Professional Documents
Culture Documents
حول تطبيق الشريعة - محمد قطب
حول تطبيق الشريعة - محمد قطب
}أفحكم" الج"اهلي)ة ي"بغون و"م"ن أحس"ن من" الله حكما لقوم يوقنون{
صدق ال العظيم
حول تطبيق الشريعة
منذ فترة وجيزة كنت أكتب مقدمة الطبعة الول من هذا الكتاب ،وها أنذا اليوم
أقدUم للطبعة الثانية ،وهذا فضل من ال واسع ،أحد ال عليه ،وأطلب منه الزيد من العون،
والزيد من التوفيق.
إن القبال على قراءة هذا الكتاب وأمثاله له دللة واضحة عندي ،هي أن موضوع
تطبيق الشريعة أصبح مل اهتمام متزايد لدى عدد متزايد من الناس – ومـن الشباب
خاصة -وذلك دليل ل شك فيه.
ول يغيب عن البال بطبيعة الال أن التطبيق الفعلي للشريعة يستلزم تيئة المة لذا
المر العظيم حت تكون على مستواه ،وتمل تبعاته ،وتؤدي دورها فيه ،وأول خطوات
هذه التهيئة هي بناء القاعدة الصلبة الت أشرت إليها ف التعقيب الخي ف آخر الكتاب،
وقلت أنا الهمة العاجلة للدعاة اليوم ،وبينت ف غي موضع من كتب سابقة أنا يب أن
تكون على مستوى{ من القوة والصلبة والتجرد ل ،والستعداد للبذل ف سبيل ال ،ونفاذ
البصية و سعة الن ظرة ،ب يث ت ثل ال سلم ف نقائه ،وت مل التبعة ال سيمة وتت حرك با
بطى ثابتة ف خضم الحداث...
ولكن ما ل شك فيه ف ذات الوقت ،أن تزايد الهتمام بقضية الشريعة لدى العدد
التزايد من الناس -والشباب خاصة -هو علمة مضيئة على الطريق ،توحي بأن الي
قادم ،وأننا على الطريق...
ممد قطب
مقدمة
كلما ذكر تطبيق الشريعة تعالت من هنا ومن هناك صيحات منكرة ،تستنكر المر
وت ستهوله ،كأ نا ت طبيق ال شريعة كارثة ستحل بديار السلمي ،أو كأنا التفك ي ف هذا
المر خبل ل يصدر عن عاقل!
أم تر يدون أن نعتزل العال ك له ونتقو قع ع لى أنفسنا؟ وف يم هذا الع ناء ك له؟ وما
الذي يلجئنا إل هذا الطريق الوعر؟
ألكي نكون مسلمي؟ أول يكفي نطق "ل إله إل ال" ،ممد رسول ال ،ليجعلنا
مسلمي؟!
إنكم تبتدعون ف دين ال ما ليس فيه! فالسلم ي"ثبت بنطق الشهادتي ،أما قضية
ال شريعة ف هي من ا لمور التغ ية ا لت يت صرف في ها و ل ا لمر ب سب رؤي ته لقت ضى
الحوال! والحوال الن ل تسمح كما هو واضح لكل ذي عيني!
وهل نسيتم القليات؟ كيف نطبق الشريعة وف بلدنا أقليات ل تدين بالسلم؟
إن التفكي ف تطبيق الشريعة ف الوقت الاضر تفكي "غي مسئول"! ينادي به قوم
ل يعي شون بع قولم ف الوا قع ال تاريي ال يط بم! أ ما "العقلء" "ال سئولون" فإنم
يستنكفون أن يفكروا على هذا النحو ،ويابون الواقع بكمة وروية ،ونظرة "واقعية" إل
المور!
وإ نا ل صيحات النهزم ي ف دخي لة أنف سهم ،ا لذين أ كل ال غزو الف كري ع قولم
وأرواحهم ،وجعلهم مسخا مشوها ل يصلح لشيء!
}و"ض"ر"ب" الله م"ثل ر"جلين أح"دهم"ا أبكم ل ي"قدر ع"لى ش"يء و"هو" كل ¤ع"لى م"وله
أين"م"ا يو"ج¦هه ل ي"أت بخ"ير ه"ل ي"ست"وي هو" و"م"ن ي"أمر بالع"دل و"هو" ع"لى صر"اط مست"قيم{.
و قد شرحنا ف غ ي هذا الك تاب 1ال سباب ا لت أدت بال سلمي إ ل تق بل ال غزو
الف كري ،وجع لت هذا ال غزو ينت شر ف أف كار "الثقف ي" خا صة ،ا لذين رب يت ع قولم
ونفو سهم ليكو نوا أتبا عا لل غرب ،يرددون أف كاره ،ويت حدثون بل سانه ،و يرون ا لمور
بن ظاره ،ويكو نون هم خليف ته ف ا لرض ال سلمية ح ي ت ضطره ال ظروف أن ي سحب
ع ساكره ا لت أخ ضع با من ق بل بلد ال سلمي ،فت ستمر التبع ية دون أن يرى ال ناس
العساكر الفية الت تضع بلدهم للنفوذ الغرب!
ولن نتعرض ف هذه العجالة للسباب الت أنتجت ذلك السخ الشوه ف الرض
ال سلمية ،وم سئولية ال مة ال سلمية نف سها ع ما أ صابا ع لى يد أ عدائها ،ح ي ن سيت
رسالتها ونكلت عن أدائها ،إنا نتناول هنا ف إياز شديد -وموضوعية كذلك -أهم
الفكار الت يشوشون با على الناس ،ليوحوا إليهم أن تطبيق الشريعة أمر ل يكن تقيقه
اليوم ،بل ل يوز تقيقه حت إن كان ف حيز المكان! فضل عن كونه أمرا ل ضرورة له
ول موجب ،طالا أن إسلمنا متحقق بنطق "ل إله إل ال"!
وقد ناقشت بادئ ذي بدء قضية العقيدة والشريعة ،وهل ها منفصلتان ف دين ال،
بيث نستطيع أن نكون مسلمي بعزل عن تطبيق الشريعة؟ وقضية حرية ول المر ف
تعط يل شريعة ا ل أو ت عديلها أو إ بدالا .ث ناق شت شبهة ت عارض ت طبيق ال شريعة مع
مقت ضى الت طور ،وت عارض أح كام ال شريعة ذا تا مع مقت ضيات ال ضارة الدي ثة ،و شبهة
عدم إم كان ت طبيق ال شريعة ب سبب و جود القل يات ف ال عال ال سلمي ،و عدم إم كان
تطبيقها بسبب موقف الدول "العظمى" من السلم.
وأرجو من ال أن يكون ف هذه العجالة غناء ،وأن يوفقنا جيعا لا يبه ويرضاه.
}إن أ°ريد إلا الأصلح" م"ا است"طعت و"م"ا ت"وفيقي إلا بالله ع"ليه ت"و"كلت و"إليه أ°نيب{.
مم"د قطب!
البحث الول
هل تنفصل العقيدة عن الشريعة ف دين ال
يسب كثي من الناس -بتأثي الفكر الرجائي من جهة ،وتأثي الغزو الفكري من
جهة أخرى -أن النطق بـ "ل إله إل ال" ممد رسول ال ،يعطي النسان صفة السلم
مدى الياة ،ث يدخله النة ف الخرة ،مهما تكن أعماله وأفكاره ومشاعره! ومن ث فل
علقة لذا المر بتحكيم شريعة ال!
ويرى فريق آخر من الناس -يعتبون أنفسهم أكثر تفقها ف دين ال -أن النطق
بالشهادتي يعطي النسان صفة السلم ف الياة الدنيا ،لصقة به طول حياته ،أيا تكن
أع ماله وأف كاره وم شاعره ،وح سابه ع لى ا ل ف ا لخرة ،يدخله ال نة أو يدخله ال نار
ب سب ما يع لم من سريرته سبحانه ،أما نن فل نا ال ظاهر ،وال ظاهر هو قوله "ل إ له إل
ال" ...ول علقة لذا المر بالتحاكم إل شريعة ال!
2كان عمر رضي ال عنه يعارض قتالم ف مبدأ المر على أساس أنم يقولون ل إله إل ال ممد
ر سول ا ل ،وي تج ب قوله عل يه ال صلة وال سلم ) :فإن قالو ها ف قد ع صموا م ن د ماءهم وأ موالم إل
بقها( ]متفق عليه[ ،فلما بي له أبو بكر رضي ال عنه أنم نكلوا عن "حقها" قال قولته العروفة:
)وال ما إن رأيت أبا بكر شرح ال صدره للقتال حت علمت أنه الق(.
)(5 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
إن "ل إله إل ال" ،ممد رسول ال ،هي مدخل الناس إل السلم ،ول مدخل لم
سواها ،إليه وبجرد نطقها يعتبون مسلمي...
ولكن القضية الت يغفلها -أو يغفل عنها -هؤلء القوم وأولئك ،أن صفة السلم
ل تل صق من ذات نف سها بالن سان ب عد نط قه بال شهادتي -مه ما ت كن أف عاله وأف كاره
ومشاعره -إنا تتاج إل جهد دائب يقوم به النسان ف كل لظة من لظات عمره
لتثبيتها ف مكانا ،ومنعها من أن تسقط عنه ،متمثل هذا الهد ف القيام بأعمال معينة من
أعمال القلب والوارح لنا من مقتضيات اليان ،والمتناع عن أعمال معينة من أعمال
القلب والوارح ،لنا من نواقض "ل إله إل ال" ،الت تنقض أصل اليان.
وف هذا الهد الدائب كانت حياة الصحابة رضوان ال عليهم ،حرصا منهم على
بقاء صفة السلم لصقة بم ،وخوفا منهم أن تسقط هذه الصفة عنهم ،وقد وصلوا ف
ذلك إل قمم رائعة استحقوا من أجلها أن يوصفوا بأنم خي القرون قاطبة ،3ولكن العبة
هنا أنم ل يعتقدوا قط أن مرد النطق بالشهادتي يعل صفة السلم تظل لصقة بم بغي
هذا الهد الدائب الذي يبذلونه لتثبيتها ،متمثل ذلك الهد ف القيام بأعمال ،والمتناع
عن أعمال...
فإذا قال قائل إن هذا المر متعلق بالخرة ل بالدنيا ،وإن للخرة حسابا الاص،
يكم فيه ال با شاء ،فيدخل النة -إن شاء -قوما ل يعملوا خيا قط ،ويرج من النار
-إن شاء -قوما ل يعملوا خيا قط ،إنا نن بصدد الديث عن الياة الدنيا ،وحكم
الن سان فيها بعد أن ينطق بال شهادتي ...فنقول لم إنه حت ف الياة الدنيا فإن صفة
ال سلم ل ت ظل ل صقة بالن سان مدى ال ياة ب عد نط قه بال شهادتي إل إذا قام بأع مال،
وامتنع عن القيام بأعمال ،بصرف النظر عما ف داخل قلبه ،ما ل يعلم حقيقته إل ال.
ول سنا ه نا -ف هذه العجا لة -ب صدد تف صيل الع مال ا لت يب أن ي قوم با
النسان أو يتنع عنها حت تظل له صفة السلم ف التمع السلم ،فقد تكلمنا عنها ف
أ كثر من ك تاب ،4إ نا نن معن يون ه نا بنق طة وا حدة معي نة ،هي صلة "ل إ له إل ا ل"
بالت حاكم إ ل شريعة ا ل ،و مدى وثا قة هذه ال صلة ،و هل ي كن أن تنف صل العق يدة عن
الشريعة ف دين ال...5
) 3خي القرون قرن( ]أخرجه الشيخان[.
4ان ظر إن شئت ف صل؛ "مف هوم ل إ له إل ا ل" ،من ك تاب "م فاهيم ينب غي أن ت صحح" ،وف صل؛
"الصحوة السلمية" من كتاب "واقعنا العاصر".
5تكلمنا عن هذه القضية كذلك ف الكتابي السابقي ،ولكن الديث عنها ف هذا البحث له ضرورته.
)(6 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وقبل أن نتحدث عن هذه القضية نود أن نشي إل معن معي يغفله الذين يزعمون
أن النطق بالشهادتي -وحده -هو الذي يعطي صفة السلم ف الدنيا ،وأن التصديق
والقرار -وحدها -يدخلن الناس النة ف الخرة ،ويتجون بـ "الهنميي" الذين
يرج هم ا ل من ال نار ب عد أن يق ضوا في ها ما شاء ا ل لم أن يق ضوا ،ث يدخلهم ال نة
بشفاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهم ل يعملوا خيا قط...
ونقول -كما قلنا ف كتاب سابق - 6إنه ل حرج على فضل ال؛ }يدخ °ل م"ن
"يش"اء Áفي ر"حم"ته{ ،ولكن هذا أيضا له شروط! وليس مطلقا كما يظن بعض الناس! وال
سبحانه وتعال هو الذي بي الشروط.
ولنمثل للقضية بلجان الرأفة ف الختبارات -ول الثل العلى -فلجنة الرأفة تنظر
ف أوراق الذين دخلوا الختبار ث رسبوا فيه ،فإذا نح منهم من نح على يد لنة الرأفة
فذلك ل ينفي عنهم أول أنم كانوا راسبي بسب القاييس العتمدة للنجاح .ث إنم ثانيا
ل بد أن يكونوا قد حضروا الختبار ث رسبوا ،لن عمل اللجنة ل يتناول الذين طردوا
من الختبار بسبب الغش -مثل -أو بأي سبب آخر ...كذلك رحة ال – }و"له الم"ثل
الأعلى في ال س)م"او"ات و"الأرض و"ه و" الع"ز يز الح"كيم{ -ت شمل ا لذين ق صروا ف أداء
العمال وهم مؤمنون ،ولكنها ل تشمل الذين طردوا من رحة ال بسبب الشرك ،لقوله
تعال} :إن الله" ل ي"غفر أن يشر"ك" به و"ي"غفر م"ا دون ذلك" لم"ن ي"ش"اء.{Á
والن فلننظر ف الشرك الذي يرج النسان من دائرة الغفرة ويجب عنه النة.
يبي ال لنا ف كتابه النل وف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم أن هذا الشرك
ثلثة أنواع رئيسية ،كل واحد منها شرك ،وكل منها ناقض لـ "ل إله إل ال":
الول :يتعلق بالعتقاد ،وهو اعتقاد وجود آلة تشارك ال سبحانه وتعال ف النفع
والضر ،أو الحياء والماتة أو تدبي المر ...إو وجود شفعاء يلكون الشفاعة عند ال
فيغيون حكمه ف السموات أو ف الرض.
الثان :يتعلق بالعبادة ،وهو توجيه أي مظهر من مظاهر العبادة لغي ال -معه أو
من دونه -كالدعاء أو الستغاثة أو النذر أو الذبح ...إل.
ولا كنا ف هذه العجالة معنيي بالنوع الثالث من الشرك -وهو شرك التشريع بغي
ما أ نزل ا ل -فسنق صر ا لديث عل يه ،مت خذين الد لة عل يه من ك تاب ا ل ،و من سنة
رسوله صلى ال عليه وسلم ،ومن أقوال العلماء.
وب ي سبحانه أن هذه الثل ثة :العت قاد وال شعائر وال شرائع هي مقت ضى قول كل
رسول لقومه} :اعبدوا الله" م"ا لك°م من إله غيره{ ،وأن نقض أي واحد من هذه الثلثة -
أو إشراك غي ال فيها -ناقض لليان.
وقال عن شرك التشريع الذي نن بصدده ف هذا البحث} :و"إذا قيل لهم ات)بعوا م"ا
أنز"ل الل ه قال°وا ب"ل ن"ت)بع م"ا و" ج"دن"ا ع"ليه آب"اء Èن"ا أو"لو كان ال ش)يطان °ي"دعوهم إلى ع"ذاب
الس)عي{} ،و"قال الذين" أشر"ك°وا لو ش"اء Èالله م"ا ع"ب"دن"ا من دونه من ش"يء ن"حن و"ل آب"اؤن"ا
و"ل ح"ر)من"ا من دونه من ش"يء{.
ك ما قال عن الي هود والن صارى أ نه ت عال ألزم هم بالكم ب شريعته ،وأن مالفتهم
لمره ترجهم من اليان} :إ ن)ا أنز"ل ن"ا ال ت)ور"اة في ه"ا هدى{ و"نور Ëي"حك°م ب ه"ا الن)ب يÊون ال ذين
أسلموا للذين" ه"ادوا و"الر)ب)انيÊون و"الأحب"ار بم"ا استحفظ°وا من كت"اب الله و"كانوا ع"ليه شه"د"اء
فل ت"خ ش"وا الن)ا س" و"اخ ش"ون و"ل ت"ش ت"روا بآ ي"اتي ث "م نا قليل و"م"ن لم ي"حك°م ب م"ا أنز"ل الل ه
ف أ°ولئك" هم الكافرون{} ،و"قفين"ا ع"لى آثارهم بعيس"ى ابن م"ري" م" مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه من
الت)ور"اة و"آت"ين"اه الأنجيل فيه هدى{ و"نور Ëو"مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه م ن" الت)ور"اة و"هدى{ و"م"وعظة
للمت)قي" ،و"لي"حك°م أهل °الأنجيل بم"ا أنز"ل الله فيه و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل الله فأ°ولئك" هم
الفاسق°ون{.
و قال ت عال ف ب يان أن الت شريع بغ ي ما أ نزل ا ل شرك مرج من ال يان ماط با
الشركي أو منددا بم} :ات)بعوا م"ا أ°نزل إليك°م من ر"ب¦ك°م و"ل "تت)بعوا من دونه أولي"اء} ،{Èأم
لهم شر"كاء Áش"ر"عوا لهم من" الد¦ين م"ا لم ي"أذن به الله{.
وقال عن اليهود والنصارى كذلك ف هذا ال شأن} :ات) خ"ذ°وا أح ب"ار"هم و"ره ب"ان"هم
أرب"ابا من دون الله{.
فلما أنكر ذلك عدي بن حات ف حضرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال:
)يا رسول ال ،ما عبدوهم!( ،بي له عليه الصلة والسلم أن اتاذهم أربابا هو نتيجة
اتباعهم فيما شرعوا بغ ي ما أ نزل ال ،قال عل يه الصلة وال سلم) :أ ل ي لوا لم ا لرام
ويرموا عليهم اللل فاتبعوهم؟ فذلك عبادتم إياهم(.7
7رواه الترمذي.
)(9 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
ويفعلون ما ل يؤمرون ،فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ،ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن،
ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ،وليس وراء ذلك من اليان حبة خردل(.8
) -إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ،فمن كره فقد برئ ،ومن أنكر
فقد سلم ،ولكن من رضى وتابع(.9
فنختار منها قول ابن كثي رحه ال ف تفسيه للية الكرية} :أفحك م" الج"اهل ي)ة
ي"بغون و"م"ن أحس"ن من" الله حكما لقوم يوقنون{) :ينكر تعال على من خرج عن حكم
ا ل ال شتمل ع لى كل خ ي ،ال ناهي عن كل شر ،و عدل إ ل ما سواه من ا لراء
وال صطلحات ا لت و ضعها الر جال بل م ستند من شريعة ا ل ،ك ما كان أهل الاهل ية
يكمون به من الضللت والهالت ما يضعونا بأهوائهم وآرائهم ،وكما يكم به التتار
من السيا سات اللك ية ا لأخوذة عن ملك هم جنك يز خان ا لذي و ضع لم اليا سق ،و هو
عبارة عن كتاب مموع من أحكام اقتبسها من شرائع شت :من اليهودية والنصرانية واللة
السلمية وغيها ،وفيها كثي من الحكام أخذها بجرد نظره وهواه ،فصارت ف بنيه
شرعا متبعا يقدمونه على الكم بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ،فمن فعل
ذلك منهم فهو كافر يب قتاله حت يرجع إل حكم ال ورسوله ،فل يكم سواه ف قليل
ول كثي(.10
ويقول ابن تيمية رحه ال) :وبا ذكرته ف مسمى الشريعة والكم الشرعي يتبي
أنه ليس للنسان أن يرج عن الشريعة ف شيء من أموره ،بل كل ما يصلح له فهو ف
الشرع من أصوله وفروعه وأحواله وأعماله وسياسته ومعاملته وغي ذلك ،والمد ل رب
العالي ...وحقيقة الشريعة :اتباع الرسل والدخول تت طاعتهم ،كما أن الروج عنها
خروج عن طا عة الر سل ،وطا عة الر سل هي د ين ا ل ا لذي أ مر بالق تال عل يه ،و قال:
8أخرجه مسلم.
9أخرجه مسلم.
10تفسي ابن كثي :ج /2ص .67
)(10 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
}و"قاتل°وهم "ح ت)ى ل "ت ك°ون فت ن" Ôة "وي" ك°ون ا لد¦ين لل ه{ ...فع لى كل من الر عاة والرع ية
وا لرؤوس والرؤو سي أن يط يع كل من هم ا ل ور سوله ف حاله ،وي لتزم شريعة ا ل ا لت
شرعها له(.11
ويقول الشيخ ممد بن عبد الوهاب رحه ال) :ولم شبهة أخرى ،يقولون إن النب
صلى ال عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال "ل إله إل ال" ،وقال" :أقتلته بعد ما
قال :ل إله إل ال؟" ،وكذلك قوله" :أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا؛ ل إله إل ال"،
وأحاديث أخرى ف الكف عمن قالا ،ومراد هؤلء الهلة أن من قالا ل يكفر ول يقتل
ولو فعل ما فعل ،فيقال لؤلء ...إلهال :معلوم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قاتل
الي هود و سباهم و هم يقو لون "ل إ له إل ا ل" ،وأن أ صحاب ال نب صلى ا ل عل يه و سلم
قاتلوا بن حنيفة وهم يشهدون أن "ل إله إل ال" وأن ممدا رسول ال ويصلون وي"د)عون
السلم وكذلك الذين حرقهم على بن أب طالب ،وهؤلء الهلة مقرUون أن من أنكر
البعث كفر وقتل ولو قال "ل إله إل ال" ،وأن من جحد شيئا من أركان السلم كفر
وقتل ولو قالا ،فكيف ل تنفعه إذا جحد شيئا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي
هو أصل دين الرسل ورأسه؟ ...فلم تنفعهم "ل إله إل ال" ول كثرة العبادة ول ادعاء
السلم لÎا ظهر منهم مالفة الشريعة(.12
وعلى الرغم من وضوح القضية ف كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم
وأقوال العلماء ،فإن المر يتلط على بعض الناس حي يدون ف كتب الفقه أن من ل
يكم با أنزل ال ل يكفر إل إذا كان جاحدا ،ويدون ابن عباس رضي ال عنه يقول:
أنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه ،إنه ليس كفرا ينقل عن اللة ،كفر دون كفر...
يتلط المر عليهم فيحسبون قضية التشريع بغي ما أنزل ال ،أو الرضى بشرع غي
شرع ال داخلة ف هذا الكم؛ كفر دون كفر ،كفر ل يرج من اللة.
والذي يقوله الفقهاء عن الكم بغي ما أنزل ال صحيح ول شك ،فليس كل من
ل يكم با أنزل ال يعتب كافرا ،فقد يكون متأول ،وقد يكون جاهل بكم ف قضية
بعين ها ،و قد ي كون مدفوعا ب شهوة معي نة كالقا ضي الرت شي ا لذي يالف ح كم ا ل ف
القضية العروضة عليه بتأثي الرشوة وهو عال با يفعل ،فيكون عاصيا فاسقا ول يكفر.
11مموع فتاوى ،شيخ السلم ابن تيمية ،جع وترتيب عبد الرحن بن ممد بن قاسم :ج /19ص
.309
12كتاب "الامع الفريد" ،الطبعة الثانية :مقتطفات من ص 232و ص .233
)(11 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
السبب أنه -مع مالفته لكم ال -ل يعل مالفته شرعا يكÎمه بدل من شرع
ال ،ول يقل إن حكمه هذا بديل يضاهى حكم ال أو يفضUل على حكم ال ،إنا موقفه
كالسارق والزان يالف ف العمل ،ولكنه ل يغ يUر ف الشرع النل ،ول يضع بديل من
عند نفسه لشرع ال.
أما حي يشرع بغي ما أنزل ال فالمر متلف تام الختلف ...فهو عندئذ يضع
من عند نفسه تشريعا يل فيه ويرم بغي ما أنزل ال ،ث يضاهي به شرع ال ،أو يفضUله
على شرع ال ،وذلك -بإجاع الفقهاء -شرك أكب مرج من اللة ،لنه يتعارض مع
القرار با جاء من عند ال ،وهو القتضى الباشر -بل العن الباشر -لـ "ل إله إل
ال"...
