Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 33

‫الفصل السادس‬

‫االتصــــــال الشــــــخصـي‬
‫وبنــاء العالقــات اإلنســـانية‬
‫الدكتور ‪ /‬سليمان بن عبد الرمحن آل الشيخ‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫اهلدف العام ‪:‬‬


‫إكساب الطالب املهارات الالزمة للتواصل الشخصي مع اآلخرين‪.‬‬
‫األهداف التفصيلية ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف االتصال الشخصي‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان فوائد االتصال الشخصي‪.‬‬
‫‪ -3‬توضيح الصفات األساسية لالتصال الشخصي‪.‬‬
‫‪ -4‬مناقشة أسباب اجنذاب الناس بعضهم إىل بعض‪.‬‬
‫‪ -5‬وصف العالقات الشخصية ومراحل تطورها‪.‬‬
‫‪ -6‬إكساب بعض املهارات األساسية للتحدث مع اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -7‬تعريف اإلفصاح عن الذات وتوضيح كيفية استخدامه مع‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫متهيد‬
‫ً‬
‫إعالنا عن وظائف شاغرة ؟ البد أنك قد الحظت‬ ‫هل قرأت ً‬
‫يوما ما يف الصحيفة‬
‫أن العديد من الشركات تشرتط يف موظفيها «القدرة على االتصال الشخصي‬
‫باآلخرين»‪ .‬ولكن ما معنى أن يتمتع اإلنسان بقدرة جيدة على االتصال الشخصي‬
‫باآلخرين؟ وما أثر ذلك على جناحه يف حياته ؟ وهل االتصال الشخصي ضروري‬
‫ً‬
‫أيضا حلياتنا الشخصية يف تعاملنا مع آبائنا‬ ‫حلياتنا الوظيفية فقط أم أنه مهم‬
‫وزوجاتنا وأبنائنا وأصدقائنا؟ إن اهلدف الرئيسي هلذا الفصل هو اإلجابة عن‬
‫هذه التساؤالت‪.‬‬
‫ميكن تعريف االتصال الشخصي بأنه‪« :‬تبادل للمعلومات حيدث بني شخصني‬
‫أو أكثر»‪ .‬فرمبا حيدث االتصال الشخصي بني أفراد اجملموعات الصغرية‬
‫ً‬
‫أيضا بني أفراد اجملموعات‬ ‫املكونة من أربعة أو مخسة أفراد‪ .‬وقد حيدث‬
‫األكرب كفريق كرة القدم أو أحد األندية الطالبية باجلامعة‪ ،‬حيث تكون‬
‫معرفة أعضاء اجملموعة ببعضهم البعض جيدة‪ .‬إال أن االتصال الشخصي يكون‬
‫يف العادة أفضل عندما حيدث بني شخصني اثنني فقط‪.‬‬
‫وال يكتمل احلديث عن االتصال الشخصي دون ربطه بالعالقات الشخصية‬
‫اليت نكونها مع الناس من حولنا‪ ،‬سواءاً أكانت هذه العالقات حديثة أم قدمية‪،‬‬
‫وقتية أم طويلة املدى‪ ،‬سطحية أم محيمة‪ ،‬مستقرة أم مضطربة‪ ،‬ملئى باحلب أم‬
‫البغض‪ ،‬مهمة أم ثانوية ‪ ،‬إىل غري ذلك‪ .‬فبغض النظر عن الطريقة اليت نصف‬
‫بها عالقاتنا باآلخرين فنحن حنتاج إىل إنشاء مثل هذه العالقات وإىل احملافظة‬
‫عليها وإىل التواصل املستمر مع أطرافها من خالل االتصال الشخصي‪ .‬وبعبارة‬
‫أكثر دقة‪ ،‬ميكن القول بأن إنشاء العالقات الشخصية مع اآلخرين وتدعيم‬
‫هذه العالقات أو تأكيد وجودها أو إضعافها أو تأجيلها أو إنهائها حيدث من‬
‫خالل التواصل معهم‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫ويستخدم البشر االتصال الشخصي يف مجيع تعامالتهم مع اآلخرين‪ .‬فلو أننا‬


‫اطلعنا على األعمال اليت يقوم بها شخص ما خالل يومه فسنجد أنه قد سلم‬
‫على والديه‪ ،‬وجتاذب أطراف احلديث مع زوجته‪ ،‬وأجاب على استفسار ابنه‪،‬‬
‫وحتدث مع صديقه‪ ،‬وتناقش مع أعضاء الفريق الذي يعمل معه‪ ،‬إىل غري ذلك‬
‫و الطريقة اليت يتم فيها التواصل مع أي من هؤالء تعكس نوع وعمق العالقة‬
‫الشخصية اليت تربطه بكل منهم‪.‬‬
‫يبدأ هذا الفصل ببيان فوائد االتصال الشخصي وصفاته األساسية‪ ،‬يليه‬
‫ذكر لألسباب اليت تدعو اإلنسان إىل إنشاء عالقات شخصية مع اآلخرين‪ .‬بعد‬
‫ذلك سيتم شرح مراحل تطور العالقات الشخصية بني البشر‪ .‬كما سيتم إفراد‬
‫مقطع رئيسي لتوضيح كيفية التحدث مع اآلخرين‪ ،‬مع الرتكيز على موضوعي‬
‫احملادثات العابرة واإلفصاح عن الذات‪.‬‬
‫ً‬
‫إشباعا لبعض احتياجاتنا الشخصية واليت منها‪:‬‬ ‫يوفر االتصال الشخصي‬
‫االستمتاع‪:‬‬
‫حنن نكثر من االتصال الشخصي ألنه ممتع‪ .‬فهذا النوع من االتصال‬
‫هو أحد أنواع التسلية اليت منارسها بانتظام‪ ،‬إذ أنك جتد الواحد منا‬
‫يتصل بصديقه ليخربه عن موقف طريف شاهده باألمس‪ ،‬أو يتجاذب‬
‫أطراف احلديث مع زمالئه يف العمل حول مباراة كرة القدم اليت فاز بها‬
‫فريقه املفضل‪ ،‬أو يذهب بعد انتهاء احملاضرة إىل الكفترييا ملقابلة بعض‬
‫الزمالء واالستمتاع باحلديث معهم‪.‬‬
‫الوجدان‪:‬‬
‫هو اإلحساس بشعور دافئ جتاه األشخاص الذين حنرتمهم ونعتين بهم‪.‬‬
‫ويتم التعبري عن هذا الشعور بصور عديدة بعضها لفظي ( كم أنا سعيد‬
‫بتخرجك من اجلامعة بتفوق )‪ ،‬وبعضها اآلخر غري لفظي ( عندما يقبل‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫الشاب رأس والديه أو يعانق صديقه الذي رجع بعد سفر طويل)‪.‬‬
‫االنتماء‪:‬‬
‫إن حاجة اإلنسان ألن يكون جزءاً من جمموعة من البشر تعترب من أقوى‬
‫احلاجات اإلنسانية على اإلطالق‪ .‬إذ ال يستطيع اإلنسان أن يعيش يف‬
‫هذا العامل مبعزل عن اآلخرين‪ .‬فنحن نتناول الطعام مع جمموعة من‬
‫األشخاص ونستمتع بأوقاتنا مع جمموعة أخرى‪ ،‬ونسعى للتحصيل العلمي‬
‫مع جمموعة ثالثة‪ ،‬ونتشوق إىل العمل بعد التخرج مع آخرين‪ .‬إن انتمائنا‬
‫إىل اجملتمع من حولنا هو يف احلقيقة مطلب أساسي الستمتاعنا باحلياة‪.‬‬
‫اهلروب‪:‬‬
‫يقوم اإلنسان بني الفينة واألخرى باالتصال الشخصي مع بعض املقربني‬
‫ً‬
‫فمثال‪ ،‬لو راقبت سلوكك‬ ‫إليه للهروب من زمحة الدنيا وأعباء العمل‪.‬‬
‫خالل األيام اليت حددتها لكتابة حبث ألحد املواد اليت تدرسها لوجدت‬
‫أنك ستكثر من االتصال الشخصي (وبكل صوره) مقارنة باأليام‬
‫األخرى‪ ،‬فهل فكرت ً‬
‫يوما يف السبب وراء ذلك‪.‬‬
‫االسرتخاء‪:‬‬
‫كثرياً ما جتدنا نتحدث مع األهل واألصدقاء ً‬
‫طلبا للراحة واالبتعاد عن‬
‫أعباء اليوم‪ .‬فنحن نتحدث مع زمالئنا خالل فرتات الراحة‪ ،‬ومنضي‬
‫بعض الوقت مع الزوجة بعد العودة من العمل‪ ،‬وخنرج للتنزه مع أصدقائنا‬
‫يف عطلة نهاية األسبوع‪ ،‬كل ذلك بهدف االسرتخاء‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫السيطرة‪:‬‬
‫فحاجة اإلنسان إىل السيطرة على جمريات حياته وعلى الوقائع اليت حتدث‬
‫أمامه تدعوه إىل التواصل مع من حوله من أشخاص‪ .‬وقد يكون هذا‬
‫التواصل يف صور عدة لعل من أبسطها حماولة إقناع صديق بتناول وجبة‬
‫الغداء يف مطعم ما على الرغم من أنه يفضل تناول الطعام يف مطعم آخر‪.‬‬
‫مهما جداً للشخص كمحاولة‬‫ويف أحيان أخرى يكون موضوع النقاش ً‬
‫طالب اجلامعة إقناع والديه بالتخصص الذي يرغب يف االلتحاق به أو‬
‫حماولة املرأة إقناع زوجها بالسماح هلا بالعمل‪.‬‬
‫الصفات األساسية لالتصال الشخصي ‪:‬‬
‫ً‬
‫خاصا‬ ‫االتصال الشخصي هو تفاعل بني عدد من األفراد يتصف بكونه‬
‫ً‬
‫وشخصيا باملقارنة باالتصال الذي حيدث مع اجملموعات األكرب‪ ،‬كما أنه يتأثر‬
‫بالبيئة االجتماعية اليت ينتمي هلا كل من هؤالء األفراد ومبجرد كونهم ذكوراً‬
‫إناثا‪ .‬وفيما يلي شرح مبسط لكل من هذه الصفات‬ ‫أم ً‬

