Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 88

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫حول تطبيق الشريعة‬


‫تأليف الستاذ‬
‫ممد قطب‬

‫}أفحكم" الج"اهلي)ة ي"بغون و"م"ن أحس"ن من" الله حكما لقوم يوقنون{‬
‫صدق ال العظيم‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫مقدمة الطبعة الثانية‬


‫}المد ل الذي هدانا لذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال{‪.‬‬

‫منذ فترة وجيزة كنت أكتب مقدمة الطبعة الول من هذا الكتاب‪ ،‬وها أنذا اليوم‬
‫أقد‪U‬م للطبعة الثانية‪ ،‬وهذا فضل من ال واسع‪ ،‬أحد ال عليه‪ ،‬وأطلب منه الزيد من العون‪،‬‬
‫والزيد من التوفيق‪.‬‬

‫إن القبال على قراءة هذا الكتاب وأمثاله له دللة واضحة عندي‪ ،‬هي أن موضوع‬
‫تطبيق الشريعة أصبح مل اهتمام متزايد لدى عدد متزايد من الناس – ومـن الشباب‬
‫خاصة ‪ -‬وذلك دليل ل شك فيه‪.‬‬

‫ول يغيب عن البال بطبيعة الال أن التطبيق الفعلي للشريعة يستلزم تيئة المة لذا‬
‫المر العظيم حت تكون على مستواه‪ ،‬وتمل تبعاته‪ ،‬وتؤدي دورها فيه‪ ،‬وأول خطوات‬
‫هذه التهيئة هي بناء القاعدة الصلبة الت أشرت إليها ف التعقيب الخي ف آخر الكتاب‪،‬‬
‫وقلت أنا الهمة العاجلة للدعاة اليوم‪ ،‬وبينت ف غي موضع من كتب سابقة أنا يب أن‬
‫تكون على مستوى{ من القوة والصلبة والتجرد ل‪ ،‬والستعداد للبذل ف سبيل ال‪ ،‬ونفاذ‬
‫البصية و سعة الن ظرة‪ ،‬ب يث ت ثل ال سلم ف نقائه‪ ،‬وت مل التبعة ال سيمة وتت حرك با‬
‫بطى ثابتة ف خضم الحداث‪...‬‬

‫ولكن ما ل شك فيه ف ذات الوقت‪ ،‬أن تزايد الهتمام بقضية الشريعة لدى العدد‬
‫التزايد من الناس ‪ -‬والشباب خاصة ‪ -‬هو علمة مضيئة على الطريق‪ ،‬توحي بأن الي‬
‫قادم‪ ،‬وأننا على الطريق‪...‬‬

‫وال السئول أن يوفقنا جيعا لا يبه ويرضاه‪...‬‬

‫ممد قطب‬

‫)‪(2‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫مقدمة‬
‫كلما ذكر تطبيق الشريعة تعالت من هنا ومن هناك صيحات منكرة‪ ،‬تستنكر المر‬
‫وت ستهوله‪ ،‬كأ نا ت طبيق ال شريعة كارثة ستحل بديار السلمي‪ ،‬أو كأنا التفك ي ف هذا‬
‫المر خبل ل يصدر عن عاقل!‬

‫الن؟ ف القرن العشرين؟ بعد كل ما حدث ف العال من تطور؟ وبعد أن أصبح‬


‫العال بفعل وسائل التصال الديثة كالقرية الصغية‪ ،‬ل مال فيه لتاذ زي يالف أزياء‬
‫الخرين؟!‬

‫تريدون أن نشذ وحدنا عن الناس؟! تريدون أن ترجعوا بنا إل الوراء؟ أو توقفوا‬


‫عجلة التطور؟!‬

‫أم تر يدون أن نعتزل العال ك له ونتقو قع ع لى أنفسنا؟ وف يم هذا الع ناء ك له؟ وما‬
‫الذي يلجئنا إل هذا الطريق الوعر؟‬

‫ألكي نكون مسلمي؟ أول يكفي نطق "ل إله إل ال"‪ ،‬ممد رسول ال‪ ،‬ليجعلنا‬
‫مسلمي؟!‬

‫إنكم تبتدعون ف دين ال ما ليس فيه! فالسلم ي"ثبت بنطق الشهادتي‪ ،‬أما قضية‬
‫ال شريعة ف هي من ا لمور التغ ية ا لت يت صرف في ها و ل ا لمر ب سب رؤي ته لقت ضى‬
‫الحوال! والحوال الن ل تسمح كما هو واضح لكل ذي عيني!‬

‫وهل نسيتم القليات؟ كيف نطبق الشريعة وف بلدنا أقليات ل تدين بالسلم؟‬

‫وهل نسيتم الدول "العظمى!" وموقفها من السلم؟ وبالذات موقفها من تطبيق‬


‫الشريعة؟ هل بنا طاقة ‪ -‬نن الستضعفي ف الرض ‪ -‬نواجه با الدول "العظمى"؟!‬

‫إن التفكي ف تطبيق الشريعة ف الوقت الاضر تفكي "غي مسئول"! ينادي به قوم‬
‫ل يعي شون بع قولم ف الوا قع ال تاريي ال يط بم! أ ما "العقلء" "ال سئولون" فإنم‬

‫)‪(3‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫يستنكفون أن يفكروا على هذا النحو‪ ،‬ويابون الواقع بكمة وروية‪ ،‬ونظرة "واقعية" إل‬
‫المور!‬

‫كذلك تتعال الصيحات كلما ذكر تطبيق الشريعة!‬

‫وإ نا ل صيحات النهزم ي ف دخي لة أنف سهم‪ ،‬ا لذين أ كل ال غزو الف كري ع قولم‬
‫وأرواحهم‪ ،‬وجعلهم مسخا مشوها ل يصلح لشيء!‬

‫}و"ض"ر"ب" الله م"ثل ر"جلين أح"دهم"ا أبكم ل ي"قدر ع"لى ش"يء و"هو" كل‪ ¤‬ع"لى م"وله‬
‫أين"م"ا يو"ج¦هه ل ي"أت بخ"ير ه"ل ي"ست"وي هو" و"م"ن ي"أمر بالع"دل و"هو" ع"لى صر"اط مست"قيم{‪.‬‬

‫و قد شرحنا ف غ ي هذا الك تاب‪ 1‬ال سباب ا لت أدت بال سلمي إ ل تق بل ال غزو‬
‫الف كري‪ ،‬وجع لت هذا ال غزو ينت شر ف أف كار "الثقف ي" خا صة‪ ،‬ا لذين رب يت ع قولم‬
‫ونفو سهم ليكو نوا أتبا عا لل غرب‪ ،‬يرددون أف كاره‪ ،‬ويت حدثون بل سانه‪ ،‬و يرون ا لمور‬
‫بن ظاره‪ ،‬ويكو نون هم خليف ته ف ا لرض ال سلمية ح ي ت ضطره ال ظروف أن ي سحب‬
‫ع ساكره ا لت أخ ضع با من ق بل بلد ال سلمي‪ ،‬فت ستمر التبع ية دون أن يرى ال ناس‬
‫العساكر الفية الت تضع بلدهم للنفوذ الغرب!‬

‫ولن نتعرض ف هذه العجالة للسباب الت أنتجت ذلك السخ الشوه ف الرض‬
‫ال سلمية‪ ،‬وم سئولية ال مة ال سلمية نف سها ع ما أ صابا ع لى يد أ عدائها‪ ،‬ح ي ن سيت‬
‫رسالتها ونكلت عن أدائها‪ ،‬إنا نتناول هنا ف إياز شديد ‪ -‬وموضوعية كذلك ‪ -‬أهم‬
‫الفكار الت يشوشون با على الناس‪ ،‬ليوحوا إليهم أن تطبيق الشريعة أمر ل يكن تقيقه‬
‫اليوم‪ ،‬بل ل يوز تقيقه حت إن كان ف حيز المكان! فضل عن كونه أمرا ل ضرورة له‬
‫ول موجب‪ ،‬طالا أن إسلمنا متحقق بنطق "ل إله إل ال"!‬

‫وقد ناقشت بادئ ذي بدء قضية العقيدة والشريعة‪ ،‬وهل ها منفصلتان ف دين ال‪،‬‬
‫بيث نستطيع أن نكون مسلمي بعزل عن تطبيق الشريعة؟ وقضية حرية ول المر ف‬
‫تعط يل شريعة ا ل أو ت عديلها أو إ بدالا‪ .‬ث ناق شت شبهة ت عارض ت طبيق ال شريعة مع‬
‫مقت ضى الت طور‪ ،‬وت عارض أح كام ال شريعة ذا تا مع مقت ضيات ال ضارة الدي ثة‪ ،‬و شبهة‬
‫عدم إم كان ت طبيق ال شريعة ب سبب و جود القل يات ف ال عال ال سلمي‪ ،‬و عدم إم كان‬
‫تطبيقها بسبب موقف الدول "العظمى" من السلم‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر "واقعنا العاصر"‪ ،‬فصل؛ "خط النراف"‪ ،‬وفصل؛ "آثار النراف"‪.‬‬


‫)‪(4‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وأرجو من ال أن يكون ف هذه العجالة غناء‪ ،‬وأن يوفقنا جيعا لا يبه ويرضاه‪.‬‬

‫}إن أ‪°‬ريد إلا الأصلح" م"ا است"طعت و"م"ا ت"وفيقي إلا بالله ع"ليه ت"و"كلت و"إليه أ‪°‬نيب{‪.‬‬

‫مم"د قطب!‬

‫البحث الول‬
‫هل تنفصل العقيدة عن الشريعة ف دين ال‬
‫يسب كثي من الناس ‪ -‬بتأثي الفكر الرجائي من جهة‪ ،‬وتأثي الغزو الفكري من‬
‫جهة أخرى ‪ -‬أن النطق بـ "ل إله إل ال" ممد رسول ال‪ ،‬يعطي النسان صفة السلم‬
‫مدى الياة‪ ،‬ث يدخله النة ف الخرة‪ ،‬مهما تكن أعماله وأفكاره ومشاعره! ومن ث فل‬
‫علقة لذا المر بتحكيم شريعة ال!‬

‫ويرى فريق آخر من الناس ‪ -‬يعتبون أنفسهم أكثر تفقها ف دين ال ‪ -‬أن النطق‬
‫بالشهادتي يعطي النسان صفة السلم ف الياة الدنيا‪ ،‬لصقة به طول حياته‪ ،‬أيا تكن‬
‫أع ماله وأف كاره وم شاعره‪ ،‬وح سابه ع لى ا ل ف ا لخرة‪ ،‬يدخله ال نة أو يدخله ال نار‬
‫ب سب ما يع لم من سريرته سبحانه‪ ،‬أما نن فل نا ال ظاهر‪ ،‬وال ظاهر هو قوله "ل إ له إل‬
‫ال"‪ ...‬ول علقة لذا المر بالتحاكم إل شريعة ال!‬

‫ويكفي ل لرد على هذا الوهم وذاك أن أ با ب كر رضي ال ع نه قا تل قوما ينطقون‬


‫بالشهادتي‪ ،‬ويؤدون الصلة كذلك‪ ،‬ولكنهم يتنعون فقط عن أداء الزكاة‪ ،‬ولو كانت‬
‫صفة السلم تظل لصقة بالنسان بعد نطقه بالشهادتي مهما تكن أفعاله ما جاز لب‬
‫ب كر ر ضي ا ل ع نه أن يقا تل أولئك ال قوم‪ ،‬ول أ جع ال صحابة ر ضوان ا ل علي هم ع لى‬
‫وجوب قتالم‪ ،‬بعد أن استوثقوا أن هذا هو حكم ال ف المر‪.2‬‬

‫‪ 2‬كان عمر رضي ال عنه يعارض قتالم ف مبدأ المر على أساس أنم يقولون ل إله إل ال ممد‬
‫ر سول ا ل‪ ،‬وي تج ب قوله عل يه ال صلة وال سلم‪ ) :‬فإن قالو ها ف قد ع صموا م ن د ماءهم وأ موالم إل‬
‫بقها( ]متفق عليه[‪ ،‬فلما بي له أبو بكر رضي ال عنه أنم نكلوا عن "حقها" قال قولته العروفة‪:‬‬
‫)وال ما إن رأيت أبا بكر شرح ال صدره للقتال حت علمت أنه الق(‪.‬‬
‫)‪(5‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫إن "ل إله إل ال"‪ ،‬ممد رسول ال‪ ،‬هي مدخل الناس إل السلم‪ ،‬ول مدخل لم‬
‫سواها‪ ،‬إليه وبجرد نطقها يعتبون مسلمي‪...‬‬

‫ولكن القضية الت يغفلها ‪ -‬أو يغفل عنها ‪ -‬هؤلء القوم وأولئك‪ ،‬أن صفة السلم‬
‫ل تل صق من ذات نف سها بالن سان ب عد نط قه بال شهادتي ‪ -‬مه ما ت كن أف عاله وأف كاره‬
‫ومشاعره ‪ -‬إنا تتاج إل جهد دائب يقوم به النسان ف كل لظة من لظات عمره‬
‫لتثبيتها ف مكانا‪ ،‬ومنعها من أن تسقط عنه‪ ،‬متمثل هذا الهد ف القيام بأعمال معينة من‬
‫أعمال القلب والوارح لنا من مقتضيات اليان‪ ،‬والمتناع عن أعمال معينة من أعمال‬
‫القلب والوارح‪ ،‬لنا من نواقض "ل إله إل ال"‪ ،‬الت تنقض أصل اليان‪.‬‬

‫وف هذا الهد الدائب كانت حياة الصحابة رضوان ال عليهم‪ ،‬حرصا منهم على‬
‫بقاء صفة السلم لصقة بم‪ ،‬وخوفا منهم أن تسقط هذه الصفة عنهم‪ ،‬وقد وصلوا ف‬
‫ذلك إل قمم رائعة استحقوا من أجلها أن يوصفوا بأنم خي القرون قاطبة‪ ،3‬ولكن العبة‬
‫هنا أنم ل يعتقدوا قط أن مرد النطق بالشهادتي يعل صفة السلم تظل لصقة بم بغي‬
‫هذا الهد الدائب الذي يبذلونه لتثبيتها‪ ،‬متمثل ذلك الهد ف القيام بأعمال‪ ،‬والمتناع‬
‫عن أعمال‪...‬‬

‫فإذا قال قائل إن هذا المر متعلق بالخرة ل بالدنيا‪ ،‬وإن للخرة حسابا الاص‪،‬‬
‫يكم فيه ال با شاء‪ ،‬فيدخل النة ‪ -‬إن شاء ‪ -‬قوما ل يعملوا خيا قط‪ ،‬ويرج من النار‬
‫‪ -‬إن شاء ‪ -‬قوما ل يعملوا خيا قط‪ ،‬إنا نن بصدد الديث عن الياة الدنيا‪ ،‬وحكم‬
‫الن سان فيها بعد أن ينطق بال شهادتي‪ ...‬فنقول لم إنه حت ف الياة الدنيا فإن صفة‬
‫ال سلم ل ت ظل ل صقة بالن سان مدى ال ياة ب عد نط قه بال شهادتي إل إذا قام بأع مال‪،‬‬
‫وامتنع عن القيام بأعمال‪ ،‬بصرف النظر عما ف داخل قلبه‪ ،‬ما ل يعلم حقيقته إل ال‪.‬‬

‫ول سنا ه نا ‪ -‬ف هذه العجا لة ‪ -‬ب صدد تف صيل الع مال ا لت يب أن ي قوم با‬
‫النسان أو يتنع عنها حت تظل له صفة السلم ف التمع السلم‪ ،‬فقد تكلمنا عنها ف‬
‫أ كثر من ك تاب‪ ،4‬إ نا نن معن يون ه نا بنق طة وا حدة معي نة‪ ،‬هي صلة "ل إ له إل ا ل"‬
‫بالت حاكم إ ل شريعة ا ل‪ ،‬و مدى وثا قة هذه ال صلة‪ ،‬و هل ي كن أن تنف صل العق يدة عن‬
‫الشريعة ف دين ال‪...5‬‬
‫‪) 3‬خي القرون قرن( ]أخرجه الشيخان[‪.‬‬
‫‪ 4‬ان ظر إن شئت ف صل؛ "مف هوم ل إ له إل ا ل"‪ ،‬من ك تاب "م فاهيم ينب غي أن ت صحح"‪ ،‬وف صل؛‬
‫"الصحوة السلمية" من كتاب "واقعنا العاصر"‪.‬‬
‫‪ 5‬تكلمنا عن هذه القضية كذلك ف الكتابي السابقي‪ ،‬ولكن الديث عنها ف هذا البحث له ضرورته‪.‬‬
‫)‪(6‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وقبل أن نتحدث عن هذه القضية نود أن نشي إل معن معي يغفله الذين يزعمون‬
‫أن النطق بالشهادتي ‪ -‬وحده ‪ -‬هو الذي يعطي صفة السلم ف الدنيا‪ ،‬وأن التصديق‬
‫والقرار ‪ -‬وحدها ‪ -‬يدخلن الناس النة ف الخرة‪ ،‬ويتجون بـ "الهنميي" الذين‬
‫يرج هم ا ل من ال نار ب عد أن يق ضوا في ها ما شاء ا ل لم أن يق ضوا‪ ،‬ث يدخلهم ال نة‬
‫بشفاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم ل يعملوا خيا قط‪...‬‬

‫ونقول ‪ -‬كما قلنا ف كتاب سابق‪ - 6‬إنه ل حرج على فضل ال؛ }يدخ ‪°‬ل م"ن‬
‫"يش"اء‪ Á‬في ر"حم"ته{‪ ،‬ولكن هذا أيضا له شروط! وليس مطلقا كما يظن بعض الناس! وال‬
‫سبحانه وتعال هو الذي بي الشروط‪.‬‬

‫ولنمثل للقضية بلجان الرأفة ف الختبارات ‪ -‬ول الثل العلى ‪ -‬فلجنة الرأفة تنظر‬
‫ف أوراق الذين دخلوا الختبار ث رسبوا فيه‪ ،‬فإذا نح منهم من نح على يد لنة الرأفة‬
‫فذلك ل ينفي عنهم أول أنم كانوا راسبي بسب القاييس العتمدة للنجاح‪ .‬ث إنم ثانيا‬
‫ل بد أن يكونوا قد حضروا الختبار ث رسبوا‪ ،‬لن عمل اللجنة ل يتناول الذين طردوا‬
‫من الختبار بسبب الغش ‪ -‬مثل ‪ -‬أو بأي سبب آخر‪ ...‬كذلك رحة ال – }و"له الم"ثل‬
‫الأعلى في ال س)م"او"ات و"الأرض و"ه و" الع"ز يز الح"كيم{ ‪ -‬ت شمل ا لذين ق صروا ف أداء‬
‫العمال وهم مؤمنون‪ ،‬ولكنها ل تشمل الذين طردوا من رحة ال بسبب الشرك‪ ،‬لقوله‬
‫تعال‪} :‬إن الله" ل ي"غفر أن يشر"ك" به و"ي"غفر م"ا دون ذلك" لم"ن ي"ش"اء‪.{Á‬‬

‫والن فلننظر ف الشرك الذي يرج النسان من دائرة الغفرة ويجب عنه النة‪.‬‬

‫يبي ال لنا ف كتابه النل وف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم أن هذا الشرك‬
‫ثلثة أنواع رئيسية‪ ،‬كل واحد منها شرك‪ ،‬وكل منها ناقض لـ "ل إله إل ال"‪:‬‬

‫الول‪ :‬يتعلق بالعتقاد‪ ،‬وهو اعتقاد وجود آلة تشارك ال سبحانه وتعال ف النفع‬
‫والضر‪ ،‬أو الحياء والماتة أو تدبي المر‪ ...‬إو وجود شفعاء يلكون الشفاعة عند ال‬
‫فيغيون حكمه ف السموات أو ف الرض‪.‬‬

‫الثان‪ :‬يتعلق بالعبادة‪ ،‬وهو توجيه أي مظهر من مظاهر العبادة لغي ال ‪ -‬معه أو‬
‫من دونه ‪ -‬كالدعاء أو الستغاثة أو النذر أو الذبح‪ ...‬إل‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬يتعلق بالتحليل والتحري ‪ -‬أي التشريع ‪ -‬بغي ما أنزل ال‪.‬‬


‫‪" 6‬مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪ ،‬فصل؛ "مفهوم ل إله إل ال"‪.‬‬
‫)‪(7‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ولا كنا ف هذه العجالة معنيي بالنوع الثالث من الشرك ‪ -‬وهو شرك التشريع بغي‬
‫ما أ نزل ا ل ‪ -‬فسنق صر ا لديث عل يه‪ ،‬مت خذين الد لة عل يه من ك تاب ا ل‪ ،‬و من سنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن أقوال العلماء‪.‬‬

‫ب ي ا ل ف ك تابه ال نل أن الر سل ال كرام صلوات ا ل و سلمه علي هم قد أر سلوا‬


‫للناس ل ليدعوهم فقط إل العتقاد بأن ال واحد ل شريك له‪ ،‬ولكن ليبي لم كذلك‬
‫أن الع بادة والن سك يب أن توجه ل و حده بل شريك‪ ،‬ث ليبلغ هم تعلي مات من ر بم‬
‫ينظ مون بقت ضاها ح ياتم وت عاملتم بع ضهم مع ب عض "لي قوم ال ناس بالق سط"‪} :‬لقد‬
‫أرس"لن"ا رسلن"ا بالب"¦ين"ات و"أنز"لن"ا م"ع"هم الكت"اب" و"الميز"ان لي"ق‪°‬وم" الن)اس بالقسط{‪.‬‬

‫وب ي سبحانه أن هذه الثل ثة‪ :‬العت قاد وال شعائر وال شرائع هي مقت ضى قول كل‬
‫رسول لقومه‪} :‬اعبدوا الله" م"ا لك‪°‬م من إله غيره{‪ ،‬وأن نقض أي واحد من هذه الثلثة ‪-‬‬
‫أو إشراك غي ال فيها ‪ -‬ناقض لليان‪.‬‬

‫وقال عن شرك التشريع الذي نن بصدده ف هذا البحث‪} :‬و"إذا قيل لهم ات)بعوا م"ا‬
‫أنز"ل الل ه قال‪°‬وا ب"ل ن"ت)بع م"ا و" ج"دن"ا ع"ليه آب"اء‪ È‬ن"ا أو"لو كان ال ش)يطان‪ °‬ي"دعوهم إلى ع"ذاب‬
‫الس)عي{‪} ،‬و"قال الذين" أشر"ك‪°‬وا لو ش"اء‪ È‬الله م"ا ع"ب"دن"ا من دونه من ش"يء ن"حن و"ل آب"اؤن"ا‬
‫و"ل ح"ر)من"ا من دونه من ش"يء{‪.‬‬

‫ك ما قال عن الي هود والن صارى أ نه ت عال ألزم هم بالكم ب شريعته‪ ،‬وأن مالفتهم‬
‫لمره ترجهم من اليان‪} :‬إ ن)ا أنز"ل ن"ا ال ت)ور"اة في ه"ا هدى{ و"نور‪ Ë‬ي"حك‪°‬م ب ه"ا الن)ب ي‪Ê‬ون ال ذين‬
‫أسلموا للذين" ه"ادوا و"الر)ب)اني‪Ê‬ون و"الأحب"ار بم"ا استحفظ‪°‬وا من كت"اب الله و"كانوا ع"ليه شه"د"اء‬
‫فل ت"خ ش"وا الن)ا س" و"اخ ش"ون و"ل ت"ش ت"روا بآ ي"اتي ث "م نا قليل و"م"ن لم ي"حك‪°‬م ب م"ا أنز"ل الل ه‬
‫ف أ‪°‬ولئك" هم الكافرون{‪} ،‬و"قفين"ا ع"لى آثارهم بعيس"ى ابن م"ري" م" مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه من‬
‫الت)ور"اة و"آت"ين"اه الأنجيل فيه هدى{ و"نور‪ Ë‬و"مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه م ن" الت)ور"اة و"هدى{ و"م"وعظة‬
‫للمت)قي"‪ ،‬و"لي"حك‪°‬م أهل‪ °‬الأنجيل بم"ا أنز"ل الله فيه و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم‬
‫الفاسق‪°‬ون{‪.‬‬

‫و قال ت عال ف ب يان أن الت شريع بغ ي ما أ نزل ا ل شرك مرج من ال يان ماط با‬
‫الشركي أو منددا بم‪} :‬ات)بعوا م"ا أ‪°‬نزل إليك‪°‬م من ر"ب¦ك‪°‬م و"ل "تت)بعوا من دونه أولي"اء‪} ،{È‬أم‬
‫لهم شر"كاء‪ Á‬ش"ر"عوا لهم من" الد¦ين م"ا لم ي"أذن به الله{‪.‬‬

‫)‪(8‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وقال عن اليهود والنصارى كذلك ف هذا ال شأن‪} :‬ات) خ"ذ‪°‬وا أح ب"ار"هم و"ره ب"ان"هم‬
‫أرب"ابا من دون الله{‪.‬‬

‫فلما أنكر ذلك عدي بن حات ف حضرة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫)يا رسول ال‪ ،‬ما عبدوهم!(‪ ،‬بي له عليه الصلة والسلم أن اتاذهم أربابا هو نتيجة‬
‫اتباعهم فيما شرعوا بغ ي ما أ نزل ال‪ ،‬قال عل يه الصلة وال سلم‪) :‬أ ل ي لوا لم ا لرام‬
‫ويرموا عليهم اللل فاتبعوهم؟ فذلك عبادتم إياهم(‪.7‬‬

‫ولا م ك‪Î‬ن ال لدينه ف الرض نم ف التمع فريق ثالث غي الؤمني والكافرين‬


‫الصرحاء‪ ،‬وهم النافقون ‪ -‬وهم ف الدرك السفل من النار ‪ -‬أولئك الذين أظهروا اليان‬
‫وأبطنوا الكفر‪ ،‬وقد تركز كفرهم ونفاقهم ف قضية التشريع‪ ،‬فبي ال أن إعراضهم عن‬
‫شريعة ال وبثهم عن شريعة أخرى‪ ،‬ينفي عنهم اليان جلة‪ ،‬وأنم ل يؤمنون حت ينبذوا‬
‫تلك الشرائع الت يتوجهون إليها‪ ،‬ويعودوا إل شريعة ال وحدها دون غيها من الشرائع‪:‬‬
‫}ألم ت"ر" إلى ال ذين" ي"زعمون أن)هم آم"نوا ب م"ا أ‪°‬نزل إلي ك" و" م"ا أ‪°‬نزل من قبل ك" ير يدون أن‬
‫"يت" ح"اكموا إلى الط اغ‪°‬وت و"قد أ‪°‬مروا أن ي"ك ف‪°‬روا به و"ير يد ال ش)يطان‪ °‬أن يضلهم ض"لل‬
‫ب"عيدا‪ ،{...‬إل قوله تعال‪} :‬فل و"ر"ب¦ك" ل يؤمنون ح"ت)ى يح"ك‪Ð‬موك" فيم"ا ش"ج"ر" ب"ين"هم ‪°‬ثم) ل‬
‫ي"جدوا في أنف‪°‬سهم ح"ر"جا مم)ا قض"يت" و"يس"ل‪Ð‬موا ت"سليما{‪} ،‬و"ي"ق‪°‬ول‪°‬ون آم"ن)ا بالله و"بالر)سول‬
‫و"أطعن"ا ‪°‬ثم) ي"ت"و"لى فريق‪ Ë‬منهم من ب"عد ذلك" و"م"ا أ‪°‬ولئك" بالمؤمني" و"إذا دعوا إلى الله و"ر"سوله‬
‫لي"حك‪°‬م" ب"ين"هم إذا فريق‪ Ë‬منهم معرضون{‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫فإذا كانت هذه ال يات ‪ -‬وأمثا لا ف ال قرآن كثي ‪ -‬قد بي نت صلة ال شريعة‬
‫بالعق يدة‪ ،‬وأن ما ل ينف صلن‪ ،‬وأن الت شريع بغ ي ما أ نزل ا ل شرك مرج من ال لة‪ ،‬ف قد‬
‫بي نت أ حاديث الر سول صلى ا ل عل يه و سلم هذه ال صلة الوثي قة ح ي ب ي‪U‬ن عل يه ال صلة‬
‫والسلم ما يكون من أمر الناس حي تالف شريعة ال‪ ،‬ومن باب أول حي تنحى شريعة‬
‫ال ويحكمون بشرع غي شرع ال‪:‬‬

‫‪ ) -‬ما من نب بع ثه ا ل ف أ مة قب لي إل كان له من أم ته حوار يون وأ صحاب‪،‬‬


‫يأخذون بسنته ويقتدون بأمره‪ ،‬ث إنا تلف من بعدهم خلوف‪ ،‬يقولون ما ل يفعلون‪،‬‬

‫‪ 7‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫)‪(9‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ويفعلون ما ل يؤمرون‪ ،‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪،‬‬
‫ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‪ ،‬وليس وراء ذلك من اليان حبة خردل(‪.8‬‬

‫‪) -‬إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون‪ ،‬فمن كره فقد برئ‪ ،‬ومن أنكر‬
‫فقد سلم‪ ،‬ولكن من رضى وتابع(‪.9‬‬

‫وخلصة الديثي أن الرضى بشرع غي شرع ال مرج من اللة كالتشريع سواء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما أقوال العلماء‪:‬‬

‫فنختار منها قول ابن كثي رحه ال ف تفسيه للية الكرية‪} :‬أفحك م" الج"اهل ي)ة‬
‫ي"بغون و"م"ن أحس"ن من" الله حكما لقوم يوقنون{‪) :‬ينكر تعال على من خرج عن حكم‬
‫ا ل ال شتمل ع لى كل خ ي‪ ،‬ال ناهي عن كل شر‪ ،‬و عدل إ ل ما سواه من ا لراء‬
‫وال صطلحات ا لت و ضعها الر جال بل م ستند من شريعة ا ل‪ ،‬ك ما كان أهل الاهل ية‬
‫يكمون به من الضللت والهالت ما يضعونا بأهوائهم وآرائهم‪ ،‬وكما يكم به التتار‬
‫من السيا سات اللك ية ا لأخوذة عن ملك هم جنك يز خان ا لذي و ضع لم اليا سق‪ ،‬و هو‬
‫عبارة عن كتاب مموع من أحكام اقتبسها من شرائع شت‪ :‬من اليهودية والنصرانية واللة‬
‫السلمية وغيها‪ ،‬وفيها كثي من الحكام أخذها بجرد نظره وهواه‪ ،‬فصارت ف بنيه‬
‫شرعا متبعا يقدمونه على الكم بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فمن فعل‬
‫ذلك منهم فهو كافر يب قتاله حت يرجع إل حكم ال ورسوله‪ ،‬فل يكم سواه ف قليل‬
‫ول كثي(‪.10‬‬

‫ويقول ابن تيمية رحه ال‪) :‬وبا ذكرته ف مسمى الشريعة والكم الشرعي يتبي‬
‫أنه ليس للنسان أن يرج عن الشريعة ف شيء من أموره‪ ،‬بل كل ما يصلح له فهو ف‬
‫الشرع من أصوله وفروعه وأحواله وأعماله وسياسته ومعاملته وغي ذلك‪ ،‬والمد ل رب‬
‫العالي‪ ...‬وحقيقة الشريعة‪ :‬اتباع الرسل والدخول تت طاعتهم‪ ،‬كما أن الروج عنها‬
‫خروج عن طا عة الر سل‪ ،‬وطا عة الر سل هي د ين ا ل ا لذي أ مر بالق تال عل يه‪ ،‬و قال‪:‬‬
‫‪ 8‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ 9‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ 10‬تفسي ابن كثي‪ :‬ج ‪/2‬ص ‪.67‬‬
‫)‪(10‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫}و"قاتل‪°‬وهم "ح ت)ى ل "ت ك‪°‬ون فت ن" ‪Ô‬ة "وي" ك‪°‬ون ا لد¦ين لل ه{‪ ...‬فع لى كل من الر عاة والرع ية‬
‫وا لرؤوس والرؤو سي أن يط يع كل من هم ا ل ور سوله ف حاله‪ ،‬وي لتزم شريعة ا ل ا لت‬
‫شرعها له(‪.11‬‬

‫ويقول الشيخ ممد بن عبد الوهاب رحه ال‪) :‬ولم شبهة أخرى‪ ،‬يقولون إن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال "ل إله إل ال"‪ ،‬وقال‪" :‬أقتلته بعد ما‬
‫قال‪ :‬ل إله إل ال؟"‪ ،‬وكذلك قوله‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا؛ ل إله إل ال"‪،‬‬
‫وأحاديث أخرى ف الكف عمن قالا‪ ،‬ومراد هؤلء الهلة أن من قالا ل يكفر ول يقتل‬
‫ولو فعل ما فعل‪ ،‬فيقال لؤلء‪ ...‬إلهال‪ :‬معلوم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قاتل‬
‫الي هود و سباهم و هم يقو لون "ل إ له إل ا ل"‪ ،‬وأن أ صحاب ال نب صلى ا ل عل يه و سلم‬
‫قاتلوا بن حنيفة وهم يشهدون أن "ل إله إل ال" وأن ممدا رسول ال ويصلون وي"د)عون‬
‫السلم وكذلك الذين حرقهم على بن أب طالب‪ ،‬وهؤلء الهلة مقر‪U‬ون أن من أنكر‬
‫البعث كفر وقتل ولو قال "ل إله إل ال"‪ ،‬وأن من جحد شيئا من أركان السلم كفر‬
‫وقتل ولو قالا‪ ،‬فكيف ل تنفعه إذا جحد شيئا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي‬
‫هو أصل دين الرسل ورأسه؟‪ ...‬فلم تنفعهم "ل إله إل ال" ول كثرة العبادة ول ادعاء‬
‫السلم ل‪Î‬ا ظهر منهم مالفة الشريعة(‪.12‬‬

‫وعلى الرغم من وضوح القضية ف كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫وأقوال العلماء‪ ،‬فإن المر يتلط على بعض الناس حي يدون ف كتب الفقه أن من ل‬
‫يكم با أنزل ال ل يكفر إل إذا كان جاحدا‪ ،‬ويدون ابن عباس رضي ال عنه يقول‪:‬‬
‫أنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه‪ ،‬إنه ليس كفرا ينقل عن اللة‪ ،‬كفر دون كفر‪...‬‬

‫يتلط المر عليهم فيحسبون قضية التشريع بغي ما أنزل ال‪ ،‬أو الرضى بشرع غي‬
‫شرع ال داخلة ف هذا الكم؛ كفر دون كفر‪ ،‬كفر ل يرج من اللة‪.‬‬

‫والذي يقوله الفقهاء عن الكم بغي ما أنزل ال صحيح ول شك‪ ،‬فليس كل من‬
‫ل يكم با أنزل ال يعتب كافرا‪ ،‬فقد يكون متأول‪ ،‬وقد يكون جاهل بكم ف قضية‬
‫بعين ها‪ ،‬و قد ي كون مدفوعا ب شهوة معي نة كالقا ضي الرت شي ا لذي يالف ح كم ا ل ف‬
‫القضية العروضة عليه بتأثي الرشوة وهو عال با يفعل‪ ،‬فيكون عاصيا فاسقا ول يكفر‪.‬‬

‫‪ 11‬مموع فتاوى‪ ،‬شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬جع وترتيب عبد الرحن بن ممد بن قاسم‪ :‬ج ‪/19‬ص‬
‫‪.309‬‬
‫‪ 12‬كتاب "الامع الفريد"‪ ،‬الطبعة الثانية‪ :‬مقتطفات من ص ‪ 232‬و ص ‪.233‬‬
‫)‪(11‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫فكيف اعتب مؤمنا وهو ل يكم با أنزل ال؟‬

‫السبب أنه ‪ -‬مع مالفته لكم ال ‪ -‬ل يعل مالفته شرعا يك‪Î‬مه بدل من شرع‬
‫ال‪ ،‬ول يقل إن حكمه هذا بديل يضاهى حكم ال أو يفض‪U‬ل على حكم ال‪ ،‬إنا موقفه‬
‫كالسارق والزان يالف ف العمل‪ ،‬ولكنه ل يغ ي‪U‬ر ف الشرع النل‪ ،‬ول يضع بديل من‬
‫عند نفسه لشرع ال‪.‬‬

‫أما حي يشرع بغي ما أنزل ال فالمر متلف تام الختلف‪ ...‬فهو عندئذ يضع‬
‫من عند نفسه تشريعا يل فيه ويرم بغي ما أنزل ال‪ ،‬ث يضاهي به شرع ال‪ ،‬أو يفض‪U‬له‬
‫على شرع ال‪ ،‬وذلك ‪ -‬بإجاع الفقهاء ‪ -‬شرك أكب مرج من اللة‪ ،‬لنه يتعارض مع‬
‫القرار با جاء من عند ال‪ ،‬وهو القتضى الباشر ‪ -‬بل العن الباشر ‪ -‬لـ "ل إله إل‬
‫ال"‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كيف نزعم لنفسنا أننا آمنا بأنه "ل إله إل ال" ‪ -‬أي ل معبود إل ال‪ ،‬ول حاكم‬
‫إل ال ‪ -‬إذا كنا نقول ‪ -‬بلسان الال أو بلسان القال ‪ -‬إنك يا رب قد قلت إن الربا‬
‫حرام‪ ،‬أ ما نن فن قول؛ إ نه مدار ال ياة القت صادية العا صرة‪ ،‬ل ي قوم القت صاد إل به‪،13‬‬
‫ولذلك فنحن نقره ونتداوله‪ ،‬ونعله هو الصل ف تداول الال!‬

‫وإنك يا رب قد قلت إن الزنا حرام‪ ،‬وحددت له عقوبة معينة ف كتابك النل‪،‬‬


‫و ف سنة ر سولك صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬أ ما نن ف نرى أ نه ل يس ه ناك جر ية ت ستحق‬
‫العقاب أصل إذا ت المر برضى الطرفي ول تكن الرأة قاصرا‪.‬‬