وإذا وقعت -من وجهة نظرنا -جرية فعقوبتها عندنا أمر آخر غي ما قررت!
وإنك قد قلت يا رب إن عقوبة السرقة قطع اليد ،أما نن فنرى أن هذه عقوبة وحشية
13الذين يقولون هذا هم الرابون اليهود ،ومن عميت قلوبم من "الميي" ،أما الستبصرون من الميي
أنفسهم فيقولون؛ إن النتيجة التمية للربا هي تكدس الثروة ف يد فئة قليلة من الناس تزداد قلة برور
الزمن ،وازدياد الفقر ف فئة كبية من الناس يتزايد عددها على الدوام -انظر إن شئت تقرير الستشار
اللان "شاخت" عن الربا -
)(12 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
بربر ية ،إ نا عقو بة ال سرقة ع ندنا هي ال سجن ،و هي عقو بة مهذ بة تل يق بإن سان ال قرن
العشرين!
كيف نزعم لنفسنا أننا آمنا بأنه "ل إله إل ال" -أي ل مـعبود ول حاكم إل
ال -إذا قلنا ذلك ،ومئات من أمثاله ،بلسان الال أو بلسان القال؟
ماذا بقى سوى كلمة ذاهبة ف الواء ،ل رصيد لا من الواقع ،ول قيمة لا ف واقع
الياة؟
إن القرار بألوهية ال ،فضل عن تفرده سبحانه وتعال باللوهية -وهو معن "ل
إله إل ال" -أمر أضخم بكثي من مرد أن نوقن ف داخل أنفسنا ونقر بألسنتنا أن ال هو
الالق ،وأن ال هو الرازق ،وأن ال هو الدبر وأن ال هو السيطر ،وأن ال بيده ملكوت
كل شئ ...وهو ما يريد الرجئة أن يصروا فيه معن "ل إله إل ال" ...فقد كان العرب
ف جاهليتهم يقرون بذا كله ،ومع ذلك ل يعتبهم ال مؤمني! }و"لئن س"ألت"هم م"ن خ"لق
ال س)م"او"ات و"الأر ض" لي" ق°ول°ن) الل ه{} ،و"لئن س"ألت"هم م"ن خ"لقهم لي" ق°ول°ن) الل ه{} ،ق°ل لم"ن
الأرض و"م"ن فيه"ا إن ك°نتم ت"علمون س"ي"ق°ول°ون لله ق°ل أفل ت"ذكرون ق°ل م"ن ر"ب Êالس)م"او"ات
ال س)بع و"ر" ب Êالع"رش الع"ظيم س"ي"ق°ول°ون لل ه ق°ل أفل "تت) ق°ون ق°ل م"ن ب ي"ده م"ل ك°وت ك °ل Ðش"يء
و"هو" يجي و"ل يج"ار ع"ليه إن ك°نتم ت"علمون "سي"ق°ول°ون لله ق°ل فأن)ى تسح"رون{.
فما الذي منعهم -وهم يقرون بذا كله -أن يكونوا مؤمني؟ وأي شيء جعلهم
ف حكم ال مشركي؟
أمران رئيسيان :عبادة غي ال ،والتحليل والتحري -أي التشريع -بغي ما أنزل
ال} :و"قال ال ذين" أش ر"ك°وا لو ش"اء Èالل ه م"ا ع" ب"دن"ا من دونه من ش"يء ن"حن و"ل آب"اؤ ن"ا و"ل
"حر)من"ا من دونه من ش"يء{} ،و"قال الله ل "تت)خذ°وا إله"ين اثن"ين 14إن)م"ا هو" إله Ëو"احد Ëفإي)اي
فاره"بون{.
و كان من ب ي ما ن سيته هذه الق ضية الط ية ،و هي و جوب ال كم با أ نزل ا ل
عق يدة ل ي كون ال سلم م سلما إذا ت لى عن ها ،وأن الت شريع بغ ي ما أ نزل ا ل ،والر ضى
بشرع غي شرع ال شرك مرج من اللة.
ولئن كان الفكر الرجائي قد مهد السبيل ف الاضي لزحزحة المة عن كثي من
الع مال الواج بة -أو ف القل يل برر لا تقاع سها عن ت لك الع مال -ع لى أ ساس أن
الع مل ل يس داخل ف م سمى ال يان ،وأن ال يان يتح قق كامل بالت صديق وا لقرار
فحسب ...فإن الغزو الصليب -سواء العسكري أو الفكري -قد دفع المة دفعة خطية
وراء آ خر ا لواجز ا لت كانت قد وق فت ع ندها ع لى الر غم من كل تقاع سها و كل
انرافها ...فأخرجها من شريعة ال ،وهو يزين لا عملها ،ويد لا ف الغي ،Uويوهها أنا
ما زالت ف دائرة اليان...
ولقد قاوم السلمون الغزو الع سكري والغزو الف كري با كان قد بقي فيهم من
طاقة ...ولكن الواء الذي كانت تعانيه المة من جراء انرافاتا وأمراضها جعل هذه
14إ له خالق رازق مدبر ،ت قرون بو جوده ول تتب عون شريعته ،وإ له مز عوم ي شرع ل كم فتطي عونه ف
التشريع.
15انظر "واقعنا العاصر" و "مفاهيم ينبغي أن تصحح".
)(14 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
القاومة أضعف من أن تقف للغزو الكاسح ،فاستتب المر للغزاة ،وت لم ما أرادوه من
صرف المة عن السلم...
ولقد كان لم من وراء تنحية شريعة ال عن الكم مآرب عدة ...وكانوا يعلمون
أنه بعد أن تنقض العروة الول -عروة الكم -ستنقض بقية العرى واحدة إثر أخرى.
كما أخب رسول ال صلى ال عليه وسلم) :لتنقضن عرى هذا الدين عروة عروة،
كل ما نق ضت عروة استم سك ال ناس بالت ب عدها ،فأولن نق ضا ال كم ،وآخر هن نق ضا
الصلة(.16
كانوا يريدون أن تعمل حركة التنصي ف العال السلمي وهي آمنة مطمئنة ،لتفت
من تستطيع فتنته عن دينه ،ولن تد هذه الركة مال لو بقيت الشريعة قائمة ،ونفÐذ حد
الردة على التنصر الذي يرتد عن السلم.
وكانوا يريدون أن تشيع الفاحشة ف التمع السلمي لتنحل أخلقه ويسلس قياده
للم ستعمر ،و ل يكو نوا لي ستطيعوا -وال شريعة قائ مة -أن يفت حوا بيو تا ر سية للب غاء،
تميها الدولة "السلمة!" بتشريعاتا وتنظيماتا وشرطتها! ول أن يفتحوا الانات لتسقى
ال ناس ال مر علن ية با سم "ال شروبات الروح ية" !17ول أن يفت حوا الرا قص لل ساقطات
ال لوات أط لق علي هن في ما ب عد ل قب "الفنا نات!" لتله ية ال ناس عن صلتم و صيامهم،
ودنياهم وآخرتم ،باسم الفن والضارة والتقدم!
وبقى الؤمنون ينكرون ذلك كله بقلوبم ،وقد عجزوا عن إنكاره بأيديهم ويئسوا
من إن كاره بأل سنتهم ،ول كن حت هذا ال قدر ا لذي قال ع نه ر سول ا ل صلى ا ل عل يه
وسلم :إنه "أضعف اليان"" ،وليس وراء ذلك من اليان حبة خردل" ،ل يكن مأمونا
عند القائمي بالغزو الصليب ،فقد يشتد يوما حت يصبح "جهادا" حقيقيا كاسحا هو أشد
ما يرهبونه من هذا الدين ،ومن ث سعى الغزو الفكري إل تثبيت تلك الوضاع على أنا
هي الصل الذي ينبغي أن يتبع ،وأن العدول عنه -بالعودة إل تكيم شريعة ال -هو
الرجعية الت ينبغي أن يبأ منها التحضرون.
16رواه أحد.
17يطلق الوربيون على المر اسم "الشروبات الكحولية" ] [Spiritualولكن الترجي البثاء ترجوا
كل مة ] ،[Spiritualبالروح ية ،م ستغلي أن الكل مة الورب ية ي كن أن تؤدي كل العني ي؛ الروح ية
والكحولية .والتضليل واضح ف الترجة العربية.
)(15 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
واستعي على ذلك بكل وسائل العلم التاحة من كتاب وصحيفة وقصة ومسرح
وسينما وإذاعة -وتليفزيون فيما بعد -كما استعي بناهج التعليم الت تصور السلم
و شريعته جودا و تأخرا ورجع ية ،وت صور الو ضاع القائ مة ف أور با -بم يع جوانب ها
ومالتا -على أنا هي الضارة والرفعة والتقدم ،وترج أجيال وراء أجيال تعرف شيئا
عن أوربا ،18ول تعرف عن السلم إل ما يلقى ف روعها من الشبهات!
واستعي فوق ذلك بالفكر الرجائي الذي يقول إن اليان هو التصديق والقرار،
وليس العمل داخل ف مسمى اليان ،كما استعي بـ "علماء" من علماء الدين ليؤكدوا
هذه العان الرجائية ف نفوس الناس ،بعضهم "طيبون" ،تستغل طيبتهم دون وعى منهم،
وبعضهم "مترفون" يضللون الناس على علم.
إن تصور أمة ممد صلى ال عليه وسلم تتحاكم إل غي شريعة ال لو أمر مذهل،
وأمر بشع ...ل يفف من بشاعته عموم البلوى ،ول ثقلة المر الواقع!
كيف تلت هذه المة عن رسالتها ،وعن تيزها الذي ميزها ال به؟
هل أخرج ال هذه المة لتكون ف ذيل القافلة تلهث وراء الركب؟!
و هل أخرج ها لتنب هم شخ صيتها وتتم يع ،وت صبح صورة مق لدة بل م شوهة من
الاهلية؟!
أ ل يرج ها لت كون قائدة ورائدة و شاهدة ع لى كل الب شرية؟! }ك°نتم خ"ي ر" أ °م)ة
أ°خرج"ت للن)ا س ت"أمرون ب الم"عروف و"ت"نه"ون ع" ن المنكر و"تؤم نون ب الله{} ،و" ك ذلك
"جع"لن"اك°م أ°م)ة و"س"طا ل"تك°ونوا شه"د"اء Èع"لى الن)اس و"ي"ك°ون الر)سول °ع"ليك°م ش"هيدا{.
18ل ي كن لديهم معر فة حقيق ية عن أور با ،ف قد كان ف ال ضارة الغرب ية إياب يات -ر غم انرافا تا
الوهرية -ول يكن مقصودا تعليم السلمي إيابيات أوربا ،ول كيف يتخذونا من أجل نضتهم ،إنا
كان القصود تعريفهم -جيدا -بالنلل اللقي واللاد ،ليأكل ف جسد المة السلمية.
)(16 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
ودع عنك الن أنه ما صار ينقصنا إل حي تلفنا عن حقيقة "ل إله إل ال" ،وأننا
حي كنا ملتزمي حقا بقتضيات "ل إله إل ال" كنا مكني ف الرض ،سابقي ف كل
مالت ال ياة ،لن ا ل ج عل كل أ سباب ال ي القي قي ف مقت ضيات "ل إ له إل ا ل"،
ويسرها لن يلتزم حقا بـ "ل إله إل ال".
دع ع نك ا لن هذا ،ولن فترض -مع ال يال الا مح -أن نا امتلك نا هذه ا لدوات
كلها كما تتلكها "الدول العظمى!" سواء بسواء ،ث ل نطبق شريعة ال ...فهل نزيد ف
ميزان ال على أن نكون أمة جاهلية يكن ال لا فترة من الوقت ث يكون مصيها الدمار
ف الرض والعذاب الليم يوم الساب! }فلم)ا ن"سوا م"ا ذ°كÐروا به فت"حن"ا ع"ليهم أبو"اب" ك°ل
ش"يء "ح ت)ى إذا فرحوا ب م"ا أ°وتوا أ خ"ذن"اهم ب"غ ت"ة فإذا هم مبلسون فق°ط ع" د"ابر القوم ال ذين
ظلموا و"الح"مد لل ه ر" ب¦ ال ع"المي{} ،م"ن كان ير يد الح" ي"اة ا لدÊني"ا و"زي"نت" ه"ا ن و"ف¦ إليهم
أعم"الهم فيه"ا و"هم فيه"ا ل يبخ"سون أ°ولئك" الذي "ن ليس" لهم في الآخر"ة إلا الن)ار و"ح"بط م"ا
ص"ن"عوا فيه"ا و"ب"اط Ôل م"ا كانوا ي"عم"ل°ون{.
أخرجها لتكون هي النوذج الذي تتذيه البشرية ،لتهتدي إل ربا ،وتطبق منهجه
ف الرض ،فتنال خي الدنيا وخي الخرة ،وتنال رضوان ال...
ولن تعود إل التمكي والقوة حت تعود إل السبب الذي مكنها من قبل} :و" ع"د
الله الذين" آم"نوا منك°م و"ع"مل°وا الص)الح"ات لي"ست"خلفن)هم في الأرض كم"ا است"خلف" الذين" من
قبلهم و"ليم" Ðكن"ن) لهم دين"هم ال ذي ار"تض"ى لهم و"ليب"د¦لن)هم من ب"عد خ"وفهم أمنا ي"عبدون"ني ل
يشرك°ون بي ش"يئا{.
ولن يعبدوه حق عبادته ،عبادة خالية من الشرك ،حت يلتزموا بتطبيق شريعة ال:
}فل و"ر"ب¦ك" ل يؤمنون ح"ت)ى يح"كÐموك" فيم"ا ش"ج"ر" ب"ين"هم ث°م) ل ي"جدوا في أنف°سهم ح"ر"جا
سلÐموا ت"سليما{.
مم)ا قض"يت" و"ي "
البحث الثان
هل لول المر أن يتصرف ف أحكام الشريعة
بسب الحوال
يقول الذين يتلمسون العاذير والجج ليتهربوا من اللتزام بتطبيق شريعة ال ،إن
لول المر أن يتصرف ف أحكام الشريعة حسب الحوال ...فقد أوقف عمر حد السرقة
عام الرمادة ،وأبطل سهم الؤلفة قلوبم من مصارف الزكاة ...فإذا جاز هذا لعمر رضي
ال عنه فلماذا ل يوز للحكام اليوم ،وقد تبدلت المور تبدل حادا ،يستدعي إعادة النظر
فيما يكن وما ل يكن ،وما يوز وما ل يوز؟!
والصحابة رضوان ال عليهم من جانب آخر ل يكونوا ليسكتوا على تغيي شرع
ال أو إبطاله مهما يكن الشخص الذي قام بذا التصرف ،عمر أو غي عمر...
ومن ث فل عمر رضي ال عنه يتصور منه مالفة شرع ال ،ول الصحابة رضوان
ا ل علي هم يت صور من هم اال سكوت ع لى الخال فة و لو كانت من أم ي ا لؤمني ع مر بن
الطاب.
والق أن الذين يتلمسون العاذير ل يسمون عمل عمر مالفة ،إنا يسمونه "تصرفا"
ليبنوا عليه قاعدة تفو إليها أفئدتم لتحلهم من اللتزام بشرع ال ،هي أن لول المر أن
يتصرف ف أحكام الشريعة با يراه ،بسب الحوال! وبشئ من "البحبحة" يلÎون أولياء
المور اليوم من الشريعة بأكملها ،بجة مناسبة الحوال!
فلننظر ف عمل عمر رضي ال عنه :هل هو "إبطال" للشريعة أو "تصرف" فيها؟ أم
هو عي اللتزام بأحكام الشريعة مع الجتهاد ف تديد الصورة الصحيحة لتطبيقها؟
إن السلم ل يبدأ بتقرير العقوبة ول بتطبيقها ،إنا يسعى أول لسد منافذ الرية
حت ل تقع ابتداء ،فإذا وقعت نظر ف كل حالة ليضمن أن فاعلها غي معذور ،فيقيم عليه
الد وقتئذ وقد ضمن أل عذر له ف ارتكاب الرية ،فإذا قامت الشبهة فإنا تدرأ الد...
رأى أن شبهة الوع اللجئ إل السرقة قائمة ،فدرأ الد بالشبهة ،ول يقم الد
حت يطمئن أن مرت كب ال سرقة غ ي م عذور ف ارتكا با ...ف هل غ يUر ع مر شرع ا ل أو
أبطل تنفيذه؟ أم إنه كان منفذا دقيقا ملتزما ف تطبيقه كل اللتزام؟
أما الجتهاد الخر الذي قام به عمر رضي ال عنه فهو إبطال سهم الؤلفة قلوبم
من مصارف الزكاة.
تقول الية الكرية} :إن)م"ا الص)د"قات للف°ق ر"اء و"الم" س"اكي و"الع"املي" ع"ليه"ا و"المؤ"ل فة
°ق ل°وبهم و"في الر¦قاب و"ال غ"ارمي" و"في س"بيل الل ه و"ابن ال س)بيل فري ض"ة م ن" الل ه و"الل ه ع"ليم
ح"كيم{.
فهل أبطل عمر رضي ال عنه شرع ال؟ أم إنه نظر ف دواعي التطبيق ،فوجد -
باجتهاده -أن الداعي لتأليف القلوب ل يعد قائما بعد أن أعز ال السلم ،فلم يعد لذا
السهم باب للنفاق فيه ف تلك الالة ،وهي عزة السلم ،ودخول الناس فيه طواعية أو
خضوعا للغالب النتصر ،وف كلتا الالتي ل يتاج المر إل تأليف القلوب ،فالذي دخل
طواعية مؤمن صادق قد استقر اليان ف قلبه ،والذي دخل خضوعا للغالب النتصر قد
وجد السبب الذي يدعوه للسلم فدخل فيه استجابة لذلك السبب ،وهو كاف عنده
للدخول فيه!
لو قال عمر :إن هناك من نتاج إل تأليف قلبه للسلم ،لن السلم ل يتمكن ف
الرض بعد ،ولكن أرى مع ذلك أل أنفق هذا السهم من الزكاة لتأليف القلوب ...لو
قال ذلك -وحاشا لعمر الؤمن التقي أن يقوله -لوقعت عندئذ الخالفة الت ل تقبل من
عمر ول غي عمر ،لنا تكون عندئذ تغييا وتبديل ف شرع ال.
أما قيام حالة ل يكون النص منطبقا فيها ،فل يطبق النص لعدم انطباقه على الالة
القائمة ،فتصرف أبعد ما يكون عن التغيي أو التبديل ف شرع ال.
يقول يي بن سعيد) :بعثن عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها،
فطل بت فقراء أعطيها لم فلم أجد ،فقد أغن ع مر بن عبد العزيز الناس ،فاشتريت با
رقيقا فأعتقتهم(.
فهل نقول؛ إن عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه أبطل الشريعة أو عدل فيها لنه ل
ينفق سهم الفقراء من أموال الزكاة؟ أم نقول إنه وجدت حالة ل ينطبق فيها النص فلم
يطبق؟
وكذلك تصرف عمر بن الطاب رضي ال عنه ،سواء ف عدم تطبيق حد السرقة
عام الرمادة ،أو وقف إنفاق السهم الاص بالؤلفة قلوبم من أموال الزكاة.
فأين من هذا دعوة الداعي إل إعطاء "أولياء المور" حق إبطال الشريعة بكاملها
والستعاضة عنها بالشرائع الاهلية ...بجة عدم مناسبة الحوال؟!
يقول تعال } :ي"ا أÊي ه"ا ال ذين" آم"نوا أطيعوا الل ه" و"أطيعوا الر)سول و"أ°ولي الأمر منك°م
فإن ت"ن"از"عتم في ش"يء فردÊوه إلى الله و"الر)سول إن ك°نتم تؤمنون بالله و"ال ي"وم الآخر ذلك
خ"ير Ëو"أحس"ن ت"أويل{.
وظاهر من البناء اللغوي للية أن الطاعة ل مطلقة ،كذلك الطاعة للرسول صلى
ال عليه وسلم ،ولكن ليست كذلك الطاعة لول المر ...ولو قال تعال" :أطيعوا ال
وأطي عوا الر سول وأطي عوا أو ل ا لمر من كم" لوجبت طاعتهم مطل قا كطا عة ا ل وطا عة
الرسول صلى ال عليه وسلم ،ولكن ال جل شأنه ل يقل ذلك ،وإنا عطف طاعة أول
المر على طاعة ال والرسول بدون تكرار المر "أطيعوا" ،لتظل طاعتهم مقرونة دائما
بدود ما أنزل ال ،ويؤكد ذلك ع"جز الية الذي يبي الرجع ف حالة التنازع وهو ال
والرسول فحسب.
وهكذا فهم الليفة الول رضي ال عنه حي قال للمة :أطيعون ما أطعت ال
فيكم ،فإن عصيت ال ورسوله فل طاعة ل عليكم.
فإذا كانت هذه هي حدود المر ف السلم ،فكيف يتصور أحد أن يكون لول
ا لمر حق مال فة ا ل ور سوله وا ل ي قول} :و" م"ا كان لمؤمن و"ل مؤم ن"ة إذا ق ض"ى الل ه
و"ر"سول°ه أمرا أن ي"ك°ون لهم الخ"ير"ة °من أمرهم{.
19أخرجه الشيخان.
20أخرجه الشيخان.
)(22 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
كل! ل يس لول ا لمر أن يت صرف ف ال شريعة بالب طال أو الت عديل أو ال ستبدال،
لن هذا الق ليس لحد على الطلق ،ل الاكم ول الكوم.
ول يوجد سبب واحد ف الرض يبر لول المر أن يفعل ذلك ،ل ال أذن له،
ول السوابق الت يتصيدونا من تصرفات عمر رضي ال عنه تؤيدهم فيما يذهبون إليه.
فهؤلء يقولون "ل إله إل ال ،ممد رسول ال"} ،و"ي"ق°ول°ون آم"ن)ا بالله و"بالر)سول{،
ث يزيدون على ذلك فيزعمون أنم مطيعون ل ورسوله وال يقول عنهم} :و"م"ا أ°ولئك
بالمؤمني{ ،فينفي عنهم ما زعموه من دعوى اليان ،ويبي أن السبب ف نفي اليان
عن هم أ نم إذا د عوا إ ل شريعة ا ل أعر ضوا عن ها ،إل ح ي ي كون لم م صلحة ذات ية ف
تطبيقها! ويبي تعال موقف الؤمني القيقيي إذا دعوا إل شريعة ال فإنم على الفور
يقولون سعنا وأطعنا ،بصرف النظر عما يصيب ذواتم من تطبيقها ،إنا هي الطاعة الطلقة
ل ورسوله ،هي صفة الؤمني ،وهي سبيل الفلح ف الدنيا والخرة.
فلنطبق الشريعة الن ف هذه اللحظة ،ول خوف من وقوع الظلم على أحد ف ظل
شريعة ال!
إننا حي نطبق الشريعة الن ف هذه اللحظة فلن نطبق حد السرقة على الائع الذي
يسرق ليأكل ،لن شبهة الوع اللجئ إل السرقة تدرأ عنه الد ...فل نتاج إذن إل
تعط يل ت طبيق أح كام ال شريعة حت ن صلح ا لحوال القت صادية ،لنه ل ت طبيق ال شريعة
سيعطل إصلح الحوال القتصادية -بل العكس هو الصحيح -ول سيقع الظلم على
أ حد من ت طبيق ال شريعة لن ا ل ل يظ لم أ حدا ك ما أ خب سبحانه عن نف سه ف ك تابه
النل.
وكما روى عنه رسوله صلى ال عليه وسلم ف الديث القدسي) :يا عبادي إن
حرمت الظلم على نفسي وجعتله بينكم مرما فل تظالوا(.21
وي قول آ خرون :ك يف نق طع يد ال سارق ا لذي سرق ليأ كل ،و نترك سارق
الليي؟! ل يوز تطبيق الشريعة ف هذه الحوال الراهنة!
فأما السارق الذي سرق ليأكل فلن يقام عليه الد كما بينا ،لن شريعة ال تقضي
بعدم إقامة الد عليه ،وأما سارق الليي فأي نص ف شريعة ال يميه؟!
