Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 301

‫‪22-4-1428‬‬

‫‪www.‬‬
‫‪s h a w a t i.com‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫_‪_1‬‬
‫‪:‬‬
‫المد ال رب العالي‪,‬والصلة والسلم على سيدنا ممد وعلى آله وصحبه أجعي وبعد‪:‬‬
‫فقد كان هذا الكتاب الذي بي يدي القارئ مكونا من خسة أجزاء‪,‬حيث تدثت ف الزء الول منها‬
‫عن عصرنا‪:‬أوضاعة وملمه‪,‬وتدثت ف الجزاء الربعة الباقية عن العيش فيه والصعوبات الت يواجهها‬
‫السلم اللتزم بالقيام بأمر ال‪-‬تعال‪ -‬ف ظل ظروف وأوضاع كثيا ما تكون غي مواتية‪.‬وقد تناولت ف‬
‫الجزاء الربعة ما يتاجه العيش ف زماننا الصعب من وعي عميق للواقع‪,‬وما يتاجه هذا الواقع من‬
‫تطوير وتسي للبعاد العقلية والنفسية والسمية والجتماعية‪,‬بالضافة إل تسي إدارة شؤون العيش‪.‬‬
‫وقد اقترح علينا الكثي من الخوة أن نعل الجزاء المسة ف كتاب واحد‪,‬حيث إنه ليس من الألوف‬
‫ف (كتاب اليب) أن يكون ذا أجزاء متعددة ‪.‬وقد كانت هذه اللحظة ف ملها؛ولذا فقد تفق مع رأيي‬
‫مع رأي الناشر الستاذ ممد علي دولة على أن ترج الطبعة الثانية للكتاب على النحو الذي بي يدي‬
‫القارئ‪.‬‬
‫وإن أود أن أشكر كل أولئك الذين زكّوا هذا العمل وحثوا على قراءته‪.‬‬
‫وأسأل ال تعال أن يوفقنا لا هو خي وأبقى‪.‬وصلى ال وسلم على عبده ونبيه ممد وعلى آله وصحبه‬
‫أجعي‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي‪.‬‬

‫الؤلف‪:‬‬
‫أ‪.‬د‪.‬عبد الكري بكار‪.‬‬

‫الفصل الول‪-:‬‬

‫_‪_2‬‬
‫إن من عنوان هذا الباب‪,‬يثير لدى كثير من الناس سؤال ً كبيراً‪,‬هو‪:‬‬
‫كيف يمكن القول‪:‬إن الناس في الرض يعيـشون عصرا ً واحدا ً مع‬
‫تباين معتقداتهم ونظمهم السياسية والجتماعية‪,‬ومع الختلف‬
‫الكبير في مستوى ما وصلوا إليه من التقدم التقني والحضاري‬
‫عامة؟‪.‬‬
‫وهذا السؤال وجيه حقاً؛فقد كان الناس في القرون‬
‫الغابرة‪,‬يعيشون في عوالم وعصور مختلفة؛فالعصور الوسطى‪-‬‬
‫على سبيل المثال‪ -‬تمثل حقبة زاهية بالنسبة إلى المسلمين؛لكنها‬
‫بالنسبة إلى أوروبا‪,‬فقد كانت عصور الظلم وتخلف هائل‪.‬وقد كان‬
‫ذلك هو الشيء الطبيعي‪,‬فصعوبة المواصلت والتصالت‪,‬وقلة‬
‫البعثات العلمية الجوالة بين المم‪,‬وقلة السلع التي يتبادلها‬
‫التجار‪,‬وتقارب مستويات العيش بين الشعوب المختلفة‬
‫‪-‬كذلك التقارب الذي كان في السلحة وأدوات القتال‪ -‬كل تلك‬
‫العوامل ‪,‬وعوامل أخرى لم توفّر إمكانات جيدة‪,‬ول مغريات قوية‬
‫لجعل أمم الرض تتزامن في أفكارها ونظمها وأساليب‬
‫عيشهـــا‪....‬‬
‫لكن النصف الخير من هذا القرن‪,‬قد شهد انقلبا ً خطيرا ً في كل‬
‫شيء‪ ,‬وكان أشد تطوراته خطورة‬
‫ما يسمى اليوم بثورة التصالت والمواصلت؛ حيث يشاهد الناس‬
‫ث أثناء‬‫في أقصى المشرق الن الحد َ‬
‫وقوعه في أقصى المغرب‪,‬بل إن من المألوف اليوم أن يتلقف أهل‬
‫مدينة في قُطْرٍ ما أخبار ما يحدث في‬
‫بعض أحياء مدينتهم عن وكالت أنباء‪,‬ومصادر معلوماتية‪,‬تبعد عنهم‬
‫آلف الميال(‪)1([)1‬أثناء حرب الخليج الثانية كان سكان الكويت‬
‫يسألون أبناءهم في (أمريكا) عما يحدث داخل بلدهم!]‬
‫ل نعني بما نقوله أن البشر صاروا عجينة واحدة‪,‬مصبوبة في قالب‬
‫ف لسنّة الختلف التي بثها الله‪-‬‬ ‫منا ٍ‬
‫واحد‪ ,‬فهذا غير ممكن لنه ُ‬
‫تعالى‪ -‬في هذا الكون‪:‬‬
‫)ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين(‪ )118‬إل‬
‫من رحم ربك ولذالك خلقهم) [هود‪]119-118:‬‬
‫ولكن المقصود أن فكرة وجود عالم أول وثان وثالث التي هيمنت‬
‫مدة طويلة في الزمن‪,‬لم تعد موجودة الن ‪,‬فعلى الرض اليوم‬
‫_‪_3‬‬
‫عام واحد فقط؛وإطلق كلمات مثل(العالم السلمي)و(العالم‬
‫الغربي) ل يُراد منه سوى التمييز بين بقع وأماكن جغرافية وسوى‬
‫قدي ومصلحي‪.‬‬ ‫الدللة على تباين عَ َ‬
‫ول نعني‪-‬بالطبع‪ -‬بواحدية العالم أننا نعيش عصرا ً واحدا ً في النظم‬
‫السياسية ومستويات العيش؛‬
‫حيث إن هناك تفاوتا ً كبيرا ً في واقع المر بين بلد مثل الصومال أو‬
‫أوغندا وبين بلد مثل فرنسا أو اليابان‪...‬‬
‫وإنما نعني أن هناك أفكارا ً وقيما ً وأساليب وآمال ً وطموحات تهيمن‬
‫على معظم شعوب الرض‪,‬ونفوذها‬
‫آخذة في التساع يوما ً بعد يوم‪.‬‬
‫شعوب الرض تنقسم اليوم إلى قسمين‪:‬قسم ينتج ويحقق كثيراً‬
‫من مبادئ هذا الزمان في حياته‬
‫اليومية‪,‬وقسم يستهلك‪,‬ويتمنى أن يصبح عصريّاً‪,‬ويخطط لذلك‪.‬‬
‫إذا تسـاءلنا‪:‬هل هناك شعب في الرض ل يرى في المؤسسات‬
‫التعليمية والتربوية والمهنية والتقنية وسيلة‪,‬ل بديل عنها للتقدم في‬
‫ضر؟؟‬‫مدارج التح ّ‬
‫هل هناك شعب ل يتطلع إلى أن تتوفر له إمدادات المياه‬
‫والكهرباء‪,‬وخطوط الهاتف‪,‬والطرق المعبَّدة‪,‬وقنوات الصرف‬
‫الصحي‪,‬والخدمات البلدية المختلفة؟؟‬
‫هل هناك شعب ل يتطلع إلى أن يؤسس في حياته علقات قائمة‬
‫على نيل الحقوق وأداء الواجبات‪,‬إلى جانب بناء حياة تسودها‬
‫الستقامة الدارية وتكافؤ الفرص ومحاصرة الفساد والرشوة‬
‫والتَّسيُّب؟؟‬
‫هل هناك شعب ل يتطلع إلى تحقيق وليته على نفسه عبر‬
‫مية‪,‬تمثل حقوقه‪,‬وتنافح عن قضاياه‪,‬‬ ‫مؤسسات شعبيّة ‪,‬ورس ّ‬
‫وتتحسس مشكلته؟؟‬
‫هل هناك شعب ل يرنو إلى أن يساهم في الحضارة الحديثة بغزارة‬
‫وكفاءة من خلل العطاء الثقافي والمادي‪ ,‬ومن خلل التفوّق‬
‫والتقني؟‬
‫أعتقد أن الجواب على كل هذه السئلة وما شابهها هو(ل)‪.‬‬
‫ول يعني كل هذا بالطبع تساوي درجات التطلّع لدى أبناء الشعوب‬
‫ول تساوي درجات الوعي بهذه المطالب‪,‬لكن ل خلف‪-‬فيما أظن‪-‬‬
‫خة لكل المم‪,‬ومعظم أفراد‬ ‫أن كل ما ذكرناه يعد مطالب مل َّ‬
‫الناس‪,‬ومن نال حظا من ذلك طالب بالمزيد المزيد ؛لن الحصول‬

‫_‪_4‬‬
‫على شيءٍ من تلك المطالب هو نفسه الذي يحفز على العمل لنيل‬
‫المزيد منها‪.‬‬
‫حد في عدد‪,‬ل‬ ‫هذه المطالب الممية‪ ,‬تستدعى درجة ما من التو ّ‬
‫يكاد يحصى من البنى الفكرية والنظم السياسية والدارية‬
‫والساليب التنفيذية‪,‬مما يكسو الناس في هذه الزمان‬
‫حلية(المعاصرة)في جوانب الحياة‬
‫المختلفة‪.‬هنا نصيـر إلى السؤال الثاني‪:‬عصرنا من يعيش العالم‬
‫اليوم؟؟‬
‫ل ينبغي أن نختلف أن الدول والشعوب التي تنتج القيم‬
‫المعاصرة‪,‬ونظم تحقيقها ووسائله هي المم التي تترك أقوى‬
‫البصمات على العصر الذي نعيش فيه‪,‬من خلل ما تضعه من‬
‫شروط ومواصفات للعيش والرتقاء الحضاري‪,‬ومن خلل الهيمنة‬
‫الدبية والمادية التي تمكنها من الحراك الولي والستفادة من‬
‫ضعف الضعفاء وجهل الجهلء واحتراب الخصوم والعداء‪....‬‬
‫ن من كان قبلكم شبرا ً شبراً‬ ‫سن َ َ‬
‫ن َ‬
‫في الحديث الصحيح""لتتبعُ ّ‬
‫ب تبعتموهم‪.‬قلنا‪ :‬يا رسول الله‬ ‫وذراعا ً ذراعا ً حتى لو دخلوا حجر ض ٍّ‬
‫اليهود والنصارى؟؟قال‪ :‬فمن""؟‪.‬‬
‫إن السير خلف الخرين خطوة خطوة‪ ,‬حتى لو دخلوا مداخل ضيقة‬
‫ومهلكة‪,‬وعملوا أعمال ً ل خير فيها‪,‬ول معنى لها‪-‬لم يتحقق في عصر‬
‫من العصور كتحققه في هذا العصر‪.‬إن الحديث يشير إلى أمم‬
‫تقود‪,‬وشعوب تتبع‪,‬والذي ينظر اليوم في نهم الشعوب الضعيفة‬
‫إلى استيراد كل شيء من الدول التي تقود الحضارة؛ ما هو نافع‬
‫وما هو ضار‪-‬على حد ًّ سواء‪ -‬يتأكد له دقة التشبيه بدخول جحر‬
‫الضب!‪.‬‬
‫على مقدار ما تسهم الشعوب المقودة في أنتاج قيم ونظم‬
‫وأدوات‪,‬تسهّل الحياة‪,‬وتحل المشكلت‪-‬تترك بصماتها على العصر‬
‫َ‬
‫الذي نعيش فيه‪,‬وتبل ّغ رسالتها ورؤيتها في الحياة ‪0‬‬
‫إن من الثابت أن قدرة بني البشر على التمييز بين الجيد‬
‫والرديء‪,‬ليست قوية‪,‬كما أن قدرتهم على مناقشة الفكار‬
‫وتمحيصها أيضا ً محدودة؛ ولذا فإن أي فكر أو نظام يحظى بدعاية‬
‫مناسبة‪,‬ويتمكن من الوصول إلى الخرين‪,‬سيجد له أنصارا ً ومؤيدين‬
‫وأتباعاً ‪0‬‬
‫ومشكلة المم الضعيفة ل تقتصر اليوم على ضعف إنتاجها‬
‫الحضاري‪,‬وإنما تتجاوز ذلك إلى معاناتها من العجز عن عرض ما‬

‫_‪_5‬‬
‫لديها من قيم وخبرات ونظم‪ ,‬وتسويقه في بلد المم المتقدمة‬
‫المغرورة والمصابة بعقدة القوى والكبر والصلح ‪000‬‬

‫إن الذي يتأمل في الخلفيات الثقافية‪ ,‬والعوامل غير المرئية التي‬


‫تشكَّل البنية العمق لتصوراتنا وسلوكاتنا‪-‬سيجد أن هناك تشابكاً‬
‫ضخما ً بين عدد‪,‬ل يكاد يحصى من أنواع المعطيات المكانية‬
‫والزمانية‪,‬وأشكال التلقي الممي على الصعد المختلفة ‪ 0‬ولطالما‬
‫رأت المم أنفسها وإنجازاتها في مرايا جيرانها وحلفائها ‪,‬كما رأتها‬
‫في مرايا خصومها ومنافسيها؛بل إنه يمكن القول‪:‬‬
‫إن وعي المم بما لديها‪,‬يظل غير مكتمل‪,‬ما لم يتوفر لها كيانات‬
‫مناوئة‪ ,‬تختلف عنها اختلفا ً بيّناً‪ ,‬فتتمكن بذلك من المقارنة‬
‫والموازنة والمحاكمة والنقد والمراجعة والتصحيح ‪000‬‬
‫عند محاولة النظر في المرتكزات والسس التي تشكل ملمح‬
‫إحساسنا الحضاري‪,‬وتصوُّرنا عن التخلف والتقدم والنهوض‪-‬نجد أنها‬
‫دائما ً تتبلور عن طريق تداخلها مع ما يثمر التصال بـ (الغرب) با‬
‫اعتباره(الخر) بالنسبة إلينا؛فالمسلمون ل يأبهون كثيرا ً لما يقع في‬
‫الصين أو اليابان أو روسيا‪,‬ول لما يتم إنجازه هناك‪,‬باعتبار أن تلك‬
‫المم –مهما كانت مغايرة لنا‪ -‬تمثّل بالنسبة إلينا كيانات مغايرة‬
‫أكثر من أن تكون منافسة‪,‬على حين يرون في أوروبا الغربية‬
‫وحفيداتها من نحو أمريكا وكندا وأستراليا جهات مضادة ومناقضة ‪0‬‬
‫في القرن السابع الميلدي كان يطفو على السطح تشاحن وخلف‬
‫بين النصارى حول طبيعة المسيح‪,‬وحول صلة اليهودية‬
‫بالنصرانية‪,‬وعلقة العقل باليمان‪,‬والفرد بالكنيسة ‪ 000‬آنذاك بزغ‬
‫فجر السلم؛ ليقدم رؤية شاملة للكون والحياة‪,‬وليكشف زيف‬
‫الوهام والظنون لدى الملل والنحل المختلفة؛لسيما النصرانية‬
‫واليهودية ‪0‬وخلل قرن من الزمان تمددت رقعة السلم الفكرية‬
‫والجغرافية في مناطق‪,‬كانت تعد ُّ معاقل أساسية للنصرانية‪,‬وكان‬
‫ذلك يمثَّل نقطة الحتكاك الولى بين السلم والنصرانية‪,‬الول‬
‫يصعد ويتقدّم ويبني‪ ,‬والثانية تتراجع‪,‬وتخسر أرضاً‪,‬كانت تعدّها‬
‫مكاسب ثابتة ‪0‬‬

‫_‪_6‬‬
‫في القرنين السادس والسابع الهجريتين‪ -‬الثاني عشر والثالث‬
‫عشر الميلديين‪-‬تعاظم الحتكاك واللتقاء بين السلم والنصرانية‬
‫عبر محورين أساسيين‪:‬الول هو المحور الفكري‪,‬حيث تأثر‬
‫الوروبيون تأثرا ً بالغا ً بالفكر الحضاري السلمي عبر تعلَُم العربية ‪0‬‬
‫وعبر الترجمات من العربية إلى اللتينية على الشاطئ الشمالي‬
‫للبحر البيض خاصة في أسبانيا وجنوب إيطاليا وصقلية ‪000‬‬
‫أما المحور الثاني‪:‬فقد كان يتمثل في الحروب الصليبية التي بدأت‬
‫قبل نهاية القرن الخامس‪,‬ولم تنتهِ إل قُبيل انتهاء القرن السابع‬
‫م تصفية النفوذ الصليبي في الشام ‪0‬‬ ‫الهجري عندما ت َّ‬
‫كان يصاحب النصر العسكري السلمي نوع من النبهار الغربي‬
‫بالحضارة السلمية وتفوقها في المجالت التنظيمية والمدنية‬
‫والصناعية ‪000‬‬
‫بعد القرن السابع الهجري‪-‬الرابع عشر الميلدي‪ -‬أخذ نجم العالم‬
‫السلمي في الفول‪,‬واخذ نجم أوروبا في السطوع‪,‬حيث ابتلي‬
‫المسلمون بخبو نار الجتهاد إلى جانب ضعف اللتزام‪,‬والتفكك‬
‫السياسي‪ ,‬وانتشار الجهل والفقر واجترار الذات‪,‬والتباس سبل‬
‫النجاة والرتقاء ‪000‬‬
‫أما الغرب فقد بدأ يستفيد مما أخذه من المسلمين‪,‬وأضاف إليه‬
‫الكثير من البداع والختراع والكتشاف ‪00‬‬
‫وظل كل الفريقين مشغول ً بذاته وهمومه إلى أن جاء القرن التاسع‬
‫عشر‪,‬وبدأت حركة الستعمار الحديثة‪,‬وحصل اللتقاء الخير الذي‬
‫ما زال يتعمق ويمتدد في أبعاد جديدة إلى يومنا هذا ‪00‬‬
‫ويلحظ أن مسار المسلمين ومسار الغربيين يشكلن خطين‬
‫متداخلين على التبادل؛فحين يكون المسلمون في القمة ‪,‬يكون‬
‫الغربيون في القاع ‪ 0‬وإذا كان الغربيون في القمة كان المسلمون‬
‫في القاعدة ‪ 0‬عندما يكون المسلمون في طور الستاذية‪,‬يكون‬
‫الغربيون في طور التلمذة ‪ 0‬وعندما يكون الغربيون في طور‬
‫الستاذية ‪,‬يكون المسلمون في طور التلمذة ‪000‬‬
‫من المهم لفهم العصر الذي يعيشه المسلم اليوم أن نعرف الصور‬
‫المتبادلة بينا وبين الغرب‪:‬ما هي الصور المنطبعة في ذهن الغربيين‬
‫عن المسلمين‪,‬وما هي الصور المنطبعة في ذهن المسلمين عن‬
‫الغربيين؛لن تلك الصور‪,‬هي التي تحدد المواقف‪,‬وتغذي التوجهات‬
‫الفكرية والتجديدات السلوكية لدى الطرفين؛‬
‫ول سيما الطرف المسلم ‪0‬‬
‫_‪_7‬‬
‫أما صورة السلم في ذهن الغربيين فهي صورة غامضة‪,‬يكتنفها‬
‫الكثير من الجهل والتشويش؛فعلى الرغم من الحروب الدامية الني‬
‫شنّها الغرب على المسلمين في المنطقة العربية من آسيا‪,‬وفي‬
‫الهند والبلقان وافريقية‪,‬‬
‫وعلى الرغم من كل العلوم والمعارف السلمية التي كان قد نقلها‬
‫إليه من قبل إل أنه لم يكن يحفل أبدا ً بمعرفة كنه السلم‬
‫وجوهره‪ -‬للوضاع الفردية طبعا ً شأن خاص‪ -‬وكان المأمول من‬
‫وراء حركة الستشراق الهائلة أن يتوفر‬
‫لغرب معرفة أفضل بالسلم ‪0‬‬
‫إل أن الواقع هو أن قلة قليلة من المستشرقين استطاعت النفاذ‬
‫إلى أعماق الموضوعات التي عالجوها وإقامة دراسات أصلية‬
‫وافية حولها عبر منهجية منطقية‪,‬مدركة لخفايا تلك الموضوعات‬
‫ومشكلتها ‪ 0‬وإن النظر في ترجمات القرآن الكريم إلى لغات‬
‫أوروبا المختلفة‪,‬يوقفنا على مدى ضحالة استيعابهم للطرح‬
‫الفكري الحضاري للسلم في الجوانب والمجالت المختلفة ‪0‬‬
‫أما العامة وأشبه العامة في الغرب‪ ,‬فإن اعتقادهم بهامشية‬
‫الشعوب النامية –والسلمية خاصة‪ -‬وأل ّ فائدة تُرتجى من وراء‬
‫معرفة أحوالها‪ -‬أدى إلى جهل عريض بجغرافية العالم السلمي‬
‫وتاريخه ودينه ومجمل شؤونه‪ ,‬مما هيّأهم على نحو فريد للوقوع‬
‫فريسة سهلة في شباك رغبات كتّاب وصنّاع الروايات والفلم‬
‫ووسائل العلم ‪,‬التي رسمت صورة قاتمة للشرق عامة‪,‬فالشرقي‬
‫ذو نزوات مفاجئة غير مألوفة‪,‬كما أنه أسير الغضب العمى ‪ ,‬فظ‬
‫س‪,‬وهو قبل ذلك سادر في الملذات‪,‬أسير الشهوات‪,‬‬ ‫غليظ قا ٍ‬
‫معربد بين القيان والحسان واللحان والكؤوس والندمان!!!‬
‫الشرق موطن السحر والخرافات والوهام‪,‬وظلم المعابد‪,‬وتعاويذ‬
‫الكهّان ‪ 0‬وهو موطن النسل الوفير والكوارث الطبيعية من‬
‫الفيضانات والزلزل التي تحصد اللوف ‪ 0‬وهو ل يعرف حرية‬
‫جوْر و أكل الحقوق ‪ 0‬والبلدان الشرقية التي‬ ‫الفراد‪,‬بل الظلم وال َ‬
‫أحرزت بعض التقدم التقني‪,‬أحرزته بأموال الغرب ومنهجية الغرب‬
‫وتقنية الغرب ‪000‬‬
‫ويحظي العالم السلمي بنوع من الخصوصية في الصور الذهنية‬
‫المنطبعة‬
‫عند لدى الغربيين؛فهو إلى جانب كل ما ذكرناه عن الشرقيين‪,‬‬
‫عالم دموي متطرف إرهابي أصولي ‪ 0 00‬وحين سقط المعسكر‬
‫_‪_8‬‬
‫الشيوعي‪,‬صار الغرب ينظر إلى العالم السلمي على أنه العدو‬
‫القادم الذي ينبغي أن تُرصد تحركاته وأوضاعه ‪ 0‬وكلما أحرز‬
‫المسلمون نوعا ً من التقدم في اتجاه التمسك بالسلم‪ ,‬ازداد‬
‫الخوف الغرب من العالم السلمي ‪ 0‬والمتأمل ير أن (السلم‬
‫الصولي) صار يحتل القمة فيما يشغل العلم العالمي‪,‬وصار‬
‫جنرالت حلف الناتو‪ ,‬يضعون في حسبانهم أن أكثر المواجهات‬
‫العسكرية احتمالً‪,‬لن تكون بين الشرق والغرب‪,‬وإنما بين الشمال‬
‫والجنوب الذي يشغل المسلمون منه حيزا ً مهماً ‪0‬‬
‫إن الذي يغذ ّي هذه الصور‪,‬ويعيد تلميعها‪ ,‬هو رواسب الحروب‬
‫الصليبية‪ ,‬وتنافر المصالح الكونية بين أغنياء الشمال وفقراء‬
‫الجنوب‪,‬والتشويه العلمي المتعمد الذي تقف وراءه وسائل‬
‫العلم الصهيونية والعنصرية‪,‬بالضافة إلى سوء أحوال المسلمين‬
‫في كثير من المجالت‪,‬وشناعة العمال غير المسئولة التي تقوم‬
‫بها فئات وجماعات ودول وأحزاب من التعذيب والقتل والحتراب‬
‫الداخلي ‪,‬والخروج عن القانون‪,‬وانتهاك الحرمات‪,‬وأكل الحقوق ‪000‬‬
‫أضف إلى كل ذلك أن الغرب ل يستطيع أن يهضم‪,‬ويتفهم وضعية ل‬
‫ينفصل فيها الدين عن الدولة‪,‬كما ل يستطيع أن يستوعب منطقية‬
‫دين تغطي أحطامه كل حياة البشر‪ ,‬وغي جميع لطوارها؛ فهو‬
‫دائما ً يفهم الدين على أنه شأن شخصي‪,‬وعلقة خاصة بين العبد‬
‫وربه؛ وهو بذلك ينطلق في نظرته للدين والتدين من خلل معرفته‬
‫جلَتها العلمانية عن كل‬ ‫بالنصرانية‪,‬وبالكنيسة التي أ ْ‬
‫مواقعها‪,‬وحوَّلتها إلى مؤسسة تعني بالخدمات الجتماعية!!‬
‫ولو أن المر اقتصر على ذلك لهان الخطب‪,‬لكن الكنيسة قد‬
‫أصبحت تضفي المشروعية على بعض العمال والتصرفات التي ل‬
‫يمكن لي دين سماوي أن يقبل بها ‪ 0‬وعلى سبيل المثال فإن‬
‫الكنيسة النكليزية‪,‬قد أجازت عقد القران بين الرجال‪,‬وكانت‬
‫الكنيسة المريكية أدخلت من قبل إلى أروقتها الرقص والموسيقى‬
‫والغناء ‪ 000‬لذا فإن مقاييس الغرب للتدين‪,‬تدفعه نحو اعتبار كل‬
‫مسلم‪-‬مهما كانت درجة التزامه‪-‬أصولياً!‬
‫لست أعتقد أن بإمكاننا أن نغيَّر الصورة القاتمة التي يحملها‬
‫المواطن الغربي عن السلم والمسلمين‪.‬ما لم يتغير واقعنا‪,‬ونردم‬
‫جزءا ً من الهوة التي تفصلنا عن المضامين الخلقية والحضارية‬
‫التي نؤمن ونعتزبها ‪0‬‬

‫_‪_9‬‬
‫أما صورة الغرب في ذهنيّة المسلم فهي –بالطبع‪ -‬ليست صورة‬
‫سه احتقار‬ ‫واحدة ‪ 0‬ويمكن القول‪:‬إن بعض المسلمين يغلب على ح ّ‬
‫كل ما ينتمي إلى الحضارة الغربية‪,‬إلى جانب العتقاد بأن العالم‬
‫الغربي يتآمر على المسلمين‪ ,‬وهو أكبر مصدر لشقائهم وتخلفهم‬
‫‪000‬‬
‫لكن الشريحة العظمى من المسلمين ترى في الغرب نموذج‬
‫التقدم والنهضة والحداثة والتغير الجتماعي‪,‬كما أنه مهد العلم‬
‫والكتشاف والتطور الصناعي والتقني‪,‬إلى جانب أنه يقدم نموذجاً‬
‫على الصعيد النساني‪,‬تُراعي فيه الحقوق‪,‬وتُحفظ فيه كرامة‬
‫النسان‪,‬كما أنه نجح في تأسيس قوانين وأعراف تؤمن سهولة‬
‫التداول للسلطة سلمياً ‪000‬‬
‫وهذه النطباعات تتعمق في أذهان المسلمين كل يوم‪,‬ولسيما في‬
‫البلدان التي يشعر فيها الناس بسوء الحوال وانسداد الفاق‬
‫‪0‬ليعني هذا أن هذه الشريحة ل تنتقد الباحية وتفكك السرة‬
‫والنزعة المادية المبالغ فيها لدى الغرب؛فهذه المور وغيرها موضع‬
‫نقد بالغ‪,‬لكن يغض الطَّْرف عنها في كثير من الحيان انشغالً‬
‫باليجابيات التي تتناقلها وسائل العلم عن وكالت النباء الغربية ‪0‬‬
‫بعض المثقفين في بلد المسلمين‪,‬يحاولون على نحو مستمر تكوين‬
‫الصور السابقة وتجديدها عبر طموحات ومقولت ومحكَّات عديدة‬
‫‪0‬بداية الخطأ‪-‬على المستوى الفكري والمعرفي‪ -‬تنبع من النظر‬
‫إلى تأزم الواقع السلمي على أنه صدى لتأزم الفكر‬
‫السلمي‪,‬والثقافة السلمية‪,‬مع غض الطرف عن العلقة الجدلية‬
‫بينهما‪,‬وعن أن الصحيح أن تأزم الفكر كثيرا ً ما يكون ناتجا ً عن‬
‫تدهور الواقع المعيش‪,‬وعجز عن حفز الفكر‪ ,‬كي يجدد بنيته‬
‫ومقولته‪,‬وطرق عمله ‪0‬‬
‫وحين أُغلق باب الجتهاد في القرن الرابع الهجري‪,‬لم يتم إغلقه‬
‫بقرار من أي جهة‪,‬وإنما أغلق لن المجتمع لم يعد بحاجة إليه؛فما‬
‫كان متوفرا ً لديه من فكر ومعرفة لم يكن كافيا ً لتيسير دفة‬
‫الحياة‪,‬والجابة على تساؤلتها فحسب‪,‬بل كان فائضا ً عن الحاجة!‬
‫وواضح اليوم أن المزيد من طرح الفكار والمزيد من النقد للعقل‬
‫العربي والثقافة التقليدية‪,‬ل يصحبه تقدم حقيقي ‪,‬وإنما المزيد من‬
‫الشكوى من تدهور الوضاع والحوال ‪ 0‬وأكثر الذين يحملون رايات‬
‫الحتجاج‪,‬هم من‬

‫_‪_10‬‬
‫الفئة الكثر اعتزازا ً بالحضارة الغربية‪,‬والكثر إلحاحا ً على ضرورة‬
‫تقليدها ‪0‬‬
‫َّ‬
‫هذا الخطأ الولي جعل كثيرا ً من مثقفينا‪ ,‬يبحث عن مخلص من‬
‫الزمة الحضارية التي نعاني منها‪,‬ووجد أن النموذج الذي يصلح لن‬
‫يكون مرجعا ً في شؤون الحضارة‪,‬ينبغي أن يكون(مطلقاً) حتى‬
‫يصبح محورا ً ومقياساً‪,‬وقد وجدوا أن (العقل الثقافي) الغربي هو‬
‫ذلك المطلق المنشود‪,‬وكل ما فيه ثوابت مطلقات ‪0‬‬
‫وهم بذلك يحوَّلون عددا ً ضخما ً من الفكار والمفاهيم والنظم إلى‬
‫مفردات (أيدلوجية)‪,‬وفي ذلك خيانة واضحة لدستور‬
‫العقلنية‪,‬وميثاق العقل نفسه ‪ 0‬وهم في سبيل النجاح في عملهم‬
‫ذاك‪,‬يبرزون أمورا ً في شأن المنافس الغربي‪,‬ويغيّبون أموراً‬
‫أخرى‪:‬فالحاضر منه لطروحاتهم هو الوجه(العاقل)‪,‬والغالب منه هو‬
‫الوجه(المنفعل)؛الحاضر هو الوجه(الفيلسوف)‪,‬والغائب هو الوجه‬
‫(المتأدلج)؛الحاضر هو المعيارية الثابتة عبر التاريخ‪,‬والغائب هو‬
‫الذرائعية المتبدّلة عبر اقتضاءات المصلحة؛الحاضر والمقبول منه‬
‫هو(الخر الستراتيجي)‪,‬والغائب المسكوت عنه هو(الخر التكتيكي)‬
‫‪0‬‬
‫يتجاهل كثير من مثقفينا المنهمكين في جَّرنا إلى التماهي مع‬
‫النموذج الحضاري الغربي‪-‬أن بزوغ كثير من النظريات المعرفية‬
‫والجتماعية والسياسية في الغرب‪ -‬كان مقترنا ً بدخول الغرب في‬
‫طور التوسع القتصادي والجغرافي‪,‬وغزو القارات‪,‬والستيلء على‬
‫ل من حضارة)ول يمكن لكل ذلك أن يكون وليد‬ ‫كل مكان(خا ٍ‬
‫المصادفة ‪0‬‬
‫ولما كان غزو الدول الخرى ونهب خيراتها‪,‬يتناقض مع قيم الحرية‬
‫والديمقراطية‪,‬ومجمل القيم التي بُنيت عليها فكرة الرقي البشري‪-‬‬
‫فإن الغرب كان بحاجةٍ إلى تسويٍغ لعماله تلك‪,‬وانبثق عن تلك‬
‫الحاجة نزعة عميقة‪,‬تقول بتفاضلية الثقافات والمجتمعات‬
‫والحضارات والديان‪,‬وآلت تلك المقولة إلى نظرية(العقليات)التي‬
‫ظلّت وكأنها القول الفصل إلى ما بعد الحرب العالمية‬
‫َ‬
‫الثانية‪,‬وأصبح من المسل ّم به أن البشرية في تطورها التاريخي‬
‫ومسيرتها الكونية نحو الحضارة‪,‬أصناف وأقسام متباعدة‪,‬وأن‬
‫الحضارة الغربية تمثل خلصة التطور الكوني المطلق‪,‬بيد أن‬
‫المجموعات الخرى‪,‬ما تزال(بدائية)تعيش طور التوحش والهمجية‬
‫وشتى أوجه النحلل والجهل والفقر والبؤس والتخلف ‪000‬‬

‫_‪_11‬‬
‫أصور الغرب على أنه مجموعة من الشرور‪,‬وأن‬ ‫َّ‬ ‫ل أريد هنا أن‬
‫جميع قيمه بالية‪,‬ل حاجة لحد من الناس في شيء منها؛فهذا‬
‫خلُق النصاف الذي أُمرنا له؛ولكني أود أن‬ ‫مخالف للواقع‪,‬ومخالف ل ُ‬
‫نفهم المور على ما هي عليه مفَّرقين بين الوجه والقناع‪,‬والقول‬
‫والفعل ‪0‬كما أود أل يؤدي الوعي بالخر إلى احتقار‬
‫الذات‪,‬والصيرورة إلى العدمية والتشاؤمية ‪000‬وإنما إلى تقديم ما‬
‫لدينا‪,‬واكتشاف إيجابياته وسلبياته‪,‬والستفادة من التجربة الحضارية‬
‫العالمية‪,‬دون تجاهل للخصوصيات‪,‬ودون خلط بين التجديد‬
‫الحضاري والتبعية للخرين ‪000‬‬
‫إننا نؤمن بتلقي الحضارات وتلقح الثقافات‪,‬ووجود مساحات‬
‫واسعة للتعاون العالمي‪,‬كما نؤمن بالتسامح مع المخالفين‪,‬ولكن‬
‫بشرط أل يقابل تسامحنا بإنكار المخالف بحق الختلف والنَّدَّية‬
‫العتبارية‪,‬والصرار على البتزاز الثقافي؛وإل فإن الموقف اللئق بنا‬
‫آنذاك هو رفض الحتواء والتبعية‪,‬وليس النفتاح والتسامح ‪0‬‬
‫إن عالمية رسالة السلم‪,‬ل تستوي على سوقها إل من خلل‬
‫استهدافنا لهداية العالم كله‪:‬قريبه وبعيده‪,‬حليفه ومنافسه ‪0‬وهذا‬
‫الستهداف يستدعي كياسة في التعامل‪,‬وفهما ً عميقا ً للخر ‪ 0‬وإن‬
‫منهجنا الصلحي الكوني‪,‬ل يتأيى له النضج والمناهزة المستمرة‬
‫للكتمال من غير تلَّقي ما لدى الخرين بعقل مفتوح وإرادة صلبة‬
‫وعزم أكيد على الستفادة مما لديهم في تصحيح الخطاء وسد‬
‫الثغرات وتلفي أشكال القصور الذاتي ‪000‬‬
‫ول ينبغي أن يغيب عن بالنا أن في الدول غير السلمية مئات‬
‫المسلمين الذين يشكَّلون أقليات في تلك الدول‪,‬ول بد من مراعاة‬
‫مصالحهم عند كل حركة مد أو جزر‪,‬تتعرض لها علقاتنا مع تلك‬
‫الدول ‪0‬‬
‫الغرب غرب‪,‬والشرق شرق‪,‬ول يمكن لهما أن يصبحا شيئاً‬
‫واحداً‪,‬ولكن سيكون بإمكان كل واحد منهما أن يستفيد من الخر‬
‫إذا ما راعى كل منهما حقوق الطرق الخر‪,‬وخصوصيته‬
‫الحضارية‪,‬وأخذها بعين العتبار في حالت التعاون وفي حالت‬
‫التنافس والعداء؛وسنظل نأمل بحصول شيء من ذلك‪,‬مهما كانت‬
‫المعطيات السائدة باعثة على التشاؤم ‪0‬‬

‫_‪_12‬‬
‫الفصــــــــل الثاني ‪-:‬‬

‫فهم العصر‬ ‫ن من‬ ‫إ َّ‬


‫نعيش‬ ‫الذي‬
‫فيه‪,‬هو الخطوة الولى التي يجب أن نخطوها نحو التمكن من‬
‫العيش فيه على نحو مقبول وفعّال ‪0‬ليس فهم زماننا وواقعنا بالمر‬
‫اليسير؛فالواقع المعيش أشبه بما سماه الفلسفة بـ(الهيولى) وهو‬
‫أحيانا ً أشبه بـ(الزئبق) فهو يطاوعك إلى أقصى حد‪,‬لكنه يتأبى على‬
‫التشكيل والقولبة‪,‬فتكون مطاوعته الشديدة خادعة ‪0‬‬
‫وهكذا شأننا مع الحداث الجارية في عصرنا‪,‬فعلى حين يدّعي‬
‫معظم الناس أنهم فاهمون لكل ما يجري ومستوعبون‪,‬يأتي من‬
‫يقول‪:‬إن الناس غير دارين بشيء؛وما يقال ويعلن يعطي انطباعاً‬
‫مغايرا ً تماما ً لما يجري في حقيقة المر ‪0‬‬
‫سبب الصعوبة البالغة في فهم الواقع العام‪,‬والعصر‪-‬على نحو‬
‫أعقد‪-‬أن الناس أينما كانوا ل يستطيعون فهم الواقع إل عبر‬
‫(إشكالية) أو بنية معرفية فكرية مكونة من ثلثة عناصر‬
‫أساسية‪,‬هي‪:‬معتقداتهم وقيمهم‪,‬ومركَّبهم العقلي‪,‬والمعلومات‬
‫المتعلقة بالشيء أو الحدث الذي يحاولون فهمه‪.‬‬
‫عقائد الناس وقيمهم‪,‬بينهما درجة ما من التفاوت والتباين؛حتى إن‬
‫أبناء الملة الواحدة حين ينظرون إلى عمل ما من زاوية عََقدية‪,‬ل‬
‫َ‬
‫يرونه على درجة واحد ة من الوضوح؛كما أن سل ّم القيم والولويات‬
‫ليس ذا ترتيب واحد بينهم‪,‬ومركَّباتهم العقلية أو المبادئ الثقافية‬
‫والمعرفية التي ينظرون من خللها إلى الشياء‪,‬ليست هي الخرى‬
‫حسن النية‪,‬ينظر‬ ‫حدة؛فعلى حين ينظر بعضهم بعيون التفاؤل و ُ‬ ‫مو َّ‬
‫آخرون بعيون الريبة والتشاؤم‪.‬وعلى حين يتمتع بعضهم برحابة‬
‫الفق والفهم العميق‪,‬يتناول بعضهم الخر المور من زاوية‬
‫سطة الفهم ‪000‬‬ ‫ضيقة‪,‬ويستخدم أدوات معرفية مب َّ‬
‫المعلومات بالقضية موضع الستبصار متفاوتة تفاوتا ً كبيرا ً بين أهل‬
‫بلد وأهل بلد آخر‪,‬وبين شخص وشخص آخر؛فالفارق ضخم بين‬
‫معلومات المباشرين لمر‪,‬ومعلومات الذين درسوا حوله‪,‬ومعلومات‬
‫الذين سمعوابه ‪000‬‬

‫_‪_13‬‬
‫هذا التفاوت بين عناصر البنية التي ندرك من خللها الواقع‪,‬يؤدي‬
‫في الحقيقة إلى تشابك ألوف الخيوط والمعطيات والعتبارات‬
‫التي تستدعي في النهاية ما ل يحصى من الفهوم والرؤى وزوايا‬
‫النظر والمواقف وأشكال الستجابة ‪0‬وهذا كله يجعل فهمنا لعصرنا‬
‫وواقعنا بالتالي نسبياً ‪0‬وكثيرا ً ما نجد أنفسنا حيال فهم مسألة من‬
‫مسائله كمن يدور داخل دوامة ‪,‬فقدت محورها!‬
‫إن كل أشكال القراءة للنصوص الشعرية والفلسفية‪,‬يمكن أن‬
‫م في قراءة الواقع‪,‬وربما استطعنا أن نميّز منها ثلثة أشكال‬ ‫تُستخد َ‬
‫أساسية‪,‬هي‪:‬القراءة المزيفة‪,‬والقراءة العادية‪,‬والقراءة الناقدة‬
‫المتعمقة‪,‬وكل واحدة من هذه القراءات درجات عدة ‪0‬وإن كل ما‬
‫سنذكره في هذا الكتاب‪,‬ل يعدو أن يكون نوعا ً من‬
‫المقاربة‪,‬وتوضيح بعض الملمح والوضاع‪,‬ليس أكثر ‪0‬‬
‫حين نريد فهم قضية بالغة التعقيد؛ فإن مما يعيننا على ذلك‪,‬تفتيت‬
‫تلك القضية إلى أكبر عدد ممكن من الجزاء؛وكلما نجحنا في‬
‫تفتيتها أكثر‪,‬كان ذلك أعون لنا على فهم أعمق لها ‪0‬إذا أردنا‪-‬على‬
‫سبيل المثال‪ -‬فهم ظاهرة (الفقر)وجب أن نعَّرف الفقر‪,‬ونحدد‬
‫مرادنا من وراء إطلق هذه الكلمة‪,‬وأن نحدد زمان هذه الظاهرة‬
‫ومكانها‪,‬ونبحث بعد ذلك في جذور الفقر العميقة وأسبابه المباشرة‬
‫والغير مباشرة‪,‬والجهات المسؤولة عن وجوده ‪000‬‬
‫ورغم كل هذه التجزئة‪,‬فإن فهمنا لهذه الظاهرة‪,‬هو فهم‬
‫مناهز‪,‬يروم ول يصل ‪,‬ول يقترب‪,‬ول يُمسك!‬
‫ل ينبغي أن نهمل في هذا الشأن قضية مهمة‪,‬هي علقات القضية‬
‫التي نحاول فهمها‪,‬ففي زمان شديد التعقيد كزماننا‪ ,‬يصبح ما‬
‫تستفيده أية قضية من علقتها بالقضايا الخرى بمثابة طبيعة ثانية‬
‫لها ‪0‬من العسير جدا ً أن نفهم ظاهرة كظاهرة الفقر دون فهم تاريخ‬
‫البلد الذي توطنت فيه الظاهرة‪,‬وجغرافيه وموارده‬
‫القتصادية‪,‬والعادات الجتماعية السائدة فيه‪,‬وطبيعة النظام‬
‫السياسي الذي يحكمه‪,‬وفعاليّة نظامه القيمي في توجيه‬
‫السلوك‪,‬ومدى سيادة القانون والنظم فيه ‪00‬‬
‫إني ل أطمح إلى الفهم النهائي‪,‬ول الفهام الكامل‪,‬لكن كل ما‬
‫أرجوه هو أل أعطي انطباعات خاطئة عن المسائل التي سأتطرق‬
‫َّ‬
‫ول ‪0‬‬‫حوْل والط ْ‬
‫إليها؛ومن الله ال َ‬
‫أولً_من التفاؤل إلى العـدميـة‪:‬‬

‫_‪_14‬‬
‫حين ينسى النسان خالقه‪,‬وبداية وجوده‪,‬وضعفه الشديد أمام‬
‫عوادي الزمان‪-‬فإنه يصبح من اليسير عليه أن يغرق في شبر من‬
‫قوة‪,‬وأن يسير خلف أوهام المكتشفات العلمية‪,‬والمخترعات‬
‫سر من خللها كل مسائل الحياة‪,‬حتى مسألة‬ ‫والصناعات‪,‬وأن يف ّ‬
‫الروح وبداية الخلق! وحين يغادر النسان كل‬
‫الطر الثابتة‪,‬فإنه سيكون عاجزا ً عن المساك بالكليات الكبرى‬
‫التي تحدد له‬
‫مساره‪,‬وتؤسس له علقته بما حوله؛وذلك لنه المحك المرجعي‬
‫آنذاك‪,‬سيكون عبارة عن بنية فكرية‪-‬كونية‪,‬ما فتئت تتغير‪,‬وتتشكل‬
‫وفق هيكل الحقيقة الذي تطرأ عليه تغيرات مستمرة‪,‬من جراء‬
‫مة أصول‬ ‫البحوث والكشوف والدراسات الجديدة‪,‬وبهذا ل تكون ث ّ‬
‫يتحاكم إليها‪,‬وإنما بُنيات فكرية ومعرفية انتقائية وتاريخية‬
‫متغيرة‪,‬وُلِدت في بيئات ذات خصوصيات ثقافية معينة ‪0‬‬
‫ومن العجب أن يأمل الملحدون وأشباههم في أن تستطيع تلك‬
‫البنيات تقديم تفسير شامل للكون والحياة‪,‬وتقديم أطر ومرتكزات‬
‫صالحة لتقنين العلقات بين البشر‪,‬وتحديد المطالب الساسية‬
‫للحياة والحياء!!‪0‬وذاك خطأ –ل ريب فيه‪ -‬في المنطلق الساسي‬
‫الذي وضعه الغرب في هذا الشأن ‪0‬‬
‫يقول(توماس كون)‪"" :‬القرن العشرون الذي يوشك أن يأفل‪,‬هو‬
‫بمعنى من المعاني الوجه المقابل للقرن التاسع عشر‪,‬على نحو‬
‫يؤذن بعالم جديد تماما ً في فكر وفلسفة إنسان القرن الحادي‬
‫والعشرين‪ :‬كان القرن التاسع عشر قرن العقل و اليقين‪,‬وأما‬
‫العشرون‪,‬فهو قرت الشك ةالحتمال ‪0‬وكان القرن التاسع عشر‬
‫قرن اليمان بالنظريات والمذاهب‪,‬وواحدية النظرية أو المذهب‬
‫‪0‬أما القرن العشرون فهو قرن التمرد والثورة والتعددية ‪0‬و كان‬
‫القرن التاسع عشر قرن الثقة في الستقرار وانتصار النسان ‪ 0‬أما‬
‫القرن العشرون فهو قرن الزمات والصدمات ‪0‬كان القرن التاسع‬
‫عشر قرن الذات‪-‬الجوهر الفاعلة المتعالية على السياق والتاريخ‬
‫‪00‬أما القرن العشرون ‪,‬فهو قرن الذات –الموضوع رهن السياق‬
‫ل القرن العشرون بأزمة عصفت بكل دعائم‬ ‫ووليد التاريخ ‪00‬أه َّ‬
‫الثقة‪,‬وبكل أركان اليقين ‪,‬وبكل مبررات استقلل الذات أو‬
‫الموضوع‪,‬وثار العقل على نفسه في سياق من الحداث الجتماعية‬
‫المأساوية‪,‬وبقوة دفع التطورات والنجازات العلمية الطبيعية منها‬
‫والنسانية ‪ 0‬وتغيرت مقومات الفكر‪,‬بل أسس الثقافة ذاتها‬
‫_‪_15‬‬
‫‪000‬أثبتت نظرية(النسبية)أن أساس العلوم المضبوطة الذي كان‬
‫يعتبر أمرا ً بدهيا َ يمكن أن يتغير‪ ,‬بعد أن أحاطت الشكوك بجوهر‬
‫الفيزياء الكلسيكية""‬
‫ربطت نظريات القرن التاسع عشر الخاصة بالتقدم بين شرور‬
‫البشر وبين حالة التخلف والتطور الجتماعي؛وحين وقعت الحرب‬
‫العالمية الولى والحرب الثانية‪,‬وألقيت القنابل الذرية على البشر‬
‫في اليابان‪,‬وارتُكِبَت أبشع الفظائع تجاه الضعفاء والنساء والشيوخ‪-‬‬
‫نشأ إحساس قوي بأن التطور القتصادي‪,‬وانتشار التعليم‪,‬واغتناء‬
‫الثقافات‪,‬أمور غير كافية للحد َّ من الجرائم والتدهور الخلقي‪،‬وصار‬
‫هناك من يتساءل‪:‬ما جدوى ما ندعيه من التقدم التاريخي إذن؟!‬
‫التفاؤل المبالغ فيه الذي كان يعم الغرب في القرن التاسع‬
‫َّ‬
‫عشر‪,‬نشأ من أن الغرب‪,‬لم يكن يعرف محدودية(العلم) الذي علق‬
‫عليه كل آماله؛وقد كان العلم آنذاك في أوله‪,‬ولم يكن بالمكان‬
‫معرفة تلك المحدودية إل بعد أن يبلغ العلم مداه‪,‬أو يكاد ‪ 0‬وحين‬
‫وصل العلماء إلى طريق مسدود ببحث كثير من المسائل‪,‬ساد في‬
‫الوساط العلمية شعور بأن التفاؤل المفرط‪,‬هو أول خطوة في‬
‫طريق التشاؤم والعبث‪,‬وانقطاع الرجـاء ‪000‬‬
‫بعد التفاؤل المفرط بإمكانية سيطرة النسان على الطبيعة‪,‬حل‬
‫الشعور بالتفاهة والنحسار؛وقد عبَّر(الوجوديون)عن الحالة التي‬
‫م‬
‫صار إليها الوجود النساني بأنها‪:‬عدم وموت وحصر وه ّ‬
‫وضيق‪,‬وضياع للفرد في للجماعة‪,‬وثرثرة وغثيان وفراغ وعبث‬
‫‪000‬والنسان على حد تعبير( كامـو)‪ :‬تناقض وسخف‪,‬ول معقول‪,‬بل‬
‫غاية أو هدف‪,‬ومصيره النتحار!‪0‬‬
‫والوجود النساني عند(ميرلو بونتي) و (مارسل)‪:‬جسم ‪,‬والنفس‬
‫أحد أبعاده ‪ 0‬ومنذ(كير كجادو) الوجود النساني تناقض وفضيحة‬
‫وعار؛حتى انتهى كثير من الفلسفات الوجودية إلى البعث‬
‫واللمعقول‪,‬على عكس ما كان عليه الوعي الوروبي في البداية‬
‫عندما كان يتسم بالعقل والهدف والغاية والحرية والتقدم والوضوح‬
‫والتساق ‪0‬‬
‫إن عالمنا السلمي لم ولن يستطيع أن يلفت من روح التشاؤم‬
‫التي ولدت في بلد الغرب‪,‬وأخذت تنسل في كل شبر في‬
‫الرض؛ونظرة واحدة في معظم الواوين الشعرية الحديثة‪,‬وفي‬
‫الكتابات الحضارية عامة‪,‬بل في أحاديث مجالس السمر لدى‬
‫العامة والخاصة‪-‬كافية لتأكيد أن الناس يشعرون أن أفضل أيام‬

‫_‪_16‬‬
‫البشرية‪,‬قد ولى‪,‬وأن صنوفا ً من اللم والخفاقات الهائلة‪,‬تنتظر‬
‫الجيال القادمة ‪0‬‬
‫إن إعراض البشرية عن هدي النبياء‪ -‬عليهم الصلة والسلم‪ -‬قد‬
‫جعل التقدم العلمي يقترن بالمزيد من انتشار الفاحشة‪,‬والنحلل‬
‫الخلقي وإدمان المخدرات وفشو الرشوة‪,‬والنهب المنظم‪,‬والتزوير‬
‫والغش ‪000‬‬
‫وإن الذين سيتفاءلون مع انتشار هذه الوبئة لن يكونوا‬
‫موضوعيين‪,‬وإنما سيكونون كمن اختار أن يغني بين القبور!‪0‬‬
‫النصوص التي تدل على حدوث انهيارات إيمانية وخلقية واجتماعية‬
‫ل على أن هناك‬ ‫في آخر الزمان كثيرة‪,‬لكن هناك أيضا ً نصوص تد ّ‬
‫ضمن سياق التراجع حركة مد ّ وزجر‪ ,‬وكثيرا ً من مضات الخير‬
‫َ‬
‫وإشراقات الصلح؛ هذا بالضافة إلى أن المسلم مكل ّف دائما ً أن‬
‫يفعل كل ما يستطيع‪ ,‬وأن يقدم أفضل ما لديه‪,‬مهما كان الوسط‬
‫الذي يعيش فيه سيئا ً وميؤوسا ً منه‪,‬والمسلمون الملتزمون يعرفون‬
‫إلى هذه اللحظة طريق العودة‪,‬ويعرفون كيف يبعثون في الحياة‬
‫المل والرجاء من جديد‪,‬لكن لبد لذلك من شيء من‬
‫التضحية‪,‬ودفع الثمن الذي يجب أن يدفعه كل من يسبح ضد‬
‫التيار‪,‬ويحاول إنقاذ سفينة مشرفة على الغرق؛ وكل الثمان‬
‫الباهظة ستكون قليلة حين يكون العوض الطمأنينة في الدنيا‪,‬‬
‫والنجاة في الخرة!‬
‫ثانياً_ضياع الهدف النهائي‪:‬‬
‫تجمع الديانات والرسالت السماوية على تحديد هدف نهائي واحد‬
‫ل‪-‬وما يترتب على ذلك‬ ‫لهذه الحياة هو‪:‬الفوز برضوان الله‪-‬عَّز و ج َّ‬
‫من النعيم المقيم في جنات الخلد ‪ 0‬وجود هذا الهدف لم يحفز‬
‫الهمم على العمل فحسب‪,‬وإنما أسبغ نوعا ً من التوحد والمنطقية‬
‫على مناشط الحياة كلها‪،‬وجعلها معقولة ومفهومة ‪0‬‬
‫ميزة هذا الهدف للحياة أن الهداف الخرى جميعها‪,‬تصبح وسائل‬
‫بالنسبة إليه؛مما يوجد ارتباطا ً فريدا ً بين مجموعة الهداف‬
‫المختلفة ‪0‬سيطرة هذا الهدف على حس الناس ومشاعرهم‬
‫وتصرفاتهم وحساباتهم كان باستمرار يشكل مخرجا ً حيث ل‬
‫حي بالحياة‬‫مخرج‪,‬وحل ً حيث ل حل؛فهدف على هذا المستوى‪,‬يُض َّ‬
‫كلها من أجله‪,‬وهذا ما يفعله في الحقيقة الشهيد والملتزم التزاماً‬
‫صارماً ‪0‬الشهيد والملتزم‪,‬هما أعظم الناس نفعا ً للبشرية؛لنهما‬
‫يعطيان للحياة‪,‬ول يسحبان من رصيدها‪,‬وإنما يسحبان من رصيد‬
‫_‪_17‬‬
‫آخر‪,‬هو رصيد الخرة‪,‬مما يخفف من كثير من الزمات في زمان‬
‫تتجه الشياء كلها نحو(الندرة) وفي زمان لم يصبح فيه شيء بدون‬
‫ثمن ‪0‬‬
‫وجود هدف يسمو على مطالب الحياة الدنيا‪,‬قد أعطى للنسان‬
‫مل لواء الحياة‪,‬فحين تنسد‬ ‫طاقة هائلة في مواجهة الصعاب‪,‬وتح ُّ‬
‫السبل‪,‬وتنقطع حبال الرجاء؛يجد المسلم في معونة الله‪-‬تعالى‪-‬‬
‫والمل في تفريجه‪,‬ونيل المثوبة منه‪,‬ما يفتح أمامه أبواباً‬
‫جديدة‪,‬فيتجاوز كل أسباب اللم والضيق؛إذ يتصل بمسبَّب السباب‪-‬‬
‫ل و عل‪-‬وهذا هو السر في الظاهرة العالمية المشهورة؛ظاهرة‬ ‫ج َّ‬
‫أن المسلم ل ينتحر!أما الخرون فإنهم ينتحرون لسباب تافهة(‪([)1‬‬
‫‪ )1‬ذكرت وكالت النباء أن أمرأة إنكليزية‪,‬انتحرت؛لن كلبها أصيب‬
‫بمرض عضال‪,‬فلم تطق رؤيته يتألم!‪0‬‬
‫وفي أيامنا هذه شنق كوري نفسه لنه خسر دراجته النارية في‬
‫رهان فوز أحد فرقاء كرة القدم في فرنسا!‪ ,]0‬مع أنهم اخترعوا‬
‫في وسائل السلمة والمرفهات أشياء كثيرة‪,‬ل تخلو من المبالغة‬
‫والحتياط الشديد!‪0‬‬
‫ل البشرية اليوم‪,‬وما مدى إحساس الناس بهدف‬ ‫ما حا ُ‬
‫الهداف‪,‬والغاية الكبرى من الوجود على هذه البسيطة؟‪0‬‬
‫يمكن أن نقسم الناس تجاه هذه المسألة إلى ثلثة أقسام‪:‬قسم‬
‫فقد التجاه نحو الغاية‪,‬وفقد من قبل الغاية نفسها ‪0‬‬
‫قسم يعرف الغاية‪,‬ويقوم ببعض العمال التي قد توصل إليها‪,‬لكنها‬
‫ليست حاضرة دائما ً في شعوره وبرامج عمله‪,‬واعتباراته المختلفة‬
‫‪0‬‬
‫قسم ثالث يتخذ من النسجام مع الغاية الكبرى مؤشرا ً على صحة‬
‫ما هو فيه‪,‬ويعد العمل على الوصول إليها ذا أولوية مطلقة في كل‬
‫ما يأتي ويذر‪,‬وإلى القسمين الخيرين ينتمي كل من هو داخل‬
‫حظيرة السلم ‪0‬‬
‫فس مادي مصلحي نفعي‪,‬وإن‬ ‫فس العام لواقعنا الحاضر‪,‬هو ن َ َ‬‫إن الن َّ َ‬
‫الحساس بالهدف من هذا الوجود‪,‬معدوم لدى السواد العظم من‬
‫صنَّاع الحضارة التي تظلل عصرنا ‪0‬وإذا تساءلنا عن السبب في‬
‫ذلك فإننا سنجد أسبابا ً عديدة ‪,‬وأهمها سببان‪:‬‬
‫‪.1‬الول منهما أن انحرافات الكنيسة‪,‬ووقوعها ضد مصالح الطبقات‬
‫الفقيرة إلى جانب وقوعها ضد حركة البحث العلمي في‬
‫َّ‬
‫الغرب‪,‬بالضافة إلى فساد رجالها الخلقي والسلوكي؛قد ولد‬
‫_‪_18‬‬
‫عداءً مستحكما ً بين قادة الفكر والتنوير والقوى الجتماعية‬
‫الجديدة وبين الكنيسة‪,‬وكل ما يتصل بها من إيمان بالله والبعث‬
‫والجزاء والحساب ‪000‬‬
‫حتى قال (فو رباخ)‪"":‬إن الدين هو إضاعة النسان لجوهره؛فالدين‬
‫يقذف بهذا الجوهر في (كائن إلهي) خارج عن ذاته‪,‬وهو محض من‬
‫إنتاج ضميره""!!‪0‬‬
‫‪.2‬السبب المهم الثاني هو النتصارات التي حققها العلم في‬
‫القرون الثلثة الماضية في كافة مجالت الحياة‪,‬والتي أدخلت‬
‫الوهم على الوعي الغربي‪,‬حيث ساد اعتقاد بأن العلم قادر على‬
‫ل كل الشكالت‪,‬ورسم كل خطوط السير في كل شؤون‬ ‫ح ّ‬
‫البشرية‪,‬ومن ثم فإن (اليمان) قد فقد مجالته ووظائفه‪,‬وقد آن‬
‫أن يذهب إلى غير رجعة‪,‬وصارت المعادلة‪:‬إما أن تكون مؤمناً‬
‫غير عالم‪,‬وإما أن تكون عالما ً غير مؤمن!‪0‬‬
‫إن الحداثة الغربية‪,‬تتعرض اليوم لمراجعة من لدن مفكرين كبار‬
‫بغية إعادة التوازن إليها‪,‬وإيجاد علقة جديدة بين العلم‬
‫واليمان؛حتى إن بعضهم يذهب إلى أن (العصر الوضعي) قد‬
‫خلَْفنا ل أمامنا‪,‬وأننا الن على عتبة عصر جديد‪,‬هو عصر‬ ‫ولّى‪,‬وأصبح َ‬
‫ما بعد الحداثة‪ ,‬وهو عصر أقرب إلى اليمان منه إلى اللحاد ‪0‬‬
‫ويمكن القول‪:‬إن بعض علماء الغرب المشتغلين في مجالت‬
‫العلوم الطبيعية خاصة‪-‬قد بدؤوا حقا ً يدركون أن أخطاء الكنيسة‬
‫الفادحة‪,‬قد قوبلت بردود فعل غير متزنة من قبل الفلسفة والدباء‬
‫والعلماء الغربيين عامة؛مما يقضي من كل الفريقين‪-‬الكنيسة‬
‫وخصومها‪ -‬أن يخطوا خطوات إلى الوراء ‪0‬‬
‫بدأ بعض علماء الغرب يشعرون بالتفاوت بين العلم واليمان‪,‬أو بين‬
‫العلم والوحي على مستويين‪:‬مستوى الطبيعة والمنهج‪,‬ومستوى‬
‫الهدف؛فهما ل يتموضعان على مستوى واحد؛ولذا فل ينبغي إقامة‬
‫صراع بينهما ‪0‬‬
‫يقول(بيير كارلي)‪ :‬يستخدم العلم أداة محددة‪,‬هي العقل والمنهجية‬
‫الرياضية من أجل وصف الظواهر والبرهنة عليها ‪ 0‬ويهتم العقل‬
‫بكل ما هو قابل للتحقق منه علمياً‪,‬أو البرهنة عليه تجريبياً ‪ 0‬العلم‬
‫يبتدئ بصياغة الفرضيات عن ظاهرة من الظواهر‪,‬ثم يجرى‬
‫التجارب لكي يتأكد من صحة هذه الفرضيات‪,‬أو من عدم صحتها ‪0‬‬
‫ويتميز العلم بالتصحيح المستمر لنتائجه‪,‬بمعنى أنه يقبل بوضعها‬
‫على محك الشك‪,‬كلما دعت الحاجة إلى ذلك؛ فليس هناك حقيقة‬
‫_‪_19‬‬
‫مطلقة في مجال العلم‪,‬وإنما هناك حقائق تقريبية مؤقتة‪,‬وعن هذا‬
‫الطريق يتقدم العلم باستمرار ‪0‬‬
‫ويقول(أندريه ليشنرويز) أستاذ الفيزياء الرياضية في (الكوليج)‪:‬إن‬
‫الخطاب العلمي‪,‬ل يستطيع أن يخرج من ذاته دون أن يفقد‬
‫خصوصيته‪,‬وتكمن مهمته في تفسير تركيبة الشياء والظواهر؛فهو‬
‫يحللها ويشَّرحها تشريحاً‪,‬ويكشف عن قوانينها وبنيتها الداخلية‪,‬ولكن‬
‫ليس عنده كل شيء لكي يقوله عن غائية الشياء‪,‬أو معنى‬
‫الوجود‪,‬او الهدف من الحياة في نهاية المطاف‪,‬فهذه هي مهمة‬
‫(الدين) أو الفلسفة بشكل أساسي ‪ 0‬العلم يستطيع أن يف َّ‬
‫سر‬
‫الشياء‪,‬لكنه ل يستطيع أن يقوا‪:‬لماذا وجدت الشياء‪,‬أو ما هي‬
‫الغاية من الكون ‪ 0‬الموت أو القطيعة البدية تحرق قلب‬
‫النسان‪,‬وتشغل باله كثيرا ً إذا لم يكن مؤمنا ً راضيا ً بقضاء الله‪,‬‬
‫واثقا ً من عفوه ومغفرته في الخرة ‪0‬‬
‫قد‬‫إن الغربيين الذين يشعرون بمدى الضياع الذي أصابهم بسبب فَ ْ‬
‫اليمان‪,‬وفَْقد الهدف النهائي للحياة‪-‬يتزايدون في الحقيقة‪,‬لكن‬
‫المؤسف أن الغرب‪,‬قد رتَّب شؤونه كلها في المجالت كافة على‬
‫أن الحياة هي الحياة الدنيا وحدها‪,‬ولن على المجتمع أن يتجاوز كل‬
‫المبادئ والخلق والفكار المتعالية التي تأتي من خارج المجتمع‬
‫البشري لتنظمه ‪ 0‬إنه يطمح لن يرى في إنتاجه الحضاري‬
‫الشخصي المبادئ والوسائل التي تمنحه للستقرار‪,‬وتصلح شؤونه ‪0‬‬
‫جر كل سبل العودة إلى الدين‬ ‫والنكى من هذا أن الغرب ف َّ‬
‫َ‬
‫والوحي؛ ولذا فإن مشاعر الحباط التي ول ّدها اللحاد‪,‬وتفتحات‬
‫بعض علمائه على ضرورة تغيير المسار‪ -‬لن تكون كافية لبعث‬
‫أهداف جديدة للحياة‪,‬وللتصال بالحياة الخرة ‪ 0‬ومثل هذا لو‬
‫محاً‬ ‫مل ْ َ‬
‫انطلق‪,‬فإنه سيكون بحاجة إلى أجيال عديدة حتى يصبح َ‬
‫واضحا ً من ملمح المجتمعات هناك ‪0‬‬
‫السواد العظم من المسلمين يمتلك‪-‬بحمد الله‪ -‬على المستوى‬
‫النظري المعرفة بالغاية الكبرى لوجوده‪,‬وكثير أولئك الذين يحاولون‬
‫منْهَجية حياتهم على مقتضاها؛ وهذا ما يخفف من ضغوط الحياة‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫عليهم‪,‬ويمنح مجتمعاتنا السلمية نوعا من التماسك على الرغم من‬
‫سوء كثير من الحوال‪,‬لكن هذا ل ينبغي أن ينسينا أن روح الحياة‬
‫الغربية‪,‬تسري أكثر فأكثر في حياة المسلمين‪,‬وقد أخذت الهداف‬
‫الدنيوية النية‪ ,‬ومطالب الحياة اليومية‪,‬تضغط أكثر فأكثر‬
‫عليهم‪,‬وتشكل بالتالي حركتهم ومناشطهم اليومية على مقتضاها ‪0‬‬
‫_‪_20‬‬
‫ف أن كثيرا ً من الناس اليوم يقوم بأعمال ليس لها أي‬
‫وليس بخا ٍ‬
‫تفسير مقنع‪,‬وليس لها أي معنى‪:‬تجد كثيرين يملكون مئات‬
‫المليين‪,‬ومع ذلك فهم يكذبون ويغشون ويضيعون بعض‬
‫الفرائض‪,‬ويقطعون أرحامهم‪,‬ويغامرون بصحتهم في سبيل الحصول‬
‫على المزيد من المال الذي ل يعرفون متى سيتمتعون به‪,‬ول مدى‬
‫حاجتهم إليه‪,‬إنه التيه‪,‬والغرق في دوامة الضياع‪,‬ل ترحم! مهمة‬
‫اليمان بالغاية العظمى للوجود‪,‬ل تقتصر على رسم الفضاء النظري‬
‫للعقل والقلب فحسب‪,‬وإنما جعل الغاية حاضرة على مستوى‬
‫خلُق والسلوك والعلقة وترتيب الولويات‬‫الشعور‪,‬وعلى مستوى ال ُ‬
‫والتخلي عن بعض الرغبات‪,‬أي‪:‬صياغة حياة المسلم وفق المنهج‬
‫الربَّاني الرشيد ‪0‬‬
‫وهنا تبرز مسؤولية القلة المؤمنة التي تنعم بالعيش في ظلل‬
‫اللتزام الصحيح‪ -‬في التفكير مليا ً في نوعية الظروف الكثر ملءمة‬
‫لدفع السواد العظم من المسلمين في اتجاه العيش على مقتضى‬
‫المر الشرعي‪,‬والسعي الحثيث إلى توفير ما يمكن توفيره منها؛‬
‫وما تلك بالمهمة السهلة؛ولكن ليس ثمة خيارات أخرى ‪0‬‬
‫ثالثاً_التأّزم الخـــــــــلقـــــي‪:‬‬
‫هل كان أمام العالم من سبيل يحول دون الخواء الروحي والخراب‬
‫الداخلي الذي يعاني منه النسان الحديث بعد أن تم شطب كل أو‬
‫معظم ما يقع وراء إدراكات الحواس‪,‬شأنا ً غامضاً‪,‬أو غير مهم؟‪0‬‬
‫المركز المحوري الذي احتلته(الروح) على مدار آلف السنين‬
‫غادرته منذ أكثر من مئة عام‪,‬وصار يُنْظَر إليها اليوم على أنها وهم‬
‫أو خرافة من خرافات الماضي‪,‬وصار يعبَّر عن الحديث عنها بأنه‬
‫رجعي‪,‬ول علمي‪,‬وما ورائي؛وصار النسان في القرن‬
‫العشرين‪,‬يقبل دون جدل بأنه ل شيء في هذا الكون إل الطاقة‬
‫والمادة المعروفتان ‪0‬صارت(الروح)تُصوَّر في كثير من الكتب على‬
‫أنها الوعي أو الصورة الذهنية للمدركات‪,‬أو المعنى ‪,‬أو المعنويات‬
‫‪000‬‬
‫ل ريب أن العالم السلمي لم يصل إلى هذا الحد‪,‬لكن يصح القول‬
‫أيضاً‪:‬إن‬
‫الخطط التنموية في معظم البلدان السلمية‪,‬ل تعكس اهتماماً‬
‫خاصا ً بهذه المسألة عما ذكرناه لدى الخرين‪,‬وما نراه من اختلف‬
‫يعود إلى جهود فردية وشعبية في أكثر المر ‪0‬‬

‫_‪_21‬‬
‫ومن الواضح أننا بدأنا نسير شيئا ً فشيئا ً خلف الغرب في تقديم كل‬
‫رهاناتنا للنتاج والتقدم المادي‪,‬وتأمين حاجات الجسد ‪000‬حتى‬
‫السلوك الشعبي اختلف في العشرين سنة الخيرة‪,‬وصار كثير من‬
‫الناس ينظر إلى الحاديث التي تدور حول تعزيز البعد الروحي بأنها‬
‫وعظ جميل‪-‬وأحيانا ً ثقيل!‪-‬لكن الستجابة السلوكية لتلك الحاديث‬
‫ضعيفة وبطيئة ‪0‬وعلى المستوى النظري‪,‬فإن هناك انحيازا ً واضحاً‬
‫إلى الشكلي والمادي والحيَّي على حساب المعنى والمضمون‬
‫والفحوى والطلقة و التدفّق الداخلي والمشاعر والحاسيس‬
‫واللمسات الشخصية ‪ 00‬وهذا كله وافد على أمة السلم في جملة‬
‫ما وفد من الشوائب والعوالق المصاحبة للتقدم المادي الصم!‪0‬‬
‫هذه الوضعية للروح تمثل خلفية ثقافية للوضعية الخلقية التي‬
‫نشعر أنها هي الخرى‪,‬أخذت تدرج في مسالك التأزم والنحطاط ‪0‬‬
‫وأعتقد أن مصادر الزمة الخلقية عديدة‪,‬ولعل لهمها ثلثة‪,‬هي‪:‬‬
‫أ‪-‬المسألة الحاسمة في مجال الخلق‪,‬هي (إطارها‬
‫المرجعي)بمعنى المصدر الذي نستمد منه الحكم على وصفة أو‬
‫قيمة بأنها حسنة أو قبيحة‪,‬والجهة التي ستتولى الثابة أو العقوبة‬
‫عليها ‪0‬‬
‫في العالم الغربي ذهب معظم الفلسفة إلى أن واضع القيم هو‬
‫النسان‪,‬ويذهب بعضهم إلى أن واضعها هو المجتمع‪,‬ومحصلة ذلك‬
‫أن العقل البشري هو الساس الذي يتشكل عليه الطار المرجعي‬
‫لجميع القيم؛وهذا في الحقيقة يجعل الخلق والقيم أسيرة لهواء‬
‫َّ‬
‫وملونة بألوان البرمجات المحلية ومقولت البيئات الثقافية‬ ‫البشر‬
‫المختلفة‪,‬والمصالح الحيوية ‪000‬‬
‫شة ومعلقة‬ ‫إن فقد مصدر الخلق لتعاليه ومطلقيته يجعلها تبدو ه َّ‬
‫في الفراغ‪,‬ومفتقرة إلى المعيار الموضوعي‪,‬وهذا كله يحرم‬
‫الخلق من وشاح القدسية والحترام‪,‬ويجعل المثيب والمعاقب‬
‫عليها مجهول ً في أكثر الحيان؛مما يسهَّل مسألة الخروج عليها‬
‫وتجاوزها وتطويرها‪,‬وهذا ما يحدث في شتى أنحاء العالم!‪0‬‬
‫يقول(فوكوياما)‪"":‬لقد غدا المريكيون مشغولين بصحة‬
‫أبدانهم‪:‬ماذا يأكلون ويشربون‪,‬والرياضة التي يمارسون‪,‬وفي أي‬
‫شكل يبدو أكثر من انشغالهم بالمسائل الخلقية التي كانت تقض‬
‫مضاجع أجدادهم""‪0‬‬
‫ويقول( ستيفن كوفي)الخبير بالدارة والعلقات التجارية‪:‬كان‬
‫أساس النجاح في أمريكا مدة(‪)150‬عاما ً قبل الحرب الولى‪,‬يقوم‬
‫_‪_22‬‬
‫على ما يمكن تسميته بـ(المزايا الخلقية)؛مثل الستقامة‬
‫والتواضع‪,‬والخلص والعتدال‪,‬والشجاعة والنزاهة‪,‬والصبر‬
‫والمواظبة والبساطة‪,‬والقاعدة الذهبية))‪:‬عامل الناس كما تحب أن‬
‫منا المزايا الخلقية بأن هناك مبادئ أساسية‬ ‫يعاملوك))‪000‬وتُعْل ِ ُ‬
‫للحياة الفاعلة‪,‬وأن الناس ل يستطيعون تحقيق نجاح حقيقي‪,‬أو أن‬
‫ينعموا بالسعادة إل إذا تعلموا هذه المبادئ‪,‬واستوعبوها باعتبارها‬
‫أخلقا ً أساسية ‪0‬‬
‫بعد الحرب العالمية الولى اختلفت النظرة الساسية إلى‬
‫النجاح‪,‬من المزايا‬
‫الخلقية إلى ما يمكن أن نطلق عليه(مزايا شخصية)فقد أصبح‬
‫النجاح مرتبطا ً بالشخصية والتصور العام لها‪,‬وبالمواقف والتصرفات‬
‫والمهارات والتقنيات التي تسهَّل التعامل بين الناس ‪000‬‬
‫أما النواحي الخرى التي تناولت الشخصية‪,‬فمن الواضح أنها‬
‫متحايلة‪,‬أو حتى مخادعة‪,‬تشجع الناس على استخدام تقنيات تحبب‬
‫الخرين بهم‪,‬مثل الهتمام بهوايات الخرين لستخلص ما نريد‬
‫منهم أو(التظاهر بالقوة)أو تخويفهم من المستقبل ‪000‬‬
‫وهكذا نجد أن إبعاد الخلق والسلوك والعلقات العامة عن فلك‬
‫الدين‪,‬وقطع صلتها بالرؤية العامة للحياة‪,‬حرمها من الطار‬
‫المرجعي الثابت‪,‬ومن المعايير الموضوعية المتفق عليها‪,‬وصار‬
‫بالتالي كل شيء في النهاية ممكنا ً حتى السس الراسخة والثوابت‬
‫الشامخة‪,‬ويمكن عن طريق التغيرات البطيئة والناعمة أن تتحول‬
‫إلى مسائل فرعية‪,‬أو خلفيات ثقافية‪,‬أو مظاهر كياسة!‪0‬‬
‫قد انتقل هذا الداء إلى كثير من الدوائر المالية والتجارية وإلى‬
‫بعض مجالت العلقات العامة في بلداننا السلمية‪,‬وسوى من‬
‫يتأمل في الدورات التي تُقام لمندوبي المبيعات وموظفي‬
‫الستقبال والعلقات العامة‪,‬والتعليمات التي يتلقاها هؤلء من‬
‫رؤسائهم‪-‬أن ما وقع فه غيرنا قد وقعنا في كثير منه من أجل‬
‫المزيد من الربح‪,‬والمزيد من المكاسب المادية ‪0‬بل يمكن‬
‫القول‪:‬إن السس التي تقوم عليها العلقات الجتماعية قد أصابها‬
‫بعض التبدل‪,‬حيث أضحت تقوم‪-‬على نحو متصاعد‪-‬على تبادل‬
‫المنافع‪,‬وليس على الحب والتقدير والوفاء والتناغم الخلقي‬
‫والروحي؛مما يجعل كثيرا ً منها يبدو وكأنه من فروع نظام التجارة‬
‫الغلّب لكل النظم الخرى!‪0‬‬

‫_‪_23‬‬
‫ب‪-‬تعاني المنظومات الخلقية في العالم السلمي من عدوان بعض‬
‫أبنائه عليها‪,‬حيث إن بعض المثقفين الذين فُتنوا بتفوق الغرب‬
‫وتقدمه‪,‬جعلوا من أولوياتهم تفكيك المنظومات الخلقية السائدة‬
‫بين المسلمين‪,‬باعتبارها عائقا ً قويا ً لمام التقدم؛فقد‬
‫افترضت(الحداثة العربية)انه يجب بناء كل نشاط على‬
‫العلم‪,‬واعتبرت مل مال يخضع للمعايير العلمية جزءا ً من أوهام‬
‫النسان القديم‪,‬وعامل ً من عوامل استلبه‪,‬وقد حاولت أن تصوَّر‬
‫القيم السلمية بأنها تقليدية وبالية ومنحطة وجامدة‪,‬وهي تحث‬
‫على الكسل والتعصب‪,‬وتدعم العشائرية المدمرة للفردية‪,‬وتؤكد‬
‫على العاطفة والروح‪,‬وتقتل العقلنية والموضوعية‪,‬وهي على نحو‬
‫عام سبب فقدان العرب مقدرتهم على استيعاب الحضارة‬
‫الحديثة‪,‬ومنشأ روح العبودية فيهم ‪0‬‬
‫وهذا التقليص‪-‬كما يقول د ‪0‬غليون‪-‬للتجربة النسانية والفردية‬
‫والجتماعية‪,‬واختصارها إلى تجربة وممارسة علمية ومعرفية‬
‫ومنطقية‪,‬والحكم على التجارب الدينية والخلقية والجمالية‬
‫َ‬
‫بالزوال‪-‬هو من مخل ّفات الوضعية الفلسفية الولى التي تحولت‬
‫إلى(علموية)و(تقنوية)ل إنسانية ‪0‬‬
‫إن الفكرة التي تقول‪:‬إن المرحلة العلمية قد ألغت المطالب‬
‫الروحية والنفسية والجتماعية واللعلمية‪-‬هي نتاج للتخبط الذي‬
‫تعيش فيه المجتمعات النامية التي فقدت أسسها المعنوية‬
‫والتقليدية‪,‬ولم تحرز التقدم المنشود !‪0‬‬
‫أصحاب الفائدة من الندماج في الحضارة الغربية‪,‬والمالكون للقوة‬
‫الغاشمة‬
‫رحبوا بفكرة إنهاء المنظومة الخلقية السلمية؛لن ذلك يسهَّل‬
‫السبل أمام‬
‫جد إمكانية كبيرة لستخدام‬ ‫ازدهار تجارتهم ونفوذهم‪,‬ويو ِ‬
‫قوتهم‪,‬والوصول إلى مصالحهن دون قيد؛على حين أن الضعفاء من‬
‫المسلمين‪,‬كانوا‪-‬ومازالوا‪ -‬يعتقدون أن التمسك بالخلق والقيم‬
‫السلمية والنسانية‪,‬والستنجاد بها‪ -‬هو السلح الذي يمكن أن يَحدَّ‬
‫من تلك القوة‪,‬ويحول دون تدمير المدينة السلمية‪,‬وجعل أهلها‬
‫هامشا ً ضئيل ً على متن الغرب المنتصر ‪0‬‬
‫ويمكن القول بعد هذا و ذاك‪:‬إن هناك صراعا ً حقيقيا ً بين حماة‬
‫القيم والخلق السلمية العربية وبين دعاة تدميرها؛والعاقبة‬
‫للتقوى ‪0‬‬

‫_‪_24‬‬
‫جـ‪ -‬المصدر الثالث لتأّزم الخلق في عصرنا هذا‪,‬هو سوء الحوال‬
‫المعيشية التي تكتنف حياة كثير من الناس في بلدنا السلمية‬
‫خاصة‬
‫‪,‬وعدم ملءمة الجواء العامة السائدة للتفتح الخلقي‪,‬وعدم‬
‫مساعدتها على اللتزام بالفضيلة ‪0‬إن الفضيلة‪-‬في معظم الحوال‪-‬‬
‫هي شيء يقع بين رذيلتين‪,‬فالشجاعة وضعية تقع بين الجبن والتهور‬
‫‪0‬والكرم وضعية يحدها من أمها السرف والتبذير‪,‬ومن خلفها‬
‫الشح‪,‬والحتياط الشديد في التدبير؛وهذه الطبيعة تساعد الناس‬
‫على امتلك قدرة فائقة على تأويل الفهم‪,‬وجعلها أشبه بالحالت‬
‫الخاصة؛إذ من السهل على الواحد أن يقول‪:‬إن ما أفعله ليس‬
‫نفاقاً‪,‬وإنما هو مجاملة ‪0‬وأن يقول آخر‪:‬إن ما أفعله ليس بخلً‪,‬وإنما‬
‫هو تدبير‪,‬وهكذا ‪000‬‬
‫ن تحت مطارق‬ ‫ومن الواضح أن كثيرا ً من المجتمعات السلمية‪,‬تئ ُّ‬
‫الفقر‬
‫والجهل والمرض والبطالة والستبدال‪,‬كما أن شروط العيش‬
‫الكريم فيها تزداد صعوبة يوما ً بعد يوم‪,‬وكثير من الشباب الذين‬
‫قذفت بهم الثانويات والجامعات إلى معترك الحياة‪,‬يشعرون‬
‫بالحباط وانسداد الفاق ‪000‬‬
‫خلُقية‪,‬ول لوضوح‬ ‫وهذا كله ل يشكّل الوسط الصالح للستقامة ال ُ‬
‫مثُل العليا في أذهان الناس ‪0‬حين يعيش المرء في مجتمع يقتات‬ ‫ال ُ‬
‫معظم موظفيه من وراء الرشوة‪,‬والستيلء على المال العام‪,‬‬
‫عَّفته بمثابة عقوبة له‬‫والحتيال على النظم‪-‬تصبح نزاهته و ِ‬
‫ولسرته‪,‬حيث إن عليه آنذاك أن يعمل غير عمل‪-‬إن وجد‪ -‬حتى‬
‫من ضروريات الحياة؛ وفي هذه الحال‪,‬‬ ‫يؤ َّ‬
‫فإن أقل من ‪ %20‬من الناس يحجزهم دينهم وخلقهم عن الولوغ‬
‫في الحرام‪,‬أما الباقي فيسبحون مع التيار‪,‬بحجة الضرورة‪,‬وبحجة‬
‫أن هذا ليس حراماً؛لنه موظف وله حق الكفاية‪,‬وحجة أن‬
‫ي)يفعله؛ولذا فإنه لم يعد حراماً‪,‬وهكذا ‪000‬‬ ‫فلناً(التق َّ‬
‫ول يخفى أن ألفاظ الثناء في الشارع السلمي‪,‬صارت تعكس‬
‫معيارا ً قيميا ً جديداً؛فعلى حين كان الناس يقولون‪:‬فلن آدمي وابن‬
‫حلل وطيب‪,‬صاروا يقولون‪:‬فلن(كدع)و(شاطر) ويعرف كيف يدبر‬
‫نفسه ‪00‬وصارت كلمة(طيب)التي كانت‬
‫حسن تدبيره ‪000‬‬ ‫كلمة مديح‪,‬ترمز إلى نوع من اللمز في نباهته و ُ‬
‫والخطر من كل هذا أن(العرف)يتحور شيئا ً فشيئا ً لينسجم في‬
‫_‪_25‬‬
‫النهاية مع الواقع الرديء ‪0‬كما أن المجتمع الذي ينتشر فيه‬
‫النحراف الخلقي والسلوكي‪ ,‬يفقد تدريجيا ً قدرته على ممارسة‬
‫الضغط الدبي على المنحرفين من أبنائه؛لن الذين سيمارسون‬
‫الضغط‪,‬‬
‫يصبحون آنذاك قلة قليلة‪,‬وموقفها نفسها يصبح موضع‬
‫تشكيك‪,‬ويتحولون من قوة نافذة إلى قوة غريبة(فطوبى للغرباء)بل‬
‫إن (الفتوى) نفسها قد تتراجع حيث تكثر الضرورات‪,‬‬
‫ويتضخم ما تعم به البلوى‪,‬ويتراجع المصلحون من موقع إلى‬
‫موقع؛ليؤكدوا في النهاية على جوهر اليمان وأصول الخلق عوضاً‬
‫عن الحديث عن السنن والمكروهات والواجبات والمحرمات!‪0‬‬

‫لبد من القول‪:‬إن‬
‫صور التأّزم الخلقي ل‬
‫يمكن أن تكون‬
‫متطابقة في سائر أنحاء العالم‬
‫فالمشكلت الخلقية في عالم يسوده الغنى والحرية‬
‫والكتشاف‪,‬وهو بدون إي عقيدة دينية‪-‬لبد أن تكون مغايرة‬
‫للمشكلت الخلقية في بلد فقير‪,‬تنتشر فيه البطالة والخرافة‬
‫والعصبية القبيلة والظالم ‪0‬‬
‫فالفكار والعقائد والوضاع المعيشية والسياسية ‪000‬تنعكس على‬
‫نحو مباشر على الوضاع الخلقية‪,‬وتتنوع هذه الخيرة بتنوعها ‪0‬ومع‬
‫هذا فل ينبغي أن يُفهم من هذا أنه ليست هناك أخلق مشتركة بين‬
‫المم؛فنحن‪-‬كما ذكرنا من قبل‪-‬نعيش زمانا ً واحدا ً وفي مكان واحد‬
‫ومن المستحيل أل تنتشر في هذه الحالة القيم مشتركة ‪0‬‬
‫ويصح القول أيضاً‪:‬إنه على الرغم من القواسم المشتركة الكثيرة‬
‫بين شعوبنا السلمية إل أن شدة المعاناة من التأّزم‬
‫الخلقي‪,‬تختلف من بلد إلى آخر‪,‬فعلى حين يعاني بلد من سوء‬
‫النظام الداري وإفرازاته الخلقية‪,‬يعاني بلد آخر من الثار الخلقية‬
‫للفقر والبطالة‪,‬وهكذا ‪000‬‬
‫مثُل السلمية‬ ‫‪-‬كثير من المسلمين اليوم يعيش دون شعور بال ُ‬
‫العليا‪,‬ودون أهداف سامية‪,‬يسعى إلى تحقيقها؛فتأمين الحاجات‬
‫الضرورية هو شغلهم الشاغل‪,‬وامتلك بيت يؤوي الواحد منهم فيه‬
‫عياله‪,‬صار يعد اليوم عبارة عن نصر كبير في معركة شرسة؛وهذا‬

‫_‪_26‬‬
‫جعل كثيرا ً منهم يقع تحت ضغوط المتطلبات النية والشياء‬
‫الصغيرة‪,‬ويقع فريسة لضروراتها ‪0‬‬
‫وقد صار كثيرون منهم أشبه بالحيوان البري الذي يقضي حياته في‬
‫حديقة حيوانات؛فهو ليس معزول ً عن بيئته الطبيعة فحسب‪,‬بل هو‬
‫معزول عن أعماق ذاته!‪0‬‬
‫‪-‬يعاني السواد العظم من المسلمين من ضعف الحساس‬
‫بـ(الواجب) وهو المبدأ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة‬
‫والفردية؛ليعكس تسامي النسان‪,‬وقدرته على اللتزام تجاه‬
‫غيره‪,‬والتضحية في سبيله ‪0‬‬
‫‪-‬هناك فريق كبير من المسلمين‪,‬يعاني على الصعيد الحضاري من‬
‫ذبول روح المدنية لديه‪,‬وهو ينزع باستمرار إلى نوع من النطواء‬
‫على الذات أو السرة أو القبيلة ‪000‬‬
‫وهو نزوع ذو أثر سلبي على الحساس بالمصلحة‬
‫الوطنية؛والمصلحة العامة ‪0‬‬
‫‪-‬هناك سلوكات خاطئة‪,‬تنم عن نوع من الخواء الروحي‪,‬حيث إ َّ‬
‫ن‬
‫كثيرا ً من الناس‪,‬أخذوا يعوَّضون عن النقص في كينونتهم اليمانية‬
‫والخلقية بالتجاه نحو المزيد من الستهلك البذخي والترفي‪,‬‬
‫بالضافة إلى رغبة قوية في الكتناز بشراء العقارات والقصور‬
‫وشراء السيارات الفاخرة ‪000‬‬
‫‪-‬على الرغم من سهولة التصال بين الناس‪,‬وكثرة المناسبات التي‬
‫تجمعهم‪,‬إل أن الحقيقة أن هناك عزلة شعورية كبيرة‪,‬تحتاج كثيرين‬
‫منهم وهناك اندفاع متزايد نحو البحث عن الخلص الشخصي بعيداً‬
‫عن خلص الجماعة‪-‬المجتمع‪-‬مع أن الدبيات السلمية في هذا‬
‫الشأن‪,‬تعلمنا أن من غير الممكن الحصول على تقدم فردي حقيقي‬
‫في وسط منهار ‪0‬‬
‫ل أريد أن أستطرد بذكر مفردات الزمة الخلقية‪-‬وهي كثيرة‪-‬التي‬
‫تعاني منها‬
‫المة‪,‬وإنما أود أن أؤكد أن حاجتنا إلى التنمية الروحية والخلقية‪,‬ل‬
‫تقل بحال من الحوال عن حاجتنا إلى التنمية المعرفية أو‬
‫القتصادية(‪)1‬؛[(‪ )1‬انظر‪-‬إن شئت‪-‬ما ذكرناه عن التنمية الخلقية في‬
‫كتابنا _مدخل إلى التنمية المتكاملة)]‪0‬حيث إن التقدم الحضاري‬
‫من غير قاعدة روحية وخلقية‪,‬سيكون مشكوكا ً فيه‪,‬وما يتحقق‬
‫منه‪,‬لن يكون مصدر سعادة حقيقية ‪0‬‬

‫_‪_27‬‬
‫وخميرة التنمية الروحية‪,‬موجودة‪,‬فبالضافة إلى المنهج والتراث‬
‫ي‪,‬لدينا المليين من الرجال والنساء الذين يُعدُّن‬
‫الخلقي الغن َّ‬
‫نماذج راقية في الطيبة والستقامة والسمو الخلقي!‪0‬‬
‫رابعاً_تـقدُّم بل حـــــــدود‪:‬‬
‫مما ترسخ في الوعي الوربي الحديث أن النسان حصاد ما‬
‫يعرفه‪,‬وما يتقنه؛وبالتالي مايملكه ‪0‬ومن هنا اندفع الغرب في‬
‫الكتشاف والتصنيع إلى أقصى حد ممكن‪,‬مما أنتج تعاظم الملكية‬
‫ونشوء مجتمعات الوفرة والخدمات والجامعات والمصانع ‪000‬وصار‬
‫التقدم نحو الفضل‪,‬والبحث في الكيفيات والوسائل التي تحقق‬
‫ذلك‪,‬الهاجس اليومي لعالم الغرب كله‪,‬ولكل من تواصل معه من‬
‫شعوب الطراف ‪0‬‬
‫الحداثة والتغير والتطور والتقدم‪,‬معان محايدة عقائدياً‬
‫وأخلقياً‪,‬فهي قد تكون في اتجاه الحسن ‪0‬وقد تكون في اتجاه‬
‫السوأ؛لكن العرف انعقد في الكهولة‪,‬تستمر في تطورها نحو‬
‫الشيخوخة ثم الموت؛لكن العرف انعقد في العصر الحديث على أن‬
‫(التقدم) يعني دائما ً تغيرا ً نحو الفضل ‪0‬في ظل فقد المرجعية‬
‫العليا‪,‬يكون من الصعب في ظروف كثيرة وضع فواصل بين ما هو‬
‫من قبيل التقدم‪,‬وما هو من قبيل التطور‪,‬بل إن مجرد إعطاء التغير‬
‫مدلول ً أخلقيا ً أو إيجابياً‪,‬ساهم في إضعاف النضباط الذي‬
‫يمكن أن تصنعه المعايير الساسية لنمو الحياة والتي يمكن أن‬
‫يحاكم إليها ‪0‬‬
‫َ‬
‫إن قصور العقل البشري‪,‬ل يمك ّن من رؤية الحقائق الكبرى دفعة‬
‫واحدة‪,‬مما يجعل النسان منهمكا ً دائما ً في تجارب(الصواب‬
‫م عليه وخوف منه ‪00‬وهذا ما نشاهده‬ ‫ح بإنجاز‪,‬ثم ند ٌ‬
‫والخطأ)فر ٌ‬
‫اليوم في مسائل وقضايا كثيرة ‪0‬‬
‫السعي نحو الفضل فطرة‪,‬فطر الخالق‪-‬جل و عل‪-‬الحياء‬
‫ي من التخلّص من مشكلته‪,‬وتحقيق‬ ‫عليها‪,‬حيث يتمكن الكائن الح ّ‬
‫أهدافه‪,‬وتحسين وضعية العامة من خلل ما يمتلك من طموحات‬
‫جدت‬ ‫وآمال في النتقال من طور إلى طور ‪0‬وأمة الغرب حين م َّ‬
‫(التقدّم)إلى حد العبادة‪,‬لم تندفع إليه من خلل إحساسها بالملذ‬
‫والمنافع‪,‬وصنوف الراحة‪,‬وأشكال القوة التي توفرت لها بسبب‬
‫التقدم فحسب‪,‬وإنما من طبيعة التقدم أنه حين يحث في جانب من‬
‫جوانب الحياة‪,‬يحصل لدى الناس تشوق وطموح إلى تعميمه على‬
‫جوانب الحياة الخرى ‪0‬‬
‫_‪_28‬‬
‫كما أن طبيعة العلقات العتمادية بين جوانب الوجود‬
‫البشري‪,‬تستدعي إحداث تقدم شامل في جميع جوانب الحياة كي‬
‫يتم ضمان التناصر بين عناصر البناء الحضاري المختلفة ‪0‬ول يخفى‬
‫أن نظرية(داروين)في النشوء والرتقاء‪,‬قد أحدثت زلزال ً في بنية‬
‫ب التغيير والتجديد‪,‬بسبب‬ ‫الفكر الغربي‪,‬وأوجدت تيارا ً عميقا ً من ح ّ‬
‫ما أحدت به من مصاحبة التطوّر للكائنات الحية في جميع مراحل‬
‫وجودها ‪0‬‬
‫إن الذي يتأمل في العلنات التجارية يجد أنها تُركَّز‪-‬على نحو‬
‫ممجوج‪-‬على أن‬
‫المنتج الفلني جميل لنه جديد‪,‬والمنتج الفلني لذيذ لنه‬
‫جديد‪,‬والمنتج الفلني قوي لنه جديد؛مما ل يدع مجال ً للشك في أن‬
‫البشرية تسير دوما ً نحو الفضل‪,‬ما دام كل جديد هكذا!‪0‬‬
‫كانت كلمة التقدّم‪-‬في مدلولها الحديث‪-‬تعني التقدم الشامل‬
‫الروحي والمادي‪,‬لنساني والطبيعي‪,‬ثم تم اختزال هذا‬
‫المفهوم؛ليدل على التقدم المادي‪,‬ثم اختزال مرة أخرى؛ليدل على‬
‫التقدم القتصادي وحده!وهذا الختزال المخيف كاف لتحييد المكانة‬
‫الحيوية لكل جوانب الحياة الخرى؛الروحية والخلقية والجتماعية‬
‫والمعنوية ‪000‬‬
‫في سبيل التقدم الذي هو أولويّة مطلقة‪,‬تصبح الراحة من أجل‬
‫العمل‪,‬ويصبح إشباع‬
‫الغرائز‪-‬بأي وسيلة كانت‪-‬أمرا ً مشروعاً‪,‬ما دام إلى فرغ البال من‬
‫أجل المزيد من النتاج ‪0‬الربا يصبح عمود القتصاد العالمي؛ما دام‬
‫يسهل الستثمار‪-‬هكذا يظن‪,-‬وإنشاء الشركات العملقة ‪0‬‬
‫ل مانع في سبيل التقدم أن تترك المرأة أسرتها وحصنها الحصين‪-‬‬
‫بيتها‪-‬وتنخرط في الوظائف والمهن‪,‬وينبغي عليها أن تتحمل‬
‫الضغوط الرهيبة التي ل تتحملها جملتها العصبية‪,‬كما أن عليها أن‬
‫تتكيف مع كل ما تتعرض له من مضايقات الجنس الخر‪,‬فكل ذلك‬
‫يجب احتماله في سبيل المزيد من التقدم والرفاه ‪0‬تفكك العلقات‬
‫السرية‪,‬وتفاعل المشكلت البيتية بسبب عمل المرأة‪,‬أو سفر‬
‫الزوج سنوات عدة‪-‬قد تكون متصلة‪-‬كل ذلك مقبول‪,‬وعلى النسان‬
‫أن يتحمل ‪000‬‬
‫التقدم يستلزم السحب من الرصيد البيئي والحيوي‪,‬من أجل حركة‬
‫التصنيع‪,‬وما تستلزمه من استهلك الموارد‪,‬وعلى الناس أن يقبلوا‬
‫بذلك‪,‬ولو أدى إلى اختناق العالم‪,‬وتصاعد أمراض الحساسية‬
‫_‪_29‬‬
‫والسرطان‪,‬ففقه الولويات‪,‬جعل التقدم في المرتبة الولى‪,‬وأباح‬
‫بالتالي التضحية بكل أشياء المراتب الخرى!‪0‬‬
‫انطلقا ً من الرؤية الغربية في إهمال ما ل يمكن قياسه‪,‬ثم إهمال‬
‫الثمن الذي تدفعه البشرية لتأليه التقدم والسعي إليه مهما كانت‬
‫النتيجة؛لن عائد التقدم محسوس ومباشر‪,‬‬
‫ويمكن قياسه؛أما ثمنه‪,‬فهو غير محسوس‪,‬ول يمكن قياسه ‪ 0‬لو تم‬
‫تحويل السعادة والطمأنينة والشعور بالستنارة الداخلية والرفاهية‬
‫الروحية إلى مؤشرات على التقدم‪,‬ماذا سيكون حال المجتمعات‬
‫المتقدمة؟!‪0‬‬
‫سيقال لنا‪:‬إن السعادة شيء نسبي متغير‪,‬وكذا الستنارة‬
‫والطمأنينة؛وهي تختلف من فرد إلى آخر‪,‬وقياسها صعب ‪0‬فهل هذا‬
‫يعني أن التقدم شيء والسعادة شيء آخر؟وإذا كان المر فما‬
‫الذي ينجزه التقدم للنسان إذن‪:‬التمدد المادي أم التحقق‬
‫النساني؟‬
‫في هذه اللحظة يكشف مفهوم التقدم عن وجهه المادي‬
‫الحقيقي؛فبدل ً من مؤشرات من عالم النسان‪,‬نسقط في‬
‫مؤشرات من عالم السلع والمؤشرات المأخوذة من عالم‬
‫الشياء(النتاجية والرفاهية)دون أي اكتراث بمدى تحقيقها السعادة‬
‫أو البؤس لبني البشر ‪0‬‬
‫ثمة إحصائية تذهب إلى أنه لو تم حساب التكاليف الحقيقية لي‬
‫مشروع صناعي(أي حساب الكسب المادي النهائي مخصوما ً منه‬
‫الخسارة الكونية والنسانية)لظهر أنه‬
‫مشروع خاسر!‪0‬والمشروع الصناعي الغربي قد حقق ما حقق من‬
‫نجاح واستمرار؛لن الخرين دفعوا الثمن ‪0‬وقد تبين من خلل نجاح‬
‫بعض الدول السيوية في اللحاق بالغرب فداحة الكارثة الكونية‬
‫التي تتواتر أخبارها في الجرائد والقنوات الفضائية يومياً!‪0‬‬
‫مهما كثر المواعظ‪,‬ومهما انكشف من أمر نحر البيئة وشقاء‬
‫البشرية‪,‬فإن العالم الغربي لن يستطيع التراجع إلى الوراء مرة‬
‫أخرى‪,‬فهو محا كل معالم العودة‪,‬وسوف يكون قادرا ً على تسويغ‬
‫كل ما يصيبه من جّراء ذلك‪,‬والتظاهر باحتماله‪,‬مما يذكرنا بالزنبور‬
‫يتخبط بل هدف على زجاج نافذة مغلقة!‪0‬‬
‫العالم السلمي ما زال محافظا ً على كثير من أوضاعه وعلقاته‬
‫النسانية‪,‬لكن واضعي خطط التنمية فيه قلما يراعون الخصوصية‬
‫الحضارية لشعوبهم؛فقد وضعوا النموذج التنموي الغربي‬
‫_‪_30‬‬
‫أمامهم‪,‬وهو غير قادرين على أخذ العبرة من النتكاسات التي‬
‫أحدثها التقدم العمى في الغرب ‪0‬ومع هذا فإن التقدم المادي‬
‫الغربي‪ ,‬هو ثمرة تطور بُنى عقدية وفكرية ومعرفية وبيئية خاصة‬
‫بأوروبا‪,‬ومن هو على شاكلتها ومحاولة النقل دون تمييز‪,‬لن يؤدي‬
‫إلى حدوث تقدم‪,‬وإنما ستؤدي إلى تفكيك البنيات الجتماعية‬
‫لدينا‪,‬وإحداث نوع جديد في النقسام في الوعي‪,‬دون القدرة على‬
‫توليد بنيات جديدة أو وعي جديد ‪0‬‬
‫في زمان كزماننا لم يبق لدى المسلمين اليوم سوى السعي إلى‬
‫تحقيق النطلقة الذاتية المتوازنة التي تنسجم مع أهدافنا وطاقاتنا‬
‫ومبادئنا‪,‬انطلقة تتم وفق أولويتنا وحاجاتنا‪,‬تحافظ على البيئة‪,‬ول‬
‫تستهلك النسان في طلب مزيد من المتاع واللهو‪,‬ول تستهدف‬
‫العلو والفساد في الرض ‪0‬‬
‫إن تحررنا من الخضوع للمقولت الشائعة عن التحضر والرقي‬
‫والتقدم‪,‬سيكون أول خطوة على طريق التصحيح والبناء‪,‬وهذا ما‬
‫علينا أن نفعله ‪0‬‬
‫خامساً‪-‬تغيــر المـــــــفاهيم‪:‬‬
‫عند النظر في المفاهيم التي تزداد انتشارها بين الناس اليوم‪,‬نجد‬
‫أن هناك تغيرا ً كبيرا ً قد شمل عددا ً هائل ً من الفكار والمفاهيم‬
‫والحاسيس في كل الحقول المعرفية‪,‬وجميع مجالت الحياة ‪0‬‬
‫ول يعني التغير أن تبدل ً تاما ً قد حصل في كل شيء فيما‬
‫سنعرضه‪,‬كما ل يعني ما سنذكره أن الشعوب والمجتمعات قد نالها‬
‫أقدار متساوية من ذلك التغير؛وإنما يعني أن التغيرات التي نتحدث‬
‫عنها آخذة في التعميق والنتشار في الرض كلها‪,‬وهي تغيرات‬
‫بعضها إيجابي‪,‬وبعضها سلبي‪,‬لكنها جميعا ً نشأت بسبب مجمل‬
‫التغيرات العلمية والحضارية‪,‬وما استجد من الصور الذهنية عن‬
‫البنية الكونية الهائلة‪,‬وما حدث من أنماط وأساليب معيشية في‬
‫حياة المجتمعات المختلفة ‪0‬‬
‫ومعرفة تغيّر هذه المفاهيم والفكار مهمة جدا ً في موضوع فهم‬
‫عصرنا وإدراك توجهاته التية والمستقبلية‪,‬حيث إن الفهم العميق‬
‫هو مفتاح التعامل الراشد‪,‬وأساس اختيار الموقف الصحيح ‪0‬ولعلنا‬
‫نجمل الحديث عن تلك التغيرات في المفردات التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬كان (الحاضر)وحده هو الذي يسيّر معظم حياة الناس؛ذلك لن‬
‫معرفتهم بالماضي محدودة‪,‬وهي ترتكز على نحو أساسي على‬
‫ذكريات تجاربهم الشخصية أو تجارب ذويهم وأصدقائهم ‪0‬أما‬
‫_‪_31‬‬
‫المستقبل فل يعنيهم كثيراً ‪0‬وكان (الوقت)بالنسبة إلى معظم‬
‫الناس‪,‬ل يعني شيئاً‪,‬فهم يأكلون وينامون ويمرحون عندما يشعرون‬
‫بالرغبة في ذلك ‪0‬وكان معظمهم يقضون أوقاتهم في أعمال‬
‫بسيطة‪,‬ل تحتاج إلى تفكير عقلي‪,‬ودون أن يبدو عليهم أي شعور‬
‫بالملل ‪0‬‬
‫اليوم كل ذلك تغير‪,‬فالتاريخ‪-‬الذي هو سجل حياة الماضين‪-‬صار‬
‫علما ً مهماً‪-‬وعند بعض المؤرخين هو علم العلوم‪-‬؛إذ فيه جذور‬
‫الحاضر‪,‬ول فهم للحاضر من غير فهمه ‪0‬كما أن المم تستخدم‬
‫معطياته العامة على أنها أدوات في تربية أجيالها ‪0‬‬
‫أما المستقبل؛فبعد أن كان غائبا ً عن إحساس أكثر الناس‪,‬صار هو‬
‫البعد الساسي‪,‬وصار ينُظر إلى الحاضر من خلله‪,‬حيث يسود‬
‫شعور قوي بأنه ل يمكن ضبط الحاضر‪,‬والستفادة منه على نحو‬
‫جيد إل من خلل الضغط عليه بآمال مستقبلية؛بل عن هناك من‬
‫المقولت ما يجعل التحقق الذاتي لكل واحد منا مرهونا ً بحضور بُعد‬
‫المستقبل في ذهنه ومشاعره‪,‬وذلك الحضور رهن بوجود ذات‬
‫تتحرك نحوه؛لكن تلك الذات ليست جوهرا ً ثابتا ً قد تحقق‬
‫مسبقاً‪,‬ولكنها حركة فاعلة‪,‬وتحقق مستمر من خلل صيرورة‬
‫تشو ٌ‬
‫ف وانتظار للمستقبل ‪0‬‬ ‫ُّ‬ ‫يحكمها‬
‫ول نستطيع الذات مهما كانت عظيمة أن تحافظ على تماسكها إل‬
‫من خلل إمساكها ببُعد المستقبل ‪0‬وذلك المساك‪,‬هو الذي يمكَّنها‬
‫من استمرار التجاوز إلى ما هو أحسن وأفضل ‪0‬وهكذا فقد صار‬
‫الحاضر الذي كان كل شيء ل شيء‪,‬فهو موَّزع على الماضي‬
‫والمستقبل ‪0‬‬
‫ب‪-‬كان الناس في الماضي حريصين على سمعتهم حرصاً‬
‫شديداً‪,‬وكان يدفعهم إلى ذلك سهولة الساءة إليها‪,‬من خلل‬
‫الشائعات والمقولت المرسلة ‪0‬وكان الناس سريعي التصديق لكل‬
‫ما يقال ‪0‬أما الذين يساء إليهم‪,‬فإنهم ل يستطيعون تكذيب مايقال‬
‫عنهم؛فهم ل يملكون وسائل ذلك ‪0‬أضف إلى هذا أن الحكم على‬
‫مكانة المرء وعلمه وتوجهه‪,‬كان يتم وفق معايير جزئية جداً‪,‬فزلة‬
‫واحدة من شخص كافية لتكوين محور لنقائص كثيرة‪,‬يتم توليدها‬
‫وإلصاقها به ‪0‬وكثير أولئك الذين غادروا قراهم فرارا ً من سوء‬
‫الحدوثة‪,‬وما تلوكه اللسنة ‪000‬وكل ذلك كان بسبب سيادة التفكير‬
‫النمطي والجزئي لدى الناس ‪0‬‬

‫_‪_32‬‬
‫لم يكن هذا على صعيد العامة فحسب‪,‬بل ابتلي به كثير من الدوائر‬
‫العلمية؛فقد كان من المألوف أن يدخل عالمان‪-‬يُعتقد أنهما ندّان‪-‬‬
‫في مناظرة‪,‬ونتيجة لعدم معرفة أحدهما سؤال أو سؤالين‪,‬يحكم‬
‫عليه شهود المناظرة بالهزيمة‪,‬وضآلة المعرفة ‪0‬وهكذا يدخل‬
‫عالماً‪,‬ويخرج وهو نصف عالم‪,‬أو نصف جاهل ‪000‬وله بعد ذلك أن‬
‫يعيش مغموماً‪,‬وملفوفا ً بمشاعر الحباط‪,‬وقد تسوء المور ليلقى‬
‫حتفه كمداً‪,‬كما مات سيبويه‪-‬كما زعموا‪-‬بسبب هزيمته في‬
‫(‪)1‬‬
‫المسألة(الزنبورية)‪,‬لنه لم يجب على سؤال الكسائي‬
‫[(‪)1‬التقي سيبويه شيخ النحاة مع الكسائي مؤسس المدرسة‬
‫ي ‪,‬سيبويه‪:‬ماذا‬ ‫الكوفية في النحو بحضرة البرمكي‪،‬وسأل الكسائ ُّ‬
‫تقول العرب‪:‬كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من‬
‫الزنبور‪,‬فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟قال سيبويه‪:‬العرب تقول‪:‬فإذا‬
‫هو هي ‪0‬قال له الكسائي‪:‬أخطأت العرب تقول‪:‬فإذا هو هي‪,‬وتقول‬
‫فإذا هو إياها ‪0‬فخرج شيخ النحاة مكسور الخاطر‪,‬وخرج الكسائي‬
‫منتصرا ً وإماما ً في العربية!ويقولون‪:‬إن سيبويه مات كمدا ً بعد ذلك‬
‫بمدة يسيرة من جراء َّّّ هزيمته في تلك المناظرة ‪]0‬‬
‫ضعف التصال‪,‬لم يمك ّّن الناس من إجراء الكثير من المقارنات؛مما‬
‫يجعلهم غير ماهرين في التفريق بين ما هو من قبيل الحقائق‬
‫المستقرة‪,‬ما هو من قبيل الراء الجتهادية‪,‬وهذا ما كان يزيد في‬
‫سهولة تشويه الشخاص والراء والعمال ‪0‬‬
‫هذا كله قد تغير اليوم‪,‬فمعايير الحكم صارت أكثر شمولً‪,‬والناس‬
‫صاروا أكثر جرأة‪,‬وأقل اهتماما ً بنقد غيرهم‪,‬بل إن هذا تجاوز‬
‫ل حياء كثير من الناس‪,‬وضعفت قدرة المجتمع على‬ ‫حدوده‪,‬حتى ق َّ‬
‫ضبط أفراده وردعهم‪,‬وعلى كل حال فالتغيرات في هذه المسألة‬
‫تميل إلى الصحة واليجابية‪.‬‬
‫جـ‪-‬اختلف النظرة الكبار السن‪,‬فقد كانوا هم المرجع في ح ّ‬
‫ل‬
‫المنازعات‪,‬كما كانوا يمثلون الخبرة المتناقلة عن الجيال‬
‫السابقة؛مما أعطاهم تميزا ً ظاهرا ً على الشباب ‪0‬بعد انتشار‬
‫المعرفة‪,‬وتوفر الجامعات والمعاهد العليا‪,‬انعكس المر؛فالجمهور‬
‫من الناشئة اليوم أفضل تعلما ً من جيل الكبار‪-‬على نحو عام‪-‬وقد‬
‫صار احترام الكبار في السن وتقديرهم نابعا ً من احترام‬
‫السن‪,‬فحسب ‪0‬أما المعارف والمعلومات وفهم العصر‪ ,‬والقدرة‬
‫على التأثير فيه‪,‬وإدارة أوضاعه‪,‬فكل ذلك صار من مهارات الجيال‬
‫الحديثة ‪0‬‬
‫_‪_33‬‬
‫وهذا أو جد نوعا ً من الصراع بين الجيال؛فالكبار يتهمون الشباب‬
‫بأنهم متهورون‪ ,‬ول‬
‫يعطون الهتمام المطلوب للقيم المتوارثة‪,‬ول يستفيدون من‬
‫ن سبقهم ‪000‬‬ ‫م ْ‬
‫خبرات َ‬
‫أما الشباب فيتأففون من عدم استيعاب الكبار للتحديات‬
‫الجديدة‪,‬وما تفرضه من قيم ومفاهيم جديدة ‪0‬ولعل عمر بن‬
‫الخطاب‪-‬رضي الله عنه‪-‬قد أشار إلى هذه البلبلة حين قال‪[:‬فساد‬
‫ل الصغير استعصى عليه الكبير ‪0‬وصلح‬ ‫الدين إذا جاء العلم من قِب َ ِ‬
‫ل الكبير تابعه عليه الصغير]‪0‬‬ ‫الناس إذا جاء العلم من قِب َ ِ‬
‫د‪-‬إذا عدنا بالنظر إلى الوراء‪,‬وتأملنا في النظرة القديمة للشياء‬
‫والماهيّات‪,‬وإلى طبيعة نظر المفكرين والفلسفة إلى القضايا‬
‫والمسائل المختلفة‪-‬وجدنا‪ -‬على نحو واضح‪-‬اهتماما ً بذات الشيء‬
‫وماهيته ‪0‬بعيدا ً عن علقاته وظروفه؛فالخطاب الدعوي والصلحي‪-‬‬
‫مثلً‪-‬خطاب فردي‪,‬يركز على ما ينبغي على الناس أن يفعلوه‪,‬ول‬
‫يتفكر أصحابه في شروط الستجابة له‪,‬ول يتحدثون عن تلك‬
‫الشروط فضل ً عن العمل على توفيرها ‪0‬اليوم يشيع‬
‫مصطلح(الصلح)‪,‬وشيوعه تعبير عن أن اهتماما ً جديداً‪,‬قد بدأ في‬
‫التفكير في العلقة الذات والموضوع‪,‬والنسان والظروف التي‬
‫يعيش فيها ‪000‬‬
‫صب على كل نظام من النُّظم الحياتية‬ ‫في الماضي كان التركيز ين ُّ‬
‫على حدة‪,‬دون النتباه إلى ارتباطاته بالنظم الخرى؛فالباحث في‬
‫علم القتصاد‪,‬ل يحاول استشفاف العلقة بين علم القتصاد أو‬
‫النظام القتصادي وبين نظام السياسي أو الجتماعي أو لخلقي‬
‫‪000‬‬
‫اليوم هناك نظرة جديدة أيضاً؛فمجموعة النظم الحياتية‪,‬تشكل في‬
‫النهاية المناخ‬
‫ل كل أنشطة الناس‪,‬وهي وإن تبدَّت منفصلة‪,‬إل‬ ‫الحضاري الذي يغ َّ‬
‫ن‪0‬‬
‫أنها على مستوى بُناها العميقة مترابطة ومتداخلة أكثر مما يُظ ّ‬
‫وهذه الرؤية الجديدة هي التي ساهمت في طرح‬
‫م طبائع الشياء‬‫مصطلح(المفكر)والذي من أهم خصائصه فَهْ ُ‬
‫وجوهر العلقات التي تربط بينهما‪,‬والمؤثرات التي تتبادلها؛مما‬
‫يمكنه من تقديم رؤى كلية ‪0‬‬
‫جرت في الماضي محاولت كثيرة من أجل الفصل بين الثوابت‬
‫والمتحولت انطلقا ً من العتقاد أن كل ً منهما متمايز عن صاحبه‬
‫_‪_34‬‬
‫إلى حد بعيد ‪0‬واليوم يتجه كثيرون إلى الشتغال بفهم العلقة بين‬
‫الثابت والمتغير‪,‬ويرون أن جوهر التطور‪,‬ل يقوم على التخلي عن‬
‫الثابت‪,‬وإنما على توفير العلقة الحية الخصبة التي تربط بينه وبين‬
‫المتغير ‪0‬‬
‫ويصل المر ببعض المفكرين إلى القول‪:‬إن(الماهّيات)ما هي إل‬
‫هبة العلقات التي تربط بينهما ‪0‬واكتشاف الماهيات سيكون من‬
‫خلل نقد العلقات التي تربط بين الشياء‪,‬ومحاولة اكتشاف‬
‫علقات جديدة إلى مال نهاية ‪0‬وكان هؤلء يقتربون من أن‬
‫يصبحوا(ل أدريين)حيال كثير مما يتطلب فهما ً ناجزاً!‪0‬‬
‫من خلل التركيز على ما ذكرنا يشبع الن في الوساط الفكرية‬
‫نوع من الرفض لكل النماذج الجاهزة والفكار الكلية؛إذ ليس أمام‬
‫الناس شيء يسعون إلى تمثيله أو التحقق به‪,‬وإنما عليهم أن‬
‫يتجاوزوا كل ما هو موجود‪,‬ل بتداع نماذج جديدة ‪0‬وهذه النماذج‬
‫يجب أن تكون طليقة‪,‬وغير محكومة بأي معايير سابقة أو‬
‫معقولة!وهذا التوجه سيوجد من إبداعات العقل‪,‬ومخزون الخبرة‬
‫الناقصة‪,‬ونزوات الهوى خلطة عجيبة‪,‬ل ندري بأي اسم نسميها؟!‪0‬‬
‫م تغيير كثير من المفاهيم المتعلقة بالنفس‬ ‫هـ‪-‬في عصرنا الحاضر ت ّ‬
‫البشرية والجتماع‬
‫النساني‪,‬والحياة والموت‪,‬والحقوق والواجبات؛وتم البحث في‬
‫جذور هذه المسائل‪,‬وجذور جذورها‪,‬كما تم نزع كثير من أردية‬
‫التقديس والحترام عنها؛ليجد النسان‪-‬في الغرب خاصة‪-‬نفسه‬
‫بعيدا ً عن أي شيء مقدس‪,‬قريبا ً من كل ما هو مادي وغريزي‬
‫ومصلحي ‪000‬‬
‫كانت النظرة إلى النسان عامة قائمة على الحترام؛فهو المخلوق‬
‫في أحسن تقويم‪,‬وهو المخلوق الذي سخرت له جميع الشياء التي‬
‫حوله ‪000‬‬
‫هذا النسان يجد نفسه فجأة ومرة واحدة مسلوبا ً كل‬
‫س كثير من الناس انعدام‬ ‫ذلك‪,‬فنظرية(داروين)ركَّزت في ح َّ‬
‫الفواصل بين النسان والحيوان؛فالكل أنواع في مغامرة الحياة‬
‫الكبرى؛وكان ذلك‪-‬كما عبّر أحدهم‪-‬عبارة عن محَّرض لعملية(إعادة‬
‫حيْوَنَة)‪,‬فأخذ الناس يعوضون عن فقدهم(مركزهم الروحي)بالعودة‬ ‫َ‬
‫إلى حيوانيتهم في جو من الصخب والبتهاج؛وارتفع شأن‬
‫الجسد‪,‬وراجت سوق الصور العارية‪,‬وزاد استهلك الطعمة‬

‫_‪_35‬‬
‫‪000‬صحيح أن المسلمين لم ينفعلوا بنظرية التطور على المستوى‬
‫العقدي‪,‬لكن مسهم الكثير مما أحدثته في مجال الحضاري!‪0‬‬
‫ب العالمين‪,‬وهو‬ ‫كان الموت مظهرا ً من مظاهر استسلم الناس لر ّ‬
‫ل حيث ل حل‪,‬كما‬ ‫ح ٌّ‬
‫أنه البوَابة الوحيدة للحياة السرمدية الباقية ‪0‬‬
‫ومهما تفاوت الناس‪,‬فإنهم أمام الموت سواء ‪0‬ومهما طابت الحياة‬
‫أو قست‪,‬فإن الموت سيضع حدا ً لها‪,‬وكان هذا يشكل عامل توازن‬
‫نفسي على المستوى المجتمعي‪,‬ومظهرا ً من مظاهر العدل اللهي‬
‫المطلق ‪0‬كان الموت هو الغائب الحاضر‪,‬كان كثير من الناس يُعد‬
‫كفنه ويهيء قبره ويكتب وصيته ‪000‬‬
‫أما اليوم فإن النزعة الدنيوية التي تصبغ الوجدان والشعور‬
‫والسلوك لدى معظم الناس‪,‬جعلت النظرة إلى الموت على أنه‬
‫شيء ل معقول ول يمكن هضمه أو استيعابه‪,‬وصار ينظر إليه على‬
‫أنه مصدر تحدٍ غير محدود‪,‬ويجب على الناس أن يقاوموا أسبابه‬
‫إلى آخر لحظة ‪000‬لكن هناك يقين بأنها معركة خاسرة‪,‬وأن أشكال‬
‫الحتياطات الصحية‪,‬ومقاومة المراض لن تأتي بالخلود‪,‬لكنها كثيراً‬
‫ما تطيل أمد المعاناة ‪0‬‬
‫ارتباك عظيم يواجهه الوعي‪,‬وتواجهه الفلسفة والخطط‬
‫ض مضاجع الكثيرين‪,‬وكل ذلك من جراء‬ ‫الصحية‪,‬وقلق عظيم يق ّ‬
‫استدبار الوحي‪,‬والعراض عن ذكر الله ‪0‬وحين تنظر في سلوك‬
‫بعض الناس‪,‬وانهماكهم في الملذ ّات والشهوات وجمع المال‪-‬دون‬
‫قيد‪-‬وأكل حقوق العباد ‪000‬يتأكد لديك أن هؤلء ل يفكرون في‬
‫الموت‪,‬ول فيما بعد الموت‪,‬وإل فإنك لن تعثر على أي تفسير‬
‫مقبول لكل ما هم عليه ‪0‬‬
‫كانت رابطة القرابة والجوار والصداقة‪,‬تعني دائما ً نوعا ً من العطاء‬
‫غير المشروط‪,‬كما تعني وجود فائض اجتماعي‪,‬يزيَّت العلقات بين‬
‫الناس‪,‬ويضفي على الحياة بعض المعاني السامية ‪0‬المقابل‬
‫لذلك‪,‬هو لمسات الحب والحنان والتقدير‪,‬ومواقف التعاون‬
‫والمروءة والنخوة ‪000‬‬
‫أما اليوم فقد ضعف وجود كل هذا‪,‬وصارت العلقات قائمة في‬
‫الدرجة الولى على نوع من توازن المصالح‪,‬وحين يتم التأكد من‬
‫انعدام المصلحة‪,‬فإن كل أسس القرابة والمعرفة والصداقة تصبح‬
‫غير كافية لقامة علقات أن تلقى منهم تضحيات مماثلة ‪0‬‬

‫_‪_36‬‬
‫أما على مستوى الشعوب والمم‪,‬فإن كل الروابط التاريخية‬
‫والجغرافية والثقافية قد تكون غير كافية عندما يقع غبن حقيقي أو‬
‫استغلل مكشوف لمنع نشوب حرب أهلية‪,‬أو تفكك دولة أو‬
‫قبيلة؛وكلنا يذكر الحرب الهلية التي وقعت بين بنغلدش و‬
‫الباكستان حيث انتهت بتمزق الدولة الواحدة إلى دولتين‪,‬بعد أن‬
‫شعر البنغلديشيون بنوع من الغبن القتصادي والداري ‪0‬‬
‫المفاهيم التي أصابها التغير والتطور‪,‬كثيرة جداً‪,‬وحصرها‬
‫عسير‪,‬ويكفي أن نعلم أننا نعيش حياة لم تتبدل‪,‬ولكن كل شيء‬
‫فيها قد تغير؛ ومن المهم أن نفكر في أبعاد ذلك التغير‪,‬وتأثيره في‬
‫إبعادنا عن أصولنا الحضارية والخلقية ‪0‬ومهمة هذا الكتاب‬
‫استهداف إضاءة ذلك وتعظيم الوعي به ‪0‬‬
‫سادساً‪-‬العـــــــنف وإدارة الـقوة‪:‬‬
‫يمكن القول‪:‬إن الحضارة الحديثة‪,‬نزعت من النسان قلبه‪,‬فأصبح‬
‫من غير مشاعر‪,‬وأضعفت لديه سلطان الضمير‪,‬والخوف من عقوبة‬
‫الخرة‪,‬وأحلت محله العداد الهائلة من القوانين والعقوبات‬
‫والجند‪,‬ومع ذلك فأعمال العنف والجرائم المختلفة في تزايد‬
‫مستمر ‪0‬‬
‫لم يحدث ذلك من غير أساس‪,‬ول من فراغ‪,‬وإنما كان ثمرة طبيعية‬
‫لبعض النظريات العلمية والفلسفية والخلقية التي ركَّزت في‬
‫وعي النسان الحديث حتمية الصراع في العالم والذي يحتم توفير‬
‫الطاقة التي يحتاجها النتصار في معارك‪,‬لنهاية لها‬
‫‪0‬أوضح(داروين)في نظريته أن المجتمع النساني والطبيعة‬
‫البيولوجية شيء واحد‪.‬وبناء عليه لبد أن يحكم هذا المجتمع‬
‫النساني القوانين نفسها‪:‬قوانين المنافسة والصراع‬
‫والعدوان؛وبالتالي لبد أن تتقاتل المم بعضها مع بعض من أجل‬
‫البقاء‪,‬مثل الكائنات العضوية‪,‬وإل فسوف تتعرض للفناء!‪0‬‬
‫وهذا(نيتشه)يرى في جملة ما يراه في مبادئ الخلق أن الخير كل‬
‫ما يعلو في‬
‫النسان بشعور لقوة‪,‬وإرادة القوة‪,‬والقوة نفسها ‪0‬أما الشر فهو‬
‫كل ما يصدر عن الضعف ‪0‬يرى أن الضعفاء العجز يجب أن‬
‫يفنوا‪:‬هذا أول مبدأ من مبادئ حبنا للنسانية‬
‫أن يُساعدوا أيضا ً على هذا الفناء ‪0‬وأن أشد الرذائل ضررا ً الشفقة‬
‫على الضعفاء العاجزين ‪0‬أول صفات النسان العلى هي البطولة‬

‫_‪_37‬‬
‫والنضال في سبيل مستوى أعلى باستمرار ‪0‬واهذا كان أبغض شيء‬
‫إلى(نيتشه)السلم ‪0‬والحرب عنده أقدس شيء ‪0‬‬
‫لشيء أخطر على المجتمع من الشفقة على المنحلين والضعفاء‬
‫العاجزين؛لن الشفقة تقوم عقبة في سبيل قانون(النتخاب‬
‫الطبيعي)الذي يقضي بأل يبقي غير الصالح للبقاء!‪0‬‬
‫ول تختلف فلسفة(سبنسر) في هذه المسألة عن مفهوم(نيتشه)‬
‫‪0‬مفهوم الصراع وإرادة القوة جديد على المجتمعات النامية‪-‬ل‬
‫سيما السلمية منها‪-‬فالقيم السائدة فيها هي الشفقة والرحمة‬
‫والمحبة والعناية والتضامن بين أفراد المجتمع‪,‬لكن الوضعية‬
‫الحضارية‪-‬العامة القائمة على تضخيم المكاسب والتمدد باستمرار‪-‬‬
‫تشجع على التنافس والتصارع‪,‬وتجاوز الضعفاء والمساكين ‪0‬‬
‫في خضم القرن العشرين‪-‬قرن التقدم والرقي وغزو الفضاء ‪-000‬‬
‫ينفجر العنف في كل مكان نتيجة انتشار النموذج الفكري المعرفي‬
‫الغربي الذي يمجد القوة وأسبابها ‪0‬في هذا القرن قام أكثر من(‬
‫‪)130‬حرباً‪,‬وقُتل فيها أكثر من(‪)120‬مليون إنسان!‪0‬‬

