال أنس:والله لو حدَّثت 0قالت(ل تخبر َّ
به أحدا ً لحدَّثتك به يا ثابت)0
-إن الناس يثقون بالشخص على مقدار ما يثق هو بنفسه؛فحين
ث مدير مصنع عددا ً من عماله على القيام بمهمة خاصة أو يح ّ
خطرة,وبيدي واحد منهم الستعداد للقيام بها,فإن المدير يجد نفسه
مضطرا ً إلى تكليفه,والوثوق به,ما لم تسبق له معرفة خاصة به
تدل على عدم قدرته على إنجازها 0
وكثيرا ً ما يكون لما نتوقعه من ذواتنا أثر كبير فيما يحدث؛وعلى
سبيل المثال ,فإذا توقّع من دخل مقابلة شخصية لشغال وظيفةٍ ما
أنه سينجح في تلك المقابلة,فإن ذلك التوقع سرعان ما يتحول إلى
قناعة,ويغدو مصدرا ً لتزويد صاحبة بالهمة والنشاط واللتزام
بالستعدادات التي تؤهله للجابة بكفاءة على السئلة أثناء
الختبار,مما يزيد من احتمال فوزه بالعمل الذي يسعى إليه.
ويحدث العكس في كل ذلك حين يتوقع لنفسه الخفاق في تلك
المقابلة .ولنوعية التربية التي تلّقاها الفرد,وللخيرة التي اكتسبها
في حياته أكبر الثر في توجيه توقعاته,وفي درجة ثقته بنفسه 0
-يصعب على الناس أن يثقوا بالشخص ذي القوال أو السلوكات
المتناقضة ,حيث إن الثقة تُبنى على نحو تراكمي ومتدرج؛وتقلب
الشخص من اتجاه إلى اتجاه أو قيمة إلى قيمة أخرى,يحول دون
ذلك التراكم 0إن الناس حتى يثقوا بشخص,ويقيموا معه علقات
حميمة يشعرون أنهم بحاجة إلى القدرة على التنبّؤ بسلوكه,وما
عساه أن يفعله؛ والشخص المتذبذب,بين أنماط مختلفة من
السلوك والتجاهات,يحرمهم من ذلك التنبّؤ؛ولذلك فإنهم ل يضعون
ثقتهم فيه,ول يألفونه .
في بعض الحيان ل يكون الشخص متقلباً,لكنه يعطي انطباعات
خاطئة عنه ,وذلك من خلل عادة(المبالغة)لديه؛حيث يفهم الناس
منه قطع وعود على نفسه,ل يفي بها فيما بعد,أو تعمقَ اتجاه أو
سلوك لديه,هو ليس كذلك 0
ومن الواضح أن كثيرين منا يستخدمون(اللغة)استخداما ً سيئاً,إلى
جانب أنها في الصل ناقل قاصر للفكار والمعاني؛فكثيرا ً ما يفهم
سئلت عن وقت رجوعي مخاطبي أنني سآتي في وقت محدد,حين ُ
إلى المنزل,فقلت إنه في الساعة الثانية ظهراً؛فرتب أمر التصال
بي بناءً على أن ذلك موعد مني له,مع أنني أردت أن أخبره بأحسن
__226
تقدير للوقت الذي أعود فيه دون إحساس مني بأني بذلك أقدّم أي
التزام نحو أي شخص؛ وتكون النتيجة تكوُّن انطباع لديه أنني غير
دقيق ,ويصعب التنبّؤ بما يمكن أن أفعله 0
إن علينا أن نوقن أن(الجدارة بالثقة)شيء يشعّه مجمل الشخصية
أكثر مما تشرحه القوال,وهي انعكاس حقيقي للتكامل الذي
يلمسه الناس في ذواتنا؛ وعندما نريد للخرين أن يثقوا
سن من ذواتنا,ونرفع من مستوانا,وننتبه بنا,ويألفونا,فإن علينا أن نح َّ
إلى استخدامنا للغة,ونبدي اهتماما ً أكثر بالخرين 0
ج-الوضـــــــــــوح-:
يحب الناس الوضوح,والوقوف على كل ما يتعلق بمن يرغبون
الندماج معه؛ لكن هذه الرغبة,تصطدم برغبة أخرى,هي حرص
الناس على أن يكون لهم خصوصياتهم التي ل يطلعون عليها
أحداً,وتلك التي ل يطلعون عليها إل فئة محدودة جدا ً من
الناس؛ولذا فل بد من التوازن في هذه المسألة 0وقد تكون الخطوة
الولى في هذا التجاه أن يحدد النسان ما يعده خصوصيات له,
فيكتمه ,ويلبّي رغبة إخوانه ومحبيه في الكشف عما عداه
وأعتقد أن هذا مهم للندماج والئتلف؛حيث إن الناس إذا كونوا
انطباعا ً عن شخص بأنه(متكتَم),أو ل يحب بالمثل؛ويفقد النسان
بذلك الكثير من الدفء والتواصل الجتماعي 0
وعلى كل حال,فإن نوعا ً من التحديد للمعلومات التي يتيحها المرء
لغيره,قد يكون مطلوباً؛حيث إن العلقات التي تربطنا بالزملء في
العمل,غير المعلومات التي تربطنا بالشركاء في عمل تجاري,غير
العلقات التي تربطنا بأهل الحي 000
ت
وربما كان من الحكمة أن نعطي كل واحد من هؤلء المعلوما ِ
التي تتوافق مع نوعية العلقة التي تربطنا به؛فعلى حين يُطلب
من(الخاطب)أن يتيح الكثير من المعلومات لهل(المخطوبة)حتى
الصحية والنفسية والمزاجية منها,فإن الزميل في العمل,ل يحتاج
من المعلومات إل ما يخدم المهمة أو الوظيفة المشتركة التي
ننجزها بالتعاون معه 0
إن الذين يكتمون على ما ل ينبغي التكتّم عليه,يجعلون من أنفسهم
محورا ً للتقوّلت والشائعات,ويساهمون في تشكيل صورة معتّمة
وقلقة عن شخصياتهم؛ مما يجعل التعامل معهم-من وجهه آخر-
عسيراً 0
__227
هناك أقوام من الناس,في قلوبهم مرض,يقولون ما ل
يعتقدون,ويفعلون غير ما يقولون ,دأبهم الغيبة والنميمة,وتسوق
الشائعات,والمديح في الحضور والذم في الغَيْبة 000وصفهم النبي-
-بقوله[:تجد شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي
يأتي هؤلء بوجه,وهؤلء بوجه]هذا الصنف من الناس أحوج إلى
التقويم والصلح,ول تستقيم معه علقة محترمة 0
د-تقنيات في إيجاد اللفة:
مين تفاهما ً كاملً إذا رأينا شخصين منسجمين انسجاما ً تاماً,ومتفاه َ
أو شبه تام ,فإن هذا دليل على وجود الكثير من المور المشتركة
َ
بينهما؛في طريقة التفكير وفي الهتمام والذوق وسل ّم ال ِ
قيَم
وتعبيرات الجسم 000ومن العسير على الواحد منا أن يحقق درجة
عالية جدا ً من اللفة مع أعداد كبيرة من الناس,وعلى نحو
مستمر,ولكن بالمكان تحقيق ذلك مع عدد محدود من الناس,وفي
بعض الجلسات ,ومع هذا فإن الحالت العابرة والمحدودة من
اللفة والنسجام,تترك انطباعات إيجابية,وتنمو تلك النطباعات مع
اليام لتشكّل جسورا ً لتواصل أعمق ,وأبعد أثراً 0
إننا حين نريد من صحبتنا للخرين شيئا ً أكثر من الدعم
الجتماعي,أو أكثر من المؤانسة فإن علينا آنذاك أن نبحث في
كيفية إيجاد الجواء التي تمكّن من التأثر والتأثير,وعبور الفكار
والقناعات والمشاعر بغية إنجاز أشياء مشتركة,تعود علينا,أو على
المصلحة العامة بالخير والنفع 0
كل تقنيات إحداث اللفة والوئام تتمحور حول تعظيم القواسم
من يسعون إلى التآلف,سواء أكانوا المشتركة,وأوجه التشابه بين َ
ميه أحيانا ً ب(المجاملة)وما ينطبق أفرادا ً أم مجموعات؛وهذا ما نس ّ
على الفراد كثيرا ً ما ينطبق على المجموعات ؛ والوسائل التي
تؤدي إلى ذلك كثيرة,نذكر منها على سبيل التمثيل ل الحصر ما
يلي-:
-من تقنيات اللفة,توافق الصوت وطريقة الكلم بين الجلساء,من
حيث النغمة والسرعة والبطء والدرجة والنبرة,والرتفاع
والنخفاض؛إذ من الصعب أن نتفاهم مع شخص إذا كان صوته
مرتفعا ً وصوتك منخفضا ً أو العكس,أو كان يسرع في كلمه,وأنت
تتكلم ببطء 0ولطالما أخفقت محادثات ومفاوضات بسبب أن أحد
المفاوضين,يحسن الستماع,و ينتظر محدّثة حتى ينتهي من
حديثه,على حين أن المفاوض الخر ل يفعل ذلك 0وكم حدث من
__228
التباعد بسبب عدم التجانس في درجة الصوت بين المشتركين في
لسر ارتفاع صوت أحد الطرفين على أنه مخ ٌّ حوار؛ حيث يُف َّ
سر انخفاض الصوت لدى الطرف الخر باللباقة والشفافية,ويف َّ
بالبرود أو الضعف أو بطء الفهم 0
-توافق الحركات أثناء الجلسة:حركات اليدين والرجلين
والرأس,كيف تحرك رأسك عندما يكون جوابك(نعم)للمام والخلف
0وكيف تحرك رأسك هندما يكون جوابك(ل) من اليمين إلى
الشمال,ومن الشمال إلى اليمين 0كذلك حركة اليدين إلى العلى
والسفل واليمين والشمال,وهذا يحتاج إلى أن نقلد تقليدا ً تاما ً من
نود ّ إيجاد التآلف معه 0
-توافق تعبيرات الجسم:طريقة الجلوس,وضع اليد على الخد,وضع
اليدين على بعضهما,كما في الصلة,وضع إحدى الصابع على الشفة
أو الصدغ 0وبذا يكون محاول التآلف بمثابة(مرآة)تعكس ما عليه
جليسه 0
-التوافق في نوع الموضوعات التي تكون مادة للقاء,هل هي
م مشترك شرعية أو اجتماعية أو اقتصادية,أو مما يتعلق به ًّ
َ
صلت قد تقطع أو تقل ّص بين أناس يفترض 0وأعرف كثيرا ً من ال ِ
أنهم متآلفون,بسبب عدم تمكنهم من إيجاد موضوعات
مشتركة,يتحدثون بها,أو عدم وجود مستوى موحد وملئم للحديث
نظرا ً لتفاوت المستوى الثقافي,أو عدم توافق سلسلة المعقولت و
مات الثقافية 0 المسل ّ
-مراعاة رغبات الجليس:درجة إضاءة المكان وحرارته,نوعية ما
يرغب في تناوله من طعام وشراب,وهل يحبه بادرا ً أو ساخناً,كثير
السكّر أو قليله,ومتى يرغب في تناوله:في أول اللقاء أو في آخر أو
حسب في رصيدك لديه,ويترك أثرا ً في في وسطه 000فذاك كله ي ُ
تقويمه لك 0
من نحاول التآلف معه,ومراعاة -لمس القيم التي يؤمن بها َ
مشاعره نحو مسائل وقضايا ,يعدها حساسة؛ولن يكون من دواعي
اللفة أن تمتدح النفتاح أمام شخص منغلق,أو تمتدح السخاء في
النفاق أمام شخص ينظر نظرة تقدير إلى التدبير والتدقيق فيه 0
وحتى يستطيع المرء النجاح في كل ذلك وغيره,فإن عليه أن يمتلك
أمرين:
س,من أجل رصد خصائص الجليس أ-قوة الملحظة ورهافة الح ّ
ومزاجه واهتمامه .
__229
ب-الخبرة والمهارة للتكيف معه في كل ما ذكرناه 0
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:هل عمليات التوافق مشروعة
وملئمة لما ينبغي أن نتحلّى به من إخلص وصدق وصفاء في
العلقات؟
الحقيقة أن المور بمقاصدها,فمهارات اللفة والتصال والتفاوض
والحوار,يمكن أن تستخدم في إقناع شخص في دخول السلم أو
تحسين علقته بالله-تعالى-أو في إثارة حماسته لمناصرة قيمة
نبيلة 000كما يمكن أن نستخدم في إغواء بعض الناس وخداعهم
وسلبهم بعض ممتلكاتهم 000فالهداف والمقاصد,هي التي توضح
كل ذلك؛فالسلح يمكن أن يستخدم في نصرة دين وتحرير وطن,
ويمكن أن يستخدم في قطع طريق,أو قتل بريء 0
-9تقبّــــــــــــــــــل النقـــــــد:
النقد أداة من أعظم الدوات التي اخترعتها البشرية لبلوَرة
وعيها,واكتشاف ذواتها وأصولها,وأوجه القصور في مشروعاتها
وإنجازاتها؛حيث تظل الفكار غائمة ومعتمة,ما لم تتعرض لِلَوك
اللسنة,وأشعة الروزو(التقييم)0
وربما شعرت البشرية أن ما لديها من ضعف في الحوافز على
العمل,وما لديها من قصور اجتماعي,وسوء استغلل للسلطة
والوظيفة-ل يعالج إل من خلل تأسيس سلطة اجتماعية ,يمارسها
أفراد المجتمع بعضهم على بعض 0وقد تعلّمت البشرية من تاريخها
الطويل أن البديل عن ممارسة النقد وقبوله,سيكون أشكال ً من
سن النحباس في الحركة الجتماعية,وأشكال ً من الفساد والتأ ّ
الفكري 000والتي ل تقود من جهتها إل إلى النهيار الداخلي والتحلل
الذاتي 0
مهما كان الوعي لدينا عظيماً,ومهما كانت جهودنا كبيرة
ومتميزة,فإنه ستظل هناك مسافة بين ما ننظّر له,وبين ما يتج ّ
سد
في واقعنا العملي,وذلك لسباب موضوعية,يصعب في كثير من
الحيان تجاوزها 0
الفجوة بين ما هو كائن,وما يجب أن يكون,هو التي تعطي
المشروعية للنقد ,وتُلزمنا أخلقيا ً بالصغاء لمن يمارسه 0صحيح أن
بعض الناس إذا أرى القسم المملوء من الكأس شكا من وجود
القسم الفارغ 0
__230
وصحيح أن بعض الناس يتجاهل نصف عقولنا حين يحاول إبراز عيون
ن معظم إنجازاتنان الصحيح أيضا ً أ َّ
الخرين وستر محاسنهم؛إل أ َّ
ومواقفنا وتصرفاتنا,يظل مشوبا ً بشيء من النقص,ويظل بالتالي قابلً
للمراجعة والنقد والتصحيح 0ويجب أن نعترف أن لدينا ميول ً فطرية إلى
ب المديح,ونفورا ً غريزيا ً من النقد؛ولدى كثيرين منا أقدار من الثقة
ح ّ
ُ
بالنفس,وتزكية العمل,مبالغ فيها,ول تستند إلى معطيات حقيقة 0
انطلقا ً من هذا وذاك,فإننا نرى أن تقبُّل النقد,والمتنان لمن
ينقد,ينبغي أن يكون هو المبدأ الذي نحمل عليه أنفسنا,لكن هذا ل
يحرم المرء من حقه في المجادلة عن نفسه,والدفاع عن
موقفه,حيث إن هناك الكثير من النقد الذي يصدر عن اجتهاد
خاطئ وعن رؤية غير واضحة 0
ولعلّنا نلقي الضوء على حيثيات الموقف الذي ينبغي اتّخاذه من
النقد في المفردات التالية:
أ-على المسلم أن يعد ّ كل ما يقدَّم إليه من نقد هدية,تستوجب
الشكر والتقدير ,وذلك هو الحصيلة المنطقية لعتقادنا بأننا قوم غير
كاملين 0وقد كان عمر-رضي الله عنه -يدعون لمن
ي عيوبي ) .ورفض ً
ينصحه,وينتقده,ويقول(:رحم الله امرأ أهدى إل ّ
النصح فرع عن تزكية النفس,واعتقاد الكمال فيها,وهذا ما نهانا الله
تعالى عنه بقوله{فل تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى}[النجم]32:
0
وقال-سبحانه{-ألم تل إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من
يشاء ول يظلمون فتيلً}[النساء 0]49:إن المر بالمعروف والنهي
عن المنكر ركن ركين في الحياة السلمية,وخير تشجيع لممارسته
هو تقدير موقف الناصحين,وإشعارهم بالمتنان لعملهم
جه إلى الواحد منَّا نقد ٌ ما,فإن عليه أن يسمعه بقلب ب-حين يو َّ
وعقل مفتوحين ,وآذان صاغية,ول ينبغي إظهار التبّرم أو
الشمئزاز,أو مقاطعة الناقد قبل أن ينهي عرض ما لديه ,فذاك
أفضل مكافأة يمكن أن تقدّمها إليه 0
ج-ليس من النادر أن يكون الناقد متزايداً,أو غير عادل فيما
يقول؛إذ كثيرا ً ما تكون معلومات الناقد فير دقيقة,وقد ينطلق في
نقده من معايير غير صحيحة ..والواجب في كل هذا أن نستوعب
الناقد,وأن نشعره أننا أكثر مما يتوقع في سعة آفاقنا ورحابة
صدورنا وأن نتّخذ مما قاله مادة للتواصل والحوار 0
__231
د-كثيرا ً ما يكون المنتقد مندفعا ً إلى النقد بسبب كلمة سمعها
عنك,وكثيرا ً ما يكون ما ينتقده من أقوالك مواقفك 000غير مبلوَر
في ذهنه,وهنا فإن من حقك أن تتأكد من استيعابه لمرامي ما
يقوله,وذلك من خلل طلبك منه أن يشرح مضمون الرسالة التي
يود ّ إيصالها إليك,وأن يأتي بأمثلة على ما يقوله,فإذا كان ينتقد فيك
العجلة في اتّخاذ القرار,أو عدم التزام الصدق 000فإن عليك ألّ
تتردّد في مناقشة ذلك معه,وذكر المواقف التي يظن أن نلك جرى
من له نوعا ً من(التغذية المرتدة) ,د فيها,وبذلك تؤ َّ
وتساعد على أن يُنضج مقولته,ويكون دقيقا ً في ملحظاته 0
إنك بذلك تشاركه في تصوّر الموقف حيث يجتمع لدى المنتقد أكثر
وجهة نظر واحدة ,ويشعر بتعاطفك معه 0
هـ-ل ينبغي في أي حال من الحوال أن نُفهم من ينتقدنا أنه مخطئ
ن كل ما يقوله ليس له أي في كل ما قاله ,وانه غير عادل,وأ ّ
أساس من الصحة؛فذاك يقتل روح المبادرة إليه,ويجعله يحجم عن
س الحاجة إلى ن المة في أم ّ توجيه النصح في المستقبل؛مع أ ّ
تنمية هذا النمط من السلوك,وإحياء روح المفاتشة والمصارحة .
فزه واندفاعه صب فيما قاله,فقد أصاب في تح ّ إن الناقد إن لم ي ُ ِ
نحو تقديم العوجاج,ومحاصرة الخطأ,وله أجر ذلك وفضله,وينبغي
أن نُشعره بذلك .
