Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 114

‫احلجج القوية‬

‫على أن‬

‫وسائل الدعوة توقيفية‬


‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫المقدمة‬
‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نحمده ونستعٌنه‪ ،‬ونستؽفره ونتوب إلٌه ونعوذ باهلل من شرور‬
‫أنفسنا وسٌبات أعمالنا ‪ ،‬من ٌهده هللا فال مضل له ‪،‬و من ٌضلل فال هادى له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شرٌك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪،‬‬
‫صلى هللا علٌه وعلى آله وأصحابه أجمعٌن ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فقد كثر الكالم حول وسابل الدعوة هل هً توفٌقٌة ال ٌحل ألح ٍد الزٌادة علً‬
‫ما ثبت عن رسول هللا ‪ ‬وأصحابه الكرام فٌها ‪.‬‬
‫أم أنها اجتهادٌة موكولة إلى نظر الداع ي ٌزٌد فٌها ما ٌراه مناسبا ً لزمانه‬
‫ومكانه فً سبٌل الوصول إلً الؽاٌة المنشودة بالدعوة ‪.‬‬
‫ولما كان القول بتوفٌقٌة وسابل الدعوة هو القول الحق المؤٌد بالحجج‬
‫الشرعٌة استعنت هللا تعالى فً تحرٌر هذه الرسالة إلظهاره وبٌانه ‪ ،‬نصرة للحق‬
‫‪ ،‬ونصحا ً للخلق ‪ ،‬معتمداً على الكتاب والسنة ‪،‬وأقوال سلؾ األمة‪.‬‬
‫وقد بٌنت أن القول بتوفٌقٌة وسابل الدعوة ال ٌتعارض مع استخدام األجهزة‬
‫الحدٌثة – ونحوها – إذا لم تكن محظورة شرعا ً‪.‬‬
‫كما بٌنت أن الوسابل الشرعٌة كافٌة فً نشر الدعوة على أتم صور ٍة وأكملها‬
‫ومكان ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فً كل زمان‬
‫وأن القول بأن وسابل الدعوة لٌست توفٌقٌة أصل من أصول البدع المفضلة ال‬
‫محدثة فً الدٌن ‪.‬‬
‫وهللا تعالى اسأل التوفٌق واإلعانة والتسدٌد ‪ ،‬واإلصابة إنه ولً ذلك والقادر‬
‫علٌه‪.‬‬
‫وصلى هللا وسلم على نبٌنا محمد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعٌن ‪.‬‬

‫كتب ذلك‬
‫الكري‬
‫م‬ ‫عبد السالم بن برجس بن ناصر آل عبد‬
‫‪ 1413/9/9‬هـ ‪ -‬الرٌاض‬

‫‪1‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫الدعوة إلى هللا تعالً عبادة عظٌمة ‪ ،‬وحث علٌها وجعل أهلها أحسن‬
‫الناس قوالً ‪ ،‬وأفضلهم عمالً ‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬

‫صالِحا ً َو َقا َل إِ َّننًِ م َِن‬


‫هللا َو َع ِم َل َ‬ ‫‪َ ‬و َمنْ أَحْ َسنُ َق ْوالً ِممَّنْ َ‬
‫دَعا إِلَى َّ ِ‬
‫ْالمُسْ لِم َ‬
‫ٌِن‪( ‬فصلت‪)33:‬‬
‫والمعنً ال أحد أحسن قوالً منه ‪ ،‬لكونه دعا إلى هللا ‪ ،‬وعمل بما ٌدعو‬
‫إلٌه ‪ ،‬وصرح بما هو علٌه فلم ٌخجل بل قال ‪ :‬إننً من المسلمٌن‪.‬‬

‫وال ؼرو أن ٌرقً الداعً إلى هذه المنزلة ‪ ،‬فهو أحد ورثة األنبٌاء‬
‫تعالى‬ ‫فً وظابفهم ‪ ،‬فإن وظٌفتهم الدعوة إلً هللا تعالى ‪ ،‬كما قال هللا‬
‫لخاتمهم وإمامهم ‪:‬‬

‫ٌر ٍة أَ َنا َو َم ِن ا َّت َب َعنًِ َو ُسب َْح َ‬


‫ان‬ ‫‪ ‬قُ ْل َه ِذ ِه َس ِبٌلًِ أَ ْدعُو إِلَى َّ ِ‬
‫هللا َعلَى َبصِ َ‬
‫ٌِن‪ٌ( ‬وسؾ‪)108:‬‬ ‫هللا َو َما أَ َنا م َِن ْال ُم ْش ِرك َ‬
‫َّ ِ‬
‫فٌها‬ ‫فقوله ‪َ  :‬و َم ِن ا َّت َب َعنًِ ‪ ‬عطؾ على الضمٌر فً ‪  :‬أَ ْدعُو إِلَى َّ ِ‬
‫هللا ‪ ‬ؾ‬
‫دلٌل على أن إتباعه ‪ ‬هم الدعاة إلى هللا تعالى ‪.‬‬

‫قال ابن كثٌر – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( ٌقول هللا تعالى لرسوله ‪‬آمراً له أن ٌخبر الناس أن هذه سبٌله‪،‬‬

‫أي ‪ :‬طرٌقته وسنته ‪ ،‬وهً الدعوة إلى شهادة أن ال إله إال هللا وحده‬
‫ال شرٌك له ‪ٌ ،‬دعو إلى هللا بها علً بصٌرة من ذلك وٌقٌن وبرهان ‪ ،‬هو‬

‫‪2‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪ ‬على بصٌرة وٌقٌن‬ ‫وكل من اتبعه ٌدعوا إلى ما دعا إلٌه رسول هللا‬
‫وبرهان عقلً وشرعً ) ( ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫وقد أوجب هللا – سبحانه – أن تكون فً هذه األمة طابفة تدعوا إلى‬
‫هللا تعالً ‪ ،‬فترشد الناس إلى الخٌر ‪،‬وتأمرهم به ‪ ،‬وتحذرهم من الشر‬
‫وتنهاهم عنه‪.‬‬

‫قال هللا تعالى ‪:‬‬

‫ُون إِلَى ْال َخٌ ِْر َو ٌَأْمُرُ َ‬


‫ون ِب ْال َمعْ رُ وؾِ َو ٌَ ْن َه ْو َن َع ِن‬ ‫‪َ ‬و ْل َت ُكنْ ِم ْن ُك ْم أُم ٌَّة ٌَ ْدع َ‬
‫ون‪( ‬آل عمران‪)104:‬‬ ‫ِك ُه ُم ْال ُم ْفلِحُ َ‬ ‫ْال ُم ْن َك ِر َوأُولَب َ‬
‫ك ِب ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َم ْوعِ َظ ِة ْال َح َس َن ِة َو َجاد ِْل ُه ْم‬ ‫وقال تعالى ‪ْ  :‬ادعُ إِلَى َس ِب ِ‬
‫ٌل َر ِّب َ‬
‫ًِ أَحْ َسنُ ‪( ‬النحل‪ :‬من اآلٌة‪)125‬‬ ‫ِبالَّتًِ ه َ‬

‫– رحمهم هللا‬ ‫واعتماد علً هذه اآلٌات الكرٌمات صرح العلماء‬


‫تعالى – بأن الدعوة إلى هللا تعالى فرض كفاٌة ‪ٌ ،‬جب على طابفة من‬
‫ومكان ‪ ،‬فإن لم ٌقم بها أحد منهم أثموا‬
‫ٍ‬ ‫المسلمٌن القٌام بها فً كل زمان‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫جمٌعا ً‬

‫ولقد رتب الشارع لمن قام بهذا األمر ثوابا ً عظٌما ً وأجراً جزٌالً‪ ،‬ففً‬
‫(( الصحٌحٌن )) من حدٌث سهل بن سعد ‪ –  -‬أن النبً ‪ ‬قال لعلً ‪:‬‬

‫))‬
‫(( وهللا لبن ٌهدي هللا بك رجالً واحداً خٌر لك من حمر النعم‬

‫) (( تفس‪١‬ش اتٓ وث‪١‬ش ))( ‪ ، ) 496 /2‬ؽ ‪ :‬اٌسٍث‪. ٟ‬‬


‫) (( ‪ٕ٠‬ظش ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪.) 165 /15 ( )) ٜٚ‬‬
‫‪3‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫حمر النعم ‪ :‬هً اإلبل الحمر ‪،‬وهً أنفس أموال العرب ‪ٌ ،‬ضرب‬
‫( )‬
‫بها المثل فً نفاسة الشًء ‪ ،‬وأنه لٌس هناك أعظم منه‬

‫))‬ ‫((‬
‫عن أبً هرٌرة – ‪ ، - ‬أن رسول هللا ‪‬‬ ‫صحٌح مسلم‬ ‫وفً‬
‫قال ‪:‬‬

‫((‬
‫من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه ال ٌنقص‬
‫من أجورهم شٌبا ً ‪ ،‬ومن دعا إلً ضاللة كان علٌه من اإلثم مثل آثام من‬
‫))‪.‬‬ ‫تبعه ال ٌنقص ذلك من آثامهم شٌبا ً‬

‫– أٌضا ً – عن أبً مسعود األنصاري قال ‪:‬‬ ‫))‬


‫صحٌح مسلم‬ ‫((‬
‫وفً‬
‫قال رسول هللا ‪ (( ‬من دل على خٌر فله مثل أجر فاعله )) ‪.‬‬

‫فلٌستبق المسلمون إلى هذا الفضل ‪ ،‬ولٌؽتنموا هذا الثواب فً ذلك‬


‫فلٌتنافس المتنافسون ‪.‬‬

‫‪ :‬شدة حاجة األمة فً كل‬ ‫ومما ال ٌخفً علً ذي عقل وبصٌرة‬


‫– إلً الدعاة الصالحٌن المصلحٌن ‪،‬‬ ‫زمان – وخاصة فً زماننا‬
‫الناصحٌن المشفقٌن ‪ .‬وذلك لما ألم بهذه اآلمة من الؽزو الخارجً‬
‫ألفكارها ‪ ،‬وعقابدها ‪ ،‬وأخالقها بما ألقاه فً أوساطها من فتنة الشهوات ‪،‬‬
‫والشبهات ‪.‬‬

‫فكان الحال كما قال القائل ‪:‬‬

‫) (( ششذ ِسٍُ )) ‪.) 178 /15 ( ٌٍٕٞٚٛ ،‬‬


‫‪4‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ـاح‬ ‫والخــير تنهشه الرم‬ ‫الله‬


‫ص ـ‬ ‫والشر قد نتأت رؤوس ِ ـ‬
‫الشرع‬

‫والحق مضطهد النصٌر‬ ‫والدٌن متصدع الجوانب ضارع‬


‫مضٌع‬

‫ٌنكً القلوب وللرؤوس ٌصدع‬ ‫كل مدجــ ٍل ومُخــرؾٍ‬


‫وه ــراء ـ‬

‫جهـراً ـؾتهــتز الجـهات األربع‬ ‫ضلـيل ٌفتر عونها‬


‫الـت ـ‬
‫ابر ـ‬
‫ومن ـ‬
‫ـ‬

‫فٌجدر بالمسلمٌن ‪ -‬خصوصا ً العلماء منهم وطلبة العلم – التصدي‬


‫لهذه الشرور ‪ ،‬والقضاء علٌها كل حسب طاقته ووسعه ‪ ،‬وهللا ال ٌضٌع‬
‫أجر المحسنٌن‪.‬‬

‫– جمٌعا ً –‬ ‫فإن فعلوا ذلك نجوا ونجا المجتمع ‪ ،‬وإن تركوا ذلك‬
‫أثموا ‪ ،‬وبقدر التقصٌر فً ذلك ٌحل البالء ‪ ،‬وٌستشري الداء ‪.‬‬

‫شروط صحة العبادة‬

‫وإذا تقرر أن الدعوة إلى هللا تعالى عبادة ‪ :‬فإن قبول أي عبادة هلل‬
‫تعالى ٌتوقؾ على اجتماع أمرٌن ‪:‬‬

‫األمر األول ‪ :‬اإلخالص هلل تعالى ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫واألمر الثاني ‪ :‬المتابعة لرسول هللا‪.‬‬

‫والعمل الجامع لهذٌت األمرٌن هو العمل الصالح ‪ ،‬الذي قال هللا‬


‫ان ٌَرْ جُ وا ِل َقا َء َر ِّب ِه َف ْل ٌَعْ َم ْل َع َمالً َ‬
‫صالِحا ً َوال ٌُ ْش ِركْ‬ ‫تعالً فٌه ‪َ :‬ف َمنْ َك َ‬
‫ِب ِع َبادَ ِة َر ِّب ِه أَ َحداً)(الكهؾ‪ :‬من اآلٌة‪)110‬‬

‫وهو الذي قال هللا تعالً فٌه ‪َ ‬بلَى َمنْ أَسْ لَ َم َوجْ َه ُه ِ َّ ِ‬
‫هلل َوه َُو مُحْ سِ نٌ َفلَ ُه‬
‫ون‪( ‬البقرة‪)112:‬‬ ‫أَجْ ُرهُ عِ ْندَ َر ِّب ِه َوال َخ ْوؾٌ َعلٌَ ِْه ْم َوال ُه ْم ٌَحْ َز ُن َ‬
‫‪‬‬ ‫وقال فٌه – أٌضا ً‪َ  -‬و َمنْ أَحْ َسنُ دٌِنا ً ِممَّنْ أَسْ لَ َم َوجْ َه ُه ِ َّ ِ‬
‫هلل َوه َُو مُحْ سِ نٌ‬
‫(النساء‪ :‬من اآلٌة‪)125‬‬

‫قال الفضٌل بن عٌاض – رحمه هللا تعالً – فً قوله تعالى ‪) :‬‬


‫لِ ٌَبْلُ َو ُك ْم أَ ٌُّ ُك ْم أَحْ َسنُ َع َمالً )(الملك‪ :‬من اآلٌة‪)2‬‬

‫قالوا ٌا أبا علً ما أخلصه وأصوبه؟‬

‫إن العمل إذا كان خالصا ً ولم ٌكن صوابا ً لم ٌقبل ‪ .‬وإذا كان‬ ‫((‬
‫قال‬
‫صوابا ً ولم ٌكن خالصا ً لم ٌقبل ‪ ،‬حتى ٌكون خالصا ً صوابا ً ))‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫وقال العالمة ابن القٌم – رحمه هللا تعالً ‪: -‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫– أي ‪ :‬العبودٌة – إال‬ ‫إٌاك نعبد‬ ‫( ال ٌكون العبد متحققا ً بـ‬
‫بأصلٌن عظٌمٌن ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬متابعة الرسول‪‬‬

‫والثانً ‪ :‬اإلخالص للمعبود ‪ .‬فهذا تحقٌق (( إٌاك نعبد )) ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫والناس منقسمون بحسب هذٌن األصلٌن إلى أربعة أقسام ‪:‬‬

‫((‬
‫إٌاك‬ ‫أحدهما ‪ :‬أهل اإلخالص للمعبود ‪ ،‬والمتابعة ‪ ،‬وهم أهل‬
‫نعبد ))حقٌقة ‪ .‬فأعمالهم كلها هلل ‪ ،‬وأقوالهم هلل وعطابهم هلل ومنعهم هلل ‪،‬‬
‫وحبهم هلل ‪ ،‬وبؽضهم هلل ‪ .‬فمعاملتهم ظاهراً وباطنا ً لوجه هللا تعالً وحده ‪.‬‬

‫وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة ألمر هللا ‪ ،‬ولما ٌحبه وٌرضاه ‪.‬‬

‫وهذا هو العمل الذي ال ٌقبل هللا من عامل سواه وهو الذي بال عباده‬
‫بالموت والحٌاة ألجله ‪ .‬فال ٌقبل هللا من عامل سواه ‪ ،‬وهو الذي بال عباده‬
‫بالموت والحٌاة ألجله ‪.‬‬

‫فال ٌقبل هللا من العمل إال ما كان خالصا ً لوجهه علً متابعة أمره‬
‫– أحوج ما هو إلٌه –‬ ‫وماعدا ذلك فهو مردو على عامله ‪ٌ ،‬رد علٌه‬
‫هبا ًء منثوراً ‪.‬‬

‫وكل عمل بال إ قتداء فإنه ال ٌزٌد عامله من هللا إال بعداً ‪ ،‬فإن هللا‬
‫تعالى إنما ٌعبد بأمره ‪ ،‬ال باآلراء واألهواء ‪.‬‬

‫لشرع‬
‫ٍ‬ ‫الثانً ‪ :‬من ال إخالص له وال متابعة ‪ ،‬فلٌس عمله موافقا ً‬
‫ولٌس هو خالصا ً للمعبود كأعمال المتزٌنٌن للناس ‪ ،‬المرابٌن لهم بما لم‬
‫ٌشرعه هللا ورسوله ‪ .‬وهؤالء شرار الخلق وأمقتهم إلى هللا عز وجل‪.‬‬

‫وهذا الضرب ٌكثر فٌمن انحرؾ من المنتسبٌن إلى العلم والفقر‬


‫‪ .‬فإنهم ٌرتكبون البدع والضالالت‬ ‫والعبادة علً الصراط المستقٌم‬

‫‪7‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫والرٌاء والسمعة وٌحبون أن ٌحمدوا بما لم ٌفعلوه من األتباع واإلخالص‬


‫والعلم ‪ .‬فهم أهل الؽضب والضالل‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬من هو مخلص فً أعماله ‪ ،‬لكنها علً ؼٌر متابعة األمر‬


‫كالجهال العباد والمنتسبٌن إلً طرٌق الزهد والفقر وكل من عبد هللا بؽٌر‬
‫أمره ‪ ،‬واعتقد عبادته هذه قربة إلً هللا فهذا حاله ‪.‬‬

‫كمن ٌظن أن سماع المكاء والتصدٌة قربة ‪ ...‬ونحو ذلك ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬من أعماله على متابعة األمر ‪ ،‬لكنها لؽٌر هللا ‪ ،‬كطاعة‬
‫المرابٌن وكالرجل ٌقاتل رٌا ًء وحمٌة وشجاعة ‪ ،‬وٌحج لٌقال وٌقرأ القرآن‬
‫لٌقال ‪ ،‬فهؤالء أعمالهم ظاهرها أعمال صالحة مأمور بها ‪ ،‬لكنها ؼٌر‬
‫صالحة ‪ ،‬فال تقبل ) ( ) ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫وقد دل على اإلخالص ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬

‫ٌن لَ ُه ال ِّد َ‬
‫ٌن حُ َن َفا َء َو ٌُقٌِمُوا الصَّال َة‬ ‫‪َ ‬و َما أُمِرُ وا إِ َّال لِ ٌَعْ ُب ُدوا َّ َ‬
‫هللا م ُْخلِصِ َ‬
‫الز َكا َة َو َذل َِك دٌِنُ ْال َق ٌِّ َم ِة‪( ‬البٌنة‪)5:‬‬ ‫َوٌ ُْؤ ُتوا َّ‬
‫ٌن ‪ ‬أَال ِ َّ ِ‬
‫هلل ال ِّدٌنُ ْال َخالِصُ‬ ‫هللا م ُْخلِصا ً لَ ُه ال ِّد َ‬ ‫وقوله تعالً ‪َ  :‬فاعْ ُب ِد َّ َ‬
‫هللا ‪( ‬الزمر‪:‬‬ ‫ٌِن ا َّت َخ ُذوا ِمنْ ُدو ِن ِه أَ ْولِ ٌَا َء َما َنعْ ُب ُد ُه ْم إِ َّال لِ ٌُ َقرِّ بُو َنا إِلَى َّ ِ‬
‫َوالَّذ َ‬
‫من اآلٌة‪)3‬‬

‫هللا أَعْ ُب ُد م ُْخلِصا ً لَ ُه دٌِنًِ‪( ‬الزمر‪)14:‬‬


‫وقوله تعالً ‪  :‬قُ ِل َّ َ‬
‫وقوله تعالً ‪:‬‬

‫) (( ِذاسج اٌساٌى‪ ، ) 85 -83 /1 ( )) ٓ١‬تتظشف ‪.‬‬


‫‪8‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪َ ‬و ْادعُوهُ م ُْخلِصِ َ‬


‫ٌن لَ ُه ال ِّد َ‬
‫ٌن ‪( ‬ألعراؾ‪ :‬من اآلٌة‪)29‬‬

‫وقوله تعالً ‪:‬‬

‫ٌن َولَ ْو َك ِر َه ْال َكافِرُ َ‬


‫ون‪( ‬ؼافر‪)14:‬‬ ‫‪َ ‬ف ْادعُوا َّ َ‬
‫هللا م ُْخلِصِ َ‬
‫ٌن لَ ُه ال ِّد َ‬

‫))‬ ‫((‬
‫عن عمر بن الخطاب ر‪ ، -  -‬قال سمعت‬ ‫الصحٌحٌن‬ ‫وفً‬
‫رسول هللا‪ٌ ‬قول ‪:‬‬

‫((‬
‫إنما األعمال بالنٌات ‪،‬وإنما لكل امرئ ما نوى ‪ ،‬فمن كانت هجرته‬
‫إلى هللا ورسوله ك انت هجرته إلى هللا ورسوله ومن كانت هجرته لدنٌا‬
‫ٌصٌبها أو امرأة ٌنكحها فجرته إلى ما هاجر إلٌه ))‪.‬‬

‫قال الشوكانً – رحمه هللا تعالى ‪ ، -‬على هذا الحدٌث ‪:‬‬

‫( حصول األعمال وثبوتها ال ٌكون إال بنٌة ‪ ،‬فال حصول وال ثبوت‬
‫لما لٌس كذلك ‪.‬‬

‫من العبادات إذا لم تصدر عن‬ ‫فكل طاعة من الطاعات ‪ ،‬وعبادة‬


‫إخالص نٌ ٍة وحسن طوٌ ٍة ‪ :‬ال اعتداد بها ‪ ،‬وال التفات إلٌها ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫بل هً إن لم تكن معصٌة فأقل األحوال أن تكون من أعمال العبث‬


‫واللعب ) ( ) ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫وأما المتابعة فقد دل علٌها قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪َ ‬وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ً مُسْ َتقٌِما ً َفا َّت ِبعُ وهُ َوال َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ َق ِب ُك ْم َعنْ‬
‫َس ِبٌلِ ِه ‪( ‬األنعام‪ :‬من اآلٌة‪)153‬‬

‫وقوله ‪  :‬ا َّت ِبعُوا َما أ ُ ْن ِز َل إِلَ ٌْ ُك ْم ِمنْ َر ِّب ُك ْم َوال َت َّت ِبعُوا ِمنْ ُدو ِن ِه أَ ْولِ ٌَا َء‬
‫ون ‪( ‬ألعراؾ‪)3:‬‬ ‫َقلٌِالً َما َت َذ َّكرُ َ‬
‫‪ ‬ا َّت ِبعُوا َما أ ُ ْن ِز َل إِلَ ٌْ ُك ْم ِمنْ َر ِّب ُك ْم َوال َت َّت ِبعُوا ِمنْ ُدو ِن ِه أَ ْولِ ٌَا َء َقلٌِالً َما‬
‫ون‪( ‬ألعراؾ‪)3:‬‬ ‫َت َذ َّكرُ َ‬
‫ٌِن ‪‬‬ ‫ِّك ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َوأَعْ ِرضْ َع ِن ْال ُم ْش ِرك َ‬ ‫ْك ِمنْ َرب َ‬ ‫‪ ‬ا َّت ِبعْ َما أُوح ًَِ إِلٌَ َ‬
‫(األنعام‪)106:‬‬
‫هللاُ َو ٌَ ْؽ ِفرْ لَ ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم‬
‫هللا َفا َّت ِبعُونًِ ٌُحْ ِب ْب ُك ُم َّ‬
‫ُّون َّ َ‬
‫وقوله ‪  :‬قُ ْل إِنْ ُك ْن ُت ْم ُت ِح ب َ‬
‫هللاُ َؼفُورٌ َرحٌِ ٌم‪( ‬آل عمران‪)31:‬‬ ‫َو َّ‬
‫))‬ ‫((‬
‫من حدٌث عابشة ‪ -‬رضً هللا عنها ‪ ، -‬قالت ‪ :‬قال‬ ‫الصحٌحٌن‬ ‫وفً‬
‫))‬
‫رسول هللا‪ (( ‬من أحدث فً أمرنا ما لٌس منه فهو رد‬

‫وفً رواٌة لمسلم ‪:‬‬

‫))‬
‫(( من عمل عمالً لٌس علٌه أمرنا فهو رد‬

‫قال الحافظ ابن رجب – رحمه هللا تعالً ‪: -‬‬

‫) (( آداب اٌطٍة )) ( ص ‪) 5‬‬


‫‪10‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫( هذا الحدٌث أصل عظٌم من أصول اإلسالم ‪ ،‬وهو كالمٌزان‬


‫لألعمال فً ظاهرها ‪ ،‬كما أن حدٌث (( األعمال بالنٌات )) كٌزان لألعمال‬
‫فً باطنها ‪ ،‬فكما أن كل عمل ال ٌراد به وجه هللا ‪ ،‬فلٌس لعامله فٌه ثواب‬
‫‪ ،‬فكذلك كل عمل ال ٌكون علٌه أمر هللا ورسوله فهو مردود على عامله ‪،‬‬
‫وكل من أحدث فً الدٌن ما لم ٌأذن به هللا ورسوله ‪ ،‬فلٌس من الدٌن فً‬
‫شًء ‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫إشارة إلى أن أعمال العاملٌن كلهم‬ ‫لٌس علٌه أمرنا‬ ‫قوله‪: ‬‬
‫ٌنبؽً أن تكون تحت أحكام الشرٌع ة ‪،‬وتكون أحكام الشرٌعة حاكمة علٌها‬
‫بأمرها ونهٌا فمن كان عمله جارٌا ً تحت أحكام الشرع موافقا ً لها فهو‬
‫المقبول ومن كان خارجا ً عن ذلك فهو مردود ) ( ) ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫فمن أخل باإلخالص فهو مشرك ‪.‬‬

‫ومن أخل بالمتابعة فهو مبتدع ‪.‬‬

‫وإذا تقرر أن الدعوة إلى هللا عبادة ‪ ،‬فالب د للداعٌة أن ٌراعً هذٌن‬
‫الشرطٌن عند القٌام بها‪ ،‬لٌكون عمله صالحا ً متقبالً ‪.‬‬

‫ٌقول ابن قاسم – رحمه هللا تعالى ‪ ، -‬فً (( شرح التوحٌد ))‪:‬‬

‫( وال بد فً الدعوة إلى هللا تعالى من شرطٌن ‪:‬‬

‫أن تكون خالصة هلل تعالً ‪.‬‬

‫وأن تكون على وفق سنة رسوله ‪.‬‬

‫) (( خاِغ اٌؼٍ‪ٚ َٛ‬اٌسىُ )) ( ‪ ، ) 177 – 176 /1‬ؽ ‪ :‬اٌشساٌح ‪.‬‬


‫‪11‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فإن أخل باألول كان مشركا ً وإن أخل بالثانً كان مبتدعا ً ) ( ) ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫ومن هنا جاء حرص السلؾ – رضوان هللا علٌهم – علً إصالح‬
‫النٌة والعمل ‪ ،‬خشٌة الوقوع فً هذٌن المحذورٌن العظٌمٌن ‪.‬‬

‫قال عبد هللا بن مسعود – ‪: - ‬‬

‫((‬
‫إنا نقتدي وال نبتدي ‪ ،‬ونتبع وال نبتدع ‪ ،‬ولن نضل ما تمسكنا‬
‫باألمر ))‪.‬‬

‫أخرجه اللكابً فً ‪ :‬شرح اعتقاد أهل الحدٌث ( ) ‪.‬‬

‫)) ( )‬ ‫((‬
‫‪ .‬عن على وابن مسعود –‬ ‫الشرٌعة‬ ‫وأخرج األجري فً‬
‫رضً هللا عنهما – أنهما قاال ‪:‬‬

‫((‬
‫ال ٌنفع قول إال بعمل وال عمل إال بقول ‪ ،‬وال قول وعمل إال بنٌة‬
‫وال نٌة إال بموافقة السنة ))‪.‬‬

‫وقال محمد بن سٌرٌن ‪:‬‬

‫))‬
‫(( كانوا ٌرون أنهم على الطرٌق ما كانوا علً األثر‬

‫وأخرج أبو نعٌم فً الحلٌة ( ‪ ) 199/2‬عن مطرؾ بن عبد هللا بن‬


‫((‬
‫صالح القلب بصاح العمل ‪ ،‬وصالح العمل بصالح‬ ‫الشخٌر أنه قال ‪:‬‬
‫النٌة )) ‪.‬‬
‫) (( زاش‪١‬ح وتاب اٌت‪ٛ‬ز‪١‬ذ )) ( ص ‪) 55‬‬
‫) ( ‪) 86 /1‬‬
‫) (ص ‪ ، ) 131‬ؽ اٌسٕح اٌّسّذ‪٠‬ح ‪ٚ .‬لذ أخشج ٔس‪ ٖٛ‬اٌالٌىائ‪ ) 57 /1 ( ٟ‬ػٓ اٌسسٓ ‪ٚ‬سؼ‪١‬ذ تٓ‬
‫خث‪١‬ش ‪ٚ .‬أخشج اتٓ اٌد‪ٛ‬ص‪ ٞ‬ف‪ (( ٟ‬تٍث‪١‬س ئتٍ‪١‬س )) ( ص ‪ٔ ) 9‬س‪ – ٖٛ‬أ‪٠‬ؼا ً – ػٓ سف‪١‬اْ اٌث‪ٛ‬س‪. ٞ‬‬
‫‪ٚ‬أظش (( ِ‪١‬ضاْ االػتذاي )) ‪ٌٍ ،‬ز٘ث‪. )90 /1 ( ٟ‬‬
‫‪12‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫) ‪ ،.‬وعن ابن‬ ‫)) (‬


‫اإلخالص والنٌة‬ ‫((‬
‫وأخرج ابن أبً الدنٌا فً كتاب‬
‫عجالن أنه قال ‪:‬‬

‫((‬
‫‪ :‬التقوى هلل ‪ ،‬والنٌة الحسنة ‪،‬‬ ‫ال ٌصلح العمل إال بثالث‬
‫واإلصابة ))‪.‬‬

‫واآلثار عن السلؾ الصالح فً الباب كثٌرة جداً ‪ ،‬وإنما المراد هنا‬


‫اإلشارة ال الحصر واالستقصاء ‪.‬‬

‫كمال الشريعة‬

‫ال‬ ‫شرٌعة اإلسالم شرٌعة كاملة من كل وجه ‪ ،‬ال نقص فٌها و‬


‫قصور ‪ٌ .‬قول هللا تعالً مخراً عن هذه الحقٌقة الثابتة ‪:‬‬

‫ٌت لَ ُك ُم ْ ِ‬
‫األسْ ال َم‬ ‫ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ‬
‫مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ‬ ‫‪ْ ‬ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫دٌِنا ً ‪( ‬المابدة‪ :‬من اآلٌة‪)3‬‬

‫فما من شًء تحتاجه األمة فً حاضرها ومستقبلها إال وقد بٌنه هللا‬
‫تعالى بٌانا ً تدرك األمة من خالله حكمه من حل أو حرم ٍة‪.‬‬

