Professional Documents
Culture Documents
أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي
أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي
للعمل السلمي
للستاذ
فتحي يكن
المقدمة
تشهد الساحة السلمية أنماطًا شتى من التفكير والتصور لطبيعة العمل السلمي ..بعض هذه التصورات سليم وأصيل وبعضها
الخر منحرف وعليل .
والحقيقة أن الحاجة باتت ملحة لوضع التصور الحركي للعمل السلمي ضمن قواعد وأبجديات ثابتة وواضحة وموثقة ،كيما تكون
الميزان الذي يحاكم على أساسه كل عمل إسلمي ،وكيما تستنقذ ساحة العمل السلمي من كثير من التجاهات المشوهة ،ومن كثير
من الفرق المشبو هة ،وكيميا يتم يز الطرييق القوييم من المعوج ،فل ينخدع الناس ،ول تض يع طاقات إ سلمية هائلة وراء آمال من
سراب ،وشعارات من كلم ،وحتى ل تبقى الساحة السلمية مسرحًا لتجارب المجربين ،دونما استفادة ممن سبقهم بإحسان إلى يوم
الدين .
ولهذا ..كانت هذه المحاولة المتواضعة ( أبجديات التصور الحركي للعمل السلمي ) إسهامًا في وضع قواعد حركية ثابتة وأصيلة
للع مل ال سلمي ت ساعد العامل ين في كل مكان على تقي يم توجهات هم وتف حص خطوات هم وت سديد منطلقات هم في ال خط ال صحيح والتجاه
السليم .
وإن ال لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم .
7شعبان 1401هي
فتحي يكن
9حزيران 1981م
موضوعات البحث
الحلقة الولى
وجوب التنظيم في العمل السلمي
من الشعارات ال تي أخذت تطرح أخيرًا في ساحة الع مل ال سلمي الشعار القائل بعدم ضرورة التنظ يم في الع مل ال سلمي ،وبعدم
جدوى العمل التنظيمي الحزبي ،وبضرورة بلورة العمل السلمي من خلل إيجاد ( تيار إسلمي ثوري جهادي ) يجمعه جامع واحد ( ل
إله إل ال محمد رسول ال ) .
هذا القول إن تناولناه بشكل تجريدي فإنه يقضي بالحكم على قائليه بأحد أمرين :
المر الول :جهلهم بالسلم جملة وتفصيلً ..
المر الثاني :أو تآمرهم عليه جملة وتفصيلً ..
أما طرحهم شعار إيجاد ( تيار إسلمي ثوري جهادي ) يجمعه جامع واحد ( ل إله إل ال محمد رسول ال ) فهو ليس طرحًا لبديل
متناقض مع التنظيم ،وإنما هو طرح للهدف الذي ل يمكن أن يحققه إل العمل السلمي المنظم نفسه .
ليس البديل عن التنظيم إل الفوضى :
إن الذي يرفض فكرة التنظيم في العمل السلمي كأنه بالتالي يدعو ويحرض على فوضوية العمل السلمي ..والفوضوية لم تكن
يومًا مبدأ من مبادئ ال سلم أو شعارًا من شعارا ته ،وإن ما هي أ حد شعارات الحر كة الي سارية ،بل ا سم فر قة من الفرق الي سارية
المتطر فة ال تي عرف ها تار يخ الحر كة الشيوع ية في الربعينيات والخم سينيات ( ..را جع كتاب :اعرف مذه بك ،لمار تن دودج ي باب
الفوضوية ) .
الحلقة الثانية
وجوب التكامل في العمل السلمي
ومن أبجديات التصور الحركي للعمل السلمي وجوب تكامله وكليته وعدم جواز جزئيته إلى أن يتحقق التغيير السلمي المنشود ،
وتقوم الدولة التي تطبق شريعة ال ..وعند ذلك يمكن أن تقوم اهتمامات تخصصية في هذا الجانب أو ذاك ،طالما أن الخطوة الساسية
قد تحققت والنجاز الكبر قد تم .
معنى التكامل في العمل السلمي :
ونعني بالتكامل في العمل السلمي قيامه على أساس الهتمام والعداد الكليين في نطاق التحضير لمواجهة الواقع الجاهلي وتحقيق
التغيير السلمي .
ونعني به :عدم جواز انحصاره في جانب من جوانب العمل أو جزئية من جزئياته ،إل أن تكون هذه الجزئية وهذا الجانب واقعة
في مكانها الطبيعي من مخطط العمل المتكامل .
وبهذا يكون التكامل الطار العام الذي يوجه جزئيات العمل واختصاصاته المختلفة بما يخدم الهدف المطلوب والغاية المنشودة .
الجزئية في العمل السلمي :
أما الجزئية في العمل السلمي فالمقصود بها كل عمل يقتصر على جانب من جوانب العمل السلمي ،يلتزمه ول يتعداه ،ويؤمن
به وحده ويرفض ما عداه ،ويرى أنه هو طريق البناء والصلح ل سواه .
ي فمن الجزئية في العمل السلمي :اعتبار ( التربية الروحية والخلقية ) مناط التكليف الرباني ،ووظيفة الدعوة والدعاة الوحيدة
،من غير اهتمام بما عدا ذلك من جوانب اجتماعية أو حركية أو سياسية أو جهادية ،ومن غير تقدير لمدى نجاح ( عملية التربية ) في
ظل أنظمة وضعية وحياة غير إسلمية ..وبذلك يصبح العمل التربوي هذا ي المقطوع عن غايته الكبرى ي جزء من تركيبة المجتمع
الجاهلي ،وواحدًا من النشاطات الدائرة في فلكه .
ي و من الجزئ ية في الع مل السلمي :اعتبار ( التوع ية الفكر ية ون شر الثقا فة ال سلمية ) غا ية الع مل السلمي و مبرر قيا مه ،
بحيث يغطي مساحة النشاط والعمل كلها ،ويصبح هدفًا ل أداة ،وبذلك يصبح واحدًا من التيارات الفكرية في المجتمع ليس إل ،وبذلك
تنعدم في المدارس الفكرية السلمية تطلعات التغيير فضلً عن إمكانية التغيير .
ي ومن الجزئية في العمل السلمي :اعتبار ( العداد العسكري ) أو ( النشاط السياسي ) أو أي جانب من جوانب العمل الخرى
هو الهم والساسي بل الوحيد .
وبذلك تطغى الجزئية على الكلية ،بل تصبح الجزئية هي الكلية ،فتنعدم بذلك الرؤيا وتختلط المور ،وتتعطل إمكانيات ضخمة ،
كان يمكن أن تصب في مصلحة التغيير السلمي .
تكامل المنهج السلمي يفرض تكامل العمل الحركي :
من خصائص المنهج السلمي أنه متكامل وكلي ..ويتضمن من النظمة ما يغطي مختلف الحتياجات البشرية .
ي فف يه نظام عبادي :ين ظم عل قة الن سان بخال قه م ما يع تبر منهجًا للترب ية الروح ية ،قادرًا على ح فظ الفراد والمجتمعات من
غوائل النحراف المختلفة .
ي وفيه نظام اقتصادي :يضع القواعد والصول لحياة اقتصادية سليمة تتحقق فيها العدالة وتنتفي منها كل أسباب التحكم والسطوة
والستغلل وما شاكل ذلك من معضلت وأمراض اجتماعية .
ي وفيه نظام اجتماعي :يبني العلقات الجتماعية على أسس عقائدية وأخلقية وليس على أساس المصالح الشخصية والعتبارات
المادية والعشائرية .
يي وف يه نظام سياسي :ي ضع ال سس ال سليمة لقيام الدولة وأجهزتهيا المختل فة ،محددًا حقوق المواطنيية وواجباتهيا ،وعلقات
الدولة داخليّا وخارجيّا إلى غير ذلك من أمور .
ي وفيه نظام عسكري :يعرض للقواعد الساسية التي تقوم عليها الحياة العسكرية والحتياجات الهم التي تتطلبها ميادين القتال
والجهاد .
إن هذه النظم وغيرها مما يتضمنه المنهج السلمي ،والتي تقوم على أساس العقيدة السلمية وتصورها للكون والنسان والحياة
،تفرض قيام عمل إسلمي متكامل قادر على استيعاب وتغطية هذه الجوانب المختلفة من المنهج السلمي .
مضار ( الجزئية ) في العمل السلمي :
إن قوة السلم وعظمته وأثره إنما تكمن في الدعوة إليه والتزامه وتطبيقه ككل ..وحين تفكك أجزاؤه ويصار إلى الهتمام بجانب
من جوانبه دون الجانب الخر يفقد هذه القوة والعظمة والثر .
إن من المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل السلمي تشويهها للشخصية السلمية ،التي تكون قد تكونت من خلل منهج
غير متكامل ونظرة محددة للمور .
ومن المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل السلمي تشويه صورة السلم بين الناس مما ينفرهم به ويبعدهم عنه .
و من المضار ال تي تخلف ها ( الجزئ ية ) في الع مل ال سلمي تبديد ها وإضاعت ها لكث ير من الطاقات ال سلمية ال تي لو وض عت في
الطريق الصحيح لعجلت من خطوات التغيير السلمي .
ومن المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل تسببها بمرض ( التعددية ) والتشرذم الذي أحدث شروخات بين العاملين للسلم
في كل مكان .
والحقيقة إن الجزئية هذه جريمة نكراء ترتكب بحق السلم ي شريعة ال ي الذي أراده ال متكاملً ،واصطفى محمدًا ي صلى ال
ل ،ومن ثم ليطبقه كاملً ..وصدق ال ي تعالى ي حيث يقول { :اليوم أكملت لكم دينكم ،وأتممت عليكم
عليه وسلم ي ليدعو إليه كام ً
نعمتي ورضيت لكم السلم دينًا } ( المائدة . )3 :
وهذا هو القرآن الكريم ينكر على بني إسرائيل ( البعضية ) التي كانوا عليها فيقول { :أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض
فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } ( البقرة . ) 85 :
إن مثل تجزئة السلم وتفكيكه ي عن طريق أخذ جانب دون آخر ي كمثل تفكيك أي جهاز متكامل الجزاء ،مصيره التعطل مباشرة
..
فما قيمة اليد أو الرجل أو الفم أو الذن أو غيرها من أعضاء الجسم النساني إن بترت عنه ولم تبق في موقعها الذي تستمد منه
الحياة والحيوية ؟ .
وما قيمة أي جزء من أجزاء ساعة أو سيارة إن لم يعد في موقعه من تصميم اللة الذي حدد له ؟ .
والن ما قيمة العمل السياسي إن لم يأخذ مكانه وحجمه اللزمين في بنية الحركة السلمية ؟ بل ما قيمة العمل التربوي إن كان
منفصلً عن أهداف الحركة السلمية ومنهجها في التغيير ؟ .
إن قيمة هذه العمال ستبقى فردية جزئية مؤقتة معرضة للتآكل والزوال حيال الجتياح ي الفكري والنفسي والحسي ي والذي ل
قبل لها به ،إن لم تكن متراصة متحدة مع سائر الجوانب والجزاء ،من أجل تحقيق التغيير السلمي ،وإيجاد البيئة التي تتوافر فيها
مقومات حياة ونماء هذه الجوانب التخصصية .
إن غاية كل عمل إسلمي يجب أن تصب اليوم ي وحيال انعدام وجود الكيان القائم على شرع ال ي في بوتقة التحضير والعداد
من أجل إيجاد هذا الكيان أولً .
إن العمال الجزئ ية المختل فة ي من فكر ية وتربو ية و سياسية وحرك ية وع سكرية وغير ها ي ي جب أن يحدو ها هدف وا حد ،هو
إقامة حكم ال في الرض ،وإل فستبقى نشاطات دائرة في رحى الواقع الجاهلي وكياناته المختلفة ،بل وواحدة من فولكلورياته ليس إل
!.
تكامل التحدي يفرض تكامل المواجهة :
ويضاف إلى مبدأ وجوب التكامل في العمل السلمي ،وجوبه كذلك كضرورة بل حتمية مثلية في مواجهة تكامل التحدي الجاهلي
وكليته .
فالسلم اليوم ي فكرًا وحركة ي يواجه تحديات على كل صعيد ..
ي فعلى نطاق التخريب الفكري والتربوي تنشط أجهزة ومؤسسات ،وتوضع مناهج ومؤلفات ،ضمن مخطط الغارة على السلم .
يي وعلى نطاق التخر يب ال سياسي والجتما عي تن شط أحزاب وحركات ،تدعم ها دول ومع سكرات بالمال والعتاد ،لتكون صاحبة
القرار وسييدة الموقيف فيي طول السياحة السيلمية وعرضهيا ،جاهدة لخراج السيلم مين معترك الصيراع ،عاملة على حشير التجاه
السلمي في الزاوية .
ي وعلى نطاق التآ مر الحسي على السلم الذي يستهدف استئصاله عن طر يق استئصال وتصفية دعاته ،تنشط حملت وتتكون
فصائل وتنظيمات مدربة ومسلحة ومعبأة النفس بالحقد على كل ما هو إسلمي أو يمت إلى السلم بأدنى صلة .
إن أعداء السلم يت سللون إلى المواقع المتقد مة عبر كل الجبهات و من مختلف الجوانب والجهات ..إنهم يت سللون عبر الحركات
والنشاطات :الطلبية والعمالية ،التعليمية والعلمية ،الشبابية والنسوية ..وغيرها .
فهل يجوز بعد ذلك أن تكون المواجهة في النطاق السلمي جزئية فردية غير متكاملة ول كلية ؟ .
إن منطق المواجهة يفرض التكافؤ ويفرض المقابلة بالمثل ،فكيف إذا أضيف إلى ذلك منطق الشرع الذي ل يرضى لتباعه الدنية
في دينهم ،والهزيمة من أعدائهم ،والذلة في حياتهم ..
{ وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله إن منطق الشرع يقول في كتاب ال { :وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ،
ل } { ،وإ ما تخا فن من قوم خيا نة فان بذ إلي هم على سواء إن ال ل ي حب الخائن ين } { ،ول تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون
فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من ال مال يرجون وكان ال عليمًا حكيمًا } .
ك ما أن من طق الشرع يقول على ل سان ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ( :المؤ من القوي خ ير وأ حب إلى ال من المؤ من
الضعيف ) ( ،إن ال يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه ) ( ،الحرب خدعة ) ( ،استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) .
التكامل في العمل السلمي الول :
ثم إن نظرة متفحصة للعمل السلمي في عصر النبوة تؤكد لنا تكامله وكليته على نطاق الفرد والجماعة ،وفي إطار تنظيم واحد
وقيادة واحدة .
فرسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي كان يرعى ويتابع العمل السلمي من شتى جوانبه ..ففي نطاق التربية كان مربيًا ،وفي
نطاق التعليم كان معلمًا ،وفي نطاق الجهاد كان قائدًا ،وفي نطاق التخطيط والتنظيم كان رائدًا ،وهكذا في كل جانب من جوانب الحياة
.
فمن منهجه التربوي قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ( :ل يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما ل بأس به ،حذرًا مما به
بأس ) رواه الترمذي .
وقوله ( :إن من خياركم أحسنكم أخلقًا ) متفق عليه .
وقوله ( :أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ،وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي .
وقوله ( :إن ال رفيق يحب الرفق ،ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف ،وما ل يعطي على ما سواه ) رواه مسلم .
ومن منهجه العسكري قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ( :علموا أولدكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ) .
وقوله ( :أل إن القوة الرمي ) .
وقوله ( :من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق ) .
وقوله ( :من لقي ال بغير أثر من جهاد لقي ال وفيه ثلمة ) الترمذي .
ومن منهجه الجتماعي قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ( :مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) متفق عليه .
وقوله ( :ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه .
وقوله ( :من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) .
وقوله ( :الساعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل ال ،وكالقائم الذي ل يفتر ،وكالصائم الذي ل يفطر ) متفق عليه .
وقوله ( :خير الصحاب عند ال ي تعالى ي خيرهم لصاحبه ،ومن الجيران عند ال ي تعالى ي خيرهم لجاره ) رواه الترمذي .
و من منه جه القت صادي قوله ي صلى ال عل يه و سلم ي ( :الناس شركاء في ثلث :في الماء والكل والنار ) رواه أح مد وأ بو
داود .
وقوله ( :من كان له أرض فليزرعها ،أو ليمنحها أخاه ول يكريها ) .
ل ول يس له منزل فليت خذ له منزل ،أو لي ست له زو جة فليتزوج ،أو ل يس له دا بة فليت خذ دا بة ) رواه
وقوله ( :من ولي ل نا عم ً
أحمد .
وقيد ذهيب المام ابين حزم ( أنيه إذا مات رجيل جوعًا فيي بلد اعتيبر أهله قتلة ،وأخذت منهيم ديية القتييل ) السيلم وأوضاعنيا
القتصادية ،للشيخ محمد الغزالي .
وهكذا ن جد أن عميل الرسيول يي صيلى ال علييه وسيلم يي لم يقتصير على جا نب مين جوا نب الحياة ،ولم ينحصير في شأن من
شئونها ،وإنما امتد هنا وهناك وهنالك حتى شمل كل جانب وتعرض لكل شأن .
والع مل ال سلمي في أي زمان ومكان ملزم بأن يق فو أ ثر الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي ول يس له خيار في أن يت بع هذا
الطريق أو ذاك .
ل متكاملً ،مربوطًا فيي كيل جزئياتيه بالهدف المنشود ،وهيو إقامية شرع ال فيي
إن العميل السيلمي اليوم يجيب أن يكون عم ً
الرض ،سواء كان هذا الع مل ،رياضيّ ا ،أو كشفيّ ا ،أو خيريّ ا ،أو توجيهيّ ا ،أو تربويّ ا ،أو فكريّ ا ،أو سياسيّا ،أو اقت صاديّا ،أو
عسكريّا ،وكل عمل في أي مجال من هذه المجالت ل يرتبط بالهدف ،ول يتصل بالغاية ،يفقد قيمته السلمية ،بل يفقد مبرر وجوده
.
