Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫نشأة الدولة الرستمية‬


‫بدا ية أ جد من اللزم علي أن أعرف كم على نف سي ‪ ،‬أ نا ا سمي التيهر تي وبلدي هي الدولة الر ستمية ال تي‬
‫نشأت في نها ية سنة ‪ 155‬للهجرة وبدا ية ‪ 156‬للهجرة في المغرب الو سط ( الجزائر )‪ ،‬وعا صمتها هي‬
‫تيهرت ‪ ،‬هذا وأود أن ان به ا نه تو جد في الجزائر حال يا مدي نة ت سمى تيهرت ولكن ها تب عد ‪9‬كلم عن تيهرت‬
‫القديمة والتي كانت عاصمة للدولة الرستمية وتبعد عن مدينة الجزائر العاصمة بحوالي ‪ 430‬كلم‪.‬‬

‫و قد اختلف الباحثون في ا سم تيهرت من هم من أ سماها تايهرت ومن هم من أ سماها تيهرت من غ ير ألف ‪،‬‬
‫وال سم الثا ني هو ال صحيح الذي مال إل يه كل من الدكتور محمد ناصر والستاذ إبراه يم بحاز انظر أخبار‬
‫الئمة الرستميين لبن الصغير ص ‪. 28‬‬

‫هذا وا سمحوا لي أن ا ستعرض مع كم ك يف نشأت هذه الدولة ال سلمية الخالدة وال تي لل سف الشد يد أهمل ها‬
‫كثير من المؤرخين السابقين أو المعاصرين إل من رحم ال ‪ ،‬إما لتعصب مذهبي مقيت أو لجهلهم بها فلم‬
‫يكلفوا نفسيهم عناء البحيث والتقصيي المنصيف عنهيا ‪ ،‬بالرغيم مين أنهيا امتدت أكثير مين الدولة المويية‬
‫والعباسية المحسوبتان على السلم وأفعال ملوكها ل تخفى عن كل ذي لب‪.‬‬

‫المام المؤسس لها هو المام عبد الرحمن بن رستم بن بهرام بن سام بن كسرى أنو شروان الملك الفارسي‬
‫المشهور ‪ .‬وا ستمرت قائ مة شام خة ح تى عام ‪ 296‬للهجرة أي ما يقارب من ‪ 140‬عا ما إلى أن سقطت‬
‫على يد من أكل قلبه الحسد وأعماه التعصب المذهبي وهو أبو عبدال الشيعي فقتل كثيرا من أهلها وشيوخها‬
‫ونسائها وأطفالها البرياء ولم يراعي فيهم أنهم يشهدون أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال التي يعصم‬
‫بها دم المرء ‪ ،‬ول نقول إل وعند ال تجتمع الخصوم ‪.‬‬

‫ولد المام عبدالرح من في العراق من أب فار سي من سللة ك سرى الملك الفار سي المشهور ‪ ،‬ها جر أبوه‬
‫إلى المغرب وأخذه معه وأمه ‪ ،‬إل أن أباه مات في الطريق بالقرب من مكة ‪ ،‬التقى وأمه بالحجاج القادمين‬
‫من المغرب فتزوجت أمه بواحد منهم من القيروان ‪ ،‬فهاجر بهم إلى القيروان ‪ ،‬وهكذا ولد إمامنا العادل عبد‬
‫الرحمن بن رستم من أب فارسي ونشأ نشأة عربية إسلمية ‪.‬‬

