Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 49

‫الفصل الثالث‬

‫االتصال الكالمي (اللفظي)‬


‫الدكتورة ‪ /‬جنود بنت مساعد السديري‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اهلدف العام‪:‬‬
‫حتسني االتصال اللفظى لدى الطالب‪.‬‬

‫يتوقع بنهاية هذا الفصل أن يكون الطالب قادراً على‪:‬‬


‫‪ -1‬شرح و تفسري رمزية اللغة‪.‬‬
‫‪ -2‬التعريف مبالءمة اخلطاب لسياق احلديث‪.‬‬
‫‪ -3‬إعطاء أمثلة يف اختالف املعاني تبعا الختالف األصوات واللهجات‪.‬‬
‫‪ -4‬التحدث عن الفرق بني الكلمات املستخدمة للمجموعات املختلفة‪.‬‬
‫‪ -5‬إدراك معوقات االتصال اللفظي وازدواجية احلديث‪.‬‬
‫‪ -6‬توضيح اللغة املالئمة للموقف واألشخاص‪.‬‬
‫‪ -7‬شرح كيفية استخدام الدقة والشرح لتحسني االتصال اللفظي‪.‬‬
‫‪ -8‬التعريف مبعنى حتمل مسؤولية الكالم‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املقدمة‬
‫االتصال اللفظي هو أحد أهم مهارات االتصال ‪ ،‬ألن املرسل حياول إيصال‬
‫أكرب قدر من معنى الرسالة عن طريق التلفظ بالكلمات‪ .‬فما هو االتصال‬
‫اللفظي؟ لفظ بالكالم أي «نطق به»‪ .‬و االتصال اللفظي يشمل التلفظ‬
‫بالكلمات‪ ،‬و التلفظ هو «متوجات هوائية مصدرها يف الغالب احلنجرة‬
‫تشكلها أعضاء الصوت» (املعجم الوسيط‪ ،2004 ،‬ص ‪ .)832‬أما الكالم‬
‫فهو «األصوات املفيدة» (ص ‪.)796‬‬
‫وختتلف كتابة اللغة عن التحدّث بها‪ .‬فحني يتحدث شخصان مثال فإنهما‬
‫يتحدثان بعفوية ويتبادالن معلومات مع ّينة‪ ،‬ويكونان انطباعات ويتجاوبان مع‬
‫أحاديث بعضهما البعض‪ .‬واعتمادا على ردود فعل ّ‬
‫كل منهما‪ ،‬يستطيعان أن‬
‫يشرحا‪ ،‬وأن يس ّرعا الكالم أو يبطئاه‪ ،‬وأن يعمال الالزم لتأكيد الفهم‪.‬‬
‫ونستطيع يف احلديث تغيري كلماتنا بنا ًء على التغذية الراجعة اليت نتلقاها‬
‫من اآلخر‪ ،‬أما يف الكتابة فال نستطيع ذلك‪ .‬ويف الكتابة حنن نقدّر اجلمهور‪،‬‬
‫ونكتب حبسب تقديرنا التصوري للقاريء‪ .‬وحنن كك ّتاب لنا حسنة واحدة‪،‬‬
‫متيزنا عن املتحدثني‪ ،‬وهي ميزة الوقت الذي نستطيع من خالله التعديل والتغيري‬
‫واملراجعة لكل ما كتبناه‪ ،‬كما نستطيع احملو‪ .‬وكقراء أيضا لنا هذه امليزة‬
‫عن السامعني فنستطيع إعادة ما قرأناه‪ ،‬لالستيضاح (‪Hybels & Weaver,‬‬
‫‪ .)1997‬ويف هذا الفصل سيكون تركيزنا على احلديث (املشافهة)‪ .‬سنركز‬
‫على االتصال اللفظي فقط دون االتصال الكالمي املكتوب‪.‬‬
‫و ألن االتصال اللفظي حيدث من خالل اللغة املنطوقة فسيكون تركيزنا‬
‫يف هذا الفصل على اللغة‪ .‬إن حياة اإلنسان –يف جانبها املعريف‪ -‬عبارة عن‬
‫جمموعة من الكلمات و املعاني‪ .‬حنن نستخدم‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫عب عنه بكلمات و إعالن القسم‬


‫الكلمات حتكم علينا‪ ،‬فإشهار اإلسالم ُي رِّ‬
‫مطلوب للشهادة ‪ ،‬كما أن الطالق يقع بكلمات‪.‬‬

‫الكلمات لنعرب عن ذواتنا‪ ،‬و لنعطي معنى حلياتنا و أنشطتنا املختلفة‪ .‬سننظر‬
‫إىل عامل الكلمات و املعاني اليت متيز البشر‪ ،‬و سنناقش الرموز اليت ليست هلا‬
‫معان ثابتة ألننا نفسرها بناء على منظورنا من خالل تفاعلنا مع اآلخرين و من‬
‫خالل جتاربنا الشخصية اليت اكتسبناها‪ .‬لغتنا تعطي صورة عنا‪ ،‬فهي جتعل‬
‫اآلخرين يعرفون مقدار تعليمنا‪ ،‬ومن أي طبقة حنن‪ ،‬لذا‪ ،‬سنتحدث عن اللغة‬
‫كمصدر للقوة وكأساس للتفكري‪.‬‬
‫ً‬
‫بعضا من عناصر اللغة‪ ،‬فتعلمنا لألصوات خيتلف باختالف‬ ‫و من ثم سنستعرض‬
‫املناطق اجلغرافية‪ ،‬والكلمات متثل أشياء حمسوسة وأشياء معنوية‪ .‬لو خالفنا‬
‫ري مستحسن لدى املتلقي‪ ،‬واملعاني ُتبنى يف عقولنا‬ ‫ً‬
‫انطباعا غ َ‬ ‫قواعد اللغة لرتكنا‬
‫من الكلمات‪ .‬وسنتعرف على تأثري هذه العناصر يف االتصال‪.‬‬
‫و ألننا نتحدث عن اللغة‪ ،‬سنتحدث عن ثقافة اجملتمع‪ ،‬إ ْذ توجد يف اجملتمع‬
‫عدة داخل الثقافة السائدة‪ ،‬تستخدم كل منها لغة يف االتصال‪ ،‬متيزها‬
‫ثقافات ّ‬
‫عن األخريات‪ .‬و ألن الكلمات ميكن أن تعين أشياء خمتلفة ألناس خمتلفني‪،‬‬
‫فعدم الفهم وارد‪.‬‬
‫ً‬
‫أحيانا‬ ‫بعد ذلك سنستعرض أهم معوقات االتصال اللفظي‪ .‬فبعض الكلمات‬
‫مبعان مزدوجة وخمتلفة‬
‫ٍ‬ ‫حتجب أو تش ّوه أو ختفي املعاني‪ ،‬كما توجد كلمات‬
‫باختالف اجملموعات اليت تتداوهلا‪ ،‬كما أن التعميمات قد تعيق االتصال‬
‫اللفظي‪.‬‬
‫وأخريا سوف نقرتح بعض النقاط لتحسني االتصال اللفظي‪ ،‬كمعرفة خلفيات‬
‫من حندثهم ومعلوماتهم عن املوضوع‪ ،‬لنتمكن من اختيار اللغة املالئمة إليصال‬
‫ً‬
‫وضوحا‪.‬‬ ‫الرسالة‪ .‬وكلما كانت اللغة دقيقة ووصفية أكثر كلما كانت أكثر‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫فاختيار اللغة املالئمة للمتلقي وللحدث وللمكان‪ ،‬وحتمل مسؤولية ما نتحدث‬


‫عنه‪ ،‬يعطي حديثنا مصداقية أكرب‪.‬‬

‫اللغة‬
‫اللغة هي عقد من العالمات والرموز واإلشارات‪ ،‬تستخدم كوسيلة إليصال‬
‫املعاني بني البشر‪ .‬ولوالها ألصبح االتصال شبه معدوم‪ ،‬أوقد ال يكون هناك‬
‫اتصال بني اجلماعات‪ .‬فاللغة تشبه املنظار الذي جيعلنا نرى العامل ونتعرف على‬
‫دقائقه املختلفة‪ .‬فبها نتبادل املعاني وبها نفكر‪.‬‬

‫لنتخيل أنفسنا بدون لغة‪ ،‬هل بإمكاننا التعبري لآلخرين عما حنس به‪ ،‬أو‬
‫عما يقلقنا؟ هل نستطيع أن نشرح وجهة نظرنا لآلخرين‪ ،‬أو خنربهم مبا نريد؟‬
‫بالرغم من أننا نعتقد بأن اللغة حمايدة‪ ،‬إال أنها مصدر قوة للبعض‪ ،‬كما أنها‬
‫نقطة ضعف بالنسبة لآلخرين‪ .‬فنحن نستطيع أن نستخدمها للتأثري يف اآلخرين‪،‬‬
‫بطريقة إجيابية‪ ،‬كما نستطيع بواسطتها إعطاء صورة سلبية أو إجيابية عن‬
‫أنفسنا‪.‬‬
‫قبل أن نستعرض عناصر اللغة علينا أن نتحدث عن نقطتني مهمتني‪ :‬اللغة‬
‫كمصدر قوة للبشر‪ ،‬و اللغة كأساس للتفكري‪.‬‬

‫اللغة مصدر قوة‪:‬‬


‫( وعلم آدم األمساء كلها ثم عرضهم على املالئكة فقال أنبئوني بأمساء‬
‫هؤالء إن كنتم صادقني ) سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.]31‬‬
‫أعطى اهلل قوة آلدم على املالئكة بتعليمه األمساء‪ .‬واعتذرت املالئكة من‬
‫أنهم ال علم هلم إال مبا علمهم اهلل‪ ،‬فهم مل يمُ نحوا القوة اليت منحها اهلل آلدم‪.‬‬
‫ولكل منا اسم‪ ،‬وهذه األمساء متيزنا عن اآلخرين‪ .‬ولكنها يف الوقت ذاته‬
‫جتعلنا نشعر بأننا جزء من اجملموعة‪ .‬واألمساء والنعوت قد تؤثر علينا مدى‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫احلياة‪ .‬فلو ُن ِعتنا بالغباء ‪ ،‬مثال ‪ ،‬يف طفولتنا ‪ ،‬فلرمبا أثر هذا النعت علينا‬
‫قص ٍة مسعناها‪ ،‬يتحدث فيها أصحا ُبها‬
‫مدة بقائنا على قيد احلياة‪ .‬وكم من ّ‬
‫ّ‬
‫كلمات مسعوها من والديهم‪ ،‬أو ممن أحاطوا بهم يف وقت من‬
‫ٍ‬ ‫عن تذكرهم‬
‫األوقات‪ ،‬فكان هلا عميق األثر يف مدى جناحاتهم أو إخفاقاتهم‪.‬‬
‫تقول كريس كرامير‪ ،‬اخلبرية يف جمال االتصال (‪in Sieler & Beall,‬‬
‫‪ )2005‬إن األفراد الذين ال يستطيعون انتقاء األلفاظ املناسبة‪ ،‬أو املالئمة‪،‬‬
‫ً‬
‫ارتباطا‬ ‫ليست لديهم أصوات مسموعة يف عاملهم‪ ،‬وإن مكانة الفرد ترتبط‬
‫ً‬
‫وثيقا باللغة‪ .‬فحني أرسل اهلل تعاىل نب ّيه موسى ( عليه السالم ) إىل فرعون‬
‫وقومه‪ ،‬كان ( عليه السالم ) يدرك أن القوة‪ /‬طالقة اللسان الالزمة للدعوة‬
‫ليست لديه‪ ) :‬وأخي هارون هو أفصح مين لسانا فأرسله معي ردءا يصدقين إني‬
‫أخاف أن يكذبون( [سورة القصص‪ ،‬آية ‪ .]34‬واستجاب سبحانه وتعاىل ملوسى‬
‫وأرسل معه أخاه هارون‪.‬‬

‫الكلمات هلا تأثري عميق إذا استخدمناها بطريقة مؤثرة‪ .‬لننظر إىل اجلمل‬
‫التالية‪:‬‬
‫«التلوث له تأثري كبري يف مستقبلنا»‬
‫«التلوث يهدد مستقبل أطفالنا»‬
‫لرمبا فكر أحدهم فيما قلنا باجلملة األوىل لثوان ‪ ،‬ثم نسيه ‪ ،‬وقد يتجاهل‬
‫كالمنا آخر ‪ ،‬كأنه مل يسمعه‪ .‬ولكن يف اجلملة الثانية للكلمات تأثري‬
‫يشد انتباه املستمعني أكثر من اجلملة األوىل‪ ،‬رغم أن املعنى يف‬
‫أعمق‪ّ ،‬‬
‫اجلملتني واحد‪.‬‬

‫إن الناس الذين يستخدمون لغة قوية يبدون أكثر مصداقية وجاذبية وقدرة‬
‫على اإلقناع من الذين يستخدمون لغة أقل قوة‪ ،‬و يعززون فرص جناحهم و‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تقدمهم يف احلياة‪ .‬فإذا عربنا عن آرائنا بصورة واضحة‪ ،‬وبال تردد‪ ،‬الحرتم‬
‫املستمعون تلك اآلراء أكثر من لو ترددنا وقلنا‪« :‬هذا رأيي أنا‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬
‫صحيحا ولكن ما رأيكم أنتم؟»‪ .‬رغم أن هذه‬ ‫ما أدراني!» أو «يبدو هذا‬
‫اجلمل تبدو حماوالت لتأكيد ما نقوله إال أنها جتعلنا نبدو غري واثقني مما‬
‫نقول‪.‬‬
‫و األهم من استخدام اللغة القوية هو أن تقرتن تلك اللغة بأخالقيات هي يف‬
‫احلقيقة اجلوهر األساسي الذي تعتمد عليه اللغة يف إحداث أثرها على املتلقي‪.‬‬
‫فأخالقيات مثل‪ :‬الصدق و الصراحة و األمانة و احرتام اآلخرين و االلتزام بآداب‬
‫احلوار و النقاش و البعد عن اجلدل تضاعف من تأثرينا كمتحدثني و تعطي‬
‫ً‬
‫فاعال على اآلخرين‪ .‬بينما لو كنا‬ ‫شخصيتنا مصداقية‪ ،‬و تأثري اًمستمراً و‬
‫غري متمكنني من اللغة القوية أو كنا فاقدين ملثل هذه األخالقيات فلن تكون‬
‫لدينا مصداقية و لن حنظى حنن و لغتنا القوية باحرتام اآلخرين‪ .‬و بذلك تفقد‬
‫اللغة القوية مفعوهلا‪ ،‬بل و العكس قد نصبح منعدمي املصداقية مما يتسبب‬
‫يف فشلنا‪.‬‬

‫ما الفرق بني اجلدل و النقاش؟‬

‫الثقة بالنفس وقوة احلديث تعطي مصداقية أكرب لرسائلنا‪ .‬فعلينا أن ال‬
‫ً‬
‫ضعفا يف احلديث عما نفكر به‪ ،‬ألن حماولة التأثري على املتلقي‬ ‫نظهر تردداً أو‬
‫من خالل الكلمات هي إحدى وسائل االتصال الفعال‪.‬‬
‫اللغة تؤثر على التفكري‬
‫ً‬
‫مرتبا ‪،‬‬ ‫ً‬
‫واضحا‬ ‫اللغة تؤثر على قدرتنا على التفكري‪ .‬فلو كان تفكرينا‬
‫ً‬
‫أحيانا قد‬ ‫لبدت كلماتنا واضحة مرتبة ‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬و جند أنفسنا‬
‫فقدنا كلمة ال نستطيع بدونها إيصال املعنى‪ .‬و نظل نبحث عنها حتى جندها‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وإن مل جندها نعجز عن إيصال أفكارنا‪ .‬علينا أن نتخري ألفاظنا بدقة قبل أن‬
‫نبدأ بالتحدث‪ ،‬ألننا إذا نطقنا كلمة لن نستطيع اسرتجاعها‪ ،‬وال اسرتجاع‬
‫تأثريها‪ .‬وحتى لو حاولنا تصحيح اخلطأ‪ ،‬أو االعتذار عنه‪ ،‬تكون الكلمات‬
‫قد أحدثت مفعوهلا‪ .‬فكم من موقف وجدنا أنفسنا فيه نتلفظ مبا يف تفكرينا‬
‫ثم متنينا لو أننا مل نقله؟ ولو أعطينا أنفسنا الوقت للتفكري ملا ترتب على ما‬
‫قلناه مشاكل كنا يف غنى عنها‪ ،‬وكان من املمكن جتنبها‪ .‬فاللغة ‪-‬إذاً‪ -‬قد‬
‫تكون مصدر فائدة لنا‪ ،‬كما أنها قد تكون مصدر ضرر كبري‪.‬‬
‫إن أول انطباع لنا عن أي شخص نراه ألول مرة قد يتكون من املظهر اخلارجي‬
‫له‪ .‬ولكن ما أن يبدأ الشخص باحلديث‪ ،‬حتى تبدأ أفكاره ‪-‬بواسطة اللغة‪ -‬يف‬
‫تشكيل صورته‪ ،‬اليت قد تؤكد أو تغاير الصورة الذهنية اليت كونها مظهره‬
‫اخلارجي لدينا‪ .‬و يلفت أنظارنا أحيانا املظهر الوديع ألحدهم حتى يبدأ النقاش‪،‬‬
‫املكونة عنه يف أذهاننا‪ ،‬لتصبح‬
‫َّ‬ ‫مع من ال يشاركه الرأي ً‬
‫مثال‪ ،‬فتنقلب الصورة‬
‫مغايرة لصورته اليت أخذناها يف انطباعنا األول عنه‪.‬‬
‫ألن التلفظ بالكلمات يعطي صورة عنا‪ ،‬لذلك علينا أن نتخري األلفاظ‪ ،‬لنعبرّ‬
‫بد ّقة عن األفكار اليت نريد مشاركتها مع اآلخرين‪ ،‬كما ّ‬
‫يتوجب علينا أن‬
‫التحدث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نأخذ الوقت الكايف للتفكري فيما نريد قوله‪ ،‬قبل البدء يف‬

