Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 54

‫أبجديات التصور الحركي‬

‫للعمل السلمي‬

‫للستاذ‬
‫فتحي يكن‬

‫المقدمة‬
‫تشهد الساحة السلمية أنماطًا شتى من التفكير والتصور لطبيعة العمل السلمي ‪ ..‬بعض هذه التصورات سليم وأصيل وبعضها‬
‫الخر منحرف وعليل ‪.‬‬
‫والحقيقة أن الحاجة باتت ملحة لوضع التصور الحركي للعمل السلمي ضمن قواعد وأبجديات ثابتة وواضحة وموثقة ‪ ،‬كيما تكون‬
‫الميزان الذي يحاكم على أساسه كل عمل إسلمي ‪ ،‬وكيما تستنقذ ساحة العمل السلمي من كثير من التجاهات المشوهة ‪ ،‬ومن كثير‬
‫من الفرق المشبو هة ‪ ،‬وكيميا يتم يز الطرييق القوييم من المعوج ‪ ،‬فل ينخدع الناس ‪ ،‬ول تض يع طاقات إ سلمية هائلة وراء آمال من‬
‫سراب ‪ ،‬وشعارات من كلم ‪ ،‬وحتى ل تبقى الساحة السلمية مسرحًا لتجارب المجربين ‪ ،‬دونما استفادة ممن سبقهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين ‪.‬‬
‫ولهذا ‪ ..‬كانت هذه المحاولة المتواضعة ( أبجديات التصور الحركي للعمل السلمي ) إسهامًا في وضع قواعد حركية ثابتة وأصيلة‬
‫للع مل ال سلمي ت ساعد العامل ين في كل مكان على تقي يم توجهات هم وتف حص خطوات هم وت سديد منطلقات هم في ال خط ال صحيح والتجاه‬
‫السليم ‪.‬‬
‫وإن ال لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ‪.‬‬
‫‪ 7‬شعبان ‪ 1401‬هي‬
‫فتحي يكن‬
‫‪ 9‬حزيران ‪ 1981‬م‬

‫موضوعات البحث‬

‫‪ •0‬وجوب التنظيم في العمل السلمي ‪.‬‬


‫‪ •0‬وجوب التكامل في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬وجوب التوازن في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬وجوب وحدة العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬وجوب عالمية العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬وجوب التربية الجهادية في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬وجوب التربية المنية في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬العمل السلمي بين المبدئية والمرحلية ‪.‬‬
‫‪ •0‬موضوعات حركية وتنظيمية مختلفة ‪:‬‬
‫ي تخلف العقلية التنظيمية ‪.‬‬
‫ي كيف ندير اجتماعًا تنظيميّا ؟ ‪.‬‬
‫ي كيف يكون النقد بناء ؟ ‪.‬‬
‫ي كيف يحافظ الداعية على نفسه ؟ ‪.‬‬

‫الحلقة الولى‬
‫وجوب التنظيم في العمل السلمي‬

‫‪ •0‬ليس البديل عن التنظيم إل الفوضى ‪.‬‬


‫‪ •0‬رفض التنظيم يعني اعتماد العفوية ‪.‬‬
‫‪ •0‬الفوضى والعفوية نقيض القوة ‪.‬‬
‫‪ •0‬الفوضى والعفوية نقيض الوحدة ‪.‬‬
‫‪ •0‬الفوضى والعفوية نقيض النواميس الكونية ‪.‬‬
‫‪ •0‬النظام والتخطيط أساس كل عمل ناجح ‪.‬‬
‫‪ •0‬التنظيم أساس المنهج السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬التنظيم عنوان الهدي القرآني ‪.‬‬
‫‪ •0‬التنظيم عنوان الهدي النبوي ‪.‬‬
‫‪ •0‬التنظيم أساس عمل الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي‬
‫‪ •0‬أهداف السلم الكبرى تفرض التنظيم ‪.‬‬
‫‪ •0‬ضخامة التحدي للسلم تفرض التنظيم ‪.‬‬

‫من الشعارات ال تي أخذت تطرح أخيرًا في ساحة الع مل ال سلمي الشعار القائل بعدم ضرورة التنظ يم في الع مل ال سلمي ‪ ،‬وبعدم‬
‫جدوى العمل التنظيمي الحزبي ‪ ،‬وبضرورة بلورة العمل السلمي من خلل إيجاد ( تيار إسلمي ثوري جهادي ) يجمعه جامع واحد ( ل‬
‫إله إل ال محمد رسول ال ) ‪.‬‬
‫هذا القول إن تناولناه بشكل تجريدي فإنه يقضي بالحكم على قائليه بأحد أمرين ‪:‬‬
‫المر الول ‪ :‬جهلهم بالسلم جملة وتفصيلً ‪..‬‬
‫المر الثاني ‪ :‬أو تآمرهم عليه جملة وتفصيلً ‪..‬‬
‫أما طرحهم شعار إيجاد ( تيار إسلمي ثوري جهادي ) يجمعه جامع واحد ( ل إله إل ال محمد رسول ال ) فهو ليس طرحًا لبديل‬
‫متناقض مع التنظيم ‪ ،‬وإنما هو طرح للهدف الذي ل يمكن أن يحققه إل العمل السلمي المنظم نفسه ‪.‬‬
‫ليس البديل عن التنظيم إل الفوضى ‪:‬‬
‫إن الذي يرفض فكرة التنظيم في العمل السلمي كأنه بالتالي يدعو ويحرض على فوضوية العمل السلمي ‪ ..‬والفوضوية لم تكن‬
‫يومًا مبدأ من مبادئ ال سلم أو شعارًا من شعارا ته ‪ ،‬وإن ما هي أ حد شعارات الحر كة الي سارية ‪ ،‬بل ا سم فر قة من الفرق الي سارية‬
‫المتطر فة ال تي عرف ها تار يخ الحر كة الشيوع ية في الربعينيات والخم سينيات ‪ ( ..‬را جع كتاب ‪ :‬اعرف مذه بك ‪ ،‬لمار تن دودج ي باب‬
‫الفوضوية ) ‪.‬‬

‫رفض التنظيم يعني رفض التخطيط واعتماد العفوية ‪:‬‬


‫ثيم إن الدعوة إلى رفيض فكرة التنظييم فيي العميل السيلمي هيي بالتالي دعوة إلى رفيض مبدأ التخطييط ‪ ،‬وبالتالي إلى العفويية‬
‫والرتجال ‪ ،‬وهو نهاية الرتكاس الذي يمكن أن يصل إليه المسلمون ويتلهف إليه أعداء السلم والمتربصون به والمكيدون له ‪.‬‬

‫الفوضوية والعفوية نقيض القوة ‪:‬‬


‫والدعوة إلى رفض فكرة التنظيم في العمل السلمي هي بالتالي دعوة إلى استمرار حالة الضعف لدى المسلمين ؛ لن القوة لم تكن‬
‫ول يمكن أن تكون إل نتيجة التنظيم ل الفوضى ‪ ،‬ومحصلة التخطيط ل العفوية ‪.‬‬

‫الفوضوية والعفوية نقيض الوحدة ‪:‬‬


‫والدعوة إلى رفض فكرة التنظ يم في الع مل السلمي هي بالتالي دفع المسلمين إلى مزيد من التفكك والتشرذم والخلف ‪ ،‬وإجازة‬
‫شرعية لتعددية التجاهات والمدارس والحركات السلمية ؛ لن وحدة المسلمين ووحدة العمل السلمي ي وهما مطلبان شرعيان ي ل‬
‫يمكن تحقيقهما إل بالتنظيم ‪ ..‬فالوحدة وليدة التنظيم وليست وليدة الفوضى‪ ،‬ووليدة التخطيط وليست وليدة العفوية ‪.‬‬

‫الفوضى والعفوية نقيض النواميس الكونية ‪:‬‬


‫إن كل ش يء في هذا الكون قائم ي بأ مر ال تعالى ي على التنظ يم والنظام ‪ ..‬من الكوا كب والمجرات ال سابحة في الفضاء ‪ ،‬إلى‬
‫تعا قب الل يل والنهار ‪ ،‬وتتا بع الف صول ‪ ،‬وعمل ية التل قح والتنا سل لدى الن سان والحيوان ‪ ،‬إلى سريان الحياة في ج سم الكائن البشري‬
‫عبر أجهز ته المختل فة الدقي قة والمعقدة ‪ ،‬إلى ما ل نها ية له من النوام يس الله ية في الكون والن سان والحياة ‪ ،‬إن ها جميعًا تقوم على‬
‫النظام ‪ ،‬واختلل النظام في ها هو اختلل لعمل ها وتعط يل لدوار ها ووظائف ها ‪ { ..‬إن في خلق ال سموات والرض واختلف الل يل والنهار‬
‫ليات لولي اللباب } ( آل عمران ‪ { ، ) 190 :‬والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ‪ .‬والقمر قدرناه منازل حتى عاد‬
‫( يس ‪. ) 40 ، 39 ، 38 :‬‬ ‫كالعرجون القديم ‪ .‬ل الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ول الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون }‬

‫النظام والتخطيط أساس كل عمل ناجح ‪:‬‬


‫إن أي عمل مهما كان صغيرًا ومتواضعًا ل يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يكن منظمًا ‪ ..‬وكثير من الطاقات قد تهدر وتضيع في‬
‫غياب التنظيم ‪ ،‬بينما تفعل قلة منظمة فعل العاجيب ‪.‬‬
‫فإن كان مشروع بناء بيت ‪ ،‬أو فتح دكان ‪ ،‬أو زراعة بستان ‪ ،‬أو إنشاء مدرسة أو مستشفى ‪ ،‬أو ما شاكل ذلك من أعمال بسيطة‬
‫يحتاج إلى تنظ يم ( كو ضع خرائط ‪،‬وتنظ يم ح ساب ‪ ،‬وتحد يد م سئوليات ‪ ،‬واختيار منفذ ين ومشرف ين ‪ ،‬وإلى ت سوق مواد ‪ ،‬إلخ ‪ ) ..‬أفل‬
‫يحتاج العمل السلمي ذو الفاق المتعددة والمجالت المختلفة ‪ ،‬وذو الهداف الكبيرة ‪ ،‬وحيال المؤامرات الكثيرة إلى التنظيم ؟! ‪.‬‬
‫التنظيم أساس المنهج السلمي ‪:‬‬
‫والمنهج السلمي نفسه يقوم على النظام والتنظيم ‪ ،‬على التكامل والتناسق ‪ ،‬فهل يعقل أن تكون الدعوة إليه ‪ ،‬والعمل لستئناف‬
‫الحياة على أساسه ‪ ،‬وإيجاد المجتمع الذي يؤمن به ‪ ،‬وإقامة الدولة التي تحتكم إلى شرعته من غير تنظيم ؟! ‪.‬‬
‫إن النظام العبادي ي من صلة وصوم وزكاة وحج ي قائم في كل جزئياته وتفصيلته على أصول وقواعد تنظيمية صارمة ‪..‬‬
‫إن النظام الجتماعي ‪ ،‬قانون الزواج ‪ ،‬القوانين التي تحكم السرة المسلمة وتنظم العلقات الجتماعية ‪ ..‬إلخ ‪ ،‬قائم في كل جوانبه‬
‫على أسس تنظيمية ثابتة ‪..‬‬
‫وهكذا دواليك تقوم سائر النظم التي يتشكل منها المنهج السلمي على قواعد تنظيمية دقيقة ‪.‬‬
‫التنظيم عنوان الهدي القرآني ‪:‬‬
‫والقرآن الكريم ي دستور المسلمين وحجة ال على الناس أجمعين ي يؤكد في كثير من آياته ي تصريحًا وتلميحًا ي على اعتماد‬
‫التنظيم وملحظته وعدم إغفاله ‪..‬‬
‫ففي نطاق دعوة المسلمين إلى أن تكون لهم ( قيادة ) يحتكمون إليها وينزلون عند حكمها ‪ ،‬يقول ال ي تعالى ي ‪ { :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم ‪ ( } ..‬النساء ‪ ، ) 58 :‬وبديهي أن القيادة والطاعة شئون تنظيمية صميمة ‪.‬‬
‫و في معرض و صفه لعلقة الجند ية بالقيادة ‪ ،‬يقول ال ي تعالى ي ‪ { :‬إن ما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله ‪ ،‬وإذا كانوا على‬
‫أ مر جا مع لم يذهبوا ح تى ي ستأذنوه ‪ ،‬إن الذ ين ي ستأذنونك أولئك الذ ين يؤمنون بال ور سوله ‪ .‬فإذا ا ستأذنوك لب عض شأن هم فأذن ل من‬
‫شئت منهم واستغفر لهم ال ‪ ،‬إن ال غفور رحيم } ( النور ‪. ) 62 :‬‬
‫و في معرض و صفه لتوا ثق الم سلمين وتلحم هم ‪ ،‬وبخا صة في مواج هة أعدائ هم يقول ‪ { :‬إن ال ي حب الذ ين يقاتلون في سبيله‬
‫صفّا كأنهم بنيان مرصوص } والبنيان المرصوص يكون نتيجة التنظيم والنضباط وليس العكس إطلقًا ‪.‬‬
‫وهكذا تتكاثر اليات وتتناثر في كل جانب من جوانب التوجيه والتشريع القرآنيين مؤكدة أهمية التنظيم ومكانته في كتاب ال الذي‬
‫ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ‪.‬‬
‫التنظيم عنوان الهدي النبوي ‪:‬‬
‫ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي قدوة المسلمين وإمامهم ي كان اهتمامه بالتنظيم اهتمامًا بالغًا ‪..‬‬
‫وحرص الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي على التنظيم يبدو من خلل دعوته الصريحة إلى إقامة أمير أو اختيار قائد على رأس‬
‫كل مجموعة أو فريق عمل ولو كانوا ثلثة ‪ ،‬فيقول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إذا كنتم ثلثة فأمروا أحدكم ) رواه الطبراني‬
‫بإسناد حسن ‪.‬‬
‫هذا الحرص من ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي على إنا طة أ مر الم سلمين إلى أم ير أو قائد ‪ ،‬هو حرص بالتالي على أن‬
‫تكون أمور المسلمين وشئونهم منتظمة منضبطة ‪ ،‬سواء كانوا في سلم أو حرب ‪ ،‬وفي تجارة أو على سفر ‪ ،‬وسواء كانت هذه الشئون‬
‫صغيرة أم كبيرة ‪.‬‬
‫فكيف يحسم خلف ي إن وقع ي إن لم يكن في المجموعة من يسمع له ويطاع ؟! ‪.‬‬
‫وكيف تحدد وجهة سير ي إن تعددت الوجهات ي إن لم تمنح سلطة ما حق الختيار والتحديد ؟! ‪.‬‬
‫ثم من يحدد ل كل إنسان عمله ‪ ،‬و من يتا بع العمال كل ها بالتوج يه والت سديد إن لم يكن في فر يق الع مل هذا جند ية وقيادة وطا عة‬
‫ونظام ؟! ‪.‬‬
‫هذا كله في نطاق أبسط المور وأيسرها ‪ ،‬فكيف إذا كبرت وتضخمت وتشعبت ؟ ‪.‬‬
‫ثم إن الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي يتابع توجيهه النبوي مؤكدًا على ضرورة السمع والطاعة للقيادة كائنًا من كانت ما دامت‬
‫هي القيادة الشرعية ‪ ،‬فيقول ‪ ( :‬اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) رواه البخاري ‪.‬‬
‫وحتى ل تكون طاعة المسلمين للقيادة فيما أحبوا ووافق هواهم فحسب ‪ ،‬فينجم عن ذلك خلل كبير وشر مستطير وفوضى وضياع ‪،‬‬
‫يتا بع ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي توجي هه النبوي فيقول ‪ ( :‬عل يك بال سمع والطا عة في ع سرك وي سرك ومنش طك ومكر هك‬
‫وأثرة عليك ) رواه مسلم ‪.‬‬
‫وتحذيرًا من الفتنة ‪ ،‬وشق صف المسلمين ‪ ،‬مما يوهنهم ويغري العداء بهم ويجرئهم عليهم ‪ ،‬يقول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪:‬‬
‫( من خلع يدًا من طاعة لقي ال يوم القيامة ول حجة له ‪ ،‬ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم ‪.‬‬
‫أليس هذا كله من مقومات التنظيم ومن مبادئه وأصوله ؟ ‪.‬‬
‫التنظيم أساس عمل الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪:‬‬
‫وعمل الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي في مراحل النبوة كلها ‪ ..‬في غير مكة والمدينة ‪ ..‬في نطاق التربية أو نشر الدعوة أو‬
‫الحرب أو غير ذلك ‪ ،‬إنما يقوم على نظرة أصيلة إلى التنظيم وعلى اهتمام بالغ به ‪..‬‬
‫ي ففي بيعة العقبة الولى ‪:‬‬
‫بايع رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي من أهل المدينة ي عند العقبة ي اثنا عشر رجلً ‪ ..‬يقول ابن إسحاق ‪ ( :‬فلما انصرف‬
‫ع نه القوم ‪ ،‬ب عث ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي مع هم م صعب بن عم ير بن هاشم بن ع بد مناف ‪ ،‬وأمره أن يقرئ هم القرآن ‪،‬‬
‫ويعلمهم السلم ‪ ،‬ويفقههم في الدين ‪ ،‬فكان يسمى المقرئ بالمدينة ) ‪.‬‬
‫ي وفي بيعة العقبة الثانية ‪:‬‬
‫ل وامرأتان ‪ ،‬ثم قال لهم رسول‬
‫بايع رسول ال من أهل المدينة عند العقبة كذلك ي وسرّا دون أن تعلم قريش ي ثلثة وسبعين رج ً‬
‫ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬أخرجوا إل يّ منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم ‪ ،‬فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا ‪،‬‬
‫تسعة من الخزرج وثلثة من الوس ‪ ،‬فأما نقباء الخزرج فهم ‪ :‬أسعد بن زرارة ‪ ،‬وسعد بن الربيع ‪ ،‬وعبد ال بن رواحة ‪ ،‬ورافع بن‬
‫مالك ‪ ،‬والبراء ا بن معرور ‪ ،‬وع بد ال بن عمرو بن حرام ‪ ،‬وعبادة بن ال صامت ‪ ،‬و سعد بن عبادة ‪ ،‬والمنذر بن عمرو ‪ ،‬وأ ما نقباء‬
‫الوس فهم ‪ :‬أسيد بن حضير ‪ ،‬وسعد بن خيثمة ‪ ،‬ورفاعة بن المنذر ‪. ) ..‬‬
‫ي و في هجر ته ي صلى ال عل يه و سلم ي تبدو طائ فة من اللفتات التنظيم ية الجديرة بالدرا سة والتأ مل ‪ ،‬وال تي من شأن ها أن‬
‫تدحض مزاعم القائلين برفض المنطق التنظيمي في العمل السلمي ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي طلبه إلى علي بن أبي طالب المبيت في سريره لتضليل المشركين ريثما يكون هو قد غادر مكة وبلغ غار ثور ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي اختياره غار ثور الذي ي قع في اتجاه معا كس لطر يق المدي نة زيادة وإمعانًا في تضل يل المشرك ين الذ ين كانوا يدركون أ نه‬
‫سيهاجر إلى المدينة ل محالة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي تكليفه عبد ال بن أبي بكر بنقل ما يجري في مكة من أخبار ليكون على اطلع على ما يجري حوله ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي تكليفه أسماء بنت أبي بكر بتأمين ما يلزمهم من طعام وشراب ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي تكليفه عامر بن فهيرة ‪ ،‬أن يمر بغنمه مساء عليهما ليأخذا حظهما من اللبن ‪ ،‬ولتطمس الغنام بحوافرها آثار القدام التي‬
‫تتردد على الغار ‪ ،‬حتى ل ينكشف مخبؤه للمشركين ‪ ،‬وزيادة في تضليلهم ‪.‬‬
‫فإذا كان رسيول ال يي صيلى ال علييه وسيلم يي وهيو المؤييد بالوحيي المسيدد بهدى العلييم الخيبير يي قيد اتخيذ ( جملة ترتيبات‬
‫ومجموعة إجراءات ) في حادثة واحدة من عشرات الحوادث ‪ ..‬فما بال هؤلء ( المعطلة ) الذين يزعمون الغيرة على السلم والمسلمين‬
‫ي وقد انقطع الوحي ‪ ،‬وأشكلت المور ‪ ،‬وادلهمت الخطوب بكيد العداء ي يدعون المسلمين للخروج على العمل السلمي المنظم ‪ ،‬ول‬
‫يستنيرون بسنة رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي فتكون لهم أعين يبصرون بها ‪ ،‬وآذان يسمعون بها ؟ ‪.‬‬
‫أهداف السلم الكبرى تفرض التنظيم ‪:‬‬
‫ثم إن العمل للسلم في غيبة الدولة السلمية التي تحكم بما أنزل ال يجب أن يكون هدفه تغييريّا ‪ ،‬أي تغيير الواقع بالسلم ‪،‬‬
‫ل وعظيّا يتعايش مع الواقع ويصبح جزءًا منه ‪.‬‬
‫وليس عم ً‬
‫والتغي ير ال سلمي للوا قع الجاهلي ‪ ،‬لفكاره ومعتقدا ته ‪ ،‬لنظ مه وتشريعا ته ‪ ،‬ل سلوكه وعادا ته ‪ ،‬ل يم كن أن يتح قق إل من خلل‬
‫التنظيم والتنظيم الدقيق ‪..‬‬
‫فهو ل يتحقق من خلل موعظة في مسجد أو حديث في منتدى بل ل بد له من تحضير على كل صعيد ‪..‬‬
‫ل بد له من تحضير النسان المؤمن بالتغيير السلمي ‪ ،‬المستعد لتقديم متطلبات التغيير السلمي المادية والمعنوية ‪..‬‬
‫ول بد له من تحضير برامج التغيير وخططه ومناهجه ‪..‬‬
‫ثم ل بد له من تهيئة أدوات التغيير وأسبابه ووسائله البشرية والمادية والتقنية ‪.‬‬
‫إن كل هذه المتطلبات وغيرها ل يمكن توفرها وتوافرها بغير التنظيم ‪ ،‬وعدم توفر التنظيم يجعل العمل السلمي عملً وعظيّا أو‬
‫ثقافيّا يعيش على هامش حياة الناس يدغدغ بعض أحلمهم ‪ ،‬ويحرك بعض مشاعرهم ‪ ،‬ثم ل يلبث أن يخبو ويخمد دون أن يخلف وراءه‬
‫أي أثر أو نتيجة ‪.‬‬
‫ضخامة التحدي للسلم تفرض التنظيم ‪:‬‬
‫وإذا أضيف إلى ما سبق ضخامة التحدي الذي يواجهه السلم من قبل أعدائه على الصعيدين المحلي والعالمي ‪ ،‬لصبح التنظيم في‬
‫العمل السلمي واجبًا بالضرورة إن لم يكن واجبًا شرعًا ‪.‬‬
‫فأعداء السلم لهم عشرات التنظيمات والحركات والواجهات التي يتآمرون من خللها على السلم وأهله ‪.‬‬
‫وأعداء السلم يملكون من السباب المادية ما ل يحصى كمّا ونوعًا ‪.‬‬
‫وأعداء السلم يسخرون كل التقنيات الحديثة في حربهم على السلم تخطيطًا وتنفيذًا ‪.‬‬
‫وأعداء السلم فوق هذا كله يتحركون ويتآمرون ويخططون من مواقع عالمية ومن معسكرات دولية ‪.‬‬
‫فهل بعد هذا كله يعقل أن تكون المواجهة السلمية قاصرة عاجزة غير منظمة وغير مخططة ؟ ‪.‬‬
‫وبعيد هذا كله ييبرز سيؤال كيبير ومهيم ‪ :‬أيين يصيب شعار الدعوة إلى عدم التنظييم فيي العميل السيلمي ؟ ومين المسيتفيد منيه‬
‫والخاسر ؟ ‪.‬‬
‫إننا في ختام كلمنا هذا ندعو المتقولين على السلم بغير حق إلى أمرين اثنين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي أن يفهموا السلم حق فهمه قبل أن يتصدروا الدعوة إليه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي وأن يتقوا ال حق تقاته ‪ ،‬متذكرين دائمًا قول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إن أحدكم ليتكلم بالكلمة ل يلقي إليها‬
‫بالً ‪ ،‬فتهوي به سبعين خريفًا في جهنم ) ‪.‬‬
‫{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } ‪.‬‬
‫وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫الحلقة الثانية‬
‫وجوب التكامل في العمل السلمي‬

‫‪ •0‬معنى التكامل في العمل السلمي ‪.‬‬


‫‪ •0‬الجزئية في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬تكامل المنهج السلمي يفرض تكامل العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬مضار الجزئية في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬تكامل التحدي يفرض تكامل المواجهة ‪.‬‬
‫‪ •0‬التكامل في العمل السلمي الول ‪.‬‬
‫‪ •0‬التكامل في الحركة السلمية المعاصرة ‪.‬‬