‫وحين بلغ عبد الرحمن عنفوان الشباب تناهى إلى مسمعه ظهور أناس مجددين في المشرق يدعون إلى إقامة‬
‫شرع ال في الرض ون شر العدل وإغا ثة الملهوف ورد الظالم ‪ ،‬وعلى رأ سهم عالم جل يل ا سمه أ بو عبيده‬
‫مسلم بن أبي كريمة رضي ال عنه المام الثاني للمذهب الباضي ‪ ،‬وفي هذه الفترة بدأ المذهب الباضي‬
‫بالنتشار في المغرب عن طر يق الداع ية سلمة بن سعد ‪ ،‬الذي دل الشاب عبدالرح من المتع طش للعلم على‬
‫المام أبى عبيدة ‪ ،‬فطار عبدالرحمن إلى بحر العلوم للعب من معينه الصافي وكأنه يعد نفسه للمر الجلل‬
‫الذي سيلقى على عاتقه بإقامة دولة اعادت للقلوب ذكريات أولئك العظماء الذين تربوا في أحضان النبوة من‬
‫أمثال الصديق والفاروق‪.‬‬
‫كانوا خم سة من طلب العلم باعوا أنف سهم ل وال اشترى ‪ ،‬أرب عة من المغرب والخا مس من الي من وا سمه‬
‫أبو الخطاب عبد العلى بن السمح المعافري ‪ ،‬وأما الربعة الذين من المغرب فكان من بينهم عبدالرحمن ‪،‬‬
‫التقوا هؤلء جمي عا ع ند المام أ بي عبيدة في الب صرة ‪ ،‬وكان هذا في عام ‪ 135‬للهجرة ‪ ،‬وظلوا م عه لمدة‬
‫خ مس سنوات يعبون من معي نه ال صافي في سرداب ت حت الرض ‪ ،‬وذلك خو فا من أذى الدولة المو ية‬
‫المحسوبة على السلم والتي ما فتئت تتعرض بشتى صنوف التعذيب والذى والقتل لمن خالفها في عقيدتها‬
‫وتوجهاتها وإن كان ممن ينطق بالشهادتين ‪.‬‬

‫وبعد أن عبوا من العلم الصافي واخذوا ما شاء ال لهم من العلم خرجوا من السرداب في عام ‪ 140‬للهجرة‬
‫‪ ،‬وعادوا إلى المغرب ومعهم أبو الخطاب المعافري وقد أوعز إليهم المام أبو عبيدة أن يبايعوه إماما عليهم‬
‫حين تسنح لهم الفرصة ‪ ،‬ومما يدل على خروجهم من عند أبي عبيدة وقد تبحروا في العلوم قصة تروى عن‬
‫أحدهم وهو إسماعيل ابن درار الغدامسي مع إمامه أبي عبيدة كما ذكرها الدرجيني في الطبقات ص ‪: 211‬‬
‫( ‪ ...‬فلما أرادوا الخروج من عنده هيأ الشيخ المركوب لتوديعهم ‪ ،‬ووضع رجله في الركاب ‪ -‬أي إسماعيل‬
‫الغدامسي وضع رجله في الركاب ‪ -‬فسأله إسماعيل عن ثلثمائة مسألة من مسائل الحكام قبل أن يستوي‬
‫على متن الدابة ‪ ،‬فقال له أبو عبيدة‪ :‬أتريد أن تكون قاضيا يا ابن درار ؟ قال له ‪ :‬أرأيت إن ابتليت بذلك !‬
‫فبماذا تأمرني يرحمك ال ؟ ‪. ) ....‬‬

‫انطلقوا ميممين شطر المغرب لقامة شرع ال ‪ ،‬وبعد أن انهوا خمس سنوات مع إمامهم عادوا إلي المغرب‬
‫تسيبقهم أشواقهيم لقامية شرع ال وإحياء سينة رسيول ال ‪ ،‬هذا وقيد وضعوا الخطيط السيياسية المحكمية ‪،‬‬
‫واعدوا القبائل البربرية لتستعد للثورة وتعلن المامة ‪ ،‬وهيئوا العدة العسكرية والبشرية لنجاح هذه الثورة ‪،‬‬
‫ولما وصلوا إلي المغرب ‪ ،‬فلما أحسوا أن الفرصة قد واتتهم وريحهم قد هبت بادروا بمبايعة أبي الخطاب‬
‫عبد العلى المعافري ‪ ،‬حيث أن المام أبا عبيدة أوعز إليهم بذلك وأمرهم بقتله إن رفض ‪ ،‬وهذا يذكرنا بما‬
‫حدث من المام السالمي رحمه ال عند رفض المام سالم بن راشد الخروصي رحمه ال قبول البيعة فأمر‬
‫المام ال سالمي أ با ز يد الريا مي بضرب ع نق المام سالم م ما اض طر المام سالم إلى أن يق بل البي عة و هو‬
‫يبكي رحمه ال ‪ ،‬ولما سئل المام السالمي عن الدليل الذي استند إليه في ذلك اخبرهم بما ورد عن المام‬
‫أبي عبيدة من أمره طلبه بقتل أبي الخطاب إن رفض البيعة لما في ذلك من مفسده لمر المسلمين ‪.‬‬

