Professional Documents
Culture Documents
ومن يتق الله يجعل له مخرجا
ومن يتق الله يجعل له مخرجا
لّ
َيجْعَلْ لَهُ َمخْرَجاً
إعداد
جنات عبد العزيز دنيا
1
قال ابن الجوزي :
(( ضاق بي أمر أوجب غما لزما دائما ،وأخذت أبالغ في الفكر في
الخلص من هذه الهموم بكل حيلة ،وبكل وجه ،فما رأيت طريقا
للخلص ..فعرضت لي هذه الية { َو َمنْ يَتّقِ الَّ يَجْ َعلْ َلهُ مَخْرَجاً }
(الطلق :من الية ، )2فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم ،
فما كان إل أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج )) .
والتقوى عرفها علماء الشريعة فقالوا :إنها صيانة النسان نفسه مما
يوجب العقوبة من فعل أو ترك ،وقسموها إلى مراتب:
أولها :توقي الشرك.
ثانيها :توقي الكبائر ،ومنها الصرار على الصغائر.
2
ثالثها :ما أشار إليها حديث عطية السعدي عند أحمد ،والبخاري في
تاريخه ،والترمذي وحسنه ،وابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم
وصححه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " :ل يبلغ العبد أن
يكون من المتقين حتى يدع مال بأس به حذرا مما به بأس".
وقال ابن مسعود في قوله تعالى {:اتقوا ال حق تقاته} .
(آل عمران )102:قال :أن يُطاع فل يُعصى ،ويذكر فل ينسى ،وأن
يشكر فل يكفر“.
و( المتقون) جمع متق ،وهو دال على الجتناب ،لنه مأخوذ من وقاه
يقيه فاتقاه؛ بمعنى :جنبه يجنبه فاجتنبه.واستخدم مجازا في اجتناب ما
يسخط ال .
3
قال ابن عباس رضي ال عنهما " :المتقون :الذين يحذرون من ال
وعقوبته .
وقد وصف ال المتقين فى كتابه قائل :
{ -الّذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلةَ وَ ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
( البقرة . )3
{ -وَالصّابِرِينَ فِي الْبَ ْأسَاءِ وَالضّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَ ِئكَ الّذِينَ صَدَقُوا
وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُتّقُونَ } ( البقرة .)177
{ -قُلْ أَأُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلّذِينَ اتّ َقوْا عِنْدَ رَ ّبهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي ِمنْ
طهّرَةٌ وَرِضْوَانٌ ِمنَ الِّ وَالُّ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَ ْزوَاجٌ مُ َ
بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } (آل عمران . )15
4
-وقوله تعالى{:وَسَا ِرعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ِمنْ رَبّكُمْ وَجَ ّن ٍة عَرْضُهَا
سمَاوَاتُ وَالَرْضُ أُعِدّتْ لِ ْلمُتّقِينَ *الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ
ال ّ
حسِنِينَ*وَالّذِينَ إِذَا
عنِ النّاسِ وَالُّ يُحِبّ ا ْلمُ ْ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ َ
سهُمْ ذَكَرُوا الَّ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُو ِبهِمْ َو َمنْ
شةً َأوْ ظَلَمُوا أَنْ ُف َ
ح َ
فَعَلُوا فَا ِ
يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّ الُّ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْ َلمُونَ*أُولَ ِئكَ
جَزَا ُؤهُمْ مَغْفِرَةٌ ِمنْ رَ ّبهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي ِمنْ تَحْ ِتهَا الَْ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ*} ( آل عمران .) 36 – 33
5
في سورة الطلق وردت آيات كريمة :
-قوله تعالى {:ومن يتق ال يجعل له مخرجًا * ويرزقه من
حيث ل يحتسب } (الطلق)3-2:
-قوله سبحانه { :ومن يتوكل على ال فهو حسبه } (الطلق)3:
-قوله عز وجل { :ومن يتق ال يجعل له من أمره يسرًا } (الطلق)4:
-قوله تعالى { :ومن يتق ال يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا }
(الطلق)5:
ولنا مع هذه اليات بضع وقفات:
6
- 1أن الجزاء في ثلث من هذه اليات رُتب على تقوى ال؛ وتقوى
ال في معهود الشرع ،فعل ما أمر ال به واجتناب ما نهى عنه ،وهي
رأس المر كله ،وفي وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم لبعض
صحابته ،قوله عليه الصلة والسلم ( :اتق ال حيثما كنت ) رواه أحمد
و الترمذي ،وقال :حديث حسن صحيح .
