الآراء الحشوية في الفكر الإسلامي دراسة نقدية-د. مصعب الخير إدريس

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 30

‫اآلراء الحشوية في الفكر اإلسالمي‬

‫دراسة نقدية‬
‫‪1‬‬
‫ﺩ‪ .‬ﻣﺼﻌﺐ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺍﻹﺩﺭﻳﺴﻲ‬
‫الحمد الواحد األحد‪ ،‬الفرد الصمد ال ذي ل م يل د ول م يول د‪ ،‬ول م يك ن ل ه كف وا أح د‪ .‬والص الة‬
‫والس الم عل ى المبع وث رحم ة للع المين‪ ..‬س يدنا محم د‪ ،‬وعل ى آل ه األطھ ار‪ ،‬وص حبه األب رار‪،‬‬
‫والتابعين لھم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد؛ فال يقصد ھنا باآلراء الحش وية مجموع ة م ن اآلراء الت ي تبل ورت داخ ل إط ار فرق ة‬
‫مح ددة‪ ،‬أو طائف ة معين ة ف ي ت اريخ المس لمين العق دي‪ ،‬وإنم ا تل ك اآلراء الت ي نبت ت ف ي ص فوف‬
‫المسلمين وصار لھا ممثل ون ب ين الف رق المختلف ة س واء ف ي أھ ل الس نة‪ .‬أو ب ين الش يعة‪ .‬أو ل دى‬
‫المترسمين بالتصوف‪.‬‬
‫أما كلمة »الحشوية« فيفسر أصلھا ثالثة أقوال متقاربة اإلشارة‪ ،‬وإن تفرد الثاني منھا بدالل ة‬
‫تاريخية خاصة لمبدأ إطالق الكلمة‪ .‬وأول ھذه األقوال ‪ :‬أنھا مأخوذة من الحشو واإلدخال بمعن ى‬
‫أن بعض السذج أوالمغرضين من الرواة كانوا يحشون األحاديث التي ال أصل لھ ا ف ي األحادي ث‬
‫المروية عن رسول ﷲ ـ صلى ﷲ عليه وآله وسلم ـ فيدخلونھا فيھا وليست منھا‪.‬‬
‫والث اني‪ :‬يتعل ق بمدرس ة س يد الت ابعين الحس ن البص ري‪ ،‬وق د حض ر مجلس ه يوم ا أن اس م ن‬
‫رعاع الرواة تكلموا بالسقط عنده فقال ردوا ھؤالء إلى حشا الحلقة‪ ،‬فسموا »الحشوية«‪.‬‬
‫والثالث ــ الذي أميل إليه وآخذ به في ھذه الدراسة ــ‪ :‬ھو الذي يرد الكلم ة إل ى م ا تنتھ ي إلي ه‬
‫‪2‬‬
‫آرا ُء َمنْ َج َّس َم و َّش َب َه وت َ‬
‫ص َّو َر إلھه في حشو العالم‪ ،‬أي داخله ‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ اآلراء الحشوية في مجال الرواية‪:‬‬
‫ونبدأ بذكر حشو أھل الرواية الذي تمثل بين بعض رواة الحديث النبوي الشريف بعد انقض اء‬
‫المئة األولى من تاريخ المسلمين‪.‬‬
‫و ُك ُتبُ الف َِر ِق تذكر في ھ ذا الص دد بع ض األس ماء؛ مث ل‪ :‬كھم س‪ ،‬ومض ر‪ ،‬وأحم د الھجيم ي‪.‬‬
‫وتروي أنھم أجازوا على ربھم المالمسة والمصافحة والمعانقة‪ ،‬وجعلوا ل ه ص ورة ذات أعض اء‬
‫‪3‬‬
‫صرِّ ح ب أنھم َم َّثل وا الح ْش َو الھائ ل بأح اديثھم الض عيفة ‪ .‬ول ي‬
‫وأبعاض؛ حتى إن الدكتور النشار ل ُي َ‬
‫في نسبة ھؤالء إلى التشبيه والتجسيم رأي سأفصِّله ــ بمش يئة ﷲ تع الى ـ ـ ف ي الك الم ع ن اآلراء‬
‫الحشوية في مجال التصوف‪.‬‬
‫وت ذكر كت ب الف رق أيض ا أب ا الحس ن مقات ل ب ن س ليمان ب ن بش ير األزدي )ت‪150‬ھ ـ( وھ و‬
‫ال ُم َف ِّس ُر المعروف الذي تضاربت فيه أقوال أھ ل العل م كم ا ل م تتض ارب ف ي أح د مثل ه؛ فتج د م ن‬
‫‪4‬‬
‫يعده في ذروة السلف ويقرنه بمثل اإلمام مالك بن أنس و ُي روى ع ن الش افعي أن ك ل م ن طل ب‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ﺩﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﰲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻠﻴﺔ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ‪ ،‬ﻓﱪﺍﻳﺮ ‪2005‬ﻡ‪ ،‬ﺃﺳﺘﺎﺫ ﻣﺴﺎﻋﺪ ﰲ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪ ،‬ﻛﻠﻴﺔ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ‪،‬‬
‫ﺍﳉﺎﻣﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﺑﺈﺳﻼﻡ ﺁﺑﺎﺩ‪.‬‬
‫‪ - 2‬انظر د‪ /‬حسن الشافعي ‪ :‬المدخل ـ ص ‪.78 ،77‬‬
‫‪ - 3‬راجع األشعري‪ :‬مقاالت ‪ .287 /1 :‬والشھرستاني ‪ :‬الملل والنحل ـ ‪ .97 /1‬وانظر د‪ /‬النشار‪ :‬نش أة الفك ر‬
‫ـ ‪.288 ،287 /1‬‬
‫‪ - 4‬انظر الشھرستاني ‪ :‬الملل والنحل ـ ‪.95 /1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫التفسير؛ فھو عيال عليه ‪ .‬ويذكره األشعري وابن حزم في المرجئة ‪ .‬ومحمد ب ن إس حاق الن ديم‬
‫‪3‬‬
‫والشھرستاني ي ُع َّدانه في رجال الزيدية ‪.‬‬
‫وفي نسبته إلى التجسيم والتشبيه روي عن أبي حنيفة من طريق أبي يوسف‪» :‬أفرط جھم ف ي‬
‫النفي حتى قال‪ :‬إنه ـ تعالى ـ ليس بشيء‪ .‬وأفرط مقاتل في اإلثبات حت ى جع ل ﷲ ـ تع الى ـ مث ل‬
‫خلقه«‪ .‬ومن طريق إسحاق بن إبراھيم‪» :‬أتانا من المش رق رأي ان خبيث ان‪ :‬جھ م معط ل‪ ،‬ومقات ل‬
‫‪4‬‬
‫مشبه« ‪.‬‬
‫ونج د ھ ذه النس بة عن د أمث ال الخي اط ف ي االنتص ار‪ ،‬واألش عري ف ي »مق االت اإلس الميين«‪.‬‬
‫وابن حزم في »الفصل«‪ .‬والجويني في »الشامل«‪ .‬وعبد الكريم البزدوي في »أص ول ال دين«‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وأبى المعين النسفي في »تبصرة األدلة« ‪.‬‬
‫وش يخ اإلس الم اب ن تيمي ة يتوق ف ش اكا ف ي نس بة مقات ل إل ى التش بيه واإلرج اء فيق ول‪» :‬أم ا‬
‫مقاتل‪ ،‬فا أعلم بحقيقة حاله‪ .‬واألشعري ينقل ھذه المق االت م ن كت ب المعتزل ة‪ ،‬وف يھم انح راف‬
‫على مقاتل بن سليمان؛ فلعلھم زادوا في النقل عن ه‪ .‬أو نقل وا ع ن غي ر ثق ة‪ ،‬وإال فم ا أظن ه يص ل‬
‫إلى ھذا الح د‪ ،‬وق د ق ال الش افعي‪ :‬م ن أراد التفس ير فھ و عي ال عل ى مقات ل‪ ،‬وم ن أراد الفق ه فھ و‬
‫عيال على أبي حنيفة«‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية أيضا‪» :‬ومقاتل بن سليمان‪ ،‬وإن لم يكن مممن يحتج ب ه ف ي الح ديث‪ ،‬بخ الف‬
‫‪6‬‬
‫مقاتل بن حيان فھو ثقة‪ ،‬لكن ال ريب في علمه بالتفسير وغيره واطالعه« ‪.‬‬
‫وھن ا يح ق لن ا أن نتس اءل‪ :‬لم اذا أس قط علم اء الج رح والتع ديل االحتج اج برواي ة مقات ل ب ن‬
‫‪7‬‬
‫سليمان إذا لم يتابع كما قال شيخ اإلسالم نفسه في موضع آخر؟ ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫وجواب ذلك في كتب ھذا الفن وسأذكر منھا ما يبين أسباب سقوط روايته‪ .‬قال اب ن المب ارك‬
‫المبارك لما نظر إلى شيء من تفسيره‪ :‬يا له من علم لو كان له إسناد ‪ .‬وقال ابن عينة فما أعلم ه‬
‫‪...‬‬
‫وقال العباس بن مصعب المروزي‪ :‬مقاتل بن سليمان‪ ،‬أصله م ن بل خ ق دم م رور فت زوج ‪...‬‬
‫وكان حافظا للتفسير ال يضبط اإلسناد ‪...‬‬
‫وقال عبد الصمد بن عبد الوارث‪ :‬قدم علينا مقات ل ب ن س ليمان‪ ،‬فجع ل يح دثنا ع ن عط اء‪ ،‬ث م‬
‫حدثنا بتلك األحادث عن الضحاك‪ ،‬ثم حدثنا بھا عن عمرو بن شعيب فقلنا له‪ :‬ممن س معتھا؟ ق ال‬
‫‪9‬‬
‫منھم كلھم‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال وﷲ ال أدري ممن سمعتعھا‪ .‬قال‪ :‬ولم يكن بشيء ‪.‬‬

‫‪ - 1‬عن ابن تيمية ‪ :‬منھاج السنة ـ ‪ .619 /2‬وابن حجر ‪ :‬تھذيب التھذيب ـ ‪.279 /10‬‬
‫‪ - 2‬انظر األشعري ‪ :‬مقاالت ـ ‪ .233 /1‬وابن حزم‪ :‬الفصل ـ ‪.155 /4‬‬
‫‪ - 3‬انظر النديم ‪ :‬الفھرست ـ ص ‪ .227‬والشھرستاني‪ :‬الملل والنحل ـ ‪.143 /1‬‬
‫‪ - 4‬عن ابن حجر‪ :‬تھذيب التھذيب ـ ‪.281 / 10‬‬
‫‪ - 5‬انظر الخياط‪ :‬االنتصار ـ ص ‪ ،118‬واألشعري‪ :‬مقاالت ـ ‪ .283 ،232 /1‬وابن ح زم ‪ :‬الفص ل ـ ‪.155 /1‬‬
‫والجويني ‪ :‬الشامل ـ ص ‪ .288‬والبزدوي‪ :‬أصول الدين ـ ص ‪ .253‬والنسفي‪ :‬تبصرة األدلة ـ ص ‪.164‬‬
‫‪ - 6‬ابن تيمية‪ :‬منھاج السنة ـ ‪ .219 ،218 /2‬وفي الكتاب نفسه ي رجح ش يخ اإلس الم نف ي نس بة اإلرج اء لمقات ل‬
‫فانظره ـ ‪.286 /5‬‬
‫‪ - 7‬راجع السابق ـ ‪.56 /1‬‬
‫‪ - 8‬مثل ‪ :‬كتاب الضعفاء الكبير للعقيلي المك ي )ت‪322‬ھ ـ( ‪ .241 :238 /4‬وكت اب الج رح والتع ديل الب ن أب ي‬
‫حاتم )ت‪327‬ھـ( جـ‪ 4‬ـ ق ‪ 1‬ص ‪ .355 ،354‬والكامل في ضعفاء الرجا ل البن عدى الجرجاني )ت ‪365‬ھـ( ـ‬
‫‪ .2431 :2427 /6‬وميزان االعتدال للذھبي ـ ‪ .196 /3‬وله أيضا ‪ :‬تذكرة الحفاظ ـ ‪ .174 /1‬وسنكتفي فيما يلي‬
‫باإلحالة إلى تھذيب التھذيب البن حجر؛ فإنه استوعب ما في المصادر السابقة خال بعض المرويات الت ي ذكرھ ا‬
‫الذھبي في »ميزان االعتدال« من طريق مقاتل ومنھا رواية »المقام المحمود« التي فيھا إجالس الرس ول عل ى‬
‫العرش مع ربه‪.‬‬
‫‪ - 9‬انظر ابن حجر ‪ :‬تھذيب التھذيب ـ ‪.282 ،280 ،279 /10‬‬
‫إذن لق د ك ان مقات ل عالم ا بالتفس ير؛ لكن ه ال يض بط اإلس ناد‪ ،‬وأھ ل ھ ذا الف ن يقول ون‪» :‬ل وال‬
‫‪1‬‬
‫اإلسناد لقال من شاء ما شاء« ‪.‬‬
‫وقال أبو إسماعيل الترمذي‪ ،‬عن عبد العزيز بن عب د ﷲ األريس ي ق ال‪ :‬ح دثنا مال ك ب ن أن س‬
‫أن ه بلغ ه‪ :‬أن مقات ل ب ن س ليمان ج اءه إنس ان‪ ،‬فق ال ل ه‪ :‬إن إنس انا ج اءني فس ألني ع ن ل ون كل ب‬
‫أصحاب الكھف؛ فلم أدر ما أقول له؟ فقال له‪ :‬أال قلت أبقع‪ .‬فلو قلته لم تجد أحدا ي رد علي ك‪ .‬ق ال‬
‫أبو إسماعيل‪ :‬وسمعت ابن حماد يقول‪ :‬ھذا أول ما ظھر لمقاتل من الكذب‪.‬‬
‫وعن إسحاق بن إبراھيم قال‪ :‬أخبرني حمزة بن عميرة‪ ،‬وكان من أھ ل العل م‪ .‬أن خارج ة م ر‬
‫بمقاتل وھو يحدث الناس‪ ،‬فق ال ح دثنا أب و النض ر يعن ي الكلب ي‪ .‬ق ال‪ :‬فم ررت علي ه م ع الكلب ي‪،‬‬
‫فقال الكلبي‪ :‬وﷲ ما حدثته قط بھذا‪ .‬ثم دنا منه فقال‪ :‬ي ا أب ا الحس ن‪ ،‬أن ا أب و النض ر‪ ،‬وم ا ح دثتك‬
‫‪2‬‬
‫بھذا قط‪ .‬فقال‪ :‬اسكت يا أبا النضر؛ فإن تزيين الحديث لنا إنما ھو بالرجال ‪.‬‬
‫لم يكن الرجل غير ضابط لإلسناد فحسب‪ ،‬وإنما كان يتعمد الكذب‪ ،‬ولھذا قال في ه اب ن مع ين‪:‬‬
‫ليس بثقة‪ ،‬ليس بشيء‪ .‬وقال البخاري‪ :‬منكر الحديث سكتوا عنه‪ .‬وقال في موضع آخر‪ :‬ال ش يء‬
‫ألبتة‪ .‬وقال النسائي‪َ :‬ك َّذاب‪ .‬وقال‪ :‬المعرف ون بوض ع األحادي ث عل ى رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه‬
‫وآل ه وس لم ـ أربع ة‪ :‬إب راھيم ب ن يحي ى بالمدين ة‪ ،‬ومقات ل بخراس ان‪ ،‬ومحم د ب ن س عد المص لوب‬
‫بالشام‪ ،‬والواقدي ببغداد‪ .‬وقال ال درا قطن ي‪ :‬يك ذب‪ .‬وع ده ف ي المت روكين‪ .‬وم ن قب ل ق ال وكي ع؛‬
‫‪3‬‬
‫سمعت من مقاتل‪ ،‬ولو كان أھال أن يروي عنه لروينا ‪.‬‬
‫لكن ھل وقف األم ر بمقات ل عن د تض ييع الض بط ف ي اإلس ناد أو تعم د الك ذب ف ي الرواي ة‪ ،‬أو‬
‫جاوز ذلك إلى حد االبتداع في الدين؟‪.‬‬
‫ق ال أحم د ب ن س يار الم روزي‪ :‬ھ و م تھم مت روك الح ديث مھج ور القــ ـول‪ ،‬وك ان ي تكلم ف ي‬
‫الصـــفات بما ال يحــ ُّل ذكره ‪..‬‬
‫وقال ابن حيان‪ :‬كان يأخذ عن اليھود والنصارى علم القرآن الذي يواف ق كت بھم‪ ،‬وك ان مش بھا‬
‫يشبه الرب ـ سبحانه وتعالى ـ بالمخلوقين‪ ،‬وكان يكذب مع ذلك في الحديث‪.‬‬
‫وقال القاضي الخوارزمي‪ :‬سمعت إسحاق بن إبراھيم الحنظلي يقول‪ :‬أخرجت خراس ان ثالث ة‬
‫‪4‬‬
‫لم يكن لھم في الدنيا نظير ـ يعني ف ي البدع ة والك ذب‪ :‬جھ م‪ ،‬ومقات ل‪ ،‬وعم ر ب ن ص بح ‪ .‬ولھ ذا‬
‫قال خارجة بن مصعب‪ :‬كان جھم ومقاتل عندنا فاسقين فاجرين‪ .‬وقال‪ :‬لم أس تحل دم يھ ودي وال‬
‫‪5‬‬
‫ذمي‪ ،‬ولو قدرت على مقاتل بن سليمان في موضع ال يرانا فيه أحد لقتلته ‪.‬‬
‫وبعد؛ فھذه حال مقاتل بن سليمان كما قدمھا الحفاظ أھل المعرف ة بالرج ال‪ ،‬وإن ه ليلزمن ا اآلن‬
‫أن نفرق بين علم مقاتل بالتفسير ومكانته في تاريخه من جھ ة‪ ،‬وب ين س قوطه ف ي الرواي ة وفس اد‬
‫‪6‬‬
‫اعتق اده ف ي ﷲ م ن جھ ة أخ رى ‪ .‬وإن ه ليب دو ل ي أن س عة ثقاف ة مقات ل وإفادت ه م ن ت راث األم م‬
‫المجاورة للمسلمين‪ .‬والكتب الس ابقة عن د اليھ ود والنص ارى‪ ،‬كم ا رأين ا ف ي ترجمت ه‪ ،‬ك ل أولئ ك‬
‫جعل لمقاتل مكانة كبيرة في علوم التفس ير ذات المج االت المتنوع ة؛ لك ن ھ ذه الرواف د نفس ھا إذا‬
‫أضفنا إليھا جراءة مقاتل على الكذب إن أعوزه الدليل في تثبيت رأي مال إليه‪ ،‬ھ ي الت ي س حقت‬
‫علو مرتبته عند حفاظ الحديث وسدنة الرواية من جھة‪ ،‬وأفسدت عليه اعتق اده وقادت ه إل ى ھاوي ة‬
‫االبتداع والتشبيه من جھة أخرى‪.‬‬

‫‪ - 1‬المقولة لإلمام عبد ﷲ بن المبارك‪ .‬وقد أخرجھا اإلمام مسلم في مقدمة صحيحه ـ ‪.15 /1‬‬
‫‪ - 2‬انظر ابن حجر‪ :‬السابق ـ ص ‪.283 ،282‬‬
‫‪ - 3‬انظر السابق ـ ص ‪.284 ،280 ،279‬‬
‫‪ - 4‬انظر السابق ـ ص ‪.284 ،282 ،281‬‬
‫‪ - 5‬انظر السابق ـ ص ‪.281‬‬
‫‪ - 6‬راجع السابق‪ :‬قول ابن المبارك ــ ص ‪ ،280‬وحكاية عبد الصمد بن عبد الوارث ــ ص ‪.282‬‬
‫ونخلص من ھذا إل ى أن مقات ل ب ن س ليمان ل م يص در ف ي تش بيھه أو ف ي تجس يمه ع ن مج رد‬
‫الرواي ة‪ ،‬وإج راء ألف اظ األخب ار عل ى ظاھرھ ا فحس ب؛ لك ن يض اف إل ى ذل ك أن الرج ل ت أثر‬
‫بثقافته المتعددة الروافد في بناء اعتقاده‪ ،‬وقام بصوغ ما يدل على ثبوته من الروايات‪.‬‬
‫وھناك شخصية أخرى ذكرھا األشعري مع مقاتل؛ لكنھا من الجناح الشيعي‪ ،‬الذي نلوى دفتنا‬
‫اآلن جھته‪ ،‬وذلكم ھو داود الجواربي‪ ،‬وقد حكى عنھما األشعري في موضعين من مقاالته القول‬
‫ب أن ﷲ تع الى جس م‪ ،‬وأن ل ه جث ة‪ ،‬وأن ه عل ى ص ورة اإلنس ان ‪ :‬لح م‪ ،‬ودم‪ ،‬وش عر‪ ،‬وعظ م‪ ،‬ل ه‬
‫ت‪ ،‬وھ و م ع ھ ذا ال يش به غي ره‪ ،‬وال‬ ‫جوارح وأعضاء من ي د‪ ،‬ورج ل‪ ،‬ورأس وعين ين‪ ...‬مُصْ َم ٌ‬
‫‪1‬‬
‫ت ما سوى ذلك‪.‬‬‫يشبھه غيره‪ .‬وقال داود‪ :‬أجوف من فيه إلى صدره‪ ،‬ومُصْ َم ٌ‬
‫وحكى البغدادي والشھرستاني عن داود أنه قال‪ :‬أعفوني من الف رج واللحي ة‪ ،‬وأس ألوني عم ا‬
‫‪2‬‬
‫وراء ذلك ‪.‬‬
‫وي ذكر عب د الك ريم ب ن منص ور الس معاني ف ي »األنس اب« أن داود أخ ذ ذل ك ع ن ھش ام‬
‫‪3‬‬
‫الجواليقي ‪.‬‬
‫وھشام ھذا كان يقول في ربه‪ :‬إنه عل ى ص ورة اإلنس ان‪ .‬وأنك ر أن يك ون لحم ا ودم ا‪ .‬وق ال‪:‬‬
‫إنه نور ساطع يتألأل بياضا‪ ،‬وإنه ذو حواس خمس كحواس اإلنسان‪ ،‬سمعه غي ر بص ره‪ ،‬وك ذلك‬
‫‪4‬‬
‫سائر حواسه‪ ،‬له يد ورجل‪ ،‬وأذن‪ ،‬وعين‪ ،‬وأنف ‪ ...‬وإن له وفرة سوداء ‪ .‬وحكى عن ه البغ دادي‬
‫ت‪ .‬وأض اف البغ دادي ‪ :‬أن ل ه قلب ا ينب ع‬ ‫البغدادي والشھرستاني‪ :‬أن أعاله م َُج َّوفٌ ‪ ،‬وأس فله مُصْ َم ٌ‬
‫‪5‬‬
‫منه الحكمة‪.‬‬
‫ونضيف ھنا إلى تشبيه الرواية عن د الش يعة أب ا جعف ر األح ول محم د ب ن النعم ان )ت ح والي‬
‫‪160‬ھـ(‪ ،‬وقد حكى عنه الشھرستاني أنه كان يق ول‪ :‬ق د ورد ف ي الخب ر »إن ﷲ خل ق آدم عل ى‬
‫صورته«‪ ،‬و »على صورة الرحمن«؛ فال ُب َّد من تصديق الخبر »ولھ ذا ك ان األح وال يق ول‪ :‬إن‬
‫‪6‬‬
‫ﷲ ــ تعالى ــ عن قول الظالمين ـ نور على صورة إنسان رباني‪ .‬وينفى أن يكون جسما« ‪.‬‬
‫وقد أورد الشھرستاني في كالمه عن المشبھه مجموعة من الروايات المنسوبة إل ى الرس ول ـ‬
‫ص لى ﷲ علي ه وآل ه وس لم ـ منھ ا الص حيح والض عيف وال ذي ال يع رف ل ه أص ل عن د علم اء‬
‫الحديث‪ ،‬وقال‪ :‬إن المشبھة أجروا ألفاظ ھذه األخبار عل ى م ا يفھ م عن د اإلط الق عل ى األجس ام‪،‬‬
‫»وزادوا فيھا أكاذيب وضعوھا ونسبوھا إلى النبي ـ صلى ﷲ عليه وآله وسلم ـ وأكثرھ ا مقتبس ة‬
‫‪7‬‬
‫عن اليھود« ‪.‬‬
‫ولقد سارع الدكتور النشار ـ غفر ﷲ ل ه ـ بتعم يم الحك م عل ى ك ل م ا أورده الشھرس تاني بأن ه‬
‫م ن إس رائيليات األخب ار‪ ،‬وأن الشھرس تاني ي رى مص در ھ ذه الرواي ات جميع ا ھ م اليھ ود؛ إذ‬
‫التشبيه فيھم طباع‪ .‬وكأني به يرى حشو الرواة قاصرا على النقل من اليھ ود‪ ،‬واخ تالق األخب ار‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫وإجرائھا على الظاھر وفق ما يفھم عند اإلطالق على األجسام ‪.‬‬
‫وإنھ ا إلح دى الكب ر تعليق ه ال دكتور النش ار عل ى رواي ة »إن الع رش لي ئط م ن تحت ه ك أطيط‬
‫الرح ل الجدي د‪ ،‬وإن ه ليفض ل م ن ك ل جان ب أرب ع أص ابع«؛ إذ يق ول‪» :‬وم ن العجي ب أن مح دثا‬
‫مشھورا كجبير بن مطعم يروى ھذا الحديث‪ ،‬ويرد عليه البيھقي ف ي »األس ماء والص فات« ب أن‬

