النية الخالصة

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 24

‫كت ـي ـب‬

‫النيـــة الخالصـــة‬

‫تأليف‪ :‬أبي جهضم ناصر بن محمد الجهضمي‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫تقديممم سممماحة العلمممة سممراج الديممن إمام الحفاظ الشيممخ أحمممد بممن حمممد الخليلي – كله ال‬
‫بعنايته ‪: -‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمسسد ل الذي أمسسر عباده أن يعبدوه مخلصسسين له الديسسن ‪ ،‬والصسسلة والسسسلم على رسسسوله‬
‫المصسطفى ونسبيه المجتسبى الذي أرسسله ال رحمسة للعالميسن ‪ ،‬وعلى آله البررة وأصسحابه الخيرة‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أمسا بعسد‪ /‬فإن النيسة الخالصسة هسي ملك العمسل وروحسه التسي بهسا يحيسا ‪ ،‬إذ العمال وإن راق‬
‫رونقهسا للناظريسن إن لم تصسحبها نوايسا صسادقة ل زنة لهسا عنسد ال ول ثمرة لهسا يجنيهسا صساحبها‬
‫يوم الحسسساب ‪ ،‬بسسل ربمسسا انقلبسست عليسه وبال محاقسسا وخسسسرانا يؤدي إلى حسسسرة البسسد ‪ ،‬فإن ال‬
‫سبحانه ما تعبدهم بالعمال إل مقرونة بها قال تعالى‪ (( :‬وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له‬
‫الدين )) وقال النبي صلى ال عليه وسلم (( إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ))‪.‬‬
‫هذا وقد عزب عن أفهام كثير من الناس – في زماننا – معنى النية لنقلب كثير من المفاهيم‬
‫عندهم نتيجة تخييم الجهل في نفوسهم وتقاعس هممهم عن طلب إستجلء الحقائق من مظانها ‪،‬‬
‫فجعلوا النيسة كلمات يقوم بتردادهسا العامسل قبسل شروعسه فسي العمسل عسن كان حافظسا لهسا وإل قام‬
‫بتلقينه إياها من كان أسعد بحفظها ليقوم بترديدها وراءه مع خلو الذهن من معناها كأنما تعبدنا‬
‫بالقول دون القصسسد ‪ ،‬ولم تتوصسل مدارك أولئك إلى أن النيسة مسا هسي إل عقسد العزم وتخليسسص‬
‫القصسد عسن شوائب الغيار ومسا ذلك إل سسر مكنون فسي أعماق النفسس يحيسط بسه الذي ل يعلم‬
‫السر وأخفى‪ ،‬لذلك كان جمهور الناس أحوج ما يكونون إلى تبصيرهم بحقيقة النية التي تعبدوا‬
‫بها ‪ ،‬فجاء هذا البحث القيم ((النية الخالصة)) الذي سال به يراع الباحث الديب ولدنا الستاذ‬
‫النابه ناصر بن محمد الجهضمي ‪ ،‬حفظه ال ‪ ،‬وسدد خطاه ‪ ،‬شعاعا يمزق سجاف الجهل عن‬
‫القراء ليبصسرهم بالحقيقسة التسي أضاعوهسا وليقتادهسم إلى الطريقسة السسواء التسي جانبوهسا ‪ ،‬فقسد‬
‫أصسسل فيسه وفصسسل ووضسع المقصسسل على المفصسسل فجاء بحثسه ثريسا بالدلة الواضحسه التسسي لم‬
‫يجمعها كاتب من قبله ‪ ،‬كاشفا لثام الخفاء عن وجه الحق المشرق الذي وارته شبهة الجهل عن‬
‫أفهام أهله ‪ ،‬فجزاه ال خيرا وأعانسه ‪ ،‬ويسسر أمره ‪ ،‬وزاده علمسا وهدى وصسلحا وتقسى ‪ ،‬وعلى‬
‫ال قصد السبيل وهو ولي التوفيق‪.‬‬
‫أحمد بن حمد الخليلي مسقط ‪/12‬ربيع الثاني ‪1421/‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫الحمسسد ل حمدا على نعمائه وآلئه ‪ ،‬وشكرا له على جزيسسل كرمسسه وعطائه ‪ ،‬وصسسلة وسسسلما‬
‫على أفضل النبياء والرسل ‪ ،‬وأفصح العراب والحضر ‪ ،‬صلة دائمة أبدية ‪ ،‬وسلما صفته‬
‫سسرمدية ‪ ،‬وعلى آله الطهار وأصسحابه النوار المهاجريسن منهسم والنصسار ‪ ،‬وعلى الدائريسن‬
‫حول أفلكهسسم القمار ‪ ،‬التابعيسسن لهسسم بإحسسسان بالظهار والضمار إلى يوم الديسسن يوم الحسسق‬
‫المبين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإنني لما رأيت كثيرا من الناس وقد اختلط عليهم أمرهم في النية ‪ ،‬وتيقنت أنهم فيها‬
‫في أمر مريج ‪ ،‬حز في نفسي ذلك وبادرتني فكرة لعداد رسالة صغيرة الحجم في محتواها ‪،‬‬
‫كسبيرة الشأن فسي فحواهسا خفيفسة فسي أوراقهسا ‪ ،‬ثقيلة فسي مضمونهسا‪ .‬كمسا وددت لهسا سسهلة اللفاظ‬
‫جزلة المعاني مع وضوح الغرض من تصنيفها وظهور الهدف من تدوينها ‪ ،‬ولكن ( المنبتّ ل‬
‫أرضا قطع ول ظهرا أبقى ) ولو تريثت قليل لكان الجنى أكثر والقطوف أدنى حيث أنني لست‬
‫مسن فرسسان هذا المضمار وإنمسا أقحمست نفسسي فيسه عنوة لذا فإننسي وددت لو أسستطيع قشسع تلك‬
‫السسحابة المتعليسة رؤوس بعسض الناس سسحابة الفهسم الخاطسئ لمعنسى ودللة كلمسة النيسة عمسا هسو‬
‫صسحيح وحسق ‪ ،‬ولكسن مسع كسساد سسوقي فسي العلم وقزم قامتسي فسي المطالعسة أسسأل ال القديسر أن‬
‫يمكننسي مسن بلوغ المراد مسن هذه الرسسالة وإصسابة الهدف منهسا ليسستفيد مسن مضمونهسا الغافسل‬
‫ولينتبسه إلى مقصسودها الطالب ‪ ،‬وليتفهسم ذلك الراسسخ فسي العلم كمسا رجوت لهسا أن تكون سسهلة‬
‫الفهسسم بسسسيطة التركيسسب وهذه أمنيسسة بقدر مسسا أرجسسو مسسن ال تحقيقهسسا أسسسأله سسسبحانه أن يجعلهسسا‬
‫خالصسة لوجهسه الكريسم نفعسا لعباده العابسد ‪ ،‬ودفعسا لعناد المعانسد ‪ ،‬وأن يجعسل نهار هذه الرسسالة‬
‫الزاهرة غائما ل ينصب فيه الجاري ‪ ،‬وليلتها قمراء ل يعشو فيها الساري‪.‬‬
‫فإن ووفقنسا فسي مسسعانا فذلك منّس مسن ال علينسا عظيسم ‪ ،‬وإن أخفقنسا فسي سسعينا فعذرنسا قسد سسبق‬
‫ورجاؤنسا أن يكون هذا الذي سسطرته يراعتنسا ذنبسا فسي الخيسر ‪ ،‬وأل يكون رأسسا فسي الشسر إنسه‬
‫تعالى هو نعم المسؤول ونعم المعين والموصول ‪ ،‬فعلى ال توكلنا إنه يجب المتوكلين ‪ ،‬وصلى‬
‫ال على رسوله المصطفى المين وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫وقد قسمت الرسالة إلى التي‪-:‬‬


‫‪ .1‬مقدمة‬
‫‪ .2‬فصل لس ( النية لغة وشرعا )‪.‬‬
‫‪ .3‬فصل لس (رد قول من يقول بتأكيد النية بالتلفظ)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫‪ .4‬فصل في ( تأكيد ما سبق بيانه )‪.‬‬


‫‪ .5‬خاتمة الرسالة أو البحث‪.‬‬
‫(( وما توفيقي إل بال ))‬
‫‪ 23‬صفر الخير سنة ‪ 1421‬للهجري الموافق ‪ 27/5/2000‬للميلد‬
‫ناصر بن محمد الجهضمي‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫الفصل الول‪ (( :‬النية لغة وشرعا ))‬


