Professional Documents
Culture Documents
عقيدة الإثبات والتَّنـزِيه
عقيدة الإثبات والتَّنـزِيه
ت لَ هُ
لَِن ْف ِس ِه، أَْثبَتَ هُ
ِ
ان لِ َس َعلَى
كَس َمائِِهَ ،وأَ ْف َعالِ ِهَ ،و َن ْنتَ ِهي ِع ْن َد َذلِ َ
أ و ،هص َفاتِِ
ِ و رسولِ ِهِ ،من َذاتِِ
ه
َ ْ َ ْ َُ
ك َع ْن ُم َما َثلَ ِة أ َْو ُم َش َاب َه ِة َش ْي ٍءَوالَ نَ ِزي ُد َعلَْي ِهَ ،و ُنَن ِّز ُه هُ فِي َذلِ َ
قدرا توحي ُد األسماء ها ِ
وأعظم التوحيد أبواب أجل من َّ
فإن - ١ ( ِمن م ْخلُوقَاتِِ
ه
ً ِّ ْ َ
والص فات ،الرتباط ه باهلل ع َّز وج َّل في ذات ه وأس مائه وص فاته ،إذ كم ال ال ذات
نفس ه في كتاب ه العزي ز
بأس مائها الحس نى وص فاتها العلي ا ،وق د وص ف اهلل تع الى َ
وعلى لس ان نبيِّه الك ريم ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم بأكم ل األوص اف كم ا يلي ق
وحده وأنِس ب ه،
بجالل عظمت ه س بحانه ،ليع ِّرف العب َد بربِّه ،ح تى إذا َع َرف ه َّ
َ
واستحى من قربه ،وعب َده كأنه يراه ،لذلك كان أنفع العلوم علم التوحيد ومنه
ألن «ش رف العلم بش رف المعل وم ،والب اري أش رف علم األس ماء والص فات؛ َّ
المعلوم ات ،ف العلم بأس مائه أش رف العل وم»«[ .أحك ام الق رآن» البن الع ربي( :
أن توحي د األس ماء والص فات -م ع ش رفه وعظيم ق دره -ق د ،])2/804غ ير َّ
األفهام ،وافترق الناس فيها إلى أهل
ُ وض لَّت فيها
األقدامَ ،
ُ زلَّت في معظم أبوابه
تش ٍ
بيه وتمثي ٍل ،ال ذين غَلَ ْوا في اإلثب ات ح تى ش بَّهوا ص فاتِه بص فات خلق ه ،وإلى
صفات كماله سبحانه،ِ ٍ
وتأويل الذين غَلَ وا في التنزيه حتى َس لَبوا هلل ٍ
تعطيل أهل
الس نَّة والجماعة ِمن
أهل ُّ
أن إثبات الصفات يستلزم التشبيهَ ،وهدى اهللُ َ ظنًّا منهم َّ
همهم في االعتقاد السليم القائم على أصلين راسخين: وس َّدد فَ َ
سلف هذه األ َُّمةَ ،
بيه -2 ،تنزي هٌ بال تعطي ٍل .فك ان م ذهب أه ل ُّ
الس نَّة والجماع ة ات بال تش ٍ -1إثب ٌ
بريئً ا من التشبيه والتعطيل ،فال ينفون ما أثبته اهللُ لنفسه ،وال يثبتون ما نفاه اهللُ
يحرف ون ال َكلِ َم عن مواض عه ،وال يلح دون في أس ماء اهلل وآيات ه،
عن نفس ه ،وال ِّ
وال يمثل ون ص فاتِه بص فات خلق ه ،ق ال ابن تيمي ة – رحم ه اهلل – في «مجم وع
الفتاوى» (« :)6/515وجماع القول في إثبات الصفات هو القول بما كان عليه
نفس ه وبم ا وص فه ب هوأئمته ا وه و أن يوص ف اهللُ بم ا وص ف ب ه َ
س لف األ َُّمة َّ
رس وله ،ويُص ان ذل ك عن التحري ف والتمثي ل والتك ييف والتعطي ل؛ ف َّ
إن اهللَ ليس
كمثله شيءٌ ال في ذاته وال في صفاته وال في أفعاله ،فمن نفى صفاتِه كان معطِّالً.
ومن َمثَّل ص فاته بص فات مخلوقات ه ك ان ممثِّالً ،وال واجب إثب ات الص فات ونفي
تعطيل ،كما قال تعالى: ٍ وتنزيها بال مماثلتها لصفات المخلوقات ،إثباتًا بال ٍ
تشبيه
ً
الس ِميع الب ِ ِ ِِ
ص ُير﴾ [الش ورى: ﴿و ُه َو َّ ُ َ س َكمثْله َش ْيءٌ﴾ ،فهذا ردٌّ على الممثِّلةَ ،﴿لَْي َ
قلت :وله ذا دما»ُ . نما والمعطِّل يعب د ع ً ]11ردٌّ على المعطِّل ة ،فالممثِّل يعب د ص ً
ت على وج ه التفص يل كإثب ات الس مع والبص ر وس ائر فص فات ِ
اهلل تع الى تُثبَ ُ
س َك ِمثْلِ ِه
الص فات ،وتُنفى على وج ه اإلجم ال كنفي المثلي ة في قول ه تع الى﴿ :لَْي َ
الس نَّة ال يتج اوزون النص وص الش رعية ،ب ل
َش ْيءٌ﴾ [الش ورى ،]11 :فأه ل ُّ
يعتص مون باأللف اظ الش رعية ال واردة في ب اب األس ماء والص فات نفيً ا وإثباتً ا،
الع َرض والجس م ويتوقَّف ون فيم ا لم يص ِّرح الكت اب ُّ
والس نة بنفي ه وال إثبات ه ك َ
الس نَّة والجماع ةاء على ه ذا األص ل العظيم .ه ذا ،وق د أجم ع أه ل ُّ والج وهر بن ً
قاطبةً على هذا المعتقد السليم ،ونقل ابن عبد البر -رحمه اهلل – عنهم ذلك في
الس نة مجمع ون على اإلق رار بالص فات
«التمهي د» [ ]7/145بقول ه« :أه ل ُّ
والس نَّة واإليم ان به ا ،وحمله ا على الحقيق ة ال على
ال واردة كله ا في الق رآن ُّ
المج از ،إالَّ أنهم ال يكيِّف ون ش يئًا من ذل ك ،وال يَح ُّدون في ه ص فة مح دودة».
الس نَّة والجماع ة قواع د ُمثلى في ب اب األس ماء والص فات دلَّت عليه ا وأله ل ُّ
النصوص الشرعية منه ا - :صفات اهلل تعالى توقيفية ،فال يُثبت منها إالَّ ما أثبته
اهلل لنفسه ،أو ما أثبته له رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم ،من غير تحريف وال
تعطيل وال تكييف وال تمثيل ،وال ينفى عن اهلل تعالى إالَّ ما نفاه عن نفسه ،أو نفاه
كمال ِ
ض دِّه هلل تعالى- . ثبوت ِ ِ
اعتقاد ِ عنه رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم ،مع
كل اسم ثبت الصريح وال بُ َّدُّ - . العقل ت بالنقل الصحيح وافقت كل ٍ
صفة َثبَتَ ْ ُّ
َ َ
إن النفي ليس فيه كمال وال مدح إالَّ ٍ
لصفة وال عكسَّ - . متضم ٌن
ِّ هلل تعالى فهو
تضمن إثباتًا - .الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها إذا َّ
صفات اهلل تعالى ذاتيةٌ وفعلي ةٌ،
ُ في أسمائه وصفاته ،بل يطلق عليه منها كمالها- .
ك عن ال ذات وال تتعلَّق به ا مش يئته وقدرت ه ،والص فات فات الذاتي ةُ ال تنف ُّ
فالص ُ
ول في الص فات الفعلي ة تتعلَّق به ا مش يئته وقدرت ه ،وأفعال ه ال منتهى له ا - .الق ُ
ول في بعض ها ك القول في البعض اآلخ ر ،ف الكالم في
ك القول في ال ذات ،والق ُ
ار لل ذات.