‫‪ - 1‬انظ ر األش عري‪ :‬مق االت ـ ‪ .283 ،233 /1‬واب ن ح زم الفص ل ـ ‪ .155 /4‬وراج ع ك الم داود عن د‬
‫الشھرستاني‪ :‬الملل والنحل ـ ‪.96 /1‬‬
‫‪ - 2‬انظر البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق ـ ص ‪ .228‬والشھرستاني‪ :‬السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ - 3‬انظر السمعاني‪ :‬األنساب ـ ‪.414 /12‬‬
‫‪ - 4‬انظر األشعري‪ :‬السابق ـ ص ‪.283‬‬
‫‪ - 5‬انظر البغدادي ‪ :‬السابق ـ ص ‪ .227‬والشھرستاني ‪ :‬السابق ـ ‪.165 /1‬‬
‫‪ - 6‬انظر الشھرستاني ‪ :‬السابق ـ ص ‪.167‬‬
‫‪ - 7‬انظر السابق ـ ص ‪.97‬‬
‫‪ - 8‬راجع د‪ .‬النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪.288 /1‬‬
‫ھذا الكالم إذا ك ان ج رى عل ى ظ اھره؛ ف إن في ه نوع ا م ن الكيفي ة‪ ،‬والكيفي ة ع ن ﷲ ـ ـ تع الى ـ ـ‬
‫وعن صفاته منفية؛ ف ُعقِ َل أنْ ليس الم راد من ه تحقي ق ھ ذه الص فة‪ ،‬وال تحدي ده عل ى ھ ذه الھيئ ة؛‬
‫‪1‬‬
‫وإنما ھو كالم أريد به تقرير عظمة ﷲ وجالله« ‪.‬‬
‫وھذه الرواية بلفظھا المذكور عند الشھرستاني‪ :‬لم يخرجھا البيھقي في »األسماء والص فات«‬
‫ال ع ن جبي ر ب ن مطع م وال ع ن غي ره‪ ،‬ولق د رأي ت قريب ا منھ ا ف ي لف ظ رواي ة ُم َعلَّ ٍة نقلھ ا اب ن‬
‫الجوزي عن ابن جرير من طريق عبد ﷲ بن خليف ة ق ال‪ :‬ق ال رس ول ﷲ ص لى ﷲ علي ه وس لم‪:‬‬
‫»إن كرسيه وسع السموات واألرض‪ ،‬وإنه ليقعد عليه فما يفض ل من ه مق دار أرب ع أص ابع‪ ،‬ث م‬
‫قال بإصبعه فجمعھا‪ ،‬وإن له ألطيطا كأطيط الرحل إذا ركب من ثقله«‪.‬‬
‫وسند ھذه الرواية مرسل‪ ،‬وقد ذكر ابن الجوزي لھا أصال متصال عند الدار قطني من طريق‬
‫أبى إسحاق‪ ،‬عن عبد ﷲ ب ن خليف ة‪ ،‬ع ن اب ن عم ر‪ ،‬ولفظ ه‪» :‬أن ام رأة ج اءت إل ى رس ول ﷲ ـ‬
‫صلى ﷲ عليه وآله وسلم ـ فقالت‪ :‬ادع ﷲ ــ تعالى ــ أن يدخلني الجنة‪ .‬فعظم الرب ـ ع ز وج ل ـ‬
‫فقال ـ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ :‬إن كرسيه وسع الس موات واألرض‪ ،‬وإن ل ه أطيط ا ك أطيط الرح ل‬
‫الجديد إذا ركب من ثقله«‪.‬‬
‫وليس في رواية الدار قطني »وإنه ليقعد علي ه فم ا يفض ل من ه ‪ «...‬وق د ق ال اب ن الج وزي‪:‬‬
‫»ھذا حديث مختلف جدا« ورأى أن لف ظ »وإن ه ليقع د« و »إذا جل س« ف ي الرواي ة الثالث ة مم ا‬
‫‪2‬‬
‫ساقه ـ من تخليط الرواية وسوء حفظھم« ‪.‬‬
‫وقد نقل ابن المطھر الحل ي ع ن مق االت الكعب ي لف ظ م ا نق ل الشھرس تاني ‪» :‬إن ه يفض ل م ن‬
‫‪3‬‬
‫العرش من كل جانب أربع أصابع« ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم عن ھذا اللفظ في رده على الحلي‪ :‬فھذا ال أعرف قائال له وال ن اقال‪ ،‬ولك ن‬
‫روى ب النفي‬ ‫روى ف ي ح ديث عب د ﷲ ب ن خليف ة أن ه‪» :‬م ا يفض ل م ن الع رش أرب ع أص ابع«‪ُ .‬ي َ‬
‫ُروى باإلثبات‪ ،‬والحديث قد طع ن في ه غي ر واح د م ن المح دثين كاإلس ماعيلي واب ن الج وزي‪،‬‬ ‫وي َ‬
‫‪4‬‬
‫وقواه« ‪.‬‬
‫ومن الناس من ذكر له شواھد َّ‬
‫أما رواية البيھقي في »األسماء والصفات« من طريق أبي األزھ ر ع ن وھ ب ب ن جري ر ب ن‬
‫حازم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ع ن يعق وب ب ن عتب ة‪ ،‬ع ن جبي ر ب ن محم د ب ن جبي ر ب ن‬
‫مطع م‪ ،‬ع ن أبي ه‪ ،‬ع ن ج ده؛ فق د ج اء فيھ ا‪ ،‬ج واب رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه وآل ه وس لم ـ‬
‫لألعرابي الذي سأله أن يستسقى ربه‪ ،‬واستش فع ب ا علي ه وب ه عل ى ﷲ؛ فق ال النب ي ـ ص لى ﷲ‬
‫علي ه وآل ه وس لم ـ‪» :‬س بحان ﷲ‪ .‬س بحان ﷲ«‪ .‬فم ا زال يس بح حت ى ع رف ذل ك ف ي وج وه‬
‫أصحابه ـ رضي ﷲ تعالى عنھم ـ فقال‪» :‬ويحك أتدري ما ﷲ؟ إن شأنه أعظ م م ن ذل ك‪ ،‬إن ه ال‬
‫يستشفع به على أحد«‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وأحسن ألفاظ الحديث بعد ذلك ما اختاره البيھقي مما خرجه أب و داود ف ي كت اب الس نن ‪ ،‬م ن‬
‫طريق أحمد بن سعيد الرباطي‪ ،‬عن وھ ب ب ن جري ر بنح و س ند أب ي األزھ ر‪» ،‬إن عرش ه عل ى‬
‫سمواته لھكذا‪ ،‬وقال بأصابعه مثل القبة عليه‪ ،‬وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب«‪.‬‬
‫وضعف البيھقي الحديث بتف رد محم د ب ن إس حاق ف ي روايت ه ع ن يعق وب ب ن عتب ة؛ ألن اب ن‬
‫‪6‬‬
‫إسحاق ھذا متكلم فيه‪ ،‬فال يؤخذ بروايته في صفات ﷲ ــ تعالى ‪.‬‬

‫‪ - 1‬السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬راجع الحافظ عبد الرحمن بن أبي الحسن الجوزي‪ :‬دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ـ ص ‪.59 ،58‬‬
‫‪ - 3‬انظر نص كالمه عند ابن تيمية‪ :‬منھاج السنة ـ ‪.501 /2‬‬
‫‪ - 4‬ابن تيمية ‪ :‬منھاج السنة ـ ‪.629 /2‬‬
‫‪ - 5‬أبو داود السجستاني‪ :‬صحيح سنن المصطفى ـ ‪ ،276 /2‬كتاب الس نة ـ ب اب ف ي الجھمي ة‪ .‬وس نن أب ي داود ـ‬
‫‪.302 /2‬‬
‫‪ - 6‬انظر البيھقي‪ :‬األسماء والصفات ـ ص ‪ .419 :417‬وراجع ابن الجوزي ‪ :‬دفع شبه التشبيه ـ ص ‪.63‬‬
‫ھذه واحدة‪ ،‬والثانية‪ :‬أن جبير بن مطعم ـ رضي ﷲ تعالى عنه ـ الذي توھم ه ال دكتور النش ار‬
‫محدثا مشھورا رد عليه البيھقي‪ ،‬ليس كم ا زع م‪ ،‬وإنم ا ھ و ص احب رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه‬
‫وآله وسلم ـ الذي ينتھي إليه سند الرواية برفعه إلى النبي ـ صلى ﷲ عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬أن ما ذكره على أنه رد البيھقي ليس من كالمه‪ ،‬فالبيھقي تكلم عن سند الحديث وبين‬
‫ضعفه‪ ،‬فعالم يشتغل بتأويله؟ لكنه ق ال ف ي خ تم كالم ه‪» :‬وق د جعل ه أب و س ليمان الخط ابي ثابت ا‪،‬‬
‫واش تغل بتأويل ه«‪ ،‬ث م س اق ك الم الخط ابي ال ذي نق ل من ه النش ار‪ ،‬وھ و تأوي ل للح ديث باعتب ار‬
‫ثبوته‪ ،‬وليس ردا على راوي ه وناقل ه‪ ،‬وبع ض أھ ل العل م يميل ون إل ى ذك ر تأوي ل حس ن لض عيف‬
‫‪1‬‬
‫األحاديث على فرض الثبوت والصحة ‪.‬‬
‫والحق الذي ال مراء فيه أن المرويات التي اعتمد عليھا الحش وية ف ي آرائھ م‪ .‬وأجروھ ا عل ى‬
‫ظاھرھا معتقدين المعاني التي تتعلق باألجسام ؛ فھوت بھم إلى تشبيه ﷲ ـ تعالى ـ بخلق ه‪ ،‬أو ھ م‬
‫ھووا بھا ‪ ..‬ھذه المرويات ليست جميعا ساقطة ال يصح إسنادھا إلى رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه‬
‫وآله وسلم ـ؛ بل فيھ ا الص حيح ال ذي فھم وه عل ى غي ر وجھ ه‪ ،‬وأج روا لفظ ه عل ى ظ اھره ال ذي‬
‫يجري عليه عند اإلطالق على األجسام‪.‬‬
‫ومن ذلك حديث سنحتاج إليه فيما بع د‪ ،‬وھ و ح ديث »خل ق ﷲ آدم عل ى ص ورته« وق د تبين ا‬
‫من قبل في نص الشھرستاني كيف صدر األحوال محمد بن النعمان اإلمامي في تشبيھه ع ن ھ ذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وھ ذا اللف ظ بع ض رواي ات ص حيحة خرجھ ا الش يخان‪ :‬اإلم ام محم د ب ن إس ماعيل البخ اري‬
‫)ت‪256‬ھ ـ(‪ ،‬واإلم ام مس لم ب ن الحج اج النيس ابوري )ت‪261‬ھ ـ(‪ ،‬وھ ي م ن أص ح الص حيح‬
‫باتفاق أھل العلم وقد خرجھا غيرھما من أھل الحديث أيضا‪.‬‬
‫وقد روى البخاري ومس لم بس نديھما ع ن ھ َّم ام ب ن منب ه‪ ،‬ع ن أب ي ھري رة ـ رض ي ﷲ عن ه ـ‬
‫ق ال‪ :‬ق ال رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه وآل ه وس لم ـ ‪» :‬خل ق ﷲ آدم عل ى ص ورته طول ه س تون‬
‫ذراعا فل َّما خلقه قال‪ :‬اذھب فسلم على أولئك النفر‪ ،‬وھم نفر من المالئك ة جل وس‪ ،‬فاس تمع م ا‬
‫يجيبونك؛ فإنھا تحيتك وتحية ذريتك‪ .‬فذھب فقال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬فق الوا وعلي ك الس الم ورحم ة‬
‫ﷲ ف زادوه‪ ،‬رحم ة ﷲ‪ ،‬فك ل م ن ي دخل الجن ة عل ى ص ورة آدم طول ه س تون ذراع ا؛ فل م ي زل‬
‫‪2‬‬
‫الخلق ينقص بعد حتى اآلن« ‪.‬‬
‫وفي »صحيح مسلم« بسنده عن أبي أيوب األزدي‪ ،‬وھو عبد الملك ب ن مال ك المراغ ي‪ ،‬ع ن‬
‫أبي ھريرة ـ رضي ﷲ عنه ـ عن النبي ـ صلى ﷲ عليه وآله وسلم ـ‪» :‬إذا قات ل أح دكم فليجتن ب‬
‫‪3‬‬
‫الوجه؛ فإن ﷲ خلق آدم على صورته« ‪.‬‬
‫وتابعه في »مسند أحمد« األعرج عن أبي ھريرة ــ رض ي ﷲ عن ه ـ ـ ق ال‪ :‬ق ال رس ول ﷲ ـ‬
‫ص لى ﷲ علي ه وآل ه وس لم ـ‪» :‬إذا ض رب أح دكم فليجتن ب الوج ه؛ ف إن ﷲ خل ق آدم عل ى‬
‫‪4‬‬
‫صورته« ‪.‬‬
‫وفي المسند أيضا من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري‪ ،‬عن أبي ھري رة ـ رض ي ﷲ عن ه ـ‬
‫عن النبي ـ صلى ﷲ عليه وآله وس لم ـ ق ال‪» :‬إذا ض رب أح دكم فليجتن ب الوج ه‪ ،‬وال يق ل‪ :‬ق بح‬
‫‪5‬‬
‫ﷲ وجھك ووجه من أشبه وجھك؛ فإن ﷲ ـ تعالى ـ خلق آدم على صورته« ‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر البيھقي‪ :‬السابق ـ ص ‪.419‬‬


‫‪ - 2‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب االستئذان ـ باب بدء السالم‪ ،‬وكتاب األنبياء باب قول ﷲ ــ تعالى ــ‪ :‬إِ ِّني َجاعِ ل ٌ فِ ي‬
‫ض َخلِي َف ًة‪ .‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ :‬كتاب الجنة ـ باب يدخل الجنة أقوام أفئدتھم مثل أفئدة الطير‪.‬‬ ‫األَ ْر ِ‬
‫‪ - 3‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب البر والصلة ـ باب النھي عن ضرب الوجه‪.‬‬
‫‪ - 4‬اإلمام أحمد‪ :‬المسند ــ ‪.244 /2‬‬
‫‪ - 5‬السابق ـ ص ‪ .251‬وللحديث في المسند روايات أخرى ـ ‪ .516 ،493 ،474 ،215 /2‬وراجع ابن خزيم ة‪:‬‬
‫التوحيد وإثبات صفات الرب ـ ص ‪ .41 :36‬وراجع البيھقي‪ :‬األسماء والصفات ـ ص ‪.291 :289‬‬
‫ولق د الحظ ت أن الش يخين‪ :‬البخ اري ومس لما ل م يروي ا لف ظ »خل ق ﷲ آدم عل ى ص ورته«‬
‫مبت ورا ع ن س ياقه ال ذي يوض ح الم راد من ه‪ ،‬ول م يس وقا الرواي ات التام ة ف ي أب واب تس لكھا ف ي‬
‫أخبار الصفات؛ فالبخاري يروي حديثه في كتاب اإلستئذان ـ باب بدء السالم‪ ،‬ويكرره ف ي كت اب‬
‫ض َخلِي َف ًة‪ ‬البق رة‪ .30/‬ول و فھ م من ه غي ر ھ ذا؛‬ ‫األنبي اء ـ ب اب قول ه تع الى ‪‬إِ ِّن ي َجا ِع ل ٌ فِ ي األَ ْر ِ‬
‫لكرره في أحد أبواب كتاب التوحيد‪ ،‬ويروي مسلم حديث البخاري في موضع ُترجم ل ه فيم ا بع د‬
‫بكتاب الجنة ـ باب يدخل الجنة أقوام‪ ،..‬ويسوق الرواية التي تفرد بھا فيما ترجم له بكت اب الب ر ـ‬
‫‪1‬‬
‫باب النھي عن ضرب الوجه ‪.‬‬
‫ولكن ھذا اللفظ ـ فيما يبدو لي ـ قد ش اع مبت ورا ع ن س ياقه ب ين ال رواة من ذ وق ت مبك ر‪ ،‬كم ا‬
‫رأينا في نقل الشھرستاني عن أبي جعفر األحول؛ فأشبه ذلك على جھالء الرواة‪ ،‬بل وعلى كثي ر‬
‫من أھل العلم؛ ال سيما أنه ظھرت له روايات من طريق األعمش‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثاب ت‪ ،‬ع ن‬
‫عط اء ب ن أب ي رب اح‪ ،‬ع ن اب ن عم ر ق ال‪ :‬ق ال رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه وآل ه وس لم ـ ‪» :‬ال‬
‫تقبحوا الوجه؛ فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن«‪.‬‬
‫وقد أ َع َّل ابن خزيمة ھذا الرواية بثالث علل‪ ،‬وذكر لھا تأويال حسنا على فرض ثبوت اتصال‬
‫‪2‬‬
‫سندھا وصحته ‪ ،‬وخالفه بعض المحدثين في الحكم عل ى الس ند ورووا ل ه ش اھدا م ن ح ديث أب ي‬
‫يونس عن أبي ھرير بلف ظ »م ن قات ل فليجتن ب الوج ه؛ ف إن ص ورة اإلنس ان عل ى ص ورة وج ه‬
‫‪3‬‬
‫الرحمن ـ عز وجل« ‪.‬‬
‫وبناء على ھذا ذھب بعض الرواة إل ى اعتق اد الص ورة ف ي ﷲ ـ ـ تع الى ـ ـ وأن ه عل ى ص ورة‬
‫اإلنسان‪ ،‬وكان من تخليطھم وتشبيھھم ما سبق ذكره‪.‬‬
‫وأما زلَّ ُة َمنْ َز َّل فيه من أھل العلم؛ فمائل ة ف ي اعتب ار الح ديث م ن أخب ار الص فات الت ي ُت َم رُّ‬
‫ت عن تفسيرھا وال يُقال فيھ ا‪ :‬ل م وكي ف؟ وإنم ا يق ع عليھ ا اإليم ان والتف ويض‬ ‫كما جاءت‪ ،‬ويُسْ َك ُ‬
‫في المعنى والكيف‪ ،‬أو في الكيف دون المعنى؛ وإنك لترى إماما محدثا في رتبة أب ي بك ر محم د‬
‫بن الحسين بن عبد ﷲ البغدادي اآلجُرِّ ي )ت‪360‬ھـ( يذكر في كتابه »الشريعة« بعض روايات‬
‫الحديث‪ ،‬ثم يسوق رواية ابن عمر باإلسناد نفسه الذي أعلَّه ابنُ خزيمة‪ ،‬ويقول بعدھا‪» :‬ھ ذه م ن‬
‫الس نن الت ي يج ب عل ى المس لمين اإليم ان بھ ا‪ ،‬وال يق ال فيھ ا‪ :‬كي ف‪ ،‬ول م؟ ب ل تس تقبل بالتس ليم‬
‫والتصديق وترك النظر‪ ،‬كما قال أئمة المسملين«‪.‬‬
‫وي روي اآل ُج رِّ ي ع ن اإلم ام أحم د رواي ة عام ة مفادھ ا‪ :‬أن ه س ئل ع ن األحادي ث الت ي ردھ ا‬
‫الجھمي ة ف ي الص فات‪ ،‬واألس ماء‪ ،‬والرؤي ة‪ ،‬وقص ة الع رش؛ فص ححھا وق ال‪» :‬تلقتھ ا العلم اء‬
‫بالقبول تسلم األخبار كما جاءت«‪.‬‬
‫وقال اآلجري ‪» :‬سمعت أبا عبد ﷲ الزبيري ـ رحمه ﷲ ـ وقد سئل ع ن معن ى ھ ذا الح ديث‪،‬‬
‫ف ذكر مث ل م ا قي ل في ه‪ ،‬ث م ق ال‪ :‬ق ال أب و عب د ﷲ‪ :‬ن ؤمن بھ ذه األخب ار الت ي ج اءت كم ا ج اءت‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ونؤمن بھا إيمانا‪ ،‬وال نقول‪ :‬كيف؟ ولكن ننتھي في ذلك إلى حيث انتھى بنا ‪. «...‬‬
‫وقبل اآلج ري تج د مث ل اإلم ام عب د ﷲ ب ن مس لم ب ن قتيب ة ال دينوري )ت‪276‬ھ ـ( ف ي كتاب ه‬
‫»تأويل مختلف الحديث« يعتبر الروايات الصحيحة لھذا الحديث ضربا من التأويل لجأ إلي ه أھ ل‬
‫النظر‪ ،‬ويرى أن كثرة اللجاج حملت قوما على أن زادوا في الحديث فقالوا‪ :‬روى اب ن عم ر ع ن‬
‫‪ - 1‬المشھور بين أھل العلم أن اإلمام مسلما لم يضع تراجم الصحيح‪ ،‬وإنما كان يقسم األحادي ث عل ى أب واب ب ال‬
‫ترجم ة‪ ،‬وأن القاض ي عياض ا أو غي ره م ن أھ ل العل م ق د ب دأ التقس يم ووض ع بع ض الت راجم؛ حت ى ج اء اإلم ام‬
‫النووي فأتم تقسيم صحيح مسلم إلى كتب وأبواب وحدد التراجم على النحو الذي بين أيدينا اآلن‪.‬‬
‫‪ - 2‬راجع ابن خزيمة‪ :‬التوحيد ــ ص ‪.39 ،38‬‬
‫‪ - 3‬الدار قطني‪ :‬الصفات ـ ص ‪ .65‬من تحقيق د‪ /‬علي محمد ناصر الفقيھي‪ ،‬الذي ذكر في التعليق عليه أن ھ ذه‬
‫الرواية أخرجھا ابن أبي عاصم في »السنة« ـ ‪ 230 /1‬ح‪ .521‬ونقل ع ن األلب اني محق ق كت اب الس نة قول ه ف ي‬
‫الحديث‪» :‬إسناده ضعيف‪ ،‬ورجاله ثقات غير اب ن لھيع ة فإن ه س يء الحف ظ‪ ،‬وإنم ا يص ح بلف ظ »عل ى ص ورته«‬
‫دون ذكر »الرحمن«‪.‬‬
‫‪ - 4‬اآلجري‪ :‬الشريعة ـ ص ‪.315 ،314‬‬
‫النبي ـ صلى ﷲ عليه وآله وسلم ـ ‪ :‬فقالوا‪» :‬إن ﷲ عز وجل خل ق آدم عل ى ص ورة ال رحمن«‪.‬‬
‫يريدون أن تكون الھاء في »صورته« ــ عز وجل‪.‬‬
‫وألن ابن قتيبة ق رأ ف ي الت وراة أن ﷲ ـ ع ز وج ل ـ لم ا خل ق الس موات واألرض ق ال‪ :‬نخل ق‬
‫بشرا بص ورتنا؛ فخل ق آدم م ن أدم ة األرض‪ ،‬ونف خ ف ي وجھ ه نس مة الحي اة‪ .‬وك ذلك ح ديث اب ن‬
‫عباس‪ ،‬وفيه أن موسى ـ علي ه الس الم ـ ض رب الحج ر لبن ي إس رائيل فتفج ر ‪ ،‬وق ال اش ربوا ي ا‬
‫حمير‪ .‬فأوحى ﷲ إليه‪ :‬عمدت إلى خلق من خلقي‪ ،‬خلقتھم على صورتي‪ ،‬فش بھتھم ب الحمير‪ .‬فم ا‬
‫ب رح حت ى عوق ب‪ .‬أق ول‪ :‬ألن اب ن قتيب ة ق رأ ذل ك؛ فھ و ال يج د غضاض ة ف ي أن يق ول‪» :‬ف إن‬
‫صحت رواية ابن عمر عن النبي ـ صلى ﷲ عليه وسلم ــ؛ فھو كماقال الرسول ـ صلى ﷲ علي ه‬
‫وسلم ــ فال تأويل وال نزاع«‪ .‬وابن قتيبة ال يؤمن ويسكت عن التفسير كم ا فع ل اآلج ري‪ ،‬وإنم ا‬
‫يقول‪» :‬والذي عندي ـ وﷲ أعلم ـ أن الصورة ليست بأعجب من اليدين واألصابع والعين‪ ،‬وإنم ا‬
‫وق ع اإلل ف لتل ك لمجيئھ ا ف ي الق رآن‪ ،‬ونح ن ن ؤمن ب الجميع وال نق ول ف ي ش يء من ه بكيفي ة وال‬
‫‪1‬‬
‫حد« ‪.‬‬
‫إذن اب ن قتيب ة عل ى أحس ن الظ ن بكالم ه يق ول‪» :‬ص ورة ال كالص ور«‪ .‬كم ا يق ال‪» :‬ي د ال‬
‫كاألي دي‪ ،‬وع ين ال ك األعين«‪ .‬وھ ذا لعم ري ق ول عجي ب؛ ألن آدم المعل وم الص ورة والھيئ ة‬
‫الموروثة في أبنائه مخلوق على ھذه الصورة اإللھية الت ي ليس ت كالص ور!! وھ ذا خالص ة النق د‬
‫الذي وجھه ابن فورك لكالم ابن قتيبة في ھذا الحديث ولقد جاھدت نفسي لتق ف م ن ھ ذه الرواي ة‬
‫عند ما قاله اآلجري ؛ فلم أستطع إال أن أتابع ابن فورك )ت‪406‬ھـ( في نقده البن قتيب ة وذل ك‬
‫‪2‬‬
‫النقد ـ فيما أرى ـ يطوى معه كالم اآلجري في ھذا الحديث خاصة ‪.‬‬
‫إن تتب ع ك الم المح دثين عل ى ھ ذا الح ديث وبي ان معن اه يب ين لن ا أنھ م ـ وإن اتفق وا ف ي م نھج‬
‫الرواي ة والص دور عنھ ا ف ي بن اء العقي دة ـ مختلف وا المن ازع ف ي فھ م األخب ار واس تنطاقھا ع ن‬
‫مفردات البناء العقدي‪.‬‬
‫ولكن ثمة سؤال ينبغي في ھذا المقام البحث ع ن ج واب ل ه‪ .‬ولق د قص دت ب الكالم ع ن ح ديث‬
‫»خلق ﷲ آدم على صورته« التمھيد لھذا السؤال وجوابه‪ .‬وذلكم‪ :‬إذا كان في األخبار الص حيحة‬
‫ما يوھم تشبيه ﷲ بخلقه‪ ،‬أو يصل بالمرء إلى ھذا التشبيه إن ھو أجرى لفظه على ظاھره؛ فلم لم‬
‫يظھر ھذا التشبيه في حياة رسول ﷲ ـ صلى ﷲ عليه وآله وسلم ـ أو في عھد الراشدين؛ ب ل إل ى‬
‫انقضاء المئة األولى من تارخي المسلمين ـ فيما أزعم ـ بينما النصوص ھي النصوص‪ ،‬والع رب‬
‫ھم العرب‪ ،‬والرواة العجم نسبا من موالي العرب‪ ،‬ولھم مثل ألسنتھم؟‬
‫فإن قيل‪ :‬إن البغدادي وغيره من مؤرخي الفرق يذھبون إلى أن مبدأ ظھور التش بيه‪ .‬ك ان ف ي‬
‫غالة الرافضة‪ ،‬ال ذين ألَّھ وا علي ا وأنم تھم م ن آل بي ت النب وة وم ن غي رھم‪ ،‬وش بھوھم ب ذات ﷲ‪.‬‬
‫وھؤالء كان بدء ظھورھم في آخر عھد الراشدين‪ .‬يشيرون بذلك إلى أتباع عبد ﷲ ب ن س بأ وم ن‬
‫‪3‬‬
‫جاء بعدھم من غالة الرافضة ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الح ق أن ھ ؤالء الغ الة مرت دون مش ركون ليس وا م ن اإلس الم ف ي ش يء‪ ،‬وق د ص رَّ حوا‬
‫بعبادة غير ﷲ ـ تع الى ـ وبم ا ي نقض انتس ابھم إل ى دين ه م ن إدع اء النب وة وغي ر ذل ك م ن أن واع‬
‫الكفر الصريح با ورسوله‪ ،‬وقد تبرأ منھم الشيعة كما تبرأ منھم أھل الس نة مثبت و خالف ة الثالث ة‬
‫على حد سواء‪ .‬وقد قرأنا للشيخ محم د الحس ين آل كاش ف الغط اء م ن كب ار ش يوخ الش يعة االثن ا‬
‫عشرية المعاصرين‪» :‬أما )عبد ﷲ بن سبأ( الذي يلصقونه بالشيعة أو يلص قون الش يعة ب ه؛ فھ ذه‬
‫كت ب الش يعة بأجمعھ ا )مليئ ة( بلعن ه والب راءة من ه‪ ،‬وأخ ف كلم ة تقولھ ا كت ب الش يعة ف ي حق ه‪،‬‬