‫ومن أبجديات التصور الحركي للعمل السلمي وجوب تكامله وكليته وعدم جواز جزئيته إلى أن يتحقق التغيير السلمي المنشود ‪،‬‬
‫وتقوم الدولة التي تطبق شريعة ال ‪ ..‬وعند ذلك يمكن أن تقوم اهتمامات تخصصية في هذا الجانب أو ذاك ‪ ،‬طالما أن الخطوة الساسية‬
‫قد تحققت والنجاز الكبر قد تم ‪.‬‬
‫معنى التكامل في العمل السلمي ‪:‬‬
‫ونعني بالتكامل في العمل السلمي قيامه على أساس الهتمام والعداد الكليين في نطاق التحضير لمواجهة الواقع الجاهلي وتحقيق‬
‫التغيير السلمي ‪.‬‬
‫ونعني به ‪ :‬عدم جواز انحصاره في جانب من جوانب العمل أو جزئية من جزئياته ‪ ،‬إل أن تكون هذه الجزئية وهذا الجانب واقعة‬
‫في مكانها الطبيعي من مخطط العمل المتكامل ‪.‬‬
‫وبهذا يكون التكامل الطار العام الذي يوجه جزئيات العمل واختصاصاته المختلفة بما يخدم الهدف المطلوب والغاية المنشودة ‪.‬‬
‫الجزئية في العمل السلمي ‪:‬‬
‫أما الجزئية في العمل السلمي فالمقصود بها كل عمل يقتصر على جانب من جوانب العمل السلمي ‪ ،‬يلتزمه ول يتعداه ‪ ،‬ويؤمن‬
‫به وحده ويرفض ما عداه ‪ ،‬ويرى أنه هو طريق البناء والصلح ل سواه ‪.‬‬
‫ي فمن الجزئية في العمل السلمي ‪ :‬اعتبار ( التربية الروحية والخلقية ) مناط التكليف الرباني ‪ ،‬ووظيفة الدعوة والدعاة الوحيدة‬
‫‪ ،‬من غير اهتمام بما عدا ذلك من جوانب اجتماعية أو حركية أو سياسية أو جهادية ‪ ،‬ومن غير تقدير لمدى نجاح ( عملية التربية ) في‬
‫ظل أنظمة وضعية وحياة غير إسلمية ‪ ..‬وبذلك يصبح العمل التربوي هذا ي المقطوع عن غايته الكبرى ي جزء من تركيبة المجتمع‬
‫الجاهلي ‪ ،‬وواحدًا من النشاطات الدائرة في فلكه ‪.‬‬
‫ي و من الجزئ ية في الع مل السلمي ‪ :‬اعتبار ( التوع ية الفكر ية ون شر الثقا فة ال سلمية ) غا ية الع مل السلمي و مبرر قيا مه ‪،‬‬
‫بحيث يغطي مساحة النشاط والعمل كلها ‪ ،‬ويصبح هدفًا ل أداة ‪ ،‬وبذلك يصبح واحدًا من التيارات الفكرية في المجتمع ليس إل ‪ ،‬وبذلك‬
‫تنعدم في المدارس الفكرية السلمية تطلعات التغيير فضلً عن إمكانية التغيير ‪.‬‬
‫ي ومن الجزئية في العمل السلمي ‪ :‬اعتبار ( العداد العسكري ) أو ( النشاط السياسي ) أو أي جانب من جوانب العمل الخرى‬
‫هو الهم والساسي بل الوحيد ‪.‬‬
‫وبذلك تطغى الجزئية على الكلية ‪ ،‬بل تصبح الجزئية هي الكلية ‪ ،‬فتنعدم بذلك الرؤيا وتختلط المور ‪ ،‬وتتعطل إمكانيات ضخمة ‪،‬‬
‫كان يمكن أن تصب في مصلحة التغيير السلمي ‪.‬‬
‫تكامل المنهج السلمي يفرض تكامل العمل الحركي ‪:‬‬
‫من خصائص المنهج السلمي أنه متكامل وكلي ‪ ..‬ويتضمن من النظمة ما يغطي مختلف الحتياجات البشرية ‪.‬‬
‫ي فف يه نظام عبادي ‪ :‬ين ظم عل قة الن سان بخال قه م ما يع تبر منهجًا للترب ية الروح ية ‪ ،‬قادرًا على ح فظ الفراد والمجتمعات من‬
‫غوائل النحراف المختلفة ‪.‬‬
‫ي وفيه نظام اقتصادي ‪ :‬يضع القواعد والصول لحياة اقتصادية سليمة تتحقق فيها العدالة وتنتفي منها كل أسباب التحكم والسطوة‬
‫والستغلل وما شاكل ذلك من معضلت وأمراض اجتماعية ‪.‬‬
‫ي وفيه نظام اجتماعي ‪ :‬يبني العلقات الجتماعية على أسس عقائدية وأخلقية وليس على أساس المصالح الشخصية والعتبارات‬
‫المادية والعشائرية ‪.‬‬
‫يي وف يه نظام سياسي ‪ :‬ي ضع ال سس ال سليمة لقيام الدولة وأجهزتهيا المختل فة ‪ ،‬محددًا حقوق المواطنيية وواجباتهيا ‪ ،‬وعلقات‬
‫الدولة داخليّا وخارجيّا إلى غير ذلك من أمور ‪.‬‬
‫ي وفيه نظام عسكري ‪ :‬يعرض للقواعد الساسية التي تقوم عليها الحياة العسكرية والحتياجات الهم التي تتطلبها ميادين القتال‬
‫والجهاد ‪.‬‬
‫إن هذه النظم وغيرها مما يتضمنه المنهج السلمي ‪ ،‬والتي تقوم على أساس العقيدة السلمية وتصورها للكون والنسان والحياة‬
‫‪ ،‬تفرض قيام عمل إسلمي متكامل قادر على استيعاب وتغطية هذه الجوانب المختلفة من المنهج السلمي ‪.‬‬
‫مضار ( الجزئية ) في العمل السلمي ‪:‬‬
‫إن قوة السلم وعظمته وأثره إنما تكمن في الدعوة إليه والتزامه وتطبيقه ككل ‪ ..‬وحين تفكك أجزاؤه ويصار إلى الهتمام بجانب‬
‫من جوانبه دون الجانب الخر يفقد هذه القوة والعظمة والثر ‪.‬‬
‫إن من المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل السلمي تشويهها للشخصية السلمية ‪ ،‬التي تكون قد تكونت من خلل منهج‬
‫غير متكامل ونظرة محددة للمور ‪.‬‬
‫ومن المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل السلمي تشويه صورة السلم بين الناس مما ينفرهم به ويبعدهم عنه ‪.‬‬
‫و من المضار ال تي تخلف ها ( الجزئ ية ) في الع مل ال سلمي تبديد ها وإضاعت ها لكث ير من الطاقات ال سلمية ال تي لو وض عت في‬
‫الطريق الصحيح لعجلت من خطوات التغيير السلمي ‪.‬‬
‫ومن المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل تسببها بمرض ( التعددية ) والتشرذم الذي أحدث شروخات بين العاملين للسلم‬
‫في كل مكان ‪.‬‬
‫والحقيقة إن الجزئية هذه جريمة نكراء ترتكب بحق السلم ي شريعة ال ي الذي أراده ال متكاملً ‪ ،‬واصطفى محمدًا ي صلى ال‬
‫ل ‪ ،‬ومن ثم ليطبقه كاملً ‪ ..‬وصدق ال ي تعالى ي حيث يقول ‪ { :‬اليوم أكملت لكم دينكم ‪ ،‬وأتممت عليكم‬
‫عليه وسلم ي ليدعو إليه كام ً‬
‫نعمتي ورضيت لكم السلم دينًا } ( المائدة ‪. )3 :‬‬
‫وهذا هو القرآن الكريم ينكر على بني إسرائيل ( البعضية ) التي كانوا عليها فيقول ‪ { :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض‬
‫فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } ( البقرة ‪. ) 85 :‬‬
‫إن مثل تجزئة السلم وتفكيكه ي عن طريق أخذ جانب دون آخر ي كمثل تفكيك أي جهاز متكامل الجزاء ‪ ،‬مصيره التعطل مباشرة‬
‫‪..‬‬
‫فما قيمة اليد أو الرجل أو الفم أو الذن أو غيرها من أعضاء الجسم النساني إن بترت عنه ولم تبق في موقعها الذي تستمد منه‬
‫الحياة والحيوية ؟ ‪.‬‬
‫وما قيمة أي جزء من أجزاء ساعة أو سيارة إن لم يعد في موقعه من تصميم اللة الذي حدد له ؟ ‪.‬‬
‫والن ما قيمة العمل السياسي إن لم يأخذ مكانه وحجمه اللزمين في بنية الحركة السلمية ؟ بل ما قيمة العمل التربوي إن كان‬
‫منفصلً عن أهداف الحركة السلمية ومنهجها في التغيير ؟ ‪.‬‬
‫إن قيمة هذه العمال ستبقى فردية جزئية مؤقتة معرضة للتآكل والزوال حيال الجتياح ي الفكري والنفسي والحسي ي والذي ل‬
‫قبل لها به ‪ ،‬إن لم تكن متراصة متحدة مع سائر الجوانب والجزاء ‪ ،‬من أجل تحقيق التغيير السلمي ‪ ،‬وإيجاد البيئة التي تتوافر فيها‬
‫مقومات حياة ونماء هذه الجوانب التخصصية ‪.‬‬
‫إن غاية كل عمل إسلمي يجب أن تصب اليوم ي وحيال انعدام وجود الكيان القائم على شرع ال ي في بوتقة التحضير والعداد‬
‫من أجل إيجاد هذا الكيان أولً ‪.‬‬
‫إن العمال الجزئ ية المختل فة ي من فكر ية وتربو ية و سياسية وحرك ية وع سكرية وغير ها ي ي جب أن يحدو ها هدف وا حد ‪ ،‬هو‬
‫إقامة حكم ال في الرض ‪ ،‬وإل فستبقى نشاطات دائرة في رحى الواقع الجاهلي وكياناته المختلفة ‪ ،‬بل وواحدة من فولكلورياته ليس إل‬
‫!‪.‬‬
‫تكامل التحدي يفرض تكامل المواجهة ‪:‬‬
‫ويضاف إلى مبدأ وجوب التكامل في العمل السلمي ‪ ،‬وجوبه كذلك كضرورة بل حتمية مثلية في مواجهة تكامل التحدي الجاهلي‬
‫وكليته ‪.‬‬
‫فالسلم اليوم ي فكرًا وحركة ي يواجه تحديات على كل صعيد ‪..‬‬
‫ي فعلى نطاق التخريب الفكري والتربوي تنشط أجهزة ومؤسسات ‪ ،‬وتوضع مناهج ومؤلفات ‪ ،‬ضمن مخطط الغارة على السلم ‪.‬‬
‫يي وعلى نطاق التخر يب ال سياسي والجتما عي تن شط أحزاب وحركات ‪ ،‬تدعم ها دول ومع سكرات بالمال والعتاد ‪ ،‬لتكون صاحبة‬
‫القرار وسييدة الموقيف فيي طول السياحة السيلمية وعرضهيا ‪ ،‬جاهدة لخراج السيلم مين معترك الصيراع ‪ ،‬عاملة على حشير التجاه‬
‫السلمي في الزاوية ‪.‬‬
‫ي وعلى نطاق التآ مر الحسي على السلم الذي يستهدف استئصاله عن طر يق استئصال وتصفية دعاته ‪ ،‬تنشط حملت وتتكون‬
‫فصائل وتنظيمات مدربة ومسلحة ومعبأة النفس بالحقد على كل ما هو إسلمي أو يمت إلى السلم بأدنى صلة ‪.‬‬
‫إن أعداء السلم يت سللون إلى المواقع المتقد مة عبر كل الجبهات و من مختلف الجوانب والجهات ‪ ..‬إنهم يت سللون عبر الحركات‬
‫والنشاطات ‪ :‬الطلبية والعمالية ‪ ،‬التعليمية والعلمية ‪ ،‬الشبابية والنسوية ‪ ..‬وغيرها ‪.‬‬
‫فهل يجوز بعد ذلك أن تكون المواجهة في النطاق السلمي جزئية فردية غير متكاملة ول كلية ؟ ‪.‬‬
‫إن منطق المواجهة يفرض التكافؤ ويفرض المقابلة بالمثل ‪ ،‬فكيف إذا أضيف إلى ذلك منطق الشرع الذي ل يرضى لتباعه الدنية‬
‫في دينهم ‪ ،‬والهزيمة من أعدائهم ‪ ،‬والذلة في حياتهم ‪..‬‬
‫{ وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله‬ ‫إن منطق الشرع يقول في كتاب ال ‪ { :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ‪،‬‬
‫ل } ‪ { ،‬وإ ما تخا فن من قوم خيا نة فان بذ إلي هم على سواء إن ال ل ي حب الخائن ين } ‪ { ،‬ول تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون‬
‫فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من ال مال يرجون وكان ال عليمًا حكيمًا } ‪.‬‬
‫ك ما أن من طق الشرع يقول على ل سان ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪ ( :‬المؤ من القوي خ ير وأ حب إلى ال من المؤ من‬
‫الضعيف ) ‪ ( ،‬إن ال يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه ) ‪ ( ،‬الحرب خدعة ) ‪ ( ،‬استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) ‪.‬‬
‫التكامل في العمل السلمي الول ‪:‬‬
‫ثم إن نظرة متفحصة للعمل السلمي في عصر النبوة تؤكد لنا تكامله وكليته على نطاق الفرد والجماعة ‪ ،‬وفي إطار تنظيم واحد‬
‫وقيادة واحدة ‪.‬‬
‫فرسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي كان يرعى ويتابع العمل السلمي من شتى جوانبه ‪ ..‬ففي نطاق التربية كان مربيًا ‪ ،‬وفي‬
‫نطاق التعليم كان معلمًا ‪ ،‬وفي نطاق الجهاد كان قائدًا ‪ ،‬وفي نطاق التخطيط والتنظيم كان رائدًا ‪ ،‬وهكذا في كل جانب من جوانب الحياة‬
‫‪.‬‬
‫فمن منهجه التربوي قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬ل يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما ل بأس به ‪ ،‬حذرًا مما به‬
‫بأس ) رواه الترمذي ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬إن من خياركم أحسنكم أخلقًا ) متفق عليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬إن ال رفيق يحب الرفق ‪ ،‬ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف ‪ ،‬وما ل يعطي على ما سواه ) رواه مسلم ‪.‬‬
‫ومن منهجه العسكري قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬علموا أولدكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ) ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬أل إن القوة الرمي ) ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق ) ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬من لقي ال بغير أثر من جهاد لقي ال وفيه ثلمة ) الترمذي ‪.‬‬
‫ومن منهجه الجتماعي قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى‬
‫منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) متفق عليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬الساعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل ال ‪ ،‬وكالقائم الذي ل يفتر ‪ ،‬وكالصائم الذي ل يفطر ) متفق عليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬خير الصحاب عند ال ي تعالى ي خيرهم لصاحبه ‪ ،‬ومن الجيران عند ال ي تعالى ي خيرهم لجاره ) رواه الترمذي ‪.‬‬
‫و من منه جه القت صادي قوله ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪ ( :‬الناس شركاء في ثلث ‪ :‬في الماء والكل والنار ) رواه أح مد وأ بو‬
‫داود ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬من كان له أرض فليزرعها ‪ ،‬أو ليمنحها أخاه ول يكريها ) ‪.‬‬
‫ل ول يس له منزل فليت خذ له منزل ‪ ،‬أو لي ست له زو جة فليتزوج ‪ ،‬أو ل يس له دا بة فليت خذ دا بة ) رواه‬
‫وقوله ‪ ( :‬من ولي ل نا عم ً‬
‫أحمد ‪.‬‬
‫وقيد ذهيب المام ابين حزم ( أنيه إذا مات رجيل جوعًا فيي بلد اعتيبر أهله قتلة ‪ ،‬وأخذت منهيم ديية القتييل ) السيلم وأوضاعنيا‬
‫القتصادية ‪ ،‬للشيخ محمد الغزالي ‪.‬‬
‫وهكذا ن جد أن عميل الرسيول يي صيلى ال علييه وسيلم يي لم يقتصير على جا نب مين جوا نب الحياة ‪ ،‬ولم ينحصير في شأن من‬
‫شئونها ‪ ،‬وإنما امتد هنا وهناك وهنالك حتى شمل كل جانب وتعرض لكل شأن ‪.‬‬
‫والع مل ال سلمي في أي زمان ومكان ملزم بأن يق فو أ ثر الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي ول يس له خيار في أن يت بع هذا‬
‫الطريق أو ذاك ‪.‬‬
‫ل متكاملً ‪ ،‬مربوطًا فيي كيل جزئياتيه بالهدف المنشود ‪ ،‬وهيو إقامية شرع ال فيي‬
‫إن العميل السيلمي اليوم يجيب أن يكون عم ً‬
‫الرض ‪ ،‬سواء كان هذا الع مل ‪ ،‬رياضيّ ا ‪ ،‬أو كشفيّ ا ‪ ،‬أو خيريّ ا ‪ ،‬أو توجيهيّ ا ‪ ،‬أو تربويّ ا ‪ ،‬أو فكريّ ا ‪ ،‬أو سياسيّا ‪ ،‬أو اقت صاديّا ‪ ،‬أو‬
‫عسكريّا ‪ ،‬وكل عمل في أي مجال من هذه المجالت ل يرتبط بالهدف ‪ ،‬ول يتصل بالغاية ‪ ،‬يفقد قيمته السلمية ‪ ،‬بل يفقد مبرر وجوده‬
‫‪.‬‬
‫إن الهتمامات ( التربوية ) جانب مهم في العمل السلمي شريطة ارتباطها بالهدف ‪ ،‬وتلزمها مع الهتمامات الخرى ‪.‬‬
‫وإن الهتمامات ( الفكرية والعلمية والثقافية ) جانب مهم كذلك في العمل السلمي شريطة توافقها وتكاملها مع سائر الهتمامات ‪.‬‬
‫كذلك فإن الهتمامات الحرى ( السيياسية والعسيكرية والحركيية والتنظيميية والجتماعيية والخيريية وغيرهيا ) هيي جوانيب مهمية‬
‫شريطة أن تأخذ موضعها وحجمها في العمل السلمي المتكامل ‪.‬‬
‫إن قيمة العمل وقوته وعمقه وأصالته إنما هي نتائج ( تكامله وشموله النوعيين ) ولهذا كان التكامل في العمل السلمي فريضة‬
‫شرعية وضرورة حركية ‪.‬‬
‫التكامل في الحركة السلمية المعاصرة ‪:‬‬
‫ولقد أكد المام الشهيد ي حسن البنا ي على ضرورة التكامل في العمل السلمي ‪ ،‬بقوله ‪ ( :‬كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل‬
‫للسلم عندنا أن شملت فكرتنا كل نواحي الصلح في المة ‪ ..‬وتستطيع أن تقول ول حرج عليك ‪ :‬إن دعوتنا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي دعوة سلفية ‪ :‬لنها تدعو إلى العودة بالسلم إلى معينه الصافي من كتاب ال وسنة رسوله ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي وطريقة سنية ‪ :‬لنها تحمل أصحابها على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء ‪ ،‬وبخاصة في العقائد والعبادات ‪ ،‬وما وجدوا‬
‫إلى ذلك سبيلً ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي وحقيقة صوفية ‪ :‬لن أصحابها يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل ‪ ،‬والعراض عن‬
‫الخلق ‪ ،‬والحب في ال ‪ ،‬والرتباط على الخير ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي وهيئة سياسية ‪ :‬لن أصحابها يطالبون بإصلح الحكم في الداخل ‪ ،‬وتعديل النظر في صلة المة السلمية بغيرها من المم‬
‫في الخارج ‪،‬وتربية الشعب على العزة والكرامة ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي وجماعة رياضية ‪ :‬لن أصحابها يعنون بجسومهم ‪ ،‬ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ‪ ،‬وأن النبي ي‬
‫صلى ال عليه وسلم ي يقول ‪ ( :‬إن لبدنك عليك حقّا ) وأن تكاليف السلم كلها ل يمكن أن تؤدى كاملة صحيحة إل بالجسم القوي ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي ورابطة علمية ثقافية ‪ :‬لن السلم يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ‪ ،‬ولن أندية الجماعة هي في الواقع‬
‫مدارس للتعليم والتثقيف ‪ ،‬ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي وشركة اقتصادية ‪ :‬لن السلم يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه ‪ ،‬وهو الذي يقول لنبيه ي صلى ال عليه وسلم ي ‪:‬‬
‫( ن عم المال ال صالح للر جل ال صالح ) ويقول ‪ ( :‬من أم سى كالّ من ع مل يده أم سى مغفورًا له ) ‪ ،‬ويقول ‪ (:‬إن ال ي حب المؤ من‬
‫المحترف) ‪.‬‬
‫‪ 8‬ي وفكرة اجتماعية ‪ :‬لن أصحابها يعنون بأدواء المجتمع السلمي ‪ ،‬ويحاولون الوصول إلى طرق علجها وشفاء المة منها ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن شمول معنى السلم قد أكسب فكرتنا شمولً لكل مناحي الصلح ‪ ،‬ووجه نشاطنا إلى كل هذه النواحي ‪ ،‬ونحن في‬
‫الوقت الذي يتجه فيه غيرنا إلى ناحية واحدة دون غيرها نتجه إليها جميعًا ‪ ،‬ونعلم أن السلم يطالبنا بها جميعًا ‪ )..‬مجموعة الرسائل ‪،‬‬
‫مع بعض التصرف ‪.‬‬
‫*****************‬

‫الحلقة الثالثة‬
‫وجوب التوازن في العمل السلمي‬

‫‪ •0‬قيمة التوازن في كل أمر ‪.‬‬


‫‪ •0‬قيمة التوازن في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬منطق الولويات مدخل إلى التوازن ‪.‬‬
‫‪ •0‬كيف تصنف الولويات في العمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬نماذج من التوازن في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ •0‬التوازن يحقق العتدال ويمنع الغلو ‪.‬‬
‫‪ •0‬الدعاة وتحقيق التوازن بين الهتمامات ‪.‬‬
‫‪ •0‬العمل السلمي المتوازن صعب ومجهد ‪.‬‬

‫والتوازن في العمل الٍسلمي أشبه بصمام المان فيه ‪ ،‬لن عدم توازنه يؤدي حتمًا إلى فشله وتعثره ‪.‬‬
‫وإذا كان التعامل يتعلق بمساحة العمل السلمي من حيث الشمول والكلية ‪ ،‬فإن التوازن يتعلق بنوعية هذا العمل من حيث مقاديره‬
‫ومعاييره ‪.‬‬
‫فالتوازن في العمل السلمي يعني إعطاء كل جانب من جوانب العمل وزنه ومعياره اللزمين من غير زيادة ول نقصان ‪ ،‬وإل أدى‬
‫إلى وقوع الخلل ‪.‬‬
‫قيمة التوازن في كل أمر ‪:‬‬
‫التوازن هو تعادل الوزان والمعايير وعدم تفاوتها بالنسبة لكافة المور المادية منها والمعنوية ‪.‬‬
‫والتوازن قوام كل أمر مركب ‪ ،‬ومؤشر الصحة والعافية فيه ‪ ،‬وإليك بعض المثلة ‪:‬‬
‫ي فالجنون مثلً ‪ :‬نتيجة لعدم توازن القدرات العقلية والعصبية ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إنسان غير موزون ‪.‬‬
‫ي والصرع ‪ :‬من أسبابه زيادة الكهرباء في دماغ النسان ‪.‬‬
‫ي وفقر الدم أو ضعفه ‪ :‬نتيجة عدم توازن الكريات البيضاء والحمراء في الدم ‪.‬‬
‫ي ثم إن زيادة سائل الذن قد يتسبب بالغماء لدى النسان ‪ ،‬كما يتسبب ضغط العين أو القلب بانعكاسات صحية خطيرة ‪.‬‬
‫يا نتائج عدم‬
‫يا عدم التوازن لدى الكائن البشري ‪ ،‬وهنالك عشرات المثلة الخرى على ذلك ‪ ،‬أمي‬
‫يي يخلفهي‬
‫يض النتائج التي‬
‫هذه بعي‬
‫التوازن في الكون والحياة فأكثر من أن تحصى‪.‬‬
‫ي إن تغير نسبة الوكسجين في الهواء تجعله ملوثًا وقد تجعله سامّا قاتلً ‪.‬‬
‫ي إن تغ ير المعادلة المتواز نة في دوران الرض والش مس والفلك ين تج ع نه كث ير من المور أقل ها اختلل انتظام الل يل والنهار‬
‫وتعاقب الفصول ‪ ،‬وما يؤدي ذلك من أضرار على النسان والحيوان والحياة بكاملها ‪.‬‬
‫ي ح تى في ما ي صنعه الن سان من ( آلت وماكينات ) ‪ ،‬و ما يشيده من ( عمارات وج سور ) فجميعه محكوم بقاعدة التوازن ‪ ،‬وأي‬
‫خلل في المقادير والمعايير يتسبب بنتائج خطيرة ومأسوية ‪.‬‬
‫قيمة التوازن في العمل السلمي ‪:‬‬
‫والع مل ال سلمي ال صحيح المعا فى ‪ ،‬هو الع مل القائم على من هج ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪ ،‬المتكا مل في جوان به‬
‫وتوجهاته ‪ ،‬المتوازن في معاييره ومقاديره وأولوياته ‪.‬‬
‫وعند ما يط غى على الع مل جا نب من الجوا نب ‪ ،‬أو يكون الهتمام بجا نب دون جا نب يحدث الخلل سواء في ( تكو ين الشخ صية‬
‫السلمية ) أو في ( توجه المسيرة السلمية ) وبالتالي تكون النتائج غير سليمة بنسبة الخلل الذي حدث ‪.‬‬
‫فإذا كان من الواجب ( تكامل العمل السلمي وشموله ) ‪ ،‬فإن من الواجب كذلك ( توازنه ) بحسب موقع كل جانب وأهميته من‬
‫العمل السلمي أو الشخصية السلمية ‪.‬‬
‫منطق الولويات مدخل إلى التوازن ‪:‬‬
‫ولتحق يق التوازن في ( الشخ صية ال سلمية ) أو ( الم سيرة ال سلمية ) أو ( التغي ير ال سلمي ) ل بد من ف هم صحيح ( للمن هج‬
‫السلمي ) من خلل المبادئ والسس والقواعد التي جاء بها ‪ ،‬ومن خلل التطبيق الذي قام به رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي‬
‫وسار عليه السلف الصالح ي رضي ال عنهم وأرضاهم ي لمعرفة أولويات العمل واتجاهاته ومعاييره ومقاديره ‪..‬‬
‫فمن التوازن أن يكون الرأس الذي فيه الدماغ ي لدى النسان ي وموضعه أعلى الجسم هو الجهاز الذي ينظم الحركات والتصرفات‬
‫‪ ،‬وليس أي عضو آخر في جسم النسان ‪ ،‬ولهذا فهو في موقع متقدم من الجسم وسائر العضاء بحسب منطق الولويات ‪ ..‬بل ل بد‬
‫من التعامل معه كذلك وبحسب هذا الموقع ‪.‬‬
‫ول كن هذا المو قع المتقدم ( للدماغ القائد ) في ج سم الن سان ‪ ،‬ل يل غي بالضرورة قي مة أي ع ضو من أعضاء الن سان مه ما كان‬
‫بسيطًا ‪ ،‬فلكلّ دور ووظيفة مهمين في نطاقه وإطاره ‪..‬‬
‫هذا التكامل في جوانب البنية الجسدية للنسان ‪ ،‬أشبه بالتكامل في البنية الحركية ‪ ،‬وما يفرضه منطق الولويات من توازن في‬
‫هذا يفرضه تمامًا في ذلك ‪.‬‬
‫كيف تصنف الولويات في العمل السلمي ‪:‬‬
‫سلّم الولويات في تصنيف‬
‫إن العمل السلمي المتعدد الجوانب الشامل المقاصد يحتاج إلى تصنيف هذه الجوانب والمقاصد بحسب ُ‬
‫العمال وتحديد مواقعها من حيث الهمية ‪ ،‬وبما يشير كذلك إلى أهميتها جميعًا ‪...‬‬
‫ي الجانب العقيدي والتربوي ‪:‬‬
‫إن منطق الولويات يعتبر الجانب العقيدي أساسًا لكل عمل ‪ ،‬بل ل قيمة لي عمل بدونه ‪ ..‬ولهذا كان في موقع متقدم معتبر في‬
‫{ إن ال ل يغفر أن يشرك به ‪ ،‬ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‪ ،‬ومن يشرك بال فقد افترى‬ ‫كتاب ال ي تعالى ي حيث يقول مقررًا ‪:‬‬
‫إثمًا عظيمًا } ( النساء ‪ { ، ) 84 :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‪ ،‬ومن يشرك بال فقد ضل ضللً بعيدًا } (‬
‫النساء ‪. ) 115 :‬‬
‫ي فقه العقيدة والشريعة ‪:‬‬
‫سلّم الولويات ‪ ،‬ف في كتاب ال ي تعالى ي ‪ { :‬ير فع ال‬
‫مقدم على العلوم العا مة والثقافات المختل فة ‪ ،‬و هو متقدم مع تبر بح سب ُ‬
‫الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } ( المجادلة ‪. ) 11 :‬‬
‫وفي هدي النبوة ‪ ( :‬من يرد ال به خيرًا يفقهه في الدين ) متفق عليه ‪.‬‬
‫وروي أن رجلً جاء رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي فقال ‪ :‬علمني من غرائب العلم ‪ ،‬فقال له ‪ ( :‬ما صنعت في رأس العلم ؟‬
‫) فقال ‪ :‬وما رأس العلم ؟ قال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬هل عرفت الرب ي تعالى ي ؟ ) ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ ( :‬فما صنعت في‬
‫حقه ؟ ) ‪ ،‬قال ‪ :‬ما شاء ال ‪ ،‬فقال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬هل عرفت الموت ؟ ) ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ ( :‬فما أعددت له ؟ ) قال ‪:‬‬
‫( اذهب فأحكم ما هناك ثم تعال نعلمك من غرائب العلم ) إحياء علوم الدين ‪.‬‬ ‫ما شاء ال ‪ ،‬قال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪:‬‬
‫وقال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) ‪.‬‬
‫وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجوب الخذ بمنطق الولويات في كل شيء ‪ ..‬ففي العلم أولويات ‪ ..‬وفي العبادة أولويات ‪..‬‬
‫وفي الجهاد أولويات ‪ ..‬وفي العمل الجتماعي أولويات ‪ ..‬وفي العمل السياسي أولويات ‪ ..‬والسير من غير ملحظة للولويات سير على‬
‫غير هدى وبدون وعي ‪.‬‬
‫ي العبادة ومنطق التوازن ‪:‬‬
‫ثم إن العبادة نفسها ي بالرغم من عظيم قيمتها في شرع ال ي فإنها تخضع في إطار التوازن ي لمنطق الولويات ‪ ..‬ففي قوله ي‬
‫تعالى ي ‪ { :‬فإذا قضيت الصلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل ال } ( الجمعة ‪ ) 10 :‬دعوة بينة للتوازن بين الصلة والعمل‬
‫المعي شي ‪ ،‬لعتبار أن الع مل المعي شي نف سه في مفهوم ال سلم عبادة ‪ ،‬ومخال فة هذا المفهوم يؤدي إلى خلل في التوازن ال سلمي ‪،‬‬
‫وهذا ما حدا بعمر بن الخطاب ي رضي ال عنه ي إلى أن يضرب بعصاه رجلً بقي في المسجد يهمهم بالقرآن بعد أن فرغ الناس من‬
‫الصلة والدعاء قائلً ‪ ( :‬قم ‪ ،‬ل تمت علينا ديننا أماتك ال ) ‪ ،‬وروي أن رجلً أتى جبلً يتعبد فيه ‪ ،‬فجيء به إلى الرسول فقال له ‪ ( :‬ل‬
‫تفعل أنت ول أحد منكم ‪ ،‬لصبر أحدكم في بعض مواطن السلم خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عامًا ) ‪.‬‬
‫القوة ومنطق التوازن ‪:‬‬
‫ونعني بالقوة هنا القوة العسكرية ‪ ،‬وهذا الجانب له في الشرع موقع ومساحة مع تبرين ‪ ،‬ولكن هذا الموقع والم ساحة يتغيران ي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يكبران ول يصغران ي بحسب الظروف والوضاع التي يعيشها السلم‬

‫) يقول المام حسمن البنما فمي رسمالة ( المؤتممر الخاممس ) ‪ ( :‬نحمن نعلم أن أول درجمة ممن درجات‬ ‫( ‪1‬‬

‫القوة قوة العقيدة واليمان ‪ ،‬ويليها قوة الوحدة والرتباط ‪ ،‬ثم بعدها قوة الساعد والسلح ‪.‬‬
‫فإن كان ال سلم في ظروف طبيع ية لم ي كن القتال أ ساسًا في حياة الم سلمين ‪ ..‬أ ما إن كان ال سلم في ظروف ع صيبة ‪ ،‬معتدى‬
‫عليه ‪ ،‬محارب العقيدة والفكار ‪ ،‬مجتاح الهل والبناء والديار ‪ ،‬فإن الجهاد والقتال هنا يصبح فرض عين على المسلمين ‪ ،‬ويصبح كل‬
‫عمل آخر ضربًا من اللهو والفرار من الزحف ‪ ..‬وصدق عبد ال بن المبارك حيث كتب رسالة إلى أحد أعز إخوانه وقد فضل العتكاف‬
‫في المسجد الحرام على الجهاد ‪ ،‬قال فيها ‪:‬‬
‫لوجدت أنك بالعبادة تلعب‬ ‫يا عابد الحرميين ليو أبصرتينيا‬
‫فينحيورنا بدميائنا تتيخضب‬ ‫من كان يخضب خده بدموعه‬

‫السياسة ومنطق التوازن ‪:‬‬


‫والهتمامات السياسية في العمل السلمي جانب مهم وخطير ‪ ،‬ولكنها تبقى في أهميتها وخطورتها دون الجانب العقائدي ‪ ،‬فالعقيدة‬
‫أساس العمل السياسي وكل عمل ‪ ،‬وهي مُحصّن العمل السياسي وصمام المان فيه ‪.‬‬
‫ومن التوازن في العمل السلمي أن يأخذ العمل السياسي ي كما العمل العسكري ي حجمه وسمته المحددين له ‪ ،‬وإل غدا العمل‬
‫السياسي شعارًا بل محتوى ‪ ،‬بل أصبح غاية ل وسيلة وأداة ‪ ،‬فضلً عن وقوعه في منزلقات ومتاهات ل يعرف أولها من آخرها ‪.‬‬
‫نماذج من التوازن في القرآن الكريم ‪:‬‬
‫وفيما يلي نسوق طائفة من اليات القرآنية التي تشير إلى ضرورة تحقيق التوازن في شتى المجالت والشئون والقضايا ‪:‬‬
‫ي ففي نطاق تحقيق التوازن بين متطلبات الدنيا والخرة ‪ ،‬وبالرغم من القرار بضآلة قيمة الدنيا من الخرة ‪ ،‬يقول ي تعالى ي ‪:‬‬
‫{ واب تغ في ما آتاك ال الدار الخرة ول ت نس ن صيبك من الدن يا وأح سن ك ما أح سن ال إل يك ول ت بغ الف ساد في الرض إن ال ل ي حب‬
‫المفسدين } ( القصص ‪. ) 77 :‬‬
‫ي و في نطاق تحق يق التوازن والتكا مل في جوا نب البر والخ ير ‪ ،‬وح تى ل يكون مفهوم الخ ير والبر قا صرًا على ضروب ال صلة‬
‫والعبادة يقول يي تعالى يي ‪ { :‬لييس البر أن تولوا وجوه كم قبيل المشرق والمغرب ‪ ،‬ول كن البر من آمين بال واليوم ال خر والملئكية‬
‫والكتاب وال نبيين ‪ ،‬وآ تى المال على ح به ذوي القر بى واليتا مى والمساكين وا بن ال سبيل والسائلين و في الرقاب ‪ ،‬وأقام الصلة ‪ ،‬وآ تى‬
‫الزكاة ‪ ،‬والموفون بعهدهيم إذا عاهدوا ‪ ،‬والصيابرين فيي البأسياء والضراء وحيين البأس ‪ ،‬أولئك الذيين صيدقوا وأولئك هيم المتقون }‬
‫( البقرة ‪. ) 177 :‬‬
‫ي و في نطاق تحق يق التوازن في النفاق يقول ال ي تعالى ي ‪ { :‬ول تج عل يدك مغلولة إلى عن قك ول تب سطها كل الب سط فتق عد‬
‫ملومًا محسورًا } ( السراء ‪. ) 29 :‬‬
‫يي وفيي نطاق تحقييق التوازن فيي العداد النفسيي والحسيي وفيي مواجهية أعداء السيلم يقول يي تعالى يي ‪ { :‬وأعدوا لهيم ميا‬
‫استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ال وعدوكم } ( النفال ‪. ) 61 :‬‬
‫ويقول ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا ال لعلكم تفلحون } ( آل عمران ‪. ) 200 :‬‬
‫( النفال ‪. ) 46 :‬‬ ‫ويقول ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال لعلكم تفلحون }‬

