حان الآن عصر القلق - الغاوون الشعرية العدد17 تموز 2009

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 1

‫‪2009‬‬ ‫الأربعاء ‪ 1‬ت ّموز‬ ‫‪2009‬‬ ‫الأربعاء ‪ 1‬ت ّموز‬

‫لما ت ّم تجاوزه في مجال النقد والدرا�سة‬ ‫ُيفتر�ض فيه �أن��ه ق�ضايا خا�صة بالتدري�س‬ ‫ق�ب��ل �سن َتين م��ن الآن ظ�ه��ر �إلى‬ ‫في ُبقعة مُهملة هناك‬ ‫َ�ص ْمتٌ ‪،‬‬ ‫ول���د وي�����س��ت��ان ه��ي��و �أودن‪،‬‬
‫الأدب � �ي ��ة‪ ،‬ح �ي��ث ُي �ح �ي��ي ت� � ��ودوروف الكثير‬ ‫على عموم الأدب‪ ،‬وهو �شيء ال ي�ستقيم �أبداً‬ ‫ال��وج��ود كتاب "الأدب في خطر"‬ ‫ُ‬
‫بيانو يعزف و�صوت كظيم يت�س ّرب من طبله ث ّمة كالب تقبل على الحياة على طريقتها‬ ‫الإنكليزي المولد الأميركي‬
‫م��ن ال�ت���ص� ّورات ف��ي علم ال�ج�م��ال كم�س�ألة‬ ‫فكل مجال‬ ‫في نظر عبد الرحيم ج�ي��ران‪ّ ،‬‬ ‫لتزيفتان ت � ��ودوروف‪ ،‬وق��د القى‬ ‫�أح�ضروا التابوت �إلى هنا‪ ،‬و�أقيموا الحِ ـداد‪� .‬أي�ضاً‪،‬‬ ‫الجن�سية‪ ،‬في ي��ورك ب�إنكلترا‬
‫ربط الأدب بالتاريخ‪ ،‬في ا�ستعادة مك�شوفة‬ ‫بالن�سبة �إليه له خ�صو�صية مع ّينة ال يمكن‬ ‫ه ��ذا ال �ك �ت��اب ب �� �س��رع��ة م �ك��ان �اً له‬ ‫وث ّمة َف َر ٌ�س يع ّذبها ج ّ‬
‫الدها‬
‫لتقليد فرن�سي قديم‪" :‬ال يتع ّلق ما ي�سوقه‬ ‫غ�ض الطرف عنها‪ .‬ويمكن القول �إن وراء‬ ‫ّ‬ ‫ف��ي المكتبات العامة والخا�صة‪ ،‬ومكتبات‬ ‫اجعلوا الطائرات تحوم فوق ر�ؤو�سنا وتنوح تترك حداها‬
‫العام ‪ .1907‬انتقل �إلى برمنغهام خالل‬
‫ت� ��ودوروف م��ن ح�ج��ج ‪ -‬ع�ل��ى م�ستوى علم‬ ‫كتاب ت��ودوروف ت�صفية ح�ساب ما مع نوع‬ ‫ال�م�ث�ق�ف�ي��ن وال �ن � ّق��اد ال��ذي��ن ق��اب �ل��وه بكثير‬ ‫م�غ� ّب���ش� ًة �صفحة ال���س�م�ـ��اء ب��ر��س��ال��ة‪" :‬لقـد �أث َر البراءة على الع�شب‪.‬‬ ‫مرحلة الطفولة‪ ،‬وتل ّقى تعليمه في‬
‫الجمال بق�ضايا �أب�ستيمولوجية‪ ،‬بل يعمد‬ ‫من الأدب قبل �أن يكون ت�صفية ح�ساب مع‬ ‫من اال�ستح�سان‪ ،‬بل االنبهار لدى البع�ض‬ ‫مــات"‪.‬‬ ‫�أوك�سفورد‪ .‬ت�أ ّثر في �شبابه ب�شعر توما�س‬
‫فقط �إلى جرد ما هو معروف ومتداول في‬ ‫نوع من النقد‪.‬‬ ‫منهم‪ ،‬ما جعل منه كتاب ال�سنة فور �صدوره‬ ‫وعلى �أع�ن��اقِ الحمام الأبي�ض ارب�ط��وا �شارة ف��ي �إك��ارو���س ب��روغ�ي��ل‪ ،‬على �سبيل المثال‪:‬‬ ‫ه��اردي وروب���رت فرو�ست‪ ،‬ف�ض ًال عن‬