و-علينا بعد أن نسمع ونناقش مع منتقدنا ما يقوله أن نقوم بتلخيص
منها نقده,وبَلْوَرتها معه,حتى ل نخطئ في فهم النقاط التي تض ّ
جهة إلينا,وحتى نشعِر المنتِقد باهتمامنا بما قاله 0 الرسالة المو َّ
جه جه إليه النقد أن يعبر عن مواقفه حيال ما يو َّ ز-من حق من و َّ
ّ ّ
إليه في إطار من الدب السلمي,وشكر المنتقد,إذ إننا ل نريد
لحركة النقد الجتماعي أن توغر الصدور,وتباعد ما بين
الناس؛وأفضل طريقة لذلك أن ننَّفس عن مشاعرنا من خلل
إبدائها للمنتقد 0
ح-آخر وأهم وأشقّ ما علينا أن نقوم به في هذا الشأن هو تنفيذ ما
تم التفاق عليه مع المنتقد؛ومع وجود نتائج فرعية حسنة لممارسة
النقد,إل َّ أن الثمرة الحقيقة ,هي أن يفضي النقد إلى نوع من
قد,وهذه مسؤوليته ومهمته الخاصة التي ل التغيير في سلوك المنت َ
يستطع أحد أن يقوم بها عوضا ً عنه 0
__232
وبهذا نختم ما أردنا تسجيله هنا من سمات المواطن الصالح أو
اللبنة الصالحة ,وسوف نتمكن بحول الله-تعالى-من إغناء هذه
السمات من خلل ما تبّقى من صفحات هذا الكتاب 0
__233
الفصل الثاني:
__234
-1تكوين النطباع الولي-:
حين نلتقي بشخص أول مرة,فإنه يكون حريصا ً على أن يكوّن عنّا
أولياً,يتخذ منه رأس جسر لطريقة تعامله معنا فيما بعد انطباعا ً ّ
0هذا النطباع الولي ,يُستقى من أمور ظاهرة وشكلية في
الغالب,لكنه مهم جداً 0
ول أريد هنا أن أدعو إلى التصنّع في علقاتنا,ولكن أود ّ أن ندّرب
أنفسنا على تجنب المظهر المكروه لدى الناس,ومفاجأة الجليس
بأمور ل يرغب فيها,وهذا مما أدَّبنا به السلم 0
إن حرصنا على تكوين انطباع أوّلي جيد عنّا يدل وجود شفافية,كما
أنه يشير إلى الفق الذي بإمكاننا الرتقاء إليه 0وهناك كلم كثير
حول ما يجعل أحدنا لئقا ً في عين أخيه من الوهلة الولى,نذكر هنا
بعضه:
-لبس الثياب التي تناسب الموقف من غير مبالغة,فالثياب التي
تُلبَس في العراس والمناسبات أو مقابلة شخصية مهمة غير تلك
التسوق أو النزهات 0
ّ التي يلبسها النسان للعمل أو
-ابدأ لقاءك بالبتسام,واعمل على أن يتم التصال البصري بينك
من تقابله من خلل النظر إلى جهته,وليس إلى أسفل أو إلى وبين َ
جهة أخرى,ولكن ل تثبّت عينك فيه؛ فالمسلم حيي,وتثبيت النظر
قد يسبب الحرج للخر 0
من تصافحه حتى ينزعها -ابدأ بالمصافحة,ول تنزع يدك من يد َ
هو,أو بحسب ما يقضي به العرف 0ولطالما كانت المصافحة
مصدرا ً لبعض الدفء في القلوب 0
-لنحاول التجديد في ألفاظ التحية,فبعد إلقاء السلم يمكن للمرء
أن يقول عوضا ً عن (مساء الخير)(:أسعد الله مساءك)أو
يقول(:سعدت بلقائك)عوضا ً عن (كيف حالك) ...إن هذه
التجديدات,تترك أثرا ً إيجابيا ً في نفس السامع,وتجعله يتوقع من
صاحبها شيئا ً جديدا ً ومفيداً 0
-حاول جمع بعض المعلومات عمن تريد مقابلته,وناده بأحب
السماء إليه,وإذا كان له لقب علمي,فخاطبه به,وحاول في كل
حال أن تنطق اسمه على نحو صحيح 0
-إذا كان اللقاء في بيتك,فحاول أن تستقبله أمام البيت,وأن تشيّعه
في الخروج ,وحاول أن تقدم له من الضيافة والنُُّزل ما تعرف,أو
يغلب على ظنك أنه ينال رضاه واستحسانه 0
__235
َ
ضر للموضوع الذي تريد -استعد ّ لل ّقاء على نحو جيد,وح ّ
منمناقشته,واستحضر في ذهنك ما يمكن أن تجيب به على أسئلة َ
تقابله 0
حسن الستماع,وعدم مقاطعة -تقدير ما يطلبه الموقف من ُ
الجليس,والحرص على أن يكون أحدنا مستمعا ً أكثر من كونه
متكلما ً ما لم نَر الحرص ممن نقابله على أن نتكلم على نحو
معيّن؛فل بأس آنذاك أن نلبّي رغبته 0
من قابله في المرة إذا لم يوفّق أحدنا إلى ترك انطباع جيد لدى َ
الولي,فل ينبغي ان ييئس,إذ غالبا ما تكون هناك فرصة ثانية
لستدراك ذلك 0
-2اعرف نفســـــــــك:
إن من محاور الصلح والنهوض بحياتنا الجتماعية المعاصرة,أن
يسعى الخيّرون والغيورون فينا إلى محاولة التأثير في
الخرين,وجعلهم ينحازون إلى المبادئ والقيم والفكار التي يرون
سن أنها ضرورية للعيش في(الزمان الصعب) ,وهذا يتطلّب أن نح َّ
مستوى خبرتنا بأنفسنا باعتبارنا كائنات اجتماعية,يمثّل التصال
بالنسبة لها مصدرا ً مهما ً للنضج والتحقق الذاتي والنتشار المعنوي
0ومن الوسائل التي تساعد على بلوغ هذا الهدف ما يلي:
-إخوانك القريبون منك هم مرآتك الحقيقة,ول شك أنهم يختزنون
العديد من الملحظات عن طريقة اتصالك وتخاطبك وحوارك مع
الخرين 0وهم أقدر على تقويمك وإفادتك في هذا الشأن-حتى يقف
المرء على ملحظات إخوانه,فإن عليه أن يصوغ العديد من
جهها إليهم من نحو:هل أتصل بكم بالهاتف في أوقات السئلة,ويو ّ
غير مناسبة؟هل طريقة كلمي غير مريحة,وهل دخولي في
الموضوع الذي أريد التحدّث فيه ملئم,هل تشعر أن لدي نوعا ً من
العناد والصرار على الرأي بغير وجه حق؟وما شابه ذلك 0إذا لم
تعجبنا أجوبة إخواننا ,ولم نرها مقنعة,فينبغي أن نشكرهم,ول نقف
موقف المدافع 0
حسن اتصاله بالخرين من خلل ردود -يمكن للمرء أن يتعّرف على ُ
أفعال الخرين عليه,فهو يستطيع-إن كان قوي الملحظة-أن يدرك
إن كان يُساء فهمه بكثرة من قِبَل مستمعيه,كما يدرك إن كان
يُغضب محاوره,كما يدرك عن كان ل يحسن الصغاء,أو إن كان
يقاطع محدّثه قبل أن ينتهي حديثه ...وبمقدار ما تكون
__236
سن ملحظتنا لسلوكنا عند التصال قوية ومنظّمة,يتح ّ
مستوى اتصالنا,ونستغني عن سماع ملحظات الخوة والصدقاء 0
-تسجيل الصوت على شريط وسيلة مهمة لمعرفة أسلوبنا في
التصال,حيث يتم التعّرف على طريقة نطق الكلمات,وسرعة
الحديث ونغمة الصوت,ومدى تنوّعها أثناء الحديث 0
..ويمكن للمرء أن يقوم بمحاولت تحسينية لكل ذلك 0وعلى المرء
حص صوته أول مرة,فربما لن أن يكون مستعدّا ً للمفاجأة حين يتف ّ
يكون مرتاحا ً له 0
-3الدقة في استخدام اللغة-:
للغة مستويات عديدة,وكل واحد من الناس يستخدم مستوى
منها؛فهناك كلمات لها معنى حقيقي,وآخر مجازي,وكلمات لها
ن
ن هناك كلمات ذات معا ٍ معنى معجمي ومعنى عامي دارج؛ كما أ ّ
غريبة,ل يعرفها إل َّ المختصون والمهتمون 0
ن الكلمات,ليست وحدها هي التي تحمل المعاني أضف إلى هذا أ ّ
التي نرسلها؛ فقد دّلت دراسة قام بها فريق من الباحثين
البريطانيين أننا حين نتحدّث مع شخص وجها ً لوجه,فغن الكلمات
هي العنصر الضعف في إيصال المعلومات إليه,إذ ل تحمل سوى(
ن النبرة الصوتية تحمل ( , )%38وتحمل تعبيرات ,)%7على حين أ َّ
الجسم( 0)%55وفي كثير من الحيان نلغي وظيفة الكلمات في
الدللة حين تتعارض مع تعبيرات الجسم فقد يخبرنا صديق بخبرٍ ما
فل نصدقه,ونقول:عيناك تقولن غير ذلك 0وإذا رأينا شخصا ً ممتقع
اللون,فإننا لن نصدّق كل عبارات الطمأنة التي نسمعها منه,ونصّر
على أن مكروها ً قد وقع ,وهكذا ...
من المهم أن يكون هناك انسجام بين معاني الكلمات ونبرة
الصوت وتعبيرات الجسم فذاك يجعل رسائلنا في غاية
الوضوح,وهناك أمور عدة تجب مراعاتها في هذا الشأن,تذكر منها
التي-:
-البلغة أن نستخدم أسلوباً,يناسب السامع,وتتناغم كلماته مع
معانيه؛وكثيرا ً ما نخطئ في تصوّر المكانات اللغوية لمن
نخاطبه,فتضل رسالتنا طريقها إليه,أو نفقد جزءا ً من تأثيرها,وقد
تكون سببا ً في حدوث سوء تفاهم,نحن في غنى عنه 0
ومن المعروف أن كل أصحاب تخصص,وكل أصحاب مهنة بعض
المفردات الخاصة بمجالهم؛وحين نستخدم تلك المفردات في
خطاب عام,فإنها سوف تستغلق على كثير من السامعين؛ولذا
__237
َ
فلبد من اصطناع لغة ملئمة لمن نتحدث معه.بعض الناس يعل ّم
العربية,ولذا فإن يشيع في كلمه المجاز والتورية والستعارة ,وهذا
يعكر صفو الفهم لدى غير المختص.وبعض الناس يفهم المراد ,لكنّه
سر ذلك على أنه نوع من الحذلقة والتشدّق,فينبغي النتباه لذلك يف َّ
0
-بعض الناس يستخدم بعض الكلمات النجليزية أو الفرنسية
000أثناء حديثه,مع أن المرادف العربي حاضر على لسانه وقريب
وواضح؛وهذا في الحقيقة شيء سيَّئ ,إذ إن ذلك على محامل
سيئة؛حيث من الممكن أن يظن أن الدافع لذلك هو(التعالم)وإظهار
سر ذلك على أنه نوع سعة المعرفة والطلع 0ومن الممكن أن يف ّ
من الستخفاف باللغة الم أو المخاطب,كما يمكن أن يُظن أن ذلك
بسبب ضعف عربية من يفعل ذلك 000
وبقطع النظر عن كل تلك التفسيرات,فإن الليق دائما ً بنا أل
نستخدم في خطابنا أكثر من لغة واحدة إل عند الحاجة,حيث ل
مصطلحات أو مفردات مقابلة 0ونجد من لطف بعض المتحدّثين أنه
يعتذر لمستمعه عند استخدام كلمة أجنبية,إذ من الممكن أن يكون
الخاطب غير عارف بمعناها,فيسبب ذلك له الرتباك والحراج.
مية مغرقة في ويقال مثل ذلك الذين يستخدمون كلمات عا ّ
ميتها,أو ذات سمة لهجية خاصة؛مما يضطر السامع إلى عا ّ
سا ً مرهفاً,فيسأل الستفسار والستفهام 0بعض الناس يملك ح ّ
مخاطبه عن مدلول كلمة لديه قبل أن ينطق بها,فيشع بذلك جو
مق التفاهم 0
المودة,ويع ّ
ب الكلم والستفاضة في الحديث -كثير من الناس يسيطر عليهم ح ّ
غير آبهين بمواقع كلمهم من نفوس سامعيهم,فيسوق النكات
والمثال التي تجرح بعض الحاضرين؛فقد يسوق أحدهم طرفة
تتعلق بقبيلة أو أهل بلدة أو أهل حرفة ,ويكون بعضهم موجوداً 0
عظَة تتعلق بأهل عاهة من وقد يسوق-مثلً-قصة أو طرفة أو ِ
العاهات كالعرج أو العور أو العمى,ويكون ذاك مفتاحا ً لخصومات
وشرور عريضة,وهو إن لم يكن إثما ً في نفسه,فإنه يجّر صاحبه إلى
الثم,ولذا فل بد من الحذر الشديد 0
-ل يخفي أن التربية التي يتلّقاها الناس في البيوت متفاوتة في
درجة رقيّها وتهذيبها ,كما أن المهن والوظائف التي ينخرط فيها
الناس أيضا ً متفاوتة,وهذه وتلك آثارا ً كبيرة في مستوى الكلم
لديهم 0وكثير من الناس يندفع في الحديث على سجيته دون أي
__238
فظ,مما يجعلهم يخدشون آذان مستمعيهم بكلمات مراعاة أو تح ّ
وتعبيرات سوقية مبتذلة ,فيكوّنون انطباعات سيئة عنهم 0
وبقطع النظر عن هذه السلبية,فإن من المهم للنسان أن يرقَّي
أسلوب حديثه ,وأن يتحرر من بعض العادات الكلمية التي نشأ
عليها,فالتعبير الجميل أدب إسلمي رفيع؛وفي حديث الشيخين[ل
ست نفسي]()1([)1معنى خبثت: ن خبثت نفسي,ولكن ليقل لِق َ يقول ّ
غثت .وهو عين المفهوم من(لقست)ولكن النبي--كره لفظ
الخبث]0
إن الهدف من كل ما ذكرناه ليس النجاح في التصال فحسب,إنما
الرتقاء الذاتي ,وعكس كل ذلك على البيئة التي نربي فيها أنفسنا
وصغارنا 0
-4التــصــــال عبر الهاتف-:
يوفر لدينا التصال بالهاتف الكثير من الجهد والوقت,ويمكن
القول:إنه ل ينبغي لي منا أن يخرج من بيته أو عمله لقضاء أي
مصلحة,يمكن قضاؤها عن طريق الهاتف أو الناسوخ(الفاكس)أو ما
شابه ذلك,فالوقت هو أغلى ما نملك,ويجب أن نتعامل معه بحكمة
وحرص 0
ولكن الهاتف باعتباره وسيلة اتصال 0فإن من الممكن أن نستخدمه
على نحوٍ يوفّر علينا الكثير,ويمكن أن نستخدمه على نحوٍ نقتل به
أوقاتنا أو نجعل منه مصدر إزعاج للخرين؛ولذا فإن هناك مجموعة
من الفكار والداب التي تساعدنا على اتّباع السلوب المثل
لستخدام هذه الوسيلة المهمة,نسوقها عبر النقاط التالية:
-علينا أن نحدد التاريخ والوقت المناسب للتصال بالخرين,فقد
يكون وقت اتصالنا وقت عمل كثيف بالنسبة لهم أو وقت نوم أو
طعام ...وعدم النتباه لذلك ,سيجعل اتصالنا مصدر إزعاج وإرباك
بالنسبة لهم,كما أن فرص ردّهم علينا ستكون ضئيلة 0
-سيكون من المهم أن نقوم قبل التصال بتحديد المسائل التي
نرغب في الحديث عنها,والنتائج التي نرغب في الوصول إليها,أو
المور التي نود إقناع من هاتفناه بها 0
وعلينا أن نحاول أل تخرج المكالمة عما رأينا تحديده قدر
من اتّصالنا به,وينسيه الموضوع المكان؛لن ذلك قد يشتت ذهن َ
الصلي للتصال 0
-اللطف مطلوب في السؤال عن الشخص الذي نريد محادثته,وذكر
اسم المتصل مطلوب أيضاً؛وبعض الناس ل يذكر اسمه,ولكن
__239
ف للدب؛لن الذي من اتصل به أن يذكر اسمه؛ و هذا منا ٍ يطلب م ّ
من طرق باب غيره,عليه أن يذكر اسمه, بدأ التصال بمثابة َ
ويستأذن ويسلّم 0وإذا رد ّ على الهاتف شخص غير الذي نودّ
محادثته,فمن الليق أن نسلّم عليه أولً,وإن كان طفل ً داعبناه,ثم
من نريد محادثته 0 نسأله عن إمكانية محادثة َ
-عندما يرد ّ على الهاتف الشخص الذي نرغب في محادثته,فسيكون
من اللطف أن نبادر إلى سؤاله:هل هذا وقت مناسب لمحادثته
0وعلينا أن نبدي له استعدادنا للتصال به في وقت آخر 0وليس من
الملئم أن نقول له:هل أنت مشغول,فقد يكون غير مشغول,
ولكن ل يرغب في التحدّث إلى أحد,فنضطره آنذاك إلى الكذب.
ولباقة المسلم تمنعه من إحراج الخرين .
-لنحاول أثناء المحادثة الهاتفية أن نجعل كلماتنا مفعمة بالحيوية
من نخاطبه ل يرانا,يجعل من السهل عليه أن ن كون َ والدفء,إذ إ ّ
يكوّن عنا بعض النطباعات الخاطئة ,وينبغي أن نمتنع عن أي عمل
أثناء المكالمة؛لن الطرف الخر سيدرك أْننا مشغولون عنه,وأننا ل
نهتم كثيرا ً للتحدث معه؛وسيكون المتناع عن أي عمل أكثر أهمية 0
-إذا كان ما سنقوله مهما ً أو دقيقاً,فالفضل عدم التصال بالهاتف
وترتيب لقاء لذلك أو إرسال رسالة خطية 0وسيكون من المفيد
م التفاق عليه إذا كان الحديث يتعلق عند إنهاء المكالمة كتابة ما ت ّ
بمشروع أو صفقة أو اتّفاق ما؛فالمرء قد ينسى ما يجب عليه أن
يذكره بعد مدة 0
قد يُبتلى المرء بأقوام يحبون الثرثرة على الهاتف,ول يقيمون أي
وزن لوقات الناس ومشاغلهم,وفي هذه الحال يجب على الواحد
منّا أن يكون حكيما ً في الفلت منها,كما كان ابن الجوزي حكيماً
في إنجاز بعض العمال أثناء زيارة بعض الثقلء له 0
وهناك إجراءات عديدة,تساعد المرء على ذلك؛منها:إشعار الطرف
ن لدينا وقتا ً قصيرا ً للحديث معه,كان يقول أحدنا:عندي وقت الخر أ ّ
قصير للحديث معك,فأرجو أن تسمح لي بدقيقتين من وقتك 0ومنها
أل ّ يسمح للحديث بالخروج عن الموضوع الذي تم الموضوع الذي
تم التصال من أجله 0
بعض الناس يتحدث واقفا ً من أجل الختصار 0وبعضهم ينهي
السؤال عن الصحة والحوال الجتماعية بأسرع وقت؛حتى يُشعر
الطرف الخر باستعجاله 0وكل هذا جيد ومفيد 0وعلى كل حال
__240
فالحديث في الهاتف ذو جاذبية,وذو إغراء خاص,ول بد من أجل
المحافظة على الوقت من مقاومة ذلك الغراء 0
-5الخطــــــاب المؤثَّـــــــــر0:
سنظل نستهدف التأثير في غيرنا,وإيصال رسائلنا إليهم على أعلى
درجة من القوة والوضوح؛فذاك جزء من تحقيق وجودنا المعنوي
0وسيكون ذلك أكثر حيوية إذا كان الواحد منّا داعية أو محاضرا ً أو
معلّما ً أو سياسياً 0
ن مضمون الكلم يستأثر بالتأثير الساسي,لكن ل ينبغي صحيح أ ّ
الستهانة بالسلوب والقالب الذي نوصل به ذاك المضمون؛وكم
ض عنها الناس لسوء تغليفها أو سوء عرضها من سلعة نفيسة أعر َ
حر ل يلفت النظار إليه؛لنه ل يحسن شيئا ً من 0وكم من عالم متب ّ
ن الخطاب المؤثر 0وكثيرا ً ما يكون الفارق بين متحدّث ناجح وآخر ف ّ
مخفق هو الهتمام والحرص على تجويد الخطاب وإنقائه .وإليك
بعض الوصايا التي تجعل المخاطبين ينفعلون بما تقول,ويتأثرونه:
-لنختر لمحاضراتنا وأحاديثنا عناوين جذابة ومعاصرة,وذلك من خلل
ملمستها لمشكلة يعايشها الناس,أو من خلل علقتها بحدث,يشغل
بالهم,أو من خلل كونها تدل الناس على طريق من طرق النجاح
0وعلى الواحد منا أن يتجنّب السجع في العنوان؛فقد باتت الذائقة
الثقافية المعاصرة تمجه,وقد كان مستحبّا ً في غابر الزمان 0ولكن
يجب أن نكون على حذر من العناوين البّراقة والجذ ّابة التي ل
تترجم مضمون حديثنا على نحو دقيق,ول تطابق معها 0كما أن علينا
أن نحذر من العناوين الكبيرة التي نعجز عن القيام بحقها 0
-الستشهاد باليات القرآنية والحاديث النبوية والقوال المأثورة
مهم جدا ً لعطاء المصداقية لما نقوله,وعامل مهم في دفع الوحشة
عن كلمنا,ولكن لبد دائما ً من نوع من التوازن بين الستشهاد
ي أعناق النصوص وسوقها والتحليل,كما أنه لبد من الحذر من ل َ
سف 0 على نحوٍ متع ّ
-سيكون من المستحسن دائما ً أن نزوّد السامعين بملخص من
ورقة أو ورقتين قبل بدء المحاضرة,تضمنه محاور المحاضرة
والنقاط الساسية فيها 0
__241
-للرقام والحصاءات والجداول سحرها الخاص اليوم,وعلى مقدار
ما نضمن محاضرتنا منها يكون تأثيرها وإقناعها,وتكون إثارتها
للسامعين؛وكلما كانت الرقام أكثر حداثة,كان وقعها في نفوس
السامعين أشد 0
-الربط بين الموضوع الذي نتحدّث عنه وبين الحداث الجارية-إذا
كان ممكناً -سيكون مفيدا ً جداً,ول سيما إذا فعلنا ذلك في بداية
المحاضرة؛حيث يثير اهتمام المستمعين أكثر فأكثر 0
-استخدام السئلة أثناء المحاضرة في محاولة لشراك
الجمهور,والتجديد في الخطاب,
ولكن ل ينبغي انتظار أجوبة عليها,وإنما المراد إيجاد نقاط ارتكاز
مشتركة أثناء الحديث؛مثل قولنا[:كم يا ترى سنوفّر على البلد من
مال لو أننا جميعا ً امتنعنا عن التدخين؟ومثل[:كيف ستكون الحال
لو أن كل واحد منّا التزم ببرنامج قراءة ثلث ساعات كل يوم؟0
-ل بأس بذكر بعض الجهود التي استغرقها إعداد العمل,كالقول:إن
مسوَّدات هذه المحاضرة قد بلغت مئة وخمسين صفحة,أو
القول:قد عملت في تحضير هذا الموضوع ثلثة أشهر 0وفي
المقابل ل بأس بالتحدّث عن خبرات بعض المستمعين والحاضرين
بالموضوع,وحاجة المتحدّث إلى بعض ملحظاتهم حوله 0
-إذا استطعت أن يشتمل حديثك على بعض الفكاهة,فافعل؛لن
ذلك سوف يضفي على اللقاء كله مسحة جميلة ممتعة,ولكن علينا
أن نخشى دائما ً السراف في ذلك 0
-ل تثبت نظرك في الوراق التي أمامك,وتمهل النظر إلى وجوه
القّراء,فذاك أكبر مصدر للسأم والملل؛ولكن انظر إلى الجمهور
تارة,وإلى أسفل تارة مطرقا ً كأنك تفكّر؛
ما تريد قوله 0 فذاك يثير في سامعيك التساؤل ع ّ
م في مساعدة ل مه ٌّ-تنظيم النقاط والفقر وتسلسلها عام ٌ
المستمعين على الفهم ,فينبغي أن نحرص عليه قدر المكان 0وقد
يكون أحسن أسلوب لذلك,هو أن نقسم كل عنوان من العناوين
الرئيسة إلى عدد من النقاط,كأن نقول:وإليك خمس ملحظات
حول سلبيات المر الفلني؛أو نقول:إن أهم المبادئ التي يمكن
استخدامها في إدارة الذات أربعة وهكذا 000
خم الرقام,وإذ ل يستحسن أن تزيد ولكن لنحاول ما استطعنا أل نض ّ
على خمسة أو ستة؛ فقدرات السامعين على استيعاب التقسيمات
الكثيرة محدوة 0
__242
-قد يكون اللجوء إلى تكرار بعض الفكار أو المقاطع مفيدا ً في
لفت انتباه السامعين إلى ما تعده مهماً,وذلك كما لو أننا لو كّررنا
قول أحدهم":إذا لم يكن لك روح عصر كانت لك كل شروره"0
-ليكن وضعك الذهني والبدني في أحسن حالته,فنم جيدا ً قبل
المحاضرة,ول تناول وجبة دسمة,وحاول تهدئة أعصابك عبر
ممارسة شيء من السترخاء قبل الحضور إلى مكان المحاضرة 0
-لبد من مراعاة السرعة المناسبة أثناء الكلم؛والحد ّ الدنى
للسرعة هو ( )120كلمة في الدقيقة 0وأكثر المتحدثين,يبلغ متوسط
سرعتهم في الكلم في حدود ( )200كلمة 0البطء الزائد في الكلم
يجعل المستمعين يفقدون التركيز,ويشتت انتباههم 0أما السرعة
الزائدة ,فتجعلهم غير قادرين على المتابعة,واستيعاب ما يسمعونه
0
-أحفظ مقدمة محاضرتك على نحوٍ جيد,واقرأها مرات عدة قبل
إلقائها,واضبط الكلمات الصعبة بالشكل,وتأكد في كل الحوال من
أنك قادر على مراعاة القواعد النحوية أثناء اللقاء 0
-تفاعل مع موضوعك,وأظهر ذلك التفاعل من خلل تعبيرات الوجه
وحركات الجسم,
فحيوية المحاضر ضرورية لجعل اللقاء كله حيا ً ومثمراً 0
-ل تدع التشاؤم يسيطر عليك؛صوّر الواقع كما هو,لكن لنزرع المل
سن والخلص بشكل دائم 0 بإمكانية التح ّ
-اختتم محاضرتك بملخص مركّز يشتمل على أهم النقاط التي
تتناولها 0ويمكن أن تكون موضوع(الخاتمة)دعوة توجهها للمستمعين
من أجل إنجاز شيء ما أو البتعاد عن أمر من المور,أو الهتمام
بقضية من القضايا 0
-الستعداد المسبق لما يتوقع المرء من أسئلة يطرحها
الجمهور,وعدم التردد في قول(:ل أدري)عندما يأتي سؤال ل يعرف
جوابه 0
إن في أمتنا الكثير الكثير من الخير,وإن لدى مجتمعاتنا توثّبا ً لعمل
شيء ما,لكن الجميع ينتظرون أولئك الذين يدلّونهم على ما
يفعلونه,وينظمون وعيهم تجاه مسؤولياتهم؛وهذا كله من مهمات
المثقفين المخلصين؛من محاضرين ناجحين ,وخطباء مؤثرين 0والله
المستعان 0
الصــــــغاء الجـيّــد-:
__243
يولد النسان صارخاً,ثم يتعلم الكلم,ويميل الطفل إلى الكثار من
اللغو,ثم يتعلم النصات,وهكذا مع نمو ملكاتنا وخبراتنا نتعلم متى
نتكلم,ومتى نسكت ,وكيف نتكلم ,وكيف نصغي 0حين نجتمع مع
شخص,أو نستمع إلى متحدث ,فإننا نتلقى العديد من(الرسائل)ذات
المحتويات المختلفة؛والمعلومات التي نحصل عليها من وراء ذلك
التصال,هي التي تحد من الشك الذي يصاحب تلك الرسائل,أو
الذي تسببه الضوضاء الموجودة في المحيط الذي يتم فيه التصال
ل وعل-خلق للنسان لسانا ً واحدا ً وأذنين حتى0يقولون:إن الله-ج ّ
ضعف ما يتكلم؛لكن يبدو ان ما لدنيا من فضول,وما نجده يسمع ِ
في كثرة الكلم من إثبات الذات 000يجعلنا نتكلم أضعاف ما نسمع!