‫اخلصوصية‪:‬‬
‫يتواصل البشر مع من يرتبطون معهم بعالقات شخصية بطريقة فريدة وخاصة‬
‫بتلك العالقات‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬إن عدم وجود أي خصوصية يف االتصال ينفي‬
‫ً‬
‫شخصيا‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬يتحدث النادل مع مجيع‬ ‫كون هذا االتصال‬
‫العمالء يف مطعمه بنفس الطريقة («هل تريد يا سيدي سلطة مع الوجبة؟»)‪.‬‬
‫ويكون االتصال يف هذه احلالة غري شخصي‪ .‬ولكن قد يتحدث النادل مع أحد‬
‫العمالء املداومني على تناول الطعام باملطعم بطريقة أكثر خصوصية («كيف‬
‫ً‬
‫اتصاال‬ ‫كان االمتحان يف الليلة املاضية؟»)‪ .‬ويف هذه احلالة فإن االتصال يعترب‬
‫ً‬
‫شخصيا‪.‬‬
‫إن هذه اخلصوصية اليت يتصف بها االتصال الشخصي جتعله مميزاً عن‬
‫االتصال اجلماهريي‪ .‬ففي االتصال اجلماهريي يقوم املتحدث بالتواصل مع‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫اجلمهور كوحدة واحدة وليس كمجموعة من األفراد‪ .‬فاألستاذ اجلامعي‪ ،‬على‬


‫سبيل املثال‪ ،‬يعرض حماضرته بشكل عام جلميع الطالب يف الشعبة الدراسية‪.‬‬
‫صحيح أنه قد حيدث أن يطلب األستاذ من أحد طالبه أن حيكي لزمالئه‬
‫جتربته الشخصية يف موضوع احملاضرة‪ ،‬إال أن الطابع العام لالتصال سيبقى‬
‫ً‬
‫مجاهرييا‪ .‬لذا قد يكون من املناسب أن تسعى إىل حتويل االتصال اجلماهريي‬
‫مع أستاذك إىل اتصال شخصي كما هو موضح يف النصيحة التالية‪.‬‬

‫عقد نادي التفوق باجلامعة‪ ،‬وضمن نشاطاته يف بداية السنة الدراسية‪،‬‬


‫لقاءاً مع الطلبة املستجدين دعا إليه أحد الطلبة اخلرجيني ليحدثهم عن‬
‫خالصة خربته يف اجلامعة واليت يف مقدمتها حرصه الشديد على التواصل‬
‫الشخصي مع مجيع أساتذته‪ .‬وكان مما قاله يف اللقاء‪:‬‬
‫مع بداية كل فصل دراسي كنت أزور مجيع أساتذتي خالل ساعاتهم‬
‫املكتبية‪ .‬فكما تعلمون أن احلديث مع األستاذ أثناء احملاضرات ال يتيح‬
‫ً‬
‫وجها لوجه‬ ‫لك فرصة التعرف عليه عن قرب‪ .‬ولكن من خالل احملادثة‬
‫سوف تكون أكثر معرفة بأساتذتك وباملواد اليت سيدرسونها‪ .‬أضف‬
‫إىل ذلك الفرصة الساحنة إلطالع أساتذتك على أهدافك الشخصية‪،‬‬
‫ميولك واهتماماتك‪ ،‬والوظيفة اليت تصبو إليها بعد التخرج‪ .‬مهما كانت‬
‫احملادثة قصرية وعابرة فإنها ستجعل األستاذ واملادة اليت يدرسها أكثر‬
‫ً‬
‫تشويقا بالنسبة لك‪.‬‬

‫إن اخلصوصية املتوفرة يف االتصال الشخصي تعكس سرعة االستجابة بني‬


‫ً‬
‫مكمال‬ ‫ً‬
‫متفهما ملقاصد اآلخر ‪،‬‬ ‫طريف االتصال ‪ ،‬حيث إنك جتد كالهما‬
‫ً‬
‫ومتجاذبا معه أطراف احلديث بشكل آني ومستمر‪.‬‬ ‫لعباراته الناقصة‪،‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫إن األشخاص املنخرطني يف عالقات شخصية يتفقون على وضع معاني خاصة‬
‫لبعض الكلمات والعبارات القصرية‪ ،‬وإليك املثال التوضيحي التالي‪:‬‬

‫أمحد ‪ :‬متى تريد أن أمر عليك اليوم ؟‬


‫ناصر ‪ :‬كالعادة‪ .‬هل هذا كاف حلل مشكلتك األزلية ؟‬
‫أمحد ‪ :‬نعم بالتأكيد‪ .‬فاملشكلة األزلية هذه املرة ليست معقدة مثل‬
‫املرة املاضية‪ .‬ميكنين أن آخذ الطريق املختصر ألصل إليك يف الوقت‬
‫املناسب‪.‬‬
‫ً‬
‫دائما خمتصرا‪ .‬على كل‬ ‫ً‬
‫(ضاحكا) لكن الطريق املختصر ليس‬ ‫ناصر ‪:‬‬
‫حال أين تريد أن تذهب ؟‬
‫أمحد ‪ :‬ما رأيك باحملل الذي وجدنا فيه أبو برنيطه ؟‬
‫ناصر ‪ :‬تقصد ذلك املكان على شارع الشباب ؟‬
‫أمحد ‪ :‬نعم بالضبط ‪.‬‬
‫ناصر ‪ :‬فكرة هائلة‪.‬‬

‫أن عبارات مثل «كالعادة» و»مشكلتك األزلية» و» الطريق املختصر» هي‬


‫مصطلحات مفهومة من أمحد وناصر فقط‪ .‬فال ميكن ألي شخص آخر يستمع‬
‫حلديثهما أن يفهم ما دار بينهما من حوار‪ .‬إن االتصال الشخصي ملئ مبثل‬
‫هذه املصطلحات والعبارات القصرية ‪ ،‬كما أنه ملئ بالكثري من الرسائل غري‬
‫اللفظية اليت ال يفهمها إال طرفا العالقة‪ .‬فاإلمياءة أو االبتسامة املفاجئة أو غمزة‬
‫واضحا وحمدداً يفهمه الطرف األخر‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫ً‬ ‫العني كل منها حتمل معنى‬
‫املثال‪ ،‬معظمنا يدرك ما إذا كانت والدته متضايقة أم ال مبجرد النظر إىل‬
‫وجهها‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫االتصال الشخصي حيدث ضمن عالقة شخصية‪ :‬‬


‫إن طبيعة العالقة الشخصية بني اثنني حتدد نوع الرسائل املتداولة بينهما‪.‬‬
‫فأنت تتحدث مع مدرس املادة بطريقة ختتلف عن حديثك مع والديك‪ ،‬كما‬
‫ً‬
‫عمقا وسالسة‬ ‫أن طبيعة احملادثة بينك وبني صديق عزيز عليك تكون أكثر‬
‫ً‬
‫حرجا يف أن تتحدث مع صديقك العزيز عن‬ ‫منها مع صديق عابر‪ .‬فأنت ال جتد‬
‫بعض القضايا اخلاصة واحلساسة مثل طموحك وآمالك‪ ،‬مشاكلك األسرية‪،‬‬
‫اإلحباطات اليت تواجهك يف حياتك‪ ،‬وغري ذلك مما خيتلج به فؤادك‪ .‬غري أنك‬
‫لن تسمح لنفسك بطرح هذه املوضوعات مع إنسان آخر ال تربطك به عالقة قوية‬
‫أو ال تثق فيه باحلد الكايف‪ .‬وحتى يف عالقتك األسرية‪ ،‬ستجد نفسك تتحدث‬
‫مع والدك بطريقة ختتلف عن طريقة حديثك مع والدتك‪ .‬كما أنك ستتواصل‬
‫مع رؤسائك وزمالئك يف العمل ً‬
‫وفقا لنوعية العالقة اليت ستنشأ بينك وبني كل‬
‫منهم على حدة كما حدث مع أحد زمالئك اخلرجيني‪ ،‬فلنستمع إىل قصته‬
‫ً‬
‫سويا‪:‬‬

‫منذ خترجي وحتى اآلن عملت مع ثالثة مدراء‪ ،‬كل منهم له‬
‫شخصيته املختلفة‪ .‬كان األول جاداً يف عمله على اإلطالق ويف‬
‫ً‬
‫قاسيا يف تعامله معي‪ .‬كنت‬ ‫كل األوقات‪ ،‬كما أنه كان‬
‫أحتاشى التحدث إليه‪ ،‬وعندما أفعل فيكون احلديث ً‬
‫دوما عن‬
‫العمل‪ .‬وكان املدير الثاني ودوداً جداً لكنه كان كبرياً يف‬
‫السن‪ ،‬وكان حيب التخييم يف الرب‪ ،‬وكثرياً ما دار احلديث بيننا‬
‫حول أفضل املناطق املناسبة للتخييم خارج املدينة‪ ،‬إذ أن التخييم‬
‫ً‬
‫صديقا‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ .‬أما املدير الثالث فقد كان‬ ‫هو هواييت املفضلة‬
‫ً‬
‫محيما أستطيع التحدث معه يف أي موضوع ودون أي تردد‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫االتصال الشخصي يتأثر بالبيئة االجتماعية‪ :‬‬


‫تؤثر االختالفات االجتماعية بني البشر على طبيعة االتصال الشخصي الذي‬
‫حيدث فيما بينهم‪ .‬إذ أن االختالف بني اجملتمعات يف أسلوب احلديث أو اختيار‬
‫مثال ميكن أن يسبب سوء فهم بني‬ ‫الكلمات املناسبة أو طريقة التصرف ً‬
‫شخصني ويودي بالتالي إىل توتر العالقة الشخصية اليت جتمعهما‪ .‬لنستمع إىل‬
‫قصة أحد الطلبة املبتعثني للدراسة يف الواليات املتحدة األمريكية‪:‬‬