إن الهتمامات ( التربوية ) جانب مهم في العمل السلمي شريطة ارتباطها بالهدف ،وتلزمها مع الهتمامات الخرى .
وإن الهتمامات ( الفكرية والعلمية والثقافية ) جانب مهم كذلك في العمل السلمي شريطة توافقها وتكاملها مع سائر الهتمامات .
كذلك فإن الهتمامات الحرى ( السيياسية والعسيكرية والحركيية والتنظيميية والجتماعيية والخيريية وغيرهيا ) هيي جوانيب مهمية
شريطة أن تأخذ موضعها وحجمها في العمل السلمي المتكامل .
إن قيمة العمل وقوته وعمقه وأصالته إنما هي نتائج ( تكامله وشموله النوعيين ) ولهذا كان التكامل في العمل السلمي فريضة
شرعية وضرورة حركية .
التكامل في الحركة السلمية المعاصرة :
ولقد أكد المام الشهيد ي حسن البنا ي على ضرورة التكامل في العمل السلمي ،بقوله ( :كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل
للسلم عندنا أن شملت فكرتنا كل نواحي الصلح في المة ..وتستطيع أن تقول ول حرج عليك :إن دعوتنا :
1ي دعوة سلفية :لنها تدعو إلى العودة بالسلم إلى معينه الصافي من كتاب ال وسنة رسوله .
2ي وطريقة سنية :لنها تحمل أصحابها على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء ،وبخاصة في العقائد والعبادات ،وما وجدوا
إلى ذلك سبيلً .
3ي وحقيقة صوفية :لن أصحابها يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل ،والعراض عن
الخلق ،والحب في ال ،والرتباط على الخير .
4ي وهيئة سياسية :لن أصحابها يطالبون بإصلح الحكم في الداخل ،وتعديل النظر في صلة المة السلمية بغيرها من المم
في الخارج ،وتربية الشعب على العزة والكرامة .
5ي وجماعة رياضية :لن أصحابها يعنون بجسومهم ،ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ،وأن النبي ي
صلى ال عليه وسلم ي يقول ( :إن لبدنك عليك حقّا ) وأن تكاليف السلم كلها ل يمكن أن تؤدى كاملة صحيحة إل بالجسم القوي .
6ي ورابطة علمية ثقافية :لن السلم يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ،ولن أندية الجماعة هي في الواقع
مدارس للتعليم والتثقيف ،ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح .
7ي وشركة اقتصادية :لن السلم يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه ،وهو الذي يقول لنبيه ي صلى ال عليه وسلم ي :
( ن عم المال ال صالح للر جل ال صالح ) ويقول ( :من أم سى كالّ من ع مل يده أم سى مغفورًا له ) ،ويقول (:إن ال ي حب المؤ من
المحترف) .
8ي وفكرة اجتماعية :لن أصحابها يعنون بأدواء المجتمع السلمي ،ويحاولون الوصول إلى طرق علجها وشفاء المة منها .
وهكذا نرى أن شمول معنى السلم قد أكسب فكرتنا شمولً لكل مناحي الصلح ،ووجه نشاطنا إلى كل هذه النواحي ،ونحن في
الوقت الذي يتجه فيه غيرنا إلى ناحية واحدة دون غيرها نتجه إليها جميعًا ،ونعلم أن السلم يطالبنا بها جميعًا )..مجموعة الرسائل ،
مع بعض التصرف .
*****************
الحلقة الثالثة
وجوب التوازن في العمل السلمي
والتوازن في العمل الٍسلمي أشبه بصمام المان فيه ،لن عدم توازنه يؤدي حتمًا إلى فشله وتعثره .
وإذا كان التعامل يتعلق بمساحة العمل السلمي من حيث الشمول والكلية ،فإن التوازن يتعلق بنوعية هذا العمل من حيث مقاديره
ومعاييره .
فالتوازن في العمل السلمي يعني إعطاء كل جانب من جوانب العمل وزنه ومعياره اللزمين من غير زيادة ول نقصان ،وإل أدى
إلى وقوع الخلل .
قيمة التوازن في كل أمر :
التوازن هو تعادل الوزان والمعايير وعدم تفاوتها بالنسبة لكافة المور المادية منها والمعنوية .
والتوازن قوام كل أمر مركب ،ومؤشر الصحة والعافية فيه ،وإليك بعض المثلة :
ي فالجنون مثلً :نتيجة لعدم توازن القدرات العقلية والعصبية ،فيقال :إنسان غير موزون .
ي والصرع :من أسبابه زيادة الكهرباء في دماغ النسان .
ي وفقر الدم أو ضعفه :نتيجة عدم توازن الكريات البيضاء والحمراء في الدم .
ي ثم إن زيادة سائل الذن قد يتسبب بالغماء لدى النسان ،كما يتسبب ضغط العين أو القلب بانعكاسات صحية خطيرة .
يا نتائج عدم
يا عدم التوازن لدى الكائن البشري ،وهنالك عشرات المثلة الخرى على ذلك ،أمي
يي يخلفهي
يض النتائج التي
هذه بعي
التوازن في الكون والحياة فأكثر من أن تحصى.
ي إن تغير نسبة الوكسجين في الهواء تجعله ملوثًا وقد تجعله سامّا قاتلً .
ي إن تغ ير المعادلة المتواز نة في دوران الرض والش مس والفلك ين تج ع نه كث ير من المور أقل ها اختلل انتظام الل يل والنهار
وتعاقب الفصول ،وما يؤدي ذلك من أضرار على النسان والحيوان والحياة بكاملها .
ي ح تى في ما ي صنعه الن سان من ( آلت وماكينات ) ،و ما يشيده من ( عمارات وج سور ) فجميعه محكوم بقاعدة التوازن ،وأي
خلل في المقادير والمعايير يتسبب بنتائج خطيرة ومأسوية .
قيمة التوازن في العمل السلمي :
والع مل ال سلمي ال صحيح المعا فى ،هو الع مل القائم على من هج ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ،المتكا مل في جوان به
وتوجهاته ،المتوازن في معاييره ومقاديره وأولوياته .
وعند ما يط غى على الع مل جا نب من الجوا نب ،أو يكون الهتمام بجا نب دون جا نب يحدث الخلل سواء في ( تكو ين الشخ صية
السلمية ) أو في ( توجه المسيرة السلمية ) وبالتالي تكون النتائج غير سليمة بنسبة الخلل الذي حدث .
فإذا كان من الواجب ( تكامل العمل السلمي وشموله ) ،فإن من الواجب كذلك ( توازنه ) بحسب موقع كل جانب وأهميته من
العمل السلمي أو الشخصية السلمية .
منطق الولويات مدخل إلى التوازن :
ولتحق يق التوازن في ( الشخ صية ال سلمية ) أو ( الم سيرة ال سلمية ) أو ( التغي ير ال سلمي ) ل بد من ف هم صحيح ( للمن هج
السلمي ) من خلل المبادئ والسس والقواعد التي جاء بها ،ومن خلل التطبيق الذي قام به رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي
وسار عليه السلف الصالح ي رضي ال عنهم وأرضاهم ي لمعرفة أولويات العمل واتجاهاته ومعاييره ومقاديره ..
فمن التوازن أن يكون الرأس الذي فيه الدماغ ي لدى النسان ي وموضعه أعلى الجسم هو الجهاز الذي ينظم الحركات والتصرفات
،وليس أي عضو آخر في جسم النسان ،ولهذا فهو في موقع متقدم من الجسم وسائر العضاء بحسب منطق الولويات ..بل ل بد
من التعامل معه كذلك وبحسب هذا الموقع .
ول كن هذا المو قع المتقدم ( للدماغ القائد ) في ج سم الن سان ،ل يل غي بالضرورة قي مة أي ع ضو من أعضاء الن سان مه ما كان
بسيطًا ،فلكلّ دور ووظيفة مهمين في نطاقه وإطاره ..
هذا التكامل في جوانب البنية الجسدية للنسان ،أشبه بالتكامل في البنية الحركية ،وما يفرضه منطق الولويات من توازن في
هذا يفرضه تمامًا في ذلك .
كيف تصنف الولويات في العمل السلمي :
سلّم الولويات في تصنيف
إن العمل السلمي المتعدد الجوانب الشامل المقاصد يحتاج إلى تصنيف هذه الجوانب والمقاصد بحسب ُ
العمال وتحديد مواقعها من حيث الهمية ،وبما يشير كذلك إلى أهميتها جميعًا ...
ي الجانب العقيدي والتربوي :
إن منطق الولويات يعتبر الجانب العقيدي أساسًا لكل عمل ،بل ل قيمة لي عمل بدونه ..ولهذا كان في موقع متقدم معتبر في
{ إن ال ل يغفر أن يشرك به ،ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،ومن يشرك بال فقد افترى كتاب ال ي تعالى ي حيث يقول مقررًا :
إثمًا عظيمًا } ( النساء { ، ) 84 :إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،ومن يشرك بال فقد ضل ضللً بعيدًا } (
النساء . ) 115 :
ي فقه العقيدة والشريعة :
سلّم الولويات ،ف في كتاب ال ي تعالى ي { :ير فع ال
مقدم على العلوم العا مة والثقافات المختل فة ،و هو متقدم مع تبر بح سب ُ
الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } ( المجادلة . ) 11 :
وفي هدي النبوة ( :من يرد ال به خيرًا يفقهه في الدين ) متفق عليه .
وروي أن رجلً جاء رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي فقال :علمني من غرائب العلم ،فقال له ( :ما صنعت في رأس العلم ؟
) فقال :وما رأس العلم ؟ قال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :هل عرفت الرب ي تعالى ي ؟ ) ،قال :نعم ،قال ( :فما صنعت في
حقه ؟ ) ،قال :ما شاء ال ،فقال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :هل عرفت الموت ؟ ) ،قال :نعم ،قال ( :فما أعددت له ؟ ) قال :
( اذهب فأحكم ما هناك ثم تعال نعلمك من غرائب العلم ) إحياء علوم الدين . ما شاء ال ،قال ي صلى ال عليه وسلم ي :
وقال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجوب الخذ بمنطق الولويات في كل شيء ..ففي العلم أولويات ..وفي العبادة أولويات ..
وفي الجهاد أولويات ..وفي العمل الجتماعي أولويات ..وفي العمل السياسي أولويات ..والسير من غير ملحظة للولويات سير على
غير هدى وبدون وعي .
ي العبادة ومنطق التوازن :
ثم إن العبادة نفسها ي بالرغم من عظيم قيمتها في شرع ال ي فإنها تخضع في إطار التوازن ي لمنطق الولويات ..ففي قوله ي
تعالى ي { :فإذا قضيت الصلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل ال } ( الجمعة ) 10 :دعوة بينة للتوازن بين الصلة والعمل
المعي شي ،لعتبار أن الع مل المعي شي نف سه في مفهوم ال سلم عبادة ،ومخال فة هذا المفهوم يؤدي إلى خلل في التوازن ال سلمي ،
وهذا ما حدا بعمر بن الخطاب ي رضي ال عنه ي إلى أن يضرب بعصاه رجلً بقي في المسجد يهمهم بالقرآن بعد أن فرغ الناس من
الصلة والدعاء قائلً ( :قم ،ل تمت علينا ديننا أماتك ال ) ،وروي أن رجلً أتى جبلً يتعبد فيه ،فجيء به إلى الرسول فقال له ( :ل
تفعل أنت ول أحد منكم ،لصبر أحدكم في بعض مواطن السلم خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عامًا ) .
القوة ومنطق التوازن :
ونعني بالقوة هنا القوة العسكرية ،وهذا الجانب له في الشرع موقع ومساحة مع تبرين ،ولكن هذا الموقع والم ساحة يتغيران ي
. ()1
يكبران ول يصغران ي بحسب الظروف والوضاع التي يعيشها السلم
) يقول المام حسمن البنما فمي رسمالة ( المؤتممر الخاممس ) ( :نحمن نعلم أن أول درجمة ممن درجات ( 1
القوة قوة العقيدة واليمان ،ويليها قوة الوحدة والرتباط ،ثم بعدها قوة الساعد والسلح .
فإن كان ال سلم في ظروف طبيع ية لم ي كن القتال أ ساسًا في حياة الم سلمين ..أ ما إن كان ال سلم في ظروف ع صيبة ،معتدى
عليه ،محارب العقيدة والفكار ،مجتاح الهل والبناء والديار ،فإن الجهاد والقتال هنا يصبح فرض عين على المسلمين ،ويصبح كل
عمل آخر ضربًا من اللهو والفرار من الزحف ..وصدق عبد ال بن المبارك حيث كتب رسالة إلى أحد أعز إخوانه وقد فضل العتكاف
في المسجد الحرام على الجهاد ،قال فيها :
لوجدت أنك بالعبادة تلعب يا عابد الحرميين ليو أبصرتينيا
فينحيورنا بدميائنا تتيخضب من كان يخضب خده بدموعه
هذه نظرة ونظرة أخرى :هممل أوصممى السمملم ممم والقوة شعاره ممم باسممتخدام القوة فممي كممل الظروف
والحوال ؟ أم حدد لذلك حدودًا واشترط شروطًا ووجه القوة توجيهًا محدودًا ؟ .
ونظرة ثالثمة :همل تكون القوة أول علج أم أن آخمر الدواء الكمي ؟ وهمل ممن الواجمب أن يوازن النسمان
بيمن نتائج اسمتخدام القوة النافعمة ونتائجهما الضارة ،أم ممن واجبمه أن يسمتخدم القوة وليكمن بعمد ذلك مما
يكون ) .
( النساء . ) 70 : ويقول { :يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا }
ويقول { :وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة ،فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ،فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ،ولتأت
طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ،ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة
واحدة ،ول جناح علي كم إن كان ب كم أذى من م طر أو كن تم مر ضى أن تضعوا أ سلحتكم ،وخذوا حذر كم ،إن ال أ عد للكافر ين عذابًا
مهينًا } ( النساء . ) 101 :
التوازن يحقق العتدال ويمنع الغلو :
ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حرص على تحقيق التوازن والعتدال ومنع الغلو والتشنج والتطرف في كل شأن ولو كان
عباديّا ..وفيما يلي مجموعة من الشواهد تؤكد نهج الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي المتوازن :
ي عن عائشة ي رضي ال عنها ي أن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي دخل عليها وعندها امرأة ،قال ( :من هذه ؟ ) ،قالت :
هذه فلنة تذكر من صلتها ،قال ( :مه ،عليكم بما تطيقون ،فوال ل يمل ال حتى تملوا ) .
ي وعن ابن مسعود ي رضي ال عنه ي عن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي قال ( :هلك المتنطعون ) ..قالها ثلثًا ( ،رواه
مسلم ) .
ي وعن أ بي هريرة ي ر ضي ال ع نه ي عن ال نبي ي صلى ال عل يه و سلم ي قال ( :إن الد ين ي سر ،ولن يشاد الدين أحد إل
غلبه ،فسددوا وقاربوا ،وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) ..رواه البخاري .
ي وعن أنس ي رضي ال عنه ي قال :جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ،يسألون عن عبادة
النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ،فلما أخبروا كأنهم تقالوها ،وقالوا :أين نحن من النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ،وقد غفر له ما
تقدم من ذنبه وما تأخر ..
قال أحدهم :أما أنا فأصلي الليل أبدًا ..
وقال آخر :وأنا أصوم الدهر أبدًا ول أفطر ..
وقال الخر :وأنا اعتزل النساء فل أتزوج أبدًا ..
فجاء رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي فقال ( :أنتم الذين قلتم :كذا وكذا ؟ أما وال إني أخشاكم ل وأتقاكم له ،لكني أصوم
وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .
ي وعن ابن ربعي حنظلة بن الربيع السيدي ي أحد كتاب رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي قال :لقيني أبو بكر ي رضي ال
عنه ي فقال :كيف أنت يا حنظلة ؟
قلت :نافق حنظلة ..
قال :سبحان ال ،ما تقول ؟
قلت :نكون ع ند ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي يذكر نا بالج نة والنار كأ نا رأي ع ين ،فإذا خرج نا من ع ند ر سول ال ي
صلى ال عليه وسلم ي عافسنا الزواج والولد والضيعات نسينا كثيرًا ..
فقال أبو بكر ي رضي ال عنه ي :فوال إنا لنلقى مثل هذا ..فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول ال ..
فقلت :نافق حنظلة يا رسول ال ..
فقال ( :وما ذاك ؟ ) ..
قلت :يا ر سول ال ،نكون عندك تذكر نا بالنار والج نة كأ نا رأي ع ين ،فإذا خرج نا من عندك عاف سنا الزواج والولد والضيعات
نسينا كثيرًا ..
فقال الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي ( :والذي نف سي بيده ،أن لو تدومون على ما تكونون عندي و في الذ كر ،ل صافحتكم
الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ،ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) .
ي وعن أبي محمد عبد ال بن عمرو بن العاص ي رضي ال عنهما ي قال :أُخبِر النبي ي صلى ال عليه وسلم ي أني أقول :
وال لصومن النهار ولقومن الليل ما عشت ..
فقال الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ( :أنت الذي تقول كذا ؟
فقلت له :قد قلته بأبي أنت وأمي يا رسول ال ..
قال ( :فإنك ل تستطيع ذلك ،فصم وأفطر ،ونم وقم ،وصم من الشهر ثلثة أيام ،فإن الحسنة بعشر أمثالها ،وذلك مثل صيام
الدهر ) ..
قلت :فإني أطيق أفضل من ذلك ..
قال ( :فصم يومًا وأفطر يومين ) ..
قلت :فإني أطيق أفضل من ذلك ..
قال ( :فصم يومًا وأفطر يومًا ،وذلك صيام داود ي عليه السلم ي ،وهو أعدل الصيام ) ..
قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :واقرأ القرآن في كل شهر ) ..
قلت :يا نبي ال ،إني أطيق أفضل من ذلك ..
قال ( :فاقرأه في كل عشرين ) ..
قلت :يا نبي ال ،إني أطيق أفضل من ذلك ..
