Professional Documents
Culture Documents
عالم الملائكة الأبرار
عالم الملائكة الأبرار
) (1/1
وهذا الكتاب فيه تفصيل لما جاَءت به النصوص في اليمان بالملئكة .
--------------------------------
) (1راجع :بصائر ذوي التمييز ،للفيروزآبادي . 4/524 :
) (2الحبائك في أخبار الملئك ،للسيوطي :ص . 10وانظر مختصر شعب
اليمان . 406-1/405 :
صفاتهم وقدراتهم
خلقيةَ ال الملئكة صفات الصحيحة النصوص خلل من سنحاول أن نتبين
واُلخُلقية ،ثم نتحدث عن القدرات التي وهبهم الله إياها .
المبحث الول
الصفات الخلقية وما يتعلق بها
المطلب الول
مادة خلقهم ووقته
ن المادة التي خلقوا منها هي النور ؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي إ ّ
الله عنها وعن أبيها :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :خلقت
الملئكة من نور ،وخلق الجان من مارج من نار ،وخلق آدم مما وصف
لكم ( (1) .
ولم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نور هذا الذي خلقوا منه ،
ولذلك فإننا ل نستطيع أن نخوض في هذا المر لمزيد من التحديد ؛ لنه غيب
لم يرد فيه ما يوضحه أكثر من هذا الحديث .
وما روي عن عكرمة أنه قال ) :خلقت الملئكة من نور العزة ،وخلق إبليس
من نار العزة ( ،وما روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال ) :خلق الله
الملئكة من نور الذراعين والصدر ( ،ل يجوز الخذ به ،وعلى فرض صحته
عن هؤلء العلماء الفاضل فهم غير معصومين ،ولعلهم قد استقوه من
السرائيليات (2) .
وأما ما ذكره ولي الله الدهلوي من " :أن المل العلى ثلثة أقسام :
قسم علم الحقّ أن نظام الخير يتوقف عليهم ،فخلق أجساما ً نورية بمنزلة
نار موسى ،فنفخ فيها نفوسا ً كريمة .
وقسم اتفق حدوث مزاج في البخارات اللطيفة من العناصر استوجب فيضان
نفوس شاهقة شديدة الرفض ؛ ) أي الترك ( لللواث البهيمية .
) (1/2
وقسم هم نفوس إنسانية قريبة المأخذ من المل العلى ،ما زالت تعمل
أعمال ً منجية تفيد اللحوق بهم ،حتى طرحت عنها جليب أبدانها ،فانسلكت
دت منهم " ) . (3فل يوجد دليل صحيح يدل على صحة هذا في سلكهم ،وع ّ
التقسيم بهذا التفصيل والتحديد .
ن
خلقوا ،فالله – سبحانه – لم يخبرنا بذلك ،ولكننا نعلم أ ّ
ول ندري متى ُ
خلقهم سابق على خلق آدم أبي البشر ،فقد أخبرنا الله أنه أعلم ملئكته أنه
ل في الرض جاعل في الرض خليقة ) :وإذ قال ربك للملئكة إني جاع ٌ
خليفة ( ] البقرة ، [ 30 :والمراد بالخليفة آدم عليه السلم ،وأمرهم
بالسجود له حين خلقه ) :فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له
ساجدين ( ] الحجر . [ 29 :
رؤية الملئكة :
ً
ولما كانت الملئكة أجساما نورانية لطيفة ،فإن العباد ل يستطيعون رؤيتهم ،
خاصة أن الله لم يعط أبصارنا القدرة على هذه الرؤية .
ولم ير الملئكة في صورهم الحقيقية من هذه المة إل الرسول صلى الله
عليه وسلم ،فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلقه الله عليها ،وقد
دلت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملئكة ،إذا تمثل الملئكة
في صورة بشر .
--------------------------------
) (1صحيح مسلم . 4/2294 :ورقمه . 2996 :وبعض الذين ينسبون إلى
العلم يردون هذا الحديث وأمثاله زاعمين أنه حديث آحاد ،وأن حديث الحاد
ل تثبت به عقيدة ،وقد ناقش أ .د .عمر الشقر هذا القول وبين بطلنه في
رسالة بعنوان ) :أصل العتقاد ( .
) (2راجع سلسلة الحاديث الصحيحة . 1/197 :
) (3الحجة البالغة :ص . 33
المطلب الثاني
ظم خلقهم ع َ
ِ
قال الله تعالى في ملئكة النار ) :يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
ظ شداد ٌ ل يعصون الله ما نارا ً وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غل ٌ
أمرهم ويفعلون ما يأمرون ( ] التحريم . [ 6 :
وسأكتفي بسوق الحاديث التي تتحدث عن ملكين كريمين فحسب .
عظم خلق جبريل عليه السلم : ِ -1
) (1/3
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلم على صورته
الملئكية التي خلقه الله عليها مرتين ،هما المذكورتان في قوله تعالى :
ة
) ولقد رآه بالفق المبين ( ] التكوير ، [ 23 :وفي قوله ) :ولقد رآه نزل ً
أخرى – عند سدرة المنتهى – عندها جنة المأوى ( ] النجم ، [ 15-13 :
عندما عرج به إلى السموات العل .
وقد ورد في صحيح مسلم :أن عائشة رضي الله عنها سألت الرسول صلى
الله عليه وسلم عن هاتين اليتين فقال صلى الله عليه وسلم ) :إنما هو
خلق عليها غير هاتين المرتين . جبريل ،لم أره على صورته التي ُ
خلقه ما بين السماء إلى الرض ( ) ْ م َ َ
عظ ُ رأيته منهبطا ً من السماء ،ساد ّا ً ِ
. (1
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى ) :ثم دنا فتدّلى ( ] النجم 8 :
[ ،فقالت " :إنما ذلك جبريل عليه السلم ،كان يأتيه في صورة الرجال ،
وإنه أتاه في هذه المرة في صورته ،التي هي صورته ،فسد ّ أفق السماء " )
. (2
وورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال " :رأى محمد
صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح " ). (3
وقال ابن مسعود أيضا ً في قوله تعالى ) :لقد رأى من آيات ربه الكبرى (
] النجم " [ 18 :أي رفرفا ً أخضر قد سد ّ الفق " ) . (4وهذا الرفرف الذي
سد ّ الفق هو ما كان عليه جبريل ،فقد ذكر ابن حجر أن النسائي والحاكم
رويا من طريقهما عن ابن مسعود قال " :أبصر نبي الله صلى الله عليه
وسلم جبريل عليه السلم على رفرف قد مل ما بين السماء والرض " ). (5
وذكر ابن حجر أن ابن مسعود قال في رواية النسائي " :رأى محمد صلى
الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح قد سد ّ الفق " ). (6
وفي مسند المام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال " :رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته ،وله ستمائة جناح ،كل جناح منها
قد سد ّ الفق .يسقط من جناحه التهاويل ) (7من الدرر واليواقيت " .
) (1/4
قال ابن كثير في هذا الحديث " :إسناده جيد " ). (8
ل كريم ٍ – ذي قوةٍ عند ذي العرش وقال في وصف جبريل ) :إنه لقول رسو ٍ
ن ( ] التكوير ، [ 21-19 :والمراد بالرسول الكريم مطاٍع ثم أمي ٍ ن– ّ مكي ٍ
هنا :جبريل ،وذي العرش :رب العزة سبحانه .
ملة العرش : ح َعظم خلقه َ ِ -2
روى أبو داود عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى
دث عن ملك من ملئكة الله ،من ُ ُ
الله عليه وسلم قال ) :أذن لي أن أح ّ
حملة العرش ،إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ( ). (9
ورواه ابن أبي حاتم وقال ) :تخفق الطير ( .قال محقق مشكاة المصابيح :
" إسناده صحيح " ). (10
وروى الطبراني في معجمه الوسط بإسناد صحيح عن أنس قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة
العرش ،رجله في الرض السفلى ،وعلى قرنه العرش ،وبين شحمة أذنيه
وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام ،يقول ذلك الملك :سبحانك حيث كنت (
). (11
--------------------------------
) (1صحيح مسلم . 1/159 :ورقم الحديث . 177 :
) (2صحيح مسلم . 1/160 :ورقمه . 177 :
) (3صحيح البخاري . 8/610 :ورقمه . 4857 ، 4856 :
) (4صحيح البخاري . 8/611 :ورقمه . 4858 :
) (5فتح الباري . 8/611 :
) (6فتح الباري . 8/611 :
) (7التهاويل :الشياء المختلفة اللوان .
) (8البداية والنهاية . 1/47 :
) (9صحيح سنن أبي داود . 3/895 :ورقمه . 9353 :
) (10مشكاة المصابيح . 3/121 :وانظر :سلسلة الحاديث الصحيحة ،
حديث رقم . 151 :
) (11صحيح الجامع الصغير .الطبعة الثالثة . 1/208 :ورقمه . 853 :
المطلب الثالث
خلقية أهم الصفات ال َ
أول ً :أجنحة الملئكة :
) (1/5
للملئكة أجنحة كما أخبرنا الله تعالى ،فمنهم من له جناحان ،ومنهم من له
سماوات
ثلثة ،أو أربعة ،ومنهم من له أكثر من ذلك ) :الحمد لله فاطر ال ّ
والرض جاعل الملئكة رسل ً أولي أجنحةٍ مثنى وثلث ورباع يزيد في الخلق
ن الله على كل شيٍء قدير ( ] فاطر . [ 1 : ما يشاء إ ّ
والمعنى أن الله جعلهم أصحاب أجنحة ،بعضهم له جناحان ،وبعضهم له ثلثة
أو أربعة ،أو أكثر من ذلك .
وقد سبق ذكر الحاديث التي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن
لجبريل ستمائة جناح .
ثانيا ً :جمال الملئكة :
خلقهم الله على صور جميلة كريمة قال تعالى في جبريل ) :عّلمه شديد
القوى – ذو مرةٍ فاستوى ( ] النجم . [ 6-5 :قال ابن عباس ) :ذو مرة ( :
ق طويل حسن .وقيل :ذو مرة :ذو ذو منظر حسن ،وقال قتادة :ذو َ ْ
خل ٍ
قوة .ول منافاة بين القولين ،فهو قوي وحسن المنظر .
وقد تقرر عند الناس وصف الملئكة بالجمال ،كما تقرر عندهم وصف
الشياطين بالقبح ،ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك ،انظر
إلى ما قالته النسوة في يوسف الصديق عندما رأينه ) :فلما رأينه أكبرنه
م( ن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ً إن هذا إل مل ٌ وقَط ّع َ
ك كري ٌ ن أي ْدِي َهُ ّ
ْ َ َ
] يوسف . [ 31 :
ثالثا ً :هل بين الملئكة والبشر شبه في الشكل والصورة :
روى مسلم في صحيحه ،والترمذي في سننه عن جابر رضي الله عنه :أن
ي النبياء ،فإذا موسى عرض عل ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ُ ) :
ضرب من الرجال ) ، (1كأنه من رجال شنوءة ،ورأيت عيسى ابن مريم ،
فإذا أقرب من رأيت به شبها ً عروة بن مسعود ،ورأيت إبراهيم صلوات الله
عليه ،فإذا أقرب من رأيت به شبها ً صاحُبكم ) ،يعني نفسه ( .
ورأيت جبريل عليه السلم ،فإذا أقرب من رأيت به شبها ً ) دحية ( وفي
رواية ) :دحية بن خليفة ( ). (2
) (1/6
فهل هذا الشبه كائن بين صورة جبريل الحقيقية وصورة دحية الكلبي ،أم هو
بين الصورة التي يكون بها جبريل عندما يتمثل في صورة بشر ؟ ! الرجح
هذا الخير ؛ لما سيأتي أن جبريل كان يتمثل في صورة دحية كثيرا ً .
رابعا ً :تفاوتهم في الخلق والمقدار :
الملئكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار ،فبعض الملئكة له
جناحان ،وبعضهم له ثلثة ،وجبريل له ستمائة جناح ،ولهم عند ربهم
م ( ] الصافات : مقامات متفاوتة معلومة ) :وما مّنا إل ّ له مقا ٌ
م معلو ٌ
. [ 164
ن(ل كريم ٍ – ذي قوةٍ عند ذي العرش مكي ٍ وقال في جبريل ) :إّنه لقول رسو ٍ
] التكوير [ 20-19 :؛ أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله .
وأفضل الملئكة هم الذين شهدوا معركة بدر ،ففي صحيح البخاري عن
رفاعة بن رافع :أن جبريل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ) :ما
دون أهل بدر فيكم ؟ قال :من أفضل المسلمين ،أو كلمة نحوها ،قال : تع ّ
ً
وكذلك من شهد بدرا من الملئكة ( ). (3
خامسا ً :ل يوصفون بالذكورة والنوثة :
من أسباب ضلل بني آدم في حديثهم عن عوالم الغيب أن بعضهم يحاول
إخضاع هذه العوالم لمقاييسه البشرية الدنيوية ،فنرى أحدا ً من هؤلء يعجب
في مقال له من أن جبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثوان
من توجيه سؤال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى جواب من
الله ،فكيف يأتي بهذه السرعة الخارقة ،والضوء يحتاج إلى مليين السنوات
الضوئية ؛ ليصل إلى بعض الكواكب القريبة من السماء .
وما درى هذا المسكين أن مثله كمثل بعوضة ،تحاول أن تقيس سرعة
الطائرة بمقياسها الخاص ،لو تفكر في المر ،لعلم أن عالم الملئكة له
مقاييس تختلف تماما ً عن مقاييسنا نحن البشر .
ل في هذا المجال مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملئكة ولقد ض ّ
إناث ،واختلطت هذه المقولة المجافية للحقيقة عندهم بخرافة أعظم وأكبر ؛
إذ زعموا أن هؤلء الناث بنات الله .
) (1/7
وناقشهم القرآن في هاتين القضيتين ،فبين أنهم – فيما ذهبوا إليه – لم
يعتمدوا على دليل صحيح ،وأن هذا القول قول متهافت ،ومن عجب أنهم
ينسبون لله البنات ،وهم يكرهون البنات ،وعندما يبشر أحدهم أنه رزق بنتا ً
يظل وجهه مسودا ً وهو كظيم ،وقد يتوارى من الناس خجل ً من سوء ما ُبشر
به ،وقد يتعدى هذا المأفون طوره ،فيدس هذه المولودة في التراب ،ومع
ذلك كله ينسبون لله الولد ،ويزعمون أنهم إناث ،وهكذا تنشأ الخرافة ،
وتتفرع في عقول الذين ل يتصلون بالنور اللهي .
استمع إلى اليات التالية تحكي هذه الخرافة وتناقش أصحابها ) :فاستفتهم
ألربك البنات ولهم البنون – أم خلقنا الملئكة إناثا ً وهم شاهدون – أل أنهم
فى البنات على البنين – صط َ َ َ
من إفكهم ليقولون – ولد الله وإّنهم لكاذبون – أ ْ
ن ( ] الصافات : ن مبي ٌ ما لكم كيف تحكمون – أفل تذكرون – أم لكم سلطا ٌ
. [ 156-149
وقد جعل الله قولهم هذا شهادة سيحاسبهم عليها ،فإن من أعظم الذنوب
القول على الله بغير علم ) :وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الّرحمن إناثا ً
أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ( ] الزخرف . (4) [ 19 :
سادسا ً :ل يأكلون ول يشربون :
أشرنا من قبل أنهم ل يوصفون بالذكورة والنوثة ،وكذلك هم ل يحتاجون إلى
طعام البشر وشرابهم ،فقد أخبرنا الله أن الملئكة جاؤوا إبراهيم في صورة
دم لهم الطعام ،فلم تمتد أيديهم إليه ،فأوجس منهم خيفة ، بشر ،فق ّ
ك حديث ضيف َ
فكشفوا له عن حقيقتهم ،فزال خوفه واستغرابه ) :هل أَتا َ
م منكرون – م قو ٌ إبراهيم المكرمين – إذ دخلوا عليه فقالوا سلما ً قال سل ٌ
ن – فقّربه إليهم قال أل تأكلون – فأوجس فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمي ٍ
شروه بغلم ٍ عليم ( ] الذاريات . [ 28-24 : منهم خيفة قالوا ل تخف وب ّ
) (1/8
ما رأى أيديهم ل تصل إليه نكرهم وأوجس منهموفي آية أخرى قال ) :فل ّ
ط ( ] هود . [ 70 :
ة قالوا ل تخف إّنا أرسلنا على قوم لو ٍ
ف ً
خي َ
ِ
ونقل السيوطي عن الفخر الرازي :أن العلماء اتفقوا على أن الملئكة ل
يأكلون ول يشربون ول يتناكحون ). (5
سابعا ً :ل يمّلون ول يتعبون :
والملئكة يقومون بعبادة الله وطاعته وتنفيذ أوامره ،بل كلل ول ملل ،ول
يدركهم ما يدرك البشر من ذلك ،قال تعالى في وصف الملئكة ) :يسبحون
الليل والنهار ل يفترون ( ] النبياء . [ 20 :
ّ
ومعنى ل يفترون :ل يضعفون .وفي الية الخرى ) :فالذين عند ربك
يسبحون له باّلليل والّنهار وهم ل يسأمون ( ] فصلت [ 38 :تقول العرب :
سئم الشيء ،أي :مّله .