‫) وّا ف‪ (( ٟ‬خاِغ اٌؼٍ‪ٚ َٛ‬اٌسىُ )) ( ‪ ، ) 71 /1‬ؽ ‪ِ :‬إسسح اٌشساٌح ‪.‬‬


‫‪13‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وهذا األصل مقرر فً الكتاب والسنة بما ال ٌدع مجاالً للشك فٌه أو‬
‫االرتٌاب ‪ .‬وقد أجمعت األمة علً ذلك ‪.‬‬

‫قال هللا تعالى ‪:‬‬

‫‪َ ‬ما َفرَّ ْط َنا فًِ ْال ِك َتا ِ‬


‫ب ِمنْ َشًْ ٍء ‪( ‬األنعام‪ :‬من اآلٌة‪)38‬‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫اب ِت ْب ٌَانا ً لِ ُك ِّل َشًْ ٍء َوهُدىً َو َرحْ َم ًة َو ُب ْش َرى‬


‫ْك ْال ِك َت َ‬
‫‪َ ‬و َن َّز ْل َنا َعلٌَ َ‬
‫ل ِْلمُسْ لِم َ‬
‫ٌِن‪( ‬النحل‪ :‬من اآلٌة‪)89‬‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫‪َ ‬و ُك َّل َشًْ ٍء َفص َّْل َناهُ َت ْفصِ ٌالً‪( ‬االسراء‪ :‬من اآلٌة‪)12‬‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫‪ٌَ ‬ا أَ ْه َل ْال ِك َتا ِ‬


‫ب َق ْد َجا َء ُك ْم َر سُولُ َنا ٌُ َبٌِّنُ لَ ُك ْم َكثٌِراً ِممَّا ُك ْن ُت ْم ُت ْخفُ َ‬
‫ون‬
‫هللا ُنورٌ َو ِك َتابٌ م ُِبٌنٌ ‪ْ ٌَ ‬هدِي‬ ‫ٌِر َق ْد َجا َء ُك ْم م َِن َّ ِ‬‫ب َو ٌَعْ فُو َعنْ َكث ٍ‬ ‫م َِن ْال ِك َتا ِ‬
‫هللاُ َم ِن ا َّت َب َع ِرضْ َوا َن ُه ُس ُب َل السَّالم َوٌ ُْخ ِرجُ ُه ْم م َِن ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬ ‫ِب ِه َّ‬
‫ت إِ َل ى ال ُّن ِ‬
‫ور‬ ‫ِ‬
‫ٌِه ْم إِلَى صِ َراطٍ مُسْ َتق ٌٍِم‪( ‬المابدة ‪)16،15:‬‬ ‫ِبإِ ْذ ِن ِه َو ٌَ ْهد ِ‬

‫وأنكر تعالً على من لم تكتؾ بالووحً عن ؼٌره ‪ .‬فقال تعالى ‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫اب ٌُ ْتلَى َعلٌَ ِْه ْم إِنَّ فًِ َذل َِك لَ َرحْ َم ًة‬ ‫‪ ‬أَ َولَ ْم ٌَ ْكف ِِه ْم أَ َّنا أَ ْن َز ْل َنا َعلَ ٌْ َ‬
‫ك ْال ِك َت َ‬
‫ون‪( ‬العنكبوت‪)51:‬‬ ‫َوذ ِْك َرى لِ َق ْو ٍم ٌ ُْؤ ِم ُن َ‬
‫ٌِق الَّذِي َبٌ َْن ٌَ َد ٌْ ِه َو َت ْفصِ ٌ َل ُك ِّل َشًْ ٍء‬
‫ان َحدٌِثا ً ٌُ ْف َت َرى َولَ ِكنْ َتصْ د َ‬ ‫‪َ ‬ما َك َ‬
‫ون‪ٌ( ‬وسؾ‪ :‬من اآلٌة‪)111‬‬ ‫َوهُدىً َو َرحْ َم ًة لِ َق ْو ٍم ٌ ُْؤ ِم ُن َ‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ور ِبإِ ْذ ِن‬ ‫اس م َِن ُّ‬


‫الظلُ َما ِ‬
‫ت إِلَى ال ُّن ِ‬ ‫‪ ‬الر ِك َتابٌ أَ ْن َز ْل َناهُ إِلَ ٌْ َ‬
‫ك لِ ُت ْخ ِر َج ال َّن َ‬
‫ٌز ْال َحمٌِ ِد‪( ‬إبراهٌم‪)1:‬‬ ‫َرب ِِّه ْم إِلَى صِ َراطِ ْال َع ِز ِ‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ب َفص َّْل َناهُ َعلَى عِ ْل ٍم هُدىً َو َرحْ َم ًة لِ َق ْو ٍم ٌ ُْؤ ِم ُن َ‬


‫ون ‪‬‬ ‫‪َ ‬ولَ َق ْد ِج ْب َنا ُه ْم ِب ِك َتا ٍ‬
‫(ألعراؾ‪)52:‬‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ان َحدٌِثا ً ٌُ ْف َت َرى‬ ‫صصِ ِه ْم عِ ب َْرةٌ ِألُولًِ ْاألَ ْل َبا ِ‬


‫ب َما َك َ‬ ‫‪ ‬لَ َق ْد َك َ‬
‫ان فًِ َق َ‬
‫ٌِق الَّذِي َبٌ َْن ٌَدَ ٌْ ِه َو َت ْفصِ ٌ َل ُك ِّل َشًْ ٍء َوهُدىً َو َرحْ َم ًة لِ َق ْو ٍم‬
‫َولَ ِكنْ َتصْ د َ‬
‫ون‪ٌ( ‬وسؾ‪)111:‬‬ ‫ٌ ُْؤ ِم ُن َ‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫صالً‬ ‫هللا أَ ْب َتؽًِ َح َكما ً َوه َُو الَّذِي أَ ْن َز َل إِلَ ٌْ ُك ُم ْال ِك َت َ‬
‫اب ُم َف َّ‬ ‫‪‬أَ َف َؽٌ َْر َّ ِ‬
‫(األنعام‪ :‬من اآلٌة‪)114‬‬

‫‪15‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫( مثل هذا فً القرآن كثٌر ‪ ،‬مما ٌبٌت هللا فٌه أن كتابه مبٌن للدٌن‬
‫كله ‪ ،‬موضح لسبٌل الهدى ‪ ،‬كاؾ لمن اتبعه ‪ ،‬ال ٌحتاج معه إلى ؼٌره ‪،‬‬
‫( )‬
‫ٌجب اتباعه دون اتباع ؼٌره من السبل )‬

‫وفً صحٌح مسلم من حدٌث عبد هللا بن عمر – رضً هللا عنهما –‬
‫أن النبً ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫ما بعث هللا نبٌا ً إال كان حقا ً علٌه أن ٌدل أمته على خٌر ما ٌعلمه‬ ‫((‬

‫لهم وٌنهاهم عن شر ما ٌعلمه لهم ))‪.‬‬

‫وأخرج البؽوي فً شرح السنة ( ‪ ) 305-303/14‬عن زٌد الٌامً‬


‫وعبد الملك بن عمًر ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫قال رسول هللا ‪:‬‬

‫((‬
‫أٌها الناس إنه لٌس من شًء ٌقربكم من الجنة ‪ ،‬وٌباعدكم من النار‬
‫إال قد أمرتكم به وإنه لٌس شًء ٌقربكم من النار وٌباعدكم من الجنة إال‬
‫قد نهٌتكم عنه ‪ ))..‬الحدٌث ‪.‬‬

‫وأخرجه الحاكم فً المستدرك ( ‪ ) 4/2‬من طرٌق آخر ‪ ،‬عن ابن‬


‫((‬
‫شعب اإلٌمان – كما فً لمشكاة ( ‪) 1458/3‬‬ ‫مسعود ‪ .‬والبٌهقً فً‬
‫)‪. -‬‬ ‫(‬

‫) (( دسء تؼاسع اٌؼمً ‪ٚ‬إٌمً )) ‪ ،‬التٓ ت‪١ّ١‬ح – سزّٗ هللا – ( ‪.) 304 /10‬‬
‫‪16‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫قال العالمة ابن القٌم – رحمه هللا – فً تقرٌر هذا األصل ‪:‬‬

‫( ‪ ..‬فرسالته ‪ ‬كافٌة عامة ‪ ،‬ال تحوج إلى سواها ‪ ،‬وال ٌتم اإلٌمان‬
‫به إال بإثبات عموم رسالته ‪ ..‬فال ٌخرج أحد من المكلفٌن عن رس الته ‪،‬‬
‫وال ٌخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إلٌه األمة فً علومها‬
‫وأعمالها عما جاء به ‪.‬‬

‫وقد توفً رسول هللا ‪ ‬وما طابر ٌقلب جناحٌه فً السماء إال ذكر‬
‫لألمة منه علما ً ‪ ،‬وعلمهم كل شًء حتى آداب التخلى وآداب الجماع ‪،‬‬
‫والنوم والقٌام والقعود ‪ ،‬واألكل والشرب ‪ ،‬وال ركوب والنزول ‪،‬والسفر‬
‫واإلقامة ‪ ،‬والصمت والكالم ‪،‬والعزلة والخلطة والؽنى والفقر والصحة‬
‫والمرض ‪ ،‬وجمٌع أحكام الحٌاة والموت ‪.‬‬

‫ووصؾ لهم العرش والكرسً ‪ ،‬والمالبكة والجن والنار والجنة وٌوم‬


‫القٌامة وما فٌه حتى كأنه رأي عٌن ‪.‬‬

‫وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعرٌؾ حتى ك أنهم ٌرونه وٌشاهدونه‬


‫بأوصاؾ كماله ونعوت جالله ‪.‬‬

‫وعرفهم األنبٌاء وأممهم ‪ ،‬وما جرى لهم وما جرى علٌهم معهم حتى‬
‫كأنهم كانوا بٌنهم ‪.‬‬

‫وعرفهم من طرٌق الخٌر والشر دقٌقها وجلٌلها ما لم ٌعرفه نبً‬


‫ألمته قبله ‪.‬‬

‫) أظش ( ص ‪ ،) 48‬فف‪ٙ١‬ا ِض‪٠‬ذ ِٓ األزاد‪٠‬ث ف‪٘ ٟ‬زا اٌثاب ‪.‬‬


‫‪17‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وعرفهم ‪ ‬من أحوال الموت ما ٌكون بعده فً البرزخ وما ٌحص ل‬


‫فٌه من النعٌم والعذاب للروح والبدن ما لم ٌعرؾ به نبً ؼٌره ‪.‬‬

‫وكذلك عرفهم ‪‬من أدلة التوحٌد والنبوة والمعاد والرد على جمٌع‬
‫فرق أهل الكفر والضالل ما لٌس لمن عرفه حاجة من بعده ‪ ،‬اللهم إال‬
‫إلى من ٌبلؽه إٌاه وٌبٌنه وٌوضح منه ما خفً علٌه ‪.‬‬

‫وكذلك عرفهم ‪ ‬من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر‬


‫والظفر ما لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعاٌته لم ٌقم لهم عدو أبداً ‪.‬‬

‫وكذلك عرفهم ‪ ‬من مكاٌد إبلٌس وطرقه التى ٌأتٌهم منها ‪ ،‬وما‬
‫ٌتحرزون به من كٌده ومكره وما ٌدفعون به شره ما ال مزٌد علٌه ‪.‬‬

‫وكذلك عرفهم ‪ ‬من أحوال نفوسهم وأوصافهم ودسابسها وكمابنها‬


‫ما ال حاجة معهم إلً سواه ‪.‬‬

‫وكذلك عرفهم ‪ ‬من أمور معاٌشهم ما لو علموه وعملوه الستقامت‬


‫لهم دنٌاهم أعظم استقامة ‪.‬‬

‫وبالجملة فجاءهم بخٌر الدنٌا واآلخرة برمته ‪ ،‬ولم ٌحوجهم هللا إلى‬
‫)–‬ ‫(‬
‫أح ٍد سواه ‪ ...‬ا هـ كالمه – رحمه هللا تعالى‬

‫ولما قرر الشاطبً – رحمه هللا – هذا األصل‪ ،‬ألزم من نظر فً‬
‫الشرٌعة بأمرٌن بناء على ما تقرر من كمال الدٌن ‪:‬‬

‫) (( ئػالَ اٌّ‪ٛ‬لؼ‪ ، ) 376 -375 /4 ( )) ٓ١‬ؽ ‪ :‬اٌىٍ‪١‬اخ األص٘ش‪٠‬ح ‪ ،‬تسم‪١‬ك ؽٗ ػثذ اٌشؤ‪ٚ‬ف سؼذ ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫– أي الشرٌعة – بعٌن الكمال ال بعٌن‬ ‫أحدهما أن ٌنظر إلٌها‬


‫النقصان وٌعتبرها اعتباراً كلٌا ً من العبادات والعادات وال ٌخرج عنها‬
‫البتة ألن الخروج عنها تٌه وضالل ورم ي فً عماٌة ‪ .‬كٌؾ وقد ثبت‬
‫كمالها وتمامها؟‬

‫فالذابد فً جهتها هو المبتدع بإطالق ‪ ،‬والمنحرؾ عن الجادة إلى‬


‫بنٌات الطرٌق ‪.‬‬

‫والثانً ‪ :‬أن ٌوقن بأنه ال تضاد بٌن آٌات القرآن وال بٌن األخبار‬
‫جار علً مهٌع واحدٍ‪،‬‬
‫النبوٌة وال بٌن أحدهما مع اآلخر ‪ ،‬بل الجمٌع ٍ‬
‫ومنتظم إلى معنى واح ٍد ‪...‬‬

‫إلى أن قال فأما األمر األول فهو الذي أؼفله لمبتدعون ‪ ،‬فدخل علٌهم‬
‫( )‬
‫بسبب ذلك االستدراك فً الشرع ‪ ...‬ا هـ‪.‬‬

‫االعتصام بالمتابعة نجاة‬

‫تكفل هللا تعالً لمن تمسك بالكتاب أال ٌضل فً الدنٌا وال ٌشقى فً‬
‫اآلخرة فقال تعالى ‪:‬‬

‫) (( االػتظاَ )) ( ‪.) 82 /2‬‬


‫‪19‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫اي َفال ٌَضِ ُّل َوال ٌَ ْش َقى‪( ‬طـه‪ :‬من اآلٌة‪)123‬‬


‫‪َ ‬ف َم ِن ا َّت َب َع هُ دَ َ‬

‫قال ابن عباس – رضً هللا عنهما ‪: -‬‬

‫((‬ ‫))‬ ‫((‬


‫ال‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫أجار هللا تابع القرآن من أن ٌضل فً الدنٌا أو ٌشقى‬
‫ٌضل فً الدنٌا وال ٌشقً فً اآلخرة ))‪.‬‬

‫اي َفال ٌَضِ ُّل َوال ٌَ ْش َقى‪( ‬طـه‪ :‬من اآلٌة‪)123‬‬


‫ثم قرأ‪َ ‬ف َم ِن ا َّت َب َع هُدَ َ‬

‫أخرجه – كما فً الدر المنثور ( ‪ : - ) 607/5‬الفرٌابً وسعٌد بن‬


‫منصور وابن أبً شٌبة وعبد بن حمٌد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن‬
‫أبً حاتم والحاكم – وصححه ‪ -‬البٌهقً فً شعب اإلٌمان ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫وفً رواٌة قال ‪:‬‬

‫((‬
‫من تعلم كتاب هللا ثم اتبع ما فٌه ‪ :‬هداه هللا من الضاللة فً الدنٌا ‪،‬‬
‫ووقاه ٌوم الحساب سوء الحساب ))‪.‬‬

‫رواه رزٌن – كما فً مشكاة المصابٌح – ( ‪.) 67/1‬‬

‫وأمر تعالى باالعتصام به فقال ‪:‬‬

‫‪( ‬آل عمران ‪ :‬من‬ ‫‪َ ‬واعْ َتصِ مُوا ِب َحب ِْل َّ ِ‬
‫هللا َجمٌِعا ً َوال َت َفرَّ قُوا‬
‫اآلٌة‪)103‬‬

‫وحبل هللا تعالى هو كتابه ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫))‬ ‫((‬
‫من حدٌث زٌد بن أرقم أن رسول‬ ‫صحٌح مسلم‬ ‫كم ا ثبت فً‬
‫هللا ‪‬قال ‪:‬‬

‫((‬
‫أال وأنً تارك فٌكم ثقلٌن ‪ :‬أحدهما كتاب هللا وهو حبل هللا ‪ ،‬من‬
‫اتبعه كان ه=على الهدى ومن تركه كان على ضاللة ))‪.‬‬

‫سننه ))) عن ابن‬ ‫((‬


‫وأخرج الدارمً فً كتاب فضابل القرآن من‬
‫مسعود – ‪ ، - ‬أنه قال ‪:‬‬

‫((‬
‫إن هذا الصراط محتضر تحضره الشٌاطٌن ‪ٌ ،‬نادون ٌا عبد هللا ‪:‬‬
‫هذا الطرٌق ‪ .‬فاعتصموا بحبل هللا فإن حبل هللا القرآن ))‪.‬‬

‫وأخرج – أٌضا ً – عنه – ‪ – ‬أنه قال ‪:‬‬

‫((‬
‫إن هذا القرآن حبل هللا ‪ ،‬والنور والشفاء النافع ‪ ،‬عصمة لمن‬
‫تمسك به ‪ ،‬ونجاة لمن اتبعه ))‪.‬‬

‫قال الكرمانً علً قوله تعالً ‪:‬‬

‫‪َ ‬واعْ َتصِ مُوا ِب َحب ِْل َّ ِ‬


‫هللا َجمٌِعا ً ‪( ....‬آل عمران‪ :‬من اآلٌة‪)103‬‬

‫‪ ...‬والجامع‬ ‫المراد بالحبل ‪ :‬الكتاب والسنة علً سبٌل االستعارة‬


‫كونهما سببا ً للمقصود الذي هو الثواب كما أن الحبل سببا ً للمقصود من‬
‫( )‬
‫السقً ونحوه )‬

‫كذا قال وقد تعقب ذلك العالمة علً القاري فقال ‪:‬‬

‫) (( اٌثخاس‪ ٞ‬تششذ اٌىشِأ‪ ، ) 28 /25 ( )) ٟ‬ؽ اٌّطثؼح اٌث‪١ٙ‬ح تّظش ‪.‬‬


‫‪21‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫( المشهور أن المراد بحبل هللا هو القرآن ‪ ،‬كما ورد فً بعض‬


‫األحادٌث ‪ .‬واالعتصام به مستلزم بالسنة لقوله تعالى ‪:‬‬

‫(الحشر‪ :‬من‬ ‫( )‬
‫‪َ ‬و َما آ َتا ُك ُم الرَّ سُو ُل َف ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه َفا ْن َتهُوا ‪‬‬
‫اآلٌة‪)7‬‬

‫وفً حدٌث جابر فً صفة حج النبً ‪‬أنه ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫((‬
‫‪ :‬كتاب‬ ‫وإنً قد تركت فٌكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به‬
‫))‬
‫هللا‬

‫رواه مسلم ‪.‬‬

‫قال شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( قاعدة نافعة فً وجوب االعتصام بالرسالة ‪ ،‬وبٌان أن السعادة‬


‫والهدى فً متابعة الرسول ‪، ‬وأن ا لضالل والشقاء فً مخالفته وأن كل‬
‫شر فً العالم مختص بالعبد فسببه مخالفة الرسول أو الجهل بما جاء به ‪،‬‬
‫‪ :‬والرسالة‬ ‫وأن سعادة العباد فً معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة‬
‫ضرورٌة للعباد البد لهم منها ‪ ،‬وحاجتهم إلٌها فوق حاجتهم إلى كل‬
‫شًء ‪ .‬والرسالة روح العالم ونوره وح ٌاته ‪ ،‬فأي صالح للعالم إذا عدم‬
‫الروح والحٌاة والنور ؟‬

‫والدنٌا مظلمة ملعونة إال ما طلعت علٌه شمس الرسالة ‪ .‬وكذلك العبد‬
‫فً ظلمة وهو من األموات ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫) (( ِشلاج اٌّفات‪١‬ر ششذ اٌّشىاج )) ( ‪ ، )365 /1‬ؽ ‪ :‬اٌّىتثح اٌتداس‪٠‬ح ‪.‬‬


‫‪22‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ان َمٌْتا ً َفأَحْ ٌَ ٌْ َناهُ َو َج َع ْل َنا لَ ُه ُنوراً ٌَ ْمشِ ً ِب ِه فًِ ال َّن ِ‬


‫اس َك َمنْ‬ ‫‪‬أَ َو َمنْ َك َ‬
‫ار ٍج ِم ْن َها ‪( ‬األنعام‪ :‬من اآلٌة‪)122‬‬ ‫ت لٌَ َ‬ ‫َم َثلُ ُه فًِ ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬
‫ْس ِب َخ ِ‬

‫فهذا وصؾ المؤمن كان مٌتا ً فً ظلمة الجهل فأحٌاه هللا بروح‬
‫الرسالة ونور اإلٌمان وجعل له نوراً ٌمشً به فً الناس ‪.‬‬

‫وسمً هللا تعالً رسالته روحا ً ‪،‬والروح إذا عدم فقد فقدت الحٌاة ‪،‬‬

‫قال هللا تعالى ‪:‬‬

‫ْك رُ وحا ً ِمنْ أَم ِْر َنا َما ُك ْن َ‬


‫ت َت ْد ِري َما ْال ِك َتابُ َوال‬ ‫‪َ ََ ‬ك َذل َِك أَ ْو َح ٌْ َنا إِلٌَ َ‬
‫األٌ َمانُ َولَ ِكنْ َج َع ْل َناهُ ُنوراً َن ْهدِي ِب ِه َمنْ َن َشا ُء ِمنْ عِ َبا ِد َنا ‪( ‬الشورى‪ :‬من‬
‫ِْ‬
‫اآلٌة‪)52‬‬

‫الحٌاة والنور‬ ‫فذكر هنا األصلٌن ‪ ،‬وهما الروح والنور ‪ ،‬فلروح‬


‫النور ‪...‬‬

‫وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثٌر من حاجة المرٌض إلى الطب‬
‫فإن آخر ما ٌقدر بعدم الطبٌب ‪ :‬موت األبدان ‪ .‬وأما إذا لم ٌحصل للعبد‬
‫نور الرسالة وحٌاتها ‪ :‬مات قلبه موتا ً ال ٌرجى الحٌاة معه أبداً أو شقً‬
‫إال بإتباع الرسول ‪ ،‬فإن هللا خص‬ ‫شقاوة ال سعادة معها أبداً فال فالح‬
‫بالفالح أتباعه المؤمنٌن وأنصاره ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬

‫ور الَّذِي أ ُ ْن ِز َل َم َع ُه‬ ‫‪َ ‬فالَّذ َ‬


‫ٌِن آ َم ُنوا ِب ِه َو َع َّزرُ وهُ َو َن َ‬
‫صرُ وهُ َوا َّت َبعُوا ال ُّن َ‬
‫أُولَب َ‬
‫ِك ُه ُم ْال ُم ْفلِحُ َ‬
‫ون‪( ‬ألعراؾ‪ :‬من اآلٌة ‪) 157‬‬

‫أي ال مفلح إال هم‬


‫‪23‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫كما قال تعالى ‪:‬‬

‫ُون إِلَى ْال َخٌ ِْر َو ٌَأْمُرُ َ‬


‫ون ِب ْال َمعْ ُروؾِ َو ٌَ ْن َه ْو َن‬ ‫‪َ ‬و ْل َت ُكنْ ِم ْن ُك ْم أُم ٌَّة ٌَ ْدع َ‬
‫ون‪( ‬آل عمران‪)104:‬‬ ‫َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َوأُولَب َ‬
‫ِك ُه ُم ْال ُم ْفلِحُ َ‬

‫فخص هؤالء بالفالح كما خص المؤمنٌن الذٌن ٌؤمنون بالؽٌب‬


‫وٌقٌمون الصالة وٌنفقون مما رزقهم وٌؤمنون بما أنزل إلى رسوله وما‬
‫‪ :‬بالهدى والفالح دابر حول ربع‬ ‫أنزل من قبله ‪ ،‬وٌوقنون باآلخرة‬
‫) ا هـ‪.‬‬ ‫(‬
‫الرسالة وجوداً وعدما ً )‬

‫وقد تتابعت وصاٌا السلؾ – ‪ –‬باالعتصام بالكتاب والسنة ‪.‬‬

‫– كتاب االعتصام‬ ‫فمن ذلك ما جاء فً كتاب صحٌح البخاري‬


‫بالكتاب والسنة ‪ : -‬عن أبً برزة ‪ – ‬أنه قال ‪:‬‬

‫(( إن هللا ٌؽنٌكم – أو نعشكم – باإلسالم وبمحمد ‪. ))‬‬

‫قال أبو عبد هللا وقع هنا (( ٌؽنٌكم ))وإنما هو (( نعشكم )) ‪.‬‬

‫وأخرج محمد بن نصر فً (( السنة )) ( ص ‪ ، ) 28‬عن أبً الدرداء‬


‫– ‪ – ‬أنه قال ‪:‬‬

‫(( ‪ ...‬لن تخطا الطرٌق ما اتبعت اآلثر ))‪.‬‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪ ، ) 97 -93 /19 ( )) ٜٚ‬تتظشف‪.‬‬


‫‪24‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وقال الزهري – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫(( كان من مضى من علمابنا ٌقول ‪ :‬االعتصام بالسنة نجاة ))‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫‪ ،‬والاللكابً ‪ ،‬واألجري فً‬ ‫سننه‬ ‫رواه الدارمً فً‬
‫(( الشرٌعة )) ( ص ‪. ) 314‬‬

‫وأخرج البٌهقً بسنده عن مالك أنه قال ‪:‬‬

‫(( السنة سفٌنة نوح من ركبها نجا ‪،‬ومن تخلؾ عنها ؼرق ))‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫لإلمام الدارمً ( ص ‪ ) 145‬عن‬ ‫الرد على المرٌسً‬ ‫وفً‬
‫شرٌح وابن سٌرٌن أنهما قاال ‪ (( :‬لن نضل ما تمسكنا باألثر ))‪.‬‬

‫وأخرج الاللكابً ( ‪ ) 64/1‬عن األوزعً أنه قال ‪:‬‬

‫(( ندور مع السنة حٌث دارت )) وقال عبد هللا بن عتبة بن مسعود ‪:‬‬

‫))‬
‫(( إنك لن تخطا الطرٌق ما دمت علً اآلثر‬

‫ذكره ابن أبً ٌعلً فً (( الطبقات )) ( ‪. ) 71/1‬‬

‫((‬
‫البدع‬ ‫( ‪ ، )19/5‬وابن وضاح فً‬ ‫وأخرج أبو داود فً سننه‬
‫))‬
‫( ص ‪ ، ) 30‬وأبو نعٌم فً الحلٌة ( ‪ ) 338/5‬عن عمر‬ ‫والنهً عنها‬
‫بن عبد لعزٌز أنه قال ‪:‬‬

‫(( علٌك بلزوم السنة فإنها لك بإذن هللا عصمة ))‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫التحذير من االبتداع‬

‫وبيان دخوله في العبادات والعادات‬

‫((‬ ‫))‬ ‫((‬


‫العبادات )‪، 9‬‬ ‫كدخولها فً‬ ‫العادات‬ ‫موضوع دخول البدع فً‬
‫له تعلٌق كبٌر بمسألتنا هذه ‪.‬‬

‫ولذا فإنً سأتكلم عن هذا الموضوع فً إطار التمهٌد للدخول فً‬


‫المسألة ‪ ،‬قم أبٌن وجوب الحذ ر من الوقوع فً البدع عموما ً فً العبادات‬
‫أو العادات ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬

‫البدعة ‪ :‬كل ترك أو فعل نٌة التعبد هلل تعالى مما لٌس فً الدٌن هذا‬
‫هو الضابط المختار الذي رجحه الشاطبً – رحمه هللا تعالى ‪ ، -‬وصاؼه‬
‫بالصٌاؼة اآلتٌة فقال ‪:‬‬

‫( البدعة ‪ :‬طرٌقة فً الدٌن مخترعة تضاهً ال شرٌعة ‪ٌ ،‬قصد‬


‫( )‬
‫بالسلوك علٌها ما ٌقصد بالطرٌقة الشرعٌة )‬

‫وهذا التعرٌؾ هو على رأي من قال بدخول االبتداع فً األمور‬


‫العادٌة كدخوله فً األمور العبادٌة – ودخول البدع فٌها إنما هو من جه‬
‫ما فٌها من التعبد ال بإطالقه – وهذا هو الصحٌح ‪.‬‬

‫أما دخول االبتداع فً األم ور العبادٌة فواضح ‪.‬‬

‫) (( االػتظاَ )) ( ‪ ، )51 /1‬ؽ ‪ :‬داس اتٓ ػفاْ ‪.‬‬


‫‪26‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وأما دخوله فً األمور العادٌة فقد شرح هذا المعنى شٌخ اإلسالم ابن‬
‫تٌمٌة – رحمه هللا تعالى ‪ ، -‬فقال بعد كالم سبق ‪:‬‬

‫( فهذا أصل عظٌم تجب معرفته واالعتناء به ‪:‬‬

‫ت‪.‬‬
‫وهو ‪ :‬أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحا ٍ‬

‫ت وال مستحبات منها بمنزلة جعل ما لٌس فً‬


‫فأما إذا اتخذت واجبا ِ‬
‫المحرمات منها ‪.‬‬

‫فال حرام إال ما حرمه هللا ‪ ،‬وال دٌن إال ما شرعه هللا ‪.‬‬

‫ولهذا عظم ذم هللا فً القرآن لمن شرع دٌنا ً لم ٌأذن هللا به ‪ ،‬ولمن‬
‫حرم ما لم ٌأذن هللا بتحرٌمه ‪ ،‬فإذا كان هذا فً المباحات فكٌؾ‬
‫بالمكروهات والمحرمات ؟‬

‫إلى أن قال ‪:‬‬

‫إذا كان المسلمٌن متفقٌن على أنه ال ٌجوز ألحد أن ٌعتقد أو ٌقول‬
‫عمل ‪ ،‬إنه قربة وطاعة وبر وطرٌق إلى هللا واجب أو مستحب إال‬
‫ٍ‬ ‫عن‬
‫أن ٌكون مما أمر هللا به ورسوله ‪ .‬وذلك ٌعلم باألدلة المنصوصة على‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫وما علم باتفاق األمة أنه لٌس بواجب وال مستحب و ال قربة لم ٌجز‬
‫أن ٌعتقد أو ٌقال ‪ :‬أنه قربة وطاعة ‪.‬‬

‫فكذلك هم متفقون على إنه قربة وطاعة ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فكذلك هم متفقون على أنه ال ٌجوز قصد التقرب به إلى هللا ‪ ،‬وال‬
‫التعبد به وال اتخاذه دٌنا ً ‪ ،‬وال عمله من الحسنات ‪ ،‬فال ٌجوز جعله من‬
‫الدٌن ال باعتقاد وقول ‪ ،‬وال بإرادة وعمل ‪.‬‬