وج ْح ُد األس ماء والص فات إنك ٌ
الص فات ف رع عن الكالم في ال ذاتَ ،
منهج الس لف في ب اب األس ماء والص فات ف بيَّن والمص نِّف -رحم ه اهلل – ق َّرر َ
وج وب اإليم ان بم ا أثبت ه اهللُ لنفس ه في كتاب ه؛ ألن ه ال أح َد أعلم من اهلل باهلل:
﴿أَأَْنتُ ْم أَ ْعلَ ُم أَِم اهللُ﴾ [البقرة ،]140 :ووجوب اإليمان بما أثبته رسوله صلى اهلل
علي ه وآل ه وس لم؛ ألن ه ال مخل وق أعلم بخالق ه من رس وله ص لى اهلل علي ه وآل ه
ِ
وحى﴾ اله َوى إِ ْن ُه َو إِالَّ َو ْح ٌي يُ َ
﴿و َم ا َي ْنط ُق َع ِن َ وس لم ال ذي ق ال اهلل في ِّ
حقهَ :
ييف وال تش ٍ
بيه وال تمثي ٍل ،وتنزي ه اهلل تع الى عن [النجم ،]4-3 :من غ ير تك ٍ
تنزيها ال يفضي إلى التعطيل بتأويل المعاني أو تحريف األلفاظ
النقائص والعيوب ً
عن م دلولها ب دعوى التنزي ه ،ونفي ك ِّل م ا نف اه اهللُ عن نفس ه في كتاب ه أو نف اه
يتضمن كم ال
رس وله م ع اعتق اد ثب وت كم ال ضدِّه هلل تع الى ،فنفي الم وت عن ه َّ
يتضمن كمال َقيُّوميته،
يتضمن كمال عدله ،ونفي النوم َّحياته ،ونفي الظلم عنه َّ
المنفي من الكم ال والجالل.
ِّ ات ِ
ض ِّد وعلى ه ذا فك ُّل نفي عن اهلل يتض َّمن إثب َ
س ا على إثبات
ؤس ً
فكان منهج السلف الجامع بين احترام النصوص واإليمان بها ُم َّ
س على نفي الكم ال أو نفي بعض ه
مؤس ٌ
الكم ال بخالف منهج الخل ف فم ذهبهم َّ
الظن بها إذ ظاهرها -عندهم -التشبيه َفن َف ْوا
مع االعتراض على النصوص وسوء ِّ
أن الس لف -رحمهم اهلل -أعلم باهلل وص فاته من ال َخلَ ف؛ َّ
ألن ك َّ
وأول وا ،وال ش َّ
َّ
ق دوتهم رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم وأص حابه الك رام ،وال يخفى َّ
أن
الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم ك ان أعلم الن ِ
اس بربِّه ،فمن الممتن ع أن يك ون
خواص رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وأصحابه مع ِ
حرص ه صلى اهلل عليه ُّ
ُ
ممن ج اء من بع دهم من
وآل ه وس لم على إف ادتهم وتعليمهم أجه َل باهلل وص فاته َّ
والمقاييس اليوناني ةَ الوثني ةَ!!
َ العقول اآلدمي ةَ
َ مصدر التلقي
َ ال َخلَف الذين اتخذوا
إن أح وال الس لف وجه ادهم وحرص هم على نق ل الش ريعة ص افيةً من األدران ف َّ
محمد الص الح
والش وائب ،ومج انبتهم للب دع تمن ع ق ولهم بغ ير الح ق .ونق ل َّ
رمضان تلميذ الشيخ عبد الحميد بن باديس في «تعليقه على العقائد» (َّ )73
أن
ش َر فَ ِر ِ
يق اإلمام ابن باديس كان وقت الدرس يمتثل بالبيتين التاليينَ « :فنَ ْح ُن َم ْع َ
يه *** ِم ْن غَْي ِر َت ْع ِط ٍ
يل الت ْن ِز ِ
ات َو َّ َ الجن َِّة َن ُق ُ
ول بِا ِإل ْثب ِ
يق َين فِي طَ ِر ِ السن َِّة *** َّ ِ ِ
السالك َ ُّ
والَ تَ ْش بِ ٍيه» وزاد عليه ا معلِّ ًق ا فق ال« :المعطِّل ون :هم ال ذين ينف ون الص ِ
فات َُ َ
اإللهي ة ،والمش بِّهون :هم ال ذين يش بِّهونها بص فات المخل وقين ،وكالهم ا في
وينزهونه ا عن التش بيه
الس نِّيون :فهم ال ذين يثبتونه ا ل ه تع الىِّ ،
ض اللَّ ،أما ُّ
تعطيل اللفظ عن داللة معناه الحقيقي أو الخروج به إلى
ُ بالمخلوقات .والتعطيل:
معنًى آخر ،والتشبيه :تشبيه اهلل بمخلوقاته .فنحن نثبت هلل ما أثبته اهلل لنفسه من
شيء من ذلك بالمخلوقات ،وال غراب ةَ صفات ،وال نشبِّهه في ٍ
ٍ أقوال أو ٍ
أفعال أو ٍ
نفس ا ولكن ال ه جنبي بين أن يثبت ان اإلنس في ه تكييف دم ع ع م في إثب ات ش ٍ
يء
ً
يس تطيع تكييفه ا ك ذلك نثبت ص فات اهلل بال كي ف» ) ،لَِق ْولِ ِه َت َع الَى:
﴿ويُ َح ِّذ ُر ُك ُم اهللُ َن ْف َس هُ﴾( -٢آي ة 28( :و )30من س ورة آل عم ران)، َ
ك﴾( -٣آية ( )116من ﴿َت ْعلَ ُم َما ِفي َن ْف ِس ي َوالَ أَ ْعلَ ُم َم ا فِي َن ْف ِس َ
ث«ب َع َ :ال
َ ق
َ ه ن
ْ ع اهلل ي ضِ ر ة
َ ر ي ره ي ِ
بَأ ِ
يث ِ
د حس ورة المائ دة) ،ولِ
َ َُ ْ َ َ َ ُ َ ُ َ َ
ب يب خُ م ه ن
ْ اهلل ص لَّى اهلل علَي ِه وآلِ ِه وس لَّم ع َش ر ًةِ ،
م ِ ول
َر ُس ُ
ُ ْ َْ ٌ َ َ ُ ْ َ ََ َ َ َ
ي ب ِن عامر األنصاري ،شهد أ ُ
ُح ًدا، بن َع ِد ِّ
ب ُ ي( -٤هو الصحابي ُخَب ْي ُ صا ِر ُّ
األَنْ َ
ص لَّى اهللُ عليه وآله وسلم ،وهو أول َمن َس َّن الركعتين
واستشهد في عهد النبي َ
عند القتل ،وكان فيمن بعثه النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم مع بني لحيان ،فلما
ص اروا ب الرجيع غ دروا بهم ،واستص رخوا عليهم ،وقتل وا فيهم ،وأس روا خبيبً ا
وب اعوه بمك ة ،فقتل وه بمن قت ل الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم من ق ومهم،
وصلبوه بالتنعيم .انظر« :االستيعاب» البن عبد البر« ،)1/440( :أسد الغابة»
البن األث ير« ، )2/104( :س ير أعالم النبالء» لل ذهبي« ،)1/246( :اإلص ابة»
الح َرِم لَِي ْق ُتلُوهُ قَ َ
ال: ن
َُ َ َمالبن حجرَ ،) )1/418( :فلَ َّما َخرجوا ِ
ب َك ا َن فِي ِ
اهلل َي َج ْن ٍ ين أُ ْقتَ ُل ُم ْس لِ ًما *** َعلَى أ ِّحت أُبالِي ِ
َ َولَ ْس ُ َ
ص َر ِعي
َم ْ
إللَ ِه( -٥قال الحافظ ابن حجر -رحمه اهلل -في «الفتح»
اِ َوذَلِ َ
ك فِي ذَ ِ
ات
(« :)13/381قال عياض :ذات الشيء نفسه وحقيقته ،وقد استعمل أهل الكالم
ال ذات ب األلف والالم ،وغلطهم أك ثر النح اة ،وج وزه بعض هم؛ ألنه ا ت رد بمع نى
النفس وحقيقة الشيء ،وجاء في الشعر لكنه شاذ ،واستعمال البخاري لها دال
أن الم راد به ا نفس الش يء على طريق ة المتكلِّمين في ح ِّق اهلل
على م ا تق دم من َّ
قلت :وإضافة لفظة «الذات» إلى اهلل تعالى
تعالى ،ففرق بين النعوت والذات»ُ .