‫ه نا لم ي جد أ بو الخطاب مفرا من قبول البي عة ‪ ،‬وت مت البي عة له وكان ذلك في عام ‪ 140‬للهجرة ‪ ،‬وكا نت‬
‫المغرب في تلك الفترة واقعة تحت نير الدولة العباسية ‪ ،‬وبعد أن استمرت إمامة أبي الخطاب أربع سنوات‬
‫ذاق فيهيا المسيلمون طعيم المان والعدل وإقامية شرع ال ولكين ميا لبثيت جيوش أبيي جعفير المنصيور أن‬
‫و صلت إلى إفريق ية بقيادة مح مد بن الش عث الخزا عي ‪ ،‬ولم ي جد أ بو الخطاب عناء في صد هذا الج يش‬
‫العبا سي ورده مهزو ما ‪ ،‬ول كن ما ل بث أن أعاد الكرة بج يش قوا مه أربعون أل فا ‪ ،‬وا ستطاع أ بو الخطاب‬
‫التغلب عل يه بف ضل ال مرة ثان ية و صدق ال ح ين قال ‪ .... (( :‬كم من فئة قليلة غل بت فئة كثيرة بإذن ال‬
‫وال مع الصابرين )) البقرة ‪. 249 :‬‬

‫وهنا لجأ ابن الشعث إلى الحيلة والخيانة ‪ ،‬وهذا ديدنهم فهو ليس بغريب على أمثالهم ‪ ،‬وليس بعيد عنا ما‬
‫حدث للتابعي الجليل أبي بلل مرداس بن حدير التميمي وأصحابه الربعين من بني أمية وقائدهم ابن زرعه‬
‫الذي انهزم أمام أربعين رجل بالرغم من أنه على رأس ألف جندي وكان حريا به أن ينهزم ‪ ،‬فان أبا بلل‬
‫وأصحابه الربعين الرجل فيهم عن ألف رجل ‪ ،‬فبعث بنو أمية إليه بقائد جديد وهو عباد بن اخضر على‬
‫رأس أرب عة آلف جندي فلم يتغلب على أ بي بلل وأ صحابه م ما اضطره إلى اللجوء إلى الخيا نة فه جم على‬
‫أ بى بلل وأ صحابه و هم يؤدون صلة الجم عة فخان الع هد ح يث انه ما اتف قا على و قف القتال إلى ح ين أن‬
‫ينت هي الجم يع من أداء صلة الجم عة فأ ين هي عهود الم سلمين ‪ ،‬وهنيئا لتلك الج ساد الطاهرة الج نة ال تي‬
‫استشهدت خاشعة بين يدي رب العزة والجلل ‪.‬‬

‫وهذا ما حدث كذلك للمام الجلندى بن مسعود رحمه ال وأصحابه حين هجم عليهم الجيش العبا سي بقيادة‬
‫خازم بن خزيمة فقاتلوهم ولم يتمكنوا منهم ‪ ،‬فلجأ خازم بن خزيمة إلى الغدر والمكيدة ‪ ،‬فأمر بإحراق بيوت‬
‫الجلندى وأصيحابه وكان بهيا الطفال والنسياء والشيوخ فأي ديين هذا الذي يأمير بقتيل الطفال والنسياء‬
‫والشيوخ؟! وما الفرق بين هؤلء وبين ما يفعله اليهود في فلسطين وما تفعله الدول الغربية في العراق وما‬
‫يفعله الصرب في مسلمي البلقان ‪.‬‬

‫إذا فالغدر ديدن هم ف هم ل يقوون على المواج هة رجل لر جل ‪ ،‬ن عم ل جأ ا بن الش عث إلى الغدر ح ين علم أل‬
‫طاقية له بالتغلب على هذه الثلة المؤمنية إل بالخيانية فتظاهير بالنسيحاب إلى المشرق ‪ ،‬وتفرق جييش أبيي‬
‫الخطاب الذي كان من الهالي والفلحين الذين عادوا إلى مزارعهم في موسم الحصاد ‪ ،‬مما سهل على ابن‬
‫الشعيث القضاء على مين بقيي ميع أبيي الخطاب فقتلهيم جميعيا وال المسيتعان على ذلك وعنيد ال تجتميع‬
‫الخصوم‪.‬‬