‫وإذا وقعت ‪ -‬من وجهة نظرنا ‪ -‬جرية فعقوبتها عندنا أمر آخر غي ما قررت!‬
‫وإنك قد قلت يا رب إن عقوبة السرقة قطع اليد‪ ،‬أما نن فنرى أن هذه عقوبة وحشية‬

‫‪ 13‬الذين يقولون هذا هم الرابون اليهود‪ ،‬ومن عميت قلوبم من "الميي"‪ ،‬أما الستبصرون من الميي‬
‫أنفسهم فيقولون؛ إن النتيجة التمية للربا هي تكدس الثروة ف يد فئة قليلة من الناس تزداد قلة برور‬
‫الزمن‪ ،‬وازدياد الفقر ف فئة كبية من الناس يتزايد عددها على الدوام ‪ -‬انظر إن شئت تقرير الستشار‬
‫اللان "شاخت" عن الربا ‪-‬‬
‫)‪(12‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫بربر ية‪ ،‬إ نا عقو بة ال سرقة ع ندنا هي ال سجن‪ ،‬و هي عقو بة مهذ بة تل يق بإن سان ال قرن‬
‫العشرين!‬

‫وإنك يا رب قد حرمت اللوة بالجنبية‪ ،‬وحرمت الختلط بغي مرم‪ ،‬وحرمت‬


‫على الرأة السفور وإبداء زينتها لغي مارمها‪ ،‬أما نن فنرى هذه كلها أمورا ل بأس با‬
‫ول حرج فيها ول ضرر منها‪ ،‬بل نراها من ضرورات الياة العاصرة‪ ،‬و "حقوقا" نالتها‬
‫الرأة "التحررة" ل سبيل إل الرجوع عنها‪ ،‬لكي ل نصبح رجعيي متأخرين‪...‬‬

‫كيف نزعم لنفسنا أننا آمنا بأنه "ل إله إل ال" ‪ -‬أي ل مـعبود ول حاكم إل‬
‫ال ‪ -‬إذا قلنا ذلك‪ ،‬ومئات من أمثاله‪ ،‬بلسان الال أو بلسان القال؟‬

‫وماذا بقى من "ل إله إل ال" إذ فعلنا ذلك؟‬

‫ماذا بقى سوى كلمة ذاهبة ف الواء‪ ،‬ل رصيد لا من الواقع‪ ،‬ول قيمة لا ف واقع‬
‫الياة؟‬

‫إن القرار بألوهية ال‪ ،‬فضل عن تفرده سبحانه وتعال باللوهية ‪ -‬وهو معن "ل‬
‫إله إل ال" ‪ -‬أمر أضخم بكثي من مرد أن نوقن ف داخل أنفسنا ونقر بألسنتنا أن ال هو‬
‫الالق‪ ،‬وأن ال هو الرازق‪ ،‬وأن ال هو الدبر وأن ال هو السيطر‪ ،‬وأن ال بيده ملكوت‬
‫كل شئ‪ ...‬وهو ما يريد الرجئة أن يصروا فيه معن "ل إله إل ال"‪ ...‬فقد كان العرب‬
‫ف جاهليتهم يقرون بذا كله‪ ،‬ومع ذلك ل يعتبهم ال مؤمني! }و"لئن س"ألت"هم م"ن خ"لق‬
‫ال س)م"او"ات و"الأر ض" لي" ق‪°‬ول‪°‬ن) الل ه{‪} ،‬و"لئن س"ألت"هم م"ن خ"لقهم لي" ق‪°‬ول‪°‬ن) الل ه{‪} ،‬ق‪°‬ل لم"ن‬
‫الأرض و"م"ن فيه"ا إن ك‪°‬نتم ت"علمون س"ي"ق‪°‬ول‪°‬ون لله ق‪°‬ل أفل ت"ذكرون ق‪°‬ل م"ن ر"ب‪ Ê‬الس)م"او"ات‬
‫ال س)بع و"ر" ب‪ Ê‬الع"رش الع"ظيم س"ي"ق‪°‬ول‪°‬ون لل ه ق‪°‬ل أفل "تت) ق‪°‬ون ق‪°‬ل م"ن ب ي"ده م"ل ك‪°‬وت ك‪ °‬ل‪ Ð‬ش"يء‬
‫و"هو" يجي و"ل يج"ار ع"ليه إن ك‪°‬نتم ت"علمون "سي"ق‪°‬ول‪°‬ون لله ق‪°‬ل فأن)ى تسح"رون{‪.‬‬

‫فما الذي منعهم ‪ -‬وهم يقرون بذا كله ‪ -‬أن يكونوا مؤمني؟ وأي شيء جعلهم‬
‫ف حكم ال مشركي؟‬

‫أمران رئيسيان‪ :‬عبادة غي ال‪ ،‬والتحليل والتحري ‪ -‬أي التشريع ‪ -‬بغي ما أنزل‬
‫ال‪} :‬و"قال ال ذين" أش ر"ك‪°‬وا لو ش"اء‪ È‬الل ه م"ا ع" ب"دن"ا من دونه من ش"يء ن"حن و"ل آب"اؤ ن"ا و"ل‬

‫)‪(13‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫"حر)من"ا من دونه من ش"يء{‪} ،‬و"قال الله ل "تت)خذ‪°‬وا إله"ين اثن"ين‪ 14‬إن)م"ا هو" إله‪ Ë‬و"احد‪ Ë‬فإي)اي‬
‫فاره"بون{‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ويعلم ال أننا ما قصدنا بذا البيان إصدار حكم على أحد من أعيان الناس‪ ،‬فتلك‬
‫قضية بينا من قبل ف كتابي سابقي‪ 15‬أننا ل نتعرض لا ف هذه الرحلة من حياة المة‪،‬‬
‫إنا نن ف معرض البيان الواجب‪ ،‬الذي هو أمانة ف عنق كل من علم شيئا من حقيقة‬
‫هذا ا لدين‪ ...‬فواجبه أن يبي لل ناس ما جه لوه من شأن هذه القيقة لعلهم يغ ي‪U‬رون ما‬
‫بأنفسهم فيغي ال لم‪} :‬إن الله" ل يغ"ي¦ر م"ا بقوم ح"ت)ى يغ"ي¦روا م"ا بأنف‪°‬سهم{‪.‬‬

‫ول قد ن سيت ال مة ف حقبت ها ا لخية كثيا من ح قائق ال سلم ا لت كانت ف‬


‫حسها بديهيات ل تقبل النقاش‪.‬‬

‫و كان من ب ي ما ن سيته هذه الق ضية الط ية‪ ،‬و هي و جوب ال كم با أ نزل ا ل‬
‫عق يدة ل ي كون ال سلم م سلما إذا ت لى عن ها‪ ،‬وأن الت شريع بغ ي ما أ نزل ا ل‪ ،‬والر ضى‬
‫بشرع غي شرع ال شرك مرج من اللة‪.‬‬

‫ولئن كان الفكر الرجائي قد مهد السبيل ف الاضي لزحزحة المة عن كثي من‬
‫الع مال الواج بة ‪ -‬أو ف القل يل برر لا تقاع سها عن ت لك الع مال ‪ -‬ع لى أ ساس أن‬
‫الع مل ل يس داخل ف م سمى ال يان‪ ،‬وأن ال يان يتح قق كامل بالت صديق وا لقرار‬
‫فحسب‪ ...‬فإن الغزو الصليب ‪ -‬سواء العسكري أو الفكري ‪ -‬قد دفع المة دفعة خطية‬
‫وراء آ خر ا لواجز ا لت كانت قد وق فت ع ندها ع لى الر غم من كل تقاع سها و كل‬
‫انرافها‪ ...‬فأخرجها من شريعة ال‪ ،‬وهو يزين لا عملها‪ ،‬ويد لا ف الغي‪ ،U‬ويوهها أنا‬
‫ما زالت ف دائرة اليان‪...‬‬

‫ولقد قاوم السلمون الغزو الع سكري والغزو الف كري با كان قد بقي فيهم من‬
‫طاقة‪ ...‬ولكن الواء الذي كانت تعانيه المة من جراء انرافاتا وأمراضها جعل هذه‬

‫‪ 14‬إ له خالق رازق مدبر‪ ،‬ت قرون بو جوده ول تتب عون شريعته‪ ،‬وإ له مز عوم ي شرع ل كم فتطي عونه ف‬
‫التشريع‪.‬‬
‫‪ 15‬انظر "واقعنا العاصر" و "مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬
‫)‪(14‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫القاومة أضعف من أن تقف للغزو الكاسح‪ ،‬فاستتب المر للغزاة‪ ،‬وت لم ما أرادوه من‬
‫صرف المة عن السلم‪...‬‬

‫ولقد كان لم من وراء تنحية شريعة ال عن الكم مآرب عدة‪ ...‬وكانوا يعلمون‬
‫أنه بعد أن تنقض العروة الول ‪ -‬عروة الكم ‪ -‬ستنقض بقية العرى واحدة إثر أخرى‪.‬‬

‫كما أخب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪) :‬لتنقضن عرى هذا الدين عروة عروة‪،‬‬
‫كل ما نق ضت عروة استم سك ال ناس بالت ب عدها‪ ،‬فأولن نق ضا ال كم‪ ،‬وآخر هن نق ضا‬
‫الصلة(‪.16‬‬

‫كانوا يريدون أن تعمل حركة التنصي ف العال السلمي وهي آمنة مطمئنة‪ ،‬لتفت‬
‫من تستطيع فتنته عن دينه‪ ،‬ولن تد هذه الركة مال لو بقيت الشريعة قائمة‪ ،‬ونف‪Ð‬ذ حد‬
‫الردة على التنصر الذي يرتد عن السلم‪.‬‬

‫وكانوا يريدون أن تشيع الفاحشة ف التمع السلمي لتنحل أخلقه ويسلس قياده‬
‫للم ستعمر‪ ،‬و ل يكو نوا لي ستطيعوا ‪ -‬وال شريعة قائ مة ‪ -‬أن يفت حوا بيو تا ر سية للب غاء‪،‬‬
‫تميها الدولة "السلمة!" بتشريعاتا وتنظيماتا وشرطتها! ول أن يفتحوا الانات لتسقى‬
‫ال ناس ال مر علن ية با سم "ال شروبات الروح ية"‪ !17‬ول أن يفت حوا الرا قص لل ساقطات‬
‫ال لوات أط لق علي هن في ما ب عد ل قب "الفنا نات!" لتله ية ال ناس عن صلتم و صيامهم‪،‬‬
‫ودنياهم وآخرتم‪ ،‬باسم الفن والضارة والتقدم!‬

‫وبقى الؤمنون ينكرون ذلك كله بقلوبم‪ ،‬وقد عجزوا عن إنكاره بأيديهم ويئسوا‬
‫من إن كاره بأل سنتهم‪ ،‬ول كن حت هذا ال قدر ا لذي قال ع نه ر سول ا ل صلى ا ل عل يه‬
‫وسلم‪ :‬إنه "أضعف اليان"‪" ،‬وليس وراء ذلك من اليان حبة خردل"‪ ،‬ل يكن مأمونا‬
‫عند القائمي بالغزو الصليب‪ ،‬فقد يشتد يوما حت يصبح "جهادا" حقيقيا كاسحا هو أشد‬
‫ما يرهبونه من هذا الدين‪ ،‬ومن ث سعى الغزو الفكري إل تثبيت تلك الوضاع على أنا‬
‫هي الصل الذي ينبغي أن يتبع‪ ،‬وأن العدول عنه ‪ -‬بالعودة إل تكيم شريعة ال ‪ -‬هو‬
‫الرجعية الت ينبغي أن يبأ منها التحضرون‪.‬‬

‫‪ 16‬رواه أحد‪.‬‬
‫‪ 17‬يطلق الوربيون على المر اسم "الشروبات الكحولية" ]‪ [Spiritual‬ولكن الترجي البثاء ترجوا‬
‫كل مة ]‪ ،[Spiritual‬بالروح ية‪ ،‬م ستغلي أن الكل مة الورب ية ي كن أن تؤدي كل العني ي؛ الروح ية‬
‫والكحولية‪ .‬والتضليل واضح ف الترجة العربية‪.‬‬
‫)‪(15‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫واستعي على ذلك بكل وسائل العلم التاحة من كتاب وصحيفة وقصة ومسرح‬
‫وسينما وإذاعة ‪ -‬وتليفزيون فيما بعد ‪ -‬كما استعي بناهج التعليم الت تصور السلم‬
‫و شريعته جودا و تأخرا ورجع ية‪ ،‬وت صور الو ضاع القائ مة ف أور با ‪ -‬بم يع جوانب ها‬
‫ومالتا ‪ -‬على أنا هي الضارة والرفعة والتقدم‪ ،‬وترج أجيال وراء أجيال تعرف شيئا‬
‫عن أوربا‪ ،18‬ول تعرف عن السلم إل ما يلقى ف روعها من الشبهات!‬

‫واستعي فوق ذلك بالفكر الرجائي الذي يقول إن اليان هو التصديق والقرار‪،‬‬
‫وليس العمل داخل ف مسمى اليان‪ ،‬كما استعي بـ "علماء" من علماء الدين ليؤكدوا‬
‫هذه العان الرجائية ف نفوس الناس‪ ،‬بعضهم "طيبون"‪ ،‬تستغل طيبتهم دون وعى منهم‪،‬‬
‫وبعضهم "مترفون" يضللون الناس على علم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يا حسرة على العباد!‬

‫إن تصور أمة ممد صلى ال عليه وسلم تتحاكم إل غي شريعة ال لو أمر مذهل‪،‬‬
‫وأمر بشع‪ ...‬ل يفف من بشاعته عموم البلوى‪ ،‬ول ثقلة المر الواقع!‬

‫كيف تلت هذه المة عن رسالتها‪ ،‬وعن تيزها الذي ميزها ال به؟‬

‫هل أخرج ال هذه المة لتكون ف ذيل القافلة تلهث وراء الركب؟!‬

‫و هل أخرج ها لتنب هم شخ صيتها وتتم يع‪ ،‬وت صبح صورة مق لدة بل م شوهة من‬
‫الاهلية؟!‬

‫أ ل يرج ها لت كون قائدة ورائدة و شاهدة ع لى كل الب شرية؟! }ك‪°‬نتم خ"ي ر" أ‪ °‬م)ة‬
‫أ‪°‬خرج"ت للن)ا س ت"أمرون ب الم"عروف و"ت"نه"ون ع" ن المنكر و"تؤم نون ب الله{‪} ،‬و" ك ذلك‬
‫"جع"لن"اك‪°‬م أ‪°‬م)ة و"س"طا ل"تك‪°‬ونوا شه"د"اء‪ È‬ع"لى الن)اس و"ي"ك‪°‬ون الر)سول‪ °‬ع"ليك‪°‬م ش"هيدا{‪.‬‬

‫‪ 18‬ل ي كن لديهم معر فة حقيق ية عن أور با‪ ،‬ف قد كان ف ال ضارة الغرب ية إياب يات ‪ -‬ر غم انرافا تا‬
‫الوهرية ‪ -‬ول يكن مقصودا تعليم السلمي إيابيات أوربا‪ ،‬ول كيف يتخذونا من أجل نضتهم‪ ،‬إنا‬
‫كان القصود تعريفهم ‪ -‬جيدا ‪ -‬بالنلل اللقي واللاد‪ ،‬ليأكل ف جسد المة السلمية‪.‬‬
‫)‪(16‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫و هل تستطيع أن تقق شيئا من ذ لك حي تتخ لى عن شريعة ال وتنتهج شرائع‬


‫الاهلية؟‬

‫قد ي طر ف بال قوم أن ا لذي ينق صنا من أ جل تق يق وجود نا هو ال طائرات‬


‫والصواريخ‪ ،‬واللت والصانع‪ ،‬والعلم والتكنولوجيا‪...‬‬

‫وكل ذلك ينقصنا حقا‪...‬‬

‫ودع عنك الن أنه ما صار ينقصنا إل حي تلفنا عن حقيقة "ل إله إل ال"‪ ،‬وأننا‬
‫حي كنا ملتزمي حقا بقتضيات "ل إله إل ال" كنا مكني ف الرض‪ ،‬سابقي ف كل‬
‫مالت ال ياة‪ ،‬لن ا ل ج عل كل أ سباب ال ي القي قي ف مقت ضيات "ل إ له إل ا ل"‪،‬‬
‫ويسرها لن يلتزم حقا بـ "ل إله إل ال"‪.‬‬

‫دع ع نك ا لن هذا‪ ،‬ولن فترض ‪ -‬مع ال يال الا مح ‪ -‬أن نا امتلك نا هذه ا لدوات‬
‫كلها كما تتلكها "الدول العظمى!" سواء بسواء‪ ،‬ث ل نطبق شريعة ال‪ ...‬فهل نزيد ف‬
‫ميزان ال على أن نكون أمة جاهلية يكن ال لا فترة من الوقت ث يكون مصيها الدمار‬
‫ف الرض والعذاب الليم يوم الساب! }فلم)ا ن"سوا م"ا ذ‪°‬ك‪Ð‬روا به فت"حن"ا ع"ليهم أبو"اب" ك‪°‬ل‬
‫ش"يء "ح ت)ى إذا فرحوا ب م"ا أ‪°‬وتوا أ خ"ذن"اهم ب"غ ت"ة فإذا هم مبلسون فق‪°‬ط ع" د"ابر القوم ال ذين‬
‫ظلموا و"الح"مد لل ه ر" ب¦ ال ع"المي{‪} ،‬م"ن كان ير يد الح" ي"اة ا لد‪Ê‬ني"ا و"زي"نت" ه"ا ن و"ف¦ إليهم‬
‫أعم"الهم فيه"ا و"هم فيه"ا ل يبخ"سون أ‪°‬ولئك" الذي "ن ليس" لهم في الآخر"ة إلا الن)ار و"ح"بط م"ا‬
‫ص"ن"عوا فيه"ا و"ب"اط ‪Ô‬ل م"ا كانوا ي"عم"ل‪°‬ون{‪.‬‬

‫إنا أخرج ال هذا المة لمر أعظم من هذا بكثي‪...‬‬

‫أخرجها لتكون هي النوذج الذي تتذيه البشرية‪ ،‬لتهتدي إل ربا‪ ،‬وتطبق منهجه‬
‫ف الرض‪ ،‬فتنال خي الدنيا وخي الخرة‪ ،‬وتنال رضوان ال‪...‬‬

‫وذات يوم حققت المة ذلك النموذج الفذ ف عال الواقع‪...‬‬

‫ولن تعود إل التمكي والقوة حت تعود إل السبب الذي مكنها من قبل‪} :‬و" ع"د‬
‫الله الذين" آم"نوا منك‪°‬م و"ع"مل‪°‬وا الص)الح"ات لي"ست"خلفن)هم في الأرض كم"ا است"خلف" الذين" من‬
‫قبلهم و"ليم" ‪Ð‬كن"ن) لهم دين"هم ال ذي ار"تض"ى لهم و"ليب"د¦لن)هم من ب"عد خ"وفهم أمنا ي"عبدون"ني ل‬
‫يشرك‪°‬ون بي ش"يئا{‪.‬‬

‫)‪(17‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ولن يعبدوه حق عبادته‪ ،‬عبادة خالية من الشرك‪ ،‬حت يلتزموا بتطبيق شريعة ال‪:‬‬
‫}فل و"ر"ب¦ك" ل يؤمنون ح"ت)ى يح"ك‪Ð‬موك" فيم"ا ش"ج"ر" ب"ين"هم ث‪°‬م) ل ي"جدوا في أنف‪°‬سهم ح"ر"جا‬
‫سل‪Ð‬موا ت"سليما{‪.‬‬
‫مم)ا قض"يت" و"ي "‬

‫البحث الثان‬
‫هل لول المر أن يتصرف ف أحكام الشريعة‬
‫بسب الحوال‬
‫يقول الذين يتلمسون العاذير والجج ليتهربوا من اللتزام بتطبيق شريعة ال‪ ،‬إن‬
‫لول المر أن يتصرف ف أحكام الشريعة حسب الحوال‪ ...‬فقد أوقف عمر حد السرقة‬
‫عام الرمادة‪ ،‬وأبطل سهم الؤلفة قلوبم من مصارف الزكاة‪ ...‬فإذا جاز هذا لعمر رضي‬

‫)‪(18‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ال عنه فلماذا ل يوز للحكام اليوم‪ ،‬وقد تبدلت المور تبدل حادا‪ ،‬يستدعي إعادة النظر‬
‫فيما يكن وما ل يكن‪ ،‬وما يوز وما ل يوز؟!‬

‫وا تام ع مر ر ضي ا ل ع نه بالت صرف من ع ند نف سه ف أح كام ال شريعة ح سب‬


‫أحوال عصره أمر خطي ل يوز أن يترك بغي تفنيد وتقيق‪.‬‬

‫فع مر ر ضي ا ل ع نه ل ي كن حاك ما ع سكريا يت صرف ف ا لمور با تل يه عل يه‬


‫أهواؤه‪ ،‬ول يكن جبارا ف الرض كالفراعي‪ ،‬يقول‪} :‬م"ا أ‪°‬ريك‪°‬م إلا م"ا أر"ى و"م"ا أهديك‪°‬م‬
‫إلا س"بيل الر)ش"اد{‪.‬‬

‫والصحابة رضوان ال عليهم من جانب آخر ل يكونوا ليسكتوا على تغيي شرع‬
‫ال أو إبطاله مهما يكن الشخص الذي قام بذا التصرف‪ ،‬عمر أو غي عمر‪...‬‬

‫ول نذكر ج يدا أن ع مر ر ضي ا ل ع نه ‪ -‬بر غم كل الها بة ا لت أ ضافها ا ل عل يه‪،‬‬


‫وج عل من مظاهر ها ال سم الطو يل ال قوي وال صوت ال هوري ‪ -‬قام يو ما ع لى ال نب‬
‫فخطب الناس فقال‪) :‬أيها الناس اسعوا وأطيعوا!(‪ ،‬فقال له سلمان الفارسي رضي ال‬
‫عنه‪) :‬ل سع لك اليوم علينا ول طاعة!(‪ ،‬فقال عمر رضي ال عنه‪) :‬وله؟(‪ ،‬قال‪) :‬حت‬
‫تبي لنا من أين لك هذا البد الذي ائتزرت به‪ ،‬وأنت رجل طوال ل يكفيك برد واحد‬
‫كما نال بقية السلمي(! فلما بي له عمر رضي ال عنه أن البد الذي ائتزر به هو برد‬
‫ابنه عبد ال‪ ،‬قال سلمان‪) :‬الن مر! نسمع ونطع!(‪.‬‬

‫ومن ث فل عمر رضي ال عنه يتصور منه مالفة شرع ال‪ ،‬ول الصحابة رضوان‬
‫ا ل علي هم يت صور من هم اال سكوت ع لى الخال فة و لو كانت من أم ي ا لؤمني ع مر بن‬
‫الطاب‪.‬‬

‫والق أن الذين يتلمسون العاذير ل يسمون عمل عمر مالفة‪ ،‬إنا يسمونه "تصرفا"‬
‫ليبنوا عليه قاعدة تفو إليها أفئدتم لتحلهم من اللتزام بشرع ال‪ ،‬هي أن لول المر أن‬
‫يتصرف ف أحكام الشريعة با يراه‪ ،‬بسب الحوال! وبشئ من "البحبحة" يل‪Î‬ون أولياء‬
‫المور اليوم من الشريعة بأكملها‪ ،‬بجة مناسبة الحوال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(19‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫فلننظر ف عمل عمر رضي ال عنه‪ :‬هل هو "إبطال" للشريعة أو "تصرف" فيها؟ أم‬
‫هو عي اللتزام بأحكام الشريعة مع الجتهاد ف تديد الصورة الصحيحة لتطبيقها؟‬

‫أوقف عمر حد السرقة عام الرمادة‪ ،‬فما دللة هذا التصرف؟‬

‫فلنرجع إل مقاصد الشريعة‪:‬‬

‫إن السلم ل يبدأ بتقرير العقوبة ول بتطبيقها‪ ،‬إنا يسعى أول لسد منافذ الرية‬
‫حت ل تقع ابتداء‪ ،‬فإذا وقعت نظر ف كل حالة ليضمن أن فاعلها غي معذور‪ ،‬فيقيم عليه‬
‫الد وقتئذ وقد ضمن أل عذر له ف ارتكاب الرية‪ ،‬فإذا قامت الشبهة فإنا تدرأ الد‪...‬‬

‫هذه هي الشريعة‪ ،‬وهذا هو الذي فعله عمر على وجه التحديد!‬

‫رأى أن شبهة الوع اللجئ إل السرقة قائمة‪ ،‬فدرأ الد بالشبهة‪ ،‬ول يقم الد‬
‫حت يطمئن أن مرت كب ال سرقة غ ي م عذور ف ارتكا با‪ ...‬ف هل غ ي‪U‬ر ع مر شرع ا ل أو‬
‫أبطل تنفيذه؟ أم إنه كان منفذا دقيقا ملتزما ف تطبيقه كل اللتزام؟‬

‫أما الجتهاد الخر الذي قام به عمر رضي ال عنه فهو إبطال سهم الؤلفة قلوبم‬
‫من مصارف الزكاة‪.‬‬

‫تقول الية الكرية‪} :‬إن)م"ا الص)د"قات للف‪°‬ق ر"اء و"الم" س"اكي و"الع"املي" ع"ليه"ا و"المؤ"ل فة‬
‫‪°‬ق ل‪°‬وبهم و"في الر¦قاب و"ال غ"ارمي" و"في س"بيل الل ه و"ابن ال س)بيل فري ض"ة م ن" الل ه و"الل ه ع"ليم‬
‫ح"كيم{‪.‬‬

‫و قال ع مر ر ضي ا ل ع نه‪) :‬ل قد أ عز‪ U‬ا ل ال سلم‪ ،‬ف لم ت عد ه ناك حا جة ل تأليف‬


‫القلوب(‪.‬‬

‫فهل أبطل عمر رضي ال عنه شرع ال؟ أم إنه نظر ف دواعي التطبيق‪ ،‬فوجد ‪-‬‬
‫باجتهاده ‪ -‬أن الداعي لتأليف القلوب ل يعد قائما بعد أن أعز ال السلم‪ ،‬فلم يعد لذا‬
‫السهم باب للنفاق فيه ف تلك الالة‪ ،‬وهي عزة السلم‪ ،‬ودخول الناس فيه طواعية أو‬
‫خضوعا للغالب النتصر‪ ،‬وف كلتا الالتي ل يتاج المر إل تأليف القلوب‪ ،‬فالذي دخل‬
‫طواعية مؤمن صادق قد استقر اليان ف قلبه‪ ،‬والذي دخل خضوعا للغالب النتصر قد‬

‫)‪(20‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وجد السبب الذي يدعوه للسلم فدخل فيه استجابة لذلك السبب‪ ،‬وهو كاف عنده‬
‫للدخول فيه!‬

‫لو قال عمر‪ :‬إن هناك من نتاج إل تأليف قلبه للسلم‪ ،‬لن السلم ل يتمكن ف‬
‫الرض بعد‪ ،‬ولكن أرى مع ذلك أل أنفق هذا السهم من الزكاة لتأليف القلوب‪ ...‬لو‬
‫قال ذلك ‪ -‬وحاشا لعمر الؤمن التقي أن يقوله ‪ -‬لوقعت عندئذ الخالفة الت ل تقبل من‬
‫عمر ول غي عمر‪ ،‬لنا تكون عندئذ تغييا وتبديل ف شرع ال‪.‬‬

‫أما قيام حالة ل يكون النص منطبقا فيها‪ ،‬فل يطبق النص لعدم انطباقه على الالة‬
‫القائمة‪ ،‬فتصرف أبعد ما يكون عن التغيي أو التبديل ف شرع ال‪.‬‬

‫ونأخذ مثال‪ I‬من حالة أخرى للتوضيح‪:‬‬

‫يقول يي بن سعيد‪) :‬بعثن عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها‪،‬‬
‫فطل بت فقراء أعطيها لم فلم أجد‪ ،‬فقد أغن ع مر بن عبد العزيز الناس‪ ،‬فاشتريت با‬
‫رقيقا فأعتقتهم(‪.‬‬

‫فهل نقول؛ إن عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه أبطل الشريعة أو عدل فيها لنه ل‬
‫ينفق سهم الفقراء من أموال الزكاة؟ أم نقول إنه وجدت حالة ل ينطبق فيها النص فلم‬
‫يطبق؟‬

‫وكذلك تصرف عمر بن الطاب رضي ال عنه‪ ،‬سواء ف عدم تطبيق حد السرقة‬
‫عام الرمادة‪ ،‬أو وقف إنفاق السهم الاص بالؤلفة قلوبم من أموال الزكاة‪.‬‬

‫فأين من هذا دعوة الداعي إل إعطاء "أولياء المور" حق إبطال الشريعة بكاملها‬
‫والستعاضة عنها بالشرائع الاهلية‪ ...‬بجة عدم مناسبة الحوال؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن "و ل ا لمر" ف ال سلم ي كون شرط توليته‪ ،‬ا لذي يعط يه شرعية تول ا لمر‪،‬‬
‫والذي بدونه ل تكون له شرعية‪ ،‬هذه الشرط هو تطبيق شريعة ال‪ ،‬فكيف يكون من‬
‫حقه إبطال شرط توليته ومصدر شرعيته؟!‬

‫)‪(21‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وو ل ا لمر له ع لى رعي ته حق ال سمع والطا عة‪ ،‬ول كن ف حدود طاعته هو ل‬


‫ورسوله‪ ،‬فإن عصى ال ورسوله ‪ -‬بتعطيل شيء من شرع ال ‪ -‬فل طاعة له على الناس‪.‬‬

‫يقول تعال‪ } :‬ي"ا أ‪Ê‬ي ه"ا ال ذين" آم"نوا أطيعوا الل ه" و"أطيعوا الر)سول و"أ‪°‬ولي الأمر منك‪°‬م‬
‫فإن ت"ن"از"عتم في ش"يء فرد‪Ê‬وه إلى الله و"الر)سول إن ك‪°‬نتم تؤمنون بالله و"ال ي"وم الآخر ذلك‬
‫خ"ير‪ Ë‬و"أحس"ن ت"أويل{‪.‬‬

‫وظاهر من البناء اللغوي للية أن الطاعة ل مطلقة‪ ،‬كذلك الطاعة للرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬ولكن ليست كذلك الطاعة لول المر‪ ...‬ولو قال تعال‪" :‬أطيعوا ال‬
‫وأطي عوا الر سول وأطي عوا أو ل ا لمر من كم" لوجبت طاعتهم مطل قا كطا عة ا ل وطا عة‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولكن ال جل شأنه ل يقل ذلك‪ ،‬وإنا عطف طاعة أول‬
‫المر على طاعة ال والرسول بدون تكرار المر "أطيعوا"‪ ،‬لتظل طاعتهم مقرونة دائما‬
‫بدود ما أنزل ال‪ ،‬ويؤكد ذلك ع"جز الية الذي يبي الرجع ف حالة التنازع وهو ال‬
‫والرسول فحسب‪.‬‬

‫وهكذا فهم الليفة الول رضي ال عنه حي قال للمة‪ :‬أطيعون ما أطعت ال‬
‫فيكم‪ ،‬فإن عصيت ال ورسوله فل طاعة ل عليكم‪.‬‬

‫فإذا كانت هذه هي حدود المر ف السلم‪ ،‬فكيف يتصور أحد أن يكون لول‬
‫ا لمر حق مال فة ا ل ور سوله وا ل ي قول‪} :‬و" م"ا كان لمؤمن و"ل مؤم ن"ة إذا ق ض"ى الل ه‬
‫و"ر"سول‪°‬ه أمرا أن ي"ك‪°‬ون لهم الخ"ير"ة‪ °‬من أمرهم{‪.‬‬

‫ث كيف يتصور أحد حي يرج ول المر عن طاعة ال ورسوله بإبطال شريعة‬


‫ال‪ ،‬يكون له حق السمع والطاعة على رعيته‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقرر أنه‬
‫ل طاعة لخلوق ف معصية الالق؟‬

‫)ل طاعة ف معصية(‪.19‬‬

‫)إنا الطاعة ف العروف(‪.20‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ 19‬أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫‪ 20‬أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫)‪(22‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫كل! ل يس لول ا لمر أن يت صرف ف ال شريعة بالب طال أو الت عديل أو ال ستبدال‪،‬‬
‫لن هذا الق ليس لحد على الطلق‪ ،‬ل الاكم ول الكوم‪.‬‬

‫ول يوجد سبب واحد ف الرض يبر لول المر أن يفعل ذلك‪ ،‬ل ال أذن له‪،‬‬
‫ول السوابق الت يتصيدونا من تصرفات عمر رضي ال عنه تؤيدهم فيما يذهبون إليه‪.‬‬

‫ومك اليان‪ ،‬الذي بينه ال ف كتابه النل هو التحاكم إل شرع ال أو العراض‬


‫عنه‪} :‬و"ي"ق‪°‬ول‪°‬ون آم"ن)ا بالله و"بالر)سول و"أطعن"ا ث‪°‬م) "يت"و"لى فريق‪ Ë‬منهم من ب"عد ذلك" و"م"ا أ‪°‬ولئك‬
‫بالمؤمني" و"إذا دعوا إلى الله و"ر"سوله لي"حك‪°‬م" ب"ين"هم إذا فريق‪ Ë‬منهم معرضون و"إن "يك‪°‬ن لهم‬
‫الح" ق‪ Ê‬ي"أتوا إليه مذعني" أفي ‪°‬ق ل‪°‬وبهم م"ر" ض‪ Ë‬أم ار ت"ابوا أم ي" خ"اف‪°‬ون أن ي"حي ف" الل ه ع"ليهم‬
‫و"ر"سول‪°‬ه ب"ل أ‪°‬ولئك" هم الظالمون إن)م"ا كان قول المؤمني" إذا دعوا إلى الله و"ر"سوله لي"حك‪°‬م‬
‫ب"ين"هم أن "يق‪°‬ول‪°‬وا س"معن"ا و"أطعن"ا و"أ‪°‬ولئك" هم المفلحون{‪.‬‬

‫فهؤلء يقولون "ل إله إل ال‪ ،‬ممد رسول ال"‪} ،‬و"ي"ق‪°‬ول‪°‬ون آم"ن)ا بالله و"بالر)سول{‪،‬‬
‫ث يزيدون على ذلك فيزعمون أنم مطيعون ل ورسوله وال يقول عنهم‪} :‬و"م"ا أ‪°‬ولئك‬
‫بالمؤمني{‪ ،‬فينفي عنهم ما زعموه من دعوى اليان‪ ،‬ويبي أن السبب ف نفي اليان‬
‫عن هم أ نم إذا د عوا إ ل شريعة ا ل أعر ضوا عن ها‪ ،‬إل ح ي ي كون لم م صلحة ذات ية ف‬
‫تطبيقها! ويبي تعال موقف الؤمني القيقيي إذا دعوا إل شريعة ال فإنم على الفور‬
‫يقولون سعنا وأطعنا‪ ،‬بصرف النظر عما يصيب ذواتم من تطبيقها‪ ،‬إنا هي الطاعة الطلقة‬
‫ل ورسوله‪ ،‬هي صفة الؤمني‪ ،‬وهي سبيل الفلح ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والذين يتصيدون الجج والعاذير يقولون‪ :‬كيف نقيم حد السرقة والناس جياع؟‬
‫أليس علينا أن نسد جوعتهم أول؟ فلنصلح أحوالنا القتصادية أول ث نشرع بعد ذلك ف‬
‫تطبيق الشريعة!‬

‫وهي مرد مراوغة ل تنطلي على أحد‪.‬‬

‫فلنطبق الشريعة الن ف هذه اللحظة‪ ،‬ول خوف من وقوع الظلم على أحد ف ظل‬
‫شريعة ال!‬

‫)‪(23‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫إننا حي نطبق الشريعة الن ف هذه اللحظة فلن نطبق حد السرقة على الائع الذي‬
‫يسرق ليأكل‪ ،‬لن شبهة الوع اللجئ إل السرقة تدرأ عنه الد‪ ...‬فل نتاج إذن إل‬
‫تعط يل ت طبيق أح كام ال شريعة حت ن صلح ا لحوال القت صادية‪ ،‬لنه ل ت طبيق ال شريعة‬
‫سيعطل إصلح الحوال القتصادية ‪ -‬بل العكس هو الصحيح ‪ -‬ول سيقع الظلم على‬
‫أ حد من ت طبيق ال شريعة لن ا ل ل يظ لم أ حدا ك ما أ خب سبحانه عن نف سه ف ك تابه‬
‫النل‪.‬‬

‫وكما روى عنه رسوله صلى ال عليه وسلم ف الديث القدسي‪) :‬يا عبادي إن‬
‫حرمت الظلم على نفسي وجعتله بينكم مرما فل تظالوا(‪.21‬‬

‫وي قول آ خرون‪ :‬ك يف نق طع يد ال سارق ا لذي سرق ليأ كل‪ ،‬و نترك سارق‬
‫الليي؟! ل يوز تطبيق الشريعة ف هذه الحوال الراهنة!‬

‫كأنا تطبيق الشريعة سيؤدي إل هذا أو ذاك!‬

‫فأما السارق الذي سرق ليأكل فلن يقام عليه الد كما بينا‪ ،‬لن شريعة ال تقضي‬
‫بعدم إقامة الد عليه‪ ،‬وأما سارق الليي فأي نص ف شريعة ال يميه؟!‬