0
الذين يتعلمون الكلم المقنع,والذين يتدربون على تنميق الكلم,ل
يحصون عدداً,
حسن وقلما تجد من يقرأ كتاباً,أو ينتسب إلى برنامج من أجل تعلم ُ
الصغاء؛ وربما كان ذلك فرعا ً من عدم اهتمامنا بالفهم
العميق,وربما كان بسبب أننا نهتم بالتأثير في الخرين أكثر من
اهتمامنا بالتفاعل معهم؛ولذا فإننا ل نجد حاجة إلى إتقان فن
السماع؛مع أن من غير الشائع أن يحصل تأثير في الخرين من غير
تأثر بفرديتهم وظروفهم ومتطلباتهم 0
مـــيزات الصغاء-:
-إذا قارنا بين المشكلت التي يجرها السراف في الكلم,وبين
المشكلت التي يتعرض إليها الميَّالون إلى السماع والصغاء؛لوجدنا
أنه ل وجه للمقارنة 0وحين يكون هناك تعليمات أو اقتراحات أو
تحذيرات,فغن المعولين بكثرة الكلم،ل ينتهون لشيء من ذلك
على حين أن الميالين إلى الصمت,يدركون كل ذلك على وجه أدق
0هذا غير ما يقع فيه الثرثارون من أخطاء ومزالق 0ولو أننا تقيدنا
بالدب السلمي في هذا لق ّ
ل كلمنا,
وكثر إصغاؤنا؛فقد ورد في الحديث الصحيح(:من كان يؤمن بالله
واليوم الخر ,فليقل خيراً,أو ليصمت)0
حسن الصغاء يساعد صاحبه على الفهم العميق للظروف ُ -
والوضاع المحيطة؛ حيث يتمكن المرء من فهم الطرق التي يفكر
بها الذين حوله,كما يتمكن من فهم بيئة العمل,
__244
وأفضل الطرق في إنجازه 0أضف إلى هذا أن النصات يكسو
صاحبه نوعا ً من الهيبة,
ويجعله يبدو في أعين الناس أكثر حكمة وفهماً,حيث تكون
المحاكمة العقلية لدى المرء أفضل في حال الصمت 0
-إن الصغاء يلبي حاجة مهمة للخوان والصدقاء والزملء,وهي
تطلعهم إلى من يستمع إليهم,ولذا فإن المصغي يُدخل السرور
عليهم,وينال منهم التقدير 0
-من وظائف الصغاء امتصاص غضب الخرين؛حيث إن أول
استجابة للنفعال تكون عن طريق الذن,وعندما نصغي اشخص
غاضب,فإننا نتعرف على سبب غضبه,فنظهر تعاطفنا معه,ونجعله
ينَّفس عن غضبه,ويعود إلى هدوئه؛ولذلك فإن من غير الصواب أن
نجادل شخصا ً غاضبا ً دون أن نعرف سبب غضبه,وبعد نبدي
التعاطف معه,ثم نحاول إطفاء غضبه 0
تحـسيــــــن الصغاء-:
كل شيء مهما كانت وضعيته,يظل قابل ً لنوع من الرتقاء
والتحسين؛والخبرات المتراكمة لدى البشرية علمتها كيف تتلفى
الخطاء,وتستفيد من الفرص 0
مسألة استثمار السماع ليعطي أفضل مردود شغلت منذ أمد بعيد
الكثير من التربويين والمهتمين بالتصال النساني 0وبإمكاننا أن
نضع هنا بعض النقاط التي تجعل السماع لدينا أعظم فائدة,وذلك
على نحو التي0:
-أول خطوة على طريق تحسين الصغاء,هي أن نحاول السماع بنية
الفهم لما يقال 0
ومع أن بإمكان كل واحد أن يدعي ذلك,إل أن الصحيح أن الذين
يولون القدر الكافي من الهتمام والتركيز لما يسمعونه يظلون قلة
0وكثير من الذين يظهر لنا أنهم مصغون فعلً,إما يكونوا غير
شاعرين بأهمية ما يسمعونه لهم,وإما أن يكونوا في حالة تهيّؤ للرد
على ما يسمعونه 0أو يكونوا في حالة شرود,وفي جميع هذه
الحوال فإنهم يحرمون من الفهم العميق لما يقال 0
-ليست الذن أداة سمع,وإنما هي أدوات توصيا فحسب؛حيث أن
عمليات السمع تتم في الدماغ,وهناك يتم تحليل ما يُسمع,وتحديد
رد الفعل الملئم عليه؛ولذا فإن للمرء أن يسمع,ويفهم,وبإمكانه أن
يسمع,ول نفهم,حيث تتدخل في عمليات الفهم العميق أمور كثيرة
ل وعل-المؤمنين عن بعض أحوال الكافرين و جداً 0وقد نهى الله-ج َّ
__245
المنافقين في مسألة السماع في آيات عدة,منها قوله{:ول تكونوا
كالذين قالوا سمعنا وهم ل يسمعون}[النفال,]21:وإذ في
معتقداتهم وعقولهم ما يمنعهم من السماع الحقيقي المثمر الذي
يضيف إلى المعرفة,ويغير السلوك 0حين نستمع إلى شخص
يتحدث,فإننا نحاول الفهم,من منظور عاداتنا النفسية والفكرية,ومن
خلل إطارنا المرجعي,وأحيانا ً من خلل مصالحنا 0
ومع أن التخلص من ذلك على نحو كامل غير ممكن في معظم
الحيان,إل أن علينا أن نجاهد أنفسنا لنفهم ما نصغي إليه من خلل
الدخول إلى العالم الشخصي للمتكلم ,فنرى إطار القضية التي
يتحدث عنها من خلل نمطه الخاص في التفكير,ومن خلل رؤيته
ومعلوماته ومشاعره 000
هذا الدخول إلى العالم الشخصي للمتحدث,يحتاج منا إلى وعي
مضاعف؛ فالكلمات والتراكيب والجمل التي ينطق بها,ليست ذات
مدلولت معجمية صارمة,كما أنها ل تستخدم وفق ع ُرف اجتماعي
محدد؛فهناك شبكة معقدة من العوامل التي تتحكم في إعطاء
الكلم معانيه النهائية,من نحو الخلفية الثقافية والخبرة
العامة,ومدى إلمام المتكلم بما يتحدث عنه والتاريخ العائلي
له,ونوعية علقته الشخصية بذلك,ومصلحته في النطباعات التي
يود أن يتركها 000
وعلى سبيل المثال فإن المتحدث إذا كان يتناول حكاية خلفه مع
خضم له,أو قصة انشقاقه عن حزبه,أو أسباب اتهامه بارتكاب
جريمة,فإن علينا أن نتوقع سماع الكثير من الزيف والكثير من
المبالغة,وأن نلمس إخفاء الكثير من الحقائق التي تعكر صفو
النتائج التي يرغب في الوصول إليها 0
هناك أشخاص تعودوا في أسلوب تحدثهم أن يستخدموا ألفاظا ً من
نحو(عظيم جداً)و (كثير جداً)و(قريب جداً)000وعلينا آنذاك أن
نعرف كيف نحذف (جداً) هذه من مدلولت خطاب الواحد
منهم,ونفهم ما يصفه على أنه عظيم وكثير ...من وجهة نظره هو .
وهناك أشخاص يغلب عليهم التشاؤم أو النظرة
المثالية,فيستخدمون اللفاظ التي تصور نزعتهم تلك,وعلينا أن
نعرف أيضا ً كيف نحيد محصلت تلك اللفاظ ,,ونعزلها عن سياق
المدلول العام لكلمهم 0إذا فعلنا ذلك ونحوه أمكننا أن نتجاوز
المعنى المباشر لما يقول إلى معنى المعنى,وأمكننا بذلك أن
نحصل على فهم أكثر عمقا ً وأكثر توازناً 0
__246
-علينا أن نستمع إلى المتحدث بصدر رحب مهما كان الكلم الذي
يقوله مزعجا ً أو غير منطقي أو غير دقيق؛فهو يمثل وجهة نظر
شخص,رضينا بتجشم مشاقّ الحضور من أجل سماعه 0وانفعالنا
الحاد سوف يحرمنا من استيعاب ما يقول،وسيضعنا في بداية
الطريق إلى رد فعل غير سويّ عليه,حيث نفهم آنذاك فهماً
مل كلمه ما ل يحتمل ,ونتيجة كل ذلك موقف غير مشوشاً,ونح ّ
دقيق ول متزن.
-حتى تنجح عملية الصغاء فإننا بحاجة إلى أن نكون في وضع بدني
مريح؛ المقعد ينبغي أن يكون ملئماً,والمسافة التي بيننا وبين
المتحدث أيضا ً ملئمة ,ويستحسن الجلوس في المقدمة,كما ينبغي
أن نكون في مكان يتيح لنا رؤية جيدة للمتحدث؛إذ إن معظم
مفردات الرسالة-كما ذكرنا-سترد إلينا من تعابير الوجه وحركات
الجسم 0
وينبغي أل يكون المرء أيضا ً جائعا ً أو عطشان أو حاقنا ً حتى يستطيع
الستمرار في الستماع والمتابعة بتركيز جيد 0
-الصغاء الجيد يقتضي أل نقاطع المتحدث قبل إتمام قوله؛فإذا كان
كلمه منَّفرا ً إلى حد ل يطاق,فإن بإمكان المرء أن ينسحب من
المكان,أو يشغل ذهنه بشيء يصرفه عن السماع 0ومن حق
المتحدث علينا كذلك أل نصدر أي حكم على كلمه حتى ينهيه؛
ويؤسفني القول:إن مجالسنا مشحونة دائما ً بالمقاطعات,ومشحونة
بالحكام المستعجلة! وسيكون من الحكمة أن نسأل عن بعض
النقاط الملتبسة قبل أن نعلن الحرب على المتكلم!0
-المهم مما يقال دائما ً هو جوهره,وهذا يملي علينا أمرين-:
الول:هو أل يصرف انتباهنا عن مضمون الحديث الطريقة أو
السلوب الذي يستخدمه المحاضر؛فقد يكون استخدامه للغة
سيئاً,كأن يكون غير متقن لقواعدها ,وقد يكون ل يحسن النطق
بالشواهد القرآنية أو الشعرية 000وكثيرا ً ما يشغلنا هذا ونحوه عن
الهتمام بجوهر ما يقال 0
الثاني:أنه من خلل المداخلت والتعليقات والسئلة التي تتم بعد
صلب المحاضرات والندوات,كثيرا ً ما يتم النحراف عن ُ
الحديث,والصيرورة إلى مناقشة قضايا هامشيه وجانبية,مما ينسي
الحاضرين الكثير مما اشتمل عليه الموضوع الذي اجتمعوا من أجله
0وهذا يوجب علينا مرة أخرى محاولة العودة دائما ً إلى القضية
الساسية التي اجتمعنا للسماع عنها 0
__247
-حين يكون الحديث مركّزا ً وكثير التشعيبات والتقسيمات,أو يكون
طويلً؛فإن استيعابنا له سيكون جزئيا ً ومحدوداً,ولذا فل بد من أن
يكون في يد الواحد منا قلم وورقة من أجل تدوين بعض
الملحظات وبعض الفكار الساسية الواردة؛ ولكن ينبغي الحذر من
السترسال في الكتابة بحيث يبدو المتحدث وكأنه يخاطب
نفسه؛فالتوجيه السلمي في هذا المجال ينطوي على أن نرمق
المتحدث بأبصارنا حيث يتم تنظيم التفاعل الداخلي بيننا,وحيث
يشعر المتحدث بأننا نشاركه في عمله 0
إن ما يمكن قوله في قضية الصغاء والستماع كثير,وسنتمكن من
أن نكون مستمعين جيدين إذا توفر لدينا ما يكفي من الهتمام
والوعي 0
__248
الفصل الثالث-:
__249
النسان على أن يضحي بتضحيات كثيرة في سبيل من يحبه؛وقد تحمله
على المبالغة والكذب,ومخالفة النظم والقوانين من أجله,وقد تحمله
على أن يهمل علقاته الجتماعية الخرى ...وربما يفاجأ في النهاية أن
من فعل كل ذلك من أجله,ل يستحق كل ذلك,حيث إنه يتوقع المقابلة
بالمثل,فإذ لم يحصل عليه,فإنه قد ينفض يده من تلك العلقة,ويقلصها
إلى الحد الدنى,ثم يلغيها .وهذه الحالة شائعة جدا ً في مجتمعاتنا
العربية ذات العاطفة الموارة 0
ب-في المقابل فإن العلقات التي تقوم على أساس التعاقد والحقوق
والواجبات ,والقيام بخطوة أمام كل خطوة,ولفتة إزاء لفتة,تظل
علقات سطحية وباردة ,وفي أحيان كثيرة مؤقتة 0إن ضعف العاطفة
في العلقات السرية والجتماعية,ل يسمح بالندماج الذهني والشعوري
بين أصحاب تلك العلقات,كما ل يسمح بملمسة آفاق الخيرة النسانية
ذات الهمية لكل طرف من أطرافها,وهذا يجعل ما نتوقعه من وراء
تلك العلقات من أمن ودعم وإحساس بالتأنق,ضعيفا ً جداً,وبذلك تفقد
أهم معانيها 0
ول نستبعد بعد هذا أن تؤثر(العلقات البادرة)في نوعية أحكامنا
العقلية,فنكون غير موضوعين,أو نخضع للهوى,أو المصحلة على النحو
الذي يحدث عندما تطغى العاطفة ؛ وذلك لن شبكة العلقات
الواسعة,تفرض أحكاما ً ومواقف متضاربة,وفقد التزان بين العقل
جح في استجاباتنا لها من غير مرجح,ومن غير وجه والعاطفة,يجعلنا نر َّ
حق,ولذا فل بد من العتدال على نحو دائم,وقد ورد في الحديث
الشريف" :أحبب حبيبك هونا ً ما عسى أن يكون بغيضك يوما ً ما
0وأبغض بغيضك هونا ً ما عسى أن يكون حبيبك يوما ً ما"0
ج-ليس من السهل إقامة التوازن بين العقل والعاطفة,ولكن يمكن في
كل الحوال إحراز شيء من التقدم في ذلك؛ومما يساعد في هذا
الشأن أن نعي درجة عاطفتنا في العلقة التي نقيمها مع زيد من
الناس؛هل هي قوية أو ضعيفة,هل تمثل لنا هاجسا ً مستمراً,وهل تحملنا
في بعض الحيان على تقديم تضحيات كبيرة,أو تدفعنا إلى تجاوز الحق
والممالة على الباطل 00إذا كان المر كذلك,فهذا يعني أن الجرعة
العاطفية في تلك العلقة,قد تجاوزت الحد الطبيعي البنّاء,ويجب أن
نعيدها إلى نصابها الصحيح 0ومما يساعد على التوازن كذلك أن ننظر
إلى درجة عاطفة الطرف الخر في تلك العلقة
وأن ننظر إلى ماهو سائد من علقات في المجتمع,فالمقارنة تساعد
في كثير من الحيان على الموازنة 0
مجاهدة النفس عنصر أساسي في إقامة التوازن,فإذا كان المنطق
والواجب يفرضان زيارة فلن من الناس أو مواساته أو الحدب
__250
عليه,وكانت رغبتنا ضد ذلك,فإن علينا أن نجاهد أنفسنا,ونتجاوز
عواطفنا,لنستجيب إلى صوت العقل 0وفي المقابل فإن للمجاهدة
دورها في إيقاف العواطف والنفعالت التي تسود علقة ما عند حدود
معينة 0
العمال الروحية والعلقات العاطفية,تميل بطبعها إلى التطّرف,وهذا
التطّرف يجعلها في حالة دائمة من التقلب,وكبح تطّرفها يجعلها أكثر
عقلنية,وذلك من خلل مراعاة ما تمر به الطبيعة البشرية من نشاط
وفتور,وإقبال وإدبار 0التوازن يكون بإقبالنا في حال إدبار الطرف الخر
وتريثنا في حال إقباله الشديد,وعليه هو أيضا ً أن يفعل مثل ذلك 0
-2رعاية العلقة الخاصـة:
يبني الناس في مسيرة الحياة علقات كثيرة وموزعة على دوائر
ومستويات عدة؛ فمن خلل المشي في الطريق-مثلً-نبني علقات
وواسعة جداً؛ولتلك العلقات رعاية عابرة أيضاً,وهي تتجسد فيما
يسمى(آداب الطريق),وهناك علقة أضيق نطاقا ً وأعمق من
هذه,وهي رابطة الخوة اليمانية{ إنما المؤمنون إخوة}[الحجرات:
. ]10ولهذه العلقة التي تنشأ تلقائيا ً من الدخول في دين الله-
تعالى-حقوق وآداب معرفة 0
وفي إطار الخوة اليمانية تنشأ علقات قهرية مثل علقة القرابة
والرحم,وينشئ الواحد منا علقات اختيارية خاصة,وهي ما يسمى
ب(الصداقة),وهي ما نريد التحدث عنه هنا عبر المفردات التالية:
أ-إن حاجة الواحد منا إلى أخ نقيم معه علقة خاصة ومتميزة,حاجة
سة,ففي ذواتنا ثغرات كبيرة,ل تسد إل عن طريق هذا الخ ما ّ
الصديق الذي نأنس به ,ونطمئن إليه,ونرى فيه النسان المواقف
في الرخاء,والمؤازر في الشدة,والذي نشعر بثمرات صحبته دون
أن يثقلنا بتبعاتعا 0هذا الصنف من الخوان ل يظفر المرء في
العادة بعدد كبير منه ,وإذا تهيأ لحدنا أربعة أو خمسة منه فهو
محظوظ .
وقد روي عن المام الشافعي قوله":ضياع العالِم أن يكون بغير
إخوان"وقال القاسم بن محمد":قد جعل الله في الصديق الباّر
المقبل عوضا ً عن ذي الرحم العاقّ المدبر"0
الذين يفقدون معنى الصداقة الحميمة في حياتهم,يتعرضون لعظم
الصعاب في حياتهم ,ومنهم أنفسهم يواجه الخرون الكثير من
المفاسد والشرور!0
ب-أشواق النسان إلى أن يكون له أخ حميم أشواق فطرية
أصيلة؛وأعتقد أننا نملك القدرة على الحصول على ذلك 0لكن لبد
__251
من بذل الجهد والتضحية؛إذ ل بد من النفع في مقابل الخذ 0إذا
شعر المرء أنه ليس لديه صداقات حميمة ,أو أن علقاته السرية,
صلته بأرحامه,ليست بتلك التي تشبع تطلعاته,وتشعره أو ِ
بالمان,فإن عليه أن يبحث في أسباب ذلك 0
ومع أنه ليس من السهل الحاطة بها,إل أننا يمكن أن نكون متفقين
على العديد منها؛
على سبيل المثال فإن حدة المزاج,وتعكره من أجل أشياء ل تعد
مثيرة في العرف العام أو لدى ذوي المزاج المعتدل,مما يحول
دون تآلف الناس,ومما يدعو الكثيرين إلى البتعاد 0
التفتيش عن أخطاء الخرين ومتابعتها,والسراف في
نقدهم,وإظهار البََرم من أوضاعهم ,مما ينفر الناس,ويشتت
الصدقاء 0
كثرة الثرثرة والفاضة في الكلم,مما يجر غالبا ً إلى إفشاء
السرار,وإلى(النميمة) ,فعندما يخلو وفاض الثرثار من الخبار,ل
سيَر الناس ومشكلتهم .وهذه الحالة سببها يجد ما يخوض فيه إل ِ
غالبا ً رقة في الدين,وقصور في الثقافة والتعليم ,وإحساس
مام على احتلل مركز الدائرة عن طريق بالنقص,فيسعى الن ّ
النميمة ,حيث ل شيء آخر لديه 0وقد قالوا :
م عليك"ومهما حاول النمام التستر,فإن أمره في م لك ن ّمن ن ّ
ل أصدقائه النهاية إلى انفضاح ,فيسقط من عيون الناس,ويخسر ج َّ
0
النانية والتطرف في حب الذات,من السباب الساسية للخفاق
في تكوين صداقات جيدة 0الناني ليس لديه ما يقوله سوى
الشارة بماله صلة به؛وليس لديه ما يهتم به سوى ما يعود عليه
بالنفع الخاص,وحين يجد فرصة ما,فإنه ينسى من يمكن أن يشاركه
فيها من أصدقائه 0جوهر النانية مضاد تماما ً لجوهر الصداقة
الحميمة التي يقوم على المشاركة والعتماد المتبادل 0
والنانية حالة مستمرة من العمى عن كل شيء إل النفس
والمصالح الخاصة 0
ل ننسى هنا بالضافة إلى ما سبق أن بعض الناس يميل بطبعه إلى
النطواء والعزلة ,ولهذا الصنف من الناس علمات عديدة منها:ميله
إلى الهوايات الذهنية والتعبير عن النفس بالقلم ل
باللسان,والحساسية المرهفة والمزاج المتقلب ,وسرعة الرتباك
__252
والخجل والدقة والنظام والشغف بالتفاصيل,وتفصيله العمال التي
ل تتصل بالناس,والتردد والحجام 000
إن كل ما ذكرناه ممكن العلج,ولكن ل بد من العزم والصبر
والتضحية.