يص ُّح إذا ك ان بمع نى نفس الموص وف بص فات الكم ال ال تي ال نقص فيه ا
وحقيقت ه ،ال أن «ال ذات» ص فة ل ه وال ذاتً ا مج َّردة عن الص فات ،وال ص فات
مجردة عن الذات ،إذ ال يمكن وجود الذات إالَّ بما به تصير ذاتً ا من الصفات،
َّ
وال يمكن وجود الصفات إالَّ بما به تصير صفات من الذات[ .انظر« :مجموع
الفتاوى» البن تيميةَ ) ])206 ،6/142( ،)338 ،5/330( :وإِ ْن يَ َشأْ ***
ع(« -٦أوصال ِشلو ممزع» قال ابن حجر صِ
ال َش ْل ٍو ُم َم َّز ِ ُيبَا ِر ُك َعلَى أ َْو َ
–رحم ه اهلل -في «الفتح» (« :)7/384األوص ال جم ع وص ل :وه و العض و،
والش لو بكس ر المعجم ة :الجس د ،وق د يطل ق على العض و ،ولكن الم راد ب ه هن ا
ثم المهمل ة :المقط ع ،ومع نى الكالم أعض اء جس د
الجس د ،والمم زع ب الزاي َّ
يقطع»)
ص لَّى اهللُ َع ْلَ ِه َوآلِ ِه َو َس لَّ َم َفلَ َّما قُتِ َل ُه َو َوأ ْ
َص َحابُهُ أَ ْخَب َر النَّبِ ُّي َ
ي( -٧أخرج ه البخ اري ُص يبُوا» َر َواهُ البُ َخ ا ِر ُّ َص حابهُ َخب ر ُهم ي وم أ ِ
أ ْ َ َ ََ ْ ََْ
في «الجه اد» ( )6/165ب اب ه ل يستأس ر الرج ل؟ ومن لم يستأس ر ،ومن رك ع
درا (
ركع تين عن د القت ل ،وفي «المغ ازي» ( )7/308ب اب فض ل من يش هد ب ً
)7/378باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان ،وفي «التوحيد» ( )13/381باب
ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي اهلل تعالى ،من حديث أبي هريرة رضي اهلل
عنه)َ ،ولَِق ْولِ ِه َت َع الَى﴿ :قُ ِل ا ْدعُ واْ اهللَ أَ ِو ا ْدعُ واْ ال َّر ْح َم َن أَيًّا َّما
الح ْس نَى﴾( -٨آي ة ( )110من س ورة اإلس راء)،تَ ْدعُواْ َفلَ هُ األَ ْس َماءُ ُ
س نَى فَ ا ْدعُوهُ بِ َه ا﴾( -٩آي ة ( )180من س ورة الح اء م سْ َ
أل ا ﴿و ِ
هلل
ُ
َ ُ ْ َ
أن أس ماء اهلل الحس نى أعالم وأوص اف دالَّة
األع راف .اس تدل المص نف ب اآليتين َّ
وأن المنهج ه و عين المنهج في ال ذات والص فات على ص فات كمال ه س بحانهَّ ،
علم ا َّ
أن اإليم ان باالس م -عن د أه ل وه و عقي دة الس لف في اإلثب ات والتنزي هً ،
الس نة والجماع ة -ال يتم إال بأرك ان ثالث ة - :ال ركن األول :اإليم ان باالس م،
ُّ
يتض َّمن :إثب ات االس م حقيق ة َّأوالً ،فأس ماء اهلل وص فاته تطل ق على اهلل حقيق ة ال
مج ًازا خالفً ا للمتكلِّمين ،ق ال ابن تيمي ة -رحم ه اهلل -في «مجم وع الفت اوى» (
« :)5/196وق د اتف ق أه ل اإلثب ات على َّ
أن اهلل حي حقيق ة ،عليم حقيق ة ،ق دير
حقيقة ،سميع حقيقة ،بعيد حقيقة» ،وتنزيه اهلل تعالى عن مماثلة المخلوقين ثانيً ا،
وذلك باالعتصام بالقاعدة العامة في الصفات التي ذكرها المصنف -رحمه اهلل-
الس ِميع الب ِ
ص ُير﴾ [الش ورى: ِ ِِ
س َكمثْل ه َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ
إثباتً ا ونفيً ا ،لقوله تع الى﴿ :لَْي َ
﴿ه ْل َت ْعلَ ُم لَ هُ َس ِميًّا﴾ [مريم ،]65 :فاألسماء تتفق وتتماثل
،]11وقوله تعالىَ :
وال يعني تماثلها تماثل المسميات ،وإنما تختلف باختالف اإلضافة والتخصيص،
خاص باهلل تعالى ،وما
ٌّ فما أضيف إلى اهلل فال يدخل في معناه المخلوق ،بل هو
اص ب المخلوق،
أُض يف إلى المخل وق فال ي دخل في معن اه الخ الق ،ب ل ه و خ ٌّ
فالقدر الذي تتفق فيه األسماء هو عند اإلطالق فقط وال يعني اتفاق المسميات
عن د اإلض افة والتخص يص ،واإليم ان ب َّ
أن أس ماء اهلل حس نى ثالثً ا ،وأنه ا متض َّمنة
لص فات بالغ ة في الحس ن وغاي ة في الكم ال ،ال نقص فيه ا بوج ه من الوج وه ال
كل ٍ
اسم على تقديرا ،ويكون الحسن في أسماء اهلل تعالى َّإما باعتبار ِّ
احتماالً وال ً
انف راده ،أو باعتب ار ض مه إلى غ يره ،فيجم ع في االس م إذا ض م إلى غ يره حس نًا
الح ْس نَى﴾ على حس ن وكم االً ف وق كم ال ،لقول ه تع الى﴿ :و ِ
َس َماءُ ُ
هلل األ ْ َ
دل علي ه االس م من مع نى، [األع راف - .]180 :ال ركن الث اني :اإليم ان بم ا َّ
بأن لكل ٍ
اسم من أسمائه الحسنى له من جهة اللفظ ويتضمن - :أوال :اإليمان َّ
معنى معلوم يخصه غير االسم اآلخر ،وهو غير معلوم من جهة الحقيقة والكيفية
بإجماع السلف[ .انظر« :ذم التأويل» البن قدامة ،])27( :أي :قطع الطمع عن
﴿وال يُ ِحيطُ و َن بِ ِه ِعل ًْم ا﴾ [ط ه،]110 :
إدراك الحقيق ة والكيفي ة ،لقول ه تع الىَ :
أن الس لف يفوض ون علم الحق ائق والكيفي ات في الص فات إلى اهلل والمعل وم َّ
تعالى ،مع إثبات اللفظ والمعنى هلل تعالى - .ثانيً ا :اإليمان َّ
بأن أسماء اهلل تعالى
أعالم باعتب ار داللته ا على ال ذات ،وليس مع نى االس م ه و ال ذات فق ط ،وهي
أوص اف باعتب ار م ا دلَّت علي ه من المع اني ،فاألس ماء مترادف ة من حيث ال ذات
مسمى واحد وهو ذات اهلل المقدسة ،وهي متباينة جميع ا في داللتها على ًّ
فتتفق ً
الخاص ،فمعنى الخالق غير ٍ
واحد منها على معناه كل
من جهة الصفات لداللة ِّ
ّ
معنى الرزاق ،والرحيم غير العزيز ،والعزيز غير الحكيم ،والحكيم غير الغفور،
جميعا على صفات الكمال المطلق الذي ال يعتريه نقص وال عيب بأي
وهي دالة ً
وجه من الوجوه ،لذلك كانت أسماء اهلل حسنى ،أي :بالغة في الحسن إلى غاية،
تجردت األسماء موصوف بصفات الكمال المطلق ،فلو َّ
ٌ ال حسنة ،واهلل سبحانه
تدل على معنى، أعالما محضة جامدة ال ُّ
الحسنى عن المعاني واألوصاف لكانت ً
والَْنَت َفى الف رق بين اس م وآخ ر ،وال م ا ِعيب على أه ل الش رك إق رارهم ببعض
أن نفي أس ماء اهلل علم ا َّ
األس ماء كالخ الق وال رزاق وإنك ارهم اس م ال رحمنً ،
َس َماء الحسنى وتجريدها عن معانيها من أعظم اإللحاد فيها ،قال تعالى﴿ :و ِ
هلل األ ْ َ
َس َمآئِِه َس يُ ْج َز ْو َن َم ا َك انُواْ ِ ِ
ين ُيلْح ُدو َن في أ ْ
َّ ِ ِ
ْح ْس نَى فَ ا ْدعُوهُ ب َه ا َو َذ ُرواْ الذ َ
ال ُ
َي ْع َملُ و َن﴾ [األع راف - .]180 :ال ركن الث الث :اإليم ان باآلث ار المترتب ة على
متعد فال عالقة له وصف الزم غير ٍّ ٍ االسم ذي وصف متعدٍَّّ ,أما االسم ُّ
الدال على
إالَّ بالركنين السابقين مثل اسم «الحي» فيتضمن صفة الحياة وهو وصف الزم ال