‫وأ ما إذا تقاع ست ال مة عن ا لمر بالعروف والن هي عن الن كر‪ ،‬و خافت سطوة‬
‫ذوي السطوة‪ ،‬فأصبح الال كما وصف رسول ال صلى ال عليه وسلم حال الالكي‪:‬‬
‫إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الد‪ ،‬فهي من جهة‬
‫ت مل وزر نف سها ف ا لدنيا و ف ا لخرة‪ ،‬و من ج هة أ خرى ف لن يو جد ن ظام يمي ها من‬
‫سطوة ذوي السطوة‪ ،‬فتلجأ إليه بعيدا عن شريعة ال!‬

‫إن ا لذين يتلم سون ال جج وال عاذير ليتهر بوا من ت طبيق شريعة ا ل يقو لون‪:‬‬
‫الديقراط ية! الديقراط ية! أو يقو لون‪ :‬ال شتراكية! ال شتراكية! ف كم من أ لوف اللي ي‬
‫سرقت من د ماء ال شعوب "ال سلمية!" تت ظل الديقراط ية الزي فة و تت ظل‬
‫الشتراكية؟!‬

‫وك يف اكت نت طب قات ل أ صول لا‪ ،‬و جاعت اللي ي؟ وك يف صارت أ قوات‬
‫ال شعب وضروراته ت باع ف ال سوق ال سوداء‪ ،‬وصارت القروض تأت من كل م كان فل‬

‫‪ 21‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫)‪(24‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫تنفق ف مواضعها‪ ،‬ول يستفيد منها الصال العام إل القليل بينما تتحمل الليي من أقواتا‬
‫الضرورية فوائد القروض؟!‬

‫كل! إننا إذ نادينا بتعطيل الشريعة السلمية من أجل حاية الليي‪ ،‬فتلك حجة‬
‫داح ضة‪ ،‬و لن ي مي ح قوق اللي ي شيء حا ية ال شريعة ال سلمية لا‪ ،‬ب شرط أن ت قوم‬
‫المة بتبعاتا‪ ،‬فتراقب حكامها‪ ،‬وتأطرهم على الق أطرا كما وجهها رسولا الكري صلى‬
‫ا ل عل يه و سلم‪ ...‬لن ذ لك من مقت ضيات "ل إ له إل ا ل"‪} :‬ك‪°‬نتم خ"ي ر" ‪°‬أ م)ة أ‪°‬خرج"ت‬
‫للن)اس ت"أمرون بالم"عروف و"ت"نه"ون ع"ن المنكر و"تؤمنون بالله{‪.‬‬

‫)كل وا ل ل تأمرن بالعروف ولتن هون عن الن كر ولتأ خذن ع لى يد ال ظال‪،‬‬


‫ولتقصرنم على الق قصرا‪ ،‬أو ليضربن ال قلوب بعضكم ببعض(‪.22‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إذا علمنا يقينا أنه ليس لـ "ول المر" أن يتصرف بإلغاء الشريعة‪ ،‬أو تعطيلها‪ ،‬أو‬
‫تأجيلها‪ ،‬وليس للمة أن تطيعه إن فعل ذلك أو تقره عليه‪ ...‬فبقى أن نعرف حدود ول‬
‫المر ف التصرف‪.‬‬

‫إ نا يوز له ‪ -‬بل يب عل يه ‪ -‬أن يتصرف ف الصال الرسلة‪ ،‬ا لت ل يرد فيها‬


‫نص‪ ،‬با يقق مصلحة المة‪ ،‬بيث ل يالف مقاصد الشريعة‪ ،‬ول يل حراما ول يرم‬
‫حلل‪ .‬كما يوز له أن يتصرف ف المور التغية‪ ،‬الت تتغي بتغي الحوال‪ ،23‬والت نزلت‬
‫في ها ال صول العا مة ا لت ت ضبط حر كة ال مة خلل حركت ها التاري ية‪ ،‬و ترك للجت هاد‬
‫ا ستنباط الح كام النا سبة ل كل ع صر‪ ،‬بن فس ال شروط ال سابقة و هي عدم ا لروج ع لى‬
‫مقا صد ال شريعة‪ ،‬و عدم تل يل ا لرام ول تر ي اللل‪ ،‬إ ما ا لمور الثاب تة‪ ،‬و من بين ها‬
‫ا لدود‪ ،‬وعل قات الن سي‪ ،‬وعل قات ال سرة‪ ...‬إ ل‪ ،‬فل يس ل حد أن ينقل ها من ا لط‬
‫الثابت إل الط التغي بأي عذر من العاذير!‬

‫‪ 22‬رواه أبو داود‪.‬‬


‫‪ 23‬راجع البحث الثالث‪.‬‬
‫)‪(25‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫البحث الثالث‬
‫شبهة التطور وعدم ملءمة الشريعة‬
‫للحوال الستجدة ف حياة الناس‬
‫هل تصلح الشريعة الت نزلت قبل أربعة عشر قرنا أن تكم الواقع العاصر‪ ،‬وقد‬
‫جد‪ U‬ف حياة الناس بعد الثورة الصناعية وتقدم العلم وتشابك العلقات البشرية وتعقدها ما‬
‫ل يكن قائما وقت نزول هذه الشريعة؟‬

‫وإذا كان تطبيق الشريعة قد ظل مكنا طيلة القرون العشرة الت تلت نزولا بسبب‬
‫بطء التغيات الت جدت ف حياة الناس‪ ،‬وانصارها ف أمور ليست بعيدة الشبه بالحوال‬
‫الت نزلت فيها الشريعة‪ ،‬فهل تظل على الدرجة ذاتا من إمكان التطبيق بعد أن كادت‬
‫تندثر الحوال الول‪ ،‬وجدت بعدها أحوال تكاد تكون مبثوثة الصلة با كان من قبل؟!‬

‫كذلك يفكر بعض الناس‪ ...‬ولعل هذه هي أهم القضايا الت تثور ف ذهن "الثقف"‬
‫الغرب تاه تطبيق الشريعة‪ ،‬وخاصة إذا كان من الغرقي ف الخذ بالتفسي الادي للتاريخ‪،‬‬
‫الذي يتبناه التفكي الاركسي‪ ،‬وإن الغرب "الليبال" يشارك فيه بقدر ليس بالقليل‪.24‬‬

‫ونريد هنا أن نناقش المر من طرفيه معا؛ قضية "الت طور" الذي يغي الياة ع لى‬
‫الدوام‪ ،‬وقضية ثبات الشريعة كما نزلت قبل أربعة عشر قرنا من الزمان‪.‬‬

‫هذا التطور‪ ،‬ما حقيقته؟ هل هو شامل لكل كيان النسان وكل أمور حياته؟ أم إن‬
‫ف النفس النسانية وف واقع الياة البشرية أمورا ثابتة وأخرى متغية؟ وما الثابت وما‬

‫‪ 24‬ف القي قة ل يو جد فارق جذري ب ي التفك ي "الل يبال" ا لذي يتب ناه ال غرب الرأ سال‪ ،‬والتفك ي‬
‫الدل الادي الذي يتبناه العال الشيوعي تاه قضية التطور بالذات‪ ،‬إنا هو فارق ف الدرجة ل ف‬
‫النوع‪.‬‬
‫)‪(26‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫التغي على وجه التحديد؟ وهل العبة ف النهاية بالمور الثابتة أم بالمور التغية؟ أم بما‬
‫معا؟ وعلى أي نو يتم التوفيق بي الثابت والتغي؟‬

‫و هذه ال شريعة‪ ،‬ك يف تتعا مل مع ال ثابت والتغ ي ف ح ياة ال ناس؟ و هل هي ح قا‬


‫"جامدة" بيث ل تتسع لا يد‪ U‬ف حياة الناس‪ ،‬أم إن فيها من الرونة ما يعلها تستوعب‬
‫الديد؟ وما الضوابط الت تكم عملية التوفيق بي الثابت والتغي ف أمور الياة؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يوجد ف الغرب منذ بدايات هذا القرن‪ 25‬ما يكن أن نطلق عليه "لوثة التطور"‪.‬‬

‫فقد أحدثت نظرية التطور الت نادى با "دارون"‪ 26‬هزة عنيفة ف الياة الوربية ف‬
‫جيع مالتا‪ ،‬ول يقتصر الثر على مال علم الياة بالذات‪ ،‬الذي كان "دارون" يصر‬
‫بثه ف نطاقه‪ ،‬ذلك أن النظرية‪ - 27‬وإن حصرت مال بثها ف نطاق علم الياة ‪ -‬قد‬
‫تعدت هذا النطاق بإياءاتا الطية الت شلت مال واسعا من الفكر والعتقاد‪ ،‬كما أن‬
‫هناك من استغل هذه الياءات استغلل مقصودا لتدمي بعض الفاهيم السائدة‪ ،‬وإحلل‬
‫مفاهيم أ خرى بدل من ها‪ ،‬تدم أ غراض فر يق مع ي من ال ناس‪ ،‬و بذلك ام تدت إ ياءات‬
‫النظرية وتأثياتا إل مال العقيدة‪ ،‬وكذلك مال السياسة والقتصاد والجتماع والخلق‬
‫والفن والفكر‪ ...‬وكلها من مالت التشريع‪.‬‬

‫كان ما قررته تلك النظرية ‪ -‬أو بالحرى ذلك الفرض العلمي ‪ -‬أن "اللق" يتم‬
‫بطري قة ذات ية‪ ،‬ول د خل ف يه ل لرادة الل ية‪ ،28‬وأن الطبي عة هي ا لالق‪ ،29‬وأن الطبي عة ل‬

‫‪ 25‬القرن العشرين اليلدي‪.‬‬


‫‪ 26‬هو العال البيطان "تشارلس دارون" الذي كان متخصصا ف علم الياة‪ ،‬ونادى بنظرية التطور ]‬
‫‪ [Evolution‬الت قال فيها؛ إن الكائنات الية ظلت تتطور من الكائن الوحيد اللية ‪ -‬أول الكائنات‬
‫الية على ظهر الرض ‪ -‬إل النسان مرورا بلقات متعددة منها اللفقاريات فالساك‪ ،‬فالبمائيات‪،‬‬
‫فالطيور‪ ،‬فال ثدييات ا لدنيا‪ ،‬فال ثدييات العل يا‪ ،‬فالقردة‪ ،‬فالقردة العل يا‪ ،‬فالن سان‪ ،‬ع لى ا فتراض و جود‬
‫حلقة مفقودة هي النسان القرد‪.‬‬
‫‪ 27‬هي ف القيقة فرض علمي ل يرتق إل مرتبة النظرية‪ ،‬كما سيجيء‪.‬‬
‫‪ 28‬يقول دارون‪) :‬إن تفسي النشوء والرتقاء التطور بتدخل الرادة اللية يكون بثابة إدخال عنصر‬
‫خارق للطبيعة ف وضع ميكانيكي بت( ]‪This would be to introduce a supernatural element in‬‬
‫‪.[a completely mechanical position‬‬
‫)‪(27‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫قصد لا من اللق ول غاية‪ ،30‬وأن التطور يرجع إل ضغط الظروف الادية اليطة بالكائن‬
‫الي‪ U‬ول دخل للكائن الي‪ U‬فيه ول إرادة له تاهه‪.31‬‬

‫وتلك كلها ‪ -‬كما ترى ‪ -‬أمور أوسع من دائرة علم الياة‪ ،‬وإن كان "دارون"‬
‫نف سه ل ي ستخدمها إل ف ن طاق ذ لك الع لم‪ ،‬فإن ا فتراض ال لق ا لذات‪ ،32‬وا فتراض أن‬
‫الطبيعة لا القدرة على ال لق‪ ،‬وأ نا ت بط خ بط ع شواء بل حكمة ول تدبي ول قصد‪،‬‬
‫هذه كلها أمور تس العقيدة‪ ،‬وتعارضها معارضة أساسية‪ ،‬وفضل عن ذلك فإنا ل بد أن‬
‫تؤثر ف و جدان الن سان ا لذي يؤمن با‪ ،‬فتغ ي م فاهيمه وق يم ح ياته‪ ،‬ك ما تغ ي أ حواله‬
‫السلوكية‪ ،‬فث مت فرق واضح بي إن سان يؤمن بأن ال هو ا لذي خلقه‪ ،‬وخلقه لدف‬
‫معي‪ ،‬ورسم له منهجا معينا يعينه على تقيق ذلك الدف‪ ،‬وسيسأله ف النهاية عن مدى‬
‫تقيقه لا أمره به‪ ،‬وإنسان يؤمن بأن الطبيعة هي الت خلقته‪ ،‬وخلقته صدفة بل قصد‪ ،‬ول‬
‫ترسم له منهج حياة معي‪ ،‬ول هي ستسأله عن تقيق شيء بعينه!‬

‫}و"م"ا خ"لقن"ا الس)م"اء‪ È‬و"الأرض" و"م"ا ب"ين"هم"ا ب"اطل ذلك" ظن‪ Ê‬الذين" كفروا ف و"ي ‪Ô‬ل لل ذين‬
‫كفروا من" الن)ار أم ن"جع"ل‪ °‬الذين" آم"نوا و"ع"مل‪°‬وا الص)الح"ات كالمفسدين" في الأرض أم ن"جع"ل‬
‫المت)ق ي" كالف‪ °‬ج)ار{‪} ،‬أفح"سبتم أ)ن م"ا خ"لق ن"اك‪°‬م ع"ب"ثا و"أن)ك‪°‬م إلي ن"ا ل ترج"عون{‪} ،‬ق‪°‬ل ه"ل‬
‫ي"ست"وي الذين" ي"علمون و"الذي "ن ل ي"علمون{‪.‬‬

‫ك ما أن افتراض أن الت طور ‪ -‬ع لى فرض ث بوته ثبو تا قاطعا‪ - 33‬ي تم فقط بضغط‬
‫الظروف الادية اليطة بالكائن الي‪ ،U‬وليس ل دخل فيه‪ ،‬كما أن الكائن الي‪ - U‬با ف‬
‫ذلك النسان ‪ -‬ليس له دخل فيه‪ ،‬ول إرادة له تاهه‪ ،‬يدث تصورا معينا عند من يؤمن‬
‫به‪ ،‬يعل الله ف حسه هو "الادة"‪ ،‬ويعل النسان عبدا لا‪ ،‬مكوما بقوانينها‪ ،‬ل يلك‬

‫]‪Nature creates everything‬‬ ‫‪ 29‬يقول دارون‪) :‬إن الطبيعة تلق كل شيء ول حد لقدرتا على اللق(‬
‫‪.[and there is no limit to its creativity‬‬
‫‪ 30‬يقول‪) :‬إن الطبيعة تبط خبط عشواء( ]‪.[Nature works haphazardly‬‬
‫‪ 31‬انظر ف ذلك كله كتابه "التطور" ]‪ ،[Evolution‬وكتابه "أصل النواع" ]‪ ،[Origin of Species‬ف‬
‫أماكن متعددة منهما‪.‬‬
‫‪ 32‬يلحظ أن دارون أطلق الفرض ‪ -‬غي العلمي ‪ -‬و ل يقم أي دل يل عل يه‪ ،‬و كذلك القول بالطبيعة‬
‫الالقة‪ ،‬والطبيعة الت تبط خبط عشواء‪ ...‬وهذه الفروض كلها جزء أساسي من "النظرية"! ومع ذلك‬
‫فقد انتشرت ف الال العلمي كأنا حقائق ثابتة! ويلحظ من الانب الخر أن هناك نظريات علمية‬
‫جديدة ترفض الفرض الداروين من أساسه‪.‬‬
‫‪ 33‬ل يس كل العل ماء ي سلمون بالتطور‪ ،‬ول يس كل ا لذين ي سلمون به يواف قون ع لى أ نه ت ع لى ذات‬
‫النسق الذي افترضه دارون‪.‬‬
‫)‪(28‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫الف كاك من أ سرها‪ ،‬ويعل الق يم العنو ية ل وزن لا ف ح ياته‪ ،‬ل نا ‪ -‬إن آمن با ‪ -‬ل‬
‫تزيد ف حسه على أن تكون انعكاسا للوضاع الادية‪ ،‬ونتاجا لا‪ ،‬مباشرا أو غي مباشر‪.‬‬

‫وذلك ‪ -‬ف القيقة ‪ -‬هو عي الثر الذي تركته الداروينية ف الفكر الغرب‪ ،‬على‬
‫وعي من الناس أو غي وعي!‬

‫على أن المر ف الواقع ل يتم من جراء التأثي للفكر الداروين‪ ،‬وهو ف ذاته كاف‬
‫عند من يؤمن به لن يدث ف نفسه تغييا شامل‪ ،‬وإنا كان اليهود ‪ -‬التربصون أبدا‬
‫للفساد‪ - 34‬كأنم ف انتظار هذه القذيفة الدمرة‪ ،‬فسعوا با ف كل مال‪ ،‬ينشئون على‬
‫أساسها نظريات "علمية" ف القتصاد وعلم النفس وعلم الجتماع وغيها من الالت‪،‬‬
‫كل ها م عاد للف كر ا لدين والق يم الدين ية‪ ،35‬ك ما ين شئون ‪ -‬بف ضل سيطرتم ع لى ال ثورة‬
‫الصناعية‪ - 36‬متمعا بل دين ول أخلق ول تقاليد‪ ،‬تنفيذا لخططهم ف استعباد البشر ‪-‬‬
‫بعد إفسادهم ‪ -‬ليكونوا خدما لشعب ال الختار‪.37‬‬

‫ول قد تت للي هود ال سيطرة ‪ -‬ب قدر من ا ل ‪ -‬ا ستثناء‪ ã‬من حالتهم الدائ مة ا لت‬
‫تو عدهم ا ل با‪} :‬و"إذ ت"أذن ر"ب‪Ê‬ك" لي"بع"ث ن) ع"ليهم إلى ي"وم القي"ا م"ة م"ن ي"سومهم سوء‬
‫الع"ذاب{‪.‬‬

‫وهذا الستثناء ذاته وارد ف كتاب ال لكمه يريدها ال‪} :‬ضرب"ت ع"ليهم الذ‪Ð‬ل ة‬
‫أين" م"ا ث‪°‬قف‪°‬وا إلا بح"بل من" الله و"ح"بل من" الن)اس{‪.‬‬
‫‪ 34‬يصفهم ال تعال بقوله‪} :‬و"ي"س ع"ون في الأرض ف س"ادا و"الل ه ل يح ب‪ Ê‬المفسدين"{‪ ،‬فيجعل السعي‬
‫للفساد صفة دائمة فيهم‪ ،‬وديدنا لم‪.‬‬
‫‪ 35‬كنظرية ماركس ف القتصاد‪ ،‬ونظرية فرويد ف علم النفس‪ ،‬ونظرية دور كاي ف علم الجتماع‪،‬‬
‫ومذهب "العبثية" عند سارتر‪ ،‬وغي أولئك من اليهود كثي‪.‬‬
‫‪ 36‬سيطر اليهود على الثورة الصناعية منذ نشأتا عن طريق القراض بالربا‪ ،‬ما مكنهم من جع الثروات‬
‫الطائلة‪ ،‬وجع الذهب والتحكم به ف عملت الدول‪ ،‬كما مكنهم من السيطرة على وسائل العلم‬
‫العال ية‪ ،‬فا ستطاعوا عن طر يق ذ لك ك له التح كم ف سيا سة الع سكرين م عا ‪ -‬ال شرقي والغر ب ‪-‬‬
‫والتحكم ف القتصاد العالي‪ ،‬والتحكم ف أفكار الناس وسلوكهم وأخلقهم‪ ،‬وبث الذاهب الفكرية‬
‫الدامة‪ ،‬و بث ألوان من "ال نون" متلفة‪ ،‬كج نون ال نس‪ ،‬وج نون ال كرة‪ ،‬وج نون "ا لودة"‪ ،‬وج نون‬
‫الزينة‪ ،‬وجنون السينما والذاعة والتلفزيون والفيديو‪ ...‬ال‪.‬‬
‫‪ 37‬يقول التلمود ‪ -‬وله عند اليهود قداسة تفوق قداسة التوراة ‪ :-‬إن المي هم المي الذي خلقهم‬
‫ا ل ليكب هم شعب ا ل الخ تار‪ ،‬و قد تع لم الي هود أن ال سبيل الوح يد ل ستحمار الن سان هو إف ساد‬
‫عقيدته وأخلقه‪ ،‬فيصبح البشر؛ }كأن)هم حمر‪ Ë‬مست"نفر"ة‪ Ô‬فر)ت من قسو"ر"ة{‪ ،‬كما وصفهم ال ف كتابه‬
‫العزيز‪ ،‬ومن ث يسهل على الشيطان وأوليائه أن يوجهوهم حيث شاءوا‪.‬‬
‫)‪(29‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ولعله عقاب للبشرية على كفرها‪ ،‬وتبجحها بالكفر‪} :‬ق‪°‬ل هو" القادر ع"لى أن ي"بع"ث‬
‫ع"ليك‪°‬م ع"ذابا من فوقك‪°‬م أو من ت"حت أرجلك‪°‬م أو ي"لب س"ك‪°‬م ش ي"عا و"يذي "ق ب"ع ض"ك‪°‬م ب"أس‬
‫ب"عض{‪.‬‬

‫وع قاب لل مة ال سلمة با لذات من أ جل تفريط ها ف ر سالتها لنف سها ور سالتها‬


‫للبشرية‪} :‬و"كذلك" ج"ع"لن"اكم أ‪°‬م)ة و"س"طا لت"ك‪°‬ونوا شه"د"اء‪ È‬ع"لى الن)اس و"ي"ك‪°‬ون الر)سول‪ °‬ع"ليك‪°‬م‬
‫ش"هيدا{‪.‬‬

‫وليس هنا على أي حال مال الديث عن دور اليهود ف نشر الداروينية وجعلها‬
‫منبعا لفساد العقائد والفكار والسلوك‪ ،‬إنا نريد فقط أن نركز الديث عن فكرة التطور‬
‫وتأثي ها ف إ ثارة شبهة عدم إم كان ت طبيق ال شريعة ال سلمية ع ند الن خدعي بالغزو‬
‫الفكري من السلمي‪.38‬‬

‫كان من بي السباب الت أدت إل الزة العنيفة الت أحدثتها فكرة التطور ف الياة‬
‫الورب ية أن الف كر الكن سي ال سائد ف أور با ف الع صور الو سطى‪ 39‬كان يت صور الث بات‬
‫الطلق ف كل شيء‪ ،‬وينادي بالثبات الدائم ف كل شيء‪ ،‬فجاءت فكرة التطور مصادمة‬
‫تاما لذلك الفكر‪ ،‬بيث بدا أل‪ Î‬سبيل للقاء بينهما‪ ،‬وأنه ل مناص من أن يترك أحدها‬
‫مكانه للخر بكامله‪ ،‬فإما الثبات الكامل ف كل شيء‪ ،‬وإما التطور الكامل ف كل شيء‪،‬‬
‫ول طر يق ثالث! و لا كان الن فوذ الكن سي ‪ -‬ا لذي يتب ن ف كرة الث بات ‪ -‬كان قد أ خذ‬
‫ين هار رو يدا رو يدا م نذ ال قرن ال سادس ع شر اليلدي‪ ،‬م نذ قامت "النه ضة" ع لى أ سس‬
‫معادية للدين أو معارضة له‪ ،‬وكان النفوذ العلمي والعلمان ‪ -‬الذي تبن فكرة التطور ‪-‬‬
‫قد أخذ يتزايد ف الياة الوربية باستمرار‪ ،‬فقد كان الظاهر من مرى الوادث أن فكرة‬
‫الثبات الطلق ف كل شيء هي الت عليها أن تغادر الساحة ‪ -‬مهزومة ‪ -‬لتخلي مكانا‬
‫لف كرة الت طور الط لق ف كل شيء‪ ،‬سواء كان ما يق بل الت طور فعل أو كان غ ي قا بل‬
‫للتغيي!‬

‫‪ 38‬انظر ‪ -‬إن شئت ‪ -‬ف بيان دور اليهود ف إفساد أوربا‪ ،‬ومسؤولية المة السلمة ف ذلك الشان‪،‬‬
‫ومدودية الدى الذي تستمر فيه الفترة الستثنائية لسيطرة اليهود؛ "مذاهب فكرية معاصرة ‪ ،‬فصل؛‬
‫"دور اليهود ف إفساد أوربا"‪.‬‬
‫‪ 39‬تسمي أوربا عصورها الوسطى "العصور الوسطى الظلمة"‪ ،‬وهي على حق كامل ف هذا الوصف‪،‬‬
‫ولكن ها كانت مظل مة ف أور با و حدها‪ ،‬بين ما كانت ال فترة ذا تا من أز هى ع صور الع لم والعر فان‬
‫واليقي ف العال السلمي‪ ،‬وتنسب أوربا ظلم عصورها الوسطى إل "الدين"‪ ،‬وهي صادقة ف هذا‬
‫بالن سبة لدينها ا لرف‪ ،‬ل بالن سبة ل لدين ف ذا ته‪ ،‬ك ما يرى ال خدوعون بالغزو الف كري‪ ،‬ف قد كان‬
‫"الدين" هو مصدر النور بالنسبة للمسلمي ف ذات الفترة‪.‬‬
‫)‪(30‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ول شك أن الفكر الكنسي ل يكن خاطئا كله‪ ،‬وإن ل يكن على صواب ف كثي‬
‫من المور‪.‬‬

‫فاعتقاد الثبات ف قضية اللوهية اعتقاد حق ‪ -‬بصرف النظر عن انراف الكنيسة‬


‫ف قضية التثليث‪ ،‬وقضية تأليه عيسى‪ ،‬وادعاء بنوته ل ‪ -‬فال سبحانه وتعال دائم‪ ،‬حي‬
‫قيوم‪ ،‬أزل أبدي ل تتغي ذاته ول تتغي أساؤه ول صفاته‪ ،‬واعتقاد الثبات ف قضية اللق‬
‫اعت قاد حق‪ ،‬بع ن أن ا ل هو ا لالق‪ ،‬وأن كل شيء من خل قه‪ ،‬وأ نه هو الهي من ع لى‬
‫اللق‪ ،‬الدبر للكوت كل شيء‪ .‬كذلك العتقاد بثبات وضع النسان ف الرض‪ ،‬بعن‬
‫أن ا ل هو ا لذي خل قه‪ ،‬وأهب طه إ ل ا لرض ليق ضي فيها أجل م سمى ومه مة معي نة‪ ،‬ث‬
‫يوت ليبعث وياسب على ما قام به من عمل ف الياة الدنيا ث يلد ف اللكوت ‪ -‬أي‬
‫النة ‪ -‬أو يلد ف العذاب‪.‬‬

‫أما اعتقاد الثبات ف الجرام السماوية‪ ،‬وف الوجودات على الرض‪ ،‬وف النظم‬
‫وال شكال وال ناط‪ ،‬سواء كانت سيا سية أو اقت صادية أو اجتماع ية‪ ...‬ف لم ي كن ت صور‬
‫الكنيسة فيه صابئا ول واعيا‪ ،‬وكان أكثره يصدر عن جهل مطبق بالسنن الربانية ذاتا‪،‬‬
‫فضل عن العلوم الكونية الت كان نصيب أوربا منها ف العصور الوسطى أضأل نصيب‪.‬‬

‫وأ يا كان ا لمر ف قد ظل هذا الف كر سائدا ‪ -‬بطئه و صوابه ‪ -‬طي لة الع صور‬
‫الو سطى حت بدأت النه ضة الورب ية ب تأثي احت كاك أور با بال سلمي‪ ،‬سواء الحت كاك‬
‫ال سلمي بانت قال ع لوم ال سلمي وث قافتهم وح ضارتم من ال ندلس إ ل أور با عن طر يق‬
‫ابت عاث أبناء ها إ ل ه ناك لط لب الع لم‪ ،‬ث ق يامهم بتر جة الك تب العرب ية إ ل اللتين ية‬
‫والغريق ية‪ ،‬أو الحت كاك الر ب ف الروب الصليبية ا لت قادتا أور با ضد السلمي ف‬
‫الشرق‪.‬‬

‫وقد حدث ‪ -‬نتيجة ظروف كثية متشابكة ل مال لتفصيلها هنا‪ - 40‬أن أخذت‬
‫أور با ع لوم ال سلمي وح ضارتم دون أن تأ خذ ال سلم‪ ،‬ا لذي انبث قت م نه ف ح ياة‬
‫السلمي تلك العلوم وتلك الضارة؛ فنشأت عندها حضارة معادية للدين‪ ،‬أو ف القليل‬
‫مبتعدة عنه‪ ،‬ترفض أن ترجع ف شيء من أمور الياة إل الوحي الربان‪ ،‬وتفضل أن ترجع‬
‫إل فكر "النسان" وإل العرفة البشرية‪.41‬‬

‫‪ 40‬انظر‪" :‬مذاهب فكرية معاصرة"‪ ،‬فصل؛ "العلمانية"‪ ،‬وكذلك‪" :‬العلمانية" لسفر عبد الرحن الوال‪.‬‬
‫‪ 41‬هذا هو منشأ "العلوم النسانية" ف أوربا‪ ،‬أي العلوم الت يرجع فيها إل العلم البشري ل إل الوحي‬
‫الربان! وهكذا ولدت تلك العلوم معادية للدين من أول لظة!‬
‫)‪(31‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وحي قام "دارون" ينادي بنظرية التطور ل يكن الفكر الورب قد تيأ بعد لقبولا‬
‫بكل تفصيلتا وكل إياءاتا‪ ،‬خاصة وهي تنع عن "النسان" كرامته النسانية‪ ،‬وترده‬
‫إل أصل حيوان بت‪ ،‬وتنع عنه تفرده الذي يعتز به‪ ،‬وترده مرد واحد من الكائنات‬
‫الت وجدت على الرض صدفة؛ وهو متطور نعم! ولكنه مع ذلك حيوان! أو كما ساه‬
‫أ حد ا لداروينيي "ال قرد ا لملس" ]‪ - [The Hairless Ape‬أي ا لذي ل ي ـكسو ج سده‬
‫الشعر! ‪-‬‬

‫ولكن أوربا مع ذلك تقبلت الداروينية على تردد ف مبدأ المر‪ ،‬ث خف التردد‬
‫تدرييا‪ ،‬حت انقلب ف ناية المر إل حاسة جياشة ل تبقي مال لثبات أي شيء على‬
‫ا لطلق‪ ...‬ل ا لدين ول ا لخلق ول التقال يد ول الق يم ول الف كار؛ ك ما كانت قد‬
‫أقتنعت من قبل أنه ل ثبات لشيء ف الكون الادي‪ ...‬ل الجرام السماوية ول الفلك‪،‬‬
‫ول الكائنات الرضية من نبات أو حيوان‪ ...‬إو إنسان!‬

‫وكان وراء ذلك التحول الذي ت خلل عقود قليلة من الزمن عدة أمور‪...‬‬

‫فالثورة الفرنسية كانت قد هزت أوضاعا ثبتت من قبل ف أوربا وغيها من بلد‬
‫العال عدة ألوف من السني‪.‬‬

‫والثورة الصناعية كانت قد هزت أوضاعا أخرى‪ ،‬ثبتت هي الخرى من قبل عدة‬
‫ألوف من السني‪ ،‬منذ تعلم الناس الزراعة وعاشوا عليها‪ ،‬فإذا الزراعة تصبح شيئا هامشيا‬
‫ف حياة الناس‪ ،‬ويتجه الهتمام إل النتاج الصناعي التزايد‪ ،‬وإذا الرأة الت ظلت دهورا‬
‫طوي لة من ح ياة الب شرية قاب عة ف بيت ها‪ ،‬عاك فة ع لى شئون زوج ها وأبنائ ها‪ ،‬ترج إ ل‬
‫العمل ف الصانع‪ ،‬وتنتج من جراء ذلك "قضية" تشغل البشرية قرنا كامل من الزمان‪.42‬‬

‫ووراء ذلك كله كان اليهود التربصون للفساد‪ ،‬ينتهزون الفرصة السانة‪ ،‬فيعيثون‬
‫فسادا ف الرض‪ ،‬مستغلي الداروينية وإياءاتا ف تدمي كل القيم الثابتة ف حياة النسان!‬
‫ومستغلي النفور من الكنيسة وطغيانا لتدمي كل ما يتعلق بالدين‪!43‬‬

‫‪ 42‬راجع إن شئت ف نشاة "قضية الرأة" ف أوربا‪ ،‬وما أحدثته من آثار ف التمع الورب؛ "دور اليهود‬
‫ف إفساد أوربا"‪ ،‬من كتاب؛ "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪ 43‬را جع كذلك " مذاهب فكر ية معا صرة"‪ ،‬التمه يد ا لول‪" :‬دور الكني سة"‪ ،‬والتمه يد ال ثان‪" :‬دور‬
‫اليهود ف إفساد اوربا"‪.‬‬
‫)‪(32‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و نن ه نا ل ندخل ه نا ف مناق شة علم ية مع الداروين ية‪ ،‬فذلك متروك ل هل‬
‫الختصاص‪.44‬‬

‫]‬ ‫وإن كنا نيل القارئ إل عال داروين من علماء ما يسمى "الداروينية الديثة"‬
‫‪ [Neo Darwinism‬هو "جوليان هكسلي" الذي قال ف كتابه "النسان ف العال الديث" ]‬
‫‪) :[Man in the Modern World‬إن النسان متفرد ف كيانه كله‪ ،‬حت الكيان "البيولوجي"‬
‫ذا ته‪ ،‬ف ضل عن ت فرده ف ك يانه العق لي وك يانه النف سي ا لذي ل مث يل له ف سائر‬
‫الكائنات(‪.45‬‬

‫ولكن نا ‪ -‬مع عدم دخول نا ف ن قاش عل مي مع نظر ية "دارون" ‪ -‬ن قول إن الع لم‬
‫اليوم قد تقدم كثيا عنه ف أيام "دارون"‪ ،‬واكتشف العلماء ‪ -‬خاصة بعد تفجي الذرة‪ ،‬ث‬
‫تفجي نواتا ‪ -‬أن هناك سننا ثابتة ف هذا الكون رغم التغي الدائم ف صوره وأشكاله‪،‬‬
‫وهذا ما ل يكن واضحا تام الوضوح عند "دارون"‪ ،‬فصحيح أنه اكتشف سنة التطور‪،‬‬
‫ولكنه ل يكتشف السنن الثابتة الت يتم ف نطاقها التطور‪ ،‬بل قال ‪ -‬عن جهالة ‪ -‬إن‬
‫"الطبيعة" تبط خبط عشواء!‬

‫لقد اكتشف العلماء أن هناك نسقا ثابتا ف بناء الكون كله‪ ،‬هو التمثل ف تركيب‬
‫الذرة من نواة موجبة وكهارب سالبة تدور حولا بسرعة معينة‪ ،‬وأن الفرق بي عنصر‬
‫وعنصر ليس فرقا ف هذا النسق الثابت‪ ،‬إنا هو ف عدد الوحدات الت تتكون منها ذرة‬
‫كل عنصر؛ وأن هناك تولت كثية تت ف الكون خلل مليي السني‪ ،‬ولكنها ل تغي‬
‫هذا النسق الثابت‪ ،‬ول تغي كذلك الطريقة الت يتم با التحول من حالة إل حالة ومن‬
‫صورة من صور الادة إل صورة مغايرة‪ ...‬وان وراء ذلك كله قوة مدبرة تكم النسق‬
‫الثابت وتكم طريقة التغيي‪!46‬‬

‫‪ 44‬سبق أن اشرنا إل أن الفروض الدارونية ليست مسلمة عند العلماء‪ ،‬وأن هناك علماء يرفضونا تاما‪،‬‬
‫وآخرون يرونا على صورة اخرى غي ما تصورها دارون‪ ،‬انظر على سبيل الثال‪" :‬موريس بوكاي‪/‬‬
‫أصل النسان"‪ ،‬ترجة مكتب التربية الليجي‪.‬‬
‫‪ 45‬راجع‪ :‬جوليان هكسلي‪" ،‬النسان ف العال الديث"‪ ،‬ترجة حسن خطاب ومراجعة الكتور عبد‬
‫الليم منتصر‪ ،‬فصل؛ "تفرد النسان"‪ ،‬إصدار مشروع اللف كتاب‪ ،‬وزارة التعليم العال‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1956‬‬
‫)‪(33‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫كما اكتشف علماء الياة من أسرار اللية الية ما أقنعهم كذلك بثبات السنن الت‬
‫تكم عمليات التحول ف بناء اللية‪ ،‬وأن التحول ل يتم خبط عشواء‪!47‬‬

‫تلك إذن هي الصورة الصحيحة الت اهتدى إليها العلم‪ ،‬سنن ثابتة وصور متغية‪،‬‬
‫أو قل‪ :‬صور متغية تدور حول ماور ثابتة‪.‬‬

‫ولو اهتدى "دارون" إل تلك القيقة لسم القضية‪ ،‬ولا ترك لليهود الفرصة يعيثون‬
‫بالداروينية فسادا ف الرض‪!48‬‬

‫ولكن الذي حدث بالفعل أن الفكر الداروين ظل ينمو ويتسع نطاقه حت غ ش‪U‬ى‬
‫مالت البحث كلها‪ ،‬با فيها دراسة التاريخ‪ ،‬وعلم الجتماع‪ ،‬وقيل ف التفسي الدل‬
‫للتاريخ‪ ،49‬كما قيل ف علم الجتماع‪ :‬إنه ل ثبات لشيء على الطلق ف حياة النسان‪.‬‬

‫و قال "دور كاي"‪ ) :50‬كان الظ نون أن ا لدين وا لزواج وال سرة هي أ شياء من‬
‫الفطرة‪ ،51‬ولكن دراسة التاريخ تطلعنا على أن هذا المر ليس حقيقة!(‪.52‬‬