- 2جاء قوله تعالى { :ومن يتوكل على ال فهو حسبه } تكملة لمر
التقوى؛ فإذا كانت تقوى ال سبب لتفريج الكربات ،ورفع الملمات،
وكشف المهمات ،فإن في توكل المسلم على ربه سبحانه ،ويقينه أنه
سبحانه يصرف عنه كل سوء وشر ،ما يجعل له مخرجًا مما هو فيه،
وييسر له من أسباب الرزق من حيث ل يدري؛
7
وأكد هذا المعنى ما جاء في الية نفسها ،وهو قوله تعالى { :إن ال
بالغ أمره } أي :ل تستبعدوا وقوع ما وعدكم ال حين ترون أسباب
ذلك مفقودة ،فإن ال إذا أراد أمرًا يسر وهيأ أسبابه .وقد وردت عدة
أحاديث تشد من أزر هذا المعنى؛ من ذلك ما رواه أبوذر رضي ال
عنه ،قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :إني لعلم آية لو أخذ بها
الناس لكفتهم ) ،ثم تل قوله تعالى { :ومن يتق ال يجعل له مخرجا *
ويرزقه من حيث ل يحتسب }.وروى المام أحمد في "مسنده" عن
ثوبان رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ول يرد القدر إل الدعاء ول يزيد
في العمر إل البر ) .
8
- 3أن ال سبحانه وعد عباده المتقين الواقفين عند حدوده ،بأن
يجعل لهم مخرجًا من الضائقات والكربات التي نزلت بهم؛ وقد شبّه
سبحانه ما هم فيه من الحرج بالمكان المغلق على المقيم فيه ،وشبّه ما
يمنحهم ال به من اللطف وتيسير المور ،بجعل منفذ في المكان
المغلق ،يتخلص منه المتضائق فيه .
-4في قوله تعالى سبحانه { :من حيث ل يحتسب } أي :من مكان
ل يحتسب منه الرزق ،أي ل يظن أنه يُرزق منه .
- 5تفيد اليات المتقدمة ،أن الممتثل لمر ال والمتقي لما نهى ال
عنه ،يجعل ال له يسرًا فيما لحقه من عسر.
9
- 6في قوله تعالى { :ومن يتق ال يكفر عنه سيئاته ويعظم له
أجرًا } أعيد التحريض هنا على التقوى مرة أخرى ،ورتّب عليه الوعد
بما هو أعظم من الرزق ،وتفريج الكربات ،وذلك بتكفير السيئات،
وتعظيم الجر والثواب .