‫عناصر اللغة‪:‬‬
‫اللغة هي أحد عناصر االتصال‪ ،‬ولكن وجود اللغة وحدها ال يعين بالضرورة‬
‫حدوث اتصال‪ .‬حنن ‪-‬حتما‪ -‬ال نستطيع االتصال لفظيا إال بواسطة اللغة‪،‬‬
‫ومستخدم اللغة يثبت فشله إذا مل يتمكن من إيصال املعاني‪ .‬لكي نقول‪« :‬نعم‬
‫« بإمكاننا هز رؤوسنا دون أن نتحدث أو أن نلفظ الكلمة أو أن نكتبها‪ .‬ومن‬
‫املمكن كذلك أن نقول كلمة «نعم» يف بلد ال يتحدث العربية‪ ،‬فال حيدث أي‬
‫نوع من االتصال‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اللغة عبارة عن رموز نستخدمها لنتمكن من إيصال أفكارنا ومشاعرنا‬


‫لآلخرين‪ .‬واالتصال يشمل تبادل املعاني‪ .‬فنحن نستخدم اللغة لنصنع الكالم‪،‬‬
‫لنبلور شخصياتنا ولنتبادل آراءنا وأفكارنا مع اآلخرين‪ .‬والكالم هو ما نفعله‬
‫كل يوم‪ ،‬أما االتصال فهو العملية اليت نشارك بها اآلخرين لنعطي معنى لكل‬
‫شيء‪ ،‬واهلدف من هذه العملية هو ربط اللغة باحلديث‪ ،‬إلنتاج اتصال فعال لنقل‬
‫املعنى املراد‪.‬‬
‫ومن املمكن التعرف على اللغة كوسيلة اتصال بدراسة بعض عناصرها‬
‫الرئيسة‪ :‬األصوات والقواعد والكلمات واملعاني‪.)Sieler & Beall, 2005( .‬‬

‫أ‪ .‬األصوات‪:‬‬
‫يتعلم اإلنسان التحدث قبل أن يتعلم الكتابة‪ ،‬فهو خملوق مزود بأجهزة طبيعية‬
‫يف املخ لتعلم األصوات‪ .‬وأوضح فرق بني الكتابة واحلديث هو أن األوىل مرئية‬
‫والثاني مسموع‪ .‬وكما نتعلم الكتابة خبطوط خمتلفة‪ ،‬فإننا كذلك ال نتعلم‬
‫نفسها‪ ،‬إال أننا نتحدث‬
‫نفسها‪ .‬ومع أننا نستخدم اللغة َ‬
‫إصدار األصوات بالطريقة ِ‬
‫بطرق خمتلفة‪ ،‬خصوصا إذا كنا من مناطق جغرافية وثقافية خمتلفة‪ .‬أحيانا‬
‫األصوات نفسها‪ ،‬اليت نصدرها‪ ،‬تعين أشياء خمتلفة ملتحدثي اللغة نفسها‪.‬‬

‫طبعا استمتعت مبحاضرة اليوم!‬

‫حاول‪/‬ي قول اجلملة السابقة مبعان خمتلفة بتغيري نربات الصوت فقط‬
‫(استهزاء‪ ،‬صدق‪ ،‬جماملة‪ ،‬محاس)‬

‫األصوات تشمل التمتمة و الشهقة و ارتفاع و اخنفاض الصوت و النغمة و‬


‫اللحن‪ ،‬و هي أدوات نستخدمها لنخرب اآلخرين كيف يرتمجون معاني أقوالنا‪.‬‬
‫هذه اإلشارات الصوتية تعلم اآلخرين بأن ما نقوله هو مزاح أو تهديد أو تقرير أو‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫سؤال أو أي معنى آخر‪.‬‬


‫كمتصلني جيدين‪ ،‬علينا أن نعرف كيفية تطويع هذه اإلشارات الصوتية‬
‫لتضيف قوة ملعانينا اللفظية‪.‬‬
‫حنن نستخدم أصواتنا لنشرك اآلخرين مبشاعرنا و أفكارنا‪ .‬فاهلمس‬
‫يعين السرية أو احلميمية بينما يدل الصراخ على الغضب‪ ،‬و التنهد قد يعين‬
‫ً‬
‫انطباعا بالرفض بينما‬ ‫التعاطف أو امللل أو الرضى‪ .‬حلن الصوت السليب يعطي‬
‫ينيبء الصوت الساخر بعدم التقبل بقوة قد تكون أكرب من قوة الكلمات‪ .‬و‬
‫العكس صحيح‪ :‬فالصوت اهلاديء ينم عن الرضى ‪ ،‬و الصوت املازح يدل على‬
‫األلفة (‪)Wood, 1997‬‬

‫علينا أن نتعرف على هذه االختالفات يف األصوات كي يفهم بعضنا‬


‫ً‬
‫بعضا‪ ،‬ولكي ال حيدث سوء فهم بني أطراف االتصال‪.‬‬
‫ب‪ .‬القواعد‪:‬‬
‫اللغة هلا قوانني حتكم كيفية ارتباط األصوات لتصبح كلمات‪ ،‬وهلا أيضا‬
‫قوانني حتكم كيفية ربط الكلمات لتنتج مجلة أو عبارة‪ .‬فمثال يف اللغة العربيـة‬
‫وتأنيثا كـ ( حتدثت فاطمة‪ ،‬واستمع حسن)‬ ‫ً‬ ‫الفعل يتبع الفاعل ويطابقه تذكرياً‬
‫ً‬
‫ومجال وفقرات‬ ‫عبارات‬
‫ٍ‬ ‫نربط األصوات لننتج كلمات ‪ ،‬ونربط الكلمات لننتج‬
‫وبعملنا هذا نستخدم األصوات والقواعد يف الوقت نفسه‪ .‬فالقدرة على استخدام‬
‫األصوات والقواعد بشكل صحيح مهمة جدا لالتصال اجليد‪ .‬القواعد متكننا‬
‫من إنتاج مجل كاملة كما متكننا من فهم مجل اآلخرين‪.‬‬
‫و هناك قواعد أخرى للغة –جبانب قواعد النحو و الصرف‪ -‬نبدأ يف تعلمها‬
‫يف السنة األوىل من وجودنا و هي اليت متكننا من االتصال‪ ،‬و هي ما تسمى‬
‫بالقواعد التنظيمية و القواعد اإلنشائية‪ .‬هناك قواعد تنظيمية لوقت ما‪،‬‬
‫ومكان ما‪ ،‬وكيفية ما‪ ،‬ومع من يكون االتصال يف موضوعات معينة‪ .‬ففي‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫النقاشات الرمسية حنن ‪ -‬عادة ‪ -‬ال نقاطع املتحدث‪ ،‬وال نبدأ باحلديث إال إذا‬
‫أعطانا املتحدث إشارة باالنتهاء من حديثه (بالصمت أو بابتسامة أو بسؤال)‪ .‬أما‬
‫يف احلوارات غري الرمسية فإننا غالبا ما نقاطع املتحدث‪ ،‬وتكون املقاطعة الئقة‬
‫أحيانا‪.‬‬
‫أي موقف من املواقف‬
‫و القواعد التنظيمية حتكم متى وأين ومع من ويف ّ‬
‫جيب أن نظهر عواطفنا أو خنفيها‪ ،‬أو نظهر احرتامنا‪ ،‬أو نتحدث يف موضوعات‬
‫خاصة‪ .‬ففي العمل من املمكن أن يقاطع الرئيس املرؤوس‪ ،‬ولكن املرؤوس‬
‫ال يستطيع مقاطعة من هو أعلى منه درجة‪ .‬هذه القواعد قد ختتلف من ثقافة‬
‫إىل أخرى‪ ،‬ومن جمموعة إىل أخرى‪ ،‬ومن شخص إىل آخر‪ ،‬كما سنرى الحقا‪.‬‬
‫ً‬
‫مستهجنا‪ ،‬ويف بعضها‬ ‫ففي بعض الثقافات يعترب تقبيل الغرباء على الوجنتني‬
‫اآلخر التقبيل حتية متوقعة‪.‬‬
‫نعرف معنى االتصال بتوقعنا لنوع معني من االتصال‪ ،‬كما نعرف أن اإلصغاء‬
‫للحديث يعد احرتاما‪ ،‬وأن االحتضان عند السالم يعد عاطفة‪ ،‬وأن التجاهل يعد‬
‫أي نوع من االتصال نتوقعه من اآلخرين‪ ،‬فنتوقع التعاطف‬
‫وقاحة‪ .‬كذلك نعرف ّ‬
‫من الصديق‪ ،‬والثقة من زميل املهنة‪ ،‬واالحرتام من الشريك‪ .‬و هي تسمى بالقواعد‬
‫اإلنشائية‪ ،‬ونتعلمها من أشخاص حمددين‪ ،‬ومن جمموعة معينة‪ ،‬ومن اجملتمع‬
‫ككل‪ .‬شركاء العمل مثال يتناقشون حول القواعد اخلاصة باتصاالتهم‪،‬‬
‫وكيف تتم هذه االتصاالت‪ ،‬واألزواج ينشئون قواعد شخصية لكيفية النقاش‬
‫واختاذ القرارات‪ ،‬وكيفية قضاء الوقت ً‬
‫معا‪.‬‬
‫يف معظم الوقت‪ ،‬نعرف أين وكيف ومتى نتصل باآلخرين بالطريقة الصحيحة‪.‬‬
‫إذا تعاملنا مع أستاذ للمرة األوىل‪ ،‬نتعلم ‪ -‬مع الوقت ‪ -‬كيفية حتقيق االتصال‬
‫الناجح معه؛ فنستبق االتصال بأسئلة حناور بها أنفسنا‪ ،‬من مثل‪ :‬هل يقبل‬
‫األستاذ النقاش؟ هل التكاليف املطلوبة تقوم على األفراد أم على اجلماعات ؟‬
‫هل هناك عالقات اجتماعية خارج حجرة الصف ؟ بعض القواعد ال ننتبه هلا إال‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ً‬
‫متوقعا منا ما مل نفعله‪ .‬فمثال‪،‬‬ ‫إذا كسرناها ‪ ،‬عندها فقط نعرف أنه كان‬
‫لو أعطينا درجة متدنية على تكليف اعتمدنا فيه على قراءة الكتاب فقط‪،‬‬
‫ً‬
‫خمتلفا‪ .‬ومعرفتنا بهذه القواعد تعطينا‬ ‫متوقعا منا أمراً‬
‫ً‬ ‫لعرفنا أن األستاذ كان‬
‫القدرة على إصالح غري اجملدي منها‪.‬‬
‫كما ذكرنا ً‬
‫آنفا‪ ،‬فإن أحد الفروق بني الكتابة واللغة املنطوقة هو أن‬
‫الكتابة ُترى بالعني‪ ،‬واللغة املنطوقة مصحوبة بالصوت‪ .‬وإذا اعتقدنا بأن‬
‫ختص الكتابة فقط نكون خمطئني‪ ،‬فعالمات الرتقيم موجودة‬
‫عالمات الرتقيم ّ‬
‫أيضا يف ألفاظنا‪ .‬حنن نستخدم هذه العالمات إلظهار وتفصيل املعنى‪ .‬فنستخدم‬
‫الفاصلة للوقف القصري‪ ،‬ونستخدم ما يوازي النقطة يف النطق إذا انتهينا من‬
‫فكرة‪ ،‬ودخلنا يف فكرة أخرى‪ .‬جيب أن نعرف حدود االتصال‪ ،‬لنعرف من‬
‫بدأ بالتفاعل‪ .‬حينما ال نتفق على عالمات الرتقيم اللفظي ‪ ،‬قد حتدث مشاكل‬
‫ً‬
‫أطفاال يتجادلون حول من بدأ باملشكلة نعرف أهمية‬ ‫يف االتصال‪ .‬حني نرى‬
‫الرتقيم (‪.)Wood, 1997‬‬
‫وبالرغم من كل القوانني اليت حتكم اللغة‪ ،‬ال يوجد حد للرسائل اليت‬
‫ميكن أن تبتكر باستخدام هذه القواعد‪ .‬ومن املمكن القول بأن عدد الرسائل‬
‫واجلمل للغة ال نهائي‪.‬‬

‫ج‪ .‬الكلمات‪:‬‬
‫كما أن اخلريطة ليست هي املوقع‪ ،‬فإن الكلمات ليست هي األشياء (‬
‫‪ .)Scott & Brydon, 1997‬وقد ذكرنا سابقا أن اللغة عبارة عن جمموعة‬
‫من الرموز الصوتية‪ ،‬تلك الرموز هي اليت تك ّون الكلمات لتحل حمل األشياء‪.‬‬
‫ً‬
‫حمسوسا مثل “كرسي»‪ ،‬ومن املمكن‬ ‫و من املمكن أن متثل الكلمة ً‬
‫شيئا‬
‫ً‬
‫جتريديا مثل «السعادة»‪ .‬فكلمة كرسي متثل قطعة معينة‬ ‫أيضا أن متثل ً‬
‫شيئا‬ ‫ً‬
‫من األثاث‪ ،‬بينما كلمة سعادة متثل عاطفة مرتبطة مبشاعر خمتلفة الدرجات‪،‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫نشعر بها يف أوقات معينة‪ .‬فالكلمات هلا معنى‪ ،‬ألن الثقافات اليت أنتجتها‬
‫أعطتها ذلك املعنى‪ .‬فمجموعة معينة من األصوات تعين أشياء معينة‪ .‬وبعض‬
‫ً‬
‫منغمسا‬ ‫الكلمات ال ميكن أن تفهم باستخدامها العادي ما مل يكن الشخص‬
‫يف الثقافة اليت ارتبطت بها‪ .‬ولكي حيدث الفهم جيب أن يتفق مجيع أفراد‬
‫احلدث االتصالي على املعنى‪ .‬فمثال مسعت بطرفة فيها شيء من الواقعية عن‬
‫رجل مصري ‪ ،‬يسأل ع ّما سيقوله ليعزي أحد أصدقائه من جند ‪ ،‬يف وفاة‬
‫أحد أقربائه‪ ،‬فقيل له ‪ :‬لتعزي يف جند ‪ ،‬من املمكن أن تقول‪« :‬أحسن اهلل‬
‫عزائكم»‪ .‬وعند سالم الرجل على صديقه قال له‪« :‬أحسن عزاء عزاءكم»!‬
‫إن قدرتنا على استخدام الرموز جتعلنا نعيش يف عامل من األفكار واملعاني‪،‬‬
‫وبدال من أن نتأثر مبحيطنا اجلامد فقط فإننا نغري اجلماد أحيانا ونبدله‪ .‬ذكرت‬
‫‪ )1997( Wood‬مخسة أنواع من القدرات الرمزية‪ ،‬اليت تؤثر يف اتصالنا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫التعريف‪ ،‬و التقييم‪ ،‬و التنظيم‪ ،‬و التعميم‪ ،‬و االفرتاض‪ ،‬و تصور و مراجعة‬
‫النفس‪ .‬ومن خالل مناقشتنا هلذه األنواع قد نتعرف على القوة البناءة للرموز‪،‬‬
‫وحناول التخفيف من املشاكل اليت قد تسببها‪.‬‬
‫لنعرف عن بشر‪،‬‬
‫لنعرف (‪ .)define‬حنن نستخدم الرمز ِّ‬
‫نستخدم الكلمات َّ‬
‫أو خربات أو عالقات أو مشاعر أو أفكار‪ .‬فالتعريفات اليت نعطيها لألشياء‬
‫تشكل ما تعنيه هذه األشياء لنا‪ ،‬فنحن حينما نصف فتاة ما‪ ،‬فإننا نركز على‬
‫بعض الصفات العامة فيها‪ ،‬ونغفل عن صفات خاصة متيزها عن األخريات‪،‬‬
‫فقد نصف فتاة ما على أنها مهتمة بشؤون البيئة‪ ،‬أو معلمة‪ ،‬أوطباخة‪ ،‬أو أم‪...‬‬
‫اخل‪ .‬فكل طريقة تصنيف جتعلنا نرى زاوية واحدة فقط من املوصوفة ال كل‬
‫صفاتها‪ ،‬فنناقش املهتمة بشؤون البيئة يف إعادة تدوير الورق‪ ،‬ونتبادل وصفات‬
‫الطعام مع الطباخة‪ ،‬ونتحدث مع األم عن األطفال‪ ،‬واملعلمة عن االمتحانات‪.‬‬
‫ويف بعض األحيان جنعل صفة واحدة تطغى على الشخص وننسى باقي‬
‫الصفات‪ .‬فنركز على صفة واحدة يف شخصيته وجنعلها كل الشخصية‪ ،‬أو‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫نركز على خربة واحدة‪ ،‬ونقارن بها كل اخلربات‪ .‬فالرجل اخلارج من جتربة‬
‫طــالق ‪ -‬مثال ‪ -‬قد يركز على كل سلبيات الزواج وأخطائه‪ ،‬وميحو كل‬
‫نقاط القوة اليت كانت موجودة يف الزواج‪ .‬و لو ركزنا على النقاط اجليدة‬
‫يف العالقات‪ ،‬لكنا على وعي أكرب بالصفات احلميدة لعالقاتنا‪ ،‬وملا تأثرنا‬
‫كثريا بالسلبيات‪.‬‬
‫من املفرتض أال نغفل عن أية صفة‪ ،‬وأال جنعل صفة تطغى على أخرى يف أي‬
‫أمر من األمور‪ .‬فالرموز ليست حمايدة بل هي حمملة بالقيم‪ .‬ونادرا ما جند‬
‫كلمة حمايدة أو موضوعية‪ .‬فنحن نصف من حنب بلغة تظهر صفاتهم احلميدة‪،‬‬
‫وتقلل من شأن أخطائهم‪ ،‬ونفعل العكس متاما مع من ال حنب‪.‬‬
‫لنقيم (‪ .)evaluate‬هناك درجات للتقييم يف اللغة‪ ،‬فقد‬
‫نستخدم الكلمات ِّ‬
‫نصف أولئك الذين يعربون عن أفكارهم بشكل واضح بأنهم حازمون أو‬
‫منطلقون أو شجعان أو مغامرون‪ .‬ويف السنوات األخرية بدأنا نتنبه إىل أن الرموز‬
‫تضر بالبشر‪ ،‬فمثال أغلب ذوي اإلعاقات ال حيبون أن يوصفوا بذوي اإلعاقة‪،‬‬
‫ويفضلون عبارة “ذوي االحتياجات اخلاصة” أكثر وبانتباهنا للضرر الذي قد‬
‫يسببه تعريفنا للبعض نتعلم كيف حنرتم اآلخرين بوصف شخصياتهم‪.‬‬
‫عجوز‪ ،‬متخلف‪ ،‬قبيح‪ ،‬غيب‪ ،‬أعور‬

