Professional Documents
Culture Documents
الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية
الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية
على أن
المقدمة
إن الحمد هلل ،نحمده ونستعٌنه ،ونستؽفره ونتوب إلٌه ونعوذ باهلل من شرور
أنفسنا وسٌبات أعمالنا ،من ٌهده هللا فال مضل له ،و من ٌضلل فال هادى له .
وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شرٌك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،
صلى هللا علٌه وعلى آله وأصحابه أجمعٌن .
أما بعد :
فقد كثر الكالم حول وسابل الدعوة هل هً توفٌقٌة ال ٌحل ألح ٍد الزٌادة علً
ما ثبت عن رسول هللا وأصحابه الكرام فٌها .
أم أنها اجتهادٌة موكولة إلى نظر الداع ي ٌزٌد فٌها ما ٌراه مناسبا ً لزمانه
ومكانه فً سبٌل الوصول إلً الؽاٌة المنشودة بالدعوة .
ولما كان القول بتوفٌقٌة وسابل الدعوة هو القول الحق المؤٌد بالحجج
الشرعٌة استعنت هللا تعالى فً تحرٌر هذه الرسالة إلظهاره وبٌانه ،نصرة للحق
،ونصحا ً للخلق ،معتمداً على الكتاب والسنة ،وأقوال سلؾ األمة.
وقد بٌنت أن القول بتوفٌقٌة وسابل الدعوة ال ٌتعارض مع استخدام األجهزة
الحدٌثة – ونحوها – إذا لم تكن محظورة شرعا ً.
كما بٌنت أن الوسابل الشرعٌة كافٌة فً نشر الدعوة على أتم صور ٍة وأكملها
ومكان .
ٍ فً كل زمان
وأن القول بأن وسابل الدعوة لٌست توفٌقٌة أصل من أصول البدع المفضلة ال
محدثة فً الدٌن .
وهللا تعالى اسأل التوفٌق واإلعانة والتسدٌد ،واإلصابة إنه ولً ذلك والقادر
علٌه.
وصلى هللا وسلم على نبٌنا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعٌن .
كتب ذلك
الكري
م عبد السالم بن برجس بن ناصر آل عبد
1413/9/9هـ -الرٌاض
1
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
الدعوة إلى هللا تعالً عبادة عظٌمة ،وحث علٌها وجعل أهلها أحسن
الناس قوالً ،وأفضلهم عمالً ،فقال تعالى :
وال ؼرو أن ٌرقً الداعً إلى هذه المنزلة ،فهو أحد ورثة األنبٌاء
تعالى فً وظابفهم ،فإن وظٌفتهم الدعوة إلً هللا تعالى ،كما قال هللا
لخاتمهم وإمامهم :
أي :طرٌقته وسنته ،وهً الدعوة إلى شهادة أن ال إله إال هللا وحده
ال شرٌك له ٌ ،دعو إلى هللا بها علً بصٌرة من ذلك وٌقٌن وبرهان ،هو
2
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
على بصٌرة وٌقٌن وكل من اتبعه ٌدعوا إلى ما دعا إلٌه رسول هللا
وبرهان عقلً وشرعً ) ( ) .انتهى .
وقد أوجب هللا – سبحانه – أن تكون فً هذه األمة طابفة تدعوا إلى
هللا تعالً ،فترشد الناس إلى الخٌر ،وتأمرهم به ،وتحذرهم من الشر
وتنهاهم عنه.
ولقد رتب الشارع لمن قام بهذا األمر ثوابا ً عظٌما ً وأجراً جزٌالً ،ففً
(( الصحٌحٌن )) من حدٌث سهل بن سعد – -أن النبً قال لعلً :
))
(( وهللا لبن ٌهدي هللا بك رجالً واحداً خٌر لك من حمر النعم
حمر النعم :هً اإلبل الحمر ،وهً أنفس أموال العرب ٌ ،ضرب
( )
بها المثل فً نفاسة الشًء ،وأنه لٌس هناك أعظم منه
)) ((
عن أبً هرٌرة – ، - أن رسول هللا صحٌح مسلم وفً
قال :
((
من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه ال ٌنقص
من أجورهم شٌبا ً ،ومن دعا إلً ضاللة كان علٌه من اإلثم مثل آثام من
)). تبعه ال ٌنقص ذلك من آثامهم شٌبا ً
– جمٌعا ً – فإن فعلوا ذلك نجوا ونجا المجتمع ،وإن تركوا ذلك
أثموا ،وبقدر التقصٌر فً ذلك ٌحل البالء ،وٌستشري الداء .
وإذا تقرر أن الدعوة إلى هللا تعالى عبادة :فإن قبول أي عبادة هلل
تعالى ٌتوقؾ على اجتماع أمرٌن :
5
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وهو الذي قال هللا تعالً فٌه َ بلَى َمنْ أَسْ لَ َم َوجْ َه ُه ِ َّ ِ
هلل َوه َُو مُحْ سِ نٌ َفلَ ُه
ون( البقرة)112: أَجْ ُرهُ عِ ْندَ َر ِّب ِه َوال َخ ْوؾٌ َعلٌَ ِْه ْم َوال ُه ْم ٌَحْ َز ُن َ
وقال فٌه – أٌضا ًَ -و َمنْ أَحْ َسنُ دٌِنا ً ِممَّنْ أَسْ لَ َم َوجْ َه ُه ِ َّ ِ
هلل َوه َُو مُحْ سِ نٌ
(النساء :من اآلٌة)125
إن العمل إذا كان خالصا ً ولم ٌكن صوابا ً لم ٌقبل .وإذا كان ((
قال
صوابا ً ولم ٌكن خالصا ً لم ٌقبل ،حتى ٌكون خالصا ً صوابا ً )) .ا هـ.
)) ((
– أي :العبودٌة – إال إٌاك نعبد ( ال ٌكون العبد متحققا ً بـ
بأصلٌن عظٌمٌن :
6
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
((
إٌاك أحدهما :أهل اإلخالص للمعبود ،والمتابعة ،وهم أهل
نعبد ))حقٌقة .فأعمالهم كلها هلل ،وأقوالهم هلل وعطابهم هلل ومنعهم هلل ،
وحبهم هلل ،وبؽضهم هلل .فمعاملتهم ظاهراً وباطنا ً لوجه هللا تعالً وحده .
وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة ألمر هللا ،ولما ٌحبه وٌرضاه .
وهذا هو العمل الذي ال ٌقبل هللا من عامل سواه وهو الذي بال عباده
بالموت والحٌاة ألجله .فال ٌقبل هللا من عامل سواه ،وهو الذي بال عباده
بالموت والحٌاة ألجله .
فال ٌقبل هللا من العمل إال ما كان خالصا ً لوجهه علً متابعة أمره
– أحوج ما هو إلٌه – وماعدا ذلك فهو مردو على عامله ٌ ،رد علٌه
هبا ًء منثوراً .
وكل عمل بال إ قتداء فإنه ال ٌزٌد عامله من هللا إال بعداً ،فإن هللا
تعالى إنما ٌعبد بأمره ،ال باآلراء واألهواء .
لشرع
ٍ الثانً :من ال إخالص له وال متابعة ،فلٌس عمله موافقا ً
ولٌس هو خالصا ً للمعبود كأعمال المتزٌنٌن للناس ،المرابٌن لهم بما لم
ٌشرعه هللا ورسوله .وهؤالء شرار الخلق وأمقتهم إلى هللا عز وجل.
7
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
الرابع :من أعماله على متابعة األمر ،لكنها لؽٌر هللا ،كطاعة
المرابٌن وكالرجل ٌقاتل رٌا ًء وحمٌة وشجاعة ،وٌحج لٌقال وٌقرأ القرآن
لٌقال ،فهؤالء أعمالهم ظاهرها أعمال صالحة مأمور بها ،لكنها ؼٌر
صالحة ،فال تقبل ) ( ) .ا هـ.
ٌن لَ ُه ال ِّد َ
ٌن حُ َن َفا َء َو ٌُقٌِمُوا الصَّال َة َ و َما أُمِرُ وا إِ َّال لِ ٌَعْ ُب ُدوا َّ َ
هللا م ُْخلِصِ َ
الز َكا َة َو َذل َِك دٌِنُ ْال َق ٌِّ َم ِة( البٌنة)5: َوٌ ُْؤ ُتوا َّ
ٌن أَال ِ َّ ِ
هلل ال ِّدٌنُ ْال َخالِصُ هللا م ُْخلِصا ً لَ ُه ال ِّد َ وقوله تعالً َ :فاعْ ُب ِد َّ َ
هللا ( الزمر: ٌِن ا َّت َخ ُذوا ِمنْ ُدو ِن ِه أَ ْولِ ٌَا َء َما َنعْ ُب ُد ُه ْم إِ َّال لِ ٌُ َقرِّ بُو َنا إِلَى َّ ِ
َوالَّذ َ
من اآلٌة)3
)) ((
عن عمر بن الخطاب ر ، - -قال سمعت الصحٌحٌن وفً
رسول هللاٌ قول :
((
إنما األعمال بالنٌات ،وإنما لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته
إلى هللا ورسوله ك انت هجرته إلى هللا ورسوله ومن كانت هجرته لدنٌا
ٌصٌبها أو امرأة ٌنكحها فجرته إلى ما هاجر إلٌه )).
( حصول األعمال وثبوتها ال ٌكون إال بنٌة ،فال حصول وال ثبوت
لما لٌس كذلك .
9
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
َ وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ً مُسْ َتقٌِما ً َفا َّت ِبعُ وهُ َوال َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ َق ِب ُك ْم َعنْ
َس ِبٌلِ ِه ( األنعام :من اآلٌة)153
وقوله :ا َّت ِبعُوا َما أ ُ ْن ِز َل إِلَ ٌْ ُك ْم ِمنْ َر ِّب ُك ْم َوال َت َّت ِبعُوا ِمنْ ُدو ِن ِه أَ ْولِ ٌَا َء
ون ( ألعراؾ)3: َقلٌِالً َما َت َذ َّكرُ َ
ا َّت ِبعُوا َما أ ُ ْن ِز َل إِلَ ٌْ ُك ْم ِمنْ َر ِّب ُك ْم َوال َت َّت ِبعُوا ِمنْ ُدو ِن ِه أَ ْولِ ٌَا َء َقلٌِالً َما
ون( ألعراؾ)3: َت َذ َّكرُ َ
ٌِن ِّك ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َوأَعْ ِرضْ َع ِن ْال ُم ْش ِرك َ ْك ِمنْ َرب َ ا َّت ِبعْ َما أُوح ًَِ إِلٌَ َ
(األنعام)106:
هللاُ َو ٌَ ْؽ ِفرْ لَ ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم
هللا َفا َّت ِبعُونًِ ٌُحْ ِب ْب ُك ُم َّ
ُّون َّ َ
وقوله :قُ ْل إِنْ ُك ْن ُت ْم ُت ِح ب َ
هللاُ َؼفُورٌ َرحٌِ ٌم( آل عمران)31: َو َّ
)) ((
من حدٌث عابشة -رضً هللا عنها ، -قالت :قال الصحٌحٌن وفً
))
رسول هللا (( من أحدث فً أمرنا ما لٌس منه فهو رد
))
(( من عمل عمالً لٌس علٌه أمرنا فهو رد
)) ((
إشارة إلى أن أعمال العاملٌن كلهم لٌس علٌه أمرنا قوله:
ٌنبؽً أن تكون تحت أحكام الشرٌع ة ،وتكون أحكام الشرٌعة حاكمة علٌها
بأمرها ونهٌا فمن كان عمله جارٌا ً تحت أحكام الشرع موافقا ً لها فهو
المقبول ومن كان خارجا ً عن ذلك فهو مردود ) ( ) .ا هـ.
وإذا تقرر أن الدعوة إلى هللا عبادة ،فالب د للداعٌة أن ٌراعً هذٌن
الشرطٌن عند القٌام بها ،لٌكون عمله صالحا ً متقبالً .
ٌقول ابن قاسم – رحمه هللا تعالى ، -فً (( شرح التوحٌد )):
فإن أخل باألول كان مشركا ً وإن أخل بالثانً كان مبتدعا ً ) ( ) .ا هـ.
ومن هنا جاء حرص السلؾ – رضوان هللا علٌهم – علً إصالح
النٌة والعمل ،خشٌة الوقوع فً هذٌن المحذورٌن العظٌمٌن .
((
إنا نقتدي وال نبتدي ،ونتبع وال نبتدع ،ولن نضل ما تمسكنا
باألمر )).
)) ( ) ((
.عن على وابن مسعود – الشرٌعة وأخرج األجري فً
رضً هللا عنهما – أنهما قاال :
((
ال ٌنفع قول إال بعمل وال عمل إال بقول ،وال قول وعمل إال بنٌة
وال نٌة إال بموافقة السنة )).
))
(( كانوا ٌرون أنهم على الطرٌق ما كانوا علً األثر
((
:التقوى هلل ،والنٌة الحسنة ، ال ٌصلح العمل إال بثالث
واإلصابة )).
كمال الشريعة
ٌت لَ ُك ُم ْ ِ
األسْ ال َم ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ
مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ ْ ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ
دٌِنا ً ( المابدة :من اآلٌة)3
فما من شًء تحتاجه األمة فً حاضرها ومستقبلها إال وقد بٌنه هللا
تعالى بٌانا ً تدرك األمة من خالله حكمه من حل أو حرم ٍة.
