Professional Documents
Culture Documents
ناشر الموضوع
ناشر الموضوع
ناشر الموضوع
-أولهما :تطور طرق معالجة المعلومات كما وكيفا ،فمن حيث الكم يمكن
بواسطة الحاسوب التعامل مع معلومات كثيرة سواء في موضوع واحد أو
موضوعات مختلفة ومن حيث الكيف يمكن فرزها وفهرستها وتحليلها
وفق معطيات محددة ،إضافة إلى تيسر البحث السريع وسهولة الوصول
إلى المعلومات المطلوبة في مدة وجيزة.
د
وهذا دون أن نغفل عن الشارة إلى الشبكة العالمية للمعلومات التي تع ّ
بحق محيطات واسعة تتلطم فيها أمواج المعارف والمعلومات ويختلط
فيها الثمين بالخسيس ،أو هي كما وصفها أحد الباحثين" :الغابة الكثيفة
من مراكز تبادل المعلومات التي تختزن وتستقبل وتبث جميع أنواع
المعلومات في شتى فروع المعرفة وفي جوانب الحياة كافة ،من قضايا
الفلسفة وأمور العقيدة إلى أحداث الرياضة ومعاملت التجارة ،ومن
مؤسسات غزو الفضاء وصناعة السلح إلى معارض الفن ونوادي تذوق
الموسيقا ،ومن الهندسة الوراثية إلى الحرف اليدوية ،ومن البريد
اللكتروني إلى البث العلمي ،ومن المؤتمرات العلمية إلى مقاهي
الدردشة وحلقات السمر عن بعد ،ومن صفقات بورصة نيويورك إلى
مآسي المجاعات والوبئة في أرجاء القارة السوداء" )(1
أدت كل هذه الوسائل الجديدة إلى تغيير طرق تداول المعرفة ،فمن
العتماد على الطباعة والنشر الورقي المعروف إلى التوسل بالنشر
اللكتروني مما يوفر إمكانية الحصول على المعلومات المطلوبة بسرعة
فائقة بغض النظر عن الزمان والمكان ،إضافة إلى سهولة طبعها
ونسخها ،فصار في وسع الباحث في ظرف وجيز الوصول إلى المعارف
التي كان يستغرق سلفه لتحصيلها مدة شهور.
وإذا كان لهذه الوسائل أوجه إيجابية فإنها ل تخلو من سلبيات لعل من
أكثرها بروزا ً تيسير سبل الغش والقرصنة على قليلي الوازع ومنعدمي
الضمير ،فقد ظهر هنا وهناك في أنحاء العالم بل في بعض البلد العربية
باحثون انتحلوا دراسات ومقالت من مواقع على الشبكة العالمية أما
تلمذة المدارس وطلبة الجامعات فحدث عن البحر ول حرج حيث صارت
الشبكة العالمية ملذهم إن كلفوا بواجب أو ألزموا بفرض(2) ..
ول يقف المر عند هذا الحد إذ تطرح الوسائل التقنية تحديات أخرى أكثر
عمقا ً وخطورة على الثقافة العربية السلمية المؤسسة منذ قرون على
تداول المعارف والمعلومات بواسطة الكتاب المخطوط قديما ً والمطبوع
حديثا ً سواء في مصادر التشريع كالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة
أو تراث المة بمختلف مناحيه(3) .
وفي العصر الحديث وتبعا ً للتطور الهائل الذي شهدته تقنيات الحاسوب
والمعلومات وإقبال الناس على تداولها والستعانة بوسائل التخزين
الرقمي ،ظهرت شركات ومراكز عربية وجهود فردية نشطت في إصدار
موسوعات رقمية وإعداد مواقع إلكترونية على الشبكة العالمية؛ خصصت
للقرآن الكريم بنصه وتفاسيره وقواعد ترتيله ،وكتب الحديث سواء
المتون أو المسانيد أو الصحاح إضافة إلى كتب الجرح والتعديل وطبقات
الرجال والمصطلح وكتب العقيدة والفقه والتفسير والصول والسيرة..