‫‪ - 1‬ابن قتيبة‪ :‬تأويل مختلف الحديث ـ ص ‪.150 :148‬‬


‫‪ - 2‬راجع ابن فورك ‪ :‬مشكل الحديث وبيانه ـ ص ‪.21 ،20‬‬
‫‪ - 3‬راج ع البغ دادي‪ :‬الف رق ب ين الف رق ـ ص ‪ .226 ،225‬وراج ع اإلم ام فخ ر ال دين ال رازي‪ :‬اعتق ادات ف رق‬
‫المسلمين والمشركين ـ ص ‪ .81‬وراجع د‪ /‬أبو الوفا التفتازاني‪ :‬عل م الك الم وبع ض مش كالته ـ ص ‪،112 :102‬‬
‫ط دار الثقافة للنشر والتوزيع ـ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1991‬م‪.‬‬
‫ويكتفون بھ ا ع ن ترجم ة حال ه عن د ذك ره ف ي ح رف الع ين ھك ذا‪ :‬عب د ﷲ ب ن س بأ ألع ن م ن أن‬
‫‪1‬‬
‫يذكر« ‪.‬‬
‫أما بيان بن سمعان‪ ،‬والمغيرة بن سعيد؛ فقد قتلھما خالد ب ن عب د ﷲ القس ري ف ي واليت ه عل ى‬
‫العراق ـ بعد انقضاء المئة األولى على الزندقة وإدعاء النبوة‪ .‬وكان بي ان ب ن س معان يؤل ه علي ا‪،‬‬
‫ويرى أن فيه جزءا إلھيا متحدا بناسوته‪ ،‬ثم في ابنه محمد ابن الحنفية من بعده‪ ،‬ثم في أب ي ھاش م‬
‫ولده‪ ،‬ثم في بيان ‪ ..‬قال الحافظ الذھبي‪» :‬وقد كتب بيان إلى أبى جعف ر الب اقر ي دعوه إل ى نفس ه‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وأنه نبي« ‪.‬‬
‫أما المشبھة ال ذين نتح دث ع نھم ھن ا؛ فأولئ ك ال ذين يزعم ون أنھ م يعب دون ﷲ الواح د األح د‪،‬‬
‫ويعتقدون فيه بمروياتھم أنه ـ تعالى ـ على صورة اإلنسان له أعضاء وجوارح‪ ،‬وأنه م ع ذل ك ال‬
‫يشبه المخلوقات وال يشبھه منھا شيء؛ وقد روي أنَّ مقاتل ب ن س ليمان س أله الخليف ة؛ بلغن ي أن ك‬
‫‪3‬‬
‫تشبه؟ فقال مقاتل‪ :‬إنما أقول‪ :‬قُلْ ھ َُو ﷲُ أَ َح ٌد‪ .‬وسردھا؛ فمن قال غير ذلك فقد كذب ‪.‬‬
‫إن ھؤالء المشبھة يتشبثون بالنصوص في تشبيه ﷲ‪ ،‬مع إفرادھم له ـ ج ل وع ال ـ باأللوھي ة؛‬
‫ً‬
‫حقيقة‪ .‬وإنك تجد البغ دادي نفس ه ـ بع د ذك ر‬ ‫وإن رأينا أن معبودَھم شبي َه الخلق غي ُر ﷲ ـ تعالى ـ‬
‫ُغ الة الش يعة ف ي بيان ه لم ذاھب ال ذين ض لوا ف ي تش بيه ال ذات ـ يق ول‪» :‬وھ ذه األص ناف ال ذين‬
‫ذكرناھم في ھذا الفصل كلھم خارجون عن دي ن اإلس الم وإن انتس بوا ف ي الظ اھر إلي ه«‪ .‬ويق ول‬
‫قبل ذكره للمش بھة ال ذين ن تكلم ع نھم‪» :‬وبع د ھ ذا ف رق م ن المش بھة ع دھم المتكلم ون م ن ف رق‬
‫المل ة؛ إلق رارھم بل زوم أحك ام الق رآن وإق رارھم بوج وب أرك ان ش ريعة اإلس الم م ن الص الة‬
‫والزك اة ‪ ،...‬وإن ض لوا وكف روا ف ي بع ض األص ول العقلي ة« ف ذكر الھش امين‪ ،‬وي ونس ب ن‬
‫‪4‬‬
‫عبدالرحمن القمي‪ ،‬وداود الجواربي من الشيعة‪ ،‬والكرامية وغيرھم من أھل السنة ‪.‬‬
‫وأما السؤال الذي قدمته؛ فيمكننا أن نستعين في معرفة جواب ه باإلم ام أب ي حام دالغزالي‪ ،‬فإن ه‬
‫قال في عرضه لتصوره منھج السلف وضوابطه في قبول أخبار الص فات الموھم ة للتش بيه؛ »ال‬
‫يجمع بين متفرق‪ ،‬ولقد بعد عن التوفيق من صنف كتابا في جمع ھذه األخبار خاصة‪ ،‬ورسم ف ي‬
‫ك ل عض و باب ا‪ ،‬فق ال‪ :‬ب اب ف ي إثب ات ال رأس‪ ،‬وب اب ف ي الي د إل ى غي ر ذل ك‪ ،‬وس ماه »كت اب‬
‫الص فات« ف إن ھ ذه كلم ات متفرق ة ص درت م ن رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه وس لم ـ ف ي أوق ات‬
‫ت مجمو َع ًة‬‫متفرقة متباعدة؛ اعتمادا على قرائن مختلفة تفھم السامعين معاني صحيحة‪ ،‬فإذا ُذ ِك َر ْ‬
‫على مثال خلق اإلنسان؛ صار جم ُع تلك المتفرقات في الس مع ـ دفع ة واح دة ـ قرين ًة عظيم ة ف ي‬
‫تأكيد الظاھر‪ ،‬وإيھام التشبيه‪ ،‬وصار اإلشكال في أن رسول ﷲ ـ صلى ﷲ عليه وس لم ـ ل م نط ق‬
‫‪5‬‬
‫بما يوھم خالف الحق؟ أعظ َم في النفس وأوقع ‪. «...‬‬
‫وأنا أقول ‪ :‬صدق ـ وﷲ ـ أبو حام د‪ ،‬وھ ذه م ن فرائ د درره ـ وال أع رف ع اقال ل ه أث ارة م ن‬
‫علم يشك في أن رسول ﷲ ـ صلى ﷲ عليه وآل ه وس لم ـ ل م يق ل ھ ذه األخب ار جميع ا ف ي مجل س‬
‫واحد‪ ،‬ولم يقلھا عارية من القرائن التي توضح المراد منھ ا ف ي مق ام ذكرھ ا لس امعيه ـ ص لى ﷲ‬
‫عليه وآله وسلم ـ ولعلنا قد الحظنا شيئا من ذلك فيم ا س بق م ن الك الم ع ن ح ديث »خل ق ﷲ آدم‬
‫على صورته«‪.‬‬
‫وھذه األخبار بعد ذلك لم يحفظھا جميعا ـ فيما أحس ب ـ ص د ٌر واح ٌد م ن الص حابة ـ رض وان‬
‫ﷲ عليھم؛ وإنما كان الواحد منھم يحفظ ما اتفق له س ماعه م ن رس ول ﷲ ـ ص لى ﷲ علي ه وآل ه‬
‫وسلم ـ عارفا بمقام قيله‪ ،‬ومدركا ألسباب قوله‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد الحسين آل كاشف الغطاء‪ :‬أصل الشيعة وأصولھا ـ ص ‪.83 ،82‬‬


‫‪ - 2‬راجع الذھبي‪ :‬ميزان االعتدال ‪ :‬ترجمة بيان ـ ‪ .166 /1‬وترجمة المغيرة ـ ‪.192 ،191 /3‬‬
‫‪ - 3‬انظر ابن حجر‪ :‬تھذيب التھذيب ـ ‪.228 /10‬‬
‫‪ - 4‬انظر البغدادي ‪ :‬الفرق بين الفرق ـ ص ‪.228 ،227‬‬
‫‪ - 5‬أبو حامد الغزالي‪ :‬إلجام العوام عن علم الكالم )ضمن مجموعة رسائل اإلمام الغزالي( ـ ‪.81 /4‬‬
‫ونح ن نع رف انش غال الص حابة ف ي أول عھ د أب ي بك ر الص ديق ـ رض ي ﷲ عن ه ـ بح روب‬
‫الردة‪ ،‬وانشغال المسلمين جميعا في آخر عھده بالفتوح‪ ،‬التي أخذت تشق طريقھا إلى بالد الفرس‬
‫والروم‪ ،‬ونعرف أنه لم يدون في عھده غير الق رآن الك ريم ال ذي جم ع م ن الص حائف والص دور‬
‫في نسخة واحدة‪ ،‬ونعرف أن الفاروق عمر قد ت ابع س لفه ـ رض ي ﷲ عنھم ا ـ و س ار المس لمون‬
‫على ھذه الوتيرة حتى شغلھم اشتعال الفتنة في آخر عھد عثمان ـ رضي ﷲ عنه ـ وقد استوعبت‬
‫ھذه الفتنة عھد علي ـ كرم ﷲ وجھه ـ ومبدأ دولة بني أمية‪ ،‬التي سعى ملوكھا وقادتھا إل ى ش غل‬
‫العرب بأنفسھم تارة‪ ،‬وبالفتوح تارة أخرى‪.‬‬
‫ودون الخضوع إلى استطراد ربما يخرج بنا عن مجالنا أق ول‪ :‬ل يس عجيب ا أن يظھ ر التش بيه‬
‫عق ب جم ع األخب ار وت دوينھا‪ ،‬والس عي ف ي تبوي ب أخبارھ ا‪ ،‬وم ع ظھ ور مج الس التح ديث م ن‬
‫األدراج والكت ب‪ ،‬ونظ ر ال رواة ال ذي ل م ين الوا حظ ا واف را م ن فق ه ال دين فيم ا اجتم ع ل ديھم م ن‬
‫أخب ار تراف ق فيھ ا الص حيح والض عيف ال ذي وج د ل ه مج اال قب ل تم ام قواع د النق د والتمح يص‪،‬‬
‫وعھد ھؤالء ال رواة باإلس الم بعي دا ع ن مھ ده ب أرض الحج از ل يس بالبعي د‪ ،‬وھ م يحمل ون ألف اظ‬
‫أخب ار ربم ا يع رى أكثرھ ا م ن الق رائن الت ي تع ين عل ى فھ م الم راد منھ ا؛ عل ى ح ين أن أرض‬
‫اإلسالم قد اتسعت لتضم أو شابا من النصارى واليھود ومجوس الفرس‪ ،‬وانضم أولئك إل ى دول ة‬
‫المسلمين بتراثھم وثقافاتھم وفلسفاتھم‪ .‬وكل أولئك غدا يمثل قرائن جديدة في فھم أخبار الصفات؛‬
‫وقد رأينا شيئا من ذلك عند مثل مقاتل بن سليمان‪ ،‬وابن قتيبة الدينوري من قريب‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك؛ فليس عجيبا أن نقرأ ف ي كت ب الف رق ع ن تش بيه مقات ل ب ن س ليمان‪ ،‬أو‬
‫داود الج واربي ال ذي ق ال بع د اكتم ال الص ورة ف ي المروي ات الت ي جمع ت أش تاتھا‪ ،‬ورتب ت ف ي‬
‫أبواب مفصلة‪» :‬أعفوني من الف رج واللحي ة‪ ،‬واس ألوني عم ا وراء ذل ك« ‪ ..‬نع م ل يس عجيب ا أن‬
‫نقرأ عن ھذا التشبيه إذا كان لدينا ما يفسر ظھوره ويوضح نشأته‪.‬‬
‫ولقد استمر ھذا االتجاه الذي غلب على التشبيه فيه الصدور عن الرواي ة دون فق ه أو نق د ب ين‬
‫المسلمين فيما بعد‪ ،‬جامعا بين صحاح األخبار ومناكيرھا‪ ،‬وس نجد ل ه ممثل ين ب ين الق رآء وفقھ اء‬
‫الحنابل ة؛ فم ن الق راء نج د مث ل مق رئ الش ام األس تاذ أب ي عل ي األھ وازي الحس ن ب ن عل ي ب ن‬
‫إبراھيم )ت‪446‬ھ ـ( ال ذي ق ال عن ه الح افظ ال ذھبي‪» :‬ص نف كتاب ا ف ي الص فات ل و ل م يجمع ه؛‬
‫لكان خيرا له‪ ،‬فإنه أتى فيه بموض وعات وفض ائح«‪ ،‬وذك ر ال ذھبي م ن مرويات ه الت ي اتھ م فيھ ا‬
‫حديثا يرفعه من طريق قتادة عن أنس ـ رضي ﷲ عنه ـ ‪» :‬إذا ك ان ي وم الجمع ة ين زل ﷲ ب ين‬
‫اآلذان واإلقامة‪ ،‬عليه رداء مكتوب علي ه‪ :‬إنن ي أن ا ﷲ ال إل ه إال أن ا‪ .‬يق ف ف ي قبل ة ك ل م ؤمن‬
‫مقبال عليه؛ فإذا سلم اإلمام صعد إلى السماء«‪.‬‬
‫وذكر ل ه رواي ة ع ن اب ن س لمون بإس ناد ل ه‪» :‬رأي ت رب ي بعرف ات عل ى جم ل‪ ،‬علي ه إزار«‪.‬‬
‫وساق ل ه رواي ة ثالث ة‪» :‬رأي ت رب ي بمن ى عل ى جم ل أورق علي ه جب ة«‪ .‬ق ال ال ذھبي‪ :‬ق ال أب و‬
‫‪1‬‬
‫القاسم بن عساكر‪ :‬المتھم به األھوازي‪.‬‬
‫وف ي زي ادة اب ن حج ر بلس ان المي زان ي أتي عن وان الكت اب ال ذي نس به ال ذھبي ألب ي عل ى‬
‫األھوازي‪ ،‬نقال عن ابن عساكر‪ ،‬وھو »شرح البيان في عقود أھل اإليمان«‪ .‬الذي قال عنه اب ن‬
‫عس اكر‪» :‬أودع ه أحادي ث منك رة‪ ،‬كح ديث‪» :‬إن ﷲ لم ا أراد أن يخل ق نفس ه‪ ،‬خل ق الخي ل‬
‫فأجراھا حتى عرقت‪ ،‬ثم خلق نفسه من ذل ك الع رق«‪ .‬وغي ر ذل ك مم ا ال يج وز أن ي روى‪ ،‬وال‬
‫يحل أن يعتقد‪ ،‬وكان مذھبه مذھب السالمية‪ ،‬يقول بالظاھر‪ ،‬ويتمس ك باألحادي ث الض عيفة لتقوي ة‬
‫‪2‬‬
‫مذھبه ‪. «...‬‬
‫أم ا أتب اع اإلم ام أحم د م ن فقھ اء الحنابل ة‪ :‬فق د اش تھر ف يھم أق وام ب الغوا ف ي الت زام ظ واھر‬
‫النص وص‪ ،‬وتش ددوا ف ي إي الء بع ض األم ور أھمي ة ل م تك ن لھ ا م ن قب ل‪ ،‬ليك ون اعتقادھ ا ھ و‬
‫المفصل في صحة اإليمان والكفر‪ ،‬من أمثال إثب ات الجھ ة واأليني ة‪ ،‬وأن كالم ه ـ ج ل وع ال ـ‬

‫‪ - 1‬عن ابن حجر‪ :‬لسان الميزان ـ ‪.296 ،295 /2‬‬


‫‪ - 2‬السابق ـ ص ‪.297‬‬
‫حرف وصوت‪ ،‬وقد ساقھم ھذا التشدد إلى كثير من المعارك التي تجاوزت ح َّد الك الم إل ى إراق ة‬
‫الدماء‪ ،‬كما حدث مرارا في بغداد‪ ،‬ودمشق‪ ،‬والقاھرة‪ ،‬ضد الش يعة أو المعتزل ة أو األش اعرة‪ ،‬أو‬
‫‪1‬‬
‫ضد ھؤالء مجتمعين ‪.‬‬
‫وقد صارت لھؤالء الغلبة عل ى أص حاب أحم د‪ ،‬وإن ك انوا ال يمثل ون اإلم ام أحم د نفس ه‪ ،‬وال‬
‫‪2‬‬
‫حقيقة أتباعه جميعا ‪ .‬ومن قديم فرَّ ق بعضُ المتكلمين ب ين ھ ؤالء المتش ددين وب ين اإلم ام أحم د؛‬
‫فنجد عبدالكريم البزدوي )ت‪493‬ھـ( وھومتكلم ماتريدي متعصب ـ يعد أصحاب أحمد بن حنبل‬
‫‪3‬‬
‫في المجسمة‪ ،‬وفي ختام كالمه يقول‪» :‬وأحمد بن حنبل كان رجال صالحا لم يقل بالتشبيه« ‪.‬‬
‫ب ل نج د اب ن الج وزي )ت‪597‬ھ ـ(‪ ،‬وھ و مح دث وفقي ه حنبل ي م ن كب ار رج االت الم ذھب‬
‫الحنبلي في الفقه‪ ،‬يذكر ثالثة من الحنابلة‪ ،‬الذين صنفوا في العقائد كتبا ش انوا بھ ا الم ذھب‪ ،‬عل ى‬
‫حد قوله‪ ،‬وھم أبو عبد ﷲ الحسن بن حامد بن علي البغدادي )ت‪403‬ھـ(‪ ،‬وصاحبه القاضي أبو‬
‫يعلى محمد بن الحسين بن خلف الفراء )ت‪458‬ھـ(‪ ،‬وثالثھم أحد شيوخ ابن الجوزي نفس ه وھ و‬
‫أبوالحسن علي بن عبد ﷲ بن نصر الزاغوني )ت‪527‬ھـ(‪.‬‬
‫وي رى اب ن الج وزي أن ھ ؤالء الثالث ة ق د نزل وا إل ى مرتب ة الع وام؛ فحمل وا الص فات عل ى‬
‫مقتضى الحس ‪ ..‬قال ابن الجوزي‪» :‬سمعوا أن ﷲ ــ سبحانه وتعالى ــ خلق آدم ـ علي ه الس الم ـ‬
‫على ص ورته؛ ف أثبتوا ل ه ص ورة‪ ،‬ووجھ ا زائ دا عل ى ال ذات‪ ،‬وعين ين وفم ا ولھ وات وأضراس ا‪،‬‬
‫وأضواء لوجھه ھي السبحات‪ ،‬ويدين وأصابع وكفا ‪ ...‬وق الوا‪ :‬م ا س معنا ب ذكر ال رأس‪ .‬وق الوا‪:‬‬
‫يجوز أن َي َمسَّ و ُي َم سَّ ‪ ،‬وي دني العب د م ن ذات ه‪ .‬وق ال بعض ھم‪ :‬ويت نفس‪ .‬ث م إنھ م يرض ون الع وام‬
‫بقولھم‪ :‬ال كما يعقل ‪ ...‬ثم يتحرجون من التشبيه‪ ،‬ويأنفون من إضافته إل يھم ويقول ون‪ :‬نح ن أھ ل‬
‫‪4‬‬
‫السنة‪ .‬وكالمھم صريح في التشبيه‪ ،‬وقد تبعھم خلق من العوام« ‪.‬‬
‫وك ل ذل ك يؤك د ال رأي ال ذي ذھب ت إلي ه ف ي تفس ير نش أة التش بيه ب ين أھ ل النق ل والرواي ة‪،‬‬
‫ويلزمنا بعد ذلك تقديم أمثلة من األحاديث التي أجارھا ھؤالء على ظاھرھا‪ ،‬وفق مقتضى الح س‬
‫وما يفھم عنداإلطالق على األجسام‪ ،‬فيؤدي إلى تشبيه ذات ﷲ ـ تعالى ـ بذوات المخلوقين‪.‬‬
‫أ ــ فابن حامد يروي من ح ديث اب ن عب اس ـ رض ي ﷲ عنھم ا ـ ع ن النب ي ـ ص لى ﷲ علي ه‬
‫وآله وسلم ـ أنه قال‪» :‬لما أسري بي رأيت الرحمن تعالى في صورة شاب أمرد له نور ي تألأل ‪..‬‬
‫فس ألت رب ي أن يكرمن ي برؤيت ه؛ وإذ كأن ه ع روس ح ين كش ف عن ه حج ابھن مس تو عل ى‬
‫عرشه«‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪» :‬ھذا الحديث كذب قبيح‪ ،‬م ا روي ق ط ال ف ي ص حيح وال ف ي ك ذب‪ ،‬فأبع د‬
‫‪5‬‬
‫ﷲ من عمله ‪ ...‬يشبھون ﷲ سبجانه وتعالى بعروس ما كتب ھذا مسلم« ‪.‬‬
‫ويذكر ابن الجوزي أن ابن حامد أيضا قال في حديث النزول‪» :‬ھو على العرش بذاته مم اس‬
‫‪6‬‬
‫له‪ ،‬وينزل من مكانه الذي ھو فيه وينتقل« ‪.‬‬
‫وذكر ابن الجوزي حديث البخاري ومسلم عن أبي ھري رة رض ي ﷲ عن ه ع ن النب ي ـ ص لى‬
‫ﷲ عليه وآله وسلم ـ أنه قال‪» :‬إن ﷲ خلق الخلق‪ ،‬حتى إذا فرغ منھم قامت ال رحم فقال ت‪ :‬ھ ذا‬
‫مقام العائد بك من القطيعه ‪ ...‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما ترضين أن أص ل م ن وص لك وأقط ع م ن قطع ك«‪.‬‬
‫وساق له ابن الجوزي ألفاظا لم تخرج في الصحاح منھا‪» :‬الرحم ش جنة آخ ذة بحق و ال رحمن«‪.‬‬
‫وذكر عن ابن حامد أنه يقول‪ :‬يجب التصديق بأن ﷲ حقوا‪ ،‬فتأخذ ال رحم ب ه‪ .‬ق ال‪ :‬وك ذلك ن ؤمن‬
‫ب ﷲِ‪ ‬الزم ر‪ .56/‬ث م ق ال اب ن‬ ‫ب أن ـ تع الى ـ جنب ا؛ لقول ه ـ تع الى ـ‪َ  :‬علَ ى َم ا َف َّرط ُ‬
‫ت فِ ي َج ْن ِ‬