‫والذي تمثل في تحرير‬ ‫النجاز السلمي الضخم في زمان النبي‬


‫مساحات واسعة من الرض وإدخال أعداد كبيرة من الناس في‬
‫السلم‪,‬ذلك النجاز لم يخسر المسلمون سوى(‪)259‬شخصاً؛وكانت‬
‫خسائر المشركين نحوا ً من(‪)756‬شخصا ً فقط!وذلك لن السلم‬
‫يدعو إلى الرحمة ونشر الدين بالكلمة الطيبة والمثل العلى‪,‬ويرى‬
‫أن استخدام القوة هو آخر الحلول‪,‬ول يتم إل في حدود الحاجة ‪0‬‬
‫العالم الغربي المشبَع بروح التنافس والعنف‪,‬والجاهز العدوان‬
‫يعرف كيف يحقق مصالحه مع دعوته إلى سيادة الشرعية‬
‫الدولية‪,‬ونصب موازين العدالة؛من خلل ما يمكن أن نسميه‬
‫بسياسات الفتح السلمي وسياسات المر الواقع ‪0‬‬
‫سياسات الفتح السلمي‪,‬تقوم على أساس تحقيق المصالح عن‬
‫طريق العتماد على النظام والقانون والمسالمة الدولية‪,‬في إطار‬
‫فلسفة تقليل الخسائر البشرية إلى أدنى حد ممكن ‪0‬فإذا كان‬
‫بإمكان الغرب أن يصل إلى أهدافه دون إراقة دماء‪,‬تصبح الحروب‬
‫شيئا ً ل معنى له؛فالصيد اليوم دائما ً بشباك من حرير ‪0‬والرصاص‬
‫المستخدم هو رصاص الرحمة فقط ‪0‬وكل شيء بقانون‪,‬القتل‬
‫والنهب والسلب والدعارة ‪000‬لكن دون أدنى قاعدة‬
‫أخلقــــــــــــــية!‪0‬‬
‫_‪_38‬‬
‫لماذا استعمار البلدان المستضعفة‪,‬وقد أثبت التجارب العديدة أن‬
‫الدول المستَعمرة التي نالت استقللها‪,‬صارت شعوبها أكثر تعلقاً‬
‫مر وأكثر حاجة إليه من قبل؛فالسياحة لبنائها في‬ ‫بالمستع ِ‬
‫بلده‪,‬واللت تستورد من عنده‪,‬والطلب يبعثون إلى جامعاته ‪000‬‬
‫إذا كان بإمكانك جعل الخرين يأتون إليك‪,‬فلماذا تذهب إليهم؟‪0‬‬
‫أما سياسات المر الواقع‪,‬فهي من إفرازات‬
‫الفلسفات(النفعية)و(البراجماتية)التي تشَّربها الغرب ‪0‬وتلك‬
‫السياسات تقوم على العمل الدائب المتدرج والمتخفي‪,‬من أجل‬
‫إيجاد واقع معين‪,‬ومحاولة تثبيته بكل وسيلة ممكنة‬
‫‪0‬ومعطيات(مرور الزمن)تخدم هذه السياسات‪,‬حيث يصبح‬
‫المتضررون من واقع سيئ مشلولي الحركة بعد ترسخه وحاجته‬
‫إلى جهود كبيرة كي يتغير؛وهم ل يستطيعون بذل تلك الجهود؛‬
‫لن الواقع الصعب نفسه‪,‬يحول دون التمكن من القيام بالعمال‬
‫الكبيــــــــرة ‪000‬‬
‫ب الصرب يفترسون المسلمين هناك‪,‬حتى‬ ‫في البوسنة ترك الغر ُ‬
‫مرت البيوت‬ ‫إذا أُنهكت الضحية‪,‬و ُ‬
‫شَّرد مئات اللوف‪,‬ود َّ‬
‫صل‬ ‫والمصانع‪,‬جاء الغرب ليأخذ الواقع بعين العتبار‪,‬ويَُف َّ‬
‫اتفاقية(دايتون)على الواقع البوسني المأساوي!ويعيد الكَّرة اليوم‬
‫في (كوسوفو)أيضاً ‪0‬وهذا ما يفعله اليهود في فلسطين‬
‫موا آذانهم عن كل القرارات الدولية إلى أن أوجدوا‬ ‫ص ُّ‬ ‫َ‬
‫السليبة؛فقد أ َ‬
‫واقعا ً يصعب جدا ً معه تنفيذ تلك القرارات‪:‬فأين يذهب مئات اللوف‬
‫من المهاجرين اليهود وذراريهم وما الذي يمكن عمله حيال ترسانة‬
‫نووية هائلة‪,‬وكيف يستطيع مئات اللوف من الفلسطينيين‬
‫الستغناء عن العمل لدى اليهود‪,‬وهم ل يرون أي بديل يلوح في‬
‫الفق؟‪0‬‬
‫وهكذا فروح(العنف)تتغلغل في كل شرايين حياتنا المعاصرة‪,‬لكن‬
‫الجسد الذي يحمل تلك الروح أكثر نعومة ورِقّة‪,‬وأكثر مراعاة‬
‫للقوانين والعراف الدولية السائدة!‪0‬‬
‫إن تنبّه المسلمين المعاصرين لهذه المور‪,‬ويوجب عليهم التسلح‬
‫باليقظة الدائمة‪,‬والحذر من(التغيرات البطيئة)التي تتراكم آثارها‬
‫على نحو خفي؛حتى إذا صارت إزالتها مستحيلة‪,‬تَبَدَّت على حقيقتها‬
‫وندم الناس حيث ل ينفع الندم!‪0‬‬
‫سابـعاً‪-‬الـتحدي والستـجابة‪:‬‬

‫_‪_39‬‬
‫ل يخفى على أحد اليوم زيادة وعي الناس بمجمل التحديات التي‬
‫تواجههم والضرورات التي تحط من نسق تحققهم بمبادئهم وقيمهم‬
‫‪000‬وإذا تأملنا في معظم أنشطتنا اليومية وجدنا أنها في الحقيقة‬
‫ردود أفعال‪,‬واستجابات لمطالب وصعوبات وتحديات‪,‬ومن خلل‬
‫تلك الستجابات نحافظ على وجودنا‪ ,‬ونُرقَّي مواهبنا‪,‬ونزيد في‬
‫المكانات التي في حوزتنا ‪0‬ولعلنا نسلط الضوء على هذه المسألة‬
‫من خلل الحروف‬
‫الصغيـــــــــــــرة التـالـــــــية‪:‬‬
‫أ‪-‬المثيرات التي تتطلب منا استجابات كثيرة جداً‪,‬وما نسميه ردود‬
‫أفعال نوع من اللية التي اعتمدها الناس في حفظ العلقة بينهم‬
‫وبين الوسط المحيط ونوع من‬
‫استثمار تلك العلقة ‪0‬ونوعية الستجابة للتحديات والمثيرات‪,‬تعد‬
‫تلخيصا ً دقيقا ً لفهم المستجيب ووضعيته وعمق تقديره لما يترتب‬
‫على استجاباته من منافع وأضرار ‪000‬‬
‫كلما كان النسان أقرب إلى البساطة في الدراك‪,‬والبدائية في‬
‫الخبرة والمعرفة‪-‬كانت استجاباته ذات طابع عفوي‪,‬وغير واٍع‪,‬حيث‬
‫تفرض طبيعة التحديات‪,‬وطبيعة الظروف والوضاع المحيطة آنذاك‬
‫نوعية الستجابة‪,‬وحجمها وتوجهها ‪0‬‬
‫النسان ذو الخبرة والمعرفة الجيدة يشعر بلذة الطعام‪,‬ويدرك في‬
‫الوقت نفسه المخاطر التي تترتب على الفراط في تناوله ‪0‬هو‬
‫يدرك جمال العمل اليدوي وإنسانيته‪,‬ويدرك أيضا ً ما ينفقه من جهد‬
‫ووقت زائدين على ما يتم إنفاقه في حالة استخدام آلة في إنجاز‬
‫ما أنحزه ‪0‬هذا الدراك لم يصبح حقيقة ملموسة لدى كثير من‬
‫الناس إل بعد اتساع مساحات الرؤية للشياء المختلفة ‪0‬أي بعد أن‬
‫حدث نوع من الوفرة في المعارف والخبرات والتجارب؛مما جعل‬
‫النسان يرى في آن واحد ميزات الفعال والشياء وعيوبها‪,‬ومردود‬
‫الستجابات وتكاليفها ‪0‬‬
‫جهل الناس يوقعهم أسرى في فلك المثيرات‪,‬فيقتربون بذلك من‬
‫الحيوان الذي يتصرف على هدي من البرمجة الغريزية التي أودعها‬
‫فيه الخالق‪-‬تبارك وتعالى‪0-‬النسان يدرك ما يحدثه تناول المخدر‬
‫من إدمان‪,‬ويعرف أن حالة الضيق والَعَوز التي تصيب المدمن هي‬
‫بسبب الحرمان منه ‪0‬أما الحيوان الراقي‪-‬القرد‪-‬فإنه يستطيع الربط‬
‫بين المخدر والمتعة‪,‬لكنه ل يستطيع الربط بين الضيق الشديد الذي‬

‫_‪_40‬‬
‫يجده وبين الحرمان من مخدر أدمن تناوله؛إن عقله ل يستطيع‬
‫الربط بين سلسلتين مختلفتين ‪0‬‬
‫إن تعقد الحياة الراهنة جعلت خبرات الناس‪-‬في كثير من الحيان‪-‬‬
‫غير كافية لدراك طبيعة التحديات‪,‬وإدراك ما تستحقه من‬
‫استجابات‪,‬مما يعني أننا سنرى المزيد من ردود الفعال غير‬
‫الراشدة ‪,‬وغير المتزنة ‪0‬‬
‫الحضارة الحديثة رفعت من وعي الناس بأمور كثيرة‪,‬لكنها قد‬
‫أحاطت النسان بكميات هائلة من الشياء التي يشعر أنه بحاجة‬
‫إلى اقتنائها أو استهلكها‪,‬مما أضعف من إرادته‪,‬ونقل مركز التحكم‬
‫من النسان إلى الشياء؛وبذلك تم إجهاض الكثير من فاعلية الوعي‬
‫الذي وفرته الحضارة الحديثة ‪0‬الناس يدركون اليوم‬
‫مخاطر(اليدز)لكن ضعف إرادتهم جعل قدرة إدراكهم لمخاطرة‬
‫ضئيلة القيمة في كفهم عن أسباب الصابة به؛إذ إن هذا المرض‬
‫الفتاك‪,‬ينتشر بسرعة متزايدة ‪0‬وتذكر أخر الحصائيات أن نحوا ً من‬
‫ستة عشر ألف شخص ينتسبون يوميا ً إلى(نادي اليدز)ليدخلوا بعد‬
‫مدة في مرحلة المعاناة من آلمه الرهيبة!‪0‬وهكذا تأخذ الحضارة‬
‫الزائفة باليد اليمنى ما أعطته باليد اليـــــــــــسرى!‪0‬‬
‫ب‪-‬مما يتعاظم به الحساس في عصرنا هذا اختلف النظرة إلى‬
‫(الزمات)التي تعرض للناس في حياتهم؛فقد كان وعي الناس في‬
‫القديم‪,‬ل يكاد يدرك ما تمثله الزمات والمشكلت العويصة من‬
‫مثيرات ومحرضات على التغيير والرتقاء‪,‬وما تتيحه من فرص‬
‫جديدة للنمو؛وإنما كان يدرك الوجه المظلم من الزمة‪-‬وجه العاقة‬
‫ف لشاعة روح‬ ‫والحباط والخسارة ‪0‬وهذا في حد ذاته كا ٍ‬
‫الستسلم والخنوع لحداث الحياة المعاكسة ‪0‬‬
‫خبرة أبناء زماننا بالتاريخ‪,‬وبالكثير من خبايا الوضع النساني العام‬
‫أرتهم الوجه الثاني للزمات والمشكلت؛مما جعل كثيرا ً من‬
‫المفكرين يعدون فقد(التحدي)مشكلة عويصة‪,‬حيث نشأ اليوم‬
‫مصطلح جديد هو(خيانة الرخاء)ويرون أن من السباب الكبرى‬
‫لتخلف(أفريقية) عدم وجود تحديات‪,‬تدفع إلى الكدح والعمل؛فالماء‬
‫والغذاء متوفران‪-‬في الماضي‪-‬واعتدال المناخ‪,‬ل يحوج الناس إلى‬
‫البحث عن أسباب التدفئة ‪000‬وهذا كله جعل النسان‬
‫الفريقي‪,‬يشعر أل شيء يدعو إلى العجلة والكد وتنمية‬
‫المهارات‪,‬ما دام الحد الدنى من وسائل العيش متوفراً ‪0‬‬

‫_‪_41‬‬
‫ب السرة أو مدير المصنع أو‬ ‫في الماضي كانت الطاعة العمياء لر َّ‬
‫الكبير في السن دليل ً على التهذيب والوفاق والتضامن ‪000‬فهي‬
‫دائما ً بشرى خير؛لكن المر قد اختلف اليوم‪,‬حيث يرى كثير من‬
‫المفكرين أن ما كان يراه الناس من محاسن للنقياد العمى‬
‫ما هو إل فوائد زائفة‪,‬وإن من حسن حظ رب السرة‪,‬ومدير‬
‫المصنع ‪000‬أن يجد من يقول له(ل)‪,‬ومن يصحح له خطأه‪,‬ومن‬
‫ينهاه ويحذره؛لن ذلك قد يكون الوسيلة الوحيدة لردعه عن كثير‬
‫من الخطاء والتجاوزات‪,‬كما أنه أفضل وسيلة للحيلولة دون توافق‬
‫شكلي‪,‬ل يخفي تحته إل القهر والستبداد والتبرم والضغائن ‪000‬‬
‫جـ‪-‬مما صار معترفا ً به في سياق التحدي والستجابة أن مجابهة‬
‫التحديات بشجاعة هي أفضل طريقة للمحافظة على الوجود‪,‬بل‬
‫تنميته والرتقاء به ‪0‬النسان يتشوق دائما ً إلى الطلقة وتوسيع‬
‫إمكاناته إلى أبعد مدى ممكن‪,‬لكن(الضرورات)وقيود الزمان‬
‫والمكان والمصالح المعاكسة؛تحد دائما ً من عالم الممكن‪,‬وتخَّفض‬
‫طموحاتنا وأحلمنا‪,‬أي تتحدانا‪,‬وتستنفر قوانا‪,‬كي نتجاوزها‪,‬ونظل‬
‫في حالة من النطلق غير المحدود ‪000‬‬
‫لكن المشكلة أن النسان ل يملك دائما ً من الوعي وقوة الشكيمة‬
‫ما يمكَّنه من‬
‫الستمرار في المواجهة‪,‬فهو ل يستنفر في العادة كل قواه إل عند‬
‫حدوث صدمة قوية‪,‬أو عند بلوغه حدود الخطر المحدق ‪000‬إنه‬
‫إنسان ميّال إلى العطالة والقتصاد في الجهد إلى أبعد حد ممكن ‪0‬‬
‫صار واضحا ً لدى كثير من المفكرين أن أزمة الستفادة من‬
‫التحديات التي يواجهها بنو النسان كثيرا ً ما تتمثل في‬
‫(التكيس)و(التكيف)‪0‬أما التكيس فإنه يتمثل في أن يقلل النسان‬
‫علقاته‪,‬أو يوقفها مع بيئة غير مواتية انتظارا ً لتحسن الظروف ‪0‬‬
‫تلك هي حال كل من يستلم للخفاق‪,‬فينفض يديه من كل‬
‫ب بعناء(الرضة)وإصرارها على بناء‬ ‫المشكلت التي يهز العالم‪,‬وينك ُّ‬
‫عشه‪,‬وإحاطته بسياج متين‪,‬ويرفض اللتزام بأي شيء‪,‬ويتملص من‬
‫مسؤولياته بلباقة ‪0‬إنه مثل بعض البذور حين تعجز عن الهرب في‬
‫الفضاء‪,‬تبتدع استراتيجية‪,‬تتيح لها التحرر من مؤثرات البيئة‬
‫بالتشرنق في وسط محمي‪,‬والبقاء على المبادلت الخارجية عند‬
‫أدنى حد ممكن ‪0‬‬
‫كثير من مسلمي اليوم يُظْهِرون انعزال ً عجيبا ً تجاه المشكلت‬
‫والزمات المعاصرة‪,‬ول تسمع منهم إل مر الشكوى‪,‬دون أن يقوم‬
‫_‪_42‬‬
‫الواحد منهم بأي عمل إيجابي؛مع أن أمامهم الكثير مما يمكن أن‬
‫يعملوه لو أرادوا ‪0‬والنتيجة هي تراكم المشكلت‪,‬وتناسل‬
‫حف بها الجيال القادمة!‬ ‫سنُت ْ ِ‬
‫التحديات؛لتتعاظم التركة الثقيلة التي َ‬
‫‪0‬‬
‫أما التكيف فهو تحمل آلم المشكلت إلى ما ل نهاية‪,‬وإبداء طاقة‬
‫احتمال غير مجودة تجاه التحديات‪,‬دون التفكير بأن شيئا ً ما يمكن‬
‫تغييره أو الخلص من شره ‪0‬والحجة الدائمة‪:‬ليس في أيدينا أن‬
‫نفعل أي شيء‪,‬ونحن على كل حال أحسن من غيرنا‪,‬ولبد أن تتبدل‬
‫الحوال يوما ً ما!‪0‬‬
‫على مدار التاريخ كان معظم الناس يتعاملون مع مشكلتهم على‬
‫أنها شيء طبيعي؛فقد‬
‫ظلت النسوة تكنس البيوت وهن يحنين ظهور هن عشرات‬
‫القرون‪,‬إلى أن جاء من وضع عصا للمكنسة‪,‬حتى يكنس بها الناس‬
‫وهو واقفون دون انحناء؛وما ذلك إل لن الناس لم يفكروا في‬
‫التطوير‪,‬ولن فكرة ليس بالمكان أبدع مما كان(كانت تحكم كل‬
‫رؤاهم الحضارية ‪0‬‬
‫هنا يأتي دور المفكرين الكبار والعلماء الربّانيين الذين ينقلون‬
‫س الناس وأعصابهم‪,‬والذين ينشرون من صور‬ ‫المشكلت إلى ح َّ‬
‫المقارنة ويبدعون من مقولت التنظير ما يجعل الناس يرون‬
‫الفارق بين الصواب والخطأ‪,‬والكائن وما ينبغي أن يكون‪,‬والطبيعي‬
‫وغير الطبيعي ‪000‬‬
‫إن جوهر الضرورات والقيود والتحديات‪,‬ل يقوم في طبائع الشياء‬
‫بمقدار ما يقوم في نوعية علقتنا بها ‪ 0‬والواجب أن نفقه تلك‬
‫العلقة كي تكون استجاباتنا للتحديات راشدة ومكافئة ‪0‬‬
‫ثامـناً‪-‬انتشــــــــار نظام التجارة‪:‬‬
‫نظام التجارة هو أحد النظم التي اخترعها البشر لتبادل المنافع‬
‫وسد الثغرات المعيشية‪,‬‬
‫وبالتالي تنظيم العنف‪,‬وضبط الحقوق ‪0‬نظام التجارة قديم‪,‬بزغ‬
‫فجره يوم شعر النسان أنه ل يستطيع أن يزرع‪,‬أو ينع كل ما يحتاج‬
‫إليه‪,‬ويوم شعر أنه ل يستطيع دائما ً أن يستهلك كل ما ينتج ‪000‬‬
‫أثبت نظام التجارة في عصرنا أنه أقوى النظم جميعاً؛ومن النادر‬
‫أن يجمع النسان بينه وبين أي نظام آخر في حياته دون أن تكون‬
‫الغلبة لصالح النظام التجاري‪,‬فإذا كان النسان معلما ً وتاجراً‪,‬أو‬
‫طبيبا ً وتاجراً‪,‬أو صانعا ً وتاجراً ‪000‬‬
‫_‪_43‬‬
‫فإن صفة(التاجر)ستغلب عليه بكل ما تقتضيه من فهم وحركة‬
‫وأخلق وأدبيات ‪000‬‬
‫ويبدو أن الفاق غير المحددة من النمو وجمع الثروة التي تعد بها‬
‫التجارة‪,‬هي التي منحتها هذه الجاذبية ‪0‬وفي النهاية فإن تأثيرها‬
‫الشديد يأتي من صلتها بالمال الذي أصبح المحور الساسي‬
‫لفلسفة العيش في حياة معظم شعوب الرض ‪0‬‬
‫وتشهد خبرات عدة أن النظام التجاري قادر على تطوير معظم‬
‫جوانب الحياة‪,‬وترك بصماته عليها‪,‬حتى الجوانب التي يظن أنها‬
‫تطوَّر التجارة‪,‬ول تتأثر بها‪,‬مثل المجال(الكاديمي)فقد ظلت‬
‫جامعتا(أكسفورد)و(كامبردج)تخنقهما القرارات الشديدة التحفظ‬
‫والجامدة في منتصف القرن السابع عشر‪,‬وجاء التجديد لمناهجهما‬
‫وخططهما الدراسية على أيدي التجار الجدد الناحجين ‪0‬الشركات‬
‫الكبرى المتعددة الجنسيات والعابر للحدود‪,‬تركت آثارا ً هائلة في‬
‫الثقافة والسياسة والقتصاد‪,‬وهي في الحقيقة أشبه بحكومات‬
‫الظل في سائر أنحاء العالم‪,‬وهناك منها اليوم نحو من(‪)40‬ألف‬
‫شركة‪,‬تملك أو تسيطر على نصف النتاج العالمي تحديداً!‪0‬‬
‫عاشت البشرية معظم أيام حياتها السابقة دون أن‬
‫تعرف(النقد)وكان تبادل السلع؛هو السائد بين الناس‪,‬وكان يُشعر‬
‫بنوع من التكافؤ‪-‬الظاهري على القل‪-‬بين الناس؛لكن الوضع اليوم‬
‫قد تغير‪,‬فالسلطة التي يتمتع بها الشخص اليوم تُعتبر‪,‬وتقوَّم بكمية‬
‫النقد التي يستطيع التصرف بها‪,‬وصار المحروم من النقد‪,‬يشعر‬
‫بالضآلة والتلشي في زمان انتهت فيه المجانية المطلقة أو كادت‬
‫‪000‬‬
‫طوفان المعلومات الذي أغرق البيوت‪,‬يُشعر الكثيرين بالحسرة‬
‫والحرقة حيث يرون بأم أعينهم الثروات الهائلة المكدَّسة لدى قلة‬
‫محظوظة من بني البشر‪,‬على حين أن معظم سكان الرض‪,‬هم‬
‫درجة من درجات البؤس والفاقة ‪0‬‬
‫اليوم تتزايد نسبة العلقات الجتماعية التي يحكمها‬
‫مفهوم(البضاعة)ومن شكل إلى‬
‫شكل يتسع ذلك الجزء من حياتنا الذي يقع تحت سلطان‬
‫َ‬
‫المال؛فكثير من الناس‪,‬يتخذ مما ظاهره تواصل وتوادد سل ّماً‬
‫للوصول إلى أغراض نفعية محضة ‪0‬وصار من المألوف أن تسمع‬
‫م ل و(العلقات العامة)تدرس‬ ‫من يقول‪:‬النجاح نجاح علقات ‪0‬ول ِ َ‬

‫_‪_44‬‬
‫في المعاهد والجامعات مما جعلها أشبه بالعمال الهندسية منها‬
‫بمبادرات عفوية عاطفية!‪0‬‬
‫منذ قديم الزمان اقترن مفهوم التجارة بالسفر و الترحال‬
‫والمغامرة‪,‬وفي عصرنا زاد كل ذلك إلى حدود مخيفة‪,‬فسهولة‬
‫َّ‬
‫المواصلت‪,‬والخدمات الضخمة التي تُقدم لمن معه مال‪,‬أينما حط‬
‫رحاله‪,‬شجعت على التنقل‪,‬وخففت بالتالي من فكرة الرتباط‬
‫بالوطن والهل ‪0‬وهناك من ينظر اليوم إلى الزواج على أنه قيد‪,‬ل‬
‫معنى له(!) يعوق حركة‬
‫الرتحال‪,‬وما تفرضه التجارة من ارتباطات وأسفار ‪000‬‬
‫خم نظام التجارة الميل الشديد‬ ‫إن من آثار تض ُّ‬
‫إلى(الشيئية)ومحاولة(تنميط)كل شيء من أجل تسهيل‬
‫تبادله‪,‬وهناك حركة متنامية لبيع أعضاء الموات‪,‬ومن هم مشرفون‬
‫على الموت؛وغدا ً سيتم إنتاج وتسويق (قطع غيار)بشرية بالجملة‬
‫والمفَّرق‪,‬ول يدري أحد كنه ما هو قادم في هذا السياق!‪0‬‬
‫خلُق(الصفقة)الخلق الذي يميل إلى‬ ‫نظام التجارة يُشبع اليوم ُ‬
‫التركيز على المحاسن والميزات‪,‬وإخفاء العيوب‪,‬والشكوى الدائمة‬
‫من سوء الحوال‪,‬و اتباع الحلول الوسط وهندسة وضعيات التلفيق‬
‫والمساومة‪,‬وهذا ما نلحظ نموه في مجتمعاتنا‪,‬حيث صارت‬
‫الحقائق والمعايير النقية المحايدة قليلة؛لنه يتم توزيعها بين البائع‬
‫والمشتري ‪000‬إنه التبادل؛ولذا فإن كثيرا ً من القوال‬
‫والفعال‪,‬يمكن وصفه بأنه خطأ باعتبار طرق‪,‬وصواب باعتبار طرق‬
‫أخرى‪,‬وذلك نتيجة الميوعة في التصوير والنتماء ‪0‬إنه‬
‫قول محسوب‪,‬وفعل مدقَّق‪,‬يبتغي منه النهاية الربح ل‬
‫الخسارة‪,‬والنمو ل النكماش!‪0‬‬
‫كما يقتضي نظام التجارة المزيد من الترحال‪,‬يقتضي أيضا ً المزيد‬
‫من(اللياقة)في الجسم والهندام والكلم والدراك؛فكل ذلك سيكون‬
‫عونا ً على النجاح في التسويق والمنافسة التجارية ‪0‬وذلك ضروري‬
‫أيضا ً للحيازة على(الَقبول الجتماعي)إذ إنه هو البوابة التي يلج منها‬
‫كل من يريد أن يحيا في قلب النظام التجاري‪,‬وليس على هامشه‬
‫‪0‬على كل حال المجالس اليوم عامرة بأحاديث التجارة والمكاسب‬
‫المادية‪,‬وقد صار الحديث عن(الشياء)هو الحديث عن العالم‬
‫بأسلوب جديد!لم نرد من وراء ذم‬
‫التجارة‪,‬ولكن التحذير من التطرف والمبالغة في النسياق خلف‬
‫نظامها النفعي‪,‬ومحاولة فرز العراض السيئة التي تصاحب كثيراً‬

‫_‪_45‬‬
‫من النشطة والعمال؛وإل فإن الضرب في الرض‪,‬وكسب لقمة‬
‫العيش وعقد الصفقات الكبرى‪-‬ليس شرا ً ول عاراً‪,‬وذلك على كل‬
‫حال أشرف وأكرم من الحاجة إلى الناس وجمع المال عن طريق‬
‫الرشوة والنهب واللصوصية‪-‬وهذه الخيرة أنواع‪-‬زكل العمال في‬
‫النهاية منوطة بمقاصدها وصوابها‪,‬ومدى مساهمتها في التوازن‬
‫العام‪,‬الفردي والجتماعي ‪0‬‬
‫إن مواجهة مخاطر سيطرة المال‪,‬ونظام التجارة عبارة عن أجوبة‬
‫شخصية‪,‬وتعود إلى كل فرد في النهاية مسؤولية القرار بالعمل‬
‫على أن يتقدم البداع على السلبية‪,‬والدائم على الزائل‪,‬وإضفاء‬
‫اللمسات النسانية على كل ما يتصل به‪,‬إلى جانب تحقيق الغنى‬
‫الروحي والخلقي‪,‬واستعادة التعاطف والتضامن الخوي ‪000‬مما هو‬
‫ضروري لحياة جديدة ذات معــــــــــنى ‪0‬‬
‫تاسعاً‪-‬جنـــــون الستهلك‪:‬‬
‫لم يحدث في التاريخ أن نجح مجتمع بشري في تأمين حاجاته‬
‫وكمالياته كما نجحت‬
‫مجتمعات عصرنا الحاضر؛فالفتوحات العلمية والتقنية والستغللية‬
‫لموارد البر والبحر‪-‬وغدا ً الجو‪-‬مكنت النسان من توفير سلع‬
‫وخدمات ‪,‬ولو ذ ُكرت للناس قبل نصف قرن من الن‪,‬لظنوها‬
‫ضروريا ً من الوهم والخيال!‪0‬‬
‫ونتيجة للفلس الروحي الذي يسبق له مثيل أيضاً‪,‬قام الناس‬
‫بإحلل الشهوات وأصناف المتع حل السعادة القلبية والشراق‬
‫الروحي‪,‬فحينما شعر النسان باليتم العقدي والنتمائي‪,‬تحوَّل إلى‬
‫مستهلك‪,‬وصار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة الكبر‪,‬كما صار‬
‫التقدم القتصادي كبير أصنام العصر ‪0‬حين تم اختزال التقدم العام‪-‬‬
‫وهو بالطبع روحي مادي‪-‬إلى النمو القتصادي وحده‪,‬أخذت أنشطة‬
‫الحياة تتمحور بالتدرج حول هدف أعظم نهائي هو‪:‬مزيد من العمل‬
‫من أجل مزيد من النتاج من أجل مزيد من الستهلك من أجل‬
‫مزيد من المــــتـعـــــــة!‪0‬‬
‫لم يكن الندفاع نحو الستهلك العظيم ناجما ً عن التعويض عن‬
‫انهيار المركز الروحي للنسان الغربي فحسب‪,‬بل كان إلى جانب‬
‫ذلك نتيجة ما تقضي به وتيرة النمو التي تخضع لها اقتصادات‬
‫البلدان المتقدمة من ضرورة إيجاد احتياجات متجددة‪,‬وتنشيط‬
‫الرغبة في تلبيتها‪,‬باستخدام الدعاية وفتح أسواق جديدة‬
‫للتصدير‪,‬وخفض مدة صلحية السلع ‪0‬الدعاية في العمال‬
‫_‪_46‬‬
‫التجارية‪,‬تؤدي دورا ً مهما ً اليوم في فتح شهية الستهلك‬
‫والتبذير‪,‬وتبديد الموارد والثروات ‪0‬وتذكر بعض الحصاءات أن‬
‫أمريكا أنفقت عام ‪19996‬نحوا ً من(‪)84‬مليار دولر في الدعاية‬
‫والعلن عن السلع والخدمات ‪0‬وهذا الرقم يكفي لطعام عشرة‬
‫من الشعوب التي تتضور جوعاً!‪0‬كما تذكر إحصاءات أخرى أن‬
‫مجمل ما يتم إنفاقه على الدعاية الن في العالم قد تجاوز(‬
‫‪)350‬مليار دولر سنوياً ‪0‬‬
‫ويؤسفني القول‪:‬إن فن الدعاية لدينا‪,‬يسير باتجاه النمط الغربي‪,‬مع‬
‫أنها تؤثر تأثيرا ً مباشرا ً في حجم الدخار الوطني في وقت نحن‬
‫بأمس الحاجة فيه إلى رؤوس أموال جديدة وجيدة من أجل توفير‬
‫فرص عمل لمليين الشباب المسلمين العاطلين عن‬
‫العمل ‪0‬قد كان الناس على مدار التاريخ ينتجون ما يحتاجون إلى‬
‫استهلكه‪,‬من أجل إبقاء مسيرة الحياة مستمرة‪,‬لكن الذي أحدثته‬
‫الفلسفة الرأسمالية وأدبياتها‪,‬وطيوفها النفسية والفكرية‪,‬هو الرغبة‬
‫في الستهلك من أجل الستهلك!وهذا أدى إلى تسارع نضوب‬
‫موارد المعادن‪,‬والطاقة غير المتجددة‪,‬كما أدى إلى تلويت الهواء‬
‫والماء‪,‬وتسخين حرارة الرض؛مما ينذر بأوخم العواقب ‪0‬ولو قدر‬
‫لسكان الهند والصين أن يسلكوا المسلك الستهلكي الذي يسلكه‬
‫الغرب‪-‬ل سيما أمريكا‪-‬لختنق العالم عشرات سنـــــــــــوات!‪0‬‬
‫فقد انتشرت بسبب التلوث المراض الخطيرة‪,‬وهناك بعض الرقام‬
‫المخيفة في هذا الشأن‪,‬فأمراض السرطان يعود مابين(‪)80‬إلى(‬
‫‪)90‬منها إلى تلوث البيئة‪,‬كما أن ارتفاعها يكاد يمضي على وتيرة‬
‫ثابتة‪,‬هي في حدود(‪)%3‬سنوياً ‪0‬سوف يطرح العالم قريبا ً في كل‬
‫سنة ما يكفي لطمر عاصمة‪-‬مهما كانت كبيرة‪-‬بأكوام من الفضلت‬
‫والمخلفات‪-‬وبعضها سام‪-‬سماكتها مئة متر!‪0‬‬
‫مما يؤسف له أن العالم السلمي يسير في الطريق عينه الذي‬
‫يسير فيه الدول الصناعية من استهلك وإسراف؛بل إننا قد تجاوزنا‬
‫نمط المعيشة الغربية قي بعض الجوانب‪,‬مثل ما ينفق على‬
‫الحفلت والمناسبات والولئم‪,‬ومثل ما يتم استهلكه من قبل كثير‬
‫من النساء على شراء الثياب‪,‬وعلى الحلي وأدوات الزينة ‪000‬‬
‫لدينا الكثير من النصوص التي تدعو إلى ترشيد والنفاق‪,‬والتنفير‬
‫من السراف‬
‫والتبذير‪,‬على نحو ما نجده في قوله‪-‬جل وعل‪[-‬وكلوا‬
‫واشربوا ول تسرفوا] {العراف‪0}31:‬وقوله‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫_‪_47‬‬
‫[إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين]{السراء‪:‬‬
‫‪}27‬بدافع حب التنعيم‪,‬وبسبب من عدم الشعور بالمسؤولية‪,‬صار‬
‫القليل من المسلمين من يتعظ بقوله‪-‬سبحانه‪[-‬ثم لتسئلن‬
‫يومئذ عن النعيمـ]{التكاثر‪}8:‬وصار كثير من الناس‬
‫يحتج[وأما بنعمة ربك فحدث]{الضحى‪}11:‬‬
‫ليس ثمة مسوغ مقبول لنجراف المسلم في التسابق على إرواء‬
‫حاجات الجسد‪,‬ما دام يعتقد أن الخر‪,‬هي دار العيش الحقيقي‪,‬وما‬
‫دام يعتقد أن الله –تعالى‪-‬سائله عما استخلفه فيه من مال‪,‬وما دام‬
‫يعتقد أن حماية البيئة‪,‬والمحافظة على موارد الرض مسؤولية من‬
‫مسؤوليات المسلم ‪000‬فهل نستطيع أن نخطو خطوة إلى الوراء‬
‫على صعيد أنماط سلوكنا وعيشنا؛كي نحفظ ما تبقى من طاقة‬
‫الحياة‪,‬وكي نعطي العظة والقدرة لمن هم بحاجة إليها من‬
‫َ‬
‫س تجاه مسؤولياتها الكونية؟‬ ‫الشعوب المترفة التي تبل ّد الح ّ‬
‫‪0‬ونسأل الله المـــــــــــــعونة والتوفيــــــــــــــــق‬

‫*****‬

‫_‪_48‬‬
‫الفصل الول‪:‬‬

‫هذا العنوان قد يكون عسير الفهم على بعض الناس؛إذ كيف‬


‫يستقيم أن نشكو من صعوبة العيش في زماننا ونحن نرى أشكال‬
‫الخيرات والمرفهات‪,‬كما نرى سهولة التصال والنتقال‪,‬وانتشار‬
‫المؤسسات التعليمية والتربوية‪,‬وتعدد الخيارات أمام النسان في‬
‫كل شأن من شـؤون الـــــــــحياة ‪000‬؟‬
‫ل ريب أن كل هذا صحيح‪,‬لكن ل بد من القول‪:‬إن كل هذه‬
‫الشياء‪,‬ل ينبغي أن تُرى من خلل منظور محدود‪,‬أو من خلل رؤية‬
‫بعض الناس‪,‬وإنما من خلل المعايير قيمية توازنية شمولية ‪0‬وإذا‬
‫استخدمنا معايير بهذه السمات‪,‬فإننا سنجد أن قسما ً كبيرا ً من‬
‫سكان الرض‪,‬ل يتمتعون بكثير من خيرات العصر الحديث‪,‬ولكن‬
‫تحترق قلوبهم بسبب الصور التي يرون فيها تنعم المترفين‬
‫متْخمين؛كما يرون بؤسهم الشديد من خلل مشاهدة‬ ‫وتطلعات ال ُ‬
‫الهوة التي تفصل بينهم‪,‬وبين سكان العالم الصناعي ‪0‬في العالم‪-‬‬
‫كما يفيد تقرير لمنظمة(الفاو)‪-‬أكثر من مليار نسمة‪,‬ل يحصلون‬
‫على كفايتهم من الغذاء‪,‬وفي تقرير آخر أن(‪)%63‬من سكان آسيا‬
‫و(‪)%61‬من سكان أفريقية‪,‬و(‪)%36‬من سكان أمريكا اللتينية(‬
‫‪)%33‬من سكان الشرق الوسط‪,‬يواجهون حالة الــــــجـوع ‪0‬‬
‫المقارنات‪,‬تأتي دائما ً بمفارقات‪,‬وفي الماضي كانت هناك فوارق‬
‫بين الناس في‬
‫مستوى العيش‪,‬لكنها كانت فوارق محدودة‪,‬أشبه بالفوارق التي‬
‫كانت تُرى بين المتحاربين في اليام الخالية‪:‬سيف بسيف‪,‬ورمح‬
‫برمح وسهم بسهم ‪000‬قد تكون سيوف هذا الجيش أفضل لكنها‬
‫في النهاية سيوف‪,‬ل طائرات ول صواريخ ‪000‬‬
‫أما اليوم فمأساة الفقراء والجياع والمحرومين أنهم في مواجهة‬
‫َ‬
‫الحياة المتفاقمة أشبه بمن استعد وسهم لمواجهة خصم مسل ّح‬
‫بالدبّابات والصواريخ!‪0‬‬
‫إن السعادة تنبع من الداخل‪,‬أما الشعور بالرضا فيتولد من خلل‬
‫المقارنة مع الخرين‪,‬وهذا هو سر سخط كثير من الناس على‬
‫_‪_49‬‬
‫زمانهم وأحوالهم‪,‬حيث ل تزيدهم المقارنات إل بصيرة بسوء‬
‫أوضاعهم‪,‬وانسداد الفاق أمامهم!‪0‬‬
‫الناس حين يقارنون أنفسهم بغيرهم قد يكونون على خطأ‪,‬إذ من‬
‫الواجب في أمور الدنيا أن ينظر النسان إلى من هو دونه حتى‬
‫يستشعر نعمة الله‪-‬تعالى‪-‬عليه‪,‬ويحصل على الرضا‪,‬لكن المقارنات‬
‫ليست دائما ً خاطئة‪,‬في زمان أصبح الناس فيه أشبه بمواد داخل‬
‫خلطة كبيرة‪,‬أو داخل كرة مضغوطة ضغطا ً شديداً‪,‬حيث ل‬
‫يستطيع أي جزء داخلها أن يتمدد في الفراغ‪,‬حيث ل فراغ وإنما‬
‫على حساب مزيد من الضغط على جزء آخر؛فترف‬
‫المترفين‪,‬وتوسع المنعمين‪,‬ل يمكن أن يتم‪-‬عند الرؤية المدققة‪-‬إل‬
‫على حساب مزيد من الضنك والعوز في حياة الضعفاء والمساكين‬
‫‪0‬‬
‫في عصرنا لم يعد بالمكان عزل السلوك اليومي للناس عن‬
‫مستوى دخلهم ودرجة تعلمهم‪,‬وما حظي به الواحد منهم من عناية‬
‫وتربية توجيه‪,‬وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً؛فالنسان ل يستطيع‬
‫أن يتقدم في حالت الفقر المدقع‪,‬بل إني أقول ل يستطيع‬
‫أن يعيش وفق مبادئه‪,‬كما ل يستطيع أن يحيا في جميع أبعاده وهو‬
‫يرضخ تحت ضغوط الحياة المعاصرة وتكاليفها الباهضة ‪0‬‬
‫إن شح الموارد حمل كثيرا ً من الناس على الختلس‪,‬وقبول‬
‫الرشوة‪,‬واقتراف الكذب والحتيال‪,‬وإراقة ماء الوجه‪,‬وتحمل الجور‬
‫والهوان؛بل صار كثير من المسلمين يعيش حياة‪,‬هي أقرب إلى‬
‫حياة(النبات)؛فهو يأكل ويشرب ما تيسر له‪,‬ويتنفس‪,‬ويتكاثر‪,‬ثم‬
‫يموت!أما ارتقاؤهم الروُحي والعقلي والخلقي‪,‬فإنه قد أمسى من‬
‫الماضي البعيد!‪0‬‬
‫سوف يخفف الكثير من الم الناس إحساسهم بأن مشكلتهم‬
‫تتضاءل‪,‬وأن أحوالهم تتحسن‪,‬لكن المؤسف أن هذا الشعور ليس‬
‫موجوداً؛فالمسافات التي تفصل بين المسلمين في البلد‬
‫الواحد‪,‬تتباعد‪,‬حيث يجري تبخير(الطبقة الوسطى)لصالح قلة من‬
‫معْدَمين ‪0‬‬
‫أصحاب الثروات‪,‬وكثرة من ال ُ‬
‫شعرِ يوما ً بعد يوم أن الحد الدنى المطلوب لحياة‬ ‫هذه الكثرة ت ُ‬
‫كريمة‪,‬أو شبه كريمة‪,‬صار مرهقاً‪,‬وفوق طاقتهم على الحتمال‬
‫‪0‬فقد تعقدت أساليب العيش‪,‬وزادت أسعار الموارد‬
‫الساسية‪,‬وكثرت التجهيزات التي يعدُّها المجتمع ضرورية‪,‬وصار ما‬

‫_‪_50‬‬
‫يتطلبه العداد التعليمي والمهني الذي يؤهل الشاب للحصول على‬
‫عمل مناسب‪ ,‬عالي التكلفة ‪0‬‬
‫في أكثر بلدان العالم السلمي‪,‬يحتاج الموظف المتوسط الدخل‬
‫إلى أن يدخر كل مرتباته التي يتقاضاها خلل عشرين سنة؛حتى‬
‫يتمكن من امتلك بيت‪,‬يؤويه مع أسرته!‬
‫فكيف إذا علمنا أن مرتَّبه ل يكفيه للنفاق على حياة شبه كريمة‬
‫سوى نصف الشهر‪,‬‬
‫ويدبَّر نفقات باقِيهِ عن طريق الفتراض؟!‪0‬‬
‫مة وسائل طبية متقدمة للعلج؛فكان الموت‬ ‫في الماضي لم تكن ث َّ‬
‫يحل كل إشكالت الحالت الصعبة ‪0‬وأما المراض والصابات‬
‫جه بالتحمل والصبر ‪0‬أما اليوم‪,‬‬ ‫الصغرى فتُوا َ‬
‫فماذا يكون موقف أسرة أصيب أحد أفرادها بعطالة بـ(الكُلى)أو‬
‫بأحد المراض الخطيرة‪,‬هل تتركه يموت‪,‬أو تسلمه إلى مشفى‬
‫حكومي كثيرا ً ما يكون نموذجا ً للعوز والهمال أو تدخله إلى مشفى‬
‫خاص‪,‬تدفع فيه كل ما وفرته‪,‬وكل ما يمكن أن تستدينه ؟!‪.‬‬
‫ماذا تكون حال أسرة مسلمة تقيم في مسكن من صفيح ليس فيه‬
‫ماء ول كهرباء ول علج‪,‬على هامش مدينة مترفة‪,‬يساوي البيت فيها‬
‫المليين؟!‪0‬‬
‫ستظل مشكلة المشاكل بالنسبة إلى كثير من الشباب المسلم‬
‫هي(البطالة)الضاربة أطنابها في معظم الدول السلمية‪,‬والخذة‬
‫في التفاقم‪,‬حيث الركود العام وصعوبة الحصول على عمل ذي أجر‬
‫مناسب‪,‬حتى قال أحد الباحثين‪(:‬إن هناك أجيال ً قد‬
‫تولد‪,‬وتعيش‪,‬وتموت دون أن تجد عمل ً ملئماً))!‪0‬‬
‫المشكلة في البطالة أن الرقام التي تصور قوة العمل‪,‬وعدد‬
‫العاطلين شحيحة جدا ً ‪.‬‬
‫في الدول الصناعية‪,‬تسهل معرفة حجم البطالة عن طريق‬
‫المساعدات الحكومية التي تدفع للعاطلين عن العمل ‪0‬قد أضحت‬
‫البطالة صفة لصيقة بخصائص الهيكل القتصادي المعاصر؛ففي‬
‫أمريكا واليابان نحو من(‪)35‬مليون عاطل عن العمل‪,‬وهذا الرقم‬
‫يساوي(‪)%12‬من قوة العمل فيهما ‪0‬لكن قوة القتصاد‪,‬وكثرة‬
‫الموارد والضرائب‬
‫صلها الدولة هناك‪,‬تمكنها من النفاق على العاطلين عن‬ ‫التي تُح َّ‬
‫العمل وحمايتهم من التسول والنحراف ‪0‬في العالم السلمي‬
‫الرقام البطالة‪-‬كما ذكرنا‪-‬شحيحة‪,‬لكن المتوفر منها مخيف ‪0‬ويذكر‬
‫_‪_51‬‬
‫بعضها أن نسبة البطالة في الباكستان تبلغ نحوا ً من(‪ ,)%19‬وفي‬
‫اندونيسيا(‪,)%50‬وفي أفغانستان(‪0)%70‬‬
‫وليست مشكلة البطالة محصورة في فقد المرء المصدر‬
‫قوته‪,‬وإنما يتولد عنها آثار نفسية وسلوكية واجتماعية خطيرة؛فحين‬
‫يجلس المرء مدة طويلة من غي عمل‪,‬فإن ارتكاسات كريهة تصيب‬
‫شخصية باعتبار إنساناً‪,‬وباعتباره حياته السرية‪,‬وتسمم الجو الذي‬
‫يعيش فيه أطفاله ‪0‬وهذا كله كفة‪,‬وانغماسه في اللهو مع قرناء‬
‫السوء‪,‬وإمكان إدمان للمخدرات في كفة أخرى؛ليصبح في النهاية‬
‫أقرب إلى المعوَّق والمشوَّه ‪0‬‬
‫إذا تأملنا مرة أخرى في المسافات الفاصلة بين الشعوب السلمية‬
‫والشعوب الصناعية‪,‬وجدنا أن تلك المسافات تزيد‪,‬والهوة تتسع‬
‫‪0‬وتلك الهوة تتمثل في فاعلية الشخص ومعرفته‪,‬وقدرته على‬
‫التكيف والمرونة الذهنية‪,‬وفي مستوى الدخل الوطني والستقرار‬
‫السياسي ونوعية الخدمات المقدمة لكل فرد وكميتها ‪ ,‬والسيطرة‬
‫على البيئة ‪0‬‬
‫ول تتوفر مؤشرات واضحة على كل ذلك‪,‬لكن الملموس منها‪,‬يبعث‬
‫على الحباط ‪.‬‬
‫فعلى حين ترتفع أسعار منتجاتهم بصورة مطردة‪,‬فإن أسعار‬
‫صادراتنا‪,‬تتدهور‪,‬أو تتجمد؛‬
‫وهذا يعني أنه يجب أن نصدَّر أكثر حتى نستطيع الحصول على عين‬
‫قدْر من الواردات ‪0‬في عام ‪1991‬كان دخل الفرد السويسري(‬ ‫ال َ‬
‫‪)36300‬دولرا ً على حين أن هناك مليارا ً من البشر‪-‬كثير منهم‬
‫مسلمون‪-‬يكافحون ليعيشوا بأقل من(‪ )370‬دولرا ً في السنة!؟‬
‫قد توقف النمو تقريبا ً في كثير من دول أفريقية خلل العقد‬
‫المنصرم‪,‬وهبط دخل الفرد في معظم دول أفريقية ‪0‬جاء في تقرير‬
‫اقتصادي صادر في جنيف عام ‪1988‬أن متوسط الدخل الحقيقي‬
‫للفرد في العالم النامي قد انخفض بمعدل(‪)%6‬في المدة التي بين‬
‫عام ‪1981‬وعام ‪0 1987‬في حين ارتفع متوسط الدخل الحقيقي‬
‫للفرد في العالم المتقدم في المدة نفسها نحوا ً من (‪. )%13‬‬
‫مضاعفات هذه الهوة‪,‬تظهر‪,‬وتتفاعل كلما أخذ التصال والنفتاح‬
‫العالمي في التوسع‪,‬وهذا ما نشاهده الن ‪.‬‬
‫ت‬‫قد نشأت حضارة شديدة الغراء‪,‬تتجاوز فيها‪-‬بالضرورة‪-‬الحاجا ُ‬
‫ل المتوفرة‪,‬وصار الناس بين خيارين‪,‬أحدهما‬ ‫المطلوبة الوسائ َ‬
‫مر‪:‬إما لعزلة‪,‬وبالتالي سيطرة مشاعر التهميش والحباط‪,‬وإما‬
‫_‪_52‬‬
‫النخراط في الموجات المادية والدنيوية العاتية ‪0‬وقد آثر أكثر‬
‫الناس الخيار الثاني‪,‬واستقر في العماق من الشعور إحساس‬
‫بالسطحية‪,‬وبالنغماس في استجداء الستمرارية على أبواب‬
‫الثقافة القاهرة ‪0‬‬
‫صار الناس يشعرون يوما ً بعد يوم أنه ل بد للمرجعية السلمية‬
‫العليا حتى تستطيع الصمود أمام الفلسفة الليبرالية من أن تسهم‬
‫في تطوير أساليب للتفكير المنتج الفعال‪,‬وبناء أخلقية ناجعة‬
‫للرقي الحضاري ‪ ,‬ووضع (استراتيجية) أفضل ‪ ,‬وأكثر ملءمة‬
‫للتقدم القتصادي والجتماعي‪,‬وإل فإنه سينشأ لدى كثير من الناس‬
‫نوع من الزدواجية المقيتة‪,‬تمارس في ضوئها الشعائر السلمية‬
‫وفق تعاليم ديننا الحنيف‪,‬ويتم تشييد التقدم القتصادي والتقني‬
‫والتنظيمي وفق النماط الغريبة ؛ وهذا ما نلحظ أنه يتغلغل في‬
‫مفاصل الحركة اليومية لكثير من المسلمين الن ‪.‬‬
‫***‬

‫حاولت في الباب السابق تقديم بعض الملمح العامة لعصرنا الذي‬


‫نعيش فيه‪,‬بغية تحسين وعينا بالظروف والنظم والتحديات التي‬
‫تكتنف حركتنا اليومية ‪ 0‬وسأحاول في البواب التالية أن أقدَّم بعض‬
‫الرؤى والفكار والنماذج والليات التي تساعد(المسلم‬
‫جه إمكاناته‪,‬ويُرقَّي مهارته على طريق‬ ‫المعاصر)على أن يو َّ‬
‫المواجهة للتحديات المتجددة‪,‬وعلى طريق التحول من ساحات‬
‫النفعال إلى ساحات الفعل‪,‬ومن مواقع الخذ إلى مواقع‬
‫العطــــــاء ‪0‬‬
‫ن كل ما ذكرناه في كتبنا السابقة‪,‬وما سنذكر هنا في هذا‬ ‫إ َّ‬
‫الباب‪,‬سيظل محدود الفائدة ما لم يلقَ التجارب من القارئ الكريم‬
‫‪0‬إن كل ما يقدَّمه الكتاب ل يشكل أكثر من خطوة واحدة‪,‬والقارئ‬
‫هو الذي سيخطو الخطوة التالية عندما يُغيَّر في أنماط‬
‫حياته‪,‬وعندما يصبح مستعدا ً لبذل الجهد والصبر على العمل الشاق‬
‫‪0‬‬

‫_‪_53‬‬
‫الدنيا دار ابتلء‪,‬ولذا فإن النسان سيظل‪-‬كيفما تقلبت عليه‬
‫الحوال‪-‬في إطار اختبار‪,‬أي سيظل يواجه ما ل يشتهيه‪,‬وسيظل غير‬
‫متأكد من الوضعية التي سيؤول إليها على وجه التحديد ‪0‬‬
‫في إطار البتلء ليست الوضعية العامة للناس واحدة‪,‬فهناك من‬
‫يشعر أنه مضغوط تحت إلحاح المزيد من مطالب العيش ‪0‬وهناك‬
‫من يشعر بدرجة من السعة والرتياح‪,‬لكن هناك في كل حال أشياء‬
‫مشتركة غامضة في حياة الجميع‪,‬تسبب لهم نوعا ً من المعاناة‬
‫الشعورية ‪0‬وتلك الشياء الغامضة ربما كانت نابعة من الضجيج‬
‫والزحام وزيادة التحديات‪,‬وتعقيد النظم وسرعة التغيرات‪,‬وانتشار‬
‫روح التشاؤم‪,‬وكثرة الجرائم‪,‬وانخفاض الدعم الجتماعي ‪,‬وضعف‬
‫التيار الروحي‪,‬والخوف من مفاجآت المستقبل‪,‬وضعف الحساس‬
‫بالهدف ‪ 0‬وربما كانت نابعة من مصادر أخرى ل نعرفها ‪ 0‬وسيظل‬
‫لكل واحد منا مع هذه المور المشتركة منغصاته ومشكلته الخاصة‬
‫‪0‬‬
‫ولعلّي هنا أسلّط الضوء على ما أظنه في جملة السباب المهمة‬
‫لصعوبة العيش في زماننا هذا‪,‬على وجه الختصار‪,‬تاركا ً التفصيل‬
‫لبعض موضوعات هذا الكتاب والرسائل القادمة‪,‬وبإذن الله تعالى ‪0‬‬
‫ل وعل‪ -‬والنسان بالدارة الحرة في الوقت الذي‬ ‫‪-1‬متَّع الله‪-‬ج َّ‬
‫يخضع فيه الحيوان لخطوط غريزية‪,‬ل يخرج عنها ‪0‬وقد كان النسان‬
‫في الماضي‪,‬يشعر فعل ً بحرية إرادته‪,‬وسيطرته على بيئته المحلية‬
‫‪0‬وكان لقلة الشياء والدوات والنظم المتوفرة وظيفة أساسية في‬
‫ذلك ‪0‬لكن المر انقلب اليوم رأسا ً على عقب؛فما توفر من أشكال‬
‫الثاث والمرفَّهات‪,‬وما استقر من النظم والساليب المعيشية‬
‫المقتَّنة ‪000‬نقل مركز السيطرة في الحياة اليومية النسان إلى‬
‫الشياء ‪0‬وهذا أضعف إرادة الناس‪,‬وجعلهم مطالبين بالمزيد من‬
‫الحركة الدائبة من أجل توفير الشياء وصيانتها وتبديلها ‪0‬‬
‫إن الرادة الحرة نعمة من الله‪-‬تعالى‪-‬لكن حين أضعفتها أساليب‬
‫الحياة المعاصرة‪,‬صارت مصدر تهديد في بعض الحيان؛فالحيوان‬
‫المبرمج بخطوط غريزية صارمة في تصرفاته محمي من ضغوط‬
‫الشياء‪,‬فهو‪-‬غالباً‪-‬ل يصاب بحالت التخمة الناجمة عن النهم في‬
‫تناول الطعام ‪0‬أما النسان فقد أصبحت(الوفرة)في الطعمة لدى‬
‫بعض الشعوب‪,‬تشكل مصدر تهديد للحياة‪,‬حيث تتسبب في حدوث‬
‫عدد من المراض القاتلة ‪0‬قد صار النسان يشعر أنه أسير لشياء‬
‫كثيرة‪,‬وصار من الواجب عليه أن يبذل جهدا ً إضافيا ً في تقوية‬
‫_‪_54‬‬
‫إرادته‪,‬وتقوية جهازه النقدي الداخلي حتى يسترد حريته من‬
‫جديد؛وهذا في حد ذاته يشكل مصدر إزعاج ‪0‬‬
‫‪-2‬القتراب من المعايير الجتماعية السائدة في بيئة الواحد منا‬
‫مصدر للشعور بالرضا‪,‬والحساس بالكفاءة الجتماعية؛مما يستلزم‬
‫من الواحد منا نوعا ً من المتثال لما هو سائد ‪0‬وهذا يستدعي أن‬
‫نتصرف تصرفات كثيرة‪,‬ونقتني أشياء كثيرة‪,‬لسنا مقتنعين بها‪,‬ول‬
‫نشعر بحاجة حقيقية إليها ‪0‬‬
‫مع تعقد الحضارة وهيمنة الثقافة الغربية الطاغية‪,‬تحول الكثير‬
‫الكثير من الشياء الكمالية إلى أشياء أساسية؛فأكثر من(‪)%95‬من‬
‫أثاث المنزل الن‪,‬كان يُعد في الماضي في جملة الكماليات‪,‬وكثير‬
‫منه لم يكن معروفا ً أصلً‪,‬لكن الناس ل يقبلون أية مساومة‬
‫عليه‪,‬ويعدُّون وجوده من مقومات الحياة الهانئة ‪0‬واقتناء هذه‬
‫الشياء صار‪-‬بالضافة‬
‫إلى ذلك‪ -‬مؤشرا ً على الطبقة الجتماعية التي يستحق مقتنيها‬
‫النتساب إليها ‪ 0‬وهذا كله رفع مستوى عتبة الحد الدنى للعيش‬
‫المقبول‪,‬وزاد بالتالي في صعوبة العيش‬
‫وتكاليفه‪,‬وفرض بذلك على الناس التزامات وواجبات جديدة‪,‬ينوء‬
‫كثير منهم بحملها ‪0‬‬
‫‪-3‬التقدم الحضاري عَّقد مصالح الناس إلى حد بعيد‪,‬صار بذلك ما‬
‫هو فطري وغريزي لديهم غير كاف لعيش حياة كريمة وسويّة ‪0‬إن‬
‫النسان يستطيع أن يجري بدافع غريزته دون الحاجة إلى ترتيب‬
‫سابق‪-‬كما هو الشأن لدى الحيوان‪-‬لكنه ل يستطيع أن يقود طائرة‬
‫‪0‬يستطيع أن يرمي حجرا ً دون مران سابق‪,‬لكنه ل يستطيع‬
‫استخدام مدفع ‪000‬‬
‫وذلك لن أفق الغريزة لديه ل يلمس تلك المهارات الراقية‬
‫قدة ‪0‬وهذا يعني أن النسان اليوم مطالب حتى يحصل على‬ ‫والمع ّ‬
‫المهارات المطلوبة للعيش أن يتعلم ويتدرب ويستفيد الكثير من‬
‫الخبرات ‪0‬وبما أن تكاليف التدريب والتعليم الفني عالية إذا ما‬
‫قورنت بتكاليف التعليم النظري‪,‬فإن نجاحات الدول الفقيرة في‬
‫هذا المجال محدودة ‪0‬وغلنسان لديها‪-‬مثل مواردها‪-‬ما زال خاماً‪,‬أي‬
‫إنسانا ً بالقوة ل بالفعل؛كما يقول المناطقة ‪0‬‬
‫‪-4‬يميل النسان بطبعه إلى التعامل مع الشياء الثابتة‬
‫من له نوعا ً من(العطالة)وتوفير الجهد؛لكن‬ ‫والساكنة؛فذاك يؤ َّ‬
‫الثورة المعلوماتية‪,‬وما يتبعها من تغيير سريع في التقنيات والنظم‬
‫_‪_55‬‬
‫وأساليب العيش والتعامل والتبادل‪-‬أدت إلى تسارع إيقاع‬
‫الحياة‪,‬وإحداث موجات من التجديد الذي يصعب استيعابه على‬
‫معظم الناس ‪0‬إنه ل يكاد يُعمم نموذج من الحاسبات اللية حتى‬
‫يطرح في السواق نموذج آخر منه أكثر كفاءة وأصغر حجماً‬
‫وأرخص ثمناً ‪0‬‬
‫سم العالم إلى قسمين متمايزين‪:‬قسم ينظم‬ ‫التغيّر السريع ق َّ‬
‫شعراؤه الشعار الحماسية‬
‫التي تتغنى بأمجاد الوطان‪,‬والعادات والتقاليد المحلية ‪ 000‬وقسم‬
‫يتغنى مثقفون بفضائل(عالم بل حدود)وميزات الوعي بوحدة‬
‫الكوكب وعولمة الثقافة ‪000‬وفي داخل كل قسم من هذين‬
‫القسمين أناس كثيرون‪,‬يلهثون في متابعة التغييرات‬
‫الجديدة‪,‬وأناس يخافون من عواقب التبدل في كل شيء‪,‬وأناس‬
‫يهمشهم التقدم السريع‪,‬فيعجزون عن فهم حقيقة ما يجري‪,‬لكن‬
‫السواد العظم من البشر يشعرون بأنهم قد غُلِبُوا على أمرهم‪,‬أو‬
‫كادوا‪,‬فقد صار الحصان خلف العربة‪,‬وعليه الن أن يجري‬
‫جهده‪,‬وقد كان هو الذي يقودها!‪0‬‬
‫ل أحد يدري عواقب هذه التبدلت السريعة‪,‬لكن الملموس أن على‬
‫المرء أن يبذل جهدا ً مضاعفا ً اليوم حتى ل يصبح خارج الحلية كلياً ‪0‬‬
‫‪-5‬المن والطمأنينة من المطالب الساسية‪,‬ليس للحياة الهانئة‬
‫ن الله‪-‬سبحانه‪-‬‬ ‫فحسب‪,‬وإنما للنمو السوي للشخصية أيضاً ‪0‬وقد امت َّ‬
‫على قريش بإفاضة الرزق‪,‬وتخييم المن على بلدتهم حيث‬
‫قال(ليلف قريش إيلفهم رحلة الشتاء‬
‫والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي‬
‫أطعمهم من جوع وآمنهم من‬
‫خوف)[قريش]‬
‫بضعف الوازع الديني‪,‬وضعف الخوف من الله –تعالى‪-‬إلى جانب‬
‫عجز كثير من الدول والقوانين عن ضمان المن للناس انتشرت‬
‫الجرائم‪-‬ول سيما في المدن الكبرى‪-‬وصار على كثير من الناس أن‬
‫يبحثوا عن الوسائل التي يحمون بها أنفسهم ‪0‬‬
‫ونتيجة للشعور بالسأم والضجر والعدميّة‪,‬فَ َ‬
‫قد َ كثير من الناس‬
‫القدرة على الصبر والتحمل‬

‫_‪_56‬‬
‫والتسامح‪,‬وصار العبوس والتجهم هو الحالة الطبيعية للكثيرين؛بل‬
‫انتشر نوع من الجرائم الوقتية ‪0‬والناتجة عن النزق‬
‫والبَرم‪,‬والحساس بالكرب والضغط النفسي ‪0‬‬
‫وقد ذكرت دراسة جرت في(ألمانيا)أن المنحنى البياني لحداث‬
‫العنف هناك‪,‬يبدأ بالرتفاع بحلول شهر آذار(مارس)‪,‬ثم يبدأ‬
‫بالنحدار بحلول شهر أيلول(سبتمبر)‪0‬‬
‫عموما ً ترتفع معدلت الجرائم بنسبة(‪)%15‬مع ارتفاع كل درجة‬
‫حرارة مئوية يسجلها المحرار!‪0‬‬
‫وتذكر إحصائية أخرى جرت في(أمريكا)أن كل درجة حرارة زائدة‬
‫يسجلها الميزان الحراري‪,‬تعني ارتكاب(‪)6,6‬جريمة أكثر لكل مئة‬
‫ألف مواطن في المعدل الوسطى ‪0‬وعلى نحوٍ عام يتم ارتكاب(‬
‫‪)60‬ألف جريمة إضافية في العام في الوليات المتحدة عند ارتفاع‬
‫درجة الحرارة الجو درجة مئوية واحدة ‪0‬‬
‫هذه الوضعية لم تبلغ هذا الحد في العالم السلمي‪,‬لكن من‬
‫الملحظ أن (المن)ل يتقدم في معظم الدول السلمية‪,‬وإنما‬
‫يتراجع‪,‬وهذا يمثل مصدر إزعاج إضافي لنسان هذا العصر ‪0‬‬
‫‪-6‬لدى كثير من الشعوب النامية شعور بالعدميّة والعبث والستلب‬
‫بسبب فقد العدالة وتكافؤ الفرص‪,‬وغياب القانون في ضبط الحياة‬
‫العامة ‪0‬‬
‫إن كثيرين من الناس يشعرون بانقطاع الرابطة بين الفعل‬
‫وجزائه؛فالتعب ل يؤدي إلى الراحة وإنما إلى مزيد من الشقاء‬
‫‪0‬والمعادلة مقلوبة‪:‬الذين يتعبون‪,‬ل ينالون‪,‬والذين ل يتعبون ينالون‬
‫َ‬
‫كل شيء ‪0‬قد حط ّمت النخبة الزائفة التكافؤ بين الفصلية‬
‫والسعادة‪,‬وبين‬
‫الكد الشريف والراحة ‪000‬كل ما هو مرسوم سوف‬
‫يمضي‪,‬والصامت والمتكلم سواء؛فالسكوت إذن أولى ‪ 0‬وهذا هو‬
‫سر (اللمبالة)التي يبديها كثير من الناس ‪0‬وقد بلغ اليأس من‬
‫صلح الحوال مداه‪,‬فلم يعد كثير من المقهورين يبحثون عن‬
‫ب ما يحصلون به قسم‬ ‫المعايير العادلة أو الصحيحة‪,‬وإنّما عن أسلو ٍ‬
‫من(الكعكة)المنهوبة ‪0‬وهم بذلك يقومون بدور المستلَب الذي ضاع‬
‫شعوره بذاته‪,‬فاغتراب عنها‪,‬وأخذ يتبنّى عقائد الذين‬
‫قهروه‪,‬واغتصبوا حقوقه‪,‬ويتبع(استراتيجيتهم)‪0‬‬
‫إن للناس عقيدتين‪:‬عقيدة نظرية وعقيدة احتماعية ‪0‬العقيدة‬
‫النظرية تنتمي إلى(المطلق)البعيد عن المصالح‬
‫_‪_57‬‬
‫والظروف؛فالمسلم يعتقد أن الكذب والغش والرياء‪,‬والسكوت‬
‫على الباطل محّرمة‪,‬لكن من خلل حركته اليومية‪,‬ومن خلل‬
‫خبرته‪,‬يقيم موازنات دائمة بين مبادئه وعقائده‪,‬وبين مصالحه‬
‫والضغوط التي تماَرس عليه ‪0‬وينتج عن هذه الموازنات شيء‬
‫اسمه(العقيدة الجتماعية)‪0‬العقيدة الجتماعية‪:‬هي ترجمة لمبادئ‬
‫المر ومصالحه‪,‬ومركز التوازن بينهما ‪0‬وهي في كثير من الحيان‬
‫أقرب إلى أن تكون انعكاسا ً للواقع المعيش من أن تكون أفقاً‬
‫نظرياً ‪0‬‬
‫حين يكون المجتمع مريضاً‪,‬ويكون الصدق فيه مجلبة للذى‪,‬وحين‬
‫يكون الحصول على الضروريات الحياتية‪,‬ل يتهيأ إل عن طريق‬
‫الرشوة أو اللصوصية والنهب‪,‬فإن الح َّ‬
‫س‬
‫الجتماعي‪,‬يضعف حيال هذه المحرمات‪,‬بل إن الم تنهى ابنها‬
‫آنذاك عن الصدق‪-‬الذي تعتقد نظريا ً أنه فضيلة‪-‬إذا كان يسبَّب له‬
‫الذى‪,‬وتوصيه أن يكون (شاطراً)و(كدعاً)أي متخففا ً من القيود‬
‫الخلقية التي قد تسبب له الضرر‪,‬أو تفوَّت عليه بعض‬
‫المــــــــنافع!‪0‬‬
‫حين يكون المرء شريفا ً في مجتمع تسوده السرقة‪,‬فإن شرفه‬
‫يصبح عقوبة له‪,‬ويجعل مصالحه في مهب الريح‪,‬وجهاده في غير‬
‫عدو ‪000‬وهذا ما يعاني منه كثير من الناس اليوم؛لكن العاقبة‬
‫للتقوى ‪0‬‬
‫‪-7‬إن أصحاب الشركات الكبرى‪,‬يسيطرون على حركة‬
‫النتاج‪,‬ويسيطرون في كثير من البلد على القرارات الكبرى‬
‫المتعلقة ب(التنمية)‪0‬ومعظم أولئك قد تشبعوا بنهم لجمع‬
‫الثروات‪,‬ل يعرف الرتواء؛مما أدى إلى ترتيب جديد لوضاع‬
‫البشرية‪,‬ل تراعي فيه أحوال الموارد ول البيئة الطبيعية ول أحوال‬
‫المناخ ‪000‬‬
‫وهناك اليوم اعتقاد راسخ أن الثمن الذي سيتم دفعه للتنمية‬
‫المجنونة السائدة سيفوق كل حساب ‪0‬وقد قامت المم المتحدة‬
‫َ‬
‫بجمع أكبر فريق علمي في التاريخ‪,‬وكل ّفته بدراسة هذه المسألة‬
‫التي تتعلق بمصير البشرية جمعاء‪,‬وشكلت هذا الفريق الضخم من(‬
‫‪)2500‬عالم‪,‬ينتمون إلى بلدان شتى ‪0‬‬
‫وبناءً على التقارير التي قدّموها للمنظمة الدولية‪,‬فإن ما هو‬
‫متوقع‪,‬يبعث على الخوف والرعب؛فالتغيرات المناخية ستسير في‬
‫اتجاهين متطرفين؛حيث إن بعض مناطق في العالم‪,‬ستشهد الكثير‬
‫_‪_58‬‬
‫من المطار والفيضانات التي ستغمر أراضيها الزراعية‪,‬على حين‬
‫أن مناطق أخرى ستقل فيها المطار‪,‬ويضربها الجفاف والتصحر ‪0‬‬
‫وثمة دول أخرى سيزداد فيها الصقيع‪,‬كما أن أخرى سترتفع درجة‬
‫الحرارة ‪ 0‬وهذا كله سيؤدي إلى تراجع المساحات الزراعية‪,‬وندرة‬
‫الغذاء وانتشار البطالة ‪...‬‬
‫ول أريد أن أخوض في التفاصيل‪,‬لكن يبدو أن البشرية انزلقت إلى‬
‫وضعية‪,‬لم يعد بالمكان التراجع عنها ‪ 0‬إن مأساة الرض أن‬
‫مستقبلها واحد‪,‬لكن مفاهيم وتوجهات ومصالح الذين‬
‫يحكمونها‪,‬ليست واحدة!‪0‬‬
‫حين تشح الموارد‪,‬ويصبح الماء والغذاء نادرين‪,‬فإن الحصول عليها‬
‫مكْلِفاً‪,‬‬
‫سيكون ُ‬
‫وآنذاك فإن وضع الناس في المجتمع الواحد‪,‬سيكون أشبه بركب‬
‫في صحراء مجدية‪,‬وقد قارب زادهم وماؤهم على النفاد ‪000‬إن كل‬
‫ما يخطر بالبال من التنافس والتشاحن سيقع آنذاك‪,‬وقد يصل المر‬
‫إلى ذبح بعضهم للقتيات به!‪0‬‬
‫كل ما ذكرناه على سبيل الختصار؛مما يشكل مناخ الحياة‬
‫المعاصرة ‪0‬يتطلب من المسلم أن يعيد صياغة ذاته وتحسين‬
‫كفاءاته وعلقاته‪,‬حتى يستطيع مقاومة الضغوط والمغريات‪,‬ويتجاوز‬
‫العقبات التي تعترض سبيله وهو يحاول القيام بأمر الله تعالى‬
‫وتبليغ رسالة السلم ‪0‬ومهمة هذا البحث وما بعده أن يساعده على‬
‫َ‬
‫حوْل والــــــــــط ّـــوْل ‪0‬‬
‫ذلك؛ومن الله ال َ‬
‫****‬
‫الفصل الثاني‪-:‬‬

‫الماضي يصنعون‬ ‫كان الناس في‬


‫بأنفسهم على‬ ‫بيئاتهم المحلية‬
‫المستوى الجماعي ‪0‬‬
‫وتأثيرهم بما يجري بعيدا ً عن ديارهم ضئيل للغاية‪,‬وقد يكون‬
‫معدوماً ‪0‬حين كان الناس‬
‫يعيشون في الصحاري والقرى الصغيرة‪,‬كانوا مغمورين بمشاعر‬
‫العزلة والستقللية ‪0‬ولم يكن من المألوف أن تتأثر حركة الحياة‬
‫اليومية في قطر نتيجة اتخاذ قرارات معينة في قطر أخر إل على‬

‫_‪_59‬‬
‫نطاق محدود؛وذلك لن كل مقومات الحياة الساسية متوفرة‬
‫محلياً ‪0‬‬
‫حين عرف الناس(تقسيم العمل ‪,9‬حين قامت(العلقات‬
‫العتمادية)بين الشعوب على نطاق واسع‪,‬أخذ كل شيء‬
‫يختلف‪,‬وصار من الممكن أن يجوع إنسان أو شعب في أقصى‬
‫الشرق بسبب اتخاذ قرار في أقصى الغرب ‪0‬هذا التواصل الكوني‬
‫استدعى‪-‬بالطبع‪-‬وجود معايير عابرة للقارات لكل شيء‬
‫حسن التصرف‬ ‫مشترك‪,‬مثل الستيعاب والفاعلية والتأثير و ُ‬
‫والنتاجية والقدرة على الحتمال وما شاكل ذلك ‪000‬المم الكثر‬
‫حضورا ً في ساحات العلم والنتاج والتقنية والسياسة‪,‬هي التي‬
‫تضع معايير ما أشرنا إليه ‪0‬وبقطع النظر عن صواب تلك المعايير‬
‫فإنه ل يمكن تجاهلها على نحو تلم ‪0‬حين كان المسلمون يقودون‬
‫الحضارة‪,‬كانوا هم الذين يضعون تلك المعايير‪,‬وكان تجاهلها يعني‬
‫النعزال عن قيادة الحضارة آنذاك ‪0‬‬
‫العيش خارج العصر ل يحتاج إلى تخطيط‪,‬ول إلى جهد‪,‬فهو الصل‬
‫‪0‬والعيش داخل العصر هو الذي يتطلب الكثير من الفهم والعناء‬
‫َ‬
‫والبذل ‪000‬إن الذي ل يريد أن يصبح بطل ً رياضياً‪,‬غير مكل ّف بأي‬
‫شيء من تمارين البطال ‪0‬‬
‫وإن الذي ل يعبأ بالصحة والمرض والقوة والضعف‪,‬ليس مطالبا ً بأي‬
‫شيء من التمارين الرياضية؛وهكذا فالتصرف في الحياة على‬
‫السجية‪,‬دون أي صقل للذات أو ترقية للمهارات أو محاولت للفهم‬
‫‪000‬هو حياة نموذجية خارج هذا العصر وخارج العالم‬
‫الذي ننتمي إليـه ‪0‬‬
‫شؤون هذا العصر طبقات عديدة في شعاب كثيرة‬
‫متفرقة‪,‬واستيعابها على نحو تام غير ممكن‪,‬ولذا فلستجابة التامة‬
‫لشراطاته وتحدياته أيضا ً غير ممكنه ‪0‬والمشكلة العميقة التي‬
‫تعاني منها كثير من الناس في هذا الجانب أن الواقع يتغير على‬
‫نحو أعقد وأسرع من استيعاب الوعي له ‪ 0‬والطروحات‬
‫الفكرية‪,‬تكاد تكون مستخلصات مما يفرزه الواقع من مشكلت‪,‬أي‬
‫ل يتم التنبه لكثير من المشكلت والتحديات إل بعد أن تصبح حقيقة‬
‫ماثلة ‪0‬‬
‫العيش داخل العصر‪,‬يحتاج أيضا ً إلى درجة من الشفافية والمرونة‬
‫الذهنية‪,‬وهما غير متوفرين لدى الميين ومتوسطي الثقافة‪,‬والذين‬
‫يعشون في ظروف قاسية‪,‬حيث تحجب المتطلبات الضرورية‬
‫_‪_60‬‬
‫للمعيشة اليومية رؤية الناس للمحيط العام‪,‬ولقدراتهم الكامنة‬
‫والخيارات المتاحة لهم على طريق التحسن والستجابة ‪0‬لهذه‬
‫السباب أبناء الشعوب التي يغلب عليها الستهلك لمنتجات‬
‫العصر‪,‬دون مشاركة فعّالة في إنتاجها ‪.‬‬

‫_‪_61‬‬
‫قلة‬
‫أولئك الذين يختارون العيش على الهامش وهم على دراية بما‬
‫مش‪,‬وتعيش خارج الحلبة‬ ‫يفعلون‪,‬فالكثرة الكاثرة من الناس تُه َّ‬
‫بسبب البيئة المحطمة التي يعيشون فيها‬
‫فهي غير ملئمة للنمو لنها إما تكون قاسية إلى درجة الكبت‬
‫الشديد والقهر‪,‬وإما أن تكون على درجة من التخلف‪,‬ل تمكّن من‬
‫صناعة الدارات ول استنفار الطاقات‪,‬وهذا‪-‬مع السف‪-‬هو شأن أكثر‬
‫من(‪ )%70‬من البيئات المعاصرة ‪0‬‬
‫العيش داخل العصر يعني استيعاب المرء لتحديات عصره‬
‫ومشكلته‪,‬إلى جانب وعي بالمكانات المتاحة للستجابة لتلك‬
‫التحديات‪,‬بالضافة إلى امتلك اللية المناسبة لتحقيق ذلك على‬
‫هدي من المبادئ والثوابت التي يؤمن بها؛مما ينتج عنه العيش في‬
‫غمرة الحداث والتجديدات والتأثير فيها‪,‬والستفادة من معطياتها ‪0‬‬
‫سنذكر هنا على نحو أهم سمات الشخص الذي يعيش خارج عصره‬
‫بغية التنبيه على الوضعية البائسة لكثير من الناس‪,‬ولنتخذ من ذلك‬
‫مرشدا ً لما سنقوله بعد ذلك عن المبادئ والشروط والسمات‬
‫والوضاع المطلوبة للعيش داخل العصر ‪0‬‬
‫‪-1‬بعض الذين يعيشون خارج العصر‪,‬مكَّبلون بالوهام‪,‬فهم تارة‬
‫أسرى للتاريخ‪,‬يقيسون عليه الحاضر‪,‬ويفهمونه من‬
‫خلله‪,‬ويستبطنون إمكانية إعادته لنفسه على نحو شبه متطابق‬
‫‪0‬وهؤلء ل يتعلّقون بالتاريخ فحسب‪,‬وإنّما يفهمونه على نحو‬
‫مشوَّه‪,‬وهو غير قادرين على العتبار به‪,‬لنهم يتعاملون مع مدلولته‬
‫وفق مركباتهم الذهنية الخاصة بعيدا ً عن القراءات والمفهوم‬
‫المغايرة ‪0‬وبعض الذين يعيشون خارج العصر مكبّلون‬
‫بأوهام(المثالية)‪0‬فهم يطنون أن ما يجري في الواقع قريب‪,‬مما هو‬
‫مثُل وقِيَم ومعايير‪,‬أي يتوهمون وجود نوع‬ ‫مستقر في الذهن‪,‬من ُ‬
‫من التطابق بين ما هو كائن‪,‬وبين ما يجب أن يكون‪,‬غير عابئين بما‬
‫تحدثه الظروف والمصالح والهواء‬
‫والشهوات من صدوع بين المبدأ والسلوك والخبرة والواقع ‪0‬‬
‫بعض الذين يعيشون خارج عصرهم مكبَّلون بأوهام المؤامرة‪,‬فهم‬
‫جة بعناية ضد توجهاتهم‬ ‫يرون كل شيء محيك بإتقان ومو َّ‬
‫جد لديهم‬‫ومصالحهم ‪ 0‬ومع أن العالم ل يخلو فعل ً حيال ذلك‪,‬مما يو ِ‬
‫_‪_62‬‬
‫نوعا ً من العقيدة الجبرية‪,‬ويشجعهم على التنصل من‬
‫أخطائهم‪,‬وإلقاء تبعاتها على غيرهم ‪0‬‬
‫بعض الوهام ينشأ من فهم قاصر للذات والمحيط‪,‬إذ هناك من‬
‫يعتقد أن بإمكانه وإمكان غيره أن يفعل ما يشاء‪,‬فهو ينتقل من‬
‫مغامرة إلى أخرى متجاهل ً أن المور الشخصية محكومة بإمكانات‬
‫وموازنات خاصة‪,‬وأن القضايا العامة الكبرى محكومة باعتبارات‬
‫محلية وإقليمية وعالمية ‪0‬وتجاهل ذلك قد يكون ممكنا ً على المدى‬
‫القريب‪,‬لكنه مهلك على المدى البعيد ‪0‬وعلى العكس من هذا فإن‬
‫هناك من يتوهم أنه ليس في المكان أبدع مما كان‪,‬وكلما فكر في‬
‫خيَّل إليه أن الساحات مزدحمة ‪,‬فالفرض دائما ً لغيره‪,‬وله‬ ‫عمل ُ‬
‫التحسر على ما فات!‪0‬‬
‫ل لريد أن أسترسل أكثر في ذِكْر أصناف المكبَّلين‬
‫بالوهام‪,‬فنماذجهم تواجهك حيثما تولّيت ‪0‬‬
‫‪-2‬يظن بعض الذين يعيشون خارج العصر أن زماننا هذا هو زمان‬
‫الخفة والنشاط والحركة‪,‬والتخفف من القيود الخلقية‪,‬والتغاضي‬
‫عن صوت العقيدة والمبدأ؛ولذا فإن نشاطهم اليومي ل يعدو أن‬
‫يكون عبارة عن عمليات صفع على قيمهم ومبادئهم ‪0‬‬
‫فقد هؤلء الدليل والمرجع‪,‬واختلطت عليهم المور‪,‬فطلبوا السعادة‬
‫والراحة‬
‫والطمأنينة في أعمال ومواقف ل تجّر عليهم سوى المعاناة في‬
‫الدنيا والعقاب في الخرة ‪0‬والمؤسف أنهم يخسرون أنفسهم‬
‫مقابل أوهام الثراء والمتعة التي تتكشف لهم كل يوم عن سراب‬
‫خادع!‪0‬‬
‫إن الذي يتمسك بمبدئه‪,‬قد يفوته بعض الربح في بعض الحيان‪,‬لكنه‬
‫ن هذا العصر صار عصر المصالح‬ ‫يربح ذاته وآخرته في كل حين ‪0‬إ ّ‬
‫والمكاسب النانية الضيقة لن الناس أرادوا له ذلك‪,‬وما الكدمات‬
‫محيَّاه سوى انعكاس دقيق لمليين التصرفات والمواقف‬ ‫التي في ُ‬
‫اليومية لبناء زماننا ‪0‬‬
‫‪-3‬الذين يعيشون خارج العصر موَّزعون بين الماضي والحاضر؛فهم‬
‫على مستوى التصورات والمفاهيم أسرى لمقولت ماضية‪-‬يعجزون‬
‫غالبا ً عن التأكد مستوى الحاضر أسرى الهموم والمشاغل ‪0‬أما‬
‫المستقبل فل يستحوذ إل على القليل من اهتمامهم وخططهم‬
‫واستعداداتهم ‪0‬هؤلء الناس‪,‬ل يدركون أن التغيرات السريعة‬
‫المتلحقة‪,‬تتطلب أن ننظر إلى أبعد مدى ممكن؛لن البعيد صار‬
‫_‪_63‬‬
‫قريباً ‪0‬بعضهم يطن أن التخطيط للمستقبل ينافي التوكل على الله‬
‫–تعالى‪-‬وبعضهم يجعل الهتمام بما هو آت نوعا ً من الشتغال‬
‫بالتنظير والنشغال عن الستفادة مما هو مائل ‪0‬ذلك كله جعل‬
‫الذين يعيشون خارج العصر ينفعلون بالحداث بدل أن يشاركوا في‬
‫صناعتها‪,‬كما جعلهم يأتون دائما ً بعد الحدث ‪0‬‬
‫‪-4‬من سمات الذين يعيشون خارج العصر أنهم يفقدون روح‬
‫المبادرة الشخصية‪,‬فهم ما زالوا ينتظرون من غيرهم نوعا ً من‬
‫الرعاية لهم(‪ )1([0)1‬يُكثر الطفل من استخدام ضمير أ‬
‫(أنت)‪:‬أنت لم تأخذني‪,‬أنت ل تحبني‪....‬‬
‫ويُكثر المراهق من استخدام ضمير (أنا)‪:‬أنا أضرب‪,‬أنا أفعل كذا‬
‫‪0000‬‬
‫أما الناضج فيكثر من استخدام ضمير(نحن)‪:‬حيث يغلب عليه شعور‬
‫الجماعة]‬
‫مق النظر في أحوال عصرنا‪,‬فإننا سنجد أن‬ ‫إذا حاولنا أن نع َّ‬
‫المبادرة الفردية‪,‬قد أسهمت على نحو فذ في تكوين النهضة‬
‫الحديثة‪,‬بل يمكن القول‪:‬إن مجموع المبادرات الفردية في أي‬
‫مجتمع هو مقياس دقيق لمدى حيوية ذلك المجتمع‪,‬وقابليته للنمو‬
‫والتقدم ‪0‬‬
‫التربية لدينا ما زالت تركز على تخريج النسان التابع‪,‬والمعتمد على‬
‫غيره‪,‬على أن الوضعية العامة لـ(التكليف) في السلم تؤكد على‬
‫تنمية روح المبادرة والمسؤولية الفردية‪,‬وسلوك طرق الخير مهما‬
‫كانت موحشة ومهجورة ‪0‬‬
‫‪-5‬أشعة النقد لدى كثير ممن يعيش خارج العصر دائما ً نحو‬
‫الخرج‪,‬فهم غير قادرين على إلقاء نظرة(تقييمية)على أنفسهم‬
‫وأنشطتهم‪,‬وهم يستنبطون في داخلهم نوعا ً من الشعور بالكمال‬
‫والرضا عن النفس‪,‬على حين أنهم يدققون في أحوال غيرهم ‪0‬هذه‬
‫الوضعية ولّدت مرضا ً آخر‪,‬هو الترحيب بكل ما يعزز‬
‫مواقفهم‪,‬والبتهاج بكل من يناصرهم‪,‬على حين أنهم يضيقون‬
‫بالمخالف والمعارض ‪ 0‬وهذا مخالف لروح العصر‪,‬فالمؤسسات‬
‫والحكومات والجماعات الناجحة في زماننا هذا‪,‬تستمد الكثير من‬
‫عناصر قوتها من كونها تتبع في أسلوب إدارتها وعملها نُظُما ً قابلة‬
‫(‬
‫للمراجعة والتجديد والتعديل؛ولذا فإنها تهتم بوجود(تغذية مرتدة)‬
‫‪)1([)1‬كان عمر رضي الله عنه يقول‪:‬‬
‫ي عيوبي ‪]0‬‬ ‫رحم الله امرأ أهدى إل ّ‬
‫_‪_64‬‬
‫من لدنها عملئها‪,‬وهي لذلك تنظر إلى الرأي المخالف على أنه‬
‫م في أصلح الخلل وتلفي القصور‬ ‫عامل ثراء وتقويهم‪,‬ومساعد مه ّ‬
‫‪0‬‬
‫ن الذين يعيشون خارج العصر‪,‬ل يدركون أن القصور الساسي‪,‬هو‬ ‫إ ّ‬
‫قصور ذاتي‪,‬وأن النهضة الحقيقية‪,‬هي نهضة روحية نفسية فكرية‬
‫قبل أي شيء آخر‪,‬ولذا فإنهم غير قادرين على تسليط أنوار‬
‫التصحيح على أحوالهم الخاصة ‪0‬‬
‫‪-6‬اهتمام الذين يعيشون خارج العصر بالوقت شبه معدوم‪,‬فالذي ل‬
‫جر غدا ً أو بعد غد ‪0‬وهو على خبرة‬ ‫يتم إنجازه اليوم يمكن أن يُن ْ َ‬
‫واسعة في قتل الوقت وإنفاقه في أنشطة‪,‬ل تعود عليهم أو على‬
‫غيرهم بأية فائدة ‪0‬العالم المتقدم اخترع آلت لقياس أجزاء‬
‫الثانية‪,‬والذين يعيشون خارج العصر يستخدمون في التعامل مع‬
‫الزمن اليام والشهور ‪000‬والقوم يعيشون من غير أهداف‬
‫واضحة‪,‬ولذا فإن الحرص على الوقت لديهم يصبح غير ذي معنى ‪0‬‬
‫متان لزمتان لكثير ممن يعيشون خارج‬ ‫س َ‬
‫‪-7‬الهمال والفوضى ِ‬
‫العصر‪:‬إهمال للصحة والمظهر والمستقبل والهل والعلقات‬
‫الجتماعية والعمل ‪000‬الفوضى ضاربة أطنابها في كل شؤون‬
‫حياتهم‪,‬فلديهم دائما ً التزامات كثيرة وإنجازات قليلة ‪0‬كل شيء في‬
‫حياتهم جائز‪,‬ويمكن أن تتوقع منهم أي شيء ‪0‬الذين قدموا إنجازات‬
‫كبرى البشرية في هذا الزمان‪,‬كانوا دائما ً يُبْدون اهتماما ً بكل شيء‪-‬‬
‫َ‬
‫منظ ّمون في‬‫ول سيما التفاصيل الصغيرة‪-‬وهو إلى جانب ذلك ُ‬
‫حياتهم الشخصية والعامة‪,‬وفي أسلوب تفكيرهم‬
‫وفي أعمالهم ‪ 0‬ويرون أن التحلي بفضيلة الهتمام شرط للنجاز‬
‫العالي ‪0‬أما التنظيم الدقيق فهو الطريق القصر لبلوغ الهداف‬
‫الكبرى ‪0‬‬
‫سوف نقف على مزيد من سمات الذين يعيشون خارج العصر‬
‫عندما نتحدث عن سمات السبّاقين والمتقاعسين‪,‬مما يزيد الصورة‬
‫جلء ووضوحاً ‪0‬‬

‫الفصل الثالث‪-:‬‬

‫الرسالة‬ ‫يترتب على عموم‬


‫المحمدية وختمها أنها تحتوي في بنيتها الداخلية وفي أدبياتها على‬
‫_‪_65‬‬
‫عناصر ثابتة وأخرى متحركة‪,‬حيث نجد في القضايا التي ل تختلف‬
‫باختلف الظروف والزمان الكثير الكثير من الوضوح والتفصيل‪-‬كما‬
‫هو الشأن في العبادات وأمور العقيدة‪-‬أما القضايا التي تختلف من‬
‫زمان إلى زمان‪,‬ومن مكان إلى آخر فإن الشريعة السمحاء ترسي‬
‫الصول‪,‬وترسم الخطوط العريضة‪,‬وتُعرض عن التفصيل والمسائل‬
‫الجزئية؛لن بَلْورة هذه الخيرة من واجبات المكلفين؛فالشارع و َّ‬
‫جه‬
‫بإقامة العدل وتحقيق الشورى وإغاثة الملهوف ‪000‬وترك بلورة‬
‫النُّظُم والطر والساليب التي تحقق ذلك للناس‪,‬على مقتضى‬
‫الظروف التي يمرون بها ‪0‬‬
‫وهكذا فالسلم لم يفصل في جميع جوانب نموذج الحياة المعنوية‬
‫التي ينبغي أن يحياها المسلم؛لن مفردات ذلك النموذج‪,‬تختلف من‬
‫بيئة إلى أخرى‪,‬ومن وقت إلى آخر ‪ 0‬وعلى سبيل المثال فحين‬
‫تكون البيئة التي يعيش فيها المسلم بيئة ضنك في العيش وضآلة‬
‫في فرص الكسب‪,‬فإن المسلم حتى يكون معاصراً‪,‬يكون مطالباً‬
‫بأن‬
‫يبذل جهدا ً مضاعفا ً في التدريب على مهنة‪,‬وفي إدارة المكانات‬
‫القليلة‪,‬والتعاون مع إخوانه ومواطنيه في درء مخاطر المجاعة‬
‫والبطالة ‪0‬‬
‫وحين يجتاح بلدا ً ما تيار شهواني انحللي‪,‬فإن الذي يبرز في‬
‫النموذج آنذاك‪,‬هو السعي إلى إيجاد تيار روحي قوي‪,‬يواجه التيار‬
‫الشهواني ‪0‬وحين يعاني المجتمع المسلم من الشبهات والشكوك‬
‫َ‬
‫في صلحية السلم العامة لتوجيه الحياة‪,‬أو في مسل ّمة من‬
‫َ‬
‫مسل ّماته الكبرى‪,‬فإن أولوية العمل تُعطي للفكر والحجة والبرهان‬
‫حم‪,‬وهكذا ‪000‬‬ ‫والدليل المف ِ‬
‫نفهم من هذا أن المسلم بحاجة‪-‬حتى يكون معاصراً‪-‬إلى أن‬
‫يستجيب في تكوينه واهتماماته ومهاراته وردود أفعاله لتحديات‬
‫البيئة المحيطة ومطالبها‪,‬في إطار الثوابت التي أرساها المنهج‬
‫الرباني للشخصية الفاضلة ‪0‬وهذا يعني إل نقدَّس اجتهادات‬
‫السابقين ومقولتهم في رسم أبعاد المسلم النموذج أو(العبد‬
‫الصالح)‪,‬كما يوجب على أهل العلم والفكر أن يوضحوا القسمات‬
‫الرئيسة التي يجب أن تتوفر في المسلم النموذجي في عصرهم‬
‫‪0‬وما يقولونه يظل اجتهادا ً قابل ً للصواب والخطأ ‪0‬‬
‫إنه يمكن القول‪:‬إن ما يعد رذيلة في عصر أو مكان‪,‬ل يمكن أن‬
‫يصبح فضيلة في عصر أو مكان آخر‪,‬لكن الذي يختلف هو حجم‬

‫_‪_66‬‬
‫َ‬
‫الهتمام بالشيء الفاضل‪,‬والوضعية التي نمنحه إياها في سل ّم‬
‫الولويات ‪0‬إن إسراع الموظف إلى اللتحاق بعمله مطلوب في كل‬
‫وقت‪,‬لكن حين يكون الموظف(عامل إطفاء)فإنه يكون للسرعة‬
‫معنى آخر أكثر أهمية ‪0‬وسأحاول هنا لفت النظر إلى بعض السمات‬
‫والمهارات التي أرى أنها تحتل‬
‫مكانه خاصة في نموذج(المسلم المعاصر)وهي أشبه بمخطط‬
‫أوَّلي‪,‬سنحاول تعميق خطوطه وتوضيحها فيما بعد‪-‬بإذن الله تعالى‪-‬‬
‫وذلك على النحو التي‪:‬‬
‫‪-1‬توجيه جميع المناشط نحو الغاية العليا‪:‬‬
‫تقرر النظرة السلمية للنسان أهمية توجيه جميع مناشطه في‬
‫حياته المديدة نحو الفوز برضوان الله‪-‬تعالى‪{-‬قل إن صلتي‬
‫ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين(‪)162‬ل‬
‫شريك له وبذالك أمرت وأنا أول‬
‫المسلمين}[النعام‪]163-162:‬‬
‫مناشط أوقات الفراغ‪,‬و مناشط الترفيه تعزز التوجه اليماني لدى‬
‫المسلم إذا كانت في إطار المباح‪,‬واستحضر صاحبها النية الصالحة‬
‫عند مباشرتها ‪0‬وهذافي الحقيقة يضفي على حياة المسلم نوعا ً من‬
‫النسجام والتماسك؛فل يشعر بأي انفصام بين مناشط تحقيق‬
‫الذات والحصول على النجاح والتفوق الشخصي ‪000‬وبين مناشط‬
‫النجاة في الخرة‪,‬كما هو واقع في حياة كثير من المسلمين‬
‫اليوم‪,‬وإنما يشعر أن مكاسبه الروحية والنفسية قد تأتي من خلل‬
‫نصحه لشريك في تجارة أو أنشطة رياضية يقوم بها‪,‬أو النوم مبكراً‬
‫من أجل الستيقاظ لصلة الفجر ‪0‬حتى الحداث غير الساّرة فإن‬
‫النظرة إليها على أنها ابتلء من الله‪-‬تعالى‪-‬تجعل المسلم الحق‬
‫يتلقاها بروح عالية ونفس مطمئنة‪,‬حيث ينتظر عاقبة الصبر عليها‬
‫‪0‬قد ورد في الحديث الصحيح‪(:‬عجبا ً من المؤمن إن أمره كله له‬
‫خير‪,‬وليس ذلك لحد إل المؤمن‪:‬إن أصابته سراء شكر فكان خيراً‬
‫له‪,‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا ً له)‪0‬‬
‫صهَْر جميع مناشط الحياة في بوتقة واحدة‪,‬ليس عبئاً‪-‬كما قد‬ ‫إن َ‬
‫يتوهم‪-‬لكنه مصدر عظيم من مصادر السعادة والطمأنينة ‪0‬وإن‬
‫الخيط المنطقي والخلقي الذي ينتظمها جميعاً‪,‬يدعم كينونة‬
‫المسلم‪,‬ويزيد في وضوح رؤيته الشاملة للحياة ‪0‬‬

‫_‪_67‬‬
‫‪-2‬عدم المساومة على المبدأ‪:‬‬
‫هذه سمة أخرى مهمة في نموذج المسلم المعاصرة؛فالمغريات‬
‫بالنحراف والضغوطات الحياتية المتزايدة‪,‬تدفع المسلم دفعا ً إلى‬
‫التنازل عن بعض مبادئه وقناعاته من أجل تحقيق بعض رغباته‬
‫ومصالحة؛ولذا فإن المرء الذي يحاول أن يحقق مصالحه إلى الحد‬
‫القصى مع التمسك بمبادئه‪,‬يحاول في الحقيقة الجمع بين‬
‫نقيضين‪,‬إذ لبد في بعض الحالت من التخلي عن أحدهما في سبيل‬
‫استقامة أمر الخر ‪0‬‬
‫إن تحقيق المصلحة على حساب المبدأ‪,‬يعد ّ انتصارا ً لشهوة أو‬
‫غرض آني ‪0‬أما النتصار للمبدأ فإنه بمثابة التربع على قمةٍ من‬
‫الشعور بالسعادة والرضا والنصر والحكمة والثقة بالنفس ‪0‬وقد‬
‫أثبت المبادئ أنها قادرة على أن تكرر النصر المرة تلو المرة‬
‫‪0‬وحين يخسر النسان مصلحة نتيجة الصرار على مبدأ‪,‬فإنه في‬
‫الحقيقة يخسر شيئاً‪,‬لكنه على المستوى الشعوري وعلى المدى‬
‫مكَْره‪,‬هو الذي‬ ‫ط وال َ‬ ‫البعيد يعد رابحاً ‪0‬إن التمسك بالمبدأ في المن ْ َ‬
‫ش ِ‬
‫يمنح حياتنا معنى‪,‬ويجعلها تختلف عن حياة السوائم الذليلة التي‬
‫تكافح من أجل البقاء المجرد ‪ 0‬ل شك أن الظروف الصعبة‪,‬توهن‬
‫قيَم والمبادئ للسلوك‪,‬لكنها نفسها هي التي تمنحنا‬ ‫من ضبط ال ِ‬
‫العلمة الفارقة بين أناس اختلطت مبادئهم بدمائهم ولحومهم‪,‬وبين‬
‫أناس ل تمثل المبادئ بالنسبة إليهم أكثر من تكميل‬
‫شكلي لنسانيتهم ‪0‬إن التمحور على المبدأ‪,‬يستلزم النحياز الدائم‬
‫إلى الحق ومقاومة الشر؛فاللتزام بالمبدأ‪,‬ليس مسألة شخصية‬
‫بحتة‪,‬وإنما هو موقف أخلقي واجتماعي أيضاً؛حيث إن من وظائف‬
‫المسلم الساسية في هذه الحياة إحقاق الحق وإزهاق الباطل‬
‫ومحاصرة الشر بكل صوره وأشكاله ‪0‬والتخلي عن هذه‬
‫الوظيفة‪,‬يحوّل المجتمع المسلم إلى غابة‪,‬يأكل القوي فيها‬
‫الضعيف‪,‬ويصبح البقاء فيه للقوى ل للصلح ‪0‬‬
‫‪-3‬المحافظة على الصورة الكليّة‪:‬‬
‫يقوم المنهج السلمي في بناء الشخصية على العموم والشمول‬
‫والتكامل ‪0‬وهناك نصوص وأدبيات كثيرة‪,‬تؤكد مجتمعة على ضرورة‬
‫تنمية كل أبعاد الشخصية العقلية والروحية والبدنية والعاطفية‬
‫‪000‬لكن الملحظ أن لدى النسان قابلية عجيبة للنجذاب نحو بُعد‬
‫أو محور من المحاور‪,‬وترك باقيها غفل ً دون أي اهتمام ‪ 0‬وهذا‬
‫مشاهد لدى معظم الناس؛إذ إن من المألوف أن ترى من يصرف‬

‫_‪_68‬‬
‫كل اهتمامه إلى الرياضة‪,‬على حين أنه ل يقرأ كتابا ً واحدا ً في‬
‫السنَّة أو جزءا ً من القرآن الكريم في السبوع ‪0‬ونجد كذلك في‬
‫المقابل بين المثقفين وطلب العلم الكثير ممن ل يقيم أي وزن‬
‫َ‬
‫لِل ّياقة البدنية ‪0‬وهناك من ينهمك في المسائل الفكرية‬
‫والتنظرية‪,‬لكنه يعاني من جفاف روحي وتقصير في العبادات‬
‫‪0‬وهناك من يقف على النقيض ‪0‬إن المرء ينتزع العجاب عندما‬
‫يجتمع فيه ما تفَّرق في غيره ‪0‬وإن التنمية الزائدة لجانب من‬
‫الجوانب على حساب جانب آخر تبدو في بعض الحيان كما لو‬
‫كانت نوعا ً من البراعة النادرة‪,‬‬
‫لكنها تشويه وتبديد لفضيلة التناسق ‪0‬‬
‫حتى ل نفقد الصورة الكلية للوضعية التي ينبغي أن نكون عليها‪,‬فإن‬
‫م‬
‫علينا أن نعطي كل ذي حق حقه‪,‬وربما وجب لتحقيق ذلك القيا ُ‬
‫بأمرين‪:‬‬
‫أ‪-‬أن ننظر دائما ً إلى خارج ذواتنا من أجل المقارنة‪,‬ومن أجل أن‬
‫نستشرف ما نحن عليه عن كثب ‪0‬إن الرؤية تتشوه عندما نعزل‬
‫ذواتنا وأوضاعها عن السياق الجتماعي والتاريخي والحضاري ‪0‬‬
‫ب‪-‬أن ننظر دائما ً إلى واجباتنا العامة وأهدافنا الكليّة‪,‬ومدى خدمة‬
‫بنائنا لنفسنا لتلك الواجبات وتلك الهداف ‪0‬‬
‫‪-4‬التحرر الدائم‪:‬‬
‫خر له ما في‬ ‫كّرم الله‪-‬تعالى‪-‬النسان إذ خلقه في أحسن تقويم‪,‬وس ّ‬
‫ة منه وفضلً ‪0‬ومتَّعه بالعقل والدارة‬ ‫السماوات وما في الرض من َّ ً‬
‫مله مسؤولية اختياراته؛ليظل حرا ً كريما ً منطلقاً‪,‬ل يأسره‬ ‫الحرة‪,‬وح َّ‬
‫إل قِيَمه ومبادئه؛لكن النسان حتى يسهَّل عمله‪,‬ويعقل الوجود من‬
‫حوله يقوم بإنتاج عدد كبير من العادات على المستوى الفكري‬
‫والنفسي والحركي ‪000‬ول يمر وقت طويل حتى يشعر أنه صار‬
‫َ‬
‫أسيرا ً لتلك العادات‪,‬فطرق التفكير تتكل ّس مع اليام‪,‬وتصبح غير‬
‫ملئمة‪,‬فتتحول من أدوات لتسهيل المحاكمة العقلية والتحليل َّ‬
‫جم‬ ‫والتركيب ‪000‬إلى أطواق وسلسل‪,‬تحد ّ من انطلقة الفكر‪,‬وتح ّّ‬
‫فاعليته‪,‬بل قد تظلله‪,‬وتجعله يطرح طروحا ً شكلية ‪0‬وقل مثل ذلك‬
‫في العادات النفسية والحركية ‪0‬‬
‫حركة الحياة اليومية‪,‬ومصالح النسان‪,‬والضغوط التي يواجهها‪,‬كل‬
‫أولئك قادر على استبعاد النسان وإذلله ومسخه‪,‬وتحويله إلى‬
‫شيء أو جزء من آلة‪,‬أو تابع مقلد ‪000‬‬

‫_‪_69‬‬
‫يحتاج المسلم من أجل الحتفاظ بحريته وحيويّته إلى أن يحمل بين‬
‫جوانبه روح(الثورة)أو روح التحرر الدائم‪,‬والتأبي على‬
‫القولبة‪,‬ورفض البرمجة الثقافية المحلية الصماء‪,‬وضغوط البيئة‬
‫َ‬
‫المحط ّمة التي تحد من الطموحات‪,‬وتقتل المواهب ‪0‬إنه لكي يفعل‬
‫سس ما يمكن أن‬ ‫مس الفاق غير المرئية‪,‬وتح ُّ‬ ‫ذلك بحاجة إلى تل ُّ‬
‫يكون‪,‬والسعي الدائب إلى ما هو أفضل‪,‬وعليه دائما ً أن يبحث عن‬
‫البدائل لما هو فيه ‪0‬وما لم يفعل ذلك‪-‬وهذا ما عليه أكثر الناس‪-‬فإن‬
‫من السهل أن يجد نفسه مكبل ً بالوهام‪,‬والعادات البالية‪,‬والقيود‬
‫التي صنعها لنفسه بنفسه‪,‬كما هو شأن مدمني المخدرات ومدمني‬
‫التقليد والكسل والسراف وقول الزور ‪000‬إن التحرر الدائم ينبع‬
‫من اعتقادنا أنه ل راحة لمؤمن إل بلقاء ربه‪,‬ومن اعتقادنا‬
‫بهشاشة(البُنية العميقة)للحرية والكرامة‪,‬مما يجعلها بحاجة دائمة‬
‫إلى الحذر والرعاية ‪0‬‬
‫‪-5‬التفوق على الذات‪:‬‬
‫بإمكان أكثر الناس عجزاً‪,‬وأقلهم حيلة أن يجد من هو أضعف‬
‫منه؛ليتغلب عليه ويقهره‪,‬ومن السهل على المرء أن يكشف بعض‬
‫النقاط التي تمنحه نوعا ً من التفوق والتميز ‪000‬لكن يظل المهم‬
‫دائما ً هو(التفوق على الذات)والشعور بالتحسن الدائم والرتقاء‬
‫َ‬
‫المط ّرِد ‪0‬إن التفوق على الذات يعني أن يوم المتفوق خير من‬
‫أمسه‪,‬وأن غده خير من يومه ‪0‬‬
‫وهذا غير ممكن على نحو مطلق‪,‬لكن يمكن أن يلمسه النسان إذا‬
‫أجرى تقويما ً سنويا ً لحواله ومكتسباته ‪0‬ول شيء يحول دون‬
‫التفوق المستمر‪,‬كالنرجسية والعجاب بالنفس‪,‬ونزع إنجازاتنا من‬
‫طبيعتها الزمنية‪,‬لنجعلها عمل ً نهائياً‪,‬فنقضي بذلك عنها بُعدها‬
‫النساني الحي والمرحلي‪,‬وندخلها في نفق الجمود ثم الضمحلل ‪0‬‬
‫إن قوله الله‪-‬جَّل وعل‪{-‬وفوق كل ذي علم‬
‫عليم}[يوسف‪]76:‬‬
‫ث خفي لنا على دوام الستزادة من العلم‪,‬والنظر إلى ما هو‬ ‫ح ٌّ‬
‫أسمى؛وإشعاٌر بأننا لن نصل إلى النهاية في الترقي‪,‬وأن الفق‬
‫أمامنا سيبقى ممتداً ‪0‬‬
‫‪-6‬الشعور بالتأنق‪:‬‬
‫حين يقصر النسان في أداء واجب‪,‬فإنه يشعر بالتقصير‪,‬ويحدث في‬
‫داخله نوع من الصراع ‪0‬وحين يؤدي واجباً‪,‬فإنه يشعر بنوع من‬

‫_‪_70‬‬
‫الرضا والنجاز ‪0‬وحين يقوم بعمل زائد عن الحاجة أو عن‬
‫الواجب‪,‬فإنه يشعر ب(التأنق)‪0‬الشعور بالتأنق هو نوع من الشعور‬
‫بالَّرفَه والتجاوز لحد الضرورة ‪0‬إن المسلم حين يبدأ بإلقاء السلم‬
‫تكون مشاعره مختلفة(‪ )1([)1‬كان عبد الله بن عمر‪-‬رضي الله‬
‫عنهما‪-‬ينزل السواق بهدف إلقاء السلم على الناس ‪]0‬عن‬
‫مشاعره حين يرد السلم‪,‬حيث الول سنّة‪,‬والثاني واجب ‪0‬‬
‫كذلك مشاعره عند أداءه فريضة الصلة ‪0‬تختلف عن مشاعره حين‬
‫يتنَّفل‪,‬كما تختلف أحاسيس الناس حين يأكلون ما يسد الرمق عن‬
‫أحاسيسهم عندما يأكلون الفاكهة أو الحلوى ‪000‬‬
‫القيام بما ليس مفروضاً‪,‬يعطي النسان إحساسا ً بالتفوق والقتراب‬
‫من الكمال‪,‬‬
‫وهو إحساس ضروري لتعزيز الثقة بالنفس‪,‬وتحصيل نوع من‬
‫سبْق للقران والنظراء ‪0‬المجتمعات التي تُنتج أكثر مما‬ ‫ال َّ‬
‫تَستهلِك‪,‬تشعر بالتأنق‪,‬كما يشعر به المم التي تجد لديها فضلة من‬
‫طاقة لحل مشكلت المم الخرى ‪0‬‬
‫الشعور بالتأنق كثيرا ً ما يرتقي بالنسان‪-‬على نحو ما‪-‬إلى درجة‬
‫الريادة‪,‬حيث يضحي قدوة لغيره ‪0‬‬
‫الفائض الجتماعي مظهر من مظاهر التأنق‪,‬وهو في الوقت نفسه‬
‫حاصل العمال التطوعيّة الخيرة التي يقوم بها أبناء المجتمع؛وعلى‬
‫مقدار ذلك الفائض تكون خيريّة ذلك المجتمع ‪0‬في الظروف‬
‫سة إلى وجود أعداد كبيرة من الرجال‬ ‫الصعبة تصبح الحاجة ما َّ‬
‫الخيار الذين يتجاوزون مرحلة التفكير بالحقوق‬
‫والواجبات‪,‬وينغمسون في أعمال الحسان والرتقاء‪,‬حيث تغمرهم‬
‫روح المجانية والعطاء غير المشروط ‪0‬‬
‫هذه السمة من أهم سمات(المسلم النموذجي)في عصرنا‬
‫هذا‪,‬فلنحاول أن ننمي الشعور بالتأنق من خلل تنمية العمال‬
‫التطوّعية‪,‬ومن خلل إرساء تقاليد ثابتة للنجاز العالي ‪0‬‬
‫‪-7‬وضــــــــوح الهــــــــدف‪:‬‬
‫أعتقد أن أكبر أزمة تعاني منها الحضارة الحديثة والنسان‬
‫المعاصر‪,‬هي تحديد الغاية النهائية لنشطة البشر‪,‬وهي القضية‬
‫الكبرى التي ينبغي أن تخدمها كل القضايا الخرى‪,‬القضية التي‬
‫تستحق التضحية بكل شيء إذا اقتضى المر ‪0‬إن المتداد يقتل‬
‫ن الزمان‪,‬وأعتقد أنه قد تطاول المد على‬
‫التجاه‪,‬كما يقتل المكا ُ‬
‫كثير من الناس‪,‬‬
‫_‪_71‬‬
‫فنسوا هدف وجودهم‪,‬أو عاملوه معاملة الناسي أو المهمل ‪0‬‬
‫إن في الغرب اليوم تساؤلت كثيرة حول الهدف الخير لكل هذه‬
‫الجهود الضخمة‪,‬ولكل هذا العناء النساني الهائل ‪0‬ونظرا ً للغاء‬
‫الدين‪-‬عملياً‪-‬وإبعاده عن المساهمة في صياغة فلسفة الوجود‪,‬فإن‬
‫كل السئلة تظل حائرة‪,‬دون أن تجد أية إجابة شافية ‪0‬‬
‫المسلم في الصل‪,‬ل يعاني من مشكلة تحديد الوجهة أو الهدف‬
‫النهائي‪,‬لكن من الواضح أن زحمة المشاغل اليومية‪,‬والنحراف‬
‫الذي أصاب(التثقيف العام)قد تسببا في إحداث غفلة كبيرة لدى‬
‫كثير من الناس ‪0‬إن إدارك الهدف بطريقة سوقية أو مبتذلة‪,‬يجعل‬
‫حضوره ضعيفا ً كما يجعل قدرته على إثارة الحماسة للعمل من‬
‫أجله محدودة ‪0‬‬
‫كثير من الحساس بالتفاهة والفراغ‪,‬وكثير مما يعرف بأنه مشكلت‬
‫عاطفية أو عقلية‪,‬ماهو في الحقيقة سوى أعراض لفقد الناس‬
‫الحساس بهدفهم السمى‪,‬ورسالتهم في الحياة ‪0‬‬
‫‪-8‬نـــــــــحو الـــــهـــــــدف‪:‬‬
‫قضية وجود أهداف واضحة في حياة المسلم المعاصر‪,‬من القضايا‬
‫الكبرى التي ل تحتمل التأخير ‪0‬وإذا كان الهدف الكبر هو الفوز‬
‫برضوان الله‪-‬تعالى‪-‬والجنة‪,‬فإن ذلك الهدف ل يتم بلوغه إل من‬
‫خلل القيام بالوامر واجتناب المناهي‪,‬وما يستتبعه ذلك من أخلق‬
‫وآداب وأوضاع ‪ 000‬والقيام بذلك والتحلي به له وسائله وأساليبه‬
‫وآلياته‪,‬وهكذا فكل هدف صغير‪,‬هو وسيلة لهدف أكبر منه‪,‬وكل‬
‫هدف كبير‪,‬هو غاية‬
‫لهدف أصغرمنه ‪0‬ووضوح الهدف الكبر‪,‬يعني أن كل الهداف‬
‫الصغرى‪,‬يجب أن تسهم‪-‬على نحو ما‪-‬في القتراب منه والوصول‬
‫إليه؛وهذا وحده هو الذي يضفي على أهدافنا الصغرى‬
‫المشروعية‪,‬ويضفي على مناشطنا المختلفة المنطقية والنسجام‬
‫‪0‬ولعلنا نُبرز هنا في سمات الهدف وكيفية تحديده وقياسه النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬إن مجرد تحديد(الهدف)على نحو جيد‪,‬يستنفر الطاقات‬
‫الكامنة‪,‬ويوجه إرادة المرء وأنشطته؛ولذا فإن الشخاص‬
‫المتفوقين‪,‬والناجحين نجاحا ً متميزاً‪,‬هم‪-‬غالباً‪-‬أصحاب أهداف محددة‬
‫‪0‬وقد قام أحد الباحثين في إحدى الجامعات المريكية بإجراء‬
‫استفتاء لخريجي الجامعة عام ‪,1953‬وكان السؤال الذي وجهه‬
‫إليهم‪,‬هو‪:‬هل لك أهداف محددة ومكتوبة؟وكانت النتيجة (‪)%3‬فقط‬
‫_‪_72‬‬
‫من هؤلء الخريجين‪,‬وضعوا لهم أهدافا ً محددة ومكتوبة عما يريدون‬
‫القيام به في حياتهم ‪0‬وبعد عشرين سنة من ذلك التاريخ‪,‬أي في‬
‫عام ‪1973‬رجع إليهم صاحب البحث؛ليستطلع أحوالهم‪,‬فوجد أم‬
‫هؤلء ال(‪)%3‬حققوا نجاحا ً في وظائفهم وأعمالهم أكثر مما حققه‬
‫ال(‪)%97‬الخرون مجتمعين!‪0‬‬
‫ب‪-‬من السهل على الواحد منا أن يخطط المشاريع‪,‬ويرسم‬
‫الهداف بحماس وانفعال‪,‬لكن عند المجيء للتنفيذ يتلشى الكثير‬
‫من تلك الهداف والخطط‪,‬ويشعر المرء بأنه كان في وهم‪,‬أو يشعر‬
‫بالعجز والكتئاب ‪0‬ولذا فإنه لبد من أن تكون الهداف ممكنة‬
‫التحقيق وقريبة المنال‪,‬بمعنى أن تكون الفجوة التي بينها وبين‬
‫إمكانات من يرسمها فجوة‪,‬يمكن قطعها‪,‬وإل فإن تلك‬
‫الفجوة‪,‬يمكن أن تكون مصدر‬
‫شقاء ‪0‬ومن وجه آخر فإن الصعاب التي تعترض الواحد منا في‬
‫حياته‪,‬قد تصرفه عن أهدافه‪,‬وهذا في الحقيقة‪,‬يشكل أزمة كبيرة‬
‫لكثير من الناس ‪0‬والواجب أن نتكيف مع الظروف الصعبة‪-‬في‬
‫حدود معينة‪-‬وعوضا ً أن نتخلى عن أهدافنا نجدد عزيمتنا ‪0‬وإذا‬
‫اكتشفنا أن أهدافنا‪,‬ل تتلءم مع ما لدينا من قدرات‪,‬فيمكن أن‬
‫نجري نوعا ً من التعديل عليها ‪0‬‬
‫ج‪-‬تحقيق الهدف يحتاج إلى دفق جيد من النشاط والعمل‪,‬وهذا لن‬
‫يتم ما لم نستطيع ضبط التجاهات والميول والهتمامات‪,‬وتوجيهها‬
‫نحو العمال التي تخدم الهدف ‪0‬ذلك متوقف على توفر(الرادة)‪0‬‬
‫وفي هذا السياق فإن من المهم أن نعلم أن هناك فرقا ً بين المحبة‬
‫والرادة‪,‬فكل التجار يحبون الربح‪,‬كما يحب جميع الطلب‬
‫النجاح‪,‬لكن الذين يريدون ذلك هم وحدهم الذين يحققونه ‪0‬إن‬
‫الفعل الرادي‪,‬هو تعبير عن الوعي الناضج‪,‬والرادة الحرة في‬
‫تحديد الهدف‪,‬واتخاذ القرار‪,‬وتحديد المسار الموصل إليه؛وبذلك يتم‬
‫تيسير كل القوى المتوفرة في اتجاه تحقيق الهدف ‪0‬‬
‫ونحن نخطئ حين نقول‪:‬إننا ل نستطيع أن نفعل كذا وكذا‪,‬والصواب‬
‫أن نقول‪:‬إننا ل نريد أن نفعل‪:‬لن الرادة الحقيقية‪,‬ليست‬
‫متوفرة‪,‬فنغطي على غيابها بادعاء انعدام القدرة ‪0‬وقد قال‬
‫الله‪-‬جل وعل‪-‬في المنافقين{ولو أرادوا الخروج لعدوا‬
‫له عدة}[التوبة‪,]46:‬فانعدام أي قدر من التأهب للجهاد دليل‬
‫على أن إرادة الخروج له معدومة أصلً ‪0‬‬

‫_‪_73‬‬
‫د‪-‬وضوح الهدف شيء جوهري ‪0‬ووضوحه يعني تحديده على نحو‬
‫دقيق‪,‬وذلك بغية قياس التقدم نحوه فيما بعد ‪0‬ويمكن القول‪:‬إن كل‬
‫هدف‪,‬ل يمكن قياسه‪,‬ليس بهدف؛ولذا فإن قول كثير من‬
‫الناس‪:‬نحن بحاجة إلى إخلص وصدق وتقوى حتى‬
‫نتقدم‪-‬لم يثمر أي ثمرة‪,‬حيث ل نملك المعايير التي نتمكن من‬
‫خللها من قياس حجم التقدم نحوها ‪0‬‬
‫ويمكن أن نحيط الهدف الذي نريد إنجازه بالسئلة التالية‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي يجب تحقيقه؟‬
‫‪-‬لماذا يجب أن يتحقق؟‬
‫‪-‬متى يجب تحقيقه‪,‬وما لمدة التي يستغرقها؟‬
‫‪-‬من الذي سيقوم بتحقيقه؟‬
‫‪-‬أين يجب أن يتم ذلك؟‬
‫‪-‬هل أحتاج إلى مساعدة من أحد في تحقيقه؟وإذا كانت المساعدة‬
‫ن الذي سيفعل ذلك؟‬ ‫م ْ‬
‫مطلوبة‪,‬ف َ‬
‫‪-‬ما الدوات التي يحتاجها ذلك؟‬
‫يجب كتابة الجوبة عن هذه السئلة والرجوع إليها عند الحاجة ‪0‬‬
‫مما نزيد في توضيح(الهدف)أن نقسمه إلى أقسام عدة‪,‬ف‘ذا كان‬
‫الهدف أن أُصبح أستاذا ً جامعيا ً بعد خمس سنوات‪,‬فإن من‬
‫المرغوب فيه أن أُحدد وقتاً‪,‬وليكن سنتين للحصول على‬
‫(الماجستير)وثلث سنوات للحصول على(الدكتوراه)‪0‬‬
‫ي أن أستهدف إنجاز ست ساعات‬ ‫وحتى يتحقق ذلك‪,‬فقد يكون عل َّ‬
‫من العمل في القراءة والكتابة يوميا ً وهكذا ‪000‬إن هذا التقسيم‬
‫سيسهل إدراك الهدف وتحديده‪,‬كما يسهل إنجازه أيضاً؛فالحقيقة‬
‫أنه ليس هناك عمل صعب إذا قسمته إلى أجزاء صغيرة ‪0‬‬
‫هـ‪-‬يجب على صاحب الهدف أن يؤمن به إيماناً‪,‬ل يشوبه أي‬
‫شك‪,‬وأن يكون على ثقة تامة بالوصول إليه دون أدنى ريب‪,‬بل عليه‬
‫أن يتصرف وكأنه حاصل على ما يريد‪,‬وأن يرسخ ذلك في‬
‫أحاسيسه كلها حتى يصبح(الهدف)جزءا ً من كيانه المعنوي ‪0‬وحين‬
‫يتغلغل الهدف في(اللشعور)من صاحبه‪,‬فإنه يقوم بتوجيه طاقاته‬
‫النفسية والجسمية نحو تحقيقه ‪0‬‬
‫شر أصحابه بظهور السلم في أصقاع الرض‬ ‫وقد كان النبي يُب ّ‬
‫في ظروف بالغة القسوة ‪0‬وحين ساومته قريش‪,‬وعرضت عليه‬
‫الجاه والمال والنساء‪,‬قال لعمه أبي طالب قولته المشهورة‪(:‬والله‬
‫يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن‬
‫_‪_74‬‬
‫أترك هذا المر ما تركته حتى يظهره الله‪,‬أو أهلك دونه)!‪ 0‬إن هذا‬
‫درس بليغ جدا ً في الثقة بالوصول الهدف‪,‬وفي الصرار عليه‪,‬مهما‬
‫كانت المغريات الصارفة عنه ‪0‬‬
‫‪-9‬السلـوك المــــــــنـطقـي‪:‬‬
‫في زماننا هذا تعددت العباء التي على الواحد منا أن يقوم‬
‫بها‪,‬وصار في الحقيقة في داخل كل واحد منا عدد من الشخصيات‬
‫المخبوءة ‪0‬فانت مثل ً موظف ورب أسرة وعضو في جمعية‬
‫خيرية‪,‬وتمارس الكتابة‪,‬وتطمح إلى أن يكون لك عمل تجاري‪,‬تزيد‬
‫من خلله دخلك ‪000‬كل هذه العمال والنتماءات تحتاج إلى فكر‬
‫وجهد ووقت ‪0‬ل‬
‫خيار لك في بعض ما ذكرناه‪,‬لكن حين تختار أعمال ً إضافية‪,‬فإن‬
‫عليك أن تسأل نفسك‪:‬هل تستطيع أن تنجح في كل هذه‬
‫العمال‪,‬أو أن المنطق يحتم عليك أن تعرض عن بعضها‪,‬لنك ل‬
‫تستطيع إعطاءه حقه‪,‬وبالتالي فسيظهر تقصيرك أو إخفاقك ‪0‬‬
‫الرؤية المنطقية‪,‬هي التي ستساعد النسان على الحكم الصحيح‬
‫في مثل هذه المسائل ‪0‬‬
‫إذا كنت وكيل ً لمصنوعات ألمانية‪,‬فإن المنطق يرشد إلى أن تتعلم‬
‫اللغة اللمانية ‪0‬وإذا كنت مديرا ً لمستشفى وأنت لست طبيباً‪,‬فإن‬
‫م بشيء مما يثير النزاع بين الطباء عادة‪,‬وبينهم‬ ‫من المنطق أن تل َّ‬
‫وبين المرضى‪,‬مما يتعلق بالنظمة المتعلقة بالخطأ الطبي ومعايير‬
‫الكفاءة المهنية‪,‬وما شاكل ذلك ‪0‬‬
‫إذا كنت مديرا ً لمدرسة‪,‬فإن من عوامل النجاح أن يكون لديك‬
‫إلمام بأصول إدارة المؤسسات التربوية‪,‬ودرجة من الطّلع على‬
‫ل‬‫سير المديرين الناجحين‪,‬إلى جانب نوع من الدُّربة على ح ّ‬
‫المشكلت وإصلح العلقات بين الساتذة والطلب ‪0‬‬
‫السلوك المنطقي سلوك قائم على إدراك عميق للمكانات‬
‫الشخصية والظروف المحيطة‪,‬وفهم جيد الشياء ومنطق تطورها‬
‫‪0‬وإذا دققنا النظر في الكثير من حالت الخفاق في كل مجالت‬
‫الحياة‪,‬فإننا سنجد نوعا ً من التجاهل لبعض هذه المور أو جلّها‬
‫‪0‬السلوك المنطقي يكتسب كل يوم وظائف حيوية في حياتنا‬
‫المعاصرة‪,‬نظرا ً لن العلقات النسانية والتجارية والتنظيمات‬
‫الجديدة للمعرفة والتقنية‪,‬تقوم جميعا ً على التسلسل المنطقي‬
‫والعتبارات المنطقية ‪0‬وفهم ذلك كله قد غدا شرطا ً مهما ً من‬
‫شروط عيش الحياة المعاصرة ‪0‬‬
‫_‪_75‬‬
‫‪-10‬الحرص على النجاح مهما يكن صغيراً‪:‬‬
‫ليس في هذه الدنيا نجاح نهائي‪,‬فالنصر في أية معركة‪-‬أيّا ً كان‬
‫نوعها‪-‬يضعنا في مواجهة معركة جديدة‪,‬قد تختلف في‬
‫متطلباتها‪,‬لكنها على أي حال‪,‬تستدعي جهدا ً جديداً ‪0‬والوقوف عند‬
‫أي نجاح مهما يكن ضخماً‪,‬والتقاعس عما بعده‪,‬هو أول خطوة على‬
‫طريق تضاؤله وخسرانه ‪0‬تلك هي سنَّة الله‪-‬تعالى‪-‬في البتلء‬
‫ل وعل‪-‬هو العمل الذي اشتمل على‬ ‫‪0‬العمل المقبول عند الله‪-‬ج َّ‬
‫عنصرين أساسين‪:‬عنصر الخلص و عنصر الصواب ‪0‬النجاح في‬
‫العمال الدنيوية مرتبط ب(الصواب)أكثر من ارتباطه ب(الخلص)‬
‫‪0‬أما في العمال الخروية‪,‬فالخلص هو الساس‪,‬لن الصواب قد‬
‫ينعدم‪,‬أو ينقص بسبب وجود ظروف قاهرة أو اجتهاد خاطئ ‪0‬إن‬
‫مة مهمة للمسلم المعاصر‪,‬فالعالم كله‬ ‫س َ‬
‫الصرار على النجاح ِ‬
‫متورط في سباق محموم للستحواذ على أي شيء وكل شيء‪,‬ول‬
‫نستطيع تجاهل ذلك ‪0‬وإن كانت نجاحات المسلم‪,‬تظل مقيدة بقيود‬
‫معينة‪,‬كما أن أهدافه تظل مؤطرة بهدف رفيع خاص ‪0‬‬
‫الخطوة الولى في طريق النجاح هي الهم‪,‬إنها بمثابة شرارة‬
‫الشعال الولى‪,‬ثم بعد ذلك يشكل التدرج التراكمي في تحقيق‬
‫النجاح نوعا ً من الدعم المتلحق للبواعث‪,‬كما أنه يولّد الرضا‬
‫والسرور من خلل العمل ‪0‬وهكذا النجاح الول‪-‬مهما كان ضئيلً‪-‬‬
‫يمهد الطريق للنجاح التالي؛ول شيء يغري بالنجاح كالنجاح نفسه ‪0‬‬
‫إن الناجحين في الحياة ل يشكلون أكثر من(‪)%5‬من الناس‪,‬وأكثر‬
‫الباقين من العاديين‬
‫سر سبل‬ ‫والمخفقين‪,‬مع أن هناك إمكانات ووسائل كثيرة‪,‬تُي َّ‬
‫النجاح‪,‬لكن مشكلة النسان أنه طالما وقع ضحية لقصوره‬
‫الذاتي‪,‬وللوهام التي تكبل عقله ووجدانه!‪0‬‬
‫النجاح ثمرة الفكر النير والجهد الوفير والمكانات الجيدة ‪0‬هو ل‬
‫يحدث نتيجة امتلك صاحبه بعض السمات الخاصة التي يتسم بها‬
‫الناجحون عادة فحسب‪,‬وإنما هناك توفيق الله(‪-)1‬تعالى‪-‬إلى جانب‬
‫الظروف المواتيه ‪0‬‬
‫ن من الله للفتى ***فأول ما يقضي عليه‬ ‫[(‪)1‬إذا لم يكن عو ٌ‬
‫اجتهاده]‬
‫ول أريد هنا أن أذكر الصفات التي يحملها الناجحون‪,‬وإنما أريد‬
‫التذكير بأهمها‪,‬وربما شرحنا بعضها في مواضع أخرى ‪0‬‬