قال ( :فاقرأه في كل سبع ،ول تزد على ذلك ) ..
فشددت فشدد عليّ ،وقال لي النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ( :إنك ل تدري لعلك يطول بك عمر ) .
قال :فصرت إلى الذي قال لي النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ،فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي ي صلى ال عليه
وسلم ي ( .رياض الصالحين ،باب القتصاد في الطاعة ) .
الدعاة وتحقيق التوازن بين الهتمامات :
ومن أبرز العوامل التي تساعد الداعية المسلم على العطاء الناضج المستمر ،تمكنه من تحقيق التوازن بين اهتماماته ،وقدرته
على النهوض بكامل مسئولياته ،دونما تفريط أو إفراط ،ودونما تغليب جانب على آخر .
فالداعية أمام مسئوليات ثلث :
1ي مسئوليته تجاه نفسه .
2ي مسئوليته تجاه أهله .
3ي مسئوليته تجاه مجتمعه .
والداعية الموفق الناجح ،هو الذي يحفظ معادلة التوازن هذه ،فيعطي كل جانب من هذه الجوانب حقه من الهتمام ،تنفيذًا لتعاليم
النبوة ،وامتثالً لقول رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :إن لنفسك عليك حقّا ،وإن لزوجك عليك حقّا ،وإن لربك عليك حقّا ،
فأعط كل ذي حق حقه ) .
والذ ين ل يتقيدون بهذه القاعدة ،ول يعملون على تحق يق التوازن ب ين اهتمامات هم ،ويغالون في الهتمام بجا نب من م سئولياتهم
على حساب الجوانب الخرى ..إن هؤلء في أكثر الحيان يفقدون عنصر الستقرار في حياتهم ،ول يملكون القدرة على الستمرار في
دعوتهم .
وإذا كان السلم يفرض على الخ المسلم أن يوازن بين اهتماماته تلك ،فلكي يتمكن من تحقيق قوامة الدعوة على جوانب حياته
كلها ،وبذلك يكون رجل الدعوة في كل الميادين الخاصة والعامة .
و من أخ طر المراض ال تي ت صيب الدعاة والعامل ين لل سلم ،اهتمام هم بال سلم خلل ع مل الدعوة ،وانف صامهم ع نه خارج هذا
النطاق ،سواء في شئونهم الخاصة أو العائلية أو الوظيفية بمعنى أن هؤلء يعيشون السلم من خلل أجواء التنظيم فقط ،ثم ينسلخون
عنه فيما عدا ذلك من أجواء ،وبذلك يكون السلم في وادٍ وحياتهم الخاصة والعائلية في وادٍ آخر .
وإذا كان على الخ الم سلم تحق يق المعادلة ب ين م سئولياته المتعددة ،فإن عل يه كذلك أن يع مل على تحق يق التوازن في نطاق كل
مسئولية من هذه المسئوليات .
أولً :مسئوليته تجاه نفسه :
كث ير من الدعاة ي سقطون بالكل ية م سئوليتهم تجاه أنف سهم ويع تبرون ذلك من اليثار ،علمًا بأن الن سان في ال سلم م سئول في
الدرجية الولى عين نفسيه { :ييا أيهيا الذيين آمنوا قوا أنفسيكم وأهليكيم نارًا } ( التحرييم { ، ) 6 :كيل نفيس بميا كسيبت رهينية }
( المدثر . ) 38 :
وحيال اهتمام الخ المسلم بنفسه ،ل بد من تحقيق التوازن في ذلك كذلك ..فل يكون اهتمامه ( بجسده ) على حساب ( عقله ) ،
أو يكون اهتما مه ( بعقله ) على ح ساب ( رو حه ) ..وإن ما ي جب أن يكون اهتما مه بهذه الجوا نب جميعًا من خلل من هج ال سلم في
تكوين الشخصية السلمية ..
أ ي فهو مسئول حيال جسده أن يدفع عنه كل ما يضعفه ويرهقه ويؤذيه ،ويحفظه سليمًا قويّا معافًا ،قادرًا على مواجهة الظروف
الصعبة وتقلبات اليام .
ب ي و هو م سئول حيال عقله ،أن يحف ظه رشيدًا متزنًا ،وأن يو فر له ما يو سع آفا قه وين مي قدرا ته ..والداع ية مشرف على
الفلس ل محالة إن كان حجم عطائه أكبر من حجم أخذه وتلقيه ( وفاقد الشيء ل يعطيه ) .
ج ي و هو كذلك م سئول عن قل به ي صقله وي صلحه ويزك يه ،يعالج اضطرا به وهواج سه بالكثار من ذ كر ال ي تعالى ي وين مي
شفافيته بالقبال على طاعة ال ،وهو في كل ذلك يتبع المنهج الرباني الذي تربى عليه الجيل القرآني الول .
ثانيًا :مسئوليته تجاه أهله :
وكما أن على الداعية مسئولية تجاه ( نفسه ) فإن عليه مثلها تجاه أهله ( زوجته وأولده وبيته ) ،وتحقيق التوازن الذي يأمر به
السلم يفرض إعطاء الهل حقهم الكامل من هذه القسمة العادلة .
أ ي فالداعية مسئول عن إقامة السلم في أهله وبيته وبين أفراد عائلته ،قبل أن يكون مسئولً عن إقامته في مجتمعه ..
وم سئوليته في هذا النطاق أ كبر وأخطير ..أو لم ي سمع إلى قوله يي تعالى يي { :ييا أيهيا الذ ين آمنوا قوا أنف سكم وأهليكيم نارًا
وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلظ شداد ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } .
إن علقة الخ بزوجته يجب أن تتعدى العلقة الحسية لتصبح علقة الشريكين المسئولين عن إرساء قواعد اليمان في بناء بيتهما
المسلم ،وعن تحقيق أجواء المودة والرحمة التي هي سر نجاح البيت المسلم ..كل ذلك من خلل الكلمة الطيبة ،والنصيحة الدافئة ،
والقدوة الحسنة التي يجب أن يقدمها الخ من نفسه قبل أن يطلبها من أهله ومن الخرين .
إن بعيض الخوة يعمدون إلى ممارسية مبدأ ( القوامية ) ممارسية خاطئة ،ويظنون أن هذا المبدأ يفرض أن تكون علقية الرجيل
ل عن كونه يساعد على هدم
بالمرأة كعلقة الرئيس بالمرءوس ،وكعلقة الضابط بالجندي ،مع أن هذا الفهم غريب على السلم ،فض ً
الحياة الزوجية ل على بنائها ،وعلى تعاستها وشقائها وليس على سعادتها وهنائها .
إن هذا ل يعني ي بحال ي أن يكون الزوج أسير زوجته وأسير أهوائها ورغباتها ي معاذ ال ي ولكنه يعني أن مسئوليتها ل تقل
عن مسئوليته في بناء السرة المسلمة ،وإنها إن كانت كذلك وجب أن تكون العلقة بينهما علقة مسئولية من طرفين ل من طرف واحد
.
إن أخطر ما يصيب البيت المسلم ويتهدد البناء بالضياع والنحراف وبكثير من العقد النفسية ،ناجم أساسًا من سوء العلقة بين
الزوجين ،ومن دوام الخلف والشجار ولواحقه المدمرة .
ب ي والداع ية م سئول عن تأم ين الحقوق الماد ية لبي ته ،فهو م سئول عن الع مل والكسب ،وإذا كانت ضغوط الحياة دفعت اليوم
بالنساء إلى خوض مجالت العمل المختلفة فهذا ل يعني أن عمل المرأة أصبح واجبًا ،أو مبررًا لتقصير الرجل عن القيام بمسئولياته في
هذا الجانب .
ولييس للزوج أن يكره زوجتيه على العميل خارج المنزل إل أن يكون ذلك عين تفاهيم بينهميا ،وحاجية ضاغطية وملحية عليهميا ،
وإقبال ورضى من المرأة بذلك .
والحقيقة أن كثيرًا من المشاكل العائلية ما كانت لتحدث إل بسبب عمل المرأة خارج المنزل ،مما يتسبب في أن تعيش العائلة على
أع صابها ،و في سباق من الم سئوليات المتراك مة والوقات الضاغ طة ،وبذلك يتعذر قيام أي منهاج في الب يت ين ظم علئق الزوج ين
ل عن الحاجات العضو ية الخرى بش كل مقبول من نوم ورا حة وطعام
ببعضه ما ،وعلئقه ما بأولده ما ،ويؤ من الحاجات التربو ية فض ً
وفسحة ونظافة ..إلخ .
والوا جب يقت ضي في حال اضطرار المرأة إلى الع مل خارج الب يت أن يكون التعاون ب ين أفراد العائلة على القيام بالواجبات اليوم ية
على أعلى م ستوى ،للتعو يض عن الفراغ الذي ي سببه غياب المرأة عن الب يت ،ومنعًا لنشوء أ سباب مثيرة للخلف باع ثة على تعا سة
البيت وشقائه .
ثالثًا :مسئوليته تجاه دعوته :
إن واجيب الخ المسيلم تجاه دعوتيه واجيب مقدس وأسياسي ل يجوز التفرييط بيه أو التهاون فييه ،وعلييه أن يفرد له مين الجهيد
والوقت ما استطاع إلى ذلك سبيلً ،وأن يسعى إلى تحقيق وتطبيق المعادلة والتوازن اللذين أمر بهما السلم .
ثم إن عليه أن يحاول مضاعفة عطائه الدعوي دون أن يمس جوهر التوازن وحقيقته حتى يصبح التوجه الحياتي توجهًا دعويّا في
كافة مجالته ،وحتى يتحقق فيه قول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ( :من جعل الهم همّا واحدًا كفاه ال هم دنياه ،ومن تشعبته
الهموم لم يبال ال في أي أودية الدنيا هلك ) رواه الحاكم .
إن على الخ الم سلم أن يدرك أن ال ستغراق في طلب الدن يا ل يس شرطًا في تحق يق الغ نى والثراء ،ولو حق قه فل يس شرطًا في
تحقيق السعادة والهناء .
فكم من أناس سفحوا على حطام الدنيا جل عمرهم دون أن يدركوها وخسروا الخرة ،ومنهم من أدركها ولم يدرك السعادة منها
فباء بالشقاء .
وكم من أناس أداروا للدنيا ظهورهم ابتغاء أعمال الخرة ،فأقبلت عليهم الدنيا ذليلة صاغرة ،وصدق ال ي تعالى ي حيث يقول :
{ ومن يتق ال يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث ل يحتسب } ( الطلق . ) 2،3 :
ووا جب الخ الم سلم أن يكون عطاؤه لل سلم وللدعوة هو العطاء الك مل والو فر والك ثر ،ول يس الع كس ،ك ما هو شأن الذ ين
يبخلون بأوقات هم أن تذ هب في الدعوة هدرًا ،ويبخلون بأرواح هم أن تز هق في سبيل ال غيلة وغدرًا ،ثم هم ل يتخلفون عن ركوب
{ قتل النسان ما أكفره ،من أي شيء خلقه ، أعتى المواج خطرًا ومواجهة أشد الظروف ضررًا ،استزادة من الدنيا ونعيمها ..أل
من نطفة خلقه فقدره ،ثم السبيل يسره ،ثم أماته فأقبره ،ثم إذا شاء أنشره ،كل لما يقض ما أمره } ( عبس 17 :ي . ) 23
إن عمل الدعوة له ( لذة ) ل تدانيها لذة المال والنساء ..وإن له عند ال لقيمة وأجرًا دونهما قيمة الدنيا ونعيمها ..
ل واحدًا خير من حمر النعم ) متفق عليه ..
إنها لذة الهداية ( :لئن يهدي ال بك رج ً
لذة الشعور بالرضى { :رضي ال عنهم ورضوا عنه } ..
لذة الشعور باستعلء اليمان وانتصاره في النفس والمجتمع { :ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ال } .
إن السلم يريد أصفياء لدعوته ،كرماء في سبيله ،يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والبصار ،وبخاصة في عصر أكثر الناس في
إدبار والقليل في إقبال ،وغلبة القلة المؤمنة مشروطة بكلية إقبالها على ال .
العمل السلمي المتكامل والمتوازن عمل صعب :
كثيرًا ما تبرز في ساحة الع مل ال سلمي اتجاهات ذات اهتمامات خا صة غ ير متكاملة ول متواز نة ،هذه التجاهات قد تن مو نموّا
سريعًا ،وقد يكون نموها السريع هذا محل تساؤل لدى بعض العاملين في التجاه السلمي المتكامل والمتوازن ،وقد يصل المر ببعض
هؤلء حد التشكك في دعوتهم حيث تبدو لهم بطيئة في سيرها ونموها ،في حين يرون تلك تتنامى سرعة ،دون أن يفطنوا إلى السر
والسبب ..
إن السبب في سرعة نمو التجاهات ذات الختصاص أو الهتمام الجزئي إنما يعود إلى سهولة العمل في التجاه الواحد ،وسهولة
البداع في الختصاص الواحد .
إن الحركات ذات الهتمام السياسي مثلً ستكون أقدر على النمو واكتساب الخبرة السياسية والتفوق في العمل السياسي من حركة
ذات اهتمام كلي ونشاط شامل .
وإن التجاهات ذات الختصاص بجانب من جوانب المنهج السلمي ي كجانب العقيدة مثلً أو الفقه ي ستكون مساحة عملها في
هذا الطار أكبر من حركة متعددة جوانب الختصاصات والهتمامات .
ول كن المشكلة ل تك من ه نا ،إن ما تك من في ع جز هذه التجاهات والحركات غ ير المتكاملة والمتواز نة عن تغط ية أي جا نب من
جوانب العمل السلمي خارج إطار تخصصها ،في حين أن العمل السلمي المتكامل والمتوازن يملك من قدرة التحرك والعمل في كافة
المجالت وإن بنسب أقل ،ولكن ليس دون المستوى المطلوب .
ل ،أسيهل بكثيير مين تكويين ذهنيية ذات إلمام بكافية العلوم الشرعيية
إن تكويين ذهنيية ذات إلمام بعلم التوحييد وشئون العقيدة مث ً
المطلوبة ،كما أن تكوين ذهنية ملمة بالعمل الجتماعي أو الخيري فقط ،سيكون أسهل من تكوين ذهنية ملمة بعمل الدعوة في كافة
القطاعات والمجالت الجتماعية والسياسية والفكرية والحركية والطلبية ،وغيرها .
إن سهولة العمل الجزئي هي سبب تناميه السريع ،وهي بالتالي سبب ارتكاسه السريع كذلك ،أما صعوبة العمل الكلي المتوازن
وما يحتاجه من معاناة فهي سبب نموه البطيء ،وهي بالتالي سبب ثباته ونجاحه ،وصدق رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حيث
يقول ( :أحب العمال إلى ال ي تعالى ي أدومها وإن قل ) رواه الشيخان .
*******************
الحلقة الرابعة
وجوب وحدة العمل السلمي
تكاد تكون التعددية في العمل السلمي ظاهرة عالمية لم ينج منها قطر من القطار ،صغيرًا كان أم كبيرًا ..بل لم تنج منها أية
مجموعة أو جالية إسلمية على امتداد العالم .
ففي كل مكان عشرات التنظيمات والهيئات والجماعات والمشيخات والحزاب السلمية ..
ل ي والذي ل يبلغ تعداد الم سلمين ف يه أك ثر من مليون ون صف مليون ن سمة ي هناك عشرات التنظيمات ال سلمية ،
في لبنان مث ً
منها :الجماعة السلمية ي حزب التحرير ي جماعة التبليغ ي جماعة عباد الرحمن ي جند ال ي جمعيات مكارم الخلق السلمية ي
جمع ية المقا صد ال سلمية ي جمع ية المحاف ظة على القرآن الكر يم ي جمع ية الترب ية ال سلمية ي جمع ية التوج يه ال سلمي ي جمع ية
ال صلح ال سلمية ي جمع ية البر والح سان ي جمع ية الشبان الم سلمين ي التج مع ال سلمي ي حر كة التج مع ال سلمي ي المجلس
السلمي ي يضاف إلى ذلك المشيخات والفرق الصوفية الكثيرة والمختلفة . !..
والغريب أن بعض العاملين في الحقل السلمي يعتبرون التعددية هذه ظاهرة صحية ،وأنها مدعاة إلى احتواء حجم أكبر من الناس
،وتغطية مساحة أوسع من العمل !! ..وكأن القضية قضية حجم وسعة في النصار والنتشار ،وليس في نوعية العمل وفاعليته في
إحداث التغيير السلمي .
مبررات التعددية عند أصحابها :
وأ صحاب القنا عة بالتعدد ية ،والم سئولون عن تعدد ية الع مل ال سلمي ،والذ ين ت سببوا با ستحداث تنظيمات وجماعات إ سلمية
بالرغيم مين وجود تنظيمات وجماعات إسيلمية سيابقة ،يعمدون إلى تقدييم ميبررات لفعلتهيم هذه ولتصيرفهم ذاك ..وتكاد تكون هذه
المبررات واحدة ،منها :
( ) 1أن التنظيمات السلمية السالفة استنفدت أغراضها ،ولم تعد قادرة على تحقيق الهداف السلمية .
( ) 2أن تلك التنظيمات والجماعات تهتم بجانب من جوانب العمل ،أو تغلّب جانبًا من الجوانب .
( ) 3أن تلك التنظيمات والجماعات عليها شبهات كثيرة ،وعلمات استفهام عريضة ،وأن إقامة تنظيم جديد يريح العاملين فيه
من كل هذه الشبهات وعلمات الستفهام .
( ) 4أن تلك التنظيمات والجماعات وقعت في أخطاء كثيرة .
والن ماهي النتيجة ؟
والن لو جئنا نبحث ونفتش عن مآل هذه المبررات بعد توالد التنظيم الثاني والثالث والرابع ..
هل أن التنظيم الول استنفد أغراضه ،وأن التنظيمات المتوالدة حققت أغراضًا لم يحققها هو ؟ .
وهل نجت هذه التنظيمات من الشبهات والخطاء بعد قيامها على أرض الواقع ؟ .