‫‪ - 1‬انظر د‪ /‬حسن الشافعي‪ :‬المدخل إلى دراسة علم الكالم ـ ص ‪.80‬‬


‫‪ - 2‬راجع السابق ـ ص ‪.82 :79‬‬
‫‪ - 3‬البزدوي‪ :‬أصول الدين ـ ص ‪.253‬‬
‫‪ - 4‬ابن الجوزي ‪ :‬دفع شبه التشبيه ـ ص ‪.8 ،7‬‬
‫‪ - 5‬السابق ـ ص ‪.32 ،31‬‬
‫‪ - 6‬السابق ـ ص ‪.44‬‬
‫‪1‬‬
‫الج وزي‪ :‬ھ ذا ال فھ م ل ه أص ال‪ ،‬كي ف يق ع التف ريط ف ي جن ب ال ذات؟ ‪ .‬أي أن ھ ذا الحم ل عل ى‬
‫الظاھر ھنا ال يجرى مع أساليب العربية ف ي البي ان‪ ،‬وال يمك ن أن يك ون ل ه معن ى معق ول يص ح‬
‫تصوره‪.‬‬
‫ب ــ أما القاضي أبو يعلى فينقل عنه ابن الجوزي كثيرا‪ ،‬حتى إن قارئ كتابه ليخ ال أن ه إنم ا‬
‫صنفه لتقريع القاض ي؛ فت راه ي روى ح ديثا موقوف ا م ن كت اب الس نة للخ الل‪» :‬ض حك حت ى ب دت‬
‫لھواته وأضراسه«‪ .‬ثم يقول‪ :‬قال القاضي أبو يعلى‪ :‬ال يمتنع األخذ بظاھر األحاديث‪ ،‬وإمرارھا‬
‫على ظواھرھا من غير تأويل‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪ :‬واعجبا‪ :‬قد أثبت ـ تعالى ـ صفات بأحادي ث آح اد‪ ،‬وألف اظ ال تص ح‪ ،‬وق د‬
‫‪2‬‬
‫أثبت األضراس فما عنده من اإلسالم خبر ‪.‬‬
‫وفي حديث‪» :‬ضرس الكافر في النار مث ل أح د‪ ،‬وكثاف ة جل ده اثن ان وأربع ون ذراع ا ب ذراع‬
‫الجبار«‪ .‬قال ابن الجوزي‪ :‬قال أبو عمر الزاھد‪ :‬الجب ار ھھن ا‪ :‬الطوي ل‪ ،‬يق ال‪ :‬نخل ة جب ارة‪ .‬ق ال‬
‫القاضي أبو يعلى‪ :‬نحملھا على ظاھرھا‪ ،‬والجبار ھو ﷲ ـ عز وجل‪.‬‬
‫ويذكر ابن الجوزي أن القاضي روى عن مجاھد أنه قال‪ :‬إذا كان يوم القيامة يذكر داود علي ه‬
‫الصالة والسالم ـ ذنبه‪ ،‬فيقول ﷲ ـ تعالى ـ ‪ :‬كن أمامي‪ .‬فيقول‪ :‬يا رب‪ ،‬ذنب ي ذنب ي‪ ،‬فيق ول‪ :‬ك ن‬
‫خلف ي فيق ول‪ :‬ي ا رب‪ ،‬ذنب ي ذنب ي‪ ،‬فيق ول‪ :‬خ ذ بق دمي‪ .‬وف ي لف ظ ع ن اب ن س يرين ق ال‪ :‬إن ﷲ ـ‬
‫تعالى ـ ليقرب داود حتى يضع يده على فخذه‪.‬‬
‫قال القاضي أبو يعلى‪ :‬نحمل ه عل ى ظ اھره؛ ألنن ا ال نثب ت ق دما وفخ ذا ھ و جارح ة‪ .‬وق د أخ ذ‬
‫علي ه اب ن الج وزي إثب ات ص فات ب أقوال نس بت للت ابعين ول م تص ح ع نھم‪ ،‬ول و ص حت فإنم ا‬
‫يذكرونھا عن أھل الكتاب‪ ،‬كما يذكر وھب ب ن منب ه‪ .‬ويق ول‪ :‬اب ن الج وزي »واعجب ا‪ :‬لق د كمل وا‬
‫ھيئ ة الب دن‪ ،‬بإثب ات فخ ذ وس اق وق دم ووج ه وي دين ‪ ،...‬ويقول ون تحم ل عل ى ظاھرھ ا وليس ت‬
‫بجوارح‪ ،‬وھل يجوز لعاقل أن يثبت خلفا وأمام ا وفخ ذا؟ م ا ينبغ ي أن نح دث ھ ؤالء؛ ألن ا ق د‬
‫عرفن ا الفخ ذ‪ ،‬فيق ال‪ :‬ل يس بفخ ذ‪ ،‬والخ ف ل يس بخ ف‪ ،‬ومث ل ھ ؤالء ال يح دثون؛ ف إنھم يك ابرون‬
‫‪3‬‬
‫العقول كأنھم يحدثون األطفال« ‪.‬‬
‫ج ـ أم ا اب ن الزاغ وني في ذكره اب ن الج وزي بع د المقدم ة ف ي ص لب الكت اب م رة واح دة ف ي‬
‫الكالم على إثبات القدم في حديث البخاري ومسلم ع ن أن س ـ رض ي ﷲ عن ه ـ أن النب ي ـ ص لى‬
‫ﷲ عليه وآله وسلم ـ قال‪» :‬ال تزال جھنم يلقى فيھا وتقول ھل من مزيد؟ حت ى يض ع رب الع زة‬
‫فيھا قدمه‪ ،‬فينزوي بعضھا إلى بعض«‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪» :‬قال القاضي أبو يعلى‪ :‬القدم ص فة ذاتي ة‪ .‬وق ال اب ن الزاغ وني‪ :‬يق ول إنم ا‬
‫وضع قدمه في النار؛ ليخبرھم أن أصنامھم تحترق وأنا ال أحترق«‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫قال ابن الجوزي‪» :‬ھذا إثبات تبعيض‪ ،‬وھو من أقبح االعتقادات« ‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ اآلراء الحشوية في مجال النظر العقلي‪:‬‬


‫لقد كان ماسبق الكالم عليه طرفا من الحشو الصادر عن الرواة ونقلة األخب ار‪ ،‬وھن اك مج ال‬
‫ث ان للحش و ف ي ت اريخ المس لمين‪ ،‬غل ب في ه ص دور التش بيه ع ن العق ل وبحوث ه‪ ،‬وم ا أف اده م ن‬
‫الفلسفات التي خ الط المس لمون أھلھ ا‪ ،‬واحتك وا بھ ا ف ي حرك ة الفت وح اإلس المية‪ ،‬واتس اع رقع ة‬
‫دولة اإلسالم‪ ،‬احتكاكا لم يقف عند التقاء السيوف؛ بل تجاوز ذلك إلى تالقح العقول‪.‬‬
‫ولقد ظھرت ھذه النزعة أول ما ظھرت ـ فيم ا أعل م ـ وف ق م ا تتيح ه المص ادر ـ عن د الم تكلم‬
‫اإلمامي المعروف ھشام بن الحكم )ت‪199‬ھ ـ(‪ ،‬وق د ق ال ش يخ اإلس المي اب ن تيمي ة ـ وھ و م ن‬

‫‪ - 1‬السابق ـ ص ‪ .56 ،55‬وراجع صفحتي ‪.66 ،49‬‬


‫‪ - 2‬السابق‪ :‬ـ ص ‪.42 ،41‬‬
‫‪ - 3‬السابق ص ‪ .41 ،40‬وراجع الصفحات ‪.65 ،64 ،61 ،57 ،54 ،51 ،49 ،47‬‬
‫‪ - 4‬السابق ـ ص ‪.39 ،38‬‬
‫أضبط ال ذين أرخ وا للمق االت ف ي كتب ه نق ال‪» :‬أول م ن ع رف عن ه ف ي اإلس الم أن ه ق ال‪ :‬إن ﷲ‬
‫‪1‬‬
‫جسم‪ .‬ھو ھشام بن الحكم« ‪.‬‬
‫وقال الدكتور النشار‪» :‬أجمع مؤرخو الفكر اإلسالمي القدامى‪ :‬شيعة‪ ،‬وس نة‪ ،‬ومعتزل ة‪ ،‬عل ى‬
‫أن ھشام بن الحكم ھو أول م ن ق ال‪ :‬إن ﷲ جس م‪ .‬وأن مقال ة التجس يم إنم ا تنس ب إلي ه؛ فھ و أول‬
‫من أدخلھا أو ابتدعھا‪ ،‬كما نسب إلي ه التش بيه أيض ا‪ ،‬وثم ة خ الف ب ين التجس يم والتش بيه‪ .‬ونح ن‬
‫نعلم أن مقاتل ب ن س ليمان ن ادى أيض ا بالتجس يم‪ ،‬كم ا ن ادى بالتش بيه؛ غي ر أن مق اتال وص ل إل ى‬
‫آرائه من خالل تفسيره للقرآن ـ أي خالل طريق نقلي ـ فقد حشا تفسيره بإس رائيليات ومس يحيات‬
‫وثنويات انتھى منھا إلى تجسيم وتشبيه غليظين‪ .‬وھذا ما لم يفعله فيما يب دو ھش ام ب ن الحك م‪ ،‬ب ل‬
‫‪2‬‬
‫يكاد يكون طريقه في إثبات الجسمية طريقا عقليا بحتا« ‪.‬‬
‫وأنا أتابع الدكتور النشار فيما ذھب إليه من التفرقة بين مقالة مقات ل ب ن س ليمان ومقال ة ھش ام‬
‫بن الحكم‪ ،‬وأرى أن المذھب الذي انتھى إليه ھشام في التجسيم كان عقليا محض ا؛ فم ن أي ن ك ان‬
‫له في رواية األخبار أن ﷲ ـ تعالى ـ »جسم ال كاألجسام«؟! وال نعرف أنه اعتمد فيما قاله عل ى‬
‫رواية حديث على نحو ما ذكره الشھرستاني عن صاحب الطاق أبي جعفر األحول‪.‬‬
‫إن ھشاما يرى ـ كما نقل األشعري والبغدادي والشھرساتي عن ابن الراوندي الذي ذھب فيما‬
‫ص َّنف لھم ـ أن ﷲ سبحانه يشبه األجسام الت ي خلقھ ا‬ ‫مذھب الرافضة و َ‬
‫َ‬ ‫ُنقل عنه من أقوال متعددة‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬ولوال ذلك ما دلت عليه؛ إذ كيف تدل عليه األجسام دون أن يكون بينھم ا ن وع‬
‫‪3‬‬
‫من المشابھة؟ ‪.‬‬
‫وقد انتھى الدكتور النشار في تحليل ه لك ل م ا ورد ع ن ھش ام ھ ذا ف ي كت ب الف رق إل ى تحدي د‬
‫فلسفة ھشام وتحديد موقفه من الوجود بأنه جسم مادي رقيق شفاف‪ ،‬وليس فيه إال األجسام‪ ،‬حت ى‬
‫األلوان والحركات أجسام‪ .‬ويرى أنه ت أثر ف ي مذھب ه بتل ك المناقش ات الدائب ة بين ه وب ين الثنوي ة‪،‬‬
‫وبردوده على المتقدمين من الفالسفة أصحاب الطبائع؛ إذ علق به من آرائھم ما ال يخالف جوھر‬
‫‪4‬‬
‫التوحيد في نظره‪ ،‬ويقول الدكتور النشار‪» :‬إنھا فكرة تبادل األسلحة« ‪.‬‬
‫ويرى الدكتور النشار أن أية محاولة تبذل ف ي س بيل نف ي التجس يم ع ن ھش ام ال تعب ر إال ع ن‬
‫جھل صاحبھا بحقيقة مذھب ھشام بن الحكم‪ ،‬وھي بمثابة محاول ة ھ دم النظري ة الھش امية كامل ة‪،‬‬
‫ويص رح بأن ه »مھم ا ح اول المجتھ دون المت أخرون م ن مح اوالت ف ي ھ ذا الس بيل؛ ف إن م ذھب‬
‫ھش ام يق ف متماس كا‪ ،‬مختلف ا تم ام االخ تالف ع ن م ذھب المعتزل ة‪ ،‬وم ذھب االثن ا عش رية‬
‫‪5‬‬
‫المعتزلة« ‪.‬‬
‫ولقد ورث ھذا االتج اه داخ ل إط ار أھ ل الس نة المثبت ين لخالف ة الثالث ة طائف ة الكرامي ة‪ ،‬وھ م‬
‫أتباع أبي عبد ﷲ محمد ب ن ك رام ب ن ع راف السجس تاني )ت‪255‬ھ ـ(‪ ،‬وك ان اب ن ك رام ھ ذا ق د‬
‫انتقل حين شب من سجستان إلى خراسان؛ حيث تعلم وتلقى معارفه األول ى ف ي م وطن الحش وية‬
‫بأرض مقاتل بن سليمان‪ ،‬تلك األرض التي اش تھرت بأنھ ا ملتق ى الم ذاھب الغنوص ية القديم ة‪،‬‬
‫وقد جمع ابن كرام إلى القول بالتجسيم القول باإلرجاء‪ ،‬وغلب ت علي ه روح الزھ د والتنس ك‪ ،‬وق د‬
‫كان لھذه ال روح أكب ر األث ر ف ي ش يوع مذھب ه الك در ب ين طغ ام الن اس؛ فتبع ه عل ى بدعت ه آالف‬
‫‪6‬‬
‫مؤلفة من الدھماء‪ ،‬فاستوى قوله مذھبا من األنصار كثرة وقوة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن تيمية ‪ :‬منھاج السنة ـ ‪.72 /1‬‬


‫‪ - 2‬النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪.173 /2‬‬
‫‪ - 3‬راجع األشعري‪ :‬مقاالت ـ ‪ .281 /1‬والبغدادي‪ :‬الفرق بين الف رق ـ ص ‪ .66‬والشھرس تاني‪ :‬المل ل والنح ل ـ‬
‫‪.164 /1‬‬
‫‪ - 4‬انظر النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪.185 /2‬‬
‫‪ - 5‬النشار ‪ :‬السابق ـ ص ‪.199 ،198‬‬
‫‪ - 6‬راجع أبا المظفر اإلسفراييني‪ :‬التبصير في الدين ـ ص ‪ .100 ،99‬وراجع د‪ /‬النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪.297 /1‬‬
‫وقد كان البن كرام رواية ساقطة في الحديث‪ ،‬والذي يظھر من ترجمت ه ف ي كت ب الرج ال أن‬
‫مناكيره كانت في اإلرجاء؛ فق د روى ال ذھبي ف ي المي زان م ن طري ق أب ي العب اس الس راج ق ال‪:‬‬
‫»شھدت البخاري‪ ،‬ودفع إليه كتاب من ابن ك رام يس أله ع ن أحادي ث منھ ا‪ :‬الزھ ري‪ ،‬ع ن س الم‪،‬‬
‫ع ن أبي ه مرفوع ا‪» :‬اإليم ان ال يزي د وال ي نقص«‪ .‬فكت ب أب و عب دﷲ )أي محم د ب ن إس معايل‬
‫‪1‬‬
‫البخاري( على ظھر كتابه‪ :‬من حدث بھذا استوجب الضرب الشديد‪ ،‬والحبس الطويل« ‪.‬‬
‫وقال عنه ابن عساكر‪» :‬لما دخل القدس سمع الناس منه حديثا كثيرا‪ ،‬فجاءه إنسان فسأله ع ن‬
‫اإليمان؛ فلم يجبه ثالثا‪ ،‬ث م ق ال‪ :‬اإليم ان ق ول‪ .‬فلم ا س معوا ذل ك َحرَّ ق وا الكت ب الت ي كتب وا عن ه‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ونفاه والي الرملة إلى زغر فمات بھا« ‪.‬‬
‫أما حقيقة مذھب ابن كرام في التجسيم‪ ،‬فإنھ ا تظھ ر جلي ة فيم ا نقل ه مؤرخ و الف رق م ن كتاب ه‬
‫»عذاب القبر« قال‪» :‬إن ﷲ ــ تع الى ـ ـ أح دى ال ذات‪ ،‬أح دى الج وھر«‪ .‬وق د علَّ ق اإلس فراييني‬
‫على ھذا قائال‪» :‬أطلق عليه اسم الجوھر كما أطلقه النصارى‪ ،‬وأتباعه يتب رأون م ن إط الق اس م‬
‫الجوھر‪ ،‬ويطلقون عليه اسم الجسم‪ ،‬كامتناع المعروف بشيطان الطاق من ال روافض م ن إط الق‬
‫‪3‬‬
‫اسم الجسم عليه‪ ،‬ثم قوله على أنه صورة إنسان؛ فكان ما فروا إليه شرا مما فروا عنه« ‪.‬‬
‫أما الدكتور النشار فيتعمق ھذا القول في تحليله الموفق؛ ل يخلص بن ا إل ى بي ان حقيقت ه بع د أن‬
‫أشار إليھا كل من البغدادي واإلسفراييني وقاما بتحديد المصدر الذي استمد منه ابن كرام إط الق‬
‫لفظ الجوھر على ﷲ ــ جل وعال‪.‬‬
‫يقول الدكتور النشار‪» :‬م ن الواض ح أن الج وھر ھن ا ـ وق د أطلق ه اب ن ك رام عل ى ﷲ ـ يعن ي‬
‫الذات‪ .‬فا أحدى الذات وأحدى الجوھر‪ ،‬فذاتية ﷲ وجوھريته واحدة‪ ،‬وھذه الذاتية الواحدة وھذه‬
‫الجوھرية الواحدة ھي جسم‪ ،‬وجسم ال كاألجسام‪ .‬فا ھو الجسم في ذاته وفي ج وھره الواح د أو‬
‫الوحيد‪ ،‬وما عدا ﷲ وما سواه فليس بجسم على اإلطالق‪ .‬والجسم ھو الموجود‪ ،‬وھو القائم بنفسه‬
‫أو بذاته‪ ،‬أو بمعنى أدق لقد آمن ابن كرام بأن ھن اك جس ما وال جس م‪ ،‬وج ودا وال وج ود‪ ،‬أو ب أن‬
‫ھن اك جس ما وفع ال وك ان ال ب د أن ي درج ﷲ تح ت أح د ھ ذين القس مين؛ ف اعتبر ﷲ جس ما‬
‫‪4‬‬
‫والموجودات ال أجسام بل أفعال« ‪.‬‬
‫والذي يخلص لدى من كالم الدكتور النشار أن ابن كرام في تحديد موقفه الفلسفي من الوج ود‬
‫قسم الوجود قسمين‪ :‬جسما‪ ،‬وفعال‪ .‬وإذا كان ﷲ موجودا فال بد أن يكون ف ي س لك أح د القس مين‪.‬‬
‫وال يجوز أن يكون فعال فھو جسم‪ ،‬وقد سبق نقل ھذا المعنى عن ھشام بن الحكم أيضا‪.‬‬
‫وھذا مذھب ال يعقل أن تكون الرواية طريقا له‪ ،‬ولذا حاول مؤرخو الفرق من ق ديم أن ي ردوا‬
‫عناصره إلى أصول متفرق ة م ن الفلس فات القديم ة الت ي ت داولھا أھ ل المنطق ة الت ي نش أ فيھ ا اب ن‬
‫صل بين أركانھا معارفه األولى‪ .‬وقد رأينا اتفاق البغدادي واإلسفراييني عل ى رد مقول ة‬ ‫كرام وح َّ‬
‫الجوھر إلى النصارى وقد اتفقا معا ـ وإني ألحسب اإلسفراييني ينقل عن البغدادي؛ إذ يوافقه ف ي‬
‫كثير من عباراته ـ على أن ابن كرام قال في معبوده إنه جسم له حد واحد من الجھ ة الت ي يالق ي‬
‫منھا عرشه‪ ،‬وال نھاية له من الجھات الخمس األخرى‪ .‬ورجعا بھذا القول إل ى مقول ة الثنوي ة ف ي‬
‫‪5‬‬
‫معبودھم‪ :‬إنه نور متناه من الجانب الذي يالقي الظالم‪ ،‬وإن لم يتناه من خمس جھات ‪.‬‬
‫وھ ذا يعن ي أن اب ن ك رام وأتباع ه ق د ت أثروا إل ى ح د كبي ر ب الغنوص المش رقي المتمث ل ف ي‬
‫التراث الثنوي‪ ،‬والزراد شتية في منطقة نشأتھم‪ .‬واإلسفراييني يحرص على تأكي د ھ ذا األث ر ف ي‬
‫الربط بين قول الكرامية بأن ﷲ محل للحوادث‪ ،‬وبين تراث الثنوية في ھذه المنطق ة فيق ول‪» :‬إن‬
‫المجوس قالوا‪ :‬تفكر ي زدان ف ي نفس ه أن ه يج وز أن يظھ ر ل ه من ازع ينازع ه ف ي مملكت ه‪ ،‬ف اھتم‬

‫‪ - 1‬عن ابن حجر‪ :‬لسان الميزان ـ ‪.400 /5‬‬


‫‪ - 2‬عن السابق ـ ص ‪.402‬‬
‫‪ - 3‬اإلسفراييني‪ :‬التبصير ـ ص ‪ .100‬وراجع البغدادي‪ :‬الفرق ـ ص ‪ .216‬والشھرستاني‪ :‬الملل ـ ‪.99 /1‬‬
‫‪ - 4‬النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪.299 /1‬‬
‫‪ - 5‬انظر البغدادي‪ :‬الفرق ـ ص ‪ ،216‬واإلسفراييني‪ :‬التبصير ـ ص ‪.99‬‬
‫لذلك فحدثت ف ي ذات ه عفون ة بس بب ھ ذه الفك رة فخل ق منھ ا الش يطان فأخ ذ الكرامي ة ھ ذه المقال ة‬
‫‪1‬‬
‫وبنوا عليھا قولھم بحدوث الحوادث في ذاته سبحانه« ‪.‬‬
‫وي رى البغ دادي أن ھ ذا الق ول األخي ر نظي ر ق ول أص حاب ال َھ ُي ولَى‪ :‬إن ال َھ ُي ولَى كان ت ف ي‬
‫‪2‬‬
‫األزل جوھرا خاليا من األعراض‪ ،‬ثم حدثت األعراض فيھا وھي ال تخلو منھا في المستقبل ‪.‬‬
‫ومھما كان األص ل ال ذي ص در عن ه اب ن ك رام ف ي تجس يمه‪ ،‬وإن ك ان رأى اإلس فراييني ھ و‬
‫األقرب للصواب فيم ا أعتق د؛ ف إن مقول ة التجس يم يل زم عنھ ا الق ول بالح د والنھاي ة للجس م إال أن‬
‫يكون الوجود كله جسما واحدا غير متناه أو متعدد‪ .‬ويلزم عنھا أن يكون الجس م مح ال للح وادث‪،‬‬
‫فالعقل ال يقبل وجود جسم ال تتعاقبه األعراض‪ ،‬وكأني بھشام بن الحكم أوال واب ن ك رام وأتباع ه‬
‫ثانيا لم يستطيعوا تصور موجود موصوف أو حامل لصفات متعددة دون أن يك ون ھ ذا الموج ود‬
‫جسما؛ فأطلقوا على ﷲ ـ تعالى ـ لفظ الجسم‪ ،‬وإذا ك ان ﷲ مغ ايرا لخلق ه ف ي ذات ه وص فاته؛ فھ و‬
‫جسم ال كاألجسام‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ اآلراء الحشوية في مجال التصوف‪:‬‬


‫وقد نسب الحشو إلى دوائر النساك الصوفية؛ حتى إننا لنجد بين الدراسين من يغالي في نس بة‬
‫الص وفية المس لمين جميع ا عل ى امت داد ت اريخھم الطوي ل إل ى الحش و والق ول ب الحلول واالتح اد‬
‫وادعاء الصلة المادية با ـ جل وعال‪.‬‬
‫اج‬ ‫ظھور الحشو والتشبيه ب ين »ال ُم َت َر ِّ‬
‫س ٍمينَ بالتص وف« ـ عل ى َح ِّد تعبي ر ال َّس رَّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ولست أنفي‬
‫َّ‬
‫الطوسي ـ ممن اعتقد الحلول واالتحاد فبرئ منه الصوفية كما َت َبرَّ أ منه غي ُرھم؛ لكني أتوقفُ ف ي‬
‫نسبة التشبيه والتجسيم إلى مثل أحمد الھجيمي‪ ،‬ومضر‪ ،‬وكھمس‪ ،‬وأستبع ُد ھذه النسبة؛ فق د ص ح‬
‫عندي أنَّ أحمد الھجيمي ھو صاحب عبد الواحد بن زيد )ت‪177‬ھـ( وكذلك مضر‪ .‬وقد ذكرھما‬
‫الحافظ أبو ُن َع ْيم في منتھى مرويات ه ع ن عب د الواح د ف ي ترجمت ه بحلي ة األولي اء‪ ،‬و َس َّمى ُم َ‬
‫ض رً ا‬
‫‪3‬‬
‫بمضر العابد مرة‪ ،‬وثالث مرات بمضر القارئ‪ ،‬وذكره مرة مع كنيته مضرا أبا سعيد ‪.‬‬
‫وأحمد الھجميي ھو أول من بنى دويرة للصوفية‪ ،‬وقد ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية في رسالة‬
‫‪4‬‬
‫»الص وفية والفق راء« مبھم ا‪ ،‬وج اء التص ريح باس مه مص حفا ف ي مجم وع الفت اوى ‪ ،‬وص وابه‬
‫أحمد بن عطاء الھجيمي البصري كما جاء في ميزان الذھبي ووافقه إس ناد أب ي نع يم ف ي ترجم ة‬
‫‪5‬‬
‫عبد الواحد في حلية األولياء ‪.‬‬
‫أم ا كھم س فق د ذھ ب ال دكتور النش ار إل ى أن ه كھم س ب ن الحس ن أب و عب د ﷲ البص ري‬
‫)ت‪149‬ھ ـ(‪ ،‬وھ ذا مس تبعد؛ ألن كھم س ب ن الحس ن م ن الزھ اد األوائ ل رح ل بأم ه إل ى مك ة‬
‫وجاور بھا حتى مات‪ ،‬وھو من رجال الشيخين احتج البخاري ومسلم بحديثه في أصول األب واب‬
‫أكثر من مرة‪ ،‬وقد اعتبره الدكتور النشار نفسه ـ ف ي الج زء الثال ث م ن كتاب ه ـ م ن رواد المحب ة‬
‫‪6‬‬
‫اإللھية األوائل‪ ،‬الذين م َّھدوا الطريق لمثل عبدالواحد بن زيد وغيره من الصوفية فيما بعد ‪.‬‬
‫والذي أرجحه أن يكون كھمس الم ذكور ف ي كت ب الف رق منس وبا إل ى التش بيه ھ و كھم س ب ن‬
‫المنھال السدوسي أبو عثمان البصري اللؤلؤي ال ذي ت ذكره كت ب الرج ال بع د اب ن الحس ن‪ ،‬وھ و‬
‫من الطبقة التاسعة كما في »تقريب التھذيب« البن حجر يروى عن س عيد ب ن أب ي عروب ة‪ ،‬ع ن‬
‫قتادة‪ ،‬عن الحسن البصري‪ ،‬عن سمرة بن جندب ـ رضي ﷲ عنه ـ كما ذكره اإلمام البخاري في‬