وقد استدل السيوطي بقوله ) :ل يفترون ( على أن الملئكة ل ينامون ،
ونقله عن الفخر الرازي ). (6
ثامنا ً :منازل الملئكة :
سماواتمنازل الملئكة ومساكنها السماء ،كما قال تعالى ) :تكاد ال ّ
ن والملئكة يسبحون بحمد ربهم ( ] الشورى . [ 5 : طرن من فوقه ّ يتف ّ
وقد وصفهم الله تعالى بأنهم عنده ) :فإن استبكروا فاّلذين عن ربك
يسبحون له باّلليل والّنهار وهم ل يسأمون ( ] فصلت . [ 38 :
وينزلون إلى الرض بأمر الله لتنفيذ مهمات نيطت بهم ،ووكلت إليهم ) :وما
نتنّزل إل ّ بأمر ربك ( ] مريم . [ 64 :ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة
ل الملئكة والّروح فيها بإذنالقدر ) :ليلة القدر خيٌر من ألف شهرٍ – تنّز ُ
ربهم من كل أمر ( ] القدر . [ 4-3 :
تاسعا ً :أعداد الملئكة :
الملئكة خلق كثير ل يعلم عددهم إل الذي خلقهم ) :وما يعلم جنود ربك إل ّ
هو ( ] المدثر . [ 31 :
) (1/9
وإذا أردت أن تعلم كثرتهم ،فاسمع ما قاله جبريل عن البيت المعمور ،
عندما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عنه عندما بلغه في السراء :
) هذا البيت المعمور يصلي فيه في كل يوم سبعون ألف ملك ل يعودون إليه
آخر ما عليهم ( ). (7
وفي صحيح مسلم عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :
يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ،مع كل زمام سبعون ألف ملك
يجرونها ( ) . (8فعلى ذلك فإن الذين يأتون بجهنم يوم القيامة أربعة مليارات
وتسعمائة مليون ملك .
وإذا تأملت النصوص الواردة في الملئكة التي تقوم على النسان علمت
مدى كثرتهم ،فهناك ملك موكل بالنطفة ،وملكان لكتابة أعمال كل إنسان ،
وملئكة لحفظه ،وقرين ملكي لهدايته وإرشاده .
عاشرا ً :أسماء الملئكة :
للملئكة أسماء ،ونحن ل نعرف من أسماء الملئكة إل القليل ،وإليك اليات
التي ورد فيها أسماء بعض الملئكة :
-2 ، 1جبريل وميكائيل :
ً
قال تعالى ) :قل من كان عدوّا لجبريل فإّنه نزله على قلبك بإذن الله
دقا ً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين – من كان عدوّا ً لله وملئكته مص ّ
ن الله عدوّ للكافرين ( ] البقرة . [ 98-97 : ل فإ ّ مي َ
كا َ ورسله وجبريل و وَ ِ
ن–وجبريل هو الروح المين المذكور في قوله تعالى ) :نزل به الّروح المي ُ
على قلبك لتكون من المنذرين ( ] الشعراء . [ 194-193 :
وهو الروح المعني في قوله ) :تنّزل الملئكة والّروح فيها بإذن ربهم (
]القدر. [4:
وهو الروح الذي أرسله إلى مريم ) :فأرسلنا إليها روحنا ( ] مريم . [ 17 :
-3إسرافيل :
ومن الملئكة إسرافيل الذي ينفخ في الصور .
) (1/10
وجبريل وميكائيل وإسرافيل هم الذين كان يذكرهم الرسول صلى الله عليه
وسلم ،في دعائه عندما يستفتح صلته من الليل ) :اللهم رب جبريل
وميكائيل وإسرافيل ،فاطر السماوات والرض ،عالم الغيب والشهادة ،أنت
ق
تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ،اهدني لما اختلف فيه من الح ّ
بإذنك ،إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ( ). (9
-4مالك :
ومنهم مالك خازن النار ) :ونادوا يا مالك ليقض علينا رّبك قال إّنكم
ماكثون ( ]الزخرف . [77 : ّ
-5رضوان :
قال ابن كثير " :وخازن الجّنة ملك يقال له رضوان ،جاء مصرحا ً به في
بعض الحاديث " ). (10
-7 ، 6منكر ونكير :
ومن الملئكة الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم منكر ونكير ،وقد
استفاض في الحاديث ذكرهما في سؤال القبر .
-9 ، 8هاروت وماروت :
ومنهم ملكان سماهما الله باسم ) هاروت وماروت ( قال تعالى ) :وما كفر
شياطين كفروا يعلمون الّناس السحر وما أنزل على الملكين ن ال ّ
سليمان ولك ّ
ة فلببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد ٍ حّتى يقول إّنما نحن فتن ٌ
تكفر ( ] البقرة . [ 102 :
ويبدو من سياق الية أن الله بعثهما فتنة للناس في فترة من الفترات ،وقد
ُنسجت حولهما في كتب التفسير وكتب التاريخ أساطير كثيرة ،لم يثبت
شيء منها في الكتاب والسنة ،فيكتفى في معرفة أمرهما بما دلت عليه
الية الكريمة .
عزرائيل :
وقد جاء في بعض الثار تسمية ملك الموت باسم عزرائيل ،ول وجود لهذا
السم في القرآن ،ول في الحاديث الصحيحة ). (11
رقيب وعتيد :
ً
يذكر بعض العلماء أن من الملئكة من اسمه رقيب وعتيد ،استدلل بقوله
ما يلفظ من ن عن اليمين وعن الشمال قعيد ٌ – ّ مت َل َ ّ
قَيا ِ قى ال ْ ُتعالى ) :إذ يتل ّ
ل إل ّ لديه رقيب عتيد ٌ ( ] ق . [ 18-17 : قو ٍ
) (1/11
وما ذكروه غير صحيح ،فالرقيب والعتيد هنا وصفان للملكين اللذين يسجلن
أعمال العباد ،ومعنى رقيب وعتيد ؛ أي :ملكان حاضران شاهدان ،ل يغيبان
عن العبد ،وليس المراد أنهما اسمان للملكين .
الحادي عشر :موت الملئكة :
الملئكة يموتون كما يموت النس والجن ،وقد جاء ذلك صريحا ً في قوله
سماوات ومن في الرض إل ّ من صور فصعق من في ال ّ تعالى ) :ونفخ في ال ّ
م ينظرون ( ] الزمر . [ 68 : شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيا ٌ
فالملئكة تشملهم الية ؛ لنهم في السماء ،يقول ابن كثير عند تفسيره هذه
الية " :هذه هي النفخة الثانية ،وهي نفخة الصعق ،وهي التي يموت بها
الحياء من أهل السماوات والرض إل من شاء الله كما جاء مصرحا ً به
مفسرا ً في حديث الصور المشهور ،ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر
من يموت ملك الموت ،وينفرد الحي القيوم ،الذي كان أول ً ،وهو الباقي
آخرا ً بالديمومة والبقاء ،ويقول :لمن الملك اليوم ؟ ثلث مرات ،ثم يجيب
نفسه بنفسه فيقول ) :لله الواحد القّهار ( ] غافر . " [ 16 :
ل شيٍء هالك إل ّ وجهه ( دل على أنهم يموتون قوله تعالى ) :ك ّ ومما ي ّ
] القصص . [ 88 :
وهل يموت أحد منهم قبل نفخة الصور ؟ هذا ما ل نعلمه ،ول نستطيع
الخوض فيه ؛ لعدم وجود النصوص المثبتة له أو النافية .
--------------------------------
) (1الضرب من الرجال :هو الرجل المتوسط في كثرة اللحم وقلته .وقيل :
الخفيف اللحم .
) (2صحيح مسلم . 1/153 :ورقمه . 167 :
) (3رواه البخاري . 7/312 :ورقمه . 3992 :
) (4ومن هنا يجب أن يحذر المسلم في أن يتقول في مثل هذه المور بل
علم ،فهؤلء الذين يزعمون أن أصل النسان حيوان :قرد ،أو غيره ،يقال
لهم القول نفسه ) :أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ( ،والله يقول ) :ما
سماوات والرض ول خلق أنفسهم ( ] الكهف . [ 51 : أشهدتهم خلق ال ّ
) (5الحبائك في أخبار الملئك :ص . 264
) (1/12
) (1/13
من أخلق الملئكة التي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بها :الحياء ؛
ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن عائشة :أن الرسول صلى
الله عليه وسلم كان مضطجعا ً في بيتها ،كاشفا ً عن فخذيه أو ساقيه ،
م استأذن عمر ، فاستأذن أبو بكر ،فأذن له وهو على تلك الحال ،فتحدث ،ث ّ
فأذن له وهو كذلك ،فتحدث ،ثم استأذن عثمان ،فجلس الرسول صلى الله
وى ثيابه ،فدخل ،فتحدث ،فلما خرج قالت عائشة :دخل عليه وسلم وس ّ
أبو بكر ،فلم تهتش له ،ولم ت َُبالهِ ،ثم دخل عمر ،فلم تهتش له ولم تباله ،
ثم دخل عثمان ،فجلست ،وسويت ثيابك ،فقال ) :أل استحيي من رجل
تستحيي منه الملئكة ( ). (3
وقولها :لم تهتش له :الهشاشة والبشاشة :طلقة الوجه ،وحسن اللقاء .
وقولها :لم تباله :لم تحتفل به .
--------------------------------
) (1صحيح البخاري . 8/691 :
) (2صحيح البخاري . 8/691 :ورقمه . 4937 :ورواه مسلم . 1/549 :
ورقمه ، 798 :واللفظ للبخاري .
) (3رواه مسلم . 4/1866 :ورقمه . 2401 :
قدراتهم
-1قدرتهم على التشكل :
أعطى الله الملئكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم ،فقد أرسل الله
جبريل إلى مريم في صورة بشر ) :واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من
أهلها مكانا ً مشرفا ً – فاتخذت من دونهم حجابا ً فأرسلنا إليها روحنا فتمّثل لها
بشرا ً سويا ً – قالت إني أعوذ بالّرحمن منك إن كنت تقي ّا ً – قال إّنما أنا رسول
ربك لهب لك غلما ً زكي ّا ً ( ] مريم . [19-16 :
وإبراهيم – عليه السلم – جاَءته الملئكة في صورة بشر ،ولم يعرف أنهم
ملئكة حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم ) ،ولقد جاءت رسلنا إبراهيم
ما رأىل حنيذٍ – فل ّم فما لبث أن جاء بعج ٍ بالبشرى قالوا سلما ً قال سل ٌ
ة قالوا ل تخف إّنا أرسلنا إلى أيديهم ل تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيف ً
ط ( ] هود . [70-69 : قوم لو ٍ
) (1/14
وجاؤوا إلى لوط في صورة شباب حسان الوجوه ،وضاق لوط بهم ،وخشي
عليهم قومه ،فقد كانوا قوم سوء يفعلون السيئات ،ويأتون الذكران من
سيَء بهم وضاق بهم ذرعا ً وقال هذا يوم سل َُنا لوطا ً ِ
ما جاءت ُر ُ العالمين ) :ول ّ
عصيب ( ] هود . [ 77 :
يقول ابن كثير " :تبدى لهم الملئكة في صورة شباب حسان امتحانا ً واختبارا ً
حتى قامت على قوم لوط الحجة ،وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر " ). (1
وقد كان جبريل يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة ،
فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي ) صحابي كان جميل الصورة ( ،
وتارة في صورة أعرابي .
وقد شاهده كثير من الصحابة عندما كان يأتي كذلك .
في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال " :بينما نحن عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات يوم ،إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ،شديد
سواد الشعر ،ل يرى عليه أثر السفر ،ول يعرفه منا أحد ،حتى جلس إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ،وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ،ووضع كفيه على
فخذيه ،وقال :يا محمد ،أخبرني عن السلم " .وفي الحديث أنه سأله عن
اليمان والحسان والساعة وأماراتها ). (2
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد أن السائل جبريل ،جاء
يعلم الصحابة دينهم .
ً
ورأت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم واضعا يده على معرفة فرس
دحية الكلبي يكلمه ،فلما سألته عن ذلك ،قال صلى الله عليه وسلم :
) ذلك جبريل ،وهو يقرئك السلم ( ). (3
) (1/15
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة
وتسعين نفسا ً ،وأنه لما هاجر تائبا ً جاءه الموت في منتصف الطريق إلى
الرض التي هاجر إليها ،فاختصمت فيه ملئكة الرحمة وملئكة العذاب ،
كموا فيه ملكا ً جاَءهم في صورة آدمي ،يقول عليه السلم ) :فأتاهم ملك فح ّ
في صورة آدمي ،فجعلوه بينهم ،فقال :قيسوا ما بين الرضين ،فإلى
أيتهما كان أدنى فهو له ( ،ول بد ّ أنهم حكموه بأمر الله ،فأرسل الله لهم
هذا الملك في صورة آدمي ،والقصة في صحيح مسلم ،في باب التوبة )
. (4
وسيأتي في قصة الثلثة الذين ابتلهم الله من بني إسرائيل البرص والقرع
والعمى ،وأن الملك تشكل لهم بصورة بشر .
وقد خاض بعض أهل العلم في كيفية تشكل الملئكة بنظرة عقلية مجردة ،
فجاؤوا بكلم غث ،وما كان أغناهم عن الخوض في هذا المبحث الغيبي ،
فالله أعلمنا بتشكلهم ،ولم يعلمنا بكيفية ذلك ،وكان يسع هؤلء ما وسع
رسول الله وأصحابه من بعده ،فيقفوا حيث وقفوا ،وإن شئت أن ترى شيئا ً
من كلم من تكلم في هذا الموضوع ،فارجع إلى كتاب السيوطي ) :الحبائك
في أخبار الملئك ( ). (5
-2عظم سرعتهم :
أعظم سرعة يعرفها البشر هي سرعة الضوء ،فهو ينطلق بسرعة )(186
ألف ميل في الثانية الواحدة .
ما سرعة الملئكة فهي فوق ذلك ،وهي سرعة ل تقاس بمقاييس البشر ، أ ّ
كان السائل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فل يكاد يفرغ من سؤاله
ب العزة سبحانه وتعالى ،واليوم لو ُوجدت حتى يأتيه جبريل بالجواب من ر ّ
المراكب التي تسير بسرعة الضوء ،فإنها تحتاج إلى ) مليار ( سنة ضوئية
حتى تبلغ بعض الكواكب الموجودة في آفاق هذا الكون الواسع الشاسع .
-3علمهم :
) (1/16
والملئكة عندهم علم وفير عّلمهم الله إّياه ،ولكن ليس عندهم القدرة التي
أعطيت للنسان في التعرف على الشياء ) :وعّلم آدم السماء كلها ث ُ ّ
م
عرضهم على الملئكة فقال َأنب ُِئوِني بأسماء هؤلء إن كنتم صادقين – قالوا
سبحانك ل علم لنا إل ّ ما عّلمتنا إّنك أنت العليم الحكيم ( ] البقرة -31 :
. [ 32
فالنسان يتميز بالقدرة على التعرف على الشياء ،واكتشاف سنن الكون ،
والملئكة يعلمون ذلك بالتلقي المباشر عن الله سبحانه وتعالى .
ن الذي علمهم الله إياه أكثر مما يعرفه النسان ،ومن العلم الذي ولك ّ
ن عليكم لحافظين – كراما ً كاتبين – يعلمون ما أعطوه علم الكتابة ) :وإ ّ
تفعلون ( ] النفطار . [ 12-10 :
وسيأتي إيضاح هذا في مبحث ) الملئكة والنسان ( .