‫العديد من المظان‪ ،‬وربما كان ما يطرحه‬ ‫طبيعة كتاب جيران �سجالية قائمة على و�ضع‬ ‫في كثير من الأقطار العربية وغيرها‪ .‬غير‬ ‫كيف يتوارى ك ّل �شيء‬ ‫الحداد‪،‬‬ ‫وليام بليك‪� ،‬إيميلي ديكين�سون‪ ،‬جيرارد‬
‫تودوروف في هذا الباب م�صوغاً بدقة � ّ‬
‫أقل‬ ‫الحجة‪ ،‬للبرهنة على تهافت‬ ‫الحجة مقابل ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أن المنجز ال�ن�ق��دي ه��ذه ال�سنة الثقافية‬ ‫ّ‬
‫دعوا َر ُجل المرور يلب�س قفازات من القطن وي�ضيع على مهل من الكارثة؛‬ ‫مانلي هوبكنز وكذلك ال�شعر الملحمي‬
‫�إت�ق��ان�اً وح��رف��ة مما ه��و م��وج��ود ف��ي الكثير‬ ‫كثير من الق�ضايا التي يح�سم تودوروف في‬ ‫حمل �إلينا كتاباً محاججاً بعنوان "�إدانة‬ ‫ال�ف�لاح ك��ان ق��د �سمع �صفعة ال �م��اء‪ ،‬البكاء‬ ‫الأ�سود‪.‬‬
‫من الكتب التي تتناول مو�ضوع علم الجمال‬ ‫�صحتها‪ .‬هذا �إلى جانب ما يتم ّيز به كتاب‬ ‫ّ‬ ‫الأدب" لعبد الرحيم جيران‪ ،‬وكما ال يخفى‬ ‫الإنكليزي القديم‪ .‬بد�أ نبوغه ال�شعري‬
‫المهجور‪،‬‬ ‫يت�ضح عندما كان في �أوك�سفورد‪ ،‬ومن‬
‫تدل‬‫بالدر�س والتحليل"‪ .‬ومن الأمور التي ّ‬ ‫تودوروف من عودة �إلى فكر الو�صايا؛ حيث‬ ‫على القارئ فقد ت�شاطر الكتابان �ش ّقاً من‬ ‫ال ذريعاً؛‬
‫لكن بالن�سبة �إليه لم يكن ذلك ف�ش ً‬ ‫لقد كان �شمالي‪ ،‬جنوبي‪،‬‬
‫ع�ل��ى م��ا ي�س ّميه ج �ي��ران "نفخ الروح‪"...‬‬ ‫ال�ط��اب��ع ال��وع�ظ��ي يطغى ع�ل�ي��ه‪ ،‬وه��و �شيء‬ ‫العنوان‪" :‬الأدب"‪ ،‬غير �أن ت��ودوروف ي�ضع‬ ‫ال�شم�س مُ�ضيئة‬ ‫كان �شرقي وغربي‪،‬‬
‫هناك كوّن �صداقات ا�ستمرّت مدى حياته‬
‫نذكر �إع��ادة االعتبار �إلى م�س�ألة ربط �صلة‬ ‫"يع ّبر عن عودة �إلى منطق الر�أي الذي ال‬ ‫الأدب ف��ي م��وق��ف ح��رج �إذ ي��راه م �ه �دَّداً في‬ ‫كما هي كذلك ت�ضيء �أقداماً بي�ضاء تختفي‬ ‫كان �أ�سبوع عملي و�إجازة الأحد‬ ‫مع اث َنين من الك ّتاب هما‪� :‬ستيفن �سبندر‬
‫الأدب بالواقع التي ت�شير �إلى ما تم ّيزت به‬ ‫ي�ستند �إل��ى الحكم العقالني"‪ .‬يقف كتاب‬ ‫وجوده‪ ،‬بينما كتاب جيران يعتبر ذلك �إدانة‬ ‫في ُخ�ضرة‬ ‫كان ليلي‪ ،‬منت�صف ليلي‪،‬‬ ‫وكري�ستوفر �إي�شرودز‪� .‬أ�صدر مجموعته‬