‫كانت تربطين عالقة وطيدة بأحد جرياني األمريكان والذي دعاني ذات‬
‫يوم إىل منزله فقبلت الدعوة دون تردد‪ .‬طرقت الباب فكان يف استقبالي‬
‫ترحيبا كبرياً وأجلسنا يف‬
‫ً‬ ‫هو وجار آخر لنا‪ .‬رحب بي صاحب املنزل‬
‫الصالة نتجاذب أطراف احلديث‪ .‬وبعد برهة‪ ،‬قال لي ‪ « :‬هل تريد أن‬
‫ً‬
‫جمامال‪« :‬ال شكراً «‪ .‬ثم طرح نفس السؤال‬ ‫تشرب عصرياً؟» فرددت‬
‫على جارنا والذي رد على الفور «نعم»‪ .‬قام صاحب املنزل وتوجه حنو‬
‫املطبخ وأحضر علبيت عصري‪ ،‬قدم أحدهما جلارنا‪ ،‬وفتح الثانية وأخذ‬
‫يرشف منها بعض الرشفات‪ .‬شعرت وقتها باإلهانة وهممت بأن أنهض‬
‫وأغادر املكان‪ .‬إال أن أمراً واحداً استوقفين وجعلين أتقبل ما حدث‪.‬‬
‫كان ذلك هو معرفيت بالعادات والتقاليد للمجتمع األمريكي‪ .‬فالرجل‬
‫مل يقصد اإلساءة لي أبداً‪ ،‬بل أراد أن يوحي إلي بأنه يعتربني صاحب‬
‫املنزل وليس أحد الضيوف الثقالء الذين جيب أن يتعامل معهم برمسية‪.‬‬
‫صحيح أني تقبلت الوضع وبقيت يف منزله لنصف ساعة من الزمن‪ ،‬إال‬
‫أنين وبصدق كنت شارد الذهن طوال تلك الفرتة‪.‬‬

‫ينزع البشر يف مثل هذه احلاالت إىل اتهام الطرف اآلخر بقلة الفهم أو سوء‬
‫التصرف أو عدم استخدام األعراف والتقاليد املناسبة‪ ،‬دون مالحظة أن ما قيل‬
‫أو حدث كان نتيجة لالختالفات الطبيعية بني اجملتمعات‪ .‬ويؤدي عدم فهمهم‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫هلذه االختالفات الطبيعية إىل وضع قيود على طريقة تواصلهم مع األشخاص‬
‫القادمني من بيئات اجتماعية أخرى‪.‬‬

‫ مترين ‪:‬‬
‫ناقش مع جمموعة من زمالئك أبعاد هذه القصة من خالل اإلجابة على‬
‫التساؤالت التالية ‪:‬‬
‫ما هو اخلطأ الذي وقع فيه صاحب املنزل؟ وماذا كان األجدر به‬ ‫‪ -1‬‬
‫أن يفعل؟‬
‫هل أحسن صاحب القصة التصرف مع هذا املوقف؟ ماذا كنت‬ ‫‪ -2‬‬
‫ستفعل لو كنت مكانه؟‬

‫االتصال الشخصي يتأثر جبنس طريف العالقة‪ :‬‬


‫خيتلف الرجال عن النساء يف أسلوب تواصلهم مع اآلخرين‪ .‬فالرجل يتحدث‬
‫يف الغالب مع من أمامه بأسلوب ذكوري (مباشر‪ ،‬خال من املشاعر العاطفية‪،‬‬
‫صارم‪ ،‬منافس‪ ،‬يهدف إىل إجناز العمل)‪ .‬ويف املقابل جند املرأة يف غالب حديثها‬
‫متيل إىل استخدام األسلوب األنثوي (غري مباشر‪ ،‬مليء باملشاعر العاطفية‪،‬‬
‫رقيق‪ ،‬متعاون‪ ،‬يهدف إىل تطوير العالقة)‪ .‬لذا جتد حديث املرأة مع صديقتها‬
‫يف الغالب يتناول أفكارها ومشاعرها الشخصية يف حني أن حديث الرجل مع‬
‫أصدقائه يف الغالب يتناول املوضوعات اخلارجية كالرياضة والعمل والقضايا‬
‫السياسية‪.‬‬
‫ويستخدم الرجال يف بعض األحيان األسلوب األنثوي لالتصال كما تستخدم‬
‫النساء يف بعض األحيان األسلوب الذكوري لالتصال حبسب مكانة أو جنس‬
‫الطرف املقابل أو موضوع احلديث‪ .‬فعلى سبيل املثال ميكنك معرفة ما إذا‬
‫كان زميلك يتحدث على اهلاتف مع رجل أم امرأة مبجرد مساعك ألسلوب‬
‫احلوار بينهما‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫ملاذا ننجذب لآلخرين ؟‬