اختصام المل العلى :
والملئكة تتحاور فيما بينها فيما خفي عليها من وحي ربها ،ففي سنن
الترمذي ،ومسند أحمد عن ابن عباس :أن الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ) :أتاني الليلة ربي – تبارك وتعالى – في أحسن صورة – قال :أحسبه
قال :في المنام – فقال :يا محمد ،هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟
ي، ي ،حتى وجدت بردها بين ثدي ّ قال :قلت :ل .قال :فوضع يده بين كتف ّ
فعلمت ما في السماوات ،وما في الرض .
فقال :يا محمد ! هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟ قلت :نعم ،في
الكفارات والدرجات ،والكفارات :المكث في المساجد بعد الصلة ،
والمشي على القدام إلى الجماعات ،وإسباغ الوضوء في المكاره ،
والدرجات :إفشاء السلم ،وإطعام الطعام ،والصلة بالليل والناس نيام .
قال :صدقت ،ومن فعل ذلك عاش بخير ،ومات بخير ،وكان من خطيئته
كيوم ولدته أمه .
وقال :يا محمد ،إذا صليت فقل :اللهم إني أسألك فعل الخيرات ،وترك
ي ،وإذا ب المساكين ،وأن تغفر لي ،وترحمني ،وتتوب عل ّ المنكرات ،وح ّ
أردت بعبادك فتنة ،فاقبضني إليك غير مفتون ( ). (6
) (1/17
قال ابن كثير في هذا الحديث بعد ذكره له " :هذا حديث المنام المشهور ،
ومن جعله يقظة فقد غلط ،وهو في السنن من طرق ،وهذا الحديث رواه
الترمذي من حديث جهضم بن عبد الله اليمامي به .
وقال الحسن :صحيح ،وليس هذا الختصام هو الختصام المذكور في
حى القرآن في قوله ) :ما كان لي علم بالمل اْل َعَْلى إذ يختصمون – إن ُيو َ
مبين( ] ص . [ 70-69 : ي إل ّ أّنما أنا نذيٌر ّ
إل ّ
فإن الختصام المذكور في الحديث ،قد فسره الرسول صلى الله عليه
وسلم .
والختصام المذكور في القرآن فسرته اليات بعده ) :إذ قال رّبك للملئكة
ويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ن – فإذا س ّ ً
إني خالق بشرا من طي ٍ
ساجدين – فسجد الملئكة كّلهم أجمعون – إل ّ إبليس استكبر وكان من
الكافرين ( ] ص . [ 74-71 :
فالختصام المذكور في القرآن كان في شأن آدم – عليه السلم – وامتناع
إبليس من السجود له ،ومحاجته رّبه في تفضيله عليه " ). (7
-4منظمون في كل شؤونهم :
الملئكة منظمون في عبادتهم ،وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على
ف الملئكة عند ربها ( ؟ قالوا فون ما تص ّ القتداء بهم في ذلك فقال ) :أل تص ّ
:يا رسول الله ،وكيف تصف الملئكة عند ربها ؟ قال ) :يتمون الصفوف ،
ويتراصون في الصف ( ). (8
فا ً (
فا ً ص ّ
وفي يوم القيامة يأتون صفوفا ً منتظمة ) :وجاء رّبك والملك ص ّ
] الفجر ، [ 22 :ويقفون صفوفا ً بين يدي الله تعالى ) :يوم يقوم الّروح
فا ً ل يتكّلمون إل ّ من أذن له الّرحمن وقال صوابا ً ( ] النبأ :والملئكة ص ّ
، [ 38والروح :جبريل .
وانظر إلى دقة تنفيذهم للوامر ،ففي صحيح مسلم ،ومسند أحمد عن أنس
رضي الله عنه :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :آتي باب الجنة
فأستفتح ،فيقول الخازن :من أنت ؟ فأقول :محمد ،فيقول :بك أمرت ل
أفتح لحد قبلك ( ). (9
) (1/18
) (1/19
ل هذا هو السبب الذي دعا فريقا ً من العلماء إلى القول :إن الملئكة ولع ّ
ليسوا بمكلفين ،وإنهم ليسوا بداخلين في الوعد والوعيد ). (1
ويمكن أن نقول :إن الملئكة ليسوا بمكلفين بالتكاليف نفسها التي كلف بها
أبناء آدم .أما القول بعدم تكليفهم مطلقا ً ،فهو قول مردود ،فهم مأمورون
بالعبادة والطاعة ) :يخافون رّبهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون( ] النحل :
. [ 50وفي الية أنهم يخافون ربهم ،والخوف نوع من التكاليف الشرعية ،
بل هو من أعلى أنواع العبودية ،كما قال فيهم ) :وهم من خشيته
مشفقون ( ] النبياء . [ 28 :
مكانة الملئكة :
خير ما يوصف به الملئكة أنهم عباد الله ،ولكنهم عباد مكرمون ،وقد سبق
ن الملئكة – بنات الله – دعوى أن أشرنا إلى أن دعوى المشركين في أ ّ
باطلة ،ل نصيب لها من الصحة ،وقد أكذب الله القائلين بهذا القول ،وبين
حقيقة الملئكة ومكانتهم في أكثر من موضع ،قال تعالى ) :وقالوا اّتخذ
مكرمون – ل يسبقونه بالقول وهم بأمره الّرحمن ولدا ً سبحانه بل عباد ٌ ّ
يعملون – يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل ّ لمن ارتضى وهم
ه من دونه فذلك نجزيه جهنم من خشيته مشفقون – ومن يقل منهم إ ِّني إل ٌ
ظالمين ( ] النبياء . [ 29-26 : كذلك نجزي ال ّ
الملئكة عباد يتصفون بكل صفات العبودية ،قائمون بالخدمة ،منفذون
للتعاليم ،وعلم الله بهم محيط ،ل يستطيعون أن يتجاوزوا الوامر ،ول أن
يخالفوا التعليمات الملقاة إليهم ،خائفون وجلون .وعلى احتمال أن بعضهم
تعدى طوره ،فإن الله يعذبه جزاء تمرده .
) (1/21
ومن تمام عبودية الملئكة أنهم ل يتقدمون بين يدي ربهم مقترحين ،ول
يعترضون على ما أمر من أوامره ،بل هم عاملون بأمره ،مسارعون
مجيبون ) ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ( ] النبياء ، [ 27 :وهم ل
يفعلون إل ما يؤمرون به ،فالمر يحركهم ،والمر يوقفهم ،ففي صحيح
البخاري عن ابن عباس ) (2قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لجبريل ) :أل تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ ( قال :فنزلت ) :وما نتنّزل إل ّ بأمر
ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان رّبك نسي ّا ً ( ] مريم 64 :
[.
نماذج من عبادتهم :
الملئكة عباد الله ،مكلفون بطاعته ،وهم يقومون بالعبادة والتكاليف بيسر
وسهولة .وسنورد – هنا – بعض العبادات التي حدثنا الله ،أو رسوله صلى
الله عليه وسلم أنهم يقومون بها .
-1التسبيح :الملئكة يذكرون الله تعالى ،وأعظم ذكره التسبيح ،يسبحه
تعالى حملة عرشه ) :اّلذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم
( ] غافر ، [ 7 :كما يسبحه عموم ملئكته ) :والملئكة يسبحون بحمد
ربهم ( ] الشورى . [ 5 :
وتسبيحهم لله دائم ل ينقطع ،ل في الليل ،ول في النهار ) :يسبحون الّليل
والّنهار ل يفترون ( ] النبياء . [ 20 :
ولكثرة تسبيحهم فإنهم هم المسبحون في الحقيقة ،وحق لهم أن يفخروا
صافون – وإّنا لنحن المسبحون ( ] الصافات -165 : بذلك ) :وإّنا لنحن ال ّ
. [ 166
وما كثرة تسبيحهم إل لن التسبيح أفضل الذكر ،روى مسلم في صحيحه عن
أبي ذر ،قال :سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذكر أفضل ؟ قال
) :ما اصطفى الله لملئكته أو لعباده :سبحان الله وبحمده ( ). (3
) (1/22
-2الصطفاف :سبق ذكر الحديث الذي يحث الرسول صلى الله عليه وسلم
فيه أصحابه على القتداء بالملئكة في الصطفاف للصلة ) :أل تصفون كما
تصف الملئكة عند ربها ؟ ( .وعندما سئل عن كيفية اصطفافهم قال :
) يتمون الصفوف ،ويتراصون في الصف ( .رواه مسلم ). (4
صافون ( ] الصافات . [ 165 :وهم وفي القرآن عن الملئكة ) :وإّنا لنحن ال ّ
يقومون ،ويركعون ،ويسجدون ،ففي مشكل الثار للطحاوي ،وفي المعجم
الكبير للطبراني عن حكيم بن حزام قال :
" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ قال لهم :
) أتسمعون ما أسمع ؟ ( .قالوا :ما نسمع من شيء ،قال ) :إني لسمع
أطيط السماء ،وما تلم أن تئط ،ما فيها موضع شبر إل عليه ملك ساجد أو
قائم ( ). (5
-3الحج :للملئكة كعبة في السماء السابعة يحجون إليها ،هذه الكعبة هي
التي أسماها الله تعالى :البيت المعمور ،وأقسم به في سورة الطور :
) والبيت المعمور ( ] الطور . [ 4 :
قال ابن كثير عند تفسير هذه الية " :ثبت في الصحيحين :أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال في حديث السراء ،بعد مجاوزته السماء
م رفع بي إلى البيت المعمور ،وإذا هو يدخله كل يوم سبعون السابعة ) :ث ّ
ألفا ً ،ل يعودون إليه آخر ما عليهم ( ) (6؛ يعني يتبعدون فيه ،ويطوفون به
كما يطوف أهل الرض بكعبتهم ،والبيت المعمور هو كعبة أهل السماء
م الخليل – عليه الصلة والسلم – مسندا ً ظهره جد إبراهي َ
السابعة ،ولهذا وَ َ
إلى البيت المعمور ؛ لنه باني الكعبة الرضية ،والجزاء من جنس العمل " .
وذكر ابن كثير أن البيت المعمور بحيال الكعبة ،أي فوقها ،لو وقع لوقع
عليها ،وذكر أن في كل سماء بيتا يتعبد فيه أهلها ،ويصلون إليه ،والذي في
السماء الدنيا يقال له :بيت العزة .
) (1/23
وهذا الذي ذكره ابن كثير من أن البيت المعمور بحيال الكعبة مروي عن علي
بن أبي طالب ،أخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة :أن رجل ً قال
لعلي – رضي الله عنه : -ما البيت المعمور ؟ قال " :بيت في السماء بحيال
البيت ،حرمة هذا في السماء كحرمة هذا في الرض ،يدخله كل يوم سبعون
ألف ملك ،ول يعودون إليه " ). (7
قال فيه الشيخ ناصر الدين اللباني ) : (8ورجاله ثقات غير خالد بن عرعرة
وهو مستور ...ثم ذكر أن له شاهدا ً مرسل ً صحيحا ً من رواية قتادة ،قال :
ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما ً لصحابه ) :هل تدرون ما
البيت المعمور ؟ قالوا :الله ورسوله أعلم ،قال :فإنه مسجد في السماء ،
تحته الكعبة ،لو خّر لخر عليها . ( ...
ثم قال المحقق ) اللباني ( " :وجملة القول أن هذه الزيادة ) حيال الكعبة (
ثابتة بمجموع طرقها " .
-4خوفهم من الله وخشيتهم له :ولما كانت معرفة الملئكة بربهم كبيرة ،
كان تعظيمهم له ،وخشيتهم له ،عظيمة ،قال الله فيهم ) :وهم من خشيته
مشفقون ( ]النبياء . [28 :
ويبين شدة خوفهم من ربهم ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ) :إذا قضى الله المر في السماء ضربت الملئكة
بأجنحتها خضعانا ً لقوله كالسلسلة على صفوان ( .
قال علي ،وقال غيره " :صفوان ينفذهم ذلك .فإذا فزع عن قلوبهم قالوا :
ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال :الحق ،وهو العلي الكبير " ). (9
وفي معجم الطبراني الوسط بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه :أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :مررت ليلة ُأسري بي بالمل العلى
،وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى ( ). (10
" والحلس :كساء يبسط في أرض البيت " .
--------------------------------
) (1لوامع النوار البهية . 2/409 :
) (2صحيح البخاري . 6/305 :ورقمه . 3218 :
) (3صحيح مسلم . 4/2093 :ورقمه . 2731 :
) (1/24
) (1/25
عندما توفي آدم لم يعرف أولده كيف يفعلون به ،فأعلمتهم الملئكة ،ففي
ي رضي مستدرك الحاكم ،ومعجم الطبراني الوسط ،بإسناد صحيح ،عن أب ّ
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ) :لما توفي آدم غسلته الملئكة
بالماء وترا ً ،وألحدوا له ،وقالوا :هذه سنة آدم في ولده ( ). (3
وقد ثبت في صحاح الحاديث أن الملئكة غسلت شهيدا ً من هذه المة هو
حنظلة بن أبي عامر ،الذي استشهد في معركة أحد ،فقد قال الرسول
ن صاحبكم تغسله صلى الله عليه وسلم لصحابه بعد مقتل حنظلة ) :إ ّ
الملئكة ،يعني حنظلة ( ،فسأل الصحابة زوجته ،فقالت :إّنه خرج لما سمع
الهائعة وهو جنب .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :لذلك غسلته
الملئكة ( .
رواه الحاكم والبيهقي وإسناده حسن ،وقد ذكر ابن عساكر بإسناد صحيح :
ن الوس افتخروا بأن منهم غسيل الملئكة :حنظلة بن الراهب ). (4 أ ّ
--------------------------------
ً
) (1هذه الية ظاهرة الدللة في أن الملئكة جميعا سجدوا لدم ،وفي هذا
رد ٌ على الذين قالوا إن الذين سجدوا هم جزء من الملئكة ،أو أنهم ملئكة
الرض فحسب ،والثر الوارد في أنهم ملئكة الرض المنسوب إلى ابن
عباس فيه نكارة وانقطاع .ويرى ابن تيمية أن الية نص ل يحتمل التأويل ،
ول يجوز مخالفتها .
) (2صحيح البخاري . 11/3 :ورقمه . 6227 :ورواه مسلم . 4/2184 :
ورقمه . 2841 :
) (3صحيح الجامع . 5/48 :
) (4سلسلة الحاديث الصحيحة :حديث رقم . 326 :
المبحث الثاني
الملئكة وبني آدم
علقة الملئكة بذرية آدم علقة وثيقة ،فهم يقومون عليه عند خلقه ،
وي ُك َّلفون بحفظه بعد خروجه إلى الحياة ،ويأتونه بالوحي من الله ،ويراقبون
أعماله وتصرفاته ،وينزعون روحه إذا جاء أجله .
المطلب الول
دورهم في تكوين النسان
) (1/26
روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر ،قال :سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول ) :إذا مّر بالنطفة اثنان وأربعون ليلة ،بعث الله إليها
م قال : ملكا ً ،فصورها ،وخلق سمعها وبصرها ،وجلدها ولحمها وعظامها ،ث ّ
ب :أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ( ). (1 أي ر ّ
وعن ابن مسعود ،قال :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق
م يكون المصدوق قال ) :إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ً ،ث ّ
م يكون مضغة مثل ذلك ،ثم يبعث الله إليه ملكا ً يؤمر علقة مثل ذلك ،ث ّ
بأربع كلمات ،ويقال له :اكتب عمله ورزقه ،وشقي أو سعيد ،ثم ينفخ فيه
الروح ( ). (2
وفي الصحيحين أيضا ً ،عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
بقة ،أي ر ّ ب عَل َ َ
ب نطفة ،أي ر ّكل الله بالرحم ملكا ً ،فيقول :أي ر ّ )و ّ
ي أمب ذكر أم أنثى ؟ أشق ّ قها قال :أي ر ّ ْ
خل َ مضغة ،فإذا أراد الله أن يقضي َ
سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه ( ). (3
--------------------------------
) (1صحيح مسلم . 4/2037 :ورقمه . 2645 :
) (2رواه البخاري . 6/203 :ورقمه . 3208 :ورواه مسلم . 4/2036 :
ورقمه . 2643 :
) (3رواه البخاري . 11/477 :ورقمه . 6595 :ورواه مسلم . 4/2038 :
ورقمه . 2646 :واللفظ للبخاري .