‫_‪_76‬‬
‫الرجل الناجح يتوقع لنفسه النجاح‪,‬وذلك التوقع‪,‬يلقي في عقله‬
‫الباطن‪-‬على نحو خفي‪-‬الخطط والرؤى التي تساعده على‬
‫النجاح‪,‬تماما ً كما هو شأن الذي يتوقع لنفسه الخفاق ‪0‬‬
‫الرجل الناجح يمتلك قدرة على خوض نوع من المخاطر‪,‬فكثير من‬
‫السكون‪,‬والرضا بالقليل من النجاز‪,‬سببه الخوف من المغامرة‬
‫‪0‬نعم من الواجب على كل عاقل أن يقلل نسبة المخاطر التي‬
‫يمكن أن يتعرض لها‪,‬لكن ل بد في النهاية من القدام على الرغم‬
‫من وجود بعضها ‪0‬‬
‫النسان الناجح‪,‬يبحث عن الفرص؛إذ إنه يعلم أنه في أسوأ‬
‫م‬
‫الظروف‪,‬وفي أشد حالت الركود‪,‬تبقى هناك مجالت وفرص للن ّ‬
‫والكسب‪,‬لكن معظم الناس ينتظرون أن تطرق الفرص أبوابهم‬
‫‪0‬أما الناجحون‪,‬فهم الذين يعَّرضون أنفسهم لها‪,‬ويتحسسونها ‪0‬‬
‫روح الستقللية‪,‬سمة مهمة من سمات الناجحين ‪,‬فهم يثقون في‬
‫أنفسهم‪,‬ويمتلكون القدرة على التجاوز‪,‬على حين يشعر العاديون‬
‫من الناس ينوع من التبعية لغيرهم‪,‬ويخافون من القيام بأعمال‬
‫منفردة‪.‬‬
‫النسان الناجح‪,‬يمتلك القدرة على الحتمال‪,‬وهو بطبعه صابر على‬
‫بذل تكاليف النجاح ‪0‬‬
‫إنه يصبر على بذل الجهد‪,‬كما يصبر على ضبط إيقاع نفسه‬
‫ورغباته‪,‬ويسيطر على الزمن فل يفلت منه ‪0‬‬
‫الخلصة‪:‬أن الناجحين‪,‬هم أشخاص غير عاديين‪,‬ولذلك فهم قلة‬
‫‪0‬وأمة السلم‪,‬ل تشكو اليوم من انعدام الكفاءات وأصحاب‬
‫مدقِع في العناصر‬ ‫الختصاصات في أي مجال‪,‬لكن تشكو من فقر ُ‬
‫المتفوقة والكفاءات النادرة التي تشق طرقا ً جديدة‬
‫للممارسة‪,‬وتعثر على حلول ناجعة حين يشعر الشخاص العاديون‬
‫بانسداد الفاق وانقطاع الحيلة ‪0‬‬
‫‪-11‬الوضــــــع اليجابي‪:‬‬
‫من السمات المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها(المسلم‬
‫المعاصر)سمة (اليجابيّة)وهي مغايرة لصفة(السلبية)‪,‬فماذا نعني‬
‫هنا باليجابية أو الوضع اليجابي؟‪0‬‬
‫تعني اليجابية أمورا ً عديدة منها‪:‬‬
‫‪-‬القدرة على التحكم بالعواطف‪,‬حيث يتم بذلك تجاوز خطوط‬
‫الغريزة‪,‬وهذا التجاوز‪,‬يعبر في اتساعه عن مدى استطاعة صاحبه‬

‫_‪_77‬‬
‫تحقيق إنسانيته من خلل بعده عن(الحيوان)الذي ل يستطيع‬
‫السيطرة على غرائزه ول تأخير رغباته‪,‬والذي ل يقوى‬
‫أيضا ً على المخاطرة ‪000‬ونعني بالسيطرة على العواطف أن يلبس‬
‫المسلم لكل حالة لبوسها‪,‬فليس من اليجابية أن يحمل الموظف‬
‫هموم بيته ومشكلته الخاصة إلى مكتبه أو مصنعه‪,‬فالداء‬
‫الكفء‪,‬يتطلب موظفا ً في أحسن أحواله‪,‬وفي أعلى درجات لياقته‬
‫النفسية والبدنية ‪0‬‬
‫كذلك ليس من اليجابية أن يزعج المرء أهل بيته بمشكلته مع‬
‫طلبه أو زملئه أو مراجعيه ‪000‬الحصول على هذه الوضعية يتطلب‬
‫تدريب العاطفة وتقوية آلية الضبط الداخلي لديه ‪0‬‬
‫‪-‬الفهم العميق لتحديات العصر ومطالبه وأشكال الستجابة‬
‫المطلوبة للعيش فيه‪,‬إلى جانب الشعور بالقدرة على التغيير‪:‬تغيير‬
‫النفس وتغيير المحيط وتغيير الرؤية للشياء ‪0‬‬
‫وينطلق الشعور بإمكانية التغيير وضرورته من خلل إدراك أن الله‪-‬‬
‫تعالى‪-‬قضى على الكون بالتقلّب والتحوّل وأن يظل في حالة من‬
‫الصيرورة المستمرة؛كما ينطلق من مبدأ الستفادة من التجارب‬
‫السابقة التي خضناها‪,‬والتي رأيناها‪,‬ومن مبدأ ضرورة النتقال إلى‬
‫مرحلة استلهام الحق والخير والفضيلة وتمثلها في السلوك الجيد‬
‫‪0‬إن الرتابة نوع من العدم‪,‬وإن الستسلم للخطاء‪,‬والقنوع بالحالة‬
‫الحاضرة‪,‬نوع من الخروج من المحيط الحي إلى محيط الجماد ‪0‬‬
‫‪-‬الصحة النفسية ركن أساسي من أركان اليجابية؛إذا ل يمكن أن‬
‫يكون المرء في وضع إيجابي وهو سيشعر بنوع من(السأم‬
‫الوجودي)أو الحسد أو الغيرة أو الخمول النفسي‪,‬أو الحقد على‬
‫الناس ‪000‬ومن ثم كان لتزكية النفس وتنقية السرائر المكانة‬
‫العظمى في السلم ‪0‬‬
‫ما من إنسان إل قد تعتريه أوضاع يفقد فيها لياقته النفسية‪,‬لكن‬
‫المهم أل يستمر ذلك‪,‬ويصبح صفة ملزمة ‪0‬وللخلصة من تلك‬
‫الحوال شرع الله‪-‬سبحانه‪-‬التوبة الغسل الشعور بالذ ّنْب‪,‬وشرع‬
‫النوافل وأعمال البر من أجل الحساس بتجاوز المصالح الضيقة‬
‫إلى أفق أرحب‪,‬ولتجديد المعاني الروحية ونفض غبار التقاعس‬
‫والخمول عن نفس المسلم ‪0‬‬
‫‪ -12‬التقييم الذاتي‪:‬‬
‫التقييم الذاتي هو في الصل مفهوم النسان لذته‪,‬من حيث مظهره‬
‫وأصوله وقدراته ووسائله واتجاهاته ‪000‬وهذا المفهوم حين‬
‫_‪_78‬‬
‫جهة للسلوك ‪0‬ويتكون‬ ‫يترسخ‪,‬ويبلغ ذروة وضوحه يصبح قوة مو َّ‬
‫مفهوم النسان لذاته من خلل الخبرات التي يكتسبها‪,‬ومن خلل‬
‫الحتكاك والتصال بالخرين ‪0‬بل إن الناس كثيرا ً ما يكوَّنون المرآة‬
‫التي يرى فيها النسان ماذا يمكن أن يكون عليه‪,‬والفاق التي‬
‫يمكن أن يرتادها‪,‬أي مجالت نموه الشخصي‪,‬وحدود ما يمكن أن‬
‫ينجزه ‪0‬‬
‫هذه الوضعية تحتم على الواحد منا أن يعيد تقييم نفسه من‬
‫جديد؛إذ إن من الوارد أن تكون المفاهيم التي كوّنَّاها عن أنفسنا‬
‫مغلوطة أو مشوَّهة‪,‬بسبب رداءة البيئة العامة‪,‬أو بسبب المربية‬
‫التي فهمنا ذاتنا بواسطتها ‪0‬على المسلم اليوم أن يمتلك القدرة‬
‫على إعادة فهم ذاته‪,‬وإعادة تقويم إنجازاته‪,‬وكشف الطاقات‬
‫الكامنة لديه ‪.‬‬
‫إعادة التقييم هذه ضرورية للتحرير من حتميات البيئة والمفاهيم‬
‫الخاطئة السائدة‪,‬وضرورية أيضا ً لكشف جوانب القصور في ذواتنا‬
‫وأنشطتنا ‪0‬وفي ظل التحديات المتصاعدة‪,‬وظل المتغيرات‬
‫السريعة‪,‬تصبح هذه المسألة أكثر إلحاحاً‪,‬ويصبح إهمالها أشد‬
‫خطورة ‪0‬‬
‫مشكلة المراجعة أنها في أكثر الحيان‪,‬تنتهي إلى اتهام النفس‬
‫َ‬
‫وازدراء النسان لنجازاته الماضية؛مما يجعلها تول ّد نتائج عكسية‬
‫‪0‬ولذا فإن من المهم أن يحتفظ النسان بنوع من التقدير‬
‫لذاته‪,‬وبالثقة في قدراته على التحسن والستفادة من دروس‬
‫الماضي ‪0‬وله أن يعد مجرد المراجعة وإعادة التقييم إنجازا ً جيداً ‪0‬‬
‫ل أريد أن أتوسع أكثر في ذكر قسمات نموذج المسلم‬
‫المعاصر‪,‬فهي كثيرة‪,‬وتقبل الكثير من التفريغ والتفصيل‬
‫والضافة‪,‬فنكتفي بما ذكرناه هنا ‪0‬‬
‫وسوف يجد القارئ ما يمكن أن يعد امتدادا ّ لها فيما سنقوله عن‬
‫مسألة السبق والتقاعس؛ ونسـأل الله العون‬

‫_‪_79‬‬
‫الفصل الرابع‪-:‬‬

‫بمفاهيمه‬ ‫عصرنا الحاضر‬


‫وتحدياته ومتطلباته ‪000‬أثار انتباه الناس إلى قضايا كانت خارج‬
‫نطاق وعيهم في الماضي‪,‬وأوجب عليهم أن يستعدوا للعتراف‬
‫بأهمية أشياء كثيرة‪,‬لم يكونوا يعترفون بها‪,‬أو يولونها أية عناية ‪0‬تلك‬
‫القضايا‪,‬منها ماهو عبارة عن‬
‫أفكار ومفاهيم‪,‬ومنها ماهو عبارة عن أعمال وآليات وعادات‪,‬وذلك‬
‫مثل المحافظة على الوقت‪,‬والنظر إلى المستقبل‪,‬ومواجهة‬
‫المشكلت والسعادة والنتاجية والدقة والسرعة والتنظيم ‪000‬‬
‫وسنتحدث عن هذه القضايا على نحو موجز بغية إدخالها في منطقة‬
‫الوعي‪,‬وتسليط الضوء عليها‪,‬وتحديد بعض ملمحها ‪0‬هذه القضايا‬
‫ليست في الحقيقة جديدة على البشرية‪,‬وإنما اكتسبت نوعا ً من‬
‫المركزية في الحياة المعاصرة‪,‬مما جعل المتجاهل لها يدفع ثمناً‬
‫باهظاً‪,‬حيث يصبح متخلفا ً عن عصره‪,‬منغمسا ً في الكثير من‬
‫شروره ومشكلته ‪0‬وإليك أهم تلك القضايا على النحو التي‪-:‬‬
‫أولً‪-‬المدينة الفاضلة وَهْ ٌ‬
‫م‪:‬‬
‫طالما داعب الخيال الواحد منا طيوف الستمتاع بالصحة والمال‬
‫والفراغ والعلقات الحسنة مع الناس‪,‬ودفء القرابة والجوار‬
‫‪000‬وطالما استمتع الكثيرون بالقصص والحكايات التي تصور حياة‬
‫بعض الناس وكأنها أشكال من التقلب في نعيم مقيم ‪000‬‬
‫وكل ذلك يتناسى شيئا ً جوهرياً‪,‬هو أن هذه الدنيا دار زرع‪,‬وليست‬
‫دار حصاد‪,‬ودار ابتلء‪,‬وليست دار نعيـم ‪000‬‬
‫الحقيقة الملموسة والبادية للعيان أنه ليس في هذه الرض مدينة‬
‫مثالية للعيش‪,‬ول علقات مثالية‪,‬تمنحنا المان والدعم الجتماعي‬
‫الكافي‪,‬كما أنه ليس في هذه الحياة صحة أو ثروة مثالية ‪000‬كل‬
‫ذلك أوهام وخيالت؛فل ينبغي‪,‬للمرء أن ينزعج حين يجد نفسه‬
‫محاطا ً بالضرورات والتحديات والمكدَّرات‪,‬فهذا هو الشيء‬
‫الطبيعي‪,‬وسيكون من‬
‫المفيد لنا جميعا ً أن نعد ّ أنفسنا لمواجهة مختلف الحداث الحياة‬
‫بتفهم كامل‪,‬وتوكل على الله‪-‬تعالى‪-‬ورضا بقضائه وقدره‪,‬وانتظار‬
‫لرحمته ومثوبته ‪000‬ل يعني هذا‪-‬بالطبع‪-‬أل نسعى لتحسين بيئتنا‬

‫_‪_80‬‬
‫وتنظيمها‪,‬وتوفير أسباب الهناء في العيش‪,‬ولكنه يعني أل نتوقع‬
‫الكمال في أي شيء‪,‬إذ ليس من الحكمة أن نبحث عن حلول‬
‫كاملة في وسط غير كامل ‪0‬وعلينا أن نعد أنفسنا لمواجهة تح ًّ‬
‫د‬
‫جديد كلما أدركنا نصرا ً في معركة من معارك الحياة‪,‬فعن طريق‬
‫جدلية التحدي والستجابة يرتقي النسان‪,‬ويوسع مدى حركته‬
‫سن سجله ليوم ل ينفع فيه مال ول بنون ‪0‬‬ ‫ونموّه‪,‬ويح َّ‬
‫ثانياً‪-‬إدارة الـوقـــــــــت‪-:‬‬
‫حجم استغلل الوقت‪,‬والستفادة منه؛من أهم العلمات الفارقة بين‬
‫المم المتقدمة والمم المختلفة ‪,‬وبين الشخاص الناجحين‬
‫والشخاص العاديين‪,‬ويمكن للمرء أن يقول‪-‬وهو مطمئن‪:-‬إنه ليس‬
‫هناك ناجحون في الحياة على نحو ظاهر‪,‬ل يهتمون بأوقاتهم ‪0‬كيف‬
‫يمكن للمرء أن ينجح إذا كان ل يستغل أهم مورد يمكن الستفادة‬
‫منه في تحقيق النجاح؟‬
‫أقسم الله‪-‬جل وعل‪-‬بالليل والنهار والضحى والعصر والفجر‬
‫‪000‬تذكيرا ً للناس بنعمة الزمن ونبيانا ً لقيمته العظيمة ‪0‬وفي‬
‫الحديث الصحيح‪(:‬نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس‪:‬الصحة‬
‫والفراغ)‪0‬‬
‫الحساس بالمسافات الزمانية والمكانية‪,‬أحد المنتجات‬
‫الحضارية‪,‬لذا فإن أمة السلم في أيام إقبالها وازدهارها‪,‬ضربت‬
‫أروع المثلة في المحافظة على الوقت والعناية به‪ ,‬وحسن‬
‫الستفادة منه ‪0‬‬
‫يقول ابن مسعود‪-‬رضي الله عنه‪(:-‬ما ندمت على شيء مثل ندمي‬
‫على يوم غربت شمسه‪,‬نقص فيه أجلي‪,‬ولم يزد في عماي)‪ .‬وقال‬
‫الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز‪( :‬إن الليل والنهار يعملن فيك‬
‫فاعمل فيهما)‪0‬وما أجمل اعتبار الحسن البصري(النسان)‬
‫مساويا ً ليام عمره حين قال‪(:‬يا ابن آدم إنما أتت أيام فإذا ذهب‬
‫يوم ذهب بعضك) وكان يقول‪(:‬أدركت أقواما ً كانوا على أوقاتهم‬
‫أشد منكم حرصا ً على دراهمكم ودنانيركم)‪0‬‬
‫لو تساءلنا‪:‬ما الشيء الطول والقصر في وقت واحد‪,‬والسرع و‬
‫البطأ معاً‪,‬والذي نهمله جميعاً‪,‬ثم نأسف عليه‪,‬ول شيء يمكن أن‬
‫يتم بدونه‪,‬والذي يبتلع كل ماهو صغير‪,‬أو يتمنى كل ما هو‬
‫عظيم؟لكان الجواب‪:‬إنه الـوقـــــــت ‪0‬‬

‫_‪_81‬‬
‫المشكلة الكبرى أن الوقت ل يدار‪,‬فهو سلسلة من المقاييس التي‬
‫تسجل بقاء دوران الرض حول محورها‪,‬وتسجيل فصولها المتعاقبة‬
‫‪000‬فتقدمه ثابت؛ولذا قالوا قديماً‪(:‬الوقت ل ينتظر أحداً)‬
‫أما الشيء الذي يمكن أن يدار فهو استغللنا للوقت؛ولذا فنحن في‬
‫الحقيقة ندير أنفسنا وطاقاتنا ل أوقاتنا ‪0‬‬
‫إن الطريقة التي نقضي لها أوقاتنا‪,‬هي نتيجة للطريقة التي ننظر‬
‫بها إلى أوقاتنا‪,‬والطريقة التي ينظر بها إلى أوقاتنا مرتبطة بأشياء‬
‫عديدة‪,‬منها تربيتناً‪,‬ووعينا بالتحديات المعاصرة‪,‬وأهدافنا في هذه‬
‫الحياة‪,‬وسيطرتنا على رغائبنا‪ ,‬وصلبة إرادتنا‪ ,‬ورؤيتنا للولويـات ‪0‬‬

‫‪‬لمــــاذا يضيع الوقت؟‬


‫يمكن تقسيم الوقت إلى قسمين‪:‬وقت عمل ووقت فراغ ‪0‬وقت‬
‫العمل ينقسم إلى قسمين أيضاً‪:‬وقت إنتاج ووقت ضائع ‪0‬وقت‬
‫النتاج هو الوقت الذي ينقضي في النجاز الفعلي لبعض المهمات‬
‫التي نحن ملتزمون بها في حياتنا العملية أو حياتنا الخاصة ‪0‬أما‬
‫الوقت الضائع فهو الوقت الذي ينقضي دون إسهام في إنجاز‬
‫الغرض الذي عزمنا على تحقيقه ‪0‬وهو يضيع بنفس الطريقة التي‬
‫يُبدد بها وقود السيارة إذا ما تركنا محركها يدور ونحن ننتظر عودة‬
‫شخص من مكان ما ‪0‬‬
‫ويمكن تقسيم وقت الفراغ أيضا ً إلى قسمين‪:‬وقت شخصي ووقت‬
‫استرخاء(غير مستغَل)؛‬
‫هو الوقت الذي نحتاجه للعناية بمتطلبات بقائنا على قيد الحياة‪,‬مثل‬
‫الكل والنوم والرياضة والعناية بالصحة ‪000‬أما وقت السترخاء فهو‬
‫الوقت غير المخصص تحديدا ً لي نشاط أو هدف معين ‪0‬ويكون‬
‫عندما نسمح للوقت بأن ينقضي دون إنتاجية‪,‬كذلك الذي ينقضي‬
‫بين عمل ملزم‪,‬وما يليه من نشاط ‪0‬وبهذا يتبين أن الوقت قد يضيع‬
‫أثناء ما نسميه(أوقات عمل)‪,‬كما قد يضيع أثناء أوقات الفراغ التي‬
‫ل نلتزم فيها بإنجاز أي شيء محدد ‪0‬ينفر معظم الناس من تنظيم‬
‫الوقت وبرمجته؛لنهم يشعرون أنهم بذلك يصبحون مقيدين أكثر‬
‫مما ينبغي ‪0‬‬
‫أضف إلى هذا أن كثيرا ً من الناس يكرهون أي شيء يرتب عليهم‬
‫م‪,‬فبرمجة الوقت‪,‬ل ينبغي أن نواصل‬ ‫التزامات جديدة ‪0‬وذلك وَهْ ٌ‬
‫العمل إلى ما ل نهاية‪,‬بل على‬

‫_‪_82‬‬
‫العكس من ذلك فإن الدارة الجيدة للوقت تقلل من الوقات التي‬
‫سن النتاجية‪,‬مما‬ ‫يسميها الناس(أوقات عمل)لنها تفعَّل الداء‪,‬وتح َّ‬
‫يجعل المرء يحصل على الكثير من وراء القليل من العمل ‪0‬‬
‫كما أن برمجة الوقت تساعدنا على تنظيم الستفادة من أوقات‬
‫الفراغ في دعم أبعاد ذاتنا كلها عوضا ً عن الشعور بالفراغ‬
‫والتفاهة‪,‬وعوضا ً عن إهمال تنمية جوانب مهمة في شخصيتنا بسبب‬
‫سوء التنظيم‪,‬وسوء التوزيع لطاقاتنا وأوقاتنا ‪0‬‬
‫إن السباب التي تكمن خلف ضياع الوقت عديدة‪,‬يمكن أن نذكر‬
‫منها ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬الكسل فحين ينام النسان أكثر من ثماني ساعات في اليوم‪,‬أو‬
‫يتقلب على فراشة تاركا ً خلف ظهره المهام التي عليه أن‬
‫ينجزها‪,‬فإن داءه آنذاك هو الكسل‪,‬وهبوط الهمة ‪0‬الشعوب‬
‫ُّ‬
‫المتقدمة تقضي الكثير من أوقات الفراغ في الرياضة‪,‬وتعلم‬
‫مهارات جديدة‪,‬على حين أن أبناء الشعوب المختلفة‪,‬يقضون الكثير‬
‫من فراغهم في الجلوس على أبواب بيوتهم‪,‬أو في الستلقاء على‬
‫فرشهم‪,‬أو في السهر والسمر إلى ساعات الفجر الولى!‪0‬‬
‫‪-2‬عدم وجود هدف محدد سبب مهم من أسباب ضياع‬
‫الوقت؛فالحاضر سيتفلت من بين أيدينا ما لم نضغط عليه بآمال‬
‫مستقبيلية ‪0‬والمهم دائما ً أن نحدد وقتا ً للنجاز‪,‬وأن نلتزم التزاماً‬
‫صارما ً بذلك التحديد‪,‬وإل فمن الممكن أن ننقل التنفيذ من أسبوع‬
‫إلى أسبوع‪,‬ومن شهر إلى شهر‪,‬ونكون بذلك قد قمنا بتجسيد شعار‬
‫المسوَّفين‪(:‬ل تفعل اليوم ما تستطيع تركه إلى الغد)!إذا كان‬
‫الهدف متواضعاً‪,‬ل يشغل سوى جزء من أوقات‬
‫الفراغ‪,‬فإن باقي الوقت سيضيع هدراً ‪0‬وهذا ما نجده لدى‬
‫َ‬
‫كثيرين؛حيث إن البيئة المختلفة والسر المحط ّمة‪,‬تحملن المرء‬
‫حمل ً على جعل طموحاته محدودة ‪0‬‬
‫ليست مهمة الهدف قاصرة على شغل الوقت‪,‬وإنما المساعدة‬
‫على القيام بالعمال المهمة أيضاً‪,‬فالهدف الواضح ذو التوقيت‬
‫المحدد‪,‬يخلَّصنا من مشكلة النشغال بالنشطة غير المهمة‪-‬نظراً‬
‫لسهولتها أو إمتاعها‪-‬عن الشتغال بالنشطة المهمة؛حتى إذا أصاب‬
‫الواحد منا الكلل لم يجد العزيمة لنجاز ما هو أحوج إلى إنجازه ‪0‬‬
‫‪-3‬عدم وجود خطة‪,‬تحوَّل الهدف إلى إنجاز ‪0‬الهداف بدون خطط‬
‫تكون عبارة عن أحلم وأمنيات ‪0‬الخطة في أبسط‬
‫أشكالها‪,‬هي‪:‬قائمة النشاطات التي تنقل صاحبها من موقعه الحالي‬

‫_‪_83‬‬
‫إلى حيث يريد أن يكون في المستقبل ‪0‬إذا لم تكن أنشطة الخطة‬
‫متسلسلة ومنطقية‪,‬فإن كثيرا ً من الوقت سوف يتم هدره قبل بلوغ‬
‫الهدف ‪0‬‬
‫‪-4‬سوء التنظيم حيث إن العمال التافهة التي يمكن أن تبدد الوقت‬
‫أكثر من أن تحصى ‪0‬لو أننا دققنا النظر في كثير من أنشطتنا‬
‫اليومية‪,‬لوجدنا جزءا ً كبيرا ً منها كان يمكن تفويضه إلى شخص‬
‫آخر‪:‬موظف أو ابن أو زوجة ‪000‬وقسم آخر‪,‬يمكن حذفه والستغناء‬
‫عنه أو دمجه في نشاط آخر ‪0‬يذهب كثير من الوقت في السفر‬
‫والتنقل‪,‬مع أنه يمكن توفيره عن طريق التصال بالهاتف أو إرسال‬
‫رسالة‪,‬أو التسويق بالجملة بدل المفرق أو ‪000‬‬
‫‪-5‬تطفل الخرين وفوضاهم‪,‬فمشكلت الواحد منا‪,‬ليست دائماً‬
‫ذاتية‪,‬وإنما قد يكون مصدرها الخرين؛فمن المألوف في كثير من‬
‫البلدان‪-‬ول سيما الريف‪-‬أن يزور الناس‬
‫بعضهم بعضا ً من غير سابق موعد‪,‬كما أن من المألوف أن يكلمك‬
‫شخص بالهاتف‪,‬فيطيل الكلم من غير فائدة ‪0‬كما أن بعض‬
‫الشخاص يبدون من السماحة والكرم الذاتي ما يشجع الخرين‬
‫على طرح مشكلتهم عليهم‪,‬وطلب المساعدة منهم ‪000‬مما يبدد‬
‫الوقت في كثير من الحيان دون أي مردود ‪0‬وهكذا البيئات التي لم‬
‫تترسخ فيها المفاهيم الحضارية‪,‬ل تساعد من يعيش فيها على‬
‫تنظيم وقته واستغلله الستغلل المثـل ‪0‬‬
‫‪‬مبادئ وآلـيات في الستـفادة من الوقـت‪:‬‬
‫إن العمل الشاق‪,‬يؤدي إلى التعب‪,‬والعمل الذكي‪,‬يؤدي إلى زيادة‬
‫النتاجية؛ولذا فإن الهدف من إدارة الوقت‪,‬ليس أن تعمل بجهد‬
‫أكبر بل أن نعمل بذكاء أكثر؛فالمقياس لنجاحنا في إدارة‬
‫أوقاتنا‪,‬ليس زيادة ساعات العمل وإنما الثمار اليانعة التي نقطفها‬
‫من ورائها ‪0‬‬
‫يجب أن نقول في البداية‪:‬إن الواحد منا مهما أبدى من الكفاءة‬
‫والعبقرية في تنظيم وقته واستغلله‪,‬فإنه لن يستطيع أن يستثمر‬
‫وقته على نحو تام‪,‬فالعنصر الروحي الذي يتمتع به النسان‪,‬يجعل‬
‫عمله مغايرا ً لعمل(اللة)‪0‬والظروف المختلفة المحيطة هي‬
‫الخرى‪,‬تحول دون ذلك‪,‬فل بد إذن أن نقنع بمناهزة الكمال عن‬
‫الوصول إليه ‪0‬‬
‫وهذه بعض المبادئ والليات التي تساعد على استثمار الوقت‪-‬على‬
‫الوجه المثل‪-‬نسوقها في النقاط التالية‪:‬‬
‫_‪_84‬‬
‫‪-1‬على الواحد منا أن يحاول التخلص من حالة الهدر الوقت‪,‬ول‬
‫سيما تلك الوقات‬
‫(البرزخية)التي تفصل بين أوقات العمل وأوقات الفراغ ‪0‬وهذا يعني‬
‫أن نحاول‪-‬إلى أقصى حد ممكن‪-‬تقليل مدة التهيؤ للعمل‪,‬ونستخدم‬
‫الصرامة مع أنفسنا في هذا المر‪,‬وقد لوحظ مثل ً أن الرد على‬
‫هاتف من أحدهم‪,‬ل يعطل المرء عن متابعة عمله فقط‪,‬وإنما يضيَّع‬
‫عليه أربع دقائق أو خمسا ً قبل أن يتمكن إلى العودة إلى ما كان‬
‫فيه من قبل ‪0‬‬
‫‪-2‬الرتابة مكروهة‪,‬لنها تقتل تفتُّح الروح والعقل‪,‬لكن يمكن أن‬
‫نستخدم شيئا ً منها استخداما ً نافعا ً في بعض الحيان‪,‬كأن يُلزم‬
‫النسان نفسه بأن يخصص بعد الفطار من كل يوم نصف ساعة‬
‫للقراءة أو العبادة أو المشي أو قضاء بعض الشياء المهمة ‪0‬وبعض‬
‫المشاهير يشعرون أنهم مدينون في شهرتهم إلى اللتزام بأشياء‬
‫محددة في ساعات محددة من يومهم ‪0‬وهذا يعني اقتطاع جزء من‬
‫الوقت الضائع لستخدامه في أشياء نافعة ومهمة ‪0‬على سبيل‬
‫المثال فإن اللتزام بساعة من كل يوم للقيام بعمل محدد‪,‬تجعل‬
‫المرء يكسب(‪)360‬ساعة سنوياً‪,‬وهي مدة كافية لنجاز أشياء‬
‫جميلة‪:‬‬
‫‪‬حفظ أكثر من عشرة أجزاء من القران الكريم ‪0‬‬
‫ُ‬
‫‪‬تعل ّم أساليب القراءة السريعة ‪0‬‬
‫‪‬تحسن الخط‪,‬وتخليصه من الخطاء الملئية ‪0‬‬
‫‪‬إعداد أجمل حديقة في منطقة السكن ‪0‬‬
‫‪‬تأليف كتاب متوسط الحجم ‪0‬‬
‫‪‬الحصول على (دبلوم)‪0‬‬
‫‪-3‬لسباب متعددة‪,‬تنهال طلبات الخدمات والمقابلت والستشارات‬
‫على بعض الناس ‪0‬ومع أن هذا شيء حسن حين يكون في نفع‬
‫الناس؛لكن كثيرا ً ما يكون ذلك على حساب أشياء مهمة في حياة‬
‫النسان؛لذا كان من الواجب على كل واحد أل يسرف في إعطاء‬
‫المواعيد للناس‪,‬وأن يعلم أن كل موافقة على وعد أو القيام‬
‫بعمل‪,‬ربما كانت على حساب عمل آخر قد يكون أهم و أكثر إلحاحاً‬
‫‪0‬حتى المواعيد البعيدة‪,‬فإنها ستقرب‪,‬وسيجب الوفاء بها في النهاية‬
‫‪0‬‬
‫‪-4‬الوقت سيضيع من غير تخطيط واضح‪,‬وسوف يجد المرء نفسه‬
‫منجذبا ً إلى عمل الشياء السهلة ‪0‬لذا كان لبد من اللتزام بأهداف‬
‫_‪_85‬‬
‫سنوية للتطوير الشخصي ‪0‬الهداف السنوية يتم تقسيمها إلى‬
‫أهداف شهرية وأسبوعية ‪0‬وسيكون من المفيد في هذه الحالة أن‬
‫يخصص المرء عشرين دقيقة في مطلع كل أسبوع وخمس دقائق‬
‫في مطلع كل يوم لكتابة قائمة بالعمال التي سيتم إنجازها ‪0‬العمل‬
‫الذي ل يتمكن أحدنا من إنجازه يبقيه في القائمة؛ليضاف إلى قائمة‬
‫أعمال اليوم التالي ‪0‬‬
‫‪-5‬كثيرا ً ما يذهب الوقت في تجزئة العمل وتشتيته ‪0‬كثير من الناس‬
‫يبدؤون عمل ً ثم يقفزون إلى غيره قبل إتمامه‪,‬ثم يعودون للول‬
‫وهكذا ‪000‬ولذا فإن النصيحة هنا أن يحاول الواحد منا أل يركز‬
‫اهتمامه في أكثر من عمل في وقت واحد‪,‬وإذا بدأ في عمل‪,‬فل‬
‫يتركه حتى ينهيه ‪0‬وهذا في الحقيقة يحتاج إلى العزيمة والمثابرة ‪0‬‬
‫‪-6‬وضع أحد خبراء إدارة الوقت قاعدة سماها قاعدة(‪)20\80‬حيث‬
‫لحظ أن(‪)%80‬‬
‫من إنتاج النسان يأتي من (‪)%20‬من جهده ‪0‬وهذا يعني أن نعرف‬
‫بشكل جيد الوقات‬
‫الملئمة لجعل(‪)%20‬من جهودنا تثمر(‪)%80‬من إنتاجيتنا‪,‬فنختار‬
‫الوسائل الكثر فاعلية‪,‬‬
‫والوقات التي نكون فيها في قمة نشاطنا و صفائنا‪,‬والوقات التي‬
‫نظن عدم وجود مقاطعة فيها من قبل الخرين ‪0‬‬
‫ومن وجه آخر فإن(‪)%20‬من العمال التي نقوم بها قد يكون فعلً‬
‫مساويا ً في قيمته ل(‪)%80‬فلنعط تلك العشرين حقها من الولوية‬
‫والعناية ‪0‬‬
‫‪-7‬احمل معك بعض أعمالك أو بعض كتاباتك إلى الماكن التي‬
‫تذهب إليها‪,‬فقد تستطيع إنجاز شيء من مهماتك وأنت في قطار أو‬
‫حافلة‪,‬أو أنت تنتظر في دائرة أو مستشفى ‪0‬‬
‫‪-8‬هناك إلى جانب ما ذكرناه بعض الرشادات التي تساعد على‬
‫توفير الوقت‪,‬مثل‪:‬‬
‫‪‬ل تقم على الطلق بزيارة صديق دون أن تبلغه بذلك أو تحادثه ‪0‬‬
‫‪‬استفد من وقت الفراغ في القراءة أو الحفظ أو في عمل شيء‬
‫نافع ‪0‬‬
‫‪‬حينما ترتب موعدا ً فتأكد أن الطرفين يفهمان الوقت و المكان‬
‫والعنوان بالضبط‬

‫_‪_86‬‬
‫‪‬احسب وقت انتقالك إلى مكان الموعد‪,‬وأضف فترة زمنية‬
‫مناسبة احتياطا ً لمواجهة الطوارئ حتى تصل في الوقت المحدد‬
‫‪0‬‬
‫‪‬وفَّر كل المواد والمراجع اللزمة بين يديك قبل أن تبدأ العمل‬
‫سواء أكان ذلك العمل طهوا ً أم كتابة مقال‪,‬أم خطبة ‪0‬‬
‫‪‬لترتب رحلة لنجاز عمل ما إذا كان بوسعك إنجاز ذلك العمل‬
‫برسالة أو بمحادثة هاتفية ‪0‬‬
‫‪‬إذا كان لديك مهام قصيرة أو مشتريات‪,‬فقم بإعداد قائمة بها‬
‫تشمل كل البنود‪,‬وخطط نشاطاتك المختلفة‪,‬بحيث تحتاج إلى‬
‫قطع أقصر مسافة ممكنة ‪0‬‬
‫أستطع أن أقول بعد كل ما ذكرته‪:‬إن(الزمن)قد احتل أهمية فريدة‬
‫في تركيبة كل ما يتصل بعصرنا‪,‬وإن المة المتقدمة‬
‫والمتفوقة‪,‬ليست تلك التي تتحدث عن السنين والشهور‪,‬وتتعامل‬
‫مع الحداث من خللها‪,‬وإنما تلك التي تستخدم الن الدقائق‬
‫والثواني ‪0‬وهذا إن دل على شيء‪,‬فإنما يدل على احترام الزمن‬
‫حد ممكن ‪0‬وبإمكان الواحد منا أن‬ ‫ومحاولة استغلله إلى أقصى ٌ‬
‫يجعل من استخدامه لواحدت الزمن مقياسا ً لحرصه عليه‪,‬ومقياساً‬
‫لرتقائه في معارج العطاء والنمو و النجاح ‪0‬‬
‫ثالثاً‪-‬تــــــــحسين النتاجيــــة‪:‬‬
‫مة فجوة كبيرة تفصل بين العالم السلمي والعالم الغربي على‬ ‫ث َّ‬
‫(‬
‫مستوى الدخل والبنية الساسية والعلم والتقنية وأمور أخرى كثيرة‬
‫‪)1([0)1‬سلّطنا الضوء على ذلك في كتابنا (نحو فهم أعمق للواقع‬
‫السلمي)]‬
‫وتلك الفجوة الخذه في التساع‪-‬مع السف‪-‬هي ترجمة دقيقة‬
‫لفارق النتاجية بين المجتمعات الغربية والمجتمعات السلمية ‪0‬ول‬
‫يعني أن يفهم من هذا أن علينا أن نلحق بالغرب بأي ثمن وعن أي‬
‫طريق؛فهذا ليس وارداً‪,‬ولكن المقصود أن يتهيأ لمة السلم ما‬
‫يمكنها من توفير الحاجات الساسية لبنائها‪,‬والمحافظة على‬
‫استقللها وكرامتها؛كي تتمكن من القيام بمسؤولية الستخلف في‬
‫الرض ‪0‬‬
‫المجتمع الضعيف مكوّن في الصل من أشخاص ضعفاء‪,‬والمجتمع‬
‫القوي مكوّن من‬
‫مكوّن من أشخاص أقوياء ‪0‬وإذا كنا نشعر بآلم جراح التخلف‬
‫والستكانة أمام غيرنا‪,‬و‬
‫_‪_87‬‬
‫كنا نملك الدارة على الرتقاء بهذه المة إلى المكانة التي تليق بها‪-‬‬
‫فإن مهمتنا الولى تتمثل في أن نحاول رفع سوية التزام النسان‬
‫المسلم وعطائه؛حيث إن من غير الممكن أن نوجد أمة أقوى من‬
‫مجموع أفرادها ‪0‬‬
‫النتاجية مقياس‪,‬نقيس به العلقة بين ما هو منتَج وبين الوسائل‬
‫المستخدمة في عملية النتاج ‪0‬وقيمتها الساسية تكمن في أنها‬
‫تمكننا من مقارنة أداءين أو أكثر مع بعضهما‪,‬أو مع مستوى من‬
‫الداء محدَّد مسبقاً ‪0‬إذا وجدنا خالدا ً ومحمودا ً يصنعان صناديق‬
‫خشبية‪,‬ووجدنا أن محمودا ً يصنع عشرة صناديق في ثماني‬
‫ساعات‪,‬ثم وجدنا خالدا ً يصنع ثلثة عشر صندوقا ً في تسع‬
‫ساعات‪,‬وافتراضنا إلى جانب ذلك أن إنتاجهما متساوٍ في جودة‬
‫الصنع‪,‬ومتطابق في جميع الجوانب‪,‬فأيهما أكثر إنتاجية؟‬
‫بعد القيام ببعض العمليات الحسابية سوف نجد أن خالدا ً ينتج‬
‫صناديق أكثر من محمود‪,‬وذلك بعد أن أخذنا بعين العتبار عامل‬
‫الوقت‪,‬حيث إن خالدا ً يعمل ساعة زائدة على عمل محمود ‪0‬وهكذا‬
‫يمكن القول‪:‬إن إنتاجية خالد أعلى من إنتاجية محمود(‪([0)1‬‬
‫‪)1‬يستغرق صنع السيارة في اليابان(‪)17000‬ساعة عمل‪,‬على حين‬
‫يستغرق في أمريكا(‪)27000‬ساعة عمل‪,‬أما في أوروبا فيستغرق(‬
‫‪)32000‬ساعة عمل‪,‬والحمد الله‬
‫أننا غير واردين في هذه المقارنة!‪]0‬‬
‫من السهل تحديد مستوى النتاجية في مزرعة أو مصنع‪,‬لكن تحديد‬
‫قد‪,‬ومع هذا فيمكن قياسها حيال‬ ‫(النتاجية الشخصية)غامض ومع ّ‬
‫أشياء محددة جداً‪,‬كما لو قلنا‪:‬‬
‫إن محمودا ً يحتاج إلى ست ساعات قراءة في حفظ جزء واحد من‬
‫القرآن الكريم‪,‬على حين أن سعيداً‪,‬يحتاج إلى تسع ساعات وهكذا‬
‫‪000‬‬
‫العوامل المؤثرة في النتاجية ومبادئ تحسينها‪:‬‬
‫إن العوامل المؤثرة في تحسين إنتاجية النسان‪,‬أكثر من أن‬
‫تحصى‪,‬وربما كان من الصواب القول‪:‬إن تحسين يطرأ على أي‬
‫جانب من جوانب شخصية النسان‪,‬ينعكس‪-‬بصورة ما‪-‬على‬
‫إنتاجيته؛وإذا فإن كل ما ذكرناه‪,‬وما سنذكره في هذه‬
‫الرسالة‪,‬يساعد على تحسين النتاجية الشخصية ‪0‬وما سنشير إليه‬
‫هنا‪,‬يستهدف لفت النتباه وإيجاد نوع من التركيز على أمور نحسب‬

‫_‪_88‬‬
‫أنها تساهم في تحسين أداء الواحد منا‪,‬ورفع كفاءته على نحو‬
‫ظاهر؛وذلك من خلل الحروف الصغيرة التالية‪:‬‬
‫‪-‬من أهم مبادئ تحسين النتاجية أن يحاول النسان عمل ما هو‬
‫ممكن‪-‬مهما يكن ضئيلً‪-‬ول ينتظر تحسن الظروف والمكانات؛فذاك‬
‫قد يأتي‪,‬وقد ل يأتي ‪0‬ثم إن مباشرة الممكن نفسها‪,‬توسع دائرة‬
‫العمل؛وتذلل عقباته ‪0‬إن الطفل الصغير يقف عاجزا ً في البداية عن‬
‫كتابة أية كلمة حتى اسمه ‪0‬وبعد تعلم الحروف‪,‬وتعلم شبكها بعضها‬
‫مع بعض يصبح المستحيل ممكناً‪,‬وتتحسن شروط الممارسة ‪0‬‬
‫‪-‬لو راقب الواحد منا استمراريته في أداء عمله‪,‬لوجد أن أكثر ما‬
‫يقطعها‪,‬ليس الشياء المهمة‪,‬وإنما الشياء التافهة ‪0‬والحقيقة أن‬
‫الواحد منا يتخذ من قضاء بعض الحوائج الثانوية ذريعة للتخلص من‬
‫ضغط الستمرار في العمل؛لذا فإن من شروط رفع كفاءة الداء‬
‫َ‬
‫أن نتعلم كيف نؤجل رغباتنا‪,‬ونصل ّب إراداتنا تجاه القواطع‬
‫والصوارف الكثيرة ‪0‬‬
‫مما يساعد على ذلك أن يحاول الواحد منا مكافأة نفسه على‬
‫العمال التي يقوم بها‪,‬وذلك كأن يعد نفسه بإعطائها شيئا ً تحبه بعد‬
‫كل ساعة أو ساعتين العمل المستمر ‪0‬‬
‫‪-‬كل ما نقوم به يتم في ظروف محددة‪,‬وحتى نحصل على النتائج‬
‫المكافئة للجهود التي نبذلها‪,‬فل بد من كون ظروف العمل ملئمة‬
‫ومناسبة للنتاجية الجيدة ‪0‬قد نضطر أن نقرأ في مكان‪,‬ل تتوفر فيه‬
‫الضاءة أو التهوية الكافية‪,‬وقد نضطر إلى أن نجلس على كرسي‬
‫ن كل هذا قد‬‫غير مريح‪,‬أو في مكان تعلو فيه الصوت ‪000‬إ َّ‬
‫يقع‪,‬ويجب تقبُّله على أنه شيء مؤقت‪,‬لكن ل يصح أن يصبح ذلك‬
‫شيئا ًً مستمرا ً ودائماً؛لن ذلك سيؤدي إلى عدم استمرار العمل‪,‬أو‬
‫إلى كثرة حدوث انقطاعات فيه؛ولذا فإنه لبد من وضع خطة‬
‫لتحسين ظروف العمل‪-‬أيا ً كان‪-‬وإل فإن المتوقع آنذاك أن يكون ما‬
‫نحصل عليه من ثمار جهودنا محدوداً؛هذا إذا استطعنا أل نعرف عن‬
‫العمل بالكلية ‪0‬‬
‫‪-‬للمهارات في أسلوب العمل واستخدام الوسائل وظيفة أساسية‬
‫في تحسين النتاجية ‪0‬‬
‫وقد أحرز العالم تقدما ً هائل ً في هذا الصعيد؛فالدول تنفق اليوم‬
‫أموال ً طائلة على التدريب بغية تحسين أساليب العمل‪,‬كما أن‬
‫تطورا ً غير مسبوق قد طرأ على الدوات والوسائل إلى درجة‬
‫أن(النسان اللي)صار يقوم بكثير من العمال التي كان يقوم بها‬

‫_‪_89‬‬
‫النسان‪,‬وهو يؤديها على نحو أكثر دقة وسرعة ‪0‬وكان هذا يعني‬
‫اختصارا ً للجهد العضلي نتيجة الستثمار المثل للجهد الذهني‬
‫والفتوحات العلمية المستمرة ‪0‬‬
‫في العالم النامي الكثير من الجهد مع قليل من المهارة وقليل من‬
‫الوسائل الجيدة ‪0‬‬
‫والنتيجة إنتاجية متواضعة للفراد‪,‬تترجم إلى إنتاجية متواضعة‬
‫للشعب أو المة(‪)1([0)1‬الناتج القومي‪-‬وهو مجموع ما ينتجه شعب‬
‫ما من سلع وخدمات خلل عام‪-‬لليهود في فلسطين المحتلة‪,‬يزيد‬
‫عن الناتج القومي لكل من مصر ولبنان والردن والسودان‬
‫مجتمعة!]‬
‫ولذا فإن علينا أن نتعلم دائما ً كيف ننجز أعمالنا بمهارة أكثر‪,‬وكيف‬
‫نوفر الوسائل التي‬
‫تساعدنا على ذلك ‪0‬‬
‫‪-‬استثمار الساعة الولى من اليوم مهم‪,‬حيث إن كثيرا ً من الناس‬
‫يضيعها في النوم‪-‬الذي ل حاجة إليه‪-‬أو في أحاديث اجتماعية مع‬
‫الزملء‪,‬أو في قراءة جريدة ‪000‬‬
‫وهكذا يبدأ الكثيرون يومهم بنوع من الترهل الشعوري تجاه‬
‫الوقت‪,‬وتجاه الواجبات الشخصية ‪0‬إذا جَّرب الواحد منا أن يكف عن‬
‫تضييع الساعة الولى من يومه‪,‬فسيجد أن إنتاجيته تحسنت أكثر‬
‫من(‪)%20‬كما يخف عليه الشعور بضغط العمل طيلة ذلك‬
‫اليوم‪,‬فهل نجرب؟‬
‫‪-‬لكل منا أوقات يكون فيها نشيطاً‪,‬أوقات يكون فيها خاملً؛فإن‬
‫أمكن للمرء أن يتعرف على أوقات نشاطه وأوقات خموله‪,‬كان من‬
‫الفضل له أن ينجز العمال الشاقة في أوقات نشاطه‪,‬والعمال‬
‫السهلة الرتيبة في أوقات الخمول ‪0‬التفكير والتخطيط وقراءة‬
‫النصوص الفلسفية الراقية‪,‬أعمال شاقة‪,‬وينبغي أن نختار لها أوقات‬
‫الحيوية وفراغ البال ‪0‬‬
‫‪-‬إذا أردنا تحسين النتاجية والستفادة من المكانات المتاحة‪,‬فإن‬
‫علينا أل نسأم من‬
‫أن نلقي على أنفسنا ثلثة أسئلة‪:‬‬
‫‪‬ماهو العمل الذي بإمكاني أن أؤديه الن لكني ل أؤديه؟‬
‫‪‬هل بإمكاني أن أعمل ما هو أفضل‪,‬أو أولى من العمل الذي‬
‫أعمله الن؟‬

‫_‪_90‬‬
‫مة طريقة أفضل‪,‬لنجاز عملي‪,‬من الطريقة التي أستخدمها‬ ‫‪‬هل ث َّ‬
‫الن؟‬
‫إننا بهذه السئلة نستثمر الكثير من أوقات الفراغ‪,‬كما أننا نكوَّن‬
‫حساسية جديدة نحو الولويات في حياتنا ‪0‬وأخيرا ً فإننا بذلك نحاول‬
‫الستفادة من الخبرات الجديدة في إدارة أعمالنا وتصريف شؤوننا‬
‫‪0‬وكل ذلك سيعود بالنفع على كفاءتنا الشخصية والنتاجية ‪0‬‬
‫‪-‬عندما يشعر المرء أن حيويته‪,‬بدأن تنخفض‪,‬فإن عليه أن يمنح‬
‫نفسه استراحة قصيرة لتجديدها ‪0‬وكثيرا ً ما يحدث هذا عند منتصف‬
‫النهار عندما ينخفض مستوى السكَّر في الدم ‪0‬إذا تركت العمل‬
‫مدة ربع ساعة ثم عدت إليه؛فإنك ستعود بهمة جديدة ‪0‬‬
‫ومن المهم أيضا ً أن يخصص المرء نفسه في كل يوم وقتا ً يقضيه‬
‫بعيدا ً عن العمل‪,‬حتى ل يسأم ول يمل ‪0‬ولبد بعد هذا وذاك من أن‬
‫يحصل النسان على إجازة دورية‪,‬ويترك العمل خلف ظهره‬
‫‪0‬وقديما ً لم يكن الناس يحرصون على الجازة؛لن العمال التي‬
‫كانوا يقومون بها متفرقة‪,‬وحجمها أقل‪,‬وهي تستدعي أيضا ً تركيزاً‬
‫وتنظيما ً أقل ‪0‬أما اليوم فكل شيء قد اختلف ‪0‬ولذا فل بد من‬
‫تزييت(الماكينة)إذا ما أردنا لها أن تستمر العمل ‪0‬‬
‫رابعـاً‪-‬مـواجهة المشـــــــكلت‪:‬‬
‫في تربيتنا ونظمنا وأوضاعنا العامة تشجيع على(الغموض)وتشجيع‬
‫َ‬
‫على الهروب نحو المام ‪0‬ونحن إلى جانب ذلك قل ّما نملك الشجاعة‬
‫على العتراف بأخطائنا ‪0‬وقليل منا أولئك الذين يقدمون على‬
‫تحمل المسؤولية عن تصرفاتهم ‪0‬وهذا كله يجعل المجتمع يظهر‬
‫بمظهر المعافى وهو يعاني من علل ومشكلت فتاكة ‪0‬‬
‫نحن ل ندعي العصمة‪,‬ول تدعي لنا‪,‬لكنا أن نظهر بمظهر‬
‫المعصوم!إن وجود مشكلت في حياة الناس‪,‬هو الصل‪,‬وهو ليس‬
‫علمة المرض‪,‬فالعيش السهل والحساس بأن كل شيء على ما‬
‫يرام‪,‬قد يكون هو المدخل لتحلل الشخصية‪,‬على حين أن وجود‬
‫مشكلت‪,‬ووجود بعض الظروف المعاكسة‪,‬يصلّب لدينا روح‬
‫المقاومة‪,‬ويستخرج أفضل ما لدينا من طاقات كامنة‪,‬كما يصقل‬
‫ُ‬
‫خبراتنا وينميها(‪)1([0)1‬يرى بعض الباحثين أن تخل ّف(أفريقيا)يعود‬
‫إلى سهولة العيش في الماضي‪,‬حيث المناخ المعتدل والحار الذي‬
‫ل يتطلب السعي إلى الدفء‪,‬وحيث وفرة الصيد والثمار؛مما حال‬
‫دون شعور النسان الفريقي بالحاجة إلى تحسين ذاته واكتساب‬
‫مهارات ومعارف جديدة ‪]0‬‬
‫_‪_91‬‬
‫وعلى مدار التاريخ لم يكن تقدُّم العالم من خلل الرخاء‪,‬وإنما من‬
‫خلل الزمات التي كانت تمنحه الفرصة لتجديد أبنيته‪,‬ومراجعة‬
‫حساباته وإبداع الحلول لمشكلته ‪0‬‬
‫إن العتراف بأننا نعاني من وجود مشكلت معينة عامل أمان ضد‬
‫تفجر المجتمع من الداخل‪,‬وضد النهيار السريع الذي يمكن أن‬
‫يحدث عند تجاهل ما يتراكم من أخطاء وخطايا ‪0‬‬
‫وهذه إضاءة لبعض النقاط التي تتعلق بهذه المسألة المهمة‪:‬‬
‫‪-‬العتراف بالمشكلة على ما هي عليه دون محاولة طمسها أو‬
‫تشويهها‪,‬هو الخطوة الولى على طريق العلج‪,‬صحيح أن العتراف‬
‫بالحقيقة مر في كثير من الحيان‪,‬لكن ل يمكن السير في طريق‬
‫الشفاء دونه ‪0‬مافائدة وجود أطباء ومستشفيات وأدوية ‪000‬إذا كان‬
‫الناس ل يشعرون أنهم مرضى أو بحاجة إلى علج؟‪0‬‬
‫إن كثيرا ً من المشكلت التي تواجهنا أشبه ب(السرطان)في‬
‫محوريّة مرحلة الكشف عنه في الشفاء منه؛فكلما كان الكتشاف‬
‫مبكرا ً كان المل في الشفاء أكبر؛ولذا فإن إهمال المشكلة لن‬
‫يحلها‪,‬وإنما يجعل حلها يتجه نحو السوأ‪,‬كما يحل(الموت)مشكلة‬
‫المراض المعضلة والمستعصية ‪0‬قد نحتاج إلى بعض الوقت حتى‬
‫نتقبل وجود المشكلة‪,‬ونفسح لها مكانا ً في مشاعرنا‬
‫واهتماماتنا؛وهذا طبيعي ‪0‬‬
‫كثير من الناس ينتابهم إحساس غامض بوجود مشكلة في حياتهم‬
‫دون أن يتمكنوا من تحديدها ‪0‬ويمكن القول‪:‬إن كل مشكلة يمكن‬
‫توصيفها على نحو جيد‪,‬هي مشكلة محلولة جزئياً ‪0‬وعلينا هنا أن‬
‫نكون على حذر من أن نفكر في تحديد مشكلتنا ونحن في حالة‬
‫الخوف أو الكتئاب‪,‬حيث إن ذلك يجعل المشكلة تبدو كبيرة‬
‫ومعقدة ‪0‬على حين أن النظر إليها ونحن في حالة ثقة وتفاؤل‬
‫وراحة من الضغوط‪,‬يجعلها تبدو أصغر‪,‬وسوف تصغر أكثر فأكثر‬
‫عندما تبدأ بمواجهتها ‪0‬‬
‫‪-‬مما يساعد على تحديد المشكلة أن يتحدث صاحبها إلى من يثق‬
‫به ويعرفه معرفة جيدة‪,‬فالصدقاء القريبون جدا ً يشكّلون انطباعات‬
‫واضحة عن أصدقائهم في العادة‪,‬و‬
‫تلك النطباعات ستلقي المزيد من الضوء على المشكلت التي‬
‫يعانون منها ‪0‬‬
‫أوقات الجازة والستراحة أوقات ملئمة للتفكير بالمشكلت‪,‬إذ من‬
‫شأنها أن تكون أكثر وضوحا ً حين نكون بعيدين عنها ‪0‬وإذا استطعت‬

‫_‪_92‬‬
‫أن تبتعد عن مشكلتك لتعالجها على أنها مشكلة إنسان آخر‪,‬فإن‬
‫ذلك سوف يساعد على تحجيم دور(العاطفة)في المعالجة‪,‬وتناول‬
‫المشكلة بقدر أكبر من الحياد والموضوعية ‪0‬ومن المهم أن يثق‬
‫النسان في حدسه وبصيرته في فهم وأوضاعه‪,‬فهو على كل حال‬
‫يظل القدر على اللمام بها ‪0‬‬
‫‪-‬ل ينبغي للواحد منا أن يفكر في أكثر من مشكلة في آن واحد‪,‬لن‬
‫ذلك سوف يجعله يشعر بالوهن والهزيمة ‪0‬قد يجد المرء أمامه‬
‫ل واحدة‬ ‫عددا ً من المشكلت المترابطة‪,‬مما يخيل إليه استحالة ح ّ‬
‫ل أخرى مرتبطة بها ‪0‬وهذا صحيح في بعض‬ ‫منها دون ح ّ‬
‫الحيان‪,‬لكن ل بد من محاولة فك الرتباط بينها‪-‬قدر المستطاع‪-‬‬
‫وعزلها بعضها عن بعض حتى يجد النسان في نفسه الطاقة‬
‫الكافية للتعامل معها؛بل إن المطلوب قد يتجاوز ذلك إلى محاولة‬
‫تفتيت المشكلة سيمنحنا نوعا ً من القدرة على حلها‪,‬كما تفعل‬
‫الشركات حين تقسم طريقا ً طويلة إلى وصلت صغيرة ‪0‬‬
‫ويمكن القول‪:‬إن في العالم اليوم اتجاها ً إلى تجزئة كثير من‬
‫العمال الكبرى؛من خلل إعطاء المزيد من الستقللية لكل قسم‬
‫أو مركز أو فرع عن مؤسسته الم‪,‬وذلك من أجل رفع كفاءة‬
‫النتاج‪,‬ومن أجل تعامل أفضل مع مشكلته‪,‬لكن المر ليس‬
‫بالسهولة التي نتصورها‪,‬فالفصل والتجزئة ليسا من الشياء‬
‫الجذابة‪,‬ومع هذا فإن علينا أن نُصّر على النجاح في ذلك ‪0‬ونحن‬
‫ل لمشكلتنا يجب أن نكون على‬ ‫ح ًّ‬‫نبحث عن َ‬
‫وعي بأمرين‪:‬‬
‫م لهم سوى‬ ‫الول‪:‬أن نُعرض عن المتشائمين والمثبطين الذين ل هَ َّ‬
‫بث اليأس ودللة الناس على الطرق المسدودة ‪0‬إن الله‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫ما أنزل داء إل أنزل له دواء‪,‬وإن كل نظرية أو رؤية تفضي بالناس‬
‫إلى الحيرة والعطالة‪,‬ليست بنظرية‪,‬وليست برؤية سديدة؛لنها‬
‫مخالفة للمبدأ الثابت الذي ذكرناه ‪0‬‬
‫الثاني‪:‬إننا تحتاج إلى أن ننتبه إلى أن المرء قد يكون اختار مجالً‬
‫خاطئا ً لنشاطه‪,‬كأن يكون اختار العمل في مجال الزراعة أو‬
‫التجارة أو التدريس ‪000‬وهو ل يملك أي مقوّم من مقوّمات النجاح‬
‫في الحقل الذي اختاره‪,‬آنذاك فإن الصرار على المضي قُدُما ً إلى‬
‫ما لنهاية‪,‬ينافي الحكمة ‪0‬والفضل للمرء آنذاك أن يغير النشاط‬
‫كله‪,‬ويتخذ قرارا ً واحدا ً جريئا ً بدل أن يواجه في كل يوم مشكلة‬
‫جديدة ‪0‬‬

‫_‪_93‬‬
‫‪-‬هناك أسلوب في التفكير اسمه أسلوب(القصف الذهني)‪,‬وهو‬
‫يعني أن يسمح النسان لكل الخواطر والفكار التي تدور حول‬
‫المشكلة بالنسياب مهما كانت تبدو عقيمة أو بعيدة دون أن يبدي‬
‫أي نوع من التقييم لها أو بيان لسلبياتها‪,‬وحتى إذا شعر أنه قد‬
‫ً‬
‫استنزف كل ما لديه أمكن له أن يستعرضها‪,‬ليسبر أغوارها‪,‬حل ّ بعد‬
‫ل‪,‬وفكرة بعد فكرة ‪0‬وسيكون من المفيد الستعانة بصديق‬ ‫ح ًّ‬
‫للمساهمة في تقييم تلك الحول والفكار‪,‬والوقوف على إيجابيات‬
‫كل منها وسلبياته ‪0‬بعد ذلك يتم اختيار حل منها وتجربيه بدأب‬
‫ومثابرة‪,‬وبعد مدة يتم تقييم الحل من جديد ‪0‬وفي الغالب سيجد‬
‫المرء تحسنا ً كثيراً ‪0‬وإذا لم يجد النتائج المرضية‪,‬فبالمكان لضافة‬
‫حل جزئي آخر إلى الحل‬
‫الول أو تجريب حل آخر غيره ‪0‬‬
‫‪-‬من الخطاء الشائعة لدى الشعوب والفراد استسهال الحلول‬
‫التي يتعلق جزء منها بالخرين ‪0‬ومع أن ذلك صحيح إلى حد ًّ ما؛حيث‬
‫إن المشكلة التي تتعلق بأكثر من طرف ينبغي أن يسهم جميع‬
‫الطراف في حلها‪,‬وهذا منطقي‪,‬بالضافة إلى أنه يخفف من ضغط‬
‫المشكلة على المرء‪,‬حيث يشعر بإمكانية تلقي الدعم من‬
‫الخرين؛لكن الذي يحدث في كثير من الحيان أن ينسى كل واحد‬
‫من الطراف وظيفته‪,‬أو أنه يعلق القيام بواجبه على قيام الخرين‬
‫بواجباتهم ‪0‬وتكون النتيجة أن تبقى المشكلة من غير أي حل‪,‬وكأننا‬
‫لم نفعل أي شيء ‪0‬وانطلقا ً من هذا فإن علينا‪-‬إذا ما أردنا أن ننجز‬
‫شيئا ً ما‪-‬أن نُؤثِر الحلول التي ل تعتمد على مشاركة الخرين ‪0‬ول‬
‫شك أن الحل ان يكون آنذاك مثالياً‪,‬لكنه يظل أفضل من تعليق‬
‫المشكلة إلى أجل غير مسمى ‪0‬‬
‫لنجعل من المشكلت والزمات نقاط انطلق جديدة‪,‬ولنكشف من‬
‫خللها قدراتنا الكامنة‪,‬ولنجدد من خللها أساليب عيشنا ووسائل‬
‫إنتاجنا‪,‬وبذلك تصبح المحنة منحة‪,‬وننجح في البتلء ‪0‬‬
‫خامساً‪-‬الهتــــــمـــــــــــــــــــام بالمستقبل‪:‬‬
‫إن النظر إلى المور بعيون مستقبلية منهج إسلمي صميم‪,‬وإن‬
‫المسلم يضبط إيقاع حركته في الحياة كلها وفق متطلبات الفوز‬
‫َ‬
‫بالجنة الموعودة في الخرة ‪0‬وقد كان المأمول أن يتول ّد من هذا‬
‫المنهج نظر مستقبلي فريد لدى المسلم في كل أمور الحياة‪,‬لكن‬
‫يبدو أن انتفاع المرء بمبادئه ل يتأتّي بطريقة عفوية‪,‬وإنما يحتاج إلى‬
‫نوع‬

‫_‪_94‬‬
‫من الفاعلية الذهنية والشعورية التي ل توفّرها إل درجة معيّنه من‬
‫التحضر ‪0‬‬
‫إذا ما أراد الواحد منا أن يبحث عن شيء محوري للمستقبل‪-‬على‬
‫صعيده الشخصي‪-‬فأتصور أن ذلك الشيء سيكون كيفية توفير‬
‫الشروط النفسية والمادية التي تساعده على أن يحيا الحياة‬
‫الكريمة التي تمكنه من القيام بأمر الله‪-‬تعالى‪,-‬والنجاح في‬
‫مجموعة البتلءات التي تواجهه في هذه الحياة ‪0‬وهذا في الحقيقة‬
‫مطلب كبير‪,‬ولن يتم إل من خلل خطة شخصية لكل واحد منا؛إذ‬
‫َ‬
‫بالنشطة المؤط ّرة في سياق خطة وأهداف واضحة‪,‬يمكن‪-‬‬
‫فحسب‪-‬النتقال مما نحن فيه إلى ما هو مرجو ومأمول ‪0‬‬
‫وهذه بعض الفكار التي تساعد على رسم خطة شخصية‬
‫ملئمة‪,‬نسوقها على سبيل النجاز‪:‬‬
‫أ‪-‬علينا أن نكون على وعي بأن مصيرنا الشخصي‪,‬ليس منفصل ً عن‬
‫مصير مجتمعنا‪,‬وليس من الصواب ول المروءة أيضا ً أن نبحث عن‬
‫طريق لخلصنا بمعزل عن أهلينا وإخواننا وأبناء مجتمعنا ‪0‬وكل ما‬
‫ينوي النسان تحقيقه‪-‬على أي صعيد كان‪-‬ل يمكن أن يتم في‬
‫فراغ‪,‬فالوسط السيَّئ‪,‬ل يساعد أبدا ً على إنجازات كبيرة؛ولذا فإن‬
‫أي خطة شخصية نحاول وضعها للمستقبل‪,‬يجب أن تأخذ بعين‬
‫العتبار التشكلت المستقبلية التي تتجه إليها البيئة التي نعيش فيها‬
‫‪ 0‬والعوامل المؤثرة في تشكيل البيئة الخارجية كثيرة جداً‪ ,‬أهمها‪:‬‬
‫•الفكار والمفاهيم السائدة ‪0‬‬
‫•ما يسود فيها من أحوال وأوضاع مادية واقتصادية ‪0‬‬
‫•بؤر الصراع الظاهرة والكامنة فيها‪,‬ومحاور التنافي بين الناس‬
‫‪0‬‬
‫•القوى المتنفذة والمؤثرة في تكوين اتجاهات الناس والمعيشة‬
‫‪0‬‬
‫يمكن للمرء من خلل إدراكه لهذه العوامل أن يحدد مدى ملءمة‬
‫بيئته لفكاره وخططه ومدى الضغوط التي يمكن أن تمارسها عليه‬
‫‪0‬‬
‫ب‪-‬كما يجب أن نتبصر في البيئة الخارجية‪,‬علينا أن نجري نوعاً‬
‫من""التقييم""لمكاناتنا لن التخطيط ماهو في الحقيقة سوى‬
‫استثمار وبرمجة وتوجيه لما هو متاح بين يدي المخطط من‬
‫إمكانات مختلفة ‪0‬ول يخفي أن كثيرا ً من الخطط باء بالخفاق‬
‫الذريع نتيجة سوء التقدير لما يمكن أن يُعتمد عليه من عناصر‬
‫_‪_95‬‬
‫بشرية ومادية في إنجاز الخطة ‪0‬وكثيرا ً ما يكون الدافع لذلك توهج‬
‫الرغبة في الوصول السريع إلى الهدف ‪0‬نحن بحاجة إلى الحماسة‬
‫في تنفيذ برامجنا وخططنا‪,‬كما ينبغي أن نحتفظ بدرجة من‬
‫التعاطف الصادق معها‪,‬لكن ذلك كله يجب أن يكون وقت التنفيذ‬
‫وبذل الجهد‪,‬وليس وقت وضع الخطة التي تحتاج إلى التعقل‬
‫والخبرة أكثر من أي شيء آخر ‪0‬‬
‫جـ‪-‬يحتاج كل هدف من أهدافنا إلى خطة منفصلة سواء كان الهدف‬
‫في المجال العقلي أو الروحي أو المادي أو الجتماعي ‪,000‬حيث‬
‫يتطلب التقدم في كل مجال من هذه المجالت برنامجا ً خاصاً‬
‫واضح المعالم ‪0‬ومن المؤسف أن قليلين منا الذين يفعلون ذلك؛مما‬
‫يؤدي إلى إهمال أشياء مهمة في حياتنا‪,‬وبالتالي إلى اختلل توازننا‬
‫الشخصي ‪0‬لبد ونحن نضع لكل هدف خطته من التأمل في شأن‬
‫القوى المؤثرة سلبا ً‬
‫في نجاح الخطة‪,‬والتفكير في كيفية تلفيها‪,‬على قدر الوسع‬
‫والمكان ‪0‬‬
‫د‪-‬الكل خطة بعدان أساسيان‪:‬بُعد ٌ نظري فلسفي يتم من خلله‬
‫ترتيب أولويات الخطة ‪0‬وبُعد ٌ تنفيذي عملي‪,‬يرتب تلك الولويات‬
‫يرما ً بعد يوم‪,‬ويوزع عليها المكانات والموارد المتوفرة ‪0‬‬
‫البُعد الول يبلوره الواحد منا باعتباره قائداً‪,‬ويبلور البُعد الثاني با‬
‫عبارة مديراً ‪0‬‬
‫وحتى ينجح الواحد منا في رسم البعد الول‪,‬فإن عليه أن يجد‬
‫الجواب الواضح لتساؤل جوهري‪,‬هو‪:‬ما لشيء الذي إذ أُنجز سيكون‬
‫له أعظم الثر في تحسين وضعيته العامة‪,‬أو بلوغ هدفه السامي؟‬
‫ضحنا أهم شيء في البعد الول من‬ ‫إذا وجدنا الجواب‪,‬نكون قد و ّ‬
‫الخطة‪,‬وبقي علينا أن نوفّر ما يحتاجه البعد الثاني من إرادة‬
‫وأساليب ‪0‬‬
‫َ‬
‫النجاح في تنفيذ ما هو أوْلى فعلً‪,‬يحتاج إلى أن نفّرق بين الشياء‬
‫المهمة والشياء الملحة ‪ 0‬وهناك أمور كثيرة تدل على أن إهمالنا‬
‫حة‪,‬و بالتالي فإننا ننفق عليها‬ ‫لشياء تافهة‪,‬يحولها إلى أشياء مل ّ‬
‫الكثير من أوقاتنا‪,‬ونترك الشياء المصيرية والمهمة ‪0‬‬
‫َّ‬
‫إن إهمال معالجة(سن)قد يؤدي إلى التهاب جذوره‪,‬وربما عطلنا‬
‫ذلك عن أعمالنا أياماً‪,‬مع أنه لو عولج في وقته ‪,‬قد ل يحتاج إلى‬
‫أكثر من ساعة ‪0‬‬

‫_‪_96‬‬
‫إذا لم نمل أنبوبة(الغاز)عند فراغها‪,‬وفي أوقات الفراغ‪,‬فقد نضطر‬
‫س الحاجة فيه إلى كل دقيقة‬ ‫إلى ملئها في وقت حرج‪,‬نحن بأم ّ‬
‫هكذا ‪000‬لبد أن نقول(ل)لشياء كثيرة حتى نتمكن من تنفيذ المور‬
‫ذات الولوية في حياتنا‪,‬ولبد إلى جانب ذلك من أن‬
‫نعطيها أفضل ما لدينا من فكر وجهد ووقت ومال‪,‬وإل كانت فكرة‬
‫ن وضع‬ ‫خر ‪0‬إ َّ‬‫الهتمام بالولويات شعارا ً مجرداً‪,‬ل يقدَّم ول يؤ َّ‬
‫الخطط ليس صعباً‪,‬لكن المهم هو التنفيذ من خلل تطويع النزعات‬
‫والرغبات الشخصية لرادة صلبة راشدة ‪0‬‬
‫سادساً‪-‬الســـــــــعادة والرضا‪:‬‬
‫الحساس بالرضا والشعور بالسعادة من القضايا المهمة التي‬
‫تستحق إلقاء بعض الضوء عليها‪,‬نظرا ً لهميتها في حياتنا‬
‫ح القول‪:‬إن أكثر النشطة التي يقوم بها‬ ‫الشخصية‪,‬حتى إنه ليص ّ‬
‫الناس‪-‬أينما كانوا‪-‬يستهدف الحصول عليها ‪0‬وسيكون من المهم أن‬
‫نبلور طبيعة كل منها بغية الوقوف على ما يغذي كل ًّ منهما‪,‬حتى‬
‫نصل إلى بعض المحكّمات التي نستفيد منها في ترشيد‬
‫سلوكاتنا‪,‬وأنشطتنا المختلفة ‪0‬‬
‫الشعور بالسعادة شعور باعتدال المزاج وبالنشراح والسرور‬
‫والبهجة‪,‬وهي جميعا ً مشاعر ذاتية انفعالية داخلية ‪0‬الشعور‬
‫بالسعادة مطلق وشخصي وضعيف الرتباط بالظروف المادية‬
‫الخارجية‪,‬فقد يشهر بالسعادة من يعيش في خيمة أو بيت من‬
‫طين‪,‬ول يملك الكثير من المال والمتاع ‪0‬كما قد يشعر بالتعاسة من‬
‫يملك الكثير الكثير ‪0‬‬
‫الشعور بالسعادة غير الشعور باللذة أو النشوة الذي يأخذ طابع‬
‫المؤقت والعابر‪,‬والذي قد يعقبه في بعض الحيان شعور بالكآبة‪,‬ول‬
‫سيما عندما يكون مصدر اللذة محرما ً في معتقد من يح ّ‬
‫س بها ‪0‬‬
‫الشعور بـ(الرضا) ل يلمس العماق‪,‬كما يلمسها الشعور‬
‫ب(السعادة)؛لن الشعور بالرضا يكاد يكون نوعا ً من التقدير‬
‫العقلي للذات؛كما أنه عبارة عن ترجمة لشعور المرء‬
‫بالكفاءة الجتماعية وشعوره بأنه(لئق)في نظر نفسه وفي نظر‬
‫الخرين ‪0‬‬
‫المصدر الساسي للشعور بالسعادة هو مدى ما يحققه المرء من‬
‫المطابقة بين معتقداته وسلوكاته‪,‬فالنسجام بين المعتقد والقول‬
‫والسلوك‪,‬هو أكبر مصدر لحساس المرء بالسعادة ‪0‬وقد ذكر بعض‬
‫ل وعل‪{-‬من‬ ‫المفسرين أن معنى(الحياة الطيبة)في قوله‪-‬ج َّ‬
‫_‪_97‬‬
‫عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه‬
‫حياة طيبة}[النحل‪]97:‬هو السعادة ‪0‬‬
‫وتُثبت دراسات كثيرة أن(التدين)مصدر مهم للطمأنينة والشعور‬
‫بالهناء ‪0‬وكان أرسطو يقول‪:‬على المرء أن يكون فاضل ً حتى يكون‬
‫سعيداً ‪0‬‬
‫من مصادر السعادة كذلك تمحور أنشطة النسان حول غاية عليا أو‬
‫هدف تعاوني مشروع وقريب المنال‪,‬والذين يفتقدون ذلك يشعرون‬
‫بالعبثية والتفاهة ‪0‬‬
‫ضيق الفجوة بين النجازات والطموحات هو الخر مصدر للسعادة‬
‫والنشراح‪,‬كما أن العلقات السرية والجتماعية الجيدة مصدر مهم‬
‫من مصادر الهناء والمن‪,‬حيث يتلقى المرء ما يحتاجه من الدعم‬
‫الجتماعي ‪0‬‬
‫النسجام الداخلي والخلص من الصراعات الداخلية بسهم في‬
‫الحساس بالسعادة ‪0‬ول ننسى دور الستفاضة في أعمال الخير‬
‫على الصعيد الشخصي والجتماعي؛إذ تشكل أنشطة التعبد‬
‫المختلفة ومساعدة الخرين‪,‬والتخفف من درجة العناء النساني‬
‫للضعفاء مصدرا ً ل يُستهان به للشعور بالسعادة ‪0‬‬
‫أما المصدر الساسي للحساس بالرضا فهو المقارنة‪:‬مقارنة حالة‬
‫حاضرة مع حالة سابقة‪,‬‬
‫ومقارنة النسان لنفسه بالخرين في العلم والقوة والشكل والعمل‬
‫والدخل والكفاءة‬
‫الجتماعية ‪000‬ولذا فإن الشعور بالرضا‪,‬يظل دائما ً نسبياً‪,‬وهو أقرب‬
‫إلى أن يكون أحد المنتجات الجتماعية ‪0‬حين يقارن النسان بمن‬
‫هو دونه يشعر بالرضا‪,‬وحين يقارن نفسه بمن هو فوقه يشعر بنوع‬
‫من السخط على النفس؛ولذا ورد في بعض الحاديث التوجيه بأن‬
‫ينظر المرء في أمور الخرة(الفضائل)إلى من هو فوقه حتى يتخذ‬
‫منه قدوة‪,‬أما في أمور الدنيا فينظر إلى من هو دونه‪,‬حتى ل يزدري‬
‫نعم الله‪-‬تعالى‪-‬عليه ‪0‬‬
‫ما نشاهده اليوم من اندفاع نحو اللهو والسفر والسياحة وارتياد‬
‫المطاعم‪,‬والتمسك بالمظاهر والشكليات‪-‬على نحو لم يسبق له‬
‫مثيل‪-‬ما هو في تصوري سوى عبارة عن محاولت للتعويض عن‬
‫السعادة الحقيقية التي فقدها كثير من الناس نتيجة انخفاض‬
‫مستوى التزامهم‪,‬واتساع الهوّة بين ما يعتقدون وما يفعلون‪,‬كل‬

‫_‪_98‬‬
‫شيء فيهم مشرق ومبتهج سوى القلب الذي تغشاه عتمة‬
‫النحراف والتقصير!‪0‬‬
‫سابعـاً ‪-‬السـبق والتقاعـس‪:‬‬
‫يقولون‪:‬أساس كل العلوم وجود ظاهرتين مختلفتين‪,‬أو وجود‬
‫مستويين في ظاهرة واحدة؛مما يشجع الناس على إجراء‬
‫المقارنات والموازنات‪,‬ومما يوسع منطقة الوعي‪,‬ويدخل فيها صوراً‬
‫وأفكارا ً كانت بعيدة عنها ‪0‬ونريد هنا تسليط بعض الضواء على‬
‫بعض سمات(السبَّاقين)وبعض‬
‫سمات(المتقاعسين)أو(العاجزين)حتى نثري مشاعرنا‬ ‫ِ‬
‫وأخيلتنا ببعض المفاهيم التي تساعدنا على المزيد من البَلْوَرة‬
‫للسمات والمواقف المطلوبة‪,‬وكذلك السمات والموقف المعوَّقة‬
‫للنمو والسير في طريق الكتمال ‪0‬بعض المعاني مما سنذكره‪,‬قد‬
‫يكون سبقت الشارة إليه‪,‬لكن نريد هنا جمع هذه السمات‪,‬‬
‫وإبرازها من خلل المقارنة بينهما‪,‬وهذا موجز لهمها ‪0‬‬
‫‪-‬السباقون ل يرتبطون بمن حولهم‪,‬ول يقعون أسرى لمحيطهم‬
‫الطبيعي أو محيطهم الجتماعي‪,‬ول يتخذون من انحراف المجتمع‬
‫ذريعة للنحراف؛لنهم يعتقدون أن المسؤولية أمام الله‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫فردية‪{:‬ول تزر وازرة وزر أخرى}‬
‫السباقون يعملون إلى جانب هذا أن معظم الناس حولهم‪,‬يعيشون‬
‫خارج التاريخ‪,‬وخارج حدود مسؤولياتهم الخاصة؛ولذا فإنهم ل‬
‫يركنون إليهم‪,‬وهن بعد هذا وذاك يحاولون إغناء النماذج البشرية‬
‫الراقية من خلل نموذجهم الخاص ‪0‬‬
‫ما المتقاعسون‪,‬فهم يحملون مشاعر طفولية‪:‬تُترجم دائما ً إلى‬ ‫أ ّ‬
‫العتماد على الخرين‪,‬ويعتقدون بصدق قول الشاعر‪:‬‬
‫غويت وإن ترشد غزية‬ ‫وهل أنا إل من غزية إن غوت‬
‫وأرشـد‬
‫مشكلتهم ليست بسبب قصورهم الشخصي‪,‬وإنما بسبب سوء‬
‫الحظ أو التآمر عليهم أو تدهور الزمان ‪0‬فهم غير مسؤولين عنها‪,‬ول‬
‫قادرين على معالجتها‪,‬وهم إلى جانب كل ذلك‬
‫يُخضعون(قينهم)لمشاعرهم وظروفهم ومصالحهم‪,‬فهم محرومون‬
‫من متانة الدين وصلبة الخلق ‪0‬‬
‫‪-‬المفردات اللغوية التي يكثر أحدنا من استخدامها تعبّر بوضوح عن‬
‫رؤيته العامة للحياة‪,‬كما نعبّر عن مدى رحابة آفاقه الفكرية‬
‫والنفسية ‪0‬وإذا تأملنا في حال السابقين والمتقاعسين‪,‬فإننا سنجد‬
‫_‪_99‬‬
‫أن كل فريق منهما يستخدم ما يشبه النمط اللغوي الخاص به‬
‫‪0‬ولعلّنا من خلل الجدول التالي نستطيع تكوين إحساس واضح بكل‬
‫منهما‪:‬‬
‫لغة السباقين‬ ‫لغة المتقاعسين‬
‫دعونا ننظر إلى البدائل‬ ‫‪‬ل أستطيع فعل أي‬
‫يمكنني اختيار طريقة‬ ‫شيء‬
‫مختلفة‬ ‫‪‬هكذا أنا‬
‫أستطيع السيطرة على‬ ‫‪‬إنه يصيبني بالجنون‬
‫مشاعري‬ ‫‪‬لن يسمحوا بذلك‬
‫سأجد فرصة ولو صغيرة‬
‫‪‬أنا ملزم بفعل ذلك‬
‫سوف أختار الرد المناسب‬
‫أفــــــ َّ‬ ‫ي‪000‬‬‫‪‬يجب عل َّ‬
‫ضــــــــــل‬
‫سوف ‪000‬‬ ‫‪‬لو أن ‪000‬‬
‫هذه فرصة‬ ‫‪‬هذه مخاطرة ‪000‬‬
‫هذا يمثل تحـدّياً‬ ‫‪‬هذا صعب للغاية‬
‫ساعدني على الفهـم‬ ‫‪‬فهَّمنــــــــي‬
‫أود ّ الحصول على مساعدتك‬ ‫‪‬أشــــعر بالعجز‬
‫لغة التقاعس هذه‪,‬تشكّل مع اليام نظاما ً فكريا ً ونفسيا ً لدى‬
‫صاحبها‪,‬وتصبح في النهاية عبارة عن أداة تنميط‪,‬تضغط على التفتح‬
‫الفكري والروحي له ‪.‬‬
‫‪-‬السابقون يستغلون أوقاتهم على نحو حسن‪,‬وهم واضحون جداً‬
‫في مبادئهم وطموحاتهم و أهدافهم وقرارتهم ‪0‬وعلى الرغم من‬
‫قلة المكانات التي بين أيديهم‪,‬فإن ثمار جهودهم تبدو دائماً‬
‫وفيرة‪,‬هم ل يملكون الكثير من الشياء ‪ ,‬لكنهم يقومون بالكثير من‬
‫العمال‪,‬والجوهر لديهم دائما ً أهم من المظهر ‪ .‬نجاحتهم تأتي ثماراً‬
‫لجهودهم‪ ,‬وما يستخدمون من إمكاناتهم ‪0‬‬
‫أما المتقاعسون فأحلمهم متواضعة‪,‬وطموحاتهم‬
‫محدودة‪,‬ونفوسهم مستكينة‪,‬وعقولهم خاملة‪,‬وحركتهم بطيئة‪,‬وحين‬
‫يتحركون فإنهم يدورون في حلقة مفرغة‪,‬وهم يحتملون اللم إلى‬
‫ما ل نهاية ‪0‬‬
‫المتقاعسون يجلسون أمام(التلفاز)ساعات طويلة‪,‬حيث ل برامج‬
‫ول أهداف تستحق العمل ‪0‬وهم يشترون الفرش الوثيرة‪,‬ويجلسون‬
‫عليها أطول مدة ممكنة‪ ,‬والستلقاء أحب إليهم من الجلوس ‪0‬‬

‫_‪_100‬‬
‫المتقاعسون يعانون من البطالة على الرغم من توفر فرص العمل‬
‫‪0‬وحين يتجه الناس إلى أعمالهم في الصباح يتجهون هم إلى‬
‫النوم؛لنهم لم يناموا في الليل‪ ,‬أو يتجهون إلى أماكن عملهم‪,‬حيث‬
‫البطالة المقنّعة ‪0‬‬
‫المتقاعسون ل يعتمدون على كفاءتهم الشخصية‪,‬وإنما ينجزون‬
‫أعمالهم عن طريق الرشوة أو الواسطة‪,‬وعندما تحيط بهم‬
‫مشكلة‪,‬يؤثرون الدوران حولها عوضا ً عن مواجهتها؛ولذلك‬
‫فالتسوف‪,‬وتأجيل أعمال اليوم إلى الغد من أبرز سماتهم ‪0‬ل يملك‬
‫المتقاعسون روح الستمرار على العمل‪,‬ويبحثون دائما ً عن(خبطة‬
‫العمر)‪:‬فرصة واحدة تكفي ‪0‬هم أسرى اللحظة الحاضرة ‪0‬ومن‬
‫شأنهم دائما ً الحصول على القليل من الكثير ‪ .‬يعيش المتقاعسون‬
‫دائما ً في منطقة رمادية ‪ ,‬يحدّها من الشمال(الل سلم)و(الل‬
‫حرب)‪,‬ومن الجنوب(الل قرار)‪,‬ومن الشرق البكاء على الطلل‪,‬‬
‫ومن الغرب الرؤية الضبابية ‪.‬‬
‫إن السبَّاق والمتقاعس‪,‬قد يعيشان في أسرة واحدة‪,‬وقد يحملن‬
‫شهادتين متماثلتين‪,‬‬
‫ويقومان بأعمال متشابهة‪,‬لكن كل ذلك عبارة عن تشابه شكلي‪,‬‬
‫لنهما ينتميان إلى عالَمين متناقضين‪,‬ل يجمع بينهما سوى عبقرية‬
‫المكان ‪0‬‬
‫ثامـــــــــناً‪-‬لـكل شيء ثـــــــمن‪:‬‬
‫زماننا زمان التواصل الكوني الفريد‪,‬وهو عصر الزدحام‪,‬حيث كل‬
‫شيء يحتشد‪,‬في ظل التواصل والزدحام أمكن سد فراغات كثيرة‬
‫‪0‬وقام نتيجة لذلك توازن دقيق بين كل الشياء ‪0‬قد انتهى‬
‫عصر(المجانية)أو كاد؛حيث لبد أن تقبض ثمن كل ما تتخلي‬
‫عنه‪,‬ولبد أن تدفع ثمنا ً لكل ما تأخذه ‪0‬التوازن القائم الن ‪,‬يتطلب‬
‫التعامل معه رؤية شاملة وبصيرة نافذة‪,‬كي نفّرق بين الشياء‬
‫العزيزة والشياء التافهة‪,‬فنعرف ماذا ندع‪ ,‬و ماذا نأخذ ‪0‬حين يريد‬
‫الواحد منا أن يحقق مصالحة كاملة‪,‬فإن عليه أن يكون مستعداً‬
‫للتخلّي عن بعض مبادئه وقِيَمة ‪.‬‬
‫وحين يأكل النسان ما لذ ّ وطاب دون أي حساب‪,‬فإن عليه أن يهيئ‬
‫نفسه لستقبال أمراض السمنة المختلفة ‪0‬‬
‫إذا جعل الواحد منا إيثار الشياء العاجلة ديدنا ً له‪,‬فعليه أن يعلم أن‬
‫ن ترك‬‫م ْ‬
‫العاقبة لكل أموره ستكون مفجعة ‪0‬وفي المقابل فإن َ‬

‫_‪_101‬‬
‫بعض المغانم تديُّنا ً وخوفا ً من الله‪-‬تعالى‪-‬فإنه سيجد شيئا ً من حلوة‬
‫اليمان في قلبه‪,‬وستغمره مشاعر النصر والتأنق ‪0‬‬
‫الذين يتابعون السفار مدمنين جمع الثروات وتكديس‬
‫الموال‪,‬يدفعون ثمنا ً باهظا ً قد ل يقتصر على البعد عن‬
‫أهليهم‪,‬وإهمال تربية أولدهم‪,‬وضمور علقاتهم الجتماعية ‪00‬‬
‫ح والندرة والتزاحم‪,‬يحتاج إلى أن‬ ‫إن التوازن الجيد في زمان الش ّ‬
‫نمتلك حاسة‬
‫جديدة تمكننا من الموازنة الدقيقة بين ما نكسب وما نخسر ‪0‬وعدم‬
‫امتلكها قد يجعلنا نخسر الكثير في سبيل أرباح وهمية ‪0‬ومن‬
‫المؤسف حقا ً أن قدرة وعينا على متابعة الموازنات المستحدثة‪-‬‬
‫محددة‪,‬كما أن خبراتنا بمآلت الشياء ‪ ,‬وعواقب التصرفات ضئيلة‬
‫أيضاً؛ولذا فإن قلّة من الناس أولئك الذين يملكون المهارة الكافية‬
‫للنجاح في هذه المسألة الحيوية ‪0‬‬
‫ل يجوز لي توازن أو حساب للربح والخسارة أن بعض الطرف عن‬
‫أن الخرة امتداد للدنيا ‪0‬ولذا فإن المرء قد يخسر هنا ليربح‬
‫هناك‪,‬وقد يربح هنا ليخسر هناك ‪0‬هذه الرؤية تجعل كل المكاسب‬
‫ل وعل‪{-‬فمن‬ ‫الدنيوية صغيرة ومؤقتة؛ولنتذكر قول الله‪-‬ج َّ‬
‫زحزح عن النار وأدخل الجـنة فقد فاز وما الحياة‬
‫الدنيا إل متاع الغرور}[آل عمران‪]185:‬‬
‫تاسعـاً‪-‬الـــــــــــــــدقة‪:‬‬
‫يمكن لنا أن نصف عصرنا بأنه عصر الشياء الدقيقة ‪0‬وجود آلة‬
‫ضخمة تحتوي على ألوف القطع الصغيرة جدا ً والتي تعمل في‬
‫إطار نظام واحد‪-‬دليل واضح على أن صانعي تلك اللة‪,‬قد بلغوا‬
‫درجة عالية جدا ً من الدقة في التصورات والمقاييس‬
‫والدوات‪,‬واستخدام خواص المواد ‪000‬وهذا يعني أنه صار لدى‬
‫النسان شبكة معقدة من النظم الدقيقة التي أتاحت إنتاج ذلك‬
‫م الهائل من الشياء الدقيقة ‪0‬‬ ‫الك ّ‬
‫عصرنا إلى جانب ذلك هو عصر السرعة أيضاً‪,‬وبين الدقة والسرعة‬
‫علقة جدلية‪:‬‬
‫فكلما كنت سريعا ً وجب عليك أن تكون دقيقا ً أكثر‪,‬وكلما كنت‬
‫ن سائق السيارة بحاجة إلى‬ ‫دقيقا ً أمكنك أن تكون أكثر سرعة ‪0‬إ ّ‬
‫ملحظة الشياء في طريقة بتفحص أشد ودقة أكثر‪ ,‬والنظر إلى‬
‫مسافات أبعد كلما زادت سرعته‪,‬وإل فإنه يؤهّل نفسه للوقوع في‬

‫_‪_102‬‬
‫حادث مروَّع ‪0‬ويمكن تعميم هذا الحكم على جميع مسارات سيرنا‬
‫في هذه الحياة ‪ 0‬النسان بسبب تقدمه الحضاري‪,‬صار مضطرا ً إلى‬
‫أن يتناغم مع بيئة الدقيقة‪ ,‬ويرفع من مستوى تعامله‪,‬ليصبح هو‬
‫الخر دقيقا ً ‪ .‬الواحد منا مطالَب بأن يكون دقيقا ً في فهمه‪,‬ودقيقاً‬
‫في كلمه أيضاً؛حيث إن النظم الفهم لدى الناس قد‬
‫تعقدت‪,‬وخلفياتهم الثقافية وخبراتهم قد تحسنت كثيراً؛مما يجعل‬
‫إلقاء الكلم على عواهنه بالغ الضرر على المتكلم والسامع‬
‫إذا شرحت فكرتك عشرين مرة‪,‬وفهمها الناس عنك تماما ً كما‬
‫تريد‪,‬فأنت محظوظ وبارع‪,‬بل يمكن القول‪:‬إنه ل سبيل لديهم إلى‬
‫أن يفهموا مرادك فهما ً شامل ً بكل ظلله وتلويناته وإيحاءاته‬
‫وأبعاد!الرسالة المعقدة تتطلب فهما ً معقداً‪ ,‬وإل نسيء فهمها‪,‬أو‬
‫نفهم قشورها أو بعضا ً منه‪,‬وهذا يتطلب أيضا ً مزيدا ً من الدقة‬
‫والمتابعة الجيدة والمناقشة والستفسار‪,‬وقبل كل ذلك وبعده‬
‫التعمق في التخصص كلما كان ذلك ممكناً ‪0‬بسبب الفائض الضخم‬
‫من المعاني والمفاهيم والنظم والشياء تصبح(اللغة)ناقلً‬
‫قاصراً‪,‬حيث ل تستطيع أن تنمو نموا ً مكافئا ً لما عليها أن تعبّر عنه‬
‫‪0‬وتعويض ذلك يجب أن يأتي من الشخاص عن طريق المزيد من‬
‫التوضيح في الستخدام‪,‬والمزيد من الدقة في التلّقي والفهم‪.‬‬
‫عصر الدقة يفرض على كل واحد منّا أن يكون دقيقا ً في سلوكه‬
‫الشخصي‪:‬في مواعيده‪,‬وتربية أولده وتعاملته المالية وفي عقوده‬
‫‪0‬دقيقا ً في تعامله مع جسده وصحته ومع المؤثرات العامة التي يتعرض‬
‫لها ‪0‬إهمال الدقة في ذلك وفي غيره سيكون عن بوابة لشرور‬
‫ومشكلت ل حد ّ لها ‪.‬‬
‫القرآن الكريم‪-‬والبنية التشريعية العامة‪-‬وضع السس الفكرية‬
‫والعقدية والشعورية التي تجعل المؤمنين به دقيقين في كل‬
‫شؤونهم ‪0‬إن(الشهادتين)تنقلن النسان نقل ً كامل ً من دين إلى‬
‫دين‪,‬كما أن كلمة واحدة ستكون كافية لخراجه من دائرة السلم‬
‫إلى دائرة الكـــــــفر ‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح‪(:‬إن العبد يتكلم بالكلمة من رضوان‬
‫الله‪-‬تعالى‪-‬ل يلقي لها بالً‪,‬يرفعه الله بها درجات ‪0‬وإن العبد ليتكلم‬
‫بالكلمة من سخط الله‪-‬تعالى‪-‬ل يلقي لها بالً‪,‬يهوي بها في جهنم)‬
‫‪0‬الصلة والحج والصيام‪,‬كل ذلك محدد بمواقيت دقيقة؛فصلة‬
‫الظهر‪-‬مثلً‪-‬إذا أُديت قبل وقتها بعشر دقائق لم تبرأ ذمة‬
‫صاحبها‪,‬وكان عليه أن يعيدها بعد دخول الوقت‪,‬ولو أن إنسانا ً صام‬

‫_‪_103‬‬
‫عشرين ساعة‪,‬ثم أفطر قبل غروب الشمس بعشر دقائق‪,‬لم يصح‬
‫صومه ‪0‬‬
‫إن أطول آية في كتاب الله‪-‬تعالى‪-‬هي آية(المداينه)تلك الني تعلمنا‬
‫ضبط ضرورة من ضرورات الحياة(الدَّين)وهي تعلمنا(الدقة)حيث‬
‫يقول سبحانه‪{:‬ول تسئموا أن تكتبوه صغيرا ً أو كبيرا ً إلى‬
‫أجله}[البقرة‪.]282:‬‬
‫فل ينبغي للمسلم أن يسأم من كتابة الدَّين سواء أكان صغيرا ً أم‬
‫كبيرا ً إلى وقت حلول وفائه‪,‬وذلك للتقليل من العتماد على‬
‫الذاكرة‪,‬ولقطع الطريق على جحود الجاحدين ‪0‬ومرة أخرى يحثّنا‬
‫القرآن الكريم على الدقة‪,‬ويوجهنا إلى الشهاد على اليتامى حين‬
‫نرد إليهم أموالهم ‪{:‬فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا‬
‫عليهم}[النساء‪0]6:‬‬
‫إن المسلم ليس مطالبا ً بأن يكون دقيقا ً في إدراك تفاعلت‬
‫محيطه وعصره فحسب‪,‬بل إن عليه أن ينظر إلى تفاعلت‬
‫المستقبلية التي قد تُحدثها أقواله وأعماله ومبادآته ومواقفه؛وقد‬
‫قال بعض المفسرين‪:‬إن المراد من(آثارهم)في قوله‪-‬سبحانه‪{-‬إنا‬
‫نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا و ءاثارهم}[يس‪:‬‬
‫‪:]12‬كل ما يبقى بعد الناس من خير أو شر؛كعلم علموه أو كتاب‬
‫صنفوه‪,‬أو مسجد بنوه‪,‬أو شيء أحدثوه فيه ضرر على المسلمين‪,‬أو‬
‫صد عن سبيل الله ‪000‬وهذا المفهوم واضح في قوله‪-‬عليه الصلة‬
‫ن في السلم سنّة حسنة‪,‬فله أجرها‪,‬وأجر من‬ ‫والسلم‪""-:‬من س َّ‬
‫عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء‪,‬ومن س َّ‬
‫ن‬
‫في السلم سنّة سيئة كان عليه وزرها‪,‬ووزر من عمل بها من بعده‬
‫من غير أن ينقص من أوزارهم شيء""‪0‬‬
‫ستظل دقة المرء في شؤونه عنوانا ً واضحا ً على استيعابه للمنهج‬
‫الرباني القوم‪ ,‬وعلى ارتقائه الحضاري وفهمه لطبيعة عصره‬
‫وتحدياته ‪0‬‬
‫عاشـراً‪-‬مطــــــــــالب متناقضــــــــة‪:‬‬
‫في زحمة التطلعات المتطاولة للناس‪,‬وزحمة الظروف‬
‫ح والندرة‪-‬زادت وتيرة المطالب‬ ‫القاسية‪,‬واتجاه الشياء إلى الش ّ‬
‫المتناقضة للناس‪,‬فهم يريدون الحصول على المزيد من أشكال‬
‫المرفهات والمتع‪,‬والمزيد من التعليم والتدريب دون أن يفكروا‬
‫فيمن سيدفع الثمن‪,‬وكيف سيتم توفير ذلك؟!‪0‬‬
‫_‪_104‬‬
‫كثير من الناس يهاجم نظام الطوابق والشقق في البنية‬
‫الحديثة‪,‬ويقول‪:‬إن مدننا الحديثة فقدت الروح ومعاني الحياة حين‬
‫تحولت إلى غابات من السمنت والحديد‪,‬وهم في الوقت نفسه‬
‫يطالبون بخدمات أفضل في الماء والكهرباء والصرف الصحي‬
‫والتصالت والنظافة ‪000‬وهم غير مستعدين لتفهّم أن التخلّي عن‬
‫نظام بناء الطوابق‪,‬سيؤدي‪-‬إلى جانب استهلك مساحات واسعة‬
‫من الرض‪-‬إلى جعل تكلفة الخدمات وصيانتها أعلى بكثير مما هي‬
‫عليه الن‪ .‬وهم غير مستعدين لدفع رسوم أو ضرائب لذلك ‪0‬‬
‫بعض الناس يهاجم كل ما هو صناعي‪,‬ويتندرون على الحليب‬
‫المجفف والغذية المعلّبة والبيوت (البلستيكية)التي تُزرع فيها‬
‫الخضروات ‪ ...‬وكل مهم ل يخلو من شيء من الصواب‪,‬إل أنهم‬
‫يتجاهلون أنه في ظل الزيادة السكانية المتنامية‪ ,‬وفي ظل‬
‫التنظيمات الجديدة للمجتمع‪,‬لم يعد بالمكان تلبية حاجات الناس‬
‫عن طريق المنتجات الطازجة أو الطبيعية‪,‬كما كان المر في‬
‫الماضي‪ ,‬وهكـذا ‪..‬‬
‫ل أريد أن أستطرد في ذكر المثلة على عدم منطقية الناس في‬
‫مطالبهم وسعيهم إلى الحصول على كل شيء‪,‬وعلى أحسن ما‬
‫يكون؛ولكن أريد أن أقول‪:‬إن البشرية تدخل في كل يوم في أنفاق‬
‫ودهاليز ضيقة جديدة‪,‬وهي في كثير من الحيان غير قادرة على‬
‫التراجع نحو الوراء‪,‬إما لن الظروف والنظم الجديدة‪,‬ل تسمح‬
‫بذلك‪,‬وإما لنها ل تملك من الرؤية والوعي والدارة ما يمكّنها من‬
‫ذلك ‪0‬‬
‫الشعوب بحاجة إلى أن تحاول رؤية الشياء من منظار‬
‫الحكومات‪,‬كما أن الحكومات بحاجة إلى أن ترى الشياء من منظار‬
‫الشعوب ‪0‬وبالمثل فإن على المنتجين والمستهلكين والمؤجرين‬
‫والمستأجرين ‪ ...‬أن يفعلوا مثل ذلك ‪0‬ومن مجموع الرؤى المختلفة‬
‫تنبثق رؤية تنموية وإصلحية مشتركة‪,‬تحقق للجميع أعلى قدر‬
‫ممكن من المنافع‪,‬مع أقل قدر ممكن من التكاليف والخسائر ‪.‬‬
‫إن اعتقاد المسلم أن هذه الدنيا ليست دار حصاد‪,‬ول دار راحة‬
‫واستقرار‪,‬وإنما دار عبور وعطاء وابتلء‪-‬سيمنحه رؤية جديدة‬
‫للشياء وصبراً‪,‬ل ينفد على مواجهة الصعاب‪,‬وهذا وحده يمثّل جزءاً‬
‫من الحلول المطلوبة ‪0‬والله مولنا ‪0‬‬

‫_‪_105‬‬
‫الفصل الول‬

‫العقل وأهميته المتزايدة‪:‬‬


‫ن تطوير أي جانب من جوانب الشخصية النسانية‪,‬يعد بالغ‬ ‫إ ّ‬
‫الهمية؛لن تكلفته ليست كبيرة‪,‬ولن ذلك قد يكون الخيار الوحيد‬
‫في بعض الحيان‪,‬ولن النجاح فيه قد يكون بعيد الثر‪,‬واسع‬
‫الصداء؛إذ يمكن أن ينعكس على جميع جوانب الحياة ‪0‬‬
‫ن تقدم المادي‪,‬قد تعترضه معوَّقات كثيرة‪,‬وقد تُستفيد الموارد‬ ‫إ ّ‬
‫الساسية المستخدَمة فيه؛كما أن تقدم النسان على المستوى‬
‫العضوي محكوم ببعض الحتميات التي تجعله يقف عند حدود‬
‫معينة؛ثم يدخل في مرحلة التراجع والتدهور التام ‪0‬‬
‫أما التقدم الروحي والعقلي‪,‬فإن أمداء النمو أمامه ما زالت فسيحة‬
‫جداً‪,‬لن ما حصل من تقدم في هذا المضمار محدود‪,‬ولن إمكانات‬
‫هذا المضمار هي في الساس هائلة؛بالضافة إلى أن خبرات كثيرة‬
‫قد تراكمت لدى الناس على صعيد تعلم طرق التفكير الجيد‪,‬كما تم‬
‫اكتشاف الكثير من الخطاء الشائعة في التفكير؛مما يؤدي‬
‫بفتوحات كبيرة في هذا الشأن ‪0‬‬
‫كان يعتقد أن الدماغ يصل إلى الذروة بين سن(‪)24-8‬عاما ً من‬
‫العمر‪,‬ثم يبدأ بالتدهور بعد ذلك‪,‬والذي يشمل معظم القدرات‬
‫العقلية ‪0‬وكانت القاويل الشعبية تدعم هذا المعتقد‪,‬كالقول‪(:‬ل‬
‫َ‬
‫يمكنك أن تعل ّم كلبا ً عجوزا ً حيل ً جديدة)‪0‬لكن البحوث الحديثة أثبت‬
‫ن صاحبه‪-‬فإنه ينمي فيز‬ ‫حفز الدماغ‪-‬بقطع النظر عن س َّ‬ ‫أنه إذا ما ُ‬
‫سات الخليا الدماغية‪,‬وإن‬ ‫يولوجيا ً المزيد من التنوءات على مج َّ‬
‫هذه التنوءات تزيد من عدد الروابط داخل الدماغ النساني ‪0‬في‬
‫ضوء هذه المعرفة يذوي المعتقد القديم بأننا نفقد خليا دماغية مع‬
‫تقدم العمر ‪0‬هذا إلى جانب حقيقة أنه يمكننا توليد روابط دماغية‬
‫جديدة بسرعة أكبر من معدل النقص في الخليا الدماغية بكثير ‪0‬‬
‫ل وعل‪-‬وله قدرات‬ ‫إن العقل البشري نعمة عظمى من الله‪-‬ج َّ‬
‫خارقة‪,‬هي أكثر مما يظن‪,‬وهو أشبة بعملق نائم ‪0‬وتُظهر الدراسات‬

‫_‪_106‬‬
‫النفسية والتربوية وأبحاث الكيمياء والفيزياء والرياضيات‪-‬أن ما تم‬
‫استخدامه من إمكانات العقل الهائلة ل يزيد على(‪)%1‬‬
‫من إمكاناته الحقيقة ‪0‬كمبيوتر(كراي)حاسب عملق‪,‬يزن سبعة‬
‫أطنان‪,‬فإذا عمل بطاقة ‪ 400‬مليون معادلة في الثانية مدة مئة‬
‫عام‪,‬فإنه لن ينجز سوى ما يمكن للدماغ البشري أن ينجزه في‬
‫دقيقة واحدة! مع أن وزن الدماغ البشري هو نحو من كيلو ونصف‬
‫ليس أكثر؛{فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون‪0]14:‬‬
‫في العالم اليوم توجه شامل وراسخ إلى اختصار العمال‬
‫البدنية‪,‬وتقليل المواد المستخدمة في النتاج‪,‬إلى جانب تقليل‬
‫الحركة والتخفيف من أعمال المكاتب لصالح العمل في‬
‫المنازل‪,‬كما أن هناك محاولت جادّة وحثيثة في مجالت الكشف‬
‫عن المواد الجديدة وعن مصادر للطاقة المتجددة ‪000‬وكل ذلك‬
‫يدفع‪-‬على نحو متسارع‪-‬بحركة الهتمامات البحثية صوب الستثمار‬
‫في العمال الذهنية والمعرفية‪,‬كما أنه يتم التخلي شيئا ً فشيئا ً عن‬
‫الهتمام بالعمال البدنية‪,‬وما تستلزمه من المهن والحرف المتدنية‬
‫ن ما سيكون مطلوبا ً من الجيال القادمة هو‬ ‫‪0‬ويمكن القول‪:‬إ ّ‬
‫المزيد من الستخدام الكفء للقوي الذهنية‪,‬حيث التعقيد المتناهي‬
‫في جميع نظم الحياة ‪0‬‬
‫وقد باتت الشركات الكثر ذكاء تدرك أن كل ً من النتاجية والربحية‬
‫يمكن أن يرتفعا ارتفاعا ً هائل ً بقدر ما يجري من تخفيض‬
‫العمل(اللذهني)إلى الحد الدنى‪,‬وهذا كله‬
‫يستلزم منا اهتماما جديدا ً بأحوالنا العقلية والذهنية ‪0‬‬
‫ن لـ(العقل)شكل ً ومضموناً‪,‬فشكله تلك القدرات‬ ‫يمكن القول‪:‬إ ّ‬
‫والمكانات التي زوَّد الله‪-‬تعالى‪-‬بها دماغنا‪,‬مثل قدرته على خزن‬
‫المعلومات واسترجاعها‪,‬ومثل قدرته على التخيل والتحليل‬
‫ل على‬‫م الرأس دلي ٌ‬ ‫عظ َ َ‬
‫والتركيب ‪000‬وقد كان يظن قديما ً أن ِ‬
‫شرف النسان ونباهته وذكائه‪,‬والمقولت الشعبية تعكس ذلك‬
‫‪0‬وبعد تقدم المعرفة بالدماغ ساد العتقاد بأن عدد الخليا‬
‫الدماغية‪,‬يقرر مستوى الذكاء عند النسان‪,‬لكن سرعان ما تم‬
‫التخلي عن هذا العتقاد بعد أن اكتشف أن هناك العديد من الناس‬
‫الذين لديهم أدمغة كبيرة وذكاء قليل‪,‬كما أن هناك العديد منهم‬
‫الذين لهم أدمغة صغيرة وذكاء ملحوظ ‪0‬وقد كان‬
‫العالم(أنوخين)من أوائل الذين أدركوا حقيقة أن ما يقرر درجة‬

‫_‪_107‬‬
‫الذكاء ليس عدد الخليا الدماغية بل علقة النتواءت الصغيرة‬
‫سات خليا الدماغ ‪0‬‬ ‫لمج َّ‬
‫ووجد أن كل نتوء يرتبط على القل بنتوء آخر بفعل‬
‫الندفاعات(الكهروكيماوية)‪0‬‬
‫وتشكل هاتان الخليتان أشكال ً صغيرة مع خليا فردية أو مجموعات‬
‫خليا أخرى ‪ 0‬في أثناء تقدمه في هذا المجال أدرك(أنوخين)أن كل‬
‫دماغ هو(تحالق)(‪[)1‬التحالق‪:‬الربط بين شيئين أو أكثر بحلقة أو‬
‫عدة حلقات]‬
‫خاذ لشكال كوَّنتها آلف النتواءت على الذرع العديدة لمليين‬ ‫أ ّ‬
‫الخليا الدماغية ‪ 0‬وقدرات الدماغ المختلفة قابلة للتنمية وللشحذ‬
‫لتعمل على أحسن وجه ممكن ‪0‬‬
‫أما مضمون العقل فمنه ما يعود إلى مجموعة المبادئ الفطرية‬
‫العالمية التي تستخدم في استيعاب الشياء وإدراك العلقات‬
‫بينهما‪,‬مثل إدراك عدم إمكانية اجتماع الضدين‪,‬‬
‫وإدراك أن الكل أكبر من الجزء‪,‬واستحالة القيام بعمل خارج‬
‫الزمان والمكان ‪000‬‬
‫والتمايز بين المم والفراد في استخدام تلك المبادئ شبه معدود‬
‫‪0‬‬
‫ومنه ما يعود إلى شيء مكتسب مرتبط ب(الثقافة) السائدة‪ ,‬وهذا‬
‫في الحقيقة يتشكّل من مجموعات المفاهيم الراسخة والمترابطة‬
‫التي يحاول المجتمع من خللها وبها استيعاب الواقع الموضوعي‬
‫وتنظيمه وتكيفه مع حاجاته ‪000‬وهذا النوع من المضمون مط ٌّ‬
‫ل‬
‫بالضرورة على مبادئ التفكير الفطرية ومرتبط بها ‪0‬‬
‫القرآن الكريم يركز على هذا المضمون الفكري المكتسب باعتباره‬
‫شيئا ً قابل ً للتصحيح والتنمية‪,‬كما أنه قابل للكثير من الضلل‬
‫والنحراف‪,‬وما ذلك إل لنه يعكس الشروط الجتماعية والتاريخية‬
‫للثقافة التي تغذيه‪,‬وتمده بالمفاهيم المكونة لوجوده‪,‬والتي تحرك‬
‫الوعي وتوجهه في نهاية المر ‪0‬‬
‫والقرآن الكريم في سبيل ذلك ل يستخدم لفظ العقل أو الفقه أو‬
‫الفكر‪,‬وإنّما يستخدم صيغة‬
‫الفعل(يعقلون)‪(,‬يفقهون)‪(,‬يتفكرون)ليشير إلى المحصول النهائي‬
‫الذي يشكل العقل ومضامينه‪,‬والذي يتجلى في سلوك المرء‪,‬ويحدد‬
‫مواقفه‪,‬كما ينظم ردود أفعاله ‪0‬وكأنه بهذا النهج يشير إلى العمل‬
‫على ذلك المحصول باعتباره الثمرة الشاملة لكل جوانب‬

‫_‪_108‬‬
‫العقل‪,‬وباعتباره المحك النهائي في(تقييم)ما نحرزه من تقدم في‬
‫هذه السبيل ‪0‬وذلك المحصول يسميه القرآن الكريم‪-‬على نحوٍ عام‪-‬‬
‫(الحكمة)التي هي ناتج مركب ثلثي‪,‬هو‪:‬الذكاء والمعرفة والرادة ‪0‬‬

‫العقلنــــــــــــــــــــية‪:‬‬
‫العقل من خلل شكله ومضمونه ينتج شيئا ً نسميه(العقلنية)وبما أن‬
‫الثقافة تختلف بين أمة وأخرى في كثير من قيمها ومبادئها‬
‫واهتمامها‪-‬فإن المتوقع من(العقلنية)أن تتسم بطابع النسبية بسبب‬
‫الدور البالغ للثقافة في تكوينها؛ولذا فليس ثمة عقلنية تستحوذ‬
‫على الحياد والطلق ‪0‬ومن الملحوظ في التعبير القرآني استخدم‬
‫كلمة(الحكمة) بعد كلمة(الكتاب)حيثما اجتمعا في الية‬
‫الواحدة‪,‬وهذا يشير إلى ما ذكرناه هنا‪,‬فل بد للحكمة وللعقلنية من‬
‫أن تؤطرا بإطار الكتاب(الوحي)حتى يكتسبا المرجعية العليا‬
‫والمصداقية الحاسمة‪,‬ويمثل أرضية مشتركة في تعايش الفراد‬
‫والمم‪,‬وفي صياغة الخطوط العريضة لفهم الحياة والحياء ‪0‬‬
‫ن بُنانا الفكرية ليست مسوَّرة بأسوار‪,‬تصد عنها رياح التغيير‬ ‫إ ّ‬
‫العاتية‪,‬فهي‪-‬باعتبار ما‪-‬انعكاس لما يجد ّ من نظريات وآراء علمية‬
‫مبثوثة في جميع مجالت الحياة‪,‬كما أن توازنها يمكن أن يتعرض‬
‫للختلل بسبب مطالب الحياة الجديدة‪,‬والصعوبات البالغة التي‬
‫تكتنف الحصول على مستوى مقبول من العيش الكريم ‪0‬‬
‫ن من واجبنا دائما ً أن نمتلك أعلى درجة من اليقظة والحذر حتى‬ ‫إ ّ‬
‫نحمي مضمون عقولنا من البرمجات الثقافية والبيئية الزائفة التي‬
‫تحول دون استيعاب الواقع على الوجه الصحيح‪,‬والتي تشوش‬
‫تنظيمنا لردود أفعالنا ‪0‬والهمية المتزايدة التي يكتسبها الجانب‬
‫العقلي من ذواتنا تجعل آثار الخطاء الصغيرة كبيرة‪ ,‬وعواقب فقد‬
‫التوازن مدمرة ‪0‬إن كثيرا ً من تطورنا العقلي يأتي من خلل(التعليم‬
‫الرسمي)لكن ما أن يترك‬
‫كثيرون منا مقاعد المدرسة أو الجامعة حتى يتركوا عقولهم‬
‫للتجمد‪,‬فل يقومون بأية قراءة جادة‪,‬ول يستكشفون موضوعات‬
‫جديدة بعمق حقيقي خارج دائرة عملهم اليومي‪,‬ول يفكرون‬
‫بطريقة تحليلية‪,‬ول يكتبون‪-‬على القل‪-‬بطريقة يختبرون بها قدرتهم‬
‫على التعبير عن أنفسهم بلغة منفتحة وواضحة‬
‫ومختصرة‪,‬ويستسلمون عوضا ً عن ذلك لقضاء الوقت في الجلوس‬
‫لرؤية التلفاز!‪0‬‬

‫_‪_109‬‬
‫وفي النهاية فإن أفكارنا حول التجديد والتغيير والنمو ستظل عديمة‬
‫الفائدة‪,‬ما لم نمتلك الرادة الصلبة التي تكتشف المكانات‪,‬وتصنعها‬
‫‪0‬‬

‫_‪_110‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫النسان ليس عقل ً ول جسدا ً ول روحاً ‪000‬إنه مركّب فذ من كل‬


‫ذلك‪,‬وحتى يحيا المرء حياة طيبة‪,‬وحتى ينجح في أداء رسالته في‬
‫الحياة‪,‬فإن عليه أن يولي عنايته لكل أبعاد ذاته‪,‬وإن يحرص على‬
‫إحداث التوازن المطلوب بينها جميعاً ‪0‬‬
‫ن طبيعة التكليف الرباني‪,‬وطبيعة ابتلءات الحياة المتنوعة‬ ‫إ ّ‬
‫والمتجددة‪,‬تتطلب أن يوازن النسان بين مجموعة من‬
‫الحتياجات؛مما يستدعي وجود أهداف متعددة‪,‬وذلك كله يتطلب‬
‫نوعا ً من التكامل المنهجي بين أركان الشخصية وبين النشطة التي‬
‫تخدمها وتنميها ‪0‬وهذا لن يتم من غير ضخ كميات جيدة من‬
‫المعلومات في شرايين الخطة التي سيضعها الواحد منا للقيام بما‬
‫هو مطلوب منه ‪0‬‬
‫ن المنهج الرباني قد وضع للمسلم المخطط العام لكل ما يحقق‬ ‫إ ّ‬
‫له النجاح في الدنيا والفلح في الخرة؛لكن ذلك لن يحقق له النمو‬
‫والتقدم المأمول ما لم يعد نفسه لمواجهة التحديات والبتلءات‬
‫المتجددة؛وتلك المواجهة تُنتج دائما ً بُنيَات فكرية متراكبة وشروطاً‬
‫جديدة للبقاء والتحسن‪,‬مما يستدعي رحلة أخرى في اكتشاف آفاق‬
‫وإمكانات الوضعية الجديدة‪,‬وهكذا ‪000‬وسنتقدم هنا بعض الفكار‬
‫والمفاهيم والليات التي أنها تساعد على تجديد البعد العقلي‬
‫لدينا‪,‬وذلك من خلل النقاط التالية‪:‬‬

‫_‪_111‬‬
‫•شروط للتجــــــديد‪:‬‬
‫ليس التجديد في أي جانب من جوانب الحياة شعارا ً يرفع‪,‬ول هو‬
‫ن‬‫بالمر اليسير‪,‬وإل لتحسنت أشياء كثيرة وفق ما نشتهي ‪ 000‬إ ّ‬
‫التجديد يتضمن دائما ً نوعا ً من التخلي‬
‫عن بعض المألوفات والمحبوبات‪,‬كما يتطلب تكاليف جديدة وضبطاً‬
‫أكثر للذات‪,‬وكل ذلك من المور الشاقة على النفس؛ولذا فل بد‬
‫من توفر عدد من الشروط لذلك‪,‬منها‪:‬‬
‫ن عدم التفريق بين الثوابت‬ ‫أ\أن نعرف(ثوابتنا) على نحو جيد؛إذ أ ّ‬
‫والمتغيرات من أكبر العوائق التي تصد الناس عن التجديد‪,‬وتخيفهم‬
‫ن التخفف من الصول والمسارات‬ ‫منه ‪0‬وقد يظن بعض الناس أ ّ‬
‫المرسومة‪,‬يجعل حركة التغيير أكثر تدفقاً ‪0‬وهذا غير صحيح؛لن‬
‫التغيير المستمر المطلق كبير التكلفة‪,‬عظيم المؤنة‪,‬ومفتاح‬
‫معايشته وتحمل تبعاته هو أن يكون في داخل‬
‫ن الجوهر الثابت ل يؤدي‬ ‫المرء(جوهر)يستعصي على التغيير‪,‬حيث إ ّ‬
‫وظائفه من خلل تطوره وإنما من خلل جموده‪,‬وآنذاك فإن كل‬
‫خر في خدمته وتدعيمه ‪0‬‬ ‫المتغيرات تُس َّ‬
‫هذا الجوهر يتجلّى في الغاية الكبرى للوجود النساني‪,‬وفي المبادئ‬
‫والقيم العليا التي يؤمن بها النسان‪,‬إلى جانب معرفته اليقينية‬
‫بذاته وإمكاناته وتوجهاته العامة ‪0‬‬
‫ب\امتلك ما يكفي من الخيال والوعي للحساس بالنهاية التي نرنو‬
‫إلى الصيرورة إليها‬
‫من شأن الخيال أن يمكننا من تصور عالم من المتدادات‬
‫والمكانات‪,‬لم تخلق بعد ‪0‬ومن شأن الوعي أن يمكننا من التصال‬
‫بالقوانين والمبادئ العامة التي تساعدنا على ارتياد تلك العوالم من‬
‫خلل مواهبنا الفردية والسبل المتاحة ‪0‬إن حجم أنشطتنا اليومية‬
‫واتجاهها وتمحورها يشير بوضوح إلى النهاية التي سننتهي إليها‬
‫على كل الصعدة ‪0‬بإمكان الواحد منا أن يستحضر تلك‬
‫النهاية‪,‬ويتخذ من إيحاءاتها حافزا ً على التغيير وبذل الجهد ‪0‬‬
‫من السهل على الواحد منا أن ينغمس في أنشطة تافهة‪,‬ويضيّع‬
‫الكثير من أيام العمر في طلب أمور ل تتلءم أبدا ً مع الوضعية التي‬
‫يتمنى أن يلقي ربه‪-‬جل وعل‪-‬عليها ‪0‬‬
‫حتى تتخلق الشياء في الواقع فإنه ينبغي أن تتخلق في الذهن‬
‫أولً‪,‬وتستقر في(اللشعور)وتختلط بمبادئ المرء وأحاسيسه‪,‬وآنذاك‬
‫يمكن للحياة أن تتنمط في الذهن وفق مقتضياتها‪,‬وآنذاك أيضاً‬

‫_‪_112‬‬
‫يمكن المرء أن يتأكد على وجه الدقة من كون جهوده و‬
‫مناشطه‪,‬تقع في محلها الصحيح ‪0‬‬
‫ج\لبد للمرء حتى يتجدد من أن يوقن أن في إمكاناته أن تغيّر‬
‫عاداته الفكرية وسلوكاته ‪0‬بعض الناس يخشى من التغيير‪,‬وبعضهم‬
‫يشعر بنوع من الشلل وانعدام الحلية‪,‬‬
‫ويظن أنه ليس في المكان أبدع مما كان‪,‬فيستسلم لحواله‬
‫سن كل شيء في حياته‪,‬ويخرج من عصره‪,‬وتتضاءل‬ ‫الحاضرة‪,‬فيتأ َّ‬
‫فاعليته ‪0‬‬
‫ن التجديد مشروط بالقدرة على مجاهدة الهواء والوهام والكسل‬ ‫إ ّ‬
‫والخلد إلى المألوفات واليأس من إمكانات التقدم ‪0‬وإذا نظرنا في‬
‫سير المصلحين العظام وجدنا أنهم دائما ً يتخذون من الشياء‬
‫اليجابية الصغيرة رأس جسر للتغيير والتحسن‪,‬وما كان للواحد‬
‫منهم أن يفعل ما فعله لول إيمان راسخ بوجود إمكانات النتقال‬
‫نحو الفضل‪,‬ولول تمعنهم بالقدرة على العمل اليومي الشاق ‪0‬‬
‫•استـــــخدام العـــــــلج الدراكي‪:‬‬
‫من أهم النجازات الحديثة في علم النفس التطبيقي ما يسمى‬
‫ب(العلج الدراكي) وهو يقوم على ثلثة مبادئ أساسية‪:‬وهي‪:‬‬
‫أ‪-‬الحداث السارة والحداث السيئة عندما تتوالى على المرء‪,‬تولد‬
‫لديه انطباعا ً عن نفسه يتناسب معها‪,‬فالنجاح المتوالي يوجد حالة‬
‫نفسية‪,‬تظلل جميع حياة الفرد‪,‬وتجعله‬
‫يعتقد أنه ناجح فعلً ‪0‬ويستدعي ذلك إنتاج عدد من الصور الدراكية‬
‫التي تدعم ذلك‪,‬وتدلل عليه ‪0‬ويحدث العكس من ذلك عندما تتوالى‬
‫أحداث الخفاق على افنسان ‪0‬في كلتا الحالتين تبدو الصورة التي‬
‫نكوّنها عن أنفسنا وكأنها الصورة الوحيدة الدقيقة والصحيحة ‪0‬ولكن‬
‫المر ليس كذلك‪,‬فحين يزور خمسة من الناس مكاناً‪,‬‬
‫ل يعرفونه من قبل‪,‬فإن من الممكن أن تكون لهم حياله وجهات‬
‫نظر متعددة‪,‬وبعض تلك الصور‪,‬سيكون أكثر مطابقة للحقيقة من‬
‫بعضها الخر ‪0‬‬
‫نجاح المرء عمله‪,‬قد يكون على حساب مبدأ يؤمن به‪,‬أو على‬
‫حساب علقته بأسرته‪,‬أو على حساب صحته العامة ‪000‬والنسان‬
‫الذي أخفق في مشروع مهم من مشروعاته قد يكون أبا ً جيدا ً أو‬
‫ن نؤمن أن هناك دائماً‬ ‫كاتبا ً ذائع الصيت ‪000‬المراد من كل هذا أ ّ‬
‫أكثر من طريقة للنظر إلى الشياء‪,‬حيث إن هناك دائما ً منظورات‬
‫مختلفة ‪0‬كثيرا ً ما يشعر الواحد منا أنه ليس أمامه سوى رؤية‬

‫_‪_113‬‬
‫واحدة أو خيار واحد؛وهذا في الحقيقة مجرد وَهْم؛حيث إن الفكار‬
‫والقناعات التي نسجناها حول قضية ما‪,‬هي التي أوحت إلينا‬
‫بذلك‪,‬وكثيرا ً ما يكون ذلك خاطئاً؛لذا كان من الحيوي أن يسأل‬
‫الواحد نفسه دائماً‪:‬‬
‫كيف أستطيع أن أفكر في هذا المر بطريقة أخرى؟وكيف يستطيع‬
‫غيري أن ينظر إليه؟وما وجهات النظر الخرى حياله؟‪0‬‬
‫ن الجابة عن هذه السئلة‪,‬تشكل تمرينا ً عقليا ً علينا أن نجَّربه من‬ ‫إ ّ‬
‫وقت إلى آخر ‪0‬‬
‫ب\إذا كان صحيحا ً أن هناك أكثر من طريقة واحدة للنظر إلى‬
‫المور؛فإن الصعوبة إذن تمثل في أن يجد المرء وجهات نظر أخرى‬
‫للختبار بيتها ‪0‬‬
‫في أعماقنا ميل إلى النحياز لمشاعرنا وطرق تفكيرنا‪,‬وهذا الميل‬
‫هو الذي يزهَّدنا في‬
‫البحث عن الطرق المغايرة ‪0‬نحن بحاجة إلى أن نطور في أنفسنا‬
‫عادة البحث عن المنظورات الكثر رحابة؛فذاك هو الذي يتمشى‬
‫مع الحقيقة القائلة‪:‬عندما تنشأ مصاعب وأزمات جديدة‪,‬فإنها تتيح‬
‫مل معي في قول الله ‪-‬جل‬ ‫لنا المزيد من الفرص والختيارات ‪0‬وتأ َّ‬
‫ن مع العسر يسرا}[الشرح‪]6-5:‬‬ ‫وعل‪{:-‬فإن مع العسر يسرا إ َّ‬
‫ج\قلما يدرك الناس حلقات التصال بين المشاعر‬
‫والفكار‪,‬وانعكاس كل منها على الخر ‪0‬ويتوهم كثيرون منا أنهم‬
‫قادرون على عزل أفكارهم عن مشاعرهم‪,‬وأن بإمكانهم أن يحملوا‬
‫مشاعر تعاطفية نحو أمر ما رغم أنهم يحملون أفكارا ً سيئة عنه‬
‫‪0‬والحقيقة أن أفكارنا ومشاعرنا‪,‬تتناوب التأثير والتأثر طوال‬
‫الوقت‪,‬وهناك توافق حميم فيما بينها ‪0‬‬
‫إذا شعر المرء بالغبطة لنجاحه في أمر ما‪,‬فإنه سيتعرض لتيار من‬
‫الفكار الشارحة لسباب ذلك النجاح‪,‬والمذكَّرة بالمكانات التي تم‬
‫َ‬
‫توفيرها له‪,‬والعقبات التي تم اجتيازها؛وحين يقل ّب النسان نظره‬
‫في إخفاقه في أمر‪,‬كان يأمل منه الكثير‪,‬ويتمادى في بحث أسباب‬
‫الخفاق‪,‬والوهام الكثيرة التي تلبس بها حوله‪-‬فإن فيضا ً من‬
‫مشاعر الحباط والقلق وعدم تقدير الذات‪,‬والخوف من تكرار‬
‫الخفاق‪,‬سوف يجتاحه‪,‬وينغَّص حياته‪,‬وهكذا ‪000‬‬
‫في اعتقادي أن علينا للخلص من الفكار السيئة والمشاعر‬
‫المحبطة أن نتبع طريقة(إغلق الملفات)حيث يمكن أن نستخلص‬
‫العبر والدروس الممكنة من إخفاقات الماضي‪,‬ثم نحذفها نهائيا ً من‬