‫لنحاول إعطاء كلمات بديلة للكلمات التقييمية السابقة‪.‬‬


‫لنقيم اخلربات‪ ،‬وكيفية تنظيمنا للخربات تؤثر على‬
‫وحنن نعتمد على إدراكنا ِّ‬
‫ً‬
‫شخصا ما‪ ،‬من رتبة زميل إىل رتبة‬ ‫ما تعنيه هذه اخلربات لنا‪ ،‬فمثال‪ ،‬إذا نقلنا‬
‫صديق‪ ،‬فإن نظرتنا لالتصال مع هذا الشخص ختتلف‪ .‬إهانة من صديق قد‬
‫ً‬
‫مزاحا بالنسبة لنا‪ ،‬ولكن لو قيلت لنا العبارة نفسها من شخص نكن‬ ‫تعين‬
‫له العداء‪ ،‬لكانت مدعاة للمشاكل‪ .‬من املمكن أن ننعت إحدى صديقاتنا‬
‫باخلبث مثال فتضحك‪ ،‬ولكن لو نعتنا أخرى‪ ،‬ليست من الصديقات‪ ،‬بالصفة‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ذاتها‪ ،‬فلن تكون العواقب محيدة‪ .‬الكلمة هي ذاتها‪ ،‬ولكن معناها اختلف‬
‫باختالف مكانة قائلها‪.‬‬
‫‪ -‬نستخدم الكلمات لننظم ولنعمم (‪:.)organize & generalize‬‬
‫هذه الصفة التنظيمية للرموز تعطينا اجملال للتفكري يف املفاهيم اجملردة‪ ،‬مثل‬
‫أخالقيات العمل واملواطنة واحلياة الصحية‪ ،‬وجتعلنا نفكر بصورة عامة‪ .‬وألننا‬
‫نستطيع التجريد فنحن أحيانا نشوه التفكري بالتعميم‪ .‬أحيانا حنكم على‬
‫فئة معينة بالبخل أو بالكذب ‪ ،‬من خالل حكمنا على أحد أفرادها ‪ ،‬ونقول‬
‫– كذلك ‪ -‬بأن كل األطباء أذكياء ‪ ،‬أو أن كل من فشل يف االمتحان غيب‬
‫‪ ،‬أو أن أي نوع من االختالف سيء‪ .‬من املمكن أن يكون التعميم ً‬
‫سيئا‪ ،‬ومن‬
‫املمكن أن يكون جيداً‪ .‬بالتعميم نأخذ صفة واحدة ونعممها على اجلميع‬
‫اعتمادا على معلومة عامة أو نظرة عامة لفئة من البشر‪ .‬ويف الوقت احلالي‪،‬‬
‫ينظر العامل الغربي للعرب على أنهم مجيعهم إرهابيون‪ .‬هذه التعميمات قد‬
‫تعمينا عن اختالفات مهمة بني األشياء اليت نضعها يف خانة واحدة‪ .‬لذا‪ ،‬فإن‬
‫لدينا مسؤولية أخالقية باالنتباه للتعميمات‪ ،‬والتحقيق يف األشياء اليت نعدها‬
‫متطابقة‪.‬‬
‫‪ -‬نستخدم الكلمات لنفرتض (‪.)hypothesize‬‬
‫الرموز متكننا من االفرتاض‪ .‬ما الذي نفكر يف عمله بعد عشر سنوات من‬
‫اآلن؟ من كان أول صديق حقيقي لنا؟ ما الذي سنفعله بعد التخرج؟ لإلجابة‬
‫عن هذه األسئلة‪ ،‬جيب أن تكون لدينا فرضيات‪ ،‬مما يعين أننا سنفكر يف‬
‫أشياء ليست يف حميطنا احلالي‪ .‬وألننا نفرتض فإننا خنطط وحنلم ونتذكر‬
‫ً‬
‫أهدافا‪ ،‬ونفاضل بني خياراتنا‪ .‬وحينما نفرتض نعطي أفكارنا‬ ‫ونتخيل‪ ،‬ونضع‬
‫أمساء‪ ،‬لنحتفظ بها يف خميلتنا‪ ،‬ونتفاعل معها‪ ،‬فنختلق أشياء غري موجودة‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬ونتذكر أنفسنا يف املاضي‪ ،‬ونتخيل املستقبل‪.‬‬
‫ً‬
‫أهدافا‪،‬‬ ‫إن قدرتنا على العيش يف ثالثة أبعاد من الوقت‪ ،‬تفسر ملاذا نضع‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ونعمل من أجلها‪ ،‬رغم أنه قد ال يوجد هلا أساس حقيقي أو ملموس يف الواقع‪.‬‬
‫استهلكنا الكثري من الوقت واجلهد يف الدراسة ألن لدينا شهادة يف خميلتنا‬
‫نسعى للحصول عليها‪ ،‬بالرغم من أن الشهادة نفسها غري ملموسة‪ ،‬وال أنفسنا‬
‫اليت ستأخذ الشهادة موجودة اآلن‪ ،‬إال أن الفكرة نفسها كافية لدفعنا للعمل‬
‫جبد لسنوات عدة‪.‬‬
‫وعالقاتنا باآلخرين تعتمد على أفكار ماضية ومستقبلية‪ .‬إحدى أهم نقاط‬
‫القوة للعالقات احلميمة هي التاريخ املشرتك خلربات ماضية‪ .‬فمعرفة أننا مررنا‬
‫باحملن نفسها يف املاضي يساعدنا كأصدقاء على اجتياز احملن اجلديدة‪ .‬وإمياننا‬
‫باملستقبل أيضا يعزز عالقاتنا باآلخرين‪ ،‬ألنه يفرتض عمراً مديداً أمامنا هلذه‬
‫العالقات‪.‬‬
‫‪ -‬نستخدم الكلمات لتصور و مراجعة أنفسنا (‪: )self reflect‬‬
‫حنن نستخدم الكلمات لنفكر بوجودنا ومنيز تصرفاتنا ِّ‬
‫ونعقب عليها‪ .‬تصورنا‬
‫عن ذاتنا هو أحد أسس شخصياتنا‪ .‬توجد واجهتان للنفس‪ .‬فهناك األنا العفوية‬
‫املبدعة‪ ،‬اليت تندفع بتهور كردة فعل للحاجات والرغبات الداخلية‪ ،‬بدون اعتبار‬
‫للحياة االجتماعية‪ ،‬وهناك األنا الواعية باجملتمع‪ ،‬اليت تراقب وتتحكم باألنا‬
‫العفوية‪ .‬فاألنا املتحكمة تنظر لألنا العفوية بعيون اآلخرين‪ .‬األوىل جاهلة أو‬
‫مغيبة عن األعراف والتقاليد االجتماعية‪ ،‬أما الثانية فعارفة بها متاما‪ .‬األوىل‬
‫قد ترغب بإهانة زميل يف العمل‪ ،‬كردة فعل النتقاده هلا‪ ،‬أما الثانية فتتحكم‬
‫بهذه الرغبة‪ ،‬وتذكرنا بأن إهانة الزميل قد تسبب لنا مشاكل يف املستقبل‪.‬‬
‫األنا الثانية هي اليت تراجع الذات وهي اليت تقيم األنا األوىل‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫نستطيع التحكم يف تصرفاتنا وتقييمها‪ ،‬مما يعين أننا نتحكم بتخيلنا ملا‬
‫نريد أن نكون عليه يف املستقبل‪ ،‬ونرسم األهداف للوصول إىل النفس اليت‬
‫نطمح‪ .‬قد نشعر بالفخر أو باخلجل أو بالندم من تصرفاتنا ألننا نراجع أنفسنا‪.‬‬
‫ونستطيع كذلك التحكم بأنفسنا يف احلاضر‪ ،‬بنقل أنفسنا خطوات يف‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املستقبل‪ ،‬لنتصور ما الذي قد حيدث نتيجة لتصرفاتنا‪ ،‬وبنا ًء على هذا التصور‬
‫نفعل الشيء‪ ،‬أو نعدل عنه‪.‬‬
‫مالحظتنا ألنفسنا وتقييم ما نفعله تساعدنا كثريا يف االتصال باآلخرين‪ .‬فلو‬
‫أردنا التحدث مع جمموعة من الناس‪ ،‬من املهم أن نبدأ بتقييم مجهورنا‪ ،‬ونعرف‬
‫ً‬
‫كالما يتالءم مع وضع هذا اجلمهور‪ .‬مراجعتنا‬ ‫مدى تفاعلهم معنا‪ ،‬فنستخدم‬
‫ألنفسنا تسمح لنا مبراقبة اتصاالتنا وتعديلها‪ ،‬لزيادة التأثري‪ ،‬وكذلك تسمح‬
‫لنا بتعديل شخصياتنا اليت نواجه بها اآلخرين‪ .‬وألننا نراجع أنفسنا ونقيمها من‬
‫وجهة نظر اجتماعية‪ ،‬نستطيع أن حنكم على أنفسنا من نظرة اآلخر‪ ،‬فنتصور‬
‫تفكري اآلخر بنا‪.‬‬
‫عند احلديث مع أساتذتنا نظهر أنفسنا كشخصيات حاضرة وجدية وحترتم‬
‫اآلخرين‪ .‬وعند االتصال باألصدقاء قد ال نتحدث يف نفس املواضيع ‪ ،‬اليت نتحدث‬
‫بها عند االتصال بالوالدين‪ ،‬بل وقد خنفي بعض تلك املواضيع‪ .‬يف العمل نظهر‬
‫بأننا متحملون للمسؤولية‪ ،‬وحيويون‪ ،‬وباإلمكان االعتماد علينا‪ .‬وكثريا ما‬
‫نظهر شخصياتنا بأشكال خمتلفة لتالئم َ البيئة اليت نتواجد فيها‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬حنن نستخدم الرموز لتعريف وتقييم وتنظيم اخلربات ولالفرتاض‬
‫وملراجعة النفس‪ .‬وكل من هذه القدرات تساعدنا على بناء معان حلياتنا‬
‫الشخصية واالجتماعية والعملية‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫د‪ .‬املعنى‪:‬‬
‫( قالت األعراب آمنا قل مل تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا وملا يدخل اإلميان‬
‫يف قلوبكم وإن تطيعوا اهلل ورسوله ال يلتكم من أعمالكم شيئا إن اهلل‬
‫ألن الكلمات تنقل املعاني‬ ‫غفور رحيم ) ]سورة احلجرات‪ ،‬آية ( ‪)14‬‬
‫بني البشر‪ ،‬وبني األجيال املتعاقبة‪ ،‬فإن اللغة أداة مفيدة لالتصال‪ .‬ولكن هل‬
‫الكلمات حتمل معنى؟ لو كانت الكلمات ال حتمل معنى‪ ،‬فإنها ال تؤدي أي‬
‫غرض‪ .‬من عادة البشر ربط الرموز (الكلمات) مبعان حمددة‪ ،‬واالعتقاد بأن‬
‫العالقة بني الكلمة ومعناها حتمية‪ .‬ولكن جيب أن نفهم جيدا أن اللغة بذاتها‬
‫ً‬
‫حيوانا‬ ‫ال معنى هلا‪ .‬ففي احلقيقة كلمة ( كلب ) هي كلمة اعتباطية متثل‬
‫ميشي على أربع وله ذيل‪ .‬ال يوجد ما يربط األحرف كاف والم وباء باحليوان‪.‬‬
‫ولكننا حني نسمع الرمز‪ ،‬نعطيه معنى‪.‬‬
‫ً‬
‫وأحداثا‪ ،‬ولكنها ليست هي‬ ‫ومجادات ومفاهي َم‬
‫ٍ‬ ‫الكلمات رموز متثل بشراً‬
‫ذاتها البشر واجلمادات واملفاهيم واألحداث‪ ،‬ومع ذلك فنحن خنلط بني الرمز‬
‫ومعناه‪ .‬لو حدث أن صرخ أحدنا‪« :‬عقرب» يف وجود من ال حيب العقارب‪،‬‬
‫وراقبنا ردة الفعل‪ ،‬لالحظنا أن الكلمة كأنها هي احلشرة احلقيقية‪ .‬احلقيقة‬
‫‪ -‬ببساطة ‪ -‬هي أن الكلمات بذاتها ال حتمل معنى ولكنها تستقي املعنى من‬
‫خالل السياق الذي استخدمت فيه‪ ،‬وأن من استخدمها هو الذي أعطاها هذا‬
‫املعنى أو ذاك‪.‬‬
‫من الذي حيكم على املعنى؟ اجلواب هو‪ :‬حنن‪ .‬حنن نتحكم يف الكلمات‬
‫اليت نستخدمها واملعنى الذي نعطيه هلا‪ ،‬وإذا كانت لدينا قدرة جيدة يف‬
‫التواصل‪ ،‬فإننا نستطيع التحكم أيضا يف ردود أفعال الناس حياهلا‪ .‬وبالرغم‬
‫من أن اجلميع لديهم القدرة على منح الكلمات معنى‪ ،‬إال أنهم ال يعطون املعنى‬
‫بالطريقة نفسها‪ .‬هلذا فمن املمكن أن ننوي إرسال معنى ما لرسالة ما‪ ،‬ولكن‬
‫املستقبل قد يعطي الرسالة معنى آخر‪ ،‬سواء بقصد أو بدون قصد‪ .‬والتفاوت بني‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املعنى املرسل واملعنى املستقبل قد يسبب مشكلة أكرب‪ ،‬إذا كانت خلفيات‬
‫ً‬
‫إنسانا مل يتعامل‬ ‫وخربات ومعلومات املرسل واملستقبل خمتلفة‪ .‬فمثال لو سألنا‬
‫مع احلاسوب‪ ،‬وال يعرف عنه إال النزر اليسري‪ ،‬وقلنا له‪ :‬ما عنوان بريدك‬
‫ً‬
‫صرحيا‪،‬‬ ‫االلكرتوني ؟ وأي موقع «للتشات» تفضل؟ فإذا مل يكن الشخص‬
‫مبا فيه الكفاية‪ ،‬ليخربنا بأنه ال علم له مبا نقول‪ ،‬لرمبا ينتهى به األمر ليعطينا‬
‫عنوان صندوقه الربيدي ‪ ،‬وموقع مسكنه‪ .‬لذلك فاحلرص ‪ -‬أثناء استخدام‬
‫اللغة ‪ -‬مهم جدا يف مواقف مشابهة‪ .‬علينا أن نضع يف اعتبارنا أن الكلمات‬
‫حتمل املعاني ولكنها بذاتها ال تعطي املعنى؛ حنن الذين نعطي املعاني!‬
‫وللكلمات معاني داللية ومعان ضمنية‪ .‬الداللة هي املعنى األصلي للكلمة؛‬
‫ً‬
‫ومفهوما ‪.‬‬ ‫ً‬
‫واضحا‬ ‫املعنى املعطى يف القاموس‪ .‬واملعنى الداللي عادة يكون‬
‫والكثري من الناس يستخدمون الكلمات كما لو أن هلا معان واضحة وحمددة‪،‬‬
‫ولكن هذا ليس بصحيح‪ .‬مع أن التفسريات املعطاة يف القاموس حقيقية‪،‬‬
‫ولكننا حني نتصل ببعضنا البعض فإننا نستخدم املعاني الضمنية لأللفاظ بقدر‬
‫ما نستخدم معانيها الداللية‪ ،‬أو رمبا أكثر‪ .‬كلمة فاشل يف القاموس تعين‬
‫«الشخص الذي مل ينجح يف عمل ما» أما يف استخدامنا اليومي هلا فهي تعين‬
‫الشخص الذي ليست له قيمة‪.‬‬
‫املعنى الضمين هو املعنى غري املوضوعي للكلمات‪ ،‬هو املعنى الذي حتمله‬
‫الكلمات‪ ،‬إما بسبب املشاعر‪ ،‬أو العالقات اليت تصفها‪ .‬املعنى الضمين يعتمد‬
‫على السياق الذي استخدمت الكلمات فيه‪ ،‬وكيفية التعبري عن املشاعر بطرق‬
‫غري لفظية (نربة الصوت وتعبريات الوجه وحركات اليدين‪ )...‬وفهم املستقبل‪.‬‬
‫ويستطيع املتصل اجليد التفريق بني املعاني الداللية والضمنية وفهم أيهما‬
‫ً‬
‫عموما ألغلبية‬ ‫ً‬
‫مقبوال‬ ‫اسـتخدم يف املوقف املطروح‪ .‬واملعنى الضمين قد يكون‬
‫مستخدمي اللغة‪ ،‬أو مجاعة معينة ‪ ،‬أو أفراد معينني‪ .‬مثال كلمة ( املزرعة )‬
‫ً‬
‫مكانا‬ ‫ً‬
‫مكانا للرفاهية‪ ،‬وآلخرين قد تعين‬ ‫قد تعين جملموعة معينة من الناس‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫للعمل وكسب الرزق‪.‬‬