المطلب الثاني
حراستهم لبن آدم
من أسّر القول ومن جهر به ومن هو مستخف ّ منكم ٌ ءسوا قال تعالى ) :
ت من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر قَبا ٌ بالّليل وسارب بالّنهار – له ُ
معَ ّ
الله ( ]الرعد . [11-10 :
وقد بين ترجمان القرآن ابن عباس أن المعقبات من الله هم الملئكة جعلهم
در الله ليحفظوا النسان من أمامه ومن ورائه ،فإذا جاء قدر الله – الذي ق ّ
أن يصل إليه – خلوا عنه .
) (1/27
وقال مجاهد " :ما من عبد إل له ملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من
ن والنس والهوام ،فما منها شيء يأتيه إل قال له الملك وراءك ،إلالج ّ
شيء أذن الله فيه فيصيبه " .
وقال رجل لعلي بن أبي طالب " :إن نفرا ً من مراد يريدون قتلك ،فقال
در ،فإذا جاء القدر
) أي علي ( :إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يق ّ
خليا بينه وبينه ،إن الجل جّنة حصينة " ). (1
والمعقبات المذكورة في آية الرعد هي المرادة بالية الخرى ) :وهو القاهر
ة حّتى إذا جاء أحدكم الموت توّفته رسلنا فوق عباده ويرسل عليكم حفظ ً
وهم ل يفرطون ( ]النعام ، [61 :فالحفظة الذين يرسلهم الله يحفظون
العبد حتى يأتي أجله المقدر له .
--------------------------------
) (1راجع البداية والنهاية . 1/54 :
المطلب الثالث
سفراء الله إلى رسله وأنبيائه
ً
وقد أعلمنا الله أن جبريل يختص بهذه المهمة ) :قل من كان عدوّا لجبريل
دقا ً لما بين يديه ( ] البقرة . [ 97 :
فإّنه نّزله على قلبك بإذن الله مص ّ
وقال ) :نزل به الّروح المين – على قلبك لتكون من المنذرين ( ] الشعراء :
. [ 194-193
وقد يأتي بالوحي غير جبريل – وهذا قليل – كما في الحديث الذي رواه
مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال ) :بينما جبريل قاعد عند النبي صلى
الله عليه وسلم سمع نقيضا ً من فوقه ،فرفع رأسه ،فقال :هذا باب من
السماء فتح اليوم ،لم يفتح قط إل اليوم ،فنزل منه ملك ،فقال :هذا ملك
ط إل اليوم ،فسّلم ،وقال :أبشر بنورين أوتيتهما نزل إلى الرض لم ينزل ق ّ
لم يؤتهما نبي قبلك :فاتحة الكتاب ،وخواتيم سورة البقرة ،لن تقرأ بحرف
منهما إل أعطيته ( ). (1
وفي التاريخ لبن عساكر عن حذيفة :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ي – نزل من السماء ،لم ينزل قبلها – فبشرني قال ) :أتاني مالك فسلم عل ّ
أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجّنة ،وأن فاطمة سيدة نساء أهل
الجّنة ( ). (2
) (1/28
وفي مسند أحمد وسنن النسائي عن حذيفة :أن الرسول صلى الله عليه
وسلم قال ) :أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ؟ ( قال :قلت :بلى ،
قال ) :فهو ملك من الملئكة لم يهبط الرض قبل هذه الليلة ،فاستأذن ربه
ي ،ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجّنة ،وأن أن يسلم عل ّ
فاطمة سّيدة نساء أهل الجنة ( ). (3
ليس كل من جاءه ملك فهو رسول أو نبي :
هم ،فالله قد أرسل جبريل ليس كل من جاءه ملك يعد ّ رسول ً أو نبيا ً ،فهذا وَ ْ
إلى مريم ،كما أرسله إلى أم إسماعيل عندما نفد الماء والطعام منها .
ورأى الصحابة جبريل في صورة أعرابي ،وأرسل الله ملكا ً إلى ذلك الرجل
الذي زار أخا ً له في الله يبشره بأن الله يحبه لحبه لخيه ، ....وهذا كثير
وإنما المراد التنبيه .
كيف كان يأتي الوحي الرسول صلى الله عليه وسلم :
في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها :أن الحارث بن هشام –
رضي الله عنه – سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ،فقال :يا رسول
الله ،كيف يأتيك الوحي ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ) :أحيانا ً
صم عني وقد وعيت عنه ي ،فَُيف َ
ده عل ّ
يأتيني مثل صلصلة الجرس ،وهو أش ّ
ما قال ،وأحيانا ً يتمثل لي الملك رجل ً ،فيكلمني ،فأعي ما يقول ( ). (4
فجبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حالته الملكية ،
وهذه شديدة على الرسول صلى الله عليه وسلم ،والحالة الثانية كان جبريل
ينتقل من حالته الملكية إلى البشرية ،وهذه أخف على الرسول صلى الله
عليه وسلم .
وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلقه الله
عليها مرتين :
الولى :بعد البعثة بثلث سنوات ؛ ففي صحيح البخاري عن جابر ابن عبد الله
:أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ) :بينما أنا أمشي ،إذ سمعت صوتا ً
من السماء ،فرفعت بصري ،فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على
كرسي بين السماء والرض ،فرعبت منه ،فرجعت ،فقلت :زملوني ( )
. (5
) (1/29
فلما كان الغد ،صلى بي الظهر حين كان ظل الشيء مثله ،وصلى بي
العصر حين كان ظل الشيء مثليه ،وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ،
ي
وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل ،وصلى بي الفجر فأسفر .ثم التفت إل ّ
فقال :يا محمد ،هذا وقت النبياء من قبلك ،والوقت ما بين هذين الوقتين (
). (8
رقية جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم :
روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد :أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال ) :يا محمد اشتكيت ؟ قال :نعم ،قال :بسم الله أرقيك ،من
ل ذي نفس ،أو عين حاسد ،الله يشفيك ،بسم كل شيء يؤذيك ،من شر ك ّ
الله أرقيك ( ). (9
أعمال أخرى :
ومن ذلك أّنه حارب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر والخندق ،
وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم في السراء وغير ذلك .
لماذا ل يرسل الله رسله من الملئكة :
والله ل يرسل رسله إلى البشر من الملئكة ؛ لن طبيعة الملئكة مخالفة
لطبيعة البشر ،فاتصالهم بالملئكة ليس سهل ً ميسورا ً ؛ ولذا فإن الرسول
صلى الله عليه وسلم كان يشق عليه مجيء جبريل إليه بصفته الملئكية كما
مضى ،وعندما رأى جبريل على صورته فزع ،وجاء زوجته يقول :دّثروني
ّدثروني .
ً
فلما كانت الطبائع مختلفة ،شاء الله أن يرسل لهم رسول من جنسهم ،ولو
كان سكان الرض ملئكة ،لنزل إليهم ملكا ً رسول ً ،قال تعالى ) :قل لو
سماء ملكا ً رسول ً ن لنّزلنا عليهم من ال ّ مط ْ َ
مئ ِّني َ كان في الرض ملئكة يمشون ُ
( ] السراء . [ 95 :
وعلى فرض أن الله اختار رسله إلى عموم البشر من الملئكة ،فإنه ل
ينزلهم بصورهم الملئكية ،بل يجعلهم يتمثلون في صفة رجال يلبسون ما
يلبس الرجال ،كي يتمكن الناس من الخذ عنهم ) :وقالوا لول أنزل عليه
ك ولو أنزلنا ملكا ً لقضي المر ثم ل ينظرون – ولو جعلناه ملكا ً ّلجعلناه مل ٌ
ما يلبسون ( ]النعام .[9-8 : سَنا عليهم ّ َ َ ً
رجل وَللب َ ْ
) (1/31
فَرة رؤية الملئكة ،ومجيء رسول من وقد أخبر تعالى أن طلب الك َ َ
الملئكة ،إنما هو تعنت ،وليس طلبا ً للهداية ،وعلى احتمال حدوثه فإنهم لن
م ال ْ َ
موَْتى وحشرنا عليهم ك ّ
ل يؤمنوا ) :ولو أنّنا نّزلنا إليهم الملئكة وَك َل ّ َ
مهُ ُ
ن أكثرهم يجهلون ( ] النعام :شيٍء قبل ً ما كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء الله ولك ّ
. [ 111
--------------------------------
) (1صحيح مسلم . 1/554 :ورقمه . 806 :
) (2صحيح الجامع . 1/80 :
) (3مسند أحمد ، 5/391واللفظ له .وصحيح سنن النسائي . 3/226 :
ورقمه . 2975 :
) (4صحيح البخاري . 1/18 :ورقمه . 2 :
) (5صحيح البخاري . 1/27 :ورقمه . 4 :
) (6صحيح البخاري . 1/30 :ورقمه . 6 :
) (7صحيح البخاري . 3-6/5 :ورقمه . 3221 :صحيح سنن النسائي :
. 1/108ورقمه . 480 :
) (8صحيح سنن أبي داود ،واللفظ له . 1/79 :ورقمه . 377 :وصحيح سنن
الترمذي . 1/50 :ورقمه . 127 :وصحيح سنن النسائي عن أبي هريرة :
. 1/109ورقمه . 488 :
) (9صحيح مسلم . 4/1718 :ورقمه . 2186 :
المطلب الرابع
تحريك بواعث الخير في نفوس العباد
ن ،ففي صحيح كل الله بكل إنسان قرينا ً من الملئكة ،وقرينا من الج ّ
ً و ّ
مسلم عن ابن مسعود قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :ما
كل به قرينه من الجن ،وقرينه من الملئكة ( ، منكم من أحد إل وقد و ّ
قالوا :وإياك يا رسول الله ؟ قال ) :وإياي ،إل أن الله أعانني عليه فأسلم ،
فل يأمرني إل بخير ( ). (1
ل هذا القرين من الملئكة ،غير الملئكة الذين أمروا بحفظ أعماله ، ولع ّ
قّيضه الله له ليهديه ويرشده .
) (1/32
) (1/33
وهذه الحاديث توجهنا إلى الكثار من العمال الخيرة التي تصلح نفوسنا ،
وتقرب الملئكة مّنا ،ففي قرب الملئكة منا خير عظيم .وقد سبق ذكر
حديث ابن عباس الذي يبين فيه تأثير لقيا الرسول صلى الله عليه وسلم
بجبريل في شهر رمضان ،لمدارسته القرآن ،وأن الرسول صلى الله عليه
وسلم يكون حين ذاك أجود بالخير من الريح المرسلة ). (3
--------------------------------
) (1صحيح مسلم . 4/2168 :ورقمه . 2814 :
) (2قال محقق كتاب الوابل الصيب معلقا ً على هذا الحديث " :ورواه بمعناه
ابن حبان رقم )) (2362) :موارد(( .والحاكم ) (1/548وصححه ،ووافقه
الذهبي ورجاله ثقات ،وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/120) :وقال :
رواه أبو يعلى ،ورجاله رجال الصحيح ،غير إبراهيم الشامي وهو ثقة .نقول
وصوابه :إبراهيم بن الحجاج السامي بالسين المهملة " .
) (3صحيح البخاري . 1/30 :ورقمه . 6 :
المطلب الخامس
تسجيل صالح أعمال بني آدم وسيئها
الملئكة موكلون بحفظ أعمال بني آدم من خير وشّر ،وهؤلء هم المعنيون
ن عليكم لحافظين – كراما ً كاتبين – يعلمون ما تفعلون ( بقوله تعالى ) :وإ ّ
] النفطار . [ 12-10 :
وقد وكل الله بكل إنسان ملكين حاضرين ،ل يفارقانه ،يحصيان عليه أعماله
وأقواله ) :ولقد خلقنا النسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه
ما
قى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ٌ – ّ من حبل الوريد – إذ يتل ّ
يلفظ من قول إل ّ لديه رقيب عتيد ( ] ق . [ 18-16 :
ومعنى قعيد ،أي :مترصد .ورقيب عتيد ،أي :مراقب معد لذلك ل يترك
كلمة تفلت .
والظاهر أن الملئكة الموكلة بالنسان تكتب كل ما يصدر عن النسان من
ل(]ق: ما يلفظ من قو ٍ أفعال وأقوال ،ل يتركون شيئا ً ؛ لقوله تعالى ّ ) :
. [ 18
) (1/34
ن
ل شيء صدر منه ،ولذلك فإ ّ ولذلك فإن النسان يجد كتابه قد حوى ك ّ
َ
الكفار ينادون يرون كتاب أعمالهم يوم القيامة قائلين ) :يا وَي ْلت ََنا مال هذا
الكتاب ل يغادر صغيرة ً ول كبيرةً إل ّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ً ول
يظلم رّبك أحدا ً ( ] الكهف . [ 49 :
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه :أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ) :إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ل
يلقي لها بال ً يرفعه الله بها درجات ،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله
ل يلقي لها بال ً يهوي بها في جهنم ( ). (1
وذكر ابن كثير في تفسيره عن الحسن البصري أنه تل هذه الية ) :عن
اليمين وعن الشمال قعيد ٌ ( ] ق ، [ 17 :ثم قال " :يا ابن آدم بسطت لك
كل بك ملكان كريمان ،أحدهما عن يمينك ،والخر عن يسارك ، صحيفة ،وو ّ
ما الذي عن يمينك ،فيحفظ الحسنات ،وأما الذي عن يسارك ،فيحفظ فأ ّ
السيئات ،فاعمل ما شئت ،أقلل أو أكثر ،حتى إذا مت طويت صحيفتك ،
وجعلت في عنقك معك في قبرك ،حتى تخرج يوم القيامة ،فعند ذلك يقول
ل إنسان ألزمناه َ
طآئ َِرهُ في عنقه ونخرج له يوم القيامة الله تعالى ) :وك ّ
ً ً
قاهُ منشورا – اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( ] السراء : كتابا ً ي َل ْ َ
. [ 14-13
ثم يقول الحسن :عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك .
ل إل ّما يلفظ من قو ٍوذكر ابن كثير أيضا ً عن ابن عباس في قوله تعالى ّ ) :
ل ما تكلم به من خير أو شر ، لديه رقيب عتيد ٌُ ( ] ق [ 18 :قال " :يكتب ك ّ
حتى إّنه ليكتب قوله :أكلت ،شربت ،ذهبت ،جئت ،رأيت .حتى إذا كان
يوم الخميس عرض قوله وعمله ،فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر ،
موألقى سائره ؛ وذلك قوله تعالى ) :يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أ ّ
الكتاب ( ] الرعد . [ 39 :
) (1/35
ن في مرضه ،فبلغه عن طاووس وذكر ابن كثير عن المام أحمد أّنه كان يئ ّ
أنه قال " :يكتب الملك كل شيء حتى النين ،فلم يئن أحمد حتى مات
رحمه الله " .
صاحب اليمين يكتب الحسنات والخر السيئات :
ن رسول اللهفي معجم الطبراني الكبير بإسناد حسن عن أبي أمامة :أ ّ
صلى الله عليه وسلم قال ) :إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات
عن العبد المسلم المخطئ ،فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ،وإل كتب
واحدة ( ). (2
هل تكتب الملئكة أفعال القلوب ؟
ن الملئكة تكتب أفعال القلوب بقوله ل شارح الطحاوية ) (3على أ ّ استد ّ
تعالى ) :يعلمون ما تفعلون ( ] النفطار ، [ 12 :فالية شاملة للفعال
الظاهرة والباطنة .
واستدل أيضا ً بالحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول
م عبدي بسيئة فل ل :إذا ه ّالله صلى الله عليه وسلم ) :قال الله عّز وج ّ
م بحسنة فلم يعملها ، تكتبوها عليه ،فإن عملها فاكتبوها سيئة ،وإذا ه ّ
فاكتبوها حسنة ،فإن عملها فاكتبوها عشرا ً ( ). (4
وفي الحديث الخر المتفق عليه عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى
ب ذاك عبد يريد أن يعمل سيئة ،وهو الله عليه وسلم ) :قالت الملئكة :ر ّ
أبصر به ،فقال :ارقبوه ،فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ،وإن تركها فاكتبوها
له حسنة ،إّنما تركها من جّراي ( ). (5
شبهة :
قد يقال :أل يتناقض علم الملئكة بإرادة النسان وقصده مع قوله تعالى :
في الصدور ( ] غافر . [ 19 : خ ِ
) يعلم خاِئنة العين وما ت ُ ْ
فالجواب :أن هذا ليس من خصائص علم الله تعالى ،فهو وإن خفي عن
البشر ،فل يعلم واحدهم ما في ضمير أخيه ،فل يلزم أن يخفى عن الملئكة
.