‫وقيل من بي ما قيل‪ :‬إن البشرية قد مرت ف ثلثة أطوار‪ :‬طور السحر ث طور‬
‫الدين‪ ،‬ث طور العلم! وإنه كما أخلى السحر مكانه للدين‪ ،‬فقد أخلى الدين مكانه للعلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ 46‬انظر العال المريكي "هوكنج" ]‪ [Hoking‬ف كتاب ]‪ ،[A Brief History of Time‬طبع الوليات‬
‫التحدة‪ ،‬الناشر "بانتام " ]‪ ،[Bantam‬أبريل ‪.1988‬‬
‫‪ 47‬انظر "موريس بوكاي"‪" ،‬أصل النسان"‪ ،‬سبقت الشارة إليه‪.‬‬
‫‪ 48‬جاء ف البوتوكول الرابع من "بروتوكولت حكماء صهيون"‪) :‬نن رتبنا ناح دارون ونيتشة‪ ،‬وإن‬
‫أثر فكرها ف عقائد الميي واضح لنا بكل تأكيد(‪.‬‬
‫‪ 49‬العروف باسم "التفسي الادي للتاريخ"‪.‬‬
‫‪ 50‬إم يل دور كل يم‪ :‬عال اجت ماع ي هودي‪ 1858/1917 ،‬م‪ ،‬و من ا كب ا لؤثرين ف الدرا سات‬
‫العاصرة ف علم الجتماع‪ ،‬وينقل عنه ‪ -‬مع السف ‪" -‬علماء" الجتماع عندنا بل تفظ‪.‬‬
‫‪ 51‬أي أ شياء لا صفة الثبات‪.‬‬
‫‪ 52‬ان ظر دور كاي‪" ،‬مقد مة ف ع لم الجت ماع"‪ ،‬تر جة ا لدكتور م مود قا سم‪ ،‬إ صدار إدارة التر جة‬
‫بوزارة التعليم العال‪ ،‬القاهرة ط ‪ ،2‬ص ‪ .173‬وجاء ف هذا الكتاب أيضا ص ‪) :60 - 59‬إن النظر‬
‫إل القيم الخلقية على أنا قيم ثابتة هو نظرة غي علمية على الطلق(‪.‬‬
‫)‪(34‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫و نترك أور با‪ ،‬و ما حدث في ها من اختللت فكر ية‪ ،‬اب تداء من ا لدين الكن سي‬
‫الرف إل التمرد على الدين واتاذ "العلمانية" منهجا للتفكي ومنهجا للحياة‪ ،‬وتفشي‬
‫لو ثة الت طور ولو ثة ال لاد‪ ،‬والن ظر إ ل كل " ثابت" ع لى أ نه رجع ية و تأخر‪ ،‬وإ ل كل‬
‫"متطور" على أنه تقدم ورفعة ورقى‪...‬‬

‫نترك هذا كله وننتقل إل العال السلمي‪:‬‬

‫إن الف كر ال سلمي‪ ،‬اله تدي بك تاب ا ل‪ ،‬ال ستني ب نور الن بوة‪ ،‬ل يت عرض لت لك‬
‫الختللت الت تعرض لا الفكر الورب‪ ،‬وف قضيتنا بالذات‪ ،‬الت نتناولا هنا بالبحث‪،‬‬
‫ل يعتقد الف كرون ال سلمون أن كل شيء ع لى ا لطلق ثابت‪ ،‬ول أن كل شيء ع لى‬
‫ا لطلق متغ ي‪ ،‬إ نا اعت قدوا دائ ما أن ه ناك ثوابت وه ناك متغ يات‪ ،‬وخا صة ف ح ياة‬
‫النسان‪.‬‬

‫وما قضية الجتهاد ف الشريعة إل تسيد واقعي لذا العتقاد‪.‬‬

‫فأمور ال ياة ع لى ا لدوام تتغ ي‪ ،‬ويت هد العل ماء في ما ل يرد ف يه نص‪ ،‬ول كن‬
‫اجتهادهم مقيد دائما بضوابط ثابتة‪ ،‬وهي ما يطلقون عليه "مقاصد الشريعة"‪.‬‬

‫وقبل أن نتعرض لقضية الشريعة‪ ،‬وقضية الجتهاد‪ ،‬نسأل‪ :‬ما الثابت وما التغي ف‬
‫الكيان النسان وف الياة البشرية؟‬

‫هل صحيح أن النسان ليس له كيان ثابت ول فطرة‪ ،‬إنا هو مرد انعكاس للحياة‬
‫الادية اليطة به‪ ،‬وأنه من ث قد تغي تغيا جذريا منذ عاش على الرض إل اليوم‪ ،‬وأن‬
‫كل طور مادي مر‪ U‬به قد شكل جوهره على صورة متلفة تاما عما كان عليه ف الطور‬
‫ال سابق‪ ،‬وأن إن سان "الع صر ال صناعي" هو ف النها ية كائن مت لف تام الختلف عن‬
‫النسان الزراعي‪ ،‬فضل عن النسان الرعوي‪ ،‬فضل عن سكان الكهوف؟‬

‫يـق ـول "رن يه دو بو" ف كـت ـاب "إن سانية الن سان"‪ ) :‬عاش ر جل "ك ـرو‬
‫ماغنون" ]‪ [Cro-Magnon‬ف أكثر أناء أوربا قبل حوال ثلثي ألف سنة‪ ،‬قبل قيام الزراعة‬
‫وحياة القرية بفترة طويلة‪ ،‬ومع أنه كان صيادا بصورة رئيسية كان ‪ -‬على ما يظهر ‪-‬‬
‫مشابا لنا جسما وعقل‪ ،‬فأدواته وأسلحته تناسب حجم أيدينا الن‪ ،‬وفنه ف كهوفه يثي‬
‫مشاعرنا‪ ،‬والعناية الت كان يوليها لدفن موتاه تكشف أنه شاركنا بشكل ما بالهتمام‬

‫)‪(35‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫بنهاية النسان وآخرته‪ ،‬وكل أثر مدون من آثار إنسان ما قبل التاريخ يوفر شواهد أخرى‬
‫للفكرة القائلة أن الواص الساسية للجنس البشري ل تتغي منذ العصر الجري(‪.53‬‬

‫ولننظر نن ماذا تغي ف حياة النسان‪...‬‬

‫كان النسان يعيش ف الكهوف‪ ،‬فبن الكواخ‪ ،‬ث بن النازل والقصور‪ ...‬وقد‬
‫يبن غدا مساكن ف الكواكب الخرى أو ف مركبات الفضاء!‬

‫وكان النسان يكتسي بأوراق الشجر والريش‪ ،‬فصنع اللبس من النسيج اليدوي‪،‬‬
‫ث صنعها من النسيج الل‪ ،‬وتفنن ف صنعها فجعل منها "مودات"‪ ،‬وجعل لا تقاليد‪...‬‬

‫و كان يأ كل الطعام نيئا ق بل أن يكت شف ال نار‪ ،‬ف صار يط هوه‪ ،‬ث تف نن ف صنعه‪،‬‬
‫واتذ له أدوات‪ ،‬وجعل له تقاليد‪...‬‬

‫وكانت الياة تعتمد على الصيد‪ ،‬ث استأنس النسان حيوان الرعي فصارت الياة‬
‫رعوية‪ ،‬ث صارت زراعية بعد اكتشاف الزراعة‪ ،‬ث صناعية بعد اختراع اللة‪ ،‬وقد تكون‬
‫غدا على نو جديد غي كل ما تقدم‪.‬‬

‫و كان الن سان ي سي ع لى قدميه إذا أراد النت قال من م كان إ ل م كان‪ ،‬أو ي ضم‬
‫ب عض الخ شاب بع ضها إ ل ب عض في عب علي ها ا لاء‪ ،‬ث ا ستخدم دواب ال مل وال سفن‬
‫الشراعية‪ ،‬ث اخترع السيارة والباخرة‪ ،‬ث ركب الطائرة والصاروخ‪.‬‬

‫وكان النسان فردا ف أسرة‪ ،‬فصار فردا ف قبيلة‪ ،‬فصار فردا ف متمع يتألف من‬
‫عدة قبائل‪ ،‬فصار فردا ف أمة‪ ،‬فصار فردا ف متمع دول متباعد الطراف منعزل بعضه‬
‫عن بعض‪ ،‬فصار فردا ف متمع يوصف بأنه "متمع إنسان!"‪ 54‬تقاربت أطرافه بفعل تقدم‬
‫وسائل التصال فأصبح شبيها بالقرية الواحدة!‬

‫‪" 53‬رين يه دو بو"‪" ،‬إن سانية الن سان"‪ ،‬تر جة د‪ .‬نب يل صبحي الطو يل‪ ،‬مؤس سة الر سالة ب يوت ط ‪،1‬‬
‫‪ ،1979‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 54‬هذا الت مع ا لذي ي سمى "الت مع الن سان!" هو ا لذي حدثت ف يه أب شع أ شكال الق تل ال ماعي‪،‬‬
‫وأبشع ألوان العدوان‪ ،‬والذي يعيش بعضه ف الترف الهلك وبعضه الخر ف الفقر الهلك‪ .‬بعضه يلقي‬
‫القوات ف البحار والنار أو يرقها لكي ل تنخفض أ سعارها ف السوق العالية‪ ،‬وبعضه ل يد لقمة‬
‫البز الت تفظه من اللك!‬
‫)‪(36‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫نعم‪ ...‬تغيت كل "صور" حياته‪ ...‬فما الذي تغي ف كيانه من الداخل؟‬

‫هل تغي حبه للبقاء؟ وحبه للمتداد عن طريق النسل؟ وحبه للبناء والتعمي والنشاء‬
‫والتغي ي؟ وح به لت صنيع الا مات وت سي ا لدوات وتم يل ال ياة؟ وح به ل لبوز وإث بات‬
‫الذات؟ وحبه للتملك‪55‬؟ وحبه لذاته وحبه ف الوقت نفسه للجتماع مع الخرين؟‬

‫هل تغيت أطماعه؟ هل تغيت أمانيه؟‬

‫باختصار؛ هل تغيت "نوازعه الفطرية"؟‬

‫وهل تغي قبل ذلك كله‪ ،‬ومع ذلك كله‪ ،‬أن النسان ‪ -‬ف جيع أحواله وأطواره‬
‫وعصوره ‪ -‬أ حد اثني بينه ما فارق "جوهري" ف التصور و ف السلوك؛ إما كافر وإما‬
‫مؤمن‪ ،‬إ ما مت بع لن هج ا ل وإ ما مت بع لن هج ال شيطان‪} ،‬ه و" ال ذي خ"لقك‪°‬م فمنك‪°‬م كافر‬
‫و"منك‪°‬م مؤمن{‪} ،‬إن الأنس"ان خلق" ه"ل‪°‬وعا إذا م"س)ه الش)ر‪ Ê‬ج"زوعا و"إذا م"س)ه الخ"ير م"نوعا إلا‬
‫المص"ل‪Ð‬ي{‪.‬‬

‫هل تغي شيء حقيقي ف أعماق النسان من الداخل حي تغيت صور حياته على‬
‫مدار التاريخ؟‬

‫إن ال فارق ا لوهري ف القي قة ل يس ب ي الن سان الر عوي‪ ،‬والن سان الزرا عي‪،‬‬
‫والن سان ال صناعي‪ ،‬والن سان ا لذري! إ نا هو ب ي الر عوي ا لؤمن والر عوى ال كافر‪،‬‬
‫والزر عي ا لؤمن والزر عي ال كافر‪ ،‬وال صناعي ا لؤمن وال صناعي ال كافر‪ ،‬وا لذري ا لؤمن‬
‫والذري الكافر! أما الفوارق الزئية ‪ -‬أو الظاهرية ‪ -‬بي الرعوي والزراعي والصناعي‪،‬‬
‫فهي كما قلنا فوارق ف الصورة وليست ف داخل الكيان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هل معن ذلك أل نأبه إطلقا لتغي الصورة ما دام الوهر ل يتغي؟‬

‫‪ 55‬كانت للشيوعية دعوى عريضة ف أن حب التملك ليس نزعة فطرية‪ ،‬إنا هو نزعة شريرة اكتسبها‬
‫الن سان ف أث ناء ت طوره ا لادي ب عد اكت شاف الزرا عة وا ستمرت م عه ف ع هود ا لرق والق طاع‬
‫والرأسالية‪ ،‬حت جاءت الشيوعية فردته عنها وشفته من آثارها! وقد تاوت الشيوعية أخيا وتاوت‬
‫معها دعاواها!‬
‫)‪(37‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ل أحد يقول ذلك! فإن القول بذلك معناه إلغاء "التاريخ"؛ معناه إلغاء كل الهد‬
‫ا لذي بذله الن سان ف ع مارة ا لرض‪ ،‬مع ناه إل غاء دور "الل فة" ا لت خ لق من أجل ها‬
‫النسان‪ ،‬والت تشمل ‪ -‬فيما تشمل ‪ -‬عمارة الرض بقتضى النهج الربان‪} :‬و"إذ قال‬
‫ر"ب‪ Ê‬ك" للم"لئكة إ ن¦ي ج"اعل‪ Ô‬في الأرض خ"ليفة{‪} ،‬ه و" أن ش"أك‪°‬م م ن" الأرض و"اس ت"عم"ر"ك‪°‬م‬
‫في ه"ا{‪} ،‬ه و" ال ذي ج"ع"ل لك‪°‬م الأر ض" ذ ل‪°‬ول فامشوا في م"ن"اكب ه"ا و"ك‪ °‬ل‪°‬وا من رزقه{‪،‬‬
‫}و" "سخ)ر" لك‪°‬م م"ا في الس)م"او"ات و"م"ا في الأرض ج"ميعا منه{‪.‬‬

‫ومن خلل حركة النسان ف الرض‪ ،‬واحتكاكه بالكون الادي‪ ،‬وماولة تسخي‬
‫طاقاته‪ ...‬تتغي الياة جيل بعد جيل‪ ،‬وعصرا بعد عصر‪ ،‬فإن ألغينا من اعتبارنا هذا التغي‬
‫ف الصورة‪ ،‬فإننا نلغي معه هدفا رئيسيا من أهداف الوجود البشري‪ ،‬وتتل بي أيدينا‬
‫العايي‪ ،‬وكيف نصنع إذن ف هذه القضية‪ ،‬الت ل نستطيع فيها إهال الثوابت ول إهال‬
‫التغيات؟‬

‫ل قد كان خ طأ الف كر الكن سي هو ا لتركيز ع لى ال ثابت و حده‪ ،‬وإ هال التغ يات‬
‫وعدم إعطائها أي اعتبار‪.‬‬

‫وكان خطأ الفكر "التطوري" النبثق عن الداروينية بصفة خاصة‪ ،‬هو التركيز على‬
‫التغي وحده‪ ،‬وإهال القيم الثابتة وعدم إعطائها أي اعتبار‪ ،‬والصواب أل نمل هذه ول‬
‫تلك‪ ،‬لن كل منهما له آثاره الواضحة ف حياة النسان‪.‬‬

‫ولكن السؤال الذي يدد القضية ‪ -‬وهو مفتاحها كذلك ‪-‬؛ هو من الذي يكم‬
‫الخر؟ التغي يكم الثابت؟ أم الثابت يكم التغي؟! الوهر يكم الصورة‪ ،‬أم الصورة‬
‫تكم الوهر؟‬

‫إن قلنا إن التغي يكم الثابت ‪ -‬كم يقول أصحاب الفكر التطوري ‪ -‬فقد ضاع‬
‫م نا ا لور ا لذي تدور حوله ال صورة‪ ...‬و من ث تف قد ال صورة معيار ها ا لذي ي ضبط‬
‫حركتها‪ ،‬ث تفقد معناها ف ناية الطاف!‬

‫أما إذا قلنا إن الثابت يكم التغي فلن يضيع منا شيء‪ ،‬ل الثابت ول التغي! إنا‬
‫فقط تنضبط حركة التغي‪ ،‬فل ترج عن مسارها الصحيح‪.‬‬

‫وهذا هو الق الذي خلقت به السموات والرض‪ ...‬وخلق به النسان‪} :‬و"خ"لق‬


‫سم"او"ات و"الأرض" بالح" ¦ق و"لتجز"ى ‪°‬كل‪ ç‬ن"فس بم"ا كس"ب"ت و"هم ل يظلمون{‪.‬‬
‫الله ال )‬

‫)‪(38‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وهذا هو الذي نزلت به الشريعة السلمية لتحكم الياة البشرية إل آخر الزمان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل يس ا لال ه نا أن نتك لم عن مزا يا ال شريعة ال سلمية ف عموم ها‪ ،‬و عن شولا‬
‫للحياة من جيع أطرافها ف توازن وتكامل واتساق‪ ،‬فلهذا مال آخر‪ ،‬إنا نن معنيون هنا‬
‫بنقطة واحدة معينة هي قضية "التطور" ف صور الياة "وثبات" الشريعة‪ ،‬وقضية؛ كيف‬
‫ي تأتى لل شريعة ا لت نز لت ق بل أرب عة ع شر قر نا أن تواكب ما جد‪ U‬ف ح ياة ال ناس من‬
‫تغيات‪.‬‬

‫ول يفوتنا قبل أن نناقش القضية أن نعرض لحد الوانب العقدية ف القضية كثيا‬
‫ما يغفله الناس ف البحث وهو يستحق التنويه‪.‬‬

‫إن ا لذين يت ساءلون هذا الت ساؤل هم ف القي قة ‪ -‬بوعي من هم أو بغ ي و عي ‪-‬‬


‫ينكرون صفة من صفات ال على القل ‪ -‬إن ل يكونوا منكرين لكثر من صفة ف واقع‬
‫ا لمر ‪ -‬ت لك هي صفة الع لم‪ ،‬ف كأنم يت صورون أن ا ل ل ي كن يع لم ح ي أ نزل هذه‬
‫الشريعة أن امورا ستجد‪ U‬ف حياة الناس تتلف عن الوضاع الت كانوا عليها يوم نزلت‬
‫هذه الشريعة! كما أنم ينفون ف الواقع صفة الكمة‪ ،‬إذ يتصورون أن ال أنزل شريعة ل‬
‫ي كن تطبيق ها إل ف ح ي‪U‬ز مع ي من الز من ث أ لزم ال ناس با إ ل يوم القيامة! وا ل عل يم‬
‫حكيم كما وصف نفسه سبحانه وتعال‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬

‫والن نعود إل التعرف على الداة الت جعل ال با هذه الشريعة صالة للتطبيق إل‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وجعلها تتسع لتستوعب كل ما يد‪ U‬ف حياة الناس على هذه الرض‪.‬‬

‫نقول بادئ ذي بدء إن هناك أمورا ثابتة ف حياة الناس يب أن تظل ثابتة‪ ،‬وقد‬
‫ثبتتها هذه الشريعة ومنعت إحداث أي تغيي فيها‪ ،‬لن أي تغيي فيها تنتج عنه اختللت‬
‫ف حياة البشرية‪ ،‬وقد سبق ف علم ال العليم الكيم أن الثبات هو المر الواجب ف تلك‬
‫المور‪ ،‬فأنزل أمره الكم بعدم التغيي‪.‬‬

‫والسبب ف ثبات هذه المور‪ ،‬وف وجوب تثبيت الحكام الاصة با‪ ،‬أنا متعلقة‬
‫بقائق ثابتة ل تقبل التغيي‪ ،‬وإن غ‪°‬ي¦ر"ت تفسد المور‪.‬‬

‫)‪(39‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫أول هذه المور؛ هو وجوب عبادة ال وحده بل شريك‪.‬‬

‫وبين ما و ضع التطور يون هذه الق ضية ع لى ا لط التغ ي‪ ،‬وزع موا ‪ -‬ك ما سبق أن‬
‫أ شرنا ‪ -‬أن الب شرية مرت ف ثلثة أ طوار‪ :‬السحر وا لدين والع لم‪ ،‬وأ نه ك ما أن ال سحر‬
‫أخلى مكانه للدين‪ ،‬فكذلك الدين قد أخلى ‪ -‬ويب أن يلي ‪ -‬مكانه للعلم!‬

‫بينما يقول التطوريون ذلك فإن ال يقول على سبيل اللزام الدائم‪} :‬ي"ا أي‪Ê‬ه"ا الن)اس‬
‫اعبدوا ر"ب)ك‪°‬م الذي خ"لقك‪°‬م و"الذين" من قبلك‪°‬م لع"لك‪°‬م ت")تق‪°‬ون{‪} ،‬و"اعبدوا الله" و"ل تشرك‪°‬وا‬
‫به ش"يئا{‪} ،‬إن الله" ل ي"غفر أن يشر"ك" به و"ي"غفر م"ا دون ذلك" لم"ن "يش"اء‪} ،{Á‬إن ت"كف‪°‬روا‬
‫فإن الله" غني‪ è‬ع"نك‪°‬م و"ل ي"رض"ى لعب"اده الك‪°‬فر" و"إن ت"شك‪°‬روا ي"رض"ه لك‪°‬م{‪.‬‬

‫وغن عن البيان أن هذه قضية ثابتة لنا قضية اللوهية وحقها على العباد‪.‬‬

‫وال سبحانه وتعال دائم ل يتغي‪ ،‬وكون العباد هم من خلقه حقيقة دائمة ل تتغي‪،‬‬
‫فأصبح من مقتضى ذلك أمر ثابت هو وجوب عبادة العباد لربم وخالقهم‪} :‬أل له الخ"لق‬
‫و"الأمر{‪} ،‬و"قض"ى ر"‪Ê‬بك" ألا ت"عبدوا إلا إي)اه{‪.‬‬

‫وإنا احتاج التطوريون لكي يزحزحوا هذه القيقة عن ثباتا ويضعوها على الط‬
‫التغي‪ ،‬أن يكذبوا كذبة "علمية" ضخمة‪ ،‬ول ييئوا عليها بدليل واحد‪ ،‬هي كذبة "اللق‬
‫الذات" دون إله! وكذبة أخرى ل تق ل‪ Î‬عنها إيغال ف الرافة هي كذبة الطبيعة الالقة‪،‬‬
‫الت "تلق كل شيء ول حد‪ U‬لقدرتا على اللق"‪!56‬‬

‫والقضية الثانية الثابتة ‪ -‬النبثقة من القضية الول والترتبة عليها ‪ -‬هي لزوم الكم‬
‫با أنزل ال‪} :‬و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم الكافرون{‪.57‬‬

‫و قد كانت ح جة الت طوريي ‪ -‬أو إ حدى حجج هم ‪ -‬ف ن بذ ال شريعة الربان ية‬
‫واستبدال حكم البشر با‪ ،‬أن النسان قد شب) عن الطوق ول يعد ف حاجة إل وصاية‬
‫ال!‬

‫ول يستطيع النسان أن ينع نفسه من العجب من ذلك النسان الذي شب عن‬
‫الطوق ول يعد ف حاجة إل وصاية ال‪ ،‬وهو يتخبط كل يوم من ضللة إل ضللة‪،‬‬
‫‪ 56‬راجع كلمة دارون من قبل‪.‬‬
‫‪ 57‬تدثنا ف البحث الول عن قضية ارتباط الشريعة بالعقيدة‪.‬‬
‫)‪(40‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ويع يش بع ضه ف ضللة الفرد ية الا نة ا لت تف كك ال موع وبع ضه ف ضللة الماع ية‬


‫الانة الت تسحق كيان الفرد!‬

‫بعضه ف اللكية الفردية "الرة!" الت ل تضبطها قيود‪ ،‬فتؤدي ببضعة ألوف من‬
‫الفراد أن يستعبدوا الليي‪ ،‬وبعضه ف اللكية الفردية اللغاة‪ ،‬الت تول جوع الناس عبيدا‬
‫للدولة‪ ،‬فيتحكم بضعة ألوف من الفراد ف حياة الليي!‬

‫أل إنا لسخرية عظمى‪ ...‬شبوب النسان عن الطوق واستغناؤه عن وصاية ال!‬
‫}كلا إن الأنس"ان لي"طغ"ى أن ر"آه است"غن"ى{‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإذا كانت الشريعة ملزمة من حيث البدأ‪ ،58‬فإن ف داخل هذه الشريعة أحكاما‬
‫ثابتة ل تقبل التغيي‪ ،‬وأحكاما عامة ثابتة ف ذاتا‪ ،‬ولكنها تقبل أن تدخل تتها متغيات‪.‬‬

‫و من ب ي ال ثوابت ا لت ل تق بل التغي ي ول يدخل تت ها متغ يات‪ ،‬أح كام الع بادات‬


‫كل ها‪ ،‬وا لدود‪ ،‬وعل قات الن سي ‪ -‬با ف ذ لك عل قات ال سرة‪ :‬ا لزواج والطلق‬
‫والواريث‪ ...‬إل ‪-‬‬

‫فأما أحكام العبادات فثباتا ناشئ من أن ال سبحانه وتعال هو الذي يقرر للنسان‬
‫كيف يعبد ربه‪ ،‬وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد علم الناس كل ما يب عليهم‬
‫وما يوز لم أن يتعبدوا ال به‪.‬‬

‫ث قال عليه الصلة والسلم‪) :‬من أحدث ف أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد(‪.59‬‬

‫فتحددت العبادات با حدد ال وما بي‪U‬ن رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يعد لحد‬
‫أن يزيد فيها من عنده أو ينقص منها على هواه‪.‬‬

‫وأما الدود فسنتكلم ف البحث التال عن علقتها بـ "الضارة" وعلقة الضارة‬


‫با‪ ،‬إذ أنا من منابع الشبهات عند "الثقفي" على الطريقة الغربية‪.‬‬

‫‪ 58‬تدثنا ف البحث الثان عن قضية اللزام بشيء من التفصيل‪.‬‬


‫‪ 59‬أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫)‪(41‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ولكنا نذكر هنا أن أوربا "التطورة" قد وضعت قضية الرية والعقاب على الط‬
‫التغي لكثر من سبب ف آن واحد‪.‬‬

‫ف من ب ي ال سباب أن أور با الن صرانية ل تط بق هذه ا لدود أ بدا بو صفها شريعة‬


‫من لة‪ ،‬ر غم ورود أمثا لا ف ال توراة‪ ،‬وا لتزامهم ‪ -‬نظر يا ‪ -‬ب شريعة ال توراة إل ما أ حل‬
‫السيح لم ما كان مرما عليهم‪} :‬و"مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"ي) م ن" ال ت)ور"اة و"ل أ‪°‬حل لك‪°‬م ب"عض‬
‫ال ذي حر¦ م" ع"ليك‪°‬م و"جئتك‪°‬م بآ ي"ة من ر"¦بك‪°‬م فات)ق‪°‬وا الل ه" و"أطيعون{‪} ،‬و"قفي ن"ا ع"لى آثارهم‬
‫بعيس"ى ابن م"ري"م" مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه من" الت)ور"اة و"آت"ين"اه الأنجيل فيه هدى{ و"نور‪ Ë‬و"مص"د¦قا‬
‫لم"ا ب"ين" ي"د"يه من" الت)ور"اة و"هدى{ و"م"وعظة للمت)قي" و"لي"حك‪°‬م أهل‪ °‬الأنجيل بم"ا أنز"ل الله فيه‬
‫و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم الفاسق‪°‬ون{‪.‬‬

‫ول كن و ضع الن صارى الست ضعف ف ظل ا ضطهاد المباطور ية الرومان ية لم ف‬


‫القرون الثلثة الول ل يكنهم من تطبيق الشريعة الربانية فصارت "أخلقا" تلتزم تعبدا ل‬
‫من جهة التقي‪ ،‬ولكنها ليست أحاكما تنفذها الدولة‪ ،‬فلما قويت النصرانية بعد اعتناق‬
‫ق سطنطي لا ‪ -‬أو ت ظاهره باعتناق ها ل سباب سيا سية ‪ -‬وفر ضها دي نا ر سيا ع لى‬
‫المباطورية الرومانية عام ‪325‬م ل ي"س ع" البابوات ف أوج سلطتهم إل فرض الشريعة‬
‫الربان ية ع لى ال لوك وال باطرة‪ ،‬بل سعوا إ ل إخ ضاع هؤلء لن فوذهم الشخ صي‪ ،‬وب قى‬
‫القانون الرومان هو الطبق على أساس مبدإ غريب على الدين ‪ -‬كل دين ‪ -‬هو مبدأ‪" :‬أد‬
‫ما لقيصر لقيصر وما ل ل"! فأصبحت اللوهية شقي؛ شق ل ف شعائر العبادة وتقوى‬
‫القلوب‪ ،‬وشق لقيصر ف حكم الواقع الذي يعيشه الناس!‬

‫}و"قال الله ل "تت)خذ‪°‬وا إله"ين اثن"ين إ)نم"ا هو" إله‪ Ë‬و"احد‪.{Ë‬‬

‫ولذلك ظلت أوربا ‪ -‬حت أيام تدينها ‪ -‬تنظر إل الشريعة على أنا أخلقيات‪ ،‬ول‬
‫تنظر إليها على انا أحكام واجبة التنفيذ‪ ،‬فلما بدأت نضتها العادية للدين أو الفارقة له‪،‬‬
‫خف وزن ال شريعة ف ح سها ب صورة متزا يدة‪ ...‬حت إذا جاءت لو ثة الت طور زال من‬
‫ح سهم نائ يا كل توقي لل شريعة‪ ،‬و ترءوا ع لى نقدها والتند يد با ع لى أ نا من ا لتراث‬
‫"الرجعي" الذي ينبغي للتطور أن يزيله ويستبدل به شيئا "حديثا"‪ ،‬يعتب من أجل حداثته‬
‫قبل كل شيء آخر‪ ،‬سواء‪ ã‬كان مستحقا للعتبار ف ذاته أم غي مستحق! وكان الشيء‬

‫)‪(42‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫"الديث" الذي ابتليت به أوربا هو "علم التحليل النفسي"‪ - 60‬أو ف القيقة "علم تبير‬
‫الرية"‪ ،‬والنظر إل الرم على أنه من عليه‪ ،‬ل يستحق أن يوقع عليه العقاب ‪-‬‬

‫ول ن ناقش ه نا مف هوم ال غرب عن الر ية والع قاب‪ ،61‬فن حن معن يون ف ه ـذا‬
‫الب حث ‪ -‬ك ما أ سلفنا ‪ -‬بنق طة وا حدة معي نة هي ق ضية الت طور‪ ،‬فن قول ف قط إن أور با‬
‫حـي وضعت قضية الر ية والعقاب ع لى الط التغ ي‪ ،‬وأف تت لنف سها بو جوب تغي ي‬
‫أحكام الشريعة الربانية ف هذا الشأن‪ ،‬واتاذ قواني بشرية بدل منها‪ ،62‬قد ابتليت ‪ -‬كما‬
‫يعرف الناس جيعا ‪ -‬بطوفان من الرية آخذ ف التزايد باستمرار‪ ،‬وعلى الرغم من كل‬
‫الحتياطات الت تقوم با دول الغرب‪ ،‬وعلى الرغم من كل الدراسات‪ :‬التربوية والنفسية‬
‫والجتماعية والقانونية والعلمية‪ ...‬إل‪ ،‬الت تقوم با تلك الدول ف فترات متقاربة ل‬
‫تنقطع!‬

‫وما يشهد به الواقع فهو غن عن البيان!‬

‫ومن أبلغ ما يشهد به الواقع ‪ -‬ما تذكره تقريراتم هم أنفسهم ‪ -‬ما حدث منذ‬
‫سنوات‪ ،‬وأ شارت إل يه صحف ال عال ك له ف حي نه‪ ،‬من أن م طة ال قوى الكهربائ ية ف‬
‫نيويورك تعطلت ذات مرة لدة خس وعشرين ساعة متوالية‪ ،‬أي نارا وليلة كاملي ‪-‬‬
‫بزيادة ساعة كذلك! ‪ -‬فارتكب ف نيويورك ف تلك الليلة الواحدة ما يوازي جرائم سنة‬
‫كاملة بسبب الظلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وأ ما عل قات الن سي ف قد ثب تت ال شريعة أحكام ها ل نا قائ مة ع لى " ثوابث" ل‬
‫تتغي‪ :‬الرجل من جهة‪ ،‬والرأة من جهة‪ ،‬وعلقة التجاذب بي النسي من جهة ثالثة‪ ،‬ما‬
‫الذي يكن أن يتغي ف هذه الثوابت؟!‬

‫‪ 60‬مؤس سه هو فرو يد‪ ،‬و هو ي هودي‪ .‬و من أخ طر ما يؤدي إل يه التحل يل النف سي ع لى طري قة فرو يد‬
‫إسقاط مسئولية النسان عن أعماله على أساس أنا ردود فعل قهرية لالت مرضية وعقد نفسية‪ ،‬وهو‬
‫مبدأ مدمر للخلق‪ ،‬كما هو ظاهر‪.‬‬
‫‪ 61‬سنتعرض لذه القضية بشيء من التفصيل ف البحث القادم‪.‬‬
‫‪ 62‬ل تطبق الشريعة تطبيقا واقعيا ف أوربا ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬ولكن كان لا مع ذلك توقي "أدب" ف‬
‫حس الناس‪.‬‬
‫)‪(43‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫إنه ما دام الرجل رجل والرأة امرأة‪ ،‬ومادامت العلقة بينهما هي علقة التجاذب‪،‬‬
‫فل بد أن يدث اللقاء‪ ،‬وليس لذا اللقاء إل إحدى صورتي؛ صورة منضبطة‪ ،‬تعل لذا‬
‫اللقاء هدفا أو أهدافا مددة‪ ،‬وضوابط معينة‪ ،‬وتبعات "إنسانية" مترتبة عليها‪ ،‬وإما صورة‬
‫غي منضبطة بدف ول تبعات‪.‬‬

‫وقد كانت علقات النسي ف الغرب منضبطة بضوابط الدين الثابتة حي كانت‬
‫أوربا متمسكة بآداب دينها‪ ،63‬فلما خرجت على دينها وتردت عليه‪ ،‬رأت أن تنقل هذه‬
‫العلقات من الط الثابت إل الط التغي‪ ...‬فماذا كانت النتيجة‪.‬‬

‫النتيجة هي ما نراه اليوم ف الغرب ‪ -‬وف العال الذي سيطر عليه الغرب ‪ -‬من‬
‫الفو ضى الن سية والتح لل الل قي‪ ،‬و جرائم ال نس التف شية ر غم ذ لك التح لل‪ ،‬أو ‪-‬‬
‫بالحرى ‪ -‬بسبب ذلك التحلل‪.‬‬

‫وما يشهد به الواقع ل يتاج إل بيان!‬

‫إن الن سان ‪ -‬م نذ خل قه ا ل ‪" -‬إن سان"! ول يس حيوا نا مت طورا ك ما زع مت‬
‫الداروين ية القد ية بغ ي دل يل علمي‪ ،64‬وللن سان أ هداف ف ح ياته غ ي أ هداف ال يوان‪،‬‬
‫وسلوك كذلك غي سلوك اليوان‪} ،‬إذ قال ر"ب‪Ê‬ك" للم"لئكة إن¦ي خ"الق‪" Ë‬بش"را من طي فإذا‬
‫"سو)يته و"ن"فخت فيه من روحي فقعوا له س"اجدين{‪.‬‬

‫وعلقات النس ‪ -‬ككل شيء ف حياة النسان ‪ -‬ذات غاية "إنسانية"‪ ،‬وضوابط‬
‫كذلك "إنسانية"‪} ،‬و"من آ ي"اته أن خ"ل ق" لك‪°‬م من أنف‪°‬س ك‪°‬م أزو"اجا لت"س ك‪°‬نوا إلي ه"ا و"ج"ع"ل‬
‫ب"ين"ك‪°‬م م"و"د)ة و"ر"حم"ة{‪.‬‬

‫أما نزوة السد فهي من خصائص اليوان‪ ،‬وأما السكن والسكينة والودة والرحة‬
‫فهي من خصائص النسان‪.‬‬

‫وقد لزم ‪ -‬ف علم ال العليم الكيم ‪ -‬لكي تتحول نزوة السد اليوانية إل سكن‬
‫و سكينة و مودة ور حة أن ت كون لا ضوابط إن سانية‪ ،‬وأن تترتب علي ها تب عات‪ ،‬ف حدد‬
‫لذلك الدود‪ ،‬وقال سبحانه‪} :‬تلك" حدود الله فل ت"قر"بوه"ا{‪ ،‬وف داخل تلك الدود‪،‬‬
‫‪ 63‬كانت أور با ف الوا قع متزم تة ف شأن هذه العل قات ب تأثي الرهبان ية ا لت اب تدعها الن صارى دون‬
‫تكليف من ال‪} :‬و"ر"هب"اني)ة ابت"د"عوه"ا م"ا كت"بن"اه"ا ع"ليهم{ ]الديد‪ :‬من الية ‪.[27‬‬
‫‪ 64‬سبقت الشارة إل أن الداروينية الديثة رغم اعتقادها ببدأ التطور تقرر تفرد النسان‪.‬‬
‫)‪(44‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ا لت حددها ال بعل مه وحكم ته‪ ،‬تتحقق سكينة ال سد و سكينة النفس‪ ،‬ويو جد الضن‬
‫المن الذي يترب فيه النشء الديد ليعمر وجه الرض‪ ،‬وتتحقق سكينة التمع بتضييق‬
‫مدى الر ية‪ ،‬و تأمي ال ناس ع لى أعرا ضهم وأرواح هم‪ ،‬ك ما تتح قق النظا فة اللئ قة‬
‫بالنسان‪.‬‬

‫وثبتت الشريعة النلة هذه الدود‪ ،‬لنا هي السبيل الوحيد لتحقيق هذه الهداف‪،‬‬
‫ول نا كل ما خولفت ‪ -‬خلل التار يخ ‪ -‬حدثت الفو ضى ا لت نرى نوذ جا من ها ال يوم‪،‬‬
‫وحدثت الختللت‪.‬‬