ج-نحن ل نؤكد على فكرة اكتساب المزيد من الصدقاء من أجل
إشباع بعض الرغبات,أو العثور على نصير في وقت الشدة
فحسب؛فهناك أهداف أخرى أكثر نبل ً وأعظم فائدة,من نحو
التعاون على البر والتقوى,ومن نحو التكافل والتباذل ,ونحو
المناصحة والتقويم,والتقدّم على طرق الخير والصلح ...وانطلقاً
من هذا ,فإن العثور على من يكون ملئما ً لصداقة حميمة
وخاصة,ليس بالمر السهل دائما ً .وقد ورد في الحديث
الشريف":الناس كإبل مئة ل تكاد تجد فيها راحلة" .ولبد من
ن تأثير الصديقالتدقيق فيمن يصلح للخوة والصداقة حيث إ ّ
الحميم في سلوك صديقه كبير؛وربما استطاع أن يعيد صياغة
الكثير من أفكاره وأخلقه ومشاعره؛وقد ورد في الحديث":المرء
على دين خليله,فلينظر أحدكم من يخالل"0
ولذا فلبد من توفر بعض الصفات الساسية فيمن نختاره لعلقة
خاصة 0ويأتي على رأس تلك الصفات الستقامة واللتزام؛فهما
الرضية العريضة والصلبة التي تشكل عليها كل السمات الخرى
المطلوبه 0أضف إلى هذا توفر درجة مقبولة من التفتح والجديّة
والحرص على الوقت واليثار وبذل المعروف والشفافية والتعاون
والصراحة,وعدم سيطرة النزعة المادية عليه 000وكل هذه السمات
ذات درجات متعددة في الناس 0وربما كنا في بعض الحيان مثاليين
أكثر من الطبيعي,حيث نطلب من غيرنا ما ليس فينا 0وهذا من
ي)!0أسرار الشكوى التاريخية من انعدام وجود(الخل الوف ّ
د-إذا وجد المرء الخ الذي يبحث عنه,فليحسن عشرته,وليقم
بحقوق أخوته ,وله أن يعلم أن العلقات الحميمة,يمكن أن تتحول
إلى علقات شكلية أو رسمية ,إذا لم يتوفر لها رعاية الكافية
والتحفيز المستمر 0ول ينبغي أن يتساهل في ذلك,فيخسر علقات
بناها خلل فترات طويلة,وقد يكون من الصعب بعد ذلك استعادتها
أو تعويضها 0
فإن الحـّر في الدنيا قليل سـك إن ظفرت بذيل حـّرتمـ ّ
هذه العلقة الخاصة تحتاج إلى رعاية شاملة ومشتركة ومتكافئة
نوعا ً ما 0ومن أشكال تلك الرعاية ما يلي:
__253
-المساعدة المالية,فإذا وجد الصديق صديقه في أزمة,فإن عليه أن
يمد له يد العون قبل أن يشكو إليه حاله,ويسأله؛وقد ضرب
الصحابة الكرام المثل العلى في هذا الشأن,حيث تجاوز العديد
منهم منزلة المساعدة إلى مرتبة اليثار على نحو ما وصفهم الله-
تعالى-به في قوله{:ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة}[الحشر0]9:وكان بعض السلف يحذ ّر من صحبه من ل
يتعّرف على صديقه إل أوقات الرخاء,ويسميه بصديق العافية 0
-تقديم الخدمة والعانة بالنفس والجاه,من مواجب الخوة وحقوق
الصداقة ,وكان أحد الصالحين يقول":إذا استقضيت أخاك
حاجة,فلم يقضها,فذكّره ثانية ,فلعله يكون قد نسى,فإن لم
يقضها,فكبّر عليه,واقرأ هذه الية{:والموتى يبعثهم الله}[النعام:
0]36
-يتوقع الصديق من صديقه أن يفرح لفرحه,ويحزن لحزنه,كما يتوقع
منه الحرص على مصالحه وحفظ أسراره؛وإن الوفاء بتلك
التوقعات,مما يساعد على استمرار الخوة والصداقة ونحوها 0إذا
سمعنا ثناءً على أحد أصدقائنا,فمن المستحب أن ننقله إليه 0وإذا
احتاج المر إلى مناصحة,وإبداء ملحظة حول أمر يتعلق به,فعلينا أل
نبخل بذلك,بل إن هذا قد يكون مما يوجبه عقد اليمان واللتزام
0والتماس العذر له أيضا ً مما ينتظره؛ وقد قال ابن
المبارك::المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات"0
حسن الظن بالخ مطلوب أيضاً,وعلينا أن نحمل أفعاله وتصرفاته و ُ
ومواقفه على الوجه الحسن ما كان ذلك ممكناً 0شكر الصديق على
صنيعه,وإبداء السرور لمعاونته,مما يطلبه السلم من المسلم":من
لم يشكر الناس لم يشكر الله"0
خلُق أساسي وركن ركين -العفو عن الزلت والصفح عن الهفواتُ ,
في رعاية الصداقة 0و إذا طلب الواحد منا الكمال في إخوانه,فلن
يجد يوما ً ما حوله منهم أحداً 0
شعَث أي الرجال المهذ ّب على َ مسه ولست بمستبق أخا ً ل تل ّ
فل بد من المفاتحة في بعض الحيان,وغض الطرف والتغافل في
أحيان كثيرة .كما أننا نلحظ على إخواننا بعض المور,فإنهم
يلحظون علينا مثلها أو أكثر 0
-الوفاء والخلص والثبات على المودة,وإكرام من يلوذ بالصديق
من أهل وأقرباء وأصدقاء 00أمور توطد الخوة,وتبعث فيها روح
التجديد والجاذبية,وقد ورد في الحديث أنه--أكرم عجوزا ً دخلت
__254
عليه,فقيل له ذلك,فقال":إنها كانت تأتينا أيام خديجة,وإن كرم
العهد من اليمان".ومن جملة الوفاء مواصلته ولو تباعدت الدار,
والتواضع له,وإن تباينت المنزلة الجتماعية,فالترفع على الخوان
بسبب ما يتجدد من الحوال دليل على رداءة الطبع 0
من كان يألفهم في إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
الموطن الخشن
-ل تتم الخوّة,ول تكتمل الصداقة من غير ترك الكثير من التكلف
والكثير من الرسميات التي تنشأ بين الناس؛وكان أحد الخلفاء
يقول":ما من لذة من لذات الدنيا إل ذقتها سوى لذة واحدة
0قيل:ما هي؟قال:أخ أطرح مما بيني وبينه مؤونة التكلّف"0وقال
الفضيل":إنما تقاطع الناس بالتكلّف,يزور أحدهم أخاه ,فيتكلف
له,فيقطعه ذلك عنه"0
سر في بعض الحيان على أنها ومع هذا فإن الخلطة الزائدة,قد تف َّ
اقتحام للخصوصيات ,ولذا فل بد من الحذر 0
حين نعرف أن وجود الصديق الحميم في حياتنا,يعد موردا ً مهماً
لستكمال سعادتنا واطمئنانا ونضجنا,فإننا سوف نبحث عنه,ونحرص
عليه,ونرعي أخوته 0
-3العلقات الشفيـفة-:
نحن في حاجة مستمرة إلى أن نضفي على علقاتنا مسحة من
التأنق والشفافية واللمسات الحانية؛فذلك وجه من وجوه السمو
النساني,وجه من وجوه كبح (الوحش) الكامن في داخلنا 0وهو
أيضا ً ضروري لتسهيل الحياة,وجعلها أكثر دفئا ً ونمواً 0وكل ما
سنذكره مما يساعد على تحقيق ذلك ينبغي أن يظل مؤطراً
بإطارين عظيمين :المشروعية والعتدال 0
ن فقد وسائل الشفافية في العلقات لطار المشروعية,يجعلها إ ّ
عامل تناقض وهدم في حياتنا بدل أن تكون عامل بناء وتقدم 0وإن
فقدها لطار العتدال يجعلها تقع في حيز التطّرف الذي يفضي في
خلُق وسلوك يقع النهاية إلى ضد ما أوجدت من أجله؛ فالفضيلة ُ
بين رذيلتين 0الذي يمنح علقاتنا الشفافية أمور كثيرة
ومتداخلة,وربما ذكرنا بعضها تحت عناوين أخرى,ولكن سنجملها هنا
لما لها من أهمية خاصة في هذا,ومنها:
-التجهم في وجوه الناس,ل يحل أي مشكلة,ول يعطي صاحبه وزناً
إضافياً؛ولذا فلنحاول دائما ً أن(نبتسم)0كل واحد منا قادر على أن
يعبس في وجوه الخرين ,لكن القادرين على البتسام في معظم
__255
الحيان,هم الصفوة 0وفي الحديث الشريف" :تبسمك في وجه
أخيك صدقة0:
-إذا تجادلنا وتناظرنا حول موضوع ما فسوف نُبلْور أفكاراً,وربما
غيّرنا بعض القناعات ,وربما أثبتنا أننا نتمتع بدرجة عالية من الفهم
والطلع 000
ولكن ربما خسرنا علقتنا بأخ آذيناه في نقاشنا,ولذا فل بد من
موازنة دقيقة بين ثمرات ذلك والضرار المترتبة عليه؛وليكن
الشعار في هذا":نتناقش وننقد ولكن في ظل علقة حميمة"0
-إذا أخطأ الواحد منا,ففي غالب أنه يتمكن من الدفاع عن
خطئه,ومعظم الناس يفعلون ذلك,لكن إذا أردنا الرتقاء بعلقاتنا
وإثبات أننا أعلى من المستوى المألوف,
فإن علينا أن نسرع إلى العتذار والعتراف بالخطأ والتقصير
0وعلينا أن نتذكر دائما ً أن المهم هو صورتنا أمام أنفسنا{:بل
النسان على نفسه ولو ألقى معاذيره}[القيامة ]15-14:لنسمح
لخواننا ومجالسينا أن يظهروا تميّزهم ومواهبهم,ولنعطهم الفرصة
لذلك 0
يقول أحد الحكماء":إذا أردت أن توجد لك مزيدا ً من العداء,فتميّز
على أصدقائك ,أما إذا شئت أن تكسب الصدقاء,فدعهم يتميّزوا
عليك"0
-إذا أردنا لفكار أن تنتشر,فعلينا أن نترك الخرين يشعرون بأنها
أفكارهم,وذلك يتم من خلل تقديمنا مقترحات أو رؤوس
صل فيها,أو يدلل عليها 0
أقلم,ونترك لغيرنا أن يف ّ
-مهما اختلفنا في رؤية الشياء,فإن هناك هامشا ً ثقافياً
مشتركاً,فلنحاول دائما ً توسعة ذلك الهامش وإثراءه,فذاك أفضل
سبيل لبناء حياة عامة آمنة ومنتجة 0مما يساعد على ذلك أن نحاول
فهم المور من وجهات نظر جديدة,وعلى نحو أخص من وجهة نظر
من ننازعه ونخاصمه 0
-حين نحاول إصلح بعض المور,فعلينا أل نصدر الوامر
الصريحة,ولكن نقدم اقتراحات حيث ل أحد يرتاح لسماع الوامر
والزواجر 0
-في كثير من الحيان نسبب الحراج لغيرنا دون أن نشعر,فيحس
الخرون كأنهم في سجن,ولذا فل بد من أن نحرص على تسهيل
ن علينا النسحاب لمن نحادثه ,ونتيح له فرصة لحفظ ماء الوجه 0إ ّ
__256
أن ننبه على الخطأ,ولكن نذكر أيضا ً أن إصلحه سهل وميسور,وأنه
خطأ غير مقصود 0
-لنستخرج النبل الذي في نفوس الخرين من خلل تقدير
جهودهم,والثناء على أعمالهم ومواقفهم الجيدة,ولنذكر أن ذلك من
سبل دعم الخير,وعامل من عوامل استمـراره 0
-4العــــلقات السـرية-:
إن معظم ما ذكرناه,وما سنذكره في العلقات الجتماعية,يصح
قوله في(الحياة السرية)
والتي تمثل الطبقة العمق في علقاتنا الخاصة,ولكن أحببنا أن
نخصها ببعض الملحظات لمالها من أهمية خاصة 0وما سأذكره هنا
جه للعلقة بين الزوجين على نحو خاص,حيث إنها تمثل محور مو َّ
السرية 0ولعلنا نشير هنا إلى النقاط التالية -:
أ-علينا أن ندرك أن مضي الحياة الزوجية على إيقاع واحد,يولّد
السأم والملل ,حيث صورة الحركة اليومية تتكرر باستمرار,لتفقد
الحياة كثيرا ً من معانيها .مع مرور الزمن يحصل لدى الزوج
والزوجة نوع من التشبع؛فكا منهما قد عرف الخر معرفة كاملة-
كما يظهر-ووصل إلى قناعة بعدم جدوى النقاش أو النصيحة ,
مة من مخرج سوى فيصبح التصلب هو سيد الموقف,ولم يعد ث ّ
التكيف والصبر 000
الوصول إلى هذه الحالة شائع جدا ً في كثير من البيوت,وليس له
من دواء سوى أن يثبت كل طرف إلى الطرف الخر أن إمكانات
التجديد والتغيير,ما زالت موجودة 0
ويتجسد هذا في مفاجئة كل طرف للخر بتغيير رأيه ومواقفه حيال
بعض المسائل أو الشخاص أو العادات 0وإذا جربنا هذا وأشعناه في
حياتنا,فسوف نشعر وكأننا نولد من جديد,وستلوح في الفق طيوف
عيش مختلف 0التنازل الذي نتفاجأ به من قبل شريكنا ,هو ينبوع
جر ذلك الينبوعالمل بإمكانات متفتحة,ل حدود لها,وعلينا أن نف ّ
كلما أمكننا ذلك 0
ن كثيرا ً من النساء يتضايقن من بعض تصرفات أبنائهن أو ب-غ ّ
جاراتهن ...وهذا الضيق ينعكس على علقتهن بأزواجهن 0كما أن
كثيرا ً من الرجال يتضايقون من سوء ظروف العمل,أو من
العلقات خارج المنزل,ول يجدون متنَّفسا ً مما يضايقهم سوى
الزوجة والولد 000
__257
وهكذا فالمكان الذي يأمل فيه النسان أن يكون واحة للمن
والراحة ,والستعداد للعمل الشاق في يوم جديد,يصبح مكاناً
لتصريف الهموم!وقد اصطلح الناس على تسمية ذاك
ب(النكد)حيث تُضخم الشياء الصغيرة,وتُستغَل الهنات لحداث
تشويش كبير في الحياة الزوجية؛وحيث الحكم على ما يقبل
التأجيل بوجوب النجاز الفوري,وطلب ما ل يقبل التأجيل في الواقع
000
س
هذه الوضعية تحتاج في أول ما تحتاجه إلى(القلب الكبير)والح ّ
المرهف حتى ل تختلط علينا المور,ونحل مشكلت,نحن صنعناها
على حساب طرف ليس له فيها أي يد 0
ول بد مع هذا التدّرب على ترك مشكلت العمل في
العمل,ومشكلت البيت في البيت ,والتدّرب على أن يكون للواحد
منا عقلن وقلبان,يجعل أحدهما لحياة العمل والسواق والعلقات
الخارجية,ويفّرغ الخر لحياته السرية التي,هي المحور الساسي
في عيشه وهنائـــــــــه
ج-لكل واحد من الزوجين اهتماماته وطباعه,كما أن له موروثات
تربوية وجينية خاصة,وكل هذا من عوامل التباين 0والذي كثيرا ً ما
نغفل عنه هو أن جوهر العلقة بين الزوجين,ل يقوم
على(التشابه),وإنما على(التخالف)العضوي والنفسي والعقلي,ول
بد من أخذ بعين العتبار 0لكن هذا التخالف هو سر الحياة المنجبة
النامية,ول بد أن يحدث عنه بعض العقابيل الجانبية,والتي يمكن تحجيم
آثارها من خلل إبداء كل من الزوجين لعجابه بذوق الخر
واهتماماته ,وبهمومه كذلك 0
إن إطراء أكلة صنعتها الزوجة,أو الثناء على إعادة ترتيب أثاث
البيت,ل يكلف شيئاً,لكن الزوجة تعده مكافأة مجزية للجهد المضني
الذي بذلته في ذلك؛ وعلى المرأة أن تفعل نحو ذلك حيال إنجازات
زوجها وأعماله 0
د-التفاصيل الصغيرة في الحياة الزوجية,ليست صغيرة,فإهمال
الزوجة للنطق ب(مع السلمة)أو(صباح الخير)أو السؤال عن سبب
سر لدى الزوج تفسيراًانزعاج زوجها 000وما شابه ذلك,يف َّ
مل دللت أكبر مما يتحملها 0وعدم سؤال الزوج لزوجته سيئاً,ويح ّ
عن سبب نومها المبكر,أو عن سبب قلقها حيال موضوع ما,أو عن
سبب مقاطعة جارتها 000
__258
سر من قبل المرأة على إنه إهمال من الزوج,وعدم كل هذا يُف َّ
اكتراث بالحياة الزوجية كلها 0ولذا فلبد من ملحظة ذلك بعناية,إذا
ما أريد للعلقة بين الزوجين أن تمضي على خير وجه 0
ه-وجود النقاش بين الزوجين أمر يتكرر يوميا ً تقريباً,وهو إن دل
على شيء ,فإنما يدل على إيمان مشترك بضرورة توحيد المفاهيم
والمواقف تجاه الشياء المختلفة؛لكن لن سلسلة المعقولت لدى
الرجل والمرأة,ليست متطابقة 0ولن هناك عوامل تباين عديدة
أخرى,فغن النقاشات ل تنتهي في كثير من الحيان إلى وفاق 0
وانتشار هذه الظاهرة كبير في السر التي نالت أعلى درجات
التعليم,وفي السر التي لم تنل أي قدر منه 0لكن الذي يختلف هو
أسلوب النقاش,ومستوى المسائل المطروحة له 0أما النتائج
فواحدة تقريباً 0
وقد دلت دراسة أمريكية حديثة على أن من أكثر العوامل التي
تجعل النقاش بين الزوجين,يفضي إلى الطلق والفراق هو
النسحاب من المناقشة,وإسكات أحد الطرفين الخر,وكأن لسان
الحال يقول:ل فائدة من الستمرار في الحوار ,والطرق أمام
الوفاق مسدودة 0ولذا فإن من المهم جدا ً أن نمتلك طول النََّفس
على سماع وجهة نظر الشريك,وإذا أردنا إقفال الحوار,فليكن
إقفال ً لطيفا ً ومؤقتا ً ,كأن يقول:أعطينا هذه المسألة الن من
الكلم أكثر مما تستحق,وقد بدأنا نكرر ما قلناه من قبل,والحسن
أن نترك الموضوع لننظر فيه في وقت أوسع 0
و-هناك حقيقة واضحة,تعد إحدى العلمات الفارقة بين الرجل
والمرأة,وهي غلبة حب (الستهلك)على المرأة؛ولذا فإن إنفاق
الرجل على البيت,وترفيهه لسرته,هو المعيار لكفاءته ولياقته
السرية 0وإن كثيرا ً من العلقات الزوجية ينهار بسبب شح
الرجل,أو ضيق ذات يده,أو تقاعسه عن كسب رزقه؛ونجد في
أدبياتنا العديد من النصوص التي تحث المسلم على النفاق على
عياله,حيث يُعد ّ ذلك من أفضل الصدقات إذا احتسبه,ومنها قوله-
[-دينار أنفقته في سبيل الله ,ودينار أنفقته في رقبة(,)1ودينار
تصدقت به على مسكين,ودينار أنفقته على أهلك ,أعظمها أجراً
الذي أنفقته على أهلك][()1أي في عتق إنسان وتخليصه من الرق 0]0
وعلى المرأة في المقابل أن تصبر على الظروف القاسية التي قد
تمر بها أسرتها ,وأن تحسن إدارة المكانات المحدودة التي بين
يديها,حتى يجعل الله بعد عسر يسراً 0
__259
-5منـح الثقة-:
يستحيل قيام حياة اجتماعية من غير قدر ما من الثقة تؤسس عليه
العلقات المختلفة 0ومهما اخترع البشر من نظم وقوانين لتنظيم
علقتهم,فإنه سيظل هناك فراغات عديدة,ل يمكن تسيير الحياة فيها
من غير الثقة 0ويمكن الستغناء عن الثقة إذا تحول الناس إلى آلت
صماء,أو انعدمت العلقات بينهم,وهذا ما ل يكون 0
حين نبني علقات تجارية,أو نقوم بإنجاز أعمال مشتركة في
أجواء,الثقة فيها ضئيلة ,فإننا سننشئ الكثير من النظم والقيود التي
تسيّر العمل,وسوف تركّز المسؤوليات في أيدي أشخاص قليلين جداً
0أضف إلى هذا أن تحسين النتاجية,سيتم من خلل الثواب
والعقاب(الجزرة والعصا)وهذا سيؤدي إلى نتائج وخيمة جداً,حيث تسود
أجواء الرقابة والتجسس و(البوليسية),كما أن الشخاص الذي بيدهم
صنع القرار ,سيجدون أنفسهم عاجزين عن متابعة ما يجري
وتسييره؛مما سيؤدي إلى تعويق العمل ,وخنق روح المبادرة,وتبخر
سن الحساس بالمسؤولية 000والنتيجة النهائية انخفاض في النتاجية,وتأ ّ
خلقي,يصبغ العلقات القائمة 0
هل البديل لهذا أن نمنح الثقة الكاملة لمن تربطنا بهم علقات
اجتماعية أو علقات عمل,ونرتاح من النظم واللوائح والمتابعات؟0
يبدو أن الحل الصحيح ل يكمن هنا ول هناك 0ولعلنا نسلّط بعض الضواء
التي تنير لنا الطريق في هذه المسألة من خلل الرشادات التالية-:
-إن منح الثقة للخرين يحمل مسحة طرفين:المانح والممنوح؛فقد
يكون المانح من الذين ل يرغبون في الوثوق بالخرين ,وقد يكون
مفْرِطا ً في ذلك,فيضع الثقة في غير محلها 0الذين نثق بهم,قد
يستحقون ما نمنحهم إياه من ثقة عن جدارة,وقد يأخذون أكثر من
حقهم,وقد يحرمون مما هم أهل له .وليس لدينا معايير صارمة تمكننا
من القيام بذلك بدقة وموضوعية 0
-إن أي منح للثقة يجب أن يتم في إطار من بعض النظم والترتيبات
المعتدلة ,وإن العتماد على النظم دون ثقة يشكل وضعا ً يسوده الشك
والترقب والتهام ,كما أن العتماد على الثقة دون نظم,يحد من فاعلية
الثقة,ويجعلنا نشعر على نحو متزايد أننا وضعناها في غير محلها 0غن
ن
تركك النقود حول مكتبك,يزيد من إغراء الخرين بالتقاطها,وإ ّ
القادمين إلى بلد سيكونون أقل التزاما ً بالتعليمات إذا علموا أنه ليس
هناك تفتيش على حقائبهم وهكذا 000
-معظم الناس,يعرفون خطورة الفراط في منح الثقة,ويدركون