‫_‪_114‬‬
‫اهتماماتنا‪,‬فذلك هو الطريق الفضل للتخلص من أسر الماضي‬
‫وأوهاقه ‪0‬‬
‫إنه ل ينبغي لنا أن نقع تحت ضغوط المشاعر وعلينا عوضا ً عن ذلك‬
‫أن نصنعها عن‬
‫طريق العمل الصالح‪,‬والصمود في مواجهة الصعاب ‪0‬وفي هذا‬
‫يقول الله‪-‬جل وعل‪{ :-‬ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي‬
‫هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[فصلت‪:‬‬
‫‪]34‬‬
‫إن مقابلة السيئة بالحسنة كثيرا ً ما تعني الخلص من مشاعر العداء‬
‫التي يتبادلها الخصوم‪,‬كما تعني الفكاك من حماة الفكار السلبية‬
‫والوهام التي يتبادلونها في العادة ‪0‬إن الوعي وحده هو الذي يحول‬
‫دون أن يرسف المرء في أغلل من نسج يديه ‪0‬‬

‫•النـــــــظرة المتـعمقة‪:‬‬
‫إن العقل الذي وهبه الله‪-‬تعالى‪-‬للنسان يتمتع بقدرات فائقة‪-‬كما‬
‫ذكرنا‪-‬لكنه في النهاية يظل محدوداً‪,‬الفكار التي نمتلكها‪,‬أكثرها وليد‬
‫التجربة وثمرة المعاناة‪,‬أي هي خبرة وجودية تشتبك فيها منظومات‬
‫المبدأ والرمز وأنظمة المعارف وأل عيب الهوى‪,‬‬
‫وأنماط السلطة‪,‬وأساليب العيش وأشكال الهتمام بالذات ‪000‬ولذا‬
‫فإنه يجب أل نعتبرها نهائية‪,‬فصدق الفكار ل يتبلور إل من خلل‬
‫إخضاعها للتجربة‪,‬وما من فكرة تدخل في مضمار التطبيق‪,‬تستطيع‬
‫المحافظة على ما كانت عليه من تحديد وتماسك‪,‬بل يُعاد إنتاجها‬
‫من جديد ترميما ً وتطعيما ً و إغناءً وتوسيعاً‪,‬أو انتهاكا ً وتأويلً ‪0‬‬
‫ولذا فل ينبغي أن ننتظر الفوز برؤية نهائية‪,‬نسترشد بها في‬
‫مواصلة البناء‪,‬وتخطّي‬
‫العقبات‪,‬فالعمال العقلية المتزايدة‪,‬ل تؤدي بالضرورة إلى تقدم‬
‫عقلني مطرد‪,‬فالنكوص والتراجع من المور الواردة بكثرة‬
‫اليوم؛بل إن للتقدم العقلي مفرزات جانبية شديدة الخطورة‬
‫عليه‪,‬ول سيما إذا ما تأتي للعقل أن يتحلل من القيم والقيود‬
‫الخلقية ‪0‬ثم إن المسيرة الحضارية‪,‬ل تمضي على هدى أفكار‬
‫ونظريات مبلورة‪,‬وليست هي مجرد مخطط‪,‬يتخيله مثقفون‬
‫حالمون متفائلون بمستقبل البشرية‬

‫_‪_115‬‬
‫على صعيد العقل والمعرفة والحرية والحوار وإحقاق الحق وتجسيد‬
‫القيم النبيلة ‪000‬‬
‫فهناك أيضا ً المصالح والهواء والشهوات والقصور الذاتي‬
‫والظروف المعاكسة ‪000‬وكل ذلك يجعل من ميادين الحياة مصانع‬
‫سيئة لنتاج الفكار وتطبيقها ‪0‬‬
‫ما أريد قوله من وراء هذا هو أن علينا حتى نستمر في التجديد‬
‫العقلي أن نسعى دائما ً إلى تفحص برامجنا وقراءة أحوالنا وإقامة‬
‫علقات نقدية مع ذواتنا وإنجازاتنا‪,‬فالنقص شيء ملزم لنا ‪0‬وليس‬
‫المطلوب أن تصبح المحاكمة العقلية لدينا كاملة‪,‬وإنما المطلوب‬
‫هو مداومة فضح الممارسات الفكرية الخاطئة‪,‬وكشف زغل أعمال‬
‫العقل‪,‬وبالضافة إلى استشراف المزيد من النضج والقتراب من‬
‫الصواب ‪0‬‬
‫وما لم نتعامل مع منتجاتنا الفكرية وتجاربنا‪,‬ومع أحداث العالم من‬
‫حولنا على هذا النحو فإن كثيرا ً من مكتسباتنا النهضوية يمكن أن‬
‫يكون في خطر‪,‬كما يمكن لكل ما أحرزناه من تقدم عقلي وفكري‬
‫أن يصبح موضع تسأول ‪0‬‬
‫•الستــــــــــماع الجيــــــــــــد‪:‬‬
‫يصرف النسان ما بين(‪)%50‬إلى(‪)%80‬من ساعات يقظته في‬
‫التصال بالخرين‪,‬ويمضي(‪)%45‬منه في(الستماع)‪0‬في الثقافات‬
‫الشفهية تكون(الذن)هي البوابة الساسية للمعلومات الواردة إلى‬
‫الدماغ ‪0‬‬
‫واليوم أفضى التدفق الهائل لكل ألوان المعرفة إلى إعطاء أهمية‬
‫متزايدة لكل من الذن والعين‪,‬لكن سيظل من المهم أن نحسن‬
‫الستفادة من كل ذلك من خلل تطوير آليات القراءة والستماع(‬
‫‪)1([,)1‬عالجت هذه القضية في رسالة خاصة بعنوان(القراءة‬
‫المثمرة)وقد نشرت عبر سلسلة (كتب قيمة)فارجع إليها إن شئت‬
‫‪]0‬‬
‫واستثمار المكانات الكبيرة التي تتاح لنا بواسطتهما‪,‬حيث إن تجديد‬
‫البعد العقلي‪,‬يستلزم فيما يستلزمه اتخاذ وضعيات جديدة في‬
‫التعامل مع(المعرفة)التي تشكل المادة الجوهرية في إعادة تشكيل‬
‫مفهوماتنا ورؤانا؛لكن لسباب عدة لم تنل مسألة الستماع‬
‫والنصات حقها من العناية والهتمام‪,‬مما جعل استفادة كثيرين منا‬
‫مما يسمع محدودة ‪0‬وربما كان لظهور السامع بالمظهر السلبي أو‬
‫َ‬
‫المتأثر أكبر الثر في العراض عن ذلك ‪0‬ولعلنا نجل ّي هنا بعض‬
‫_‪_116‬‬
‫المبادئ والمفاهيم التي تساعد على تطوير عادات السماع لدينا‬
‫في الحروف الصغيرة التية‪:‬‬
‫أ‪-‬ليس من النادر ان يكون ما نسمعه مكررا أو مملً‪,‬أو قليل‬
‫الفائدة‪,‬وفي هذه الحالة‪,‬فإن معظم الناس‪,‬يُعرض إعراضا ً تاما ً عن‬
‫الهتمام بما يسمع ‪0‬أما الحرص على الفائدة‪,‬فإنه يسأل نفسه‪:‬كيف‬
‫يمكنني الستفادة من هذا الحديث؟يمكن للمرء ان يتعرف من‬
‫خلل ما يسمع على نمط التفكير لدى المتكلم‪,‬كما يمكنه التعرف‬
‫على بعض القيم الجتماعية السائدة‪,‬واستخلص مغزى من ذلك‪,‬أو‬
‫تدعيم نسق فكري ينبناه ‪ 000‬وليس من المستغرب أن يعثر المرء‬
‫على فكرة عظيمة في سيل من اللغو ‪0‬‬
‫ن الله‪-‬تعالى‪-‬خلق للنسان لسانا ً واحدا ً وأذنين اثنتين‬ ‫ب‪-‬يقولون‪:‬إ ّ‬
‫حتى يسمع ضعف ما يتكلم‪,‬لكن يبدو أن شهية معظم الناس‬
‫للكلم‪-‬أي كلم‪-‬ل تقاوَم ‪0‬وقدرة المرء على أن يسمع أكثر مما‬
‫َ‬
‫يتكلم دليل على تحل ّيه بقدر من الحكمة ‪0‬ومن المهم هنا‬
‫أل نحاول مقاطعة المتكلم حتى يكمل الفكرة التي يريد إيصالها‬
‫إلينا‪,‬ومن المهم أكثر أل ندلي بأي تعليق أو إصدار أي حكم قبل‬
‫الحصول على الصورة كاملة ‪0‬‬
‫ج‪-‬لنحاول أن نستمع ونحن في حالة استبشار وتفاؤل و جاهزية‬
‫عقلية جيدة‪,‬فذلك أدعى إلى إدراك مرامي الكلم‪,‬وتحسين القدرة‬
‫على الربط بين أجزائه؛كما أن عملية الستماع بمجملها تضحى‬
‫أكثر إمتاعاً ‪0‬‬
‫د‪-‬كثير من الناس يتضايق من سماع الحاديث ذات المستوى‬
‫الرفيع‪,‬ويرون أن أصحابها(يتفلسفون)‪,‬وهؤلء أنفسهم‪,‬هم الذين‬
‫يعرضون عن قراءة النصوص الممتازة والراقية ‪0‬وفي اعتقادي‬
‫أن(الدماغ)بحاجة إلى مواجهة التحدي من خلل سماع أحاديث‬
‫أرقى من مستوى استيعابه؛لنها وحدها هي التي ستحفزه‪,‬ونزيد‬
‫مهارته في الفهم ‪0‬نحن في الحقيقة ل نفهم إل ما نعرف‪,‬فإذا فهمنا‬
‫كل ما يقال بيسر‪,‬فهذا يعني أننا نعرفه‪,‬وإذن ما الفائدة التي‬
‫سنجنيها من ورائه؟‪0‬‬
‫ذ‪-‬من المهم أن نشترك النظر مع الذن أثناء السماع‪,‬فالعينان‬
‫مغرفتا الكلم‪,‬وهما تنظمان التفاعل الداخلي بين المتكلم والسامع‬
‫وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن ما تشعه وضعية المتكلم‬
‫وإشاراته‪,‬ورسائله غير اللفظية‪,‬ربما يتفوق على ما نستفيده من‬
‫الدللت المباشرة للكلم الذي نسمعه ‪0‬ول ننسى إلى جانب هذا‬

‫_‪_117‬‬
‫أن نتخذ الوضعية الجسدية الملئمة أثناء الستماع‪ ,‬فالتكاء‬
‫والستلقاء‪-‬مثلً‪-‬يساعدان على النوم‪,‬وشرود الذهن ‪0‬‬
‫هـ‪-‬نحن بحاجة إلى أن نستمع بعقل مفتوح‪,‬ول سيما حين نسمع‬
‫كلما ً يثير المشاعر بسبب ما فيه من مبالغة أو استفزاز أو دفق‬
‫روحي عال ‪000‬وسيكون علينا أن نحاول تفسير ما نسمع تفسيراً‬
‫موضوعياً‪,‬ول نمضي مع المتحدث بعيدا ً عما هو طبيعي أو معقول‬
‫أو مخالف للصول ‪0‬ليعني هذا‪-‬بالطبع‪-‬أل نحاول فهم وجهة نظر‬
‫المتكلم حتى وإن كانت معارضة لما نراه ‪0‬وعلينا أن نتذكر دائما ً أن‬
‫كثيرا ً مما نسمعه ل يعدو أن يكون رأيا ً من الراء ‪0‬‬
‫و‪-‬إن سرعة دماغ النسان في التفكير تفوق سرعته في الحديث ما‬
‫بين(‪)10-4‬أضعاف‪,‬ويمكن استخدام هذا الفارق الكبير في استغلل‬
‫القدرات العقلية المختلفة أثناء الستماع في تنظيم ما نسمعه‬
‫وتلخيصه ومقارنته مع الفكار الخرى‪,‬وتفسير ما توحي به لغة‬
‫جسد المتكلم ‪0‬وسيكون كل ذلك أكثر جدوى عند سماع متحدث‬
‫بطيء التكلم‪,‬أو كثير التكرار للفكار ‪0‬‬
‫ز‪-‬قد يكون المتحدث كثير اللحن‪,‬أو ل يحسن اختيار ألفاظه‪,‬أو ل‬
‫يحسن تنظيم جمله ‪000‬وفي هذه الحالة فإن السامع قد يعجب‬
‫بنفسه‪,‬ويقع ضحية لعقدة التفوق‪,‬وينصرف بالتالي عن محاولة‬
‫الستفادة مما يقال ‪0‬والذي يليق بنا في هذه الحالة هو التركيز على‬
‫المضمون ترميزاً‪,‬فجوهر الفائدة‪,‬إنما يكمن فيه ‪0‬‬
‫ح‪-‬لنحاول أثناء الستماع عدم النسياق خلف الفكار الجزئية أو‬
‫الستطرادات والمعترضات‪,‬وعلينا أن نحاول فهم المغزى الساسي‬
‫للحديث‪,‬وربطه بالبنية الرئيسة لفكارنا ومسلماتنا ورؤانا ‪0‬ومن‬
‫المؤسف أن كثيرين من الناس يبدون ضعفا ً في هذا الجانب!‪0‬‬
‫ط‪-‬مما يعكر صفو كثير من المجالس انشغال المستمعين‬
‫بالصوارف الطارئة‪,‬حتى أن المتكلم في بعض الحيان يضطر إلى‬
‫السكوت‪,‬أو أن يستمر في الحديث‪,‬ليجد في النهاية أنه يكلم‬
‫نفسه!المستمع الجيد يمتلك القدرة على إقصاء الملهيات‪,‬ومتابعة‬
‫النتباه لما يقوله المتــــــــــحدث ‪0‬‬
‫ي‪-‬مهما كان حرصنا على مواصلة الستماع إلى آخر كلمة يقولها‬
‫المتحدث‪-‬شديدا ً فإننا سنظل بحاجة إلى التمتع باستراحة بعد كل‬
‫ساعة استماع ‪0‬وإذا كان الحديث شديد التركيز‪,‬فستكون بحاجة إلى‬
‫الستراحة بعد أقل من نصف ساعة ‪0‬وهذا الستراحة ليست‬
‫ضرورية لتنشيط القدرة على الستيعاب فحسب‪,‬وإنما لتاحة‬
‫_‪_118‬‬
‫الفرصة لبرمجة المعلومات التي حصلنا عليها ودمجها ضمن‬
‫معقولتنا ومنظوماتنا المعرفية أيضاً(‪)1([0)1‬أنظر تفصيلت أكثر‬
‫حول الصغاء‪,‬ص ‪ 302‬من هذا الكتاب]‪.‬‬
‫•تنـــــــــــشيط الذاكـرة‪:‬‬
‫يشعر معظم الناس أن ذاكرتهم تتدهور كلما تقدموا في العمر‬
‫‪0‬وهناك من يعتقد أن الذاكرة تزدحم بكثرة المعلومات‪,‬ويفقد‬
‫النسان بذلك القدرة على التذكر؛لذلك يتجهون إلى عدم إثقال‬
‫الذاكرة بالمحفوظات؛بل إن الدعوة إلى التخلي عن التعليم‬
‫التلقيني‪,‬والهجوم المكثَّف على الحفظ عن ظهر قلب‪,‬قد أديا إلى‬
‫الحط من قدر الذاكرة ‪0‬وهذا صحيح إذا تم القتصار عليه‪,‬وإل‬
‫فوظيفة المعلومات في عملية التفكير جوهرية ‪0‬‬
‫ن طبيعة الذاكرة وطبيعة عملها‪,‬من المور غير الواضحة على نحو‬ ‫إ َّ‬
‫جيد‪,‬ومن القوال الحديثة في ذلك أنها عبارة عن سلسلة من‬
‫التغيرات الكيميائية ‪0‬‬
‫وأعتقد أن كثيرا ً مما ينسج حول الذاكرة‪,‬يعبر عن تجارب‬
‫ناقصة‪,‬ولذا فإن هناك إمكانات كثيرة لتحسينها وتنشيطها ‪0‬ويدل‬
‫العديد من البحوث على أن لدى الدماغ سعة فيزيولوجية هائلة‬
‫لتخزين المعلومات التي ترد إليه ‪0‬وأجرى(روز ينفيغ)العملية‬
‫الحسابية التالية‪ :‬لو غُذي الدماغ بعشرة أخبار كل ثانية طيلة‬
‫حياته‪,‬فإنه لن يمتلئ كلياً‬
‫ن المشكلة الجوهرية في قضية التذكر‪,‬ليست في‬ ‫ويمكن القول‪:‬إ ّ‬
‫طاقة الدماغ على‬
‫التخزين‪,‬وإنما في القدرة على استدعاء ما تم تخزينه ‪0‬وهناك اليوم‬
‫أفكار ونظريات كثيرة حول تحسين التذكر‪,‬واستدعاء‬
‫المعلومات‪,‬نشير إلى بعضها‪:‬‬
‫هناك خمسة عناصر أساسية‪,‬تساعد الذاكرة على‬
‫الستدعاء‪,‬هــــي‪:‬‬
‫‪-‬الوَّلية في الترتيب أو المنزلة؛فإذا ما تساوت كل الشروط‬
‫الخرى‪,‬فإن الواحد منا يتذكر بداية الحداث أكثر من‬
‫وسطها‪,‬ويتذكر الحدث الول أكثر من تكراره ‪0‬‬
‫‪-‬الحداثة‪:‬حيث يميل النسان أيضا ً إلى تذكر الحداث الخيرة‪,‬فنحن‬
‫نتذكر أحداث(أمس)أكثر من أحداث اليوم الذي قبله ‪0‬‬
‫‪-‬الربط‪:‬فالنسان يتذكر الشيء الذي يرتبط بشيء آخر‪,‬أكثر من‬
‫تذكّر الشياء غير المرتبطة ‪0‬‬
‫_‪_119‬‬
‫‪-‬البروز‪:‬نحن نتذكر الشياء الغريبة أو غير الطبيعية‪,‬أو الخارجة عن‬
‫السياق العام سواء أكانت جيدة أم سيئة ‪0‬‬
‫‪-‬المراجعة‪:‬يعتقد كثير من علماء النفس المعاصرين أن إمكانية‬
‫الستدعاء‪,‬تعتمد جزئيا ً على(قوة شكل أو مخطط الدماغ)القائم‬
‫كهربائيا ً أو بيولوجياً ‪0‬ويؤكدون أن هذه القوة‪,‬‬
‫تتزايد بتكرر أشكال الذاكرة ‪0‬ويعني ذلك أن أي شيء تتم مراجعته‬
‫يتم اختزانه في الدماغ بقوة أكبر من الذي يمر عليه مروراً ‪0‬‬

‫الستـــــــــــفادة من هذه المعطـــــــــيات‪:‬‬


‫ن الدماغ يستدعي أول الحداث وآخرها أكثر‬ ‫للتعامل مع حقيقة أ ّ‬
‫من وسطها يمكن أل نستمر في الدراسة ساعات متواصلة؛لن‬
‫ذلك سوف يمنح دماغنا أولية واحدة وحداثة واحدة فقط‪,‬ويكون‬
‫استدعاء المعلومات في الوسط واهناً ‪0‬‬
‫إذا قسمنا الساعات الربع إلى ثماني وحدات‪,‬فإننا سنحصل على‬
‫عدد أكبر من حالت (الولية والحداثة)مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى‬
‫الستدعاء ‪0‬ويمكن للفاصل بين كل وحدة وأخرى أن يكون ما‬
‫بين(دقيقتين أو خمس دقائق)حيث يستريح العقل‪,‬ويتاح له فرز‬
‫وتصنيف المعلومات الداخلة عليه أثناء القراءة ‪0‬‬
‫إن الربط يساعد على الستدعاء بطرق متعددة‪,‬ويمكن وضع خط‬
‫تحت المعاني والكلمات المترابطة‪,‬كما يمكن تلوينها بلون خاص‪,‬أو‬
‫وضع دوائر عليها‪,‬أو كتابتها بحجم معين ‪000‬فإذا كنا نقرأ موضوعاً‬
‫عن(المدرسة)‪-‬مثلً‪-‬أمكن تلوين كلمات‪:‬معلم‪,‬‬
‫مدير‪,‬كتاب‪,‬سبورة‪,‬دفتر‪,‬قلم‪,‬نظام‪,‬معرفة‪,‬علم بلون موحد‪,‬حيث‬
‫تعد هذه الكلمات بمثابة مفاتيح للموضوع الذي نقرؤه‪,‬والربط بينها‬
‫بلون واحد‪-‬مثلً‪-‬يسهل استدعاءها عند الحاجة؛وبذلك نتمكن من‬
‫استرجاع أكبر قدر من المعلومات التي قرأناها في ذلك الموضوع ‪0‬‬
‫الدماغ يستدعي بسهولة الشياء البارزة؛وحتى نتذكر شيئاً‪,‬فينبغي‬
‫خمه‪ ,‬ونلقي عليه أضواء إضافية‪,‬وألوانا ً صارخة؛على سبيل‬ ‫أن نض ّ‬
‫المثال إذا كان عليك أن تهاتف شريكك بعد وصولك إلى مكتبك‬
‫لتتحدث معه عن عقد عمل‪,‬فإن بإمكانك أن تتخيل شريكك خارجاً‬
‫من أحد جانبي الهاتف‪,‬وبيده عقد كبير يلوح به ‪0‬‬
‫المراجعة من أهم الوسائل التي تساعدنا على استدعاء المعلومات‬
‫المخزنة‪.‬‬

‫_‪_120‬‬
‫وتدخل المعلومة إلى(الذاكرة الطويلة المد)بعد أربع أو خمس‬
‫مراجعات‪ ,‬وينبغي أن تتم المراجعة الولى بعد حوالي عشر دقائق‬
‫من الفراغ من إدخال المعلومة إلى الدماغ ‪0‬‬
‫أما المراجعات التالية‪,‬فتتم على فترات متباعدة تصاعدياً‪,‬كأن تكون‬
‫المراجعة الثانية بعد يوم والثانية بعد أسبوع والثالثة بعد شهر‪,‬وهكذا‬
‫‪0000‬‬
‫إن الدماغ الفارغ من المعلومات‪,‬يطرح طروحا ً شكلية‪,‬ويكون‬
‫الخيال لديه محدوداً‪,‬‬
‫ويكون وضعه العام أشبه بطاحون تدور‪,‬دون أن نضع فيها أي شيء‬
‫تطحنه؛ولذا فإن من الحيوي أن نهتم بمحفوظاتنا‪,‬ونعرف كيف‬
‫نُعمل العقل فيها‪,‬كي نستثمرها على الوجه الكمــــــــــل ‪0‬‬
‫•المـــــــــرونة الذهنيـــــــــــة‪:‬‬
‫إن ينبغي وعيه أن ما أتيح من المعلومات على هذا النحو الغزير‬
‫والمتدفق‪,‬ل يؤدي على نحو تلقائي إلى تحسين الملكات العقلية‬
‫َ‬
‫والعمال الفكرية‪,‬بل قد يؤدي إلى إعطاء نتائج تصل ّب الذهن‪,‬وتقلل‬
‫من فاعلية التفكير؛فالعلقات اللينة التي تسربل النظم والمنتجات‬
‫المعرفية كافة‪,‬قد تقرأ بطريقة خاطئة؛مما يجعل انعكاساتها على‬
‫البنية العقلية سلبية ‪0‬ولذا فل بد لتجديد البعد العقلي من أن يشتمل‬
‫على محاولة امتلك قسط ملئم من(المرونة الذهنية)حتى تستطيع‬
‫أن نستفيد الستفادة المطلوبة من هذا الكم الهائل من المعارف‬
‫المتسايلة ‪0‬‬
‫ومما يؤسف له أن كثيرا ً من الناس ل يفهم من هذا المصطلح‬
‫سوى التراجع والتنازل والستسلم ‪000‬وبذلك يتحول من ميزة إلى‬
‫ثغرة في الشخصية!أعني بالمرونة الذهنية هنا قدرة العقل البشري‬
‫على إدراك الفروق الدقيقة بين الشياء‪,‬والمراوحة المستمرة بين‬
‫السس والصول وبين المسائل الفرعية التخصصية‪,‬بالضافة إلى‬
‫القدرة على تعرية اللفاظ والمصطلحات مما يعلق بها من شوائب‬
‫الستعمال والتقليد‪,‬إلى جانب قدرته على فهم العلقات الخفية بين‬
‫الشياء والتأبي على(القولبة)والنماذج الجاهزة ‪000‬ولعلنا نفصل‬
‫بعض هذه القضايا في المفردات التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬من مظاهر المرونة الذهنية وتطبيقاتها القدرةُ على إدراك‬
‫العلقات(المتدرجة)بين الشياء؛فالحرام ليس درجة واحدة‪,‬إذ إن‬
‫حرمة الغيبة ليست مثل حرمة قتل النفس أو‬

‫_‪_121‬‬
‫الزنا ‪0‬والفرائض والواجبات أيضا ً درجات؛فوجوب الصدق ليس‬
‫كوجوب الصلة والزكاة ‪000‬‬
‫حين نتعامل مع أشياء ذات أوساط متدرجة‪,‬فإن وضع الموسى على‬
‫المفصل يكون أمرا ً تقديريا ً اجتهادياً؛فمن الصعب في لوحة زيتية‬
‫ذات ألوان متداخلة أن نقول‪:‬هنا يبدأ اللون الصفر‪,‬وينتهي اللون‬
‫البرتقالي ‪0‬ولو فعلنا ذلك لوقعنا في التعسف والتحكم ‪0‬بين ما ل‬
‫يشك أنه أصل‪,‬وما ل يشك أنه فرع(منطقة برزخية)تحتمل الخلف‬
‫الجدي؛لنها تحمل من خصائص الطرفين‪,‬وتظل قابلة للنزاع‪,‬مهما‬
‫كان وعينا عظيماً ‪0‬وإدراكنا لمثل هذا يوفر علينا الكثير من الجدل‬
‫والخذ والرد الذي ل طائل تحته ‪0‬‬
‫ب‪-‬القدرة على فهم الفوارق الدقيقة بين الشياء مظهر آخر من‬
‫مظاهر المرونة الذهنية؛‬
‫ومن المعروف أن المرء حين يحاول اكتشاف تشابه بين شيئين‬
‫فإنه يستطيع في أكثر الحيان أن يجد أكثر من وجه شبه واحد؛لكن‬
‫المهم أيضا ً أل ننساق وراء التشابه الظاهري أو الجزئي‪,‬وننسى‬
‫الفوارق العظيمة التي تميز بين المتشابهات ‪.‬‬
‫ونجد في هذا السياق‪-‬على سبيل المثال‪-‬من يشبَّه الهجمة الحديثة‬
‫على امة السلم بالهجمة التاريخية للتتار والصلبين‪,‬ويعتقدون أن‬
‫آليات المواجهة والمدافعة ل تبتعد كثيرا ً عن آليات الهجمات‬
‫السابقة ‪0‬وفاتهم أن الوضعية العامة لمة السلم كانت أفضل من‬
‫وضعية التتار والصليبين آنذاك على المستويين الحضاري‬
‫والعسكري ‪0‬‬
‫والتتار خاصة قوم همج‪,‬واجهوا أمة متحضرة؛على حين أن المسلم‬
‫يرى أعداءه اليوم متفوقين عليه في المعرفة والتنظيم والتقدم‬
‫الصناعي‪,‬وينظر إلى كثير مما عند قومه بعين السى‬
‫والحسرة‪,‬حيث الجهل والفقر والفوضى والحروب الداخلية ‪000‬وهذا‬
‫كله يجعل المطلوب المواجهة اليوم مختلفا ً جذريا ً عما كان مطلوباً‬
‫من قبل ‪0‬‬
‫ج‪-‬من أمارات المرونة الذهنية القدرة على وزن مصادر المعرفة‬
‫بطريقة صحيحة‪,‬وعدم الخلط بين معلومات تفيد الظن‪,‬وأخرى تفيد‬
‫اليقين ‪0‬وقد حاول علماء المسلمين القدامى اتخاذ صحة السناد‬
‫والبرهنة العقلية المنطقية سبيلين للوصول إلى عصمة الذهن من‬
‫الخلط بين القطعي والظني‪,‬ووصلوا في ذلك إلى ضوابط‬
‫رائعة‪,‬لكن مشكلة كانت تكمن دائما ً في القدرة على تعميم تلك‬

‫_‪_122‬‬
‫الضوابط بحيث تصبح جزءا ً من ثقافة المة‪,‬وفي استخدامها‬
‫وتطبيقها خارج نطاق العلوم‪,‬أي في الحياة اليومية والمواقف‬
‫المختلفة ‪0‬‬
‫هناك فارق ‪0‬مثلً‪-‬بين معلومات مصدرها الستقراء‪,‬وأخرى مصدرها‬
‫القياس ‪0‬ول شك أن المعلومات التي مصدرها استقراء تام قد‬
‫تقترب من القطعية المطلقة ‪ ,‬كما لو أننا استقرانا رأي أعضاء‬
‫ن(‬
‫مجلس من المجالس حول قضية ما فإن من الممكن أن نقول‪:‬إ ّ‬
‫‪ )%56‬منهم يرون كذا و(‪)%44‬يرون كذا‪,‬ويكون كلمنا حينئذ ٍ ذا دللة‬
‫قطعية ‪0‬‬
‫أما إذا أردنا معرفة رأي شعب تجاه قضية ما‪ ,‬وقمنا بسؤال(‬
‫‪)4000‬شخص منه حول رأيهم في تلك القضية‪,‬ثم قلنا إن(‪)%90‬من‬
‫الشعب الفلني يرى في تلك القضية كذا بناء على أن (‪)%90‬من‬
‫العينة ترى ذلك‪,‬فإن نتيجة ذلك الستقراء ستكون ظنية؛لننا‬
‫استخدامنا استقراء ناقصاً‪,‬وعممنا نتيجة عن طريق القياس‪.‬‬
‫إن في استخدام القياس استخداما ً لعناصر ذهنية في أمور حسية‪,‬ل‬
‫يحكمها نمط أو نموذج محدد‪,‬وذلك ل ينتج عنه سوى النتائج‬
‫الظنيــــــة ‪0‬‬
‫د‪-‬نحن دائما ً على صلة بعالمين مختلفين‪:‬عالم المدركات الواضحات‬
‫وعالم الغوامض والمبهمات ‪0‬وقد جرت العادة أن‬
‫نستخدم(الفلسفة)وسيلة للتعامل مع المسائل الغامضة ‪0‬أما المور‬
‫الواضحة‪,‬فإننا نسيطر عليها من خلل الملحظة والتجربة وإدراك‬
‫أبعادها المختلفة ‪0‬من المهم أن نفرق بين معطيات الفلسفة‬
‫ومعطيات العلم‪,‬فمهمة الفلسفة ل تتجسد في مدَّنا‬
‫بالمعلومات‪,‬وإنما في زيادة شفافيتنا‪,‬وفسح المجال أمام‬
‫استشراف المستقبل‪,‬وتكوين قدراتنا في مجال التعليل والتحليل‬
‫َ‬
‫‪0‬إنها تعل ّم الشمول‪,‬لكنها ل تمنح أبدا ً الدقة‪,‬ول تسعفنا باليقين ‪0‬‬
‫أما العلم فإنه على العكس من ذلك‪,‬فهو يوقفنا على جملة من‬
‫الخبرات الجزئية الدقيقة لكنه ينفر من التعامل مع غير المحدد‬
‫والمبلور والملموس ‪0‬ويظهر التصلب الذهني بوضوح حين يدافع‬
‫أكثر الناس عن وجهة نظرهم ورؤيتهم لحدث ما دفاعا ً مستميتاً‪,‬‬
‫حيث تبدد الساعات الطوال في البرهنة على قضية ل يحسمها أي‬
‫برهان ول أي جدال مهما طـــــــــال ‪0‬‬
‫أما صاحب الذهن المرن‪,‬فيعرف أنه يقف على أرض هشة‪,‬وأن ما‬
‫تجمع لديه من مقدمات ومعطيات‪,‬ل يكفي لجعل تحليله وحكمة‬

‫_‪_123‬‬
‫قطعياً‪,‬ومن ثم فإنه يكتفي بعرض وجهة نظره‪,‬وإبداء رأيه في‬
‫وجهات نظر الخرين تاركا ً لمناظريه الخوض في الظنون‬
‫والهام‪,‬ومحاولت القبض على السراب!‪0‬‬
‫هـ‪-‬العقل المرن يفرق بين القيمة الصلية والقيمة الضافية للفكار‬
‫والساليب والشياء ‪0‬‬
‫ففي مجال الصلح الشامل‪-‬مثلً‪-‬تكتسب التربية الصحيحة للجيال‬
‫أهمية خاصة‪,‬‬
‫ن المجتمع‪,‬ل يمكن في النهاية أن يكون أقوى من مجموع‬ ‫حيث إ ّ‬
‫أفراده ‪0‬‬
‫أما القيمة الضافية‪,‬فتتجلى في إمكان القيام بالتربية المطلوبة في‬
‫أجواء يسودها الفساد والخوف والنغلق والطغيان ‪000‬فإذا قلنا‪:‬إن‬
‫التربية الجيدة يمكن القيام بها في هذه الجواء‪,‬فهذا يعني أن‬
‫التربية تكتسب قيمة إضافية‪ ,‬حيث ل يحتاج القيام بها إلى إصلح‬
‫المناخ العام الذي يحتاج في العادة إلى وقت طويل‪,‬وهذا يعني‬
‫توفير الكثير الكثير ‪0‬‬
‫ن التربية‬
‫ن التربية المطلوبة‪,‬ل تتم في تلك الجواء‪,‬فإ ّ‬‫أما إذا قلنا‪:‬إ ّ‬
‫تفقد آنذاك القيمة الضافية‪,‬كما أن اللحاح عليها قبل توفير‬
‫أجوائها‪,‬يفقد الكثير من قيمته‪ ,‬لن حصولها سيكون عسيراً‪,‬ونتائجها‬
‫محدودة ‪0‬وذلك كله لن أهمية تطبيق منهج أو فكرة أو‬
‫أسلوب‪,‬تتناقص كلما كانت شروط تجسيده أشق‪,‬وكلما كانت الفئة‬
‫التي يمكن إيصاله إليها أو قيامها به ضئيلة ومحدودة والعكس‬
‫بالعكس ‪0‬‬
‫ن من المؤسف أن كثيرا ً منا يطالب بنشر أفكار طيبة دون أن‬ ‫إ ّ‬
‫يعبر أدنى اهتمام لتدبير الوسائل والليات التي تجعل نشرها‬
‫ممكناً‪,‬أو التفكير فيما إذا كان توفير تلك الوسائل هو من الممكن‬
‫أصلً!‪0‬‬
‫مظاهر المرونة العقلية كثيرة‪,‬واستقصاؤها يطول‪,‬فلنكتف بما‬
‫ذكرناه ‪0‬‬

‫•تحســــــــين التفكيــــر عن طريق القبعات الست‪:‬‬


‫إن القبعات الست ليست قبعات حقيقة‪,‬وإنما عي عبارة عن‬
‫مواقف نفسية عقلية يجري تقمصها خلل جلسات الحوار‬
‫والمناقشة‪,‬وخلل حالت التفكير الفردي‪ ,‬وهذا موجز لهمها‪:‬‬
‫القبـــــــــــــعة الســـــــوداء‪:‬‬
‫_‪_124‬‬
‫تفكير القبعة السوداء‪,‬هو التفكير الناقد‪,‬وهو تفكيٌر منطقي‪,‬لكنه‬
‫سلبي ‪0‬وهو تفكيٌر مطلوب‪,‬وكثيرا ً ما يكون مبنيا ً على حقائق‬
‫وصادقاً‪,‬وإن كان ل يشترط أن يكون منصفا ً دائماً ‪0‬‬
‫على عكس ما يظن الناس‪,‬فإن إتاحة فرصة للنقد‪,‬ولبداء‬
‫الملحظات السلبية‪,‬ل تزيد في النقد‪,‬وإنما تخفف من حدته‪,‬وميل‬
‫ن إعطاء وقت للنقد‪ ,‬يعني أننا نجحنا في وضع حد‬ ‫الناس إليه ‪0‬إ ّ‬
‫للنقد القائم ‪0‬وهذا ينبهنا إلى جانب من الطبيعة البشرية حيث ل‬
‫يرغب الشخص الماهر في النقد أن يظهر بمظهر الضعيف في غير‬
‫هذا اللون من التفكير ‪0‬وعلينا أن نتذكر أن التفكير الناقد‪,‬هو على‬
‫مستوى ما تفكير بنائي‪,‬حيث ل يستغني أي عمل جيد عن المراجعة‬
‫وإعادة النظر‪.‬‬
‫والعمال التافهة وحدها‪,‬هي التي ل تحتاج إلى ذلك ‪0‬وهذا ل يمنع‬
‫ن الملكة النقدية‪,‬قد تتضخم لدى بعض الناس إلى حد‬ ‫من القول‪ :‬إ ّ‬
‫المرض ‪ 0‬وربما كان النقد شديد الغراء‪,‬لنه يمنح الناقد تفوقاً‬
‫سريعا ً على النظراء‪,‬على حين أن التفكير الذي يشيّد النظريات‬
‫والقوانين‪,‬يحتاج إلى وقت طويل‪,‬ويحتاج حتى يكتسب المصداقية‬
‫المطلوبة أن يتجسد في واقع مرئي‪,‬وليس كذلك النقد ‪0‬‬
‫سيكون النقد في أحسن أحواله حين يدخل في علقة جدلية مع‬
‫العمال البنائية اليجابية حيث يؤدي المزيد من النقد إلى تصحيح‬
‫العمل‪,‬ويؤدي تصحيح العمل إلى ترشيد النقد و تأطيره‪,‬والكشف‬
‫عن مدى صواب مقولته وطرحاته ‪0‬‬
‫ن حضور الجانب القاتم من الصورة ضروري لكتساب شيء من‬ ‫إ ّ‬
‫التزان‪,‬ولدفع لوثة (التهور)التي يصاب بها الكثير من العمال ‪.‬‬

‫القبـــــــــــــــــعة الصـــــــفراء‪:‬‬
‫تفكير القبعة الصفراء هو التفكير اليجابي الذي يركز على‬
‫اليجابيات في المسألة موضوع البحث‪,‬ويقوم به المرء بدافع من‬
‫الفضول والسرور ‪0‬ويستخدم النسان تفكير(القبعة الصفراء)في‬
‫الغالب حين تكون له مصلحة شخصية في الموضوع ‪0‬في بعض‬
‫الحيان تكون اليجابيات غير واضحة‪,‬وهذه هي التي ينبغي أن تلقى‬
‫الهتمام ‪0‬والناحجون دائما ً ينتبهون إلى جوانب النفع‬
‫الخفية‪,‬فيسبقون غيرهم ‪0‬‬

‫_‪_125‬‬
‫ن من الثابت أنه في أغلب الحالت‪,‬ل يغلق باب إل ويفتح معه باب‬ ‫إ ّ‬
‫آخر‪,‬لكن غالبا ً ما يصيبنا الرتباك‪,‬ونشغل بالباب الذي أغلق عن‬
‫الباب الذي فُتح ‪.‬‬
‫ن تفسير اليجابي ليس تفكيرا ً مبنيا ً على أوهام‪,‬ول علي مجرد‬ ‫إ ّ‬
‫ن الخط الفاصل بين الندفاع‬ ‫التفاؤل‪,‬ومع هذا فلبد من القول‪:‬إ ّ‬
‫الحمق والتفكير اليجابي المتفائل هو خط ضيّق جداً‪,‬وإن اختلط‬
‫المرين على الناس‪,‬ليس من المور المستغربة ‪0‬‬
‫ن تفكير القبعة الصفراء رؤية نافذة للجوانب اليجابية‪,‬ولو لم يكن‬ ‫إ ّ‬
‫مبنية على مؤشرات موضوعية‪,‬ثم تأتي بعد ذلك دراسة‬
‫متفائلة‪,‬لتبرز تلك اليجابية السارة في معطيات ملموسة ‪0‬‬
‫القبـــــــــــعة الخضــــــراء‪:‬‬
‫إن تفكير القبعة الخضراء‪,‬يعني النمو والتغيير‪,‬والخروج من المألوف‬
‫‪0‬إنه يخالف ميولنا الطبيعية التي تدعونا إلى البقاء ضمن الخط‬
‫المعهود؛فالعقل النساني‪,‬يكوّن لنفسه نماذج يقيس عليها ما يرد‬
‫عليه من أشياء من خارجه؛وكل ما ل يوافق النماذج المستقرة لديه‬
‫يتم طرحه وإبعاده ‪0‬‬
‫ل يعني الدخول في التفكير البداعي أن يغير المرء عقله‪,‬وإنما‬
‫يعني أن يستثمر المرء ما لديه من قدرة على التفكير على نحو‬
‫أشمل وأتم‪,‬بحيث يرى الحتمالت كلها ‪0‬‬
‫ن أكثر التفكير الذي نتشبع به من بيئاتنا مهيّأ لمعالجة‬ ‫إ ّ‬
‫المعلومات‪,‬وذلك مثل المنطق والرياضيات‪,‬والتنسيق بين‬
‫المعلومات ‪0‬وهذه العمليات‪,‬ل تحدث إل من خلل الرمز ‪0‬‬
‫والذي يقوم به التفكير البداعي‪,‬هو إيجاد أشكال جديدة‪,‬تضاف إلى‬
‫ما عندنا من تراكيب ندرك من خللها العالم ‪0‬التفكير المبدع‪,‬يحتاج‬
‫ة هو أن نوفر الوقت لستخراج حلول أخرى‪,‬ثم‬ ‫إلى وقت؛والعجل ُ‬
‫نختار منها الكثر مناسبة لحاجاتنا وإمكاناتنا ‪0‬‬
‫ن الحلول التي توصلنا إليها ليست‬ ‫ن من المهم أن نظل نرى أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الوحيدة‪,‬وقد ل تكون هي الفضل ‪0‬وهذه الرؤية وحدها هي التي‬
‫تجعل تطلعنا للجديد غير قابل للستفاد ‪0‬‬
‫القبــــــــــــــــــعة الــــــــزرقاء‪:‬‬
‫تفكير القبعة الزرقاء‪,‬يعني تفكير التحكم بأنواع التفكير الخرى ‪0‬إنّه‬
‫بمنزلة لوحة التحكم كبيرة‪,‬عليها أضواء وأزرار‪,‬و أذرعة التحكم‬
‫‪0‬ويمثل من يلبس القبعة الزرقاء دور القائد لجلسة الحوار والتفكير‬
‫‪0‬ومهمته ضبط عمليات التفكير وتوجيهها‪,‬فهو يحمي المجموعة من‬
‫_‪_126‬‬
‫النزلق أو البتعاد عن الموضوع الذي يدور حوله البحث أو‬
‫التفكير‪,‬كما أن عليه أن يوجه أنواع التفكير بحسب الظروف‬
‫المحددة؛ففي جو يكون الحاضرون فيه كثيري النفعال تجاه‬
‫الموضوع المطروح للبحث‪,‬يعطي للمشاعر و النفعالت وقتاً‬
‫أوسع‪,‬حتى يُخرج الحاضرون كل ما لديهم من مشاعر وأحاسيس ‪0‬‬
‫ن‬
‫وبعد فتح المجال لبداء المشاعر‪,‬قد يجد صاحب القبعة الزرقاء أ ّ‬
‫من المناسب إتاحة المجال لتفكير القبعة البيضاء أو السوداء‪,‬وهكذا‬
‫‪0000‬‬
‫نحن بحاجة إلى لبس القبعة الزرقاء في إحداث التوازن في تفكيرنا‬
‫الشخصي‪ ,‬حيث يمكن عن طريقها ضبط الموازين والمقادير في‬
‫ألوان التفكير المختلفة‪ ,‬فل يغلب على الواحد منا التفاؤل أو‬
‫التشاؤم أو النقد أو التفكير البنائي‪ ,‬ويتم إهمال الجوانب الخرى ‪0‬‬
‫إن في جلسات الحوار‪,‬وعمليات التفكير الفردي الكثير من‬
‫الفوضى والجنف‪,‬وما أكثر اختلط التفكير النقدي بتفكير العواطف‬
‫بتفكير المعلومات!‪0‬‬
‫ن من المألوف أن نرى جلسة كاملة‪ ,‬ل يذكر فيها إل النقد‪,‬كما أننا‬ ‫إ ّ‬
‫نرى جلسة أخرى‪,‬‬
‫ل نسمع فيها إل سرد المعلومات المفككة التي تُنثر دون أي تحليل‬
‫‪0‬وفي جلسة ثالثة نجد البشائر وألوان التفاؤل التي تنهال من كل‬
‫ن التفكير الجيد‪,‬يحتاج إلى ملحظة ومتابعة دائمة‪,‬حتى ل‬ ‫جانب ‪0‬إ ّ‬
‫يخرج عن مساره ويفقد توازنه ‪0‬‬

‫الفــــــــصل الثالث‪-:‬‬

‫ليس التفكير المستقيم سهل ً دائماً‪,‬ومن العسير أن نفكر بطريقة‬


‫شَرك التفكير غير‬ ‫منطقية موضوعية‪ ,‬ثم ل نقع خلل تفكيرنا في َ‬
‫المنطقي أو المتحيز أو الخرافي‪ .‬وأولئك الذين يفخرون بالتزام‬
‫المنهج العقلني في التعامل مع الشياء‪,‬ل يملكون أي ضمانات‬
‫للنجاة من ذلك ‪0‬‬
‫إنّنا حين نمارس التفكير في أي موضوع‪,‬فإننا في الحقيقة نستخدم‬
‫عددا ً من العناصر البالغة التعقيد‪,‬مثل مبادئنا العقلية وثقافتنا‬
‫العامة‪,‬والعادات النفسية والفكرية والمعلومات المتعلقة بالمسالة‬
‫موضوع التفكير‪,‬وعلقته الشخصية بنا ‪ ..‬ول نستطيع أن نستخدم‬

‫_‪_127‬‬
‫كل ذلك في فراغ‪,‬فهناك ضغوط ظرفية واجتماعية‪ ,‬تكتنف‬
‫تفكيرنا‪,‬وتؤثر على نحو ما فيه ‪ 0‬وبما أن كل ذلك ‪,‬ل يكون في‬
‫ن علينا أل نتوقع أن يكون باستطاعتنا دائماً‬‫العادة كامل ً ول نقياً‪,‬فإ ّ‬
‫النجاح في الوصول إلى تصورات وأحكام راشدة ‪0‬‬
‫كل تجديد لي بعد من أبعاد ذواتنا‪,‬ل بد أن يشتمل على إزالة‬
‫النقاض والتراكمات القديمة؛والفائدة من تعليم أساليب الصحيح‬
‫ستكون محدودة جدا ً ما لم نتمكن من محاصرة النماط القديمة‬
‫والمراض التفكيرية المعوجة ‪0‬‬
‫إن الفلّح يقلع الشواك والعشاب الضارة قبل أن يلقي ببذوره‬
‫ن مشكلة النحرافات الفكرية أنها كثيرا ً ما تظل خارج منطقة‬ ‫‪0‬وإ ّ‬
‫الوعي‪,‬فمعظم الناس يشعرون بالرضا عن حالتهم الفكرية‪,‬وذلك‬
‫طبيعي‪,‬فالفكر الذي يقوَّم غيره على نحو خاطئ يرتكب الخطأ حين‬
‫يقوَّم نفسه ‪0‬‬
‫عدم الوعي بالخطأ الفكري هو الذي يجعل الناس ل يشعرون بأية‬
‫مسؤولية تجاهه ‪ ,‬وهو السبب في عدم رغبتهم في مقارنة أنماطهم‬
‫الفكرية بأنماط غيرهم‪ ,‬وعدم الحرص على سماع آراء‬
‫الخرين‪,‬والنفتاح على تصورهم للمور؛مما يحرمهم من رؤية‬
‫موضوعية أدق وأوسع ‪0‬‬
‫ن كثيرا ً من أشكال التعثر التي تلقيها في حركتنا النهضوية‬ ‫إ ّ‬
‫والعلمية خاصة‪,‬يعود إلى أننا لم نستطع أن نخترق الكثير من‬
‫طرقنا وعاداتنا الفكرية التي ورثناها من عهود النحطاط؛فنحن في‬
‫الحقيقة ما زلنا نكرر الخطاء السابقة‪,‬ولدينا نوع من المناعة ضد‬
‫التعليم منها!‪0‬‬
‫المشكلت التي نواجهها في الحياة‪,‬تزداد كما ً وكيفاً‪,‬ل بسبب تعقد‬
‫أساليب العيش فحسب‪,‬وإنما لن النمو جزء من طبيعة‬
‫المشكلت‪,‬ولذا فإن المستوى الفكري الذي يكون سائدا ً عند ولدة‬
‫مشكلة ما يصبح بعد مدة غير كاف لمعالجة تلك المشكلة‪,‬ما لم‬
‫تكن قد نجحنا في زيادة كفاءته‪,‬وتخليصه مما يعانيه من عيب‬
‫وقصور ‪.‬‬
‫لن نستطيع أن نحل مشكلتنا المختلفة إذا لم نعالج طرق التفكير‬
‫لدينا‪,‬ما دامت هي الداة التي سنستخدمها في معالجة كل شيء‬
‫‪0‬والسس العميقة لكل مشكلت المة قابعة في عقولها ونفوسها‬
‫‪0‬وعليها أن تضرب على الجذور‪,‬فضربة واحدة على الجذور خير من‬
‫ألف ضربة على الغصان ‪0‬‬

‫_‪_128‬‬
‫النماذج التي تجسد العوجاج في التفكير كثيرة‪,‬ول تتسع المساحة‬
‫هنا لستعراض كثير منها‪,‬فإليك شيئا ً من أهمها في المفردات التية‪:‬‬
‫‪ ‬إصــــــــدار الحكام المسبقة‪:‬‬
‫نحن إذ نفكر ننطلق من مبادئ ومسلمات ثقافية‪,‬ونعد من ل‬
‫َ‬
‫يملكون تلك المسل ّمات غير قادرين على التفكير الكفء‬
‫من تسايل عمليات التفكير‬ ‫‪0‬المسلَّمات الفكرية والثقافية‪,‬ل تؤ َّ‬
‫من له‬‫فحسب‪ ,‬وإنما تريح العقل من عناء البحث والتمحيص‪ ,‬أي تؤ َّ‬
‫نوعا ً من العطالة والسكون‪,‬ومن هنا تنبع جاذبيتها وخطورتها في آن‬
‫واحد ‪0‬‬
‫َّ‬
‫لو فتشنا في عقولنا‪,‬لعثرنا على مخزن ضخم من المسلمات‬
‫المتعلقة بالناس والفكار والحداث ‪0‬وتصنيفات المم والشعوب‬
‫بعضها لبعض نموذج صارخ على ذلك؛فالشعب الفلني‬
‫كسول‪,‬والشعب الفلني محتال‪,‬والشعب الفلني ماهر ‪ ...‬ووسائل‬
‫العلم في الغرب(العقلني)تميل إلى وصم كل مسلم بالرهاب‬
‫‪0‬أما العرب في نظرها فهم شعوب مهووسة بالتبذير والجنس‪,‬‬
‫فوضوية جاهلة ‪ ...‬وهكذا فهناك أحكام عامة ظالمة‪,‬ل يعرف‬
‫مصدرها‪,‬وليس هناك أدلة موثوقة لتعميمها على أمة أو شعب‬
‫بأكمله‪,‬لكنها راسخة جداً‪,‬ومن العسير تغييرها ‪0‬وتلك الصور الذهنية‬
‫المنطبعة‪,‬تشكل مشاعر الناس‪,‬وتوجه سلوكهم‪,‬وتنظم ردود‬
‫أفعالهم ‪0‬‬
‫إنسان القرن الحادي والعشرين مع أنه يتحدث عن العولمة والقرية‬
‫الكونية وتلقي الثقافات‪,‬إل أنه غير قادر على تغيير أنماط تفكيره‬
‫القديمة‪,‬فهناك انجذاب هائل نحو القليمية والعنصرية والطائفية‪,‬أي‬
‫هناك انسحاب من(عالمية) الرؤية والثقافة والحساس المشترك‬
‫في الوقت الذي تتسع فيه عالمية التجارة‪ ,‬ويتسايل انتقال‬
‫المعلومات والشياء!‬
‫سيكون من المفيد حين نسمع حكما ً ل يستند إلى أي إحصاء أن‬
‫نحاول التعرف على النماذج التي تخالف ذلك الحكم‪,‬وسنجد آنذاك‬
‫نماذج كثيرة معاكسة لما هو شائع‪,‬وسنتمكن في ذلك الحين من‬
‫كسر بعض الغلل التي تكبل عقولنا ‪0‬‬
‫‪‬ســـوء التعامل مع المعلومات غير الملئـــــــمة‪-:‬‬
‫حين نكوَّن اعتقادا ً ما فإن القوى غير الواعية فينا تحشد على نحو‬
‫غير مرئي كل الدلة والبراهين التي تقوَّيه‪,‬وتجعله أمرا ً غير قابل‬
‫للنقاش ‪0‬وحين تأتينا معلومات تناقض ما انتهينا إليه‪,‬فإن‬
‫_‪_129‬‬
‫أكثرنا‪,‬يحاول الفلت من التغييرات التي تقتضيها المعلومات‬
‫الجديدة‪,‬ونحاول تحويرها أو إسقاطها من العتبار‪,‬أو التشكيك في‬
‫صحتها ‪...‬‬
‫إذا قيل لنا‪:‬إن صديقنا أحمد البارع جدا ً والمتفوق جدا ً كان بطيئا ً في‬
‫القراءة حين كان طالبا ً في المدرسة‪,‬فإننا ل نقبل هذه‬
‫المعلومة؛لنها مناقضة لعتقادنا أن الطفال الذين يستغرقون وقتاً‬
‫طويل ً لكي يتعلموا القراءة هم أقل ذكاء من الخرين ‪0‬ومن ثم فإن‬
‫بطء صديقنا أحمد في القراءة‪,‬ل يغير من الحقيقة شيئاً‪ ,‬بل هو‬
‫الشذوذ الذي يؤكد القاعدة‪,‬فأحمد عبارة عن شخص واحد‪,‬فل‬
‫ينبغي أن يؤخذ في الحسبان!‪0‬‬
‫َ‬
‫في بعض الحيان ل نسل ّم أن أحمد كان بطيئا ً في القراءة‪,‬فهو‬
‫متفوق في جميع المهارات الدراسية‪,‬ولم يُعرف عنه أنه يشكو من‬
‫ن أحمد كان ذكيا ً جداً‪,‬والبطيء في‬ ‫صعوبة تعلم أي مهارة‪,‬ثم إ ّ‬
‫القراءة ل يُعد في الذكياء جداً‪,‬فهو إذن ل يمكن أن يكون بطيئاً‬
‫في القراءة ‪0‬‬
‫وقد نقول‪:‬إن من صَّرح بذلك لم يكن على خبرة به‪,‬أو إنه قال ذلك‬
‫َ‬
‫بدافع الحسد أو الحقد‪.‬وهكذا فالمسل ّمات لدينا تحول دون‬
‫الستفادة من المعلومات!‪ .‬في أحيان كثيرة ل نفنَّد المعلومات‬
‫التي تشوش على آرائنا‪,‬ونعاملها بإهمال شديد‪-‬لنها ل تستحق‬
‫الهتمام‪-‬ومن ثم فإنه يتم تخزينها‪,‬ويصبح المر كما لو أن العقل‬
‫لدينا ليس فيه(خانة)مستعدة لقبول المعلومات المشوَّشة ‪0‬لو أننا‬
‫أردنا تذكر تلك المعلومات‪,‬فإننا ل نستطيع‪,‬لنه لم يتم إدخالها في‬
‫الذاكرة‪,‬وبالتالي فإنها لم تختلط بنماذجنا وأنساقنا الفكرية‬
‫الخـــــاصة ‪0‬‬
‫هذه الحالة بعيدة الثر في التركيب العقلي لكثير من الناس ‪0‬ومن‬
‫المؤسف أن أكثر الناس يقرؤون التاريخ بأحداثه المختلفة بهذه‬
‫الطريقة‪,‬كما يقرؤون الواقع‪ ,‬ولذا فالفائدة من دراسة التاريخ‬
‫حص في مجريات الحداث‪,‬تكاد تكون معدومة لديهم!‪0‬‬ ‫والتف ُّ‬
‫لست أدعو إلى أن يغير المرء آراءه عند كل معلومة جديدة تفد‬
‫إليه‪,‬ولكن الذي أصر عليه هو أن نأخذ ما يخالف تصوراتنا وأحكامنا‬
‫بالجدية التامة‪,‬وأن نتعامل معه بالسلوب نفسه الذي نتعامل به مع‬
‫ما يوافقها‪,‬ويدعمها ‪0‬‬
‫‪‬الضـلل في تـــــــفسـيـر الظـــــــــــــواهر‪-:‬‬

‫_‪_130‬‬
‫لو تساءلنا‪:‬هل الضلل الذي ينشأ من اختراع أمور‪,‬ل أصل لها‬
‫أعظم أو الضلل الذي ينشأ من تفسير أمور موجودة تفسـيراً‬
‫خاطئاً ؟‬
‫لكان الجواب‪-‬من غير تردد‪-‬إن الضلل الذي يجتاح حياتنا الفكرية‬
‫من وراء التفسيرات الخاطئة أعظم بكثير من الضلل الذي ينشأ‬
‫ن كشف الكذاب كثيرا ً ما يكون‬ ‫من الكذب الصراح‪ ,‬حيث إ ّ‬
‫سهلً‪,‬لكن التفسير الخاطئ‪,‬هو في أكثر الحيان نتاج نقص في‬
‫معلومات وقصور في التركيب العقلي‪,‬وهذا الخير هو الداء العياء‬
‫الذي يحتاج علجه إلى صبر ل يعرف النفاد!‪0‬‬
‫نجد في خبراتنا اليومية التي نمر من يقول‪:‬إن فلنا ً متفوق؛لن أباه‬
‫ل يكلفه شيء فهو متفرغ للدراسة‪,‬وفلن منحرف؛لنه نشأ‬
‫يتيماً‪,‬فلم يلق التربية المناسبة ‪ .‬والبلد الفلني ثري‪,‬لنه يملك أنهاراً‬
‫غزيرة ‪0‬والشعوب السلمية متخلفة؛لنها تقع تحت ضغوط مؤامرة‬
‫كبرى‪,‬وهكذا ‪000‬ولو أردنا تمحيص هذه التفسيرات‪ ,‬لوجدنا أنها‬
‫جميعا ً محتملة وليست قطعية‪,‬فهناك طلب أثرياء ومفَّرغون‬
‫للدراسة‪ ,‬ومع ذلك يرسبون ‪0‬وهناك أعداد ضخمة من اليتام ذوي‬
‫السلوك الحسن والخلق الرفيع ‪,‬وهناك ‪000‬‬
‫ن تفسير الظواهر الكبرى بعامل واحد من أكثر الخطاء الفكرية‬ ‫إ ّ‬
‫انتشاراً‪ ,‬وهو الذي يقبع خلف عدد ل ينتهي من التفسيرات الخاطئة‬
‫للحوادث التاريخية والحداث المعاصرة‪,‬ول علج له سوى إيراد كثير‬
‫سر مع تخلف النتائج المزعوم‬ ‫من المثلة‪,‬يتوفر فيها العامل المف َّ‬
‫ارتباطها به ‪0‬‬

‫‪‬تأثيـــــــر النطــــباعات الولـــــــى‪-:‬‬


‫الحاسوب يعمل وفق تسلسل منطقي صاف وتام ‪0‬أما العقل‬
‫البشري‪,‬فليس كذلك‪,‬فنحن ل نستطيع أن نقوَّم الشياء بعيدا ً عن‬
‫مشاعرنا وثقافتنا‪,‬ول عن الظروف التي نمر بها؛ولذا فإن من‬
‫السهل أن نقع ضحية لبعض النطباعات الولية غير‬
‫الصحيحة؛لنصدر بعد ذلك أحكاما ً غير صحيحة ‪0‬‬
‫في عام ‪1946‬م أجرى(سولومون أش)تجربة سأل فيها بعض الناس‬
‫أن يكوَّنوا رأيا ً في شخص‪,‬وصفه بأنه(ذكي‪,‬مجتهد‪,‬مندفع‪,‬ميال إلى‬
‫النقد‪,‬عنيد حسود)وسأل أناسا ً آخرين السؤال نفسه‪,‬لكنه بدأ‬
‫بالصفات السلبية‪:‬حسود عنيد ميال إلى النقد ‪000‬وكانت النتيجة أن‬
‫_‪_131‬‬
‫الفريق الول كوَّن آراء أكثر إيجابية حوله من الفريق الثاني‪,‬حيث‬
‫إن الصفات التي تم تقديمها في البداية‪,‬كانت إيجابية‪,‬فكوّنت‬
‫انطباعا ً أوليا ً إيجابيا ً أثَّر في الحكم النهائي ‪0‬‬
‫وأعتقد أن تقويم واحد ممن استفتوا سيكون أقل إيجابية لو كان‬
‫آنذاك خارجا ً من قسم من أقسام الشرطة‪,‬بسبب مشكلة وسببها‬
‫تهور أحد أبنائه ‪0‬‬
‫مظهر الشخاص الذي نقابلهم شديد التأثير في تكوين النطباعات‬
‫الولية‪ ,‬وكذلك الشياء السريعة والخاطفة التي ل تتيح لنا فرصة‬
‫للمحاكمة والتمحيص ‪0‬‬
‫وعلى كل حال فلن يكون شيء من ذلك ضارا ً إل إذا تسرعنا في‬
‫إصدار الحكام‪ ,‬وخضعنا لما كوَّناه من انطباع أولي‪,‬أو خضعنا‬
‫لظروفنا ومشاعرنا وتجاربنا الخاصة‪,‬وسيظل الوعي بذلك هو‬
‫الخطوة الولى على طريق التصحيح ‪0‬‬

‫‪‬تأثيـــــــــــر الهالة‪-:‬‬
‫قدرة الناس على مناقشة الفكار‪,‬ومعرفة مزايا الشياء على نحو‬
‫دقيق‪ :‬محدودة‪,‬ولذا فإنهم يتشبثون بأي شيء يمكن أن يساعدهم‬
‫على استيعاب ما يرغبون في استيعابه ‪0‬‬
‫وعلى الرغم من الستفاضة في الحديث عن ضرورة احترام‬
‫التخصص وعن ضرورة اعتماد الفهم المستقبل‪,‬إل أن الصحيح أن‬
‫الستيعاب الموضوعي والمجرد للمور‪,‬مازال ضيئلً ‪0‬وربما كان لهذا‬
‫الزخم الهائل من المنتجات‪-‬من كل النواع‪-‬تأثيره في ذلك‪,‬حيث‬
‫صار الناس يشعرون بعدم القدرة على اللمام الشخصي بكل ما‬
‫يتم اطلعهم عليه‪,‬فيلوذون بغيرهم ليساعدوهم على ذلك ‪0‬‬
‫حين يتفوَّق إنسان ما في مجال ما‪,‬فإنه يكوَّن لنفسه(هالة)تترك‬
‫انطباعا ً بالجدارة والثقة لدى الخرين ‪0‬وبتأثير تلك الهالة ينسى‬
‫الناس جوهرية (الختصاص) ويسألون المعجبين بهم عن أشياء‬
‫ليس هناك أي دليل على تفوقهم في فهمها ومعرفتها ‪0‬‬
‫ومن المألوف اليوم أن يُقبل الناس على استخدام نوع من‬
‫الصابون أو العطر أو معجون السنان ‪000‬لن النجم الفلني‬
‫يستخدمه‪,‬أو ظهر في دعاية له ‪0‬وطالما سئل رياضيون وفنانون عن‬
‫قضايا سياسية واجتماعية وتاريخية‪,‬وينفعل بعض الناس بأجوبتهم‬
‫أكثر من انفعالهم بأجوبة بعض المختصين!!‪0‬‬
‫_‪_132‬‬
‫إذا كنت قد اشتريت جهازا ً يا بانياً‪,‬وأعجبت بأدائه‪,‬فإنه ربما يتولد‬
‫لديك انطباع بأن كل الصناعات اليابانية متفوقة ‪0‬إذا بهرت بطيبة‬
‫شخص‪,‬ينتمي إلى بلد معَّين‪,‬فليس من المستبعد أن يترسخ في‬
‫نفسك أن أهل ذلك البلد كلهم طيبون ‪0‬إذا اجتذب أحد مندوبي‬
‫المبيعات اهتمامك بحديثه البارع أو مظهره النيق أو طريقة‬
‫استخدامه للصور التوضيحية‪ ,‬فإنك غالبا ً ستصدق ما يقوله عن‬
‫بضاعته ‪0‬‬
‫في عصرنا هذا صار ل(الحقيقة العلمية)هالة كبيرة‪,‬فنحن نحترمها‬
‫أشد الحترام‪ ,‬ونحاول الستفادة من مؤشراتها‪,‬لكن كما أنه من‬
‫السهل أن تتاجر بعملة زائفة‪ ,‬فمن السهل أيضا ً أن يتاجر بعض‬
‫الناس بالحقائق العلمية ‪0‬وقد وقع كثير من الناس ضحية لتناول‬
‫أدوية تخلصهم من السمنة أو الصلع‪,‬حيث بُهروا بالشرح العلمي‬
‫لميزاتها وخصائصها ‪0‬‬
‫تقوم معظم فروع العلم بتطوير لغتها الفنية الخاصة‬
‫‪0‬وتستطيع(التعبيرات الخاصة) والغامضة غموضا ً مقصودا ً أن تضلل‬
‫السامعين والقراء‪,‬وتولد لديهم نوعا ً من النبهار‪,‬وبالتالي الستسلم‬
‫والسقوط في يد المتحدث والكاتب ‪0‬هذا كله يدعونا إلى أن نحاول‬
‫جعل عقولنا دائما ً متيقظة‪,‬وأن نتعلم المزيد عن كيفية (تقييم)‬
‫ل من‬ ‫المعلومات الواردة إلينا‪,‬كما يوجب علينا أل نم َّ‬
‫طلب(تبسيط)ما نسمعه ليكون بلغة السهل‪,‬وأن نتعود تأجيل إصدار‬
‫الحكم عند عدم وجود ما يكفي من القناعة والوضوح ‪0‬‬

‫‪‬المـــــــــــــــــــــبالـــــــــــــــــــــغـــــــــــــة‪-:‬‬
‫نحن ل ندرك الشياء بطريقة مباشرة‪,‬وإنما عبر وسيط ثقافي‬
‫وفكري ونفسي أيضاً؛مما يجعل رؤيتنا لها قابلة للكثير من‬
‫الخصوصية‪,‬وبالتالي للكثير من النحراف ‪ .‬المبالغة مرض واسع‬
‫النتشار في كل زمان ومكان‪,‬والبنية التحتية له بنيه فكرية‬
‫نفسية‪,‬فالدراك القاصر‪,‬‬
‫وضعف المحاكمة العقلية‪,‬مما يدفع إلى المبالغة على النحو الذي‬
‫تدفع إليه الهواء والمراض النفسية‪,‬والنطباعات الخاصة والخاطئة‬
‫‪0‬ولعلنا نلقي الضوء على بعض مظاهرها في التي‪:‬‬
‫أ‪/‬بعض الناس يميل إلى تضخيم كل الشياء لتبدو كأنها‬
‫مجموعة(كوارث)فهم يتوقعون دائما ً السوأ‪,‬فأي ألم مفاجئ يصيب‬
‫الواحد منهم‪,‬هو دليل على وجود مرض خطير‪.‬‬
‫_‪_133‬‬
‫وأي خطأ يقع فيه يمكن أن يحرمه من وظيفته ‪000‬‬
‫ب‪/‬هناك من ينجذب إلى(تعميم الفتراض)فلن شيئا ً ما قد‬
‫وقع‪,‬فهذا يعني أنه سيقع دائماً‪,‬فإذا نسي موظف لديه تنفيذ أحد‬
‫طلباته قال له‪:‬إنك تنسى دائما ً ما أطلبه منك ‪0‬وإذا تبين له أن‬
‫إحدى الذاعات كذبت في خبر من الخبار‪,‬حكم بأن تلك الذاعة ل‬
‫تصدق أبداً!‪0‬‬
‫ج‪/‬بعض الناس يبالغ في إعطاء الحداث السلبية أهمية أكثر مما‬
‫تستحق‪,‬وهو في الوقت نفسه يقلل من قيمة المور اليجابية؛فإذا‬
‫رسب في اختبار لنيل (رخصة قيادة)‬
‫حكم على نفسه بالغباء؛لنه يرى أن النجاح في اختبار كهذا سهل‬
‫سر ذلك بأنه‬ ‫على كل الشخاص السوياء ‪0‬وإذا أثنى عليه شخص ف َّ‬
‫مجاملة من أجل رفع معنوياته ‪ .‬وإذا نجح في أمر من المور اعتبر‬
‫ذلك من باب الحظ أو المصادفة ‪ ..‬إنهم يمارسون نوعا ً من تعذيب‬
‫النفس دون أي مسوَّغ !‪0‬‬
‫د‪/‬تتجلى المبالغة في بعض الحيان في صورة قراءة لما في عقول‬
‫الخرين‪ ,‬حيث يعتقد بعض الناس أنه يملك حساسية خاصة لمعرفة‬
‫ما يدور في أذهان الناس‪,‬وما تنطوي عليه سرائرهم؛فإذا توجهت‬
‫إليه شركة بسؤال ظن أنها سألته لنها لم تعثر على شخص آخر‬
‫بإمكانه أن يجيب على أسئلتها ‪0‬وإذا واجه مشكلة ولم يتدخل فيها‬
‫أحد من أصدقائه‪,‬‬
‫فليس ذلك بسبب محافظتهم على خصوصيته ‪ ,‬وإنما بسبب‬
‫إهمالهم له ‪ ,‬أو شماتتهم به ‪ .‬وإذا نصحه شخص بنصيحة‪,‬فذلك‬
‫ليس بقصد إصلحه‪,‬وإنما بقصد تحطيمه أمام نفسه وهكذا ‪000‬‬
‫هـ‪/‬المبالغة تأخذ في بعض الحيان شكل ً من أشكال عدم‬
‫التزان‪,‬فترى بعض الشخاص يتحولون من النقيض إلى نقيضه‬
‫بسرعة البرق؛فبسبب كلمة أو حرمة‪,‬‬
‫يمكن أن يصبح مشروع ما مشروع العمر‪,‬ويمكن أن يصبح الصديق‬
‫الحميم عدوا ً ‪..‬‬
‫وتجد هذا في تعبيراتهم‪(:‬إن كان بوسعك أن تقول ذلك فهذا يعني‬
‫أن علقتنا ل تعني أي شيء)‪(,‬خطأ واحد يفسد المر كله)‪(,‬إذا لم‬
‫أستطع تصحيح هذا المر فسأتوقف عنه كلياً)‪0‬‬
‫هناك أشكال أخرى من المبالغة تتجلى في مديح الخرين‪,‬وفي‬
‫ذمهم‪,‬وفي تصوير بعض الوقائع التاريخية‪,‬سبقت لنا معالجتها(‪([)1‬‬

‫_‪_134‬‬
‫‪)1‬انظر بعض ذلك في كتابنا‪:‬فصول في التفكير الموضوعي ص‬
‫‪204‬وما بعدها]‬
‫وأعتقد أن كثيرا ً من الوسائل العلمية‪,‬يبني بأساليب شتى عقلية‬
‫(المبالغة) وضعف حركة النقد‪,‬إلى جانب انعدام أجواء المصارحة و‬
‫المناصحة‪,‬يساعد على استمرارها بل نموها ‪0‬والحد من هذا‬
‫النحراف الخطير‪,‬سيظل مرتبطا ً بمدى درجة الوعي لدينا‪ ,‬وبمدى‬
‫ما نحققه من تقدم حضاري ‪.‬‬

‫‪‬القـــــــــراءات القـاصــــــــرة‪-:‬‬
‫نحن نحاول باستمرار أن نستوعب الواقع الموضوعي‪,‬ونسلك إلى‬
‫ذلك مسالك شتى‪ ,‬لكن قد نوفق فيما نرمي إليه‪,‬وقد نخفق‬
‫‪0‬وكثيرا ً ما نخرج بنتائج غير صحيحة بسبب عدم معرفتنا ببعض‬
‫القواعد الساسية في علم(الحصاء)وهذه بعض النماذج على ذلك‪:‬‬
‫‪-‬حين نريد أن نحكم أن طرازا ً معينا ً من السيارات يعمر أكثر من‬
‫غيره‪,‬فإن علينا أن نعاين أكبر عدد ممكن منه ‪0‬وكلما كانت العيَّنة‬
‫كبيرة‪,‬وكانت عشوائية كان الحكم أقرب إلى الصحة ‪0‬وسيكون من‬
‫مر واقتصادي من خلل‬ ‫الخطأ أن نحكم على طراز بأكمله بأنه مع ّ‬
‫مشاهدة سيارة واحدة؛فربما كان صاحبها‪,‬ل يستخدمها إل‬
‫لماماً‪,‬وربما كانت هي في الصل ذات مواصفات خاصة‪,‬وربما كانت‬
‫الظروف المناخية التي تستخدم فيها أكثر ملءمة ‪...‬‬
‫وإذا أردنا أن نعرف نسبة المصلين في مجتمع‪,‬فل ينبغي أن‬
‫نصمم(استبانه) ونوزعها على طلب كلية الشريعة؛لنعرف المصلى‬
‫من غيره ‪0‬وإذا أردنا أن نقيس مستوى دخل الفرد في بلد‪,‬فل ينبغي‬
‫أن نأخذ عينة من رجال العمال أو العمال ‪000‬فالعيَّنة في كل هذا‬
‫ليست عشوائية‪,‬ول تمثل المجتمع على نحو صحيح ‪0‬نعم يمكن لهذه‬
‫العينات أن تعطي مؤشرات على الفئات التي أخذت منها ليس أكثر‬
‫‪0‬‬
‫‪-‬العداد المطلقة‪,‬قد تصدمنا‪,‬وقد تدفعنا إلى تفاؤل غير ذي‬
‫معنى؛لنها في الحقيقة ل تعني أي شيء ما لم نطلع على بعض‬
‫الحيثيات المتعلقة بها ‪0‬وعلى سبيل المثال إذا سمعنا أم حوادث‬
‫السير في بلد الفلني تسبب وفاة ألف شخص في العام‪,‬فإن هذه‬
‫المعلومة‪,‬ل تعني أي شيء ما لم نعرف عدد السكان في ذلك‬
‫البلد‪,‬وما لم نعرف عدد السيارات التي تتجول في طرقه‬
‫_‪_135‬‬
‫وشوارعه‪,‬وهل ذلك الرقم يمثل تحسنا ً مقارنة بالسنوات‬
‫السابقة؟وإذا كان في زيادة‪,‬فهل زيادته مساوية لنسبة الزيادة‬
‫السكانية‪,‬وزيادة عدد السيارات فيه أو أكثر أو أقل؟‬
‫وإذا قارنّا أعداد تلك الوفيات بما هو موجود في البلدان‬
‫الخرى‪,‬فهل تكون منخفضة أو مرتـــــــفعة ؟‪0‬‬
‫ن بلدا ً كالهند‪-‬مثلً‪-‬سيكون أفضل بلد في العالم إذا كانت وفيات‬ ‫إ ّ‬
‫عدد حوادث السيارات فيه ثلثة آلف شخص في العام‪,‬على حين‬
‫أن هذا العدد سيجعل بلدا ً مثل قَطَر أو سنغافورة أسوأ بلد في‬
‫العالم في هذا الجانب ‪0‬والسبب هو الفارق الساسي في عدد‬
‫السكان الذي يزيد مئات المرات ‪0‬‬
‫‪-‬كثير من الناس يظن حين يرى أمرين يحدثان معا ً أن أحدهما‬
‫سبب لخر‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال فإن ذوي الشعر الحمر كثيرا ً ما تكون وجوههم‬
‫شاحبة‪,‬لكن أيا ً من هاتين الظاهرتين ل يؤثر في الخرى‪,‬وليس سبباً‬
‫ن تناول النسان لحبة(أسبرين)أثناء إصابته بالزكام تجعله‬‫لها ‪0‬إ ّ‬
‫يشعر بالتحسن‪,‬لكن من المستبعد أن تؤثر في سرعة شفائه ‪.‬‬
‫وهكذا فل بد من فحص دقيق لنوعية المقارنة والرتباط بين الشياء‬
‫المقترنة قبل إصدار حكم حولها‪,‬ول سيما في المسائل النسانية‬
‫والجتماعية؛فنحن نستطيع أن نربط بين الرياح الشديدة البرودة‬
‫ودرجات الحرارة المنخفضة جدا ً وبين تيبس أوراق الشجر وأعشاب‬
‫الرض على نحو يقيني‪,‬لكن ل نستطيع أن نملك اليقين نفسه في‬
‫التعامل مع قضية أسرية‪-‬مثلً‪-‬فل يجوز أن نقول‪:‬إن كثرة الخلفات‬
‫بين البوين سوف تؤدي قطعا ً إلى انحراف سلوكي لدى أطفالهم‪,‬‬
‫حيث إن التمزق السري‪,‬ليس هو العامل الوحيد الوثيق الصلة‬
‫بالموضوع ‪0‬‬
‫ن العيش في الزمان الصعب يتطلب ملحقة مستمرة لوجه‬ ‫إ ّ‬
‫القصور والخلل في فهمنا للشياء وتعاملنا معها؛ول يمكن أن‬
‫نطمئن إلى ما ننجزه في هذا الشأن‪ ,‬ونكتفي به؛‬
‫فالتفكير المستمر‪,‬ينتج باستمرار مشكلت جديدة ‪0‬وبإمكاننا أن‬
‫نذكر المزيد من أشكال العوجاج في التفكير‪,‬لكن نكتفي بما‬
‫ذكرناه هنا‪.‬اتكاءً على ما ذكرناه من قبل في (فصول في التفكير‬
‫الموضوعي)من نحو التعصب‪,‬وعقلية البعد الواحد ‪ ,‬والتفسير‬
‫التآمري للتاريخ‪,‬وإسقاط القاعدة بالمثال الشاذ‪,‬وتقديس الشخاص‬
‫‪ ,‬والكيل بمكيالين ‪000‬فارجع إليها إن شئت ‪0‬والله ولي التوفيق ‪0‬‬

‫_‪_136‬‬
_137_
‫الفصل الرابع‪-:‬‬

‫تجديد البعد النفسي‪:‬‬


‫ت‬
‫سس معالم الطريق‪,‬ويستنبط من مصادر عدة إشارا ٍ‬ ‫العقل يتح َّ‬
‫للفعل والكف‪,‬أما النفس فتشكَّل البُنية العميقة للسلوك‬
‫والعلقات‪,‬وفيها تصب حصيلة ذلك كله ‪0‬‬
‫إذا استعرضنا أدبيات المم‪,‬وجدنا تركيزا ً غير عادي عليها‪,‬حيث‬
‫المطالبة الملحة بالصفاء والنقاء والتطهر من أوضار المادة‬
‫والشهوات‪,‬وحيث المطالبة بالرقي والسمو والترفع ‪000‬‬
‫نصوص كثيرة تشير إلى محورية(تركيز النفوس)في رسالت‬
‫النبياء‪-‬عليهم الصلة والسلم‪-‬مما يدل على أن العناية بها ظلت‬
‫على مدار التاريخ ذات أهمية استثنائية‪,‬كما ظلت درجة صلحها‬
‫مقياسا ً معتبرا ً لمدى استجابة الناس للدعوة‪,‬وقبولهم للهدية ‪0‬يقول‬
‫الله‪-‬جل وعل‪{-:-‬هو الذي بعث في المين رسول منهم يتلوا‬
‫عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من‬
‫قبل لفي ظلل مبين}[الجمعة‪0 ]2:‬فجعل تزكية النفوس مهمة‬
‫أساسية من مهمات الرسول وقال‪-‬سبحانه‪{-‬قد أفلح من زكاها‬
‫وقد خاب من دساها}[الشمس‪]10-9:‬فحكم بالفلح لمن اهتم‬
‫بإصلح نفسه وتزكيتها ‪0‬‬
‫القرآن الكريم يعلمنا أن زوال النعم‪,‬وتبدل الحوال إلى السوأ‪,‬ل‬
‫ينشأ أساسا ً من تدهور البيئة‪,‬ول خراب العمران‪,‬وإنما من تغير‬
‫النفوس وانحطاطها‪{:‬ذلك بأن الله لم يك مغيراً‬
‫نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم‬
‫كذاب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم‬
‫بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين}[النفال‪0]54-53:‬‬
‫وإذا أراد الناس استعادة ما فقدوه‪,‬وإصلح ما أفسدوه‪,‬‬
‫فالخطوة الولى على طريق العودة أيضا ً نفسية‪{:‬إن الله ل يغير‬
‫ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد‪0]11:‬‬
‫ن تمايز النسان عن الشجر والحيوان وقدرته على الخروج عن‬ ‫إ ّ‬
‫الخطوط الغريزية التي تضمن سلمته‪,‬وتكيفه مع بيئته‪,‬ويوجب عليه‬
‫أن يقوَّي داخله حتى يستطيع ضبط نزواته‪,‬كما أن عليه أن يُدعَّم‬
‫جهازه النقدي الداخلي؛حتى يتمتع بالقدرة على التمييز بين الشياء‬
‫_‪_138‬‬
‫شد اختباراته بين تلك‬ ‫الحسنة والشياء القبيحة‪,‬وحتى ير َّ‬
‫الشياء‪,‬ويكون قادرا ً على تحمل مسؤولية تلك الختيارات ‪0‬‬
‫التحديات التي تواجه المم كالتحديات التي تواجه الفراد هي غالباً‬
‫داخلية‪ .‬والفراد العظماء كالمم العظيمة حين يشتد عليهم الهجوم‬
‫من الخارج‪,‬ل ينهمكون في أنشطة خارجية لصده‪,‬وإنما يرتدُّون إلى‬
‫الداخل تنمية وتحصينا ً وتنظيما ً وتطهيراً ‪0‬‬
‫وهذا هو القرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة الهائلة بأبسط‬
‫أسلوب‪{:‬إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة‬
‫يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا ل يضركم كيدهم شيئا إن الله‬
‫بما تعملون محيط}[آل عمران‪0]120:‬ويقول‪{:‬يأيها الذين‬
‫امنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة‪:‬‬
‫‪0]105‬‬
‫ن كل الحلول في الرؤية السلمية‪,‬هي حلول تتم في الداخل‬ ‫إ ّ‬
‫أولً‪,‬ثم يتم النطلق إلى الخارج ‪0‬المم التي لم تجد الطريق‬
‫الصحيح في الحياة‪,‬وتلك التي تعرفه ول تجد الطاقة لدفع تكاليف‬
‫السير فيه‪,‬تحاول دائما ً أن تغطي على مشكلتها الداخلية بالتجاه‬
‫إلى الخارج‪,‬تتسوَّل منه الحلول‪,‬أو تصرف عن طريقة النتباه عن‬
‫أزماتها الداخلية من خلل اختراع حرب مع قريب أو بعيد ‪000‬ول‬
‫يختلف سلوك الفراد أيضا ً عن هذا المسلك‪,‬فحين تجف المنابع‬
‫الداخلية للعيش الهانئ فإن كثيرا ً من الناس يسعون ‪-‬بدل إعادة‬
‫الحيوية إليها‪ -‬إلى تنظيم البيئة من حولهم‪,‬ويضفون عليها المزيد‬
‫من اللمعان‪,‬كما يندفعون إلى اللهو والكل والشرب والجلوس‬
‫أمام(التلفاز) ‪...‬‬
‫ن كل سياق إصلحي لشؤون المة يجب أن يرتكز على سياق‬ ‫إ ّ‬
‫داخلي ذاتي‪ ,‬يتمثل في تحسين الخصائص‪,‬والوضاع النفسية‬
‫والسلوكية‪,‬وإل فإن النتائج ستكون مخيبة للمال ‪0‬‬
‫كان المهتمون بتزكية النفوس في الماضي يركزون على نحو‬
‫أساسي على ما يمكن أن نسميه ب(قمع النفس)وضبطها وإماتة‬
‫مس‬ ‫نزعاتها أكثر من التركيز على الثقة بالنفس والعتداد بها‪,‬وتل ُّ‬
‫أوجه تقويتها ‪000‬وهذا أفرز نتائج سيئة على المستوى الجتماعي‪,‬‬
‫حيث صار الناس الطهر نفوساً‪,‬والكثر صلحا ً وزهدا ً يعيشون على‬
‫هامش المجتمع‪:‬ل مال ول نفوذ ول منصب‪,‬وهذا حرم المة من‬
‫عطاءاتهم العظيمة‪ ,‬كما مهَّد الطريق لتكون القوة‪-‬بمعناها‬
‫الشامل‪-‬بيد من لم ينل داخله من التزكية سوى القليل ‪0‬‬
‫_‪_139‬‬
‫َ‬
‫وإننا نأمل أن نستعيد التوازن في هذه القضية‪,‬فنعل ّم الناس كيف‬
‫َ‬
‫صنون أنفسهم ‪ ,‬كما نعل ّمهم كيف يؤثرون في الحياة‬‫يح َّ‬
‫العامة‪,‬ويقودون السفينة إلى بر المان ‪0‬وإليك بعض المبادئ‬
‫والفكار التي تساعد في هذا عبر الحروف الصغيرة التالية‪:‬‬

‫‪‬تخليـــص النفس من أمراضـها‪:‬‬


‫هذه أول خطوة على طريق تجديد البعد النفسي‪,‬وهي أهم خطوة‬
‫أيضاً‪,‬فما بعدها ل يعدو أن يكون تفصيل ً لجمال‪,‬وتأكيدا ً على معلوم‬
‫ن كلمة التوحيد وإشعاعاتها الروحية والخلقية ومقتضياتها‬ ‫‪0‬إ ّ‬
‫َّ‬
‫ن الشرك‬ ‫السلوكية‪,‬تشكل المرقاة الولى في سلم العافية‪,‬كما أ ّ‬
‫الكبر والصغر‪,‬وما يتولد عنها من رغبات ومقتضيات‪,‬تشكل البداية‬
‫لسلسلة من العلل النفسية والسلوكية؛ول أمل في الشفاء مع‬
‫الشرك والنحراف العقدي الفاحش ‪0‬‬
‫إن حلول النفس في الجسد‪,‬فتح الطريق أمام تأثيره فيها‪,‬حيث‬
‫يحاول جعل مطالبها ل تنتهي عند حد‪,‬لن مطالبه كذلك ‪0‬والمسلم‬
‫مطالب بأن يُدخل حاجاته النفسية والجسدية جميعا ً في‬
‫منطقة(الوعي)‪,‬فيلبي منها ما هو حق(وإن لنفسك عليك حقاً)‪,‬‬
‫ويقاوم الرغبات والحاجات التي تشكل الستجابة لها انحرافا ً عن‬
‫المنهج الرباني ‪.‬‬
‫حين تسطع أنوار التوحيد في نفس المسلم‪,‬وتضيء جوانبها‪,‬فإن‬
‫السلوك يستجيب لتلك الضاءة‪,‬وينضبط بآدابها ومتطلباتها ‪0‬‬
‫ف عن توجيه‬ ‫وحين يصبح اليمان عبارة عن(قناعة عقلية)ويك ُّ‬
‫السلوك‪,‬فإن حزمة ضخمة من المراض النفسية تجتاح كيان‬
‫المسلم‪,‬فتحول حياته إلى شيء ل يطاق ‪.‬‬
‫ل وعل‪-‬هو‬ ‫حين يشعر المسلم شعورا ً عميقا ً بأن الله‪-‬ج َّ‬
‫المعطي‪,‬فإنه ل يحسد أحداً‪,‬‬
‫ويطلب من الله أن يجود عليه‪,‬كما جاد على غيره ‪0‬وحين يشعر بأن‬
‫الله خالق كل شيء والمهيمن عليه‪,‬فإنه ل يحس آنذاك بالكبر‬
‫والعجب ‪0‬‬
‫وحين يحس المؤمن بالخشية الله والخوف منه‪,‬فإنه يتحاشى‬
‫الوقوع في النحراف وظلم العباد وهكذا ‪00‬وعلى هذا فإن بداية‬
‫طريق الخلص من العلل النفسية والقلبية‪,‬تتمثل في التركيز على‬
‫إحياء المعاني اليمانية من إخلص وصدق وحب لله‪-‬تعالى‪-‬وخشية‬

‫_‪_140‬‬
‫وإجلل له ‪ ...‬وهذا لن يتم إل من خلل سقيها بالماء الذي ل ينبع إل‬
‫من المزيد من التعبير ‪0‬‬
‫ثم إن على المرء بعد ذلك أن يجاهد نفسه في ذات الله‪{:‬والذين‬
‫جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}[العنكبوت‪0]145:‬وهذه‬
‫المجاهدة تقوم على أمرين‪:‬‬
‫الول ملء الوقت‪-‬قدر المكان‪-‬بما يرضي الله‪-‬تعالى‪-‬من أعمال‬
‫وأنشطة‪.‬‬
‫ف النفس عن بعض مطالبها ونزواتها ‪0‬‬ ‫والثاني هو ك ّ‬
‫والمشاهد اليوم أن هناك نزوعا ً قويا ً نحو الكثار من كل‬
‫شيء‪:‬الكلم ومخالطة الناس‪,‬و استهلك الشياء‪,‬والستحواذ‬
‫عليها‪,‬والتحرر من اللتزام بأي شيء نافع ‪ ..‬وهذا وماشاكله أوجد‬
‫خواء روحيا ً قاتلً‪,‬وباعد بين واقع المسلم وبين جوهر اللتزام‬
‫بالسلوك السلمي‪,‬وصرنا نرى في تفاصيل الحياة اليومية لكثير‬
‫من المسلمين ألوانا ً من الكبر والعجب‪,‬والحقد والحسد‪,‬والغيرة‬
‫والطمع‪,‬وسوء الظن والخيانة والظلم‪,‬وأكل الحقوق‪ ,‬والشماتة‬
‫بالخرين والحرص على متاع الدنيا الزائف والضجر والهلع ‪...‬‬
‫وهذا كله جعل المجتمع السلمي يفقد روح التراحم‬
‫والتماسك‪,‬وصار أشبه بثوب نفيس‪,‬نُقض نسجه‪,‬وتحول إلى كومة‬
‫من الخيوط!أما على الصعيد الشخصي فقد ْ فقد َ المبتلون بهذه‬
‫العلل أو بعضها الحساس بالسعادة والطمأنينة والمان‪,‬كما فقدوا‬
‫الحساس بالتجاه والغايات الكبرى لوجودهم؛مما حرم حياتهم من‬
‫أهم معانيها‪,‬و أَوْكد مقوماتها ‪0‬‬
‫ومن الملحظ أن الذين يحسنون التفريق بين المراض النفسية‬
‫وبين المطالب العادلة للنفس والجسد قليلون؛فالكثرية ل تعرف‬
‫الحدود التي إذا تجاوزها المطلب العادل تحول إلى مرض نفسي أو‬
‫سلوكي‪,‬وكم رأينا بين من يخلط بين الكبر والثقة بالنفس‪,‬ومن‬
‫يخلط بين الحذر وسوء الظن‪,‬ومن يخلط بين التدبير والشح‬
‫والحرص على الدنيا‪,‬ومن يخلط بين الغيرة وبين المنافسة الشريفة‬
‫‪ ...‬مما يوجب على المسلم التحلي بدرجة من النظر المدقق‪,‬حتى‬
‫ل تلتبس عليه المور ‪ ,‬ويقع فريسة للمعايير الزائفة ‪0‬‬
‫والملحظ كذلك إلى جانب هذا اشتداد العناية بالستقامة‬
‫الفكرية‪,‬وكسب المزيد من القدرة على المحاكمة العقلية السديدة‬
‫على حين أننا نرى المزيد من الهمال لتزكية النفس وتطهير‬

‫_‪_141‬‬
‫القلوب وتقويم السلوك ‪0‬وكأن هذا رد فعل غير متزن على الخلل‬
‫الذي وقع في عصور النحطاط!‪0‬‬
‫لن يستطيع أحد أن يزعم أنه تخلص من أمراضه النفسية‪,‬وصار من‬
‫َ‬
‫حقه الخلد إلى الراحة؛فملبسة أحداث الحياة‪,‬تول ّد في كل يوم‬
‫مشكلت جديدة‪,‬وتترك انطباعات سلبية في نفوس الناس؛مما‬
‫يوجب اليقظة‪,‬الستعداد لكفاح ل ينتهي إل بانقضاء العمر‪( ,‬ل راحة‬
‫المؤمن إل بلـــــــقاء ربه) ‪.‬‬

‫‪‬تخفيـف القــــــــــلق‪:‬‬
‫القلق هو حالة من التوتر الشامل والمستمر نتيجة توقع خطر‬
‫فعلي أو رمزي قد يحدث‪ ,‬ويصحبها خوف غامض‬
‫وأعراض(نفجسمية)‪.‬‬
‫إن القلق والنشغال الذهني ببعض المور التي يمكن أن نتحدث‪,‬ل‬
‫بعد في الصل شيئا ً سيئاً‪,‬حيث إن البديل عنه قد يكون ضعف‬
‫الحساس‪,‬أو الفوضى الوجدانية‪,‬أو عدم الشعور بالمسؤولية؛ولذا‬
‫فإن قدرا ً من القلق ضروري في توازن الشخصية‪,‬فهو قد ينبه‬
‫النسان إلى وجود شيء خاطئ في حياته‪,‬والذي لن يكون من‬
‫الحكمة تجاهله ‪0‬كما أنه يدفع المرء إلى الشعور بعدم الرتياح تجاه‬
‫التفكير في أمرٍ ما يجعله بداية للتحفيز والعمل ‪ .‬وهو بعد هذا‬
‫َ‬ ‫وذاك من َّ‬
‫شط قوي للخيال إذا ما وظ ّف في العثور على بعض‬
‫الحلول أو ارتياد بعض الفاق الجديدة ‪0‬‬
‫ينشأ(القلق)من خلل ما تنطوي عليه سرائر الناس من توقعات‬
‫وطموحات‪,‬ومن كون المستقبل غيباً‪,‬يمكن أن يجعل لهم ما‬
‫يسر‪,‬وما يسوء ‪000‬ويعد(القلق)من المراض الكثيرة الشيوع؛ويُثْبت‬
‫العلماء وجود(مكّون جيني)يجعل قابلية الناس للقلق أمرا ً كثير‬
‫الورود ‪ 0‬وربما كان الخبرات الطفولة أيضا ً دور مؤثر في ذلك ‪0‬‬
‫ن القلق أكبر العداء للحالة المزاجية الجيدة‪,‬وهو يؤثر في مشاعر‬ ‫إ ّ‬
‫النسان وانفعالته‪ ,‬كما يؤثر في كفاءة تفكيره ‪0‬ويشعر ذوو القلق‬
‫المَرضى بالرتباك والفزع‪,‬كما يشعرون بفقد السيطرة على‬
‫أنفسهم‪,‬والهزيمة أمام التحديات التي تواجههم ‪0‬‬

‫_‪_142‬‬
‫أما تأثيره في كفاءة التفكير‪,‬فيتمثل في بقاء الِقلق في حالة ترقب‬
‫للمشكلت والكوارث‪,‬‬
‫كما أنه يؤثر في مقدرته على التركيز‪,‬وإعطاء الشياء المهمة ما‬
‫تستحقه من انتباه كامل‪ ,‬وبذلك يصبح اتخاذ القرارات أمرا ً صعباً‬
‫‪0‬ويتجاوز تأثير القلق ذلك إلى التأثير في الوضع الجسدي‪,‬حيث إنه‬
‫يقلل من مقدرة النسان على السترخاء‪ ,‬والنوم الجيد‪,‬كما أنه‬
‫يسبب له الصداع‪,‬ويخفض من درجة نشاط الجسد‪,‬بما يسببه من‬
‫توتر وإجهاد ‪0‬والحصيلة النهائية لكل ذلك هي انخفاض الداء لدى‬
‫الَقلِق‪,‬فهو يبالغ في العناية بأشياء ل تستحق العناية‪,‬كما يهمل‬
‫أشياء تستحق الهتمام‪,‬كما أنه يدفعه إلى العتماد على الخرين‬
‫أكثر من اعتماده على نفسه‪ ,‬بالضافة إلى أن القلَق يؤدي واجباته‬
‫ببطء وتقاعس ‪0‬‬
‫كيف نـــــــخفف القلق؟‪:‬‬
‫كم سيكون مؤلما ً حين يكتشف المرء بعد أن يقضي قسما ً كبيراً‬
‫من حياته أنه كان منشغل ً على الدوام بمتاعب لم تقع‪,‬وخائفا ً من‬
‫أشياء وهمية‪,‬ل وجود لها إل في عقله ‪ .‬طاقات بددت‪,‬وأوقات‬
‫صرف عنها ‪ ...‬ولذا فإن‬ ‫ضاعت‪,‬وأشياء مهمة كان ينبغي أن ينجزها ُ‬
‫من الضروري للواحد منا أن يتخلص من النشغال بالمور غير‬
‫الهامة‪ ,‬والمور غير الممكنة‪,‬‬
‫والمور غير القابلة للحل؛ليحافظ على لياقته النفسية‪,‬وليستخدم‬
‫جهوده وإمكاناته فيما يعود عليه بالنفع ‪0‬وهذه بعض الفكار التي‬
‫تساعد على ذلك‪:‬‬
‫ن تيارا ً من الهموم‬
‫‪-‬حين يقع أمر سيَّئ‪,‬أو نتوقع حدوثه‪,‬فإ ّ‬
‫المكثفة‪,‬يجتاح الواحد منا‪,‬ويغمره بآلمه وهواجسه‪,‬ومع مرور‬
‫الوقت يتضاءل كل ذلك إلى أن يتلشى؛وقد قالوا‪(:‬كل شيء يكون‬
‫صغيرا ً ثم يكبر إل المصيبة تكون كبيرة ثم تصغر)‪0‬‬
‫وقد يتضح أن ذلك كان ينطوي على الكثير من الخير ‪0‬وفي الحديث‬
‫الشريف‪( :‬إنما الصبر عند الصدمة الولى)فأول المصيبة‪,‬هو الذي‬
‫يحتاج إلى استجماع قوى المقاومة ‪0‬‬
‫والمهم أن نشتت الوقع النفسي لما وقع‪,‬أو لما يتوقع أن يقع‪,‬قبل‬
‫أن تشتته حوادث اليام والليالي‪,‬وذلك من خلل تجاوز‬
‫الحاضر‪,‬والستبشار بما هو آت ‪ .‬وبإمكان الواحد منا أن يسأل‬
‫نفسه‪:‬ماذا ستكون أهمية هذا الذي يشغلني بعد عام‪,‬أو بعد خمسة‬
‫أعوام؟ لشك أنها ستكون ضئيلة جداً ‪0‬حين يرسب طالب في‬

‫_‪_143‬‬
‫مستوى من المستويات‪,‬أو يتوقع الرسوب‪,‬فإنه يعيش أهوال كارثة‬
‫حقيقة‪,‬حيث إن تخرجه سيتأخر سنة من موعده المأمول ‪0‬ولو أن‬
‫أحد الخريجين سأل نفسه بعد عشرين سنة من التخرج‪:‬ما المور‬
‫التي كانت ستتغير في حياتي لو أنني تخرجت عام ‪1420‬بدال عام‬
‫‪-1421‬لوجد أن ل شيء يستحق الذكر ‪0‬‬
‫‪-‬حين نقلق من حدوث أمرٍ ما‪,‬فلنسأل أنفسنا‪:‬هل هذا المر المتوقع‬
‫ن أهم‬ ‫حدوثه يستحق كل هذا النزعاج‪,‬وكل هذه الحسابات؟إ ّ‬
‫مواردنا الوقت والطاقة المختزنة‪,‬ومن السهل أن نهدر هذين‬
‫الموردين العظيمين في أمور تافهة‪,‬أو حين نعطي أمورا ً كبيرة أكثر‬
‫مما تستحق من الهتمام والنشغال ‪.‬علينا أن نتذكر دائما ً حين‬
‫نقلق لمر ما أن هناك الكثير من المهمات التي تنتظرنا‪ ,‬وسيكون‬
‫من غير الحكمة النصراف عنها ‪0‬‬
‫‪-‬إخراج ما يقلق إلى منطقة الوعي‪,‬أمر في غاية الهمية؛إذ إن‬
‫أخطر ما في القلق هو الغموض والبهام ‪0‬ولذا فإن من المهم أن‬
‫نحدد بدقة ما يقلقنا‪,‬ونحدد موقفنا منه‪,‬من خلل مجموعة من‬
‫السئلة‪:‬‬

‫السـؤال الول‪:‬ما لذي يقلقني؟‬


‫السـؤال الثاني‪:‬هل هناك ما بوسعي أن أفعله حياله؟‬
‫إذا كان الجواب(ل)فتوقف عن النشغال به‪,‬واعمل على إلهاء‬
‫نفسك بشيء نافع ‪0‬وإذا كان الجواب(نعم)فاعمل على أن تخرج‬
‫من الحالة التي أنت فيها بما تستطيع عمله‪ ,‬واكتب قائمة بذلك ‪0‬‬
‫السـؤال الثالث‪:‬هل هناك أي شيء أستطيع أن أقوم به على‬
‫الفور؟‬
‫إذا كان الجواب(ل)فاشتغل بالتخطيط لما تستطيع أن تقوم‬
‫به‪,‬وحدد وقتا ً لذاك ‪0‬‬
‫وإذا كان الجواب(نعم)فابدأ لتجد المقلقات تتساقط من حولك ‪0‬وقد‬
‫قالوا‪(:‬عقل الكسلن بيت الشيطان)‪0‬فالمقلقات تسيطر على‬
‫الفارغين الذين ل يجدون ما يشتغلون به؛ولذا فإن ملء الوقت‬
‫وشغل النفس بالشياء المفيدة‪,‬هو صمام المان الذي يحول دون‬
‫تمادي القلق في إزعاجه ‪0‬‬
‫‪-‬إذا ما حاصرتنا الهموم‪,‬ولم نجد منها مفراً‪,‬فالحكمة آنذاك أل‬
‫نتجاهلها وندافعها إلى ما ل نهاية‪,‬وغنما أن نعطيها جزءا ً من وقتنا‬
‫للتفكير فيها‪,‬كأن نخصص لها ساعة يومياً‪,‬وحين تأتي المقلقات في‬

‫_‪_144‬‬
‫غير تلك الساعة‪,‬فينبغي أن نعمل على تأجيلها ‪0‬وحين يحين وقت‬
‫النشغال بها‪,‬فلنحاول أن نصور كل مصدر قلق على أنه مشكلة‬
‫منفردة‪,‬تستدعي حل ً معينا ً ‪ .‬وبذلك نكون قد ضربنا سورا ً حول‬
‫القلق‪ ,‬فل يطرق في كل الوقات‪,‬كما نكون قد حولناه من هواجس‬
‫مزعجة إلى شيء محدد‪,‬يمكن التعامل معه ‪0‬‬
‫كل ذلك يحتاج من الواحد منا أل َّ يعطي الدنيا ومشكلتها أكثر مما‬
‫نستحق‪,‬وأن يعمر قلبه بذكر الله‪-‬تعالى‪-‬ويثق بعونه ولطفه‪,‬كما‬
‫يحتاج إلى إرادة صلبة حتى يقاوم هذا المرض ‪.‬‬

‫‪ ‬تخلـَــــــــ ْ‬
‫ص من الكتئـاب‪:‬‬
‫الكتئاب‪:‬حالة من الحزن الشديد المستمر(‪)1([)1‬يقول شاعر‬
‫مكتئب‪:‬‬
‫وتحتي بحار بالسى تتدفق‬ ‫وفوقي سحاب بمطر الهم والسى‬
‫ويقول آخر‪:‬‬
‫سوادٍ في ســـواد]‬ ‫سواد ٌ في َ‬ ‫شعري مثل حظي‬ ‫فثوبي مثل َ‬
‫تنتج عن الظروف المحزنة الليمة‪,‬وتعبر عن شيء مفقود‪,‬وإن كان‬
‫المريض ل يعي‪-‬في كل الحالت‪-‬المصدر الحقيقي لحزانه ‪0‬‬
‫وربما كان الدافع الخفي لحدوث الكتئاب‪,‬هو تهدئة القلق‪,‬ومنع‬
‫حدوثه‪,‬أو إخفاء العدوان‪,‬أو القصاص التكفيري من النفس‪,‬أو‬
‫استجداء عطف الخرين ورعايتهم ‪000‬‬
‫وأهم أنواع الكتئاب‪,‬هما‪:‬الكتئاب العصابي والكتئاب الذهاني ‪0‬ول‬
‫نريد الخوض في تفصيـل مثل هذا ‪0‬‬
‫ن أخطار الكتئاب على الصحة النفسية للنسان‪,‬وعلى كفاءة‬ ‫إ ّ‬
‫أدائه‪,‬أكبر مما يظن الكثيرون‪,‬حيث يصاحبه جمود انفعالي‪,‬يصعب‬
‫معه التعاطف الشعوري والبتسام الموضوعي‪,‬كما أنه في حالته‬
‫الشديدة يضعف صلة المبتلى به بالواقع الخارجي‪,‬كما أنه يؤدي إلى‬
‫احتقار النسان لذاته‪,‬إلى جانب أنه يؤدي إلى هبوط النشاط‬
‫النفسي‬
‫والحركي والوظائف العقلية‪,‬وقد يدعو صاحبه إلى النتـــــــــــحار ‪0‬‬
‫كيــــــــــف نتحامى الكتـئاب؟؟‪0‬‬
‫السباب التي تؤدي إلى الكتئاب‪,‬ليست واضحة تماماً‪,‬فربما عادت‬
‫الصابة به إلى تذبذب في كيمياء المخ‪,‬أو إلى بُعد الهوة بين‬
‫النجازات والطموحات‪,‬أو إلى حالت متكررة من الخفاق‪,‬أو بسبب‬
‫المقارنة مع الخرين‪,‬أو بسبب الحرص على درجة عالية‬
‫_‪_145‬‬
‫من(المثالية)ل يتمكن صاحبها من بلوغها ‪000‬ومع هذا فإن الكتئاب‬
‫شائع جداً‪,‬‬
‫ودرجاته المنخفضة مخبورة لمعظم الناس ‪0‬وأكثر الناس ل يعيرونه‬
‫الهتمام المطلوب‪ ,‬وهذا ليس خطأ عندما يكون الكتئاب في درجة‬
‫متدنية؛ولذا فإن ما سنذكره هنا من أساليب ووسائل لحماية النفس‬
‫من الكتئاب كثيرة جداً‪,‬ولها علقة بجوانب عديدة من حياتنا‬
‫‪0‬وسنقتصر على بعضها خوف الطالة‪:‬‬
‫‪-‬سيكون المكتئب محظوظا ً إذا استطاع ان يحدد المصادر والعوامل‬
‫التي أدت إلى اكتئابه؛لن ذلك سيساعد على معالجتها والتعامل‬
‫معها ‪0‬وقد يكون من العسير على الواحد منا وهو في وسط‬
‫المعمعة أن يحدد مصادر مشكلته‪,‬فينبغي أل يتردد في استشارة‬
‫ن حالت‬ ‫طبيب أو صديق يثق في صداقته وخبرته ‪0‬ومن المؤسف أ َّ‬
‫الكتئاب الشديد تبدد الصداقات‪,‬وتشتت الصدقاء ‪000‬وقليل أولئك‬
‫الذين يقفون إلى جانب المكتئب في محنته حتى النهاية‪,‬مع أنه‬
‫بحاجة ماسة إلى دعم اجتماعي قوي وغير مشروط‪,‬حتى يتخلص‬
‫من التمحور حول ذاته‪ ,‬وحتى يهتدي إلى المخارج التي يتمكن بها‬
‫من مغادرة النفق المظلم الذي وجد نفسه فيه ‪0‬‬
‫‪-‬يحوَّل الكتئاب صاحبه إلى إنسان كسول مسلوب الرادة‬
‫والقدرة‪,‬ولذا فمن المهم أن يغمس نفسه في أنشطة يومية‬
‫بسيطة مثل تلوة جزء من القرآن أو كتابة رسالة بسيطة‪,‬أو إجراء‬
‫اتصال هاتفي‪,‬أو التيان بالطفال من المدرسة‪,‬أو اللقاء مع بعض‬
‫ن هذه النشطة وما شاكلها تجعل المكتئب‬ ‫الخوان والصدقاء ‪000‬إ ّ‬
‫يشعر أنه أفات‪-‬ولو جزئياً‪ -‬من قبضة الكتئاب الذي عطل الكثير‬
‫من أعماله اليومية المعتادة ‪0‬‬
‫خمة ومكبَّرة‪,‬ويقوَّم إنجازاته تقويماً‬‫‪-‬المكتئب يرى أخطاءه مض َّ‬
‫سلبياً‪,‬مما يجعله مغمورا ً بأمواج الفكار السلبية السوداء عن ماضيه‬
‫وحاضره ومستقبله‪,‬وبالتالي عن ذاته وإمكاناته وهذا يفرض على‬
‫المصاب بالكتئاب أن يقطع حواره الداخلي وأن يوفر لنفسه قدراً‬
‫من الراحة العقلية ‪0‬وأسهل الطرق وأسرعها إلى تحقيق ذلك‬
‫هو(التناسي وعدم التفكير)وعليه أن يشغل تفكيره عوضا ً عن ذلك‬
‫بقراءة شيء أو تأمل شيء ‪0‬المكتئب يفقد ثقته في نفسه‪,‬ولذا‬
‫فإن من المفيد له أن يفكر بما يملك من إيجابيات ونجاحات‬
‫وقدرات؛ليتخذ من ذلك رأس جسر على طريق استعادته لحالته‬
‫المزاجية الطبيعيةوالسرية ‪0‬‬

‫_‪_146‬‬
‫‪-‬إن الكتئاب مثل سوس السنان يصطفي المواقع الصالحة‬
‫لعمله؛وحتى يحمي النسان نفسه من الكتئاب‪,‬فإن عليه أن يكون‬
‫في الوضعية الصحيحة قبل كل شيء‪:‬الوضعية التي يكون فيها في‬
‫أحسن أحواله‪,‬وذلك عن طريق أمور عدة‪ ,‬مثل‪ :‬إعطاء الجسم‬
‫حقه من الغذاء والنوم والرياضة‪,‬حيث إن التداخل بين أحوال‬
‫النفس والجسد معقد ‪0‬كما أن عليه أن يكون واضحا ً في مبادئه‬
‫وقيمه وأفكاره وأهدافه‪,‬فالكتئاب يتغذى على الغموض؛والوضوح‬
‫هو عدوه الول ‪ .‬كما أن من المفيد في هذا الطار أل يحرم المرء‬
‫نفسه من حقها من بعض المباهج المباحة‪,‬فالرتابة والضغوط‬
‫الحياتية الشديدة‪,‬والجدية الزائدة عن الحد‪,‬كل أولئك يؤهل النسان‬
‫للصابة بالكتئاب ‪0‬‬
‫الكتئاب كثيرا ً ما يصيب أولئك الشخاص الذين وضعوا كل بيضهم‬
‫في سلة واحدة حين وضعوا كل إمكاناتهم وآمالهم في نجاح‬
‫عمل‪,‬أو نيل شيء‪,‬فإذا لم ينالوه شعروا بأن كل شيء قد‬
‫انتهى‪,‬ولم يعد ثمة مجال لعمل أي شيء ‪0‬‬
‫العزلة والنطواء وقلة الصدقاء‪,‬مرشحات قوية للصابة‬
‫بالكتئاب‪,‬وسيكون من المهم للنسان أن يظل منفتحا ً ومستعداً‬
‫لقامة علقات اجتماعية ناجحة‪,‬ومستعدا ً لرعايتها والمحافظة‬
‫عليها‪,‬حتى يتلقى منها في النهاية ما يحتاج إليه من دعم ول سيما‬
‫في وقت الزمــــــــــــــات ‪0‬‬
‫‪‬الثـقة بالنفـس واحترامهـــــــــا‪:‬‬
‫مطالبة المسلم بأن يزكي نفسه‪,‬ويطهرها‪,‬ويراقبها؛ل تعني أن‬
‫يهينها‪,‬وأن يحتقرها‪,‬وأن يبخسها حقها‪,‬بل إن هناك من النصوص ما‬
‫َ‬
‫ينهي عن ذلك‪,‬فليس للمسلم أن يذل نفسه وذلك بأن يكل ّفها ما ل‬
‫تطيق‪,‬أو يعرضها للوقوع في المهالك ‪ .‬وهو إلى جانب ذلك مأمور‬
‫بأن يثق بعون الله‪-‬تعالى‪-‬له‪,‬كما أنه مطالب بأل يتهم نفسه بأمور‬
‫هي منها بريئة‪,‬وأن يعرف قدر نفسه من خلل ذكر‬
‫ن الله‪-‬جل وعل‪-‬جعل‬ ‫إنجازاته‪,‬واكتشاف المكانات الكامنة فيه ‪0‬إ ّ‬
‫باب التوبة مفتوحا ً أمام العبد مدى الحياة حتى ل يكوَّن فكرة نهائية‬
‫عن نفسه‪,‬وحتى يظل قادرا ً على تجديد الثقة بها وبإمكانية إصلحها‬
‫‪0‬‬
‫كثير من الناس يفقد بنفسه واحترامه لها بسبب الخفاقات‬
‫المتكررة التي واجهها‪,‬أو بسبب أخطاء مرحلة الصبا ‪0‬وبعضهم‬
‫يكون كذلك بسبب مقارنته لنفسه بأشخاص‪,‬يعتقد أنهم أفضل منه‬
‫_‪_147‬‬
‫بكثير‪,‬وأن ل أمل باللحاق بهم ‪0‬وبعضهم يكون كذلك بسبب ضخامة‬
‫طموحاته‪,‬حيث يشعر دائما ً بالنحسار والنكسار ‪0‬والحقيقة أن‬
‫السباب التي تقف خلف هذه الظاهرة كثيرة ومتشابكة‪,‬وبعضها‬
‫يستعصي على التحديد ‪0‬‬
‫كيــــــــف نبني الثقة بأنفسنا؟‬
‫احترام النفس نتيجة مباشرة للثقة بها‪,‬كما أن ازدراءها نتيجة‬
‫مباشرة للشعور بنقصها ‪.‬‬
‫وحين نعتقد أن كل الحوال والوضاع السيئة‪,‬تظل قابلة لدرجة من‬
‫الصلح والتحسين فإننا في الغالب سنجد السلوب الذي نصلحها‬
‫به ‪0‬والمشكل دائما ً يكمن في ضعف الهتمام بالمشكلت‪,‬وفي ظن‬
‫ماهو في طور(الصيرورة) متحجرا ً ومنتهينا ً ‪.‬‬

‫الطرق والوسائل التي تعزز ثقة النسان بنفسه كثيرة‪,‬نذكر منها ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫ن الثقة بالنفس شيء محدد‬ ‫‪-‬سيكون من الخطأ العتقاد بأ ّ‬
‫ن الثقة بالنفس شيء‬ ‫وموحد‪,‬وعلينا فقط أن نمد أيدينا لنتناوله ‪0‬إ ّ‬
‫متأرجح‪,‬فبعض الخفاق‪,‬يخفض درجته‪,‬كما أن بعض النجاح يزيد فيه‬
‫‪0‬وثقة الناس بأنفسهم درجات عدة ‪0‬وليست زيادة الثقة بالنفس‬
‫على نحو مبالغ فيه بالشيء الحميد؛فقد تدفع الثقة الزائدة بالنفس‬
‫إلى بعض العمال الطائشة والمتهورة‪,‬وبذلك فإنها تكون أول خطوة‬
‫على طريق الحباط‪,‬والتقدير المنخفض للذات؛ولذا فإن العقلء‬
‫يتركون في أنفسهم مساحة ما من الشك في قدراتهم‪,‬وتلك‬
‫المساحة هي التي تولد لديهم الحرص على التطور‪,‬كما تولد لديهم‬
‫درجة من الحذر تجاه المغامرة والتسرع في تناول المور ‪0‬‬
‫ومع هذا فكثير من التقاليد الثقافية يدفع الناس إلى أن يظهروا‬
‫واثقين بأنفسهم أكثر مما هم عليه في واقع الحال؛وهذا بسبب‬
‫أزمة لولئك الذين يحرصون دائما ً على أن يقيَّموا أنفسهم دائما ً من‬
‫خلل المقارنة مع الخرين‪,‬ولولئك الذين يعتقدون أنهم غير‬
‫محظوظين في هذا الباب ‪0‬‬
‫‪-‬الممارسة عامل مهم في اكتساب الثقة في النفس‪,‬فالنسان يولد‬
‫مزودا ً بالحذر من كل شيء‪,‬والخوف من التعامل معه ‪0‬والمعلومات‬
‫التي نستفيدها عن المحيط والشياء‪,‬تقلل من ذلك الخوف‪,‬لكنها ل‬
‫تخلصنا منه ‪0‬الممارسة وحدها هي التي تبخر ذلك الخوف‪ ,‬الذي‬
‫يحد من ثقتنا بأنفسنا‪,‬وهي وحدها التي تقضي على الوهام التي‬

‫_‪_148‬‬
‫ننسجها حول الشياء‪ .‬الخريج الجامعي‪,‬يتهيب التدريس‪,‬ويشك في‬
‫مقدرته على القيام به على نحو جيد‪,‬وكلما انغمس في إعطاء‬
‫الدروس اكتسب المزيد من الثقة بنفسه ‪0‬وسوف تزيد ثقته بنفسه‬
‫جه)أو عندما يلقي درساً‬ ‫أكثر عندما يلقي درسا ً ناجحا ً أمام(المو َّ‬
‫نموذجيا ً أمام زملئه‪,‬أو حين يدَّرس طلب الصف الثالث الثانوي‬
‫‪000‬‬
‫‪-‬بعض الناس‪,‬ل يفكر في بناء ثقته بنفسه إل عندما يكون في حالة‬
‫تدهور أو انزعاج أو عندما يواجه مشكلة أو أزمة‪,‬مع أن الصواب أن‬
‫ن علينا أن‬‫نخطط لهذا المر ونحن في حالة انشراح وارتياح ‪0‬إ ّ‬
‫ندرك أن الكثير من الثقة بالنفس‪ ,‬ل يأتي عن طريق التخطيط‪,‬ول‬
‫يولد ولدة صناعية‪,‬وإنما هو ثمرة النجاح في الحياة ومظهر من‬
‫مظاهر التوازن النفسي ‪0‬‬
‫‪-‬الشعور بالثقة شعور خاص‪,‬لكن له بُعد اجتماعي‪,‬ففي أوقات‬
‫الزمات‪-‬خاصة‪-‬يتأثر المرء بآراء الخرين ومواقفهم تأثرا ً بالغا [(‬
‫ً (‪0)1‬‬

‫‪)1‬يمكن الفرار ضابط من المعركة أن يشكل كارثة لجيشه بما‬


‫يشيعه من الخوف والخذلن ولذا كان(الفرار من الزحف)كبيرة من‬
‫الكبائر‪,‬يمكن أن تصل عقوبته شرعا ً إلى العدام ‪]0‬‬
‫وهذا يفرض على كل واحد منا أن يتصرف في أوقات الطوارئ كما‬
‫يتصرف الواثقون بأنفسهم‪,‬وإن لم يكن كذلك‪,‬وأن يجعل من نفسه‬
‫مصدرا ً لشعاع الثقة في محيطه‪,‬فالناس يثقون بالمرء على مقدار‬
‫ما يثق بنفسه‪,‬ويرون الشياء على النحو الذي يراها عليه الواثقون ‪0‬‬
‫‪-‬النسان‪-‬مهما بلغ‪-‬يظل ضعيفاً‪,‬ووقوعه في الخطاء‪,‬يظل هو‬
‫الصل في مسيرته‪,‬لو حاول النسان أن يرتكب نوعا ً غير مسبوق‬
‫من الحماقة أو الخطأ‪ ,‬فالغالب أنه لن يصل إلى ما يريد؛ولذا فإن‬
‫الله‪-‬جل وعل‪-‬فتح باب التوبة على مصراعيه ليدخله المخلصون‬
‫والصادقون والمفرطون والمقصرون الذين أفاقوا من‬
‫غفلتهم‪,‬وأحبوا أن يبدؤوا بداية جديدة كي يتخلصوا من وخز‬
‫الماضي وعقابيله ‪0‬‬
‫سيظل المهم بالنسبة إلى كل واحد منا هو تقليل نسبة الوقوع في‬
‫الخطأ‪,‬والتعلم منه‪,‬‬
‫وهذا لن يتم إل من خلل العزيمة والفهم العميق للسباب‬
‫والظروف التي أحاطت بالخطأ ‪0‬بعض الناس يكبلهم‬
‫الماضي‪,‬ويحطم ثقتهم بأنفسهم‪,‬حيث تتشوه صورة أنفسهم في‬
‫أعينهم‪,‬وييئسون من التقدم والصلح بدل أن ينظروا إلى الخطاء‬

‫_‪_149‬‬
‫على أنها مصدر للمعلومات‪,‬ومصدر للوعي والتجربة‪,‬فيستفيدوا‬
‫منها ‪.‬‬
‫‪-‬كثيرون أولئك الذين يعانون من مشكلة في الشكل أو البنية‬
‫الجسدية أو العمل ‪..‬‬
‫وكثير ممن هم كذلك‪,‬يقوم ببعض التصرفات التي يظن أنها تستر‬
‫مشكلته عن عيون الناس على نحو ما يفعل بعض المفلسين من‬
‫رجال العمال حين يتحدثون عن الجهود الجبارة التي بذلوها‬
‫لجتناب الفلس ‪0‬وكما يفعل قبيح الشكل حين يلبس بعض‬
‫الملبس التي ل تليق بمن هم في سنه أو مكانته ‪ ..‬وسائل‬
‫كثيرة‪,‬تستهدف القضاء على الحساس بالنقص‪,‬لكنها في الحقيقة‬
‫قلما تفلح في ذلك‪,‬بل كثيرا ً ما تؤرق صاحبها وتقلقه‪,‬حيث يخشى‬
‫أن يكتشف الناس حقيقة أمره ‪0‬ولو أن الواحد منا انصرف عن‬
‫التفكير في مشكلته‪,‬وتجاهلها لكان أجدى له‪,‬وأعون على كسب‬
‫احترامه لنفسه‪,‬واحترام الخرين أيضاً ‪0‬‬
‫‪-‬إذا تمكن النسان من معرفة السباب التي تجعل ثقته بنفسه‬
‫ضئيلة‪,‬فإن عليه أن يتأمل فيما يمكن أن يفعله لمعالجتها‪,‬فالذي‬
‫يشكو من ضعف قدرته على بناء علقات اجتماعية جيدة‪,‬يستطيع‬
‫أن يقرأ كتابا ً أو أكثر عن معاملة الناس وكسب الصدقاء‪,‬وتفهم‬
‫أصول العلقات العامة ‪0‬والذي يرى أن العجلة‪-‬مثلً‪-‬هي سبب‬
‫إخفاقاته المتكررة‪,‬يمكنه أن يتعلم كيف يخطط حياته‪,‬وكيف يحد‬
‫من اندفاعه بمحاسبة نفسه واستشارة غيره ‪.‬‬
‫هكذا فأفضل علج هو ذاك الذي يسد ّ منافذ المرض‪,‬ومداخل‬
‫الشكوى‪,‬وكلما استطاع النسان أن يضيّق تلك المنافذ شعر بالمزيد‬
‫من الثقة بالنفس‪,‬وبالمزيد من التقدير لها ‪0‬‬
‫‪-‬التعويض والحلل أسلوب آخر يمكن اتباعه في معالجة أسباب‬
‫الشعور بالنقص وضعف الثقة ‪0‬فإذا كانت المشكلة المتسببة في‬
‫الستخفاف بالذات غير قابلة للمعالجة‪,‬فإن بإمكان المرء أن يبحث‬
‫عن شيء يخفف من آثار تلك المشكلة ويوفر في الوقت نفسه‬
‫فرصة للثقة بالذات؛فإذا كان المرء يعاني من قماءة شديدة‪-‬مثلً‪-‬‬
‫فإن بإمكانه أن يتجاوزها‪,‬ويرتاد الفاق الذهنية والفكرية‪,‬فنحن نقدر‬
‫أهل العلم والفكر تقديرا ً عالياً‪,‬ول يخطر في بالنا تقويمهم من خلل‬
‫أشكالهم وألوانهم ‪0‬‬
‫وإذا كان المرء يشعر بانخفاض درجة ذكائه‪,‬فإنه يستطيع التعويض‬
‫عن ذلك بتكثيف القراءة وتحسين الفهم ‪0‬ويستطيع من يشكو‬

‫_‪_150‬‬
‫سن مستواه في‬ ‫الفقر‪,‬وضعف المكانات المادية أن يح َّ‬
‫الدارة‪,‬فيدير وقته وإمكاناته المحدودة على نحو كفء‪,‬كما يستطيع‬
‫سن من خلله‬ ‫أن يتعلم مهنة رائجة‪,‬أو القيام بعمل إضافي‪,‬يح َّ‬
‫مستواه المادي وهكذا ‪000‬‬
‫إنه ما يغلق باب حتى يفتح باب آخر‪,‬لكن قصورنا التربوي والثقافي‬
‫يجعلنا نُشغل بالباب الذي أغلق عن الباب الذي فتح‪,‬وبذلك نضيع‬
‫فرصا ً كثيرة‪,‬ونخسر قضايا عديدة ‪0‬‬
‫‪-‬ل يحب الناس السماع إلى قصص الخفاق وسوء الحظ‪,‬كما ل‬
‫يحبون أن يروا على المرء أمارات الفقر وعدم الهتمام؛ولذا فمن‬
‫المهم للمرء أل يدمن الشكوى إلى الناس‪,‬‬
‫فيقابلوه بما يؤكد له أنه ضعيف‪,‬ويستحق الشفاق والمساعدة ‪0‬كما‬
‫م عن الفوضى‬ ‫أن من المهم كذلك أل يظهر المرء بمظهر ين ّ‬
‫السلوكية‪,‬أو الفقر المدقع ‪ ...‬فذاك يخفض ثقته بنفسه‪,‬وثقة الناس‬
‫فيه‪,‬وكل المرين ضار بتوازن الشخصية ‪0‬‬
‫المطلوب أن نبحث عن الشخاص الذي يساعدوننا على الثقة‬
‫بأنفسنا‪,‬وكم من زوجة غيَّرت مسار حياة زوجها بسبب دعمها‬
‫وتشجيعها له‪,‬وكم من صديق دفع صديقه إلى أعلى مراتب النجاح‬
‫بسبب ثقة به‪,‬ودللته على مكامن النجاح!‪0‬‬
‫مين لحترام الذات‪,‬فاليائس إنسان‬ ‫‪-‬إن اليأس أحد العداء المه َّ‬
‫أعلن الستسلم وألقى أسلحته‪,‬حيث اعتقد أن كل دفاعاته‪,‬قد‬
‫انهارت‪,‬ولم يبقَ أمامه سوى انتظار النتائج المأساوية التـي تقترب‬
‫منه!‪0‬‬
‫ب‬‫إن المؤمن ل ييئس أبداً‪,‬وكيف يصاب بانقطاع الرجاء‪,‬وهو عبد لر َّ‬
‫كريم معين رحيم‪,‬‬
‫ل يزداد على السؤال إل كرما ً وجوداً؟إن عظماء الرجال‪,‬ليسوا‬
‫أولئك الذين يستسلمون لمل أعدّوه من مقدمات وأسباب‬
‫للفوز‪,‬وإنما أولئك الذين يستمدون طاقتهم العظمى من(الغيب(عبر‬
‫ثقتهم بعون الله وتوفيقه وتذليله الصعاب لعباده المؤمنين ‪0‬‬
‫إن المسلم ل يستسلم؛لنه حين تنقطع به السباب‪,‬يتصل بمسبب‬
‫سن‬ ‫السباب‪-‬سبحانه‪ -‬وبذلك يظل يأمل في زوال الغُمة وتح ُّ‬
‫الحوال ‪0‬‬
‫إن النسان ليس ضئيلً‪,‬لكنه كسول إلى حد بعيد‪,‬وإن علينا أن نثق‬
‫َ‬
‫أن ما هو كائن لدينا أعظم بكثير مما هو ظاهر‪,‬وما هو معط ّل أكبر‬

‫_‪_151‬‬
‫مما هو مستغل؛ولذا فإن هناك مساحات شاسعة لتجاوز كل‬
‫الصعاب وتحقيق أسمى المطالب والرغاب ‪0‬‬