وأ ما إذا تقاع ست ال مة عن ا لمر بالعروف والن هي عن الن كر ،و خافت سطوة
ذوي السطوة ،فأصبح الال كما وصف رسول ال صلى ال عليه وسلم حال الالكي:
إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الد ،فهي من جهة
ت مل وزر نف سها ف ا لدنيا و ف ا لخرة ،و من ج هة أ خرى ف لن يو جد ن ظام يمي ها من
سطوة ذوي السطوة ،فتلجأ إليه بعيدا عن شريعة ال!
إن ا لذين يتلم سون ال جج وال عاذير ليتهر بوا من ت طبيق شريعة ا ل يقو لون:
الديقراط ية! الديقراط ية! أو يقو لون :ال شتراكية! ال شتراكية! ف كم من أ لوف اللي ي
سرقت من د ماء ال شعوب "ال سلمية!" تت ظل الديقراط ية الزي فة و تت ظل
الشتراكية؟!
وك يف اكت نت طب قات ل أ صول لا ،و جاعت اللي ي؟ وك يف صارت أ قوات
ال شعب وضروراته ت باع ف ال سوق ال سوداء ،وصارت القروض تأت من كل م كان فل
21أخرجه مسلم.
)(24 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
تنفق ف مواضعها ،ول يستفيد منها الصال العام إل القليل بينما تتحمل الليي من أقواتا
الضرورية فوائد القروض؟!
كل! إننا إذ نادينا بتعطيل الشريعة السلمية من أجل حاية الليي ،فتلك حجة
داح ضة ،و لن ي مي ح قوق اللي ي شيء حا ية ال شريعة ال سلمية لا ،ب شرط أن ت قوم
المة بتبعاتا ،فتراقب حكامها ،وتأطرهم على الق أطرا كما وجهها رسولا الكري صلى
ا ل عل يه و سلم ...لن ذ لك من مقت ضيات "ل إ له إل ا ل"} :ك°نتم خ"ي ر" °أ م)ة أ°خرج"ت
للن)اس ت"أمرون بالم"عروف و"ت"نه"ون ع"ن المنكر و"تؤمنون بالله{.
البحث الثالث
شبهة التطور وعدم ملءمة الشريعة
للحوال الستجدة ف حياة الناس
هل تصلح الشريعة الت نزلت قبل أربعة عشر قرنا أن تكم الواقع العاصر ،وقد
جد Uف حياة الناس بعد الثورة الصناعية وتقدم العلم وتشابك العلقات البشرية وتعقدها ما
ل يكن قائما وقت نزول هذه الشريعة؟
وإذا كان تطبيق الشريعة قد ظل مكنا طيلة القرون العشرة الت تلت نزولا بسبب
بطء التغيات الت جدت ف حياة الناس ،وانصارها ف أمور ليست بعيدة الشبه بالحوال
الت نزلت فيها الشريعة ،فهل تظل على الدرجة ذاتا من إمكان التطبيق بعد أن كادت
تندثر الحوال الول ،وجدت بعدها أحوال تكاد تكون مبثوثة الصلة با كان من قبل؟!
كذلك يفكر بعض الناس ...ولعل هذه هي أهم القضايا الت تثور ف ذهن "الثقف"
الغرب تاه تطبيق الشريعة ،وخاصة إذا كان من الغرقي ف الخذ بالتفسي الادي للتاريخ،
الذي يتبناه التفكي الاركسي ،وإن الغرب "الليبال" يشارك فيه بقدر ليس بالقليل.24
ونريد هنا أن نناقش المر من طرفيه معا؛ قضية "الت طور" الذي يغي الياة ع لى
الدوام ،وقضية ثبات الشريعة كما نزلت قبل أربعة عشر قرنا من الزمان.
هذا التطور ،ما حقيقته؟ هل هو شامل لكل كيان النسان وكل أمور حياته؟ أم إن
ف النفس النسانية وف واقع الياة البشرية أمورا ثابتة وأخرى متغية؟ وما الثابت وما
24ف القي قة ل يو جد فارق جذري ب ي التفك ي "الل يبال" ا لذي يتب ناه ال غرب الرأ سال ،والتفك ي
الدل الادي الذي يتبناه العال الشيوعي تاه قضية التطور بالذات ،إنا هو فارق ف الدرجة ل ف
النوع.
)(26 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
التغي على وجه التحديد؟ وهل العبة ف النهاية بالمور الثابتة أم بالمور التغية؟ أم بما
معا؟ وعلى أي نو يتم التوفيق بي الثابت والتغي؟
فقد أحدثت نظرية التطور الت نادى با "دارون" 26هزة عنيفة ف الياة الوربية ف
جيع مالتا ،ول يقتصر الثر على مال علم الياة بالذات ،الذي كان "دارون" يصر
بثه ف نطاقه ،ذلك أن النظرية - 27وإن حصرت مال بثها ف نطاق علم الياة -قد
تعدت هذا النطاق بإياءاتا الطية الت شلت مال واسعا من الفكر والعتقاد ،كما أن
هناك من استغل هذه الياءات استغلل مقصودا لتدمي بعض الفاهيم السائدة ،وإحلل
مفاهيم أ خرى بدل من ها ،تدم أ غراض فر يق مع ي من ال ناس ،و بذلك ام تدت إ ياءات
النظرية وتأثياتا إل مال العقيدة ،وكذلك مال السياسة والقتصاد والجتماع والخلق
والفن والفكر ...وكلها من مالت التشريع.
كان ما قررته تلك النظرية -أو بالحرى ذلك الفرض العلمي -أن "اللق" يتم
بطري قة ذات ية ،ول د خل ف يه ل لرادة الل ية ،28وأن الطبي عة هي ا لالق ،29وأن الطبي عة ل
قصد لا من اللق ول غاية ،30وأن التطور يرجع إل ضغط الظروف الادية اليطة بالكائن
الي Uول دخل للكائن الي Uفيه ول إرادة له تاهه.31
وتلك كلها -كما ترى -أمور أوسع من دائرة علم الياة ،وإن كان "دارون"
نف سه ل ي ستخدمها إل ف ن طاق ذ لك الع لم ،فإن ا فتراض ال لق ا لذات ،32وا فتراض أن
الطبيعة لا القدرة على ال لق ،وأ نا ت بط خ بط ع شواء بل حكمة ول تدبي ول قصد،
هذه كلها أمور تس العقيدة ،وتعارضها معارضة أساسية ،وفضل عن ذلك فإنا ل بد أن
تؤثر ف و جدان الن سان ا لذي يؤمن با ،فتغ ي م فاهيمه وق يم ح ياته ،ك ما تغ ي أ حواله
السلوكية ،فث مت فرق واضح بي إن سان يؤمن بأن ال هو ا لذي خلقه ،وخلقه لدف
معي ،ورسم له منهجا معينا يعينه على تقيق ذلك الدف ،وسيسأله ف النهاية عن مدى
تقيقه لا أمره به ،وإنسان يؤمن بأن الطبيعة هي الت خلقته ،وخلقته صدفة بل قصد ،ول
ترسم له منهج حياة معي ،ول هي ستسأله عن تقيق شيء بعينه!
}و"م"ا خ"لقن"ا الس)م"اء Èو"الأرض" و"م"ا ب"ين"هم"ا ب"اطل ذلك" ظن Êالذين" كفروا ف و"ي Ôل لل ذين
كفروا من" الن)ار أم ن"جع"ل °الذين" آم"نوا و"ع"مل°وا الص)الح"ات كالمفسدين" في الأرض أم ن"جع"ل
المت)ق ي" كالف °ج)ار{} ،أفح"سبتم أ)ن م"ا خ"لق ن"اك°م ع"ب"ثا و"أن)ك°م إلي ن"ا ل ترج"عون{} ،ق°ل ه"ل
ي"ست"وي الذين" ي"علمون و"الذي "ن ل ي"علمون{.
ك ما أن افتراض أن الت طور -ع لى فرض ث بوته ثبو تا قاطعا - 33ي تم فقط بضغط
الظروف الادية اليطة بالكائن الي ،Uوليس ل دخل فيه ،كما أن الكائن الي - Uبا ف
ذلك النسان -ليس له دخل فيه ،ول إرادة له تاهه ،يدث تصورا معينا عند من يؤمن
به ،يعل الله ف حسه هو "الادة" ،ويعل النسان عبدا لا ،مكوما بقوانينها ،ل يلك
]Nature creates everything 29يقول دارون) :إن الطبيعة تلق كل شيء ول حد لقدرتا على اللق(
.[and there is no limit to its creativity
30يقول) :إن الطبيعة تبط خبط عشواء( ].[Nature works haphazardly
31انظر ف ذلك كله كتابه "التطور" ] ،[Evolutionوكتابه "أصل النواع" ] ،[Origin of Speciesف
أماكن متعددة منهما.
32يلحظ أن دارون أطلق الفرض -غي العلمي -و ل يقم أي دل يل عل يه ،و كذلك القول بالطبيعة
الالقة ،والطبيعة الت تبط خبط عشواء ...وهذه الفروض كلها جزء أساسي من "النظرية"! ومع ذلك
فقد انتشرت ف الال العلمي كأنا حقائق ثابتة! ويلحظ من الانب الخر أن هناك نظريات علمية
جديدة ترفض الفرض الداروين من أساسه.
33ل يس كل العل ماء ي سلمون بالتطور ،ول يس كل ا لذين ي سلمون به يواف قون ع لى أ نه ت ع لى ذات
النسق الذي افترضه دارون.
)(28 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
الف كاك من أ سرها ،ويعل الق يم العنو ية ل وزن لا ف ح ياته ،ل نا -إن آمن با -ل
تزيد ف حسه على أن تكون انعكاسا للوضاع الادية ،ونتاجا لا ،مباشرا أو غي مباشر.
وذلك -ف القيقة -هو عي الثر الذي تركته الداروينية ف الفكر الغرب ،على
وعي من الناس أو غي وعي!
على أن المر ف الواقع ل يتم من جراء التأثي للفكر الداروين ،وهو ف ذاته كاف
عند من يؤمن به لن يدث ف نفسه تغييا شامل ،وإنا كان اليهود -التربصون أبدا
للفساد - 34كأنم ف انتظار هذه القذيفة الدمرة ،فسعوا با ف كل مال ،ينشئون على
أساسها نظريات "علمية" ف القتصاد وعلم النفس وعلم الجتماع وغيها من الالت،
كل ها م عاد للف كر ا لدين والق يم الدين ية ،35ك ما ين شئون -بف ضل سيطرتم ع لى ال ثورة
الصناعية - 36متمعا بل دين ول أخلق ول تقاليد ،تنفيذا لخططهم ف استعباد البشر -
بعد إفسادهم -ليكونوا خدما لشعب ال الختار.37
ول قد تت للي هود ال سيطرة -ب قدر من ا ل -ا ستثناء ãمن حالتهم الدائ مة ا لت
تو عدهم ا ل با} :و"إذ ت"أذن ر"بÊك" لي"بع"ث ن) ع"ليهم إلى ي"وم القي"ا م"ة م"ن ي"سومهم سوء
الع"ذاب{.
وهذا الستثناء ذاته وارد ف كتاب ال لكمه يريدها ال} :ضرب"ت ع"ليهم الذÐل ة
أين" م"ا ث°قف°وا إلا بح"بل من" الله و"ح"بل من" الن)اس{.
34يصفهم ال تعال بقوله} :و"ي"س ع"ون في الأرض ف س"ادا و"الل ه ل يح ب Êالمفسدين"{ ،فيجعل السعي
للفساد صفة دائمة فيهم ،وديدنا لم.
35كنظرية ماركس ف القتصاد ،ونظرية فرويد ف علم النفس ،ونظرية دور كاي ف علم الجتماع،
ومذهب "العبثية" عند سارتر ،وغي أولئك من اليهود كثي.
36سيطر اليهود على الثورة الصناعية منذ نشأتا عن طريق القراض بالربا ،ما مكنهم من جع الثروات
الطائلة ،وجع الذهب والتحكم به ف عملت الدول ،كما مكنهم من السيطرة على وسائل العلم
العال ية ،فا ستطاعوا عن طر يق ذ لك ك له التح كم ف سيا سة الع سكرين م عا -ال شرقي والغر ب -
والتحكم ف القتصاد العالي ،والتحكم ف أفكار الناس وسلوكهم وأخلقهم ،وبث الذاهب الفكرية
الدامة ،و بث ألوان من "ال نون" متلفة ،كج نون ال نس ،وج نون ال كرة ،وج نون "ا لودة" ،وج نون
الزينة ،وجنون السينما والذاعة والتلفزيون والفيديو ...ال.
37يقول التلمود -وله عند اليهود قداسة تفوق قداسة التوراة :-إن المي هم المي الذي خلقهم
ا ل ليكب هم شعب ا ل الخ تار ،و قد تع لم الي هود أن ال سبيل الوح يد ل ستحمار الن سان هو إف ساد
عقيدته وأخلقه ،فيصبح البشر؛ }كأن)هم حمر Ëمست"نفر"ة Ôفر)ت من قسو"ر"ة{ ،كما وصفهم ال ف كتابه
العزيز ،ومن ث يسهل على الشيطان وأوليائه أن يوجهوهم حيث شاءوا.
)(29 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
ولعله عقاب للبشرية على كفرها ،وتبجحها بالكفر} :ق°ل هو" القادر ع"لى أن ي"بع"ث
ع"ليك°م ع"ذابا من فوقك°م أو من ت"حت أرجلك°م أو ي"لب س"ك°م ش ي"عا و"يذي "ق ب"ع ض"ك°م ب"أس
ب"عض{.
وليس هنا على أي حال مال الديث عن دور اليهود ف نشر الداروينية وجعلها
منبعا لفساد العقائد والفكار والسلوك ،إنا نريد فقط أن نركز الديث عن فكرة التطور
وتأثي ها ف إ ثارة شبهة عدم إم كان ت طبيق ال شريعة ال سلمية ع ند الن خدعي بالغزو
الفكري من السلمي.38
كان من بي السباب الت أدت إل الزة العنيفة الت أحدثتها فكرة التطور ف الياة
الورب ية أن الف كر الكن سي ال سائد ف أور با ف الع صور الو سطى 39كان يت صور الث بات
الطلق ف كل شيء ،وينادي بالثبات الدائم ف كل شيء ،فجاءت فكرة التطور مصادمة
تاما لذلك الفكر ،بيث بدا أل Îسبيل للقاء بينهما ،وأنه ل مناص من أن يترك أحدها
مكانه للخر بكامله ،فإما الثبات الكامل ف كل شيء ،وإما التطور الكامل ف كل شيء،
ول طر يق ثالث! و لا كان الن فوذ الكن سي -ا لذي يتب ن ف كرة الث بات -كان قد أ خذ
ين هار رو يدا رو يدا م نذ ال قرن ال سادس ع شر اليلدي ،م نذ قامت "النه ضة" ع لى أ سس
معادية للدين أو معارضة له ،وكان النفوذ العلمي والعلمان -الذي تبن فكرة التطور -
قد أخذ يتزايد ف الياة الوربية باستمرار ،فقد كان الظاهر من مرى الوادث أن فكرة
الثبات الطلق ف كل شيء هي الت عليها أن تغادر الساحة -مهزومة -لتخلي مكانا
لف كرة الت طور الط لق ف كل شيء ،سواء كان ما يق بل الت طور فعل أو كان غ ي قا بل
للتغيي!
38انظر -إن شئت -ف بيان دور اليهود ف إفساد أوربا ،ومسؤولية المة السلمة ف ذلك الشان،
ومدودية الدى الذي تستمر فيه الفترة الستثنائية لسيطرة اليهود؛ "مذاهب فكرية معاصرة ،فصل؛
"دور اليهود ف إفساد أوربا".
39تسمي أوربا عصورها الوسطى "العصور الوسطى الظلمة" ،وهي على حق كامل ف هذا الوصف،
ولكن ها كانت مظل مة ف أور با و حدها ،بين ما كانت ال فترة ذا تا من أز هى ع صور الع لم والعر فان
واليقي ف العال السلمي ،وتنسب أوربا ظلم عصورها الوسطى إل "الدين" ،وهي صادقة ف هذا
بالن سبة لدينها ا لرف ،ل بالن سبة ل لدين ف ذا ته ،ك ما يرى ال خدوعون بالغزو الف كري ،ف قد كان
"الدين" هو مصدر النور بالنسبة للمسلمي ف ذات الفترة.
)(30 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
ول شك أن الفكر الكنسي ل يكن خاطئا كله ،وإن ل يكن على صواب ف كثي
من المور.
أما اعتقاد الثبات ف الجرام السماوية ،وف الوجودات على الرض ،وف النظم
وال شكال وال ناط ،سواء كانت سيا سية أو اقت صادية أو اجتماع ية ...ف لم ي كن ت صور
الكنيسة فيه صابئا ول واعيا ،وكان أكثره يصدر عن جهل مطبق بالسنن الربانية ذاتا،
فضل عن العلوم الكونية الت كان نصيب أوربا منها ف العصور الوسطى أضأل نصيب.
وأ يا كان ا لمر ف قد ظل هذا الف كر سائدا -بطئه و صوابه -طي لة الع صور
الو سطى حت بدأت النه ضة الورب ية ب تأثي احت كاك أور با بال سلمي ،سواء الحت كاك
ال سلمي بانت قال ع لوم ال سلمي وث قافتهم وح ضارتم من ال ندلس إ ل أور با عن طر يق
ابت عاث أبناء ها إ ل ه ناك لط لب الع لم ،ث ق يامهم بتر جة الك تب العرب ية إ ل اللتين ية
والغريق ية ،أو الحت كاك الر ب ف الروب الصليبية ا لت قادتا أور با ضد السلمي ف
الشرق.
وقد حدث -نتيجة ظروف كثية متشابكة ل مال لتفصيلها هنا - 40أن أخذت
أور با ع لوم ال سلمي وح ضارتم دون أن تأ خذ ال سلم ،ا لذي انبث قت م نه ف ح ياة
السلمي تلك العلوم وتلك الضارة؛ فنشأت عندها حضارة معادية للدين ،أو ف القليل
مبتعدة عنه ،ترفض أن ترجع ف شيء من أمور الياة إل الوحي الربان ،وتفضل أن ترجع
إل فكر "النسان" وإل العرفة البشرية.41
40انظر" :مذاهب فكرية معاصرة" ،فصل؛ "العلمانية" ،وكذلك" :العلمانية" لسفر عبد الرحن الوال.
41هذا هو منشأ "العلوم النسانية" ف أوربا ،أي العلوم الت يرجع فيها إل العلم البشري ل إل الوحي
الربان! وهكذا ولدت تلك العلوم معادية للدين من أول لظة!
)(31 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وحي قام "دارون" ينادي بنظرية التطور ل يكن الفكر الورب قد تيأ بعد لقبولا
بكل تفصيلتا وكل إياءاتا ،خاصة وهي تنع عن "النسان" كرامته النسانية ،وترده
إل أصل حيوان بت ،وتنع عنه تفرده الذي يعتز به ،وترده مرد واحد من الكائنات
الت وجدت على الرض صدفة؛ وهو متطور نعم! ولكنه مع ذلك حيوان! أو كما ساه
أ حد ا لداروينيي "ال قرد ا لملس" ] - [The Hairless Apeأي ا لذي ل ي ـكسو ج سده
الشعر! -
ولكن أوربا مع ذلك تقبلت الداروينية على تردد ف مبدأ المر ،ث خف التردد
تدرييا ،حت انقلب ف ناية المر إل حاسة جياشة ل تبقي مال لثبات أي شيء على
ا لطلق ...ل ا لدين ول ا لخلق ول التقال يد ول الق يم ول الف كار؛ ك ما كانت قد
أقتنعت من قبل أنه ل ثبات لشيء ف الكون الادي ...ل الجرام السماوية ول الفلك،
ول الكائنات الرضية من نبات أو حيوان ...إو إنسان!
وكان وراء ذلك التحول الذي ت خلل عقود قليلة من الزمن عدة أمور...
فالثورة الفرنسية كانت قد هزت أوضاعا ثبتت من قبل ف أوربا وغيها من بلد
العال عدة ألوف من السني.
والثورة الصناعية كانت قد هزت أوضاعا أخرى ،ثبتت هي الخرى من قبل عدة
ألوف من السني ،منذ تعلم الناس الزراعة وعاشوا عليها ،فإذا الزراعة تصبح شيئا هامشيا
ف حياة الناس ،ويتجه الهتمام إل النتاج الصناعي التزايد ،وإذا الرأة الت ظلت دهورا
طوي لة من ح ياة الب شرية قاب عة ف بيت ها ،عاك فة ع لى شئون زوج ها وأبنائ ها ،ترج إ ل
العمل ف الصانع ،وتنتج من جراء ذلك "قضية" تشغل البشرية قرنا كامل من الزمان.42
ووراء ذلك كله كان اليهود التربصون للفساد ،ينتهزون الفرصة السانة ،فيعيثون
فسادا ف الرض ،مستغلي الداروينية وإياءاتا ف تدمي كل القيم الثابتة ف حياة النسان!
ومستغلي النفور من الكنيسة وطغيانا لتدمي كل ما يتعلق بالدين!43
42راجع إن شئت ف نشاة "قضية الرأة" ف أوربا ،وما أحدثته من آثار ف التمع الورب؛ "دور اليهود
ف إفساد أوربا" ،من كتاب؛ "مذاهب فكرية معاصرة".
43را جع كذلك " مذاهب فكر ية معا صرة" ،التمه يد ا لول" :دور الكني سة" ،والتمه يد ال ثان" :دور
اليهود ف إفساد اوربا".
)(32 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
] وإن كنا نيل القارئ إل عال داروين من علماء ما يسمى "الداروينية الديثة"
[Neo Darwinismهو "جوليان هكسلي" الذي قال ف كتابه "النسان ف العال الديث" ]
) :[Man in the Modern Worldإن النسان متفرد ف كيانه كله ،حت الكيان "البيولوجي"
ذا ته ،ف ضل عن ت فرده ف ك يانه العق لي وك يانه النف سي ا لذي ل مث يل له ف سائر
الكائنات(.45
ولكن نا -مع عدم دخول نا ف ن قاش عل مي مع نظر ية "دارون" -ن قول إن الع لم
اليوم قد تقدم كثيا عنه ف أيام "دارون" ،واكتشف العلماء -خاصة بعد تفجي الذرة ،ث
تفجي نواتا -أن هناك سننا ثابتة ف هذا الكون رغم التغي الدائم ف صوره وأشكاله،
وهذا ما ل يكن واضحا تام الوضوح عند "دارون" ،فصحيح أنه اكتشف سنة التطور،
ولكنه ل يكتشف السنن الثابتة الت يتم ف نطاقها التطور ،بل قال -عن جهالة -إن
"الطبيعة" تبط خبط عشواء!
لقد اكتشف العلماء أن هناك نسقا ثابتا ف بناء الكون كله ،هو التمثل ف تركيب
الذرة من نواة موجبة وكهارب سالبة تدور حولا بسرعة معينة ،وأن الفرق بي عنصر
وعنصر ليس فرقا ف هذا النسق الثابت ،إنا هو ف عدد الوحدات الت تتكون منها ذرة
كل عنصر؛ وأن هناك تولت كثية تت ف الكون خلل مليي السني ،ولكنها ل تغي
هذا النسق الثابت ،ول تغي كذلك الطريقة الت يتم با التحول من حالة إل حالة ومن
صورة من صور الادة إل صورة مغايرة ...وان وراء ذلك كله قوة مدبرة تكم النسق
الثابت وتكم طريقة التغيي!46
44سبق أن اشرنا إل أن الفروض الدارونية ليست مسلمة عند العلماء ،وأن هناك علماء يرفضونا تاما،
وآخرون يرونا على صورة اخرى غي ما تصورها دارون ،انظر على سبيل الثال" :موريس بوكاي/
أصل النسان" ،ترجة مكتب التربية الليجي.
45راجع :جوليان هكسلي" ،النسان ف العال الديث" ،ترجة حسن خطاب ومراجعة الكتور عبد
الليم منتصر ،فصل؛ "تفرد النسان" ،إصدار مشروع اللف كتاب ،وزارة التعليم العال ،القاهرة،
.1956
)(33 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
كما اكتشف علماء الياة من أسرار اللية الية ما أقنعهم كذلك بثبات السنن الت
تكم عمليات التحول ف بناء اللية ،وأن التحول ل يتم خبط عشواء!47
تلك إذن هي الصورة الصحيحة الت اهتدى إليها العلم ،سنن ثابتة وصور متغية،
أو قل :صور متغية تدور حول ماور ثابتة.