ما
وقد يقال :إن الملئكة تعلم بعض ما في الصدور ،وهو الرادة والقصد ،أ ّ
بقية المور كالعتقادات ،فل دليل على كونها تعلمها .
دعوة العباد إلى فعل الخير :
) (1/36
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه :أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ) :ما من يوم يصبح العباد فيه إل ملكان ينزلن ،فيقول أحدهما :
ممسكا ً تلفا ً ( ). (6م أعط ُمنفقا ً خلفا ً ،ويقول الخر :الله ّ اللهم أعط ُ
--------------------------------
) (1صحيح البخاري . 11/308 :ورقمه . 6478 :
) (2صحيح الجامع . 2/212 :
) (3شرح العقيدة الطحاوية :ص . 438
) (4صحيح مسلم . 1/117 :ورقمه . 128 :
) (5صحيح مسلم . 1/117 :ورقمه ، 129 :واللفظ له ،ورواه البخاري :
. 13/465ورقمه . 7501 :
) (6صحيح البخاري . 3/304 :ورقمه . 1442 :ورواه مسلم . 2/700 :
ورقمه . 1010 :
المطلب السادس
ابتلء بني آدم
وقد يرسل الله بعض ملئكته لبتلء بني آدم واختبارهم ،ففي البخاري
ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه :أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول ) :إن ثلثة في بني إسرائيل :أبرص ،وأقرع ،وأعمى ،فأراد الله أن
يبتليهم ،فبعث إليهم ملكا ً .
فأتى البرص ،فقال :أي شيء أحب إليك ؟ فقال :لون حسن ،وجلد حسن
،ويذهب عني الذي قذرني الناس ،قال :فمسحه ،فذهب عنه قذره ،
ب إليك ؟ قال :البل ، وأعطي لونا ً حسنا ً وجلدا ً حسنا ً .قال :فأيّ المال أح ّ
ك إسحاق ،إل أن البرص أو القرع قال أحدهما :البل ) أو قال :البقر ،ش ّ
وقال الخر :البقر ( ،فأعطي ناقة عشراء .فقال :بارك الله لك فيها .
ب إليك ؟ قال :شعر حسن ،ويذهب قال :فأتى القرع ،فقال :أيّ شيء أح ّ
عني هذا الذي قذرني الناس .قال :فمسحه ،فذهب عنه ،وأعطي شعرا ً
ب إليك ؟ قال :البقر ،فأعطي بقرة حامل ً ، حسنا ً .قال :فأيّ المال أح ّ
وقال :بارك الله لك فيها .
) (1/37
ي
ب إليك ؟ قال :أن يرد الله إل ّ قال :فأتى العمى فقال :أيّ شيء أح ّ
بصري ،فأبصر به الناس ،قال :فمسحه ،فرد ّ الله بصره .قال :فأيّ المال
ب إليك ؟ قال :الغنم .فأعطي شاة والدا ً ،فُأنتج هذان ،ووَل ّد َ هذا . أح ّ
قال :فكان لهذا واد من البل ،ولهذا واد من البقر ،ولهذا واد من الغنم .
ثم إنه أتى البرص في صورته وهيئته ،فقال :رجل مسكين قد انقطعت بي
الحبال في سفري ،فل بلوغ لي اليوم إل بالله ،ثم بك ،أسألك – بالذي
أعطاك اللون الحسن ،والجلد الحسن ،والمال – بعيرا ً أتبلغ به في سفري ،
فقال :الحقوق كثيرة ،فقال له :كأني أعرفك ،ألم تكن أبرص يقذرك
الناس ،فقيرا ً فأعطاك الله ؟ فقال :إنما ورثت هذا المال كابرا ً عن كابر .
فقال :إن كنت كاذبا ً ،فصيرك الله إلى ما كنت .
قال :وأتى القرع في صورته وهيئته ،فقال له مثل ما قال لهذا ،ورد ّ عليه
مثل ما رد ّ هذا ،فقال :إن كنت كاذبا ً ،فصيرك الله إلى ما كنت .
قال :وأتى العمى في صورته وهيئته ،فقال :رجل مسكين وابن سبيل .
انقطعت بي الحبال في سفري ،فل بلغ لي اليوم إل بالله ،ثم بك ،أسألك
– بالذي رد ّ عليك بصرك – شاة أتبلغ بها في سفري ،فقال :قد كنت أعمى
ي بصري ،فخذ ما شئت ،ودع ما شئت ،فوالله ل أجهدك اليوم فرد ّ الله إل ّ
شيئا ً أخذته لله ،فقال :أمسك مالك ،فإّنما ابتليتم ،فقد رضي الله عنك ،
وسخط على صاحبيك ( ). (1
--------------------------------
) (1رواه البخاري . 6/500 :ورقمه . 3464 :ورواه مسلم . 4/2275 :
ورقمه . 2964 :واللفظ لمسلم .
المطلب السابع
نزع أرواح العباد عندما تنتهي آجالهم
اختص الله بعض ملئكته بنزع أرواح العباد عندما تنتهي آجالهم التي قدرها
م إلى ربكم كم ملك الموت اّلذي وكل بكم ث ُ ّ الله لهم ،قال تعالى ) :قل ي َت َوَّفا ُ
ترجعون ( ]السجدة . [11 :
) (1/38
قاهُِر فوق عباده ويرسل والذين يقبضون الرواح أكثر من ملك ) :وهو ال ْ َ
ه رسلنا وهم ل يفرطون – ثم ة حّتى إذا جاء أحدكم الموت ت َوَفّت ْ ُ عليكم حفظ ً
رّدوا إلى الله مولهم الحق إل له الحكم وهو أسرع الحاسبين ( ] النعام :
. [ 62-61
ً ً ً
وتنزع الملئكة أرواح الكفرة والمجرمين نزعا شديدا عنيفا بل رفق ول
ت الموت والملِئكة باسطوا أيديهم مَرا ِ هوادة ) :ولو ترى إذ ال ّ
ظالمون في غَ َ
أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون ( ] النعام . [ 93 :
وقال ) :ولو ترى إذ يتوّفى اّلذين كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم
وذوقوا عذاب الحريق ( ] النفال . [ 50 :
م الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم ( ]محمد : وقال ) :فكيف إذا ت َوَفّت ْهُ ُ
. [27
ً ً
أما المؤمنون فإن الملئكة تنزع أرواحهم نزعا رفيقا .
تبشيرهم المؤمنين عند النزع :
وإذا جاء الموت ،ونزل بالعبد المؤمن ،فإن الملئكة تتنزل عليه ،تبشره
م استقاموا تتنّزل عليهم الملئكة أل ّ تخافوان اّلذين قالوا ربّنا الله ث ّ
وتثبته ) :إ ّ
ول تحزنوا وأبشروا بالجّنة التي كنتم توعدون – نحن أولياؤكم في الحياة
دعون (الدنيا وفي الخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما ت ّ
] فصلت . [ 31-30 :
وهي تبشر الكفرة بالنار وغضب الجبار وتقول لهم ) :أخرجوا أنفسكم اليوم
تجزون عذاب الهون ( ] النعام . [ 93 :
موسى يفقأ عين ملك الموت :
) (1/39
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ) :جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلم ،
فقال له :أجب ربك ( ،قال ) :فلطم موسى عين ملك الموت ففقأهما ( .
قال ) :فرجع الملك إلى الله تعالى ،فقال :إنك أرسلتني إلى عبد لك ل
يريد الموت ،وقد فقأ عيني ( .قال ) :فرد ّ الله إليه عينه ،وقال :ارجع إلى
عبدي فقل :الحياة َ تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور ،
م
م مه ؟ قال :ث ّ شْعرة ،فإنك تعيش بها سنة ،قال :ث ّ فما توارت يدك من َ
تموت .قال :فالن من قريب ( ) )) . (1وملك الموت كان يأتي الناس
عيانا ً ،فأتى موسى فلطمه وفقأ عينه (( ). (2
وذكر ابن حجر العسقلني أن بعض المبتدعة أنكر هذا الحديث .وذكر في
الرد عليهم " :أن موسى لطم ملك الموت ،لنه رأى آدميا ً دخل داره بغير
إذنه ،ولم يعلم أنه ملك الموت ،وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار
المسلم بغير إذن ،وقد جاَءت الملئكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة
آدميين فلم يعرفهم ابتداًء ،ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكولت ،ولو
عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه " ). (3
والتكذيب بالحاديث الصحيحة التي تخبر عن الغيوب بنظر عقلي مجرد ينافي
اليمان ،فأول صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب ،كما ذكر الله ذلك في
ح الخبر عن الله أو عن رسوله فليس هناك إل مطلع سورة البقرة ،فإذا ص ّ
ذكُر ّ
التصديق ) :والّراسخون في العلم يقولون آمّنا به كل من عند ربنا وما ي ّ
إل ّ أولوا اللباب ( ] آل عمران . [ 7 :
--------------------------------
) (1رواه البخاري . 3/206 :ورقمه . 1339 :ورواه مسلم . 4/1843 :
ورقمه . 2373 :واللفظ لمسلم .
) (2هذه الرواية رواها أحمد في مسنده ،والطبري .انظر :فتح الباري :
. 6/442
) (3فتح الباري . 6/442 :
المطلب الثامن
علقة الملئكة بالعبد في قبره ومحشره والدار الخرة
) (1/40
سيأتي في مبحث اليمان باليوم الخر إن شاء الله تعالى ما يكون من
الملئكة نحو العباد بعد الموت من سؤال الملكين للعبد في قبره ،وهذان
هما منكر ونكير ،وأن منهم ملئكة ينّعمون العباد في قبورهم ،وآخرون
يعذبون الكفرة والمجرمين ،واستقبالهم للمؤمن في يوم القيامة ،ونفخ
إسرافيل في الصور ،وحشرهم الناس للحساب ،وسوقهم الكفرة إلى جهنم
،والمؤمنين إلى الجنة ،وقيامهم على تعذيب الكفار في النار ،وسلمهم
على المؤمنين في الجنة .
الملئكة والمؤمنون
تحدثنا في المبحث السابق عن الدور الذي كلف الله الملئكة القيام به تجاه
بني آدم كلهم ؛ مؤمنهم وكافرهم ،فما ذكرناه من تشكيلهم للنطفة ،
وحراستهم للعباد ،وتبليغهم للوحي ،ومراقتبهم للعباد ،وكتابة العمال ،
ونزع الرواح ،ل تختص بقسم من بني آدم دون قسم ،ول بمؤمن دون
كافر .
وللملئكة بعد ذلك دور مختلف مع المؤمنين والكفار ،وسنتناول دورهم
وموقفهم من كل الفريقين بالبيان والتوضيح .
المطلب الول
دور الملئكة تجاه المؤمنين ) الجزء الول (
-1محبتهم للمؤمنين :
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :إذا أحب الله عبدا ً نادى جبريل :إن الله
يحب فلنا ً فأحببه ،فيحبه جبريل .فينادي جبريل في أهل السماء :إن الله
م يوضع له القبول في الرض ( )(1 ب فلنا ً فأحبوه ،فيحبه أهل السماء ،ث ّ يح ّ
.
-2تسديد المؤمن :
سان بن ثابت :أن رسول الله صلى الله روى البخاري في صحيحه عن ح ّ
م أيده بروح القدس ( ). (2 عليه وسلم دعا له ،فقال ) :الله ّ
وفي الصحيح أيضا ً عن أبي هريرة قال ) :قال سليمان عليه السلم :
ن الليلة بمائة امرأة ،تلد كل امرأة يقاتل في سبيل الله . لطوف ّ
ن ،ولمفقال له الملك :قل :إن شاء الله ،فلم يقل ،ونسي ،فأطاف به ّ
ن نصف إنسان ( . تلد إل امرأة منه ّ
) (1/41
قال النبي صلى الله عليه وسلم ) :لو قال :إن شاء الله لم يحنث ،وكان
أرجى لحاجته ( ). (3
فالملك سدد نبي الله سليمان وأرشده إلى الصوب والكمل .
-3صلتهم على المؤمنين :
ن الله
أخبرنا الله أن الملئكة تصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ) :إ ّ
وملئكته يصّلون على الّنبي ( ] الحزاب . [ 56 :وهم يصلون على المؤمنين
ت إلى الّنور أيضا ً ) :هو اّلذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظ ّل ُ َ
ما ِ
وكان بالمؤمنين رحيما ً ( ]الحزاب . [43 :
والصلة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند ملئكته ،حكاه البخاري عن أبي
العالية ،وقال غيره :الصلة من الله – عز وجل – الرحمة ،وقد يقال :ل
منافاة بين القولين .
ما الصلة من الملئكة فبمعنى الدعاء للناس ،والستغفار لهم ،وهذا ما وأ ّ
سنوضحه فيما يأتي :
نماذج من العمال التي تصلي الملئكة على صاحبها :
أ -معّلم الناس الخير :
روى الترمذي في سننه عن أبي أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال
) :إن الله وملئكته وأهل السماوات والرض حتى النملة في جحرها ،وحتى
الحوت ،ليصلون على معلم الناس الخير ( ). (4
ب -الذين ينتظرون صلة الجماعة :
في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
م اغفر له ) :إن الملئكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه ،تقول :الله ّ
،اللهم ارحمه .ما لم يحدث ( ). (5
ج -الذين يصلون في الصف الول :
في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه :أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ) :إن الله وملئكته يصلون على الصفوف الول ( ). (6
وفي سنن النسائي ) :على الصفوف المتقدمة ( ). (7
وفي سنن ابن ماجة من حديث البراء ،وحديث عبد الرحمن بن عوف ) :إن
الله وملئكته يصلون على الصف الول ( ). (8
دون الفرج بين الصفوف : د -الذين يس ّ
) (1/42
في سنن ابن ماجة عن عائشة قالت :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) :إن الله وملئكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ،ومن سد ّ
فرجة رفعه الله بها درجة ( ). (9
هـ -الذين يتسحرون :
في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الوسط بإسناد حسن ،عن ابن عمر
رضي الله عنهما :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :إن الله تعالى
وملئكته يصلون على المتسحرين ( ). (10
و -الذين يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم :
روى أحمد في مسنده ،والضياء في المختارة عن عامر بن ربيعة بإسناد
ي
حسن :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :ما من عبد يصلي عل ّ
ل العبد من ذلك أو ليكثر ( ي ،فليق ّ
ت عليه الملئكة ،ما دام يصلي عل ّ إل صل ْ
). (11
ز -الذين يعودون المرضى :
روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم ،قال ) :ما من رجل يعود مريضا ً ممسيا ً ،إل خرج معه سبعون
ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ،وكان له خريف في الجّنة ،ومن أتاه
مصبحا ً خرج معه سبعون ألف ملك ،يستغفرون له حتى يمسي ،وكان له
خريف في الجنة ( ). (12
هل لصلة الملئكة علينا أثر :
يقول تعالى ) :هو اّلذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إلى
ّ
الّنور( ] الحزاب . [ 43 :
تفيد الية أن ذكر الله لنا في المل العلى ،ودعاء الملئكة للمؤمنين
واستغفارهم لهم ،له تأثير في هدايتنا وتخليصنا من ظلمات الكفر والشرك
والذنوب والمعاصي إلى النور الذي يعني وضوح المنهج والسبيل ،بالتعرف
على طريق الحق الذي هو السلم ،وتعريفنا بمراد الله منا ،وإعطائنا النور
الذي يدلنا على الحق :في الفعال والقوال والشخاص .