زيادة على كتب التاريخ والداب واللغة والمعاجم والفهارس والشعار )
...(4نقلت في أغلبها من نسخ محققة وتم حذف مقدمات التحقيق
وهوامشه وشابت نسخها أخطاء لغوية ومطبعية كثيرة تؤدي –في أحيان
كثيرة –إلى تغيير المعاني المقصودة.
وقد انتشر استعمال هذه القراص المدمجة بشكل كبير بين الباحثين
وساعد على ذلك سهولة قرصنتها ونسخها رغم بعض الوسائل التقنية
التي وضعت للحيلولة دون ذلك ،واعتمدها المتخصصون في أبحاثهم
فأوقعتهم في أخطاء ل تغتفر ،خاصة في ما ارتبط بأصول التشريع من
قرآن وحديث وفقه وعقيدة مما ل يستغني الباحث فيه عن مراجعة
الكتب الموثقة المحققة.
فحسب اطلعنا ،ل تتوفر الشركات العاملة في هذا المجال –في البلد
العربية –على علماء معتمدين في قراءة النصوص المخزنة ومراجعتها من
الناحيتين اللغوية والعلمية وإجازتها حتى تصبح وسيلة معتمدة موثقة،
ولعل أجلى دليل على ذلك كون القراص المطروحة الن في السواق ل
تورد اسم هيئة علمية محكمة تقوم بالمراجعة والتدقيق ،على غرار ما
نجد في الموسوعات الغربية التي تدرج أسماء المشاركين في النجاز
سوء كانوا باحثين أو تقنيين مع ذكر رتبهم العلمية) ،(6بل إن الشركات
تعمد –كما أشرنا –إلى بتر التوثيق العلمي للكتاب بحذف مقدمة التحقيق
وهوامشه –ربما تنصل من أداء حقوق التأليف للمحققين –فحينما يتم
البتعاد عن الكتاب المحقق والتعامل مع الوسائط التقنية التي تصبح
مجال ً للزيادة والنقص والحذف والضافة ،انطلقا ً من كونها غير موثقة،
يصبح التراث في خطر وتصبح مصادر التشريع مهددة بالتحريف
والتشويه .خاصة في هذه المرحلة التي تعد انتقالية بين جيلين مختلفين
جيل من الباحثين الذين درسوا التراث وقرؤوه في مصادره الصلية
وأسهموا في إخراج كثير من نصوصه تعليقا ً وفهرسة وتحقيقًا ،ول تكاد
توجد لهم صلة بالتقنيات الحديثة للمعلومات بل ينظر إليها بعضهم بعين
الريبة والتوجس ،وجيل الباحثين المبتدئين الذين تمرسوا في استعمال
الوسائل التقنية وتطويعها وأقبلوا على الستعانة بها في بحوثهم
ودراساتهم دون تثبت.