ولو اهتدى "دارون" إل تلك القيقة لسم القضية ،ولا ترك لليهود الفرصة يعيثون
بالداروينية فسادا ف الرض!48
ولكن الذي حدث بالفعل أن الفكر الداروين ظل ينمو ويتسع نطاقه حت غ شUى
مالت البحث كلها ،با فيها دراسة التاريخ ،وعلم الجتماع ،وقيل ف التفسي الدل
للتاريخ ،49كما قيل ف علم الجتماع :إنه ل ثبات لشيء على الطلق ف حياة النسان.
و قال "دور كاي" ) :50كان الظ نون أن ا لدين وا لزواج وال سرة هي أ شياء من
الفطرة ،51ولكن دراسة التاريخ تطلعنا على أن هذا المر ليس حقيقة!(.52
وقيل من بي ما قيل :إن البشرية قد مرت ف ثلثة أطوار :طور السحر ث طور
الدين ،ث طور العلم! وإنه كما أخلى السحر مكانه للدين ،فقد أخلى الدين مكانه للعلم!
و نترك أور با ،و ما حدث في ها من اختللت فكر ية ،اب تداء من ا لدين الكن سي
الرف إل التمرد على الدين واتاذ "العلمانية" منهجا للتفكي ومنهجا للحياة ،وتفشي
لو ثة الت طور ولو ثة ال لاد ،والن ظر إ ل كل " ثابت" ع لى أ نه رجع ية و تأخر ،وإ ل كل
"متطور" على أنه تقدم ورفعة ورقى...
إن الف كر ال سلمي ،اله تدي بك تاب ا ل ،ال ستني ب نور الن بوة ،ل يت عرض لت لك
الختللت الت تعرض لا الفكر الورب ،وف قضيتنا بالذات ،الت نتناولا هنا بالبحث،
ل يعتقد الف كرون ال سلمون أن كل شيء ع لى ا لطلق ثابت ،ول أن كل شيء ع لى
ا لطلق متغ ي ،إ نا اعت قدوا دائ ما أن ه ناك ثوابت وه ناك متغ يات ،وخا صة ف ح ياة
النسان.
فأمور ال ياة ع لى ا لدوام تتغ ي ،ويت هد العل ماء في ما ل يرد ف يه نص ،ول كن
اجتهادهم مقيد دائما بضوابط ثابتة ،وهي ما يطلقون عليه "مقاصد الشريعة".
وقبل أن نتعرض لقضية الشريعة ،وقضية الجتهاد ،نسأل :ما الثابت وما التغي ف
الكيان النسان وف الياة البشرية؟
هل صحيح أن النسان ليس له كيان ثابت ول فطرة ،إنا هو مرد انعكاس للحياة
الادية اليطة به ،وأنه من ث قد تغي تغيا جذريا منذ عاش على الرض إل اليوم ،وأن
كل طور مادي مر Uبه قد شكل جوهره على صورة متلفة تاما عما كان عليه ف الطور
ال سابق ،وأن إن سان "الع صر ال صناعي" هو ف النها ية كائن مت لف تام الختلف عن
النسان الزراعي ،فضل عن النسان الرعوي ،فضل عن سكان الكهوف؟
يـق ـول "رن يه دو بو" ف كـت ـاب "إن سانية الن سان" ) :عاش ر جل "ك ـرو
ماغنون" ] [Cro-Magnonف أكثر أناء أوربا قبل حوال ثلثي ألف سنة ،قبل قيام الزراعة
وحياة القرية بفترة طويلة ،ومع أنه كان صيادا بصورة رئيسية كان -على ما يظهر -
مشابا لنا جسما وعقل ،فأدواته وأسلحته تناسب حجم أيدينا الن ،وفنه ف كهوفه يثي
مشاعرنا ،والعناية الت كان يوليها لدفن موتاه تكشف أنه شاركنا بشكل ما بالهتمام
بنهاية النسان وآخرته ،وكل أثر مدون من آثار إنسان ما قبل التاريخ يوفر شواهد أخرى
للفكرة القائلة أن الواص الساسية للجنس البشري ل تتغي منذ العصر الجري(.53
كان النسان يعيش ف الكهوف ،فبن الكواخ ،ث بن النازل والقصور ...وقد
يبن غدا مساكن ف الكواكب الخرى أو ف مركبات الفضاء!
وكان النسان يكتسي بأوراق الشجر والريش ،فصنع اللبس من النسيج اليدوي،
ث صنعها من النسيج الل ،وتفنن ف صنعها فجعل منها "مودات" ،وجعل لا تقاليد...
و كان يأ كل الطعام نيئا ق بل أن يكت شف ال نار ،ف صار يط هوه ،ث تف نن ف صنعه،
واتذ له أدوات ،وجعل له تقاليد...
وكانت الياة تعتمد على الصيد ،ث استأنس النسان حيوان الرعي فصارت الياة
رعوية ،ث صارت زراعية بعد اكتشاف الزراعة ،ث صناعية بعد اختراع اللة ،وقد تكون
غدا على نو جديد غي كل ما تقدم.
و كان الن سان ي سي ع لى قدميه إذا أراد النت قال من م كان إ ل م كان ،أو ي ضم
ب عض الخ شاب بع ضها إ ل ب عض في عب علي ها ا لاء ،ث ا ستخدم دواب ال مل وال سفن
الشراعية ،ث اخترع السيارة والباخرة ،ث ركب الطائرة والصاروخ.
وكان النسان فردا ف أسرة ،فصار فردا ف قبيلة ،فصار فردا ف متمع يتألف من
عدة قبائل ،فصار فردا ف أمة ،فصار فردا ف متمع دول متباعد الطراف منعزل بعضه
عن بعض ،فصار فردا ف متمع يوصف بأنه "متمع إنسان!" 54تقاربت أطرافه بفعل تقدم
وسائل التصال فأصبح شبيها بالقرية الواحدة!
" 53رين يه دو بو"" ،إن سانية الن سان" ،تر جة د .نب يل صبحي الطو يل ،مؤس سة الر سالة ب يوت ط ،1
،1979ص .71
54هذا الت مع ا لذي ي سمى "الت مع الن سان!" هو ا لذي حدثت ف يه أب شع أ شكال الق تل ال ماعي،
وأبشع ألوان العدوان ،والذي يعيش بعضه ف الترف الهلك وبعضه الخر ف الفقر الهلك .بعضه يلقي
القوات ف البحار والنار أو يرقها لكي ل تنخفض أ سعارها ف السوق العالية ،وبعضه ل يد لقمة
البز الت تفظه من اللك!
)(36 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
هل تغي حبه للبقاء؟ وحبه للمتداد عن طريق النسل؟ وحبه للبناء والتعمي والنشاء
والتغي ي؟ وح به لت صنيع الا مات وت سي ا لدوات وتم يل ال ياة؟ وح به ل لبوز وإث بات
الذات؟ وحبه للتملك55؟ وحبه لذاته وحبه ف الوقت نفسه للجتماع مع الخرين؟
وهل تغي قبل ذلك كله ،ومع ذلك كله ،أن النسان -ف جيع أحواله وأطواره
وعصوره -أ حد اثني بينه ما فارق "جوهري" ف التصور و ف السلوك؛ إما كافر وإما
مؤمن ،إ ما مت بع لن هج ا ل وإ ما مت بع لن هج ال شيطان} ،ه و" ال ذي خ"لقك°م فمنك°م كافر
و"منك°م مؤمن{} ،إن الأنس"ان خلق" ه"ل°وعا إذا م"س)ه الش)ر Êج"زوعا و"إذا م"س)ه الخ"ير م"نوعا إلا
المص"لÐي{.
هل تغي شيء حقيقي ف أعماق النسان من الداخل حي تغيت صور حياته على
مدار التاريخ؟
إن ال فارق ا لوهري ف القي قة ل يس ب ي الن سان الر عوي ،والن سان الزرا عي،
والن سان ال صناعي ،والن سان ا لذري! إ نا هو ب ي الر عوي ا لؤمن والر عوى ال كافر،
والزر عي ا لؤمن والزر عي ال كافر ،وال صناعي ا لؤمن وال صناعي ال كافر ،وا لذري ا لؤمن
والذري الكافر! أما الفوارق الزئية -أو الظاهرية -بي الرعوي والزراعي والصناعي،
فهي كما قلنا فوارق ف الصورة وليست ف داخل الكيان.
55كانت للشيوعية دعوى عريضة ف أن حب التملك ليس نزعة فطرية ،إنا هو نزعة شريرة اكتسبها
الن سان ف أث ناء ت طوره ا لادي ب عد اكت شاف الزرا عة وا ستمرت م عه ف ع هود ا لرق والق طاع
والرأسالية ،حت جاءت الشيوعية فردته عنها وشفته من آثارها! وقد تاوت الشيوعية أخيا وتاوت
معها دعاواها!
)(37 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
ل أحد يقول ذلك! فإن القول بذلك معناه إلغاء "التاريخ"؛ معناه إلغاء كل الهد
ا لذي بذله الن سان ف ع مارة ا لرض ،مع ناه إل غاء دور "الل فة" ا لت خ لق من أجل ها
النسان ،والت تشمل -فيما تشمل -عمارة الرض بقتضى النهج الربان} :و"إذ قال
ر"ب Êك" للم"لئكة إ ن¦ي ج"اعل Ôفي الأرض خ"ليفة{} ،ه و" أن ش"أك°م م ن" الأرض و"اس ت"عم"ر"ك°م
في ه"ا{} ،ه و" ال ذي ج"ع"ل لك°م الأر ض" ذ ل°ول فامشوا في م"ن"اكب ه"ا و"ك °ل°وا من رزقه{،
}و" "سخ)ر" لك°م م"ا في الس)م"او"ات و"م"ا في الأرض ج"ميعا منه{.
ومن خلل حركة النسان ف الرض ،واحتكاكه بالكون الادي ،وماولة تسخي
طاقاته ...تتغي الياة جيل بعد جيل ،وعصرا بعد عصر ،فإن ألغينا من اعتبارنا هذا التغي
ف الصورة ،فإننا نلغي معه هدفا رئيسيا من أهداف الوجود البشري ،وتتل بي أيدينا
العايي ،وكيف نصنع إذن ف هذه القضية ،الت ل نستطيع فيها إهال الثوابت ول إهال
التغيات؟
ل قد كان خ طأ الف كر الكن سي هو ا لتركيز ع لى ال ثابت و حده ،وإ هال التغ يات
وعدم إعطائها أي اعتبار.
وكان خطأ الفكر "التطوري" النبثق عن الداروينية بصفة خاصة ،هو التركيز على
التغي وحده ،وإهال القيم الثابتة وعدم إعطائها أي اعتبار ،والصواب أل نمل هذه ول
تلك ،لن كل منهما له آثاره الواضحة ف حياة النسان.
ولكن السؤال الذي يدد القضية -وهو مفتاحها كذلك -؛ هو من الذي يكم
الخر؟ التغي يكم الثابت؟ أم الثابت يكم التغي؟! الوهر يكم الصورة ،أم الصورة
تكم الوهر؟
إن قلنا إن التغي يكم الثابت -كم يقول أصحاب الفكر التطوري -فقد ضاع
م نا ا لور ا لذي تدور حوله ال صورة ...و من ث تف قد ال صورة معيار ها ا لذي ي ضبط
حركتها ،ث تفقد معناها ف ناية الطاف!
أما إذا قلنا إن الثابت يكم التغي فلن يضيع منا شيء ،ل الثابت ول التغي! إنا
فقط تنضبط حركة التغي ،فل ترج عن مسارها الصحيح.
وهذا هو الذي نزلت به الشريعة السلمية لتحكم الياة البشرية إل آخر الزمان!
ول يفوتنا قبل أن نناقش القضية أن نعرض لحد الوانب العقدية ف القضية كثيا
ما يغفله الناس ف البحث وهو يستحق التنويه.
والن نعود إل التعرف على الداة الت جعل ال با هذه الشريعة صالة للتطبيق إل
يوم القيامة ،وجعلها تتسع لتستوعب كل ما يد Uف حياة الناس على هذه الرض.
نقول بادئ ذي بدء إن هناك أمورا ثابتة ف حياة الناس يب أن تظل ثابتة ،وقد
ثبتتها هذه الشريعة ومنعت إحداث أي تغيي فيها ،لن أي تغيي فيها تنتج عنه اختللت
ف حياة البشرية ،وقد سبق ف علم ال العليم الكيم أن الثبات هو المر الواجب ف تلك
المور ،فأنزل أمره الكم بعدم التغيي.
والسبب ف ثبات هذه المور ،وف وجوب تثبيت الحكام الاصة با ،أنا متعلقة
بقائق ثابتة ل تقبل التغيي ،وإن غ°ي¦ر"ت تفسد المور.
وبين ما و ضع التطور يون هذه الق ضية ع لى ا لط التغ ي ،وزع موا -ك ما سبق أن
أ شرنا -أن الب شرية مرت ف ثلثة أ طوار :السحر وا لدين والع لم ،وأ نه ك ما أن ال سحر
أخلى مكانه للدين ،فكذلك الدين قد أخلى -ويب أن يلي -مكانه للعلم!
بينما يقول التطوريون ذلك فإن ال يقول على سبيل اللزام الدائم} :ي"ا أيÊه"ا الن)اس
اعبدوا ر"ب)ك°م الذي خ"لقك°م و"الذين" من قبلك°م لع"لك°م ت")تق°ون{} ،و"اعبدوا الله" و"ل تشرك°وا
به ش"يئا{} ،إن الله" ل ي"غفر أن يشر"ك" به و"ي"غفر م"ا دون ذلك" لم"ن "يش"اء} ،{Áإن ت"كف°روا
فإن الله" غني èع"نك°م و"ل ي"رض"ى لعب"اده الك°فر" و"إن ت"شك°روا ي"رض"ه لك°م{.
وغن عن البيان أن هذه قضية ثابتة لنا قضية اللوهية وحقها على العباد.
وال سبحانه وتعال دائم ل يتغي ،وكون العباد هم من خلقه حقيقة دائمة ل تتغي،
فأصبح من مقتضى ذلك أمر ثابت هو وجوب عبادة العباد لربم وخالقهم} :أل له الخ"لق
و"الأمر{} ،و"قض"ى ر"Êبك" ألا ت"عبدوا إلا إي)اه{.
وإنا احتاج التطوريون لكي يزحزحوا هذه القيقة عن ثباتا ويضعوها على الط
التغي ،أن يكذبوا كذبة "علمية" ضخمة ،ول ييئوا عليها بدليل واحد ،هي كذبة "اللق
الذات" دون إله! وكذبة أخرى ل تق ل Îعنها إيغال ف الرافة هي كذبة الطبيعة الالقة،
الت "تلق كل شيء ول حد Uلقدرتا على اللق"!56
والقضية الثانية الثابتة -النبثقة من القضية الول والترتبة عليها -هي لزوم الكم
با أنزل ال} :و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل الله فأ°ولئك" هم الكافرون{.57
و قد كانت ح جة الت طوريي -أو إ حدى حجج هم -ف ن بذ ال شريعة الربان ية
واستبدال حكم البشر با ،أن النسان قد شب) عن الطوق ول يعد ف حاجة إل وصاية
ال!
ول يستطيع النسان أن ينع نفسه من العجب من ذلك النسان الذي شب عن
الطوق ول يعد ف حاجة إل وصاية ال ،وهو يتخبط كل يوم من ضللة إل ضللة،
56راجع كلمة دارون من قبل.
57تدثنا ف البحث الول عن قضية ارتباط الشريعة بالعقيدة.
)(40 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
بعضه ف اللكية الفردية "الرة!" الت ل تضبطها قيود ،فتؤدي ببضعة ألوف من
الفراد أن يستعبدوا الليي ،وبعضه ف اللكية الفردية اللغاة ،الت تول جوع الناس عبيدا
للدولة ،فيتحكم بضعة ألوف من الفراد ف حياة الليي!
أل إنا لسخرية عظمى ...شبوب النسان عن الطوق واستغناؤه عن وصاية ال!
}كلا إن الأنس"ان لي"طغ"ى أن ر"آه است"غن"ى{.
فأما أحكام العبادات فثباتا ناشئ من أن ال سبحانه وتعال هو الذي يقرر للنسان
كيف يعبد ربه ،وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد علم الناس كل ما يب عليهم
وما يوز لم أن يتعبدوا ال به.
ث قال عليه الصلة والسلم) :من أحدث ف أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد(.59
فتحددت العبادات با حدد ال وما بيUن رسوله صلى ال عليه وسلم ،ول يعد لحد
أن يزيد فيها من عنده أو ينقص منها على هواه.
ولكنا نذكر هنا أن أوربا "التطورة" قد وضعت قضية الرية والعقاب على الط
التغي لكثر من سبب ف آن واحد.
ولذلك ظلت أوربا -حت أيام تدينها -تنظر إل الشريعة على أنا أخلقيات ،ول
تنظر إليها على انا أحكام واجبة التنفيذ ،فلما بدأت نضتها العادية للدين أو الفارقة له،
خف وزن ال شريعة ف ح سها ب صورة متزا يدة ...حت إذا جاءت لو ثة الت طور زال من
ح سهم نائ يا كل توقي لل شريعة ،و ترءوا ع لى نقدها والتند يد با ع لى أ نا من ا لتراث
"الرجعي" الذي ينبغي للتطور أن يزيله ويستبدل به شيئا "حديثا" ،يعتب من أجل حداثته
قبل كل شيء آخر ،سواء ãكان مستحقا للعتبار ف ذاته أم غي مستحق! وكان الشيء
"الديث" الذي ابتليت به أوربا هو "علم التحليل النفسي" - 60أو ف القيقة "علم تبير
الرية" ،والنظر إل الرم على أنه من عليه ،ل يستحق أن يوقع عليه العقاب -
ول ن ناقش ه نا مف هوم ال غرب عن الر ية والع قاب ،61فن حن معن يون ف ه ـذا
الب حث -ك ما أ سلفنا -بنق طة وا حدة معي نة هي ق ضية الت طور ،فن قول ف قط إن أور با
حـي وضعت قضية الر ية والعقاب ع لى الط التغ ي ،وأف تت لنف سها بو جوب تغي ي
أحكام الشريعة الربانية ف هذا الشأن ،واتاذ قواني بشرية بدل منها ،62قد ابتليت -كما
يعرف الناس جيعا -بطوفان من الرية آخذ ف التزايد باستمرار ،وعلى الرغم من كل
الحتياطات الت تقوم با دول الغرب ،وعلى الرغم من كل الدراسات :التربوية والنفسية
والجتماعية والقانونية والعلمية ...إل ،الت تقوم با تلك الدول ف فترات متقاربة ل
تنقطع!
ومن أبلغ ما يشهد به الواقع -ما تذكره تقريراتم هم أنفسهم -ما حدث منذ
سنوات ،وأ شارت إل يه صحف ال عال ك له ف حي نه ،من أن م طة ال قوى الكهربائ ية ف
نيويورك تعطلت ذات مرة لدة خس وعشرين ساعة متوالية ،أي نارا وليلة كاملي -
بزيادة ساعة كذلك! -فارتكب ف نيويورك ف تلك الليلة الواحدة ما يوازي جرائم سنة
كاملة بسبب الظلم!
60مؤس سه هو فرو يد ،و هو ي هودي .و من أخ طر ما يؤدي إل يه التحل يل النف سي ع لى طري قة فرو يد
إسقاط مسئولية النسان عن أعماله على أساس أنا ردود فعل قهرية لالت مرضية وعقد نفسية ،وهو
مبدأ مدمر للخلق ،كما هو ظاهر.
61سنتعرض لذه القضية بشيء من التفصيل ف البحث القادم.
62ل تطبق الشريعة تطبيقا واقعيا ف أوربا -كما أسلفنا -ولكن كان لا مع ذلك توقي "أدب" ف
حس الناس.
)(43 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
إنه ما دام الرجل رجل والرأة امرأة ،ومادامت العلقة بينهما هي علقة التجاذب،
فل بد أن يدث اللقاء ،وليس لذا اللقاء إل إحدى صورتي؛ صورة منضبطة ،تعل لذا
اللقاء هدفا أو أهدافا مددة ،وضوابط معينة ،وتبعات "إنسانية" مترتبة عليها ،وإما صورة
غي منضبطة بدف ول تبعات.
وقد كانت علقات النسي ف الغرب منضبطة بضوابط الدين الثابتة حي كانت
أوربا متمسكة بآداب دينها ،63فلما خرجت على دينها وتردت عليه ،رأت أن تنقل هذه
العلقات من الط الثابت إل الط التغي ...فماذا كانت النتيجة.
النتيجة هي ما نراه اليوم ف الغرب -وف العال الذي سيطر عليه الغرب -من
الفو ضى الن سية والتح لل الل قي ،و جرائم ال نس التف شية ر غم ذ لك التح لل ،أو -
بالحرى -بسبب ذلك التحلل.
إن الن سان -م نذ خل قه ا ل " -إن سان"! ول يس حيوا نا مت طورا ك ما زع مت
الداروين ية القد ية بغ ي دل يل علمي ،64وللن سان أ هداف ف ح ياته غ ي أ هداف ال يوان،
وسلوك كذلك غي سلوك اليوان} ،إذ قال ر"بÊك" للم"لئكة إن¦ي خ"الق" Ëبش"را من طي فإذا
"سو)يته و"ن"فخت فيه من روحي فقعوا له س"اجدين{.
وعلقات النس -ككل شيء ف حياة النسان -ذات غاية "إنسانية" ،وضوابط
كذلك "إنسانية"} ،و"من آ ي"اته أن خ"ل ق" لك°م من أنف°س ك°م أزو"اجا لت"س ك°نوا إلي ه"ا و"ج"ع"ل
ب"ين"ك°م م"و"د)ة و"ر"حم"ة{.
أما نزوة السد فهي من خصائص اليوان ،وأما السكن والسكينة والودة والرحة
فهي من خصائص النسان.
وقد لزم -ف علم ال العليم الكيم -لكي تتحول نزوة السد اليوانية إل سكن
و سكينة و مودة ور حة أن ت كون لا ضوابط إن سانية ،وأن تترتب علي ها تب عات ،ف حدد
لذلك الدود ،وقال سبحانه} :تلك" حدود الله فل ت"قر"بوه"ا{ ،وف داخل تلك الدود،
63كانت أور با ف الوا قع متزم تة ف شأن هذه العل قات ب تأثي الرهبان ية ا لت اب تدعها الن صارى دون
تكليف من ال} :و"ر"هب"اني)ة ابت"د"عوه"ا م"ا كت"بن"اه"ا ع"ليهم{ ]الديد :من الية .[27
64سبقت الشارة إل أن الداروينية الديثة رغم اعتقادها ببدأ التطور تقرر تفرد النسان.
)(44 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
ا لت حددها ال بعل مه وحكم ته ،تتحقق سكينة ال سد و سكينة النفس ،ويو جد الضن
المن الذي يترب فيه النشء الديد ليعمر وجه الرض ،وتتحقق سكينة التمع بتضييق
مدى الر ية ،و تأمي ال ناس ع لى أعرا ضهم وأرواح هم ،ك ما تتح قق النظا فة اللئ قة
بالنسان.
وثبتت الشريعة النلة هذه الدود ،لنا هي السبيل الوحيد لتحقيق هذه الهداف،
ول نا كل ما خولفت -خلل التار يخ -حدثت الفو ضى ا لت نرى نوذ جا من ها ال يوم،
وحدثت الختللت.
وكما ثبتت الشريعة طريقة اللقاء بي النسي ،فحددته ف الزواج ،دون السافحة
ول ا تاذ ال خدان} : 65ال ي"وم" أ°حل لك°م الطي¦ ب"ات و"ط ع"ام ال ذين" أ°وتوا الك ت"اب" ح ل ¤لك°م
و"طع"امك°م حل ¤لهم و"المحص"ن"ات من" المؤمن"ات و"المحص"ن"ات من" الذين" أ°وتوا الكت"اب" من
قبلك°م إذا آت"يتموهن) أ°جور"هن) محصني" غي ر" م س"افحي" و"ل مت)خذي أخ د"ان و"م"ن ي"ك ف°ر
بالأي"ان فقد ح"بط ع"م"ل°ه و"هو" في الآخر"ة من" الخ"اسرين{.
أقول :كما ثبتت الشريعة طريقة اللقاء بي النسي ،حددت كذلك كل ما يترتب
ع لى هذه العلقة ،وما يقع ف داخلها بأح كام ثابتة غي قابلة للتغيي ،لنا ترت كز على
ثوابت غي قابلة للتغيي.