‫‪‬الدارة الصلبـــــــــــــة‪:‬‬
‫كل إنسان يملك درجة من الدارة‪,‬كما يملك قدرا ً من القدرة ‪0‬ومن‬
‫مجموع الدارة والقدرة يتكون العمل ‪0‬الدارة والقدرة تتفاوتان بين‬
‫شخص وآخر‪,‬لكن مشكلة معظم الناس‪,‬ليست في ضآلة إمكاناتهم‬
‫وطاقاتهم‪,‬وإنما في افتقارهم إلى القدر المطلوب من الدارة‬
‫والعزيمة والتصميم ‪0‬خالد وسعيد‪,‬كل منهما يملك القدرة على‬
‫ل يوم‪,‬لكن الذي يفعل ذلك هو سعيد؛أما‬ ‫ة ك َّ‬‫قراءة شيء نافع ساع ً‬
‫خالد فيؤثر الستلقاء‪,‬أو مسامرة الصدقاء!‪0‬إنا مما يؤسف له أن‬
‫تزداد قدرات الناس اليوم على نحو مدهش بسبب معاونة‬
‫سب أولئك‬ ‫المنتجات التقنية المختلفة‪,‬في الوقت الذي ترتفع فيه ن ِ َ‬
‫الذين يُذعنون لرغباتهم وأهوائهم! وهذه الوضعية ناشئة في تصوري‬
‫من ثلثة أمور هــــــــي‪:‬‬
‫أ‪-‬تراجع مستوى التَّدَيُّن الحق لدى كثير من الناس‪,‬أضعف إرادتهم‬
‫ل الرادع عن الجري خلف‬ ‫ل الحافز على أعمال الخير‪,‬وق ّ‬ ‫حيث ق ّ‬
‫المتع والشهوات‪,‬كما أن النظرة إلى الدنيا على أنها ممر إلى‬
‫الخرة قد تغيرت‪-‬في البنية العميقة لثقافتنا‪-‬لدى كثير من‬
‫المسلمين ‪0‬‬
‫ب‪-‬كثرة الشياء المحيطة بالنسان‪,‬أوجدت متطلبات وضغوطاً‬
‫جديدة عليه؛مما قيد إرادته‪,‬وقنن حركتــــــــــــــه ‪0‬‬
‫ج‪-‬أسهم كثير من الفلسفة وعلماء النفس إسهاما ً سلبيا ً في هذه‬
‫القضية‪,‬حين أعطوا لبعض العوامل ثقل ً نوعيا ً في السيطرة على‬
‫التصرفات‪,‬فقد كان (نيتشه) وكذلك(شوبنهور)‬
‫ينكران حرية الدارة ‪0‬ومدرسة(التحليل النفسي)تقول إن الشهوة‬
‫الجنسية (اللبيدو) هي العامل المسيطر على تصرفاتنا‪-‬ومدرسة‬
‫السلوكيين تنفي وجود شيء يسمى الدارة أو الوعي؛وكل شيء‬
‫سر في ضوء الثارة والستجابة ‪0‬ونتيجة للثقافة النفسية‬ ‫عندهم يف َّ‬
‫والسلوكية السائدة‪,‬صار كثيرون يعتقدون أن للنسان إذا بلغ سن‬
‫النضج صعب عليه بعد ذلك أن يغير شيئا من عاداته وأخلقه!‪0‬‬

‫تربيـــــــــة الدارة ال ُّ‬


‫صلبـــــــــــــة‪0-:‬‬
‫_‪_152‬‬
‫للمجتمع الدور الساسي في تربية الدارة‪,‬حيث إنه يرسي بعض‬
‫العراف والتقاليد والنظم التي توضح الحد الدنى المقبول من‬
‫َ‬
‫النضباط والجدية والمثابرة ‪0‬وكلما رقى المجتمع في سل ّم‬
‫الحضارة‪,‬تعقدت مصالح الناس ومطالبهم الحياتية‪,‬وباصطحاب ذلك‬
‫تتعقد أيضا ً معايير الداء والنضباط؛وذلك كله يضع النسان في‬
‫ظروف تتطلب منه المزيد من التحكم في رغباته والمزيد من‬
‫العمل والعطاء ‪0‬‬
‫لكن إذا لم تكن المسيرة الحضارية للمجتمع مهتدية بالهدي الرباني‬
‫ومنضبطة بمناهيه‪,‬‬
‫َّ‬
‫فإن الفرد ل يتلقى آنذاك ما يصلب إرادته على نحو صحيح‬
‫ومتكامل ‪0‬وهذه الصورة نشاهدها في المجتمعات الصناعية عامة‬
‫والغربية منها خاصة‪,‬حيث الجدية والدارة الحديدية في مجال‬
‫العمل والنتاج‪,‬وحيث الستسلم غير المحدود للرغبات والشهوات‬
‫في كل ما يسمى(مسائل شخصية)‪0‬‬
‫مشكلة كثير من الشباب المسلم أنه يعيش في زمان‬
‫صعب‪,‬يتطلب منهم درجة عالية من الرادة والفاعلية والنضباط‬
‫وتجويد الداء‪,‬لكن مجتمعاتهم السلمية‪ ,‬ل تساعدهم على‬
‫ذلك؛فأوضاعها العامة‪,‬ل تحفز أبناءها على الوصول إلى الرقي‬
‫المطلوب‪,‬بل كثيرا ً ما تخذلهم‪,‬وتضع العقبات في طريقهم ‪0‬وهذا‬
‫يجعل كل واحد منا مطالبا ً بان يستمد من الله –تعالى‪-‬المعونة كي‬
‫يستطيع النهوض بذاته دون انتظار المساعدة من الوسط الذي‬
‫يعيش فيه ‪0‬وإليك بعض ما يمكن أن يشكّل أفكارا ً وأساليب وأدوات‬
‫في تربية الدارة‪,‬وذلك من خلل التــــــي ‪-:‬‬
‫‪-‬بعض الناس يعترض على عمليات تربية الدارة بحجة أنها تحرمنا‬
‫من التعبير الفطري والطبيعي عن أنفسنا‪,‬وذلك يفصلنا عن أعماق‬
‫مشاعرنا‪,‬وتكويننا الداخلي ‪ ,‬كما أنهم يرون أن الكبت والقمع‬
‫للنفس‪,‬قد يُلحق أضرارا ً بالغة بالتوازن العميق للشخصية ‪0‬‬
‫والحقيقة أن تربية الدارة إلى نوع من البرمجة المحكمة للرغبة‬
‫والسلوك‪,‬فإن شيئا ً من ذلك المحذور‪,‬قد يقع‪,‬لكن حين تستهدف تقوية‬
‫الدارة وضعَ النفس في السياق الحياتي الصحيح‪-‬من غير عسف‪-‬فإن‬
‫الوضع يكون مختلفاً؛لن الرتكاسات التي تنشأ عن الفوضى الوجدانية‬
‫والسلوكية ذات ضرر هائل على المرء؛وعلى سبيل المثال ‪ ,‬فإن إدمان‬
‫المخدرات‪,‬والنسياق خلف اللذة الجنسية‪,‬وعدم النضباط في أداء‬
‫العمال المهمة ‪00‬تؤدي إلى تدمير الكيان الشخصي والجتماعي‬
‫للنسان ‪0‬ثم إن عون الله‪-‬جل وعل‪-‬للمرء في تجاوز الصعاب‪,‬وإكرامه‬
‫_‪_153‬‬
‫له بالهداية كثيرا ً ما يتوقف على مجاهدة النفس‪,‬وحملها على بعض ما‬
‫تكره‪ .‬يقول الله‪-‬جل وعل‪{:-‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن‬
‫‪ 0‬وقال{وجعلنا منهم أئمة يهدون‬ ‫[العنكبوت‪]69:‬‬ ‫الله لمع المحسنين}‬
‫بأمرنا لما صبروا} [السجدة‪0]24:‬‬
‫‪-‬قسم كبير من النجاح في حياة الناس‪,‬نابع من امتلكهم إدارة‬
‫الستمرار في أعمالهم‪,‬وإدارة مقاومة الصوارف والمشاغل التي‬
‫تعترض سبيلهم ‪0‬وعند التدقيق في تفاصيل حياتنا العامة نجد أنه‬
‫ليس لدينا سوى نسبة قليلة من الناس القادرين على استخدام‬
‫إدارتهم في متابعة منهج عملي إلى منتهاه ‪0‬إذ كثيرا ً ما يطرأ في‬
‫برنامجنا اليومي ما يحوَّلنا عن وجهتنا التي كنا قد عقدنا العزم على‬
‫متابعة السير فيها ‪ 0‬ونحن جميعا ً نملك براعة نادرة في التماس‬
‫العذار التي تسوغ ذلك التحول ‪0‬وهذه القضية المهمة جدا هي التي‬
‫تجعلنا نرى أشخاصا ً كثرا ً ذوي مواهب وكفاءات عالية‪,‬ل يحققون‬
‫سوى القليل من النجاح والتقدم ‪ .‬وهي نفسها تجعلنا نرى كثيرين‬
‫من ذوي القدرات المتوسطة يرأسون أعمال ً ناجحة‪,‬ويحققون‬
‫إنجازات مهمة ‪0‬‬
‫ً‪-‬ليس الستمرار فيما ينبغي أن نستمر فيه هو التحدي الوحيد الذي‬
‫يواجه إدارتنا فهناك تحد آخر‪,‬وربما كان أكبر‪,‬وهو أن ننفذ العمال‬
‫فذ أولً؛فنحن مع السف ميالون دائماً‬ ‫التي نرى أنها تستحق أن تُن َّ‬
‫ك غير مهمة‪ ,‬وتأخير الشياء‬ ‫إلى القيام بالعمال السهلة‪ ,‬وإن ت ُ‬
‫الصعبة‪,‬وإن تكن حيوية وخطيرة ‪0‬‬
‫تحدث أحد رجال العمال الناجحين إلى عدد من زملئه يوماً‬
‫قائلً‪:‬إن في وسعهم أن يضاعفوا أرباحهم إذا فعلوا الشياء التي‬
‫يعرفون مقدما ً أنه ينبغي أن يفعلوها ‪0‬ولم يهز هذا التصريح الخطير‬
‫شعرة في جسد المستمعين‪,‬مع أن هذه الفكرة تمثل إحدى‬
‫القواعد الساسية في تحقيق النجاح!‪0‬‬
‫علينا أن ندرك عن طريق الخيال الوعي تلك الشياء التي تستحق‬
‫أن تكون في طليعة اهتماماتنا‪,‬وطليعة إنجازاتنا‪,‬وعلينا بعد ذلك أن‬
‫نتخذ من القيام بوضعها موضع التنفيذ ميدانا ً لختبار قوة‬
‫إرادتنا‪,‬وميدانا ً لكتساب تلك القوة ‪0‬وإن ثمار أي تقدم ثابت في هذا‬
‫الصعيد‪,‬ستكون مثيرة أكثر مما نتوقع ‪0‬‬
‫‪-‬في تربية الدارة لبد من التدرج‪,‬فاللتزام بأعمال كبيرة مغرٍ لكثير‬
‫من الناس‪ ,‬لكن كثيرا ً ما يخفق النسان في الوفاء به؛لذا ف‘ن‬
‫تدريب الدارة ينبغي أن يبدأ بإلزام النفس بالقيام بأعمال بسيطة‬

‫_‪_154‬‬
‫وهنية ‪0‬لنحاول أن نضيف إلى أنشطتنا اليومية والسبوعية‬
‫والشهرية نشاطا ً صغيراً ‪0‬وهذه في الحقيقة أفضل طريقة لتكوين‬
‫عادات جديدة ‪0‬إذا استطاع المرء اللتزام بما أضافه إلى‬
‫نشاطه‪,‬فإنه يكون قد عوَّد نفسه البطولة على نطاق ضيق ‪0‬‬
‫فس النسان على‬ ‫‪-‬كثيرا ً ما تتجلى قوة الدارة في طول ن َ َ‬
‫المتابعة‪,‬ومن ثم فإنه يمكن تدريب النفس على المثابرة على بعض‬
‫العمال التي نتضايق عادة من الستمرار فيها‪,‬وسيكون من الجميل‬
‫أن يعوَّد المرء نفسه صلة ركعتين طويلتين‪ ,‬يقرأ فيهما نصف جزء‬
‫من القرآن مع الحرص على الخشوع ‪0‬وكذلك قراءة جزء من‬
‫القرآن دون التفات أو انقطاع ‪0‬بل يمكن للمرء أن يقوم ببعض‬
‫العمال التي ل تعني شيئا ً بغية تقوية إدارته‪,‬‬
‫وذلك كأن يقف على كرسي وذراعاه متشابكتان فوق صدره لمدة‬
‫عشر دقائق ‪ .‬أو أن يحضر مئة عود ثقاب‪,‬أو مئة قصاصة ورق‪,‬ثم‬
‫يعمد إلى وضعها في صندوق بتؤدة وأناة ‪0‬‬
‫‪-‬من المجالت المهمة لتربية الدارة حرمان النفس من شيء مما‬
‫اعتادته‪,‬مما هو كمالي‪,‬ول ضرر في القلل منه‪,‬كالمتناع عن نوع‬
‫من الشراب‪,‬أو الحلوى المف َّ‬
‫ضلة ‪0‬‬
‫عادات الستيقاظ من النوم مجال مهم لهذا‪,‬فكثير من الناس‬
‫يستمتعون بالستيقاظ المتدرج الذي قد يستمر أكثر من‬
‫ساعة!وسيكون من الحميد أن يقصر النسان نفسه على‬
‫الستيقاظ السريع فور النداء عليه‪,‬أو سماع جرس المنبه؛ فذلك‬
‫يجعل المرء يشعر بقوة الدارة‪,‬كما أن التجاه الذهني عند‬
‫الستيقاظ كثيرا ً ما ينعكس على عمل اليوم كله ‪0‬‬
‫العادة هي‪:‬كل عمل يتكرر من غير تدخل من جانب الدارة‪,‬وأكثر‬
‫عاداتنا‪-‬الحميد منها والمذموم‪-‬يُكتسب عن طريق التربية ‪0‬والتخلي‬
‫عما ينبغي أن نتخلى عنه منها‪,‬ل بد أن يتم عن طريق تدخل الدارة‬
‫‪0‬لنحاول دائما ً أن نضفي على عاداتنا نكهة الدارة الواعية‪,‬حتى ل‬
‫نقع في فخ الرتابة التي هي عدو ى لدود للرادة الحرة‪,‬وحتى نشعر‬
‫بالتمكن من تسير حياتنا فيما هو خير ‪0‬وقد قال الفقهاء‪:‬إن النيّة‬
‫الحسنة تحوَّل المباحات إلى عبادات ‪0‬‬
‫وسيكون من المهم أن نحاول إحلل عادة حسنة في موضع عادة‬
‫قبيحة؛ فالمطلوب من الذي تعوّد الجأر بالشكوى من سوء الحوال‬
‫ليس أن يكف عن ذلك‪,‬ويصمت‪,‬بل أن يتعود التحدث بنعم الله‪-‬جل‬
‫وعل‪-‬والثناء عليه‪,‬وتذكر الشياء الجميلة الموجودة في حياته ‪0‬والذي‬

‫_‪_155‬‬
‫تعوّد كثرة النوم‪,‬ل يطلب منه القلل منه فحسب‪,‬بل عليه أن يتعود‬
‫استخدام ما يفيض من الوقت في عمل نافع بعد أن تخلص من‬
‫النوم الذي ل حاجة له وهـــــــــــكـــــــــــذا ‪000‬‬
‫‪-‬البتكار والبداع‪,‬من أهم سمات الدارة القوية؛ولذا فإن تدريب‬
‫النسان نفسه على إبداع بعض الشياء‪,‬هو في الحقيقة تدريب على‬
‫تقوية الرادة ‪ .‬القدرة على البتكار‪ ,‬هي القدرة على إيجاد شيء‬
‫من ل شيء‪,‬أو هي إيجاد شيء رائع من شيء أو أشياء تافهة؛فهل‬
‫يشك أحد أن في اللوحة الرائعة شيئا ً هو أكثر من القرطاس‬
‫واللوان والطار؟‬
‫الميل إلى البداع يولد مع أكثر الناس بدرجات متفاوتة‪,‬ولكنه يظل‬
‫ة للحساس بالنقص‪,‬أو ضآلة الثقافة‪,‬أو عجز التربية‬ ‫دفينا ً نتيج ً‬
‫والبيئة المحيطة ‪000‬ل ينبغي أن يُظن أن البداع هو ناتج آلي‬
‫للموهبة‪,‬فالشواهد الملموسة تؤكد أن المثابرة وحسن إدارة‬
‫المكانات المحدودة أعظم أثرا ً في إيجاد الشياء المبتكرة من‬
‫الومضات الذهنية أو المكانات العقلية الفائقة(‪)1([)1‬يقول أحد‬
‫المفكرين‪:‬إن الذكاء ل ينفع الذين ل يملكون سواه شيئاً ‪0]0‬ليحاول‬
‫كل منا أن يعتق نفسه من ربقة التقليد‪,‬وأن يشق لنفسه طريقا ً في‬
‫الحياة‪,‬يضفي عليه التميز‪ ,‬وليحاول أن يعمل عمل ً فذا ً يضع عليه‬
‫لمساته الخاصة‪,‬ويصب فيه ما ينفرد به من رؤى ونماذج وإمكانات‬
‫ومواهب ‪000‬وبمجرد العزم على فعل ذلك تكون قد بدأنا مرحلة‬
‫انتصار الرادة ‪.‬‬
‫‪-‬ليحاول من يريد تقوية إرادته أن يتخذ من بعض الشخصيات‬
‫الناجحة والمتفوقة مثل ً أعلى ؛فمعظم الناجحين‪,‬يملكون قوة‬
‫سيَرهم أو‬‫الصرار على المضي مهما كانت الصعاب ‪0‬وقراءة ِ‬
‫التصال بهم‪,‬ومعرفة أخلقهم وعاداتهم ‪ ...‬كل ذلك يجعل المرء‬
‫يقلدهم‪,‬‬
‫سيَرهم ستشكل له البيئة‬ ‫ويقتدي بهم؛وإذا ما عثر على بغيته فإن ِ‬
‫الجديدة والمساندة في دعم إرادته وتقويتها ‪0‬وتاريخنا السلمي‬
‫غني جدا ً بالرجال الفذاذ الذين صنعوا العجائب في أسوأ‬
‫سيَر‬
‫الظروف‪,‬وحسبك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وب ِ‬
‫أصحابه الكرام‪,‬ففيها ما يكفي ويغني‪,‬ويفيض ‪0‬‬
‫‪‬حســــــــــم الصراع الداخـلي‪-:‬‬
‫لكل منا طاقاته وإمكاناته‪,‬إلى جانب التزامه وواجباته‪,‬بالضافة إلى‬
‫أهدافه وطموحاته ومصالحه ‪000‬وكثيرا ً ما يجري صراع شديد داخل‬
‫_‪_156‬‬
‫نفوسنا حول أجزاء هذه الشبكة النفسية المعقدة‪,‬صراع متعدد‬
‫الوجود‪,‬متفاوت الشكال والوتائر ‪0‬الصراع الداخلي مزعج‬
‫للغاية‪,‬حيث تتشتت بصاحبة السبل‪,‬وتغشى أهدافه عتمة التردد‪,‬كما‬
‫يضطرب سلوكه ومواقفه ‪0‬ويفوَّت الصراع كثيرا ً من الفرص‪,‬إذ إنه‬
‫أكبر عائق في وجه اتخاذ القرارات المهمة ‪0‬من الضروري للمرء أن‬
‫ن الصراع يتجدد مع‬ ‫يتعلم حسم الصراع الذي يدور في نفسه‪,‬وبما أ ّ‬
‫ن من المهم أن يكون للنسان‬ ‫تجدد المواقف الحياتية المختلفة‪,‬فإ ّ‬
‫أصوله وأساليبه ومعاييره الخاصة في ذلك ‪0‬وأتصور أن مما يفيد‬
‫في تحديد ذلك مـا يلـي‪-:‬‬
‫‪-‬في داخل كل منّا شخصيات عدة‪,‬وعليه مسؤوليات متنوعة‪,‬ول بد‬
‫عند حسم الصراع من إعطاء كل جانب حقه من الوقت والهتمام‬
‫والجهد ‪0‬ولدى النسان قابلية شديدة للنحياز‪,‬مما يستوجب النتباه‬
‫ن الله‪-‬جل وعل‪-‬حقوقا ً يومية‪,‬ل بد من أدائها ‪0‬ولثقافة‬ ‫والحذر ‪0‬إ ّ‬
‫النسان وجسده ووظيفته وأهله وإخوانه ‪ ...‬حقوق ل بد أيضا ً من‬
‫القيام بها ‪0‬والخلل الذي يحدث في مراعاة هذه الحقوق ل يظهر‬
‫أثره على المدى القصير‪,‬لكن إذا استمر مدة طويلة‪,‬فإن عواقبه‬
‫تكون وخيمة ‪0‬قد تبدو بعض المور المهمة في بعض الحيان؛مما‬
‫يستوجب أن نوجه إليها عناية أشد؛وهذا طبيعي‪,‬لكن في الوضاع‬
‫العادية والعامة يجب أن يحسم الصراع دائما ً لصالح التوازن‬
‫والعتدال ‪0‬‬
‫‪-‬عندما نريد حسم الصراع داخل نفوسنا حول مشروع أو عمل أو‬
‫موقف أو اختبار شيء ما‪,‬فإن من المهم أن نحسمه لصالح‬
‫المبدأ‪,‬وليس المصلحة‪,‬والحساب الجل‪,‬وليس العاجل‪,‬والدائم‬
‫وليس المـؤقت ‪0‬‬
‫أمران فاعمد للعـــــــف‬ ‫وإذا تشاجر في فـؤادك مـرة ً‬
‫ل‬
‫الجم ِ‬
‫وحسم الصراع على غير هذا النحو‪,‬ل يعد حسماً‪,‬بمقدار ماهو بداية‬
‫س‬‫ي الرؤية والح ّ‬ ‫لمشكلت وتوترات جديدة ‪0‬والمسلم مستقبل ّّ‬
‫م والمنهج‪,‬ولبد أن ينحاز في النهاية إلى ما ينسجم مع ذلك ‪0‬‬ ‫واله ّ‬
‫‪0‬من المفيد للمرء أن يجمع المعلومات المتعلقة بالمسألة موضع‬
‫النزاع قبل اتخاذ أي قرار ‪.‬‬
‫كما أن من المهم استقصاء وجهات النظر المتعلقة بها‪,‬والستفادة‬
‫من نصح ذوي الحكمة والتجربة؛ولكن عند الخذ برأي واحد‬

‫_‪_157‬‬
‫منهم‪,‬فينبغي أن يتم ذلك وفق ما يستشعره المرء في‬
‫نفسه‪(:‬استفت قلبك وإن أفناك المفتون) ‪.‬‬
‫وسيكون من الضرر أن نحسم صراعاتنا بعيدا ً عن بصيرتنا الداخلية‬
‫بسبب الرضوخ لمكانة من نستشيرهم أو مركزهم أو خبراتهم‪,‬أو‬
‫أي سبب آخر ‪0‬‬
‫‪-‬لبد لحسم أي صراع إذا ما أريد له أن يفلح من أن يتم في ضوء‬
‫من يشعر بوطأة الحيرة‬ ‫المكانات المتاحة؛إذ إن هناك َ‬
‫والتردد‪,‬فيحاول الخلص‪,‬واتخاذ قرار أي قرار مهما تكن الظروف‬
‫والحوال ‪0‬وحين تسير المور على هذا النحو‪ ,‬فإن إنهاء الصراع‬
‫يكون كحال من يداوي عينا ً بقلعها !‪0‬‬
‫نحن نتحرك دائما ً في أجواء مزدحمة‪,‬وذات مطالب متناقضة؛وإذا‬
‫فل بد من التريث عند اتخاذ أي قرار‪,‬ول بد من حساب تكاليفه‬
‫وتبعاته؛حتى ل نخرج من أزمة إلى أزمة ومن حيرة إلى أخرى‬
‫‪0‬وفي الختام أود أقول‪:‬إن وجود الصراع شيء طبيعي‪,‬ودليل حيوية‬
‫المرء‪,‬ورهافة أحساسة‪,‬ما دام ذلك الصراع تحت السيطرة‪,‬وما‬
‫دمنا نعرف كيف نديره إن لم نعرف كيف نحسم أمره ‪0‬‬
‫‪‬كـــــــــــافئ نفسك‪:‬‬
‫ل شيء في‬ ‫سن ك ّ‬‫العيش في الزمان الصعب‪,‬يتطلب أن نح َّ‬
‫حياتنا‪,‬وهذا القدر الهائل المطلوب من التحسين‪,‬ل يمكن أن يتم‬
‫دون مضاعفة الجهود‪,‬ودون المزيد من التنظيم وتأجيل الرغبات‬
‫‪000‬وهذا كله يعني زيادة أعبائنا النفسية ‪0‬‬
‫مهما كان أحدنا قوي الشكيمة‪,‬ماضي العزيمة‪,‬فإن لتحمله في‬
‫النهاية حدوداً ‪0‬وعدم النتباه لتلك الحدود‪,‬قد يفضي إلى أن ننفض‬
‫أيدينا في النهاية من كل برامج التطوير والتحسين ‪0‬وقد يفضي إلى‬
‫أن نعمل كثيراً‪,‬وننتج قليلً‪,‬وذلك عندما يجثم الملل والسأم على‬
‫صدورنا‪,‬وعندما ل نستمع ببعض ثمار الجهود المضنية التي نبذلها‬
‫‪0‬وليس المقصود من مكأفاة النفس المساعدة على تحمل‬
‫الضغوط النفسية فحسب‪,‬وإنما إيجاد بيئة تساعد على تغيير‬
‫العادات والتجاهات الفرعية التي نرغب في التخلي عنها؛فالوقت‬
‫المملوء بالجد والمهام يقوَّض مقدرتنا على التطور‪,‬ويضعف من‬
‫استجابتنا لدواعيه؛لذا كان ل بد من أن يبتدع كل منا نظاما ً يكافئ‬
‫من خلله نفسه كيما يستطيع الستمرار والنمو على الوجه‬
‫المطلوب ‪0‬ونقارح في مكأفاة النفس ما يلي‪-:‬‬

‫_‪_158‬‬
‫‪-‬ل ريب في أن مكأفاة النفس حتى تؤتي ثمارها‪,‬ينبغي أن‬
‫تكون(مشروعة)‪,‬ول بد كذلك أن تكون(آمنة)ل تسبب حدوث‬
‫مشكلت شخصية أو اجتماعية‪,‬فالذي يكافئ نفسه بتناول بعض‬
‫الوجبات الشهية المؤذية لصحته‪,‬يكون قد اختار المكافأة الخاطئة ‪0‬‬
‫والذي يكافئ نفسه بالسفر مع أصدقائه؛مما يسبب له مشكلت‬
‫عائلية‪,‬يكون قد فعل مثل ذلك ‪0‬‬
‫‪-‬لبد لمكافأة النفس حتى تؤدي وظيفتها من أن تكون(ممتعة)‬
‫‪0‬يمكن إلى جانب ذلك أن نتخذ منها عنصر هدم البعض العادات‬
‫السيئة‪,‬أو عامل تعويض عن أشياء‪,‬نشعر بالعوز إليها؛وعلى سبيل‬
‫المثال فإن أحسن مكافأة لمن تعود أن يقوم عن الطعام بسرعة‬
‫أن يعِد نفسه بالبقاء دقائق إضافية على الفطار‪,‬كما أن المكافأة‬
‫المفضلة لمن تعوَّد مواصلة العمل الكثيف‪,‬أن ينظم لنفسه رحلة أو‬
‫إجازة‪,‬وهكذا ‪000‬‬
‫‪-‬لنستخدم المكافآت للقيام بالعمال غير المحببة‪,‬فإذا‬
‫كانت(القراءة)ثقيلة على نفسي فإنه سيكون بإمكاني أن أعد‬
‫نفسي بنصف ساعة واحد بعد كل ساعتين أقرأ فيهما ‪0‬‬
‫ويمكن أن أعد نفسي بزيارة لحد القرباء‪,‬أو بنزهة قصيرة عند‬
‫إتمام قراءة الكتابي الفلني ‪0‬إننا بذلك نمارس نوعا ً من الحيلة على‬
‫أنفسنا‪,‬كما يفعل صانعو الدواء حين يضيفون إلى المادة الفعالة فيه‬
‫شيئا ً حلواً‪,‬يجعل تناولها مستساغاً ‪0‬‬
‫‪-‬المكافأة الفعالة‪,‬هي التي تأتي بعد إنجاز العمل مباشرة‪,‬وإل فإنها‬
‫تفقد قيمتها على الحث‪,‬وقدرتها على كسر الحواجز والعوائق‬
‫النفسية ‪0‬بعض الناس ل يتأخر في مكافأة نفسه‪,‬وإنما يماطل‬
‫أيضاً‪,‬وقد يخلف الوعد الذي قطعه على نفسه‪,‬مما يقلل من حجم‬
‫الستجابة للمكافآت الموعودة في المستقبل ‪0‬‬
‫ملُول بطبعه‪,‬ومهما‬ ‫ن َ‬
‫‪-‬التنويع في مكافأة النفس أمر مطلوب‪,‬إذ إ ّ‬
‫كان نوع المكافأة محبباً‪,‬وأثيرا ً لدى النفس‪,‬فإن تكراره يجعله باهتاً‬
‫في النهاية‪,‬وغير ذي معنى؛لذا فالمكافأة قد تكون أحيانا ً يتناول‬
‫وجبة شهية‪,‬أو التحدث في الهاتف مع صديق‪,‬أو في أخذ إجازة‪,‬أو‬
‫شراء شيء جميل ‪000‬‬
‫‪-‬الستراحات أثناء العمل مهمة جدا ً لبعاد الجهاد والسأم‪,‬فإذا جعل‬
‫المرء العشر دقائق الخيرة من كل ساعة عمل للستراحة‪,‬وكسر‬
‫الرتابة‪,‬فإنه سيجدد نشاطه‪,‬ويستعيد حيويته‪,‬‬
‫وينطلق بروح جديدة ‪0‬‬

‫_‪_159‬‬
‫ن المهم دائما ً ليس أن نعمل كثيراً‪,‬ولكن أن ننتج كثيراً‪,‬وأن نحافظ‬
‫إ ّ‬
‫مع العمل الكثيف على حيويتنا‪,‬وعلى قدرتنا على الستمرار مدة‬
‫طويلة‪,‬وذلك ل يكون إل من خلل‬
‫الستراحات القصيرة والطويلة ‪000‬‬
‫‪‬السيـطرة على النفعالت‪-:‬‬
‫المواقف والشياء والتصرفات والصور والذكريات ‪000‬التي تحرك‬
‫انفعالت ل تكاد تحصى‪,‬ول تكاد تنقطع في أوقات اليقظة‬
‫‪0‬والنفعالت منها ماهو إيجابي‪,‬مثل الحب والعجاب والحترام‬
‫والهتمام بالفضائل ‪000‬ومنها ما هو سلبي‪,‬مثل الخوف والبغض‬
‫والغضب والرغبة في النتقام ‪000‬وقد أوجد البارئ‪-‬جل وعل‪-‬هذه‬
‫النفعالت في النفس البشرية من أجل حمايتها وتوازنها‪,‬وبعث‬
‫الحيوية فيها؛فدورها الساسي إيجابي‪,‬‬
‫لكن إذا تجاوز أي منها حدود(السواء)فغنه يتحول إلى عامل‬
‫سلبي‪,‬قد يهدم الشخصية كلها ‪ 0‬هناك ما يشبه التفاق على أنه ل‬
‫ينبغي إصدار أحكام أخلقية على النفعالت‪,‬فالحساس بها‪,‬مثل‬
‫الحساس بالبرد أو الخمول‪,‬لكن الذي يتوجه إليه الحكم‬
‫الخلقي‪,‬هو (السلوك)أو التعبير عن تلك الحاسيس والعواطف ‪0‬‬
‫ن اعتقاد المسلم بأن كل ما يصيبه من مصائب ومكدرات بقضاء‬ ‫إ ّ‬
‫الله وقدره‪,‬واعتقاده بأن ما يأتيه من خبز وفوز ماهو إل شيء‬
‫مؤقت وزائل‪,‬وأن المصائب يجب أن تقابل بالصبر‪,‬والنعم‬
‫ل ذلك يمنح شخصيه درجة عالية من التوازن‬ ‫ن ك َّ‬
‫بالشكر‪,‬إ ّ‬
‫والتماسك‪,‬وقد قال الله‪-‬جل وعل‪{-:-‬ما أصاب من مصيبة في‬
‫الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك‬
‫على الله يسير لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما أتاكم‬
‫والله ل يحب كل مختال فخور}[الحديد‪0]22,23:‬‬
‫التخلق بأخلق القرآن والهتداء بهديه‪,‬يجعل ما بداخل النسان‬
‫أعلى وأقوى من طوارئ الحداث وانعكاساتها الشعورية‬
‫المختلفة‪,‬وهذا ما نلمسه في شخص النبي‬
‫وسلوكه وتعامله؛فحين دخل مكة فاتحا ً دخلها وقد ألصق صدره‬
‫بمقدمة رحله تواضعا ً‬
‫وإخباتا ً وشكرا ً الله‪-‬تعالى‪-‬على نعمة الفتح ‪0‬ويقول خادمه أنس بن‬
‫مالك‪-‬رضي الله عنه‪( :-‬خدمت رسول الله عشر سنين‪,‬فما قال لي‬
‫ُّ‬ ‫أ َّ‬
‫ط‪,‬ول قال لشيء فعلته‪:‬لم فعلت كذا؟ول لشيء لم افعله‪:‬أل‬ ‫فق‬

‫_‪_160‬‬
‫فما دريت شيئاً‬ ‫فعلت كذا)‪0‬وفي رواية‪(:‬خدمت رسول الله‬
‫ي من الله بما كان)‪0‬‬‫وافقه ول شيئا ً خالفه رض ّ‬
‫مشكلة النفعالت أنها حين تتجاوز الحدود الطبيعية‪,‬تسبب للمرء‬
‫عددا ً من المشكلت‪,‬منها أن الميل الشديد إلى أمر من‬
‫المور‪,‬كالنفور الشديد منه‪,‬يشوش رؤيتنا للخيارات المتعلقة‬
‫به‪,‬والظروف المحيطة به‪,‬والمآلت التي قد يفضي إليها‪,‬واتخاذ‬
‫قرار بشأنه؛إذ من النار أن نتمكن من إصدار أحكام عقلية منطقية‬
‫وموزونة في حالة طغيان النفعال اليجابي أو السلبي‪,‬فالنحياز‪,‬هو‬
‫سيد الموقف‪:‬‬
‫ن عين السخط تُبْدي‬ ‫كما أ ّ‬ ‫ب كليلة‬ ‫وعين الرضـا عن ك َّ‬
‫ل عي ٍ‬
‫المـسـاويا‬
‫وإلى جانب هذا فإن النفعالت القوية‪,‬تفسد كثيرا ً من العلقات بين‬
‫الناس‪,‬ففي حالة الحب أو الخوف الشديد‪,‬يشعر الطرف الخر في‬
‫العلقة بعدم التكافؤ ‪0‬وفي حالة الغضب‪,‬يشعر أن علقته مع رجل‬
‫أحمق كانت غلطاً ‪000‬‬
‫والنفعالت الشديدة‪-‬بعد هذا وذاك‪-‬أقوى معول يمكن أن‬
‫يهدم(الرادة) ويشوه تجلياتها في السلوك‪,‬مما يوجب على الواحد‬
‫منا أن يتعلم بعض الطرق التي تمكنه من التعامل الجيد مع‬
‫انفعالت ‪0‬‬

‫كيـف نسيطر على النفعـالت؟‪-:‬‬


‫إننا حين نحاول السيطرة على انفعالتنا‪,‬نكون قد شرعنا في‬
‫استعادة التوازن بين العقلنية والعواطف ‪0‬ومعنى هذا أن السيطرة‬
‫على العواطف ل تعني كبتها‪,‬والتخلص منها‪,‬وإنما إيقافها عند حدود‬
‫معينة‪,‬بحيث ل تؤثر على السيطرة على النفعال مايلي‪-:‬‬
‫‪-‬أول خطوة على طريق السيطرة على النفعال‪,‬تتمثل في‬
‫العتراف به‪,‬وإدخاله في منطقة الوعي‪,‬إذ إننا كثيرا ً ما نكون‬
‫غافلين عن انفعالتنا‪,‬وانفعالت غيرنا‪ ,‬فالخوف والحباط والغضب‬
‫ل واحدٍ منا أن يُلم بنا في أي‬‫الشديد والحب الشديد‪,‬يمكن لك َّ‬
‫وقت‪,‬ويبدأ في التأثير في سلوكنا دون إدراك منا لما يحدث ‪ .‬وربما‬
‫شاهد جليسي علمات الغضب أو الميل المبالغ فيه على حركاتي‬
‫وأوالي‪ ,‬وأنا غافل عنها تماماً ‪0‬حين أمتدح كل شيء في حياة‬
‫شخص ما‪,‬وأحاول أن أدافع عن جميع تصرفاته‪,‬وحين أحاول تفسير‬
‫ن كل ذلك على أن‬ ‫أخطائه تفسيرا ً يخالفني فيه من حولي ‪000‬فإ َّ‬
‫_‪_161‬‬
‫ميلي إليه‪,‬قد خرج عن حد المألوف‪,‬وبات علي أن أعيد المر إلى‬
‫نصابه ‪0‬وفي المقابل‪,‬فإني حين أشعر في موقف من المواقف‬
‫ي نديتان أو أن عضلت فكي‬ ‫بتقلصات في معدتي‪,‬أو أجد أن راحت ّ‬
‫منقبضة‪,‬أو قمت بتجميع قبضتي‪,‬أو بت أقبض على الشياء‬
‫بإحكام‪,‬أو أرفع صوتي‪,‬وأتوسع في مقاطعة محدثي ‪ ...‬فهذا دليل‬
‫واضح على أن انفعال الغضب ‪ ,‬قد تملكني‪,‬وصار من الضروري‬
‫عمل أي شيء للحد منه ‪0‬‬
‫‪-‬لنحاول في حالة طغيان نوع من النفعال تذكُّر الصور والمواقف‬
‫والخصائص المضادة للحالة التي نحن فيها؛ففي حالة النزعاج من‬
‫مصيبة‪,‬حلّت بأحدنا‪,‬فإن عليه أن يتذكَّر مقدار ما متَّعه الله‪-‬تعالى‪-‬به‬
‫من السلمة والعافية في اليام الماضية ‪ ,‬وأن يتذكر أيضا ً الشيء‬
‫الكثير الذي بقي له بعدها‪[:‬إن أخذ فقد أبقى] ‪.‬‬
‫كما أن عليه أن يتذكر المثوبة التي تنتظر الصابرين‬
‫المحتسبين‪,‬والعواقب الحسنة التي يمكن أن تنتج عنها ‪0‬في حالة‬
‫ب الشديد يتذكر النسان سلبيات من يميل إليه‪,‬‬ ‫الح ّ‬
‫ويكيل له المدائح ‪0‬وحين تسيطر على المرء مشاعر الحباط‬
‫واليأس والخفاق‪ ,‬فعليه أن يتذكر الحداث السارة في‬
‫حياته‪,‬والنجاحات التي حققها‪,‬وأن يقارن نفسه بمن دونه حتى‬
‫يستشعر الخير الذي هو فيه ‪0‬في حالة الحقد الشديد على شيء أو‬
‫التقزز منه‪,‬أو الستخفاف به‪,‬فإن علينا أن نتذكر ما عسى أن يكون‬
‫له من ميزات وخصائص مشرقة وفضائل‪,‬وذلك حتى نوجد مشاعر‬
‫جديدة‪,‬تخفف من حدة المشاعر السلبية ‪0‬‬
‫ن عيسى‪-‬عليه السلم‪-‬مّر مع نفر من‬ ‫ويذكرون في هذا السياق أ ّ‬
‫أصحابه على شاة ميتة‪,‬فجعلوا يتحدثون عن قبح منظرها ونتن‬
‫رائحتها ‪000‬فقال لهم‪:‬لم يذكر أحد منكم أن أسنانها شديدة البياض!‬
‫‪0‬حين نبحث عن منظور جديد للشياء‪ ,‬فإننا سنؤثَّر في انفعالتنا‬
‫على نــــــــحو مـا ‪.‬‬
‫‪-‬سيكون من المفيد في هذا الشأن أن نحاول الخروج من فلك‬
‫النفعال بتغيير الوضعية‪ ,‬والحيلولة دون انعكاسه على السلوك ‪0‬في‬
‫حالة الغضب‪-‬مثلً‪-‬يطلب من الغضبان أن يصير إلى وضعية تحول‬
‫بينه وبين النتقام؛وقد ورد في الحديث الشريف‪(:‬إذا غضب أحدكم‬
‫وهو قائم‪,‬فليجلس‪,‬فإن ذهب عنه الغضب‪,‬وإل فليضطجع)‪0‬‬

‫_‪_162‬‬
‫ومن تغيير الوضعية أيضا ً اللجوء إلى السكوت باعتباره نوعا ً من‬
‫إيقاف الغضب عند حده ‪0‬وفي الحديث ‪(:‬إذا غضب أحدكم‬
‫فليسكت)قالها ثلثاً ‪0‬‬
‫كما أن الوضوء والغسل‪,‬مما ينصح به في حالة الغضب كذلك‪,‬وقد‬
‫ورد في الحديث‪( :‬إذا غضب أحدكم فليتوضأ)ويمكن للغضبان أن‬
‫يغادر المكان‪,‬أو يغير مجرى الحديث الذي أثار غضبه‪,‬وهكذا ‪0000‬‬
‫‪-‬المعالجة العقلية ذات أثر جيد في السيطرة على‬
‫النفعالت‪,‬فبعض ردود أفعالنا النفعالية ليس غريزياً‪,‬ولكنه عادات‬
‫أخذناها عن أسرنا وأصدقائنا‪,‬حيث تعلم الكثيرون منا‪-‬عندما كانوا‬
‫جه إليهم النتباه‪,‬أو أنها أسلوب‬ ‫أطفال‪-‬أن الثورات النفعالية‪,‬تو ّ‬
‫مفهوم ومقبول للتعبير عن الغضب وخيبة المل ‪0‬ولعلهم يحملون‬
‫معهم الرشد العتقاد الضمني‬
‫بأنهم يحصلون على ما يريدون إذا كانوا حادَّي‬
‫صُفقون البواب ‪...‬‬ ‫المزاج‪,‬يصرخون‪,‬ويضربون الرض بأرجلهم وي َ ْ‬
‫ويعتقد كثيرون أيضا ً أن رفع الصوت والظهور بمظهر الضعف‬
‫سيجعلهم يربحون قضيتهم مع خصومهم؛وكأن النفعالت‬
‫الحادة‪,‬صارت وسيلة ابتزاز وقهر للحصول على أشياء غير‬
‫مشروعة؛لكن هؤلء ينسون أن التكال على هذا السلوب‪,‬يجعل‬
‫صاحبه يظهر الضعيف والحمق الذي ل ينبغي أن يلتفت إليها؛كما‬
‫أنه على المدى الطويل‪,‬يفقد قيمته في تغيير آراء الخرين‪,‬وكسب‬
‫عواطفهم ‪0‬وقد يتسبب هذا السلوب في تحقيق بعض المكاسب‬
‫النية‪,‬لكنه على المدى الطويل‪ ,‬يترك انطباعات سيئة‪,‬ل تخدم‬
‫مصالح صاحبه ‪0‬على المجتمع أن يحرم الذين تعودوا النفعال‬
‫المصطنع من قطف ما يرمون إليه من ثمار وأن يتجاهل ذلك بغية‬
‫الحدمنه ‪0‬‬
‫‪-‬لنشاور غيرنا في الموقف الذي ينبغي اتخاذه تجاه المر الذي سبَّب لنا‬
‫انفعال ً حاداً‪ ,‬إيجابيا ً كان أم سلبيا ً ‪,‬فالكثير من الخطأ يكمن في هذه‬
‫الحالة في التصرف المنفرد ‪ .‬وإذا تعود النسان أن يشاور‬
‫غيره؛فإنه يربح من غير وجه‪,‬حيث إنه قد نجح في تأخير اتخاذ قرار‬
‫في حالة انفعالية‪,‬مما يعني تأخير المواجهة‪ ,‬ومنح النفس فرصة‬
‫جديدة ‪0‬ثم إن المشاورة تجعلنا نرى الشياء من زاوية جديدة ‪,‬‬
‫وذلك يجعل مواقفنا وقراراتنا أكثر حكمة واتزاناً ‪0‬واعتياد المشاورة‬
‫بعد هذا وذاك‪,‬يعني أننا نعطي المور الصعبة ما تستحقه من الوقت‬
‫والهتمام‪,‬وفي ذلك خير كثير ‪0‬‬

‫_‪_163‬‬
‫‪-‬عصرنا عصر الضغوط والمطالب المتزايدة؛والجملة العصبية لدى‬
‫كل واحد منا لها في النهاية طاقة محدودة على التحمل؛ولذا فإن‬
‫المتوقع أن ترتفع وتيرة النفعالت المختلفة لدينا‪,‬وهذا يفرض علينا‬
‫أن نتعلم كيف نخفف عن أنفسنا الضغوط ‪0‬والحقيقة أن ذلك يحتاج‬
‫إلى نوع من إعادة البرمجة الشخصية‪,‬كما يتطلب أن نستخدم ما‬
‫لدينا من خيال وإرادة في تحسن قدرتنا على المقاومة ‪ .‬ونحن‬
‫بحاجة إلى جانب هذا إلى أن ندرب أنفسنا على(السترخاء)وإلى‬
‫تخطيط أعمالنا أكثر كفاءة‪,‬حتى يقلل من المفاجآت غير‬
‫السارة‪,‬كما أننا في إطار من المشروعية والعتدال ‪0‬‬
‫أضف إلى هذا حاجتنا إلى أن نملك الشجاعة على رفض اللتزام‬
‫بأعباء ل نستطيع القيام بها‪,‬والبتعاد عن الشخاص الذين تُشعرنا‬
‫وضعيتهم العامة بالحباط ‪.‬‬
‫وبعد؛فإن السيطرة على النفعالت‪,‬ل تعني كبتها‪,‬ولكن تعني حسن‬
‫التعبير عنها‪,‬وحسن تجسيدها في سلوكاتنا ‪0‬والله الموقف والمعين‬
‫‪0‬‬

‫_‪_164‬‬
‫الفصل الول ‪-:‬‬

‫القاعدة الروحية الخلقية‪:‬‬


‫إذا صح القول‪:‬إن الذات النسانية طبقات‪,‬بعضها فوق بعض‪,‬فإن‬
‫أعمق تلك الطبقات هي طبقة(الروح)ذلك البعد الفسيح‬
‫المدى‪,‬الشّفاف جداً‪,‬والمبهم جداً‪,‬والمهم جداً ‪0‬‬
‫ويبدو أن البشرية ستغادر هذه المعمورة دون أن تقف على حقيقة‬
‫الروح‪,‬وهذا ما نلمسه‬
‫من قوله‪-‬جل وعل‪{:-‬ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي‬
‫وما أتيتم من العلم إل قليل}[السراء‪0]85:‬‬
‫هذا الجانب من شخصية النسان‪,‬كان يحتل على مدار التاريخ‬
‫مركزا ً محوريا ً في حياة الناس‪,‬وهذا واضح جدا ً في كثير من‬
‫النصوص القرآنية والنبوية‪,‬لكن(الروح)في العصور الحديثة فقدت‬
‫الكثير من الرض التي ربحتها في الماضي‪,‬وصار يُنظر إلى كثير من‬
‫قضاياها على أنه نوع من الخرافة والوهم ‪0‬ويسبب من التوجه‬
‫العلمي والفكري العام الذي ينشره الغرب في أنحاء‬
‫قبل دون جدل أن الهتمام‬ ‫المعمورة‪,‬وصار النسان الحديث‪,‬ي َ ْ‬
‫جه إلى الطاقة والمادة المعروفتين‪,‬وصار‬ ‫الساسي‪,‬ينبغي أن يو َّ‬
‫يُعبّر عن الروح في كثير من المراجع بأنها الوعي أو الصورة‬
‫الذهنية للمدركات أو المعنى ‪000‬وهذا كله أدى إلى تواري الخطط‬
‫والتنظيمات التي تدعم الجوانب الروحية والخلقية في معظم‬
‫الحيان ‪0‬‬
‫وإذا كان هذا مفهوما ً في أمم وشعوب يغلب عليها اللحاد‪,‬فإنه‬
‫ليس مفهوما ً ول مقبول ً في أمة تعطي عقيدتُها الولويَّة للبناء‬
‫قيَمي والسلوكي‪,‬وتعد النتصار على صعيده‬ ‫الروحي وال ِ‬
‫هو النتصار الحقيقي!‪0‬‬
‫من الواضح أن الحضارة المادية الحديثة‪,‬قد قدمت كل رهاناتها‬
‫للنتاج الصناعي والرتقاء المادي‪,‬وحين تتناقض إمكانات النمو‬
‫المادي‪-‬وهذا شيء قادم ل محالة‪-‬فإن النسان سوف يلجأ إلى‬

‫_‪_165‬‬
‫الروح مرة أخرى؛ليستمد منها طاقة البداع والتكيّف مع الظروف‬
‫الجديدة‪,‬لكنه سوف يجد أنه قد هدم كل المنابع الثّرة التي يمكن‬
‫أن يرتوي منها‪,‬وسيجد نفسه آنذاك مفلسا ً من المادة والروح معاً!‪0‬‬
‫إن القاعدة الروحية الخلقية في أي مجتمع هي التي تتحمل‬
‫الثقال التي تتولد من طبيعة الحياة المادية والجتماعية‪,‬وعن‬
‫النتكاسات التي تصاب بها المة في ميادين الحياة المختلفة ‪0‬وحين‬
‫خطط لهذه المة أن تجعل القيم الخلقية والروحية في مرتبة‬ ‫ُ‬
‫متدينة من اهتماماتها‪,‬أخذت أخلقها وقيمها في التراجع‪,‬كما فقدت‬
‫ح الموارد‪,‬وجه‬ ‫الكثير من شفافيتها حين واجهت ضائقات العيش وش ّ‬
‫المغريات والمحفزات على النحدار ‪0‬‬
‫الحضارة السلمية كانت غنية في جميع جوانبها‪,‬لكن الذي كان‬
‫يميزها عن غيرها ذلك الطابع الروحي الخلقي الذي كان يسربل‬
‫كل النشطة الحضارية ‪ .‬والحقيقة أن الجاذبية التي تتمتع بها‬
‫القرون الولى من تاريخ السلم‪,‬تنبع على نحو أساسي من طابع‬
‫الستقامة والنبل والتضحية والصفاء والتضامن الهلي الذي كان‬
‫يطبع الحياة العامة‪,‬وليس من التفوق في الحروب أو العلوم أو‬
‫العمران ‪0‬‬
‫قد آن أن ندرك أنه لن يكون بإمكان أفضل النظم الجتماعية‪,‬ول‬
‫في إمكان أقسى العقوبات الصارمة أن تقوَّم العوجاج‪,‬ول أن تمل‬
‫الفراغ الناشئ من ذبول الروح وانحطاط القيم‪,‬فالعقوبات ل تنشئ‬
‫مجتمعاً‪,‬لكنها تحميه ‪0‬والنظم مهما كانت محكَمة ومتَقنة لن تحول‬
‫دون تجاوز النسان لها‪,‬وتأويلها على نحو يفرغها من ج َّ‬
‫ل‬ ‫ٍ‬
‫مضامينها؛وكل الحضارات المندثرة‪,‬تركت تنظيماتها وأدوات ضبطها‬
‫خلفها شاهدة ً على نفسها بالعجز والعقــــــــــــــم ‪0‬‬
‫المنظومة الروحية والخلقية بعد هذا وذاك‪,‬هي التي تضبط سلوك‬
‫ن يردع‬ ‫الفرد من التقاليد ‪ 000‬ومن ثم فإن وظيفة(الخلق الكريم)أ ْ‬
‫أصحابه عن استغلل مساحات(الفراغ القانوني)على وجه‬
‫سيَّئ‪,‬يضر بالفرد نفسه أو مجتمعه ‪0‬إن الحالة الروحية الخلقية‪,‬هي‬
‫المرآة التي تنعكس عليها عقيدة المجتمع وظروفه وأوضاعه‬
‫العامة‪,‬ومن ثم فكما أن الخلق السامية‪,‬تساعد المجتمع وظروفه‬
‫الكثير منه منحه‪,‬فإن أزمات المجتمع الفكرية والسياسية‬
‫والقتصادية ‪,00‬وما يتحصل منها من وعي المجتمع بذاته‪,‬تنعكس‬
‫بصورة واضحة على أخلق الناس‪,‬وتعيد ترتيب سلم القيم لديهم ‪0‬‬

‫_‪_166‬‬
‫حين يصاب مجتمع بالشلل الخلقي‪,‬فإنه يفقد فاعليته العقلية‬
‫والجتماعية مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوسع‪,‬إل‬
‫أن إرادته الحضارية تكون مكبَّلة بالهواء والشهوات والمطامع‬
‫الشخصية‪,‬وهذه الحالة تستفحل اليوم في طول العالم‬
‫وعرضه‪:‬المزيد من القوة وتعاظم القدرة‪,‬إلى جانب المزيد من‬
‫ضعف الرادة والمبادرة!‬
‫ميَّة الخلقية‪,‬تتمثل في شفافية روحية تمنح‬ ‫قي ِ‬
‫إن نواة القاعدة ال ِ‬
‫حياة الفرد معنى جديداً‪,‬وتصبغ أنشطته كلها بصباغها‪,‬وهذه‬
‫الشفافية‪,‬تستمد كينونتها من معين اليمان بالله‪-‬جل وعل‪-‬والصلة‬
‫به‪,‬وإن الشفافية الفطرية التي يتمتع بها بعض الناس تظل مهددة‬
‫بقتامة المعاصي‪,‬والقلق على المصير‪,‬وأوضار النزعة المادية؛وهذا‬
‫يعني أن اليمان العميق والمصحوب باللتزام بالسلوك السلمي‬
‫يشكل الضمانة الساسية لستمرار التألق الروحي‬
‫الفطري‪,‬والمكتسب من خلل النشطة العبادية المختلفة ‪0‬‬
‫إن عماد الشفافية الروحية‪,‬هو حب الله‪-‬تعالى‪-‬الذي يستحق وحده‬
‫كمال المحبة‪,‬فهو المتصف بجميع صفات الكمال‪,‬المنَّزه عن جميع‬
‫صفات النقصان‪ ,‬وهو الذي أسدى الخير‪,‬وتكَّرم على عباده بما ل‬
‫يحصى من النعماء‪{:‬وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها إن‬
‫الله لغفور رحيم}[النحل‪0]18:‬‬
‫هذه المحبة‪,‬ل تتحقق في فراغ‪,‬ول ينفع فيها الدّعاء المجرد‪,‬وإنما‬
‫هي إجلل الله‪-‬تعالى‪-‬ورجاء لما عنده‪,‬وخوف من عواقب المعاصي‬
‫و المخالفات‪,‬إنها استجابات وجدانية وسلوكية لمحبوبات لله من‬
‫القوال والحوال والعمال‪ ,‬قال‪-‬سبحانه‪{-‬يأيها الذين امنوا من‬
‫يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة‬
‫على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ول‬
‫يخافون لومة لئم}[المائدة‪0]54:‬‬
‫وتلك الستجابات هي الطريق إلى محبة الله‪-‬تعالى‪-‬لعبده‪,‬وحين‬
‫تحصل تلك المحبة‪,‬‬
‫فإن أخلق العبد كلها تتغير‪,‬كما أن حياته كلها تمسي مغمورة‬
‫بلطف الله ورضاه وتوفيقه على نحو ما ورد في الحديث‬
‫ي بالنوافل حتى أحبَّه‪,‬فإذا أحببتُه‬
‫القدسي‪":‬ول يزال عبدي يتقرب إل ّ‬
‫كنت سمعه الذي يسمع به‪,‬وبصره الذي يبصر به‪,‬ويده التي يبطش‬
‫بها‪,‬ورجله التي يمشي عليها‪,‬ولئن سألني لعطينه‪,‬ولئن استعاذني‬
‫لعيذنه"‪0‬‬
‫_‪_167‬‬
‫الشراق الروحي شديد الحساسية‪,‬فل بد من مراعاته وتعاهده في‬
‫إطار من الشريعة السمحة وآدابها على الصعيد الشخصي‬
‫والجتماعي‪,‬وبذلك وحده تتأسس القواعد القيمية كلها‪,‬وتولد‬
‫إمكانات التجديد الخلقي ‪0‬إن أعظم المعارك يتم خوضها وحسمها‬
‫في حجرات صامتة داخل الروح‪,‬ففيها تصنع النتصارات والهزائم‬
‫الكبرى‪,‬وأساس النجاحات الشخصية هو نجاح روحي في المقام‬
‫الول ‪.‬‬
‫خلق وسلوك جديـدان‪:‬‬
‫لم يكن العيش في زماننا صعبا ً إل لنه عصر الزمات والمشكلت؛فمع‬
‫وجود الوفرة في أشياء كثيرة هناك شح متزايد في الموارد وفرص‬
‫العمل‪,‬مما يتطلب من المسلم الذي ينبغي أن يعيش عصره باستقامة‬
‫وكفاءة أن يكون على استعداد للتجديد في أخلقه وسلوكاته وعاداته ‪0‬‬
‫ول يعني هذا‪-‬بالطبع‪-‬أن لكل زمان أخلقه الخاصة‪ ,‬وإنما يعني نوعا ً من‬
‫التركيز على بعض المفاهيم والمفردات الخلقية والسلوكية التي‬
‫تساعد على الستجابة لتحديات العصر‪,‬في إطار من الثوابت والقيم‬
‫السلمية العتيدة ‪.‬‬
‫ولعلي أنوَّه إلى أن كل ما سنذكره‪,‬وما ذكرناه عن تحسين اللياقة‬
‫الشخصية‪ .,‬وعن تحسين العلقات مع الناس‪,‬وعن التأثير في الخرين‬
‫‪000‬إن كل ذلك يوزن بمقصد المرء ونيته‪,‬فكل أشكال القوة والنفوذ‬
‫خر في نصرة الحق وإشاعة الخير‪,‬كما يمكن أن‬ ‫والكفاءة‪,‬يمكن أن تس َّ‬
‫نستخدم في البغي والعدوان وتحقيق أهداف غير مشروعة ‪ .‬وعقيدة‬
‫المسلم تدفعه في أكثر الحيان إلى أن يحاول تحقيق مصالحه في‬
‫إطار من قيمه ومبادئه‪,‬كما تدفعه إلى توخي العدل وإحقاق الحق‪,‬ونشر‬
‫الخير بين الناس‪,‬وهذا هو بالضبط ما تتطلبه المواجهة الجيدة‬
‫للصعوبات التي نواجهها على مستوى الفرد‪,‬وعلى مستوى الجماعة ‪.‬‬
‫ونحن ل نستطيع أن نتحدث هنا عن كل نواحي التجديد الخلقي‬
‫والسلوكي‪ ,‬فلنقتصر إذن على ما نراه أكثر أهمية من خلل النقاط‬
‫التالية‪-:‬‬
‫سنَّـــــة‪-:‬‬
‫‪ ‬تمســــــك بال ُّ‬
‫النبي هو النموذج الذي على المسلمين أن يحاولوا تقليده في‬
‫جميع شؤون حياته‪,‬ممل لم يفعله بحكم بشريته‪,‬ومما ليس من‬
‫صوَرت لنا هديه‪-‬علية الصلة والسلم‪-‬على‬
‫ّ‬ ‫خصائصه ‪0‬وكتب السنَّة‬
‫نحو تام ‪0‬ومما هو ملموس في ذلك الهدي صلبة في الحق ل‬
‫تعرف الملينة‪,‬وخروج من حظوظ النفس ل حدود له‪,‬والسير على‬
‫هدي القرآن الكريم في كل كبيرة وصغيرة ‪0‬التمسك بالسنَّة ل‬
‫_‪_168‬‬
‫يعني الجنوح إلى ما هو أكمل وأجمل في جميع أنشطة الحياة‬
‫ومواقفها فحسب‪,‬وإنما يعني أمرين إضافيين‪-:‬‬
‫الول‪:‬هو تعويد المسلم نفسه‪,‬وتمرينها على أن تحيا دائما ً في حالة‬
‫من الوعي‬
‫الداخلي‪,‬والنضباط الذاتي؛فالتزام المرء بالسنَّة يعني حضور نيته‬
‫الطيبة في مختلف المواقف والعمال‪,‬وتسليط الوعي على حركته‬
‫اليومية‪,‬فل تزيغ به الهواء‪,‬ول تحرفه الضغوط الحياتية؛ويتنسم في‬
‫الوقت نفسه عبير الستقامة ‪0‬‬
‫الثاني‪:‬تعظيم الذات الجتماعية‪,‬بما يضفي عليها التمسك بالسنَّة‬
‫من التجانس والتآلف‪,‬فيظهر في سلوكاتهم ومعاملتهم وكأنهم‬
‫متشبعون بروح واحدة‪ ,‬وخاضعون لنظام واحد‪,‬وهذا كله يسهل‬
‫سن نوعية العلقات بين الناس‪,‬بالضافة إلى‬ ‫الحركة الجتماعية‪,‬ويح َّ‬
‫تأسيسه أعرافا ً صالحة تؤطر النشطة اليومية ‪0‬‬
‫‪‬تجسيد المبادئ الخلقية‪-:‬‬
‫ل تفتخر أمة من المم بانعدام الخلق لديها‪,‬كما أنه ليس هناك من‬
‫يخطط لتدمير المنظومة الخلقية لديه‪,‬لكن الذي يحدث دائما ً أن‬
‫الناس في غمرة تطلعهم إلى تحسين أوضاعهم‪,‬قد يقفون بعض‬
‫المواقف التي قد تؤدي إلى تحقيق بعض مصالحهم على حساب‬
‫بعض مبادئهم‪,‬أو التي تؤدي إلى إيجاد ظروف جديدة‪,‬ل يكون‬
‫للخلق تأثير توجيهي فيها ‪0‬‬
‫والمعروف أن مل مبدأ أو هدف ل يتحقق يتحول إلى شعار‪,‬ثم إلى‬
‫نوع من اللغو‪,‬ثم إلى وسيلة خداع للغرار ‪000‬والضمانة الساسية‬
‫لعدم حدوث ذلك‪ ,‬هي محاولة تجسيد ما تؤمن به من قيم ومبادئ‬
‫في أطر وسلوكات محدودة؛ فالذي يماطل في الصدقة بإمكانه أن‬
‫يرتب على نفسه مبلغا ً من المال يدفعه كل أسبوع إلى أحد‬
‫المحتاجين ‪ ،‬والمهمل في زيارة أرحامه يقوم بترتيب موعد‬
‫أسبوعي أو شهري‪-‬بحسب الحال‪-‬لزيارة أرحامه ووصلهم ‪0‬وحين‬
‫يشعر المرء بفضل إغاثة الملهوف‪,‬يحاول مساعدة هيئة خيرية أو‬
‫إغاثته من خلل التطوع في بعض أنشطتها ‪0‬والذي يقدَّر قيمة‬
‫القرض الحسن في تفريج الكروب المسلمين‪ ,‬يعزل من ماله‬
‫مبلغاً‪,‬ويخصصه لقراض من يحتاج إليه من إخوانه‪ ,‬وهكذا ‪...‬‬
‫هذا التجسيد لما نؤمن به من قيم ومبادئ هو الدليل على اختلط‬
‫مبادئنا بدمائنا ولحومنا‪,‬كما أنه الدليل على أن معتقداتنا ل ترسم‬
‫ف‪,‬وتصوغ‬ ‫ث والك َّ‬
‫الفضاء النظري لنا فحسب‪,‬وإنما تمارس الح َّ‬

‫_‪_169‬‬
‫مفردات أنشطتنا اليومية أيضاً ‪0‬إن كثرة الكلم لدينا وقلة‬
‫النشطة‪,‬تعود إلى قصور آخر في حياتنا الجتماعية‪,‬هو ضعف‬
‫التقاليد الثقافية التي تمجد الروح العملية الصامتة‪,‬فالوجاهة عندنا دائماً‬
‫للقدار على الكلم!أضف إلى هذا أن المؤسسات الخيرية التي بإمكانها‬
‫استيعاب النشطة الطوعية لكثير من الخيَّرين محدودة جدا ً في عالمنا‬
‫السلمي‪ ,‬مع أنه ليس لدى أمة من الدبيات والتعاليم التي تشجع على‬
‫الحسان والمشاركة الجتماعية كالذي لدى أمتنا!‪0‬‬
‫‪‬نـحو أخلق شفيفة‪-:‬‬
‫إن مظاهر التحضر‪,‬وأشكال الرقة واللطف والدماثة في التعامل‪,‬ما‬
‫هي في الحقيقة سوى قشرة حضارية رقيقة‪,‬يكمن تحتها‬
‫متوثب‪,‬ومستعد للفتراس متى ما حانت الفرصة‪,‬أو اقتضت‬
‫المصلحة ذلك ‪000‬‬
‫جلْنا في أحوال معظم الشعوب النامية‪,‬وجدنا أن التعانف‬ ‫َ‬
‫وإذا أ َ‬
‫والتجارب الهلي ‪ ,‬واللجوء إلى حل المشكلت عن طريق الغلبة‬
‫والقوة الضاربة‪-‬هو الطابع الذي يطبع تصرفات كثير من الناس‬
‫وعلقاتهم؛فالخلق الجميلة السهلة المسالمة ما زالت في منأى‬
‫عن الحركة اليومية لكثير من الناس‪,‬بل إن النفجار الخلقي يمكن‬
‫أن يحدث في أي وقت ‪0‬‬
‫والسبب في ذلك هو ضعف العناية بالشفافية الخلقية وضعف‬
‫تركيز المؤسسات والمناهج التربوية عليها‪,‬مع أن رصيدنا من‬
‫النصوص والتوجيهات في هذا الباب كبير جداً ‪0‬‬
‫الحروب المحلية المستعرة بين أبناء البلد الواحد في أكثر من‬
‫مكان من العالم السلمي هي ثمرة لفقد تلك الشفافية‪,‬وهي سبب‬
‫للقضاء على البقية الباقية منها(‪)1([0)1‬في دوائر البناء الحضاري‬
‫كثيرا ً ما تكون النتيجة مقدمة إذا نظرت إليها من زاوية ثانية‪,‬على‬
‫نحو ما نجده من العلقة بين الفقر والمرض‪.‬‬
‫إن المسلم بحاجة اليوم أن يبني حول نفسه من خلل التثقف‬
‫والمجاهدة خطوط دفاع أولية‪,‬تحول بينه وبين السلوك الهمجي‬
‫سد في مقاتلته لخيه المسلم‪,‬والتي تحول دون العدوان‬ ‫الذي يتج َّ‬
‫على الممتلكات والحقوق العامة ‪0‬‬
‫إن لدينا الكثير من النصوص الصحيحة التي تبني تلك الخطوط‬
‫المتقدمة‪,‬مما يكفي لجعل المسلم يتحرج من إيذاء هرة‪,‬أو قطع‬
‫شجرة‪,‬أو رمي شيء من النفاية في الطريق ‪000‬وهذا كله يشكل‬

‫_‪_170‬‬
‫في النهاية بُنية نفسية وثقافية عميقة وخيّرة‪,‬تشيّد ول تهدم‪ ,‬وترحم‬
‫ول تشمت‪,‬وتعطي أكثر مما تأخذ ‪0‬‬
‫َ‬
‫مل معي ما يمكن أن يحصل عليه المسلم حين يتخل ّق بما تشعُّه‬ ‫وتأ َّ‬
‫س‪,‬والدقة في التصرف‪,‬والنضباط‬ ‫بعض النصوص من رهافة الح َّ‬
‫الذاتي‪,‬على نحو ما نجده في الحاديث الصحيحة التـــــــــالية‪-:‬‬
‫‪"-‬إذا قال المسلم لخيه‪:‬يا كافر‪,‬فقد باء بها أحدهما‪,‬فإن كان كما‬
‫قال‪,‬وإل رجعت عليه"‪0‬‬
‫ن المـسـلم كقتلـــــــه"‬ ‫‪"-‬لَعْ ُ‬
‫شْر أحدكم إلى أخيه بالسلح‪,‬فإنه ل يدري لعل الشيطان ينزع‬ ‫‪"-‬ل ي ُ ِ‬
‫في يده‪ ,‬فيقع في حفرة من النار"‪0‬‬
‫‪"-‬عُذَّبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت‪,‬فدخلت فيها النار‪,‬ل هي‬
‫أطعمتها‪ ,‬ولهي سقتها‪,‬إذ حبستها‪,‬ولهي تركتها تأكل من خشاش‬
‫الرض"‪0‬‬
‫‪"-‬ما من مسلم غرس غرساً‪,‬فأكل منه إنسان أو دابة إل كان له‬
‫صدقـة"‪0‬‬
‫مى)وعن‬ ‫ب(الح ّ‬‫وقد ثبت بالضافة إلى كل ما سبق نهيه عن س ّ‬
‫ب(الريح)‪ ,‬كما ثبت نهيه عن البول و التغوط في الماء‬ ‫س ّ‬
‫الراكد‪,‬وفي طريق الناس‪,‬وأماكن استظللهم ‪0‬‬
‫إن كثيرا ً من المسلمين اليوم يعَّرض سمعة السلم الدولية لسوء‬
‫الفهم‪,‬بل للحكام الجائرة والحرب السافرة من خلل الصور‬
‫الشائنة التي يتيحونها لوسائل العلم العالمية دون أي إحساس‬
‫بالمسؤولية!‪0‬‬
‫إن المسلم حين يطرز حياته بآداب الشريعة‪,‬يقدم أرقى صورة‬
‫يمكن أن يتطلع إليها إنسان هذا العصر‪,‬ويمكن نموذجا ً فذا ً لما‬
‫خلُق وسلوك ‪0‬‬ ‫ينبغي أن يكون عليه(المواطن العالمي) الحديث من ُ‬
‫‪‬التأبَّي الخلـقي‪-:‬‬
‫خلُقية على درجة عالية من‬ ‫تُثبت الحداث يوما ً بعد يوم أن البُنية ال ُ‬
‫الهشاشة فهي لرتباطها بالثقافة والسياسة‪,‬والظروف المعيشية‬
‫المختلفة‪,‬تتسربل بالليونة والمرونة‪ ,‬ومن ثم فإن إمكانات ضمورها‬
‫وتدهورها تظل حاضرة‪,‬من خلل التحويرات والتأويلت التي‬
‫مل أخلقنا وأرواحنا أعباء‬ ‫تجتاحها ‪0‬الشعور بالغتراب هو الخر يح ّ‬
‫ثقيلة‪,‬تنوء بها ‪0‬‬
‫سيَر العظماء يجد أنهم دائما ً يملكون طاقة‬ ‫إن الذي ينظر في ِ‬
‫كبرى على التميز والتأبي على النجراف في التيار‪,‬والمتناع عن‬
‫_‪_171‬‬
‫الخضوع للحدود التي ترسمها المعطيات السياسية‬
‫والقتصادية‪,‬وبالتالي فإنهم يندفعون دائما ً نحو مستقبل مفتوح‪.‬إن‬
‫التأبي الخلقي‪,‬يعني تجاوز الدلئل الزائفة القائمة على جاه‬
‫مصطنع‪ ,‬وحفنة من مال‪,‬وشيء من متاع‪,‬والتي تراوح فيها‬
‫المجتمعات‪,‬وترهن كل إمكانات تفتحها لديها ‪0‬‬
‫التأبي الخلقي يعني أن ننمي ببطء القدرة على ترميز القيم‬
‫السائدة‪,‬حيث نكف عن رؤية الشياء في ضوء المعايير‬
‫القائمة‪,‬ونصير إلى طرح أسئلة جديدة عن معنى الحياة عامة‪,‬وعن‬
‫معنى حباتنا خاصة ‪0‬وسيعني هذا بالطبع سباحة ضد التيار‪,‬كما يعني‬
‫وقوع بعض الخسائر الشخصية‪,‬لكن العواقب تستحق التضحية ‪0‬‬
‫إن(الحرية)ليست ذات بنية ثورية‪,‬وإنما هي ثمرة النضج البطيء‬
‫الذي نحرزه على صعيد تقويتنا لراداتنا‪,‬وعلى صعيد فهمنا لواجباتنا‬
‫ومسؤولياتنا ‪0‬والتأبي يحتاج في أول ما يحتاج إلى الشعور بالتحرر‬
‫الداخلي من استعباد الملذات والمطامع الصغيرة؛وعلى مقدار ما‬
‫نحصل عليه من ذلك نتمكن من إيجاد صياغة جديدة لعلقاتنا بما‬
‫حولنا‪,‬وصياغة رؤية جديدة للحاضر والمستقبل ‪0‬وهذا وحده هو‬
‫الذي يمكن أن يسمى تقدما ً أخلقياً ‪0‬‬
‫إن ارتباط المسلم بالمنهج الرباني القوم‪,‬يعني دائما ً الرتباط‬
‫بثوابت تشده إلى عالم المثل والقيم‪,‬وهو عالم مرتبط بكل‬
‫الزمنة‪,‬كما أنه مرتبط بالجوهر النساني العمق‪,‬‬
‫وذلك كاف لغلق العديد من أبواب الخضوع لحكام البيئة‬
‫ومقتضيات العيش الصعب ‪0‬‬
‫‪‬لياقـــة خلـقية‪-:‬‬
‫مهما ضاقت الحوال‪,‬وتأزمت المور‪,‬فإن انعكاساتها على المنظومة‬
‫الخلقية‪,‬هي الهم؛فالنتصارات والهزائم‪,‬وحالت الرخاء‬
‫مق مدلولتها في أخلقنا ونفوسنا‬ ‫والشدة‪,‬تظل هامشية ما لم تع َّ‬
‫وعلقاتنا ‪000‬والعيش في الزمان الصعب‪,‬ل يتطلب‪-‬كما قد يتوهم‪-‬‬
‫المزيد من الحرص والمزيد من الدوران في فلك المصالح‬
‫الشخصية‪,‬فذاك يعَّقد المور‪ ,‬ويكدَّر صفو الجميع‪,‬وإنما يتطلب أن‬
‫نحرص على بعض الداب والخلق التي تجعل كل واحد منا لئقاً‬
‫في نظرة غيره‪,‬وهذه اللياقة ينبغي أن تتمحور حول الحسان‬
‫والمودة والمشاركة إلى جانب اليحاء بالقوة والنضباط والقدرة‬
‫مل المسؤولية‪,‬وما إلى ذلك من الخلق اليجابية ‪0‬‬ ‫على الريادة وتح ُّ‬

‫_‪_172‬‬
‫وإنما نقول ذلك؛لن المرء حين يشع هذه المعاني في الوسط الذي‬
‫يعيش فيه‪,‬يؤكد للناس الذين حوله إمكانية النجاة من النعكاسات‬
‫السيئة للزمات القتصادية والسياسية والبيئة التي يمر بها سكان‬
‫هذا الكوكب اليوم ‪0‬وحين ل نتمكن من ذلك على نطاق مقبول‪,‬فإن‬
‫علينا أن نتوقع الدخول في(دورات أخلقية)كالدورات‬
‫القتصادية‪,‬وفي هذا من الهانة لكرامة النسان الكثير ‪0‬‬
‫وأود هنا أن أشير إلى بعض ما يشكّل اللياقة الخلقية الضرورية‬
‫للعيش في هذا الزمان من خلل المفـردات التاليـــــــــة‪-:‬‬
‫أ‪-‬إغناء الحياة العامة‪:‬إغناء الحياة بكل ما يعود نفعه على النسان‬
‫والحيوان والبيئة المحيطة عامة‪,‬فنحن وكل ما حولنا‪,‬نعيش في‬
‫حالة فريدة من التعاون والتكامل‪-‬على الرغم من كل أشكال‬
‫التنافس‪-‬وينبغي أن نتملك الخلق الذي يساعدنا على المساهمة في‬
‫إثراء هذا التكامل وتدعيمه‪,‬وتأمل معي ما رواه الشيخان من قوله‪-‬‬
‫علية الصلة والسلم‪(-:-‬كل معروف صدقة)‪0‬‬
‫وما أخرجاه من قوله‪(:‬بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك‬
‫خره‪ ,‬فشكر الله له فغفر له)‪0‬‬‫على الطريق‪ ,‬فا َّ‬
‫إن هناك أنشطة كثيرة ل تعود على الواحد منا بالنفع المباشر‪,‬ول‬
‫تكلفه الكثير‪ ,‬لكن عندما يحتسبها المسلم‪,‬فإنه يكون في النهاية‬
‫أكبر المنتفعين بها ‪0‬‬
‫وهناك نصوص كثيرة‪,‬تؤكد أن المسلم الحق‪,‬ل يكون إل متعدي‬
‫النفع‪,‬متجاوزا ً الصلح إلى الصلح‪,‬فبذلك تنتقل المة من مرحلة‬
‫الكللة والتهميش؛ولو أن الناس عملوا على نحو ما جاء بنص واحد‬
‫من تلك النصوص لتغيَّر الكثير من حالهم؛يقول الله‪-‬جل وعل‪{:-‬ل‬
‫خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح‬
‫بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً‬
‫عظيما}[النساء‪0]144:‬‬
‫وفي حديث الشيخين‪":‬على كل مسلم صدقة"‪0‬قال أبو موسى‬
‫الشعري‪-‬رضي الله عنه‪-:-‬أرأيت إن لم يجد؟قال‪":‬يعين ذا الحاجة‬
‫الملهوف"‪0‬قال‪:‬أرأيت إن لم يستطع؟‬
‫قال‪":‬يأمر بالمعروف أو الخير"‪0‬قال‪:‬أرأيت إن لم‬
‫يفعل؟قال‪":‬يمسك عن الشر فإنه صدقة‬
‫ب‪-‬فضيلة الهتمـام‪:‬ربما كانت فضيلة الهتمام من أعظم الفضائل‬
‫التي يمكن للنسان أن يتخلق بها‪,‬فالقوى النفسية والعقلية‪,‬تظل‬

‫_‪_173‬‬
‫راكدة ما لم تجد ما يحركها من الرغائب والمحفزات‪,‬أو المثيرات‬
‫والمقلقات ‪0‬‬
‫والعيش في الزمان الصعب‪,‬يتطلب على نحو جوهري أن نهتم بكل‬
‫شيء حتى التفاصيل الصغيرة جداً‪,‬فالحياة البالغة التعقيد‪,‬جعلت‬
‫الهتمام بكل شيء أمرا ً حيوياً ‪0‬الهتمام ل ينبغي أن ينصب على‬
‫الشياء الشخصية فحسب‪,‬وإنما على الحياة العامة‪,‬وعلى العلقات‬
‫النسانية أيضاً ‪0‬الشياء التي ينبغي الهتمام بها كثيرة جداً‪,‬نذكر‬
‫منـــــــــــــهــــــــا‪-:‬‬
‫‪-‬الهتمام بالخرين‪:‬ففي زماننا هذا يتجه كثير من الناس نحو المزيد‬
‫من توسيع دائرة(الخصوصية)مما ترتب عليه نوع من الهمال‬
‫للشؤون العامة‪,‬ونوع من الهمال لمشاعر الخرين‪,‬ويمكن أن‬
‫نقوا‪:‬إن بعض المسلمين باتوا يشعرون بنوع من الضيق إذا ما ألقي‬
‫عليهم السلم‪,‬أو سمعوا من يسألهم عن أحوالهم‪ ,‬وهذا تطور‬
‫سلبي جدا ً في الحقيقة‪,‬ول بد من مقاومته من خلل تدعيم الروح‬
‫المشتركة‪,‬وإبداء الهتمام بجيراننا وزملئنا ومعارفنا‪,‬وكل أولئك‬
‫الذين لنا بهم من الصلة أو الحتكاك ‪0‬‬
‫والتعاليم السلمية في هذا الشأن واضحة جداً‪,‬فالمسام مطالب‬
‫بأن يلقي السلم على أخيه المسلم‪,‬وعلى من ألقى عليه السلم‬
‫أن يرد التحية بأحسن منها‪,‬كما أنه مطالب بأن يشتمه إذا‬
‫عطس‪,‬وأن يفسح له في المجلس‪,‬وأن يَعُودَه إذا مرض‪,‬وأن يكرمه‬
‫إذا نزل ضيفا ً عليه‪,‬وأن يسأل عنه إذا غاب‪,‬وأن يلطفه في‬
‫الحديث‪,‬ويتعلم كيف يجامله‪-‬من غير مبالغة‪-‬وأن يبتسم في‬
‫وجهه‪,‬وأن ينصت له إذا تحدث‪,‬ول يقاطعه حتى يفرغ مما يود‬
‫قوله‪,‬وأن ينصحه‪,‬ويقدم له النقد البَنَّاء المهذب في حالة الحاجة‬
‫ي أن أستمر في الوقوف‬ ‫إلى ذلك ‪0‬وإذا كان محدَّثي واقفاً‪,‬فإ َّ‬
‫ن عل َّ‬
‫ما دام هو كذلك ‪0‬‬
‫وإن جملة حقوق الخوّة والمعرفة حفظ السر‪,‬وإبرار‬
‫القسم‪,‬والوفاء بالعهد‪,‬والدقة في تنفيذ الوعد‪,‬وعدم ذكر الخبار‬
‫والمسائل التي نشعر أنها تسبب إحراجاً‪,‬أو تعكر مزاجاً‪,‬أو يعدها‬
‫صديقنا من خصوصياته التي ل يجيز تناولها في مجلس عام ‪ .‬أضف‬
‫إلى هذا فإن المسلم مطالب بأل يقوم ببعض المور المخلة‪-‬عرفاً‪-‬‬
‫بآداب المجالسة‪,‬مثل التثاؤب وفرقعة الصابع‪,‬ومد الرجل نحو‬
‫الجليس‪,‬وما شابة ذلك ‪00‬‬

‫_‪_174‬‬
‫ة الشخصية للواحد منا‪,‬فينبغي أن‬ ‫‪-‬مما يحتاج إلى اهتمام‪:‬الوضعي ُ‬
‫نوحي للخرين بأن شأننا الخاص موضع عناية‪,‬وضمن منطقة وعينا‬
‫َ‬
‫ونقدنا‪,‬فنحاول أن يكون كل ما يتصل بنا منظ ّما ً ونظيفا ً ومتناسقاً‪-‬‬
‫داخل إطار العتدال‪-‬وحين يقف الواحد منّا يقف معتدل القامة‪,‬وإذا‬
‫مشى أوحى لمن يراه بالنشاط والحيوية ‪ ,‬فل يسحب رجليه سحباً‬
‫على الرض ‪,‬كما يفعل بعض الناس ‪0‬‬
‫‪-‬روح المبادرة من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام خاص‪,‬ففي‬
‫أوقات الزمات‪,‬يبحث الناس عمن يقودهم‪,‬أو يفتح لهم طريقاً‪,‬أو‬
‫يجمعهم على عمل خير ‪ ...‬لكن الجميع إل ما ندر يتجهون آنذاك‬
‫م الشخصي؛وهنا تبرز‬ ‫إلى حماية المصالح الخاصة‪ ,‬والتفكير في اله َّ‬
‫لريحية المسلم‪,‬كما يبرز شعوره بالمسؤولية ‪ ,‬ووعيه بضرورة‬
‫المواجهة المشتركة للزمة؛ولذا فغن من الحيوي أن يشعر كل من‬
‫حولنا أننا نملك طاقة الريادة والمبادرة إلى عمل شيء يعود على‬
‫المجموع بالخير والنفع‪,‬ويخفف من لواء الزمة الجاثمة ‪0‬‬
‫ولو أن الواحد منا أعطى كل يوم نصف ساعة من وقته للتفكير‬
‫والعمل في مسألة من مسائل الشأن العام لوجد أنه بات محوراً‬
‫ورائدا ً لعمال خير كبيرة‪,‬كما أنه سيشجع كثيرين من إخوانه على‬
‫أن يسلكوا المسلك نفسه‪,‬وبذلك تولد فضيلة الهتمام‪,‬وتصبح‬
‫ظاهرة اجتماعية ‪0‬‬
‫حة‪,‬وتتوتر‬ ‫خلق التسامـح‪:‬في زمان العيش الصعب‪,‬تسود المشا َّ‬ ‫ج‪ُ -‬‬
‫العصاب‪ ,‬ويشعر الكل أنهم مظلومون من قبل الجميع‪,‬ويظن كل‬
‫واحد أنه يعيش مأساة فريدة‪,‬وينتظر من الخرين أن يقدروا‬
‫ذلك‪,‬وأن يصبروا على ما يرونه منه ‪000‬في هذه الحال تبرز قيمة‬
‫الحساس المرهف‪,‬وأن يبدي كل واحد ما يستطيع من التفهم‬
‫لوضاع الخرين‪,‬إلى جانب المسامحة‪,‬وسعة الصدر‪,‬والصبر على‬
‫الذى ‪ .‬وهذه في الحقيقة من أهم مظاهر(اللياقة الخلقية)‪0‬‬
‫قد ل نملك شيئا ً ملموسا ً نخفف به من عناء إخواننا ومعارفنا‪,‬لكن‬
‫نملك دائما ً ما يمسح على الجرح‪,‬ويطيّب الخواطر‪,‬ويرفع‬
‫المعنويات‪,‬ويفسح في آماد التفاؤل والبشر ‪0‬قال أحدهم‪:‬‬
‫فليسعد النطق إن لم يسعد‬ ‫ل خير عندك تهديها ول مال‬
‫الحا ُ‬
‫ل‬
‫وقال عمرو بن معد يكرب‪:‬‬
‫ن أخلق الرجال تضيق‬ ‫ولك َّ‬ ‫لعمرك ما ضاقت بلد بأهلها‬

‫_‪_175‬‬
‫والجر المنتظر على ذلك من الله‪-‬جل وعل‪-‬كبير‪,‬وليس ثمة‬
‫منافسة أشرف من المنافسة في هذه السبيـــــل ‪0‬‬
‫‪‬اكتســـــــاب عادات جديدة‪:‬‬
‫ينبع مبدأ التغيير لسلوكنا وعاداتنا من مسألة فكرية‪,‬هي أن النسان‬
‫يظل ناقصاً‪ ,‬والعلقة بينه وبين الكمال عبارة عن محاولت مناهزة‬
‫ومقاربة ليس أكثر؛ونظرا ً لتبدل الظروف والتحديات والمتطلبات‬
‫على نحو سريع وحاسم‪,‬فإن الواحد منا مطالب من وجهته بأن‬
‫يقابل ذلك بإطلق إمكانات جديدة‪,‬وتطوير مواهب غير‬
‫مستثمرة‪,‬واتخاذ وضعيات جديدة ‪0‬‬
‫إن العادات التي تشكل نمط سلوكنا اليومي‪,‬تريحنا من عناء‬
‫التفكير‪,‬وتسهَّل علينا الحركة لكنها في الوقت نفسه‪,‬تضع على‬
‫مداركنا ما يشبه الغشاوة‪,‬فل نرى المكانات الكامنة والفاق‬
‫الممتدة‪,‬كما أنها تضفي على تفاعلنا الداخلي نوعا ً من السكون‬
‫والعطالة؛ولذا فإن من المهم قبل كل شيء أن نتفحص العادات‬
‫النفسية والسلوكية التي تتحكم بنا‪,‬فقد يكون بعضها غير ملئم‬
‫لمبادئنا أو طموحاتنا أو صحتنا أو علقتنا ‪000‬وبذلك قد أدخلنا عاداتنا‬
‫في منطقة الوعي تمهيدا ً لتغيير ما يحتاج منها إلى تغيير ‪0‬‬
‫إن تغيير النسان لبعض عاداته دليل على أنه قادر على الرتقاء‬
‫بمستوى سلوكه وحياته عامة من خلل السعي الواعي والجهد‬
‫المبرمج الهادف ‪0‬وهذا في الحقيقة من أعظم الحقائق التي‬
‫تستحق التقدير والتشجيع والمتابعة ‪0‬‬
‫العادة هي‪ :‬ما أعتيد حتى صار يُفعل من غير جهد‪,‬إنها أنشطة تتكرر‬
‫وفق نهج ونمط معين‪ .‬كل عادة من العادات‪,‬هي حصيلة لتشابك‬
‫المعرفة والمهارة والرادة ؛ وإذا تخلف أي واحد منها لم نستطع‬
‫القول‪:‬إن هذا العمل عادة ‪ .‬المعرفة أو الرؤية تحدد ما الذي‬
‫ينبغي فعله‪,‬ولماذا ينبغي فعله ‪0‬والمهارة هي كيفية الفعل‪,‬أو هيكل‬
‫العادة ‪ .‬والرادة‪,‬هي الرغبة الدافعة إلى الفعل ‪0‬هذه العناصر الثلثة‬
‫معَّرضة دائما ً لن تكون خاطئة وناقصة‪,‬‬
‫وهذا ما يجعل عاداتنا بحاجة دائمة إلى المراجعة والتغيير والتصحيح‬
‫‪0‬‬
‫العادات‪-‬كما قال أحدهم‪-:‬مثل الحبال الفولذية‪,‬نجدل فيها كل يوم‬
‫سلكاً‪,‬وسرعان ما نعجز عن قطعها ‪0‬إن العادات ذات قوة جذب‬
‫هائلة أكثر مما يعرفه الناس‪,‬أو يعترفون به؛وإطلق عملية التغيير‪-‬‬

‫_‪_176‬‬
‫ككل بدايات النطلق‪-‬يحتاج إلى جهود كبيرة‪,‬لكن ما أن نتخلص من‬
‫شد الجاذبية‪,‬حتى تتخذ حريتنا بعدا ً جديداً‪,‬نتنعم بظلله الوارفة ‪0‬‬
‫العيش في زمان الصعب‪,‬يتطلب أكثر من أي وقت مضى أن نتخلى‬
‫عن بعض العادات‪,‬وأن نكتسب بعض العادات الجديدة‪,‬إذا ما أردنا‬
‫أن ننمو على نحو مكافئ للصعوبات المتزايدة التي علينا أن‬
‫نواجهها على كل الصعدة ‪0‬ولعلي أسلط الضوء هنا على بعض‬
‫العادات التي أظن أن البلوى قد عمت بها‪,‬وصار من الضروري‬
‫التخلي عنها‪,‬وإحلل عادات أخرى محلــــــــــهـــــــــــا‪-:‬‬
‫أ‪-‬التخلص من التسـويف‪-:‬‬
‫حة‪,‬ل‬ ‫العمال التي علينا أن ننجزها تنقسم إلى قسمين‪:‬أعمال مل َّ‬
‫حة‪,‬يصح تأجيلها إلى وقت أخر ‪0‬ما يجب‬ ‫يجوز تأجيلها‪,‬وأعمال غير مل َّ‬
‫إنجازه‪,‬ل يشكّل مشكلة لدى كثير من الناس‪,‬حيث يقومون به‬
‫طائعين أو مكرهين‪,‬لكن كثيرا ً ما تكمن المشكلة في الشياء غير‬
‫حة‪,‬حيث تعوَّدنا أن نعاملها بإهمال شبة تام‪ ,‬بل قد نستغرب‬ ‫المل َّ‬
‫م بها ‪0‬وهذا الهمال يؤدي إلى أمرين سيئين‪:‬‬ ‫ممن يهت ّ‬
‫أولهما‪:‬أن كثير من الشياء التافهة‪,‬يتحول إلى أشياء مهمة‪,‬بل قاتلة‬
‫أحياناً ‪0‬‬
‫والثاني‪:‬أن حياتنا تصبح مزدحمة بالشياء المهمة‪,‬وهذا يعني أن‬
‫نظل دائما ً مأزومين ومغلوبين على أمرنا‪,‬وملحقين من قبل‬
‫متطلبات الحياة المتعاقبة ‪ .‬ونتيجة ذلك معروفة‪,‬هي التخلي عن‬
‫أشياء مهمة في حياتنا‪,‬أسنان المرء يكون علجها سهل ً ما دامت‬
‫هناك متابعة‪,‬فإذا أهملها شكّّلت له قضية مزعجة ‪0‬خلل يسير في‬
‫سيارة الواحد منا‪,‬قد ل يكلف إصلحه شيئاً‪,‬إذا تم في وقته‪,‬لكن‬
‫إهمال إصلحه‪,‬قد يخرب أجزاء أخرى مهمة‪,‬وقد يفضي إلى كارثة‬
‫مروعة!‪0‬‬
‫‪-‬قال لضيف لمضيفه‪:‬الماء يتسرب من السطح‪,‬لماذا ل تصلح‬
‫السقف؟‬
‫‪-‬رد المضيف‪:‬كيف أصلحه والمطر ينهمر؟‪0‬‬
‫قال الضيف‪:‬لماذا ل تصلحه عندما يتوقف المطر؟‪0‬‬
‫قال المضيف‪:‬عندما يتوقف المطر ل يتسرب الماء!‪0‬‬
‫وهكذا ‪00‬فشعار المسوّفين‪:‬كل ما تستطيع أن تؤجله إلى الغد‪,‬فل‬
‫تعمله اليوم!‪ .‬الحجة الجاهزة لدى كثيرين‪:‬ليس عندي وقت للقيام‬
‫بالعمل الفلني‪,‬فأنا مشغول دائما ً بأمور مصيرية!‪0‬‬

‫_‪_177‬‬
‫وأعتقد جازما ً أن استغلل نصف ساعة يوميا ً من الوقات الضائعة‪-‬‬
‫وهي كثيرة‪-‬سيخلصنا من كثير من العمال المتراكمة التي تسبب‬
‫أذى لمشاعرنا‪,‬وتسبب في النهاية أضرارا ً بالغة عندما تتفاقم‪,‬وقد‬
‫كان من المفترض أن يتعلم المسلم من البرمجة اليومية لداء‬
‫الصلوات ما يرسخ لديه النهوض للواجبات المختلفة‪,‬لكن يبدو أن‬
‫استفادة المرء من مبادئه تحتاج إلى درجة من الفعالية والحساسية‬
‫لم يبلغها كثيرون منا بعد!‪0‬‬
‫ب‪-‬الخـروج من دائـــــرة الكــــللة‪-:‬‬
‫طلب القرآن الكريم من المسلمين أن يقارنوا بين نمطين من‬
‫الناس‪:‬نمط العاجز‪ ,‬ونمط السبّاق المبادر والمؤثر‪,‬حيث يقول‪-‬‬
‫سبحانه‪{:-‬وضرب الله مثل رجلين أحدهما أبكم ل يقدر على شيء‬
‫وهو كل على موله أينما يوجهه ل يأت بخير هل يستوي هو ومن‬
‫يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}[النحل‪0]76:‬‬
‫الول منها عاجز‪,‬وهو ثقيل عالة على موله وسيده‪,‬وهو لضعف‬
‫َ‬
‫قواه العقلية ل ينجح في أي مسعى يكل ّف به‪,‬فكأنه جمع بين‬
‫الضعف الجسدي والعقلي ‪0‬‬
‫أما الثاني فهو ذلك الرجل الذي اهتدى إلى الصراط‬
‫المستقيم‪,‬ومضى فيه‪ ,‬ووجد لدى نفسه فضل ً من طاقة‬
‫وجهد‪,‬فصار متعدي النفع‪,‬إذ أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ‪0‬هذان‬
‫الصنفان يمثلن طرفي التنافي‪,‬والمطلوب من المسلم أن ينحاز‬
‫إلى الثاني ‪0‬‬
‫وقد ثبت عن النبي في أحاديث عدة أنه كان يستعيذ بالله‪-‬تعالى‪-‬‬
‫من مظاهر العجز‪,‬وصفات الضعفاء والعاجزين؛فقد استعاذ من‬
‫العجز والكسل والجبن والبخل ‪ ,‬وغلبة الدَّين‪,‬وقهر الرجال‪,‬وفتنة‬
‫الغنى‪,‬وفتنة القبر‪,‬ومن الهرم ‪0‬وهذه المور كلها تشير إلى نوع من‬
‫الضعف والكللة‪,‬وهذه الحقيقة ليست كل ما ينبغي تحاميه والبعد‬
‫عنه‪,‬فهناك أمور كثيرة‪-‬على المستوى الحضاري‪-‬تعد من أمارات‬
‫القصور والهشاشة‪,‬وقد لبرزتها التحديات المعاصرة التي تواجه كل‬
‫واحد منا‪ ,‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪-‬الكثار من ذكر عبارات‪:‬لو أن ‪, ...‬وبسبب كذا لم أستطع فعل‬
‫شيء ‪ ...‬وكامل المسؤولية تقع على فلن ‪...‬‬
‫‪-‬انتظار الحسان والمعاملة الطيبة من الخرين عوضا ً عن البدء‬
‫بذلك ‪0‬‬
‫‪-‬إخضاع القيم والمبادئ للمصالح والدوافع ‪0‬‬

‫_‪_178‬‬
‫‪-‬النشغال بأمور خارج دائرة التأثير ‪,‬وإهمال ما هو داخلها ‪0‬‬
‫‪-‬العتقاد أن معظم المشكلت خارجية‪,‬وليست داخلية‪,‬والتصرف‬
‫أساس هذا العتقاد ‪0‬‬
‫‪-‬النشغال بأخطاء الماضي بدل تجاوزها بعد أخذ العبرة منها ‪0‬‬
‫‪-‬كل شيء أو ل شيء‪,‬وبما أننا ل نستطيع أن ننال كل‬
‫شيء‪,‬فالحسن أل ننال أي شيء!‪0‬‬
‫‪-‬التركيز على الشياء التي تُظهر ضعف الخرين بدل الهتمام‬
‫بالرتقاء الذاتي ‪.‬‬
‫‪-‬السعي إلى أن يصبح المرء جزءا ً من المشكلة بدل أن يصبح جزءاً‬
‫من الحل ‪0‬‬
‫‪-‬التطلع إلى نتائج عظيمة مع القليل من الجهد والوسائل ‪0‬‬
‫وهذه السمات ل تحتاج إلى تعليق‪,‬وما ينبغي أن نخرج إليه منها‬
‫واضح أيضاً‪ ,‬لكن الذي بقى هو العزيمة والصبر ‪0‬‬
‫ج‪-‬النهماك في العمال الصغيرة‪-:‬‬
‫يمكن القول‪:‬إن الواحد منا يمارس على صعيد حركته‬
‫اليومية‪,‬وبرمجة أنشطته المختلفة وظيفتين‬
‫أساسيتين‪:‬وظيفة(القائد)ووظيفة(المدير)‪0‬العمل القيادي يبحث‬
‫دائما ً في المسائل الكبرى والخطوط العريضة لمسيرة الحياة‪,‬أما‬
‫العمل الداري‪,‬فيبحث في التفاصيل والتقنيات والطرق التي تساعد‬
‫المرء على النجاح في حياته ‪0‬الدارة‪-‬كما قال أحدهم‪-‬هي تسلّق‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫السل ّم بنجاح ‪0‬أما القيادة‪,‬فإنها تحدد ما إذا كان السل ّم يرتكز على‬
‫الجدار الصحيح ‪0‬‬
‫اتساع أنشطة الحياة على هذا النحو الذي لم يسبق له مثيل أوجد‬
‫عددا ً هائل ً من الخيارات‪,‬لكن تعقد الظروف والمعطيات‬
‫المختلفة‪,‬وازدحام كل المجالت بالمتنافسين أعطى مكانة مهمة‬
‫لتحديد التجاه واتخاذ القرار‪,‬أي لعمال القيادة ‪ ,‬لكن الناس يفرون‬
‫من النشغال بالقضايا الكبرى لسببين جوهرين‪:‬‬
‫الول‪:‬أن التفكير فيها يعد شاقاّ‪,‬إذ إن على المرء أن يستجمع عدداً‬
‫كبيرا ً من التفاصيل والمعطيات اليجابية والسلبية للقضية التي‬
‫يفكر فيها‪,‬وهذا ثقيل على النفوس ‪0‬‬
‫أما السبب الثاني فيكمن في أن البحث في القضايا الكبرى ويحتاج‬
‫في النهاية إلى اتخاذ قرارات كبرى؛مما يجعل المرء يشعر بالخوف‬
‫من عواقبها ومن التغييرات التي تفرضها على نمط الحياة الخاصة‬
‫‪0‬‬

‫_‪_179‬‬
‫ل يصح أن ننسى أن من المفرزات السيئة للحضارة الحديثة‪,‬جعل‬
‫الناس يغرقون إلى آذانهم في التفاصيل والعمال الصغيرة‪,‬حيث‬
‫صار الواحد منهم بمثابة مسمار صغير في آلة كبيرة‪,‬والهم‬
‫المسيطر هو‪:‬كيف ظل هذا المسمار في موقعه أولً؟وكيف يظل‬
‫يعمل منسجما ً مع باقي اللة ثانياً؟أما التفكير فيما إذ كان وجود‬
‫اللة كله ضرورياً‪,‬وفيما إذا كانت اللة كلها تعمل في التجاه‬
‫الصحيح‪,‬فهذا مما قل المشتغلون به‪,‬وصار ينظر إليه على أنه‬
‫اشتغال بما ل يعني!‪0‬‬
‫السرعة المتزايدة للتغيرات الشاملة ‪,‬تجعل الخروج عن المسار‬
‫الصحيح أمرا ً في غاية السهولة‪,‬مما ل يوجب على الواحد منا وضع‬
‫دستور عام لحياته فحسب‪ ,‬وإنما مراجعة ذلك الدستور بين الفينة‬
‫والفينة‪,‬فنحن ل نرى الحقيقة الكلية دفعة واحدة‪,‬وإنما نقترب‬
‫منها‪,‬ونحاول اجتراحها ليس أكثر ‪0‬‬
‫العادة الجديدة التي علينا أن نكتسبها هي أن يخصص الواحد منا‬
‫كل ثلثة أشهر‪-‬مثلً‪ -‬جلسة مفتوحة للتفكير في وضعيته العامة‪:‬‬
‫أهدافه‪,‬أنشطته‪,‬وسائله‪,‬علقاته ‪ ...‬ومحاولة اكتشاف ما يحتاج منها‬
‫إلى تحسين‪,‬أو إلى تجديد‪,‬أو إلى تصحيح ‪0‬نحن بحاجة في هذا‬
‫السياق إلى أن نوسع رؤيتنا للحياة‪,‬وأن نوسع المنظور الذي ننظر‬
‫من خلله إلى الشياء؛وذلك بواسطة الخيال والوعي‪,‬والتصال‬
‫بالهدف السمى لوجودنا‪-‬وهو الفوز برضوان الله؛ جل وعل‪ -‬ومن‬
‫خلل إبراز سلسلة الهداف الصغرى التي تتصل بذلك الهدف‬
‫وتخدمه‪,‬مثل تحسين مستوى اللتزام بأمر الله‪-‬تعالى‪-‬وتحسين‬
‫مستوى النجاح‬
‫في أعمالنا‪,‬وتحسين مستوى مساهمتنا في إصلح الحياة العامة ‪0‬‬
‫ف من أن‬ ‫سوف يحفزنا على استلهام دور القائد في حياتنا الخو ُ‬
‫تصبح أنشطتنا المجموعة نوعا ً من الجهاد في غير عدو‪,‬أو نوعا ً من‬
‫الخطأ الفاجع على نحو ما يصنع الطائر حين يبيض في غير عيشه‬
‫الذي تعب في بنائه!‪0‬‬
‫إن التفكير في المسائل الكبرى شاق‪,‬وربما بدا عديم الجدوى‪,‬لكن‬
‫الصحيح أنه‪-‬إلى جانب كل ما ذكرناه من مسوغات القيام به‪-‬يدلنا‬
‫على البدائل والخيارات التي ل تظهر لنا أبدا ً عند النشغال بالمور‬
‫الصغيرة‪,‬وهو بذلك يسهَّل علينا اكتشاف السبل الكثر ملءمة‬
‫لمكاناتنا‪,‬والكثر ملءمة للظروف المتغيرة التي نمر بها‪,‬وهو بذلك‬
‫يساعدنا على بلورة فلسفة أفضل في التعامل مع كل ما حولنا ‪0‬‬

‫_‪_180‬‬
‫هناك في الحقيقة الكثير من العادات السيئة التي ينبغي التخلص‬
‫منها‪,‬مثل عادة التدخين‪,‬والنوم الكثير‪,‬والفراط في تناول‬
‫الطعام‪,‬والمنبهات‪,‬ومثل زيادة الفضول‪,‬‬
‫وحب تتبع أخبار الخرين‪,‬ومثل الفوضى في التعامل مع الشياء‬
‫‪000‬لكن المساحة المتاحة ل تسمح بأكثر مما سطرناه‪,‬وأعتقد على‬
‫كل حال أننا إذا وعينا المور الرئيسية في حياتنا‪,‬فإن كثيرا ً من‬
‫المسائل الفرعية سيجد حله على نحو تلقائي؛والله المستعان ‪0‬‬
‫‪‬الشـــــــــــعور بالواجـــــــــب‪-:‬‬
‫الفق الفكري للنسان هو النبع الرئيس الذي تفيض منه‬
‫المشاعر‪,‬وهو الطار الذي نتفاعل في داخله تلك المشاعر‪,‬وهو‬
‫المنظم لتداعياتها المختلفة ‪0‬عقيدة التوحيد والدواعي المشتقة‬
‫منها‪,‬تجعل من المسلم أمة في رجل‪,‬فهو ل يتحسس واجباته‬
‫ومصالحه الشخصية فحسب‪,‬وإنما يتحسس واقع أمته ومستقبلها‬
‫مل نفسه من ذلك أمورا ً ربما لم تكن مفروضة عليه‬ ‫أيضاً‪ ,‬ويح ّ‬
‫أساساً‪,‬لكن طبيعة أخلقية الشعور بالواجب‪,‬تفجر في ذات المسلم‬
‫ينابيع المجانية والكرم الذاتي التي ل تعرف الرسوم والحدود‬
‫‪0‬الشعور بالواجب شكل من أشكال اللتزام‪,‬تشعر به ذات‬
‫حرة‪,‬تلزم نفسها بنفسها‪,‬فأكثر الناس شعورا ً بالحرية‪,‬أكثرهم‬
‫شعورا ً بالواجبات والفرائض الحضارية ‪.‬‬
‫عمر بن الخطاب‪-‬رضي الله عنه‪-‬كان‪-‬ومازال‪-‬مضرب في‬
‫العدل‪,‬وفي القيام بواجبات الوظيفة على أفضل وجه ممكن‪,‬ومع‬
‫ي ول لي"‬ ‫هذا كان يقول‪":‬يا ليتني أخرج منها‪-‬أي الخلفة‪-‬ل عل َّ‬
‫ت شاة في أرض العراق لخشيت أن‬ ‫‪0‬وكان يقول‪":‬والله لو عَثَر ْ‬
‫م تعبَّد لها الطريق"؟!‪0‬‬
‫مل ْ‬‫يسألني الله عنها‪,‬يقول"ل َ‬
‫الحساس بالواجب هو المبدأ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة‬
‫والفردية‪,‬ليعكس تسامي النسان‪,‬أو قدرته على اللتزام تجاه‬
‫غيره‪,‬والتضحية في سبيله ‪0‬في حالت التخلف‪,‬وفي حالت الزمات‬
‫الحادة‪-‬خاصة‪-‬يصبح التهرب من المسؤولية ديدن الناس‪,‬ويندفعون‬
‫إليه بالغريزة دون تفكير‪,‬وينتظر كل واحد من الخرين أن يفعلوا‬
‫شيئاً؛ويكون السواد العظم من الناس في مقاعد النظارة!‪0‬‬
‫إن ضعف الشعور بالواجب يتولد عنه تلقائيا ً ضعف الشعور‬
‫بالمسؤولية‪,‬ويتولد عن الثاني شعور عميق بالتفاهة والعقم‬
‫والفراغ‪,‬وإن كثيرا ً مما يسمى مشكلت عاطفية ‪ ,‬ليس في جوهره‬
‫سوى أعراض لذلك الشعور ‪0‬‬
‫_‪_181‬‬
‫تجديد البعد الخلقي‪,‬يفرض على الواحد منا أن يتفحص بدقة توعين‬
‫من اللتزام‪:‬‬
‫الول والهم‪:‬هو ما التزمنا به بسبب إيماننا بالله‪-‬تعالى‪-‬وإسلمنا‬
‫لوجه له ‪0‬‬
‫الثاني‪:‬ما قبلنا به حين انخرطنا في الحياة الجتماعية‪,‬وربطنا‬
‫ي أننا‬
‫مصيرنا‪,‬ومصير أشياء كثيرة بمصير أمة السلم ‪0‬ومن الجل ّ‬
‫حة‬‫نعاني من فراغ كبير في هذا الجانب‪,‬فالمسائل المهمة والمل ّ‬
‫التي تتعلّق بعيشنا ومستقبلنا المشترك‪,‬ل تلقي سوى القليل من‬
‫الهتمام ومن فئة محدودة من الناس!‪0‬‬
‫شط الشعور‬ ‫المجتمع بتربيته وأعرافه وتركيبته الثقافية‪,‬ين َّ‬
‫بالواجب‪,‬أو يقتله‪,‬وهنا يبرز دور الرواد العظام الذين ل يخضعون‬
‫للمعطيات الجتماعية السائدة وإنما يندفعون بوحي من مبادئهم‬
‫نحو تجاوز السقف الجتماعي‪,‬وتأسيس بُنى ثقافية جديدة أكثر‬
‫صحة ونقاء وصلحية ‪0‬وسيكون للمؤسسات التربوية والجتماعية‬
‫دور حاسم في هذا الشأن؛نظرا ً لكونها أدوات تغيير ودفع نحو‬
‫الوضعية الصحيحة ‪.‬‬
‫إن النسان يكون إنسانا ً على مقدار ما يرتاع للفارق بين ماهو‬
‫كائن‪,‬وبين ما يجب أن يكون‪,‬ول يتم ذلك إل من خلل الحساس‬
‫بالوظيفة الشخصية في ردم الفجوة‪,‬‬
‫وإحـداث عمليـة التطــــــــابق ‪0‬‬

‫_‪_182‬‬
‫الفصل الثاني‪-:‬‬

‫تحديات جديدة‪:‬‬
‫م فإن‬ ‫إن النظرة السلمية للنسان أنه مملوك الله‪-‬تعالى‪-‬ومن ث َّ‬
‫عليه أن يتصرف في جسمه‪-‬وجميع شؤونه‪-‬على النحو الذي يقّره‬
‫عليه الشرع‪,‬ومن هنا فإنه ليس للمرء أن يقتل نفسه‪,‬أو يقطع‬
‫عضوا ً من أعضائه‪,‬كما أنه ليس له أن يمتنع عن الطعام حتى‬
‫الموت‪ ,‬وليس للمسلم أن يتناول من الطعمة و الشربة ما ثبت‬
‫ضرره‪,‬وكلما اشتد ّ ارتباط إمكانية الشفاء بدواءٍ ما كانت درجة‬
‫الحض على تناوله أقوى من أجل صيانة الجسم الذي ائتمننا الله‪-‬‬
‫تعالى‪-‬عليـه ‪0‬‬
‫ث المسلم على المحافظة على‬ ‫هناك العديد من النصوص التي تح ّ‬
‫بدنه قويا ً صحيحا ً‬
‫معافى‪,‬منها قوله‪-‬عليه الصلة والسلم‪[:-‬المؤمن القوي خيرا ً وأحب‬
‫ل خير]‪,‬قوله[خيركم من طال‬ ‫إلى الله من المؤمن الضعيف‪,‬وفي ك ًّ‬
‫سن عمله]‪,‬وقوله[ما مل ابن آدم وعاء شَّرا ً من‬ ‫ح ُ‬‫عمره و َ‬
‫بطنه‪,‬بحسب ابن آدم لُقيمات يقمن صلبه‪,‬فإن كان ل محالة‪,‬فثل ٌ‬
‫ث‬
‫ث لنََفسه]‪0‬‬
‫ث لشرابه‪,‬وثل ٌ‬ ‫لطعامه‪,‬وثل ٌ‬
‫وعلى المسلم بعد هذا وذاك أن يتجنّب التعرض للمراض‪,‬وأن‬
‫يتجنب كذلك تعريض غيره لها‪,‬فل يدخل بلدا ً انتشر فيه وباء من‬
‫الوبئة‪,‬كما ورد في الحديث‪( :‬إذا سمعتم بالطاعون بأرض‪,‬فل‬
‫تدخلوها‪,‬وإذا وقع بأرض وأنتم فيها‪,‬فل تخرجوا منها)‪0‬‬
‫ل خلف اليوم أن الرض‪-‬على الرغم من توفير كثير من‬
‫المرفهات‪,‬ووسائل الراحة‪,‬وتقدّم التشخيص الطبي‪,‬والسيطرة على‬
‫الكثير من المراض‪-‬لم تعد المكان الكثر ملءمة لصحة النسان‬
‫وعافيته بسبب التخريب الواسع النطاق الذي أحدثه النسان في‬
‫البيئة من خلل تلويث الماء والهواء والتراب‪,‬ومن خلل إتلف‬
‫الغابات‪,‬واستهلك الموارد غير المتجددة بصورة جشعة لم يسبق‬
‫ط العيش الجديدة التي‬ ‫لها مثيل ‪0‬أضف إلى هذا السلوكيات وأنما َ‬
‫فرضتها‪,‬أو أتاحتها الحضارة الحديثة ‪0‬‬
‫عدد سكان الرض يقاربون الن ‪6‬مليارات‪,‬وكانوا من قبل ألفي‬
‫سنة نحوا ً من ‪250‬مليون فقط ‪0‬وقد زادوا نحوا ً من(‪)%50‬خلل‬
‫الرابع الخير من القرن الحالي‪,‬ومعظم هذا العدد الضخم من‬

‫_‪_183‬‬
‫الناس‪,‬ل يسلكون السلوكات التي ترضي الله‪-‬تعالى‪-‬ول السلوكات‬
‫التي اجعل الرض صالحة لستمرار العيش عليها ‪0‬‬
‫ن أمراض‬ ‫صل في هذا‪,‬لكن من المهم أن نعرف أ ّ‬ ‫ول أريد أن أف ّ‬
‫السرطان والحساسية وأمراض المناعة والكبد‪,‬وأمراض الدم‬
‫والقلب‪,‬وغيرها من المراض المستعصية‪,‬يزداد انتشارها عاما ً بعد‬
‫سن مستوى ثقافته‬ ‫عام‪,‬وهذا يتطلّب من ك ّ‬
‫ل واحد منّا أن يح َّ‬
‫الصحية‪,‬‬
‫ما دامت المخاطر التي تهدد حياته تزداد باستمرار ‪0‬‬
‫بعض الناس ينظر نظرة استخفاف إلى كل ما يتعلق بهذا‬
‫الشأن‪,‬ويظن أن الهتمام بالبعد الجسدي‪,‬ل يعدو أن يكون شكلً‬
‫من النغماس في المادية‪,‬أو استثمارا ً في مشروع خاسر حيث إن‬
‫الموت هو نهاية الجميع!وربما كان هذا التوجه من بعض موروثات‬
‫عصور النحطاط التي مّرت بها أمة السلم‪,‬وإل فإن مجمل‬
‫التعاليم السلمية‪,‬تدعم الهتمام بالجسد والعناية به‪,‬وحين كانت‬
‫أمة السلم تملك الرؤية الصحيحة لمور دينها ودنياها‪-‬كانت أسبق‬
‫المم في مجالت النظافة والوقاية من المراض‪,‬وبناء‬
‫المستشفيات‪,‬والعلوم الطبية عامة ‪0‬‬
‫إن محافظة النسان المسلم على جسد قوي وسليم ونشيط‪,‬هي‬
‫مطلب إسلمي لن الجسد هو الراحلة التي سنبلغ عليها كل‬
‫الهداف‪,‬وينبغي أن تكون تلك الراحة قوية بما في الكفاية ‪0‬ومن‬
‫وجه آخر فإن الجهزة الطبية المتقدمة‪,‬ومعظم الدوية‪-‬ل سيما‬
‫المواد الفعَّالة فيها‪-‬مستوردة‪,‬وتستهلك جزءا ً مهما ً من الموال‬
‫السلمية‪,‬مما يعني أن محافظة كل فرد على صحته العامة‪,‬ستعني‬
‫توفير الكثير منها ضعف المكانات‪,‬وتزايد العباء ‪0‬‬
‫إن الجال بيد الله‪-‬تعالى‪-‬واهتمام النسان بصحته قد يوفر عليه‬
‫الكثير من آلم الشيخوخة وعذاباتها‪,‬والتي تصرفه عن الكثير من‬
‫عبادة ربه‪,‬والكثير عن واجباته المختلفة ‪0‬مما يوجب استهداف‬
‫المرور بها بسلم قدر المستطاع‪,‬والله غالب على أمــره ‪0‬‬
‫قواعــــــد في حفظ الصحة العامة‪:‬‬
‫هذا بعض الفكار والقواعد والملحظات التي تساعد على حفظ‬
‫(‪)1‬‬
‫الصحة العامة‬
‫[(‪)1‬ننصح باقتناء كتاب حول الصحة العامة‪,‬مثل كتاب(الوقاية خير‬
‫من العلج) للدكتور عبد الرزاق الكيلني‪,‬والذي اعتمدنا عليه في‬
‫أكثر ما كتبناه هنا ‪]0‬‬
‫_‪_184‬‬
‫نسوقها عبر المفردات التالية‪:‬‬
‫‪‬النظرة إلى وضعية الحياة الدنيا‪-:‬‬
‫ينبع أساس الموقف الصحيح من البدن وحقوقه والمحافظة عليه‬
‫سه‬ ‫من نظرة النسان إلى الدنيا والخرة‪,‬فالذي يغلب على ح َّ‬
‫ووعيه أن الحياة الدنيا هي كل شيء أو هي الشيء المضمون‪,‬فإنه‬
‫في الغالب سوف يُهزم أمام رغبات الجسد(‪ )2([)2‬حدثني أحد‬
‫الشخاص ذات يوم عن أسلوبه في تأثيث بيته وإمتاع نفسه‪-‬في‬
‫دائرة المباح‪-‬وحين وجدت في ذلك نوعا ً من التوسع الزائد‪,‬قال‬
‫لي‪:‬كم حياة و سنعيش؟‬
‫فقلت‪:‬سنعيش حياتين‪:‬مؤقتة ودائمة ‪0‬وأنا في الحقيقة لم أضف‬
‫إلى معلوماته‪,‬ول إلى معتقده شيئاً‪,‬لكني نبّهته من غفوة كان فيها‬
‫‪]0‬‬
‫ومغريات الستماع بالمآكل والمشارب‪,‬وصنوف المتع‪,‬وأشكال‬
‫اللهو ‪0‬وحين ينظر المرء إلى الحياة الدنيا على أنها دار ممر‪,‬وأنه‬
‫ينبغي أن نعيش فيها وفق متطلبات الدار الخرة ورمزياتها‪-‬فإنه‬
‫حينئذٍ سيستطيع‪-‬بعون الله‪-‬أن يفعل الكثير على طريق سلمته‬
‫الصحية ‪0‬‬
‫ويؤسفني القول‪:‬إن الحساس يكون العيش هنا مؤقتا ً وزائل ً قد‬
‫ضعف لدى كثير من المسلمين‪,‬مما جعل سلوكهم العملي ل يختلف‬
‫كثيرا ً عن سلوك غيرهم ممن ل يرجو الله الدار الخرة؛ولذا فإن‬
‫التقدم على صعيد ل الجسد قد يتوقف على التقدم على صعيد‬
‫منه إلى حد ًّ ما ذكرنا في ثنايا هذا‬‫الفكر والروح والعقيدة‪,‬وهذا ما يؤ ّ‬
‫الكتاب عن ذلك ‪0‬‬
‫‪‬التـوازن‪:‬‬
‫التوازن سّر نجاح النسان وتميزه‪,‬وعند النظر في مسيرة الحياة‬
‫كلها نجد أنها تقوم على قاعدة من التوازنات المعقدة؛ول ينبغي‬
‫للنسان أن يخرج عن ذلك‪ ,‬فالنسجام مع ما بثّه الله‪-‬تعالى‪-‬من‬
‫سنن في كل أرجاء الحياة مصدر مهم للفلح والنجاح‪,‬ولبد أن‬
‫نراعيه على صعيدنا الشخصي قبل أي شيء آخر‪,‬ومن الملحظ هنا‬
‫من انهمك في رعاية حاجات الجسد إلى الحد‬ ‫أن بين شبابنا اليوم َ‬
‫القصى‪,‬بل إن نشاطا ً واحدا ً من نشاطات الجسد‪-‬كالرياضة‪-‬صار‬
‫محور اهتمامه وتثقفه ومتابعاته ‪000‬وهو على الصعيد الروحي‬
‫والفكري والجتماعي‪ ,‬يكاد يكون مفلساً!‪0‬‬

‫_‪_185‬‬
‫في المقابل نجد من غلب عليه الهتمام بشؤون الفكر أو الروح أو‬
‫المال ‪ ...‬وأهمل جسده‪,‬فل يعرف شيئا ً عن أحواله‪,‬ول عن‬
‫ط في‬ ‫علجه‪,‬ول مدى صلحية أجهزته‪,‬وهذا كله من الخلل الذي يح ّ‬
‫النهاية من النسق العام التوازن الشخصية كلها‪,‬وإن لم يشعر‬
‫بذلك؛‬
‫وحين زار سلمان الفارسي أبا الدرداء‪-‬رضي الله عنه‪ -‬صنع له‬
‫ل فإني صائم ‪0‬قال سلمان‪:‬ما أنا بآكل حتى تأكل‬ ‫طعاماً‪,‬وقال له‪:‬ك ْ‬
‫‪0‬فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم‪-‬أي الليل‪-‬فقال‬
‫له‪:‬نم‪,‬فنام‪,‬ثم أراد أن يقوم‪,‬فقال له‪:‬نم‪,‬فلما كان آخر الليل قال‬
‫َ‬
‫سلمان‪:‬قم الن‪:‬فصل ّيا جميعاً‪,‬وقال سلمان‪:‬إن لربك عليك حقاً‪,‬وإن‬
‫ي فقال‪:‬‬ ‫ث حَّقه ‪0‬فبلغ ذلك النب َّ‬ ‫ط ك َّ‬
‫ل ذي ح ًّ‬ ‫لنفسك عليك حقاً‪,‬فأع ِ‬
‫"صدق سلمان"‪0‬‬
‫إن تلبية حاجات الجسد‪,‬تخرج ذات المرء من أفق المثالية‬
‫والنعزال عن الواقع ‪ ,‬إلى الموضوعات الخارجية؛لتصبح مركز‬
‫توازن ودمج بين المثالية والواقعية‪,‬ومن خلل ذلك تستقيم شؤون‬
‫الحياة‪,‬أو يصبح الستمرار ممكناً؛ومع هذا فإن لدى النسان قابلية‬
‫كبيرة للنجذاب إلى العناية ببعض جوانب حياته وشخصيته على‬
‫حساب جوانب أخرى‪,‬ولبد من النتباه ومجاهدة النفس من أجل‬
‫استعادة التوازن‪,‬ول سيما حين تكون الشياء المهملة شاقة‪,‬أو‬
‫بعيدة عن نور الوعي ‪0‬‬

‫‪‬توجيهـات شـرعيـة‪-:‬‬
‫جهاته‬
‫من للمسلم الفضاء النظري لرؤاه وتو ّ‬ ‫إن العقيدة السلمية‪,‬تؤ ّ‬
‫من له بالبصيرة بمواضع‬‫ومعاييره‪ ,‬وأولويَّاته ‪ 0‬أما الشريعة‪,‬فتؤ ّ‬
‫ف من خلل الحكام الفقهية‪,‬ومن خلل الداب الفردية‬ ‫الفعل والك ّ‬
‫والجتماعية ‪0‬وتوجيهات الشريعة الغّراء وآدابها في مجال حفظ‬
‫الصحة العامة كثيرة جداً‪,‬نذكر طرفا ً منها في التي‪:‬‬
‫أ‪-‬أكل الطبيات من غير تبذير ول إسراف‪,‬ومراعاة العتدال في‬
‫الشأن كله‪,‬وفي هذا يقول‪-‬سبحانه‪{:-‬يا بني آدم خذوا زينتكم‬
‫عند كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب‬
‫المسرفين}[العراف‪0]31:‬وقال في وصف عباد‬
‫الرحمن‪{:‬والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين‬
‫ذلك قواما}[الفرقان‪]67:‬‬
‫_‪_186‬‬
‫ب‪-‬التداوي‪:‬تناول الدواء من أجل مكافحة المراض والوبئة التي‬
‫تهاجم الجسم‪-‬شيء حثت عليه النصوص‪,‬فقد جاء بعض العراب‬
‫إلى النبي وقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬أنتداوى؟فقال‪":‬نعم يا عباد الله‬
‫ل‪-‬لم يضع داء إل وضع له شفاء غير داء‬ ‫تداووا فإن الله‪-‬عَّز وج ّ‬
‫واحد"‪,‬قالوا‪:‬وما هو؟قال‪":‬الهـرم"‪0‬‬
‫وهناك أحاديث كثيرة‪-‬كما في الطب النبوي‪-‬تصف بعض الدوية‬
‫لبعض العلل أو المراض‪,‬أو تلك التي تبيّن بعض فوائد وميزات‬
‫بعض الطعمة‪,‬ومما يؤسف له أن بعض المسلمين يرى العلل تفتك‬
‫قدَر‬
‫في جسده‪,‬ثم ل يعيرها أي اهتمام بسبب احتجاج فاسد بال َ‬
‫تارةً‪,‬أو بسبب طبيعة الهمال لديهم‪,‬أو الدّعاء بالنشغال بما هو‬
‫أهم!‪0‬‬
‫ج‪-‬المتناع عن المحرمات‪:‬إن الناظر فيما حّرمه السلم من الشياء‬
‫والفعال يجد أنه دائما ً يعود بنوع من الضرر على صحة النسان‬
‫العامة‪,‬أو على طريقة إدراكه للشياء‪,‬أو على علقته بالبيئة من‬
‫حوله ‪000‬وكلما تقدم العلم‪,‬وزادت خبرة البشرية بأوضاعها‬
‫العامة‪,‬صارت رؤيتنا لذلك الرتباط بين المحرمات و الضرار أوضح‬
‫‪0‬ولذلك فالملتزم بالشرع يريح مرتين‪:‬رضوان الله‪-‬تعالى‪-‬أولً‪,‬‬
‫وصلح وضعيته العامة ثانياً ‪0‬‬
‫ول أريد أن أستعرض هنا مشكلت الربا والقمار والخمور‬
‫والمخدرات وأكل لحم الخنزير ولحم الميتة‪,‬وما شاكل ذلك مما‬
‫يغرق العالم اليوم‪,‬فذاك حديث يطول‪ ,‬ويكفي أن نتلمس بعض‬
‫الضرار التي تسببها فاحشة التصال الجنسي غير المشروع‪ :‬الزنا‬
‫واللواط؛لنعرف فداحة الخسائر التي تحيط بحياة البشر من جّراء‬
‫العراض عن المنهج الربّاني القوم ‪0‬‬
‫إن فشوّ الزنا واللواط في كثير من المجتمعات قد أدى إلى انتشار‬
‫عدد من الوبئة الخطيرة‪,‬مثل مرض الفرنجي(السيفيليس)الذي‬
‫يقع منه في أمريكا وحدها نصف مليون إصابة سنويا ً على الرغم‬
‫من كثرة الدوية وتقدّم التشخيص الطبي ‪0‬يراجع عيادات‬
‫المراض(الزهرية)فيها نحو ‪20‬مليون مريض ‪0‬ويقال‪:‬إن في العالم‬
‫عام ‪1987‬م ما يقارب ‪250‬مليون شخص مصاب بالسيلن(التعقيبة)!‬
‫‪0‬‬
‫والمرض الخطير الذي بات يحصد بني النسان حصداً‪,‬هو‬
‫فيروس(اليدز)‪ ,‬الذي كثيرا ً ما ينتقل عن طريق اليصال الجنسي‬
‫بأناس مصابين به‪,‬فيحطّم جهاز المناعة لدى النسان فتنهار‬
‫_‪_187‬‬
‫سحب منه‬ ‫مقاومته‪,‬ويصبح الجسم بل حول ول قوة‪,‬كالجيش الذي ُ‬
‫سلحه أو الحصن الذي تهدّمت جدرانه ‪0‬‬
‫هناك أرقام كثيرة ومخيفة حول انتشار هذا المرض الذي لم‬
‫شف له علج ناجح حتى الن ‪0‬ونصيب الدول الفقيرة والنامية‬ ‫يُكت َ‬
‫من هذا أكبر من نصيب الدول المتقدمة‪,‬ل لعّفة الشعوب‬
‫الصناعية‪,‬ولكن لوجود وعي صحي لديها أفضل مما هو عند‬
‫غيرها‪,‬ويقدّر بعض الحصاءات أن عدد حاملي هذا الفيروس‬
‫موجودين في أفريقيا‪,‬وهو ينتشر بين الذين أعمارهم(‪)25-10‬سنة‬
‫مسح سكانها مسحاً ‪0‬والنمو السكاني‬ ‫‪0‬وبعض القرى في أوغندا ُ‬
‫الذي يبلغ في أفريقيا نحوا ً من ‪ %3‬يمكن أن ينعدم قريباً ‪0‬وقالت‬
‫منظمة الصحة العالمية‪:‬إن من المتوقع أن يكون عدد المصابين‬
‫بحمى اليدز في سنة ‪:2520‬مليار شخص‪ ,‬وإن(‪)20‬من شبان دول‬
‫أفريقيا الوسطى والهند وتايلند وبعض بلد أمريكا الجنوبية مصابون‬
‫بحمى اليدز الن(‪)1([)1‬أرجو أن تؤخذ كل الرقام المتعلقة باليدز‬
‫وجميع المراض الوبائية على أنها إحصاءات غير دقيقة‪,‬وهي ليست‬
‫أكثر من مؤشرات‪ ,‬تنبع خطورتها من دللتها على تطوّر الحالة‬
‫الصحية للعالم أكثر من أي شيء آخر]‪0‬‬
‫وتشير تقارير وزارة الصحة الفرنسية إلى أن حالة وفاة واحدة في‬
‫ن(‪)44-25‬سنة من‬ ‫س ّ‬
‫مدينة باريس من بين كل ثلث وفيات بين ِ‬
‫العمر‪,‬هي بسبب اليدز ‪0‬‬
‫إن الخمر تضعف كريات الدم البيضاء التي تمنع تكاثر حمى‬
‫اليدز‪,‬وإن العدوى باليدز كثيرا ً ما تحدث في الغرب نتيجة الشذوذ‬
‫الجنسي‪,‬ونتيجة حقن المدمنين على المخدران أنفسهم بحق‬
‫ملوثة‪,‬وهكذا يتلقي الشذوذ الجنسي مع الزنا وشرب الخمر وتناول‬
‫المخدرات في حملة مترابطة لبادة الجنس البشري ‪0‬‬
‫وهكذا تبدو روعة التشريع السلمي في حفظ الكيان النساني من‬
‫التدهور والنحلل ‪ .‬ولكن يبدو أن الحضارة الحديثة قد أضعفت‬
‫إرادة النسان على مقدار ما زادت في قدراته‪,‬فكأنها نزعت منه‬
‫من النسانية على مقدار ما زرعت فيه من البهيمية والوحشية!!‪0‬‬
‫د‪-‬النظافة‪:‬من أهم ما يساعد على المحافظة على الصحة‬
‫العامة(النظافة)على المستوى الشخصي‪,‬وعلى مستوى‬
‫البيئة‪,‬وليس هناك دين من الديان أعطى من الهتمام بمسألة‬
‫النظافة ما أعطيته الحكام والداب السلمية ‪0‬‬