إن الحقيقة المرة التي تطالعنا ،هي انهيار هذه المبررات وسقوطها دفعة واحدة بعد ولدة كل تنظيم جديد على الساحة السلمية :
( ) 1فالتحديات والشبهات التي ظن تنظيم ما أنه سيكون في مأمن منها ومنجاة ،لحقته جملة وتفصيلً ..ولقد غاب عن باله أن
السلم هو المستهدف والمقصود في الساس ،وأن العاملين للسلم كائنًا ما كانت أسماؤهم ومسمياتهم أمام مصير مشترك .
( ) 2وأن العيب الذي كان يراه في غيره أصبح متهمًا به هو ،وأن سابقة إجازته للتعدد قد فتحت الباب على مصراعيه أمام ما
يسمى ( بالحركات التصحيحية ) وأكثرها من عمل الشيطان ؛ لنها ل تؤدي إل إلى مزيد من النشقاق والنقسام .
( ) 3وفي النهاية لو جئنا إلى هذه التنظيمات التي توالدت ،وإلى هذه الحركات التصحيحية التي قامت ،لوجدنا أنها لم تتعد في
أعمالها مجتمعة حجم ما حققه التنظيم الول الذي توالدت عنه هذه التنظيمات .
فما الفائدة التي جناها السلم ي إذن ي من خلل التعددية ؟ وما المكاسب التي حققها التنظيم الثاني والثالث والرابع ولم يتمكن
من تحقيقها التنظيم الول ؟ .
آثار التعددية على السلم والمسلمين :
مشكلة التعددية ليست في عدم تحقيقها فائدة ما في نطاق العمل السلمي فحسب ،وإنما فيما خلقته من آثار سيئة على الساحة
السلمية ،من هذه الثار على سبيل المثال :
( ) 1أنها أعطت كثيرًا من المسلمين مبررات للهروب من النتماء الحركي ،بسبب ذريعة التحير التي يبديها هؤلء حيال كثرة
التجاهات .
( ) 2أنها فتتت القوى السلمية وأضعفتها ،ولم تكن بحال عاملً في تطوير العمل السلمي وإغنائه ،وإنما كانت عاملً في
تشرذمه وتخلفه ،وعاملً في التشكيك فيه .
( ) 3أنها سهلت على أعداء السلم عملية تصفية التجاه السلمي باستفراد كل كيان على حدة ،ولم تكن باعث صمود أمام
التحدي .
( ) 4أفرزت حساسيات لدى أتباع كل تنظيم من التنظيمات الخرى ،مما زاد في تشرذمها ،وأجج العصبية الحزبية الفئوية بين
أفرادها ،وجعل بأسها بينها بدل أن يكون بينها وبين عدوها .
( ) 5وهذا كله عمل على تأخرها وتخلفها وعدم وصول واحدة منها إلى أهدافها ،وبلوغها الغاية التي حددتها لنفسها .
آثار التعددية على المستوى الحركي :
ولقد كان للتعدد ية آثار بالغة السوء والخطورة على الع مل السلمي ،م ما أدى إلى بروز كيانات إسلمية مشوهة ألحقت إساءات
بالفكر السلمي وبالمنهج السلمي ..من هذه الثار :
( ) 1بروز ظاهرة الشخصانية والفردية والمشيخية بديلً عن العمل المؤسسي المنظم .
( ) 2بروز ظاهرة القليمية والمحلية في العمل السلمي بديلً عن عالميته ووحدته ومركزيته .
( ) 3بروز ظاهرة الولء الحزبي بديلً عن الولء المبدئي والعقيدي .
( ) 4بروز ظاهرة الجزئية في العمل السلمي بدل الكلية والشمولية .
( ) 5وأبرز هذه الثار ،هي أن كل فريق كان يقع في نفس الخطاء التي وقع فيها غيره ،لنه كان يأبى الستفادة من التجربة
ال تي مر ب ها سواه ،وهذا ما يب قي التجاه ال سلمي في دوا مة من التجارب على ح ساب ال سلم ،والذ كي من ات عظ بغيره ،ول يلدغ
المؤمن من جحر مرتين .
الخلفيات الحقيقية للتعددية :
الحقيقة أن السباب التي يبرر بها هذا التنظيم أو ذاك وجوده وقيامه ي وبالرغم من وجود تنظيم سابق له ي غير مقبولة لكونها
غير شرعية وغير منطقية ،وغير صحيحة !! .
الحقيقة الخرى هي أن وراء التعددية أسبابًا وخلفيات كثيرة أخرى يمكن أن نستعرض منها ما يلي :
( ) 1من الخلفيات الكامنة وراء التعددية في العمل السلمي ،خلفيات دولية ي من هذا المعسكر أو ذاك ي الهدف منها ضرب
الع مل ال سلمي ال صيل من قلب ال ساحة ال سلمية ..فالنجل يز مثلً عند ما أرادوا ضرب الحر كة ال سلمية المتوث بة في ش به القارة
الهندية بقيادة ( أحمد بن عرفان ) اصطنعوا حركة إسلمية أخرى منحرفة هي ( الحركة القاديانية أو الحمدية ) .
( ) 2ومن الخلفيات الكامنة وراء التعددية سلطان النزعة ( الزعامية ) والذي يحول في كثير من الحيان دون وحدة العمل ،التي
تتطلب تجردًا ل ،وتضحية في سبيله ،كما تتطلب نكران النفس والذات احتسابًا لوجه ال .
( ) 3ومن الخلفيات الكامنة وراء بعض التعدديات ،سلطان النزعة المادية والحرص على المنافع الدنيوية ..فلقد ابتلي السلم
في هذا الع صر بأدعياء يتاجرون بال سلم ،ويبتزون بال سلم ،ويحققون من خلله م صالحهم ..وهؤلء ل شك يرفضون وحدة الع مل
السلمي لن من شأنها أن تغلق ( دكاكينهم ) وتعطل مصالحهم وتفوت عليهم الثروات .
من المؤ سف أن هنالك عشرات الجمعيات القائ مة ه نا وهناك وهنالك ل ها رحلة في الشتاء ورحلة في ال صيف لج مع ال تبرعات من
دول الخليج ،وهي في الواقع جمعيات وهمية ل وجود لها ول أثر على ساحة العمل السلمي .
( ) 4ومن الخلفيات الكامنة وراء التعددية ،الجهل بالسلم ،أو بمقتضيات العمل السلمي في هذا العصر ،وهذا ما جعل ساحة
العمل السلمي حقول تجارب لفئات شتى من العاملين ،من دون أن تعمد فئة من هذه الفئات إلى الستفادة من تجارب غيرها .
ول كن كل هذا ل يع ني ي ح صرًا ي انعدام وجود مبررات شرع ية وحرك ية لقيام أي تنظ يم إ سلمي في أعقاب تنظ يم آ خر أو على
أنقاضه .
وحدة العمل السلمي فريضة شرعية :
ومما ل شك فيه أن الصل في الشريعة هو وحدة العمل السلمي وليس تعدده ..وأن هذه الوحدة تعتبر فريضة شرعية من عدة
وجوه :
ي الصل وحدة المسلمين ووحدة المة لقوله ي تعالى ي { :إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ( النبياء . ) 92 :
وقوله { :وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } ( المؤمنون . ) 52 :
وقوله ي صلى ال عليه وسلم ي ( :مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له
سائر الجسد بالسهر والحمى ) ( لحمد في مسنده ولمسلم ) .
ي ال صل ال حض على الوحدة والن هي عن الختلف لقوله ي تعالى ي { :ول تكونوا كالذ ين تفرقوا واختلفوا من ب عد ما جاء هم
البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ( آل عمران ).
{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى ال ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } ( النعام . ) 159 :
وقوله ي صلى ال عليه وسلم ي ( :من فرق فليس منا ) رواه الطبري .
ي الصل التزام جماعة ل جماعات ،لقوله ي صلى ال عليه وسلم ي ( :ستكون هنات وهنات ،فمن أراد أن يفرق أمر هذه المة
و هي جم يع ،فاضربوه بال سيف كائنًا ما كان ) رواه م سلم ،وقوله ( :دعا نا ال نبي فبايعناه ،فقال :في ما أ خذ علي نا ،أن بايع نا على
السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ،وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ،وأل ننازع المر أهله ،إل أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من ال فيه
برهان ) رواه البخاري .
وقوله ( :الجماعة رحمة ،والفرقة عذاب ) زوائد المسند ( ض ) .
وقوله ( :يد ال على الجماعة ) رواه الترمذي .
جاء في هامش ( الجامع الصغير للمام السيوطي ) تعليقًا على هذا الحديث ( :يد ال على الجماعة :أي حفظه ووقايته وكلءته ،
أي هم في كنفه ،ويد ال قوته ،وأوصى حكيم أولده :ائتوني بعصي ،فجمعها وقال :اكسروها مجموعة ،فلم يقدروا ،ففرقها وقال
:اكسروها ،ففعلوا ،فقال :لن تغلبوا ما اجتمعتم ،فإذا تفرقتم تمكن منكم العدو ) الجامع الصغير ( . ) 370 /2
وحدة العمل السلمي ضرورة حركية :
وفضلً عن كون وحدة العمل السلمي فريضة شرعية ،فإنها ي كذلك ي ضرورة حركية وبشرية لسباب كثيرة ،منها :
( ) 1إن التغيير السلمي المنشود يستلزم تضافر القوى السلمية جمعاء في مسيرة واحدة ،وضمن خطة واحدة ،وتشرذم هذه
القوى وعدم توحدها من شأنه تعطيل هذه العملية وتأخير النقلب السلمي ،وبالتالي تمكين القوى الجاهلية من الستمرار والسترسال
في قيادة المسلمين بشرًا وأقطارًا .
فالتغيير السلمي عملية شاقة ،ودحر القوى الجاهلية عن مواقعها ليس بالمر السهل ،وتحقيق قوامة السلم على المجتمع ي
فكرًا وسلوكًا ونظامًا ي يفرض تلحم القوى ضمن إطار وحدة ( اندماجية ) ل تنسيقية .
( ) 2والتواطؤ الدولي على السلم وعلى الحركة السلمية يفرض بالتالي وحدة المواجهة والتصدي ..فالدول الغربية يجمعها
( حلف شمال الطلسي ) ،وأوروبا تتعاون فيما بينها ضمن إطار ( السوق الوروبية المشتركة ) ،ودول المنظومة الشتراكية يجمعها
( حلف فرصوفيا ) ،واليهود يلتقون ضمن ( المنظمة الصهيونية العالمية ) .
فإذا كا نت القوى العالم ية المعاد ية لل سلم المتآمرة على العالم ال سلمي تتعاون في ما بين ها وتو حد جبهات ها ،أفل يح سن بالقوى
السلمية في العالم السلمي أن تتداعى إلى وحدة فيما بينها ،كي ل تكون لقمة سائغة ،وكي ل تسهل تصفيتها وسحقها ؟! .
فلو لم تكن وحدة العمل السلمي فريضة شرعية من حيث المبدأ ،لصبحت كذلك حفاظًا على المصير السلمي ،وصونًا للمسيرة
السلمية من التعطل والتنكيل والبادة .
( ) 3ثم إن القوى والحزاب المحلية المعادية للسلم باتت تجمعها اليوم جبهات على امتداد العالم السلمي ،هذه الجبهات ل
تفتأ تدرس وترصد وتخطط وتستعد على كل صعيد ،أفيحسن بالقوى السلمية ي حيال هذا الواقع ي أن تبقى مشرذمة مفككة ؟ أم يجدر
بها أن تتعالى فوق كل العتبارات والسباب التي تحول دون وحدتها وتلحمها ؟ .
إن م صيرًا مشتركًا رهيبًا ينت ظر كل القوى ال سلمية ما لم تبادر إلى ن سيان الن فس والذات ،وتخرج من دوا مة الن فس والذات ،
لتلتقي جميعًا على ال ،وعلى مصلحة السلم العليا .
والمطلوب من الجميع وقفة جريئة من النفس ،صادقة مع ال ،مجردة من النانية والعصبية والحزبية وحب الذات ..
وساعتئذ ..يفرح المؤمنون بنصر ال ،قل عسى أن يكون قريبًا .
*********************
الحلقة الخامسة
وجوب التربية الجهادية في العمل السلمي
( الترب ية الجهاد ية ) واعتماد ( ال خط الجهادي ) تبعًا لبروز ظاهرة ( التعدد ية ) على ال ساحة السلمية ،برزت ت صورات ش تى حول
في العمل السلمي .
فهنالك اتجاهات إ سلمية تتب نى ( ال خط الجهادي ) سواء في ترب ية أفراد ها ،أو في أ سلوب عمل ها وتعامل ها مع المجتمعات ال تي
تعيش فيها ،ومع النظمة التي تحكم هذه المجتمعات .
وهنالك اتجاهات أخرى تر فض ( ال خط الجهادي ) جملة وتف صيلً ،مكتف ية ب ما هو دون الجهاد الح سي من ( توجهات جهاد ية )
كمجاهدة النفس وتزكيتها ،ومجاهدة الناس بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ،ومجاهدة الحكام بالتذكير والمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ،دون أن يدخل في حسابها من قريب أو بعيد ،تبنيها للقوة أو للجهاد الحسي في تغيير المجتمعات ،وتحقيق النقلب السلمي
.
وهنالك اتجاهات إ سلمية كذلك ل تر فض ال خط الجهادي ،ولكن ها تر فض ممار سته ذاتيّ ا و في إطار التنظ يم ،وترى أن الو سائل
الجهاد ية وأ سباب التغي ير الح سية يم كن ال ستحواذ علي ها عبر مؤ سسات الدولة نف سها ،أو من خلل طلب الن صرة ،دون ما حا جة إلى
تكوينها وامتلكها ،لما في ذلك من محاذ ير ،ول ما يتطلبه من جهود ،وهي لذلك ل تكلف نفسها مسئولية ما ،سواء ( على مستوى
تكوين الشخصية ) أو في ( إطار العمل الحركي ) تتصل بجانب العداد الجهادي .
هذه المفارقات والشكالت التي أفرزها تعدد التصور الحركي للعمل السلمي ،ولطبيعته وسماته وقسماته ،جعل الساحة السلمية
على مدار سنوات طويلة ،ش به خال ية من ( المجاهد ين ) بالر غم من ازدحام ها بالعامل ين والوعاظ والمرشد ين والفل سفة والمؤلف ين
والمنظرين .
وهنا يكمن سر سقوط أقطار العالم السلمي بأيدي أعداء السلم قطرًا قطرًا ،وذلك لخلو هذه القطار من حركات ( جهادية ) تقف
في مواج هة التحدي والت صدي ل ية محاولة ت ستهدف ضرب ال سلم وا ستئصال وجوده الحر كي ،و من ثم التح كم بمقدرا ته و سياسته
ومصيره .
السلم دعوة جهادية :
من صفات السلم الرئيسية أنه دعوة جهادية ماضية في مواجهة الباطل وإحقاق الحق إلى أن تقوم الساعة ،وصدق ال ي تعالى
ي حيث يقول { :وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل } وصدق رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حيث يقول ( :أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأني رسول ال ،فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ،إل بحقها ،وحسابهم على
ال ) رواه الشيخان .
فمن طبيعته عدم مهادنة الجاهلية أو التعايش معها أو مساومتها أو تقديم تنازلت لها :
{ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك القربين } ( الشعراء . ) 214 :
{ قل يا أيها الكافرون ،ل أعبد ما تعبدون ،ول أنتم عابدون ما أعبد ،ول أنا عابد ما عبدتم ،ول أنتم عابدون ما أعبد ،لكم
دينكم ولي دين } ( سورة الكافرون ) .
{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم } ( الشورى . ) 15 :
ومن طبيعته أنه يرفض كل الحلول المطروحة ويعتبرها مشكلت وليست بحلول ،فهو ل يقبل مع السلم منهجًا غير منهجه ،ول
دينًا غير دينه ،ول شرعة غير شرعته :
{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينًا } ( المائدة . ) 3
{ إن الدين عند ال السلم } .
{ ومن يبتغ غير السلم دينًا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين } ( آل عمران . ) 19 :
ومن طبيعته أنه يجعل التشريع حق ال وحده ،ول يقبل بالحتكام لغير شرع ال ،ولهذا فهو يرفض التشريعات الوضعية جميعًا ،
سواء كانت أجنبية أم عربية ،شرقية أم غربية :
{ وأن احكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم ،واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك ،فإن تولوا فاعلم أنما يريد ال
أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ،وإن كثيرًا من الناس لفاسقون ،أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكمًا لقوم يوقنون } ( المائدة :
. ) 52
ومن طبيعته أنه ل يرضى لتباعه الدنية في شيء ول يقبل لهم الذل والهوان في أمر :
{ ول العزة ولرسوله وللمؤمنين } ( المنافقون . ) 8 :
{ يا أي ها الذ ين آمنوا من ير تد من كم عن دي نه ف سوف يأ تي ال بقوم يحب هم ويحبو نه أذلة على المؤمن ين أعزة على الكافر ين
يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ،ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم } ( المائدة . ) 57
{ محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ( } ...الفتح . ) 29 :
ثم إن ال سلم يع تبر الجهاد طرييق المؤمن ين إلى الج نة ،و سبيلهم إلى مرضاة ال يي تعالى يي ونع يم الخرة ،وإن ترك الجهاد
والتخلي عنه يورث الذل والخنوع والهوان ،فقال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :اعلموا أن الجنة تحت ظلل السيوف ) رواه
الشيخان وأبو داود .
الجماعة المسلمة حركة جهادية :
والسلم يعتبر الجماعة المسلمة في أي مكان قامت وفي أي زمان كانت حركة جهادية هدفها الصيل تعبيد الناس ل ي تعالى ي
وجعل الحاكمية والقوامة لتشريعه .
فكتاب ال ي تعالى ي يصف الجماعة المسلمة بقوله :
{ إن ما المؤمنون الذ ين آمنوا بال ور سوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموال هم وأنف سهم في سبيل ال ،أولئك هم ال صادقون }
( الحجرات . ) 15 :
{ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } ( محمد . ) 31 :
ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يصف الجماعة المسلمة فيقول :
( ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر ال وهم ظاهرون ) رواه الشيخان .