وما تادل فيه الاهلية العاصرة -بتأثي "قضية الرأة" وطلبها الساواة الكاملة مع
الرجل ف كل شيء -قضية القوامة وقضية الياث ،وتنادي الاهلية العاصرة بوضع كلتا
القضيتي على الط التغي بجة التطور الذي شل كل شيء ف الياة!
فأما ف قضية القوامة ،فإن الرأة السترجلة الت سعت الاهلية الديثة إل تنشئتها
لمر يراد ،قد تعلمت وعملت ،وشغلت الوظائف العامة ،ول تستطع مع ذلك أن تغي
طبيعتها العاطفية الت خلقها ال با لتوف مطالب الطفولة ،وال أعلم وأحكم من أن يلق
جنسي متماثلي ،ث يفرق بينهما ف الوظيفة وف التكوين السدي واليوي! إنا اقتضت
حكمته سبحانه حي حدد لكل من النسي وظيفة ،ان يص كل منهما بصائص حيوية
ونفسية تلئم وظيفته ،ول عبة بوجود امرأة بي مليي النساء تسمى "الرأة الديدية" أو
الفضية أو النحاسية! فالحكام تلحق بالعموم ل بالالت الشاذة الت ل يقاس عليها!66
65السافحة؛ هي البغاء ،واتاذ الخدان لون خاص من البغاء هو ما تتخذه الاهلية العاصرة باسم
"الصداقة" ] [Boy Friendو ].[Girl Friend
)(45 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وقضية القوامة فرع عن قضية التكوين السدي واليوي والنفسي ،ل تتغي حت تفسد
الفطرة ،وحي تفسد الفطرة يعم الفساد ف الرض.
وأما قضية الياث فهي ناشئة كذلك عن توزيع الوظائف وتوزيع التكاليف.
والفريق الذي كلفه ال بالنفاق أعطاه نصيبي ،أما الفريق الذي ل يكلف بالنفاق
ف قد من حه ا ل ن صيبا وا حدا لذات نف سه ،ث قال ت عال} :و"ل ت"ت" "م ن)وا م"ا ف ض)ل الل ه به
ب"عض"ك°م ع"لى ب"عض للر¦ج"ال ن"صيب Ëمم)ا اكت"س"بوا و"للن¦س"اء ن"صيب Ëمم)ا اكت"س"ب "ن و"اسأل°وا الله
من فضله إن الله" كان بكÐ °ل ش"يء ع"ليما{.
ولكن هناك أمورا أخرى -كثية -يعلم ال أنا تتغي ،ول يريد ال لا أن تمد
على حالة معينة ،هي حالتها وقت نزول هذه الشريعة الباركة.
ول يكن غائبا عن علم ال وحكمته -كما يتصور الادلون بوعي منهم أو بغي
و عي -أن حر كة الن سان ف ا لرض ،واحت كاكه ا لدائم بالكون ا لادي ،و سعيه إ ل
تسخي طاقاته ،وسعيه إل تصنيع خاماته ،وتسي أدواته ،وتميل وسائل حياته ،سيقوده
إل إحداث تغييات مستمرة ف صور حياته؛ السياسية والقتصادية والجتماعية.
66راجع "أليكسيس كاريل"" ،النسان ذلك الهول" ،ترجة شفيق أسعد ،بيوت ،ط ،3خاصة ،ص
108حيث يقول) :إن كل خلية ف جسم الرأة تمل طابع جنسها(.
)(46 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وا ل هو ا لذي خ لق الن سان ،وأودع ف يه ما أودع من طا قات ونز عات ،وه يأه
بذلك لعمارة الرض والقيام بدور اللفة فيها} :ه و" أن ش"أك°م م ن" الأرض و"اس ت"عم"ر"ك°م
فيه"ا{.
وير يد ا ل للن سان أن ت كون ح ياته مث مرة نام ية مبار كة} :ه و" ال ذي "جع"ل لك°م
الأر ض" ذ ل°ول فامشوا في م"ن"اكب ه"ا و"ك °ل°وا من رزقه و"إليه النÊشور{} ،و"ج"ع"ل فيه"ا ر"و"اسي
من فوقه"ا و"ب"ار"ك" فيه"ا و"قد)ر" فيه"ا أقو"ات"ه"ا في أرب"ع"ة أي)ام س"و"اء ãللس)ائلي{.
وحيث سبق ذلك ف علم ال ،وف حكمته ،وسبق ف علمه كذلك وحكمته أنه
سينل ر سالته الا تة ع لى خات ال نبيي صلى ا ل عل يه و سلم و لن ير سل ر سول ب عده،
و سيكلف الب شر بإقا مة ت لك ال شريعة -ب عد كما لا - 67إ ل آ خر الز مان ،ف قد اقت ضت
حكمته سبحانه أن ينل ف تلك المور التغية أصول ثابتة تتسع للصور التغية وتضبط
حركتها ف الوقت ذاته.
تتغي الصور السياسية ،بتغي حجم الدولة وطريقة إدارتا ،وتغي وضع الفرد من
كونه فردا ف قبيلة إل كونه فردا ف أمة ،وتغي مدى استقلله بفرديته ومارسة حياتا من
خللا ،واعتبارات أخرى جة متشابكة ،فتتغي بذلك صورة الكم وتنظيماته ولكن ل
تتغي الصول الثابتة الت تكم "السياسة الشرعية"؛ تكيم شريعة ال ،والبيعة ،والشورى،
والسمع والطاعة من الرعية لول المر ف حدود طاعة ول المر ل ورسوله ،والنصح من
الرعية لول المر عمل بواجب المر بالعروف والنهي عن النكر با تدده اليات القرآنية
والحاديث النبوية } :ي"ا أÊي ه"ا ال ذين" آم"نوا أطيعوا الل ه" و"أطيعوا الر)سول و"أ°ولي الأمر منك°م
فإن ت"ن"از"عتم في ش"يء فردÊوه إلى الله و"الر)سول إن ك°نتم تؤمنون بالله و"ال ي"وم الآخر ذلك
خ"ير Ëو"أحس"ن ت"أويل{.
)ا لدين الن صيحة( ،قل نا :لن يا ر سول ا ل؟ قال ) :ل ولك تابه ولر سوله ولئ مة
السلمي وعامتهم(.68
)إنه كان لكل نب كان قبلي حواريون يهتدون بديه ويأترون بأمره ،ث إنه تلف
من بعد ذلك خلوف ،يقولون ما ل يفعلون ويفعلون ما ل يؤمرون ،فمن جاهدهم بيده
67قال تعال} :الي"وم" أكم"لت لك°م دين"ك°م و"أتم"مت ع"ليك°م نعم"تي و"ر"ضيت لك°م الأسلم" دينا{ ]سورة
الائدة.[3 :
68أخرجه مسلم.
)(47 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
فهو مؤمن ،ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ،ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ،وليس وراء
ذلك من اليان حبة خردل(.69
)إنه يكون عليكم أمراء فتعرفون منهم وتنكرون ،فمن أنكر فقد سلم ومن كره
فقد برئ ولكن من رضى وتابع( ،70إل ...إل...71
أما شكل العمليات القتصادية ومواضع الشاركي فيها؛ فهي عرضة للتغي الدائم
بسب الحوال.
وي كون ا لبيت أ سرة كبية يع يش في ها الوا لدان والب ناء ،وا لدود والح فاد ،أو أ سرة
صغية تقتصر على الوالدين والبناء ...إل ...إل ولكن تبقى الصول الثابتة للعلقات
الجتماعية} :إ)نم"ا المؤمنون إخو"ة} ،{Ôي"ا أيÊه"ا الذي "ن آم"نوا ل ي"سخ"ر قوم Ëمن قوم ع"س"ى أن
"يك°ونوا خ"يرا منهم و"ل نس"اء ìمن نس"اء ع"س"ى أن ي"ك°ن) خ"يرا منهن) و"ل ت"لمزوا أنف°س"ك°م و"ل
"ت ن"اب"زوا بالألقاب{ } ،ي"ا أي Êه"ا ال ذين" آم"نوا اجت"نبوا كثيا م ن" الظ ن¦ إن ب"ع ض" الظ ن¦ إث م Ëو"ل
"تج"س)سوا و"ل ي"غت"ب ب"عض ك°م ب"ع ضا{} ،و"اعبدوا الل ه" و"ل تشرك°وا به ش"يئا و"بالو"ال د"ين
إحس"انا و"بذي الق°رب"ى و"الي"ت"ام"ى و"الم"س"اكي و"الج"ار ذي الق°رب"ى و"الج"ار الجنب و"الص)احب
بالج"نب و"ابن ال س)بيل و" م"ا م"لكت أي م"انك°م{} ،و"ت" ع"او"نوا ع"لى البر¦ و"الت)ق و"ى و"ل "ت ع"او"نوا
ع"لى الأثم و"العدو"ان{.
سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم معاذا رضي ال عنه وهو يوليه على اليمن:
)كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟( ،قال :أقضي بكتاب ال ،قال) :فإن ل تد ف كتاب
ال؟( ،قال :فبسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ،قال) :فإن ل تد ف سنة رسول ال صلى
ال عليه وسلم؟( ،قال :اجتهد رأيي ،فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم على صدره
موافقا ومؤيدا لا يقول.72
وللجتهاد شروطه العروفة من علم بالفقه وعلم بالصول وعلم باللة – اللغة -
وبصر بأحوال الناس وقدرة على الستنباط واستقامة ف اللق وامانة ف الدين ،ولكنه أول
وأخ يا أداة ربان ية زود ا ل با هذه ال مة لت ظل تت مظ لة ال شريعة ل ترج عن ها ول
تستبدل با حكم الاهلية ،ولتتحرك الركة النضبطة ،فل تمد ف مكانا حيث تقتضي
حر كة ال ياة أن تت قدم ،ول تنف لت ف حركت ها فت خرج عن مقا صد ال شريعة ،في حدث
الفساد ف الرض.
وحصيلة الجتهاد الدائمة :صور متغية تدور حول ماور ثابتة .سنة ال ف اللق
كله وف حياة النسان ،فتلتقي الشريعة النلة ف نسق واحد مع الكون والياة والنسان،
}كت"اب Ëأنز"لن"اه إليك" مب"ار"ك Ëلي"د)ب)روا آي"اته و"لي"ت"ذكر" أ°ول°و الألب"اب{.
البحث الرابع
شبهة تعارض أحكام الشريعة مع مقتضيات الضارة
الديثة ووجوب الخذ بعايي الضارة دون الشريعة
أل نا ف الب حث ال ثالث إ ل ب عض جوانب هذه الق ضية :ق ضية ت عارض أح كام
ال شريعة مع مقت ضيات ال ضارة الدي ثة ،ف هي ف صميمها فرع عن ق ضية الت طور ا لت
تفترض أن كل جديد هو بالضرورة خي من كل قدي ،لرد أن هذا جديد وذاك قدي ،ل
لزية موضوعية ف هذا ليست موجودة ف ذاك! وإذ كانت الضارة القائمة اليوم "حديثة"
فهي بذا العتبار خي من كل قدي سبق ...ولو كان منل من عند ال!
وقد نشأ هذا الوهم ف أوربا من مموعة من العوامل بعضها حق وكثي منها باطل،
ولكنه و"ه م Ëركب الناس وهم فارUون من شبح الكنيسة الزعج؛ }كأن)هم حم ر Ëمست"نفر"ة
فر)ت من قسو"ر"ة{! ولو ل يكونوا ف حالة فرار ،ولو ل يكن قسورة وراءهم ،فلربا كانوا
يتعقلون ف هذا المر -وف أمور كثية غيه -فل يتصرفون بل وعي كما يتصرفون
الن ،ث يبثون أوهامهم -بسيطرتم العسكرية والقتصادية والسياسية والعلمية -على
بقية الرض.
حقيقة إن العصر الذي ساد فيه الدين الكنسي الرف كان عهد ظلم ف أوربا،
كما يصفون هم بق عصورهم الوسطى الظلمة ،وإن العصر الذي تل ذلك ،وانسر فيه
سلطان الكنيسة وسلطان ذلك الدين كان عهد نور وتفتح ،وعهد تقدم ف كل ميادين
الياة ،وعهد قوة وسيطرة بالنسبة لوربا خاصة.
وقد فهمت أوربا من ذلك أن "الدين" هو سبب التأخر ،وأن الضارة الت ل تقوم
على الدين هي سر Êالفلح ف الدنيا ،وهي الت توز للنسان كل أسباب القوة والتقدم
والرقي.
وقد ناول أن نلتمس العذار لوربا ف طغيان الكنيسة الائر الذي مارسته على
ال ناس ف كل مالت ال ياة ،ف كان م نه طغ يان رو حي وطغ يان مال وطغ يان سيا سي
وطغيان عقلي وطغيان علمي ...وكان يصى على الناس حت خطرات نفوسهم الت ل
يبوحون با ،ويعذبم على يد ماكم التفتيش عند أول شبهة تقوم حول ولئهم للكنيسة
ومعتقداتا ...وقد ناول أن نلتمس لا العذار مرة أخرى ف أن النموذج السلمي -
ا لذي كان قمي نا أن ي صلح ال ياة ف أور با لو اعتن قت ال سلم -قد شوهت الكني سة
صورته ف ن فوس ا لوربيي بب شاعة ح ي خ شيت من تأثي التو غل ال سلمي ف شرق
أوربا ،كما خشيت من تأثي "الغزو الفكري" السلمي ،العائد من البتعثي الوربيي إل
بلد السلم ومعاهد العلم السلمية.
يقول الؤرخ النليزي "ويلز" ف كتابه "معال تاريخ النسانية") :ولو تيأ لرجل
ذي بصية نفاذة أن ينظر إل العال ف مفتتح القرن السادس عشر ،فلعله كان يستنتج أنه
لن تضي إل بضع أجيال قليلة ل يلبث بعدها العال أجع أن يصبح مغوليا -وربا أصبح
إسلميا(!.73
إن ال يعطي التمكي ف الدنيا للكافر وللمؤمن معا إذا توفرت من جانبه أسباب
التمكي} :ك°لÎا نمد Êه"ؤلء و"ه"ؤلء من ع"طاء ر"ب¦ك" و"م"ا كان ع"طاء Áر"ب¦ك" م"حظ°ورا{} ،م"ن
كان يريد الح"ي"اة الدÊني"ا و"زي"نت"ه"ا نو"ف¦ إليهم أعم"الهم فيه"ا و"هم فيه"ا ل يبخ"سون{.
بل إن ال -إذا شاء سبحانه -قد يعطي التمكي ف الدنيا للكافر كلما أوغل ف
الكفر ،استدراجا له ليزداد كفرا وليحمل أوزاره كاملة يوم القيامة! }فلم)ا ن"سوا م"ا ذ°كÐروا
" 73ويلز"" ،معال تاريخ النسانية" ،ترجة عبد العزيز توفيق جاويد ،القاهرة ،ط 1967 3م ،ج /3
ص .966
)(51 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
به فت"حن"ا ع"ليهم أبو"اب" ك°ل Ðش"يء} ،{...لي"حمل°وا أوز"ار"هم كاملة ي"وم" القي"ام"ة و"من أوز"ار
الذي "ن يضلçون"هم بغ"ير علم{.
فليست العبة بالتمكي ف ذاته ،ول ف انفتاح أبواب كل شيء للنسان ف الياة
الدنيا وحدها ،إنا خلق النسان ليقوم بدور اللفة الراشدة ف الرض ،وليعمر الرض
بقتضى النهج الربان ،وهذا هو تكي الرضا الذي يترتب عليه الفلح ف الدنيا ،وحسن
الآل ف الخرة ،كما تفه البكة والطمأنينة ،ول يتحقق إل باليان وتقوى ال} :و"لو أن
أهل ال ق°ر"ى آم"نوا و"ات)قوا لفت"ح ن"ا ع"ليهم "بر"كات م ن" ال س)م"اء و"الأرض{} ،ال ذين" آم"نوا
و"ت"طم"ئن° Êقل°وبهم بذكر الله أل بذكر الله ت"طم"ئن Êالق°ل°وب{} ،قد أفلح" المؤمنون الذي "ن هم
في ص"لتهم خ"اشعون و"ال ذين" هم ع"ن الل غو معرضون و"ال ذين" هم للز)كاة فاعل°ون و"ال ذين
هم لف°روجهم ح"افظ°ون إلا ع"لى أزو"اجهم أو م"ا م"لكت أي م"انهم فإن)هم غير م" ل°ومي" فم"ن
اب"ت غ"ى و"ر"اء Èذل ك" ف أ°ولئك" هم ال ع"ادون و"ال ذين" هم لأم"ا ن"اتهم و"ع"هدهم ر"اعون و"ال ذين" هم
ع"لى ص"لو"اتهم يح"افظ°ون أ°ولئك" هم الو"ارث°ون الذين" ي"رث°ون الفرد"وس" هم فيه"ا خ"الدون{.
أ ما التمك ي ف ا لرض -و حده -وع لى غ ي الن هج الر بان ،فعلوة ع لى أ نه
موقوت بفترة معينة وسنUة معينة ،فهو مبتوت عن الخرة} :فلم)ا ن"سوا م"ا ذ°كÐروا به فت"حن"ا
ع"ليهم أب و"اب" ك °ل Ðش"يء "حت)ى إذا فرحوا ب م"ا أ°وتوا أ خ"ذن"اهم ب"غ ت"ة فإذا هم مبلسون فق°طع
حي"اة الدÊني"ا و"زين"ت"ه"ا
د"ابر القوم الذين" ظلموا و"الح"مد لله ر"ب¦ الع"المي{} ،م"ن كان يريد ال "
نو"ف¦ إليهم أعم"الهم فيه"ا و"هم فيه"ا ل يبخ"سون أ°ولئك" الذين" ليس" لهم في الآخر"ة إلا الن)ار
و"ح"بط م"ا ص"ن"عوا فيه"ا و"ب"اطل Ôم"ا كانوا ي"عم"ل°ون{.
كل هذه ال عان كانت غائ بة عن ال ناس ف أور با و هم ينطل قون }كأن)هم حمر
مست"نفر"ة Ôفر)ت من قسو"ر"ة{ ،فكلها معان ل يدركها النسان الاهلي ،الذي قال أقرانه من
قبل} :ن"حن أكثر أمو"ال و"أولدا و"م"ا ن"حن بمع"ذبي"{} ،و"تلك" الأمثال °ن"ضربه"ا للن)اس و"م"ا
ي"عقل°ه"ا إلا الع"المون{.
ذلك أنا حي خرجت من أسر الكنيسة الائر أخذت تتعلم ...وكان العلم ف ذاته
صراعا هائل مع الكني سة ا لت حر Uقت العل ماء و عذبتهم لنم قالوا بكرو ية ا لرض،
و خالفوا بعلم هم "معلو مات" الكني سة ،أو با لحرى خرافا تا ا لت كانت ترص علي ها
جهالة منها ،وتبثها باسم الدين ،74ونشأ من هذا الصراع افتراق طريق العلم عن طريق
الدين بغي موجب "موضوعي" ،ووقوف العلم والدين ف حس الوربيي موقف التضاد
والتقابل ،فمن أراد العلم أهل الدين -أو عاداه -ومن أراد الدين أهل العلم ،وانفصلت
بذلك ف نفس الغرب نزعتان توأمتان :نزعة العبادة ل ،وهي فطرة} :فطر"ت" الله التي فطر
الن)ا س" ع"لي ه"ا ل ت"بديل لخ"لق الل ه ذل ك" ا لد¦ين القي¦م{ ،ونز عة العر فة و هي كذلك ف طرة
أودعها ال ف النسان ليقوم بدور اللفة ف الرض} :و"ع"لم" آد"م" الأسم"اء Èك°له"ا{} ،ع"لم
بالقلم ع"ل م" الأن س"ان م"ا لم ي"علم{ ،وأفسد هذا الصراع طمأنينة النفس إل خالقها وهي
تتدبر آيات ال ف الكون ،وتتعرف على خواص الكائنات لتحقق التسخي الربان لا ف
السموات والرض ليكون ف متناول النسان} :و" س"خ)ر" لك°م م"ا في ال س)م"او"ات و" م"ا في
الأرض ج"ميعا منه{.
تقدم العلم ف أوربا با تعلمته ف مدارس السلمي اول ،وكان أبرز ما تعلمته هو
الن هج التجر يب ف الب حث العل مي ،ث ت قدم ثان يا با بذل ا لوربيون من ج هد ج بار ف
ميدان التجربة والبحث ،مع اللد والثابرة وعبقرية التنظيم ...ولكنه ف كل خطواته كان
معاديا للدين بسبب حاقة الكنيسة الكبى ف معاداة العلم والعلماء.
وألقى العلم ثاره النية على الساحة الوربية فتقدمت العمارة الادية للرض تقدما
هائل ،وارت قت أ حوال ال ناس الاد ية وانتع شت ،واكت سبت أور با قوة ماد ية فت حت با
ا لرض و سيطرت علي ها ،ف عاد علي ها ذ لك بز يد من ا لثروة ومز يد من الرفاه ية والت قدم
الادي.
ولا كان هذا كله قد ت بعد إقصاء أوربا لدينها والنفلت منه ،فقد و"قر" ف وهها
مرة أخرى أن "الدين" هو العوق عن الضارة ،وأن الضارة يب أن تكون معادية للدين
ل كي يق طف ال ناس ثار ها وي ستمتعوا با ،وأن الع يار ا لذي يع يUر به الر قي البـش ـري
هـو "الضارة" وليس "الدين".
74كان من أهم أسباب وقوف الكنيسة ف وجه العلم؛ أنه كان علما إسلميا ف مصدره ،وكان يهدد
بتحول أوربا إل السلم كما أشرنا من قبل ،وهذا السبب تفيه الراجع الوربية وهي تتحدث عن
الصراع بي الكنيسة والعلم ،لنا ل تب أن تعترف بفضل السلم والسلمي.
)(53 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
أحد طرف الوهم تصورها أن "الدين" من حيث هو ،كان هو العوق عن الضارة.
بين ما كان العوق عن الضارة ف القيقة هو د ين الكني سة ا لرف ،ث سلوك الكني سة
بذلك الدين الرف الذي ابتدعته من عندها ول يتنل من عند ال بذه الصورة الرفة.
وسنسلم بأن حياة أوربا ف ظل دينها كانت سيئة ،وكان ل بد لا من التمرد على
ذلك الدين لكي تسن أحوالا السيئة وترج من الظلم الدامس الذي كان يكتنف قرونا
الوسطى الظلمة.
ف قد تقدم الع لم ،ن عم ،وت قدمت ال ياة الاد ية ف ج يع مال تا ،نعم ،ول كن ان ظر
نظرة فاحصة إل "اللصة" من هذا كله...
لقد سيطر النسان على "البيئة" -كما يقول "جوليان هكسلي" ف كتابه "النسان
ف ال عال ا لديث" ا لذي سبقت ال شارة إل يه ف الب حث ال ثالث -وأ خذ -ف ظ نه -
يسيطر على الفضاء ،75ولكنه ل يستطع أن يسيطر على شهواته ،بل فتح لا الال بكل
عنفوا نا ،سواء ف ذ لك شهوة ال نس ،أو شهوة "ال ستمتاع" عن أي طر يق حلل أو
حرام ،أو شهوة السيطرة والتسلط والطغيان...
إن الستعمار بكل جرائمه وبشاعاته هو ثرة طبيعية لقيام حضارة جاهلية بل دين.
75ما ينفي هذا الوهم؛ فزع الناس من اتساع فتحة الوزون ف الغلف الوي وما قد يترتب على
ذلك من نتائج مدمرة لياة النسان على الرض.
)(54 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وإن الفساد اللقي ،وما تبعه من انتشار المر والخدرات والشذوذ والرية ،هو
ثرة طبيعية لقيام حضارة جاهلية بل دين ،إنه ليس انرافا عارضا كان يكن لذه الضارة
أن تتجنبه لوقاية نفسها من الدمار ،كما يتوهم العجبي با ،الائفي عليها! إنا هو نتاج
أصيل لا ،فحيث ما وجدت فرص متاحة للمتاع دون ضابط من دين ين ظم ذلك التاع،
كانت النتيجة واحدة ...إلغراق ف الشهوات ،ث النراف.