مما يدفعنا للقول إننا ربما نقف مستقبل ً على نسخ مشوهة نتيجة
الهمال والسهو أو النية المبيتة لعداء المة لكتب هامة في التراث أو
لمصادر التشريع ،القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ،ول بد أن
يؤخذ مأخذ الجد ما أشار إليه الباحثون في هذا المجال من كون الشبكة
د
ّ تستع العالمية على الخصوص مجال ً لحرب ثقافية ستخسرها المة إن لم
لها وتتخذ التدابير اللزمة ،يقول الدكتور نبيل علي مشيرا ً إلى هذا
الخطر الداهم:
إن صيانة مصادر التشريع والحفاظ على التراث يستدعيان تضافر جهود
العلماء المتمكنين وتقنيي الوسائط الرقمية وعملهم جنبا ً إلى جنب في
حفظ النصوص وتوثيقها وإخراجها بناء على المقاييس العلمية
المضبوطة ،ومن المهم أن يكون ذلك بإشراف مؤسسات علمية مسؤولة
ل تسعى للربح وإنما للنفع العام ،تعمل على تداول مصادر التشريع
والتراث الشرعي والعقدي والفكري والدبي ،وتضع ضوابط وقواعد
لنشر الكتب بطريقة رقمية وتقوم بالمراجعة والتدقيق على غرار عمل
المؤسسات في طباعة ونشر القرآن الكريم ومؤسسات الفقه والفتاء
وتجيز أو تقر ما وافق تلك الضوابط ،حتى يقبل الباحثون والمهتمون
على تداوله وهم مطمئنون إلى سلمته وخلوه من كل شائبة .وبهذا
العمل تقدم لمصادر التشريع وللتراث العربي السلمي خدمة جلى تجنبه
التحول إلى وسيلة للربح والمضاربة .وحتى يكتسب المصداقية العلمية
ويصبح أساسا ً متينا ً يمكن العتماد عليه من الناحيتين العقدية والعلمية.
إن مشكل الثقة أضحى مطروحا ً على الصعيد العالمي بحدة بالنسبة
للشبكة العالمية للمعلومات المبنية على التحول والتغير كل يوم بل كل
ساعة ،بحيث تطرح أسئلة عديدة حول مصداقيتها ،فما الذي يجعل
المنشور على الشبكة صحيحا ً ودقيقًا؟ ما المستند الذي يجعلنا نأخذ
بالخبار والمعلومات والمعارف التي نجدها في المواقع المختلفة ،هل
هي معارف ومعلومات موثقة صحيحة تعتمد ،أم هي مجرد أخبار يستأنس
بها؟ وإلى أي حد يمكن العتماد على هذه المعلومات في الدراسات
والبحوث؟ وكيف تتم الحالة عليها ،خاصة أن المواقع تتغير وقد تختفي
في اللحظة الموالية للطلع عليها؟
الهوامش:
)– (1الثقافة العربية وعصر المعلومات ،د .نبيل علي ص 94– 93 :سلسلة
عالم المعرفة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب
بالكويت العدد 276إصدار ثان ديسمبر .2001
) (2من مظاهر الغش اعتمادا ً على الشبكة العالمية مما تناقلته وكالت
النباء :قيام تلميذ بعد أن كلف بفرض في الرياضيات بتوجيه السئلة عن
طريق النترنيت إلى أحد المختصين في حلقة نقاش ليقوم بحلها نيابة
عنه .غير أن أستاذه استطاع كشفه لن الجوبة التي قدمها كانت في
غاية الدقة بحيث ل يستطيع تلميذ في مثل مستواه حلها على ذلك النحو.
) (3لم ينتبه الباحثون إلى هذه المحاذير والتحديات التي تجابه الثقافة
العربية السلمية في اعتمادها على التقنيات الحديثة ،ينظر مث ً
ل :عالمنا
العربي ومستقبل النشر اللكتروني ،سليمان إبراهيم العسكري ،مجلة
العربي العدد 506 :يناير ،2001ص.13 :
) (4توجد على الشبكة العالمية للمعلومات مواقع خاصة بالشعر تحوي
مئات اللف من البيات لكنها غير موثقة من الناحية العلمية وكثيرا ً ما
يعثر فيها الباحث على أخطاء وتصحيفات واختلل في الوزان العروضية،
ول توجد ضمن هذه المواقع إحالة على مصدر الشعار ول إشارة لمراجعة
علمية أو لغوية!!
) (5ظهر مؤخرا ً اختراع جديد سمي بالكتاب اللكتروني ،وهو عبارة عن
علبة مستطيلة مزودة ببطارية للطاقة وتتوفر على شاشة وأزرار
للتصفح وتمكن من تخزين عدة كتب رقمية ومطالعتها في أي وقت ليل ً
أو نهارا ً مع إمكانية تحميل الكتب من الشبكة العالمية للمعلومات.