‫المدر�سة الواقعية في النظر �إلى الأدب‪.‬‬ ‫"�إدانة الأدب" لدى الكثير من المغالطات‬ ‫بما يحمله هذا النعت من �إحالة على معجم‬ ‫الماء‪� ،‬أ ّما ال�سفينة الناعمة ال ُمترفة فكانت‬ ‫حديثي و�أغنيتي‬ ‫ال�شعرية الأولى "ق�صائد" العام ‪1928‬‬
‫كل من يطلع على كتاب "الأدب‬ ‫يتو ّلد لدى ّ‬ ‫الكامنة خلف كتاب تودوروف‪ ،‬والتي ت�سيء‬ ‫ال�ق��ان��ون ح�ي��ث ي�ت�ب��ادر �إل ��ى ال��ذه��ن مفهوم‬
‫مهدّد" ذلك الإح�سا�س بما ير ّوج حالياً من‬ ‫�إل��ى م��ا ُع��رف ب��ه ه��ذا الناقد ف��ي ج� ّ�ل كتبه‬ ‫ال�م�ح��اك�م��ة؛ وب��ال�ت��ال��ي م��ا الق ��اه الأدب في‬ ‫لطالما ظننت �أن ال�ح� ّ�ب يبقى �إل��ى الأبد‪ ،‬قد �شهدت‬ ‫في طبعة خا�صة‪ ،‬ثم في طبعة �شعبية‬
‫ومقاالته من د ّقة في تناول ق�ضايا الأدب؛‬ ‫ت��اري�خ��ه م��ن محاكمات لن�صو�ص اع ُتبرت‬ ‫�سليمان الحقيوي‬ ‫ال‪،‬‬ ‫�شيئاً مذه ً‬ ‫لكنني كنت مخطئاً‪.‬‬ ‫تحت اال�سم نف�سه وباختالف المحتوى‬ ‫ترجمة‪� :‬شريف ال�شهراني‬
‫ثقافة تب�سيطية ت�سعى �إل��ى االنحناء �أمام‬
‫ق� � ّوة ال�ت�ق�ن�ي��ة‪ ،‬ول��و ع�ل��ى ح���س��اب متطلبات‬ ‫الأمر الذي دفع جيران �إلى ا ّتهام تودوروف‬ ‫مخ ّل ًة بالأخالق العامة‪ .‬وبالفعل نكاد نلم�س‬ ‫�صبياً ي�سقط من ال�سماء‪،‬‬ ‫العام ‪ ،1930‬ومنذ ذلك التاريخ �أ�سّ �س‬
‫الأدب والفن‪ .‬وهذا ما �أراد جيران الإ�شارة‬ ‫بالر ّدة في مقاربته الجديدة ل�ش�ؤون الأدب‪.‬‬ ‫في كتاب ت ��ودوروف ه��ذا ال�ن��زوع المعياري‪،‬‬ ‫لديه مكان ما ليذهب �إليه‪ ،‬و ُتبحر هي في‬ ‫النجوم لم ت ُعد مرغوب ًة الآن‪،‬‬ ‫بتقنياته ال�شعرية غير الم�سبوقة ال�صوت‬
‫�إليه‪ ،‬حيث ن ّبه �إلى ما تفر�ضه اليوم ثقافة‬ ‫ي�ؤاخذ جيران منذ البداية ت��ودوروف حين‬ ‫و�إن ك� ��ان ذل� ��ك ال ي �� �ص��در ع �ن��ه ع �ل��ى نحو‬ ‫�سالم‪.‬‬ ‫ف ّرقوا كل واحدة عن الأخرى‬ ‫القيادي للجيل ال�شعري الجديد‪ .‬يتفرّد‬
‫ال��و��س��ائ��ط م��ن ت��أث�ي��ر ف��ي ال� ��ذوق وتجعله‬ ‫يقت�صر في ا�ست�شهاده على مف ّكري ع�صر‬ ‫�صريح‪ ،‬وخ�صو�صاً حين يهاجم �أدب الأنانة‬ ‫�شعر �أودن‪ ،‬كما يقول الن ّقاد‪ ،‬ببراعة‬