‫_‪_188‬‬
‫الجلد ذو أهمية بالغة في حياة النسان‪,‬فهو يشكل الدرع‬
‫الواقي‪,‬وخط الدفاع الول عن الجسم‪,‬وهو الكيَّف الذي يحفظ‬
‫حرارة الجسم في حدها الطبيعي‪ ,‬ويحمي الجسم من الشعة‬
‫الضاّرة ‪000‬خليا الجلد تتجدّد باستمرار‪,‬والخليا الميتة تبلغ المليين‬
‫يومياً‪,‬وهي تتراكم على سطح الجلد‪,‬كما أن العرق الذي يرشح‬
‫منه‪,‬يتبخر ماؤه‪,‬وتبقى أملحه ‪000‬مما يوجب العناية به وتنظيفه‬
‫ب الطيب‪,‬نظيف‬ ‫باستمرار؛ وقد ورد الحديث‪":‬إن الله طيّب يح ّ‬
‫ب النظافة‪,‬كريم يحب الكرم‪,‬جواد يحب الجود‪,‬فنظفوا‬ ‫يح ّ‬
‫شبَّهوا باليهود"(‪)1([0)1‬رواه الترمذي وقال حديث‬ ‫لفنيتكم‪,‬ول ت َ َ‬
‫حسن صحيح‪,‬والفنية‪:‬ساحات الدور ‪]0‬‬
‫وفي حديث الشيخين‪(:‬حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل‬
‫سبعة أيام‪ ,‬يغسل رأسه وجسده )‪0‬الشريعة توجب على المسلم‬
‫الغتسال من الجنابة والحتلم ‪,‬كما توجب على المسلمة الغتسال‬
‫بعد الطهر من الحيض والنفاس ‪0‬وسنَّته لصله الجمعة‪-‬وبعض‬
‫الفقهاء يقول بوجوبه‪-‬وللعيدين والحرام ودخول مكة‪,‬والفاقة من‬
‫الغماء‪,‬وعند طواف الفاضة‪,‬وعند التوبة من الذنب‪ ,‬وفي مناسبات‬
‫أخرى عديدة ‪0‬‬
‫وأوجبت الشريعة الوضوء‪-‬وهو غسل أعضاء الجسم الظاهرة التي‬
‫يكثر تعرضها للوسخ والغبار‪-‬للصلة والطواف وصلة الجنازة ‪0‬ومن‬
‫ضؤ قبل النوم وللذان والوقوف بَعََرفة‪,‬وعند ثورة‬ ‫السنّة التو ّ‬
‫الغضب وغيرها ‪000‬‬
‫وبالضافة إلى هذا فإن السلم يولي اهتماما ً خاصا ً لنظافة الفم‬
‫ما لذلك من درر جوهري في المحافظة على صحة‬ ‫والسنان‪,‬ل ِ‬
‫الجسم؛ولذا فقد شرع المضمضة والسواك في أوضاع وأوقات‬
‫عديدة في اليوم والليلة على ماهو معروف ومشهور ‪0‬‬
‫ل تقتصر النظافة على ما ذكرناه‪,‬وإنما تتعدّاه إلى ضرورة المداومة‬
‫على تقليم الظافر بانتظام‪,‬وغسل اليدي قبل الطعام وبعده‪,‬وبعد‬
‫قضاء الحاجة‪,‬وبالضافة إلى النتباه إلى نظافة الطعام‬
‫والشراب‪,‬ومكافحة الذباب والبعوض‪,‬وعدم التبوُّل في الماء‬
‫والطريق والظل ‪0‬‬
‫إن السلم ل يحرص على النظافة فقط‪,‬وإنما على الطهارة‬
‫أيضاً‪,‬والتي هي مفهوم شرعي ل تعرفه أمم كثيرة‪,‬ولذلك نجد أن‬
‫تنّزه المسلم عن البول والغائط في جسمه وثوبه ل نظير له عند‬
‫معظم‪-‬إن لم نقل جميع‪-‬المم الخرى‪,‬وبذلك يمكن القول‪:‬إن‬

‫_‪_189‬‬
‫المسلم الملتزم بتعاليم دينه‪,‬هو الطهر والنظف في هذا‬
‫العالم؛والله الحمد ‪0‬‬
‫‪‬الغـــذاء المتوازن‪:‬‬
‫هو شرط أساسي لصحة جيدة‪,‬ومعظم الناس على جهل عظيم بما‬
‫يحتاجه جسم الواحد منهم ‪0‬ويظن كثيرون أن مجرد ملء المعدة‬
‫يعد ّ كافيا ً لحصول أجسامهم على حاجتها من الغذاء؛ولذا ترى بعض‬
‫الناس قد أصيب بالبدانة نتيجة كثرة ما يأكل‪,‬وهو إلى جانب ذلك‬
‫مصاب بفقر الدم بسبب سوء ذلك الذي يأكله!‪0‬‬
‫المتخمون في أمة السلم كُثُر‪,‬والجياع وأشباههم أيضا ً كثر‪,‬وكل‬
‫ذلك بسبب أشكال من الخلل والقصور الثقافي‬
‫والسلوكي؛والمطلوب أن نستعيد التوازن الضروري لستقامة حياتنا‬
‫الفردية والجتماعية ‪0‬‬
‫وظائف الغذاء في جسم النسان أربع‪:‬البناء‪,‬وتوليد الطاقة‪,‬ودعم‬
‫المناعة‪,‬وبقاء النوع ‪ 0‬ولكي يتم تزويد الجسم بالغذاء على أحسن‬
‫وجه يجب أن يشكّل(البروتين)نحوا ً من(‪)%18-15‬من‬
‫غذائنا‪,‬والدهون(‪,)%30‬والسكريات والنشويات(‪,)%55-52‬بالضافة‬
‫إلى بعض المعادن و(الفيتامينات)‪0‬وإن الخلل الكبير في هذه‬
‫النسب يسبب أضرارا ً كبيرة للجسد على المدى البعيد؛وعلى سبيل‬
‫المثال فإن نقص(البروتين)في الراتب الغذائي‬
‫اليومي إذا كان حادا ً فإنه يؤدي إلى ضمور العضلت وانتفاخ البطن‬
‫ونقص المناعة ‪000‬‬
‫أما زيادته عن الحد المطلوب‪,‬فإنها تشكّل عبئا ً على الكبد‬
‫والكلى‪,‬هكذا ‪000‬‬
‫إنني ل أريد التفصيل في مسألة أنواع الغذاء‪,‬وما يشتمل عليه كل‬
‫منها من عناصر مهمة‪,‬لكن أقول‪:‬إن الوعي الصحي بما تحتاجه‬
‫ما ً وكيفاً‪,‬وبمصادر ذلك؛أمر ضروري لكي نساعدها على‬ ‫أجسامنا ك ّ‬
‫عبور رحلة الحياة الشاقة ‪0‬‬
‫‪‬التخلـــــــــص من البدانة‪-:‬‬
‫أساس مهم من أسس الصحة العامة‪,‬وأحد مطالب السلمة والنجاة‬
‫من معطيات زماننا‪ ,‬حيث كثرت وسائل الترفيه‪,‬وصنوف الطعمة‬
‫التي ل تكاد تُحصر‪,‬مما يغري النسان بالسراف في تناولها‪,‬والذي‬
‫تنشأ عنه زيادة في الوزن لدى كثير من الناس ‪0‬‬
‫كان القدماء يعرفون الكثير عن مضار البدانة‪,‬وقد ورد من الثار‬
‫والحكم في ذمها الكثير‪,‬ومن ذلك قوله (أكثر الناس شبعا ً في‬
‫_‪_190‬‬
‫الدنيا‪,‬أطولهم جوعا ً يوم القيامة) وقوله‪(:‬المؤمن يأكل في ِ‬
‫معَى‬
‫واحد والكافر في سبعة أمعاء)‪0‬‬
‫ويروي عن عمر بن الخطاب‪-‬رضي الله عنه‪-‬أنه قال‪(:‬إياكم‬
‫(‪)1‬‬
‫والبطنة‬
‫[(‪)1‬البطنة‪:‬المتلء الشديد من الطعام]‬
‫في الطعام والشراب‪,‬فغنها مفسدة للجسم‪,‬مورثة للسقم‪,‬مكسلة‬
‫عن الصلة‪,‬وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد‪,‬وأبعد من‬
‫سَرف ‪0‬وإن الله‪-‬تعالى‪-‬ليبغض الحبر(‪:)1([ )1‬العالم]‬ ‫ال َّ‬
‫السمين‪,‬وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه)‪0‬‬
‫هناك مقاييس عدة للوقوف على الوزن المثالي‪,‬أشهرها يقوم على‬
‫تساوي الوزن مع الطول بعد حذف ‪100‬سم من الطول‪,‬فالذي‬
‫طوله ‪170‬سم يكون وزنه المثالي ‪70‬كغ؛‬
‫فإذا زادت كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص عن حاجة‬
‫الجسم اليومية‪ ,‬فإن الجسم يحوّل كثيرا ً من الزائد‬
‫إلى(دهون)تتراكم تحت الجلد‪,‬وفي العضلت‪,‬وحول الوعية الدموية‬
‫‪000‬فيبدأ وزنه بالزدياد ‪0‬والبدانةأو السمنة في نظر بعض العلماء‬
‫ثلث درجــــــــــــــات‪-:‬‬
‫‪-1‬سمن معتدل إذا زاد الوزن بنسبة(‪)%40-20‬من الوزن المثالي ‪0‬‬
‫‪-2‬سمن متوسط(‪)%100-41‬من الوزن المثالي ‪0‬‬
‫‪-3‬سمن شديد إذا زاد الوزن بنسبة أكثر من(‪)%100‬من الوزن‬
‫المثالي ‪0‬‬
‫لكن تجب معالجة السمنَة منذ أن تصل في الوزن إلى (‪)%10‬خاصة‬
‫في الطفال‪,‬لن المعالجة بعد ذلك تصبح صعبة ‪0‬‬
‫يمكن القول‪:‬إن البدانة إلى سلسلة مروَّعة من المخاطر على‬
‫الصحة العامة للنسان ‪ ,‬وتوضح بعض الحصاءات أن البدانة تترافق‬
‫مع نقص العمر بسبب ما تؤدي إليه من المراض‪,‬فقد تبيّن أن‬
‫ازدياد الوزن ‪10‬كغ عن الحد المثالي يترافق معه مع نقص العمر‬
‫بنسبة ‪ %18‬وازدياد ‪15‬كغ يترافق مع نقص العمر بنسبة ‪%28‬‬
‫‪0‬ويقول أحدهم‪:‬كلما زاد الوزن عن الحد المثالي ‪10‬كغ نقص العمر‬
‫عشر سنوات(‪)2([0)2‬العمار بيد الله‪-‬تعالى‪-‬وهذا الكلم عن الوضع‬
‫العام وليس عن الفراد‪,‬وإل فقد يعيش النحيف أقل من‬
‫مر البدين جدا ً أكثر من المعدل الوسطي السائد‬ ‫السمين‪,‬وقد يُعَ َّ‬
‫ل وعل‪-‬بنى الحياة كلها على السباب‬ ‫في بلده‪,‬لكن الله‪-‬ج َّ‬

‫_‪_191‬‬
‫والمسببات‪,‬والحصاءات التي يذكرها العلماء في هذا الشأن‪,‬عبارة‬
‫عن استقراء لما هو واقع بالفعل‪,‬وليس لما يمكن أن يقع ‪]0‬‬
‫حم‬ ‫من المراض التي تسببها البدانة ارتفاع الضغط الشرياني‪,‬وتش ُّ‬
‫الكبد‪ ,‬والروماتيزم المزمن‪,‬ودوالي الساقين‪,‬وخثرات‬
‫الوردة‪,‬وقصور القلب الحتقاني‪ ,‬وأمراض الشرايين التاجية‪,‬والعقم‬
‫لدى النساء‪,‬وقصور التنفس‪,‬وانتفاخ الرئة‪ ,‬وازدياد‬
‫(كولسترول)الدم‪ ,‬والصابة بالسكري‪,‬إلى جانب الصابة بتآكل‬
‫غضاريف المفاصل ‪...‬‬
‫وعلى سبيل المثال‪,‬فقد تبيّن أن زيادة الوزن عن الحد المثالي‬
‫بمقدار(‪ )%20‬تجعل صاحبها مهيّـأ للصابة بالداء السكري أكثر من‬
‫الشخص الطبيعي بنسبة عشرة أضعاف ‪0‬‬
‫وكلما ازداد وزن الجسم كيلوغراما ً واحدا ً عن الحد المثالي‪,‬يزداد‬
‫طول الوعية الدموية في الجسم ‪3‬كم؛وهكذا فالقلب الذي كان‬
‫عليه أن يخدم وزنا ً معينا ً للجسم وطول ً للوعية الدموية‪,‬يجد نفسه‬
‫ل بكثير‪,‬مما‬ ‫مضطرا ً لخدمة جسم أكثر وزنا ً بكثير‪ ,‬وأوعية أكثر طو ً‬
‫يجهده‪,‬ويضعفه قبل الوان!‪0‬‬
‫هناك الكثير من الطرق للتخلّص من البدانة‪,‬ولكن أكثرها أمناً‬
‫وفاعلية تلك التي تعتمد على(الرادة الصلبة)التي تساعد صاحبها‬
‫على مقاومة شهوة التهام المقادير الكبيرة من الطعام‪,‬إلى جانب‬
‫شيء من الرياضة الملئمة ‪0‬د‬
‫‪‬القــلع عن التدخين‪:‬‬
‫ل نريد أن نتحدث عن البعد عن تناول الخمور والمخدرات؛لننا ل‬
‫جهه‬ ‫جه الخطاب إلى الفئة المتورطة في مثل هذه المور‪,‬وإنما نو ّ‬ ‫نو ّ‬
‫إلى تلك الشريحة الخيرة من الناس‪,‬والتي ترغب في تحسين‬
‫أحوالها‪,‬والرتقاء في معارج الكمال ‪0‬وبعض من هذه الفئة قد يجد‬
‫نفسه أسيرا ً لعادة التدخين بسبب عوامل مختلفة ‪0‬‬
‫ومن المؤسف حقا ً أنه في الوقت الذي بدأ العالم الغربي يحارب‬
‫التدخين‪ ,‬ويرتب العقوبات والغرامات على تناوله في الماكن‬
‫العامة‪,‬وأماكن العمل والطائرات ‪000‬في هذا الوقت‬
‫أخذ(الدخان)ينتشر بين اليافعين والشباب من أبناء المسلمين على‬
‫نحوٍ مخيف‪,‬ينذر بأوخم العواقب ‪0‬‬
‫وقد كان بعض علماء المسلمين يتردّدون في تحريم الدخان‪,‬أما‬
‫الن بعد أن ثبت أضراره الكثيرة‪,‬فينبغي أن تصير الفتوى إلى‬
‫التحريم أو ما يقاربه‪,‬وينبغي على الحكومات أن تقف موقفا ً صارماً‬

‫_‪_192‬‬
‫من التجار به وترويجه‪,‬وإلجاء المنتفعين من ورائه إلى أضيق‬
‫السبل ‪0‬‬
‫إن أهم المواد المنبعثة من الدخان ثلث‪,‬هي‪:‬النيكوتين‪,‬وغاز أوّل‬
‫أكسيد الفحم‪ ,‬والقطران؛وهي ما بين مواد سامة ومسرطنة‪,‬كما‬
‫ف به التبغ أيضا ً مادة مسرطنة ‪0‬‬
‫أن الورق الذي يُل ّ‬
‫وأضرار التدخين عديدة‪,‬ويذكر د‪:‬كيلني‪:‬أن الحصاءات تشير إلى أن‬
‫التدخين يتسبب في(‪)%30‬من الصابات بالسرطان‪,‬وفي(‪)%25‬من‬
‫الوفيات بأمراض الشرايين التاجية لمن هم دون سنة ال(‪)65‬سنة من‬
‫العمر‪ .‬وهو يتسبب في(‪ )%11‬من إجهاضات الحوامل‪,‬‬
‫وفي(‪)%15‬من سرطانات الرئة(خاصة)‪,‬ونسبة إصابة المدخنين‬
‫المعتدلين بسرطان الرئة تبلغ تسعة أضعاف نسبة غير المدخنين ‪0‬أما‬
‫في المدخنين المدمنين ‪ ,‬فتبلغ النسبة عشرين ضـعفاً ‪0‬‬
‫وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية ما ملخصه‪:‬يحدث كل سنة(‬
‫‪)2.5‬مليون وفاة بسبب التدخين في العالم ‪0‬وهو يسبب(‪)%16‬من‬
‫وفيات أمراض القلب و(‪ )%39‬من وفيات جهاز التنفس‪,‬و(‪)%78‬من‬
‫وفيات سرطان الرئة ‪0‬‬
‫ل سنة يقدَّر ب(‬ ‫َ‬ ‫إن ثمن السكاير التي تُد َّ‬
‫خن في العالم كله ك ّ‬
‫‪)100‬مليار دولر‪ ,‬تذهب هباء‪,‬وتلوَّث البيئة أيضاً‪,‬فهل هذا حلل؟‪0‬‬
‫إن مسؤولية القلع عن التدخين تقع على المدخن أولً‪,‬لكن لبد‬
‫ن التشريعات والقوانين التي تحارب هذه الظاهرة‬ ‫من س ّ‬
‫المستفحلة‪,‬ولبد للسرة والمدرسة من أن تقوما بواجبهما في‬
‫التوجيه والرقابة والمتابعة‪,‬كما أن الوسائل العلمية المختلفة لها‬
‫دور بالغ الهمية في محاصرة هذه الظاهرة ‪0‬ول يخفي أن هذه‬
‫الموجة الهائلة التي تجتاح أقطارا ً عديدة في عالمنا السلمي‪,‬هي‬
‫جزء من موجه الضياع التي يتعرض لها شبابنا اليوم‪,‬لسباب‬
‫عدة‪,‬باتت واضحة للقاصي والداني؛والله المستعان ‪0‬‬
‫‪‬الراحة النفسية‪-:‬‬
‫ل يصح للمسلم أن ينسى أن كل ما يحققه من نجاح‪,‬وما يصيبه من‬
‫خير‪,‬هو من توفيق الله‪-‬تعالى‪-‬ومعونته وفضله‪,‬وأن ما يصيبه من‬
‫بلء وشدائد قد يكون بسبب أخطائه وتقصيراته‪,‬وقد يكون ابتلء من‬
‫الله‪-‬تعالى‪-‬يُثاب عليه إذا صبر واحتسب ‪0‬وفي كلتا الحالتين‪,‬فإنَّه ل‬
‫يصح لنا أن ننسى كل مكاسب والنجاحات التي نحققها في هذه‬
‫الحياة‪,‬‬

‫_‪_193‬‬
‫هي مكاسب ونجاحات مؤقتة وزائلة‪,‬هي وأصحابها‪,‬وأيضا ً فإن كل‬
‫أشكال الخفاق والبلء‪,‬هي الخرى مؤقتة‪,‬وستزول إن عاجل ً وإن‬
‫آجلً ‪0‬وهذا الدراك يؤمن للمسلم نوعا ً من التوازن النفسي‪,‬كالذي‬
‫نستشّفه من قول الله‪-‬سبحانه‪{-‬ما أصاب من مصيبة في الرض‬
‫ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله‬
‫يسير لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بمآ أتاكم والله ل يحب‬
‫كل مختال فخور}[الحديد‪0]23-22:‬‬
‫حتى يصل المسلم إلى هذه الحالة‪,‬فإن عليه أن يحرر نفسه من‬
‫اسر الهموم والوساوس والوهام؛إذ على الواحد منّا أن يأخذ‬
‫بالسباب‪,‬ويفعل كل ما يستطع فعله في التجاه الصحيح وأن‬
‫يرضى بالنتائج‪,‬ويستسلم لمر الله‪-‬تعالى‪0-‬‬
‫تقول هذا لن(الجلطة القلبية)تأتي اليوم في الدرجة الولى بين‬
‫أسباب الوفاة في كثير من بلد العالم‪,‬وهذه الجلطة سببها تصلّب‬
‫الشرايين‪,‬وحين تُصاب شرايين القلب بالتصلّب والضيق‪,‬يكون‬
‫القلب مملوءا ً بالدم‪,‬ولكنه ل يستطع أن يأخذ منه الكمية الكافية‬
‫له‪ .‬وسبب تصلّب الشرايين هو ازدياد نسبة (الكولسترول)‬
‫و(الغليسيريدات)الثلثية في الدم ‪0‬‬
‫إلى جانب ذلك فإن (الكرب)ذو تأثير بالغ في تصلّب الشرايين في‬
‫حدوث الجلطة‪ ,‬وبعض الطباء يجعل العامل النفسي هو السبب‬
‫الرئيسي في حدوثها‪ ,‬ويذكرون أن وزنه بين أسباب حدوثها يصل‬
‫إلى(‪,)%70‬وتخفيف الكرب يكون بالعلج الدراكي‪,‬والرضا بقضاء‬
‫الله وقدره‪,‬والتذكّر بأن هناك أناسا ً كثيرين قد أصيبوا بأكبر مما‬
‫أُصبنا به‪,‬ويعانون أشد مما نعاني منه ‪0‬‬
‫ل بد بعد هذا وذاك من الحرص على السترخاء والنوم المبكر‪,‬وقد‬
‫ثبت أن نوم أول الليل أنفع للجسم من نوم آخره؛فالسهر خلف‬
‫سنّة إل من حاجة مشروعية‪ ,‬فتقليله هو الصل‪,‬وتعوّد النوم‬ ‫ال ُّ‬
‫حر المباركة‪,‬وحضور‬ ‫المبكر يساعد المسلم على اغتنام أوقات الس َ‬
‫صلة الفجـر مع الجماعة ‪0‬‬
‫‪‬ممارسـة الرياضــــــــة‪-:‬‬
‫إن ممارسة الرياضة الملئمة لسن الواحد منّا على درجة عالية من‬
‫الهمية‪,‬فهذه الجهزة التي متّعنا الله‪-‬تعالى‪-‬بها تحتاج المحافظة عليها‬
‫إلى استخدامها بأسلوب يحافظ على سلمتها‪,‬ويحرضها على النمو ‪0‬‬
‫وقد كان كثير مما هو مطلوب يتم في الماضي بطريقة عفوية‪,‬حيث‬
‫اللت التي توفّر الجهد العضلي شبه معدومة‪,‬مما يضطر الناس آنذاك‬

‫_‪_194‬‬
‫ل شؤونهم ‪0‬أما‬ ‫إلى استخدام أيديهم وأرجلهم على نحوٍ مستمر في ج ّ‬
‫اليوم‪,‬فإن كل ذلك يتجه إلى تقليل الحركة‪,‬وقضاء العمال في المنزل‬
‫أو في المكتب‪,‬واستخدام الجهد العضلي إلى أدنى حد ّ ممكن على ما‬
‫هو معلوم ‪000‬‬
‫كثيرون أولئك الذين يقولون‪:‬إنه ل وقت لديهم لممارسة الرياضة‪,‬مع أن‬
‫الواحد منهم لو حسب ما يقضيه من وقت في أحاديث غير ذات قيمة‬
‫على الهاتف‪,‬وما يقضيه من ساعات عديدة أمام التلفاز لوجد أن ما‬
‫يبذَّره من وقت أكثر بكثير مما يحتاجه لتجديده بُعد البدني‪,‬وإبقائه في‬
‫حالة جيدة من الحيوية ‪0‬‬
‫إن تنشيط الجسم ورفع كفاءة أجهزته المختلفة‪,‬ثمرة لن تكون أبداً‬
‫مجانية‪ ,‬فمبدأ) ‪ :‬ل فائدة بدون ألم)ينطبق على موضوع الرياضة‪,‬كما‬
‫ينطبق على موضوعات أخرى كثيرة ‪0‬‬
‫فوائد الرياضة كثيرة جداً‪,‬فهي تحرق الدهون الزائدة عن حاجة الجسم‪,‬‬
‫شط الدورة‬ ‫وتخلّصه من أذاها وشرورها‪,‬كما أنها تحرك المفاصل‪,‬وتن ّ‬
‫الدموية‪ ,‬فتأخذ المفاصل حاجتها من الكلس والمغنزيوم‪,‬وغيرهما كاملة‬
‫‪0‬‬
‫وللرياضة أيضا ً أثر جيد على الحالة النفسية ‪0‬وكلما كان الهواء‬
‫نظيفاً‪,‬وكان المكان مفتوحاً‪,‬كانت فائدة الرياضة أعظم‪,‬وبعد الفجر‬
‫يكون الهواء في قمة نقائه‪,‬لذا فإن ممارسة الرياضة بين طلوع الفجر‬
‫وطلوع الشمس تكون ذات مردود أفضل ‪ .‬المشي والجري والحركات‬
‫السويدية وركوب الخيل والسباحة ‪ ...‬كلها رياضات مفيدة ونافعة‪,‬‬
‫ويمكن الواحد منّا أن يسلك الطريق الطول إلى المسجد أثناء ذهابه‬
‫إليه والياب منه‪,‬كما يمكنه ترك استخدام سيارته يوما ً في‬
‫السبوع‪,‬وقضاء حاجاته القريبة ماشيا ً ‪ .‬وإن مشي نصف ساعة إلى‬
‫ساعة يوميا ً يُعد ً كافيا ً للمحافظة على درجة جيدة من اللياقة‬
‫البدنية‪,‬المهم أن يختار المرء الرياضة المناسبة لسنّه‪,‬وأن ينتظم فيها‬
‫في كل الظروف والحوال ‪.‬‬
‫إن الهتمام بالبدن مطلوب في هذا الزمان أكثر من أي وقت آخر نظراً‬
‫لننا نعيش حياة مصطنعة‪,‬كثيرا ً ما تكون خارجة عن دورة الحياة‬
‫الفطرية الطبيعية‪ ,‬ولبد أن نعوَّض ما فقدناه نتيجة ذلك بالوسائل‬
‫المختلفة التي أشرنا إلى كثير منها ‪0‬والله المستعان‪.‬‬

‫_‪_195‬‬
‫الفصل الثالـــــــــث‪-:‬‬

‫المنطلـق النظري‪:‬‬
‫العيش في الزمان الصعب‪,‬يتطلب من المسلم أن يستنفر كل‬
‫مش‪,‬أو يجد‬ ‫قواه‪:‬الروحية والعقلية والجسمية والمهارية؛حتى ل يُه َّ‬
‫نفسه تابعا ً ذليل ً لجهة ما‪,‬أو يجد نفسه كسيرا ً حسيراً‪,‬ل حول له ول‬
‫طَوْل ‪0‬إن الحياة العامة التي يعيشها السواد العظم من الناس‬
‫ليست حياة سوية‪,‬حيث اختصر كثير من النشطة الروحية‬
‫والدبية‪,‬أو ألغي؛مما جعل المجال الكبر للتنافس بينهم هو‬
‫المال‪,‬وما يتبعه من متاع الدنيا‪,‬وصار مما ل جدال فيه أن(المال)قد‬
‫غدا محور الحياة الحديثة أكثر من أي وقت مضى؛فعن طريقة‬
‫يمكن الوصول إلى أي شيء‪,‬كما يمكن دفع أي شيء‪,‬و به يمكن‬
‫ستر أي شيء ‪000‬‬
‫وهذه الوضعية الصعبة ل يصح تجاهلها‪,‬كما ل تصح مسايرتها على‬
‫نحو مطلق‪ .‬الرؤية السلمية العامة في مسألة المال والقتصاد‬
‫والكسب والستثمار والنفاق‪ ,‬رؤية تميل إلى التوازن‬
‫والعتدال‪,‬وهي رؤية مترابطة‪,‬تراعي مصلحة الفرد ومصلحة‬
‫الجماعة في آن واحد‪,‬كما تراعي حيثية كون الدنيا مزرعة للخرة‪,‬‬
‫وكونها دار ممر‪,‬ل دار مقر أيضاً ‪0‬‬
‫ولعلنا نجمل المنطلق النظري في هذا الشأن في النقاط التالية‪-:‬‬
‫ل وعل‪-‬ضامن ومتكفل بالرزق لكل إنسان‪,‬بل لكل ذي‬ ‫‪-‬إن الله‪-‬ج ّ‬
‫روح‪ ,‬يقول‪-‬سبحانه‪{-‬وما من دابة في الرض إل على‬
‫الله رزقها}[هود‪.]6:‬‬
‫ويقول{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}[الذاريات‪:‬‬
‫‪. ]58‬‬
‫لكن ذلك ل يعني أن رزق الله للناس سيكون درجة واحدة‪,‬فالحكمة‬
‫البالغة اقتضت التفاوت في المعايش تحقيقا ً للتكامل‪,‬وتنويعاً‬
‫للبتلء‪,‬وفي هذا يقول‪-‬سبحانه‪{-‬أهم يقسمون رحمت ربك نحن‬
‫قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض‬
‫درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما‬
‫يجمعون}[الزخرف‪0]32:‬‬
‫لكن النظام السلمي يكفل تكافؤ الفرص في العيش‬
‫من وسائله على نحوٍ متساوٍ؛ولكل مجتهد نصيب ‪0‬‬ ‫والكسب‪,‬ويؤ ّ‬
‫_‪_196‬‬
‫‪-2‬الكسب والعمل والكد في طلب الرزق عبادة‪,‬وإن لم تتعد َّ ثمرات‬
‫ذلك الدائرة الشخصية والسرية للمسلم‪,‬لكن بالشروط والداب‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪-‬إن يكون العمل مشروعاً‪,‬فالعمل في الربا وأمكنة القمار‬
‫والملهي‪,‬ل يكون طيباً؛والله‪-‬تعالى‪-‬ل يقبل إل طيباً ‪0‬‬
‫‪-‬أن تصحبه النية الصالحة‪:‬نية المسلم إعفاف نفسه‪,‬وإغناء‬
‫أسرته‪,‬ونفع أمته‪ ,‬وعمارة الرض‪,‬وما شابه ذلك ‪0‬‬
‫‪-‬أن يلزم فيه حدود الله‪-‬تعالى‪-‬فل يظلم‪,‬ول يخون‪,‬ول يغش‪,‬ول‬
‫يجور على حق غيره ‪0‬‬
‫‪-‬أن يحاول تأدية العمل بإتقان وإحسان ما استطاع إلى ذلك سبيلً ‪0‬‬
‫‪-‬أل يشغله عمله الدنيوي عن تأدية واجباته الدينية‪,‬كما قال‪-‬تعالى‪-‬‬
‫{رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الله وإقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة}[النور‪0]37:‬و مّر على النبي‬
‫جلَده ونشاطه‪,‬فقالوا‪:‬يا رسول الله‪,‬لو كان‬ ‫رجل‪,‬فرأى الصحابة من َ‬
‫هذا في سبيل الله ؟! (أي الجهاد)فقال‪:‬إن كان خرج يسعى على‬
‫ولده صغاراً‪,‬فهو في سبيل الله؛وإن كان خرج يسعى على أبويْن‬
‫شيخين كبيرين‪,‬فهو في سبيل الله؛ وإن كان خرج على نفسه‬
‫يعّفها‪,‬فهو في سبيل الله‪,‬وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة‪,‬فهو‬
‫في سبيل الشيطان)(‪)1([)1‬قال المنذري‪:‬رواه الطبراني ورجاله‬
‫رجال الصحيح‪ ].‬وفي حديث مسلم‪[:‬دينار أنفقته في سبيل‬
‫الله‪,‬ودينار أنفقته في رقبة(أي عتق عبد)ودينار تصدّقت به على‬
‫مسكين‪,‬ودينار أنفقته على أهلك‪ ,‬أعظمها الذي أنفقته على أهلك]‪0‬‬
‫‪-‬تستنهض الرؤية السلمية في مجال الكسب كل مسلم إلى العمل‬
‫وبذل الجهد في استنباط خيرات الرض‪,‬وتدوير رأس المال‪,‬وإنتاج‬
‫الخدمات المختلفة‪,‬فهي تجارب العطالة والبطالة وهدر الطاقات‬
‫والمكانات‪,‬وهناك من النصوص ما يحبّذ قيام المسلم على أعماله‬
‫بنفسه‪,‬وكسب قوْته من عمل يده وجهده الخاص‪,‬مهما كانت ثمار ذلك‬
‫متواضعة ومحدودة؛فذاك خير من سؤال الناس‪ ,‬وإراقة ماء الوجه في‬
‫ل الحاجة إلى الخرين‪,‬وفي الحديث البخاري‪( :‬ما أكل أحد طعاما ً ق ّ‬
‫ط‬ ‫ذ ّ‬
‫خيرا ً من أن يأكل من عمل يده‪,‬وإن النبي الله داود كان يأكل من عمل‬
‫َ‬
‫حبُلَه‪,‬ثم يأتي الجبل‪,‬فيأتي‬
‫ن يأخذ أحدكم أ ْ‬ ‫يده)‪0‬وعند البخاري أيضاً‪(:‬ل َ ْ‬
‫ف بها وجهه خير من أن يسأل‬ ‫بحزمة من حطب على ظهره‪,‬فيبيعها‪,‬فيك ّ‬
‫الناس أعطوه أو منعوه)‪0‬‬

‫_‪_197‬‬
‫‪-‬اختلف العلماء اختلفا ً واسعا ً في التفاصيل بين الغني الشاكر والفقير‬
‫ل كل فريق بأدلة صحيحة على اختياره ‪0‬والذي أراه أننا‬ ‫الصابر‪ ,‬واستد ّ‬
‫حيت ننظر إلى المسألة على المستوى الفردي‪,‬فإن الفضلية تتوقف‬
‫على مسلك الغني ومسلك الفقير تجاه الحالة التي هو فيها‪,‬فالشكر‬
‫ليس درجة واحدة‪,‬وهناك رذائل وانحرافات كثيرة تصاحب الوفرة‪,‬كما‬
‫أن هناك رذائل وانحرافات كثيرة تصاحب الفقر والقلّة ‪.‬‬
‫أما على المستوى العام‪,‬فل ينبغي أن يختلف في هذا المر‪,‬حيث أن‬
‫هناك اعتبارات كثيرة‪,‬تجعل المقارنة بين الغني والفقير غير‬
‫واردة‪,‬ففي زماننا خاصة‪,‬يستحيل تعليم الناس من غير مؤسسات‬
‫ترعاها الدولة‪,‬كما يستحيل إيجاد نوع من التجانس الثقافي من غير‬
‫مؤسسات إعلمية‪,‬كما يستحيل المحافظة على الستقلل الوطني‬
‫من غير جيش وسلح ‪0000‬‬
‫كما أن هناك شرائح اجتماعية عديدة‪,‬تعيش في ظروف وأوضاع‬
‫خاصة‪,‬كما هو الحال والشأن بالنسبة للرامل واليتام والمعوقين‬
‫واللجئين والباطلين عن العمل والمفلسين والغارمين‪,‬والذين‬
‫تعّرضوا لكوارث طارئة(‪)1([)1‬ورد في هذا المعنى عن سعيد بن‬
‫المسيب قوله‪(:‬ل خير فيمن ل يحب جمع المال من حله‪ ,‬يعطي‬
‫منه حقه‪,‬ويكف وجهه عن الناس)‪0‬وكان يقول‪(:‬اللهم إنك تعلم أني‬
‫لم أمسكه بخلً‪,‬ول حرصاً‪,‬ول محبة للدنيا ونيل شهواتها‪,‬وإنما أريد‬
‫أن أصون به وجهي عن بني مروان حتى ألقى الله‪,‬فيحكم بيني‬
‫ل منه رحمي‪ ,‬وأود منه على الرملة والفقير والمسكين‬ ‫ص ُ‬ ‫َ‬
‫وبينهم‪,‬أ ِ‬
‫واليتيم والجار] ‪ ...‬فحين يكون الفقر هو السمة العامة للدولة‬
‫وللمجتمع‪,‬فإن كل ما ذكرناه من مؤسسات وفئات‪,‬سيكون في‬
‫حالة صعبة‪,‬وأحيانا ً مأساوية ‪0‬وسيختلف المر حين يكون المالية‬
‫الوطنية جيدة‪,‬على ما هو ملموس في بعض الدول(‪)2([)2‬صّرح‬
‫وزير التعليم الندنوسي أن وزارته ل تستطيع أن تؤمن غل كتاباً‬
‫واحدا ً لكل عشرة طلب ‪0‬وفي المقابل تفيد بعض الحصاءات أن‬
‫مجمل ما تبّرعت به المؤسسات والفراد في الوليات المتحدة عام‬
‫‪1996‬م قد بلغ نحوا ً من(‪)151‬مليار دولر؛ذهب نحو من(‪)%45‬منها‬
‫لدعم المؤسسات الدينية‪,‬ونحو من(‪)%13‬لدعم التعليم ونحو(‬
‫‪)%9‬لدعم الصحة ‪ .‬فكم مجمل ما تبرع به الناس في العالم‬
‫السلمي الذي يزيد عدد سكانه على عدد سكان أمريكا أكثر من‬
‫خمس مرات؟!]‬

‫_‪_198‬‬
‫وقد أدرك كثير من علماء السلف أن الفقر كان وسيلة إذلل لكثير‬
‫من الناس‪,‬كما كان ذريعة لشراء بعض الذمم‪,‬ولذا فإن عددا ً غير‬
‫قليل منهم حاولوا تحسين وضعهم المادي‪,‬‬
‫وحثّوا الناس على مثل ذلك‪,‬يقول ابن الجوزي‪":‬ليس في الدنيا أنفع‬
‫م‬
‫للعلماء من جمع المال للستغناء الناس‪,‬فإن العالم إذا استغنى ض ّ‬
‫إلى العلم خير الكمال‪,‬وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن‬
‫ل الصبر‪,‬فدخلوا مداخل‬ ‫الكسب‪,‬فاحتاجوا إلى ما لبد منه‪,‬وق ّ‬
‫شانتهم‪,‬وإن تأؤلوا فيها‪,‬إل أن غيرها كان أحسن لهم"‪0‬‬
‫وقال حماد بن زيد‪:‬قال أيوب‪(:‬ألزم سوقك‪,‬فإنك ل تزال كريما ً على‬
‫إخوانك ما لم تحتج إليهم)‪0‬‬
‫وقال سفيان الثوري‪(:‬كان المال فيما مضى يُكره‪,‬فأما اليوم‪,‬فهو‬
‫ترس المؤمن)‪0‬‬
‫‪-‬إن ظاهرة الفقر التي تلف معظم أقطار العالم السلمي‪,‬وكثيراً‬
‫ف‪,‬وهي ظاهرة متجذرة في‬ ‫من أبنائه لم تُدرس على نحو كا ٍ‬
‫التاريخ السلمي‪,‬وأطن أنه مما ل ينبغي أن يختلف فيه أن هذه‬
‫الظاهرة المخفية‪,‬تعود إلى الكسل وسوء التوزيع والظلم‪,‬والفساد‬
‫الداري من جهة‪,‬وإلى اختلط بعض المفاهيم من جهة أخرى ‪0‬وفي‬
‫هذا السياق نجد على مدار التاريخ من المسلمين من يغلط في‬
‫فهم بعض قضايا القضاء والقدر‪,‬ول سيما مسألة الرزق‪,‬وأنه‬
‫مقسوم ومكتوب‪,‬على ما هو معتقد أهل السنة والجماعة‪,‬حيث فهم‬
‫م العناء‬‫كثير من المسلمين أنه ما دام الزرق مكتوبا ً ومحدداً‪,‬فِل َ‬
‫م التفكير والتخطيط؟‬ ‫والكدّ‪,‬ول ِ َ‬
‫والحقيقة أن أنواع القضاء ثلثة‪:‬‬
‫أ‪-‬قضاء يستوجب الصبر والشكر‪,‬وهو كل ما يحدث للنسان بدون‬
‫تدخل إرادته‪ ,‬مثل كونه ابن فلن‪,‬ومثل ما قضى الله له به من‬
‫الوسامة أو القبح والذكاء أو الغباء ‪..‬‬
‫ب‪-‬قضاء يستوجب المعالجة‪,‬أي مقابلته بما ربطه الله‪-‬تعالى‪-‬به من‬
‫أسباب؛فما قضى الله به من الجوع‪,‬يعالَج بالكل‪,‬وما قضى الله به‬
‫من المرض‪,‬يُعالَج بالدواء ‪ ,‬وهكذا ‪...‬‬
‫ما أراد عمر رضي الله عنه عدم دخول الشام نظرا ً لوجود‬ ‫ولذا ل ّ‬
‫الطاعون فيه‪ ,‬وقيل له‪(:‬أفرارا ً من قضاء الله(قال‪(:‬نعم أفّر من‬
‫قدر الله إلى قدر الله)‪0‬‬

‫_‪_199‬‬
‫ج ‪0‬ما قضى الله به من التكاليف الشرعية‪,‬فهذا يُمارس تجاهه‬
‫حريته‪,‬فإن فعل ما أمر به كان مثاباً‪,‬وإن عصى عوقب ‪0‬ولو سلبه‬
‫الله‪-‬تعالى‪-‬الختيار لسقط عنه المسؤولية على ماهو معروف ‪0‬‬
‫إن كثيرا ً من المسلمين خلط بيم ما أراد الله‪-‬تعالى‪-‬بنا وبين ما أراد‬
‫منا‪,‬وبين ما منه بد‪,‬ويمكن دفعه ومعالجته‪,‬وبين ما ليس منه بد‪,‬فل ينفع‬
‫معه إل الرضا والستسلم والصبر والحمد ‪.‬‬
‫حين نجد عالما ً من علماء المسلمين‪,‬أو رجل ً فذ ّا ً ممن يّقتدى به‬
‫فقيراً‪,‬فهذا ل يعني أن الفقر ممدوح؛وأن أصلح لحال المة وحال‬
‫الفراد‪,‬فربما يكون ذلك بسبب تفرغه للعلم‪,‬‬
‫كما عزف بعض الئمة عن الزواج خوفا ً من شغله لهم عن التأليف‬
‫والتعليم ‪0‬وقد يكون فقره بسبب أنه وجد نفسه في ظروف‬
‫صعبة‪,‬وحاول تحسين وضعه‪,‬فلم يستطع‪ ,‬وقد يكون ذلك لنه خشي‬
‫على نفسه فتنة الغني‪,‬والدخول في مداخل الثراء وتبعاته‪,‬والعجز‬
‫عن القيام بحق المال ‪000‬‬
‫إن النحراف في فهم حقيقة القضاء والقدر‪,‬يحوّل اليمان به من‬
‫سلح يخوض به المسلم غمار الخطار‪,‬ويقف به المواقف‬
‫الصلبة(لنه يعلم أنه لن يصيبه إل ما كتب الله له)إلى إنسان جبري‬
‫معطّل للسباب‪,‬يتقوّت الماني‪,‬و يغوص في لوحال الكسل‬
‫والبطالة ‪0‬وهذا ما يعاني منه كثير من المسلمين اليوم!‪0‬‬
‫‪-‬من المنطلقات السلمية التوسط في النفاق‪,‬فل يمسك المسلم‬
‫المال عن مواضع البّر والصلة والصدقة ‪000‬ول ينفقه في ذلك أو‬
‫في أكل وشرب‪,‬ويظل بعد ذلك حيران‪,‬ل يدري ماذا يصنع بنفسه‬
‫ل وعل‪-‬‬ ‫سرين أن سبب نزول قوله‪-‬ج ّ‬ ‫وعياله ‪0‬وقد ذكر بعض المف ّ‬
‫{ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد‬
‫ملوما ً محسورا}‬
‫[السراء‪,]29:‬هو أن غلما ً جاء النبي ‪:‬إن أمي تسألك كذا وكذا‬
‫‪0‬فقال‪(:‬ما عندما اليوم شيء)‪0‬قال‪:‬فتقول لك‪:‬اكسني قميصك‬
‫‪0‬فخلع قميصه‪,‬فدفعه إليه‪ ,‬وجلس في البيت عرياناً ‪0‬‬
‫حسن التدبير‪,‬وإدارة الموارد القليلة مما يساعد على جعل حياة‬
‫المسلم أقرب إلى الستقرار‪,‬ومما يساعد على تكوين المالية‬
‫العامة في المة‪,‬ول سيما إذا علمنا أن كثيرا ً من العمال اليوم‪,‬ل‬
‫يقوم على الجهد البدني فحسب‪,‬وإنما يحتاج إلى أدوات إنتاج‪,‬والتي‬
‫ل يمكن توفيرها إل عن طريق ادّخار بعض المال‪,‬مما هو متاح‬
‫للمصاريف اليومية ‪0‬‬
‫_‪_200‬‬
‫ومن العجيب أن يذم بعض علماء المسلمين(الدخار)تعلّقا ً بأدبيات‬
‫جه الشريعة السمحة‪,‬بمقدار ما تمثل نزعات‬ ‫أو نماذج ل تمثّل تو ّ‬
‫فردية‪,‬هي أقرب إلى المثالية ‪ ,‬التي إن صلحت لفرد من الناس‪-‬‬
‫نظرا ً لظروفه الخاصة‪-‬لم تصلح أن تكون قاعدة عامة في حياة‬
‫المة؛ومن ذلك ما نقله الغزالي في الحياء عن بعض علماء‬
‫المسلمين من أن من حصل له مال بإرث او كسب ‪000‬فله في‬
‫الدخار ثلثة أحوال‪:‬‬
‫الولى‪:‬أن يأخذ قدر حاجته في يومه‪,‬فيأكل إن كان جائعاً‪,‬ويلبس إن‬
‫كان عارياً ‪...‬‬
‫ويفرق الباقي في الحال‪,‬ول يدخره‪,‬فهذا الوفي بموجب التوكل‬
‫تحقيقا ً وهذه الدرجة هي الدرجة العليا ‪0‬‬
‫ة له عن حدود التوكل‪:‬أن يدّخر لسنة‬ ‫الثانية‪:‬المقابلة لهذه المخرج ُ‬
‫فما فوقها‪ ,‬فهذا ليس من المتوكلين أصلً!‪0‬‬
‫الثالثة‪:‬أن يدخر لربعين يوما ً فما دونها‪,‬فهذا موضع خلف‪:‬هل‬
‫يخرجه ذلك عن مقام التوكل أم ل؟‪0‬‬
‫وهذا مع أنه ثبت في الصحيح أن النبي ادّخر مرة ً لهله قوت‬
‫سنة‪,‬كما أن شعيرة الزكاة قائمة على امتلك أنعام أو مال يحول‬
‫عليه الحول‪,‬كما أن العديد من الصحابة الكرام‪,‬كانوا يمتلكون‬
‫الموال الطائلة‪,‬ول يستطع أحد أن يقول‪ :‬إنهم بذلك خرجوا عن‬
‫حدود التوكل ‪0‬وما أكثر القوال والمذاهب التي شوّشت الرؤية‬
‫على العامة‪,‬وكونت في حسهم التوجهات الفكرية والسلوكية‬
‫الخاطئة!‪0‬‬
‫أساليب ووسائل في تدبير شؤون العيش‪:‬‬
‫إن المنطلقات النظرية في كل أمور الحياة‪,‬ليست هي التي تنقل‬
‫الناس من حال إلى حال‪,‬والمناهج على مختلف أشكالها‬
‫وألوانها‪,‬ليست هي التي تحمل الناس إلى الغايات التي‬
‫يريدونها؛فقد حفظ الله‪-‬تعالى‪-‬هذا الدين‪,‬وظلت قطيعات الشريعة‬
‫دائما ً واضحة للعيان‪,‬لكن المة مع ذلك تراجعت عما كان عليه‬
‫سلفها؛لنها لم توفر الشروط والبيئات التي تساعد المنهج على‬
‫أداء دوره في حياة الناس ‪0‬‬
‫وهكذا فالمنطلقات النظرية ترسم الطريق‪,‬وتسهل العمل‪,‬وتزيل‬
‫العوائق الثقافية من وجهة‪,‬وتجعل النجاز يبدو مشروعا ً وممكناً‪,‬كما‬
‫أنها توفر معايير قياسه‪,‬لكنها ل توجد العمل نفسه‪,‬وإنما توجده‬
‫البرامج والساليب والدوات التي نوظفها في سبيل تحقيقه؛ولذا‬
‫_‪_201‬‬
‫فقد يملك خريج من كلية التجارة كل الفكار والنظريات التي تجعل‬
‫منه رجل أعمال ناجحاً‪,‬لكن ذلك وحده‪,‬ل ينتج أي شيء ما لم يكن‬
‫لديه المشروع والمال والطار التنفيذي ‪00‬‬
‫وسأستعرض هنا بعض ما أعتقد أنه يساعد في تدبير شؤون العيش‬
‫والرزق‪,‬وإدارة المكانات المتاحة من خلل الحروف الصغيرة‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪-1‬الستقامة واللتزام‪-:‬‬
‫تأتي الستقامة‪,‬وتقوى الله‪-‬تعالى‪-‬على رأس ما يمكن أن يفعله‬
‫المرء في مواجهة الصعاب‪,‬وتحسين ظروف المعيشة‪,‬فقد تعهّد‪-‬‬
‫سبحانه‪-‬بالرزق وتفريج الكروب لمن يتّقيه‪,‬‬
‫ويلتزم بأمره ونهيه‪,‬حيث فال‪{:‬ومن يتق الله يجعل له مخرجا‬
‫ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه‬
‫إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}[الطلق‪-3:‬‬
‫‪]2‬‬
‫مما يوسع في الرزق صلة الرحم وبر القارب‪,‬فقد ورد في الحديث‬
‫الصحيح‪" :‬من أحب أن يبسط له في رزقه‪,‬ويُنسأ له في‬
‫أجله‪,‬فليصل رحمه"‪0‬وإن من المؤسف أن كثيرا ً من الناس‪,‬يواجه‬
‫الزمات بالتفلت من الضوابط الشرعية وبقطع الرحم‪,‬والقلل من‬
‫سع خيارات الحركة لديهم‪,‬ويضغط‬ ‫الصدقة ظنا ً منهم أن ذلك يو َّ‬
‫نفقاتهم‪,‬وما دروا أنهم بذلك يحرمون بركة التوفيق والمعونة من‬
‫الله‪-‬تعالى‪-‬وربما تضاعفت أزماتهم‪,‬وكان ما خسروه أكثر بكثير مما‬
‫ربحوه ‪0‬‬
‫‪-2‬التفـــــــــوق‪-:‬‬
‫ل يكون المتدين الحق شخصا ً عادياً؛لن طبيعة التدين الصحيح‬
‫تقتضي التفوق والتقدم على القران؛وكلما كان استيعاب المسلم‬
‫للمرامي الخلقية والحضارية للسلم أفضل كان نجاحه في شؤونه‬
‫الحياتية المختلفة أعظم ‪0‬‬
‫قد يكون من الصعب على الواحد منّا أن يتفوق في جميع أنشطة‬
‫الحياة‪,‬إذن فليحاول أن يكون الول والثاني في محيطه في‬
‫بعضها‪,‬كالمحافظة على الوقت ‪ ,‬أو الدقة في أداء العمل‪ ,‬أو حسن‬
‫حسن المعشر والعلقة‬ ‫الصغاء‪,‬أو الستفادة من الفرص المتاحة‪,‬أو ُ‬
‫بين الناس ‪ ...‬على أل يتخلف عن الحد ّ المقبول في باقي أموره ‪.‬‬
‫إن أي تفوق في أي من هذه المور وأشباهها سيجعل قدرتنا على‬

‫_‪_202‬‬
‫مواجهة الصعاب أفضل‪,‬وسيزيد من كفاءة عيشنا في الزمان‬
‫الصعب ‪0‬‬
‫‪-3‬حاول تحسين دخلك‪-:‬‬
‫يعيش كثير من الناس في هذا الزمان على حافة الفقر‪,‬وهناك‬
‫شكوى عامة من تزايد صعوبة توفير الحاجات الساسية‪,‬حيث تحوّل‬
‫كثير مما كان يُعد في الكماليات إلى أشياء ضرورية تصعب‬
‫استقامة الحياة بدونها؛أضف إلى هذا وجود بطالة متصاعدة في‬
‫قطاع الشباب‪-‬و ل سيما المتعلم منه‪-‬إلى جانب ارتفاع السعار‬
‫على نحو مستمر‪,‬ومن الحلول لمواجهة هذه الوضعية أن يحاول‬
‫جد لنفسه عملً‬ ‫النسان تحسين دخله‪,‬حيث إن بإمكان المرء أن يو ِ‬
‫فرعياً‪,‬يدر عليه دخل ً إضافياً؛ومهما ساءت الحوال‪,‬فإن هناك دائماً‬
‫بعض الفرص للحصول على مصدر يزيد في دخل النسان‪,‬كما أن‬
‫بإمكان ربات البيوت أن يعملن في بعض الصناعات اليدوية الخفيفة‬
‫داخل بيوتهن‪,‬لتعزيز دخل أزواجهن ‪0‬‬
‫جد اليوم فرصاً‬ ‫وقطاع الخدمات يتنامى على نحوٍ سريع‪,‬وهو يو ِ‬
‫كثيرة للعمل‪,‬ل تحتاج إلى الكثير من المال بمقدار ما تحتاجه من‬
‫التنسيق والتنظيم‪,‬أي المبادرة والعقل المنظّم وشيء من الجهد‬
‫والصبر ‪0‬ولننسى أن نقول‪:‬إن هذا يجب أن يتم في إطار من‬
‫التوازن ومراعاة الحقوق الخرى المترتبة على الواحد منا ‪0‬‬
‫‪-4‬تعـود تأجيل الرغبات‪-:‬‬
‫لدى النفس البشرية ميول غريزية نحو الكسل والفوضى‪,‬والهروب‬
‫من الواجبات‪ ,‬والبتعاد عن العمال الجادة ‪0‬وكثيرا ً ما يرى الواحد‬
‫منا نفسه وقد قطع عمل ً مهماً‪,‬يقوم به من أجل إجراء مكالمة‬
‫حة‪,‬ول ضرورية‪,‬أو لزيارة صديق كان معه بالمس‪,‬أو‬ ‫هاتفية غير مل ّ‬
‫لسماع نشرة أخبار‪,‬يعرف أنه ليس فيها أي جديد ‪000‬‬
‫جل على نفسه كم مرة في اليوم‬ ‫المطلوب من الواحد منا أن يس ّ‬
‫استطاع تأجيل رغبة ملحة من أجل إتمام عمل مهم‪,‬وكم مرة قطع‬
‫عمله من أجل خاطر خطر على باله‪,‬وهو ل ينطوي على أية أهمية‬
‫أو قيمة ‪0‬‬
‫ن تحرك الوقت على نحو متتابع يرتّب علينا مسؤوليات وأعباء‬ ‫إ ّ‬
‫جديدة‪,‬ول بد من مواجهتها عن طريق الستمرار في العمل قدر‬
‫المستطاع ‪0‬‬
‫‪-5‬اكتسـاب المهـارات‪-:‬‬

‫_‪_203‬‬
‫كانت متطلبات العيش في الماضي غير البعيد محدودة جداً‪,‬ولذا فإن‬
‫الواحد من الناس كان يقوم بمعظم حاجاته ‪0‬ومع ارتقاء النسان في‬
‫مدراج الحضارة أخذت أساليب الحياة تتعقد شيئا ً فشيئاً‪,‬وزاد اعتماد‬
‫الناس بعضهم على بعض‪ ,‬مما جعل تقسيم العمل يزداد شمولً‬
‫وعمقاً‪,‬وصارت صلحية النسان في البناء الجتماعي‪,‬تستمد اكتمالها‬
‫من مدى ما يمكن أن يقدمه لمجتمعه من إسهامات هو بحاجة إليها ‪0‬‬
‫إن مهمة العلم أن يرتاد آفاق المجهول‪,‬ويكشف السنن‪,‬ويحلل العوامل‬
‫سن نوعية الحياة‬ ‫ن هذا كله ل يح َّ‬ ‫المتشابكة للظواهر المختلفة ‪000‬لك ّ‬
‫على نحو ملموس ما لم يتُرجم إلى تطبيقات عملية‪,‬ويتجسد في‬
‫أساليب ووسائل‪,‬توفر الراحة للناس؛وهذا ما ينجبه اللقاء السعيد بين‬
‫العلوم النظرية وبين الممارسات المهنية والتقنية ‪0‬‬
‫ن جزءا ً كبيرا ً من صعوبة العيش زماننا يعود إلى ضعف القاعدة‬ ‫إ ّ‬
‫الصناعية والمهنية في بلد المسلمين؛واضح أن التقدم الصناعي الذي‬
‫أحرزته الدول الغربية‪ ,‬وبعض الدول التي تسير على نهجها‪-‬هو الذي‬
‫مكّنها من قيادة الحضارة‪,‬وإملء العيش الكريم على المم الخرى‪,‬وقد‬
‫أفرز ذلك بطالة ضخمة‪,‬اجتاحت مئات المليين من أبناء العالم‬
‫السلمي‪,‬وصار إتقان الشاب لحرفة أو مهنة يكتسب من ورائها رزقه‬
‫أمرا ً في غاية الهمية‬
‫ضل أن‬ ‫ومن المؤسف جدا ً أن كثيرا ً من الشباب‪-‬العربي خاصة‪-‬يف ّ‬
‫يجلس كسيرا ً حسيرا ً في بيته‪,‬أو يمضي سحابة يومه متجول ً في‬
‫الشوارع على تعلّم حرفة أو مهنة أو تطوير مهارة يمتلكها‪,‬وذلك من‬
‫بعض بقايا الجاهلية الولى في النفوس والعراف‪ ,‬حيث كان المهنيون‪-‬‬
‫على نحو عام‪-‬هم عماد الطبقة التي تتولى خدمة المجتمع‪ ,‬وهناك إلى‬
‫جانبها طبقتان أخريان‪:‬طبقة(الشجعان)وطبقة(التجار)التي تمثّل النفوذ‬
‫والثراء في المجتمع ‪0‬‬
‫وقد حاول النبي القضاء على مفاهيم كراهية المهن من خلل‬
‫أقواله‪,‬ومن خلل سلوكه الشخصي‪,‬وقد انفعل الناس بذلك في البداية‬
‫إلى حد َّ كبير‪,‬لكن المر لم يدم طويل ً حيث جاءت حركة الفتوح بمئات‬
‫اللوف من العبيد وغيرهم ممن وفد إلى الجزيرة العربية والحواضر‬
‫السلمية الخرى‪,‬وكان كثير من أولئك يتقن الكثير من المهن والحرف‬
‫والمهارات‪,‬مما جعل العرب يشعرون بعدم الحاجة على امتهان الحرف‬
‫ما دام هناك من يقوم بشؤونهم المختلفة‪,‬فعاد ازدراء المهن من جديد‬
‫إلى حياة الناس(‪)1([!)1‬يقول الفرزدق معيّرا ً بأبيه الحداد‪:‬‬
‫ونفخت كيرك في الزمان‬ ‫إني بني لي في المكارم أوّلي‬
‫الول]‪0‬‬

‫_‪_204‬‬
‫إن العيش في الزمان الصعب‪,‬يتطلب تحررا ً ثقافياً‪,‬وتجاوزاً‬
‫للعراف والتقاليد البالية التي جعلت كثيرا ً من الشباب يسلك‬
‫مسلك ذي العيال المتكبر؛إنهم يريدون أن يشكَّلون طبقة متميزة‬
‫بدون أي شيء يؤهلهم لذلك!‪0‬‬
‫التقدم الحضاري اوجد أزمات كثيرة‪,‬ومنح فرصا ً أكثر‪,‬وقد صار‬
‫حَرف والمهارات التي يمكن‬ ‫هناك الكثير الكثير من المهن وال ِ‬
‫اكتسابها وإتقانها في بضع شهور‪,‬حيث إنه بسبب التقدم‬
‫التقني‪,‬وتوفر اللت المساندة صار إتقان الصنائع أسهل من ذي‬
‫قبل ‪0‬‬
‫حَرف كثيرة يمكن‬ ‫حَرف القديمة صار هناك ِ‬ ‫إلى جانب المهن وال ِ‬
‫للنسان أن يتقنها؛ فالوضع الجديد للدعاية والعلن‪-‬مثلً‪-‬منح ذوي‬
‫المواهب في الرسم والخط فرصا ً عظيمة للعمل ‪0‬وبرامج‬
‫الحاسوب وفّرت المليين من فرص العمل ‪ .‬وليس سرا ً أن كثيراً‬
‫من البرامج ل تصممه الشركات في مبانيها‪,‬وإنما تعهد به إلى هواة‬
‫يقومون بتصميمها في منازلهم ‪0‬صيانة المحركات والجهزة‬
‫واللكترونية والكهربائية والساعات‪,‬وما شاكلها تتطلب المزيد من‬
‫العاملين‪,‬وتنمو على نحو مطّرد ‪0‬‬
‫الواجب على الواحد منّا أن يستخدم جزءا ً من أوقات فراغه في‬
‫تطوير بعض مهاراته‪,‬أو تعلّم بعض المهن الخفيفة التي يستفيد من‬
‫ن كل ذلك من جملة العمال‬ ‫ورائها في تحسين وضعه المعيشي‪,‬وإ ّ‬
‫التي تساعد المة على النهوض؛إذ ل نستطيع أن نوجد مجتمعاً‬
‫أقوى من مجموع أفراده‪,‬فوجود الفراد المهرة‪,‬يعني في النهاية‬
‫مجتمعا ً ماهراً ‪0‬‬
‫‪-6‬اغتنام الفرص المتاحة‪-:‬‬
‫الفرص تعني دائما ً ظروفا ً أكثر ملءمة للقيام بعمل ما‪,‬وهذه‬
‫الظروف ل تتوفر دائماً‪,‬بل إن الفرص الكبرى‪,‬قد ل تتوفر إل مرة‬
‫واحدة في العمر ‪0‬الفرص ل تطرق باب أحد‪,‬وعلى الناس أن يبحثوا‬
‫عنها ‪0‬حين يكون المرء إيجابيا ً وفعّالً‪ ,‬فإنه يقع على الكثير من‬
‫الفرص أكثر من غيره‪,‬لنه يدرك جوانب النفع الخفية‪ ,‬فيسبق إلى‬
‫الستفادة منها ‪0‬الكسل والخوف من الخفاق‪,‬من أكبر العوامل‬
‫التي تُقعِد النسان عن الستفادة من الفرص ‪0‬إن مشاورة أهل‬
‫الخبرة فيما يلوح من إمكانات للتحسن‪,‬تساعد كثيرا ً على التحرك‬
‫والقدام‪ ,‬فلنجعل ذلك خلقا ً لـــــــنا ‪.‬‬

‫_‪_205‬‬
‫‪-7‬السفر باب من أبواب الرزق‪-:‬‬
‫السفر قطعة من العذاب‪,‬لكنه أيضا ً باب من أبواب الرزق‪,‬حيث‬
‫يستفيد المرء خبرات جديدة‪,‬وينقل إلى البلد الذي يسافر إليه‬
‫خبرات بلده الذي نشا فيه‪ ,‬ويقع على فرص غالبا ً ل تتوفر في‬
‫ل وعل‪{-‬ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الرض‬ ‫بلده‪,‬وقد قال‪-‬ج ّ‬
‫مراغما كثيرة وسعة}[النساء‪]100:‬قال أبن عباس‬
‫ة‬
‫سعَة‪:‬سعة الرزق"وكان ابن عمر يقول‪":‬ما خلق الله موت ً‬ ‫وغيره‪":‬ال ّ‬
‫ي من الموت بين شعبتي‬ ‫أموتُها بعد الموت في سبيل الله أحب إل ّ‬
‫رحلي‪,‬أبتغي من فضل الله ضاربا ً في الرض"‬
‫وعلى مدار التاريخ كان الناس يهاجرون ويسافرون تفادياً‬
‫للمجاعات والزمات الخانقة‪,‬‬
‫وكان معظمهم يجد في ذلك منجاة مما هو فيه من كرب وضيق‬
‫وقلّة ‪0‬إن تعلّق المرء بمسقط رأسه‪,‬ومقام أهله شيء‬
‫فطري‪,‬ورمز في غاية الهمية(‪)1([)1‬يروى عن الشافعي‪-‬رحمه الله‬
‫–قوله‪:‬‬
‫وسافر ففي السفار‬ ‫تغرب عن الوطان في طلب العل‬
‫خمس فوائد‬
‫وعلم وآداب وصحبة‬ ‫م واكتساب معيشــــــــــــــــةٍ‬ ‫ج ه ًّ‬
‫تفري ٌ‬
‫ماجـــــد}‬
‫وعلى كل حال فالخيّرون يبنون حيث اتجهوا‪,‬وحيث أقاموا؛وغربو‬
‫سنوات قد تساعد على الستقرار والسعة عمرا ً مديداً ‪0‬‬
‫‪-8‬توفير شيء من الـــــــدخــل‪-:‬‬
‫كانت الحياة في الماضي أقرب إلى الرتابة‪,‬والمفاجآت فيها‬
‫قليلة‪,‬والحتياجات محدودة ‪0‬أما اليوم فكل شيء قد تغيّر‪,‬وصار‬
‫توقّع الحالة الطارئة من مرض وسفر ومصرفات تعليم ‪00‬أمراً‬
‫ضرورياً ‪0‬أضف إلى هذا أن تحسين الوضع المادي لحدنا ‪ ,‬سيظل‬
‫مرتبطا ً بتوفير شيء‪-‬ولو قليل‪-‬من المال‪,‬مما يوجب على الواحد‬
‫منَّا أل ّ ينفق كل ما يأتيه من مورد‪,‬وأن يحاول يجتزئ شيئا ً منه‪,‬يعدّه‬
‫لما ذكرناه ولغيره ‪0‬‬
‫بعض الناس ينفق دخله الشهري في أيام معدودة‪,‬ثم يستدين إلى‬
‫نهاية الشهر‪ ,‬ليظل يشعر بأنه عاجز مغلوب!ومع أن بعض الناس‬
‫يكون مضطرا ً فعل ً لمثل ذلك‪ ,‬إل أن الصحيح أن كثيرين منا‬
‫يسيئون استخدام مواردهم المالية‪,‬وينفقون كثيرا ً على أشياء‬

‫_‪_206‬‬
‫تََرفية‪,‬أو دعوات وولئم مظهرية‪,‬ثم يظل يطرق باب فلن وعلّن‬
‫مريقا ً ماء وجهه!‪0‬‬‫ُ‬
‫فكرة الصندوق الحتياطي التي يعمل بها بعض الناس جيدة‬
‫ومفيدة‪,‬حيث يقوم بعضهم باجتزاء(‪ )%10‬من الدخل‬
‫الشهري‪,‬ويضعه في ذلك الصندوق ليستخدم فيما بعد في نحو ما‬
‫ذكرناه ‪0‬‬
‫‪-9‬إدارة المكانات المحدودة ‪0‬‬
‫كلما كانت المكانات محدودة‪,‬والموارد شحيحة‪,‬احتجنا إلى براعة‬
‫من حاجاتنا من وراء رأس مال‬ ‫أكثر في إدارتها؛حيث إن علينا أن نؤ ّ‬
‫محدود ‪0‬وتظهر التجارب العالمية يوما ً بعد يوم أن بإمكان الدارة‬
‫الممتازة أن تعوض ضعف المكانات المتاحة؛والتقدم التقني الهائل‬
‫يتيح أكثر فأكثر لعداد كبيرة من الناس أن ينتجوا كميات كبيرة من‬
‫المحاصيل من جّراء زراعة مساحات صغيرة جداً‪,‬وفي بعض الدول‬
‫صارت الزراعة المنتجة على أسطح المنازل‪,‬وعلى الرفف المقامة‬
‫على الجدران‪-‬مألوفة؛كما أنه صار في إمكان صاحب الخبرة أن‬
‫يقيم مصنعا ً صغيرا ً في حجرة من داره‪ ,‬بل إن بعض المصانع‬
‫الكبرى كانت نواتها في يوم من اليام عبارة عن ورشة صغيرة‬
‫جداً‪,‬كما هو الشأن في مصانع (فورد) للسيارات ‪.‬‬
‫مما يساعد على خفض النفقات تأجيل شراء بعض الشياء على‬
‫الوقات التي تكون فيها رخيصة‪-‬وهذا ما يفعله كثير من الناس في‬
‫أمريكا‪-‬وأكل بعض الفواكه والخضار في مواسمها‪,‬حيث تكون عادة‬
‫منخفضة‪,‬وإجراء المكالمات الهاتفية في أوقات التخفيض‪,‬والعزوف‬
‫عن شراء الشياء الترفية والكمالية ‪ ...‬ولبد مع هذا وذاك من‬
‫القلع عن عادات البطر والتبذير في المأكل والملبس‬
‫والمسكن‪,‬حيث تنفق النساء الموال الطائلة على الملبس وأدوات‬
‫الزينة‪ ,‬وحيث تطبخ كميات كبيرة من الطعام‪ ,‬ل تجد من يأكلـهـا‬
‫‪000‬‬
‫ن التفكير الجادّ‪,‬ومحاولة فهم أسرار النجاح في بعض القطاعات‬ ‫إ ّ‬
‫أو المؤسسات الناجحة مما يولّد الفكار المبدعة التي يمكن أن‬
‫جد الفكر‪ ,‬وتُدعَم بدراسة جدوى‬ ‫تقوم عليها مشاريع ناجحة‪ ,‬وحين ت ُ َ‬
‫عقلنية وعلمية‪,‬فغن المال ل يغدو مشكلة‪,‬حيث يتهافت‬
‫المستثمرون على صاحب الفكرة‪,‬وبذلك يكون صاحب الفكرة قد‬
‫استثمر إمكاناته الذهنية‪,‬وربح أكثر من أصحاب المكانات المادية‬
‫الجيدة‪,‬والتي ل يعرفون ماذا يصنعون بها ‪0‬‬

‫_‪_207‬‬
‫مد أموالك‪-:‬‬ ‫‪-10‬ل تــج ّ‬
‫ث على جعله‬ ‫المال أداة إنتاجية مهمة‪,‬والرؤية السلمية فيه تح ّ‬
‫متحركا ً نامياً‪ ,‬حيث إن في حركته توفير فرص عمل للمحتاجين‬
‫إليه‪,‬كما أن فيها تنشيطا ً للقتصاد الوطني‪,‬‬
‫وعائدا على الدولة وأصحاب رؤوس الموال‪,‬إذا ما أُدير بشكل جيد‬
‫سر قوله‪-‬عليه الصلة والسلم‪":-‬لو كان لي مثل‬ ‫ل هذا ما يف ّ‬‫‪0‬ولع ّ‬
‫ل وعندي منه شيء إل شيئاً‬ ‫ي ثلث ليا ٍ‬ ‫أحد ذهبا ً لسّرني أل ّ تمّر عل ّ‬
‫أرصده لدَيْن"‬
‫وعن عمر‪-‬رضي الله عنه‪(-:‬أل من ولي يتيما ً له مال‪,‬فليتّجر له في‬
‫ماله‪,‬ول يتركه فتأكله الصدَقة"‪0‬وإن في ترتيب السلم الزكاة في‬
‫ضا ً لصحابها على استثمارها‪,‬لن المال ما‬ ‫الموال غير المستثمرة ح ّ‬
‫جد َ من أجل أن يُكتنَز ويُكدَّس في البيوت‪ ,‬وإنما من أجل‬ ‫ُ‬
‫أو ِ‬
‫الستغلل‪,‬حتى ينتفع بحركته الناس ‪0‬‬
‫‪-11‬العلقات الحسنة مصدر رزق‪-:‬‬
‫مصير البشرية متوقّف على عدد محدود من المور الجوهرية‪,‬أهمها‬
‫ل وعل‪-‬ثم علقتهم بعضهم مع بعض‬ ‫علقة الناس بخالقهم‪-‬ج ّ‬
‫‪0‬والتعاليم السلمية في هذا الشأن‪ ,‬تؤسس علقات ممتازة بين‬
‫ث والعطاء والتسامح والتعاون؛ونجد هذا‬ ‫الناس؛لنها قائمة على الح ّ‬
‫ث على ابتداء الغير بالسلم‪ ,‬إكرام الضيف‬ ‫واضحا ً في نحو الح ّ‬
‫سم في وجه الخ المسلم‪,‬والصبر‬ ‫والجار‪,‬ومقابلة الخطأ بالعفو‪,‬والتب ّ‬
‫على ما تجّره مخالطة الناس من الذى‪,‬‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬وعيادة المريض‪,‬وزيارة‬
‫الصدقاء‪,‬وصلة الرحم‪ ,‬والنصح للشريك‪,‬وغشيان المساجد في‬
‫الجمعة والجماعات والعياد ‪0‬‬
‫ن كل ذلك فوق أنه تعبّد لله‪-‬تعالى‪-‬يعود بالنفع العظيم على‬ ‫إ ّ‬
‫أصحابه؛فهو مثل ً يجعل الخرين يشعرون بالمتنان‪,‬ويبحثون عن‬
‫وسيلة يردون بها المعروف‪,‬كما أنه يبني الثقة والُلفة بين‬
‫المسلمين‪,‬وهو أيضا ً وسيلة للتعارف والتعاون ‪0‬وحين يحتاج واحد‬
‫من الناس على نوٍع من الخدمة أو العمل‪,‬فغنه يلجأ أول ً لمن‬
‫يعرفهم؛وهذا هو الدافع الذي يكمن خلف الكثير من أعمال العلن‬
‫التي تُنفق فيها المليين ‪0‬‬
‫إننا بحاجة دائما ً إلى الثقة بأنه مهما ساءت الحوال‪,‬واشتدّت‬
‫الكروب‪,‬فستظل هناك فرص وخيارات‪,‬لكن قصورنا الذاتي‪,‬وضعف‬

‫_‪_208‬‬
‫شفافيتنا تجاه الفرص‪,‬هما اللذان يحولن دون الستفادة‬
‫منها‪,‬واستخدامها في تجاوز الحالت الصعبة ‪0‬‬

‫_‪_209‬‬
‫الفصـل الول‪-:‬‬

‫اعتقد أن تأثير الخرين في حياتنا هو عادة ً أكبر مما نعترف به‪,‬وهذا‬


‫يؤدي إلى عدم إعطاء العلقات الجتماعية حقها من الحياطة‬
‫والعناية ‪0‬‬
‫ل وعل‪-‬افتتح وجود الكائن البشري افتتاحا ً اجتماعياً‪,‬فآدم‬ ‫إن الله‪-‬ج ّ‬
‫لم يعش في الجنة وحيداً‪,‬وإنما مع حواء ‪0‬وحين هبطا إلى‬
‫الرض‪,‬اتًسعت دائرة حياتهما الجتماعية بإنجاب الولد ووجود‬
‫السباط والحفاد ‪0‬ومنذ ذلك اليوم‪,‬وإلى يوم الناس هذا ما فتئت‬
‫الفضاءات التي تكتسبها العلقات الجتماعية في حالة من التساع‬
‫الدائم؛حيث عن من طبيعة التقدم الحضاري تعقيد كل شيء؛‬
‫والذي يقتضي من جهته المزيد من التداخل والتشابك‪,‬والمزيد من‬
‫العلقات العتمادية ‪0‬‬
‫ن المداد الفسيحة الشاسعة للرتقاء البشري مدينة للنظم‬ ‫إ ّ‬
‫الجتماعية التي يحيا البشر داخلها؛بل يمكن القول‪:‬إن الحياة‬
‫الجتماعية تسهم على نحوٍ جوهري في تشكيل الطبيعة الولى‬
‫لنا؛حيث إن كثيرا ً من مفردات الطبيعة خلل العلقات المربية‬
‫والخبرات المكتسبة ‪0‬‬
‫أما الحيوان فإنه يستطع أن ينشأ دون رعاية‪,‬وأن يُشبع كل‬
‫غرائزه‪,‬ويقوم بكل وظائفه دون أية مساعدة؛فالبرمجة الغريزية‬
‫تكفيه مؤونة ذلك ‪0‬لكن الفاق التي يمكن أن يلمسها محدودة‬
‫جداً‪,‬وليس النسان كذلك ‪0‬‬
‫ويمكن أن نسلّط الضوء على أهمية العلقات الجتماعية في حياتنا‬
‫من خلل المفردات التية‪-:‬‬
‫َ‬
‫‪-1‬الذات النسانية ذات مشتَّتة بين الخصوصية المرك ّزة‪,‬وبين‬
‫العتماد على الخرين‪ .‬ومما ل خلف فيه أن أهم موارد خبراتنا‬
‫وعواطفنا وسعادتنا واستقرارنا ‪ ,‬يظل على صلة بالخرين؛فمنذ‬
‫الولدة يبدأ الطفل بالعتماد على أبويه‪ ,‬ليس من أجل تامين نموّه‬
‫َ‬
‫فحسب‪,‬وإنما من أجل تكوين ذاته؛وحين يكبر قليلً‪ ,‬ويتخل ّق شيء‬
‫من الوعي لديه‪,‬يعتقد أن فقده لحد والديه يعني تغييرا ً جذريا ً في‬

‫_‪_210‬‬
‫حياته‪,‬كما يعني حدثا ً مزعجاً‪,‬ل ينبغي أن يخطر وقوعه في البال‬
‫‪0‬ومع اليام تتعدّد موارد الفيض الجتماعي من خلل القرابة‬
‫والزواج والصداقة إرادة منه‪ ,‬وتلك التي ينتسب إليها باختباره ‪0‬‬
‫سع نشاطه وجد‪-‬على خلف‬ ‫وكلّما ازداد نضج النسان‪,‬وأراد أن يو ّ‬
‫ما قد يتبادر‪-‬أن حاجته للخرين صارت أعظم‪,‬وأكثر حيوية‬
‫وإلحاحاً؛فعلى حين يقول المراهق‪:‬أنا يقول البالغ الناضج‪:‬نحن ‪0‬‬
‫إن العالم الذي يحيط بنا بكل منجزاته وأشيائه وأفكاره‬
‫وانعكاساته‪,‬يربطنا على نحوّ ما بأشخاص كثيرين ل نعرفهم‪,‬ويفتح‬
‫قنوات‪-‬أحيانا ً غير مرئية‪-‬للتواصل معهم والتأثير بهم ‪ 0‬وفي المقابل‬
‫فإن قراراتنا واختباراتنا وأنشطتنا المختلفة ستسهم في تشكيل‬
‫من سيأتي بعدنا ‪0‬‬ ‫العالم الذي سيعيش في أجوائه َ‬
‫وأعتقد أن إدراك هذه الوضعية على نحوٍ جيد‪,‬سوف يجعلنا نتأمل‬
‫أكثر فأكثر في أهمية العون الغيري لوجودنا‪,‬كما يجعلنا نفكر في‬
‫رعاية التبادلية الجتماعية وتعزيزها وترشيدها ‪0‬‬
‫‪-2‬يظل المرء يشعر بالقصور الذاتي عن فهم العالَم الذي يعيش‬
‫فيه‪,‬ومهما بلغ من النضج والكتمال‪,‬فإنه ل يفتأ يشعر بالحاجة إلى‬
‫من يساعده على تكوين رؤية إدراكية للوسط الذي يحيا‬ ‫َ‬
‫فيه‪,‬ولمجريات الحداث التي تقع في ذلك الوسط ‪0‬وهذا في‬
‫الحقيقة ل يتم من خلل كثرة قراءة الكتب‪,‬ول سماع نشرات‬
‫الحديث المتبادل حول مجمل الوضاع والشؤون المختلفة ‪0‬‬
‫ن الحوادث المستفيضة والمستمرة‪,‬توجد عالما ً معرفيا ً مشتركاً‬ ‫وإ ّ‬
‫بين الزواج والصدقاء والزملء والجيران ‪000‬وهذا العالم المشترك‬
‫مي البصيرة الجتماعية والثقافية لدى جميع المشتركين فيه‬ ‫ين ّ‬
‫‪0‬ونجد قيمة ذلك إذا تأملنا النمط الفكري والمعرفي الذي يسود‬
‫لدى النطوائيين والنعزاليين والعّزاب الذين ليس لهم أصدقاء‬
‫يثقون بهم‪,‬حيث يلمس المرء في كثير من الحيان تقويماً‬
‫مشوَّهاً‪,‬ورؤية غائمة لكثير من مفردات الواقع المعيش‬
‫‪-3‬تُشبع العلقات الجتماعية لعديد َ من الحاجات العاطفية والنفسية‬
‫لدى النسان؛وتلك الحاجات متعددة‪,‬ويتم إشباعها بطرق مختلفة‬
‫‪0‬وعلى الرغم من أن العلقات الجتماعية‪,‬ل تخلو من التسبب في‬
‫ن هناك أدلة عديدة على استقلل المشاعر‬ ‫بعض المتاعب إل أ ّ‬
‫اليجابية عن المشاعر السلبية؛إذ يمكن للمرء أن يُشبع ميوله إلى‬
‫العديد من الحاجات الجتماعية في نفس الوقت الذي يعاني فيه‬
‫صلته بالخرين‪,‬كما يحدث للم التي تستمع بوجود‬ ‫من مفرزات ِ‬
‫_‪_211‬‬
‫طفلها المريض إلى جانبها‪,‬مع ما يسببه لها مرضه من آلم‬
‫ومخاوف ومشاق ‪0‬‬
‫ب في النهاية في‬ ‫على الرغم من أن العلقات الجتماعية تص ُّ‬
‫صلة واحدة إل أنها كثيرا ً ما تختلف في نوع الوظيفة‪,‬التي تقوم‬
‫مح ّ‬
‫بها في تدعيم كياننا المعنوي وإشباع حاجاته ورغباته؛وعلى سبيل‬
‫المثال فإن العلقات الزوجية إلى جانب أنها تشكَّل السياق‬
‫الشرعي لتلبية نداء الفطرة الذي وضعه البارئ‪-‬سبحانه‪-‬في‬
‫الزوجين توفّر أجواء الود ّ والرحمة والطمأنينة والثقة وإسقاط‬
‫ل وعل‪{-:-‬ومن‬‫الكلفة والتعاون والنس ‪000‬؛وما أجمل قول الله‪-‬ج َّ‬
‫آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل‬
‫بينكم مودة ورحمة إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون}‬
‫[الروم‪]21:‬‬
‫علقات الخوّة والصداقة الحميمة‪,‬وتوفر تحسنا ً فوريا ً للحالة‬
‫المعنوية‪,‬كما أنها توفر المرح في حالة الطفال والشباب‪,‬كما توفر‬
‫لكبار السن الشعور بالُنس‪,‬وتمل شيئا ً من الفراغ ‪0‬ويمكن القول‬
‫سة لثلثة‬ ‫ن الناس يحتاجون إلى أصدقاء حاجة ما ّ‬ ‫على نحوٍ عام‪:‬إ ّ‬
‫أسباب جوهرية‪:‬‬
‫أ‪-‬المساعدة العملية في بعض الشؤون‪,‬وتوفير بعض المعلومات‬
‫حول بعض القضايا ‪0‬‬
‫ب‪-‬إسداء النصح وتقديم العطف‪,‬والستماع إلى الشكوى بإخلص‬
‫وتفهّم‪ ,‬والمشاركة في النظرة إلى العالم ‪0‬‬
‫ج‪-‬تماثل الهتمامات والمشاركة في بعض النشطة‪,‬وممارسة بعض‬
‫ضع‬‫اللعاب ‪ .‬وجود البناء في السرة مهم للغاية‪,‬ومع أن الر َّ‬
‫والمرهقين –الذكور منهم خاصة‪-‬يسببون العديد من المشكلت‬
‫أسرهم‪,‬إل أنهم يشبعون الميول إلى البوّة والمومة‪,‬كما أنهم‬
‫يشبعون في المنازل الحيوية والمرح‪,‬ويستمتع البَوان برؤيتهم وهم‬
‫ن البوين يريان في أولدهما‬ ‫ينضجون ويكبرون ‪ 0‬أضف إلى هذا أ ّ‬
‫نوعا ً من التحقيق الذات‪,‬كما يريان فيهم نوعا ً من الستمرار‬
‫والرشد والعمق في فهم الحياة ‪0‬‬
‫علقات القرابة علقات قهرية‪,‬ل حيلة للمرء فيها‪,‬وهي ترتب بعض‬
‫الحقوق والواجبات الشرعية والدبية بين القرباء‪,‬مما يجعل المرء‬
‫يشعر أن بإمكانه أن يتوقع علقات وثيقة ومستمرة مع بعض الناس‬
‫على مدى الحياة‪,‬كما أن بإمكانه أن يتوقع دعما ً معنويا ً وماديا ً غير‬

‫_‪_212‬‬
‫مشروط؛وهذا مما يوفر الطمأنينة والثقة‪,‬ويحد ّ من مشاعر‬
‫الغتراب والوحدة ‪0‬‬
‫من بعض الشياء‬ ‫أما علقات الجوار‪,‬فهي إلى جانب كونها تؤ ّ‬
‫الضرورية‪,‬كما تسهّل سبل التعاون‪-‬تجعل المرء يشعر أن له‬
‫سنداً‪,‬يعتمد عليه عند وجود المخاطر الطارئة؛فالجار كثيرا ً ما‬
‫يشبه(حزام المان)الذي ل تُعرف عَظَمة فائدته إل عند وجود‬
‫مشكلة‪,‬أو وقوع ما ليس في الحسبان ‪0‬وهكذا فإن شبكة العلقات‬
‫من للنسان من أشكال الرفاهية ما ل يمكن أن يؤ َّ‬
‫منه‬ ‫الجتماعية‪,‬تؤ َّ‬
‫أي شيء آخر ‪.‬‬
‫‪-4‬يواجه النسان العديد من المشاقّ والزمات في حياته المهنية‬
‫والخاصة‪ ,‬وذلك يسبّب له العناء‪,‬والحساس بالضعف‪,‬ويعكّر مزاجه‬
‫‪0‬والدعم الجتماعي الذي يتلّقاه النسان ممن حوله من أقرباء‬
‫وأصدقاء ‪ ...‬يجعل تأثير المشاق والزمات ‪ ,‬في حياته يتضاءل إلى‬
‫حد ّ التلشي ‪0‬‬
‫من‬‫الدعم الجتماعي ينعكس في صورة شعور الفرد بان هناك َ‬
‫يهتم به اهتماما ً عميقاً‪ ,‬ويقدّره؛و في صورة شعور الفرد باندماجه‬
‫الشديد مع الخرين ‪00‬ويتجلّى تارة في صورة توفر شخص‪,‬يمكن‬
‫أن تحدثه عن نفسك ومشكلتك باطمئنان‪ ,‬ودون حرج أو خوف ‪0‬‬
‫ويتجلّى في بعض الحيان في درجة تقدير المرء لذاته‪ ,‬وثقته‬
‫بنفسه‪,‬وإحساسه بالسيطرة على المواقف المختلفة‪,‬باعتبار ذلك‬
‫مستمدّاً‪-‬جزئياً‪-‬من استجابات الخرين ومشاعرهم اليجابية تجاهه ‪0‬‬
‫أما طرق عمل الدعم الجتماعي في تخفيف العناء‪,‬والتغلّب على‬
‫الصعاب‪,‬فهي عديدة؛ إذ ربما كان لها تأثير فوري على(نظام‬
‫الذات)وربما كان لها تأثير مباشر على النفعالت؛‬
‫َ‬
‫ة من المشاعر اليجابية‬ ‫إذ يول ّد التفاعل الجتماعي الداعم درج ً‬
‫ف الكتئاب والقلق ‪0‬‬
‫القادرة على ك ّ‬
‫أضف إلى هذا أن المرء يواجه الحداث الخارجية على أنها أق ّ‬
‫ل‬
‫مشّقة‪,‬وأخف وطأة عندما يشعر أنه يتلقى نوعا ً من المساندة ممن‬
‫تربطه بهم بعض العلقات‪ ,‬وعلى سبيل المثال فإن الصلة على‬
‫الميت وتشييعه‪,‬وتعزية أهله‪,‬وصنع الطعام لهم يخفف الكثير من‬
‫إحساسهم بالمصيبة‪,‬كما أن إحساس المشرف على الموت بان‬
‫من سيقوم على رعاية أسرته وأولده‬ ‫هناك من أقربائه وأصدقائه َ‬
‫من بعده‪ ,‬يخفف من مشاعره تجاه فراق أهله والبتعاد عنهم ‪0‬‬

‫_‪_213‬‬
‫إن الدعم الجتماعي يشكّل ما يشبه العوازل الزيتية التي يضعها‬
‫الشخص على جلده لوقايته من أشعة الشمس الضارة؛وقد ثبت‬
‫من خلل بعض البحوث والدراسات أن النَّساء المتزوجات واللواتي‬
‫ل عرضه للكتئاب والهواجس المزعجة من النساء‬ ‫لهن أطفال أق ُّ‬
‫ّ‬
‫ف احتمال‬ ‫غير المتزوجات‪,‬ومن اللواتي ليس لهن أطفال ‪ 0‬ويخ ّ‬
‫الصابة بالكتئاب إذا كان الزوج يمكن العتماد عليه في ح ّ‬
‫ل‬
‫مل الزوجة في حال الصابة المرض أو ما‬ ‫المشكلت‪ ,‬وفي تح ّ‬
‫يشابهه ‪0‬‬
‫ن كثيرا ً من صور الضطراب العقلي ينشأ من اجتماع درجة عالية‬ ‫إ ّ‬
‫من المشاقّ مع درجة منخفضة من المساندة الجتماعية ‪0‬‬
‫توفّر علقات الخوّة والصداقة دعما ً ل يُستهان به؛إذ تساعد على‬
‫تجنب الشعور بالوحدة الذي يسبب الشعور بالقلق‬
‫والملل‪,‬وانخفاض تقدير الذات ‪0‬‬
‫وعلى مقدار ما تكون شبكة العلقات الجتماعية كثيفة‪,‬يستطع‬
‫المرء التخلص من تلك المشاعر ‪0‬وعلقات الصداقة الشد تأثيراً‬
‫في تخفيف العناء‪,‬هي تلك العلقات الحميمة التي تُسِقط الكثير من‬
‫ُ‬
‫التكل ّف‪,‬وتوفر مظلّة أمنية واقية من أهوال الحداث المفاجئة غير‬
‫الساّرة ‪0‬‬
‫العمل يسبب المشاقّ بطرق متعددة‪,‬فساعات العمل‬
‫الطويلة‪,‬وطبيعة(الميكنة) ذات اليقاع المتكرر وضغط الوقت‬
‫والضوضاء والحرارة‪,‬والمسؤولية عن الخرين‪ ,‬والصراع معهم‬
‫صلت‬ ‫‪000‬كل ذلك يسبب المشقة ‪0‬والذي يخفف من آثار كل ذلك ال ِ‬
‫الدافئة مع بعض الزملء؛كما أن تعاون المشرفين على العمل‬
‫وتشجيعهم‪,‬وإشراكهم لمرؤوسيهم في اتخاذ بعض القرارات‪,‬كل‬
‫ذلك يضفي على العمل شيئا ً من المتعة‪,‬ويخفف من ضغوطه ‪0‬‬
‫وحين تتوفر(الروح الجماعية)في أكثر العمال مشقة‪,‬فإنها تعزل‬
‫الكثير من آثارها ؛ وهذا ما يحاول كثير من العمال توفيره من خلل‬
‫الهازيج الحماسية التي يرددونها بصورة جماعية ‪0‬‬
‫إن الرؤية السلمية في مجال العلقات النسانية‪,‬تؤسس عدداً‬
‫كبيرا ً من المفاهيم والدبيات التي تدفع المرء إلى اللتحام‬
‫صلت على مختلف‬ ‫بمجتمعه‪,‬وإلى إقامة شبكة واسعة من ال ِ‬
‫المستويات‪,‬وفي كافة التجاهات؛وحسبك أن تستعرض النصوص‬
‫الواردة في بّر الوالدين‪,‬وصلة الرحم‪,‬والحقوق السرية‪ ,‬وحقوق‬

‫_‪_214‬‬
‫الجار والضيف والصديق والفقير وابن السبيل والرامل واليتام‪...‬‬
‫لتجد أن الستجابة لمر الله‪-‬تعالى‪-‬في هذا الشأن‪,‬‬
‫تجعل المرء يشعر بوجود روافد ضخمة من الدعم والحماية التي‬
‫يمكن أن تأتيه من جهات عديدة‪,‬بعضها غير معروف لديه!‪0‬‬
‫إذا كانت العلقات الجتماعية على هذه الدرجة من الهمية‬
‫والخطورة‪,‬فإن من واجبنا أن نسعى إلى رعايتها وتنميتها‪,‬وتحسين‬
‫مستواها‪,‬وفهم الساليب والدوات التي تساعد في كل ذلك ‪0‬وهذا‬
‫ما أسأل الله‪-‬تعالى‪-‬أن يعينني على توضيحه في الصفحات‬
‫القادمــة ‪0‬‬
‫َّ‬
‫سمــــــــــــــــــات اللبِنَة الصالحــــــة‪-:‬‬
‫البناء الجتماعي العام يقوم على دعامتين أساسيتين‪:‬دعامة تستمد‬
‫تشخيصها من الصفات الفردية الخيّرة والفاضلة التي ينبغي أن‬
‫من يشكلون الكيان الجتماعي؛ودعامة تستمد‬ ‫يتحلّى بها كل واحد م ّ‬
‫مقوماتها مما يجب العمل عليه من أفكار وأخلقيات وتدابير في‬
‫ل الشكالت والتوترات الناجمة عنه‬ ‫تسهيل التواصل الجتماعي‪,‬وح ّ‬
‫‪0‬والذي يلقي نظرة فاحصة على النصوص والتوجيهات الشرعية‬
‫الواردة في هذا الشأن‪,‬يجد أنها تتوزع على مساقين‪:‬مساق فردي‪,‬‬
‫ومساق جماعي ‪0‬‬
‫وعلى الرغم من استقلل هذين المساقين في الظاهر‪,‬إل أن بينهما‬
‫من معابر التأثر والتأثير والعتماد المتبادل الكثير؛على النحو الذي‬
‫نجده بين(علم النفس) الذي يبحث في شؤون السلوك‬
‫الفردي‪,‬و(علم الجتماع)الذي يبحث في شؤون السلوك الجماعي ‪0‬‬
‫إن مجمل الدبيات المتعلقة بالتنظير لمدى صلحية الفراد في‬
‫تكوين البناء الجتماعي‪,‬يستهدف تنمية الوعي حول الدور الشخصي‬
‫لفراد ذلك البناء‪ ,‬وانعكاسه في النهاية على مدى صلبة البناء‬
‫وضعفه‪,‬حيث بات من الواضح أنه ل يمكن أن نؤسس مجتمعا ً أقوى‬
‫من مجموع أفراده ‪0‬وإذا وجدنا أمة حققت نصرا ً كبيرا ً عاماً‪,‬فذلك‬
‫لن كل واحد من الشريحة العظمى فيها استطاع أن يحقق نوعاً‬
‫من النصر على صعيده الشخصي ‪0‬‬
‫ن‬
‫ش‪,‬وإ ّ‬
‫شة لن تشكل في النهاية أكثر من جدار ه ّ‬ ‫ن اللبنات اله ّ‬‫إ ّ‬
‫الخطوة الولى على طريق التقدم الجتماعي الحقيقي تظل‬
‫سن وتقدّم نشعّه في‬ ‫متعلقة بما يمكن أن يطرأ على ذواتنا من تح ّ‬
‫علقاتنا وأعمالنا الجماعية وإنتاجاتنا المختلفة ‪.‬‬

‫_‪_215‬‬
‫ولعلّى هنا أذكر أهم السمات التي تؤهّل الفرد المسلم لقامة‬
‫علقات جيدة مع الخرين وتؤهّله بالتالي لن يكون لَبِنَة صالحة في‬
‫الصرح الجتماعي؛وذلك من خلل المفردات التالية‪-:‬‬
‫‪-1‬اللـتـزام‪:‬‬
‫لكل مجتمع فلسفته ورؤيته وقيمه‪,‬وهي في مجملها‬
‫تحدد(الصبغة)التي ينبغي أن يصطبغ بها‪,‬ويضبط سلوكه وفق‬
‫مقولتها وملمحها ‪0‬تلك الصبغة هي الصفة التي ينبغي أن تستهدف‬
‫كل المؤسسات التربوية والعلمية تعميمها‪,‬وجعلها بمثابة الروح‬
‫التي تسري في جميع مناشط الحياة‪,‬حيث تشكّل في النهاية اللغة‬
‫المشتركة التي يتفاهم بها المرء مع ذاته وإخوانه ‪0‬‬
‫ولو تساءلنا عن الصفة الغالبة بالنسبة للمجتمعات السلمية والتي‬
‫ينبغي أن تجسدها في حياتها‪,‬لوجدنا أنها(اللتزام)والذي هو في‬
‫جوهره عبارة عن فعل المسلم للواجبات وتركه للمحّرمات مع‬
‫التأدب بآداب الشريعة الغّراء في شأنه عامة ‪0‬‬
‫حين تكون العلقات بين الناس عبارة عن مجموعة من الصفقات‬
‫والمقايضات‪ ,‬فغنها عن كثير مما سنذكره هنا‪,‬حيث يغلب عليها‬
‫آنذاك أن تكون عابرة ومؤقتة وسطحية؛لكن حين يُنظر إليها على‬
‫أنها موارد للنموّ الذاتي والنضج الشخصي‪ ,‬وموارد لتشييد البناء‬
‫الجتماعي‪,‬فإنها حينئذ ٍ تحتاج إلى الرتكاز على أسس عقدية‬
‫ومنهجية وقواسم الخلقية مشتركة؛وبذلك وحده تكون العلقات‬
‫الجتماعية (مرايا)تعكس البنى النفسية والخلقية العميقة‬
‫للناس‪,‬مما يعزز الكيان الفردي والكيان الجتماعي في ىن واحد‬
‫من خلل التفاعل والتواصل المشترك ‪.‬‬
‫ن الشخص الفاسد أو المتحلل‪,‬ل يستطع أن يندمج اندماجا ً حقيقياً‬ ‫إ ّ‬
‫في (الجماعة المسلمة) ول يستطع أن يثريها‪,‬أو يرفد مقوماتها‬
‫المعنوية على وجه صحيح وفعّال‪,‬بل إنه يفعل العكس من‬
‫ذلك‪,‬حيث يشوّش سلوكه المنحرف رؤية الناس لـ(النواة الخلقية)‬
‫التي ينبغي أن تتشكّل حولها مفاهيم التواصل والتعامل بينهم ‪0‬‬
‫‪-2‬التــــــــواضع‪:‬‬
‫شيء جميل ومطلوب أن يثق النسان في قدراته‪,‬ويعرف قدر‬
‫نفسه الحقيقي‪ ,‬ولكن سوف يكون من الخطأ الفادح المبالغة في‬
‫ن من تظنّهم دونك يستطيعون أن يضعوك دون المرتبة‬ ‫ذلك‪,‬إذ إ َّ‬
‫التي وضعتهم فيها؛فمقاييس التفاضل‪,‬ليست واحدة دائما ً ول‬
‫واضحة؛ فمنظومة القيم والذوق والعُرف‪,‬وزاوية النظر‪,‬ونوعية‬

‫_‪_216‬‬
‫الهتمامات‪,‬كل ذلك ينعكس على تقويم الناس بعضهم لبعض‪,‬وذلك‬
‫كله مختلف ومتنوع ‪0‬وقد كان مما أرشدنا الله إليه من الحكمة‬
‫قوله{ول تمش في الرض مرحا ً إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ‬
‫الجبال طولً}[السراء‪0]37:‬‬
‫إن التواضع فوق أنه تعبير دقيق عن العَظَمة الحقيقة‪-‬قليل التكلفة‬
‫على المستوى الشعوري والعلمي؛فالمتواضع يبدو دائما ً أقل من‬
‫حقيقته‪,‬وبذا فإنه يظل يكبر في عيون الناس دون جهد يبذله‪,‬على‬
‫حين أن المتكبّر يضع نفسه في امتحان دائم‪,‬فهو رجل عريض‬
‫الدعاوى‪,‬وعليه باستمرار أن يثبت أنه ليس أقل مما يدّعيه‪,‬وهيهات‬
‫هيهات أن يستقيم له ذلك ‪0‬‬
‫إن الكِبر يولّد التوتر المرضي لدى صاحبه‪,‬ولدى المجتمع الذي‬
‫يعيش فيه‪ ,‬ويكفي من ذلك ما يحدثه المتكبّر في بيئته من معادلة‬
‫الحتقار المتبادل!وقد أحسن من شبّه المتكبّر بالصاعد في‬
‫الجبل‪,‬يرى الناس صغاراً‪,‬ويرونه صغيراً ‪0‬‬
‫إن المتواضع كالرض المنخفظة تجتمع فيها خيرات السماء‪,‬على‬
‫حين تغادر القمم والسفوح ‪0‬ولو لم يكن في التواضع سوى جعل‬
‫صاحبه قادرا ً على جذب من هم أكثر منه تفوّقا ً لكان مكسبا ً كبيراً!‬
‫وعلى كل حال فإن المتكبّر يظل هو الخاسر؛حيث يفقد دفء اللفة‬
‫وحرارة اللتحام بالخرين‪,‬وبذلك فإن ما يزهو به يكون عامل إقصاء‬
‫س حاجته إليه ‪0‬‬‫له عن الناس وحرمان مما تم ّ‬
‫‪-3‬الصـــبر‪:‬‬
‫الحياة الجتماعية بطبيعتها تحدث احتكاكات ونزاعات‪,‬وذلك نظراً‬
‫لختلف أمزجة الناس وميولهم وأفهامهم ومصالحهم ‪000‬وهذا‬
‫يتطلب من كل واحد منّا أن يحاول يتَّسع لغيره‪,‬ويلتمس له نوعاً‬
‫من العذر ‪0‬وبما أن العلقات الجتماعية مستويات متعددة‪,‬فإن‬
‫المشكلت الناشئة عنها أيضا ً ذلت مستويات عدّة‪,‬ومهما يكن‬
‫مل والصبر يظل مطلوباً ‪0‬وقد ورد في‬ ‫الشأن‪,‬فإن قَدْرا ً من التح ّ‬
‫الحديث الصحيح‪"":‬المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم‬
‫أفضل من المؤمن الذي ل يخالط الناس ول يصبر على أذاهم""‪0‬‬
‫ل وعل‪-‬جعل هذه الدنيا دار ابتلء‪,‬وقد فّر فيها كل شروط‬ ‫إن الله‪-‬ج َّ‬
‫البتلء‪ ,‬ولذا فحيثما اتّجه النسان‪,‬وفي أي حال كان‪,‬فإنه سيكون‬
‫حناً‪,‬وعليه أن يحاول النجاح‪,‬‬ ‫ممت َ‬
‫ولن يتأتّي له ذلك له ذلك إل إذا امتلك العزيمة في مواجهة‬
‫الصعاب ‪0‬‬

‫_‪_217‬‬
‫إن الجزاء على الصبر يظل دائما ً أكبر مما يتوقع المرء‪,‬وقد قال‬
‫الله‪-‬سبحانه‪{:-‬إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}[الزمر‪:‬‬
‫‪,]10‬وقال‪{:‬وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا}[السجدة‪:‬‬
‫‪0]24‬‬
‫مل‪,‬قد جعلت كثيرين منّا يخسرون‬ ‫إن النزق والعجلة وضعف التح ّ‬
‫الكثير من الفرص‪,‬و الكثير من العلقات ‪0‬وبعضنا يتأفف حين يرى‬
‫غيره يتّخذ موقفا ً مغايرا ً لما يعتقده أو يلئمه ظنا ً منه أنه على الحق‬
‫القطعي الذي يجعله بمثابة الجماعة التي تتوجب العودة إليها؛ لنه‬
‫لم يتعلم الفرق بين الحق القطعي والحق الجتهادي ؛ ولطالما‬
‫انقطعت حيال الود ّ والتعاون بين كثير من أهل الخير نتيجة الرؤية‬
‫الغائمة لهذه القضية!‪0‬‬
‫‪-4‬الرحمــــــــــــــة‪-:‬‬
‫خلُق من أنبل الخلق النسانية التي ينبغي على المسلم أن‬ ‫الرحمة ُ‬
‫يتخلّق بها؛لنه يتجاوز مسألة الحقوق والواجبات إلى مرتبة المروءة‬
‫والشهامة والتبرع والحسان ‪0‬وإن طمع المسلم في ثواب الله‪-‬‬
‫ل الله‪,‬والشفافية التي يوجدها اليمان‬ ‫خلقَ عيا ُ‬
‫ن ال َ‬‫تعالى‪-‬واعتقاده أ ّ‬
‫ن كل ذلك يدفع المسلم دفعا ً إلى أن يكون نموذجا ً في الحدب‬ ‫‪000‬إ ّ‬
‫والرأفة ومد يد العون ‪0‬وهذا الخلق الكريم هو الذي يمل الفجوات‬
‫التي تسببها طوارئ الحياة‪,‬ويسببها القصور في النظم الثقافية‬
‫ى ل يضفيه أي شيء‬ ‫والجتماعية‪,‬وهو الذي يضفي على الحياة معن ّ‬
‫آخر ‪0‬‬
‫خلُق العظيم كثيرة‪,‬منها قوله‪-‬‬ ‫والنصوص التي تثني على هذا ال ُ‬
‫سبحانه‪{-‬محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء‬
‫س‬
‫حم النا َ‬ ‫بينهم}[الفتح‪0]29:‬ورود في الحديث الصحيح‪[ :‬من ل يَْر َ‬
‫ل يرحمه الله]‪0‬وقد كان سلوكه‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬كله رقة‬
‫ورحمة حتى على مستوى التشريع وبعض مسائل العبادة؛حيث ورد‬
‫عن عائشة‪-‬رضي الله عنها‪-‬أنها قالت‪[:‬إن كان رسول الله‪- -‬ليدع‬
‫ض‬
‫العمل‪,‬وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس‪,‬فيُفَر َ‬
‫عليهم]‪0‬قال‪-‬عليه الصلة والسلم‪[:-‬إني لقوم إلى الصلة‪ ,‬وأريد‬
‫أن أطوَّل فيها‪,‬فأسمع بكاء الصبي‪ ,‬فأتجوز في صلتي(أي‬
‫يخففها)كراهية أن أشقّ على أمتي]‪0‬‬
‫جه سلوكنا تجاه‬ ‫خلُق الرحمة‪,‬ل ينبغي أن يو َّ‬ ‫ن ُ‬‫إن أدبياتنا تعلّمنا أ ّ‬
‫البشر‪ ,‬فحسب ‪ ,‬وإنما تجاه الحيوان أيضاً؛فحبس امرأةٍ لهَّرة‪-‬كما‬
‫ورد في الحديث‪-‬حتى ماتت جوعا ً كان سببا ً في دخولها النار‬
‫_‪_218‬‬
‫ي من بغايا بني إسرائيل لكلب كاد يقتله العطش‪-‬كان‬ ‫‪0‬وسقي بغ ّ‬
‫سببا ً في مغفرة الله لها ‪0‬‬
‫في الرحمة يتم العفو عن الزلّت‪,‬والغضاء عن التقصير‪,‬وتقدير‬
‫الظروف الخاصة‪ ,‬وذلك كله مما يؤهّل المرء لقامة علقة طيبة مع‬
‫إخوانه وأبناء مجتمعة القريب منهم والبعيد ‪0‬‬
‫‪-5‬المبادرة الفردية‪:‬‬
‫ن تربيتنا العامة‪,‬تقتل روح المبادرة‬ ‫ل نبعد القول إذا قلنا‪:‬إ ّ‬
‫والمبادأة؛حيث إن هناك حرصاً شديدا ً على (الرتابة)‪،‬وعلى أن يتم‬
‫كل شيء وفق نظام محدد‪,‬كما أن التعليم التلقيني‪,‬يكَّرس خلق‬
‫التبعية والتقليد‪,‬مما صار يثير المخاوف من أي شيء ليس له‬
‫نموذج سابق ‪0‬التخلّف العلمي والتقني والداري‪,‬هو الخر‪,‬يفكّك‬
‫الروح الجماعية‪,‬‬
‫ويجعل كل واحد في الناس‪,‬ينتظر غيره؛ليصنع شيئاً ‪ 0‬ويستنبطن‬
‫عدد كبير منّا مقولة‪:‬‬
‫(ليبدأ غيري)‪0‬و(علينا أن ننتظر النتائج)!‪0‬‬
‫ب الخير والعمل الصالح مركوز في المستوى العمق من شعور‬ ‫ح ّ‬
‫كل مسلم‪ ,‬والمستعدّون للمساهمة والمشاركة اليجابية كثيرون‪,‬إل‬
‫أن المستفيدين لوضع أول لبنة ‪,‬وسير أول خطوة‪-‬قلّة قليلة؛حيث‬
‫الضعف الشديد في روح المبادرة‪ ,‬والمسارعة إلى المقدمة ‪0‬وهذا‬
‫جب على‬ ‫أدى إلى ضياع ما ل يُحصى من القضايا العامة التي يتو ّ‬
‫ل على ذلك من ضمور مفاهيم‬ ‫الجميع النهوض بها؛وليس أد ّ‬
‫(الفروض الكفائية)‪,‬إذا ما قورنت ب(الفروض العينيّة)‪0‬‬
‫المبادرة سمة أساسية من سمات البعد الجتماعي لذواتنا‪,‬ومن‬
‫خللها يمكن أن نعمر الكثير من النشطة والعلقات؛ولذا لم يكن‬
‫ث المسلم على‬ ‫مستغربا ً أن نجد الكثير من النصوص التي تح ّ‬
‫المسارعة إلى ما ينبغي القيام به دون النظر إلى موقف الخرين‬
‫ن سنَّة‬‫من الكبار والصغار‪,‬ومن تلك النصوص قوله‪(--‬من س َّ‬
‫حسنة‪,‬فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من‬
‫أجورهم شيء)ومنها قوله(إن أَوْلى الناس بالله من بدأُهم بالسلم)‬
‫‪0‬‬
‫م سمات العظماء في كل المم أنهم يدركون الوضعية‬ ‫ن أه ّ‬‫إ ّ‬
‫الصحيحة لمجتمعاتهم ‪,‬و يملكون الرغبة في المساهمة في‬
‫بلوغها‪,‬حيث إن شعورهم بالمسؤولية يفتح لهم دائما ً آفاقاً‬

‫_‪_219‬‬
‫جديدة‪,‬ويمدّهم بطاقات استثنائية‪,‬فيتحركون حين يسكن‬
‫ح العطاء؛فأين المبادرون؟‪0‬‬ ‫الناس‪,‬ويعطون حين يش ّ‬
‫‪-6‬اللباقـــــــــــة‪:‬‬
‫جه سلوك الناس‪,‬وتنظّم ردود أفعالهم‪,‬ليست‬ ‫البنية العميقة التي تو ّ‬
‫بنية(عقلنية) ‪ ,‬وإنما هي بنية(عاطفية)‪,‬وعلى مقدار ما يتم من‬
‫الرتقاء في سلّم الحضارة‪,‬تزيد إمكانات التفاهم المتبادل بين‬
‫الناس‪,‬وترتفع درجة حساسية الشخص تجاه تصّرفات الخرين‪,‬‬
‫حيث ينتظر الجميع مزيدا ً من الدقة والتهذيب والملطفة(‪)1([ )1‬روح‬
‫الحضارة أنثى‪,‬وكلما ارتقى الناس في معارجها‪,‬أضفوا على جوانب‬
‫حياتهم المختلفة‪-‬حتى اللغوية‪ -‬مسحة أنثوية]‪0‬‬
‫وملحظة العتبارات المختلفة ‪0‬‬
‫ن الصحيح أيضاً‬ ‫ومع التسليم بتفاوت طباع الناس وسجاياهم‪,‬إل أ ّ‬
‫سب من خلل التثقيف والمران والتدّرب‪,‬ومع‬ ‫ن(اللباقة) شيء يُكت َ‬ ‫أ ّ‬
‫اليام تصبح الميسم الذي يطبع اتجاهات التفكير وأشكال السلوك‬
‫لدى النسان‪,‬ويحصل من وراء ذلك خيٌر كثير ‪0‬‬
‫تحمل اللباقة معنى الظروف ومعنى التقان‪,‬فالشخص اللبق يجمع‬
‫بين خفة الروح‪ ,‬وإتقان التصال بالناس‪,‬والساس العمق‬
‫ل(اللباقة)يتمثل في (الشفافية) و التي تعني قدرة المرء على‬
‫سس مواقفهم الشعورية تجاه‬ ‫استكناه التجاه الذهني للخرين‪,‬وتح ّ‬
‫الحداث والشياء والتصرفات المختلفة ‪0‬وهذه القدرة تتولّد عن‬
‫الثقافة والخبرة ودقة الملحظة‪,‬وعن شدة اهتمام النسان بأولئك‬
‫الذين يربطه بهم بعض العلقات الجتماعة ‪0‬‬
‫مظــــــاهر اللبــــــــاقة‪:‬‬
‫الوضع الجتماعي العام هو الذي يحدد السس والمعايير التي إذا‬
‫توفرت في سلوك شخص ما عُدَّ(لبِقاً)أو خارجا ً عن حدود اللباقة‬
‫ن هناك قواسم مشتركة بين أمم الرض في هذا الشأن‪,‬إل‬ ‫‪0‬ومع أ ّ‬
‫ن هناك الكثير من العراف والعتبارات المحلية التي تجعل‬ ‫أ ّ‬
‫سمات الشخص اللبق تختلف من بيئة إلى أخرى ‪0‬‬
‫ولكون المجتمعات السلمية‪,‬تؤوب في كثير من شؤونها إلى‬
‫ن المعايير المشتركة بينها في هذا المجال‪-‬‬ ‫الدبيات السلمية ‪ ,‬فإ َّ‬
‫كما في المجالت الخرى‪-‬كثيرة‪ ,‬منها‪:‬‬
‫‪-‬تقديم الخرين واحترامهم‪,‬والعتراف بميّزاتهم وفضائلهم‪,‬مظهر‬
‫ن‬
‫مهم من مظاهر اللباقة والكياسة‪,‬ولن يكون من المبالغة القول‪:‬إ ّ‬
‫تلهّف الفرد إلى التقدير والحترام‪,‬يُعد ّ محركا ً جوهريا ً لكثير من‬

‫_‪_220‬‬
‫أعماله وأنشطته ‪0‬من القوال الرمزية في هذا الشأن‪(:‬كل شخص‬
‫يولد وعلى جبينه علمة تقول‪:‬من فضلك اجعلني أشعر أنني مهم)‬
‫‪0‬وكلما حدث اتصال بين الناس تناقلوا بينهم رسالة‬
‫صامتة‪,‬تقول‪(:‬فضل ً زكّني)‪(,‬ل تمرر بي غير آبه)‪(,‬أرجوك اعترف‬
‫بكياني)‪0‬‬
‫‪-‬البتداء بالسلم‪,‬والسؤال عن الحال‪,‬والستفسار عن مآل‬
‫قضية‪,‬تشغل بال الخ المسلم أو عن مريض يهمه أمره‪,‬وملطفة‬
‫أولده ومداعبتهم ‪ 000‬كل ذلك من مظاهر الهتمام التي تعبّر عن‬
‫التقدير ‪0‬‬
‫وقد أراد النبي‪--‬أن يغرس هذا المعنى في نفوس الطفال‪,‬فكان‬
‫َ‬
‫إذا مَّر على صبيان سل ّم عليهم ‪0‬‬
‫ومن المهم في هذا الباب أل َّ يتجاوز الهتمام بالخرين الحدود‬
‫سر على أنه تطُّفل‪,‬أو اقتحام للشؤون الخاصة‬ ‫المقبولة‪,‬فيف َّ‬
‫‪0‬والفضيلة دائما ً بين رذيلتين‪,‬والشيء إذا تجاوز حدّه انقلب إلى‬
‫ضدّه ‪0‬‬
‫على الواحد أن يعتاد فتح فمه بالثناء‪,‬وبيان المحامد‪,‬من غير مبالغة‬
‫ول إسراف‪ ,‬فتشجع الخرين وشكرهم‪,‬واستحسان ما يقومون‬
‫به‪,‬يجعلهم يشعرون بنوع من المكافأة على جهودهم؛وهذا ضروري‬
‫ل ستمرارهم في أعمالهم ‪0‬‬
‫وقد أنثى النبي‪--‬على الكثير الكثير من خصائص أصحابه‬
‫وسماتهم‪,‬على نحو ماهو معروف ومشهور ‪0‬وقد مدح أموراً‬
‫صل في نفوسهم‬ ‫ف بها الناس عادة ليعلّمهم شكر النَّعَم‪ ,‬ويؤ ّ‬ ‫يستخ ّ‬
‫فضيلة الثناء‪,‬فقد ورد في حديث مسلم أن النبي‪- -‬سأل أهله إداماً‬
‫م‬
‫ل‪,‬فدعا به‪,‬فجعل يأكل‪ ,‬ويقول‪(:‬نِعْ َ‬ ‫يأتدم به‪ ,‬فقالوا‪:‬ما عندنا إل َّ خ ّ‬
‫ل)‪0‬‬ ‫ل‪,‬نِعم الُدم الخ ّ‬
‫الُدم الخ ّ‬
‫‪-‬من اللباقة أل َّ نزعج الناس بمشكلتنا وهمومنا الخاصة‪,‬فعندا لناس‬
‫ما يكفيهم من الهموم‪,‬ولنحاول أن نركز على استخدام‬
‫الضمير(أنت) في كلمنا‪ ,‬ومناقشاتنا ‪ ,‬فذاك أدعى لشعار‬
‫ل على رغبتنا بمشاركته ‪0‬‬ ‫المخاطَب بأننا ل نتمركز حول ذواتنا‪,‬وأد ّ‬
‫‪-‬هناك مواقف مربكة كثيرة‪,‬نتعرض لها‪,‬وربما ل تساعدنا البديهة في‬
‫بعض الحيان على التصرف الملئم فيها‪,‬وسيكون من المستحسن‬
‫آنذاك أن نتخيّل تلك المواقف‪,‬ونتأمل في العبارات التي نقولها‬
‫فيها‪,‬والتصّرفات التي تناسبها؛إنه من الستعداد للمفاجآت ‪0‬‬

‫_‪_221‬‬
‫‪-‬تبشير الخ بشيء يسرهّ‪,‬وتهنئته على خير أصابه‪,‬من المور المهمة‬
‫شر الله بعض‬ ‫ب قرآني رفيع؛فقد ب َّ‬‫في هذا الشأن‪ .‬والتبشير أد ٌ‬
‫شر المؤمنين‬ ‫عباده بما يسعدهم في مواضع عدَّة‪,‬وأمر نبيَّه‪- -‬أن يب َّ‬
‫بما أعدَّه لهم من الثواب‪,‬كما في قوله‪{:‬فبشر عباد الذين‬
‫شر النبي‪--‬‬ ‫يستمعون القول فيتبعون أحسنه}[الزمر‪0]18-17:‬وب َّ‬
‫زوجته خديجة بيت في الجنة من قصب‪-‬اللؤلؤ المجوّف‪-‬ل صخب‬
‫فيه ول نصب ‪0‬‬
‫‪-‬التجاهل وعدم التدقيق‪,‬مظهر جميل من مظاهر اللباقة؛إذ لكل‬
‫واحد من الناس هنات وعورات ل يرغب في اطلع الناس‬
‫عليها؛وإذا كان لبد ّ من التعّرض لشيء من ذلك‪,‬‬
‫ف النسان بالتلميح عن التصريح‪,‬وبالجمال عن التفصيل؛وهذا‬ ‫فليكت ِ‬
‫ما نستفيده من السلوك الشخصي للنبي‪--‬فقد كان من دأبه عدم‬
‫الخوض في التفاصيل عندما يرى ماهو موضع مؤاخذة‬
‫واعتراض‪,‬كما كان يتجنّب ذكر أسماء الشخاص والقبائل إل بخير‬
‫وقد قال الله‪-‬سبحانه‪-‬فيه{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً‬
‫فلما نبات به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن‬
‫بعض}[التحريم‪0]3:‬‬
‫‪-7‬صنـاعة المشـاعر‪:‬‬
‫يمكن للمرء أن يقيم علقاته الجتماعية على أساس عقلني ووفق‬
‫حقوق التبادل الجتماعي؛كما يمكن أن يقيمها على معطيات‬
‫المشاعر ‪0‬العواطف شديدة التقلّب‪,‬سريعة التغيّر؛وردود أفعالنا‬
‫الولية على أحداث الحياة وتصرفات الناس‪,‬هي ردود عاطفية في‬
‫المقام الول ‪0‬وإذا اعتمدنا تلك الردود أساسا ً للتصرف‪,‬فإن علقاتنا‬
‫الجتماعية سيصيبها الكثير من المد والجزر والدفء‬
‫والبرود‪,‬وسنظهر بمظهر الذي ل يعرف ماذا يريد‪,‬والذي ل يدري‬
‫إلى أين يتّجه ‪0‬‬
‫من وجهٍ آخر فإن حياتنا الثقافية بعض النماط والمقولت السوقية‬
‫ن حيلته‬ ‫المبتذلة‪ ,‬والتي تصوّر للمرء أنه نتاج مشاعره وعواطفه‪,‬وأ ّ‬
‫تجاهها ضعيفة؛ولذا فمن الفضل له أل َّ يقاومها؛فإذا كان ل يرتاح‬
‫إلى فلن من الناس‪,‬فالفضل له حتى ل يكدر نفسه أن يبتعد عنه‬
‫‪0‬وإذا لم يجد في علقته مع زوجته التوافق والنسجام الذي‬
‫يتخيّله‪,‬فالطلق هو الحل ‪000‬وهكذا يظهر النسان كليلً‪,‬وأسيراً‬
‫لعواطف‪ ,‬قد يكون وراء تكوينها مجموعة من الوهام والخيالت‪,‬أو‬
‫رؤية الشياء من منظور أناني ‪0‬‬
‫_‪_222‬‬
‫حتى يكون الواحد من لَبِنة صالحة في بنيان اجتماعي قوي‪,‬فإن‬
‫عليه أمرين‪:‬‬
‫أ‪-‬أن يبني علقاته على أساس عقلني قوي‪,‬يتم من خلله الخذ‬
‫ظروفهم ومصالحهم الخاصة ‪0‬ومن خلل كل ذلك يحدد المرء‬
‫مستوى العلقة الذي يمكن أن يربطه بمن يريد التصال به ‪0‬ول‬
‫يعني هذا إهمال العواطف والحاسيس وتحييدها‪,‬وإنما يعني‬
‫تأطيرها ببعض الخبرات والقواعد الثقافية؛مما يضفي عليها‬
‫المنطقية والستمرار ‪0‬‬
‫ب‪-‬النظر إلى المشاعر والعواطف على أنها نتائج وثمرات‬
‫لتصرفاتنا وسلوكاتنا‪ ,‬وليست أشياء حتمية علينا أن نخضع لها‬
‫‪0‬وهذه النظرة‪,‬تشكّل فارقا ً مهما ً بين الكسالى والمتقاعسين‬
‫والفوضويين‪,‬وبين الواثقين في أنفسهم الذين يشعرون بقدر جيد‬
‫من السيطرة على مشاعرهم وعاداتهم النفسية ‪0‬ويرشدنا القرآن‬
‫الكريم إلى أن إحساننا إلى الخرين‪,‬وصبرنا عليهم‪,‬يغيّر في‬
‫مشاعرنا نحوهم‪,‬ومشاعرهم نحونا‪,‬على نحو ما نجده في قوله‪-‬‬
‫سبحانه‪{-‬ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا‬
‫الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[فصلت‪]34:‬‬
‫و في حديث مسلم وغيره‪(:‬ل تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا‪,‬ول تؤمنوا‬
‫حتى تحابوا‪ ,‬أل أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم‪,‬أفشوا السلم‬
‫بينكم)‪0‬‬
‫إذا استطعنا أن نُخضع مشاعرنا لتفكيرنا وواجباتنا‪,‬فإن فصل ً جديداً‬
‫رائعا ً يمكن أن يبدأ في حياة كل واحد منّا!‪0‬‬
‫‪-8‬اللــــــــــــــــــفـــــــــــــة‪-:‬‬
‫لدى النسان نزوع فطري نحو التوافق مع غيره من الناس‪,‬فهو‬
‫اجتماعي بطبعه‪ ,‬وهو في سبيل هذا مستعد للتنازل عن أشياء‬
‫عديدة‪,‬لكن بما أن هذه الدنيا دار ابتلء‪,‬فقد قضت حكمة الله‪-‬‬
‫تعالى‪-‬أن يبلو الناس بعضهم ببعض‪ ,‬وكان من جملة ذلك أن طلب‬
‫من كل واحد منهم أن يشذَّب من نفسه وخلقه وسلوكه في سبيل‬
‫التآلف والنسجام مع من يقيم علقات معهم؛فالبنيان الجتماعي‬
‫حتى يكون بنيانا ً قويا ً وجميلً‪,‬يتطلب دائما ً التضحية المشتركة‬
‫والمتبادلة‪,‬وعلى مقدار ما يحدث من ذلك تكون‬
‫درجة(اللفة)والقبول الجتماعي ‪0‬‬
‫وهناك من النصوص ما يدل على أن طبيعة التديّن الحق‪,‬تجعل من‬
‫المسام النسان الصلح للتواصل الجتماعي أخذا ً وعطاء‪,‬منها‬