آثاره,لكن القليل من الناس من يدرك الضرار المترتبة على حجب
الثقة عن الخرين؛ فالوالد الذي يساعد الطفل على إنجاز كل شيء
__260
ن المرء يتعرض بإتقان,أو يحاول أن يحميه من أي خطر()1([)1إ ّ
س
للمخاطر إذا لم يخاطر],ينتقص من قدرة الطفل على إنضاج ح ّ
المسؤولية لديه,ويحد من احتمال أن يصبح جديرا ً بالثقة 0لماذا يكلف
الطفل نفسه مشقة النظر إلى اتجاهي الطريق قبل اجتياز الشارع إذا
كان مستوثقا ً أن شخصا ً ما سيقوم عنه بهذه المهمة؟
الساس الذي نمنح بناء عليه الثقة كثيرا ً ما يكون غامضاً,أو يكون
تصورنا له غير دقيق ,فقد يحكم أحدنا على جدارة صديق بالثقة بناءً
على ابتسامة العريضة,أو طول مدة العلقة 0
خلُقية فيوحين نمنح إنسانا ً قرضا ً حسنا فإننا نعتمد على صفاته ال ُ
المل باسترداد القرض,وكثيرا ً ما نعرض عن التفكير في قدرته
على رد المبلغ الضخم الذي اقترضه,ول سيما إذا كان وقت حلوله
قريباً 0
ن كثيرا ً من العمال القتصادية,أخفق,وانتهى إلى الفلس,مع أن إ ّ
خلُق والمانة,لكن ل يملكون ما القائمين عليه من درجة عالية من ال ُ
يكفي من الكفاءة والحنكة وحسن الدارة لقيادة أعمالهم في
سبيل النجاح 0وهذا يجعلنا نفكر مليا ً في الساس الذي نمنح على
أساسه الثقة للخرين 0
-لعل من السس الجيدة في مسألة منح الثقة,العتماد على تحديد
درجة المخاطر التي أقدم عليها حين أضع ثقتي في فلن من
الناس,وليس على ما يتمتع به من أخلق وسيرة حسنة؛فالذي يريد
أن يودع سرا ً خطيرا ً في حياته لدى شخص,أو الذي يريد أن
يستثمر لديه(تحويشة العمر)عليه أن يفكر مليا ً قبل أن يقدم على
هذه الخطوة في الضرار التي يمكن أن تلحق به نتيجة لذك 0
وحين نفكر في هذا التجاه,فغننا ل نتساءل عن مدى صلحية ذلك
الشخص لتحميل ما نريد تحميله إياه بمقدار ما نتساءل عما إذا كان
القيام بذلك أصل ً صواباً,ما دامت المخاطر التي يمكن أن تقع
بسبب ذلك فادحة 0
نعم قد نضطر في بعض الحيان إلى فعل ذلك,ونختار السيَّئ
لنتخلص من السوأ؛ فلن آوي إلى زورق نجاة مع شخص تحوم
حوله شكوكي,خير لي من أغوص في الماء غريقا ً مع السفينة
حكَم,والموازنة بين مخاطر منح الثقة 0المخاطر المتوقعة إذا ً هي ال َ
,ومخاطر الثقة في أمر ما هي الفيصل في ذلك 0
إن على كل واحد منا أن يؤهل نفسه لن يكون موثوقاً,وأهل ً لتحمل
الثقة والمسؤولية والمانة,كما أن عليه أن يتأمل مليا ً قبل أن يضع
ثقته في زيد وعبيد,وليكن الشعار:
__261
(لكن جديرا ً بالثقة إلى أقصى حد,ولكن ل أمنح ثقتي إل على
أصول واضحة,وضمن حدود معينة)0
__262
ي وعلى أعدائي]فيدمر أحيانا ً بروح انتقامية ثأرية,فيطبق فلسفة [عل ّ
بحمقه نفسه وشكاءه 0
وهناك نمط آخر يفضل دائما ً أن يُستغل,وأن يبقى في المؤخرة,وذلك
ليس عن زهد واحتساب,وإنما عن ضعف وانهزام,وهو بذلك يحكم على
علقاته أن تنتهي إلى الضمور والفلس,كبئر يُنزح منها باستمرار دون
أن تمدها منابعها بما يكفي من الماء 0
إن حجر الزاوية في العلقات المستمرة والمتكافئة والنافعة للجميع هو
[الستقامة] إذ هي التي تساعد المرء على أن يكون محل ثقة
الخرين,وهي عينها التي تساعده على الوفاء بالتزاماته تجاه أخيه,وهي
جدي مع الخرين؛وإذا لم يتوفر هذا عينها التي تفتح له باب التفاعل الم ُ
المبدأ في حياتنا,فستكون كل الوسائل التي نصطنعها في علقاتنا
عبارة عن تقنيات سطحية,وإن الناس سيشعرون في حال فقد
الستقامة أننا نخدعهم,ونحاول ابتزازهم؛وبالتالي فإن علقتنا
معهم,ستنتهي,أو تتقلص 0
الستقامة مفهوم شرعي,وأدبياتها شرعية إنسانية,وهذا هو الذي يمنحها
مرجعية تعبدية؛ حيث تكون كل عوامل العلقات النافعة للجميع من
صدق وإيثار وتحمل للذى,وعفو عن الزلّت وصراحة وتعاون
000أخلقيات يُتقَّرب بها إلى الله-تعالى-ويُرجي ثوابها 0وهذا هو الذي
يمنح توازن هذا النوع من العلقات بُعدا ً جديدا ً ول يخضع للمعادلت
الدنيوية؛وهذا ليس بالمر القليل 0
ل المبادئ التي يجب -النضج والقدرة على الموازنة الدقيقة من أج ّ
توفرها في هذه العلقات,حيث إن المطلوب أن يدرك المرء
خصوصياته وخصوصيات الخرين ,وأن يوازن بين استقامة العلقة
واستمرارها,وبين عطاءاتها على المدى القصير و عطاءاتها على المدى
البعيد 000
وعلى سبيل المثال,فإن المرء مطالَب في علقات كهذه أن يوازن بين
قوة فرديته وحقوق انتمائه وبين الثقة بالنفس واحترام الخرين وبين
النقد والحتفاظ بعلقات طيبة مع الخرين,وبين النصر الخاص والنصر
العام,وبين اللطف والصلبة في الحق .
وهكذا فعلى المرء أن يسير على حبل مشدود,ويستخدم حتى ل يسقط
كل ما لديه من خيال ووعي وإرادة حّرة وحكمة 0
عقلية الوفرة,أو اليمان بوجود الفائض,ومبدأ مهم هو الخر فيما نحن
بصدده .والمسلم يعتقد على نحو عام أن التفكير من خلل أنماط
الشح والكوارث,ليس بالتفكير السديد ,فالخير كثير,والفرص أيضاً
كثيرة,وهناك دائما ً ما يتسع للجميع .وما نشاهده من أزمات
__263
اقتصادية,وعسر,يعود إلى قصور إنساني وسوء توزيع في المقام الول
.
وإلى هذا المعنى يشير قول الله-جل وعل{:-الشيطان يعدكم الفقر
ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضل ً والله واسع
عليم}[البقرة0]268:الناس الذين يعتقدون أنه ليس هناك ما يكفي
الجميع ,يشعرون بالمقت والحسد والغيرة,إذا ما حصل غيرهم على
بعض المتيازات أو الرباح أو الفرص,وكأن ذلك نُزع منهم نزعاً,وكأن
تقدُّم الخرين,ل يتم إل على حسابهم 0وهم في المقابل يبتهجون في
ب ذلك في مصالحهم سرهم إذا عاني غيرهم,أو خسر على أمل أن يص َّ
في نهاية المر!0
المؤمن يعتقد أن ما كان له لن يكون لغيره,وأن ما ليس مقدرا ً له لن
يناله بقوته وبراعته ,ولذا فهو يتوشح دائما ً بالرضا والطمأنينة,ويعتقد أن
نجاح أي مسلم,هو نجاح للمة التي ينتسب إليها,وأنه سيصيبه شيء
من ذلك النجاح على نحو ما 0
إن هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا الصدد؛ولكن سيظل مدار
كثير من النجاح متوقفا ً على ما يمكن أن نملكه من قدرة على التضحية
والبذل وإيثار الجل على العاجل 0
-7إيضـــــــــــاح التوقعــــــات-:
من غير الممكن إخضاع العلقات الجتماعية للتقنين,كما أن من
غير الممكن دائما ً وضع الحدود الفاصلة بين ما ترتبه العلقات
المختلفة من حقوق وواجبات,وبين ما يتطوع به الفرد من باب
الشهامة والنبل؛فطبيعة ألفاظ التحية والمجاملة عند المقابلة,
وطبيعة ما يدور في المجالس من أحاديث توحي بوحدة
الحال,وتساوي المشاعر والمصالح,مما يدفع الناس إلى أن يتوقعوا
من وراء علقات القرابة والجوار والصداقة 00
مله 0أكثر بكثير مما تتح َّ
ونجد هذا أكثر وضوحا ً بين القرباء والجيران حيث العقاب على
ل من تكرارها!0 التقصير,هو سيد الموقف,وهو اللزمة التي ل يم ُّ
ُ
من المهم لستقرار العلقات الطيبة واستمرارها أن يفهم الطرف
الخر ما يمكن له أن يتوقعه,ولو بطريقة غير مباشر-من وراء
علقته بي؛فذاك خير من صدمات شعورية وعاطفية,لها
بداية,وليس لها نهاية 0
بعض الناس يعتقد أن على أصدقائه أن يقرضوه ما يحتاج من
مال؛لكن الصدقاء لهم تجارب مماطلة مريرة معه ومع غيره,وهذا
سيدفعهم إلى الحجام 0وإذ تم القرض ,وطلب المقرض من
__264
أحدهم(وثيقة إثبات)للدين,فإنه يتضايق,ويعد ذلك مما يخدش
الصداقة,مع أن ذلك مطلب شرعي 0
قد تكون أنسب طريقة ليضاح ما لكل طرف أن يتوقعه من
الطرف الخر,هو إيجاد ثقافة اجتماعية ترسم معالم مثل هذا المر
في إطار من ثوابت الشريعة وآدابها,وفي إطار من المفاهيم التي
تشع بعض معاني الستقللية والخصوصية 0
والذين يرتبون العباء الضافية على العلقات الجتماعية,هم أولئك
الذين يطلقون الكلمات المعسولة,ويسرفون في إعطاء
الوعود,على نحو ما يفعل الخاطب مع خطيبته حين يسرد لها عن
مناقبه وبطولته,وحين يصور لها الحياة معه على أنها سمن وعسل
ل وياسمين 000وف ّ
ل بد مع هذا من أن نتعلم المسامحة والتماس العذار,فالصديق
الذي خالف العرف,ولم يصطحب معه هدية في مناسبة زواج أحد
أولك 000قد يكون ناسياً,وقد يكون ل يملك ثمنها,وقد يكون حضر
على عجل,فلم يتمكن من شرائها 000وإذا استمر هذا منه فإن علينا
أن نشطب ذلك نهائيا ً من توقعاتنا منه,ونتعامل معه وفق النمط
الذي يراه هو 0
__265
الفصل الرابع:
__266
مال بد له من مكابدته,وهو الصطدام-على مستويات مختلفة-مع
الخرين 0إن سوء الفهم وعدم تطابق الذوات والمفاهيم
والحتياجات عوامل أساسية في جعل اجتماع الناس مصدرا ً للتوتر
والختلف 0
-4إننا نعيش,ونعمل في عالم موارده المنظورة محدودة,وعقلية
الشح والخوف من المستقبل التي تطبَّع بها أكثر الناس,تزيد المر
سوءاً,ويشعر معظم الناس أنهم ل يحصلون على ما يريدون 0وهذا
في حد ذاته مصدر لنزاعات كثيرة 0
أما السباب الجزئية التي تولّد الصراع والخلف فهي كثيرة
جداً,نذكر أهمها في التي:
ف مديَره يغدق -حين يجد الطفل أباه يحابي أخاه,أو يجد الموظ ُ
المكافآت على من ل يستحقونها في نظره,على حين يُحرم هو
منها,فإن ما سيحدث هو الشعور بالمرارة والظلم والشعور
بالتحامل على الب والمدير,وعلى أولئك الذين نالوا أكثر من
غيرهم 0
-وبعض الناس,يحملون بين جوانبهم روحا ً عدوانية,وكأن الواحد
منهم,يبحث دائما ً عمن يتشاجر معه 0
-قسم غير قليل من الناس,عنده نقص في المرونة الفكرية
والنفسية فالصرار والعناد على مال نهاية سمة جوهرية في تعامله
وعلقاته 0
-حين يعاني شخص من انخفاض معنوياته,أو من شعوره بعدم
جه إليه على أنه سر أي نقد يو َّ المان أو الستقرار في حياته,فإنه يف َّ
هجوم شخصي عليه,مما يسبب له الذى ,ويجعله يتخذ مواقف
حادة,ممن ينصحه أو ينقده 0
-نختلف في وزن المعلومات والشارات التي تصل إلينا من الواقع
المعيش والمحيط الجتماعي,كما نختلف في تحديد صدقها
وتفسيرها طبقا ً لختلف أفكارنا وثقافتنا والزاوية التي ننظر
منها,مما ينعكس على مواقفنا وردود أفعالنا 0
-الختلف في الوسائل والساليب التي علينا أن نعتمدها في إنجاز
أمر,أو تغيير واقع,سبب مهم من أسباب الختلف 0
-التنافس من أجل السيطرة,وتسلّم زمام المور,أدى على مدار
ة ودموية 0 التاريخ إلى أسوأ أنواع الصراع ,وأكثرها وحشي ً
-التوقعات التي لم تتحقق كثيرا ً من البنى والعلقات الجتماعية في
مهب الريح؛
__267
فالرجل الذي يطلّق زوجته,يفعل ذلك لنه لم يجد لما كان يتوقعه
منها 0ومدير المصنع الذي طرد أحد عماله,فعل ذلك,لنه لم يحصل
على ما كان يتوقعه منه 0وهكذا فعناك الكثير الكثير من السباب
التي تُصدّع العلقات,وتُسبَّب الخلف في وجهات النظر
والمواقـــــــف 0
كيف نقلل من الخلفات مع الخرين؟
لبد أن نختلف,ولكننا نستطيع أن نؤطر الخلف,ونجعله موضوعياً
ومنتجا ً ومحدداً ,وذلك من خلل عدد من الجراءات,نذكر منهـا-:
-1على الواحد منا أن يثق في عون الله-تعالى-له وأن يخطط
لستغلل موارده-مهما كانت محدودة-على الوجه الكمل؛فبذلك
يتمكن من أمر مهم في تجنب الصراع,أل وهو التقليل من المال
التي يعقدها على الخرين إلى أدنى حد,حيث يقل عتبه على
الخرين,كما تقل خيبة أمله فيهم 0ويسنأنس لهذا بما ورد في
الصحيح من أن نفرا ً كانوا عند رسول الله فقال(:أل تبايعون
م نبايعك؟قال :تبايعونني على أن تعبدوارسول الله ؟فقالوا ع َل َ
الله,ول تشركوا به شيئا ً والصلوات الخمس,وتطيعوا)وأسر كلمة
خفية(:ول تسألوا الناس شيئاً) .قال راوي الحديث(:فلقد رأيت
بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم,فما يسأل أحدا ً أن يناوله
إياه 0
-2في مقابل هذا,من أجل تقليل الحتكاك بالخرين,فإن على المرء أل
يسرف في إعطاء الوعود للخرين,فيجلعهم يتوقعون منه أشياء,ل
يستطيع هو الوفاء بها .ومن الواضح أن كثيرا ً من الناس يطلقون
الكثير من الوعود عبر إشارات و غمغمات غير واضحة,وكثيرا ً ما يتلقفها
أولئك(الغرقى)والمأزومون الذين يحاولون التعليق بأي شيء,
ملونها أكثر مما تحتمل,ويبدؤون في التوقعات,ثم تكون العاقبة ويح ّ
الخيبة التامة ,ثم الغضب ممن سبَّب لهم ذلك 0
علينا في هذا الصدد أن نحرص على الوضوح التام,وأن نقلل إمكانات
اللبس إلى أقل ما يمكن 0ولنتذكر أن الوعد الذي نقطعه على
أنفسنا,يرتب علينا مسؤولية شرعية ,وأن من علمات المنافق أنه إذا
وعد أخلف 0
-3كثير من الخلفات ينشأ بسبب سوء الفهم,وقدينا ً قالوا[:أساء فهماً
ة]()1([ )1أي ساء فهمه للكلم,فساء جوابه عليه]. فأساء جاب ً
سن مهارات سن مهارات(الستماع) لدينا,كما نح َّ
ولذا فإن علينا أن نح َّ
الحديث؛ حتى ل نسيء فهم الخرين,ول نتسبب في سوء فهمهم لنا 0
__268
-4ل تدع نفسك فريسة للخرين,فيثيروا غضبك متى ما أرادوا,ويدخلونك
بذلك في العديد من الزمات 0وعلينا أن ندرك أن التماسك والسيطرة
على النفعالت من أهم السباب التي تتيح الفرصة للتفاهم وحل
المشكلت عن طريق التداول الهادئ 0ل يعني هذا أن على المرء أل
يغضب أبداً,لكن يعني أل يصبح معروفا ً بسرعة النفعال والتأثر لتفه
السباب 0
-5لنبحث دائما ً عن الحلول بدل أن يكون دأبنا إلقاء اللوم على الخرين
.إن البحث عن حلول,يعني تأجيل الصراع,كما يعني إيجاد نوع من
الضمان لعدم تجدد أسبابه؛ على حين أن لوم الخرين-ول سيما إذا كثر-
يدل على أن هناك أخطاء في العلقات على مستوى المبدأ والنظام 0
-6على الواحد منا أن يخفف من إصدار الوامر والحكام,وأل يعمد إلى
التهديد أو يكثر من النصائح إل في أضيق نطاق,وهذا المسلك يجب أن
يكون عاما ً في المنزل ومع الزملء والمرؤوسين والطلب ...فما ذكرنا
يثير دائما ً توترات ,ويفتح البواب للحزازات 0
-7لنحاول أن نقضي بعض الوقت في محاولة فهم السباب الكامنة وراء
سلوك الناس وتصرفاتهم؛إذ إن نوع السلوك قد ل يمكن فهمه
وتفسيره من غير معرفة الدوافع العميقة التي دفعت إليه 0معرفة
الدوافع قد تمكننا من معرفة المحاور التي تتمحور حولها أنشطة
الشخاص الذين نتعامل معهم,وإذا ما استطعنا وضع اليد عليها,نكون قد
امسكنا بالمفتاح الذي سنستخدمه في فتح مغاليق الكثير من
تصرفاتهم الغامضة والمتناقضة 0
إدارة الخـــــــــلفات وحلهـا-:
ليست هناك مشكلة ليس لها حلول,فقد رتَّب الباري-جل وعل-هذا
الكون على أساس احتفاظ أنظمته بنهايات مفتوحة؛حتى إن البدن
حين يسوء حالته إلى الحد الذي ل تتحمله الروح,فإنه يعطيها
المسوّغ كي تتخلص منه 0هناك دائما ً حلول,لكن حين تكون
المعطيات سيئة,فإن علينا أل نتوقع حلول ً جيدة 0والمهم أن نكتسب
الخبرة التي تساعدنا على الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة .
وحين ل نجد حل ً فوريا ً لعتبارات موضوعية,فإن علينا أن ندير تلك
المشكلة ,حتى نعثر على الحل الملئم 0وإليك بعض النقاط التي
تساعد على ذلك 0
-1ما يثيره الخلف بين الناس-في أكثر المر-ليس الحق الصريح أو
الباطل المحض,وإنما الباطل الملتبس بالحق,والحق المختلط
بالباطل,ولذا فإننا إذا تعاملنا مع خلفتنا بعقلية(إما هذا وإما
ذاك)فالغالب أننا لن نصل على حلول جيدة 0
__269
لكن حين نعتقد أن ما بيديه كل فريق من حجج يناصر بها موقفه,ل
يعدو أن يكون رؤى واجتهادات ظنية,قابلة للكثير من النقاش
والتفسير المغاير-فإننا نكون مستعدين آنذاك للبحث عن الطريق
الثالث الذي نسير فيه معا ً نحو التفاق والئتلف 0
-2عند مناقشة أي خلف فإن البداية قد تكون بتحديد نقاط الخلف
التي أدت إلى حدوث سوء الفهم بين المتخاصمين 0وإنما نقول هذا
ن كثيرا ً من النزاعات التي تثور بين الهل لن التجربة علمتنا أ ّ
والصدقاء والزملء كثيرا ً ما تكون عبارة عن تحسسات نفسية ل
ترتكز على معطيات فكرية نحددة 0
-3سيكون من المصلحة تهيئة الجو النفسي لحل الخلف 0وذلك من
خلل التقليل من شأن الخلف مهما كان ذلك ممكناً 0وهذا المر
يجب أن ينظر إليه على أنه خطوة مبدئية,هدفها إيجاد بعض
المشاعر اليجابية وليس شيئا ً آخر 0
-4لنحاول طرح العديد من السئلة التوضيحية البعيدة عن روح
المواجهة .وعلينا الستماع لجاباتها 0وإذا اقتضى المر توجيه
المزيد من السئلة حول تلك الجابة ,فعلينا أن نفعل ذلك 0وعلينا أل
جه المزيد من نتّهم الطرف الخر بأنه ل يجيب على السئلة,بل نو ّ
السئلة حتى تتضح الصورة 0
-5على الواحد منا أن يحافظ على هدوئه,ويعطي الوقت الكافي
لخصمه لسرد ما لديه ,والتنفيس عما يجده من كرب وضيق في
نفسه 0
-6علينا أن نتجنب أثناء مناقشة المشكلة الحديث عن الدوافع
والمشاعر,لنه من السهل إنكارها,كما أن علينا أن نتجنب الحديث
عن المسائل الشخصية ,لنها تسبب أذى بالغا ً لمن نختلف
معه,وتزيد في الخلف بدل أن تساعد على حلّه 0
ل أن نتجاوز الماضي إلى -7من المستحسن أثناء البحث عن ح ًّ
الحاضر؛فبدل أن تقول لخصمك:لم أثق بك في يوم من اليام,أو
تذكره بأخطائه السابقة ,اعمد إلى القول :كلمك هذا يجعلني أشك
فيك,أو يضعف ثقتي بك 0وقد يكون من الفضل أن نبحث عوضاً
عن أسباب حدوث خطأ من الخطاء في كيفية إيجاد الحتياطات
لعدم تكرره في المستقبل 0
-8لبد لحدنا أن يعترف بدوره في المشكلة,واو كان صغيراً؛لن هذا
سوف يدفع الطرف الخر إلى سلوك المسلك نفسه 0وحين تحدث
__270
اعترافات متبادلة بالخطأ وقبول اللوم,فإن المأمول أن ينتهي
الخلف من فوره .