‫يف�ضل ما هو �سهل وفي المتناول‪ .‬ولدعم‬ ‫ّ‬ ‫الأن��وار‪ ،‬في مقابل �إق�صائه عدداً مهماً من‬ ‫(التخييل الذاتي) والأدب العدمي والأدب‬ ‫وتقنية فنية غير اعتيادية وقدرة على‬
‫وجهة نظره هذه ي�شير جيران �إل��ى ما ن ّبه‬ ‫ال�ف�لا��س�ف��ة ال��ذي��ن اه �ت � ّم��وا بعلم الجمال‪،‬‬ ‫ال�شكالني‪ ،‬ويعتبر هذا النوع من الأدب غير‬
‫�إل�ي��ه هايدغر ف��ي ق��ول��ه �إن التقنية ُتذيب‬ ‫ون � َّ�ظ ��روا ل�ق���ض��اي��اه ال�م�خ�ت�ل�ف��ة كهايدغر‬ ‫جدير بـ"الأدبية" بحجة عدم ا�ستجابته �إلى‬ ‫نظم الق�صيد في �أ�شكال متع ّددة وغزيرة‪.‬‬
‫االخ�ت�لاف��ات التي تع ّد ج��وه��راً حا�سماً في‬ ‫ون�ي�ت���ش��ه وم �ي��رل��وب��ون �ت��ي ول ��وك ��ا� ��ش‪ ،‬فمن‬ ‫ما يعتبره محدّداً لمفهومها؛ �أي ارتباطه‬ ‫�شعر ي ّت�صل بالثقافة ال�شعبية والأحداث‬
‫بناء منظور الفن‪ .‬وه��ذا ما‬ ‫ب�صلة ما بالواقع والحياة‪.‬‬ ‫الجارية‪ ،‬كذلك يتميّز بذكاء خارق ا�ستطاع‬
‫ن �ج��ده ب��ال�ف�ع��ل ظ ��اه ��راً في‬ ‫يتماثل الكتابان في العناوين‬ ‫لفت الأنظار باعتماده عنا�ص َر و�أ�شكا ًال ف ّنية‬
‫ط��رح ت��ودوروف القائم على‬ ‫م��ع ت�غ�ي�ي��ر م�ق���ص��ود م��ن قبل‬ ‫ونظريات اجتماعية و�سيا�سية‪ .‬دهاء �شعري‬
‫تعميم المعنى ف��ي عالقته‬ ‫"�إدانة الأدب"‪ .‬ف �ع �ن��وان‬ ‫ي�شبه �إلى ح ّد ما الأ�سلوب ال�شعري ل�شعراء‬
‫بالعموم؛ ال�شيء الذي يحمل‬ ‫"اختزال عبثي للأدب" يتح ّول‬
‫في ط ّياته تذويب االختالف‬ ‫�إلى "اختزال م�صطنع للأدب"‪،‬‬ ‫�أمثال‪ :‬ديكين�سون‪ ،‬دبليو و‪ .‬ييت�س‪ ،‬هنري‬
‫ال� ��ذي ي �ع � ّد ج��وه��ر الأدب‪.‬‬ ‫وع �ن��وان "ما وراء المدر�سة"‬ ‫جيم�س‪� .‬شعره �سرد مطوّل ورحلة للبحث‬
‫وه ��ذا التعميم ف��ي المعنى‬ ‫يتحول �إلى "ما وراء الكتاب"‪.‬‬ ‫والت ّق�صي ا ّتخذت من �أ�سفاره وقراءاته‬
‫له ارتباط وثيق باال�ستجابة‬ ‫وهذا التماثل مع التحوير في‬ ‫المادة الإبداعية الخام‪ .‬انتقل ال�شاعر‬ ‫َ‬
‫�إل��ى هيمنة و�سائل الإعالم‬ ‫بنية ال�ع�ن��اوي��ن اخ�ت�ي��ار يهدف‬ ‫�إلى الواليات المتحدة العام ‪ 1939‬حيث‬
‫وال��و��س��ائ��ط و�إغ��رائ�ه�م��ا‪ ،‬وي��رى ج�ي��ران �أن‬ ‫��ش��أن ه��ذا االخ�ت��زال الم�صطنع �أن يحجب‬ ‫�إلى نوع من المعار�ضة التي تف�ضح "نوايا"‬ ‫التقى حبيبته ت�شي�ستر كولمان وح�صل‬