‫الحمسسد ل الذي علم آدم السسسماء كلهسسا فعلم النسسسان مسسا لم يعلم ‪ ،‬وفصسسّل له كسسل شيسسء‬
‫تفصيل‪ .‬وبعد ‪ ،‬الكثير من العوام تتطرقوا إلى التكلم عن ماهية النية أو تعريفها فأصابوا قالبها‬
‫ل قلبها ‪ ،‬وإن كان قلة منهم من اقترب إلى دغدغة القلب ربما بوعي أو بغيره ومن هنا وجدنا‬
‫أنفسنا مائلين إلى توضيح هذا المبهم ما – استطعنا إلى ذلك – وتجميع هذا الشتيت على أذهان‬
‫البعض ليظهر لنا المر جليا ويكون فهمنا له سويا فنقول‪:‬‬
‫النية لغة‪ :‬هي القصد والعزم على الشيء‪ ،‬ومحلها القلب ل تعلق لها باللسان أصل وأن‬
‫التلفظ بها غير مشروع (‪ )1‬وهذا تعريف كامل للنية فقد جاء في لسان العرب( ‪ )2‬نوى الشيء‬
‫نيّة … وانتواه كلهما‪ :‬قصده واعتقده‪ .‬ويقال‪ :‬نويت الشيء إذا جددت في طلبه‪ .‬وفي الحديث‪:‬‬
‫((نيسة الرجسل خيسر مسن عمله)) ( ‪ )3‬قال‪ :‬وليسس هذا بمخالف لقول النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪:‬‬
‫((من نوى حسنة فلم يعملها كتب له حسنة ‪ ،‬ومن عملها كتب له عشرا…)) ( ‪ )4‬والمعنى في‬
‫قوله‪(( :‬نية المؤمن خير من عمله)) أنه ينوي اليمان ما بقي‪ ،‬وينوي العمل ل بطاعته ما بقي‪،‬‬
‫وإنما يخلده ال في الجنة (بمشيئته وعفوه (‪ ))5‬بهذه النية ل بعمله ‪ ،‬أل ترى أنه إذا آمن ونوى‬
‫الثبات على اليمان وأداء الطاعات ما بقي (فهو في الجنة) ولو عاش مائة سنة يعمل الطاعات‬
‫ول نية له فيها لنه يعملها ل فهو في النار؟ فالنية عمل القلب ‪ ،‬وهي تنفع الناوي وإن لم يعمل‬
‫العمال ‪ ،‬وأداؤها ل ينفعه دونها ‪ ،‬فهذا معنى قوله ((نية الرجل خير من عمله))‪ .‬وفلن نواك‬
‫ونيتك ونواتك ‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫صرمت أميمة خلّتي وصلتي*** ونوت ولما تنتوي كنواتي‬
‫أي عزمت‪ ( .‬والمعنى‪ :‬أي لم تنو في كما نويت في مودتها)‪.‬‬
‫وكذا عرّف المعجسم الوسسيط النيسة حيسث جاء فيسه‪ :‬نوى المسر‪ :‬قصسده وعزم عليسه‪ .‬وكذلك‬
‫نوى الشيء‪ :‬جد في طلبه‪ .‬والنية‪ :‬توجه النفس نحو العمل ‪ ،‬ولهذا عرف الشيخ سد سابق النية‬
‫في كتابه المشهور (فقه السنة) في كلمه عن فرائض الوضوء حيث قال هناك‪ :‬النية‪ ،‬وحقيقتها‬
‫الرادة المتوجهسة نحسو الفعسل ابتغاء رضسا ال تعالى وامتثال حكمسه وهسي عمسل قلبسي محسض ل‬
‫دخسل للسسان فيسه‪ ،‬والتلفسظ بهسا غيسر مشروع‪ .‬ودليسل فرضيتهسا حديسث عمسر رضسي ال عنسه أن‬
‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال‪ (( :‬إنمسا العمال بالنيات ‪ ،‬وإنمسا لكسل امرئ مسا نوى)) (‪)6‬‬
‫وفي رواية (بالنية))‪.‬‬
‫‪----------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فقه السنة ‪ /‬سيد سابق ص ‪ 48‬ج ‪.1‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب لبن منظور‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫(‪ )3‬رواه المام الربيسع فسي الجامسع الصسحيح بلفسظ (( نيسة المؤمسن خيسر مسن عمله )) وكذلك‬
‫الطبراني في المعجم الكبير‪ .‬وتمامه‪(( :‬نية المؤمن خير من عمله ‪ ،‬وعمل المنافق خير من‬
‫نيته ‪ ،‬وكل يعمل على نيته‪ ،‬فإذا عمل المؤمن عمل نار في قلبه نور))‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسن الحديسث القدسسي الذي رواه البخاري ومسسلم والترمذي والنسسائي بأسسانيد ومتون‬
‫مختلفسة ولكنهسا بمعنسى‪ .‬وقسد ورد (مسن همسّ…) وفسي روايسة ثانيسة لمسسلم ‪ ،‬قال بسسنده إلى أبسي‬
‫هريرة‪ :‬عسن أبسي هريرة رضسي ال عنسه ‪ -‬عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم – قال‪ :‬قال‬
‫ال عسز وجسل‪(( :‬إذا هسم عبدي بحسسنة ولم يعملهسا كتسب له حسسنة ‪ ،‬فإن عملهسا كتسب له عشسر‬
‫حسسنات إلى سسبعمائة ضعسف‪ ))..‬وقسد ورد هذا فسي كتاب ( الحاديسث القدسسية ) دار الفرقان‬
‫للنشر والتوزيع – عمّان – الردن‪ .‬قال القسطلني في ارشاده‪ :‬والحديث أخرجه مسلم في‬
‫اليمان والنسائي في القنوت والرقائق‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من عندنا‪.‬‬
‫(‪ )6‬فقسه السسنة ‪ /‬سسيد سسابق ج ‪ ، 1‬والحديسث رواه البخاري ومسسلم وأبوداود والترمذي‬
‫والنسائي وابن ماجه وأحمد وغيرهم‪.‬‬
‫(‪)1‬قال الحافظ العراقي‪ :‬متفق عليه من حديث عمر‪.‬‬
‫(‪)2‬قال ابسسن دقيسسق العيسسد‪ :‬قال المام النووي‪ :‬أجمسسع المسسسلمون على عظسسم موقسسع هذا‬
‫الحديث وكثرة فوائده وصحته‪ :‬قال الشافعي وآخرون‪ :‬هو ثلث السلم‪ .‬أهس‪ .‬وقال‬
‫الشيخ عز الدين بن عبدالسلم‪ :‬الجملة الولى لبيان ما يعتبر من العمال والثانية‬
‫ما يترتب عليها (إحكام الحكام شرح عمدة الحكام)‪.‬‬
‫(ج) قال محقق (رياض الصالحين) للنووي‪ :‬متفق على صحته‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫الفصل الثاني‪ (( :‬رد قول من يقول بتأكيد النية بالتلفظ ))‬