‫من املمكن أن تكون الكلمات عينية أو جمردة‪ .‬الكلمات العينية هي رموز‬
‫ألشياء معينة من املمكن أن يشار إليها بالبنان‪ ،‬أو أن ميارسها الشخص فعليا‬
‫( رآها أو ذاقها أو اشتم رائحتها أو مسعها أو ملسها )‪ .‬كلمات مثل ( كلب‪،‬‬
‫سيارة‪ ،‬حصان‪ ،‬كرسي ) هي كلمات عينية‪ ،‬وعادة تكون معانيها واضحة‪.‬‬
‫ً‬
‫جماال كبرياً لعدم الفهم‪ ،‬وأي‬ ‫االتصال املعتمد على كلمات عينية ال يعطي‬
‫خالف حول معانيها من املمكن أن حيل بسهولة‪ ،‬باإلشارة إىل الشيء‪.‬‬
‫أما الكلمات اجملردة فهي رموز ألفكار وصفات وعالقات‪ ،‬وألنها متثل‬
‫أشياء غري حمسوسة ‪ ،‬فإن معانيها تعتمد على خربات ونوايا من يستخدمها‪.‬‬
‫فمثال كلمات مثل ( احلق‪ ،‬احلرية‪ ،‬الصدق‪ ،‬الثقة)‪ ،‬متثل أفكاراً تعين أشياء‬
‫خمتلفة ألناس خمتلفني‪ .‬لذا‪ ،‬فإن استخدام الكلمات اجملردة قد يؤدي بسهولة‬
‫إىل عدم الفهم‪ ،‬وينتج عنه اتصال غري ناجح‪.‬‬

‫شخص ما قد فاز جبائزة الكتابة املسرحية‪.‬‬

‫طالبة يف اجلامعة فازت جبائزة الكتابة املسرحية‪.‬‬

‫إحدى الصديقات فازت جبائزة الكتابة املسرحية‪.‬‬

‫أقرب صديقة لي فازت جبائزة الكتابة املسرحية‪.‬‬

‫صديقيت زينب صاحل فازت جبائزة الكتابة املسرحية‪.‬‬


‫ً‬
‫واضحا و احتمال غموضها ضئيل؟‬ ‫أي اجلمل حتمل معنى‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫املعنى يعتمد على ما اعتدنا عليه‪ .‬كلما كان املتصلون من اخللفية نفسها‬
‫‪ ،‬واخلربة واالجتاه نفسيهما ‪ ،‬كلما كانت معاني الكلمات املتبادلة بينهم‬
‫مشرتكة‪ .‬ولكن املتصل اجليد ال جيب أن يضع يف اعتباره كيف سيفسر‬
‫اآلخرون رسالته‪ ،‬بل يهذب ويشذب رسالته بناء على التغذية الراجعة اليت‬
‫يتلقاها من املستقبل‪ .‬كما أن دالالت املعاني اخلاصة باألفراد من املمكن‬
‫أن حترف تفسريهم للكلمات اليت تبدو واضحة وقاطعة‪ .‬فلو طلبنا «جوال» يف‬
‫ً‬
‫شخصا‬ ‫بلد يستخدم كلمة «حممول» أو»خلوي» لرمبا اعتقد املستقبل أننا نريد‬
‫يأخذنا يف جولة لألماكن السياحية يف البلد!‬
‫إن اللغة قد حتجب املعنى‪ .‬معاني الكلمات ختتلف من شخص آلخر‪ِ ،‬ت ً‬
‫بعا‬
‫خلرباتهم والعالقة املباشرة هلذه اخلربات بكلمات معينة‪ .‬فمصطلح (الذحبة‬
‫الصدرية) له معنى حمدود عند الكثري من الناس‪ ،‬ولكن مصطلح (األزمة‬
‫ً‬
‫تقريبا من اجلميع‪ ،‬على أنها حالة صحية خطرية‪ ،‬مرتبطة بالقلب‪.‬‬ ‫القلبية) مفهوم‬
‫واملصطلح نفسه له دالالت خمتلفة عند كل من الطبيب واملريض وأقارب املريض‪.‬‬
‫فالطبيب يفكر يف كيفية مساعدة املريض‪ ،‬واملريض يفكر يف احلياة واملوت‪،‬‬
‫وأقارب املريض يفكرون فيما ميكنهم عمله ملساعدة املريض‪ .‬ويعرف الطبيب‬
‫أن مصطلح ( ذحبة صدرية ) قد يشتت األقارب‪ ،‬فيستخدم مصطلح (أزمة قلبية)‬
‫املتعارف عليه أكثر‪.‬‬
‫كما أن معاني الكلمات‪ ،‬كالكلمات نفسها‪ ،‬تتغري من وقت إىل آخر‪،‬‬
‫ومن مكان إىل آخر‪ .‬وقد تعين كلمة جليل معني ما ال تعنيه جليل آخر‪ .‬ولنسأل‬
‫شخصا عاش يف اخلمسينيات عن معنى (الفاكس) أو اهلاتف اجلوال أو القرص‬‫ً‬
‫املمغنط أو التحميل!‬
‫وعندما نتحدث مع شخص ما‪ ،‬علينا أن نتنبه للمنطقة اليت ينتمي إليها‪ ،‬لنعي‬
‫معاني الكلمات بالنسبة له‪ .‬وعلينا أن حناول استخدام قواعد اللغة بشكل‬
‫انطباعا جيداً عن أنفسنا‪ ،‬كما جيب أن نتحرى‬
‫ً‬ ‫سليم‪ ،‬إذا أردنا أن نعطي‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الوضوح والدقة يف كلماتنا‪ ،‬لئال يؤدي ما نقوله إىل تشويش املتلقي‪.‬‬


‫لكي نتأكد من أن معنى ما نقوله واضح للمتلقي‪ ،‬علينا أن نعي ما‬
‫تعنيه الكلمات بالنسبة لنا ولآلخرين ‪ ،‬كما نعرف بأن معاني الكلمات‬
‫تتغري بتغري الزمان واملكان‪.‬‬

‫اللغة والثقافة‬
‫( ففهمناها سليمان وكال آتيناه حكما وعلما وسخرنا مع داود اجلبال‬
‫يسبحن والطري وكنا فاعلني ) [سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ .]41‬كانت لسليمان ( عليه‬
‫السالم ) القدرة على احلديث مع مجيع الكائنات احلية‪ ،‬وتلك إحدى النعم‬
‫اليت فضله اهلل بها على خلقه‪ .‬وساعدته هذه الكائنات يف نشر رسالته‪ ،‬ألنه‬
‫استطاع التفاهم معها بلغتها وطريقتها‪.‬‬
‫على عكس ما يعتقده البعض منا‪ ،‬فإن العرف واألصل هما نتيجة مفاهيم‬
‫لغوية استخدمت لتصف فئة معينة من الناس‪ ،‬وهي ليست طبيعة حية مؤكدة‪.‬‬
‫فلو قلنا كلمة ( آسيوي ) مثال لظهرت يف خميالتنا صفات معينة للهيئة والطول‬
‫واللون وشكل الشعر والعينني‪ .‬ولكن كلمة آسيوي تعين صيين أو هندي أو‬
‫فلبيين‪ ،‬وهؤالء أشكاهلم وهيئاتهم خمتلفة‪ ،‬والناس من مناطق خمتلفة يف هذه‬
‫الدول أشكاهلم خمتلفة أيضا‪.‬‬
‫البشر ال خيتلفون بأشكاهلم وألوانهم ومسمياتهم فقط‪ ،‬بل ختتلف أساليبهم‬
‫وطرق تفكريهم ً‬
‫تبعا للثقافة اليت تعايشوا فيها‪ .‬سابري و وورف يزعمان أن فهمنا‬
‫للحقيقة حمكوم بطريقة تفكرينا‪ ،‬وطريقة تفكرينا حمدودة بلغتنا‪ ،‬ولغتنا‬
‫مرتبطة بثقافتنا؛ لذا ‪ ،‬فاللغة هي اليت تشكل ما نعتقد أنه حقيقي‪ .‬إن البشر‬
‫من ثقافات خمتلفة يرون األمور بشكل خمتلف‪ ،‬والثقافة تساعد على التفاوت‬
‫يف االتصال‪ .‬فاللغة ال تصف حياتنا فقط‪ ،‬بل تشكلها كذلك‪ .‬فاللغة النابعة‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫من الثقافة تعمل مبثابة عدسات‪ ،‬نرى من خالهلا العامل ( ‪in Bobkin, 2006,‬‬
‫‪.)and Pearson & Nelson, 1997‬‬
‫وحنن ال نعرف من العامل إال ما منلك له مصطلحات‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬اللغة تتحكم‬
‫يف رؤيتنا للحقيقة‪ .‬وإذا مل نكن منلك الكلمات لشرح شيء ما‪ ،‬فذلك ألننا يف‬
‫احلقيقة ال نعرفه‪ ،‬وهو غري موجود بالنسبة لنا(‪ .)Sieler & Beall, 2005‬حني‬
‫قلت البنيت‪ ،‬ذات اخلمس سنوات‪ ،‬بأنه ال توجد قطة وردية اللون يف العامل كله‬
‫إلي جبدية‪ ،‬وقالت‪“ :‬ميكن أن تكون هناك قطة وردية اللون ولكنك‬
‫نظرت ّ‬
‫مل تريها”‪ .‬رمبا ثقافة ابنيت احملدودة مل تسيطر على تفكريها بعد‪ ،‬كما‬
‫سيطرت على تفكريي‪ ،‬فبعد بضعة أشهر رأيت على الشاشة املرئية قطة وردية‬
‫اللون (نوع من القطط بدون وبر )!‬
‫وكما ذكرنا يف بعض األمثلة السابقة‪ ،‬فإن الكلمات تتنوع من منطقة‬
‫ملنطقة‪ ،‬ومن بلد إىل آخر‪ .‬فالتمر له كلمة واحدة يف منطقة ما‪ ،‬كما له‬
‫عدة أمساء يف منطقة أخرى‪ :‬البلح والرطب والتمر‪ ،‬كما تتعدد أمساء التمر‬
‫بتعدد أنواعه؛ مثل العجوة والربني والربحي والسكري‪ ....‬والثلج عند سكان‬
‫األسكيموله عشرات األمساء‪ ،‬حبسب شكله ووزنه ووقت نزوله‪ ،‬بينما ال‬
‫نعرف منه ‪ -‬يف منطقتنا ‪ -‬إال ما نراه من َب َرد وجليد‪ .‬وعلينا أن نتنبه هلذه‬
‫التنوعات حتى ال حيدث سوء فهم‪.‬‬
‫اللغة تؤثر على ما نرى‪ ،‬ما نفهمه عند مساعنا للكلمات يشكل يف أذهاننا‬
‫صـورة لألشياء واألماكن اليت وصفتها لنا الكلمات‪ .‬إذا مل يكن لدينا كلمات‬
‫ملفهوم معني‪ ،‬يكون من الصعب علينا فهم أو وصف ما ال نعرف له تسمية! يف‬
‫لغة اهلوبي (إحدى قبائل السكان األصليني يف أمريكا الشمالية) ال توجد‬
‫كلمات للوقت‪ .‬فكلمات مثل (ساعة ودقيقة وثانية وأمس وغدا) ليس هلا وجود‬
‫يف تلك اللغة‪ .‬لذا‪ ،‬إذا ضربنا موعداً مع أحد هؤالء القوم‪ ،‬وجاء متأخراً ساعة‬
‫أو أكثر‪ ،‬علينا أال نغضب‪ ،‬ألنه لن يستطيع معرفة أسباب غضبنا‪ ،‬فمفهوم‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الوقت ليس يف تفكريه أصال ‪Scott & Brydon, 1997‬‬

‫قف معطيا ظهرك لظهر زميلك‪ .‬صف عينيه ‪ ،‬ثم اطلب منه وصف املنطقة‬
‫الواقعة بني أنفك و فمك‪.‬‬
‫لن يستطيع الشخص الواقف بظهرك وصف هذه املنطقة ما مل يكن هناك‬
‫شارب‪ .‬ملاذا؟‬

‫ألنه ليس هلا اسم يف لغتنا! (‪.)Bobkin, 2006‬‬

‫وكل لغة فريدة بذاتها‪ ،‬ففـي كل لغة كلمات ال توجـد يف لغات أخرى‪ ،‬ألن‬
‫املفاهيم ختتلف‪ ( .‬الني) و( اليان ) يف الصني هلا‪ .‬ارتباط بكل حياتهم‪ ،‬فهما‬
‫وجهان متناقضان للطاقة‪ .‬وإذا مل نعش يف الصني مدة كافية لنفهم ثقاقتها‪ ،‬لن‬
‫نستطيع فهم هاتني الكلمتني مهما قرأنا عنهما‪ ،‬ومهما حاول أحدهم شرحهما‬
‫لنا‪ .‬كذلك لو حاولنا شرح مفهومنا عن القضاء والقدر‪ ،‬أو القسمة والنصيب‪،‬‬
‫ملن ال يعرف الكثري عن ثقافتنا اإلسالمية لوجدنا صعوبة كبرية‪.‬‬
‫وكل جمتمع له ثقافة مسيطرة‪ ،‬حتكم التصرفات املقبولة‪ ،‬واملعتقدات‬
‫ً‬
‫فمثال‪ ،‬ألن اجملتمع‬ ‫املعتادة‪ ،‬والقيم املشرتكة‪ ،‬وتدرج الطبقات االجتماعية‪.‬‬
‫السعودي جمتمع إسالمي‪ ،‬واإلسالم حيث على التواصل األسري‪ ،‬فالنظام‬
‫األسري يف السعودية هو نظام األسرة املمتدة‪ ،‬أما النظام االقتصادي فهو‬
‫اإلسالمي احلر‪ ،‬تبعا ملا تقتضيه الشريعة اإلسالمية‪ .‬ومع هذا فإن ثقافة أفراد‬
‫اجملتمع الواحد ليست صورة طبق األصل من ثقافة اجملتمع املسيطرة‪ .‬فمثال‪،‬‬
‫يعرف الطبقة االجتماعية باملادة‪ ،‬والبعض يعرفها‬
‫يف الثقافة الواحدة البعض ِّ‬
‫بالثقافة واملستوى التعليمي‪ ،‬والبعض يعرفها باالنتماء القبلي‪.‬‬
‫والثقافة الواحدة تشمل عدة ثقافات حمل ّية‪ ،‬حتمل معاني خمتلفة للكلمات‪.‬‬
‫وختتلف الثقافة حبسب املنطقة اليت ينتمي إليها الفرد‪ ،‬وحبسب القبيلة أو العائلة‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اليت ينتمي إليها‪ ،‬وحبسب املهنة اليت ميتهنها‪ ،‬فالعلماء واألطباء واملهندسون هلم‬
‫معان قد ال تفهم من العامة‪ .‬وكذلك جمتمع الطالب‪ ،‬وجمتمع الرجال‪ ،‬وجمتمع‬
‫النساء لكل جمتمع منها معان خاصة بهم‪ ،‬قد ال يشاركهم فيها اآلخرون‪ ،‬ومن‬
‫املمكن أن ينتمي الفرد الواحد ألكثر من جمموعة‪ ،‬مما يعين أن عليه أن يغري‬
‫لغة التواصل اليت يستخدمها‪ ،‬تبعا للمجموعة اليت يشاركها احلدث االتصالي‪.‬‬
‫فحديثنا مع أساتذتنا أكثر رمسية من حديثنا مع والدينا‪ ،‬وحديثنا مع أصدقائنا‬
‫غري رمسي البتة‪ .‬هذه املعاني تتغري بسرعة‪ ،‬بتغري اجملموعات وبتغري الوقت‪.‬‬
‫هناك بعض الكلمات احملظورة يف كل ثقافة‪ .‬ومن املمكن أن ختتلف‬
‫هذه احملظورات باختالف الثقافات اخلاصة يف اجملتمع (املنطقة أو األسرة أو‬
‫املهنة)‪ .‬ومعظم احملظورات تبني قيم الثقافة ‪ ،‬وتبني األشياء اليت تعد مصدر‬
‫قلق للجماعة‪ .‬يف بعض اجملموعات يف السعودية يعترب إبداء اإلعجاب باألشياء‬
‫املادية حمظوراً‪ ،‬ما مل يكن الشخص يعين بأنه يريده‪ .‬فلو قلنا لشخص من‬
‫تلك الثقافة بأن ساعته‪ ،‬مثال‪ ،‬أعجبتنا العترب إعجابنا هذا ً‬
‫طلبا للساعة‪ .‬وإن‬
‫مل يستجب الطرف اآلخر بإعطائنا الساعة الع ُتربناه خبيال! فإبداء اإلعجاب‬
‫يف هذه الثقافة حمرج للطالب واملطلوب‪ .‬هذه احملظورات قد ختتلف باختالف‬
‫اجملموعة اليت حيدث فيها االتصال‪ ،‬فالتلفظ بألفاظ نابية قد يعد حمظوراً‬
‫بالنسبة للثقافة السائدة‪ ،‬ولكن بعض مجاعات األصدقاء قد تشجع استخدام‬
‫تلك األلفاظ‪ ،‬من باب الدعابة واالستحباب‪.‬‬
‫واملتصل اجليد حياول التعرف على الثقافات املختلفة‪ ،‬وما بينها من فروق‪.‬‬
‫فالدعوة لتناول الغداء من زميل عمل يف اليابان مثال ليست أكثر من دعوة‬
‫غداء‪ ،‬وال ميكن مناقشة شؤون العمل إال يف مكتب عمل‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫لألمريكان فشؤون العمل ميكن أن تناقش يف أي مكان‪ .‬ويف اليابان يهتمون‬
‫مبحيط االتصال أكثر من احلديث‪ ،‬والعكس صحيح يف الواليات املتحدة‪،‬‬
‫ً‬
‫اتصاال أكرب‪ ،‬أو أقل‪،‬‬ ‫فاحمليط ال يشكل أهمية كبرية‪ .‬وبعض الثقافات تتوقع‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫من بعض األشخاص‪ ،‬ففي دول شرق آسيا‪ ،‬مثال‪ ،‬ال يتوقع األستاذ من طالبه‬
‫أن يسألوه‪ ،‬إال إذا أعطاهم اإلذن بذلك‪ .‬أما يف روسيا فيتوقع من الطالب أن‬
‫يشاركوه ويسألوه طول الوقت‪.‬‬
‫وتظهر الفروق الثقافية أيضا يف لغة الرجال والنساء‪ .‬ويظهر هذا الفرق يف اللغة‬
‫منذ الصغر فالبنات يقلن‪« :‬دعونا نعمل» أما األوالد فيقولون‪“ :‬اعملوا”‪ .‬األوالد‬
‫يرفضون تنفيذ األوامر‪ ،‬ولكنهم يصدرونها‪ .‬الرجال كثريا ما يقاطعون‪،‬‬
‫ويعطون أوامر‪ ،‬بينما متيل النساء لطرح الكثري من األسئلة‪ ،‬وتربير أسباب‬
‫األفعال‪.‬‬