-4التأمين على دعاء المؤمنين :
) (1/43
الملئكة يؤمّنون على دعاء المؤمن :وبذلك يكون الدعاء أقرب إلى الجابة ،
ففي صحيح مسلم وسنن ابن ماجة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ) :دعوة المرء المسلم لخيه بظهر الغيب مستجابة ،عند رأسه
ملك ،كلما دعا له بخير قال الملك الموكل به :آمين ،ولك بمثل ( ). (13
من عليه حري ّا ً بالجابة ،فإنه ل ينبغي للمؤمن أن يدعو ولما كان الدعاء المؤ ّ
على نفسه بشر ،ففي صحيح مسلم عن أم سلمة قالت :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) :ل تدعوا على أنفسكم إل بخير ،فإن الملئكة
يؤمنون على ما تقولون ( ). (14
-5استغفارهم للمؤمنين :
سماوات أخبرنا الله أن الملئكة يستغفرون لمن في الرض ) :تكاد ال ّ
ن والملئكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في طرن من فوقه ّ يتف ّ
ن الله هو الغفور الّرحيم ( ] الشورى . [ 5 :الرض أل إ ّ
وأخبر في آية سورة غافر أن حملة العرش والملئكة الذين حول العرش
ينزهون ربهم ،ويخضعون له ،ويخصون المؤمنين التائبين بالستغفار ،
ويدعونه بأن ينجيهم من النار ،ويدخلهم الجنة ،ويحفظهم من فعل الذنوب
والمعاصي ) :اّلذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم
ة وعلما ًل شيٍء رحم ً ويؤمنون به ويستغفرون لّلذين آمنوا رّبنا وسعت كل ك ّ
فاغفر لّلذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم – رّبنا وأدخلهم جّنات
ن اّلتي وعدّتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم إّنك أنت العزيز عد ٍ
الحكيم – وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ ٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز
العظيم ( ] غافر . [9-7 :
-6شهودهم مجالس العلم وحلق الذكر وحفهم أهلها بأجنحتهم :
) (1/44
في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال :قال
النبي صلى الله عليه وسلم ) :إن لله ملئكة يطوفون في الطرق ،
يلتمسون أهل الذكر ،فإذا وجدوا قوما ً يذكرون الله تنادوا :هلموا إلى
حاجتكم ( .قال ) :فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ( ). (15
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) :وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب
فتهم
الله ،ويتدارسونه بينهم إل نزلت عليهم السكينة ،وغشيتهم الرحمة ،وح ّ
الملئكة ،وذكرهم الله فيمن عنده ( ). (16
وفي سنن الترمذي عن أبي الدرداء قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ) :إن الملئكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا ً بما يصنع ( )(17
؛ أي تتواضع له .
فالعمال الصالحة – كما ترى – تقرب الملئكة منا ،وتقربنا منهم ،ولو
استمر العباد في حالة عالية من السمو الروحي ،لوصلوا إلى درجة مشاهدة
الملئكة ومصافحتهم كما في الحديث الذي يرويه مسلم ،عن حنظلة
السيدي ،رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :والذي
نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر ،لصافحتكم
الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ( ). (18
وفي رواية الترمذي عن حنظلة قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) :لو أنكم تكونون كما تكونون عندي لظلتكم الملئكة بأجنحتها ( )
. (19
--------------------------------
) (1صحيح البخاري . 6/303 :ورقمه . 3209 :ورواه مسلم . 4/2030 :
ورقمه . 2637 :
) (2صحيح البخاري . 6/304 :
) (1/45
) (3رواه البخاري . 9/339 :ورقمه . 5242 :وقال ابن حجر في ) فتح
الباري ( 6/460 :ما ملخصه " :في رواية المغيرة ) سبعين ( امرأة ،وفي
رواية شعيب في اليمان والنذور ) :تسعين ( ،ورجحها المؤلف هناك " .
ورواه مسلم في صحيحه . 3/1267 :ورقمه ، 1654 :وفي إحدى رواياته :
ستون ،وفي الخرى :سبعون ،وفي ثالثة :تسعون .
) (4صحيح سنن الترمذي . 2/343 :ورقمه . 2161 :
) (5رواه البخاري . 2/131 :ورقمه ، 647 :ورواه مسلم . 1/459 :ورقمه
، 649 :واللفظ لمسلم .
) (6صحيح سنن أبي داود . 1/130 :ورقمه . 618 :
) (7صحيح سنن النسائي . 1/175 :ورقمه . 781 :
) (8صحيح سنن ابن ماجة . 1/164 :ورقمه . 816 :
) (9صحيح سنن ابن ماجة . 1/164 :ورقمه . 814 :
) (10صحيح الجامع . 2/135 :
) (11صحيح الجامع . 5/174 :
) (12صحيح سنن أبي داود . 2/598 :ورقمه ، 2655 :وصّرح أبو داود
بتصحيحه مرفوعا ً ،وأورد رواية صحيحة عن علي موقوفا ً عليه .
) (13صحيح مسلم . 4/2094 :ورقمه . 2733 :وصحيح سنن ابن ماجة :
. 2/149ورقمه ، 2340 :واللفظ لمسلم .
) (14صحيح مسلم . 6/634 :ورقمه . 920 :
) (15رواه البخاري . 11/208 :ورقمه . 6408 :ورواه مسلم . 4/2069 :
ورقمه . 2689 :واللفظ للبخاري .
) (16صحيح مسلم . 4/2073 :ورقمه . 2699 :
) (17صحيح سنن الترمذي . 2/342 :ورقمه . 2159 :
) (18صحيح مسلم ، 4/2106 :ورقمه . 2750 :
) (19صحيح سنن الترمذي . 2/298 :ورقمه . 1994 :
دور الملئكة تجاه المؤمنين ) الجزء الثاني (
-7تسجيل الملئكة الذين يحضرون الجمعة :
مع ج
ُ َ ال يؤمون الذين فيسجلون ، وهؤلء الملئكة يسجلون بعض أعمال العباد
الول فالول .فعن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
) إذا كان يوم الجمعة وقفت الملئكة على باب المسجد يكتبون الول
فالول ،فإذا خرج المام طووا صحفهم ،وجلسوا يستمعون الذكر ( .متفق
عليه ). (1
) (1/46
) (1/47
ومنهم من يتنّزل من السماء حين يقرأ القرآن ؛ ففي صحيح مسلم عن البراء
بن عازب قال ) :قرأ رجل سورة الكهف ،وفي الدار دابة ،فجعلت تنفر ،
فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته ،قال فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم .
فقال ) :اقرأ فلن ،فإنها السكينة تنزلت عند القرآن ،أو تنزلت للقرآن ( )
. (5
وعن أبي سعيد الخدري ،رضي الله عنه :أن أسيد بن حضير بينما هو في
ليلة يقرأ في مربده ) ، (6إذ جالت ) (7فرسه ،فقرأ ،ثم جالت أخرى ،فقرأ
،ثم جالت أيضا ً .قال أسيد :فخشيت أن تطأ يحيى ،فقمت إليها ،فإذا مثل
الظلة فوق رأسي ،فيها أمثال السرج ،عرجت في الجوّ حتى ما أراها .
قال :فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقلت :يا رسول
الله ،بينا أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي ،إذ جالت فرسي ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :اقرأ ابن حضير ( قال :فقرأت ،
م جالت أيضا ً ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :اقرأ ابن ث ّ
ً
حضير ( :قال :فقرأت ،ثم جالت أيضا ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) :اقرأ ابن حضير ( :قال :فانصرفت ،وكان يحيى قريبا ً منها ،
و
خشيت أن تطأه ،فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج ،عرجت في الج ّ
حتى ما أراها .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :تلك الملئكة كانت تسمع لك ،ولو
قرأت لصبحت يراها الناس ما تستتر منهم ( ). (8
-10يبّلغون الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمته السلم :
روى النسائي والدارمي عن عبد الله بن مسعود قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ) :إن لله ملئكة سياحين في الرض يبلغوني عن أمتي
السلم ( ). (9
-11تبشيرهم المؤمنين :
) (1/48
ك حديث فقد حملوا البشرى إلى إبراهيم بأنه سيرزق بذرية صالحة ) :هل أ ََتا َ
ضيف إبراهيم المكرمين – إذ دخلوا عليه فقالوا سلما ً قال سلما ٌ قوم
ن – فقّربه إليهم قال أل تأكلون – ل سمي ٍ
منكرون – فراغ إلى أهله فجاء بعج ٍ ّ
ة قالوا ل تخف وبشروه بغلم ٍ عليم ٍ ( ] الذاريات -24 : فأوجس منهم خيف ً
. [ 28
ن اللهم يصلي في المحراب أ ّ وبشرت زكريا بيحي ) :فنادته الملئكة وهو قائ ِ ٌ
حَيى ( ] آل عمران . [ 39 :يبشرك ب ِي َ ْ
وليس هذا مقصورا ً على النبياء والمرسلين ،بل قد تبشر المؤمنين ،ففي
ن رجل ً صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :إ ّ
زار أخا ً له في قرية أخرى ،فأرصد الله ) (10له على مدرجته )طريقه(
ملكا ً ،فلما أتى عليه ،قال :أين تريد ؟ قال :أريد أخا ً لي في هذه القرية ،
قال :هل لك عليه من نعمة ترّبها ؟ قال :ل ،غير أني أحببته في الله عّز
ل ،قال :فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ( ). (11 وج ّ
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ) :أتاني جبريل ،فقال :يا رسول الله ! هذه خديجة قد أتتك
معها إناء فيه ِإدام أو طعام أو شراب ،فإذا هي قد أتتك ،فاقرأ عليها السلم
،من رّبها ومني ،وبشرها ببيت في الجنة من قصب ،ل صخب فيه ول نصب
( ). (12
-12الملئكة والرؤيا في المنام :
) (1/49
روى البخاري في صحيحه في باب التهجد ،عن عبد الله بن عمر ،رضي الله
عنهما ،قال " :كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا
صها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها ق ّ
ً ً
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكنت غلما شابا ،وكنت أنام في
المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فرأيت في النوم كأن
ي البئر ،وإذا لها ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ،فإذا هي مطوية كط ّ
قرنان كقرني البئر ،وإذا فيها أناس قد عرفتهم ،فجعلت أقول :أعوذ بالله
من النار ،قال :فلقيهما ملك آخر ،فقال لي :لم ترع " ) (13؛ أي ل تخف .
وفي صحيح البخاري عن عائشة ،رضي الله عنها ،قالت :قال لي رسول
سَرقَ ٍ
ة الله صلى الله عليه وسلم ) :أريتك في المنام يجيء بك الملك في َ
ت عن وجهك الثوب ،فإذا أنت من حرير ،فقال لي :هذه امرأتك ،فكشف ُ
هي ،فقلت :إن يك هذا من الله يمضه ( ). (14
-13يقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في حروبهم :
وقد أمد الله المؤمنين بأعداد كثيرة من الملئكة في معركة بدر ) :إذ
ف من الملئكة مردفين ( مد ّ ُ َ
كم بأل ٍ م ِتستغيثون رّبكم فاستجاب لكم أّني ُ
ة فاّتقوا الله لعّلكم ] النفال ) ، [ 9 :ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنت أذل ٌ
ف من م رّبكم بثلثة آل ٍ مد ّك ُ ْتشكرون – إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن ي ُ ِ
الملئكة منزلين – بلى إن تصبروا وتّتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم
ن ( ] آل عمران . [ 125-123 : مي َسو ّ ِم َ
ف من الملئكة ُ
رّبكم بخمسة آل ٍ
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس :أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال
في يوم بدر ) :هذا جبريل آخذ برأس فرسه ،عليه أداة حرب ( ). (15
) (1/50
وقد بين الله الحكمة والغاية من هذا المداد ،وهو تثبيت المؤمنين ،
والمحاربة معهم ،وقتال العداء ،وقتلهم بضرب أعناقهم وأيديهم ) :وما
ن به قلوبكم وما الّنصر إل ّ من عند الله إ ّ
ن الله جعله الله إل بشرى ولتطمئ ِ ّ
َ
حي رّبك إلى الملئكة أّني معكم فثبتوا عزيز حكيم ( ] النفال ) ، [ 10 :إذ ُيو ِ
اّلذين آمنوا سألقي في قلوب اّلذين كفروا الّرعب فاضربوا فوق العناق
ن ( ] النفال . [ 12 : ل بنا ٍ واضربوا منهم ك ّ
ن قلوبكم مئ ِ ّ ْ
وقال في سورة آل عمران ) :وما جعله الله إل بشرى لكم وَل ِت َط َ
به وما الّنصر إل ّ من عند الله العزيز الحكيم – ليقطع طرفا ً من اّلذين كفروا
ن ( ] آل عمران . [ 127-126 : خآئ ِِبي َ
أو يكبتهم فينقلبوا َ
وقد سمع أحد المقاتلين من المسلمين صوت ضربة ملك ،ضرب بها أحد
الكفار ،وصوته وهو يزجر فرسه ،ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال ) :
بينما رجل من المسلمين يومئذ ٍ يشتد ّ في أثر رجل من المشركين أمامه إذ
سمع ضربة بالسوط فوقه ،وصوت الفارس يقول :أقدم حيزوم ،فنظر إلى
ق
خطم أنفه ،وش ّ المشرك أمامه ،فخّر مستلقيا ً ،فنظر إليه ،فإذا هو قد ُ
وجهه ،كضربة السوط ،فاخضر ذلك أجمع ،فجاء النصاري ،فحدث بذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ) :صدقت ،ذلك من مدد السماء
الثالثة ( ). (16
) (1/51
وقد حاربت الملئكة في مواقع أخر ؛ ففي غزوة الخندق أرسل الله ملئكته :
) يا أيها اّلذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ٌ فأرسلنا عليهم
ريحا ً وجنودا ً لم تروها ( ] الحزاب ، [ 9 :والمراد بالجنود التي لم يروها
الملئكة ،كما ثبت في الصحاح وفي غيرها ) :أن جبريل جاء الرسول صلى
الله عليه وسلم بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الخندق وقد وضع
سلحه واغتسل ،فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار ،فقال للرسول
صلى الله عليه وسلم :وضعت السلح ؟ والله ما وضعناه ،أخرج إليهم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :فأين ؟ فأشار إلى بني قريظة ( )
. (17
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال " :كأني أنظر إلى الغبار
ساطعا ً في زقاق بني غنم ،موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى بني قريظة " ). (18
-14حمايتهم للرسول صلى الله عليه وسلم :
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال أبو جهل
:هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال :فقيل :نعم ،فقال :واللت
ن وجهه في ن على رقبته ،أو لعفر ّ والعزى ،لئن رأيته يفعل ذلك لطأ ّ
التراب .
قال :فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهويصلي ،زعم ليطأ على
رقبته .قال :فما فجأهم منه إل وهو ينكص على عقبه ،ويتقي بيديه ،قال :
فقيل له :ما لك ؟ فقال :إن بيني وبينه لخندقا ً من نار ،وهول ً وأجنحة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :لو دنا مني لختطفته الملئكة
عضوا ً عضوا ً ( ). (19
ورواه البخاري بأخصر من رواية مسلم هذه ،في كتاب التفسير ). (20
-15حمايتهم ونصرتهم لصالحي العباد وتفريج كربهم :
وقد يرسلهم الله لحماية بعض عباده الصالحين من غير النبياء والمرسلين ،
وقد يكون من هذا ما حصل لرجل ذكر ابن كثير خبره .ففي تفسير ابن كثير
من يجيب المضطّر إذا دعاه ُ ( ] النمل [ 62 :قال : عند قوله تعالى ) :أ ّ
) (1/52
ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر محمد بن داود
الدينوري المعروف بالدقي الصوفي ،قال هذا الرجل ) :كنت أكاري على
بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني ،فركب معي ذات مرة رجل ،فمررنا
على بعض الطريق على طريق غير مسلوكة ،فقال لي :خذ في هذه فإنها
أقرب ،فقلت :ل خيرة لي فيها ،فقال :بل هي أقرب ،فسلكناها .
فانتهينا إلى مكان وعر ،وواد عميق ،وفيه قتلى كثيرة ،فقال لي :أمسك
ل سكينا ً معه رأس البغل ،حتى أنزل ،فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه ،وس ّ
وقصدني ،ففررت من بين يديه وتبعني ،فناشدته الله ،وقلت :خذ البغل
بما عليه ،فقال :هو لي ؛ وإنما أريد قتلك ،فخوفته الله والعقوبة ،فلم يقبل
.
فاستسلمت بين يديه ،وقلت :إني أريد أن تتركني حتى أصلي ركعتين ،
ي القرآن ،فلم يحضرني منه حرف ُ
جل ،فقمت أصلي ،فأرِتج عل ّ فقال :ع ّ
واحد ،فبقيت واقفا ً متحيرا ً ،وهو يقول :هيه ،افرغ ،فأجرى الله على
من يجيب المضطر إذا دعاه ُ ويكشف السوء ( ] النمل : لساني قوله ) :أ ّ
، [ 62فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة ،فرمى بها الرجل
،فما أخطأت فؤاده ،فخّر صريعا ً ،فتعلقت بالفارس ،وقلت :بالله من أنت
؟ فقال :أنا رسول الذي يجيب المضطر ،إذا دعاه ،ويكشف السوء .قال :
فأخذت البغل والحمل ،ورجعت سالما " .