‫في تلك الثناء كان ع بد الرح من بن ر ستم وال يا على القيروان من طرف المام أ بي الخطاب ‪ ،‬وكان في‬
‫طريقيه لنصيرة المام ولكنيه علم بموت المام مميا اضطره للفرار إلى المغرب الوسيط بصيحبة ابنيه عبيد‬
‫الوهاب وخادمه ‪،‬وظل سائرا بين القبائل الباضية متخفيا سالكا طريقا وعرة من جنوب الجزائر وقطعها من‬
‫شرق ها إلى غرب ها إلى ح ين و صوله إلى ج بل يد عى سوفجج ‪ ،‬و قد و جد إمام نا المنت ظر أن صارا له في‬
‫الطريق ساروا معه إلى الموقع المذكور ‪ ،‬ولحق به ابن الشعث وظل يحاصر الجبل المنيع إلى أن يأس من‬
‫اقتحا مه فر جع جارا أذيال الهزي مة ‪ .‬و ظل ع بد الرح من هنالك ب ين أن صاره من القبائل البربر ية ح تى إذا‬
‫اجتمع حوله من أهل العلم والصلح من يثق بهم ‪ ،‬ووجد نفسه قادرا على الشروع في بناء دولته اتجه نحو‬
‫موقع ( تيهرت ) وشرع في بناء دولته الشامخة في نهاية ‪ 155‬للهجرة وبداية ‪ 156‬للهجرة ‪.‬‬

‫اجت هد إمام نا المرت قب و من م عه على إيجاد مكان منا سب لبناء مدي نة مثال ية تح صنا ومن عة وهواء وجمال‬
‫وكان الموقع المختار أشجارا وأحراشا ومرتعا لنواع السباع والوحوش ‪.‬‬

‫ويروى أن ع بد الرح من وأ صحابه ل ما اعتزموا بناء مدي نة تيهرت بهذا المكان المغ طى بغا بة كثي فة كا نت‬
‫مأوى للوحوش ‪ ،‬كلف أحدهم بان ينادي بأعلى صوته ثلث مرات في ثلثة أيام ‪ :‬أيتها الوحوش إنا نريد أن‬
‫نعمير هذا المكان فمين يرييد السيلمة فليخرج منيه ‪ ،‬وعلى إثير هذا النداء شاهدوا السيباع والوحيش تحميل‬
‫أشبالها في أفواهها خارجة من الغابة‪ .‬وهذا ليس بغريب على من آمن بال حق اليمان واتبع منهج الرسول‬
‫صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه الخيار ‪ ،‬ف قد و قع م ثل هذا لل صحابة والتابع ين عند ما أرادوا تأ سيس مدي نة‬
‫القيروان كما هو معلوم‪.‬‬

‫بعد أن قام إمامنا المرتقب عبد الرحمن ومن معه ببناء دولتهم الباضية الشامخة الذكر ‪ ،‬ازدهرت المدينة‬
‫واشتهرت بح سن جمال ها وامتياز موقع ها ‪ ،‬م ما ج عل الكتاب والرحالة يشيدون بو صفها ‪ ،‬من ذلك و صف‬
‫المقد سي ل ها ح يث قال ‪ .... (( :‬هي بلخ العرب ‪ ،‬قد أحد قت ب ها النهار والت فت ب ها الشجار وغا بت في‬
‫البساتين ونبعت حولها العين وجل بها القليم وانتعش فيها الغريب واستطابها اللبيب يفضلونها على دمشق‬
‫وقد أخطو ‪ ،‬وعلى قرطبة وما أظنهم أصابوا ‪ ،‬هو بلد كبير كثير الخير رحب رقيق طيب رشيق السواق‬
‫غز ير الماء ج يد ال هل قد يم الو ضع مح كم الر صف عج يب الو صف ‪ . )) ....‬أن ظر المقد سي ‪ :‬أح سن‬
‫التقاسيم ‪ ،‬ص ‪. 228‬‬