‫هذه نظرة ونظرة أخرى ‪ :‬هممل أوصممى السمملم ممم والقوة شعاره ممم باسممتخدام القوة فممي كممل الظروف‬
‫والحوال ؟ أم حدد لذلك حدودًا واشترط شروطًا ووجه القوة توجيهًا محدودًا ؟ ‪.‬‬
‫ونظرة ثالثمة ‪ :‬همل تكون القوة أول علج أم أن آخمر الدواء الكمي ؟ وهمل ممن الواجمب أن يوازن النسمان‬
‫بيمن نتائج اسمتخدام القوة النافعمة ونتائجهما الضارة ‪ ،‬أم ممن واجبمه أن يسمتخدم القوة وليكمن بعمد ذلك مما‬
‫يكون ) ‪.‬‬
‫( النساء ‪. ) 70 :‬‬ ‫ويقول ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا }‬
‫ويقول ‪ { :‬وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة ‪ ،‬فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ‪ ،‬فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ‪ ،‬ولتأت‬
‫طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ‪ ،‬ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة‬
‫واحدة ‪ ،‬ول جناح علي كم إن كان ب كم أذى من م طر أو كن تم مر ضى أن تضعوا أ سلحتكم ‪ ،‬وخذوا حذر كم ‪ ،‬إن ال أ عد للكافر ين عذابًا‬
‫مهينًا } ( النساء ‪. ) 101 :‬‬
‫التوازن يحقق العتدال ويمنع الغلو ‪:‬‬
‫ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حرص على تحقيق التوازن والعتدال ومنع الغلو والتشنج والتطرف في كل شأن ولو كان‬
‫عباديّا ‪ ..‬وفيما يلي مجموعة من الشواهد تؤكد نهج الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي المتوازن ‪:‬‬
‫ي عن عائشة ي رضي ال عنها ي أن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي دخل عليها وعندها امرأة ‪ ،‬قال ‪ ( :‬من هذه ؟ ) ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫هذه فلنة تذكر من صلتها ‪ ،‬قال ‪ ( :‬مه ‪ ،‬عليكم بما تطيقون ‪ ،‬فوال ل يمل ال حتى تملوا ) ‪.‬‬
‫ي وعن ابن مسعود ي رضي ال عنه ي عن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي قال ‪ ( :‬هلك المتنطعون ‪ ) ..‬قالها ثلثًا ‪ ( ،‬رواه‬
‫مسلم ) ‪.‬‬
‫ي وعن أ بي هريرة ي ر ضي ال ع نه ي عن ال نبي ي صلى ال عل يه و سلم ي قال ‪ ( :‬إن الد ين ي سر ‪ ،‬ولن يشاد الدين أحد إل‬
‫غلبه ‪ ،‬فسددوا وقاربوا ‪ ،‬وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ‪ ) ..‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫ي وعن أنس ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ،‬يسألون عن عبادة‬
‫النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم تقالوها ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أين نحن من النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ،‬وقد غفر له ما‬
‫تقدم من ذنبه وما تأخر ‪..‬‬
‫قال أحدهم ‪ :‬أما أنا فأصلي الليل أبدًا ‪..‬‬
‫وقال آخر ‪ :‬وأنا أصوم الدهر أبدًا ول أفطر ‪..‬‬
‫وقال الخر ‪ :‬وأنا اعتزل النساء فل أتزوج أبدًا ‪..‬‬
‫فجاء رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي فقال ‪ ( :‬أنتم الذين قلتم ‪ :‬كذا وكذا ؟ أما وال إني أخشاكم ل وأتقاكم له ‪ ،‬لكني أصوم‬
‫وأفطر ‪ ،‬وأصلي وأرقد ‪ ،‬وأتزوج النساء ‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ‪.‬‬
‫ي وعن ابن ربعي حنظلة بن الربيع السيدي ي أحد كتاب رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي قال ‪ :‬لقيني أبو بكر ي رضي ال‬
‫عنه ي فقال ‪ :‬كيف أنت يا حنظلة ؟‬
‫قلت ‪ :‬نافق حنظلة ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬سبحان ال ‪ ،‬ما تقول ؟‬
‫قلت ‪ :‬نكون ع ند ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي يذكر نا بالج نة والنار كأ نا رأي ع ين ‪ ،‬فإذا خرج نا من ع ند ر سول ال ي‬
‫صلى ال عليه وسلم ي عافسنا الزواج والولد والضيعات نسينا كثيرًا ‪..‬‬
‫فقال أبو بكر ي رضي ال عنه ي ‪ :‬فوال إنا لنلقى مثل هذا ‪ ..‬فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول ال ‪..‬‬
‫فقلت ‪ :‬نافق حنظلة يا رسول ال ‪..‬‬
‫فقال ‪ ( :‬وما ذاك ؟ ) ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬يا ر سول ال ‪ ،‬نكون عندك تذكر نا بالنار والج نة كأ نا رأي ع ين ‪ ،‬فإذا خرج نا من عندك عاف سنا الزواج والولد والضيعات‬
‫نسينا كثيرًا ‪..‬‬
‫فقال الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪ ( :‬والذي نف سي بيده ‪ ،‬أن لو تدومون على ما تكونون عندي و في الذ كر ‪ ،‬ل صافحتكم‬
‫الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ‪ ،‬ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) ‪.‬‬
‫ي وعن أبي محمد عبد ال بن عمرو بن العاص ي رضي ال عنهما ي قال ‪ :‬أُخبِر النبي ي صلى ال عليه وسلم ي أني أقول ‪:‬‬
‫وال لصومن النهار ولقومن الليل ما عشت ‪..‬‬
‫فقال الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬أنت الذي تقول كذا ؟‬
‫فقلت له ‪ :‬قد قلته بأبي أنت وأمي يا رسول ال ‪..‬‬
‫قال ‪ ( :‬فإنك ل تستطيع ذلك ‪ ،‬فصم وأفطر ‪ ،‬ونم وقم ‪ ،‬وصم من الشهر ثلثة أيام ‪ ،‬فإن الحسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬وذلك مثل صيام‬
‫الدهر ) ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬فإني أطيق أفضل من ذلك ‪..‬‬
‫قال ‪ ( :‬فصم يومًا وأفطر يومين ) ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬فإني أطيق أفضل من ذلك ‪..‬‬
‫قال ‪ ( :‬فصم يومًا وأفطر يومًا ‪ ،‬وذلك صيام داود ي عليه السلم ي ‪ ،‬وهو أعدل الصيام ) ‪..‬‬
‫قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬واقرأ القرآن في كل شهر ) ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬إني أطيق أفضل من ذلك ‪..‬‬
‫قال ‪ ( :‬فاقرأه في كل عشرين ) ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬إني أطيق أفضل من ذلك ‪..‬‬
‫قال ‪ ( :‬فاقرأه في كل سبع ‪ ،‬ول تزد على ذلك ) ‪..‬‬
‫فشددت فشدد عليّ ‪ ،‬وقال لي النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إنك ل تدري لعلك يطول بك عمر ) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فصرت إلى الذي قال لي النبي ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ،‬فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي ي صلى ال عليه‬
‫وسلم ي ‪ ( .‬رياض الصالحين ‪ ،‬باب القتصاد في الطاعة ) ‪.‬‬
‫الدعاة وتحقيق التوازن بين الهتمامات ‪:‬‬
‫ومن أبرز العوامل التي تساعد الداعية المسلم على العطاء الناضج المستمر ‪ ،‬تمكنه من تحقيق التوازن بين اهتماماته ‪ ،‬وقدرته‬
‫على النهوض بكامل مسئولياته ‪ ،‬دونما تفريط أو إفراط ‪ ،‬ودونما تغليب جانب على آخر ‪.‬‬
‫فالداعية أمام مسئوليات ثلث ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي مسئوليته تجاه نفسه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي مسئوليته تجاه أهله ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي مسئوليته تجاه مجتمعه ‪.‬‬
‫والداعية الموفق الناجح ‪ ،‬هو الذي يحفظ معادلة التوازن هذه ‪ ،‬فيعطي كل جانب من هذه الجوانب حقه من الهتمام ‪ ،‬تنفيذًا لتعاليم‬
‫النبوة ‪ ،‬وامتثالً لقول رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إن لنفسك عليك حقّا ‪ ،‬وإن لزوجك عليك حقّا ‪ ،‬وإن لربك عليك حقّا ‪،‬‬
‫فأعط كل ذي حق حقه ) ‪.‬‬
‫والذ ين ل يتقيدون بهذه القاعدة ‪ ،‬ول يعملون على تحق يق التوازن ب ين اهتمامات هم ‪ ،‬ويغالون في الهتمام بجا نب من م سئولياتهم‬
‫على حساب الجوانب الخرى ‪ ..‬إن هؤلء في أكثر الحيان يفقدون عنصر الستقرار في حياتهم ‪ ،‬ول يملكون القدرة على الستمرار في‬
‫دعوتهم ‪.‬‬
‫وإذا كان السلم يفرض على الخ المسلم أن يوازن بين اهتماماته تلك ‪ ،‬فلكي يتمكن من تحقيق قوامة الدعوة على جوانب حياته‬
‫كلها ‪ ،‬وبذلك يكون رجل الدعوة في كل الميادين الخاصة والعامة ‪.‬‬
‫و من أخ طر المراض ال تي ت صيب الدعاة والعامل ين لل سلم ‪ ،‬اهتمام هم بال سلم خلل ع مل الدعوة ‪ ،‬وانف صامهم ع نه خارج هذا‬
‫النطاق ‪ ،‬سواء في شئونهم الخاصة أو العائلية أو الوظيفية بمعنى أن هؤلء يعيشون السلم من خلل أجواء التنظيم فقط ‪ ،‬ثم ينسلخون‬
‫عنه فيما عدا ذلك من أجواء ‪ ،‬وبذلك يكون السلم في وادٍ وحياتهم الخاصة والعائلية في وادٍ آخر ‪.‬‬
‫وإذا كان على الخ الم سلم تحق يق المعادلة ب ين م سئولياته المتعددة ‪ ،‬فإن عل يه كذلك أن يع مل على تحق يق التوازن في نطاق كل‬
‫مسئولية من هذه المسئوليات ‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬مسئوليته تجاه نفسه ‪:‬‬
‫كث ير من الدعاة ي سقطون بالكل ية م سئوليتهم تجاه أنف سهم ويع تبرون ذلك من اليثار ‪ ،‬علمًا بأن الن سان في ال سلم م سئول في‬
‫الدرجية الولى عين نفسيه ‪ { :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا قوا أنفسيكم وأهليكيم نارًا } ( التحرييم ‪ { ، ) 6 :‬كيل نفيس بميا كسيبت رهينية }‬
‫( المدثر ‪. ) 38 :‬‬
‫وحيال اهتمام الخ المسلم بنفسه ‪ ،‬ل بد من تحقيق التوازن في ذلك كذلك ‪ ..‬فل يكون اهتمامه ( بجسده ) على حساب ( عقله ) ‪،‬‬
‫أو يكون اهتما مه ( بعقله ) على ح ساب ( رو حه ) ‪ ..‬وإن ما ي جب أن يكون اهتما مه بهذه الجوا نب جميعًا من خلل من هج ال سلم في‬
‫تكوين الشخصية السلمية ‪..‬‬
‫أ ي فهو مسئول حيال جسده أن يدفع عنه كل ما يضعفه ويرهقه ويؤذيه ‪ ،‬ويحفظه سليمًا قويّا معافًا ‪ ،‬قادرًا على مواجهة الظروف‬
‫الصعبة وتقلبات اليام ‪.‬‬
‫ب ي و هو م سئول حيال عقله ‪ ،‬أن يحف ظه رشيدًا متزنًا ‪ ،‬وأن يو فر له ما يو سع آفا قه وين مي قدرا ته ‪ ..‬والداع ية مشرف على‬
‫الفلس ل محالة إن كان حجم عطائه أكبر من حجم أخذه وتلقيه ( وفاقد الشيء ل يعطيه ) ‪.‬‬
‫ج ي و هو كذلك م سئول عن قل به ي صقله وي صلحه ويزك يه ‪ ،‬يعالج اضطرا به وهواج سه بالكثار من ذ كر ال ي تعالى ي وين مي‬
‫شفافيته بالقبال على طاعة ال ‪ ،‬وهو في كل ذلك يتبع المنهج الرباني الذي تربى عليه الجيل القرآني الول ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬مسئوليته تجاه أهله ‪:‬‬
‫وكما أن على الداعية مسئولية تجاه ( نفسه ) فإن عليه مثلها تجاه أهله ( زوجته وأولده وبيته ) ‪ ،‬وتحقيق التوازن الذي يأمر به‬
‫السلم يفرض إعطاء الهل حقهم الكامل من هذه القسمة العادلة ‪.‬‬
‫أ ي فالداعية مسئول عن إقامة السلم في أهله وبيته وبين أفراد عائلته ‪ ،‬قبل أن يكون مسئولً عن إقامته في مجتمعه ‪..‬‬
‫وم سئوليته في هذا النطاق أ كبر وأخطير ‪ ..‬أو لم ي سمع إلى قوله يي تعالى يي ‪ { :‬ييا أيهيا الذ ين آمنوا قوا أنف سكم وأهليكيم نارًا‬
‫وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلظ شداد ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } ‪.‬‬
‫إن علقة الخ بزوجته يجب أن تتعدى العلقة الحسية لتصبح علقة الشريكين المسئولين عن إرساء قواعد اليمان في بناء بيتهما‬
‫المسلم ‪ ،‬وعن تحقيق أجواء المودة والرحمة التي هي سر نجاح البيت المسلم ‪ ..‬كل ذلك من خلل الكلمة الطيبة ‪ ،‬والنصيحة الدافئة ‪،‬‬
‫والقدوة الحسنة التي يجب أن يقدمها الخ من نفسه قبل أن يطلبها من أهله ومن الخرين ‪.‬‬
‫إن بعيض الخوة يعمدون إلى ممارسية مبدأ ( القوامية ) ممارسية خاطئة ‪ ،‬ويظنون أن هذا المبدأ يفرض أن تكون علقية الرجيل‬
‫ل عن كونه يساعد على هدم‬
‫بالمرأة كعلقة الرئيس بالمرءوس ‪ ،‬وكعلقة الضابط بالجندي ‪ ،‬مع أن هذا الفهم غريب على السلم ‪ ،‬فض ً‬
‫الحياة الزوجية ل على بنائها ‪ ،‬وعلى تعاستها وشقائها وليس على سعادتها وهنائها ‪.‬‬
‫إن هذا ل يعني ي بحال ي أن يكون الزوج أسير زوجته وأسير أهوائها ورغباتها ي معاذ ال ي ولكنه يعني أن مسئوليتها ل تقل‬
‫عن مسئوليته في بناء السرة المسلمة ‪ ،‬وإنها إن كانت كذلك وجب أن تكون العلقة بينهما علقة مسئولية من طرفين ل من طرف واحد‬
‫‪.‬‬
‫إن أخطر ما يصيب البيت المسلم ويتهدد البناء بالضياع والنحراف وبكثير من العقد النفسية ‪ ،‬ناجم أساسًا من سوء العلقة بين‬
‫الزوجين ‪ ،‬ومن دوام الخلف والشجار ولواحقه المدمرة ‪.‬‬
‫ب ي والداع ية م سئول عن تأم ين الحقوق الماد ية لبي ته ‪ ،‬فهو م سئول عن الع مل والكسب ‪ ،‬وإذا كانت ضغوط الحياة دفعت اليوم‬
‫بالنساء إلى خوض مجالت العمل المختلفة فهذا ل يعني أن عمل المرأة أصبح واجبًا ‪ ،‬أو مبررًا لتقصير الرجل عن القيام بمسئولياته في‬
‫هذا الجانب ‪.‬‬
‫ولييس للزوج أن يكره زوجتيه على العميل خارج المنزل إل أن يكون ذلك عين تفاهيم بينهميا ‪ ،‬وحاجية ضاغطية وملحية عليهميا ‪،‬‬
‫وإقبال ورضى من المرأة بذلك ‪.‬‬
‫والحقيقة أن كثيرًا من المشاكل العائلية ما كانت لتحدث إل بسبب عمل المرأة خارج المنزل ‪ ،‬مما يتسبب في أن تعيش العائلة على‬
‫أع صابها ‪ ،‬و في سباق من الم سئوليات المتراك مة والوقات الضاغ طة ‪ ،‬وبذلك يتعذر قيام أي منهاج في الب يت ين ظم علئق الزوج ين‬
‫ل عن الحاجات العضو ية الخرى بش كل مقبول من نوم ورا حة وطعام‬
‫ببعضه ما ‪ ،‬وعلئقه ما بأولده ما ‪ ،‬ويؤ من الحاجات التربو ية فض ً‬
‫وفسحة ونظافة ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬
‫والوا جب يقت ضي في حال اضطرار المرأة إلى الع مل خارج الب يت أن يكون التعاون ب ين أفراد العائلة على القيام بالواجبات اليوم ية‬
‫على أعلى م ستوى ‪ ،‬للتعو يض عن الفراغ الذي ي سببه غياب المرأة عن الب يت ‪ ،‬ومنعًا لنشوء أ سباب مثيرة للخلف باع ثة على تعا سة‬
‫البيت وشقائه ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬مسئوليته تجاه دعوته ‪:‬‬
‫إن واجيب الخ المسيلم تجاه دعوتيه واجيب مقدس وأسياسي ل يجوز التفرييط بيه أو التهاون فييه ‪ ،‬وعلييه أن يفرد له مين الجهيد‬
‫والوقت ما استطاع إلى ذلك سبيلً ‪ ،‬وأن يسعى إلى تحقيق وتطبيق المعادلة والتوازن اللذين أمر بهما السلم ‪.‬‬
‫ثم إن عليه أن يحاول مضاعفة عطائه الدعوي دون أن يمس جوهر التوازن وحقيقته حتى يصبح التوجه الحياتي توجهًا دعويّا في‬
‫كافة مجالته ‪ ،‬وحتى يتحقق فيه قول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬من جعل الهم همّا واحدًا كفاه ال هم دنياه ‪ ،‬ومن تشعبته‬
‫الهموم لم يبال ال في أي أودية الدنيا هلك ) رواه الحاكم ‪.‬‬
‫إن على الخ الم سلم أن يدرك أن ال ستغراق في طلب الدن يا ل يس شرطًا في تحق يق الغ نى والثراء ‪ ،‬ولو حق قه فل يس شرطًا في‬
‫تحقيق السعادة والهناء ‪.‬‬
‫فكم من أناس سفحوا على حطام الدنيا جل عمرهم دون أن يدركوها وخسروا الخرة ‪ ،‬ومنهم من أدركها ولم يدرك السعادة منها‬
‫فباء بالشقاء ‪.‬‬
‫وكم من أناس أداروا للدنيا ظهورهم ابتغاء أعمال الخرة ‪ ،‬فأقبلت عليهم الدنيا ذليلة صاغرة ‪ ،‬وصدق ال ي تعالى ي حيث يقول ‪:‬‬
‫{ ومن يتق ال يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث ل يحتسب } ( الطلق ‪. ) 2،3 :‬‬
‫ووا جب الخ الم سلم أن يكون عطاؤه لل سلم وللدعوة هو العطاء الك مل والو فر والك ثر ‪ ،‬ول يس الع كس ‪ ،‬ك ما هو شأن الذ ين‬
‫يبخلون بأوقات هم أن تذ هب في الدعوة هدرًا ‪ ،‬ويبخلون بأرواح هم أن تز هق في سبيل ال غيلة وغدرًا ‪ ،‬ثم هم ل يتخلفون عن ركوب‬
‫{ قتل النسان ما أكفره ‪ ،‬من أي شيء خلقه ‪،‬‬ ‫أعتى المواج خطرًا ومواجهة أشد الظروف ضررًا ‪ ،‬استزادة من الدنيا ونعيمها ‪ ..‬أل‬
‫من نطفة خلقه فقدره ‪ ،‬ثم السبيل يسره ‪ ،‬ثم أماته فأقبره ‪ ،‬ثم إذا شاء أنشره ‪ ،‬كل لما يقض ما أمره } ( عبس ‪ 17 :‬ي ‪. ) 23‬‬
‫إن عمل الدعوة له ( لذة ) ل تدانيها لذة المال والنساء ‪ ..‬وإن له عند ال لقيمة وأجرًا دونهما قيمة الدنيا ونعيمها ‪..‬‬
‫ل واحدًا خير من حمر النعم ) متفق عليه ‪..‬‬
‫إنها لذة الهداية ‪ ( :‬لئن يهدي ال بك رج ً‬
‫لذة الشعور بالرضى ‪ { :‬رضي ال عنهم ورضوا عنه } ‪..‬‬
‫لذة الشعور باستعلء اليمان وانتصاره في النفس والمجتمع ‪ { :‬ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ال } ‪.‬‬
‫إن السلم يريد أصفياء لدعوته ‪ ،‬كرماء في سبيله ‪ ،‬يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والبصار ‪ ،‬وبخاصة في عصر أكثر الناس في‬
‫إدبار والقليل في إقبال ‪ ،‬وغلبة القلة المؤمنة مشروطة بكلية إقبالها على ال ‪.‬‬
‫العمل السلمي المتكامل والمتوازن عمل صعب ‪:‬‬
‫كثيرًا ما تبرز في ساحة الع مل ال سلمي اتجاهات ذات اهتمامات خا صة غ ير متكاملة ول متواز نة ‪ ،‬هذه التجاهات قد تن مو نموّا‬
‫سريعًا ‪ ،‬وقد يكون نموها السريع هذا محل تساؤل لدى بعض العاملين في التجاه السلمي المتكامل والمتوازن ‪ ،‬وقد يصل المر ببعض‬
‫هؤلء حد التشكك في دعوتهم حيث تبدو لهم بطيئة في سيرها ونموها ‪ ،‬في حين يرون تلك تتنامى سرعة ‪ ،‬دون أن يفطنوا إلى السر‬
‫والسبب ‪..‬‬
‫إن السبب في سرعة نمو التجاهات ذات الختصاص أو الهتمام الجزئي إنما يعود إلى سهولة العمل في التجاه الواحد ‪ ،‬وسهولة‬
‫البداع في الختصاص الواحد ‪.‬‬
‫إن الحركات ذات الهتمام السياسي مثلً ستكون أقدر على النمو واكتساب الخبرة السياسية والتفوق في العمل السياسي من حركة‬
‫ذات اهتمام كلي ونشاط شامل ‪.‬‬
‫وإن التجاهات ذات الختصاص بجانب من جوانب المنهج السلمي ي كجانب العقيدة مثلً أو الفقه ي ستكون مساحة عملها في‬
‫هذا الطار أكبر من حركة متعددة جوانب الختصاصات والهتمامات ‪.‬‬
‫ول كن المشكلة ل تك من ه نا ‪ ،‬إن ما تك من في ع جز هذه التجاهات والحركات غ ير المتكاملة والمتواز نة عن تغط ية أي جا نب من‬
‫جوانب العمل السلمي خارج إطار تخصصها ‪ ،‬في حين أن العمل السلمي المتكامل والمتوازن يملك من قدرة التحرك والعمل في كافة‬
‫المجالت وإن بنسب أقل ‪ ،‬ولكن ليس دون المستوى المطلوب ‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬أسيهل بكثيير مين تكويين ذهنيية ذات إلمام بكافية العلوم الشرعيية‬
‫إن تكويين ذهنيية ذات إلمام بعلم التوحييد وشئون العقيدة مث ً‬
‫المطلوبة ‪ ،‬كما أن تكوين ذهنية ملمة بالعمل الجتماعي أو الخيري فقط ‪ ،‬سيكون أسهل من تكوين ذهنية ملمة بعمل الدعوة في كافة‬
‫القطاعات والمجالت الجتماعية والسياسية والفكرية والحركية والطلبية ‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬
‫إن سهولة العمل الجزئي هي سبب تناميه السريع ‪ ،‬وهي بالتالي سبب ارتكاسه السريع كذلك ‪ ،‬أما صعوبة العمل الكلي المتوازن‬
‫وما يحتاجه من معاناة فهي سبب نموه البطيء ‪ ،‬وهي بالتالي سبب ثباته ونجاحه ‪ ،‬وصدق رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حيث‬
‫يقول ‪ ( :‬أحب العمال إلى ال ي تعالى ي أدومها وإن قل ) رواه الشيخان ‪.‬‬
‫*******************‬
‫الحلقة الرابعة‬
‫وجوب وحدة العمل السلمي‬

‫‪ •0‬ظاهرة انتشار التعددية في العمل السلمي ‪.‬‬


‫‪ •0‬مبررات التعددية عند أصحابها ‪.‬‬
‫‪ •0‬نتيجة التعددية ‪.‬‬
‫‪ •0‬آثار التعددية على السلم والمسلمين ‪.‬‬
‫‪ •0‬آثار التعددية على المستوى الحركي ‪.‬‬
‫‪ •0‬الخلفيات الحقيقية للتعدد ‪.‬‬
‫‪ •0‬وحدة العمل السلمي فريضة شرعية ‪.‬‬
‫‪ •0‬وحدة العمل السلمي ضرورة بشرية ‪.‬‬