‫هناك عدة أسباب تدعو اإلنسان إىل إنشاء عالقات شخصية مع اآلخرين‪.‬‬
‫لنستعرض ً‬
‫سويا يف هذا اجلزء أهم هذه األسباب ‪:‬‬
‫· املظهر اخلارجي‪:‬‬
‫حنن ننجذب لآلخرين عادة ً‬
‫وفقا للهيئة اليت يبدون عليها‪ .‬فعندما يسرنا‬
‫مظهر شخص ما تصبح لنا رغبة يف التعرف عليه عن قرب‪ .‬إال أن املظهر‬
‫اخلارجي لطريف العالقة هو يف احلقيقة صفة شكلية تقل أهميتها مع‬
‫مضي الوقت باملقارنة مع الصفات األساسية اليت سيكتشفها كل منهما‬
‫يف شخصية رفيقه‪ .‬فاملظهر اخلارجي قد يكون أحد األسباب لبدء عالقة‬
‫محيمة مع شخص ما‪ ،‬إال أنه نادراً ما يكون السبب يف استمرار هذه‬
‫العالقة على املدى البعيد‪.‬‬
‫· الفائدة املتوقعة‪:‬‬
‫أحيانا جتدنا منجذبني لبعض األشخاص بسبب شعورنا أن االرتباط‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫فمثال عندما يشرتك الطالب يف أحد األندية‬ ‫بهم سيعود علينا بفائدة ما‪.‬‬
‫الطالبية فهو يفعل ذلك العتقاده أنه سيجين فائدة معينه من ذلك االشرتاك‪،‬‬
‫كاكتساب بعض املهارات احلياتية أو حصوله على رحالت جمانية أو مقابلة‬
‫ً‬
‫مستقبال بعد التخرج‪.‬‬ ‫بعض األشخاص املهمني الذين قد يستفيد منهم‬
‫· التشابه‪:‬‬
‫حنن ننجذب عادة لألشخاص الذين يشاركوننا يف ميولنا ومعتقداتنا‪ ،‬أو‬
‫الذين يبدو أنهم مثقفون يف املوضوعات اليت جندها ممتعة أو مهمة بالنسبة‬
‫لنا‪ .‬فالتوافق بني شخصني يف األماكن اليت يفضالن الذهاب إليها أو‬
‫أنواع الرياضة اليت يستمتعان مبمارستها ً‬
‫مثال يبقي العالقة بينهما محيمة‬
‫ولفرتات طويلة‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫· االختالف‪:‬‬
‫على الرغم من أن االختالف يف معتقدات الناس من النادر أن يؤدي إىل‬
‫تكوين عالقات شخصية متينة ‪ ،‬إال أن االختالف بينهم يف صفاتهم‬
‫الشخصية ميكن أن يؤدي إىل ذلك‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬قد تتكون عالقة‬
‫وطيدة بني شخصني احدهما يرتدد كثرياً يف اختاذ قراراته واآلخر يتسرع‬
‫ً‬
‫مكمال لآلخر‪.‬‬ ‫يف اختاذ قراراته‪ ،‬إذ إن كال الشخصني سيكون‬
‫· التقارب‪:‬‬
‫ونقصد به التواصل املباشر الذي حيدث بني البشر عندما يتشاركون‬
‫يف جتربة ما كالعمل أو الدراسة‪ .‬فحتى لو مل تكن هناك أي عوامل‬
‫تساهم يف نشوء عالقة بني اثنني (كاألسباب األربعة سابقة الذكر) فقد‬
‫يكون جمرد وجودهما يف نفس قاعة احملاضرات لفصل دراسي كامل‪ ،‬أو‬
‫االشرتاك يف نفس املكتب بالشركة اليت يعمالن بها‪ ،‬أو الوقوف متقابلني‬
‫على خط اإلنتاج باملصنع‪ ،‬جيعلهما قريبني من بعضهما وهذا سيؤدي بالتالي‬
‫إىل تكوين صداقات عديدة ورمبا بعض الصداقات احلميمة‪ .‬ويف املقابل‪،‬‬
‫قد يفقد املرء بعض الصداقات العزيزة على قلبه عندما يبتعد عنها بسبب‬
‫ً‬
‫ضروريا فقط إلنشاء‬ ‫انتقاله لالقامه يف مدينة أخرى‪ .‬لذا فإن التقارب ليس‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫العالقات بني البشر بل للمحافظة عليها‬
‫مراحل تطور العالقات الشخصية‬
‫تتطور العالقات الشخصية بني البشر بطريقة ميكن التنبؤ بها‪ .‬وقد عرف‬
‫علماء االتصال عدداً من مراحل هذا التطور سواء كانت هذه العالقة يف طريقها‬
‫حنو التنامي أو التالشي‪ .‬فالعالقة الشخصية كدورة حياة الكائن احلي هلا‬
‫بداية فحياة فنهاية‪ .‬إال أن منط التطور يف العالقات الشخصية خيتلف من عالقة‬
‫ً‬
‫سريعا‪ ،‬بينما جتد البعض‬ ‫شخصية إىل أخرى‪ .‬فبعض العالقات الشخصية يتطور‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫ً‬
‫سريعا‪ ،‬يف حني أن‬ ‫اآلخر يتطور ببطء شديد‪ .‬كما أن بعض العالقات يتالشى‬
‫البعض اآلخر يدوم مدى العمر‪.‬‬
‫وقد حدد العامل مارك ناب (‪ )Mark Knapp‬مخس مراحل تتنامى من خالهلا‬
‫العالقات الشخصية ومخس مراحل أخرى متر بها هذه العالقة وهي يف طريقها‬
‫حنو التالشي‪ ،‬كما أوضح نوع احلديث الذي يتم بني طريف العالقة يف كل‬
‫مرحلة من هذه املراحل العشر‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أنه ليس من الضروري أن‬
‫متر مجيع العالقات الشخصية بني البشر بكل هذه املراحل العشر‪ ،‬بل على‬
‫ً‬
‫مجيعا (كعالقة محيمة‬ ‫العكس فإن عدداً ً‬
‫قليال من العالقات البشرية مير بها‬
‫جداً بني صديقني‪ ،‬أو عالقة رومانسية بني زوجني )‪.‬‬
‫لنستعرض اآلن هذه املراحل العشر مع الرتكيز على األمناط الفريدة لالتصال‬
‫الشخصي يف كل مرحلة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬البداية (‪:)Initiating‬‬
‫وهي املرحلة اليت يلتقي فيها األشخاص للمرة األوىل‪ ،‬وحيدث خالهلا التفاعل‬
‫املبدئي بني شخصني يف صورة تبادل بعض األحاديث العابرة أو على األقل تبادل‬
‫النظرات فيما بينهما حبيث يالحظ كل منهما اآلخر‪ .‬وتكون احملصلة النهائية‬
‫هلذه املرحلة االهتمام املبدئي بالطرف اآلخر والرغبة يف االلتقاء واحلديث معه‬
‫يف املستقبل‪.‬‬
‫وتتصف هذه املرحلة بالغموض‪ ،‬حيث يصعب توقع ردة فعل أي من الشخصني‬
‫ملا يقوله الشخص الثاني يف حديثه‪ .‬لذا يلجأ اإلنسان يف مثل هذه احلالة إىل‬
‫اختيار مقاطع احلوار املألوفة لدى عامة الناس واليت ال تؤدي إىل شعور الطرف‬
‫ً‬
‫«مرحبا‪.‬‬ ‫اآلخر بعدم االرتياح‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬قد نبدأ احلديث بأن نقول‪:‬‬
‫كيف حالك ؟» فيأتي الرد املباشر‪« :‬خبري‪ .‬كيف حالك أنت ؟» بالطبع حنن‬
‫مل نقصد السؤال عن احلالة الصحية للشخص اآلخر‪ ،‬ولكن يف الواقع أرسلنا‬
‫رسالة ضمنية له تقول‪« :‬قد الحظت وجودك وأريد أن أحتدث إليك‪ ،‬هل أنت‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫ً‬
‫أيضا ؟»‬ ‫الحظت وجودي وتريد التحدث إلي‬
‫‪ -2‬التجربة (‪:)Experimenting‬‬
‫يسعى اإلنسان يف هذه املرحلة إىل التعرف على الشخص املقابل واكتشاف‬
‫اهتماماته اخلاصة‪ ،‬ويف املقابل إعطائه الفرصة للتعرف عليه واكتشاف‬
‫ً‬
‫أيضا‪ .‬وتتصف هذه املرحلة كسابقتها بدرجة عالية من‬ ‫اهتماماته اخلاصة‬
‫األمان االجتماعي‪ ،‬إذ يعمد اجلميع إىل طرح مقاطع احلوار املألوفة للمناقشة‬
‫مثال‪ :‬حالة الطقس‪ ،‬األشخاص املعروفني‬ ‫أو إىل استخدام احلديث العابر ( ً‬
‫لكليهما‪ ،‬مباراة كرة القدم )‪ .‬ويكون االلتزام حنو الطرف اآلخر حمدوداً‪،‬‬
‫بل إنه قد يبقى كذلك ما دامت هذه العالقة‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أن الكثري‬
‫من العالقات الشخصية اليت نكونها حنو اآلخرين ال تتجاوز هذه املرحلة‪ .‬وهذا‬
‫ال يعين بالضرورة أن هذه العالقات غري جمدية أو غري مهمة بالنسبة لنا‪ ،‬بل‬
‫على العكس إذ ميكن للعديد منها أن تكون صداقات تشبع بعض احتياجاتنا‬
‫الشخصية‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن كثرياً من اجلهد الذي يبذل يف هذه املرحلة يتم‬
‫توجيهه حنو اكتشاف «املوضوعات ذات االهتمام املشرتك» واليت يستمتع‬
‫الطرفان باحلديث عنها‪ ،‬لتصبح حموراً للتفاعل بني الطرفني ولتوفر فرصة‬
‫ً‬
‫فمثال‪ ،‬هب أنك أردت أن تطور‬ ‫ساحنة لتجديد هذه العالقة كلما التقيا ً‬
‫سويا‪.‬‬
‫عالقتك بأحد الطالب الذين يدرسون معك هذه املادة‪ ،‬ما هي املوضوعات اليت‬
‫ستطرحها للنقاش معه كلما التقيتما خارج الصف؟ وماذا تهدف من وراء طرح‬
‫هذه املوضوعات للنقاش؟‬
‫‪ -3‬التعزيز ‪ /‬التكثيف (‪:)Intensifying‬‬
‫ً‬
‫التزاما حنو بعضهما‬ ‫عندما يزداد االرتباط بني شخصني ويصبحان أكثر‬
‫البعض تكون هذه العالقة قد بلغت حد الصداقة احلميمة‪ .‬وتكون مظاهر‬
‫هذه املرحلة متمثلة يف تكرار اللقاءات بني الطرفني ويف أماكن متعددة‪ .‬كما‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫أن طبيعة احلوار الذي يتم بينهما يصبح أكثر خصوصية من خالل إفصاح كل‬
‫ً‬
‫مثال ‪« :‬أنا أكرب إخوتي‬ ‫منهما عن بعض املعلومات اخلاصة للطرف اآلخر‪،‬‬
‫لذا فإن أبي يعتمد علي كثرياً يف تنفيذ بعض أعماله» ‪ ،‬أو «أنا ال أجيد قيادة‬
‫السيارة»‪ ،‬أو « أنا إنسان حساس جداً»‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذا االنفتاح يف احلوار بني االثنني‪ ،‬إال أنهما يظالن حذرين‬
‫فيما يتعلق برغبتهما يف تطوير هذه العالقة‪ .‬ويعمد اإلنسان يف هذه احلالة إىل‬
‫تأكيد قبول الطرف الثاني لتطوير العالقة من خالل ( التدرج )‪ .‬فعندما يبوح‬
‫أحدهما مبشاعره حنو اآلخر فهو ينتظر مساع مشاعر اآلخر حنوه‪ .‬وإذا قدم‬
‫هدية لآلخر تعبرياً عن الصداقة اليت جتمعهما فهو ينتظر هدية مماثلة منه‪.‬‬
‫‪ -4‬التكامل (‪:)Integrating‬‬
‫ميكن للعالقة بني اثنني أن تتطور إىل أن تصل إىل مرحلة التكامل حبيث‬
‫يقومان بدمج أنشطتهما ً‬
‫معا‪ ،‬وتنسيق مواعيدهما اليومية‪ ،‬وتكوين اهتمامات‬
‫ومشاعر وقيم مشرتكة فيما بينهما‪ .‬بل قد جتدهما يسعيان إىل أن يصبح‬
‫أصدقاء األول أصدقاء للثاني والعكس صحيح‪ .‬كما أن الناس من حوهلم‬
‫يتوقعون رؤيتهما ً‬
‫سويا‪ ،‬وعندما ال حيدث ذلك ستجدهم يسألون الشخص الذي‬
‫ً‬
‫عميقا حنو بعضهما‬ ‫ً‬
‫التزاما‬ ‫رفيقه‪.‬ويكون الرفيقان يف هذه املرحلة‬
‫ِّ‬ ‫حضر عن‬
‫مشرتكا بأهمية هذه العالقة لكليهما‪ .‬ويكون االتصال ً‬
‫مليئا‬ ‫ً‬ ‫البعض وشعوراً‬
‫باملشاعر الفياضة حنو الطرف الثاني ( «يبدو عليك التعب‪ .‬هل تريد أن أخذك‬
‫إىل الطبيب» )‪ .‬بل رمبا تتطور العالقة حبيث حيس الواحد من داخله مبشاعر‬
‫وقيم الشخص الثاني ( «كم أمتنى لو رافقين حممد إىل املطعم‪ ،‬أكيد أنه‬
‫ً‬
‫مشرتكا‬ ‫يكون االثنان تصوراً‬
‫سوف يعجب بنكهة الطعام» )‪ .‬ومع مضي الوقت ِّ‬
‫عن احلياة من حوهلما وعن العالقات اليت تربطهما‪ ،‬مما يؤدي إىل انتقال لغة‬
‫احلوار من الفردية إىل اجلماعية ( «فكرتنا» ً‬
‫بدال من « فكرتي «‪« ،‬سيارتنا»‬
‫ً‬
‫أيضا إىل ظهور تشابه واضح يف سلوكهما‬ ‫ً‬
‫بدال من «سيارتي» )‪ .‬وقد يؤدي ذلك‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫وأفعاهلما حنو اآلخرين‪.‬‬