‫_‪_223‬‬
‫قوله‪-‬علية الصلة والسلم‪( :-‬المؤمن مألفه‪,‬ول خير فيمن ل‬
‫يألف‪,‬ول يؤلف)‪0‬وقوله في حديث طويل‪(:‬فإنما المؤمن كالجمل‬
‫الَنِف حيثما انقيد انقاد)‪0‬فالفظاظة والغلظة والجفاء‪,‬ل تتناسب أبداً‬
‫مع خيرية المسلم‪,‬ول مع طبيعة اليمان ‪0‬‬
‫إن كل ما ذكرناه‪,‬وسنذكره من سمات(اللبنة الصالحة)يساعد في‬
‫الحقيقة على تآلف القلوب‪,‬ويحد من وجود النزاعات بين‬
‫الناس؛ولكن سنذكر هنا بعض المور ذات النعكاس المباشر على‬
‫تآلف الناس وتصافيهم من خلل النقاط التالية‪-:‬‬
‫أ‪-‬طيب الكلم وإلنته‪,‬من أكبر العوامل التي تؤلف بين قلوب‬
‫ل من نفوسهم وقد قال الله‪-‬تعالى‪{-‬وقل لّعبادي يقولوا‬ ‫الناس‪,‬وتس ّ‬
‫التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان للنسان‬
‫عدوا ً مبين}[السراء‪0]53:‬قال بعض المفسرين‪" :‬أمر الله المؤمنين‬
‫بحسن الدب وإلنة القول وخفض الجناح واطراح نزغات‬
‫الشيطان"‪0‬وورد في الحديث الشريف‪(:‬ليس المؤمن بالطعّان ول‬
‫اللعّان ول الفاحش ول البذيّ)‪0‬وفي الحديث آخر(إن الله يبغض‬
‫لفاحش البذيّ) ويقول الشاعــر‪:‬‬
‫ود ٌ فيزرعه التسلـيـم‬ ‫قد يمكث الناس دهرا ً ليس بينهم‬
‫واللطف‬
‫إن خلق(الحياء)الذي يغلب على المسلم‪,‬يحول بينه وبين الكلم‬
‫حرم التربية القويمة ‪0‬يقول أحد‬ ‫الفاحش الذي يتلفظ به من ُ‬
‫الصحابة‪":‬كان النبي‪--‬أشد حياءً من العذراء في خدرها‪,‬فإذا رأى‬
‫شيئا ً يكرهه عرفنا ذلك في وجهه"‪0‬‬
‫إن مباسطة الناس ومخالطتهم ومداعبتهم تزيد في اللفة‪,‬وتساعد‬
‫على التخلص من الكِبر والترفُّع المذموم؛ويقول الصحابة‪-‬رضي الله‬
‫عنهم‪[-‬إن كان النبي‪--‬ليخالطنا حتى يقول لخ لي صغير‪:‬يا أبا‬
‫عمير ما فعل النُّغَير]‪0‬وتجاوز المر في ذلك إلى أن يبش في وجوه‬
‫ن لمته مذاهب في التعامل‪,‬تُبقي على‬ ‫أقوام ل يستحقون ذلك‪,‬ليس َّ‬
‫التواصل‪,‬‬
‫واستمرار الحياة الجماعية؛على نحو ما نجده عند البخاري من أن‬
‫رجل ً استأذن على النبي‪--‬فلما رآه قال‪:‬بئس أخو العشيرة‪,‬و بئس‬
‫ابن العشيرة‪,‬فلما انطلق الرجل‪,‬قالت عائشة‪:‬يا رسول الله حين‬
‫ت‬‫ت في وجهه‪,‬وانبسط َ‬ ‫رأيت الرجل قلت كذا وكذا‪,‬ثم تطلّق َ‬
‫ن شَّر‬‫إليه؟!فقال الرسول‪--‬يا عائشة متى عهدتني فاحشاً؛إ َّ‬
‫من تركه الناس اتّقاء شّره)‪0‬‬ ‫ة يوم القيامة َ‬‫الناس منزل ً‬
‫_‪_224‬‬
‫ميه ب(المداراة)وهي مباحة‪,‬وقد تكون‬ ‫ما فعله النبي‪--‬هو ما نس ّ‬
‫مستحبّة‪ ,‬وهي غير (المداهنة)‪,‬إذ إن المرء الذي يُدراي‪,‬يبذل الدنيا‬
‫من أجل صلح الدنيا أو صلح الدَّين أو صلحهما معاً ‪0‬أما‬
‫المداهن‪,‬فإنه يبذل دينه من أجل صلح دنياه ‪0‬‬
‫إننا بحاجة إلى أن نكثر من الدعاء لمخاطبينا في كلمنا حتى نضفي‬
‫على علقاتنا الشخصية المسحة اليمانية المتمحورة حول الخوّة‬
‫في الله والعبودية له ‪0‬‬
‫ب‪-‬الجدارة بالثقة‪:‬‬
‫علقات الناس بعضهم مع بعض على درجات‪:‬ما بين حميمة‬
‫وممتدة‪,‬وما بين هامشية وعابرة ‪0‬على مستوى العمل يحتاج المرء‬
‫أن يكون موضع ثقة من رؤسائه وزملئه ‪0‬وتلك الثقة كثيرا ً ما تكون‬
‫متعلقة بمستوى كفاءته ونشاطه‪,‬واستجابته لمل يُطلب منه إنجازه‬
‫من أعمال ‪0‬‬
‫ويحتاج كل واحد من الناس‪-‬على المستوى الجتماعي‪-‬إلى أن‬
‫يكون موضع ثقة عامة من معارفه وأقربائه‪,‬وموضع ثقة خاصة جداً‬
‫من أفراد قليلين‪,‬تركوا بينهم وبينه مسافة قصيرة‪,‬وخلطوا‬
‫بأنفسهم‪,‬وأطلعوه على أسرارهم‪,‬والخافي من شؤونهم ‪0‬وفي كلتا‬
‫سة إلى أن يؤهل نفسه لنيل الثقة‬ ‫الحالتين يظل المرء بحاجة ما َّ‬
‫من خلل سلوكه وتعامله وأدائه واستجاباته ‪0‬‬
‫وعلى نحو عام كلّما كان المرء مستقيما ً وحكيما ً وأقرب إلى‬
‫السواء الجتماعي‪ ,‬استحوذ على ثقة الناس‪,‬وجعلهم يقصدونه في‬
‫خص ذلك‬ ‫ل مما يش َّ‬ ‫مات‪,‬وفي مسائلهم الخاصة ‪0‬ولع ّ‬ ‫الزمات والمل ّ‬
‫التي‪:‬‬
‫من يستشيره‪,‬ويفضي إليه‬ ‫‪-‬حفظ السر؛فالمرء يظل بحاجة إلى َ‬
‫ص سمات من يستشار أن يحافظ على سّرية‬ ‫بذات نفسه‪,‬ومن أخ ّ‬
‫ما استُشير فيه‪,‬وحفظ السر في الحقيقة نوع من الوفاء‬
‫بالعهد؛والله‪-‬جل وعل‪-‬يقول‪{:‬وأوفوا بالعهد إن العهد كان‬
‫مسئول}[السراء‪]34:‬‬
‫ويبد أن النبي‪--‬كان يركّز في تربيه لصحابه على هذه‬
‫المسألة؛حتى إننا نجد‪-‬كما في بعض الخيار‪-‬حرص الفتيان على‬
‫كتمان السر؛ففي حديث مسلم وغيره عن ثابت عن أنس بن مالك‪-‬‬
‫ي‪-‬رسول الله ‪-‬وأنا ألعب مع‬ ‫رضي الله عنه‪-‬قال‪[:‬أتى عل َّ‬
‫َ‬
‫الغلمان‪,‬فسل ّم علينا‪-‬فبعثي في حاجة‪,‬فأبطأت على أمي ‪0‬فلما جئت‬
‫قالت‪:‬ما حسبك؟‬
‫_‪_225‬‬
‫فقلت‪:‬بعثني رسول الله لحاجة ‪0‬قالت؛ما حاجته؛قلت‪:‬إنها سّر‬
‫ن بسَّر رسول الله‪--‬أحداً ‪0‬قال أنس‪:‬والله لو حدَّثت‬ ‫‪0‬قالت(ل تخبر َّ‬
‫به أحدا ً لحدَّثتك به يا ثابت)‪0‬‬
‫‪-‬إن الناس يثقون بالشخص على مقدار ما يثق هو بنفسه؛فحين‬
‫ث مدير مصنع عددا ً من عماله على القيام بمهمة خاصة أو‬ ‫يح ّ‬
‫خطرة‪,‬وبيدي واحد منهم الستعداد للقيام بها‪,‬فإن المدير يجد نفسه‬
‫مضطرا ً إلى تكليفه‪,‬والوثوق به‪,‬ما لم تسبق له معرفة خاصة به‬
‫تدل على عدم قدرته على إنجازها ‪0‬‬
‫وكثيرا ً ما يكون لما نتوقعه من ذواتنا أثر كبير فيما يحدث؛وعلى‬
‫سبيل المثال‪ ,‬فإذا توقّع من دخل مقابلة شخصية لشغال وظيفةٍ ما‬
‫أنه سينجح في تلك المقابلة‪,‬فإن ذلك التوقع سرعان ما يتحول إلى‬
‫قناعة‪,‬ويغدو مصدرا ً لتزويد صاحبة بالهمة والنشاط واللتزام‬
‫بالستعدادات التي تؤهله للجابة بكفاءة على السئلة أثناء‬
‫الختبار‪,‬مما يزيد من احتمال فوزه بالعمل الذي يسعى إليه‪.‬‬
‫ويحدث العكس في كل ذلك حين يتوقع لنفسه الخفاق في تلك‬
‫المقابلة ‪ .‬ولنوعية التربية التي تلّقاها الفرد‪,‬وللخيرة التي اكتسبها‬
‫في حياته أكبر الثر في توجيه توقعاته‪,‬وفي درجة ثقته بنفسه ‪0‬‬
‫‪-‬يصعب على الناس أن يثقوا بالشخص ذي القوال أو السلوكات‬
‫المتناقضة‪ ,‬حيث إن الثقة تُبنى على نحو تراكمي ومتدرج؛وتقلب‬
‫الشخص من اتجاه إلى اتجاه أو قيمة إلى قيمة أخرى‪,‬يحول دون‬
‫ذلك التراكم ‪0‬إن الناس حتى يثقوا بشخص‪,‬ويقيموا معه علقات‬
‫حميمة يشعرون أنهم بحاجة إلى القدرة على التنبّؤ بسلوكه‪,‬وما‬
‫عساه أن يفعله؛ والشخص المتذبذب‪,‬بين أنماط مختلفة من‬
‫السلوك والتجاهات‪,‬يحرمهم من ذلك التنبّؤ؛ولذلك فإنهم ل يضعون‬
‫ثقتهم فيه‪,‬ول يألفونه ‪.‬‬
‫في بعض الحيان ل يكون الشخص متقلباً‪,‬لكنه يعطي انطباعات‬
‫خاطئة عنه‪ ,‬وذلك من خلل عادة(المبالغة)لديه؛حيث يفهم الناس‬
‫منه قطع وعود على نفسه‪,‬ل يفي بها فيما بعد‪,‬أو تعمقَ اتجاه أو‬
‫سلوك لديه‪,‬هو ليس كذلك ‪0‬‬
‫ومن الواضح أن كثيرين منا يستخدمون(اللغة)استخداما ً سيئاً‪,‬إلى‬
‫جانب أنها في الصل ناقل قاصر للفكار والمعاني؛فكثيرا ً ما يفهم‬
‫سئلت عن وقت رجوعي‬ ‫مخاطبي أنني سآتي في وقت محدد‪,‬حين ُ‬
‫إلى المنزل‪,‬فقلت إنه في الساعة الثانية ظهراً؛فرتب أمر التصال‬
‫بي بناءً على أن ذلك موعد مني له‪,‬مع أنني أردت أن أخبره بأحسن‬
‫_‪_226‬‬
‫تقدير للوقت الذي أعود فيه دون إحساس مني بأني بذلك أقدّم أي‬
‫التزام نحو أي شخص؛ وتكون النتيجة تكوُّن انطباع لديه أنني غير‬
‫دقيق‪ ,‬ويصعب التنبّؤ بما يمكن أن أفعله ‪0‬‬
‫إن علينا أن نوقن أن(الجدارة بالثقة)شيء يشعّه مجمل الشخصية‬
‫أكثر مما تشرحه القوال‪,‬وهي انعكاس حقيقي للتكامل الذي‬
‫يلمسه الناس في ذواتنا؛ وعندما نريد للخرين أن يثقوا‬
‫سن من ذواتنا‪,‬ونرفع من مستوانا‪,‬وننتبه‬ ‫بنا‪,‬ويألفونا‪,‬فإن علينا أن نح َّ‬
‫إلى استخدامنا للغة‪,‬ونبدي اهتماما ً أكثر بالخرين ‪0‬‬
‫ج‪-‬الوضـــــــــــوح‪-:‬‬
‫يحب الناس الوضوح‪,‬والوقوف على كل ما يتعلق بمن يرغبون‬
‫الندماج معه؛ لكن هذه الرغبة‪,‬تصطدم برغبة أخرى‪,‬هي حرص‬
‫الناس على أن يكون لهم خصوصياتهم التي ل يطلعون عليها‬
‫أحداً‪,‬وتلك التي ل يطلعون عليها إل فئة محدودة جدا ً من‬
‫الناس؛ولذا فل بد من التوازن في هذه المسألة ‪0‬وقد تكون الخطوة‬
‫الولى في هذا التجاه أن يحدد النسان ما يعده خصوصيات له‪,‬‬
‫فيكتمه ‪,‬ويلبّي رغبة إخوانه ومحبيه في الكشف عما عداه‬
‫وأعتقد أن هذا مهم للندماج والئتلف؛حيث إن الناس إذا كونوا‬
‫انطباعا ً عن شخص بأنه(متكتَم)‪,‬أو ل يحب بالمثل؛ويفقد النسان‬
‫بذلك الكثير من الدفء والتواصل الجتماعي ‪0‬‬
‫وعلى كل حال‪,‬فإن نوعا ً من التحديد للمعلومات التي يتيحها المرء‬
‫لغيره‪,‬قد يكون مطلوباً؛حيث إن العلقات التي تربطنا بالزملء في‬
‫العمل‪,‬غير المعلومات التي تربطنا بالشركاء في عمل تجاري‪,‬غير‬
‫العلقات التي تربطنا بأهل الحي ‪000‬‬
‫ت‬
‫وربما كان من الحكمة أن نعطي كل واحد من هؤلء المعلوما ِ‬
‫التي تتوافق مع نوعية العلقة التي تربطنا به؛فعلى حين يُطلب‬
‫من(الخاطب)أن يتيح الكثير من المعلومات لهل(المخطوبة)حتى‬
‫الصحية والنفسية والمزاجية منها‪,‬فإن الزميل في العمل‪,‬ل يحتاج‬
‫من المعلومات إل ما يخدم المهمة أو الوظيفة المشتركة التي‬
‫ننجزها بالتعاون معه ‪0‬‬
‫إن الذين يكتمون على ما ل ينبغي التكتّم عليه‪,‬يجعلون من أنفسهم‬
‫محورا ً للتقوّلت والشائعات‪,‬ويساهمون في تشكيل صورة معتّمة‬
‫وقلقة عن شخصياتهم؛ مما يجعل التعامل معهم‪-‬من وجهه آخر‪-‬‬
‫عسيراً ‪0‬‬

‫_‪_227‬‬
‫هناك أقوام من الناس‪,‬في قلوبهم مرض‪,‬يقولون ما ل‬
‫يعتقدون‪,‬ويفعلون غير ما يقولون ‪ ,‬دأبهم الغيبة والنميمة‪,‬وتسوق‬
‫الشائعات‪,‬والمديح في الحضور والذم في الغَيْبة ‪ 000‬وصفهم النبي‪-‬‬
‫‪-‬بقوله‪[:‬تجد شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي‬
‫يأتي هؤلء بوجه‪,‬وهؤلء بوجه]هذا الصنف من الناس أحوج إلى‬
‫التقويم والصلح‪,‬ول تستقيم معه علقة محترمة ‪0‬‬
‫د‪-‬تقنيات في إيجاد اللفة‪:‬‬
‫مين تفاهما ً كاملً‬ ‫إذا رأينا شخصين منسجمين انسجاما ً تاماً‪,‬ومتفاه َ‬
‫أو شبه تام‪ ,‬فإن هذا دليل على وجود الكثير من المور المشتركة‬
‫َ‬
‫بينهما؛في طريقة التفكير وفي الهتمام والذوق وسل ّم ال ِ‬
‫قيَم‬
‫وتعبيرات الجسم ‪000‬ومن العسير على الواحد منا أن يحقق درجة‬
‫عالية جدا ً من اللفة مع أعداد كبيرة من الناس‪,‬وعلى نحو‬
‫مستمر‪,‬ولكن بالمكان تحقيق ذلك مع عدد محدود من الناس‪,‬وفي‬
‫بعض الجلسات ‪,‬ومع هذا فإن الحالت العابرة والمحدودة من‬
‫اللفة والنسجام‪,‬تترك انطباعات إيجابية‪,‬وتنمو تلك النطباعات مع‬
‫اليام لتشكّل جسورا ً لتواصل أعمق‪ ,‬وأبعد أثراً ‪0‬‬
‫إننا حين نريد من صحبتنا للخرين شيئا ً أكثر من الدعم‬
‫الجتماعي‪,‬أو أكثر من المؤانسة فإن علينا آنذاك أن نبحث في‬
‫كيفية إيجاد الجواء التي تمكّن من التأثر والتأثير‪,‬وعبور الفكار‬
‫والقناعات والمشاعر بغية إنجاز أشياء مشتركة‪,‬تعود علينا‪,‬أو على‬
‫المصلحة العامة بالخير والنفع ‪0‬‬
‫كل تقنيات إحداث اللفة والوئام تتمحور حول تعظيم القواسم‬
‫من يسعون إلى التآلف‪,‬سواء أكانوا‬ ‫المشتركة‪,‬وأوجه التشابه بين َ‬
‫ميه أحيانا ً ب(المجاملة)وما ينطبق‬ ‫أفرادا ً أم مجموعات؛وهذا ما نس ّ‬
‫على الفراد كثيرا ً ما ينطبق على المجموعات ؛ والوسائل التي‬
‫تؤدي إلى ذلك كثيرة‪,‬نذكر منها على سبيل التمثيل ل الحصر ما‬
‫يلي‪-:‬‬
‫‪-‬من تقنيات اللفة‪,‬توافق الصوت وطريقة الكلم بين الجلساء‪,‬من‬
‫حيث النغمة والسرعة والبطء والدرجة والنبرة‪,‬والرتفاع‬
‫والنخفاض؛إذ من الصعب أن نتفاهم مع شخص إذا كان صوته‬
‫مرتفعا ً وصوتك منخفضا ً أو العكس‪,‬أو كان يسرع في كلمه‪,‬وأنت‬
‫تتكلم ببطء ‪ 0‬ولطالما أخفقت محادثات ومفاوضات بسبب أن أحد‬
‫المفاوضين‪,‬يحسن الستماع‪,‬و ينتظر محدّثة حتى ينتهي من‬
‫حديثه‪,‬على حين أن المفاوض الخر ل يفعل ذلك ‪0‬وكم حدث من‬
‫_‪_228‬‬
‫التباعد بسبب عدم التجانس في درجة الصوت بين المشتركين في‬
‫ل‬‫سر ارتفاع صوت أحد الطرفين على أنه مخ ٌّ‬ ‫حوار؛ حيث يُف َّ‬
‫سر انخفاض الصوت لدى الطرف الخر‬ ‫باللباقة والشفافية‪,‬ويف َّ‬
‫بالبرود أو الضعف أو بطء الفهم ‪0‬‬
‫‪-‬توافق الحركات أثناء الجلسة‪:‬حركات اليدين والرجلين‬
‫والرأس‪,‬كيف تحرك رأسك عندما يكون جوابك(نعم)للمام والخلف‬
‫‪0‬وكيف تحرك رأسك هندما يكون جوابك(ل) من اليمين إلى‬
‫الشمال‪,‬ومن الشمال إلى اليمين ‪0‬كذلك حركة اليدين إلى العلى‬
‫والسفل واليمين والشمال‪,‬وهذا يحتاج إلى أن نقلد تقليدا ً تاما ً من‬
‫نود ّ إيجاد التآلف معه ‪0‬‬
‫‪-‬توافق تعبيرات الجسم‪:‬طريقة الجلوس‪,‬وضع اليد على الخد‪,‬وضع‬
‫اليدين على بعضهما‪,‬كما في الصلة‪,‬وضع إحدى الصابع على الشفة‬
‫أو الصدغ ‪0‬وبذا يكون محاول التآلف بمثابة(مرآة)تعكس ما عليه‬
‫جليسه ‪0‬‬
‫‪-‬التوافق في نوع الموضوعات التي تكون مادة للقاء‪,‬هل هي‬
‫م مشترك‬ ‫شرعية أو اجتماعية أو اقتصادية‪,‬أو مما يتعلق به ًّ‬
‫َ‬
‫صلت قد تقطع أو تقل ّص بين أناس يفترض‬ ‫‪0‬وأعرف كثيرا ً من ال ِ‬
‫أنهم متآلفون‪,‬بسبب عدم تمكنهم من إيجاد موضوعات‬
‫مشتركة‪,‬يتحدثون بها‪,‬أو عدم وجود مستوى موحد وملئم للحديث‬
‫نظرا ً لتفاوت المستوى الثقافي‪,‬أو عدم توافق سلسلة المعقولت و‬
‫مات الثقافية ‪0‬‬ ‫المسل ّ‬
‫‪-‬مراعاة رغبات الجليس‪:‬درجة إضاءة المكان وحرارته‪,‬نوعية ما‬
‫يرغب في تناوله من طعام وشراب‪,‬وهل يحبه بادرا ً أو ساخناً‪,‬كثير‬
‫السكّر أو قليله‪,‬ومتى يرغب في تناوله‪:‬في أول اللقاء أو في آخر أو‬
‫حسب في رصيدك لديه‪,‬ويترك أثرا ً في‬ ‫في وسطه ‪000‬فذاك كله ي ُ‬
‫تقويمه لك ‪0‬‬
‫من نحاول التآلف معه‪,‬ومراعاة‬ ‫‪-‬لمس القيم التي يؤمن بها َ‬
‫مشاعره نحو مسائل وقضايا‪ ,‬يعدها حساسة؛ولن يكون من دواعي‬
‫اللفة أن تمتدح النفتاح أمام شخص منغلق‪,‬أو تمتدح السخاء في‬
‫النفاق أمام شخص ينظر نظرة تقدير إلى التدبير والتدقيق فيه ‪0‬‬
‫وحتى يستطيع المرء النجاح في كل ذلك وغيره‪,‬فإن عليه أن يمتلك‬
‫أمرين‪:‬‬
‫س‪,‬من أجل رصد خصائص الجليس‬ ‫أ‪-‬قوة الملحظة ورهافة الح ّ‬
‫ومزاجه واهتمامه ‪.‬‬

‫_‪_229‬‬
‫ب‪-‬الخبرة والمهارة للتكيف معه في كل ما ذكرناه ‪0‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه هنا‪:‬هل عمليات التوافق مشروعة‬
‫وملئمة لما ينبغي أن نتحلّى به من إخلص وصدق وصفاء في‬
‫العلقات؟‬
‫الحقيقة أن المور بمقاصدها‪,‬فمهارات اللفة والتصال والتفاوض‬
‫والحوار‪,‬يمكن أن تستخدم في إقناع شخص في دخول السلم أو‬
‫تحسين علقته بالله‪-‬تعالى‪-‬أو في إثارة حماسته لمناصرة قيمة‬
‫نبيلة ‪000‬كما يمكن أن نستخدم في إغواء بعض الناس وخداعهم‬
‫وسلبهم بعض ممتلكاتهم ‪000‬فالهداف والمقاصد‪,‬هي التي توضح‬
‫كل ذلك؛فالسلح يمكن أن يستخدم في نصرة دين وتحرير وطن‪,‬‬
‫ويمكن أن يستخدم في قطع طريق‪,‬أو قتل بريء ‪0‬‬

‫‪-9‬تقبّــــــــــــــــــل النقـــــــد‪:‬‬
‫النقد أداة من أعظم الدوات التي اخترعتها البشرية لبلوَرة‬
‫وعيها‪,‬واكتشاف ذواتها وأصولها‪,‬وأوجه القصور في مشروعاتها‬
‫وإنجازاتها؛حيث تظل الفكار غائمة ومعتمة‪,‬ما لم تتعرض لِلَوك‬
‫اللسنة‪,‬وأشعة الروزو(التقييم)‪0‬‬
‫وربما شعرت البشرية أن ما لديها من ضعف في الحوافز على‬
‫العمل‪,‬وما لديها من قصور اجتماعي‪,‬وسوء استغلل للسلطة‬
‫والوظيفة‪-‬ل يعالج إل من خلل تأسيس سلطة اجتماعية‪ ,‬يمارسها‬
‫أفراد المجتمع بعضهم على بعض ‪0‬وقد تعلّمت البشرية من تاريخها‬
‫الطويل أن البديل عن ممارسة النقد وقبوله‪,‬سيكون أشكال ً من‬
‫سن‬ ‫النحباس في الحركة الجتماعية‪,‬وأشكال ً من الفساد والتأ ّ‬
‫الفكري ‪000‬والتي ل تقود من جهتها إل إلى النهيار الداخلي والتحلل‬
‫الذاتي ‪0‬‬
‫مهما كان الوعي لدينا عظيماً‪,‬ومهما كانت جهودنا كبيرة‬
‫ومتميزة‪,‬فإنه ستظل هناك مسافة بين ما ننظّر له‪,‬وبين ما يتج ّ‬
‫سد‬
‫في واقعنا العملي‪,‬وذلك لسباب موضوعية‪,‬يصعب في كثير من‬
‫الحيان تجاوزها ‪0‬‬
‫الفجوة بين ما هو كائن‪,‬وما يجب أن يكون‪,‬هو التي تعطي‬
‫المشروعية للنقد‪ ,‬وتُلزمنا أخلقيا ً بالصغاء لمن يمارسه ‪0‬صحيح أن‬
‫بعض الناس إذا أرى القسم المملوء من الكأس شكا من وجود‬
‫القسم الفارغ ‪0‬‬

‫_‪_230‬‬
‫وصحيح أن بعض الناس يتجاهل نصف عقولنا حين يحاول إبراز عيون‬
‫ن معظم إنجازاتنا‬‫ن الصحيح أيضا ً أ َّ‬
‫الخرين وستر محاسنهم؛إل أ َّ‬
‫ومواقفنا وتصرفاتنا‪,‬يظل مشوبا ً بشيء من النقص‪,‬ويظل بالتالي قابلً‬
‫للمراجعة والنقد والتصحيح ‪0‬ويجب أن نعترف أن لدينا ميول ً فطرية إلى‬
‫ب المديح‪,‬ونفورا ً غريزيا ً من النقد؛ولدى كثيرين منا أقدار من الثقة‬
‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫بالنفس‪,‬وتزكية العمل‪,‬مبالغ فيها‪,‬ول تستند إلى معطيات حقيقة ‪0‬‬
‫انطلقا ً من هذا وذاك‪,‬فإننا نرى أن تقبُّل النقد‪,‬والمتنان لمن‬
‫ينقد‪,‬ينبغي أن يكون هو المبدأ الذي نحمل عليه أنفسنا‪,‬لكن هذا ل‬
‫يحرم المرء من حقه في المجادلة عن نفسه‪,‬والدفاع عن‬
‫موقفه‪,‬حيث إن هناك الكثير من النقد الذي يصدر عن اجتهاد‬
‫خاطئ وعن رؤية غير واضحة ‪0‬‬
‫ولعلّنا نلقي الضوء على حيثيات الموقف الذي ينبغي اتّخاذه من‬
‫النقد في المفردات التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬على المسلم أن يعد ّ كل ما يقدَّم إليه من نقد هدية‪,‬تستوجب‬
‫الشكر والتقدير‪ ,‬وذلك هو الحصيلة المنطقية لعتقادنا بأننا قوم غير‬
‫كاملين ‪0‬وقد كان عمر‪-‬رضي الله عنه‪ -‬يدعون لمن‬
‫ي عيوبي ) ‪ .‬ورفض‬ ‫ً‬
‫ينصحه‪,‬وينتقده‪,‬ويقول‪(:‬رحم الله امرأ أهدى إل ّ‬
‫النصح فرع عن تزكية النفس‪,‬واعتقاد الكمال فيها‪,‬وهذا ما نهانا الله‬
‫تعالى عنه بقوله{فل تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى}[النجم‪]32:‬‬
‫‪0‬‬
‫وقال‪-‬سبحانه‪{-‬ألم تل إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من‬
‫يشاء ول يظلمون فتيلً}[النساء‪ 0]49:‬إن المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر ركن ركين في الحياة السلمية‪,‬وخير تشجيع لممارسته‬
‫هو تقدير موقف الناصحين‪,‬وإشعارهم بالمتنان لعملهم‬
‫جه إلى الواحد منَّا نقد ٌ ما‪,‬فإن عليه أن يسمعه بقلب‬ ‫ب‪-‬حين يو َّ‬
‫وعقل مفتوحين ‪ ,‬وآذان صاغية‪,‬ول ينبغي إظهار التبّرم أو‬
‫الشمئزاز‪,‬أو مقاطعة الناقد قبل أن ينهي عرض ما لديه‪ ,‬فذاك‬
‫أفضل مكافأة يمكن أن تقدّمها إليه ‪0‬‬
‫ج‪-‬ليس من النادر أن يكون الناقد متزايداً‪,‬أو غير عادل فيما‬
‫يقول؛إذ كثيرا ً ما تكون معلومات الناقد فير دقيقة‪,‬وقد ينطلق في‬
‫نقده من معايير غير صحيحة ‪ ..‬والواجب في كل هذا أن نستوعب‬
‫الناقد‪,‬وأن نشعره أننا أكثر مما يتوقع في سعة آفاقنا ورحابة‬
‫صدورنا وأن نتّخذ مما قاله مادة للتواصل والحوار ‪0‬‬

‫_‪_231‬‬
‫د‪-‬كثيرا ً ما يكون المنتقد مندفعا ً إلى النقد بسبب كلمة سمعها‬
‫عنك‪,‬وكثيرا ً ما يكون ما ينتقده من أقوالك مواقفك ‪000‬غير مبلوَر‬
‫في ذهنه‪,‬وهنا فإن من حقك أن تتأكد من استيعابه لمرامي ما‬
‫يقوله‪,‬وذلك من خلل طلبك منه أن يشرح مضمون الرسالة التي‬
‫يود ّ إيصالها إليك‪,‬وأن يأتي بأمثلة على ما يقوله‪,‬فإذا كان ينتقد فيك‬
‫العجلة في اتّخاذ القرار‪,‬أو عدم التزام الصدق ‪000‬فإن عليك ألّ‬
‫تتردّد في مناقشة ذلك معه‪,‬وذكر المواقف التي يظن أن نلك جرى‬
‫من له نوعا ً من(التغذية المرتدة)‪ ,‬د‬ ‫فيها‪,‬وبذلك تؤ َّ‬
‫وتساعد على أن يُنضج مقولته‪,‬ويكون دقيقا ً في ملحظاته ‪0‬‬
‫إنك بذلك تشاركه في تصوّر الموقف حيث يجتمع لدى المنتقد أكثر‬
‫وجهة نظر واحدة‪ ,‬ويشعر بتعاطفك معه ‪0‬‬
‫هـ‪-‬ل ينبغي في أي حال من الحوال أن نُفهم من ينتقدنا أنه مخطئ‬
‫ن كل ما يقوله ليس له أي‬ ‫في كل ما قاله‪ ,‬وانه غير عادل‪,‬وأ ّ‬
‫أساس من الصحة؛فذاك يقتل روح المبادرة إليه‪,‬ويجعله يحجم عن‬
‫س الحاجة إلى‬ ‫ن المة في أم ّ‬ ‫توجيه النصح في المستقبل؛مع أ ّ‬
‫تنمية هذا النمط من السلوك‪,‬وإحياء روح المفاتشة والمصارحة ‪.‬‬
‫فزه واندفاعه‬ ‫صب فيما قاله‪,‬فقد أصاب في تح ّ‬ ‫إن الناقد إن لم ي ُ ِ‬
‫نحو تقديم العوجاج‪,‬ومحاصرة الخطأ‪,‬وله أجر ذلك وفضله‪,‬وينبغي‬
‫أن نُشعره بذلك ‪.‬‬
‫و‪-‬علينا بعد أن نسمع ونناقش مع منتقدنا ما يقوله أن نقوم بتلخيص‬
‫منها نقده‪,‬وبَلْوَرتها معه‪,‬حتى ل نخطئ في فهم‬ ‫النقاط التي تض ّ‬
‫جهة إلينا‪,‬وحتى نشعِر المنتِقد باهتمامنا بما قاله ‪0‬‬ ‫الرسالة المو َّ‬
‫جه‬ ‫جه إليه النقد أن يعبر عن مواقفه حيال ما يو َّ‬ ‫ز‪-‬من حق من و َّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إليه في إطار من الدب السلمي‪,‬وشكر المنتقد‪,‬إذ إننا ل نريد‬
‫لحركة النقد الجتماعي أن توغر الصدور‪,‬وتباعد ما بين‬
‫الناس؛وأفضل طريقة لذلك أن ننَّفس عن مشاعرنا من خلل‬
‫إبدائها للمنتقد ‪0‬‬
‫ح‪-‬آخر وأهم وأشقّ ما علينا أن نقوم به في هذا الشأن هو تنفيذ ما‬
‫تم التفاق عليه مع المنتقد؛ومع وجود نتائج فرعية حسنة لممارسة‬
‫النقد‪,‬إل َّ أن الثمرة الحقيقة‪ ,‬هي أن يفضي النقد إلى نوع من‬
‫قد‪,‬وهذه مسؤوليته ومهمته الخاصة التي ل‬ ‫التغيير في سلوك المنت َ‬
‫يستطع أحد أن يقوم بها عوضا ً عنه ‪0‬‬

‫_‪_232‬‬
‫وبهذا نختم ما أردنا تسجيله هنا من سمات المواطن الصالح أو‬
‫اللبنة الصالحة‪ ,‬وسوف نتمكن بحول الله‪-‬تعالى‪-‬من إغناء هذه‬
‫السمات من خلل ما تبّقى من صفحات هذا الكتاب ‪0‬‬

‫_‪_233‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫التصال والتبادل والتأثير والتأثّر سمات أساسية في وجود الكائن‬


‫الحي‪,‬ويأتي النسان على رأس القائمة في هذه المور ‪0‬لكل شيء‬
‫وجودان‪:‬وجود ذاتي‪ ,‬ووجود غيري ‪ 0‬والوجود الغيري يمثّل جسر‬
‫العلقات مع الموجودات الخرى؛ فالكتاب له كيْنونته‬
‫المستقلة‪,‬وكونه معدّا ً لن يقرأه الخرين‪,‬فذاك وجوده الغيري ‪...‬‬
‫كلما عَظُمت إمكانات النمو والرتقاء لدى الشخص‪,‬اتّسع وجوده‬
‫الغيري والعلئقي ‪ ,‬وشعر بالحاجة إلى الخرين‪ .‬وكلما كان‬
‫الشخص أقرب إلى العجز والخمول والنحلل شعر بضعف اتصاله‬
‫بالخرين‪.‬ولو أننا في علقات(مدير عام) وعلقات (عاطل عن‬
‫العمل) لوجدنا الفرق الجلي المعبّر عن هذه الحقيقة ‪0‬‬
‫يمكن تعريف التصال بأنه‪[:‬مهارة تبادل المعلومات والتفاهم مع‬
‫ملنا في مفردات حياتنا اليومية وجدنا أن معظم‬ ‫شخص آخر] وإذا تأ ّ‬
‫أوقات اليقظة‪,‬ينقضي في عمليات اتصال مع الخرين‪,‬كما يتجلّى‬
‫ذلك في أحوالنا حين نسمع‪,‬وحين نتكلّم‪ ,‬وحين نكتب‪,‬وحين‬
‫نقرأ‪,‬ونبيع ونشتري ‪000‬حتى الختلط المجّرد في الشارع دون‬
‫اتصال مباشر‪,‬فإنه ينطوي على عمليات اتصال‪,‬حيث الكثير من‬
‫الرسائل غير الملفوظة‪,‬وحيث الدللت الكثيرة لما نسمعه‬
‫ص الخفاق في التصال بأنه وباء‬ ‫ونراه؛ولذا فليس غربيا ً أن يُشخ ّ‬
‫الدارة المعاصرة ‪0‬قد صار(علم التصال) يحتل بين العلوم الحديثة‬
‫مكانة مرموقة اليوم‪,‬‬
‫وبات يهتم به إلى جانب المتخصصين باحثون ودارسون من مجالت‬
‫أخرى عديدة ‪ ,‬مثل علم النفس وعلم الجتماع‪,‬ومثل خبراء العلوم‬
‫السياسية إلى جانب اللغويين وعلماء أصول النسان والفلسفة ‪...‬‬
‫وهذا كله يدل على خطورة موضوع (التصال) والوظائف البارزة‬
‫التي يؤديها في حياتنا الحضرية ‪0‬‬
‫كيف نجعل اتصالنا جيـــداً؟‪:‬‬
‫في زمان شديد التعقيد كزماننا‪,‬صار من الضروري أل ّ نركن إلى‬
‫أساليبنا العفوية والفطرية في العيش؛فالوسط المعّقد لبد أن‬
‫جه بأسلوب عيش يكافئه‪,‬وإل فإن النتائج ستكون وخيمة ‪0‬ولعّنا‬ ‫يوا َ‬
‫نذكر هنا بعض السس والمبادئ والتقنيات التي تساعدنا على‬
‫تحقيق اتصال جيد ومثمر لنا‪,‬ولمن نتصل به‪,‬وذلك من خلل‬
‫الكلمات التالية‪:‬‬

‫_‪_234‬‬
‫‪-1‬تكوين النطباع الولي‪-:‬‬
‫حين نلتقي بشخص أول مرة‪,‬فإنه يكون حريصا ً على أن يكوّن عنّا‬
‫أولياً‪,‬يتخذ منه رأس جسر لطريقة تعامله معنا فيما بعد‬ ‫انطباعا ً ّ‬
‫‪0‬هذا النطباع الولي‪ ,‬يُستقى من أمور ظاهرة وشكلية في‬
‫الغالب‪,‬لكنه مهم جداً ‪0‬‬
‫ول أريد هنا أن أدعو إلى التصنّع في علقاتنا‪,‬ولكن أود ّ أن ندّرب‬
‫أنفسنا على تجنب المظهر المكروه لدى الناس‪,‬ومفاجأة الجليس‬
‫بأمور ل يرغب فيها‪,‬وهذا مما أدَّبنا به السلم ‪0‬‬
‫إن حرصنا على تكوين انطباع أوّلي جيد عنّا يدل وجود شفافية‪,‬كما‬
‫أنه يشير إلى الفق الذي بإمكاننا الرتقاء إليه ‪0‬وهناك كلم كثير‬
‫حول ما يجعل أحدنا لئقا ً في عين أخيه من الوهلة الولى‪,‬نذكر هنا‬
‫بعضه‪:‬‬
‫‪-‬لبس الثياب التي تناسب الموقف من غير مبالغة‪,‬فالثياب التي‬
‫تُلبَس في العراس والمناسبات أو مقابلة شخصية مهمة غير تلك‬
‫التسوق أو النزهات ‪0‬‬
‫ّ‬ ‫التي يلبسها النسان للعمل أو‬
‫‪-‬ابدأ لقاءك بالبتسام‪,‬واعمل على أن يتم التصال البصري بينك‬
‫من تقابله من خلل النظر إلى جهته‪,‬وليس إلى أسفل أو إلى‬ ‫وبين َ‬
‫جهة أخرى‪,‬ولكن ل تثبّت عينك فيه؛ فالمسلم حيي‪,‬وتثبيت النظر‬
‫قد يسبب الحرج للخر ‪0‬‬
‫من تصافحه حتى ينزعها‬ ‫‪-‬ابدأ بالمصافحة‪,‬ول تنزع يدك من يد َ‬
‫هو‪,‬أو بحسب ما يقضي به العرف ‪0‬ولطالما كانت المصافحة‬
‫مصدرا ً لبعض الدفء في القلوب ‪0‬‬
‫‪-‬لنحاول التجديد في ألفاظ التحية‪,‬فبعد إلقاء السلم يمكن للمرء‬
‫أن يقول عوضا ً عن (مساء الخير)‪(:‬أسعد الله مساءك)أو‬
‫يقول‪(:‬سعدت بلقائك)عوضا ً عن (كيف حالك) ‪ ...‬إن هذه‬
‫التجديدات‪,‬تترك أثرا ً إيجابيا ً في نفس السامع‪,‬وتجعله يتوقع من‬
‫صاحبها شيئا ً جديدا ً ومفيداً ‪0‬‬
‫‪-‬حاول جمع بعض المعلومات عمن تريد مقابلته‪,‬وناده بأحب‬
‫السماء إليه‪,‬وإذا كان له لقب علمي‪,‬فخاطبه به‪,‬وحاول في كل‬
‫حال أن تنطق اسمه على نحو صحيح ‪0‬‬
‫‪-‬إذا كان اللقاء في بيتك‪,‬فحاول أن تستقبله أمام البيت‪,‬وأن تشيّعه‬
‫في الخروج ‪ ,‬وحاول أن تقدم له من الضيافة والنُُّزل ما تعرف‪,‬أو‬
‫يغلب على ظنك أنه ينال رضاه واستحسانه ‪0‬‬

‫_‪_235‬‬
‫َ‬
‫ضر للموضوع الذي تريد‬ ‫‪-‬استعد ّ لل ّقاء على نحو جيد‪,‬وح ّ‬
‫من‬‫مناقشته‪,‬واستحضر في ذهنك ما يمكن أن تجيب به على أسئلة َ‬
‫تقابله ‪0‬‬
‫حسن الستماع‪,‬وعدم مقاطعة‬ ‫‪-‬تقدير ما يطلبه الموقف من ُ‬
‫الجليس‪,‬والحرص على أن يكون أحدنا مستمعا ً أكثر من كونه‬
‫متكلما ً ما لم نَر الحرص ممن نقابله على أن نتكلم على نحو‬
‫معيّن؛فل بأس آنذاك أن نلبّي رغبته ‪0‬‬
‫من قابله في المرة‬ ‫إذا لم يوفّق أحدنا إلى ترك انطباع جيد لدى َ‬
‫الولي‪,‬فل ينبغي ان ييئس‪,‬إذ غالبا ما تكون هناك فرصة ثانية‬
‫لستدراك ذلك ‪0‬‬
‫‪-2‬اعرف نفســـــــــك‪:‬‬
‫إن من محاور الصلح والنهوض بحياتنا الجتماعية المعاصرة‪,‬أن‬
‫يسعى الخيّرون والغيورون فينا إلى محاولة التأثير في‬
‫الخرين‪,‬وجعلهم ينحازون إلى المبادئ والقيم والفكار التي يرون‬
‫سن‬ ‫أنها ضرورية للعيش في(الزمان الصعب)‪ ,‬وهذا يتطلّب أن نح َّ‬
‫مستوى خبرتنا بأنفسنا باعتبارنا كائنات اجتماعية‪,‬يمثّل التصال‬
‫بالنسبة لها مصدرا ً مهما ً للنضج والتحقق الذاتي والنتشار المعنوي‬
‫‪0‬ومن الوسائل التي تساعد على بلوغ هذا الهدف ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬إخوانك القريبون منك هم مرآتك الحقيقة‪,‬ول شك أنهم يختزنون‬
‫العديد من الملحظات عن طريقة اتصالك وتخاطبك وحوارك مع‬
‫الخرين ‪0‬وهم أقدر على تقويمك وإفادتك في هذا الشأن‪-‬حتى يقف‬
‫المرء على ملحظات إخوانه‪,‬فإن عليه أن يصوغ العديد من‬
‫جهها إليهم من نحو‪:‬هل أتصل بكم بالهاتف في أوقات‬ ‫السئلة‪,‬ويو ّ‬
‫غير مناسبة؟هل طريقة كلمي غير مريحة‪,‬وهل دخولي في‬
‫الموضوع الذي أريد التحدّث فيه ملئم‪,‬هل تشعر أن لدي نوعا ً من‬
‫العناد والصرار على الرأي بغير وجه حق؟وما شابه ذلك ‪0‬إذا لم‬
‫تعجبنا أجوبة إخواننا‪ ,‬ولم نرها مقنعة‪,‬فينبغي أن نشكرهم‪,‬ول نقف‬
‫موقف المدافع ‪0‬‬
‫حسن اتصاله بالخرين من خلل ردود‬ ‫‪-‬يمكن للمرء أن يتعّرف على ُ‬
‫أفعال الخرين عليه‪,‬فهو يستطيع‪-‬إن كان قوي الملحظة‪-‬أن يدرك‬
‫إن كان يُساء فهمه بكثرة من قِبَل مستمعيه‪,‬كما يدرك إن كان‬
‫يُغضب محاوره‪,‬كما يدرك عن كان ل يحسن الصغاء‪,‬أو إن كان‬
‫يقاطع محدّثه قبل أن ينتهي حديثه ‪ ...‬وبمقدار ما تكون‬

‫_‪_236‬‬
‫سن‬ ‫ملحظتنا لسلوكنا عند التصال قوية ومنظّمة‪,‬يتح ّ‬
‫مستوى اتصالنا‪,‬ونستغني عن سماع ملحظات الخوة والصدقاء ‪0‬‬
‫‪-‬تسجيل الصوت على شريط وسيلة مهمة لمعرفة أسلوبنا في‬
‫التصال‪,‬حيث يتم التعّرف على طريقة نطق الكلمات‪,‬وسرعة‬
‫الحديث ونغمة الصوت‪,‬ومدى تنوّعها أثناء الحديث ‪0‬‬
‫‪ ..‬ويمكن للمرء أن يقوم بمحاولت تحسينية لكل ذلك ‪0‬وعلى المرء‬
‫حص صوته أول مرة‪,‬فربما لن‬ ‫أن يكون مستعدّا ً للمفاجأة حين يتف ّ‬
‫يكون مرتاحا ً له ‪0‬‬
‫‪-3‬الدقة في استخدام اللغة‪-:‬‬
‫للغة مستويات عديدة‪,‬وكل واحد من الناس يستخدم مستوى‬
‫منها؛فهناك كلمات لها معنى حقيقي‪,‬وآخر مجازي‪,‬وكلمات لها‬
‫ن‬
‫ن هناك كلمات ذات معا ٍ‬ ‫معنى معجمي ومعنى عامي دارج؛ كما أ ّ‬
‫غريبة‪,‬ل يعرفها إل َّ المختصون والمهتمون ‪0‬‬
‫ن الكلمات‪,‬ليست وحدها هي التي تحمل المعاني‬ ‫أضف إلى هذا أ ّ‬
‫التي نرسلها؛ فقد دّلت دراسة قام بها فريق من الباحثين‬
‫البريطانيين أننا حين نتحدّث مع شخص وجها ً لوجه‪,‬فغن الكلمات‬
‫هي العنصر الضعف في إيصال المعلومات إليه‪,‬إذ ل تحمل سوى(‬
‫ن النبرة الصوتية تحمل (‪ , )%38‬وتحمل تعبيرات‬ ‫‪,)%7‬على حين أ َّ‬
‫الجسم(‪ 0)%55‬وفي كثير من الحيان نلغي وظيفة الكلمات في‬
‫الدللة حين تتعارض مع تعبيرات الجسم فقد يخبرنا صديق بخبرٍ ما‬
‫فل نصدقه‪,‬ونقول‪:‬عيناك تقولن غير ذلك ‪0‬وإذا رأينا شخصا ً ممتقع‬
‫اللون‪,‬فإننا لن نصدّق كل عبارات الطمأنة التي نسمعها منه‪,‬ونصّر‬
‫على أن مكروها ً قد وقع‪ ,‬وهكذا ‪...‬‬
‫من المهم أن يكون هناك انسجام بين معاني الكلمات ونبرة‬
‫الصوت وتعبيرات الجسم فذاك يجعل رسائلنا في غاية‬
‫الوضوح‪,‬وهناك أمور عدة تجب مراعاتها في هذا الشأن‪,‬تذكر منها‬
‫التي‪-:‬‬
‫‪-‬البلغة أن نستخدم أسلوباً‪,‬يناسب السامع‪,‬وتتناغم كلماته مع‬
‫معانيه؛وكثيرا ً ما نخطئ في تصوّر المكانات اللغوية لمن‬
‫نخاطبه‪,‬فتضل رسالتنا طريقها إليه‪,‬أو نفقد جزءا ً من تأثيرها‪,‬وقد‬
‫تكون سببا ً في حدوث سوء تفاهم‪,‬نحن في غنى عنه ‪0‬‬
‫ومن المعروف أن كل أصحاب تخصص‪,‬وكل أصحاب مهنة بعض‬
‫المفردات الخاصة بمجالهم؛وحين نستخدم تلك المفردات في‬
‫خطاب عام‪,‬فإنها سوف تستغلق على كثير من السامعين؛ولذا‬

‫_‪_237‬‬
‫َ‬
‫فلبد من اصطناع لغة ملئمة لمن نتحدث معه‪.‬بعض الناس يعل ّم‬
‫العربية‪,‬ولذا فإن يشيع في كلمه المجاز والتورية والستعارة ‪ ,‬وهذا‬
‫يعكر صفو الفهم لدى غير المختص‪.‬وبعض الناس يفهم المراد‪ ,‬لكنّه‬
‫سر ذلك على أنه نوع من الحذلقة والتشدّق‪,‬فينبغي النتباه لذلك‬ ‫يف َّ‬
‫‪0‬‬
‫‪-‬بعض الناس يستخدم بعض الكلمات النجليزية أو الفرنسية‬
‫‪000‬أثناء حديثه‪,‬مع أن المرادف العربي حاضر على لسانه وقريب‬
‫وواضح؛وهذا في الحقيقة شيء سيَّئ‪ ,‬إذ إن ذلك على محامل‬
‫سيئة؛حيث من الممكن أن يظن أن الدافع لذلك هو(التعالم)وإظهار‬
‫سر ذلك على أنه نوع‬ ‫سعة المعرفة والطلع ‪0‬ومن الممكن أن يف ّ‬
‫من الستخفاف باللغة الم أو المخاطب‪,‬كما يمكن أن يُظن أن ذلك‬
‫بسبب ضعف عربية من يفعل ذلك ‪000‬‬
‫وبقطع النظر عن كل تلك التفسيرات‪,‬فإن الليق دائما ً بنا أل‬
‫نستخدم في خطابنا أكثر من لغة واحدة إل عند الحاجة‪,‬حيث ل‬
‫مصطلحات أو مفردات مقابلة ‪0‬ونجد من لطف بعض المتحدّثين أنه‬
‫يعتذر لمستمعه عند استخدام كلمة أجنبية‪,‬إذ من الممكن أن يكون‬
‫الخاطب غير عارف بمعناها‪,‬فيسبب ذلك له الرتباك والحراج‪.‬‬
‫مية مغرقة في‬ ‫ويقال مثل ذلك الذين يستخدمون كلمات عا ّ‬
‫ميتها‪,‬أو ذات سمة لهجية خاصة؛مما يضطر السامع إلى‬ ‫عا ّ‬
‫سا ً مرهفاً‪,‬فيسأل‬ ‫الستفسار والستفهام ‪0‬بعض الناس يملك ح ّ‬
‫مخاطبه عن مدلول كلمة لديه قبل أن ينطق بها‪,‬فيشع بذلك جو‬
‫مق التفاهم ‪0‬‬
‫المودة‪,‬ويع ّ‬
‫ب الكلم والستفاضة في الحديث‬ ‫‪-‬كثير من الناس يسيطر عليهم ح ّ‬
‫غير آبهين بمواقع كلمهم من نفوس سامعيهم‪,‬فيسوق النكات‬
‫والمثال التي تجرح بعض الحاضرين؛فقد يسوق أحدهم طرفة‬
‫تتعلق بقبيلة أو أهل بلدة أو أهل حرفة‪ ,‬ويكون بعضهم موجوداً ‪0‬‬
‫عظَة تتعلق بأهل عاهة من‬ ‫وقد يسوق‪-‬مثلً‪-‬قصة أو طرفة أو ِ‬
‫العاهات كالعرج أو العور أو العمى‪,‬ويكون ذاك مفتاحا ً لخصومات‬
‫وشرور عريضة‪,‬وهو إن لم يكن إثما ً في نفسه‪,‬فإنه يجّر صاحبه إلى‬
‫الثم‪,‬ولذا فل بد من الحذر الشديد ‪0‬‬
‫‪-‬ل يخفي أن التربية التي يتلّقاها الناس في البيوت متفاوتة في‬
‫درجة رقيّها وتهذيبها ‪,‬كما أن المهن والوظائف التي ينخرط فيها‬
‫الناس أيضا ً متفاوتة‪,‬وهذه وتلك آثارا ً كبيرة في مستوى الكلم‬
‫لديهم ‪0‬وكثير من الناس يندفع في الحديث على سجيته دون أي‬

‫_‪_238‬‬
‫فظ‪,‬مما يجعلهم يخدشون آذان مستمعيهم بكلمات‬ ‫مراعاة أو تح ّ‬
‫وتعبيرات سوقية مبتذلة‪ ,‬فيكوّنون انطباعات سيئة عنهم ‪0‬‬
‫وبقطع النظر عن هذه السلبية‪,‬فإن من المهم للنسان أن يرقَّي‬
‫أسلوب حديثه‪ ,‬وأن يتحرر من بعض العادات الكلمية التي نشأ‬
‫عليها‪,‬فالتعبير الجميل أدب إسلمي رفيع؛وفي حديث الشيخين[ل‬
‫ست نفسي](‪)1([)1‬معنى خبثت‪:‬‬ ‫ن خبثت نفسي‪,‬ولكن ليقل لِق َ‬ ‫يقول ّ‬
‫غثت ‪.‬وهو عين المفهوم من(لقست)ولكن النبي‪--‬كره لفظ‬
‫الخبث]‪0‬‬
‫إن الهدف من كل ما ذكرناه ليس النجاح في التصال فحسب‪,‬إنما‬
‫الرتقاء الذاتي ‪ ,‬وعكس كل ذلك على البيئة التي نربي فيها أنفسنا‬
‫وصغارنا ‪0‬‬
‫‪-4‬التــصــــال عبر الهاتف‪-:‬‬
‫يوفر لدينا التصال بالهاتف الكثير من الجهد والوقت‪,‬ويمكن‬
‫القول‪:‬إنه ل ينبغي لي منا أن يخرج من بيته أو عمله لقضاء أي‬
‫مصلحة‪,‬يمكن قضاؤها عن طريق الهاتف أو الناسوخ(الفاكس)أو ما‬
‫شابه ذلك‪,‬فالوقت هو أغلى ما نملك‪,‬ويجب أن نتعامل معه بحكمة‬
‫وحرص ‪0‬‬
‫ولكن الهاتف باعتباره وسيلة اتصال ‪0‬فإن من الممكن أن نستخدمه‬
‫على نحوٍ يوفّر علينا الكثير‪,‬ويمكن أن نستخدمه على نحوٍ نقتل به‬
‫أوقاتنا أو نجعل منه مصدر إزعاج للخرين؛ولذا فإن هناك مجموعة‬
‫من الفكار والداب التي تساعدنا على اتّباع السلوب المثل‬
‫لستخدام هذه الوسيلة المهمة‪,‬نسوقها عبر النقاط التالية‪:‬‬
‫‪-‬علينا أن نحدد التاريخ والوقت المناسب للتصال بالخرين‪,‬فقد‬
‫يكون وقت اتصالنا وقت عمل كثيف بالنسبة لهم أو وقت نوم أو‬
‫طعام‪ ...‬وعدم النتباه لذلك ‪ ,‬سيجعل اتصالنا مصدر إزعاج وإرباك‬
‫بالنسبة لهم‪,‬كما أن فرص ردّهم علينا ستكون ضئيلة ‪0‬‬
‫‪-‬سيكون من المهم أن نقوم قبل التصال بتحديد المسائل التي‬
‫نرغب في الحديث عنها‪,‬والنتائج التي نرغب في الوصول إليها‪,‬أو‬
‫المور التي نود إقناع من هاتفناه بها ‪0‬‬
‫وعلينا أن نحاول أل تخرج المكالمة عما رأينا تحديده قدر‬
‫من اتّصالنا به‪,‬وينسيه الموضوع‬ ‫المكان؛لن ذلك قد يشتت ذهن َ‬
‫الصلي للتصال ‪0‬‬
‫‪-‬اللطف مطلوب في السؤال عن الشخص الذي نريد محادثته‪,‬وذكر‬
‫اسم المتصل مطلوب أيضاً؛وبعض الناس ل يذكر اسمه‪,‬ولكن‬
‫_‪_239‬‬
‫ف للدب؛لن الذي‬ ‫من اتصل به أن يذكر اسمه؛ و هذا منا ٍ‬ ‫يطلب م ّ‬
‫من طرق باب غيره‪,‬عليه أن يذكر اسمه‪,‬‬ ‫بدأ التصال بمثابة َ‬
‫ويستأذن ويسلّم ‪0‬وإذا رد ّ على الهاتف شخص غير الذي نودّ‬
‫محادثته‪,‬فمن الليق أن نسلّم عليه أولً‪,‬وإن كان طفل ً داعبناه‪,‬ثم‬
‫من نريد محادثته ‪0‬‬ ‫نسأله عن إمكانية محادثة َ‬
‫‪-‬عندما يرد ّ على الهاتف الشخص الذي نرغب في محادثته‪,‬فسيكون‬
‫من اللطف أن نبادر إلى سؤاله‪:‬هل هذا وقت مناسب لمحادثته‬
‫‪0‬وعلينا أن نبدي له استعدادنا للتصال به في وقت آخر ‪0‬وليس من‬
‫الملئم أن نقول له‪:‬هل أنت مشغول‪,‬فقد يكون غير مشغول‪,‬‬
‫ولكن ل يرغب في التحدّث إلى أحد‪,‬فنضطره آنذاك إلى الكذب‪.‬‬
‫ولباقة المسلم تمنعه من إحراج الخرين ‪.‬‬
‫‪-‬لنحاول أثناء المحادثة الهاتفية أن نجعل كلماتنا مفعمة بالحيوية‬
‫من نخاطبه ل يرانا‪,‬يجعل من السهل عليه أن‬ ‫ن كون َ‬ ‫والدفء‪,‬إذ إ ّ‬
‫يكوّن عنا بعض النطباعات الخاطئة‪ ,‬وينبغي أن نمتنع عن أي عمل‬
‫أثناء المكالمة؛لن الطرف الخر سيدرك أْننا مشغولون عنه‪,‬وأننا ل‬
‫نهتم كثيرا ً للتحدث معه؛وسيكون المتناع عن أي عمل أكثر أهمية ‪0‬‬
‫‪-‬إذا كان ما سنقوله مهما ً أو دقيقاً‪,‬فالفضل عدم التصال بالهاتف‬
‫وترتيب لقاء لذلك أو إرسال رسالة خطية ‪0‬وسيكون من المفيد‬
‫م التفاق عليه إذا كان الحديث يتعلق‬ ‫عند إنهاء المكالمة كتابة ما ت ّ‬
‫بمشروع أو صفقة أو اتّفاق ما؛فالمرء قد ينسى ما يجب عليه أن‬
‫يذكره بعد مدة ‪0‬‬
‫قد يُبتلى المرء بأقوام يحبون الثرثرة على الهاتف‪,‬ول يقيمون أي‬
‫وزن لوقات الناس ومشاغلهم‪,‬وفي هذه الحال يجب على الواحد‬
‫منّا أن يكون حكيما ً في الفلت منها‪,‬كما كان ابن الجوزي حكيماً‬
‫في إنجاز بعض العمال أثناء زيارة بعض الثقلء له ‪0‬‬
‫وهناك إجراءات عديدة‪,‬تساعد المرء على ذلك؛منها‪:‬إشعار الطرف‬
‫ن لدينا وقتا ً قصيرا ً للحديث معه‪,‬كان يقول أحدنا‪:‬عندي وقت‬ ‫الخر أ ّ‬
‫قصير للحديث معك‪,‬فأرجو أن تسمح لي بدقيقتين من وقتك ‪0‬ومنها‬
‫أل ّ يسمح للحديث بالخروج عن الموضوع الذي تم الموضوع الذي‬
‫تم التصال من أجله ‪0‬‬
‫بعض الناس يتحدث واقفا ً من أجل الختصار ‪0‬وبعضهم ينهي‬
‫السؤال عن الصحة والحوال الجتماعية بأسرع وقت؛حتى يُشعر‬
‫الطرف الخر باستعجاله ‪0‬وكل هذا جيد ومفيد ‪0‬وعلى كل حال‬

‫_‪_240‬‬
‫فالحديث في الهاتف ذو جاذبية‪,‬وذو إغراء خاص‪,‬ول بد من أجل‬
‫المحافظة على الوقت من مقاومة ذلك الغراء ‪0‬‬

‫‪-5‬الخطــــــاب المؤثَّـــــــــر‪0:‬‬
‫سنظل نستهدف التأثير في غيرنا‪,‬وإيصال رسائلنا إليهم على أعلى‬
‫درجة من القوة والوضوح؛فذاك جزء من تحقيق وجودنا المعنوي‬
‫‪0‬وسيكون ذلك أكثر حيوية إذا كان الواحد منّا داعية أو محاضرا ً أو‬
‫معلّما ً أو سياسياً ‪0‬‬
‫ن مضمون الكلم يستأثر بالتأثير الساسي‪,‬لكن ل ينبغي‬ ‫صحيح أ ّ‬
‫الستهانة بالسلوب والقالب الذي نوصل به ذاك المضمون؛وكم‬
‫ض عنها الناس لسوء تغليفها أو سوء عرضها‬ ‫من سلعة نفيسة أعر َ‬
‫حر ل يلفت النظار إليه؛لنه ل يحسن شيئا ً من‬ ‫‪0‬وكم من عالم متب ّ‬
‫ن الخطاب المؤثر ‪0‬وكثيرا ً ما يكون الفارق بين متحدّث ناجح وآخر‬ ‫ف ّ‬
‫مخفق هو الهتمام والحرص على تجويد الخطاب وإنقائه ‪ .‬وإليك‬
‫بعض الوصايا التي تجعل المخاطبين ينفعلون بما تقول‪,‬ويتأثرونه‪:‬‬
‫‪-‬لنختر لمحاضراتنا وأحاديثنا عناوين جذابة ومعاصرة‪,‬وذلك من خلل‬
‫ملمستها لمشكلة يعايشها الناس‪,‬أو من خلل علقتها بحدث‪,‬يشغل‬
‫بالهم‪,‬أو من خلل كونها تدل الناس على طريق من طرق النجاح‬
‫‪0‬وعلى الواحد منا أن يتجنّب السجع في العنوان؛فقد باتت الذائقة‬
‫الثقافية المعاصرة تمجه‪,‬وقد كان مستحبّا ً في غابر الزمان ‪0‬ولكن‬
‫يجب أن نكون على حذر من العناوين البّراقة والجذ ّابة التي ل‬
‫تترجم مضمون حديثنا على نحو دقيق‪,‬ول تطابق معها ‪0‬كما أن علينا‬
‫أن نحذر من العناوين الكبيرة التي نعجز عن القيام بحقها ‪0‬‬
‫‪-‬الستشهاد باليات القرآنية والحاديث النبوية والقوال المأثورة‬
‫مهم جدا ً لعطاء المصداقية لما نقوله‪,‬وعامل مهم في دفع الوحشة‬
‫عن كلمنا‪,‬ولكن لبد دائما ً من نوع من التوازن بين الستشهاد‬
‫ي أعناق النصوص وسوقها‬ ‫والتحليل‪,‬كما أنه لبد من الحذر من ل َ‬
‫سف ‪0‬‬ ‫على نحوٍ متع ّ‬
‫‪-‬سيكون من المستحسن دائما ً أن نزوّد السامعين بملخص من‬
‫ورقة أو ورقتين قبل بدء المحاضرة‪,‬تضمنه محاور المحاضرة‬
‫والنقاط الساسية فيها ‪0‬‬

‫_‪_241‬‬
‫‪-‬للرقام والحصاءات والجداول سحرها الخاص اليوم‪,‬وعلى مقدار‬
‫ما نضمن محاضرتنا منها يكون تأثيرها وإقناعها‪,‬وتكون إثارتها‬
‫للسامعين؛وكلما كانت الرقام أكثر حداثة‪,‬كان وقعها في نفوس‬
‫السامعين أشد ‪0‬‬
‫‪-‬الربط بين الموضوع الذي نتحدّث عنه وبين الحداث الجارية‪-‬إذا‬
‫كان ممكناً‪ -‬سيكون مفيدا ً جداً‪,‬ول سيما إذا فعلنا ذلك في بداية‬
‫المحاضرة؛حيث يثير اهتمام المستمعين أكثر فأكثر ‪0‬‬
‫‪-‬استخدام السئلة أثناء المحاضرة في محاولة لشراك‬
‫الجمهور‪,‬والتجديد في الخطاب‪,‬‬
‫ولكن ل ينبغي انتظار أجوبة عليها‪,‬وإنما المراد إيجاد نقاط ارتكاز‬
‫مشتركة أثناء الحديث؛مثل قولنا‪[:‬كم يا ترى سنوفّر على البلد من‬
‫مال لو أننا جميعا ً امتنعنا عن التدخين؟ومثل‪[:‬كيف ستكون الحال‬
‫لو أن كل واحد منّا التزم ببرنامج قراءة ثلث ساعات كل يوم؟‪0‬‬
‫‪-‬ل بأس بذكر بعض الجهود التي استغرقها إعداد العمل‪,‬كالقول‪:‬إن‬
‫مسوَّدات هذه المحاضرة قد بلغت مئة وخمسين صفحة‪,‬أو‬
‫القول‪:‬قد عملت في تحضير هذا الموضوع ثلثة أشهر ‪ 0‬وفي‬
‫المقابل ل بأس بالتحدّث عن خبرات بعض المستمعين والحاضرين‬
‫بالموضوع‪,‬وحاجة المتحدّث إلى بعض ملحظاتهم حوله ‪0‬‬
‫‪-‬إذا استطعت أن يشتمل حديثك على بعض الفكاهة‪,‬فافعل؛لن‬
‫ذلك سوف يضفي على اللقاء كله مسحة جميلة ممتعة‪,‬ولكن علينا‬
‫أن نخشى دائما ً السراف في ذلك ‪0‬‬
‫‪-‬ل تثبت نظرك في الوراق التي أمامك‪,‬وتمهل النظر إلى وجوه‬
‫القّراء‪,‬فذاك أكبر مصدر للسأم والملل؛ولكن انظر إلى الجمهور‬
‫تارة‪,‬وإلى أسفل تارة مطرقا ً كأنك تفكّر؛‬
‫ما تريد قوله ‪0‬‬ ‫فذاك يثير في سامعيك التساؤل ع ّ‬
‫م في مساعدة‬ ‫ل مه ٌّ‬‫‪-‬تنظيم النقاط والفقر وتسلسلها عام ٌ‬
‫المستمعين على الفهم‪ ,‬فينبغي أن نحرص عليه قدر المكان ‪0‬وقد‬
‫يكون أحسن أسلوب لذلك‪,‬هو أن نقسم كل عنوان من العناوين‬
‫الرئيسة إلى عدد من النقاط‪,‬كأن نقول‪:‬وإليك خمس ملحظات‬
‫حول سلبيات المر الفلني؛أو نقول‪:‬إن أهم المبادئ التي يمكن‬
‫استخدامها في إدارة الذات أربعة وهكذا ‪000‬‬
‫خم الرقام‪,‬وإذ ل يستحسن أن تزيد‬ ‫ولكن لنحاول ما استطعنا أل نض ّ‬
‫على خمسة أو ستة؛ فقدرات السامعين على استيعاب التقسيمات‬
‫الكثيرة محدوة ‪0‬‬

‫_‪_242‬‬
‫‪-‬قد يكون اللجوء إلى تكرار بعض الفكار أو المقاطع مفيدا ً في‬
‫لفت انتباه السامعين إلى ما تعده مهماً‪,‬وذلك كما لو أننا لو كّررنا‬
‫قول أحدهم‪":‬إذا لم يكن لك روح عصر كانت لك كل شروره"‪0‬‬
‫‪-‬ليكن وضعك الذهني والبدني في أحسن حالته‪,‬فنم جيدا ً قبل‬
‫المحاضرة‪,‬ول تناول وجبة دسمة‪,‬وحاول تهدئة أعصابك عبر‬
‫ممارسة شيء من السترخاء قبل الحضور إلى مكان المحاضرة ‪0‬‬
‫‪-‬لبد من مراعاة السرعة المناسبة أثناء الكلم؛والحد ّ الدنى‬
‫للسرعة هو (‪ )120‬كلمة في الدقيقة ‪0‬وأكثر المتحدثين‪,‬يبلغ متوسط‬
‫سرعتهم في الكلم في حدود (‪ )200‬كلمة ‪0‬البطء الزائد في الكلم‬
‫يجعل المستمعين يفقدون التركيز‪,‬ويشتت انتباههم ‪0‬أما السرعة‬
‫الزائدة‪ ,‬فتجعلهم غير قادرين على المتابعة‪,‬واستيعاب ما يسمعونه‬
‫‪0‬‬
‫‪-‬أحفظ مقدمة محاضرتك على نحوٍ جيد‪,‬واقرأها مرات عدة قبل‬
‫إلقائها‪,‬واضبط الكلمات الصعبة بالشكل‪,‬وتأكد في كل الحوال من‬
‫أنك قادر على مراعاة القواعد النحوية أثناء اللقاء ‪0‬‬
‫‪-‬تفاعل مع موضوعك‪,‬وأظهر ذلك التفاعل من خلل تعبيرات الوجه‬
‫وحركات الجسم‪,‬‬
‫فحيوية المحاضر ضرورية لجعل اللقاء كله حيا ً ومثمراً ‪0‬‬
‫‪-‬ل تدع التشاؤم يسيطر عليك؛صوّر الواقع كما هو‪,‬لكن لنزرع المل‬
‫سن والخلص بشكل دائم ‪0‬‬ ‫بإمكانية التح ّ‬
‫‪-‬اختتم محاضرتك بملخص مركّز يشتمل على أهم النقاط التي‬
‫تتناولها ‪0‬ويمكن أن تكون موضوع(الخاتمة)دعوة توجهها للمستمعين‬
‫من أجل إنجاز شيء ما أو البتعاد عن أمر من المور‪,‬أو الهتمام‬
‫بقضية من القضايا ‪0‬‬
‫‪-‬الستعداد المسبق لما يتوقع المرء من أسئلة يطرحها‬
‫الجمهور‪,‬وعدم التردد في قول‪(:‬ل أدري)عندما يأتي سؤال ل يعرف‬
‫جوابه ‪0‬‬
‫إن في أمتنا الكثير الكثير من الخير‪,‬وإن لدى مجتمعاتنا توثّبا ً لعمل‬
‫شيء ما‪,‬لكن الجميع ينتظرون أولئك الذين يدلّونهم على ما‬
‫يفعلونه‪,‬وينظمون وعيهم تجاه مسؤولياتهم؛وهذا كله من مهمات‬
‫المثقفين المخلصين؛من محاضرين ناجحين‪ ,‬وخطباء مؤثرين ‪0‬والله‬
‫المستعان ‪0‬‬

‫الصــــــغاء الجـيّــد‪-:‬‬

‫_‪_243‬‬
‫يولد النسان صارخاً‪,‬ثم يتعلم الكلم‪,‬ويميل الطفل إلى الكثار من‬
‫اللغو‪,‬ثم يتعلم النصات‪,‬وهكذا مع نمو ملكاتنا وخبراتنا نتعلم متى‬
‫نتكلم‪,‬ومتى نسكت‪ ,‬وكيف نتكلم‪ ,‬وكيف نصغي ‪0‬حين نجتمع مع‬
‫شخص‪,‬أو نستمع إلى متحدث‪ ,‬فإننا نتلقى العديد من(الرسائل)ذات‬
‫المحتويات المختلفة؛والمعلومات التي نحصل عليها من وراء ذلك‬
‫التصال‪,‬هي التي تحد من الشك الذي يصاحب تلك الرسائل‪,‬أو‬
‫الذي تسببه الضوضاء الموجودة في المحيط الذي يتم فيه التصال‬
‫ل وعل‪-‬خلق للنسان لسانا ً واحدا ً وأذنين حتى‬‫‪0‬يقولون‪:‬إن الله‪-‬ج ّ‬
‫ضعف ما يتكلم؛لكن يبدو ان ما لدنيا من فضول‪,‬وما نجده‬ ‫يسمع ِ‬
‫في كثرة الكلم من إثبات الذات ‪000‬يجعلنا نتكلم أضعاف ما نسمع!‬
‫‪0‬‬
‫الذين يتعلمون الكلم المقنع‪,‬والذين يتدربون على تنميق الكلم‪,‬ل‬
‫يحصون عدداً‪,‬‬
‫حسن‬ ‫وقلما تجد من يقرأ كتاباً‪,‬أو ينتسب إلى برنامج من أجل تعلم ُ‬
‫الصغاء؛ وربما كان ذلك فرعا ً من عدم اهتمامنا بالفهم‬
‫العميق‪,‬وربما كان بسبب أننا نهتم بالتأثير في الخرين أكثر من‬
‫اهتمامنا بالتفاعل معهم؛ولذا فإننا ل نجد حاجة إلى إتقان فن‬
‫السماع؛مع أن من غير الشائع أن يحصل تأثير في الخرين من غير‬
‫تأثر بفرديتهم وظروفهم ومتطلباتهم ‪0‬‬

‫مـــيزات الصغاء‪-:‬‬
‫‪-‬إذا قارنا بين المشكلت التي يجرها السراف في الكلم‪,‬وبين‬
‫المشكلت التي يتعرض إليها الميَّالون إلى السماع والصغاء؛لوجدنا‬
‫أنه ل وجه للمقارنة ‪0‬وحين يكون هناك تعليمات أو اقتراحات أو‬
‫تحذيرات‪,‬فغن المعولين بكثرة الكلم‪،‬ل ينتهون لشيء من ذلك‬
‫على حين أن الميالين إلى الصمت‪,‬يدركون كل ذلك على وجه أدق‬
‫‪0‬هذا غير ما يقع فيه الثرثارون من أخطاء ومزالق ‪0‬ولو أننا تقيدنا‬
‫بالدب السلمي في هذا لق ّ‬
‫ل كلمنا‪,‬‬
‫وكثر إصغاؤنا؛فقد ورد في الحديث الصحيح‪(:‬من كان يؤمن بالله‬
‫واليوم الخر‪ ,‬فليقل خيراً‪,‬أو ليصمت)‪0‬‬
‫حسن الصغاء يساعد صاحبه على الفهم العميق للظروف‬ ‫‪ُ -‬‬
‫والوضاع المحيطة؛ حيث يتمكن المرء من فهم الطرق التي يفكر‬
‫بها الذين حوله‪,‬كما يتمكن من فهم بيئة العمل‪,‬‬

‫_‪_244‬‬
‫وأفضل الطرق في إنجازه ‪0‬أضف إلى هذا أن النصات يكسو‬
‫صاحبه نوعا ً من الهيبة‪,‬‬
‫ويجعله يبدو في أعين الناس أكثر حكمة وفهماً‪,‬حيث تكون‬
‫المحاكمة العقلية لدى المرء أفضل في حال الصمت ‪0‬‬
‫‪-‬إن الصغاء يلبي حاجة مهمة للخوان والصدقاء والزملء‪,‬وهي‬
‫تطلعهم إلى من يستمع إليهم‪,‬ولذا فإن المصغي يُدخل السرور‬
‫عليهم‪,‬وينال منهم التقدير ‪0‬‬
‫‪-‬من وظائف الصغاء امتصاص غضب الخرين؛حيث إن أول‬
‫استجابة للنفعال تكون عن طريق الذن‪,‬وعندما نصغي اشخص‬
‫غاضب‪,‬فإننا نتعرف على سبب غضبه‪,‬فنظهر تعاطفنا معه‪,‬ونجعله‬
‫ينَّفس عن غضبه‪,‬ويعود إلى هدوئه؛ولذلك فإن من غير الصواب أن‬
‫نجادل شخصا ً غاضبا ً دون أن نعرف سبب غضبه‪,‬وبعد نبدي‬
‫التعاطف معه‪,‬ثم نحاول إطفاء غضبه ‪0‬‬
‫تحـسيــــــن الصغاء‪-:‬‬
‫كل شيء مهما كانت وضعيته‪,‬يظل قابل ً لنوع من الرتقاء‬
‫والتحسين؛والخبرات المتراكمة لدى البشرية علمتها كيف تتلفى‬
‫الخطاء‪,‬وتستفيد من الفرص ‪0‬‬
‫مسألة استثمار السماع ليعطي أفضل مردود شغلت منذ أمد بعيد‬
‫الكثير من التربويين والمهتمين بالتصال النساني ‪0‬وبإمكاننا أن‬
‫نضع هنا بعض النقاط التي تجعل السماع لدينا أعظم فائدة‪,‬وذلك‬
‫على نحو التي‪0:‬‬
‫‪-‬أول خطوة على طريق تحسين الصغاء‪,‬هي أن نحاول السماع بنية‬
‫الفهم لما يقال ‪0‬‬
‫ومع أن بإمكان كل واحد أن يدعي ذلك‪,‬إل أن الصحيح أن الذين‬
‫يولون القدر الكافي من الهتمام والتركيز لما يسمعونه يظلون قلة‬
‫‪0‬وكثير من الذين يظهر لنا أنهم مصغون فعلً‪,‬إما يكونوا غير‬
‫شاعرين بأهمية ما يسمعونه لهم‪,‬وإما أن يكونوا في حالة تهيّؤ للرد‬
‫على ما يسمعونه ‪0‬أو يكونوا في حالة شرود‪,‬وفي جميع هذه‬
‫الحوال فإنهم يحرمون من الفهم العميق لما يقال ‪0‬‬
‫‪-‬ليست الذن أداة سمع‪,‬وإنما هي أدوات توصيا فحسب؛حيث أن‬
‫عمليات السمع تتم في الدماغ‪,‬وهناك يتم تحليل ما يُسمع‪,‬وتحديد‬
‫رد الفعل الملئم عليه؛ولذا فإن للمرء أن يسمع‪,‬ويفهم‪,‬وبإمكانه أن‬
‫يسمع‪,‬ول نفهم‪,‬حيث تتدخل في عمليات الفهم العميق أمور كثيرة‬
‫ل وعل‪-‬المؤمنين عن بعض أحوال الكافرين و‬ ‫جداً ‪0‬وقد نهى الله‪-‬ج َّ‬

‫_‪_245‬‬
‫المنافقين في مسألة السماع في آيات عدة‪,‬منها قوله‪{:‬ول تكونوا‬
‫كالذين قالوا سمعنا وهم ل يسمعون}[النفال‪,]21:‬وإذ في‬
‫معتقداتهم وعقولهم ما يمنعهم من السماع الحقيقي المثمر الذي‬
‫يضيف إلى المعرفة‪,‬ويغير السلوك ‪0‬حين نستمع إلى شخص‬
‫يتحدث‪,‬فإننا نحاول الفهم‪,‬من منظور عاداتنا النفسية والفكرية‪,‬ومن‬
‫خلل إطارنا المرجعي‪,‬وأحيانا ً من خلل مصالحنا ‪0‬‬
‫ومع أن التخلص من ذلك على نحو كامل غير ممكن في معظم‬
‫الحيان‪,‬إل أن علينا أن نجاهد أنفسنا لنفهم ما نصغي إليه من خلل‬
‫الدخول إلى العالم الشخصي للمتكلم‪ ,‬فنرى إطار القضية التي‬
‫يتحدث عنها من خلل نمطه الخاص في التفكير‪,‬ومن خلل رؤيته‬
‫ومعلوماته ومشاعره ‪000‬‬
‫هذا الدخول إلى العالم الشخصي للمتحدث‪,‬يحتاج منا إلى وعي‬
‫مضاعف؛ فالكلمات والتراكيب والجمل التي ينطق بها‪,‬ليست ذات‬
‫مدلولت معجمية صارمة‪,‬كما أنها ل تستخدم وفق ع ُرف اجتماعي‬
‫محدد؛فهناك شبكة معقدة من العوامل التي تتحكم في إعطاء‬
‫الكلم معانيه النهائية‪,‬من نحو الخلفية الثقافية والخبرة‬
‫العامة‪,‬ومدى إلمام المتكلم بما يتحدث عنه والتاريخ العائلي‬
‫له‪,‬ونوعية علقته الشخصية بذلك‪,‬ومصلحته في النطباعات التي‬
‫يود أن يتركها ‪000‬‬
‫وعلى سبيل المثال فإن المتحدث إذا كان يتناول حكاية خلفه مع‬
‫خضم له‪,‬أو قصة انشقاقه عن حزبه‪,‬أو أسباب اتهامه بارتكاب‬
‫جريمة‪,‬فإن علينا أن نتوقع سماع الكثير من الزيف والكثير من‬
‫المبالغة‪,‬وأن نلمس إخفاء الكثير من الحقائق التي تعكر صفو‬
‫النتائج التي يرغب في الوصول إليها ‪0‬‬
‫هناك أشخاص تعودوا في أسلوب تحدثهم أن يستخدموا ألفاظا ً من‬
‫نحو(عظيم جداً)و (كثير جداً)و(قريب جداً)‪000‬وعلينا آنذاك أن‬
‫نعرف كيف نحذف (جداً) هذه من مدلولت خطاب الواحد‬
‫منهم‪,‬ونفهم ما يصفه على أنه عظيم وكثير ‪ ...‬من وجهة نظره هو ‪.‬‬
‫وهناك أشخاص يغلب عليهم التشاؤم أو النظرة‬
‫المثالية‪,‬فيستخدمون اللفاظ التي تصور نزعتهم تلك‪,‬وعلينا أن‬
‫نعرف أيضا ً كيف نحيد محصلت تلك اللفاظ‪ ,,‬ونعزلها عن سياق‬
‫المدلول العام لكلمهم ‪0‬إذا فعلنا ذلك ونحوه أمكننا أن نتجاوز‬
‫المعنى المباشر لما يقول إلى معنى المعنى‪,‬وأمكننا بذلك أن‬
‫نحصل على فهم أكثر عمقا ً وأكثر توازناً ‪0‬‬

‫_‪_246‬‬
‫‪-‬علينا أن نستمع إلى المتحدث بصدر رحب مهما كان الكلم الذي‬
‫يقوله مزعجا ً أو غير منطقي أو غير دقيق؛فهو يمثل وجهة نظر‬
‫شخص‪,‬رضينا بتجشم مشاقّ الحضور من أجل سماعه ‪0‬وانفعالنا‬
‫الحاد سوف يحرمنا من استيعاب ما يقول‪،‬وسيضعنا في بداية‬
‫الطريق إلى رد فعل غير سويّ عليه‪,‬حيث نفهم آنذاك فهماً‬
‫مل كلمه ما ل يحتمل‪ ,‬ونتيجة كل ذلك موقف غير‬ ‫مشوشاً‪,‬ونح ّ‬
‫دقيق ول متزن‪.‬‬
‫‪-‬حتى تنجح عملية الصغاء فإننا بحاجة إلى أن نكون في وضع بدني‬
‫مريح؛ المقعد ينبغي أن يكون ملئماً‪,‬والمسافة التي بيننا وبين‬
‫المتحدث أيضا ً ملئمة‪ ,‬ويستحسن الجلوس في المقدمة‪,‬كما ينبغي‬
‫أن نكون في مكان يتيح لنا رؤية جيدة للمتحدث؛إذ إن معظم‬
‫مفردات الرسالة‪-‬كما ذكرنا‪-‬سترد إلينا من تعابير الوجه وحركات‬
‫الجسم ‪0‬‬
‫وينبغي أل يكون المرء أيضا ً جائعا ً أو عطشان أو حاقنا ً حتى يستطيع‬
‫الستمرار في الستماع والمتابعة بتركيز جيد ‪0‬‬
‫‪-‬الصغاء الجيد يقتضي أل نقاطع المتحدث قبل إتمام قوله؛فإذا كان‬
‫كلمه منَّفرا ً إلى حد ل يطاق‪,‬فإن بإمكان المرء أن ينسحب من‬
‫المكان‪,‬أو يشغل ذهنه بشيء يصرفه عن السماع ‪0‬ومن حق‬
‫المتحدث علينا كذلك أل نصدر أي حكم على كلمه حتى ينهيه؛‬
‫ويؤسفني القول‪:‬إن مجالسنا مشحونة دائما ً بالمقاطعات‪,‬ومشحونة‬
‫بالحكام المستعجلة! وسيكون من الحكمة أن نسأل عن بعض‬
‫النقاط الملتبسة قبل أن نعلن الحرب على المتكلم!‪0‬‬
‫‪-‬المهم مما يقال دائما ً هو جوهره‪,‬وهذا يملي علينا أمرين‪-:‬‬
‫الول‪:‬هو أل يصرف انتباهنا عن مضمون الحديث الطريقة أو‬
‫السلوب الذي يستخدمه المحاضر؛فقد يكون استخدامه للغة‬
‫سيئاً‪,‬كأن يكون غير متقن لقواعدها‪ ,‬وقد يكون ل يحسن النطق‬
‫بالشواهد القرآنية أو الشعرية ‪000‬وكثيرا ً ما يشغلنا هذا ونحوه عن‬
‫الهتمام بجوهر ما يقال ‪0‬‬
‫الثاني‪:‬أنه من خلل المداخلت والتعليقات والسئلة التي تتم بعد‬
‫صلب‬ ‫المحاضرات والندوات‪,‬كثيرا ً ما يتم النحراف عن ُ‬
‫الحديث‪,‬والصيرورة إلى مناقشة قضايا هامشيه وجانبية‪,‬مما ينسي‬
‫الحاضرين الكثير مما اشتمل عليه الموضوع الذي اجتمعوا من أجله‬
‫‪0‬وهذا يوجب علينا مرة أخرى محاولة العودة دائما ً إلى القضية‬
‫الساسية التي اجتمعنا للسماع عنها ‪0‬‬

‫_‪_247‬‬
‫‪-‬حين يكون الحديث مركّزا ً وكثير التشعيبات والتقسيمات‪,‬أو يكون‬
‫طويلً؛فإن استيعابنا له سيكون جزئيا ً ومحدوداً‪,‬ولذا فل بد من أن‬
‫يكون في يد الواحد منا قلم وورقة من أجل تدوين بعض‬
‫الملحظات وبعض الفكار الساسية الواردة؛ ولكن ينبغي الحذر من‬
‫السترسال في الكتابة بحيث يبدو المتحدث وكأنه يخاطب‬
‫نفسه؛فالتوجيه السلمي في هذا المجال ينطوي على أن نرمق‬
‫المتحدث بأبصارنا حيث يتم تنظيم التفاعل الداخلي بيننا‪,‬وحيث‬
‫يشعر المتحدث بأننا نشاركه في عمله ‪0‬‬
‫إن ما يمكن قوله في قضية الصغاء والستماع كثير‪,‬وسنتمكن من‬
‫أن نكون مستمعين جيدين إذا توفر لدينا ما يكفي من الهتمام‬
‫والوعي ‪0‬‬

‫_‪_248‬‬
‫الفصل الثالث‪-:‬‬

‫ذكرنا فيما مضى أن العلقات الجتماعية والسرية‪,‬تعد من أهم‬


‫مصادر سعادة النسان‪ ,‬وأهم مصدر لتربيه وإنضاجه‪,‬ولذا فإنها‬
‫تستحق منا كل العناية والهتمام ‪ .‬المبادئ والعراف والتقاليد‬
‫والبنى الثقافية المختلفة والمصالح والهواء والخلفيات التاريخية ‪..‬‬
‫كل ذلك يمد العلقات الجتماعية بالطر التي تتفاعل فيها‪,‬والسس‬
‫والنظم التي تحكم تفاعلتها وتغيراتها‪.‬‬
‫وبما أننا نعيش في عالم يتغيّر في كل شيء بسرعة كبيرة‪,‬فإننا‬
‫نتوقع أن يتغير الكثير من المفاهيم التي تخلع المعاني على‬
‫تصرفاتنا الجتماعية‪,‬وهذا يلزمنا بالمزيد من العمق في فهم‬
‫مسيرتنا الجتماعية‪,‬والمزيد من الحذر والهتمام في رعايتها‪,‬وجعلها‬
‫تنشد باستمرار نحو المبادئ والسس السلمية التي هي سر صلح‬
‫شؤوننا كلها‪,‬وكناقد ذكرنا في الحديث عن سمات اللبنة الصالحة‪,‬‬
‫والحديث عن التصال النساني الكثير من المبادئ والفكار التي‬
‫نعتقد أن مراعاتها ستعود على علقتنا بالديمومة والرتقاء؛ وسنذكر‬
‫هنا‪-‬بحول الله‪-‬أيضا ً ما يزيد هذه المسألة وضوحا ً ونضجاً‪,‬وذلك من‬
‫خلل المفردات التالية‪-:‬‬
‫‪-1‬التـوازن بين التعقل والنفعال‪:‬‬
‫العقل والعاطفة عنصران جوهريا ً من عناصر الشخصية الفردية‬
‫والجماعية؛ومع أن كل واحد منهما يعمل على محور مغاير للمحور‬
‫الخر‪,‬إل أن بينهما من التداخل والتقاطع الكثير؛مما يجعلهما‬
‫عنصري توازن واتزان واستقرار في حياتنا مهما كانت علقتنا‬
‫بطرف ما(عقلنية)و مصلحية ومقنَّنة‪,‬فإننا ل نستطيع أن نعزلها عن‬
‫تأثير العواطف والنفعالت ‪ .‬ومهما كانت علقتنا بطرف ما عاطفية‬
‫و شفافة ومجردة‪ ,‬فإن استمرارها‪,‬سيظل مرتبطا ً بمعطيات عقلية‬
‫وأحيانا ً مصلحية ‪0‬‬
‫ن الرتباط الشديد بين النسيج العقلي والنسيج العاطفي‪,‬سيجعل‬ ‫إ ّ‬
‫أي محاولة للفصل بينهما تبوء بالخفاق التام ‪0‬ولعلنا نلمس هذه‬
‫المسألة في الحروف الصغيرة التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬حين أقيم علقة أسرية أو علقة زمالة اختيارية‪,‬ويطغى عليها الجانب‬
‫العاطفي ؛فإن المتوقع لتلك العلقة أن تتسم بسمة التذبذب والمد‬
‫والجزر‪,‬ما دمنا قد أخضعناها لشيء سمته الجوهرية كذلك ‪0‬العلقة‬
‫التي تقوم على الحب والعجاب الشديد والحماسة الزائدة‪,‬قد تحمل‬

‫_‪_249‬‬
‫النسان على أن يضحي بتضحيات كثيرة في سبيل من يحبه؛وقد تحمله‬
‫على المبالغة والكذب‪,‬ومخالفة النظم والقوانين من أجله‪,‬وقد تحمله‬
‫على أن يهمل علقاته الجتماعية الخرى ‪ ...‬وربما يفاجأ في النهاية أن‬
‫من فعل كل ذلك من أجله‪,‬ل يستحق كل ذلك‪,‬حيث إنه يتوقع المقابلة‬
‫بالمثل‪,‬فإذ لم يحصل عليه‪,‬فإنه قد ينفض يده من تلك العلقة‪,‬ويقلصها‬
‫إلى الحد الدنى‪,‬ثم يلغيها ‪ .‬وهذه الحالة شائعة جدا ً في مجتمعاتنا‬
‫العربية ذات العاطفة الموارة ‪0‬‬
‫ب‪-‬في المقابل فإن العلقات التي تقوم على أساس التعاقد والحقوق‬
‫والواجبات‪ ,‬والقيام بخطوة أمام كل خطوة‪,‬ولفتة إزاء لفتة‪,‬تظل‬
‫علقات سطحية وباردة‪ ,‬وفي أحيان كثيرة مؤقتة ‪0‬إن ضعف العاطفة‬
‫في العلقات السرية والجتماعية‪,‬ل يسمح بالندماج الذهني والشعوري‬
‫بين أصحاب تلك العلقات‪,‬كما ل يسمح بملمسة آفاق الخيرة النسانية‬
‫ذات الهمية لكل طرف من أطرافها‪,‬وهذا يجعل ما نتوقعه من وراء‬
‫تلك العلقات من أمن ودعم وإحساس بالتأنق‪,‬ضعيفا ً جداً‪,‬وبذلك تفقد‬
‫أهم معانيها ‪0‬‬
‫ول نستبعد بعد هذا أن تؤثر(العلقات البادرة)في نوعية أحكامنا‬
‫العقلية‪,‬فنكون غير موضوعين‪,‬أو نخضع للهوى‪,‬أو المصحلة على النحو‬
‫الذي يحدث عندما تطغى العاطفة ؛ وذلك لن شبكة العلقات‬
‫الواسعة‪,‬تفرض أحكاما ً ومواقف متضاربة‪,‬وفقد التزان بين العقل‬
‫جح في استجاباتنا لها من غير مرجح‪,‬ومن غير وجه‬ ‫والعاطفة‪,‬يجعلنا نر َّ‬
‫حق‪,‬ولذا فل بد من العتدال على نحو دائم‪,‬وقد ورد في الحديث‬
‫الشريف‪" :‬أحبب حبيبك هونا ً ما عسى أن يكون بغيضك يوما ً ما‬
‫‪0‬وأبغض بغيضك هونا ً ما عسى أن يكون حبيبك يوما ً ما"‪0‬‬
‫ج‪-‬ليس من السهل إقامة التوازن بين العقل والعاطفة‪,‬ولكن يمكن في‬
‫كل الحوال إحراز شيء من التقدم في ذلك؛ومما يساعد في هذا‬
‫الشأن أن نعي درجة عاطفتنا في العلقة التي نقيمها مع زيد من‬
‫الناس؛هل هي قوية أو ضعيفة‪,‬هل تمثل لنا هاجسا ً مستمراً‪,‬وهل تحملنا‬
‫في بعض الحيان على تقديم تضحيات كبيرة‪,‬أو تدفعنا إلى تجاوز الحق‬
‫والممالة على الباطل ‪00‬إذا كان المر كذلك‪,‬فهذا يعني أن الجرعة‬
‫العاطفية في تلك العلقة‪,‬قد تجاوزت الحد الطبيعي البنّاء‪,‬ويجب أن‬
‫نعيدها إلى نصابها الصحيح ‪ 0‬ومما يساعد على التوازن كذلك أن ننظر‬
‫إلى درجة عاطفة الطرف الخر في تلك العلقة‬
‫وأن ننظر إلى ماهو سائد من علقات في المجتمع‪,‬فالمقارنة تساعد‬
‫في كثير من الحيان على الموازنة ‪0‬‬
‫مجاهدة النفس عنصر أساسي في إقامة التوازن‪,‬فإذا كان المنطق‬
‫والواجب يفرضان زيارة فلن من الناس أو مواساته أو الحدب‬

‫_‪_250‬‬
‫عليه‪,‬وكانت رغبتنا ضد ذلك‪,‬فإن علينا أن نجاهد أنفسنا‪,‬ونتجاوز‬
‫عواطفنا‪,‬لنستجيب إلى صوت العقل ‪0‬وفي المقابل فإن للمجاهدة‬
‫دورها في إيقاف العواطف والنفعالت التي تسود علقة ما عند حدود‬
‫معينة ‪0‬‬
‫العمال الروحية والعلقات العاطفية‪,‬تميل بطبعها إلى التطّرف‪,‬وهذا‬
‫التطّرف يجعلها في حالة دائمة من التقلب‪,‬وكبح تطّرفها يجعلها أكثر‬
‫عقلنية‪,‬وذلك من خلل مراعاة ما تمر به الطبيعة البشرية من نشاط‬
‫وفتور‪,‬وإقبال وإدبار ‪0‬التوازن يكون بإقبالنا في حال إدبار الطرف الخر‬
‫وتريثنا في حال إقباله الشديد‪,‬وعليه هو أيضا ً أن يفعل مثل ذلك ‪0‬‬
‫‪-2‬رعاية العلقة الخاصـة‪:‬‬
‫يبني الناس في مسيرة الحياة علقات كثيرة وموزعة على دوائر‬
‫ومستويات عدة؛ فمن خلل المشي في الطريق‪-‬مثلً‪-‬نبني علقات‬
‫وواسعة جداً؛ولتلك العلقات رعاية عابرة أيضاً‪,‬وهي تتجسد فيما‬
‫يسمى(آداب الطريق)‪,‬وهناك علقة أضيق نطاقا ً وأعمق من‬
‫هذه‪,‬وهي رابطة الخوة اليمانية{ إنما المؤمنون إخوة}[الحجرات‪:‬‬
‫‪ . ]10‬ولهذه العلقة التي تنشأ تلقائيا ً من الدخول في دين الله‪-‬‬
‫تعالى‪-‬حقوق وآداب معرفة ‪0‬‬
‫وفي إطار الخوة اليمانية تنشأ علقات قهرية مثل علقة القرابة‬
‫والرحم‪,‬وينشئ الواحد منا علقات اختيارية خاصة‪,‬وهي ما يسمى‬
‫ب(الصداقة)‪,‬وهي ما نريد التحدث عنه هنا عبر المفردات التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬إن حاجة الواحد منا إلى أخ نقيم معه علقة خاصة ومتميزة‪,‬حاجة‬
‫سة‪,‬ففي ذواتنا ثغرات كبيرة‪,‬ل تسد إل عن طريق هذا الخ‬ ‫ما ّ‬
‫الصديق الذي نأنس به‪ ,‬ونطمئن إليه‪,‬ونرى فيه النسان المواقف‬
‫في الرخاء‪,‬والمؤازر في الشدة‪,‬والذي نشعر بثمرات صحبته دون‬
‫أن يثقلنا بتبعاتعا ‪ 0‬هذا الصنف من الخوان ل يظفر المرء في‬
‫العادة بعدد كبير منه‪ ,‬وإذا تهيأ لحدنا أربعة أو خمسة منه فهو‬
‫محظوظ ‪.‬‬
‫وقد روي عن المام الشافعي قوله‪":‬ضياع العالِم أن يكون بغير‬
‫إخوان"وقال القاسم بن محمد‪":‬قد جعل الله في الصديق الباّر‬
‫المقبل عوضا ً عن ذي الرحم العاقّ المدبر"‪0‬‬
‫الذين يفقدون معنى الصداقة الحميمة في حياتهم‪,‬يتعرضون لعظم‬
‫الصعاب في حياتهم ‪,‬ومنهم أنفسهم يواجه الخرون الكثير من‬
‫المفاسد والشرور!‪0‬‬
‫ب‪-‬أشواق النسان إلى أن يكون له أخ حميم أشواق فطرية‬
‫أصيلة؛وأعتقد أننا نملك القدرة على الحصول على ذلك ‪0‬لكن لبد‬
‫_‪_251‬‬
‫من بذل الجهد والتضحية؛إذ ل بد من النفع في مقابل الخذ ‪0‬إذا‬
‫شعر المرء أنه ليس لديه صداقات حميمة‪ ,‬أو أن علقاته السرية‪,‬‬
‫صلته بأرحامه‪,‬ليست بتلك التي تشبع تطلعاته‪,‬وتشعره‬ ‫أو ِ‬
‫بالمان‪,‬فإن عليه أن يبحث في أسباب ذلك ‪0‬‬
‫ومع أنه ليس من السهل الحاطة بها‪,‬إل أننا يمكن أن نكون متفقين‬
‫على العديد منها؛‬
‫على سبيل المثال فإن حدة المزاج‪,‬وتعكره من أجل أشياء ل تعد‬
‫مثيرة في العرف العام أو لدى ذوي المزاج المعتدل‪,‬مما يحول‬
‫دون تآلف الناس‪,‬ومما يدعو الكثيرين إلى البتعاد ‪0‬‬
‫التفتيش عن أخطاء الخرين ومتابعتها‪,‬والسراف في‬
‫نقدهم‪,‬وإظهار البََرم من أوضاعهم‪ ,‬مما ينفر الناس‪,‬ويشتت‬
‫الصدقاء ‪0‬‬
‫كثرة الثرثرة والفاضة في الكلم‪,‬مما يجر غالبا ً إلى إفشاء‬
‫السرار‪,‬وإلى(النميمة)‪ ,‬فعندما يخلو وفاض الثرثار من الخبار‪,‬ل‬
‫سيَر الناس ومشكلتهم ‪ .‬وهذه الحالة سببها‬ ‫يجد ما يخوض فيه إل ِ‬
‫غالبا ً رقة في الدين‪,‬وقصور في الثقافة والتعليم‪ ,‬وإحساس‬
‫مام على احتلل مركز الدائرة عن طريق‬ ‫بالنقص‪,‬فيسعى الن ّ‬
‫النميمة‪ ,‬حيث ل شيء آخر لديه ‪0‬وقد قالوا ‪:‬‬
‫م عليك"ومهما حاول النمام التستر‪,‬فإن أمره في‬ ‫م لك ن ّ‬‫من ن ّ‬
‫ل أصدقائه‬ ‫النهاية إلى انفضاح‪ ,‬فيسقط من عيون الناس‪,‬ويخسر ج َّ‬
‫‪0‬‬
‫النانية والتطرف في حب الذات‪,‬من السباب الساسية للخفاق‬
‫في تكوين صداقات جيدة ‪0‬الناني ليس لديه ما يقوله سوى‬
‫الشارة بماله صلة به؛وليس لديه ما يهتم به سوى ما يعود عليه‬
‫بالنفع الخاص‪,‬وحين يجد فرصة ما‪,‬فإنه ينسى من يمكن أن يشاركه‬
‫فيها من أصدقائه ‪0‬جوهر النانية مضاد تماما ً لجوهر الصداقة‬
‫الحميمة التي يقوم على المشاركة والعتماد المتبادل ‪0‬‬
‫والنانية حالة مستمرة من العمى عن كل شيء إل النفس‬
‫والمصالح الخاصة ‪0‬‬
‫ل ننسى هنا بالضافة إلى ما سبق أن بعض الناس يميل بطبعه إلى‬
‫النطواء والعزلة‪ ,‬ولهذا الصنف من الناس علمات عديدة منها‪:‬ميله‬
‫إلى الهوايات الذهنية والتعبير عن النفس بالقلم ل‬
‫باللسان‪,‬والحساسية المرهفة والمزاج المتقلب‪ ,‬وسرعة الرتباك‬

‫_‪_252‬‬
‫والخجل والدقة والنظام والشغف بالتفاصيل‪,‬وتفصيله العمال التي‬
‫ل تتصل بالناس‪,‬والتردد والحجام ‪000‬‬
‫إن كل ما ذكرناه ممكن العلج‪,‬ولكن ل بد من العزم والصبر‬
‫والتضحية‪.‬‬
‫ج‪-‬نحن ل نؤكد على فكرة اكتساب المزيد من الصدقاء من أجل‬
‫إشباع بعض الرغبات‪,‬أو العثور على نصير في وقت الشدة‬
‫فحسب؛فهناك أهداف أخرى أكثر نبل ً وأعظم فائدة‪,‬من نحو‬
‫التعاون على البر والتقوى‪,‬ومن نحو التكافل والتباذل ‪ ,‬ونحو‬
‫المناصحة والتقويم‪,‬والتقدّم على طرق الخير والصلح ‪ ...‬وانطلقاً‬
‫من هذا‪ ,‬فإن العثور على من يكون ملئما ً لصداقة حميمة‬
‫وخاصة‪,‬ليس بالمر السهل دائما ً ‪ .‬وقد ورد في الحديث‬
‫الشريف‪":‬الناس كإبل مئة ل تكاد تجد فيها راحلة" ‪ .‬ولبد من‬
‫ن تأثير الصديق‬‫التدقيق فيمن يصلح للخوة والصداقة حيث إ ّ‬
‫الحميم في سلوك صديقه كبير؛وربما استطاع أن يعيد صياغة‬
‫الكثير من أفكاره وأخلقه ومشاعره؛وقد ورد في الحديث‪":‬المرء‬
‫على دين خليله‪,‬فلينظر أحدكم من يخالل"‪0‬‬
‫ولذا فلبد من توفر بعض الصفات الساسية فيمن نختاره لعلقة‬
‫خاصة ‪0‬ويأتي على رأس تلك الصفات الستقامة واللتزام؛فهما‬
‫الرضية العريضة والصلبة التي تشكل عليها كل السمات الخرى‬
‫المطلوبه ‪0‬أضف إلى هذا توفر درجة مقبولة من التفتح والجديّة‬
‫والحرص على الوقت واليثار وبذل المعروف والشفافية والتعاون‬
‫والصراحة‪,‬وعدم سيطرة النزعة المادية عليه ‪000‬وكل هذه السمات‬
‫ذات درجات متعددة في الناس ‪0‬وربما كنا في بعض الحيان مثاليين‬
‫أكثر من الطبيعي‪,‬حيث نطلب من غيرنا ما ليس فينا ‪0‬وهذا من‬
‫ي)!‪0‬‬‫أسرار الشكوى التاريخية من انعدام وجود(الخل الوف ّ‬
‫د‪-‬إذا وجد المرء الخ الذي يبحث عنه‪,‬فليحسن عشرته‪,‬وليقم‬
‫بحقوق أخوته‪ ,‬وله أن يعلم أن العلقات الحميمة‪,‬يمكن أن تتحول‬
‫إلى علقات شكلية أو رسمية ‪ ,‬إذا لم يتوفر لها رعاية الكافية‬
‫والتحفيز المستمر ‪0‬ول ينبغي أن يتساهل في ذلك‪,‬فيخسر علقات‬
‫بناها خلل فترات طويلة‪,‬وقد يكون من الصعب بعد ذلك استعادتها‬
‫أو تعويضها ‪0‬‬
‫فإن الحـّر في الدنيا قليل‬ ‫سـك إن ظفرت بذيل حـّر‬‫تمـ ّ‬
‫هذه العلقة الخاصة تحتاج إلى رعاية شاملة ومشتركة ومتكافئة‬
‫نوعا ً ما ‪0‬ومن أشكال تلك الرعاية ما يلي‪:‬‬

‫_‪_253‬‬
‫‪-‬المساعدة المالية‪,‬فإذا وجد الصديق صديقه في أزمة‪,‬فإن عليه أن‬
‫يمد له يد العون قبل أن يشكو إليه حاله‪,‬ويسأله؛وقد ضرب‬
‫الصحابة الكرام المثل العلى في هذا الشأن‪,‬حيث تجاوز العديد‬
‫منهم منزلة المساعدة إلى مرتبة اليثار على نحو ما وصفهم الله‪-‬‬
‫تعالى‪-‬به في قوله‪{:‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم‬
‫خصاصة}[الحشر‪0]9:‬وكان بعض السلف يحذ ّر من صحبه من ل‬
‫يتعّرف على صديقه إل أوقات الرخاء‪,‬ويسميه بصديق العافية ‪0‬‬
‫‪-‬تقديم الخدمة والعانة بالنفس والجاه‪,‬من مواجب الخوة وحقوق‬
‫الصداقة‪ ,‬وكان أحد الصالحين يقول‪":‬إذا استقضيت أخاك‬
‫حاجة‪,‬فلم يقضها‪,‬فذكّره ثانية‪ ,‬فلعله يكون قد نسى‪,‬فإن لم‬
‫يقضها‪,‬فكبّر عليه‪,‬واقرأ هذه الية‪{:‬والموتى يبعثهم الله}[النعام‪:‬‬
‫‪0]36‬‬
‫‪-‬يتوقع الصديق من صديقه أن يفرح لفرحه‪,‬ويحزن لحزنه‪,‬كما يتوقع‬
‫منه الحرص على مصالحه وحفظ أسراره؛وإن الوفاء بتلك‬
‫التوقعات‪,‬مما يساعد على استمرار الخوة والصداقة ونحوها ‪0‬إذا‬
‫سمعنا ثناءً على أحد أصدقائنا‪,‬فمن المستحب أن ننقله إليه ‪0‬وإذا‬
‫احتاج المر إلى مناصحة‪,‬وإبداء ملحظة حول أمر يتعلق به‪,‬فعلينا أل‬
‫نبخل بذلك‪,‬بل إن هذا قد يكون مما يوجبه عقد اليمان واللتزام‬
‫‪0‬والتماس العذر له أيضا ً مما ينتظره؛ وقد قال ابن‬
‫المبارك‪::‬المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات"‪0‬‬
‫حسن الظن بالخ مطلوب أيضاً‪,‬وعلينا أن نحمل أفعاله وتصرفاته‬ ‫و ُ‬
‫ومواقفه على الوجه الحسن ما كان ذلك ممكناً ‪0‬شكر الصديق على‬
‫صنيعه‪,‬وإبداء السرور لمعاونته‪,‬مما يطلبه السلم من المسلم‪":‬من‬
‫لم يشكر الناس لم يشكر الله"‪0‬‬
‫خلُق أساسي وركن ركين‬ ‫‪-‬العفو عن الزلت والصفح عن الهفوات‪ُ ,‬‬
‫في رعاية الصداقة ‪0‬و إذا طلب الواحد منا الكمال في إخوانه‪,‬فلن‬
‫يجد يوما ً ما حوله منهم أحداً ‪0‬‬
‫شعَث أي الرجال المهذ ّب‬ ‫على َ‬ ‫مسه‬ ‫ولست بمستبق أخا ً ل تل ّ‬
‫فل بد من المفاتحة في بعض الحيان‪,‬وغض الطرف والتغافل في‬
‫أحيان كثيرة ‪ .‬كما أننا نلحظ على إخواننا بعض المور‪,‬فإنهم‬
‫يلحظون علينا مثلها أو أكثر ‪0‬‬
‫‪-‬الوفاء والخلص والثبات على المودة‪,‬وإكرام من يلوذ بالصديق‬
‫من أهل وأقرباء وأصدقاء ‪00‬أمور توطد الخوة‪,‬وتبعث فيها روح‬
‫التجديد والجاذبية‪,‬وقد ورد في الحديث أنه‪--‬أكرم عجوزا ً دخلت‬
‫_‪_254‬‬
‫عليه‪,‬فقيل له ذلك‪,‬فقال‪":‬إنها كانت تأتينا أيام خديجة‪,‬وإن كرم‬
‫العهد من اليمان"‪.‬ومن جملة الوفاء مواصلته ولو تباعدت الدار‪,‬‬
‫والتواضع له‪,‬وإن تباينت المنزلة الجتماعية‪,‬فالترفع على الخوان‬
‫بسبب ما يتجدد من الحوال دليل على رداءة الطبع ‪0‬‬
‫من كان يألفهم في‬ ‫إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا‬
‫الموطن الخشن‬
‫‪-‬ل تتم الخوّة‪,‬ول تكتمل الصداقة من غير ترك الكثير من التكلف‬
‫والكثير من الرسميات التي تنشأ بين الناس؛وكان أحد الخلفاء‬
‫يقول‪":‬ما من لذة من لذات الدنيا إل ذقتها سوى لذة واحدة‬
‫‪0‬قيل‪:‬ما هي؟قال‪:‬أخ أطرح مما بيني وبينه مؤونة التكلّف"‪0‬وقال‬
‫الفضيل‪":‬إنما تقاطع الناس بالتكلّف‪,‬يزور أحدهم أخاه‪ ,‬فيتكلف‬
‫له‪,‬فيقطعه ذلك عنه"‪0‬‬
‫سر في بعض الحيان على أنها‬ ‫ومع هذا فإن الخلطة الزائدة‪,‬قد تف َّ‬
‫اقتحام للخصوصيات‪ ,‬ولذا فل بد من الحذر ‪0‬‬
‫حين نعرف أن وجود الصديق الحميم في حياتنا‪,‬يعد موردا ً مهماً‬
‫لستكمال سعادتنا واطمئنانا ونضجنا‪,‬فإننا سوف نبحث عنه‪,‬ونحرص‬
‫عليه‪,‬ونرعي أخوته ‪0‬‬
‫‪-3‬العلقات الشفيـفة‪-:‬‬
‫نحن في حاجة مستمرة إلى أن نضفي على علقاتنا مسحة من‬
‫التأنق والشفافية واللمسات الحانية؛فذلك وجه من وجوه السمو‬
‫النساني‪,‬وجه من وجوه كبح (الوحش) الكامن في داخلنا ‪0‬وهو‬
‫أيضا ً ضروري لتسهيل الحياة‪,‬وجعلها أكثر دفئا ً ونمواً ‪0‬وكل ما‬
‫سنذكره مما يساعد على تحقيق ذلك ينبغي أن يظل مؤطراً‬
‫بإطارين عظيمين‪ :‬المشروعية والعتدال ‪0‬‬
‫ن فقد وسائل الشفافية في العلقات لطار المشروعية‪,‬يجعلها‬ ‫إ ّ‬
‫عامل تناقض وهدم في حياتنا بدل أن تكون عامل بناء وتقدم ‪0‬وإن‬
‫فقدها لطار العتدال يجعلها تقع في حيز التطّرف الذي يفضي في‬
‫خلُق وسلوك يقع‬ ‫النهاية إلى ضد ما أوجدت من أجله؛ فالفضيلة ُ‬
‫بين رذيلتين ‪0‬الذي يمنح علقاتنا الشفافية أمور كثيرة‬
‫ومتداخلة‪,‬وربما ذكرنا بعضها تحت عناوين أخرى‪,‬ولكن سنجملها هنا‬
‫لما لها من أهمية خاصة في هذا‪,‬ومنها‪:‬‬
‫‪-‬التجهم في وجوه الناس‪,‬ل يحل أي مشكلة‪,‬ول يعطي صاحبه وزناً‬
‫إضافياً؛ولذا فلنحاول دائما ً أن(نبتسم)‪0‬كل واحد منا قادر على أن‬
‫يعبس في وجوه الخرين ‪ ,‬لكن القادرين على البتسام في معظم‬

‫_‪_255‬‬
‫الحيان‪,‬هم الصفوة ‪0‬وفي الحديث الشريف‪" :‬تبسمك في وجه‬
‫أخيك صدقة‪0:‬‬
‫‪-‬إذا تجادلنا وتناظرنا حول موضوع ما فسوف نُبلْور أفكاراً‪,‬وربما‬
‫غيّرنا بعض القناعات‪ ,‬وربما أثبتنا أننا نتمتع بدرجة عالية من الفهم‬
‫والطلع ‪000‬‬
‫ولكن ربما خسرنا علقتنا بأخ آذيناه في نقاشنا‪,‬ولذا فل بد من‬
‫موازنة دقيقة بين ثمرات ذلك والضرار المترتبة عليه؛وليكن‬
‫الشعار في هذا‪":‬نتناقش وننقد ولكن في ظل علقة حميمة"‪0‬‬
‫‪-‬إذا أخطأ الواحد منا‪,‬ففي غالب أنه يتمكن من الدفاع عن‬
‫خطئه‪,‬ومعظم الناس يفعلون ذلك‪,‬لكن إذا أردنا الرتقاء بعلقاتنا‬
‫وإثبات أننا أعلى من المستوى المألوف‪,‬‬
‫فإن علينا أن نسرع إلى العتذار والعتراف بالخطأ والتقصير‬
‫‪0‬وعلينا أن نتذكر دائما ً أن المهم هو صورتنا أمام أنفسنا‪{:‬بل‬
‫النسان على نفسه ولو ألقى معاذيره}[القيامة‪ ]15-14:‬لنسمح‬
‫لخواننا ومجالسينا أن يظهروا تميّزهم ومواهبهم‪,‬ولنعطهم الفرصة‬
‫لذلك ‪0‬‬
‫يقول أحد الحكماء‪":‬إذا أردت أن توجد لك مزيدا ً من العداء‪,‬فتميّز‬
‫على أصدقائك‪ ,‬أما إذا شئت أن تكسب الصدقاء‪,‬فدعهم يتميّزوا‬
‫عليك"‪0‬‬
‫‪-‬إذا أردنا لفكار أن تنتشر‪,‬فعلينا أن نترك الخرين يشعرون بأنها‬
‫أفكارهم‪,‬وذلك يتم من خلل تقديمنا مقترحات أو رؤوس‬
‫صل فيها‪,‬أو يدلل عليها ‪0‬‬
‫أقلم‪,‬ونترك لغيرنا أن يف ّ‬
‫‪-‬مهما اختلفنا في رؤية الشياء‪,‬فإن هناك هامشا ً ثقافياً‬
‫مشتركاً‪,‬فلنحاول دائما ً توسعة ذلك الهامش وإثراءه‪,‬فذاك أفضل‬
‫سبيل لبناء حياة عامة آمنة ومنتجة ‪0‬مما يساعد على ذلك أن نحاول‬
‫فهم المور من وجهات نظر جديدة‪,‬وعلى نحو أخص من وجهة نظر‬
‫من ننازعه ونخاصمه ‪0‬‬
‫‪-‬حين نحاول إصلح بعض المور‪,‬فعلينا أل نصدر الوامر‬
‫الصريحة‪,‬ولكن نقدم اقتراحات حيث ل أحد يرتاح لسماع الوامر‬
‫والزواجر ‪0‬‬
‫‪-‬في كثير من الحيان نسبب الحراج لغيرنا دون أن نشعر‪,‬فيحس‬
‫الخرون كأنهم في سجن‪,‬ولذا فل بد من أن نحرص على تسهيل‬
‫ن علينا‬ ‫النسحاب لمن نحادثه‪ ,‬ونتيح له فرصة لحفظ ماء الوجه ‪0‬إ ّ‬

‫_‪_256‬‬
‫أن ننبه على الخطأ‪,‬ولكن نذكر أيضا ً أن إصلحه سهل وميسور‪,‬وأنه‬
‫خطأ غير مقصود ‪0‬‬
‫‪-‬لنستخرج النبل الذي في نفوس الخرين من خلل تقدير‬
‫جهودهم‪,‬والثناء على أعمالهم ومواقفهم الجيدة‪,‬ولنذكر أن ذلك من‬
‫سبل دعم الخير‪,‬وعامل من عوامل استمـراره ‪0‬‬
‫‪-4‬العــــلقات السـرية‪-:‬‬
‫إن معظم ما ذكرناه‪,‬وما سنذكره في العلقات الجتماعية‪,‬يصح‬
‫قوله في(الحياة السرية)‬
‫والتي تمثل الطبقة العمق في علقاتنا الخاصة‪,‬ولكن أحببنا أن‬
‫نخصها ببعض الملحظات لمالها من أهمية خاصة ‪0‬وما سأذكره هنا‬
‫جه للعلقة بين الزوجين على نحو خاص‪,‬حيث إنها تمثل محور‬ ‫مو َّ‬
‫السرية ‪0‬ولعلنا نشير هنا إلى النقاط التالية ‪-:‬‬
‫أ‪-‬علينا أن ندرك أن مضي الحياة الزوجية على إيقاع واحد‪,‬يولّد‬
‫السأم والملل‪ ,‬حيث صورة الحركة اليومية تتكرر باستمرار‪,‬لتفقد‬
‫الحياة كثيرا ً من معانيها‪ .‬مع مرور الزمن يحصل لدى الزوج‬
‫والزوجة نوع من التشبع؛فكا منهما قد عرف الخر معرفة كاملة‪-‬‬
‫كما يظهر‪-‬ووصل إلى قناعة بعدم جدوى النقاش أو النصيحة ‪,‬‬
‫مة من مخرج سوى‬ ‫فيصبح التصلب هو سيد الموقف‪,‬ولم يعد ث ّ‬
‫التكيف والصبر ‪000‬‬
‫الوصول إلى هذه الحالة شائع جدا ً في كثير من البيوت‪,‬وليس له‬
‫من دواء سوى أن يثبت كل طرف إلى الطرف الخر أن إمكانات‬
‫التجديد والتغيير‪,‬ما زالت موجودة ‪0‬‬
‫ويتجسد هذا في مفاجئة كل طرف للخر بتغيير رأيه ومواقفه حيال‬
‫بعض المسائل أو الشخاص أو العادات ‪0‬وإذا جربنا هذا وأشعناه في‬
‫حياتنا‪,‬فسوف نشعر وكأننا نولد من جديد‪,‬وستلوح في الفق طيوف‬
‫عيش مختلف ‪0‬التنازل الذي نتفاجأ به من قبل شريكنا‪ ,‬هو ينبوع‬
‫جر ذلك الينبوع‬‫المل بإمكانات متفتحة‪,‬ل حدود لها‪,‬وعلينا أن نف ّ‬
‫كلما أمكننا ذلك ‪0‬‬
‫ن كثيرا ً من النساء يتضايقن من بعض تصرفات أبنائهن أو‬ ‫ب‪-‬غ ّ‬
‫جاراتهن ‪ ...‬وهذا الضيق ينعكس على علقتهن بأزواجهن ‪0‬كما أن‬
‫كثيرا ً من الرجال يتضايقون من سوء ظروف العمل‪,‬أو من‬
‫العلقات خارج المنزل‪,‬ول يجدون متنَّفسا ً مما يضايقهم سوى‬
‫الزوجة والولد ‪000‬‬

‫_‪_257‬‬
‫وهكذا فالمكان الذي يأمل فيه النسان أن يكون واحة للمن‬
‫والراحة‪ ,‬والستعداد للعمل الشاق في يوم جديد‪,‬يصبح مكاناً‬
‫لتصريف الهموم!وقد اصطلح الناس على تسمية ذاك‬
‫ب(النكد)حيث تُضخم الشياء الصغيرة‪,‬وتُستغَل الهنات لحداث‬
‫تشويش كبير في الحياة الزوجية؛وحيث الحكم على ما يقبل‬
‫التأجيل بوجوب النجاز الفوري‪,‬وطلب ما ل يقبل التأجيل في الواقع‬
‫‪000‬‬
‫س‬
‫هذه الوضعية تحتاج في أول ما تحتاجه إلى(القلب الكبير)والح ّ‬
‫المرهف حتى ل تختلط علينا المور‪,‬ونحل مشكلت‪,‬نحن صنعناها‬
‫على حساب طرف ليس له فيها أي يد ‪0‬‬
‫ول بد مع هذا التدّرب على ترك مشكلت العمل في‬
‫العمل‪,‬ومشكلت البيت في البيت‪ ,‬والتدّرب على أن يكون للواحد‬
‫منا عقلن وقلبان‪,‬يجعل أحدهما لحياة العمل والسواق والعلقات‬
‫الخارجية‪,‬ويفّرغ الخر لحياته السرية التي‪,‬هي المحور الساسي‬
‫في عيشه وهنائـــــــــه‬
‫ج‪-‬لكل واحد من الزوجين اهتماماته وطباعه‪,‬كما أن له موروثات‬
‫تربوية وجينية خاصة‪,‬وكل هذا من عوامل التباين ‪0‬والذي كثيرا ً ما‬
‫نغفل عنه هو أن جوهر العلقة بين الزوجين‪,‬ل يقوم‬
‫على(التشابه)‪,‬وإنما على(التخالف)العضوي والنفسي والعقلي‪,‬ول‬
‫بد من أخذ بعين العتبار ‪0‬لكن هذا التخالف هو سر الحياة المنجبة‬
‫النامية‪,‬ول بد أن يحدث عنه بعض العقابيل الجانبية‪,‬والتي يمكن تحجيم‬
‫آثارها من خلل إبداء كل من الزوجين لعجابه بذوق الخر‬
‫واهتماماته‪ ,‬وبهمومه كذلك ‪0‬‬
‫إن إطراء أكلة صنعتها الزوجة‪,‬أو الثناء على إعادة ترتيب أثاث‬
‫البيت‪,‬ل يكلف شيئاً‪,‬لكن الزوجة تعده مكافأة مجزية للجهد المضني‬
‫الذي بذلته في ذلك؛ وعلى المرأة أن تفعل نحو ذلك حيال إنجازات‬
‫زوجها وأعماله ‪0‬‬
‫د‪-‬التفاصيل الصغيرة في الحياة الزوجية‪,‬ليست صغيرة‪,‬فإهمال‬
‫الزوجة للنطق ب(مع السلمة)أو(صباح الخير)أو السؤال عن سبب‬
‫سر لدى الزوج تفسيراً‬‫انزعاج زوجها ‪000‬وما شابه ذلك‪,‬يف َّ‬
‫مل دللت أكبر مما يتحملها ‪0‬وعدم سؤال الزوج لزوجته‬ ‫سيئاً‪,‬ويح ّ‬
‫عن سبب نومها المبكر‪,‬أو عن سبب قلقها حيال موضوع ما‪,‬أو عن‬
‫سبب مقاطعة جارتها ‪000‬‬

‫_‪_258‬‬
‫سر من قبل المرأة على إنه إهمال من الزوج‪,‬وعدم‬ ‫كل هذا يُف َّ‬
‫اكتراث بالحياة الزوجية كلها ‪0‬ولذا فلبد من ملحظة ذلك بعناية‪,‬إذا‬
‫ما أريد للعلقة بين الزوجين أن تمضي على خير وجه ‪0‬‬
‫ه‪-‬وجود النقاش بين الزوجين أمر يتكرر يوميا ً تقريباً‪,‬وهو إن دل‬
‫على شيء‪ ,‬فإنما يدل على إيمان مشترك بضرورة توحيد المفاهيم‬
‫والمواقف تجاه الشياء المختلفة؛لكن لن سلسلة المعقولت لدى‬
‫الرجل والمرأة‪,‬ليست متطابقة ‪0‬ولن هناك عوامل تباين عديدة‬
‫أخرى‪,‬فغن النقاشات ل تنتهي في كثير من الحيان إلى وفاق ‪0‬‬
‫وانتشار هذه الظاهرة كبير في السر التي نالت أعلى درجات‬
‫التعليم‪,‬وفي السر التي لم تنل أي قدر منه ‪0‬لكن الذي يختلف هو‬
‫أسلوب النقاش‪,‬ومستوى المسائل المطروحة له ‪0‬أما النتائج‬
‫فواحدة تقريباً ‪0‬‬
‫وقد دلت دراسة أمريكية حديثة على أن من أكثر العوامل التي‬
‫تجعل النقاش بين الزوجين‪,‬يفضي إلى الطلق والفراق هو‬
‫النسحاب من المناقشة‪,‬وإسكات أحد الطرفين الخر‪,‬وكأن لسان‬
‫الحال يقول‪:‬ل فائدة من الستمرار في الحوار‪ ,‬والطرق أمام‬
‫الوفاق مسدودة ‪0‬ولذا فإن من المهم جدا ً أن نمتلك طول النََّفس‬
‫على سماع وجهة نظر الشريك‪,‬وإذا أردنا إقفال الحوار‪,‬فليكن‬
‫إقفال ً لطيفا ً ومؤقتا ً ‪ ,‬كأن يقول‪:‬أعطينا هذه المسألة الن من‬
‫الكلم أكثر مما تستحق‪,‬وقد بدأنا نكرر ما قلناه من قبل‪,‬والحسن‬
‫أن نترك الموضوع لننظر فيه في وقت أوسع ‪0‬‬
‫و‪-‬هناك حقيقة واضحة‪,‬تعد إحدى العلمات الفارقة بين الرجل‬
‫والمرأة‪,‬وهي غلبة حب (الستهلك)على المرأة؛ولذا فإن إنفاق‬
‫الرجل على البيت‪,‬وترفيهه لسرته‪,‬هو المعيار لكفاءته ولياقته‬
‫السرية ‪0‬وإن كثيرا ً من العلقات الزوجية ينهار بسبب شح‬
‫الرجل‪,‬أو ضيق ذات يده‪,‬أو تقاعسه عن كسب رزقه؛ونجد في‬
‫أدبياتنا العديد من النصوص التي تحث المسلم على النفاق على‬
‫عياله‪,‬حيث يُعد ّ ذلك من أفضل الصدقات إذا احتسبه‪,‬ومنها قوله‪-‬‬
‫‪[-‬دينار أنفقته في سبيل الله‪ ,‬ودينار أنفقته في رقبة(‪,)1‬ودينار‬
‫تصدقت به على مسكين‪,‬ودينار أنفقته على أهلك ‪,‬أعظمها أجراً‬
‫الذي أنفقته على أهلك][(‪)1‬أي في عتق إنسان وتخليصه من الرق ‪0]0‬‬
‫وعلى المرأة في المقابل أن تصبر على الظروف القاسية التي قد‬
‫تمر بها أسرتها‪ ,‬وأن تحسن إدارة المكانات المحدودة التي بين‬
‫يديها‪,‬حتى يجعل الله بعد عسر يسراً ‪0‬‬
‫_‪_259‬‬
‫‪-5‬منـح الثقة‪-:‬‬
‫يستحيل قيام حياة اجتماعية من غير قدر ما من الثقة تؤسس عليه‬
‫العلقات المختلفة ‪ 0‬ومهما اخترع البشر من نظم وقوانين لتنظيم‬
‫علقتهم‪,‬فإنه سيظل هناك فراغات عديدة‪,‬ل يمكن تسيير الحياة فيها‬
‫من غير الثقة ‪0‬ويمكن الستغناء عن الثقة إذا تحول الناس إلى آلت‬
‫صماء‪,‬أو انعدمت العلقات بينهم‪,‬وهذا ما ل يكون ‪0‬‬
‫حين نبني علقات تجارية‪,‬أو نقوم بإنجاز أعمال مشتركة في‬
‫أجواء‪,‬الثقة فيها ضئيلة‪ ,‬فإننا سننشئ الكثير من النظم والقيود التي‬
‫تسيّر العمل‪,‬وسوف تركّز المسؤوليات في أيدي أشخاص قليلين جداً‬
‫‪0‬أضف إلى هذا أن تحسين النتاجية‪,‬سيتم من خلل الثواب‬
‫والعقاب(الجزرة والعصا)وهذا سيؤدي إلى نتائج وخيمة جداً‪,‬حيث تسود‬
‫أجواء الرقابة والتجسس و(البوليسية)‪,‬كما أن الشخاص الذي بيدهم‬
‫صنع القرار‪ ,‬سيجدون أنفسهم عاجزين عن متابعة ما يجري‬
‫وتسييره؛مما سيؤدي إلى تعويق العمل‪ ,‬وخنق روح المبادرة‪,‬وتبخر‬
‫سن‬ ‫الحساس بالمسؤولية ‪000‬والنتيجة النهائية انخفاض في النتاجية‪,‬وتأ ّ‬
‫خلقي‪,‬يصبغ العلقات القائمة ‪0‬‬
‫هل البديل لهذا أن نمنح الثقة الكاملة لمن تربطنا بهم علقات‬
‫اجتماعية أو علقات عمل‪,‬ونرتاح من النظم واللوائح والمتابعات؟‪0‬‬
‫يبدو أن الحل الصحيح ل يكمن هنا ول هناك ‪0‬ولعلنا نسلّط بعض الضواء‬
‫التي تنير لنا الطريق في هذه المسألة من خلل الرشادات التالية‪-:‬‬
‫‪-‬إن منح الثقة للخرين يحمل مسحة طرفين‪:‬المانح والممنوح؛فقد‬
‫يكون المانح من الذين ل يرغبون في الوثوق بالخرين‪ ,‬وقد يكون‬
‫مفْرِطا ً في ذلك‪,‬فيضع الثقة في غير محلها ‪0‬الذين نثق بهم‪,‬قد‬
‫يستحقون ما نمنحهم إياه من ثقة عن جدارة‪,‬وقد يأخذون أكثر من‬
‫حقهم‪,‬وقد يحرمون مما هم أهل له ‪ .‬وليس لدينا معايير صارمة تمكننا‬
‫من القيام بذلك بدقة وموضوعية ‪0‬‬
‫‪-‬إن أي منح للثقة يجب أن يتم في إطار من بعض النظم والترتيبات‬
‫المعتدلة‪ ,‬وإن العتماد على النظم دون ثقة يشكل وضعا ً يسوده الشك‬
‫والترقب والتهام‪ ,‬كما أن العتماد على الثقة دون نظم‪,‬يحد من فاعلية‬
‫الثقة‪,‬ويجعلنا نشعر على نحو متزايد أننا وضعناها في غير محلها ‪0‬غن‬
‫ن‬
‫تركك النقود حول مكتبك‪,‬يزيد من إغراء الخرين بالتقاطها‪,‬وإ ّ‬
‫القادمين إلى بلد سيكونون أقل التزاما ً بالتعليمات إذا علموا أنه ليس‬
‫هناك تفتيش على حقائبهم وهكذا ‪000‬‬
‫‪-‬معظم الناس‪,‬يعرفون خطورة الفراط في منح الثقة‪,‬ويدركون‬
‫آثاره‪,‬لكن القليل من الناس من يدرك الضرار المترتبة على حجب‬
‫الثقة عن الخرين؛ فالوالد الذي يساعد الطفل على إنجاز كل شيء‬