وهذا األصل مقرر فً الكتاب والسنة بما ال ٌدع مجاالً للشك فٌه أو
االرتٌاب .وقد أجمعت األمة علً ذلك .
َ و ُك َّل َشًْ ٍء َفص َّْل َناهُ َت ْفصِ ٌالً( االسراء :من اآلٌة)12
14
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
اب ٌُ ْتلَى َعلٌَ ِْه ْم إِنَّ فًِ َذل َِك لَ َرحْ َم ًة أَ َولَ ْم ٌَ ْكف ِِه ْم أَ َّنا أَ ْن َز ْل َنا َعلَ ٌْ َ
ك ْال ِك َت َ
ون( العنكبوت)51: َوذ ِْك َرى لِ َق ْو ٍم ٌ ُْؤ ِم ُن َ
ٌِق الَّذِي َبٌ َْن ٌَ َد ٌْ ِه َو َت ْفصِ ٌ َل ُك ِّل َشًْ ٍء
ان َحدٌِثا ً ٌُ ْف َت َرى َولَ ِكنْ َتصْ د َ َ ما َك َ
ونٌ( وسؾ :من اآلٌة)111 َوهُدىً َو َرحْ َم ًة لِ َق ْو ٍم ٌ ُْؤ ِم ُن َ
صالً هللا أَ ْب َتؽًِ َح َكما ً َوه َُو الَّذِي أَ ْن َز َل إِلَ ٌْ ُك ُم ْال ِك َت َ
اب ُم َف َّ أَ َف َؽٌ َْر َّ ِ
(األنعام :من اآلٌة)114
15
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
( مثل هذا فً القرآن كثٌر ،مما ٌبٌت هللا فٌه أن كتابه مبٌن للدٌن
كله ،موضح لسبٌل الهدى ،كاؾ لمن اتبعه ،ال ٌحتاج معه إلى ؼٌره ،
( )
ٌجب اتباعه دون اتباع ؼٌره من السبل )
وفً صحٌح مسلم من حدٌث عبد هللا بن عمر – رضً هللا عنهما –
أن النبً قال :
ما بعث هللا نبٌا ً إال كان حقا ً علٌه أن ٌدل أمته على خٌر ما ٌعلمه ((
((
أٌها الناس إنه لٌس من شًء ٌقربكم من الجنة ،وٌباعدكم من النار
إال قد أمرتكم به وإنه لٌس شًء ٌقربكم من النار وٌباعدكم من الجنة إال
قد نهٌتكم عنه ))..الحدٌث .
) (( دسء تؼاسع اٌؼمً ٚإٌمً )) ،التٓ ت١ّ١ح – سزّٗ هللا – ( .) 304 /10
16
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
قال العالمة ابن القٌم – رحمه هللا – فً تقرٌر هذا األصل :
( ..فرسالته كافٌة عامة ،ال تحوج إلى سواها ،وال ٌتم اإلٌمان
به إال بإثبات عموم رسالته ..فال ٌخرج أحد من المكلفٌن عن رس الته ،
وال ٌخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إلٌه األمة فً علومها
وأعمالها عما جاء به .
وقد توفً رسول هللا وما طابر ٌقلب جناحٌه فً السماء إال ذكر
لألمة منه علما ً ،وعلمهم كل شًء حتى آداب التخلى وآداب الجماع ،
والنوم والقٌام والقعود ،واألكل والشرب ،وال ركوب والنزول ،والسفر
واإلقامة ،والصمت والكالم ،والعزلة والخلطة والؽنى والفقر والصحة
والمرض ،وجمٌع أحكام الحٌاة والموت .
وعرفهم األنبٌاء وأممهم ،وما جرى لهم وما جرى علٌهم معهم حتى
كأنهم كانوا بٌنهم .
وكذلك عرفهم من أدلة التوحٌد والنبوة والمعاد والرد على جمٌع
فرق أهل الكفر والضالل ما لٌس لمن عرفه حاجة من بعده ،اللهم إال
إلى من ٌبلؽه إٌاه وٌبٌنه وٌوضح منه ما خفً علٌه .
وكذلك عرفهم من مكاٌد إبلٌس وطرقه التى ٌأتٌهم منها ،وما
ٌتحرزون به من كٌده ومكره وما ٌدفعون به شره ما ال مزٌد علٌه .
وبالجملة فجاءهم بخٌر الدنٌا واآلخرة برمته ،ولم ٌحوجهم هللا إلى
)– (
أح ٍد سواه ...ا هـ كالمه – رحمه هللا تعالى
ولما قرر الشاطبً – رحمه هللا – هذا األصل ،ألزم من نظر فً
الشرٌعة بأمرٌن بناء على ما تقرر من كمال الدٌن :
) (( ئػالَ اٌّٛلؼ ، ) 376 -375 /4 ( )) ٓ١ؽ :اٌىٍ١اخ األص٘ش٠ح ،تسم١ك ؽٗ ػثذ اٌشؤٚف سؼذ .
18
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
والثانً :أن ٌوقن بأنه ال تضاد بٌن آٌات القرآن وال بٌن األخبار
جار علً مهٌع واحدٍ،
النبوٌة وال بٌن أحدهما مع اآلخر ،بل الجمٌع ٍ
ومنتظم إلى معنى واح ٍد ...
إلى أن قال فأما األمر األول فهو الذي أؼفله لمبتدعون ،فدخل علٌهم
( )
بسبب ذلك االستدراك فً الشرع ...ا هـ.
تكفل هللا تعالً لمن تمسك بالكتاب أال ٌضل فً الدنٌا وال ٌشقى فً
اآلخرة فقال تعالى :
((
من تعلم كتاب هللا ثم اتبع ما فٌه :هداه هللا من الضاللة فً الدنٌا ،
ووقاه ٌوم الحساب سوء الحساب )).
( آل عمران :من َ واعْ َتصِ مُوا ِب َحب ِْل َّ ِ
هللا َجمٌِعا ً َوال َت َفرَّ قُوا
اآلٌة)103
20
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
)) ((
من حدٌث زٌد بن أرقم أن رسول صحٌح مسلم كم ا ثبت فً
هللا قال :
((
أال وأنً تارك فٌكم ثقلٌن :أحدهما كتاب هللا وهو حبل هللا ،من
اتبعه كان ه=على الهدى ومن تركه كان على ضاللة )).
((
إن هذا الصراط محتضر تحضره الشٌاطٌن ٌ ،نادون ٌا عبد هللا :
هذا الطرٌق .فاعتصموا بحبل هللا فإن حبل هللا القرآن )).
((
إن هذا القرآن حبل هللا ،والنور والشفاء النافع ،عصمة لمن
تمسك به ،ونجاة لمن اتبعه )).
كذا قال وقد تعقب ذلك العالمة علً القاري فقال :
(الحشر :من ( )
َ و َما آ َتا ُك ُم الرَّ سُو ُل َف ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه َفا ْن َتهُوا
اآلٌة)7
((
:كتاب وإنً قد تركت فٌكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به
))
هللا
والدنٌا مظلمة ملعونة إال ما طلعت علٌه شمس الرسالة .وكذلك العبد
فً ظلمة وهو من األموات ،قال تعالى :
فهذا وصؾ المؤمن كان مٌتا ً فً ظلمة الجهل فأحٌاه هللا بروح
الرسالة ونور اإلٌمان وجعل له نوراً ٌمشً به فً الناس .
وسمً هللا تعالً رسالته روحا ً ،والروح إذا عدم فقد فقدت الحٌاة ،
وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثٌر من حاجة المرٌض إلى الطب
فإن آخر ما ٌقدر بعدم الطبٌب :موت األبدان .وأما إذا لم ٌحصل للعبد
نور الرسالة وحٌاتها :مات قلبه موتا ً ال ٌرجى الحٌاة معه أبداً أو شقً
إال بإتباع الرسول ،فإن هللا خص شقاوة ال سعادة معها أبداً فال فالح
بالفالح أتباعه المؤمنٌن وأنصاره ،كما قال تعالى :
قال أبو عبد هللا وقع هنا (( ٌؽنٌكم ))وإنما هو (( نعشكم )) .
)) ((
،والاللكابً ،واألجري فً سننه رواه الدارمً فً
(( الشرٌعة )) ( ص . ) 314
(( السنة سفٌنة نوح من ركبها نجا ،ومن تخلؾ عنها ؼرق )).
)) ((
لإلمام الدارمً ( ص ) 145عن الرد على المرٌسً وفً
شرٌح وابن سٌرٌن أنهما قاال (( :لن نضل ما تمسكنا باألثر )).
(( ندور مع السنة حٌث دارت )) وقال عبد هللا بن عتبة بن مسعود :
))
(( إنك لن تخطا الطرٌق ما دمت علً اآلثر
((
البدع ( ، )19/5وابن وضاح فً وأخرج أبو داود فً سننه
))
( ص ، ) 30وأبو نعٌم فً الحلٌة ( ) 338/5عن عمر والنهً عنها
بن عبد لعزٌز أنه قال :
25
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
التحذير من االبتداع
البدعة :كل ترك أو فعل نٌة التعبد هلل تعالى مما لٌس فً الدٌن هذا
هو الضابط المختار الذي رجحه الشاطبً – رحمه هللا تعالى ، -وصاؼه
بالصٌاؼة اآلتٌة فقال :
وأما دخوله فً األمور العادٌة فقد شرح هذا المعنى شٌخ اإلسالم ابن
تٌمٌة – رحمه هللا تعالى ، -فقال بعد كالم سبق :
ت.
وهو :أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحا ٍ
فال حرام إال ما حرمه هللا ،وال دٌن إال ما شرعه هللا .
ولهذا عظم ذم هللا فً القرآن لمن شرع دٌنا ً لم ٌأذن هللا به ،ولمن
حرم ما لم ٌأذن هللا بتحرٌمه ،فإذا كان هذا فً المباحات فكٌؾ
بالمكروهات والمحرمات ؟
إذا كان المسلمٌن متفقٌن على أنه ال ٌجوز ألحد أن ٌعتقد أو ٌقول
عمل ،إنه قربة وطاعة وبر وطرٌق إلى هللا واجب أو مستحب إال
ٍ عن
أن ٌكون مما أمر هللا به ورسوله .وذلك ٌعلم باألدلة المنصوصة على
ذلك .
وما علم باتفاق األمة أنه لٌس بواجب وال مستحب و ال قربة لم ٌجز
أن ٌعتقد أو ٌقال :أنه قربة وطاعة .
27
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
فكذلك هم متفقون على أنه ال ٌجوز قصد التقرب به إلى هللا ،وال
التعبد به وال اتخاذه دٌنا ً ،وال عمله من الحسنات ،فال ٌجوز جعله من
الدٌن ال باعتقاد وقول ،وال بإرادة وعمل .
وبإهمال هذا األصل ؼلط خلق كثٌر من العلماء والعباد ٌرون الشًء
إذا لم ٌكن محرما ً ال ٌنهى عنه ،بل ٌقال أنه جابز .
وال ٌفرقون بٌن اتخاذه دٌنا ً وطاعة وبراً وبٌن استعماله كما تستعمل
المباحات المحضة .
ومعلوم ان اتخاذه دٌنا ً باالعتقاد أو االقتصاد ،أو بهم ا ،أو بالقول أو
بالعمل ،أو بهما :من أعظم المحرمات ،وأكبر السٌبات .
وقد أٌد الشاطبً – رحمه هللا تعالى – القول بدخول البدع فً
العادات بحجج ،منها :
ومنها أن :
وقد تقرر باألدلة الشرعٌة أنه البد فً كل عادي من شاببة تعب ٍد لكونه
مقٌداً بأوامر الشرع إلزاما ً أو تخٌٌراً أو إباحة.
جاء ثالثة رهط إلً بٌوت أزواج النبً ٌ ،سألون عن عبادته فلما
أخبروا كأنهم تقالوها .فقالوا وأٌن نحن من النبً ،قد ؼفر له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر .
((
أنتم الذٌن قلتم كذا وكذا ،أما وهللا إنً ألخشاكم هلل وأتقاكم له لكنً
أصوم وأفطر وأصلً وأ رقد وأتزوج النساء ،فمن رؼب عن سنتً فلٌس
منً )).
((
فقال بعضهم :ال أتزوج النساء ،وقال بعضهم ال آكل اللحم ،وقال
فراش ) ..الحدٌث
ٍ بعضهم ال أنام على
وقال – أٌضا ً على هذا الحدٌث ( :فأمره النبً بالصوم وحده ألنه
عبادة ٌحبها هللا تعالى ،عداه لٌس بعبادة وإن ظنها الظان تقربه إلى هللا
تعالى ) ( ) اهـ.
( فتأمل كٌؾ جعل القٌام فً الشمس ،وترك الكالم ونذر المشً إلً
الشام أو مصر معاصً ...مع أنها فً أنفسها أشٌاء مباحات ،لكنه لما
( )
) أجراها لما ٌتشرع به وٌدان هللا به صارت عند مالك معاصً هلل
اهـ.
( إن اتخاذ لبس الصوؾ عبادة وطرٌقا ً إلً عبادة هللا بدعة ) ( ) اهـ.