‫وقيد اسيتمرت هذه الدولة الفتيية فيي التطور والزدهار ‪ ،‬حتيى اشتهرت فيي الفاق وعرفيت بيي ( عراق‬
‫المغرب ) ‪ ،‬وفيي عام ‪ 160‬للهجرة اسيتأنس الباضيية مين أنفسيهم قوة ووجدوا أنهيم يملكون كيل المقومات‬
‫المادية والدبية لعلن إمامة الظهور ‪ ،‬فنظروا لمن يتولى المر فلم يجدوا أليق ول أبرز من عبد الرحمن‬
‫بن ر ستم رح مه ال ل سابقته ودي نه وعل مه ‪ ،‬وت مت البي عة له ‪ ،‬وهكذا يكون المام ع بد الرح من بن ر ستم‬
‫رح مه ال أول إمام لول دولة إ سلمية إباض ية في المغرب الو سط (الجزائر ) عر فت في التار يخ بالدولة‬
‫الرستمية ‪.‬‬

‫وكا نت الدولة الر ستمية دولة إباض ية ت ستظل ب ها جم يع القبائل المعتن قة لهذا المذ هب إضا فة إلي غير ها من‬
‫القبائل والمذاهب الداخلة ضمن حدودها ‪،‬وكان جميع سكانها من مختلف المذاهب يعيشون بحرية تامة ولهم‬
‫منازل هم وم ساجدهم الخا صة ال تي يتعبدون ب ها و فق ما يرو نه صحيحا دون أن ت مس حريات هم أو تجرح‬
‫مشاعرهيم ‪ ،‬وكانيت تجري بيين العلماء مين مختلف المذاهيب المناظرات وكان يحضرهيا العام والخاص ‪،‬‬
‫ولن ستمع إلى ما قاله ا بن ال صغير في الدولة الر ستمية ‪ ،‬وا بن ال صغير هذا من الشي عة و قد عاش في هذه‬
‫الدولة وعني بكتابة تاريخها ‪ ،‬فكان من ضمن ما قاله عنها ‪ (( :‬ليس أحد ينزل بهم من الغرباء إل استوطن‬
‫مع هم وابت نى ب ين أظهر هم ل مل يرى من رخاء البلد وح سن سيرة إمامه وعدله في رعي ته وأما نة على ماله‬
‫ونف سه ‪ ،‬ح تى ل ترى دارا إل ق يل هذه لفلن الكو في ‪ ،‬وهذه لفلن الب صري ‪ ،‬وهذه لفلن القروي ‪ ،‬وهذا‬
‫مسيجد القروييين ورحبتهيم ‪ ،‬وهذا مسيجد البصيريين ‪،‬وهذا مسيجد الكوفييين )) ‪ ،‬أنظير ‪ :‬أخبار الئمية‬
‫الرستميين لبن الصغير ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬

‫هذه شهادة من ر جل يعت نق مذه با مخال فا لمذ هب أ هل ال حق وال ستقامة ف ما الذي دف عه لن يث ني علي هم‬
‫ويصفهم بما وصف إل ما رآه بأم عينيه من عدلهم وإنصافهم وإقامتهم لشرع ال وتطبيقهم لسنة رسول ال ‪.‬‬

‫وهنا سؤال يطرح نفسه أين ملوك بني أمية ما خل عمر بن عبدالعزيز رضي ال عنه ‪ ،‬وملوك بني العباس‬
‫من هؤلء الئمة؟! وأين أفعالهم من أفعال هؤلء؟! ‪ ،‬وأين دولهم من هذه الدولة؟! ‪ ،‬فإن المتأمل لدولة بني‬
‫أمية وبني العباس يجد أنهم مارسوا أشد أنواع التعذيب والقهر والكبت لمن خالفهم في المعتقد فلم يتورعوا‬
‫في قتله والتنك يل به وإهلك ماله وذري ته بل ي صل ال مر ببعض هم إلى الق تل بالظ نة ‪ ،‬وك تب التار يخ مليئة‬
‫بجرائم هم ول دا عي لذكر ها ف هي ل تخ فى عن كل ذي لب ‪ ،‬ح تى ب يت ال الحرام لم ي سلم من هم ‪ ،‬ونكت في‬
‫بذ كر ما عاناه المام أ بو عبيدة رح مه ال من هم م ما اضطره أن يدرس طل به في سرداب ت حت الرض‬
‫وكانوا يتخفون بلباس الباعة والنساء حتى يصلوا إلى سردابهم فأي قهر أشد من هذا القهر وأي كبت لحرية‬
‫العبادة أشد من هذا الكبت ‪ ،‬ثم يأتي من يلبسهم لقب خليفة المسلمين والسلم من أفعالهم براء‪.‬‬