-9حاول أن تلفت نظر الخصم إلى هدف سام مشترك,أنتما
مطالبان ببلوغه,مما يفرض تجاوز الخلفات الصغيرة,والنطلق إلى
النخراط في أعمال أكبر وأهم .
ل مناسب,فإن من الممكن -10إذا لم يمكن الوصول إلى ح ًّ
الستنجاد بالوقت,وتأخير المواجهة لعل الزمن يكون جزءا ً من
الحل 0ولكن علينا أن ننتبه إلى أن التأجيل المتكرر قد يؤدي إلى
تأزيم المشكلة,ولذا فتأجيل البحث ليس لطمس المشكلة,وإنما
للستفادة من فرصة جديدة لحلها 0
__271
أحمد الله-تعالى-الذي سهَّل إنجاز هذا الكتاب على النحو الماثل
ن أصل بين يدي القارئ الكريم,وكنت قد نوَّهت في المقدمة إلى أ َّ
هذا الكتاب كان موزعا ً على خمس رسائل,ثم وجدنا من المناسب
ل0وعند مراجعتي سفر واحد للسبب الذي ذكرته قب ُ جعلها في ِ
للتجربة الخيرة للطباعة وقفت على وجود تكرار في بعض الفكار
أو الستشهادات أو العناوين؛لكن ذلك قليل ومحدود 0
ولم أشأ أن أحذف ذلك المكرر-والذي حدث بسبب تأليف تلك
الرسائل في أوقات مختلفة -حتى ل يختلف تسلسل الفكار,وأيضاً
فإن بعض القراء قد يجد فيه ما يذكَّر بشيءٍ مَّر به,أو يساعد على
الربط بين موضوعات مختلفة 0
إن الموضوعات التي تناولتها في هذا الكتاب متباينة,لمن يجمع بينها
جمعيا ً أمران:
ة تساعد على أن يكون القارئ معاصر لحداث الول:أنها مجتمع ً
زمانه,وكفئا ً في التعامل معــــــها 0
الثاني:أنها جميعا ً تتجه نحو تفعيل المكانات الشخصية للمسلم
المعاصر,وبيان الطرق التي تساعده على استثمار أفضل ما لديه
من طاقات 0
ولذا رأيت جعل هذا الكتاب ضمن سلسلة(الرحلة إلى الذات)والتي
صدر منها جزءان من قبل 0
وأسأل الله التوفيق لصالح العمال 0
وآخر دعوانا أن الحمـد لله رب العـالمـين 0
__272
.5أثر تطبيق النظام القتصادي السلمي في المجتمع-مجموعة بحوث
قدمت إلى مؤتمر الفقه السلمي الول في الرياض-نشر جامعة المام
محمد بن سعود السلمية بالرياض 0
.6الخلق النظرية,تأليف د 0عبد الرحمن بدوي 0الكويت-وكالة المطبوعات,
ط ,2عام 19760
.7إدارة الوليات,تأليف ستيفن كوفي وزميليه,ترجمة السيد المتولي حسن
0
.8إدارة العقل,تأليف د 0جيلن بتلر,و د 0توني هوب,ترجمة مكتبة جرير-
السعودية ,مكتبة جرير,ط 0أولى,عام 1998م 0
.9السلم كبديل,تأليف د 0مراد هوفمان,نشر النور الكويتية ومؤسسة
بافاريا ,عام .1993
.10إشكالية التحيز,تحرير د 0عبدالوهاب المسيري 0نشر المعهد العالمي
للفكر السلمي,ط ,1عام 1415هـ 0
.11إعادة إنتاج الهوية,تأليف أحمد حيدر 0دمشق-دار الحصاد ,ط ,1عام .1997
.12اغتيال العقل,تأليف د 0برهان غليون 0بيروت-دار التنوير,ط ,2عام .1987
.13النسان والتفكير اليجابي,تأليف د 0عيسى المل,ط.عام 1414هـ 0
.14إنسانية النسان,تأليف(رينيه دوبو),ترجمة د 0نبيل الطويل-بيروت-
مؤسسة الرسالة,ط ,2علم 1404هـ 0
.15بناء حضارة جديدة,تأليف ألفن توفلر,ترجمة سعد زهران,القاهرة,مركز
المحروسة للبحوث والنشر,ط.أولى,عام 1996هأ 0
.16بنية الثورات العلمية,تأليف توماس كون,ترجمة د 0شوقي جلل,الكويت-
سلسلة عالم المعرفة,عام 1413هـ 0
.17تحسين التفكير بطريقة القبعات الست,تأليف إدوارد دوبونو,ترجمة د
0عبد الطيف الخياط,مكة المكرمة,المكتبة المكية,ط.أولى,عام 1414هـ 0
.18تطوير القوى الذاتية في عالم العمال,إعداد سمير بعلبكي,لبنان-دار
الصدقاء ,ط.أولى,عام 1418هـ 0
.19التنمية الثقافية,تأليف لفيف من خبراء اليونسكو,ترجمة سليم مكسور
0بيروت -المؤسسة العربية للدراسات والنشر,ط ,1عام .1983
.20جريدة الرياض,العدد 10930الصادر في 3صفر ,1419العدد 10951الصادر
في 24صفر 1419هـ-مقالن للدكتور عبد السلم المسري 0
.21حاجات النسان الساسية في الوطن العربي,بقلم مجموعة من
الخبراء,ترجمة د 0عبد السلم رضوان,الكويت-سلسلة عالم
المعرفة,العدد ,150عام 1410هـ 0
.22الخطوات الذكية,تأليف سام ديب وليل سوسمان,نقله إلى العربية
سامي سلمان ,الرياض-مؤسسة المؤتمن,عام 1418هـ 0
.23دليل التدريب القيادي,تأليف د 0هشام الطالب,نشر المعهد العالمي
للفكر السلمي,عام 1414هـ 0
__273
.24سيكلوجية السعادة,تأليف مايكل أرجابل,ترجمة فيصل
يونس,الكويت,سلسلة عالم المعرفة,العدد ,175عام 1414هـ 0
.25الصحة النفسية والعلج النفسي,تأليف د 0حامد زهران,القاهرة,عالم
الكتب ,ط 0ثانية ,عام 1982م 0
.26طريق الشخصية الجذابة,تأليف جيمس بندر,تعريب عبد المنعم
الزيادي,القاهرة ,مكتبة الخانجي عام 1981م 0
.27الطريق إلى مكة,تأليف توم رودل,تلخيص الشركة العربية للعلم
العلمي,القاهرة ,عام 1997م 0
.28العادات السبع للقادة الداريين,تأليف ستيفن كوفي,ترجمة هشام
عبدالله 0بيروت –المؤسسة العربية للدراسات والنشر,ط ,1عام .1995
.29العبادة في السلم,تأليف د 0يوسف القرضاوي,بيروت-مؤسسة
الرسالة,ط 0رابعة ,عام 1975م 0
.30العقل واستخدام طاقته القصوى,تأليف توني بوزان,ترجمة إلهام
الخوري,دمشق ,دار الحصاد,ط ,1عام .1996
.31العلم واليمان في الغرب الحديث,تأليف د 0هاشم صالح 0الرياض-
سلسلة كتاب جريدة الرياض,ط ,1عام .1998
.32عودة الوفاق بين النسان والطبيعة,تأليف جان ماري بيلت,ترجمة السيد
محمد عثمان 0الكويت-سلسلة عالم المعرفةعام 1415هـ 0
.33فتح الباري لبن حجر العسقلني 0القاهرة-المطبعة السلفية 0
.34فصول في التفكير الموضوعي,تأليف د 0عبد الكريم بكار,دمشق,دار
القلم,ط 0ثانية,عام 1419هـ
.35فقر الشعوب بين القتصاد الوضعي,والقتصاد السلمي,تأليف د 0حمدي
عبدالعظيم,ط 0أولى,عام 1415هـ 0
.36فن الدراسة واليصال,إعداد د 0مل حويش,إسبانيا,مطابع ديداكو,ط
0ثانية,عام 1418هـ 0
.37كيف تصبح غنيا ً وسعيداً,تأليف مصطفى البطحيش,ط 0أولى,عام 1413هـ
0
.38كيف تكون عمليا ً أكثر,إعداد وترجمة سامي سلمان,الرياض-مؤسسة
المؤتمن ,ط 0رابعة,عام 1418هـ 0
.39الماهية والعلقة,تأليف د 0علي حرب 0الدار البيضاء-المركز الثقافي
العربي ,ط ,1عام .1998
.40مدخل إلى التنمية المتكاملة,تأليف د 0عبدالكريم بكار 0الرياض-دار
المسلم ,ط ,1عام 1418هـ 0
.41مقدمة في علم الستغراب,تأليف د 0حسن حنفي 0القاهرة-الدار الفنية,
عام 1411هـ 0
.42مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي,تأليف د 0عبد الكريم بكار 0الرياض-دار
المسلم ,ط ,1عام 1417هـ 0
__274
.43المهذب من إحياء علوم الدين,إعداد صالح الشامي,دمشق,دار القلم,ط
0أولى ,عام 1413هـ 0
.44نحو التآلف والتفاق,تأليف روجر فيشر وسكوت براون,ترجمة د 0محمد
محمود رضوان,القاهرة,الدار الدولية للنشر,ط 0ثانية,عام 1995م 0
.45نصر بل حرب,تأليف ريتشارد نيكسون,إعداد محمد عبد الحليم أبو غزالة
0القاهرة –مركز الهرام للترجمة,ط ,1عام 1409هـ 0
.46نهاية التاريخ وخاتم البشر,تأليف فرانسيس فوكوياما,ترجمة حسين
أحمد أمين 0القاهرة-مركز الهرام للترجمة,ط ,1عام 1413هـ 0
.47الوقاية خير من العلج,تأليف د 0عبد الرزاق الكيلني,دمشق-دار
القلم,ط 0أولى,عام 1416هـ 0
__275
الباب الول.
الفكرة أو المقولة:
-إن أي فكر أو نظام يحظى بدعاية مناسبة,ويتمكن من الوصول إلى
الخرين –سيحظى بأنصار ومؤيدين ...
-إن وعي المم بما لديها يظل غير مكتمل ما لم يتوفر لها كيانات مناوئة
تقارن نفسها بها ..
-إن تأزم الفكر كثيرا ً ما ينشأ عن تدهور الواقع المعيش وعجزه عن حفزه
له ...
-الغرب غرب,والشرق شرق,ول يمكن لهما أن يصبحا شيئا ً واحداً,ولكن
بإمكان كل منهما أن يستفيد من خبرات الخر ...
-إن إغراض البشرية عن هدي النبياء-عليهم الصلة والسلم-قد جعل
التقدم العلمي يقترن بالمزيد من انتشار الفاحشة والنحلل الجتماعي ...
-إن الحداثة تتعرض في الغرب للمراجعة من لدن مفكرين كبار بغية إعادة
التوازن إليها ..
سر الشياء,لكنه ل يستطيع أن يقول:لماذا وجدت -العلم يستطيع أن يف َّ
الشياء,أو ما هي الغاية من الوجود ...
-يصح القول:إن معظم الخطط التنموية في العالم السلمي ل تعكس أي
اهتمام بالمسائل الروحية والخلقية! ...
شة ومعلقة في َ -إن فقد مصادر الخلق لمطلقيته و تعاليه,يجعلها تبدو ه ّ
الفراغ ,ومفتقرة إلى المعيار الموضوعي ...
َ
-إن الدبيات الجتماعية السلمية تعل ّمنا أنه ل يمكن الحصول على تقدم
فردي حقيقي في وسط منهار ...
سخ في الوعي الوروبي الحديث أن النسان حصاد ما يعرفه -مما تر َّ
ويتقنه ويملكه 0
وهذا هو السر \في اندفاع الغرب في طريق الكتشاف والتصنيع إلى أبعد
حد مكن ..
-انطلقا ً من الرؤية الغربية في تأليه(التقدم)تم إهمال كل الثمان
الجتماعية والبيئية
التي تدفعها البشرية من أجل الحصول عليه ...
-إن تحررنا من الخضوع للمقولت الشائعة عن التحضر والرقي
والتقدم,سيكون أول خطوة على طريق التصحيح والبناء,وهذا ما علينا أن
نفعله ...
-ل يمكن ضبط الحاضر والستفادة منه على نحو جيد إل من خلل الضغط
عليه بآمال مستقبلية ...
__276
-من أهم سمات(المفكر)فهم طبائع الشياء وجوهر العلقات التي تربط
بينها,
والمؤثرات التي تتبادلها,مما يمكنه من تقديم رؤى كلية ...
-جوهر التطور الجيد ل يقوم على التخلي عن الثابت,وإنما على توفير
العلقة الحية والخصبة التي تربط بينه وبين المتغير ...
م القرن العشرين قرن التقدم وغزو الفضاء,ينفجر العنف في كل -في خض َّ
مكان نتيجة انتشار النموذج الفكري الغربي الذي يمجد القوة وأسبابها ...
-كل شيء اليوم بقانون:القتل والسلب والدعارة 000لكن دون أي قاعدة
أخلقية ...
-تعقد الحياة الحاضر جعلت خبرات كثير من الناس-في كثير من الحيان-
غير كافية لدراك طبيعة التحديات,وإدراك ما تستحقه من استجابات ....
-يرى كثير من المفكرين أن ما كان يراه الناس من محاسن للنقياد
العمى ما هو سوى محاسن زائفة,وان من حسن حظ رب السرة أن يجد
في أسرته من يقول له(ل) ..
-إن جوهر الضرورات والقيود والتحديات,ل يقوم في طبائع الشياء بمقدار
ما يقوم في نوعية علقتنا بها 0والواجب أن نفقه تلك العلقة كي تكون
استجاباتنا للتحديات مكافئة وراشدة ....
-نظام التجارة نظام غلّب بطبعه 0وتشهد خبرات عدة بأنه قادر على
تطوير معظم جوانب الحياة ....
-عصرنا هذا عصر الرتحال والسفر والصفقات,وصار كثير من الناس
يتخفف من كل ما يقيد حركته 0وفي الغرب هناك تحرر من الحياة السرية
بسبب القيود التي تضعها على الحركة ....
-تعود إلى كل فرد في النهاية مسؤولية القرار بالعمل على أن يتقدم
البداع على السلبية ,والدائم على الزائل,واللمسة النسانية على اقتناء
الشياء ....
-نتيجة للفلس الروحي صار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة
الكبر,وصار التقدم القتصادي كبير أصنام العصر ...
-ليس ثمة أي مسوَّغ مقبول لنجراف المسلم في التسابق على إرواء
حاجات الجسد ,ما دام يعتقد أن الخرة هي دار العيش الحقيقي ....
الباب الثانـــــــــــي:
الفكرة أو المقولة-:
-إن السعادة تنبع من الداخل,أما الشعور بالرضا فإنه ينبع من خلل
المقارنة مع الخرين ...
-المسافات التي تفصل بين المسلمين في البلد الواحد تتباعد حيث يتم
تبخير(الطبقة الوسطى)لصالح قلة من أصحاب الثروات وكثرة من
المعدَمين ....
__277
-صار النسان يشعر أنه أسير لشياء كثيرة,وصار من الواجب عليه أن
يبذل جهدا ً إضافيا ً من أجل تصليب إرادته ....
سم العالم إلى قسمين متمايزين:قسم ينظم شعراؤه -التغيير السريع ق َّ
الشعار التي تتغنى بالمجاد الوطنية,وقسم يتغنى مثقفوه بالسياحة في
عالم بل حدود ...
-لدى كثير من الشعوب النامية شعور بالعدمية والعبث بسبب فقد العدالة
وغياب القانون في ضبط الحياة العامة ....
-حين يبلغ اليأس من صلح الحوال مداه,فإن المحرومين والمقهورين ل
يبحثون عما يعيد لهم حقوقهم,وإنما يندفعون إلى السلوب الذي يمكنهم
من الحصول على قسم من (الكعكة) المنهوبة ....
-حين يكون المرء شريفا ً في مجتمع تسوده السرقة فإن شرفه يصبح
عقوبة له؛وقليل أولئك الذي يتحملون تلك العقوبة إلى ما ل نهاية ....
-مشكلة الوعي في هذه اليام أن الواقع يتغير على نحو أعقد وأسرع من
قدرته على استيعابه ...
-معظم الناس في الرض يعيشون خارج عصرهم,ول سيما الشعوب التي
تستهلك منتجات العصر دون المشاركة في إنتاجها ....
-بعض الذين يعيشون خارج العصر مكبَّلون بأوهام (المثالية)فهم يظنون أن
مثُل ....
ما يجري في الواقع قريب مما هو مستقر في الذهن من قيم و ُ
-هناك من يتوهم أنه ليس في المكان أبدع مما كان,وكلما فكر في عمل
خيَّل إليه أن الساحة مزدحمة,فالفرص دائما ً لغيره,وله التحسر على ما ُ
فات!0000000000000
-إن الذي الذي يتمسك بمبدئه قد يفوته بعض الربح في بعض
الحيان,لكنه يربح ذاته وآخرته في كل حين 00000000000000000
-إن المؤسسات الناجحة في زماننا تتسم بأنها تملك نظما ً قابلة للمراجعة
والتجديد والتعديل على حين يفلح الذين يعيشون خارج عصرهم في نقد
غيرهم 00000000
-إن تحقيق المصلحة على حساب المبدأ يعد انتصارا ً لشهوة أو غرض آني
000000000
-يحتاج المسلم في أجل الحتفاظ بحريته وحيويته إلى أن يحمل بين
جوانحه روح الثورة,والتأبي على القولبة 000000000
-ل شيء يحول دون التفوق المستمر كالنرجسية والعجاب بالنفس ونزع
إنجازاتنا من طبيعتها الزمنية لنجعلها شيئا ً نهائياً 000000000000000
-حين يتجاوز المرء في عمله حدود الواجب فإنه يشعر بالناقة والرفاهية
الروحية ....
-إن المتداد يقتل التجاه,وقد تطاول المد على كثير من الناس حتى نسوا
هدف وجودهم,أو عاملوه معاملة الناسي أو المهمل ....
__278
-كل هدف صغير هو وسيلة لهدف أكبر منه,وكل هدف كبير هو غاية لهدف
أصغر منه ...
-الواجب أن نتكيف مع الظروف الصعبة-في حدود معينة-وعوضا ً عن أت
نتخلى عن أهدافنا نجدد عزيمتنا 00000000000000
-السلوك المنطقي سلوك قائم على إدراك عميق للمكانات الشخصية
والظروف المحيطة وفهم جيد بطبائع الشياء ومنطق تطورها
00000000000000
َ
-الخطوة الولى في طريق النجاح هي الهم,ثم يشك ّل التدرج التراكمي
في تحقيق النجاح نوعا ً من الدعم للبواعث 0000000000
-إن الناجحين في الحياة,ل يشكلون أكثر من()%5من الناس وأكثر الباقي
من العاديين والمخفقين ....
-إن الرتابة نوع من العدم,وإن الستسلم للخطاء نوع من الخروج من
المحيط الحي إلى محيط الجماد 000000000000000000
-ل بد لنا من أن يفيد(تقييم)أنفسنا من جديد حتى ل نقع أسرى للمفاهيم
المغلوطة والمشوَّهة التي كوّناها عن أنفسنا 00000000000
-هذه الدنيا دار ابتلء وتنغيص,وكل جهودنا لتحسينها ستظل ناقصة؛إذ من
غير الممكن أن نصل إلى حلول كاملة في وسط غير كامل
00000000000000
-ليس هناك ناجحون في هذه الحياة على نحو ظاهر ل يهتمون بأوقاتهم
00000000
-الحساس بالمسافات الزمانية والمكانية منتَج حضاري
0000000000000000
-الوقت ل يدار,وعندما نديره فإنما ندير طاقاتنا وأواوياتنا
000000000000000000
-العمل الشاق يؤدي إلى التعب 0والعمل الذكي يؤدي إلى مزيد النتاجية
0000000
-الرتابة مكروهة لنها تقتل روح تفتح الروح والعقل,ومع هذا فيمكن
استخدام شيء منها استخداما ً نافعاً
00000000000000000000000000000000
-الوقت سيضيع من غير تخطيط واضح,وسوف يجد المرء نفسه منجذباً
إلى عمل الشياء السهلة 000000000000
-إن من غير الممكن أن نوجد أمة أقوى من مجموع أفرادها؛فالمجتمع
القوى مكوَّن أصل ً من أفراد أكثرهم أقوياء 0والمجتمع الضعيف مكوَّن أصلً
من أفراد أكثرهم ضعفاء ...
-اعمل ما هو ممكن الن,ول تنتظر تحسن الظروف؛فمباشر الممكن
نفسها توسع دائرة العمل,وتخفف من مشكلته 000000000000000000000
__279
-إن من شروط رفع كفاءة الداة أن نتعلم كيف نؤجل رغباتنا,ونصلّب
إرادتنا نحو القواطع والصوارف الكثيرة 000000000000000000000000
-في العالم النامي الكثير من الجهد مع قليل من المهارة,وقليل من
الوسائل الجيدة 0والنتيجة:إنتاجية متواضعة 000000000000000000000
-مع أننا ل ندعي العصمة,ول تدعي لنا,إل أن أكثرنا يحاول أن يظهر دائماً
بمظهر المعصوم ...
-العتراف بالمشكلة على ما هو دون محاولة طمسها أو تشويهها هو
الخطوة الولى على طريق العلج 0000000000000
-تشخيص المشكلت ونحن في حالة خوف أو قلق يجعلنا نراها أكبر من
حقيقتها .....
-من الخطاء الشائعة لدى الشعوب والفراد استسهال الحلول التي يتعلق
جزء منها بالخرين ....
-لنجعل من المشكلت والزمات نقاط انطلق جديد,ولنكشف من خللها
قدراتنا الكامنة .....
-من خلل النشطة المؤطرة في سياق خطة وأهداف واضحة يمكن-
فحسب-النتقال مما نحن فيه إلى ما هو مرجوّ ومأمول 000000
-ينبغي أن نحتفظ بقدر من الحماسة والتعاطف مع برامجنا,لكن ذلك يكون
وقت التنفيذ ل وقت التخطيط .....