‫وفسسي ضلل هذا الحديسسث النبوي الشريسسف النسسف ذكره يقول العلمسسة النحريسسر خاتمسسة‬
‫الحفاظ فلتة دهره وسرسور زمانه سيدي الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة –‬
‫حفظسه ال تعالى للسسلم والمسسلمين – يقول‪ :‬علينسا أن ندرك أن النيسة المطلوبسة هسي أن يقصسد‬
‫النسسان بفعله القربسة إلى ال بامتثال أمره والزدجار عسن نهيسه ‪ ،‬هذه هسي النيسة المطلوبسة وهسي‬
‫إخلص العمسسل ل سسسبحانه وتعالى ‪ ،‬والخلص سسس ّر بيسسن العبسسد وربسسه كمسسا جاء فسسي بعسسض‬
‫الروايات القدسسية ل يطلع عليسه ملك فيكتبسه ول شيطان فيفسسده ‪ ،‬على أن لفظسة النيسة تدل على‬
‫معناهسا‪ ،‬فالنيسة هسي مصسدر نوى النسسان ينوي‪ ،‬فمسن المعلوم أننسي إذا قلت لي أحسد مسن الناس‬
‫نويست بالمسس أن آتيسك فل يعنسي ذلك بحال مسن الحوال أن يفهسم هسو أننسي كنست أردد بالمسس‬
‫أنني سأزور فلن ‪ ،‬ل ‪ ،‬ولكن نيتي القصد بالقلب‪.‬‬
‫فإذن هذه هي النية المطلوبة وهذا هو المراد بقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪(( :‬إنما‬
‫العمال بالنيات ‪ ،‬وإنمسا لكسل امرئ مسا نوى ‪ ،‬فمسن كانست هجرتسه إلى ال ورسسوله فهجرتسه إلى‬
‫ال ورسسوله ‪ ،‬ومسن كانست هجرتسه إلى دنيسا يصسيبها أو امرأة يتزوجهسا فهجرتسه إلى مسا هاجسر‬
‫إليه )) (‪ ، )1‬فهذا الذي هاجر – مثل – إلى دنيا يصيبها ما كان يردد بلسانه بأنني مهاجر من‬
‫أجسل أن أصسيب مسن الدنيسا‪ ،‬والذي هاجسر مسن أجسل أن يتزوج امرأة مسا كان يردد بلسسانه بأننسي‬
‫هاجرت مسن أجسل أن أتزوج فلنسه ‪ ،‬والذي هاجسر إلى ال ورسسوله أيضسا ل يعنسي ذلك أن يكون‬
‫يردد بلسانه بأنني مهاجر إلى ال ورسوله وإنما ذلك أمر في قرارة نفسه وال يعلم السرائر من‬
‫عباده وهسو الذي يجزي الناس بحسسب مسا يعلم مسن طواياهسم التسي هسي بيسن حنايسا ضمائرهسم فل‬
‫داعسي إذن إلى التعسبير عسن النيسة بهذه اللفاظ ‪ ،‬على أن هذه اللفاظ أحدثست عندمسا كان الناس ل‬
‫يعرفون ماذا ينوون فلذلك وضسع العلماء لهسم هذه اللفاظ لتكون ترجمسة للنيسة التسي يجسب عليهسم‬
‫أن ينووها ‪ ،‬ولكن بدل من تكون مقاصد تحولت إلى غايات فضاعت الغايات في خضم العناية‬
‫بالمقاصد وأصبح الناس في أمر مريج من أمرهم (‪.)2‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫(( التلفظ بالنية ولو مائة مرة ل يجدي إذا لم يكن من القلب))‪:‬‬
‫وفي موضع أخر يقول الشيخ – حفظه ال تعالى – (وبعد تعريفه لمعنى النية)‪ ،‬قال‪ :‬لو‬
‫تلّفسسظ النسسسان باللفاظ الدالة على النيسسة مائة مرة ولم يقصسسد بقلبسسه فإن هذا التلفسسظ ل يجدي بسسه‬
‫شيئا‪ .‬والقصد بدون التلفظ مجز لنه إن قصد فقد أتى بالنية‪ .‬فمن قال‪ :‬كنت نويت أن أصنع كذا‬
‫إنمسسا مراده بذلك أنسسه كان عاقدا عزمسسه على صسسنع ذلك… فمسسن نوى أداء الصسسلة بقلبسسه وأتسسى‬
‫واجبات الصسلة مسن تكسبيرة الحرام وغيسر ذلك فقسد أتسى بالصسلة المشروعسة‪ ،‬والنسبي صسلى ال‬
‫عليه وسلم ما كان يتلفظ بهذه اللفاظ ‪ ،‬ول صحابته رضي ال عنهم‪ ،‬ول التابعون بهم بإحسان‬
‫وإنمسا حدثست هذه اللفاظ مسن بعسد ‪ ،‬اسستحسانا مسن بعسض العلماء ذلك لنهسم رأوا أن كثيرا مسن‬
‫الناس ل يعرفون ما ينوون فأرادوا بإحداث هذه اللفاظ أن يبصروا الناس بالشيء الذي ينوونه‬
‫فهذه اللفاظ اعتبروهسا وسسائل للنيسة الحقيقيسة (‪ )3‬انتهسى كلمسه‪ .‬ولكسن سسوء فهسم بعسض الناس‬
‫للمراد وغرض أولئك العلماء المسسستحسنين لهذه الوسسسائل قلبهسسا إلى غايسسة أنهكوا لجلهسسا قوى‬
‫ألسنتهم ولم يكلفوا قلوبهم بشيء من ذلك (فبلغ بذلك السيل الربى) وخلطوا بين الحديد والشديد‪.‬‬
‫وللتفصسيل أكثسر لك أن تنظسر إلى الشاكّس ليلة الشسك فمهمسا كان شاكسا ليلتهسا لم ينفعسه جزمسه النيسة‬
‫باللسان‪ ،‬فإن النية محلها القلب ‪ ،‬ول يتصور فيه جزم القصد مع الشك‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫متفق عليه – تقدم ذكره‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عن إحدى ماضرات الشيخ إمام الفاظ أحد بن حد الليلي خلل شريط سعي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عن فتاوى الشيخ خلل شريط سعي‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫(( قد ل يدرك كنه المسمى بالقول ))‪:‬‬


‫كمسا لو قال فسي وسسط رمضان أصسوم غدا إن كان مسن رمضان‪ ،‬فإن ذلك ل يضره لنسه‬
‫ترديد لفظ‪ ،‬ومحل النية ل يتصور فيه ترداد‪ ،‬بل هو قاطع بأنه من رمضان (‪ )1‬وعلى التحقيق‬
‫فهذا هسو الحسق الجلي إذ بهذا القول يتأكسد المسسمى بالمعنسى الداخلي الشعوري الكامسن فسي قلب‬
‫بينمسا نرى أن مسن ذهسب إلى القول – بحسسن نيتسه – بتأكيسد النيسة باللفسظ إنمسا قصسد ذات وحقيقسة‬
‫وماهيسة أو كنسه المسسمى باللفسظ وهيهات هيهات لنسه كنسه المسسمى هنسا ل يمكسن إدراكسه بالقول!‬
‫ذلك لن النية ل يمكنك أن تأتي بها قوليا وإنما يؤتى بها فعليا تطبقيا أو تحضيرا لما في القلب‬
‫إذ كيف يمكن توكيد شيء بشيء ليس من جنسه لكي ندركه على حقيقته؟ هذا محال‪ .‬أما درى‬
‫من يزعم هذا أنه يخرج النية من موضعها اللغوي‪ ،‬وموقعها المعجمي وقلبها المعنوي اللغوي‬
‫الطبيعي والمنطقي؟ فقد غدا بهذا ما كان يكنّ في القلب كلما فصيحا وقول بيّنا ملفوظا فلم يعد‬
‫منويسسا بالقلب بسسل ملفوظسسا باللسسسان وكيسسف يتأتسسى أن تكون النيسسة كذلك لغويسسا أو منطقيسسا؟ فإذا لم‬
‫يتقرر ذلك لغويا على أقل تقدير فقد وجب أل تكون للنية علقة باللسان؟‬
‫ولذلك عرف ابن القيم النية في كتابه (إغاثة اللهفان) فقال‪ :‬النية هي القصد والعزم على‬
‫الشيسء ومحلهسا القلب ل تعلق باللسسان أصسل‪ ،‬ولذلك لم ينقسل عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ‪،‬‬
‫ول عسن أصسحابه فسي النيسة لفسظ بحال‪ ،‬ول سسمعنا عنهسم ذكسر ذلك‪ ،‬وهذه العبارات التسي أحدثست‬
‫عنسد افتتاح الطهارة والصسلة‪ ،‬قسد جعلهسا الشيطان معتركسا لهسل الوسسواس‪ ،‬يحبسسهم عندهسا‪،‬‬
‫ويعذبهسم فيهسا‪ ،‬ويوقعهسم فسي طلب تصسحيحها فترى أحدهسم يكررهسا ويجهسد نفسسه فسي التلفسظ بهسا‬
‫وليسست مسن الصسلة فسي شيسء‪ .‬إنمسا النيسة قصسد فعسل الشيسء فكسل عازم على فعسل فهسو ناويسه ول‬
‫يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقتها فل يمكن عدمها في حال وجودها ومن قعد ليتوضأ‬
‫فقد نوى الوضوء ومن قام ليصلي فقد نوى الصلة‪ ،‬فالنية أمر لزم لفعال النسان المقصودة‬
‫ل يحتاج إلى تعسب ول تحصسيل‪ .‬ولو أراد إخلء أفعاله الختياريسة عسن نيسة لعجسز عسن ذلك‪ .‬ولو‬
‫كلفه ال عز وجل الصلة والوضوء بغير نية لكلفه ما ل يطيق ول يدخل تحت وسعه‪ .‬وما كان‬
‫هكذا فما وجه التعب في تحصيلة؟ وإن شك في حصول نيته فهو نوع جنون فإ نّ علم النسان‬
‫بحال نفسه أمر يقيني‪ ،‬فكيف يشك فيه عاقل من نفسه؟ (‪.)2‬‬
‫هذا وفي المصباح المنير (‪ :)3‬ثم خصّت النية في غالب الستعمال بعزم القلب على أمر‬
‫من المور وكذا قال صاحب القطر المحيط‪ ،‬ثم أردف قائل‪ :‬وقيل النية لغة عبارة عن انبعاث‬
‫القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضرر حال أو مآل‪ .‬وهنا يجب أن نقف‬
‫عنسسد نقطسسة وهسسي قوله عليسسه الصسسلة والسسسلم ((إنمسسا العمال بالنيات وإنمسسا لكسسل امرئ مسسا‬
‫نوى…)) (‪ )4‬حيث لم يحصر النبي صلى ال عليه وسلم القوال بالنيات وإنما حصر الفعال‬
‫بهسا لتعذّر ذلك على الناس وهنسا يظهسر لنسا جليسا أن مسن العمال كذلك مسا هسو غيسر مقصسود بهسا‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫ظاهرهسا ويجلو لنسا المسر – مسع كونسه جليسا – إذا قدّرنسا وقلنسا‪( :‬إنمسا بالنيات العمال) ومسا أكثسر‬
‫القوال التي تقال‪ ،‬والثرثرات التي تبث بل وعي ول نية! من هنا ندرك حكمة الرسول صلى‬
‫ال عليسه وسسلم فسي قوله المأثور هذا إذ يندر إن لم يتعذر أن يقوم أمرؤ بفعسل شيسء مسا بدون نيسة‬
‫ووعي منه وهو عاقل يقظ‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين‪ /‬لب حامد الغزال ص ‪ 425‬ج ‪.1‬‬
‫(‪ )2‬إغاثة اللهفان ص ‪ /144‬لبن القيم الوزية‬
‫(‪ )3‬الصباح الني ف غريب الشرح الكبي للرافعي‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫(( إحضار النية ل المخافتة بها ))‪:‬‬