فترك أكل اللحم مباح .لكن إن قصد به القربة صار عمله بدعة ،
إذ ( :ال معنى للبدعة إال أن ٌكون الفعل فً اعتقاده المبتدع مشروعا ً
( )
ولٌس بمشروع )
ب َوأ ُ َخ ُر ات هُنَّ أ ُ ُّم ْال ِك َتا ِ ات مُحْ َك َم ٌاب ِم ْن ُه آ ٌَ ٌ ه َُو الَّذِي أَ ْن َز َل َعلٌَ َ
ْك ْال ِك َت َ
ُون َما َت َشا َب َه ِم ْن ُه ا ْبت َِؽا َء ْال ِف ْت َن ِة ٌِن فًِ قُلُ ِ
وب ِه ْم َزٌ ٌْػ َف ٌَ َّت ِبع َ ات َفأَمَّا الَّذ َ
ُم َت َش ِاب َه ٌ
َوا ْبت َِؽا َء َتأْ ِوٌلِ ِه َو َما ٌَعْ لَ ُم َتأْ ِوٌلَ ُه إِ َّال َّ
هللاُ ( آل عمران)7:
،رسول هللا عن هذه اآلية وقد سألت عابشة – رضً هللا عنها -
فقال
((
إذا رأٌت الذٌن ٌتبعون ما تشابه منه ،فأولبك الذٌن سمى هللا
فاحذروهم )) .رواه الشٌخان .
) (( االعتظاَ )).
32
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
َ وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ً مُسْ َتقٌِما ً َفا َّت ِبعُوهُ َوال َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ َق ِب ُك ْم
ون( األنعام)153: َعنْ َس ِبٌلِ ِه َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم ِب ِه لَ َعلَّ ُك ْم َت َّت ُق َ
الصراط المستقٌم هو سبٌل هللا الذي دعا إلٌه وهو السنة.
ٌدل على ذلك ما ثبت عن ابن مسعود – – قال :خط لنا رسول
هللا خطا ً ثم خط عن ٌمٌنه وعن شماله خطوطا ً ،ثم قال :
)) ((
وقرأ ( وأن هذا هذه سبل على كل سبٌل منها شٌطان ٌدعوا إلٌه
))
.رواه أحمد والنسابً والدارمً ، صراطً مستقٌما ً فاتبعوه )..اآلٌة
وصححه الحاكم فً المستدرك ( ) 318/2
))
(( البدع والشبهات
قال علً القارئ – رحمه هللا ، -على حدٌث ابن مسعود :
33
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
( فٌه إشار ة إلى أن سبٌل هللا وسط ولٌس فٌه تفرٌط وال إفراط بل
فٌه :التوحٌد واالستقامة ومراعاة الجانبٌن فً الجادة .
وسبل أهل البدع مابلة إلى الجوانب ،وفٌها :تقصٌر وؼلو ،ومٌل
وانحراؾ وتعدد واختالؾ ) ( ) .
قال الحافظ ابن كثٌر – رحمه هللا تعالً ( : -فلٌحذر الذٌن ٌخالفون
عن أمره )
وما خالفه فهو مردود على قابله وفاعله كابنا ً من كان ..فٌحذر ولٌخش
من خالؾ شرٌعة الرسول باطنا ً وظاهراً .
( أن تصبهم فتنة )
( )
اهـ. كفر أو نفاق أو بدعة )
أي :فً قلوبهم من ٍ
***
أما األحادٌث عن رسول هللا فً هذا الباب فكثٌرة منها :
))
(( من رؼب عن سنتً فلٌس منً
((
أنا فرطكم علً الحوض ،ولٌختجلن رجال دونً ،فأقول ٌا رب
أصحابً .فٌقال إنك ال تدري ما أحدثوا بعدك )).
((
أما بعد ،فإن خٌر الحدٌث كتاب هللا ،وخٌر الهدى هدي محمد ،
وشر األمور محدثاتها وكل بدع ٍة ضاللة )).
)) ((
،وسندها وكل ضاللة فً النار رواه مسلم والنسابً ،زاد :
صحٌح .
)) ((
عن أبً هرٌرة – – قال :قال صحٌحه وروى مسلم فً
رسول هللا :
((
من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه ،وال
ٌنقص من أجورهم شٌبا ً .ومن دعا إلى ضاللة كان علٌه من اإلثم مثل
آثام من تبعه ال ٌنقص ذلك من آثامهم شٌبا ً )) .
((
...فإنه من ٌعش منكم بعدي فسٌرى ا ختالفا ً كثٌراً ،فعلٌكم بسنتً
وسنة الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن ،تمسكوا بها ،وعضوا علٌها بالنواجذ ،
)). وإٌاكم ومحدثات األمور ،فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة
رواه أحمد وأبو داود .
***
أما اآلثار عن السلؾ فً هذا الباب فهً ال تحصى منها قول ابن
عمر – رضي هللا عنهما : -
36
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
((
وشر األمور محدثاتها .اتبعوا وال خٌر الدٌن دٌن محمد
تبتدعوا ،فإنكم لن تضلوا ما اتبعتم اآلثر .إن تتبعونا فقد سبقناكم سبقا ً
بعٌداً ،وأن تخالفونا فقد ضللتم ضالالً بعٌداً .وما أحدثت أمة فً دٌنها
بدعة إال رفع هللا عنهم سنة هدى ثم ال تعود فٌهم أبداً وألن أرى فً ناحٌة
المسجد ناراً تشتعل فٌه احتراقا ً ،أحب على من أن أرى بدعة لٌس فٌه
لها مؽٌر )).
)) ((
( ) 339/1عن معاذ بن جبل – اإلبانة وروى ابن بطة فً
– أنه قال :
))
(( علٌكم باالستقامة واتباع األمراء واآلثر ،وإٌاكم والتبدع
)) ((
(ص السنة وأخرج الاللكابً ( ، ) 92/1ومحمد بن نصر فً
،) 24والبٌهقً فً المدخل ( ص ، ) 180عن ابن عمر – رضً هللا
عنهما ، -أنه قال :
))
(( كل بدعة ضاللة وإن رآها الناس حسنة
((
البدعة وأخرج الاللكابً ( ) 132/1عن سفٌان الثوري ،أنه قال
أحب إلى إبلٌس من المعصٌة ،والمعصٌة ٌتاب منها ،والبدعة ال ٌتاب
منها )) .
((
خٌر وما األمر إال األمر
ٍ من خردل من حبة مثقال فٌها هللا جعل ما
األول )).
((
ألن ٌلقً هللا العبد بكل ذنب ما خال الشرك :خٌر له من أن ٌلقاه
بشًء من األهواء )) .
وقال إمام أهل السنة اإلمام أحمد – رحمه هللا تعالى : -
((
أصول السنة عندنا :التمسك بما كان علٌه أصحاب رسول هللا
واالقتداء بهم ،وترك البدع ،وكل بدعة ضاللة )).
***
38
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
لة سبق ن بٌنا مشروعٌة الدعوة وحكمها وأنها عبادة عظٌمة جلً
وذكرنا شروط وصحة العبادة التً ٌتوقؾ قبولها علٌها .
كما ذكرنا ما ٌؤٌد وٌثبت دخول البدع ي العادٌات على جهة التعبد .
وبعد هذا التمهٌد الموجز ندخل فً صلب موضوع الرسالة فنقول :
إن مسألة توقٌفٌة وسابل الدعوة أو عدم توقٌفٌتها مسألة تنازع فٌها
طابفتان من العلماء المعاصرٌن .
ب ٌوصل إلى
أن ٌكون المراد من هذا القول :أن كل طرٌق وأسلو ٍ
الؽاٌة – وهً إصالح العباد – ٌصح للداعً أن ٌسلكه ولو قد ورد
الشرع بالنهً عنه والمنع منه ما دام ٌحقق تلك المصلحة .
39
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
( وفتح هذا الباب ٌؤدي إلى تؽٌٌر جمٌع حدود الشرابع ونصوصها )
( )
وما مستند هذا القول إال القاعدة الٌهودٌة الحاكمة بأن الؽاٌة تبرر
الوسٌلة )) قال تعالى :
)) ((
بقصد الدعوة إلى هللا البرلمانات الكافرة تجوٌز الدخول على
تعالً ،وإصالح لعباد والبالد .
)) ((
هو فً تلك البرلمانات الكافرة ومن المعلوم أن الدخول فً
حقٌقته تضٌٌع لمقاصد الشرع فً الضرورٌات فضالً عن الحاجٌات
فضالً عن التحسٌنٌات .إذ هو هدم للدٌن من أساسه ،وتنازل عن أسمى
( )
ؼاٌاته ،وهً تحقٌق توحٌد هللا تعالى
أن ٌكون المراد من هذا القول :أن كل طرٌق وأسلوب ٌوصل إلى
الؽاٌة – وهً إصالح العباد – ٌصح للداعً أن ٌسلكه ،بشرط عدم
ورود إلؽابه فً الشرع .
ولكً ٌكون الكالم على ذلك القول بهذا التفسٌر واضحا ً جلٌا ً ٌجب أن
ٌعلم أن ما سكتت عنه الشواهد الخ اصة ،فلم تشهد باعتباره وال بإلؽابه
على وجهٌن :
41
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
الثانً :أن ٌالبم تصرفات الشرع ،وهو أن ٌوجد لذلك المعنى جنس
اعتبره الشرع فً الجملة بؽٌر الجمٌلة بؽٌر دلٌل معٌن ،وهو االستدالل
( )
المرسل المسمى بالمصالح المرسلة
وإذا كانت هذه المصلحة تالبم تصرفات الشرع فإننا ننظر :هل المقتضً
لقطعها لفعلها كان موجوداً على عهد رسول هللا أو ؼٌر موجود .
موجوداً – لو ( فكل أمر ٌكون المقتضً لفعله علً عهد النبً
كان مصلحة – ولم ٌفعل ٌ :علم أنه لٌس بمصلح ٍة.
هذا ما قرره شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى – فً ضابط
التفرٌق بٌن البدع والمصالح المرسلة .
إذا تقرر هذا فإن هناك سؤالً البد من اإلجابة عنه هنا ،هو :
وفً الجواب عن هذا السؤال ٌقول شٌخ اإلسالم عندما تكلم عن
المصالح المرسلة وذكر الخالؾ فٌها ،وقال عنها :
لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم ٌرد به فأخذ األمرٌن
الزم له :
أو أنه لٌس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة ألن المصلحة هً المنفعة
الحاصلة أو الؽالبة .
)) ((
بل هً حق ال ٌصار المصالح المرسلة وهذا ال ٌقتضى إنكار
إلٌها إال عند توفر ضوابطها التً نص علٌها أهل العلم وإذا تقٌد الناظر
( راجعة إلى أدلة بهذه الضوابط فإنه سٌرى أن المصلحة المرسلة
( )
الشرع )
فإن قٌل :فلماذا لم ٌفعله رسول هللا ؟ قلنا :لوجود المانع ،وهو أن
القرآن كان ٌتنزل علٌه طٌلة حٌاته ،وقد ٌنسخ هللا – سبحانه – منه ما
((
ال ٌرٌد .فلما انتفً المانع ،ؾعله الصحابة باتفاق ،و النبً ٌ قول :
تجتمع أمتً علً ضاللة )) .
). )) (
(( قٌدوا العلم بالكتابة
وإذا علم ما تقدم فإننا نرجع إلى ذلك التفسٌر فننقضه بما قرره شٌخ
اإلسالم فً فتوى طوٌلة له ٌبٌن فٌها أن الشرع لم ٌؽفل وسٌلة من وسابل
الدعوة التً ٌهدي هللا بها الضالٌن ،فٌقول – رحمه هللا تعالى : -
– ( ...إذا عرؾ ذلك فمعلوم أنما ٌهدي هللا بها الضالٌن ،فٌقول
رحمه هللا تعالى : -
( ....إذا عرؾ هذا فمعلوم أنما ٌهدي هللا به الضالٌن ،وٌر شد به
الؽاوٌن وٌتوب به على العاصٌن :البد أن ٌكون فٌما بعث هللا به ورسوله
من الكتاب والسنة ،و إال فإنه لو كان ما بعث هللا به الرسول ال ٌكفً
فً ذلك ،لكان دٌن الرسول ناقصا ً محتاجا ً تتمة .
والعمل إذا أشتمل علً مصلحة لم ٌشرعه ،بل نهى عنه ..
وهكذا ما ٌراه الناس من األعمال مقربا ً إلى هللا ولم ٌشرعه هللا
ورسوله فإنه البد أن ٌكون ضرره أعظم من نفعه .و إال فلو كان نفعه
أعظم من ضرره لم ٌهمله الشارع .فإنه حكٌم ،ال ٌهمل مصالح الدٌن
،وال ٌفوت المؤمنٌن ما ٌقربهم إلى رب العالمٌن ...
فال ٌجوز أن ٌقال :أنه فً الطرق الشرعٌة التً بعث هللا بها نبٌه
ما ٌتوب به العصاة .
وإذا كان األمر كذلك – وهو كذلك – فلم ٌلجأ الداعً إلى وسابل لم
ترد فً الشرع ،مع أن ما ورد فً الشرع كاؾ لتحصٌل الؽاٌة من
الدعوة إلى هللا تعالى ،وهً تتوٌب العصاة .وهداٌة الضالل ؟ !
ومما ال رٌب فٌه أن الوسابل الشرعٌة التً هدى هللا بها العرب إلى
دٌنه .وهً استقامت بها القرون المفضلة .وهً أساس كل نشأ ٍة سلفٌة
على األرض .
45
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وقد قال اإلمام أحمد – رحمه هللا تعالى – كما فً رواٌة عبدوس بن
مالك :
((
:التمسك بما كان علٌه أصحاب رسول أصول السنة عندنا
هللاواإلقتداء بهم .وترك البدع ،وكل بدعة ضاللة )) .ا هـ.
اصبر نفسك على السنة ،وقؾ حٌث وقؾ القوم ،وقل بما قالوا ،
وكؾ عما كفوا عنه ،واسلك سبٌل سلفك الصالح ،فإنه ٌسعك ما
وسعهم )).اهـ.
فإن كان ما وسع أصح اب محمد فً وسابل الدعوة ال ٌسع بعض
المنتسبٌن إلى الدعوة ،فأحد األمرٌن الزم لهم :
أال فلٌسع الدعاة إلى هللا – تعالى – ما وسع أصحاب محمد فً
تلك الوسابل :فإنهم – –عن ع ٍلم ٌردون وٌصدرون .
46
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
((
أٌها الناس إنكم ستحدثون وٌحدث لكم ،فإذا رأٌتم محدثه فعلٌكم
باألمر األول )) .رواه الدارمً فً (( سننه )) ( . ) 56/1
((
إٌاكم والتبدع ،وإٌاكم والتنطع ،وإٌاكم والتعمق ،وعلٌكم
بالعتٌق )).
(( اتبعوا سبلنا ،ولبن اتبعتمونا قد سبقتم سبقا ً بعٌداً ولبن خالفتمونا لقد
))
ضللتم ضالالً بعٌداً
ففً هذه اآلثار إرشاداً إلى سلوك الجادة عند فشو البدع وظهور
)) ((
،وقول وعلٌكم بالعتٌق المحدثات .وذلك فً قول ابن مسعود :
)).
حذٌفة (( :اتبعوا سبلنا
وصحابته الكرام هو فرد األمور إلى ما كان علٌه رسول هللا
.إذ على أقوالهم وأفعالهم توزن العاصم من التلطخ بأوضار األهواء
األقوال واألفعال فما وافقها فهو المقبول ،وما خالفها فهو المردود .
(( ما أنا علٌه وأصحابً )) .أخرجه الترمذي ،وهو حدٌث حسن .
((
علم وقفوا ،
فارض لنفسك ما رضً به القوم ألنفسهم ،فإنهم علً ٍ
وببصر ناف ٍد كفوا ،وهم على كشؾ األمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا
ٍ
فٌه أولى .
ولبن قلتم ( إنما فإن كان الهدى ما أنتم علٌه فقد سبقتموهم إلٌه ،
حدث بعدهم ) :ما أحدثه إال من اتبع ؼٌر سبٌلهم ورؼب بنفسه عنهم .
فإنهم هم السابقون ،فقد تكلموا فٌه بما ٌكفً ،ووصفوا منه ما ٌشفى
.وقد قصر قوم دونهم فجفوا ، ،فما دونهم مقصر وما فوقهم محسر
وطمح عنهم أقوام فؽلوا .وأنهم بٌن ذلك لعلى هدى م ستقٌم )).
)) ((
( ، ) 19/5وابن سننه أخرجه أبو داود فً كتاب السنة من
)) ((
( ص ) 30واآلجري فً البدع والنهً عنها وضاح فً
(( الشرٌعة )) ( ص ،) 233وأبو نعٌم فً (( الحلٌة )) ( ) 338/5
وفً رد بعض المحدثات ٌقول العالمة الشٌخ عبد هللا بن عبد الرحمن
أبا بطٌن – رحمه هللا تعالى : -
( فلو كان خٌراً ٌحبه هللا لسبقنا إلٌه أصحاب محمد ، فإنهم كفوا
)) ((
فإنهم – – اتبعوا وال تبتدعوا فقد كفٌتم من بعدهم ،كما قالوا :
بالخٌر أعلم ،وعلٌه أحرص .
48
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
:فقد فمن ابتدع شٌبا ً ٌتقرب به إلى هللا لم ٌجعله هللا ورسوله قربة
شرع فً الدٌن ما لم ٌأذن به هللا :
ولذا فإن الذي ٌتولى تقدٌر المصلحة :أهل االجتهاد الذٌن تتوفر فٌهم
الدنٌا إذا االستصالح العدالة والبصٌرة النافذة بأحكام الشرٌعة ومصالح
ٌحتاج :
49
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
))
وفى هذا المعنً ٌقول الشٌخ عمر الفارسً فً رسالة (( الوقؾ
وبهذا الكالم نكون قد أنهٌنا الكالم على القول األول ،وهو أن وسابل
الدعوة اجتهادٌة .وسٌأتً – إن شاء هللا – إٌراد بعض الحجج التً تعلق
بها أصحاب هذا القول مع الرد علٌها فً آخر الرسالة.
إن وسابل الدعوة توقٌفٌة ،ال ٌحل ألحد أن ٌشرع فٌها ما لم ٌأذن به
هللا ،وهو ما كان علٌه رسول هللا وأصحابه .
أن هللا – سبحانه وتعلً – أكمل الدٌن وأتم نعمته على عباده .كما
ٌت لَ ُك ُم ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ
مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ قال تعالً ْ :ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ
ِْ
األسْ ال َم دٌِنا ً ( المابدة :من اآلٌة)3
(( من أحدث فً هذه األمة شٌبا ً لم ٌكن علٌه سلفها فقد زعم أن
رسول هللا خان الدٌن ،ألن هللا تعالى ٌقول ْ : :ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ
ت لَ ُك ْم
( المابدة :من ٌت لَ ُك ُم ْ ِ
األسْ ال َم دٌِنا ً دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َمم ُ
ْت َعلًَْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ
اآلٌة)3
أن هللا تعالى أوجب طاعة الرسول ،وعلق سعادة العبد بها ونهى
عن معصٌته ورتب شقاوة العبد علٌها.
51
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
ٌِن أَ ْن َع َم َّ
هللاُ َعلٌَ ِْه ْم م َِن ال َّن ِبٌ َ
ٌِّن هللا َوالرَّ سُو َل َفأُولَب َ
ِك َم َع الَّذ َ َ و َمنْ ٌُطِ ِع َّ َ
ِك َرفٌِقا ً( النساء)69: ٌِن َو َحس َُن أُولَب َ
اء َوالصَّالِح َ ٌِن َوال ُّش َه َد ِ
ص ِّدٌق َ
َوال ِّ
ٌِن فٌِ َها أَ َبداً ص َّ َ
هللا َو َرسُولَ ُه َفإِنَّ لَ ُه َن َ
ار َج َه َّن َم َخالِد َ وقال تعالىَ و َمنْ ٌَعْ ِ
(الجـن :من اآلٌة)23
ت ٌَ َِ أْ ُم ُر ُه ْم ِب ْال َمعْ ُروؾِ َو ٌَ ْن َها ُه ْم َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َو ٌُ ِح ُّل لَ ُه ُم َّ
الط ٌِّ َبا ِ
ت َعلٌَ ِْه ْم ض ُع َع ْن ُه ْم إِصْ َر ُه ْم َو ْاألَ ْؼال َل الَّتًِ َكا َن ْ ِث َو ٌَ ََوٌ َُحرِّ ُم َعلٌَ ِْه ُم ْال َخ َباب َ
ك ُه ُم ور الَّذِي أ ُ ْن ِز َل َم َع ُه أُولَ ِب َ
صرُ وهُ َوا َّت َبعُوا ال ُّن َ ٌِن آ َم ُنوا ِب ِه َو َع َّزرُ وهُ َو َن ََفالَّذ َ
ْال ُم ْفلِحُ َ
ون( ألعراؾ)157:
وقال تعالى فٌه
((
لقد تركنا رسول هللا وما ٌحرك طابر جناحٌه فً السماء إال
)) ذكرنا منه علما ً
52
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
(( ما بقً شًء ٌقرب من الجنة وٌبعد من النار إال وقد بٌُن لكم )).
وفً حدٌث مسلم من حدٌث عبد هللا بن عمر – رضً هللا عنهما –
أن النبً قال :
ما بعث هللا نبٌا ً إال كان حقا ً علٌه أن ٌدل أمته على خٌر ما ٌعلمه ((
وأخرج ابن ماجه -أٌضا ً –عن أبً الدرداء – أن النبً قال :
))
(( ..واٌم هللا :لقد تركتكم علً مثل البٌضاء لٌلها ونهارها سواء
واخرج الطبرانً عنه – – أنه قال (( لقد تركنا رسول هللا وما
فً السماء طابر ٌطٌر بجناحٌه إال ذكرنا منه علما ً )).
إذا تقرر هذا فإنا نقطع بأن النبً بٌن ألمته وسابل الدعوة سواء
بالقول أو بالفعل أو بهما إذ كٌؾ ٌبٌن آداب قضاء ا لحاجة ونحو ذلك
وٌدعوا وسابل لدعوة التً ال قٌام لإلسالم إال بها؟
53
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وبما أنه علٌه الصالة والسالم قد بٌن ذلك ،فإن بٌانه هو الطرٌقة
الشرعٌة التً ٌرشد بها الؽاوى وٌهدى بها التابه .
وهً الطرٌقة التً أخرج بها النبً الناس من الظلمات إلً النور
التً هً أقوم .وسلكها من بعده صحابته الكرام ،وهداهم بها إلً
وتابعوهم بإحسان وأشتد نكٌرهم على من خالفها من الدعاة ،وأحدث
فٌها .
54
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وهذا ال ٌذم نفسه ،ألن فً إٌراد أخبار السالفٌن عبره لمعتبر وعظة
لمزدجر واهتداء بصواب لمتبع.
أحدهما أن القوم كانوا علً اإلقتداء واإلتباع فكانوا إذا رأو ما لم ٌكن
على عهد رسول هللا أنكروه ) ( ) .اهـ.
فكان مما أحدث بعده ما أحدثه القصاص بعده ،مما أنكره جماعة
من الصحابة علٌهم كما سٌأتً .
))
(( من أحدث فً أمرنا هذا ما لٌس منه فهو رد
وروى ابن ماجه فً سنده عن عبد هللا بن عمر – رضً هللا عنهما
– قال :
) (( وتاب اٌمظاص ٚاٌّزوش )) ٓ٠تٛاسطح ٔمً اٌسٛ١ؽ ٟػٕٗ ف ٟتسز٠ش اٌخٛاص )) .
55
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
((
لم ٌكن القصص فً زمن رسول هللا وال زمن أبً بكر وال زمن
عمر )).
((
إنه لم وروى اإلمام أحمد والطبرانً عن السابب بن ٌزٌد ،قال
ٌكن ٌقص على عهد رسول هللا وال زمن أبً بكر وال زمن عمر )).
((
ٌا عمرو ! لقد .فقال وقؾ علً عبد هللا بن مسعود وأنا أقص
وأصحاب ) ( ) .اهـ.
ه ابتدعت بدعة ضاللة ،أو إنك ألهدى من محمد
)) ( ) ((
بسنده إلى البدع والنهى عنها وأخرج ابن وضاح فً كتابه
الضحاك أنه قال :
(( رأٌت عمر بن عبد العزٌز ٌسجن القصاص ،ومن ٌجلس إلٌهم )).
((
لما قص إبراهٌم التٌمً :أخرجه أبوه من داره ،وقال ما هذا الذي
))
أحدثت
(( كنا إذا رأٌنا الرجل ٌقص قلنا :هذا صاحب بدعة )) .ا هـ.
) ٕ٠ظش وتاب (( تسز٠ش اٌخٛاص َ ْ أوار٠ة اٌمظاص )) ٌٍ ،سٛ١ؽ ( ٟص ) 170فأٗ لذ ٌخض وتاب
اٌسافظ اٌؼشال ٟف. ٗ١
) ( ص ، ) 21 – 19ؽ :داس اٌشائذ اٌؼشت. ٟ
56
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
ٌقول شٌخ اإلسالم – رحمه هللا تعالى ، -عن هذا السماع :
) لذ ٠طٍك (( اٌمض )) ػٍ ٝاٌٛػظ ٚاٌتزو١ش ٚ :ئرا واْ وزٌه فٍ١س ِّا ٔسٓ فٌٚ ٗ١زا ٚسد ف ٟتؼغ
اٌسٍف اٌسث ػٍ (( ٝاٌمظض ) ٚئّٔا أسادٚا اٌٛػظ ٚاٌتزو١ش ،فٍٕ١تثٗ ٌٙزا .
57
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
((
خلفت ببؽداد شٌبا ً أحدثته الزنادقة ٌسمونه :التؽبٌر ٌ ،صدون به
الناس عن القرآن )).
))
وسبل عنه اإلمام أحمد بن حنبل ،فقال (( :هو محدث أكرهه
قٌل له :أٌهجرون ؟
فبٌن أنه بدعة لم ٌفعلها القرون الفاضلة ،ال فً الحجاز ،وال فً
الشام ،وال فً الٌمن ،وال فً مصر ،وال فً العراق ،وال خراسان .
58
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وبالجملة فعلى المؤمن أن ٌعلم أن النبً لم ٌترك شٌبا ً ٌقرب إلى
الجنة إال وقد حدث به وال شٌبا ً ٌبعد عن النار إال وقد حدث به .
وإن هذا السماع لو كان مصلحة لشرعه هللا ورسوله ،فإن هللا تعالى
ٌقول :
ٌت لَ ُك ُم ْ ِ
األسْ ال َم ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ
مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ ْ ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ
دٌِنا ً ( المابدة :من اآلٌة)3
وإذا وجد فٌه منفعة لقلبه ،ولم ٌجد شاهد ذلك ال من الكتاب وال من
السنة :لم ٌلتفت إلٌه .
))
(( كل وج ٍد ال ٌشهد له الكتاب والسنة فهو :باطل
((
إنه لتلم بقلبً النكتة من نكت القوم فال أقبلها إال بشاهدٌن عدلٌن
))
الكتاب والسنة
.فإذا لٌس لمن ألهم شٌبا ً من الخٌر أن ٌفعله حتى ٌجد فٌه أثراً ((
( )
وجد فٌه أثراً كان نوراً علً نور
فتأمل أٌها اللبٌب هذا الكالم ،وانظر فٌه بعٌن اإلنصاؾ ٌ ،تجلى لك
ما كان علٌه السلؾ – –من إنكار كل وسٌلة لٌس فٌها أثر عن رسول
هللا حتى ولو كانت نافعة ُ ،تلٌن القلب ،وترؼب المعرض عن الحق
فٌه ...ونحو ذلك من الفوابد :ألننا نقطع بأن النبً بٌن لنا كل شًء
ولو كانت هذه الوسٌلة مصلحة للعباد لما تركها الشارع ،بل ألمر بها
أمر إٌجاب أو استحباب .
أما من انطوت نفسه على ؼٌر ذلك ،فهو الذي ٌبحث عن وسابل
محدثة لٌتم بها الشرع ،ولٌكمل بها الدٌن .فإنا هلل وإنا إلٌه راجعون .
ُول َر أٌَ َ
ْت ْال ُم َنا ِفق َ
ٌِن َ وإِ َذا قٌِ َل لَ ُه ْم َت َعالَ ْوا إِلَى َما أَ ْن َز َل َّ
هللاُ َوإِلَى الرَّ س ِ
ص ُدوداً( النساء)61: ك ُ ون َع ْن َص ُّد َ
ٌَ ُ
ب آ َم ُنوا َوا َّت َق ْوا لَ َك َّفرْ َنا َع ْن ُه ْم َس ٌِّ َبات ِِه ْم َو َألَ ْد َخ ْل َنا ُه ْم
َ ولَ ْو أَنَّ أَهْ َل ْال ِك َتا ِ
ت ال َّنع ِ
ٌِم( المابدة)65: َج َّنا ِ
وإذا ذكرنا أمرٌن مما أحدث فً وسابل الدعوة قدٌما ً ،فأنكروها السلؾ ،
فإننا نذكر – اآلن – أمرٌن مما أحدث فً وسابل الدعوة حدٌثا ً اشتد نكٌر
علماء السنة أهل الحدٌث السلفٌٌن لهما ،لما فٌها من االبتداع ،والخروج
عن منهج رسول هللا.
الذي اتخذه بعض الجهال ،أو الضالل وسٌلة من وسابل الدعوة إلى
هللا تعالً .
كما أنكروا إدخاله فً وسابل الدعوة إلى هللا تعالى لكونه من
المحدثات فً شرع هللا تعالى :
فمن ذلك قول الشٌخ حمود بن عبد هللا التوٌجري – رحمه هللا تعالى
:-
( إن التمثٌل فً الدعوة إلى هللا تعالى لٌس من سنة رسول هللا وال
من سنة الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن ،وإنما هو من المحدثات فً زماننا .
وقد حذر النبً من المحدثات ،وأمر بردها ،وأخبر أنها شر
وضاللة .
61
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
((
علٌكم بسنتً وسنة الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن ،تمسكوا بها ،
وعضوا علٌها بالنواجذ وإٌاكم ومحدثات األمور فإن كل محدثة بدعة وكل
بدعة ضاللة )) رواه اإلمام أحمد .
((
أما بعد :فإن خٌر الحدٌث كتاب هللا وخٌر الهدى هدى محمد
وشر األمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة )) .
((
إن أصدق الحدٌث كتاب هللا وأحسن وقد رواه بإسناد جٌد ولفظه :
الهدى هدي محمد ،وشر األمور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة وكل بدعة
ضاللة ،وكل ضاللة فً النار )).
62
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
))
عن :ما جاء فً الصحٌحٌن ومن النصوص الواردة فً ذلك
عابشة رضً هللا عنها ، -أن النبً قال :
))
(( من أحدث فً أمرنا هذا ما لٌس منه فهو رد
))
(( من عمل عمالً لٌس علٌه أمرنا فهو رد
))
(( من صنع أمراً من ؼٌر أمرنا فهو رد
وهذه الرواٌة والتً قبلها كل واحدة منها تقطع دابر الشبه التً ٌتعلق
بها المبٌحون للتمثٌل ....
وإذا علم هذا فلٌعلم – أٌضا ً – أنه ال ٌمكن ألح ٍد أن ٌقول أن التمثٌل
مصنوع بأمر النبً ، وأنه قد أمر بإدخاله فً وسابل الدعوة إلى هللا
تعالى .
وأن ا لنبً قد أمر ومن كابر وزعم أنه مصنوع بأمر النبً
بإدخاله فً وسابل الدعوة إلى هللا تعالى فعلٌه إبراز األمر النبوي الذي
( )
ٌنص علً ذلك ،ولن ٌجد إلٌه سبٌال )
) ِٓ (( تسز٠ش اٌؼالً إٌثِّ ً١ا ٌفمٗ اٌّث١سٌٍ ْٛتّث ( )) ً١ص ٘ٚ . ) -7زا اٌىتاب سد تٗ اٌش١خ –
سزّٗ هللا تؼاٌ – ٝػٍ ٝطازة وتاب (( زىُ اٌتّث ً١ف ٟاٌذػ ٛئٌ ٝهللا تؼاٌ. )) ٝ
63
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وهذه البٌعة مما أحدثوه فً وسابل الدعوة إلى هللا تعالى ،وقد أنكرها
جماعة من الم حققٌن وكتبوا فٌها كتابا ً تقضً بإبطالها ،وضاللتها .فمن
ذلك قول الشٌخ بكر بن عبد هللا أبو زٌد – حفظه هللا تعالى : -
( ...أما وسٌلة محدثة ٌتعبد بها ،فال .فمن تلك الوسابل التً تهجن
الدعوة وتثٌر الشؽب ،وتجعل األمة شٌعا ً ،تلكم البٌعة البدعٌة الممتدة من
))
وهكذا م عٌن المتصوفة إلى مستحدث بعض الجماعات اإلسالمٌة
األهواء ٌجر بعضها بعضا ً
سواء حصلت تلك البٌعة بطرٌق محبوب إلى هللا ورسول ه ، كبٌعة
الخلفاء الراشدٌن – –أو بطرٌق الؽلبة .
وهذه هً التً ٌحصل بها لإلمام ولً أمر المسلمٌن مقاصد الوالٌة :
القدرة والسلطان ،والشوكة ،والمنعة فٌقٌم حكم اإلسالم ،كإقامة الحدود ،
وقسمة األموال ،ونصب الوالة ،وجهاد العدو ،وإقامة الحج واألعٌاد ،
والجمع والجماعات ،وؼٌر ذلك من مقاصد الوالٌة المحمودة برسم
الشرع .
وما زال أمر األمة على هذا ماضٌا ً ،ال ٌعرفون بٌعة لمن هو دون
مرتبة اإلمامة الكبرى .
64
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
ثم خلفت خلوؾ ،وبانت أور جرت على األمة كباكب من البدع
(( )) ((
البٌعة وٌقال : البٌعة الرضابٌة وأهواء ،فجرت بدعة الطرقٌة
)) (( )) (( ))
عقد الطرٌق ،وٌقال : عهد المشاٌخ وٌقال : االستثنابٌة
وٌقال :
))
وهذه بٌعة بدعٌة محدثة ،ال دلٌل علٌها من كتاب (( مٌثاق الطرٌق
،وال سنة ،وال عمل صحابً .
وقد أنكرها جماعة من العلماء ،وشددوا النكٌر على فعلتها ،وأنه ال
أصل لها .
. وكل واحدة منها تدعو إلى ما هً علٌه دون ما علٌه األخرى
((
ما أنا علٌه فضاع من بٌنهم المٌثاق النبوي لجماعة المسلمٌن
))
وأصحابً
فصــــــــــــــل
66
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
)) ((
ٌجتمعون على قصد الكبابر من جماعة سبل شٌخ اإلسالم عن
القتل وقطع الطرٌق ،والسرقة ،وشرب الخمر ،وؼٌر ذلك .
فلم ٌمكنه إال أنه ٌقٌم لهم سماعا ً ٌجتمعون فٌه بهذه النٌة وهو ب ُدؾ
مباح بؽٌر شبابة .
ٍ بال صالصل ،وؼناء المؽنً بشعر
فلما فعل هذا تاب منهم جماعة ،وأصبح من ال ٌصلً وٌسرق وال
ٌزكً ٌتورع عن الشبهات ،وٌؤدي المفروضات ،وٌجتنب المحرمات .
فهل ٌباح فعل هذا السماع لهذا الشٌخ على هذا الوجه ،لما ٌترتب
علٌه من المصالح ؟
فأجاب :
67
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
أصل جواب هذه المسألة وم ا أشبهها :أٌ ،علم أن هللا بعث محمد
بالهدى ،ودٌن الحق ،لٌظهره علً الدٌن كله ،وكفً باهلل شهٌداً .وأنه
أكمل له وألمته الدٌن ،كما قال تعالى :
ٌت لَ ُك ُم ْ ِ
األسْ ال َم ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ
مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ ْ ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ
دٌِنا ً ( المابدة :من اآلٌة)3
وأنه بشر بالسعادة لمن أطاعه والشقاوة لمن عصاه ،فقال تعالى :
ٌِن أَ ْن َع َم َّ
هللاُ َعلٌَ ِْه ْم م َِن ال َّن ِبٌ َ
ٌِّن ِك َم َع الَّذ َ هللا َوالرَّ سُو َل َفأُولَب َ
َ و َمنْ ٌُطِ ِع َّ َ
ك َرفٌِقا ً( النساء)69: ٌِن َو َحس َُن أُولَ ِب َ
اء َوالصَّالِح َ ٌِن َوال ُّش َهدَ ِ
ص ِّدٌق َ
َوال ِّ
وقال تعالً
َ ُ ٌَ ا أَ ٌُّ َها الَّذِي َن آ َم ُنوا أَطِ ٌعُوا َّ َ َ
هللا َوأطِ ٌعُوا الرَّ سُو َل َوأولًِ ْاأل ِ
مْر ِم ْن ُك ْم
ون ِب َّ ِ
اهلل َو ْال ٌَ ْو ِم ُول إِنْ ُك ْن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُن َ ازعْ ُت ْم فًِ َشًْ ٍء َفرُ ُّدوهُ إِلَى َّ ِ
هللا َوالرَّ س ِ َفإِنْ َت َن َ
ْاآلخ ِِر َذل َِك َخٌْرٌ َوأَحْ َسنُ َتأْ ِوٌالً( النساء)59:
وأخبر أنه ٌدعو إلى هللا وؼلى صراطه المستقٌم ،كما قال تعالى :
ٌر ٍة أَ َنا َو َم ِن ا َّت َب َعنًِ ٌ( وسؾ: ق ْل َه ِذ ِه َس ِبٌلًِ أَ ْدعُو إِلَى َّ ِ
هللا َعلَى َبصِ َ
من اآلٌة)108
68
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
ون َّ
الز َكا َة ون َوٌ ُْؤ ُت َ
ٌِن ٌَ َّتقُ َ ت ُك َّل َشًْ ٍء َف َسأ َ ْك ُت ُب َها لِلَّذ َ َ و َرحْ َمتًِ َوسِ َع ْ
ُون الرَّ سُو َل ال َّن ِبًَّ ْاألُمًَِّّ الَّذِي ٌِن ٌَ َّت ِبع َ ون الَّذ َ ٌِن ُه ْم ِب ٌا ِت َنا ٌ ُْؤ ِم ُن َ َوالَّذ َ
ٌل ٌَأْمُرُ ُه ْم ِب ْال َمعْ رُ وؾِ َو ٌَ ْن َها ُه ْم ٌَ ِج ُدو َن ُه َم ْك ُتوبا ً عِ ْندَ ُه ْم فًِ ال َّت ْو َرا ِة َو ْاألِ ْن ِج ِ
ضعُ َع ْن ُه ْمِث َو ٌَ َ ت َوٌ َُحرِّ ُم َعلٌَ ِْه ُم ْال َخ َباب َ َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر َو ٌُ ِح ُّل لَ ُه ُم َّ
الط ٌِّ َبا ِ
ٌِن آ َم ُنوا ِب ِه َو َع َّز ُروهُ َو َن َ
صرُ وهُ إِصْ َر ُه ْم َو ْاألَ ْؼال َل الَّتًِ َكا َن ْ
ت َعلٌَ ِْه ْم َفالَّذ َ
ون( ألعراؾ، 156: ْال ُم ْفلِحُ َ ور الَّذِي أ ُ ْن ِز َل َم َع ُه أُولَب َ
ِك ُه ُم َوا َّت َبعُوا ال ُّن َ
)157
وقد أمر هللا الرسول بكل معروؾ ونهى عن كل منكر وأحل كل
طٌب وحرم كل خبٌث .وثبت عنه فً (( الصحٌح )) أنه قال :
ما بعث هللا نبٌا ً إال كان حقا ً علٌه أن ٌدل أمته على خٌر ما ٌعلمه ((
69
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
((
أوصٌكم بالسمع والطاعة ،فإنه من ٌعش منكم بعدى فسٌرى
اختالفا ً كثٌراً .فعلٌكم بسنتً وسنة الخلفا ء الراشدٌن المهدٌن من بعدي ،
.فإن كل تمسكوا بها وعضوا علٌها بالنواجذ وإٌاكم ومحدثات األمور
بدعة ضاللة )).
وقال :
(( تركتكم علً البٌضاء لٌلها كنهارها ال ٌزٌػ عنها بعدي إال هالك )).
70
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
إذا عرؾ هذا فمعلوم أنما ٌهدي هللا به الضالٌن وٌرشد به الؽاوٌن
فٌما بعث هللا به رسوله من وٌتوب به على العاصٌن والبد أن ٌكون
الكتاب والسنة ،و إال فإنه لو كان ما بعث هللا به رسوله من الكتاب
والسنة وإال فإنه لو كان ما بعث هللا به الرسول ال ٌكفً فً ذلك لكان
دٌن الرسول ناقصا ً ،محتاجا ً تتمة .وٌنبؽً أن ٌعلم أن األعمال الصالحة
أمر هللا بها أمر إٌجاب أو استحباب .واألعمال الفاسدة نهى هللا عنها .
.فإن والعمل إذا أشتمل على مصلحة ومفسدة فإن الشارع حكٌم
ؼلبت مصلحته على مفسدته شرعه ،وإن ؼلبت مفسدته على مصلحته لم
ٌشرعه ،بل نهى عنه ،كما قال تعالى :
ِب َعلَ ٌْ ُك ُم ْال ِق َتا ُل َوه َُو ُكرْ هٌ لَ ُك ْم َو َع َسى أَ نْ َت ْك َرهُوا َشٌْبا ً َوه َُو َخ ٌْ ٌر ُ كت َ
هللاُ ٌَعْ لَ ُم َوأَ ْن ُت ْم ال َتعْ لَم َ
ُون لَ ُك ْم َو َع َسى أَنْ ُت ِحبُّوا َشٌْبا ً َوه َُو َشرٌّر لَ ُك ْم َو َّ
(البقرة)216:
وقال تعالى :
ل َّن ِ
اس ٌِه َما إِ ْث ٌم َك ِبٌ ٌر َو َم َنافِعُ ِل ٌَ سْ أَلو َن َ
ك َع ِن ْال َخم ِْر َو ْال َم ٌْسِ ِر قُ ْل ف ِ
َوإِ ْث ُم ُه َما أَ ْك َب ُر ِمنْ َن ْفع ِِه َما ( البقرة :من اآلٌة)219
وهكذا ما ٌراه الناس من األعمال مقربا ً إلى هللا ولم ٌشرعه هللا
ورسوله ،فإنه البد أن ٌكون ضرره أعظم من نفعه ،و إال فلو كان نفعه
أعظم ؼالبا ً على ضرره لم ٌهمله الشارع ،فإنه حكٌم ال ٌهمل مصالح
الدٌن وال ٌفوت المؤمنٌن ما ٌقربهم إلى رب العالمٌن .
71
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
:أن الشٌخ المذكور قصد أن ٌتوب إذا تبٌن هذا فنقول للسابل
المجتمعٌن على الكبابر ،فلم ٌمكنه ذلك إال بما ذكره من الطرٌق البدعى
ٌ ،دل أن الشٌخ جاهل بالطرق الشرعٌة التً بها تتوب العصاة أو عاجز
عنها ،فإن الرسول والصحابة والتابعٌن كانوا ٌدعون من هو شر من
هؤالء من أهل الكفر والفسوق والعصٌان بالطرق الشرعٌة ،التً أؼناهم
هللا بها عن الطرق البدعٌة .
قال ٌجوز أن ٌقال :أنه لٌس فً الطرق الشرعٌة التً بعث هللا بها
نبٌه ما يتوب به العصاة ،فإنه قد علم باإلضطرار والنقل المتواتر أنه قد
تاب من الكفر والفسوق والعصٌان من ال ٌحصٌه إال هللا تعالى من األمم
بالطرق الشرعٌة التً لٌس فٌها ما ذكر من االجتماع البدعى ،بل
السابقون األولون ن المهاجرٌن واألنصار والذٌن اتبعوهم بإحسان – وهم
– تابوا إلى هللا تعالً بالطرق خٌر أولٌاء هللا المتقٌن ،من هذه األمة
.وأمصار المسلمٌن وقراهم قدٌما ً الشرعٌة ال بهذه الطرق البدعٌة
وحدٌثا ً مملوءة ممن تاب إلى هللا واتقاه ،وفعل ما ٌحبه هللا وٌرضاه
بالطرق الشرعٌة ،ال بهذه الطرق البدعٌة .
:أن العصاة ال تمكن توبتهم إال بهذه الطرق فال ٌمكن أن ٌقال
البدعٌة بل قد ٌقال :أن فً الشٌوخ من ٌكون جاهالً بالطرق الشرعٌة
عاجزاً عنها ،لٌس عنده علم بالكتاب والسنة ،وما ٌخاطب به الناس ،
وٌسمعهم إٌاه ،مما ٌتوب هللا علٌهم ،فٌعدل هذا الشٌخ عن الطرق
الشرعٌة إلى الطرق البدعٌة إما مع حسن القصد – إن كان له دٌن –
72
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
والنوع الثانً :أن هللا ٌفعل على وجه الدٌانة ،والعبادة ،وصالح
القلوب ،وتجرٌد حب العباد لربهم ،وتزكٌة نفوسهم ،وتطهٌر قلوبهم ،
وأن تحرك من القلوب الخشٌة ،واإلنابة ،والحب ورقة القلوب ،وؼٌر
ذلك مما هو جنس العبادات ،والطاعات ،ال من جنس اللعب والملهًات .
73
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
( )
هل ٌباح للشٌخ أن ٌجعل هذه األمور إذا عرؾ هذا فحقٌقة السؤال
التً هً :أما محرمة ؟ أو مكروهة ؟ أو مباحة ؟ قربة وعبادة وطاعة ،
وطرٌقة إلى هللا ٌدعوا بها إلى هللا ،وٌتوب العاصٌن ،وٌرشد به الؽاوٌن
،وٌهدي به الضالٌن .
)) ((
فال دٌن إال ما شرع هللا ،وال أصالن ومن المعلوم أن الدٌن له
حرام إال ما حرمه هللا .وهللا تعالً عاب على المشركٌن أنهم حرموا ما
لم ٌحرمه هللا ،وشرعوا دٌنا ً لم ٌأذن به هللا . ) ( )...اهـ.
هل ٌباح لذلك الشٌخ الذي أراد إصالح أولبك العصاة ،أن ٌتخذ فً
سبٌل إصالحهم أي وسٌلة تؤدي إلى هذا الؽرض :
وذلك التزاما ً بالقاعدة الصلبة عند أهل السنة والجماعة :أال نعبد إال
هللا ،وال نعبده إال بما شرع على لسان رسوله.
وهذا الذي قرره شٌخ اإلسالم قرره ؼٌر واحد من العلماء المحققٌن .
ٌقول العالمة الشٌخ عبد العزٌز بن عبد هللا بن باز – حفظه هللا تعالى
– ( ومن المعلوم أن هذه العوامل قام بها نبٌنا محمد فً مكة أوالً ثم فً
المدٌنة ولن ٌصلح آخر هذه األمة إال الذي صلح به أولها ،كما ثال أهل
العلم واإلٌمان ،ومن جملتهم اإلمام مالك بن أنس قال هذه المقالة ،
وتلقاها أهل العلم فً زمانه وبعده ،ووافقوه علٌها جمٌعا ً :لن ٌصلح أخر
هذه األمة إال ما أصلح أولها .
والمعنً الذي صلح به أولها ،وهو إتباع كتاب هللا وسنة رسوله :
هو الذي ٌصلح به آخرها إلى ٌوم القٌامة .
) ٚأظش والَ ش١خ اإلسالَ ا٢ت ( ٟص ) 95فأٗ أٚػر ف٘ ٗ١زا األِش ٚصادٖ ت١أا ً .
75
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
فلٌس إلً ؼٌر هذا من سبٌل ،وإنما السبٌل إلى إصالح الناس
وإقامتهم على الطرٌق السوي ،هو السبٌل الذي درج علٌه نبٌنا محمد
ودرج علٌه صحابته الكرام ،ثم أتباعهم بإحسان إلى ٌومنا هذا ) ( ) اهـ.
وقد قرر هذا ا ألمر -أٌضا ً – تقرٌراً بٌعا ً الشٌخ حمود بن عبد هللا
)) ((
تحذٌر العاقل النبٌل مما لفقه المبٌحون للتمثٌل التوٌجري فً كتابه
التمثٌل ))المحدثة ،إال أنه ٌعد ((
وكالمه هنا إن كان خاصا ً بوسٌلة
تأصٌالً قوٌا ً ٌرد به كل وسٌلة محدثة .
((
حكم التمثٌل فً قال – رحمه هللا – فً الرد علً صاحب رسالة
الدعوة إلى هللا )):
فصل :
ا ْل َي ْو َم أَ ْك َم ْل ُ
ت لَ ُك ْم دِي َن ُك ْم ( المابدة :من اآلٌة)3
77
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
خان هذه األمة شٌبا ً لم ٌكن علٌه سلفها فقد زعم أن رسول هللا
الرسالة )) وذكر بقٌة كالمه بمثل ما تقدم .
وإذا كان هذا قول ما لم فٌمن ابتدع فً اإلسالم بدعة ٌراها حسنة
فكٌؾ بمن ٌرى فً بدعة التمثٌل التً قد أحدثت فً آخر هذه األمة أنها
من وسابل الدعوة والتعلٌم المشروعة .فهذه المجازفة التً قٌلت من ؼٌر
تثبت وال تعقل أعظم بكثٌر مما شدد فٌه اإلمام مالك – رحمه هللا تعالى –
فلٌنتبه صاحب النبذة لما ٌلزم على هذه الجملة الخطٌرة من الطعن على
رسول هللا ولٌتأمل كالم اإلمام مالك فإنه مهم جداً ولٌتق هللا تعالى
ولٌعلم أن الشرع فً الدٌن خطٌر جداً ،وال ٌأمن أن ٌكون له نصٌب من
قول هللا تعالى :
78
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
– وروى اإلمام أحمد وأبو داود أٌضا ً بأسانٌد جٌدة عن أبً هرٌرة
((
من أفتً بفتٌا بؽٌر علم كان إثم ذلك على –أن رسول هللا قال :
من أفتاه )).
رواه الحاكم بنحوه وقال :صحٌح على شرط الشٌخٌن ووافقه الذهبً
فً تلخٌصه .
وروى اإلمام أحمد – أٌضا ً – وابن ماجة والدارم ي بأسانٌد جٌدة أن
((
من أفتً بفتٌا ؼٌر ؼٌر ثبت فإنما إثمه على من رسول هللا قال :
أفتاه )).
فلٌحذر المؤمن الناصح لنفسه من التسرع إلى الفتٌا بؽٌر علم ،فإن
عاقبة التسرع إلى الفتٌا خطٌرة على أهل العلم وال ٌأنؾ العاقل أن ٌقول
:ال أعلم ،أو ال أدري فقد قال بعض فً الشًء الذي ٌخفى علٌه
السلؾ (( :ال أدري نصؾ العلم )).
الوجه الخامس :أن ٌقال أن هللا تعالى قد أمر رسوله أن ٌدعوا إلى
سبٌله بالحكمة والموعظة الحسنة .قال بعض المحققٌن من المفسرٌن :
الحكمة هً الكتاب والسنة ،والموعظة الحسنة هً ما جاء فً القرآن من
الزواجر والوقابع بالناس .فهذا هو هدى رسول هللا فً الدعوة والتعلٌم
فأما التمثٌل الذي ٌفعله بعض الناس فً زماننا وٌزعمون أنه من وسابل
الدعوة والتعلٌم المشروعة فلٌس مما أمر هللا به فً كتابه ولٌس من هدى
رسول هللا وال من عمل الصحابة وا لتابعٌن وتابعٌهم بإحسان ومن
خالؾ هدى رسول هللا وطرٌقة أصحابه فً الدعوة والتعلٌم فإنه ٌخشى
علٌه أن ٌكون داخالً فً عموم قول هللا تعالً :
79
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
َ و َمنْ ٌُ َشاق ِِق الرَّ سُو َل ِمنْ َبعْ ِد َما َت َبٌ ََّن لَ ُه ْال ُهدَى َو ٌَ َّت ِبعْ َؼٌ َْر َس ِب ِ
ٌل
ت َمصِ ٌراً ( النساء)115: ْالم ُْؤ ِمن َ
ٌِن ُن َو ِِّهل َما َت َولَّى َو ُنصْ لِ ِه َج َه َّن َم َو َسا َء ْ
َ و َمنْ ٌُ َشاق ِِق الرَّ سُو َل ِمنْ َبعْ ِد َما َت َبٌ ََّن لَ ُه ْالهُدَى َو ٌَ َّت ِبعْ َؼٌ َْر َس ِب ِ
ٌل
ت َمصِ ٌراً( النساء)115: ْالم ُْؤ ِمن َ
ٌِن ُن َولِّ ِه َما َت َولَّى َو ُنصْ لِ ِه َج َه َّن َم َو َسا َء ْ
َ و َمنْ ٌُ َشاق ِِق الرَّ سُو َل ِمنْ َبعْ ِد َما َت َبٌ ََّن لَ ُه ْالهُدَى َو ٌَ َّت ِبعْ َؼٌ َْر َس ِب ِ
ٌل
ت َمصِ ٌراً( النساء)115: ْالم ُْؤ ِمن َ
ٌِن ُن َولِّ ِه َما َت َولَّى َو ُنصْ لِ ِه َج َه َّن َم َو َسا َء ْ
فلٌحذر المؤمن الناصح لنفسه أن ٌكون من أهل هذه اآلٌة وهو ٌحسب أنه
من المهتدٌن ( ) اهـ.
وفً تقرٌر أن وسابل الدعوة توقٌفٌة ٌ ،قول الشٌخ بكر بن عبد هللا
أبو زٌد – حفظه هللا تعالى : -
حقٌقة الدعوة أمر ثابت ال ٌتؽٌر بتؽٌر األزمان والمكان واألحوال .
واألصل فً وسابل نشر الدعوة – كذلك – التوقٌؾ على منهاج النبوة .
))
(( من أحدث فً أمرنا ما لٌس منه فهو رد
وبعد
فصـــــــــــــــــــــل
وفً الجهاد فً سبٌل هللا تعالى ،ما ٌضمن انتشار اإلسالم فً أنحاء
األرض ...وهكذا فلوسابل الشرعٌة كثٌرة جداً ،تفً بحاجة الدعوة
اإلسالمٌة فً كل زمان ومكان .
( ومن رحمة هللا تعالى بعباده ،وبالػ حكمته فً تشرٌعه لما ٌصلح
هللا به العباد والبالد أنه – سبحانه – لما شرع الجهاد ،وشرع لألمة
وسابل متعددة فً ذلك ،ولم ٌجعلها إلى عقولهم ،بل أحالهم على ما
شرعه لهم :
وبالقلب .
والصدع بكلمة الحق :ببٌانها حتى ٌكشؾ هللا الؽمة عن األمة .
وبفتوى عالم معتبر ،بؽٌر هللا بها الحال إلى أحسن ،فتعمل ما ال
تعمله األحزاب فً عقو ٍد .
وهكذا بعمل فردي من عالم بارع ٌ ،نشر علمه فً األمة :فً إقلٌم ،
فً والٌة ،فً مدٌنة ،فً قرٌة ...وهكذا .
وهذه الوسابل البدعٌة إنما ٌصار إلٌها عند ضعؾ التمسك ب ثار
النبوة ،فإنه ( كلما ضعؾ تمسك األمم بعود أنبٌابهم ،ونقص إٌمانهم
( )
،وإذا تعلقت القلوب عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك )
بهذه البدع فإنها تحجب عن السنن بحٌث ال ترى فٌها ما تراه فً تلك
المحدثات ،ومن ثم تزهد فٌها ،وترؼب عنها .
84
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
بخالؾ من صرؾ نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له ،
ومنفعته به ،وٌتم دٌنه ،وٌكمل إسالمه .
ومن أدمن على أخذ الحكمة واألدب من كالم حكماء فارس والروم :
ال تبقى لحكمة اإلسالم وآدابه فً قلبه ذاك الموقع .
(( ما ابتدع قوم بدعة إال نزع هللا عنهم ن السنة مثلها )).
85
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
فصـــــــــــــــــل
وبٌان ذلك أننا نقول :ال بأس باستخدام هذه اآلالت – إذا سمح بها
شرعا ً – فً مجال نقل الوسابل الشرعٌة .
)) ((
ناقل للصوت ،والذي هو وسٌلة شرعٌة فً المٌكروفون فالمكبر
الدعوة إلى هللا تعالى .
وكان أبو بكر ٌكبر بتكبٌر الرسول ، والناس ٌكبرون بتكبٌر أبً
بكر وذلك لما ضعؾ صوت النبً وما زال السلؾ ٌضعون مستملٌا ً
ٌنقل الصوت إلى من كان بعٌداً عن المكان المملً .
))
فإنه فً حد ذاته لٌس وسٌلة للدعوة .وما ٌفعل به وهكذا(( الشرٌط
إذا كان أجوؾ الشًء فٌه .إنما هو ناقل أو حافظ للمادة المسجلة فٌه
فالوسٌلة هً إذاً المادة المسجلة (( الكالم )) وهو وسٌلة شرعٌة .
وال ٌقول عاقل :أن الشرٌط فً حد ذاته وسٌلة للدعوة بل بما ٌوضع
فٌه من الخٌر .
87
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
)) ((
فهو بمنزلة الرسل الذٌن ٌذهبون بكتب الفاكس وهكذا المصور
النبً إلى الملوك والرؤساء .وهكذا .
فإذا كان الناقل للوسٌلة مباحا ً :أبحناه وإذا كان ٌشتمل على محرم
حرمناه .
قال الشٌخ بكر بن عبد هللا أبو زٌد – حفظه هللا تعالى :-
وهً وسٌلة كانت فً بنٌة الدعوة منذ صدر اإلسالم ،إذا كانت
الدعوة تعتمد الكلمة
88
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وفٌما أباح هللا تعالى ُؼنٌه وكفاٌة عما حرمه ونهى عنه ( فإنه تعالى
أؼنانا بما شرعه لنا من الحنٌفٌة السمحة وما ٌسره من الدٌن علً لسان
( )
رسوله وسهله لألمة عن كل باطل ومحرم ضار )
فصــــــــــــــــــــــل
[ الشبهة األولى ]
وقد ورد بعضها فً كالم أبً القاسم القشٌري – فٌما ٌتعلق بمسألة
)) ((
– فأجاد شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى – فً السماع
اإلطاحة بها ،ونقضها وذلك فً كتابه (( االستقامة )).
وأنه سمعها ولم وال خالؾ أن األشعار أنشدت بٌن ٌدي النبً
ٌنكر علٌهم فً إنشادها .
فإذا جاز سماعها بؽٌر األلحان الطٌبة فال ٌتؽٌر الحكم بأن ٌسمع
باأللحان :هذا ظاهر من األمر .
90
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
ما أعده ثم ما ٌوجب للمستمع توفر الرؼبة على الطاعات ،وتذكر
هللا لعباده المتقٌن من الدرجات ،وٌحمله على التحرز من الزالت وٌؤدى
:مستحب فً الدٌن ومختار فً إلى قلبه فً الحال صفاء الواردات
الشرع ) .اهـ .كالم القشٌري .
ولهذا نشأ من هاتٌن المقدمتٌن اللتٌن لبس فٌهما الحق بالباطل :
((فإذا جاز سماعها بؽٌر األلحان الطٌبة فال ٌتؽٌر الحكم بأن ٌسمع
))
باأللحان الطٌبة :هذا ظاهر من األمر .
فإن هذه حجة فاسدة جداً ،والظاهر أنما هو عكس ذلك فإن نفس
سماع األلحان مجرداً عن كالم ٌحتاج إلى أن تكون مباحة مع انفرادها ،
وهذا من أكبر مواقع النزاع ،فإن أكثر المسلمٌن على خالؾ ذلك ،ولو
كان كل من الشعر والتلحٌن مباحا ً على االنفراد لم ٌلزم اإلباحة عند
االجتماع إال بدلٌل خاص ،فإن التركٌب له خاصة ٌتعٌن الحم بها ...
فلو قال قابل :النبً قد قرأ القرآن ،وقد استقر أ ه من ابن مسعود
ن مزامٌر ،وقد استمع لقراءة أبً موسً ،وقال لقد أوتٌت مزماراً م
))
،فإذا قال قابل إذا جاز ذلك بؽٌر هذه األلحان ،فال ٌتؽٌر الحكم داود
بان ٌسمع باأللحان .كان هذا منكراً من القول وزوراً باتفاق الناس .
((
إن ما أوجب للمستمع أن ٌوفر الرؼبة على الطاعات ،وٌذكر ما
أعد هللا لعباده المتقٌن من الدرجات وٌحمله على التحرز من الزالت
92
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
فنقول :تحقٌق هذه المقدمة :أن هللا – سبحانه – ٌحب الرؼبة فٌما
أمر به والحذر مما نهً عه وٌحب اإلٌمان بوعده ووعًده ،وتذكر ذلك ،
وما ٌوجبه من خشٌته ورجابه ومحبته واإلنابة إلٌه ،وٌحب الذٌن ٌحبونه
فهو ٌحب اإلٌمان – أصوله وفروعه – والمؤمنٌن ،والسماع ٌحصل
المحبوب ،وما حصل المحبوب فهو محبوب :فالسماع محبوب .
فإنه إذا حصل محبوبة ومكروهة ،والمكروه أؼلب :كان مذموما ً .
وإن تكافأ فٌه المحبوب والمكروه لم ٌكون محبوبا ً وال مكروها ً
أما األصل األول :وهو معرفة ما ٌحبه هللا ،فهً أسهل وإن كان
ؼلط فً كثٌر منها كثٌر من الناس .
– – إن شاء هللا ونحن نتكلم علً ذلك بوجوه نبٌن بها
المقصود :
93
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
بل دٌن الحق :أن نعبد هللا وحده ال شرٌك له ،ب ما أمرنا به علً
ألسنة رسله ...
وهذا أصل عظٌم من أصول سبٌل هللا وطرٌقه ٌجب االعتناء به
وذلك أن كثٌر من األفعال قد ٌكون مباحا ً فً الشرٌعة ،أو مكروها ً أو
متنازعا ً فً إباحته وكراهته ورما كان محرما ً أو متنازعا ً فً تحرٌمه
فتستحبه طابفة من الن اس ٌ ،فعلونه على أنه حسن مستحب ،ودٌن
وطرٌق ٌتقربون به ،حتى ٌعدون من ٌفعل ذلك أفض ممن ال ٌفعله ،
وربما جعلوا ذلك من لوازم طرٌقتهم إلى هللا ،أو جعلوه شعار الصالحٌن
وأولٌاء هللا .
وأما حلقه لؽٌر ذلك فقد تنازع العلماء فً إباحته وكراهته نزاعا ً
معروفا ً على قولٌن هما رواٌتان عن أحمد .
رع وال وال نزاع بٌن علماء المسلمٌن وأبمة الدٌن أن ذلك ال ٌش
ٌستحب وال هو من سبٌل هلل وطرٌقه ،وال من الزهد المشروع للمسلمٌن
،وال مما أثنً هللا به علً أحد من الفقراء .
مع هذا فقد اتخذه جماعة من النساك الفقراء والصوفٌة دٌنا ً حتى أن
من لم ٌفعل ذلك ٌكون منقوصا ً عندهم ،خارجا ً عن الطرٌقة المفضلة
المحمودة عنده م ومن فعل ذلك دخل فً هدٌهم وطرٌقتهم
وهذا ضالل عن طرٌق هللا وسبٌله باتفاق المسلمٌن ،واتخاذ ذلك دٌنا ً
وشعاراً ألهل الدٌن من أسباب تبدٌل الدٌن ...
أن قولهم :إن السماع ٌحصل محبوب هللا ،وما حصل محبوبة فهو
محبوب له .
فظنوا أن السماع ٌثٌر محبة هللا ومحبة هللا هً أصل اإلٌمان الذي هو
عمل القلوب ،وبكمالها ٌكمل ...
95
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وإن كان ٌثٌر حبا ً وحركة وٌظن أن ذلك ٌحبه هللا ،وأنه مما ٌحبه
م هللا ،فإنما ذلك من باب الظن وما تهوى األنفس ،ولقد جابهم من ربه
( )
الهدى
سماعا ً )) أو ؼٌر ذلك – (( فكل وسٌلة بدعٌة – تمثٌالً كانت أو نشٌداً
وإن حركت القلوب وشوقت النفوس ،وذكرت بعض الؽافلٌن ،وأرشدت
بعض التا بهٌن ..فال خٌر فٌها ،إذ لو كانت خٌر ألهتدي لها السابقون
األولون ،ولشرعها المصطفً.
وما أحسن ما قاله شٌخ اإلسالم عندما قال قابل عن السماع المحدث :
( هذه شبكة ٌصاد بها العوام )
صدق ،فإن أكثرهم إنما ٌتخذون ذلك شبكة ألجل الطعام والتوانس
علً الطعام .
ومن فعل هذا فهو من أبمة الضالل ،الذٌن قٌل فً رؤوسهم :
ظالم ،ولٌعتبر
ٍ ظالم ،وظالم فً
ٍ فهذه أثار الوسابل البدعٌة سوء فً
المسلم بما قاله هللا تعالً فً حق النصاري :
هم الذٌن التزموها من عند أنفسهم ،وقصدهم بذلك تحصٌل رضا هللا –
سبحانه –
فانظر كٌؾ مقتهم هللا وذمهم مع حسن قصدهم فٌما التزموه من
العبادة المحدثة فإن هللا تعالى ال ٌرٌد من عباده أن ٌعبدوه إال بما شرع
على السنة رسله وبذلك ٌظهر صدق المستجٌبٌن هلل وللرسول إذا دعاهم
لما ٌحٌٌهم .
ومن اتبع ما ٌهواه حبا ً وبؽضا ً بؽٌر الشرٌعة قد اتبع هواه بؽٌر هدى
من هللا .
وأي إتباع للهوى أعظم من اإلعراض عما شرع هللا تعالى من
الوسابل الشرعٌة فً الدعوة إلً الوسابل البدعٌة ،التً ٌظنها الفاعل لها
قربة وطاعة هلل تعالى ،وهً – وهللا – عٌن الضالل ومنبع الفساد .
98
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
َ و َمنْ ٌَعْ شُ َعنْ ِذ ْك ِر الرَّ حْ َم ِن ُن َقٌِّضْ لَ ُه َش ٌْ َطانا ً َفه َُو لَ ُه َق ِرٌنٌ
ون( الزخرؾ)37-36: ُون أَ َّن ُه ْم ُم ْه َت ُد َ َوإِ َّن ُه ْم لَ ٌَ ُ
ص ُّدو َن ُه ْم َع ِن الس َِّب ِ
ٌل َو ٌَحْ َسب َ
[ الشبهة الثانية ]
ما جاء فً ؼزوة بدر من نزول النبً عند أنً ما ٍء من مٌاه بدر .
فقال له الحباب بن المنذر بن عمر بن الجموح ٌ :ا رسول هللا أرأٌت هذا
المنزل أمنزل أنزله هللا لٌس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر ؟ أم هو الرأي
))
والحرب والمكٌدة ؟ فقال النبً (( : بل هو الرأي والحرب والمكٌدة
فقال ٌ :ا رسول هللا إن هذا لٌس بمنزل ،فانهض بنا حتى نأتً أدنً
ما ٍء من القوم فننزله ...فاستحسن النبً هذا الرأي ونهض إلى آخر
القصة .
أن النبً وكل أمر النزول إلى أصحابه ،وأخٌر أن النزول فً
مكان دون أخر لًس شرعا ً وإنما هو الحرب والمكٌدة فدل على أن وسابل
الدعوة لٌست توقٌفٌة .هكذا قال من أورد هذه الشبهة .
99
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
)) ((
(– ) 272/2 سٌرة ابن هشام فقد رواها ابن إسحاق – كما فً
قال فحدثت عن رجال من بنً سلمة أنهم ذكروا أن الحباب ..فذكره وهذا
اإلسناد ضعٌؾ كما ترى
قال المحدث األلبانً ( :لعله سقط منه :واه ) قال :وفً سنده من لم
( )
أعرفه
وخرجه البٌهقً فً (( الدالبل )) ، ) 35-31/3 ( :وسنده ضعٌؾ .
)) ((
: البداٌة – كما فً وقد رواه األموي من حدٌث ابن عباس
( ) 267/3وفٌه الكلبً ،وهو كذاب .
وقد كان النبً ٌ بعث القادة وٌعلمهم أحكام الجهاد ،وٌوصٌهم وال
ٌعٌن لهم مكانا ً للنزول وهكذا كان خلفاؤه الراشدون ٌ ،بعثون الجٌوش ،
نزول
ٍ فال ٌجددون لهم مكان
وهذا كما لو سار النبي مع طرٌق فً الجهاد فإن مسٌره مع هذا
الطرٌق وصؾ طردي ال ٌتعلق الحكم به .
أن وسابل الجهاد فً سبٌل هللا تعالى توقٌفٌة ال ٌجوز ألحد أن ٌدخل
فٌها ما لم ٌكن علٌه رسول هللا وصحابته الكرام .
وهدٌه فً الحرب أكمل هدي فما من صؽٌرة وال كبٌرة فً الج هاد
إال وقد نترك لنا النبً منها علما ً ،عمله من علمه ،وجهله من جهله .
ولذا اشتد نكٌر السلؾ على من أحدث شٌبا ً فً أمور القتال والجهاد
لم ٌكن على عهد رسول هللا .
وهذه الدقادق ( ) واألبواق التً تشبه قرن الٌهود وناقوس النصارى :
لم تكن على عهد الخلفاء الراشدٌن ،وال من بعدهم من أمراء المسلمٌن .
))
) اٌذلذقج :زىا٠ح أطٛاخ زٛافش اٌذٚاب ف ٟسشػح تشدد٘ا ِ ،ثً اٌطمطمح .لاٌٗ ف (( ٟاٌٍساْ
( ، ) 1402 /2ؽ :داس اٌّؼاسف تّظش .
101
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
(( لتأخذن مأخذ األمم قبلكم شبراً بشبر وذراعا ً بذراع )).
))
قال (( :ومن الناس إال هؤالء
((
لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر
ضب لدخلتموه )) .
((
الصحٌح ) : 9أخبر بأنه ٌكون فً األمة من وكال الحدٌثٌن فً
ٌتشبه بالٌهود والنصارى .وٌكون فٌها من ٌتشبه بفارس والروم .
102
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
فإن طرٌق السلؾ أكمل فً كل شًء ،ولكن ٌفعل المسلم من ذلك ما
( )
ٌقدر علٌه ) .اهـ
***
أن األمور المباحة ٌمكن تحوٌلها بالنٌة إلى قرب ٍة ٌثاب علٌها ،كما
جاء فً حدٌث سعد بن أبً وقاص – الذي فً الصحٌحٌن )) : -
((
إنك لن تنفق نفقة تبتؽً بها وجه هللا إال أجرت علٌها حتى ماتجعل
))
فً فً امرأتك
)) ((
.قالوا ٌ :ا رسول هللا ،أٌأتً أحدنا وفً بضع أحدكم صدقة
((
حرام ألٌس
ٍ أرأٌتم لو وضعها فً شهوته وٌكون له فٌها أجر؟ قال :
كان ٌكون علٌه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها فً الحالل له أجر )).
فعلى هذا :ننوى بهذه الوسابل المحدثة – إذا كانت مباحة – نٌة
حسنة ،فنثاب علٌها .
ثم ))
ٌنبؽً أن نوضح أوالً مسألة األمور المباحة ومخالطة النٌة لها
بعد ذلك ٌتبن – إن شاء هللا – سقوط هذه الشبهة التً هً فً الحقٌقة ال
تمت إلى موضوعنا بصلة بل أقحمت فٌه تعسفا ً .
فنقول :
104
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
أختلؾ أهل العلم فً إمكان تحوٌل المباحات بالنٌة الصالحة إلى قربة
ٌثاب علٌها .
فذهب فرٌق منهم إلى أن ( المباح ال ٌتقرب به إلى هللا تعالى ،فال
( )
معنى للنٌة فٌه )
( البقرة :من ُ ْس ْال ِبرُّ ِبأَنْ َتأْ ُتوا ْال ُبٌ َ
ُوت ِمنْ ظه ِ
ُور َها َ ولٌَ َ
اآلٌة)189
) (( اٌزخ١شج )) ٌٍ ،مشاف .) 239 /1 ( ٟتٛاسطح ٔمً اٌذوتٛس ػّش األشمش ف ٟوتاتٗ (( ِماطذ
اٌّىٍف ( )) ٓ١ص ٘ٚ ، ، ) 491ىزا ِا تؼذٖ ِٓ إٌمٛي ف٘ ٟزٖ اٌّسأٌح .
) ( .)232 /1
) (( أزىاَ اٌمشآْ التٓ اٌؼشت. )10 /1 ( ٟ
))
105
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
وؼٌره .وعند آخرٌن ال شًء علٌه فال ٌصٌر بالنذر ما لٌس بطاعة وال
( ) ً
طاعة وعباد ًة ) عباد ٍة
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن النٌة الصالحة تحول المباح إلى
قربة ٌؤجر صاحبها .
)) ( )
ٌقول ابن الحاج فً (( المدخل
( المباح ٌنتقل بالنٌة إلً الندب ،وإن استطعنا أن ننوي بالفعل نٌة
أداء الواجب كان أفضل من نٌة الندب ) .اهـ .
قد ٌبدوا أن هناك تناقضا ً بٌن ما ذه ب إلٌه هذان الفرٌقان .إال أن
الناظر المتعمق فً البحث ٌرى أن الذي نفاه الفرٌق األول لٌس هو الذي
أثبته الفرٌق الثانً .
ت فً
ت وقربا ٍ
فالفرٌق األول ٌ :نكر أن تكون المباحات عبادا ٍ
صورتها .
) (( ِدّٛع اٌفتا٘ٚ ( . )451 -450 /11 ( )) ٜٚزا ٌ١س ِٓ ِشاخغ اٌذوتٛس األشمش ).
) ( .) 22 -21 /1
) (( ِذاسج اٌساٌى. )10 7 /1 ( ٓ١
))
106
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
أما القابلون بأن المباح ٌتقرب به فمرادهم مخالؾ لمراد األولٌن وهم
ٌفهمون ذلك بصور ٍة أو أكثر من الصور التالٌة :
( إذا قصد بالمباحات القوى على لطاعات ،أو التوصل إلٌها كانت
عبادة ،كاألكل والنوم واكتساب المال ) ( ) اهـ.
فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن ٌتقوى بها على طاعة هللا
كً ٌتمكن من قٌام اللٌل والجهاد فً سبٌل هللا فهذا مثاب على هذه
األعمال بهذه النٌة .
107
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
إذا نظر المسلم إلى المباح معتقداً أن هللا أباحه ،كالذي ٌأتً زوجته
– مثالً – ٌقصد أن ٌعدل عما حرمه هللا تعالى إلى ما أباحه :فهذا له أجر
كما ورد فً الحدٌث – اآلنؾ الذكر – الذي أخرجه مسلم عن أبً ذر .
[ الشبهة الرابعة ]
)) ((
الوسابل لها أحكام المقاصد ومما ٌتعلق به – أٌضا ً – قاعدة
فٌقول المتعلق بها :أن هذه األمور التً نتخذها فً الدعوة إلى هللا تعالً
:هداٌة الناس ووسابل توصل إلى الؽاٌة المنشودة بالدعوة ،وهً
وإصالحهم .وما دام الؽاٌة هذه ،فإنها محمودة شرعا ً ،فوسابلها تأخذ
حكمها ،فتكون محمودة فً الشرع – أٌضا ً –
والجواا
)) ((
هنا ،ال تعنً أي وسٌلة – ولو محرمة – إذا الوسابل أن لؾظة
استخدمت فً مقصد حسن :أخذت حكمه و إال فلٌلزم علً ذلك إهدار
– مثالً – فً النصوص الشرعٌة والعمل بالهوى ،فتتخذ المحرمات
معالجة المرضً ،وترتكب المحرمات – كالمعاملة بالربا وإسبال الثٌاب
– من أجل الدعوة ومصالحها ...وهكذا .
109
الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم اٌسدح اٌم٠ٛح ػٍ ٝأْ ٚسائً اٌذػٛج تٛل١ف١ح
ثم أن هذه القاعدة لٌست على إطالقها فقد تكون الوسٌلة محرمة أو
مكروهة ،وما جعلت وسٌلة ؼلٌه لٌس كذلك .
ٌقول العالمة ابن القٌم – رحمه هللا تعالى – عندما قرر أن حركة
اللسان بالكالم ال تكون متساوٌة الطرفٌن ،بل إما راجحة وإما
مرجوحة :
وكذلك سؤال الخلق عند الحاجة مكروه وٌباح له االنتفاع بما أخرجته
له المسألة .
فقد تكون الوسٌلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم ألجلها ،وما جعلت
بحرام وال مكروه ) ( ) .اهـ.
ٍ وسٌلة إٌه لٌس
خالصة الرسالة
أوالً :أن وسابل الدعوة إلى هللا تعالى توقٌفٌة ال ٌحل لمرء
ٌؤمن باهلل والٌوم اآلخر أن ٌزٌد فٌها شٌبا ً لم ٌكن علٌه عمل رسول هللا
وصحابته الكرام .
والحجة فً ذلك عموم األدلة التً نصت على إكمال الدٌن وبٌان كل
شًء ٌقرب إلى الجنة وٌباعد من النار .
والشٌخ بكر بن عبد هللا أبو زٌد – حفظه هللا تعالى . -
بن وهذا هو الذي نص علٌه العالمة الشٌخ عبد العزٌز بن عبد هللا
باز – حفظه هللا تعالى – كما تقدم النقل عنه فً هذه الرسالة ( ص -76
.) 77
وهو قول اإلمام المحقق العالمة الشٌخ محمد ناصر الدٌن األلبانً –
حفظه هللا تعالى . -
ومما ٌتأٌد به هذا القول :شدة إنكار السلؾ ألي وسٌلة محدثة ولو
نافعة ))على حد ((
كان ٌجنى منها رقة القلب ودمع العٌن … ولو كانت
تعبٌر المعاصرٌن .
ثانٌا ً :أن إحداث وسٌلة فً وسابل الدعوة ٌعتبر إحداثا ً فً
الدٌن وخروجا ً عن سبٌل المؤمنٌن .
عند أهل البدع واألهواء ،وعلى وما عرؾ إحداث الوسابل إال
رأسهم :الصوفٌة .فهم سلؾ لمنادٌن بإحداث الوسابل المتالبمة مع
العصر .
113