-النجاح في تنفيذ ما هو أولى فعل ً يحتاج أن نفرق بين الشياء المهمة
والشياء المل ًّ
حة
-السباقون ل يقعون أسرى لمعايير محيطهم الجتماعي,ول يتخذون من
تقصير المجتمع ذريعة للتقصير؛لنهم يعتقدون أن المسؤولية أمام الله-
تعالى-فردية 00000000
-المتقاعسون يحملون مشاعر طفولية,تترجم دائما ً إلى العتماد على
الخرين 000000
-إن التوازن الجيد في زمان الشح والندرة-يحتاج إلى أن نمتلك حاسة
جديدة,
تمكننا من الموازنة بين ما نكسب وما نخسر 00000000000000
-بين السرعة والدقة علقة جدلية:فكلما كنت سريعا ً وجب عليك أن تكون
دقيقا ً أكثر .وكلما كنت دقيقا ً أمكنك أن تكون أكثر سرعة
-إذا شرحت فكرتك عشرين مرة,وفهمها الناس عنك تماما ً كما تريد ,فأنت
محظوظ وبارع ....
-أضحت(اللغة)ناقل ً أشد قصوراً؛لنها ل تنمو على نحو مكافئ لما تعبر عنه
....
-الناس ذوو مطالب متناقضة,فهم يريدون الحصول على كل شيء دون أن
يدفعوا أي شيء ..
__280
الباب الثالث-:
الفكرة أو المقولة-:
-إن أمداء النمو أمام التقدم الروحي والعقلي ما زالت فسيحة؛لن ما تم
منها ما زال محددا ً ....
-تدل البحوث المتنوعة أن العقل البشري عملق نائم,وأن ما تم استخدامه
من إمكاناته ل يزيد على .... %1
-القرآن الكريم يركز على المضمون الفكري المكتسب باعتباره شيئا ً قابلً
للنمو
والتعديل ....
-العقلنية,ل تستحوذ على الحياد والطلق,فهي نسبية لن الثقافة التي
تسهم في تكوينها متباينة بين الفراد والمم ....
-إن بنُانا الفكرية,هي باعتبار ما انعكاس لما يجد ّ من نظريات وآراء مبثوثة
في مجالت الحياة المختلفة 0000000000000000000
-نحن بحاجة إلى أن نمتلك أعلى درجات اليقظة والحذر حتى نصون
عقولنا من البرمجات الثقافية والبيئية الزائفة 0000000000000000000
-التجديد شاق على النفس؛لنه يطلب التخلّي عن بعض المألوفات,كما
يتطلب ضبطا ً أكثر للنفس,واللتزام بتكاليف جديدة
000000000000000000000
-مفتاح معايشة التغيير المستمر,هو أن يكون بداخلنا(جوهر)يستعصي على
التغيير ....
-حتى تتخلق الشياء في الواقع,فينبغي أن تتخلق في الذهن أول ً وتستقر
في(اللشعور) ..
-عندما تنشأ مصاعب وأزمات جديدة,فإنها تتيح لنا المزيد من الفرص
والختيارات ....
-من غير الممكن عزل الفكار عن المشاعر,فبينها تأثر وتأثير وتكامل
مستمر 00000000
-خير طريق للخلص من ضغوط الفكار السيئة,هو أن نتبع طريقة(إغلق
الملفات)بعد أن نكون قد استخلصنا من مشكلت الماضي العبر والدروس
المتاحة 000000000000
-ما من فكرة تدخل مضمار التطبيق,تستطيع أن تحافظ على ما كانت
ل من تحديد وتماسك .... عليه قب ُ
-العمال العقلية المطردة,ل تؤدي بالضرورة إلى تقدم عقلني مطرد؛
فالنكوص
والتراجع أمر مألوف في هذا الميدان 00000000000000000000000000000
-ليس المطلوب أن تصبح المحاكمة العقلية لدينا كاملة,وإنما المطلوب
الستمرار في فضح الممارسات الفكرية الخاطئة 00000000000000000
__281
-ليس من المستغرب أن يعثر المرء على فكرة عظيمة في سيل من اللغو
0000000000
-نحن ل نفهم إل ما نعرف؛فإذا فهمنا كل ما نسمع,فهذا دليل على أن
فائدتنا منه محدودة ....
-علينا أن نتذكر دائما ً أن كثيرا ً مما نسمعه,ل يعدو أن يكون رأيا ً من الراء
00000000
-لو غُذَّيَ الدماغ بعشرة أخبار كل ثانية طيلة حياته,فإنه لن يمتلئ كلياً
0000000000
-إن الدماغ الخالي من المعلومات,يطرح طروحا ً شكلية,ويكون الخيال
لديه محدودا ً ..
-من أمارات(المرونة الذهنية)القدرة على تعرية اللفاظ مما تعلق بها من
شوائب الستعمال ,والتأبي على القولبة والنماذج الجاهزة ....
-حين نتعامل مع أشياء ذات أوساط متدرجة,فإن وضع الموسى على
المفصل يصبح أمرا ً تقديريا ً اجتهاديا ً ....
-المهم دائما ً أل ننساق خلف التشابه الظاهري الجزئي وننسى الفوارق
العظيمة بين المتشابهات 00000000000000000000
-مهمة الفلسفة,ل تتجسد في مدنا بالمعلومات,وإنما في زيادة شفافيتنا
نحو الشياء الغامضة 000000000000000000
-إن المجتمع ل يمكن أن يكون في النهاية أقوى من مجموع أفراده ....
-عكس ما يظن الناس فإن إتاحة فرصة للنقد,ل تزيد فيه,وإنما تخفف من
حدته ....
-ربما يكون النقد في أحسن أحواله,حين يدخل في علقة جدلية مع
العمال البنائية..
-ل بد من القول:إن الخط الفاصل بين الندفاع الحمق وبين التفكير
اليجابي هو خط ضيق جدا ً ....
-إن التفكير الجيد,يحتاج إلى رعاية ومتابعة مستمرة؛حتى ل يخرج عن
مساره 00000
-معظم الناس يشعرون بالرضا عن حالتهم الفكرية؛وهذا طبيعي؛لن الفكر
الذي يقوَّم غيره على نحو خاطئ,يفعل ذلك مع نفسه
000000000000000000000
-إن كثيرا ً من التعثر في حركتنا النهضوية,يعود إلى أننا لم نستطع اختراق
الكثير من طرقنا وعاداتنا الفكرية,التي ورثناها عن عهود النحطاط
000000000000000000
-النمو جزء من طبيعة المشكلت؛ولذا فإن المستوى الفكري الذي يسود
ف لمعالجة تلك المشكلة عند ولدة مشكلةٍ ما يصبح بعد مدة غير كا ٍ
0000000000000000
__282
-إنسان القرن الحادي والعشرين مع أنه يتحدث باستفاضة عن العَوْلَمة
والقرية الكونية إل أن لديه انجذابا ً هائل ً نحو القليمية والعنصرية والطائفية!
00000000000000
-إن الضلل الذي ينشأ من وراء التفسيرات الخاطئة أعظم من الضلل
الذي ينشأ من الكذب الصراح 000000000000000000000000000000
ل ما,فإنه يكوَّن لنفسه(هالة)تدفع الخرين إلى -حين يتفوَّق إنسان في مجا ٍ
الثقة فيه في أمور خارجة عن اختصاصه وخبراته
00000000000000000000000
-كما أنه من السهل على المرء أن يتاجر بعملة زائفة,فمن السهل أيضا ً أن
يتاجر بعض الناس ببعض الحقائق العلمية 0000000000000000
-إدراكنا للشياء يتم عبر وسيط ثقافي ونفسي وفكري؛مما يجعله نسبياً
ومسربل ً
بالخصوصية ....
ملهن قدرة النسان على الخروج عن الخطوط الغريزية لديه,يح ّ -إ ّ
مسؤولية اختياراته ويوجب عليه تدعيم جهازه الداخلي
000000000000000000
-التحديات التي تواجه المم-كالتحديات التي تواجه الفراد-هي دائما ً داخلية
..
ن كل الحلول في الرؤية السلمية,هي حلول تتم في الداخل أولً,ثم يتم -إ ّ
النطلق نحو خارج 0000000000000000000000000000000000
-كان التركيز في الماضي على تزكية النفس عن طريق قمعها وضبطها
أكثر من التركيز على الثقة والعتداد بها؛وكان لذلك بعض النتائج السلبية
000000000000000
-إن الشرك الكبر والصغر,وما يتولد عنهما من رغبات ومقتضيات,تشكل
البداية لسلسة من العلل النفسية والسلوكية 000000000000000000
-حين يصبح(اليمان)عبارة عن قناعة عقلية,ويكف عن توجيه السلوك,فإن
حزمة من المراض النفسية تجتاح كيان المسلم,وتعكر صفو حياته
0000000000000000000
-من الملحظ أن الذين يحسنون التفريق بين المراض النفسية,وبين
المطالب العادلة للنفس والجسد قليلون 00000000000000000000000
َ
-لن يستطع أحد أن يزعم أنه تخل ّص من أمراضه النفسية,وصار من حقه
الخلد إلى الراحة؛فل راحة المؤمن إل بلقاء ربه 000000000000000000000
َ -القلق من َّ
شط قوي للخيال إذا ما وُظ ّف في العثور على بعض الحلول,أو
ارتياد بعض الفاق الجديدة 000000000000000000000000000
-كم سيكون مؤلما ً حين يكتشف المرء بعد أن يقضي قسما ً كبيرا ً من
حياته أنه كان
__283
منشغل ً على الدوام بمتاعب لن تقع,وخائفا ً من أشياء وهمية,ل وجود لها إل
في عقله ..
-سيكون من المهم أن نشتت الوقع النفسي لما وقع أو لما يتوقع أن
يقع,قبل أن تشتته حوادث اليام والليالي 00000000000000000000000000
-إن أهم مواردنا الوقت والطاقة المختزنة؛ومن السهل أن نهدر هذين
الموردين العظيمين في أمور تافهة 0000000000000000000
-عقل الكسلن بيت الشيطان,والمقلقات تسيطر على الفارغين الذين ل
يجدون ما يشغلون أنفسهم به 000000000000000000
-قد تدفع الثقة الزائدة بالنفس إلى بعض العمال الطائشة,وبذلك فإنها
تكون أول خطوة على طريق الحباط 000000000000000000
-كثير من التقاليد يدفع الناس إلى أن يظهروا واثقين بأنفسهم أكثر مما
هم عليه في واقع الحال ....
-الثقة بالنفس ل تولد ولدة صناعية,وإنما هي ثمرة النجاح في الحياة,
ومظهر من مظاهر التوازن النفسي
0000000000000000000000000000000000
-الناس يثقون بالشخص على قدر ثقته بنفسه,ويرون الشياء على النحو
الذي يراها عليه الواثقون 0000000000000000000000000000000
-وقوع النسان في الخطأ هو الصل في مسيرته الحياتية,ولو حاول إنسان
أن يرتكب نوعا ً غير مسبوق من الحماقة أو الخطأ؛فالغالب أنه لن يصل إلى
ما يريد 00000000000
-إنه ما يُغلق باب حتى يُفتح باب آخر,لكن قصورنا التربوي والثقافي يجعلنا
نُشغل بالباب الذي أغلق عن الباب الذي فتح
0000000000000000000000000
ن عظماء الرجال ليسوا أولئك الذين يستسلمون لما أعدوه من -إ ّ
أسباب,وإنما أولئك الذين يستمدون طاقتهم من(الغيب)عبر ثقتهم بعون
الله وتوفيقه 0000000000000000
ن المسلم ل يستسلم أبداً؛لنه حين تتقطع به السباب,يلجأ إلى مسبَّب -إ ّ
السباب؛ سبحانه وتعالى 00000000000000000000000000000000000
ن النسان ليس ضئيلً,لكنه كسول إلى حد بعيد -إ ّ
0000000000000000000000
-إن من المؤسف أن تضعف إرادة كثير من الناس في الوقت الذي
تتعاظم فيه قدراتهم.
-النظرة إلى الدنيا على أنها ممر إلى الخرة,قد تغيرت في البُنية العميقة
لثقافتنا لدى معظم المسلمين؛وهذا في حد َّ ذاته مصدٌر لمشكلت كثيرة
00000000000000000
__284
-إرادة الستمرار والمثابرة,هي التي تجعلنا نرى كثيرا ً من الشخاص الذين
ل يملكون سوى قدرات متوسطة-يرأسون أعمال ً ناجحة
0000000000000000000
ن في وسع النسان أن يحقق نجاحات كبيرة,إذا فعل الشياء التي يعرف -إ ّ
مقدما ً أنه ينبغي أن يفعلها
0000000000000000000000000000000000000000000000
-إذا استطاع النسان اللتزام بالنشاطات التي أضافها إلى برامجه,فإنه
يكون قد عوَّد نفسه البطولة على نطاق ضيق 0000000000000000000000
-لنحاول دائما ً أن نضفي على عاداتنا نكهة الرادة الواعية؛حتى ل نقع في
فخ الرتابة التي هي عدو لدود للرادة الحرة
0000000000000000000000000000000000
-إن المثابر وحسن إرادة المكانات المحدودة أعظم أثرا ً في إيجاد الشياء
الجديدة من الومضات الذهنية أو المكانات العقلية الفائقة
000000000000000000000000
-في الحوال العادية والعامة يجب أن يُحسم الصراع لصالح التوازن
والعتدال 0000
-سيكون من الضرر أن نحسم صراعاتنا الشخصية بعيدا ً عن بصيرتنا
الداخلية بسبب الرضوخ لمكانة من نستشيرهم أو مركزهم
0000000000000000000000000000
-الوقت المملوء الجدية والمهام,يقوَّض مقدرتنا على التطور,ويضعف من
استجابتنا لدواعيه 00000000000000000000000000000000000
-إن المهم دائماً,ليس أن نعمل كثيراً,وإنما أن ننتج كثيراً,وأن نحافظ مع
العمل الكثيف على حيويتنا ....
-الميل الشديد إلى أمر من المور-كالنفور الشديد منه-يشوش رؤيتنا للخيارات
المتعلقة به ....
الباب الرابع-:
الفكرة أو المقولة-:
-قد غادرت الروح المركز الحيوي الذي احتلته على مدار التاريخ,مما أدى
إلى هامشية الخطط والتنظيمات التي تدعم الجوانب الروحية والخلقية
00000000000
-ليس بعيدا ً ذلك اليوم الذي تتناقض فيه إمكانات النمو المادي,ويرجع فيه
إنسان العصر إلى الروح من جديد,ولكن هل سيجد آنذاك شيئا ً منها يتشبّث
به؟!0000000000
-القاعدة الروحية الخلقية,هي التي تتحمل الثقال الناجمة عن النتكاسات
في مجالت الحياة المختلفة
0000000000000000000000000000000000000000
__285
-الجاذبية التي تتمتّع بها القرون السلمية,تنبع أساسا ً مما كان يسودها من
قيم التقوى والنبل والصفاء والتضحية والتضامن الهلي,وليس من التفوق
في العلوم والحروب والعمران
00000000000000000000000000000000000000000
مثُل والقيم؛وليس بالعقوبات,فالعقوبات ل تُنشئ -المجتمعات تُحكم بال ُ
مجتمعاً,لكنها تحميه ...
-حين يصاب مجتمع ما بالشلل الخلقي يفقد فاعليته الفكرية والخلقية,مع
ع000000000000000000 أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوس ّ
ن اليمان العميق والمصحوب باللتزام بالسلوك السلمي هو الضمانة -إ ّ
الساسية لستمرار التألق الروحي الفطري والمكتسب
00000000000000000000
ن مجمل الستجابات الوجدانية والسلوكية لمحبوبات الله-تعالى-هو -إ ّ
الفيصل بين حقيقة حب الله وادّعائه
00000000000000000000000000000000
ن أعظم المعارك يتم خوضها في حجرات صامتة داخل الروح,وهناك -إ ّ
تُصنع النتصارات,كما تقع الهزائم الكبرى
000000000000000000000000000000
ن التمسك بالسنّة يعني أن يحيا المسلم دائما ً في حالة من الوعي -إ ّ
الداخلي وضبط النفس 00000000000000000000000000
-ليس هناك أمة تعمد إلى تدمير البنية الخلقية لديها,لكن معظم المم قد
تفعل ذلك خلل عملها على تحقيق بعض متطلباتها دون وعي أو إدراك
لذلك 00000000000000
ن كل مبدأ أو هدف,ل يتحقق,يتحوّل إلى شعار,ثم إلى نوع من اللغو -إ ّ
00000000
جد العمل الصامت؛ولذا فالوجاهة عندنا -ليس لدينا تقاليد ثقافية راسخة,تم ّ
دائما ً لمن يحسن تشقيق الكلم 000000000000000000
ضر المختلفة,ما هي إل قشرة رقيقة,تكمن تحتها روح ن مظاهر التح ّ -إ ّ
وحش كاسر ينتظر الفرصة للوثوب 0000000000000000000
ن كثيرا ً من المسلمين يعَّرضون سمعة السلم الدولية للخطر من خلل -إ ّ
الصور الشائنة التي يتيحونها لوسائل العلم العالمية دون أي إحساس
بالمسؤولية 000000000
سيَر العظماء يجد أنهم دائما ً يملكون طاقة كبرى على ن الذي ينظر في ِ -إ ّ
التأبي والتمنّع على النجراف في التيار 000000000000000
ن(الحرية)ليست ذات بنية ثورية,وإنما هي ثمرة النضج البطيء الذي -إ ّ
صعُد المختلفة 00000000000000000000000000000 نحرزه على ال ُّ
مق مدلولتها في نفوسنا -النتصارات والهزائم تظل هامشية ما لم تع َّ
وأخلقنا وعلقاتنا ..
__286
ن دخول الخلق النسانية في دورات كالدورات القتصادية فيه الكثير -إ ّ
من المهانة لوعي الناس وكرامتهم 000000000000000000000000000000
ن العادات الفكرية تسهَّل عمل العقل,لكنها في الوقت نفسه تضع على -إ ّ
مداركنا ما يشبه الغشاوة,فل نرى الفاق الممتدة,والمكانات الكامنة
000000000000000000
-إهمال الشياء التافهة,يحوَّلها إلى أشياء مهمة
00000000000000000000000000
الناس من التفكير في القضايا الكبرى,لن ذلك قد يقتضي في النهاية
اتّخاذ قرارات كبرى تقضي الكثير من التغيير في نمط الحياة الخاصة
0000000000000000000000
-إذا لم نمارس دور القائد في حياتنا الخاصة,فقد تصبح أنشطتنا المحمومة
نوعا ً من الجهاد في غير عدو 0000000000000000000000000000000000000
-الشعور بالواجب التزام تشعر به ذلت حرة,تُلزم نفسها بنفسها؛و أكثر
الناس شعورا ً بالحرية أكثرهم شعورا ً بالواجبات الحضارية
00000000000000000000000000
-ضعف الشعور بالواجب يتولّد عنه تلقائيا ً ضعف الشعور بالمسؤولية,الذي
يتولّد عنه
أيضا ً شعور عميق بالتفاهة والفراغ
00000000000000000000000000000000000
ن النسان يكون إنسانا ً بقدر ما يرتاع للفارق بين ما هو كائن,وبين ما -إ ّ
يجب أن يكون..
-بعض الناس يظن أن الهتمام بالبعد الجسدي ل يعدو أن يكون شكل ً من
أشكال النغماس في المادية أو هو استثمار في مشروع خاسر؛لن الموت
نهاية الجميع!00000
سه ووعيه أن الحياة الدنيا,هي كل شيء,فإنه في ن الذي يغلب على ح ّ -إ ّ
الغالب سوف يُهزم أمام رغبات الجسد؛لن غير ذلك قد يبدو غير ذي معنى
00000000000000
ن تلبية حاجات الجسد وصيانته,تُخرِج المرء من أفق المثالية,والنعزال -إ ّ
عن الواقع لتصبح مركز دمج بين المثالية والواقعية
000000000000000000000000000
-الملتزم بآداب الشريعة يربح مرتين:رضوان الله-تعالى-أول ً وصلح
وضعيته العامة ثانيا ً .
ن انتشار مرض(اليدز)كشف النقاب عن الحملة المترابطة التي يقوم -إ ّ
بها الزنا,
واللواط,وشرب الخمر,وتناول المخدرات-لبادة الجنس البشري
00000000000000
__287
ن الحضارة الحديثة نزعت من البشر من النسانية على مقدار ما زرعت -إ ّ
فيهم من البهيمية والوحشية 00000000000000000000000000000000
-كثرة المتخمين,وكثرة الجياع في أمة السلم,دليل وجود خلل ثقافي
وسلوكي,و
لبد من استعادة التوازن في ذلك 00000000000000000000000000000
-إن البدانة هي مصدر لسلسلة من المراض الخطيرة؛لذا فإن الطب
مها السلف والحكماء من قبل ث على التخلّص منها,كما ذ ّالحديث قد ح َّ
00000000000000000
-ل يصح لنا أن ننسى أن كل المكاسب والخسائر في هذه الدنيا مؤقتة
وزائلة هي وأصحابها 000000000000000000
ن تنشيط الجسم,ورفع كفاءة لجهزته المختلفة,لن تكون أبداً -إ ّ
مجانية,وقاعدة(:ل فائدة بدون ألم)قاعدة عامة في كل مجالت الحياة
00000000000000000
-إن المال قد غدا محور الحياة الحديثة أكثر من أي وقت مضى,وذلك نتيجة
طبيعية لتهميش كثير من النشطة الروحية والدبية
00000000000000000000000000
ن فضل الغني على الفقير,وفضل الفقير على الغني,يظل متوقفا ً على -إ ّ
مسلك كل منهما تجاه الحالة التي هو فيها
00000000000000000000000000000
-لن يكون على مستوى المة مجال للمقارنة بين الغنى والفقر؛حيث إن
الفقر يعطل عمل كثير من المؤسسات التربوية والجتماعية والتي ل تنهض
من غير المال 00000000
ن ظاهرة الفقر المنتشرة في العالم السلمي,تعود إلى الكسل وسوء -إ ّ
التوزيع والظلم والفساد الداري بالضافة إلى اختلط بعض المفاهيم
00000000000000
ن كثيرا ً من المسلمين خلطوا بين ما أراده الله منّا,وما أراده الله بنا -إ ّ
000000000
جد العمل ن المنطلقات النظرية,ترسم الطريق,وتسهل العمل.,لكنها ل تو ِ -إ ّ
نفسه,وإنما توجده الساليب والدوات والبرامج التي نوظفها في سبيل
تحقيقه 00000000000
-ل يكون المتديّن الحق شخصا ً عادياً,فطبيعة التديّن,تقتضي دائما ً التفوّق
000000000
-التقدّم العلمي,يتيح فرصا ً للعمل تحتاج إلى التنظيم والدارة أكثر من حاجتها إلى
المال ..