وإن أ لوان ال نون ا لت ط غت ال يوم ع لى الت مع الغر ب :ج نون ال نس ،وج نون
الز ياء ،وج نون الزي نة ،وج نون ال عري ،وج نون ال سينما ،وج نون التليفز يون ،وج نون
الف يديو ،وج نون ال كرة ،وغي ها من أ لوان ال نون الخز ية ،كل ها ثرة لق يام ح ضارة بل
دين ...إن كانت قد جاءت متأخرة عن بداية قيام هذه الضارة ،فتلك سنUة طبيعية من
سنن ا ل؛ ال تدرج ف كل شيء ،ل شيء يأت ف جأة ف أ حوال ال ناس ف ا لرض -إل
العقاب الصاعق من عند ال حي يقدره سبحانه -إنا يتم كل شيء بالتدريج ،ولكن
على ذات الط الذي يريده الناس لنفسهم من البداية ،فإن أرادوا الستقامة على طريق
ال يسUر ال لم الطريق ،وإن أرادوا النراف زادهم ما يريدون!
نعم! فيها نقط بيضاء كثية متناثرة هنا وهناك ،فيها التقدم العلمي ،فيها التقدم
التكنو لوجي ا لذي أزاح عن كا هل الن سان أع باء كثية وحUل ها لل لة ،في ها ال لد ع لى
الع مل وال صب وال ثابرة ،في ها عبقر ية التنظ يم ،في ها ا لروح العلم ية والعمل ية ف ت ناول
الشكلت ،فيها "أخلقيات" نفعية ،نعم ،ولكنها تعل التعامل اليومي بي الناس بعضهم
وبعض مريا سهل خاليا من التعقيد...
ث إنا لن تنقذها من الدمار -ف موعده القدر عند ال -لنه سنUة حتمية من سنن
ال ،تصيب الذين يصرون على تنكب طريقه ...إل أن يغيUروا ما بأنفسهم فيغي ال لم:
}إن الله" ل يغ"ي¦ر م"ا بقوم "حت)ى يغ"ي¦روا م"ا بأنف°سهم و"إذا أر"اد" الله بقوم سوءا فل م"ر"د) له و"م"ا
لهم من دونه من و"ال{} ،و"كأي¦ن م"ن قر ي"ة أمليت ل ه"ا و"ه ي" ظال م"ة° Ôث م) أ خ"ذته"ا و"إلي
الم"صي{} ،فل م)ا ن"سوا م"ا ذ °كÐروا به فت"ح ن"ا ع"ليهم أب و"اب" ك °ل Ðش"يء "ح ت)ى إذا فرحوا ب م"ا
أ°وتوا أ خ"ذن"اهم ب"غ ت"ة فإذا هم مبلسون فق°ط ع" د"ابر القوم ال ذين" ظلموا و"الح"مد لل ه ر"ب
الع"المي{.
ومن جهة أخرى؛ فلم يكن من التم على هذه الضارة أن تنبذ الذين لكي تتوصل
إل القوة والتقدم العلمي والتكنولوجي ،فقد كان هذا كله مكنا -كما أمكن للمسلمي
من قبل -لو أن أوربا اعتنقت السلم.
أول :أن ظروفا معينة ف أوربا هي الت جعلتها تنبذ الدين ،وتقيم عداء بي الدين
والضارة وبي الدين والعلم ،وبي الدين والسياسة ،وبي الدين والقتصاد ...إل.
ثان يا :أن أور با توهت أن دين ها هو "ا لدين" ...و من ث توهت أن "ا لدين" هو
الذي ينبغي أن ينب"ذ ،وأن الضارة ينبغي أن تقام بل دين.
76هذا هو الع ن القرآ ن للجاهل ية ك ما وردت ف موا ضع مت عددة ف ال قرآن الكر ي؛ ال هل بقي قة
اللوهية ،وعدم اتباع ما أنزل ال.
)(56 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
ثالثا :أن أوربا حي انفلتت من دينها الفاسد ،وانفلتت ف الوقت ذاته من الضوابط
ا لت ت فظ للن سان إن سانيته ،واتب عت أهواء ها ،ث أ قامت ع لى هذا ا لوى "ح ضارة"
أعجبتها لنا تساير أهواءها ث جعلتها هي الصل الذي يقاس عليه كل شيء ،ث قاست
الدين على هذا الصل العتمد عندها فوجدته مالفا للصل العتمد ،فنبذته ،وجعلت نبذه
مقياسا للتقدم والضارة والرقي!.77
راب عا :أن هذا ك له خ لل ف الت صور وخ لل ف ال سلوك أن شأته ظروف معي نة ف
أوربا ،وليس قانونا من قواني الوجود البشري يسري على كل البشر بالضرورة!
إن مفهوم "الضارة" ف السلم يتلف اختلفا بيUنا عن الفهوم الغرب ،وإن التقى
معه إلتقاء عارضا ف ضرورة السعي إل عمارة الرض.
ومن ث ينبغي أن نعلم بادئ ذي بدء غاية الوجود البشري لنحدد بعد ذلك كنه
"الضارة" الت تناسب تلك الغاية وتققها.
يقول شاعر جاهلي معاصر) :78جئت ل أعلم من أين ،ولكن أتيت! ولقد أبصرت
قدامي طريقا فمشيت!(
وهكذا انتهت حياته إل "العبثية" لنه جهل غاية وجوده ،وهو يثل ف القيقة أزمة
الاهلية العاصرة ،الت تقود تلك الاهلية إل النون كلما أوغلت ف الطريق.
77يكرر "ألكسيس كاريل" ف كتابه "النسان ذلك الهول" -سبقت الشارة إليه -؛ أن النسان
العا صر قد صنع لنف سه ح ضارة خاطئة بدافع شهوته ،ولكن ها ل تنا سب ت كوينه ،و لذلك ف هي ف
طريقها للنيار.
78هو الشاعر إيليا أبو ماضي.
)(57 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
والسلم يدد تديدا واضحا غاية الوجود البشري ،فيضع أمام النسان كل شيء
ف م كانه ال صحيح} :و" م"ا خ"لقت الج ن) و"الأن س" إلا لي"عبدون{} ،إ ن)ا خ"لق ن"ا الأن س"ان من
نطفة أمش"اج ن"بت"ليه فج"ع"لن"اه س"ميعا ب"صيا{} ،هو" أنش"أك°م من" الأرض و"است"عم"ر"ك°م فيه"ا{،
}و"إذ قال ر"ب Êك" للم"لئكة إ ن¦ي ج"اعل Ôفي الأرض خ"ليفة{} ،ه و" ال ذي ج"ع"ل لك°م الأرض
ذل°ول فامشوا في م"ن"اكبه"ا و"ك°ل°وا من رزقه و"إليه النÊشور{} ،و"س"خ)ر" لك°م م"ا في الس)م"او"ات
و"م"ا في الأرض ج"ميعا منه{} ،و"لك°م في الأرض مست"قر èو"م"ت"اع Ëإلى حي{.
ونفهم من مموع هذه اليات وأمثالا؛ أن النسان خلق ليعبد ال وأنه خلق ليكون
خليفة ف الرض ،وأنه خلق للبتلء ،وأنه خلق لقدر من التاع يناله ف الياة الدنيا ،وأنه
خلق ليعمر الرض بالسعي ف مناكبها والكل من رزق ال ،وبالسعي إل تسخي طاقات
السموات والرض...
ول تعارض بي هذه الهداف جيعا ،فكلها ف النهاية تلتقي ف مفهوم العبادة ف
السلم.
لقد خلق ال النسان ليكون هو الهيمن السيطر النشئ البان العمر ف الرض،
وعلم ال أن هذه اله مة تستلزم أن تكون ف كيان الن سان مموعة من الدوافع القوية
تدفعه للقيام بذا النشاط ،حت ل تقعد به العقبات عن القيام بهمته؛ ل البحار ول النار
ول البال ول البد ول الر ول المراض ...ولكن ال يعلم كذلك أن هذه الدوافع -أو
س"م¦ها الشهوات -مع لزومها له ،ل تصلح أن يستجيب لا النسان إل آخر الدى لنا
عندئذ تدمره بدل من أن تعينه على أداء مهمته ،فرسم للستمتاع با حدودا معينة وقال:
}تل ك" حدود الل ه فل ت"قر"بو ه"ا{ ،و }تل ك" حدود الل ه فل ت"ع ت"دوه"ا{ ،79وج عل مو ضع
البتلء هو هذا :هل يستجيب النسان للمر الربان ،فيلتزم ف تناوله للمتاع بالدود الت
حددها ال؟ أم يتجاوز الدود رغبة منه ف مزيد من التاع؟ وجعل ذلك كله هو "العبادة"
الت خلقه من أجلها على سبيل الصر ،العب عنه ف الية الكرية بالنفي والستثناء} :و"م"ا
خ"لقت الج ن) و"الأن س" إلا لي"عبدون{ ،و ها أ قوى أدوات ال صر ف اللغة العرب ية ،ث قدر
سبحانه أنه من استجاب لذه العبادة -بعناها الواسع الشامل -فإن له النة خالدا فيها،
ومن اعرض وعصى واتبع هواه فإن له جهنم خالدا فيها.
79يلحظ أنه حي تكون الشهوة عنيفة يرد قوله تعال} :تلك" حدود الله فل ت"قر"بوه"ا{ ]سورة البقرة:
،[187لن القرب ل يؤمن معه الزلل أما الدوافع الت يؤمن الزلل فيها فيجيء ف شأنا؛ }تلك" حدود
الله فل ت"عت"دوه"ا{ ]سورة البقرة.[229 :
)(58 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وهي الت تدد له كذلك مفهوم "الضارة" الت ينبغي أن يسعى إل إقامتها.
إنا ليست مقصورة على العمارة الادية للرض -وإن كانت تشملها -إنا هي
على وجه التحديد؛ عمارة الرض بقتضى النهج الربان ،وعندئذ فقط تصبح مققة لغاية
الوجود البشري ،لنا عندئذ تدخل ف مفهوم العبادة الواسع الذي تشمله الية الكرية:
}ق°ل إن ص"لتي و"نسكي و"م"حي"اي" و"م"م"اتي لله ر"ب¦ الع"المي" ل ش"ريك" له.{...
والن هج الر بان هو هذا ا لدين! )إن ا لد¦ين" عن د" الل ه الأسلم{} ،و"م"ن ي"بت"غ غير
الأسلم دينا فلن يقب"ل منه و"هو" في الآخر"ة من" الخ"اسرين{.
وهذا هو الذي فهمه السلمون وهم يقيمون أروع حضارة ف تاريخ البشرية...
إل ضارة ا لت حررت "الن سان" من العبود ية لغ ي ا ل ،من ال هل والرا فة ،من النان ية
والت سلط ،من العبود ية لل هوى وال شهوات ،من الظ لم ف ج يع أ شكاله؛ السيا سية
والقت صادية والجتماع ية ...ظ لم الن فس وظ لم ا لخرين ،وا لت حررت ا لرأة و حررت
العبيد ،ورفعت الناس إل الستوى اللئق بالنسان.
وهي فوق ذلك الت حوت العلم النافع ،وظلت تعلمه للبشرية عدة قرون ،سواء ف
مال العلوم الشرعية أو العلوم الدنيوية الت برعت فيها المة السلمية يوم كانت تتمسك
بدين ال.
ما بال ب عض "ال سلمي" إذن يزوون و جوههم وق لوبم وأف كارهم عن ال ضارة
القة والعيار الق ،ليتخذوا العيار الختل الذي ابتليت به أوربا لظروفها الاصة هناك؟!
لكي نسن الظن بم نقول إن واقع السلمي اليوم ،السيئ غاية السوء ،هو الذي
لوى أعناق هؤلء عن الفهوم الصحيح للحضارة ،فاتذوا بدل منه معيار أوربا ،الذي
يصور الدين معوقا عن الضارة ،وينادي بنبذ الدين لكي تتقدم الياة.
وكيف نعتذر عن قوم يسمعون كلم ال فيزورون عنه ،ويقولون :سنتخذ العيار
الغرب بدل من كلم ال؟!
واقع السلمي اليوم سيئ ل بسبب تسكهم بالدين ،بل بسبب بعدهم عن الدين،
ولذا فهم غي متحضرين ،ويوم كانوا يعرفون دينهم العرفة القة ،ويتمسكون به على
بصية كانوا هم المة التحضرة ف الرض ،وسبيلهم إل الضارة اليوم أن يعودوا إل
دينهم ،فيجدوا فيه كل مقومات الضارة ،وأولا معرفة ال وعبادته ،واتباع ما أنزل ال.
إن التخ لف العل مي وا لادي والر ب والسيا سي والقت صادي وا لخلقي ،ا لذي
يشكل ف مموعه "التخلف الضاري" ليس هو الداء الصيل ف هذه المة ،كما يتصور
الذين يفهمون أن نقل حضارة الغرب إل الشرق هو الذي سيخلص المة من تلفها،
وينشئها نشاة جديدة!
إن هذا التخ لف ب كل فرو عه وأ شكاله إ نا هو نتي جة لتخ لف العق يدة ف ن فوس
ال سلمي .لن هذه العق يدة هي ا لت من حت ال سلمي الت قدم العل مي وا لادي والر ب
والسياسي والقتصادي والخلقي ...يوم كانوا مؤمني حقا بذا الدين.
فا لذين يت خذون وا قع السلمي السيئ ذريعة لتنحية ال شريعة ال سلمية ،هم فوق
هزيت هم الروح ية والفكر ية أ مام ال غرب ،جاهلون ب قائق التار يخ ،بال ضافة إ ل جهل هم
بالسنن الربانية الت تكم حياة البشر على الرض.
يقال فيما يقال إن الدود ف الشريعة السلمية مظهر "غي حضاري"! إن كان
يناسب البيئة البدوية الت نزل فيها القرآن ،فهو ل يناسب البيئة التحضرة الت يعيش فيها
سكان العال الديث! ما أفظع أن تقطع يد السارق! ما أفظع أن يرجم الزان! إنا السجن
هو العقوبة الهذبة اللئقة بالضارة! أو إن شئتم ...فل عقاب!
ويقال كذلك فيما يقال :إن الشريعة السلمية تظلم الرأة وتأب عليها ما منحته
إياها الضارة الديثة من الريات والقوق!
وما بنا أن نعيد كلما قلناه من قبل ونن نستعرض قضية التطور.
إ نا ن قول إن هذه ال شريعة هي الت شريع الوح يد ف ا لرض ،ا لذي أ خذ مو ضوع
الرية والعقاب من كل زواياه ف آن واحد.
وأول إحاطة هي بالقلب البشري ذاته ،منبع الي ف النسان إذا صلح ،ومنبع الشر
فيه إن فسد) :أل وإن ف السد مضغة إذا صلحت صلح السد كله وإذا فسدت فسد
السد كله ،أل وهي القلب(.80
ويوجه السلم لذا القلب جهده الول والكب ،لينقيه ويصفيه ويربطه بال جل
شأنه من خيطي الوف والرجاء} :و"ي"رجون ر"حم"ت"ه و"ي"خ"اف°ون ع"ذاب"ه{.
والساء والصفات الت وردت ف كتاب ال ،وف أحاديث الرسول صلى ال عليه
وسلم ،نزلت لتربية هذا القلب وربطه بال ،فهي تيط بالقلب البشري ف جيع أحواله
وجيع تصرفاته ،إن ت"طل ع" إل شيء فكل شيء بيد ال ،وإن خاف من شيء فكل شيء
بيد ال ،هو الرزاق ،هو الهيمن ،هو الدبر ،هو الذي بيده مقاليد كل شيء ،وهو الغفور
الرحيم ،وهو البار التكب ،وهو الذي يبدأ اللق ث يعيده .منه النشأ وإليه الصي.
80متفق عليه.
)(61 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وحي يترب القلب على هذه الصورة فهو ل يتجه أصل إل الرية ،لنه ياف
مقام ربه فينهى النفس عن الوى ،ولنه يشعر بالقناعة با بي يديه من فضل ال ،فإذا
رغب ف الزيادة فعند ال الزيد.
ول ن قول إن الترب ية ال سلمية تول ال ناس إ ل ملئ كة ،وت نع نوازع ال شر من
نفوسهم فل يعود ف قلوبم غل ول حقد ول غضب ول سخيمة ...فذلك ل يتحقق إل
ف النة} :و"ن"ز"ع ن"ا م"ا في صدورهم من غ ل ïت"جري من ت"حتهم الأن ه"ار و"قال°وا الح"مد لل ه
الذي ه"د"ان"ا له"ذا و"م"ا ك°ن)ا لن"هت"دي" لول أن ه"د"ان"ا الله لقد ج"اءÈت رسل °ر"¦بن"ا بالح"ق¦ و"نودوا
أن تلك°م الج")نة °أ°ورثتموه"ا بم"ا ك°نتم ت"عم"ل°ون{.
إنا نقول على يقي :إن التمع السلمي -حيثما وجد متمع إسلمي حق -هو
أقل متمعات الرض جرية ،وإن العامل الول ف ذلك هو هذه التربية الت تربط القلب
بال ،يبه ويشاه.
والسلم مع ذلك نظام واقعي ،ل يفترض ف الناس الناعة والو موبوء بالراثيم،
إنا يكافح الرثومة ف ذات الوقت الذي يرب فيه مناعة القلوب.
فأما السرقة فجرثومتها الوع والفقر ،ويسعى النظام السلمي إل مكافحة الوع
والفقر بتشريعاته وتنظيماته وتوجيهاته جيعا حت ل يو جد ف ا لرض جائع يضطر إ ل
السرقة بسبب الوع.
وأما الزنا فجرثومته الفتنة والثارة والتبج واللعة ،والفراغ من القيم الادة الت
تستوعب مشاعر الناس وطاقاتم ،والترف والترهل ...والسلم ينع ذلك كله وياربه،
و ف ذات ا لوقت يدعو إ ل التعج يل بالح صان -بالزواج -و يدعو إ ل تي سيه ،ل كي
تأخذ المور منطلقها الطبيعي ول يتاج أحد إل الرية.
وكذلك ف بقية الدود ...يسعى النظام السلمي إل الحاطة بنبع الرية قبل أن
يلوث الو بالراثيم.
وهذا هو تصرف عمر رضي ال عنه حي أوقف حد السرقة ف عام الرمادة ،عام
الوع ،وحي جيء له بغلمان سرقوا ناقة فلم يقم عليهم الد ،بل ألزم سيدهم أن يعوض
صاحب الناقة بضعف ثنها عقوبة له على تويع غلمانه ،وقال له) :وال لول أن أعلم
أنكم تستعملونم فتجيعونم ،حت إن أحدهم لو أكل ما حرم ال عليه لل له ،لقطعت
أيديهم ،فإذ ل أفعل فلغرمنك غرامة توجعك(! ث التفت إل صاحب الناقة فقال) :بكم
أريدت منك ناقتك؟( ،قال :بأربعمائة ،فقال لبن حاطب -صاحب الغلمان ) :-اذهب
فأعطه ثانائة(!.81
والد ف ذاته أداة للوقاية من الرية ،فإن شدته اللحوظة قد قصد با تويف من
تدثه نفسه بارتكاب الرية -وهو غي معذور -فيفكر مرات ومرات قبل أن يقدم على
التنفيذ.
ث إن السلم حي يوقع الد على مرتكب الرية -غي العذور -ل ينبذه من
أجل جريته ،إنا الد كفارة للتطهي ...) :فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به ف الدنيا
فهو له كفارة(.82
أي تشريع ف الرض كلها -قديها وحديثها -أحاط بوضوع الرية والعقاب
هذه الحاطة ،فشمله من كل جوانبه ،ووضع له التشريع المثل كما فعلت شريعة ال؟
ومع ذلك يعدلون؟! }أفحكم" الج"اهلي)ة ي"بغون و"م"ن أحس"ن من" الله حكما لقوم يوقنون{.
أيهما خي؟ متمع نظيف ل تدث فيه الرية إل شذوذا يستنكر ،أم متمع يعج
بالرية ،تعمل كل الجهزة على منعها أو حصرها فتتزايد كل يوم؟!
وأيهما هو التمع التحضر؟ التمع الذي ينادي فيه رئيس الدولة شعبه فيقول" :ل
يرج أ حدكم و حده بعد الغروب ،ول يم لن ف جي به أ كثر من ثلث ي دولرا ل كي ل
يتعرض للمجرمي وقطاع الطريق" ،83أم ذلك التمع الذي وصفه رسول ال صلى ال
81من رواية الطبان.
82أخرجه البخاري.
83من نداء وجهه الرئيس "ريان" ،رئيس الوليات التحدة المريكية ،إل شعبه وقت توليته ،ونشرته
الصحف ف حينه.
)(63 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
عليه وسلم) :وال ليتمن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت ل
ياف إل ال والذئب على غنمه(.84
لقد كانت الرأة مهينة حقòا ف التمع الغرب ،ل تعامل على أنا إنسانة ،وترم من
كثي من القوق ،ويتجادل بعض الفلسفة ف شأنا؛ هل لا روح أم ليس لا روح؟ وإن
كان لا روح فهل هي روح إنسانية أم حيوانية؟ وإن كانت روحا إنسانية فهل هي من
نفس مستوى روح الرجل أم أقل!
وثارت الرأة -أو أثيت لمر يراد -وتررت -أو تللت -من جيع القيود...
فخرجت الفتنة هائجة ف الطريق ،كما هو مشهود ف الغرب .ما ل يتاج إل بيان.
84أخرجه البخاري.
85انظر إن شئت "مذاهب فكرية معاصرة ،فصل؛ "دور اليهود".
)(64 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وال سلم هو ا لذي أع طى ا لرأة كرامت ها الن سانية ،وحرر ها من ظ لم الاهل ية
وصانا ف الوقت ذاته من التبذل الذي سيقت إليه الرأة الغربية ثنا للحصول على حريتها،
وما تزال الرأة ف بعض بلد الغرب "التحضر" ل ت ستطيع أن تتعامل تعامل مبا شرا ف
شئون من شئون الياة أعطاها السلم حق التعامل الباشر فيها ،ول تزال تفقد اسها حي
تتزوج ويصبح اسها "مدام فلن"! الت يقال إن أصلها التاريي هو اللكية التامة وحرية
التصرف!86
أ ما ال سلم في قرر م ساواة الر جل وا لرأة ف الن سانية ،و ف ا لزاء ف ا لخرة:
}فاست"ج"اب" لهم ر"بÊهم أن¦ي ل أ°ضيع ع"م"ل ع"امل منك°م من ذكر أو أ°نثى ب"عضك°م من ب"عض
فال ذين" ه"اج"روا و"أ°خرجوا من د ي"ارهم و"أ°وذ°وا في س"بيلي و"قات"ل°وا و"ق°ت ل°وا ل أ°كفÐر"ن ع"نهم
س"ي¦ئاتهم و"ل أ°دخلن)هم ج"ن)ات ت"جري من ت"حته"ا الأن ه"ار ثو"ابا من عند الله و"الله عن د"ه حسن
الثو"اب{.
ول ينظر السلم إل الرأة الؤمنة على أنا شيطان ،وإنا هي شريكة ف بناء التمع
ع لى أس سه القو ية} :و"المؤمنون و"المؤم ن"ات ب"عضهم أول ي"اء Áب"عض ي"أمرون بالم"عروف
و"ي"ن ه"ون ع" ن المن ك ر و"يقي م ون ال ص)لة و"يؤ ت ون الز) ك اة و"يطي ع ون الل ه" و"ر" س وله أ°ولئ ك
"سي"رح"مهم الله إن الله" ع"زيز Ëح"كيم{.
والذي يريده "الضاريون التطوريون" ف القيقة ليس هو ترير الرأة ،ول الفاظ
ع لى كرامت ها ،إ نا هو إ شاعة الفاح شة ف الت مع ،لينته بوا من ال لذات ما ي شاءون بل
حاجز ول رقيب ،وأولئك هم الشياطي!} :إن الذين" يحبÊون أن ت"شيع" الفاحش"ة °في الذين
آم"نوا لهم ع"ذاب Ëأليم Ëفي الدÊني"ا و"الآخر"ة و"الله ي"علم و"أنتم ل ت"علمون{.
أما ما يشيع ف التمع السلم اليوم من مظاهر جاهلية تاه الرأة فعلجه العودة إل
النهج الربان الصحيح ،وليس علجه النفلت مع الضاريي التطوريي ،الذين يسعون
ف الرض فسادا وال ل يب الفساد.
86تقول بعض العاجم اللغوية الوربية؛ إن الصل ف كلمة "مدام" ] [Madameهو ]،[My Domain
أي متلكات النسان الت يلك السلطة الكاملة عليها! ول نلك نن إثبات هذا العن ول نفيه ،وإن
كان واقع الياة الوربية ف العصور الوسطى يظاهره!
)(65 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
البحث الامس
شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة
بسبب وجود القليات غي السلمة
معن هذه الشبهة بعبارة صرية أن القلية تلك منع الغلبية من مارسة دينها!