‫‪ - 1‬اإلسفراييني‪ :‬التبصير ـ ص ‪.101‬‬


‫‪ - 2‬البغدادي‪ :‬الفرق ـ ص ‪.218‬‬
‫‪ - 3‬راجع أبا نعيم ‪ :‬حلية األولياء ـ ‪.164 :156 /6‬‬
‫‪ - 4‬انظر ابن تيمية‪ :‬مجموع الفتاوى ـ ‪.358 /10‬‬
‫‪ - 5‬انظر الذھبي‪ :‬ميزان االعتدال ـ ‪ .56 /1‬وأبا نعيم‪ :‬السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ - 6‬راجع د‪ /‬النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪ .287 /1‬وقارنه بكالمه عن كھمس ـ ‪ .178 ،177 /3‬وراجع ترجم ة كھم س‬
‫بن الحسن عند ابن حجر ‪ :‬تھذيب التھذيب ـ ‪.450 /8‬‬
‫‪1‬‬
‫التاريخ الكبير ‪ .‬وھذا يعني أنه كان معاصرً ا ألحمد الھجيمي ومضر العابد ص احبي عب د الواح د‬
‫بن زيد‪ ،‬وربما كان ھو أيضا من أصحاب عبد الواحد‪.‬‬
‫ويرجح ذلك مراجعة نصوص األشعري في »مقاالت اإلس الميين« حي ث ي ذكر م ا نس به إل ى‬
‫مضر وكھمس مع عبد الواحد بن زيد في نسق واحد؛ فيقول‪» :‬وأجاز كثي ر مم ن أج ازوا رؤيت ه‬
‫في الدنيا مصافحته ومالمسته ومزاورته إياھم‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن المخلصين يعانقونه في الدنيا واآلخ رة‬
‫إذا أرادوا ذل ك‪ُ .‬حك َي ذل ك ع ن بع ض أص حاب مض ر وكھم س«‪ .‬ويق ول األش عري عق ب ذل ك‬
‫مباشرة‪» :‬و ُحك َي عن أصحاب عبدالواحد بن زي د أنھ م ك انوا يقول ون‪ :‬إن ﷲ س بحانه ُي رى عل ى‬
‫‪2‬‬
‫قدر األعمال؛ فمن كان عمله أفضل رآه أحسن« ‪.‬‬
‫ويعود األشعري إلى ذكر ھذه المق االت جميع ا دون أن ينس بھا إل ى أص حابھا ف ي حكاي ة ق ول‬
‫»قوم من النساك« ويقول خالل ذلك‪» :‬وك ان ف ي الص وفية رج ل يع رف ب أبي ش عيب ي زعم أن‬
‫‪3‬‬
‫ﷲ يسر ويفرح بطاعة أوليائه‪ ،‬ويغتم ويحزن إذا عصوه« ‪.‬‬
‫والذي يعنينا في ھذا أمران‪ :‬أولھما‪ :‬نسبة مثل ھذه المقاالت إلى مضر وكھمس في نس ق عب د‬
‫الواح د ب ن زي د‪ .‬والث اني‪ :‬نس بتھا جميع ا إل ى النس اك والص وفية‪ ،‬وھ ذه التس مية األخي رة ل م تك ن‬
‫تطلق على من عاش من الزھاد في عصر كھمس بن الحسن )ت‪149‬ھـ( نضيف إلى ذلك اتف اق‬
‫كتب الرجال على ذكر اتھام عبد الواحد بن زيد‪ ،‬وأحمد بن عطاء الھجيمي‪ ،‬وكھمس بن المنھ ال‬
‫‪4‬‬
‫السدوس ي بالق در ‪ .‬وأحس ب أن ھ ذا ك ان لكالمھ م ف ي االكتس اب‪ ،‬وق د روى ال ذھبي ف ي ترجم ة‬
‫الحسن البصري شيخ عبد الواحد بن زيد‪ ،‬عن أبي سعيد األعرابي قال‪» :‬كان يجلس إلى الحس ن‬
‫طائفة من ھؤالء فيتكلم في الخصوص حتى نسبته القدرية إلى الجبر‪ ،‬ويتكلم ف ي االكتس اب حت ى‬
‫‪5‬‬
‫نسبته السنة إلى القدر ‪ ،...‬وھو بريء من القدر وم ن ك ل بدع ة« ‪ .‬وق د ذك ر ش يخ اإلس الم اب ن‬
‫تيمية أن اإلمام أحمد بن حنبل قيل له‪ :‬كان ابن أبي ذئيب قدريا؟ فقال‪ :‬الناس كل م ن َش َّد َد عل يھم‬
‫‪6‬‬
‫في المعاصي قالوا‪ :‬ھذا قدري ‪.‬‬
‫ونخلص من ھذا كله إلى أن ھؤالء الذين نسبت إليھم كت ب الف رق الغل و ف ي التجس يم‪ ،‬وإثب ات‬
‫المصافحة والمالمسة والمعانقة ــ تعالى ــ إنما ھم أصحاب عبد الواحد ب ن زي د ال ذي ق ال في ه‬
‫‪7‬‬
‫مث ل الح افظ ال ذھبي‪» :‬ش يخ الص وفية‪ ،‬وأعظ م م ن لح ق الحس ن وغي ره« ‪ .‬وھ م بع ض طالئ ع‬
‫الصوفية القائمين على َم ْفصِ ِل الطريق بين الزھد والتصوف بمعناه الدقيق‪ ،‬وأح دھم ھ و أول م ن‬
‫بنى دويرة للصوفية بالبصرة كما قال ابن تيمية‪ .‬فھل يكون ھؤالء من رواد التشبيه والتجسيم في‬
‫تاريخ المسلمين العقدى‪ ،‬كما أنھم من الرواد األوائل في تاريخ التصوف اإلسالمي؟‬
‫إن األشعري يحكي آراء ينسبھا إليھم فقط‪ ،‬وال يقدم لنا نصوص أقوالھم وال شيئا م ن األخب ار‬
‫التي رويت من ط ريقھم؛ فس وغت نس بتھم إل ى التش بيه والتجس يم‪ .‬ولق د أجھ دت نفس ي ف ي طل ب‬
‫أسانيد من وجدت له ترجمة منھم في كتب الرجال فلم أظفر بشيء م ن ھ ذا‪ ،‬س وى م ا ذك ره اب ن‬
‫حجر في اللسان زيادة على ترجمة أحمد الھجيمي في ميزان الذھبي‪ ،‬م ن أن اب ن الم ديني اإلم ا َم‬
‫علي بن عبد ﷲ بن جعفر بن نجيح السعدي )ت‪234‬ھـ( قال عن أحمد بن عطاء الھجيمي‪ :‬أتيته‬
‫يوما فجلست إليه فرأيت معه درجا يحدث به‪ ،‬فلما تفرقوا عنه قلت له‪ :‬ھذا سمعته؟ قال‪ :‬ال ولكن‬

‫‪ - 1‬انظر البخاري‪ :‬التاريخ الكبير ـ ‪ .240 /7‬ترجمة رقم )‪.(1029‬‬


‫‪ - 2‬األشعري‪ :‬مقاالت اإلسالميين ـ ‪.188 ،187 /1‬‬
‫‪ - 3‬السابق ـ ‪.344 /1‬‬
‫‪ - 4‬راجع ترجمة عبد الواحد بن زيد عند ابن حجر‪ :‬لسان الميزان ـ ‪ .95 /4‬وترجمة أحمد الھجيمي في اللسان ـ‬
‫‪ .238 /1‬وترجمة كھمس بن المنھال في التاريخ الكبير للبخ اري ـ ‪ ،240 /7‬وف ي مي زان االعت دال لل ذھبي ـ ‪/2‬‬
‫‪ ،358‬وفي تھذيب التھذيب البن حجر ـ ‪.451 /8‬‬
‫‪ - 5‬الذھبي‪ :‬سير أعالم النبالء ـ ‪.582 /4‬‬
‫‪ - 6‬ابن تيمية ‪ :‬منھاج السنة ـ ‪.25 ،24 /3‬‬
‫‪ - 7‬عن ابن حجر‪ :‬لسان الميزان ـ ‪.94 /4‬‬
‫اشتريته‪ ،‬وفيه أحاديث حسان أحدث بھا ھؤالء؛ ليعملوا بھا‪ ،‬وأرغبھم وأقربھم إلى ﷲ‪ ،‬ليس فيھ ا‬
‫حكم وال تبديل سنة‪ .‬قال ابن المديني‪ :‬قلت له‪ :‬أما تخ اف ﷲ؟ تق رب العب اد إل ى ﷲ بالك ذب عل ى‬
‫‪1‬‬
‫رسول ﷲ ـ صلى ﷲ عليه وسلم ‪.‬‬
‫والظ اھر م ن ھ ذه الرواي ة أن أحم د الھجيم ي ك ان يح دث م ن درج ه الم ذكور ع ن فض ائل‬
‫األعمال‪.‬‬
‫ولكن من أين جاء األشعري بما نس به إل ى أص حاب عب د الواح د؟ يق ول الشھرس تاني‪» :‬حك ى‬
‫األشعري عن محمد بن عيسى أنه حكى عن مضر‪ ،‬وكھمس‪ ،‬وأحمد الھجيمي‪ ،‬أنھم أجازوا على‬
‫ربھم المالمسة والمصافحة‪ ،‬وأن المسلمين المخلصين يعانقونه ف ي ال دنيا واآلخ رة؛ إذا بلغ وا ف ي‬
‫الرياضة واالجتھاد إلى حد اإلخ الص واالتح اد المح ض‪ .‬وحك ى الكعب ي ع ن بعض ھم؛ أن ه ك ان‬
‫‪2‬‬
‫يجوز الرؤية في دار الدنيا‪ ،‬وأن يزوره ويزورھم« ‪.‬‬
‫والكعبي أبو القاســم البلخي المعتزلي )ت‪319‬ھـ( وھ و م تكلم مع روف ك ان معاص را ألب ي‬
‫الحسن األشعري‪ .‬أما محمد ب ن عيس ى‪ ،‬فوجدت ه م ن المعتـ ـزلة روى ع ن أب ي إسـ ـحاق النظـ ـام‬
‫‪3‬‬
‫بعض أخبار أبي الھذيل العالف كما في المنية الب ن المرتض ى ‪ .‬وقـ ـد نسـ ـبه األشـ ـعري نفس ه‬
‫‪4‬‬
‫إلى النظــام في حكاية معاني معمر بن عباد‪ ،‬وسماه »محمد بن عيسى السيرافي النظامي« ‪.‬‬
‫وھذا يعني أن األشعري نقل ما نسبه إل ى أص حاب عب د الواح د ع ن المعتزل ة‪ ،‬ذوي المش رب‬
‫العقلي المخالف لمشرب عبد الواحد وأصحابه‪ ،‬وقد كان األشعري نفسه أول األمر أحد رجاالتھم‬
‫من تالميذ أبي علي الجبائي الذي كان زوج أمه‪ ،‬وفي ذلك ما يثير الشك في صحة ھذه النسبة‪.‬‬
‫والثاب ت ل دي الب احثين أن عب د الواح د ب ن زي د وأص حابه ك انوا م ن رواد المحب ة اإللھي ة ف ي‬
‫الق رن الث اني الھج ري‪ ،‬وأھ ُل العش ق لھ م لغ تھم ف ي التعبي ر ع ن المحب ة‪ ،‬وع ن الش وق‪ ،‬وع ن‬
‫الوصال‪ ،‬وعن الھجر‪ ،‬نثرا وشعرا منذ وقت مبكر في القرن الثاني الھجري‪ ،‬وربما حك ى محم د‬
‫بن عيسى فھمه لما قاله ھؤالء العشاق؛ فروى عنھم مصافحة الباري ومعانقته إلى غير ذل ك م ن‬
‫ترھات التجس يم الف احش‪ ،‬أو أنھ م إنم ا ك انوا يتكلم ون ع ن الرؤي ة ف ي المن ام كم ا ق د يس تفاد م ن‬
‫عبارات األشعري الس الفة‪ ،‬وربم ا ك ان الق وم ب رءاء م ن اعتق اد م ا حك اه ع نھم‪ ،‬ث م ج اء الكعب ي‬
‫واألشعري فنقال ذلك في مقاالتھما‪ ،‬وعنھا أخ ذ م ن نس ب التش بيه والتجس يم إل ى أحم د الھجيم ي‬
‫ومضر العابد وكھمس بن المنھال‪.‬‬
‫ال أستطيع أن أجزم بھ ذا ال رأي؛ إذ ال يثبت ه يقين ا إال نص وص ك الم أص حاب عب د الواح د إن‬
‫عثرن ا عليھ ا‪ ،‬وإن ك ان ل دينا ش واھد كثي رة ج دا تتمث ل ف ي كثي ر م ن عب ارات ش يوخ الص وفية‬
‫األوائل‪ ،‬الذين عاشوا قريبا من زمان عبدالواح د وأص حابه ف ي الق رن الثال ث الھج ري؛ ولھ ؤالء‬
‫الشيوخ كالم لو حمل على ظاھرة بمعزل عن حال القوم‪ ،‬لجرى على إثبات الوص ل الم ادي ب ين‬
‫الصوفي المحب وربه؛ لكنني أتوقف عن الجزم برأي مح دد‪ ،‬ولع ل البح ث يم ن علين ا بنص وص‬
‫تظھ ر وج ه الح ق الناص ع‪ ،‬وتس وغ لن ا الحك م الص واب‪ ،‬وحس بي اآلن إلق اء الحج ر ف ي البحي رة‬
‫الراكدة؛ ليفيق من يستريح إلى التسليم لكتب الفرق دون امتح ان أخبارھ ا؛ وعرض ھا عل ى مح ك‬
‫النظر واالختبار‪ ،‬وفق ما يتيسر من سبل النقد والتمحيص‪.‬‬
‫وك ذلك تتوق ف ھ ذه الدراس ة ف ي متابع ة م ن نس ب التش بيه إل ى بع ض الش يوخ ال ذين عرف وا‬
‫بالكالم كما نس بوا إل ى التص وف؛ مث ل‪ :‬الس المية‪ ،‬ال ذين اتھمھ م مث ل اإلم ام الع ارف عب د الق اھر‬
‫الجيالني )ت‪561‬ھـ(‪ ،‬ألننا ال نجد من الشواھد ما يكفي التھ ام ش يوخ الس المية األوائ ل‪ ،‬خاص ة‬
‫أن بين أيدينا عقيدة رجل اشتھر بين الباحثين تأثره بشيخ السالمية الثاني‪ ،‬وھ و أب و طال ب المك ي‬
‫)ت‪386‬ھ ـ(‪ ،‬وھ ي معروض ة بعب ارة ظ اھرة تكس وھا مع اني التنزي ه‪ ،‬وال تش وبھا م ن التش بيه‬

‫‪ - 1‬السابق ـ ‪.238 /1‬‬


‫‪ - 2‬الشھرستاني‪ :‬الملل والنحل ـ ‪.96 /1‬‬
‫‪ - 3‬راجع ابن المرتضى‪ :‬المنية واألمل )القسم األول من كتاب فرق وطبقات المعتزلة( ـ ص ‪.58‬‬
‫‪ - 4‬انظر األشعري ‪ :‬مقاالت اإلسالميين ـ ‪.180 /2‬‬
‫شائبة‪ ،‬تكرر فيھا نفى المشابھة بين ﷲ وب ين خلق ه‪ ،‬وإثب ات العج ز ع ن إدراك كيفي ة م ا ثب ت ل ه‬
‫‪1‬‬
‫من الصفات الخبري ة ؛ لك ن أب ا طال ب ي رى للتوحي د بع د ذل ك مرات ب‪ ،‬ولھ ذه المرات ب م دد م ن‬
‫المكاشفة التي تضعف العقول عن إدراك حقيقتھا‪ ،‬ويرى أن عام ة الن اس ال يس عھم معرف ة ذل ك‪،‬‬
‫وإفشاء سر الربوبية كفر‪ ،‬وم ا م ن ع الم يح دث قوم ا بعل م ال تبلغ ه عق ولھم إال ك ان فتن ة عل يھم‪،‬‬
‫ومن كالمه في ذلك أشياء نقضھا عبدالقادر الجيالني في حكايته ألقوال السالمية‪.‬‬
‫وقد نسب الجيالني إل ى الس المية الق ول ب أن ﷲ ي رى ي وم القيام ة ف ي ص ورة آدم ي محم دي‪،‬‬
‫وأنه ـ عز وجل ـ يتجلى لسائر الخلق يوم القيامة‪ ،‬من الجن والمالئكة والحيوان أجمع‪ ،‬لكل واحد‬
‫س َك ِم ْثلِ ِه‬
‫ف ي معن اه ‪ ..‬ق ال الجيالن ي‪ :‬وف ي كت اب ﷲ تك ذيبھم‪ ،‬وھ و ف ي قول ه ـ ع ز وج ل ـ‪ :‬لَ ْي َ‬
‫سمِي ُع ال َبصِ ي ُر‪ ‬الشورى‪.11/‬‬ ‫َ‬
‫ش ْي ٌء َوھ َُو ال َّ‬
‫ومما نسبه الجيالني للسالمية أنھم قالوا‪ :‬إن ﷲ تعالى يقرأ على لسان كل قارئ للق رآن‪ ،‬وأنھ م‬
‫إذا س معوا الق رآن م ن ق ارئ فإنم ا يس معونه م ن ﷲ‪ .‬والجيالن ي ي رى أن ھ اذ الق ول يفض ى إل ى‬
‫‪2‬‬
‫الحلول‪ ،‬ويؤدي إلى أن ﷲ يلحن ويلفظ‪ ،‬وھذا كفر من قائله ‪.‬‬
‫ويذكر الجيالني أيضا أنھم قالوا‪ :‬إن ﷲ ـ تعالى ـ في كل مكان‪ ،‬وال فرق ب ين الع رش وغي ره‬
‫م ن األمكن ة ويق ول الجيالن ي‪» :‬وف ي الق رآن تك ذيببھم ق ال ﷲ ـ ع ز وج ل ـ ‪» :‬ال رحمن عل ى‬
‫العرش استوى« طه‪ .5/‬وال يقال على األرض استوى‪ ،‬وال على بطون الجبال‪ ،‬وغير ذل ك م ن‬
‫‪3‬‬
‫األمكنة« ‪.‬‬
‫أما القول بأن نسبة ﷲ ـ تعالى ـ إلى العرش كنسبته في القرب إلى غيره من المخلوقات‪ :‬فھ ذا‬
‫ص رَّ ح ب ه ص احب ق وت القل وب فق ال‪» :‬إن ﷲ ـ ع ز وج ل ـ أق رب إل ى القل ب م ن وري ده‪،‬‬ ‫قول َ‬
‫وأقرب إلى الروح من حياته‪ ،‬وأقرب إلى البصر من نظره‪ ،‬وأقرب إل ى اللس ان م ن ريق ه بق رب‬
‫ھو وصفه؛ ال بتقريب وال بتقرب‪ ،‬وإنه ـ تعالى ـ على العرش في ذلك كله‪ ،‬وإن ه رفي ع ال درجات‬
‫م ن الث رى‪ ،‬كھ و رفي ع ال درجات م ن الع رش‪ ،‬وإن قرب ه م ن الث رى وم ن ك ل ش يء كقرب ه م ن‬
‫العرش‪ ،‬وإن العرش غير مالمس له بحس ‪ ،...‬وال نصيب للع رش من ه إال كنص يب م وقن ع الم‬
‫به واج د بم ا أوج ده من ه‪ ،‬م ن أن ﷲ ـ تع الى ـ علي ه‪ ،‬وأن الع رش مطم ئن ب ه‪ ،‬وأن ﷲ ـ تع الى ـ‬
‫مح يط بعرش ه ف وق ك ل ش يء‪ ،‬وف وق ك ل تح ت ‪ ،...‬ال يوص ف بتح ت فيك ون ل ه ف وق؛ ألن ه‬
‫ھوالعلى األعلى أين كان ال يخلو من علم ه وقدرت ه مك ان‪ ،‬وال يح د بمك ان‪ ،‬وال يفق د م ن مك ان‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫وال يوجد بمكان ‪ ،...‬ھو فوق مالئكة الثرى كھو فوق مالئكة العرش‪. «...‬‬
‫وھذا ق ول ظ اھر بنفس ه ال يحت اج إل ى بس ط وال تعلي ق‪ ،‬ول و ج از التعن ت ف ي التأوي ل وإل زام‬
‫العلماء بما قد يلزم عن أقوالھم من نتائج‪ ،‬وھو منھج خطير وغير سديد في أكثر األحيان؛ ألمكن‬
‫القول على منھج أكثر المتكلمين‪ :‬إن كالم الشيخ عبد القادر نفسه ھو ال ذي ق د ي ؤدي إل ى التش بيه‬
‫والتجس يم؛ فالش يخ يك اد يفس ر االس تواء عل ى الع رش باتخ اذه مكان ا دون غي ره م ن األمكن ة‪،‬‬
‫والجيالن ي ـ عل ى فض له وعل و منزلت ه ب ين ش يوخ الص وفية ـ م ن الحنابل ة ال ذين يعتق دون إثب ات‬
‫الجھة ‪ ،‬وﷲ ـ عز وجل ـ ھو العلي كما وصف نفسه وسمَّى؛ لكن لفظة »الجھ ة« غي ر ثابت ة‬
‫ال في الكتاب وال في السنة‪ ،‬وقد قال في »الغنية« في باب معرفة الصانع ـ عز وج ل ـ ‪» :‬وھ و‬
‫‪5‬‬
‫بجھة العلو مستو على العرش‪ ،‬محتو على الملك‪ ،‬محيط علمه باألشياء‪. «...‬‬