‫بينما القوال قد تنحدر من فيه انحدار بل نية أو وعي مما قد يؤدي به إلى هلكه أحيانا‬
‫أو توريطسه تارة أخرى وهسو مسا يعسبر عنسه باللغسو‪ .‬فكسم مسن عاقسل يقسظ قسد قتسل بلسسانه؟ ومسن هنسا‬
‫قالت العرب (لسسانك حصسانك إن صسنته صسانك وإن خنتسه خانسك) وأيضسا‪( :‬مقتسل الرجسل بيسن‬
‫فكيّه) و (المكثار كحاطسب الليسل) بينمسا أحيانسا يقاد اللسسان بتدبيسر مسن العقسل والفؤاد إلى الشسر‬
‫والمذمسة ‪ ،‬بالتفتسن والقذف مثل‪ .‬فمسا أقرب هذا الذي تأتسي بسه فئة مسن الناس على أنهسا هسي النيسة‬
‫فمسا أقربسه إلى السسرار منسه إلى النتواء بسل إن هذه الكيفيسة هسي عيسن المخافتسة‪ .‬ونحسن مطالبون‬
‫بإحضار النيسة فسي القلب ل المخافتسة بهسا ثسم إن ال ورسسوله أعلم منسا معشسر العباد بألفاظ اللغسة‬
‫ومسسع كون لفسسظ النيسسة ليسسس بغريسسب على كلم العرب خصسسوصا على أولئك الوائل الفصسسحاء‬
‫المصسساقع القحاح الذيسسن فهموهسسا بمعناهسسا الصسسحيح دونمسسا خلطسسه‪ ،‬لمعرفتهسسم التامسسة بمعانسسي‬
‫ودللت اللفاظ العربية وذلك المعنسى – أي الذي فهموا به النية – مسا زال مفهومسا لدى العرب‬
‫إلى سساعتنا إل أن ثمسة مسن هسو مخلط جحود أو كفور عنود أو جاهسل متخبسط أو متجاهسل معانسد‪،‬‬
‫أو ممار مكابر‪ ،‬أم هل يعقل أن تكون النية وماهيتها بحال لفظا منطوقا؟ كيف هذا بال عليك –‬
‫يا أخي العزيز العاقل؟‬
‫هذا ونحسسن نعلم يقينسسا أننسسا مطالبون باليمان بكسسل صسسغيرة وكسسبيرة وردت فسسي كتاب ال‬
‫الطاهر‪(( :‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه)) (‪ )1‬وبنفس القدر يجب أن يكون إيماننا‬
‫بالسنة النبوية الشريفة مع العتقاد الكامل المطلق أن النبي صلوات ال وسلمه عليه ل ينطق‬
‫إل بوحي من ال عز وجل كما أخبرنا بذلك علم الغيوب في كتابه العزيز فقال‪(( :‬وما ينطق‬
‫عسن الهوى إن هسو إل وحسي يوحسى)) (‪ )2‬وعلى هذا العتقاد يجسب أن ينسسحب تفكيرنسا إلى أن‬
‫اللفظ الذي ينطقه رسولنا محمد عليه الصلة والسلم هو اللفظ القوى والنسب للمقام ولداء‬
‫المعنى المقصود وأنه هو اللفظ الجامع الشامل للغرض المبتغى‪ .‬وما دام لم يرو عن رسول ال‬
‫صسسلى ال عليسسه وسسسلم تلفظسسه بكلمسسة أثناء الوضوء مثل إل التسسسمية لكون أمرهسسا حسسسنا وهسسي‬
‫مشروعة عموما وذلك لما يروى عنه صلوات ال وسلمه عليه قوله ((كل أمر ذي بال لم يبدأ‬
‫فيه ببسم ال فهو أبتر)) وفي رواية أقطع وفي رواية أجذم (‪ .)3‬وهذا لكون الوضوء عبادة فهو‬
‫إذن حقيسق بهسا‪ ،‬وهسو – أي الوضوء – المدخسل الرئيسسي إلى الصسلة لمسا يروى عسن رسسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قوله‪(( :‬مفتاح الصلة الطهور ‪ ،‬وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم)) (‪)4‬‬
‫فكان لزاما علينا أن نقتدي بالرسول صلى ال عليه وسلم لنه المشرع بأمر من ال تعالى‪ .‬وهو‬
‫المطبق التطبيق العملي للشرع الصحيح فهو السوة الحسنة والقدوة الطيبة للمسلمين المؤمنين‬
‫به‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫ولذا لم يرو شيسسء مسسن هذا الذي يتلفسسظ بسسه الناس عسسن الصسسحابة ول عسسن التابعيسسن وذلك‬
‫لفهمهسسم العميسسق وإدراكهسسم الصسسحيح لمعنسسى كلمسسة النيسسة ولسسستيعابهم للمراد اسسستحضاره لمقام‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫ول تلفظ بكسلم يذكسسر *** به عن النية قوم عسبسروا‬
‫لنسما النيسسة بالفسسسؤاد *** ل بالتلفّظات والتعداد (‪)5‬‬
‫وإنمسا لنمسر باللفاظ القريبسة مسن معنسى النيسة ولكنهسا ل يمكسن بحال أن تحسل محلهسا ‪ ،‬وإل‬
‫فهل كلمة الخفست أو المخافتة قد نجعلها في محل النية؟ كل‪ .‬ثم هل كلمة السر يجوز بحال أن‬
‫تعنسي النيسة؟ كل‪ .‬فإنسك تعلم أن سسرك ليسس بنيتسك فبمقدورك أن تبوح بسسرك لحسد بينمسا النيسة إذا‬
‫بحت بها انقلبت إلى سر أو خبر لن حقيقتها كامنة في القلب كما قدّمنا فإن بحت بها لواحد فقط‬
‫فقد قلّبتها إلى سر بينك وبينه‪ ،‬وإن بحت بها لفئة من الناس فقد خبّرت بها‪ ،‬فهي لم تعد نية ول‬
‫سرا بل جهرا وخبر وليست النية كالجهر‪ ،‬ومن معاني السر الكتم بل هما متداخلن فقد يتكاتم‬
‫الثنان الحديث أو السر مكاتمة ومع يفترق معنى هذا عن ذلك‪ ،‬وكلهما ل يعنيان النية‪ .‬أنظر‬
‫يسا أخ السسلم والعروبسة حينمسا آتسي لنوي الصسلة أو الصسيام – مثل – لفظسا بالنيسة لهمسا ولو‬
‫همسا فإنني أجدني معرضا لسماع أي امرئ يكون قريبا مني بل ريب ولو الشيء القليل من‬
‫تلك الهمسات فهل ثمة لبيب يزعم أن ما أقوم به هو عين النية وقد همست؟ – ل أخال ذلك –‬
‫ولذا أرانسي إذا لم أنطسق على هذا الواقسع همسسا نكون مجانسبين لوح العربيسة وحقيقتهسا ومسن هنسا‬
‫يقول نور الدين السالمي – رحمه ال عليه ‪: -‬‬
‫ونية الصلة بالجنان *** فقط دون اللفظ باللسان‬
‫وكيف يكون اللفظ يلزمنا *** ولم يكن في القصد يدخلنّا‬
‫والواجب النية دون القول *** فل أرى صحته من قول(‪)6‬‬
‫بل ليس ببعيد قوله – رحمه ال – من هذا المعنى كذلك وإن كان لموضع أخر ‪ ،‬حين يقول‪:‬‬
‫ول دليل عندنا لهذا *** إني أرى قائله قد هاذى‬
‫يظن أن الحتياط فيه *** وهو فساد حيث ل يدريه‬
‫فكان منه سبب انصراف *** من بعده عن سنة السلف‬
‫بسسل لو كان النيسسة ل تدرك أو ل تسسستحضر إل بالتلفسسظ لهلك الناس لمسسا قسسد يصسسيبهم مسسن‬
‫الهوس من فرط حرصهم على التيان بها في كل حركة وسكنة وذلك لنهم سيجدون أنفسهم قد‬
‫تحركوا بل نية أو سكنوا بلها‪ ،‬وهذا ل ريب يشكل على النسان أيما إشكال وبهذا نعلم ونرى‬
‫رحمسة ال تعالى لنسا فسي تشريعنسا – أي النيسة – علينسا لفترات وجيزة لدى أدائنسا للعبادات المعنيسة‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫المشروعسة لن ال أدرى وأعلم بتقلبات قلوب البشسر فهسل مسن مدّكسر؟ أولم تسر أننسا نسسمي بعسض‬
‫الصلوات صلوات جهرية وبعضها نسميها سرية وإنك لتعلم تماما كيف تؤدى كل منها وتلحظ‬
‫كذلك أن النيسة أسسرّ وأكتسم مسن تلك الكيفيسة أو الطريقسة التسي يؤدى بهسا ذلك النوع مسن الصسلوات‬
‫السسرية منهسا‪ ،‬ول ريسب أن مسن ينطسق بالنيسة على قصسد التأكيسد لهسا ل يفرق بيسن تمتمتسه بالنيسة‬
‫وتمتمتسه بالصسلة السسرية بسل يجعلهمسا سسواء حيسن أدائه لهسا‪ .‬ثسم كيسف يزعسم أحسد أن التلفسظ بالنيسة‬
‫تأكيد لها مع أنه غير مشروع أصل‪ ،‬مع ما في هذا الزعم من تناقض لغوي أو خلط كما سبق‬
‫لن النية إنما تتأكد بالغراق في توجيه القلب أو النفس إلى ما ينوي فعله‪.‬‬
‫ولعلك على علم بأنسسك إذا توضأت لصسسلة الظهسسر مثل جاز لك أن تصسسلي بسسه صسسلة‬
‫العصر حين يأتي وقتها إن لم ينتقض‪ ،‬فإذا كنت تعتقد هذا‪ ،‬فإنني سائلك سؤال‪ :‬هل عندما كنت‬
‫تتوضأ استحضرت هذه النية؟ أو على رأي من يقول بالتلفظ بها هل نطقت بها على أنها لصلة‬
‫الظهر والعصر معا؟ أظن أن جوابك هنا بالنفي‪ .‬وإذا كان كذلك فانتبه‪ ،‬ذلك لن الحاصل على‬
‫التحقيق أن وضوءك لصلة العصر إنما يتأكد أو تنعقد نيته بوجهين وقد يصاحبهما وجه ثالث‬
‫أما الوجهان فهما‪:‬‬
‫‪ -‬الوجسه الول‪ :‬اسستحضار النيسة وقست التوضسؤ بكون هذا الوضوء لصسلة الظهسر ‪ ،‬وإذا لم‬
‫ينتقض فهو لصلة العصر كذلك‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الثاني‪ :‬استحضار النية عند الوضوء على أن الوضوء للظهر فقط‪ ،‬ولكن مع استمرار‬
‫هذا المتوضسئ على طهارتسه‪ ،‬أو بقائه على وضوئه فسي مسا بعسد إلى وقست صسلة العصسر نوى‬
‫عنده من قلبه فصلى به‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الثالث‪ :‬الذي قد يتبادر إلى ذهننا هو اعتياد الرجل على أداء صلتين أو أكثر بوضوء‬
‫واحد لسيما إن كان كثير السفار‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫سورة فصلت الية رقم ‪.42‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سورة النجم الية رقم ‪.3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مشارق أنوار العقول ط دار الكمة ص ‪ 13‬لنور الدين السالي‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫جوهر النظام‪ /‬لنور الدين السالي ط ‪ 11/1410‬هـ‪1989-‬م‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫(‪ )6‬جوهر النظام ط ‪1989-11/1410‬م نور الدين السالي‪..‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫الفصل الثالث‪(( :‬تأكيد ما سبق بيانه))‬