‫ه ��ذه ال �ن��زع��ة ف��ي ال�ت�ع�م�ي��م ق��د ا�ستهدفت‬ ‫كل نقا�ش‬ ‫االختالف الذي يع ّد خا�صية تم ّيز ّ‬ ‫ت ��ودوروف غير المعلنة وال�ت��ي كانت خلف‬
‫الخطاب الفكري الفل�سفي الر�صين �ساعي ًة‬ ‫في مو�ضوع معقّد كالأدب‪ ،‬ويجعل من كتاب‬ ‫ت��أل�ي�ف��ه ك �ت��اب "الأدب مهدّد"‪ .‬ف�ه��و حين‬ ‫على الجن�سية الأميركية في العام نف�سه‪.‬‬
‫�إل��ى تحويله خطاباً �شعبياً‪ ،‬قبل �أن تطاول‬ ‫"الأدب مهدّد" م�ص َّنفاً �ضمن خانة كتب‬ ‫ُيق�صي �أ�صنافاً من الكتابة الأدبية يختزل‬ ‫�أودن مع ال�سيناتور كينيدي العام ‪ 1956‬لحظة ت�س ّلمه "جائزة الكتاب الوطني لل�شعر"‪.‬‬ ‫قبل ذلك كان �أودن قد �أم�ضى �أوقاتاً غير‬
‫الأدب‪ ،‬كا�شفاً بذلك عن الخلفية النظرية‬ ‫ال�م��واق��ف ال�ت��ي مل��أت وم��ا زال��ت ال�ساحات‬ ‫الأدب على نحو م�صطنع وغير مب ّرر‪ ،‬فال‬ ‫م�ستقرّة متنق ًال بين �ألمانيا‪� ،‬أي�سلندا‪،‬‬
‫وال �م �ع��رف �ي��ة ال �ت��ي ي �ت �ح � ّرك ف�ي�ه��ا خطاب‬ ‫ال�ث�ق��اف�ي��ة‪" :‬ويمكن و� �ص��ف ه ��ذا الكتاب‪،‬‬ ‫ي�م�ك��ن �إغ �ف ��ال م��ا ت�ن�ط��وي ع�ل�ي��ه ن�صو�ص‬ ‫الروائي‬ ‫احب�سوا القمر و�ش ّردوا ال�شم�س‬ ‫وال�صين‪ ،‬وخدم �أي�ضاً في الحرب الأهلية‬
‫ت��ودوروف النقدي الجديد في كتابه هذا‪.‬‬ ‫م�ن��ذ ال��وه�ل��ة الأول � ��ى‪ ،‬ب ��أن��ه ك�ت��اب مواقف‪،‬‬ ‫�أدبية تتمحور حول الأنا من عالقة نوعية‬ ‫واكن�سوا‬ ‫�ا‬
‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫ا��س�ك�ب��وا المحيط ب�ع�ي��داً م��ن‬ ‫الإ�سبانية‪ .‬ومنذ انتقاله �إلى �أميركا تغيّرت‬
‫ال ع ّما �إذا كان يحقّ لتودوروف‪ ،‬من‬ ‫مت�سائ ً‬ ‫�أكثر منه كتاباً نقدياً يخل�ص للمعرفة بما‬ ‫وم�خ�ت�ل�ف��ة ب��ال��واق��ع الإن �� �س��ان��ي‪" :‬يح�سم‬ ‫مُن ّم ٌق بال َملَكة ك�أنها ب ّزة �أنيقة‪،‬‬
‫ت��ودوروف في حكمه القيمي �أع�لاه ب�صدد‬ ‫مكان ُة ك ّل �شاعر بالت�أكيد معروفة؛‬ ‫الأر�ض‬ ‫معتقداته تغيّراً جذرياً‪ ،‬فلم يعد ذلك ال�شاب‬
‫الناحية الأخ�لاق �ي��ة‪ ،‬نقد مناهج تدري�س‬ ‫ت�ستلزمه م��ن ن��زاه��ة‪ ،‬وح��ر���ص على الدقة‬ ‫ً‬