( ل تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر ال ل يضرها من خالفها ) رواه ابن ماجة .
( ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) للحاكم في المستدرك .
والمسيلمون الولون عرفوا أنهيم أمية جهاد وحركية جهاد فعاشوا مجاهديين بأموالهيم وأنفسيهم فيي سيبيل ال ،يقولون الحيق ،
ويأمرون بالمعروف ،وينهون عن المنكر ،ويقيمون العدل ،ول يخشون في ال لومة لئم .
لم يكونوا ليرهبوا سطوة حاكم ،وسوط جلد ،وحبل مشنقة ،بل إنهم ليستعذبونه في سبيل ال ،ولسان حالهم جميعًا ما نطق به
رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي في قلب المحنة ( :إن لم يكن بك غضب علي فل أبالي . ) ..
لم تكن الجماعة المسلمة التي رباها محمد بن عبد ال على عين السلم ( مدرسة فكرية أو فلسفية ) هدفها نشر الفكر والفلسفة
بين الناس قبلوها أو رفضوها ،أو حتى تخريج مفكرين وفلسفة ليس إل .
ك ما لم ت كن تلك الجما عة ( فر قة صوفية ) تع يش معزولة عن دن يا الناس و صراعاتهم في أجواء الريا ضة الروح ية ،ل تدري ما
يجري حولها من كيد للسلم ،وتآمر عليه وتشويه لشخصيته ،واستئصال لوجوده ،حسبه منها صلة وصوم وإنشاد .
ولهذا غضب رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حين جيء برجل أتى جبلً يتعبد فيه ،وقال له ( :ل تفعل أنت ول أحد منكم ،
لصبر أحدكم في بعض مواطن السلم خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عامًا ) .
وفي رواية للترمذي ،قال ( :ل تفعل ،فإن مقام أحدكم في سبيل ال أفضل من صلته في بيته سبعين عامًا ،أل تحبون أن يغفر
ال لكم ويدخلكم الجنة ،اغزوا في سبيل ال ،من قاتل في سبيل ال فوق ناقة وجبت له الجنة ) .
التغيير السلمي وحتمية الجهاد :
ثم إن ( التغي ير ال سلمي ) الذي هو الهدف الرئي سي من الع مل ال سلمي ل يم كن تحقي قه من غ ير جهاد ،وبدون صياغة ج يل
مجاهد ،وإقامة تنظيم جهادي .
فالمه مة التغيير ية مه مة شا قة ،بل إن اليام تزيد ها مش قة ؛ لن الكيانات القائ مة في العالم ال سلمي والقاب ضة على الزمام ف يه
تعمق لونها العقائدي المناهض للسلم والمرتبط بأعدائه .
وزمن الحريات ،أو ما يسمى ( بالديمقراطيات ) ولى إلى غير رجعة وحل محله عصر ( الديكتاتوريات ) الذي أشار إليه رسول ال
ي صلى ال عليه وسلم ي حيث قال ( :أل إن رحى السلم دائرة ،فدوروا مع السلم حيث دار ،أل إن الكتاب والسلطان سيفترقان ،
فل تفارقوا الكتاب ،أل إنه سيكون عليكم أمراء يحكمون لنفسهم ما ل يحكمون لكم ،إن عصيتموهم قتلوكم ،وإن أطعتموهم أضلوكم )
قالوا :وماذا نفعل يارسول ال ؟ قال ( :كما فعل أصحاب عيسى ي عليه السلم ي نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ،موت في
طاعة ال خير من حياة في معصية ) .
وقال ( :تكون نبوة ما شاء ال ل ها أن تكون ثم تنق ضي ،ثم تكون خل فة راشدة على من هج النبوة ما شاء ال ل ها أن تكون ثم
تنقضي ،ثم يكون ملكًا عضودًا ( وراثيّا ) ما شاء ال له أن يكون ثم ينقضي ،ثم تكون جبرية ( ديكتاتورية ) ما شاء ال لها أن تكون
ثم تنقضي ،ثم تكون خلفة راشدة على منهج النبوة ،تعم الرض ) .
إن القوى الظاهرة والخف ية القاب ضة على الزمام في العالم السلمي قوى شريرة ،مغ سولة الدمغة ،قد هيأها أعداء السلم لهذا
الدور منذ زمن بعيد ،هذه القوى ل يمكن قهرها والتغلب عليها بغير جهاد وبغير حركة جهادية وبغير تربية جهادية ،هذه القوى تمتلك
كل أسباب القهر والتنكيل والبادة ،ومعطى لها الضوء الخضر من كل أعداء السلم في الداخل والخارج ،وعلى رأسهم القوى الدولية
الثلث ( الصهيونية والصليبية والشيوعية ) .
إن إزالة هذه القوى وإقامة السلم مكانها ليس بالمر السهل الهين ،فهي ستتشبث بمواقعها حتى النفس الخير ،وإن تحقيق ذلك
يحتاج إلى حركة أعدت نفسها للجهاد الطويل والمرير ولكل أنواع المعاناة والمواجهات .
إن ذلك يحتاج أولً وق بل كل ش يء إلى ( ترب ية جهاد ية ) تخرج أنماطًا من المجاهد ين ،يحبون الموت ك ما ي حب الناس الحياة ،
ويعيشون هم السلم وقضايا السلم ليلهم ونهارهم .
والترب ية الجهاد ية لي ست فقرة خا صة تضاف إلى من هج الترب ية في ظرف من الظروف أو في فترة من الفترات ،وإن ما هي روح
المنهج كله ،والسمة المشتركة بين جميع فقراته .
إن تحول حركات ( فكر ية وتربو ية ) علن ية إلى حركات جهاد ية يح مل م عه كثيرًا من المحاذ ير والخطار ،في ح ين أن نشأة هذه
الحركات على السيس الجهاديية ابتداء يجعلهيا أكثير أثرًا وأشيد خطرًا على الكيانات الجاهليية ،وأقدر على اقتلعهيا ،وإقامية البدييل
السلمي مكانها .
ماذا نعني بالتربية الجهادية ؟
الترب ية الجهاد ية ل تع ني بحال إ سقاط جوا نب الترب ية الخرى من الح ساب ،ل تع ني التفرغ للترب ية الع سكرية وشئون القتال ،ل
تع ني إهمال الترب ية الروح ية والفكر ية وإغفال الترب ية ال سياسية والحرك ية ،إن ما تع ني تأ صيل الروح الجهاد ية لدى الفرد والجما عة ،
وج عل هذه الروح وشي جة الر بط ب ين سائر الهتمامات والعنوان الرئي سي ل ها ،تع ني إيجاد الن سان الذي يع يش من أ جل ال سلم ..
الن سان الذي يدرك عظ مة دوره وخطور ته ودق ته ،ف هو ل يتوا نى يه يئ نف سه وي ستعد للقيام بهذا الدور على أك مل و جه ..الن سان
المعلق قلبه بال وبالخرة ،فهو ل يعيش لدنياه مقدمًا فضول الوقت والجهد لخرته ودعوته ..النسان المتلهف إلى الشهادة في سبيل
ال ،والذي يعيش حقيقة الشعار الذي يردده ( :الموت في سبيل ال أسمى أمانينا ) .
إن الترب ية الجهاد ية هي الترب ية ال تي تج عل الن سان كائنًا ما كان اخت صاصه وعمله مجاهدًا في سبيل ال ،م سخرًا اخت صاصه
للجهاد في سبيل ال ..ف هو عالم ومجاهد ،و هو طبيب ومجا هد ،و هو كا تب ومجا هد ،و هو مهندس ومجاهد ،و هو معلم ومجاهد ،
وهكذا يكون الجهاد السمة المميزة والقاسم المشترك بين هؤلء جميعًا .
إن التربية الجهادية توجب إعطاء مساحة أكبر من الهتمام بأمرين أساسيين :
أولً :الهتمام بالنفيس بربطهيا بال والشوق إلى لقائه والموت فيي سيبيله ،وبالتالي صيونها عين كيل ميا يركين بهيا إلى الرض
وشهواتها ،ولو كان حللً طيبًا ،وبذلك تكون نفسًا مجاهدة .
ثانيًا :الهتمام بالجسد ليكون معافى قويّا يمتلك كل إمكانات الدفاع والهجوم وخبرات الدفاع والهجوم ،وبخاصة في عصر تعددت
فيه هذه الخبرات والعلوم ،ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يقول ( :من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) .
السلم يحض على الجهاد :
ومين اسيتعراض سيريع لعدد مين الشواهيد ( القرآنيية والنبويية ) يتيبين مدى اهتمام السيلم بالجهاد ،المير الذي يكشيف سير
النتصارات الباهرة التي حققها الجيل القرآني الول ،والفتوحات التي تمت على يديه ..هذا السر هو أن الجيل القرآني الول تربى على
معاني الجهاد ورضع لبان الجهاد ساعة فساعة .
فمن كتاب ال نستعرض بعضًا من اليات الحاضة على الجهاد ،يقول ي تعالى ي :
{ كتب عليكم القتال وهو كره لكم ،وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ،وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم ،وال يعلم وأنتم
ل تعلمون } ( البقرة . ) 216 :
{ فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة } ( النساء . ) 71 :
{ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ( } ..النفال ) .
{ قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ،ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق ( } ..التوبة . ) 30 :
{ انفروا خفافًا وثقا ًل ،وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل ال ،ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } ( التوبة . ) 42 :
ومن سنة رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي نقتطف بعضًا من الحاديث الجهادية :
( من لقي ال بغير أثر من جهاد لقي ال وفيه ثلمة ) رواه الترمذي وابن ماجة .
( من مات ولم يغز ،ولم يحدث به نفسه ،مات على شعبة من النفاق ) رواه مسلم وأبو داود .
( وفد ال ثلثة :الغازي ،والحاج ،والمعتمر ) رواه مسلم .
بين الجهاد الكبر والجهاد الصغر :
ومما التبس على المسلمين ،بل على العاملين في الحقل السلمي ،كون الجهاد القتالي هو جهاد أصغر ،بسبب شيوع رواية :
( رجعنا من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر ،قالوا :وما الجهاد الكبر ؟ قال :جهاد القلب ،أو جهاد النفس ) .
كتب المام حسن البنا حول هذه الرواية ما يلي :
( وبعضهم يحاول ي بهذا ي أن يصرف الناس عن أهمية القتال والستعداد له ،ونية الجهاد والخذ في سبيله .
فأما هذا الثر فليس بحديث على الصحيح ،قال الحافظ ابن حجر في ( تسديد القوس ) :هو مشهور على اللسنة ،وهو من كلم
إبراهيم بن عبلة ،وقال العراقي في تخريج أحاديث الحياء :رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ،ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر
.
على أنه لو صح فليس يعطي أبدًا النصراف عن الجهاد والستعداد لنقاذ بلد المسلمين ،ورد عادية أهل الكفر عنها ،وإنما يكون
معناه :وجوب مجاهدة النفس حتى تخلص ل في كل عملها .
وهناك أمور تل حق بالجهاد منها :ال مر بالمعروف والنهي عن المنكر ..فقد جاء في الحديث ( :إن من أعظم الجهاد كل مة حق
عند سلطان جائر ) ..ولكن شيئًا منها ل يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إل أن يَقتُل أو يُقتَل في سبيل ال ) رسالة
الجهاد للمام البنا .
رسول ال المجاهد الول :
ولقد كان رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي المثل العلى للمجاهد في سبيل ال ،وبذلك كان القدوة الحسنة للمسلمين ،الذين
رأوا فيه الصورة المشرقة للقائد الذي يمارس الجهاد ويخوض الغمرات ،ويحقق في نفسه متطلبات الجهاد ومعانيه :
الشيجياعية :
عن أنس بن مالك ي رضي ال عنه ي قال :كان رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي أحسن الناس ،وكان أجو الناس ،وكان
أش جع الناس ،ول قد فزع أ هل المدي نة ليلة ،فانطلق ناس قِبَل ال صوت ،فتلقا هم ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي راجعًا ،و قد
سبقهم إلى الصوت ،وهو على فرس لبي طلحة عرى في عنقه السيف ،وهو يقول :لم تراعوا ،لم تراعوا ) صحيح مسلم .
اليقيوة :
( المؤمن القوي خير وأحب إلى ال ي عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي قال :قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي :
عز وجل ي من المؤمن الضعيف ،وفي كل خير ،احرص على ما ينفعك ،واستعن بال ول تعجز ) ..صحيح مسلم .
ولقد كان رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي قدوة في قوته ،حتى أنه غلب ( ركانة ابن عبد يزيد ) وكان أشد شباب قريش ،
ورماه على الرض دون أن يملك لنفسه شيئًا ( .راجع سيرة ابن هشام ي المرحلة المدنية ) .
الحض على صناعة السلح :
عن عقبة ي رضي ال عنه ي قال :سمعت رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يقول ( :إن ال يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر
الجنة :صانعه يحتسب في صنعه الخير ،والرامي به ،ومنبّله ) رواه أبو داود ،والمنبّل هو الذي يناول الرامي النبل ،وبلغة العصر :
هو الذي يساعد الرامي بإملء المخازن الفارغة بالذخيرة ( أي المذخر ) .
الحض على الرماية :
ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يعتبر الرماية من أبرز خصائص الجهاد ،ومن أهم أسباب القوة ..
عن عقبة بن عامر ي رضي ال عنه ي قال :سمعت رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي وهو على المنبر يقول ( :وأعدوا لهم
ما استطعتم من قوة ،أل إن القوة الرمي ،أل إن القوة الرمي ،أل إن القوة الرمي ) رواه مسلم وغيره .
و عن سلمة بن الكوع ي ر ضي ال ع نه ي قال :مر ال نبي ي صلى ال عل يه و سلم ي على قوم ينت صلون فقال :ارموا ب ني
إسماعيل فإن أباكم كان راميًا ) رواه البخاري .
وعن سعد بن أبي وقاص ي رضي ال عنه ي قال :قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :عليكم بالرمي ،فإنه خير ،أو
من خير لهوكم ) رواه الطبراني .
التحذير من ترك الرماية أو نسيانها :
ولم يك تف ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ب حض الم سلمين عل تعلم الرما ية ،بل إ نه تشدد على ضرورة ال ستمرار في
ممارستها ،وحذر من تركها ونسيانها .
فعن عقبة بن عامر ي رضي ال عنه ي قال :قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :من علم الرمي ثم تركه فليس منا ،
أو فقد عصى ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي عن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي قال ( :من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها ) ،
وفي رواية ( :ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه ،فإنها نعمة تركها ،أو قال :كفرها ) رواه الطبراني في الصغير والوسط .
قيمة الرماية قديمًا وحديثًا :
فحين يخصص الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ( الرماية ) باهتمام يفوق الهتمام بأي جانب آخر من جوانب العداد الجهادي
الحسي ،فلكون الرماية العنصر الساسي الذي يعتمد عليه في الجهاد والقتال والنزال قديمًأ وحديثًا وفي كل عصر من العصور .
فالرما ية في الوا قع تغ طي الم ساحة ال كبرى وال هم من الحتياجات الجهاد ية القتال ية ،وتع تبر الحتياجات الخرى ثانو ية وتبع ية
بالنسبة إليها .
وسائل الرماية القديمة :
فقديمًا كانت وسائل الرماية هي التالية :
1ي رماية السهم :ويطلق عن طريق القوس .
2ي رماية الرمح :ويطلق بقوة الساعد .
3ي رماية المقلع :ويعتمد على تحريك الساعد للحامل الجلدي الذي يحتوي القذيفة التي قد تكون قطعة حجرية أو حديدية .
4ي رماية المنجنيق :وهي عربات معدة خصيصًا لرمي المواد المشتعلة أو المياه المغلية أو الحجارة على العدو أو أماكن تجمعه
.
وسائل الرماية الحديثة :
وإذا أردنا التعرف على وسائل الرماية الحديثة لوجدنا أوجهًا كثيرة من الشبه بينها وبين الوسائل القديمة ،من ذلك :
1ي رماية المسدس :
وهي أشبه برماية ( المقلع ) حيث تعتمد على مهارة التصويب اليدوي التي تكتسب عن طريق الممارسة .
2ي رماية الرشيشات الخفيفة الفردية :
مثل ( الكلشينكوف ) . 1
3ي رماية البنادق اللية :
مثل ( بندقية إم 2 ) 16و ( الناتو أو الفال ) . 3
4ي رماية الرشاشات الخفيفة :
مثل ( الدكتريوف ). 4
5ي رماية الرشاشات المتوسطة :
( ) الكلشينكوف صناعة شرقية نسبة إلى مخترعه السوفييتي .. 1 1
م عياره 7.62ويرمي خمسة أنواع من الذخيرة :عادي م خطاط م خلبي م حارق م حارق خارق .
م مداه القاتل 400م ومداه المجدي 1500م .
م سعة مخزنه 30طلقة .
م يرمى به ( دراكاً ورشّا ) أي طلقة طلقة أو متتابعًا .
( ) هذه البندقية صناعة أمريكية ،عيارها ، 6.35وهي نوعان :عادية ورامية قذائف .. 2 2
م يرمى بها ( رشّا ودراكًا ) ويتسع مخزنها لم 30طلقة ،خفيفة الوزن إجمالً .
م ترمي عدة أنواع من الذخيرة ،مداها القاتل 1200م ،والمجدي 2000م .
( )
صمناعة غربيمة ،عيارهما ، 7.62ترممي قنابمل مضادة للدروع حتمى مسمافة 150م ،يتسمع مخزنهما لمم 20 3 3
طلقممة ،مداهمما القاتممل 600م ،والمجدي 1500م ،والقصممى 3600م ،يسممتعملها العدو السممرائيلي ،وهممي
سلحه الرئيسي .
( ) صناعة شرقية ،وينسب إلى اسم صانعه الروسي ( ف .دكتياريف ) عام ، 1933يركز على قائمتين ، 1 4
عياره ، 7.62يرمي رشّام فقط ،مزود بسلسلة معدنية سعة 100طلقة ،ويرميها في ربع دقيقة ،وزنه مع
الذخيرة 9كجم ،مداه القاتل 600م ،والمجدي 1500م ،والقصى 3600م .