) (1/53
ومن ذلك إرسال الله جبريل لغاثة أم إسماعيل في مكة ،ففي صحيح
البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مهاجرة
مه هاجر إلى أرض مكة – وهي قصة طويلة – وفيها إبراهيم بابنه إسماعيل وأ ّ
م إسماعيل سعت سعي النسان المجهود بين الصفا والمروة سبع مرات أن أ ّ
تبحث عن الماء ) ،فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا ً ،فقالت :صه
م تسمعت أيضا ً ،فقالت :قد أسمعت إن كان عندك غواث ، تريد نفسها ،ث ّ
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ،فبحث بعقبه ،أو قال :بجناحه ،حتى
ضيعة فإن ههنا يت الله يبنيه هذاظهر الماء ...فقال لها الملك :ل تخافوا ال ّ
الغلم وأبوه ،وإن الله ل يضيع أهله ( ). (21
ي بنوهذا الملك الذي جاءها هو جبريل ،ففي المسند عن ابن عباس عن أب ّ
كعب قال ) :إن جبريل لما ركض زمزم بعقبه ،جعلت أم إسماعيل تجمع
البطحاء ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم ) :رحم الله هاجر أم إسماعيل ،
لو تركتها لكانت عينا ً معينا ً ( ). (22
-16شهود الملئكة لجنازة الصالحين :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ ) :هذا الذي تحّرك له
العرش ،وفتحت له أبواب السماء ،وشهده سبعون ألفا ً من الملئكة ،لقد
م فّرج عنه ( .رواه النسائي عن ابن عمر ). (23 م ضمة ،ث ّ ض ّ
ُ
-17إضللها للشهيد بأجنحتها :
في البخاري عن جابر ،قال ) :جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وقد مثل به ،ووضع بين يديه ،فذهبت أكشف عن وجهه ،فنهاني قومي ،
فسمع صوت نائحة ،فقيل :ابنة عمرو – أو أخت عمرو . -فقال النبي صلى
م تبكي ،أو ل تبكي ،ما زالت الملئكة تظله الله عليه وسلم ) :ل َ
بأجنحتها ( .
وقد عنون له البخاري بقوله ) :باب ظل الملئكة على الشهيد ( ). (24
-18الملئكة الذين جاؤوا بالتابوت :
) (1/54
ة من ن آية ملكه أن يأتيكم الّتابوت فيه سيكن ٌ قال تعالى ) :وقال لهم نبّيهم إ ّ
ما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملئكة ( ] البقرة : ةم ّ
رّبكم وبقي ّ ٌ
. [ 248
والذي يعنينا من هذه الية ما أخبرنا الله به ،أن الملئكة جاءت بني
إسرائيل ،في تلك الفترة ،بتابوت ،تطمينا ً لهم وتثبيتا ً ؛ كي يعلموا أن
طالوت مختار من الله تعالى ،فيتابعوهُ ويطيعوه ُ .
-19حمايتهم للمدينة ومكة من الدجال :
يدخل الدجال عندما يخرج كل بلد إل مكة والمدينة ؛ لحماية الملئكة لهما ،
كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث فاطمة بنت قيس من قصة تميم
الداري :أن الدجال قال ) :إني أنا المسيح الدجال ،وإني أوشك أن يؤذن
لي في الخروج ،فأخرج فأسير في الرض ،فل أدع قرية إل هبطتها في
ي كلتاهما ،كلما أردت أن أربعين ليلة ،غير مكة وطيبة ،فهما محرمتان عل ّ
أدخل واحدة ،أو أحدا ً منهما ،استقبلني ملك بيده السيف صلتا ،يصدني
ً
قب منها ملئكة يحرسونها ( . عنهما ،وإن على كل ن َ ْ
قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وطعن بمخصرته في المنبر :
) هذه طيبة ،هذه طيبة ،هذه طيبة ( ،يعني :المدينة ). (25
وروى البخاري عن أبي بكرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :ل
يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ،ولها يومئذ ٍ سبعة أبواب ،على كل باب
ملكان ( ). (26
وفي صحيح البخاري أيضا ً عن أبي هريرة :أن الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ) :على أنقاب المدينة ملئكة ،ل يدخلها الطاعون ول الدجال ( ). (27
-20نزول عيسى بصحبة ملكين :
في سنن الترمذي عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم :
في ذكره حديث الدجال ،وفيه ) :فبينما هو كذلك إذ هبط عيسى ابن مريم
عليه السلم بشرقي دمشق ،عند المنارة البيضاء ،بين مهرودتين ،واضعا ً
ي َد َي ْهِ على أجنحة ملكين ( ). (28
-21الملئكة باسطة أجنحتها على الشام :
) (1/55
عن زيد بن ثابت النصاري رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول ) :يا طوبى للشام ،يا طوبى للشام ( .قالوا يا رسول
الله وبم ذلك ؟ قال ) :تلك ملئكة الله باسطوا أجنحتها على الشام ( ). (29
-22ما في موافقة الملئكة من أجر وثواب :
من
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :إذا أ ّ
منوا ،فإنه من وافق تأمينه تأمين الملئكة ،غفر له ما تقدم من َ
المام ،فأ ّ
ذنبه ( ). (30
وفي صحيح البخاري ) :إذا قال أحدكم :آمين ،وقالت الملئكة في السماء :
آمين ،فوافقت إحداهما الخرى ،غفر له ما تقدم من ذنبه ( ). (31
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه :أن النبي صلى الله عليه
م ربنا لكوسلم قال ) :إذا قال المام :سمع الله لمن حمده ،فقولوا :الله ّ
الحمد ،فإنه من وافق قوله قول الملئكة ،غفر له ما تقدم من ذنبه ( )
. (32
--------------------------------
) (1مشكاة المصابيح . 1/436 :ورقمه . 1384 :
) (2رواه البخاري . 2/284 :ورقمه . 799 :
) (3رواه البخاري . 6/306 :ورقمه . 3223 :ورواه مسلم . 1/439 :
ورقمه . 632 :
) (4صحيح مسلم . 1/162:ورقمه . 179 :وفي رواية لمسلم ) :أربع
كلمات ( .
) (5صحيح مسلم . 1/548 :ورقمه . 796 :
) (6المربد :الموضع الذي ييبس فيه التمر ،كالبيدر .
) (7جالت :وثبت .
) (8رواه البخاري . 9/63 :ورقمه . 5018 :من رواية محمد بن إبراهيم عن
أسيد بن حضير .ورواه مسلم . 1/548 :ورقمه . 796 :واللفظ لمسلم .
) (9مشكاة المصابيح . 1/291 :ورقمه . 924 :وقال محقق المشكاة ،
الشيخ ناصر الدين اللباني :إسناده صحيح ،وصححه الحاكم ،ووافقه الذهبي
.
) (10أرصد على مدرجته :أقعد على طريقه .
) (11صحيح مسلم . 4/1988 :ورقمه . 2567 :
) (12رواه البخاري . 7/133 :ورقمه . 3820 :ورواه مسلم . 4/1887 :
ورقمه . 232 :واللفظ لمسلم .
) (1/56
) (13رواه البخاري . 3/6 :ورقمه . 1121 :ورواه مسلم . 4/1927 :
ورقمه . 2479 :
) (14رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب النكاح . 9/180 :ورقمه . 5125 :
ورواه في مناقب النصار . 7/223 :ورقمه . 3895 :وفي التعبير :
. 12/399ورقمه ، 7012 ، 7011 :ورواه مسلم . 4/1889 :ورقمه :
. 2438
) (15صحيح البخاري . 7/312 :ورقمه . 3995 :
) (16صحيح مسلم . 3/1384 :ورقمه . 1763 :
) (17رواه البخاري . 7/407 :ورقمه . 4117 :ورواه مسلم في صحيحه :
. 3/1389ورقمه . 1769 :
) (18رواه البخاري . 407/ :ورقمه . 4118 :
) (19صحيح مسلم . 4/2154 :ورقمه . 2797 :
) (20صحيح البخاري . 8/724 :ورقمه . 4958 :
) (21صحيح البخاري . 6/397 :ورقمه . 3364 :
) (22مسند أحمد . 5/121 :
) (23حديث اهتزاز العرش لموت سعد .رواه البخاري . 7/122 :ورقمه :
. 3802ورواه مسلم عن جابر . 4/1915 :ورقمه . 2466 :أما شهود
الملئكة لجنازته ففي سنن النسائي .انظر صحيح سنن النسائي . 2/441 :
ورقمه . 1942 :
) (24صحيح البخاري . 6/32 :ورقمه . 2816 :
) (25رواه مسلم . 4/2263 :ورقمه . 2942 :
) (26صحيح البخاري . 13/90 :ورقمه . 7125 :
) (27صحيح البخاري . 13/101 :ورقمه . 7123 :
) (28نزول عيسى عليه السلم ثابت في صحيح مسلم . 4/2259 :حديث
رقم ، 2940 :أما الحديث المذكور فرواه الترمذي .انظر صحيح سنن
الترمذي . 2/249 :ورقمه . 1825 :
) (29قال الشيخ ناصر ،في تخريج أحاديث فضائل الشام ،للربعي " :هو
حديث صحيح أخرجه الترمذي ،والحاكم في المستدرك ،وأحمد في
المسند ،وقال الحاكم :صحيح على شرط الشيخين ،ووافقه الذهبي ،وهو
كما قال ،وقال المنذري في الترغيب والترهيب :ورواه ابن حبان في
صحيحه ،والطبراني بإسناد صحيح " .
) (30صحيح البخاري . 2/262 :ورقمه . 780 :ورواه مسلم . 1/307 :
ورقمه . 410 :
) (31صحيح البخاري . 2/266 :ورقمه . 781 :
) (1/57
) (1/58
أعظم ما يؤذي الملئكة الذنوب والمعاصي والكفر والشرك ،ولذا فإن أعظم
دى للملئكة ويرضيهم أن يخلص المرء دينه لربه ،ويتجنب كل ما يغضبه ما ي ُهْ َ
.
ن الملئكة ل تدخل الماكن والبيوت التي يعصى فيها الله تعالى ،أو ولذا فإ ّ
التي يوجد فها ما يكرهه الله ويبغضه ،كالنصاب والتماثيل والصور ،ول
تقرب من تلبس بمعصية كالسكران .
قال ابن كثير ) : (3ثبت في الحديث المروي في الصحاح والمسانيد والسنن
من حديث جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
جنب ( . ) :ل يدخل الملئكة بيتا فيه صورة ول كلب ول ُ
وفي رواية عن عاصم بن ضمرة عن علي ) :ول بول ( ،وفي رواية رافع عن
أبي سعيد مرفوعا ً ) :ل تدخل الملئكة بيتا ً فيه كلب أو تمثال ( ،وفي رواية
ذكوان أبي صالح السماك عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ) :ل تصحب الملئكة رفقة معهم كلب أو جرس ( ). (4
وروى البزار بإسناد صحيح عن بريدة ،رضي الله عنه :أن الرسول صلى الله
عليه وسلم قال ) :ثلث ل تقربهم الملئكة :السكران ،والمتضمخ
بالزعفران ،والجنب ( ). (5
وفي سنن أبي داود بإسناد حسن ،عن عمار بن ياسر أن الرسول صلى الله
عليه وسلم قال ) :ثلثة ل تقربهم الملئكة :جيفة الكافر ،والمتضمخ
بالخلوق ،والجنب إل أن يتوضأ ( ). (6
-3الملئكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم :
ثبت في الحاديث الصحيحة أن الملئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ،فهم
يتأذون من الرائحة الكريهة ،والقذار والوساخ .
ي صلى الله عليه وسلم روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله عن النب ّ
ن مسجدنا ؛ فإن الملئكة قال ) :من أكل الثوم والبصل والكراث ،فل يقرب ّ
تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ( ). (7
وقد بلغ المر بالرسول صلى الله عليه وسلم أن أمر بالذي جاء إلى المسجد
– ورائحة الثوم أو البصل تنبعث منه – أن يخرج إلى البقيع ) .وهذا ثابت في
صحيح مسلم ( ). (8
) (1/59
) (1/60
) (1/61
قال ابن كثير ) : (1وذكروا أن جبريل – عليه السلم – خرج عليهم ،فضرب
وجوههم خفقة بطرف جناحه ،فطمست أعينهم ،حتى قيل غارت بالكلية ،
ولم يبق لها محل ول أثر ...قال تعالى ) :ولقد َراوَُدوه ُ عن ضيفه فطمسنا
أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ( ] القمر . [ 37 :
عال ِي ََها سافلها
َ جعلنا أمرنا ما جاءوفي الصباح أهلكهم الله تعالى ) :فل ّ
ومةٍ عند ربك وما هي من ضود ٍ – مس ّ من ُ ل ّ
جي ٍ
س ّوأمطرنا عليها حجارة ً من ِ
ظالمين ببعيد ٍ ( ] هود [83-82 :قال ابن كثير في تفسيره :قال مجاهد " : ال ّ
أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم ،حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ،
ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلبهم ،ثم كفأها ،وكان حملهم على
خوافي جناحه اليمن " .وذكر أقوال ً مقاربة لهذا القول ،ولم يورد حديثا ً
يشهد لهذا .
-3لعن الكفرة :
ن الّرسول ً
قال تعالى ) :كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أ ّ
ن عليهم مأ ّ جَزآؤُهُ ْ
ظالمين – أولئك َ حقّ وجاءهم البينات والله ل يهدي القوم ال ّ
ن
لعنة الله والملئكة والّناس أجمعين ( ] آل عمران ، [ 87-86 :وقال ) :إ ّ
فار أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والّناس اّلذين كفروا وماتوا وهم ك ّ
أجمعين ( ] البقرة . [ 161 :
ً
ول تلعن الملئكة الكفرة فحسب ،بل قد تلعن من فعلوا ذنوبا معينة ومن
هؤلء :
أ -لعن الملئكة المرأة التي ل تستجيب لزوجها :
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) :إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء ،ل َعَن َْتها الملئكة
حتى تصبح ( ) (2وفي رواية في الصحيح ) :حتى ترجع ( ). (3
ب -لعنهم الذي يشير إلى أخيه بحديدة :
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال أبو
القاسم ) :من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملئكة تلعنه ،حتى وإن كان
مه ( ). (4
أخاه لبيه وأ ّ
) (1/62
ن
ولعن الملئكة يدل على حرمة هذا الفعل ،لما فيه من ترويٍع لخيه ،ول ّ
الشيطان قد يطغيه فيقتل أخاه ،خاصة إذا كان السلح من هذه السلحة
الحديثة ،التي قد تنطلق لقل خطأ ،أو لمسة غير مقصودة ،وكم حدث
أمثال هذا .
ب أصحاب الرسول : ج -لعنهم من س ّ
في معجم الطبراني الكبير عن ابن عباس بإسناد حسن :أن الرسول صلى
ب أصحابي ،فعليه لعنة الله والملئكة والناس الله عليه وسلم قال ) :من س ّ
أجمعين ( .
ً
ب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم دينا لهم فيما عجبا ً لقوام جعلوا س ّ
يتقربون به إلى الله ،مع أن جزاَءهم ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم
هنا ،وهو جزاء رهيب .
د -لعنهم الذين يحولون دون تنفيذ شرع الله :
في سنن النسائي وسنن ابن ماجة ،بإسناد صحيح ،عن ابن عباس ،رضي
قودل عمدا ً فَ َ ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :من قَت َ َ الله عنهما :أ ّ
يديه ،فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله ،والملئكة ،والناس أجمعين ( )(5
.فالذي يحول دون تنفيذ حكم الله في قتل القاتل عمدا ً بالجاه أو المال ...
فعليه هذه اللعنة ،فكيف بالذي يحول دون تنفيذ الشريعة كلها ؟!