10
ورد فى تفسير ابن كثير :
َو َقوْله تَعَالَى " َو َمنْ يَتّقِ الّ يَجْعَل َلهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقهُ ِمنْ حَيْثُ لَ
يَحْ َتسِب " َأيْ َو َمنْ يَتّقِ الّ فِيمَا َأمَرَهُ ِبهِ وَتَ َركَ مَا َنهَا ُه عَ ْنهُ يَجْعَل َلهُ
جهَة لَ تَخْطِر بِبَا ِلهِ . ِمنْ َأمْرِهِ مَخْرَجًا وَيَرْزُقهُ ِمنْ ِمنْ ِ
ل عَلَيْهِ
قَالَ الِْمَام أَحْمَد :عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ :جَ َعلَ رَسُول الّ صَلّى ا ّ
َوسَلّمَ يَتْلُو عَلَيّ هَذِهِ الْيَة " وَ َمنْ يَتّقِ الّ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُ ْقهُ مِنْ
حَيْثُ لَ يَحْ َتسِبُ " حَتّى فَ َرغَ ِمنْ الْ َيةِ ثُمّ قَالَ ( يَا أَبَا ذَرّ َلوْ َأنّ النّاس
كُلّهمْ أَخَذُوا ِبهَا كَفَتْهُمْ ) َوقَالَ فَجَعَلَ يَتْلُوهَا وَيُرَدّ ُدهَا عَلَيّ حَتّى نَعَسْت ثُمّ
قَالَ ( يَا أَبَا ذَرّ كَيْف تَصْنَع إِذَا أُخْرِجْت ِمنْ ا ْلمَدِينَة ؟ " قُلْت إِلَى السّعَة
وَال ّدعَة أَنْطَلِق فَأَكُون حَمَامَة ِمنْ حَمَام مَكّة قَالَ " كَيْف تَصْنَع إِذَا خَرَجْت
ِمنْ مَكّة ؟ " قَالَ :قُلْت إِلَى السّعَة وَالدّعَة إِلَى الشّام وَالَْرْض الْمُقَ ّدسَة
11
حقّ
قَالَ " وَكَيْف تَصْنَع إِذَا أُخْرِجْت ِمنْ الشّام ؟ قُلْت إِذًا وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْ َ
أَضَع سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي قَالَ " َأوَخَيْر ِمنْ ذَ ِلكَ " قُلْت َأوَخَيْر ِمنْ ذَ ِلكَ ؟
ن عَبْدًا حَ َبشِيّا "
سمَع وَتُطِيع وَِإنْ كَا َ
قَالَ " َت ْ
وقال محمد بن إسحاق :جاء مالك الشجعي إلى رسول ال صلى ال
عليه وسلم فقال :له أسر ابني عوف .فقال له رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :أرسل إليه أن رسول ال يأمرك أن تكثر من قول :ل حول ول
قوة إل بال" .وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القِد عنه ،فخرج ،فإذا هو
بناقة لهم فركبها ،فتغفل عنه العدو ،فاستاق غنمهم ،فجاء بها إلى أبيه،
وهي أربعة آلف شاة .فلم يفجأ أبويه إل وهو ينادي بالباب ،فإذا
عوف قد مل الفناء إبل ،
12
فقص على أبيه أمره وأمر البل ،فقال أبوه :قفا حتى آتي رسول ال
صلى ال عليه وسلم فأسأله عنها .فأتى رسول ال صلى ال عليه
وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر البل ،فقال له رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :اصنع بها ما أحببت ،ونـزل:
{َ ...ومَنْ يَ ّتقِ الَّ يَجْ َعلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْ ُز ْقهُ ِمنْ حَيْثُ ل يَحْ َتسِبُ
حسْ ُبهُ إِنّ الَّ بَا ِلغُ أَمْرِهِ قَدْ جَ َعلَ الُّ لكل
َو َمنْ يَتَوَ ّك ْل عَلَى الِّ َف ُهوَ َ
يءٍ قَدْرًا } ( الطلق )3 -2 شَ ْ
13
وبعد :فإن التقوى مفتاح كل خير ،وهي طريق إلى سعادة
العبد في الدنيا والخرة ،يكفيك في ذلك ،قول ال عز وجل:
{ ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من
السماء والرض} .
وقال تعالى { إن ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ،
{ ومن يتق ال يجعل له من أمره يسرا } ،
{ واتقوا ال واعلموا أن ال مع المتقين } .
وكان من دعائه صلى ال عليه وسلم ( :اللهم إني أسألك
الهدى والتقى والعفاف والغنى ) رواه مسلم.
gannatdonya@gmail.com
14