‫لغة النساء هي لغة األلفة ولغة الرجال هي لغة التقرير‪.‬‬


‫هناك أيضا فروق يف كيفية حوار الرجال والنساء بني بعضهم البعض‪.‬‬
‫تقول ديربا تانان‪ ،‬اخلبرية يف شؤون االتصال (‪)in Sieler & Beall, 2005‬‬
‫إن الرجال يستخدمون اللغة للدفاع عن مكانتهم بينما تستخدم النساء اللغة‬
‫لكسب عالقات اجتماعية‪ ،‬فاملرأة تستخدم اللغة للتقرب من اآلخرين وكسب‬
‫دعمهم‪ ،‬أما الرجال فيستخدمون اللغة للسيطرة أو املنافسة‪.‬‬
‫لعبة االتصال‪ ،‬هي ذاتها بني الرجال والنساء ولكن القوانني خمتلفة‪ .‬عندما‬
‫يتصل الرجال والنساء مع بعضهم البعض فإن احتمال اخلالف واالصطدام كبري‬
‫ألن استخدام كل من اجلنسني للغة خمتلف‪ .‬فالنساء يؤثرن الصمت يف النقاش‬
‫مع الرجال‪ ،‬ألنهن تعودن على أن حديثهن ال ُيس َمع‪ ،‬وإن سمُ ِ ع فهولن يؤخذ بعني‬
‫االعتبار‪ .‬ويظهر اخلالف أكثر حني يستخدم أحد اجلنسني لغته اخلاصة إما‬
‫بقصد أو بدون قصد (‪.)Belenky et al, 1986‬‬
‫ومعظم اللغات مبنية لصاحل الرجل‪ ،‬احلديث عن اجلنس البشري ‪ -‬عموما‬
‫‪ -‬جيعلنا نستخدم صيغة املذكر حتى وإن كان املقصود هو النساء‪ .‬واستخدام‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ً‬
‫اجتماعيا‬ ‫صيغة املذكر ال يعد خطأ يف القواعد‪ ،‬ولكن استخدامه يعد ً‬
‫خطأ‬
‫يف بعض األحيان‪ .‬تظهر اللغة الرجل كعضو نشيط ومهم‪ ،‬بينما تظهر املرأة‬
‫كعضو خامل بدون دور مهم‪ .‬هذه اللغة قد تضللنا! لذا من املفرتض أن نستخدم‬
‫لغة حمايدة؛ لغة ال تعمم وال تفرق بني الرجال والنساء‪.‬‬
‫ً‬
‫وشأنا من الرجل‪ ،‬فالرجال‬ ‫اللغة تعطي االنطباع أحيانا بأن املرأة أقل ً‬
‫فهما‬
‫يعتمد عليهم‪ ،‬وهم منطقيون‪ ،‬وأقوياء‪ ،‬وواثقون من أنفسهم‪ ،‬بينما النساء‬
‫اتكاليات‪ ،‬وغري منطقيات‪ ،‬وضعيفات‪ ،‬ومن املمكن السيطرة عليهن بسهولة‪.‬‬
‫وهذه التعميمات اخلاصة باملرأة قد تؤثر على كيفية التعامل معها يف جمتمع‬
‫ما‪ ،‬وتؤثر أيضا على نظرتها لنفسها‪ .‬ولتجنب هذا النوع من اللغة علينا أن حناول‬
‫التقليل من استخدام هذه التعميمات‪ .‬مثال‪ ،‬الصفات احليوانية اليت تعطى للرجال‬
‫والنساء أحيانا تعزز هذه التعميمات‪ ،‬الرجال هلم صفة اإلصرار‪ ،‬فهم ذئاب‬
‫وأسود وفهود‪ ،‬وإذا كانوا سيئني فهم كالب‪ ،‬بينما النساء خانعات وضعيفات‬
‫فهن قطط وأرانب وغزالن‪ ،‬أو حيوانات غري جذابة مثل البقر‪ .‬ومن األفضل أن‬
‫نتجنب كلمات مثل هذه لضمان اتصال أفضل‪.‬‬
‫إن التحدث حبس ثقايف يتطلب الوعي التام بالثقافات احمليطة بنا‪ ،‬واليت‬
‫يتعني علينا التعامل معها‪ .‬وعلينا أن حناول تفهم وجهة نظر اآلخر‪ ،‬وحنرتمها‪،‬‬
‫ً‬
‫ثقافيا ال‬ ‫ً‬
‫حسا‬ ‫حتى وإن كانت وجهة نظره خمالفة لثقافتنا‪ .‬وكوننا منتلك‬
‫بعين التخلي عن معتقداتنا‪ ،‬ومعتقدات ثقافاتنا اخلاصة‪ ،‬بل يعين أال حناول‬
‫احلكم على اآلخرين من منظورنا حنن‪ ،‬بل حناول بناء الثقة والفهم‪ .‬ومن املهم‬
‫ً‬
‫مهينا ألي جمموعة أو فرد‪ .‬فاللغة تؤثر على رؤيتنا‬ ‫أال يكون استخدامنا للغة‬
‫لكل ما حولنا واللغة غري املالئمة قد تؤثر على رؤيتنا لألمور‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬تؤدي‬
‫إىل مشاكل اجتماعية‪ ،‬من املفرتض أن تقاوم يف أي جمتمع‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫عوائق االتصال اللفظي‬


‫توجد عوائق لالتصال اللفظي قد تشوش الرسالة املراد إيصاهلا فينتج‬ ‫ ‬
‫عن ذلك اختالف يف املعنى بني املرسل و املستقبل أو قد ينقطع االتصال كليا‬
‫بسببها‪ .‬و من أبرز هذه العوائق ما يلي‪:‬‬
‫حجب املعنى (‪: )euphemism‬‬
‫اللغة تستخدم إليصال املعنى‪ ،‬ولكنها قد تستخدم أحيانا حلجبه‪ ،‬أو تشويهه‬
‫أو إخفائه‪ .‬أحيانا نبدل كلمات بأخرى‪ ،‬لنقلل من ضررها أو لنرفع من شأنها‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثال كلمة «خادمة» أبدلت بكلمة «دادة» أو“مربية»‪ ،‬وقد تستخدم اللغة‬
‫ً‬
‫فالنا قد فصل من عمله‪،‬‬ ‫ً‬
‫فمثال بدال من أن نقول إن‬ ‫لتعطي رسائل غامضة‪،‬‬
‫ميكننا القول بأنه قد أعفي من اخلدمة‪.‬‬
‫تستخدم اللغة أحيانا حلجب احلقيقة وإلغواء الفكر‪ ،‬فالكالم املزدوج‬
‫(‪ )double speak‬ليس هفوة من املرسل‪ ،‬أو لغة مستخدمة يف غري مكانها‬
‫الصحيح بسبب اجلهل‪ ،‬إمنا هو أداة يستخدمها األقوياء ليصلوا ألهدافهم‪ ،‬دون‬
‫أن يعلنوا عن نواياهم للمتأثرين بتصرفاتهم‪ ،‬أو للذين سيدفعون الثمن الحقا‪.‬‬
‫ً‬
‫تشويشا للفهم‪ ،‬وعلينا أن‬ ‫فالبعض يستخدم لغة مزدوجة ‪ -‬أحيانا ‪ -‬ليسبب‬
‫نتنبه إىل أن ما يظهر أحيانا على شاشة املرئي يقول ً‬
‫شيئا‪ ،‬بينما يروج لشيء‬
‫ً‬
‫صاروخا على دولة أخرى‪ ،‬لسمي اخلرب على‬ ‫آخر‪ ،‬فمثال‪ ،‬لو أطلقت دولة ما‬
‫شاشات الدولة املعتدية باحلادث‪ ،‬للتقليل من شأنه بينما قد تصفه شاشات‬
‫الدولة املعتدى عليها باملصيبة العظيمة‪ .‬وإذا ُق ِتل جندي بسالح جيشه يكون قد‬
‫قتل “بنريان صديقة”‪ ،‬وإذا كانت هناك جمزرة لقتل أبرياء قد تسمى “بالتطهري‬
‫العرقي”‪ .‬الكالم املزدوج يكون مضراً‪ ،‬إذا جعل غري الالئق والسليب يبدو‬
‫ً‬
‫وإجيابيا‪.‬‬ ‫ً‬
‫الئقا‬
‫ً‬
‫دائما‪ ،‬فأحيانا نعطي تسميات ألشياء ال‬ ‫أن الكالم املزدوج ليس ً‬
‫سيئا‬ ‫غري ّ‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫حنب احلديث عنها‪ ،‬للتخفيف من حدتها‪ .‬وألننا ال حنب ذكر املوت جتدنا نقول‪:‬‬
‫“انتقل فالن إىل رمحة اهلل‪ ”.‬أو”املغفور له فالن” ‪ ،‬ونسمي مرض السرطان‬
‫باخلبيث‪ ،‬والبدانة باالمتالء‪ ،‬حتى نلطف من وقع هذه الكلمات علينا‪.‬‬
‫ما هي الكلمات أو اجلمل األخرى اليت نستخدمها إلخفاء معنى ال حنبه؟‬

‫ ‬
‫سوء الفهم (‪: )misunderstanding‬‬
‫اللغة واملعنى جزءان ال ميكن فصلهما عن االتصال‪ .‬فقول شيء ما لشخص‬
‫ال يأخذ الكثري من الوقت واجلهد‪ ،‬ولكن اهتمامنا بالتأكد من أن رسالتنا‬
‫ً‬
‫ذهنيا‪ .‬حتى وإن قلنا ما نعتقد بأنه املعنى‬ ‫وصلت كما عنيناها يتطلب جمهوداً‬
‫ً‬
‫احتماال لوقوع تفسري خاطيء هلا من قبل املتلقي‬ ‫الكامل لرسالتنا‪ ،‬إال أن هناك‬
‫أو أنه سيجدها غامضة‪ ،‬لذا‪ ،‬جيب أن جيتهد املتلقي لفهم املعنى املقصود‪.‬‬
‫وعلينا أن نعرف أن االتصال هو تفاعل رمزي متناهي الدقة‪ .‬لن يكون االتصال‬
‫وحمسوسا دائما‪ ،‬هلذا عدم الفهم غالبا ما يكون وارداً‪ ،‬وسوء الفهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موضوعيا‬
‫حيصل ألسباب فيزيائية وعقلية وثقافية متنوعة‪ .‬واالستخدام غري الفعال للغة هو‬
‫أحد أسباب تشويش الفهم‪ ،‬فمثال نقرأ على بعض األرفف املوضوع عليها الغذاء‬
‫الصحي يف مراكز التموين لوحة مكتوب عليها‪« :‬غذاء صحي» ‪ ،‬هل تعين هذه‬
‫اللوحة أن املوجود على باقي األرفف غري صحي؟‬
‫ما يقال وما يسمع وما يفهم غالبا خمتلف‪ ،‬فكم مرة وجدت نفسك تقول‪:‬‬
‫«ولكين مل أعن هذا»؟ وحيدث عدم الفهم غالبا‪ ،‬ألننا نعتقد بأن كل كلمة‬
‫ال حتتمل أكثر من معنى‪ ،‬وأن الكلمات قائمة بذاتها حتمل معنى‪ ،‬ولكن لو‬
‫راجعنا بعض الكلمات اليت نستخدمها يف حياتنا اليومية لوجدنا أن الكلمات‬
‫هلا أكثر من استخدام‪ ،‬وأكثر من معنى‪ ،‬فلو نظرنا إىل القاموس وعدد املعاني‬
‫معاني عدة‪ ،‬ألنها تتغري مع الوقت‪،‬‬
‫َ‬ ‫املوجودة لكل كلمة‪ ،‬لوجدنا أن للكلمات‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫معلومات‬
‫ٍ‬ ‫مبعان خمتلفة‪ ،‬عرب الثقافات واملناطق‪ ،‬وألنها تعكس‬
‫ٍ‬ ‫وألنها تستخدم‬
‫ً‬
‫وأوضاعا خاصة باملستخدم‪ ،‬لذا جيب أن نتنبه كمتصلني‪ ،‬سواء أكنا مرسلني‬
‫أم مستقبلني‪ ،‬إىل حقيقة أن الكلمات من املمكن أن تفسر بشكل خمتلف‬
‫باختالف األفراد‪.‬‬
‫قد حيدث سوء الفهم بسبب اختالف الثقافات‪ ،‬فيتعقد تفسري الكلمات‬
‫عندما ندخل يف اتصال يومي مع أشخاص من ثقافات خمتلفة‪ .‬الكلمات نفسها‬
‫قد تعين أشياء خمتلفة يف ثقافات خمتلفة‪ .‬فكلمة «صنة» تعين رائحة يف دول‬
‫املغرب العربي بينما تعين الكلمة ذاتها الرائحة الكريهة يف مناطق أخرى من‬
‫العامل العربي‪ ،‬و كلمة ماشي تعين املوافقة يف مصر ‪ ،‬بينما يف اليمن كلمة‬
‫ماشي تعين الرفض‪.‬‬
‫نقل األخبار و اإلشاعات‪)gossip(:‬‬
‫أما احلديث عن اآلخر أو”القيل والقال” فيتدرج من نقل األخبار إىل ترويج‬
‫اإلشاعات املغرضة أو املعلومات اخلاطئة‪ ،‬وأحيانا نستخدم الغيبة للتأكد من‬
‫نظرة شخص ما يف تصرفات اآلخرين‪ ،‬فمن املمكن أن حندث أبناءنا عن فالن‪،‬‬
‫ً‬
‫أحيانا‬ ‫الذي رأيناه يدخن السجائر‪ ،‬لنناقش مسألة التدخني‪ .‬ونتناقل األخبار‬
‫أخرى لبناء العالقات‪ ،‬أو الكتساب معلومات مهمة‪ ،‬أو لتقييم أفعالنا‪ .‬وخيتلف‬
‫الرجال والنساء يف احلديث عن اآلخر‪ ،‬فالنساء يناقشن العالقات‪ ،‬بينما ترتكز‬
‫أقاويل الرجال على أشخاص يف مكان العمل‪.‬‬
‫وتكمن خطورة نقل األخبار يف النقل اخلاطيء للمعلومات‪ ،‬لرتويج إشاعة‬
‫مثال‪ .‬وغالبا ما جند أنفسنا قد بدأنا برتويج اإلشاعات‪ ،‬ألننا ال نشعر باألمان‪،‬‬
‫أو ألنه ليست لدينا ثقة بأنفسنا‪ .‬وعلينا أن نتذكر دائما أن نقل اإلشاعة يسري‬
‫بالنسبة لنا‪ ،‬ولكن ما أن تبدأ اإلشاعة حتى تأخذ حياة كاملة‪ ،‬من الصعب‬
‫التحكم فيها أو وقفها‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لعبة «تليفون خربان»‬

‫جيلس الطالب يف حلقة دائرية و خيتار القائد مجلة يهمسها يف ُأ ُذن الشخص‬
‫الذي جيلس إىل ميينه‪ .‬وهكذا‪ ،‬كل فرد يهمس اجلملة اليت مسعها‬
‫للشخص الذي يليه ميينا‪ .‬وبعد أن يسمع آخر شخص اجلملة يقوهلا بصوت‬
‫عال للمجموعة ثم يقول كل شخص ما مسعه ويقارنه باجلملة األصلية‪.‬‬