مثل ( الغرينوف ) ، 5أو ( رشاش . ) 500
6ي رماية مدافع الهاون .
7ي رماية المدافع المباشرة أو الميدان .
8ي رماية الصواريخ المختلفة .
9ي رماية القذائف المضادة للدروع ( :قوازق آر ي بي ي جي ) . 2
10ي رماية القنابل اليدوية .
11ي رماية قاذفات القنابل الجوية .
وهكذا نرى أن الرماية تشمل أكثر المعدات والوسائل القتالية قديمًا وحديثًا ،وهذا ما يبين ويفسر سبب حض الرسول ي صلى ال
3
عليه وسلم ي على تعلم الرماية .
***********************
الحلقة السادسة
وجوب التربية المنية في العمل السلمي
( ) صممناعة شرقيممة ،عياره ، 7.62سمملح ذو نار غزيرة جدّا ،يسممتعمل ضممد الفراد والليات ،يرمممي 2 5
نوعين من الذخيرة :عادية وثاقبة للدروع ،مداه المجدي 800م والقصى 2300م ،مزود بسلسلة تتسع لم
250طلقة ،يرمى به على الطائرات والمظليين حتى 500م ،يركز على حمالة ،وزنه بدون حمالة ما يقرب
من 15كجم ،له محدد للرمي الليلي .
( ) 3سوفييتي الصنع ،وهو على نوعين ( :ب ) 2و ( ب ، ) 7يتميز ببساطته وخفة وزنه وفعاليته ، 2
مؤلف من :أنبوب الطلق ( القاذف ) وجهاز التسديد ،ويطلق من الكتف ،وضد الدروع .
مم يعتمبر ( ر ب ج مم ) 7فمي مقدممة القواذف الصماروخية الخفيفمة فمي العالم ،وزنمه فارغًا 5كجمم ،ووزن
القذيفة 2.25كجم .
م المدى القصى الفعال ضمد الهداف الثابتمة 500م ،قدرتمه على اختراق الدروع 320ملم على مسافة 300
م ،و 260على مسافة 500م .
( ) يمكن مراجعة ( الموسوعة العسكرية ) إصدار :المؤسسة العربية للدراسات والنشر م بيروت . 1 3
المين فيي الواقيع يعنيي السيلمة والطمئنان والسيتقرار ،وضده الخطورة والخوف والضطراب ،والتربيية المنيية تعنيي تحقييق
السلمة عن طريق الخذ بكل أسبابها والتحوط من كل ما يعرضها للخطر .
وزيادة في تبيان معنى ( المن ) نقتطف بعض اليات القرآنية التي تتضمن ذكر المن من زوايا مختلفة ..
يقول يي تعالى يي { :وعيد ال الذيين آمنوا منكيم وعملوا الصيالحات ،ليسيتخلفنهم فيي الرض كميا اسيتخلف الذ ين مين قبلهيم ،
وليمكنن لهم دينهم الذي ارت ضى لهم ،وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا ،يعبدون ني ل يشركون بي شيئًا ،و من كفر بعد ذلك فأولئك هم
الفاسقون } . 1
{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون } ( النعام . ) 82 :
{ وإذا جاءهم أمر من المن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولول
ل } ( النساء . ) 83 :
فضل ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إل قلي ً
{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا واجنبني وبني أن نعبد الصنام } ( إبراهيم . ) 35
{ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين ،فيه آيات بينات مقام إبراهيم ،ومن دخله كان آمنًا ،ول على
ل ،ومن كفر فإن ال غني عن العالمين } ( آل عمران . ) 97 :
الناس حج البيت من استطاع إليه سبي ً
{ وضرب ال مثلً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم ال فأذاقها ال لباس الجوع والخوف بما
كانوا يصنعون } ( النحل . ) 112 :
ماذا نقصد بالمن هنا ؟ :
المقصود بالمن ي هنا ي ضمان سلمة العمل السلمي من كل ما يسيء إليه ويؤذيه ويعرضه للخطر ،سواء كان ذلك من فرد أو
من أفراد ،أو من جهة حزبية أو رسمية .
ويتبع هذا ويلحقه وضع كافة الجراءات ي النفسية والحسية ي اللزمة والكافية لتحقيق هذه السلمة ،سواء بالنسبة للتنظيم أو
أفراده أو ممتلكاته أو مستنداته .
ك ما يد خل ض من هذا ويتلزم م عه ،القيام بر صد الجهات والحركات المناف سة والمناوئة والمعاد ية ،لمعر فة تحركات ها ،وك شف
نواياها ،وبالتالي إحباط كل الخطط التي تستهدف سلمة العمل السلمي وسلمة العاملين فيه .
المن لدى القوى المعادية :
وإذا كنا اليوم بصدد الكلم عن المن ووجوب التربية المنية في العمل السلمي ،فقد سبقنا أعداء السلم إلى ذلك زمانًا وإمكانية
..بل إن هؤلء يرصدون لجهزتهم المنية التي تكيد وتتآمر على السلم وعلى العالم السلمي النصيب الوفى والكبر في ميزانياتهم .
ونكتفي ه نا با ستعراض ب عض المعلومات عن ( جهاز المخابرات المركز ية المريك ية ) لندرك أ ية أهم ية تع طى للجا نب الم ني من
خصومنا ..
( ) 1النور ، 55 :وجاء فمي تفسمير { وليبدلنهمم ممن بعمد خوفهمم أمنًا } قوله مم صملى ال عليمه وسملم مم : 1
( فوالذي نفسي بيده ،ليتمن ال هذا المر ،حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير
جوار أحد ) ..يعني من استتباب المن .
نشأت ( وكالة السيتخبارات المريكيية المركزيية ) .C. I. Aفيي أعقاب الضربية العسيكرية المفاجئة التيي وجهتهيا اليابان إلى
ال سطول المري كي في البا سفيك في الربعينيات ،والتيي أدت إلى تدميره بالكل ية ،وكان هذا الحادث حافزًا أ ساسيّا لتكو ين المخابرات
المريكية المركزية ،حتى ل تبقى القوات المريكية عرضة للمفاجآت . 1
أما مبنى مكتب المخابرات هذه فيقع في واشنطن على رقعة أرض مساحتها ثلثة هكتارات ،ويتألف من سبعة طوابق ،تضم أكثر
من ألف غرفة ،حيث تتسع بعض الغرف لكثر من خمسمائة شخص ،وقد أعدت في المبنى ساحات تتسع لثلثة آلف سيارة ،ولقد
2
كلف بناء هذا المكتب أكثر من ستة وأربعين مليون دولر ،ويقدر عدد موظفي المخابرات ي في واشنطن فقط ي بعشرة آلف موظف
.
أميا أجهزة المخابرات فإنهيا تضيم :رجال التحري ،والعسيكريين ،والخيبراء ،والكيماوييين ،ورجال قانون ،وعلماء نفيس ،
وعلماء ذرة ،وخبراء في السياسة والجغرافيا واللغات .
وأغلب هؤلء يتكلم أربع لغات بسهولة بالغة ،وبعضهم يتقن ثلثًا وعشرين لغة .
ول قد جهزت مكا تب المخابرات هذه بم صنفات وأرش يف وميكروفيلم وعقول إلكترون ية وخرائط وآلت للترج مة الفور ية ب ما ي ساعد
على تنظيم تخزين المعلومات التي تصل من كل أنحاء العالم بواسطة العملء والجواسيس . 3
وهكذا تقوم ( الوليات المتحدة ) المريكية ي أو أية قوة معادية أخرى في العالم ي سواء كانت صليبية أو صهيونية أو شيوعية
ي بالرصد والتجسس وجمع المعلومات ،ومن ثم التخطيط والتآمر على السلم وعلى الحركة السلمية وعلى شعوب العالم السلمي
وقضاياه المصيرية ..
ف هي تقوم بتغذ ية الثورات ،وقلب الحكومات ،وغ سل الدم غة ،واحتواء الن ظم والتنظيمات ،ب ما يح قق م صالحها هي ،ولو كان
ذلك على حساب آلم الشعوب ودمائها وأشلئها .
المن ضرورة حتمية للعمل السلمي :
ونحن حين نقول بحتمية التربية المنية في العمل السلمي وبضرورة العداد المني فإنما نستدرك أمرًا غفلناه ،ونستذكر واجبًا
قصرنا طويلً في القيام به وتحقيقه .فالعمل السلمي مع تناميه الفكري والتربوي ،ومع تزايد الوعي السياسي والحركي لدى أصحابه ،
فإنه على الصعيدين الجهادي والمني بالغ التقصير والتخلف .
وهذا ما يجعله سهل المنال من ق بل الخ صوم والعداء ،سهل الختراق ،سهل الت صفية { ك يف وإن يظهروا علي كم ل يرقبوا في
مؤمن إلّ ول ذمة ،يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ،اشتروا بآيات ال ثمنًا قليلً فصدوا عن سبيله ،إنهم ساء ما
كانوا يعملون ،ل يرقبون في مؤمن إلّ ول ذمة ،وأولئك هم المعتدون } ( التوبة 8 :ي . ) 10
والعداد المني ضرورة حتمية للعمل السلمي من جوانب كثيرة ..منها :
( ) 1فهو يعينها على معرفة ما يجري حولها ،وما يخطط لها ،وبذلك ل تكون في غفلة ،أو تفاجأ بالنازلة وهي في سبات
عميق .
( ) 1كتاب الجاسوسية المريكية ،تأليف :أندرو تولي ،ترجمة :وليم خوري ،إصدار :دار دمشق 1
للطباعة .
( ) 1المصدر السابق ،ص . 24 2
( ) 3كتاب الجاسوسية المريكية ،تأليف أندرو تولي ،الفصل العاشر ،ص . 190 3
وليدركوا أن نعيم الخرة هو النعيم ،وأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ،وأن فرحة المؤمن بلقاء ال ل تعدلها فرحة ،وإن ال
ي تعالى ي قال في الحديث القدسي ( :وعزتي ل أجمع على عبدي خوفين وأمنين ،إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ،وإذا أمنني
في الدنيا أخفته في الخرة ) .
ثم إن م ما يعرض الع مل ال سلمي والدعوة لخ طر شد يد في حال وقوع الفراد في أيدي أعداء ال سلم يتعلق بمدى ما لدي هم من
معلومات ،وكلما كثرت معلوماتهم اشتد خطرهم ،ولهذا كان من مصلحة الدعوة أن يعطى الفرد بحسب الحاجة ؛ لن فضول المعلومات
سينقلب بلء عليه وعلى دعوته .
اختراق العمل السلمي وأنواعه :
والعمل السلمي معرض ي كتنظيم وحركة ي لنواع شتى من الختراقات ،وهو مستهدف من خصومه ي وما أكثر خصوم السلم
ي لعمليات الرصد والمراقبة ،مما يفرض عليه مزيدًا من الوعي والتنبه والحذر والحيطة .
واختراق العمل السلمي من قبل خصوم السلم قد يكون من طرق وجوانب متعددة ،منها :
1ي الختراق بواسطة الشخاص :
كأن يكلف شخص أو أكثر بالنخراط في التنظيم والتسلل إلى المواقع المتقدمة فيه ،وهذا ما يفرض على التنظيم ي وبخاصة في
الظروف ال صعبة ي أن يعت مد قاعدة ( التضع يف ثم التوث يق ) في التعا مل مع الناس وقبول عضويت هم ،فل تكون البواب مشر عة ل كل
وا فد كائنًا ما كا نت ثقاف ته ومركزه الجتما عي ،ول بد من اختبار الفرد طويلً ووض عه في دائرة الضوء ق بل أن ي تم التوا ثق والتعاون
والتكليف .
2ي الختراق بواسطة الفكار :
كأن يكلف فرد أو مجموعة بحمل أفكار معينة وغريبة وطرحها مع أفراد التنظيم ،لحمل التنظيم ي مع الزمن ي على تبنيها تحت
ضغط المعجبين بها ،أو بقصد إحداث البلبلة والتشتت بين أفراد التنظيم الواحد .
و قد يكون هذا الختراق من أشد ها أذى ،ح يث يم كن أن يعرض الم سار كله للنحراف عن ال خط ال صيل ..وأذ كر ه نا أن تنظيمًا
إسيلميّا لبنانيّاي معروفًا تعرض لهذا النوع مين الختراق والضغيط ،وتحول ميع اليام إلى تيار ( ناصيري ) بسيبب مين اختراق الفكير
الناصري له .
ولهذا كان ل بد من مناعة في التربية الفكرية والحركية ،ول بد من وضوح لفكر الدعوة وأهدافها وخصائصها ،ليسهل على أفراد
التنظيم التمييز بين الغث والسمين ،بين الصحيح والغلط ،بين الحق والباطل ،بين ما هو من السلم وما هو مرفوض منه .
3ي الختراق أو الحتواء بواسطة الدعم :
وقد يكون الختراق أحيانًا مخبوءًا غير مكشوف ،وقد ل يتضح وينكشف بسهولة وبسرعة ،وهذا النوع من الختراق أو الحتواء
قد يحدث في أكثر الحيان عن طريق سيطرة ( رأس المال أو النافذين ماليّا ) سواء كانوا أفرادًا في التنظيم أو أصدقاء له .
وهذا ما يفرض على الدعوة أن ترا جع نف سها با ستمرار وترا قب خط ها وت صرفها و سلوكها لمعر فة ما إذا كان محكومًا بشرع ال
ومصلحة السلم ،أم متأثرًا ي ولو إلى حد ي باعتبار من هذه العتبارات .
التربية المنية ومواجهة الظروف الصعبة :
أ ما عن كيف ية مواج هة دعاة ال سلم للظروف ال صعبة ف قد أر شد إلي ها القرآن الكر يم وبين ها الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي
وتركنا فيها على المحجة البيضاء ،ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية :
أولً :الثبات والصمود :
إن أول صفة ينبغي أن يتحلى بها العاملون للسلم ،وبخاصة في الظروف الصعبة هي ( الثبات ) كائنًا ما كان الثمن ،لن مجرد
التفكير في النكوص خيانة ل وللرسول وللمؤمنين ،وتفريط في جنب ال ي تعالى ي فكيف بالوقوع فيها ..والشيطان له على النفس
مدا خل من هذا الباب ل تح صى ،فهو ل يف تأ يذ كر بال هل والولد والدن يا { إن ما ذل كم الشيطان يخوف أولياءه ،فل تخافوهم وخافون إن
كنتم مؤمنين } ( آل عمران . ) 75 :
إن على الدعاة أن يدركوا أن نع يم الخرة هو النع يم ،وأن هذه الدن يا ب كل أطايب ها ل ت ساوي ع ند ال جناح بعو ضة ،وعلي هم أن
يدركوا أنهم ميتون شاءوا أم أبوا ،فليحرصوا على الشهادة ،لنها طريقهم إلى الجنة ،وهذا نزلهم الكريم عند ال .
ويكفيي عزاء لهيل اليمان وهيم على طرييق الشهادة أن يذكروا أنهيم جزء مين القافلة المؤمنية الممتدة فيي عميق التارييخ منيذ
الخليقة ،والمعنية بقوله ي تعالى ي { :من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه ،فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ،وما
بدلوا تبديلً } ( الحزاب . ) 23 :
هذه القافلة لم ي كن من شيمت ها الج بن والخوف والهروب ؛ لن ها كا نت م ستعلية بإيمان ها فوق الظروف ،ل قد ا ستجابت لنداء رب ها
حين قال { :يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرًا لعلكم تفلحون } ( النفال { ، ) 46 :يا أيها يا أيها الذين آمنوا
إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فل تولوهم الدبار } ( النفال . ) 15 :
وحتيى يتمكين المجاهدون مين الثبات والسيتمرار فيي الثبات كان عليهيم أن يفروا إلى ال ،بالعبادة الخالصية ،والذكير الخالي ،
والدعاء الواثق ،وأن يتقربوا إليه بالمجاهدة والمراقبة والخلص ( ،فإن تقوى ال أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب )
. 1
ك ما أن علي هم أن يكونوا أ شد احترا سًا من المعا صي من هم من عدو هم ( ،فإن ذنوب الدعاة أخوف علي هم من عدو هم ، ) ..من
وصية عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص .
إن النفوس المربوطية بالمل العلى ،التيي تعييش ميع ال ،مسيتمدة منيه العون والقوة والعزيمية والمضاء والعزة والباء ،هيي
نفوس ثاب تة را سخة ،ت ستعذب الموت في سبيل ال ،وإلي ها أشار القرآن الكر يم في كث ير من آيا ته { :إن الذ ين قالوا رب نا ال ثم
استقاموا ،تتنزل عليهم الملئكة ،أل تخافوا ول تحزنوا ،وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ( فصلت . ) 31 :
وفي معرض التوجيه القرآني للمجاهدين ،وللسباب والخصال التي يجب أن يستكملوها في أنفسهم وفي جماعتهم ،ليتمكنوا من
الثبات في مواقع هم ،والغل بة على عدو هم ،وب عد أن يقول ي تعالى ي { :يا أي ها الذ ين آمنوا إذا لقي تم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرًا
لعل كم تفلحون } يتا بع توجيها ته وتو صياته فيقول { :وأطيعوا ال ور سوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذ هب ريح كم ،وا صبروا إن ال مع
الصيابرين ،ول تكونوا كالذيين خرجوا مين ديارهيم بطرًا ورئاء الناس ويصيدون عين سيبيل ال ،وال بميا يعملون محييط } ( النفال :
. ) 47
وتطرح هذه اليات السباب الحقيقية الكامنة وراء النصر والغلبة على العدو ،وال تي ل يمكن لجماعة مؤمنة أن تنت صر بدونها ،
وهي :
1ي طاعة ال ورسوله :
فالجماعة المؤمنة يجب أن تكون حريصة على طاعة ربها وطاعة رسولها ،تتحرى الحلل الطيب في كل شيء ،وتجتنب الحرام
الخبيث ،وتلتزم في كل شئونها وأحوالها بشرع ال ،دون أن تقدم بين يديه شرائع الهوى والطاغوت .
( ) 1أخبار عمر للطنطاوي ،من وصية لعمر م رضي ال عنه م . 1
إن هذه الجماعة هي المعنية بقوله ي تعالى ي { :وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من
أمرهم ،ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضللً مبينًا } ( الحزاب . ) 36 :
2ي وحدة الصف :
والجما عة المؤم نة بقدر ما تكون حري صة على طا عة ال ور سوله ،بقدر ما تكون حري صة على وحدة ال صف وتما سك كيان ها ،
ولحمة أفرادها ،إذ إن وهن النفوس وانحرافها هو السبب المباشر لوهن الصفوف وانفراطها .
والجما عة المؤم نة تب قى م ستعصية على مؤامرات أعدائها ،في مواجهتهم ،كائنًا ما كا نت شرا ستهم وضراوتهم ،ما لم يتش قق
صفها وتتفرق كلمت ها ،وي صبح بأ سها بين ها ..وع ند ذلك ف قط تكون الطا مة ال كبرى ال تي يحذر رب العالم ين من ها ح ين يقول { :ول
تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } .
3ي الصبر :
وإذا كان الشرط الول لثبات الجما عة المجاهدة هو اليمان ،فإن ال صبر ش طر اليمان ،وإن ال صبر بالن سبة للمجاهد ين معراج هم
إلى ال وسبيلهم إلى النصر على أعداء ال .
فطريق المؤمنين شائك وعر ،بل هو رهيب وخطير ،ل يمكن تجاوزه من غير صبر .
وما يتعرض له المؤمنون فيه من بلء حسي ل يخففه إل الصبر .
وما يصيب المؤمن فيه من نقص في الموال والنفس والثمرات ل يعوضه إل الصبر .
وما ينال المؤمن فيه من ضغوط نفسية وعائلية واجتماعية ل يخففها ويدفعها إل الصبر والحتساب ،وصدق رسول ال ي صلى
ال عليه وسلم ي حيث يقول ( :عجبًا لمر المؤمن ،إن أمره كله له خير ،وليس ذلك لحد إل للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان
خيرًا له ،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ) رواه أحمد في مسنده .
ثانيًا :العداد :
وإذا كان القرآن الكريم قد حفل بكثير من اليات التي تحض المؤمنين المجاهدين على الثبات والعتصام والتوكل والصبر ووحدة
الصف ،فقد جاء الحض في آية جامعة مانعة صريحة وواضحة على العداد بكل أشكاله ومستوياته وأدواته ،حيث قال ي تعالى ي { :
وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن ال ل يحب الخائنين ،ول تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم ل يعجزون ،وأعدوا لهم
ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ال وعدوكم ،وآخرين من دونهم ل تعلمونهم ال يعلمهم ،وما تنفقوا من شيء
في سبيل ال يوفّ إليكم وأنتم ل تظلمون } ( النفال . ) 59 :
والذين ل يقيمون وزنًا للعداد الحسي واهمين بأن النصر يهبط من السماء ،من غير تملك للسباب وأخذ بالمسببات ،هؤلء أحد
فريقين :إما أنهم جهلة ضالون يهرفون بما ل يعرفون ،أو منافقون مضلون متآمرون على السلم والمسلمين ،وبخاصة حين ل يكون
التحدي بالكلمة والمنطق ،وإنما بالقوة والعربدة !! .
ثالثًا :التربية المنية :
كث ير من ال سلميين يعتقدون خ طأ أن ال سلم لم ي عط ( الناح ية المن ية ) أي’ أهم ية سواء في منه جه التربوي و في تشريعا ته
التنظيمية ..ويفسر هؤلء ( الربانية والتوكل ) تفسيرًا غريبًا ،إذ يعرونهما من الوسائط والسباب التي يجب اتخاذها ابتداء ،بصرف
الن ظر عن النتائج والحتمالت ..وكأن الربان ية والتو كل ل ها مفهوم ( العفو ية والتوا كل ) ع ند هؤلء الذ ين لم يتعلموا شيئًا من تجارب
المكر بالسلم على مدار التاريخ القديم والحديث .
والذي يتتبع التشريعات والتوجيهات السلمية عبر الكتاب والسنة ،ومن ثم السلوك السلمي من خلل السيرة النبوية ،سترتسم
أمامه صورة واضحة للجانب المني في السلم .
ما المقصود بالمن هنا ؟
ونق صد بال من ( ال سياسة ) ال تي تر سمها ج هة من الجهات وحر كة من الحركات في سبيل المحاف ظة على أمن ها وأ من أفراد ها
وأجهزتها ..ويدخل ضمن هذا ويتلزم معه قيامها برصد الجهات والحركات الخرى المناوئة لها ،لمعرفة تحركاتها ،وكشف نواياها ،
وبالتالي لتتمكن هذه الجهة والحركة من إحباط كل خطة مبيتة ضدها .
موقف السلم من حيث المبدأ :
والسلم من حيث المبدأ يحرض على الخذ بأسباب الحيطة والحذر وعلى عدم إلقاء النفس إلى التهلكة .
ي ففي معرض تربية المؤمنين على الحذر يقول ال ي تعالى ي { :هم العدو فاحذرهم } ( المنافقون ، ) 4 :ويقول { :واحذرهم
أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك } ( المائدة ) ويقول { :يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا } ( النساء
. ) 70 :
ي وفي معرض لفت المؤمنين إلى ضرورة كشف مكر أعدائهم يقول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ( :من تعلم لغة قوم أمن
مكرهم ) .
ي و في معرض تحذ ير المؤمن ين من ا ستدراج العدو ل هم ،وا ستغلل سلمة القلب عند هم يك شف القرآن أ ساليب العداء فيقول :
{ ويحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون } ( التوبة . ) 57 :
ي و في معرض ترب ية المؤمن ين على حفظ أسرارهم وعدم كشف أوراقهم يقول الر سول ي صلى ال عل يه وسلم ي ( :ا ستعينوا
على إنجاح الحوائج بالكتمان ) . 1
ولقد كان سلوكه ي صلى ال عليه وسلم ي كذلك في كل العمال والمهمات الكبيرة والخطيرة ..فعندما عقد العزم على فتح مكة ،
أمر الناس بالستعداد واستعان على أمره بالكتمان ،وقال ( :اللهم خذ العيون والخبار عن قريش حتى نبغتها في بلدها ) ابن هشام .
( ) 1أوردناها سابقًا كدليل على وجوب التنظيم ،ونوردها هنا كدليل على وجوب المن . 2
ل عن السباب العامة التي يأمر الجماعة المسلمة بأن تأخذ بها حفاظًا على أمنها وسلمتها ،فإنه يسلك في تربية
والسلم فض ً
أفراد هذه الجماعة مسلكًا جهاديّا يجعلها أقوى على معاول الهدم وأصلب في مواجهة المكر ،نذكر منها على سبيل المثال ما يلي :
أ ي تعويد النفس على تحمل الظروف الصعبة قبل وقوعها ،كالتعود على خشونة الطعام والمنام والملبس والمعاملة ،يقول رسول
ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :تخوشنوا فإن النعم ل تدوم ) ( ،ل تنظروا إلى من هو أعلى منكم بل انظروا إلى من هو أدنى منكم ،
حتى ل تزدروا نعمة ال عليكم ) . 1
ب يي التعود على كسير ( روتيين ) العادات اليوميية مين ذهاب وإياب ولباس وركوب ،تمويهًا وتعطيلً لرصيد الراصيدين ومكير
الماكرين .
ج ي التعود على أن تكون المعرفة بقدر الحاجة فيما يتعلق بشئون الحركة والتنظيم .
د ي التعود على الدقة في العمال والمواعيد ؛ لن اختلل ذلك من شأنه أن يحبط أعمال الدعوة ويوقعها في إشكالت ومخاطر هي
بغنى عنها .
احتياطات أمنية :
نقت طف ه نا بعضًا من الجراءات المن ية الواردة في ( نشرة بعنوان ال من ) إ صدار منظ مة التحر ير الفل سطينية ،لنرى ك يف ت تم
تربية الفدائيين المنية في مواجهة العدو والمتربص بهم سواء في فلسطين أو خارجها ..
تقول النشرة تحت عنوان ( أمن الفراد ) الفقرة السادسة ،ما يلي :
يجيب إجراء كشيف للمراقبية عنيد أداء كيل مهمية ،وهذه الختبارات ليسيت محدودة ،بيل تتوقيف على المكان والزمان والقدرة ..
ونكتفي بأمثلة عليها :
ي السير في شارع مغلق وملحظة من يسير خلفك .
ي العودة إلى نقطة البدء أثناء السير ،ومعرفة من يسير خلفك .
ي السير في شارع قليل الزدحام واستعراض من هم خلفك بطريقة طبيعية غير ملفتة .
ي إسقاط شيء من الجيب أثناء السير بطريقة عفوية كمحاولة لكشف من يسير خلفك .
ي السراع والبطاء أثناء السير بمبرر أو ساتر لكل حركة ،والتوقف ،مع ملحظة من يتأثر بذلك .
ي استعمال ( فاترينات ) المحلت لمراقبة من يقف وراءك أو يسير خلفك ،إلخ .
ي البتعاد عن العناصر المضادة عند أداء أية مهمة ،فل تجري مقابلة في مقهى مزدحم بالناس مثلً .
ي البتعاد عن المشاكل ،سواء في الحي الذي تسكن فيه ،أو في مركز العمل ،أو أثناء أداء المهمة ،حتى ل تلفت النظر إليك ،
ح يث يه تم الناس بمعر فة مث ير المشا كل ومراقب ته ولو من باب الفضول ..و قد يؤدي الوقوع في مشكلة أثناء أداء المه مة إلى كشف ها
وتعطيلها .
ي البتعاد عن الممنوعات المن ية ( كالت صوير في أما كن ممنوع في ها الت صوير ) أو ( ال سير في أما كن ممنوع في ها ال سير ) ول
تقف طويلً عند ثكنات عسكرية أو غير ذلك .
( ) 1وعن عائشة م رضي ال عنها م قالت ( :دخلت عليّ امرأة من النصار ،فرأت فراش رسول 1
ال م صلى ال عليه وسلم م قطيفة مثنية ،فبعثت إليّ بفراش حشوه الصوف ،فدخل عليّ رسول ال فقال
:ما هذا يا عائشة ؟ قالت :قلت :يا رسول ال ،فلنة النصارية دخلت فرأت فراشك فذهبت فبعثت إليّ
بهذا ،فقال :رديه يا عائشة ،فوال لو شئت لجرى ال معي جبال الذهب والفضة ) رواه البيهقي .
ي ل ت كن أ سير عادة معي نة ..كأن تتعود طريقًا معينًا ع ند العودة إلى الب يت أو الخروج م نه ،أو تتعود قضاء الحوائج من مكان
واحد ل يتغير ،أو تتعود وسيلة واحدة من وسائل النتقال .ز أو تتعود على ارتداء زي ولباس واحد ..إلخ .
ي حمل الثبات الشخصي والمستند المؤيد باستمرار .
ي ل تحمل أوراقًا تتعلق بالعمل في جيبك إل عند لزومها ،وتأكد عند كل مساء من الوراق التي في جيبك .
ي ل تكتب أسماء رفاقك وزملئك ،وحاول أن تكون كتابتك في المفكرة الخاصة مشفرة . 1
*********************
ميتيفيرقيات
مين المشكلت الخطيرة التيي ابتلي بهيا العميل السيلمي المعاصير ،تخلف العقليية التنظيميية عين المسيتوى الذي يفرضيه الشرع
ويتطلبه العصر ،وكثير ممن ابتلوا بهذا المرض الخطير يحاولون تلمس مبررات شرعية لرتكاسهم التنظيمي هذا .
والمقصود بتخلف ( العقلية التنظيمية ) عدم استيعابها للصول والقواعد التنظيمية ،وبالتالي خروجها على هذه القواعد والصول
.
والمقصود بتخلف ( العقلية التنظيمية ) كذلك ،خروجها على ( منطق الولويات ) فيما هو كائن وفيما ينبغي أن يكون ،وبالتالي
قيامها بالممارسات الكيفية التي قد تكون متصادمة مع أبسط ( أبجديات ) التنظيم .
( ) 1يمكن الرجوع إلى عشرات الكتب والمؤلفات والنشرات التي صدرت مؤخرًا حول موضوعات المن 1
***********************
من المسلمات والبديهيات أن الناس يتفاوتون في عقولهم ومداركهم وقدراتهم ،وأن اختلف الرأي بينهم أمر طبيعي .
و من ي ستقرئ التار يخ ال سلمي م نذ البع ثة النبو ية ح تى اليوم ،يتأ كد له ب ما ل يحت مل ال شك أن الم سلمين ب صورة عا مة ،وأ هل
الحل والعقد منهم بصورة خاصة ،كانوا يتفاوتون في الحكم على القضية الواحدة ،وإن جاءت اجتهاداتهم كلها ضمن دائرة الشرع وفي
إطار السلم .
وتبعًا لختلف الراء وتبا ين الجتهادات حول ما ي ستجد من أمور وأحداث ،تبرز ظاهرة ما ي سمى بل غة الع صر ( الن قد ) وب ما
يسمى بلغة القرآن ( التواصي بالحق ) .
والتوا صي بال حق ( أو الن قد ) من الواجبات الشرع ية الرات بة على كل م سلم رأى عيبًا أو انحرافًا من فرد أو جما عة أو دولة أو
حكام ،امتثالً لمير ال يي تعالى يي { :ولتكين منكيم أمية يدعون إلى الخيير ويأمرون بالمعروف وينهون عين المنكير ،وأولئك هيم
المفلحون } ،وعملً بقول الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي ( :من رأى من كم منكرًا فليغيره بيده ،فإن لم ي ستطع فبل سانه ،فإن لم
ي ستطع فبقل به وهذا أض عف اليمان ) و في روا ية ( :ول يس وراء ذلك ح بة خردل من إيمان ) ،وقوله ي صلى ال عل يه و سلم ي :
( الساكت عن الحق شيطان أخرس ) .
ل عن
وعلى هذا انطل قت م سيرة ال سلم عبر التار يخ ،يع صمها من النحراف صدق التو جه إلى ال ،وشد يد المراق بة له ،فض ً
حسن التواصي بالحق بين المسلمين ،يقول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ( :المؤمن أخو المؤمن ل يدع نصيحته على كل حال )
وجاء في الثر ( :حق المؤمن على أخيه :أن يبين له الحق إذا احتاج ،ويشد عزمه إذا أصاب ،وأن يشكر له إذا أحسن ،ويذكّره إذا
نسي ،ويرشده إذا ذل ،ويصحح له إذا أخطأ ،ويجامله في الحق ،ول يسايره على الباطل ،المؤمن هادٍ ودليل ومعين وأمين ) .
شيروط النيقيد :
والسلم حين يوجب على المسلمين أن يتواصوا بالحق ،فإنه يضع لذلك شروطًا محددة ويوجب التقيد بها واعتمادها ،من ذلك :
1ي تحري الصدق :
وذلك بأن يتحرى الخ الم سلم ال صدق لدى ممار سته للن قد ،وأن ي تبين المور ،وي ستطلع صحة الشائعات والمقولت ،ف كم من
شائعات لم يكن لها في الحقيقة أ صل ،وكم من مقولت صاغها وضخمها كثرة تناقل اللسنة لها من غير تحرّ لحقيقتها ،وحسبنا أن
نسمع في هذا السياق حديث رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حيث يقول ( :كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت
له كاذب ) رواه البخاري .
فل يجوز أن يبنى النقد على الظن والشك ،بل ل بد لذلك من قرائن ثابتة ،وأدلة قطعية بدليل قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ( :
إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) رواه البخاري .
2ي تحري القصد :
بمع نى أن ي ستطلع الخ البوا عث ال تي تدف عه إلى توج يه الن قد ،خوفًا من أن يخالط ها ش يء من هوى الن فس ،ك حب التش في
والنتقام والتحقير ،أو ما شاكل ذلك من مقاصد ذميمة .
إن على الخ المسلم أن يتوقف عن النقد فورًا إن لم تكن البواعث واضحة في نفسه ،وإن لم يطمئن إلى أنه مدفوع إلى ذلك ابتغاء
ل صالحًا ول يشرك بعبادة ربه أحدًا } .
وجه ال ،ومصلحة السلم والغيرة على الخرين { ،فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عم ً
قد ي ستغرب الب عض تناول نا لهذه الموضوعات وأمثال ها بالدرس والتحل يل ،ويظنون أن ها أمور ثانو ية وبديه ية ول تحتاج إلى هذا
الجهد والعناء ،والحقيقة أنني أخالف الذين يذهبون مذهب التبسيط للمور التنظيمية ،ول يولونها كبير اهتمام ،فكل عمل من العمال
ي مهما كان بسيطًا ي ل يمكن أن يكون ناجحًا وذا فائدة ما لم ينفّذ بإتقان .
ثم إننا في عصر الحداث فيه تسابق الزمن ،وأعداء السلم يخططون بدقة متناهية ،وكل تخلف في التخطيط ،وتخبط في التنظيم
،وقصور في التصور ،سيؤدي حتمًا إلى تعثر في التنفيذ ،وتبديد للطاقات وضياع للوقات .
إن انتظام أعمال الجماعات يبدأ من انتظام اجتماعات ها ال صغيرة ،وإتقان مشروعات ها المحدودة ،ك ما أن الف شل يم كن أن يبدأ من
الفوضى في هذه أو تلك .
إننيا يمكين أن نحكيم على مسيتوى جماعية مين الجماعات مين خلل مجرى جلسية واحدة مين جلسياتها ،أو تنفييذ مشروع مين
مشروعاتها ،فإذا كانت البداية جيدة فما بعدها سيكون أكثر جودة ،أما إذا كانت سيئة فما بعدها سيكون حتمًا أكثر سوءًا .
والجتماعات التنظيميية يمكين اعتبارهيا بحيق مفتاح النجاح أو الفشيل لعمال الجماعات ،وهذا ميا يفرض توفير عدة عواميل
لنجاحها ،من هذه العوامل :
1ي التقيد بموعد الجتماع :
إن أول معول فيي هدم الجتماع تأخره عين الموعيد المحدد له ،ولو كان هذا التأخير دقائق معدودات !! والعقليية التيي تسيتهتر
بالدقيقة يمكن أن تستهتر بالساعة أو بحساب الزمن كله ،وإن العقلية التي ل تتقيد بدقائق الزمن ل تتقيد بدقائق الشرع ،أو قد تتعود
الخروج على كل القيود تباعًا .
والوقت في حكم الشرع والعرف كالعهد ينبغي المحافظة عليه والوفاء به وعدم الستهانة به أو نقضه { وأوفوا بالعهد ،إن العهد
كان مسئولً } ( السراء . ) 34 :
وي صف القرآن الكر يم المؤمن ين بقوله { :والموفون بعهد هم إذا عاهدوا } ( البقرة { ، ) 176 :والذ ين هم لمانات هم وعهد هم
راعون } ( المؤمنون . ) 8 :
وحين يصف رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي المنافق يقول ( :إذا حدث كذب ،وإذا وعد أخلف ،وإذا ائتمن خان ) .
2ي رحمانية الجتماع :
إن الحرص على رحمانية الجتماعات يمنحها ي بدون أدنى شك ي بركة من ال وتوفيقًا وسدادًا منه ،وعدم تحقق الرحمانية من
شأنه أن يجعل الجتماعات على كف شيطان ،ل تكاد تنتهي إلى خير أو تحقق خيرًا .
ولذلك و جب تحض ير النفوس للجتماع ،ح تى ل تنع قد الجل سة و في النفوس ها جس من هوا جس إبل يس يم كن أن يف سد الجواء
ويحقق البلء .
فبدء الجتماع بال ستعاذة من الشيطان الرج يم ،وتلوة ش يء من القرآن الكر يم ،والتو جه إلى ال بالدعاء ،من شأ نه أن يجعله
محفوفًا بتوفيق ال ،كما يجعله لقاء تتنزل فيه السكينة ،وتغشاه الرحمة وتحفه الملئكة ،ويذكره ال فيمن عنده .
وليس عبثًا أو جزافًا أن يقرر رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :إن كل عمل لم يبدأ ببسم ال فهو أقطع أو أبتر ) .
3ي موضوعية المناقشات :
ومما يساعد على نجاح الجتماعات وفاعلية المناقشات ،غلبة الموضوعية عليها ،وبعدها عن المزاجية والنفعالية ،وهذا يفرض
ملحظة عدة أمور :
الول :تحديد جدول بالموضوعات المراد بحثها ومناقشتها في بدء الجلسة .
الثاني :عدم النتقال من موضوع إلى آخر قبل النتهاء منه بقرار .
الثالث :عدم العودة إلى بحث موضوع انتهي منه ،إل إذا اقتضت ذلك مبررات وضرورات .
الرابع :تأجيل مناقشة كل موضوع لم يتحقق تمحيص جوانبه .
الخامس :اعتماد أسلوب تقديم الراء المكتوبة ،وبخاصة لدى مناقشة الموضوعات الهامة والخطيرة .
السادس :اعتماد أسلوب توزيع البحوث مكتوبة على العضاء قبل الجتماع بفترة كافية لدراستها ووضع الملحوظات عليها .
4ي أدب المناقشة :
إن المناقشة حتى تحقق إغناء الموضوع بالراء السليمة ،وحتى تحقق كشف سلبياته وإيجابياته ،وصولً إلى اتخاذ القرار السليم
بشأنه ،ل بد لها من عدة عوامل :
أولها :تحاشي استخدام العبارات الساخرة ،والمحقرة للرأي ،والمبادرة إلى العتذار إذا وقع ما يسيء .
ثانيها :الصغاء إلى كل رأي يطرح ،مهما كان خاطئًا ،وعم مقاطعة صاحبه .
ثالثها :أن ل تتسم بطابع المساجلت الشخصية ،وغلبة فريق على فريق .
رابعها :ملحظة ضرورة خفض الصوات ما أمكن .
خامسها :أن ل يعتد كل واحد برأيه ،وإنما بتواضع الجميع ،وباستعدادهم للتنازل عن آرائهم للرأي المثل والصوب ،يرفعهم
ال ،ويوفقهم لختيار المثل والصوب .
سادسها :تنزيه الجتماعات والمناقشات عن أساليب الغمز واللمز والغيبة والنميمة والمناورات ،وغيرها من الصفات المرذولة .
هذه ب عض عوا مل إن توفرت كان الجتماع ناجحًا معطاء ،وكا نت أجواؤه مشب عة بالب شر وال مل ،وإن لم تتو فر كان بؤرة سم ل
يفرز إل العقم والشؤم ،والعياذ بال من الشيطان الرجيم .
*********************
اليميحياسيبية اليييومييية وأصيوليهيا
ومن واجبات الخ الداعية أن يتابع نفسه وروحه بما يصلحها ويزكيها ،وعليه أن ل يتساهل أو يلين في مراقبتها ومحاسبتها ؛
لن النفس أمارة بالسوء ،ومداخل الشيطان إليها أكثر من أن تحصى ( ،الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،والعاجز من أتبع
نفسه هواها وتمنى على ال الماني ) .
و من و صايا عمر بن الخطاب في هذا المعنى قوله ( :حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ،وزنوها ق بل أن توزنوا وتهيئوا للعرض
الكبر ) .
إن ضغوط الجاهلية التي يواجهها الداعية في حياته كثيرة ومتعددة ،فهو يشعر بغربته وشذوذ المجتمع من حوله ،وهو يحس بأن
كل مظا هر المدن ية الحدي ثة ل يس ل ها إل هدف الغواء والغراء ،وتقو يض الق يم والم ثل العل يا ،وتدم ير الخلق والمكارم ،وإشا عة
الرذائل والفواحش في المجتمع .
وهو لذلك بحاجة ماسة إلى ( صيانة ) نفسه من التأثر والنحراف ،ليقوى على المضي في الطريق الذي يرضي ال ،وليتمكن من
مكافحة الجاهلية وتسديد الضربات القاضية إليها على كل صعيد .
ومسألة الصيانة هذه إن لم تتخذ في حياة الخ شكلً جديّا فستبقى ي ل محالة ي كلمة فارغة ليس لها في وجوده أدنى مدلول أو
تأثير .
من أ جل ذلك أقترح على الخوة ،سواء كانوا أفرادًا مبتدئ ين ،أو دعاة لمع ين ،أو قادة وم سئولين ،أن يكون ل هم مع أنف سهم
موعد يومي للمحاسبة والصيانة ،وأقترح أن تجري المحاسبة يوميّا على المور التالية ومدى التزام الخ بها :
1ي إن قيام الليل ( مدرسة روحية ) ل تفوّت ،ومولد للطاقة اليمانية ل يعدله آخر ،ول غنى عنه بسواه ،وهذا سر قول ال ي
تعالى ي ف يه { :إن ناشئة الل يل هي أشد وطئًا وأقوم قيلً } ..ف هل ق مت شيئًا من ليل تك الفائ تة ،نافلة لك ع سى أن يبع ثك ر بك مقامًا
محمودًا ؟ أم أنك كنت من الغافلين النائمين ،ساعة ينزل ربنا ي تبارك وتعالى ي في ثلث الليل الخير فيقول ( :هل من مستغفر فأغفر
له ؟ من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ ) .
ثم أ ين أ نت يا أ خي من الذ ين و صفهم ال ي تعالى ي بقوله { :تتجا فى جنوب هم عن المضا جع } { ،كانوا قليلً من الل يل ما
يهجعون } { ،أمّن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه ،قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون ،
إنما يتذكر أولو اللباب } .
روى الطبراني في الكبير ،عن سلمان الفارسي ي رضي ال عنه ي قال :قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :عليكم
بقيام الليل ،فإنه دأب الصالحين قبلكم ،ومقربة لكم إلى ربكم ،ومكفرة للسيئات ،ومنهاة عن الثم ،ومطردة للداء عن الجسد . ) ..
2ي ثم هل تعلم يا أخي بأن ل ملئكة يتعاقبون فينا بالليل والنهار ،وأنهم يجتمعون في صلة الفجر والعصر ،ثم يعرجون إلى
السماء ،فيسألهم ال ي وهو أعلم بهم ي :كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون :تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ..فهل أديت
صلة الفجر في وقتها مع الجماعة ،فكنت من الذين قال فيهم رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :من صلى الصبح فهو في ذمة
ال ،فانظر يا ابن آدم ،ل يطلبنك ال من ذمته شيء ) رواه مسلم .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي قال :قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :إن أثقل صلة على
المنافق ين صلة العشاء و صلة الف جر ،ولو يعلمون ما فيه ما لتوه ما ولو حبوًا ،ول قد هم مت أن آ مر بال صلة فتقام ،ثم آ مر رجلً
فيصلي بالناس ،ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم ل يشهدون الصلة ،فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) .
3ي واعلم يا أخي أن قل بك بحاجة إلى عذب من مع ين القرآن ،يمن حه السكينة والطمأني نة ويك سبه الشفاف ية والرهاف ،وإن
المؤمنين هم الذين لهم قلوب حية نابضة مرهفة { ،إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم } ..فهل قرأت وردًا من القرآن بعد
صلة الفجر وذكرت ال خاليًا متضرعًا حتى فاضت عيناك ؟؟ أم أنك من الذين طال عليهم المد فقست قلوبهم فهي كالحجارة ؟!! .
ألم تسمع يا أخي بقول ال ي تعالى ي { :إن قرآن الفجر كان مشهودًا } ،وبقول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ( :إن الذي
ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ) رواه الترمذي ،وقوله ( :من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه ،غير أنه ل
يوحى إليه ،ل ينبغي لصاحب القرآن أن يجد ي أي أن يغضب ي مع من وجد ،ول يجهل مع من جهل ،وفي جوفه كلم ال ) رواه
الحاكم ،ثم ل تنسى أن تقرأ القرآن وكأنه يتنزل عليك لول مرة .
4ي وحين تجلس على مائدة الطعام فهل فكرت قليلً في الغاية التي من أجلها تأكل ،وفي هذه النعم والطيبات التي هيأها لك ال
لتكون غذاء وقوة تعينك على شكره وطاعته ،وتمدك بالقوة للجهاد في سبيله ؟ .
ثم هل دققت في المصادر التي حصلت منها على هذه الطعمة والشربة وتحريت عن الحلل الطيب منها وتعففت عن الحرام الخبيث
؟.
5ي وحين تخرج من بيتك ..ينبغي أن تدرك أن السلم دين عمل ل كسل ،ودين سعي ل بطالة ،وإن من واجبك كمسلم أن
ل مكتسبًا ،فهل قمت اليوم بقسطك من هذا الجهاد ،وأديته بإتقان وإخلص ،عملً
تنتشر في الرض وتبتغي من فضل ال متاجرًا عام ً
بقوله ي صلى ال عل يه و سلم ي ( :إن ال ي حب من أحد كم إذا ع مل الع مل أن يتق نه ) ،ثم هل طهرت مالك بالنفاق على الفقراء
والمساكين وأصحاب الحاجات ،وأديت الزكاة المفروضة فيه عليك ،وكنت بذلك من الشاكرين ؟ .
روى البخاري عن المقداد بن يكرب عن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي أنه قال ( :ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من
عمل يده ،وإن نبي ال داود ي عليه السلم ي كان ل يأكل إل من عمل يده ) .
6ي وفي الشوارع التي تمر بها ،وفي المجتمعات التي تغشاها ،هل كنت دائم المراقبة ل ؟؟ ..
ي هل وقع بصرك على حرام فغضضته واستغفرت ال ،لعلمك بأن النظرة الولى لك والثانية عليك ،وأن النظرة سهم من سهام
إبليس ؟ .
ي هل دعتك امرأة ذات منصب وجمال فأعرضت وقلت :إنني أخاف ال ،ثم رددت بينك وبين نفسك { :ربّ السجن أحب إل يّ مما
يدعونني إليه ،وإل تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } ؟ .
ي هل تحريت في تجارتك الحلل من الرزق ،وإن كان قليلً ؟ .
ي هل فرط منك ما تعتبره مخالفة شرعية ؟ .
ي هل ا ستشعرت في كل ع مل رقا بة ال ،ووزن ته بميزان ال سلم ،وتور عت عن الشبهات ،وك نت من المتق ين الذ ين عنا هم
الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي بقوله ( :ل يبلغ الع بد أن يكون من المتق ين ح تى يدع ما ل بأس به حذرًا م ما به بأس ) رواه
الترمذي .
7ي والن اسأل نفسك عن مدى استفادة السلم من ظروف عملك ،هل يشعر زملؤك بأثرك السلمي فيهم ؟ هل قمت بزيارتهم
في منازلهم لتوثيق الصلة بهم ومحاولة اجتذابهم إلى الفكرة وإلى الحركة ؟ .
إن من واجبك أن تتحرك في كل ميدان ،وأن تترك وراءك أثرًا إسلميّا في كل مكان ،واذكر دائمًا قول الرسول ي صلى ال عليه
ل واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها ) وفي رواية .. ( :من حُمر النعم ) .
وسلم ي ( :لئن يهدي ال بك رج ً
إن لديك يا أخي متسعًا من الوقت خارج وقت عملك ،وإن من واجبك أن تقدم منه قسطًا وافرًا لدعوتك ،والوقت كالسكين إن لم
تقطعه قطعك ،ووصية الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي في هذا قوله ( :نعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم
فتعلمها إياه ) رواه الطبراني .
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي أن رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي قال ( :من دعا إلى هدى
كان له من الجر مثل أجور من تبعه ،ل ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ،ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من اتبعه ل
ينقص ذلك من آثامهم شيئًا ) .
8ي ثم ل تن سى أن ت سأل نف سك عن الوقات ال تي توفر ها وتنظم ها لتنم ية ثقاف تك ال سلمية والعا مة ،فأ نت تع يش في مجت مع
تشعبت ثقافاته ،وتعددت اتجاهاته ،وتباينت أفكاره وتصوراته ،وهذا مما يفرض عليك الحاطة بما حولك من أفكار وتصورات لتتمكن
من التحليل والتشخيص والمناقشة والنقد والصلح .
ي فهل طالعت شيئًا عن السلم طيلة هذا اليوم ؟ .
ي هل قرأت شيئًا تعتبره مفيدًا لثقافتك العامة الفكرية والسياسية ؟ .
روى ا بن ع بد البر في كتاب ( العلم ) عن معاذ بن ج بل ي ر ضي ال ع نه ي قال :قال ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي :
( تعلموا العلم ،فإن تعلمه ل خشية ،وطلبه عبادة ،ومذاكرته تسبيح ،والبحث عنه جهاد ،وتعليمه لمن ل يعلمه صدقة ،وبذله لهله
قر بة ؛ ل نه معالم الحلل والحرام ،ومنار سبل أ هل الج نة ،و هو الن يس في الوح شة ،وال صاحب في الغر بة ،والمحدّث في الخلوة ،
والدليل على السراء والضراء ،والسلح على العداء ،والزين عند الخلء ،يرفع ال به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتفى
آثارهم ،ويقتدى بفعالهم ،وينتهى إلى رأيهم . ) ..
والن اسأل نفسك عن مدى استعدادها للبذل والتضحية في سبيل ال ..إن أثقالً كثيرة تشدك إلى الحطام وتمرغك في الرغام ،فهل
حاولت أن تتخفف من هذه الثقال وتتحرر من سلطانها عليك ؟ .
ي إن الخوف على الحياة ثقل يقعد بك عن الجهاد في سبيل ال ..ينبغي أن تتحرر منه .
ي وإن الخوف على المصلحة المادية ثقل يحول بينك وبين التفرغ لدعوتك وإسلمك يجب أن تتخلص منه .
ي وإن التعلق بالزوجة والولد والهل والعشيرة أثقال تعيق عن النطلق يجب التفلت من سلطانها .
إن عل يك في كل الحوال أن تغلب م صلحة ال سلم على كل م صلحة ،وتخ ضع أهواءك ل ما جاء به الشرع ،وتكون م ستعدّا دائمًا
وأبدًا للموت في سبيل ال .
روى البخاري ومسلم عن عبد ال بن أبي أوفى ي رضي ال عنه ي قال :قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :اعلموا
أن الجنة تحت ظلل السيوف ) ،وروى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر ي رضي ال عنه ي قال :سمعت رسول ال ي صلى ال
عل يه و سلم ي و هو على الم نبر يقول ( :وأعدوا ل هم ما ا ستطعتم من قوة ..أل إن القوة الر مي ،أل إن القوة الر مي ،أل إن القوة
الرمي ) .
وروى الترمذي عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي قال :قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ( :من لقي ال بغير أثر من
جهاد لقي ال وفيه ثلمة ) .
10ي وأخيرًا ل آخرًا ..هل فكرت في هذا الجسد ،في حقه عليك ،وفيما ينبغي أن توفره له ليكون قويّا جلدًا قادرًا على تحمل
أعباء السفر الطويل والجهاد المرير ؟ ينبغي أن تدرك أن المؤمن القوي خير وأحب إلى ال من المؤمن الضعيف .
ي فهل أديت بعض التمارين الرياضية ( المنظمة ) هذا الصباح .
ي هل مارست شيئًا من الرماية والسباحة ،وركوب الخيل والدراجة والسيارة ،والسير ؟ .
ي هل حاولت المتناع عن كل ما يرهق البدن ويتعبه ،فاقتصدت في السهر والكل والشراب ،وامتنعت تمامًا عن التدخين وتناول
القهوة والشاي ؟ .
إن عليك يا أخي أن تعد نفسك لتكون جنديّا في معركة السلم ،بكل ما تتضمنه كلمة الجندية من معنى ،وال يتولى الصالحين ،
ويهدينا جميعًا سواء السبيل .
*******************