‫وإذا تبين ما سبق ذكره في الفصل السابق تيقّنا أن النية محلهسا القلب ل غير‪ ،‬ويستحيل‬
‫أن ننوي باللسسان وإنمسا قسد نشهده عليهسا فإن ذلك الذي يرى أنسه ينوي باللسسان أو يؤكدهسا بسه ل‬
‫ريب أنه يكون قد نوى ما في قرارة نفسه بذلك الذي يترجمه اللسان ألفاظا‪ ،‬إذن فما اللسان في‬
‫هذه الحالة إل أداة لترجمة المكنون في القلب والطوية وهنا يتبين النهار لذي عينين عند سماعه‬
‫قول المام نور الدين السالمي‪:‬‬

‫واللفظ تأكيد لمن يشاه *** وقيل لزم ول نراه‬


‫كيف يكون اللفظ يلزمنا *** ولم يكن في القصد يدخلنّا‬
‫والواجب النيّة دون القول *** فل أرى صحته من قول (‪)1‬‬
‫فإنمسا العمال بالمقاصسد وإنمسا المقاصسد هسي نيات القلوب وظاهسر حديسث (إنمسا العمال‬
‫بالنّيات) يدل على هذا أي على أن النيّة شرط في الثواب وفي الصحة أي صحة العمال (‪.)2‬‬
‫ولك أن تنظسر إلى المصسلي فإنسه قسد دخسل فسي صسلته بنيسة خالصسة ل تعالى المفروضسة‬
‫عليسه ومسع ذلك قسد ينفلت عنسه زمام تلك النيسة بوسسوسة مسن الشيطان اللعيسن فإذا هسو بعيسد عسن‬
‫الصسسلة روحيسسا لكنسسه يتمتسسم بالقرآن ولذلك جعسسل المام الغزالي فسسي إحياءه حظور القلب فسسي‬
‫الصلة أو المعاني الباطنة التي بها تتم حياة الصلة حيث قال‪ :‬ونعني به أن يفرغ القلب عن ما‬
‫هسو ملبسس له متكلم بسه‪ ،‬فيكون العلم بالفعسل والقول مقرونسا بهمسا‪ ،‬ول يكون الفكسر جائل فسي‬
‫غيرهما‪ ،‬ومهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه‬
‫غفلة عن كل شيء فقد حصل حضور القلب (‪.)3‬‬
‫أقول‪ :‬وهل يحصل هذا إل بنية خالصة؟ وظاهر أن محل القصد هو القلب‪ ،‬فمتى قصد‬
‫المرء الوضوء – مثل – بكيفيسسسة مسسسن الكيفيات (المعروفسسسة) فقسسسد نوى‪ ،‬ول يشترط أن يتلفسسسظ‬
‫بلسسانه‪ ،‬كمسا ل يشترط اسستحضار النيسة إلى آخسر الوضوء‪ ،‬فلو ذهسل عنهسا فسي أثنائه فإنهسا ل‬
‫تبطسل‪ ،‬وأمسا زمسن نيسة الوضوء فهسو فسي أوله‪ ،‬فلو غسسل بعسض العضاء بدون نيسة فإن وضوءه‬
‫باطل (‪ )4‬ونحو هذا الكلم قال معرفا النية‪ :‬هي الرادة الجازمة بحيث يريد المصلي أن يؤدي‬
‫الصلة ل وحده‪ ،‬فلو نطق بلسانه بدون أن يقصد الصلة بقلبه فإن ل يكون مصليا …… (‪)5‬‬
‫ولو نوى بقلبه صلة الظهر‪ ،‬ولكن سبق لسانه فقال‪ :‬نويت أصلي العصر فإن ل يضر لنك قد‬
‫عرفست أن المعتسبر فسي النيسة إنمسا هسو القلب ‪ ،‬والنطسق ليسس بنيسة (‪ .)6‬ومسن هنسا يقول الشيسخ سسالم‬
‫بن حمود السيابي‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫وحيث أن المر بالمقاصد *** نعرفه في مذهب الماجد‬