‫التعميم بدون استثناءات (‪:)overgeneralization‬‬


‫التعميم هو حماولة لتجاهل االختالفات والتغريات يف األحداث واجلمادات‬
‫ً‬
‫رئيسا يف حماوالتنا‬ ‫والبشر‪ ،‬والرتكيز على أوجه الشبه بينها‪ ،‬واللغة تلعب دوراً‬
‫لرؤية التشابه يف األشياء‪ ،‬حتى وإن مل يكن هذا التشابه موجوداً‪ ،‬فكلمات‬
‫مثل‪ ( :‬األساتذة والطالب والعلمانيون واملتحررون) حتثنا على الرتكيز على‬
‫أوجه التشابه بينها‪ ،‬وعبارات مثل‪( :‬السياسيون خمادعون أو الطالب يغشون يف‬
‫املدارس)‪ ،‬قد تدعونا للظن بأن كل السياسيني خمادعون‪ّ ،‬‬
‫وأن كل الطالب‬
‫يغشون‪ ،‬ال بعض السياسيني وبعض الطالب! إن كلمات مثل هذه قد جتعلنا‬
‫ال نفرق بني األشخاص‪ ،‬كالتعميمات اليت تقود إىل العنصرية‪ ،‬أو نعت مجاعة‬
‫من الناس بصفة معينة‪ ،‬سواء أ كانت التعميمات سلبية أم إجيابية‪ ،‬فالنتيجة‬
‫واحدة‪ ،‬التعميمات تؤدي إىل جتاهل الصفات الشخصية‪ ،‬ومن السهل أن نعمم‬
‫ألن التعميمات ال حتتاج إىل التحليل أو الفحص أو التفكري‪ .‬ونتجاهل التميز‬
‫ً‬
‫حلوال بسيطة وسهلة‪ ،‬تتحكم يف تقييمنا للبشر واملواقف‬ ‫ألن التعميمات تعطينا‬
‫واألحداث‪ .‬ف»ننساق وراء السهولة و نصنف البشر أمجعني بكافة اختالفاتهم‬
‫يف اخلانة نفسها‪ ،‬و ننسب إليهم‪ ،‬من باب السهولة كذلك‪ ،‬جرائم و أفعاال‬
‫مجاعية و آراء مشرتكة ‪ ...‬و حنن نصدر األحكام بربودة أعصاب على هذا‬
‫الشعب أو ذاك فنعتربه «كادحا»‪« ،‬حاذقا»‪ ،‬أو «مخوال»‪« ،‬نزقا»‪« ،‬ماكرا»‪،‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫«أبيا»‪ ،‬أو «عنيدا»‪ ،‬و ينتهي األمر أحيانا بسفك الدماء‪( ».‬معلوف‪ ،2004 ،‬ص‬
‫‪)35‬‬
‫تقاطعين‪».‬أو»أنت‬
‫ِ‬ ‫إن التعميمات قد تفسد العالقات‪ ،‬فإذا قلنا ‪« :‬أنت دائما‬
‫ال تصغني إلي أبدا‪ ».‬نكون قد أجحفنا حق الطرف اآلخر‪ ،‬ألنه بالتأكيد ال‬
‫يقاطعنا دائما‪ ،‬وألنها بالتأكيد تصغي أحيانا‪ .‬ولو تصرف أحدهم باندفاعية‬
‫يف موقف ما‪ ،‬ألعطيناه صفة التهور‪ ،‬ونسينا كل صفاته األخرى‪.‬‬
‫وهناك طرق للتخفيف من التعميمات يف االتصال‪ ،‬الشرح ينبه إىل االختالفات‬
‫اليت متيز أعضاء معينني من اجملموعة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يقـلل من التعميم‪ ،‬الشرح‬
‫يفيد الشـخص أو الفكرة أو احلـدث أو الشيء الذي تتضمنه التعميمات‪ ،‬فإذا‬
‫مسعت أحدهم يقول‪« :‬كل الرياضيني أغبياء» أو أي عبارة جتمع البشر أو‬
‫األحداث أو األشياء أو األحداث يف خانة واحدة سله فورا‪« :‬عن أيهم بالضبط‬
‫تتحدث؟»‪.‬‬
‫التأريخ هو أيضا تقنية أخرى للتقليل من شأن التعميمات‪ ،‬فلو قلنا‪« :‬عرفت‬
‫مرحا “‪ ،‬وحنن نتحدث هنا عن شخص يتسم باجلمود‬ ‫ً‬ ‫فالنا منذ سنتني وكان‬
‫والكآبة يف الوقت الراهن‪ ،‬لعرف السامع بأن الشخص رمبا تغري‪ ،‬ولن ينعتنا‬
‫بالكذب‪ ،‬بالتذكري بتاريخ احلدث حنن نعرتف بأن األشياء تتغري مع الزمن‪،‬‬
‫ونزيد من مصداقية العبارة‪ .‬والتأريخ أيضا قد يعطينا معلومات مثينة تساعدنا‬
‫على فهم الرسالة املعنية أو املقصودة‪.‬‬
‫التطرف يف الكلمات (‪: )polarization‬‬
‫واللغة قد تسبب التطرف الذي يعين أن تنظر إىل األشياء كأقطاب متنافرة‪:‬‬
‫غين‪ /‬فقري‪ ،‬مجيل‪ /‬قبيح‪ ،‬كبري‪ /‬صغري‪ ،‬مرتفع‪ /‬متدن‪ ،‬جيد‪ /‬سيء‪ ،‬ذكي‪/‬‬
‫غيب‪ ،‬بالرغم من أن أغلب األشياء تقع يف الوسط ما بني الطرفني‪ .‬من املمكن أن‬
‫ً‬
‫مستحيال‬ ‫يكون التطرف مدمراً‪ ،‬ويوجه اخلالف إىل درجة أنه جيعل االتصال‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بني جمموعتني‪ ،‬كالهما نقيض لآلخر‪ .‬معظم الناس يعتقدون أن تفكريهم‬


‫وسطي ولكن حني يظهر خالف على السطح يظهر تطرفهم‪ .‬ومن املمكن أن‬
‫نتجنب خماطر التطرف إذا عرفنا إمكانية سوء الفهم‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬استخدمنا‬
‫عبارات غري متطرفة‪ ،‬فإذا قلنا مثال‪« :‬صيف جدة حار» هذا تعميم متطرف‪،‬‬
‫حار مقارنة مباذا ؟ بالطائف أم بالرياض؟ هل خيتلف اجلويف جدة قرب البحر‬
‫عنه يف طريق مكة ؟ ما هو معدل درجة احلرارة يف الصيف؟ إذا مل نرد التعميم‬
‫هنا فسنقول ‪»:‬من املمكن أن يكون صيف جدة حاراً ‪ ،‬فمعدل درجة احلرارة‬
‫هو‪ 40‬ويرتاوح بني ‪ 37‬و‪ 45‬اخنفاضا وارتفاعا «‪ .‬هذه اإليضاحات مهمة جدا إذا‬
‫كان املوضوع املطروح سيثري حساسية دفاعية أو ردود فعل غري متوقعة‪.‬‬
‫دائما واضحة للمتلقي‪ ،‬إذ توجد بعض‬ ‫علينا أن نتنبه إىل أن رسائلنا ليست ً‬
‫املعوقات لالتصال اللفظي اليت علينا أن حناول جتنبها‪ .‬فبعض الكلمات‬
‫حتجب ‪،‬أو تشوه ‪ ،‬أو ختفي املعنى املراد إيصاله والكالم املزدوج ليس‬
‫دائما ضاراً باالتصال اللفظي‪ ،‬ولكنه قد يؤدي إىل فهم املعاني بطريقة‬
‫عكسية ‪ ،‬واستخدامنا للتعميمات قد جيعلنا ننظر لألشياء من زاوية واحدة‬
‫فقط‪ ،‬ونغفل الزوايا األخرى‪ .‬إن املعاني املختلفة لدى اجملموعات واألفراد‬
‫ً‬
‫عائقا للرسالة املراد إيصاهلا‪.‬‬ ‫املختلفني قد تتسبب بسوء فهم‪ ،‬وتكون‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لتحسني االتصال اللفظي‬