يتعدى إلى الغير ،لذلك ليس له أثر .والمراد باآلثار هو الحكم والمقتضىَّ ،
فإن َّ
ظهور األحكام وآثار االسم الدال على وصف ُم َتع ٍّد ال بُ َّد منه ،إذ هو من مقتضى
الكم ال المق دس والمل ك الت ام ،فاس م «ال رحمن» و«ال رحيم» مش َّتقان من ص فة
الرحم ة ،وتتعلَّق بهم ا اآلث ار ،و«ال رحمن» أش د مبالغ ة من «ال رحيم»،
فـ« ال رحمن» :ذو الرحم ة الواس عة ال تي ش ملت الخل ق في أرزاقهم وأس باب
وأما «الرحيم» وعمت المؤمن والكافر والصالح والطالحَّ ، معايشهم ومصالحهم َّ
يم ا﴾ [األح زاب،]43 : اص ب المؤمنين لقول ه تع الى﴿ :و َك ا َن بِ الْم ْؤ ِمنِ ِ
ين َرح ً
ُ َ َ فخ ٌّ
فأهل التقوى من عباده المتبعين ألنبيائه ورسله لهم الرحمة المطلقة ومن عداهم
ِِ ٍ ﴿و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْ
س أَ ْكتُُب َها للَّذ َ
ين ت ُك َّل َش ْيء فَ َ فلهم نص يب منه ا ،ق ال تع الىَ :
ين ُهم بِآيَاتِنَ ا ُي ْؤ ِمنُ و َن﴾ [األعراف ،]156 :وقد بيَّن َّ ِ َيَّت ُق و َن َو ُي ْؤتُ و َن َّ
الز َك اةَ َوالذ َ
أن ظه ور آث ار الرحم ة من أعظم األدل ة على كم ال ابن القيم –رحم ه اهللَّ -
«إن ظهور آثار هذه الصفة في الوجود كظهور أثر صفة الموصوف حيث قالَّ :
الربوبي ة والمل ك والق درة ،ف َّ
إن م ا هلل على خلق ه من اإلحس ان واإلنع ام ش اهد
أن الموجودات كلَّها شاهدة له بالربوبية التامة كل ٍ
شيء كما َّ تام ٍة وسعت َّ ٍ
برحمة َّ
الكاملة ،وما في العالم من آثار التدبير والتصريف اإللهي شاهد بملكه سبحانه،
فجع ُل صفة الرحمة واسم الرحمة مج ًازا كجع ل صفة المل ك والربوبية مج ًازا،
وال ف رق بينهم ا في ش رع وال عق ل وال لغ ة .وإذا أردت أن تع رف بطالن ه ذا
القول ،فانظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة ،فبرحمته أرسل
إلين ا رس وله ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم وأن زل علين ا كتاب ه ،وعلمن ا من الجهال ة،
وبص رنا من العمى ،وأرش دنا من الغي ،وبرحمت ه عرفن ا من
وه دانا من الض اللةَّ ،
أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا وموالنا ...وبرحمته وضع رحمته بين
عباده ليتراحموا بها ،وكذالك بين سائر الحيوان .فهذا ال تراحم ال ذي بينهم بعض
آث ار الرحم ة ال تي هي ص فته ونعمت ه ،واش تق لنفس ه اس م «ال رحمن ال رحيم».
[«مختص ر الص واعق المرس لة» للموص لي﴿ ،) ])2/316( :الَّ ِذي َخلَ َق
الم ْر َعى ،فَ َج َعلَ ُه ج ر خْ َ
أ ي فَس َّوى ،والَّ ِذي قَ َّدر َفه َدى ،والَّ ِ
ذ
ََ َ َ َ َ َ َ
ال لِ َماَح َوى﴾( -١٠آية )5 ،4، 3، 2( :من سورة األعلى)َ ﴿ ،ف َّع ٌ اء أ ْ
غُثَ ً
يُ ِري ُد﴾( -١١آي ة )107( :من س ورة ه ود ،آي ة )16( :من س ورة ال بروج)،
اتالس مو ِ َّ ن مِّ ا ق
ً ز
ْ ِ
ر م ه ل
َ ك
ُ اهلل م ا الَ يملِِ ِ
ون د ن ﴿ويعب ُدو َن ِ
م
ََ َ ُْ َ َْ ُ َ َ ُْ
َّ ِ ِ ِ ض َش يئًا والَ يس ت ِ
َاهلل ن إ الَ ث
َ م
ْ َ
أل ا هلل ا
ْ وُبر ضْ َت ال
َ ف
َ ،نَ وَواألَ ْر ِ ْ َ َ ْ َ ُ
يعط
َي ْعلَ ُم َوأَنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُم و َن﴾( -١٢آي ة )74 ،73( :من س ورة النحل)،
وء وال َف ْح َش ِاء وأَن َت ُقولُ واْ َعلَى ِ الس ِ ِ
اهلل َم ا الَ َ ﴿إِنَّ َم ا يَ أْ ُم ُر ُك ْم ب ُّ َ
س َك ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء َت ْعلَ ُم و َن﴾( -١٣آي ة )169( :من س ورة البق رة)﴿ ،لَْي َ
ير﴾( -١٤آي ة )11( :من س ورة الش ورى .والمص نِّف الس ِميع الب ِ
َو ُه َو َّ ُ َ ُ
ص
تدل به ذه اآلي ات على ص فات اهلل س بحانه بع دما اس َّ
تدل -رحم ه اهلل -اس َّ
بالمنصوص على الذات واألسماء ،وأنها من حيث تعلُّ ُقها بذات اهلل تعالى صفات
ذاتي ة وهي ال تي لم ي زل وال ي زال متص ًفا به ا ،كالحي اة والعلم والق درة والس مع
وتسمى بالصفات االختيارية وهي صفات متعلقة بمشيئة
َّ والبصر ،وصفات فعلية
﴿و َي ْف َع ُل اهللُ َم ا
اهلل وقدرت ه ،إن ش اء فعله ا وإن لم يش أ لم يفعله ا ،لقول ه تع الىَ :
ال لِّ َم ا يُ ِري ُد﴾ [هود ،107 :البروج: شاءُ﴾ [إبراهيم ،]27 :وقوله تعالىَ ﴿ :ف َّع ٌ
يَ َ
،]16وأفعال ه س بحانه ال منتهى له ا وال حص ر ،ك الخلق واإلعط اء واإلنب ات
واإلخ راج ،واإلنع ام ،واألم ر والنهي وغيره ا .فالص فات الفعلي ة من حيث قيامه ا
بال ذات تس َّمى ص فات ذات ،ومن حيث تعلقه ا بم ا ينش أ عنه ا من األق وال
تسمى صفات أفعال ،فمثالً :صفة الكالم ،فإنها صفة ذات وصفة فعل،
واألفعال َّ
فمن حيث قيامه ا بال ذات لكونه ا متكلم ة أزالً وأب ًدا فهي ص فة ذات ،ومن حيث
تعلقها بالمشيئة واإلرادة فهي صفة فعل ،ومرجع معاني الصفات الذاتية والفعلية
إلى اس مي «الحي» و«القي وم» ،ف ترجع لـ« الحي» ص فات ال ذات ولـ «القي وم»
صفات الفعل .هذا ،وجدير بالتنبيه َّ
أن ما يطلق على اهلل تعالى على سبيل اإلخبار
عنه تع الى ج ائز إذا كان اللفظ داالًّ على مع نى حس ن أو على أقل تق دير ال يدل
ذم أص الً ،كاأللف اظ العام ة ال تي يقص د باإلخب ار به ا َّ
أن اهلل تع الى ذو حقيق ة على ٍّ
موج ودة في الخ ارج ،ك أن يق ول مخ ًبرا :اهلل تع الى ذات ،وش يء ،وموج ود ،أو
والس نة
كاأللف اظ الخاص ة باهلل تع الى ال تطل ق على غ يره ،ولم ي رد في الكت اب ُّ
التس مية أو الوصف به ا إالَّ أنه ا ُّ
تدل على مع نى معين ال عم وم في ه وال إطالق ال
يلي ق إالَّ باهلل تع الى ،والمخل وق ال يتص ف به ا لقص وره عن االتص اف بمعانيه ا،
مث ل :الق ديم ،الق ائم بنفس ه ،واجب الوج ود ،أزلي س رمدي ،ونح و ذل ك ،فه ذه
وغيره ا يج وز إطالقه ا على اهلل تع الى من ب اب اإلخب ار عن ه دون الوص ف
والتس مية ،وم ا يطل ق علي ه من ب اب اإلخب ار ال يجب أن يك ون توقيفيًّا ،ق ال ابن
القيم -رحم ه اهلل -في «ب دائع الفوائ د» (« :)1/161إن م ا ي دخل في ب اب
مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود
اإلخبار عنه تعالى أوسع َّ
والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه وال يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا» ).