‫‪ -5‬االرتباط (‪:)Bonding‬‬
‫وحيدث عندما يتعاهد الطرفان على االلتزام بهذه العالقة مدى الدهر‪ .‬ويتطلب‬
‫ضمنيا بني الطرفني حول واجبات ومسئوليات كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اتفاقا‬ ‫هذا النوع من العالقة‬
‫منهما حنو اآلخر‪ .‬وتكون هذه الواجبات واملسئوليات فريدة يف تكوينها وخاصة‬
‫بتلك العالقة‪.‬وختتص هذه املرحلة بقدرة الطرفني على إدارة النزاع فيما بينهما‪.‬‬
‫فالنزاع واخلالف حيدث يف مجيع املراحل السابقة‪ ،‬إال أن مرحلة االرتباط هي‬
‫املرحلة احلامسة بني استمرار العالقة القوية بني االثنني وبني تالشي واضمحالل‬
‫هذه العالقة‪.‬‬
‫‪ -6‬االختالف (‪:)Differentiating‬‬
‫يف حلظة ما من عمر العالقة الشخصية يدرك الطرفان وجود بعض االختالف‬
‫ً‬
‫وعامال‬ ‫فيما بينهما‪ .‬ومع مضي الوقت يصبح االختالف حموراً هلذه العالقة‬
‫ً‬
‫منصبا على‬ ‫ً‬
‫رئيسا يف وقف تطورها‪ .‬ويكون احلوار بني الطرفني يف هذه املرحلة‬
‫ً‬
‫سابقا‪.‬‬ ‫توضيح الفروق اليت تفصل بني االثنني‪ ،‬واليت كانا يغضان الطرف عنها‬
‫وبعد أن أصبحت لغة احلوار مجاعية نالحظ أنها تعود إىل الفردية مرة أخرى‬
‫( «هذه كتيب»‪ .‬أو «هؤالء زمالئي أنا» )‪ .‬وال نستغرب أبداً احلوارات الساخنة‬
‫أو حتى العراك بني الطرفني يف هذه املرحلة‪.‬‬
‫وميكن أن يقود اختالف هذه العالقة إىل أي من االجتاهني‪ :‬النمو أو التالشي‪.‬‬
‫فقد تعود العالقة قوية يف كثري من األحيان نتيجة ملالحظة االحتياجات الفردية‬
‫لكال الطرفني واالتفاق بينهما على االهتمام بإشباعها‪ .‬كما أنهما سيستفيدان‬
‫من ذلك اخلالف يف االتفاق على آلية مناسبة حلل خالفاتهم املستقبلية ( «ما كان‬
‫ينبغي أن نبيت ويف صدر أحدنا غضب من اآلخر» أو «من اآلن فصاعداً لن أمزح‬
‫معك أثناء ساعات املذاكرة» )‪ .‬إذاً ميكن لالختالف أن يعيدنا مرة أخرى إىل‬
‫عالقة قوية اجيابية عندما نكتشف الفروق اليت بيننا ونعمل على مراعاتها‪ .‬ويف‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫املقابل ميكن أن يقودنا االختالف إىل مزيد من التباعد يف عالقتنا الشخصية‪.‬‬


‫فاملشاكل غري احمللولة تتفاقم عادة وتؤدي إىل انفصال الطرفني يف أنشطتهما‬
‫وأعماهلما اليومية‪.‬‬
‫‪ -7‬التقييد (‪:)Circumscribing‬‬
‫عندما تزداد العالقة سوءاً يعمد الطرفان إىل تقييدها من خالل إعادة تعريف‬
‫حدود التفاعل فيما بينهما وإبقاء احلوار حمصوراً يف املوضوعات اآلمنة‪ .‬إال‬
‫أن بقاء العالقة يف هذه املرحلة لفرتة طويلة كفيل بأن جيعل كل املوضوعات‬
‫ً‬
‫جماال لالختالف‪ .‬وعندما يصبح‬ ‫املطروحة للحوار‪ ،‬وحتى املوضوعات اآلمنة‪،‬‬
‫أي حوار ( مثل «ماذا نأكل اليوم» أو «ما هو الطريق الذي جيب أن نسلكه‬
‫ً‬
‫حمتمال للشجار سيعمد االثنان إىل تقييد‬ ‫للذهاب إىل بيت صديقنا» ) مصدراً‬
‫التفاعل فيما بينهما إىل أضيق احلدود حبيث يصبح كل واحد منهما يف عزلة‬
‫عن اآلخر‪.‬ويكون احلوار بني الطرفني يف هذه املرحلة حمدوداً جداً ( «ال أريد‬
‫التحدث يف هذا املوضوع» أو «أال ترى أني مشغول اآلن» أو «لندع مناقشة ما‬
‫حدث ولنبقى أصدقاء» )‪ .‬ويبقي الطرفان يف هذه املرحلة خالفهما بعيداً عن‬
‫سويا لزيارة قريب أو صديق وهما يف صمت‬ ‫ً‬ ‫أعني الناس‪ .‬فرتاهما خيرجان‬
‫مطبق طوال الطريق‪ ،‬فإذا جلسا معه كتما خالفهما وتصرفا كصديقني‬
‫محيمني يتناقشان ويتفقان ويبتسمان ويتمازحان‪ .‬ومبجرد انتهاء الزيارة والعودة‬
‫إىل السيارة تراهما يعودان إىل الصمت والعزلة مرة أخرى‪.‬‬
‫‪ -8‬الركود (‪:)Stagnating‬‬
‫تتوقف العالقة يف هذه املرحلة عن النمو يف أي من االجتاهني ويفقد الطرفان‬
‫األمل يف إحيائها‪ .‬كما أنهما يرتددان كثرياً يف إنهاء العالقة العتقادهما أن‬
‫إيالما من بقائهما ً‬
‫سويا‪ .‬وقد تكون حاجة اآلخرين لبقاء‬ ‫ً‬ ‫ذلك سيكون أكثر‬
‫العالقة ( كاألبناء ً‬
‫مثال ) هي احلافز إلبقائها‪.‬‬
‫ً‬
‫مسبقا قبل إرسال‬ ‫ويتواصل الطرفان مع بعضهما حبذر شديد‪ ،‬وخيططان‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫أي رسالة سواء كانت لفظية أم غري لفظية‪ .‬ويكون اختيار كلمات احلوار‬
‫دقيقا جداً وكأن احلديث يدور بني غريبني‪ .‬وتتقلص قائمة املوضوعات اآلمنة‬
‫ً‬
‫اليت ميكن طرحها للمناقشة يف حني يصبح احلديث عن العالقة بني االثنني‬
‫شبه منعدم‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫‪ -9‬التجنب (‪:)Avoiding‬‬
‫يؤدي توتر العالقة بني الطرفني إىل نوع من االنفصال الشعوري بينهما يف كال‬
‫املرحلتني السابقتني‪ .‬إال أن االنفصال يف هذه املرحلة يتفاقم بشكل ملحوظ‬
‫حبيث يعمد االثنان إىل جتنب التواصل املباشر مع بعضهما البعض‪.‬‬
‫وينقطع االتصال الشخصي بين االثنني مما يعزز حدوث الفرقة فيما بينهما‪.‬‬
‫ً‬
‫مهتما‬ ‫ً‬
‫عدائيا («لست‬ ‫ويكون التواصل حمدوداً وموجزاً ويف بعض األحيان‬
‫برؤيتك» أو «ال تعاود االتصال بي فليس هناك ما نناقشه»)‪ .‬وقد يصل األمر بني‬
‫االثنني إىل جتاهل وجود اآلخر حتى وإن تواجدا يف نفس املكان‪ ،‬ولسان حال‬
‫كل منهما يؤكد على رفض الطرف اآلخر وإنهاء العالقة اليت كانت جتمعهما‬
‫فيما سبق‪.‬‬
‫‪ -10‬اإلنهاء (‪:)Terminating‬‬
‫وهي آخر مرحلة من مراحل تالشي العالقة الشخصية حيث يعمد الطرفان‬
‫إىل اختاذ اإلجراءات الكفيلة بإنهائها‪ .‬ويتم إنهاء العالقة بيسر وسهولة عندما‬
‫تكون العالقة حديثة (أثناء مرحليت البداية والتجربة)‪ .‬ويف املقابل فإن إنهاء‬
‫العالقة اليت كانت محيمة واليت تطورت مع مضي السنوات العديدة سيصاحبه‬
‫مشاعر من احلزن واألسى قد تدوم لفرتة طويلة‪.‬‬
‫وقد يصاحب مرحلة اإلنهاء بعض اإلمياءات الرمزية كإعادة هدايا الشخص‬
‫اآلخر أو إتالف صوره أو إصدار وثيقة الطالق‪ .‬ويكون االتصال بينهما مرتكزاً‬
‫على االحتياجات الشخصية ومفسراً ألسباب إنهاء العالقة اليت كانت جتمعهما‬
‫(«أريد االهتمام بنفسي‪ ،‬فقد ضحيت كثرياً باحتياجاتي الشخصية يف سبيل‬
‫عالقتنا» أو «لقد اكتشفت أننا ال نصلح للعيش ً‬
‫سويا»)‪ .‬ويوضح اجلدول بعض‬
‫األمثلة للحوار الذي ميكن أن يتم يف كل مرحلة من املراحل العشر لتطور‬
‫العالقات الشخصية‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫جدول ‪:‬مراحل تطور العالقة الشخصية‬


‫احلوار‬ ‫املرحلة‬ ‫العملية‬

‫ً‬
‫أهال‪ .‬كيف حالك؟‬
‫البداية‬
‫خبري‪ .‬كيف حالك أنت؟‬
‫ً‬
‫أيضا أحب ذلك‪.‬‬ ‫إذاً فأنت حتب لعب كرة القدم‪ .‬أنا‬
‫التجربة‬
‫ً‬
‫حقا؟ هذا عظيم‪ .‬أين تلعب الكرة يف العادة؟‬

‫أ ‪ ..‬أ ‪ ..‬أحبك‪.‬‬
‫التعزيز‬
‫ً‬
‫أيضا أحبك‪.‬‬ ‫أنا‬
‫التنامي‬
‫أنت قطعة من فؤادي‪.‬‬
‫سبحان اهلل لقد أصبحنا نفكر بنفس النسق‪.‬‬ ‫التكامل‬
‫أصبح كل ما يسرك يسرني وما يزعجك يزعجين‪.‬‬