‫حنن نتصل ببعضنا البعض لفظيا كل يوم‪ ،‬ولكن القدرة على استخدام اللغة‬
‫مبهارة وتأثري تتطلب سنوات من اخلربة والدراسة‪ ،‬وبالرغم من أن هناك عناصر‬
‫عديدة من املمكن أن تؤثر على استخدام اللغة إال أن هناك عناصر تتطلب‬
‫تركيزاً أكرب وهي‪ :‬معرفة اجلمهور‪ ،‬والدقة‪ ،‬والوصف‪ ،‬واحليوية واملالءمة‪،‬‬
‫واجملاز‪ ،‬والشعور باآلخر‪ ،‬وحتمل مسؤولية رسائلنا‪.‬‬
‫لنعرف مع من نتحدث‪:‬‬
‫إذا أردنا أن نعرف وترية االتصال‪ ،‬علينا أن نعرف من املتحدث‪ ،‬وحمتوى‬
‫موضوع احلديث‪ ،‬لنقرر ما تعنيه الكلمات‪ ،‬فالتفسري اجليد يشتمل على‬
‫االنتباه الحتمال عدم الفهم‪ ،‬وسؤال اآلخر عما تعنيه معاني الكلمات بالنسبة‬
‫هلم‪ ،‬ومقارنتها مبعانينا اخلاصة‪ ،‬فلو قال لنا أحدهم بأننا أذكياء مثال‪،‬‬
‫علينا أن ننظر للشخص‪ ،‬لنعرف أكان يعنيها ً‬
‫حقا‪ ،‬أم أنه قاهلا ألننا خرجنا‬
‫عن املوضوع ‪ -‬مثال ‪ -‬فيحاول السخرية منا ؟ أم أنها كلمة مزاح من صديق‬
‫نعرفه‪ ،‬وتعين عكس معناها ؟ وإذا مل نستطع تقدير معنى الكلمة‪ ،‬علينا أن‬
‫نسأل الشخص عما يعنيه بكلمة ذكي‪ ،‬فما تعنيه الكلمات يعتمد على ثقتنا‬
‫بأنفسنا‪ ،‬وعلى اخلربات السابقة لنا‪ .‬فإذا كنا نثق بأنفسنا بشكل كبري لن‬
‫جنرح بنفس القدر الذي سيجرح به األفراد األقل ثقة بأنفسهم‪.‬‬
‫ً‬
‫نشاطا‬ ‫علينا أن نضع اآلخر يف اعتبارنا حني نتواصل‪ .‬فاالتصال مع اآلخر ليس‬
‫فرديا بل نشاط متبادل بني األشخاص‪ ،‬وجيب أن يظهر الوعي باآلخر‪ ،‬ووجهة‬ ‫ً‬
‫نظره‪ ،‬يف طريقة حديثنا‪ .‬فمثال‪ ،‬إذا كنا ننعت بعضنا البعض كأصدقاء‪،‬‬
‫فعلينا أن ننتبه إىل عدم استخدام هذه النعوت أمام والدينا‪ ،‬أو أساتذتنا‪ .‬وعلينا‬
‫كرجال أن نضع مفهوم املرأة يف عني اعتبارنا‪ ،‬فننصت هلا ونريها بعض التعاطف‬
‫إذا حتدثت معنا‪ ،‬وكنساء أن نعرف أن الرجل إذا جلأ إلينا‪ ،‬فهو يطلب النصح‬
‫واقرتاح احللول ال اإلنصات فقط‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫حنن ال نتخلى عن وجهات نظرنا‪ ،‬إذا وضعنا وجهة نظر اآلخر يف عني االعتبار‪.‬‬
‫هداما يف معظم الوقت‪ ،‬خصوصا إذا حاولنا‬ ‫ً‬ ‫بل إن متسكنا بآرائنا يكون‬
‫فرض هذه اآلراء على اآلخرين‪ ،‬أو كبت وجهات نظرهم‪ ،‬فمثال‪ ،‬إذا ق ّيمنا‬
‫أستا ُذنا مبا ال يرضينا‪ ،‬فلنحاول فهم ‪ :‬لمِ َ فعل ذلك ؟ بالرغم عن عدم رضانا‬
‫عن هذا التقييم‪ ،‬فإذا فهمنا األساس الذي ُق ِّيمنا عليه قد نستطيع التحسني‬
‫من أنفسنا‪ ،‬فيما بعد‪ .‬أما إذا أصررنا على أن نسري على نفس الوترية ‪ ،‬فقد‬
‫حنصل على درجات متدنية يف النهاية‪ .‬معظمنا يتطور بسبب االختالف‪ ،‬ولكننا‬
‫سنتطور أسرع لو كنا نسمع ونقدِّر‪ .‬فلنقدر اآلخرين لنمهد الطريق لعالقات‬
‫ناجحة‪.‬‬
‫لو قال لنا أحدهم‪« :‬ال داعي ألن تشعر بهذا الشكل»‪ ،‬أال نشعر بالغضب‪ ،‬ألنه‬
‫أشعرنا بأن أحاسيسنا غري مهمة؟ ولو قال لنا آخر‪« :‬كيف تفكر بهذا الغباء‬
‫؟ « أال نشعر بعدم الرضى؟ املتصلون الفعالون ال حيقرون ما يقوله اآلخرون‪،‬‬
‫أو ما يشعرون به‪ ،‬حتى وإن كنا ال نشعر أو نفكر بالطريقة نفسها‪ ،‬ما زلنا‬
‫نستطيع احرتام اآلخر لكونه هو اخلبري مبا حيس ويفكر‪.‬‬
‫أحيانا جند أنفسنا نتحدث بلسان أشخاص يستطيعون التحدث عن أنفسهم‪.‬‬
‫الوالدان يتحدثان نيابة عن أطفاهلم‪ ،‬واألوالد يتحدثون بدال من أمهاتهم الكبريات‬
‫السن‪ ،‬وكأننا ال ننتبه ‪ -‬أحيانا ‪ -‬إىل أننا نأخذ القوة من اآلخرين‪ ،‬حني نتحدث‬
‫بألسنتهم‪ .‬ومن املفرتض أيضا أال نعتقد بأننا نفهم ما يفكرون أو يشعرون به‪.‬‬
‫شخصيا متفرداً بذاته‪ .‬ونادراً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كال منا‬ ‫إن خرباتنا يف احلياة وتفسرياتنا جتعل‬
‫ما نفهم ما يشعر به اآلخرون ‪ ،‬أو يفكرون فيه ‪ ،‬وبالرغم من أنه ميكننا وضع‬
‫أنفسنا مكان اآلخر ‪ ،‬إال أنه ال جيب أن نعتقد بأننا نفهم اآلخر – متاما ‪-‬‬
‫ً‬
‫خصوصا إذا كان خيتلف عنا بشكل كبري‪.‬‬
‫علينا أال نعتقد بأننا نفهم البشر‪ ،‬من ثقافات أخرى‪ ،‬حتى وإن كانوا من‬
‫جمتمعنا نفسه‪ .‬من املهم جدا أن حنرتم آراء اآلخرين‪ ،‬ونعرتف بها‪ ،‬فنحن نتطور‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إذا كنا منفتحني على مشاعر اآلخرين وأفكارهم‪ ،‬وإذا مل نفهم ما يقوله‬
‫اآلخر‪ ،‬فليس أسهل من أن نقول له‪« :‬ما الذي تعنيه بقولك ؟ «‪.‬‬
‫لنستخدم لغة دقيقة (‪:)accuracy‬‬
‫استخدام لغة خاطئة قد يشوه رسائلنا‪ ،‬ويضلل املتلقي‪ ،‬ويقلل من مصداقيتنا‪.‬‬
‫حني نتحدث جيب أن يكون هدفنا حمدداً‪ ،‬كي ال نفسح اجملال لتفسريات‬
‫خاطئة‪ .‬جيب أن نسأل أنفسنا باستمرار‪« ،‬ما الذي نريد قوله ؟» و»ما الذي‬
‫نعنيه؟» وإذا كنا حباجة للقاموس ‪ ،‬فلنستعن به لنتأكد من صحة اختيارنا‬
‫للكلمات اليت قد توضح رسالتنا أكثر‪.‬‬
‫كلما استخدمنا الكلمات بدقة أكرب‪ ،‬كلما وجدنا الكلمة الصحيحة‪ ،‬اليت‬
‫توضح املعنى املقصود بصورة أفضل‪ .‬ومن اجملدي أن حناول إثراء مصطلحاتنا‪،‬‬
‫ومن أفضل الطرق إلثراء املصطلحات حسن االستماع والقراءة‪ .‬وعلينا أن ننتبه‬
‫للكلمات اليت ال نفهمها‪ ،‬وحناول فهمها من سياق احلديث‪ ،‬ثم نرجع للقاموس‬
‫للتأكد من معناها‪ .‬عندما نتعلم كلمة جديدة لنحاول استخدامها فورا‪،‬‬
‫وقتا وجمهوداً‪،‬‬
‫فالكلمات اليت ال تستخدم تنسى بسهولة‪ .‬وإثراء اللغة يتطلب ً‬
‫ولكن مع املمارسة ستصبح تلك الكلمات جزءاً من مفرداتنا اليومية‪.‬‬
‫حني خنتار الكلمات علينا جتنب املفردات الطويلة‪ ،‬أو غري املعروفة‪ ،‬إذا كنا‬
‫نستطيع استخدام كلمات قصرية ومعتادة‪ ،‬تفي بالغرض‪ .‬وعلينا أن نتأكد‬
‫من أننا نعرف احتماالت معاني الكلمات ومدلوالتها عند استخدامنا هلا‪ ،‬ألن‬
‫الكلمات هلا معان خمتلفة عند اجملموعات املختلفة من البشر‪ ،‬كما علينا‬
‫جتنب الكالم العام‪ ،‬فمثال‪ ،‬بدال من أن نقول‪« :‬أنت ال تصغي ملا أقول» لنقل‪:‬‬
‫«أنت مل تشعر بي حني تأملت ‪ ،‬ومل تفرح حني كنت سعيدة «‪ .‬وإذا بدا لنا كالم‬
‫ً‬
‫جماال‬ ‫اآلخر ً‬
‫عاما وغري واضح‪ ،‬علينا أن نسأله عما يعنيه‪ ،‬وال نرتك للتأويالت‬
‫يف احلكم على أقوال اآلخرين‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بعض الرسائل ال تكون واضحة‪ ،‬ألنها مل يتم صياغتها بشكل جيد‪ .‬فاجلمل‬
‫والكلمات الضعيفة قد تدمر وضوح الرسالة‪ ،‬فمثال‪ ،‬يف بعض اإلعالنات‬
‫حياول املعلن أن يضع أكرب قدر من املعلومات يف مجلة واحدة قصرية‪ ،‬فتكون‬
‫النتيجة ظهور إعالن مثل‪( :‬مطلوب للتأجري‪ ،‬شقة بأربع غرف لزوج حريص بدون‬
‫أطفال)‪ .‬إن الذي وضع اإلعالن كان يعرف ما يريد قوله‪ ،‬ولكن الرسالة‬
‫ظهرت بشكل غري واضح‪ ،‬ألنه مل يصغها بشكل جيد‪ ،‬فنحن ال نعرف هل‬
‫يريد الشخص تأجري أو استئجار شقه ؟! هل هو وزوجته الزوج احلريص‪ ،‬أم‬
‫يطلب زوج حريص بدون أطفال؟!‬
‫ولكي نكون متحدثني جيدين علينا أال نتوقع أن ما هو واضح لنا واضح‬
‫للجميع‪ ،‬علينا أن نتنبه لعدم عمومية املعنى‪ ،‬خصوصا إذا كنا نلقي خطبة‬
‫جملموعة ال ميكنها املقاطعة (عرب املذياع مثال)‪ .‬وعلينا أن نعمل ‪ -‬جاهدين‬
‫مفهوما‪ ،‬باستخدام كلمات حمسوسة وواضحة ً‬
‫بدال من‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬لنجعل ما نعنيه‬
‫استخدام كلمات جمردة‪ ،‬وكذلك أن نعي دالالت األلفاظ اليت نستخدمها‪.‬‬
‫إن اللغة تتغري كما تتغري معاني الكلمات وتظهر كلمات جديدة‪ ،‬ألسباب‬
‫اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتمــــاعية‪ .‬فكلمـــات مثل ( عوملة وسعودة‬
‫ووهابية ) فرضت علينا مع التغيري احلاصل يف العامل‪ .‬وبعض الكلمات ليس هلا‬
‫معان واضحة وحمددة ودقيقة‪ .‬زمالء العمل قد حيملون معان خمتلفة للكلمات‬
‫نفسها‪ ،‬ومن هنا قد ينشأ اخلالف‪ ،‬فكلمة ( صديق ) قد تعين بالنسبة لنا‬
‫أي شخص من املمكن أن تربطنا به زمالة‪ ،‬وبالنسبة آلخرين قد تعين الشخص‬
‫الذي نسر له مبكنونات أنفسنا‪ .‬بداية السنة ‪ -‬بالنسبة لنا ‪ -‬هي حمرم الذي قد‬
‫يصادف شهر يوليو يف منتصف السنة امليالدية‪ ،‬أو شهر أكتوبر يف آخر السنة‬
‫امليالدية‪ ،‬بالرغم من أن الكلمات واحدة إال أنها قد حتمل معاني خمتلفة بسبب‬
‫ً‬
‫اختالفا يف املعاني‪ ،‬فنحن‬ ‫اخلربة واملك ّون الثقايف‪ ،‬العمر أيضا قد يسبب‬
‫واألطفال ال نعي الكلمات بنفس الطريقة‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وحني نقيم األفراد علينا أن ننتبه إىل أن البشر ليسوا ثابتني على حال واحدة‪،‬‬
‫ففاطمة اليت كانت أنانية يف سن املراهقة قد ال تكون أنانية بعد ما أصبحت‬
‫امرأة ناضجة‪ ،‬وحسن الذي مل يكن يشعر باملسؤولية سابقا رمبا أصبح يشعر‬
‫بها اليوم‪ .‬وعلينا أن حناول أن نعي كل هذه االختالفات‪ ،‬ومدلوالت األلفاظ لدى‬
‫األفراد املختلفني‪ ،‬للتأكد من وصول رسالتنا باملعنى الذي قصدناه‪.‬‬
‫لنستخدم لغة شارحة (‪:)explanatory‬‬
‫بقدر ما نعطي من الشرح يزيد كالمنا وضوحا‪ ،‬فاللغة أحيانا تكون‬
‫وقتا وجهداً‪ ،‬وعلينا أن‬
‫كالشـفرة‪ ،‬وكسر رموز هذه الشفرة غالبا ما يأخذ ً‬
‫حناول إعطاء مفاتيح الشفرة بأكرب قدر من الشرح‪ .‬لو أخذنا كلمة ( ِق ّط )‬
‫مثال‪ ،‬لوجدنا أن صورة القط يف خميلتنا ختتلف من شخص آلخر‪ ،‬بعضنا يرى‬
‫صورة لطيفة‪ ،‬وبعضنا اآلخر يرى صورة مرعبة‪ .‬فإذا كنا نتحدث عن قط معني‬
‫علينا أن نعطي أكرب قدر من األوصاف للقط الذي نتحدث عنه‪ ،‬وعلينا أن ننتبه‬
‫بأال خنلط أوصافنا بالتحليالت والتفسريات الشخصية‪.‬‬
‫لننظر إىل رسالة الشيخ‪ ،‬حني سأله حممد إسالم ‪ -‬قبل أن يعلن إسالمه ‪ -‬عن‬
‫سبب حركات اجلسد يف الصالة‪“ :‬وبأية طريقة أخرى ‪ -‬إذاً ‪ -‬جيب أن نعبد‬
‫اهلل ؟ أمل خيلق الروح واجلسد ؟ ‪ ...‬أفال جيب أن يصلي اإلنسان جبسده كما‬
‫يصلي بروحه ؟” كان من املمكن أن يكتفي الشيخ بهذا ولكنه فضل أن‬
‫يوضح الرسالة أكثر فقال‪:‬‬
‫“امسع‪ ،‬سأفهمك مل نصلي حنن املسلمني كما نصلي‪ .‬إننا نولي‬
‫وجوهنا حنو الكعبة‪ ،‬بيت اهلل احلرام يف مكة‪ ،‬مدركني أن املسلمني‬
‫كلهم‪ ،‬حيثما كانوا‪ ،‬مولون وجوههم حنوها يف صالتهم‪ ،‬وأننا كجسم‬
‫واحد وأن اهلل هو حمور تفكرينا مجيعا‪ .‬حنن نقف أوال مستقيمني ونقرأ‬
‫شيئا من القرآن الكريم‪ ،‬ذاكرين أنه كلمة اهلل أنزهلا على اإلنسان‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫كيما يكون رصينا مستقيما يف احلياة‪ .‬ثم نقول‪ :‬اهلل أكرب مذكرين‬
‫أنفسنا بأنه ما من أحد يستحق أن يعبد إال هو‪ ،‬ونركع ألننا نعتربه فوق‬
‫كل شيء‪ ،‬ونسبح بعزته وجمده‪ .‬وبعد ذلك نسجد على جباهنا ألننا‬
‫نشعر بأننا لسنا جتاهه إال من العدم والرتاب‪ ،‬وأنه هو الذي خلقنا وهو‬
‫ربنا األعلى‪ .‬نرفع وجوهنا عن األرض ونبقى جالسني‪ ،‬داعني إليه أن‬
‫يغفر ذنوبنا ‪ ،‬وأن يتغمدنا برمحته ‪ ،‬ويهدينا الصراط املستقيم ويهبنا‬
‫العافية والرزق‪ .‬ثم جنلس ثانية على األرض ونلمس الرتاب جبباهنا جتاه‬
‫عزة الواحد األحد وعظمته‪ .‬وبعد ذلك نستوي جالسني وندعو اهلل أن‬
‫يصلي على النيب حممد الذي أبلغنا رسالته‪ ،‬كما صلى على األنبياء من‬
‫قبله‪ ،‬وأن يباركنا أيضا ومجيع من يتبعون سواء السبيل‪ ،‬ونسأله أن‬
‫يهب لنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة‪ .‬ويف النهاية ندير رؤوسنا إىل‬
‫اليمني وإىل الشمال قائلني‪“ :‬السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته”‪،‬‬
‫وبذلك حنيي كل من كانوا صاحلني‪] ،‬أينما[ كانوا‪( ”.‬البعلبكي‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ص ‪)101‬‬
‫ً‬
‫إرباكا للزميل الذي دعوناه‪ ،‬وعلينا أن‬ ‫إن جمرد توجيه دعوة للغداء قد تسبب‬
‫نوضح للزميل أننا ندعوه للغداء‪ ،‬للتحدث عن احملاضرة السابقة‪ ،‬أو للعمل على‬
‫العرض اجلماعي‪ ،‬أو لتعزيز عالقتنا االجتماعية‪ ،‬أو فقط للتعرف على بعضنا‬
‫ً‬
‫بعضا أكثر يف حميط آخر‪.‬‬
‫حتمل املسؤولية هلا معان كثرية! من املمكن أن تعين عمل كل ما هو‬
‫مطلوب منا عند بعض األشخاص‪ ،‬وقد تعين لدى اآلخرين القيام بأعمال غري‬
‫متوقعه‪ .‬قد يتهم بعض اآلباء أبناءهم بعدم حتمل املسؤولية‪ ،‬ألنهم ال حياولون‬
‫اسـتغالل أوقات فراغهم بعمل مفيد‪ ،‬بينما ال يفهم األبناء مل يظن آباؤهم بأنهم‬
‫غري مسؤولني‪ ،‬ما داموا يعملون كل ما هو مطلوب منهم‪ ،‬لو قال اآلباء ألبنائهم‪:‬‬
‫“نريدكم أن تكونوا أكثر حتمال للمسؤولية‪ ،‬فعليكم أن تقوموا بتنظيف‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫غرفكم بأنفسكم‪ ،‬وأن تعملوا يف الصيف لتتحملوا نفقاتكم اخلاصة”‪،‬‬


‫ً‬
‫وضوحا‪ ،‬بالنسبة لألبناء‪ ،‬من جمرد قول‪“ :‬أنتم ال تتحملون‬ ‫لكان األمر أكثر‬
‫أي مسؤولية”‪.‬‬
‫علينا أن نتذكر أيضا أن بعض املصطلحات تقريبية‪ ،‬وهلا درجات‪ ،‬فكلمة‬
‫( كثري) عندنا قد ال حتمل املعنى نفسه عند سوانا‪ ،‬فمائة ألف ريال قد تكون‬
‫قليلة عند صاحب شركة سيارات‪ ،‬بينما تكون كثرية لدى صاحب متجر‬
‫بقالة صغري‪ .‬لو طلبنا من أحدهم وضع القليل من السكر يف كوب شاي‪ ،‬ما‬
‫الذي تعنيه كلمة القليل ؟ لنسهل األمر على املتلقي‪ ،‬علينا أن حندد حجم القليل‬
‫فنقول مثال نصف ملعقة من السكر‪.‬‬
‫لنستخدم لغة حيوية وشيقة ‪)vividness(:‬‬
‫لكي يكون اتصالنا مؤثراً علينا أن نستخدم كلمات حيوية وممتعة‪ .‬اللغة‬
‫املباشرة اليت تعطى بصوت نشط ميكنها أن تضفي على احلديث متعة وأهمية‬
‫وقوة‪ ،‬تلك احليوية تقول جلمهورنا من األفضل أن تستمعوا‪ ،‬فلدينا شيء مهم‬
‫نقوله‪ ،‬فمثال‪ ،‬لو أردنا مجع تربعات جلهة ما‪ ،‬من املمكن أن نقدم إحصائية عن‬
‫الفقر‪ ،‬واحلاجة للسنوات اخلمس األخرية‪ ،‬أومن املمكن أن نستحضر قضايا‬
‫حية لعائالت حمتاجة ونتحدث عنها‪ ،‬وهذه الطريقة الثانية ستجعل اجلمهور‬
‫يتفاعل معنا أكثر‪ ،‬ألنها حيوية‪ ،‬ومن املمكن أن جتذب االنتباه وجتعلهم‬
‫مستعدين للتربع‪.‬‬
‫علماء النفس االجتماعي يقولون بأن اللغة تؤثر فينا من نواح عدة‪ ،‬فهي عميقة‬
‫أكثر من كونها سطحية ‪ ،‬ألننا ميكن أن نتذكرها ‪ ،‬وميكن أن حترك‬
‫مشاعرنا ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬فالرسائل احليوية متكننا من استحضار مشاهد ذهنية‪،‬‬
‫ويبدو أننا منيل لالستماع للرسائل احليوية أكثر من الرسائل اجلامدة ‪ ،‬أو غري‬
‫املمتعة‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ً‬
‫ألفاظا‬ ‫وجلعل الرسالة أكثر حيوية علينا أن نعطي معلومات أكثر‪ ،‬ونستخدم‬
‫ممتعة‪ ،‬باستعمال مجل مثل‪“ :‬حققوا أحالمهم ووجدوا قرب امللك الفرعوني الذي‬
‫ً‬
‫وإمتاعا للرسالة‪ ،‬فهناك فرق بني تلك العبارة‬ ‫حبثوا عنه مطوال” تعطي حركة‬
‫احليوية النشطة‪ ،‬وعبارة “القرب القديم وجد بواسطة منقيب آثار”‪ .‬واللغة املبنية‬
‫للمعلوم أوقع على السمع من تلك املبنية للمجهول‪.‬‬
‫بالنسبة لبعض علماء اللغة‪ ،‬نظرتنا للعامل من حولنا هي يف األساس جمازية‪،‬‬
‫اجملاز يبين أفكارنا ويبين كيفية رؤيتنا لألشياء‪ ،‬اجملاز يعين أن ترتبط‬
‫الكلمة أو العبارة بشيء‪ ،‬أو بفكرة ال عالقة هلا بها‪ .‬اجملاز الواضح جيعل‬
‫الفكرة أكثر وضوحا وحتديدا‪“ .‬فكرتك عائمة‪ ،‬صباحك فل‪ ،‬نهارك‬
‫أغرب‪ ،‬باب النقاش مفتوح” كلها جمازات تعطي اللغة حيوية‪ .‬اجملاز مرتبط‬
‫بالثقافة ومعظم اجملازات هلا معنى فقط يف داخل اجملموعة اليت تستخدمها‪.‬‬
‫علينا جتنب استخدام اجملازات املهينة لشخص‪ ،‬أو جملموعة من األشخاص‪،‬‬
‫كما حناول جتنب استخدام املصطلحات اليت استهلكت لدرجة أنها مل تعد‬
‫كلمات وصور جديدة‬
‫ٍ‬ ‫تثري املخيلة‪ ،‬ونستطيع أيضا كسب مجهورنا باستخدام‬
‫لطرح أفكارنا بطريقة جديدة وممتعة‪ ،‬ولكن علينا أن نتنبه إىل عدم استخدام‬
‫كلمات وصور غري مفهومة أو معقدة‪.‬‬
‫ال يتعلم اجلميع بنفس الطريقة‪ ،‬فبعضنا قد يتعلم بسماع احملاضرات يف‬
‫جمموعات كبرية بينما يتعلم البعض اآلخر بطريقة أفضل يف وسط جمموعة‬
‫صغرية أو فرديا‪ ،‬البعض حيتاج لرؤية الكلمات ليهمها بينما حيتاج البعض‬
‫لسماعها أو ملسها‪ .‬كمتصلني‪ ،‬علينا أن نستخدم كلمات جتعل املستمعني‬
‫يروا و يسمعوا و حيسوا لنجذب انتباه كل أصحاب األمناط املختلفة يف التعلم‪.‬‬
‫لنجذب البصريني علينا أن نستخدم كلمات مثل‪ :‬تركيز‪ ،‬نظر‪ ،‬ملون‪ ،‬فاتح‪،‬‬
‫عرض‪ ،‬ختيل‪ ،‬تصوري‪ ،‬ارسم‪ ،‬واضح‪ ،‬خمفي‪ ،‬الحظي‪ ،‬و للسمعيني نستخدم‬
‫كلمات مثل‪ :‬أنصت‪ ،‬رنني‪ ،‬تعليق‪ ،‬صوت‪ ،‬عالي‪ ،‬صراخ‪ ،‬صمت‪ ،‬همس‪،‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫قالت‪ ،‬هدوء‪ ،‬نادى‪ ،‬صاخب‪ ،‬أما للحسيني فنستخدم كلمات مثل‪ :‬يشعر‪،‬‬
‫ضغط‪ ،‬تؤمل‪ ،‬حس‪ ،‬شديد‪ ،‬يدفع‪ ،‬يهتز‪ ،‬ثقيل‪ ،‬تلمس‪ ،‬جامد‪ ،‬جوع‪ ،‬يغذي‬
‫(‪.)Scott & Brydon, 1997‬‬
‫كيف نصف منظر الغروب يف مجلة واحدة مرة لذوي النمط احلسي من‬
‫التعلم ‪ ،‬و مرة لذوي النمط البصري؟‬