‫‪ - 1‬راجع أبا طال ب المكي ك ق وت القل وب ـ ‪ 90 :83 /2‬وق ارن كالم ه ف ي توحي د الخص وص بك الم عب د الق ادر‬
‫الجيالني‪ :‬الغنية لطالبي طريق الحق ـ عز وجل ـ ‪.84 ،83 /1‬‬
‫‪ - 2‬انظر الجيالني‪ :‬السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ - 3‬السابق ـ ص ‪.84‬‬
‫‪ - 4‬أبو طالب المكي‪ :‬قوت القلوب ـ ‪.85 /2‬‬
‫‪ - 5‬الجيالني ‪ :‬الغنية ـ ‪.48 /1‬‬
‫ولست أذھب مذھب الدكتور النش ار ف ي أن منط ق التش بيه ال ذي اعتنق ه الس المية ق د أدى بھ م‬
‫إل ى نتيج ة محتم ة ال فك اك منھ ا‪ ،‬وھ ي الحل ول أو االتح اد ال ذي ي تم للص وفي ب أن ي درك ذات ه‬
‫‪1‬‬
‫متطابقة مع اإلنية اإللھية‪ ،‬وأن ھذا ھو سر الربوبية عندھم ‪.‬‬
‫رق الفرنس يَّ ماس ينيون فيم ا كتب ه ع ن الس المية ب دائرة‬ ‫ولق د ت ابع النش ا ُر ف ي ذل ك المستش َ‬
‫‪2‬‬
‫المعارف اإلسالمية ‪ .‬وإني ألحسب أن ماسينيون قد استنبط رأيه من كالم أبي طالب المك ي ع ن‬
‫سر الربوية‪ ،‬وأن إفشاءه كفر؛ وقد روى أبو طالب عن بعض العارفين أن للربوبية سرا لو ظھر‬
‫لبطلت النبوة‪ ،‬وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم‪ ،‬وللعلماء با سر لو أظھ ره ﷲ ـ تع الى ـ لبلط ت‬
‫‪3‬‬
‫األحكام ‪.‬‬
‫وقد قال الجيالني من قبل في عرضه لمقالة الس المية‪» :‬وم ن ق ولھم‪ :‬إن ـ تع الى ـ س ًّرا ل و‬
‫أظھره لبطل التدبير‪ ،‬ولألنبياء سر لو أظھره لبلطت النبوة‪ ،‬وللعلماء سر لو أظھره لبطل العلم«‪.‬‬
‫وبعد ذلك قال الجيالني‪» :‬وھذا فاسد؛ ألن ﷲ ـ تعالى ـ حكيم وت دبيره محك م ال يتط رق نح وه‬
‫‪4‬‬
‫البطالن والفساد‪ ،‬وما ذكروه يؤدي إلى إبطال حكمته ـ تعالى ـ وھذا كفر« ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن الذي رواه أبو طالب المكي غير الذي ذكره الجيالني‪ ،‬ول يس ف ي رواي ة أب ي طال ب‬
‫التي نقلتھا ذكر بطالن التدبير بكشف سر الربوبية‪ ،‬والسياق الذي جاءت فيه رواية أبي طال ب ال‬
‫يؤدي إلى ھذا المعنى‪ ،‬ولعل الجيالني كان متأثرا فيم ا ذك ره ب آراء أس الفه الحنابل ة وھ م خص وم‬
‫الداء للسالمية كما قال ماسينيون في مقالته المشار إليھا‪.‬‬
‫أما ھذه األسرار‪ ،‬وفق ما يفھم من سياق كالم أبي طالب المكي وغي ره م ن ش يوخ الص وفية ـ‬
‫فتتعلق بالعلوم الكشفية‪ ،‬وما يتجلى م ن أنوارھ ا للع ارفين حس ب مقام اتھم‪ ،‬وھ ي التتع ارض ف ي‬
‫حقيقتھا مع ظاھر االعتقاد بقدر ما تكون تعمقا في فھمه وإداراكه‪ .‬وإذا ك ان ألھ ل العل وم العقلي ة‬
‫مراتب؛ فأي غرابة في أن يكن ألھل العرفان والمكاشفة مقامات يعجز األدنى فيھا عن معرفة ما‬
‫يتسلط علية األعلى؛ وفي ھذا السياق يروي أبو طالب ق ول بع ض الس لف‪» :‬م ا م ن ع الم يح دث‬
‫قوم ا بعل م ال تبلغ ه عق ولھم إال ك ان فتن ة عل يھم«‪ ،‬وي روى ع ن بع ض الع ارفين‪» :‬م ن ص رَّ ح‬
‫‪5‬‬
‫بالتوحيد‪ ،‬وأفشى الوحدانية‪ ،‬فقتله أفضل م ن إحي اء غي ره« ‪ .‬وإال فكي ف نفس ر دف اع أب ي طال ب‬
‫المكي نفسه عما صرَّ ح به من مفردات عقيدته التي دعا إليھا في »قوت القل وب«؟ وكي ف نفس ر‬
‫‪6‬‬
‫ھجومه على الجھمية والمعتزلة وبشر المريسي‪ ،‬وحكمه عليھم باإللحاد؟ ‪ .‬ليس ھناك إال أن ھذه‬
‫ھذه األسرار ال تخالف شيئا من العقيدة الظاھرة؛ وإذا كان القوم يظھرون غير ما يبطن ون‪ ،‬فھ م‬
‫خارجون في خاصة اعتقادھم عما دعا إليه األنبياء والرسل م ن توحي د ﷲ‪ ،‬ومخ الفون لم ا أنزل ه‬
‫ﷲ من وصف توحيده في كتبه جميعا‪ .‬وھذا قول منكر مجاف للحق وال ُي َسلَّ ُم ألحد‪.‬‬
‫وقد حاول الدكتور النشار تحديد موقف السالمية من الحالج بأن ه أخط أ فق ط ف ي نظ رھم ح ين‬
‫‪7‬‬
‫باح بالسر‪ ،‬ولذلك حق على سيف الشرع أن يتناوله ‪.‬‬
‫وال أعرف عالم اعتمد ف ي نس بة ھ ذا ال رأي إل يھم‪ ،‬وق د أش ار البغ دادي واإلس فرايني إل ى أنَّ‬
‫قوما من متكلمي السالمية بالبصرة قد قبلوا الحالج وقالوا‪ :‬إنه ك ان ص وفيا محقق ا‪ ،‬ول ه ك الم ف ي‬
‫‪8‬‬
‫معان دقيقة في حقائق الصوفية فحسب ‪ .‬وجاء ماسينيون فعد السالمية في جملة من قبلوا الح الج‬

‫‪ - 1‬راجع د‪ /‬النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪.286 ،95 /1‬‬


‫‪ - 2‬راجع ماسينيون‪ :‬مقاله عن السالمية بدائرة المعارف اإلسالمية ـ ‪.71 /11‬‬
‫‪ - 3‬انظر أبا طالب المكي‪ :‬قوت القلوب ـ ‪.90 /2‬‬
‫‪ - 4‬الجيالني‪ :‬الغنية ـ ‪.83 /1‬‬
‫‪ - 5‬انظر أبا طالب المكي‪ :‬قوت القلوب ـ ‪.90 /2‬‬
‫‪ - 6‬راجع السابق ـ ص ‪.89‬‬
‫‪ - 7‬راجع النشار‪ :‬نشأة الفكر ـ ‪.296 ،295 /1‬‬
‫‪ - 8‬راجع البغدادي‪ :‬الفرق ـ ص ‪ .261‬اإلسفراييني ‪ :‬التبصير ـ ص ‪.116‬‬
‫‪1‬‬
‫الحالج من المتكلمين ‪ .‬فأما أن الحالج أخطأ حين باح بالسر؛ فھذا الرأي عرف لسلطان العلماء‬
‫عز الدين بن عبد السالم )ت‪660‬ھـ(‪ ،‬فإنه صرح بأن قتل الح الج »قي ام بالح دود‪ ،‬ووق وف م ع‬
‫الشريعة؛ فإن من تجاوز‪ ،‬الحدود أقيمت عليه الحدود«‪ ،‬وھو في الوقت نفسه يصرح أيض ا بأن ه‬
‫‪2‬‬
‫أحد األولياء الكمل؛ لكن لم يستطع أن يستر ما كوشف به ‪ .‬ولنا مع الحالج بع د قلي ل وقف ة ربم ا‬
‫يكون من مثار العجب فيھا أن نجد ھذا الرأي للحالج نفسه عندما يصرخ مطالبا بتعجيل قتله‪.‬‬
‫وق د ك ان دل ف ب ن جح در الش بلي )ت‪334‬ھ ـ( يق ول‪» :‬أن ا والح الج ش يء واح د‪ ،‬فخلص ني‬
‫‪3‬‬
‫جنوني‪ ،‬وأھلكه عقله« ‪.‬‬
‫والجنون ھنا يعبر عن الستر والكتمان‪ ،‬والعق ل يعب ر ع ن اإلظھ ار واإلع الن؛ وق د ذك ر لھ ذا‬
‫‪4‬‬
‫القول رواية ثانية‪» :‬كنت والحسين بن منصور شيئا واحدا‪ ،‬إال أنه أظھر وكتمت« ‪.‬‬
‫وعلى أية حال فإن مشكلة البوح بالس ر عندالص وفية قديم ة ق دم التص وف نفس ه‪ ،‬وھ ي تتعل ق‬
‫كما قلت من قبل بمدى ق درة الص وفي عل ى التعبي ر اللغ وي ع ن حق ائق المكاش فات‪ ،‬وص لة ذل ك‬
‫بفناء الصوفي وشعوره حال المكاشفة‪ .‬وليس ينبغي ألحد أن يخوض في بي ان عب ارات الص وفية‬
‫بمعزل عن مراعاة تجربة المحبة التي خاض القوم غمارھا وغرقوا ف ي لجتھ ا‪ .‬وھ ذا م ا الحظ ه‬
‫من قديم أحد قضاة الفقھاء الشافعية األوائل‪ ،‬وھ و اإلم ام أحم د ب ن عم ر ب ن س ريج )ت‪306‬ھ ـ(‬
‫حينما أحبط محاكمة الحالج األول ى بش بھة ع دم االختص اص‪ ،‬وأعل ن أن إلھ ام الح الج الص وفي‬
‫‪5‬‬
‫اليدخل في اختصاص القضاة ألنھم يعوزھم تمييز النفوس ‪.‬‬
‫وغاي ة الق ول أن ش يخ الس المية األول أب ا عب د ﷲ محم د ب ن أحم د ب ن س الم البص ري‬
‫)ت‪297‬ھـ( ــ فيما وصلنا عنه خاصة في طبقات السلمي وفي حلية أبي نعيم ــ ال نجد ل ه كالم ا‬
‫يدنيه إلى التشبيه أو الحلول واالتحاد كما ذھب إليه األستاذان ماسنيون والنشار؛ وأكث ر م ا جاءن ا‬
‫‪6‬‬
‫عنه كالم في اإلخالص والصدق والسخاء والتوكل ‪.‬‬
‫أم ا ش يخھم الث اني أب و الحس ن أحم د ب ن س الم )ت‪350‬ھ ـ( وھ و نج ل األول وإلي ه انتس ب‬
‫الس المية بالبص رة؛ فل دينا ن ص ق ديم ألح د معاص ريه يب ين موق ف الرج ل م ن الق ول باالتح اد أو‬
‫الحلول‪ ،‬سواء وافقناه فيما ذھب إليه أو لم نوافقه‪.‬‬
‫قال أبو نصر السراج الطوسى‪» :‬سمعت ابن سالم يقول في مجلس ه يوم ا‪ :‬فرع ون ل م يق ل م ا‬
‫قاله أبو يزيد ــ رحمه ﷲ ــ ألن فرعون قال‪ :‬أنا ربكم األعلى‪ .‬والرب ُي َس َّمى به المخلوق؛ فيقال‪:‬‬
‫فالن رب دار‪ ،‬ورب مال‪ ،‬ورب بيت‪ .‬وقال أبو يزيد‪ :‬سبحاني سبحاني‪ .‬وسبوح اس م م ن أس ماء‬
‫ﷲ ـ تعالى ـ الذي ال يجوز أن ُي َسمَّى به غير ﷲ ـ تع الى ـ ق ال الس راج‪ :‬فقل ت ل ه‪ :‬ھ ذا ك الم ق د‬
‫صح عند ك عن أبي يزيد‪ ،‬وصح عندك أن اعتقاده ف ي ذل ك ك ان كاعتق اد فرع ون ف ي قول ه‪ :‬أن ا‬
‫ربكم األعلى؟ فقال ابن سالم‪ :‬قد قال ذلك حتى يصح عندي أنه أيش )أي شيء( أراد ب ذلك يلزم ه‬
‫الكفر«‪.‬‬
‫وقال السراج‪» :‬وسمعت ابن سالم أيضا وھ و يحك ي ف ي مجلس ه ع ن أب ي يزي د ـ رحم ه ﷲ ـ‬
‫أنه قال‪ :‬ضربت خيمتي بإزاء العرش‪ ،‬أو عند الع رش‪ .‬وك ان يق ول‪ :‬ھ ذه الكلم ة كف ر‪ ،‬وال يق ول‬
‫مثل ھذا إال كافر«‪.‬‬

‫‪ - 1‬راجع ماسينيون‪ :‬مقالة عن الحالج بدائرة المعارف اإلسالمية ـ ‪.18 /8‬‬


‫‪ - 2‬راجع العز بن عبدالسالم‪ :‬زبد خالصة التصوف المسمى »حل الرموز« ـ ص ‪.76‬‬
‫‪ - 3‬عن الھجويري‪ :‬كشف المحجوب ـ ‪.363 /1‬‬
‫‪ - 4‬انظر د‪ /‬محمد جالل شرف‪ :‬دراسات في التصوف اإلسالمي ـ ص ‪.265‬‬
‫‪ - 5‬راجع البغدادي‪ :‬الفرق ـ ص ‪ .261‬وانظر ماسينيون‪ :‬المنحنى الشخصي لحياة الحالج )مترجم ض من كت اب‬
‫»شخصيات قلقة ف ي اإلس الم« لل دكتور عب دالرحمن ب دوي ـ ص ‪ .85‬وانظ ر أخب ار الح الج ـ ص ‪.107 ،106‬‬
‫نشرة ماسينيون وكراوس‪.‬‬
‫‪ - 6‬راجع السلمى‪ :‬طبقات الصوفية ـ ص ‪ .416 :414‬وراجع أبا نعيم‪ :‬حلية األولياء ‪.164 :156 /6‬‬
‫والسراج الطوسي بعد أن يبين حقيقة ھذه األلفاظ يقول ‪» :‬وم ع جالل ة اب ن س الم ك ان يس رف‬
‫‪1‬‬
‫في الطعن على أبي يزيد ــ رحمه ﷲ ــ وكان يكفره من أجل أنه قال ذلك« ‪.‬‬
‫وبعد ھذا يك ون الس ؤال‪ :‬ھ ل يس تقيم م ع ھ ذه النص وص الت ي يحكيھ ا رواة مباش رون أن اب ن‬
‫سالم ھذا يعتقد التش بيه‪ ،‬أو يك ون داعي ا العتق اد الحل ول أو االتح اد‪ ،‬ول ه ف ي مث ل أب ي يزي د ھ ذه‬
‫المقالة لمثل ھذا السبب؟!‬
‫وإنني ال أستبعد أن يكون الذي أخذه الجيالني على السالمية وكفرھم به م ن ج نس ال ذي أخ ذه‬
‫ابن سالم نفسه على أبي يزيد البسطامي؛ خاصة إذا علمنا أنه كان بين الحنابلة والسالمية المالكي ة‬
‫‪2‬‬
‫خصومة كما قال ماسينيون ‪.‬‬
‫إن الفصل في األمر يحتاج إل ى نص وص أكث ر تفص يال مم ا ذك ره اإلم ام عب دالقادر الجيالن ي‬
‫في »الغنية«؛ حتى نتمكن من إثبات ذل ك وبيان ه‪ :‬لك ن عن دنا ش اھد فيم ا ذك ره الس راج الطوس ي‬
‫تعليقا على كالم آخر البن سالم‪ ،‬إذ ذكر الطوسي أن اب ن س الم حك ى ف ي أح د مجالس ه ع ن س ھل‬
‫ب ن عب د ﷲ التس تري )ت‪283‬ھ ـ( أن ه ق ال‪ :‬م والي ال ين ام‪ ،‬وأن ا ال أن ام‪ .‬ق ال الطوس ي‪» :‬فقل ت‬
‫لبعض أصحابه ممن كان يخصه‪ :‬لوال أن الشيخ أميل إل ى س ھل ب ن عب د ﷲ ـ ـ رحم ه ﷲ ـ ـ من ه‬
‫إلى أبى يزيد ــ رحمه ﷲ ــ لكان يخطئه أيضا فيما قد حكى عنه‪ ،‬كما خطأ أبا يزي د ـ ـ رحم ه ﷲ‬
‫ــ وكفره بين يديك في الكالم الذي حكى عنه؛ ألن في ھذا الذي قد حكى عن س ھل ـ رحم ه ﷲ ـ‬
‫وھو إمامه وأفضل الناس عنده‪ ،‬يجد المتعنت مقاال إن قصد إل ى ذل ك‪ ،‬وال ذي يعل م أن لھ ذا ال ذي‬
‫حكاه عن س ھل ـ ـ رحم ه ﷲ ـ ـ وجھ ا غي ر م ا يج د المتعن ت في ه مطعن ا‪ ،‬فك ذلك يج وز أن يك ون‬
‫لكالم أبي يزيد ــ رحمه ﷲ ــ الذي حكاه عنه وجه غي ر الوج ه ال ذي ھ و ذا يكف ره ب ه‪ ،‬ويخطئ ه‬
‫‪3‬‬
‫فيما قال« ‪.‬‬
‫ولئن ذھبت مذھب الج زم بب راءة ش يوخ الس المية م ن تھم ة اعتق اد االتح اد الت ي وص مھم بھ ا‬
‫الدكتور النشار وغيره؛ فإني ال أجزم بشيء فيما يخص أتباعھم‪ ،‬ب رغم م ا ذك ر اإلس فراييني ف ي‬
‫كالمه ع ن الح الج أن ه قبل ه »جماع ة م ن متكلم ي البص رة يق ال لھ م الس المية‪ ،‬وھ م جماع ة م ن‬
‫‪4‬‬
‫الحشوية يتكلمون ببدع متناقضة« ‪.‬‬
‫وقد رأينا من قريب في الكالم علي أبي على األھوازي ما قاله فيه مث ل اب ن عس اكر‪» :‬وك ان‬
‫‪5‬‬
‫مذھبه مذھب السالمية يقول بالظاھر ويتمسك باألحاديث الضعيفة لتقوية مذھبه« ‪ .‬ألن مث ل ھ ذا‬
‫ھذا الحكم ال يك ون إال بع د مطالع ة نص وص كالمھ م‪ ،‬وإال فھ و حط ب بلي ل وافت راء بغي ر ح ق‪،‬‬
‫وربما خاض السالمية بعد شيوخھم األوائل فيما خاض فيه بعض أتباع اإلمام أحمد من الحنابلة‪.‬‬
‫وقد أش رت فيم ا س بق إل ى اش تھار تعل ق تھم ة اعتق اد االتح اد ب أبي يزي د البس طامي والحل ول‬
‫ب الحالج‪ ،‬ول ن نق ف ط ويال م ع البس طامي‪ ،‬إذ تق دم ف ي ھ ذا المبح ث م ا يش ير إل ى ال رأي ال ذي‬
‫نرجحه ويذھب إليه األكثرون من التسليم بعلو منزلته في الوالي ة‪ ،‬وق د ق ال عن ه الح افظ ال ذھبي‪:‬‬
‫»شيخ الصوفية له نبأ عجيب‪ ،‬وحال غريبن وھو م ن كب ار ش يوخ الرس الة‪ ،‬وم ا أحل ى قول ه‪ :‬ل و‬
‫نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الھ واء؛ ف ال تغت روا ب ه حت ى تنظ روا كي ف‬
‫ھو عند األمر والنھي‪ ،‬وحفظ حدود الشريعة«‪ .‬ثم أضاف الذھبي‪ :‬وق دنقلوا ع ن أب ي يزي د أش ياء‬
‫الش ك ف ي ص حتھا عن ه‪ :‬س بحاني‪ .‬وم ا ف ي الجب ة إال ﷲ‪ .‬م ا الن ار؟ ألس تندن إليھ ا غ دا وأق ول‪:‬‬
‫اجعلني ألھلھا فداء‪ ،‬أو ألبلعنھا‪ .‬ما الجنة إال لعبة صبيان‪ .‬ھب لي ھؤالء اليھود‪ .‬ما ھ ؤالء حت ى‬
‫تعذبھم؟‬

‫‪ - 1‬السراج الطوسي‪ :‬اللمع ـ ص ‪.473 ،472‬‬


‫‪ - 2‬راجع ماسينيون‪ :‬مقالة عن السالمية بدائرة المعارف اإلسالمية ـ ‪.70 /11‬‬
‫‪ - 3‬السراج الطوسي‪ :‬اللمع ـ ص ‪.476‬‬
‫‪ - 4‬اإلسفراييني ‪ :‬التبصير ـ ص ‪.116‬‬
‫‪ - 5‬عن ابن حجر‪ :‬لسان الميزان ـ ‪.297 /2‬‬
‫وقال الذھبي أيضا‪» :‬ومن الن اس م ن يص حح ھ ذا عن ه‪ ،‬ويق ول‪ :‬قال ه ف ي ح ال س كره‪ .‬وأب و‬
‫يزي د فمس لم ل ه حال ه وﷲ مت ولى الس رائر‪ ،‬ونتب رأ إل ى ﷲ م ن ك ل م ن تعم د مخالف ه الكت اب‬
‫‪1‬‬
‫والسنة« ‪.‬‬
‫وقال عنه أب و نع يم ف ي ص در ترجمت ه‪» :‬وم نھم التائ ه الوحي د‪ ،‬الھ ائم الفري د‪ ،‬البس طامي أب و‬
‫يزيد‪ ،‬تاه فغ اب‪ ،‬وھ ام ف آب‪ .‬غ اب ع ن المح دودات إل ى موج د المحسوس ات والمع دومات‪ ..‬فأي د‬
‫بإخالء السر‪ ،‬وأمد باستيالء البر‪ .‬إشاراته ھاتن ة‪ ،‬وعبارات ه كامن ة‪ ،‬لعارفيھ ا ض امنة‪ ،‬ولمنكريھ ا‬
‫فاتنة«‪ .‬ولما انتھى أبو نعيم من ذكر عجيب أخباره ونقل طرف من أقواله‪ ،‬قال‪» :‬اقتصرنا عل ى‬
‫ھذا القدر من كالمه؛ لما فيه من اإلشارات العميقة‪ ،‬التي ال يص ل إل ى الوق وف عل ى مودعھ ا إال‬
‫‪2‬‬
‫من غاص في بحره‪ ،‬وشرب من صافي أمواج صدره‪ ،‬وفھم نافثات سره المتولدة من سكره« ‪.‬‬
‫وھذه ھي حال أبى يزيد ـ رحمه ﷲ ـ عند أھل العلم بالرج ال وعن د الص وفية‪ ،‬وم ن مروي ات‬
‫الرسالة من طريق أبي عبدالرحمن السلمي صاحب الطبقات أن أبا يزيد سئل عن ابتدائه وزھده‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ليس الزھد منزلة‪ ،‬فقيل‪ :‬لماذا؟ قال‪ :‬ألني كنت ثالثة أيام في الزھد‪ ،‬فلم ا ك ان الي وم الراب ع‬
‫خرجت منه‪ .‬اليوم األول‪ :‬زھدت في الدنيا وما فيھا‪ ،‬واليوم الثاني‪ :‬زھدت ف ي اآلخ رة وم ا فيھ ا‪.‬‬
‫واليوم الثالث‪ :‬زھدت فيما سوى ﷲ‪ .‬فلما ك ان الي وم الراب ع ل م يب ق ل ي س وى ﷲ؛ فس معت ھاتف ا‬
‫‪3‬‬
‫يقول‪ :‬يا أبا يزيد‪ :‬ال تقوى معنا‪ ،‬فقلت‪ :‬ھذا الذي أريد‪ .‬فسمعت قائال يقول‪ :‬وجدت ‪.‬‬
‫وھذه الرواية التي تفردت بھا رسالة القشيري في ترجمة أبى يزي د تلخ ص رحل ة البس طامي‪،‬‬
‫وتع ين عل ى إدراك منزلت ه‪ .‬وإذا ك ان الس راج الطوس ى ق د ق دم ش روح بع ض أق وال أب ى يزي د‬
‫‪4‬‬
‫مستعينا بما سبق الجنيد إلى بيانه ‪ .‬فإن أبا الحسن على بن عثم ان الھج ويري )ت‪465‬ھ ـ(‪ ،‬م ن‬
‫بين مؤرخي التصوف‪ ،‬ھو الذي لم يقف طويال عند أخبار أبى يزيد‪ ،‬ولم يركز عل ى بي ان أقوال ه‬
‫كثيرا؛ لك ن ق دم المفت اح الحقيق ي لمعرف ة شخص ية البس طامي الص وفية‪ ،‬عن دما ب ين ف ي ترجمت ه‬
‫ألب ي يزي د أن آف ة المحب ة ف ي وج ود المح ب‪ ،‬وأن أص ح درج ات المحب ة فن اء المح ب ف ي بق اء‬
‫المحبة‪ .‬وفي حديثه عن الطريقة الطيفورية المنسوبة إلى أبى يزي د يب ين أن أس اس طريق ه الغلب ة‬
‫‪5‬‬
‫والسكر ‪ .‬وأحسب أننا في ظل مراعاة ھ ذا األس اس يمكنن ا أن ننظ ر ف ي ك ل م ا نس ب إل ى أب ى‬
‫يزيد البسطامي بعدالتوثق من صحة صدوره عنه‪ ،‬ويمكننا أن نخضعه للفھم والبيان‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫لنا مثل حاله‪.‬‬
‫أما الحالج الحسين بن منصور )ق‪309‬ھـ(؛ فقد أب ى ﷲ ـ ج ل وع ال ـ إال أن يل ف الغم وض‬
‫شخصيته حيا وميت ا‪ ،‬ولق د اختل ف في ه الص وفية كم ا اختل ف في ه ع دة م ن طوائ ف المس لمين ف ي‬
‫‪6‬‬
‫حياته وبعد موته ‪ .‬وقد امتد الخالف حول الحالج إلى عصرنا وأحس ب أن ه س يمتد بع ده آم ادا ال‬
‫يعلمھا إال ﷲ‪ ،‬ومن العجيب أن تختلف في الحالج نظرة من يمجدونه‪ ،‬ويرونه شھيد الحق وف داء‬
‫‪7‬‬
‫التصوف‪ ،‬فنجد وجھة النظر الحسنة ‪ .‬ونجد وجھة النظر األخرى الت ي تج ازف ف ي بي ان حقيق ة‬
‫الدين نفسه‪ ،‬وتتصوره رمزا سائغ التأويل لكل أح د‪ ،‬وق ابال لم ا ال نھاي ة ل ه م ن التفس يرات مھم ا‬
‫‪8‬‬
‫كانت متناقضة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬عن السابق ـ ‪.265 /3‬‬