‫الأدب ال�م�ق� ّررة ف��ي فرن�سا‪ ،‬ف��ي حين كان‬ ‫والمو�ضوعية"‪ .‬ينتقل ج �ي��ران ب�ع��د ذلك‬ ‫الأدب‪ ،‬وم��ا يتر ّتب عليه من ت�صنيف‪ ،‬من‬ ‫ب�إمكانهم �أن ُيده�شونا كالعا�صفة الرعد ّية‪،‬‬ ‫خير‪.‬‬ ‫أي‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫أتي‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫يمكن‬ ‫ا‬ ‫مطلق‬ ‫�شيء‬ ‫الآن ال‬ ‫المتع�صب لال�شتراكية والم�ؤيّد‬ ‫ّ‬ ‫الإنكليزي‬
‫�أحد الأع�ضاء الم�ست�شارين في "المجل�س‬ ‫�إل��ى مناق�شة بع�ض ق�ضايا الكتاب وت�صدّع‬ ‫دون �أن يت�ساءل ع ّما �إذا لم يكن �أدب الأنانة‬ ‫�أو بموت يافع‪� ،‬أو بقائه وحيداً ل�سنين‪.‬‬ ‫للفكر الفرويدي ومبادئ التحليل النف�سي‪،‬‬
‫الوطني للبرامج" الذي ُيعتبر م�س�ؤو ًال عن‬ ‫بنائه المعرفي‪ ،‬و�أول ه��ذه الق�ضايا جمع‬ ‫والعدمية وال�شكالنية يطرح �صلته بالعالم‬ ‫ب ��إم �ك��ان��ه �أن ي �� �ض��رب الأر� � � ��ض ك �ت �ي �ب � ًة من‬ ‫و�إنما �أخ��ذ ي�شتغل ب�ش�ؤون الم�سيحية‬
‫الأهداف العامة للتعليم وما يرتبط به من‬ ‫ت��ودوروف في كتابه المذكور بين ق�ض ّي َتين‬ ‫من زاوي��ة نظر مغايرة‪ ،‬ووف��ق ت�ص ّور فنّي‬ ‫الخ ّيالة‪:‬‬ ‫المتحف الفرن�سي للفنون الجميلة‬ ‫الحديثة والالهوت البروت�ستانتي‪ .‬في‬
‫م�ق� ّررات تعليمية‪ ،‬وم��واد‪ ،‬وط��رق تدري�س‪.‬‬ ‫مختلف َتين ال تقبالن الجمع وهما تدري�س‬ ‫وجمالي يختزن موقفاً فكرياً من العالم"‪.‬‬ ‫لكن عليه �أن ُيجاري لعبته ال�صبيان ّية تلك‬ ‫مراحل الحقة �صار �أودن ليبيرالياً معتد ًال‪،‬‬
‫و ُي�صارع‪،‬‬ ‫عن معاناة لم يكن لها �أن ُتخطئ‪،‬‬
‫ف��ي معنى �آخ ��ر ال يمكن �إع �ف��اء ت ��ودوروف‬ ‫الأدب ال��ذي ل��ه مجاله الخا�ص والتنظير‬ ‫ك�م��ا �أن ت � ��ودوروف ح�ي��ن ي�ب�ح��ث ف��ي كتابه‬ ‫ولعل هذه التجربة الخ�صبة �أنتجت كاتباً‬ ‫ّ‬
‫م ��ن ال �م �� �س ��ؤول �ي��ة ع ��ن ال �م �ن��اه��ج النقدية‬ ‫الأدب� ��ي ذو ال �ط��اب��ع الأك��ادي �م��ي‪ ،‬فتدري�س‬ ‫ع� ّم��ا وراء المدر�سة م��ن ع��وام��ل تمنع من‬ ‫المع ّلمون القدامى‪ :‬كيف يمكن �أن يفهموا عليه �أن يتع ّلم كيف يكون وا�ضحاً و�صعب‬ ‫ً‬