‫تكاد تكون التعددية في العمل السلمي ظاهرة عالمية لم ينج منها قطر من القطار ‪ ،‬صغيرًا كان أم كبيرًا ‪ ..‬بل لم تنج منها أية‬
‫مجموعة أو جالية إسلمية على امتداد العالم ‪.‬‬
‫ففي كل مكان عشرات التنظيمات والهيئات والجماعات والمشيخات والحزاب السلمية ‪..‬‬
‫ل ي والذي ل يبلغ تعداد الم سلمين ف يه أك ثر من مليون ون صف مليون ن سمة ي هناك عشرات التنظيمات ال سلمية ‪،‬‬
‫في لبنان مث ً‬
‫منها ‪ :‬الجماعة السلمية ي حزب التحرير ي جماعة التبليغ ي جماعة عباد الرحمن ي جند ال ي جمعيات مكارم الخلق السلمية ي‬
‫جمع ية المقا صد ال سلمية ي جمع ية المحاف ظة على القرآن الكر يم ي جمع ية الترب ية ال سلمية ي جمع ية التوج يه ال سلمي ي جمع ية‬
‫ال صلح ال سلمية ي جمع ية البر والح سان ي جمع ية الشبان الم سلمين ي التج مع ال سلمي ي حر كة التج مع ال سلمي ي المجلس‬
‫السلمي ي يضاف إلى ذلك المشيخات والفرق الصوفية الكثيرة والمختلفة ‪. !..‬‬
‫والغريب أن بعض العاملين في الحقل السلمي يعتبرون التعددية هذه ظاهرة صحية ‪ ،‬وأنها مدعاة إلى احتواء حجم أكبر من الناس‬
‫‪ ،‬وتغطية مساحة أوسع من العمل !! ‪ ..‬وكأن القضية قضية حجم وسعة في النصار والنتشار ‪ ،‬وليس في نوعية العمل وفاعليته في‬
‫إحداث التغيير السلمي ‪.‬‬
‫مبررات التعددية عند أصحابها ‪:‬‬
‫وأ صحاب القنا عة بالتعدد ية ‪ ،‬والم سئولون عن تعدد ية الع مل ال سلمي ‪ ،‬والذ ين ت سببوا با ستحداث تنظيمات وجماعات إ سلمية‬
‫بالرغيم مين وجود تنظيمات وجماعات إسيلمية سيابقة ‪ ،‬يعمدون إلى تقدييم ميبررات لفعلتهيم هذه ولتصيرفهم ذاك ‪ ..‬وتكاد تكون هذه‬
‫المبررات واحدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬أن التنظيمات السلمية السالفة استنفدت أغراضها ‪ ،‬ولم تعد قادرة على تحقيق الهداف السلمية ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬أن تلك التنظيمات والجماعات تهتم بجانب من جوانب العمل ‪ ،‬أو تغلّب جانبًا من الجوانب ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬أن تلك التنظيمات والجماعات عليها شبهات كثيرة ‪ ،‬وعلمات استفهام عريضة ‪ ،‬وأن إقامة تنظيم جديد يريح العاملين فيه‬
‫من كل هذه الشبهات وعلمات الستفهام ‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬أن تلك التنظيمات والجماعات وقعت في أخطاء كثيرة ‪.‬‬
‫والن ماهي النتيجة ؟‬
‫والن لو جئنا نبحث ونفتش عن مآل هذه المبررات بعد توالد التنظيم الثاني والثالث والرابع ‪..‬‬
‫هل أن التنظيم الول استنفد أغراضه ‪ ،‬وأن التنظيمات المتوالدة حققت أغراضًا لم يحققها هو ؟ ‪.‬‬
‫وهل نجت هذه التنظيمات من الشبهات والخطاء بعد قيامها على أرض الواقع ؟ ‪.‬‬
‫إن الحقيقة المرة التي تطالعنا ‪ ،‬هي انهيار هذه المبررات وسقوطها دفعة واحدة بعد ولدة كل تنظيم جديد على الساحة السلمية ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬فالتحديات والشبهات التي ظن تنظيم ما أنه سيكون في مأمن منها ومنجاة ‪ ،‬لحقته جملة وتفصيلً ‪ ..‬ولقد غاب عن باله أن‬
‫السلم هو المستهدف والمقصود في الساس ‪ ،‬وأن العاملين للسلم كائنًا ما كانت أسماؤهم ومسمياتهم أمام مصير مشترك ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬وأن العيب الذي كان يراه في غيره أصبح متهمًا به هو ‪ ،‬وأن سابقة إجازته للتعدد قد فتحت الباب على مصراعيه أمام ما‬
‫يسمى ( بالحركات التصحيحية ) وأكثرها من عمل الشيطان ؛ لنها ل تؤدي إل إلى مزيد من النشقاق والنقسام ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬وفي النهاية لو جئنا إلى هذه التنظيمات التي توالدت ‪ ،‬وإلى هذه الحركات التصحيحية التي قامت ‪ ،‬لوجدنا أنها لم تتعد في‬
‫أعمالها مجتمعة حجم ما حققه التنظيم الول الذي توالدت عنه هذه التنظيمات ‪.‬‬
‫فما الفائدة التي جناها السلم ي إذن ي من خلل التعددية ؟ وما المكاسب التي حققها التنظيم الثاني والثالث والرابع ولم يتمكن‬
‫من تحقيقها التنظيم الول ؟ ‪.‬‬
‫آثار التعددية على السلم والمسلمين ‪:‬‬
‫مشكلة التعددية ليست في عدم تحقيقها فائدة ما في نطاق العمل السلمي فحسب ‪ ،‬وإنما فيما خلقته من آثار سيئة على الساحة‬
‫السلمية ‪ ،‬من هذه الثار على سبيل المثال ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬أنها أعطت كثيرًا من المسلمين مبررات للهروب من النتماء الحركي ‪ ،‬بسبب ذريعة التحير التي يبديها هؤلء حيال كثرة‬
‫التجاهات ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬أنها فتتت القوى السلمية وأضعفتها ‪ ،‬ولم تكن بحال عاملً في تطوير العمل السلمي وإغنائه ‪ ،‬وإنما كانت عاملً في‬
‫تشرذمه وتخلفه ‪ ،‬وعاملً في التشكيك فيه ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬أنها سهلت على أعداء السلم عملية تصفية التجاه السلمي باستفراد كل كيان على حدة ‪ ،‬ولم تكن باعث صمود أمام‬
‫التحدي ‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬أفرزت حساسيات لدى أتباع كل تنظيم من التنظيمات الخرى ‪ ،‬مما زاد في تشرذمها ‪ ،‬وأجج العصبية الحزبية الفئوية بين‬
‫أفرادها ‪ ،‬وجعل بأسها بينها بدل أن يكون بينها وبين عدوها ‪.‬‬
‫( ‪ ) 5‬وهذا كله عمل على تأخرها وتخلفها وعدم وصول واحدة منها إلى أهدافها ‪ ،‬وبلوغها الغاية التي حددتها لنفسها ‪.‬‬
‫آثار التعددية على المستوى الحركي ‪:‬‬
‫ولقد كان للتعدد ية آثار بالغة السوء والخطورة على الع مل السلمي ‪ ،‬م ما أدى إلى بروز كيانات إسلمية مشوهة ألحقت إساءات‬
‫بالفكر السلمي وبالمنهج السلمي ‪ ..‬من هذه الثار ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬بروز ظاهرة الشخصانية والفردية والمشيخية بديلً عن العمل المؤسسي المنظم ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬بروز ظاهرة القليمية والمحلية في العمل السلمي بديلً عن عالميته ووحدته ومركزيته ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬بروز ظاهرة الولء الحزبي بديلً عن الولء المبدئي والعقيدي ‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬بروز ظاهرة الجزئية في العمل السلمي بدل الكلية والشمولية ‪.‬‬
‫( ‪ ) 5‬وأبرز هذه الثار ‪ ،‬هي أن كل فريق كان يقع في نفس الخطاء التي وقع فيها غيره ‪ ،‬لنه كان يأبى الستفادة من التجربة‬
‫ال تي مر ب ها سواه ‪ ،‬وهذا ما يب قي التجاه ال سلمي في دوا مة من التجارب على ح ساب ال سلم ‪ ،‬والذ كي من ات عظ بغيره ‪ ،‬ول يلدغ‬
‫المؤمن من جحر مرتين ‪.‬‬
‫الخلفيات الحقيقية للتعددية ‪:‬‬
‫الحقيقة أن السباب التي يبرر بها هذا التنظيم أو ذاك وجوده وقيامه ي وبالرغم من وجود تنظيم سابق له ي غير مقبولة لكونها‬
‫غير شرعية وغير منطقية ‪ ،‬وغير صحيحة !! ‪.‬‬
‫الحقيقة الخرى هي أن وراء التعددية أسبابًا وخلفيات كثيرة أخرى يمكن أن نستعرض منها ما يلي ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬من الخلفيات الكامنة وراء التعددية في العمل السلمي ‪ ،‬خلفيات دولية ي من هذا المعسكر أو ذاك ي الهدف منها ضرب‬
‫الع مل ال سلمي ال صيل من قلب ال ساحة ال سلمية ‪ ..‬فالنجل يز مثلً عند ما أرادوا ضرب الحر كة ال سلمية المتوث بة في ش به القارة‬
‫الهندية بقيادة ( أحمد بن عرفان ) اصطنعوا حركة إسلمية أخرى منحرفة هي ( الحركة القاديانية أو الحمدية ) ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬ومن الخلفيات الكامنة وراء التعددية سلطان النزعة ( الزعامية ) والذي يحول في كثير من الحيان دون وحدة العمل ‪ ،‬التي‬
‫تتطلب تجردًا ل ‪ ،‬وتضحية في سبيله ‪ ،‬كما تتطلب نكران النفس والذات احتسابًا لوجه ال ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬ومن الخلفيات الكامنة وراء بعض التعدديات ‪ ،‬سلطان النزعة المادية والحرص على المنافع الدنيوية ‪ ..‬فلقد ابتلي السلم‬
‫في هذا الع صر بأدعياء يتاجرون بال سلم ‪ ،‬ويبتزون بال سلم ‪ ،‬ويحققون من خلله م صالحهم ‪ ..‬وهؤلء ل شك يرفضون وحدة الع مل‬
‫السلمي لن من شأنها أن تغلق ( دكاكينهم ) وتعطل مصالحهم وتفوت عليهم الثروات ‪.‬‬
‫من المؤ سف أن هنالك عشرات الجمعيات القائ مة ه نا وهناك وهنالك ل ها رحلة في الشتاء ورحلة في ال صيف لج مع ال تبرعات من‬
‫دول الخليج ‪ ،‬وهي في الواقع جمعيات وهمية ل وجود لها ول أثر على ساحة العمل السلمي ‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬ومن الخلفيات الكامنة وراء التعددية ‪ ،‬الجهل بالسلم ‪ ،‬أو بمقتضيات العمل السلمي في هذا العصر ‪ ،‬وهذا ما جعل ساحة‬
‫العمل السلمي حقول تجارب لفئات شتى من العاملين ‪ ،‬من دون أن تعمد فئة من هذه الفئات إلى الستفادة من تجارب غيرها ‪.‬‬
‫ول كن كل هذا ل يع ني ي ح صرًا ي انعدام وجود مبررات شرع ية وحرك ية لقيام أي تنظ يم إ سلمي في أعقاب تنظ يم آ خر أو على‬
‫أنقاضه ‪.‬‬
‫وحدة العمل السلمي فريضة شرعية ‪:‬‬
‫ومما ل شك فيه أن الصل في الشريعة هو وحدة العمل السلمي وليس تعدده ‪ ..‬وأن هذه الوحدة تعتبر فريضة شرعية من عدة‬
‫وجوه ‪:‬‬
‫ي الصل وحدة المسلمين ووحدة المة لقوله ي تعالى ي ‪ { :‬إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ( النبياء ‪. ) 92 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } ( المؤمنون ‪. ) 52 :‬‬
‫وقوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له‬
‫سائر الجسد بالسهر والحمى ) ( لحمد في مسنده ولمسلم ) ‪.‬‬
‫ي ال صل ال حض على الوحدة والن هي عن الختلف لقوله ي تعالى ي ‪ { :‬ول تكونوا كالذ ين تفرقوا واختلفوا من ب عد ما جاء هم‬
‫البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ( آل عمران )‪.‬‬
‫{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى ال ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } ( النعام ‪. ) 159 :‬‬
‫وقوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬من فرق فليس منا ) رواه الطبري ‪.‬‬
‫ي الصل التزام جماعة ل جماعات ‪ ،‬لقوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬ستكون هنات وهنات ‪ ،‬فمن أراد أن يفرق أمر هذه المة‬
‫و هي جم يع ‪ ،‬فاضربوه بال سيف كائنًا ما كان ) رواه م سلم ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬دعا نا ال نبي فبايعناه ‪ ،‬فقال ‪ :‬في ما أ خذ علي نا ‪ ،‬أن بايع نا على‬
‫السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ‪ ،‬وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ‪ ،‬وأل ننازع المر أهله ‪ ،‬إل أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من ال فيه‬
‫برهان ) رواه البخاري ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬الجماعة رحمة ‪ ،‬والفرقة عذاب ) زوائد المسند ( ض ) ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬يد ال على الجماعة ) رواه الترمذي ‪.‬‬
‫جاء في هامش ( الجامع الصغير للمام السيوطي ) تعليقًا على هذا الحديث ‪ ( :‬يد ال على الجماعة ‪ :‬أي حفظه ووقايته وكلءته ‪،‬‬
‫أي هم في كنفه ‪ ،‬ويد ال قوته ‪ ،‬وأوصى حكيم أولده ‪ :‬ائتوني بعصي ‪ ،‬فجمعها وقال ‪ :‬اكسروها مجموعة ‪ ،‬فلم يقدروا ‪ ،‬ففرقها وقال‬
‫‪ :‬اكسروها ‪ ،‬ففعلوا ‪ ،‬فقال ‪ :‬لن تغلبوا ما اجتمعتم ‪ ،‬فإذا تفرقتم تمكن منكم العدو ) الجامع الصغير ( ‪. ) 370 /2‬‬
‫وحدة العمل السلمي ضرورة حركية ‪:‬‬
‫وفضلً عن كون وحدة العمل السلمي فريضة شرعية ‪ ،‬فإنها ي كذلك ي ضرورة حركية وبشرية لسباب كثيرة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬إن التغيير السلمي المنشود يستلزم تضافر القوى السلمية جمعاء في مسيرة واحدة ‪ ،‬وضمن خطة واحدة ‪ ،‬وتشرذم هذه‬
‫القوى وعدم توحدها من شأنه تعطيل هذه العملية وتأخير النقلب السلمي ‪ ،‬وبالتالي تمكين القوى الجاهلية من الستمرار والسترسال‬
‫في قيادة المسلمين بشرًا وأقطارًا ‪.‬‬
‫فالتغيير السلمي عملية شاقة ‪ ،‬ودحر القوى الجاهلية عن مواقعها ليس بالمر السهل ‪ ،‬وتحقيق قوامة السلم على المجتمع ي‬
‫فكرًا وسلوكًا ونظامًا ي يفرض تلحم القوى ضمن إطار وحدة ( اندماجية ) ل تنسيقية ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬والتواطؤ الدولي على السلم وعلى الحركة السلمية يفرض بالتالي وحدة المواجهة والتصدي ‪ ..‬فالدول الغربية يجمعها‬
‫( حلف شمال الطلسي ) ‪ ،‬وأوروبا تتعاون فيما بينها ضمن إطار ( السوق الوروبية المشتركة ) ‪ ،‬ودول المنظومة الشتراكية يجمعها‬
‫( حلف فرصوفيا ) ‪ ،‬واليهود يلتقون ضمن ( المنظمة الصهيونية العالمية ) ‪.‬‬
‫فإذا كا نت القوى العالم ية المعاد ية لل سلم المتآمرة على العالم ال سلمي تتعاون في ما بين ها وتو حد جبهات ها ‪ ،‬أفل يح سن بالقوى‬
‫السلمية في العالم السلمي أن تتداعى إلى وحدة فيما بينها ‪ ،‬كي ل تكون لقمة سائغة ‪ ،‬وكي ل تسهل تصفيتها وسحقها ؟! ‪.‬‬
‫فلو لم تكن وحدة العمل السلمي فريضة شرعية من حيث المبدأ ‪ ،‬لصبحت كذلك حفاظًا على المصير السلمي ‪ ،‬وصونًا للمسيرة‬
‫السلمية من التعطل والتنكيل والبادة ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬ثم إن القوى والحزاب المحلية المعادية للسلم باتت تجمعها اليوم جبهات على امتداد العالم السلمي ‪ ،‬هذه الجبهات ل‬
‫تفتأ تدرس وترصد وتخطط وتستعد على كل صعيد ‪ ،‬أفيحسن بالقوى السلمية ي حيال هذا الواقع ي أن تبقى مشرذمة مفككة ؟ أم يجدر‬
‫بها أن تتعالى فوق كل العتبارات والسباب التي تحول دون وحدتها وتلحمها ؟ ‪.‬‬
‫إن م صيرًا مشتركًا رهيبًا ينت ظر كل القوى ال سلمية ما لم تبادر إلى ن سيان الن فس والذات ‪ ،‬وتخرج من دوا مة الن فس والذات ‪،‬‬
‫لتلتقي جميعًا على ال ‪ ،‬وعلى مصلحة السلم العليا ‪.‬‬
‫والمطلوب من الجميع وقفة جريئة من النفس ‪ ،‬صادقة مع ال ‪ ،‬مجردة من النانية والعصبية والحزبية وحب الذات ‪..‬‬
‫وساعتئذ ‪ ..‬يفرح المؤمنون بنصر ال ‪ ،‬قل عسى أن يكون قريبًا ‪.‬‬

‫*********************‬

‫الحلقة الخامسة‬
‫وجوب التربية الجهادية في العمل السلمي‬

‫‪ •0‬مدارس شتى تجاه القضية الجهادية ‪.‬‬


‫‪ •0‬السلم دعوة جهادية ‪.‬‬
‫‪ •0‬الجماعة المسلمة حركة جهادية ‪.‬‬
‫‪ •0‬التغيير السلمي وحتمية الجهاد ‪.‬‬
‫‪ •0‬ماذا نعني بالتربية الجهادية ؟ ‪.‬‬
‫‪ •0‬السلم يحض على الجهاد ‪.‬‬
‫‪ •0‬بين الجهادين ‪ :‬الكبر والصغر ‪.‬‬
‫‪ •0‬رسول ال المجاهد الول ‪.‬‬

‫( الترب ية الجهاد ية ) واعتماد ( ال خط الجهادي )‬ ‫تبعًا لبروز ظاهرة ( التعدد ية ) على ال ساحة السلمية ‪ ،‬برزت ت صورات ش تى حول‬
‫في العمل السلمي ‪.‬‬
‫فهنالك اتجاهات إ سلمية تتب نى ( ال خط الجهادي ) سواء في ترب ية أفراد ها ‪ ،‬أو في أ سلوب عمل ها وتعامل ها مع المجتمعات ال تي‬
‫تعيش فيها ‪ ،‬ومع النظمة التي تحكم هذه المجتمعات ‪.‬‬
‫وهنالك اتجاهات أخرى تر فض ( ال خط الجهادي ) جملة وتف صيلً ‪ ،‬مكتف ية ب ما هو دون الجهاد الح سي من ( توجهات جهاد ية )‬
‫كمجاهدة النفس وتزكيتها ‪ ،‬ومجاهدة الناس بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ‪ ،‬ومجاهدة الحكام بالتذكير والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ‪ ،‬دون أن يدخل في حسابها من قريب أو بعيد ‪ ،‬تبنيها للقوة أو للجهاد الحسي في تغيير المجتمعات ‪ ،‬وتحقيق النقلب السلمي‬
‫‪.‬‬
‫وهنالك اتجاهات إ سلمية كذلك ل تر فض ال خط الجهادي ‪ ،‬ولكن ها تر فض ممار سته ذاتيّ ا و في إطار التنظ يم ‪ ،‬وترى أن الو سائل‬
‫الجهاد ية وأ سباب التغي ير الح سية يم كن ال ستحواذ علي ها عبر مؤ سسات الدولة نف سها ‪ ،‬أو من خلل طلب الن صرة ‪ ،‬دون ما حا جة إلى‬
‫تكوينها وامتلكها ‪ ،‬لما في ذلك من محاذ ير ‪ ،‬ول ما يتطلبه من جهود ‪ ،‬وهي لذلك ل تكلف نفسها مسئولية ما ‪ ،‬سواء ( على مستوى‬
‫تكوين الشخصية ) أو في ( إطار العمل الحركي ) تتصل بجانب العداد الجهادي ‪.‬‬
‫هذه المفارقات والشكالت التي أفرزها تعدد التصور الحركي للعمل السلمي ‪ ،‬ولطبيعته وسماته وقسماته ‪ ،‬جعل الساحة السلمية‬
‫على مدار سنوات طويلة ‪ ،‬ش به خال ية من ( المجاهد ين ) بالر غم من ازدحام ها بالعامل ين والوعاظ والمرشد ين والفل سفة والمؤلف ين‬
‫والمنظرين ‪.‬‬
‫وهنا يكمن سر سقوط أقطار العالم السلمي بأيدي أعداء السلم قطرًا قطرًا ‪ ،‬وذلك لخلو هذه القطار من حركات ( جهادية ) تقف‬
‫في مواج هة التحدي والت صدي ل ية محاولة ت ستهدف ضرب ال سلم وا ستئصال وجوده الحر كي ‪ ،‬و من ثم التح كم بمقدرا ته و سياسته‬
‫ومصيره ‪.‬‬
‫السلم دعوة جهادية ‪:‬‬
‫من صفات السلم الرئيسية أنه دعوة جهادية ماضية في مواجهة الباطل وإحقاق الحق إلى أن تقوم الساعة ‪ ،‬وصدق ال ي تعالى‬
‫ي حيث يقول ‪ { :‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل } وصدق رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حيث يقول ‪ ( :‬أمرت‬
‫أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأني رسول ال ‪ ،‬فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ‪ ،‬إل بحقها ‪ ،‬وحسابهم على‬
‫ال ) رواه الشيخان ‪.‬‬
‫فمن طبيعته عدم مهادنة الجاهلية أو التعايش معها أو مساومتها أو تقديم تنازلت لها ‪:‬‬
‫{ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك القربين } ( الشعراء ‪. ) 214 :‬‬
‫{ قل يا أيها الكافرون ‪ ،‬ل أعبد ما تعبدون ‪ ،‬ول أنتم عابدون ما أعبد ‪ ،‬ول أنا عابد ما عبدتم ‪ ،‬ول أنتم عابدون ما أعبد ‪ ،‬لكم‬
‫دينكم ولي دين } ( سورة الكافرون ) ‪.‬‬
‫{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم } ( الشورى ‪. ) 15 :‬‬
‫ومن طبيعته أنه يرفض كل الحلول المطروحة ويعتبرها مشكلت وليست بحلول ‪ ،‬فهو ل يقبل مع السلم منهجًا غير منهجه ‪ ،‬ول‬
‫دينًا غير دينه ‪ ،‬ول شرعة غير شرعته ‪:‬‬
‫{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينًا } ( المائدة ‪. ) 3‬‬
‫{ إن الدين عند ال السلم } ‪.‬‬
‫{ ومن يبتغ غير السلم دينًا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين } ( آل عمران ‪. ) 19 :‬‬
‫ومن طبيعته أنه يجعل التشريع حق ال وحده ‪ ،‬ول يقبل بالحتكام لغير شرع ال ‪ ،‬ولهذا فهو يرفض التشريعات الوضعية جميعًا ‪،‬‬
‫سواء كانت أجنبية أم عربية ‪ ،‬شرقية أم غربية ‪:‬‬
‫{ وأن احكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم ‪ ،‬واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك ‪ ،‬فإن تولوا فاعلم أنما يريد ال‬
‫أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ‪ ،‬وإن كثيرًا من الناس لفاسقون ‪ ،‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكمًا لقوم يوقنون } ( المائدة ‪:‬‬
‫‪. ) 52‬‬
‫ومن طبيعته أنه ل يرضى لتباعه الدنية في شيء ول يقبل لهم الذل والهوان في أمر ‪:‬‬
‫{ ول العزة ولرسوله وللمؤمنين } ( المنافقون ‪. ) 8 :‬‬
‫{ يا أي ها الذ ين آمنوا من ير تد من كم عن دي نه ف سوف يأ تي ال بقوم يحب هم ويحبو نه أذلة على المؤمن ين أعزة على الكافر ين‬
‫يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ‪ ،‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم } ( المائدة ‪. ) 57‬‬
‫{ محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ‪ ( } ...‬الفتح ‪. ) 29 :‬‬
‫ثم إن ال سلم يع تبر الجهاد طرييق المؤمن ين إلى الج نة ‪ ،‬و سبيلهم إلى مرضاة ال يي تعالى يي ونع يم الخرة ‪ ،‬وإن ترك الجهاد‬
‫والتخلي عنه يورث الذل والخنوع والهوان ‪ ،‬فقال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬اعلموا أن الجنة تحت ظلل السيوف ) رواه‬
‫الشيخان وأبو داود ‪.‬‬
‫الجماعة المسلمة حركة جهادية ‪:‬‬
‫والسلم يعتبر الجماعة المسلمة في أي مكان قامت وفي أي زمان كانت حركة جهادية هدفها الصيل تعبيد الناس ل ي تعالى ي‬
‫وجعل الحاكمية والقوامة لتشريعه ‪.‬‬
‫فكتاب ال ي تعالى ي يصف الجماعة المسلمة بقوله ‪:‬‬
‫{ إن ما المؤمنون الذ ين آمنوا بال ور سوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموال هم وأنف سهم في سبيل ال ‪ ،‬أولئك هم ال صادقون }‬
‫( الحجرات ‪. ) 15 :‬‬
‫{ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } ( محمد ‪. ) 31 :‬‬
‫ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يصف الجماعة المسلمة فيقول ‪:‬‬
‫( ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر ال وهم ظاهرون ) رواه الشيخان ‪.‬‬
‫( ل تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر ال ل يضرها من خالفها ) رواه ابن ماجة ‪.‬‬
‫( ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) للحاكم في المستدرك ‪.‬‬
‫والمسيلمون الولون عرفوا أنهيم أمية جهاد وحركية جهاد فعاشوا مجاهديين بأموالهيم وأنفسيهم فيي سيبيل ال ‪ ،‬يقولون الحيق ‪،‬‬
‫ويأمرون بالمعروف ‪ ،‬وينهون عن المنكر ‪ ،‬ويقيمون العدل ‪ ،‬ول يخشون في ال لومة لئم ‪.‬‬
‫لم يكونوا ليرهبوا سطوة حاكم ‪ ،‬وسوط جلد ‪ ،‬وحبل مشنقة ‪ ،‬بل إنهم ليستعذبونه في سبيل ال ‪ ،‬ولسان حالهم جميعًا ما نطق به‬
‫رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي في قلب المحنة ‪ ( :‬إن لم يكن بك غضب علي فل أبالي ‪. ) ..‬‬
‫لم تكن الجماعة المسلمة التي رباها محمد بن عبد ال على عين السلم ( مدرسة فكرية أو فلسفية ) هدفها نشر الفكر والفلسفة‬
‫بين الناس قبلوها أو رفضوها ‪ ،‬أو حتى تخريج مفكرين وفلسفة ليس إل ‪.‬‬
‫ك ما لم ت كن تلك الجما عة ( فر قة صوفية ) تع يش معزولة عن دن يا الناس و صراعاتهم في أجواء الريا ضة الروح ية ‪ ،‬ل تدري ما‬
‫يجري حولها من كيد للسلم ‪ ،‬وتآمر عليه وتشويه لشخصيته ‪ ،‬واستئصال لوجوده ‪ ،‬حسبه منها صلة وصوم وإنشاد ‪.‬‬
‫ولهذا غضب رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حين جيء برجل أتى جبلً يتعبد فيه ‪ ،‬وقال له ‪ ( :‬ل تفعل أنت ول أحد منكم ‪،‬‬
‫لصبر أحدكم في بعض مواطن السلم خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عامًا ) ‪.‬‬
‫وفي رواية للترمذي ‪ ،‬قال ‪ ( :‬ل تفعل ‪ ،‬فإن مقام أحدكم في سبيل ال أفضل من صلته في بيته سبعين عامًا ‪ ،‬أل تحبون أن يغفر‬
‫ال لكم ويدخلكم الجنة ‪ ،‬اغزوا في سبيل ال ‪ ،‬من قاتل في سبيل ال فوق ناقة وجبت له الجنة ) ‪.‬‬
‫التغيير السلمي وحتمية الجهاد ‪:‬‬
‫ثم إن ( التغي ير ال سلمي ) الذي هو الهدف الرئي سي من الع مل ال سلمي ل يم كن تحقي قه من غ ير جهاد ‪ ،‬وبدون صياغة ج يل‬
‫مجاهد ‪ ،‬وإقامة تنظيم جهادي ‪.‬‬
‫فالمه مة التغيير ية مه مة شا قة ‪ ،‬بل إن اليام تزيد ها مش قة ؛ لن الكيانات القائ مة في العالم ال سلمي والقاب ضة على الزمام ف يه‬
‫تعمق لونها العقائدي المناهض للسلم والمرتبط بأعدائه ‪.‬‬
‫وزمن الحريات ‪ ،‬أو ما يسمى ( بالديمقراطيات ) ولى إلى غير رجعة وحل محله عصر ( الديكتاتوريات ) الذي أشار إليه رسول ال‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ي حيث قال ‪ ( :‬أل إن رحى السلم دائرة ‪ ،‬فدوروا مع السلم حيث دار ‪ ،‬أل إن الكتاب والسلطان سيفترقان ‪،‬‬
‫فل تفارقوا الكتاب ‪ ،‬أل إنه سيكون عليكم أمراء يحكمون لنفسهم ما ل يحكمون لكم ‪ ،‬إن عصيتموهم قتلوكم ‪ ،‬وإن أطعتموهم أضلوكم )‬
‫قالوا ‪ :‬وماذا نفعل يارسول ال ؟ قال ‪ ( :‬كما فعل أصحاب عيسى ي عليه السلم ي نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ‪ ،‬موت في‬
‫طاعة ال خير من حياة في معصية ) ‪.‬‬
‫وقال ‪ ( :‬تكون نبوة ما شاء ال ل ها أن تكون ثم تنق ضي ‪ ،‬ثم تكون خل فة راشدة على من هج النبوة ما شاء ال ل ها أن تكون ثم‬
‫تنقضي ‪ ،‬ثم يكون ملكًا عضودًا ( وراثيّا ) ما شاء ال له أن يكون ثم ينقضي ‪ ،‬ثم تكون جبرية ( ديكتاتورية ) ما شاء ال لها أن تكون‬
‫ثم تنقضي ‪ ،‬ثم تكون خلفة راشدة على منهج النبوة ‪ ،‬تعم الرض ) ‪.‬‬
‫إن القوى الظاهرة والخف ية القاب ضة على الزمام في العالم السلمي قوى شريرة ‪ ،‬مغ سولة الدمغة ‪ ،‬قد هيأها أعداء السلم لهذا‬
‫الدور منذ زمن بعيد ‪ ،‬هذه القوى ل يمكن قهرها والتغلب عليها بغير جهاد وبغير حركة جهادية وبغير تربية جهادية ‪ ،‬هذه القوى تمتلك‬
‫كل أسباب القهر والتنكيل والبادة ‪ ،‬ومعطى لها الضوء الخضر من كل أعداء السلم في الداخل والخارج ‪ ،‬وعلى رأسهم القوى الدولية‬
‫الثلث ( الصهيونية والصليبية والشيوعية ) ‪.‬‬
‫إن إزالة هذه القوى وإقامة السلم مكانها ليس بالمر السهل الهين ‪ ،‬فهي ستتشبث بمواقعها حتى النفس الخير ‪ ،‬وإن تحقيق ذلك‬
‫يحتاج إلى حركة أعدت نفسها للجهاد الطويل والمرير ولكل أنواع المعاناة والمواجهات ‪.‬‬
‫إن ذلك يحتاج أولً وق بل كل ش يء إلى ( ترب ية جهاد ية ) تخرج أنماطًا من المجاهد ين ‪ ،‬يحبون الموت ك ما ي حب الناس الحياة ‪،‬‬
‫ويعيشون هم السلم وقضايا السلم ليلهم ونهارهم ‪.‬‬
‫والترب ية الجهاد ية لي ست فقرة خا صة تضاف إلى من هج الترب ية في ظرف من الظروف أو في فترة من الفترات ‪ ،‬وإن ما هي روح‬
‫المنهج كله ‪ ،‬والسمة المشتركة بين جميع فقراته ‪.‬‬
‫إن تحول حركات ( فكر ية وتربو ية ) علن ية إلى حركات جهاد ية يح مل م عه كثيرًا من المحاذ ير والخطار ‪ ،‬في ح ين أن نشأة هذه‬
‫الحركات على السيس الجهاديية ابتداء يجعلهيا أكثير أثرًا وأشيد خطرًا على الكيانات الجاهليية ‪ ،‬وأقدر على اقتلعهيا ‪ ،‬وإقامية البدييل‬
‫السلمي مكانها ‪.‬‬
‫ماذا نعني بالتربية الجهادية ؟‬
‫الترب ية الجهاد ية ل تع ني بحال إ سقاط جوا نب الترب ية الخرى من الح ساب ‪ ،‬ل تع ني التفرغ للترب ية الع سكرية وشئون القتال ‪ ،‬ل‬
‫تع ني إهمال الترب ية الروح ية والفكر ية وإغفال الترب ية ال سياسية والحرك ية ‪ ،‬إن ما تع ني تأ صيل الروح الجهاد ية لدى الفرد والجما عة ‪،‬‬
‫وج عل هذه الروح وشي جة الر بط ب ين سائر الهتمامات والعنوان الرئي سي ل ها ‪ ،‬تع ني إيجاد الن سان الذي يع يش من أ جل ال سلم ‪..‬‬
‫الن سان الذي يدرك عظ مة دوره وخطور ته ودق ته ‪ ،‬ف هو ل يتوا نى يه يئ نف سه وي ستعد للقيام بهذا الدور على أك مل و جه ‪ ..‬الن سان‬
‫المعلق قلبه بال وبالخرة ‪ ،‬فهو ل يعيش لدنياه مقدمًا فضول الوقت والجهد لخرته ودعوته ‪ ..‬النسان المتلهف إلى الشهادة في سبيل‬
‫ال ‪ ،‬والذي يعيش حقيقة الشعار الذي يردده ‪ ( :‬الموت في سبيل ال أسمى أمانينا ) ‪.‬‬
‫إن الترب ية الجهاد ية هي الترب ية ال تي تج عل الن سان كائنًا ما كان اخت صاصه وعمله مجاهدًا في سبيل ال ‪ ،‬م سخرًا اخت صاصه‬
‫للجهاد في سبيل ال ‪ ..‬ف هو عالم ومجاهد ‪ ،‬و هو طبيب ومجا هد ‪ ،‬و هو كا تب ومجا هد ‪ ،‬و هو مهندس ومجاهد ‪ ،‬و هو معلم ومجاهد ‪،‬‬
‫وهكذا يكون الجهاد السمة المميزة والقاسم المشترك بين هؤلء جميعًا ‪.‬‬
‫إن التربية الجهادية توجب إعطاء مساحة أكبر من الهتمام بأمرين أساسيين ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬الهتمام بالنفيس بربطهيا بال والشوق إلى لقائه والموت فيي سيبيله ‪ ،‬وبالتالي صيونها عين كيل ميا يركين بهيا إلى الرض‬
‫وشهواتها ‪ ،‬ولو كان حللً طيبًا ‪ ،‬وبذلك تكون نفسًا مجاهدة ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬الهتمام بالجسد ليكون معافى قويّا يمتلك كل إمكانات الدفاع والهجوم وخبرات الدفاع والهجوم ‪ ،‬وبخاصة في عصر تعددت‬
‫فيه هذه الخبرات والعلوم ‪ ،‬ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يقول ‪ ( :‬من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) ‪.‬‬
‫السلم يحض على الجهاد ‪:‬‬
‫ومين اسيتعراض سيريع لعدد مين الشواهيد ( القرآنيية والنبويية ) يتيبين مدى اهتمام السيلم بالجهاد ‪ ،‬المير الذي يكشيف سير‬
‫النتصارات الباهرة التي حققها الجيل القرآني الول ‪ ،‬والفتوحات التي تمت على يديه ‪ ..‬هذا السر هو أن الجيل القرآني الول تربى على‬
‫معاني الجهاد ورضع لبان الجهاد ساعة فساعة ‪.‬‬
‫فمن كتاب ال نستعرض بعضًا من اليات الحاضة على الجهاد ‪ ،‬يقول ي تعالى ي ‪:‬‬
‫{ كتب عليكم القتال وهو كره لكم ‪ ،‬وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ‪ ،‬وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم ‪ ،‬وال يعلم وأنتم‬
‫ل تعلمون } ( البقرة ‪. ) 216 :‬‬
‫{ فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة } ( النساء ‪. ) 71 :‬‬
‫{ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ‪ ( } ..‬النفال ) ‪.‬‬
‫{ قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ‪ ،‬ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق ‪ ( } ..‬التوبة ‪. ) 30 :‬‬
‫{ انفروا خفافًا وثقا ًل ‪ ،‬وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل ال ‪ ،‬ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } ( التوبة ‪. ) 42 :‬‬
‫ومن سنة رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي نقتطف بعضًا من الحاديث الجهادية ‪:‬‬
‫( من لقي ال بغير أثر من جهاد لقي ال وفيه ثلمة ) رواه الترمذي وابن ماجة ‪.‬‬
‫( من مات ولم يغز ‪ ،‬ولم يحدث به نفسه ‪ ،‬مات على شعبة من النفاق ) رواه مسلم وأبو داود ‪.‬‬
‫( وفد ال ثلثة ‪ :‬الغازي ‪ ،‬والحاج ‪ ،‬والمعتمر ) رواه مسلم ‪.‬‬
‫بين الجهاد الكبر والجهاد الصغر ‪:‬‬
‫ومما التبس على المسلمين ‪ ،‬بل على العاملين في الحقل السلمي ‪ ،‬كون الجهاد القتالي هو جهاد أصغر ‪ ،‬بسبب شيوع رواية ‪:‬‬
‫( رجعنا من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وما الجهاد الكبر ؟ قال ‪ :‬جهاد القلب ‪ ،‬أو جهاد النفس ) ‪.‬‬
‫كتب المام حسن البنا حول هذه الرواية ما يلي ‪:‬‬
‫( وبعضهم يحاول ي بهذا ي أن يصرف الناس عن أهمية القتال والستعداد له ‪ ،‬ونية الجهاد والخذ في سبيله ‪.‬‬
‫فأما هذا الثر فليس بحديث على الصحيح ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في ( تسديد القوس ) ‪ :‬هو مشهور على اللسنة ‪ ،‬وهو من كلم‬
‫إبراهيم بن عبلة ‪ ،‬وقال العراقي في تخريج أحاديث الحياء ‪ :‬رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ‪ ،‬ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر‬
‫‪.‬‬
‫على أنه لو صح فليس يعطي أبدًا النصراف عن الجهاد والستعداد لنقاذ بلد المسلمين ‪ ،‬ورد عادية أهل الكفر عنها ‪ ،‬وإنما يكون‬
‫معناه ‪ :‬وجوب مجاهدة النفس حتى تخلص ل في كل عملها ‪.‬‬
‫وهناك أمور تل حق بالجهاد منها ‪ :‬ال مر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ..‬فقد جاء في الحديث ‪ ( :‬إن من أعظم الجهاد كل مة حق‬
‫عند سلطان جائر ) ‪ ..‬ولكن شيئًا منها ل يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إل أن يَقتُل أو يُقتَل في سبيل ال ) رسالة‬
‫الجهاد للمام البنا ‪.‬‬
‫رسول ال المجاهد الول ‪:‬‬
‫ولقد كان رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي المثل العلى للمجاهد في سبيل ال ‪ ،‬وبذلك كان القدوة الحسنة للمسلمين ‪ ،‬الذين‬
‫رأوا فيه الصورة المشرقة للقائد الذي يمارس الجهاد ويخوض الغمرات ‪ ،‬ويحقق في نفسه متطلبات الجهاد ومعانيه ‪:‬‬
‫الشيجياعية ‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬كان رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي أحسن الناس ‪ ،‬وكان أجو الناس ‪ ،‬وكان‬
‫أش جع الناس ‪ ،‬ول قد فزع أ هل المدي نة ليلة ‪ ،‬فانطلق ناس قِبَل ال صوت ‪ ،‬فتلقا هم ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي راجعًا ‪ ،‬و قد‬
‫سبقهم إلى الصوت ‪ ،‬وهو على فرس لبي طلحة عرى في عنقه السيف ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬لم تراعوا ‪ ،‬لم تراعوا ) صحيح مسلم ‪.‬‬
‫اليقيوة ‪:‬‬
‫( المؤمن القوي خير وأحب إلى ال ي‬ ‫عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪:‬‬
‫عز وجل ي من المؤمن الضعيف ‪ ،‬وفي كل خير ‪ ،‬احرص على ما ينفعك ‪ ،‬واستعن بال ول تعجز ‪ ) ..‬صحيح مسلم ‪.‬‬
‫ولقد كان رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي قدوة في قوته ‪ ،‬حتى أنه غلب ( ركانة ابن عبد يزيد ) وكان أشد شباب قريش ‪،‬‬
‫ورماه على الرض دون أن يملك لنفسه شيئًا ‪ ( .‬راجع سيرة ابن هشام ي المرحلة المدنية ) ‪.‬‬
‫الحض على صناعة السلح ‪:‬‬
‫عن عقبة ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬سمعت رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يقول ‪ ( :‬إن ال يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر‬
‫الجنة ‪ :‬صانعه يحتسب في صنعه الخير ‪ ،‬والرامي به ‪ ،‬ومنبّله ) رواه أبو داود ‪ ،‬والمنبّل هو الذي يناول الرامي النبل ‪ ،‬وبلغة العصر ‪:‬‬
‫هو الذي يساعد الرامي بإملء المخازن الفارغة بالذخيرة ( أي المذخر ) ‪.‬‬
‫الحض على الرماية ‪:‬‬
‫ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي يعتبر الرماية من أبرز خصائص الجهاد ‪ ،‬ومن أهم أسباب القوة ‪..‬‬
‫عن عقبة بن عامر ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬سمعت رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي وهو على المنبر يقول ‪ ( :‬وأعدوا لهم‬
‫ما استطعتم من قوة ‪ ،‬أل إن القوة الرمي ‪ ،‬أل إن القوة الرمي ‪ ،‬أل إن القوة الرمي ) رواه مسلم وغيره ‪.‬‬
‫و عن سلمة بن الكوع ي ر ضي ال ع نه ي قال ‪ :‬مر ال نبي ي صلى ال عل يه و سلم ي على قوم ينت صلون فقال ‪ :‬ارموا ب ني‬
‫إسماعيل فإن أباكم كان راميًا ) رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعن سعد بن أبي وقاص ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬عليكم بالرمي ‪ ،‬فإنه خير ‪ ،‬أو‬
‫من خير لهوكم ) رواه الطبراني ‪.‬‬
‫التحذير من ترك الرماية أو نسيانها ‪:‬‬
‫ولم يك تف ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ب حض الم سلمين عل تعلم الرما ية ‪ ،‬بل إ نه تشدد على ضرورة ال ستمرار في‬
‫ممارستها ‪ ،‬وحذر من تركها ونسيانها ‪.‬‬
‫فعن عقبة بن عامر ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬من علم الرمي ثم تركه فليس منا ‪،‬‬
‫أو فقد عصى ) رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي عن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي قال ‪ ( :‬من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها ) ‪،‬‬
‫وفي رواية ‪ ( :‬ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه ‪ ،‬فإنها نعمة تركها ‪ ،‬أو قال ‪ :‬كفرها ) رواه الطبراني في الصغير والوسط ‪.‬‬
‫قيمة الرماية قديمًا وحديثًا ‪:‬‬
‫فحين يخصص الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ( الرماية ) باهتمام يفوق الهتمام بأي جانب آخر من جوانب العداد الجهادي‬
‫الحسي ‪ ،‬فلكون الرماية العنصر الساسي الذي يعتمد عليه في الجهاد والقتال والنزال قديمًأ وحديثًا وفي كل عصر من العصور ‪.‬‬
‫فالرما ية في الوا قع تغ طي الم ساحة ال كبرى وال هم من الحتياجات الجهاد ية القتال ية ‪ ،‬وتع تبر الحتياجات الخرى ثانو ية وتبع ية‬
‫بالنسبة إليها ‪.‬‬
‫وسائل الرماية القديمة ‪:‬‬
‫فقديمًا كانت وسائل الرماية هي التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي رماية السهم ‪ :‬ويطلق عن طريق القوس ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي رماية الرمح ‪ :‬ويطلق بقوة الساعد ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي رماية المقلع ‪ :‬ويعتمد على تحريك الساعد للحامل الجلدي الذي يحتوي القذيفة التي قد تكون قطعة حجرية أو حديدية ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي رماية المنجنيق ‪ :‬وهي عربات معدة خصيصًا لرمي المواد المشتعلة أو المياه المغلية أو الحجارة على العدو أو أماكن تجمعه‬
‫‪.‬‬
‫وسائل الرماية الحديثة ‪:‬‬
‫وإذا أردنا التعرف على وسائل الرماية الحديثة لوجدنا أوجهًا كثيرة من الشبه بينها وبين الوسائل القديمة ‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي رماية المسدس ‪:‬‬
‫وهي أشبه برماية ( المقلع ) حيث تعتمد على مهارة التصويب اليدوي التي تكتسب عن طريق الممارسة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي رماية الرشيشات الخفيفة الفردية ‪:‬‬
‫مثل ( الكلشينكوف ) ‪. 1‬‬
‫‪ 3‬ي رماية البنادق اللية ‪:‬‬
‫مثل ( بندقية إم ‪ 2 ) 16‬و ( الناتو أو الفال ) ‪. 3‬‬
‫‪ 4‬ي رماية الرشاشات الخفيفة ‪:‬‬
‫مثل ( الدكتريوف )‪. 4‬‬
‫‪ 5‬ي رماية الرشاشات المتوسطة ‪:‬‬