‫وبإهمال هذا األصل ؼلط خلق كثٌر من العلماء والعباد ٌرون الشًء‬
‫إذا لم ٌكن محرما ً ال ٌنهى عنه ‪ ،‬بل ٌقال أنه جابز ‪.‬‬

‫وال ٌفرقون بٌن اتخاذه دٌنا ً وطاعة وبراً وبٌن استعماله كما تستعمل‬
‫المباحات المحضة ‪.‬‬

‫ومعلوم ان اتخاذه دٌنا ً باالعتقاد أو االقتصاد ‪ ،‬أو بهم ا ‪ ،‬أو بالقول أو‬
‫بالعمل ‪ ،‬أو بهما ‪ :‬من أعظم المحرمات ‪ ،‬وأكبر السٌبات ‪.‬‬

‫وهذا من البدع المنكرات التً هً أعظم من المعاصً التً ٌعلم أنها‬


‫( )‬
‫معاصى وسٌبات‬

‫وقد أٌد الشاطبً – رحمه هللا تعالى – القول بدخول البدع فً‬
‫العادات بحجج ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫( أن األمور العادٌة داخ لة ضمن الخطاب الشرعً ‪ ،‬وضمن المعنى‬


‫العام للعبادة ‪ .‬ولذلك فإن المباح أحد أقسام الحكم التكلٌفً ‪ ،‬ألنه إنما ثبت‬
‫كونه مباحا ً بالدلٌل الشرعً‪.‬‬

‫)‬ ‫وقد تكرر أن كل ما ٌتعلق به الخطاب الشرعً ٌتعلق به االبتداع‬


‫( )‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪. )452 -450 /11 ( )) ٜٚ‬‬


‫) (( االػتظاَ )) ( ‪.)60 /1‬‬
‫‪28‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ومنها أن ‪ ( :‬األمور المشروعة تارة تكون عبادٌة وتارة تكون عادٌة‬


‫‪ ،‬فكالهما مشروع من قبل الشارع فكما تقع المخالفة بالبتداع فً أحدهما‬
‫( )‬
‫تقع فً اآلخر )‬

‫ومنها أن ‪:‬‬

‫( أفعال المكلفٌن إما أن تكون من قبٌل التعبدٌات ‪ ،‬وإما أن تكون من‬


‫قبٌل العادات والمعامالت ‪.‬‬

‫وقد تقرر باألدلة الشرعٌة أنه البد فً كل عادي من شاببة تعب ٍد لكونه‬
‫مقٌداً بأوامر الشرع إلزاما ً أو تخٌٌراً أو إباحة‪.‬‬

‫وعلٌه ‪ :‬فالبدع تدخل فً األمور العادٌة من الوجه العبادي المتعلق‬


‫بها ) ( )‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وهذا الذي قرره الشاطبً ‪ ،‬وعقد له بابا ً مستقالً فً كتابه‬


‫)) ( )‬ ‫((‬
‫وهو الذي قامت علٌه األدلة وجاء عن السلؾ الصالح‬ ‫االعتصام‬
‫– ‪. -‬‬

‫فمن ذلك ما رواه الشٌخان عن أنس بن مالك – ‪ – ‬قال ‪:‬‬

‫فمن ذلك ما رواه الشٌخان عن انس بن مالك – ‪ – ‬قال ‪:‬‬

‫) (( االػتظاَ )) ( ‪. ) 562 /2‬‬


‫) ((‪.‬االػتظاَ )) ( ‪) 570 /2‬‬
‫) ٘‪ ٛ‬اٌثاب اٌساتغ ‪ :‬ف‪ ٟ‬االتتذاع ‪٠ ٛ٘ٚ‬ذخً ف‪ ٟ‬األِ‪ٛ‬س اٌؼاد‪٠‬ح أَ ‪٠‬ختض تاألِ‪ٛ‬س ٌؼثاد‪٠‬ح ؟‬
‫( ‪ ، ) 561 /2‬ؽ داس اتٓ ػفاْ ‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫جاء ثالثة رهط إلً بٌوت أزواج النبً ‪ٌ ،‬سألون عن عبادته فلما‬
‫أخبروا كأنهم تقالوها ‪ .‬فقالوا وأٌن نحن من النبً ‪ ،‬قد ؼفر له ما تقدم‬
‫من ذنبه وما تأخر ‪.‬‬

‫قال أحدهم ‪ :‬أما أنا فإنً أصلً اللٌل أبداً ‪.‬‬

‫وقال اآلخر ‪ :‬أنا أصوم الدهر وال أفطر ‪.‬‬

‫وقال اآلخر ‪ :‬أعتزل النساء فال أتزوج أبداً ‪.‬‬

‫فجاء الرسول ‪ ‬فقال ‪:‬‬

‫((‬
‫أنتم الذٌن قلتم كذا وكذا ‪ ،‬أما وهللا إنً ألخشاكم هلل وأتقاكم له لكنً‬
‫أصوم وأفطر وأصلً وأ رقد وأتزوج النساء ‪ ،‬فمن رؼب عن سنتً فلٌس‬
‫منً ))‪.‬‬

‫وفً لفظ لمسلم ‪:‬‬

‫((‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬ال أتزوج النساء ‪ ،‬وقال بعضهم ال آكل اللحم‪ ،‬وقال‬
‫فراش ‪ ) ..‬الحدٌث‬
‫ٍ‬ ‫بعضهم ال أنام على‬

‫ومن ذلك أٌضا ً – ما أخرجه البخاري عن ابن عباس ‪ –‬قال ‪:‬‬

‫بٌنما النبً ‪ٌ ‬خطب إذا هو برجل قا بم ‪ ،‬فسأل عنه فقالوا ‪ :‬أبو‬


‫إسرابٌل نذر أن ٌقوم وال ٌقعد ‪ ،‬وال ٌستظل وال ٌتكلم ‪ ،‬وٌصوم فقال‬
‫النبً ‪. ‬‬

‫( مره فلٌتكلم ‪ ،‬ولٌستظل ‪ ،‬ولٌقعد ‪ ،‬ولٌتم صومه ))‪.‬‬


‫‪30‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫قال شٌخ اإلسالم ‪:‬‬

‫( فأما الصمت الدابم فبدعة منهً عنها ‪ ،‬وكذلك االمتناع عن أكل‬


‫( )‬
‫الخبز واللحم وشرب الماء ‪ :‬فذلك من البدع المذمومة أٌضا ً )‬

‫وقال – أٌضا ً على هذا الحدٌث ‪ ( :‬فأمره النبً ‪ ‬بالصوم وحده ألنه‬
‫عبادة ٌحبها هللا تعالى ‪ ،‬عداه لٌس بعبادة وإن ظنها الظان تقربه إلى هللا‬
‫تعالى ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫ومن ذلك – أٌضا ً – ما أخرجه البخاري عن قٌس بن أبً حازم‬


‫قال ‪ :‬دخل أ بو بكر على امرأة من أحمس ٌقال لها زٌنب ‪ ،‬فرآها ال‬
‫تتكلم ‪ .‬فقال ما لها ال تتكلم ‪ .‬قالوا ‪ :‬حجت مصمتة قال لها ‪ :‬تكلمً فهذا‬
‫ال ٌحل فهذا من عمل الجاهلٌة ‪.‬‬

‫قال الشاطبً تعلٌقا ً علً قول اإلمام مالك ‪:‬‬

‫( فتأمل كٌؾ جعل القٌام فً الشمس ‪ ،‬وترك الكالم ونذر المشً إلً‬
‫الشام أو مصر معاصً ‪ ...‬مع أنها فً أنفسها أشٌاء مباحات ‪ ،‬لكنه لما‬
‫( )‬
‫)‬ ‫أجراها لما ٌتشرع به وٌدان هللا به صارت عند مالك معاصً هلل‬
‫اهـ‪.‬‬

‫وقال شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( إن اتخاذ لبس الصوؾ عبادة وطرٌقا ً إلً عبادة هللا بدعة ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫) (( اٌفتا‪.)200 /11 ( )) ٜٚ‬‬


‫) ((اٌفتا‪. )614 /11 ( )) ٜٚ‬‬
‫) (( االػتظاَ ))‪ٌٍ ،‬شاؽث‪.) 534 /2 ( ٟ‬‬
‫) (( اٌفتا‪.)555 /11 ( ) ٞٚ‬‬
‫‪31‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فتقرر بذلك أن البدع تدخل فً األمور العادٌة والمعامالت كما تدخل‬


‫فً العبادات‪.‬‬

‫فترك أكل اللحم مباح ‪ .‬لكن إن قصد به القربة صار عمله بدعة ‪،‬‬
‫إذ ‪ ( :‬ال معنى للبدعة إال أن ٌكون الفعل فً اعتقاده المبتدع مشروعا ً‬
‫( )‬
‫ولٌس بمشروع )‬

‫معٌن ‪ ،‬فهذا مباح ‪ .‬لكن إن قصد القربة بذلك‬


‫ٍ‬ ‫وكذلك لبس ثوبا ً بلون‬
‫صار عمله بدعة ممقوتة ‪.‬‬

‫وقد توافرت النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلؾ فً ذم البدع‬


‫والتحذٌر منها ‪:‬‬

‫فمن الكتاب قول هللا تعالى ‪:‬‬

‫ب َوأ ُ َخ ُر‬ ‫ات هُنَّ أ ُ ُّم ْال ِك َتا ِ‬ ‫ات مُحْ َك َم ٌ‬‫اب ِم ْن ُه آ ٌَ ٌ‬ ‫‪‬ه َُو الَّذِي أَ ْن َز َل َعلٌَ َ‬
‫ْك ْال ِك َت َ‬
‫ُون َما َت َشا َب َه ِم ْن ُه ا ْبت َِؽا َء ْال ِف ْت َن ِة‬ ‫ٌِن فًِ قُلُ ِ‬
‫وب ِه ْم َزٌ ٌْػ َف ٌَ َّت ِبع َ‬ ‫ات َفأَمَّا الَّذ َ‬
‫ُم َت َش ِاب َه ٌ‬
‫َوا ْبت َِؽا َء َتأْ ِوٌلِ ِه َو َما ٌَعْ لَ ُم َتأْ ِوٌلَ ُه إِ َّال َّ‬
‫هللاُ ‪( ‬آل عمران‪)7:‬‬
‫‪ ،‬رسول هللا ‪‬عن هذه اآلية‬ ‫وقد سألت عابشة – رضً هللا عنها ‪-‬‬
‫فقال ‪‬‬

‫((‬
‫إذا رأٌت الذٌن ٌتبعون ما تشابه منه ‪ ،‬فأولبك الذٌن سمى هللا‬
‫فاحذروهم ))‪ .‬رواه الشٌخان ‪.‬‬

‫) (( االعتظاَ ))‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وقد نص جماعة من الصحابة على أن الخوارج دخلون فً عموم‬


‫هذه اآلٌة – كما جاء عن ابن عباس وأبً أمامة – مما ٌدل على أنها فً‬
‫أهل البدع ‪.‬‬

‫ومن اآلٌات قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪َ ‬وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ً مُسْ َتقٌِما ً َفا َّت ِبعُوهُ َوال َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ َق ِب ُك ْم‬
‫ون‪( ‬األنعام‪)153:‬‬ ‫َعنْ َس ِبٌلِ ِه َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم ِب ِه لَ َعلَّ ُك ْم َت َّت ُق َ‬
‫الصراط المستقٌم هو سبٌل هللا الذي دعا إلٌه وهو السنة‪.‬‬

‫والسبل هً ‪ :‬سبل أهل البدع الحابدٌن عن الصراط المستقٌم ‪.‬‬

‫ٌدل على ذلك ما ثبت عن ابن مسعود – ‪ – ‬قال ‪ :‬خط لنا رسول‬
‫هللا ‪ ‬خطا ً ثم خط عن ٌمٌنه وعن شماله خطوطا ً ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫وقرأ ( وأن هذا‬ ‫هذه سبل على كل سبٌل منها شٌطان ٌدعوا إلٌه‬
‫))‬
‫‪ .‬رواه أحمد والنسابً والدارمً ‪،‬‬ ‫صراطً مستقٌما ً فاتبعوه ‪ )..‬اآلٌة‬
‫وصححه الحاكم فً المستدرك ( ‪) 318/2‬‬

‫الحلٌة )) ( ‪ ) 293/3‬عن مجاهد – رحمه هللا‬ ‫((‬


‫وأخرج أبو نعٌم فً‬
‫‪ ، -‬أنه قال فً قوله تعالى ‪ ( :‬وال تتبعوا السبل ) ‪:‬‬

‫))‬
‫(( البدع والشبهات‬

‫قال علً القارئ – رحمه هللا ‪ ، -‬على حدٌث ابن مسعود ‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫( فٌه إشار ة إلى أن سبٌل هللا وسط ولٌس فٌه تفرٌط وال إفراط بل‬
‫فٌه ‪ :‬التوحٌد واالستقامة ومراعاة الجانبٌن فً الجادة ‪.‬‬

‫وسبل أهل البدع مابلة إلى الجوانب ‪ ،‬وفٌها ‪ :‬تقصٌر وؼلو ‪،‬ومٌل‬
‫وانحراؾ وتعدد واختالؾ ) ( ) ‪.‬‬

‫ومن اآلٌات قوله تعالى ‪:‬‬

‫مْر ِه أَنْ ُتصِ ٌ َب ُه ْم ِف ْت َن ٌة أَ ْو ٌُصِ ٌ َب ُه ْم َع َذابٌ‬‫َ‬ ‫‪َ ‬ف ْل ٌَحْ َذ ِر الَّذ َ‬


‫ٌِن ٌ َُخالِؾُ َ‬
‫ون َعنْ أ ِ‬
‫أَلٌِ ٌم‪( ‬النور‪ :‬من اآلٌة‪)63‬‬

‫قال اإلمام أحمد – رحمه هللا تعالى – ‪:‬‬

‫( عجبت لقوم عرفوا اإلسناد وصحته ‪ ،‬وٌذهبون على رأي سفٌان‬


‫ون َعنْ أَم ِْر ِه أَنْ ُتصِ ٌ َب ُه ْم ِف ْت َن ٌة أَ ْو‬ ‫وهللا تعالى ٌقول ‪َ  :‬ف ْل ٌَحْ َذ ِر الَّذ َ‬
‫ٌِن ٌ َُخالِفُ َ‬
‫ٌُصِ ٌ َب ُه ْم َع َذابٌ أَلٌِ ٌم ‪( ‬النور‪ :‬من اآلٌة‪)63‬‬

‫أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة ‪ :‬الشرك ‪ .‬لعله إذا رد بض قوله أن ٌقع فً‬


‫))‬ ‫((‬
‫‪:‬‬ ‫اإلبانة‬ ‫) أخرجه ابن بطة فً‬ ‫قلبه شًء من الزٌػ فٌهلك‬
‫( ‪.)260/1‬‬

‫قال الحافظ ابن كثٌر – رحمه هللا تعالً ‪ ( : -‬فلٌحذر الذٌن ٌخالفون‬
‫عن أمره )‬

‫أي ‪ :‬أمر رسول هللا ‪ ،‬وهو سبٌله ومنهجه وطرٌقته وسنته‬


‫وشرٌعته ‪ ،‬فتوزن األقوال واألعمال بأقواله وأعماله‪ ،‬فما وافق ذلك قبل ‪،‬‬

‫) (( ششذ اٌّشىاج )) ( ‪.)411 /1‬‬


‫‪34‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وما خالفه فهو مردود على قابله وفاعله كابنا ً من كان ‪ ..‬فٌحذر ولٌخش‬
‫من خالؾ شرٌعة الرسول باطنا ً وظاهراً ‪.‬‬

‫( أن تصبهم فتنة )‬

‫( )‬
‫اهـ‪.‬‬ ‫كفر أو نفاق أو بدعة )‬
‫أي ‪ :‬فً قلوبهم من ٍ‬

‫بقتل أو حد أو حبس أو‬


‫( أو ٌصٌبهم عذاب ألٌم ) ‪ :‬أي ‪ :‬فً الدنٌا ‪ٍ ،‬‬
‫نحو ذلك ‪.‬‬

‫***‬

‫أما األحادٌث عن رسول هللا ‪ ‬فً هذا الباب فكثٌرة منها ‪:‬‬

‫ما رواه الشٌخان عن أنس – ‪ – ‬عن النبً ‪ ‬أنه قال ‪:‬‬

‫))‬
‫(( من رؼب عن سنتً فلٌس منً‬

‫ومنها م أخرجاه – أٌضا ً‪ -‬عن عبد هللا بن مسعود – ‪ ، - ‬قال ‪:‬‬


‫قال رسول هللا ‪:‬‬

‫((‬
‫أنا فرطكم علً الحوض ‪ ،‬ولٌختجلن رجال دونً ‪ ،‬فأقول ٌا رب‬
‫أصحابً ‪ .‬فٌقال إنك ال تدري ما أحدثوا بعدك ))‪.‬‬

‫) (( ششذ اٌّشىاج )) ( ‪.)411 /1‬‬


‫‪35‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وعن جابر ‪ – ‬قال ‪ :‬قال رسول هللا ‪:‬‬

‫((‬
‫أما بعد ‪ ،‬فإن خٌر الحدٌث كتاب هللا ‪،‬وخٌر الهدى هدي محمد ‪،‬‬
‫وشر األمور محدثاتها وكل بدع ٍة ضاللة ))‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫‪ ،‬وسندها‬ ‫وكل ضاللة فً النار‬ ‫رواه مسلم والنسابً ‪ ،‬زاد ‪:‬‬
‫صحٌح ‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫عن أبً هرٌرة – ‪ – ‬قال ‪ :‬قال‬ ‫صحٌحه‬ ‫وروى مسلم فً‬
‫رسول هللا ‪: ‬‬

‫((‬
‫من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه ‪ ،‬وال‬
‫ٌنقص من أجورهم شٌبا ً ‪ .‬ومن دعا إلى ضاللة كان علٌه من اإلثم مثل‬
‫آثام من تبعه ال ٌنقص ذلك من آثامهم شٌبا ً )) ‪.‬‬

‫وفً حدٌث العرباض بن سارٌة – ‪ ، -‬أن النبً ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫((‬
‫‪ ...‬فإنه من ٌعش منكم بعدي فسٌرى ا ختالفا ً كثٌراً ‪ ،‬فعلٌكم بسنتً‬
‫وسنة الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن ‪ ،‬تمسكوا بها ‪ ،‬وعضوا علٌها بالنواجذ ‪،‬‬
‫))‪.‬‬ ‫وإٌاكم ومحدثات األمور ‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة‬
‫رواه أحمد وأبو داود ‪.‬‬

‫***‬

‫أما اآلثار عن السلؾ فً هذا الباب فهً ال تحصى منها قول ابن‬
‫عمر – رضي هللا عنهما ‪: -‬‬

‫‪36‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫((‬
‫‪ ‬وشر األمور محدثاتها ‪ .‬اتبعوا وال‬ ‫خٌر الدٌن دٌن محمد‬
‫تبتدعوا ‪ ،‬فإنكم لن تضلوا ما اتبعتم اآلثر ‪ .‬إن تتبعونا فقد سبقناكم سبقا ً‬
‫بعٌداً ‪ ،‬وأن تخالفونا فقد ضللتم ضالالً بعٌداً ‪ .‬وما أحدثت أمة فً دٌنها‬
‫بدعة إال رفع هللا عنهم سنة هدى ثم ال تعود فٌهم أبداً وألن أرى فً ناحٌة‬
‫المسجد ناراً تشتعل فٌه احتراقا ً ‪ ،‬أحب على من أن أرى بدعة لٌس فٌه‬
‫لها مؽٌر ))‪.‬‬

‫أخرجه محمد بن نصر فً كتاب (( السنة )) ( ص ‪. ) 24‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫( ‪ ) 339/1‬عن معاذ بن جبل – ‪‬‬ ‫اإلبانة‬ ‫وروى ابن بطة فً‬
‫– أنه قال ‪:‬‬

‫إن ما ابتدع ضالل ))‪.‬‬


‫(( إٌاكم وما ابتدع ‪ ،‬ؾ‬

‫وفً (( السنة )) لمحمد بن نصر ( ص ‪ ) 24‬عن عباس – رضً هللا‬


‫عنهما – أنه قال ‪:‬‬

‫))‬
‫(( علٌكم باالستقامة واتباع األمراء واآلثر ‪ ،‬وإٌاكم والتبدع‬

‫))‬ ‫((‬
‫(ص‬ ‫السنة‬ ‫وأخرج الاللكابً ( ‪ ، ) 92/1‬ومحمد بن نصر فً‬
‫‪ ،) 24‬والبٌهقً فً المدخل ( ص ‪ ، ) 180‬عن ابن عمر – رضً هللا‬
‫عنهما ‪ ، -‬أنه قال ‪:‬‬

‫))‬
‫(( كل بدعة ضاللة وإن رآها الناس حسنة‬

‫السنن )) ( ‪ ) 316/4‬عن ابن عباس – ‪، - ‬‬ ‫((‬


‫وأخرج البٌهقً فً‬
‫أنه قال ‪:‬‬
‫‪37‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫(( إن أبؽض األمور إلى هللا تعالى البدع ))‪.‬‬

‫((‬
‫البدعة‬ ‫وأخرج الاللكابً ( ‪ ) 132/1‬عن سفٌان الثوري ‪ ،‬أنه قال‬
‫أحب إلى إبلٌس من المعصٌة ‪ ،‬والمعصٌة ٌتاب منها ‪ ،‬والبدعة ال ٌتاب‬
‫منها )) ‪.‬‬

‫وجاء فً ترجمة إبراهٌم النخعً – رحمه هللا – من كتاب الحلٌة‬


‫ألبً نعٌم ( ‪ ) 222/4‬أنه سبل عن األهواء ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫((‬
‫خٌر وما األمر إال األمر‬
‫ٍ‬ ‫من‬ ‫خردل‬ ‫من‬ ‫حبة‬ ‫مثقال‬ ‫فٌها‬ ‫هللا‬ ‫جعل‬ ‫ما‬
‫األول ))‪.‬‬

‫وقال اإلمام الشافعً – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫((‬
‫ألن ٌلقً هللا العبد بكل ذنب ما خال الشرك ‪ :‬خٌر له من أن ٌلقاه‬
‫بشًء من األهواء )) ‪.‬‬

‫ذكره بهذا اللفظ البؽوي فً شرح السنة )) ( ‪) 271/1‬‬

‫وقال إمام أهل السنة اإلمام أحمد – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫((‬
‫أصول السنة عندنا ‪ :‬التمسك بما كان علٌه أصحاب رسول هللا ‪‬‬
‫واالقتداء بهم ‪،‬وترك البدع ‪،‬وكل بدعة ضاللة ))‪.‬‬

‫أسنده ابن أبً ٌعلً فً (( الطبقات )) ( ‪ ) 241/1‬فً ترجمة عبدوس‬


‫بن مالك العطار ‪.‬‬

‫***‬
‫‪38‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وسائل الدعوة توقيفية‬

‫لة‬ ‫سبق ن بٌنا مشروعٌة الدعوة وحكمها وأنها عبادة عظٌمة جلً‬
‫وذكرنا شروط وصحة العبادة التً ٌتوقؾ قبولها علٌها ‪.‬‬

‫كما ذكرنا ما ٌؤٌد وٌثبت دخول البدع ي العادٌات على جهة التعبد ‪.‬‬

‫وبعد هذا التمهٌد الموجز ندخل فً صلب موضوع الرسالة فنقول ‪:‬‬

‫إن مسألة توقٌفٌة وسابل الدعوة أو عدم توقٌفٌتها مسألة تنازع فٌها‬
‫طابفتان من العلماء المعاصرٌن ‪.‬‬

‫فذهب طابفة إلى أن وسابل الدعوة اجتهادٌة لٌست علً التوقٌؾ‬


‫فللداعى أن ٌختار ما ٌراه مناسبا ً من الوسابل التً تحقق اإلصالح‬
‫واالهتداء للمدعوٌن ‪ ،‬ولو لم تكن وسٌلة من وسابل الدعوة التً قام بها‬
‫النبً ‪ ‬وصحابته الكرام‪.‬‬

‫وهذا القول ٌفسر أحد تفسٌري ن وبكل واح ٍد من التفسٌرٌن أخذ‬


‫جماعة ‪.‬‬

‫التفسير األول ‪:‬‬

‫ب ٌوصل إلى‬
‫أن ٌكون المراد من هذا القول ‪ :‬أن كل طرٌق وأسلو ٍ‬
‫الؽاٌة – وهً إصالح العباد – ٌصح للداعً أن ٌسلكه ولو قد ورد‬
‫الشرع بالنهً عنه والمنع منه ما دام ٌحقق تلك المصلحة ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وهذا القول على هذا التفسٌر ه و ما ٌعرؾ باعتبار المصلحة التى‬


‫شهد الشرع بإلؽابها ‪ .‬هو قول باطل ‪ ،‬ألن فً اعتبارها مخالفة لنصوص‬
‫الشرع بالمصلحة ‪.‬‬

‫( وفتح هذا الباب ٌؤدي إلى تؽٌٌر جمٌع حدود الشرابع ونصوصها )‬
‫( )‬

‫وما مستند هذا القول إال القاعدة الٌهودٌة الحاكمة بأن الؽاٌة تبرر‬
‫الوسٌلة )) قال تعالى ‪:‬‬

‫ب آ ِم ُنوا ِبالَّذِي أ ُ ْن ِز َل َعلَى الَّذ َ‬


‫ٌِن آ َم ُنوا‬ ‫ت َطا ِب َف ٌة ِمنْ أَهْ ِل ْال ِك َتا ِ‬
‫‪َ ‬و َقالَ ْ‬
‫ار َو ْاكفُرُ وا آخ َِرهُ لَ َعلَّ ُه ْم ٌَرْ ِجع َ‬
‫ُون‪( ‬آل عمران‪)72:‬‬ ‫َوجْ َه ال َّن َه ِ‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫بقصد الدعوة إلى هللا‬ ‫البرلمانات الكافرة‬ ‫تجوٌز الدخول على‬
‫تعالً ‪،‬وإصالح لعباد والبالد ‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫هو فً‬ ‫تلك البرلمانات الكافرة‬ ‫ومن المعلوم أن الدخول فً‬
‫حقٌقته تضٌٌع لمقاصد الشرع فً الضرورٌات فضالً عن الحاجٌات‬
‫فضالً عن التحسٌنٌات ‪ .‬إذ هو هدم للدٌن من أساسه ‪ ،‬وتنازل عن أسمى‬
‫( )‬
‫ؼاٌاته ‪ ،‬وهً تحقٌق توحٌد هللا تعالى‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪ -‬أٌضا ً ‪: -‬‬

‫) (( اٌّستظف‪ٌٍ ، )) ٟ‬غضاٌ‪ ، ) 139 /1 ( ٟ‬ؽ‪ :‬اٌسٍث‪. ٟ‬‬


‫) ٌ‪١‬س ٘زا اٌّ‪ٛ‬ػغ ِ‪ٛ‬ػغ ٌثسؾ ٘زٖ اٌّسأٌح ‪ٚ،‬ئّٔا اٌّشاد ٕ٘ا ِدشد اٌتّث‪ٌٚ ً١‬ثسؾ ٘زٖ اٌّسأٌح‬
‫ِ‪ٛ‬ػغ آخش ئْ شاء هللا تؼاٌ‪. ٝ‬‬
‫‪40‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫تجوٌز الرقص والؽناء واإلضرار بالمسلم واالفتراء علٌه وحلق‬


‫اللحى وإسبال الثٌاب ‪ ....‬فً سبٌل الدعوة إلى هللا تعالى !!‬

‫التفسير الثاني ‪:‬‬

‫أن ٌكون المراد من هذا القول ‪ :‬أن كل طرٌق وأسلوب ٌوصل إلى‬
‫الؽاٌة – وهً إصالح العباد – ٌصح للداعً أن ٌسلكه ‪ ،‬بشرط عدم‬
‫ورود إلؽابه فً الشرع ‪.‬‬

‫والقول على هذا التفسٌر هو ما ٌعرؾ بالمصالح التً سكتت عنها‬


‫الشواهد الخاصة ‪ ،‬فلم تشهد باعتبارها وال بإلؽابها ‪.‬‬

‫ولكً ٌكون الكالم على ذلك القول بهذا التفسٌر واضحا ً جلٌا ً ٌجب أن‬
‫ٌعلم أن ما سكتت عنه الشواهد الخ اصة ‪ ،‬فلم تشهد باعتباره وال بإلؽابه‬
‫على وجهٌن ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أن ال ٌرد نص على وفق ذلك المعنى ‪ .‬بمعنً أن ال ٌوجد‬


‫للعلة جنس معتبر فً تصرفات الشرع ‪ :‬فال ٌصح حٌنبذ التعلٌل بها ‪ ،‬وال‬
‫باتفاق ‪ ،‬ومثل هذا تشرٌع من القابل به ‪ ،‬فال ٌمكن‬
‫ٍ‬ ‫بناء الحكم علٌها‬
‫قبوله ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫الثانً ‪ :‬أن ٌالبم تصرفات الشرع ‪ ،‬وهو أن ٌوجد لذلك المعنى جنس‬
‫اعتبره الشرع فً الجملة بؽٌر الجمٌلة بؽٌر دلٌل معٌن ‪ ،‬وهو االستدالل‬
‫( )‬
‫المرسل المسمى بالمصالح المرسلة‬

‫وإذا كانت هذه المصلحة تالبم تصرفات الشرع فإننا ننظر ‪ :‬هل المقتضً‬
‫لقطعها لفعلها كان موجوداً على عهد رسول هللا ‪ ‬أو ؼٌر موجود ‪.‬‬

‫‪ ‬موجوداً – لو‬ ‫( فكل أمر ٌكون المقتضً لفعله علً عهد النبً‬
‫كان مصلحة – ولم ٌفعل ‪ٌ :‬علم أنه لٌس بمصلح ٍة‪.‬‬

‫وأما ما حدث المقتضً بعد موته – من ؼٌر معصٌة الخالق – فقد‬


‫( )‬
‫ٌكون مصلحة )‬

‫هذا ما قرره شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى – فً ضابط‬
‫التفرٌق بٌن البدع والمصالح المرسلة ‪.‬‬

‫إذا تقرر هذا فإن هناك سؤالً البد من اإلجابة عنه هنا ‪ ،‬هو ‪:‬‬

‫هل الشرٌعة تهمل مصلحة ما للعباد ؟‬

‫وفً الجواب عن هذا السؤال ٌقول شٌخ اإلسالم عندما تكلم عن‬
‫المصالح المرسلة وذكر الخالؾ فٌها ‪ ،‬وقال عنها ‪:‬‬

‫( والقول بالمصالح المرسلة ٌشرع فً الدٌن ما لم ٌأذن به هللا ؼالبا ً )‬

‫) ِٓ والَ اٌشاؽث‪ ٟ‬ف‪ (( ٟ‬االػتظاَ )) ( ‪ ، ) 612 -611 /2‬تتظشف ‪.‬‬


‫) (( التؼاء اٌظشاؽ اٌّستم‪.) 595 /2 ( )) ُ١‬‬
‫‪42‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫قال ( والقول الجامع ‪ :‬أن الشرٌعة ال تهمل مصلحة قط بل هللا تعالى‬