‫وكطالب‪ ،‬من املمكن أن نفكر يف جمازات كثرية للحديث عن حياتنا‬


‫اجلامعية‪ .‬البعض يقول ‪ :‬إن احلياة اجلامعية كاللعبة األفعوانية يف املالهي‪،‬‬
‫هناك الكثري من الصعود والنزول كما أن هناك الكثري من املنحنيات‪ .‬ابنيت‪،‬‬
‫الطالبة يف املرحلة املتوسطة‪ ،‬شبهت حياتها املدرسية بفيلم إثارة‪ ،‬حدث جديد‬
‫يف كل يوم‪ ،‬ما هي بعض اجملازات اليت من املمكن أن تصف حياتك يف‬
‫اجلامعة ؟ ‬
‫والقوة يف استخدام الكلمات تعطي حيوية للحديث‪ ،‬فالكالم املباشر له‬
‫مصداقية أكرب وجذاب ومقنع أكثر من الكالم الذي حيوي رسائل مواربة‪،‬‬
‫علينا أيضا كسر عادات مثل التأتأة وكلمات مثل «أظن» و“أعتقد» وأسئلة‬
‫مثل «صحيح؟» و»هل تتفق معي؟» و «و لكن ما أدراني أنا؟» ألنها تعطي السامع‬
‫االنطباع بأننا غري واثقني من أنفسنا ومن كالمنا‪.‬‬
‫لنستخدم لغة مالئمة (‪:)appropriateness‬‬
‫يف كل مرة نتحدث يتوقع املتلقون نوعية معينة من اللغة‪ ،‬وهناك أنواع خمتلفة‬
‫من اللغة تتالءم مع أوضاع خمتلفة‪ ،‬فمثال اللغة اليت نستخدمها مع العميدة تتصف‬
‫بالرمسية أكثر من اللغة اليت نستخدمها مع أصدقائنا‪ ،‬قد ال نستطيع نداء‬
‫العميدة بامسها اجملرد‪ ،‬كما أنه من املستبعد أن ننادي أصدقاءنا بالدكتورة‬
‫أو السيدة (حتى وإن كانوا كذلك) إال على سبيل املزاح‪.‬‬
‫اختيارنا للكلمات يؤثر على نظرة الناس ألنفسهم‪ ،‬فعلينا جتنب نعت ثقيلي‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫األوزان بكلمة مثل “دب»‪ ،‬أو بطيء الفهم بكلمة مثل “محار»‪ ،‬ولو كان على‬
‫سبيل املزاح‪ ،‬فاختياراتنا األخالقية للكلمات ال حتكم فقط على أشكالنا‬
‫أمام اآلخرين‪ ،‬بل حتكم أيضا على نوعية العالقة اليت نقيمها معهم‪ ،‬وغالبا‬
‫ً‬
‫ألفاظا‬ ‫الشخص الذي يريد عالقة مبنية على االحرتام سيتجنبنا لو استخدمنا‬
‫مثل تلك‪.‬‬
‫إن استخدام اللغة غري املالئمة للموقف قد يضيع مصداقية املتحدث‪ ،‬وتفهم‬
‫رسالته بشكل خاطئ وبالتالي ال يستمع‪ ،‬وعلينا أن نعرف بأنه ليس كل صحيح‬
‫ً‬
‫مالئما‪ ،‬فنعتنا ألحدهم بالكذب‪ ،‬حتى وإن كان كاذبا‪ ،‬غري مالئم يف أغلب‬
‫األحيان‪ ،‬فمن املهم ‪ -‬إذاً ‪ -‬أن نق ّيم كل موقف‪ ،‬وأن نعدل رسالتنا مبا يتالءم مع‬
‫املوقف‪ .‬فاستخدام اللغة غري الالئقة والقواعد غري الصحيحة واللهجات اخلاصة‬
‫ال يكون مالئما يف األحاديث العامة‪.‬‬
‫علينا أن نتجنب استخدام كلمات قاطعة مثل «دائما» و»أبدا» و“مستحيل»‪،‬‬
‫فلوقلنا قبل مائة عام بأن الصعود للقمر مستحيل‪ ،‬لوجدنا أنفسنا يف حرج اليوم‪.‬‬
‫كلمات مثل «غالبا» و»نادرا» و»رمبا» أجدى باالستخدام‪ ،‬لكونها أقل حدة‬
‫وأكثر مصداقية‪.‬‬
‫ولكي نتأكد من أن اللغة مالئمة علينا أن نضع يف اعتبارنا أن لألفراد‬
‫أساليب خمتلفة يف التعلم‪ ،‬فبعضنا يتعلم برؤية الكلمات‪ ،‬وبعضنا اآلخر‬
‫ً‬
‫طبعا ال نستطيع استخدام بطاقات‬ ‫يتعلم بسماعها‪ ،‬وآخرون يتعلمون بلمسها‪.‬‬
‫وأغان وأشياء ملموسة‪ ،‬طوال فرتة حديثنا‪ ،‬ولكن توجد أساليب مساعدة‬
‫لتكوين صورة أو صوت أو إحساس‪ .‬لألشخاص الذين يعتمدون على النظر يف‬
‫التعلم نستخدم كلمات مثل (مشرقة‪ ،‬أخضر‪ ،‬مجيل‪ ،‬ختيل‪ ،‬ارسم)‪ ،‬وللذين‬
‫يعتمدون على السمع نستخدم كلمات مثل (امسع‪ ،‬انصت‪ ،‬صفق‪ ،‬اصرخ‪،‬‬
‫عالي‪ ،‬صوت) وللذين يعتمدون على احلس نستخدم كلمات مثل (أشعر‪ ،‬أمل‪،‬‬
‫ملس‪ ،‬ثقيل‪ ،‬جوع‪ ،‬غثيان)‪)Scott & Brydon, 1997( .‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لنكن مسؤولني عن كالمنا(‪: )responsibility‬‬


‫نستخدم األلفاظ لنعرب عن مشاعرنا وأحاسيسنا وأفكارنا‪ ،‬وأحيانا نلوم‬
‫اآلخرين على ردود أفعالنا حنن حيال ما قالوه‪ .‬يف احلقيقة‪ ،‬أن اآلخرين ال‬
‫«يسببون» مشاعرنا‪ ،‬فمشاعرنا وأفكارنا تنتج عن تفسرينا لرسائل اآلخرين‪،‬‬
‫استنتاجاتنا لرسائل اآلخرين جتعلنا حنس بشكل معني‪ ،‬ونتهم اآلخرين بإشعارنا‬
‫بالسوء كحيلة دفاعية‪ .‬يف العالقات الناجحة ال نعتمد على تفسري ردود أفعال‬
‫بعضنا البعض‪ ،‬ومع أن اآلخرين ال ميكن أن ينتجوا مشاعرنا إال أنهم قد‬
‫يتصرفون بطريقة تؤثر علينا‪ ،‬ومن املهم أال جنعل اآلخرين يضطهدوننا‪ ،‬وعلينا‬
‫أن ننهي العالقات التسلطية قبل أن تؤثر علينا سلبا‪.‬‬
‫علينا أن نستخدم لغة مسؤولة‪ ،‬تعرب عن مشاعرنا وأفكارنا وال نلوم اآلخرين‬
‫بالتسبب يف هذه املشاعر واألفكار‪ .‬لنتحدث بصيغة «أنا» ال بصيغة «أنت»‪.‬‬
‫فصيغة أنا حتملنا املسؤولية‪ ،‬بينما صيغة أنت حتمل الشخص اآلخر املسؤولية‪،‬‬
‫اتهاما جمرداً‪ ،‬وهذا سبب‬
‫ً‬ ‫صيغة أنا تعطي تفسرياً أكرب وصيغة أنت تعد‬
‫ً‬
‫شرحا للمشاعر بدون اتهام مباشر‬ ‫من أسباب عدم جدواها‪ .‬تقرير»أنا « يعطي‬
‫لألشخاص على ما نشعر به‪ ،‬فبدال من أن نقول‪« :‬أنت جتعلين أشعر بالضيق»‬
‫علينا أن نقول‪« :‬أنا أشعر بالضيق» ونبدأ بشرح األسباب‪.‬‬
‫كم مرة ملنا الوقت ألنه فات‪ ،‬مع أن احلقيقة هي أن الوقت يتحرك ‪ -‬دائما‬
‫‪ -‬بالوترية نفسها‪ ،‬بينما حنن الذين نبطئ ونفوته‪ ،‬الطائرة فاتتنا‪ ،‬املوعد فاتنا‪،‬‬
‫االختبار فاتنا‪ ،‬رغم أننا حنن من تأخر على الطائرة واملوعد واالختبار‪ .‬قد‬
‫نشعر باإلحراج حني نبدأ باستخدام كلمة « أنا «‪ ،‬خاصة وأننا قد تعودنا على‬
‫ً‬
‫طبيعيا‪ ،‬مع التدريب واإلصرار‬ ‫لوم اآلخر‪ ،‬ولكن مع الوقت سيصبح األمر‬
‫سنستطيع استخدام كلمة « أنا « بسهولة وسنجد بأن هلا حسنات كثرية‪،‬‬
‫فهي ال جتعل اآلخرين حيسون حباجة للدفاع عن أنفسهم‪ ،‬وهي عادة تفتح باب‬
‫احلوار‪ ،‬السيما وأن اآلخرين ليست هلم السلطة للتحكم فيما نشعر به‪ « .‬أنا‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫« أكثر قوة ومسؤولية من « أنت «‪ ،‬فإذا قلنا لآلخر أنت جعلتين أشعر‪ ،‬وأنت‬
‫فعلت بي هذا‪ ،‬نكون قد أعطينا لآلخر السلطة والقيادة‪ « .‬أنا « تقلل من شعورنا‬
‫باالضطهاد وتزيد من دافعيتنا للتغيري‪ « ،‬أنا « تعطينا الصالحية للتحكم يف‬
‫مشاعرنا وتعلم اآلخرين كيف نفسر تصرفاتهم وأقواهلم‪.‬‬
‫علينا قبل كل شيء أن ندرك مع من نتحدث‪ ،‬لنعرف كيف نتحدث‪ ،‬وعلينا‬
‫أن نفهم خلفيات وخربات ومعلومات من نتحدث معهم‪ ،‬لنختار أفضل طريقة‬
‫إليصال الرسالة‪ ،‬كما علينا أن نبدي االحرتام لآلخرين‪ ،‬ونستخدم لغة تعطيهم‬
‫قيمتهم كأفراد‪ .‬استخدامنا للكلمات بدقة جيعلنا جند الكلمات اليت توضح‬
‫املعنى املقصود بصورة أفضل‪ .‬هناك اختالفات يف مدلوالت األلفاظ لدى األفراد‬
‫املختلفني‪ ،‬وعلينا أن نعي هذه االختالفات للتأكد من وصول رسالتنا باملعنى‬
‫كالما مباشراً‪ ،‬فالكالم املباشر له‬
‫ً‬ ‫الذي قصدناه‪ ،‬ومن األفضل أن نستخدم‬
‫مصداقية أكرب‪ ،‬وجذاب ومقنع أكثر من الكالم الذي حيوي رسائل مواربة‪.‬‬
‫وأخريا علينا أن نستخدم لغة مسؤولة تعرب عن مشاعرنا وأفكارنا‪ ،‬دون أن نلوم‬
‫اآلخرين على تسببهم بهذه املشاعر أو األفكار‪.‬‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ملخص‬
‫يف بداية هذا الفصل حتدثنا عن اللغة و عن أربع من عناصرها‪ :‬األصوات و‬
‫القواعد و الكلمات و املعاني‪ .‬تعلم استخدام اللغة يؤثر يف عملية االتصال يف‬
‫أي موقف‪ ،‬فالقدرة على استخدام اللغة حتكم على جناحنا‪ ،‬وجتعل االتصال‬
‫ً‬
‫شخصيا‪ ،‬كما تسمح لنا برتمجة أفكارنا ومشاعرنا وجتاربنا برسائل‪ ،‬وسوء‬
‫استخدام اللغة ال يعين سوء استخدام الكلمات وحسب‪ ،‬بل يؤثر على قدرتنا‬
‫على التفكري‪ .‬وعند كثري من العلماء‪ ،‬أن الفكر ال ينفصل عن اللغة‪ ،‬إذا مل‬
‫ً‬
‫واضحا أصال‪،‬‬ ‫جند الكلمات اليت توضح األفكار رمبا ال يكون تفكرينا‬
‫ً‬
‫مفتوحا‬ ‫وإذا مل نعرب عن أفكارنا بوضوح ودقة فإن الباب لعدم الفهم سيظل‬
‫للمتلقي‪ .‬عناصر اللغة تساعد يف تشكيل رسائلنا ليفهمها معظم الناس‪ ،‬لذا‪،‬‬
‫فالقدرة على اختيار عناصر اللغة بدقة‪ ،‬لبناء ومشاركة الرسائل بدقة ومهارة‪،‬‬
‫تساعدنا لنصبح ذوي اتصال فعال‪.‬‬
‫اهلدف من االتصال هو تبادل املعاني‪ ،‬فإذا مل حتمل اللغة معنى فهي لن‬
‫ختدم كثريا‪ ،‬حنن نربط كلمات معينة مبعان معينة‪ ،‬ونعتقد أن الصلة بني‬
‫الكلمة ومعناها بديهية‪ ،‬ولكن يف احلقيقة الكلمات مرتبطة اعتباطيا‬
‫باملعاني‪ ،‬الكلمات ليست أشيا َء حمسوسة أو أفكاراً‪ ،‬ولكنها رموز متثل‬
‫أشيا َء وأفكاراً‪ .‬املعنى ‪-‬إذاً‪ -‬ليس يف الكلمات بل يف مستخدميها‪ ،‬لذا‪ ،‬فإن‬
‫اللغة قد حتجب أو تشوه أو ختفي املعاني وختلق عوائق‪ ،‬واملتصل الفعال جيد‬
‫ً‬
‫طرقا جديدة ليفهم ‪ ،‬ولتكون رسائله مفهومة‪.‬‬
‫اللغة والثقافة واألفكار مرتبطة ببعضها البعض‪ .‬لكي نكون متصلني‬
‫فعالني جيب أن يكون لدينا وعي بكيفية تبادل األفكار مع أناس من ثقافات‬
‫خمتلفة‪ ،‬وحناول جتنب استخدام الكلمات الغريبة ونبدو متفهمني للثقافات‬
‫األخرى ومتطلبات اللغة‪ ،‬ونتدرب جبهد وصرب إلجياد وتبادل الفهم‪ ،‬علينا أن‬
‫االتصال الكالمي ( اللفظي )‬ ‫الفصل الثالث‬

‫نعرف مع من نتحدث‪ ،‬وحناول أن نوصل رسالتنا بأوضح شكل ممكن‪،‬‬


‫مراعني طرق التعلم املختلفة للمتلقني‪ .‬إن استخدام اللغة بتأثري وفعالية يتطلب‬
‫ممارسة ودراسة‪.‬‬
‫و أخرياً استعرضنا بعض من عوائق االتصال اللفظي‪ ،‬مثل حجب املعنى و سوء‬
‫الفهم و اختالف الثقافات و نقل األخبار أو اإلشاعات‪ ،‬و التعميمات‪ .‬كما‬
‫استعرضنا أهم الطرق لتحسني االتصال اللفظي و هي‪ :‬أهمية ان يتوافق حديثنا‬
‫مع مكانة من حندثهم‪ ،‬و استخدام كلمات دقيقة و شارحة و حيوية و شيقة و‬
‫مالئمة للمكان و األشخاص كما أنه من املهم أال حنمل الغري أخطاءنا و ألن‬
‫نتحمل مسؤولية كالمنا‪.‬‬
) ‫االتصال الكالمي ( اللفظي‬ ‫الفصل الثالث‬

)References( ‫املراجع‬
:‫ املراجع العربية‬:‫أوال‬

.‫ دليلك إىل االتصال الفعال‬.)‫م‬2001( ‫ عصام عبد العظيم‬،‫· أمحد‬


.‫ ن‬.‫ ب‬:‫الرياض‬
:‫ الرياض‬.‫ الطريق إىل اإلسالم‬.)‫م‬1997( )‫ عفيف (ترمجة‬،‫· بعلبكي‬
.‫مكتبة العبيكان‬
‫ مكتبة‬،‫ القاهرة‬.‫ املعجم الوسيط‬.)‫م‬2004( ‫· جممع اللغة العربية‬
.‫الشروق الدولية‬
:‫ لبنان‬.)‫ نهله بيضون‬:‫ (ترمجة‬.‫ اهلويات القاتلة‬.)‫م‬2004( ‫ أمني‬،‫· معلوف‬
.‫دار الفارابي‬

:‫ املراجع اإلجنليزية‬:‫ثانيا‬

• Beall, Melissa M., Show, Marilyn M., & Sieler,


William J. (2005). Communication: making
connections. Boston: Pearson.
• Belenky, Mary Field, Clinchy, Blythe McVicker,
Goldberger, Nancy Rule & Tarule, Jill Mattuck
(1986). Women’s ways of knowing: the development
of self, voice and mind. U. S. A.: Basic Books.
• Dobkin, Bethami A. & Pace, Roger C. (2006).
Communication in a changing world. Boston:
McGraw Hill.
) ‫االتصال الكالمي ( اللفظي‬ ‫الفصل الثالث‬

• Hybles, Saundra & Weaver II, Richard L. ( ).


Communicating effectively.
• Sieler, William J. & Beall, Melissa M. (2005).
Communication: making connections. Boston:
Pearson.
• Pearson, Judy C. & Nelson, Paul E. (1997).
An introduction to human communication:
understanding and sharing. Boston: McGraw Hill.
• Scott, Michael D. & Brydon, Steven R. (1997).
Dimensions of communication: an introduction.
Mountain View: Mayfield Publishing Company.
• Wood, Julia T. (1997). Communication in our lives.
Belmont: Wordsworth Publishing Company.

You might also like