‫وكل شيء حسبما به قصد *** فاسمع وماله الفتى قد اعتمد‬
‫" فإنما العمال بالنيات " *** صحتها ل بالتلفظات‬
‫ثم لكل ما نوى من قصد *** خيرا يلقّأه بتوفيق الصمد‬
‫فالنية العزيمة القلبيه *** ل اللفظ في ملتنا المرضيه (‪)7‬‬
‫ويقول شيخنسسا العلمسسة سسسيعد بسسن حمسسد الحارثسسي‪ :‬فقال الشيسسخ نور الديسسن السسسالمي فسسي‬
‫المعارج‪ :‬النية شرك لصحة العمال فل عمل لمن ل نية له‪ .‬وإنما شرعت النية لتمييز العبادة‬
‫عسن العادة … فالنيسة فسي العبادات باللسسان مسع غفلة الجنان غيسر معتسبرة لمسا ورد ((إن ال ل‬
‫ينظسر إلى صسوركم ول إلى أجسسامكم ولكسن ينظسر إلى قلوبكسم وأعمالكسم)) (‪ )8‬فالعمسل بغيسر نيسة‬
‫عناء والنية بغير إخلص رياء وهو نفاق سواء‪ ،‬والخلص بغير صسدق وتحقيسق هباء‪ ،‬وليت‬
‫شعري كيسف تصسح نيسة مسن ل يعرف حقيقسة النيسة أو كيسف يصسح له عمسل صسحيح إذا لم يعرف‬
‫حقيقة الخلص أو كيف يطالب المخلص نفسه بالصدق إذا لم يعرف معناه؟ فالواجب على كل‬
‫عبسد أراد طاعسة ال أن يتعلم النيسة لتخلص له المعرفسة وإذا لم يمكنسه أداء الواجسب على وجهسه‬
‫المطلوب شرعا أل يتعلم كيفية النية؟ فإنه يجب عليه أن يتعلمها لتوقف الواجب على ذلك وما‬
‫ل يتم الواجب إل به فهو واجب) (‪.)9‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬جوهر النظام لنور الدين السالي ج ‪ 2+1‬ص ‪ 78‬ط ‪1410( 11‬هـ – ‪1989‬م)‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفقه على الذاهب الربعة ص ‪ 209‬ج ‪.1‬‬
‫(‪ )3‬إحياء علوم الدين‪/‬لب حامد الغزال ص ‪ 289‬ج ‪.1‬‬
‫(‪ )4‬الفقه على الذاهب الربعة ص ‪57‬ج ‪.1‬‬
‫(‪ )5‬الفقه على الذاهب الربعة ص ‪ 209‬ج ‪.1‬‬
‫(‪ )6‬الفقه على الذاهب الربعة ص ‪ 214‬ج ‪.1‬‬
‫(‪ )7‬إرشاد النام ف الديان والحكام‪ /‬للشيخ الفقيه سال بن حود السياب‪.‬‬

‫(‪ )8‬رواه مسلم { بنفس اللفاظ ولكن مع تقدي ((أجسامكم))}‪.‬‬


‫(‪ )9‬الثبات رسالة ف الدعية والنيات للشيخ سعيد بن حد الارثي‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫(( هذه فرية بل مرية ))‪:‬‬


‫ولكسن هناك فسي المجتمسع مسن يقطسع بالظسن أن النيسة ل تتسم أو تكتمسل أو تنعقسد إل بالتلفسظ‬
‫وهذه فريسة بل مريسة‪ ،‬والوضسع يزداد سسوءا إذا تفشسى هذا الظسن الخاطسئ فسي أوسساط المثقفيسن‬
‫الذيسن كثيرا مسا يواجهون مسن يخالفهسم فسي رأيهسم أو ظنهسم هذا حيسث يرى وللسسف أحدهسم نفسسه‬
‫أسد هصورا أو رجل طريرا ول يعلم أن ليس إل من بغاث الطير‪ ،‬وخشاها أولم يرى هذا أن‪:‬‬
‫بغاث الطير أطولها رقابا *** ولم تطل البزاة ول الصقور؟‬
‫أم لم يعلم أن‪:‬‬
‫خشاش الطي أكثرها فراخا *** وأم الصقر مقلت نزور؟‬

‫بل خفي عليه أن‪:‬‬


‫ضعاف السد أكثرها زئيا *** وأصرمها اللوات ل تزير !!‬
‫فالنيسة مسع كونهسا قصسدا لغسة‪ ،‬فإن القصسد كامسن فسي القلب‪ ،‬إذن فالنيسة قصسد مصسحوب‬
‫بالصسسمت‪ ،‬وعليسسه فمثسسل الذي يزعسسم أن النيسسة تتأكسسد باللفسسظ كمثسسل الذي يزعسسم أن الكلم يتأكسسد‬
‫بالصمت‪ ،‬وهيهات هيهات!‬
‫ولكنسك ل تزال تطلع على شراذم مسن الناس فسي جميسع المجتمعات السسلمية ومسن جميسع‬
‫طبقاتهسا ومسستوياتها إذا قلت لهسم أن النيسة هسي مسا تعتزمسه وتقصسده بقلبسك وحسسب‪ ،‬قالوا‪ :‬أرأيتسك‬
‫لو نويست الصسلة أتكون قسد صسليت بنيتسك تلك‪ ،‬أو لو نويست التصسدق أو العتمار أو الحسج أتغدو‬
‫بنياتسسك هذه متصسسدقا أو معتمرا أو حاجسسا فعل؟ وللجابسسة على أسسسئلة أو تسسساؤلت هؤلء –‬
‫الغافليسن عمسا يقولونسه ويتلفظونسه مسن حيسث ل يدرون – فإننسا نمسسك بإحدى كلماتهسم وهسي كلمسة‬
‫(فعل) والتسي هسي مفتاح الجواب وأسساس الرد عليهسم فنقول لهسم‪ :‬كل‪ .‬لن أكون مصسليا ول‬
‫متصسدقا ول معتمرا ول حاجسا بمجرد عقسد نيتسي لفعسل مسا‪ ،‬وإنمسا أوجسر على صسدقي وإخلصسي‬
‫فسي نيتسي ل على أننسي قسد فعلت العبادة أو الطاعسة فعل‪ ،‬فإن ال يعلم السسر وأخفسى‪ ،‬ويعلم خائنسة‬
‫العيسن ومسا تخفسي الصسدور‪ ،‬وهسو سسبحانه جل وعل أقرب إلى العبسد مسن حبسل الوريسد فهذا هسو‬
‫السساس الذي عليسه يكافسئ ال تعالى العيسد‪ ،‬إذ يكافئه على خلوص نيتسه لوجسه ال‪ ،‬وكذلك على‬
‫فعله الخالص لوجهسه تعالى على أن هذا أيضسا مرتبسط وحائر إلى صسدق مسا فسي قلبسه مسن عدمسه‬
‫فإن بقسي الناوي على نيتسه الخالصسة لداء مسا فرضسه ربسه عليسه أو شرع له فهسو فسي خيسر ونعمسة‬
‫وأمسن عنسد ال تعالى بسل هسو على هدى ورشاد إذ ((الذيسن أمنوا ولم يلبسسوا إيمانهسم بظلم أولئك‬
‫لهم المن وهم مهتدون)) (‪ )1‬حتى إذا ما فعل وأدى ما هو مأمور به أو مشروع له آجره ال‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫تعالى على فعله هذا إذ هو القائل‪(( :‬إنا ل نضيع أجر من أحسن عمل)) (‪ )2‬وقال‪(( :‬إن ال ل‬
‫يضيع أجر المحسنين)) (‪.)3‬‬
‫وبعسد هذا نقول‪ :‬ل يسستوي الفعسل والنيسة قطعسا على أن الفعسل – عنسد العقلء اليقظيسن –‬
‫تلزمسه النيسة دائمسا ول ينعكسس هذا القول على النيسة إذ أنهسا ل يلزمهسا الفعسل دائمسا‪ .‬ولكسم أن‬
‫تقيسوا هذا بميزان العقل هل تستوي نية الناوي للقتل ونية الناوي للتصدق؟ أم هل تستوي نية‬
‫الناوي للزنسا ونيسة الناوي للزواج؟ كل‪ ،‬ول يسستويان مثل‪ ،‬بسل إن نيسة الزواج نفسسها قسد تداخلهسا‬
‫أغراض شتسسى وكذا القول عسسن فعسسل الصسسلة – وسسسائر العبادات – فقسسد يؤدي المرء الصسسلة‬
‫لغراض عديدة وقد تكون دنيوية وقد خاب صاحبها والعياذ بال‪.‬‬
‫جاء فسي القواعسد‪ :‬أمسا النيسة فهسي شرط فسي جميسع العبادات لقوله تعالى‪(( :‬ومسا أمروا إل‬
‫ليعبدوا ال مخلصين له الدين)) (‪ )4‬ولقول النبي عليه الصلة والسلم‪(( :‬إنما العمال بالنيات‬
‫وإنما لكسل امرئ مسا نوى)) (‪ )5‬فحصسر العمال إلى النية‪ .‬ومعناها القصسد إلى الفعل بالعتقاد‬
‫مسن القلب والعزيمسة عليسه بالجوارح‪ .‬والنيسة مسستدامة‪ ،‬والعمسل منقطسع‪ ،‬فكسل عمسل خل مسن النيسة‬
‫فهسو باطسل‪ ،‬ول تنازع بيسن أهسل العلم فسي وقوع الحكسم إذا اجتمسع القول والنيسة (‪ .)6‬وهذا القول‬
‫يؤكد أن النية المشروعة إنما تستحضر بالقلب أما إذا اقترن حضورها بالقول أو اللفظ فل بأس‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سورة النعام الية ‪.82‬‬
‫(‪ )2‬سورة الكهف الزء الخي من الية ‪.30‬‬
‫(‪ )3‬سورة التوبة الزء الخي من الية ‪.120‬‬