‫وكما ثبتت الشريعة طريقة اللقاء بي النسي‪ ،‬فحددته ف الزواج‪ ،‬دون السافحة‬
‫ول ا تاذ ال خدان‪} : 65‬ال ي"وم" أ‪°‬حل لك‪°‬م الطي¦ ب"ات و"ط ع"ام ال ذين" أ‪°‬وتوا الك ت"اب" ح ل‪ ¤‬لك‪°‬م‬
‫و"طع"امك‪°‬م حل‪ ¤‬لهم و"المحص"ن"ات من" المؤمن"ات و"المحص"ن"ات من" الذين" أ‪°‬وتوا الكت"اب" من‬
‫قبلك‪°‬م إذا آت"يتموهن) أ‪°‬جور"هن) محصني" غي ر" م س"افحي" و"ل مت)خذي أخ د"ان و"م"ن ي"ك ف‪°‬ر‬
‫بالأي"ان فقد ح"بط ع"م"ل‪°‬ه و"هو" في الآخر"ة من" الخ"اسرين{‪.‬‬

‫أقول‪ :‬كما ثبتت الشريعة طريقة اللقاء بي النسي‪ ،‬حددت كذلك كل ما يترتب‬
‫ع لى هذه العلقة‪ ،‬وما يقع ف داخلها بأح كام ثابتة غي قابلة للتغيي‪ ،‬لنا ترت كز على‬
‫ثوابت غي قابلة للتغيي‪.‬‬

‫وما تادل فيه الاهلية العاصرة ‪ -‬بتأثي "قضية الرأة" وطلبها الساواة الكاملة مع‬
‫الرجل ف كل شيء ‪ -‬قضية القوامة وقضية الياث‪ ،‬وتنادي الاهلية العاصرة بوضع كلتا‬
‫القضيتي على الط التغي بجة التطور الذي شل كل شيء ف الياة!‬

‫فأما ف قضية القوامة‪ ،‬فإن الرأة السترجلة الت سعت الاهلية الديثة إل تنشئتها‬
‫لمر يراد‪ ،‬قد تعلمت وعملت‪ ،‬وشغلت الوظائف العامة‪ ،‬ول تستطع مع ذلك أن تغي‬
‫طبيعتها العاطفية الت خلقها ال با لتوف مطالب الطفولة‪ ،‬وال أعلم وأحكم من أن يلق‬
‫جنسي متماثلي‪ ،‬ث يفرق بينهما ف الوظيفة وف التكوين السدي واليوي! إنا اقتضت‬
‫حكمته سبحانه حي حدد لكل من النسي وظيفة‪ ،‬ان يص كل منهما بصائص حيوية‬
‫ونفسية تلئم وظيفته‪ ،‬ول عبة بوجود امرأة بي مليي النساء تسمى "الرأة الديدية" أو‬
‫الفضية أو النحاسية! فالحكام تلحق بالعموم ل بالالت الشاذة الت ل يقاس عليها‪!66‬‬

‫‪ 65‬السافحة؛ هي البغاء‪ ،‬واتاذ الخدان لون خاص من البغاء هو ما تتخذه الاهلية العاصرة باسم‬
‫"الصداقة" ]‪ [Boy Friend‬و ]‪.[Girl Friend‬‬
‫)‪(45‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وقضية القوامة فرع عن قضية التكوين السدي واليوي والنفسي‪ ،‬ل تتغي حت تفسد‬
‫الفطرة‪ ،‬وحي تفسد الفطرة يعم الفساد ف الرض‪.‬‬

‫وأما قضية الياث فهي ناشئة كذلك عن توزيع الوظائف وتوزيع التكاليف‪.‬‬

‫الرجل هو الكلف بالنفاق ‪ -‬إلزاما ل تطوعا ‪ -‬والرأة ل تكلف بالنفاق‪ ،‬فإذا‬


‫تطوعت بذلك من عند نفسها فليس ذلك تكليفا ترتب عليه تبعات‪.‬‬

‫والفريق الذي كلفه ال بالنفاق أعطاه نصيبي‪ ،‬أما الفريق الذي ل يكلف بالنفاق‬
‫ف قد من حه ا ل ن صيبا وا حدا لذات نف سه‪ ،‬ث قال ت عال‪} :‬و"ل ت"ت" "م ن)وا م"ا ف ض)ل الل ه به‬
‫ب"عض"ك‪°‬م ع"لى ب"عض للر¦ج"ال ن"صيب‪ Ë‬مم)ا اكت"س"بوا و"للن¦س"اء ن"صيب‪ Ë‬مم)ا اكت"س"ب "ن و"اسأل‪°‬وا الله‬
‫من فضله إن الله" كان بك‪Ð °‬ل ش"يء ع"ليما{‪.‬‬

‫و من ف ضل ا ل ع لى الع باد أ نه يدخل ال ناس ال نة ل ع لى قدر أ موالم‪ ،‬ول قدر‬


‫وظائفهم ف الياة الدنيا‪ ،‬وإنا على قدر ما يتعبدونه بالطاعات والخبات‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك أمور ثبتت الشريعة أحكامها ول تعلها قابلة للتغيي‪ ،‬ول يدخل تتها كذلك‬
‫متغيات‪ ،‬لن التغيي فيها يدث من الفاسد ما نرى بعض آثاره ف واقع العال العاصر‪ ،‬ما‬
‫هو مشهود ومشهور‪.‬‬

‫ولكن هناك أمورا أخرى ‪ -‬كثية ‪ -‬يعلم ال أنا تتغي‪ ،‬ول يريد ال لا أن تمد‬
‫على حالة معينة‪ ،‬هي حالتها وقت نزول هذه الشريعة الباركة‪.‬‬

‫ول يكن غائبا عن علم ال وحكمته ‪ -‬كما يتصور الادلون بوعي منهم أو بغي‬
‫و عي ‪ -‬أن حر كة الن سان ف ا لرض‪ ،‬واحت كاكه ا لدائم بالكون ا لادي‪ ،‬و سعيه إ ل‬
‫تسخي طاقاته‪ ،‬وسعيه إل تصنيع خاماته‪ ،‬وتسي أدواته‪ ،‬وتميل وسائل حياته‪ ،‬سيقوده‬
‫إل إحداث تغييات مستمرة ف صور حياته؛ السياسية والقتصادية والجتماعية‪.‬‬

‫‪ 66‬راجع "أليكسيس كاريل"‪" ،‬النسان ذلك الهول"‪ ،‬ترجة شفيق أسعد‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ ،3‬خاصة‪ ،‬ص‬
‫‪ 108‬حيث يقول‪) :‬إن كل خلية ف جسم الرأة تمل طابع جنسها(‪.‬‬
‫)‪(46‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وا ل هو ا لذي خ لق الن سان‪ ،‬وأودع ف يه ما أودع من طا قات ونز عات‪ ،‬وه يأه‬
‫بذلك لعمارة الرض والقيام بدور اللفة فيها‪} :‬ه و" أن ش"أك‪°‬م م ن" الأرض و"اس ت"عم"ر"ك‪°‬م‬
‫فيه"ا{‪.‬‬

‫وير يد ا ل للن سان أن ت كون ح ياته مث مرة نام ية مبار كة‪} :‬ه و" ال ذي "جع"ل لك‪°‬م‬
‫الأر ض" ذ ل‪°‬ول فامشوا في م"ن"اكب ه"ا و"ك‪ °‬ل‪°‬وا من رزقه و"إليه الن‪Ê‬شور{‪} ،‬و"ج"ع"ل فيه"ا ر"و"اسي‬
‫من فوقه"ا و"ب"ار"ك" فيه"ا و"قد)ر" فيه"ا أقو"ات"ه"ا في أرب"ع"ة أي)ام س"و"اء‪ ã‬للس)ائلي{‪.‬‬

‫وحيث سبق ذلك ف علم ال‪ ،‬وف حكمته‪ ،‬وسبق ف علمه كذلك وحكمته أنه‬
‫سينل ر سالته الا تة ع لى خات ال نبيي صلى ا ل عل يه و سلم و لن ير سل ر سول ب عده‪،‬‬
‫و سيكلف الب شر بإقا مة ت لك ال شريعة ‪ -‬ب عد كما لا‪ - 67‬إ ل آ خر الز مان‪ ،‬ف قد اقت ضت‬
‫حكمته سبحانه أن ينل ف تلك المور التغية أصول ثابتة تتسع للصور التغية وتضبط‬
‫حركتها ف الوقت ذاته‪.‬‬

‫تتغي الصور السياسية‪ ،‬بتغي حجم الدولة وطريقة إدارتا‪ ،‬وتغي وضع الفرد من‬
‫كونه فردا ف قبيلة إل كونه فردا ف أمة‪ ،‬وتغي مدى استقلله بفرديته ومارسة حياتا من‬
‫خللا‪ ،‬واعتبارات أخرى جة متشابكة‪ ،‬فتتغي بذلك صورة الكم وتنظيماته ولكن ل‬
‫تتغي الصول الثابتة الت تكم "السياسة الشرعية"؛ تكيم شريعة ال‪ ،‬والبيعة‪ ،‬والشورى‪،‬‬
‫والسمع والطاعة من الرعية لول المر ف حدود طاعة ول المر ل ورسوله‪ ،‬والنصح من‬
‫الرعية لول المر عمل بواجب المر بالعروف والنهي عن النكر با تدده اليات القرآنية‬
‫والحاديث النبوية‪ } :‬ي"ا أ‪Ê‬ي ه"ا ال ذين" آم"نوا أطيعوا الل ه" و"أطيعوا الر)سول و"أ‪°‬ولي الأمر منك‪°‬م‬
‫فإن ت"ن"از"عتم في ش"يء فرد‪Ê‬وه إلى الله و"الر)سول إن ك‪°‬نتم تؤمنون بالله و"ال ي"وم الآخر ذلك‬
‫خ"ير‪ Ë‬و"أحس"ن ت"أويل{‪.‬‬

‫)ا لدين الن صيحة(‪ ،‬قل نا‪ :‬لن يا ر سول ا ل؟ قال‪ ) :‬ل ولك تابه ولر سوله ولئ مة‬
‫السلمي وعامتهم(‪.68‬‬

‫)إنه كان لكل نب كان قبلي حواريون يهتدون بديه ويأترون بأمره‪ ،‬ث إنه تلف‬
‫من بعد ذلك خلوف‪ ،‬يقولون ما ل يفعلون ويفعلون ما ل يؤمرون‪ ،‬فمن جاهدهم بيده‬

‫‪ 67‬قال تعال‪} :‬الي"وم" أكم"لت لك‪°‬م دين"ك‪°‬م و"أتم"مت ع"ليك‪°‬م نعم"تي و"ر"ضيت لك‪°‬م الأسلم" دينا{ ]سورة‬
‫الائدة‪.[3 :‬‬
‫‪ 68‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫)‪(47‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‪ ،‬وليس وراء‬
‫ذلك من اليان حبة خردل(‪.69‬‬

‫)إنه يكون عليكم أمراء فتعرفون منهم وتنكرون‪ ،‬فمن أنكر فقد سلم ومن كره‬
‫فقد برئ ولكن من رضى وتابع(‪ ،70‬إل‪ ...‬إل‪...71‬‬

‫أ ما شكل ال كم‪ ...‬وأ ما طري قة ال شورى‪ ...‬وأ ما توز يع ال سئوليات ب ي ا لاكم‬


‫ونوابه ومعاونيه‪ ...‬وأما طريقة تولية الاكم وطريقة تنحيته إذا استوجب المر تنحيته‪،‬‬
‫فكلها أمور قابلة للتغيي‪ ،‬با يتفق مع أحوال كل أمة وكل عصر‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وتتغي الصورة القتصادية بتغي أدوات النتاج وتقدم العلوم والتكنولوجيا‪ ،‬ومدى‬
‫ت سخي الن سان لطا قات ال كون ا لادى با يف تح ا ل له من أ بواب العر فة‪ ...‬واعت بارات‬
‫أخرى كثية متشابكة‪ ،‬ولكن ل تتغي الصول الثابتة الت تكم سياسة الال؛ أن الال مال‬
‫ال‪ ،‬والبشر مستخلفون فيه‪ ،‬ومأمورون أن ينفذوا فيه شرع ال‪ ،‬وأنه ل بد من نظافة الال‬
‫ف الأخذ فل غصب ول سرقة ول غش ول ربا ول احتكار ول أكل لال الجي‪ ...‬ول‬
‫بد من نظافته ف النفاق فل ينفق ف سرف ول ترف ول ميلة ول ف مرم‪ ...‬ول بد من‬
‫أداء زكاته‪ ،‬ث النفاق منه ف سبيل ال ل تكلف نفس إل وسعها‪.‬‬

‫أما شكل العمليات القتصادية ومواضع الشاركي فيها؛ فهي عرضة للتغي الدائم‬
‫بسب الحوال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وتتغي الصورة الجتماعية‪ ،‬فيكون التمع قبليا‪ ،‬وحدته هي القبيلة‪ ،‬ورئيس القبيلة‬
‫هو نائبها ومثلها وول أمرها الذي تأتر بأمره‪ ،‬ويارس الفرد وجوده من خلل القبيلة‪ ،‬أو‬
‫يكون التمع أمة ذابت فيها الكيانات القبلية فأصبح الفرد يارس وجوده فردا ويثل نفسه‬
‫بنفسه‪ ...‬ويقوم البيت بالتربية والتوجيه مستقل أو تشاركه مؤسسات اخرى كالدرسة‬
‫وو سائل ا لعلم‪ ،‬أو ت قوم الؤس سات با لدور ا لكب وت ظل ل لبيت رواب طه العاطف ية‪...‬‬
‫‪ 69‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ 70‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ 71‬تراجع كتب السياسة الشرعية‪ ،‬ككتاب الاوردي وغيه‪.‬‬
‫)‪(48‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وي كون ا لبيت أ سرة كبية يع يش في ها الوا لدان والب ناء‪ ،‬وا لدود والح فاد‪ ،‬أو أ سرة‬
‫صغية تقتصر على الوالدين والبناء‪ ...‬إل‪ ...‬إل ولكن تبقى الصول الثابتة للعلقات‬
‫الجتماعية‪} :‬إ)نم"ا المؤمنون إخو"ة‪} ،{Ô‬ي"ا أي‪Ê‬ه"ا الذي "ن آم"نوا ل ي"سخ"ر قوم‪ Ë‬من قوم ع"س"ى أن‬
‫"يك‪°‬ونوا خ"يرا منهم و"ل نس"اء‪ ì‬من نس"اء ع"س"ى أن ي"ك‪°‬ن) خ"يرا منهن) و"ل ت"لمزوا أنف‪°‬س"ك‪°‬م و"ل‬
‫"ت ن"اب"زوا بالألقاب{‪ } ،‬ي"ا أي‪ Ê‬ه"ا ال ذين" آم"نوا اجت"نبوا كثيا م ن" الظ ن¦ إن ب"ع ض" الظ ن¦ إث م‪ Ë‬و"ل‬
‫"تج"س)سوا و"ل ي"غت"ب ب"عض ك‪°‬م ب"ع ضا{‪} ،‬و"اعبدوا الل ه" و"ل تشرك‪°‬وا به ش"يئا و"بالو"ال د"ين‬
‫إحس"انا و"بذي الق‪°‬رب"ى و"الي"ت"ام"ى و"الم"س"اكي و"الج"ار ذي الق‪°‬رب"ى و"الج"ار الجنب و"الص)احب‬
‫بالج"نب و"ابن ال س)بيل و" م"ا م"لكت أي م"انك‪°‬م{‪} ،‬و"ت" ع"او"نوا ع"لى البر¦ و"الت)ق و"ى و"ل "ت ع"او"نوا‬
‫ع"لى الأثم و"العدو"ان{‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وح ي تتغ ي ال صورة‪ :‬السيا سية أو القت صادية أو الجتماع ية‪ ،‬ت تاج إ ل أح كام‬
‫جديدة مستمدة من الشريعة‪ ،‬والوسيلة الشرعية لذلك هي الجتهاد فيما ليس فيه نص‪،‬‬
‫وهي الزية ال كبى لذه ال شريعة‪ ،‬الت تعلها صالة لستيعاب ما يد‪ U‬ف حياة الناس‪،‬‬
‫ورب طه بك تاب ا ل و سنة ر سوله صلى ا ل عل يه و سلم إ ل أن ت قوم ال ساعة ل ي ند عن ها‬
‫شيء‪.‬‬

‫والجتهاد مأذون به بل مأمور به‪} :‬فاعت"بروا ي"ا أ‪°‬ولي الأبص"ار{‪.‬‬

‫سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم معاذا رضي ال عنه وهو يوليه على اليمن‪:‬‬
‫)كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟(‪ ،‬قال‪ :‬أقضي بكتاب ال‪ ،‬قال‪) :‬فإن ل تد ف كتاب‬
‫ال؟(‪ ،‬قال‪ :‬فبسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪) :‬فإن ل تد ف سنة رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم؟(‪ ،‬قال‪ :‬اجتهد رأيي‪ ،‬فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم على صدره‬
‫موافقا ومؤيدا لا يقول‪.72‬‬

‫وللجتهاد شروطه العروفة من علم بالفقه وعلم بالصول وعلم باللة – اللغة ‪-‬‬
‫وبصر بأحوال الناس وقدرة على الستنباط واستقامة ف اللق وامانة ف الدين‪ ،‬ولكنه أول‬
‫وأخ يا أداة ربان ية زود ا ل با هذه ال مة لت ظل تت مظ لة ال شريعة ل ترج عن ها ول‬
‫تستبدل با حكم الاهلية‪ ،‬ولتتحرك الركة النضبطة‪ ،‬فل تمد ف مكانا حيث تقتضي‬
‫حر كة ال ياة أن تت قدم‪ ،‬ول تنف لت ف حركت ها فت خرج عن مقا صد ال شريعة‪ ،‬في حدث‬
‫الفساد ف الرض‪.‬‬

‫‪ 72‬رواه أبو داود‪.‬‬


‫)‪(49‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وحصيلة الجتهاد الدائمة‪ :‬صور متغية تدور حول ماور ثابتة‪ .‬سنة ال ف اللق‬
‫كله وف حياة النسان‪ ،‬فتلتقي الشريعة النلة ف نسق واحد مع الكون والياة والنسان‪،‬‬
‫}كت"اب‪ Ë‬أنز"لن"اه إليك" مب"ار"ك‪ Ë‬لي"د)ب)روا آي"اته و"لي"ت"ذكر" أ‪°‬ول‪°‬و الألب"اب{‪.‬‬

‫البحث الرابع‬
‫شبهة تعارض أحكام الشريعة مع مقتضيات الضارة‬
‫الديثة ووجوب الخذ بعايي الضارة دون الشريعة‬
‫أل نا ف الب حث ال ثالث إ ل ب عض جوانب هذه الق ضية‪ :‬ق ضية ت عارض أح كام‬
‫ال شريعة مع مقت ضيات ال ضارة الدي ثة‪ ،‬ف هي ف صميمها فرع عن ق ضية الت طور ا لت‬
‫تفترض أن كل جديد هو بالضرورة خي من كل قدي‪ ،‬لرد أن هذا جديد وذاك قدي‪ ،‬ل‬
‫لزية موضوعية ف هذا ليست موجودة ف ذاك! وإذ كانت الضارة القائمة اليوم "حديثة"‬
‫فهي بذا العتبار خي من كل قدي سبق‪ ...‬ولو كان منل من عند ال!‬

‫وقد نشأ هذا الوهم ف أوربا من مموعة من العوامل بعضها حق وكثي منها باطل‪،‬‬
‫ولكنه و"ه م‪ Ë‬ركب الناس وهم فار‪U‬ون من شبح الكنيسة الزعج؛ }كأن)هم حم ر‪ Ë‬مست"نفر"ة‬
‫فر)ت من قسو"ر"ة{! ولو ل يكونوا ف حالة فرار‪ ،‬ولو ل يكن قسورة وراءهم‪ ،‬فلربا كانوا‬
‫يتعقلون ف هذا المر ‪ -‬وف أمور كثية غيه ‪ -‬فل يتصرفون بل وعي كما يتصرفون‬
‫الن‪ ،‬ث يبثون أوهامهم ‪ -‬بسيطرتم العسكرية والقتصادية والسياسية والعلمية ‪ -‬على‬
‫بقية الرض‪.‬‬

‫حقيقة إن العصر الذي ساد فيه الدين الكنسي الرف كان عهد ظلم ف أوربا‪،‬‬
‫كما يصفون هم بق عصورهم الوسطى الظلمة‪ ،‬وإن العصر الذي تل ذلك‪ ،‬وانسر فيه‬
‫سلطان الكنيسة وسلطان ذلك الدين كان عهد نور وتفتح‪ ،‬وعهد تقدم ف كل ميادين‬
‫الياة‪ ،‬وعهد قوة وسيطرة بالنسبة لوربا خاصة‪.‬‬

‫وقد فهمت أوربا من ذلك أن "الدين" هو سبب التأخر‪ ،‬وأن الضارة الت ل تقوم‬
‫على الدين هي سر‪ Ê‬الفلح ف الدنيا‪ ،‬وهي الت توز للنسان كل أسباب القوة والتقدم‬
‫والرقي‪.‬‬

‫)‪(50‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وقد ناول أن نلتمس العذار لوربا ف طغيان الكنيسة الائر الذي مارسته على‬
‫ال ناس ف كل مالت ال ياة‪ ،‬ف كان م نه طغ يان رو حي وطغ يان مال وطغ يان سيا سي‬
‫وطغيان عقلي وطغيان علمي‪ ...‬وكان يصى على الناس حت خطرات نفوسهم الت ل‬
‫يبوحون با‪ ،‬ويعذبم على يد ماكم التفتيش عند أول شبهة تقوم حول ولئهم للكنيسة‬
‫ومعتقداتا‪ ...‬وقد ناول أن نلتمس لا العذار مرة أخرى ف أن النموذج السلمي ‪-‬‬
‫ا لذي كان قمي نا أن ي صلح ال ياة ف أور با لو اعتن قت ال سلم ‪ -‬قد شوهت الكني سة‬
‫صورته ف ن فوس ا لوربيي بب شاعة ح ي خ شيت من تأثي التو غل ال سلمي ف شرق‬
‫أوربا‪ ،‬كما خشيت من تأثي "الغزو الفكري" السلمي‪ ،‬العائد من البتعثي الوربيي إل‬
‫بلد السلم ومعاهد العلم السلمية‪.‬‬

‫يقول الؤرخ النليزي "ويلز" ف كتابه "معال تاريخ النسانية"‪) :‬ولو تيأ لرجل‬
‫ذي بصية نفاذة أن ينظر إل العال ف مفتتح القرن السادس عشر‪ ،‬فلعله كان يستنتج أنه‬
‫لن تضي إل بضع أجيال قليلة ل يلبث بعدها العال أجع أن يصبح مغوليا ‪ -‬وربا أصبح‬
‫إسلميا(!‪.73‬‬

‫ول كن أور با ع لى أي حال قد أخ طأت ف ت صورها من جانبي ف آن وا حد‪،‬‬


‫إلانب الول هو تصورها للدين الكنسي الرف على أنه هو "الدين"‪ ،‬وأن اليار الوحيد‬
‫أمام ها هو إ ما الب قاء ف ذ لك ا لدين مع الظ لم والظلم وال تأخر‪ ،‬وإ ما ال ياة بل د ين ‪-‬‬
‫وذلك بعد أن عجزت حركات "الصلح الدين" عن إحداث تغيي جوهري ف جوهر‬
‫ال شكلة ‪ -‬وا لانب ا لخر هو ت صورها ‪ -‬بعد ما خر جت من ا لدين ‪ -‬أن التمك ي ف‬
‫الرض هو الغاية القصوى الت خلق النسان من أجلها‪ ،‬وأنه إذا حققها بأي وسيلة فقد‬
‫فاز! وذلك تصور جاهلي من جيع أبعاده‪ ،‬فل التمكي ف الرض ‪ -‬بأية وسيلة ‪ -‬هو‬
‫غاية الوجود البشري‪ ،‬ول تقيقه ‪ -‬وحده ‪ -‬علمة على "التفوق" بالعيار النسان اللئق‬
‫بالنسان!‬

‫إن ال يعطي التمكي ف الدنيا للكافر وللمؤمن معا إذا توفرت من جانبه أسباب‬
‫التمكي‪} :‬ك‪°‬ل‪Î‬ا نمد‪ Ê‬ه"ؤلء و"ه"ؤلء من ع"طاء ر"ب¦ك" و"م"ا كان ع"طاء‪ Á‬ر"ب¦ك" م"حظ‪°‬ورا{‪} ،‬م"ن‬
‫كان يريد الح"ي"اة الد‪Ê‬ني"ا و"زي"نت"ه"ا نو"ف¦ إليهم أعم"الهم فيه"ا و"هم فيه"ا ل يبخ"سون{‪.‬‬

‫بل إن ال ‪ -‬إذا شاء سبحانه ‪ -‬قد يعطي التمكي ف الدنيا للكافر كلما أوغل ف‬
‫الكفر‪ ،‬استدراجا له ليزداد كفرا وليحمل أوزاره كاملة يوم القيامة! }فلم)ا ن"سوا م"ا ذ‪°‬ك‪Ð‬روا‬
‫‪" 73‬ويلز"‪" ،‬معال تاريخ النسانية"‪ ،‬ترجة عبد العزيز توفيق جاويد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1967 3‬م‪ ،‬ج ‪/3‬‬
‫ص ‪.966‬‬
‫)‪(51‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫به فت"حن"ا ع"ليهم أبو"اب" ك‪°‬ل‪ Ð‬ش"يء‪} ،{...‬لي"حمل‪°‬وا أوز"ار"هم كاملة ي"وم" القي"ام"ة و"من أوز"ار‬
‫الذي "ن يضل‪ç‬ون"هم بغ"ير علم{‪.‬‬

‫فليست العبة بالتمكي ف ذاته‪ ،‬ول ف انفتاح أبواب كل شيء للنسان ف الياة‬
‫الدنيا وحدها‪ ،‬إنا خلق النسان ليقوم بدور اللفة الراشدة ف الرض‪ ،‬وليعمر الرض‬
‫بقتضى النهج الربان‪ ،‬وهذا هو تكي الرضا الذي يترتب عليه الفلح ف الدنيا‪ ،‬وحسن‬
‫الآل ف الخرة‪ ،‬كما تفه البكة والطمأنينة‪ ،‬ول يتحقق إل باليان وتقوى ال‪} :‬و"لو أن‬
‫أهل ال ق‪°‬ر"ى آم"نوا و"ات)قوا لفت"ح ن"ا ع"ليهم "بر"كات م ن" ال س)م"اء و"الأرض{‪} ،‬ال ذين" آم"نوا‬
‫و"ت"طم"ئن‪° Ê‬قل‪°‬وبهم بذكر الله أل بذكر الله ت"طم"ئن‪ Ê‬الق‪°‬ل‪°‬وب{‪} ،‬قد أفلح" المؤمنون الذي "ن هم‬
‫في ص"لتهم خ"اشعون و"ال ذين" هم ع"ن الل غو معرضون و"ال ذين" هم للز)كاة فاعل‪°‬ون و"ال ذين‬
‫هم لف‪°‬روجهم ح"افظ‪°‬ون إلا ع"لى أزو"اجهم أو م"ا م"لكت أي م"انهم فإن)هم غير م" ل‪°‬ومي" فم"ن‬
‫اب"ت غ"ى و"ر"اء‪ È‬ذل ك" ف أ‪°‬ولئك" هم ال ع"ادون و"ال ذين" هم لأم"ا ن"اتهم و"ع"هدهم ر"اعون و"ال ذين" هم‬
‫ع"لى ص"لو"اتهم يح"افظ‪°‬ون أ‪°‬ولئك" هم الو"ارث‪°‬ون الذين" ي"رث‪°‬ون الفرد"وس" هم فيه"ا خ"الدون{‪.‬‬

‫أ ما التمك ي ف ا لرض ‪ -‬و حده ‪ -‬وع لى غ ي الن هج الر بان‪ ،‬فعلوة ع لى أ نه‬
‫موقوت بفترة معينة وسن‪U‬ة معينة‪ ،‬فهو مبتوت عن الخرة‪} :‬فلم)ا ن"سوا م"ا ذ‪°‬ك‪Ð‬روا به فت"حن"ا‬
‫ع"ليهم أب و"اب" ك‪ °‬ل‪ Ð‬ش"يء "حت)ى إذا فرحوا ب م"ا أ‪°‬وتوا أ خ"ذن"اهم ب"غ ت"ة فإذا هم مبلسون فق‪°‬طع‬
‫حي"اة الد‪Ê‬ني"ا و"زين"ت"ه"ا‬
‫د"ابر القوم الذين" ظلموا و"الح"مد لله ر"ب¦ الع"المي{‪} ،‬م"ن كان يريد ال "‬
‫نو"ف¦ إليهم أعم"الهم فيه"ا و"هم فيه"ا ل يبخ"سون أ‪°‬ولئك" الذين" ليس" لهم في الآخر"ة إلا الن)ار‬
‫و"ح"بط م"ا ص"ن"عوا فيه"ا و"ب"اطل‪ Ô‬م"ا كانوا ي"عم"ل‪°‬ون{‪.‬‬

‫وفضل عن ذلك فل بركة ف حياتم ول طمأنينة‪ ...‬فهم "يتمتعون"‪ ...‬ولكن‪...‬‬


‫}و"الذين" كفروا "يت" "مت)عون و"ي"أك‪°‬ل‪°‬ون كم"ا ت"أك‪°‬ل‪ °‬الأنع"ام و"الن)ار م"ثوى{ لهم{‪.‬‬

‫كل هذه ال عان كانت غائ بة عن ال ناس ف أور با و هم ينطل قون }كأن)هم حمر‬
‫مست"نفر"ة‪ Ô‬فر)ت من قسو"ر"ة{‪ ،‬فكلها معان ل يدركها النسان الاهلي‪ ،‬الذي قال أقرانه من‬
‫قبل‪} :‬ن"حن أكثر أمو"ال و"أولدا و"م"ا ن"حن بمع"ذبي"{‪} ،‬و"تلك" الأمثال‪ °‬ن"ضربه"ا للن)اس و"م"ا‬
‫ي"عقل‪°‬ه"ا إلا الع"المون{‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث وقعت أوربا ف و"هم جاهلي آخر‪...‬‬

‫)‪(52‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ذلك أنا حي خرجت من أسر الكنيسة الائر أخذت تتعلم‪ ...‬وكان العلم ف ذاته‬
‫صراعا هائل مع الكني سة ا لت حر‪ U‬قت العل ماء و عذبتهم لنم قالوا بكرو ية ا لرض‪،‬‬
‫و خالفوا بعلم هم "معلو مات" الكني سة‪ ،‬أو با لحرى خرافا تا ا لت كانت ترص علي ها‬
‫جهالة منها‪ ،‬وتبثها باسم الدين‪ ،74‬ونشأ من هذا الصراع افتراق طريق العلم عن طريق‬
‫الدين بغي موجب "موضوعي"‪ ،‬ووقوف العلم والدين ف حس الوربيي موقف التضاد‬
‫والتقابل‪ ،‬فمن أراد العلم أهل الدين ‪ -‬أو عاداه ‪ -‬ومن أراد الدين أهل العلم‪ ،‬وانفصلت‬
‫بذلك ف نفس الغرب نزعتان توأمتان‪ :‬نزعة العبادة ل‪ ،‬وهي فطرة‪} :‬فطر"ت" الله التي فطر‬
‫الن)ا س" ع"لي ه"ا ل ت"بديل لخ"لق الل ه ذل ك" ا لد¦ين القي¦م{‪ ،‬ونز عة العر فة و هي كذلك ف طرة‬
‫أودعها ال ف النسان ليقوم بدور اللفة ف الرض‪} :‬و"ع"لم" آد"م" الأسم"اء‪ È‬ك‪°‬له"ا{‪} ،‬ع"لم‬
‫بالقلم ع"ل م" الأن س"ان م"ا لم ي"علم{‪ ،‬وأفسد هذا الصراع طمأنينة النفس إل خالقها وهي‬
‫تتدبر آيات ال ف الكون‪ ،‬وتتعرف على خواص الكائنات لتحقق التسخي الربان لا ف‬
‫السموات والرض ليكون ف متناول النسان‪} :‬و" س"خ)ر" لك‪°‬م م"ا في ال س)م"او"ات و" م"ا في‬
‫الأرض ج"ميعا منه{‪.‬‬

‫تقدم العلم ف أوربا با تعلمته ف مدارس السلمي اول‪ ،‬وكان أبرز ما تعلمته هو‬
‫الن هج التجر يب ف الب حث العل مي‪ ،‬ث ت قدم ثان يا با بذل ا لوربيون من ج هد ج بار ف‬
‫ميدان التجربة والبحث‪ ،‬مع اللد والثابرة وعبقرية التنظيم‪ ...‬ولكنه ف كل خطواته كان‬
‫معاديا للدين بسبب حاقة الكنيسة الكبى ف معاداة العلم والعلماء‪.‬‬

‫وألقى العلم ثاره النية على الساحة الوربية فتقدمت العمارة الادية للرض تقدما‬
‫هائل‪ ،‬وارت قت أ حوال ال ناس الاد ية وانتع شت‪ ،‬واكت سبت أور با قوة ماد ية فت حت با‬
‫ا لرض و سيطرت علي ها‪ ،‬ف عاد علي ها ذ لك بز يد من ا لثروة ومز يد من الرفاه ية والت قدم‬
‫الادي‪.‬‬

‫وكان هذا الوضع "الديث" أفضل ول شك من أوضاع أوربا ف عهود "الظلم"‪.‬‬

‫ولا كان هذا كله قد ت بعد إقصاء أوربا لدينها والنفلت منه‪ ،‬فقد و"قر" ف وهها‬
‫مرة أخرى أن "الدين" هو العوق عن الضارة‪ ،‬وأن الضارة يب أن تكون معادية للدين‬
‫ل كي يق طف ال ناس ثار ها وي ستمتعوا با‪ ،‬وأن الع يار ا لذي يع ي‪U‬ر به الر قي البـش ـري‬
‫هـو "الضارة" وليس "الدين"‪.‬‬

‫‪ 74‬كان من أهم أسباب وقوف الكنيسة ف وجه العلم؛ أنه كان علما إسلميا ف مصدره‪ ،‬وكان يهدد‬
‫بتحول أوربا إل السلم كما أشرنا من قبل‪ ،‬وهذا السبب تفيه الراجع الوربية وهي تتحدث عن‬
‫الصراع بي الكنيسة والعلم‪ ،‬لنا ل تب أن تعترف بفضل السلم والسلمي‪.‬‬
‫)‪(53‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وه نا و"ه م‪ Ë‬مزدوج وق عت ف يه أور با و هي ت ف ‪U‬ر من غول الكني سة بل و عي ول‬


‫انضباط‪.‬‬

‫أحد طرف الوهم تصورها أن "الدين" من حيث هو‪ ،‬كان هو العوق عن الضارة‪.‬‬
‫بين ما كان العوق عن الضارة ف القيقة هو د ين الكني سة ا لرف‪ ،‬ث سلوك الكني سة‬
‫بذلك الدين الرف الذي ابتدعته من عندها ول يتنل من عند ال بذه الصورة الرفة‪.‬‬

‫وال طرف ا لخر من ا لوهم هو ت صور أور با أن ال ياة بل د ين أف ضل ف ج يع‬


‫الحوال وف جيع الالت من الياة بالدين‪...‬‬

‫وسنسلم بأن حياة أوربا ف ظل دينها كانت سيئة‪ ،‬وكان ل بد لا من التمرد على‬
‫ذلك الدين لكي تسن أحوالا السيئة وترج من الظلم الدامس الذي كان يكتنف قرونا‬
‫الوسطى الظلمة‪.‬‬

‫ولك نا لن ن سلم بأن ال ياة بل د ين أف ضل لور با ‪ -‬وللب شرية كا فة ‪ -‬من ال ياة‬


‫بالدين الصحيح الذي ينبغي للبشرية كلها أن تدين به‪.‬‬

‫ف قد تقدم الع لم‪ ،‬ن عم‪ ،‬وت قدمت ال ياة الاد ية ف ج يع مال تا‪ ،‬نعم‪ ،‬ول كن ان ظر‬
‫نظرة فاحصة إل "اللصة" من هذا كله‪...‬‬

‫وانظر إل "النسان" هل ارتقى ف مموعه أم انتكس انتكاسة ربا ل ينتكسها ف‬


‫تاريه الطويل كله‪...‬‬

‫لقد سيطر النسان على "البيئة" ‪ -‬كما يقول "جوليان هكسلي" ف كتابه "النسان‬
‫ف ال عال ا لديث" ا لذي سبقت ال شارة إل يه ف الب حث ال ثالث ‪ -‬وأ خذ ‪ -‬ف ظ نه ‪-‬‬
‫يسيطر على الفضاء‪ ،75‬ولكنه ل يستطع أن يسيطر على شهواته‪ ،‬بل فتح لا الال بكل‬
‫عنفوا نا‪ ،‬سواء ف ذ لك شهوة ال نس‪ ،‬أو شهوة "ال ستمتاع" عن أي طر يق حلل أو‬
‫حرام‪ ،‬أو شهوة السيطرة والتسلط والطغيان‪...‬‬

‫إن الستعمار بكل جرائمه وبشاعاته هو ثرة طبيعية لقيام حضارة جاهلية بل دين‪.‬‬

‫‪ 75‬ما ينفي هذا الوهم؛ فزع الناس من اتساع فتحة الوزون ف الغلف الوي وما قد يترتب على‬
‫ذلك من نتائج مدمرة لياة النسان على الرض‪.‬‬
‫)‪(54‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫إ نه ل يس انرا فا عار ضا كان ي كن لذه ال ضارة أن تتجن به لتح سي سعتها ك ما‬