‫وكنت أتصفح مآثرهم التي خلفوها للجيال السلمية لتتأسى بهم في كتاب العقد الفريد لبن عبد ربه والذي‬
‫يحضر في ذاكرتي الن من مآثرهم الخالدة ‪ ،‬تحدث إبن عبد ربه عن خليفتهم الراشد هارون الرشيد فقال ‪:‬‬
‫" وكان رح مه ال له قي نة يتردد علي ها " أتعرفون ما مع نا القي نة يا أحفاد الفاروق وال صديق ‪ ،‬إن ا سم القي نة‬
‫يطلق على المرأة العاهرة ‪ .‬هذا هو الخليفة الراشد " رحمه ال " !!!!!!!!!!!!‬

‫وسأراجع الموضوع في كتاب العقد الفريد حتى أتي بنص كلم إبن عبد ربه ‪،‬‬
‫فمن هو الذي يستحق أن يوصف بالمذهبي الباضية أم هؤلء ومن هو الذي يستحق أن يلقب بالخوارج‬
‫الباضية أم هؤلء‪ ،‬سبحانك ربي هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫ولقد استمرت هذه الدولة الشامخة في جبين الدهر لما يقرب من ‪ 140‬سنة ‪ ،‬منذ أن نشأت في عام ‪156‬‬
‫وحتى عام ‪ 296‬للهجرة ‪ ،‬أي أكثر من عمر الدولة الموية والدولة العباسية رصعت خللها الكثير من‬
‫اليات والعبر ما يستحق أن يكتب بماء الذهب ويرصع به جبين الدهر ‪.‬‬

‫وبالنسبة لما قدمته هذه الدولة للمة السلمية من خدمة لها ‪ ،‬وإعلء لراية السلم بتطبيق شرع ال سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ،‬فإنه حري بالدول التي جاءت من بعدها والتي ستأتي أن تقتدي بها وبأئمتها الجلء ‪.‬‬

‫وقد تولى الحكم في هذه الدولة أئمة عظماء أحيوا سنة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كان أولهم المؤسس‬
‫لهذه الدولة وهو المام الجليل عبد الرحمن بن رستم رحمه ال كما أسلفنا ‪ ،‬ثم تولى من بعده إبنه المام عبد‬
‫الوهاب رحميه ال ‪ ،‬ولم يباييع بالمامية لكونيه إبنيا للمام السيابق كميا يظين البعيض ‪ ،‬فإن المقياس عنيد‬
‫الباضيية هيو التقوى ولييس النسيب ‪ ،‬ولميا توافرت فيي المام عبيد الوهاب المواصيفات التيي تأهله لهذا‬
‫المنصب الخطير لم يتأخر العلماء من أهل الحل والعقد في مبايعته ‪.‬‬

‫ومن أئمة هذه الدولة المام أفلح بن المام عبد الوهاب رحمهما ال ‪ ،‬وغيره من الئمة العدول ‪ ،‬وكان آخر‬
‫أئمة هذه الدولة هو المام اليقظان بن أبي اليقظان ‪.‬‬

‫ول كن أ صحاب القلوب المري ضة ‪ ،‬والنفوس ال سقيمة ‪ ،‬لم ي قر ل هم قرار و هم يرون هذه الدولة الشام خة فوق‬
‫ذرى السيحاب ‪ ،‬تعييش فيي أمين وسيلم ميع أهلهيا مين مختلف المذاهيب ‪ ،‬وتحقيق النتصيارات تلو‬
‫النتصارات ‪ ،‬ولم يستطيعوا تحمل الحسد والحقد المشتعل في صدورهم من رؤية الدولة الرستمية يقصدها‬
‫الوراد مين كيل حدب وصيوب ‪ ،‬ليعيشوا فيهيا تحيت ظيل الئمية الباضيية المطبقيين لشرع ال ‪ ،‬فانفجرت‬
‫نفوسهم بكل ما حوته من سموم ‪ ،‬وراحوا يحرقون كل ما وجدوه في طريقهم ‪ ،‬ويبيدون الخضر واليابس ‪،‬‬
‫فلم يسلم منهم ل الطفال الرضع ‪،‬ول النساء الرتع ‪ ،‬ول الشيوخ الركع‪.‬‬