‫_‪_260‬‬
‫ن المرء يتعرض‬ ‫بإتقان‪,‬أو يحاول أن يحميه من أي خطر(‪)1([)1‬إ ّ‬
‫س‬
‫للمخاطر إذا لم يخاطر]‪,‬ينتقص من قدرة الطفل على إنضاج ح ّ‬
‫المسؤولية لديه‪,‬ويحد من احتمال أن يصبح جديرا ً بالثقة ‪0‬لماذا يكلف‬
‫الطفل نفسه مشقة النظر إلى اتجاهي الطريق قبل اجتياز الشارع إذا‬
‫كان مستوثقا ً أن شخصا ً ما سيقوم عنه بهذه المهمة؟‬
‫الساس الذي نمنح بناء عليه الثقة كثيرا ً ما يكون غامضاً‪,‬أو يكون‬
‫تصورنا له غير دقيق‪ ,‬فقد يحكم أحدنا على جدارة صديق بالثقة بناءً‬
‫على ابتسامة العريضة‪,‬أو طول مدة العلقة ‪0‬‬
‫خلُقية في‬‫وحين نمنح إنسانا ً قرضا ً حسنا فإننا نعتمد على صفاته ال ُ‬
‫المل باسترداد القرض‪,‬وكثيرا ً ما نعرض عن التفكير في قدرته‬
‫على رد المبلغ الضخم الذي اقترضه‪,‬ول سيما إذا كان وقت حلوله‬
‫قريباً ‪0‬‬
‫ن كثيرا ً من العمال القتصادية‪,‬أخفق‪,‬وانتهى إلى الفلس‪,‬مع أن‬ ‫إ ّ‬
‫خلُق والمانة‪,‬لكن ل يملكون ما‬ ‫القائمين عليه من درجة عالية من ال ُ‬
‫يكفي من الكفاءة والحنكة وحسن الدارة لقيادة أعمالهم في‬
‫سبيل النجاح ‪0‬وهذا يجعلنا نفكر مليا ً في الساس الذي نمنح على‬
‫أساسه الثقة للخرين ‪0‬‬
‫‪-‬لعل من السس الجيدة في مسألة منح الثقة‪,‬العتماد على تحديد‬
‫درجة المخاطر التي أقدم عليها حين أضع ثقتي في فلن من‬
‫الناس‪,‬وليس على ما يتمتع به من أخلق وسيرة حسنة؛فالذي يريد‬
‫أن يودع سرا ً خطيرا ً في حياته لدى شخص‪,‬أو الذي يريد أن‬
‫يستثمر لديه(تحويشة العمر)عليه أن يفكر مليا ً قبل أن يقدم على‬
‫هذه الخطوة في الضرار التي يمكن أن تلحق به نتيجة لذك ‪0‬‬
‫وحين نفكر في هذا التجاه‪,‬فغننا ل نتساءل عن مدى صلحية ذلك‬
‫الشخص لتحميل ما نريد تحميله إياه بمقدار ما نتساءل عما إذا كان‬
‫القيام بذلك أصل ً صواباً‪,‬ما دامت المخاطر التي يمكن أن تقع‬
‫بسبب ذلك فادحة ‪0‬‬
‫نعم قد نضطر في بعض الحيان إلى فعل ذلك‪,‬ونختار السيَّئ‬
‫لنتخلص من السوأ؛ فلن آوي إلى زورق نجاة مع شخص تحوم‬
‫حوله شكوكي‪,‬خير لي من أغوص في الماء غريقا ً مع السفينة‬
‫حكَم‪,‬والموازنة بين مخاطر منح الثقة‬ ‫‪0‬المخاطر المتوقعة إذا ً هي ال َ‬
‫‪,‬ومخاطر الثقة في أمر ما هي الفيصل في ذلك ‪0‬‬
‫إن على كل واحد منا أن يؤهل نفسه لن يكون موثوقاً‪,‬وأهل ً لتحمل‬
‫الثقة والمسؤولية والمانة‪,‬كما أن عليه أن يتأمل مليا ً قبل أن يضع‬
‫ثقته في زيد وعبيد‪,‬وليكن الشعار‪:‬‬
‫_‪_261‬‬
‫(لكن جديرا ً بالثقة إلى أقصى حد‪,‬ولكن ل أمنح ثقتي إل على‬
‫أصول واضحة‪,‬وضمن حدود معينة)‪0‬‬

‫‪-6‬عـلقات لنـفع الجميع‪-:‬‬


‫إذا راجعنا الحقوق والدبيات التي يرتبها السلم الحنيف على‬
‫أشكال التواصل الجتماعي‪,‬وأنماط العلقات النسانية‪,‬وجدنا أنه‬
‫يريد لها دائما ً الستمرار والتكافؤ‪ ,‬فاستمرار العلقات الطيبة هو نبع‬
‫لخير دائم؛حيث ل يمكن بناء مجتمع جيد من أفراد‪ ,‬ل تسود بينهم‬
‫درجة من الندماج والتعاون؛وحيث يتكلس المجتمع حين تضيق فيه‬
‫معابر الخذ والعطاء والتأثير والتأثر ‪0‬‬
‫لكن هذه الحالة مشروطة بوجود نوع من التكافؤ في‬
‫العلقات‪,‬بمعنى أن يشعر الجميع أنه يأخذ ويعطي وفق مستويات‬
‫متساوية أو متقاربة‪,‬ولذا فجميع العقود في السلم‪,‬وكذلك حقوق‬
‫القرابة والجوار ‪000‬قائمة على هذا الساس؛لن الله‪-‬جل وعل‪-‬الذي‬
‫برأ الخلق وفطرهم‪,‬يعلم ذلك منهم‪,‬ولذا شرع لهم ما يصلحهم ‪0‬ل‬
‫ريب أنه مهما حصل من تقنين ووزن للعلقات الجتماعية‪,‬فسيظل‬
‫هناك من عليه أن يقدّم تضحيات أكثر في بعض الحيان‪,‬لكن ذلك‬
‫يكون مؤقتا ً و مؤطرا ً بإطار التحمل والوسع‪,‬ويكون هناك في العادة‬
‫نوع من الفسحة للنسحاب ‪.‬‬
‫الزوجة التي توفي زوجها‪,‬وترك صبية صغارا ً مطالبة‪-‬أدبياً‪-‬أن‬
‫تضحي‪,‬وتمتنع عن الزواج حتى تربيهم ولكن لو أحبت‬
‫النسحاب‪,‬فغن لها ذلك‪,‬وترتب الشريعة الغراء بعد ذلك لمسألة‬
‫الرعاية والحضانة من يقوم بها ‪0‬وفي حال قبولها بالتفرغ لتربيتهم‬
‫فإن ذلك لن يكون من غير مكافأة وثواب من الله‪-‬تعالى‪-‬ويمكن أن‬
‫تقول هذا في مسألة الكفاءة في الزواج‪,‬وفي أبواب العقود‬
‫التجارية؛فالعقد يرتب حقوقا ً ومنافع متساوية‪,‬ويضمن فرصاً‬
‫متكافئة‪,‬ولمن يبدي سماحة أكثر في تطبيقه أجر‪,‬لكن ل يلزم أحد‬
‫بشيء ل يرغب اللتزام به ‪0‬‬
‫الناس في أوضاعهم و سلوكاتهم اليومية‪,‬وفي علقاتهم العامة‪,‬يغلب‬
‫عليهم طبع الستئثار والفوز بأكبر قدر من المغانم في مقابل تحمل‬
‫أدنى قدر من المغارم‪ ,‬فيطبعون علقاتهم بطابع الشح والستبداد‬
‫ب بناء القصور المشيّدة من أنقاض أكواخ الفقراء‬
‫والستغلل‪,‬وح ّ‬
‫والمساكين‪,‬وهذا من أكبر مصادر الشقاء الجتماعي ‪0‬بعضهم يتصرف‬

‫_‪_262‬‬
‫ي وعلى أعدائي]فيدمر‬ ‫أحيانا ً بروح انتقامية ثأرية‪,‬فيطبق فلسفة [عل ّ‬
‫بحمقه نفسه وشكاءه ‪0‬‬
‫وهناك نمط آخر يفضل دائما ً أن يُستغل‪,‬وأن يبقى في المؤخرة‪,‬وذلك‬
‫ليس عن زهد واحتساب‪,‬وإنما عن ضعف وانهزام‪,‬وهو بذلك يحكم على‬
‫علقاته أن تنتهي إلى الضمور والفلس‪,‬كبئر يُنزح منها باستمرار دون‬
‫أن تمدها منابعها بما يكفي من الماء ‪0‬‬
‫إن حجر الزاوية في العلقات المستمرة والمتكافئة والنافعة للجميع هو‬
‫[الستقامة] إذ هي التي تساعد المرء على أن يكون محل ثقة‬
‫الخرين‪,‬وهي عينها التي تساعده على الوفاء بالتزاماته تجاه أخيه‪,‬وهي‬
‫جدي مع الخرين؛وإذا لم يتوفر هذا‬ ‫عينها التي تفتح له باب التفاعل الم ُ‬
‫المبدأ في حياتنا‪,‬فستكون كل الوسائل التي نصطنعها في علقاتنا‬
‫عبارة عن تقنيات سطحية‪,‬وإن الناس سيشعرون في حال فقد‬
‫الستقامة أننا نخدعهم‪,‬ونحاول ابتزازهم؛وبالتالي فإن علقتنا‬
‫معهم‪,‬ستنتهي‪,‬أو تتقلص ‪0‬‬
‫الستقامة مفهوم شرعي‪,‬وأدبياتها شرعية إنسانية‪,‬وهذا هو الذي يمنحها‬
‫مرجعية تعبدية؛ حيث تكون كل عوامل العلقات النافعة للجميع من‬
‫صدق وإيثار وتحمل للذى‪,‬وعفو عن الزلّت وصراحة وتعاون‬
‫‪000‬أخلقيات يُتقَّرب بها إلى الله‪-‬تعالى‪-‬ويُرجي ثوابها ‪ 0‬وهذا هو الذي‬
‫يمنح توازن هذا النوع من العلقات بُعدا ً جديدا ً ول يخضع للمعادلت‬
‫الدنيوية؛وهذا ليس بالمر القليل ‪0‬‬
‫ل المبادئ التي يجب‬ ‫‪-‬النضج والقدرة على الموازنة الدقيقة من أج ّ‬
‫توفرها في هذه العلقات‪,‬حيث إن المطلوب أن يدرك المرء‬
‫خصوصياته وخصوصيات الخرين‪ ,‬وأن يوازن بين استقامة العلقة‬
‫واستمرارها‪,‬وبين عطاءاتها على المدى القصير و عطاءاتها على المدى‬
‫البعيد ‪000‬‬
‫وعلى سبيل المثال‪,‬فإن المرء مطالَب في علقات كهذه أن يوازن بين‬
‫قوة فرديته وحقوق انتمائه وبين الثقة بالنفس واحترام الخرين وبين‬
‫النقد والحتفاظ بعلقات طيبة مع الخرين‪,‬وبين النصر الخاص والنصر‬
‫العام‪,‬وبين اللطف والصلبة في الحق ‪.‬‬
‫وهكذا فعلى المرء أن يسير على حبل مشدود‪,‬ويستخدم حتى ل يسقط‬
‫كل ما لديه من خيال ووعي وإرادة حّرة وحكمة ‪0‬‬
‫عقلية الوفرة‪,‬أو اليمان بوجود الفائض‪,‬ومبدأ مهم هو الخر فيما نحن‬
‫بصدده ‪ .‬والمسلم يعتقد على نحو عام أن التفكير من خلل أنماط‬
‫الشح والكوارث‪,‬ليس بالتفكير السديد‪ ,‬فالخير كثير‪,‬والفرص أيضاً‬
‫كثيرة‪,‬وهناك دائما ً ما يتسع للجميع ‪ .‬وما نشاهده من أزمات‬

‫_‪_263‬‬
‫اقتصادية‪,‬وعسر‪,‬يعود إلى قصور إنساني وسوء توزيع في المقام الول‬
‫‪.‬‬
‫وإلى هذا المعنى يشير قول الله‪-‬جل وعل‪{:-‬الشيطان يعدكم الفقر‬
‫ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضل ً والله واسع‬
‫عليم}[البقرة‪0]268:‬الناس الذين يعتقدون أنه ليس هناك ما يكفي‬
‫الجميع‪ ,‬يشعرون بالمقت والحسد والغيرة‪,‬إذا ما حصل غيرهم على‬
‫بعض المتيازات أو الرباح أو الفرص‪,‬وكأن ذلك نُزع منهم نزعاً‪,‬وكأن‬
‫تقدُّم الخرين‪,‬ل يتم إل على حسابهم ‪0‬وهم في المقابل يبتهجون في‬
‫ب ذلك في مصالحهم‬ ‫سرهم إذا عاني غيرهم‪,‬أو خسر على أمل أن يص َّ‬
‫في نهاية المر!‪0‬‬
‫المؤمن يعتقد أن ما كان له لن يكون لغيره‪,‬وأن ما ليس مقدرا ً له لن‬
‫يناله بقوته وبراعته‪ ,‬ولذا فهو يتوشح دائما ً بالرضا والطمأنينة‪,‬ويعتقد أن‬
‫نجاح أي مسلم‪,‬هو نجاح للمة التي ينتسب إليها‪,‬وأنه سيصيبه شيء‬
‫من ذلك النجاح على نحو ما ‪0‬‬
‫إن هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا الصدد؛ولكن سيظل مدار‬
‫كثير من النجاح متوقفا ً على ما يمكن أن نملكه من قدرة على التضحية‬
‫والبذل وإيثار الجل على العاجل ‪0‬‬
‫‪-7‬إيضـــــــــــاح التوقعــــــات‪-:‬‬
‫من غير الممكن إخضاع العلقات الجتماعية للتقنين‪,‬كما أن من‬
‫غير الممكن دائما ً وضع الحدود الفاصلة بين ما ترتبه العلقات‬
‫المختلفة من حقوق وواجبات‪,‬وبين ما يتطوع به الفرد من باب‬
‫الشهامة والنبل؛فطبيعة ألفاظ التحية والمجاملة عند المقابلة‪,‬‬
‫وطبيعة ما يدور في المجالس من أحاديث توحي بوحدة‬
‫الحال‪,‬وتساوي المشاعر والمصالح‪,‬مما يدفع الناس إلى أن يتوقعوا‬
‫من وراء علقات القرابة والجوار والصداقة ‪00‬‬
‫مله ‪0‬‬‫أكثر بكثير مما تتح َّ‬
‫ونجد هذا أكثر وضوحا ً بين القرباء والجيران حيث العقاب على‬
‫ل من تكرارها!‪0‬‬ ‫التقصير‪,‬هو سيد الموقف‪,‬وهو اللزمة التي ل يم ُّ‬
‫ُ‬
‫من المهم لستقرار العلقات الطيبة واستمرارها أن يفهم الطرف‬
‫الخر ما يمكن له أن يتوقعه‪,‬ولو بطريقة غير مباشر‪-‬من وراء‬
‫علقته بي؛فذاك خير من صدمات شعورية وعاطفية‪,‬لها‬
‫بداية‪,‬وليس لها نهاية ‪0‬‬
‫بعض الناس يعتقد أن على أصدقائه أن يقرضوه ما يحتاج من‬
‫مال؛لكن الصدقاء لهم تجارب مماطلة مريرة معه ومع غيره‪,‬وهذا‬
‫سيدفعهم إلى الحجام ‪0‬وإذ تم القرض‪ ,‬وطلب المقرض من‬
‫_‪_264‬‬
‫أحدهم(وثيقة إثبات)للدين‪,‬فإنه يتضايق‪,‬ويعد ذلك مما يخدش‬
‫الصداقة‪,‬مع أن ذلك مطلب شرعي ‪0‬‬
‫قد تكون أنسب طريقة ليضاح ما لكل طرف أن يتوقعه من‬
‫الطرف الخر‪,‬هو إيجاد ثقافة اجتماعية ترسم معالم مثل هذا المر‬
‫في إطار من ثوابت الشريعة وآدابها‪,‬وفي إطار من المفاهيم التي‬
‫تشع بعض معاني الستقللية والخصوصية ‪0‬‬
‫والذين يرتبون العباء الضافية على العلقات الجتماعية‪,‬هم أولئك‬
‫الذين يطلقون الكلمات المعسولة‪,‬ويسرفون في إعطاء‬
‫الوعود‪,‬على نحو ما يفعل الخاطب مع خطيبته حين يسرد لها عن‬
‫مناقبه وبطولته‪,‬وحين يصور لها الحياة معه على أنها سمن وعسل‬
‫ل وياسمين ‪000‬‬‫وف ّ‬
‫ل بد مع هذا من أن نتعلم المسامحة والتماس العذار‪,‬فالصديق‬
‫الذي خالف العرف‪,‬ولم يصطحب معه هدية في مناسبة زواج أحد‬
‫أولك ‪000‬قد يكون ناسياً‪,‬وقد يكون ل يملك ثمنها‪,‬وقد يكون حضر‬
‫على عجل‪,‬فلم يتمكن من شرائها ‪000‬وإذا استمر هذا منه فإن علينا‬
‫أن نشطب ذلك نهائيا ً من توقعاتنا منه‪,‬ونتعامل معه وفق النمط‬
‫الذي يراه هو ‪0‬‬

‫_‪_265‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫الختلف والتنوع في إطار الوحدة‪,‬من اكبر حقائق هذا‬


‫الوجود‪,‬فنحن مختلفون على مقدار ما نحن متفقون ‪0‬التفاق يمنحنا‬
‫إمكانات هائلة للتعاون والبناء المشترك ‪0‬‬
‫والختلف مصدر للثراء والتجديد والصقل والبداع والنمو ‪000‬ونحن‬
‫بحاجة إلى كل ذلك ‪0‬بيننا اختلفات نفسية وعاطفية وعقلية‪,‬ولكل‬
‫منا نشأته وثقافته وتجربته ومصالحه وأوضاعه الجتماعية‬
‫والقتصادية‪,‬وكل هذا يمنح المشروعية للختلف في كثير من‬
‫المور ‪0‬‬
‫إذا أردنا أن نعترف بالختلف‪-‬بل الصراع أحياناً‪-‬فإن مفتاح ذلك‬
‫يتطلب منا العتراف بأن الناس ل يرون الحقائق القائمة على ما‬
‫هي عليه‪,‬أو بعيون مجردة‪ ,‬وإنما يرونها عبر نظارات وأغشية من‬
‫ثقافتهم وفهمهم واهتمامهم؛ولذا فإن كثيرا ً من الخلف يقع حيث‬
‫نوقن أنه ل خلف ‪0‬ولذا فل بد أن نعترف أننا حيال التفاصيل‬
‫الدقيقة‪,‬ل بد مختلفون‪,‬‬
‫وعلينا بعد ذلك أن نحاول تأطير الخلف وتمحيصه؛لنصل إلى حالة‬
‫من التحديد المتدرج للنزاعات‪,‬وبَلْوَرة أسس ف ّ‬
‫ضها وتجاوزها ‪0‬‬
‫أســـــــباب وجود الختلفات ‪0‬‬
‫هناك أسباب كبرى تشكل بيئة الخلف والصراع‪,‬وهناك أسباب‬
‫جزئية قد يتوفر بعضها لدى بعض الناس دون بعضهم الخر ‪ 0‬فمن‬
‫السباب الكبرى‪-:‬‬
‫‪-1‬القيم والمفاهيم والفكار التي نرى من خللها الوجود‪,‬تشكل أهم‬
‫المصادر التي تؤسس للخلف والختلف والصراع؛حيث إنها تصوغ‬
‫وجودنا الفكري على نحو متباين‪,‬‬
‫وتمدنا بالمعايير التي تحدد موقفنا من مجمل السلوك البشري ‪0‬‬
‫‪-2‬نحن نعيش في عالم يزداد تعقيدا ً وتنوعاً‪,‬فهناك اليوم من كل‬
‫شيء أنواع كثيرة‪,‬وهذا التنوع‪,‬يعني توفر خيارات كثيرة‪,‬ووجود‬
‫الخيارات باب واسع للختيار المتعدد‪,‬أي للخلف والختلف‬
‫‪0‬وباختصار إن الناس على قدر اختلفهم يريدون أشياء مختلفة‪,‬و‬
‫لهذا فإن الشياء التي ترضي الجميع جوانب الحياة جداً‪,‬وهذا وإن‬
‫كان يذكر في مجال السلع‪,‬إل أنه يمتد ليشمل جوانب الحياة كافة ‪0‬‬
‫‪-3‬اجتماع الناس مع بعضهم يولّد بطبيعته توترات‪,‬فبغض النظر عن‬
‫المكان الذي يعمل فيه أحدنا‪,‬فإنه سيواجه شيئا ً مشتركاً‪,‬وسيكابد‬

‫_‪_266‬‬
‫مال بد له من مكابدته‪,‬وهو الصطدام‪-‬على مستويات مختلفة‪-‬مع‬
‫الخرين ‪0‬إن سوء الفهم وعدم تطابق الذوات والمفاهيم‬
‫والحتياجات عوامل أساسية في جعل اجتماع الناس مصدرا ً للتوتر‬
‫والختلف ‪0‬‬
‫‪-4‬إننا نعيش‪,‬ونعمل في عالم موارده المنظورة محدودة‪,‬وعقلية‬
‫الشح والخوف من المستقبل التي تطبَّع بها أكثر الناس‪,‬تزيد المر‬
‫سوءاً‪,‬ويشعر معظم الناس أنهم ل يحصلون على ما يريدون ‪0‬وهذا‬
‫في حد ذاته مصدر لنزاعات كثيرة ‪0‬‬
‫أما السباب الجزئية التي تولّد الصراع والخلف فهي كثيرة‬
‫جداً‪,‬نذكر أهمها في التي‪:‬‬
‫ف مديَره يغدق‬ ‫‪-‬حين يجد الطفل أباه يحابي أخاه‪,‬أو يجد الموظ ُ‬
‫المكافآت على من ل يستحقونها في نظره‪,‬على حين يُحرم هو‬
‫منها‪,‬فإن ما سيحدث هو الشعور بالمرارة والظلم والشعور‬
‫بالتحامل على الب والمدير‪,‬وعلى أولئك الذين نالوا أكثر من‬
‫غيرهم ‪0‬‬
‫‪-‬وبعض الناس‪,‬يحملون بين جوانبهم روحا ً عدوانية‪,‬وكأن الواحد‬
‫منهم‪,‬يبحث دائما ً عمن يتشاجر معه ‪0‬‬
‫‪-‬قسم غير قليل من الناس‪,‬عنده نقص في المرونة الفكرية‬
‫والنفسية فالصرار والعناد على مال نهاية سمة جوهرية في تعامله‬
‫وعلقاته ‪0‬‬
‫‪-‬حين يعاني شخص من انخفاض معنوياته‪,‬أو من شعوره بعدم‬
‫جه إليه على أنه‬ ‫سر أي نقد يو َّ‬ ‫المان أو الستقرار في حياته‪,‬فإنه يف َّ‬
‫هجوم شخصي عليه‪,‬مما يسبب له الذى‪ ,‬ويجعله يتخذ مواقف‬
‫حادة‪,‬ممن ينصحه أو ينقده ‪0‬‬
‫‪-‬نختلف في وزن المعلومات والشارات التي تصل إلينا من الواقع‬
‫المعيش والمحيط الجتماعي‪,‬كما نختلف في تحديد صدقها‬
‫وتفسيرها طبقا ً لختلف أفكارنا وثقافتنا والزاوية التي ننظر‬
‫منها‪,‬مما ينعكس على مواقفنا وردود أفعالنا ‪0‬‬
‫‪-‬الختلف في الوسائل والساليب التي علينا أن نعتمدها في إنجاز‬
‫أمر‪,‬أو تغيير واقع‪,‬سبب مهم من أسباب الختلف ‪0‬‬
‫‪-‬التنافس من أجل السيطرة‪,‬وتسلّم زمام المور‪,‬أدى على مدار‬
‫ة ودموية ‪0‬‬ ‫التاريخ إلى أسوأ أنواع الصراع‪ ,‬وأكثرها وحشي ً‬
‫‪-‬التوقعات التي لم تتحقق كثيرا ً من البنى والعلقات الجتماعية في‬
‫مهب الريح؛‬

‫_‪_267‬‬
‫فالرجل الذي يطلّق زوجته‪,‬يفعل ذلك لنه لم يجد لما كان يتوقعه‬
‫منها ‪0‬ومدير المصنع الذي طرد أحد عماله‪,‬فعل ذلك‪,‬لنه لم يحصل‬
‫على ما كان يتوقعه منه ‪0‬وهكذا فعناك الكثير الكثير من السباب‬
‫التي تُصدّع العلقات‪,‬وتُسبَّب الخلف في وجهات النظر‬
‫والمواقـــــــف ‪0‬‬
‫كيف نقلل من الخلفات مع الخرين؟‬
‫لبد أن نختلف‪,‬ولكننا نستطيع أن نؤطر الخلف‪,‬ونجعله موضوعياً‬
‫ومنتجا ً ومحدداً ‪ ,‬وذلك من خلل عدد من الجراءات‪,‬نذكر منهـا‪-:‬‬
‫‪-1‬على الواحد منا أن يثق في عون الله‪-‬تعالى‪-‬له وأن يخطط‬
‫لستغلل موارده‪-‬مهما كانت محدودة‪-‬على الوجه الكمل؛فبذلك‬
‫يتمكن من أمر مهم في تجنب الصراع‪,‬أل وهو التقليل من المال‬
‫التي يعقدها على الخرين إلى أدنى حد‪,‬حيث يقل عتبه على‬
‫الخرين‪,‬كما تقل خيبة أمله فيهم ‪0‬ويسنأنس لهذا بما ورد في‬
‫الصحيح من أن نفرا ً كانوا عند رسول الله فقال‪(:‬أل تبايعون‬
‫م نبايعك؟قال‪ :‬تبايعونني على أن تعبدوا‬‫رسول الله ؟فقالوا ع َل َ‬
‫الله‪,‬ول تشركوا به شيئا ً والصلوات الخمس‪,‬وتطيعوا)وأسر كلمة‬
‫خفية‪(:‬ول تسألوا الناس شيئاً) ‪ .‬قال راوي الحديث‪(:‬فلقد رأيت‬
‫بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم‪,‬فما يسأل أحدا ً أن يناوله‬
‫إياه ‪0‬‬
‫‪-2‬في مقابل هذا‪,‬من أجل تقليل الحتكاك بالخرين‪,‬فإن على المرء أل‬
‫يسرف في إعطاء الوعود للخرين‪,‬فيجلعهم يتوقعون منه أشياء‪,‬ل‬
‫يستطيع هو الوفاء بها ‪ .‬ومن الواضح أن كثيرا ً من الناس يطلقون‬
‫الكثير من الوعود عبر إشارات و غمغمات غير واضحة‪,‬وكثيرا ً ما يتلقفها‬
‫أولئك(الغرقى)والمأزومون الذين يحاولون التعليق بأي شيء‪,‬‬
‫ملونها أكثر مما تحتمل‪,‬ويبدؤون في التوقعات‪,‬ثم تكون العاقبة‬ ‫ويح ّ‬
‫الخيبة التامة ‪ ,‬ثم الغضب ممن سبَّب لهم ذلك ‪0‬‬
‫علينا في هذا الصدد أن نحرص على الوضوح التام‪,‬وأن نقلل إمكانات‬
‫اللبس إلى أقل ما يمكن ‪0‬ولنتذكر أن الوعد الذي نقطعه على‬
‫أنفسنا‪,‬يرتب علينا مسؤولية شرعية‪ ,‬وأن من علمات المنافق أنه إذا‬
‫وعد أخلف ‪0‬‬
‫‪-3‬كثير من الخلفات ينشأ بسبب سوء الفهم‪,‬وقدينا ً قالوا‪[:‬أساء فهماً‬
‫ة](‪)1([ )1‬أي ساء فهمه للكلم‪,‬فساء جوابه عليه]‪.‬‬ ‫فأساء جاب ً‬
‫سن مهارات‬ ‫سن مهارات(الستماع) لدينا‪,‬كما نح َّ‬
‫ولذا فإن علينا أن نح َّ‬
‫الحديث؛ حتى ل نسيء فهم الخرين‪,‬ول نتسبب في سوء فهمهم لنا ‪0‬‬

‫_‪_268‬‬
‫‪-4‬ل تدع نفسك فريسة للخرين‪,‬فيثيروا غضبك متى ما أرادوا‪,‬ويدخلونك‬
‫بذلك في العديد من الزمات ‪0‬وعلينا أن ندرك أن التماسك والسيطرة‬
‫على النفعالت من أهم السباب التي تتيح الفرصة للتفاهم وحل‬
‫المشكلت عن طريق التداول الهادئ ‪0‬ل يعني هذا أن على المرء أل‬
‫يغضب أبداً‪,‬لكن يعني أل يصبح معروفا ً بسرعة النفعال والتأثر لتفه‬
‫السباب ‪0‬‬
‫‪-5‬لنبحث دائما ً عن الحلول بدل أن يكون دأبنا إلقاء اللوم على الخرين‬
‫‪ .‬إن البحث عن حلول‪,‬يعني تأجيل الصراع‪,‬كما يعني إيجاد نوع من‬
‫الضمان لعدم تجدد أسبابه؛ على حين أن لوم الخرين‪-‬ول سيما إذا كثر‪-‬‬
‫يدل على أن هناك أخطاء في العلقات على مستوى المبدأ والنظام ‪0‬‬
‫‪-6‬على الواحد منا أن يخفف من إصدار الوامر والحكام‪,‬وأل يعمد إلى‬
‫التهديد أو يكثر من النصائح إل في أضيق نطاق‪,‬وهذا المسلك يجب أن‬
‫يكون عاما ً في المنزل ومع الزملء والمرؤوسين والطلب ‪ ...‬فما ذكرنا‬
‫يثير دائما ً توترات‪ ,‬ويفتح البواب للحزازات ‪0‬‬
‫‪-7‬لنحاول أن نقضي بعض الوقت في محاولة فهم السباب الكامنة وراء‬
‫سلوك الناس وتصرفاتهم؛إذ إن نوع السلوك قد ل يمكن فهمه‬
‫وتفسيره من غير معرفة الدوافع العميقة التي دفعت إليه ‪0‬معرفة‬
‫الدوافع قد تمكننا من معرفة المحاور التي تتمحور حولها أنشطة‬
‫الشخاص الذين نتعامل معهم‪,‬وإذا ما استطعنا وضع اليد عليها‪,‬نكون قد‬
‫امسكنا بالمفتاح الذي سنستخدمه في فتح مغاليق الكثير من‬
‫تصرفاتهم الغامضة والمتناقضة ‪0‬‬
‫إدارة الخـــــــــلفات وحلهـا‪-:‬‬
‫ليست هناك مشكلة ليس لها حلول‪,‬فقد رتَّب الباري‪-‬جل وعل‪-‬هذا‬
‫الكون على أساس احتفاظ أنظمته بنهايات مفتوحة؛حتى إن البدن‬
‫حين يسوء حالته إلى الحد الذي ل تتحمله الروح‪,‬فإنه يعطيها‬
‫المسوّغ كي تتخلص منه ‪0‬هناك دائما ً حلول‪,‬لكن حين تكون‬
‫المعطيات سيئة‪,‬فإن علينا أل نتوقع حلول ً جيدة ‪0‬والمهم أن نكتسب‬
‫الخبرة التي تساعدنا على الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة ‪.‬‬
‫وحين ل نجد حل ً فوريا ً لعتبارات موضوعية‪,‬فإن علينا أن ندير تلك‬
‫المشكلة‪ ,‬حتى نعثر على الحل الملئم ‪0‬وإليك بعض النقاط التي‬
‫تساعد على ذلك ‪0‬‬
‫‪-1‬ما يثيره الخلف بين الناس‪-‬في أكثر المر‪-‬ليس الحق الصريح أو‬
‫الباطل المحض‪,‬وإنما الباطل الملتبس بالحق‪,‬والحق المختلط‬
‫بالباطل‪,‬ولذا فإننا إذا تعاملنا مع خلفتنا بعقلية(إما هذا وإما‬
‫ذاك)فالغالب أننا لن نصل على حلول جيدة ‪0‬‬

‫_‪_269‬‬
‫لكن حين نعتقد أن ما بيديه كل فريق من حجج يناصر بها موقفه‪,‬ل‬
‫يعدو أن يكون رؤى واجتهادات ظنية‪,‬قابلة للكثير من النقاش‬
‫والتفسير المغاير‪-‬فإننا نكون مستعدين آنذاك للبحث عن الطريق‬
‫الثالث الذي نسير فيه معا ً نحو التفاق والئتلف ‪0‬‬
‫‪-2‬عند مناقشة أي خلف فإن البداية قد تكون بتحديد نقاط الخلف‬
‫التي أدت إلى حدوث سوء الفهم بين المتخاصمين ‪0‬وإنما نقول هذا‬
‫ن كثيرا ً من النزاعات التي تثور بين الهل‬ ‫لن التجربة علمتنا أ ّ‬
‫والصدقاء والزملء كثيرا ً ما تكون عبارة عن تحسسات نفسية ل‬
‫ترتكز على معطيات فكرية نحددة ‪0‬‬
‫‪-3‬سيكون من المصلحة تهيئة الجو النفسي لحل الخلف ‪0‬وذلك من‬
‫خلل التقليل من شأن الخلف مهما كان ذلك ممكناً ‪0‬وهذا المر‬
‫يجب أن ينظر إليه على أنه خطوة مبدئية‪,‬هدفها إيجاد بعض‬
‫المشاعر اليجابية وليس شيئا ً آخر ‪0‬‬
‫‪-4‬لنحاول طرح العديد من السئلة التوضيحية البعيدة عن روح‬
‫المواجهة ‪ .‬وعلينا الستماع لجاباتها ‪0‬وإذا اقتضى المر توجيه‬
‫المزيد من السئلة حول تلك الجابة‪ ,‬فعلينا أن نفعل ذلك ‪0‬وعلينا أل‬
‫جه المزيد من‬ ‫نتّهم الطرف الخر بأنه ل يجيب على السئلة‪,‬بل نو ّ‬
‫السئلة حتى تتضح الصورة ‪0‬‬
‫‪-5‬على الواحد منا أن يحافظ على هدوئه‪,‬ويعطي الوقت الكافي‬
‫لخصمه لسرد ما لديه‪ ,‬والتنفيس عما يجده من كرب وضيق في‬
‫نفسه ‪0‬‬
‫‪-6‬علينا أن نتجنب أثناء مناقشة المشكلة الحديث عن الدوافع‬
‫والمشاعر‪,‬لنه من السهل إنكارها‪,‬كما أن علينا أن نتجنب الحديث‬
‫عن المسائل الشخصية‪ ,‬لنها تسبب أذى بالغا ً لمن نختلف‬
‫معه‪,‬وتزيد في الخلف بدل أن تساعد على حلّه ‪0‬‬
‫ل أن نتجاوز الماضي إلى‬ ‫‪-7‬من المستحسن أثناء البحث عن ح ًّ‬
‫الحاضر؛فبدل أن تقول لخصمك‪:‬لم أثق بك في يوم من اليام‪,‬أو‬
‫تذكره بأخطائه السابقة‪ ,‬اعمد إلى القول‪ :‬كلمك هذا يجعلني أشك‬
‫فيك‪,‬أو يضعف ثقتي بك ‪0‬وقد يكون من الفضل أن نبحث عوضاً‬
‫عن أسباب حدوث خطأ من الخطاء في كيفية إيجاد الحتياطات‬
‫لعدم تكرره في المستقبل ‪0‬‬
‫‪-8‬لبد لحدنا أن يعترف بدوره في المشكلة‪,‬واو كان صغيراً؛لن هذا‬
‫سوف يدفع الطرف الخر إلى سلوك المسلك نفسه ‪0‬وحين تحدث‬

‫_‪_270‬‬
‫اعترافات متبادلة بالخطأ وقبول اللوم‪,‬فإن المأمول أن ينتهي‬
‫الخلف من فوره ‪.‬‬
‫‪-9‬حاول أن تلفت نظر الخصم إلى هدف سام مشترك‪,‬أنتما‬
‫مطالبان ببلوغه‪,‬مما يفرض تجاوز الخلفات الصغيرة‪,‬والنطلق إلى‬
‫النخراط في أعمال أكبر وأهم ‪.‬‬
‫ل مناسب‪,‬فإن من الممكن‬ ‫‪-10‬إذا لم يمكن الوصول إلى ح ًّ‬
‫الستنجاد بالوقت‪,‬وتأخير المواجهة لعل الزمن يكون جزءا ً من‬
‫الحل ‪0‬ولكن علينا أن ننتبه إلى أن التأجيل المتكرر قد يؤدي إلى‬
‫تأزيم المشكلة‪,‬ولذا فتأجيل البحث ليس لطمس المشكلة‪,‬وإنما‬
‫للستفادة من فرصة جديدة لحلها ‪0‬‬

‫_‪_271‬‬
‫أحمد الله‪-‬تعالى‪-‬الذي سهَّل إنجاز هذا الكتاب على النحو الماثل‬
‫ن أصل‬ ‫بين يدي القارئ الكريم‪,‬وكنت قد نوَّهت في المقدمة إلى أ َّ‬
‫هذا الكتاب كان موزعا ً على خمس رسائل‪,‬ثم وجدنا من المناسب‬
‫ل‪0‬وعند مراجعتي‬ ‫سفر واحد للسبب الذي ذكرته قب ُ‬ ‫جعلها في ِ‬
‫للتجربة الخيرة للطباعة وقفت على وجود تكرار في بعض الفكار‬
‫أو الستشهادات أو العناوين؛لكن ذلك قليل ومحدود ‪0‬‬
‫ولم أشأ أن أحذف ذلك المكرر‪-‬والذي حدث بسبب تأليف تلك‬
‫الرسائل في أوقات مختلفة‪ -‬حتى ل يختلف تسلسل الفكار‪,‬وأيضاً‬
‫فإن بعض القراء قد يجد فيه ما يذكَّر بشيءٍ مَّر به‪,‬أو يساعد على‬
‫الربط بين موضوعات مختلفة ‪0‬‬
‫إن الموضوعات التي تناولتها في هذا الكتاب متباينة‪,‬لمن يجمع بينها‬
‫جمعيا ً أمران‪:‬‬
‫ة تساعد على أن يكون القارئ معاصر لحداث‬ ‫الول‪:‬أنها مجتمع ً‬
‫زمانه‪,‬وكفئا ً في التعامل معــــــها ‪0‬‬
‫الثاني‪:‬أنها جميعا ً تتجه نحو تفعيل المكانات الشخصية للمسلم‬
‫المعاصر‪,‬وبيان الطرق التي تساعده على استثمار أفضل ما لديه‬
‫من طاقات ‪0‬‬
‫ولذا رأيت جعل هذا الكتاب ضمن سلسلة(الرحلة إلى الذات)والتي‬
‫صدر منها جزءان من قبل ‪0‬‬
‫وأسأل الله التوفيق لصالح العمال ‪0‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمـد لله رب العـالمـين ‪0‬‬

‫‪.1‬آفاق بل حدود‪,‬تأليف د ‪0‬محمد التكريتي‪,‬دار المنطلق‪,‬ط ‪ .‬أولى‪ ,‬عام‬


‫‪1415‬هـ ‪0‬‬
‫‪.2‬آفاق المستقبل‪,‬تأليف جاك أتالي‪-‬ترجمة د ‪0‬محمد زكريا إسماعيل‬
‫‪0‬بيروت‪-‬دار العلم للمليين‪,‬ط ‪,1‬عام ‪.1992‬‬
‫‪.3‬أتح لنفسك فرصة‪,‬تأليف جوردون بايرون‪,‬تعريب عبد المنعم الزيادي‪,‬‬
‫القاهرة‪ ,‬مكتبة الخانجي‪,‬بدون التاريخ ‪0‬‬
‫‪.4‬التصال والسلوك النساني‪,‬تأليف برنت روبن‪,‬ترجمة د ‪0‬صالح الدباسي‬
‫وزملئه‪ ,‬الرياض‪,‬معهد الدارة العامة‪,‬عام ‪1412‬هـ ‪0‬‬

‫_‪_272‬‬
‫‪.5‬أثر تطبيق النظام القتصادي السلمي في المجتمع‪-‬مجموعة بحوث‬
‫قدمت إلى مؤتمر الفقه السلمي الول في الرياض‪-‬نشر جامعة المام‬
‫محمد بن سعود السلمية بالرياض ‪0‬‬
‫‪.6‬الخلق النظرية‪,‬تأليف د ‪0‬عبد الرحمن بدوي ‪0‬الكويت‪-‬وكالة المطبوعات‪,‬‬
‫ط ‪,2‬عام ‪19760‬‬
‫‪.7‬إدارة الوليات‪,‬تأليف ستيفن كوفي وزميليه‪,‬ترجمة السيد المتولي حسن‬
‫‪0‬‬
‫‪.8‬إدارة العقل‪,‬تأليف د ‪0‬جيلن بتلر‪,‬و د ‪0‬توني هوب‪,‬ترجمة مكتبة جرير‪-‬‬
‫السعودية ‪,‬مكتبة جرير‪,‬ط ‪0‬أولى‪,‬عام ‪1998‬م ‪0‬‬
‫‪.9‬السلم كبديل‪,‬تأليف د ‪0‬مراد هوفمان‪,‬نشر النور الكويتية ومؤسسة‬
‫بافاريا‪ ,‬عام ‪.1993‬‬
‫‪.10‬إشكالية التحيز‪,‬تحرير د ‪0‬عبدالوهاب المسيري ‪0‬نشر المعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي‪,‬ط ‪,1‬عام ‪1415‬هـ ‪0‬‬
‫‪.11‬إعادة إنتاج الهوية‪,‬تأليف أحمد حيدر ‪0‬دمشق‪-‬دار الحصاد‪ ,‬ط ‪,1‬عام ‪.1997‬‬
‫‪.12‬اغتيال العقل‪,‬تأليف د ‪0‬برهان غليون ‪0‬بيروت‪-‬دار التنوير‪,‬ط ‪,2‬عام ‪.1987‬‬
‫‪.13‬النسان والتفكير اليجابي‪,‬تأليف د ‪0‬عيسى المل‪,‬ط‪.‬عام ‪1414‬هـ ‪0‬‬
‫‪.14‬إنسانية النسان‪,‬تأليف(رينيه دوبو)‪,‬ترجمة د ‪0‬نبيل الطويل‪-‬بيروت‪-‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪,‬ط ‪,2‬علم ‪1404‬هـ ‪0‬‬
‫‪.15‬بناء حضارة جديدة‪,‬تأليف ألفن توفلر‪,‬ترجمة سعد زهران‪,‬القاهرة‪,‬مركز‬
‫المحروسة للبحوث والنشر‪,‬ط‪.‬أولى‪,‬عام ‪1996‬هأ ‪0‬‬
‫‪.16‬بنية الثورات العلمية‪,‬تأليف توماس كون‪,‬ترجمة د ‪0‬شوقي جلل‪,‬الكويت‪-‬‬
‫سلسلة عالم المعرفة‪,‬عام ‪1413‬هـ ‪0‬‬
‫‪.17‬تحسين التفكير بطريقة القبعات الست‪,‬تأليف إدوارد دوبونو‪,‬ترجمة د‬
‫‪0‬عبد الطيف الخياط‪,‬مكة المكرمة‪,‬المكتبة المكية‪,‬ط‪.‬أولى‪,‬عام ‪1414‬هـ ‪0‬‬
‫‪.18‬تطوير القوى الذاتية في عالم العمال‪,‬إعداد سمير بعلبكي‪,‬لبنان‪-‬دار‬
‫الصدقاء‪ ,‬ط‪.‬أولى‪,‬عام ‪1418‬هـ ‪0‬‬
‫‪.19‬التنمية الثقافية‪,‬تأليف لفيف من خبراء اليونسكو‪,‬ترجمة سليم مكسور‬
‫‪0‬بيروت‪ -‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪,‬ط ‪,1‬عام ‪.1983‬‬
‫‪.20‬جريدة الرياض‪,‬العدد ‪10930‬الصادر في ‪ 3‬صفر ‪,1419‬العدد ‪10951‬الصادر‬
‫في ‪24‬صفر ‪1419‬هـ‪-‬مقالن للدكتور عبد السلم المسري ‪0‬‬
‫‪.21‬حاجات النسان الساسية في الوطن العربي‪,‬بقلم مجموعة من‬
‫الخبراء‪,‬ترجمة د ‪0‬عبد السلم رضوان‪,‬الكويت‪-‬سلسلة عالم‬
‫المعرفة‪,‬العدد ‪,150‬عام ‪1410‬هـ ‪0‬‬
‫‪.22‬الخطوات الذكية‪,‬تأليف سام ديب وليل سوسمان‪,‬نقله إلى العربية‬
‫سامي سلمان‪ ,‬الرياض‪-‬مؤسسة المؤتمن‪,‬عام ‪1418‬هـ ‪0‬‬
‫‪.23‬دليل التدريب القيادي‪,‬تأليف د ‪0‬هشام الطالب‪,‬نشر المعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي‪,‬عام ‪1414‬هـ ‪0‬‬

‫_‪_273‬‬
‫‪.24‬سيكلوجية السعادة‪,‬تأليف مايكل أرجابل‪,‬ترجمة فيصل‬
‫يونس‪,‬الكويت‪,‬سلسلة عالم المعرفة‪,‬العدد ‪,175‬عام ‪1414‬هـ ‪0‬‬
‫‪.25‬الصحة النفسية والعلج النفسي‪,‬تأليف د ‪0‬حامد زهران‪,‬القاهرة‪,‬عالم‬
‫الكتب‪ ,‬ط ‪0‬ثانية ‪ ,‬عام ‪1982‬م ‪0‬‬
‫‪.26‬طريق الشخصية الجذابة‪,‬تأليف جيمس بندر‪,‬تعريب عبد المنعم‬
‫الزيادي‪,‬القاهرة‪ ,‬مكتبة الخانجي عام ‪1981‬م ‪0‬‬
‫‪.27‬الطريق إلى مكة‪,‬تأليف توم رودل‪,‬تلخيص الشركة العربية للعلم‬
‫العلمي‪,‬القاهرة‪ ,‬عام ‪1997‬م ‪0‬‬
‫‪.28‬العادات السبع للقادة الداريين‪,‬تأليف ستيفن كوفي‪,‬ترجمة هشام‬
‫عبدالله ‪0‬بيروت –المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪,‬ط ‪,1‬عام ‪.1995‬‬
‫‪.29‬العبادة في السلم‪,‬تأليف د ‪0‬يوسف القرضاوي‪,‬بيروت‪-‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪,‬ط ‪0‬رابعة‪ ,‬عام ‪1975‬م ‪0‬‬
‫‪.30‬العقل واستخدام طاقته القصوى‪,‬تأليف توني بوزان‪,‬ترجمة إلهام‬
‫الخوري‪,‬دمشق‪ ,‬دار الحصاد‪,‬ط ‪,1‬عام ‪.1996‬‬
‫‪.31‬العلم واليمان في الغرب الحديث‪,‬تأليف د ‪0‬هاشم صالح ‪0‬الرياض‪-‬‬
‫سلسلة كتاب جريدة الرياض‪,‬ط ‪,1‬عام ‪.1998‬‬
‫‪.32‬عودة الوفاق بين النسان والطبيعة‪,‬تأليف جان ماري بيلت‪,‬ترجمة السيد‬
‫محمد عثمان ‪0‬الكويت‪-‬سلسلة عالم المعرفةعام ‪1415‬هـ ‪0‬‬
‫‪.33‬فتح الباري لبن حجر العسقلني ‪0‬القاهرة‪-‬المطبعة السلفية ‪0‬‬
‫‪.34‬فصول في التفكير الموضوعي‪,‬تأليف د ‪0‬عبد الكريم بكار‪,‬دمشق‪,‬دار‬
‫القلم‪,‬ط ‪0‬ثانية‪,‬عام ‪1419‬هـ‬
‫‪.35‬فقر الشعوب بين القتصاد الوضعي‪,‬والقتصاد السلمي‪,‬تأليف د ‪0‬حمدي‬
‫عبدالعظيم‪,‬ط ‪0‬أولى‪,‬عام ‪1415‬هـ ‪0‬‬
‫‪.36‬فن الدراسة واليصال‪,‬إعداد د ‪0‬مل حويش‪,‬إسبانيا‪,‬مطابع ديداكو‪,‬ط‬
‫‪0‬ثانية‪,‬عام ‪1418‬هـ ‪0‬‬
‫‪.37‬كيف تصبح غنيا ً وسعيداً‪,‬تأليف مصطفى البطحيش‪,‬ط ‪0‬أولى‪,‬عام ‪1413‬هـ‬
‫‪0‬‬
‫‪.38‬كيف تكون عمليا ً أكثر‪,‬إعداد وترجمة سامي سلمان‪,‬الرياض‪-‬مؤسسة‬
‫المؤتمن‪ ,‬ط ‪0‬رابعة‪,‬عام ‪1418‬هـ ‪0‬‬
‫‪.39‬الماهية والعلقة‪,‬تأليف د ‪0‬علي حرب ‪0‬الدار البيضاء‪-‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪ ,‬ط ‪,1‬عام ‪.1998‬‬
‫‪.40‬مدخل إلى التنمية المتكاملة‪,‬تأليف د ‪0‬عبدالكريم بكار ‪0‬الرياض‪-‬دار‬
‫المسلم‪ ,‬ط ‪,1‬عام ‪1418‬هـ ‪0‬‬
‫‪.41‬مقدمة في علم الستغراب‪,‬تأليف د ‪0‬حسن حنفي ‪0‬القاهرة‪-‬الدار الفنية‪,‬‬
‫عام ‪1411‬هـ ‪0‬‬
‫‪.42‬مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي‪,‬تأليف د ‪0‬عبد الكريم بكار ‪0‬الرياض‪-‬دار‬
‫المسلم ‪,‬ط ‪ ,1‬عام ‪1417‬هـ ‪0‬‬

‫_‪_274‬‬
‫‪.43‬المهذب من إحياء علوم الدين‪,‬إعداد صالح الشامي‪,‬دمشق‪,‬دار القلم‪,‬ط‬
‫‪0‬أولى ‪,‬عام ‪1413‬هـ ‪0‬‬
‫‪.44‬نحو التآلف والتفاق‪,‬تأليف روجر فيشر وسكوت براون‪,‬ترجمة د ‪0‬محمد‬
‫محمود رضوان‪,‬القاهرة‪,‬الدار الدولية للنشر‪,‬ط ‪0‬ثانية‪,‬عام ‪1995‬م ‪0‬‬
‫‪.45‬نصر بل حرب‪,‬تأليف ريتشارد نيكسون‪,‬إعداد محمد عبد الحليم أبو غزالة‬
‫‪0‬القاهرة –مركز الهرام للترجمة‪,‬ط ‪,1‬عام ‪1409‬هـ ‪0‬‬
‫‪.46‬نهاية التاريخ وخاتم البشر‪,‬تأليف فرانسيس فوكوياما‪,‬ترجمة حسين‬
‫أحمد أمين ‪0‬القاهرة‪-‬مركز الهرام للترجمة‪,‬ط ‪,1‬عام ‪1413‬هـ ‪0‬‬
‫‪.47‬الوقاية خير من العلج‪,‬تأليف د ‪0‬عبد الرزاق الكيلني‪,‬دمشق‪-‬دار‬
‫القلم‪,‬ط ‪0‬أولى‪,‬عام ‪1416‬هـ ‪0‬‬

‫_‪_275‬‬
‫الباب الول‪.‬‬
‫الفكرة أو المقولة‪:‬‬
‫‪-‬إن أي فكر أو نظام يحظى بدعاية مناسبة‪,‬ويتمكن من الوصول إلى‬
‫الخرين –سيحظى بأنصار ومؤيدين ‪...‬‬
‫‪-‬إن وعي المم بما لديها يظل غير مكتمل ما لم يتوفر لها كيانات مناوئة‬
‫تقارن نفسها بها ‪..‬‬
‫‪-‬إن تأزم الفكر كثيرا ً ما ينشأ عن تدهور الواقع المعيش وعجزه عن حفزه‬
‫له ‪...‬‬
‫‪-‬الغرب غرب‪,‬والشرق شرق‪,‬ول يمكن لهما أن يصبحا شيئا ً واحداً‪,‬ولكن‬
‫بإمكان كل منهما أن يستفيد من خبرات الخر ‪...‬‬
‫‪-‬إن إغراض البشرية عن هدي النبياء‪-‬عليهم الصلة والسلم‪-‬قد جعل‬
‫التقدم العلمي يقترن بالمزيد من انتشار الفاحشة والنحلل الجتماعي ‪...‬‬
‫‪-‬إن الحداثة تتعرض في الغرب للمراجعة من لدن مفكرين كبار بغية إعادة‬
‫التوازن إليها ‪..‬‬
‫سر الشياء‪,‬لكنه ل يستطيع أن يقول‪:‬لماذا وجدت‬ ‫‪-‬العلم يستطيع أن يف َّ‬
‫الشياء‪,‬أو ما هي الغاية من الوجود ‪...‬‬
‫‪-‬يصح القول‪:‬إن معظم الخطط التنموية في العالم السلمي ل تعكس أي‬
‫اهتمام بالمسائل الروحية والخلقية! ‪...‬‬
‫شة ومعلقة في‬ ‫َ‬ ‫‪-‬إن فقد مصادر الخلق لمطلقيته و تعاليه‪,‬يجعلها تبدو ه ّ‬
‫الفراغ‪ ,‬ومفتقرة إلى المعيار الموضوعي ‪...‬‬
‫َ‬
‫‪-‬إن الدبيات الجتماعية السلمية تعل ّمنا أنه ل يمكن الحصول على تقدم‬
‫فردي حقيقي في وسط منهار ‪...‬‬
‫سخ في الوعي الوروبي الحديث أن النسان حصاد ما يعرفه‬ ‫‪-‬مما تر َّ‬
‫ويتقنه ويملكه ‪0‬‬
‫وهذا هو السر \في اندفاع الغرب في طريق الكتشاف والتصنيع إلى أبعد‬
‫حد مكن ‪..‬‬
‫‪ -‬انطلقا ً من الرؤية الغربية في تأليه(التقدم)تم إهمال كل الثمان‬
‫الجتماعية والبيئية‬
‫التي تدفعها البشرية من أجل الحصول عليه ‪...‬‬
‫‪-‬إن تحررنا من الخضوع للمقولت الشائعة عن التحضر والرقي‬
‫والتقدم‪,‬سيكون أول خطوة على طريق التصحيح والبناء‪,‬وهذا ما علينا أن‬
‫نفعله ‪...‬‬
‫‪-‬ل يمكن ضبط الحاضر والستفادة منه على نحو جيد إل من خلل الضغط‬
‫عليه بآمال مستقبلية ‪...‬‬
‫_‪_276‬‬
‫‪-‬من أهم سمات(المفكر)فهم طبائع الشياء وجوهر العلقات التي تربط‬
‫بينها‪,‬‬
‫والمؤثرات التي تتبادلها‪,‬مما يمكنه من تقديم رؤى كلية ‪...‬‬
‫‪-‬جوهر التطور الجيد ل يقوم على التخلي عن الثابت‪,‬وإنما على توفير‬
‫العلقة الحية والخصبة التي تربط بينه وبين المتغير ‪...‬‬
‫م القرن العشرين قرن التقدم وغزو الفضاء‪,‬ينفجر العنف في كل‬ ‫‪-‬في خض َّ‬
‫مكان نتيجة انتشار النموذج الفكري الغربي الذي يمجد القوة وأسبابها ‪...‬‬
‫‪-‬كل شيء اليوم بقانون‪:‬القتل والسلب والدعارة ‪000‬لكن دون أي قاعدة‬
‫أخلقية ‪...‬‬
‫‪-‬تعقد الحياة الحاضر جعلت خبرات كثير من الناس‪-‬في كثير من الحيان‪-‬‬
‫غير كافية لدراك طبيعة التحديات‪,‬وإدراك ما تستحقه من استجابات ‪....‬‬
‫‪-‬يرى كثير من المفكرين أن ما كان يراه الناس من محاسن للنقياد‬
‫العمى ما هو سوى محاسن زائفة‪,‬وان من حسن حظ رب السرة أن يجد‬
‫في أسرته من يقول له(ل) ‪..‬‬
‫‪-‬إن جوهر الضرورات والقيود والتحديات‪,‬ل يقوم في طبائع الشياء بمقدار‬
‫ما يقوم في نوعية علقتنا بها ‪0‬والواجب أن نفقه تلك العلقة كي تكون‬
‫استجاباتنا للتحديات مكافئة وراشدة ‪....‬‬
‫‪-‬نظام التجارة نظام غلّب بطبعه ‪0‬وتشهد خبرات عدة بأنه قادر على‬
‫تطوير معظم جوانب الحياة ‪....‬‬
‫‪-‬عصرنا هذا عصر الرتحال والسفر والصفقات‪,‬وصار كثير من الناس‬
‫يتخفف من كل ما يقيد حركته ‪0‬وفي الغرب هناك تحرر من الحياة السرية‬
‫بسبب القيود التي تضعها على الحركة ‪....‬‬
‫‪-‬تعود إلى كل فرد في النهاية مسؤولية القرار بالعمل على أن يتقدم‬
‫البداع على السلبية ‪ ,‬والدائم على الزائل‪,‬واللمسة النسانية على اقتناء‬
‫الشياء ‪....‬‬
‫‪-‬نتيجة للفلس الروحي صار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة‬
‫الكبر‪,‬وصار التقدم القتصادي كبير أصنام العصر ‪...‬‬
‫‪-‬ليس ثمة أي مسوَّغ مقبول لنجراف المسلم في التسابق على إرواء‬
‫حاجات الجسد‪ ,‬ما دام يعتقد أن الخرة هي دار العيش الحقيقي ‪....‬‬

‫الباب الثانـــــــــــي‪:‬‬
‫الفكرة أو المقولة‪-:‬‬
‫‪-‬إن السعادة تنبع من الداخل‪,‬أما الشعور بالرضا فإنه ينبع من خلل‬
‫المقارنة مع الخرين ‪...‬‬
‫‪-‬المسافات التي تفصل بين المسلمين في البلد الواحد تتباعد حيث يتم‬
‫تبخير(الطبقة الوسطى)لصالح قلة من أصحاب الثروات وكثرة من‬
‫المعدَمين ‪....‬‬
‫_‪_277‬‬
‫‪-‬صار النسان يشعر أنه أسير لشياء كثيرة‪,‬وصار من الواجب عليه أن‬
‫يبذل جهدا ً إضافيا ً من أجل تصليب إرادته ‪....‬‬
‫سم العالم إلى قسمين متمايزين‪:‬قسم ينظم شعراؤه‬ ‫‪-‬التغيير السريع ق َّ‬
‫الشعار التي تتغنى بالمجاد الوطنية‪,‬وقسم يتغنى مثقفوه بالسياحة في‬
‫عالم بل حدود ‪...‬‬
‫‪-‬لدى كثير من الشعوب النامية شعور بالعدمية والعبث بسبب فقد العدالة‬
‫وغياب القانون في ضبط الحياة العامة ‪....‬‬
‫‪-‬حين يبلغ اليأس من صلح الحوال مداه‪,‬فإن المحرومين والمقهورين ل‬
‫يبحثون عما يعيد لهم حقوقهم‪,‬وإنما يندفعون إلى السلوب الذي يمكنهم‬
‫من الحصول على قسم من (الكعكة) المنهوبة ‪....‬‬
‫‪-‬حين يكون المرء شريفا ً في مجتمع تسوده السرقة فإن شرفه يصبح‬
‫عقوبة له؛وقليل أولئك الذي يتحملون تلك العقوبة إلى ما ل نهاية ‪....‬‬
‫‪-‬مشكلة الوعي في هذه اليام أن الواقع يتغير على نحو أعقد وأسرع من‬
‫قدرته على استيعابه ‪...‬‬
‫‪-‬معظم الناس في الرض يعيشون خارج عصرهم‪,‬ول سيما الشعوب التي‬
‫تستهلك منتجات العصر دون المشاركة في إنتاجها ‪....‬‬
‫‪-‬بعض الذين يعيشون خارج العصر مكبَّلون بأوهام (المثالية)فهم يظنون أن‬
‫مثُل ‪....‬‬
‫ما يجري في الواقع قريب مما هو مستقر في الذهن من قيم و ُ‬
‫‪-‬هناك من يتوهم أنه ليس في المكان أبدع مما كان‪,‬وكلما فكر في عمل‬
‫خيَّل إليه أن الساحة مزدحمة‪,‬فالفرص دائما ً لغيره‪,‬وله التحسر على ما‬ ‫ُ‬
‫فات!‪0000000000000‬‬
‫‪-‬إن الذي الذي يتمسك بمبدئه قد يفوته بعض الربح في بعض‬
‫الحيان‪,‬لكنه يربح ذاته وآخرته في كل حين ‪00000000000000000‬‬
‫‪-‬إن المؤسسات الناجحة في زماننا تتسم بأنها تملك نظما ً قابلة للمراجعة‬
‫والتجديد والتعديل على حين يفلح الذين يعيشون خارج عصرهم في نقد‬
‫غيرهم ‪00000000‬‬
‫‪-‬إن تحقيق المصلحة على حساب المبدأ يعد انتصارا ً لشهوة أو غرض آني‬
‫‪000000000‬‬
‫‪-‬يحتاج المسلم في أجل الحتفاظ بحريته وحيويته إلى أن يحمل بين‬
‫جوانحه روح الثورة‪,‬والتأبي على القولبة ‪000000000‬‬
‫‪-‬ل شيء يحول دون التفوق المستمر كالنرجسية والعجاب بالنفس ونزع‬
‫إنجازاتنا من طبيعتها الزمنية لنجعلها شيئا ً نهائياً ‪000000000000000‬‬
‫‪-‬حين يتجاوز المرء في عمله حدود الواجب فإنه يشعر بالناقة والرفاهية‬
‫الروحية ‪....‬‬
‫‪-‬إن المتداد يقتل التجاه‪,‬وقد تطاول المد على كثير من الناس حتى نسوا‬
‫هدف وجودهم‪,‬أو عاملوه معاملة الناسي أو المهمل ‪....‬‬

‫_‪_278‬‬
‫‪-‬كل هدف صغير هو وسيلة لهدف أكبر منه‪,‬وكل هدف كبير هو غاية لهدف‬
‫أصغر منه ‪...‬‬
‫‪-‬الواجب أن نتكيف مع الظروف الصعبة‪-‬في حدود معينة‪-‬وعوضا ً عن أت‬
‫نتخلى عن أهدافنا نجدد عزيمتنا ‪00000000000000‬‬
‫‪-‬السلوك المنطقي سلوك قائم على إدراك عميق للمكانات الشخصية‬
‫والظروف المحيطة وفهم جيد بطبائع الشياء ومنطق تطورها‬
‫‪00000000000000‬‬
‫َ‬
‫‪-‬الخطوة الولى في طريق النجاح هي الهم‪,‬ثم يشك ّل التدرج التراكمي‬
‫في تحقيق النجاح نوعا ً من الدعم للبواعث ‪0000000000‬‬
‫‪-‬إن الناجحين في الحياة‪,‬ل يشكلون أكثر من(‪)%5‬من الناس وأكثر الباقي‬
‫من العاديين والمخفقين ‪....‬‬
‫‪-‬إن الرتابة نوع من العدم‪,‬وإن الستسلم للخطاء نوع من الخروج من‬
‫المحيط الحي إلى محيط الجماد ‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬ل بد لنا من أن يفيد(تقييم)أنفسنا من جديد حتى ل نقع أسرى للمفاهيم‬
‫المغلوطة والمشوَّهة التي كوّناها عن أنفسنا ‪00000000000‬‬
‫‪-‬هذه الدنيا دار ابتلء وتنغيص‪,‬وكل جهودنا لتحسينها ستظل ناقصة؛إذ من‬
‫غير الممكن أن نصل إلى حلول كاملة في وسط غير كامل‬
‫‪00000000000000‬‬
‫‪-‬ليس هناك ناجحون في هذه الحياة على نحو ظاهر ل يهتمون بأوقاتهم‬
‫‪00000000‬‬
‫‪-‬الحساس بالمسافات الزمانية والمكانية منتَج حضاري‬
‫‪0000000000000000‬‬
‫‪-‬الوقت ل يدار‪,‬وعندما نديره فإنما ندير طاقاتنا وأواوياتنا‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬العمل الشاق يؤدي إلى التعب ‪0‬والعمل الذكي يؤدي إلى مزيد النتاجية‬
‫‪0000000‬‬
‫‪-‬الرتابة مكروهة لنها تقتل روح تفتح الروح والعقل‪,‬ومع هذا فيمكن‬
‫استخدام شيء منها استخداما ً نافعاً‬
‫‪00000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬الوقت سيضيع من غير تخطيط واضح‪,‬وسوف يجد المرء نفسه منجذباً‬
‫إلى عمل الشياء السهلة ‪000000000000‬‬
‫‪-‬إن من غير الممكن أن نوجد أمة أقوى من مجموع أفرادها؛فالمجتمع‬
‫القوى مكوَّن أصل ً من أفراد أكثرهم أقوياء ‪0‬والمجتمع الضعيف مكوَّن أصلً‬
‫من أفراد أكثرهم ضعفاء ‪...‬‬
‫‪-‬اعمل ما هو ممكن الن‪,‬ول تنتظر تحسن الظروف؛فمباشر الممكن‬
‫نفسها توسع دائرة العمل‪,‬وتخفف من مشكلته ‪000000000000000000000‬‬

‫_‪_279‬‬
‫‪-‬إن من شروط رفع كفاءة الداة أن نتعلم كيف نؤجل رغباتنا‪,‬ونصلّب‬
‫إرادتنا نحو القواطع والصوارف الكثيرة ‪000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬في العالم النامي الكثير من الجهد مع قليل من المهارة‪,‬وقليل من‬
‫الوسائل الجيدة ‪ 0‬والنتيجة‪:‬إنتاجية متواضعة ‪000000000000000000000‬‬
‫‪-‬مع أننا ل ندعي العصمة‪,‬ول تدعي لنا‪,‬إل أن أكثرنا يحاول أن يظهر دائماً‬
‫بمظهر المعصوم ‪...‬‬
‫‪-‬العتراف بالمشكلة على ما هو دون محاولة طمسها أو تشويهها هو‬
‫الخطوة الولى على طريق العلج ‪0000000000000‬‬
‫‪-‬تشخيص المشكلت ونحن في حالة خوف أو قلق يجعلنا نراها أكبر من‬
‫حقيقتها ‪.....‬‬
‫‪-‬من الخطاء الشائعة لدى الشعوب والفراد استسهال الحلول التي يتعلق‬
‫جزء منها بالخرين ‪....‬‬
‫‪-‬لنجعل من المشكلت والزمات نقاط انطلق جديد‪,‬ولنكشف من خللها‬
‫قدراتنا الكامنة ‪.....‬‬
‫‪-‬من خلل النشطة المؤطرة في سياق خطة وأهداف واضحة يمكن‪-‬‬
‫فحسب‪-‬النتقال مما نحن فيه إلى ما هو مرجوّ ومأمول ‪000000‬‬
‫‪-‬ينبغي أن نحتفظ بقدر من الحماسة والتعاطف مع برامجنا‪,‬لكن ذلك يكون‬
‫وقت التنفيذ ل وقت التخطيط ‪.....‬‬
‫‪-‬النجاح في تنفيذ ما هو أولى فعل ً يحتاج أن نفرق بين الشياء المهمة‬
‫والشياء المل ًّ‬
‫حة‬
‫‪-‬السباقون ل يقعون أسرى لمعايير محيطهم الجتماعي‪,‬ول يتخذون من‬
‫تقصير المجتمع ذريعة للتقصير؛لنهم يعتقدون أن المسؤولية أمام الله‪-‬‬
‫تعالى‪-‬فردية ‪00000000‬‬
‫‪-‬المتقاعسون يحملون مشاعر طفولية‪,‬تترجم دائما ً إلى العتماد على‬
‫الخرين ‪000000‬‬
‫‪-‬إن التوازن الجيد في زمان الشح والندرة‪-‬يحتاج إلى أن نمتلك حاسة‬
‫جديدة‪,‬‬
‫تمكننا من الموازنة بين ما نكسب وما نخسر ‪00000000000000‬‬
‫‪-‬بين السرعة والدقة علقة جدلية‪:‬فكلما كنت سريعا ً وجب عليك أن تكون‬
‫دقيقا ً أكثر ‪ .‬وكلما كنت دقيقا ً أمكنك أن تكون أكثر سرعة‬
‫‪-‬إذا شرحت فكرتك عشرين مرة‪,‬وفهمها الناس عنك تماما ً كما تريد‪ ,‬فأنت‬
‫محظوظ وبارع ‪....‬‬
‫‪-‬أضحت(اللغة)ناقل ً أشد قصوراً؛لنها ل تنمو على نحو مكافئ لما تعبر عنه‬
‫‪....‬‬
‫‪-‬الناس ذوو مطالب متناقضة‪,‬فهم يريدون الحصول على كل شيء دون أن‬
‫يدفعوا أي شيء ‪..‬‬

‫_‪_280‬‬
‫الباب الثالث‪-:‬‬
‫الفكرة أو المقولة‪-:‬‬
‫‪-‬إن أمداء النمو أمام التقدم الروحي والعقلي ما زالت فسيحة؛لن ما تم‬
‫منها ما زال محددا ً ‪....‬‬
‫‪-‬تدل البحوث المتنوعة أن العقل البشري عملق نائم‪,‬وأن ما تم استخدامه‬
‫من إمكاناته ل يزيد على ‪.... %1‬‬
‫‪-‬القرآن الكريم يركز على المضمون الفكري المكتسب باعتباره شيئا ً قابلً‬
‫للنمو‬
‫والتعديل ‪....‬‬
‫‪-‬العقلنية‪,‬ل تستحوذ على الحياد والطلق‪,‬فهي نسبية لن الثقافة التي‬
‫تسهم في تكوينها متباينة بين الفراد والمم ‪....‬‬
‫‪-‬إن بنُانا الفكرية‪,‬هي باعتبار ما انعكاس لما يجد ّ من نظريات وآراء مبثوثة‬
‫في مجالت الحياة المختلفة ‪0000000000000000000‬‬
‫‪-‬نحن بحاجة إلى أن نمتلك أعلى درجات اليقظة والحذر حتى نصون‬
‫عقولنا من البرمجات الثقافية والبيئية الزائفة ‪0000000000000000000‬‬
‫‪-‬التجديد شاق على النفس؛لنه يطلب التخلّي عن بعض المألوفات‪,‬كما‬
‫يتطلب ضبطا ً أكثر للنفس‪,‬واللتزام بتكاليف جديدة‬
‫‪000000000000000000000‬‬
‫‪-‬مفتاح معايشة التغيير المستمر‪,‬هو أن يكون بداخلنا(جوهر)يستعصي على‬
‫التغيير ‪....‬‬
‫‪-‬حتى تتخلق الشياء في الواقع‪,‬فينبغي أن تتخلق في الذهن أول ً وتستقر‬
‫في(اللشعور) ‪..‬‬
‫‪-‬عندما تنشأ مصاعب وأزمات جديدة‪,‬فإنها تتيح لنا المزيد من الفرص‬
‫والختيارات ‪....‬‬
‫‪-‬من غير الممكن عزل الفكار عن المشاعر‪,‬فبينها تأثر وتأثير وتكامل‬
‫مستمر ‪00000000‬‬
‫‪-‬خير طريق للخلص من ضغوط الفكار السيئة‪,‬هو أن نتبع طريقة(إغلق‬
‫الملفات)بعد أن نكون قد استخلصنا من مشكلت الماضي العبر والدروس‬
‫المتاحة ‪000000000000‬‬
‫‪-‬ما من فكرة تدخل مضمار التطبيق‪,‬تستطيع أن تحافظ على ما كانت‬
‫ل من تحديد وتماسك ‪....‬‬ ‫عليه قب ُ‬
‫‪-‬العمال العقلية المطردة‪,‬ل تؤدي بالضرورة إلى تقدم عقلني مطرد؛‬
‫فالنكوص‬
‫والتراجع أمر مألوف في هذا الميدان ‪00000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬ليس المطلوب أن تصبح المحاكمة العقلية لدينا كاملة‪,‬وإنما المطلوب‬
‫الستمرار في فضح الممارسات الفكرية الخاطئة ‪00000000000000000‬‬

‫_‪_281‬‬
‫‪-‬ليس من المستغرب أن يعثر المرء على فكرة عظيمة في سيل من اللغو‬
‫‪0000000000‬‬
‫‪-‬نحن ل نفهم إل ما نعرف؛فإذا فهمنا كل ما نسمع‪,‬فهذا دليل على أن‬
‫فائدتنا منه محدودة ‪....‬‬
‫‪-‬علينا أن نتذكر دائما ً أن كثيرا ً مما نسمعه‪,‬ل يعدو أن يكون رأيا ً من الراء‬
‫‪00000000‬‬
‫‪-‬لو غُذَّيَ الدماغ بعشرة أخبار كل ثانية طيلة حياته‪,‬فإنه لن يمتلئ كلياً‬
‫‪0000000000‬‬
‫‪-‬إن الدماغ الخالي من المعلومات‪,‬يطرح طروحا ً شكلية‪,‬ويكون الخيال‬
‫لديه محدودا ً ‪..‬‬
‫‪-‬من أمارات(المرونة الذهنية)القدرة على تعرية اللفاظ مما تعلق بها من‬
‫شوائب الستعمال‪ ,‬والتأبي على القولبة والنماذج الجاهزة ‪....‬‬
‫‪-‬حين نتعامل مع أشياء ذات أوساط متدرجة‪,‬فإن وضع الموسى على‬
‫المفصل يصبح أمرا ً تقديريا ً اجتهاديا ً ‪....‬‬
‫‪-‬المهم دائما ً أل ننساق خلف التشابه الظاهري الجزئي وننسى الفوارق‬
‫العظيمة بين المتشابهات ‪00000000000000000000‬‬
‫‪-‬مهمة الفلسفة‪,‬ل تتجسد في مدنا بالمعلومات‪,‬وإنما في زيادة شفافيتنا‬
‫نحو الشياء الغامضة ‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬إن المجتمع ل يمكن أن يكون في النهاية أقوى من مجموع أفراده ‪....‬‬
‫‪-‬عكس ما يظن الناس فإن إتاحة فرصة للنقد‪,‬ل تزيد فيه‪,‬وإنما تخفف من‬
‫حدته ‪....‬‬
‫‪-‬ربما يكون النقد في أحسن أحواله‪,‬حين يدخل في علقة جدلية مع‬
‫العمال البنائية‪..‬‬
‫‪-‬ل بد من القول‪:‬إن الخط الفاصل بين الندفاع الحمق وبين التفكير‬
‫اليجابي هو خط ضيق جدا ً ‪....‬‬
‫‪-‬إن التفكير الجيد‪,‬يحتاج إلى رعاية ومتابعة مستمرة؛حتى ل يخرج عن‬
‫مساره ‪00000‬‬
‫‪-‬معظم الناس يشعرون بالرضا عن حالتهم الفكرية؛وهذا طبيعي؛لن الفكر‬
‫الذي يقوَّم غيره على نحو خاطئ‪,‬يفعل ذلك مع نفسه‬
‫‪000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إن كثيرا ً من التعثر في حركتنا النهضوية‪,‬يعود إلى أننا لم نستطع اختراق‬
‫الكثير من طرقنا وعاداتنا الفكرية‪,‬التي ورثناها عن عهود النحطاط‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬النمو جزء من طبيعة المشكلت؛ولذا فإن المستوى الفكري الذي يسود‬
‫ف لمعالجة تلك المشكلة‬ ‫عند ولدة مشكلةٍ ما يصبح بعد مدة غير كا ٍ‬
‫‪0000000000000000‬‬

‫_‪_282‬‬
‫‪-‬إنسان القرن الحادي والعشرين مع أنه يتحدث باستفاضة عن العَوْلَمة‬
‫والقرية الكونية إل أن لديه انجذابا ً هائل ً نحو القليمية والعنصرية والطائفية!‬
‫‪00000000000000‬‬
‫‪-‬إن الضلل الذي ينشأ من وراء التفسيرات الخاطئة أعظم من الضلل‬
‫الذي ينشأ من الكذب الصراح ‪000000000000000000000000000000‬‬
‫ل ما‪,‬فإنه يكوَّن لنفسه(هالة)تدفع الخرين إلى‬ ‫‪-‬حين يتفوَّق إنسان في مجا ٍ‬
‫الثقة فيه في أمور خارجة عن اختصاصه وخبراته‬
‫‪00000000000000000000000‬‬
‫‪-‬كما أنه من السهل على المرء أن يتاجر بعملة زائفة‪,‬فمن السهل أيضا ً أن‬
‫يتاجر بعض الناس ببعض الحقائق العلمية ‪0000000000000000‬‬
‫‪-‬إدراكنا للشياء يتم عبر وسيط ثقافي ونفسي وفكري؛مما يجعله نسبياً‬
‫ومسربل ً‬
‫بالخصوصية ‪....‬‬
‫مله‬‫ن قدرة النسان على الخروج عن الخطوط الغريزية لديه‪,‬يح ّ‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫مسؤولية اختياراته ويوجب عليه تدعيم جهازه الداخلي‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬التحديات التي تواجه المم‪-‬كالتحديات التي تواجه الفراد‪-‬هي دائما ً داخلية‬
‫‪..‬‬
‫ن كل الحلول في الرؤية السلمية‪,‬هي حلول تتم في الداخل أولً‪,‬ثم يتم‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫النطلق نحو خارج ‪0000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬كان التركيز في الماضي على تزكية النفس عن طريق قمعها وضبطها‬
‫أكثر من التركيز على الثقة والعتداد بها؛وكان لذلك بعض النتائج السلبية‬
‫‪000000000000000‬‬
‫‪-‬إن الشرك الكبر والصغر‪,‬وما يتولد عنهما من رغبات ومقتضيات‪,‬تشكل‬
‫البداية لسلسة من العلل النفسية والسلوكية ‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬حين يصبح(اليمان)عبارة عن قناعة عقلية‪,‬ويكف عن توجيه السلوك‪,‬فإن‬
‫حزمة من المراض النفسية تجتاح كيان المسلم‪,‬وتعكر صفو حياته‬
‫‪0000000000000000000‬‬
‫‪-‬من الملحظ أن الذين يحسنون التفريق بين المراض النفسية‪,‬وبين‬
‫المطالب العادلة للنفس والجسد قليلون ‪00000000000000000000000‬‬
‫َ‬
‫‪-‬لن يستطع أحد أن يزعم أنه تخل ّص من أمراضه النفسية‪,‬وصار من حقه‬
‫الخلد إلى الراحة؛فل راحة المؤمن إل بلقاء ربه ‪000000000000000000000‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬القلق من َّ‬
‫شط قوي للخيال إذا ما وُظ ّف في العثور على بعض الحلول‪,‬أو‬
‫ارتياد بعض الفاق الجديدة ‪000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬كم سيكون مؤلما ً حين يكتشف المرء بعد أن يقضي قسما ً كبيرا ً من‬
‫حياته أنه كان‬

‫_‪_283‬‬
‫منشغل ً على الدوام بمتاعب لن تقع‪,‬وخائفا ً من أشياء وهمية‪,‬ل وجود لها إل‬
‫في عقله ‪..‬‬
‫‪-‬سيكون من المهم أن نشتت الوقع النفسي لما وقع أو لما يتوقع أن‬
‫يقع‪,‬قبل أن تشتته حوادث اليام والليالي ‪00000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إن أهم مواردنا الوقت والطاقة المختزنة؛ومن السهل أن نهدر هذين‬
‫الموردين العظيمين في أمور تافهة ‪0000000000000000000‬‬
‫‪-‬عقل الكسلن بيت الشيطان‪,‬والمقلقات تسيطر على الفارغين الذين ل‬
‫يجدون ما يشغلون أنفسهم به ‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬قد تدفع الثقة الزائدة بالنفس إلى بعض العمال الطائشة‪,‬وبذلك فإنها‬
‫تكون أول خطوة على طريق الحباط ‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬كثير من التقاليد يدفع الناس إلى أن يظهروا واثقين بأنفسهم أكثر مما‬
‫هم عليه في واقع الحال ‪....‬‬
‫‪-‬الثقة بالنفس ل تولد ولدة صناعية‪,‬وإنما هي ثمرة النجاح في الحياة‪,‬‬
‫ومظهر من مظاهر التوازن النفسي‬
‫‪0000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬الناس يثقون بالشخص على قدر ثقته بنفسه‪,‬ويرون الشياء على النحو‬
‫الذي يراها عليه الواثقون ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬وقوع النسان في الخطأ هو الصل في مسيرته الحياتية‪,‬ولو حاول إنسان‬
‫أن يرتكب نوعا ً غير مسبوق من الحماقة أو الخطأ؛فالغالب أنه لن يصل إلى‬
‫ما يريد ‪00000000000‬‬
‫‪-‬إنه ما يُغلق باب حتى يُفتح باب آخر‪,‬لكن قصورنا التربوي والثقافي يجعلنا‬
‫نُشغل بالباب الذي أغلق عن الباب الذي فتح‬
‫‪0000000000000000000000000‬‬
‫ن عظماء الرجال ليسوا أولئك الذين يستسلمون لما أعدوه من‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫أسباب‪,‬وإنما أولئك الذين يستمدون طاقتهم من(الغيب)عبر ثقتهم بعون‬
‫الله وتوفيقه ‪0000000000000000‬‬
‫ن المسلم ل يستسلم أبداً؛لنه حين تتقطع به السباب‪,‬يلجأ إلى مسبَّب‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫السباب؛ سبحانه وتعالى ‪00000000000000000000000000000000000‬‬
‫ن النسان ليس ضئيلً‪,‬لكنه كسول إلى حد بعيد‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إن من المؤسف أن تضعف إرادة كثير من الناس في الوقت الذي‬
‫تتعاظم فيه قدراتهم‪.‬‬
‫‪-‬النظرة إلى الدنيا على أنها ممر إلى الخرة‪,‬قد تغيرت في البُنية العميقة‬
‫لثقافتنا لدى معظم المسلمين؛وهذا في حد َّ ذاته مصدٌر لمشكلت كثيرة‬
‫‪00000000000000000‬‬

‫_‪_284‬‬
‫‪-‬إرادة الستمرار والمثابرة‪,‬هي التي تجعلنا نرى كثيرا ً من الشخاص الذين‬
‫ل يملكون سوى قدرات متوسطة‪-‬يرأسون أعمال ً ناجحة‬
‫‪0000000000000000000‬‬
‫ن في وسع النسان أن يحقق نجاحات كبيرة‪,‬إذا فعل الشياء التي يعرف‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫مقدما ً أنه ينبغي أن يفعلها‬
‫‪0000000000000000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إذا استطاع النسان اللتزام بالنشاطات التي أضافها إلى برامجه‪,‬فإنه‬
‫يكون قد عوَّد نفسه البطولة على نطاق ضيق ‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-‬لنحاول دائما ً أن نضفي على عاداتنا نكهة الرادة الواعية؛حتى ل نقع في‬
‫فخ الرتابة التي هي عدو لدود للرادة الحرة‬
‫‪0000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إن المثابر وحسن إرادة المكانات المحدودة أعظم أثرا ً في إيجاد الشياء‬
‫الجديدة من الومضات الذهنية أو المكانات العقلية الفائقة‬
‫‪000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬في الحوال العادية والعامة يجب أن يُحسم الصراع لصالح التوازن‬
‫والعتدال ‪0000‬‬
‫‪-‬سيكون من الضرر أن نحسم صراعاتنا الشخصية بعيدا ً عن بصيرتنا‬
‫الداخلية بسبب الرضوخ لمكانة من نستشيرهم أو مركزهم‬
‫‪0000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬الوقت المملوء الجدية والمهام‪,‬يقوَّض مقدرتنا على التطور‪,‬ويضعف من‬
‫استجابتنا لدواعيه ‪00000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إن المهم دائماً‪,‬ليس أن نعمل كثيراً‪,‬وإنما أن ننتج كثيراً‪,‬وأن نحافظ مع‬
‫العمل الكثيف على حيويتنا ‪....‬‬
‫‪-‬الميل الشديد إلى أمر من المور‪-‬كالنفور الشديد منه‪-‬يشوش رؤيتنا للخيارات‬
‫المتعلقة به ‪....‬‬
‫الباب الرابع‪-:‬‬
‫الفكرة أو المقولة‪-:‬‬
‫‪-‬قد غادرت الروح المركز الحيوي الذي احتلته على مدار التاريخ‪,‬مما أدى‬
‫إلى هامشية الخطط والتنظيمات التي تدعم الجوانب الروحية والخلقية‬
‫‪00000000000‬‬
‫‪-‬ليس بعيدا ً ذلك اليوم الذي تتناقض فيه إمكانات النمو المادي‪,‬ويرجع فيه‬
‫إنسان العصر إلى الروح من جديد‪,‬ولكن هل سيجد آنذاك شيئا ً منها يتشبّث‬
‫به؟!‪0000000000‬‬
‫‪-‬القاعدة الروحية الخلقية‪,‬هي التي تتحمل الثقال الناجمة عن النتكاسات‬
‫في مجالت الحياة المختلفة‬
‫‪0000000000000000000000000000000000000000‬‬

‫_‪_285‬‬
‫‪-‬الجاذبية التي تتمتّع بها القرون السلمية‪,‬تنبع أساسا ً مما كان يسودها من‬
‫قيم التقوى والنبل والصفاء والتضحية والتضامن الهلي‪,‬وليس من التفوق‬
‫في العلوم والحروب والعمران‬
‫‪00000000000000000000000000000000000000000‬‬
‫مثُل والقيم؛وليس بالعقوبات‪,‬فالعقوبات ل تُنشئ‬ ‫‪-‬المجتمعات تُحكم بال ُ‬
‫مجتمعاً‪,‬لكنها تحميه ‪...‬‬
‫‪-‬حين يصاب مجتمع ما بالشلل الخلقي يفقد فاعليته الفكرية والخلقية‪,‬مع‬
‫ع‪000000000000000000‬‬ ‫أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوس ّ‬
‫ن اليمان العميق والمصحوب باللتزام بالسلوك السلمي هو الضمانة‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫الساسية لستمرار التألق الروحي الفطري والمكتسب‬
‫‪00000000000000000000‬‬
‫ن مجمل الستجابات الوجدانية والسلوكية لمحبوبات الله‪-‬تعالى‪-‬هو‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫الفيصل بين حقيقة حب الله وادّعائه‬
‫‪00000000000000000000000000000000‬‬
‫ن أعظم المعارك يتم خوضها في حجرات صامتة داخل الروح‪,‬وهناك‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫تُصنع النتصارات‪,‬كما تقع الهزائم الكبرى‬
‫‪000000000000000000000000000000‬‬
‫ن التمسك بالسنّة يعني أن يحيا المسلم دائما ً في حالة من الوعي‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫الداخلي وضبط النفس ‪00000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬ليس هناك أمة تعمد إلى تدمير البنية الخلقية لديها‪,‬لكن معظم المم قد‬
‫تفعل ذلك خلل عملها على تحقيق بعض متطلباتها دون وعي أو إدراك‬
‫لذلك ‪00000000000000‬‬
‫ن كل مبدأ أو هدف‪,‬ل يتحقق‪,‬يتحوّل إلى شعار‪,‬ثم إلى نوع من اللغو‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫‪00000000‬‬
‫جد العمل الصامت؛ولذا فالوجاهة عندنا‬ ‫‪-‬ليس لدينا تقاليد ثقافية راسخة‪,‬تم ّ‬
‫دائما ً لمن يحسن تشقيق الكلم ‪000000000000000000‬‬
‫ضر المختلفة‪,‬ما هي إل قشرة رقيقة‪,‬تكمن تحتها روح‬ ‫ن مظاهر التح ّ‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫وحش كاسر ينتظر الفرصة للوثوب ‪0000000000000000000‬‬
‫ن كثيرا ً من المسلمين يعَّرضون سمعة السلم الدولية للخطر من خلل‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫الصور الشائنة التي يتيحونها لوسائل العلم العالمية دون أي إحساس‬
‫بالمسؤولية ‪000000000‬‬
‫سيَر العظماء يجد أنهم دائما ً يملكون طاقة كبرى على‬ ‫ن الذي ينظر في ِ‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫التأبي والتمنّع على النجراف في التيار ‪000000000000000‬‬
‫ن(الحرية)ليست ذات بنية ثورية‪,‬وإنما هي ثمرة النضج البطيء الذي‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫صعُد المختلفة ‪00000000000000000000000000000‬‬ ‫نحرزه على ال ُّ‬
‫مق مدلولتها في نفوسنا‬ ‫‪-‬النتصارات والهزائم تظل هامشية ما لم تع َّ‬
‫وأخلقنا وعلقاتنا ‪..‬‬

‫_‪_286‬‬
‫ن دخول الخلق النسانية في دورات كالدورات القتصادية فيه الكثير‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫من المهانة لوعي الناس وكرامتهم ‪000000000000000000000000000000‬‬
‫ن العادات الفكرية تسهَّل عمل العقل‪,‬لكنها في الوقت نفسه تضع على‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫مداركنا ما يشبه الغشاوة‪,‬فل نرى الفاق الممتدة‪,‬والمكانات الكامنة‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬إهمال الشياء التافهة‪,‬يحوَّلها إلى أشياء مهمة‬
‫‪00000000000000000000000000‬‬
‫الناس من التفكير في القضايا الكبرى‪,‬لن ذلك قد يقتضي في النهاية‬
‫اتّخاذ قرارات كبرى تقضي الكثير من التغيير في نمط الحياة الخاصة‬
‫‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إذا لم نمارس دور القائد في حياتنا الخاصة‪,‬فقد تصبح أنشطتنا المحمومة‬
‫نوعا ً من الجهاد في غير عدو ‪0000000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬الشعور بالواجب التزام تشعر به ذلت حرة‪,‬تُلزم نفسها بنفسها؛و أكثر‬
‫الناس شعورا ً بالحرية أكثرهم شعورا ً بالواجبات الحضارية‬
‫‪00000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬ضعف الشعور بالواجب يتولّد عنه تلقائيا ً ضعف الشعور بالمسؤولية‪,‬الذي‬
‫يتولّد عنه‬
‫أيضا ً شعور عميق بالتفاهة والفراغ‬
‫‪00000000000000000000000000000000000‬‬
‫ن النسان يكون إنسانا ً بقدر ما يرتاع للفارق بين ما هو كائن‪,‬وبين ما‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫يجب أن يكون‪..‬‬
‫‪-‬بعض الناس يظن أن الهتمام بالبعد الجسدي ل يعدو أن يكون شكل ً من‬
‫أشكال النغماس في المادية أو هو استثمار في مشروع خاسر؛لن الموت‬
‫نهاية الجميع!‪00000‬‬
‫سه ووعيه أن الحياة الدنيا‪,‬هي كل شيء‪,‬فإنه في‬ ‫ن الذي يغلب على ح ّ‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫الغالب سوف يُهزم أمام رغبات الجسد؛لن غير ذلك قد يبدو غير ذي معنى‬
‫‪00000000000000‬‬
‫ن تلبية حاجات الجسد وصيانته‪,‬تُخرِج المرء من أفق المثالية‪,‬والنعزال‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫عن الواقع لتصبح مركز دمج بين المثالية والواقعية‬
‫‪000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬الملتزم بآداب الشريعة يربح مرتين‪:‬رضوان الله‪-‬تعالى‪-‬أول ً وصلح‬
‫وضعيته العامة ثانيا ً ‪.‬‬
‫ن انتشار مرض(اليدز)كشف النقاب عن الحملة المترابطة التي يقوم‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫بها الزنا‪,‬‬
‫واللواط‪,‬وشرب الخمر‪,‬وتناول المخدرات‪-‬لبادة الجنس البشري‬
‫‪00000000000000‬‬

‫_‪_287‬‬
‫ن الحضارة الحديثة نزعت من البشر من النسانية على مقدار ما زرعت‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫فيهم من البهيمية والوحشية ‪00000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬كثرة المتخمين‪,‬وكثرة الجياع في أمة السلم‪,‬دليل وجود خلل ثقافي‬
‫وسلوكي‪,‬و‬
‫لبد من استعادة التوازن في ذلك ‪00000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬إن البدانة هي مصدر لسلسلة من المراض الخطيرة؛لذا فإن الطب‬
‫مها السلف والحكماء من قبل‬ ‫ث على التخلّص منها‪,‬كما ذ ّ‬‫الحديث قد ح َّ‬
‫‪00000000000000000‬‬
‫‪-‬ل يصح لنا أن ننسى أن كل المكاسب والخسائر في هذه الدنيا مؤقتة‬
‫وزائلة هي وأصحابها ‪000000000000000000‬‬
‫ن تنشيط الجسم‪,‬ورفع كفاءة لجهزته المختلفة‪,‬لن تكون أبداً‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫مجانية‪,‬وقاعدة‪(:‬ل فائدة بدون ألم)قاعدة عامة في كل مجالت الحياة‬
‫‪00000000000000000‬‬
‫‪-‬إن المال قد غدا محور الحياة الحديثة أكثر من أي وقت مضى‪,‬وذلك نتيجة‬
‫طبيعية لتهميش كثير من النشطة الروحية والدبية‬
‫‪00000000000000000000000000‬‬
‫ن فضل الغني على الفقير‪,‬وفضل الفقير على الغني‪,‬يظل متوقفا ً على‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫مسلك كل منهما تجاه الحالة التي هو فيها‬
‫‪00000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬لن يكون على مستوى المة مجال للمقارنة بين الغنى والفقر؛حيث إن‬
‫الفقر يعطل عمل كثير من المؤسسات التربوية والجتماعية والتي ل تنهض‬
‫من غير المال ‪00000000‬‬
‫ن ظاهرة الفقر المنتشرة في العالم السلمي‪,‬تعود إلى الكسل وسوء‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫التوزيع والظلم والفساد الداري بالضافة إلى اختلط بعض المفاهيم‬
‫‪00000000000000‬‬
‫ن كثيرا ً من المسلمين خلطوا بين ما أراده الله منّا‪,‬وما أراده الله بنا‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫‪000000000‬‬
‫جد العمل‬ ‫ن المنطلقات النظرية‪,‬ترسم الطريق‪,‬وتسهل العمل‪.,‬لكنها ل تو ِ‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫نفسه‪,‬وإنما توجده الساليب والدوات والبرامج التي نوظفها في سبيل‬
‫تحقيقه ‪00000000000‬‬
‫‪-‬ل يكون المتديّن الحق شخصا ً عادياً‪,‬فطبيعة التديّن‪,‬تقتضي دائما ً التفوّق‬
‫‪000000000‬‬
‫‪-‬التقدّم العلمي‪,‬يتيح فرصا ً للعمل تحتاج إلى التنظيم والدارة أكثر من حاجتها إلى‬
‫المال ‪..‬‬
‫جم إلى تطبيقات عملية‪,‬وهذا ما‬ ‫‪-‬ل يح َّ‬
‫سن العلم نوعية الحياة ما لم يُتر َ‬
‫ينجبه اللقاء السعيد بين العلوم النظرية والممارسات المهنية والتقنية‬
‫‪000000000000000‬‬

‫_‪_288‬‬
‫‪-‬ل يمكن أن يكون هناك مجتمع أقوى من مجموع أفراده؛ولذا فالنهوض‬
‫بالذات هو مساهمة مقدَّرة في نهوض المة‬
‫‪000000000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬النسان اليجابي الفعّال‪,‬يكتشف جوانب النفع الخفية للشياء وهذا يجعله‬
‫يسبق غيره ‪.‬‬
‫‪-‬كلما كانت المكانات محدودة‪,‬والموارد شحيحة احتجنا إلى براعة أكثر في‬
‫إرادتها ‪..‬‬
‫‪-‬حين تولد الفكرة‪,‬وتدعم بدراسة جدوى عقلنية وعلمية‪,‬فإن المال ل يغدو‬
‫مشكلة حيث ينهال المستثمرون على صاحبها ‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬مصير البشرية متوقف على عدد محدود من المور‪,‬أهمها علقة الناس‬
‫ل وعل‪-‬ثم علقتهم بعضهم مع بعض ‪......‬‬ ‫بخالقهم‪-‬ج َّ‬

‫الباب الخـــــــــــــــــــــــــــــــامس‪-:‬‬
‫الفكـرة أو المقولة‪:‬‬
‫ن تأثير الخرين في حياتنا‪,‬هو أكبر عادة ً مما نعترف به ‪...................‬‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫ن كثيرا ً من مفردات الطبيعة النسانية‪,‬ل يورث عن الباء‪,‬وإنما هو ميراث‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫على كل واحد أن يستعبده نفسه ‪.........................‬‬
‫‪-‬الذات النسانية ذات مشتَّتة بين الخصوصية المركزة وبين العتماد على‬
‫الخرين ‪.....‬‬
‫سع نشاطه‪,‬وجد أن حاجته للخرين‬ ‫‪-‬كلما ازداد نضج النسان‪,‬وأراد أن يو َّ‬
‫صارت أعظم ‪.‬‬
‫ن العالم المعرفي المشترك الذي توجده الحوارات بين الزواج‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫مي البصيرة الجتماعية والثقافية لدى المشتركين فيه‬ ‫والصدقاء‪,‬هو الذي ين ّ‬
‫‪...‬‬
‫َّ‬
‫ف الكتئاب‬ ‫‪-‬إن الدعم الجتماعي الجيد‪,‬يولد مشاعر إيجابية قادرة على ك ّ‬
‫‪.....‬‬
‫‪-‬إن اللبنات الهشة‪,‬لن تشكّل في النهاية سوى جدار هش ‪..............‬‬
‫‪-‬حين ننظر إلى العلقات الجتماعية على أنها موارد للنمو الشخصي فإننا ل‬
‫نجد بُدَّا ً من إقامتها على أسس عقدية ومنهجية قواسم مشتركة‬
‫‪................‬‬
‫‪-‬إن الشخص الفاسد يشوش رؤية الناس ل(النواة)الخلقية التي يجب أن‬
‫تتشكّل حولها مفاهيم التواصل الجتماعي ‪.........................‬‬
‫‪-‬إن الكبر يولّد التوتر الماضي لدى صاحبه‪,‬ولدى المجتمع الذي يعيش فيه‬
‫‪....‬‬
‫‪-‬إن المتواضع يستطيع أن يجذب من هم أكثر منه تفوقاً‪,‬وذلك مكافأة‬
‫مجزية له ‪...........‬‬
‫حلُق الرحمة‪,‬يتجاوز الحقوق والواجبات والعقود إلى النبل والشهامة‬ ‫‪ُ -‬‬
‫والمروءة ‪.....‬‬

‫_‪_289‬‬
‫‪-‬التخلف الحضاري‪,‬يفكك الروح الجماعية‪,‬ويقتل روح المبادرة؛حيث ينتظر‬
‫كل واحد من الناس غيَره‪,‬ليكون البادئ ‪................................‬‬
‫‪-‬إن أهم سمات العظماء في كل المم أنهم يدركون الوضعية التي ينبغي أن‬
‫تصل إليها مجتمعاتهم‪,‬ويحاولون السهام في بلوغها ‪...........................‬‬
‫‪-‬تعني الشفافية القدرة على استكناه التجاه الذهني للخرين‪,‬وتحسس‬
‫مشاعرهم تجاه الحداث والشياء المختلفة ‪...........................‬‬
‫‪-‬إن تلهف الفرد على التقدير والحترام‪,‬يعد محركا ً جوهريا ً لكثير من‬
‫أنشطته ‪...‬‬
‫‪-‬الفضيلة دائما ً شيء بين رذيلتين‪,‬والشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده‬
‫‪....‬‬
‫‪-‬من اللباقة أل نزعج الناس بمشكلتنا الخاصة؛حيث إن عندهم من‬
‫المشكلت ما يكفيهم‪.‬‬
‫حسن التعامل‪,‬وليست أشياء يجب أن‬ ‫‪-‬المشاعر الطيبة ثمرات للحسان و ُ‬
‫نخضع لها ‪......‬‬
‫‪-‬إذا استطعنا أن نُخضع مشاعرنا لتفكيرنا وواجباتنا‪,‬فإن فصل ً جديدا ً رائعاً‬
‫يمكن أن يبدأ في حياة كل واحد منا ‪.....................‬‬
‫‪-‬إن الناس كثيرا ً ما يثقون بالشخص على مقدار ما يثق هو بنفسه‬
‫‪...............‬‬
‫‪-‬ل يثق الناس في شخص‪,‬ل يستطيعون التنبؤ بسلوكه ومواقفه‬
‫‪...................‬‬
‫‪-‬الجدارة بالثقة شيء يشعه مجمل الشخصية‪,‬أكثر مما تشرحه القوال‬
‫‪...........‬‬
‫‪-‬إن الذين يتكتمون على ما ل ينبغي التكتم عليه‪,‬يجعلون من أنفسهم محاور‬
‫للتقولت والشائعات ‪............................‬‬
‫‪-‬كل تقنيات إحداث اللفة والنسجام تتمحور حول تعظيم القواسم‬
‫المشتركة ‪ ,‬وإيجاد أوجه التشابه بين الذين يسعون إلى التآلف ‪.............‬‬
‫َ‬
‫‪-‬مهما كانت جهودنا متميزة‪,‬فإنه ستظل هناك مسافة بين ماننظ ّر له‪,‬وبين‬
‫ما يتجسد في واقعنا العملي ‪....................‬‬
‫‪-‬الفجوة بين ما هو كائن‪,‬وما ينبغي أن يكون‪,‬هي التي تعطي المشروعية‬
‫للنقد ‪....‬‬
‫‪-‬يجب أن نعترف لن لدينا ميول ً غريزية لحب المديح والنفور من النصح‬
‫والنقد ‪....‬‬
‫‪-‬ل ينبغي في أي حال من الحوال أن نفهّم من ينتقدنا أنه مخطئ في كل‬
‫ما قاله ‪......‬‬
‫‪-‬إن الناقد إن لم يصب في مضمون ما قاله‪,‬فقد أصاب في تحفزه للصلح‬
‫ومقاومة العوجاج ‪..‬‬
‫‪-‬ليس من المبالغ فيه أن نعد َّ الخفاق في التصال بالخرين‪,‬أحد أوبئة حياتنا‬
‫المعاصرة ‪.‬‬

‫_‪_290‬‬
‫‪-‬طالما كانت المصافحة مصدرا ً لبث الدفء في القلوب ‪...................‬‬
‫‪-‬البلغة‪:‬ـن نستخدم أسلوبا ً يناسب السامع‪,‬وتنسجم كلماته مع معانيه‬
‫‪..........‬‬
‫‪-‬يعتبر الناس التأثير في الخرين جزءا ً من تحقيق وجودهم المعنوي ‪.........‬‬
‫‪-‬كثيرا ً ما يكون الفارق بين المتحدث الناجح والمخفق هو الحرص على‬
‫تجويد الخطاب وإتقانه ‪.....‬‬
‫‪-‬يولد النسان صارخاً‪,‬ثم يتعلم الكلم‪,‬ويميل الطفل إلى الكثار من اللغو‪,‬ثم‬
‫يتعلم النصات ‪..‬‬
‫‪-‬على حين نجد كثيرين‪,‬يحرصون على تعلم تنميق الكلم؛فقلما نجد من‬
‫يحرص على تعلم النصات ‪..............‬‬
‫‪-‬حين نستمع إلى شخص يتحدث‪,‬فإننا نحاول فهمه من خلل عاداتنا وإطارنا‬
‫المرجعي‪,‬مع أن الفهم الدقيقة‪,‬يتطلب أن ندخل إلى عالمه الشخصي‬
‫‪.........‬‬
‫ت من‬ ‫‪-‬علينا أن نتعلم كيف نحذف من حديث الذين يبالغون كلما ٍ‬
‫نحو‪(:‬عظيم جداً) و (كثير جداً)و(قريب جداً)؛حيث إن هذه العبارات غير ذات‬
‫معنى في واقع المر ‪00000‬‬
‫‪-‬مهما كانت علقتنا بالخرين عقلنية ومقننة؛فإننا ل نستطيع عزلها عن تأثير‬
‫العواطف والنفعالت ‪.....‬‬
‫‪-‬إن ضعف العاطفة في العلقات الجتماعية‪,‬ل يسمح بالندماج الذهني‬
‫والشعوري‪,‬كما ل يسمح بملمسة آفاق الخبرة النسانية العميقة لدى‬
‫أصحاب تلك العلقات ‪...............‬‬
‫‪-‬العمال الروحية والعلقات العاطفية‪,‬تميل بطبعها إلى التطّرف الذي‬
‫يترتب عليه التذبذب‪,‬ولذا فيجب تأطيرها دائما ً بإطار عقلي ‪....................‬‬
‫‪-‬إن الذين يفقدون معنى الصداقة الحميمة في حياتهم‪,‬يتعرضون لعظم‬
‫الصعاب و المشاق على نحو صامت ‪................‬‬
‫‪-‬الترفع على الخوان بسبب ما يجد ُّ من أحوال‪,‬دليل على رداءة الطبع‬
‫‪........‬‬
‫‪-‬ليكن شعارنا‪(:‬نتناقش‪,‬وننقد‪,‬ولكن في ظل صداقة حميمة) ‪..............‬‬
‫‪-‬إذا أردنا لفكارنا أن تنتشر‪,‬فعلينا أن نجعل الخرين‪,‬يشعرون أنها أفكارهم‬
‫‪....‬‬
‫‪-‬إذا أردت المزيد من العداء‪,‬فتميّز على أصدقائك ‪..............‬‬
‫‪-‬لنستخرج النبل الذي في نفوس الخرين من خلل الثناء على جهودهم‬
‫وأعمالهم ‪..‬‬
‫َّ‬
‫‪-‬مضي الحياة الزوجية على نمط واحد‪,‬يؤدي إلى السأم‪,‬ويصلب الحاسيس‬
‫‪...‬‬
‫‪-‬على كل واحد من الزوجين أن يلقي في روع الخر أن إمكانات التغيير‬
‫موجودة ‪ ,‬وأن التكيف والصبر ليس هما الحل الوحيد ‪.............‬‬

‫_‪_291‬‬
‫‪-‬جوهر العلقة بين الرجل والمرأة‪,‬ل يقوم على التشابه‪,‬وإنما على التباين‪ ,‬و‬
‫الغفلة عن هذا‪,‬سببت الكثير من المشكلت السرية ‪..................‬‬
‫‪-‬التفاصيل الصغيرة في الحياة الزوجية‪,‬ليست صغيرة؛فتضخم الشياء‬
‫التافهة‪,‬شيء دارج جدا ً في البيوت ‪........................‬‬
‫‪-‬سلسلة المعقولت لدى الرجل مختلفة عنها لدى المرأة‪,‬وهذا يجعل كثيراً‬
‫من النقاش بينهما ل يأتي بأي نتيجة ‪......................‬‬
‫‪-‬النسحاب من النقاش‪,‬وإشعار أحد الطرفين للخر‪,‬أن ل فائدة ترتجي‬
‫منه‪,‬من أكثر أسباب وقوع الطلق شيوعا ً ‪................‬‬
‫‪-‬يغلب على النساء حب الستهلك؛ولذا فإن ترفيه الرجل لسرته‪,‬يحل‬
‫الكثير من المشكلت ‪...‬‬
‫‪-‬إن أي منح للثقة يجب أن يتم في إطار من التنظيم والترتيب المعتدل ‪....‬‬
‫من يمنح الثقة أن ينظر إلى المخاطر التي تترتب على ذلك أكثر‬ ‫‪-‬إن على َ‬
‫من نظره إلى أهلية من يضع ثقته فيه ‪.......................‬‬
‫‪-‬حتى تستمر علقاتنا‪,‬فإنه يجب بناؤها على التكافؤ ‪............‬‬
‫‪-‬ل بد أن نفكر من خلل عقلية(الوفرة)والعتقاد بان هناك ما يكفي الجميع‬
‫‪...‬‬
‫‪-‬من المهم لستمرار علقاتنا وصفائها أن يعرف كل واحد منا ما يمكنه أن‬
‫يحصل عليه من وراء تلك العلقات ‪...........‬‬
‫‪-‬الختلف والتنوع في إطار الوحدة‪,‬من أكبر حقائق هذا الوجود ‪.........‬‬
‫‪-‬إن علينا أن ندرك أن الناس ل يرون الشياء على ما هي عليه‪,‬وإنما يرونها‬
‫عبر نظارات وأغشية من ثقافتهم واهتماماتهم ومصالحهم ‪.............‬‬
‫‪-‬تنوع ما هو متاح‪,‬جعل الشياء التي تُرضي الجميع قليلة‪,‬وبذلك تم فتح‬
‫مجالت جديدة للختلف ‪..................‬‬
‫‪-‬حين يعاني إنسان ما من انخفاض معنوياته‪,‬أو من شعوره بعدم المان‪,‬فإنه‬
‫جه إليه على أنه نقد شخصي له ‪..............‬‬ ‫سر كل نقد مو َّ‬‫يف َّ‬
‫‪-‬من وسائل تجنب الختلف‪,‬تقليل العتماد على الخرين‪,‬وما نتوقعه منهم‬
‫‪....‬‬
‫‪-‬لنبحث دائما عن الحلول بدل أن يكون دأبنا إلقاء اللوم على الخرين ‪......‬‬ ‫ً‬
‫‪-‬الباطل المتلبس بالحق‪,‬والحق المتلبس بالباطل هما مصدر أكثر النزاعات‬
‫بين الناس ‪...‬‬

‫_‪_292‬‬
‫الموضوع‪:‬‬
‫مقدمـة‪,,,,,‬‬
‫الباب الول‬
‫عصرنا وملمحه وأوضاعه‬
‫الفصل الول‪-:‬هل يعيش العالم عصرا ً واحداً؟‬
‫نحن والغرب ‪................‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬قيم ومفاهيم وأوضاع سائدة‬
‫أولً‪-‬من التفاؤل إلى العدمية ‪................‬‬
‫ثانياً‪-‬ضياع الهدف النهائي ‪................‬‬
‫ثالثاً‪-‬التأزم الخلقي ‪................‬‬
‫رابعاً‪-‬تقدم بل حدود ‪................‬‬
‫خامساً‪-‬تغير في المفاهيم ‪................‬‬
‫سادسا ً ‪-‬العنف وإرادة القوة ‪................‬‬
‫سابعاً‪-‬التحدي والستجابة ‪................‬‬
‫ثامناً‪-‬انتشار نظام التجارة ‪................‬‬
‫تاسعاً‪-‬جنون الستهلك ‪................‬‬

‫الباب الثاني‬
‫العيش في الزمان الصعب‪.‬‬
‫الفصل الول‪-‬عصر العيش الصعب‬
‫‪-‬لماذا زماننا صعب؟ ‪................‬‬
‫‪-‬انتقال مركز السيطرة من النسان إلى الشياء ‪................‬‬
‫‪-‬صيرورة كثير من الضروريات كماليات ‪................‬‬
‫‪-‬الحاجة إلى مزيد من المهارة ‪................‬‬
‫سمت شعوب العالم ‪................‬‬ ‫‪-‬تغيرات سريعة ق َّ‬
‫‪-‬زيادة السأم من الحياة وانتشار الجرائم ‪................‬‬
‫‪-‬اليأس من صلح الحوال ‪................‬‬
‫‪-‬تدهور الحياة البيئية ‪................‬‬
‫_‪_293‬‬
‫الفصل الثاني‪-‬العيش خارج العصر‬
‫*مدخل ‪................‬‬
‫*سمات الذين يعيشون خارج العصر ‪................‬‬
‫‪-1‬التكبل بالوهام ‪................‬‬
‫‪-2‬التخفف من القيود الخلقية ‪................‬‬
‫‪-3‬التشتت بين الماضي والمستقبل ‪................‬‬
‫‪-4‬فقد المبادرة الشخصية ‪................‬‬
‫‪-5‬العراض عن النقد الذاتي ‪................‬‬
‫‪-6‬عدم الهتمام بالوقت ‪................‬‬
‫‪-7‬الهمال والفوضى ‪................‬‬
‫الفصل الثالث‪-‬نموذج المسلم المعاصر‬
‫‪-1‬توجيه جميع المناشط نحو الغاية العليا ‪................‬‬
‫‪-2‬عدم المساومة على المبدأ ‪................‬‬
‫‪-3‬المحافظة على الصورة الكلية ‪................‬‬
‫‪-4‬التحرر الدائم ‪................‬‬
‫‪-5‬التفوق على الذات ‪................‬‬
‫‪-6‬الشعور بالتأنق ‪................‬‬
‫‪-7‬وضوح الهدف ‪................‬‬
‫‪-8‬نحو الهدف ‪................‬‬
‫‪-9‬السلوك المنطقي ‪................‬‬
‫‪-10‬الحرص على النجاح مهما يكن صغيرا ً ‪................‬‬
‫‪-11‬الوضع اليجابي ‪................‬‬
‫‪-12‬التقييم الذاتي ‪................‬‬
‫الفصل الرابع‪-‬قضايا عامة‬
‫أولً‪-‬المدينة الفاضلة وَهْم ‪................‬‬
‫ثانياً‪-‬إدارة الوقت ‪................‬‬
‫*لماذا يضيع الوقت ‪................‬‬
‫*مبادئ وآليات في الستفادة من الوقت ‪................‬‬
‫ثالثاً‪-‬تحسين النتاجية ‪................‬‬
‫*العوامل المؤثرة في النتاجية‪-‬مبادئ تحسينها ‪................‬‬
‫رابعاً‪-‬مواجهة المشكلت ‪................‬‬
‫خامساً ‪-‬الهتمام بالمستقبل ‪................‬‬
‫*أفكار تساعد على رسم خطة شخصية ‪................‬‬
‫سادساً‪-‬السعادة والرضا ‪................‬‬
‫_‪_294‬‬
‫*مصدر الشعور بالسعادة ‪................‬‬
‫*مصدر الحساس بالرضا ‪................‬‬
‫سابعاً‪-‬السبق والتقاعس ‪................‬‬
‫*سمات السبّاقين والمتقاعسين ‪................‬‬
‫ثامناً‪-‬لكل شيء ثمن ‪................‬‬
‫تاسعاً‪-‬الدقة ‪................‬‬
‫عاشراً‪-‬مطالب متناقضة ‪................‬‬
‫الباب الثالث‬
‫العيش في الزمان الصعب‬
‫البعد العقلي والنفسي‬
‫الفصل الول‪-‬البعد العقلي‬
‫العقل وأهميته المتزايدة ‪................‬‬
‫العقل‪:‬شكل ومضمون ‪................‬‬
‫العقلنية ‪................‬‬
‫الفصل الثاني‪-‬تجديد البعد العقلي‬
‫‪-1‬شروط للتجديد ‪................‬‬
‫‪-2‬استخدام العلج الدراكي ‪................‬‬
‫‪-3‬النظرة المتعمقة ‪................‬‬
‫‪-4‬الستماع الجيد ‪................‬‬
‫‪-5‬تنشيط الذاكرة ‪................‬‬
‫‪-6‬المرونة الذهنية ‪................‬‬
‫‪-7‬تحسين التفكير عن طريق القبعات الست ‪................‬‬
‫ج‬
‫الفصل الثالث‪-‬التفكير المعو ّ‬
‫‪-1‬إصدار الحكام المسبقة ‪................‬‬
‫‪-2‬سوء التعامل مع المعلومات غير الملئمة ‪................‬‬
‫‪-3‬الضلل في تفسير الظواهر ‪................‬‬
‫‪-4‬تأثير النطباعات الولى ‪................‬‬
‫‪-5‬تأثير الهالة ‪................‬‬
‫‪-6‬المبالغة ‪................‬‬
‫‪-7‬القراءات القاصرة ‪................‬‬
‫الفصل الرابع‪-‬البعد النفسي ‪................‬‬
‫التجديد البعد النفسي‪................ :‬‬
‫‪-1‬تخليص النفس من أمراضها ‪................‬‬
‫_‪_295‬‬
‫‪-2‬تخفيف القلق ‪................‬‬
‫َ‬
‫‪-3‬تخل ّص من الكتئاب ‪................‬‬
‫‪-4‬الثقة بالنفس واحترامها ‪................‬‬
‫‪-5‬الرادة الصلبة ‪................‬‬
‫‪-6‬حسم الصراع الداخلي ‪................‬‬
‫‪-7‬كافئ نفسك ‪................‬‬
‫‪-8‬السيطرة على النفعالت ‪................‬‬
‫الباب الرابع‬
‫العيش في الزمان الصعب‬
‫البعد الخلق والبعد البدني وإدارة شؤون‬
‫العيش‬
‫الفصل الول‪-‬تجديد البعد الخلقي‬
‫*القاعدة الروحية الخلقية ‪................‬‬
‫*خلق وسلوك جديدان‪:‬‬
‫‪-1‬التمسك بالسنّة ‪................‬‬
‫‪-2‬تجسيد المبادئ الخلقية ‪................‬‬
‫‪-3‬نحو أخلق شفيفة ‪................‬‬
‫‪-4‬التأبي الخلقي ‪................‬‬
‫‪-5‬لياقة خلقية ‪................‬‬
‫أ‪-‬إغناء الحياة العامة ‪................‬‬
‫ب‪-‬فضيلة الهتمام ‪................‬‬
‫خلق التسامح ‪................‬‬ ‫ج‪ُ -‬‬
‫‪-6‬اكتساب عادات جديدة‪................ :‬‬
‫أ‪-‬التخلص من التسويف ‪................‬‬
‫ب‪-‬الخروج من دائرة الكللة ‪................‬‬
‫ج‪-‬النهماك في العمال الصغيرة ‪................‬‬
‫‪-7‬الشعور بالواجب ‪................‬‬
‫الفصل الثاني‪-‬تجديد البعد البدني‬
‫*تحديات جديدة ‪................‬‬
‫*قواعد في حفظ الصحة العامة‪................ :‬‬
‫‪-1‬النظر إلى وضعية الحياة الدنيا ‪................‬‬
‫‪-2‬التوازن ‪................‬‬

‫_‪_296‬‬
‫‪-3‬توجيهات شرعية‪................ :‬‬
‫أ‪-‬أكل الطيّبات باعتدال ‪................‬‬
‫ب‪-‬التداوي ‪................‬‬
‫ج‪-‬المتناع عن المحّرمات ‪................‬‬
‫د‪-‬النظافة ‪................‬‬
‫‪-4‬الغذاء المتوازن ‪................‬‬
‫‪-5‬التخلص من البدانة ‪................‬‬
‫‪-6‬القلع عن التدخين ‪................‬‬
‫‪-7‬الراحة النفسية ‪................‬‬
‫‪-8‬ممارسة الرياضة ‪................‬‬
‫الفصل الثالث‪-‬إدارة شؤون العيش‬
‫*المنطلق النظري‪:‬‬
‫‪-1‬الله‪-‬تعالى‪-‬ضامن لرزق العباد ‪................‬‬
‫‪-1‬العمل في الحصول على رزق عبادة ‪00000000000000000‬‬
‫‪-3‬الكل من عمل اليد ‪0000000000000000‬‬
‫‪-4‬الغني الشاكر أم الفقير الصابر ‪0000000000000000‬‬
‫‪-5‬أسباب الفقر في العالم السلمي ‪00000000000000000‬‬
‫‪-6‬التوسط في النفاق ‪000000000000000‬‬
‫*أساليب ووسائل في تدبير شؤون العيش‪000000000000000:‬‬
‫‪-1‬الستقامة و اللتزام ‪00000000000000000000‬‬
‫‪-2‬التفوّق ‪000000000000000000‬‬
‫‪-3‬حاول تحسين دخلك ‪000000000000000000000‬‬
‫‪-4‬تعوّد تأجيل الرغبات ‪00000000000000000000‬‬
‫‪-5‬اكتساب المهارات ‪0000000000000000000000000‬‬
‫‪-6‬اغتنام الفرص المتاحة ‪000000000000000000‬‬
‫‪-7‬السفر باب من أبواب الرزق ‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-8‬توفير شيء من الدخل ‪00000000000000000‬‬
‫‪-9‬المكانات المحدودة ‪0000000000000000000‬‬
‫مد أموالك ‪000000000000000000‬‬ ‫‪-10‬ل تج ّ‬
‫‪-11‬العلقات الحسنة مصدر رزق ‪0000000000000000‬‬
‫الباب الخامس‬
‫العيش في الزمان الصعب‬
‫العلقات الجتماعية‬
‫_‪_297‬‬
‫الفصل الول‪-‬أهمية العلقات الجتماعية ‪0000000000000000000‬‬
‫‪-1‬تشتت الذات النسانية ‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-2‬المساعدة على فهم العالم ‪00000000000000000‬‬
‫‪-3‬إشباع الحاجات العاطفية ‪000000000000000‬‬
‫‪-4‬المساعدة على مواجه الصعاب ‪000000000000000‬‬
‫سمات اللبنة الصالحة‪00000000000000:‬‬
‫‪-1‬اللتزام ‪0000000000000000‬‬
‫‪-2‬التواضع ‪000000000000000‬‬
‫‪-3‬الصبر ‪000000000000000000‬‬
‫‪-4‬الحمة ‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-5‬المبادرة الفردية ‪00000000000000000‬‬
‫‪-6‬اللباقة ‪000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬مظاهر اللباقة ‪000000000000000000000‬‬
‫‪-7‬صناعة المشاعر ‪0000000000000000000000000‬‬
‫‪-8‬اللفة‪0000000000000000000000000:‬‬
‫أ‪-‬طيب الكلم والنته ‪000000000000000000000‬‬
‫ب‪-‬الجدارة بالثقة ‪0000000000000000‬‬
‫ج‪-‬الوضوح ‪000000000000000‬‬
‫د‪-‬تقنيات في إيجاد اللفة ‪0000000000000‬‬
‫‪-9‬تقبُّل النقد‪000000000000:‬‬
‫أ‪-‬بيان العيوب هدية ‪000000000000000000‬‬
‫ب‪-‬الستماع للنقد بقلب مفتوح ‪0000000000000000‬‬
‫ج‪-‬استيعاب الناقد ‪0000000000000000000‬‬
‫د‪-‬الستفسار من الناقد ‪0000000000000000000000‬‬
‫ه‪-‬عدم إفهام الناقد أنه مخطئ ‪00000000000000000000‬‬
‫و‪-‬تلخيص ما يتضمنه النقد ‪00000000000000000‬‬
‫ز‪-‬تنفيذ ما تم التفاق عليه ‪00000000000000000‬‬
‫الفصل الثاني‪-‬التصال النساني ‪00000000000000000000000‬‬
‫‪-‬تعريف التصال ‪000000000000000‬‬
‫‪-‬كيف نجعل اتصالنا جيداً؟‪000000000000000000000‬‬
‫‪-1‬تكوين النطباع الولي ‪00000000000000‬‬
‫‪-2‬اعرف نفسك ‪00000000000000000‬‬
‫‪-3‬الدقة في استخدام اللغة ‪000000000000000000000‬‬
‫‪-4‬التصال عبر الهاتف ‪00000000000000‬‬
‫_‪_298‬‬
‫‪-5‬الخطاب المؤثّر ‪000000000000000000000000‬‬
‫‪-‬الصغاء الجيد‪:‬‬
‫‪-1‬ميزات الصغاء ‪00000000000‬‬
‫‪-2‬تحسين الصغاء ‪00000000000000000‬‬
‫الفصل الثالث‪-‬مبادئ ومفاهيم في العلقات الجتماعية‬
‫‪00000000000000‬‬
‫‪-1‬التوازن بين التعقل والنفعال ‪00000000000000000‬‬
‫‪-2‬رعاية العلقة الخاصة‪0000000000000000:‬‬
‫أ‪-‬ندرة الطراز الرفيع من الخوان ‪000000000000000‬‬
‫ب‪-‬أسباب انعدام الصداقة الحميمة ‪0000000000000000‬‬
‫ج‪-‬ما يجب توفره في الصديق ‪000000000000‬‬
‫د‪-‬أشكال رعاية الصداقة ‪000000000000000‬‬
‫‪-3‬العلقات الشفيفة‪000000000000000000000000:‬‬
‫‪-‬اهميتها ‪00000000000000000000000‬‬
‫‪-‬ما يمنح علقاتنا الشفافية ‪0000000000000000‬‬
‫‪-4‬العلقات السرية ‪00000000000000000000000‬‬
‫أ‪-‬ركود الحياة الزوجية ‪0000000000000‬‬
‫ب‪-‬عزل متاعب الحياة عن المنزل ‪0000000000000000‬‬
‫ج‪-‬علقة الزوجين تقوم على التخالف ‪000000000000000000‬‬
‫د‪-‬الهتمام بالتفاصيل الصغيرة ‪00000000000‬‬
‫هـ‪-‬النسحاب من الحوار ‪00000000000‬‬
‫و‪-‬حب الستهلك عند المرأة ‪00000000000000‬‬
‫‪-5‬منح الثقة‪00000000000000000:‬‬
‫‪-‬منح الثقة يقوم على طرفين ‪000000000000000000000‬‬
‫‪-‬الجميع بين الثقة والنظام ‪0000000000000000000‬‬
‫‪-‬خطر حجب الثقة ‪00000000000000‬‬
‫‪-‬أسس في منح الثقة ‪000000000000000‬‬
‫‪-6‬علقات لنفع الجميع‪00000000000000000000000:‬‬
‫‪-‬التكافؤ في العلقات ‪000000000000000000‬‬
‫‪-‬الستقامة هي حجر الزاوية في العلقات ‪0000000000000‬‬
‫‪-‬الموازنة بين الذات والخر ‪0000000000000000‬‬
‫‪-‬عقلية الوفرة ‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-7‬إيضاح التوقعات ‪000000000000000‬‬
‫الفصل الرابع‪-‬التعامل مع الختلفات ‪0000000000000‬‬
‫_‪_299‬‬
‫أسباب وجود الختلف‪0000000000000:‬‬
‫‪-1‬اختلف القيم والفكار ‪00000000000000‬‬
‫‪-2‬التنوع وكثرة الخيارات ‪000000000000000000‬‬
‫َ‬
‫‪-3‬اجتماع الناس يول ّد التوترات ‪00000000000000‬‬
‫‪-4‬محدودية الموارد ‪000000000000‬‬
‫أسباب جزئية للختلف ‪0000000000000‬‬
‫كيف نقلل من الخلفات مع الخرين؟‪000000000000‬‬
‫‪-1‬تقليل العتماد على الخرين ‪00000000000000000000‬‬
‫‪-2‬عدم السراف في إعطاء الوعود ‪0000000000000000‬‬
‫‪-3‬التخلص من سوء الفهم ‪000000000000000‬‬
‫‪-4‬ل تغضب ‪00000000000000000‬‬
‫‪-5‬البحث عن الحلول عوضا ً عن اللوم ‪0000000000000000‬‬
‫‪-6‬التقليل من إصدار الحكام ‪00000000000000000‬‬
‫‪-7‬محاولة فهم الدوافع السلوكية للخرين‬
‫‪000000000000000000000‬‬
‫إدارة الخلفات وحلها‪00000000000000000000000:‬‬
‫‪-1‬ما يثير الخلف هو اللتباس ‪000000000000000‬‬
‫‪-2‬تحديد نقاط الخلف ‪000000000000000000000‬‬
‫‪-3‬تهيئة الجو النفسي للحل ‪00000000000000000000‬‬
‫‪-4‬توجيه المزيد من السئلة ‪00000000000000000‬‬
‫‪-5‬المحافظة على الهدوء ‪0000000000000000000000‬‬
‫‪-6‬الغضاء عن الدوافع والمشاعر ‪000000000000000000‬‬
‫‪-7‬تجاوز الماضي على الحاضر ‪0000000000000000‬‬
‫‪-8‬العتراف بالخطأ ‪0000000000000000000‬‬
‫‪-9‬لفت نظر الخصم إلى هدف مشترك ‪0000000000000000000‬‬
‫‪-10‬الستنجاد بالزمن ‪000000000000000‬‬
‫الخاتمة ‪00000000000000‬‬
‫فهرس المراجع المختارة ‪00000000000000000‬‬
‫فهرس الفكار والمقولت العامة‬
‫‪0000000000000000000‬‬
‫الفهـــــــــــــــــــــــرس‬
‫‪000000000000000000000000000‬‬
‫_‪_300‬‬
_301_

You might also like