‫قد أكمل لنا الدٌن وأتم النعمة ‪ ،‬فما من شًء ٌقرب إلى الجنة إال وقد‬
‫حدثنا به النبً ‪ ‬وتركنا على البٌضاء لٌلها كنهارها ال ٌزٌػ عنها بعده‬
‫إال هالك ‪.‬‬

‫لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم ٌرد به فأخذ األمرٌن‬
‫الزم له ‪:‬‬

‫أما أن الشرع دل علٌه من حٌث لم ٌعلم هذا الناظر ‪.‬‬

‫أو أنه لٌس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة ألن المصلحة هً المنفعة‬
‫الحاصلة أو الؽالبة ‪.‬‬

‫وكثٌراً ما ٌتوهم الناس أن الشًء ٌن فع فً الدٌن والدنٌا وٌكون فٌه‬


‫منفعة مرجوحة بالمضرة ) ( ) اهـ ‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫بل هً حق ال ٌصار‬ ‫المصالح المرسلة‬ ‫وهذا ال ٌقتضى إنكار‬
‫إلٌها إال عند توفر ضوابطها التً نص علٌها أهل العلم وإذا تقٌد الناظر‬
‫( راجعة إلى أدلة‬ ‫بهذه الضوابط فإنه سٌرى أن المصلحة المرسلة‬
‫( )‬
‫الشرع )‬

‫فجمع المصحؾ دل علٌه قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪‬إِنَّ َعلَ ٌْ َنا َجم َْع ُه َوقُرْ آ َن ُه‪( ‬القٌامة‪)17:‬‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪. ) 344 /11 ( )) ٜٚ‬‬


‫) (( اٌّ‪ٛ‬افماخ )) ٌٍشاؽث‪ ، ) 488 /3 ( ٟ‬ؽ ‪ :‬طث‪١‬ر ‪ ،‬تسم‪١‬ك ِس‪ ٝ١‬اٌذ‪ ٓ٠‬ػثذ اٌسّ‪١‬ذ ‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فإن قٌل ‪ :‬فلماذا لم ٌفعله رسول هللا ‪‬؟ قلنا ‪ :‬لوجود المانع ‪ ،‬وهو أن‬
‫القرآن كان ٌتنزل علٌه طٌلة حٌاته ‪ ،‬وقد ٌنسخ هللا – سبحانه – منه ما‬
‫((‬
‫ال‬ ‫ٌرٌد ‪ .‬فلما انتفً المانع ‪ ،‬ؾعله الصحابة باتفاق ‪ ،‬و النبً ‪ٌ ‬قول ‪:‬‬
‫تجتمع أمتً علً ضاللة )) ‪.‬‬

‫وتدوٌن العلم دل علٌه قوله ‪‬‬

‫)‪.‬‬ ‫)) (‬
‫(( قٌدوا العلم بالكتابة‬

‫وهكذا ٌرد من مسابل المصالح فً كتب األصول ‪.‬‬

‫وإذا علم ما تقدم فإننا نرجع إلى ذلك التفسٌر فننقضه بما قرره شٌخ‬
‫اإلسالم فً فتوى طوٌلة له ٌبٌن فٌها أن الشرع لم ٌؽفل وسٌلة من وسابل‬
‫الدعوة التً ٌهدي هللا بها الضالٌن ‪ ،‬فٌقول – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫–‬ ‫( ‪ ...‬إذا عرؾ ذلك فمعلوم أنما ٌهدي هللا بها الضالٌن ‪ ،‬فٌقول‬
‫رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( ‪ ....‬إذا عرؾ هذا فمعلوم أنما ٌهدي هللا به الضالٌن ‪ ،‬وٌر شد به‬
‫الؽاوٌن وٌتوب به على العاصٌن ‪ :‬البد أن ٌكون فٌما بعث هللا به ورسوله‬
‫من الكتاب والسنة ‪ ،‬و إال فإنه لو كان ما بعث هللا به الرسول ‪ ‬ال ٌكفً‬
‫فً ذلك ‪ ،‬لكان دٌن الرسول ناقصا ً محتاجا ً تتمة ‪.‬‬

‫وٌنبؽً أن ٌعلم أن األعمال الصالحة أمر هللا بها إٌجاب أو‬


‫استحباب ‪ .‬واألعمال الفاسدة نهى هللا عنها ‪.‬‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪. ) 344 /11 ( )) ٜٚ‬‬


‫‪44‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫والعمل إذا أشتمل علً مصلحة لم ٌشرعه ‪ ،‬بل نهى عنه ‪..‬‬

‫وهكذا ما ٌراه الناس من األعمال مقربا ً إلى هللا ولم ٌشرعه هللا‬
‫ورسوله فإنه البد أن ٌكون ضرره أعظم من نفعه ‪ .‬و إال فلو كان نفعه‬
‫أعظم من ضرره لم ٌهمله الشارع ‪ .‬فإنه ‪ ‬حكٌم ‪ ،‬ال ٌهمل مصالح الدٌن‬
‫‪ ،‬وال ٌفوت المؤمنٌن ما ٌقربهم إلى رب العالمٌن ‪...‬‬

‫فال ٌجوز أن ٌقال ‪ :‬أنه فً الطرق الشرعٌة التً بعث هللا بها نبٌه ‪‬‬
‫ما ٌتوب به العصاة ‪.‬‬

‫فإنه قد علم االضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق‬


‫والعصٌان من ال ٌحصٌه إال هللا تع الى من األمم بالطرق الشرعٌة ) ‪.‬‬
‫اهـ‪ .‬كالمه – رحمه اله تعالى ‪ ، -‬وسٌأتً بتمامه إن شاء هللا تعالى ‪.‬‬

‫وإذا كان األمر كذلك – وهو كذلك – فلم ٌلجأ الداعً إلى وسابل لم‬
‫ترد فً الشرع ‪ ،‬مع أن ما ورد فً الشرع كاؾ لتحصٌل الؽاٌة من‬
‫الدعوة إلى هللا تعالى ‪ ،‬وهً تتوٌب العصاة ‪ .‬وهداٌة الضالل ؟ !‬

‫ومما ال رٌب فٌه أن الوسابل الشرعٌة التً هدى هللا بها العرب إلى‬
‫دٌنه ‪ .‬وهً استقامت بها القرون المفضلة ‪ .‬وهً أساس كل نشأ ٍة سلفٌة‬
‫على األرض ‪.‬‬

‫ت تحقق اإلسالم كما كان أول األمر ‪.‬‬


‫فهً كفٌلة بإخراج مجتمعا ٍ‬

‫‪45‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ولذا كان الصحابة – ‪ –‬أحرص النا س على التمسك بهذه الوسابل‬


‫‪ ،‬وأشد الناس إنكاراً لما ٌحدث فٌها ‪ ،‬كما هو معلوم من سٌرهم‬
‫وأخبارهم ‪.‬‬

‫وقد قال اإلمام أحمد – رحمه هللا تعالى – كما فً رواٌة عبدوس بن‬
‫مالك ‪:‬‬

‫((‬
‫‪ :‬التمسك بما كان علٌه أصحاب رسول‬ ‫أصول السنة عندنا‬
‫هللا‪‬واإلقتداء بهم ‪ .‬وترك البدع ‪ ،‬وكل بدعة ضاللة ))‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫وأخرج ابن الجوزي فً (( تلبٌس إبلٌس )) ( ص ‪ ، ) 9‬عن األوزعً‬


‫– رحمه هللا – أنه قال ‪:‬‬

‫اصبر نفسك على السنة ‪ ،‬وقؾ حٌث وقؾ القوم ‪ ،‬وقل بما قالوا ‪،‬‬
‫وكؾ عما كفوا عنه ‪ ،‬واسلك سبٌل سلفك الصالح ‪ ،‬فإنه ٌسعك ما‬
‫وسعهم ))‪.‬اهـ‪.‬‬

‫فإن كان ما وسع أصح اب محمد ‪ ‬فً وسابل الدعوة ال ٌسع بعض‬
‫المنتسبٌن إلى الدعوة ‪ ،‬فأحد األمرٌن الزم لهم ‪:‬‬

‫أما أنهم أهدى من أصحاب محمد ‪.‬‬

‫أو أنهم أتو ببدع ٍة مفضلة ‪ ...‬وكال األمرٌن عظٌم ‪.‬‬

‫أال فلٌسع الدعاة إلى هللا – تعالى – ما وسع أصحاب محمد ‪ ‬فً‬
‫تلك الوسابل ‪ :‬فإنهم – ‪ –‬عن ع ٍلم ٌردون وٌصدرون ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وٌقول ابن مسعود – ‪: -‬‬

‫((‬
‫أٌها الناس إنكم ستحدثون وٌحدث لكم ‪ ،‬فإذا رأٌتم محدثه فعلٌكم‬
‫باألمر األول )) ‪ .‬رواه الدارمً فً (( سننه )) ( ‪. ) 56/1‬‬

‫وروى عنه – أٌضا ً – ( ‪ ) 63/1‬أنه ٌوصً الرجال والنساء‬


‫))‬
‫فٌقول ‪ (( :‬من أدرك منكم امرأة أو رجل ‪ :‬فالسمت األول السمت األول‬
‫وروى الدارمً ( ‪ ) 50/1‬عنه – أٌضا ً – أنه قال ‪:‬‬

‫((‬
‫إٌاكم والتبدع ‪ ،‬وإٌاكم والتنطع ‪ ،‬وإٌاكم والتعمق ‪ ،‬وعلٌكم‬
‫بالعتٌق ))‪.‬‬

‫)) ( ً ‪) 2‬‬ ‫((‬


‫‪ ،‬عن حذٌفة –‬ ‫البدع والنهى عنها‬ ‫وأخرج ابن وضاح فً‬
‫‪ ، - ‬أنه قال ‪:‬‬

‫(( اتبعوا سبلنا ‪ ،‬ولبن اتبعتمونا قد سبقتم سبقا ً بعٌداً ولبن خالفتمونا لقد‬
‫))‬
‫ضللتم ضالالً بعٌداً‬

‫ففً هذه اآلثار إرشاداً إلى سلوك الجادة عند فشو البدع وظهور‬
‫))‬ ‫((‬
‫‪ ،‬وقول‬ ‫وعلٌكم بالعتٌق‬ ‫المحدثات ‪ .‬وذلك فً قول ابن مسعود ‪:‬‬
‫))‪.‬‬
‫حذٌفة ‪ (( :‬اتبعوا سبلنا‬

‫‪ ‬وصحابته الكرام هو‬ ‫فرد األمور إلى ما كان علٌه رسول هللا‬
‫‪ .‬إذ على أقوالهم وأفعالهم توزن‬ ‫العاصم من التلطخ بأوضار األهواء‬
‫األقوال واألفعال فما وافقها فهو المقبول ‪ ،‬وما خالفها فهو المردود ‪.‬‬

‫ٌقول النبً ‪ ‬عن رسم الفرقة الناجٌة ‪:‬‬


‫‪47‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫(( ما أنا علٌه وأصحابً )) ‪ .‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬وهو حدٌث حسن ‪.‬‬

‫– أمٌر المؤمنٌن – إذ ٌقول فً‬ ‫ورحم هللا عمر بن عبد العزٌز‬


‫وصٌته العظٌمة ‪:‬‬

‫((‬
‫علم وقفوا ‪،‬‬
‫فارض لنفسك ما رضً به القوم ألنفسهم ‪ ،‬فإنهم علً ٍ‬
‫وببصر ناف ٍد كفوا ‪ ،‬وهم على كشؾ األمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا‬
‫ٍ‬
‫فٌه أولى ‪.‬‬

‫ولبن قلتم ( إنما‬ ‫فإن كان الهدى ما أنتم علٌه فقد سبقتموهم إلٌه ‪،‬‬
‫حدث بعدهم ) ‪ :‬ما أحدثه إال من اتبع ؼٌر سبٌلهم ورؼب بنفسه عنهم ‪.‬‬

‫فإنهم هم السابقون ‪ ،‬فقد تكلموا فٌه بما ٌكفً ‪ ،‬ووصفوا منه ما ٌشفى‬
‫‪ .‬وقد قصر قوم دونهم فجفوا ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فما دونهم مقصر وما فوقهم محسر‬
‫وطمح عنهم أقوام فؽلوا ‪ .‬وأنهم بٌن ذلك لعلى هدى م ستقٌم ))‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫( ‪ ، ) 19/5‬وابن‬ ‫سننه‬ ‫أخرجه أبو داود فً كتاب السنة من‬
‫))‬ ‫((‬
‫( ص ‪ ) 30‬واآلجري فً‬ ‫البدع والنهً عنها‬ ‫وضاح فً‬
‫(( الشرٌعة )) ( ص ‪ ،) 233‬وأبو نعٌم فً (( الحلٌة )) ( ‪) 338/5‬‬

‫وفً رد بعض المحدثات ٌقول العالمة الشٌخ عبد هللا بن عبد الرحمن‬
‫أبا بطٌن – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( فلو كان خٌراً ٌحبه هللا لسبقنا إلٌه أصحاب محمد ‪ ، ‬فإنهم كفوا‬
‫))‬ ‫((‬
‫فإنهم – ‪–‬‬ ‫اتبعوا وال تبتدعوا فقد كفٌتم‬ ‫من بعدهم ‪ ،‬كما قالوا ‪:‬‬
‫بالخٌر أعلم ‪ ،‬وعلٌه أحرص ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪ :‬فقد‬ ‫فمن ابتدع شٌبا ً ٌتقرب به إلى هللا لم ٌجعله هللا ورسوله قربة‬
‫شرع فً الدٌن ما لم ٌأذن به هللا ‪:‬‬

‫ٌن َما لَ ْم ٌَأْ َذنْ ِب ِه َّ‬


‫هللاُ ‪( ‬الشورى‪:‬‬ ‫‪‬أَ ْم لَ ُه ْم ُ‬
‫ش َر َكا ُء َش َرعُوا لَ ُه ْم م َِن ال ِّد ِ‬
‫من اآلٌة‪)21‬‬

‫واستدرك على أصحاب محمد ‪ ،‬بأنهم لم ٌعلموا ما عمله أو أنهم‬


‫ٌعملوا بما علموا فلزمه استجهال السابقٌن األولٌن من المهاجرٌن‬
‫واألنصار أو تقصٌرهم فً العمل ‪.‬‬

‫فهم ‪ – -‬قد كفوا من بعدهم ‪،‬والخٌر فً اإلتباع والشر فً‬


‫االبتداع ) ‪ .‬انتهى من (( الدرر السنٌة )) ( ‪. ) 50/7‬‬

‫تنبٌه مهم ‪:‬‬

‫ثمة أمر ٌتعلق بأمر المصالح – ال بد من ذكره هنا إذ قد أؼفله كثٌر‬


‫من القابلٌن بالمصالح ‪ ،‬ولو التزم بما حصلت تلك الفوضى التً نعٌشها‬
‫أمر ما ‪،‬‬
‫اآلن فً أمور المصالح – أال وهو ‪ :‬أن تحدٌد المصلحة فً ٍ‬
‫صعب جداً ‪ ،‬فقد ٌظن الناظر أن هذا مصلحة ولٌس األمر كذلك‬

‫ولذا فإن الذي ٌتولى تقدٌر المصلحة ‪ :‬أهل االجتهاد الذٌن تتوفر فٌهم‬
‫الدنٌا إذا االستصالح‬ ‫العدالة والبصٌرة النافذة بأحكام الشرٌعة ومصالح‬
‫ٌحتاج ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫( إلى مزٌد االحتٌاط فً توخً المصلحة ‪ ،‬وشدة الحذر من ؼلبة‬


‫األهواء ‪ ،‬ألن األهواء كثٌراً ما تزٌن المفسدة فترى مصلحة ‪ ،‬وكثٌراً ما‬
‫( )‬
‫ٌؽتر بما ضرره أكبر من نفعه )‬

‫))‬
‫وفى هذا المعنً ٌقول الشٌخ عمر الفارسً فً رسالة (( الوقؾ‬

‫( وأنً للمقلد أن ٌدعً ؼلبة الظن أن هذه المصلحة فٌها تحصٌل‬


‫مقصود الشارع ‪ ،‬وأنها لم ٌرد فً الشرع ما ٌعارضها ‪ ،‬وال ما ٌشهد‬
‫بإلؽابها ‪ ،‬مع أنه ال بحث له فً األدلة ‪ ،‬وال نظر له فٌها ؟ ! وهل هذا إال‬
‫حكم شرعً بؽٌر ٌقٌن ) ( ) ‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫اجتراء على الدٌن ‪ ،‬وإقدام على ٍ‬
‫((‬
‫تقرٌر‬ ‫وهذا إنما سقته لٌعلم المتجرؤون على الخوض فً‬
‫))‬
‫وعورة ما سلكوه ‪ ،‬وصعوبة ما امتطوه ‪ ،‬فلٌتخلوا عنه ألهله‬ ‫المصالح‬
‫األشداء وأربابه األقوٌاء‪.‬‬

‫وبهذا الكالم نكون قد أنهٌنا الكالم على القول األول ‪ ،‬وهو أن وسابل‬
‫الدعوة اجتهادٌة ‪ .‬وسٌأتً – إن شاء هللا – إٌراد بعض الحجج التً تعلق‬
‫بها أصحاب هذا القول مع الرد علٌها فً آخر الرسالة‪.‬‬

‫القول الثانً ‪:‬‬

‫إن وسابل الدعوة توقٌفٌة ‪ ،‬ال ٌحل ألحد أن ٌشرع فٌها ما لم ٌأذن به‬
‫هللا ‪ ،‬وهو ما كان علٌه رسول هللا ‪ ‬وأصحابه ‪.‬‬

‫) (( ِظادس اٌتشش‪٠‬غ اإلسالِ‪ٌ ، )) ٟ‬خالف ( ص ‪. .)85‬‬


‫) ت‪ٛ‬اسطح ٔمً اٌش‪١‬خ ػٍ‪ ٝ‬تٓ زسٓ ف‪ ٟ‬وتاتح (( ػٍُ أط‪ٛ‬ي اٌثذع )) ( ص ‪ٚ . ) 235‬أظش ‪ :‬والِا ً‬
‫تذ‪٠‬ؼا ً ٌش‪١‬خ اإلسالَ ف‪٘ ٟ‬زا ‪ ،‬ف‪ (( ٟ‬اٌفتا‪ ، ) 343 /11 ( )) ٜٚ‬أ‪ٕ٘ٚ (( : ٌٗٚ‬ا فؼً ػظ‪ٕ٠ ُ١‬ثغ‪ ٟ‬اال٘تّاَ‬
‫تٗ ‪ ،‬فاْ ِٓ خ‪ٙ‬تٗ زظً ف‪ٌ ٟ‬ذ‪ ٓ٠‬اػطشاب ػظ‪ٚ . ُ١‬وث‪١‬ش ِٓ األِشاء ‪ٚ‬اٌؼٍّاء سأ‪ٚ‬ا ِظاٌر‬
‫فاستؼٍّ‪٘ٛ‬ا ‪ٚ ...‬لذ ‪٠‬ى‪ِٕٙ ْٛ‬ا ِا ٘‪ِ ٛ‬سظ‪ٛ‬س ف‪ ٟ‬اٌششع ‪٠ ٌُٚ‬ؼٍّ‪.)) ... ٖٛ‬‬
‫‪50‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وهذا هو القول الحق الذي شهدت به النصوص ‪ ،‬وقام علٌه عمل‬


‫السلؾ الصالح ‪ ،‬رضوان هللا علٌهم أجمعٌن ‪.‬‬

‫والحجة فً ذلك مبنٌة على المقدمات التالٌة ‪:‬‬

‫المقدمة األولى ‪:‬‬

‫أن هللا – سبحانه وتعلً – أكمل الدٌن وأتم نعمته على عباده ‪ .‬كما‬
‫ٌت لَ ُك ُم‬ ‫ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ‬
‫مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ‬ ‫قال تعالً ‪ْ  :‬ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ِْ‬
‫األسْ ال َم دٌِنا ً ‪( ‬المابدة‪ :‬من اآلٌة‪)3‬‬

‫قال اإلمام مالك ‪ -‬رحمه هللا تعالً ‪: -‬‬

‫(( من أحدث فً هذه األمة شٌبا ً لم ٌكن علٌه سلفها فقد زعم أن‬
‫رسول هللا ‪ ‬خان الدٌن ‪ ،‬ألن هللا تعالى ٌقول ‪ْ  : :‬ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ت لَ ُك ْم‬
‫‪( ‬المابدة‪ :‬من‬ ‫ٌت لَ ُك ُم ْ ِ‬
‫األسْ ال َم دٌِنا ً‬ ‫دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َمم ُ‬
‫ْت َعلًَْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ‬
‫اآلٌة‪)3‬‬

‫المقدمة الثانية ‪:‬‬

‫أن هللا تعالى أوجب طاعة الرسول ‪ ،‬وعلق سعادة العبد بها ونهى‬
‫عن معصٌته ورتب شقاوة العبد علٌها‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ٌِن أَ ْن َع َم َّ‬
‫هللاُ َعلٌَ ِْه ْم م َِن ال َّن ِبٌ َ‬
‫ٌِّن‬ ‫هللا َوالرَّ سُو َل َفأُولَب َ‬
‫ِك َم َع الَّذ َ‬ ‫‪َ ‬و َمنْ ٌُطِ ِع َّ َ‬
‫ِك َرفٌِقا ً‪( ‬النساء‪)69:‬‬ ‫ٌِن َو َحس َُن أُولَب َ‬
‫اء َوالصَّالِح َ‬ ‫ٌِن َوال ُّش َه َد ِ‬
‫ص ِّدٌق َ‬
‫َوال ِّ‬
‫ٌِن فٌِ َها أَ َبداً ‪‬‬ ‫ص َّ َ‬
‫هللا َو َرسُولَ ُه َفإِنَّ لَ ُه َن َ‬
‫ار َج َه َّن َم َخالِد َ‬ ‫وقال تعالى‪َ ‬و َمنْ ٌَعْ ِ‬
‫(الجـن‪ :‬من اآلٌة‪)23‬‬

‫المقدمة الثالثة ‪:‬‬

‫أن النبً ‪ ‬أمر بكل خٌر ونهى عن كل شر ‪ ،‬وأحل الطٌبات وحرم‬


‫الخبابث ‪ ،‬كما قال تعالى فً صفته ‪:‬‬

‫ت‬ ‫‪ٌَ َِ ‬أْ ُم ُر ُه ْم ِب ْال َمعْ ُروؾِ َو ٌَ ْن َها ُه ْم َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َو ٌُ ِح ُّل لَ ُه ُم َّ‬
‫الط ٌِّ َبا ِ‬
‫ت َعلٌَ ِْه ْم‬ ‫ض ُع َع ْن ُه ْم إِصْ َر ُه ْم َو ْاألَ ْؼال َل الَّتًِ َكا َن ْ‬ ‫ِث َو ٌَ َ‬‫َوٌ َُحرِّ ُم َعلٌَ ِْه ُم ْال َخ َباب َ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ور الَّذِي أ ُ ْن ِز َل َم َع ُه أُولَ ِب َ‬
‫صرُ وهُ َوا َّت َبعُوا ال ُّن َ‬ ‫ٌِن آ َم ُنوا ِب ِه َو َع َّزرُ وهُ َو َن َ‬‫َفالَّذ َ‬
‫ْال ُم ْفلِحُ َ‬
‫ون‪( ‬ألعراؾ‪)157:‬‬
‫وقال تعالى فٌه ‪‬‬

‫ت ق ٌٍِم ‪ ‬صِ َراطِ َّ ِ‬


‫هللا الَّذِي لَ ُه َما فًِ‬ ‫ك لَ َت ْهدِي إِلَى صِ َراطٍ مُسْ َ‬
‫‪َ ‬وإِ َّن َ‬
‫‪( ‬الشورى‪52:‬‬ ‫هللا َتصِ ٌ ُر ْاألُمُورُ‬ ‫ت َو َما فًِ ْاألَرْ ِ‬
‫ض أَال إِلَى َّ ِ‬ ‫ال َّس َم َاوا ِ‬
‫‪)53،‬‬

‫وعن أبً ذر – ‪ – ‬قال ‪:‬‬

‫((‬
‫لقد تركنا رسول هللا ‪ ‬وما ٌحرك طابر جناحٌه فً السماء إال‬
‫))‬ ‫ذكرنا منه علما ً‬

‫‪52‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫رواه أحمد والطبرانً وزاد ‪:‬‬

‫فقال النبً ‪:‬‬

‫(( ما بقً شًء ٌقرب من الجنة وٌبعد من النار إال وقد بٌُن لكم ))‪.‬‬

‫وفً حدٌث مسلم من حدٌث عبد هللا بن عمر – رضً هللا عنهما –‬
‫أن النبً ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫ما بعث هللا نبٌا ً إال كان حقا ً علٌه أن ٌدل أمته على خٌر ما ٌعلمه‬ ‫((‬

‫لهم وٌنهاهم عن شر ما ٌعلمه لهم ))‪.‬‬

‫‪ ‬قال ‪:‬‬ ‫وفً بعض ألفاظ حدٌث العرباض بن سارٌة أن النبً‬


‫))‬ ‫((‬
‫‪.‬‬ ‫تركتكم علً البٌضاء لٌلها كنهارها ‪ ،‬ال ٌزٌػ عنها بعدى إال هالك‬
‫رواه ابن ماجة ‪.‬‬

‫وأخرج ابن ماجه ‪ -‬أٌضا ً –عن أبً الدرداء – ‪‬أن النبً ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫))‬
‫(( ‪ ..‬واٌم هللا ‪ :‬لقد تركتكم علً مثل البٌضاء لٌلها ونهارها سواء‬

‫واخرج الطبرانً عنه – ‪ – ‬أنه قال (( لقد تركنا رسول هللا ‪ ‬وما‬
‫فً السماء طابر ٌطٌر بجناحٌه إال ذكرنا منه علما ً ))‪.‬‬

‫إذا تقرر هذا فإنا نقطع بأن النبً ‪ ‬بٌن ألمته وسابل الدعوة سواء‬
‫بالقول أو بالفعل أو بهما إذ كٌؾ ٌبٌن ‪ ‬آداب قضاء ا لحاجة ونحو ذلك‬
‫وٌدعوا وسابل لدعوة التً ال قٌام لإلسالم إال بها؟‬

‫‪53‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وبما أنه علٌه الصالة والسالم قد بٌن ذلك ‪ ،‬فإن بٌانه ‪ ‬هو الطرٌقة‬
‫الشرعٌة التً ٌرشد بها الؽاوى وٌهدى بها التابه ‪.‬‬

‫وهً الطرٌقة التً أخرج بها النبً ‪ ‬الناس من الظلمات إلً النور‬
‫التً هً أقوم ‪ .‬وسلكها من بعده صحابته الكرام‬ ‫‪ ،‬وهداهم بها إلً‬
‫وتابعوهم بإحسان وأشتد نكٌرهم على من خالفها من الدعاة ‪ ،‬وأحدث‬
‫فٌها ‪.‬‬

‫فلٌس من سبٌل فً إٌجاد مجتمع كمجتمعهم إال بهذه الوسابل الشرعٌة‬


‫والطرق السلفٌة ‪ ،‬كما قال اإلمام مالك – رحمه هللا تعالى ‪ (( : -‬لن ٌصلح‬
‫أخر هذه األمة إال بما صلح به أولها ))‪.‬‬

‫فالزٌادة علٌها زٌادة فً الشرع ‪،‬وخروج عن سبٌل المؤمنٌن وقد قال‬


‫))‬
‫النبً ‪ (( ‬من أحدث فً أمرنا هذا ما لٌس منه فهو رد‬

‫وأنا أذكر أمرٌن من وسابل الدعوة – على وجه التمثٌل ال الحصر –‬


‫‪ .‬وذلك أل نهما لم ٌكونا من‬ ‫اشتد إنكار السلؾ لهما مع ما فٌها من النفع‬
‫وسابل الدعوة النبوٌة ‪ ،‬وإنما أحدثا بعد النبً ‪ ‬لٌعلم طالب الحق أن‬
‫السلؾ مضوا على القول بتوقٌؾ وسابل الدعوة ‪.‬‬

‫األمر األول ‪ :‬حدٌث القصاص ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫قال ابن الجوزي ‪:‬‬

‫( القاص هو الذي ٌتبع القصة الماضٌة بالحكاٌة عنها ‪ ،‬والشرح لها‬


‫‪ ،‬وذلك القصص ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وه ذا فً الؽالب عبارة عمن ٌروى أخبار الماضٌن ‪.‬‬

‫وهذا ال ٌذم نفسه ‪ ،‬ألن فً إٌراد أخبار السالفٌن عبره لمعتبر وعظة‬
‫لمزدجر واهتداء بصواب لمتبع‪.‬‬

‫وإنما كره بعض السلؾ القصص ألحد ستة أشٌاء ‪:‬‬

‫أحدهما أن القوم كانوا علً اإلقتداء واإلتباع فكانوا إذا رأو ما لم ٌكن‬
‫على عهد رسول هللا ‪ ‬أنكروه ) ( ) ‪.‬اهـ‪.‬‬

‫– رحمه هللا تعالى – فً كتابه‬ ‫وقال الحافظ زٌن الدٌن العراقً‬


‫))‬ ‫((‬
‫بعد أن ساق‬ ‫الباعث علً الخالص من حوادث القصاص‬ ‫المسمى ‪:‬‬
‫حدٌث العرباض بن سارٌة المشهور ‪:‬‬

‫فكان مما أحدث بعده ‪ ‬ما أحدثه القصاص بعده ‪ ،‬مما أنكره جماعة‬
‫من الصحابة علٌهم كما سٌأتً ‪.‬‬

‫وفً الصحٌحٌن عن عابشة أن رسول هللا ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫))‬
‫(( من أحدث فً أمرنا هذا ما لٌس منه فهو رد‬

‫وروى ابن ماجه فً سنده عن عبد هللا بن عمر – رضً هللا عنهما‬
‫– قال ‪:‬‬

‫) (( وتاب اٌمظاص ‪ٚ‬اٌّزوش‪ )) ٓ٠‬ت‪ٛ‬اسطح ٔمً اٌس‪ٛ١‬ؽ‪ ٟ‬ػٕٗ ف‪ ٟ‬تسز‪٠‬ش اٌخ‪ٛ‬اص )) ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫((‬
‫لم ٌكن القصص فً زمن رسول هللا ‪ ‬وال زمن أبً بكر وال زمن‬
‫عمر ))‪.‬‬

‫((‬
‫إنه لم‬ ‫وروى اإلمام أحمد والطبرانً عن السابب بن ٌزٌد ‪ ،‬قال‬
‫ٌكن ٌقص على عهد رسول هللا‪ ‬وال زمن أبً بكر وال زمن عمر ))‪.‬‬

‫وروى الطبرانً عن عمرو بن زرارة قال ‪:‬‬

‫((‬
‫ٌا عمرو ! لقد‬ ‫‪ .‬فقال‬ ‫وقؾ علً عبد هللا بن مسعود وأنا أقص‬
‫وأصحاب ) ( ) ‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ه‬ ‫ابتدعت بدعة ضاللة ‪ ،‬أو إنك ألهدى من محمد‪‬‬