‫وجود �صلة قوية بين التلميذ وحب الأدب‪،‬‬ ‫المرا�س‪،‬‬ ‫ج ّيداً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫غزير الإنتاج وم�سرح ّيا مت�ألقا ومحرّرا ذائع‬
‫ال���س��ائ��دة ف��ي ت��دري����س الأدب ف��ي الثانوي‬ ‫الأدب كما هو معلوم يفر�ض على الدار�س‬ ‫يح�صل‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫يمكن‬ ‫وكيف‬ ‫الب�شر‪،‬‬ ‫مكان‬ ‫هذا‬ ‫�أن‬
‫لأن��ه ك��ان ب�إمكانه معار�ضتها خ�لال فترة‬ ‫االلتزام بما يفر�ضه مو�ضوعه من �شروط‬ ‫ال ي�ف�ع��ل ذل ��ك وف ��ق ه ��دف تعليمي �صرف‬ ‫كيف يمكن �أن تكون البطل‪،‬‬ ‫ال�صيت‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى كونه �أحد �أعظم‬
‫تح ّمله م�ه��ام��ه‪ .‬تدفعنا ه��ذه النقطة �إلى‬ ‫خا�صة ف��ي ممار�سته‪� ،‬أم��ا التنظير الأدبي‬ ‫ي�ن�ح���ص��ر ف ��ي م �ج��ال ت��دري ����س الن�صو�ص‬ ‫ّ‬
‫ي�ستحق‬ ‫عندما ال يخطر لأح��دٍ �أن ث ّمة م��ا‬ ‫غير ذلك؛‬ ‫�شعراء الإنكليزية في القرن الع�شرين‪،‬‬
‫طرح ت�سا�ؤل �آخر هو‪ :‬ما الدافع الذي كان‬ ‫فهو مختلف تماماً وفق ال�شروط المعرفية‬ ‫الأدبية‪ ،‬و�إنما لغايات �أخرى غير تعليمية‪،‬‬ ‫النظر‪.‬‬ ‫هناك‬ ‫أكل‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫آخر‬ ‫�‬ ‫�شخ�ص‬ ‫بينما ث ّمة‬ ‫فقد �أ ّث���رت �أعماله ب�شكل كبير على‬
‫�أو ي�ف�ت��ح ال �ن��اف��ذة �أو ي�م���ش��ي ب �ل �ي��داً طوال‬
‫وراء كتابة تودوروف كتابه المذكور في هذا‬ ‫والمنهجية التي يتط ّلبها في بناء مجاله‬ ‫وهي اال�ستجابة �إلى �شروط جديدة �صارت‬
‫الطريق؛‬ ‫�أجيال من ال�شعراء على امتداد �ضف َتي‬
‫الوقت؟ �أي ما هو الجديد الذي طر�أ وجعله‬ ‫الخا�ص‪� .‬أما الق�ضية الثانية فتتع ّلق ببناء‬ ‫تفر�ض نف�سها على الأدب من خارجه‪ ،‬وهي‬ ‫بالن�سبة �إليه‪،‬‬ ‫الأطل�سي‪� .‬شغل �أودن من�صب "م�ست�شار‬
‫يغ ّير وج�ه��ة ن�ظ��ره؟ ه��ل ه��و ال�خ��وف فع ً‬
‫ال‬ ‫ال �م �ق��ارب��ة الأدب� �ي ��ة م�ن�ه�ج�ي�اً وممار�ستها‬ ‫هيمنة الو�سائط‪ ،‬من دون �أن ي�شير تودوروف‬ ‫ل ُينجز �أتفه �أمنية لديه‪،‬‬
‫على م�صير الأدب‪� ،‬أم �أن ثمة �أم��وراً �أخرى‬ ‫على م�ستوى التدري�س ف��ي ال�ث��ان��وي‪ .‬فال‬ ‫�إل��ى ذل��ك‪" :‬يجب �أال يغيب عن الذهن �أن‬ ‫بتبجل ال ب ّد من �أن ي�صبح كومة �س�أم‪،‬‬ ‫كيف ومنذ متى وال�شيوخ ينتظرون ّ‬ ‫الأكاديمية الأميركية لل�شعراء" العام‬