جم إلى تطبيقات عملية,وهذا ما -ل يح َّ
سن العلم نوعية الحياة ما لم يُتر َ
ينجبه اللقاء السعيد بين العلوم النظرية والممارسات المهنية والتقنية
000000000000000
__288
-ل يمكن أن يكون هناك مجتمع أقوى من مجموع أفراده؛ولذا فالنهوض
بالذات هو مساهمة مقدَّرة في نهوض المة
000000000000000000000000000000
-النسان اليجابي الفعّال,يكتشف جوانب النفع الخفية للشياء وهذا يجعله
يسبق غيره .
-كلما كانت المكانات محدودة,والموارد شحيحة احتجنا إلى براعة أكثر في
إرادتها ..
-حين تولد الفكرة,وتدعم بدراسة جدوى عقلنية وعلمية,فإن المال ل يغدو
مشكلة حيث ينهال المستثمرون على صاحبها 000000000000000000
-مصير البشرية متوقف على عدد محدود من المور,أهمها علقة الناس
ل وعل-ثم علقتهم بعضهم مع بعض ...... بخالقهم-ج َّ
الباب الخـــــــــــــــــــــــــــــــامس-:
الفكـرة أو المقولة:
ن تأثير الخرين في حياتنا,هو أكبر عادة ً مما نعترف به ................... -إ ّ
ن كثيرا ً من مفردات الطبيعة النسانية,ل يورث عن الباء,وإنما هو ميراث -إ ّ
على كل واحد أن يستعبده نفسه .........................
-الذات النسانية ذات مشتَّتة بين الخصوصية المركزة وبين العتماد على
الخرين .....
سع نشاطه,وجد أن حاجته للخرين -كلما ازداد نضج النسان,وأراد أن يو َّ
صارت أعظم .
ن العالم المعرفي المشترك الذي توجده الحوارات بين الزواج -إ ّ
مي البصيرة الجتماعية والثقافية لدى المشتركين فيه والصدقاء,هو الذي ين ّ
...
َّ
ف الكتئاب -إن الدعم الجتماعي الجيد,يولد مشاعر إيجابية قادرة على ك ّ
.....
-إن اللبنات الهشة,لن تشكّل في النهاية سوى جدار هش ..............
-حين ننظر إلى العلقات الجتماعية على أنها موارد للنمو الشخصي فإننا ل
نجد بُدَّا ً من إقامتها على أسس عقدية ومنهجية قواسم مشتركة
................
-إن الشخص الفاسد يشوش رؤية الناس ل(النواة)الخلقية التي يجب أن
تتشكّل حولها مفاهيم التواصل الجتماعي .........................
-إن الكبر يولّد التوتر الماضي لدى صاحبه,ولدى المجتمع الذي يعيش فيه
....
-إن المتواضع يستطيع أن يجذب من هم أكثر منه تفوقاً,وذلك مكافأة
مجزية له ...........
حلُق الرحمة,يتجاوز الحقوق والواجبات والعقود إلى النبل والشهامة ُ -
والمروءة .....
__289
-التخلف الحضاري,يفكك الروح الجماعية,ويقتل روح المبادرة؛حيث ينتظر
كل واحد من الناس غيَره,ليكون البادئ ................................
-إن أهم سمات العظماء في كل المم أنهم يدركون الوضعية التي ينبغي أن
تصل إليها مجتمعاتهم,ويحاولون السهام في بلوغها ...........................
-تعني الشفافية القدرة على استكناه التجاه الذهني للخرين,وتحسس
مشاعرهم تجاه الحداث والشياء المختلفة ...........................
-إن تلهف الفرد على التقدير والحترام,يعد محركا ً جوهريا ً لكثير من
أنشطته ...
-الفضيلة دائما ً شيء بين رذيلتين,والشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده
....
-من اللباقة أل نزعج الناس بمشكلتنا الخاصة؛حيث إن عندهم من
المشكلت ما يكفيهم.
حسن التعامل,وليست أشياء يجب أن -المشاعر الطيبة ثمرات للحسان و ُ
نخضع لها ......
-إذا استطعنا أن نُخضع مشاعرنا لتفكيرنا وواجباتنا,فإن فصل ً جديدا ً رائعاً
يمكن أن يبدأ في حياة كل واحد منا .....................
-إن الناس كثيرا ً ما يثقون بالشخص على مقدار ما يثق هو بنفسه
...............
-ل يثق الناس في شخص,ل يستطيعون التنبؤ بسلوكه ومواقفه
...................
-الجدارة بالثقة شيء يشعه مجمل الشخصية,أكثر مما تشرحه القوال
...........
-إن الذين يتكتمون على ما ل ينبغي التكتم عليه,يجعلون من أنفسهم محاور
للتقولت والشائعات ............................
-كل تقنيات إحداث اللفة والنسجام تتمحور حول تعظيم القواسم
المشتركة ,وإيجاد أوجه التشابه بين الذين يسعون إلى التآلف .............
َ
-مهما كانت جهودنا متميزة,فإنه ستظل هناك مسافة بين ماننظ ّر له,وبين
ما يتجسد في واقعنا العملي ....................
-الفجوة بين ما هو كائن,وما ينبغي أن يكون,هي التي تعطي المشروعية
للنقد ....
-يجب أن نعترف لن لدينا ميول ً غريزية لحب المديح والنفور من النصح
والنقد ....
-ل ينبغي في أي حال من الحوال أن نفهّم من ينتقدنا أنه مخطئ في كل
ما قاله ......
-إن الناقد إن لم يصب في مضمون ما قاله,فقد أصاب في تحفزه للصلح
ومقاومة العوجاج ..
-ليس من المبالغ فيه أن نعد َّ الخفاق في التصال بالخرين,أحد أوبئة حياتنا
المعاصرة .
__290
-طالما كانت المصافحة مصدرا ً لبث الدفء في القلوب ...................
-البلغة:ـن نستخدم أسلوبا ً يناسب السامع,وتنسجم كلماته مع معانيه
..........
-يعتبر الناس التأثير في الخرين جزءا ً من تحقيق وجودهم المعنوي .........
-كثيرا ً ما يكون الفارق بين المتحدث الناجح والمخفق هو الحرص على
تجويد الخطاب وإتقانه .....
-يولد النسان صارخاً,ثم يتعلم الكلم,ويميل الطفل إلى الكثار من اللغو,ثم
يتعلم النصات ..
-على حين نجد كثيرين,يحرصون على تعلم تنميق الكلم؛فقلما نجد من
يحرص على تعلم النصات ..............
-حين نستمع إلى شخص يتحدث,فإننا نحاول فهمه من خلل عاداتنا وإطارنا
المرجعي,مع أن الفهم الدقيقة,يتطلب أن ندخل إلى عالمه الشخصي
.........
ت من -علينا أن نتعلم كيف نحذف من حديث الذين يبالغون كلما ٍ
نحو(:عظيم جداً) و (كثير جداً)و(قريب جداً)؛حيث إن هذه العبارات غير ذات
معنى في واقع المر 00000
-مهما كانت علقتنا بالخرين عقلنية ومقننة؛فإننا ل نستطيع عزلها عن تأثير
العواطف والنفعالت .....
-إن ضعف العاطفة في العلقات الجتماعية,ل يسمح بالندماج الذهني
والشعوري,كما ل يسمح بملمسة آفاق الخبرة النسانية العميقة لدى
أصحاب تلك العلقات ...............
-العمال الروحية والعلقات العاطفية,تميل بطبعها إلى التطّرف الذي
يترتب عليه التذبذب,ولذا فيجب تأطيرها دائما ً بإطار عقلي ....................
-إن الذين يفقدون معنى الصداقة الحميمة في حياتهم,يتعرضون لعظم
الصعاب و المشاق على نحو صامت ................
-الترفع على الخوان بسبب ما يجد ُّ من أحوال,دليل على رداءة الطبع
........
-ليكن شعارنا(:نتناقش,وننقد,ولكن في ظل صداقة حميمة) ..............
-إذا أردنا لفكارنا أن تنتشر,فعلينا أن نجعل الخرين,يشعرون أنها أفكارهم
....
-إذا أردت المزيد من العداء,فتميّز على أصدقائك ..............
-لنستخرج النبل الذي في نفوس الخرين من خلل الثناء على جهودهم
وأعمالهم ..
َّ
-مضي الحياة الزوجية على نمط واحد,يؤدي إلى السأم,ويصلب الحاسيس
...
-على كل واحد من الزوجين أن يلقي في روع الخر أن إمكانات التغيير
موجودة ,وأن التكيف والصبر ليس هما الحل الوحيد .............
__291
-جوهر العلقة بين الرجل والمرأة,ل يقوم على التشابه,وإنما على التباين ,و
الغفلة عن هذا,سببت الكثير من المشكلت السرية ..................
-التفاصيل الصغيرة في الحياة الزوجية,ليست صغيرة؛فتضخم الشياء
التافهة,شيء دارج جدا ً في البيوت ........................
-سلسلة المعقولت لدى الرجل مختلفة عنها لدى المرأة,وهذا يجعل كثيراً
من النقاش بينهما ل يأتي بأي نتيجة ......................
-النسحاب من النقاش,وإشعار أحد الطرفين للخر,أن ل فائدة ترتجي
منه,من أكثر أسباب وقوع الطلق شيوعا ً ................
-يغلب على النساء حب الستهلك؛ولذا فإن ترفيه الرجل لسرته,يحل
الكثير من المشكلت ...
-إن أي منح للثقة يجب أن يتم في إطار من التنظيم والترتيب المعتدل ....
من يمنح الثقة أن ينظر إلى المخاطر التي تترتب على ذلك أكثر -إن على َ
من نظره إلى أهلية من يضع ثقته فيه .......................
-حتى تستمر علقاتنا,فإنه يجب بناؤها على التكافؤ ............
-ل بد أن نفكر من خلل عقلية(الوفرة)والعتقاد بان هناك ما يكفي الجميع
...
-من المهم لستمرار علقاتنا وصفائها أن يعرف كل واحد منا ما يمكنه أن
يحصل عليه من وراء تلك العلقات ...........
-الختلف والتنوع في إطار الوحدة,من أكبر حقائق هذا الوجود .........
-إن علينا أن ندرك أن الناس ل يرون الشياء على ما هي عليه,وإنما يرونها
عبر نظارات وأغشية من ثقافتهم واهتماماتهم ومصالحهم .............
-تنوع ما هو متاح,جعل الشياء التي تُرضي الجميع قليلة,وبذلك تم فتح
مجالت جديدة للختلف ..................
-حين يعاني إنسان ما من انخفاض معنوياته,أو من شعوره بعدم المان,فإنه
جه إليه على أنه نقد شخصي له .............. سر كل نقد مو َّيف َّ
-من وسائل تجنب الختلف,تقليل العتماد على الخرين,وما نتوقعه منهم
....
-لنبحث دائما عن الحلول بدل أن يكون دأبنا إلقاء اللوم على الخرين ...... ً
-الباطل المتلبس بالحق,والحق المتلبس بالباطل هما مصدر أكثر النزاعات
بين الناس ...
__292
الموضوع:
مقدمـة,,,,,
الباب الول
عصرنا وملمحه وأوضاعه
الفصل الول-:هل يعيش العالم عصرا ً واحداً؟
نحن والغرب ................
الفصل الثاني:قيم ومفاهيم وأوضاع سائدة
أولً-من التفاؤل إلى العدمية ................
ثانياً-ضياع الهدف النهائي ................
ثالثاً-التأزم الخلقي ................
رابعاً-تقدم بل حدود ................
خامساً-تغير في المفاهيم ................
سادسا ً -العنف وإرادة القوة ................
سابعاً-التحدي والستجابة ................
ثامناً-انتشار نظام التجارة ................
تاسعاً-جنون الستهلك ................
الباب الثاني
العيش في الزمان الصعب.
الفصل الول-عصر العيش الصعب
-لماذا زماننا صعب؟ ................
-انتقال مركز السيطرة من النسان إلى الشياء ................
-صيرورة كثير من الضروريات كماليات ................
-الحاجة إلى مزيد من المهارة ................
سمت شعوب العالم ................ -تغيرات سريعة ق َّ
-زيادة السأم من الحياة وانتشار الجرائم ................
-اليأس من صلح الحوال ................
-تدهور الحياة البيئية ................
__293
الفصل الثاني-العيش خارج العصر
*مدخل ................
*سمات الذين يعيشون خارج العصر ................
-1التكبل بالوهام ................
-2التخفف من القيود الخلقية ................
-3التشتت بين الماضي والمستقبل ................
-4فقد المبادرة الشخصية ................
-5العراض عن النقد الذاتي ................
-6عدم الهتمام بالوقت ................
-7الهمال والفوضى ................
الفصل الثالث-نموذج المسلم المعاصر
-1توجيه جميع المناشط نحو الغاية العليا ................
-2عدم المساومة على المبدأ ................
-3المحافظة على الصورة الكلية ................
-4التحرر الدائم ................
-5التفوق على الذات ................
-6الشعور بالتأنق ................
-7وضوح الهدف ................
-8نحو الهدف ................
-9السلوك المنطقي ................
-10الحرص على النجاح مهما يكن صغيرا ً ................
-11الوضع اليجابي ................
-12التقييم الذاتي ................
الفصل الرابع-قضايا عامة
أولً-المدينة الفاضلة وَهْم ................
ثانياً-إدارة الوقت ................
*لماذا يضيع الوقت ................
*مبادئ وآليات في الستفادة من الوقت ................
ثالثاً-تحسين النتاجية ................
*العوامل المؤثرة في النتاجية-مبادئ تحسينها ................
رابعاً-مواجهة المشكلت ................
خامساً -الهتمام بالمستقبل ................
*أفكار تساعد على رسم خطة شخصية ................
سادساً-السعادة والرضا ................
__294
*مصدر الشعور بالسعادة ................
*مصدر الحساس بالرضا ................
سابعاً-السبق والتقاعس ................
*سمات السبّاقين والمتقاعسين ................
ثامناً-لكل شيء ثمن ................
تاسعاً-الدقة ................
عاشراً-مطالب متناقضة ................
الباب الثالث
العيش في الزمان الصعب
البعد العقلي والنفسي
الفصل الول-البعد العقلي
العقل وأهميته المتزايدة ................
العقل:شكل ومضمون ................
العقلنية ................
الفصل الثاني-تجديد البعد العقلي
-1شروط للتجديد ................
-2استخدام العلج الدراكي ................
-3النظرة المتعمقة ................
-4الستماع الجيد ................
-5تنشيط الذاكرة ................
-6المرونة الذهنية ................
-7تحسين التفكير عن طريق القبعات الست ................
ج
الفصل الثالث-التفكير المعو ّ
-1إصدار الحكام المسبقة ................
-2سوء التعامل مع المعلومات غير الملئمة ................
-3الضلل في تفسير الظواهر ................
-4تأثير النطباعات الولى ................
-5تأثير الهالة ................
-6المبالغة ................
-7القراءات القاصرة ................
الفصل الرابع-البعد النفسي ................
التجديد البعد النفسي................ :
-1تخليص النفس من أمراضها ................
__295
-2تخفيف القلق ................
َ
-3تخل ّص من الكتئاب ................
-4الثقة بالنفس واحترامها ................
-5الرادة الصلبة ................
-6حسم الصراع الداخلي ................
-7كافئ نفسك ................
-8السيطرة على النفعالت ................
الباب الرابع
العيش في الزمان الصعب
البعد الخلق والبعد البدني وإدارة شؤون
العيش
الفصل الول-تجديد البعد الخلقي
*القاعدة الروحية الخلقية ................
*خلق وسلوك جديدان:
-1التمسك بالسنّة ................
-2تجسيد المبادئ الخلقية ................
-3نحو أخلق شفيفة ................
-4التأبي الخلقي ................
-5لياقة خلقية ................
أ-إغناء الحياة العامة ................
ب-فضيلة الهتمام ................
خلق التسامح ................ جُ -
-6اكتساب عادات جديدة................ :
أ-التخلص من التسويف ................
ب-الخروج من دائرة الكللة ................
ج-النهماك في العمال الصغيرة ................
-7الشعور بالواجب ................
الفصل الثاني-تجديد البعد البدني
*تحديات جديدة ................
*قواعد في حفظ الصحة العامة................ :
-1النظر إلى وضعية الحياة الدنيا ................
-2التوازن ................
__296
-3توجيهات شرعية................ :
أ-أكل الطيّبات باعتدال ................
ب-التداوي ................
ج-المتناع عن المحّرمات ................
د-النظافة ................
-4الغذاء المتوازن ................
-5التخلص من البدانة ................
-6القلع عن التدخين ................
-7الراحة النفسية ................
-8ممارسة الرياضة ................
الفصل الثالث-إدارة شؤون العيش
*المنطلق النظري:
-1الله-تعالى-ضامن لرزق العباد ................
-1العمل في الحصول على رزق عبادة 00000000000000000
-3الكل من عمل اليد 0000000000000000
-4الغني الشاكر أم الفقير الصابر 0000000000000000
-5أسباب الفقر في العالم السلمي 00000000000000000
-6التوسط في النفاق 000000000000000
*أساليب ووسائل في تدبير شؤون العيش000000000000000:
-1الستقامة و اللتزام 00000000000000000000
-2التفوّق 000000000000000000
-3حاول تحسين دخلك 000000000000000000000
-4تعوّد تأجيل الرغبات 00000000000000000000
-5اكتساب المهارات 0000000000000000000000000
-6اغتنام الفرص المتاحة 000000000000000000
-7السفر باب من أبواب الرزق 0000000000000000000000
-8توفير شيء من الدخل 00000000000000000
-9المكانات المحدودة 0000000000000000000
مد أموالك 000000000000000000 -10ل تج ّ
-11العلقات الحسنة مصدر رزق 0000000000000000
الباب الخامس
العيش في الزمان الصعب
العلقات الجتماعية
__297
الفصل الول-أهمية العلقات الجتماعية 0000000000000000000
-1تشتت الذات النسانية 0000000000000000000000
-2المساعدة على فهم العالم 00000000000000000
-3إشباع الحاجات العاطفية 000000000000000
-4المساعدة على مواجه الصعاب 000000000000000
سمات اللبنة الصالحة00000000000000:
-1اللتزام 0000000000000000
-2التواضع 000000000000000
-3الصبر 000000000000000000
-4الحمة 0000000000000000000000
-5المبادرة الفردية 00000000000000000
-6اللباقة 000000000000000000000000
-مظاهر اللباقة 000000000000000000000
-7صناعة المشاعر 0000000000000000000000000
-8اللفة0000000000000000000000000:
أ-طيب الكلم والنته 000000000000000000000
ب-الجدارة بالثقة 0000000000000000
ج-الوضوح 000000000000000
د-تقنيات في إيجاد اللفة 0000000000000
-9تقبُّل النقد000000000000:
أ-بيان العيوب هدية 000000000000000000
ب-الستماع للنقد بقلب مفتوح 0000000000000000
ج-استيعاب الناقد 0000000000000000000
د-الستفسار من الناقد 0000000000000000000000
ه-عدم إفهام الناقد أنه مخطئ 00000000000000000000
و-تلخيص ما يتضمنه النقد 00000000000000000
ز-تنفيذ ما تم التفاق عليه 00000000000000000
الفصل الثاني-التصال النساني 00000000000000000000000
-تعريف التصال 000000000000000
-كيف نجعل اتصالنا جيداً؟000000000000000000000
-1تكوين النطباع الولي 00000000000000
-2اعرف نفسك 00000000000000000
-3الدقة في استخدام اللغة 000000000000000000000
-4التصال عبر الهاتف 00000000000000
__298
-5الخطاب المؤثّر 000000000000000000000000
-الصغاء الجيد:
-1ميزات الصغاء 00000000000
-2تحسين الصغاء 00000000000000000
الفصل الثالث-مبادئ ومفاهيم في العلقات الجتماعية
00000000000000
-1التوازن بين التعقل والنفعال 00000000000000000
-2رعاية العلقة الخاصة0000000000000000:
أ-ندرة الطراز الرفيع من الخوان 000000000000000
ب-أسباب انعدام الصداقة الحميمة 0000000000000000
ج-ما يجب توفره في الصديق 000000000000
د-أشكال رعاية الصداقة 000000000000000
-3العلقات الشفيفة000000000000000000000000:
-اهميتها 00000000000000000000000
-ما يمنح علقاتنا الشفافية 0000000000000000
-4العلقات السرية 00000000000000000000000
أ-ركود الحياة الزوجية 0000000000000
ب-عزل متاعب الحياة عن المنزل 0000000000000000
ج-علقة الزوجين تقوم على التخالف 000000000000000000
د-الهتمام بالتفاصيل الصغيرة 00000000000
هـ-النسحاب من الحوار 00000000000
و-حب الستهلك عند المرأة 00000000000000
-5منح الثقة00000000000000000:
-منح الثقة يقوم على طرفين 000000000000000000000
-الجميع بين الثقة والنظام 0000000000000000000
-خطر حجب الثقة 00000000000000
-أسس في منح الثقة 000000000000000
-6علقات لنفع الجميع00000000000000000000000:
-التكافؤ في العلقات 000000000000000000
-الستقامة هي حجر الزاوية في العلقات 0000000000000
-الموازنة بين الذات والخر 0000000000000000
-عقلية الوفرة 0000000000000000000000
-7إيضاح التوقعات 000000000000000
الفصل الرابع-التعامل مع الختلفات 0000000000000
__299
أسباب وجود الختلف0000000000000:
-1اختلف القيم والفكار 00000000000000
-2التنوع وكثرة الخيارات 000000000000000000
َ
-3اجتماع الناس يول ّد التوترات 00000000000000
-4محدودية الموارد 000000000000
أسباب جزئية للختلف 0000000000000
كيف نقلل من الخلفات مع الخرين؟000000000000
-1تقليل العتماد على الخرين 00000000000000000000
-2عدم السراف في إعطاء الوعود 0000000000000000
-3التخلص من سوء الفهم 000000000000000
-4ل تغضب 00000000000000000
-5البحث عن الحلول عوضا ً عن اللوم 0000000000000000
-6التقليل من إصدار الحكام 00000000000000000
-7محاولة فهم الدوافع السلوكية للخرين
000000000000000000000
إدارة الخلفات وحلها00000000000000000000000:
-1ما يثير الخلف هو اللتباس 000000000000000
-2تحديد نقاط الخلف 000000000000000000000
-3تهيئة الجو النفسي للحل 00000000000000000000
-4توجيه المزيد من السئلة 00000000000000000
-5المحافظة على الهدوء 0000000000000000000000
-6الغضاء عن الدوافع والمشاعر 000000000000000000
-7تجاوز الماضي على الحاضر 0000000000000000
-8العتراف بالخطأ 0000000000000000000
-9لفت نظر الخصم إلى هدف مشترك 0000000000000000000
-10الستنجاد بالزمن 000000000000000
الخاتمة 00000000000000
فهرس المراجع المختارة 00000000000000000
فهرس الفكار والمقولت العامة
0000000000000000000
الفهـــــــــــــــــــــــرس
000000000000000000000000000
__300
_301_