‫)) ( )‬ ‫((‬
‫بسنده إلى‬ ‫البدع والنهى عنها‬ ‫وأخرج ابن وضاح فً كتابه‬
‫الضحاك أنه قال ‪:‬‬

‫(( رأٌت عمر بن عبد العزٌز ٌسجن القصاص ‪ ،‬ومن ٌجلس إلٌهم ))‪.‬‬

‫وفٌه – أٌضا ً – عن همام بن الحارث التٌمً قال ‪:‬‬

‫((‬
‫لما قص إبراهٌم التٌمً ‪ :‬أخرجه أبوه من داره ‪ ،‬وقال ما هذا الذي‬
‫))‬
‫أحدثت‬

‫وفٌه – أٌضا ً – عن معاوٌة بن قرة أنه قال ‪:‬‬

‫(( كنا إذا رأٌنا الرجل ٌقص قلنا ‪ :‬هذا صاحب بدعة )) ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫) ‪ٕ٠‬ظش وتاب (( تسز‪٠‬ش اٌخ‪ٛ‬اص َ ْ أوار‪٠‬ة اٌمظاص )) ‪ٌٍ ،‬س‪ٛ١‬ؽ‪ ( ٟ‬ص ‪ ) 170‬فأٗ لذ ٌخض وتاب‬
‫اٌسافظ اٌؼشال‪ ٟ‬ف‪. ٗ١‬‬
‫) ( ص ‪ ، ) 21 – 19‬ؽ ‪ :‬داس اٌشائذ اٌؼشت‪. ٟ‬‬
‫‪56‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وفٌه – أٌضا ً – أن عمر بن عالء الٌمانً سأل سفٌان الثوري ‪،‬‬


‫((‬
‫ولو البدع‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال ‪ٌ :‬ا أبا عبد هللا أستقبل القصاص ‪ ،‬فقال سفٌان‬
‫))‬
‫ظهوركم‬

‫فتأمل ما كان علٌه السلؾ من التشنٌع علً القصاص والتحذٌر منهم‪،‬‬


‫وتبدٌعهم ‪ ،‬جزاء ما أحدثوه فً دٌن هللا ‪ ،‬مع أن ٌقومون به قد ٌحصل به‬
‫نفع فٌتذكر به ؼافل ‪ ،‬وٌنجز به فاسق ‪ :‬لكن لما كان هذا التذكٌر وهذا‬
‫الزجر ؼٌر واردٌن فً سنة المصطفً ‪ ‬كان ضررهما أشد من نفعهما‬
‫( )‬
‫وكان القابم بهما مبتدع فً شرع هللا تعالى‬

‫األمر الثانً ‪ :‬السماع المجرد ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫والسماع المجرد هو ‪ :‬تلحٌن بعض الصابد ‪ ،‬والترنم بها بقصد‬


‫إصالح القلوب ‪ ،‬وهداٌة الضال ‪ ،‬وجذب المعرض عن الذكر إلى الخٌر‬
‫والصالح ‪.‬‬

‫ٌقول شٌخ اإلسالم – رحمه هللا تعالى ‪ ، -‬عن هذا السماع ‪:‬‬

‫( فأما سماع القاصدٌن لصالح القلوب فً االجتماع على ذلك ‪ :‬أما‬


‫نشٌد مجرد ‪ ،‬نظٌر الؽبار ‪ .‬وإما بالتصفٌق ‪ ،‬ونحو ذلك ‪:‬‬

‫) لذ ‪٠‬طٍك (( اٌمض )) ػٍ‪ ٝ‬اٌ‪ٛ‬ػظ ‪ٚ‬اٌتزو‪١‬ش ‪ٚ :‬ئرا واْ وزٌه فٍ‪١‬س ِّا ٔسٓ ف‪ٌٚ ٗ١‬زا ‪ٚ‬سد ف‪ ٟ‬تؼغ‬
‫اٌسٍف اٌسث ػٍ‪ (( ٝ‬اٌمظض ) ‪ٚ‬ئّٔا أساد‪ٚ‬ا اٌ‪ٛ‬ػظ ‪ٚ‬اٌتزو‪١‬ش ‪ ،‬فٍ‪ٕ١‬تثٗ ٌ‪ٙ‬زا ‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فهو السماع المحدث فً اإلسالم ‪ ،‬فإنه أحدث بعد ذهاب القرون‬


‫((‬
‫خٌر القرون القرن الذي‬ ‫الثالثة الذٌن أثنً علٌهم النبً ‪ ‬حٌث قال‬
‫))‬
‫بعثت فٌه ‪ ،‬ثم الذٌن ٌلونهم‬

‫وقد كرهه أعٌان األمة ‪ ،‬ولم ٌحضره أكابر المشاٌخ ‪.‬‬

‫وقال الشافعً – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫((‬
‫خلفت ببؽداد شٌبا ً أحدثته الزنادقة ٌسمونه ‪ :‬التؽبٌر ‪ٌ ،‬صدون به‬
‫الناس عن القرآن ))‪.‬‬

‫))‬
‫وسبل عنه اإلمام أحمد بن حنبل ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬هو محدث أكرهه‬

‫قٌل له أنه ٌرق علٌك القلب ‪.‬‬

‫فقال ‪ (( :‬ال تجلسوا معهم )) ‪.‬‬

‫قٌل له ‪ :‬أٌهجرون ؟‬

‫فقال ‪ (( :‬ال ٌبلػ بهم هذا كله ))‪.‬‬

‫فبٌن أنه بدعة لم ٌفعلها القرون الفاضلة ‪ ،‬ال فً الحجاز ‪ ،‬وال فً‬
‫الشام ‪ ،‬وال فً الٌمن ‪ ،‬وال فً مصر ‪ ،‬وال فً العراق ‪ ،‬وال خراسان ‪.‬‬

‫ولو كان للمسلمٌن به منفعة فً دٌنهم لفعله السلؾ ‪.‬‬

‫‪ ...‬إلى أن قال – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫‪58‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وبالجملة فعلى المؤمن أن ٌعلم أن النبً ‪ ‬لم ٌترك شٌبا ً ٌقرب إلى‬
‫الجنة إال وقد حدث به وال شٌبا ً ٌبعد عن النار إال وقد حدث به ‪.‬‬

‫وإن هذا السماع لو كان مصلحة لشرعه هللا ورسوله ‪ ،‬فإن هللا تعالى‬
‫ٌقول ‪:‬‬

‫ٌت لَ ُك ُم ْ ِ‬
‫األسْ ال َم‬ ‫ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ‬
‫مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ‬ ‫‪ْ ‬ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫دٌِنا ً ‪( ‬المابدة‪ :‬من اآلٌة‪)3‬‬

‫وإذا وجد فٌه منفعة لقلبه ‪ ،‬ولم ٌجد شاهد ذلك ال من الكتاب وال من‬
‫السنة ‪ :‬لم ٌلتفت إلٌه ‪.‬‬

‫قال سهل بن عبد هللا التستري ‪:‬‬

‫))‬
‫(( كل وج ٍد ال ٌشهد له الكتاب والسنة فهو ‪ :‬باطل‬

‫وقال أبو سلٌمان الدارانً ‪:‬‬

‫((‬
‫إنه لتلم بقلبً النكتة من نكت القوم فال أقبلها إال بشاهدٌن عدلٌن‬
‫))‬
‫الكتاب والسنة‬

‫وقال أبو سلٌما ن – أٌضا ً ‪: -‬‬

‫‪ .‬فإذا‬ ‫لٌس لمن ألهم شٌبا ً من الخٌر أن ٌفعله حتى ٌجد فٌه أثراً‬ ‫((‬

‫( )‬
‫وجد فٌه أثراً كان نوراً علً نور‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪. )595 -591 /11 ( )) ٜٚ‬‬


‫‪59‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فتأمل أٌها اللبٌب هذا الكالم ‪ ،‬وانظر فٌه بعٌن اإلنصاؾ ‪ٌ ،‬تجلى لك‬
‫ما كان علٌه السلؾ – ‪ –‬من إنكار كل وسٌلة لٌس فٌها أثر عن رسول‬
‫هللا‪ ‬حتى ولو كانت نافعة ‪ُ ،‬تلٌن القلب ‪ ،‬وترؼب المعرض عن الحق‬
‫فٌه ‪ ...‬ونحو ذلك من الفوابد ‪ :‬ألننا نقطع بأن النبً ‪ ‬بٌن لنا كل شًء‬
‫ولو كانت هذه الوسٌلة مصلحة للعباد لما تركها الشارع ‪ ،‬بل ألمر بها‬
‫أمر إٌجاب أو استحباب ‪.‬‬

‫والمؤمن الذي عظمت فً نفسه السٌرة المحمدٌة ‪ ،‬ورأى فٌها الكمال‬


‫المطلق ‪ :‬هو الذي ٌقبل هذا الكالم ‪ ،‬وٌسلم به ‪.‬‬

‫أما من انطوت نفسه على ؼٌر ذلك ‪ ،‬فهو الذي ٌبحث عن وسابل‬
‫محدثة لٌتم بها الشرع ‪ ،‬ولٌكمل بها الدٌن ‪ .‬فإنا هلل وإنا إلٌه راجعون ‪.‬‬

‫ٌقول هللا تعالى ‪:‬‬

‫هللا َو َرسُولِ ِه لِ ٌَحْ ُك َم َب ٌْ َن ُه ْم أَنْ‬


‫ٌِن إِ َذا ُدعُوا إِلَى َّ ِ‬ ‫ان َق ْو َل ْالم ُْؤ ِمن َ‬ ‫‪‬إِ َّن َما َك َ‬
‫هللا َو َرسُولَ ُه‬ ‫ون ‪َ ‬و َمنْ ٌُطِ ِع َّ َ‬ ‫ٌَقُولُوا َس ِمعْ َنا َوأَ َطعْ َنا َوأُولَب َ‬
‫ِك ُه ُم ْال ُم ْفلِحُ َ‬
‫ون‪( ‬النور‪) 52، 51:‬‬ ‫هللا َو ٌَ َّت ْق ِه َفأُولَب َ‬
‫ِك ُه ُم ْال َفاب ُِز َ‬ ‫ش َّ َ‬ ‫َو ٌَ ْخ َ‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ُول َر أٌَ َ‬
‫ْت ْال ُم َنا ِفق َ‬
‫ٌِن‬ ‫‪َ ‬وإِ َذا قٌِ َل لَ ُه ْم َت َعالَ ْوا إِلَى َما أَ ْن َز َل َّ‬
‫هللاُ َوإِلَى الرَّ س ِ‬
‫ص ُدوداً‪( ‬النساء‪)61:‬‬ ‫ك ُ‬ ‫ون َع ْن َ‬‫ص ُّد َ‬
‫ٌَ ُ‬

‫إلى قوله تعالى ‪:‬‬


‫‪60‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ب آ َم ُنوا َوا َّت َق ْوا لَ َك َّفرْ َنا َع ْن ُه ْم َس ٌِّ َبات ِِه ْم َو َألَ ْد َخ ْل َنا ُه ْم‬
‫‪َ ‬ولَ ْو أَنَّ أَهْ َل ْال ِك َتا ِ‬

‫ت ال َّنع ِ‬
‫ٌِم‪( ‬المابدة‪)65:‬‬ ‫َج َّنا ِ‬
‫وإذا ذكرنا أمرٌن مما أحدث فً وسابل الدعوة قدٌما ً ‪ ،‬فأنكروها السلؾ ‪،‬‬
‫فإننا نذكر – اآلن – أمرٌن مما أحدث فً وسابل الدعوة حدٌثا ً اشتد نكٌر‬
‫علماء السنة أهل الحدٌث السلفٌٌن لهما ‪ ،‬لما فٌها من االبتداع ‪ ،‬والخروج‬
‫عن منهج رسول هللا‪. ‬‬

‫األمر األول ‪ :‬التمثيل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الذي اتخذه بعض الجهال ‪ ،‬أو الضالل وسٌلة من وسابل الدعوة إلى‬
‫هللا تعالً ‪.‬‬

‫التمثٌل ))جماعة من المحققٌن ‪ ،‬وكتبوا فٌه كتابا ً ‪،‬‬ ‫((‬


‫وقد أنكر‬
‫وأصدروا فٌه فتاوى تقضى بتحرٌمه وإبطاله ‪.‬‬

‫كما أنكروا إدخاله فً وسابل الدعوة إلى هللا تعالى لكونه من‬
‫المحدثات فً شرع هللا تعالى ‪:‬‬

‫فمن ذلك قول الشٌخ حمود بن عبد هللا التوٌجري – رحمه هللا تعالى‬
‫‪:-‬‬

‫( إن التمثٌل فً الدعوة إلى هللا تعالى لٌس من سنة رسول هللا ‪ ‬وال‬
‫من سنة الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن ‪ ،‬وإنما هو من المحدثات فً زماننا ‪.‬‬

‫وقد حذر النبً ‪ ‬من المحدثات ‪ ،‬وأمر بردها ‪ ،‬وأخبر أنها شر‬
‫وضاللة ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فمن النصوص الواردة فً ذلك قول النبً ‪: ‬‬

‫((‬
‫علٌكم بسنتً وسنة الخلفاء الراشدٌن المهدٌٌن ‪ ،‬تمسكوا بها ‪،‬‬
‫وعضوا علٌها بالنواجذ وإٌاكم ومحدثات األمور فإن كل محدثة بدعة وكل‬
‫بدعة ضاللة )) رواه اإلمام أحمد ‪.‬‬

‫وهذا الحدٌث أصل من األصول فً المنع من التمثٌل ‪،‬ومن إدخاله‬


‫فً الدعوة إلى هللا تعالى ‪ ،‬ألنه لم ٌكن من سنة رسول هللا ‪ ‬وال من سنة‬
‫الخلفاء الراشدٌن ‪.‬‬

‫ومن النصوص الواردة فً ذلك – أٌضا ً – ما جاء فً حدٌث جابر‬


‫بن عبد هللا – ‪ – ‬أن رسول هللا‪ ‬كان إذا خطب ٌقول ‪:‬‬

‫((‬
‫أما بعد ‪ :‬فإن خٌر الحدٌث كتاب هللا وخٌر الهدى هدى محمد ‪‬‬
‫وشر األمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة )) ‪.‬‬

‫رواه أحمد ومسلم وابن ماجه ‪ ،‬والدارمى ‪.‬‬

‫((‬
‫إن أصدق الحدٌث كتاب هللا وأحسن‬ ‫وقد رواه بإسناد جٌد ولفظه ‪:‬‬
‫الهدى هدي محمد ‪ ،‬وشر األمور محدثاتها ‪ ،‬وكل محدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضاللة ‪ ،‬وكل ضاللة فً النار ))‪.‬‬

‫وهذا الحدٌث أ صل فً المنع من التمثٌل ‪ ،‬ومن إدخاله فً وسابل‬


‫الدعوة إلى هللا تعالى ‪ ،‬ألنه لم ٌكن من هدى رسول هللا ‪ ‬وإنما هو من‬
‫المحدثات التً أحدثت فً القرن الرابع عشر من الهجرة ‪...‬‬

‫‪62‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫))‬
‫عن‬ ‫‪ :‬ما جاء فً الصحٌحٌن‬ ‫ومن النصوص الواردة فً ذلك‬
‫عابشة رضً هللا عنها ‪ ، -‬أن النبً ‪ ‬قال ‪:‬‬

‫))‬
‫(( من أحدث فً أمرنا هذا ما لٌس منه فهو رد‬

‫وفً رواٌة ألحمد ‪ ،‬ومسلم والبخاري تعلٌقا ً مجزوما ً به ‪:‬‬

‫))‬
‫(( من عمل عمالً لٌس علٌه أمرنا فهو رد‬

‫وفً رواٌة ألحمد وإسنادها صحٌح علً شرط مسلم ‪:‬‬

‫))‬
‫(( من صنع أمراً من ؼٌر أمرنا فهو رد‬

‫وهذه الرواٌة والتً قبلها كل واحدة منها تقطع دابر الشبه التً ٌتعلق‬
‫بها المبٌحون للتمثٌل ‪....‬‬

‫وإذا علم هذا فلٌعلم – أٌضا ً – أنه ال ٌمكن ألح ٍد أن ٌقول أن التمثٌل‬
‫مصنوع بأمر النبً ‪ ، ‬وأنه قد أمر بإدخاله فً وسابل الدعوة إلى هللا‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫‪‬وأن ا لنبً ‪ ‬قد أمر‬ ‫ومن كابر وزعم أنه مصنوع بأمر النبً‬
‫بإدخاله فً وسابل الدعوة إلى هللا تعالى فعلٌه إبراز األمر النبوي الذي‬
‫( )‬
‫ٌنص علً ذلك ‪ ،‬ولن ٌجد إلٌه سبٌال )‬

‫) ِٓ (( تسز‪٠‬ش اٌؼالً إٌث‪ِّ ً١‬ا ٌفمٗ اٌّث‪١‬س‪ٌٍ ْٛ‬تّث‪ ( )) ً١‬ص ‪٘ٚ . ) -7‬زا اٌىتاب سد تٗ اٌش‪١‬خ –‬
‫سزّٗ هللا تؼاٌ‪ – ٝ‬ػٍ‪ ٝ‬طازة وتاب (( زىُ اٌتّث‪ ً١‬ف‪ ٟ‬اٌذػ‪ ٛ‬ئٌ‪ ٝ‬هللا تؼاٌ‪. )) ٝ‬‬
‫‪63‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫األمر الثاني البيعة البدعية عند الجماعات اإلسالمية ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وهذه البٌعة مما أحدثوه فً وسابل الدعوة إلى هللا تعالى ‪ ،‬وقد أنكرها‬
‫جماعة من الم حققٌن وكتبوا فٌها كتابا ً تقضً بإبطالها ‪ ،‬وضاللتها ‪ .‬فمن‬
‫ذلك قول الشٌخ بكر بن عبد هللا أبو زٌد – حفظه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( ‪ ...‬أما وسٌلة محدثة ٌتعبد بها ‪ ،‬فال ‪ .‬فمن تلك الوسابل التً تهجن‬
‫الدعوة وتثٌر الشؽب ‪ ،‬وتجعل األمة شٌعا ً ‪ ،‬تلكم البٌعة البدعٌة الممتدة من‬
‫))‬
‫وهكذا‬ ‫م عٌن المتصوفة إلى مستحدث بعض الجماعات اإلسالمٌة‬
‫األهواء ٌجر بعضها بعضا ً‬

‫وعلٌه فاعلم أن فً اإلسالم بٌعة واحدة فً اإلمامة العظمى ‪ ،‬وهً‬


‫البٌعة الجامعة ‪ ،‬تنعقد بموافقة أهل الشوكة والحل والعقد فً األمة ‪.‬‬

‫سواء حصلت تلك البٌعة بطرٌق محبوب إلى هللا ورسول ه ‪ ، ‬كبٌعة‬
‫الخلفاء الراشدٌن – ‪ –‬أو بطرٌق الؽلبة ‪.‬‬

‫وهذه هً التً ٌحصل بها لإلمام ولً أمر المسلمٌن مقاصد الوالٌة ‪:‬‬
‫القدرة والسلطان ‪ ،‬والشوكة ‪،‬والمنعة فٌقٌم حكم اإلسالم ‪ ،‬كإقامة الحدود ‪،‬‬
‫وقسمة األموال ‪ ،‬ونصب الوالة ‪ ،‬وجهاد العدو ‪ ،‬وإقامة الحج واألعٌاد ‪،‬‬
‫والجمع والجماعات ‪ ،‬وؼٌر ذلك من مقاصد الوالٌة المحمودة برسم‬
‫الشرع ‪.‬‬

‫وما زال أمر األمة على هذا ماضٌا ً ‪ ،‬ال ٌعرفون بٌعة لمن هو دون‬
‫مرتبة اإلمامة الكبرى ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ثم خلفت خلوؾ ‪ ،‬وبانت أور جرت على األمة كباكب من البدع‬
‫((‬ ‫))‬ ‫((‬
‫البٌعة‬ ‫وٌقال ‪:‬‬ ‫البٌعة الرضابٌة‬ ‫وأهواء ‪ ،‬فجرت بدعة الطرقٌة‬
‫))‬ ‫((‬ ‫))‬ ‫((‬ ‫))‬
‫عقد الطرٌق‬ ‫‪ ،‬وٌقال ‪:‬‬ ‫عهد المشاٌخ‬ ‫وٌقال ‪:‬‬ ‫االستثنابٌة‬
‫وٌقال ‪:‬‬

‫))‬
‫وهذه بٌعة بدعٌة محدثة ‪ ،‬ال دلٌل علٌها من كتاب‬ ‫(( مٌثاق الطرٌق‬
‫‪،‬وال سنة ‪ ،‬وال عمل صحابً ‪.‬‬

‫وقد أنكرها جماعة من العلماء ‪ ،‬وشددوا النكٌر على فعلتها ‪ ،‬وأنه ال‬
‫أصل لها ‪.‬‬

‫ثم أنتقلت بمسالخ آخر إلً بعض الجماعات اإلسالمٌة المعاصرة‬


‫حتى بلػ الحال إلى وجود جماعات من ورابها عدد من العهود والبٌعات‬
‫فً بلد واحد ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫وكل واحدة منها تدعو إلى ما هً علٌه دون ما علٌه األخرى‬
‫((‬
‫ما أنا علٌه‬ ‫فضاع من بٌنهم المٌثاق النبوي لجماعة المسلمٌن‬
‫))‬
‫وأصحابً‬

‫وهكذا تقطع جسم األمة اإلسالمٌة بٌن بٌعات طرقٌة فً أجواؾ‬


‫الزواٌا إلى بٌعات حزبٌة فً المواجهة ‪.‬‬

‫وصار الشباب فً حٌرة إلً أي حزب ٌنتمً ‪ ،‬وألي ربٌس تنظٌم‬


‫( )‬
‫ٌباٌع ‪) ...‬‬

‫) ِٓ ‪ (( :‬زىُ االٔتّاء ئٌ‪ ٝ‬اٌفشق ‪ٚ‬األزضاب ‪ٚ‬اٌدّاػاخ اإلسالِ‪١‬ح )) ( ص ‪ ،) -‬ؽ ‪. 2‬‬


‫‪65‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فصــــــــــــــل‬

‫‪ :‬توقٌفٌة وسابل الدعو ة‬ ‫وقد قرر جماعة من أهل العلم والتحقٌق‬


‫وإنها إنما تكون علً منهاج النبوة ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪ :‬شٌخ‬ ‫ومن أحسن من قرر ذلك ‪ ،‬وبسطه واستدل له عقالً ونقالً‬


‫اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى – فً جواب سؤال ورد علٌه ‪،‬‬
‫وهذا نصه ‪:‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫ٌجتمعون على قصد الكبابر من‬ ‫جماعة‬ ‫سبل شٌخ اإلسالم عن‬
‫القتل وقطع الطرٌق ‪ ،‬والسرقة ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬وؼٌر ذلك ‪.‬‬

‫ثم ن شٌخا ً من المشاٌخ المعرفٌن بالخٌر واتباع السنة قصد منع‬


‫المذكورٌن من ذلك ‪.‬‬

‫فلم ٌمكنه إال أنه ٌقٌم لهم سماعا ً ٌجتمعون فٌه بهذه النٌة وهو ب ُدؾ‬
‫مباح بؽٌر شبابة ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بال صالصل ‪ ،‬وؼناء المؽنً بشعر‬

‫فلما فعل هذا تاب منهم جماعة ‪ ،‬وأصبح من ال ٌصلً وٌسرق وال‬
‫ٌزكً ٌتورع عن الشبهات ‪ ،‬وٌؤدي المفروضات ‪ ،‬وٌجتنب المحرمات ‪.‬‬

‫فهل ٌباح فعل هذا السماع لهذا الشٌخ على هذا الوجه ‪ ،‬لما ٌترتب‬
‫علٌه من المصالح ؟‬

‫مع أنه ال ٌمكنهم دعوتهم إال بهذا ؟‬

‫فأجاب ‪:‬‬

‫الحمد هلل رب العالمٌن ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫أصل جواب هذه المسألة وم ا أشبهها ‪ :‬أ‪ٌ ،‬علم أن هللا بعث محمد ‪‬‬
‫بالهدى ‪ ،‬ودٌن الحق ‪ ،‬لٌظهره علً الدٌن كله ‪ ،‬وكفً باهلل شهٌداً ‪ .‬وأنه‬
‫أكمل له وألمته الدٌن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬

‫ٌت لَ ُك ُم ْ ِ‬
‫األسْ ال َم‬ ‫ت لَ ُك ْم دٌِ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ُ‬
‫مْت َعلَ ٌْ ُك ْم ِنعْ َمتًِ َو َرضِ ُ‬ ‫‪ْ ‬ال ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫دٌِنا ً ‪( ‬المابدة‪ :‬من اآلٌة‪)3‬‬

‫وأنه بشر بالسعادة لمن أطاعه والشقاوة لمن عصاه ‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬

‫ٌِن أَ ْن َع َم َّ‬
‫هللاُ َعلٌَ ِْه ْم م َِن ال َّن ِبٌ َ‬
‫ٌِّن‬ ‫ِك َم َع الَّذ َ‬ ‫هللا َوالرَّ سُو َل َفأُولَب َ‬
‫‪َ ‬و َمنْ ٌُطِ ِع َّ َ‬
‫ك َرفٌِقا ً‪( ‬النساء‪)69:‬‬ ‫ٌِن َو َحس َُن أُولَ ِب َ‬
‫اء َوالصَّالِح َ‬ ‫ٌِن َوال ُّش َهدَ ِ‬
‫ص ِّدٌق َ‬
‫َوال ِّ‬
‫وقال تعالً‬

‫ٌِن فٌِ َها أَ َبداً‪( ‬الجـن‪:‬‬ ‫ص َّ َ‬


‫هللا َو َرسُولَ ُه َفإِنَّ لَ ُه َن َ‬
‫ار َج َه َّن َم َخالِد َ‬ ‫‪َ ‬و َمنْ ٌَعْ ِ‬
‫من اآلٌة‪)23‬‬

‫وأمر الخلق أن ٌردوا ما تنازعوا فٌه من دٌنهم إلى ما بعثه به ‪ ،‬كما‬


‫قال تعالى ‪:‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ٌَ ‬ا أَ ٌُّ َها الَّذِي َن آ َم ُنوا أَطِ ٌعُوا َّ َ َ‬
‫هللا َوأطِ ٌعُوا الرَّ سُو َل َوأولًِ ْاأل ِ‬
‫مْر ِم ْن ُك ْم‬
‫ون ِب َّ ِ‬
‫اهلل َو ْال ٌَ ْو ِم‬ ‫ُول إِنْ ُك ْن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ازعْ ُت ْم فًِ َشًْ ٍء َفرُ ُّدوهُ إِلَى َّ ِ‬
‫هللا َوالرَّ س ِ‬ ‫َفإِنْ َت َن َ‬
‫ْاآلخ ِِر َذل َِك َخٌْرٌ َوأَحْ َسنُ َتأْ ِوٌالً‪( ‬النساء‪)59:‬‬
‫وأخبر أنه ٌدعو إلى هللا وؼلى صراطه المستقٌم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬

‫ٌر ٍة أَ َنا َو َم ِن ا َّت َب َعنًِ ‪ٌ( ‬وسؾ‪:‬‬ ‫‪‬ق ْل َه ِذ ِه َس ِبٌلًِ أَ ْدعُو إِلَى َّ ِ‬
‫هللا َعلَى َبصِ َ‬
‫من اآلٌة‪)108‬‬

‫‪68‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ك لَ َت ْهدِي إِلَى صِ َراطٍ مُسْ َتق ٌٍِم ‪ ‬صِ َراطِ َّ ِ‬


‫هللا الَّذِي لَ ُه َما فًِ‬ ‫‪َ ‬وإِ َّن َ‬
‫هللا َتصِ ٌ ُر ْاألُمُورُ ‪( ‬الشورى‪،52:‬‬ ‫ض أَال إِلَى َّ ِ‬‫ت َو َما فًِ ْاألَرْ ِ‬ ‫ال َّس َم َاوا ِ‬
‫‪) 53‬‬

‫وأحب أنه ٌأمر بالمعروؾ ‪ ،‬وٌنهى عن المنكر وٌحل الطٌبات‬


‫وٌحرم الخبابث ‪ .‬كما قال تعالى ‪:‬‬

‫ون َّ‬
‫الز َكا َة‬ ‫ون َوٌ ُْؤ ُت َ‬
‫ٌِن ٌَ َّتقُ َ‬ ‫ت ُك َّل َشًْ ٍء َف َسأ َ ْك ُت ُب َها لِلَّذ َ‬ ‫‪َ ‬و َرحْ َمتًِ َوسِ َع ْ‬
‫ُون الرَّ سُو َل ال َّن ِبًَّ ْاألُمًَِّّ الَّذِي‬ ‫ٌِن ٌَ َّت ِبع َ‬ ‫ون ‪‬الَّذ َ‬ ‫ٌِن ُه ْم ِب ٌا ِت َنا ٌ ُْؤ ِم ُن َ‬ ‫َوالَّذ َ‬
‫ٌل ٌَأْمُرُ ُه ْم ِب ْال َمعْ رُ وؾِ َو ٌَ ْن َها ُه ْم‬ ‫ٌَ ِج ُدو َن ُه َم ْك ُتوبا ً عِ ْندَ ُه ْم فًِ ال َّت ْو َرا ِة َو ْاألِ ْن ِج ِ‬
‫ضعُ َع ْن ُه ْم‬‫ِث َو ٌَ َ‬ ‫ت َوٌ َُحرِّ ُم َعلٌَ ِْه ُم ْال َخ َباب َ‬ ‫َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر َو ٌُ ِح ُّل لَ ُه ُم َّ‬
‫الط ٌِّ َبا ِ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا ِب ِه َو َع َّز ُروهُ َو َن َ‬
‫صرُ وهُ‬ ‫إِصْ َر ُه ْم َو ْاألَ ْؼال َل الَّتًِ َكا َن ْ‬
‫ت َعلٌَ ِْه ْم َفالَّذ َ‬
‫ون‪( ‬ألعراؾ‪، 156:‬‬ ‫ْال ُم ْفلِحُ َ‬ ‫ور الَّذِي أ ُ ْن ِز َل َم َع ُه أُولَب َ‬
‫ِك ُه ُم‬ ‫َوا َّت َبعُوا ال ُّن َ‬
‫‪)157‬‬

‫وقد أمر هللا الرسول ‪ ‬بكل معروؾ ونهى عن كل منكر وأحل كل‬
‫طٌب وحرم كل خبٌث ‪ .‬وثبت عنه‪ ‬فً (( الصحٌح )) أنه قال ‪:‬‬

‫ما بعث هللا نبٌا ً إال كان حقا ً علٌه أن ٌدل أمته على خٌر ما ٌعلمه‬ ‫((‬

‫لهم وٌنهاهم عن شر ما ٌعلمه لهم ))‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وثبت عن العرباض بن سارٌة قال ‪ :‬وعظنا رسول هللا ‪ ‬موعظة‬