‫سورة البينّة الية ‪.5‬‬ ‫(‪)4‬‬


‫سبق ذكره‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫قواعد السلم‪ /‬للشيخ إساعيل اليطال‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫خاتمة الرسالة‪:‬‬
‫مسن المعلوم أن السسر هسو مسا تكتمسه وتخفيسه بحيسث تسستأثر بسه فسي علمسك وتحتفسظ بسه فسي‬
‫قرارة قلبسك وطوايسا صسدرك‪ ،‬أو تطلعسه أحدا مسن خلق ال تعالى‪ .‬وكذلك مسن المعلوم أن الكتسم‬
‫معناه السستر والخفاء ‪ ،‬ويعلم أن اختفاء الشيسء يعنسي تسستره وتواريسه‪ ،‬حتسى أن الخفاء بمعنسى‬
‫الكساء والغطاء وكذلك بمعنى الرداء الذي تلبسه المرأة فوق ثيابها فيخفي ما تحته من الثياب‪،‬‬
‫ثسم إنسه ممسا ل يخفسى على مسن له أدنسى ذوق فسي المعانسي أن كلمسة النجوى ل تعنسي سسوى إسسرار‬
‫الحديث‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإنك ل تفهم من قول عمرو إذا قال‪ :‬خفت زيد يخفت بصوته خفتا وخفوتا وخفاتا‬
‫إل بمعنى خفضه وأسرّه وأخفاه (‪ )1‬وكذا خافت بصوته (مخافتة) أي خفّضه ( ‪ )2‬قال تعالى‪(( :‬‬
‫ول تجهر بصلتك ول تخافت بها )) (‪ )3‬أي‪ :‬ل تجهر يا محمد بقراءتك في الصلة فيسمعك‬
‫المشركون فيسسبّوا القرآن ومسن أنزله‪ ،‬ول تسس ّر بقراءتسك بحيسث ل تسسمع مسن خلفسك (‪ )4‬وكذلك‬
‫كلمة همس فإنك إن قلت همس زيد إلى عمرو همسا فإننا نفهم منه أنه تكلم معه كلما خفيا ل‬
‫يكاد يفهم‪ ،‬فهذه طائفة من كلمات متقاربة المعنى وهي أقرب إلى بعضها بعضا ترادفا‪ ،‬بيد أن‬
‫كلها مجتمعة أو متفرقة ل تعني النية وهي تدور في دائرة السر والخفاء‪.‬‬
‫ولئن كانست النيسة تعنسي اسستحضار مسا تقصسده فسي قلبسك أو إلى قلبسك دون إشعار اللسسان‬
‫بذلك فإن هذه الكلمات السسالف ذكرهسا ل تكتمسل صسور معانيهسا إل بإذن مسن اللسسان‪ .‬وإذا كان‬
‫عماد هذه الكلمات أو عمودهسا الفقري هسو الغراق فسي سسترها وإخفاءهسا حيسن التلفسظ بهسا فإن‬
‫غمد النية هو القلب ووتدها هو شحذ القلب وتشميره لما ينوي له‪.‬‬
‫هذا وإن العرب على قوة بلغتهسم وشدة فصساحتهم وعظمسة شأن تعسبيرهم وجزالة معانسي‬
‫كلماتهسم وانسسجام ألفاظهسا بعضهسا إلى بعسض وحسسن تركيبهسم للجمسل والكلمات لم يجرؤا أو لم‬
‫يتطرق أحد منهم إلى القول بأن النية تلفظ باللسان أو حتى القول بأنها قد تلفظ به‪ ،‬ولو قال أحد‬
‫العراب السسسابقين الذيسسن كانوا يعبسسأ بكلمهسسم إذا نطقوا فلو قال أحدهسسم ذلك لكفاه هزءا بسسه‪،‬‬
‫وتوبيخسسا له‪ ،‬ولسسسار وسسسرى بسسه الركبان والرجال نثرا وشعرا‪ ،‬ولغدا موضسسع اسسستشهاد على‬
‫ضعف لغته‪ ،‬ووهن ((أعرابية)) قائله‪.‬‬
‫وبالجملة فإن أشكال وصسسور التمثيسسل بالنيسسة أكثسسر مسسن أتحصسسى ومسسا رغبسست بهذا المثسسل‬
‫البسسسيط الذي ضربتسسه إل إيقاظ الوسسسنان وتنبسسه الحيران وتذكيسسر الغفلن للخسسذ بالقول الثابسست‬
‫الركان ‪ ،‬القوي البنيان ‪ ،‬الصسسحيح المعنسسى الذي مسسا له عنسسه مغنسسى‪ ،‬ل سسيّما أن فسسي مجتمعنسسا‬
‫جماهير غفيرة تعتقد عكس الذي نحن بصدد تفنيده‪ ،‬ولذا يكثر في مجتمعاتنا التلفظ بالنية على‬
‫عكسس أو ضسد معنسى مسسمّاها! ورغبتنسا الخالصسة أن نحظسى بإنصساف ولو مسن فرد واحسد يقتنسع‬
‫ي والقول المرض يّ كي يقوم من ثم هو بالتبليغ به قد استطاعته لكي نهدم سويا‬ ‫بهذا الحق الجل ّ‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫الوكار التسي أوكرهسا وعشّشهسا إبليسس اللعيسن وجنوده فسي رؤوس الميّيسن والجهّال بسل حتسى‬
‫رؤوس بعسض طلبسة العلم وأهسل العلم والنهسى والبصسائر الذيسن درس عندهسم معنسى النيسة وعفسا‬
‫حتسى تلشسى واضمحلّ عسن قلوبهسم وعقولهسم ثسم ربسا فسي غريسب قولهسم وفعلهسم‪ ،‬فإذا هسو نام فسي‬
‫هشيم البدعة‪ ،‬ومعشوشب في حضيض الترعة‪.‬‬
‫وأراهم داخلين في زمرة من عناهم ابن القيّم حين قال‪ :‬قلت‪ :‬قال شيخنا‪ :‬ومن هؤلء من‬
‫يأتسي بعشسر بدع لم يفعسل رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ول أحسد مسن أصسحابه واحدة منهسا‬
‫فيقول‪ :‬أعوذ بال مسسن الشيطان الرجيسسم‪ ،‬نويسست أصسسلي صسسلة الظهسسر فريضسسة الوقسست‪ ،‬أداء ل‬
‫تعالى‪ ،‬إمامسا أو مأمومسا‪ ،‬أربسع ركعات مسستقبل القبلة‪ ،‬ثسم يزعسج أعضاءه ويحنسي جبهتسه ويقيسم‬
‫عروق عنقيه‪ ،‬ويصرخ بالتكبير كأنه يكبّر على العدو‪ .‬ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلم‬
‫يفتّش‪ :‬هل فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم أو أحد أصحابه شيئا من ذلك لما ظفر به إل أن‬
‫يجاهسر بالكذب البحست‪ ،‬فلو كان فسي هذا خيسر لسسبقونا إليسه‪ ،‬ولدلّونسا عليسه (فلو كان فسي هذا هدى‬
‫فقسد ضلّوا عنسه‪ ،‬وإن كان الذي كانوا عليسه هسو الهدى والحسق فماذا بعسد الحقّس إل الضلل) (‪)5‬‬
‫أهس‪ .‬بل ((وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم)) (‪.)6‬‬
‫فمن يك ذا فم مرّ مريض *** يجد مرّا به الماء الزلل (‪)7‬‬
‫فل حول ول قوة إل بال العلي العظيم ((سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم‬
‫على المرسلين والحمد ل رب العالمين)) (‪ )8‬وصلى ال وسلم على سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العجم الوسيط ج ‪( 1‬بتصرف)‪.‬‬
‫(‪ )2‬العجم الوسيط ج ‪( 1‬بتصرف)‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة السراء الية ‪.110‬‬
‫(‪ )4‬صفوة التفاسي ‪ /‬للشيخ ممد علي الصابون ج ‪ 1‬ص ‪.752‬‬
‫(‪ )5‬إغاثة اللهفان ‪ /‬لبن القيم الوزية ص ‪.145‬‬
‫(‪ )6‬سورة الحقاف الزء الخي من الية ‪.110‬‬
‫(‪ )7‬من ديوان أب الطيب التنب‪.‬‬
‫(‪ )8‬سورة الصافات اليات ‪.182، 181 ،180‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫فهرس المراجع*‪:‬‬