هـ -لعنهم الذي يؤوي محدثا ً :
من الذين تلعنهم الملئكة كما يلعنهم الله الذين يحدثون في دين الله ،
بالخروج على أحكامه ،والعتداء على تشريعه ،أو يؤوون من يفعل ذلك ،
ويحمونه ،كما في الحديث الصحيح ) :من أحدث حدثا ً أو آوى محدثا ً ،فعليه
لعنة الله ،والملئكة ،والناس أجمعين ( ). (6
والحدث في المدينة فيه زيادة في الجرام ،ففي الصحيحين عن علي ابن
ي صلى الله عليه وسلم أنه قال ) :المدينة حرم ، أبي طالب قال :قال النب ّ
ً ً
ما بين عَْير إلى ثور ،فمن أحدث فيها حدثا ،أو آوى محدثا ،فعليه لعنة الله ،
والملئكة ،والناس أجمعين ،ل يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ً ،ول عدل ً ( )
. (7
-4طلب الكفار رؤية الملئكة :
) (1/63
وقد طلب الكفار رؤية الملئكة للتدليل على صدق الرسول صلى الله عليه
وسلم ،فأخبرهم الله أن اليوم الذي يرون فيه الملئكة يوم شؤم عليهم ؛ إذ
ل بهم العذاب ،أو عندما ينزل بالنسان الكفار يرون الملئكة عندما يح ّ
ّ
الموت ،ويكشف عنه الغطاء ) :وقال الذين ل يرجون لقاءنا لول أنزل علينا
الملئكة أو نرى رّبنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوّا ً كبيرا ً – يوم يرون
جورا ً ( ]الفرقان -21 : حجرا ً ّ
مح ُ الملئكة ل بشرى يومئذ ٍ للمجرمين ويقولون ِ
. [22
--------------------------------
) (1البداية والنهاية . 1/197 :
) (2صحيح البخاري . 9/293 :ورقمه . 5193 :
) (3المصدر السابق . 9/294 :ورقمه . 5194 :
) (4صحيح مسلم . 4/2020 :ورقمه . 2616 :
) (5صحيح سنن النسائي .3/492 :ورقمه . 4457 ، 4456 :وصحيح سنن
ابن ماجة . 2/96 :ورقمه . 2131 :
) (6صحيح سنن أبي داود . 3/859 :ورقمه . 3797 :وصحيح سنن النسائي
. 3/982 :ورقمه . 4412 :
) (7صحيح البخاري . 4/81 :ورقمه .1870 :ورواه مسلم . 2/994 :
ورقمه . 1370 :واللفظ لمسلم .
الملئكة وبقّية المخلوقات
في الفصل الماضي بينت العلقة بين الملئكة وبني آدم ،وليس هذا كل ما
ُوكل إلى الملئكة ؛ فإن الملئكة يقومون على مختلف شؤون الكون مما
نشاهده ،وما ل نشاهده .
وسأكتفي بذكر بعض ما جاء في ذلك من النصوص .
-1حملة العرش :
العرش أعظم المخلوقات ،محيط بالسماوات وفوقها ،والرحمن مستو عليه
ة( ،ويحمله من الملئكة ثمانية ) :ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ٍ ثماني ٌ
] الحاقة . (1) [ 17 :
-2ملك الجبال :
) (1/64
وللجبال ملئكة ،وقد أرسل الله ملك الجبال إلى عبده ورسوله محمد صلى
الله عليه وسلم يستأمره في إهلك أهل مكة ؛ ففي صحيح البخاري ومسلم
عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ) :يا رسول الله ،هل أتى
عليك يوم كان أشد ّ من يوم أحد ؟ فقال :لقد لقيت من قومك ،وكان أشد ّ
ما لقيت منهم يوم العقبة ) ، (2إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد
كلل ،فلم يجبني إلى ما أردت .
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ،فلم استفق إل بقرن الثعالب ) (3فرفعت
رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ،فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني ،فقال :
إن الله عّز وجل قد سمع قول قومك لك ،وما ردوا عليك ،وقد بعث إليك
ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم .
م قال :يا محمد ،إن الله قدقال :فناداني ملك الجبال ،وسّلم علي ،ث ّ
سمع قول قومك لك ،وأنا ملك الجبال ،وقد بعثني رّبك إليك لتأمرني بأمرك
،فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين ؟ ) (4فقال النبي صلى
الله عليه وسلم ) :بل أرجو أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد الله وحده ل
يشرك به شيئا ً ( ). (5
-3الموكلون بالقطر والنبات والرزاق :
يقول ابن كثير ) " : (6ميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما
الرزاق في هذه الدار ،وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه ،يصرفون
ل جلله . الرياح والسحاب ،كما يشاء الرب ج ّ
ومن الملئكة ما هو موكل بالسحاب ،ففي سنن الترمذي عن ابن عباس :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ) :الرعد ملك من الملئكة موكل
بالسحاب ،معه مخاريق من نار ،يسوق بها السحاب حيث شاء الله ( )، (7
وقد يسقي بلدا ً دون بلد ،أو قرية دون أخرى .
) (1/65
وقد يؤمر بأن يسقي زرع رجل واحد دون سواه ،كما في الحديث الذي رواه
مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
) بينا رجل بفلة من الرض ،فسمع صوتا ً في سحابة :اسق حديقة فلن ؛
فتنحى ذلك السحاب ،فأفرغ ماَءه في حّرة ،فإذا شرجة من تلك الشراج )
(8قد استوعبت ذلك الماء كله .
فتتبع الماء ،فإذا رجل قائم في حديقته ،يحول الماء بمسحاته ،فقال له :يا
عبد الله ،ما اسمك ؟ قال :فلن ،للسم الذي سمع في السحابة ،فقال له
م تسألني عن اسمي ؟ قال :إني سمعت صوتا ً في السحاب :يا عبد الله ،ل ِ َ
الذي هذا ماؤه يقول :اسق حديقة فلن ،لسمك ،فما تصنع فيها ؟ قال :
ما إذ قلت هذا ،فإني أنظر إلى ما يخرج منها ،فأتصدق بثلثه ،وآكل أنا أ ّ
ً
وعيالي ثلثا ،وأرد فيها ثلثه ( ). (9
وعلى كل فالملئكة موكلون بالسماوات والرض ،فكل حركة في العالم
ت أمرا ً ( ] النازعات : مد َب َّرا ِفهي ناشئة عن الملئكة ،كما قال تعالى َ ) :فال ْ ُ
ت أمرا ً ( ] الذاريات ، [ 4 :ويزعم المكذبون ما ِ
س َ
ق ّ ، [ 5وقال َ ) :فال ْ ُ
م َ
للرسل المنكرون للخالق أن النجوم هي التي تقوم بذلك كله ،وكذبوا ،
فالذي يدبر ذلك كله الملئكة بأمر الله تعالى ،كما قال تعالى ) :والمرسلت
ت مل ْ ِ
قَيا ِ ت فرقا ً – َفال ْ ُ ت نشرا ً – َفال ْ َ
فارَِقا ِ ت عصفا ً – َوالّنا ِ
شَرا ِ فا ِ عرفا ً – َفال َْعا ِ
ص َ
ذكرا ً ( ] المرسلت . [ 5-1 :
سابحات سبحا ً – وقال ) :والّنازعات غرقا ً – والنّاشطات نشطا ً – وال ّ
سابقات سبقا ً – فالمدّبرات أمرا ً ( ] النازعات ، [ 5-1 :وقال : فال ّ
صاّفات صفا ً – فالّزاجرات زجرا ً – فالّتاليات ذكرا ً ( ] الصاّفات . [ 3-1 : ) وال ّ
فكل هذه اليات حديث عن الملئكة حال قيامها بتدبير شؤون السماوات
والرض .
--------------------------------
) (1وقد سبق أن بّينا عظيم خلقهم في الفصل الذي تحدثنا فيه عن صفاتهم
وقدراتهم .
) (2موضع بمنى .
) (1/66
) (1/67
وهذا الذي ذكره ابن كثير من كلم عمر بن عبد العزيز وجلسائه في هذه
المسألة يبين الخطأ ما قاله تاج الدين الفزاري ،حيث يقول " :هذه المسألة
من بدع علم الكلم ،التي لم يتكلم فيها الصدر الول من المة ،ول من
بعدهم من أعلم الئمة " ) ، (2بل قد ثبت أن بعض الصحابة تكلموا في
شيء من ذلك ،فهذا عبد الله بن سلم يقول " :ما خلق الله خلقا ً أكرم
عليه من محمد .فقيل له :ول جبريل ول ميكائيل ؟ "
فقال للسائل " :أتدري ما جبريل وميكائيل ؟ إنما جبريل وميكائيل خلق
مسخر كالشمس والقمر ،وما خلق الله خلقا ً أكرم عليه من محمد صلى الله
عليه وسلم " .رواه الحاكم في مستدركه وصححه هو والذهبي ). (3
القوال في المسألة :
يذكر شارح الطحاوية أنه ينسب إلى أهل السنة تفضيل صالحي البشر
والنبياء فقط على الملئكة ،وأن المعتزلة يفضلون الملئكة ،وأتباع
الشعري على قولين ،منهم من يفض النبياء والولياء ،ومنهم من يقف ،ول
يقطع في ذلك قول ً ،وحكي عن بعضهم ميل إلى تفضيل الملئكة ،وحكي
ذلك عن غيرهم من أهل السنة وبعض الصوفية .
وقالت الشيعة :إن جميع الئمة أفضل من جميع الملئكة .ومن الناس من
صل تفصيل ً آخر .
ف ّ
ولم يقل أحد ممن له قول يؤثر :إن الملئكة أفضل من بعض النبياء دون
بعض ،وذكر أن أبا حنيفة ،رحمه الله ،توقف في الجواب عن هذه
المسألة ،وإلى التوقف جنح شارح الطحاوية رحمه الله ). (4
ن المام أحمد ،رحمه الله ،كان يقول " :يخطئ من وذكر السفاريني ) (5أ ّ
ضل الملئكة ،وقال :كل مؤمن أفضل من الملئكة " . ف ّ
موطن النزاع :
ل خلف في أن الكفرة والمنافقين غير داخلين في المفاضلة ،فهؤلء أضل
ل ( ] العراف . [ 179 : من البهائم ) :أولئك كالنعام بل هم أض ّ
) (1/68
ول نعني بالمفاضلة :التفضيل بين حقيقة البشر وحقيقة الملئكة ،وإّنما
المفاضلة بين صالحي البشر والملئكة ،وإن ذهب بعض الناس إلى أن
الملئكة أفضل من سائر المؤمنين ،والنزاع عندهم في المفاضلة بين النبياء
والملئكة .
حجة الذين يفضلون صالحي البشر على الملئكة :
بعد أن حررنا محل النزاع نبين حجة الذين ذهبوا إلى تفضيل البشر .
الدليل الول :أن الله أمر الملئكة بالسجود لدم ،فلول فضله لما أمروا
بالسجود له ) :وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل ّ إبليس أبى
واستكبر ( ] البقرة . [ 34 :
ورد بعضهم أن السجود كان لله ،وآدم إنما كان قبلة لهم ،ولو كان هذا
صحيحا ً لقال :اسجدوا إلى آدم ،وما قال ) :اسجدوا لدم ( ] السراء :
. [ 61
ولو كان المقصود اتخاذ آدم قبلة لما امتنع من السجود ،ولما زعم أّنه خير
ن القبلة تكون أحجارا ً ،وليس في اتخاذها قبلة تفضيل لها . من آدم ،فإ ّ
صحيح أن سجود الملئكة لدم كان عبادة لله ،وطاعة له ،وقربة يتقربون بها
إليه ،إل أنه تشريف لدم وتكريم وتعظيم .
ت أن آدم سجد للملئكة ،بل لم يؤمر آدم وبنوه بالسجود إل لله رب ولم يأ ِ
العالمين ؛ لّنهم – والله أعلم – أشرف النواع ،وهم صالحوا بني آدم ،ليس
فوقهم أحد يحسن السجود له إل الله رب العالمين .
ي( َ ّ
ك هذا الذي كّرمت عَل ّ الدليل الثاني :قوله قصصا ً عن إبليس ) :أ ََرأ َي ْت َ َ
] السراء [ 62 :فإن هذا نص في تكريم آدم على إبليس إذ أمر بالسجود
له .
الدليل الثالث :أن الله تعالى خلق آدم بيده ،وخلق الملئكة بكلمته .
) (1/69
ة ( ] البقرة :
ل في الرض خليف ًالدليل الرابع :قوله تعالى ) :إ ِّني جاع ٌ
. [ 30فالخليفة يفضل على من ليس خليفة ،وقد طلبت الملئكة أن يكون
الستخلف فيهم ،والخليفة منهم حيث قالوا ) :أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء ( ]البقرة [30:فلول أن الخلفة درجة عالية أعلى من درجاتهم
لما طلبوها وغبطوا صاحبها .
ل عن الدليل الخامس :تفضيل بني آدم عليهم بالعلم حين سألهم الله عّز وج ّ
علم السماء ،فلم يجيبوه ؛ بل اعترفوا أنهم ل يحسنونها ،فأنبأهم آدم
بذلك ،وقد قال تعالى ) :قل هل يستوي اّلذين يعلمون واّلذين ل يعلمون ( ]
الزمر . [ 9 :
الدليل السادس :ومما يدل على تفضيلهم أن طاعة البشر أشقّ ،والشق
أفضل ،فإن البشر مجبولون على الشهوة ،والحرص ،والغضب ،والهوى ،
وهي مفقودة في الملك .
الدليل السابع :أن السلف كانوا يحدثون الحاديث المتضمنة فضل صالحي
البشر على الملئكة ،وتروى على رؤوس الناس ،ولو كان هذا منكرا ً لنكروه
ل على اعتقادهم ذلك . ،فد ّ
الدليل الثامن :مباهاة الله بهم الملئكة :فالله يباهي بعباده الملئكة ،إذا
أدوا ما أوجبه عليهم وأمرهم به .فإذا صلوا الفريضة باهى بهم الملئكة ،
ففي المسند وابن ماجة عن عبد الله :أن الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ) :ابشروا ،هذا ربكم قد فتح بابا ً من أبواب السماء ،يباهي بكم
الملئكة ،يقول :انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة ،وهم ينتظرون أخرى (
). (6
وعن أبي هريرة :أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ) :إن الله يباهي
بأهل عرفات أهل السماء ،فيقول لهم :انظروا إلى عبادي هؤلء جاؤوني
شعثا ً غبرا ً ( .إسناده صحيح ،رواه ابن حبان في صحيحه ،والحاكم ،
والبيهقي في السنن ). (7
والذين فضلوا الملئكة احتجوا بمثل حديث ) :من ذكرني في نفسه ذكرته
في نفسي ،ومن ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم ( .
) (1/70
واحتجوا بأن بني آدم فيهم النقص والقصور ،وتقع منهم الزلت والهفوات ،
واحتجوا بمثل قوله تعالى ) :ول أقول لكم إ ِّني ملك ( ] النعام . [ 50 :وهذا
يدل على فضل الملئكة على البشر .
تحقيق القول في ذلك :
وتحقيق القول في ذلك ما ذكره ابن تيمية من أن صالحي البشر أفضل
باعتبار كمال النهاية ،وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة ،ونالوا الزلفى ،
وسكنوا الدرجات العل ،وحياهم الرحمن ،وخصهم بمزيد قربه ،وتجلى لهم ،
يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم ،وقامت الملئكة في خدمتهم بإذن ربهم
.
والملئكة أفضل باعتبار البداية ،فإن الملئكة الن في الرفيق العلى ،
ما يلبسه بنو آدم ،مستغرقون في عبادة الرب ،ول ريب أن هذه منزهون ع ّ
الحوال الن أكمل من أحوال البشر .
قال ابن القيم :وبهذا التفصيل يتبين سّر التفضيل ،وتتفق أدلة الفريقين ،
ويصالح كل منهم على حقه ) . (8والله أعلم بالصواب .
--------------------------------
) (1البداية والنهاية . 1/58 :
) (2شرح العقيدة الطحاوية . 339 :
) (3راجع تحقيق اللباني على شرح العقيدة الطحاوية ،ص . 342 :
) (4شرح العقيدة الطحاوية . 338 :
) (5لوامع النوار البهية . 2/398 :
) (6صحيح الجامع . 1/67 :
) (7صحيح الجامع . 2/141 :
) (8ومن أراد مزيدا ً من البحث في هذه المسألة فليرجع إلى ) مجموع
الفتاوى ( ، 11/350 :وإلى ) لوامع النوار البهية ، ( 2/368 :وإلى ) شرح
العقيدة الطحاوية . ( 338 :وقد طبع كتاب السيوطي ) الحبائك في أخبار
الملئك ( .وفيه مبحث طويل في المفاضلة بين الملئكة وبني آدم من ص :
203إلى ص . 251 :
(1/71 )