‫وجلت منها القلوب وذرفت منها العٌون قال فقلنا ٌا رسول هللا ! كأن هذه‬
‫موعظة مودع ‪ ،‬فماذا تعهد إلٌنا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫((‬
‫أوصٌكم بالسمع والطاعة ‪ ،‬فإنه من ٌعش منكم بعدى فسٌرى‬
‫اختالفا ً كثٌراً ‪ .‬فعلٌكم بسنتً وسنة الخلفا ء الراشدٌن المهدٌن من بعدي ‪،‬‬
‫‪ .‬فإن كل‬ ‫تمسكوا بها وعضوا علٌها بالنواجذ وإٌاكم ومحدثات األمور‬
‫بدعة ضاللة ))‪.‬‬

‫وثبت عنه‪ ، ‬أنه قال ‪:‬‬

‫(( ما تركت من شًء ٌبعدكم عن النار إال وقد حدثتكم به ))‪.‬‬

‫وقال ‪:‬‬

‫(( تركتكم علً البٌضاء لٌلها كنهارها ال ٌزٌػ عنها بعدي إال هالك ))‪.‬‬

‫وشواهد هذا األصل العظٌم الجامع من الكتاب والسنة كثٌرة وترجم‬


‫))‬
‫كما ترجم‬ ‫علٌه أهل العلم فً الكتب ‪ :‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‬
‫علٌه البخاري والبؽوي وؼٌرهما ‪ ،‬فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من‬
‫أولٌاء هللا المتقٌن ‪ ،‬وحزبه المفلحٌن ‪ ،‬وجنده الؽالبٌن ‪ ،‬و كان السلؾ ‪-‬‬
‫كمالك وؼٌره ‪ٌ ، -‬قولون ‪ :‬السنة كسفٌنة نوح من ركبها نجا ‪ ،‬ومن‬
‫تخلؾ عنها ؼرق ‪ .‬وقال الزهري ‪ :‬كان من مضى من علمابنا ٌقولون ‪:‬‬
‫االعتصام بالسنة نجاة ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫إذا عرؾ هذا فمعلوم أنما ٌهدي هللا به الضالٌن وٌرشد به الؽاوٌن‬
‫فٌما بعث هللا به رسوله من‬ ‫وٌتوب به على العاصٌن والبد أن ٌكون‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬و إال فإنه لو كان ما بعث هللا به رسوله من الكتاب‬
‫والسنة وإال فإنه لو كان ما بعث هللا به الرسول ‪ ‬ال ٌكفً فً ذلك لكان‬
‫دٌن الرسول ناقصا ً ‪ ،‬محتاجا ً تتمة ‪ .‬وٌنبؽً أن ٌعلم أن األعمال الصالحة‬
‫أمر هللا بها أمر إٌجاب أو استحباب ‪ .‬واألعمال الفاسدة نهى هللا عنها ‪.‬‬

‫‪ .‬فإن‬ ‫والعمل إذا أشتمل على مصلحة ومفسدة فإن الشارع حكٌم‬
‫ؼلبت مصلحته على مفسدته شرعه ‪ ،‬وإن ؼلبت مفسدته على مصلحته لم‬
‫ٌشرعه ‪ ،‬بل نهى عنه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬

‫ِب َعلَ ٌْ ُك ُم ْال ِق َتا ُل َوه َُو ُكرْ هٌ لَ ُك ْم َو َع َسى أَ نْ َت ْك َرهُوا َشٌْبا ً َوه َُو َخ ٌْ ٌر‬ ‫‪ُ ‬كت َ‬
‫‪‬‬ ‫هللاُ ٌَعْ لَ ُم َوأَ ْن ُت ْم ال َتعْ لَم َ‬
‫ُون‬ ‫لَ ُك ْم َو َع َسى أَنْ ُت ِحبُّوا َشٌْبا ً َوه َُو َشرٌّر لَ ُك ْم َو َّ‬
‫(البقرة‪)216:‬‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ل َّن ِ‬
‫اس‬ ‫ٌِه َما إِ ْث ٌم َك ِبٌ ٌر َو َم َنافِعُ ِل‬ ‫‪ٌَ ‬سْ أَلو َن َ‬
‫ك َع ِن ْال َخم ِْر َو ْال َم ٌْسِ ِر قُ ْل ف ِ‬
‫َوإِ ْث ُم ُه َما أَ ْك َب ُر ِمنْ َن ْفع ِِه َما ‪( ‬البقرة‪ :‬من اآلٌة‪)219‬‬

‫ولهذا حرمهما هللا تعالى بعد ذلك ‪.‬‬

‫وهكذا ما ٌراه الناس من األعمال مقربا ً إلى هللا ولم ٌشرعه هللا‬
‫ورسوله ‪ ،‬فإنه البد أن ٌكون ضرره أعظم من نفعه ‪ ،‬و إال فلو كان نفعه‬
‫أعظم ؼالبا ً على ضرره لم ٌهمله الشارع ‪ ،‬فإنه ‪ ‬حكٌم ال ٌهمل مصالح‬
‫الدٌن وال ٌفوت المؤمنٌن ما ٌقربهم إلى رب العالمٌن ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪ :‬أن الشٌخ المذكور قصد أن ٌتوب‬ ‫إذا تبٌن هذا فنقول للسابل‬
‫المجتمعٌن على الكبابر ‪ ،‬فلم ٌمكنه ذلك إال بما ذكره من الطرٌق البدعى‬
‫‪ٌ ،‬دل أن الشٌخ جاهل بالطرق الشرعٌة التً بها تتوب العصاة أو عاجز‬
‫عنها ‪ ،‬فإن الرسول ‪ ‬والصحابة والتابعٌن كانوا ٌدعون من هو شر من‬
‫هؤالء من أهل الكفر والفسوق والعصٌان بالطرق الشرعٌة ‪ ،‬التً أؼناهم‬
‫هللا بها عن الطرق البدعٌة ‪.‬‬

‫قال ٌجوز أن ٌقال ‪ :‬أنه لٌس فً الطرق الشرعٌة التً بعث هللا بها‬
‫نبٌه ما يتوب به العصاة ‪ ،‬فإنه قد علم باإلضطرار والنقل المتواتر أنه قد‬
‫تاب من الكفر والفسوق والعصٌان من ال ٌحصٌه إال هللا تعالى من األمم‬
‫بالطرق الشرعٌة التً لٌس فٌها ما ذكر من االجتماع البدعى ‪ ،‬بل‬
‫السابقون األولون ن المهاجرٌن واألنصار والذٌن اتبعوهم بإحسان – وهم‬
‫– تابوا إلى هللا تعالً بالطرق‬ ‫خٌر أولٌاء هللا المتقٌن ‪ ،‬من هذه األمة‬
‫‪ .‬وأمصار المسلمٌن وقراهم قدٌما ً‬ ‫الشرعٌة ال بهذه الطرق البدعٌة‬
‫وحدٌثا ً مملوءة ممن تاب إلى هللا واتقاه ‪ ،‬وفعل ما ٌحبه هللا وٌرضاه‬
‫بالطرق الشرعٌة ‪ ،‬ال بهذه الطرق البدعٌة ‪.‬‬

‫‪ :‬أن العصاة ال تمكن توبتهم إال بهذه الطرق‬ ‫فال ٌمكن أن ٌقال‬
‫البدعٌة بل قد ٌقال ‪ :‬أن فً الشٌوخ من ٌكون جاهالً بالطرق الشرعٌة‬
‫عاجزاً عنها ‪ ،‬لٌس عنده علم بالكتاب والسنة ‪ ،‬وما ٌخاطب به الناس ‪،‬‬
‫وٌسمعهم إٌاه ‪ ،‬مما ٌتوب هللا علٌهم ‪ ،‬فٌعدل هذا الشٌخ عن الطرق‬
‫الشرعٌة إلى الطرق البدعٌة إما مع حسن القصد – إن كان له دٌن –‬

‫‪72‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪ – ...‬إلى‬ ‫وإما أن ٌكون ؼرضه الترأس علٌهم ‪ ،‬وأخذ أموالهم بالباطل‬


‫أن قال ‪: -‬‬

‫وقول السابل وؼٌره ‪ :‬هل هو حالل ؟ أو حرام ؟ لفظ مجمل فٌه‬


‫تلبٌس ‪ ،‬وٌشتبه الحاكم فٌه حتى ال ٌحسن كثٌر من المفتٌن تحرٌر‬
‫السماع وؼٌره من األفعال على‬ ‫الجواب فٌه وذلك ألن الكالم فً‬
‫ضربٌن ‪.‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أنه هل هو محرم ؟ أو ؼٌر محرم ؟ بل ٌفعل كما ٌفعل‬


‫سابر األفعال التً تلتذ بها النفوس ‪ ،‬وإن كان فٌها نوع من اللهو واللعب‬
‫كسماع األعراس وؼٌرها ‪ ،‬مما ٌفعله الناس لقصد اللذة واللهو ‪ ،‬ال لقصد‬
‫العبادة والتقرب إلى هللا ‪.‬‬

‫والنوع الثانً ‪ :‬أن هللا ٌفعل على وجه الدٌانة ‪ ،‬والعبادة ‪ ،‬وصالح‬
‫القلوب ‪ ،‬وتجرٌد حب العباد لربهم ‪ ،‬وتزكٌة نفوسهم ‪ ،‬وتطهٌر قلوبهم ‪،‬‬
‫وأن تحرك من القلوب الخشٌة ‪،‬واإلنابة ‪ ،‬والحب ورقة القلوب ‪ ،‬وؼٌر‬
‫ذلك مما هو جنس العبادات ‪ ،‬والطاعات ‪ ،‬ال من جنس اللعب والملهًات ‪.‬‬

‫فٌجس الفرق بٌن سماع المتقربٌن ‪ ،‬وسماع المتلعبٌن ‪ ،‬وبٌن السماع‬


‫الذي ٌفعله الناس فً األعراس ‪ ،‬واألفراح ‪ ،‬ونحو ذلك من العادات وبٌن‬
‫السماع الذي ٌفعل لصالح القلوب ‪ ،‬والتقرب إلى رب السماوات فإن هذا‬
‫ٌسأل عنه ‪ :‬هل هو قربة وطاعة ؟ وهل هو طرٌق إلى هللا ؟ وهل لهم بد‬
‫من أن ٌفعلوه لما فٌه من رقة قلوبهم ‪،‬وتحرٌك وجدهم لمحبوبهم ‪،‬‬
‫وتزكٌة نفوسهم ‪ ،‬وإزالة القسوة عن قلوبهم ‪ ،‬ونحو ذلك من المقاصد التً‬

‫‪73‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫تقصد بالسماع ؟ كما أن النصارى ٌفعلون مثل هذا السماع فً كنابسهم‬


‫على وجه العبادة والطاعة ‪ ،‬ال على وجه اللهو واللعب ‪.‬‬

‫( )‬
‫هل ٌباح للشٌخ أن ٌجعل هذه األمور‬ ‫إذا عرؾ هذا فحقٌقة السؤال‬
‫التً هً ‪ :‬أما محرمة ؟ أو مكروهة ؟ أو مباحة ؟ قربة وعبادة وطاعة ‪،‬‬
‫وطرٌقة إلى هللا ٌدعوا بها إلى هللا ‪ ،‬وٌتوب العاصٌن ‪ ،‬وٌرشد به الؽاوٌن‬
‫‪ ،‬وٌهدي به الضالٌن ‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫فال دٌن إال ما شرع هللا ‪ ،‬وال‬ ‫أصالن‬ ‫ومن المعلوم أن الدٌن له‬
‫حرام إال ما حرمه هللا ‪ .‬وهللا تعالً عاب على المشركٌن أنهم حرموا ما‬
‫لم ٌحرمه هللا ‪ ،‬وشرعوا دٌنا ً لم ٌأذن به هللا ‪. ) ( )...‬اهـ‪.‬‬

‫– رحمه هللا تعالى – وهو فً ؼاٌة‬ ‫هذا ما قرره شٌخ اإلسالم‬


‫الوضوح والصراحة ‪ ،‬إذ حقٌقة السؤال الذي وجه إلٌه ‪:‬‬

‫هل ٌباح لذلك الشٌخ الذي أراد إصالح أولبك العصاة ‪ ،‬أن ٌتخذ فً‬
‫سبٌل إصالحهم أي وسٌلة تؤدي إلى هذا الؽرض ‪:‬‬

‫محرمة كانت ‪.‬‬

‫أو مكروهة ‪.‬‬

‫أو مباحة ‪.‬‬

‫) اٌز‪ ٞ‬أخ‪١‬ة ػٍ‪ ٗ١‬ف‪٘ ٟ‬زٖ اٌفت‪. ٜٛ‬‬


‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪) 631 -620 /1 ( )) ٞٚ‬‬
‫‪74‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فأقام – رحمه هللا تعالى – الحجج على القطع بتحرٌم أي وسٌلة‬


‫لٌست شرعٌة ثبت أن النبً ‪ ‬استخدمها حتى لو كانت مباحة فً أصل‬
‫( )‬
‫الشرع‬

‫وذلك التزاما ً بالقاعدة الصلبة عند أهل السنة والجماعة ‪ :‬أال نعبد إال‬
‫هللا ‪ ،‬وال نعبده إال بما شرع على لسان رسوله‪. ‬‬

‫وهذا الذي قرره شٌخ اإلسالم قرره ؼٌر واحد من العلماء المحققٌن ‪.‬‬

‫ٌقول العالمة الشٌخ عبد العزٌز بن عبد هللا بن باز – حفظه هللا تعالى‬
‫– ( ومن المعلوم أن هذه العوامل قام بها نبٌنا محمد‪ ‬فً مكة أوالً ثم فً‬
‫المدٌنة ولن ٌصلح آخر هذه األمة إال الذي صلح به أولها ‪ ،‬كما ثال أهل‬
‫العلم واإلٌمان ‪ ،‬ومن جملتهم اإلمام مالك بن أنس قال هذه المقالة ‪،‬‬
‫وتلقاها أهل العلم فً زمانه وبعده ‪ ،‬ووافقوه علٌها جمٌعا ً ‪ :‬لن ٌصلح أخر‬
‫هذه األمة إال ما أصلح أولها ‪.‬‬

‫والمعنً الذي صلح به أولها ‪ ،‬وهو إتباع كتاب هللا وسنة رسوله ‪: ‬‬
‫هو الذي ٌصلح به آخرها إلى ٌوم القٌامة ‪.‬‬

‫ومن أراد صالح المجتمع اإلسالمً ‪ ،‬أو صالح المجتمعات األخرى‬


‫فً هذه الدنٌا بؽٌر الطرٌق والوسابل والعوامل التً صلح بها األولون فقد‬
‫ؼلط ‪ ،‬وقال ؼٌر الحق ‪.‬‬

‫) ‪ٚ‬أظش والَ ش‪١‬خ اإلسالَ ا‪٢‬ت‪ ( ٟ‬ص ‪ ) 95‬فأٗ أ‪ٚ‬ػر ف‪٘ ٗ١‬زا األِش ‪ٚ‬صادٖ ت‪١‬أا ً ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فلٌس إلً ؼٌر هذا من سبٌل ‪،‬وإنما السبٌل إلى إصالح الناس‬
‫وإقامتهم على الطرٌق السوي ‪ ،‬هو السبٌل الذي درج علٌه نبٌنا محمد ‪‬‬
‫ودرج علٌه صحابته الكرام ‪ ،‬ثم أتباعهم بإحسان إلى ٌومنا هذا ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫وقد قرر هذا ا ألمر‪ -‬أٌضا ً – تقرٌراً بٌعا ً الشٌخ حمود بن عبد هللا‬
‫))‬ ‫((‬
‫تحذٌر العاقل النبٌل مما لفقه المبٌحون للتمثٌل‬ ‫التوٌجري فً كتابه‬
‫التمثٌل ))المحدثة ‪ ،‬إال أنه ٌعد‬ ‫((‬
‫وكالمه هنا إن كان خاصا ً بوسٌلة‬
‫تأصٌالً قوٌا ً ٌرد به كل وسٌلة محدثة ‪.‬‬

‫((‬
‫حكم التمثٌل فً‬ ‫قال – رحمه هللا – فً الرد علً صاحب رسالة‬
‫الدعوة إلى هللا ))‪:‬‬

‫فصل ‪:‬‬

‫ومن زالت صاحب النبذة زعمه فً صفحة ( ‪ ) 13‬أن التمثٌل من‬


‫وسابل الدعوة والتعلٌم المشروعة ‪.‬‬

‫والجواب على هذه الزلة العظٌمة من وجوه ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أن ٌقال أن المشروع ما شرعه هللا فً كتابه وعلى لسان‬


‫رسوله‪ ‬ولٌس فً القرآن وال فً السنة نص ٌدل على مشروعٌة التمثٌل‬
‫‪ ،‬وحٌث لم ٌكن فً القرآن وال فً السنة نص ٌدل على مشروعٌة التمثٌل‬
‫فإن دعوى مشروعٌته دعوى باطلة مردودة ‪.‬‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع فتا‪ ٜٚ‬اٌش‪١‬خ ػثذ ٌؼض‪٠‬ض تٓ تاص )) ( ‪ ، ) 249 /1‬ؽ ‪ :‬اإلفتاء‬


‫‪76‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫الوجه الثانً ‪ :‬أن ٌقال إن دعوى مشروعٌة التمثٌل دعوى خطٌرة‬


‫جداً ألنها تتضمن االفتراء على هللا وعلى رس وله‪ ‬وذلك من أظلم الظلم‬
‫وأعظم المحرمات ‪.‬‬

‫الوجه الثالث ‪ :‬أن ٌقال أن دعوى مشروعٌة التمثٌل تقتضى إدخاله‬


‫فً الدٌن الذي أكمله هللا لعباده ورضٌه لهم ‪ ،‬وهذا من الزٌادة فً الدٌن‬
‫والشرع فٌه بما لم ٌأذن به هللا وقد ورد الوعٌد الشدٌد على هذا والنص‬
‫على أنه من الظلم ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫ِّين َما لَ ْم َيأْ َذنْ ِب ِه ه‬


‫َّللاُ َولَ ْوال َكلِ َم ُة‬ ‫ش َر ُعوا لَ ُه ْم مِنَ الد ِ‬
‫ش َر َكا ُء َ‬ ‫‪‬أَ ْم لَ ُه ْم ُ‬
‫اا أَلِي ٌبم‪( ‬الشورى‪)21:‬‬ ‫اللالِمِينَ لَ ُه ْم َع َذ ٌب‬
‫ص ِل لَقُ ِ َي َب ْي َن ُه ْم َو ِنه ه‬ ‫ا ْل َف ْ‬

‫الوجه الرابع ‪ :‬أن ٌقال أن دعوى مشروعٌة التمثٌل تتضم ن الطعن‬


‫على رسول هللا‪ ‬وعلى أصحابه بأنهم أهملوا أمراً من األمور المشروعة‬
‫فً دعوة الناس وتعلٌمهم فلم ٌعملوا به ولم ٌرشدوا الناس إلٌه ‪ ،‬وما‬
‫‪ ‬وعلى‬ ‫أعظم الخطر فً األمور التً تتضمن الطعن على رسول هللا‬
‫االعتصام )) ما رواه ابن‬ ‫((‬
‫أصحابه – ‪ ، -‬وقد ذكر الشاطبً فً كتاب‬
‫((‬
‫من ابتدع فً‬ ‫‪ :‬سمعت مالكا ً ٌقول ‪:‬‬ ‫حبٌن عن ابن الماجشون قال‬
‫‪ ‬خان الرسالة ألن هللا‬ ‫اإلسالم بدعة ٌراها حسنة فقد زعم أن محمد‬
‫ٌقول ‪:‬‬

‫‪ ‬ا ْل َي ْو َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ت لَ ُك ْم دِي َن ُك ْم ‪( ‬المابدة‪ :‬من اآلٌة‪)3‬‬

‫))‬ ‫فما لم ٌكن ٌومبذ دٌنا ً فال ٌكون الٌوم دٌنا ً‬


‫وذكره الشا طبً فً‬
‫موضع أخر من كتاب (( االعتصام )) ولفظه ‪ :‬قال مالك ‪ (( :‬من أحدث فً‬

‫‪77‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪ ‬خان‬ ‫هذه األمة شٌبا ً لم ٌكن علٌه سلفها فقد زعم أن رسول هللا‬
‫الرسالة )) وذكر بقٌة كالمه بمثل ما تقدم ‪.‬‬

‫وإذا كان هذا قول ما لم فٌمن ابتدع فً اإلسالم بدعة ٌراها حسنة‬
‫فكٌؾ بمن ٌرى فً بدعة التمثٌل التً قد أحدثت فً آخر هذه األمة أنها‬
‫من وسابل الدعوة والتعلٌم المشروعة ‪ .‬فهذه المجازفة التً قٌلت من ؼٌر‬
‫تثبت وال تعقل أعظم بكثٌر مما شدد فٌه اإلمام مالك – رحمه هللا تعالى –‬
‫فلٌنتبه صاحب النبذة لما ٌلزم على هذه الجملة الخطٌرة من الطعن على‬
‫رسول هللا ‪ ‬ولٌتأمل كالم اإلمام مالك فإنه مهم جداً ولٌتق هللا تعالى‬
‫ولٌعلم أن الشرع فً الدٌن خطٌر جداً ‪ ،‬وال ٌأمن أن ٌكون له نصٌب من‬
‫قول هللا تعالى ‪:‬‬

‫ٌن َما لَ ْم ٌَأْ َذنْ ِب ِه َّ‬


‫هللاُ َولَ ْوال َكلِ َم ُة‬ ‫ش َر َكا ُء َش َرعُوا لَ ُه ْم م َِن ال ِّد ِ‬ ‫‪‬أَ ْم لَ ُه ْم ُ‬
‫ٌِن لَ ُه ْم َع َذابٌ أَلٌِ ٌم‪( ‬الشورى‪)21:‬‬ ‫الظالِم َ‬‫ْال َفصْ ِل لَ ُقضِ ًَ َب ٌْ َن ُه ْم َوإِنَّ َّ‬
‫وال ٌأمن – أٌضا ً – أن ٌكون له نصٌب وافر من قول هللا تعالى ‪:‬‬

‫َ‬ ‫‪ ‬لِ ٌَحْ مِلُوا أَ ْو َز َ‬


‫ٌِن ٌُضِ لُّو َن ُه ْم‬ ‫ار ُه ْم َكا ِملَ ًة ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة َو ِمنْ أ ْو َز ِ‬
‫ار الَّذ َ‬
‫ون‪( ‬النحل‪)25:‬‬ ‫ِب َؽٌ ِْر عِ ْل ٍم أَال َسا َء َما ٌَ ِزرُ َ‬
‫‪ (( ‬من دعا إلى‬ ‫وأن ٌكون له نصٌب كامل مما جاء فً قول النبً‬
‫ضاللة كان علٌه من اإلثم مثل آثام من تبعه ال ٌنقص ذلك من آثامهم‬
‫شٌبا ً ))‪.‬‬

‫– ‪ ، -‬وقال‬ ‫رواه اإلمام أحمد وأهل السن من حدٌث أبً هرٌرة‬


‫الترمذي ‪ :‬هذا حدٌث حسن صحٌح ‪ ،‬وصححه أٌضا ً ابن حبان ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫–‬ ‫وروى اإلمام أحمد وأبو داود أٌضا ً بأسانٌد جٌدة عن أبً هرٌرة‬
‫((‬
‫من أفتً بفتٌا بؽٌر علم كان إثم ذلك على‬ ‫‪ –‬أن رسول هللا ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫من أفتاه ))‪.‬‬

‫رواه الحاكم بنحوه وقال ‪ :‬صحٌح على شرط الشٌخٌن ووافقه الذهبً‬
‫فً تلخٌصه ‪.‬‬

‫وروى اإلمام أحمد – أٌضا ً – وابن ماجة والدارم ي بأسانٌد جٌدة أن‬
‫((‬
‫من أفتً بفتٌا ؼٌر ؼٌر ثبت فإنما إثمه على من‬ ‫رسول هللا ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫أفتاه ))‪.‬‬

‫فلٌحذر المؤمن الناصح لنفسه من التسرع إلى الفتٌا بؽٌر علم ‪ ،‬فإن‬
‫عاقبة التسرع إلى الفتٌا خطٌرة على أهل العلم وال ٌأنؾ العاقل أن ٌقول‬
‫‪ :‬ال أعلم ‪ ،‬أو ال أدري فقد قال بعض‬ ‫فً الشًء الذي ٌخفى علٌه‬
‫السلؾ ‪ (( :‬ال أدري نصؾ العلم ))‪.‬‬

‫الوجه الخامس ‪ :‬أن ٌقال أن هللا تعالى قد أمر رسوله ‪ ‬أن ٌدعوا إلى‬
‫سبٌله بالحكمة والموعظة الحسنة ‪ .‬قال بعض المحققٌن من المفسرٌن ‪:‬‬
‫الحكمة هً الكتاب والسنة ‪ ،‬والموعظة الحسنة هً ما جاء فً القرآن من‬
‫الزواجر والوقابع بالناس ‪ .‬فهذا هو هدى رسول هللا ‪ ‬فً الدعوة والتعلٌم‬
‫فأما التمثٌل الذي ٌفعله بعض الناس فً زماننا وٌزعمون أنه من وسابل‬
‫الدعوة والتعلٌم المشروعة فلٌس مما أمر هللا به فً كتابه ولٌس من هدى‬
‫رسول هللا ‪ ‬وال من عمل الصحابة وا لتابعٌن وتابعٌهم بإحسان ومن‬
‫خالؾ هدى رسول هللا ‪ ‬وطرٌقة أصحابه فً الدعوة والتعلٌم فإنه ٌخشى‬
‫علٌه أن ٌكون داخالً فً عموم قول هللا تعالً ‪:‬‬
‫‪79‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫‪َ ‬و َمنْ ٌُ َشاق ِِق الرَّ سُو َل ِمنْ َبعْ ِد َما َت َبٌ ََّن لَ ُه ْال ُهدَى َو ٌَ َّت ِبعْ َؼٌ َْر َس ِب ِ‬
‫ٌل‬
‫ت َمصِ ٌراً ‪( ‬النساء‪)115:‬‬ ‫ْالم ُْؤ ِمن َ‬
‫ٌِن ُن َو ِِّهل َما َت َولَّى َو ُنصْ لِ ِه َج َه َّن َم َو َسا َء ْ‬
‫‪َ ‬و َمنْ ٌُ َشاق ِِق الرَّ سُو َل ِمنْ َبعْ ِد َما َت َبٌ ََّن لَ ُه ْالهُدَى َو ٌَ َّت ِبعْ َؼٌ َْر َس ِب ِ‬
‫ٌل‬
‫ت َمصِ ٌراً‪( ‬النساء‪)115:‬‬ ‫ْالم ُْؤ ِمن َ‬
‫ٌِن ُن َولِّ ِه َما َت َولَّى َو ُنصْ لِ ِه َج َه َّن َم َو َسا َء ْ‬
‫‪َ ‬و َمنْ ٌُ َشاق ِِق الرَّ سُو َل ِمنْ َبعْ ِد َما َت َبٌ ََّن لَ ُه ْالهُدَى َو ٌَ َّت ِبعْ َؼٌ َْر َس ِب ِ‬
‫ٌل‬
‫ت َمصِ ٌراً‪( ‬النساء‪)115:‬‬ ‫ْالم ُْؤ ِمن َ‬
‫ٌِن ُن َولِّ ِه َما َت َولَّى َو ُنصْ لِ ِه َج َه َّن َم َو َسا َء ْ‬
‫فلٌحذر المؤمن الناصح لنفسه أن ٌكون من أهل هذه اآلٌة وهو ٌحسب أنه‬
‫من المهتدٌن ( ) اهـ‪.‬‬

‫وفً تقرٌر أن وسابل الدعوة توقٌفٌة ‪ٌ ،‬قول الشٌخ بكر بن عبد هللا‬
‫أبو زٌد – حفظه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( فالدعوة تتكون من وسٌلة وؼاٌة ‪.‬‬

‫فحقٌقة الدعوة (( الؽاٌة )) توقٌفٌة ‪ ،‬ال مجال لالجتهاد فٌها ‪.‬‬

‫حقٌقة الدعوة أمر ثابت ال ٌتؽٌر‬

‫حقٌقة الدعوة أمر ثابت ال ٌتحول‬

‫حقٌقة الدعوة أمر ثابت ال ٌتؽٌر بتؽٌر األزمان والمكان واألحوال ‪.‬‬
‫واألصل فً وسابل نشر الدعوة – كذلك – التوقٌؾ على منهاج النبوة ‪.‬‬

‫وقد صح عن النبً ‪ ‬أنه قال‪:‬‬

‫))‬
‫(( من أحدث فً أمرنا ما لٌس منه فهو رد‬

‫) ((زىُ االٔتّاء )) ( ص ‪ ، ) 157‬ؽ ‪. 21‬‬


‫‪80‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وفً لفظ ‪:‬‬

‫(( م ن عمل عمالً لٌس علٌه أمرنا فهو رد ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫وبعد‬

‫فهذه نماذج مما سطر العلماء فً توقٌفٌة وسابل الدعوة ‪ ،‬علها‬


‫تستأصل ما فً القلوب من لوثة البدع الدعوٌة ‪ ،‬وتوقؾ المنصؾ على‬
‫سالمة االستدالل بتلك األصول الشرعٌة على حظر أي وسٌلة دخٌلة فً‬
‫مٌدان الدعوة السلفٌة ‪ ،‬مما عظم نفعها ‪ ،‬ولمس عطاؤها ‪.‬‬

‫وهللا الموفق والهادي إلى سواء السبٌل ‪.‬‬

‫) ِٓ (( تسز‪٠‬ش اٌؼالً إٌث‪ ( )) ً١‬ص ‪) 32 - 19‬‬


‫))‬
‫‪ٚ‬أظش أ‪٠‬ؼا ً – ٔس‪٘ ٛ‬زا اٌسىُ ٌٍش‪١‬خ ف‪ ٟ‬وتاتٗ (( ئلاِح اٌذٌ‪ ً١‬ػٍ‪ ٝ‬إٌّغ ِٓ األٔاش‪١‬ذ اٌٍّسٕح ‪ٚ‬اٌتّث‪ً١‬‬
‫( ص ‪. ) 19 -17‬‬
‫‪81‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فصـــــــــــــــــــــل‬

‫وفً الوسابل الشرعٌة ؼنٌة وكفاٌة عن الوسابل البدعٌة ‪ ،‬إذا ما من‬


‫طرٌق فٌه مصلحة للدعوة إال وقد سلكه الرسول‪ ، ‬وشرعه ألمته ‪.‬‬

‫فالخطب المشروعة كخطب الجمعة ‪ ،‬والعٌدٌن ‪ :‬من أعظم الوسابل‬


‫النافعة فً الدعوة ‪ ،‬حٌث ٌطرق فٌها الخطٌب كل موضوع تحتاجه األمة‬
‫فً عباداتها ‪ ،‬ومعامالتها ‪ ،‬وأخالقها وسلوكها ‪.‬‬

‫‪ ‬وصحابته‬ ‫– التً كان علٌها رسول هللا‬ ‫وفً الحِلق العلمٌة‬


‫وتابعوهم ‪ - -‬ما ٌكفل بث العلم ونشره ‪ ،‬وتقرٌبه لم أراده ‪.‬‬

‫وفً اإلفتاء واالستفتاء ما ي قوم المسلمٌن فً شبون دٌنهم ودنٌاهم‬


‫وٌسٌرهم فً ذلك على شرع هللا تعالى ‪.‬‬

‫وفً الجهاد فً سبٌل هللا تعالى ‪ ،‬ما ٌضمن انتشار اإلسالم فً أنحاء‬
‫األرض ‪ ...‬وهكذا فلوسابل الشرعٌة كثٌرة جداً ‪ ،‬تفً بحاجة الدعوة‬
‫اإلسالمٌة فً كل زمان ومكان ‪.‬‬