‫كانت وراء ذلك؟ هذا الت�سا�ؤل هو ما حاول‬ ‫ي�م�ك��ن ال �ق �ي��ام ب �ه��ا‪ ،‬ع�ل��ى ن�ح��و ��س�ل�ي��م‪ ،‬من‬ ‫تودوروف واقع في كتابه المذكور‪ ،‬على نحو‬ ‫الحب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مثل‬ ‫بتذلة‬‫م‬‫ُ‬ ‫ال‬ ‫لل�شكاوى‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫خا�ضع‬ ‫ميالد المعجزة‪...‬‬ ‫‪ 1954‬حتى وفاته في فيي ّنا العام ‪.1973‬‬
‫كتاب "�إدانة الأدب" الإجابة عنه من طريق‬ ‫دون ال �ت��واف��ر منهجياً ع�ل��ى ح�ل��ول عملية‬ ‫واع �أو غير واع‪ ،‬تحت الت�أثير الذي تمار�سه‬ ‫وما بين بين‪.‬‬ ‫تلك‬ ‫للمعجزة‬ ‫�دون‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�ر‬
‫�‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫الأط �ف��ال ال��ذي��ن‬
‫رب ��ط � �ص��دور ك �ت��اب ت� � ��ودوروف بمجموعة‬ ‫و�أدوات �إج��رائ�ي��ة ق��ادرة على �أن تك�شف لنا‬ ‫مجموعة من المف ّكرين الفرن�سيين‪ ،‬من‬ ‫خ�صو�صاً �أن تقع‪،‬‬
‫م��ن العوامل التي يعتبرها حا�سمة‪ ،‬ومن‬ ‫الطريقة التي ب�إمكانها �أن تكفل النجاح لما‬ ‫�أم�ث��ال مي�شيل �أون �ف��راي‪ ،‬ووان ��دي كونت ‪-‬‬ ‫ُكن ال َب ْين‪ ،‬من بين �أبذ�أ بذيء كن كذلك‪،‬‬ ‫يجدّفون في البركة عند حافة الغابة‪،‬‬ ‫جنائزي حزيـن‬
‫ّ‬ ‫لحن‬
‫�ضمنها التح ّوالت التي ي�صحبها معها عالم‬ ‫يطرحه تودوروف من �أحكام عامة‪ .‬وتظهر‬ ‫�سبونفيل‪ ،‬ال��ذي��ن يتجادلون ح��ول مفهوم‬ ‫وفي ذاته ال�ضعيفة‪� ،‬إن تقوى‪،‬‬ ‫ولن ين�سوا مطلقاً‬
‫الو�سائط وهيمنته �إل��ى مختلف المعارف‪،‬‬ ‫الق�ضية الثالثة في ما �س ّماه جيران "نفخ‬ ‫ال �ج �م �ه��ور العري�ض"‪ .‬وال ي �ق��ف الأم� ��ر‬ ‫�أن ف��زع اال�ست�شهاد ال ب � ّد م��ن �أن يقع على ال ب� � ّد م��ن �أن ت �ع��ان��ي ب �خ �ف��وت ك� � ّل �أخطا ِء‬ ‫�أوقفوا ال�ساعات ك ّلها‪ ،‬اقطعوا التلفون‪،‬‬
‫ومن بينها الأدب طبعاً‪.‬‬ ‫ال ��روح ف��ي المهجور"؛ �أي �إع ��ادة االعتبار‬ ‫عند ه��ذه ال�ح��دود‪ ،‬بل يمت ّد �إل��ى تعميم ما‬ ‫الب�شر‪.‬‬ ‫طريقته في ركن ما‪،‬‬ ‫امنعوا الكلب من العواء واللهاث بعظمته‪،‬‬

You might also like