‫يتوهم بعض الفتوني بذه الضارة‪ ،‬إنه نتاج أصيل لا‪ ،‬فحيثما ملك النسان القوة ول‬
‫يكن يؤمن بال ورسله ورسالته فهذا ديدنه خلل التاريخ كله‪ ...‬يطغى‪ ،‬لن السلطة‬
‫تطغي إن ل تردعها وتضبطها مافة ال وتقواه‪ ،‬ولقد بررت أوربا استعباد المم الضعيفة‬
‫وامتصاص دمائها على نفس النحو الذي كانت المباطورية الرومانية تبر لنفسها ذلك‬
‫المر‪ ...‬تشابت قلوبم! والسبب دائما واحد‪ ...‬قوة ل يصحبها دين‪.‬‬

‫و ضع إن شئت مقار نة سريعة ب ي حر كة التو سع ال سلمي ف ا لرض‪ ،‬وحر كة‬


‫التوسع الرومان ف القدي والتوسع الغرب ف الديث ليتبي لك الفرق‪.‬‬

‫التو سع ال سلمي كان يرر ال ستعبدين ف ا لرض ك ما قال رب عي بن عامر ف‬


‫عبارته البليغة البارعة الت رد فيها على رستم قائد الفرس حي سأله‪ :‬ما الذي جاء بكم‬
‫إل بلدنا؟ قال‪) :‬إن ال ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إل عبادة ال‪ ،‬ومن ضيق‬
‫الدنيا إل سعة الدنيا والخرة(‪ ،‬بينما التوسع الرومان ف القدي والتوسع الغرب ف الديث‬
‫ي ستعبد ا لحرار‪} ،‬ال ذين" آم"نوا يقاتل‪°‬ون في س"بيل الل ه و"ال ذين" كفروا يقاتل‪°‬ون في س"بيل‬
‫الطاغ‪°‬وت{‪.‬‬

‫وإن الفساد اللقي‪ ،‬وما تبعه من انتشار المر والخدرات والشذوذ والرية‪ ،‬هو‬
‫ثرة طبيعية لقيام حضارة جاهلية بل دين‪ ،‬إنه ليس انرافا عارضا كان يكن لذه الضارة‬
‫أن تتجنبه لوقاية نفسها من الدمار‪ ،‬كما يتوهم العجبي با‪ ،‬الائفي عليها! إنا هو نتاج‬
‫أصيل لا‪ ،‬فحيث ما وجدت فرص متاحة للمتاع دون ضابط من دين ين ظم ذلك التاع‪،‬‬
‫كانت النتيجة واحدة‪ ...‬إلغراق ف الشهوات‪ ،‬ث النراف‪.‬‬

‫وإن أ لوان ال نون ا لت ط غت ال يوم ع لى الت مع الغر ب‪ :‬ج نون ال نس‪ ،‬وج نون‬
‫الز ياء‪ ،‬وج نون الزي نة‪ ،‬وج نون ال عري‪ ،‬وج نون ال سينما‪ ،‬وج نون التليفز يون‪ ،‬وج نون‬
‫الف يديو‪ ،‬وج نون ال كرة‪ ،‬وغي ها من أ لوان ال نون الخز ية‪ ،‬كل ها ثرة لق يام ح ضارة بل‬
‫دين‪ ...‬إن كانت قد جاءت متأخرة عن بداية قيام هذه الضارة‪ ،‬فتلك سن‪U‬ة طبيعية من‬
‫سنن ا ل؛ ال تدرج ف كل شيء‪ ،‬ل شيء يأت ف جأة ف أ حوال ال ناس ف ا لرض ‪ -‬إل‬
‫العقاب الصاعق من عند ال حي يقدره سبحانه ‪ -‬إنا يتم كل شيء بالتدريج‪ ،‬ولكن‬
‫على ذات الط الذي يريده الناس لنفسهم من البداية‪ ،‬فإن أرادوا الستقامة على طريق‬
‫ال يس‪U‬ر ال لم الطريق‪ ،‬وإن أرادوا النراف زادهم ما يريدون!‬

‫ول أ حد ي قول إن هذه ال ضارة سوداء كل ها بل ب ياض! و ما كانت ه ناك قط‬


‫جاهلية من جاهليات التاريخ سوداء كلها بل بياض!‬

‫)‪(55‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫نعم! فيها نقط بيضاء كثية متناثرة هنا وهناك‪ ،‬فيها التقدم العلمي‪ ،‬فيها التقدم‬
‫التكنو لوجي ا لذي أزاح عن كا هل الن سان أع باء كثية وح‪U‬ل ها لل لة‪ ،‬في ها ال لد ع لى‬
‫الع مل وال صب وال ثابرة‪ ،‬في ها عبقر ية التنظ يم‪ ،‬في ها ا لروح العلم ية والعمل ية ف ت ناول‬
‫الشكلت‪ ،‬فيها "أخلقيات" نفعية‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكنها تعل التعامل اليومي بي الناس بعضهم‬
‫وبعض مريا سهل خاليا من التعقيد‪...‬‬

‫كل ها ن قط بي ضاء ف هذه الاهل ية‪ ،‬ولكن ها ل تر فع عن ها صفة الاهل ية ل نا ل‬


‫تعرف ال حق معرفته‪ ،‬ول تعبده حق عبادته‪.76‬‬

‫ث إنا لن تنقذها من الدمار ‪ -‬ف موعده القدر عند ال ‪ -‬لنه سن‪U‬ة حتمية من سنن‬
‫ال‪ ،‬تصيب الذين يصرون على تنكب طريقه‪ ...‬إل أن يغي‪U‬روا ما بأنفسهم فيغي ال لم‪:‬‬
‫}إن الله" ل يغ"ي¦ر م"ا بقوم "حت)ى يغ"ي¦روا م"ا بأنف‪°‬سهم و"إذا أر"اد" الله بقوم سوءا فل م"ر"د) له و"م"ا‬
‫لهم من دونه من و"ال{‪} ،‬و"كأي¦ن م"ن قر ي"ة أمليت ل ه"ا و"ه ي" ظال م"ة‪° Ô‬ث م) أ خ"ذته"ا و"إلي‬
‫الم"صي{‪} ،‬فل م)ا ن"سوا م"ا ذ‪ °‬ك‪Ð‬روا به فت"ح ن"ا ع"ليهم أب و"اب" ك‪ °‬ل‪ Ð‬ش"يء "ح ت)ى إذا فرحوا ب م"ا‬
‫أ‪°‬وتوا أ خ"ذن"اهم ب"غ ت"ة فإذا هم مبلسون فق‪°‬ط ع" د"ابر القوم ال ذين" ظلموا و"الح"مد لل ه ر"ب‬
‫الع"المي{‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى؛ فلم يكن من التم على هذه الضارة أن تنبذ الذين لكي تتوصل‬
‫إل القوة والتقدم العلمي والتكنولوجي‪ ،‬فقد كان هذا كله مكنا ‪ -‬كما أمكن للمسلمي‬
‫من قبل ‪ -‬لو أن أوربا اعتنقت السلم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونلص من ذلك كله إل نتائج واضحة‪:‬‬

‫أول‪ :‬أن ظروفا معينة ف أوربا هي الت جعلتها تنبذ الدين‪ ،‬وتقيم عداء بي الدين‬
‫والضارة وبي الدين والعلم‪ ،‬وبي الدين والسياسة‪ ،‬وبي الدين والقتصاد‪ ...‬إل‪.‬‬

‫ثان يا‪ :‬أن أور با توهت أن دين ها هو "ا لدين"‪ ...‬و من ث توهت أن "ا لدين" هو‬
‫الذي ينبغي أن ينب"ذ‪ ،‬وأن الضارة ينبغي أن تقام بل دين‪.‬‬

‫‪ 76‬هذا هو الع ن القرآ ن للجاهل ية ك ما وردت ف موا ضع مت عددة ف ال قرآن الكر ي؛ ال هل بقي قة‬
‫اللوهية‪ ،‬وعدم اتباع ما أنزل ال‪.‬‬
‫)‪(56‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ثالثا‪ :‬أن أوربا حي انفلتت من دينها الفاسد‪ ،‬وانفلتت ف الوقت ذاته من الضوابط‬
‫ا لت ت فظ للن سان إن سانيته‪ ،‬واتب عت أهواء ها‪ ،‬ث أ قامت ع لى هذا ا لوى "ح ضارة"‬
‫أعجبتها لنا تساير أهواءها ث جعلتها هي الصل الذي يقاس عليه كل شيء‪ ،‬ث قاست‬
‫الدين على هذا الصل العتمد عندها فوجدته مالفا للصل العتمد‪ ،‬فنبذته‪ ،‬وجعلت نبذه‬
‫مقياسا للتقدم والضارة والرقي!‪.77‬‬

‫راب عا‪ :‬أن هذا ك له خ لل ف الت صور وخ لل ف ال سلوك أن شأته ظروف معي نة ف‬
‫أوربا‪ ،‬وليس قانونا من قواني الوجود البشري يسري على كل البشر بالضرورة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ث ننتقل بالديث إل السلم‪:‬‬

‫إن مفهوم "الضارة" ف السلم يتلف اختلفا بي‪U‬نا عن الفهوم الغرب‪ ،‬وإن التقى‬
‫معه إلتقاء عارضا ف ضرورة السعي إل عمارة الرض‪.‬‬

‫الضارة ف الفهوم السلمي؛ هي النشاط الذي يقوم به النسان ف شت مالت‬


‫حياته ليحقق غاية وجوده‪.‬‬

‫ومن ث ينبغي أن نعلم بادئ ذي بدء غاية الوجود البشري لنحدد بعد ذلك كنه‬
‫"الضارة" الت تناسب تلك الغاية وتققها‪.‬‬

‫يقول شاعر جاهلي معاصر‪) :78‬جئت ل أعلم من أين‪ ،‬ولكن أتيت! ولقد أبصرت‬
‫قدامي طريقا فمشيت!(‬

‫وهكذا انتهت حياته إل "العبثية" لنه جهل غاية وجوده‪ ،‬وهو يثل ف القيقة أزمة‬
‫الاهلية العاصرة‪ ،‬الت تقود تلك الاهلية إل النون كلما أوغلت ف الطريق‪.‬‬
‫‪ 77‬يكرر "ألكسيس كاريل" ف كتابه "النسان ذلك الهول" ‪ -‬سبقت الشارة إليه ‪-‬؛ أن النسان‬
‫العا صر قد صنع لنف سه ح ضارة خاطئة بدافع شهوته‪ ،‬ولكن ها ل تنا سب ت كوينه‪ ،‬و لذلك ف هي ف‬
‫طريقها للنيار‪.‬‬
‫‪ 78‬هو الشاعر إيليا أبو ماضي‪.‬‬
‫)‪(57‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫والسلم يدد تديدا واضحا غاية الوجود البشري‪ ،‬فيضع أمام النسان كل شيء‬
‫ف م كانه ال صحيح‪} :‬و" م"ا خ"لقت الج ن) و"الأن س" إلا لي"عبدون{‪} ،‬إ ن)ا خ"لق ن"ا الأن س"ان من‬
‫نطفة أمش"اج ن"بت"ليه فج"ع"لن"اه س"ميعا ب"صيا{‪} ،‬هو" أنش"أك‪°‬م من" الأرض و"است"عم"ر"ك‪°‬م فيه"ا{‪،‬‬
‫}و"إذ قال ر"ب‪ Ê‬ك" للم"لئكة إ ن¦ي ج"اعل‪ Ô‬في الأرض خ"ليفة{‪} ،‬ه و" ال ذي ج"ع"ل لك‪°‬م الأرض‬
‫ذل‪°‬ول فامشوا في م"ن"اكبه"ا و"ك‪°‬ل‪°‬وا من رزقه و"إليه الن‪Ê‬شور{‪} ،‬و"س"خ)ر" لك‪°‬م م"ا في الس)م"او"ات‬
‫و"م"ا في الأرض ج"ميعا منه{‪} ،‬و"لك‪°‬م في الأرض مست"قر‪ è‬و"م"ت"اع‪ Ë‬إلى حي{‪.‬‬

‫ونفهم من مموع هذه اليات وأمثالا؛ أن النسان خلق ليعبد ال وأنه خلق ليكون‬
‫خليفة ف الرض‪ ،‬وأنه خلق للبتلء‪ ،‬وأنه خلق لقدر من التاع يناله ف الياة الدنيا‪ ،‬وأنه‬
‫خلق ليعمر الرض بالسعي ف مناكبها والكل من رزق ال‪ ،‬وبالسعي إل تسخي طاقات‬
‫السموات والرض‪...‬‬

‫ول تعارض بي هذه الهداف جيعا‪ ،‬فكلها ف النهاية تلتقي ف مفهوم العبادة ف‬
‫السلم‪.‬‬

‫لقد خلق ال النسان ليكون هو الهيمن السيطر النشئ البان العمر ف الرض‪،‬‬
‫وعلم ال أن هذه اله مة تستلزم أن تكون ف كيان الن سان مموعة من الدوافع القوية‬
‫تدفعه للقيام بذا النشاط‪ ،‬حت ل تقعد به العقبات عن القيام بهمته؛ ل البحار ول النار‬
‫ول البال ول البد ول الر ول المراض‪ ...‬ولكن ال يعلم كذلك أن هذه الدوافع ‪ -‬أو‬
‫س"م¦ها الشهوات ‪ -‬مع لزومها له‪ ،‬ل تصلح أن يستجيب لا النسان إل آخر الدى لنا‬
‫عندئذ تدمره بدل من أن تعينه على أداء مهمته‪ ،‬فرسم للستمتاع با حدودا معينة وقال‪:‬‬
‫}تل ك" حدود الل ه فل ت"قر"بو ه"ا{‪ ،‬و }تل ك" حدود الل ه فل ت"ع ت"دوه"ا{‪ ،79‬وج عل مو ضع‬
‫البتلء هو هذا‪ :‬هل يستجيب النسان للمر الربان‪ ،‬فيلتزم ف تناوله للمتاع بالدود الت‬
‫حددها ال؟ أم يتجاوز الدود رغبة منه ف مزيد من التاع؟ وجعل ذلك كله هو "العبادة"‬
‫الت خلقه من أجلها على سبيل الصر‪ ،‬العب عنه ف الية الكرية بالنفي والستثناء‪} :‬و"م"ا‬
‫خ"لقت الج ن) و"الأن س" إلا لي"عبدون{‪ ،‬و ها أ قوى أدوات ال صر ف اللغة العرب ية‪ ،‬ث قدر‬
‫سبحانه أنه من استجاب لذه العبادة ‪ -‬بعناها الواسع الشامل ‪ -‬فإن له النة خالدا فيها‪،‬‬
‫ومن اعرض وعصى واتبع هواه فإن له جهنم خالدا فيها‪.‬‬

‫‪ 79‬يلحظ أنه حي تكون الشهوة عنيفة يرد قوله تعال‪} :‬تلك" حدود الله فل ت"قر"بوه"ا{ ]سورة البقرة‪:‬‬
‫‪ ،[187‬لن القرب ل يؤمن معه الزلل أما الدوافع الت يؤمن الزلل فيها فيجيء ف شأنا؛ }تلك" حدود‬
‫الله فل ت"عت"دوه"ا{ ]سورة البقرة‪.[229 :‬‬
‫)‪(58‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫تلك هي قصة النسان من مبدئه إل منتهاه‪ ...‬وهي الت تدد له كل شيء ف‬


‫حياته منذ يبلغ سن التكليف إل أن يلقى ال‪.‬‬

‫وهي الت تدد له كذلك مفهوم "الضارة" الت ينبغي أن يسعى إل إقامتها‪.‬‬

‫إنا ليست مقصورة على العمارة الادية للرض ‪ -‬وإن كانت تشملها ‪ -‬إنا هي‬
‫على وجه التحديد؛ عمارة الرض بقتضى النهج الربان‪ ،‬وعندئذ فقط تصبح مققة لغاية‬
‫الوجود البشري‪ ،‬لنا عندئذ تدخل ف مفهوم العبادة الواسع الذي تشمله الية الكرية‪:‬‬
‫}ق‪°‬ل إن ص"لتي و"نسكي و"م"حي"اي" و"م"م"اتي لله ر"ب¦ الع"المي" ل ش"ريك" له‪.{...‬‬

‫والن هج الر بان هو هذا ا لدين! )إن ا لد¦ين" عن د" الل ه الأسلم{‪} ،‬و"م"ن ي"بت"غ غير‬
‫الأسلم دينا فلن يقب"ل منه و"هو" في الآخر"ة من" الخ"اسرين{‪.‬‬

‫ومن ث فالدين هو الضارة‪ ...‬والضارة هي السلم!‬

‫وهذا هو الذي فهمه السلمون وهم يقيمون أروع حضارة ف تاريخ البشرية‪...‬‬
‫إل ضارة ا لت حررت "الن سان" من العبود ية لغ ي ا ل‪ ،‬من ال هل والرا فة‪ ،‬من النان ية‬
‫والت سلط‪ ،‬من العبود ية لل هوى وال شهوات‪ ،‬من الظ لم ف ج يع أ شكاله؛ السيا سية‬
‫والقت صادية والجتماع ية‪ ...‬ظ لم الن فس وظ لم ا لخرين‪ ،‬وا لت حررت ا لرأة و حررت‬
‫العبيد‪ ،‬ورفعت الناس إل الستوى اللئق بالنسان‪.‬‬

‫وهي فوق ذلك الت حوت العلم النافع‪ ،‬وظلت تعلمه للبشرية عدة قرون‪ ،‬سواء ف‬
‫مال العلوم الشرعية أو العلوم الدنيوية الت برعت فيها المة السلمية يوم كانت تتمسك‬
‫بدين ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الع يار إذن هو ا لدين! هو ال سلم! لنه هو ا لذي يدد غا ية الو جود الب شري‪،‬‬
‫و يدد من ث شكل الن شاط ا لذي ي قق ت لك الغا ية ع لى أح سن و جه‪ ...‬وت لك هي‬
‫الضارة القة اللئقة بالنسان‪...‬‬

‫)‪(59‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ما بال ب عض "ال سلمي" إذن يزوون و جوههم وق لوبم وأف كارهم عن ال ضارة‬
‫القة والعيار الق‪ ،‬ليتخذوا العيار الختل الذي ابتليت به أوربا لظروفها الاصة هناك؟!‬

‫لكي نسن الظن بم نقول إن واقع السلمي اليوم‪ ،‬السيئ غاية السوء‪ ،‬هو الذي‬
‫لوى أعناق هؤلء عن الفهوم الصحيح للحضارة‪ ،‬فاتذوا بدل منه معيار أوربا‪ ،‬الذي‬
‫يصور الدين معوقا عن الضارة‪ ،‬وينادي بنبذ الدين لكي تتقدم الياة‪.‬‬

‫ولكنا مهما أحسن‪U‬ا الظن بم ل نستطيع أن نعتذر عنهم!‬

‫وكيف نعتذر عن قوم يسمعون كلم ال فيزورون عنه‪ ،‬ويقولون‪ :‬سنتخذ العيار‬
‫الغرب بدل من كلم ال؟!‬

‫واقع السلمي اليوم سيئ ل بسبب تسكهم بالدين‪ ،‬بل بسبب بعدهم عن الدين‪،‬‬
‫ولذا فهم غي متحضرين‪ ،‬ويوم كانوا يعرفون دينهم العرفة القة‪ ،‬ويتمسكون به على‬
‫بصية كانوا هم المة التحضرة ف الرض‪ ،‬وسبيلهم إل الضارة اليوم أن يعودوا إل‬
‫دينهم‪ ،‬فيجدوا فيه كل مقومات الضارة‪ ،‬وأولا معرفة ال وعبادته‪ ،‬واتباع ما أنزل ال‪.‬‬

‫إن التخ لف العل مي وا لادي والر ب والسيا سي والقت صادي وا لخلقي‪ ،‬ا لذي‬
‫يشكل ف مموعه "التخلف الضاري" ليس هو الداء الصيل ف هذه المة‪ ،‬كما يتصور‬
‫الذين يفهمون أن نقل حضارة الغرب إل الشرق هو الذي سيخلص المة من تلفها‪،‬‬
‫وينشئها نشاة جديدة!‬

‫إن هذا التخ لف ب كل فرو عه وأ شكاله إ نا هو نتي جة لتخ لف العق يدة ف ن فوس‬
‫ال سلمي‪ .‬لن هذه العق يدة هي ا لت من حت ال سلمي الت قدم العل مي وا لادي والر ب‬
‫والسياسي والقتصادي والخلقي‪ ...‬يوم كانوا مؤمني حقا بذا الدين‪.‬‬

‫فا لذين يت خذون وا قع السلمي السيئ ذريعة لتنحية ال شريعة ال سلمية‪ ،‬هم فوق‬
‫هزيت هم الروح ية والفكر ية أ مام ال غرب‪ ،‬جاهلون ب قائق التار يخ‪ ،‬بال ضافة إ ل جهل هم‬
‫بالسنن الربانية الت تكم حياة البشر على الرض‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(60‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫يقال فيما يقال إن الدود ف الشريعة السلمية مظهر "غي حضاري"! إن كان‬
‫يناسب البيئة البدوية الت نزل فيها القرآن‪ ،‬فهو ل يناسب البيئة التحضرة الت يعيش فيها‬
‫سكان العال الديث! ما أفظع أن تقطع يد السارق! ما أفظع أن يرجم الزان! إنا السجن‬
‫هو العقوبة الهذبة اللئقة بالضارة! أو إن شئتم‪ ...‬فل عقاب!‬

‫ويقال كذلك فيما يقال‪ :‬إن الشريعة السلمية تظلم الرأة وتأب عليها ما منحته‬
‫إياها الضارة الديثة من الريات والقوق!‬

‫وما بنا أن نعيد كلما قلناه من قبل ونن نستعرض قضية التطور‪.‬‬

‫إ نا ن قول إن هذه ال شريعة هي الت شريع الوح يد ف ا لرض‪ ،‬ا لذي أ خذ مو ضوع‬
‫الرية والعقاب من كل زواياه ف آن واحد‪.‬‬

‫إن السلم ل يبدأ بتقرير العقوبة ول بتوقيع العقوبة‪.‬‬

‫إنا يبدأ بوقاية التمع من الرية‪ ،‬بالحاطة بنابعها قبل أن تنبع‪.‬‬

‫وأول إحاطة هي بالقلب البشري ذاته‪ ،‬منبع الي ف النسان إذا صلح‪ ،‬ومنبع الشر‬
‫فيه إن فسد‪) :‬أل وإن ف السد مضغة إذا صلحت صلح السد كله وإذا فسدت فسد‬
‫السد كله‪ ،‬أل وهي القلب(‪.80‬‬

‫ويوجه السلم لذا القلب جهده الول والكب‪ ،‬لينقيه ويصفيه ويربطه بال جل‬
‫شأنه من خيطي الوف والرجاء‪} :‬و"ي"رجون ر"حم"ت"ه و"ي"خ"اف‪°‬ون ع"ذاب"ه{‪.‬‬

‫والساء والصفات الت وردت ف كتاب ال‪ ،‬وف أحاديث الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬نزلت لتربية هذا القلب وربطه بال‪ ،‬فهي تيط بالقلب البشري ف جيع أحواله‬
‫وجيع تصرفاته‪ ،‬إن ت"طل ع" إل شيء فكل شيء بيد ال‪ ،‬وإن خاف من شيء فكل شيء‬
‫بيد ال‪ ،‬هو الرزاق‪ ،‬هو الهيمن‪ ،‬هو الدبر‪ ،‬هو الذي بيده مقاليد كل شيء‪ ،‬وهو الغفور‬
‫الرحيم‪ ،‬وهو البار التكب‪ ،‬وهو الذي يبدأ اللق ث يعيده‪ .‬منه النشأ وإليه الصي‪.‬‬

‫‪ 80‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪(61‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وحي يترب القلب على هذه الصورة فهو ل يتجه أصل إل الرية‪ ،‬لنه ياف‬
‫مقام ربه فينهى النفس عن الوى‪ ،‬ولنه يشعر بالقناعة با بي يديه من فضل ال‪ ،‬فإذا‬
‫رغب ف الزيادة فعند ال الزيد‪.‬‬

‫ول ن قول إن الترب ية ال سلمية تول ال ناس إ ل ملئ كة‪ ،‬وت نع نوازع ال شر من‬
‫نفوسهم فل يعود ف قلوبم غل ول حقد ول غضب ول سخيمة‪ ...‬فذلك ل يتحقق إل‬
‫ف النة‪} :‬و"ن"ز"ع ن"ا م"ا في صدورهم من غ ل‪ ï‬ت"جري من ت"حتهم الأن ه"ار و"قال‪°‬وا الح"مد لل ه‬
‫الذي ه"د"ان"ا له"ذا و"م"ا ك‪°‬ن)ا لن"هت"دي" لول أن ه"د"ان"ا الله لقد ج"اء‪È‬ت رسل‪ °‬ر"¦بن"ا بالح"ق¦ و"نودوا‬
‫أن تلك‪°‬م الج")نة‪ °‬أ‪°‬ورثتموه"ا بم"ا ك‪°‬نتم ت"عم"ل‪°‬ون{‪.‬‬

‫إنا نقول على يقي‪ :‬إن التمع السلمي ‪ -‬حيثما وجد متمع إسلمي حق ‪ -‬هو‬
‫أقل متمعات الرض جرية‪ ،‬وإن العامل الول ف ذلك هو هذه التربية الت تربط القلب‬
‫بال‪ ،‬يبه ويشاه‪.‬‬

‫والسلم مع ذلك نظام واقعي‪ ،‬ل يفترض ف الناس الناعة والو موبوء بالراثيم‪،‬‬
‫إنا يكافح الرثومة ف ذات الوقت الذي يرب فيه مناعة القلوب‪.‬‬

‫فأما السرقة فجرثومتها الوع والفقر‪ ،‬ويسعى النظام السلمي إل مكافحة الوع‬
‫والفقر بتشريعاته وتنظيماته وتوجيهاته جيعا حت ل يو جد ف ا لرض جائع يضطر إ ل‬
‫السرقة بسبب الوع‪.‬‬

‫وأما الزنا فجرثومته الفتنة والثارة والتبج واللعة‪ ،‬والفراغ من القيم الادة الت‬
‫تستوعب مشاعر الناس وطاقاتم‪ ،‬والترف والترهل‪ ...‬والسلم ينع ذلك كله وياربه‪،‬‬
‫و ف ذات ا لوقت يدعو إ ل التعج يل بالح صان ‪ -‬بالزواج ‪ -‬و يدعو إ ل تي سيه‪ ،‬ل كي‬
‫تأخذ المور منطلقها الطبيعي ول يتاج أحد إل الرية‪.‬‬

‫وكذلك ف بقية الدود‪ ...‬يسعى النظام السلمي إل الحاطة بنبع الرية قبل أن‬
‫يلوث الو بالراثيم‪.‬‬

‫و مع ذ لك ين ظر ال سلم ف كل حا لة م فردة؛ هل ارت كب الر ية مرتكب ها و هو‬


‫معذور؟! فإن قامت الشبهة فإن السلم يدرأ الد بالشبهة‪ ،‬ول يوقع الد إل عند التيقن‬
‫من أن مرتكب الرية غي معذور‪.‬‬

‫)‪(62‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وهذا هو تصرف عمر رضي ال عنه حي أوقف حد السرقة ف عام الرمادة‪ ،‬عام‬
‫الوع‪ ،‬وحي جيء له بغلمان سرقوا ناقة فلم يقم عليهم الد‪ ،‬بل ألزم سيدهم أن يعوض‬
‫صاحب الناقة بضعف ثنها عقوبة له على تويع غلمانه‪ ،‬وقال له‪) :‬وال لول أن أعلم‬
‫أنكم تستعملونم فتجيعونم‪ ،‬حت إن أحدهم لو أكل ما حرم ال عليه لل له‪ ،‬لقطعت‬
‫أيديهم‪ ،‬فإذ ل أفعل فلغرمنك غرامة توجعك(! ث التفت إل صاحب الناقة فقال‪) :‬بكم‬
‫أريدت منك ناقتك؟(‪ ،‬قال‪ :‬بأربعمائة‪ ،‬فقال لبن حاطب ‪ -‬صاحب الغلمان ‪) :-‬اذهب‬
‫فأعطه ثانائة(!‪.81‬‬

‫والد ف ذاته أداة للوقاية من الرية‪ ،‬فإن شدته اللحوظة قد قصد با تويف من‬
‫تدثه نفسه بارتكاب الرية ‪ -‬وهو غي معذور ‪ -‬فيفكر مرات ومرات قبل أن يقدم على‬
‫التنفيذ‪.‬‬

‫ث إن السلم حي يوقع الد على مرتكب الرية ‪ -‬غي العذور ‪ -‬ل ينبذه من‬
‫أجل جريته‪ ،‬إنا الد كفارة للتطهي‪ ...) :‬فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به ف الدنيا‬
‫فهو له كفارة(‪.82‬‬

‫لذلك يرد له ال سلم صفحته بي ضاء نق ية‪ ،‬فل يل مز ول يغ مز ول يغ تاب‪ ،‬ول‬


‫توصد ف وجهه البواب حت ل يعود إل الرية من جديد‪...‬‬

‫أي تشريع ف الرض كلها ‪ -‬قديها وحديثها ‪ -‬أحاط بوضوع الرية والعقاب‬
‫هذه الحاطة‪ ،‬فشمله من كل جوانبه‪ ،‬ووضع له التشريع المثل كما فعلت شريعة ال؟‬
‫ومع ذلك يعدلون؟! }أفحكم" الج"اهلي)ة ي"بغون و"م"ن أحس"ن من" الله حكما لقوم يوقنون{‪.‬‬

‫أيهما خي؟ متمع نظيف ل تدث فيه الرية إل شذوذا يستنكر‪ ،‬أم متمع يعج‬
‫بالرية‪ ،‬تعمل كل الجهزة على منعها أو حصرها فتتزايد كل يوم؟!‬

‫وأيهما هو التمع التحضر؟ التمع الذي ينادي فيه رئيس الدولة شعبه فيقول‪" :‬ل‬
‫يرج أ حدكم و حده بعد الغروب‪ ،‬ول يم لن ف جي به أ كثر من ثلث ي دولرا ل كي ل‬
‫يتعرض للمجرمي وقطاع الطريق"‪ ،83‬أم ذلك التمع الذي وصفه رسول ال صلى ال‬
‫‪ 81‬من رواية الطبان‪.‬‬
‫‪ 82‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ 83‬من نداء وجهه الرئيس "ريان"‪ ،‬رئيس الوليات التحدة المريكية‪ ،‬إل شعبه وقت توليته‪ ،‬ونشرته‬
‫الصحف ف حينه‪.‬‬
‫)‪(63‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫عليه وسلم‪) :‬وال ليتمن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت ل‬
‫ياف إل ال والذئب على غنمه(‪.84‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحديث الرأة والضارة حديث يطول‪ ،85‬ولكنا نتصره ف كلمات‪.‬‬

‫لقد كانت الرأة مهينة حق‪ò‬ا ف التمع الغرب‪ ،‬ل تعامل على أنا إنسانة‪ ،‬وترم من‬
‫كثي من القوق‪ ،‬ويتجادل بعض الفلسفة ف شأنا؛ هل لا روح أم ليس لا روح؟ وإن‬
‫كان لا روح فهل هي روح إنسانية أم حيوانية؟ وإن كانت روحا إنسانية فهل هي من‬
‫نفس مستوى روح الرجل أم أقل!‬

‫و كانت للرهبان ية ا لت اب تدعتها الكني سة أثر ها ف ن ظرة الت مع إ ل الرأة ع لى أنا‬


‫أحبولة الشيطان‪ ،‬الت ينبغي أن يجر عليها كل الجر‪ ،‬لتضييق منافذ الشيطان‪ ،‬ويزر"ى‬
‫با كل زراية لكي ينخنس الشيطان ف داخلها‪ ،‬ول يرج إل قلوب الرجال ف الطريق‪.‬‬

‫وثارت الرأة ‪ -‬أو أثيت لمر يراد ‪ -‬وتررت ‪ -‬أو تللت ‪ -‬من جيع القيود‪...‬‬
‫فخرجت الفتنة هائجة ف الطريق‪ ،‬كما هو مشهود ف الغرب‪ .‬ما ل يتاج إل بيان‪.‬‬

‫ول كن عبة ا لديث أن ا لرأة ف ال غرب قد بدأت تتن به أخ يا إ ل أن الر جل قد‬


‫أطلق ها ليع بث با وبكرامت ها وإن سانيتها‪ ،‬وي ستغلها تارة را بة عن طر يق إ ثارة ال غرائز‬
‫وتي يج ال شهوات‪ .‬ك ما أطلق ها ليتخ فف من شطر من تب عاته وت كاليفه‪ ،‬ويم‪U‬ل ها لل مرأة‬
‫"التحررة"! فبدأت بعض "العاقلت" يدعون الرأة إل الرجوع إل ملكتها الت هجرتا ‪-‬‬
‫إ ل بيت ها ‪ -‬وإ ل مهمت ها ال كبى ا لت أهلت ها و هي شاردة تب حث عن و سائل البه جة‬
‫والتاع‪ ،‬وهي رعاية النشء الذي تشرد وضاع حي فقد البيت الستقر‪ ،‬الم التفرغة‪...‬‬
‫كما تبي ذلك من خلل لقاءات قام با التليفزيون الفرنسي على مدى عام كامل مع‬
‫فريق من النساء العاملت‪ ،‬اللوات يتل معظمهن مراكز مرموقة ف التمع‪ ،‬فرد أكثرهن‬
‫بأن أمنيتهن الكبى أن يعدن إل البيت ويتركن ما حم¦لن"ه من أعباء! كما قامت مظاهرة‬
‫نسائية ف أمريكا احتجاجا على عرض ملبس الرأة الداخلية ف واجهات اللت على‬
‫أجساد "الانيكان" لن فيه إهانة للمرأة وتدنيسا لكرامتها‪.‬‬

‫‪ 84‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ 85‬انظر إن شئت "مذاهب فكرية معاصرة ‪ ،‬فصل؛ "دور اليهود"‪.‬‬
‫)‪(64‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وال سلم هو ا لذي أع طى ا لرأة كرامت ها الن سانية‪ ،‬وحرر ها من ظ لم الاهل ية‬
‫وصانا ف الوقت ذاته من التبذل الذي سيقت إليه الرأة الغربية ثنا للحصول على حريتها‪،‬‬
‫وما تزال الرأة ف بعض بلد الغرب "التحضر" ل ت ستطيع أن تتعامل تعامل مبا شرا ف‬
‫شئون من شئون الياة أعطاها السلم حق التعامل الباشر فيها‪ ،‬ول تزال تفقد اسها حي‬
‫تتزوج ويصبح اسها "مدام فلن"! الت يقال إن أصلها التاريي هو اللكية التامة وحرية‬
‫التصرف‪!86‬‬

‫أ ما ال سلم في قرر م ساواة الر جل وا لرأة ف الن سانية‪ ،‬و ف ا لزاء ف ا لخرة‪:‬‬
‫}فاست"ج"اب" لهم ر"ب‪Ê‬هم أن¦ي ل أ‪°‬ضيع ع"م"ل ع"امل منك‪°‬م من ذكر أو أ‪°‬نثى ب"عضك‪°‬م من ب"عض‬
‫فال ذين" ه"اج"روا و"أ‪°‬خرجوا من د ي"ارهم و"أ‪°‬وذ‪°‬وا في س"بيلي و"قات"ل‪°‬وا و"ق‪°‬ت ل‪°‬وا ل أ‪°‬كف‪Ð‬ر"ن ع"نهم‬
‫س"ي¦ئاتهم و"ل أ‪°‬دخلن)هم ج"ن)ات ت"جري من ت"حته"ا الأن ه"ار ثو"ابا من عند الله و"الله عن د"ه حسن‬
‫الثو"اب{‪.‬‬

‫ول ينظر السلم إل الرأة الؤمنة على أنا شيطان‪ ،‬وإنا هي شريكة ف بناء التمع‬
‫ع لى أس سه القو ية‪} :‬و"المؤمنون و"المؤم ن"ات ب"عضهم أول ي"اء‪ Á‬ب"عض ي"أمرون بالم"عروف‬
‫و"ي"ن ه"ون ع" ن المن ك ر و"يقي م ون ال ص)لة و"يؤ ت ون الز) ك اة و"يطي ع ون الل ه" و"ر" س وله أ‪°‬ولئ ك‬
‫"سي"رح"مهم الله إن الله" ع"زيز‪ Ë‬ح"كيم{‪.‬‬

‫والذي يريده "الضاريون التطوريون" ف القيقة ليس هو ترير الرأة‪ ،‬ول الفاظ‬
‫ع لى كرامت ها‪ ،‬إ نا هو إ شاعة الفاح شة ف الت مع‪ ،‬لينته بوا من ال لذات ما ي شاءون بل‬
‫حاجز ول رقيب‪ ،‬وأولئك هم الشياطي!‪} :‬إن الذين" يحب‪Ê‬ون أن ت"شيع" الفاحش"ة‪ °‬في الذين‬
‫آم"نوا لهم ع"ذاب‪ Ë‬أليم‪ Ë‬في الد‪Ê‬ني"ا و"الآخر"ة و"الله ي"علم و"أنتم ل ت"علمون{‪.‬‬

‫أما ما يشيع ف التمع السلم اليوم من مظاهر جاهلية تاه الرأة فعلجه العودة إل‬
‫النهج الربان الصحيح‪ ،‬وليس علجه النفلت مع الضاريي التطوريي‪ ،‬الذين يسعون‬
‫ف الرض فسادا وال ل يب الفساد‪.‬‬

‫‪ 86‬تقول بعض العاجم اللغوية الوربية؛ إن الصل ف كلمة "مدام" ]‪ [Madame‬هو ]‪،[My Domain‬‬
‫أي متلكات النسان الت يلك السلطة الكاملة عليها! ول نلك نن إثبات هذا العن ول نفيه‪ ،‬وإن‬
‫كان واقع الياة الوربية ف العصور الوسطى يظاهره!‬
‫)‪(65‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫البحث الامس‬
‫شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة‬
‫بسبب وجود القليات غي السلمة‬
‫معن هذه الشبهة بعبارة صرية أن القلية تلك منع الغلبية من مارسة دينها!‬