إن أقلية واحدة من القليات السلمة ف الرض ل تقم -بداهة -بطالبة الكثرية
الاكمة بالكف عن مارسة دينها ،ماملة لوجودها بي ظهرانيها...
إن أتصور رد الفعل الفوري ف آسيا وأفريقيا مذابح للمسلمي تسيل فيها الدماء
كالنار ،وأتصور رد الفعل ف العال "الر "!Uمظاهرات صاخبة تطالب بإخراج السلمي
من البلد!
ف في ال ند ت قوم الذا بح بالف عل للم سلمي ال نود ،ل لنم -م عاذ ا ل -ت قدموا
بطلب جنون مثل هذا الطلب ،إنا فقط لنم مسلمون! فمجرد أنم مسلمون يثي عليهم
حفيظة الوثنيي النود عباد البقر ،فيهجمون عليهم ،فيقتلون من يقتلون منهم ،ويرقون
عليهم دورهم ،ث ينصرفون آمني ل ينالم عقاب!
وف الفلبي جاء النصارى فأخرجوا السلمي من أرضهم الغنية ،واضطروهم إل
أرض جدبة مهدة ،ث ل يكفوا حت هذه اللحظة عن مضايقتهم ليخرجوهم ما بقي ف
أ يديهم من ا لرض ،وت و"ج)ه ال قوات النظام ية لق تالم بو صفهم "متمرد ين" ...متمرد ين
بدينهم! أي بكونم مسلمي!87
يظن كثي من الناس أن السلمي أقلية ف البشة ،وهذا الظن ذاته له دللة! فلول
السف الذي ييط بالسلمي هناك ،والذل الذي يرهقهم ،ما توهم أحد أنم أقلية ،ف
حي أنم يبلغون خسة وستي ف الائة من مموع السكان -وذلك قبل ضم أريتريا إل
البشة وأغلبيتها الساحقة من السلمي! -ث سعت البشة الت يكمها النصارى رغم
أغلبيتها السلمة ،سعت إل ضم أريتريا السلمة لذلل السلمي ،وإجلئهم عن دينهم
وعقيدتم ،فقتلت منهم مئات اللوف ،وما زالت تقتل ،وشردت الليي ...لرد كونم
مسلمي!
87كانت الفلبي منذ قرون طويلة أرضا إسلمية ،ث طمعت الصليبية ف ضمها إليها ،وعرض "ماجلن"
على البابا أن يقود حلة تتول ضم الفلبي إل ملك النصارى ،فعارض البابا ف ذلك ثلث مرات ،لعدم
ثقته بإمكان ذلك ،لقوة شكيمة السلمي وتكنهم ف الفلبي ،فلما أل "ماجلن" ،وزعم قدرته على
تنفيذ مقترحه وافقه البابا ف الرة الرابعة ،فصحب حلته الصليبية الت ندرس نن لبنائنا -بتأثي الغزو
الفكري -أنا كانت رحلة علمية استكشافية ،ونزل "ماجلن" على إحدى الزر الفليبينية السلمة
وترأ فرفع على أرضها شارة الصليب ،فقتله السلمون ،وندرس نن لبنائنا -بتأثي الغزو الفكري
كذلك -أن "التببرين" ف الفلبي قتلوه لنم ل يقدروا رحلته العلمية الستكشافية!
)(67 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
الحباش السلمي تلقي العونات الالية من الارج للقيام بفتح الدارس السلمية لتعليم
السلمي وتثقيفهم ثقافة إسلمية.
كل ذلك وهم أغلبية ...فكيف لو كانوا أقلية ...وكيف لو نادوا -وهم أغلبية -
بنع القلية النصراينة الاكمة من مارسة دينها؟ كيف تكون الذابح هناك؟!
وكانت زنبار دولة مسلمة ف أفريقيا ،فضاق النصارى بوجودهم ،لرد كونم
مسلمي ،فهجموا عليهم ذات يوم من اليام السود ،فذبوا ثلث السكان ذبا ،وضموا
من بقى حيا -مع الوان والذل -ف دولة حكمها ف يد النصارى ،سيت "تنانيا" بعد
أن كان ا سها "تنجاني قا" إثبا تا لذكرى اغت يال زن بار ،بإب قاء حرف ي من ا سها ف ا سم
الدولة الديدة!.88
كما أن أفريقيا ملوءة بالدول ذوات الغلبية السلمة ،الت يكمها النصارى -وهم
القلية -ظلما وعدوانا على مسمع من "العال الر!" بل بتحريض وسند من ذلك العال
"الر!".
تقوم ف فرنسا اليوم دعوة متزايدة يتزعمها "لوبان" أحد الرشحي لتول الكم ف
فرنسا ،تنادي بطرد السلمي من فرنسا ،وارتكبت تلك الركة أعمال وحشية ،فألقت
بمسة من السلمي من قطار "الترو" أحياء ،أثناء سي القطار ،فقتلوا على التو ،وتاجم
م ظاهراتم ال سلمي -والن ساء الج بات خا صة -ف طر قات باريس ،مدي نة ال نور،
وإحدى كبيات عواصم "العال الر"! هذا والسلمون ف فرنسا هم الغلبية الثانية بعد
النصارى ،ويبلغ عددهم خسة مليي.
وف بريطانيا تقوم الدولة بماية الفÎاق الذي كتب كتاب "آيات شيطانية" يسب
فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحابته وأهل بيته سبا مقذعا ليس فيه شيء من
تذيب "ال فن" ول أدب "الع لم" ول ليا قة "ا لذوق" ...وح ي ي تج ال سلمون ع لى ن شر
الكتاب تقول لم الدولة بعبارة صرية :تلك قوانيننا "الديقراطية" فمن ل تعجبه أحوالنا
88التاء والنون ف اسم الدولة الديدة "تنانيا"؛ يرمزان إل تنجانيقا ،والزاي والنون يرمزان إل زنبار،
وبقية الحرف وهي الياء واللف الخيتان؛ ها من دواعي "توليف" السم الديد ،ولكنهما مشتقان
من أصل "تنجانيقا" ول صلة لما بزنبار.
)(68 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
فليخرج من بلدنا ...هذا والسلمون هم الغلبية بعد النصارى ول يقل عددهم عن ثلثة
مليي ،وفيهم عدد غي قليل من البيطانيي الذين دخلوا -طواعية -ف دين السلم.
كيف إذن لو قامت أقلية إسلمية تنادي بذلك النكر ،وهو منع الكثرية الاكمة
من مارسة دينها لوجود القلية السلمة بي ظهرانيها؟!
وقد ظلت القليات غي السلمة تعيش ف كنف الدولة السلمة الطبقة لشريعة ال
ثلثة عشر قرنا كاملة ،ل تشكو ،ول تفكر ف الشكوى ،ول تد مبرا للشكوى ...حت
وصل السلمون إل حضيض ذلتهم ،فبزت تلك الدعوى إل الوجود!
إ نا ظاهر د عواهم هو تعط يل ت طبيق ال شريعة ف قط ،مع ب قاء ال سلمي م سلمي!
يارسون "دينهم" كما يشاءون!
ول عل ا لدعوى ا لت ناق شناها ف الب حث ا لول قد برزت حقيقت ها ا لن ،وبرزت
خلفيتها!
وقد ناقشنا هذه القضية ف البحث الول با أعتقد أنه يبي وجه الق ف القضية،
ويكفي قوله تعال} :فل و"ر"ب¦ك" ل يؤمنون "حت)ى يح"كÐموك" فيم"ا ش"ج"ر" ب"ين"هم ث°م) ل ي"جدوا
في أنف°سهم ح"ر" جا م م)ا ق ض"يت" و"ي س"لÐموا ت"سليما{ ،و قوله ت عال} :و"ي"ق°و ل°ون آم" ن)ا بالله
و"بالر)سول و"أطعن"ا ث°م) "يت"و"لى فريق Ëمنهم من ب"عد ذلك" و"م"ا أ°ولئك" بالمؤمني" و"إذا دعوا إلى
الله و"ر"سوله لي"ح °كم" ب"ين"هم إذا فريق Ëمنهم معرضون.{...
وإن ا لدين ا لذي هو عق يدة ف قط ،أو عق يدة و شعائر تعبد ية ،دون شريعة ت كم
تصرفات الناس ف الرض ،لو دين جاهلي مزيف ل يتنل من عند ال...
وما من رسالة ساوية كانت عقيدة فقط ،أو عقيدة وشعائر تعبدية ،دون شريعة
تكم تصرفات الناس ف الرض} ،و"إلى م"دي"ن" أ خ"اهم ش ع"يبا قال ي"ا قوم اعبدوا الل ه" م"ا
لك°م من إله غيره و"ل ت"نق°صوا المك ي"ال و"الميز"ان إ ن¦ي أر"اك°م بخ"ير و"إ ن¦ي أ خ"اف ع"ليك°م
ع"ذاب" ي"وم محيط و" ي"ا قوم أو ف°وا المك ي"ال و"الميز"ان بالقسط و"ل ت"بخ"سوا الن)ا س" أش ي"اءÈهم
و"ل ت"عثوا في الأرض مفسدين{.
فالرسالة الت حلها إل مدين أخوهم شعيب هي عبادة °ال وحده با يتضمنه ذلك
من عقيدة وشعائر تعبدية ،وأمر Ëلم أل يتصرفوا ف أموالم حسب أهوائهم ،بل يتقيدوا
بشريعة ال النلة إليهم ،وهذا الذي فهمه قوم شعيب واستنكروه منه لكفرهم وجاهليتهم
فدمر ال عليهم} ،قال°وا ي"ا شع"يب أص"لتك" ت"أمرك" أن ن"ترك" م"ا ي"عبد آب"اؤن"ا أو أن ن"فع"ل في
أمو"الن"ا م"ا ن"ش"اء Áإ)نك" لأنت" الح"ليم الر)شيد{.
أي؛ أمن مقتضيات دينك الذي تدعونا إليه أن نترك عبادة آلتنا الت ورثنا عبادتا
عن آبائنا ،وأن تقيد تصرفنا ف أموالنا فل نستطيع أن نتصرف فيها إل بقتضى التعاليم الت
تملها؟! ث يقولون له ف سخرية ظاهرة :من أين لك أيها الليم الرشيد أن تقيدنا بذه
القيود؟!
وح ي قالوا ذ لك؛ أي رف ضوا العق يدة وال شريعة كانوا ك فارا وم شركي} :و"قال
الذين" أشر"ك°وا لو ش"اء Èالله م"ا ع"ب"دن"ا من دونه من ش"يء ن"حن و"ل آب"اؤن"ا و"ل ح"ر)من"ا من دونه
من ش"يء{.
}كذب"ت ع"اد Ëالمر س"لي" إذ قال لهم أخوهم هود Ëأل "تت) ق°ون إ ن¦ي لك°م ر"سول Ôأمي
فات)ق°وا الله" و"أطيعون و"م"ا أسأل°ك°م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أت"بنون بك°ل
ريع آ ي"ة ت"ع"ب ث°ون Èت"ت)خ ذ°ون م" ص"انع" لع"لك°م ت"خ ل°دون Èإذا ب"طشتم ب"طشتم ج" ب)ارين" ات) ق°وا الل ه
و"أطيعون.{...
}كذب"ت ثمود المرس"لي" إذ قال لهم أخوهم ص"الح Ëأل ت")تق°ون إن¦ي لك°م ر"سول Ôأمي
فات)ق°وا الله" و"أطيعون و" م"ا أسأل°ك°م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أتتر" ك°ون
في م"ا ه"اه ن"ا آمن ي" في ج" ن)ات و"عيون و"زروع و"ن"خل طلعه"ا ه"ضيم Ëو"ت"نحتون م ن" الج ب"ال
بيوتا فارهي" فا)تق°وا الله" و"أطيعون و"ل تطيعوا أمر" المسرفي" الذي "ن يفسدون في الأرض و"ل
يصلحون{.
}كذب"ت قوم ل°وط المر س"لي" إذ قال لهم أخوهم ل°وط Ôأل "تت)ق°ون إ ن¦ي لك°م ر"سول
أمي Ëفات)ق°وا الله" و"أطيعون و"م"ا أسأل°ك°م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أت"أتون
الذçكر"ان من" الع"المي" "وت"ذرون م"ا خ"لق" لك°م ر"Êبك°م من أزو"اجك°م ب"ل أنتم قوم Ëع"ادون{.
}كذب" أص ح"اب لأيكة المر س"لي" إذ قال لهم ش ع"يب Ëأل ت")ت ق°ون إ ن¦ي لك°م ر"سول
أمي Ëفات)ق°وا الله" و"أطيعون و"م"ا أسأل°ك°م ع"ليه من أجر إن أجري" إلا ع"لى ر"ب¦ الع"المي" أوف°وا
الكيل و"ل ت"ك°ونوا من" المخسرين" و"زنوا بالقسطاس المست"قيم و"ل ت"بخ"سوا الن)اس" أشي"اءÈهم
و"ل ت"عثوا في الأرض مفسدين.{...
فإذا جئنا إل الرسالت الثلث الخية ند عنها حديثا مفصل ف كتاب ال} :إن)ا
أنز"ل ن"ا ال ت)ور"اة في ه"ا هدى{ و"نور Ëي"حك°م ب ه"ا الن)ب يÊون ال ذين" أسلموا لل ذي "ن ه"ادوا و"الر) ب)انيÊون
و"الأحب"ار بم"ا استحفظ°وا من كت"اب الله و"كانوا ع"ليه شه"د"اء Èفل ت"خش"وا الن)اس" و"اخش"ون و"ل
ت"شت"روا بآي"اتي ثم"نا قليل و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل الله فأ°ولئك" هم الكافرون و"كت"بن"ا ع"ليهم
في ه"ا أ ن الن)ف س" بالن)ف س و"الع"ي ن" ب الع"ين و"ا ل أنف" با ل أنف و"ا ل أ°ذ°ن با ل أ°ذ°ن و"ال س¦ن) بال س¦ن
و"الجروح" قص"اص Ëفم"ن ت"ص"د)ق" به فهو" كفار"ة Ôله و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل الله فأ°ولئك" هم
الظ المون و"قفي ن"ا ع"لى آثارهم بعي س"ى ابن م"ري" م" م ص"د¦قا ل م"ا ب"ي ن" ي"د"يه م ن" ال ت)ور"اة و"آت"ي ن"اه
الأنجيل فيه هدى{ و"نور Ëو"مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه من" الت)ور"اة و"هدى{ و"م"وعظة للمت)قي" و"لي"حك°م
أهل °الأنجيل بم"ا أنز"ل الله فيه و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل الله فأ°ولئك" هم الفاسق°ون و"أنز"لن"ا
إليك" الكت"اب" بالح"ق¦ مص"د¦قا لم"ا ب"ين" ي"د"يه من" الكت"اب و"مه"يمنا ع"ليه فاحك°م ب"ين"هم بم"ا أنز"ل
الله و"ل ت"ت)بع أهو"اءÈهم ع"م)ا ج"اءÈك" من" الح"ق¦ لك°ل" ïجع"لن"ا منك°م شرع"ة و"منه"اجا و"لو ش"اء Èالله
لج"ع"لك°م أ °م)ة و"اح د"ة و"لكن لي"ب ل°و"ك°م في م"ا آ ت"اك°م فاس ت"بق°وا الخ"ير"ات إلى الل ه م"رجعك°م
ج"ميعا في"نب¦ئ°ك°م ب م"ا ك°نتم فيه ت"خت"ل ف°ون و"أن احك°م ب"ين"هم ب م"ا أنز"ل الل ه و"ل "تت)بع أه و"اءÈهم
و"احذرهم أن ي"فتنوك" ع"ن ب"عض م"ا أنز"ل الل ه إلي ك" فإن ت"و"ل وا فاعلم أن) م"ا ير يد الل ه أن
يصيب"هم بب"عض ذ°نوبهم و"إن كثيا من" الن)اس لفاسق°ون أفحكم" الج"اهلي)ة ي"بغون و"م"ن أحس"ن
من" الله حكما لقوم يوقنون{.
كل! ل يوجد دين هو عقيدة فقط ،أو عقيدة وشعائر تعبدية بل شريعة!
وإنا جاء الفهوم الغرب "العلمان" للدين ،على أنه علقة خاصة بي العبد والرب،
ملها القلب ،ول علقة لا بواقع الياة ...جاء من مفهوم كنسي مرف ،شعاره؛ "أد Uما
لقي صر لقي صر وما ل ل" ،و من وا قع عانته النصرانية خلل قرو نا الثل ثة ا لول ،حي
كانت م ضطهدة م طادرة من ق بل المباطور ية الرومان ية الوثن ية ،ف لم تتك من من ت طبيق
شريعتها ،واكتفت بالعقيدة والشعائر التعبدية -اضطرارا -واعتبت ذلك هو "الدين"،
وإن كانت ل تت جه إ ل ا ستكمال ا لدين ح ي صار للبابو ية سلطان قاهر ع لى ال باطرة
واللوك ،فظل دينها مرفا ل يثل الدين السماوي النل ،فلما جاءت العلمانية ف العصر
الديث وجدت الطريق مهدا ،ول تد كبي عناء ف فصل "الدين" عن "الدولة" ،وتثبيت
"الدين" على صورته الزيلة الت آل إليها ف الغرب ،والذي قال ال فيمن يارسه على هذا
النحو} :و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل الله فأ°ولئك" هم الكافرون{} ،و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل
الله فأ°ولئك" هم الظالمون{} ،و"م"ن لم ي"حك°م بم"ا أنز"ل الله فأ°ولئك" هم الفاسق°ون{ ،وهي
صفات ثلث تلحق بكل من ينحي شريعة ال عن الكم ،ويكم بشرائع الاهلية.
واقرأ إن شئت كتابا كامل ف وصف هذا التسامح لستشرق نصران هو "ت ،و،
إرنو لد" ] [T. W. Arnoldبعنوان "الدعوة إل ال سلم" ] [The Preaching of Islamكان ما
جاء فيه ]ص ) :[51ومن هذه المثلة الت قدمناها آنفا عن ذلك التسامح الذي بسطه
السلمون الظافرون على العرب السيحيي ف القرن الول من الجرة ،واستمر ف الجيال
التعاق بة ،ن ستطيع أن ن ستخلص بق أن هذه الق بائل ال سيحية ا لت اعتن قت ال سلم ،إ نا
فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة ،وإن العرب السيحيي الذين يعيشون ف وقتنا هذا بي
جاعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح(.89
إن ال قد أعد هذه المة إعدادا خاصا لتحكم رقعة واسعة من الرض بن فيها من
القليات غي السلمة ،الت علم ال أنا ستكون ضمن رعايا الدولة السلمية الاكمة ف
الرض.
فكل أمة سابقة أرسل بعدها رسول ،آمنت بالرسول الذي أرسل إليها وكفرت بن
بعده ،وصار ف قلبها غل çنو الذين آمنوا بالرسول الديد ولو كانوا من قومها القربي،
واضطهدتم اضطهادا شديدا بسبب اللف ف العقيدة.
أما هذه المة فقد قدر ال لا أن يكون رسولا هو الرسول الات صلى ال عليه
و سلم ،ا لذي ل نب ب عده ول ر سول ،ف لم ي عل ف قلب ها غل òل حد ،ل لن قبل ها ،لن
رسولا هو سيد البشر جيعا وسيد الرسلي ،ول لحد يأت بعدها ،لنه لن تأت بعدها أمة
جديدة ،ث جعل اليان بالرسل السابقي جزءا من عقيدتا ،فلم تضطهد أتباعهم ،ول
تظلمهم بسبب اللف ف العقيدة} :ال ذل ك" الك ت"اب ل ر"ي ب" فيه هدى{ للمت)ق ي" ال ذين
يؤمنون بالغ"يب و"يقيمون الص)لة و"مم)ا ر"ز"قن"اهم ينفق°ون و"الذين" يؤمنون بم"ا أ°نزل إليك" و"م"ا
أ°نزل من قبلك" و"بالآخر"ة هم يوقنون أ°ولئك" ع"لى هدى{ من ر"ب¦هم و"أ°ولئك" هم المفلحون{.
وو صى ا ل ال مة ال سلمة بال عدل مع أ هل الك تاب ،والق سط لم ،وأ قام الروا بط
الطيبة يبنها وبينهم} :فلذلك" فادع و"است"قم كم"ا أ°مرت" و"ل "تت)بع أهو"اءÈهم و"ق°ل آم"نت بم"ا
أنز"ل الله من كت"اب و"أ°مرت لأعدل ب"ين"ك°م الله ر"بÊن"ا و"ر"Êبك°م لن"ا أعم"ال°ن"ا و"لك°م أعم"ال°ك°م،{...
}ال ي"وم" أ°حل لك°م الطي¦ ب"ات و"ط ع"ام ال ذين" أ°وتوا الك ت"اب" ح ل ¤لك°م و"ط ع"امك°م ح ل ¤لهم
و"المحص"ن"ات من" المؤمن"ات و"المحص"ن"ات من" الذين" أ°وتوا الكت"اب" من قبلك°م إذا آت"يتموهن
أ°جور"هن) محصني" غير" مس"افحي" و"ل مت)خذي أخد"ان{.
وجعل المة ال سلمة م سئولة عن حا ية كنائ سهم ومعا بدهم ،وإتا حة الفرصة لم
لداء عبادتم فيها ،وتركت لم أمورهم الشخصية تكمها شريعتهم .لذلك عاشوا ف ظل
الدولة السلمية أهنأ عيش تلم به أقلية ف الرض.
وقديا قال أهل الشام لب عبيدة بن الراح) :أنتم -ولستم على ديننا -أرأف بنا
من أهل ديننا.(90
وح ي كانت أور با ت ضطهد الي هود ف الع صور الو سطى وت طاردهم ع لى أ ساس
اعت قادهم أ نم صلبوا ال سيح عل يه ال سلم ،ل يدوا صدرا رح با يؤويهم إل الدو لة
السلمية ف الندلس ،فلما أخرج السلمون من الندلس بعد الذابح البشعة الت ارتكبتها
ماكم التفتيش ف حقهم هاجر اليهود معهم إل الغرب ،لينعموا بالعيش الانئ ف ظل
الدولة السلمية هناك.
وعا شت القل يات الختل فة ف ظل الدو لة العثمان ية أرب عة قرون تن عم بالطمأني نة
والماية ،وتارس نشاطها كله بل تريج عليها ،حت جاءت روسيا وفرنسا وبريطانيا تثي
القليات ضد الدولة لتفجرها من داخلها.
قارن هذه الياة الادئة الطمئنة للقليات ف ظل الدولة السلمية بأحوال الغلبية
السلمة القهورة ف البشة فضل عن القلية السلمة ف الند ،والقلية السلمة ف الفلبي،
وغيها من القليات السلمة ف أرجاء الرض.
أفبعد ذلك يقول قائل إن من حق القليات غي السلمة أن تنع الكثرية السلمة من
مارسة دينها كما أمرها ال؟!
وأي مصيبة أصابت "السلمي" فجعلت أفرادا منهم ،يملون أساء مسلمة ،ينادون
بعدم تطبيق الشريعة السلمية من أجل وجود أقلية غي مسلمة بي ظهرانيهم ،فكأنم
يقو لون؛ اك فروا بدينكم أي ها ال سملون ،ل كي تارس القل يات غ ي ال سلمة دين ها ع لى
التمام!
البحث السادس
شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة
بسبب "الدول العظمى" وضغطها على العال السلمي
تبدو هذه الشبهة من بي الشبهات جيعا أكثرها "واقعية" ...فالدول الت ن يت
في ها ال شريعة ال سلمية نتي جة ال تدخل الع سكري ل عداء ال سلم ،ما تزال عاجزة عن
السيطرة القيقية على شئونا وإن كانت قد استقلت ظاهريا ،بعن خروج اليوش الغازية
من أراضيها ،فما تزال واقعة تت السيطرة السياسية أو القتصادية لذه الدولة أو تلك من
ال قوى العال ية ا لت ت سمى "ا لدول العظ مى" ،و ما تزال ف حا لة من ال ضعف السيا سي
والقتصادي والرب والعلمي والادي ،تعل خضوعها لسيطرة تلك القوى أمرا واقعا،
شئناه أم أبيناه.
ا لوجه ا لول؛ هو الجا بة ع لى هذا ال سؤال :لاذا صار ال عال ال سلمي إ ل هذا
الوضع الهي إزاء القوى العالية التسلطة؟
والوجه الثان؛ هو الجابة على هذا السؤال :هل حقا ل نلك أن نصنع شيئا إزاء
ذلك التسلط العالي على المة السلمية؟
فإذا تبي نUا هذين الوجهي ،فسيتبي لنا مدى الواقعية القيقية لذه الشبهة من بي
الشبهات.
"ل إله إل ال"؛ تولت إل كلمة تنطق باللسان ،وقد كانت منهج حياة كامل!
العبادة؛ انصرت ف الشعائر التعبدية وقد كانت شاملة لكل عمل وكل فكر وكل
شعور ف حياة الؤمن!
عقيدة القضاء والقدر؛ كانت قوة دافعة رافعة ،فصارت قوة مثبطة مذلة!
الدنيا والخرة؛ كانتا ف حس السلم حسية واحدة وطريقا واحدا أوله ف الدنيا
وآ خره ف ا لخرة ،فأ صبحت مع سكرين مت ضادين ،إ ما أن تع مل ل لدنيا وإ ما أن تع مل
للخرة ...ول يتمعان!
ال ضارة؛ كانت مفهو ما شامل ي شمل العق يدة والق يم وا لخلق والن ظم
والتنظي مات والف كار والن شاط الع مر ل لرض ،ف صارت مفو ها سطحيا ماد يا خ لوا من
القيم القيقية الت تتميز با حياة النسان السلم!
الهاد؛ كان حركة بانية لزالة الاهلية من الرض ،وإحلل النهج الربان ملها،
والتمكي لدين ال ف الرض ،فانصر ف الهاد "الدفاعي" ث انسر على يد الصوفية إل
جهاد النفس وترك الفساد يعج ف الرض!
الترب ية؛ كانت ترب ية شاملة هدفها ت كوين ال سلم ا لؤمن ال عال بدينه ،التخ لق
بأخلق ياته ،الا هد ف سبيله ،فصارت ترب ية تقليد ية ترUج شخ صيات سلبية وإم عات ل
دور لا ف شيء إياب ،ول قدرة لم على البناء ،ول على مواجهة مستجدات الياة.
ا لخلق؛ كانت مع ن شامل ي شمل أخلق السيا سة وأخلق القت صاد وأخلق
الجت ماع وأخلق الف كر وأخلق ا لدب وأخلق ال سرة وأخلق ال نس ...فان صرت
ف بعض ألوان السلوك دون بعض ،وتولت إل تقاليد خاوية من الروح!
الع لم؛ كان شامل للع لوم الدين ية والع لوم الدنيو ية من طب وف لك وريا ضيات
وفيز ياء وكيم ياء ...إ ل ،فان صر ف الع لوم الدين ية ،وان صر ف حدود مذهب ية ضيقة،
وعصبية مذهبية سقيمة ،وتقليد فكري ل يبدع!
ولا حدث ذلك كله ،نتج عنه التخلف العلمي والادي ،والضاري ،والسياسي،
والرب ،والقتصادي ،والخلقي ،الذي اجتذب العداء من كل صوب ليحاولوا القضاء
على السلم!
)يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى الكلة إل قصعتها( ،قالوا :أمن قلة
نن يومئذ يا رسول ال؟ قال) :إنكم يومئذ كثي ،ولكنكم غثاء كغثاء السيل ،ولينعن
ال الهابة من صدور أعدائكم ،وليقذفن ف قلوبكم الو"هن( ،قالوا :وما الوهن يا رسول
ال؟ قال) :حب الدنيا وكراهية الوت(.
ف كون ال سلمي ال يوم مست ضعفي ...حقي قة ،Ôولكن ها حقي قة ي قع وزر ها ع لى
السلمي أنفسهم ،ول تصلح عذرا لموع المة يوم القيامة ،اليوم الذي قال ال بشأنه:
}ب"ل الأنس"ان °ع"لى ن"فسه ب"صي"ة Ôو"لو ألقى م"ع"اذير"ه{.
ولكن ينبغي أن نذكر أن هذا الكيد ليس ابن اليوم ،وليس ابن المس القريب...
إن عمره على وجه التحديد أربعة عشر قرنا ونيفا ،أي منذ نزل هذا الدين ...ولنعد إل
ك تاب ا ل ند و صفا دقي قا لذا الك يد من كل ا لطراف الا قدة ع لى "ل إ له إل ا ل"،
والمة الت اقامت "ل إله إل ال" واقعا معاشا ف الرض ،أولئك هم اليهود والنصارى
والشركون والنافقون .ما تغي موقفهم منذ أربعة عشر قرنا ،وما تغيت السباب الت
دعت هم إ ل موقفهم} :و"لن ت"ر ض"ى ع"ن ك" الي"هود و"ل ال)ن ص"ار"ى "ح ت)ى "تت)ب ع" ملت"هم{} ،و"ل
"يز"ال°ون يقاتل°ون"ك°م "حت)ى ي"ردÊوك°م ع"ن دينك°م إن است"طاعوا{} ،و"د) كثي Ëمن أهل الكت"اب لو
ي"ردÊون"ك°م من ب"عد إي"انك°م ك°فارا ح"س"دا من عند أنف°سهم من ب"عد م"ا "تب")ين" لهم الح"ق{.
كل! ليس الكيد ابن اليوم ،ول ابن المس القريب ...فهو قدي قدي ،وإن كانت
بعض الوسائل قد تغيت ،فإن كل جيل من البشر يستخدم ف صراعاته الدوات التاحة له
ف جيله ...وإنا الذي تغي حقا هو موقف المة السلمية من هذا الكيد ،وليس الكيد ف
ذاته ول وسائل الكيد.
إن ال ينبه المة ف كتابه النل إل أعدائها ،وإل مواقفهم ،ووسائلهم ،وتدبياتم
الظاهرة والفية ،ث يقول لم} :و"إن ت"صبروا و"ت")تق°وا ل ي"ضرÊك°م كيدهم ش"يئا{.
إنم لن يكفوا عن الكيد أبدا ما دامت المة السلمة قائمة ،وما دامت هناك فرصة
للنيل منها ...ولكن هناك أداة ربانية ترد كيدهم ف نورهم ،فل يضر المة بشيء} :و"إن
ت"صبروا و"ت"ت)ق°وا ل ي"ضرÊك°م كيدهم ش"يئا إن الله" بم"ا ي"عم"ل°ون محيط{.
فما تلك الداة الربانية الت ترد الكيد فيتراجع خاسئا وهو حسي؟ أهي تعويذة تتلى
أو تي مة تع لق ع لى ال صدر؟ كل! إ نا ع مل إ ياب ضخم تلخ صه ها تان الكلم تان:
تصبوا ...وتتقوا.
وحي انرف فهم السلمي لكل مفاهيم السلم ،انرف ف حسهم كذلك مفهوم
الصب والتقوى ،فتحول إل سلبية ليس فيها غناء.
إنه الصب على تكاليف هذا الدين ،والصب ف مواجهة العداء ،وثبات السلمي
على دينهم مهما فعل العداء لجلئهم عنه...
وما التقوى؟ إنا تقوى ال ،إي اتقاء غضب ال وسخطه ،فبأي شيء يتقى غضب
ال وسخطه؟ هل من سبيل إل ذلك إل طاعته فيما أمر به والنتهاء عما نى عنه؟!
هذا هو الصب و هذه هي التقوى اللذان يصدان الكيد فل يضر ،وها ك ما نرى
قو تان إيابي تان هائل تان ،متين تان كال صن ،ل يد ال عداء ع ندها ث غرة للن فاذ إ ل ال مة
وإ لاق ال ضرر با ،وال ضرر الق صود ه نا ل يس هو ا لذى ا لذي ي صيب ا لفراد ،إ نا هو
الضرر الذي يلحق بالدين ،الذي هو عماد هذه المة وكيانا القيقي ،إما الذى فهو
يقع ،ولكنه ل يؤثر ف كيان المة ،ول يولا عن طريقها} :لن ي"ض رÊوك°م إلا أذ ى{ و"إن
يقاتل°وك°م يو"لçوك°م الأدب"ار" ث°م) ل ينص"رون{.
وكذلك كان حال المة مع أعدائها يوم كانت قائمة بالشرط ...كانت مكÎنة ف
الرض ،وكانت هي الغالبة وهي الستعلية ،وكان كيد العداء مردودا إل نورهم كما
ارتد أيام الروب الصليبية الول ،93وأيام حروب التتار ،وغيهم وغيهم من العداء.
فإن قل نا ال يوم إن الك يد شديد ،ف هذه حقي قة ،ولكن ها حقي قة ل تع في ال مة من
مسئوليتها أمام ال ،يوم يكون النسان على نفسه بصية ،ولو ألقى معاذيره.
أ ما ا لوجه ال ثان؛ ف هو ا لرد ع لى هذا ال سؤال :أح قا ل ن ستطيع شيئا إزاء ك يد
العداء؟!
إن أ حدا من ا لادين ل ي قول ذ لك ،وإن اختل فت در جات ا لد وزوا يا الرؤ ية
ومناهج العاملي.
93تيزا لا عن الروب الصليبية الثانية ،الت تدور منذ قرني أو ثلثة وما تزال دائرة.
)(79 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
إننا ف القيقة نلك الكثي ...إذا عزمنا العزمة الصادقة ،واتهنا التاه الصحيح،
إي إذا عزمنا عزمة صادقة أن نعود إل حقيقة ديننا ونتحمل التكاليف.
يقولون :نبن اقتصادياتنا على أسس متينة ،فكل شيء ف عال اليوم مبن على
القتصاد.
ونقول :مرحبا ببناء اقتصادياتنا على أسس متينة ،فذلك أمر ل غن عنه ف أي حال
من الحوال ،ولكن الوهم يقع عند الظن بأن هذا الطريق سيوصلنا -وحده -ويعفينا
من الهاد.
إن الذين يتحكمون فينا ليمنعونا من تطبيق شريعتنا ،هم أنفسهم الذين يتحكمون
فينا ليبقى اقتصادنا عالة عليهم ،ول يستقل عنهم ،ول يستغن عن تدخلهم ،ول يصل إل
حد الكتفاء.
وليست هذه دعوة إل اليأس من الصلح ...كل! ولكنها فقط تبصرة بأن المر
ل يستغن عن الهاد.
إن الرض الت انتشر فيها السلم -بقدر من ال -هي بفضل ال أغن بقعة ف
ا لرض ،بثرواتا البشرية والعدنية والائية ،و كل أ نواع الطاقات ،ولكن أهلها ال يوم هم
أفقر سكان الرض ،وأشدهم جوعا ومرضا وتلفا ...ولو كانت هذه الثروات والطاقات
مل كا حقيق يا لهل ها ل كانوا أغ ن سكان ا لرض ...ف من ا لذي ينع هم من امتلك ها
والتصرف الر فيها؟ هم ذات العداء الذين ينعونم من تطبيق شريعتهم!
إن ف السودان وحده مساحة من الرض يقول الباء إنا لو زرعت قمحا لكفت
افريقيا كلها ،ودفعت عنها غائلة الوع بفضل من ال ،وقصتها أنا من أخصب بقاع
الرض ولكنها مستنقعات ل تصلح ف صورتا الراهنة لشيء ،والسبب ف ذلك أنه يدث
ف النيل ف وقت واحد فيضانان ،أحدها تسببه المطار اللية ف السودان ،الت تل النهر
بالاء ،ث يأت الفيضان الخر من البشة ممل بالغرين الذي يصUب الرض ،فيجد النهر
متلئا فيف يض ع لى ال نبي وي عل ا لرض م ستنقعات ،وال شروع الط لوب هو ح فر ق ناة
وإن شاء خزان تتزن ف يه ال ياه القادمة من الب شة حت يتصرف الاء الت مع من الم طار
اللية ،فيستفاد من هذه الياه وتلك ،ويستفاد من الرض بعد تفيفها وإعدادها للزراعة،
فيزرع فيها من القمح ما يكفي افريقيا كلها.
فما الذي ينع من تنفيذ ذلك الشروع اليوي -وهو مدروس من الوجهة الفنية
منذ ما يزيد كثيا على نصف قرن -؟ تنع من تنفيذه عوامل كثية ،ليس أقلها تكم
القوى العالية ف اقتصادياتنا بيث ل ند ف أي وقت فائضا من الال نوجهه لثل هذا
الشروع النافع ،ول فسحة من الوقت ننتظر فيها ثاره -ول بد أن يستغرق بضع سنوات
من النفاق قبل أن يعطي الثمار -لن نا نلهث دائ ما وراء ت لك القوى نستمطر رحتها
ل كي ت سعفنا بلق مة ا لبز ،و تدول ل نا ا لديون ا لت نقتر ضها من هم للو فاء بلق مة ا لبز
للج ماهي الائ عة ،ث تذهب مذاهب ل يعلم ها إل ا ل ،وتث قل ال ماهي بدفع فوائد
القروض!
و ف آ سيا م ساحات شا سعة من ا لرض القاب لة للزراعة ،وكم يات هائ لة من الاء
ا لذي يذهب هدرا ف الي طات ،أو ي غرق ا لرض ف في ضانات هادرة ت لك ا لرث
والن سل ...وي تاج ا لمر إ ل م شروعات هند سية لتنظ يم ا ستخدام ا لاء ،وتزي نه و قت
في ضانه و توجيهه إ ل الزرا عة وإن تاج الكهر باء ...ف ما ا لذي ي نع من تنف يذ ت لك
الشروعات؟ ذات العوامل ...ذات القوى التسلطة الت ل تريد للمسلمي أن يقوموا من
وهدتم.
ونقول :مرحبا بتقوية أنفسنا بالسلح ...فذلك أمر ل غن عنه ف أي حال من
الحوال.
ولكن الوهم يقع مرة أخرى حي نظن أن هذا الطريق موصل بذاته ،بغي جهاد.
إنه من عند ذات القوى الت تنعنا من تطبيق شريعتنا ،وتنعنا ف الوقت ذاته من
تلك القوة القيقية الت نمي با أنفسنا فضل عن أن تكون عندنا قوة ترهب العداء،
كما أمر رب العالي} :و"أع دÊوا لهم م"ا اس ت"طعتم من ق°و)ة و"من ر ب"اط الخ"يل ترهبون به
ع"دو) الله و"ع"دو)ك°م و"آخ"ري "ن من دونهم ل ت"علمون"هم الله ي"علمهم{.
وحي ناول أن نصنUع شيئا من وسائل القوة تددنا القوى التسلطة أو تضربنا.
ول تد "الدول العظمى" ف نفسها خجل من مثل هذه التصرفات الكشوفة ،لنا
"عظمى" ...لنا تلك القوة!
ومن قبل تذرعت بريطانيا "العظمى" لحتلل مصر عام 1882م ،بأن مصر ترمم
حصونا الساحلية ف أب قي! فمجرد ترميم الصون القدية اعتبته بريطانيا عمل عدائيا
ضدها! عمل يستوجب التأديب!
يقولون :نتعلم.
ولكن أبناءنا حي يتعلمون بغي روح الهاد ،فإنا يتعلمون قشورا من العلم ،ول
يصبون على تكاليف العلم القيقي ،ويتعلمون لكي يصلوا على ورقة تؤهلهم للوظيفة
الرية ف العمل الريح ،ويهربون من العمل الشاق الذي ترتقي به البلد ،ومن شذ منهم
فبز ف علمه حقيقة تسعى "القوى العظمى" إل شرائه ،إما بإغرائه بالجرة إليها ،وإما
بشراء فكره وقلبه فيكون أداة إفساد ف وطنه بدل من أن يكون أداة إصلح...
كل الوسائل الت يقترحونا تدور ف مدى معي ،هو الدى الذي رسته لنا القوى
العالية الت تارب تطبيق شريعة ال ...فهل من سبيل إل بالهاد؟!
إن الهاد الفغان آية من آيات ال ...إنه تصديق عملى لا جاء ف كتاب ال} :ي"ا
أÊيه"ا الذين" آم"نوا إن ت"نصروا الله" ي"نصرك°م و"يثب¦ت أقد"ام"ك°م{.
لقد كاد انتصار الفئة القليلة الؤمنة على أضعافها من القوى الكافرة يصبح أسطورة
ف حس "السلم العاصر" ،أو على الكثر ذكرى ليام خلت ل يكن أن تعود!
وحي يقرأ "السلم العاصر" ف كتاب ال أمثال هذه اليات} :كم من فئة قليلة
غلب"ت فئة كثي"ة بإذن الله و"الله م"ع" الص)ابرين{} ،و"كأي¦ن من ن"بي ôقات"ل م"ع"ه رب¦يÊون كثي Ëفم"ا
و"ه"نوا لم"ا أص"اب"هم في س"بيل الله و"م"ا ض"عف°وا و"م"ا است"كانوا و"الله يحب Êالص)ابرين" و"م"ا كان
قولهم إلا أن قال°وا ر")بن"ا اغفر لن"ا ذ°نوب"ن"ا و"إسر"افن"ا في أمرن"ا و"ثب¦ت أقد"ام"ن"ا و"انصرن"ا ع"لى القوم
الكافرين" فآت"اهم الله ثو"اب" الدÊني"ا و"حس "ن ثو"اب الآخر"ة و"الله يحب Êالمحسني{.
حي يقرأ "السلم العاصر" أمثال هذه اليات ف كتاب ال؛ ل يس أنا موجهة
إليه هو ،ول موجهة إليه الن ف هذه اللحظة ،إنا يقرؤها على أنا كانت موجهة للذين
تلقوا القرآن أول مرة ول علقة لا بالجيال الاضرة! وهي ف حسه رواية عن أحداث
مضت ،وليست سننا جارية تتحقق كلما تققت أسبابا!
ولكن الهاد الفغان أعادها إل وضعها القيقي ...إنا توجيهات ربانية موجهة
للمة كلها ف جيع أجيالا ،وسنن جارية تتحقق كلما تققت أسبابا} ...تنصروا ال{،
هذا هو الط لوب من ال مة ،وح ي ي قع ،يترتب عل يه ا لزاء الر بان؛ }ين صركم ويث بت
اقدامكم{} ،و"عد" الله ل يخلف الله و"عد"ه و"لكن) أكثر" الن)اس ل ي"علمون{.
والعركة ف أفغانستان ما تزال دائرة ،وما ندري إل أي شيء ينتهي ذلك الصراع
ال بار ،ول كن ما ت م نه حت اللح ظة درس للمته يبي ،ودرس لل مترددين ،ودرس
للمتشككي ...ودافع ف الوقت ذاته لول العزم من الاهدين.
إنا ل تلك إل الجارة ...ولكنها تلك أكب طاقة يؤتاها البشر؛ اليان.
إنا تقيق آخر للسنن الربانية الارية ،الت تتحقق كلما تققت السباب.
وال هاد و حده هو ا لذي ي قق لل مة كيا نا ا لذي تتط لع إل يه .كيا نا السيا سي،
وكيانا القتصادي ،وكيانا الضاري ،وكيانا العلمي ،وكل كيان.
ولن يتحقق شيء ف يوم وليلة ،فالشوار طويل ،لن الدى الذي بعدته هذه المة
عن طريق ال ،والذي ينبغي أن تقطعه من جديد لتعود إليه ...مدى كبي ،يتاج إل زمن
غي قصي ،وجهد غي قليل.
ينبغي أن نتعلم بروح الهاد ،ونعمل بروح الهاد ،ونعيش بروح الهاد ،ونمل
ف حسنا ف كل لظة أن لنا هدفا ضخما نريد تقيقه ،ونعمل على تقيقه ،فبمثل هذه
الروح تولد المم من جديد ،وتأخذ طريقها إل الصعود.
ل بد من تربية جيل جاد ،يمل بي جنبيه الشعلة القدسة :شعلة اليان ،شعلة
الهاد.
وحي يولد هذا اليل ،فسيحقق ال النصر على يديه ،تقيقا لسننه الارية ،ولوعده
ا لاص لذه ال مة} :و" ع"د" الل ه ال ذين" آم"نوا منك°م و"ع"م ل°وا ال ص)الح"ات لي"س ت"خلفن)هم في
الأرض ك م"ا است"خلف" ال ذين" من قبلهم و"ليم" Ðكن" ن) لهم دين"هم ال ذي ار"تض"ى لهم و"لي ب"د¦لن)هم
من ب"عد خ"وفهم أمنا ي"عبدون"ني ل يشرك°ون بي ش"يئا{.
وحي يولد هذا اليل ،الذي يعيش بروح الهاد ف كل لظة ،فهو إما أن يد
الطريق مفتوحا ،فيحقق أهدافه بهاد العمل الشاق التواصل ،وإما أن يد الطريق مسدودا
فيفتحه بهاد القتال ...ول ينال ف كل حالة إل إحدى السنيي} :ق°ل ه"ل ت"ر"ب)صون بن"ا
إلا إح د"ى الحس "ني"ين و"ن"حن "نت"ر"ب)ص بك°م أن يصيب"ك°م الل ه ب ع"ذاب من عنده أو بأيدين"ا
فت"ر"ب)صوا إن)ا م"ع"ك°م مت"ر"ب¦صون{.
تعقيب
الن وقد ناقشنا الشبهات الت تثار حول تطبيق الشريعة ،يتبي لنا أن كثيا منها
ليس ناشئا من تفكينا الذات ،ول من تربتنا الذاتية ،إنا هي أفكار أثارها ف حياتنا الغزو
الفكري ،ليباعد بيننا وبي العودة إل الشريعة الربانية بعد إذ أجلنا عنها الغزو الصليب،
وأن ما يتعلق منها بعدم إمكان التطبيق هو مرد عقبات مصطنعة جسمت لنا لتصدنا عن
الاولة ،بل عن مرد التفكي...
وليس العجب على أي حال أن يسعى أعداؤنا إل تشكيكنا ف ديننا ،فهذا دأبم
م نذ نزل هذا ا لدين ،إ نا الع جب أن يتبع هم ف ت شكيكهم "م سلمون" يم لون أ ساء
إسلمية ،ويقولون بأفواههم "ل إله إل ال".
وأيا تكن السباب الت أدت بؤلء أن يقفوا ذلك الوقف ،فإن ذلك يفتح أعيننا
على التبعة السيمة الت تقع على عاتقنا إزاء هذه الوضاع.
إ نه ما كان لذه ال شبهات أن ت ثار ،و ما كان لل غزو الف كري أن يتو غل ف ح ياة
الناس ،لو أن الناس كانوا على فهم حقيقي للسلم ،ومارسة حقيقية لقتضيات اليان.
هم الذين ينبغي أن يدركوا حقيقة الوضاع الراهنة ف المة ،ويقدموا لا العلج.
ولن تكون الدعوة مرد دروس وماضرات ،ولن تكون مرد وعظ يلقى على أساع
الناس ،إن هذا كله مفيد ولزم للدعوة ،ولكنه -وحده -ل يصنع شيئا ف حقيقة المر.
وذ لك ا لذي ينب غي أن يدركه ا لدعاة ج يدا إن أرادوا ح قا تغي ي وا قع هذه ال مة،
وردها إل الادة من جديد.
وحي يدرك الدعاة مهمتهم الصيلة ،فسيكون جانب منها ول شك بيان حقيقة
التوحيد ،وأنا عبادة ال وحده بل شريك ،وإقامة الياة كلها بقتضى النهج الربان -با
ف ذلك تطبيق شريعة ال -ونبذ كل اللة الزعومة الت تقف ف طريق التوحيد الالص،
با ف ذلك دعاوى الاهلية العاصرة الت تناوئ با عبادة ال ،باسم التطور مرة ،وباسم
الضارة مرة ،وباسم العلم مرة ،وباسم الثورة التكنولوجيا مرة ،وباسم الرأي العام العالي
مرات...
سئلت عائشة رضي ال عنها عن خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت:
)كان خلقه القرآن(.94
و بذه القي قة الائ لة ا لت عا شها ر سول ا ل صلى ا ل عل يه و سلم ور بUى علي ها
أصحابه رضوان ال عليهم تغيت الرض ،وبرزت إل الوجود خي أمة أخرجت للناس.
والدعاة -الذين تقع عليهم هذه التبعة الائلة -يلزمهم ،فيما يلزمهم ،أن يكونوا
هم ال قدوة لا يدعون ال ناس إل يه ،وأن يار سوا هذا ا لدين ع لى ن طاقه ال شل ،ليعر ضوا
للناس حقيقته كاملة ،وأن يركزوا على بناء القاعدة الصلبة الت تمل التبعة وتسن السي.
94أخرجه مسلم.
)(87 منب التوحيد والهاد
حول تطبيق الشريعة
وبال التوفيق