درا توحي ُد األس ماء والص فات، ِ -١ف َّ
إن من أج ِّل أب واب التوحي د وأعظمه ا ق ً
الرتباط ه باهلل ع َّز وج َّل في ذات ه وأس مائه وص فاته ،إذ كم ال ال ذات بأس مائها
نفسه في كتابه العزيز وعلى لسان
الحسنى وصفاتها العليا ،وقد وصف اهلل تعالى َ
بجالل عظمته نبيِّه الكريم صلى اهلل عليه وآله وسلم بأكمل األوصاف كما يليق َ
وحده وأنِس ب ه ،واس تحى من قرب ه، س بحانه ،ليع ِّرف العب َد بربِّه ،ح تى إذا َع َرف ه َّ
وعب َده كأن ه ي راه ،ل ذلك ك ان أنف ع العل وم علم التوحي د ومن ه علم األس ماء
ألن «شرف العلم بشرف المعلوم ،والباري أشرف المعلومات ،فالعلم والصفات؛ َّ
بأس مائه أش رف العل وم»«[ .أحك ام الق رآن» البن الع ربي ،])2/804( :غ ير َّ
أن
توحيد األسماء والصفات -مع شرفه وعظيم قدره -قد زلَّت في معظم أبوابه
ٍ
وتمثيل ،الذين ٍ
تشبيه األفهام ،وافترق الناس فيها إلى أهل وض لَّت فيها
األقدامَ ،
ُ ُ
ٍ
وتأويل الذين غَلَ ْوا في اإلثبات حتى شبَّهوا صفاتِه بصفات خلقه ،وإلى أهل ٍ
تعطيل
أن إثبات الصفات صفات كماله سبحانه ،ظنًّا منهم َّ ِ غَلَوا في التنزيه حتى َسلَبوا هلل
وس َّدد ِ
الس نَّة والجماع ة من س لف ه ذه األ َُّمةَ ، يس تلزم التش بيهَ ،وه دى اهللُ أه َل ُّ
ات بال تش ٍ
بيه، همهم في االعتق اد الس ليم الق ائم على أص لين راس خين -1 :إثب ٌ فَ َ
-2تنزيهٌ بال ٍ
تعطيل.
السنَّة والجماعة بريئً ا من التشبيه والتعطيل ،فال ينفون ما أثبته
فكان مذهب أهل ُّ
يحرفون ال َكلِ َم عن مواضعه ،وال
اهللُ لنفسه ،وال يثبتون ما نفاه اهللُ عن نفسه ،وال ِّ
يلحدون في أسماء اهلل وآياته ،وال يمثلون صفاتِه بصفات خلقه ،قال ابن تيمية –
رحم ه اهلل – في «مجم وع الفت اوى» (« :)6/515وجم اع الق ول في إثب ات
وأئمته ا وه و أن يوص ف اهللُ بم ا
الص فات ه و الق ول بم ا ك ان علي ه س لف األ َُّمة َّ
نفس ه وبم ا وص فه ب ه رس وله ،ويُص ان ذل ك عن التحري ف والتمثي ل
وص ف ب ه َ
والتكييف والتعطيل؛ َّ
فإن اهللَ ليس كمثله شيءٌ ال في ذاته وال في صفاته وال في
أفعال ه ،فمن نفى ص فاتِه ك ان معطِّالً .ومن َمثَّل ص فاته بص فات مخلوقات ه ك ان
ممثِّالً ،وال واجب إثب ات الص فات ونفي مماثلته ا لص فات المخلوق ات ،إثباتً ا بال
س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ﴾ ،فه ذا ردٌّ على
َ ي
ْ ل
َ ﴿ الى: تع ال ق ا كم ، ٍ
ل تعطي بال ا وتنزيه
ً
تش ٍ
بيه
ص ُير﴾ [الش ورى ]11 :ردٌّ على المعطِّل ة ،فالممثِّل الس ِميع الب ِ
﴿و ُه َو َّ ُ َ الممثِّل ةَ ،
صنما والمعطِّل يعبد ً
عدما». يعبد ً
ت على وجه التفصيل كإثبات السمع والبصر قلت :ولهذا فصفات ِ
اهلل تعالى تُثبَ ُ ُ
س
وس ائر الص فات ،وتُنفى على وج ه اإلجم ال كنفي المثلي ة في قول ه تع الى﴿ :لَْي َ
السنَّة ال يتجاوزون النصوص الشرعية ،بل َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ﴾ [الشورى ،]11 :فأهل ُّ
يعتص مون باأللف اظ الش رعية ال واردة في ب اب األس ماء والص فات نفيً ا وإثباتً ا،
الع َرض والجس م ويتوقَّف ون فيم ا لم يص ِّرح الكت اب ُّ
والس نة بنفي ه وال إثبات ه ك َ
بناء على هذا األصل العظيم.
والجوهر ً
الس نَّة والجماعة قاطب ةً على هذا المعتقد السليم ،ونقل ابن
هذا ،وقد أجمع أهل ُّ
عب د ال بر -رحم ه اهلل – عنهم ذل ك في «التمهي د» [ ]7/145بقول ه« :أه ل
والس نَّة واإليمان
الس نة مجمعون على اإلقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن ُّ ُّ
بها ،وحملها على الحقيقة ال على المجاز ،إالَّ أنهم ال يكيِّفون شيئًا من ذل ك ،وال
يَ ُّ
حدون فيه صفة محدودة».
الس نَّة والجماع ة قواع د ُمثلى في ب اب األس ماء والص فات دلَّت عليه ا
وأله ل ُّ
النصوص الشرعية منها:
-صفات اهلل تعالى توقيفية ،فال يُثبت منها إالَّ ما أثبته اهلل لنفسه ،أو ما أثبته له
رس وله ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم ،من غ ير تحري ف وال تعطي ل وال تك ييف وال
تمثيل ،وال ينفى عن اهلل تعالى إالَّ ما نفاه عن نفسه ،أو نفاه عنه رسوله صلى اهلل
كمال ِ
ضدِّه هلل تعالى. ثبوت ِ ِ
اعتقاد ِ عليه وآله وسلم ،مع
الصريح وال بُ َّد. العقل كل ٍ
َ ت بالنقل الصحيح وافقت َ صفة َثبَتَ ْ ُّ -
لصفة وال عكس. متضمن ٍ
كل اسم ثبت هلل تعالى فهو ِّ ٌ ُّ -
إن النفي ليس فيه كمال وال مدح إالَّ إذا َّ
تضمن إثباتًا. َّ -
-الص فة إذا ك انت منقس مة إلى كم ال ونقص لم ت دخل بمطلقه ا في أس مائه
وصفاته ،بل يطلق عليه منها كمالها.
تنفك عن الذات وال تتعلَّق
فالصفات الذاتي ةُ ال ُّ
ُ صفات اهلل تعالى ذاتيةٌ وفعليةٌ،
ُ -
بها مشيئته وقدرته ،والصفات الفعلية تتعلَّق بها مشيئته وقدرته ،وأفعاله ال منتهى
لها.
والقول في بعضها كالقول في البعض
ُ القول في الصفات كالقول في الذات،
ُ -
وج ْح ُد األس ماء
اآلخ ر ،ف الكالم في الص فات ف رع عن الكالم في ال ذاتَ ،
إنكار للذات.
والصفات ٌ
منهج الس لف في ب اب األس ماء والص فات ف بيَّن والمص نِّف -رحم ه اهلل – ق َّرر َ
وج وب اإليم ان بم ا أثبت ه اهللُ لنفس ه في كتاب ه؛ ألن ه ال أح َد أعلم من اهلل باهلل:
﴿أَأَْنتُ ْم أَ ْعلَ ُم أَِم اهللُ﴾ [البقرة ،]140 :ووجوب اإليمان بما أثبته رسوله صلى اهلل
علي ه وآل ه وس لم؛ ألن ه ال مخل وق أعلم بخالق ه من رس وله ص لى اهلل علي ه وآل ه
ِ
وحى﴾ اله َوى إِ ْن ُه َو إِالَّ َو ْح ٌي يُ َ
﴿و َم ا َي ْنط ُق َع ِن َ وس لم ال ذي ق ال اهلل في ِّ
حقهَ :
بيه وال تمثي ٍل ،وتنزي ه اهلل تع الى عن ييف وال تش ٍ [النجم ،]4-3 :من غ ير تك ٍ
تنزيها ال يفضي إلى التعطيل بتأويل المعاني أو تحريف األلفاظ
النقائص والعيوب ً
عن م دلولها ب دعوى التنزي ه ،ونفي ك ِّل م ا نف اه اهللُ عن نفس ه في كتاب ه أو نف اه
يتضمن كم ال
رس وله م ع اعتق اد ثب وت كم ال ضدِّه هلل تع الى ،فنفي الم وت عن ه َّ
يتضمن كمال َقيُّوميته،
يتضمن كمال عدله ،ونفي النوم َّ
حياته ،ونفي الظلم عنه َّ
المنفي من الكمال والجالل.