‫‪-1‬القرآن الكري‪.‬‬

‫‪-2‬إحكام الحكام شرح عمدة الحكام (للمام تقي الدين أبن دقيق العيد التوف ‪702‬هـ)‪.‬‬

‫‪-3‬إحياء علوم الدين (لب حامد الغزال ممد بن ممد بن ممد الطوسي التوف سنة ‪ 505‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -4‬إرشاد النام ف الديان والحكام (للشيخ الفقيه سال بن حود السياب رحه ال)‪.‬‬

‫‪751‬‬ ‫‪ -5‬إغاثة اللهفان (للمام ابن القيم الوزية أب عبدال ممد بن أب بكر الدمشقي التوف سنة‬
‫هـ)‪.‬‬

‫‪ -6‬الحاديث القدسية (دار الفرقان للنشر والتوزيع‪ .‬عمّان‪ ،‬الردن)‪.‬‬

‫‪ -7‬المال(لب علي القال التوف سنة ‪356‬هـ)‪.‬‬

‫‪-8‬المام الربيع بن حبيب مكانته ومسنده (للشيخ العلمة سعيد بن مبوك القنوب حفظه ال)‪.‬‬

‫‪-9‬الثبات رسالة ف الدعية والنيات (للشيخ سعيد بن حد الارثي حفظه ال)‪.‬‬

‫‪ -10‬الامع الصحيح (مسند المام الربيع بن حبيب الفراهيدي التوف سنة ‪ 180-175‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -11‬الفقه على الذاهب الربعة (عبدالرحن الزيري)‪.‬‬

‫‪-12‬القطر الحيط (للمعلم بطرس البستان)‪.‬‬

‫‪ -13‬الصباح الني ف غريب الشرح الكبي للرافعي (تأليف العلمة أحد بن ممد بن علي القري‬
‫الفيومي التوف سنة ‪770‬هـ)‪.‬‬

‫‪-14‬العجم الكبي (للحافظ أب قاسم سليمان بن أحد الطبان التوف ‪ 360‬هـ)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫‪-15‬العجم الوسيط (طبعة الكتبة السلمية)‪.‬‬

‫‪-16‬بعض فتاوى وماضرات الشيخ العلمة أحد بن حد الليلي الفت العام للسلطنة حفظه ال‪.‬‬

‫‪-17‬جوهر النظام ف علمي الديان والحكام (للمام نور الدين السالي التوف سنة ‪1332‬هـ)‪.‬‬

‫‪-18‬ديوان أب الطيب التنب (شرح أب البقاء العكبي‪ .‬طبعة دار العرفة‪ .‬بيوت ‪ ،‬لبنان)‪.‬‬

‫‪-19‬رياض الصالي (للمام أب زكريا يي بن شرف النووي الدمشقي التوف سنة ‪676‬هـ)‪.‬‬

‫‪-20‬سنن ابن ماجة (للحافظ أب عبدال ممد بن زيد القزوين التوف سنة ‪275‬هـ)‪.‬‬

‫‪-21‬سنن أب داود (للمام أب داود سلميان بن الشعث السجستان التوف سنة ‪ 275‬هـ)‪.‬‬

‫‪-22‬سنن الترمذي (للمام أي عيسى ممد بن عيسى الترمذي التوف سنة ‪279‬هـ)‪.‬‬

‫‪-23‬سنن النسائي (للمام أب عبدالرحن أحد بن شعيب الرسان التوف سنة ‪ 303‬هـ)‪.‬‬

‫‪-24‬صحيح البخاري (للمام أب عبدال ممد بن إساعيل البخاري العفي التوف سنة ‪ 256‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -25‬صحيح مسلم (للمام أب السن مسلم بن الجاج القشيي النيسابوري التوف سنة ‪261‬هـ)‪.‬‬

‫‪-26‬صفوة التفاسي (للشيخ ممد علي الصابون حفظه ال)‪.‬‬

‫‪-27‬فقه السنة (للشيخ سيد سابق رحه ال التوف سنة ‪ 1421‬هـ)‪.‬‬

‫‪-28‬قواعد السلم (للشيخ أب طاهر إساعيل اليطال التوف سنة ‪750‬هـ)‪.‬‬

‫‪711‬‬ ‫‪-29‬لسان العرب (لبن منظور أب الفضل ممد بن مكرم النصاري الفريقي الصري التوف سنة‬
‫هـ)‪.‬‬

‫‪-30‬مسند المام أحد بن حنبل (للمام أب عبدال أحد بن حنبل الشيبان التوف سنة ‪ 241‬هـ)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫‪-31‬مشارق أنوار العقول (للمام نور الدين السالي التوف سنة ‪ 1322‬هـ)‪.‬‬

‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫* ترتيب المراجع أبجديا عدا المرجع العظم القرآن الكريم ‪ ،‬فقد تصدر‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كت ـي ـب‬
‫النيـــة الخالصـــة‬

‫فهرس الموضوعات‪:‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬ ‫تسلسل‬
‫تقديمممم الشيمممخ العلممممة أحممممد بمممن حممممد الخليلي‪-‬المفتمممي العام‬ ‫‪-1‬‬
‫للسلطنة‪3 :-‬‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الفصل الول ‪ /‬النية لغة وشرعا‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪5‬‬
‫الفصل الثاني ‪ /‬رد قول من يقول بتأكيد النية بالتلفظ‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪7‬‬
‫التلفظ بالنية ولو مائة مرة ل يجدي إذا لم يكن من القلب‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬ ‫قد ل يدرك كنه المسمى بالقول‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫إحضار النية ل المخافتة بها‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪11‬‬
‫الفصل الثالث ‪ /‬تأكيد ما سبق بيانه‪:‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪15‬‬
‫هذه فرية بل مرية‪:‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪18‬‬
‫‪20‬‬ ‫خاتمة الرسالة‪/‬البحث‪:‬‬ ‫‪-10‬‬
‫‪23‬‬ ‫فهرس المراجع‪:‬‬ ‫‪-11‬‬

‫‪25‬‬

You might also like