‫فمت كانت هذه ف التاريخ كله‪ ...‬وعلى أي أساس تقوم؟!‬

‫مت كان من حق أي أقلية ف التاريخ البشري كله أن تتحكم ف الغلبية‪ ،‬وتقول‬


‫لا ل تار سي دي نك ا لذي تؤمني به لن ف ذ لك عدوانا ع لى كيان نا‪ ،‬أو عدوانا ع لى‬
‫حقوقنا؟!‬

‫ولنأخذ حال القليات السلمة ف بلد الرض ف واقعنا العاصر‪.‬‬

‫إن أقلية واحدة من القليات السلمة ف الرض ل تقم ‪ -‬بداهة ‪ -‬بطالبة الكثرية‬
‫الاكمة بالكف عن مارسة دينها‪ ،‬ماملة لوجودها بي ظهرانيها‪...‬‬

‫ولك نا نر يد أن ن فترض هذا ال ستحيل! فك يف ي كون رد الف عل لدى الكثر يات‬


‫الاكمة ف العال‪ ،‬لو تقدمت أقلية مسلمة بثل هذا الطلب العجيب؟!‬

‫إن أتصور رد الفعل الفوري ف آسيا وأفريقيا مذابح للمسلمي تسيل فيها الدماء‬
‫كالنار‪ ،‬وأتصور رد الفعل ف العال "الر‪ "!U‬مظاهرات صاخبة تطالب بإخراج السلمي‬
‫من البلد!‬

‫وليس هذا التصور خيال بل حقيقة‪.‬‬

‫ف في ال ند ت قوم الذا بح بالف عل للم سلمي ال نود‪ ،‬ل لنم ‪ -‬م عاذ ا ل ‪ -‬ت قدموا‬
‫بطلب جنون مثل هذا الطلب‪ ،‬إنا فقط لنم مسلمون! فمجرد أنم مسلمون يثي عليهم‬
‫حفيظة الوثنيي النود عباد البقر‪ ،‬فيهجمون عليهم‪ ،‬فيقتلون من يقتلون منهم‪ ،‬ويرقون‬
‫عليهم دورهم‪ ،‬ث ينصرفون آمني ل ينالم عقاب!‬

‫)‪(66‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وف الفلبي جاء النصارى فأخرجوا السلمي من أرضهم الغنية‪ ،‬واضطروهم إل‬
‫أرض جدبة مهدة‪ ،‬ث ل يكفوا حت هذه اللحظة عن مضايقتهم ليخرجوهم ما بقي ف‬
‫أ يديهم من ا لرض‪ ،‬وت و"ج)ه ال قوات النظام ية لق تالم بو صفهم "متمرد ين"‪ ...‬متمرد ين‬
‫بدينهم! أي بكونم مسلمي‪!87‬‬

‫و ف ال عال ال شيوعي ‪ -‬ف رو سيا وال صي ‪ -‬جرت الذا بح الماع ية ف أب شع‬


‫صورها‪ ،‬وقتل الليي من الناس جهرة لرد أنم مسلمون‪ ،‬وسيت تلك الذابح الماعية‬
‫"حركات تطهي"!‬

‫أما إفريقيا فل يقل حالا سوءا عن ذلك‪.‬‬

‫ولنأخذ نوذجا من البشة‪:‬‬

‫يظن كثي من الناس أن السلمي أقلية ف البشة‪ ،‬وهذا الظن ذاته له دللة! فلول‬
‫السف الذي ييط بالسلمي هناك‪ ،‬والذل الذي يرهقهم‪ ،‬ما توهم أحد أنم أقلية‪ ،‬ف‬
‫حي أنم يبلغون خسة وستي ف الائة من مموع السكان ‪ -‬وذلك قبل ضم أريتريا إل‬
‫البشة وأغلبيتها الساحقة من السلمي! ‪ -‬ث سعت البشة الت يكمها النصارى رغم‬
‫أغلبيتها السلمة‪ ،‬سعت إل ضم أريتريا السلمة لذلل السلمي‪ ،‬وإجلئهم عن دينهم‬
‫وعقيدتم‪ ،‬فقتلت منهم مئات اللوف‪ ،‬وما زالت تقتل‪ ،‬وشردت الليي‪ ...‬لرد كونم‬
‫مسلمي!‬

‫وأما ف البشة ذاتا فـ "الغلبية" السلمة مرومة من حقوقها السياسية حرمانا‬


‫كامل‪ ،‬فمن حقها أن تكون هي الاكمة بكم أنا هي الغلبية‪ ،‬فل تك‪Î‬ن من ذلك‪ ،‬ث ل‬
‫يكون منها وزير ف الكم‪ ،‬ول رجل ف منصب حيوي‪ ،‬ول يدرس لبنائهم السلم ف‬
‫مدارس الدولة الت يشرف عليها النصارى‪ ،‬ول يتاح لم أن يفتحوا مدارس لتعليم أبنائهم‬
‫القرآن والدين‪ ،‬إل "الكتاتيب" الت تظل الدولة ترهقها بالضرائب حت تغلقها‪ ،‬وير‪U‬م على‬

‫‪ 87‬كانت الفلبي منذ قرون طويلة أرضا إسلمية‪ ،‬ث طمعت الصليبية ف ضمها إليها‪ ،‬وعرض "ماجلن"‬
‫على البابا أن يقود حلة تتول ضم الفلبي إل ملك النصارى‪ ،‬فعارض البابا ف ذلك ثلث مرات‪ ،‬لعدم‬
‫ثقته بإمكان ذلك‪ ،‬لقوة شكيمة السلمي وتكنهم ف الفلبي‪ ،‬فلما أل "ماجلن"‪ ،‬وزعم قدرته على‬
‫تنفيذ مقترحه وافقه البابا ف الرة الرابعة‪ ،‬فصحب حلته الصليبية الت ندرس نن لبنائنا ‪ -‬بتأثي الغزو‬
‫الفكري ‪ -‬أنا كانت رحلة علمية استكشافية‪ ،‬ونزل "ماجلن" على إحدى الزر الفليبينية السلمة‬
‫وترأ فرفع على أرضها شارة الصليب‪ ،‬فقتله السلمون‪ ،‬وندرس نن لبنائنا ‪ -‬بتأثي الغزو الفكري‬
‫كذلك ‪ -‬أن "التببرين" ف الفلبي قتلوه لنم ل يقدروا رحلته العلمية الستكشافية!‬
‫)‪(67‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫الحباش السلمي تلقي العونات الالية من الارج للقيام بفتح الدارس السلمية لتعليم‬
‫السلمي وتثقيفهم ثقافة إسلمية‪.‬‬

‫كل ذلك وهم أغلبية‪ ...‬فكيف لو كانوا أقلية‪ ...‬وكيف لو نادوا ‪ -‬وهم أغلبية ‪-‬‬
‫بنع القلية النصراينة الاكمة من مارسة دينها؟ كيف تكون الذابح هناك؟!‬

‫وكانت زنبار دولة مسلمة ف أفريقيا‪ ،‬فضاق النصارى بوجودهم‪ ،‬لرد كونم‬
‫مسلمي‪ ،‬فهجموا عليهم ذات يوم من اليام السود‪ ،‬فذبوا ثلث السكان ذبا‪ ،‬وضموا‬
‫من بقى حيا ‪ -‬مع الوان والذل ‪ -‬ف دولة حكمها ف يد النصارى‪ ،‬سيت "تنانيا" بعد‬
‫أن كان ا سها "تنجاني قا" إثبا تا لذكرى اغت يال زن بار‪ ،‬بإب قاء حرف ي من ا سها ف ا سم‬
‫الدولة الديدة!‪.88‬‬

‫كما أن أفريقيا ملوءة بالدول ذوات الغلبية السلمة‪ ،‬الت يكمها النصارى ‪ -‬وهم‬
‫القلية ‪ -‬ظلما وعدوانا على مسمع من "العال الر!" بل بتحريض وسند من ذلك العال‬
‫"الر!"‪.‬‬

‫أما العال الر ذاته فاسع عنه العاجيب!‬

‫تقوم ف فرنسا اليوم دعوة متزايدة يتزعمها "لوبان" أحد الرشحي لتول الكم ف‬
‫فرنسا‪ ،‬تنادي بطرد السلمي من فرنسا‪ ،‬وارتكبت تلك الركة أعمال وحشية‪ ،‬فألقت‬
‫بمسة من السلمي من قطار "الترو" أحياء‪ ،‬أثناء سي القطار‪ ،‬فقتلوا على التو‪ ،‬وتاجم‬
‫م ظاهراتم ال سلمي ‪ -‬والن ساء الج بات خا صة ‪ -‬ف طر قات باريس‪ ،‬مدي نة ال نور‪،‬‬
‫وإحدى كبيات عواصم "العال الر"! هذا والسلمون ف فرنسا هم الغلبية الثانية بعد‬
‫النصارى‪ ،‬ويبلغ عددهم خسة مليي‪.‬‬

‫وف بريطانيا تقوم الدولة بماية الف‪Î‬اق الذي كتب كتاب "آيات شيطانية" يسب‬
‫فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحابته وأهل بيته سبا مقذعا ليس فيه شيء من‬
‫تذيب "ال فن" ول أدب "الع لم" ول ليا قة "ا لذوق"‪ ...‬وح ي ي تج ال سلمون ع لى ن شر‬
‫الكتاب تقول لم الدولة بعبارة صرية‪ :‬تلك قوانيننا "الديقراطية" فمن ل تعجبه أحوالنا‬

‫‪ 88‬التاء والنون ف اسم الدولة الديدة "تنانيا"؛ يرمزان إل تنجانيقا‪ ،‬والزاي والنون يرمزان إل زنبار‪،‬‬
‫وبقية الحرف وهي الياء واللف الخيتان؛ ها من دواعي "توليف" السم الديد‪ ،‬ولكنهما مشتقان‬
‫من أصل "تنجانيقا" ول صلة لما بزنبار‪.‬‬
‫)‪(68‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫فليخرج من بلدنا‪ ...‬هذا والسلمون هم الغلبية بعد النصارى ول يقل عددهم عن ثلثة‬
‫مليي‪ ،‬وفيهم عدد غي قليل من البيطانيي الذين دخلوا ‪ -‬طواعية ‪ -‬ف دين السلم‪.‬‬

‫كيف إذن لو قامت أقلية إسلمية تنادي بذلك النكر‪ ،‬وهو منع الكثرية الاكمة‬
‫من مارسة دينها لوجود القلية السلمة بي ظهرانيها؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إنا دعوى منكرة ل سابقة لا ف التاريخ!‬

‫وقد ظلت القليات غي السلمة تعيش ف كنف الدولة السلمة الطبقة لشريعة ال‬
‫ثلثة عشر قرنا كاملة‪ ،‬ل تشكو‪ ،‬ول تفكر ف الشكوى‪ ،‬ول تد مبرا للشكوى‪ ...‬حت‬
‫وصل السلمون إل حضيض ذلتهم‪ ،‬فبزت تلك الدعوى إل الوجود!‬

‫والقليات غي السلمة ل تضع الدعوى ف صورتا الصرية بطبيعة الال ‪ -‬وهي‬


‫منع الكثرية السلمة من مارسة دينها ‪ -‬لنا لن ترؤ على ذلك ف البلد "السلمية"‬
‫مهما وصل استضعاف السلمي!‬

‫إ نا ظاهر د عواهم هو تعط يل ت طبيق ال شريعة ف قط‪ ،‬مع ب قاء ال سلمي م سلمي!‬
‫يارسون "دينهم" كما يشاءون!‬

‫ول عل ا لدعوى ا لت ناق شناها ف الب حث ا لول قد برزت حقيقت ها ا لن‪ ،‬وبرزت‬
‫خلفيتها!‬

‫إ نه ل ثل هذا ق يل للم سلمي؛ أن تم م سلمون و لو ل تطب قوا شريعة ا ل! ف ما دم تم‬


‫تصلون وتصومون‪ ...‬إو ما دمتم تقولون "ل إله إل ال" فأنتم مسلمون!‬

‫إنه ل إسلم بغي شريعة ال!‬

‫وقد ناقشنا هذه القضية ف البحث الول با أعتقد أنه يبي وجه الق ف القضية‪،‬‬
‫ويكفي قوله تعال‪} :‬فل و"ر"ب¦ك" ل يؤمنون "حت)ى يح"ك‪Ð‬موك" فيم"ا ش"ج"ر" ب"ين"هم ث‪°‬م) ل ي"جدوا‬
‫في أنف‪°‬سهم ح"ر" جا م م)ا ق ض"يت" و"ي س"ل‪Ð‬موا ت"سليما{‪ ،‬و قوله ت عال‪} :‬و"ي"ق‪°‬و ل‪°‬ون آم" ن)ا بالله‬

‫)‪(69‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫و"بالر)سول و"أطعن"ا ث‪°‬م) "يت"و"لى فريق‪ Ë‬منهم من ب"عد ذلك" و"م"ا أ‪°‬ولئك" بالمؤمني" و"إذا دعوا إلى‬
‫الله و"ر"سوله لي"ح ‪°‬كم" ب"ين"هم إذا فريق‪ Ë‬منهم معرضون‪.{...‬‬

‫ل إسلم بغي شريعة ال!‬

‫وإن ا لدين ا لذي هو عق يدة ف قط‪ ،‬أو عق يدة و شعائر تعبد ية‪ ،‬دون شريعة ت كم‬
‫تصرفات الناس ف الرض‪ ،‬لو دين جاهلي مزيف ل يتنل من عند ال‪...‬‬

‫وما من رسالة ساوية كانت عقيدة فقط‪ ،‬أو عقيدة وشعائر تعبدية‪ ،‬دون شريعة‬
‫تكم تصرفات الناس ف الرض‪} ،‬و"إلى م"دي"ن" أ خ"اهم ش ع"يبا قال ي"ا قوم اعبدوا الل ه" م"ا‬
‫لك‪°‬م من إله غيره و"ل ت"نق‪°‬صوا المك ي"ال و"الميز"ان إ ن¦ي أر"اك‪°‬م بخ"ير و"إ ن¦ي أ خ"اف ع"ليك‪°‬م‬
‫ع"ذاب" ي"وم محيط و" ي"ا قوم أو ف‪°‬وا المك ي"ال و"الميز"ان بالقسط و"ل ت"بخ"سوا الن)ا س" أش ي"اء‪È‬هم‬
‫و"ل ت"عثوا في الأرض مفسدين{‪.‬‬

‫فالرسالة الت حلها إل مدين أخوهم شعيب هي عبادة‪ °‬ال وحده با يتضمنه ذلك‬
‫من عقيدة وشعائر تعبدية‪ ،‬وأمر‪ Ë‬لم أل يتصرفوا ف أموالم حسب أهوائهم‪ ،‬بل يتقيدوا‬
‫بشريعة ال النلة إليهم‪ ،‬وهذا الذي فهمه قوم شعيب واستنكروه منه لكفرهم وجاهليتهم‬
‫فدمر ال عليهم‪} ،‬قال‪°‬وا ي"ا شع"يب أص"لتك" ت"أمرك" أن ن"ترك" م"ا ي"عبد آب"اؤن"ا أو أن ن"فع"ل في‬
‫أمو"الن"ا م"ا ن"ش"اء‪ Á‬إ)نك" لأنت" الح"ليم الر)شيد{‪.‬‬

‫أي؛ أمن مقتضيات دينك الذي تدعونا إليه أن نترك عبادة آلتنا الت ورثنا عبادتا‬
‫عن آبائنا‪ ،‬وأن تقيد تصرفنا ف أموالنا فل نستطيع أن نتصرف فيها إل بقتضى التعاليم الت‬
‫تملها؟! ث يقولون له ف سخرية ظاهرة‪ :‬من أين لك أيها الليم الرشيد أن تقيدنا بذه‬
‫القيود؟!‬

‫وح ي قالوا ذ لك؛ أي رف ضوا العق يدة وال شريعة كانوا ك فارا وم شركي‪} :‬و"قال‬
‫الذين" أشر"ك‪°‬وا لو ش"اء‪ È‬الله م"ا ع"ب"دن"ا من دونه من ش"يء ن"حن و"ل آب"اؤن"ا و"ل ح"ر)من"ا من دونه‬
‫من ش"يء{‪.‬‬

‫و ند ف سورة ال شعراء سجل لو عة متتاب عة من أنب ياء ا ل صلوات ا ل و سلمه‬


‫عليهم‪ ،‬كل نب يأمر قومه أن يعبدوا ال ويطيعوا ر سوله‪ ،‬ث يذكر لم رسولم ما هم‬
‫واقعون فيه من انراف ف تصرفاتم الدنيوية‪ ،‬ويطلب منهم تصحيحها با يناسب مقتضى‬
‫إيانم بال‪ ،‬أي بقتضى الشريعة النلة إليهم من عند ربم‪:‬‬

‫)‪(70‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫}كذب"ت ع"اد‪ Ë‬المر س"لي" إذ قال لهم أخوهم هود‪ Ë‬أل "تت) ق‪°‬ون إ ن¦ي لك‪°‬م ر"سول‪ Ô‬أمي‬
‫فات)ق‪°‬وا الله" و"أطيعون و"م"ا أسأل‪°‬ك‪°‬م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أت"بنون بك‪°‬ل‬
‫ريع آ ي"ة ت"ع"ب ث‪°‬ون ‪È‬ت"ت)خ ذ‪°‬ون م" ص"انع" لع"لك‪°‬م ت"خ ل‪°‬دون ‪È‬إذا ب"طشتم ب"طشتم ج" ب)ارين" ات) ق‪°‬وا الل ه‬
‫و"أطيعون‪.{...‬‬

‫}كذب"ت ثمود المرس"لي" إذ قال لهم أخوهم ص"الح‪ Ë‬أل ت")تق‪°‬ون إن¦ي لك‪°‬م ر"سول‪ Ô‬أمي‬
‫فات)ق‪°‬وا الله" و"أطيعون و" م"ا أسأل‪°‬ك‪°‬م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أتتر" ك‪°‬ون‬
‫في م"ا ه"اه ن"ا آمن ي" في ج" ن)ات و"عيون و"زروع و"ن"خل طلعه"ا ه"ضيم‪ Ë‬و"ت"نحتون م ن" الج ب"ال‬
‫بيوتا فارهي" فا)تق‪°‬وا الله" و"أطيعون و"ل تطيعوا أمر" المسرفي" الذي "ن يفسدون في الأرض و"ل‬
‫يصلحون{‪.‬‬

‫}كذب"ت قوم ل‪°‬وط المر س"لي" إذ قال لهم أخوهم ل‪°‬وط‪ Ô‬أل "تت)ق‪°‬ون إ ن¦ي لك‪°‬م ر"سول‬
‫أمي‪ Ë‬فات)ق‪°‬وا الله" و"أطيعون و"م"ا أسأل‪°‬ك‪°‬م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أت"أتون‬
‫الذ‪ç‬كر"ان من" الع"المي" "وت"ذرون م"ا خ"لق" لك‪°‬م ر"‪Ê‬بك‪°‬م من أزو"اجك‪°‬م ب"ل أنتم قوم‪ Ë‬ع"ادون{‪.‬‬

‫}كذب" أص ح"اب لأيكة المر س"لي" إذ قال لهم ش ع"يب‪ Ë‬أل ت")ت ق‪°‬ون إ ن¦ي لك‪°‬م ر"سول‬
‫أمي‪ Ë‬فات)ق‪°‬وا الله" و"أطيعون و"م"ا أسأل‪°‬ك‪°‬م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أوف‪°‬وا‬
‫الكيل و"ل ت"ك‪°‬ونوا من" المخسرين" و"زنوا بالقسطاس المست"قيم و"ل ت"بخ"سوا الن)اس" أشي"اء‪È‬هم‬
‫و"ل ت"عثوا في الأرض مفسدين‪.{...‬‬

‫فإذا جئنا إل الرسالت الثلث الخية ند عنها حديثا مفصل ف كتاب ال‪} :‬إن)ا‬
‫أنز"ل ن"ا ال ت)ور"اة في ه"ا هدى{ و"نور‪ Ë‬ي"حك‪°‬م ب ه"ا الن)ب ي‪Ê‬ون ال ذين" أسلموا لل ذي "ن ه"ادوا و"الر) ب)اني‪Ê‬ون‬
‫و"الأحب"ار بم"ا استحفظ‪°‬وا من كت"اب الله و"كانوا ع"ليه شه"د"اء‪ È‬فل ت"خش"وا الن)اس" و"اخش"ون و"ل‬
‫ت"شت"روا بآي"اتي ثم"نا قليل و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم الكافرون و"كت"بن"ا ع"ليهم‬
‫في ه"ا أ ن الن)ف س" بالن)ف س و"الع"ي ن" ب الع"ين و"ا ل أنف" با ل أنف و"ا ل أ‪°‬ذ‪°‬ن با ل أ‪°‬ذ‪°‬ن و"ال س¦ن) بال س¦ن‬
‫و"الجروح" قص"اص‪ Ë‬فم"ن ت"ص"د)ق" به فهو" كفار"ة‪ Ô‬له و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم‬
‫الظ المون و"قفي ن"ا ع"لى آثارهم بعي س"ى ابن م"ري" م" م ص"د¦قا ل م"ا ب"ي ن" ي"د"يه م ن" ال ت)ور"اة و"آت"ي ن"اه‬
‫الأنجيل فيه هدى{ و"نور‪ Ë‬و"مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه من" الت)ور"اة و"هدى{ و"م"وعظة للمت)قي" و"لي"حك‪°‬م‬
‫أهل‪ °‬الأنجيل بم"ا أنز"ل الله فيه و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم الفاسق‪°‬ون و"أنز"لن"ا‬
‫إليك" الكت"اب" بالح"ق¦ مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه من" الكت"اب و"مه"يمنا ع"ليه فاحك‪°‬م ب"ين"هم بم"ا أنز"ل‬
‫الله و"ل ت"ت)بع أهو"اء‪È‬هم ع"م)ا ج"اء‪È‬ك" من" الح"ق¦ لك‪°‬ل‪" ï‬جع"لن"ا منك‪°‬م شرع"ة و"منه"اجا و"لو ش"اء‪ È‬الله‬
‫لج"ع"لك‪°‬م أ‪ °‬م)ة و"اح د"ة و"لكن لي"ب ل‪°‬و"ك‪°‬م في م"ا آ ت"اك‪°‬م فاس ت"بق‪°‬وا الخ"ير"ات إلى الل ه م"رجعك‪°‬م‬
‫ج"ميعا في"نب¦ئ‪°‬ك‪°‬م ب م"ا ك‪°‬نتم فيه ت"خت"ل ف‪°‬ون و"أن احك‪°‬م ب"ين"هم ب م"ا أنز"ل الل ه و"ل "تت)بع أه و"اء‪È‬هم‬

‫)‪(71‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫و"احذرهم أن ي"فتنوك" ع"ن ب"عض م"ا أنز"ل الل ه إلي ك" فإن ت"و"ل وا فاعلم أن) م"ا ير يد الل ه أن‬
‫يصيب"هم بب"عض ذ‪°‬نوبهم و"إن كثيا من" الن)اس لفاسق‪°‬ون أفحكم" الج"اهلي)ة ي"بغون و"م"ن أحس"ن‬
‫من" الله حكما لقوم يوقنون{‪.‬‬

‫كل! ل يوجد دين هو عقيدة فقط‪ ،‬أو عقيدة وشعائر تعبدية بل شريعة!‬

‫وإنا جاء الفهوم الغرب "العلمان" للدين‪ ،‬على أنه علقة خاصة بي العبد والرب‪،‬‬
‫ملها القلب‪ ،‬ول علقة لا بواقع الياة‪ ...‬جاء من مفهوم كنسي مرف‪ ،‬شعاره؛ "أد‪ U‬ما‬
‫لقي صر لقي صر وما ل ل"‪ ،‬و من وا قع عانته النصرانية خلل قرو نا الثل ثة ا لول‪ ،‬حي‬
‫كانت م ضطهدة م طادرة من ق بل المباطور ية الرومان ية الوثن ية‪ ،‬ف لم تتك من من ت طبيق‬
‫شريعتها‪ ،‬واكتفت بالعقيدة والشعائر التعبدية ‪ -‬اضطرارا ‪ -‬واعتبت ذلك هو "الدين"‪،‬‬
‫وإن كانت ل تت جه إ ل ا ستكمال ا لدين ح ي صار للبابو ية سلطان قاهر ع لى ال باطرة‬
‫واللوك‪ ،‬فظل دينها مرفا ل يثل الدين السماوي النل‪ ،‬فلما جاءت العلمانية ف العصر‬
‫الديث وجدت الطريق مهدا‪ ،‬ول تد كبي عناء ف فصل "الدين" عن "الدولة"‪ ،‬وتثبيت‬
‫"الدين" على صورته الزيلة الت آل إليها ف الغرب‪ ،‬والذي قال ال فيمن يارسه على هذا‬
‫النحو‪} :‬و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم الكافرون{‪} ،‬و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل‬
‫الله فأ‪°‬ولئك" هم الظالمون{‪} ،‬و"م"ن لم ي"حك‪°‬م بم"ا أنز"ل الله فأ‪°‬ولئك" هم الفاسق‪°‬ون{‪ ،‬وهي‬
‫صفات ثلث تلحق بكل من ينحي شريعة ال عن الكم‪ ،‬ويكم بشرائع الاهلية‪.‬‬

‫أ ما ا لذين ين فذون ب عض ال شريعة ويعر ضون عن سائرها ف قد قال ا ل في هم‪:‬‬


‫}أفتؤمنون بب"عض الكت"اب و"ت"كف‪°‬رون بب"عض فم"ا ج"ز"اء‪ Á‬م"ن ي"فع" ل‪ °‬ذلك" منك‪°‬م إلا خزي‪ Ë‬في‬
‫الح"ي"اة الد‪Ê‬ني"ا و"ي"وم" القي"ام"ة ير"د‪Ê‬ون إلى أش" ¦د الع"ذاب و"م"ا الله بغ"افل ع"م)ا ت"عم"ل‪°‬ون{‪.‬‬

‫و هذا هو الو ضع ا لذي تر يد القل يات غ ي ال سلمة أن ت ضع ف يه ال سلمي ف كل‬


‫الرض‪ ،‬أو الوضع الذي ينادي به بعض أفراد المة السلمية ليضعوا السلمي فيه‪ ،‬بجة‬
‫وجود القليات غي السلمة ف العال السلمي!‬

‫أي هوان و صل إل يه "ال سلمون" ح ي تاونوا ف د ين ا ل؟! ح ي قب لوا شعار‬


‫العلمانية‪ :‬الدين ل والوطن للجميع! بينما ال يقول‪} :‬ق‪°‬ل إن ص"لتي و"نسكي و"م"ح ي"اي‬
‫و"م" م"اتي لل ه ر" ب¦ ال ع"المي" ل ش"ريك" له‪ ،{...‬وي قول‪} :‬و"قاتل‪°‬وهم ح" ت)ى ل ت" ك‪°‬ون فت ن"ة‬
‫و"ي"ك‪°‬ون الد¦ين ك‪°‬ل‪ç‬ه لله{‪ ،‬والدين كله يعن العقيدة والشعية والشريعة كلها سواء!‬

‫)‪(72‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول قد عا شت القل يات غ ي ال سلمة ك ما أ سلفنا ف ظل الدو لة ال سلمية الطب قة‬
‫ل شريعة ا ل ثل ثة ع شر قر نا متوال ية‪ ،‬ل ت شكو‪ ،‬ول تف كر أن ت شكو‪ ،‬ول تد مبرا‬
‫للشكوى‪ ،‬لنا تد من التسامح الدين ما ل تده أقلية أخرى ف الرض كلها ف جيع‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫واقرأ إن شئت كتابا كامل ف وصف هذا التسامح لستشرق نصران هو "ت‪ ،‬و‪،‬‬
‫إرنو لد" ]‪ [T. W. Arnold‬بعنوان "الدعوة إل ال سلم" ]‪ [The Preaching of Islam‬كان ما‬
‫جاء فيه ]ص ‪) :[51‬ومن هذه المثلة الت قدمناها آنفا عن ذلك التسامح الذي بسطه‬
‫السلمون الظافرون على العرب السيحيي ف القرن الول من الجرة‪ ،‬واستمر ف الجيال‬
‫التعاق بة‪ ،‬ن ستطيع أن ن ستخلص بق أن هذه الق بائل ال سيحية ا لت اعتن قت ال سلم‪ ،‬إ نا‬
‫فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة‪ ،‬وإن العرب السيحيي الذين يعيشون ف وقتنا هذا بي‬
‫جاعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح(‪.89‬‬

‫إن ال قد أعد هذه المة إعدادا خاصا لتحكم رقعة واسعة من الرض بن فيها من‬
‫القليات غي السلمة‪ ،‬الت علم ال أنا ستكون ضمن رعايا الدولة السلمية الاكمة ف‬
‫الرض‪.‬‬

‫فكل أمة سابقة أرسل بعدها رسول‪ ،‬آمنت بالرسول الذي أرسل إليها وكفرت بن‬
‫بعده‪ ،‬وصار ف قلبها غل‪ ç‬نو الذين آمنوا بالرسول الديد ولو كانوا من قومها القربي‪،‬‬
‫واضطهدتم اضطهادا شديدا بسبب اللف ف العقيدة‪.‬‬

‫أما هذه المة فقد قدر ال لا أن يكون رسولا هو الرسول الات صلى ال عليه‬
‫و سلم‪ ،‬ا لذي ل نب ب عده ول ر سول‪ ،‬ف لم ي عل ف قلب ها غل‪ ò‬ل حد‪ ،‬ل لن قبل ها‪ ،‬لن‬
‫رسولا هو سيد البشر جيعا وسيد الرسلي‪ ،‬ول لحد يأت بعدها‪ ،‬لنه لن تأت بعدها أمة‬
‫جديدة‪ ،‬ث جعل اليان بالرسل السابقي جزءا من عقيدتا‪ ،‬فلم تضطهد أتباعهم‪ ،‬ول‬
‫تظلمهم بسبب اللف ف العقيدة‪} :‬ال ذل ك" الك ت"اب ل ر"ي ب" فيه هدى{ للمت)ق ي" ال ذين‬
‫يؤمنون بالغ"يب و"يقيمون الص)لة و"مم)ا ر"ز"قن"اهم ينفق‪°‬ون و"الذين" يؤمنون بم"ا أ‪°‬نزل إليك" و"م"ا‬
‫أ‪°‬نزل من قبلك" و"بالآخر"ة هم يوقنون أ‪°‬ولئك" ع"لى هدى{ من ر"ب¦هم و"أ‪°‬ولئك" هم المفلحون{‪.‬‬

‫‪ 89‬ترجة الدكتور حسن إبراهيم حسن وزميله‪ ،‬طبع بالقاهرة‪.‬‬


‫)‪(73‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وو صى ا ل ال مة ال سلمة بال عدل مع أ هل الك تاب‪ ،‬والق سط لم‪ ،‬وأ قام الروا بط‬
‫الطيبة يبنها وبينهم‪} :‬فلذلك" فادع و"است"قم كم"ا أ‪°‬مرت" و"ل "تت)بع أهو"اء‪È‬هم و"ق‪°‬ل آم"نت بم"ا‬
‫أنز"ل الله من كت"اب و"أ‪°‬مرت لأعدل ب"ين"ك‪°‬م الله ر"ب‪Ê‬ن"ا و"ر"‪Ê‬بك‪°‬م لن"ا أعم"ال‪°‬ن"ا و"لك‪°‬م أعم"ال‪°‬ك‪°‬م‪،{...‬‬
‫}ال ي"وم" أ‪°‬حل لك‪°‬م الطي¦ ب"ات و"ط ع"ام ال ذين" أ‪°‬وتوا الك ت"اب" ح ل‪ ¤‬لك‪°‬م و"ط ع"امك‪°‬م ح ل‪ ¤‬لهم‬
‫و"المحص"ن"ات من" المؤمن"ات و"المحص"ن"ات من" الذين" أ‪°‬وتوا الكت"اب" من قبلك‪°‬م إذا آت"يتموهن‬
‫أ‪°‬جور"هن) محصني" غير" مس"افحي" و"ل مت)خذي أخد"ان{‪.‬‬

‫وجعل المة ال سلمة م سئولة عن حا ية كنائ سهم ومعا بدهم‪ ،‬وإتا حة الفرصة لم‬
‫لداء عبادتم فيها‪ ،‬وتركت لم أمورهم الشخصية تكمها شريعتهم‪ .‬لذلك عاشوا ف ظل‬
‫الدولة السلمية أهنأ عيش تلم به أقلية ف الرض‪.‬‬

‫وقديا قال أهل الشام لب عبيدة بن الراح‪) :‬أنتم ‪ -‬ولستم على ديننا ‪ -‬أرأف بنا‬
‫من أهل ديننا‪.(90‬‬

‫وح ي كانت أور با ت ضطهد الي هود ف الع صور الو سطى وت طاردهم ع لى أ ساس‬
‫اعت قادهم أ نم صلبوا ال سيح عل يه ال سلم‪ ،‬ل يدوا صدرا رح با يؤويهم إل الدو لة‬
‫السلمية ف الندلس‪ ،‬فلما أخرج السلمون من الندلس بعد الذابح البشعة الت ارتكبتها‬
‫ماكم التفتيش ف حقهم هاجر اليهود معهم إل الغرب‪ ،‬لينعموا بالعيش الانئ ف ظل‬
‫الدولة السلمية هناك‪.‬‬

‫وعا شت القل يات الختل فة ف ظل الدو لة العثمان ية أرب عة قرون تن عم بالطمأني نة‬
‫والماية‪ ،‬وتارس نشاطها كله بل تريج عليها‪ ،‬حت جاءت روسيا وفرنسا وبريطانيا تثي‬
‫القليات ضد الدولة لتفجرها من داخلها‪.‬‬

‫قارن هذه الياة الادئة الطمئنة للقليات ف ظل الدولة السلمية بأحوال الغلبية‬
‫السلمة القهورة ف البشة فضل عن القلية السلمة ف الند‪ ،‬والقلية السلمة ف الفلبي‪،‬‬
‫وغيها من القليات السلمة ف أرجاء الرض‪.‬‬

‫أفبعد ذلك يقول قائل إن من حق القليات غي السلمة أن تنع الكثرية السلمة من‬
‫مارسة دينها كما أمرها ال؟!‬

‫‪ 90‬انظر "الدعوة إل السلم" ‪ -‬سبقت الشارة إليه ‪ :-‬ص ‪.54‬‬


‫)‪(74‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وأي مصيبة أصابت "السلمي" فجعلت أفرادا منهم‪ ،‬يملون أساء مسلمة‪ ،‬ينادون‬
‫بعدم تطبيق الشريعة السلمية من أجل وجود أقلية غي مسلمة بي ظهرانيهم‪ ،‬فكأنم‬
‫يقو لون؛ اك فروا بدينكم أي ها ال سملون‪ ،‬ل كي تارس القل يات غ ي ال سلمة دين ها ع لى‬
‫التمام!‬

‫البحث السادس‬
‫شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة‬
‫بسبب "الدول العظمى" وضغطها على العال السلمي‬
‫تبدو هذه الشبهة من بي الشبهات جيعا أكثرها "واقعية"‪ ...‬فالدول الت ن يت‬
‫في ها ال شريعة ال سلمية نتي جة ال تدخل الع سكري ل عداء ال سلم‪ ،‬ما تزال عاجزة عن‬
‫السيطرة القيقية على شئونا وإن كانت قد استقلت ظاهريا‪ ،‬بعن خروج اليوش الغازية‬
‫من أراضيها‪ ،‬فما تزال واقعة تت السيطرة السياسية أو القتصادية لذه الدولة أو تلك من‬
‫ال قوى العال ية ا لت ت سمى "ا لدول العظ مى"‪ ،‬و ما تزال ف حا لة من ال ضعف السيا سي‬
‫والقتصادي والرب والعلمي والادي‪ ،‬تعل خضوعها لسيطرة تلك القوى أمرا واقعا‪،‬‬
‫شئناه أم أبيناه‪.‬‬

‫ولذه القضية ‪ -‬ف دراستنا هذه ‪ -‬وجهان‪:‬‬

‫ا لوجه ا لول؛ هو الجا بة ع لى هذا ال سؤال‪ :‬لاذا صار ال عال ال سلمي إ ل هذا‬
‫الوضع الهي إزاء القوى العالية التسلطة؟‬

‫والوجه الثان؛ هو الجابة على هذا السؤال‪ :‬هل حقا ل نلك أن نصنع شيئا إزاء‬
‫ذلك التسلط العالي على المة السلمية؟‬

‫)‪(75‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫فإذا تبي ن‪U‬ا هذين الوجهي‪ ،‬فسيتبي لنا مدى الواقعية القيقية لذه الشبهة من بي‬
‫الشبهات‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫فأما السؤال الول فما بنا هنا أن نتكلم عنه بإسهاب‪ ،91‬وإنا نتصر الجابة عنه‬
‫أ شد الختصار‪ ،‬فنقول إن السبب ف هذا الوضع اله ي هو تاوننا التدريي التزا يد ف‬
‫التمسك بقيقة هذا الدين‪ ،‬وانسار مفاهيمه كلها عن حقيقتها الت نزلت با من عند‬
‫ال‪ ،‬واتاذها صورة غريبة على هذا الدين‪ ،‬بدءا من مفهوم "ل إله إل ال"‪ ،‬إل مفهوم‬
‫العبادة‪ ،‬إل مفهوم القضاء والقدر‪ ،‬إل مفهوم الدنيا والخرة‪ ،‬إل مفهوم الضارة وعمارة‬
‫الرض‪ ،‬إل مفهوم الهاد‪ ،‬إل مفهوم التربية‪ ،‬إل مفهوم الخلق‪ ،‬إل مفهوم العلم‪...‬‬
‫إل مفهوم كل شيء ف هذا الدين‪!92‬‬