‫( ) الكلشينكوف صناعة شرقية نسبة إلى مخترعه السوفييتي ‪..‬‬ ‫‪1 1‬‬

‫م عياره ‪ 7.62‬ويرمي خمسة أنواع من الذخيرة ‪ :‬عادي م خطاط م خلبي م حارق م حارق خارق ‪.‬‬
‫م مداه القاتل ‪ 400‬م ومداه المجدي ‪ 1500‬م ‪.‬‬
‫م سعة مخزنه ‪ 30‬طلقة ‪.‬‬
‫م يرمى به ( دراكاً ورشّا ) أي طلقة طلقة أو متتابعًا ‪.‬‬
‫( ) هذه البندقية صناعة أمريكية ‪ ،‬عيارها ‪ ، 6.35‬وهي نوعان ‪ :‬عادية ورامية قذائف ‪..‬‬ ‫‪2 2‬‬

‫م يرمى بها ( رشّا ودراكًا ) ويتسع مخزنها لم ‪ 30‬طلقة ‪ ،‬خفيفة الوزن إجمالً ‪.‬‬
‫م ترمي عدة أنواع من الذخيرة ‪ ،‬مداها القاتل ‪ 1200‬م ‪ ،‬والمجدي ‪ 2000‬م ‪.‬‬
‫( )‬
‫صمناعة غربيمة ‪ ،‬عيارهما ‪ ، 7.62‬ترممي قنابمل مضادة للدروع حتمى مسمافة ‪ 150‬م ‪ ،‬يتسمع مخزنهما لمم ‪20‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬

‫طلقممة ‪ ،‬مداهمما القاتممل ‪ 600‬م ‪ ،‬والمجدي ‪ 1500‬م ‪ ،‬والقصممى ‪ 3600‬م ‪ ،‬يسممتعملها العدو السممرائيلي ‪ ،‬وهممي‬
‫سلحه الرئيسي ‪.‬‬
‫( ) صناعة شرقية ‪ ،‬وينسب إلى اسم صانعه الروسي ( ف ‪ .‬دكتياريف ) عام ‪ ، 1933‬يركز على قائمتين ‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬

‫عياره ‪ ، 7.62‬يرمي رشّام فقط ‪ ،‬مزود بسلسلة معدنية سعة ‪ 100‬طلقة ‪ ،‬ويرميها في ربع دقيقة ‪ ،‬وزنه مع‬
‫الذخيرة ‪ 9‬كجم ‪ ،‬مداه القاتل ‪ 600‬م ‪ ،‬والمجدي ‪ 1500‬م ‪ ،‬والقصى ‪ 3600‬م ‪.‬‬
‫مثل ( الغرينوف ) ‪ ، 5‬أو ( رشاش ‪. ) 500‬‬
‫‪ 6‬ي رماية مدافع الهاون ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي رماية المدافع المباشرة أو الميدان ‪.‬‬
‫‪ 8‬ي رماية الصواريخ المختلفة ‪.‬‬
‫‪ 9‬ي رماية القذائف المضادة للدروع ‪ ( :‬قوازق آر ي بي ي جي ) ‪. 2‬‬
‫‪ 10‬ي رماية القنابل اليدوية ‪.‬‬
‫‪ 11‬ي رماية قاذفات القنابل الجوية ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن الرماية تشمل أكثر المعدات والوسائل القتالية قديمًا وحديثًا ‪ ،‬وهذا ما يبين ويفسر سبب حض الرسول ي صلى ال‬
‫‪3‬‬
‫عليه وسلم ي على تعلم الرماية ‪.‬‬

‫***********************‬

‫الحلقة السادسة‬
‫وجوب التربية المنية في العمل السلمي‬

‫‪ •0‬ماذا نقصد بالمن هنا ؟ ‪.‬‬


‫‪ •0‬المن لدى القوة المعادية ‪.‬‬
‫‪ •0‬المن ضرورة حتمية للعمل السلمي ‪.‬‬
‫‪ •0‬جوانب المن ‪.‬‬
‫‪ •0‬أخطاء تعرض التنظيم للخطر ‪.‬‬
‫‪ •0‬اختراق العمل السلمي وأنواعه ‪.‬‬
‫‪ •0‬التربية المنية ومواجهة الظروف الصعبة ‪.‬‬
‫‪ •0‬أبرز عناصر التربية المنية ‪.‬‬

‫( ) صممناعة شرقيممة ‪ ،‬عياره ‪ ، 7.62‬سمملح ذو نار غزيرة جدّا ‪ ،‬يسممتعمل ضممد الفراد والليات ‪ ،‬يرمممي‬ ‫‪2‬‬ ‫‪5‬‬

‫نوعين من الذخيرة ‪ :‬عادية وثاقبة للدروع ‪ ،‬مداه المجدي ‪ 800‬م والقصى ‪ 2300‬م ‪ ،‬مزود بسلسلة تتسع لم‬
‫‪ 250‬طلقة ‪ ،‬يرمى به على الطائرات والمظليين حتى ‪ 500‬م ‪ ،‬يركز على حمالة ‪ ،‬وزنه بدون حمالة ما يقرب‬
‫من ‪ 15‬كجم ‪ ،‬له محدد للرمي الليلي ‪.‬‬
‫( ‪) 3‬سوفييتي الصنع ‪ ،‬وهو على نوعين ‪ ( :‬ب ‪ ) 2‬و ( ب ‪ ، ) 7‬يتميز ببساطته وخفة وزنه وفعاليته ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫مؤلف من ‪ :‬أنبوب الطلق ( القاذف ) وجهاز التسديد ‪ ،‬ويطلق من الكتف ‪ ،‬وضد الدروع ‪.‬‬
‫مم يعتمبر ( ر ب ج مم ‪ ) 7‬فمي مقدممة القواذف الصماروخية الخفيفمة فمي العالم ‪ ،‬وزنمه فارغًا ‪ 5‬كجمم ‪ ،‬ووزن‬
‫القذيفة ‪ 2.25‬كجم ‪.‬‬
‫م المدى القصى الفعال ضمد الهداف الثابتمة ‪ 500‬م ‪ ،‬قدرتمه على اختراق الدروع ‪ 320‬ملم على مسافة ‪300‬‬
‫م ‪ ،‬و‪ 260‬على مسافة ‪ 500‬م ‪.‬‬
‫( ) يمكن مراجعة ( الموسوعة العسكرية ) إصدار ‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر م بيروت ‪.‬‬ ‫‪1 3‬‬
‫المين فيي الواقيع يعنيي السيلمة والطمئنان والسيتقرار ‪ ،‬وضده الخطورة والخوف والضطراب ‪ ،‬والتربيية المنيية تعنيي تحقييق‬
‫السلمة عن طريق الخذ بكل أسبابها والتحوط من كل ما يعرضها للخطر ‪.‬‬
‫وزيادة في تبيان معنى ( المن ) نقتطف بعض اليات القرآنية التي تتضمن ذكر المن من زوايا مختلفة ‪..‬‬
‫يقول يي تعالى يي ‪ { :‬وعيد ال الذيين آمنوا منكيم وعملوا الصيالحات ‪ ،‬ليسيتخلفنهم فيي الرض كميا اسيتخلف الذ ين مين قبلهيم ‪،‬‬
‫وليمكنن لهم دينهم الذي ارت ضى لهم ‪ ،‬وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا ‪ ،‬يعبدون ني ل يشركون بي شيئًا ‪ ،‬و من كفر بعد ذلك فأولئك هم‬
‫الفاسقون } ‪. 1‬‬
‫{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون } ( النعام ‪. ) 82 :‬‬
‫{ وإذا جاءهم أمر من المن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولول‬
‫ل } ( النساء ‪. ) 83 :‬‬
‫فضل ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إل قلي ً‬
‫{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا واجنبني وبني أن نعبد الصنام } ( إبراهيم ‪. ) 35‬‬
‫{ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين ‪ ،‬فيه آيات بينات مقام إبراهيم ‪ ،‬ومن دخله كان آمنًا ‪ ،‬ول على‬
‫ل ‪ ،‬ومن كفر فإن ال غني عن العالمين } ( آل عمران ‪. ) 97 :‬‬
‫الناس حج البيت من استطاع إليه سبي ً‬
‫{ وضرب ال مثلً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم ال فأذاقها ال لباس الجوع والخوف بما‬
‫كانوا يصنعون } ( النحل ‪. ) 112 :‬‬
‫ماذا نقصد بالمن هنا ؟ ‪:‬‬
‫المقصود بالمن ي هنا ي ضمان سلمة العمل السلمي من كل ما يسيء إليه ويؤذيه ويعرضه للخطر ‪ ،‬سواء كان ذلك من فرد أو‬
‫من أفراد ‪ ،‬أو من جهة حزبية أو رسمية ‪.‬‬
‫ويتبع هذا ويلحقه وضع كافة الجراءات ي النفسية والحسية ي اللزمة والكافية لتحقيق هذه السلمة ‪ ،‬سواء بالنسبة للتنظيم أو‬
‫أفراده أو ممتلكاته أو مستنداته ‪.‬‬
‫ك ما يد خل ض من هذا ويتلزم م عه ‪ ،‬القيام بر صد الجهات والحركات المناف سة والمناوئة والمعاد ية ‪ ،‬لمعر فة تحركات ها ‪ ،‬وك شف‬
‫نواياها ‪ ،‬وبالتالي إحباط كل الخطط التي تستهدف سلمة العمل السلمي وسلمة العاملين فيه ‪.‬‬
‫المن لدى القوى المعادية ‪:‬‬
‫وإذا كنا اليوم بصدد الكلم عن المن ووجوب التربية المنية في العمل السلمي ‪ ،‬فقد سبقنا أعداء السلم إلى ذلك زمانًا وإمكانية‬
‫‪ ..‬بل إن هؤلء يرصدون لجهزتهم المنية التي تكيد وتتآمر على السلم وعلى العالم السلمي النصيب الوفى والكبر في ميزانياتهم ‪.‬‬
‫ونكتفي ه نا با ستعراض ب عض المعلومات عن ( جهاز المخابرات المركز ية المريك ية ) لندرك أ ية أهم ية تع طى للجا نب الم ني من‬
‫خصومنا ‪..‬‬

‫(‪ ) 1‬النور ‪ ، 55 :‬وجاء فمي تفسمير { وليبدلنهمم ممن بعمد خوفهمم أمنًا } قوله مم صملى ال عليمه وسملم مم ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫( فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬ليتمن ال هذا المر ‪ ،‬حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير‬
‫جوار أحد ‪ ) ..‬يعني من استتباب المن ‪.‬‬
‫نشأت ( وكالة السيتخبارات المريكيية المركزيية ‪ ) .C. I. A‬فيي أعقاب الضربية العسيكرية المفاجئة التيي وجهتهيا اليابان إلى‬
‫ال سطول المري كي في البا سفيك في الربعينيات ‪ ،‬والتيي أدت إلى تدميره بالكل ية ‪ ،‬وكان هذا الحادث حافزًا أ ساسيّا لتكو ين المخابرات‬
‫المريكية المركزية ‪ ،‬حتى ل تبقى القوات المريكية عرضة للمفاجآت ‪. 1‬‬
‫أما مبنى مكتب المخابرات هذه فيقع في واشنطن على رقعة أرض مساحتها ثلثة هكتارات ‪ ،‬ويتألف من سبعة طوابق ‪ ،‬تضم أكثر‬
‫من ألف غرفة ‪ ،‬حيث تتسع بعض الغرف لكثر من خمسمائة شخص ‪ ،‬وقد أعدت في المبنى ساحات تتسع لثلثة آلف سيارة ‪ ،‬ولقد‬
‫‪2‬‬
‫كلف بناء هذا المكتب أكثر من ستة وأربعين مليون دولر ‪ ،‬ويقدر عدد موظفي المخابرات ي في واشنطن فقط ي بعشرة آلف موظف‬
‫‪.‬‬
‫أميا أجهزة المخابرات فإنهيا تضيم ‪ :‬رجال التحري ‪ ،‬والعسيكريين ‪ ،‬والخيبراء ‪ ،‬والكيماوييين ‪ ،‬ورجال قانون ‪ ،‬وعلماء نفيس ‪،‬‬
‫وعلماء ذرة ‪ ،‬وخبراء في السياسة والجغرافيا واللغات ‪.‬‬
‫وأغلب هؤلء يتكلم أربع لغات بسهولة بالغة ‪ ،‬وبعضهم يتقن ثلثًا وعشرين لغة ‪.‬‬
‫ول قد جهزت مكا تب المخابرات هذه بم صنفات وأرش يف وميكروفيلم وعقول إلكترون ية وخرائط وآلت للترج مة الفور ية ب ما ي ساعد‬
‫على تنظيم تخزين المعلومات التي تصل من كل أنحاء العالم بواسطة العملء والجواسيس ‪. 3‬‬
‫وهكذا تقوم ( الوليات المتحدة ) المريكية ي أو أية قوة معادية أخرى في العالم ي سواء كانت صليبية أو صهيونية أو شيوعية‬
‫ي بالرصد والتجسس وجمع المعلومات ‪ ،‬ومن ثم التخطيط والتآمر على السلم وعلى الحركة السلمية وعلى شعوب العالم السلمي‬
‫وقضاياه المصيرية ‪..‬‬
‫ف هي تقوم بتغذ ية الثورات ‪ ،‬وقلب الحكومات ‪ ،‬وغ سل الدم غة ‪ ،‬واحتواء الن ظم والتنظيمات ‪ ،‬ب ما يح قق م صالحها هي ‪ ،‬ولو كان‬
‫ذلك على حساب آلم الشعوب ودمائها وأشلئها ‪.‬‬
‫المن ضرورة حتمية للعمل السلمي ‪:‬‬
‫ونحن حين نقول بحتمية التربية المنية في العمل السلمي وبضرورة العداد المني فإنما نستدرك أمرًا غفلناه ‪ ،‬ونستذكر واجبًا‬
‫قصرنا طويلً في القيام به وتحقيقه ‪.‬فالعمل السلمي مع تناميه الفكري والتربوي ‪ ،‬ومع تزايد الوعي السياسي والحركي لدى أصحابه ‪،‬‬
‫فإنه على الصعيدين الجهادي والمني بالغ التقصير والتخلف ‪.‬‬
‫وهذا ما يجعله سهل المنال من ق بل الخ صوم والعداء ‪ ،‬سهل الختراق ‪ ،‬سهل الت صفية { ك يف وإن يظهروا علي كم ل يرقبوا في‬
‫مؤمن إلّ ول ذمة ‪ ،‬يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ‪ ،‬اشتروا بآيات ال ثمنًا قليلً فصدوا عن سبيله ‪ ،‬إنهم ساء ما‬
‫كانوا يعملون ‪ ،‬ل يرقبون في مؤمن إلّ ول ذمة ‪ ،‬وأولئك هم المعتدون } ( التوبة ‪ 8 :‬ي ‪. ) 10‬‬
‫والعداد المني ضرورة حتمية للعمل السلمي من جوانب كثيرة ‪ ..‬منها ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬فهو يعينها على معرفة ما يجري حولها ‪ ،‬وما يخطط لها ‪ ،‬وبذلك ل تكون في غفلة ‪ ،‬أو تفاجأ بالنازلة وهي في سبات‬
‫عميق ‪.‬‬

‫( ‪) 1‬كتاب الجاسوسية المريكية ‪ ،‬تأليف ‪ :‬أندرو تولي ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬وليم خوري ‪ ،‬إصدار ‪ :‬دار دمشق‬ ‫‪1‬‬

‫للطباعة ‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬ ‫‪2‬‬

‫( ‪ ) 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬ ‫‪3‬‬


‫( ‪ ) 2‬ويساعدها على اتخاذ الحتياطات اللزمة لمواجهة كل أمر والتصرف حيال كل خطب ‪ ،‬فل تروعها المفاجأة ‪ ،‬وتأتي على‬
‫بنيانها من الساس ‪.‬‬
‫( ‪ ) 3‬ويحفظها من اختراق ( الفراد ) لصفها الداخلي ‪ ،‬فل يتسلل إليها جاسوس أو عميل ‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬ويحفظها من اختراق ( الفكار والسياسات ) لنهجها ‪ ،‬فل يتسرب إليها فكر غير فكرها ‪ ،‬أو سياسة غير سياستها ‪ ،‬ول‬
‫تحكمها إل الخطط التي ارتضتها لنفسها ‪ ،‬سواء كان هذا الختراق مخطط له من ق بل أعدائها ‪ ،‬أو ناتج عن مراكز قوى لديها أو لدى‬
‫أصدقائها ‪.‬‬
‫( ‪ ) 5‬ثم هو يعين على حفظ أمنها عمومًا ‪ ،‬وأمن أفرادها ومستنداتها وممتلكاتها ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬
‫جوانب المن ‪:‬‬
‫جوانب المن كثيرة ومتعددة تبعًا لتساع نطاق العمل أو التنظيم أو الحركة ‪ ،‬وتعدد جوانب نشاطها ‪ ..‬فما تحتاجه دولة كبيرة قد ل‬
‫تحتاجه دولة صغيرة ‪ ،‬وما تحتاجه التنظيمات غير ما تحتاجه الدول ‪ ،‬وهكذا ‪..‬‬
‫ولكن يمكننا هنا استعراض أبرز الجوانب التي تحتاج إلى المن ‪ ،‬كائنًا ما كان حجم العمل أو التنظيم أو الحركة ‪ ..‬من ذلك ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي أمن الفراد ‪:‬‬
‫وهو السهر على سلمة الفراد من كل ما يتهددهم أو يعرضهم لمكروه أو اختراق ‪ ،‬أو انتكاس عند وقوع المكروه ‪ ،‬وسنتناول ذلك‬
‫بالتفصيل في سياق الكلم عن ( التربية المنية ) في نهاية هذه الحلقة ‪..‬‬
‫فالحر كة م سئولة ي إلى حد ي عن ال خذ ب كل ال سباب اليلة إلى توف ير سلمة أفراد ها والحفاظ على دمائ هم وأرواح هم ‪ ،‬وعدم‬
‫تعريضهم إلى التهلكة ‪ ،‬أو التفريط بهم جزافًا ‪.‬‬
‫إن هذا الكلم ل يتناقض مع ( التربية الجهادية ) التي سبق الكلم عنها ي كما قد يبدو لحد من الناس ي ولكنه يتلزم معها ‪ ،‬بل‬
‫هو الفاصل ما بين مجالي ‪ :‬التهلكة والجهاد ‪.‬‬
‫فتحقيقًا لمن ( القيادة ) اقترح سعد بن معاذ على رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي بناء ( عريش ) أي مركز للقيادة ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫( يا نبي ال ‪ ،‬أل نبني لك عريشًا تكون فيه ‪ ،‬ونعد عندك ركائبك ‪ ،‬ثم نلقى عدونا ‪ ،‬فإن أعزنا ال وأظهرنا على عدونا ‪ ،‬كان ذلك ما‬
‫أحببنا ‪ ،‬وإن كانت الخرى جلست على ركائبك ‪ ،‬فلحقت بمن وراءنا ‪ ..‬إلخ ) ‪.1‬‬
‫وتوفيرًا لسلمة ( الفراد ) شرعت إقامة الصلة في جماعتين على خطوط القتال ‪ ،‬كيما ل تتعطل الحراسة لحظة واحدة على ثغور‬
‫السلم ‪ ،‬وفي هذا يقول ال ي تعالى ي ‪ { :‬وإذا ضربتم في الرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة إن خفتم أن يفتنكم الذين‬
‫كفروا ‪ ،‬وإن الكافر ين كانوا ل كم عدوّا مبينًا ‪ .‬وإذا ك نت في هم فأق مت ال صلة فلت قم طائ فة من هم م عك وليأخذوا أ سلحتهم ‪ ،‬فإذا سجدوا‬
‫فليكونوا من ورائ كم ‪ ،‬ولتأت طائ فة لم ي صلوا فلي صلوا م عك ‪ ،‬وليأخذوا حذر هم وأ سلحتهم ‪ ،‬ود الذ ين كفروا لو تغفلون عن أ سلحتكم‬
‫وأمتعتكم ‪ ،‬فيميلون عليكم ميلة واحدة ‪ ( } ..‬النساء ‪. ) 101 :‬‬
‫‪ 2‬ي أمن المستندات والسرار ‪:‬‬
‫ذلك أن ل كل تنظ يم وج هة م ستنداتها ومخططات ها وأ سرارها ال تي ل يجوز أن ت قع في يد أعدائ ها ‪ ..‬والدول ال كبرى تن فق أحيانًا‬
‫الملي ين لك شف خ طة ع سكرية أو ت صميم ع سكري ‪ ،‬أو مر كب كيميائي ‪ ،‬أو سر من أ سرار الطا قة ‪ ،‬أو غير ها ‪ ،‬من أ جل صناعة ما‬
‫يضاهيها ‪..‬‬
‫وهذا ما يجعل الدول والجهات والتنظيمات حريصة على ما عندها ‪ ،‬موفرة لها كل أسباب المنعة والحيطة والحماية ‪.‬‬

‫) سيرة ابن هشام م غزوة بدر الكبرى ‪.‬‬ ‫(‬


‫‪1 1‬‬
‫ورسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حين عزم على فتح مكة بعد أن نقضت قريش عهدها ‪ ،‬تكتم على المسلمين وقال ‪ ( :‬اللهم‬
‫خذ العيون والخبار عن قريش حتى نبغتها في بلدها ‪ ) ..‬حتى أن أبا بكر الصديق ي رضي ال عنه ي يدخل على ابنته عائشة ي زوج‬
‫الرسول ي ويسألها عما إذا كانت تعرف شيئًا فتقول ‪ ( :‬ل وال ما أدري ) ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ ( :‬ولما أجمع رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش‬
‫يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول ال ‪ ،‬ثم أعطاه امرأة ‪ ،‬وجعل لها جعلً على أن تبلغه قريشًا ‪ ،‬وأتى رسول ال ي صلى ال عليه وسلم‬
‫ي الخبر من السماء بما صنع حاطب ‪ ،‬فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام في أثر المرأة ‪ ،‬فأدركاها ‪ ،‬وأتي بالكتاب إلى رسول‬
‫ال ‪ ،‬فدعا حاطبا وقال له ‪ ( :‬ما حملك على هذا ؟ ) قال حاطب ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أما وال إني لمؤمن بال ورسوله ‪ ،‬ما غيرت ول بدلت‬
‫‪ ،‬ولكني امرؤ ليس لي في القوم من أصل ول عشيرة ‪ ،‬وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ‪ ،‬فصانعتهم عليهم ‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذه الفعلة كانت تستحق الموت ‪ ،‬ولقد هم عمر بن الخطاب بتنفيذ ذلك ‪ ،‬وقال لرسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪:‬‬
‫( دعني فلضرب عنقه ‪ ،‬فإن الرجل قد نافق ) ولكن رسول ال كان له رأي آخر ‪ ،‬حيث رأى في سابقته للسلم وللجهاد ما يشفع له ‪،‬‬
‫فقال ‪ ( :‬وما يدريك يا عمر ‪ ،‬لعل ال قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر ‪ ،‬فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ولقد نزل في حاطب‬
‫وفعلته قوله ي تعالى ي ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم بما جاءكم‬
‫من الحق ‪ ،‬يخرجون الرسول وإياكم ‪ ،‬أن تؤمنوا بال ربكم إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ‪ ،‬تسرون إليهم بالمودة ‪،‬‬
‫وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ‪ ،‬ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } ( الممتحنة ‪. ) 1 :‬‬
‫‪ 3‬ي المن العسكري ‪:‬‬
‫والمن العسكري يعتبر من أشد الجوانب أهمية لما يتسببه فقدان المن فيه من هزائم وانتكاسات ل حد ول حصر لخطورتها ‪..‬‬
‫ي ففي موقعة ( أحد ) وحين ترك الرماة الخمسون الذين وكل إليهم رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حماية ظهور المسلمين‬
‫ي مع تأكيد الرسول عليهم بعدم مبارحة موقعهم ( ولو رأوا الطير تتخطف العسكر ) ي حينذاك انكشف المسلمون ‪ ،‬وخلص المشركون‬
‫إلى رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي فجرحوه جراحات بليغة ‪ ،‬وكسروا رباعيته ‪ ،‬وقتل عدد كبير من الصحابة ‪.‬‬
‫يي وبعيد غزوة ذات الرقاع ‪ ،‬نزل رسيول ال يي صيلى ال علييه وسيلم يي بالجييش السيلمي منزلً يسيتريحون فييه ‪ ،‬ولتخاذ‬
‫ل من المهاجرين وهو عمار بن ياسر ‪ ،‬وآخر‬
‫الجراءات المنية اللزمة لحماية الجند انتدب رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي رج ً‬
‫من النصار هو عباد بن بشر للحراسة ‪..‬‬
‫فل ما خرج الرجلن لداء المه مة ‪ ،‬قال الن صاري للمهاجري ‪ :‬أي الل يل ت حب أن أكفي كه ؟ أوله أم آخره ؟ قال ‪ :‬بل اكف ني أوله ‪..‬‬
‫فاضطجيع المهاجري فنام ‪ ،‬وقام النصياري يصيلي ‪ ،‬فأتيى رجيل مين العداء فوجيد عباد بين بشير يصيلي ‪ ،‬فرماه بسيهم ‪ ،‬فنزعيه عباد‬
‫واستمر في صلته ‪ ،‬فرماه بسهم ثا نٍ فنزعه فرماه ‪ ،‬فرماه بثالث ‪ ،‬فركع وسجد ثم أيقظ صاحبه ‪ ..‬ولما رأى المهاجري ما بالنصاري‬
‫مين الدماء ‪ ،‬قال ‪ :‬سيبحان ال ‪ ،‬أفل أهببتنيي أول ميا رماك ؟! فقال النصياري ‪ :‬كنيت فيي سيورة أقرؤهيا ‪ ،‬فلم أحيب أن أقطعهيا حتيى‬
‫أنفذها ‪ ،‬فلما تابع الرمي ركعت فأذنتك ‪ ،‬وايم ال ‪ ،‬لول أن أضيع ثغرًا أمرني رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي بحفظه ‪ ،‬لقطع نفسي‬
‫قبل أن أقطعها أو أنفذها ‪. 1‬‬
‫أخطاء تعرض التنظيم للخطر ‪:‬‬
‫و من خلل ا ستقرائنا للوا قع الحر كي ‪ ،‬ولتار يخ الع مل ال سلمي ‪ ،‬ي تبين ل نا أن هنالك مجمو عة من الخطاء ‪ ،‬وال تي تتكرر ه نا‬
‫وهناك معرضة الحركة السلمية للخطر ‪ ..‬ومن هذه الخطاء ‪:‬‬

‫( ‪ ) 1‬سيرة ابن هشام ‪ ( ،‬غزوة ذات الرقاع ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪ 1‬ي التصرفات الفردية غير المنضبطة ‪:‬‬
‫كأن يقوم فرد ما من أفراد التنظيم أو مجموعة بتصرف فردي يتسبب بكارثة حركية ‪ ،‬وهنالك عشرات المثلة يمكن أن تساق على‬
‫هذه الظاهرة من واقع العمل السلمي المعاصر ‪ ،‬والتي تسببت في أكثر الحيان بتعريض التنظيم برمته إلى محن أخرت العمل السلمي‬
‫عشرات ال سنين إلى الوراء ‪ ،‬وأوق عت ف يه جراحات ثخي نة على كل صعيد ‪ ،‬كل ذلك بدون ث من و من غ ير أن تتح قق لل سلم والحر كة‬
‫مصلحة ما ‪.‬‬
‫ي فهناك أفراد يرتبط تصرفهم بمشاعرهم وعواطفهم وليس بسياسة الحركة ومناهجها ‪ ،‬فهم متطرفون حيال كل قضية ‪ ،‬يفسرون‬
‫الحكمة والتعقل على أنه جبن ‪ ،‬وينظرون إلى التخطيط والخذ بالسباب على أنه ضعف في اليمان ‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬هؤلء خطرهم على العمل‬
‫السلمي والحركة كبير ‪ ،‬ولذلك كان ل بد من التحفظ حيالهم ‪.‬‬
‫ي وهنالك أفراد يرتبط تصرفهم ي إلى حد كبير ي بمصالحهم ‪ ،‬فهم مع الدعوة ما دامت موافقة لمصالحهم ‪ ،‬وقد ينقلبوا أعداء لها‬
‫متآمرين عليها مكيدين لها ‪ ،‬إذا ما تصادمت مع هذه المصالح ‪ ،‬وفي كثير من الحيان يلجأ هؤلء إلى تلمس أسباب ومبررات شرعية‬
‫يخفون بها حقيقة المر ‪.‬‬
‫ي وهنالك أيضًا أفراد يوضعون في مو ضع الم سئولية ق بل نضج هم واكتمال جوا نب شخ صيتهم ‪ ،‬وق بل أن يوضعوا على الم حك‬
‫والتجربة التي ل تضر بالحركة ‪..‬‬
‫إن مثل هؤلء يكون نموهم غير طبيعي ‪ ،‬ويكبرون في الدعوة دون أن تكبر الدعوة فيهم وعليهم ‪..‬‬
‫إن هؤلء مآلهم أحد أمرين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي إما أن يعمدوا إلى تسخير الدعوة وفق أهوائهم وتبعًا لمصالحهم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي وإما أن يتركوا الدعوة ويبيعوها بثمن بخس مشترين بذلك عرضًا من الحياة الدنيا زائلً ‪.‬‬
‫ي ثم إن هناك أفرادًا يفكرون دائمًا بصوت مرتفع ‪ ،‬ل يحفظون سرّا ‪ ،‬ول يكتمون أمرًا ‪ ،‬ول يفرقون بين ما يجوز طرحه هنا وما‬
‫ل يجوز ‪ ،‬وبين ما يمكن أن يقال هنا ول يقال هناك ! ‪.‬‬
‫إن هؤلء ل يم كن أن يو صف مدى أثر هم وخطر هم على الع مل والدعوة ؛ لن ذلك مرت بط ( بالل سان ) الذي ت كب ح صائده الناس‬
‫على مناخرهم في النار يوم القيامة ‪.‬‬
‫ولقد أمرنا رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي أن نمسك علينا ألسنتنا ؛ لنها قد تكون سببًا في هلكتنا في دنيانا وآخرتنا ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي النشقاقات الداخلية ‪:‬‬
‫والنشقاقات الداخل ية يم كن اعتبار ها من ال سباب المدمرة للحركات ‪ ،‬الماح قة ل ها ‪ ،‬إن لم تتم كن من تطويق ها وتح سن ال ستفادة‬
‫منها ‪.‬‬
‫فالنشقاقات باعث على تفتيت الصف وتشتيت الكلمة ‪.‬‬
‫والنشقاقات باعث على إضعاف الحركة وإنهاكها ‪.‬‬
‫والنشقاقات باعث على إغراء الخصوم باختراقها وضربها وتصفيتها ‪.‬‬
‫والنشقاقات ي فوق هذا كله ي باب كبير يلج منه الشيطان إلى النفوس ‪ ،‬فيشوه إيمانها ‪ ،‬ويفسد أخلقها ‪ ،‬ويعبث بكل قيمها ‪.‬‬
‫حادث بسيط وقع في العهد النبوي ‪ ،‬وهو مقاطعة المسلمين لثلثة رجال تخلفوا عن الخروج مع رسول ال ي صلى ال عليه وسلم‬
‫ي ( إلى تبوك ) ‪ ..‬هذا الحادث أغرى ( ملك الغساسنة ) بمحاولة اختراق الصف لنه وجد الفرصة مواتية وعليه أن يهتبلها ‪ ..‬فأرسل‬
‫كتابًا مع رسول إلى أحد الثلثة وهو ( كعب بن مالك ) ‪ ،‬فماذا حصل ؟ ‪..‬‬
‫يقول كعب ‪ ( :‬فبينما أنا أمشي بالسوق ‪ ،‬إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ‪ ،‬يقول ‪ :‬من يدل على كعب بن مالك ؟ قال ‪ :‬فجعل‬
‫الناس يشيرون له إليّ ‪ ،‬ح تى جاء ني ‪ ،‬فد فع إليّ كتابًا من ( ملك غ سان ) وك تب كتابًا في سرقة ( قط عة ) من حر ير ‪ ،‬فإذا ف يه ‪ :‬أ ما‬
‫ب عد ‪ ،‬فإ نه قد بلغ نا أن صاحبك قد جفاك ‪ ،‬ولم يجعلك ال بدار هوان ول مضي عة ‪ ،‬فال حق ب نا نوا سك ‪ ..‬قال ك عب ‪ :‬قلت ح ين قرأت ها ‪:‬‬
‫وهذا من البلء أيضًا ‪ ،‬قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع فيّ رجل من أهل الشرك ‪ ..‬فعمدت إلى تنور فسجرته ( أحرقته ) بها ) ‪. 1‬‬
‫إن ما يم كن أن ت سببه النشقاقات من سوء وإيذاء ومخا طر لل سلم والدعوة فضلً عن غ ضب ال و سخطه ‪ ،‬هي البا عث لتكرار‬
‫الوعيد والتهديد ي قرآنًا وسنة ي من مغبة الختلف والتفرق ‪ ،‬حتى أن المر ليصل برسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي إلى أن يقول‬
‫‪ ( :‬إنه ستكون هنات وهنات ‪ ،‬فمن أراد أن يفرق أمر هذه المة وهي جميع ‪ ،‬فاضربوه بالسيف ‪ ،‬كائنًا من كان ) ‪. 2‬‬
‫ولنعلم أن أعداء السلم وأجهزتهم المنية ومراصدهم تتابع بنهم ما يجري على الساحة السلمية ‪ ،‬مهتبلة كل فرصة من فرص‬
‫الختراق والحتواء والتخريب ‪.‬‬
‫وأود أن أ سوق ه نا مثالً من كتاب ( الجا سوسية المريك ية ) ك صورة من صور ت صيد الظروف والمنا سبات ب ين الوليات المتحدة‬
‫المريكية والتحاد السوفييتي ‪..‬‬
‫وخل صة الحادث أن ( المخابرات المريك ية ) في واشن طن تل قت من أ حد عملئ ها ال سريين في مو سكو أن موظفًا سوفييتيّا من‬
‫موظفي ( الكريملين ) يدعى ( أندريه ) على استياء من الحكومة والقادة السوفييت بسبب رفض ترقيته مرتين متتاليتين ‪ ،‬بالرغم من‬
‫كونه صاحب حق في هذه الترقيات ‪ ..‬فوجدت المخابرات المريكية أن الفرصة سانحة من أجل تصيد هذا الموظف ليكون جاسوسًا لها‬
‫في قلب الكريملين ‪ ..‬وبالفعل بدأت المخابرات خطة محكمة أدت بالنتيجة إلى تكريس ( أندريه ) عميلً للمخابرات المريكية في الجهاز‬
‫القيادي المركزي للحزب الشيوعي !! ‪. 3‬‬
‫‪ 3‬ي الوقوع في أيدي العداء والبوح بأسرار التنظيم ‪:‬‬
‫فهنالك نوعيات معينية مين الفراد تسيتهين بالجراءات المنيية ول تكلف نفسيها ال خذ بأسيباب الحيطية والحذر ‪ ،‬وقيد يقدر ال أن‬
‫ي سقط هؤلء ب يد ج هة عدوة ‪ ،‬فإذا ب هم ينهارون ويتلشون ‪ ،‬وكأ نه لم ي كن بح سبانهم أن يتعرضوا ل ية فت نة أو ابتلء ‪ ،‬و سرعان ما‬
‫يبوحون بكل شيء ‪ ،‬ويكشفون كل شيء ! نسأل ال ي تعالى ي الثبات والسلمة ‪.‬‬
‫ومن هنا كان على العاملين في الحقل السلمي أن يؤمنوا ( بحتمية المحنة ) ‪ { ،‬أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل‬
‫يفتنون ‪ ،‬ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } ‪ ،‬كما أن عليهم أن يأخذوا من أسباب الحيطة والحذر‬
‫ما و سعوا ‪ ،‬وليتوكلوا ب عد ذلك على ال ‪ ..‬فإذا قدر ال علي هم المح نة كان علي هم أن يتما سكوا ويثبتوا ك ما ث بت الذ ين آمنوا من ق بل ‪،‬‬
‫وليذكروا آيات ال ي تعالى ي في مثل هذه الظروف الصعبة ‪ ،‬وهي تحكي قصة الصامدين في وجه الباطل ‪ ،‬الذين ل يضرهم من خالفهم‬
‫حتى يأتي أمر ال ‪.‬‬
‫ليذكروا أن طريق السلم هو طريق الجهاد وطريق ( ذات الشوكة ) وأنهم ليسوا أول الممتحنين ولن يكونوا آخرهم ‪ ،‬وإنما هي‬
‫مواكب { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلً ‪. } ..‬‬

‫( ‪ ) 1‬سيرة ابن هشام ‪ ( ،‬أمر الثلثة الذين خلفوا ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫( ‪ ) 2‬صحيح مسلم ‪ ( ،‬كتاب المارة ) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫( ‪ ) 3‬كتاب الجاسوسية المريكية ‪ ،‬تأليف أندرو تولي ‪ ،‬الفصل العاشر ‪ ،‬ص ‪. 190‬‬ ‫‪3‬‬
‫وليدركوا أن نعيم الخرة هو النعيم ‪ ،‬وأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ‪ ،‬وأن فرحة المؤمن بلقاء ال ل تعدلها فرحة ‪ ،‬وإن ال‬
‫ي تعالى ي قال في الحديث القدسي ‪ ( :‬وعزتي ل أجمع على عبدي خوفين وأمنين ‪ ،‬إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ‪ ،‬وإذا أمنني‬
‫في الدنيا أخفته في الخرة ) ‪.‬‬
‫ثم إن م ما يعرض الع مل ال سلمي والدعوة لخ طر شد يد في حال وقوع الفراد في أيدي أعداء ال سلم يتعلق بمدى ما لدي هم من‬
‫معلومات ‪ ،‬وكلما كثرت معلوماتهم اشتد خطرهم ‪ ،‬ولهذا كان من مصلحة الدعوة أن يعطى الفرد بحسب الحاجة ؛ لن فضول المعلومات‬
‫سينقلب بلء عليه وعلى دعوته ‪.‬‬
‫اختراق العمل السلمي وأنواعه ‪:‬‬
‫والعمل السلمي معرض ي كتنظيم وحركة ي لنواع شتى من الختراقات ‪ ،‬وهو مستهدف من خصومه ي وما أكثر خصوم السلم‬
‫ي لعمليات الرصد والمراقبة ‪ ،‬مما يفرض عليه مزيدًا من الوعي والتنبه والحذر والحيطة ‪.‬‬
‫واختراق العمل السلمي من قبل خصوم السلم قد يكون من طرق وجوانب متعددة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي الختراق بواسطة الشخاص ‪:‬‬
‫كأن يكلف شخص أو أكثر بالنخراط في التنظيم والتسلل إلى المواقع المتقدمة فيه ‪ ،‬وهذا ما يفرض على التنظيم ي وبخاصة في‬
‫الظروف ال صعبة ي أن يعت مد قاعدة ( التضع يف ثم التوث يق ) في التعا مل مع الناس وقبول عضويت هم ‪ ،‬فل تكون البواب مشر عة ل كل‬
‫وا فد كائنًا ما كا نت ثقاف ته ومركزه الجتما عي ‪ ،‬ول بد من اختبار الفرد طويلً ووض عه في دائرة الضوء ق بل أن ي تم التوا ثق والتعاون‬
‫والتكليف ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي الختراق بواسطة الفكار ‪:‬‬
‫كأن يكلف فرد أو مجموعة بحمل أفكار معينة وغريبة وطرحها مع أفراد التنظيم ‪ ،‬لحمل التنظيم ي مع الزمن ي على تبنيها تحت‬
‫ضغط المعجبين بها ‪ ،‬أو بقصد إحداث البلبلة والتشتت بين أفراد التنظيم الواحد ‪.‬‬
‫و قد يكون هذا الختراق من أشد ها أذى ‪ ،‬ح يث يم كن أن يعرض الم سار كله للنحراف عن ال خط ال صيل ‪ ..‬وأذ كر ه نا أن تنظيمًا‬
‫إسيلميّا لبنانيّاي معروفًا تعرض لهذا النوع مين الختراق والضغيط ‪ ،‬وتحول ميع اليام إلى تيار ( ناصيري ) بسيبب مين اختراق الفكير‬
‫الناصري له ‪.‬‬
‫ولهذا كان ل بد من مناعة في التربية الفكرية والحركية ‪ ،‬ول بد من وضوح لفكر الدعوة وأهدافها وخصائصها ‪ ،‬ليسهل على أفراد‬
‫التنظيم التمييز بين الغث والسمين ‪ ،‬بين الصحيح والغلط ‪ ،‬بين الحق والباطل ‪ ،‬بين ما هو من السلم وما هو مرفوض منه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي الختراق أو الحتواء بواسطة الدعم ‪:‬‬
‫وقد يكون الختراق أحيانًا مخبوءًا غير مكشوف ‪ ،‬وقد ل يتضح وينكشف بسهولة وبسرعة ‪ ،‬وهذا النوع من الختراق أو الحتواء‬
‫قد يحدث في أكثر الحيان عن طريق سيطرة ( رأس المال أو النافذين ماليّا ) سواء كانوا أفرادًا في التنظيم أو أصدقاء له ‪.‬‬
‫وهذا ما يفرض على الدعوة أن ترا جع نف سها با ستمرار وترا قب خط ها وت صرفها و سلوكها لمعر فة ما إذا كان محكومًا بشرع ال‬
‫ومصلحة السلم ‪ ،‬أم متأثرًا ي ولو إلى حد ي باعتبار من هذه العتبارات ‪.‬‬
‫التربية المنية ومواجهة الظروف الصعبة ‪:‬‬
‫أ ما عن كيف ية مواج هة دعاة ال سلم للظروف ال صعبة ف قد أر شد إلي ها القرآن الكر يم وبين ها الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي‬
‫وتركنا فيها على المحجة البيضاء ‪ ،‬ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬الثبات والصمود ‪:‬‬
‫إن أول صفة ينبغي أن يتحلى بها العاملون للسلم ‪ ،‬وبخاصة في الظروف الصعبة هي ( الثبات ) كائنًا ما كان الثمن ‪ ،‬لن مجرد‬
‫التفكير في النكوص خيانة ل وللرسول وللمؤمنين ‪ ،‬وتفريط في جنب ال ي تعالى ي فكيف بالوقوع فيها ‪ ..‬والشيطان له على النفس‬
‫مدا خل من هذا الباب ل تح صى ‪ ،‬فهو ل يف تأ يذ كر بال هل والولد والدن يا { إن ما ذل كم الشيطان يخوف أولياءه ‪ ،‬فل تخافوهم وخافون إن‬
‫كنتم مؤمنين } ( آل عمران ‪. ) 75 :‬‬
‫إن على الدعاة أن يدركوا أن نع يم الخرة هو النع يم ‪ ،‬وأن هذه الدن يا ب كل أطايب ها ل ت ساوي ع ند ال جناح بعو ضة ‪ ،‬وعلي هم أن‬
‫يدركوا أنهم ميتون شاءوا أم أبوا ‪ ،‬فليحرصوا على الشهادة ‪ ،‬لنها طريقهم إلى الجنة ‪ ،‬وهذا نزلهم الكريم عند ال ‪.‬‬
‫ويكفيي عزاء لهيل اليمان وهيم على طرييق الشهادة أن يذكروا أنهيم جزء مين القافلة المؤمنية الممتدة فيي عميق التارييخ منيذ‬
‫الخليقة ‪ ،‬والمعنية بقوله ي تعالى ي ‪ { :‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه ‪ ،‬فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ‪ ،‬وما‬
‫بدلوا تبديلً } ( الحزاب ‪. ) 23 :‬‬
‫هذه القافلة لم ي كن من شيمت ها الج بن والخوف والهروب ؛ لن ها كا نت م ستعلية بإيمان ها فوق الظروف ‪ ،‬ل قد ا ستجابت لنداء رب ها‬
‫حين قال ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرًا لعلكم تفلحون } ( النفال ‪ { ، ) 46 :‬يا أيها يا أيها الذين آمنوا‬
‫إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فل تولوهم الدبار } ( النفال ‪. ) 15 :‬‬
‫وحتيى يتمكين المجاهدون مين الثبات والسيتمرار فيي الثبات كان عليهيم أن يفروا إلى ال ‪ ،‬بالعبادة الخالصية ‪ ،‬والذكير الخالي ‪،‬‬
‫والدعاء الواثق ‪ ،‬وأن يتقربوا إليه بالمجاهدة والمراقبة والخلص ‪ ( ،‬فإن تقوى ال أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب )‬
‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ك ما أن علي هم أن يكونوا أ شد احترا سًا من المعا صي من هم من عدو هم ‪ ( ،‬فإن ذنوب الدعاة أخوف علي هم من عدو هم ‪ ، ) ..‬من‬
‫وصية عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص ‪.‬‬
‫إن النفوس المربوطية بالمل العلى ‪ ،‬التيي تعييش ميع ال ‪ ،‬مسيتمدة منيه العون والقوة والعزيمية والمضاء والعزة والباء ‪ ،‬هيي‬
‫نفوس ثاب تة را سخة ‪ ،‬ت ستعذب الموت في سبيل ال ‪ ،‬وإلي ها أشار القرآن الكر يم في كث ير من آيا ته ‪ { :‬إن الذ ين قالوا رب نا ال ثم‬
‫استقاموا ‪ ،‬تتنزل عليهم الملئكة ‪ ،‬أل تخافوا ول تحزنوا ‪ ،‬وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ( فصلت ‪. ) 31 :‬‬
‫وفي معرض التوجيه القرآني للمجاهدين ‪ ،‬وللسباب والخصال التي يجب أن يستكملوها في أنفسهم وفي جماعتهم ‪ ،‬ليتمكنوا من‬
‫الثبات في مواقع هم ‪ ،‬والغل بة على عدو هم ‪ ،‬وب عد أن يقول ي تعالى ي ‪ { :‬يا أي ها الذ ين آمنوا إذا لقي تم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرًا‬
‫لعل كم تفلحون } يتا بع توجيها ته وتو صياته فيقول ‪ { :‬وأطيعوا ال ور سوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذ هب ريح كم ‪ ،‬وا صبروا إن ال مع‬
‫الصيابرين ‪ ،‬ول تكونوا كالذيين خرجوا مين ديارهيم بطرًا ورئاء الناس ويصيدون عين سيبيل ال ‪ ،‬وال بميا يعملون محييط } ( النفال ‪:‬‬
‫‪. ) 47‬‬
‫وتطرح هذه اليات السباب الحقيقية الكامنة وراء النصر والغلبة على العدو ‪ ،‬وال تي ل يمكن لجماعة مؤمنة أن تنت صر بدونها ‪،‬‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي طاعة ال ورسوله ‪:‬‬
‫فالجماعة المؤمنة يجب أن تكون حريصة على طاعة ربها وطاعة رسولها ‪ ،‬تتحرى الحلل الطيب في كل شيء ‪ ،‬وتجتنب الحرام‬
‫الخبيث ‪ ،‬وتلتزم في كل شئونها وأحوالها بشرع ال ‪ ،‬دون أن تقدم بين يديه شرائع الهوى والطاغوت ‪.‬‬

‫( ‪ ) 1‬أخبار عمر للطنطاوي ‪ ،‬من وصية لعمر م رضي ال عنه م ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إن هذه الجماعة هي المعنية بقوله ي تعالى ي ‪ { :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من‬
‫أمرهم ‪ ،‬ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضللً مبينًا } ( الحزاب ‪. ) 36 :‬‬
‫‪ 2‬ي وحدة الصف ‪:‬‬
‫والجما عة المؤم نة بقدر ما تكون حري صة على طا عة ال ور سوله ‪ ،‬بقدر ما تكون حري صة على وحدة ال صف وتما سك كيان ها ‪،‬‬
‫ولحمة أفرادها ‪ ،‬إذ إن وهن النفوس وانحرافها هو السبب المباشر لوهن الصفوف وانفراطها ‪.‬‬
‫والجما عة المؤم نة تب قى م ستعصية على مؤامرات أعدائها ‪ ،‬في مواجهتهم ‪ ،‬كائنًا ما كا نت شرا ستهم وضراوتهم ‪ ،‬ما لم يتش قق‬
‫صفها وتتفرق كلمت ها ‪ ،‬وي صبح بأ سها بين ها ‪ ..‬وع ند ذلك ف قط تكون الطا مة ال كبرى ال تي يحذر رب العالم ين من ها ح ين يقول ‪ { :‬ول‬
‫تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي الصبر ‪:‬‬
‫وإذا كان الشرط الول لثبات الجما عة المجاهدة هو اليمان ‪ ،‬فإن ال صبر ش طر اليمان ‪ ،‬وإن ال صبر بالن سبة للمجاهد ين معراج هم‬
‫إلى ال وسبيلهم إلى النصر على أعداء ال ‪.‬‬
‫فطريق المؤمنين شائك وعر ‪ ،‬بل هو رهيب وخطير ‪ ،‬ل يمكن تجاوزه من غير صبر ‪.‬‬
‫وما يتعرض له المؤمنون فيه من بلء حسي ل يخففه إل الصبر ‪.‬‬
‫وما يصيب المؤمن فيه من نقص في الموال والنفس والثمرات ل يعوضه إل الصبر ‪.‬‬
‫وما ينال المؤمن فيه من ضغوط نفسية وعائلية واجتماعية ل يخففها ويدفعها إل الصبر والحتساب ‪ ،‬وصدق رسول ال ي صلى‬
‫ال عليه وسلم ي حيث يقول ‪ ( :‬عجبًا لمر المؤمن ‪ ،‬إن أمره كله له خير ‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن ‪ ،‬إن أصابته سراء شكر فكان‬
‫خيرًا له ‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ) رواه أحمد في مسنده ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬العداد ‪:‬‬
‫وإذا كان القرآن الكريم قد حفل بكثير من اليات التي تحض المؤمنين المجاهدين على الثبات والعتصام والتوكل والصبر ووحدة‬
‫الصف ‪ ،‬فقد جاء الحض في آية جامعة مانعة صريحة وواضحة على العداد بكل أشكاله ومستوياته وأدواته ‪ ،‬حيث قال ي تعالى ي ‪{ :‬‬
‫وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن ال ل يحب الخائنين ‪ ،‬ول تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم ل يعجزون ‪ ،‬وأعدوا لهم‬
‫ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ال وعدوكم ‪ ،‬وآخرين من دونهم ل تعلمونهم ال يعلمهم ‪ ،‬وما تنفقوا من شيء‬
‫في سبيل ال يوفّ إليكم وأنتم ل تظلمون } ( النفال ‪. ) 59 :‬‬
‫والذين ل يقيمون وزنًا للعداد الحسي واهمين بأن النصر يهبط من السماء ‪ ،‬من غير تملك للسباب وأخذ بالمسببات ‪ ،‬هؤلء أحد‬
‫فريقين ‪ :‬إما أنهم جهلة ضالون يهرفون بما ل يعرفون ‪ ،‬أو منافقون مضلون متآمرون على السلم والمسلمين ‪ ،‬وبخاصة حين ل يكون‬
‫التحدي بالكلمة والمنطق ‪ ،‬وإنما بالقوة والعربدة !! ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬التربية المنية ‪:‬‬
‫كث ير من ال سلميين يعتقدون خ طأ أن ال سلم لم ي عط ( الناح ية المن ية ) أي’ أهم ية سواء في منه جه التربوي و في تشريعا ته‬
‫التنظيمية ‪ ..‬ويفسر هؤلء ( الربانية والتوكل ) تفسيرًا غريبًا ‪ ،‬إذ يعرونهما من الوسائط والسباب التي يجب اتخاذها ابتداء ‪ ،‬بصرف‬
‫الن ظر عن النتائج والحتمالت ‪ ..‬وكأن الربان ية والتو كل ل ها مفهوم ( العفو ية والتوا كل ) ع ند هؤلء الذ ين لم يتعلموا شيئًا من تجارب‬
‫المكر بالسلم على مدار التاريخ القديم والحديث ‪.‬‬
‫والذي يتتبع التشريعات والتوجيهات السلمية عبر الكتاب والسنة ‪ ،‬ومن ثم السلوك السلمي من خلل السيرة النبوية ‪ ،‬سترتسم‬
‫أمامه صورة واضحة للجانب المني في السلم ‪.‬‬
‫ما المقصود بالمن هنا ؟‬
‫ونق صد بال من ( ال سياسة ) ال تي تر سمها ج هة من الجهات وحر كة من الحركات في سبيل المحاف ظة على أمن ها وأ من أفراد ها‬
‫وأجهزتها ‪ ..‬ويدخل ضمن هذا ويتلزم معه قيامها برصد الجهات والحركات الخرى المناوئة لها ‪ ،‬لمعرفة تحركاتها ‪ ،‬وكشف نواياها ‪،‬‬
‫وبالتالي لتتمكن هذه الجهة والحركة من إحباط كل خطة مبيتة ضدها ‪.‬‬
‫موقف السلم من حيث المبدأ ‪:‬‬
‫والسلم من حيث المبدأ يحرض على الخذ بأسباب الحيطة والحذر وعلى عدم إلقاء النفس إلى التهلكة ‪.‬‬
‫ي ففي معرض تربية المؤمنين على الحذر يقول ال ي تعالى ي ‪ { :‬هم العدو فاحذرهم } ( المنافقون ‪ ، ) 4 :‬ويقول ‪ { :‬واحذرهم‬
‫أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك } ( المائدة ) ويقول ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا } ( النساء‬
‫‪. ) 70 :‬‬
‫ي وفي معرض لفت المؤمنين إلى ضرورة كشف مكر أعدائهم يقول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬من تعلم لغة قوم أمن‬
‫مكرهم ) ‪.‬‬
‫ي و في معرض تحذ ير المؤمن ين من ا ستدراج العدو ل هم ‪ ،‬وا ستغلل سلمة القلب عند هم يك شف القرآن أ ساليب العداء فيقول ‪:‬‬
‫{ ويحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون } ( التوبة ‪. ) 57 :‬‬
‫ي و في معرض ترب ية المؤمن ين على حفظ أسرارهم وعدم كشف أوراقهم يقول الر سول ي صلى ال عل يه وسلم ي ‪ ( :‬ا ستعينوا‬
‫على إنجاح الحوائج بالكتمان ) ‪. 1‬‬
‫ولقد كان سلوكه ي صلى ال عليه وسلم ي كذلك في كل العمال والمهمات الكبيرة والخطيرة ‪ ..‬فعندما عقد العزم على فتح مكة ‪،‬‬
‫أمر الناس بالستعداد واستعان على أمره بالكتمان ‪ ،‬وقال ‪ ( :‬اللهم خذ العيون والخبار عن قريش حتى نبغتها في بلدها ) ابن هشام ‪.‬‬

‫أبرز عناصر التربية المنية ‪:‬‬


‫و من خلل ا ستقراء سريع لمقولت ال سلم وممار سات أتبا عه يم كن إثبات أبرز المل مح المن ية ال تي يفرض ها ال سلم في بناء‬
‫الشخصية المسلمة ‪ ..‬من ذلك ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي السرية والتكتم ‪:‬‬
‫فالسلم يدرك أن مكر أعدائه ليس بهين ول بسيط { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ( إبراهيم ‪ ، ) 46 :‬وهو ي حفاظًا على‬
‫سلمة أتباعه وضمانًا لستمرار رسالته ي يعلمهم السرية ويربيهم عليها حتى ل يؤخذوا بسهولة ‪ ،‬ويبطش بهم بعفوية وبساطة ‪.‬‬
‫ي فعند بدء الدعوة كان المسلمون يجتمعون في ( دار الرقم ) دون أن يعرف بهم المشركون ‪ ،‬وكانت هذه ( سياسة ) معتمدة من‬
‫رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي في تلك المرحلة ‪.‬‬
‫ي ويوم عزم رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي على الهجرة إلى المدينة ‪ ،‬خرج مع صاحبه أبي بكر بتكتم شديد ودون أن يعلم‬
‫بخروجهما ووجهتهما إل من وكلت إليه مهمة تتعلق بهذا المر كما سنرى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي التخفي والتمويه ‪:‬‬

‫( ‪ ) 1‬للطبراني في الكبير والبيهقي في شعب اليمان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫وليس أدل على مشروعية التخفي والتمويه في السلم مما فعله رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي في هجرته ‪ .. 2‬ولو لم يكن‬
‫غير هذا الحادث لكفى ‪.‬‬
‫ويستفاد من هذه الرحلة القصيرة ي بين مكة والمدينة ي حسبما ورد في كتب السيرة جملة دروس ( أمنية ) منها ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬إن ( القيادة ) في الحالت القصوى يمكن ي بل يجب ي أن تتخفى وتتوارى عن العيون والنظار ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬كان اختيار ( غار ثور ) بالذات غا ية في التمو يه على قر يش ‪ ،‬ح يث أ نه ل ي قع على طر يق المدي نة ال تي كان ينت ظر أن‬
‫يسلكها رسول ال وصاحبه ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬إن الترتيبات المنية التي اتخذت خلل بقاء رسول ال وصاحبه في الغار كانت بينة التكامل والدقة ‪:‬‬
‫أ ي فقد تم تكليف ( عبد ال بن أبي بكر ) برصد الخبار يوميّا ونقلها إلى الغار ‪.‬‬
‫ب ي وتكليف ( أسماء بنت أبي بكر ) بنقل حاجاتهما من الطعام والشراب ‪.‬‬
‫ج ي وتكل يف ( عا مر بن فهيرة ) بأن ي مر بغن مه م ساء كل يوم ليأخذا حاجاته ما من الل بن ‪ ،‬وليط مس بحوا فر غن مه آثار القدام‬
‫التي تتردد على الغار زيادة وإمعانًا في تضليل قريش ‪.‬‬
‫د ي واستئجار عبد ال بن أريقط الليثي ليكون دليلهما خلل سفرهما إلى المدينة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي الرصد ‪:‬‬
‫لم يكن انتداب رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي لعبد ال بن أبي بكر ‪ ،‬لرصد أخبار قريش وما يدور في مجالسهم ويتردد على‬
‫ألسنتهم ‪ ،‬إجراء خا صّا بمرحلة استثنائية من مراحل الدعوة ‪ ،‬أو ذا دللة خاصة ‪ ..‬بل إن الرصد كان سياسة متبعة في كافة الظروف‬
‫والحوال ‪.‬فرسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي كقائد للجماعة المسلمة كان يريد أن يعرف ويكشف كل ما يجري حوله ‪ ،‬وما يعد له‬
‫ولدعوته وللمسلمين ‪ ،‬ليأخذ كل احتياط ويحبط كل كيد ‪ ،‬بالرغم من تأييد ال له وكشف ( جبريل ) لكثير من خطط المشركين ‪ ،‬وبخاصة‬
‫مؤامرة اغتياله التي حكاها القرآن الكريم بكل وضوح { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ‪ ،‬ويمكرون ويمكر ال‬
‫وال خير الماكرين } ( النفال ‪. ) 30 :‬‬
‫إذا كان شأن المؤيد بالوحي ‪ ،‬أن يأخذ بأسباب الوقاية كلها ‪ ،‬فكيف بمن ل نبي فيهم ‪ ،‬ول وحي يتنزل عليهم ‪.‬‬
‫كانت سياسة الرصد لدى رسول ال تقضي أن يتفرغ لها أكفاؤها وأهل الخبرة فيها ‪ ،‬وذلك لهميتها في الحفاظ على كيان الجماعة‬
‫وأمنها وسلمتها ‪ ،‬ممن يكيدون لها بليل أو نهار ‪.‬‬
‫ويدخل في إجراءات الرصد ما يفرضه السلم من حراسة ورباط على ثغور السلم ومواقعه ( الستراتيجية ) حتى ل تؤتى على‬
‫حين غرة ‪.‬‬
‫فأثناء تأد ية فري ضة ال صلة على جبهات القتال ‪ ،‬أو في الموا قع ال ساخنة أو الح ساسة ‪ ،‬يق ضي التشر يع ال سلمي بفرز مجمو عة‬
‫للمراق بة والحرا سة ‪ ،‬تؤدي صلتها ب عد انتهاء الجما عة ‪ ..‬جاء في سورة الن ساء ‪ { :‬وإذا ضرب تم في الرض فل يس علي كم جناح أن‬
‫تقصروا من الصلة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ‪ ،‬إن الكافرين كانوا لكم عدوّا مبينًا ‪ ،‬وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة ‪ ،‬فلتقم طائفة‬
‫منهيم معيك ‪ ،‬وليأخذوا أسيلحتهم ‪ ،‬فإذا سجدوا فليكونوا مين ورائكيم ‪ ،‬ولتأت طائفية أخرى لم يصيلوا فليصيلوا معيك ‪ ،‬وليأخذوا حذرهيم‬
‫وأسلحتهم ‪ ،‬ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ‪ ( } ...‬النساء ‪. ) 111 :‬‬
‫‪ 4‬ي التربية الجهادية ‪:‬‬

‫( ‪ ) 1‬أوردناها سابقًا كدليل على وجوب التنظيم ‪ ،‬ونوردها هنا كدليل على وجوب المن ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ل عن السباب العامة التي يأمر الجماعة المسلمة بأن تأخذ بها حفاظًا على أمنها وسلمتها ‪ ،‬فإنه يسلك في تربية‬
‫والسلم فض ً‬
‫أفراد هذه الجماعة مسلكًا جهاديّا يجعلها أقوى على معاول الهدم وأصلب في مواجهة المكر ‪ ،‬نذكر منها على سبيل المثال ما يلي ‪:‬‬
‫أ ي تعويد النفس على تحمل الظروف الصعبة قبل وقوعها ‪ ،‬كالتعود على خشونة الطعام والمنام والملبس والمعاملة ‪ ،‬يقول رسول‬
‫ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬تخوشنوا فإن النعم ل تدوم ) ‪ ( ،‬ل تنظروا إلى من هو أعلى منكم بل انظروا إلى من هو أدنى منكم ‪،‬‬
‫حتى ل تزدروا نعمة ال عليكم ) ‪. 1‬‬
‫ب يي التعود على كسير ( روتيين ) العادات اليوميية مين ذهاب وإياب ولباس وركوب ‪ ،‬تمويهًا وتعطيلً لرصيد الراصيدين ومكير‬
‫الماكرين ‪.‬‬
‫ج ي التعود على أن تكون المعرفة بقدر الحاجة فيما يتعلق بشئون الحركة والتنظيم ‪.‬‬
‫د ي التعود على الدقة في العمال والمواعيد ؛ لن اختلل ذلك من شأنه أن يحبط أعمال الدعوة ويوقعها في إشكالت ومخاطر هي‬
‫بغنى عنها ‪.‬‬
‫احتياطات أمنية ‪:‬‬
‫نقت طف ه نا بعضًا من الجراءات المن ية الواردة في ( نشرة بعنوان ال من ) إ صدار منظ مة التحر ير الفل سطينية ‪ ،‬لنرى ك يف ت تم‬
‫تربية الفدائيين المنية في مواجهة العدو والمتربص بهم سواء في فلسطين أو خارجها ‪..‬‬
‫تقول النشرة تحت عنوان ( أمن الفراد ) الفقرة السادسة ‪ ،‬ما يلي ‪:‬‬
‫يجيب إجراء كشيف للمراقبية عنيد أداء كيل مهمية ‪ ،‬وهذه الختبارات ليسيت محدودة ‪ ،‬بيل تتوقيف على المكان والزمان والقدرة ‪..‬‬
‫ونكتفي بأمثلة عليها ‪:‬‬
‫ي السير في شارع مغلق وملحظة من يسير خلفك ‪.‬‬
‫ي العودة إلى نقطة البدء أثناء السير ‪ ،‬ومعرفة من يسير خلفك ‪.‬‬
‫ي السير في شارع قليل الزدحام واستعراض من هم خلفك بطريقة طبيعية غير ملفتة ‪.‬‬
‫ي إسقاط شيء من الجيب أثناء السير بطريقة عفوية كمحاولة لكشف من يسير خلفك ‪.‬‬
‫ي السراع والبطاء أثناء السير بمبرر أو ساتر لكل حركة ‪ ،‬والتوقف ‪ ،‬مع ملحظة من يتأثر بذلك ‪.‬‬
‫ي استعمال ( فاترينات ) المحلت لمراقبة من يقف وراءك أو يسير خلفك ‪ ،‬إلخ ‪.‬‬
‫ي البتعاد عن العناصر المضادة عند أداء أية مهمة ‪ ،‬فل تجري مقابلة في مقهى مزدحم بالناس مثلً ‪.‬‬
‫ي البتعاد عن المشاكل ‪ ،‬سواء في الحي الذي تسكن فيه ‪ ،‬أو في مركز العمل ‪ ،‬أو أثناء أداء المهمة ‪ ،‬حتى ل تلفت النظر إليك ‪،‬‬
‫ح يث يه تم الناس بمعر فة مث ير المشا كل ومراقب ته ولو من باب الفضول ‪ ..‬و قد يؤدي الوقوع في مشكلة أثناء أداء المه مة إلى كشف ها‬
‫وتعطيلها ‪.‬‬
‫ي البتعاد عن الممنوعات المن ية ( كالت صوير في أما كن ممنوع في ها الت صوير ) أو ( ال سير في أما كن ممنوع في ها ال سير ) ول‬
‫تقف طويلً عند ثكنات عسكرية أو غير ذلك ‪.‬‬

‫( ‪ ) 1‬وعن عائشة م رضي ال عنها م قالت ‪ ( :‬دخلت عليّ امرأة من النصار ‪ ،‬فرأت فراش رسول‬ ‫‪1‬‬

‫ال م صلى ال عليه وسلم م قطيفة مثنية ‪ ،‬فبعثت إليّ بفراش حشوه الصوف ‪ ،‬فدخل عليّ رسول ال فقال‬
‫‪ :‬ما هذا يا عائشة ؟ قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فلنة النصارية دخلت فرأت فراشك فذهبت فبعثت إليّ‬
‫بهذا ‪ ،‬فقال ‪ :‬رديه يا عائشة ‪ ،‬فوال لو شئت لجرى ال معي جبال الذهب والفضة ) رواه البيهقي ‪.‬‬
‫ي ل ت كن أ سير عادة معي نة ‪ ..‬كأن تتعود طريقًا معينًا ع ند العودة إلى الب يت أو الخروج م نه ‪ ،‬أو تتعود قضاء الحوائج من مكان‬
‫واحد ل يتغير ‪ ،‬أو تتعود وسيلة واحدة من وسائل النتقال ‪.‬ز أو تتعود على ارتداء زي ولباس واحد ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬
‫ي حمل الثبات الشخصي والمستند المؤيد باستمرار ‪.‬‬
‫ي ل تحمل أوراقًا تتعلق بالعمل في جيبك إل عند لزومها ‪ ،‬وتأكد عند كل مساء من الوراق التي في جيبك ‪.‬‬
‫ي ل تكتب أسماء رفاقك وزملئك ‪ ،‬وحاول أن تكون كتابتك في المفكرة الخاصة مشفرة ‪. 1‬‬

‫*********************‬

‫ميتيفيرقيات‬

‫‪ •0‬تخلف العقلية التنظيمية ‪.‬‬


‫‪ •0‬النقد وأصوله الشرعية ‪.‬‬
‫‪ •0‬كيف ندير اجتماعًا تنظيميّا ‪.‬‬
‫‪ •0‬المحاسبة اليومية وأصولها ‪.‬‬

‫تيخيليف اليعقيلييية اليتينيظيييمييية‬

‫مين المشكلت الخطيرة التيي ابتلي بهيا العميل السيلمي المعاصير ‪ ،‬تخلف العقليية التنظيميية عين المسيتوى الذي يفرضيه الشرع‬
‫ويتطلبه العصر ‪ ،‬وكثير ممن ابتلوا بهذا المرض الخطير يحاولون تلمس مبررات شرعية لرتكاسهم التنظيمي هذا ‪.‬‬
‫والمقصود بتخلف ( العقلية التنظيمية ) عدم استيعابها للصول والقواعد التنظيمية ‪ ،‬وبالتالي خروجها على هذه القواعد والصول‬
‫‪.‬‬
‫والمقصود بتخلف ( العقلية التنظيمية ) كذلك ‪ ،‬خروجها على ( منطق الولويات ) فيما هو كائن وفيما ينبغي أن يكون ‪ ،‬وبالتالي‬
‫قيامها بالممارسات الكيفية التي قد تكون متصادمة مع أبسط ( أبجديات ) التنظيم ‪.‬‬

‫( ‪ ) 1‬يمكن الرجوع إلى عشرات الكتب والمؤلفات والنشرات التي صدرت مؤخرًا حول موضوعات المن‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ..‬من ذلك ( الموسوعة العسكرية ) المجلد الول ‪ ،‬موضوع ‪ :‬المن ‪.‬‬


‫والمق صود بتخلف العقل ية التنظيم ية أيضًا ‪ ،‬عدم قدرت ها على ت صنيف وتوز يع التراكمات الحرك ية والمقولت الفكر ية ضمن أطرها‬
‫وحدودها ‪ ،‬سواء في التصور والتفكير ‪ ،‬أو في التخطيط والتنفيذ ‪ ،‬مما يجعلها متداخلة مهتزة ‪ ،‬وغير واضحة أو مفهومة ‪.‬‬
‫والمقصود بتخلف العقلية التنظيمية ‪ ،‬عدم تمكنها من تحديد الكيف والكم ‪ ،‬والتوفيق بين الكيف والكم ‪ ،‬سواء في مجال العمل أو‬
‫مجال القول ‪ ،‬مما يحدث بالنتيجة خللً بالغًا وضررًا أكيدًا ‪.‬‬
‫والمقصود بتخلف العقلية الحركية ي فوق هذا وذاك ي عدم تقديرها للوقت ‪ ،‬وبالتالي عدم استفادتها منه الستفادة الصحية ‪ ،‬مما‬
‫يجعل الوقت والزمن يمشي لغير مصلحة السلم ‪ ،‬ويصب في غير مصلحة السلم ‪ ،‬إذ إن أعداء السلم ل يفترون لحظة عن العداد‬
‫وتنمية القدرات وتصيد السوانح والمناسبات لليقاع بالسلم وأهله ‪.‬‬
‫كل ذلك يع ني أن ارتكاس العقل ية التنظيم ية معناه ارتكاس الع مل ال سلمي ‪ ،‬وبالتالي ارتكاس الحر كة ال سلمية ‪ ،‬ذلك أن الع مل‬
‫السلمي ل يمكن أن يبلغ الم ستوى المطلوب ويح قق الهدف المنشود ما لم يقم على قواعد تنظيم ية محك مة في ش تى ميادي نه التربو ية‬
‫والحركيية والسيياسية والجهاديية ‪ ،‬وميا لم تتعهده وترعاه ذهنيات منظمية قادرة على وضيع المور فيي مواضعهيا ‪ ،‬مكلوءة فوق ذلك‬
‫بتوفيق ال وهداه ‪.‬‬
‫إن الم ستقرئ ل سيرة المصطفى ي صلى ال عل يه وسلم ي ‪ ،‬لكل خطرة من خطرا ته ‪ ،‬ولكل خطوة من خطوا ته ‪ ،‬ت تبين له معالم‬
‫التنظيم في أسمى وأدق صورة ‪ ،‬فمثالً على ذلك أنه في هجرته ي عليه السلم ي مع أبي بكر تبدو طائفة من اللفتات التنظيمية الجديرة‬
‫بالدراسة والتأمل والتأسي ‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي طلبه إلى علي بن أبي طالب المبيت في سريره لتضليل المشركين ريثما يكون قد غادر مكة وبلغ غار ثور ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي اختياره غار ثور الذي يقع في اتجاه معاكس لطريق المدينة ‪ ،‬زيادة وإمعانًا في تضليل المشركين الذين كانوا يدركون أنه‬
‫نهاجر إلى المدينة ل محالة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي تكليفه عبد ال بن أبي بكر بنقل ما يجري في مكة من أخبار ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي تكليفه أسماء بنت أبي بكر بتأمين الطعام ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي تكليفه عامر بن فهيرة ‪ ،‬أن يرعى غنمه نهارًا ‪ ،‬ويريحها عليهما ليلً ليأخذا حظهما من اللبن ‪ ،‬ولتُطمس بحوافر الغنام آثار‬
‫القدام التي تتردد على الغار ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي استئجاره رجلً من المشركين ليكون دليلً لهما على طريق المدينة ‪.‬‬
‫فإذا كان رسيول ال يي صيلى ال علييه وسيلم يي وهيو المؤييد بالوحيي ‪ ،‬المسيدد بهدي العلييم الخيبير ‪ ،‬قيد اتخيذ جملة ترتيبات‬
‫ومجمو عة إجراءات في واحدة من عشرات الحوادث ‪ ،‬ف ما بال العامل ين لل سلم اليوم ي و قد انق طع الو حي وأشكلت المور ‪ ،‬وادله مت‬
‫الجواء بك يد العداء ي ل ي ستنيرون ب سنة ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ول يقتفون أثره ‪ ،‬فتكون ل هم أع ين يب صرون ب ها ‪،‬‬
‫وآذان يسمعون بها !! بل ما بالهم ل يتعلمون من عدوهم دقة التنظيم وحسن التنظيم والقدرة على التنظيم !!! ‪.‬‬
‫إن ال سلم يريد نا أن نكون ق مة في كل ش يء ‪ ،‬في أمور دين نا و في أمور دنيا نا ‪ ،‬فالدن يا مط ية الخرة ‪ ،‬إن لم نح سن امتطاء ها‬
‫وتسخيرها في مصلحة السلم ‪ ،‬سخرها أعداؤنا ضدنا ونالوا بها منا ومن إسلمنا ‪ ،‬كما هو حاصل اليوم ‪.‬‬
‫إن ال خذ بأ سباب القوة الح سية ي والتنظ يم أ هم هذه ال سباب ي فري ضة شرع ية ‪ ،‬ل يجوز تعطيل ها أو إهمال ها بدل يل قول ال ي‬
‫تعالى ي ‪ { :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ثم بدليل نص نبوي ل مجال لتأويله ‪ ،‬وهو قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إن ال‬
‫يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه ) ‪ ،‬والحقيقة أنه ل إتقان من غير تنظيم ‪ ،‬بالغ ما بلغت الطاقات والمكانات ‪ ،‬إذ العبرة بالكيف‬
‫ل بالكم ‪ ،‬والتنظيم جوهر الكيف ومادته الولى والهم ‪.‬‬
‫إن العامليين فيي الحقيل السيلمي مطالبون بتنميية قدراتهيم التنظيميية مثلميا هيم مطالبون بتنميية قدراتهيم اليمانيية والفكريية ‪،‬‬
‫ومطالبون بال ستفادة من كل ما تفت قت ع نه العقول من و سائل ونظريات وتقنيات في فن التنظ يم والدارة والبرم جة والرش يف امتثالً‬
‫لقوله يي صيلى ال علييه وسيلم يي ‪ ( :‬الحك مة ضالة المؤ من ‪ ،‬أ نى وجدهيا فهيو أحيق بهيا ) ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬خذوا الحكمية مين أي وعاء‬
‫خرجت ) ‪.‬‬

‫***********************‬

‫الينيقيد وأصيوليه اليشيرعييية‬

‫من المسلمات والبديهيات أن الناس يتفاوتون في عقولهم ومداركهم وقدراتهم ‪ ،‬وأن اختلف الرأي بينهم أمر طبيعي ‪.‬‬
‫و من ي ستقرئ التار يخ ال سلمي م نذ البع ثة النبو ية ح تى اليوم ‪ ،‬يتأ كد له ب ما ل يحت مل ال شك أن الم سلمين ب صورة عا مة ‪ ،‬وأ هل‬
‫الحل والعقد منهم بصورة خاصة ‪ ،‬كانوا يتفاوتون في الحكم على القضية الواحدة ‪ ،‬وإن جاءت اجتهاداتهم كلها ضمن دائرة الشرع وفي‬
‫إطار السلم ‪.‬‬
‫وتبعًا لختلف الراء وتبا ين الجتهادات حول ما ي ستجد من أمور وأحداث ‪ ،‬تبرز ظاهرة ما ي سمى بل غة الع صر ( الن قد ) وب ما‬
‫يسمى بلغة القرآن ( التواصي بالحق ) ‪.‬‬
‫والتوا صي بال حق ( أو الن قد ) من الواجبات الشرع ية الرات بة على كل م سلم رأى عيبًا أو انحرافًا من فرد أو جما عة أو دولة أو‬
‫حكام ‪ ،‬امتثالً لمير ال يي تعالى يي ‪ { :‬ولتكين منكيم أمية يدعون إلى الخيير ويأمرون بالمعروف وينهون عين المنكير ‪ ،‬وأولئك هيم‬
‫المفلحون } ‪ ،‬وعملً بقول الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪ ( :‬من رأى من كم منكرًا فليغيره بيده ‪ ،‬فإن لم ي ستطع فبل سانه ‪ ،‬فإن لم‬
‫ي ستطع فبقل به وهذا أض عف اليمان ) و في روا ية ‪ ( :‬ول يس وراء ذلك ح بة خردل من إيمان ) ‪ ،‬وقوله ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪:‬‬
‫( الساكت عن الحق شيطان أخرس ) ‪.‬‬
‫ل عن‬
‫وعلى هذا انطل قت م سيرة ال سلم عبر التار يخ ‪ ،‬يع صمها من النحراف صدق التو جه إلى ال ‪ ،‬وشد يد المراق بة له ‪ ،‬فض ً‬
‫حسن التواصي بالحق بين المسلمين ‪ ،‬يقول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬المؤمن أخو المؤمن ل يدع نصيحته على كل حال )‬
‫وجاء في الثر ‪ ( :‬حق المؤمن على أخيه ‪ :‬أن يبين له الحق إذا احتاج ‪ ،‬ويشد عزمه إذا أصاب ‪ ،‬وأن يشكر له إذا أحسن ‪ ،‬ويذكّره إذا‬
‫نسي ‪ ،‬ويرشده إذا ذل ‪ ،‬ويصحح له إذا أخطأ ‪ ،‬ويجامله في الحق ‪ ،‬ول يسايره على الباطل ‪ ،‬المؤمن هادٍ ودليل ومعين وأمين ) ‪.‬‬
‫شيروط النيقيد ‪:‬‬
‫والسلم حين يوجب على المسلمين أن يتواصوا بالحق ‪ ،‬فإنه يضع لذلك شروطًا محددة ويوجب التقيد بها واعتمادها ‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي تحري الصدق ‪:‬‬
‫وذلك بأن يتحرى الخ الم سلم ال صدق لدى ممار سته للن قد ‪ ،‬وأن ي تبين المور ‪ ،‬وي ستطلع صحة الشائعات والمقولت ‪ ،‬ف كم من‬
‫شائعات لم يكن لها في الحقيقة أ صل ‪ ،‬وكم من مقولت صاغها وضخمها كثرة تناقل اللسنة لها من غير تحرّ لحقيقتها ‪ ،‬وحسبنا أن‬
‫نسمع في هذا السياق حديث رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حيث يقول ‪ ( :‬كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت‬
‫له كاذب ) رواه البخاري ‪.‬‬
‫فل يجوز أن يبنى النقد على الظن والشك ‪ ،‬بل ل بد لذلك من قرائن ثابتة ‪ ،‬وأدلة قطعية بدليل قوله ي صلى ال عليه وسلم ي ‪( :‬‬
‫إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) رواه البخاري ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي تحري القصد ‪:‬‬
‫بمع نى أن ي ستطلع الخ البوا عث ال تي تدف عه إلى توج يه الن قد ‪ ،‬خوفًا من أن يخالط ها ش يء من هوى الن فس ‪ ،‬ك حب التش في‬
‫والنتقام والتحقير ‪ ،‬أو ما شاكل ذلك من مقاصد ذميمة ‪.‬‬
‫إن على الخ المسلم أن يتوقف عن النقد فورًا إن لم تكن البواعث واضحة في نفسه ‪ ،‬وإن لم يطمئن إلى أنه مدفوع إلى ذلك ابتغاء‬
‫ل صالحًا ول يشرك بعبادة ربه أحدًا } ‪.‬‬
‫وجه ال ‪ ،‬ومصلحة السلم والغيرة على الخرين ‪ { ،‬فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عم ً‬

‫‪ 3‬ي تحري السلوب ‪:‬‬


‫فالخ المسيلم مدعيو إلى أن يتحرى السيلوب القوم ‪ ،‬والتعيبير الكرم ‪ ،‬فيي إسيداء النصيح ‪ ،‬فشرط التواصيي أن يكون بالحيق ل‬
‫بالباطل ‪ { ،‬وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } ‪.‬‬
‫ي يحسن بالخ الناصح أن يسدي الن صح لخيه على انفراد ؛ لن ذلك أوقع في نفسه ‪ ،‬وأحوط من دخول الشيطان إل يه ‪ ،‬و صدق‬
‫علي بن أبي طالب حيث يقول ‪ ( :‬النصح بين المل تقريع ) ‪.‬‬
‫ي ويحسن بالخ الناصح أن يسدي النصح لخيه بأدب واستحياء وخفض جناح ‪ ،‬وأن يتخير الكلمة الطيبة والعبارة الكريمة التي‬
‫يوجهها لخيه ‪ ،‬فكم من كلمة لم يُلق النسان إليها بالً أورثت أحقادًا وعداوات ‪ ،‬وتسببت بانفصام عرى أخوة إلى البد ‪ ،‬فليحاذر الخوة‬
‫سقطات الل سان ‪ ،‬وليذكروا قول نبيهم ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪ ( :‬ل ي ستقيم إيمان ع بد ح تى ي ستقيم قل به ‪ ،‬ول ي ستقيم قل به ح تى‬
‫يستقيم لسانه ) رواه أحمد ‪.‬‬
‫ي ويح سن بالخ أن يكون رفيقًا رقيقًا مع أخ يه { ولو ك نت فظّ ا غل يظ القلب لنفضوا من حولك } ‪ ،‬والغل ظة والفظا ظة في الن قد‬
‫وإ سداء الن صح مدعاة إلى إغلق القلوب و صم الذان ‪ ،‬بين ما الر فق يف تح النفوس ل سماع الن صيحة والتأ ثر ب ها ‪ ،‬وبالتالي يح قق الخ ير‬
‫الذي من أجله شرع النصح ‪ ،‬وصدق رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي حيث يقول ‪ ( :‬إن ال ي عز وجل ي ليعطي على الرفق ما ل‬
‫يعطي على الخرق ي الحمق ي وإذا أحب ال عبدًا أعطاه الرفق ) رواه الطبراني ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي تحري الموضوعية ‪:‬‬
‫وعلى الخ الناصيح أن يقدم بيين يدي نصييحته الدلييل الشرعيي الذي يث بت رأييه ووجهية نظره ‪ ،‬وأن يكون في نقاشيه ميع أخييه‬
‫موضوعيّ ا معتد ًل ‪ ،‬بعيدًا عن التطرف والغلو ‪ ،‬ح تى ل يتحول ال مر إلى مراء وجدال ‪ ،‬تتح كم ف يه الهواء والمز جة ‪ ،‬وتحر كه أ صابع‬
‫الشيطان حيث تتمزق وشائج القربى في ال ‪ ،‬وتقع الطامة الكبرى والعياذ بال ‪ ،‬وإلى هذا أشارت الية الكريمة ‪ { :‬وما اختلفتم فيه من‬
‫شيء فحكمه إلى ال } ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي رحابة الصدر ‪:‬‬
‫وأخيرًا فإن المطلوب من الخ المسلم ي ناصحًا ومنصوحًا ي أن يتحلى بالصبر ورحابة الصدر ‪ ،‬وأن يكون رائد الفريقين مرضاة‬
‫ال رب العالمين ‪ ،‬فضلً عن التماس الحق ‪ ،‬واللتزام به ‪ ،‬وليس ي أبدًا ي غلبة فريق على فريق واستعلء واحد على آخر ‪.‬‬
‫وليسمع الجميع ما كان يردده عمر بن الخطاب ي رضي ال عنه ي ‪ ( :‬أحب الناس إليّ من أهدى إليّ عيبي ) ‪.‬‬
‫***********************‬

‫كيييف نيديير اجيتيمياعـا تينيظيييمييـًا‬

‫قد ي ستغرب الب عض تناول نا لهذه الموضوعات وأمثال ها بالدرس والتحل يل ‪ ،‬ويظنون أن ها أمور ثانو ية وبديه ية ول تحتاج إلى هذا‬
‫الجهد والعناء ‪ ،‬والحقيقة أنني أخالف الذين يذهبون مذهب التبسيط للمور التنظيمية ‪ ،‬ول يولونها كبير اهتمام ‪ ،‬فكل عمل من العمال‬
‫ي مهما كان بسيطًا ي ل يمكن أن يكون ناجحًا وذا فائدة ما لم ينفّذ بإتقان ‪.‬‬
‫ثم إننا في عصر الحداث فيه تسابق الزمن ‪ ،‬وأعداء السلم يخططون بدقة متناهية ‪ ،‬وكل تخلف في التخطيط ‪ ،‬وتخبط في التنظيم‬
‫‪ ،‬وقصور في التصور ‪ ،‬سيؤدي حتمًا إلى تعثر في التنفيذ ‪ ،‬وتبديد للطاقات وضياع للوقات ‪.‬‬
‫إن انتظام أعمال الجماعات يبدأ من انتظام اجتماعات ها ال صغيرة ‪ ،‬وإتقان مشروعات ها المحدودة ‪ ،‬ك ما أن الف شل يم كن أن يبدأ من‬
‫الفوضى في هذه أو تلك ‪.‬‬
‫إننيا يمكين أن نحكيم على مسيتوى جماعية مين الجماعات مين خلل مجرى جلسية واحدة مين جلسياتها ‪ ،‬أو تنفييذ مشروع مين‬
‫مشروعاتها ‪ ،‬فإذا كانت البداية جيدة فما بعدها سيكون أكثر جودة ‪ ،‬أما إذا كانت سيئة فما بعدها سيكون حتمًا أكثر سوءًا ‪.‬‬
‫والجتماعات التنظيميية يمكين اعتبارهيا بحيق مفتاح النجاح أو الفشيل لعمال الجماعات ‪ ،‬وهذا ميا يفرض توفير عدة عواميل‬
‫لنجاحها ‪ ،‬من هذه العوامل ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي التقيد بموعد الجتماع ‪:‬‬
‫إن أول معول فيي هدم الجتماع تأخره عين الموعيد المحدد له ‪ ،‬ولو كان هذا التأخير دقائق معدودات !! والعقليية التيي تسيتهتر‬
‫بالدقيقة يمكن أن تستهتر بالساعة أو بحساب الزمن كله ‪ ،‬وإن العقلية التي ل تتقيد بدقائق الزمن ل تتقيد بدقائق الشرع ‪ ،‬أو قد تتعود‬
‫الخروج على كل القيود تباعًا ‪.‬‬
‫والوقت في حكم الشرع والعرف كالعهد ينبغي المحافظة عليه والوفاء به وعدم الستهانة به أو نقضه { وأوفوا بالعهد ‪ ،‬إن العهد‬
‫كان مسئولً } ( السراء ‪. ) 34 :‬‬
‫وي صف القرآن الكر يم المؤمن ين بقوله ‪ { :‬والموفون بعهد هم إذا عاهدوا } ( البقرة ‪ { ، ) 176 :‬والذ ين هم لمانات هم وعهد هم‬
‫راعون } ( المؤمنون ‪. ) 8 :‬‬
‫وحين يصف رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي المنافق يقول ‪ ( :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا ائتمن خان ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي رحمانية الجتماع ‪:‬‬
‫إن الحرص على رحمانية الجتماعات يمنحها ي بدون أدنى شك ي بركة من ال وتوفيقًا وسدادًا منه ‪ ،‬وعدم تحقق الرحمانية من‬
‫شأنه أن يجعل الجتماعات على كف شيطان ‪ ،‬ل تكاد تنتهي إلى خير أو تحقق خيرًا ‪.‬‬
‫ولذلك و جب تحض ير النفوس للجتماع ‪ ،‬ح تى ل تنع قد الجل سة و في النفوس ها جس من هوا جس إبل يس يم كن أن يف سد الجواء‬
‫ويحقق البلء ‪.‬‬
‫فبدء الجتماع بال ستعاذة من الشيطان الرج يم ‪ ،‬وتلوة ش يء من القرآن الكر يم ‪ ،‬والتو جه إلى ال بالدعاء ‪ ،‬من شأ نه أن يجعله‬
‫محفوفًا بتوفيق ال ‪ ،‬كما يجعله لقاء تتنزل فيه السكينة ‪ ،‬وتغشاه الرحمة وتحفه الملئكة ‪ ،‬ويذكره ال فيمن عنده ‪.‬‬
‫وليس عبثًا أو جزافًا أن يقرر رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إن كل عمل لم يبدأ ببسم ال فهو أقطع أو أبتر ) ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي موضوعية المناقشات ‪:‬‬
‫ومما يساعد على نجاح الجتماعات وفاعلية المناقشات ‪ ،‬غلبة الموضوعية عليها ‪ ،‬وبعدها عن المزاجية والنفعالية ‪ ،‬وهذا يفرض‬
‫ملحظة عدة أمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬تحديد جدول بالموضوعات المراد بحثها ومناقشتها في بدء الجلسة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬عدم النتقال من موضوع إلى آخر قبل النتهاء منه بقرار ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬عدم العودة إلى بحث موضوع انتهي منه ‪ ،‬إل إذا اقتضت ذلك مبررات وضرورات ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬تأجيل مناقشة كل موضوع لم يتحقق تمحيص جوانبه ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬اعتماد أسلوب تقديم الراء المكتوبة ‪ ،‬وبخاصة لدى مناقشة الموضوعات الهامة والخطيرة ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬اعتماد أسلوب توزيع البحوث مكتوبة على العضاء قبل الجتماع بفترة كافية لدراستها ووضع الملحوظات عليها ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي أدب المناقشة ‪:‬‬
‫إن المناقشة حتى تحقق إغناء الموضوع بالراء السليمة ‪ ،‬وحتى تحقق كشف سلبياته وإيجابياته ‪ ،‬وصولً إلى اتخاذ القرار السليم‬
‫بشأنه ‪ ،‬ل بد لها من عدة عوامل ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬تحاشي استخدام العبارات الساخرة ‪ ،‬والمحقرة للرأي ‪ ،‬والمبادرة إلى العتذار إذا وقع ما يسيء ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬الصغاء إلى كل رأي يطرح ‪ ،‬مهما كان خاطئًا ‪ ،‬وعم مقاطعة صاحبه ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬أن ل تتسم بطابع المساجلت الشخصية ‪ ،‬وغلبة فريق على فريق ‪.‬‬
‫رابعها ‪ :‬ملحظة ضرورة خفض الصوات ما أمكن ‪.‬‬
‫خامسها ‪ :‬أن ل يعتد كل واحد برأيه ‪ ،‬وإنما بتواضع الجميع ‪ ،‬وباستعدادهم للتنازل عن آرائهم للرأي المثل والصوب ‪ ،‬يرفعهم‬
‫ال ‪ ،‬ويوفقهم لختيار المثل والصوب ‪.‬‬
‫سادسها ‪ :‬تنزيه الجتماعات والمناقشات عن أساليب الغمز واللمز والغيبة والنميمة والمناورات ‪ ،‬وغيرها من الصفات المرذولة ‪.‬‬
‫هذه ب عض عوا مل إن توفرت كان الجتماع ناجحًا معطاء ‪ ،‬وكا نت أجواؤه مشب عة بالب شر وال مل ‪ ،‬وإن لم تتو فر كان بؤرة سم ل‬
‫يفرز إل العقم والشؤم ‪ ،‬والعياذ بال من الشيطان الرجيم ‪.‬‬

‫*********************‬
‫اليميحياسيبية اليييومييية وأصيوليهيا‬

‫ومن واجبات الخ الداعية أن يتابع نفسه وروحه بما يصلحها ويزكيها ‪ ،‬وعليه أن ل يتساهل أو يلين في مراقبتها ومحاسبتها ؛‬
‫لن النفس أمارة بالسوء ‪ ،‬ومداخل الشيطان إليها أكثر من أن تحصى ‪ ( ،‬الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ‪ ،‬والعاجز من أتبع‬
‫نفسه هواها وتمنى على ال الماني ) ‪.‬‬
‫و من و صايا عمر بن الخطاب في هذا المعنى قوله ‪ ( :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ‪ ،‬وزنوها ق بل أن توزنوا وتهيئوا للعرض‬
‫الكبر ) ‪.‬‬
‫إن ضغوط الجاهلية التي يواجهها الداعية في حياته كثيرة ومتعددة ‪ ،‬فهو يشعر بغربته وشذوذ المجتمع من حوله ‪ ،‬وهو يحس بأن‬
‫كل مظا هر المدن ية الحدي ثة ل يس ل ها إل هدف الغواء والغراء ‪ ،‬وتقو يض الق يم والم ثل العل يا ‪ ،‬وتدم ير الخلق والمكارم ‪ ،‬وإشا عة‬
‫الرذائل والفواحش في المجتمع ‪.‬‬
‫وهو لذلك بحاجة ماسة إلى ( صيانة ) نفسه من التأثر والنحراف ‪ ،‬ليقوى على المضي في الطريق الذي يرضي ال ‪ ،‬وليتمكن من‬
‫مكافحة الجاهلية وتسديد الضربات القاضية إليها على كل صعيد ‪.‬‬
‫ومسألة الصيانة هذه إن لم تتخذ في حياة الخ شكلً جديّا فستبقى ي ل محالة ي كلمة فارغة ليس لها في وجوده أدنى مدلول أو‬
‫تأثير ‪.‬‬
‫من أ جل ذلك أقترح على الخوة ‪ ،‬سواء كانوا أفرادًا مبتدئ ين ‪ ،‬أو دعاة لمع ين ‪ ،‬أو قادة وم سئولين ‪ ،‬أن يكون ل هم مع أنف سهم‬
‫موعد يومي للمحاسبة والصيانة ‪ ،‬وأقترح أن تجري المحاسبة يوميّا على المور التالية ومدى التزام الخ بها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي إن قيام الليل ( مدرسة روحية ) ل تفوّت ‪ ،‬ومولد للطاقة اليمانية ل يعدله آخر ‪ ،‬ول غنى عنه بسواه ‪ ،‬وهذا سر قول ال ي‬
‫تعالى ي ف يه ‪ { :‬إن ناشئة الل يل هي أشد وطئًا وأقوم قيلً } ‪ ..‬ف هل ق مت شيئًا من ليل تك الفائ تة ‪ ،‬نافلة لك ع سى أن يبع ثك ر بك مقامًا‬
‫محمودًا ؟ أم أنك كنت من الغافلين النائمين ‪ ،‬ساعة ينزل ربنا ي تبارك وتعالى ي في ثلث الليل الخير فيقول ‪ ( :‬هل من مستغفر فأغفر‬
‫له ؟ من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ ) ‪.‬‬
‫ثم أ ين أ نت يا أ خي من الذ ين و صفهم ال ي تعالى ي بقوله ‪ { :‬تتجا فى جنوب هم عن المضا جع } ‪ { ،‬كانوا قليلً من الل يل ما‬
‫يهجعون } ‪ { ،‬أمّن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه ‪ ،‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون ‪،‬‬
‫إنما يتذكر أولو اللباب } ‪.‬‬
‫روى الطبراني في الكبير ‪ ،‬عن سلمان الفارسي ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬عليكم‬
‫بقيام الليل ‪ ،‬فإنه دأب الصالحين قبلكم ‪ ،‬ومقربة لكم إلى ربكم ‪ ،‬ومكفرة للسيئات ‪ ،‬ومنهاة عن الثم ‪ ،‬ومطردة للداء عن الجسد ‪. ) ..‬‬
‫‪ 2‬ي ثم هل تعلم يا أخي بأن ل ملئكة يتعاقبون فينا بالليل والنهار ‪ ،‬وأنهم يجتمعون في صلة الفجر والعصر ‪ ،‬ثم يعرجون إلى‬
‫السماء ‪ ،‬فيسألهم ال ي وهو أعلم بهم ي ‪ :‬كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون ‪ :‬تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ‪ ..‬فهل أديت‬
‫صلة الفجر في وقتها مع الجماعة ‪ ،‬فكنت من الذين قال فيهم رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬من صلى الصبح فهو في ذمة‬
‫ال ‪ ،‬فانظر يا ابن آدم ‪ ،‬ل يطلبنك ال من ذمته شيء ) رواه مسلم ‪.‬‬
‫روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إن أثقل صلة على‬
‫المنافق ين صلة العشاء و صلة الف جر ‪ ،‬ولو يعلمون ما فيه ما لتوه ما ولو حبوًا ‪ ،‬ول قد هم مت أن آ مر بال صلة فتقام ‪ ،‬ثم آ مر رجلً‬
‫فيصلي بالناس ‪ ،‬ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم ل يشهدون الصلة ‪ ،‬فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي واعلم يا أخي أن قل بك بحاجة إلى عذب من مع ين القرآن ‪ ،‬يمن حه السكينة والطمأني نة ويك سبه الشفاف ية والرهاف ‪ ،‬وإن‬
‫المؤمنين هم الذين لهم قلوب حية نابضة مرهفة ‪ { ،‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم } ‪ ..‬فهل قرأت وردًا من القرآن بعد‬
‫صلة الفجر وذكرت ال خاليًا متضرعًا حتى فاضت عيناك ؟؟ أم أنك من الذين طال عليهم المد فقست قلوبهم فهي كالحجارة ؟!! ‪.‬‬
‫ألم تسمع يا أخي بقول ال ي تعالى ي ‪ { :‬إن قرآن الفجر كان مشهودًا } ‪ ،‬وبقول الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬إن الذي‬
‫ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ) رواه الترمذي ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه ‪ ،‬غير أنه ل‬
‫يوحى إليه ‪ ،‬ل ينبغي لصاحب القرآن أن يجد ي أي أن يغضب ي مع من وجد ‪ ،‬ول يجهل مع من جهل ‪ ،‬وفي جوفه كلم ال ) رواه‬
‫الحاكم ‪ ،‬ثم ل تنسى أن تقرأ القرآن وكأنه يتنزل عليك لول مرة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي وحين تجلس على مائدة الطعام فهل فكرت قليلً في الغاية التي من أجلها تأكل ‪ ،‬وفي هذه النعم والطيبات التي هيأها لك ال‬
‫لتكون غذاء وقوة تعينك على شكره وطاعته ‪ ،‬وتمدك بالقوة للجهاد في سبيله ؟ ‪.‬‬
‫ثم هل دققت في المصادر التي حصلت منها على هذه الطعمة والشربة وتحريت عن الحلل الطيب منها وتعففت عن الحرام الخبيث‬
‫؟‪.‬‬
‫‪ 5‬ي وحين تخرج من بيتك ‪ ..‬ينبغي أن تدرك أن السلم دين عمل ل كسل ‪ ،‬ودين سعي ل بطالة ‪ ،‬وإن من واجبك كمسلم أن‬
‫ل مكتسبًا ‪ ،‬فهل قمت اليوم بقسطك من هذا الجهاد ‪ ،‬وأديته بإتقان وإخلص ‪ ،‬عملً‬
‫تنتشر في الرض وتبتغي من فضل ال متاجرًا عام ً‬
‫بقوله ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪ ( :‬إن ال ي حب من أحد كم إذا ع مل الع مل أن يتق نه ) ‪ ،‬ثم هل طهرت مالك بالنفاق على الفقراء‬
‫والمساكين وأصحاب الحاجات ‪ ،‬وأديت الزكاة المفروضة فيه عليك ‪ ،‬وكنت بذلك من الشاكرين ؟ ‪.‬‬
‫روى البخاري عن المقداد بن يكرب عن النبي ي صلى ال عليه وسلم ي أنه قال ‪ ( :‬ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من‬
‫عمل يده ‪ ،‬وإن نبي ال داود ي عليه السلم ي كان ل يأكل إل من عمل يده ) ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي وفي الشوارع التي تمر بها ‪ ،‬وفي المجتمعات التي تغشاها ‪ ،‬هل كنت دائم المراقبة ل ؟؟ ‪..‬‬
‫ي هل وقع بصرك على حرام فغضضته واستغفرت ال ‪ ،‬لعلمك بأن النظرة الولى لك والثانية عليك ‪ ،‬وأن النظرة سهم من سهام‬
‫إبليس ؟ ‪.‬‬
‫ي هل دعتك امرأة ذات منصب وجمال فأعرضت وقلت ‪ :‬إنني أخاف ال ‪ ،‬ثم رددت بينك وبين نفسك ‪ { :‬ربّ السجن أحب إل يّ مما‬
‫يدعونني إليه ‪ ،‬وإل تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } ؟ ‪.‬‬
‫ي هل تحريت في تجارتك الحلل من الرزق ‪ ،‬وإن كان قليلً ؟ ‪.‬‬
‫ي هل فرط منك ما تعتبره مخالفة شرعية ؟ ‪.‬‬
‫ي هل ا ستشعرت في كل ع مل رقا بة ال ‪ ،‬ووزن ته بميزان ال سلم ‪ ،‬وتور عت عن الشبهات ‪ ،‬وك نت من المتق ين الذ ين عنا هم‬
‫الر سول ي صلى ال عل يه و سلم ي بقوله ‪ ( :‬ل يبلغ الع بد أن يكون من المتق ين ح تى يدع ما ل بأس به حذرًا م ما به بأس ) رواه‬
‫الترمذي ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي والن اسأل نفسك عن مدى استفادة السلم من ظروف عملك ‪ ،‬هل يشعر زملؤك بأثرك السلمي فيهم ؟ هل قمت بزيارتهم‬
‫في منازلهم لتوثيق الصلة بهم ومحاولة اجتذابهم إلى الفكرة وإلى الحركة ؟ ‪.‬‬
‫إن من واجبك أن تتحرك في كل ميدان ‪ ،‬وأن تترك وراءك أثرًا إسلميّا في كل مكان ‪ ،‬واذكر دائمًا قول الرسول ي صلى ال عليه‬
‫ل واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها ) وفي رواية ‪ .. ( :‬من حُمر النعم ) ‪.‬‬
‫وسلم ي ‪ ( :‬لئن يهدي ال بك رج ً‬
‫إن لديك يا أخي متسعًا من الوقت خارج وقت عملك ‪ ،‬وإن من واجبك أن تقدم منه قسطًا وافرًا لدعوتك ‪ ،‬والوقت كالسكين إن لم‬
‫تقطعه قطعك ‪ ،‬ووصية الرسول ي صلى ال عليه وسلم ي في هذا قوله ‪ ( :‬نعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم‬
‫فتعلمها إياه ) رواه الطبراني ‪.‬‬
‫روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي أن رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي قال ‪ ( :‬من دعا إلى هدى‬
‫كان له من الجر مثل أجور من تبعه ‪ ،‬ل ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من اتبعه ل‬
‫ينقص ذلك من آثامهم شيئًا ) ‪.‬‬
‫‪ 8‬ي ثم ل تن سى أن ت سأل نف سك عن الوقات ال تي توفر ها وتنظم ها لتنم ية ثقاف تك ال سلمية والعا مة ‪ ،‬فأ نت تع يش في مجت مع‬
‫تشعبت ثقافاته ‪ ،‬وتعددت اتجاهاته ‪ ،‬وتباينت أفكاره وتصوراته ‪ ،‬وهذا مما يفرض عليك الحاطة بما حولك من أفكار وتصورات لتتمكن‬
‫من التحليل والتشخيص والمناقشة والنقد والصلح ‪.‬‬
‫ي فهل طالعت شيئًا عن السلم طيلة هذا اليوم ؟ ‪.‬‬
‫ي هل قرأت شيئًا تعتبره مفيدًا لثقافتك العامة الفكرية والسياسية ؟ ‪.‬‬
‫روى ا بن ع بد البر في كتاب ( العلم ) عن معاذ بن ج بل ي ر ضي ال ع نه ي قال ‪ :‬قال ر سول ال ي صلى ال عل يه و سلم ي ‪:‬‬
‫( تعلموا العلم ‪ ،‬فإن تعلمه ل خشية ‪ ،‬وطلبه عبادة ‪ ،‬ومذاكرته تسبيح ‪ ،‬والبحث عنه جهاد ‪ ،‬وتعليمه لمن ل يعلمه صدقة ‪ ،‬وبذله لهله‬
‫قر بة ؛ ل نه معالم الحلل والحرام ‪ ،‬ومنار سبل أ هل الج نة ‪ ،‬و هو الن يس في الوح شة ‪ ،‬وال صاحب في الغر بة ‪ ،‬والمحدّث في الخلوة ‪،‬‬
‫والدليل على السراء والضراء ‪ ،‬والسلح على العداء ‪ ،‬والزين عند الخلء ‪ ،‬يرفع ال به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتفى‬
‫آثارهم ‪ ،‬ويقتدى بفعالهم ‪ ،‬وينتهى إلى رأيهم ‪. ) ..‬‬
‫والن اسأل نفسك عن مدى استعدادها للبذل والتضحية في سبيل ال ‪ ..‬إن أثقالً كثيرة تشدك إلى الحطام وتمرغك في الرغام ‪ ،‬فهل‬
‫حاولت أن تتخفف من هذه الثقال وتتحرر من سلطانها عليك ؟ ‪.‬‬
‫ي إن الخوف على الحياة ثقل يقعد بك عن الجهاد في سبيل ال ‪ ..‬ينبغي أن تتحرر منه ‪.‬‬
‫ي وإن الخوف على المصلحة المادية ثقل يحول بينك وبين التفرغ لدعوتك وإسلمك يجب أن تتخلص منه ‪.‬‬
‫ي وإن التعلق بالزوجة والولد والهل والعشيرة أثقال تعيق عن النطلق يجب التفلت من سلطانها ‪.‬‬
‫إن عل يك في كل الحوال أن تغلب م صلحة ال سلم على كل م صلحة ‪ ،‬وتخ ضع أهواءك ل ما جاء به الشرع ‪ ،‬وتكون م ستعدّا دائمًا‬
‫وأبدًا للموت في سبيل ال ‪.‬‬
‫روى البخاري ومسلم عن عبد ال بن أبي أوفى ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬اعلموا‬
‫أن الجنة تحت ظلل السيوف ) ‪ ،‬وروى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬سمعت رسول ال ي صلى ال‬
‫عل يه و سلم ي و هو على الم نبر يقول ‪ ( :‬وأعدوا ل هم ما ا ستطعتم من قوة ‪ ..‬أل إن القوة الر مي ‪ ،‬أل إن القوة الر مي ‪ ،‬أل إن القوة‬
‫الرمي ) ‪.‬‬
‫وروى الترمذي عن أبي هريرة ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬قال رسول ال ي صلى ال عليه وسلم ي ‪ ( :‬من لقي ال بغير أثر من‬
‫جهاد لقي ال وفيه ثلمة ) ‪.‬‬
‫‪ 10‬ي وأخيرًا ل آخرًا ‪ ..‬هل فكرت في هذا الجسد ‪ ،‬في حقه عليك ‪ ،‬وفيما ينبغي أن توفره له ليكون قويّا جلدًا قادرًا على تحمل‬
‫أعباء السفر الطويل والجهاد المرير ؟ ينبغي أن تدرك أن المؤمن القوي خير وأحب إلى ال من المؤمن الضعيف ‪.‬‬
‫ي فهل أديت بعض التمارين الرياضية ( المنظمة ) هذا الصباح ‪.‬‬
‫ي هل مارست شيئًا من الرماية والسباحة ‪ ،‬وركوب الخيل والدراجة والسيارة ‪ ،‬والسير ؟ ‪.‬‬
‫ي هل حاولت المتناع عن كل ما يرهق البدن ويتعبه ‪ ،‬فاقتصدت في السهر والكل والشراب ‪ ،‬وامتنعت تمامًا عن التدخين وتناول‬
‫القهوة والشاي ؟ ‪.‬‬
‫إن عليك يا أخي أن تعد نفسك لتكون جنديّا في معركة السلم ‪ ،‬بكل ما تتضمنه كلمة الجندية من معنى ‪ ،‬وال يتولى الصالحين ‪،‬‬
‫ويهدينا جميعًا سواء السبيل ‪.‬‬

‫*******************‬

You might also like