ِّ إثبات ِ
ض ِّد يتضمن َ
فكل نفي عن اهلل َّ
وعلى هذا ُّ
س ا على إثبات
ؤس ً
فكان منهج السلف الجامع بين احترام النصوص واإليمان بها ُم َّ
س على نفي الكم ال أو نفي بعض ه
مؤس ٌ
الكم ال بخالف منهج الخل ف فم ذهبهم َّ
الظن بها إذ ظاهرها -عندهم -التشبيه َفن َف ْوا
مع االعتراض على النصوص وسوء ِّ
أن الس لف -رحمهم اهلل -أعلم باهلل وص فاته من ال َخلَ ف؛ َّ
ألن ك َّ
وأول وا ،وال ش َّ
َّ
ق دوتهم رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم وأص حابه الك رام ،وال يخفى َّ
أن
الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم ك ان أعلم الن ِ
اس بربِّه ،فمن الممتن ع أن يك ون
خواص رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وأصحابه مع ِ
حرص ه صلى اهلل عليه ُّ
ُ
ممن ج اء من بع دهم من
وآل ه وس لم على إف ادتهم وتعليمهم أجه َل باهلل وص فاته َّ
والمقاييس اليوناني ةَ الوثني ةَ!!
َ العقول اآلدمي ةَ
َ مصدر التلقي
َ ال َخلَف الذين اتخذوا
إن أح وال الس لف وجه ادهم وحرص هم على نق ل الش ريعة ص افيةً من األدران ف َّ
والشوائب ،ومجانبتهم للبدع تمنع قولهم بغير الحق.
محمد الصالح رمضان تلميذ الشيخ عبد الحميد بن باديس في «تعليقه على ونقل َّ
أن اإلمام ابن باديس كان وقت الدرس يمتثل بالبيتين التاليين: العقائد» (َّ )73
الجن َِّة السالِ ِك ِ شر فَ ِر ِيق ُّ ِ
ين في طَ ِر ِيق َ السنَّة *** َّ َ « َفنَ ْح ُن َم ْع َ َ
الت ْن ِز ِيه *** ِم ْن غَْي ِر َت ْع ِط ٍ
يل َوالَ تَ ْشبِ ٍيه» ول بِا ِإل ْثب ِ
ات َو َّ َ َن ُق ُ
فات اإللهي ة،وزاد عليه ا معلِّ ًق ا فق ال« :المعطِّل ون :هم ال ذين ينف ون الص ِ
َُ
والمش بِّهون :هم ال ذين يش بِّهونها بص فات المخل وقين ،وكالهم ا في ض اللَّ ،أما
وينزهونها عن التشبيه بالمخلوقات.
السنِّيون :فهم الذين يثبتونها له تعالىِّ ،
ُّ
والتعطي ل :تعطي ُل اللف ظ عن دالل ة معن اه الحقيقي أو الخ روج ب ه إلى معنًى آخ ر،
والتش بيه :تش بيه اهلل بمخلوقات ه .فنحن نثبت هلل م ا أثبت ه اهلل لنفس ه من أق ٍ
وال أو
شيء من ذلك بالمخلوقات ،وال غرابةَ في إثبات صفات ،وال نشبِّهه في ٍٍ ٍ
أفعال أو
نفس ا ولكن ال يس تطيع ٍ
ش يء م ع ع دم تكييف ه في اإلنس ان يثبت أن بين جنبي ه ً
تكييفها كذلك نثبت صفات اهلل بال كيف».
-٢آية 28( :و )30من سورة آل عمران.
-٣آية ( )116من سورة المائدة.
اس َّ
تدل المص نِّف -رحم ه اهلل -على القاع دة األولى من عقي دة اإلثب ات والتنزي ه
بالنص وص الش رعية على ال ذات واألس ماء والص فات الذاتي ة والفعلي ة ،وس يأتي
المزيد من النصوص الشرعية في القواعد الالحقة.
والمالحظ َّ
أن المص نِّف -رحمه اهلل -أثبت النفس هلل تعالى ،ومراده بالنفس هي
ذات ه اإللهي ة المقدس ة ،وال يقص د ب ذلك ذاتً ا منفك ةً عن الص فات وال ص فة ٍ
ذات
كما قاله بعض الناس ،وإنما هي نفس الموصوف وحقيقته ،قال ابن تيمية -رحم ه
اهلل -في «مجموع الفت اوى» (« :)14/196ونفسه :هي ذاته المقدس ة» ،وقال
في موض ع آخ ر من ه (« :)9/292ويُ راد بنفس الش يء ذاتُ ه وعينُ ه ،كم ا يُق ال:
نفس ه وعينَ ه ،وق د ق ال تع الى َ﴿ :ت ْعلَ ُم َم ا فِي َن ْف ِس ي َوالَ أَ ْعلَ ُم َم ا فِي رأيت زي ًدا َ
الر ْح َم ةَ﴾ [األنعام: ب َربُّ ُك ْم َعلَى َن ْف ِس ِه َّك﴾ [المائدة ،]116 :وقال َ ﴿ :كتَ َ َن ْف ِس َ
س هُ﴾ [آل عم ران ،]28 :وفي الح ديث ﴿ويُ َح ِّذ ُر ُك ُم اهللُ َن ْف َ
،]54وق ال تع الىَ :
ْت ب ْع َد ِك أَرب ع َكلِم ٍ
ات لَ و و ِز َّن بِم ا ُقلْتِ ِ
يه ْ ُ َ َْ َ َ الصحيح أنه قال ألم المؤمنين« :لََق ْد ُقل ُ َ
ض ا َن ْف ِس ِه، اهلل ِزنَةَ َعر ِش ِه ،س ْبحا َن ِ
اهلل ِر َ ُ َ ْ
اهلل َع َد َد َخل ِْق ِه ،س ْبحا َن ِ
ُ َ
لَو َز َن ْت ُه َّن :س ْبحا َن ِ
ُ َ َ
اد َكلِ َماتِ ِه»[ .أخرج ه الترم ذي في «ال دعوات» ( ،)5/556ب اب س بحا َن ِ ِ
اهلل م َد َ ُْ َ
في دعاء النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم ،والنسائي في «السهو» ( )3/77باب
ن وع آخ ر من ع دد التس بيح ،وابن ماج ه في «األدب» ( ،)2/1251ب اب فض ل
التس بيح ،من ح ديث ابن عب اس عن جويري ة رض ي اهلل عنه ا ،والح ديث ص َّححه
األلب اني في «ص حيح الترم ذي» ب رقم ( ،)3555و«ص حيح ابن ماج ه» ب رقم (
،])3808وفي الح ديث اإللهي الصحيح عن الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم:
ين يَ ْذ ُك ُرنِي ،إِ ْن ذَ َك َرنِي فِي ِ ِ ِ ِ
ول اهللُ َت َع الَى :أَنَ ا ع ْن َد ظَ ِّن َع ْب دي بي َوأَنَ ا َم َع هُ ح َ
«ي ُق َُ
َن ْف ِس ِه ذَ َك ْرتُهُ فِي َن ْف ِس ي َوإِ ْن ذَ َك َرنِي فِي َم ٍإل ذَ َك ْرتُهُ فِي َم ٍإل َخ ْي ٍر ِم ْن ُه ْم»[ .أخرجه
﴿ويُ َح ِّذ ُر ُك ُم اهللُ
البخ اري في «التوحي د» ( ،)13/384ب اب ق ول اهلل تع الىَ :
سهُ﴾ ،وأخرجه مسلم في «الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار» ( )17/2باب َن ْف َ
الحث على ذكر اهلل تعالى ،من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه] .فهذه المواضع
الم راد بلف ظ النفس فيه ا عن د جمه ور العلم اء :اهلل نفس ه ال تي هي ذات ه المتص فة
بص فاته ليس الم راد به ا ذاتً ا منفك ة عن الص فات وال الم راد به ا ص فة لل ذات،
يظن طائفة أنها الذات المج ّردة
وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات كما ّ
عن الصفات وكال القولين خطأ».