‫"ل إله إل ال"؛ تولت إل كلمة تنطق باللسان‪ ،‬وقد كانت منهج حياة كامل!‬

‫العبادة؛ انصرت ف الشعائر التعبدية وقد كانت شاملة لكل عمل وكل فكر وكل‬
‫شعور ف حياة الؤمن!‬

‫عقيدة القضاء والقدر؛ كانت قوة دافعة رافعة‪ ،‬فصارت قوة مثبطة مذلة!‬

‫الدنيا والخرة؛ كانتا ف حس السلم حسية واحدة وطريقا واحدا أوله ف الدنيا‬
‫وآ خره ف ا لخرة‪ ،‬فأ صبحت مع سكرين مت ضادين‪ ،‬إ ما أن تع مل ل لدنيا وإ ما أن تع مل‬
‫للخرة‪ ...‬ول يتمعان!‬

‫ال ضارة؛ كانت مفهو ما شامل ي شمل العق يدة والق يم وا لخلق والن ظم‬
‫والتنظي مات والف كار والن شاط الع مر ل لرض‪ ،‬ف صارت مفو ها سطحيا ماد يا خ لوا من‬
‫القيم القيقية الت تتميز با حياة النسان السلم!‬

‫‪ 91‬انظر إن شئت‪" :‬واقعنا العاصر"‪ ،‬فصل؛ "آثار النراف"‪.‬‬


‫‪ 92‬انظر إن شئت‪" :‬مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬
‫)‪(76‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫الهاد؛ كان حركة بانية لزالة الاهلية من الرض‪ ،‬وإحلل النهج الربان ملها‪،‬‬
‫والتمكي لدين ال ف الرض‪ ،‬فانصر ف الهاد "الدفاعي" ث انسر على يد الصوفية إل‬
‫جهاد النفس وترك الفساد يعج ف الرض!‬

‫الترب ية؛ كانت ترب ية شاملة هدفها ت كوين ال سلم ا لؤمن ال عال بدينه‪ ،‬التخ لق‬
‫بأخلق ياته‪ ،‬الا هد ف سبيله‪ ،‬فصارت ترب ية تقليد ية تر‪U‬ج شخ صيات سلبية وإم عات ل‬
‫دور لا ف شيء إياب‪ ،‬ول قدرة لم على البناء‪ ،‬ول على مواجهة مستجدات الياة‪.‬‬

‫ا لخلق؛ كانت مع ن شامل ي شمل أخلق السيا سة وأخلق القت صاد وأخلق‬
‫الجت ماع وأخلق الف كر وأخلق ا لدب وأخلق ال سرة وأخلق ال نس‪ ...‬فان صرت‬
‫ف بعض ألوان السلوك دون بعض‪ ،‬وتولت إل تقاليد خاوية من الروح!‬

‫الع لم؛ كان شامل للع لوم الدين ية والع لوم الدنيو ية من طب وف لك وريا ضيات‬
‫وفيز ياء وكيم ياء‪ ...‬إ ل‪ ،‬فان صر ف الع لوم الدين ية‪ ،‬وان صر ف حدود مذهب ية ضيقة‪،‬‬
‫وعصبية مذهبية سقيمة‪ ،‬وتقليد فكري ل يبدع!‬

‫ولا حدث ذلك كله‪ ،‬نتج عنه التخلف العلمي والادي‪ ،‬والضاري‪ ،‬والسياسي‪،‬‬
‫والرب‪ ،‬والقتصادي‪ ،‬والخلقي‪ ،‬الذي اجتذب العداء من كل صوب ليحاولوا القضاء‬
‫على السلم!‬

‫)يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى الكلة إل قصعتها(‪ ،‬قالوا‪ :‬أمن قلة‬
‫نن يومئذ يا رسول ال؟ قال‪) :‬إنكم يومئذ كثي‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ولينعن‬
‫ال الهابة من صدور أعدائكم‪ ،‬وليقذفن ف قلوبكم الو"هن(‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الوهن يا رسول‬
‫ال؟ قال‪) :‬حب الدنيا وكراهية الوت(‪.‬‬

‫ف كون ال سلمي ال يوم مست ضعفي‪ ...‬حقي قة‪ ،Ô‬ولكن ها حقي قة ي قع وزر ها ع لى‬
‫السلمي أنفسهم‪ ،‬ول تصلح عذرا لموع المة يوم القيامة‪ ،‬اليوم الذي قال ال بشأنه‪:‬‬
‫}ب"ل الأنس"ان‪ °‬ع"لى ن"فسه ب"صي"ة‪ Ô‬و"لو ألقى م"ع"اذير"ه{‪.‬‬

‫وقد يقول السلمون ‪ -‬وهم صادقون ‪-‬؛ إن كيد العداء شديد‪.‬‬

‫ولكن ينبغي أن نذكر أن هذا الكيد ليس ابن اليوم‪ ،‬وليس ابن المس القريب‪...‬‬
‫إن عمره على وجه التحديد أربعة عشر قرنا ونيفا‪ ،‬أي منذ نزل هذا الدين‪ ...‬ولنعد إل‬

‫)‪(77‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫ك تاب ا ل ند و صفا دقي قا لذا الك يد من كل ا لطراف الا قدة ع لى "ل إ له إل ا ل"‪،‬‬
‫والمة الت اقامت "ل إله إل ال" واقعا معاشا ف الرض‪ ،‬أولئك هم اليهود والنصارى‬
‫والشركون والنافقون‪ .‬ما تغي موقفهم منذ أربعة عشر قرنا‪ ،‬وما تغيت السباب الت‬
‫دعت هم إ ل موقفهم‪} :‬و"لن ت"ر ض"ى ع"ن ك" الي"هود و"ل ال)ن ص"ار"ى "ح ت)ى "تت)ب ع" ملت"هم{‪} ،‬و"ل‬
‫"يز"ال‪°‬ون يقاتل‪°‬ون"ك‪°‬م "حت)ى ي"رد‪Ê‬وك‪°‬م ع"ن دينك‪°‬م إن است"طاعوا{‪} ،‬و"د) كثي‪ Ë‬من أهل الكت"اب لو‬
‫ي"رد‪Ê‬ون"ك‪°‬م من ب"عد إي"انك‪°‬م ك‪°‬فارا ح"س"دا من عند أنف‪°‬سهم من ب"عد م"ا "تب")ين" لهم الح"ق{‪.‬‬

‫كل! ليس الكيد ابن اليوم‪ ،‬ول ابن المس القريب‪ ...‬فهو قدي قدي‪ ،‬وإن كانت‬
‫بعض الوسائل قد تغيت‪ ،‬فإن كل جيل من البشر يستخدم ف صراعاته الدوات التاحة له‬
‫ف جيله‪ ...‬وإنا الذي تغي حقا هو موقف المة السلمية من هذا الكيد‪ ،‬وليس الكيد ف‬
‫ذاته ول وسائل الكيد‪.‬‬

‫إن ال ينبه المة ف كتابه النل إل أعدائها‪ ،‬وإل مواقفهم‪ ،‬ووسائلهم‪ ،‬وتدبياتم‬
‫الظاهرة والفية‪ ،‬ث يقول لم‪} :‬و"إن ت"صبروا و"ت")تق‪°‬وا ل ي"ضر‪Ê‬ك‪°‬م كيدهم ش"يئا{‪.‬‬

‫هذه إذن هي القضية‪...‬‬

‫إنم لن يكفوا عن الكيد أبدا ما دامت المة السلمة قائمة‪ ،‬وما دامت هناك فرصة‬
‫للنيل منها‪ ...‬ولكن هناك أداة ربانية ترد كيدهم ف نورهم‪ ،‬فل يضر المة بشيء‪} :‬و"إن‬
‫ت"صبروا و"ت"ت)ق‪°‬وا ل ي"ضر‪Ê‬ك‪°‬م كيدهم ش"يئا إن الله" بم"ا ي"عم"ل‪°‬ون محيط{‪.‬‬

‫فما تلك الداة الربانية الت ترد الكيد فيتراجع خاسئا وهو حسي؟ أهي تعويذة تتلى‬
‫أو تي مة تع لق ع لى ال صدر؟ كل! إ نا ع مل إ ياب ضخم تلخ صه ها تان الكلم تان‪:‬‬
‫تصبوا‪ ...‬وتتقوا‪.‬‬

‫وحي انرف فهم السلمي لكل مفاهيم السلم‪ ،‬انرف ف حسهم كذلك مفهوم‬
‫الصب والتقوى‪ ،‬فتحول إل سلبية ليس فيها غناء‪.‬‬

‫ولنعد إل سياق اليات لنفهم القصود باتي الكلمتي العظيمتي‪:‬‬

‫إن ال عداء ير يدون أن يج ل‪°‬وا ال سلمي عن دين هم‪ ،‬ويردو هم من ب عد إ يانم‬


‫كفارا‪ ...‬فما الصب الطلوب إذا؟‬

‫)‪(78‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫إنه الصب على تكاليف هذا الدين‪ ،‬والصب ف مواجهة العداء‪ ،‬وثبات السلمي‬
‫على دينهم مهما فعل العداء لجلئهم عنه‪...‬‬

‫وما التقوى؟ إنا تقوى ال‪ ،‬إي اتقاء غضب ال وسخطه‪ ،‬فبأي شيء يتقى غضب‬
‫ال وسخطه؟ هل من سبيل إل ذلك إل طاعته فيما أمر به والنتهاء عما نى عنه؟!‬

‫هذا هو الصب و هذه هي التقوى اللذان يصدان الكيد فل يضر‪ ،‬وها ك ما نرى‬
‫قو تان إيابي تان هائل تان‪ ،‬متين تان كال صن‪ ،‬ل يد ال عداء ع ندها ث غرة للن فاذ إ ل ال مة‬
‫وإ لاق ال ضرر با‪ ،‬وال ضرر الق صود ه نا ل يس هو ا لذى ا لذي ي صيب ا لفراد‪ ،‬إ نا هو‬
‫الضرر الذي يلحق بالدين‪ ،‬الذي هو عماد هذه المة وكيانا القيقي‪ ،‬إما الذى فهو‬
‫يقع‪ ،‬ولكنه ل يؤثر ف كيان المة‪ ،‬ول يولا عن طريقها‪} :‬لن ي"ض ر‪Ê‬وك‪°‬م إلا أذ ى{ و"إن‬
‫يقاتل‪°‬وك‪°‬م يو"ل‪ç‬وك‪°‬م الأدب"ار" ث‪°‬م) ل ينص"رون{‪.‬‬

‫وكذلك كان حال المة مع أعدائها يوم كانت قائمة بالشرط‪ ...‬كانت مك‪Î‬نة ف‬
‫الرض‪ ،‬وكانت هي الغالبة وهي الستعلية‪ ،‬وكان كيد العداء مردودا إل نورهم كما‬
‫ارتد أيام الروب الصليبية الول‪ ،93‬وأيام حروب التتار‪ ،‬وغيهم وغيهم من العداء‪.‬‬

‫فإن قل نا ال يوم إن الك يد شديد‪ ،‬ف هذه حقي قة‪ ،‬ولكن ها حقي قة ل تع في ال مة من‬
‫مسئوليتها أمام ال‪ ،‬يوم يكون النسان على نفسه بصية‪ ،‬ولو ألقى معاذيره‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تدثنا عن ا لوجه ا لول من الق ضية‪ ،‬ومعرف ته ضرورية ل نا‪ ،‬لنت عرف ع لى طر يق‬
‫اللص‪ ،‬فإن ال طبيب إذا ل يت عرف ع لى حقي قة ا لداء‪ ،‬وال سباب ا لت أدت إل يه‪ ،‬ف لن‬
‫يصف الدواء القيقي الذي يؤدي ‪ -‬بإذن ال ‪ -‬إل الشفاء‪.‬‬

‫أ ما ا لوجه ال ثان؛ ف هو ا لرد ع لى هذا ال سؤال‪ :‬أح قا ل ن ستطيع شيئا إزاء ك يد‬
‫العداء؟!‬

‫إن أ حدا من ا لادين ل ي قول ذ لك‪ ،‬وإن اختل فت در جات ا لد وزوا يا الرؤ ية‬
‫ومناهج العاملي‪.‬‬

‫‪ 93‬تيزا لا عن الروب الصليبية الثانية‪ ،‬الت تدور منذ قرني أو ثلثة وما تزال دائرة‪.‬‬
‫)‪(79‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫إننا ف القيقة نلك الكثي‪ ...‬إذا عزمنا العزمة الصادقة‪ ،‬واتهنا التاه الصحيح‪،‬‬
‫إي إذا عزمنا عزمة صادقة أن نعود إل حقيقة ديننا ونتحمل التكاليف‪.‬‬

‫إ نه ل بد من ج هاد‪ ...‬و كل طر يق غ يه ل يؤدي إ ل شيء‪ ...‬وا لذين يتهي بون‬


‫الطريق يقدمون بدائل يسبونا تؤدي إل اللص وتعفيهم ف ذات الوقت من الهاد‪،‬‬
‫وعند التحليل الواقعي تنكشف هذه البدائل عن أوهام‪...‬‬

‫يقولون‪ :‬نبن اقتصادياتنا على أسس متينة‪ ،‬فكل شيء ف عال اليوم مبن على‬
‫القتصاد‪.‬‬

‫ونقول‪ :‬مرحبا ببناء اقتصادياتنا على أسس متينة‪ ،‬فذلك أمر ل غن عنه ف أي حال‬
‫من الحوال‪ ،‬ولكن الوهم يقع عند الظن بأن هذا الطريق سيوصلنا ‪ -‬وحده ‪ -‬ويعفينا‬
‫من الهاد‪.‬‬

‫إن الذين يتحكمون فينا ليمنعونا من تطبيق شريعتنا‪ ،‬هم أنفسهم الذين يتحكمون‬
‫فينا ليبقى اقتصادنا عالة عليهم‪ ،‬ول يستقل عنهم‪ ،‬ول يستغن عن تدخلهم‪ ،‬ول يصل إل‬
‫حد الكتفاء‪.‬‬

‫وليست هذه دعوة إل اليأس من الصلح‪ ...‬كل! ولكنها فقط تبصرة بأن المر‬
‫ل يستغن عن الهاد‪.‬‬

‫إن الرض الت انتشر فيها السلم ‪ -‬بقدر من ال ‪ -‬هي بفضل ال أغن بقعة ف‬
‫ا لرض‪ ،‬بثرواتا البشرية والعدنية والائية‪ ،‬و كل أ نواع الطاقات‪ ،‬ولكن أهلها ال يوم هم‬
‫أفقر سكان الرض‪ ،‬وأشدهم جوعا ومرضا وتلفا‪ ...‬ولو كانت هذه الثروات والطاقات‬
‫مل كا حقيق يا لهل ها ل كانوا أغ ن سكان ا لرض‪ ...‬ف من ا لذي ينع هم من امتلك ها‬
‫والتصرف الر فيها؟ هم ذات العداء الذين ينعونم من تطبيق شريعتهم!‬

‫إن ف السودان وحده مساحة من الرض يقول الباء إنا لو زرعت قمحا لكفت‬
‫افريقيا كلها‪ ،‬ودفعت عنها غائلة الوع بفضل من ال‪ ،‬وقصتها أنا من أخصب بقاع‬
‫الرض ولكنها مستنقعات ل تصلح ف صورتا الراهنة لشيء‪ ،‬والسبب ف ذلك أنه يدث‬
‫ف النيل ف وقت واحد فيضانان‪ ،‬أحدها تسببه المطار اللية ف السودان‪ ،‬الت تل النهر‬
‫بالاء‪ ،‬ث يأت الفيضان الخر من البشة ممل بالغرين الذي يص‪U‬ب الرض‪ ،‬فيجد النهر‬
‫متلئا فيف يض ع لى ال نبي وي عل ا لرض م ستنقعات‪ ،‬وال شروع الط لوب هو ح فر ق ناة‬

‫)‪(80‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وإن شاء خزان تتزن ف يه ال ياه القادمة من الب شة حت يتصرف الاء الت مع من الم طار‬
‫اللية‪ ،‬فيستفاد من هذه الياه وتلك‪ ،‬ويستفاد من الرض بعد تفيفها وإعدادها للزراعة‪،‬‬
‫فيزرع فيها من القمح ما يكفي افريقيا كلها‪.‬‬

‫فما الذي ينع من تنفيذ ذلك الشروع اليوي ‪ -‬وهو مدروس من الوجهة الفنية‬
‫منذ ما يزيد كثيا على نصف قرن ‪-‬؟ تنع من تنفيذه عوامل كثية‪ ،‬ليس أقلها تكم‬
‫القوى العالية ف اقتصادياتنا بيث ل ند ف أي وقت فائضا من الال نوجهه لثل هذا‬
‫الشروع النافع‪ ،‬ول فسحة من الوقت ننتظر فيها ثاره ‪ -‬ول بد أن يستغرق بضع سنوات‬
‫من النفاق قبل أن يعطي الثمار ‪ -‬لن نا نلهث دائ ما وراء ت لك القوى نستمطر رحتها‬
‫ل كي ت سعفنا بلق مة ا لبز‪ ،‬و تدول ل نا ا لديون ا لت نقتر ضها من هم للو فاء بلق مة ا لبز‬
‫للج ماهي الائ عة‪ ،‬ث تذهب مذاهب ل يعلم ها إل ا ل‪ ،‬وتث قل ال ماهي بدفع فوائد‬
‫القروض!‬

‫و ف آ سيا م ساحات شا سعة من ا لرض القاب لة للزراعة‪ ،‬وكم يات هائ لة من الاء‬
‫ا لذي يذهب هدرا ف الي طات‪ ،‬أو ي غرق ا لرض ف في ضانات هادرة ت لك ا لرث‬
‫والن سل‪ ...‬وي تاج ا لمر إ ل م شروعات هند سية لتنظ يم ا ستخدام ا لاء‪ ،‬وتزي نه و قت‬
‫في ضانه و توجيهه إ ل الزرا عة وإن تاج الكهر باء‪ ...‬ف ما ا لذي ي نع من تنف يذ ت لك‬
‫الشروعات؟ ذات العوامل‪ ...‬ذات القوى التسلطة الت ل تريد للمسلمي أن يقوموا من‬
‫وهدتم‪.‬‬

‫فكيف تواجه تلك القوى بغي جهاد؟!‬

‫ويقولون‪ :‬نقوي أنفسنا بالسلح لكي نواجه العداء!‬

‫ونقول‪ :‬مرحبا بتقوية أنفسنا بالسلح‪ ...‬فذلك أمر ل غن عنه ف أي حال من‬
‫الحوال‪.‬‬

‫ولكن الوهم يقع مرة أخرى حي نظن أن هذا الطريق موصل بذاته‪ ،‬بغي جهاد‪.‬‬

‫فمن أين نأت بسلحنا؟‬

‫)‪(81‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫إنه من عند ذات القوى الت تنعنا من تطبيق شريعتنا‪ ،‬وتنعنا ف الوقت ذاته من‬
‫تلك القوة القيقية الت نمي با أنفسنا فضل عن أن تكون عندنا قوة ترهب العداء‪،‬‬
‫كما أمر رب العالي‪} :‬و"أع د‪Ê‬وا لهم م"ا اس ت"طعتم من ق‪°‬و)ة و"من ر ب"اط الخ"يل ترهبون به‬
‫ع"دو) الله و"ع"دو)ك‪°‬م و"آخ"ري "ن من دونهم ل ت"علمون"هم الله ي"علمهم{‪.‬‬

‫وحي ناول أن نصن‪U‬ع شيئا من وسائل القوة تددنا القوى التسلطة أو تضربنا‪.‬‬

‫ولنتذكر جيدا أن "القوى العظمى" مكنت إسرائيل من ضرب الفاعل النووي ف‬


‫إحدى الدول العربية بجة أنه يهدد أمنها‪ ،‬بينما تلك إسرائيل ثلث مفاعلت نووية ‪-‬‬
‫بماية القوى العظمى ‪ -‬تدد با أمن العال العرب بأسره والعال السلمي!‬

‫ول نذكر أي ضا أن أمري كا هددت ب ضرب ليب يا ب جة أ نا ت سعى ف إن شاء م صنع‬


‫للسلحة الكيماوية! بينما تلك كل دول الغرب مصانع ومصانع من كل نوع من أنواع‬
‫السلح با ف ذلك السلحة الكيماوية المنوعة على ليبيا!‬

‫ول تد "الدول العظمى" ف نفسها خجل من مثل هذه التصرفات الكشوفة‪ ،‬لنا‬
‫"عظمى"‪ ...‬لنا تلك القوة!‬

‫ومن قبل تذرعت بريطانيا "العظمى" لحتلل مصر عام ‪1882‬م‪ ،‬بأن مصر ترمم‬
‫حصونا الساحلية ف أب قي! فمجرد ترميم الصون القدية اعتبته بريطانيا عمل عدائيا‬
‫ضدها! عمل يستوجب التأديب!‬

‫ف هل من سبيل لر فع ذ لك ا لور ال يط بال مة ال سلمية ف ج يع ال يادين إل‬


‫بالهاد؟!‬

‫يقولون‪ :‬نتعلم‪.‬‬

‫ونقول‪ :‬مرحبا بالعلم‪ ،‬فذلك أمر ل غن عنه ف أي حال من الحوال‪.‬‬

‫ولكن أبناءنا حي يتعلمون بغي روح الهاد‪ ،‬فإنا يتعلمون قشورا من العلم‪ ،‬ول‬
‫يصبون على تكاليف العلم القيقي‪ ،‬ويتعلمون لكي يصلوا على ورقة تؤهلهم للوظيفة‬

‫)‪(82‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫الرية ف العمل الريح‪ ،‬ويهربون من العمل الشاق الذي ترتقي به البلد‪ ،‬ومن شذ منهم‬
‫فبز ف علمه حقيقة تسعى "القوى العظمى" إل شرائه‪ ،‬إما بإغرائه بالجرة إليها‪ ،‬وإما‬
‫بشراء فكره وقلبه فيكون أداة إفساد ف وطنه بدل من أن يكون أداة إصلح‪...‬‬

‫ويقولون‪ ...‬ويقولون‪ ...‬ويقولون‪...‬‬

‫كل الوسائل الت يقترحونا تدور ف مدى معي‪ ،‬هو الدى الذي رسته لنا القوى‬
‫العالية الت تارب تطبيق شريعة ال‪ ...‬فهل من سبيل إل بالهاد؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يقول الذين يتهيبون الطريق‪ ...‬كيف ناهد ونن مستضعفون؟ كيق ناهد ونن‬
‫ف قبضتهم أن‪U‬ى اتهنا؟‬

‫وهؤلء نقول لم‪ :‬انظروا إل الهاد الفغان‪ ...‬وانظروا إل النتفاضة السلمية ف‬


‫فلسطي؛ من كان يتصور ‪ -‬أو يصدق ‪ -‬أن أمة شبه عزلء تضطر أكب قوة وحشية ف‬
‫التاريخ الديث أن تسحب جنودها من اليدان؟!‬

‫إن الهاد الفغان آية من آيات ال‪ ...‬إنه تصديق عملى لا جاء ف كتاب ال‪} :‬ي"ا‬
‫أ‪Ê‬يه"ا الذين" آم"نوا إن ت"نصروا الله" ي"نصرك‪°‬م و"يثب¦ت أقد"ام"ك‪°‬م{‪.‬‬

‫لقد كاد انتصار الفئة القليلة الؤمنة على أضعافها من القوى الكافرة يصبح أسطورة‬
‫ف حس "السلم العاصر"‪ ،‬أو على الكثر ذكرى ليام خلت ل يكن أن تعود!‬

‫وحي يقرأ "السلم العاصر" ف كتاب ال أمثال هذه اليات‪} :‬كم من فئة قليلة‬
‫غلب"ت فئة كثي"ة بإذن الله و"الله م"ع" الص)ابرين{‪} ،‬و"كأي¦ن من ن"بي‪ ô‬قات"ل م"ع"ه رب¦ي‪Ê‬ون كثي‪ Ë‬فم"ا‬
‫و"ه"نوا لم"ا أص"اب"هم في س"بيل الله و"م"ا ض"عف‪°‬وا و"م"ا است"كانوا و"الله يحب‪ Ê‬الص)ابرين" و"م"ا كان‬
‫قولهم إلا أن قال‪°‬وا ر")بن"ا اغفر لن"ا ذ‪°‬نوب"ن"ا و"إسر"افن"ا في أمرن"ا و"ثب¦ت أقد"ام"ن"ا و"انصرن"ا ع"لى القوم‬
‫الكافرين" فآت"اهم الله ثو"اب" الد‪Ê‬ني"ا و"حس "ن ثو"اب الآخر"ة و"الله يحب‪ Ê‬المحسني{‪.‬‬

‫حي يقرأ "السلم العاصر" أمثال هذه اليات ف كتاب ال؛ ل يس أنا موجهة‬
‫إليه هو‪ ،‬ول موجهة إليه الن ف هذه اللحظة‪ ،‬إنا يقرؤها على أنا كانت موجهة للذين‬

‫)‪(83‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫تلقوا القرآن أول مرة ول علقة لا بالجيال الاضرة! وهي ف حسه رواية عن أحداث‬
‫مضت‪ ،‬وليست سننا جارية تتحقق كلما تققت أسبابا!‬

‫ولكن الهاد الفغان أعادها إل وضعها القيقي‪ ...‬إنا توجيهات ربانية موجهة‬
‫للمة كلها ف جيع أجيالا‪ ،‬وسنن جارية تتحقق كلما تققت أسبابا‪} ...‬تنصروا ال{‪،‬‬
‫هذا هو الط لوب من ال مة‪ ،‬وح ي ي قع‪ ،‬يترتب عل يه ا لزاء الر بان؛ }ين صركم ويث بت‬
‫اقدامكم{‪} ،‬و"عد" الله ل يخلف الله و"عد"ه و"لكن) أكثر" الن)اس ل ي"علمون{‪.‬‬

‫والعركة ف أفغانستان ما تزال دائرة‪ ،‬وما ندري إل أي شيء ينتهي ذلك الصراع‬
‫ال بار‪ ،‬ول كن ما ت م نه حت اللح ظة درس للمته يبي‪ ،‬ودرس لل مترددين‪ ،‬ودرس‬
‫للمتشككي‪ ...‬ودافع ف الوقت ذاته لول العزم من الاهدين‪.‬‬

‫أما النتفاضة الفلسطينية فهي درس آخر على الطريق‪:‬‬

‫إنا ل تلك إل الجارة‪ ...‬ولكنها تلك أكب طاقة يؤتاها البشر؛ اليان‪.‬‬

‫وقد فعلت الجارة ف يد الصبية الؤمني ما ل تفعل أربعون سنة من الناورات‬


‫والادثات والفاوضات والجتماعات فيما يسمى "الافل الدولية" وغيها من النتديات‪.‬‬

‫إنا تقيق آخر للسنن الربانية الارية‪ ،‬الت تتحقق كلما تققت السباب‪.‬‬

‫ودافع لستنهاض المم لن يلك العزية ويبحث عن الطريق‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل بد للمة السلمية ‪ -‬لكي تستعيد مقومات وجودها‪ ،‬وف مقدمتها التحاكم إل‬
‫شريعة ال‪ ،‬وتقيق منهج ال ‪ -‬لبد لا من الهاد‪ ،‬فإن العداء لن يسلموا لا شيء إل‬
‫بالهاد‪ ...‬ل التعليم القيقي الثمر‪ ،‬ول القتصاد الستقل‪ ،‬ول السلح‪ ...‬ول شيء على‬
‫الطلق‪ ،‬إنم سيظلون ياورون ويداورون‪ ،‬ث ل يعطون المة إل ما يريدون هم‪ ،‬وما‬
‫يقق مصالهم هم‪ ،‬ل ما يقق الوجود القيقي للمة الت ل يريدون لا الوجود!‬

‫)‪(84‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وال هاد و حده هو ا لذي ي قق لل مة كيا نا ا لذي تتط لع إل يه‪ .‬كيا نا السيا سي‪،‬‬
‫وكيانا القتصادي‪ ،‬وكيانا الضاري‪ ،‬وكيانا العلمي‪ ،‬وكل كيان‪.‬‬

‫ولن يتحقق شيء ف يوم وليلة‪ ،‬فالشوار طويل‪ ،‬لن الدى الذي بعدته هذه المة‬
‫عن طريق ال‪ ،‬والذي ينبغي أن تقطعه من جديد لتعود إليه‪ ...‬مدى كبي‪ ،‬يتاج إل زمن‬
‫غي قصي‪ ،‬وجهد غي قليل‪.‬‬

‫ولكنه أمر ل بد منه‪...‬‬

‫ينبغي لنا أن نوطن أنفسنا لهاد طويل‪...‬‬

‫ينبغي أن نتعلم بروح الهاد‪ ،‬ونعمل بروح الهاد‪ ،‬ونعيش بروح الهاد‪ ،‬ونمل‬
‫ف حسنا ف كل لظة أن لنا هدفا ضخما نريد تقيقه‪ ،‬ونعمل على تقيقه‪ ،‬فبمثل هذه‬
‫الروح تولد المم من جديد‪ ،‬وتأخذ طريقها إل الصعود‪.‬‬

‫ل بد من تربية جيل جاد‪ ،‬يمل بي جنبيه الشعلة القدسة‪ :‬شعلة اليان‪ ،‬شعلة‬
‫الهاد‪.‬‬

‫وحي يولد هذا اليل‪ ،‬فسيحقق ال النصر على يديه‪ ،‬تقيقا لسننه الارية‪ ،‬ولوعده‬
‫ا لاص لذه ال مة‪} :‬و" ع"د" الل ه ال ذين" آم"نوا منك‪°‬م و"ع"م ل‪°‬وا ال ص)الح"ات لي"س ت"خلفن)هم في‬
‫الأرض ك م"ا است"خلف" ال ذين" من قبلهم و"ليم" ‪Ð‬كن" ن) لهم دين"هم ال ذي ار"تض"ى لهم و"لي ب"د¦لن)هم‬
‫من ب"عد خ"وفهم أمنا ي"عبدون"ني ل يشرك‪°‬ون بي ش"يئا{‪.‬‬

‫وحي يولد هذا اليل‪ ،‬الذي يعيش بروح الهاد ف كل لظة‪ ،‬فهو إما أن يد‬
‫الطريق مفتوحا‪ ،‬فيحقق أهدافه بهاد العمل الشاق التواصل‪ ،‬وإما أن يد الطريق مسدودا‬
‫فيفتحه بهاد القتال‪ ...‬ول ينال ف كل حالة إل إحدى السنيي‪} :‬ق‪°‬ل ه"ل ت"ر"ب)صون بن"ا‬
‫إلا إح د"ى الحس "ني"ين و"ن"حن "نت"ر"ب)ص بك‪°‬م أن يصيب"ك‪°‬م الل ه ب ع"ذاب من عنده أو بأيدين"ا‬
‫فت"ر"ب)صوا إن)ا م"ع"ك‪°‬م مت"ر"ب¦صون{‪.‬‬

‫وعندئذ يصبح تطبيق الشريعة أمرا واقعا‪ ...‬وتصبح العقبات هي الوهام!‬

‫)‪(85‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫تعقيب‬
‫الن وقد ناقشنا الشبهات الت تثار حول تطبيق الشريعة‪ ،‬يتبي لنا أن كثيا منها‬
‫ليس ناشئا من تفكينا الذات‪ ،‬ول من تربتنا الذاتية‪ ،‬إنا هي أفكار أثارها ف حياتنا الغزو‬
‫الفكري‪ ،‬ليباعد بيننا وبي العودة إل الشريعة الربانية بعد إذ أجلنا عنها الغزو الصليب‪،‬‬
‫وأن ما يتعلق منها بعدم إمكان التطبيق هو مرد عقبات مصطنعة جسمت لنا لتصدنا عن‬
‫الاولة‪ ،‬بل عن مرد التفكي‪...‬‬

‫وكثيا ما تكب الوهام ف نفوس الناس حت تصبح ف وههم هي القيقة‪ ،‬ويصبح‬


‫الق هو الاطر البعيد الذي يتاج إل جهد لتثبيته مكان الوهام‪.‬‬

‫وليس العجب على أي حال أن يسعى أعداؤنا إل تشكيكنا ف ديننا‪ ،‬فهذا دأبم‬
‫م نذ نزل هذا ا لدين‪ ،‬إ نا الع جب أن يتبع هم ف ت شكيكهم "م سلمون" يم لون أ ساء‬
‫إسلمية‪ ،‬ويقولون بأفواههم "ل إله إل ال"‪.‬‬

‫وأيا تكن السباب الت أدت بؤلء أن يقفوا ذلك الوقف‪ ،‬فإن ذلك يفتح أعيننا‬
‫على التبعة السيمة الت تقع على عاتقنا إزاء هذه الوضاع‪.‬‬

‫إ نه ما كان لذه ال شبهات أن ت ثار‪ ،‬و ما كان لل غزو الف كري أن يتو غل ف ح ياة‬
‫الناس‪ ،‬لو أن الناس كانوا على فهم حقيقي للسلم‪ ،‬ومارسة حقيقية لقتضيات اليان‪.‬‬

‫والتبعة الكبى تقع الن على الدعاة‪...‬‬

‫هم الذين ينبغي أن يدركوا حقيقة الوضاع الراهنة ف المة‪ ،‬ويقدموا لا العلج‪.‬‬

‫ولن تكون الدعوة مرد دروس وماضرات‪ ،‬ولن تكون مرد وعظ يلقى على أساع‬
‫الناس‪ ،‬إن هذا كله مفيد ولزم للدعوة‪ ،‬ولكنه ‪ -‬وحده ‪ -‬ل يصنع شيئا ف حقيقة المر‪.‬‬

‫إنا الدعوة قدوة وتربية‪ ،‬قبل أن تكون وعظا ودروسا وماضرات‪.‬‬

‫)‪(86‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وذ لك ا لذي ينب غي أن يدركه ا لدعاة ج يدا إن أرادوا ح قا تغي ي وا قع هذه ال مة‪،‬‬
‫وردها إل الادة من جديد‪.‬‬

‫وحي يدرك الدعاة مهمتهم الصيلة‪ ،‬فسيكون جانب منها ول شك بيان حقيقة‬
‫التوحيد‪ ،‬وأنا عبادة ال وحده بل شريك‪ ،‬وإقامة الياة كلها بقتضى النهج الربان ‪ -‬با‬
‫ف ذلك تطبيق شريعة ال ‪ -‬ونبذ كل اللة الزعومة الت تقف ف طريق التوحيد الالص‪،‬‬
‫با ف ذلك دعاوى الاهلية العاصرة الت تناوئ با عبادة ال‪ ،‬باسم التطور مرة‪ ،‬وباسم‬
‫الضارة مرة‪ ،‬وباسم العلم مرة‪ ،‬وباسم الثورة التكنولوجيا مرة‪ ،‬وباسم الرأي العام العالي‬
‫مرات‪...‬‬

‫و سيكون جانب من مهمت هم ول شك تلق ي ال شباب ‪ -‬من خ ـلل ال قدوة‬


‫والتربية ‪ -‬أن اليان قول وعمل‪ ،‬فليس اليان كلمة‪ ،‬وليس وجدانا مستسرا ف الضمي‪،‬‬
‫وليس "مفهوما" فكريا يلقى‪ ،‬إنا هو الكلمة والوجدان والفهوم الفكري مترجة كلها إل‬
‫وا قع سلوكي م شهود‪ ،‬وا قع يغ ي الن فس من داخل ها ويغ ي ال ياة الواقع ية‪ ،‬في شكلهما‬
‫بقتضى النهج الربان‪ ،‬النل ف كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫سئلت عائشة رضي ال عنها عن خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت‪:‬‬
‫)كان خلقه القرآن(‪.94‬‬

‫و بذه القي قة الائ لة ا لت عا شها ر سول ا ل صلى ا ل عل يه و سلم ور ب‪U‬ى علي ها‬
‫أصحابه رضوان ال عليهم تغيت الرض‪ ،‬وبرزت إل الوجود خي أمة أخرجت للناس‪.‬‬

‫والب شرية ال ضالة ال يوم ‪ -‬بر غم كل ما تل كه من ع لم و من ح ضارة و من‬


‫تـكنولوجيا ‪ -‬ف أشد الاجة إل مثل ذلك التغيي مرة أخرى‪ ،‬ليتد إليها صوابا‪ ،‬وتعود‬
‫إ ل ع بادة ا ل‪ ،‬وتن بذ ع بادة ال شيطان‪ ،‬وت ستخدم ما ف تح ا ل علي ها من الع لم وال ضارة‬
‫والتكنولوجيا ف أداء الهمة الكبى الت خلقت من أجلها‪} :‬و"م"ا خ"لقت الجن) و"الأنس" إلا‬
‫لي"عبدون{‪} ،‬ق‪°‬ل إن ص"لتي و"نسكي و"م"حي"اي" و"م"م"اتي لله ر"ب¦ الع"المي" ل ش"ريك" له{‪.‬‬

‫والدعاة ‪ -‬الذين تقع عليهم هذه التبعة الائلة ‪ -‬يلزمهم‪ ،‬فيما يلزمهم‪ ،‬أن يكونوا‬
‫هم ال قدوة لا يدعون ال ناس إل يه‪ ،‬وأن يار سوا هذا ا لدين ع لى ن طاقه ال شل‪ ،‬ليعر ضوا‬
‫للناس حقيقته كاملة‪ ،‬وأن يركزوا على بناء القاعدة الصلبة الت تمل التبعة وتسن السي‪.‬‬

‫‪ 94‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫)‪(87‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫حول تطبيق الشريعة‬

‫وبال التوفيق‬

‫)‪(88‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬

You might also like