‫‪ - 2‬أبو نعيم ‪ :‬حلية األولياء ـ ‪.41 :34 ،33 /10‬‬
‫‪ - 3‬عن القشيري‪ :‬الرسالة ـ ص ‪.23‬‬
‫‪ - 4‬راجع السراج الطوسى‪ :‬اللمع ـ ص ‪.477 :459‬‬
‫‪ - 5‬راجع الھجويري‪ :‬كشف المحجوب ـ ‪ 413 /2 ،319 ،318 /1‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 6‬راج ع الس لمى‪ :‬طبق ات الص وفية ـ ص ‪ .308 ،307‬والبغ دادي‪ :‬الف رق ـ ص ‪ .264 :260‬واإلس فراييني‪:‬‬
‫التبصير ‪ .117 ،116‬والنديم الذي يعد الحالج في اإلسماعيلية‪ :‬الفھرست ــ ص‪ .243 :241‬والحافظ اب ن حج ر‬
‫‪ :‬لسان الميزان ‪ .384 ،283 /2‬وماسينيون‪ :‬مقاله عن الحالج بدائرة المعارف ـ ‪.19 :17 /8‬‬
‫‪ - 7‬مثل د‪ /‬محمد جالل شرف ‪ :‬دراسات في التصوف اإلسالمي ـ ص ‪ ،263‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 8‬مثل د‪ /‬عبد الرحمن بدوي‪ :‬تصديره لكتابه »شخصيات قلقة في اإلسالم«‪.‬‬
‫وتناول مثل ھذه الشخصية في أية دراسة بمكان من الخطر‪ ،‬يستشرفه كل من يطالع الكتاب ات‬
‫عن الحالج قديمة كانت أو حديثة‪ ،‬ومن ھنا وجب أن تكت ب ك ل كلم ة ع ن ھ ذه الشخص ية بح ذر‬
‫ب الغ‪ ،‬إذ الحك م عليھ ا يت أرجح دائم ا ب ين ط رفين ال واس طة بينھم ا‪ :‬أولھم ا‪ :‬وض عه ف ي أعل ى‬
‫درجات الصالحين من أھل اإليمان والوالية‪ .‬والثاني‪ :‬عدة في أسفل دركات الكفر واإللحاد‪.‬‬
‫وليس من شأني في ھذا البحث أن أقدم دراس ة ع ن شخص ية الح الج‪ ،‬وإنم ا ألف ت النظ ر إل ى‬
‫أمر لم أر أحدا ــ فيما طالعته ــ تنبه إليه في دراسة الحالج‪ ،‬وذلك ما نص عليه الھجويري وحده‬
‫من بين مصادر تاريخ التصوف القديمة في قول ه عن ه ف ي ترجمت ه‪» :‬وق د ك ان م ن غي ر األمان ة‬
‫إغفال ذكره في ھذا الكتاب؛ ألن بع ض أھ ل الظ اھر يكفرون ه وينك رون علي ه‪ ،‬وينس بون أحوال ه‬
‫إلى العذر واالحتيال والسحر‪ ،‬ويظنون أن الحس ين ب ن منص ور الح الج ھ و الحس ن ب ن منص ور‬
‫الح الج ذل ك الملح د البغ دادي ال ذي ك ان أس تاذ محم د ب ن زكري ا‪ ،‬ورفي ق س عد القرمط ي‪ .‬ولك ن‬
‫الحسين ھذا الذي اختلف ف ي أم ره ك ان فارس يا م ن بيض اورد‪ .‬ول م يك ن ھج‪ُ 1‬ر المش ِ‬
‫ايخ ل ه يعن ي‬
‫الطعن في دينه ومذھبه‪ ،‬بل في حال دنياه«‪ .‬وذكر تنقله بين المشايخ بال إذن ‪.‬‬
‫ولعل مما يعزز ھذا الرأي ما سبق أن أشرت إليه من أن محمد بن إسحاق النديم )ت‪380‬ھـ(‬
‫‪2‬‬
‫ق د ع د الح الج ف ي م ؤلفي الش يعة اإلس ماعيلية والقرامط ة ‪ ،‬وك ذلك م ا ص رح ب ه ال داعي‬
‫اإلس ماعيلي المعاص ر ال دكتور مص طفى غال ب ف ي دراس ته ع ن الح الج م ن إثب ات بع ض‬
‫النص وص اإلس ماعيلية »الس رية« اس تجابة الح الج لل دعوة اإلس ماعيلية عل ى ي د الحس ين‬
‫األھ وازي‪ ،‬وتعرف ه إل ى ال داعي حم دان ب ن األش عث‪ ،‬وعب دان القرمط ي‪ ،‬وأب ى س عيد الجن ابي‪،‬‬
‫وغيرھم من دعاة اإلسماعيلية الكبار في ذلك العصر‪ ،‬وتثب ت تل ك النص وص الس رية أيض ا عل و‬
‫مكانة ذلك الحالج في تاريخ الدعوة اإلسماعيلية؛ حتى إن عبدان القرمطي ليزوره في بغداد ع دة‬
‫مرات ليتباحث معه في بع ض األم ور الھام ة المتعلق ة بانتش ار ال دعوة اإلس ماعيلية‪ .‬وتش ير ھ ذه‬
‫النصوص إلى أن حمدان بن األشعث وعبدان قد وجھا نص يحة إل ى ذل ك الح الج وھ و ف ي بغ داد‬
‫‪3‬‬
‫بضرورة التحفظ في دعوته‪ ،‬وعدم كشف األسرار التي كلف بالمحافظة عليه ‪.‬‬
‫وقد الحظ شيخ اإلس الم اب ن تيمي ة اض طراب الرواي ات ال دائرة ح ول الح الج؛ فاس تحال لدي ه‬
‫التوفيق بينھا‪ ،‬ورأى أن أكثرھا محمول عليه؛ لما في شخصيته من اضطراب وعدم اتساق س ول‬
‫لمن جاءوا بعده أن يحملوا م ا ل م يقل ه‪ ،‬أو أن ينس بوا إلي ه م ا ل م يق ع من ه‪ ..‬ق ال‪» :‬وإن ك ان ف ي‬
‫كثير من كالمه الثابت عنه فساد واضطراب؛ لكن حملوه أكثر مما حمله‪ ،‬وصار كل من يريد أن‬
‫‪4‬‬
‫يأتي بنوع من الشطح والطامات يعزوه إلى الحالج؛ لكون محله أقبل لذلك من غيره« ‪.‬‬
‫ولئن صح كالم الھجويري‪ ،‬وھي وجھة من البح ث العلم ي ينبغ ي استقص ائھا؛ فإن ه يفس ر لن ا‬
‫ھذه االزدواجية الواض حة ف ي أخب ار الح الج‪ ،‬وم ا وص لنا م ن أقوال ه‪ .‬وإن ي ألزع م أن أح دا ال‬
‫يس تطيع التوفي ق ب ين شخص ية الح الج الممخ رق الس احر ص احب الحي ل‪ ،‬وأح د رج االت‬
‫اإلسماعيلية‪ ،‬والمنادي بوحدة األديان‪ ،‬ثم المدعى لأللوھية‪ ..‬ھذه الشخصية التي يمكنن ا أن نجم ع‬
‫مكوناتھا وسماتھا الرئيسة من كالم النديم في »الفھرست«‪ ،‬ومن إشارات البغ دادي ف ي »الف رق‬
‫ب ين الف رق«‪ ،‬واإلس فراييني ف ي »التبص ير«‪ ،‬وم ن ت راجم الح الج عن د مث ل اب ن الج وزي ف ي‬
‫»المنتظم«‪ ،‬والخطيب البغدادي في »تاريخ بغداد«‪ ،‬ومن أخذ عنه؛ مثل‪ :‬ابن كثير ف ي »البداي ة‬
‫والنھاي ة«‪ ،‬وال ذھبي ف ي »المي زان«‪ ،‬وغي ر ذل ك م ن كت ب الت اريخ والرج ال‪ ،‬ب ل وفيم ا نش ره‬
‫‪5‬‬
‫ماسينيون وحده‪ ،‬أو مع ك راوس م ن أخب ار الح الج ـ وب ين الشخص ية األخ رى الثاني ة للح الج‬

‫‪ - 1‬الھجويري‪ :‬كشف المحجوب ـ ‪.363 ،362 /1‬‬


‫‪ - 2‬انظر النديم الفھرست ـ ص ‪.243 ،241‬‬
‫‪ - 3‬انظر د‪ /‬مصطفى غالب‪ :‬الحالج ــ ص ‪.45 ،35 ،34‬‬
‫‪ - 4‬ابن تيمية‪ :‬االستقامة ـ ‪.118 /1‬‬
‫‪ - 5‬راجع ابن الجوزي‪ :‬المنتظم في تاريخ المل وك واألم م ـ ‪ .164 :160 /6‬والخطي ب البغ دادي‪ :‬ت اريخ بغ داد ـ‬
‫‪ .141 :112 /8‬واب ن كثي ر ‪ :‬االبداي ة والنھاي ة ـ ‪ .144 :132 /11‬وال ذھبي ع ن لس ان المي زان الب ن حج ر ـ ‪/2‬‬
‫الصوفي المتأل ه ال ذي قھ ره الح ب‪ ،‬وأس رته مع الم الوح دة‪ ،‬وغلب ت علي ه س مات المالم ة‪ .‬وبل غ‬
‫أعلى درجات الوالية‪ ،‬وجرى على لسانه من العب ارات م ا يقط ع بنف ي تحق ق أي ن وع م ن أن واع‬
‫الصالت المادية من حلول أواتحاد بين الخالق والمخلوق‪ .‬وأكثر م ا يق ال ف ي ص احبھا‪ :‬إن ه أس اء‬
‫في التنقل ب ين الش يوخ ب ال إذن‪ ،‬كم ا أن ه ل م يحف ظ لس انه م ن مجال ب الطع ن واالعت راض‪ ،‬وم ن‬
‫الخوض في مواضع الزلل‪ .‬ومالمح ھذه الشخصية نجدھا واضحة بينة ف ي المص ادر الص وفية؛‬
‫‪1‬‬
‫خاصة عند الھجويري كما سبق البيان‪ ،‬وفيما نشرة ماسينيون من أخبار الحالج ‪.‬‬
‫وعن ھذه الشخصية األخيرة ينقل أبو عبد الرحمن السلمى ف ي رس الة »غلط ات الص وفية« ‪:‬‬
‫»الحق تعالى أوجد الھياكل على رس م العل ل‪ ،‬منوط ة باآلف ات‪ ،‬فاني ة ف ي الحقيق ة؛ وإنم ا األرواح‬
‫فيھا إلى أجل معدود‪ ،‬وقھرھا بالموت‪ ،‬وربطھا في وقت إتمامھ ا ب العجز‪ ،‬وص فاته ـ تع الى بائن ة‬
‫عن ھذه األوصاف من كل الوجوه؛ فكيف يجوز أن يظھر الحق فيما أوجده بھذا النقص والعلة؟‬
‫وثبت أن الحق ــ سبحانه وتعالى ــ ألزم في كتاب ه وص ف العبودي ة للخ ق أجم ع؛ فق ال‪َ  :‬و َم ا‬
‫ض إِال‬ ‫ت َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫ُون‪ ‬ال ذاريات‪ ،56/‬وق ال‪ :‬إِن ُك ل ُّ َم ن فِ ي ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬ ‫ت ا ْل ِج نَّ َواإلِن َ‬
‫س إِال لِ َي ْع ُب د ِ‬ ‫َخلَ ْق ُ‬
‫الر ْح َم ِن َع ْبدًا‪ ‬مريم‪ .93/‬فكي ف يج وز أن يح ل ف ي م ا ألزم ه وص ف ال نقص وھ و العبودي ة؛‬ ‫آتِي َّ‬
‫‪2‬‬
‫فيكون مستعبدا معبودا؟« ‪.‬‬
‫وعن ھذا الحالج ي روى القش يري ف ي بي ان اعتق اد الص وفية ف ي مس ائل األص ول‪ ،‬ف ي مفت تح‬
‫الرسالة‪» .‬ألزم الكل الحدث؛ ألن القدم له‪ .‬فالذي بالجسم ظھوره ف العرض يلزم ه‪ ،‬وال ذي ب اآلداة‬
‫اجتماعه فقواھا تمسكه؛ والذي يؤلفه وقت يفرقه وقت ‪ ...‬س بحانه ال يظل ه ف وق‪ ،‬وال يقل ه تح ت‪،‬‬
‫وال يقابله حد‪ ،‬وال يزاحمه عند‪ ،‬وال يأخذه خلف‪ ،‬وال يحده أمام‪ ...‬تنزه عن أحوال خلقه‪ ،‬ليس له‬
‫من خلقه مزاج‪ ،‬وال في فعله عالج‪ ،‬باينھم بقدمه كما باينوه بحدوثھم‪ ..‬معرفته توحي ده‪ ،‬وتوحي ده‬
‫تمييزه من خلقه‪.‬ما تصور في األوھام فھوبخالفه‪ .‬كيف يحل به ما من ه ب دأ‪ ،‬أو يع ود إلي ه م ا ھ و‬
‫‪3‬‬
‫أنشأه؟« ‪.‬‬
‫وقال الحالج‪» :‬من ظن أن اإللھية تمتزج بالبشرية‪ ،‬أو البشرية تمتزج باإللھية؛ فق د كف ر ف إن‬
‫ﷲ تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وص فاتھم‪ ،‬ف ال يش بھھم بوج ه م ن الوج ود‪ ،‬وال يش بھونه‬
‫‪4‬‬
‫بشيء من األشياء‪ ،‬وكيف يتصور الشبه بين القديم والمحدث‪. «...‬‬
‫وھذا الحالج نفسه ھو الذي يقوم خاليا ف ي قل ب اللي ل عن د قب ر اإلم ام أحم د ب ن حنب ل‪ ،‬باكي ا‬
‫تحت سطورة الغلبة ويقول في مناجاة ربه‪» :‬يا م ن أس كرني بحب ه‪ ،‬وحيرن ي ف ي مي ادين قرب ه‪،‬‬
‫أن ت المتف رد بالق دم‪ ،‬والمتوح د بالقي ام عل ى مقع د الص دق‪ .‬قيام ك بالع دل ال باالعت دال وبع دك‬
‫ب العزل ال ب االعتزال‪ ،‬وحض ورك ب العلم ال باالنتق ال ‪ ...‬أس ألك بحرم ة ھ ذه الترب ة المقبول ة‬
‫والمرات ب المس ئولة‪ :‬أن ال تردن ي إل ى بع دما اختطفتن ي من ي‪ ،‬وال ترين ي نفس ي بع دما حجبتھ ا‬
‫‪5‬‬
‫عني‪ ،‬وأكثر أعدائي في بالدك‪ ،‬والقائمين لقتلى من عبادك« ‪ .‬ويخرج ف ي س وق القطعي ة ببغ داد‬
‫باكيا يصيح‪ :‬أيھا الناس أغيثوني عن ﷲ‪ ،‬ثالث م رات‪ ،‬فإن ه اختطفن ي من ي ول يس يردن ي عل ى‪،‬‬

‫‪ .284 ،283‬وراجع نش رة ماس ينيون ألخب ار الح الج ـ ص ‪ .14 :3‬ونش رته م ع ب ول ك راوس ـ ص ‪،63 ،62‬‬
‫‪.96 ،95‬‬
‫‪ - 1‬راجع إش ارة الطوس ي ف ي الك الم عل ى م ن رم ى ب الكفر م ن المش ايخ‪ :‬اللم ع ـ ص ‪ ،499‬والس لمى‪ :‬طبق ات‬
‫الص وفية ص ‪ .311 :307‬والقش يري‪ :‬الرس الة ـ ص ‪ ،706‬وقارن ه بتعلي ق اب ن تيمي ة‪ :‬االس تقامة ‪،117 /1‬‬
‫‪.141‬وراجع ماسينيون‪ :‬أخبار الحالج )بداية حال الحسين بن منصور ونھايته البن باكوي ه الص وفي الش يرازي(‬
‫ص ‪ 29:47‬وراجع ف ي نش رة ماس ينيون وك راوس أمثل ة ظ اھرة ف ي الص فحات التالي ة‪،19 ،17 ،15 ،14 ،8 :‬‬
‫‪.117 ،108 ،106 ،87 ،80 ،59‬‬
‫‪ - 2‬عن السلمى‪ :‬أصول المالمتية وغلطات الصوفية ـ ص ‪.199‬‬
‫‪ - 3‬القش يري‪ :‬الرس الة ـ ص ‪ .6،7‬ونش رة ماس ينيون ألخب ار الح الج ـ ص ‪ .65 ،64‬وم ع ك راوس ـ ص ‪،31‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ - 4‬عن نشرة ماسينيون وكراوس ألخبار الحالج ـ ص ‪.47‬‬
‫‪ - 5‬عن السابق ـ ص ‪.18 ،17‬‬
‫وال أطيق مراعاة تلك الحضرة وأخ اف الھج ران ف أكون غائب ا محروم ا‪ .‬والوي ل لم ن يغي ب بع د‬
‫‪1‬‬
‫الحضور‪ ،‬ويھجر بعد الوصل‪ ،‬ثم يبكى حتى يبكى الناس لبكائه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وق د رأين ا مث ل ھ ذه المعان اة م ن قب ل عن د س يد الطائف ة الجني د ب ن محم د ‪ .‬لك ن الحس ين ب ن‬
‫منصور ال يطيق بينه وبين نفسه ھذه السمعة؛ ألن االلتفات إليھا فيه رياء وخروج عن ح د كم ال‬
‫اإلخالص‪ ،‬وھنا تظھر سمات المالمة في شخصية الحالج المحترقة بين المحبة من جھ ة‪ ،‬وب ين‬
‫ض عف الق درة عل ى الص بر أو المص ابرة؛ وتب دأ المعرك ة ب ين الح الج ونفس ه الت ي يس عى إل ى‬
‫الخ الص منھ ا‪ .‬وعندئ ذ ي دخل إل ى ج امع المنص ور ويص رخ ف ي الن اس‪ :‬اس معوا من ي واح دة‪:‬‬
‫اعلموا أن ﷲ ــ تع الى ـ ـ أب اح لك م دم ي ف اقتلوني‪ .‬وعن د م ا يس أله بعض ھم‪ :‬ياش يخ‪ ،‬كي ف نقت ل‬
‫رجال يص لى ويص وم ويق رأ الق رآن؟ فيجي ب‪ :‬المعن ى ال ذي تحق ن ب ه ال دماء خ ارج ع ن الص الة‬
‫والصوم وقراءة القرآن‪ .‬فاقتلوني تؤجروا وأسترح‪ ...‬ويتبعه السائل إل ى بيت ه يق ول ل ه‪ :‬ي ا ش يخ‪،‬‬
‫قد حيرنا كالمك ھذا فما معناه؟ فيقول الحالج‪ :‬يا بني‪ ،‬ليس للمس لمين أھ م م ن قتل ى؛ ف اعلموا أن‬
‫‪3‬‬
‫قتلى قيام بالحدود‪ ،‬ووقوف مع الشريعة؛ فإن من تجاوز الحدود أقيمت عليه الحدود ‪.‬‬
‫لكن كيف يقتل الحالج بسيف الشريعة؟ لقد كان الرجل مدركا لعواقب ما كان ينطلق به لس انه‬
‫ف ي س كراته وغلب ة حال ه‪ .‬لق د ك ان الن اس يس معونه وھ و يق ول‪» :‬أن ا الح ق والح ق للح ق ح ق«‬
‫ويسمعونه في إنشاده‪:‬‬
‫أنت بين الشغاف والقلب تجرى مثل جرى الدموع في أجفاني‬
‫‪4‬‬
‫وتحل الضــمير جــــوف فــؤادي كحلول األرواح في األبدان‬
‫وھذه ھي اللغة المتاحة في التعبير عن غلبة المحبة‪ ،‬وقد ك ان الح الج نفس ه يرس ل م ن س جنه‬
‫إلى أحد أصحابه بھذا الشعر‪:‬‬
‫كتبت إلى روحي بغير كتاب‬ ‫كتبت ولم أكتب إليك وإنـمــا‬
‫‪5‬‬
‫وبين محبيھا بفصل خطاب‬ ‫وذلك أن الروح ال فرق بينھا‬
‫لكن الرجل يدرك أن ھذه الكلمات على ظاھرھ ا‪ ،‬ل و ق ال بھ ا مس لم مال ك لنفس ه ف ي ح ق ﷲ‪،‬‬
‫معتقدا ھذا الظاھر؛ فإنه يكفر ويغدو حالل الدم‪ .‬ومن ھنا قال الح الج ل بعض تالمي ذه‪» :‬ي ا بن ي‪،‬‬
‫إن بع ض الن اس يش ھدون عل ى ب الكفر‪ ،‬وبعض ھم يش ھدون ل ي بالوالي ة‪ .‬وال ذين يش ھدون عل ى‬
‫بالكفر أحب إلى وإلى ﷲ من الذين يقرون لي بالوالية؛ ألن الذين يشھدون لي بالوالية م ن حس ن‬
‫ظنھم بي‪ ،‬وال ذين يش ھدون عل ى ب الكفر تعص بوا ل دينھم‪ ،‬وم ن تعص ب لدين ه أح ب إل ى ﷲ مم ن‬
‫‪6‬‬
‫أحسن الظن بأحد« ‪.‬‬
‫وتتأكد سمة المالم ة ف ي شخص ية الح الج فيم ا يروي ه الحس ين ب ن حم دان‪» :‬س معت الحس ين‬
‫يقول في سوق بغداد‪:‬‬
‫ركبت البحر وانكسر السفينة‬ ‫أال أبـــــــلـــغ أحبـــــــــــائي بأنـي‬
‫ففي دين الصليب يكوني موتي وال البطحـــــا أريــد وال المدينة‬
‫قال ابن حمدان‪ :‬فتبعته فلما دخل داره َك َّب َر يص لى فق رأ الفاتح ة والش عراء إل ى س ورة ال روم‪،‬‬
‫فلما بلغ قوله تعالى‪َ  :‬و َقال َ الَّذِينَ أُو ُتوا ا ْل ِع ْل َم َواإلِي َمانَ ‪ ...‬اآلية‪ .‬كررھا وبكى‪ ،‬فلما سلم قلت؛ يا‬
‫شيخ‪ ،‬تكلمت في السوق بكلمة الكفر‪ ،‬ثم أقمت القيامة ھھنا في الصالة؛ فما قصدك؟ قال‪ :‬أن تقتل‬