‫أمتنى ان تدوم صدقتنا مد احلياة‬


‫االرتباط‬
‫أسأل اهلل أن يديم علينا هذا احلب وهذه املودة‪.‬‬

‫أنا ال أحب السفر‪.‬‬


‫ً‬
‫أحيانا أشعر أني ال أفهمك‪ .‬حنن بالتأكيد خنتلف عن بعضنا يف هذه‬ ‫االختالف‬
‫النقطة‪.‬‬

‫هل استمتعت بالرحلة؟‬


‫التقييد‬
‫متى سيكون العشاء جاهزا‪ً.‬‬

‫وهل هناك أي موضوع ميكن احلديث عنه؟‬ ‫التالشي‬


‫الركود‬
‫صحيح‪ .‬فأنا أعلم ما تريد قوله وأنت تعلم ما أريد قوله أيضا‪ً.‬‬

‫أنا مشغول جداً هذه الفرتة وال أعلم متى ميكنين رؤيتك‪.‬‬
‫التجنب‬
‫إذا مل أكن موجود فأنا متأكد أنك ستتفهم ذلك‪.‬‬

‫سوف أفارقك‪ .‬ال حتاول االتصال بي ً‬


‫بتاتا‪.‬‬
‫اإلنهاء‬
‫ال تقلق‪ .‬لن أفعل‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫الطرق الفريدة لتطور العالقات الشخصية‪:‬‬


‫تتميز كل عالقة شخصية بتفردها يف مسار تطورها من مرحلة إىل أخرى‬
‫(انظر الشكل ‪ .)1-6‬فرمبا‬
‫العالقات‬ ‫بعض‬ ‫تتجاوز‬
‫الشخصية مرحلة ما بشكل‬
‫سريع جداً‪ ،‬وقد تنتقل بعض‬
‫العالقات إىل مرحلة متقدمة‬
‫دون املرور عرب مرحلة سابقة‬
‫هلا‪ ،‬كما أن بعض العالقات‬
‫ميكن أن ترجع إىل الوراء لزيارة‬
‫مرحلة ما كان قد مت االنتهاء‬
‫ً‬
‫مسبقا‪ .‬وهذا يقودنا إىل‬ ‫منها‬
‫التأكيد على أن كل عالقة‬
‫فريدة عن غريها من العالقات‬
‫يف جمريات األحداث اليت متر‬
‫بها‪ .‬وإليك بعض األمثلة على‬
‫ذلك‪:‬ص‬
‫· يف اجملتمعات العربية احملافظة يتم عقد الزواج بني الرجل واملرأة (مرحلة‬
‫االرتباط) وبعد دخوهلما بيت الزوجية تتطور العالقة بدءاً مبرحلة البداية‬
‫فالتجربة فالتعزيز فالتكامل‪ .‬ويتم بعد ذلك العودة إىل مرحلة االرتباط‬
‫من خالل اإلمياءات الضمنية بااللتزام بهذا الزواج مدى العمر‪.‬‬
‫اجنذابا كبرياً لكل منهما حنو‬
‫ً‬ ‫· تقابل طالبان يف قاعة احملاضرة ووجدا‬
‫اآلخر مما جعلهما ينتقالن بشكل مباشر إىل مرحلة التعزيز دون العبور‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫مبرحلة التجربة‪ ،‬أو بعبورها بشكل سريع وخمتصر‪.‬‬


‫· أفشى صديق سر صديقه الدفني مما أدى إىل طرده من العمل فما كان‬
‫من الثاني إال أن سارع بإنهاء العالقة (مرحلة اإلنهاء) دون املرور باملراحل‬
‫السابقة هلا (التقييد‪ ،‬الركود‪ ،‬التجنب)‪.‬‬
‫· ازداد اخلالف بني الزوجني وانتقال عرب مراحل تالشي العالقة إىل أن مت‬
‫االنفصال بينهما (مرحلة اإلنهاء)‪ .‬وبعد فرتة سعى أهل اخلري لإلصالح‬
‫بني االثنني فرجعا إىل بعضهما وبدأ تطور العالقة هذه املرة بشكل‬
‫رومنسي بديع‪.‬‬
‫كيف نتحدث مع اآلخرين؟‬
‫يتبادل الناس أطراف احلديث فيما بينهم من خالل طريقتني رئيسيتني هما‬
‫احملادثة العابرة واإلفصاح عن الذات‪ .‬وإليك عزيزي الطالب ‪ /‬عزيزتي الطالبة‬
‫ً‬
‫مفصال لكل منهما‪:‬‬ ‫ً‬
‫شرحا‬
‫· احملادثة العابرة (‪:)small talk‬‬
‫ً‬
‫استخداما لالتصال الشخصي‬ ‫تعترب احملادثات العابرة الوسيلة األكثر‬
‫وبالتالي إلنشاء العالقات الشخصية (فالعالقة الشخصية تتكون من‬
‫خالل التقاء شخصني يف مكان ما إضافة إىل تكوين انطباع إجيابي يف‬
‫ذهن كل منهما حنو الطرف اآلخر‪ .‬وعادة ما يكون هذا اللقاء املبدئي‬
‫غري خمطط له‪ ،‬بل حيدث مصادفة ودون استعداد أي من الطرفني له‪.‬‬
‫فقد حيدث هذا اللقاء‪ ،‬على سبيل املثال مع الراكب اجلالس جبوارك يف‬
‫الطائرة أو مع الطالب الذي جيلس جبانبك يف احملاضرة ‪ ،‬أو مع جارك‬
‫الذي يصلي معك يف نفس املسجد‪.‬ويواجه بعض الناس صعوبة يف احلديث‬
‫مع شخص يلتقون به ألول مرة‪ .‬إال أنه مبجرد أن يتكرر هذا اللقاء‬
‫ويصبح من السهولة التعرف على ذلك الشخص‪ ،‬سيكون مبقدورهم‬
‫التواصل معه بكل ارتياح أو على األقل بدء حمادثة عابرة دون االلتزام‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫بإنشاء عالقة قوية ودائمة‪.‬وتتكون احملادثة العابرة من حديث عرضي ال‬


‫يتناول عادة موضوعات شخصية ألي من الطرفني‪ .‬وحيتوي على الكثري‬
‫من الرتحيب والتعليقات العامة عن حالة الطقس واألخبار واألحداث اهلامة‬
‫أو املواضيع اجلانبية‪ .‬خذ على سبيل املثال هذا احلديث الذي دار بني‬
‫طالبني يف بداية الفصل الدراسي جلسا يف قاعة احملاضرة جبانب بعضهما‬
‫وينتظران بدء أول حماضرة ملادة مهارات االتصال‪.‬‬

‫خالد ‪ :‬السالم عليكم‬


‫علي ‪ :‬وعليكم السالم‬
‫خالد ‪ :‬هل هذه القاعة خمصصة ملادة مهارات االتصال‬
‫علي ‪ :‬نعم‪ .‬إنها كذلك‬
‫خالد‪ :‬هل ميكن أن أجلس جبوارك‬
‫علي‪ :‬نعم تفضل‬
‫خالد ‪ :‬يبدو أنا وصلنا مبكرين إىل احملاضرة‪.‬‬
‫علي ‪ :‬نعم ‪ ،‬فالساعة اآلن الثامنة إال مخس دقائق ثوان متضي إىل قال‬
‫أحدهم‬

‫علي ‪ :‬ما شاء اهلل ‪ ،‬الطقس اليوم مجيل والسماء بها بعض السحب‬
‫خالد ‪ :‬نعم ‪ ،‬احلمد هلل فقد انتهت أيام الصيف احلارة‬
‫علي ‪ :‬أمتنى ذلك ‪ ،‬ففي جده السنة كلها صيف إال شهر أو شهرين‪.‬‬
‫بعد صمت دام برهة من الزمن‬
‫علي ‪ :‬مسعت أن املادة ستكون ممتعة وبالذات مع د‪ .‬أمحد‬
‫خالد ‪ :‬نعم ‪ ،‬وأنا مسعت ذلك من أحد الزمالء الذين درسو معه يف‬
‫الفصل املاضي‪.‬‬
‫علي ‪ :‬أمتنى لك التوفيق يف هذه املادة‬
‫ً‬
‫أيضا أمتنى لك التوفيق ‪ ،‬باملناسبة امسي خالد‬ ‫خالد ‪ :‬وأنا‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫نالحظ يف املثال السابق ما يفعله‬