ُح ًدا ،واستشهد في ي ب ِن عامر األنصاري ،شهد أ ُ بن َع ِد ِّ
ب ُ -٤هو الصحابي ُخَب ْي ُ
ص لَّى اهللُ علي ه وآل ه وس لم ،وه و أول َمن َس َّن الركع تين عن د القت ل،عه د الن بي َ
وك ان فيمن بعث ه الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم م ع ب ني لحي ان ،فلم ا ص اروا
ب الرجيع غ دروا بهم ،واستص رخوا عليهم ،وقتل وا فيهم ،وأس روا خبيبً ا وب اعوه
بمك ة ،فقتل وه بمن قت ل الن بي ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم من ق ومهم ،وص لبوه
بالتنعيم.
انظ ر« :االس تيعاب» البن عب د ال بر« ،)1/440( :أس د الغاب ة» البن األث ير( :
« ، )2/104س ير أعالم النبالء» لل ذهبي« ،)1/246( :اإلص ابة» البن حج ر( :
.)1/418
-٥ق ال الحاف ظ ابن حج ر -رحم ه اهلل -في «الفتح» (« :)13/381ق ال
عي اض :ذات الش يء نفس ه وحقيقت ه ،وق د اس تعمل أه ل الكالم ال ذات ب األلف
والالم ،وغلطهم أك ثر النح اة ،وج وزه بعض هم؛ ألنه ا ت رد بمع نى النفس وحقيق ة
الشيء ،وجاء في الشعر لكنه شاذ ،واستعمال البخاري لها دال على ما تقدم من
أن الم راد به ا نفس الش يء على طريق ة المتكلِّمين في ح ِّق اهلل تع الى ،فف رق بين
َّ
النعوت والذات».
يصح إذا كان بمعنى نفس الموصوف
قلت :وإضافة لفظة «الذات» إلى اهلل تعالى ُّ
ُ
بص فات الكم ال ال تي ال نقص فيه ا وحقيقت ه ،ال أن «ال ذات» ص فة ل ه وال ذاتً ا
مج َّردة عن الص فات ،وال ص فات مج َّردة عن ال ذات ،إذ ال يمكن وج ود ال ذات
إالَّ بم ا ب ه تص ير ذاتً ا من الص فات ،وال يمكن وج ود الص فات إالَّ بم ا ب ه تص ير
صفات من الذات[ .انظر« :مجموع الفتاوى» البن تيمية( ،)338 ،5/330( :
.])206 ،6/142
« -٦أوصال ِشلو ممزع» قال ابن حجر –رحمه اهلل -في «الفتح» (:)7/384
«األوصال جمع وصل :وهو العضو ،والشلو بكسر المعجمة :الجسد ،وقد يطلق
ثم المهملة :المقطع،
على العضو ،ولكن المراد به هنا الجسد ،والممزع بالزاي َّ
ومعنى الكالم أعضاء جسد يقطع».
-٧أخرجه البخاري في «الجهاد» ( )6/165باب هل يستأسر الرجل؟ ومن لم
يستأس ر ،ومن رك ع ركع تين عن د القت ل ،وفي «المغ ازي» ( )7/308ب اب فض ل
بدرا ( )7/378باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان ،وفي «التوحيد» (
من يشهد ً
)13/381باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي اهلل تعالى ،من حديث أبي
هريرة رضي اهلل عنه.
-٨آية ( )110من سورة اإلسراء.
-٩آية ( )180من سورة األعراف.
أن أسماء اهلل الحسنى أعالم وأوصاف دالَّة على صفات
استدل المصنف باآليتين َّ
كمال ه س بحانهَّ ،
وأن المنهج ه و عين المنهج في ال ذات والص فات وه و عقي دة
الس نة علم ا َّ
أن اإليم ان باالس م -عن د أه ل ُّ الس لف في اإلثب ات والتنزي هً ،
والجماعة -ال يتم إال بأركان ثالثة:
يتضمن :إثبات االسم حقيقة َّأوالً ،فأسماء اهلل
-الركن األول :اإليمان باالسمَّ ،
مجازا خالفً ا للمتكلِّمين ،قال ابن تيمية -رحمه
وصفاته تطلق على اهلل حقيقة ال ً
اهلل -في «مجم وع الفت اوى» (« :)5/196وق د اتف ق أه ل اإلثب ات على َّ
أن اهلل
حي حقيق ة ،عليم حقيق ة ،ق دير حقيق ة ،س ميع حقيق ة ،بعي د حقيق ة» ،وتنزي ه اهلل
تعالى عن مماثلة المخلوقين ثانيً ا ،وذلك باالعتصام بالقاعدة العامة في الصفات
ِ ِِ
س َكمثْل ه َش ْيءٌ التي ذكرها المصنف -رحمه اهلل -إثباتً ا ونفيً ا ،لقوله تعالى﴿ :لَْي َ
﴿ه ْل َت ْعلَ ُم لَ هُ َس ِميًّا﴾
ص ُير﴾ [الش ورى ،]11 :وقول ه تع الىَ : الس ِميع الب ِ
َو ُه َو َّ ُ َ
[مريم ،]65 :فاألسماء تتفق وتتماثل وال يعني تماثلها تماثل المسميات ،وإنما
تختل ف ب اختالف اإلض افة والتخص يص ،فم ا أض يف إلى اهلل فال ي دخل في معن اه
خاص باهلل تعالى ،وما أُضيف إلى المخلوق فال ي دخل في معن اه
المخلوق ،بل هو ٌّ
خاص بالمخلوق ،فالقدر الذي تتفق فيه األسماء هو عند اإلطالق
الخالق ،بل هو ٌّ
فقط وال يعني اتفاق المسميات عند اإلضافة والتخصيص ،واإليمان َّ
بأن أسماء
اهلل حس نى ثالثً ا ،وأنه ا متض َّمنة لص فات بالغ ة في الحس ن وغاي ة في الكم ال ،ال
تقديرا ،ويكون الحسن في أسماء اهلل
نقص فيها بوجه من الوجوه ال احتماالً وال ً
تع الى َّإما باعتب ار ك ِّل اس ٍم على انف راده ،أو باعتب ار ض مه إلى غ يره ،فيجم ع في
االس م إذا ض م إلى غ يره حس نًا على حس ن وكم االً ف وق كم ال ،لقول ه تع الى:
الح ْسنَى﴾ [األعراف.]180 : ﴿و ِ
َس َماءُ ُ
هلل األ ْ َ
دل عليه االسم من معنى ،ويتضمن: -الركن الثاني :اإليمان بما َّ
اسم من أسمائه الحسنى له من جهة اللفظ معنى معلوم بأن لكل ٍ -أوال :اإليمان َّ
يخص ه غ ير االس م اآلخ ر ،وه و غ ير معل وم من جه ة الحقيق ة والكيفي ة بإجم اع
الس لف[ .انظ ر« :ذم التأوي ل» البن قدام ة ،])27( :أي :قط ع الطم ع عن إدراك
﴿وال يُ ِحيطُو َن بِ ِه ِعل ًْم ا﴾ [طه ،]110 :والمعلوم
الحقيقة والكيفية ،لقوله تعالىَ :
أن الس لف يفوض ون علم الحق ائق والكيفي ات في الص فات إلى اهلل تع الى ،م ع َّ
إثبات اللفظ والمعنى هلل تعالى.