‫بعد أن استمرت هذه الدولة السلمية لما يقارب من ‪ 140‬عاما ‪ ،‬جسدت فيها معنى الدولة السلمية على‬
‫حقيقتها ‪ ،‬وأحيت سيرة المصطفى صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬وسيرة صحابته الكرام رضوان ال عليهم ‪.‬‬

‫ولكين شاءت مشيئة ال تعالى أن ل تسيتمر هذه الدولة لحكمية عنده ‪ ،‬فهجيم عليهيا مين انفجير قلبيه بالحقيد‬
‫والحسد والغيض على هذه الدولة العادلة التي عاش تحت كنفها أصحاب مختلف المذاهب أحرارا يمارسون‬
‫عبادتهم بكل حرية في مساجدهم الخاصة ‪ ،‬فأي عدل بعد هذا العدل ‪ ،‬وأي إنصاف بعد هذا النصاف ‪.‬‬

‫هجيم عليهيا المسيمى أبيو عبدال الشيعيي داعيية الفاطمييين ‪ ،‬فعاث فيهيا فسيادا ‪ ،‬وقتيل ‪ ،‬وشرد ‪ ،‬وانتهيك‬
‫العراض ‪ ،‬ولم يرا عي في أهل ها إل ول ذ مة ‪ ،‬ولم يرا عي في هم أن هم يشهدون أن ل إله إل ال وأن محمدا‬
‫رسول ال ‪ ,‬فقتل منهم من قتل وأسر من أسر وتشرد الباقون في الصحاري والجبال ‪ .‬وال المستعان على‬
‫ذلك وعند ال تجتمع الخصوم ‪.‬‬

‫ولم يكتف بذلك ‪ ،‬بل صب جام حقده السود على ما خلفته هذه الثلة المؤمنة من تراث ‪ ،‬فقام بإحراق مكتبة‬
‫المعصومة ‪ ،‬مكتبة الدولة الرستمية ‪ ،‬بعد أن سرق ما فيها من الكتب الرياضية والصناعية والفنية ‪ ،‬وأحرق‬
‫الباقي وقضى بذلك على تراث عظيم ‪ ،‬كان سيعود بالفائدة العظيمة على أبناء هذه المة ‪.‬‬

‫ول نقول إل إن ل وإن إليه راجعون ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العظيم ‪.‬‬

‫وهنا سؤال يطرح نفسه ‪ ،‬ويحتاج إلى إجابة منصفة له من منصف ‪ ،‬والسؤال هو ‪:‬‬
‫هل هناك فرق بين ما قام به هذا المجرم المحسوب على هذه المة من قضاء للدولة الرستمية ‪ ،‬هذه الدولة‬
‫العادلة التي آوت من هم على نحلته وأنصفتهم وحفظة حقوقهم ‪ ،‬وما قام به من إحراق لمكتبتها المعصومة ‪،‬‬
‫و ما قام به التتار من القضاء على الدولة العبا سية وإحراق مكتبت ها دار الحك مة ‪ ،‬مع ال خذ بع ين العتبار‬
‫البون الشاسع والفرق الواسع بين الدولة الرستمية والدولة العباسية !!!!!!!!!!‬

‫المصادروالمراجع ‪:‬‬
‫‪-1‬مختصر تاريخ الباضية ‪ ،‬الباروني ‪ ،‬ص ‪ ، 49- 34‬مكتبة الضامري ‪ -‬سلطنة عمان ‪.‬‬
‫‪ -2‬منهج الدعوة عند الباضية ‪ ،‬د‪ -‬محمد ناصر ‪ ،‬ص ‪ ، 156-149‬مكتبة الستقامة ‪ -‬سلطنة عمان ‪.‬‬
‫‪-3‬كتاب السير ‪،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 126-124‬الشماخي ‪ ،‬وزارة التراث القومي والثقافة ‪ -‬سلطنة عمان ‪.‬‬
‫‪ -4‬طبقات المشائخ بالمغرب ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 46-12‬الدرجيني ‪.‬‬
‫‪ -5‬الدولة الرستمية ‪ ،‬إبراهيم بحاز ‪ ،‬نشر جمعية التراث ‪ ،‬الجزائر ‪1988‬م ‪.‬‬
‫‪-6‬أخبار الئمة الرستميين ‪ ،‬ابن الصغير ‪ ،‬دار الغرب السلمي ‪ ،‬بيروت ‪1986‬م ‪.‬‬

You might also like