‫اإلنسان عندما جيد أنه من غري‬
‫الالئق أن ال يتحدث مع من حوله من‬
‫األشخاص‪ .‬لذا فإنك جتده ينخرط‬
‫معهم يف عدد كبري من املوضوعات‬
‫العابرة‪ .‬وقد الحظ العلماء الذين‬
‫اهتموا بدراسة هذه الظاهرة وجود‬
‫منط موحد لألحاديث العابرة‪ ،‬على‬
‫اختالف بسيط فيما بينها‪ ،‬كما‬
‫هو موضح يف الشكل (‪.)2-6‬‬
‫نالحظ يف هذا الشكل أن الكثري‬
‫من أمناط احملادثة تعتمد على طرح‬
‫األسئلة على اآلخرين‪ .‬بعض هذه‬
‫األسئلة يتم طرحها بغرض احلصول‬
‫على معلومات‪ ،‬والبعض اآلخر يتم‬
‫طرحه للتعرف على االهتمامات‬
‫املشرتكة مع الشخص اآلخر‬
‫واليت ستساعد على إنشاء عالقة‬
‫مستقبلية معه‪.‬‬
‫ً‬
‫غالبا على احملادثات‬ ‫تبدأ معظم العالقات الشخصية مبحادثة عابرة‪ ،‬وتعتمد‬
‫العابرة لضمان استمرارها يف املستقبل‪ .‬فاحملادثة العابرة وسيله ناجحة للتعرف‬
‫على الشخص املقابل من خالل التحدث معه يف موضوعات غري شخصية وغري‬
‫مزعجة ألي من الطرفني‪ .‬وعلى الرغم من اعتقاد البعض أن احملادثات العابرة‬
‫مضيعه ألوقاتهم‪ ،‬إال أن التجربة قد أثبتت أن تطور العالقات الشخصية بني‬
‫الناس يتم من خالل تبادل األحاديث العابرة فيما بينهم‪ .‬فقد توصلت نتائج‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫ً‬
‫رئيسيا يف احملافظة على‬ ‫األحباث العلمية إىل أن احملادثة العابرة قد تلعب دوراً‬
‫العالقة بني الزوجني‪.‬‬
‫إن طريقة بدء احملادثة العابرة هلا أثر حيوي يف بناء العالقات الشخصية‪ .‬إذ إن‬
‫الكلمات األوىل اليت ينطقها الطرف األول ( وكذلك الرسائل غري اللفظية اليت‬
‫ستصاحب تلك الكلمات) تؤثر تأثرياً ً‬
‫بالغا على قرار الطرف الثاني يف تبادل‬
‫احلديث معه وبالتالي يف رغبته يف إنشاء عالقة شخصية معه يف‬
‫املستقبل‪ .‬وال ننسى أهمية التوافق بني األشخاص من جهة وبني البيئة احمليطة‬
‫واإلحياءات غري اللفظية املستخدمة من جهة أخرى‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬عندما‬
‫يتقابل اثنان يف اجتماع رمسي فإنهما يبدآن اللقاء باملصافحة والتعارف يف حني‬
‫يكون احلديث على منت الطائرة بدون تلك املقدمة الرمسية على الرغم من أن‬
‫احلديث قد يستمر لفرتة طويلة خترجه عن كونه “حمادثة عابرة”‪.‬‬
‫وهناك فوائد أخرى للمحادثات القصرية إىل جانب كونها املدخل إلنشاء‬
‫العالقات الشخصية مع اآلخرين‪ .‬فنحن نستخدمها عادة إلشباع حاجتنا لالنتماء‬
‫واليت تتطلب تواصلنا املستمر مع اآلخرين‪ .‬فاحملادثة القصرية يف العادة ال تؤدي‬
‫إىل االختالف والتنازع ‪ ،‬بل على العكس فهي تعطي لطريف احلديث شعوراً‬
‫بالدعم والتعزيز‪ .‬إن مثل هذا الشعور بالدعم والتعزيز من كال الطرفني هو‬
‫الذي سيولد الرابطة القوية اليت ستجذب االثنني ً‬
‫معا لتكوين العالقة الشخصية‬
‫واحملافظة عليها‪.‬‬
‫كما ميكن استخدام احملادثات القصرية للتقليل من مستوى الغموض يف‬
‫العالقات الشخصية‪ .‬فهي طريقة آمنة إلطالع الطرف اآلخر على بعض املعلومات‬
‫اخلاصة بنا‪ ،‬ولالطالع على بعض اجلوانب اخلفية من شخصيته يف نفس الوقت‪.‬‬
‫ً‬
‫مرهونا بكيفية تطور العالقات اليت ننشئها‬ ‫ويبقى اإلفصاح عن ذواتنا لآلخرين‬
‫معهم‪ ،‬كما سيتم توضيحه فيما بعد‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫اإلفصاح عن الذات (‪« :)self-disclosure‬جوهر االتصال الشخصي»‬


‫تشكل احملادثات العابرة معظم االتصاالت الشخصية اليت نعقدها مع‬
‫األشخاص من حولنا‪ .‬فها حنن نتحدث مع زمالئنا عن مباراة كرة القدم اليت‬
‫شاهدناها باألمس‪ ،‬أو مع بعض الغرباء حول حالة الطقس يف هذه األيام‪ ،‬أو‬
‫رمبا مع مدرس املادة لالستفسار عن أحد املوضوعات اليت تهمنا‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من األهمية الكبرية هلذا النوع من احملادثات كأساس للتفاعل مع من حولنا من‬
‫أفراد اجملتمع‪ ،‬إال أنه ال يكفي إلشباع حاجتنا حنو إقامة عالقات مع األشخاص‬
‫املقربني منا نستطيع من خالهلا اإلفصاح عن ذواتنا والتعرف على احتياجاتنا‬
‫ورغباتنا يف احلياة‪.‬‬
‫ما هو اإلفصاح عن الذات ؟‬
‫اإلفصاح عن الذات هو «عملية يقوم الفرد من خالهلا بإفشاء بعض املعلومات‬
‫الشخصية لفرد آخر دون غريه من أفراد اجملتمع»‪ .‬فهو بذلك يعكس طبيعة‬
‫العالقة التبادلية لالتصال الشخصي‪ .‬فعندما يفصح الطرف األول عما يدور‬
‫يف خلده يظهر الطرف الثاني االهتمام والتفهم ملا يقوله زميله‪ ،‬وبالتالي حتدث‬
‫عملية االتصال بني الطرفني بشكل آني ومستمر‪.‬‬
‫ملن نفصح عن ذواتنا ؟‬
‫حنن نعتمد على خرباتنا السابقة يف اختيار الشخص املناسب هلذا النوع من‬
‫االتصال الشخصي‪ .‬فكلما ازدادت ثقتنا يف شخص ما‪ ،‬كلما ازداد مقدار ما‬
‫نفصح له من معلومات عن ذواتنا‪ .‬وعادة ما تكون هذه الثقة مبنية على مدى‬
‫تقبلنا لردة فعله املتوقعة جتاه املعلومات املفصح عنها‪.‬‬
‫كيف نفصح عن ذواتنا ؟‬
‫خيتلف األفراد يف مقدار ما يفصحون به من معلوماتهم الشخصية لآلخرين‪.‬‬
‫فقد ذكر العاملان جوزيف لوفت (‪ )Joseph Luft‬وهاري إجنهام (‪)Harry Ingham‬‬
‫أن الفرد ال يدرك مجيع املعلومات املتعلقة بذاته‪ ،‬كما أن اآلخرين ال يدركون‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫مجيع املعلومات املتعلقة بذلك الفرد‪ .‬ولتوضيح كيفية حدوث عملية اإلفصاح‬
‫ً‬
‫منوذجا أطلقا عليه لقب «نافذة جوهاري» (‪Johari‬‬ ‫عن الذات فقد طور العاملان‬
‫‪ )Window‬حيث مت تقسيم الذات البشرية إىل أربع مناطق رئيسية (انظر الباب‬
‫الثاني صفحة )‪.‬‬
‫عوائق اإلفصاح عن الذات‪:‬‬
‫ً‬
‫خوفا من العواقب اليت‬ ‫كثرياً ما يرتدد اإلنسان يف اإلفصاح عن ذاته لآلخرين‬
‫قد جينيها من وراء ذلك‪ ،‬واليت منها ‪:‬‬
‫· اخلوف من ظهور عيوبك لآلخرين‪ :‬فاإلفصاح عن الذات سيظهر للطرف‬
‫اآلخر القصور يف شخصيتك أو يف املهارات اليت تتمتع بها‪ .‬وهذا ما‬
‫يدعو كثرياً من الرجال إىل الرتدد يف طلب املساعدة عندما يضلون‬
‫الطريق لكي ال يظن الطرف املقابل أنهم تائهون أو أنهم ال ميلكون‬
‫القدرة على حتديد االجتاهات‪.‬‬
‫ً‬
‫شخصا ما على‬ ‫· اخلوف من أي يصبح رفيقك ناقداً لك‪ :‬فعندما تطلع‬
‫نقاط ضعفك فإنك بالتالي ستصبح عرضة هلجومه عليك‪ .‬املثال التالي‬
‫يوضح هذا املعنى‪:‬‬

‫ذات يوم أطلع خالد زميله حممود على سر دفني كان قد خبأه عنه لسنوات‬
‫عديدة‪ .‬فقد تسبب وهو يف مقتبل عمره يف حادث سري أدى إىل وفاة ثالثة‬
‫أشخاص‪ .‬كم كانت تلك احلادثة مؤملة خلالد مما دفعه إىل اإلفصاح عنها‬
‫لصديقه العزيز ليخفف عليه ثقل اهلم الذي أصابه‪ .‬وبعد مرور فرتة من‬
‫غاضبا جداً فقال خلالد‪:‬‬
‫ً‬ ‫الزمن حدث خالف بني الزميلني‪ ،‬وكان حممود‬
‫«أنت إنسان متهور وقاتل وتستحق السجن مدى احلياة»‪.‬‬

‫ ·‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫اخلوف من أن تفقد شخصيتك‪ :‬فالبعض يرى أن هناك بعض‬