-ثانيً ا :اإليم ان ب َّ
أن أس ماء اهلل تع الى أعالم باعتب ار داللته ا على ال ذات ،وليس
مع نى االس م ه و ال ذات فق ط ،وهي أوص اف باعتب ار م ا دلَّت علي ه من المع اني،
جميع ا في داللته ا على مس ًّمى واح د
فاألس ماء مترادف ة من حيث ال ذات فتتف ق ً
كل ٍ
واحد منه ا على وهو ذات اهلل المقدسة ،وهي متباينة من جهة الصفات لداللة ِّ
الخاص ،فمعنى الخالق غير معنى الرزاق ،والرحيم غير العزيز ،والعزيز غير
ّ معناه
جميع ا على ص فات الكم ال المطل ق
الحكيم ،والحكيم غ ير الغف ور ،وهي دال ة ً
ال ذي ال يعتري ه نقص وال عيب ب أي وج ه من الوج وه ،ل ذلك ك انت أس ماء اهلل
موصوف بصفات
ٌ حسنى ،أي :بالغة في الحسن إلى غاية ،ال حسنة ،واهلل سبحانه
تجردت األسماء الحسنى عن المع اني واألوصاف لكانت الكم ال المطلق ،فلو َّ
أعالم ا محضة جامدة ال ُّ
تدل على معنى ،والَْنَت َفى الفرق بين اسم وآخر ،وال ما ً
ِعيب على أهل الشرك إقرارهم ببعض األسماء كالخالق والرزاق وإنكارهم اسم
أن نفي أسماء اهلل الحسنى وتجريدها عن معانيها من أعظم اإللحاد علما َّ
الرحمنً ،
ْح ُدو َن فِي
هلل األَس ماء الْحس نَى فَ ا ْدعُوهُ بِه ا وذَرواْ الَّ ِذين يل ِ
َُ َ َ ُ َْ ُْ
فيه ا ،ق ال تع الى﴿ :و ِ
َ
َس َمآئِِه َسيُ ْج َز ْو َن َما َكانُواْ َي ْع َملُو َن﴾ [األعراف.]180 :
أْ
-الركن الثالث :اإليمان باآلثار المترتبة على االسم ذي وصف متعدٍَّّ ,أما االسم
ف الزم غ ير متع ٍّد فال عالق ة ل ه إالَّ ب الركنين الس ابقين مث ل اس م دال على وص ٍ ال ُّ
يتعدى إلى الغير ،لذلك ليس «الحي» فيتضمن صفة الحياة وهو وصف الزم ال َّ
له أثر.
إن ظه ور األحك ام وآث ار االس م ال دالوالم راد باآلث ار ه و الحكم والمقتض ى ،ف َّ
على وص ف ُم َتع ٍّد ال بُ َّد من ه ،إذ ه و من مقتض ى الكم ال المق دس والمل ك الت ام،
فاس م «ال رحمن» و«ال رحيم» مش َّتقان من ص فة الرحم ة ،وتتعلَّق بهم ا اآلث ار،
و«الرحمن» أشد مبالغة من «الرحيم» ،فـ« الرحمن» :ذو الرحمة الواسعة التي
وعمت المؤمن والكافر
شملت الخلق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم َّ
﴿و َك ا َن
اص ب المؤمنين لقول ه تع الىَ :
وأما «ال رحيم» فخ ٌّ
والص الح والط الحَّ ،
يم ا﴾ [األح زاب ،]43 :فأه ل التق وى من عب اده المتبعين ألنبيائ ه بِ الْم ْؤ ِمنِ ِ
ين َرح ً
ُ َ
ورس له لهم الرحم ة المطلق ة ومن ع داهم فلهم نص يب منه ا ،ق ال تع الى:
َّ ِ ِِ ٍ ﴿و َر ْح َمتِي َو ِس َع ْ
ين ُهم
الز َك اةَ َوالذ َ س أَ ْكتُُب َها للَّذ َ
ين َيَّت ُق و َن َو ُي ْؤتُ و َن َّ
ت ُك َّل َش ْيء فَ َ َ
أن ظه وربِآيَاتِنَ ا ُي ْؤ ِمنُ و َن﴾ [األع راف ،]156 :وق د بيَّن ابن القيم –رحم ه اهللَّ -
«إن ظهور آثار آثار الرحمة من أعظم األدلة على كمال الموصوف حيث قالَّ :
هذه الصفة في الوجود كظهور أثر صفة الربوبية والملك والقدرةَّ ،
فإن ما هلل على
يء كم ا َّ
أن تام ٍة وس عت ك َّل ش ٍ خلق ه من اإلحس ان واإلنع ام ش اهد برحم ٍة َّ
الموج ودات كلَّه ا ش اهدة ل ه بالربوبي ة التام ة الكامل ة ،وم ا في الع الم من آث ار
الت دبير والتص ريف اإللهي ش اهد بملك ه س بحانه ،فجع ُل ص فة الرحم ة واس م
مجازا ،وال فرق بينهما في شرع وال
مجازا كجعل صفة الملك والربوبية ً
الرحمة ً
عقل وال لغة.
وإذا أردت أن تعرف بطالن هذا القول ،فانظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته
الخاص ة والعام ة ،فبرحمت ه أرس ل إلين ا رس وله ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم وأن زل
وبصرنا من العمى ،وأرش دنا
علينا كتابه ،وعلمنا من الجهالة ،وهدانا من الضاللةَّ ،
من الغي ،وبرحمت ه عرفن ا من أس مائه وص فاته وأفعال ه م ا عرفن ا ب ه أن ه ربن ا
وموالن ا ...وبرحمت ه وض ع رحمت ه بين عب اده لي تراحموا به ا ،وك ذالك بين س ائر
الحيوان.
فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته ،واشتق لنفسه
اسم «الرحمن الرحيم»«[ .مختصر الصواعق المرسلة» للموصلي.])2/316( :
-١٠آية )5 ،4، 3، 2( :من سورة األعلى.
-١١آية )107( :من سورة هود ،آية )16( :من سورة البروج.
-١٢آية )74 ،73( :من سورة النحل.
-١٣آية )169( :من سورة البقرة.
-١٤آية )11( :من سورة الشورى.
والمص نِّف -رحم ه اهلل -اس َّ
تدل به ذه اآلي ات على ص فات اهلل س بحانه بع دما
َّ
استدل بالمنصوص على الذات واألسماء ،وأنها من حيث تعلُّ ُقها بذات اهلل تعالى
ص فات ذاتي ة وهي ال تي لم ي زل وال ي زال متص ًفا به ا ،كالحي اة والعلم والق درة
وتسمى بالصفات االختيارية وهي صفات متعلقة
والسمع والبصر ،وصفات فعلية َّ
﴿و َي ْف َع ُل
بمشيئة اهلل وقدرته ،إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها ،لقوله تعالىَ :
ال لِّ َم ا يُ ِري ُد﴾ [ه ود،107 :
ش اءُ﴾ [إب راهيم ،]27 :وقول ه تع الىَ ﴿ :ف َّع ٌ
اهللُ َم ا يَ َ
ال بروج ،]16 :وأفعال ه س بحانه ال منتهى له ا وال حص ر ،ك الخلق واإلعط اء
واإلنبات واإلخراج ،واإلنعام ،واألمر والنهي وغيرها.
تسمى صفات ذات ،ومن حيث تعلقها
فالصفات الفعلية من حيث قيامها بالذات َّ
بم ا ينش أ عنه ا من األق وال واألفع ال تس َّمى ص فات أفع ال ،فمثالً :ص فة الكالم،
فإنها صفة ذات وصفة فعل ،فمن حيث قيامها بالذات لكونها متكلمة أزالً وأب ًدا
فهي ص فة ذات ،ومن حيث تعلقه ا بالمش يئة واإلرادة فهي ص فة فع ل ،ومرج ع
معاني الصفات الذاتية والفعلية إلى اسمي «الحي» و«القيوم» ،فترجع لـ« الحي»
صفات الذات ولـ «القيوم» صفات الفعل.
هذا ،وجدير بالتنبيه َّ
أن ما يطلق على اهلل تعالى على سبيل اإلخبار عنه تعالى جائز
إذا ك ان اللف ظ داالًّ على مع نى حس ن أو على أق ل تق دير ال ي دل على ٍّ
ذم أص الً،
أن اهلل تع الى ذو حقيق ة موج ودة فيكاأللف اظ العام ة ال تي يقص د باإلخب ار به ا َّ
الخ ارج ،ك أن يق ول مخ ًبرا :اهلل تع الى ذات ،وش يء ،وموج ود ،أو كاأللف اظ
والس نة التس مية أو
الخاص ة باهلل تع الى ال تطل ق على غ يره ،ولم ي رد في الكت اب ُّ
الوصف بها إالَّ أنها ُّ
تدل على معنى معين ال عموم فيه وال إطالق ال يليق إالَّ باهلل
تع الى ،والمخل وق ال يتص ف به ا لقص وره عن االتص اف بمعانيه ا ،مث ل :الق ديم،
الق ائم بنفس ه ،واجب الوج ود ،أزلي س رمدي ،ونح و ذل ك ،فه ذه وغيره ا يج وز
إطالقه ا على اهلل تع الى من ب اب اإلخب ار عن ه دون الوص ف والتس مية ،وم ا يطل ق
عليه من باب اإلخبار ال يجب أن يكون توقيفيًّا ،قال ابن القيم -رحمه اهلل -في
مما
«بدائع الفوائد» (« :)1/161إن ما يدخل في باب اإلخبار عنه تعالى أوسع َّ
ي دخل في باب أس مائه وص فاته كالش يء والموج ود والقائم بنفس ه فإنه يخ بر به
عنه وال يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا».