Professional Documents
Culture Documents
أنواع العبادات في الإسلام
أنواع العبادات في الإسلام
اللببه أنكببم كنتببم تختببانون أنفسببكم فتبباب عليكببم وعفببا عنكببم فببالن
باشروهن وابتغوا ما كتب اللببه لكببم وكلببوا واشببربوا حببتى يتبببين لكببم
الخيط البيض من الخيط السود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل(
)البقرة .(187:
فقد بينت هذه اليبة الكريمبة حقيقبة الصبيام المبأمور ببه فبي اليبات
قبلها ،وبينت مدته كذلك.
فقد أباحت الية المباشرة بين الرجال والنساء ،أي الزواج والزوجبات،
معللة ذلك بقوله) :هن لباس لكم وأنتم لباس لهن( ،كما أببباحت الكببل
والشرب كذلك طوال الليل ،حتى يتبين الفجر ،ثم أمرت بإتمام الصيام
من الفجر إلى الليل ،ويدخل بغروب الشمس ،كما سيأتي.
يؤكد ذلك من الحببديث الصببحيح :قببوله صببلى اللببه عليببه وسببلم -فيمببا
يرويه عن ربه عز وجل " :-كل عمل اببن آدم لبه ،إل الصبوم ،فبإنه لبي
وأنا أجزي به يدع طعامه وشهوته من أجلي" )متفق عليه.(،
وفي بعض روايات الحديث" :يدع طعامه مببن أجلببي ،ويببدع شببرابه مببن
أجلي ،ويببدع شببهوته مببن أجلببي ،ويببدع زوجتببه مببن أجلببي" )رواه ابببن
خزيمة في صحيحه(.
فبا لبدى العببرب قبببل السببلم، ويبدو أن هذا المعنى للصوم كبان معرو ً
فقد صح أنهم كانوا يصومون عاشوراء في الجاهلية ،تعظيما له ،ولهببذا
لما أمرهم النبي صلى الله عليببه وسببلم بصببيام عاشببوراء ،ثببم أمرهببم
بصيام رمضببان كمببا فببي قببوله تعببالىُ ) :
كتببب عليكببم الصببيام( فهمببوا
المعنى المقصود ،وبادروا إلى تنفيذه.
ولما سأل العرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن السلم ،فبذكر لبه
الصلوات الخمس وصوم رمضان ،لم يسأله عن معنى الصوم ،لنه كببان
ي غيره؟.
معلوما لديه ،ولكن سأله :هل عل ّ
هذا الصوم السلمي هببو أفضببل أنببواع الصببيام ،الببذي عرفهببا البشببر،
فبعض أصحاب الديان يصومون عن كل ذي روح فقط ،ويأكلون مببا ل بذّ
وطاب من ألوان الطعام والشراب ،كما ل يصومون عن شهوة الفرج.
ما ،فيجهد البدن ،ويشق على النفس ،ول ما يمتد أيا ً وبعضهم يصوم صيا ً
صببة ،أمببا الصببيام الببواجب فببي السببلم فهببو لكببل
يقببدر عليببه إل الخا ّ
المسلمين المكلفين ،خاصتهم وعامتهم
حكمة الصوم
3
عا هم الفقراء إليه ،فهو إن الله تعالى غني عن العالمين ،وعباده جمي ً
سبحانه ل تنفعه طاعة ،كما ل تضببره معصببية ،فالحكمببة فببي الطاعببة
عائدة إلى مصلحة المكلفين أنفسهم.
-2أن الصبيام ،وإن كبان فيببه حفببظ لصبحة الببدن -كمببا شببهد ببذلك
ضا :إعلء للجببانب الروحببي علببى الجببانبمختصون -ففيه أي ًالطباء ال ُ
المادي في النسببان ،فالنسببان -كمببا يصببوره خلببق آدم -ذو طبيعببة
مزدوجبة ،فيبه عنصبر الطيبن والحمبأ المسبنون ،وفيبه عنصبر البروح
اللهي الذي نفخه الله فيه ،عنصر يشده إلى أسفل ،وآخر يجذبه إلببى
أعلى ،فإذا َتغّلب عنصر الطين هبط إلى حضيض النعام ،أو كان أضل
سبيل ،وإذا تغلب عنصر الروح ارتقى إلى أفق الملئكة ،وفي الصببوم
انتصار للروح على المادة ،وللعقل على الشهوة.
ولعل هذا سر الفرحة اليومية التي يجدها كل صببائم كلمببا وفببق إلببى
إتمام صوم يوم حتى يفطر ،والتي عبر عنها الحديث النبوي" :للصائم
فرحتان يفرحهما :إذا أفطر فرح بفطره ،وإذا لقي ربه فرح بصببومه"
)متفق عليه ،اللؤلؤ والمرجان .(707-
4
صببا
وللصوم تأثيره في كسر هذه الشهوة ،وإعلء هذه الغريزة ،وخصو ً
إذا دووم عليه ابتغاء مثوبة الله تعالى ،ولهذا وصفه النبي صببلى اللببه
عليه وسلم للشباب الذي ل يجد نفقات الزواج ،حببتى يغنيببه اللببه مببن
فضله ،فقال.:
"يا معشببر الشبباب مبن اسببتطاع منكببم الببباءة فليببتزوج ،فبإنه أغبض
للبصر ،وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم ،فإنه له وجاء"
)رواه البخاري عببن ابببن مسببعود فببي كتبباب الصببوم وغيببره ،ومسببلم
5
-5ومن حكم الصوم :إشعار الصائم بنعمة الله تعالى عليه ،فببإن إل ْببف
النعم يفقد النسان الحساس بقيمتهببا ،ول يعببرف مقببدار النعمببة إل
عند فقدها ،وبضدها تتميز الشياء.
وقال العلمة ابن الهمام :إنه لما ذاق ألم الجوع فببي بعببض الوقببات،
ذكر من هذا حاله في عموم الوقات ،فتسارع إليه الرقببة عليببه )فتببح
القدير .(42/2-
وفي هذا التذكير العملي الببذي يببدوم شببهًرا ،مببا يببدعو إلببى الببتراحم
والمواساة والتعاطف بين الفراد والطبقببات بعضببهم وبعببض ،ولهببذا
ُروي في بعض الحاديث تسمية رمضان "شهر المواسبباة" )روى ذلببك
من حديث سلمان عند ابن خزيمة في صحيحه ،وفي إسناده علببي بببن
زيد بن جدعان( .وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيببه أجببود بببالخير
من الريح المرسلة )فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما(.
ومن أجل هذا كان من أفضل مببا يثبباب عليببه :تفطيببر الصببائم ،وفببي
الحديث" :من فطر صائما كان له مثل أجره ،غير أنه ل ينقص من أجر
6
الصببائم شببيًئا" )رواه أحمببد والترمببذي وابببن مبباجه وابببن حبببان فببي
صحيحه عن زيد بن خالد ،كما في صحيح الجامع الصغير .(6415-
-7وجماع ذلك كله :أن الصيام يعدّ النسان لدرجة التقببوى ،والرتقبباء
في منازل المتقين ،يقول المام ابن القيم:
)وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظبباهرة ،والقببوى الباطنببة،
وحميتها عن التخليط الجالب لهببا المببواد الفاسببدة الببتي إذا اسببتولت
عليها ،أفسدتها ،واستفراغ المبواد الببرديئة المانعبة لهببا مبن صببحتها،
فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ،ويعيد إليها مببا اسببتلبته
منها أيدي الشهوات ،فهببو مببن أكبببر العببون علببى التقببوى كمببا قببال
تعالى) :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كمببا كتببب علببى الببذين
من قبلكم لعلكم تتقون( ) -البقرة -185:زاد المعاد .(29/2
روى أبو هريرة عن رسول اللببه صببلى اللببه عليببه وسببلم" :مببن صببام
رمضان إيماًنا واحتساًبا غفر له ما تقدم من ذنبه ..ومن قببام رمضببان
إيماًنا واحتساًبا غفر له ما تقدم من ذنبه" )متفق عليه من حديث أبي
هريرة(.
نواع الصيام
والصيام من حيث حكمه أنواع:
فمنببه الفببرض ،ومنببه التطببوع ،وبعبببارة أخببرى :منببه الببواجب ،ومنببه
المستحب ،ومنه المحرم ،ومنه المكروه.
ومنه
:ما هو واجب بإيجاب الشخص على نفسه ،وهو صيام النذر.
ثم قال) :شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينببات مببن
الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه( )البقرة .(185:
وفي السنة :روى عمر في حديث جبريل المشهور عنه صلى الله عليببه
دا رسببول اللببه،
وسلم "السلم أن تشببهد أن ل إلببه إل اللببه ،وأن محمب ً
وتقيببم الصببلة ،وتببؤتي الزكبباة ،وتصببوم رمضببان ،وتحببج البببيت إن
استطعت إليه سبيل" )رواه مسلم وأبو داود والترمببذي والنسببائي عببن
عمر ،وروى نحوه أحمد والشيخان وابن مبباجه عببن أبببي هريببرة ،ورواه
عا ،كما فببي صببحيح الجببامع الصببغير النسائي عن أبي هريرة وأبي ذر م ً
وزياداته لللباني برقمي .(2775،2776-
ونحوه :حديث ابن عمر المشهور المتفببق عليببه ،الببذي يحفظببه خببواص
المسلمين وعوامهم" :بني السلم علببى خمببس "..وعببد منهببا" :صببوم
رمضان" )متفق عليه من حديث ابن عمببر ،كمببا فببي اللؤلببؤ والمرجببان
فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي ،طب .الحلبي ،الحديث
رقم .(9
وحديث أبي هريرة :أن أعرابًيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقببال:
دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ،قال" :تعبببد اللببه ،ل تشببرك بببه
شيًئا ..وتصوم رمضان) "..متفق عليه كما في المصدر السابق ،رقم (8
الحديث.
وحديث طلحة بن عبيد الله عببن الرجببل النجببدي الببذي جبباء يسببأل عببن
السلم فذكر له الصلوات الخمس ،ثم قببال" :وصببيام رمضببان" .قببال:
ي غيره؟ قال" :ل ،إل أن تطوع) "..متفق عليه -المصدر نفسه، هل عل ّ
رقم .(6الحديث.
8
ول يعذر في هذا إل من كببان حببديث عهببد بالسببلم ،ولببم يتهيببأ لببه أن
طى فرصة ليتفقه في الدين ،ويعلببم مببا عدُ أصول فرائضه ،فيع َيعرف ب َ ْ
لببم يكببن يعلببم ،وهببذا واجببب عليببه ،وهببو كببذلك حقببه علببى جماعببة
صا القريبين منه.المسلمين ،وخصو ً
متى فرض الصيام؟
فرض الصيام -كمعظم شرائع السلم -في المدينة بعد الهجرة.
فقد كان العهد المكي عهد تأسببيس العقببائد ،وترسببيخ أصببول التوحيببد
ودعائم القيم اليمانية ،والخلقية ،في العقببول والقلببوب ،وتطهيرهببا
من رواسب الجاهلية في العقيدة والفكر والخلق والسلوك.
أما بعد الهجرة ،فقد أصبح للمسلمين كيان وجماعة متميزة ،ت ُن َببادى بببب:
)يا أيها الذين آمنوا( فشرعت عندئذ الفرائض ،وحدت الحدود ،وفصببلت
الحكام ،ومنها :الصيام.
وبعد ذلك بخمس سنوات أو أكثر فرض الصبيام ،أي فبي السبنة الثانيبة
من الهجرة وهي السنة التي فرض فيهببا الجهبباد فتببوفى النبببي صببلى
9
الله عليبه وسبلم وقبد صبام تسبعة رمضبانات )زاد المعباد ) (30/2طبب.
مؤسسة الرسالة ،بتحقيق شعيب وعبد القادر الرناؤوط(.
وفي هذا جاء قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصببيام كمببا
كتب على الذين من قبلكبم لعلكبم تتقبون .أيامبا معبدودات فمبن كببان
ضا أو على سفر فعدة من أيببام أخببر وعلببى الببذين يطيقببونه منكم مري ً
فدية طعام مسكين فمن تطوع خيًرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكببم
إن كنتم تعلمون( )البقرة.(183،184 :
وفي ذلك نزل قوله تعالى) :شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هببدى
للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شببهد منكببم الشببهر فليصببمه
ضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكببم اليسببر
ومن كان مري ً
ول يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم
تشكرون( )البقرة .(185:
وكذلك روى البخاري عن عبد الله بن عمر ،وعبد الله بن مسعود مثله.
وقد وقع لرجل من النصار أنه كان يعمل طول يومه ،فلما حضر وقببت
الفطار انطلقت امرأته لتطلب لببه الطعببام ،فلمببا حضببرت وجببدته قببد
مببا ،وعنببدما انتصببف
غلبته عينه مببن الجهببد ونببام ،دون أن يتنبباول طعا ً
النهار في اليوم التالي غشي عليه من شدة المشقة.
كما روي أن بعض الصحابة -ومنهم عمر وكعب بن مالببك -قببد أصببابوا
من نسائهم بعد ما ناموا ،أو نامت نساؤهم ،وشق عليهم ذلببك ،وشببكوا
للنبي صلى اللببه عليببه وسببلم ،فبأنزل اللببه اليببة الكريمببة الببتي تمثببل
المرحلة الثالثة التي استقر عليها أمر الصيام ،وهي قوله تعالى) :أحل
لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكببم وأنتببم لببباس لهببن
علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتباب عليكبم وعفبا عنكبم فبالن
باشروهن وابتغوا ما كتب اللببه لكببم وكلببوا واشببربوا حببتى يتبببين لكببم
الخيط البيض من الخيط السود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليببل
ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فل تقربوهببا
كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون( )البقرة .(187:
دا ،فقد أباح لهم الرفث -أي الجمبباع - حا شدي ًففرح بها المسلمون فر ً
والطعام والشراب في جميع الليل ،إلببى تبببين الفجببر ،رحمببة ورخصببة
قا ،وعفا عما وقع منهم من تجاوزات. ورف ً
لماذا فرض الله الصوم شهًرا قمرًيا؟
11
-3أن الشهر القمري يتنقل بين فصول العام ،فتارة يكون في الشتاء،
وطوًرا يكون في الصيف ،وكذا في الربيع والخريببف ،فمببرة يببأتي فببي
أيام البرد ،وأخرى في شدة القيظ ،وثالثة في أيببام العتببدال ،وتطببول
أيامه حيًنا ،وتقصر حيًنا ،وتعتدل حيًنا.
وبذلك يتاح للمسببلم ممارسببة الصببوم فببي البببرد والحببر ،وفببي طببوال
اليام وقصارها.
وفي هذا توازن واعتدال من ناحية ،وإثبات عملي لطاعة المسلم لربببه
وقيامه بواجب العبادة له في كل حين ،وفي كل حال.
ما
الشهر ) (29أو ) (30يو ً
ما ،ثبت ذلك
ما ،ول يزيد عن 30يو ً
والشهر القمري ل ينقص عن 29يو ً
بنصوص الشرع ،كما ثبت باستقراء الواقع.
وسواء كان الشهر ثلثين أم تسعة وعشرين ،فإن الجر عند الله واحببد
في الصيام والقيام والعمل الصالح ،وهذا معنى الحديث المتفق عليببه:
"شهران ل ينقصبان ،شبهًرا عيبد :رمضبان وذو الحجبة" )انظبر :اللؤلبؤ
والمرجان .(659-وإنما خصهما بالذكر لتعلق فريضبتين عظيمبتين مبن
فرائض السلم بهما ،فالول شهر الصوم ،والثاني شهر الحج.
عا
وقد قال ابن مسعود :ما صمنا مع النبي صلى اللببه عليببه وسببلم تس ب ً
وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلثيببن )أبببو داود 2322-والترمببذي 689-
وأحمد 3776-و 3840و 3871وغيرها(.
وإذا كان الله تعالى قد فرض صيام رمضان -وهو شهر قمببري -فمببن
لزم ذلك أن يكون ثبوت دخوله بظهور الهلل في الفق ،فببالهلل هببو
العلمة الحسية لدخول الشهر ،وفي هذا يقول القرآن) :يسببألونك عببن
الهلة قل هي مواقيت للناس والحببج( )البقببرة (189:وكببذلك خروجببه
بظهور هلل شوال.
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ،قببال :صببوموا لرؤيتببه
غِبي عليكببم فببأكملوا عببدة شببعبان)أي الهلل( ،وأفطروا لرؤيته ،فإن َ
ثلثيببن" )متفببق عليببه ،اللؤلبؤ والمرجببان ،656 - ،ومعنببى " َ
غِببي" :مببن
الغباء ،وهو الغبرة في السماء(.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال:
م عليكببم "ل تصوموا حتى تروا الهلل ،ول تفطروا حتى تروه ،فببإن ُ
غب ّ
م" :أي خفبي وغطببى سبحاب أو فاقدروا له" )نفسه ،653-ومعنى " ُ
غب ّ
قترة أو غير ذلك(.
وكان هذا رحمة بالمببة ،إذ لببم يكلفهببا اللببه العمببل بالحسبباب ،وهببي ل
تعرفه ول تحسنه ،فلببو كلفببت ذلببك لقلببدت فيببه أمببة أخببرى مببن أهببل
الكتاب أو غيرهم ممن ل يدينون بدينها.
فعن أبي هريرةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :صوموا لرؤيتببه
عبدّةَ شببعبان
-أي الهلل -وأفطروا لرؤيته فإن أغبى عليكببم فببأكملوا ِ
ثلثين ") .متفببق عليببه ،اللؤلببؤ والمرجببان ،656 ،معنببى )أغبببى( :مببن
الغباء وهو الغبرة في السماء(.
وعن ابببن عمببر أن رسببول اللببه صببلى اللببه عليببه وسببلم ذكببر رمضببان
م ل ،ول ُتفطروا حتى تروه ،فإن َ
غبب ّ فقال " :ل تصوموا حتى تروا الهل َ
13
عليكم فاقببدروا لببه " نفسببه ،653 ،ومعنببى )غببم( :أي أخفببي وغطببي
ه
ة بالمة ،إذ لببم يكلفهببا اللب ُ
بسحاب أو قترة أو غير ذلك وكان هذا رحم ً
العمبل بالحسبباب ،وهي ل تعرفبه ول تحسنه ،،فلو كلفت ذلك لقلببدت
فيه أمة أخرى من أهل الكتاب أو غيرهم ممن ل يدينون بدينها .
ة:
فأما الرؤي ُ
فقد اختلف فيها الفقهاء :أهي رؤية واحد عدل ،أم رؤية عدلين اثنين،
أم رؤية جم غفير من الناس ؟
ن قال :يقبل شهادة عدل واحد ،اسببتد ّ
ل بحببديث ابببن عمببر ،قببال : م ْ
ف َ
تراءى الناس الهلل ،فأخبرت النبي أني رأيته ،فصام رسول الله صلى
اللبببه عليببه وسببلم ،وأمببر النببباس بصبببيامه )رواه أببببو داود )،(2342
والببدارقطني والبببيهقي بإسببناد صببحيح علببى شببرط مسببلم ،قببال
الدارقطني :تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهببب وهببو ثقببة ،ذكببره
النووي فببي المجمببوع . . (276/6وبحببديث العرابببي الببذي شببهدَ عنببد
النبببي أنببه رأى الهلل ،فببأمر بلل ً فنببادى فببي النبباس " أن يقومببوا
ويصوموا " )رواه أبو داود ) ،(2341والترمذي مرسل ومسببندا ،وقببال :
فيه اختلف ) ،(691والنسائي ،وقال :المرسل أولببى بالصببواب ،وابببن
ماجة ،(1652وفي سنده مقال .كمببا قببالوا :إن الثبببات بعببدل واحببد
أحوط للدخول في العبادة ،وصيام يوم من شعبان أخف من إفطار يوم
من رمضان.
ن اشترط في الرؤية عدلين ،اسببتدل بمببا روى الحسببين بببن حريببث م ْو َ
لالجدلي قال :خطبنا أمير مكة الحارث بن حاطب ،فقال :أمَرَنا رسو ُ
د
شببه َ اللببه صببلى اللببه عليببه وسببلم أن ننسب َ
ك لرؤيتببه ،فببإن لببم ن َببرهُ ف َ
كنا بشببهادتيهما )رواه أبببو داود وسببكت عنببه هببو سب ْن نَ َ
شبباهدان عببدل ِ
والمنذري ،ورجاله رجال الصحيح ،إل الحسببين بببن حريببق وهببو صببدوق
وصححه الببدارقطني فببي نيببل الوطببار 261/4ط دار الجيببل بيببروت(.
سا على سائر الشهود ،فإنها تثبت بشهادة عدلين .. وقيا ً
ما من اشترط الجم الغفير أو الجمع الكثير فهببم الحنفيببة ،وذلببك فببي
أ ّ
حالة الصحو ،فقد أجبازوا في حالة الغيم أن يشهد برؤيته واحد ،إذ قببد
14
ق عنه الغيم لحظبة فيراه واحبد ،ول يراه غيره من النبباس .ولكببن ينش ّ
ة ،ول حببائل يحببول ب ول علب َ إذا كانت السماءُ مصحة ،ول َ
قت َببر ول سببحا َ
دا من الناس يراه دون الخرين ؟ لهذا دون الرؤية ،فما الذي يجعل واح ً
قالوا :لبد من إخبببار جمبع عظيببم؛ لن التفببرد مبن بيببن الجببم الغفيببر
بالرؤية ب مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه ،مع فرض عببدم المببانع،
وسلمة البصار ب وإن تفاوتت في الحدة ظاهر في غلطببه )ذكببره فببي
حاشية ابن عابدين نقل عن البحر .(92/2
وأما خبر ابن عمر والعرابي ب وفيهما إثبات الهلل برؤية واحد ب ب فقببد
قببال العلمببة رشببيد رضببا فببي تعليقببه علببى " المغنببي" ) :ليببس فببي
الخببرين أن الناس تراءوا الهل َ
ل ،فلببم يببره إل واحببد ،فهمببا فببي غيببر
محل النزاع ،ولسيما مع أبي حنيفة ،وبهذا يبطل كل ما بني عليهمببا(.
)انظر التعليق على المغني مع الشرح .(93/3
ما عدد الجمع العظيم فهو مفبوض إلبى رأي المبام أو القاضبي مبن وأ ّ
غير تقدير بعدد معين على الصحيح
)انظر الختيار في شرح المختار . (29/1ومن الواجب على المسببلمين
التماس الهلل يوم التاسع والعشرين من شعبان عند الغروب ؛ لن مببا
ل يتم الواجب إل به فهو واجب ،إل ّ أنه واجب على الكفاية .
والطريقة الثانية:
ما ،فببإذا تببراءوا
وا أم غائ ً
إكمال عدة شعبان ثلثين ،سواء كان الجو صح ً
الهلل ليلة الثلثين من شعبان ولم يره أحد ،استكملوا شعبان ثلثين .
وهنا يلزم أن يكون ثبوت شعبان معروفا منذ بدايته ،حببتى تعببرف ليلببة
الثلثين التي يتحرى فيها الهلل ،ويستكمل الشهر عنببد عببدم الرؤيببة .
وهذا أمبٌر يقببع فيببه التقصببير؛ لن الهتمببام بإثبببات دخببول الشببهور ل
يحدث إل في أشهر ثلثة فقط :رمضان لثبببات الببدخول فببي الصببيام،
وشوال لثبات الخروج منه ،وذي الحجة لثبات يوم عرفة وما بعده
.
ة ،وعلى أولي المر فيها التدقيق في إثبببات الشببهور وينبغي على الم ِ
كلها ؛ لن بعضها مبني على بعض .
والطريقة الثالثة:
م عليكببم "هي التقدير للهلل عند الغيم ،أو كما قال الحديث " :إذا غبب ّ
أو " غمي عليكم " أو "غبي عليكم" أي حببال دونببه حببائل ،ففببي بعببض
الروايات الصحيحة ،ومنها مالك عن نافع عن ابن عمر ،وهي السلسببلة
ح السانيد عند البخاري " :إذا غببم عليكببم فاقببدروا لببه "،ص ّ
الذهبية ،وأ َ
فما معنى " اقدروا له"؟
15
وقال مطّرف بن عبد الله ب من كبار التابعين ب وأبو العباس بن سريج بب
من كبببار الشببافعية ب ب وابببن قتيبببة وآخببرون :معنبباه :قببدروه بحسببب
المنازل .
ولكن المام أبببا العببباس بببن سببريج لببم يحمببل إحببدى الروايببتين علببى
الخروي ،بل نقل عنه ابن العربي أن قوله " :فاقببدروا لببه " :خطبباب
لمن خصه الله بهذا العلم ،وأن قوله " :أكملوا العببدة " خطبباب للعامببة.
)انظر :فتح الباري ،23/6ط .الحلبي(.
واختلف الخطاب باختلف الحوال أمر وارد ،وهو أساس لتغير الفتوى
بتغير الزمان والمكان والحال قال المام النووي في المجموع ) :ومببن
قال بحساب المنازل ،فقوله مردود ،بقوله ص فببي الصببحيحين " :إّنببا
ة ،ل نكتب ول نحسب " ..الحديث . مي ّ ٌ أم ٌ ُ
ةأ ّ
قالوا :ولن الناس لو كلفوا بذلك ضاق عليهم ؛ لنه ل يعرف الحسبباب
إل أفببراد مببن النبباس فببي البلببدان الكبببار() .المجمببوع ،270/6ط
.المنيرة(.
والحديث الذي احتج به المام النووي ب رحمه الله بب ل حجببة فيببه ؛ لنببه
يتحدث عن حال المة ،ووصفها عند بعثتببه لهببا عليببه الصببلة والسببلم،
مببا ول مطلوب ًببا ،وقببد اجتهببد عليببه الصببلة
ولكن أميتها ليست أم بًرا لز ً
والسلم أن يخرجها من أميتها بتعليم الكتابة ،وبدأ بذلك منذ غزوة بدر،
فل مانع أن يأتي طور على المة تكون فيببه كاتبببة حاسبببة .والحسبباب
الفلكي العلمي الذي عرفه المسلمون فببي عصببور ازدهببار حضببارتهم،
وبلغ في عصرنا درجة من الرقببي تمكببن بهببا البشببر مببن الصببعود إلببى
القمر ،هو شيء غير التنجيم أو علم النجوم المذموم في الشرع .
ما العتبار الخر الذي ذكببره النببووي ،وهببو أن الحسبباب ل يعرفببه إل وأ ّ
حا بالنسبببة إلببى
أفراد من الناس في البلدان الكبببار ،فقببد يكببون صببحي ً
16
حا بالنسبة إلى زمننببا ،الببذي أصبببح زمنه -رحمه الله -ولكنه ليس صحي ً
الفلك يدرس فيه في جامعببات شببتى ،وغببدت تخببدمه أجهببزة ومراصببد
على مستوى رفيع وهائل من الدقة .وقد أصبح من المقببرر المعببروف
عالمًيا اليوم :أن احتمببال الخببببطأ فببي التقبببديرات العلمبببية الفلكبببية
اليوم هو نسبببة 1 00000 - 1في الثانية!!.
كما أن البلدان الكبار والصغار الن أصبببحت متقاربببة ،وكأنمببا هببي بلببد
واحد ،بل غدا العالم ،كما قيل " قرية كبرى" ! ونقببل الخبببر مببن قطببر
إلببى آخببر ،ومببن مشببرق إلببى مغببرب ،وبببالعكس ل يسببتغرق ثببواني
معدودة .
وقد ذهب أبو العباس بن سريج من أئمة الشافعية ،إلى أن الرجل الذي
يعرف الحساب ،ومنازل القمر ،إذا عرف بالحساب أن غدا مببن رمضببان
ه مببا إذا عببرف فببإن الصببوم يلزمببه ؛ لنببه عببرف الشببهر بببدليل ،فأ ْ
ش بب َ َ
بالبينة .واختاره القاضي أبو الطيب ؛ لنه سبب حصل له به غلبة ظن،
ه الصبوم ول و أخببره ثقة عن مشاهدة .وقال غيره :يجبزئ ُ فأشبه ما ل َ ْ
يلزمه .وبعضهم أجاز تقليده لمبن يثبق ببه) .انظبر :المجمبوع ،279/6
.(280
وقد ذهب بعض كبار العلمبباء فببي عصببرنا إلببى إثبببات الهلل بالحسبباب
الفلكي العلمي القطعي ،وكتب في ذلك المحدث الكبير العلمببة أحمببد
محمد شاكر -رحمه الله -رسالته ،في " أوائل الشببهور العربيببة :هببل
عا بالحساب الفلكي ؟ " وسنعود لنقل رأيه مفصل . يجوز إثباتها شر ً
والذي يظهر من الخبببار أن الببذي رفضببه الفقهبباء مببن علببم الهيئة أو
عى الفلك ،هو ما كان يسمى " التنجيم " أو " علم النجوم " وهو مبا ُيبدّ َ
فيه معرفة بعض الغيوب المستقبلية عن طريق النجببوم ،وهببذا باطببل،
وهو الذي جاء فيه الحديث الذي رواه أببو داود وغيبره عبن اببن عبباس
ما من النجببوم اقتبببس شببعبة مببن السببحر ". ن اقتبس عل ً
م ْ
عا َ " :
مرفو ً
)رواه أبببو داود فببي الطببب ) (3905وابببن ماجببة فببي الدب )،(3726
وأحمببد فببي المسببند ) (2000وقببال شبباكر :إسببناده صببحيح ،وصببححه
النووي في الرياض ،والذهبي في الكبائر كما في فيض القدير .(80/6
وقال المبام ابببن دقيبق العيببد :البذي أقبول :إن الحسبباب ل يجبوز أن
ُيعتمد عليه في الصوم لمقارنة القمر للشمس على ما يراه المنجمون،
فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب على الرؤية بيببوم أو يببومين ،وفببي
17
وعقب على ذلك الحافظ ابن حجببر بقببوله ) :لكببن يتوقببف قبببول ذلببك
على صدق المخبر به ،ول نجزم بصببدقه إل لببو شبباهد ،والحببال أنببه لببم
يشاهد ،فل اعتبار بقوله إذن ،والله أعلم() .تلخيص الحبير مع المجموع
.(267 ،266 /6
ولكن علم الفلك الحديث يقوم على المشاهدة بوساطة الجهزة وعلى
الحساب الرياضي القطعي .ومن الخطأ الشائع لببدى كببثير مببن علمبباء
الدين في هذا العصر ،اعتقاد أن الحساب الفلكببي هببو حسبباب أصببحاب
ع وتببوزع علببى النبباس ،وفيهببا مببواقيتالتقاويم ،أو النتائج ،التي تطب ب ُ
الصلة ،وبدايات الشهور القمرية ونهايتها ،وينسببب هببذا التقببويم إلببى
زيد ،وذاك إلى عمببرو مببن النبباس ،الببذين يعتمببد معظمهببم علببى كتببب
قديمة ينقلون منها تلك المواقيت ،ويصفونها في تقويماتهم .
ومن المعروف أن هذه التقاويم تختلف بين بعضببها وبعببض ،فمنهببا مببا
ما ،ومنها ما يجعلببه ) ،(30وكببذلك رمضببان ،وذو يجعبل شبعبان ) (29يو ً
القعدة وغيرها .
ومن أجل هذا الختلف رفضوها كلها ؛ لنها ل تقوم على علم يقيني ؛
ضا .وهذا صحيح بل ريب ،ولكن ليس هذا لن اليقين ل يعارض بعضه بع ً
هو الحساب العلمي الفلكي الذي نعنيه .
إن الببذي نعنيببه هببو مببا يقببرره علببم الفلببك الحببديث ،القببائم علببى
المشبباهدة والتجربة ،والذي غدا يملك من المكانات العلميببة والعمليببة
" التكنولوجيببة " مببا جعلببه يصببل بالنسببان إلببى سببطح القمببر ،ويبعببث
دا ،وغببدت نسبببة احتمببال الخطببأ بمراكز فضائية إلى الكواكب الكثر بع ً
دا إلببى مببائة ألببف " فببي الثانيببة .في تقديراته ) "( 100000 - 1واحب ً
وأصبح من أسهل المور عليه أن يخبرنا عببن ميلد الهلل فلكي ًببا ،وعببن
إمكان ظهوره في كل أفق بالدقيقة والثانية ،لو أردنا .
ثم قلت :ومما يمكن أن يدخل في هببذا الببباب :مببا جبباء فببي الحببديث
الصحيح المشهور " :صوموا لرؤيته -أي الهلل -وأفطروا لرؤيته ،فببإن
18
غم عليكم فاقدروا له " وفي لفظ آخر " فإن غم عليكم فببأكملوا عببدة
شعبان ثلثين " .
فهنا يمكن للفقيه أن يقببول :إن الحببديث الشببريف أشببار إلببى هببدف،
وعّين وسيلة .
أما الهدف من الحديث فهو واضح بين ،وهببو أن يصببوموا رمضببان كلببه،
مببا مببن شببهر غيببره ،كشببعبان أو
مببا منببه ،أو يصببوموا يو ً
ول يضببيعوا يو ً
شببوال ،وذلببك بإثبببات دخببول الشببهر أو الخببروج منببه ،بوسببيلة ممكنببة
جا في دينهم. مقدورة لجمهور الناس ،ل تكلفهم عنًتا ول حر ً
لقد أثبت الحديث دخول الشهر بخبر واحد أو اثنين يدعيان رؤية الهلل
بالعين المجردة ،حيث كانت هي الوسيلة الممكنببة والملئمببة لمسببتوى
المة ،فكيف يتصور أن يرفض وسيلة ل يتطرق إليها الخطببأ أو الببوهم،
أو الكذب ،وسيلة بلغت درجة اليقين والقطع ،ويمكن أن تجتمببع عليهببا
أمة السلم في شرق الرض وغربها ،وتزيل الخلف الدائم والمتفاوت
في الصوم والفطار والعياد ،إلى مدى ثلثة أيام تكون فرقا بيببن بلببد
وآخببر )فببي رمضببان هببذا العببام )1409هببب( ثبببت دخببول رمضببان يببوم
الخميس الموافق السببادس مببن أبريببل 1989م فببي المملكببة العربيببة
السعودية ،والكويت ،وقطر ،والبحريببن ،وتببونس وغيرهببا ،كلهببا برؤيببة
المملكة ،وثبت دخوله فببي مصببر والردن والعببراق والجببزائر والمغببرب
وغيرهببا يببوم الجمعببة ،أمببا باكسببتان والهنببد وعمببان وإيببران وغيرهببا
فصاموا يوم السبت !! ،(.وهو ما ل يعقببل ول يقبببل ل بمنطببق العلببم،
19
ول بمنطق الدين ،ومن المقطببوع ببه أن أحببدها هبو الصبواب والبباقي
خطأ بل جدال .
إن الخذ بالحسبباب القطعببي اليببوم وسببيلة لثبببات الشببهور ،يجببب أن
يقبل من باب " قياس الولي" ،بمعني أن السنة التي شرعت لنا الخذ
بوسيلة أدني ،لما يحيط بها مببن الشببك والحتمببال -وهببي الرؤيببة -ل
ترفض وسيلة أعلى وأكمل وأوفي بتحقيق المقصود ،والخببروج بالمببة
من الختلف الشديد في تحديد بداية صيامها وفطرهببا وأضببحاها ،إلببى
الوحدة المنشودة في شعائرها وعباداتها ،المتصلة بأخص أمببور دينهببا،
وألصقها بحياتها وكيانها الروحي ،وهي وسيلة الحساب القطعي .
على أن العلمة المحدث الكبير الشيخ أحمببد شبباكر -رحمببه الل ّببه -نحببا
بهذه القضية منحى آخر ،فقد ذهب إلى إثبببات دخببول الشببهر القمببري
بالحساب الفلكي ،بناءً على أن الحكم باعتبار الرؤية معلببل بعلببة نصببت
عليها السنة نفسها ،وقد انتفببت الن ،فينبغببي أن ينتفببي معلولهببا ،إذ
ما.
دا وعد ًمن المقرر أن الحكم يدور مع علته وجو ً
ويحسن بنا أن ننقل هنا عبارته بنصها لما فيها من قوة ونصبباعة ،قببال
رحمه الّله في رسالته " أوائل الشهور العربية " :
)فمما ل شك فيه أن العرب قبل السلم وفي صدر السلم لم يكونببوا
يعرفببون العلببوم الفلكيببة معرفببة علميببة جازمببة ،كببانوا أمببة أمييببن ،ل
يكتبون ول يحسبون ،ومن شدا منهم شيًئا من ذلك فإنما يعرف مبببادئ
أو قشورا ،عرفها بالملحظة والتتبع ،أو بالسماع والخبر ،لم تبن علببى
قواعببد رياضببية ،ول علببى براهيببن قطعيببة ترجببع إلببى مقببدمات أوليببة
يقينية ،ولذلك جعل رسول الل ّببه صببلى اللببه عليببه وسببلم مرجببع إثبببات
الشهر في عبادتهم إلى المر القطعي المشاهد الذي هبو فببي مقبدور
كببل واحببد منهببم ،أو فببي مقببدور أكببثرهم .وهببو رؤيببة الهلل بببالعين
المجردة ،فإن هذا أحكم وأضبط لمببواقيت شببعائرهم وعببباداتهم ،وهببو
الذي يصل إليه اليقيببن والثقببة ممببا فببي اسببتطاعتهم ،ول يكلببف الل ّببه
سا إل وسعها . نف ً
لم يكن مما يوافق حكمة الشببارع أن يجعببل منبباط الثبببات فببي الهلببة
الحساب والفلك ،وهم ل يعرفون شيًئا من ذلك في حواضببرهم ،وكببثير
منهم بادون ل تصل إليهم أنباء الحواضر ،إل في فترات متقاربة حينببا،
ومتباعدة أحيانا ،فلو جعله لهم بالحساب والفلك لعنتهم ،ولببم يعرفببه
منهم إل الشاذ والنادر في البببوادي عببن سببماع إن وصببل إليهببم ،ولببم
دا لبعض أهل الحساب ،وأكببثرهم أو كلهببم يعرفه أهل الحواضر إل تقلي ً
من أهل الكتاب .
ثم فتببح المسببلمون الببدنيا ،وملكببوا زمببام العلببوم ،وتوسببعوا فببي كببل
أفنانهببا ،وترجمببوا علببوم الوائل ،ونبغببوا فيهببا ،وكشببفوا كببثيًرا مببن
20
وهذه الشريعة الغراء السمحة ،باقيببة علببى الببدهر ،إلببى أن يببأذن الل ّببه
بانتهاء هذه الحياة الدنيا ،فهي تشببريع لكببل أمببة ،ولكببل عصببر ،ولببذلك
نرى فببي نصببوص الكتبباب والسببنة إشببارات دقيقببة لمببا يسببتحدث مببن
الشئون ،فإذا جاء مصداقها فسببرت وعلمببت ،وإن فسببرها المتقببدمون
على غير حقيقتها .
وقد أشير في السنة الصحيحة إلى ما نحن بصدده ،فروى البخاري مببن
حديث ابن عمبر عبن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إنبببا أمبببة
أمية ،ل نكتب ول نحسب ،الشهبر هكبذا وهكببذا " ...يعنببي مببرة تسببعة
وعشرين ،ومرة ثلثين )رواه البخاري في كتاب الصببوم( .ورواه مالببك
في الموطأ )الموطأ . (269 /1والبخاري ومسببلم وغيرهمببا بلفببظ " :
الشبهر تسبعة وعشبرون ،فل تصبوموا حبتى تبروا الهلل ،ول تفطبروا
حتى تروه ،فإن غم عليكم فاقدروا له " .
وقد أصاب علماؤنا المتقدمون رحمهم الّله في تفسير معنى الحديث .
وأخطأوا في تأويله ،ومن أجمع قول لهم في ذلببك قببول الحببافظ ابببن
حجر )فتح الباري ،108/4ب :.(109المراد بالحساب هنا حسبباب النجببوم
وتسييرها ،ولم يكونوا يعرفون من ذلك إل النزر اليسير .فعلق الحكببم
بالصوم وغيره بالرؤية ،لرفع الحرج عنهم في معاناة التسيير ،واستمر
الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك .ببل ظباهر السببياق
ينفي تعليببق الحكببم بالحسبباب الصببلي .ويوضببحه قببوله فببي الحببديث
الماضي " :فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلثين " ،ولم يقببل :فسببلوا
أهببل الحسبباب ،والحكمببة فيببه كببون العببدد عنببد الغمبباء اسببتوى فيببه
المكلفون ،فيرتفع الختلف والنزاع عنهم ،وقد ذهب قوم إلى الرجوع
إلى أهل التسيير في ذلك ،وهم الروافض )ل ندري من ذا يريد الحافظ
21
)المرجح أن يبقى بعد الغروب مده يمكببن فيهببا ظهببوره ،بحيببث يمكببن
رؤيته بالعين المجردة ،وذلك نحو ) (15أو ) (20دقيقة على ما ذكر أهل
الختصاص" ،القرضاوي"(.
عا من القوال :أن يختلف الحكم باختلف أحوال وما كان قولي هذا بد ً
المكلفين فإن هذا في الشريعة كثير ،يعرفه أهل العلم وغيرهم ،ومببن
أمثلة ذلك في مسألتنا هذه :أن الحديث " :فإن غم عليكم فاقدروا له
" ورد بألفاظ أخر ،في بعضها " :فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلثيببن
" ففسر العلماء الرواية المجملة " :فاقدروا له " بالرواية المفسرة" :
ما من أئمة الشافعية ،بل هببو إمببامهم ما عظي ًفأكملوا العدة " ولكن إما ً
في وقته ،وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج ) "سببريج" بالسببين
المهملة المضببمومة وآخببره جيببم ،ويكتببب خطببأ فببي كببثير مببن الكتببب
22
المطبوعة " شريح " بالشين والحاء ،وهو تصحيف .وأبببو العببباس هببذا
توفي سنة 306هب وهو من تلميذ أبي داود صاحب السنن ،وقببال فببي
شأنه أبو إسحاق الشيرازي فببي طبقببات الفقهبباء ص " : 89كببان مببن
عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين ،وكان يفضل علببى جميببع أصببحاب
الشببافعي ،حببتى علببى المزنببي " ولببه تراجببم جيببدة فببي تاريببخ بغببداد
للخطيب ،290 - 278/ 4وطبقات الشافعية لبببن السبببكي - 67 /2
،(96جمع بين الروايتين ،بجعلهما في حببالين مختلفيببن :أن قببوله " :
فاقدروا له " معناه :قدروه بحسب المنببازل ،وأنببه خطبباب لمببن خصببه
الّله بهذا العلم ،وأن قوله " :فببأكملوا العببدة "خطبباب للعامببة )انظببر :
شرح القاضي أبي بكر بن العربي على الترمذي ،208 ،207/ 3وطرح
التثريب 113 - 111 /4وفتح الباري .(104 /4
ولقد أرى قولي هذا أعدل القوال ،وأقربها إلى الفقه السببليم ،وإلببى
الفهببم الصببحيح للحبباديث الببواردة فببي هببذا الببباب() .رسببالة " أوائل
الشهور العربية " ص 17 - 7نشر مكتبة ابن تيمية( هذا ما كتبه العلمة
شاكر منذ أكثر من نصببف قببرن بب ذي الحجببة 1357هبب الموافببق ينبباير
1939م .
ولم يكن علم الفلك في ذلك الوقت قد وصل إلى ما وصل إليببه اليببوم
من وثبات استطاع بها النسان أن يغبزو الفضباء ،ويصبعد إلبى القمبر،
وانتهى هذا العلم إلى درجة من الدقة ،غدا احتمال الخطأ فيهببا بنسبببة
واحدة إلى مائة ألف في الثانية !!
كتب هذا الشيخ شاكر وهو رجل حديث وأثر قبل كل شيء ،عاش حياته
-رحمه الّله -لخدمة الحديث ،ونصرة السنة النبويببة ،فهببو رجببل سببلفي
خالص ،رجل اتباع ل رجل ابتداع ،ولكنه -رحمه الّله -لم يفهم السببلفية
على أنها جمود على ما قاله من قبلنا من السلف ،بببل السببلفية الحببق
أن ننهج نهجهم ،ونشرب روحهم ،فنجتهد لزمننا كما اجتهدوا لزمنهببم،
23
هذا وقد قرأت مقال ً مطول ً في شهر رمضببان لهببذا العببام ) 1409هببب(
لحد المشايخ الفضلء )هو سماحة الشببيخ صببالح بببن محمببد اللحيببدان،
رئيس مجلس القضاء العلببى بالمملكببة العربيببة السببعودية ،وقببد نشببر
مقاله في عكاظ وغيرها من الصحف اليومية بالمملكة في 21رمضببان
1409هب( ،أشار فيه إلى أن الحبببديث النبببوي الصبببحيح " :نحبببن أمبببة
أمبية ل نكبتب ول نحسب " يتضببمن نفببي الحسبباب ،وإسببقاط اعتببباره
لدى المة .
ولو صح هذا لكان الحديث يدل على نفببي الكتابببة ،وإسببقاط اعتبارهببا،
فقد تضمن الحديث أمرين دلل بها على أمية المة ،وهما :
الكتابة والحساب .
ولم يقل أحد في القديم ول فببي الحببديث :إن الكتابببة أمببر مببذموم أو
مرغوب عنه بالنسبة للمة ،بل الكتابة أمر مطلوب ،دل عليه
الثاني :أن السنة أشارت بالفعل إلى اعتبار الحساب في حالببة الغيببم،
وهو ما رواه البخاري في كتاب الصببوم مببن جببامعه الصببحيح بسلسببلته
الذهبية المعروفة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الّله صلى
الله عليه وسلم ذكر رمضان ،فقال " :ل تصبوموا حببتى تببروا الهبببلل،
ول تفطروا حتى تببروه ،فببإن غببم عليكببم فاقببدروا لببه " )قببدر يقببدر -
در ،ومنببه قببوله تعببالى) :فقببدرنا فنعببم بالضببم والكسببر -بمعنببى قبب ّ
القادرون(.
24
در " له أو "التقدير " المأمور به ،يمكن أن يدخل فيه اعتبببار وهذا " ال َ
ق ْ
الحساب لمن يحسنه ،ويصل به إلببى أمببر تطمئن النفببس إلبى صببحته،
وهو ما أصبح في عصرنا في مرتبة القطعيات ،كمببا هببو مقببرر معلببوم
لدى كل من عنده أدنببى معرفبة بعلببوم العصبر ،وإلبى أي مبدى ارتقبى
فيها النسان الذي علمه ربه ما لم يكن يعلم .
وقد كنت ناديت منذ سنوات بأن نأخذ بالحساب الفلكي القطعي -على
القل -في النفي ل في الثبات ،تقليل ً للختلف الشاسع الذي يحببدث
كل سنة في بدء الصيام وفي عيد الفطر ،إلى حد يصل إلى ثلثببة أيببام
بين بعض البلء السلمية وبعض .ومعنى الخببذ بالحسبباب فببي النفببي
أن نظل على إثبات الهلل بالرؤية وفقا لرأى الكثرين من أهل الفقببه
في عصرنا ،ولكن إذا نفبى الحسباب إمكبان الرؤيبة ،وقبال :إنهبا غيبر
ممكنة ،لن الهلل لم يولد أصل ً في أي مكببان مببن العببالم السببلمي -
كان الواجب أل تقبل شهادة الشببهود بحببال؛ لن الواقببع -الببذي أثبتببه
العلم الرياضي القطعي -يكذبهم .بل في هذه الحالة ل يطلبب تبرائي
ل ،ول تفتح المحاكم الشببرعية ول دور الفتببوى أو الهلل من الناس أص ً
الشؤون الدينية أبوابها لمن يريد أن يدلي بشهادة عن رؤية الهلل.
فقببد ذكببر السبببكي فببي فتبباواه أن الحسبباب إذا نفببى إمكببان الرؤيببة
البصرية ،فالواجب على القاضي أن يببرد شببهادة الشببهود ،قببال ) :لن
الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان ،والظني ل يعارض القطعببي،
فضل ً عن أن يقدم عليه(.
إذا قامت البينة بإثبات دخببول رمضببان فببي أثنبباء النهببار لببزم المكلببف
المساك بقيته ،لتعذر إمساك جميع اليببوم ،فببوجب أن يببأتي بمببا يقببدر
عليه لقوله تعالى) :فاتقوا الله ما استطعتم( )التغابن .(16:
الثانية :أن الخطأ في مثل هذه المور مغتفر ،فلو أخطأ الشبباهد الببذي
شهد بأنه رأى هلل رمضببان ،أو شببوال ،وترتببب عليببه أن صببام النبباس
يوما من شعبان أو أفطروا يوما من رمضان ،فإن الله تعببالى أهببل لن
يغفر لهم خطأهم ،وقد علمهم أن يدعوا فيقولبوا) :ربنبا ل تؤاخبذنا إن
نسينا أو أخطأنا( )البقرة .(286:
حتى لو أخطأوا فببي هلل ذي الحجببة ،ووقفببوا بعرفببة يببوم الثببامن أو
العاشر ،في الواقع ونفس المر ،فإن حجهم صحيح ومقبول ،كما قببرر
ذلك شيخ السلم ابن تيمية وغيره.
فل يجوز أن نقبل بأن ينقسم أبناء البلببد الواحببد ،أو المدينببة الواحببدة،
فيصوم فريق اليوم على أنه من رمضان ،ويفطر آخرون على أنببه مببن
شعبان ،وفي آخر الشهر تصوم جماعة ،وتعي ّببد أخببرى فهببذا وضببع غيببر
مقبول.
فمن المتفق عليه أن حكم الحبباكم ،أو قببرار ولببي المببر يرفببع الخلف
في المور المختلف فيها.
فإذا أصدرت السبلطة الشبرعية المسبؤولة عبن إثببات الهلل فبي بلبد
إسلمي -المحكمة العليا ،أو دار الفتاء ،أو رئاسة الشؤون الدينيببة ،أو
غيرها -قرارها بالصوم أو بالفطار ،فعلى مسلمي ذلك البلببد الطاعببة
فا لما ثبت في واللتزام ،لنها طاعة في المعروف ،وإن كان ذلك مخال ً
بلد آخر ،فإن حكم الحبباكم هنببا رجببح الببرأي الببذي يقببول :إن لكببل بلببد
رؤيته.
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال" :صببومكم يببوم
تصومون ،وفطركم يبوم تفطببرون" )الترمببذي ،وقبال :حسببن غريببب -
.(697وفي لفظ" :وفطركم يببوم تفطببرون وأضببحاكم يببوم تضببحون"
)أبو داود 2324-؛ وابببن مبباجه 1660-بلفببظ "الفطببر يببوم تفطببرون،
والضحى يوم تضحون" رواه من طريق حماد عن أيوب عن ابن سيرين
دا علببى شببرط
عن أبي هريرة ،قال الشيخ شاكر :وهذا إسناد صحيح ج ب ً
الشيخين ا هب(.
27
وقببد روى أببو داود هببذا الحبديث تحببت عنببوان) :بباب إذا أخطبأ القبوم
الهلل( ،قال المام الخطابي :معنى الحببديث :أن الخطببأ موضببوع عببن
الناس فيمبا كببان سبببيله الجتهبباد ،فلببو أن قومبا اجتهببدوا ،فلببم يبروا
الهلل إل بعد الثلثيببن ،فلببم يفطببروا حببتى اسببتوفوا العببدد ،ثببم ثبببت
عا وعشرين ،فببإن صببومهم وفطرهببم مبباض، عندهم أن الشهر كان تس ً
فل شيء عليهم من وزر أو عنت ،وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يببوم
عرفة ،فإنه ليس عليهبم إعبادته ويجزيهبم أضبحاهم كبذلك ،وإنمبا هبذا
تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده.
) (2إذا شهد الشهود برؤية الهلل بعببد الغببروب فببي اليببوم الببذي رؤي
حا قبل شروق الشمس .فل عبببرة بالشببهادة علببى هببذه فيه القمر صبا ً
الرؤية.
) (3رؤيببة الهلل هببي الصببل فببي إثبببات دخببول الشببهر ،وُيسببتعان
هّلة بالرؤية ،وذلك بتحديد ظروف الرؤية بالحساب الفلكي في إثبات ال َ ِ
في اليببوم والسبباعة والجهببة وهيئة الهلل ،ولكببن ل يكتفبى بالحسبباب
ل الحسببابللثبات بل ل ب ُدّ من الشهادة المعتبببرة علببى رؤيتببه .فببإن د ّ
على إمكانية الرؤية وعدم الموانع الفلكية ولم ي ُبَر الهلل وجببب إكمببال
عدة الشهر ثلثين.
) (4في البلد الببتي ل تتمبايز فيهببا بعببض الوقببات ،كالعشبباء والفجببر،
لعدم غيبوبة الشفق ،أو عببدم غببروب الشببمس ،أو عببدم طلببوع الفجببر
يؤخذ لتحديد أوقات الصببلوات الببتي اختفببت علماتهببا ،بمبببدأ )التقببدير
المطابق( بأن يجرى على تلك البلد توقيت أقرب بلد تتمببايز فيببه تلببك
الوقات ،مع مراعاة كون البلد القرب على نفس خط الطول.
مستمد من مذهب المالكية وهو ُيحقق اليسر ورفع الحرج. وهذا المبدأ ُ
وتقترح الندوة اهتمام الفلكيين بتحديد أوقات الصلوات لهذه المنبباطق
قا لمبدأ )التقدير النسبببي( وهببو مببذهب الشببافعية ،وذلببك بحسبباب طب ً
النسبة بين الوقت وبين الليببل وفببي البلببد القببرب علببى خببط الطببول
ضا في البلد الخر.
نفسه ومراعاة ذلك بالنسبة أي ً
الصيام والبلوغ
ول يطالب غير البالغ بالصيام ،لنه غير مكلف ،وقببد رفببع القلببم عنببه،
كما في الحديث " :رفع القلم عن ثلثة :عببن المجنببون المغلببوب علببى
عقله حتى يبرأ ،وعن النائم حتى يستيقظ ،وعن الصبببي حببتى يحتلببم"
)رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمببة وابببن حبببان والحبباكم والببدارقطني
عن على وعمببر .وصببححه غيببر واحببد .وانظببر :صببحيح الجببامع الصببغير
.(3514 - 3512
ورفع القلببم :كنايببة عببن سببقوط التكليببف ،ومعنببى )يحتلببم( :أي يبلببغ
الحلم وهببذا بالنسبببة للغلم الببذي يعببرف بلبوغه ببالحتلم ونحببوه مبن
العلمات الطبيعية التي تدل على أنببه تجبباوز مرحلببة الطفولببة ،ودخببل
في طور آخر.
وأمببا الفتبباة ،فيعببرف بلوغهببا بببالحيض ،الببذي يؤهلهببا لحيبباة الزوجيببة
والمومة.
ما.
وأما البلوغ بالسن ،فهو خمسة عشر عا ً
فمن تأخر عنده الحتلم ،أو تأخر عندها الحيض ،فبلوغه يكون بالسن.
وفي حديث آخببر" :علمببوا الصبببي الصببلة ابببن سبببع سببنين ،واضببربوه
عليهببا ابببن عشببر" )رواه أحمببد وأبببو داود والترمببذي وابببن خزيمببة
والطبراني والحاكم وغيرهم كما في الجامع الصغير .(4025-
وذلك أن الخير عادة ،والشر عادة ،والمرء يشببيب علببى مببا شببب عليببه،
والتربية في الصغر كالنقش على الحجر ،والشاعر يقول.:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.
والحديث هنا جعل للتعلم والتأديب مرحلتين.:
مرحلة المر والتعليم والترغيب ،وذلك بعد السابعة.
ومرحلة الضرب والتأديب والترهيب ،وذلك بعد العاشرة.
أي أن الضرب لم يشرع إل بعد إعطاء البن فرصة ثلث سببنوات يببدعى
عببا،
ويرغب ويثاب .وبعدها يكون الحزم والشدة والعقبباب المناسببب طب ً
30
إشعاًرا بالجدية وأن المر موضع اهتمام الب ،وليس مجرد كلمة تقبال،
وليس بعدها حساب ول ثواب ول عقاب.
ضا
وإذا كان الحديث الوارد في شأن الصلة ،فهو ينطبق على الصيام أي ً
بفارق واحد ،وهو مراعاة القببدرة البدنيببة للصبببي والصبببية ،فقببد يبلببغ
السابعة أو العاشرة ،ولكن جسبمه ضببعيف ،ل يحتمببل الصبيام ،فيمهببل
حتى يشتد عوده ويقوى.
وقد كان الصحابة يصومون صبيانهم وهم صغار ،حتى كانوا يأتون لهببم
باللعب من العهن )أي الصوف( يلهونهم بها حتى يأتي وقت الفطار.
الصيام والعقل
فا بالصوم ،فغير العاقببل مببن ببباب أولببى،مكل ً
وإذا كان غير البالغ ليس ُ
لن خطاب الشارع إنما هببو مببوجه إلببى العقلء ،وقببد رفببع القلببم عببن
المجنون حتى يفيق .فمن كببان مببن ذوي الجنببون المطبببق ،فل يتببوجه
إليه تكليف ،ل بأمر ول بنهى ،ول بعببادة ،ول بمعاملبة ،فقبد رفبع عنبه
القلم.
فإذا أفاق بعد أيام من إغمائه وغيبببوبته ،فليببس عليببه أن يقضببي تلببك
اليام الماضية ،لنه كان فيها غير أهل للتكليف.
وبعضهم رأى أن عليه قضاء ما فبباته أثنبباء الغمبباء ،أو الغيبوبببة ،معلل ً
ذلك بأن الغماء مرض ،وهو مغط للعقل غير رافع للتكليف ،ول تطببول
مدته ،ول تثبت الولية على صاحبه ،ويدخل على النبياء عليهبم الصبلة
والسلم )انظر :المبدع من شبرح المقنبع مبن كتبب الحنابلبة 18 / 3-
والمجموع شرح المهذب من كتب الشافعية .(254/6-
وقد تعرض لذلك العلمة ابن رشد في )بداية المجتهد( فقال) :وفقهاء
مى عليه .واختلفببوا فببي
مغ َ
المصار على وجوبه -أي :القضاء -على ال ُ
المجنون ،ومذهب مالك :وجوب القضاء عليه ،وفيه ضببعف لقبوله عليببه
الصلة والسلم" :وعن المجنون حتى يفيق".
وهناك عذر يجيز لصاحبه الفطر ،وقد يجب في بعببض الحببوال ،ويجببب
عليه القضاء وذلك هو عببذر المببرض والسببفر ،المنصببوص عليهمببا فببي
كتاب الله.
وهناك عذر يجيز لصاحبه الفطر ،وقببد يببوجبه ،ول قضبباء عليببه ،وعليببه
الطعام عند الجمهور ،وذلك هو عببذر الشببيخ الكبببير ،والمببرأة العجببوز،
ومن في حكمهما من كل ذي مرض ل يرجى برؤه.
وهناك عذر اختلف الفقهاء فببي تكييفببه ،أيلحببق بببالمريض ،أو بالشببيخ
الكبير ،أم أن له حكمه الخاص؟ وذلك هو عذر الحامل والمرضع.
وهنبباك عببذر مببن يشببق عليببه الصببوم لطبيعببة عملببه ،كعمببال المنبباجم
ونحوهم .أما الحائض والنفساء فقد تكلمنا عليهما في )باب مببن يجببب
عليه الصوم(.
المسافر والصيام
السفر والتنقل جزء من حياة النسان ،قلما يسببتغنى عنببه النبباس فبي
بدو أو حضر .وللنسان من وراء السفر حاجات وأغراض دينية ودنيوية،
فردية ،واجتماعية .فهو يسافر لطلب العلببم ،ولطلببب الببرزق ،ولطلببب
المن ،ولطلب الشفاء ،ولطلب الثواب بالحج أو العمرة ،أو الجهاد ،كما
يسافر لغراض علمية واجتماعيببة مثببل زيببارة القببارب والصببدقاء ،أو
التعببرف علببى معببالم البلببدان الخببرى ،والمشبباركة فببي نببدوات أو
مؤتمرات ،وقد يكببون السببفر لمجببرد ترويببح النفببس بعببد عنبباء العمببل
الطويل ،وكل هذا مشروع ،ول حرج فيه.
وقد أعاد الله تعالى في هذه الية مبا ذكبره فبي اليبة السببابقة ،البتي
كانت تمثل مرحلة في التشريع ثم نسخت) :فمببن شببهد منكببم الشببهر
ضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الببذين فليصمه ومن كان مري ً
يطيقونه فدية طعام مسكين( .وذلك ليؤكد بقبباء هببذا الحكببم ،وأنببه لببم
ينسخ كما نسخ حكم التخيير بين الصوم والفطر مع الفدية.
وفي رواية لمسلم :أنه قال :يا رسول الله ،أجد مني قوة على الصببوم
في السفر فهل علي جناح؟ فقال " :هي رخصة من الله تعببالى ،فمببن
أخذ بها فحسن ،ومن أحب أن يصوم فل جنبباح عليببه" )الحببديث 1121-
عن صحيح مسلم -كتاب الصوم( .وهو قوي الدللة على فضيلة الفطر
وعن ابن عباس :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،خببرج إلببى مكببة
في رمضان ،فصام حتى بلغ الكديد ،أفطر ،فأفطر الناس )متفق عليه،
اللؤلؤ والمرجان.(680-
وعن أبي الدرداء :خرجنا مع النبي صببلى اللببه عليببه وسببلم فببي بعببض
أسفاره ،في يوم حار ،حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحببر،
وما فينا صائم ،إل ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم ،وابن رواحة
)متفق عليه ،اللؤلؤ والمرجان .(685-
34
وعن أنس بن مالك :كنا نسافر مع النبي صببلى اللببه عليببه وسببلم فلببم
يعب الصببائم علببى المفطببر .ول المفطببر علببى الصببائم )متفببق عليببه،
المصدر السابق .(682-إلى غير ذلببك مببن الحبباديث الكببثيرة ،وسببيأتي
بعضها في مناسبته.
على أن السفر-أيا كانت وسيلته -ل يخلو من نوع مشقة ،والنسببان إذا
لم يكن في داره ومحل إقامته واستقراره ،ل يخلو من قلق ومعاناة.
وللسفر فببي عصببرنا متبباعب أخببرى -عصبببية ونفسببية -يعرفهببا الببذين
يعانون السفار ،فليست المشقة البدنية هي كل شيء.
سنده كليب بببن ذهببل الحضببرمي وهببو مجهببول ،وببباقي رجبباله ثقببات،
ويشهد له حديث أنس التي فيتقوى به(.
وقال محمد بن كعب :أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سببفًرا،
وقد رحلت له راحلته وقد لبس ثياب السفر ،فدعا بطعام فأكل ،فقلت
لببه :سببنة؟ قببال :سببنة ،ثببم ركببب )أخرجببه الترمببذي 799 -و 800فببي
الصوم :باب من أكل ثم خرج يريد سفًرا ،والدارقطني 188 ،187 / 2-
والبيهقي ،246/4-وإسناده قوي ،وحسنه الترمذي وغير واحببد ،ويشببه
له حديث أبي بصرة المتقببدم وحببديث دحيببة بببن خليفببة عنببد أبببي داود
ضا ،وهو حسن في الشواهد( .قال الترمذي :حببديث وأحمد وقد تقدم أي ً
حسن( )زاد المعاد ،ط .مؤسسة الرسالة .(56 ،55 / 2-ا هب.
أظهرهما :أنه يجوز ذلك ،كما ثبت في السنن أن من الصحابة مببن كببان
يفطر إذا خرج من يومه ،ويببذكر أن ذلببك سببنة النبببي صببلى اللببه عليببه
وسلم .وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نببوى
الصوم في السفر ،ثم إنه دعا بماء فأفطر ،والناس ينظرون إليه.
وأما اليوم الثاني :فيفطر فيه بل ريب ،وإن كان مقدار سببفره يببومين
في مذهب جمهور الئمة والمة.
وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم ،ففي وجوب المسبباك عليببه نببزاع
مشهور بين العلماء ،لكن عليه القضاء سواء أمسك أو لم يمسك.
37
ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه ،كالتاجر الجلب الذي
يجلب الطعام ،وغيره مببن السببلع ،وكالمكبباري الببذي يكببري دوابببه مببن
الجلب ،وغيرهببم ،وكالبريببد الببذي يسببافر فببي مصببالح المسببلمين،
ونحوهم ..وكذلك الملح الذي له مكان في البر يسكنه.
فأما مببن كببان معببه فببي السببفينة امرأتببه ،وجميببع مصببالحه ،ول يببزال
مسافًرا فهذا ل يقصر ول يفطر) ...فتاوى شيخ السلم ابن تيمية 25-
.(213 - 211 /ا.هب.
تمحيص وترجيح
والذي أرجحه هو ما قاله الخليفة الرائد عمر بن عبد العزيز :لن النبببي
صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إل اختار أيسرهما.
فمن كان يسهل عليه الصيام .والناس صائمون ،ويشق عليه أن يقضي
بعد ذلك ،حيث يصوم والناس مفطرون ،فالصوم في حقه أفضل ،ومن
شق عليه الصيام الن كالمسببافر فببي البببر ،ونحببو ذلببك ،وسببهل عليببه
القضاء ،فالفطر له أفضل.
ولكببن أرى أن هنبباك اعتبببارات ترجببح أفضببلية الصببوم ،وأخببرى ترجببح
أفضلية الفطر ،ول بأس أن نوضحها لما للسفر من أهمية في عصرنا.
38
ضا السفر المختلف فيه ،كأن يكون سفًرا دون المسافة التي قدرها وأي ً
الجمهور ،وقدرت بنحو ) 90كيلببو مببترا( ،فمببن سببافر لقببل مبن ذلببك،
يحسن به أل يفطر ،ومثله في الغببالب ل يطلببق عليببه اسببم )مسببافر(.
ومثل ذلك الذي حرفته السفر ،أو تقتضي السفر باسببتمرار ،كالطيببار،
ومضيف الطائرة ،وربان الباخرة )السفينة( وملحيهببا ،وسببائق سببيارة
الجرة) ،التاكسي( فهؤلء وإن جاز لهم الفطببر ،بوصببفهم مسببافرين،
يفضل لهم أن يصبوموا إذا لبم يشبق عليهبم ،فربمبا ل يتيسبر لهبم أن
يصوموا.
ولفظ الحديث إذا أخذ على عمومه يفيد نفي البر عببن الصببوم فببي أي
مببا ،ولكببن سبببب الحببديث وسببياقه ،وجملببة
سفر ،وهو يعني أن فيببه إث ً
الحاديث الخرى في الموضوع تدل على أن المراد هو هببذا النببوع مببن
السفر الذي يشق فيه الصيام مشقة بالغة فليس من البر الصببوم فببي
مثله.
39
وفي رواية :وأما الذين صاموا فلم يعملببوا شببيًئا ،وأمببا الببذين أفطببروا
فبعثوا الركاب ،وامتهنوا وعالجوا ،فقال النبي صلى الله عليببه وسببلم:
" ذهب المفطرون اليوم بالجر" )متفق عليه ،اللؤلؤ والمرجان .(683-
وإنما ذهبوا بالجر وحببدهم ،لنهببم هببم الببذين قبباموا بخدمببة إخببوانهم
لنشاطهم وقببوتهم ،فبعثببوا الركبباب ،أي إبببل الركببوب الببتي حملتهببم،
فأرسلوها إلى المبباء للسببقي ونحببوه ،ومعنببى )امتهنببوا وعببالجوا( :أي
استخدموا أنفسهم في المهنة والخدمة من التنظيف والطهي ومعالجة
ما يحتاجون إليه من الزاد والشبراب ،ويحتباج إليبه دوابهبم مبن العلبف
والماء.
)إن رغب عن السنة ،ورأى أن الفطبر مكبروه إليببه ،فهبذا يتعيبن عليببه
الفطار ،ويحرم عليه الصيام ،والحالة هذه ،كما جاء فببي مسببند المببام
أحمد وغيره عن ابن عمر وجابر وغيرهما " :من لببم يقبببل رخصببة اللببه
كان عليه من الثم مثل جبال عرفة" )تفسير ابن كثير .(217 / 1-ا.هب.
ضا لحديث " :من رغب عن سنتي فليس منببي" )رواه البخبباري عببن وأي ً
أنس(.
ذلببك أن مببن الببواجب أن تظببل مراتببب العمببال وأحكامهببا الشببرعية
محفوظة بأوضبباعها ودرجاتهببا ،كمببا جبباء بهببا الشببرع ،فيظببل الفببرض
ضا ،والمندوب مندوًبا والعزيمة عزيمة ،والرخصة رخصة. فر ً
40
ضبا أو العكببس ،كمببا ل يجببوز أن ول يجوز أن يعتقد الناس المنببدوب فر ً
يعتبروا الرخصة ممنوعة ،أو واجبة ،وإذا حدث شيء منهببا ،فعلببى أهببل
العلم أن يعالجوه بالعلم والعمل ،والمراد بالعلم :البيان والبلغ بالقول
مشافهة أو كتابة ،وبالعمببل :أن يببدع العببالم المقتببدي بببه النافلببة فببي
بعض الحيان ،حتى ل تعتقد فريضة وأن يحببرص علببى الخببذ بالرخصببة
حتى ل يهملها الناس فتموت.
عا ،وأفطروا ،ويسببوءهم أن - 4أن يكون في رفقة أخذوا بالرخصة جمي ً
ينفرد بالصيام دونهم ،فل يحسن به أن يصوم وحده ،لما في ذلببك مببن
الشذوذ عن الجماعة من ناحية ،ولما في ذلك من خشببية دخببول الريبباء
على نفس الصائم ،أو اتهامه به من ناحية أخرى.
ويتأكد ذلك إذا كانوا مشتركين في النفقببة ،ومببن عببادتهم أن يتنبباولوا
وجببباتهم مجتمعيببن ،ويشببق عليهببم انفببراد بعضببهم بالكببل فطببوًرا
وسحوًرا.
فإذا شدد فبي ضببرورة الفطببار ،وألببزم ببه ،وجبببت طباعته فبي ذلببك،
وحرمت مخالفته ،واعتبر ذلك معصية.
وفي ذلك جاء حديث جابر بن عبد الله :أن رسول الله صببلى اللببه عليببه
وسلم خرج عام الفتح إلببى مكببة فببي رمضبان ،فصببام حببتى بلببغ كببراع
الغميم ،فصام الناس ،ثم دعا بقدح من ماء ،فرفعببه حببتى نظببر النبباس
إليه ،ثم شرب ...فقيل له بعد ذلك :إن بعض الناس قد صببام! فقببال" :
أولئك العصاة ،أولئك العصاة".
وفي رواية :فقيل له :إن بعض الناس قببد شببق عليهببم الصببيام ،وإنمببا
ينظرون فيما فعلت ،فدعا بقدح من ماء )رواه مسلم في الصببيام / 2-
...(785الخ.
ويبدو من الروايات أنه أمرهم أول ً بالفطار ،فلببم يسببارعوا إليببه أخببذا
بالعزيمببة فببدعا بالقببدح وشببرب ،ليكببون لهببم أسببوة ،فبباجتمع الفعببل
عا ،فلهذا سمي من تخلف عن الفطار بعد ذلك) :العصاة(. والقول م ً
- 6أن يكون المسافر في حالة جهاد ومواجهة ساخنة مببع العببدو ،وقببد
حمي الوطيس والتهبت المعركة ،والفطببر أقببوى للمجاهببدين ،وأعببون
لهم ،على ملقاة العدو ،ومصابرته ،حتى يقضي الله أمًرا كان مفعببول،
41
بل قد يتعين الفطر هنا إذا كان الصوم يضعف المجاهدين ،أو يقلل من
قدرتهم
فإذا أمر القائد بالفطار كان الفطر عزيمة ،وكان الصيام مظنة الثم.
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال :سافرنا مع رسببول اللببه صببلى
الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال :فنزلنا منزل ،فقببال رسببول
الله صلى الله عليه وسلم" :إنكم قد دنوتم من عدوكم ،والفطر أقببوى
لكم" .وكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر .ثم نزلنا منببزل ً آخببر،
فقال " :إنكم مصبحو عدوكم والفطببر أقببوى لكببم فببأفطروا " وكببانت
عزمة ،فأفطرنا ،ثم رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليببه وسببلم
بعببد ذلببك فببي السببفر )صببحيح مسببلم فببي الصببوم ،789/2-الحببديث -
.(1120
عرض لذلك المحقق ابن القيم فببي )الهببدي النبببوي( ،وذكببر فببي ذلببك
ل :أن لهم ذلك ،وهو اختيار ابن تيميبة ،وببه قولين للعلماء ،أصحهما دلي ً
أفتى العساكر السلمية لمببا لقببوا العببدو بظبباهر دمشببق ،ول ريببب أن
الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر ،بل إباحة الفطر للمسببافر
تنبيه على إباحته في هذه الحالة ،فإنها أحق بجببوازه ،لن القببوة هنبباك
تختببص بالمسببافر ،والقبوة هنبا لبه وللمسبلمين ..ولن مشبقة الجهبباد
أعظم مببن مشببقة السببفر ،ولن المصببلحة الحاصببلة بببالفطر للمجاهببد
أعظم من المصلحة بفطر المسافر ولن الله تعالى قال) :وأعدوا لهببم
ما استطعتم من قوة() -النفال - (60:والفطر عند اللقاء ،من أعظببم
أسباب القوة.
والنبي صلى الله عليه وسلم قببد فسببر القببوة بببالرمي )روى مسببلم )
(1917عن عقبة بن عامر الجهني قال :سمعت رسول الله صببلى اللببه
عليه وسلم وهو على المنبر يقببول) ":وأعببدوا لهببم مببا اسببتطعتم مببن
قوة( ،أل إن القوة الرمي ،أل إن القوة الرمي ،أل إن القبوة الرمبي"(.
وهو ل يتم ول يحصل به مقصوده إل بما يقوي ويعين عليه من الفطببر
والغذاء ،ولن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصببحابة لمببا دنببوا مببن
عدوهم" :إنكم قد دنوتم من عدوكم ،والفطر أقوى لكم" وكانت رخصة
ثم نزلوا منزل ً آخر فقال" :إنكم مصبببحو عببدوكم ،والفطببر أقببوى لكببم
فأفطروا" فكانت عزمة )فأفطرنببا( )رواه مسببلم 1120-فببي الصببيام:
باب أجر المفطببر فبي السببفر إذا تبولى العمببل وأبببو داود 2406-فبي
42
هل يجوز للمريض أن يتصدق بدل اليام التي أفطرها وهو مريض ؟
المرض نوعان :مرض مؤقت يرجى الشفاء منه وهذا ل يجوز فيه فديببة
ول صدقة ،بل لبد من قضائه كما قال تعالى) :فعدة من أيام أخر( فإذا
مببا
ما فعليببه يبوم ،فبإذا أفطببر أيا ً
أفطر شهًرا فعليه شهر وإذا أفطر يو ً
فعليه أن يقضي مثلها حين يأتيه الله بالصحة وتتاح له فرصة القضاء ..
هذا هو المرض المؤقت.
أما المرض المزمن فحكم صاحبه كحكم الشيخ الكبببير والمببرأة العجببوز
إذا كان المرض ل يرجى أن يزول عنه .ويعرف ذلك بالتجربة أو بإخبببار
الطباء فعليه الفدية :إطعام مسكين .وعند بعض الئمة -كأبي حنيفببة
دا إلى من يببرى مببن الضببعفاء والفقببراء -يجوز له أن يدفع القيمة نقو ً
والمحتاجين.
إفطار الكبير والحامل والمرضع
يجوز للشيخ الكبير الذي يجهببده الصببوم ويشببق عليببه مشببقة شببديدة،
عا ،يجوز لهما أن يفطرا في رمضان ،ومثلهمببا ومثله المرأة العجوز طب ً
كل مريض ل يرجى شفاؤه من مرضه.
ضا مزمن ًببا ،قببرر الطببباء أنببه مسببتعص علببى العلج ،أو أنببه
المريض مر ً
مزمن معه ،يجوز له أن يفطر ،وهؤلء إذا أفطبروا عليهبم فديببة طعبام
مسكين عن كل يوم ،رخصة من الله وتيسيًرا .وقال تعالى) :يريد اللببه
بكم اليسر ول يريد بكم العسر( )البقرة) ،(185 :وما جعبل عليكبم فبي
الدين من حرج( )سورة الحج (78 :وقال ابن عباس رضي الله عنهما" :
رخص للشيخ الكبير أن يفطر ،ويطعم عن كل يببوم مسببكيًنا ،ول قضبباء
عليه " )رواه الدارقطني والحاكم وصححاه( ،وروى البخاري عنه قريًبببا
من هذا :أن في الشيخ الكبير ونحوه نزل قببوله تعببالى) :وعلببى الببذين
يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيًرا فهببو خيببر لببه( )البقببرة:
(184أي من زاد عن طعام المسكين فهو أفضل وأبقى له عنببد اللببه .
فالشيخ الكبير ،والمببرأة العجببوز ،والمريببض الببذي ل يرجببى بببرؤه مببن
مرضببه ،كببل هببؤلء لهببم أن يفطببروا ويتصببدقوا عببن كببل يببوم طعببام
مسكين.
هل يصح للمرأة الحامل أن تفطر في رمضببان إذا خببافت علببى جنينهببا
أن يموت ؟
نعم ..لهببا أن تفطببر ..بببل إذا تأكببد هببذا الخببوف أو قببرره لهببا طبببيب
مسلم ثقة في طبه ودينه ،يجب عليها أن تفطر حتى ل يموت الطفببل،
وقببد قبال تعبالى ):ل تقتلبوا أولدكبم( )النعبام ،151 :والسببراء(31 :
44
وهذه نفس محترمة ،ل يجوز لرجل ول لمببرأة أن يفببرط فيهببا ويببؤدي
دا ،وقببد جبباء عببن ابببن
بها إلى الموت .والله تعالى لم يعنببت عببباده أبب ً
ضا أن الحامل والمرضع ممن جاء فيهم )وعلى الذين يطيقونه عباس أي ً
فدية طعام مسكين(.
وإذا كانت الحامل والمرضع تخافان على أنفسهما فأكثر العلمبباء علببى
أن لهما الفطر وعليهما القضاء فحسب ..وهما في هذه الحالة بمنزلة
المريض.
أما إذا خافت الحامببل أو خببافت المرضببع علببى الجنيببن أو علببى الولببد،
نفس هذه الحالة اختلف العلماء بعد أن أجازوا لها الفطر بالجماع هببل
عليها القضاء أم عليها الطعام تطعم عن كببل يببوم مسببكيًنا ،أم عليهببا
عا ،اختلفوا في ذلك ،فابن عمر وابن عباس يجيزان القضاء والطعام م ً
لها الطعام وأكثر العلماء على أن عليها القضاء ،والبعببض جعببل عليهببا
القضاء والطعام ،وقد يبدو لي أن الطعببام وحببده جببائز دون القضبباء،
بالنسبة لمرأة يتببوالى عليهببا الحمببل والرضبباع ،بحيببث ل تجببد فرصببة
للقضاء ،فهي في سنة حامببل ،وفببي سببنة مرضببع ،وفببي السببنة الببتي
بعدها حامل ..وهكذا ..يتوالى عليهبا الحمبل والرضباع ،بحيبث ل تجبد
فرصة للقضاء ،فإذا كلفناها قضاء كل اليام الببتي أفطرتهببا للحمببل أو
للرضاع معناها أنه يجب عليها أن تصوم عدة سنوات متصلة بعببد ذلببك،
وفي هببذا عسببر ،واللببه ل يريببد بعببباده العسببر .هببذا بالنسبببة للسببؤال
الثاني.
الحامل والمرضع
للمرأة في أحكام الصيام نصيب أكبببر مببن الرجببل ،فهببي تشبباركه فببي
عامة الحكام وتختص هي بأمور ل يشاركها فيها.
ذلك أن القدر حملها ما لم يحمل الرجل من متاعب الحياة ،فهي تعاني
الدورة الشببهرية الببتي كتبهببا اللببه علببى بنببات آدم ،أو مببا يسببمى فببي
45
وفي آية أخرى) :حملته أمه وهنا على وهن( )لقمان .(14:
إنها حالة الببوحم والغثيببان والثقببل واللببم ،الببتي تتحملهببا الم طببوال
تسعة أشهر صببابرة ،بببل سببعيدة راضببية حببتى يخببرج جنينهببا إلببى نببور
الحياة.
وبعببد الببولدة ومببا يصببحبها مببن آلم تبببدأ مرحلببة أخببرى ،هببي مرحلببة
الرضبباع والفصببال الببتي قببد تطببول إلببى عببامين ،كمببا قببال تعببالى:
)وفصاله في عامين( )لقمان (14 :وقال) :والوالدات يرضعن أولدهببن
حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة( )البقرة.(233 :
والمرأة في حالة الحمل قد تخاف على نفسها من مشقة الصوم ،وقببد
تخاف على حملها فببي بطنهببا الببذي أصبببح جببزءا منهببا ،فغببذاؤه منهببا،
وبقاؤه بها ،أو تخاف عليهما معا.
ضا قد تخاف على نفسها أو على رضببيعها .أو وهي في حالة الرضاع أي ً
على الثنين جميعا.
أتعاملن معاملة المريض العادي ،فيجب عليهما قضاء عدة من أيام أخر
بعد أن تنتهي حالة الحمل والرضاع؟.
أم تعاملن معاملة الشببيخ الكبببير والمببرأة العجببوز ،والمريببض الببذي ل
يرجى برؤه فتفديان وتطعمان عببن كببل يببوم مسببكيًنا ،أو تعفيببان مببن
الفدية أيضا؟.
أم يختلببف حكببم الحامببل عببن حكببم المرضببع ،وحكببم مببن تخبباف علببى
نفسها ،ومن تخاف على ولدها؟.
بكل احتمال من هذه الحتمالت قال بعض الفقهاء.
46
ضا ،أن على الحامل والمرضببع كما روى عبد الرزاق عن بعض السلف أي ً
القضاء ول تطعمان )انظر المصنف لعبد الرزاق .(219 - 216 / 4-
وذكر ابن كثير الخلف الكثير بين العلماء في شأنهما قال :فمنهم مببن
قببال :تفطببران وتفببديان وتقضببيان وقيببل :تفببديان فقببط ،ول قضبباء.
وقيببل :يجببب القضبباء بل فديببة .وقيببل :تفطببران ول فديببة ول قضبباء
) تفسير ابن كثير .(215/1-
والذي أرجحه هو الخذ بمذهب ابن عمر وابن عباس فببي شببأن المببرأة
التي يتبوالى عليهبا الحمبل والرضباع ،وتكباد تكبون فبي رمضبان ،إمبا
حامل ،وإما مرضعا .وهكذا كان كثير من النساء فببي الزمنببة الماضببية،
فمن الرحمة بمثل هذه المرأة أل تكلف القضاء وتكتفي بالفدية ،وفببي
هذا خير للمساكين وأهل الحاجة.
أما المرأة التي تتباعد فترات حملها ،كما هو الشأن فببي معظببم نسبباء
صا في المدن .والتي قد زمننا في معظم المجتمعات السلمية ،وخصو ً
ل تعاني الحمل والرضاع ،في حياتهببا إل مرتيببن أو ثلث ًببا ،فالرجببح أن
تقضي كما هو رأي الجمهور.
إذ الحكم مبني على مراعاة التخفيف ،ورفع المشقة البزائدة ،فبإذا لبم
ما.
دا وعد ً
توجد ارتفع الحكم معها ،إذ الحكم يدور مع علته وجو ً
قضاء رمضان
ومن كان عليببه صببيام أيببام مببن رمضبان ،أفطببر فيببه بعبذر ،كببالمريض
والمسافر والحائض ،والنفساء ،ومن شق عليه الصوم ،مشقة شببديدة،
47
ول يببأثم بالتببأخير مببادام فببي نيتببه القضبباء لن وجببوب القضبباء علببى
التراخي ،حتى كان له أن يتطوع قبله على الصحيح.
ى
ويدل على ذلببك أن عائشببة رضببي اللببه عنهببا قببالت :كببان يكببون علب ّ
الصيام من رمضببان ،فمببا أسببتطيع أن أقضببي إل فببي شببعبان )متفببق
عليه ،اللؤلؤ والمرجان .(703-
دا ،بما
وكذلك من أفطر بغير عذر من باب أولى ،كمن أفسد صومه عام ً
يوجب الكفارة ،كالجماع ،أو بما ل يوجب الكفببارة ،كالكببل أو الشببرب،
ضا ،كما بينا ذلك في موضعه.
عند أكثر الفقهاء فعليه القضاء أي ً
عا وهو أفضل ،مسارعة إلى إسقاط ويجوز أن يكون قضاء رمضان متتاب ً
جا مببن الخلف )فقببد أوجبببه بعببض العلمبباء لن القضبباء الفرض ،وخرو ً
ً
يحكى الداء ،وهو متتابع( وأن يقضيه مفرقا ،وهو قول جمهور السلف
والخلف ،وعليه ثبتت الدلئل ،لن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة
أدائه فيه ،فأما بعد انقضاء رمضان ،فالمراد صيام عدة ما أفطر ،ولهذا
قال تعالى) :فعدة من أيام أخببر( ولببم يشببترط فيهببا تتابعببا ..بببل قببال
بعدها) :يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر(.
دا ولببو بالجمبباع فل كفببارة عليببه،ومن أفطر في قضبباء رمضببان متعمب ً
وإنما عليه يببوم مكببان يببوم ،وذلببك لن الداء متعيببن بزمببان لببه حرمببة
خاصة ،فالفطر انتهاك لببه ،بخلف القضبباء ،فاليببام متسبباوية بالنسبببة
إليه.
ومن أتى عليه رمضان آخر ،ولم يقض ما عليه من رمضان الفائت ،فإن
كان ذلك بعذر فل شيء عليه بالجماع ،لنه معذور في تأخيره.
وإن كان تأخيره للقضاء بغير عذر ،فقد جاء عن عببدد مببن الصببحابة :أن
عليه عن كل يوم إطعام مسكين ،كفارة عن تأخيره.
وهناك رأي آخر :أن ل شيء عليه غير القضبباء وهببو رأي النخعببي وأبببو
حنيفة وأصحابه ،ورجحه صاحب )الروضة الندية( لنه لم يثبت في ذلببك
شيء ،صح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،وغايببة مببا فيببه آثببار
عن جماعة من الصحابة من أقوالهم ،وهي ليست حجببة علببى أحببد ،ول
دا مببن عببباده ،والبببراءة الصببلية ،مستصببحبة فل ينقببل
تعبد الله بها أح ً
عنها إل ناقل صحيح )الروضة الندية لصديق حسن خان .(232/1-
وأرى الخذ بما جاء عن الصبحابة علبى سببيل السبتحباب ،ل الوجبوب،
فهو نوع من جبر التقصير بالصدقة ،وهو أمر مندوب إليه .أما الوجببوب
فيحتاج إلى نص من المعصوم ولم يوجد.
هببذا فببي مببذهب الشببافعية ،والحنابلببة ،عمل ً بمببا جبباء عببن عببدد مببن
الصحابة ،والئمة الخرون لم يوجبوا هذا.
ما ،أما الطعام على كل حال ،فإن حدث معه مثل هذا فعليه القضاء جز ً
أو الفدية فإن فعلها فحسن ،وإن تركهببا فل حببرج عليببه إن شبباء اللببه،
حيث لم يصح شيء في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم .-
أمببا عنببد الشببك فببي عببدد اليببام ،فيعمببل النسببان بغببالب الظببن ،أو
باليقين ..فلكي يطمئن النسان على سلمة دينه وبراءة ذمته ،فليصم
الكثر ،وله على ذلك مزيد الجر والثواب.
قضاء ما فات من رمضان في شعبان
ما فات من رمضان من أيام على المسلم أو علببى المسببلمة فعليببه أن
يقضيه عند الستطاعة حينما تتاح له الفرصة ،طيلة أشهر العببام ،قبببل
رمضان التالي ،ومعنى هذا أن أمام المسلم أحد عشببر شببهًرا يسببتطيع
أن يقضي فيها ما فاته من رمضان ،سببواء كببان أفطببر لعببذر مببرض أو
سفر أو لعذر حيض أو لغير ذلك من أعذار.
يستطيع أن يقضببي فببي شببوال -أي بعببد رمضببان مباشببرة .ومببا بعببد
شوال.
49
فإذا أجله لعذر ما ،كشدة الحر ،أو لضعف وعجز فببي صببحته ،أو طببرأت
عليه مشاغل لم يتمكن معها من الصببوم قضبباء مببا فبباته ،يسببتطيع أن
يقضي إلى رمضان التي.
فإذا جاء شعبان ولم يقض ما فاته ،فإن عليببه أن يقضببي فببي شببعبان،
لنه الفرصة الخيرة وقد كانت تفعل ذلببك أم المببؤمنين عائشببة رضببي
الله عنه ،فقد كانت كثيًرا ما يفوتها بعض أيام مببن رمضببان ،فتقضببيها
في شعبان ..وذلببك ل حببرج فيببه ،وإن كببان هنبباك اشببتباه لببدى بعببض
الناس في هذا المر ،فهذا ل أساس لبه مبن الشبرع ..إذ كبل الشببهور
يمكن أن تكون محل ً لقضاء ما فات من رمضان.
ضببا فببي شببهر رمضببان الماضببي ،وحببتى ولكن هب أن إنساًنا كببان مري ً
الن ،وقد وافاه رمضان التالي وهو على حاله من المرض ،ل يسببتطيع
قضاء ما فاته إل بمشقة شديدة وحببرج وإعنببات .ومثببل هببذا يبقببى مببا
فاته من صببيام رمضببان دين ًببا مببؤجل ً عليببه إلببى مببا بعببد رمضببان ،حيببن
يستعيد صحته ومقدرته على الصببيام ،ول حببرج عليببه فببي ذلببك ،فببالله
تعبالى ختبم آيبة الصبوم بقبوله) :يريبد اللبه بكبم اليسبر ول يريبد بكبم
العسر() .البقرة.(185 :
وإن صببح المريببض ،وأقببام المسببافر ،ثببم ماتببا ،لزمهمببا القضبباء بقببدر
الصحة والقامة لدراكهما العدة بهذا المقدار.
ومعنى اللزوم هنا أنه أصبح في ذمته ،وتبرأ ذمته بأحد أمرين:
-1إما بصيام وليه عنه ،لحديث عائشة في الصببحيحين مرفوعببا" :مببن
مات وعليه صيام ،صببام عنببه وليببه" )متفببق عليببه ،اللؤلببؤ والمرجببان -
.(704ورواه البزار ،بزيادة لفظ "إن شاء" )قال فببي مجمببع الببزوائد -
:179/3وإسناده حسن(.
فصيام الولي عن الميت من باب البر به ل الوجوب عليه ،ويؤيد ذلك ما
رواه الشيخان ،عن ابن عباس :جاء رجببل إلببى النبببي صببلى اللببه عليببه
50
وسلم فقال :يا رسول الله ،إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ،أفأقضيه
عنها؟ قال" :نعم فدين الله أحق أن يقضى" )اللؤلؤ والمرجان .(705-
وإما بالطعام عنه ،أي بإخراج طعام مسببكين مببن تركتببه وجوب ًببا، -2
عن كل يوم فاته لنه دَْين لله ،تعلق بتركته ،ودَْين الله أحق أن يقضى.
واشترط بعض الفقهاء أن يكون قببد أوصببى بببذلك ،وإل لببم يخببرج مببن
تركته شيء لنها حق الورثة.
والصحيح أن حق الورثة من بعد وصية يوصي بها أو دَْين وهذا دَْين ،لنه
حق المساكين في ماله،
والله أعلم.
مقومات الصيام
إن للصببوم ركنيببن أساسببيين همببا :المسبباك والنيببة ونعنببي بببالول:
المساك عن شببهوات الطعببام والشببراب والمباشببرة ومببا فببي حكمهببا
طوال يوم الصوم.
وأشد منه وأبلغ في المنع تناول المخدرات المحرمة أشد التحريم ،مثل
الحشيش والفيون والهيروين ،والكوكايين ونحوه ،وإن أخببذت بطريببق
الشم أو الحقن أو أي طريق كان.
دا بالفم ،ويصل إلى ويدخل في حكم الكل والشرب :كل ما يتناول قص ً
المعدة ،وإن لم يكن مشتهي ول مستل ً
ذا بببه ،مثببل أنببواع الدويببة الببتي
عا ،وهذا أمبر مجمبع عليبه .وإذا صا ،أو ابتل ً
تتناول بالفم شرًبا أو امتصا ً
كان المسلم في حاجة حقيقية إلي شئ من هذه الدوية ،فهببو مريببض
يسعه أن يفطر بإذن الشارع نفسه ،ول حرج عليه ول جناح.
51
ضرورة النية
النية في الصيام وفي كل عبادة فريضة ل بد منها ،ول يهمنا أن تكببون
ركنا عند بعض الفقهاء ،أو شر ً
طا عنببد بعضببهم ،فهببذا خلف علمببي أو
نظري ل يترتب عليه عمل ،ما دام الجميع متفقين علي فرضيتها.
والمراد بالنية هنا :أن يقوم بالعبادة امتثببال ً لمببر اللببه تعببالى ،وتقرب ًببا
إليه.
قا في عمل يأخذ عليه فكره، وقد يمسك بعض الناس تشاغل ً أو استغرا ً
وينسيه أكله وشربه.
وكببل هببؤلء ليسببوا صببائمين الصببيام الشببرعي ،لنهببم لببم ينببووا ولببم
يقصببدوا بإمسبباكهم وجببوعهم وحرمببانهم وجببه اللببه تعببالى ،وابتغبباء
مثوبته.
وقال" :كل عمل ابن آدم له ،قال الله تعالى :إل الصوم فإنه لببي ،وأنببا
أجزي به ،يدع طعامه وشهوته من أجلي" )متفق عليه مببن حببديث أبببي
هريرة(.
فمن ترك الطعام والشهوة من أجل شيء غير الله تعببالى ،فلببم يصببم
الصيام الشرعي.
التلفظ بالنية
52
وحجتهم ما رواه مسلم عن عائشة :أن النبببي صببلى اللببه عليببه وسببلم
كان يدخل على بعض أزواجه ،فيقول" :هل من غداء؟" فببإن قببالوا :ل،
قال" :فإني صببائم" )رواه مسببلم -ببباب جببواز صببوم النافلببة بنيببة مببن
النهار قبل الزوال(.
وكذلك ما جاء في الصحيحين أنه صببلى اللببه عليببه وسببلم حيببن فببرض
صوم عاشوراء أمر رجل ً من أسلم يؤذن في الناس في النهار" :أل كببل
من أكل فليمسك ،ومن لم يأكببل فليصببم" )رواه البخبباري -ببباب صببيام
يوم عاشوراء ،ومسلم -باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه(.
وذهب المام مالك إلى أن نية الصيام في أول ليلة من رمضببان كافيببة
للشهر كله ،ومغنية عن تجديد نية لكل ليلة ،باعتبار صوم رمضببان عمل ً
دا ،وعبادة واحدة ،وإن كانت موزعة على اليام ،كالحببج تكفيببه نيببة واح ً
في أوله ،وإن كانت أفعاله موزعة علببى عببدد مببن اليببام ،وهببو مببذهب
إسحاق ورواية عن أحمد.
فقد قالوا :إن إيصال عين -وإن قلت كسمسمة ،أو لم تؤكل كحصبباة -
من منفذ مفتوح إلى جوف الصائم يف ّ
طره.
54
)وينبغي الحتراز حالة الستنجاء ،لنه مببتى أدخببل طببرف إصبببعه دبببره
أفطر ولو أدنى شيء من رأس النملة ،بببل لببو خببرج منببه غببائط ،ولببم
ينفصل ،ثم ضم دبره ،فدخل منه شيء إلى داخله يفطر ...إلببخ .ومثلببه
فرج النثى.
ولو طعن بسكين فوصل السكين جوفه أفطر!.
وممببا سببمعته فببي دروس المشببايخ وأنببا صببغير ،وقرأتببه فببي كتببب
الشافعية وأنا كبير :لو أصبح وفي فمه خيط متصل بجببوفه ،كببأن أكببل
بالليل كنافة ،وبقي منها خيببط بفمببه ،تعببارض عليببه الصببوم والصببلة،
دا ،ونزعببه اسببتقاءة! وبطلن لبطلن الصببوم بببابتلعه ،لنببه أكببل عمبب ً
الصلة ببقائه لتصاله بنجاسة الباطن!.
وذكروا في الخروج من هذا المأزق حيل ً وأموًرا غريبة ،منها :أن يجبببره
الحاكم علببى نزعببه ،فيكببون كببالمكره ،فل يفطببر(!! )انظببر فببي ذلببك:
حاشية الشرقاوي علي التحرير .(436-433/3-
وقد ذكرنا أن الصيام المتعبد به أمر معروف ،حتى قبببل السببلم ،عنببد
عرب الجاهلية وغيرهم من المم ،وقد نبه القرآن على ذلك حين قببال:
)كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم( )البقرة.(183 :
وهذا ما بينه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .فلم يجيببء
فيهما منع الصائم مببن شببيء إل مببن الكببل والشببرب والمباشببرة )أي
الجماع( وكذلك من الرفث والصخب والجهببل والسببب والكببذب والببزور
وسائر المعاصي.
أي أن الصائم منع مما يتنافى مع المعنى المادي للصببيام ،وهببو الكببل
والشرب والجماع ،وهو الذي نتحدث عنه الن ،ومما يتنافى مع المعنى
الدبي له ،وهو الجهل والزور وسائر المعاصي والثام.
فهذه هي الشياء الثلثة المحددة ،التي منع منها الصائمون ،مببن تبببين
الفجر إلى دخول الليل ،وذلك بغروب الشمس .كما بينه الحديث.
وأكدت ذلك السنة بما جاء في الحديث القدسي" :كل عمل ابن آدم له،
إل الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ،يدع الطعام من أجلي ،ويدع الشببراب
من أجلي ،ويدع لذته مببن أجلببي ،ويببدع زوجتببه مببن أجلببي" )رواه ابببن
خزيمة في صحيحه برقم 1897-عن أبي هريرة ،وإسناده صحيح(.
فهذه الثلثة ،وما ألحق بها بالجماع -ممببا ذكرنبباه مببن تببدخين )التبببغ(
ومضغه ونشوقه ..إلبخ ،ومبا هبو شبر مبن التببغ مبن السبموم البيضباء
والسوداء -هي التي منعتها النصوص واتفقت مع حكمة الصيام.
56
وروى مثببل ذلببك رافبع ببن خديبج وأببو هريببرة وأببو موسبى )المصببدر
السابق .وانظر :فتح الباري 79/5-ط .الحلبي(.
وجمهور الفقهاء :على أن الحجامة ل تفطر ،ل الحاجم ول المحجوم.
وحجتهم :حديث ابن عباس :أن النبي صببلى اللببه عليببه وسببلم ،احتجببم
وهو محرم ،واحتجم وهو صائم )رواه البخبباري فببي صببحيحه ،كمببا فببي
المجموع .(35/6-
سئل أنس :أكنتم تكرهون الحجامة للصببائم .وفببي روايببة :علببى عهببد و ُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال :ل إل مببن أجببل الضببعف )رواه
البخاري ،المصدر السابق(.
وعن أبي ليلى قال :حدثني رجل مببن أصببحاب النبببي صببلى اللببه عليببه
وسلم :أن النبي صلى الله عليه وسلم نهببى عببن الحجامببة والمواصببلة
)مواصلة الصيام( ولم ينه عنهما إل إبقاء على أصببحابه )قببال النببووي:
رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم -نفسه(.
خص رسول الله صلى الله عليببه وسببلم فببي وعن أبي سعيد الخدري :ر ّ
قبلة للصائم والحجامة )رواه الدارقطني وقببال :رواتببه كلهببم ثقببات، ال ُ
ورواه من طريق آخر ،وقال :كلهم ثقات -نفسه.(351 :
كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب وعن أنس قال :أول ما ُ
احتجم وهو صائم ،فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ،فقببال" :أفطببر
خص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، هذان" ،ثم ر ّ
57
وكان أنس يحتجم وهو صائم )رواه الدارقطني ،وقال :كلهم ثقببات ول
أعلم له علة -نفسه.(351 :
قال البيهقي :وروينا في الرخصة في ذلك عببن سببعد بببن أبببي وقبباص
وابن مسعود وابن عباس وابن عمر والحسين بن علي ،وزيد بببن أرقببم
وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم )المصدر نفسه(.
الخطابي :يريد أنه غير محفوظ ،وقال مهنا عن أحمد :حدث به عيسببى
بن يونس ،وليس هو في كتابه ،غلط فيه ،وليس هو من حديثه!.
وقال الحاكم :صحيح علببى شببرطهما ،وأخرجببه مببن طريببق حفببص بببن
ضا) .ا.هب .-من التلخيص مع المجموع - ضا ،وأخرجه ابن ماجه أي ً
غياث أي ً
(351/6
فأما حديث أبببي هريببرة فيكفببي أن أحمببد أنكببره ،وقببال :ليببس مببن ذا
شيء ،أي أنه غير محفوظ وقال البخبباري :ل أراه محفوظًببا ،وقببد روي
من غير وجه ،ول يصح إسناده.
ومما يدل على عدم صحته :أن أبا هريرة راويه كان يقول بعدم الفطببر
بالقيء ،فقد روى عنه البخاري أنه قال :إذا قاء ،فل يفطر .إنما يخببرج
ول يولج ،قال :ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر .والول أصح.أ.هب .فببإن
صح موقو ً
فا :كان رأًيا له رجع عنه.
ونقل ابن بطال عن ابن عبباس وابببن مسببعود عبدم الفطبار ببالقيء،
قا ذرعه أو تعمده. مطل ً
وعّلق البخاري عن ابن عباس وعكرمة قال :الصببوم ممببا دخببل ،وليببس
مما خرج.
وإيراد البخاري لهذه الثار يببدل علببى أن مببذهبه عببدم الفطببر بببالقيء
قا. مطل ً
وأما حديث :أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر .فل يببدل علببى
أن القيء مفطر بذاته ،بل كمببا يقببال :مببرض فببأفطر ،أو أصببابه جهببد
ومشقة فأفطر ،أي أفطر ببأن أكبل أو شبرب .هكبذا فسبره الطحباوي
رحمه الله.
ّ
وإل فإن لفظ )قاء( ل يدل على التعمد الذي هو المفطر عندهم .وإنما
الذي يدل على التعمد هو )استقاء(.
والحقيقة أن التفطير بالقيء ل يتفق مع مقاصد الصيام.
وقد جاء في حديث مرفوع آخر ما يعارض هذا ،وهو مببا روي عنببه عليببه
الصلة والسلم" :ثلث ل يفطببرن :الحجامببة والقيببء والحتلم" )قببال
59
ما
حديث :بالغ في الستنشاق إل أن تكون صائ ً
وهنا حديث آخر ،كان له أثره في توسيع دائرة المفطرات ،وهبو حبديث
لقيط بن صبرة أنه سأل النبببي صببلى اللببه عليببه وسببلم عببن الوضببوء،
فقال" :أسبغ الوضوء وخلل بين الصابع ،وبالغ فببي الستنشبباق إل أن
ما" )رواه أبو داود في الطهببارة برقببم ) ،(142وفببي الصببوم تكون صائ ً
ضا ،والترمببذي فببي الصببوم ) (788وابببن مبباجه فببي الطهببارة )(407أي ً
،والنسائي ) (66/1في الطهارة ولم يذكر فيه الستنشاق ،وصححه ابن
خزيمببة ) ،(150وابببن حبببان كمببا فببي المببوارد ) ،(159والحبباكم فببي
المستدرك ) (147/1،148ووافقه الذهبي(.
ثانًيا :سلمنا بصحة الحديث ،لكن مما يذكر هنا أنه لم يجيء بلفظ عببام،
صا لشخص معين يسأل عن الوضوء. بل جاء خطاًبا خا ً
ثالًثا :أنه لم ينص على أن الماء إذا وصل إلى الجوف من طريببق النببف
يفطر ،بل كل ما فيه النهي عن المبالغة في حالة الصوم ،فقببد يببدخل
الماء عند المبالغة إلى فمه ومن فمه إلى جوفه وقد ينهى عن الشببيء
وإن لم يفطر ،وقد جاء عن بعببض السببلف فببي أشببياء معينببة قبالوا :ل
تفطر ولكن ينهى عنها.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن دخول الماء بعببد الستنشبباق وإن بببالغ
قا ،ذكر منهم النووي في المجمببوع: فيه المتوضئ ل يبطل الصوم مطل ً
الحسن البصري ،وأحمد وإسحاق وأبا ثور )المجموع .(327/6-
عا :لو سلمنا بأن وصول الماء إلى الجببوف مببن النببف يفطببر ،فلببن
راب ً
نسلم بالتوسع في إلحاق أشياء أخرى بهببذا ،لن الصببل فببي العبببادات
الوقوف عند النص ،ول يتوسع في القياس فيها ،ولن هذا الحديث جاء
على خلف الصل في أمر الصيام ،فيحفظ ول قياس عليه.
60
كل ما على المسلم في حالة الصيام أل يبببالغ فيهمببا .كمببا يبببالغ فببي
حالة الفطار فقد جاء في الحديث " :إذا استنشقت فأبلغ إل أن تكببون
ما " )أخرجه الشافعي وأحمد والربعة والبببيهقي( .فببإذا تمضببمض صائ ً
الصائم أو استنشق وهو يتوضأ ،فسبق الماء إلى حلقببه مببن غيببر تعمبد
ول إسراف ،فصيامه صحيح ،كما لو دخل غبار الطريق ،أو غربلة دقيق،
أو طارت ذبابة إلى حلقه ،لن كل هببذا مببن الخطببأ المرفببوع عببن هببذه
المة .وإن خالف في ذلك بعض الئمة.
ضا ل يؤثر على صحة الصيام .ما لببمعلى أن المضمضة لغير الوضوء أي ً
يصل الماء إلى الجوف .والله أعلم.
وروى البخاري بسنده عن عائشببة قبالت :كببان النبببي صبلى اللبه عليبه
وسببلم يببدركه الفجببر فببي رمضببان -أي وهببو جنببب -مببن غيببر حلببم،
فيغتسل ويصوم )انظر :فتح الباري .(153/4-
وقال الحسببن :إن دخببل حلقببه الببذباب فل شببيء عليببه )فتببح الببباري -
.(155/4
وكذلك ذكر البخاري) :باب قول النبي صلى الله عليه وسلم" :إذا توضأ
فليستنشق بمنخره الماء" ولم يميز بين الصائم وغيره.
61
وقببال الحسببن :ل بببأس بالسببعوط للصببائم ،إن لببم يصببل إلببى حلقببه،
ويكتحل.
وقال عطاء :إن تمضمض ثم أفرغ ما في فيه من الماء ل يضره ،إن لم
يزدرد ريقه )هذا الثر عند سعيد بن منصور عن ابن جريج :قلت لعطاء:
الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم! قال :ل يضره ،ومبباذا بقببي
في فيه؟! -الفتببح .(160/4ومبباذا بقببي فببي فيببه؟ ول يمضببغ العلببك -
اللبان ونحوه -فإن ازدرد ريق العلك ،ل أقول :إنه يفطببر ولكببن ينهببى
عنه ،فإن استنثر فدخل الماء حلقه ل بأس لم يملك -أي لم يملك دفببع
الماء ) (-فتح الباري .(159/4-
وفي )باب الحجامة والقيء للصائم( روي عببن أبببي هريببرة قببوله) :إذا
قاء فل يفطر ،إنما يخرج ول يولج ،ويذكر عببن أبببي هريببرة أنببه يفطببر،
والول أصح ،وقال ابن عباس وعكرمة :الصببوم ممببا دخببل وليببس ممببا
خرج ،وكان ابن عمر يحتجم وهببو صببائم ،ثببم تركببه ،فكببان يحتجببم مببن
طبا منبه ،وكبان كبثير الحتيباط ) (-المصبدر السبابق - الليبل -أي احتيا ً
.(173/4،174
قال الحافظ )إيراده -أي البخباري -للثبار المبذكورة يشبعر ببأنه يبرى
عدم الفطار بها( )المصدر السابق .(174/4-
وقال المام ابن قدامة) :أجمع العلماء على الفطر بالكل والشرب بما
يتغذى به .فأما ما ل يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطببر يحمببل
به ،وقال الحسن بن صالح :ل يفطر بما ليس بطعام ول شراب ،وحكى
عن أبي طلحة النصاري :أنه كان يأكل البرد في الصوم ،ويقول :ليببس
بطعام ول شراب(.
تقببرأ فببي كتببب الحنفيببة فتجببد مببا يقببرب مببن سببتين مفطببًرا مببن
المفطبرات ،ومثببل ذلببك أو قريبب منبه فبي المبذاهب الخببرى ،وملوا
مساحات واسعة من كتب الفقه ،وشغلوا مثلها مببن تفكيببر المسببلمين
واهتماماتهم ،وأصبحت معرفة هذه المفطرات الكثيرة الغزيرة الشببغل
الشاغل للصائمين ولهل الفتوى ،في كببل رمضببان ،ازدحمببت المجلت
والصبببحف والذاعبببات والمسببباجد بالسبببئلة والجوببببة حبببول هبببذه
المفطرات.
اتجاه البخاري
وهو الذي يميل إليه المام البخاري ،كما يبدو ممببا ذكببره فببي صببحيحه.
فقد قال في )باب اغتسال الصائم() :وبل ابن عمر رضببي اللببه عنهمببا
ثوًبا ،فألقاه عليه ،وهو صائم.
ودخل الشعبي الحمام وهو صائم.
در أو الشيء -أي يتذوقه .- ق ْ
وقال ابن عباس :ل بأس أن يتطعم ال ِ
وقال الحسن :ل بأس بالمضمضة والتبرد للصائم.
وقال ابن مسعود :إذا كان يبوم صببوم أحببدكم فليصبببح دهين ًببا مببترجل ً -
يعني يدهن شعره ويرجله .-
وقال أنببس :إن لببي "أبببزن" أتقحببم فيببه وأنببا صببائم -والبببزن :كلمببة
فارسية ،وهي حجر منقور شبه الحوض.-
وقال ابن عمر :ويستاك أول النهار وآخره ،ول يبلع ريقه.
وقال عطاء :إن ازدرد ريقه ،ل أقول :يفطر.
وقال اببن سبيرين :ل ببأس بالسبواك الرطبب .قيبل :لبه طعبم! قبال:
والماء له طعم ،وأنت تمضمض به.
سببا( فتببح الببباري - ولم ير أنس والحسببن وإبراهيببم بالكحببل للصببائم بأ ً
153/4ط .دار الفكر(.
قال ابن قدامة) :ولعل من يذهب إلى ذلببك يحتببج بببأن الكتبباب والسببنة
إنما حرما الكل والشرب فما عداهما يبقى على أصل الباحة(.
قبال) :ولنبا دللبة الكتباب والسبنة علبى تحريبم الكبل والشبرب علبى
العموم ،فيدخل فيه محل النببزاع ،ولببم يثبببت عنببدنا مببا نقببل عببن أبببي
فا( )المغني مع الشرح الكبير .(36/3-أ.هب. طلحة ،فل يعد خل ً
أما تحريم الكتاب للكل والشرب ،فمسلم ،ولكن مببن الببذي يقببول :إن
مببا ،أو
من ابتلع حصاة ،أو حبة خردل ،أو ما بين أسنانه ،أو نخامة أو بلغ ً
اكتحل فأحس طعم الكحل في حلقببه أو اسببتعمل الحقنببة فببي دبببره..
إلخ ..أن هذا يدخل في عموم الكل أو الشببرب المحببرم علببى الصببائم،
وهذا ما ل دليل عليه.
جحه المام الظاهري أبو محمد بن حزم ،البذي لبم يجبد وهذا هو الذي ر ّ
في ظواهر نصوص الشرع ما يؤيد التوسببع الببذي ذهببب إليببه جمببع مببن
محلى(.: الفقهاء ،فقال في )ال ُ
)ول ينقض الصوم حجامة ،ول احتلم ..ول قيء غالب ،ول قلس خببارج
من الحلق ما لم يتعمد رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه ،ول
دم خببارج مببن السببنان أو الجببوف ،مببا لببم يتعمببد بلعببه ،ول حقنببة ول
سعوط ول تقطير فبي أذن ،أو فبي إحليببل أو فبي أنبف ول استنشبباق
وإن بلغ الحلق ،ول مضمضة دخلت الحلق مببن غيببر تعمببد ول كحببل -أو
إن بلغ إلى الحلق نهاًرا أو ليل ً -بعقاقير أو بغيرها ،ول غبببار طحببن ،أو
غربلة دقيق ،أو حناء ،أو غير ذلك أو عطر ،أو حنظل ،أو أي شببئ كببان،
ول ذباب دخل الحلق بغلبة ،ول من رفع رأسه فوقع فببي حلقببه نقطببة
ماء بغير تعمد لذلك منه ،ول مضغ زفت أو مصطكي أو علك ،ول سواك
برطب أو يابس ،ومضغ طعام أو ذوقه ،ما لببم يتعمببد بلعببه ،ول مببداواة
جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك ،ول طعببام وجببد بيببن
السببنان :أي وقببت مببن النهببار وجببد ،إذا رمببي ،ول دخببول حمببام ،ول
تغطيس في ماء ،ول دهن شارب( )المحلى لبن حزم .(300/6،301-
قال أبو محمد) :إنما نهانا الله تعالى في الصوم عببن الكببل ،والشببرب
والجماع وتعمد القيء والمعاصي ،وما علمنا أكل ،ول شرًبا ،يكون على
دبببر ،أو إحليببل أو أذن أو عيببن ،أو أنببف ،أو مببن جببرح فببي البطببن ،أو
الببرأس!! ومببا نهينببا قببط عببن أن توصببل إلببى الجببوف -بغيببر الكببل،
والشرب -ما لم يحرم علينا إيصاله( )المصدر السابق .!!.(318/6-
أرى أن أنقل هنا أهم ما اسبتدل ببه شبيخ السببلم لهببذا التجباه البذي
يضيق فيما ُيفطر الصائم.
فقد تكلم عن الكحل والحقنة ،وما ُيقطر في الحليببل ،ومببداواة المببة
)جرح الدماغ( والجائفببة )جببرح الجببوف( وغيرهببا ممببا تنببازع فيببه أهببل
العلم ،هل يفطر به الصائم أو ل؟.
قببال :والظهببر أنببه ل يفطببر شببيء مببن ذلببك ،فببإن الصببيام مببن ديببن
المسلمين الذي يحتبباج إلببى معرفتببه الخبباص والعببام ،فلببو كببانت هببذه
64
المور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ،ويفسببد الصببوم بهببا لكببان
هذا مما يجب على الرسول بيانه ،ولو ذكر ذلك لعلمه الصببحابة وبلغببوه
المة ،كما بلغوا سائر شرعه ،فلما لم ينقببل أحببد مببن أهببل العلببم عببن
فا ولحا ول ضببعي ًالنبي صلى الله عليه وسلم فببي ذلببك ل حببديًثا صببحي ً
ل ،علم أنه لم يذكر شيًئا من ذلك.دا ول مرس ًمسن ً
وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم ،إمببا
في الجهاد وإما في غيره ،مأمومة وجائفة ،فلو كببان هببذا يفطببر لبببين
لهم ذلك ،فلما لم ينه الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطًرا.
ثم بين شيخ السلم :أن إثبات التفطير بالقياس يحتبباج إلببى أن يكببون
حا ،وذلببك إمببا قيبباس علببة بإثبببات الجببامع ،وإمببا بإلغبباء
القيبباس صببحي ً
الفارق .فإمبا أن يبدل دليبل علبى العلبة فبي الصبل فيعبدى بهبا إلبى
الفرع ،وإما أن يعلببم أن ل فبارق بينهمببا مبن الوصبباف المعتبببرة فبي
الشرع ،وهذا القياس هنا منتف.
وذلك أنببه ليببس فببي الدلببة مببا يقتضببي أن المفطببر الببذي جعلببه اللببه
ورسوله مفطًرا هو ما كان واصل ً إلبى دمباغ أو ببدن ،أو مبا كبان داخل ً
من منفذ ،أو واصل ً إلى الجوف ،ونحو ذلبك مببن المعباني الببتي يجعلهببا
أصحاب هذه القاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله ،ويقولبون :إن
65
وإذا لم يكن على تعليق الله ورسوله للحكببم بهببذا الوصببف دليببل ،كببان
قول القائل" :إن الله ورسببوله إنمببا جعل ً هببذا مفط بًرا لهببذا" قببول ً بل
علم ،وكان قوله" :إن الله حرم على الصائم أن يفعببل هببذا" قببول ً بببأن
هذا حلل وهذا حرام بل علببم ،وذلببك يتضببمن القببول علببى اللببه بمببا ل
يعلم ،وهذا ل يجوز.
ومن اعتقد من العلماء أن هذا المشترك مناط الحكببم فهببو منزلببة مببن
حا ،أو دللة لفظ على معنببى لببم يببرده اعتقد صحة مذهب لم يكن صحي ً
الرسببول ،وهببذا اجتهبباد يثببابون عليببه ،ول يلببزم أن يكببون قببول ً بحجببة
شرعية يجب على المسلم اتباعها.
ثم ذكر شيخ السببلم أن القيباس إنمبا يصبح إذا لبم يبدل كلم الشببارع
على علة الحكم.
وقال صلى الله عليه وسلم" :الصوم جنة" وقال" :إن الشيطان يجببري
من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والصوم".
ولهذا يجب على الصائم أن ي ُن َّزه صيامه عما يجرحه ،وربما يهببدمه ،وأن
ف
يصون سمعه وبصره وجوارحه عمببا حببرم اللببه تعببالى ،وأن يكببون عب ّ
اللسان ،فل يلغو ول يرفث ،ول يصببخب ول يجهببل ،وأل يقابببل السببيئة
عا واقية لببهبالسيئة ،بل يدفعها بالتي هي أحسن ،وأن يتخذ الصيام در ً
من الثم والمعصية ،ثم من عذاب الله في الخرة ولهذا قببال السببلف:
إن الصيام المقبول ما صامت فيه الجوارح مببن المعاصببي ،مببع البطببن
والفرج عن الشهوة.
وقال " :رب صبائم ليببس -لبه مبن صبيامه إل الجبوع " )رواه النسببائي
وابن ماجه عن أبي هريرة ،ورواه عنه أحمد والحاكم والبيهقي بلفظ "
رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش"(.
طر الصائم فمببن ومن أجل ذلك ذهب بعض السلف إلى أن المعاصي تف ّ
ما كالغيبببة والنميمببة والكببذب ،أو اسببتمع بببأذنه إلببى
ارتكب بلسانه حرا ً
حرام كالفحش والزور ،أو نظر بعينببه إلببى حببرام كببالعورات ومحاسببن
مببا كإيببذاء إنسببان أو حيببوان
المرأة الجنبية بشهوة ،أو ارتكب بيده حرا ً
ما ،بأن مشى إلى بغير حق ،أو أخذ شيًئا ل يحل له ،أو ارتكب برجله حرا ً
معصية ،أو غير ذلك من أنواع المحرمات ،كان مفطًرا.
يقول المام أبو بكر بن العربي في شببرح حببديث" :مببن لببم يببدع قببول
الزور والعمل به فليس لّله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
ذكر ل يثاب على صيامه ،ومعنبباه )مقتضى هذا الحديث :أن من فعل ما ُ
أن ثواب الصيام ل يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه(.
إن الصيام في رمضان خاصة فرصة للتطهر من آثام أحببد عشببر شببهًرا
مضت ،فمن صام صيام المؤمنين المحتسبين ،كان جديًرا أن يخرج مببن
صا الصغائر التي يقترفها الشهر مغفوًرا له ،مطهًرا من الذنوب ،وخصو ً
النسببان فببي مصبببحه وممسبباه ،ومراحببه ومغببداه ،وقببد يسببتخف بهببا
مرتكبها ،ول يدري أنها إذا تكاثرت عليه أردته وأهلكته.
وقد مر بنا الحديث المتفق عليه ":مببن صببام رمضببان إيمان ًببا واحتسبباًبا
غفر له ما تقدم من ذنبه".
فمن لوث صيامه بالمعاصي في سمعه وبصره ولسانه وجببوارحه ،فقببد
أضاع على نفسه فرصة التطهر ،ولم يستحق المغفببرة الموعببودة ،بببل
ربما أصابه ما دعا به جبريل عليه السلم ،وأمن عليه النبببي صببلى اللببه
عليه وسلم ":من أدرك رمضان فلم يغفر له ،فأبعببده اللببه " )رواه ابببن
حبان في صحيحه عن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عببن جببده،
وقد ثبت نحوه من حديث أبي هريرة وكعب بن عجرة(.
هاأكل الصائم أو شربه ناسًيا أو مكر ً
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبببي -صببلى اللببه عليببه
وسلم .. " :-من نسى وهو صائم فأكل وشببرب ،فليتببم صببومه ،فإنمببا
أطعمه الله وسقاه " ..وفي لفظ للدارقطني بإسببناد صببحيح " :فإنمببا
هو رزق ساقه الله إليه ،ول قضاء عليه " ..وفي لفظ آخر للدارقطني
وابن خزيمة وابن حبان والحاكم " ..من أفطر من رمضببان ناسببًيا ،فل
ضا قاله الحافظ ابن حجر. قضاء عليه ول كفارة " .وإسناده صحيح أي ً
وهذه الحاديث صريحة في عدم تأثير الكل والشرب ناسًيا علببى صببحة
الصببوم .وهببو الموافببق لقببوله تعببالى) :ربنببا ل تؤاخببذانا إن نسببينا أو
أخطأنا( )البقرة (286 :وقد ثبت في الصحيح أن الله أجاب هذا الدعاء.
كما ثبت في حديث آخر " :إن الله وضع عن هذه المة الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه ".
فعلى الصائم الذي أكل وشرب ناسًيا أن يستكمل صيام يومه ،ول يجوز
له الفطر.
وبالله التوفيق.
إفطار المكره
هببا ل يفطببر ،سببواء أدخببل المكببره الطعببام إلببى
كذلك ومن أفطببر مكر ً
جوفه بغير فعل من الصائم أم أكره الصائم على أن يببأكله هببو بنفسببه
69
على الصحيح ،لحديث" :إن الله وضع عن أمببتي الخطببأ والنسببيان ،ومببا
استكرهوا عليه" )رواه ابن ماجه والحبباكم والبببيهقي بأسببانيد صببحيحة
من رواية ابن عباس ،كما قال النووي في المجموع .(309/6 -
مببا ،وبعببد الببزوال اختلببف السببواك قبببل الببزوال مسببتحب كمببا هببو دائ ً
الفقهاء فقال بعضهم :يكره الستياك للصائم بعد الزوال .وحجته فببي
ذلك أن النبي -صبلى اللبه عليبه وسبلم -قبال " :والبذي نفسبي بيبده
لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " )رواه البخاري من
حديث أبي هريرة( فهبو يبرى أن ريبح المسبك هبذا ل يحسبن أن يزيلبه
المسلم ،أو يكره له أن يزيله ،ما دامت هذه الرائحببة مقبولببة عنببد اللببه
ومحبوبة عند الله ،فليبقها الصائم ول يزيلها ،وهذا مثل الدماء ...دماء
الجراح ..التي يصاب بها الشهيد ،قال النبي -صلى الله عليه وسببلم -
ملوهم بدمائهم وثيابهم ،فإنما يبعثببون بهببا عنببد اللببه في الشهداء " :ز ّ
يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك " ولذلك يبقى الشببهيد
بببدمه وثيببابه ل يغسببل ول يببزال أثببر الببدم .قاسببوا هببذا علببى ذلببك .
والصحيح أنه ل يقاس هذا على ذلك ،فذلك له مقام خاص ،وقد جاء عن
بعض الصحابة أنه قال " :رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم -يتسببوك
مببا ل يحصببى وهببو صببائم " فالسببواك فببي الصببيام مسببتحب فببي كببل
الوقات في أول النهار وفي آخره ،كما هو مستحب قبل الصيام وبعببد
الصيام ..فهو سنة أوصى بها رسول اللببه -صببلى اللببه عليببه وسببلم -
وقال " :السواك مطهببرة للفببم مرضبباة للببرب " )رواه النسببائي وابببن
مببا( .
قببا مجزو ًخزيمة وابن حبان فببي صببحيحيهما .ورواه البخبباري معل ً
ولم يفرق بين الصوم وغيره.
أما معجون السنان ،فينبغي التحوط فببي اسببتعماله بببأل يببدخل شببيء
منه إلى الجوف وهذا الذي يدخل إلى الجوف مفطر عند أكثر العلمبباء ؛
ولذا فالولى أن يجتنببب المسببلم ذلببك ويببؤخره إلببى مببا بعببد الفطببار،
ولكن إذا استعمله واحتاط لنفسه وكان حذًرا في ذلك ودخل شيء إلى
جوفه فهو معفو عنه والله سبحانه وتعالى يقول ":وليس عليكم جنبباح
فيما أخطأتم به ،ولكن ما تعمدت قلوبكم" )الحزاب (5 :والنبي – صلى
اللببه عليببه وسببلم – يقببول " :رفببع عببن أمببتي الخطببأ والنسببيان ومببا
استكرهوا عليه " والله تعالى أعلم.
فرض الله تعالى صيام أيام رمضان ،وسن رسول الله صلى اللببه عليببه
وسلم قيام لياليه .عن أبي هريرة قال :كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمببة ،ثببم يقببول:
دم مببن ذنبببه" )متفببق "من قام رمضان إيماًنا واحتساًبا ُ
غفر لببه مببا تقب ّ
عليه ،اللؤلؤ والمرجان .(435-
والتراويح
هي تلك الصلة المأثورة التي يؤديها المسلمون جماعببة فبي المسببجد،
بعد صلة العشاء.
سّنها رسببول اللببه صببلى اللببه عليببه وسببلم ،حيببن صببلى بأصببحابه
وقد َ
ليلتين ،أو ثلًثا ثببم تركهببا خشببية أن تفببرض عليهببم ،وكببان بببالمؤمنين
ما ،فصلها الصحابة فرادى ،حتى جمعهم عمببر علببى الصببلة خلببف رحي ً
أبي بن كعب.
فعن عائشة :أن رسول الله صلى الله عليه وسببلم خببرج ذات ليلببة )أي
مببن رمضببان( مببن جببوف الليببل ،فصببلى فببي المسببجد ،فصببلى رجببال
بصلته ،فأصبح الناس فتحدثوا ،فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه ،فأصبببح
الناس فتحدثوا ،فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ،فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم فصّلوا بصببلته ،فلمببا كببانت الليلببة الرابعببة عجببز
المسجد عن أهله ..حتى خرج لصلة الصبح ،فلمببا قضببى الفجببر ،أقبببل
على الناس فتشهد ثم قال" :أما بعد ،فإنه لم يخف عّلي مكانكم ،لكني
خشيت أن تفرض عليكم ،فتعجزوا عنها" )متفق عليه ،اللؤلؤ والمرجان
.(436-
وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمر على ذلببك ،أي يصببلون
فرادى ،وكذلك في خلفة أبي بكر ،وصدًرا من خلفة عمر.
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال :خرجت مع عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ليلببة فببي رمضببان إلببى المسببجد ،فببإذا النبباس
أوزاع متفرقون ،يصلي الرجل لنفسه ،ويصلي الرجل فيصببلي بصببلته
الرهط ،فقال عمر :إني أرى لو جمعت هببؤلء علببى قببارئ واحببد لكببان
أمثل .ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ،ثم خرجت معه ليلببة أخببرى،
والناس يصلون بصلة قارئهم ،قال عمببر :نعمببت البدعببة هببذه! والببتي
ينامون عنها أفضل من التي يقومون .يعنى آخببر الليببل ،وكببان النبباس
يقومون أوله )رواه البخاري في كتاب التراويح(.
71
وقول عمر) :نعمت البدعة هذه( ل يعني بها )البدعة الدينية( التي يببراد
بها استحداث أمر في الدين ليندرج تحت أصل شببرعي ،إنمببا يببراد بهببا
المعنى اللغوي للبدعة ،باعتبار أنها أمر لم يكن في عهده ،ول عهد أبي
بكر من قبل.
ولكنه وافق الهدي النبوي ،حيببث قببرر النبببي صببلى اللببه عليببه وسببلم،
صلة أصببحابه وراءه ثلث ليببال فببي المسببجد ،ولببول خشببية افتراضببها
عليهم وعجزهم عنها ،لستمر في الصلة بهم ،وقد زالت هذه الخشية،
دا
بإكمال الدين وانقطاع الوحي ،واسببتقرار الشببرع ،وكببان عمببر مسببد ً
فببي عملببه هببذا ،لمببا فيببه مببن مظهببر الوحببدة ،واجتمبباع الكلمببة ولن
الجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين ،ول سيما إذا كان حسببن
القراءة.
ولهذا ذهب الجمهور إلى سنية صلة التراويح فببي الجماعببة ،بببل ذهببب
الطحاوي من الحنفية إلى وجوبها على الكفاية )فتح الباري 156/5ط.
الحلبي(.
ما بأن الصلة في البيوت أفضل ،فهذا فيمببنومن قال من العلماء قدي ً
كان يصلي لنفسه ويطيل كثيًرا ،ول يجد صلة جماعة تشبع نهمه.
أما إذا وجببد هببذه الجماعببة ،فببالولى أن يصببلي مببع المسببلمين ،ليكببثر
جماعتهم وليقوى بهم ،ويقووا به.
ولببذا قببال بعببض الشببافعية :مببن كببان يحفببظ القببرآن ،ول يخبباف مببن
الكسل ،ول تختل الجماعة في المسجد ،بتخلفه ،فصلته فببي الجماعببة
والبببيت سببواء ،فمببن فقببد بعببض ذلببك فصببلته فببي الجماعببة أفضببل
)المصدر السابق(.
ومثل ذلك ما يقال في شأن صلة التراويح للنسبباء ،وأن صببلتهن فببي
بيوتهن أفضل ،فهذا لو كن يحفظن القرآن ،ول يكسلن عن الصببلة إذا
جلسن في البيت.
ولم تذكر رواية البخاري عدد الركعببات الببتي كببان يصببلى بهببا أبببي بببن
كعب ،وقد اختلف في ذلك ما بين إحدى عشرة ،وثلث عشببرة ،وإحببدى
وعشرين .أي مع الوتر قال الحافظ :ويحتمببل أن يكببون ذلببك الختلف
72
وقد ورد أنهم كانوا يقرأون بالسور الطببوال ،ويقومببون علببى العصببي
من طول القيام.
وفي إمارة عمر بن عبد العزيز بالمدينة ،كانوا يقومببون بسببت وثلثيببن
ركعة ويوترون بثلث.
قال مالك :وهو المر القديم عندنا.
وصلى بعض السلف أربعين غير الوتر )انظر في هذا كله :فتح الباري -
157/5ط .الحلبي(.
ول تضييق في ذلك كما قال المام الشافعي ،ول ينبغي أن ينكر بعببض
الناس على بعض في ذلك ،مادامت الصلة تأخببذ حقهببا مببن الطمأنينببة
والخشوع.
فمن صلى بإحدى عشرة ،فقد اهتدى بهدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فقد قالت عائشة :ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في
رمضان ،ول في غيره ،على إحدى عشرة ركعة )رواه البخاري وغيره(.
وعن جابر :أنه عليه الصلة والسلم -صلى بهم ثماني ركعات ،ثم أوتر
أي بثلث.
ومن صلى بثلث وعشرين ،فله أسوة بما كان في عهد عمر ،كمببا رواه
غير واحد ،وقد أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.
ومن صلى بتسع وثلثين أو إحدى وأربعين ،فلببه أسببوة بمببا كببان عليببه
العمل في المدينة في خير قرون المة ،وقد شاهده إمام دار الهجببرة،
وقال :وعلى هذا العمل من بضع ومائة سنة.
والصلة خير موضوع ،ولم يرد تحديد العدد في رمضان -ول فببي غيببره
بمقدار معين.فل معني لنكار بعض العلماء المعاصرين على مببن صببلى
عشرين أنه خالف السنة ،والهدي النبوي ،أو من صلى ثمانيا أنه خببالف
المأثور عن سلف المة وخلفها.
73
ي هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ،فببإن وإن كان الحب إل ّ
الله ل يرضى لببه إل الفضببل ،وذلببك )إحببدى عشببرة ركعببة( بببالوتر مببع
تطويل القراءة والصلة.
دى في بعض مسبباجد والذي يجب إنكاره من الجميع تلك الصلة التي ُتؤ ّ
المسلمين وكأنما يلهبب ظهبورهم سبوط يسبوقهم إلبى الفبراغ منهبا
وهى ) 20ركعة( في أقل مبن ثلبث سباعة!! واللبه تعبالى يقبول) :قبد
أفلح المؤمنون الذين هم في صلتهم خاشعون( )المؤمنون.(1،2 :
ولشيخ السلم ابن تيمية كلمات جامعة نافعة في بيان مشروعية صلة
التراويح بأي من العداد المروية فيها ،قال رضي الله عنه:
)ثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالنبباس عشببرين ركعببة فببي رمضببان،
ويوتر بثلث فرأى كثير من العلماء أن ذلببك هببو السببنة ،لنببه قببام بيببن
المهاجرين والنصار ،ولم ينكره منكر.
ص على ذلك المام أحمد ،وأنببه ل والصواب أن ذلك جميعه حسن ،كما ن ّ
يوقت في قيام رمضان عببدد ،فببإن النبببي صببلى اللببه عليببه وسببلم لببم
دا ،وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلهببا بحسببب طببول يوقت فيه عد ً
القيام وقصره ،فإن النبي صلى الله عليببه وسببلم ،كببان يطيببل القيببام
بالليل ،حتى قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة :أنببه كببان يقببرأ
في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران ،فكان طول القيام يغنببي عببن
تكثير الركعات.
وأبي بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة ،لم يمكن أن يطيل بهم
ضا عن طول القيام ،وجعلببوا ذلببكالقيام فكثر الركعات ،ليكون ذلك عو ً
ضعف عدد ركعاته فإنه كان يقببوم بالليببل إحببدى عشببرة ركعببة أو ثلث
عشرة ركعة ،ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيببام،
عا وثلثين(.فكثروا الركعات ،حتى بلغت تس ً
)ثم كان طائفة مببن السببلف يقومببون بببأربعين ركعببة ويببوترون بثلث،
وآخرون قاموا بست وثلثين و أوتروا بثلث ،وهببذا كلببه سببائغ فكيفمببا
قام بهم في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن.
فمشاهدة التليفزيببون ،ل أقببول فيهببا حلل مطلببق ول حببرام مطلببق .
وإنما يتبع ذلك الشيء الذي يشبباهد فببي هببذا الجهبباز :فببإن كببان خيبًرا
جببازت رؤيتببه ،وسببماعه ،كبعببض الحبباديث الدينيببة ،ونشببرات الخبببار،
والبرامج الموجهة إلى الخير ..وإن كان شًرا كبعض المشاهد الراقصببة
الخليعة ونحو ذلك ،فهذا يحرم رؤيته فبي كبل وقبت ،ويتأكبد ذلبك فبي
شهر رمضان.
وعلى المسئولين عن برامج التليفزيون ،أن يتقوا الله فيمببا ينبغببي أن
مببا ،وفببي رمضببان خاصببة ،رعايببة لحرمببة الشببهر
يقببدم للجمهببور دائ ً
المبارك ،وإعانة للناس على طاعة الله ،والستزادة من الخيرات ،حببتى
75
ل يحملوا إثم أنفسهم ،وإثم المشاهدين معهم ،كالذين قال الله فيهم:
)ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ،ومن أوزار الذين يضببلونهم بغيببر
علم ،أل ساء ما يزرون() .النحل.(25 :
صلة التراويح ليست واجبة على النسبباء ول علببى الرجببال ،وإنمببا هببي
سنة لها منزلتها وثوابهببا العظيببم عنببد اللببه .روى الشببيخان عببن أبببي
هريببرة قببال :يببأمرهم بعزيمببة ثببم يقببول " :مببن قببام رمضببان إيمان ًببا
واحتساًبا غفر الله ما تقدم من ذنبه ".
من صلى التراويح بخشوع واطمئنان مؤمًنا محتسًبا ،وصلى الصبح فببي
وقتها ،فقد قام رمضان واستحق مثوبة القائمين.
على أن خروج المرأة من بيتها -ولو إلى المسجد -يجب أن يكون بإذن
الزوج ،فهو راعي البيت ،والمسئول عن السرة ،وطاعته واجبة مبا لبم
يأمر بترك فريضة ،أو اقتراف معصية فل سمع له إذن ول طاعة.
وليس من حببق الرجببل أن يمنببع زوجتببه مببن الببذهاب إلببى المسببجد إذا
رغبت في ذلك إل لمانع معتبر .فقد روى مسلم عن النبي -صلى الله
عليه وسلم -قال " :ل تمنعوا إماء الله مساجد الله " .
ضببا مث ً
ل ،وفببي حاجببة إلببى عا :أن يكببون الببزوج مري ً
والمانع المعتبر شر ً
بقائهببا بجببواره تخببدمه وتقببوم بحبباجته .أو يكببون لهببا أطفببال صببغار
يتضررون من تركهم وحدهم في البيت مدة الصببلة وليببس معهببم مببن
يرعاهم ،ونحو ذلك من الموانع والعذار المعقولة.
76
جا فببي المسببجد ،ويشوشببون علببى وإذا كببان الولد يحببدثون ضببجي ً
المصلين بكثرة بكائهم وصراخهم ،فل ينبغي أن تصطحبهم معها فببترة
الصلة .فإن ذلك وإن جاز في صلوات الفرائض اليوميببة لقصببر مببدتها
ينبغي أن يمنع في صلة التراويح لطول مببدتها ،وعببدم صبببر الطفببال
عن أمهاتهم هذه المدة التي قد تزيد على الساعة.
وأما حديث النساء في المساجد ،فشأنه شان حديث الرجببال ،ول يجببوز
أن يرتفع الصوت به لغير حاجبة .وبخاصبة الحباديث فبي أمبور البدنيا،
فلم تجعل المساجد لهذا ،إنما جعلت للعبادة أو العلم.
فعلى المسلمة الحريصة على دينها أن تلببتزم الصببمت فببي بيببت اللببه،
حتى ل تشوش على المصلين أو على درس العلببم ،فببإذا احتبباجت إلببى
الكلم ،فليكن ذلك بصوت خافت وبقدر الحاجببة ،ول تخببرج عببن الوقببار
والحتشام في كلمها ولبسها ومشيتها.
وأحب أن أقول هنا كلمة منصببفة :إن بعببض الرجبال يسببرفون إسببرا ً
فا
دا في الغيرة علبى جنبس النسبباء ،والتضببييق عليهبن ،فل يؤيبدون شدي ً
فكرة ذهاب المرأة إلى المسجد بحال ،برغم الحواجز الخشبببية العاليببة
التي تفصل بين الرجال والنساء ،والتي لببم يكببن لهببا وجببود فببي عهببد
النبي -صببلى اللببه عليببه وسببلم -وصببحابته ،والببتي تمنببع النسبباء مببن
معرفة تحركات المببام إل بالصببوت والسببماع ،ول غببرو أن تببرى بعببض
هؤلء الرجال يسمحون لنفسهم في المسببجد بببالكلم والحبباديث ،ول
يسمح أحدهم لمرأة أن تهمس في أذن جارتهببا بكلمببة ولببو فببي شببأن
ديني ،وهذا مبعثه التزمت وعدم النصاف ،والغيرة المذمومة التي جبباء
بها الحديث " :إن من الغيرة ما يبغضببه اللببه ورسببوله " ،وهببي :الغيببرة
في غير ريبة.
لقد فتحببت الحيبباة الحديثبة الببواب للمببرأة .فخرجبت مبن بيتهبا إلبى
المدرسة والجامعة والسوق وغيرها ،وبقيت محرومببة مببن خيببر البقبباع
وأفضببل المبباكن وهببو المسببجد .وإنببي أنببادي بل تحببرج :أن أفسببحوا
للنساء في بيوت الله ،ليشببهدن الخيببر ،ويسببمعن الموعظببة ويتفقهببن
في الببدين ،ول بببأس أن يكببون مببن وراء ذلببك ترويببح عنهببن فببي غيببر
معصبية ول ريببة ،مبا دمبن يخرجبن محتشبمات متبوقرات بعيبدات عبن
مظاهر التبرج الممقوت.
رسوله في ليلة القيام ،وجعل هببذا القيببام سبببًبا للتطهببر مببن الببذنوب
والخطايا ..ولكن القيام الذي تغفر به الذنوب ،وتغسببل فيببه الدنبباس،
هو الذي يؤديه المسلم كامل ً بشروطه وأركببانه وآدابببه وحببدوده .وقببد
علمنا أن الطمأنينة ركن من أركان الصلة كقراءة الفاتحببة ،وكببالركوع
وكالسجود ..فإن النبي -صلى اللببه عليببه وسببلم -حينمببا أسبباء بعببض
الناس الصلة أمامه ولم يؤد لها حقها من الطمئنان ،قال لببه " :ارجببع
فصل ،فإنك لم تصل " ..ثم علمه كيف تكون الصببلة المقبولببة فقببال
ما ،واسجد حتى عا ،واعتدل حتى تطمئن قائ ً له " :اركع حتى تطمئن راك ً
سببا وهكببذا "
دا ،واجلس بيببن السببجدتين حببتى تطمئن جال ً تطمئن ساج ً
)رواه الشيخان وأصحاب السنن من حديث أبببي هريببرة( ..فالطمأنينببة
في جميع هذه الركان شرط لبد منه ،وحدّ الطمأنينببة المشببروطة قببد
اختلف فيه العلماء .فمنهم مببن جعببل أدنبباه أن يكببون مقببدار تسبببيحة
كأن يقول :سبحان ربي العلى مثل ً .وبعضهم -كالمام شيخ السببلم
ابن تيمية اشترط أن يكون مقدار الطمأنينة في الركوع والسجود نحببو
ثلث تسبيحات ،فقد جاء في السنة أن التسبيح ثلث ،وذلك أدناه فلبببد
أن تطمئن بمقدار ثلث تسبيحات ...ويقول الله عببز وجببل) :قببد أفلببح
المؤمنون .الذين هم في صلتهم خاشعون() .المؤمنون.(2 ،1 :
وخشوع القلب :معناه استحضار عظمة اللببه عببز وجببل ،وذلببك بالتأمببل
في معاني اليات التي ُتتلى ،وبتذكر الخرة ،وبتببذكر أن المصببلي بيببن
يدي الله عز وجببل ..وأن اللببه تعببالى يقببول فببي الحببديث القدسببي" :
قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين :فإذا قببال العبببد) :الحمببد للببه
رب العالمين( .قال اللببه تعببالى :حمببدني عبببدي ،وإذا قببال) :الرحمببن
ى عبببدي .وإذا قببال) :مالببك يببوم الرحيم( .قال الله عز وجل :أثنى عل ّ
جدني عبدي .وإذا قببال) :إيبباك نعبببد وإيبباك الدين( .قال الله تعالى :م ّ
نستعين( ،قال الله تعببالى :هببذا بينببي وبيببن عبببدي ،وإذا قببال) :اهببدنا
الصراط المستقيم( .قال الله تعالى :هذا لعبدي .ولعبدي مببا سببأل ".
)رواه مسلم(.
فالله سبحانه وتعالى ليس بمعزل عن المصلي ،ولكنه يجيبه ،فلبببد أن
يتجاوب المسلم المصلي مع الله عز وجل ،وأن يستحضر قلبه في كببل
حركة من حركات الصلة ،وفي كل وقت من أوقاتهببا ،وفببي كببل ركببن
78
من أركانها ،فالذين يصلون وكببل همهببم أن يفرغببوا مببن الصببلة ،وأن
يتخلصوا منها ،وأن يلقوها كأنهببا عبببء فببوق ظهببورهم ،فإنهببا ليسببت
هذه هببي الصببلة المطلوبببة .وكببثير مببن النبباس يصببلون فببي رمضببان
العشرين والثلث والعشرين ركعة في دقببائق معببدودات ،كببل همببه أن
فا ،وأن ينتهي منها في أسرع وقت ممكن ...ل يتم يخطف الصلة خط ً
ركوعها ول سجودها ول خشوعها ..فهذه كما ورد في الحديث " :تعرج
إلببى السببماء وهببي سببوداء مظلمببة تقببول لصبباحبها :ضبّيعك اللببه كمببا
ضّيعتني " .
وإنما ُتنال رحمة الله تعالى بالقبال عليه ،والجتهاد في ذكره وشكره،
وحسن عبادته.
وقد ابُتلينا ببعض المسلمين الذين يقضون النهار في منام ،والليل في
طعام ويضيعون فرصة التزود من هذا الشهر الكريم.
في الحديث الصببحيح" :إذا جبباء رمضببان فتحببت أبببواب الجنببة ،وغلقببت
أبواب النار ،وصفدت الشياطين" )متفق عليه عببن أبببي هريببرة ،اللؤلببؤ
والمرجان .(656-
هل ُ ّ
م، وفي طريق لعبد الرزاق وغيره" :وينادي فيه مناد :يا باغي الخيرَ ،
ويا باغي الشر أقصر" )عبد الرزاق ،7386-وابن خزيمة ،1883-ورواه
الحاكم بنحوه ،وقال :صحيح على شرطهما ،ووافقه الذهبي .(421/1-
وقد روى كعب بن عجرة وغيره :أن جبريل عليه السلم دعببا علببى مببن
أدرك رمضان فلم يغفر لبه ،وأمبن عليبه رسبول اللبه صبلى اللبه عليبه
وسلم )رواه الحاكم وقال :صببحيح السببناد ،ووافقببه الببذهبي ،154/4-
وقال الهيثمي في المجمع :166/10-رواه الطبراني ورجاله ثقات(.
ومن أهم ما ينبغي للصببائم الحببرص عليببه فببي رمضببان :الجببود وفعببل
الخير ،وبذل المعروف للناس ،وإطعام الطعام.
فهكذا كان رسول الله صلى الله عليببه وسببلم ،قببال ابببن عببباس :كببان
النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ،وكببان أجببود مببا يكببون
في رمضان ،حين يلقاه جبريل ،وكان يلقاه كل ليلة في رمضببان حببتى
ينسلخ ،يعرض عليه النبي صبلى اللبه عليبه وسبلم القبرآن ،فبإذا لقيبه
جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة )رواه البخبباري فبي الصببوم
وفي بدء الوحي(.
ومن هنا اعتاد المسلمون من قديم مد الموائد لتفطير الصببائمين فببي
رمضان ،لما فيها من الثواب الجزيل.
ويدعو عنببد الفطببار بمببا أحببب لببدينه ودنيبباه وآخرتببه ،لنفسببه ولببذويه
وللمسلمين فهو وقت ُترجى فيه الجابة .فقد روى ابن ماجة عن عبببد
الله بن عمرو" :أن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" )رواه ابببن ماجببة -
،1753وذكر البوصيري في الزوائد :أن إسناده صحيح ،وانظر :تعليقنببا
80
في )المنتقى( على الحديث .(521-وكان عبد الله بن عمرو يجمع بنيه
عند الفطار ويدعو قائل :اللهم أسألك برحمتك التي وسعت كل شببيء
أن تغفر لي ذنوبي.
وروى أبو هريرة" :ثلثة ل ترد دعوتهم :المببام العببادل ،والصببائم حيببن
يفطر ،ودعوة المظلوم" )رواه الترمذي وحسنه ) ،(3595وابن ماجببة )
،(1752وصححه ابن حبان ) ،(2408وحسنه ابن حجر فببي أمبباليه علببى
ححه أحمبد شباكر ،انظبر )المنتقبى الذكار ،ورواه أحمد في حديث وصب ّ
من الترغيب والببترهيب( وتعليقنببا علببى الحببديث .(522-وفببي روايببة:
"والصائم حتى يفطر".
وقالت عائشة :كان إذا دخل العشر شد مئزره ،وأحيا ليله ،وأيقظ أهلببه
رواه الستة إل الترمذي عببن عائشببة ،المصببدر السببابق 4713 -وانظببر:
اللؤلؤ والمرجان .(730-
ومن دلئل حرصه صببلى اللببه عليببه وسببلم علببى الجتهبباد فببي العشببر
الواخر :اعتكافه فيها في المسجد ،متفر ً
غا لعبادة اللببه تعببالى .ذكببرت
عائشة :أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الواخر مببن
رمضان حتى توفاه الله ،ثم اعتكف أزواجه من بعده )متفق عليه اللؤلؤ
والمرجان ،728-ب ،729ورواه عنببه كببذلك ابببن عمببر ،المصببدر نفسببه -
.(727
81
الثاني :أن ليلة القدر المباركة المفضلة أرجح ما تكون فيها ،بل صببحت
الحاديث أنها تلتمس فيها.
فاللبيب الكيس من اجتهد في هذه العشر ،عسى أن يظفر فيهببا بهببذه
الليلة فيغفر له ما تقدم من ذنبه.
ما يستحب للصائم
تعجيل الفطار
يستحب للصائم تعجيل الفطار ،فقد رغب في ذلك رسببول اللببه صببلى
الله عليه وسلم ،بقوله وفعله.
ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال" :ل يببزال النبباس بخيببر
ما عجلوا الفطر" )متفق عليه من حديث سهل بن سعد ،كما في اللؤلؤ
والمرجان .(668-
وإنما أحب التعجيل لما فيه من التيسير على الناس ،وكره التببأخير لمببا
فيه من شبهة التنطع والغلو في الدين ،والتشبه بأهل الديان الخببرى
الذين كانوا يغلون في دينهم.
فعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال " :ل يزال الدين ظبباهًرا
ما عجل الناس الفطر ،لن اليهود والنصارى يببؤخرون" )رواه أبببو داود
فببي الصببوم ) ،(2353وابببن مبباجه ) ،(1698وابببن خزيمببة )،(2060
والحاكم ) (431/1وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي(.
ومعنى التعجيل :أنه بمجببرد غيبباب قببرص الشببمس مببن الفببق يفطببر.
وفي الحديث الصحيح" :إذا أقبل الليل من ههنا ،وأدبر النهار من ههنا،
وغربت الشمس ،فقد أفطببر الصببائم" )متفببق عليببه مببن حببديث عمببر،
اللؤلؤ والمرجان .(668-
82
ويكفيه في ذلك أن يغلب على ظنه غروبها ،فالظن الغالب يكفببي فبي
هذه المور ،كما في القبلة وغيرها ،وقد أفطر المسببلمون فببي عهببده
عليه الصلة والسلم ،وهو معهم ،ثم طلعت الشمس.
ضا :ما رأيت رسول الله صلى الله عليببه وسببلم ،صببلى صببلة ويقول أي ً
المغرب حتى يفطر ،ولو علببى شببربة مببن مبباء )رواه أبببو يعلببي وقببال
الهيثمي في )المجمع( :رجاله رجببال الصببحيح ،155/3-وابببن خزيمببة -
،2063وابن حبان .(3495-
وقال عليه الصلة والسلم" :من وجد التمر فليفطر عليه ،ومن لم يجد
التمر ،فليفطر على الماء ،فإن المبباء طهببور" )رواه عبببد الببرزاق فببي
مصنفه ) ،(7586وأحمببد )،17/4ب ،(18وأبببو داود ) ،(2355والترمببذي )
،(694وابن ماجه ) ،(1699وابببن خزيمببة ) ،(2067وابببن حبببان )،(893
والحببباكم )،431/1ببب ،(432وصبببححه ووافقبببه الببذهبي .والمبببر هنبببا
للستحباب عند الفقهاء كافببة ،إل أن ابببن حببزم شببذ ،فجعلببه للوجببوب
على قاعدته ،وأوجب الفطر على التمر إن وجده .وإل فالماء(.
والبلد التي ل يوجد فيها الرطب أو التمببر ،يغنببي عنهببا بعببض الفببواكه
الخرى أو شيء من الحلو.
وينبغي أن يلزم العتدال في تناول الطعام ،فل يسرف ويكثر إلى حببد
ضّيع حكمة الصيام الصحية ،كما يفعله كثير من الصائمين. التخمة ،في ُ َ
السحور وتأخيره
ومما سّنه النبي صلى الله عليه وسببلم للصببائم أن يتسببحر ،وأن يببؤخر
السحور.
السحور :ما يؤكل في السحر ،أي بعد منتصف الليل إلببى الفجببر ،وأراد
بببذلك أن يكببون قببوة للصببائم علببى احتمببال الصببيام ،وجببوعه وظمئه،
صا عندما يطول النهار. وخصو ً
ولببذا قببال" :تسببحروا فببإن فببي السببحور بركببة" )متفببق عليببه ،اللؤلببؤ
والمرجان .(665-
وفيه تمييز كذلك لصيام المسلمين عن غيرهم ،وفي الصببحيح" :فصببل
ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب :أكلة السببحر" )مسببلم ،1096-وأبببو
83
ومن بركة السحور :أنببه -بجببوار مببا يهيئه للمسببلم مببن وجبببة ماديببة -
يهييء له وجبة روحية ،بما يكسبه المسلم مببن ذكببر واسببتغفار ودعباء،
في هذا الوقت المبارك ،وقت السحر الذي تنزل فيه الرحمببات ،عسببى
أن يكون من المستغفرين بالسحار.
ومن السنة تأخير السحور ،تقليل ً لمدة الجوع والحرمان ،قببال زيببد بببن
ثابت :تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسببلم ،ثببم قمنببا إلببى الصببلة،
فسأله أنس :كم بينهما؟ قال :قدر خمسببين آيببة )متفببق عليببه ،اللؤلببؤ
والمرجان .(666-
وقوله تعببالى) :فكلببوا واشببربوا حببتى يتبببين لكببم الخيببط البيببض مببن
الخيط السود من الفجر( تفيد جواز الكل إلى أن يتبين الفجر.
ومن شك هل طلع الفجر أم ل ،جاز له أن يأكل ويشرب حتى يستيقن،
وهكذا قال حبر المة ابن عباس :كل ما شككت حتى تستيقن.
ونقله أبو داود عن المام أحمد :أنه يأكل حتى يستيقن طلوعه.
بل روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن حذيفة قال :تسحرنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان النهار ،إل أن الشمس لم تطلع )ذكببره
ابن كثير في تفسيره .(222/1-
وعن عائشة :أن بلل ً كان يؤذن بليل ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :كلوا واشربوا حتى يؤذن ابببن أم مكتببوم :فببإنه ل يببؤذن ،حببتى
يطلع الفجر" )البخاري في الصوم(.
84
قال ابن كثير) :وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف :أنهم تسببامحوا
في السحور عند مقاربة الفجر ،روي مثببل هببذا عببن أبببي بكببر ،وعمببر،
وعلى ،وابن مسعود ،وحذيفة ،وأبي هريرة ،وابببن عمببر ،وابببن عببباس،
وزيد بن ثابت ،وعن طائفة كثيرة من التابعين ،منهم محمد بن علي بن
الحسين ،وأبو مجلز ،وإبراهيم النخعي ،وأبو الضحى ،وأبو وائل وغيببره
من أصحاب ابن مسعود ،وعطاء والحسن ،والحكم بن عيينببة ،ومجاهببد،
وعروة بن الزبير ،وأبو الشببعثاء جببابر بببن زيببد ،وإليببه ذهببب العمببش،
وجابر بن راشد( )تفسير ابن كثير 222/1-ط .عيسى الحلبي(.
ومن هنا نعلم أن المر في وقت الفجر ،ليس بالدقيقببة والثانيببة ،كمببا
عليه الناس اليوم ،ففي المر سعة ومرونببة وسببماحة ،كمببا كببان عليببه
الكثير من السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
قال الحافظ ابن حجر) :من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من
إيقاع الذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث سبباعة فببي رمضببان ،وإطفبباء
المصابيح التي جعلببت علمببة لتحريببم الكببل والشببرب علببى مببن يريببد
ما ممن أحدثه أنه للحتياط فببي العبببادة ،ول يعلببم بببذلك إل الصيام ،زع ً
آحاد الناس .وقد جّرهم ذلك إلى أن صبباروا ل يؤذنببون إل بعببد الغببروب
جلببوا السببحور،خروا الفطببور وع ّبدرجببة لتمكيببن الببوقت -زعمببوا -فببأ ّ
وخالفوا السنة ،فلذلك قل عنهم الخير ،وكثر الشر ،والله المسببتعان(!
)فتح الباري 102/5-ط .الحلبي(.
السحور للصائم
ً
السحور ليس شرطا في الصيام ،وإنما هو سنة ،عن النبي – صلى اللببه
عليه وسلم – فعلها وأمر بها ،وقال " :تسحروا ،فإن في السحور بركة
" )متفق عليه من حديث أنس( فُيسن السحور ويسن تأخيره ،لنه ممببا
يقوي المسلم الصيام ،ويخفبف عنببه مشبقة الصبوم ؛ لنببه يقلببل مببدة
الجوع والعطش ،وقببد جبباء هببذا الببدين بالميسببرات ،الببتي تيسببر علببى
الناس عببباداتهم ،وترغبهببم فيهببا ،ومببن ذلببك تعجيببل الفطببور وتببأخير
السحور ،فيسن للمسلم الصائم أن يقببوم إلببى السببحور ويتسببحر ولببو
بالقليل ولو بتمرة أو شربة مبباء ،عمل ً بسببنة رسببول اللببه -صببلى اللببه
عليببه وسببلم ،-وفببي السببحور فببائدة أخببرى روحيببة ،وهببي التنبببه
والستيقاظ قبل الفجر ،ساعة السحور التي يتجلى اللببه فيهببا لعببباده،
حا .ومببا
فيجيب من دعا ،ويغفر لمن استغفر ،ويتقبل ممن عمببل صببال ً
85
أعظم الفرق بين من يقضي هذا الببوقت ذاك بًرا تالي ًببا ،ومببن يمببر عليببه
ما.
دا نائ ً
راق ً
ب
التنزه عن اللغو والرفث والجهل والس ّ
صا على التنزه عن اللغو والرفث والصببخب وينبغي للصائم أن يزداد حر ً
والجهل ،والسب والشتم.
وهذا شأن المؤمنين في كل وقت وحال ،كما قببال تعببالى فببي وصببف
المؤمنين المفلحين) :والذين هم عن اللغببو معرضببون( )المؤمنببون(3 :
وفببي وصببف عببباد الرحمببن) :وإذا خبباطبهم الجبباهلون قببالوا سببلما(
)الفرقان (63 :ولكن هذا آكد في حال الصيام.
وقد قببال عليببه الصببلة والسببلم" :الصببيام جنببة ،وإذا كببان يببوم صببوم
أحدكم فل يرفث ول يصخب )وفي رواية :ول يجهل( فإن سابه أحببد أو
قبباتله ،فليقببل :إنببي امببرؤ صببائم" )متفببق عليببه ،اللؤلببؤ والمرجببان -
.(706،707وفي رواية :مرتين.
86
ومن أدب الصائم أن يببدفع السببيئة بالحسببنة ،وأن يقببول لمببن سبّبه أو
شبتمه :إنبي صبائم ،يقبول ذلببك بقلبببه ولسبانه ،يخبباطب ببذلك نفسببه
ف شببره ،وُيطفببئ
ليلجمها بلجام التقببوى ،ويخبباطب بببذلك شبباتمه ليكب ّ
غضبه بماء الحلم والدفع بالتي هي أحسن.
والصيام المقبول ح ً
قببا هببو الببذي يصببوم فيببه اللسببان والجببوارح ،عببن
معصية اللببه كمببا يصببوم البطببن عببن الطعببام والشببراب ،والفببرج عببن
مباشرة النساء.
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم" :ليس الصيام مببن الكببل
والشرب ،إنما الصيام من اللغو والرفببث" )رواه الحبباكم وصببححه علببى
ضببا" :رب صببائم ليببسشرط مسلم ،ووافقه الذهبي .(430/1-وقال أي ً
له من صيامه إل الجوع " )رواه النسببائي وابببن مبباجه والحبباكم وقببال:
صحيح على شرط البخاري كما في المجموع للنببووي .356/6-وانظببر:
المستدرك .(431/1-
وألف شهر تساوي ثلًثا و ثمانين سنة وأربعة أشهر ،أي أن هذه الليلببة
الواحدة أفضل من عمر طويببل يعيشببه إنسببان عمببره مببا يقببارب مببائة
سنة ،إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف.
وهي ليلة تتنّزل فيها الملئكة برحمة الله وسببلمه وبركبباته ،ويرفببرف
فيها السلم حتى مطلع الفجر.
وفي السنة جاءت أحاديث جمة في فضل ليلببة القببدر ،والتماسببها فببي
العشر الواخر ففي صحيح البخاري من حديث أبببي هريببرة" :مببن قببام
غفر له مببا تقببدم مببن ذنبببه" )رواه البخبباريليلة القدر إيماًنا واحتساًبا ُ
في كتاب الصوم(.
ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن هببذه الليلببة وإهمببال
إحيائها ،فيحببرم المسببلم مببن خيرهببا وثوابهببا ،فيقببول لصببحابه ،وقببد
أظلهم شهر رمضان" :إن هذا الشهر قد حضركم ،وفيبه ليلبة خيبر مبن
رم الخيَر كله ،ول ُيحرم خيرها إل محروم" ح ِ
مها فقد ُ
ر َ
ح ِ
ألف شهر ،من ُ
)رواه ابن ماجه من حديث أنس ،وإسناده حسن كما في صحيح الجببامع
الصغير وزيادته .(2247-
أي ليلة هي ؟
ليلة القدر في شهر رمضان يقيًنا ،لنها الليلة التي أنزل فيها القببرآن،
وهو أنزل في رمضان ،لقوله تعببالى) :شببهر رمضببان الببذي أنببزل فيببه
القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان( )البقرة.(185 :
وعن أبي سعيد أن النبي صلى اللببه عليببه وسببلم ،خببرج إليهببم صبببيحة
عشرين فخطبهم ،وقال" :إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها -أو نسيتها
-فالتمسوها في العشببر الواخببر ،فببي الببوتر" )متفببق عليببه ،المصببدر
نفسه .(724-وفي رواية" :ابتغوها في كل وتر " )نفسه .(725
88
وإذا كان دخول رمضببان يختلببف -كمببا نشبباهد اليببوم -مببن بلببد لخببر،
فالليالي الوترية في بعض القطار ،تكببون زوجيببة فببي أقطببار ُأخببرى،
فالحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر.
والسبع الواخر تبدأ من ليلة 23إن كببان الشببهر 29ومببن ليلببة 24إن
ما.
كان الشهر 30يو ً
ورأي أبي بن كعب وابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم أنهببا ليلببة
ى يحلببف علببى ذلببك لعلمببات ُ
السابع والعشرين من رمضببان ،وكببان أب َب ّ
رآها ،واشتهر ذلك لدى جمهور المسلمين ،حتى غدا يحتفل بهذه الليلة
احتفال ً رسمًيا.
والصحيح :أن ل يقين في ذلك ،وقد تعددت القوال في تحديببدها حببتى
بلغ بها الحافظ ابن حجر 46قو ً
ل.
ده إلى بعض .وأرجحها كلها :أنها فببي وتببر مببن العشببروبعضها يمكن َر ّ
الخير ،وأنها تنتقل ،كما يفهم من أحاديث هببذا الببباب ،وأرجاهببا أوتببار
العشر ،وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحببدى وعشببرين ،وعنببد
الجمهور ليلة سبع وعشرين )فتح الباري 171/5-ط .الحلبي(.
ولله حكمة بالغببة فببي إخفائهببا عنببا ،فلببو تيقنببا أي ليلببة هببي لببتراخت
العزائم طوال رمضان ،واكتفت بإحياء تلك الليلة ،فكان إخفاؤها حافًزا
للعمل في الشهر كله ،ومضاعفته في العشر الواخببر منببه ،وفببي هببذا
خير كثير للفرد وللجماعة.
وهذا كما أخفى الله تعالى عنا ساعة الجابة في يوم الجمعببة ،لنببدعوه
في اليوم كله ،وأخفى اسمه العظم الذي إذا دعي بببه أجبباب؛ لنببدعوه
عا.
بأسمائه الحسنى جمي ً
89
روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال :خرج النبببي صببلى اللببه عليببه
وسلم ليخبرنا بليلة القببدر ،فتلحببى رجلن مببن المسببلمين )أي تنازعبا
وتخاصما( فقال" :خرجت لخبركم بليلببة القببدر ،فتلحببى فلن وفلن،
فرفعت )أي من قلبي فنسيت تعيينها( وعسى أن يكون خيًرا لكم".
وقد ورد لليلة القدر علمات ،أكثرها ل يظهر إل بعببد أن تمضببى ،مثببل:
أن تظهر الشمس صبيحتها ل شعاع لها ،أو حمراء ضعيفة......إلخ.
ومثل :أنها ليلة مطر وريح ،أو أنها ليلة طلقة بلجة ،ل حارة ول ببباردة،
إلخ ما ذكره الحافظ في الفتح.
ّ
وكل هذه العلمات ل تعطببي يقين ًببا بهببا ،ول يمكببن أن ت َطببرد ،لن ليلببة
ضببا ،وقببد
القدر في بلد مختلفة في مناخهببا ،وفببي فصببول مختلفببة أي ً
يوجد في بلد المسلمين بلد ل ينقطع عنبه المطبر ،وآخبر يصبلي أهلبه
حببل ،وتختلببف البلد فببي الحببرارة م ْ
صلة الستسقاء مما يعبباني مببن ال َ
والبرودة ،وظهور الشمس وغيابها ،وقوة شببعاعها ،وضببعفه ،فهيهببات
أن تتفق العلمات في كل أقطار الدنيا.
لقد ذهب جمع من العلماء إلببى العتبببار الول ،مسببتدلين بحببديث أبببي
هريرة" :مببن يقببم ليلببة القببدر فيوافقهببا) "..روايببة لمسببلم عببن أبببي
هريرة(.
ورجح آخرون معنى يوافقها :أي في نفس المر ،إن لم يعلم هو ذلببك،
لنببه ل يشببترط لحصببولها رؤيببة شببيء ،ول سببماعه ،كمببا قببال المببام
الطبري بحق.
وكلم بعض العلماء في اشتراط العلم بليلة القدر كان هو السبب فيما
يعتقده كثير من عامة المسلمين أن ليلة القدر طاقببة مببن النببور ُتفتببح
90
لبعض الناس من السعداء دون غيرهببم .ولهببذا يقبول النباس :إن فلنبا
انفتحت له ليلة القدر ،وكببل هببذا ممببا ل يقبوم عليببه دليببل صببريح مببن
الشرع.
فليلة القدر ليلة عامة لجميع من يطلبها ،ويبتغي خيرهببا وأجرهببا ،ومببا
عند الله فيها ،وهي ليلبة عببادة وطاعبة ،وصبلة ،وتلوة ،وذكبر ودعباء
وصدقة وصلة وعمل للصالحات ،وفعل للخيرات.
وأدنى ما ينبغي للمسببلم أن يحببرص عليببه فببي تلببك الليلببة :أن يصببلي
العشاء في جماعة ،والصبح في جماعة ،فهما بمثابة قيام الليل.
ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم "من صلى العشاء في جماعة،
فكأنما قام نصف الليل ،ومن صلى الصبببح فببي جماعببة ،فكأنمببا صببلى
الليل كله" )رواه أحمد ومسلم واللفظ لبه ،مبن حبديث عثمبان ،صبحيح
الجامع الصغير .(6341-
والمراد :من صلى الصبح بالضافة إلى صلة العشاء ،كما صرحت بببذلك
رواية أبي داود والترمذي" :من صلى العشبباء فببي جماعببة كببان كقيببام
نصف ليلة ،ومن صلى العشبباء والفجبر فبي جماعببة كبان كقيببام ليلبة"
)المصدر السابق (6342-
صيام التطوع
للعبادات المطلوبة في السلم مستويان:
مستوى )الفرض(:
الذي يلزم به كل مكلف ،ول يقبل منه التكاسل عنه ،أو التفريببط فيببه،
فمن فعل كان مستوجًبا للذم والتأثيم في الدنيا ،وللعقاب في الخرة،
وهو يمثل الحد الدنى المطلوب من المسلم.
وذلك يتمثببل فببي الصببلوات الخمببس المفروضببة فببي كببل يببوم وليلببة،
والزكاة المفروضة على الموال النامية بشروطها ،وصوم رمضان مببن
كل عام ،وحج البيت في العمر مرة.
وهذه الفرائض يكفببر مببن أنكببر وجوبهببا أو اسببتهزأ بهببا ،ويفسببق مببن
تركها ،ولم يكن له عذر يقبله الشرع.
والفرد مطالب أمام الله ،وأمام المجتمع بببأداء هببذه الفببرائض علنيببة،
حتى يدفع التهمة عن نفسه ،ويكون أسوة لغيره.
والمجتمع مسئول بالتضامن عن إقامة هذه الفببرائض ،فعليببه أن يعلببم
الجاهل وينبه الغافل ،ويؤدب المقصر ،والله تعالى يقول) :والمؤمنببون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عببن المنكببر
ويقيمببون الصببلة ويؤتببون الزكبباة ويطيعببون اللببه ورسببوله أولئك
سيرحمهم الله( )التوبة.(71 :
91
والفرد إذا أدى الفرض -مستوفي الركان بالشروط -فقد أبببرأ ذمتببه،
وأسقط الثم عنه ،ولم يكن لحد عليه سبيل ،وهذا ما صح بببه الحببديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن طلحة بن عبد الله قال :جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليببه
وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صبوته ول نفقبه مبا يقبول،
حتى دنا من رسول اللبه صبلى اللبه عليبه وسبلم فبإذا هبو يسبأل عبن
السلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :خمببس صببلوات فببي
ي غيرهببن؟ قببال" :ل إل أن تطببوع" فقببال اليوم والليلة" ،قال :هل عل ّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :وصيام شهر رمضببان" ،قببال :هببل
علي غيره ،قال" :ل إل أن تطوع" ،قال :وذكر له رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،الزكاة ،فقال :هل علببي غيرهببا؟ قببال" :ل إل أن تطّببوع"،
فأدبر الرجل وهو يقول :والله ل أزيد علبى هبذا ول أنقبص منبه فقبال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أفلح إن صدق" متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابًيا أتى النبببي صببلى اللببه عليببه
وسلم :فقال :يا رسول الله ،دلني على عمببل إذا عملتببه دخلببت الجنببة
قال" :تعبببد اللببه ول تشببرك بببه شببيًئا ،وتقيببم الصببلة ،وتببؤتي الزكبباة
المفروضة وتصوم رمضان" قال :والذي نفسي بيده ،ل أزيد على هببذا،
فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسبلم" :مبن سبره أن ينظبر إلبى
رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" متفق عليه.
هذا هو مستوى الفرض.
ومن ثمبباره :أنببه )رصببيد احتيبباطي( -إذا اسببتخدمنا لغببة المحاسبببين -
يواجه به المكلف )الخسائر( الناجمة من ارتكاب السيئات ،والببتي تكببثر
وتتفاقم أحياًنا حتى تكاد تأكل رأس المال.
92
فمن الحزم والكيس أن يواجه المسلم هذا )العجز( المتوقع بأل يكتفي
بالقتصار على الحد الدنببى المفببروض ،وأن يسببتكثر مبن العببادة عبن
طريق التطوع ،أو النافلة.
ومن ثماره كذلك :أنه يهيئ المسلم للترقي في درجببات )القببرب( مببن
اللببه تعبالى ،حبتى يصببل إلبى درجببة الحبب مبن اللبه عبز وجبل ،فبأداء
الفرائض يوصل إلى )القرب( ،وأداء النوافل يوصل إلى )الحب(.
ي
وفي هذا جاء الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى" :ما تقببرب إلبب ّ
عبدي بأفضل مما افترضته عليه ،ول يزال عبدي يتقرب إلببي بالنوافببل
حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع بببه وبصببره الببذي يبصببر
به ،ويببده الببتي يبطببش بهببا ،وقببدمه الببتي يسببعى بهببا ..ولئن سبألني
لعطينه ،ولئن استعاذ بي لعيذنه" )رواه البخاري عن أبي هريرة(.
من أجل هذا فتح السلم باب التطوع لرببباب الهمببم والعببزائم ،ليأخببذ
عا لمدى طموحه وأشواقه إلببى مببا عنببد اللببه تعببالى، ك ّ
ل بحظه منها ،تب ً
وذلك في العبادات كلها ،ومنها :الصيام.
وهنا نلقي بعض الضوء على ألوان صيام التطوع ،الذي شرعه السلم:
سَنة ،أي كأنما صام السنة كلها ،فإذا حافظ علببى والمراد بالدهر هنا :ال ّ
صيام ذلك طوال السنين ،فكأنما صام الدهر.
وقد جاء تفسير ذلك في حديث آخر يقول" :صيام شببهر بعشببرة أشببهر
وصيام ستة أيام بشهرين ،فذلك صيام العام".
وهل المطلوب في هذه اليام إلحاقهببا برمضببان مباشببرة ،بحيببث يبببدأ
صومها من اليوم التالي للعيد ،كما يدل عليه لفظ )أتبعه( ،أم يكفي أن
تكون في شوال ،وشوال كله تابع لرمضان؟.
المام الشاطبي أن بعض العجم وقعوا في مثل ذلببك حيببث تركببوا كببل
مراسم رمضان ومظاهره من إضبباءة المبآذن ومببرور المسببحرين علببى
الناس وغير ذلك إلى اليوم السابع من شوال ،ولكن مثل هذا الخرف ل
ترد به السنة ،ويجب أن ُيعّلم الجاهل.
وفي لفظ" :ما من أيام أعظم عند الله ،ول أحب إلى الله العمل فيهن
مببن أيببام العشببر ،فببأكثروا فيهببن مببن التسبببيح والتحميببد ،والتهليببل
والتكبير" )رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد(.
دا حتى مادا شدي ًوكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر ،اجتهد اجتها ً
يكاد يقدر عليه.
والصيام في هذه اليام العشر من أعظم مببا يتقببرب بببه المسببلم إلببى
ربه) ،ما عدا اليوم العاشر -يوم العيد -فهو محرم بيقين(.
وأوكدها وأفضلها هو اليوم التاسع ،يوم عرفة ،اليببوم البذي يقبف فيببه
شببعًثا ُ
غبببًرا ،بملبببس الحببرام الببتي تشبببه أكفببان المببوتى، الحجيببج ُ
مل َّبين له ،ضارعين إليه.
متجردين لله ُ
)رواه مسلم وغيره عن أبي قتادة( .وفببي روايببة أنببه صببلى اللببه عليببه
وسلم قال" :صيام يوم عرفة إني أحتسببب علببى اللببه تعببالى أن ُيك ّ
فببر
السنة التي بعده والسنة التي قبله" )هذه رواية الترمذي(.
ضا؟.
ولكن هل هذا يشمل الواقفين بعرفة أي ً
فدل ذلك على كراهية صومه للواقفين بهذا الموقف العظيم ،والحكمة
فيه أن الصوم قد يضعفهم عن الذكر والدعاء ،والقيام بأعمال الحج.
هذا إلى أنه يوم عيد لهل الموقف لجتماعهم فيه ،كما يدل على ذلببك
حديث عمر في نزول قوله تعالى) :اليوم أكملببت لكببم دينكببم( وحببديث
عقبة بن عامر :يوم الفطر ،ويببوم النحببر ،وأيببام التشببريق عيببدنا أهببل
السببلم ،وهببي أيببام أكببل وشببرب )رواه أحمببد وأبببو داود والترمببذي
والنسائي والحاكم ،كما في صببحيح الجببامع الصببغير ،(8192-فالراجببح
عببا
هنا أن يوم عرفة ملحق بأيام العيببد والتشببريق بالنسبببة للحجبباج جم ً
بين الدلة.
وقال ابن عباس :لما قدم النبي صبلى اللبه عليبه وسبلم )أي المدينبة(
فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال" :ما هذا؟" ،قالوا :هببذا يببوم صببالح،
جى الله فيببه موسببى وبنببي إسببرائيل مببن عببدوهم ،فصببامه موسببى،
ن ّ
فقال" :أنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه )متفق عليه(.
وقد فرض النبي صلى الله عليه وسلم صيامه في أول المر وألزم ببه،
حتى بعث مناديه ينادي في الناس أن يلببتزموا صببومه مببن النهببار ،وإن
كانوا قد أكلوا.
ولم يرد في شأن عاشوراء شيء غير الصيام ،فما أحدثه بعببض النبباس
دا
ما أو عي ب ً
من التزين والغتسال ،والكتحال والتوسببعة واتخبباذه موس ب ً
تذبح فيه الذبائح ويتوسع فيه الناس -كل هذا مما ل أصل له فببي ديببن
الله ،ول يدل عليه دليل صحيح.
96
ويبدو أن هذا كببان رد فعبل لسبلوك الشببيعة الببذين اتخبذوه يبوم حبزن
وحداد عببام ،وضببرب للصببدور ،ولطببم للخببدود ،وشببق للجيببوب ،تببذكيًرا
بمأساة الشهيد المظلوم الحسين بن علي رضي الله عنهما.
وكل الفريقين على خطأ ،ول تقاوم البدعة ببدعة ،ول يعالج النحببراف
بانحراف آخر ،وإنما برجوع الجميع إلى ما شرعه الله ورسوله.
يقول المام ابببن القيببم) :أحبباديث الكتحببال يبوم عاشببوراء ،والببتزين،
والتوسعة والصلة فيه ،وغير ذلك من فضائل ،ل يصح منهببا شببيء ،ول
حديث واحد ،ول يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شببيء ،غيببر
أحاديث صيامه ،وما عداها فباطل.
سع على عياله يببوم عاشببوراء ،وسببع اللببه عليببهوأمثل ما فيها" :من و ّ
سائر سنته" ،قال المام أحمد :ل يصح هذا الحديث.
سئل شيخ السلم ابن تيميه :عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من و ُ
الكحببل والغتسببال والحنبباء والمصببافحة ،وطبببخ الحبببوب ،وإظهببار
السرور ،وغير ذلك إلى الشارع :فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله
عليه وسلم حديث صحيح؟ أم ل؟ وإذا لم يرد حببديث صببحيح فببي شببيء
من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم ل؟ وما تفعلببه الطائفببة الخببرى
من المأتم والحزن والعطببش ،وغيببر ذلببك مببن النببدب والنياحببة ،وشببق
الجيوب ،هل لذلك أصل؟ أم ل؟.
فأجاب) :الحمد لله رب العالمين ،لببم يببرد فببي شببيء مببن ذلببك حببديث
صحيح عن النبي صلى الله عليه وسببلم ،ول عببن أصببحابه ،ول اسببتحب
ذلك أحد من أئمة المسلمين ،ل الئمة الربعة ،ول غيرهم ول روى أهل
الكتب المعتمدة في ذلك شيًئا ،ل عن النبي صلى الله عليه وسببلم ،ول
حا ول ضببعي ً
فا ،ل فببي كتببب الصببحيح ،ول الصحابة ول التابعين ،ل صببحي ً
في السنن ،ول المسانيد ،ول يعرف شيء من هذه الحاديث على عهببد
القرون الفاضلة.
97
ولكببن روى بعببض المتببأخرين فببي ذلببك أحبباديث مثببل مببا رووا أن مببن
اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام ،ومن اغتسل يوم عاشوراء
لم يمرض ذلك العام ،وأمثال ذلك..
ورووا فضائل في صببلة يببوم عاشببوراء ،ورووا أن فببي يببوم عاشببوراء
توبة آدم ،واستواء السفينة علببى الجببودي ،ورد يوسببف علببى يعقببوب،
وإنجاء إبراهيم من النار ،وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك.
ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم أنه:
"من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة" .ورواية
هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب ،ولكنه معروف من رواية
سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمببد بببن المنتشببر عببن أبيببه ،قببال:
بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سببنته(
)مجموع فتاوى شيخ السلم .(229/25،300-
مبا
وذكر شيخ السبلم) :أن الحسبين رضبي اللبه عنبه ،لمبا قتبل مظلو ً
دا شهادة أكرمه الله بها وألحقببه بأهببل بيتببه الطيبببين الطبباهرين، شهي ً
وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه ،أوجب ذلك شًرا بين الناس.
فصارت طائفة جاهلة ظالمببة :إمببا ملحببدة منافقببة ،وإمببا ضببالة غاويببة
تظهر موالته ،وموالة أهل بيته تتخذ يبوم عاشبوراء يبوم مبأتم وحبزن
ونياحة ،وتظهر فيه شعار الجاهليببة مببن لطببم الخببدود ،وشببق الجيببوب
والتعزي بعزاء الجاهلية.
ما إل شببعبان، وكذلك قالت أم سلمة :لم يكن يصوم من السنة شهًرا تا ً
يصله برمضان.
ولكببن روايببات أخببرى دلببت علببى أنببه لببم يكببن يصببوم شببهًرا كببامل ً إل
رمضان.
فلعل المراد بها :أنه لم يكن يواظب على صيام شهر كامل إل رمضان،
أما غيره فربما أتمه ،وربما أفطر بعضه.
والسر في اهتمامه بصيام شعبان جبباء فببي حببديث رواه النسببائي عببن
أسامة بن زيد :قال :قلت :يا رسول الله لم أرك تصبوم مبن شببهر مببن
الشهور ما تصوم من شعبان ،قال" :ذاك شهر يغفببل النبباس عنببه بيببن
رجب ورمضان ،وهو شهر ترفع فيه العمال إلى رب العببالمين ،وأحببب
أن يرفع عملي ،وأنا صائم" )رواه النسائي(.
كان النببي -صبلى اللبه عليبه وسبلم -يصببوم مبن كبل شببهر ،وتقببول
عائشة :كان يصوم حتى نقول :ل يفطر .ويفطر حتى نقول :ل يصوم،
وأحياًنبا يصبوم الثنيبن والخميبس ،وأحياًنبا ثلثبة أيبام مبن كبل شبهر،
مببا ،كمببا
مببا ويفطببر يو ً
وخاصة اليام البيض القمرية .وأحياًنا يصببوم يو ً
كان يفعل داود عليه السلم " أحب الصيام إلببى اللببه صببيام داود ،كببان
ما ".
ما ويفطر يو ً
يصوم يو ً
وكان عليه الصلة والسلم أكثر ما يصوم في شهر شعبان ،وكببأن ذلببك
مببا
نببوع مببن التهيببؤ والسببتعداد لسببتقبال رمضببان .أمببا أن يصببوم أيا ً
محددة ،فلم يرد قط.
وفي الشرع ل يجوز تخصيص يوم معين بالصيام ،أو ليلة معينة بالقيببام
دون سند شرعي ..إن هذا المر ليس من حق أحببد أي ًببا كببان وإنمببا هببو
من حق الشارع فحسب.
99
مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها :أنه أتى رسول الله صلى ففي حديث ُ
الله عليه وسلم ،ثم انطلق ،فأتاه بعد سنة ،وقد تغيرت حببالته وهيئتببه،
فقببال :يببا رسببول اللببه ،أمببا تعرفنببي؟ قبال" :ومببن أنببت؟" ،قبال :أنبا
الباهلي الببذي جئتببك عببام الول ،قببال" :فمببا غيببرك وقببد كنببت حسببن
ما إل بليل منذ فارقتك ،فقببال رسببول اللببه الهيئة" ،قال :ما أكلت طعا ً
صلى الله عليه وسلم" :لم عذبت نفسك؟" ثم قال" :صم شهر الصبببر،
ما من كل شهر" ،قال :زدني ،فإن ببي قبوة ،قبال" :صببم يبومين"، ويو ً
حببرم قال :زدني ،قال" :صم ثلثة أيام" ،قال :زدني ،قال" :صم مببن ال ُ
حببرم واتببرك" .وقببال بأصببابعه
حُرم واترك صم مببن ال ُ واترك ،صم من ال ُ
الثلثة ،فضمها ثم أرسببلها )رواه أبببو داود فببي الصببوم ) ،(2428وابببن
ضا(.
ماجة ) ،(1741والنسائي أي ً
معقًبا على قوله" :صم واترك" ) :-إنما أمره بالترك ،لنه قال النووي ُ -
كان يشق عليه إكثار الصوم ،كما ذكببره فببي أول الحببديث ،فأمبا مببن ل
يشق عليه فصوم جميعها فضيلة( )المجموع .(287/6-أ هب.
صيام رجب
الصيام في الشهر الحرم مقبول ومستحب ،على كل حال.
ولكن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام شهًرا كله ،سوى
رمضان .وكان أكثر ما يصوم في شهر شعبان ،ولكن لببم يكببن يصببومه
كله ،وهذه هي السنة النبوية في ذلك ...فإنه كان يصبوم ويفطبر فبي
سائر الشهور ،وكما ورد " كببان يصببوم حببتى نقببول ل يفطببر ،ويفطببر
حتى نقول ل يصوم " )رواه البخباري ومسبلم وأببو داوود( فمبا يفعلبه
بعض الناس من صيام رجب كله ،كما كنببا نببرى ذلببك فببي الريبباف مببن
قبل ،فقد رأيت بعض النبباس يصببوم رجببب وشببعبان ورمضببان واليببام
الستة من شوال ،ويسمونها " اليام البيض " وبعد ذلك يفطببر ،ويكببون
عيده في اليوم الثامن من شوال ..وتكون حصيلة صيامه هببذه الشببهور
الثلثة واليام الستة متواصلة ،ل يفطر إل يوم العيد .وهذا لم يرد عن
النبي صلى الله عليه وسلم ول عن الصحابة ول عببن السببلف الصببالح .
فالولى صيام أيام وإفطار أيام ،ل التتابع في الصيام.
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.
فمن أراد التباع ،وأراد الثواب الكامل ،فليتبببع النبببي صببلى اللببه عليببه
وسلم ول يصم رجب كله ول شببعبان كلببه .فهببذا هببو الولببى .وبببالله
التوفيق.
ففي الصحيحين :عن أبي هريرة :أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم
بثلث ،ل أدعهن حتى أمببوت :صببوم ثلثببة أيببام مببن كببل شببهر ،وصببلة
الضحى ،ونوم على وتر )متفق عليه ،اللؤلؤ والمرجان .(418-
وروى عنه أبو ذر" :من صام من كل شهر ثلثة أيام فذاك صيام الدهر"
فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه) :من جاء بالحسنة فله عشر أمثالهببا(
)النعام .(160 :اليوم بعشرة أيام )رواه الترمذي بإسناد قوي عن أبببي
ذر .(762-
وعنه :أنه أمر رجل ً بصببيام ثلث عشببرة ،وأرببع عشببرة وخمببس عشببرة
)رواه ابببن خزيمببة 2128-ويشببهد لببه حببديث جريببر بببن عبببد اللببه عنببد
النسائي بإسناد حسن كما في المجموع .(385/6-
واختلف هذه الحاديث في تحديد هذه اليبام يبدل علببى أن فبي المببر
سعة ،فلكل مسلم أن يصوم من أول الشهر أو وسطه أو آخره مببا هببو
أيسر عليه ،وأليق بظروفه.
ولهذا صح عن عائشة :أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يبببالي مببن أي
الشهر صببامها )رواه مسببلم فببي الصببوم ) ،(1160وأبببو داود )،(2453
ضا(.
والترمذي ) (763وابن ماجة ) (1709والنسائي أي ً
ومن ثم قال ابن القيم فببي الببزاد) :ول تنبباقض بيببن هببذه الثببار( )زاد
المعاد .(65/2-
أما يوم الثنين خاصة فقد ورد فيه حببديث أبببي قتببادة أن رسببول اللببه
صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الثنين ،فقال" :ذلببك يببوم ولببدت
ي -فيه" )رواه مسلم(. فيه ،ويوم بعثت -أو أنزل عل ّ
على أن أفضل الصيام ،وأحبه إلببى اللببه تعببالى ،لمببن يطيببق ول يشببق
عليه ،وهببو صببيام يببوم ،وفطببر يببوم ،وهببو صببيام نبببي اللببه داود عليببه
السلم ،وهو ما أوصى به النبي صببلى اللببه عليببه وسببلم عبببد اللببه بببن
عمرو ،عندما وجد عنده قوة الرغبة في الخيرات ،والحرص على الزيادة
من الصالحات.
روى البخاري عنه أنه قالُ :أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنببي
أقول :والله لصومن النهار ،ولقومن الليل ،ما عشت! فقلببت لببه :قببد
قلته بأبي أنت وأمي )في الكلم ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم
سأله ،فأجابه بذلك( ،قال ":فإنك ل تستطيع ذلك ،فصم وأفطببر ،وقببم
ونم ،وصم من الشهر ثلثة أيام ،فإن الحسنة بعشر أمثالها ،وذلك مثببل
مببا،
صيام الدهر" ،قلت :إنببي أطيببق أفضببل مببن ذلببك ،قببال" :فصببم يو ً
مببا،وأفطر يومين" ،قلت :إني أطيق أفضل مببن ذلببك ،قببال" :فصببم يو ً
مببا ،فببذلك صببيام داود عليببه السببلم ،وهببو أفضببل الصببيام"،
وأفطر يو ً
فقلت :إني أطيق أفضل من ذلك ،فقال النبي صلى الله عليببه وسببلم:
"ل أفضببل مببن ذلببك" ،وفببي روايببة" :ل صببوم فببوق صببوم داود عليببه
السلم ،شطر الدهر" )رواه البخاري في كتاب الصوم من طرق كثيرة،
ورواه مسلم وغيره(.
فا ،ويشق على مضيفه أو ضيفه أل مضي ً والعذر مثل أن يكون ضي ً
فا ،أو ُ
يأكل معه ،فيستحب أن يفطر لكرامه.
قا"" ،ومن كببان يببؤمنوفي الصحيح" :وإن لزورك )أي زوارك( عليك ح ً
بالله واليوم الخر ،فليكرم ضيفه" متفق عليهما.
مضيف أو الضيف ل يشق عليببه أن يصببوم فببالولى بخلف ما إذا كان ال ُ
أن يستمر على صومه.
ومهما يكن من العذر أو عدمه ،فإن المتطوع أمير نفسه ،فليببس عليببه
حرج إن هو خرج مما نواه من نفل ،لم يلزمه به ،ول ألزم به هو نفسببه
بالنذر.
روت عائشة قالت :دخل النبي صلى الله عليه وسببلم ذات يببوم فقببال:
مببا
"هل عندكم شيء؟" قلنا :ل ،قببال" :فببإني إذن صببائم" ،ثببم أتانببا يو ً
ي لنا حيس! فقال "أرنيه ،فلقد أصبحت ُ
د َآخر ،فقلنا :يا رسول الله ،أه ِ
ما" فأكل )رواه مسلم(.
صائ ً
103
مببا ،فلمببا
وعن أبي سعيد قال :صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعا ً
ضع ،قال رجل :أنا صائم ،فقال صلى الله عليه وسلم" :دعبباك أخببوك و ِ
ُ
وتكلف لك ،أفطر ،فصم مكانه إن شببئت" )رواه البببيهقي بإسببناد قببال
الحافظ عنه :حسن(.
وفي حديث أبببي جحيفببة فببي قصببة سببلمان وأبببي الببدرداء ،فجبباء أبببو
ما ،فقال :كل فإني صببائم ،فقببال :مببا أنببا بآكببل الدرداء ،فصنع له طعا ً
حتى تأكل ،فأكل ..الحديث )رواه البخاري والترمذي وصححه(.
ولما بلغ ذلك النبي صلى الله عليبه وسبلم ،أقبر سبلمان علبى مبوقفه
ونصحه ،وقال :صدق سلمان" ،ولو كبان قضباء هبذا اليبوم عليبه واجًببا
لبينه له ،لن تأخير البيان عن وقت الحاجة ل يجوز.
وهببذا الحكببم مطببرد فببي كببل تطببوع ،مببن صببلة أو صببدقة ،إل الحببج
والعمرة ،فإنهما يلزمان بالشروع فيهما بالجماع
الصيام المكروه
صوم الدهر
يكره للنسان العادي أن يصوم الدهر ،فل يفطر.
عا فببي جميببع اليببام ،إل اليببام
والمراد بصيام الدهر :سرد الصوم متتاب ً
التي ل يصح صومها ،وهي العيدان وأيام التشريق.
روى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسببلم قببال" :ل
صام من صام البد ول صام من صام البد" )متفق عليه(.
وعن أبي قتادة أن عمر قال :يا رسببول اللببه كيببف بمببن يصببوم الببدهر
كله؟ قال" :ل صام ول أفطر" )رواه الجماعة إل البخبباري وابببن ماجببة،
المنتقى مع نيل الوطار .(343/4-
وعن عبد الله بن عمببرو قبال :قببال لبي رسببول اللببه صببلى اللببه عليببه
وسلم" :يا عبد الله ،ألم أخبر أنك تصوم النهار ،وتقوم الليل؟" فقلببت:
بلى يا رسببول اللببه ،قببال" :فل تفعببل ،صببم وأفطببر ،وقببم ونببم ،فببإن
قا ،وإن لزوجك عليببك ح ً
قببا ،وإن قا ،وإن لعينك عليك ح ً لجسدك عليك ح ً
قا ،وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلثة أيببام ،فببإن لببك لزورك عليك ح ً
بكل حسنة عشر أمثالها ،فإذن ذلك صيام الدهر كلببه" ،فشببددت فشببدد
104
ي ،قلت :يا رسول الله ،إني أجد قوة ،قال" :فصببم صببيام نبببي اللببه
عل ّ
داود عليه السلم ول تزد عليه" قلت :وما كان صيام نبي الله داود عليه
السلم؟ قال" :نصف الدهر" ،وكان عبد الله يقول بعد ما ك َِبر :يا ليتني
قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم )رواه البخاري ومسلم(.
وفي بعض روايات الحديث وقد سبقت صوم يوم وفطر يوم :أنببه قببال
له عن صوم داود" :و هو أفضببل الصبيام" ،وحيببن قبال عببد اللببه :إنبي
أطيق أفضل من ذلك ،قال" :ل أفضل من ذلك".
وعن أنس في حديث الثلثة الذين سألوا عببن عبببادة النبببي صببلى اللببه
عليه وسلم فكأنهم تقاّلوها )أي اعتبروها قليلة( وقالوا :أين نحببن مببن
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ..الحديث ،وفيببه :أن أحببدهم قببال:
وأنا أصوم البدهر فل أفطببر ..كببان مبن إنكببار النببي صببلى اللبه عليببه
وسلم ،عليهم أن قال" :أنببا أخشبباكم للببه ،وأتقبباكم لببه ،ولكنببي أقببوم
وأنام ،وأصوم وأفطببر ...فمببن رغببب عببن سببنتي فليببس منببي" )رواه
البخاري(.
وعن سلمان وأبي الدرداء :أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينهمببا
فجبباء سببلمان يببزور أبببا الببدرداء فوجببد أم الببدرداء )وهببي زوجببة أبببي
ذلة! فقال :ما شأنك؟! فقالت :إن أخاك أبا الدرداء ليس له مت َب َ ّ
الدرداء( ُ
حاجة فببي شببيء مببن الببدنيا ..الحببديث .وفيببه :أن سببلمان قببال لبببي
قببا ،ولجسببدك عليببك ح ً
قببا، قا ولهلك عليك ح ً الدرداء :إن لربك عليك ح ً
فصم وأفطر ،وقم ونم ،وآت أهلك وأعط كل ذي حق حقببه .فببذكر أبببو
الدرداء لرسول الله صببلى اللببه عليببه وسببلم ،فقببال" :صببدق سببلمان"
)رواه البخاري(.
وكل هذه الحاديث داّلة بوضوح على كراهية صوم الدهر ،بل ذهب ابببن
حزم إلى أنه يحرم.
ووجه الدللة من الحاديث :أنه دعا على من صام البد بقوله) :ل صام(
وفي هذا تغليظ.
صببل أجببر الصببوم
وأخبر أنه لم يصببم ،ولببم يفطببر ،ومعنبباه :أنببه لببم ُيح ّ
لمخالفته ولم يفطر ،لنه أمسك.
وأنه أمر عبد الله بن عمرو أن يصوم ويفطببر ،وأخبببره بببأن صببوم يببوم
وفطببر يببوم أفضببل الصببيام ،وأحبببه إلببى اللببه ،ومعنبباه :أن غيببر ذلببك
مفضول .وقال له" :ل أفضل من ذلك" ،وقال" :ل تزد عليه".
ب عن سنته فليببس
غ َ
وأخبر عن هديه وسنته بأنه يصوم ويفطر ،ومن َر ِ
منه.
105
وأقر سلمان على ما نصح به لبي الدرداء :أن يصببوم ويفطببر ،حببتى ل
يفرط في الحقوق الخرى.
والحق أن هذا يتفق مع منهج السلم فببي ضببرورة العتببدال بيببن حببق
الرب تعالى وحظ النفس ،وإقامة التوازن بين الحقوق بعضها وبعض.
ومن أجل هذا ذهب الجمهور إلى جواز صوم الدهر ،بل إلببى اسببتحبابه،
وحملوا النهي الوارد على من صببام الببدهر حقيقببة بببأن صببام العيببدين
وأيام التشريق .وقد روي عن عائشة وتابعهببا عليببه خلئق مببن العلمبباء
)المجموع للنووي .(390/6-
نقببل ابببن قدامببة عببن أحمببد قببال) :إذا أفطببر يببومي العيببدين ،وأيببام
التشريق رجوت أل يكون بذلك بأس( .قال) :وروي نحو هذا عببن مالببك،
وهو قول الشافعي(.
قال ابن قدامة) :والذي يقوى عنببدي أن صببوم الببدهر مكببروه ،وإن لببم
ما ،وإنما كره صببوم الببدهر،يصم هذه اليام ،فإن صامها فقد فعل محر ً
لما فيه من المشقة والضعف ،وشبه التبتل المنهي عنه( ،وذكر حببديث
عبد الله بن عمرو )المغني مع الشرح الكبير .(99/3-
وت به وبعضهم حمل النهي على ما إذا خاف بمتابعة الصوم ضرًرا ،أو ف ّ
رهَ )المجموع ).(388/6،389 قا ك ُ ِ
وت ح ً ح ً
قا ،فإن خاف ضرًرا أو ف ّ
والحق هنا :أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،وقببد صببح
عنه بل ريب أنه كان يصوم ويفطر ،ولم يداوم على صببيام شببهر كامببل
غير رمضان وحسبنا قوله في هذا المقام" :من رغب عن سنتي فليس
مني".
وأما من اجتهد من خيار السلف فصام الدهر ،فهو اجتهاد منهم ،نرجببو
أل يحرموا من أجره إن شاء الله.
وعن أبي بكرة :أنه دخل على أهله ،وعندهم سلل جدد وكيزان ،فقال:
ما هذا؟ فقالوا :رجببب نصببومه ،قببال :أجعلتببم رجببب رمضببان؟! فأكفببأ
السلل وكسر الكيزان.
قال أحمد :من كان يصوم السنة صامه ،وإل فل يصومه متوالًيا ،يفطببر
فيه ول يشبهه رمضان )المغني مع الشرح الكبير .(99/3-
وقال محمد بن عباد :سألت جابًرا :أنهى رسببول اللببه صببلى اللببه عليببه
وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال :نعم )متفق عليه(.
وعن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين :أن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل عليها يوم الجمعة ،وهي صائمة ،فقال" :أصببمت أمببس؟" ،قببالت:
دا؟" ،قالت :ل ،قال" :فببأفطري" )رواه ل ،قال" :أتريدين أن تصومي غ ً
البخاري(.
107
وهذا يدل على أن المكروه إفبراده بالصبوم ،لن نهيبه معلبل بأنهبا لبم
دا .يؤكد هذا حديث أبي هريرة" :ل تخصبوا يبوم تصم أمس ،ول تصوم غ ً
الجمعة بصيام من بين سائر اليام إل أن يكون في صببوم يببوم يصببومه
أحدكم" )رواه الترمذي وحسنه(.
ه فك ُب ِ
ر َ وحكمة ذلك :أن يببوم الجمعببة هببو العيببد السبببوعي للمسببلمينَ ،
ها بالعيد الحقيقي. الصوم فيه ،تشبي ً
م عليه.
و َ
دو ِ
ص به ُ
خ ّ
ضا :فيه سد لذريعة اعتقاد وجوب صيامه إذا ُ وأي ً
ضا عن أخته الصماء أن رسول اللببه صببلى اللببه عليببه وروى ابن بسر أي ً
ض عليكببم ،فببإن لببم
ر َ وسلم قال" :ل تصوموا يوم السبت إل فيمببا ا ْ
فت ُب ِ
يجد أحدكم إل ِلحاء عنبة ،أو عود شجرة ،فليمضغه" )رواه أبو داود(.
والمكروه إنما هو إفراده ،فإن صام قبله أو بعده لببم يكببره ،لمببا تقببدم
من حديث جويرية.
وإنما كره صوم يببوم السبببت ،لنببه عيببد اليهببود السبببوعي ،وهببو يببوم
م عندهم ،فقد يوهم الصيام فيه نوع موافقة لهم في تعظيمه. عظّ ُ
يُ َ
الصوم بغير صلة
من الغرائب ،التي تحدث في حياة طائفة من المسلمين ،أن تجد منهببم
من يحرص على صببوم رمضبان ،ولكنببه -للسببف -ل يحبرص علبى أداء
الصلة.
ول ريب أن الصلة أعظم في ميزان الدين مببن الصببيام ،وهببي العبببادة
الولى وعمود السلم ،والفيصل بين المسببلم والكببافر ،ولكببن الجهببل
والغفلة ،وحب البدنيا ،جعببل بعبض النباس يغفلببون عبن أهميبة الصبلة
ومكانتها في السلم ،حببتى إن بعضببهم ليعيببش عمببره ول ينحنببي للببه
عا!!.
ما راك ً
يو ً
أما من يقول :إن تارك الصلة كببافر ،كمببا هببو ظبباهر بعببض الحبباديث،
وهببو مببروي عببن عببدد مببن الصببحابة والفقهبباء مثببل أحمببد بببن حنبببل،
وإسحاق بن راهويه ،وغيرهما -ففتواه واضحة في شأنه ،فهو يرى أن
صومه باطل ،لنه كافر بترك الصلة ،والصوم ل ُيقبل من كافر.
وأما من يببرى رأي جمهببور الفقهبباء مببن السببلف والخلببف :بببأن تببارك
الصلة فاسق ،غير كافر ،وأن الله ل يضيع عنده عمل عامل ،ول يظلببم
مثقال ذرة) :فمن يعمل مثقال ذرة خيًرا يره .ومببن يعمببل مثقببال ذرة
شًرا يره( )الزلزلة (7،8 :فهو يرى أنه مؤاخذ بترك الصلة ،مثبباب علببى
أداء الصيام ،وأن عقابه على تببرك فريضببة ،ل يلغببي ثببوابه علببى تأديببة
غيرها .والله تعالى يقول) :ونضع الموازين القسببط ليببوم القيامببة فل
تظلم نفس شيًئا وإن كان مثقال حبة من خببردل أتينببا بهببا وكفببى بنببا
حاسبين( )النبياء.(47 :
وإذا نظرنا من الناحية العملية والتربوية ،فماذا يفيدنا أن نقول للصائم
بغير صلة صومك وعدمه سواء ،ول أجر لك عليه؟ فربما دفعه هذا إلببى
ترك الصوم كما ترك الصلة وبهذا ينقطع آخر خيط كببان يصببله بالببدين
دا عببنمن الفرائض والعبادات ،وربمببا ذهببب بسبببب هببذا الموقببف بعي ب ً
الدين إلى غير رجعة!.
وأولى من ذلك وأنفع ،أن نقول له :جزاك الله خيًرا عن صومك ،وعليك
أن تكمل إسلمك ،بما هو أعظم من الصببوم ،وهببو الصببلة ،لقببد جعببت
وعطشت وحرمت لمرضاة الله ،فما لك تتكاسبل أن تصبف قبدميك مبع
المصلين ،وتركع مع الراكعين ،من أجل مرضاة الله؟!.
إن إبقاء هذا الخيبط يربطبه بالسبلم ،ولبو كبل عبام شبهًرا ،خيبر مبن
قطعه إلى غير بدل ،والعور خير من العمى على كل حال.