‫األمور اخلاصة بهم واليت ال ينبغي ألحد أن يطلع عليها‪ .‬وقد يكون هذا‬
‫اخلوف ظاهراً لدى الشباب يف مرحلة املراهقة بصورة أكثر حيث تزداد‬
‫رغبتهم يف االعتماد على أنفسهم واختاذ قراراتهم اخلاصة دون الرجوع إىل‬
‫الوالدين أو األخ األكرب‪.‬‬
‫· اخلوف من أن تفقد زميلك‪ .‬فقد يكون لدى أحدهم سر دفني لو أطلع‬
‫عليه زميله لرمبا أدى إىل ابتعاده عنه أو إىل إنهاء الصداقة اليت بينهما‪.‬‬
‫مثال بأنه كان يتعاطى املخدرات عندما‬ ‫لذا فقد يرتدد يف إخبار زميله ً‬
‫ً‬
‫خوفا من أن يؤدي اإلفصاح عن هذا السر إىل فقد ذلك‬ ‫كان ً‬
‫شابا‬
‫الصديق‪.‬‬
‫ً‬
‫مناسبا ؟‬ ‫متى يكون اإلفصاح عن الذات‬
‫حنن نفصح عن ذواتنا فقط لألشخاص املهمني بالنسبة لنا‪ .‬كما أن‬
‫األشخاص الذين ال تربطنا بهم عالقة وطيدة سيشعرون بعدم االرتياح عندما‬
‫نبوح هلم مبعلومات خاصة بنا‪ .‬لذا فعلينا االنتظار حتى نتأكد من أن العالقة قد‬
‫تطورت إىل احلد الذي يسمح بتبادل املعلومات الشخصية بني الطرفني‪ .‬وحتى‬
‫تنجح عملية اإلفصاح عن الذات فال بد أن حتدث من كال الطرفني‪ .‬إذ أن‬
‫إفصاح أحد األطراف عن معلوماته اخلاصة دون أن يطلع على املعلومات اخلاصة‬
‫ً‬
‫غالبا إىل عدم استمرار هذه العالقة‪.‬‬ ‫بالطرف اآلخر سوف يؤدي‬
‫إن اإلفصاح عن الذات يساعد على منو وتطور العالقة بني األشخاص كما‬
‫أن اإلفصاح غري املناسب ميكن أن يسيء إىل تلك العالقة‪ .‬وفيما يلي بعض‬
‫النصائح اليت قد تساعدك على حتديد الوقت والكيفية املناسبني لإلفصاح عن‬
‫الذات‪:‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫‪ )1‬اخرت السياق املناسب‪ :‬جيب أن تتوافق كمية ونوع املعلومات املفصح‬


‫ً‬
‫سويا إىل املثال‬ ‫عنها مع حالة االتصال واحملددات االجتماعية‪ .‬لننظر‬
‫التالي‪:‬‬

‫ً‬
‫جالسا يف كفرتيا املصنع مع بعض زمالئي املهندسني لتناول وجبة‬ ‫كنت‬
‫الغداء‪ ،‬وكان احلديث يتناول املوضوعات التقليدية‪ :‬أداء العمال‪ ،‬سوء‬
‫الوجبات يف الكفرتيا‪ ،‬جداول اإلنتاج والصيانة‪ .‬وقد اعتذر بعض الزمالء‬
‫قبل انتهاء وقت الراحة خبمس دقائق وبقيت وحيداً مع مهندس جديد‬
‫انضم إىل الشركة يف األسبوع املاضي‪ .‬كانت هذه أول مرة أتعرف عليه‪،‬‬
‫ً‬
‫قائال‪« :‬كيف وجدت وجبة الغداء؟» صمت‬ ‫فقررت أن أبدأ معه احلديث‬
‫الرجل للحظة ثم قال‪« :‬أنا عندي مشكلة مستعصية يف جهازي اهلضمي‪.‬‬
‫ختيل أني ال أستطيع أن أبقي الطعام يف معدتي أكثر من مخس دقائق‪ .‬أنا‬
‫عندي مشكلة استفراغ مزمن»‪ .‬كان ذلك بالتأكيد أكثر بكثري مما‬
‫أردت مساعه‪.‬‬

‫قبل اإلفصاح عن معلوماتك اخلاصة‪ ،‬ضع يف اعتبارك الوقت واملكان‬


‫واملزاج ونوع العالقة مع الشخص أو األشخاص املقابلني‪ .‬ففي املثال‬
‫السابق اختار املهندس اجلديد الوقت اخلاطئ (بقيت دقائق معدودة على‬
‫انتهاء فرتة الراحة)‪ ،‬واملكان اخلاطئ (الناس عادة يتجنبون احلديث عن‬
‫مشاكل اجلهاز اهلضمي على طاولة الطعام)‪ ،‬واملزاج اخلاطئ (كان‬
‫احلديث السابق حول معلومات عامة تتعلق باملطعم وليس معلومات‬
‫خاصة)‪ ،‬والعالقة اخلاطئة (االثنان بالكاد يعرفان بعضهما البعض)‬
‫لإلفصاح عن هذه املعلومات اخلاصة واملتعلقة مبشاكله الصحية‪ .‬إن‬
‫ً‬
‫غالبا ما يكون مصريه‬ ‫اإلفصاح الذي ال يتوافق مع الظروف احمليطة‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫اإلهمال مما يؤدي إىل شعور الفرد باألمل واألسى‪.‬‬


‫‪ )2‬تدرج يف اإلفصاح ً‬
‫وفقا لتطور العالقة‪ :‬يف معظم احلاالت تتطور‬
‫العالقات بني البشر من خالل تدرج طرفيها يف اإلفصاح عن املعلومات‬
‫اخلاصة بهما‪ .‬فعندما تكون العالقة يف مراحلها األوىل يتم اإلفصاح‬
‫يف فرتات متباعدة ويكون عادة خمتصراً ويف موضوع حمدد‪ .‬ولكن‬
‫مع تطور هذه العالقة يصبح اإلفصاح أكثر تكراراً ويف موضوعات‬
‫خمتلفة‪ ،‬وعادة ما تكون خاصة يف طبيعتها‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬إذا‬
‫كنت يف عالقة حديثة فيمكنك اإلفصاح عن معلوماتك غري اخلاصة‬
‫كبطاقتك التعريفية (االسم‪ ،‬العمر‪ ،‬املولد‪ .)... ،‬ومع تطور هذه العالقة‬
‫ستستطيع اإلفصاح بالتدريج عن معلوماتك اخلاصة‪ ،‬مثل هواياتك‬
‫طعامك املفضل‪ ،‬أنواع الرتفيه اليت تناسبك‪ ،‬طموحك الشخصي‪،‬‬
‫وأخرياً مشاكلك وهمومك‪ .‬إن اإلفصاح عن معلومات أكثر غزارة مما‬
‫يتوقعه الطرف اآلخر يعرض العالقة للخطر إذ أنك ستجربه على اختاذ‬
‫قرار سابق ألوانه إما بقبول أو رفض هذه العالقة‪.‬‬
‫‪ )3‬استخدم اإلفصاح املتبادل (‪ :)Reciprocal‬عندما يفصح الفرد‬
‫عن بعض املعلومات اخلاصة لصديقه فهو يتوقع منه أن يفعل الشيء‬
‫نفسه‪ .‬ونقصد باإلفصاح املتبادل التوافق بني طريف العالقة يف عدد‬
‫مرات اإلفصاح ودرجة اخلصوصية يف املعلومات املفصح عنها‪ .‬فالعالقة‬
‫اليت يتم فيها اإلفصاح من شخص واحد فقط هي عالقة غري متوازنة‬
‫وليست محيمة كتلك العالقة اليت يتساوى فيها الطرفان يف اإلفصاح‬
‫عن معلوماتهم اخلاصة‪ .‬وباملثل‪ ،‬فإن درجة املودة اليت يكنها الفرد‬
‫لصديقه جيب أن تتوافق مع درجة اإلفصاح اليت يستخدمها الطرف‬
‫املقابل يف حديثه معه‪ .‬فإذا كانت املعلومات املفصح عنها سطحية (نوع‬
‫الطعام الذي يفضله) فقد يكون من السابق ألوانه أن يفتح له قلبه ويبث‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫له همومه وأحزانه‪ .‬إن اإلفصاح املتبادل له فائدة كبرية يف قياس درجة‬
‫ارتباط االثنني بهذه العالقة‪ .‬فمن خالل تبادل اإلفصاح عن املعلومات‬
‫فإن االثنني خيربان بعضهما البعض بأنهما ملتزمني بهذه العالقة‪.‬‬
‫‪ )4‬استخدم اإلفصاح لتدعيم العالقة‪ :‬تذكر أن اإلفصاح عن الذات‬
‫يتطلب بعض املخاطرة‪ ,‬إذ إنك لن تعلم ردة فعل الطرف اآلخر إال بعد أن‬
‫حتدثه مبا تريد‪ .‬فإذا أردت جتنب هذه املخاطرة فقد يكون من املناسب‬
‫أن حتدث الطرف اآلخر عن املوضوع بشكل عام و من ثم تال حظ ردة‬
‫فعله قبل أن حتدثه عن خربتك اخلاصة يف هذا املوضوع‪ .‬لنبحث عن‬
‫دوافعنا لإلفصاح عن الذات‪ .‬لنسأل أنفسنا ملاذا نريد أن نطلع الشخص‬
‫املقابل على هذه املعلومة بالذات؟ وهل سيؤدي ذلك إىل تطوير العالقة‬
‫معه أم العكس؟ كل منا حيمل أسراراً لعل من األنسب إبقاءها كذلك‪.‬‬
‫فإطالع اآلخرين على هذه األسرار قد يعود بالضرر علينا أو يضعف ثقة‬
‫الشخص املقابل فينا‪ .‬فعلى الرغم من أن بعض األسرار تكون ثقيلة جداً‬
‫لنتحملها لوحدنا‪ ،‬إال أنه قد يكون من األفضل للمحافظة على العالقة‬
‫عدم اإلفصاح عن هذه األسرار للطرف اآلخر‪.‬‬
‫االتصال الشخصي وبناء العالقات االنسانية‬ ‫الفصل السادس‬

‫املراجع األجنبية‬
− Beal, M. L.; Shaw, M. M.; & Seiler, W. J. 2006. Instructor’s Resource
Manual for Communication: Making connections. Boston, MA.: Allyn
and Bacon by Pearson Education, Inc.
− Dobkin, B. A. & Pace, R. C. 2006. Communication in a Changing
World. New York, NY.: McGraw Hill, Inc.
− Hybels & Weaver, 2006;
− Kellerman, K. 1991. The Conversation MOP. Human Communication
Research, 17(3): 388-389.
− Knapp, M. L. & Vengelisti, A. L. 2000. Interpersonal Communication
and Human Relationships. Boston, MA.: Allyn and Bacon by Pearson
Education, Inc.
− Seiler, W. J. & Beal, M. L. 2006. Communication: Making connections.
Boston, MA.: Allyn and Bacon by Pearson Education, Inc.

You might also like