‫‪ - 1‬السابق ـ ص ‪.25‬‬
‫‪ - 2‬راجع اإلمام الجنيد‪ :‬كتاب الفناء )ضمن رسائل الجنيد( ص ‪.32‬‬
‫‪ - 3‬عن نشرة ماسينيون ـ ص ‪ .63‬وقارون بنشرته مع كراوس ت ص ‪.76 ،75‬‬
‫‪ - 4‬انظره في نشرة ماسينيون وكراوس ـ ص ‪.114 ،113 ،108‬‬
‫‪ - 5‬انظر السابق ـ ص ‪.119‬‬
‫‪ - 6‬السابق ـ ص ‪.15 ،14‬‬
‫ھذه الملعونة وأشار إلى نفسه‪ .‬فقلت‪ :‬يجوز إغراء الن اس عل ى الباط ل؟ ق ال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن ي أغ ريھم‬
‫‪1‬‬
‫على الحق؛ ألن عندي قتل ھذه من الواجبات‪ ،‬وھم إذا تعصبوا لدينھم يؤجرون« ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫لقد كان الحالج يعتبر يوم مقتلة يوم نيروزه ‪ ،‬ولذا رفض الفرار من السجن عند ما أتيحت له‬
‫‪3‬‬
‫الفرصة وفتحت له األبواب في إحدى الثورات ضد نظم الضرائب عام ‪306‬ھـ ‪.‬‬
‫وعندما يفوز الح الج بطلبت ه‪ ،‬ويبل غ مقص ده م ن نفس ه ويس وقه ق اتلوه نح و مص رعه‪ ،‬وي رى‬
‫الخش بة والمس امير؛ يض حك حت ى ت دمع عين اه‪ ،‬ويطل ب م ن أب ى بك ر الش بلى س جادته‪ ،‬ويص لي‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم يتوجه إلى ربه في مناجاة طويلة منھا‪» :‬اللھ م إن ك المتجل ى ع ن ك ل جھ ة‪ ،‬المتخل ى‬
‫من كل جھة‪ ،‬بحق قيام ك بحق ي‪ ،‬وبح ق قي امي بحق ك‪ ،‬وقي امي بحق ك يخ الف قيام ك بحق ي؛ ف إن‬
‫قي امي بحق ك ناس وتية‪ ،‬وقيام ك بحق ي الھوتي ة‪ ،‬وكم ا أن ناس وتيتي مس تھلكة ف ي الھوتيت ك غي ر‬
‫ممازج ة إياھ ا‪ ،‬فالھوتيت ك مس ئولية عل ى ناس وتيتي غي ر مماس ة لھ ا‪ .‬وبح ق ق دمك عل ى ح دثي‪،‬‬
‫وحق حدثي تحت مالبس قدمك‪ :‬أن ترزقني شكر ھذه النعم ة الت ي أنعم ت بھ ا عل ى حي ث غيب ت‬
‫أغياري عم ا كش فت ل ي م ن مط الع وجھ ك‪ ،‬وحرم ت عل ى غي ري م ا أبح ت ل ي م ن النظ ر ف ي‬
‫مكنونات سرك‪ .‬وھؤالء عبادك قد اجتمعوا لقتلى تعصبا لدينك‪ ،‬وتقربا إليك؛ ف اغفرلھم‪ .‬فإن ك ل و‬
‫كشفت لھم ما كشفت لي‪ ،‬لما فعلوا ما فعل وا‪ .‬ول و س ترت عن ي م ا س ترت ع نھم‪ ،‬لم ا ابتلي ت بم ا‬
‫‪4‬‬
‫ابتليت‪ .‬فلك الحمد فيما تفعل‪ ،‬ولك الحمد فيما تريد‪. «...‬‬
‫ھذه صورة ال تشتمل على متناقضات ب ين أطرافھ ا لشخص ية الح الج الص وفي المتأل ه‪ ،‬ال ذي‬
‫قھره الح ب‪ ،‬وأس رته مع الم الوح دة‪ ،‬وغلب ت علي ه س مات المالم ة‪ ،‬وبل غ أعل ى درج ات الوالي ة‪.‬‬
‫وھن اك الص ورة األول ى‪ ،‬ص ورة شخص ية الح الج الممخ رق الس احر ص احب الحي ل‪ ،‬وأح د‬
‫رجاالت اإلسماعيلية والمنادى بوحدة األديان‪..‬‬
‫ومع الم ك ل ص ورة تحملھ ا إلين ا مجموع ة م ن الرواي ات الت ي تق دمھا كت ب الت اريخ والت راجم‬
‫وكتب الصوفية‪ .‬وھما صورتان بينھما تضاد حتم ى‪ ،‬ول يس س ند رواي ات األول ى ب أعز م ن س ند‬
‫الثانية‪ ،‬وال متون الثانية أقرب إلى الصحة من األولى‪ ،‬وال سبيل إل ى قب ول الص ورتين مع ا‪ ،‬وال‬
‫نستطيع أن نطبق منھج أھل الحديث ف ي النق د عل ى ك ل ھ ذه المروي ات الت ي ق د يك ون ف ي ردھ ا‬
‫وفق ضوابط األسانيد إھدار كبير لكثير من معالم التاريخ‪ ،‬الذي ال يراعى في أس انيده م ا يراع ى‬
‫في أسانيد السنن واألحكام‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن أقرب الحلول التي يمكن أن تعتمدھا ھ ذه الدراس ة ھ و ال ذي قدم ه الھج ويري‪ ،‬وھ و‬
‫الحل الوحيد الذي نجد له سنده وشاھده القوي في مجموع الركام الھائل م ن الرواي ات الت ي نقل ت‬
‫لنا أخبار الحالج وأقواله‪ ،‬ويمكننا أن نبني رأيا عن شخصية الحالج الص وفي‪ ،‬وأن نحك م بب راءة‬
‫س ِبيلِ ِه‬ ‫الرجل من اعتقاد الحلول‪ ،‬ونكل أمره بعد ذلك إلى ﷲ ــ تعالى ــ ‪‬ھ َُو أَ ْعلَ ُم ِب َمن َ‬
‫ضل َّ َع ن َ‬
‫َوھ َُو أَ ْ‬
‫علَ ُم بِا ْل ُم ْھ َتدِينَ ‪ ‬القلم‪.7/‬‬
‫أقول‪ :‬إن المحققين من ش يوخ الص وفية ك انوا أبع د الن اس ع ن التش بيه والتجس يم‪ ،‬وق د ش غلت‬
‫قلوبھم بما تجد عن الخوض فيما خاص فيه بعض جھلة الرواة‪ ،‬وعما ذھب إلي ه دع اة العق ل م ن‬
‫متابعة الفلسفات واآلراء الغريبة ع ن كت اب ﷲ وس نة رس وله ـ ص لى ﷲ علي ه وآل ه وس لم ـ ف ي‬
‫‪ - 1‬السابق ـ ص ‪ 82 ،81‬وھذا يعني أن الحالج قرأ سورة الش عراء‪ ،‬ث م النم ل‪ ،‬ث م القص ص‪ ،‬ث م العنكب وت‪ ،‬ث م‬
‫ﷲ إِلَى َي ْو ِم ْال َبعْ ِ‬
‫ث َف َھ َذا َي ْو ُم‬ ‫ِين أُو ُتوا ْالع ِْل َم َواإلِي َم َ‬
‫ان لَ َق ْد لَ ِب ْث ُت ْم فِي ِك َتا ِ‬
‫ب َّ ِ‬ ‫قرأ سورة الروم إلى قوله تعالى‪َ  :‬و َقا َل الَّذ َ‬
‫ث َولَ ِك َّن ُك ْم ُكن ُت ْم ال َتعْ لَ ُم ونَ‪ ‬ال روم‪ .56 /‬وأب و العب اس المرس ى ل ه توجي ه حس ن لق ول الح الج‪» :‬فف ي دي ن‬ ‫ْال َبعْ ِ‬
‫الصليب يكون موتي«‪ .‬قال أبو العباس‪ :‬مراده أنه يموت على دين نفسه؛ فإنه ھو الصليب‪ ،‬وكأنه قال‪ :‬أنا أم وت‬
‫على دين اإلسالم‪ ،‬وأشار إلى أنه يموت مص لوبا« نق ال ع ن عب د الوھ اب الش عراني‪ :‬لط ائف الم نن ـ ‪ 84 /2‬ط‬
‫مصر ‪1321‬ھـ‪ .‬وانظر ھامش أخبار الحالج ـ ص ‪.83 ،82‬‬
‫‪ - 2‬راجع نشرة ماسينيون وكراوس ـ ص ‪.45 ،44‬‬
‫‪ - 3‬راج ع ماس ينيون‪ :‬المنحن ي الشخص ي لحي اة الح الج )ض من كت اب شخص يات قلق ة( ص ‪ .75‬وراج ع نش رة‬
‫ماسينيون ألخبار الحالج ـ ص ‪.84‬‬
‫‪ - 4‬نشرة ماسينيون وكراوس ألخبار الحالج ـ ص ‪.8‬‬
‫بناء ما تصوروه في وجود معبودھم‪ .‬لقد غاب الشيوخ مع التنزيه فسلمت عقائدھم‪ ،‬وما جاء ع ن‬
‫بعضھم من عبارات موھمة فالنظر إليھا على أنھا نتاج تجربة المحب ة الت ي غلب تھم‪ ،‬ال عل ى أنھ ا‬
‫نصوص تتبنى تصورا م ا يمث ل العقي دة ف ي ﷲ‪ .‬وال ننك ر أن ه نب ت ح ول ھ ؤالء الش يوخ ش راذم‬
‫اغترت بأقوال المشايخ؛ فكان منھم الغلط في األصول والفروع‪ ،‬وھؤالء ھم الذين صوروا عقائد‬
‫الحلول واالتحاد بما عادت جريرته على التصوف والص وفية جميع ا‪ ،‬ولق د ب ذل ش يوخ الص وفية‬
‫في مدافعتھم ما لم يبذل ه غي رھم‪ ،‬وألف وا ف ي بي ان غلط اتھم من ذ وق ت مبك ر ف ي ت اريخ التص وف‬
‫اإلس المي‪ ،‬ابت داء بالس راج الطوس ي ف ي »اللم ع«‪ ،‬حي ث س ماھم »ال ُم َت َر ِّس مين بالتص وف«‬
‫ومرورا بأبى عبد الرحمن السلمى الذي أل ف ف ي »غلط ات الص وفية« والھج ويري ف ي »كش ف‬
‫المحجوب«‪ .‬إلى غير ھؤالء‪ ،‬ولعل قارئ »الرسالة« للقشيري يدرك من مفتتحھا أن الغاي ة م ن‬
‫تأليفھا ال تخرج عن مجال النقد الذاتي ببيان س يرة الش يوخ المقت دى بھ م ف ي ھ ذه الطائف ة‪ ،‬وبي ان‬
‫اعتق ادھم وش رح ألف اظھم؛ ليك ون ذل ك النب راس ال ذي يحت ذى ف ي الس لوك‪ ،‬ويك ون المح ك ف ي‬
‫معرفة حقيقة عقائد رجاالت التصوف اإلسالمي‪.‬‬
‫المراجع‬

‫‪1‬ــ أبو الوفا الغنيمي التفتازاني )الدكتور(‪ :‬علم الكالم وبع ض مش كالته‪ .‬ط دار الثقاف ة للنش ر‬
‫والتوزيع ـ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪2‬ــ أحمد بن الحس ين )اإلم ام الح افظ أب و بك ر البيھق ي ت‪458‬ھ ـ(‪ :‬األس ماء والص فات‪ .‬تق ديم‬
‫وتعليق الشيخ محمد زاھ د الك وثري الحنف ي‪ .‬دار إحي اء الت راث العرب ي ـ ـ بي روت‪ ،‬لبن ان )ب ـ ـ‬
‫ت(‪.‬‬
‫‪3‬ــ أحمد بن عبد الحليم )شيخ اإلسالم أبو العباس بن تيمية ت‪728‬ھـ(‪ :‬مجموع الفتاوى‪ .‬جمع‬
‫وترتيب الشيخ عبد الرحمن بن قاسم العاصي النج دي وابن ه محم د‪ .‬طب ع الرئاس ة العام ة بش ئون‬
‫الحرمين الشريفين بالسعودية ‪1404‬ھـ‪.‬‬
‫ـــ منھاج السنة النبوية‪ .‬تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم‪ .‬ط‪ ،1‬جامعة اإلمام محم د ب ن س عود‬
‫ــ الرياض‪ ،‬السعودية ‪1406‬ھـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪4‬ــ أحمد بن عبد ﷲ )الحافظ أبو نعيم األصفھاني ت‪430‬ھـ(‪ :‬حلية األولياء‪ .‬ط‪ ،4‬دار الكت اب‬
‫العربي ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1405‬ھـ‬
‫‪5‬ــ أحمد بن علي )الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي ت‪463‬ھـ(‪ :‬ت اريخ بغ داد‪ .‬ط دار الكت ب‬
‫العلمية ــ بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫‪6‬ــ أحمد بن علي بن حجر )الحافظ أبو الفضل العسقالني ت‪852‬ھـ(‪ :‬تقريب التھذيب‪ .‬بعناي ة‬
‫عادل مرشد‪ .‬ط‪ ،1‬مؤسسة الرسالة ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1416‬ھـ ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫ــ تھذيب التھذيب‪ .‬ط‪ ،1‬دار الفكر ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1404‬ھ ـ ـ ـ ‪1984‬م‪ .‬ـ لس ان المي زان‪ .‬ط‬
‫دار الفكر ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1408‬ھـ ــ ‪1988‬م‬
‫‪7‬ـ ـ أحم د ب ن يحي ى ب ن المرتض ى‪ :‬المني ة واألم ل )القس م األول م ن كت اب ف رق وطبق ات‬
‫المعتزلة( ـ ص ‪ .58‬تحقيق الدكتور علي سامي النشار باالش تراك‪ .‬ط دار المطبوع ات الجامعي ة‬
‫ـ اإلسكندرية‪ ،‬مصر ‪1972‬م‪.‬‬
‫‪8‬ــ إسماعيل بن عم ر ب ن كثي ر )الح افظ أب و الف داء الدمش قي ت‪774‬ھ ـ(‪ :‬البداي ة والنھاي ة‪ .‬ط‬
‫مكتبة المعارف ــ بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫‪9‬ـ ـ الجني د ب ن محم د ب ن الجني د الخ راز )اإلم ام أب و القاس م الق واريري ت‪298‬ھ ـ(‪ :‬رس ائل‬
‫الجنيد‪ .‬تحقيق الدكتور علي حسن عبد القادر‪ .‬ط برعي وجداي ــ القاھرة‪ ،‬مصر ‪.1988‬‬
‫‪10‬ـ ـ حس ن محم ود عب د اللطي ف الش افعي )ال دكتور(‪ :‬الم دخل إل ى دراس ة عل م الك الم‪ .‬ط‪،2‬‬
‫مكتبة وھبة ‪ -‬القاھرة ‪1411‬ھـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪11‬ــ طاھر بن محمد)أبو المظفر اإلس فراييني ت‪471‬ھ ـ(‪ :‬التبص ير ف ي ال دين وتميي ز الفرق ة‬
‫الناجية من الھالكين‪ .‬تحقيق الشيخ محمد زاھد الكوثري‪ .‬مكتبة الخانجي بالقاھرة‪ ،‬ومكتب ة المثن ى‬
‫ببغداد ‪1374‬ھـ ــ ‪1955‬م‪.‬‬
‫‪12‬ــ عب د ال رحمن ب ن أب ي ح اتم محم د ب ن إدري س )أب و محم د ال رازي التميم ي ت‪327‬ھ ـ(‪:‬‬
‫الج رح والتع ديل‪ .‬ط‪ ،1‬مطبع ة مجل س دائ رة المع ارف ـ حي در آب اد ال دكتن‪ ،‬الھن د ‪1372‬ھ ـ ـ‬
‫‪1953‬م‪.‬‬
‫‪13‬ــ عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي )الحافظ أبو الف رج ت‪597‬ھ ـ(‪ :‬المن تظم ف ي‬
‫تاريخ الملوك واألمم"‪ .‬ط‪ ،1‬دار صادر ‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1358‬ھـ‪.‬‬
‫ـ ـ دف ع ش به التش بيه ب أكف التنزي ه‪ .‬تحقي ق الك وثري‪ .‬ط مكتب ة الكلي ات األزھري ة ـ الق اھرة‪،‬‬
‫مصر ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪14‬ــ عبد العزيز بن عبد السالم )سلطان العلماء أبو محمد عز الدين السلمي ت‪660‬ھـ(‪ :‬زب د‬
‫خالصة التصوف المسمى »حل الرموز«‪ .‬ط المكتبة اإلسالمية التجارية ــ طنط ا‪ ،‬مص ر )ب ـ ـ‬
‫ت(‪.‬‬
‫‪15‬ـ ـ عب د الق ادر الجيالن ي )ت‪561‬ھ ـ(‪ :‬الغني ة لط البي طري ق الح ق ـ ع ز وج ل‪ .‬ط المطب ع‬
‫المصرية ــ بوالق‪ ،‬مصر ‪1288‬ھـ‪.‬‬
‫‪16‬ــ عبد القاھر بن طاھر البغدادي )ت‪423‬ھـ(‪ :‬الفرق بين الفرق‪ .‬تحقيق محمد محيي ال دين‬
‫عبد الحميد‪ .‬ط دار المعرفة للطباعة والنشر ــ بيروت‪ ،‬لبنان )ب ــ ت(‪.‬‬
‫‪17‬ـ ـ عب د الك ريم ب ن محم د ب ن منص ور )الح افظ أب و س عد الس معاني(‪ :‬األنس اب‪ .‬ط مطبع ة‬
‫مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد الدكن‪ ،‬الھند ‪1402‬ھـ ـ ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪18‬ــ عبد الك ريم ب ن ھ وازن القش يري )ت‪465‬ھ ـ(‪ :‬الرس الة القش يرية ف ي عل م التص وف‪ .‬ط‬
‫مكتبة صبيح ــ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1366‬ھـ ــ ‪1966‬م‪.‬‬
‫‪19‬ـ ـ عب د ﷲ ب ن ع دي ب ن عب د ﷲ ب ن محم د )أب و أحم د الجرج اني ت‪365‬ھ ـ(‪ :‬الكام ل ف ي‬
‫ضعفاء الرجال‪ .‬تحقيق يحيى مختار غزاوي‪ .‬ط‪ ،3‬دار الفكر بيروت‪ ،‬لبنان ‪1409‬ھـ ــ ‪1988‬م‬
‫‪20‬ــ عب د ﷲ ب ن عل ي )أب و نص ر الس راج الطوس ي ت‪378‬ھ ـ(‪ :‬اللم ع‪ .‬تحقي ق ال دكتور عب د‬
‫الحليم محمود باالشتراك‪ .‬ط دار الكتب الحديثة ــ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1960‬م‪.‬‬
‫‪21‬ــ عبد ﷲ بن مسلم بن قتيبة)اإلمام أبو محمد الدينوري ت‪276‬ھـ(‪ :‬تأويل مختلف الح ديث‪.‬‬
‫نشرة مولوي محمد أمير حمزة‪ .‬ط المكتبة اإلسالمية ـ كوته‪ ،‬باكستان ‪1403‬ھـ‬
‫‪22‬ـ ـ عب د المل ك ب ن عب د ﷲ ب ن يوس ف )إم ام الح رمين أب و المع الي الج ويني ت‪487‬ھ ـ(‪:‬‬
‫اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد‪ .‬تحقيق الدكتور محمد يوسف موسى‪ ،‬والشيخ علي‬
‫عبد المنعم عبد الحميد‪ .‬مكتبة الخانجي ــ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1950‬م‪.‬‬
‫ــ الشامل في أصول الدين‪ .‬تحقيق الدكتور علي سامي النشار باالشتراك‪ .‬ط مصر‪.‬‬
‫‪23‬ــ عبد الوھاب الشعراني‪ :‬لطائف المنن‪ .‬ط مصر ‪1321‬ھـ‪.‬‬
‫‪24‬ــ عبد الرحمن بدوي )ال دكتور(‪ :‬شخص يات قلق ة ف ي اإلس الم‪ .‬ط‪ ،3‬وكال ة المطبوع ات ـ ـ‬
‫الكويت ‪1978‬م‪.‬‬
‫‪25‬ــ علي بن أحمد بن سعيد)اإلمام ابن حزم الظاھري القرطبي ت‪456‬ھـ(‪ :‬الفصل في المل ل‬
‫واألھواء والنحل‪ .‬مكتبة السالم العالمية ــ القاھرة‪ ،‬مصر )ب ــ ت(‪.‬ــ الخياط‪ :‬االنتصار‬
‫‪26‬ــ علي بن إسماعيل )اإلمام أبو الحسن األشعري ت‪324‬ھـ(‪ :‬مقاالت اإلسالميين واختالف‬
‫المصلين‪ .‬تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد‪ .‬ط‪ ،2‬مكتبة النھضة المصرية ــ الق اھرة‪ ،‬مص ر‬
‫‪1969‬م‪.‬‬
‫‪27‬ــ علي بن عمر )اإلمام أبو الحسن ال دار قطن ي البغ دادي ت‪385‬ھ ـ(‪ :‬الص فات ـ ص ‪.65‬‬
‫م ن تحقي ق د‪ /‬عل ي محم د ناص ر الفقيھ ي‪ .‬ط‪ ،1‬الجامع ة اإلس المية بالمدين ة المن ورة‪ ،‬الس عودية‬
‫‪1403‬ھـ‪.‬‬
‫‪28‬ـ ـ عل ي س امي النش ار )ال دكتور(‪ :‬نش أة الفك ر الفلس في ف ي اإلس الم‪ .‬ط دار المع ارف ـ ـ‬
‫القاھرة‪ ،‬مصر ج ‪ 1‬ــ ط‪1981 ،8‬م‪ .‬ج ‪ 2‬ــ ط‪1977 ،7‬م‪ .‬ج ‪ 3‬ــ ط‪1980 ،8‬م‪.‬‬
‫‪29‬ــ لويس ماسينيون‪ :‬أخبار الح الج‪ .‬ط ب اريس ‪1914‬م‪ .‬وأع اد نش رھا باالش تراك م ع ب ول‬
‫كراوس ط مطبعة العلم‪ ،‬ومكتبة الروز ــ باريس‪ ،‬فرنسا ‪1936‬م‪.‬‬
‫‪30‬ــ محمد الحسين آل كاشف الغطاء‪ :‬أصل الشيعة وأصولھا‪ .‬من منش ورات مكتب ة الش ريف‬
‫الرضي ــ قم‪ ،‬إيران ‪1413‬ھ ـ‪ .‬وھ ي مص ورة ع ن طبع ة المكتب ة الحيدري ة ـ ـ النج ف األش رف‪،‬‬
‫العراق ‪1385‬ھـ ‪1965 /‬م‪.‬‬
‫‪31‬ــ محمد بن أحم د ب ن عثم ان ب ن قايم از )الح افظ ش مس ال دين ال ذھبي ت‪748‬ھ ـ(‪ :‬مي زان‬
‫االعتدال في نقد الرجال ‪ .‬تحقيق الشيخ علي محمد معوض باالشتراك‪ .‬ط‪ ،1‬دار الكت ب العلمي ة‬
‫ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1995‬م‪.‬‬
‫ــ تذكرة الحفاظ ‪ .‬مطبعة مجلس دائرة المعارف ـ حيدر آباد الدكن‪ ،‬الھند ‪1375‬ھـ ـ ‪1955‬م‪.‬‬
‫‪32‬ـ ـ محم د ب ن إس حاق الن ديم ‪ :‬الفھرس ت ـ تحقي ق رض ا تج دد ط طھ ران‪.‬‬
‫إيران‪1391‬ھـ‪1971.‬م‪.‬‬
‫‪33‬ــ محمد بن إسحاق بن خزيم ة )ت‪311‬ھ ـ(‪ :‬التوحي د وإثب ات ص فات ال رب‪ .‬تحقي ق محم د‬
‫خليل الھراس‪ .‬ط مكتبة الكليات األزھرية ـ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1387‬ھـ ـ ‪1968‬م‪.‬‬
‫‪34‬ــ محمد بن إسماعيل بن إبراھيم )اإلمام أبو عبد ﷲ البخاري الجعف ي ت‪256‬ھ ـ(‪ :‬الت اريخ‬
‫الكبير‪ .‬تحقيق السيد ھاشم الندوي‪ .‬ط دار الفكر ـ بيروت‪.‬‬
‫‪35‬ـ ـ محم د ب ن الحس ن ب ن ف ورك )ت‪406‬ھ ـ(‪ :‬مش كل الح ديث وبيان ه‪ .‬تحقي ق ال دكتور عب د‬
‫المعطي أمين قلعجي‪ .‬ط‪ ،1‬دار الوعي ــ حلب‪ ،‬سوريا ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪36‬ــ محمد بن الحس ين )اإلم ام أب و بك ر اآلج ري ت‪360‬ھ ـ(‪ :‬الش ريعة‪ .‬تحقي ق محم د‪ :‬حام د‬
‫الفقي‪ .‬ط‪ ،1‬مطبعة السنة المحمدية ـ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1369‬ھـ ـ ‪1950‬م‪.‬‬
‫‪37‬ـ ـ محم د ب ن الحس ين ب ن محم د )الح افظ أب و عب د ال رحمن الس لمى ت‪412‬ھ ـ(‪ :‬أص ول‬
‫المالمتية وغلط ات الص وفية‪ .‬تحقي ق د‪ /‬عب د الفت اح أحم د الف اوي‪ .‬ط مطبع ة الرش اد ـ الق اھرة‪،‬‬
‫مصر ‪1985‬م‪.‬‬
‫ــ طبقات الصوفية‪ .‬تحقيق نور الدين شريبة‪ .‬ط المكتبة األثرية ــ باكستان )ب ــ ت(‪.‬‬
‫‪38‬ــ محم د ب ن عب د الك ريم )أب و اليس ر الب زدوي ت‪493‬ھ ـ(‪ :‬أص ول ال دين‪ .‬تحقي ق ال دكتور‬
‫ھانز بينزلنس‪ .‬دار إحياء الكتب العربية )عيسى البابي( ــ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1383‬ھـ ــ ‪1963‬م‪.‬‬
‫‪39‬ــ محمد بن عبد الكريم بن أحمد )أبو الفتح الشھرستاني ت‪548‬ھـ(‪ :‬المل ل والنح ل‪ .‬تحقي ق‬
‫محمد بن فتح ﷲ بدران‪ .‬ط‪ ،2‬مكتبة األنجلو المصرية ــ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1956‬م‪.‬‬
‫‪40‬ــ محمد بن علي )أبو طالب المكي ت‪386‬ھـ(‪ :‬قوت القلوب في معاملة المحبوب ووص ف‬
‫طريق المريد إلى مقام التوحيد‪ .‬ط المكتبة الميمنية ــ القاھرة‪ ،‬مصر ‪1310‬ھـ‪.‬‬
‫‪41‬ـ ـ محم د ب ن عم ر )اإلم ام فخ ر ال دين ال رازي ت‪606‬ھ ـ(‪ :‬اعتق ادات ف رق المس لمين‬
‫والمش ركين‪ .‬نش رة محم د المعتص م ب ا البغ دادي‪ .‬ط‪ ،1‬دار الكت اب العرب ي ـ ـ بي روت‪ ،‬لبن ان‬
‫‪1407‬ھـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪42‬ـ ـ محم د ب ن عم ر ب ن موس ى )أب و جعف ر العقيل ي ت‪322‬ھ ـ(‪ :‬الض عفاء الكبي ر‪ .‬تحقي ق‬
‫الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي‪ .‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1404‬ھـ ــ ‪1984‬م‬
‫‪43‬ــ محمد بن محمد بن محمد الغزالي )حجة اإلسالم أبو حامد ت‪505‬ھـ(‪ :‬مجموعة رسائل‬
‫اإلمام الغزالي‪ .‬ط دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1406‬ھـ ـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪44‬ــ محمد جالل شرف )الدكتور(‪ :‬دراسات في التصوف اإلسالمي‪ .‬ط دار النھض ة العربي ة‬
‫ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪45‬ــ مصطفى غالب )الدكتور(‪ :‬الحالج الحسين ب ن منص ور‪ .‬ط مؤسس ة ع ز ال دين للطباع ة‬
‫والنشر ــ بيروت‪ ،‬لبنان ‪1402‬ھـ ـ ‪1982‬م‪..‬‬
‫‪46‬ــ ميمون بن محم د ب ن محم د ب ن معتم د )أب و المع ين النس في ت‪508‬ھ ـ(‪ :‬تبص رة األدل ة‪.‬‬
‫تحقيق كلود سالمة‪ .‬ط‪ ،1‬الجفاني والجابي للطباعة والنشر ــ ليماسول‪ ،‬قبرص ــ دمشق‪ ،‬س وريا‬
‫‪1990‬م‪.‬‬

You might also like