‫أب زٌد – حفظه هللا تعالى ‪: -‬‬


‫قال الشٌخ بكر بن عبد هللا و‬

‫( ومن رحمة هللا تعالى بعباده ‪ ،‬وبالػ حكمته فً تشرٌعه لما ٌصلح‬
‫هللا به العباد والبالد أنه – سبحانه – لما شرع الجهاد ‪ ،‬وشرع لألمة‬
‫وسابل متعددة فً ذلك ‪ ،‬ولم ٌجعلها إلى عقولهم ‪ ،‬بل أحالهم على ما‬
‫شرعه لهم ‪:‬‬

‫فالجهاد بالنفس ‪ ،‬والجهاد بالمال بالقوة ‪ ...‬والدفاع كذلك ‪.‬‬


‫‪82‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وتؽٌٌر المنكر بالٌد وهذا لذي سلطان ‪ ،‬كرجال الحسبة وباللسان‪،‬‬


‫ومثله القلم ‪.‬‬

‫وبالقلب ‪.‬‬

‫واألمر بالمعروؾ كذلك ‪.‬‬

‫‪ :‬مناصحة‬ ‫والنصٌحة البمة المسلمٌن وعامتهم بالتً هً أحسن‬


‫بالكلمة ‪ ،‬ومناصحة بالكتابة ‪ ،‬وتذكٌر بأٌام هللا ‪.‬‬

‫والدعوة تكون بالوظابؾ المرتبة فً اإلسالم ‪ :‬خطب الجمع والعٌدٌن‬


‫‪ ،‬والحج ‪ ،‬وبالتعلٌم ‪ ،‬ومجالس الذكر واإلٌمان ‪.‬‬

‫والصدع بكلمة الحق ‪ :‬ببٌانها حتى ٌكشؾ هللا الؽمة عن األمة ‪.‬‬

‫وبفتوى عالم معتبر ‪ ،‬بؽٌر هللا بها الحال إلى أحسن ‪ ،‬فتعمل ما ال‬
‫تعمله األحزاب فً عقو ٍد ‪.‬‬

‫وهكذا بعمل فردي من عالم بارع ‪ٌ ،‬نشر علمه فً األمة ‪ :‬فً إقلٌم ‪،‬‬
‫فً والٌة ‪ ،‬فً مدٌنة ‪ ،‬فً قرٌة ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬

‫وبعمل جماعً على رسم منهاج النبوٌة ال ؼٌر ‪ ،‬كجماعة الحسبة‬


‫ودور األمر بالمعروؾ والنهً عن المنكر ‪،‬ومراكز الدعوة ورابطة‬
‫العلماء ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫)(( زىُ االٔتّاء )) ( ص ‪. ) 158 – 157‬‬


‫‪83‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وهذا األمر – وهو شمولٌة الوسابل الشرعٌة – فً ؼاٌة الظهور‬


‫والوضوح ‪ ،‬لمن تأمل النصوص الشرعٌة ‪ ،‬ونظر فً السٌر السلفٌة ‪.‬‬

‫فاسق ‪ ،‬واهتدى بها من‬


‫ٍ‬ ‫فلكم أسلم بسببها من كافر ‪،‬وتاب بها من‬
‫ؼاو ‪.‬‬
‫ضال ‪ ،‬واسترشد بها من ٍ‬

‫وإنما ٌهزل المسلمون ‪ ،‬وٌضعفون إذا كانت الوسابل البدعٌة هً‬


‫السابدة بٌنهم ‪ ،‬ألن هذه الوسابل ال تخرج إال منحرؾ المعتقد ‪ ،‬ضعٌؾ‬
‫اإلٌمان ‪ ،‬متلطخا ً بأوضار البدع ‪.‬‬

‫وهذه الوسابل البدعٌة إنما ٌصار إلٌها عند ضعؾ التمسك ب ثار‬
‫النبوة ‪ ،‬فإنه ( كلما ضعؾ تمسك األمم بعود أنبٌابهم ‪ ،‬ونقص إٌمانهم‬
‫( )‬
‫‪ ،‬وإذا تعلقت القلوب‬ ‫عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك )‬
‫بهذه البدع فإنها تحجب عن السنن بحٌث ال ترى فٌها ما تراه فً تلك‬
‫المحدثات ‪ ،‬ومن ثم تزهد فٌها ‪ ،‬وترؼب عنها ‪.‬‬

‫وقد روي الدارمً بسند صحٌح عن حسان بن عطٌة – رحمه هللا –‬


‫((‬
‫ما ابتدع قوم بدعة فً دٌنهم إال نزع هللا من سنتهم مثلها ‪ ،‬ثم‬ ‫أنه قال ‪:‬‬
‫ال ٌعٌدها إلٌهم إلً ٌوم القٌامة ))‪.‬‬

‫– ‪ –‬وٌروى مرفوعا ً وال‬ ‫وقد روى ذلك من قول أبً هرٌرة‬


‫ٌصح ‪.‬‬

‫) (( ئغاثح اٌٍ‪ٙ‬فاْ )) ( ‪.) 200 /1‬‬

‫‪84‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫قال شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( فالعبد إذا أخذ من ؼٌر األعمال المشروعة بعض حاجته ‪ ،‬قلت‬


‫رؼبته فً المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من ؼًره ‪.‬‬

‫بخالؾ من صرؾ نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له ‪،‬‬
‫ومنفعته به ‪ ،‬وٌتم دٌنه ‪ ،‬وٌكمل إسالمه ‪.‬‬

‫‪ :‬تنقص‬ ‫ولذا تجد من أكثر من سماع القصابد لطلب صالح قلبه‬


‫رؼبته فً سماع القرآن ‪ ،‬حتى ربما كرهه ‪.‬‬

‫‪ :‬ال ٌبقى لح ج‬ ‫ومن أكثر من السفر إلى زٌارات المشاهد ونحوها‬


‫البٌت الحرام فً قلبه من المحبة والتعظٌم ما ٌكون فً قلب من وسعته‬
‫السنة ‪.‬‬

‫ومن أدمن على أخذ الحكمة واألدب من كالم حكماء فارس والروم ‪:‬‬
‫ال تبقى لحكمة اإلسالم وآدابه فً قلبه ذاك الموقع ‪.‬‬

‫‪ :‬ال ٌبقى لقصص األنبٌاء‬ ‫ومن أدمن قصص الملوك وسٌرهم‬


‫وسٌرهم فً قلبه ذاك االهتمام ‪.‬‬

‫ونظٌر هذا كثٌر ‪.‬‬

‫ولهذا جاء فً الحدٌث عن النبً ‪: ‬‬

‫(( ما ابتدع قوم بدعة إال نزع هللا عنهم ن السنة مثلها ))‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫رواه اإلمام أحمد ( ) ‪.‬‬

‫وهذا األمكر ٌجده من نفسه من نظر فً حاله من العلماء ‪،‬والعباد‬


‫واألمراء ‪،‬والعامة ‪ ،‬وؼٌرهم ‪.‬‬

‫ولهذا عظمت الشرٌعة النكٌر على من أحدث البدع ‪ ،‬وكرهتها ‪ ،‬ألن‬


‫البدع لو خرج الرجل منها كفافا ً علٌه وال له لكان األمر خفٌفا ً ‪ ،‬بل البد‬
‫أن ٌوجب له فساد منه تقص منفعة الشرٌعة فً حقه ‪ ،‬إذ القلب ال ٌتسع‬
‫للعوض والمعوض عنه ‪ ) ( )...‬اهـ‪.‬‬

‫) ( ‪ٚ ، )105 /4‬سٕذٖ ػؼ‪١‬ف ‪.‬‬


‫) (( التؼاء اٌظشاؽ )) ( ‪ٔٚ . ) 484 – 483 /1‬ظش أ‪٠‬ؼا ( ‪ ، ) 598 – 597 /2‬ئر ‪٠‬م‪ٛ‬ي ش‪١‬خ‬
‫ً‬
‫اإلسالَ ‪ (( :‬فّت‪ ٝ‬اغتزخ اٌمٍ‪ٛ‬ب تاٌثذع ٌُ ‪٠‬ثك ف‪ٙ١‬ا فؼً ٌٍسٕٓ فتى‪ ْٛ‬تّٓصٌح ِٓ اغتز‪ ٞ‬تاٌطؼاَ‬
‫اٌخث‪١‬ث‬
‫‪86‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فصـــــــــــــــــل‬

‫وال ٌرد علً ما قررناه من توق ٌؾ وسابل الدعوة ما استجد فً هذا‬


‫العصر من اآلالت ‪ ،‬والتطور فً شتى المجاالت ‪.‬‬

‫وبٌان ذلك أننا نقول ‪ :‬ال بأس باستخدام هذه اآلالت – إذا سمح بها‬
‫شرعا ً – فً مجال نقل الوسابل الشرعٌة ‪.‬‬

‫نقل فإذا لم تكن فً ذاتها محظورة ‪،‬‬


‫فإن هذه اآلالت إنما هً أدوات ٍ‬
‫فال مانع من استخدامها ‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫ناقل للصوت ‪،‬والذي هو وسٌلة شرعٌة فً‬ ‫المٌكروفون‬ ‫فالمكبر‬
‫الدعوة إلى هللا تعالى ‪.‬‬

‫وكان أبو بكر ٌكبر بتكبٌر الرسول ‪ ، ‬والناس ٌكبرون بتكبٌر أبً‬
‫بكر وذلك لما ضعؾ صوت النبً ‪ ‬وما زال السلؾ ٌضعون مستملٌا ً‬
‫ٌنقل الصوت إلى من كان بعٌداً عن المكان المملً ‪.‬‬

‫))‬
‫فإنه فً حد ذاته لٌس وسٌلة للدعوة ‪ .‬وما ٌفعل به‬ ‫وهكذا(( الشرٌط‬
‫إذا كان أجوؾ الشًء فٌه ‪ .‬إنما هو ناقل أو حافظ للمادة المسجلة فٌه‬
‫فالوسٌلة هً إذاً المادة المسجلة (( الكالم )) وهو وسٌلة شرعٌة ‪.‬‬

‫وال ٌقول عاقل ‪ :‬أن الشرٌط فً حد ذاته وسٌلة للدعوة بل بما ٌوضع‬
‫فٌه من الخٌر ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫))‬ ‫((‬
‫فهو بمنزلة الرسل الذٌن ٌذهبون بكتب‬ ‫الفاكس‬ ‫وهكذا المصور‬
‫النبً ‪ ‬إلى الملوك والرؤساء ‪ .‬وهكذا ‪.‬‬

‫فإذا كان الناقل للوسٌلة مباحا ً ‪ :‬أبحناه وإذا كان ٌشتمل على محرم‬
‫حرمناه ‪.‬‬

‫قال الشٌخ بكر بن عبد هللا أبو زٌد – حفظه هللا تعالى ‪:-‬‬

‫( والوسابل للدعوة هً فً عصرنا وفٌما قبله وبعده البد أن تكون‬


‫هً وسابل الدعوة التً بعث بها النبً ‪ ، ‬وبلػ بها الؽاٌة ‪.‬‬

‫وال تختلؾ فً عصرنا مثالً إال فً جوانب منها مرتبطة بأصولها‬


‫التوقٌفٌة ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬

‫‪ - 1‬المؤسسات اإلعالمٌة – المقبولة شرعا ً بكل فروعها وأجزابها‬


‫هً فً العصر الحاضر من وسابل الدعوة ‪.‬‬

‫وهً وسٌلة كانت فً بنٌة الدعوة منذ صدر اإلسالم ‪ ،‬إذا كانت‬
‫الدعوة تعتمد الكلمة‬

‫فالوسٌلة اإلعالمٌة هً هً ‪ ،‬لكن دخلها شًء فً أدابها ‪ ،‬فلما كانت‬


‫بالكلمة كفاحا ً ‪ ،‬كانت كذلك بالكلمة المسموعة بالواسطة وبالمقروءة‬
‫هكذا ‪.‬‬

‫‪ - 2‬المؤسسات التعلٌمٌة ‪ ،‬والمدارس النظامٌة ‪ ،‬بمناهجها وسبلها‬


‫ومراحلها ‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فهذه لم تتجاوز وسٌلة كانت فً بنٌة الدعوة اإلسالمٌة منذ صدر‬


‫– علٌه‬ ‫اإلسالم ‪ ،‬إذا كانت الدعوة تعتمد التعلٌم ‪ ،‬وفً حدٌث جبرٌل‬
‫السالم – المشهور فً تعلٌم اإلسالم واإلٌمان واإلحسان مثل رابع فً‬
‫طالبع الدعوة ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬

‫فالوسٌلة التعلٌمٌة الٌوم هً ما كانت علٌه باألمس ‪ ،‬لكن داخلها شًء‬


‫من النهج فً األداء والبالغ ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬

‫لكن هذا التؽٌٌر مأثور بمضمار الشرع ‪ ،‬موزون بمقٌاس الكتاب‬


‫والسنة ‪ ،‬فمتى أختل شًء منه ‪ ،‬وجب إبعاده والبراءة منه ‪.‬‬

‫أما وسٌلة ٌتعبد بها فال ( ) اهـ‪.‬‬

‫وبهذا ٌتضح أن هذه اآلالت الحدٌثة والتطورات الحضارٌة ال تعٌق‬


‫القول بتوقٌؾ الوسابل الدعوٌة ‪ ،‬علً شرط أن ٌنظر فً الحكم الشرعً‬
‫لهذه اآلالت والتطوٌرات ‪ ،‬فإن أقرها الشرع قبلت وانتفع بها فً بث‬
‫الدعوة ‪ ،‬وإن رفضها ردت ولم ٌنتفع بها ‪.‬‬

‫وفٌما أباح هللا تعالى ُؼنٌه وكفاٌة عما حرمه ونهى عنه ( فإنه تعالى‬
‫أؼنانا بما شرعه لنا من الحنٌفٌة السمحة وما ٌسره من الدٌن علً لسان‬
‫( )‬
‫رسوله‪ ‬وسهله لألمة عن كل باطل ومحرم ضار )‬

‫) ِٓ (( زىُ االٔتّاء )) ( ص ‪. ) 161 -160‬‬


‫) (( ئغاثح اٌٍ‪ٙ‬فاْ )) ( ‪) 69 /2‬‬
‫‪89‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫فصــــــــــــــــــــــل‬

‫وهنا شبه قد ٌتمسك بها من ٌرى أن وسابل الدعوة لٌست توقٌفٌة‬

‫[ الشبهة األولى ]‬

‫وقد ورد بعضها فً كالم أبً القاسم القشٌري – فٌما ٌتعلق بمسألة‬
‫))‬ ‫((‬
‫– فأجاد شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى – فً‬ ‫السماع‬
‫اإلطاحة بها ‪ ،‬ونقضها وذلك فً كتابه (( االستقامة ))‪.‬‬

‫‪ ،‬إذ‬ ‫ونحن نذكر كالم القشٌري ثم نخلص رد شٌخ اإلسالم علٌه‬


‫كالمه تأصٌل بدٌع فً هذه المسألة به تنكشؾ الزٌوؾ ‪ ،‬وتتهافت الشبه ‪.‬‬

‫قال أبو القاسم القشٌري ‪:‬‬

‫( واعلم أن سماع األشعار باأللحان الطٌبة ‪ ،‬والنؽم المستلذة – إذا لم‬


‫ٌعتقد المستمع محظوراً ‪ ،‬ولم ٌسمع على مذموم فً الشرع ‪ ،‬ولم ٌنجر‬
‫فً زمام هواه ‪ ،‬ولم ٌنخرط فً سلك لهو ‪ : -‬مباح فً الجملة ‪.‬‬

‫‪ ‬وأنه سمعها ولم‬ ‫وال خالؾ أن األشعار أنشدت بٌن ٌدي النبً‬
‫ٌنكر علٌهم فً إنشادها ‪.‬‬

‫فإذا جاز سماعها بؽٌر األلحان الطٌبة فال ٌتؽٌر الحكم بأن ٌسمع‬
‫باأللحان ‪ :‬هذا ظاهر من األمر ‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ما أعده‬ ‫ثم ما ٌوجب للمستمع توفر الرؼبة على الطاعات ‪ ،‬وتذكر‬
‫هللا لعباده المتقٌن من الدرجات ‪ ،‬وٌحمله على التحرز من الزالت وٌؤدى‬
‫‪ :‬مستحب فً الدٌن ومختار فً‬ ‫إلى قلبه فً الحال صفاء الواردات‬
‫الشرع )‪ .‬اهـ‪ .‬كالم القشٌري ‪.‬‬

‫قال شٌخ اإلسالم ‪:‬‬

‫( قلت تضمن هذا الكالم شٌبٌن ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬إباحة سماع األلحان والنؽمات المستلذة ‪ ،‬بشرط أال ٌعتقد‬


‫المستمع محظوراً ‪ ،‬وال ٌسمع مذموما ً فً الشرع ‪ ،‬وأال ٌتبع منه هواه ‪.‬‬

‫والثانً ‪ :‬أن ما أوجد للمستمع الرؼبة فً الطاعات ‪ ،‬واالحتراز من‬


‫الذنوب ‪ ،‬وتذكر وعد الحق ووصول األحوال الحسنة إلى قلبه فهو‬
‫مستحب ‪.‬‬

‫وعلى هاتٌن المقدمتٌن بنى من قال باستحباب ذلك ‪...‬‬

‫وهاتان المقدمتان كالهما ؼلط مشتمل على دلٌل مجمل ‪...‬‬

‫ولهذا نشأ من هاتٌن المقدمتٌن اللتٌن لبس فٌهما الحق بالباطل ‪:‬‬

‫قول لم ٌذهب ؼلٌه أحد من سلؾ األمة وال أبمتها ‪...‬‬

‫قال الحسن بن عبد العزٌز ‪ :‬سمعت الشافعً ٌقول ‪:‬‬

‫خلفت ببؽداد شٌبا ً أحدثته الزنادق ة ‪ٌ ،‬سمونه التؽبٌر ‪ٌ ،‬صدون به‬


‫الناس عن القرآن ‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫والتؽبٌر هو الضرب بالقضٌب ‪ .‬ؼبر أي ‪ :‬أثار ؼباراً وهو آلة من‬


‫اآلالت التً تقترن بتلحٌن الؽناء ‪...‬‬

‫ونحن نتكلم عن المقدمتٌن – إن شاء هللا – بكالم ٌناسب ما كتبته‬


‫هنا ‪.‬‬

‫أما قوله ‪:‬‬

‫((فإذا جاز سماعها بؽٌر األلحان الطٌبة فال ٌتؽٌر الحكم بأن ٌسمع‬
‫))‬
‫باأللحان الطٌبة ‪ :‬هذا ظاهر من األمر ‪.‬‬

‫فإن هذه حجة فاسدة جداً ‪ ،‬والظاهر أنما هو عكس ذلك فإن نفس‬
‫سماع األلحان مجرداً عن كالم ٌحتاج إلى أن تكون مباحة مع انفرادها ‪،‬‬
‫وهذا من أكبر مواقع النزاع ‪ ،‬فإن أكثر المسلمٌن على خالؾ ذلك ‪ ،‬ولو‬
‫كان كل من الشعر والتلحٌن مباحا ً على االنفراد لم ٌلزم اإلباحة عند‬
‫االجتماع إال بدلٌل خاص ‪ ،‬فإن التركٌب له خاصة ٌتعٌن الحم بها ‪...‬‬

‫فلو قال قابل ‪ :‬النبً ‪ ‬قد قرأ القرآن ‪ ،‬وقد استقر أ ه من ابن مسعود‬
‫ن مزامٌر‬ ‫‪ ،‬وقد استمع لقراءة أبً موسً ‪ ،‬وقال لقد أوتٌت مزماراً م‬
‫))‬
‫‪ ،‬فإذا قال قابل إذا جاز ذلك بؽٌر هذه األلحان ‪ ،‬فال ٌتؽٌر الحكم‬ ‫داود‬
‫بان ٌسمع باأللحان ‪ .‬كان هذا منكراً من القول وزوراً باتفاق الناس ‪.‬‬

‫وأما المقدمة الثانٌة وهً قوله بعد أن أثبت اإلباحة ‪:‬‬

‫((‬
‫إن ما أوجب للمستمع أن ٌوفر الرؼبة على الطاعات ‪ ،‬وٌذكر ما‬
‫أعد هللا لعباده المتقٌن من الدرجات وٌحمله على التحرز من الزالت‬

‫‪92‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وٌؤدي إلى قلبه فً الحال صفاء الواردات ‪ :‬مستحب فً الدٌن ‪ ،‬ومختار‬


‫فً الشرع ))‪.‬‬

‫فنقول ‪ :‬تحقٌق هذه المقدمة ‪ :‬أن هللا – سبحانه – ٌحب الرؼبة فٌما‬
‫أمر به والحذر مما نهً عه وٌحب اإلٌمان بوعده ووعًده ‪ ،‬وتذكر ذلك ‪،‬‬
‫وما ٌوجبه من خشٌته ورجابه ومحبته واإلنابة إلٌه ‪ ،‬وٌحب الذٌن ٌحبونه‬
‫فهو ٌحب اإلٌمان – أصوله وفروعه – والمؤمنٌن ‪،‬والسماع ٌحصل‬
‫المحبوب ‪ ،‬وما حصل المحبوب فهو محبوب ‪ :‬فالسماع محبوب ‪.‬‬

‫وهذه المقدمة مبناها علي أصلين‬ ‫‪‬‬

‫أحدهما ‪ :‬معرفة ما ٌحبه هللا ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن السماع ٌحصل محبوب هللا خالصا ً أو راجحا ً ‪.‬‬

‫فإنه إذا حصل محبوبة ومكروهة ‪ ،‬والمكروه أؼلب ‪ :‬كان مذموما ً ‪.‬‬
‫وإن تكافأ فٌه المحبوب والمكروه لم ٌكون محبوبا ً وال مكروها ً‬

‫أما األصل األول ‪ :‬وهو معرفة ما ٌحبه هللا ‪ ،‬فهً أسهل وإن كان‬
‫ؼلط فً كثٌر منها كثٌر من الناس ‪.‬‬

‫وأما األصل الثاني ‪ :‬وهو أن السماع المحدث ٌحصل هذه المحبوبات‬


‫فالشأن فٌها ‪ ،‬ففٌها زل من زل وضل من ضل ‪ ،‬وال حول وال قوة إال‬
‫باهلل ‪.‬‬

‫–‬ ‫– إن شاء هللا‬ ‫ونحن نتكلم علً ذلك بوجوه نبٌن بها‬ ‫‪‬‬
‫المقصود ‪:‬‬
‫‪93‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫الوجه األول‬ ‫‪-‬‬

‫القرب والطاعات‬ ‫أن نقول ‪ٌ :‬جب أن ٌعرؾ أن المرجع فً‬


‫والدٌانات والمستحبات إلى الشرٌعة ‪ ،‬لٌس ألحد أن ٌبتدع دٌنا ً لم ٌأذن هللا‬
‫به ‪ ،‬وٌقول ‪ :‬هذا ٌحبه هللا ‪ .‬بل بهذه الطرٌق بدل دٌن هللا وشرابعه ‪،‬‬
‫وابتدع الشرك ‪ ،‬وما لم ٌنزل هللا به سلطانا ً ‪.‬‬

‫وكل ما فً الكتاب والسنة ‪ ،‬وكالم سلؾ األمة ‪،‬وأبمة الدٌن ومشاٌخه‬


‫‪ ،‬من الحض علً إتباع ما انزل إلٌنا من ربنا واتباع صراطه المستقٌم ‪،‬‬
‫والنهً عن ضد ذلك ‪ :‬فكله نهً عن هذا – وهو ابتداع دٌن لم ٌأذن هللا‬
‫به – سواء كان الدٌن منه عبادة ؼٌر هللا أو عبادة هللا ٌما لم ٌأمر به ‪.‬‬

‫بل دٌن الحق ‪ :‬أن نعبد هللا وحده ال شرٌك له ‪ ،‬ب ما أمرنا به علً‬
‫ألسنة رسله ‪...‬‬

‫‪ ...‬إلى أن قال ‪:‬‬

‫وهذا أصل عظٌم من أصول سبٌل هللا وطرٌقه ٌجب االعتناء به‬
‫وذلك أن كثٌر من األفعال قد ٌكون مباحا ً فً الشرٌعة ‪ ،‬أو مكروها ً أو‬
‫متنازعا ً فً إباحته وكراهته ورما كان محرما ً أو متنازعا ً فً تحرٌمه‬
‫فتستحبه طابفة من الن اس ‪ٌ ،‬فعلونه على أنه حسن مستحب ‪ ،‬ودٌن‬
‫وطرٌق ٌتقربون به ‪ ،‬حتى ٌعدون من ٌفعل ذلك أفض ممن ال ٌفعله ‪،‬‬
‫وربما جعلوا ذلك من لوازم طرٌقتهم إلى هللا ‪ ،‬أو جعلوه شعار الصالحٌن‬
‫وأولٌاء هللا ‪.‬‬

‫دٌن لم ٌأذن به هللا ‪.‬‬


‫وٌكون ذلك خطأ وضالال وابتداع ٍ‬
‫‪94‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫عذر فإن هللا قد‬


‫مثال ذلك ‪ :‬حلق الرأس ؾي ؼٌر الحج والعمرة لؽٌر ٍ‬
‫ذكر فً كتابه حلق الرأس وتقصٌره فً النسك ‪ ،‬وذكر حلقه لعذر ‪.‬‬

‫وأما حلقه لؽٌر ذلك فقد تنازع العلماء فً إباحته وكراهته نزاعا ً‬
‫معروفا ً على قولٌن هما رواٌتان عن أحمد ‪.‬‬

‫رع وال‬ ‫وال نزاع بٌن علماء المسلمٌن وأبمة الدٌن أن ذلك ال ٌش‬
‫ٌستحب وال هو من سبٌل هلل وطرٌقه ‪ ،‬وال من الزهد المشروع للمسلمٌن‬
‫‪ ،‬وال مما أثنً هللا به علً أحد من الفقراء ‪.‬‬

‫مع هذا فقد اتخذه جماعة من النساك الفقراء والصوفٌة دٌنا ً حتى أن‬
‫من لم ٌفعل ذلك ٌكون منقوصا ً عندهم ‪ ،‬خارجا ً عن الطرٌقة المفضلة‬
‫المحمودة عنده م ومن فعل ذلك دخل فً هدٌهم وطرٌقتهم‬

‫وهذا ضالل عن طرٌق هللا وسبٌله باتفاق المسلمٌن ‪ ،‬واتخاذ ذلك دٌنا ً‬
‫وشعاراً ألهل الدٌن من أسباب تبدٌل الدٌن ‪...‬‬

‫الوجه الثاني ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أن قولهم ‪ :‬إن السماع ٌحصل محبوب هللا ‪ ،‬وما حصل محبوبة فهو‬
‫محبوب له ‪.‬‬

‫– أو أكثرهم – حصل لهم الضالل‬ ‫قول باطل وكثٌر من هؤالء‬


‫والؽواٌة من هذه الجهة ‪.‬‬

‫فظنوا أن السماع ٌثٌر محبة هللا ومحبة هللا هً أصل اإلٌمان الذي هو‬
‫عمل القلوب ‪ ،‬وبكمالها ٌكمل ‪...‬‬
‫‪95‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ونحوه – من الحب‬ ‫فٌقال ‪ :‬إن ما ٌهٌجه هذا السماع المبتدع ‪-‬‬


‫اشتماله على ما ال‬ ‫وحركة القلب لٌس هو الذي ٌحبه هللا ورسوله ‪ ،‬بل‬
‫ٌحبه هللا وعلى ما ٌبؽضه أكثر من اشتماله على ما ٌحبه وال ٌبؽضه‬
‫وحده عما ٌحبه هللا ونهٌه عن ذلك أعظم من تحرٌكه ‪.‬‬

‫وإن كان ٌثٌر حبا ً وحركة وٌظن أن ذلك ٌحبه هللا ‪ ،‬وأنه مما ٌحبه‬
‫م‬ ‫هللا ‪ ،‬فإنما ذلك من باب الظن وما تهوى األنفس ‪ ،‬ولقد جابهم من ربه‬
‫( )‬
‫الهدى‬

‫فتحصل من هذا ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫إن االنتفاع بالوسابل المحدثة ال ٌبرر شرعٌتها ألننا مقٌدون بالكتاب‬


‫والسنة ال بالهوى والوجد ‪.‬‬

‫سماعا ً )) أو ؼٌر ذلك –‬ ‫((‬ ‫فكل وسٌلة بدعٌة – تمثٌالً كانت أو نشٌداً‬
‫وإن حركت القلوب وشوقت النفوس ‪ ،‬وذكرت بعض الؽافلٌن ‪ ،‬وأرشدت‬
‫بعض التا بهٌن ‪ ..‬فال خٌر فٌها ‪ ،‬إذ لو كانت خٌر ألهتدي لها السابقون‬
‫األولون ‪ ،‬ولشرعها المصطفً‪. ‬‬

‫‘لى ؼفلته ‪ ،‬وإن‬ ‫والمتذكر بها والمسترشد بها سرعان ما ٌرجع‬


‫واصل فعلى ؼٌر طرٌق قوٌم ‪ ،‬وصراط مستقٌم ‪.‬‬

‫وما أحسن ما قاله شٌخ اإلسالم عندما قال قابل عن السماع المحدث ‪:‬‬
‫( هذه شبكة ٌصاد بها العوام )‬

‫) (( االستماِح )) ( ‪. )261 -234 /1‬‬


‫‪96‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫صدق ‪ ،‬فإن أكثرهم إنما ٌتخذون ذلك شبكة ألجل الطعام والتوانس‬
‫علً الطعام ‪.‬‬

‫ومن فعل هذا فهو من أبمة الضالل ‪ ،‬الذٌن قٌل فً رؤوسهم ‪:‬‬

‫هللا َوأَ َطعْ َنا‬


‫ون ٌَا لَ ٌْ َت َنا أَ َطعْ َنا َّ َ‬
‫ار ٌَقُولُ َ‬ ‫‪ْ ٌَ ‬و َم ُت َقلَّبُ وُ جُ و ُه ُه ْم فًِ ال َّن ِ‬
‫‪‬‬ ‫الرَّ سُوال ‪َ ‬و َقالُوا َر َّب َنا إِ َّنا أَ َطعْ َنا َسادَ َت َنا َو ُك َب َرا َء َنا َفأ َ َ‬
‫ضلُّو َنا الس َِّبٌال‬
‫ب َو ْال َع ْن ُه ْم لَعْ نا ً َك ِبٌراً‪( ‬األحزاب‪)68-66:‬‬
‫َر َّب َنا آت ِِه ْم ضِ عْ َفٌ ِْن م َِن ْال َع َذا ِ‬

‫وأما الصادقون منهم – أي من العوام – فهم ٌتخذونه شبكة ‪ ،‬لكن‬


‫هً شبكة مخرقة ٌخرج منها الصٌد إذا دخل فٌها كما هو الواقع كثٌراً‬
‫فإن الذٌن دخلوا فً السماع المبتدع فً الطرٌق ‪ ،‬ولم ٌكن معهم أصل‬
‫( )‬
‫شرعً شرعه هللا ورسوله ‪ :‬وأورثتهم أحواالً فاسدة ‪...‬‬

‫ظالم ‪ ،‬ولٌعتبر‬
‫ٍ‬ ‫ظالم ‪ ،‬وظالم فً‬
‫ٍ‬ ‫فهذه أثار الوسابل البدعٌة سوء فً‬
‫المسلم بما قاله هللا تعالً فً حق النصاري ‪:‬‬

‫ٌِسى اب ِْن َمرْ ٌَ َم َوآ َت ٌْ َناهُ ْ ِ‬ ‫ُ‬


‫األ ْن ِجٌ َل‬ ‫‪ ‬ث َّم َق َّف ٌْ َنا َعلَى آ َث ِ‬
‫ار ِه ْم ِبرُ ُسلِ َنا َو َق َّف ٌْ َنا ِبع َ‬
‫ٌِن ا َّت َبعُوهُ َر ْأ َف ًة َو َرحْ َم ًة َو َرهْ َبا ِنٌ ًَّة ا ْب َتدَ عُو َها َما َك َت ْب َنا َها‬
‫ب الَّذ َ‬ ‫َو َج َع ْل َنا فًِ قُلُو ِ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا‬ ‫ان َّ ِ‬
‫هللا َف َما َر َع ْو َها َح َّق ِر َعا ٌَ ِت َها َف َت ٌْ َنا الَّذ َ‬ ‫َعلٌَ ِْه ْم إِ َّال ا ْب ِت َؽا َء ِرضْ َو ِ‬
‫ون‪( ‬الحدٌد‪)27:‬‬ ‫ِم ْن ُه ْم أَجْ َر ُه ْم َو َك ِثٌرٌ ِم ْن ُه ْم َفاسِ قُ َ‬
‫والمعنى أنهم ابتدعوا ألنفسهم عبادة ما كتبها هللا علٌهم وال فرضها ‪ ،‬بل‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪. )601 /11 ( )) ٜٚ‬‬


‫‪97‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫هم الذٌن التزموها من عند أنفسهم ‪ ،‬وقصدهم بذلك تحصٌل رضا هللا –‬
‫سبحانه –‬

‫فانظر كٌؾ مقتهم هللا وذمهم مع حسن قصدهم فٌما التزموه من‬
‫العبادة المحدثة فإن هللا تعالى ال ٌرٌد من عباده أن ٌعبدوه إال بما شرع‬
‫على السنة رسله وبذلك ٌظهر صدق المستجٌبٌن هلل وللرسول إذا دعاهم‬
‫لما ٌحٌٌهم ‪.‬‬

‫فكما أن هللا تعالى ال ٌقبل من مشرك فً توحٌد اإللهٌة عمالً مهما‬


‫كبر ‪ ،‬فكذلك ال ٌقبل ممن أشرك فً توحٌد المتابعة عمالً مهما كثر ‪.‬‬

‫قال تعالً ‪:‬‬

‫َّن‬ ‫ُون أَهْ َوا َء ُه ْم َو َمنْ أَ َ‬


‫ض ُّل ِمم ِ‬ ‫ك َفاعْ لَ ْم أَ َّن َما ٌَ َّت ِبع َ‬ ‫‪َ ‬فإِنْ لَ ْم ٌَسْ َت ِجٌبُوا لَ َ‬
‫‪‬‬ ‫ٌِن‬
‫الظالِم َ‬‫هللا ال ٌَ ْهدِي ْال َق ْو َم َّ‬ ‫هللا إِنَّ َّ َ‬
‫بع َه َواهُ ِب َؽٌ ِْر هُدىً م َِن َّ ِ‬ ‫ا َّت َ َ‬
‫(القصص‪)50:‬‬
‫فلٌس ألحد أن ٌتبع ما ٌحبه فٌأمر به وٌتخذه دٌنا ً ‪ ،‬وٌنهى عما ٌبؽضه ‪،‬‬
‫وٌذمه ‪ ،‬وٌتخذ ذلك دٌنا ً ‪ :‬إال بهدى من هللا وهدى هللا هو شرٌعته التً‬
‫بعث بها رسوله‪. ‬‬

‫ومن اتبع ما ٌهواه حبا ً وبؽضا ً بؽٌر الشرٌعة قد اتبع هواه بؽٌر هدى‬
‫من هللا ‪.‬‬

‫وأي إتباع للهوى أعظم من اإلعراض عما شرع هللا تعالى من‬
‫الوسابل الشرعٌة فً الدعوة إلً الوسابل البدعٌة ‪ ،‬التً ٌظنها الفاعل لها‬
‫قربة وطاعة هلل تعالى ‪ ،‬وهً – وهللا – عٌن الضالل ومنبع الفساد ‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وصدق هللا تعالى إذ ٌقول ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪َ ‬و َمنْ ٌَعْ شُ َعنْ ِذ ْك ِر الرَّ حْ َم ِن ُن َقٌِّضْ لَ ُه َش ٌْ َطانا ً َفه َُو لَ ُه َق ِرٌنٌ‬
‫ون‪( ‬الزخرؾ‪)37-36:‬‬ ‫ُون أَ َّن ُه ْم ُم ْه َت ُد َ‬ ‫َوإِ َّن ُه ْم لَ ٌَ ُ‬
‫ص ُّدو َن ُه ْم َع ِن الس َِّب ِ‬
‫ٌل َو ٌَحْ َسب َ‬

‫[ الشبهة الثانية ]‬

‫ومن الشبه التً قد ٌتعلق بها ‪:‬‬

‫ما جاء فً ؼزوة بدر من نزول النبً ‪ ‬عند أنً ما ٍء من مٌاه بدر ‪.‬‬
‫فقال له الحباب بن المنذر بن عمر بن الجموح ‪ٌ :‬ا رسول هللا أرأٌت هذا‬
‫المنزل أمنزل أنزله هللا لٌس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر ؟ أم هو الرأي‬
‫))‬
‫والحرب والمكٌدة ؟ فقال النبً ‪ (( : ‬بل هو الرأي والحرب والمكٌدة‬

‫فقال ‪ٌ :‬ا رسول هللا إن هذا لٌس بمنزل ‪ ،‬فانهض بنا حتى نأتً أدنً‬
‫ما ٍء من القوم فننزله ‪ ...‬فاستحسن النبً ‪‬هذا الرأي ونهض إلى آخر‬
‫القصة ‪.‬‬

‫ووجه االستشهاد بها ‪:‬‬

‫أن النبً ‪ ‬وكل أمر النزول إلى أصحابه ‪ ،‬وأخٌر أن النزول فً‬
‫مكان دون أخر لًس شرعا ً وإنما هو الحرب والمكٌدة فدل على أن وسابل‬
‫الدعوة لٌست توقٌفٌة ‪ .‬هكذا قال من أورد هذه الشبهة ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫والجواب أن ٌقال ‪:‬‬

‫أوالً – أن القصة هذه لم تثبت بإسناد صحٌح ‪:‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫(‪– ) 272/2‬‬ ‫سٌرة ابن هشام‬ ‫فقد رواها ابن إسحاق – كما فً‬
‫قال فحدثت عن رجال من بنً سلمة أنهم ذكروا أن الحباب ‪ ..‬فذكره وهذا‬
‫اإلسناد ضعٌؾ كما ترى‬

‫‪ ) 427، 426/3 ( :‬من حدٌث‬ ‫وقد وصله الحاكم فً المستدرك‬


‫الحباب‬

‫قال الذهبً فً (( تلخٌصه )) ‪ ( :‬قلت حدٌث منكر ‪ ،‬وسنده ) هكذا فً‬


‫المطبوع ‪.‬‬

‫قال المحدث األلبانً ‪ ( :‬لعله سقط منه ‪ :‬واه ) قال ‪ :‬وفً سنده من لم‬
‫( )‬
‫أعرفه‬
‫وخرجه البٌهقً فً (( الدالبل )) ‪ ، ) 35-31/3 ( :‬وسنده ضعٌؾ ‪.‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫‪:‬‬ ‫البداٌة‬ ‫– كما فً‬ ‫وقد رواه األموي من حدٌث ابن عباس‬
‫( ‪ ) 267/3‬وفٌه الكلبً ‪ ،‬وهو كذاب ‪.‬‬

‫ثانٌا ً – لٌس فً القصة ما ٌتمسك به ‪:‬‬

‫فإن العاقل ٌعلم بالضرورة أن نزول القابد فً مكان دون آخ ر – من‬


‫زمن النبً ‪‬إلى قٌام الساعة لٌس أمراً توقٌفٌا ً بل ال ٌتصور توقٌفه‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫) اٌتؼٍ‪١‬ك ػٍ‪ (( ٟ‬فمٗ اٌس‪١‬شج )) ( ص ‪ ، ) 224‬ؽ ‪ :‬داس اٌمٍُ ‪.‬‬


‫‪100‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وقد كان النبً ‪ٌ ‬بعث القادة وٌعلمهم أحكام الجهاد ‪ ،‬وٌوصٌهم وال‬
‫ٌعٌن لهم مكانا ً للنزول وهكذا كان خلفاؤه الراشدون ‪ٌ ،‬بعثون الجٌوش ‪،‬‬
‫نزول‬
‫ٍ‬ ‫فال ٌجددون لهم مكان‬

‫وهذا كما لو سار النبي ‪ ‬مع طرٌق فً الجهاد فإن مسٌره مع هذا‬
‫الطرٌق وصؾ طردي ال ٌتعلق الحكم به ‪.‬‬

‫ونحن نقول ‪:‬‬

‫أن وسابل الجهاد فً سبٌل هللا تعالى توقٌفٌة ال ٌجوز ألحد أن ٌدخل‬
‫فٌها ما لم ٌكن علٌه رسول هللا‪ ‬وصحابته الكرام ‪.‬‬

‫وهدٌه‪ ‬فً الحرب أكمل هدي فما من صؽٌرة وال كبٌرة فً الج هاد‬
‫إال وقد نترك لنا النبً ‪ ‬منها علما ً ‪ ،‬عمله من علمه ‪ ،‬وجهله من جهله ‪.‬‬

‫ولذا اشتد نكٌر السلؾ على من أحدث شٌبا ً فً أمور القتال والجهاد‬
‫لم ٌكن على عهد رسول هللا ‪. ‬‬

‫قال شٌخ اإلسالم – رحمه هللا تعالى ‪: -‬‬

‫( وأما القتال فالسنة – أٌضا ً – فٌه خفض الصوت ‪...‬‬

‫وهذه الدقادق ( ) واألبواق التً تشبه قرن الٌهود وناقوس النصارى ‪:‬‬
‫لم تكن على عهد الخلفاء الراشدٌن ‪ ،‬وال من بعدهم من أمراء المسلمٌن ‪.‬‬

‫))‬
‫) اٌذلذقج ‪ :‬زىا‪٠‬ح أط‪ٛ‬اخ ز‪ٛ‬افش اٌذ‪ٚ‬اب ف‪ ٟ‬سشػح تشدد٘ا ‪ِ ،‬ثً اٌطمطمح ‪ .‬لاٌٗ ف‪ (( ٟ‬اٌٍساْ‬
‫( ‪ ، ) 1402 /2‬ؽ ‪ :‬داس اٌّؼاسف تّظش ‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وإنما حدث – فً ظنً – من جهة بعض ملوك المشرق من أهل‬


‫فارس ‪ ،‬فإنهم أحدثوا فً أحوال اإلمارة والقتال أموراً كثٌرة ‪ ،‬وانبثت فً‬
‫األرض لكون ملكهم انتشر حتى ربا فً ذلك الصؽٌر ‪،‬وهرم فٌها الكبٌر‬
‫ال ٌعرفون ؼٌر ذلك بل ٌنكرون أن ٌتكلم أحد بخالفه ‪ ،‬حتى ظن بعض‬
‫الناس أن ذلك من إحداث عثمان ‪. - -‬‬

‫ولكن ظهر فً األمة ما أخبر به النبً ‪ ، ‬حٌث قال ‪:‬‬

‫(( لتأخذن مأخذ األمم قبلكم شبراً بشبر وذراعا ً بذراع ))‪.‬‬

‫قالوا ‪ :‬فارس والروم ؟‬

‫))‬
‫قال ‪ (( :‬ومن الناس إال هؤالء‬

‫كما قال فً الحدٌث اآلخر ‪:‬‬

‫((‬
‫لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر‬
‫ضب لدخلتموه )) ‪.‬‬

‫قالوا ‪ٌ :‬ا رسول هللا ‪ :‬الٌهود والنصارى ؟‬

‫قال ‪ (( :‬فمن؟ )) ‪.‬‬

‫((‬
‫الصحٌح )‪ : 9‬أخبر بأنه ٌكون فً األمة من‬ ‫وكال الحدٌثٌن فً‬
‫ٌتشبه بالٌهود والنصارى ‪ .‬وٌكون فٌها من ٌتشبه بفارس والروم ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ولهذا ظهر فً شعابر الجند المقاتلٌن شعابر األعاجم من الفرس‬


‫وؼٌرهم ‪ ،‬حتى فً اللباس وأعمال القتال‪ ،‬واألسماء التً تكون ألسباب‬
‫اإلمرة ‪...‬‬

‫‪ ...‬إلى أن قال ‪:‬‬

‫لكن المقصود هنا أن هذه األصوات المحدثة فً أمر الجهاد ‪ ،‬وإن‬


‫ظن أن فٌها مصلحة راجحة ‪ ،‬فإن التزام المعروؾ هو الذي فٌه المصلحة‬
‫الراجحة ‪ ،‬كما فً أصوات الذكر ‪.‬‬

‫إذ السابقون األولون والتابعون لهم بإحسان ‪ :‬أفضل من المتأخرٌن فً‬


‫اءة القرآن‬ ‫كل شًء ‪ :‬من الصالة وجنسها من الذكر والدعاء وقر‬
‫واستماعه ‪ ،‬وؼٌر ذلك من الجهاد واإلمارة ‪ ،‬وما ٌتعلق بذلك من أصناؾ‬
‫السٌاسات والعقوبات والمعامالت فً إصالح األموال وصرفها ‪.‬‬

‫فإن طرٌق السلؾ أكمل فً كل شًء ‪ ،‬ولكن ٌفعل المسلم من ذلك ما‬
‫( )‬
‫ٌقدر علٌه ) ‪ .‬اهـ‬

‫***‬

‫) (( االستماِح )) ( ‪. ) 331 -324 /1‬‬


‫‪103‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫[ الشبهة الثالثة ] ‪:‬‬

‫ومن الشبهة التً قد ٌتعلق بها – أٌضا ً ‪: -‬‬

‫أن األمور المباحة ٌمكن تحوٌلها بالنٌة إلى قرب ٍة ٌثاب علٌها ‪ ،‬كما‬
‫جاء فً حدٌث سعد بن أبً وقاص – الذي فً الصحٌحٌن )) ‪: -‬‬

‫((‬
‫إنك لن تنفق نفقة تبتؽً بها وجه هللا إال أجرت علٌها حتى ماتجعل‬
‫))‬
‫فً فً امرأتك‬

‫وكما فً قوله‪: ‬‬

‫))‬ ‫((‬
‫‪ .‬قالوا ‪ٌ :‬ا رسول هللا ‪ ،‬أٌأتً أحدنا‬ ‫وفً بضع أحدكم صدقة‬
‫((‬
‫حرام ألٌس‬
‫ٍ‬ ‫أرأٌتم لو وضعها فً‬ ‫شهوته وٌكون له فٌها أجر؟ قال ‪:‬‬
‫كان ٌكون علٌه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها فً الحالل له أجر ))‪.‬‬

‫أخرجه مسلم عبن أبً ذر – ‪. - ‬‬

‫فعلى هذا ‪ :‬ننوى بهذه الوسابل المحدثة – إذا كانت مباحة – نٌة‬
‫حسنة ‪ ،‬فنثاب علٌها ‪.‬‬

‫والجواب أن نقول ‪:‬‬

‫ثم‬ ‫))‬
‫ٌنبؽً أن نوضح أوالً مسألة األمور المباحة ومخالطة النٌة لها‬
‫بعد ذلك ٌتبن – إن شاء هللا – سقوط هذه الشبهة التً هً فً الحقٌقة ال‬
‫تمت إلى موضوعنا بصلة بل أقحمت فٌه تعسفا ً ‪.‬‬

‫فنقول ‪:‬‬
‫‪104‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫أختلؾ أهل العلم فً إمكان تحوٌل المباحات بالنٌة الصالحة إلى قربة‬
‫ٌثاب علٌها ‪.‬‬

‫فذهب فرٌق منهم إلى أن ( المباح ال ٌتقرب به إلى هللا تعالى ‪ ،‬فال‬
‫( )‬
‫معنى للنٌة فٌه )‬

‫ٌقول الحطاب فً شرح (( مختصر خلٌل )) ‪:‬‬

‫( الشرٌعة كلها إما مطلوب أو مباح ‪ ،‬والمباح ال ٌتقرب به إلى هللا‬


‫تعالى فال معنى للنٌة فٌه ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫واحتج علماء المالكٌة بقوله تعالى ‪:‬‬

‫‪( ‬البقرة‪ :‬من‬ ‫ُ‬ ‫ْس ْال ِبرُّ ِبأَنْ َتأْ ُتوا ْال ُبٌ َ‬
‫ُوت ِمنْ ظه ِ‬
‫ُور َها‬ ‫‪َ ‬ولٌَ َ‬
‫اآلٌة‪)189‬‬

‫على أن الفعل بنٌة العبادة ال ٌكون إال فً المندوبات خاصة دون‬


‫( )‬
‫المباح ودون المنهً ‪ ...‬عنه )‬

‫ومما ٌؤٌد هذا ‪:‬‬

‫( أن المباحات والمكروهات والمرحمات ال تلزم بالنذر ‪ ،‬فلو نذر‬


‫الرجل فعل مباح أو مكروه أو محرم لم ٌجب علٌه فعله كما ٌجب علٌه‬
‫إذا نذر طاعة هللا أن ٌطٌعه بل علٌه كفارة ٌمٌن إذا لم بفعل عند أحمد‬

‫) (( اٌزخ‪١‬شج )) ‪ٌٍ ،‬مشاف‪ .) 239 /1 ( ٟ‬ت‪ٛ‬اسطح ٔمً اٌذوت‪ٛ‬س ػّش األشمش ف‪ ٟ‬وتاتٗ (( ِماطذ‬
‫اٌّىٍف‪ ( )) ٓ١‬ص ‪٘ٚ ، ، ) 491‬ىزا ِا تؼذٖ ِٓ إٌم‪ٛ‬ي ف‪٘ ٟ‬زٖ اٌّسأٌح ‪.‬‬
‫) ( ‪.)232 /1‬‬
‫) (( أزىاَ اٌمشآْ التٓ اٌؼشت‪. )10 /1 ( ٟ‬‬
‫))‬

‫‪105‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وؼٌره ‪ .‬وعند آخرٌن ال شًء علٌه فال ٌصٌر بالنذر ما لٌس بطاعة وال‬
‫( )‬ ‫ً‬
‫طاعة وعباد ًة )‬ ‫عباد ٍة‬

‫وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن النٌة الصالحة تحول المباح إلى‬
‫قربة ٌؤجر صاحبها ‪.‬‬

‫)) ( )‬
‫ٌقول ابن الحاج فً (( المدخل‬

‫( المباح ٌنتقل بالنٌة إلً الندب ‪ ،‬وإن استطعنا أن ننوي بالفعل نٌة‬
‫أداء الواجب كان أفضل من نٌة الندب ) ‪ .‬اهـ ‪.‬‬

‫وذكر ابن القٌم – رحمه هللا تعالً – أن أخواص المقربٌن هم الذٌن‬


‫( انقلبت المباحات فً حقهم إلى طاعات وقربات بالنٌة فلٌس فً حقهم‬
‫( )‬
‫مباح متساوي الطرفٌن بل كل أعمالهم راجحة )‬

‫قال الشٌخ عمر األشقر بعد أن ذكر هذٌن القولٌن ‪:‬‬

‫قد ٌبدوا أن هناك تناقضا ً بٌن ما ذه ب إلٌه هذان الفرٌقان ‪ .‬إال أن‬
‫الناظر المتعمق فً البحث ٌرى أن الذي نفاه الفرٌق األول لٌس هو الذي‬
‫أثبته الفرٌق الثانً ‪.‬‬

‫ت فً‬
‫ت وقربا ٍ‬
‫فالفرٌق األول ‪ٌ :‬نكر أن تكون المباحات عبادا ٍ‬
‫صورتها ‪.‬‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪٘ٚ ( . )451 -450 /11 ( )) ٜٚ‬زا ٌ‪١‬س ِٓ ِشاخغ اٌذوت‪ٛ‬س األشمش )‪.‬‬
‫) ( ‪.) 22 -21 /1‬‬
‫) (( ِذاسج اٌساٌى‪. )10 7 /1 ( ٓ١‬‬
‫))‬

‫‪106‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫وهذا حق ال ٌجوز أن ٌخالؾ فٌه أحد ‪.‬‬

‫ؾ واللباس األسود أو‬ ‫ومن ظن أنه ٌعبد هللا بالمشً والوقو‬


‫األخضر ‪ ...‬فهو مخطا ألن هذه لٌست عبادات فً ذاتها ‪...‬‬

‫فمرادهم ‪ -‬إذن –أن المباحات ال ٌقصد التقرب بذواتها ‪ ،‬كما ٌتقرب‬


‫بالصالة وقراءة القرآن والزكاة ‪.‬‬

‫أما القابلون بأن المباح ٌتقرب به فمرادهم مخالؾ لمراد األولٌن وهم‬
‫ٌفهمون ذلك بصور ٍة أو أكثر من الصور التالٌة ‪:‬‬

‫المباح وسٌلة للعبادات ‪:‬‬

‫ٌقول شٌخ اإلسالم ‪:‬‬

‫( ٌنبؽً أال ٌفعل من المباحات إال ما ٌستعٌن به على الطاعة ‪،‬‬


‫وٌقصد االستعانة بها على الطاعة ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫وٌقول ابن الشاط ‪:‬‬

‫( إذا قصد بالمباحات القوى على لطاعات ‪ ،‬أو التوصل إلٌها كانت‬
‫عبادة ‪ ،‬كاألكل والنوم واكتساب المال ) ( ) اهـ‪.‬‬

‫فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن ٌتقوى بها على طاعة هللا‬
‫كً ٌتمكن من قٌام اللٌل والجهاد فً سبٌل هللا فهذا مثاب على هذه‬
‫األعمال بهذه النٌة ‪.‬‬

‫) (( ِدّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪. ) 461 -460 /10 ( )) ٜٚ‬‬


‫) (( غّض ػ‪ ْٛ١‬اٌثظائش ششذ األشثاٖ ‪ٚ‬إٌظائش ( ‪.) 34 /1‬‬
‫))‬

‫‪107‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫األخذ بالمباح على انه تشرٌع إلهً ‪:‬‬

‫إذا نظر المسلم إلى المباح معتقداً أن هللا أباحه ‪ ،‬كالذي ٌأتً زوجته‬
‫– مثالً – ٌقصد أن ٌعدل عما حرمه هللا تعالى إلى ما أباحه ‪ :‬فهذا له أجر‬
‫كما ورد فً الحدٌث – اآلنؾ الذكر – الذي أخرجه مسلم عن أبً ذر ‪.‬‬

‫المباح بالجزء مطلوب بالكل‬

‫) قد ٌكون األمر مباحا ً بالجزء لكنه‬ ‫(‬


‫على جهة الندب أو الوجوب‬
‫مط لوب بالكل فالعبد إذا جاز له أن ٌترك الطعام والشراب ‪ ،‬وٌجهد نفسه‬
‫فً بعض اإلحسان ‪ ،‬إال أنه ال ٌجوز له أن ٌتمادى فً ذلك حتى ٌهلك‬
‫نفسه بسبب ذلك ‪.‬‬

‫ولذلك أوجب جماهٌر العلماء على المضطر أن ٌأكل من المٌتة ‪،‬‬


‫وعدوه مستوجبا ً للوعٌد إذا هو امتنع عن األكل حتى هلك ( ) ‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وبهذا التحقٌق ٌتبٌن لك أن القول بخروج المباحات إلى المندوبات‬


‫بالنٌة الصالحة حق ‪ ،‬لكن االستدالل بذلك على صحة إحداث وسٌل ٍة‬
‫دعوٌة ٌتقرب إلى هللا بها ‪ :‬باطل ‪.‬‬

‫وقد تقدم تقرٌر أن البدعة تدخل فً األمور العادٌة كدخولها فً أمور‬


‫العبادات فلٌرجع إلٌه ( ص ‪ ) 22‬ففٌه ما ٌعٌن على كشق هذه الشبهة‬
‫وٌبطلها ‪.‬‬

‫) ‪ٕ٠‬ظش (( اٌّ‪ٛ‬افماخ )) ( ‪ِ (( ٚ ، ) 78 /1‬دّ‪ٛ‬ع اٌفتا‪.) 461 /10 ( )) ٜٚ‬‬


‫) ِٓ وتاب (( ِماطذ اٌّىٍف‪ ( )) ٓ١‬ص ‪ ) 497 - 493‬تتظشف ‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫– المتقدم قرٌبا ً – على أبً‬ ‫كما أن فً رد شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة‬


‫القاسم القشٌري نقضا ً لهذه الشبهة فأؼنً ذلك عن إعادة الكالم هنا ‪.‬‬

‫[ الشبهة الرابعة ]‬

‫))‬ ‫((‬
‫الوسابل لها أحكام المقاصد‬ ‫ومما ٌتعلق به – أٌضا ً – قاعدة‬
‫فٌقول المتعلق بها ‪ :‬أن هذه األمور التً نتخذها فً الدعوة إلى هللا تعالً‬
‫‪ :‬هداٌة الناس‬ ‫ووسابل توصل إلى الؽاٌة المنشودة بالدعوة ‪ ،‬وهً‬
‫وإصالحهم ‪ .‬وما دام الؽاٌة هذه ‪ ،‬فإنها محمودة شرعا ً ‪ ،‬فوسابلها تأخذ‬
‫حكمها ‪ ،‬فتكون محمودة فً الشرع – أٌضا ً –‬

‫والجواا‬

‫))‬ ‫((‬
‫هنا ‪ ،‬ال تعنً أي وسٌلة – ولو محرمة – إذا‬ ‫الوسابل‬ ‫أن لؾظة‬
‫استخدمت فً مقصد حسن ‪ :‬أخذت حكمه و إال فلٌلزم علً ذلك إهدار‬
‫– مثالً – فً‬ ‫النصوص الشرعٌة والعمل بالهوى ‪ ،‬فتتخذ المحرمات‬
‫معالجة المرضً ‪ ،‬وترتكب المحرمات – كالمعاملة بالربا وإسبال الثٌاب‬
‫– من أجل الدعوة ومصالحها ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬

‫والمعني الصحيح للقاعدة ‪:‬‬

‫–‬ ‫أن الوسابل بالنسبة للمقاصد الحسنة ‪ ،‬ال بد أن تكون مشروعة‬


‫واجبة أو مندوبة أو مباحة – وقد تكون الوسٌلة مكروهة ‪ .‬أما أنها تكون‬
‫محرمة فال ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫ثم أن هذه القاعدة لٌست على إطالقها فقد تكون الوسٌلة محرمة أو‬
‫مكروهة ‪ ،‬وما جعلت وسٌلة ؼلٌه لٌس كذلك ‪.‬‬

‫ٌقول العالمة ابن القٌم – رحمه هللا تعالى – عندما قرر أن حركة‬
‫اللسان بالكالم ال تكون متساوٌة الطرفٌن ‪ ،‬بل إما راجحة وإما‬
‫مرجوحة ‪:‬‬

‫فإن قٌل ‪ :‬فإذا كان الفعل – أي الؽاٌة – متساوي الطرفٌن كانت‬


‫حركة اللسان التً هً الوسٌلة إلٌه كذلك إذ الوسابل تابعة للمقصود فً‬
‫الحكم ‪.‬‬

‫قبل ‪ :‬ال ٌلزم ذلك ‪.‬‬

‫فقد ٌكون الشًء مباحا ً ‪ ،‬بل واجبا ً ووسٌلته مكروهة ‪ ،‬كالوفاء‬


‫بالطاعة المنذورة وهو واجب مع أن وسٌلته – وهو النذر – مكروه منهً‬
‫عنه ‪.‬‬

‫وكذلك الحلؾ المكروه ( ) مرجوح مع وجوب الوفاء به أو الكفارة ‪.‬‬

‫وكذلك سؤال الخلق عند الحاجة مكروه وٌباح له االنتفاع بما أخرجته‬
‫له المسألة ‪.‬‬

‫وهذا كثٌر جداً ‪.‬‬

‫فقد تكون الوسٌلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم ألجلها ‪ ،‬وما جعلت‬
‫بحرام وال مكروه ) ( )‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وسٌلة إٌه لٌس‬

‫) وّٓ زٍف ػٍ‪ ٝ‬فؼً ِىش‪ ، ٖٚ‬أ‪ ٚ‬تشن ِٕذ‪ٚ‬ب ‪.‬‬


‫‪110‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫خالصة الرسالة‬

‫مما سبق بٌانه وتقرٌره ‪ٌ ،‬تلخص ما ٌلً ‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬أن وسابل الدعوة إلى هللا تعالى توقٌفٌة ال ٌحل لمرء‬ ‫‪‬‬
‫ٌؤمن باهلل والٌوم اآلخر أن ٌزٌد فٌها شٌبا ً لم ٌكن علٌه عمل رسول هللا ‪‬‬
‫وصحابته الكرام ‪.‬‬

‫والحجة فً ذلك عموم األدلة التً نصت على إكمال الدٌن وبٌان كل‬
‫شًء ٌقرب إلى الجنة وٌباعد من النار ‪.‬‬

‫وعموم األدلة المحذرة من المحدثات فً الدٌن واآلمرة بلزوم األمر‬


‫العتٌق ‪.‬‬

‫ولسالمة االستدالل بهذه األدلة على المقصود ‪ ،‬أوردنا كالم بعض‬


‫المحققٌن من العلماء فٌها النص صراحة على المنع من إحداث أي وسٌلة‬
‫وص‬ ‫فً الدعوة إلى هللا تعالى ‪ ،‬اعتماداً على تلك العمومات من نص‬
‫الكتاب والسنة وأقوال سلؾ األمة ‪.‬‬

‫ومن هؤالء شٌخ اإلسالم ابن تٌمٌة – رحمه هللا تعالى –‬

‫والشٌخ حمود بن عبد هللا التو ٌجري – رحمه هللا تعالى –‬

‫والشٌخ بكر بن عبد هللا أبو زٌد – حفظه هللا تعالى ‪. -‬‬

‫) (( ِذاسج اٌساٌى‪ٕ٠ٚ . ) 116 /1 ( )) ٓ١‬ظش (( اٌفش‪ٚ‬ق )) ٌٍمشاف‪ (( ٚ ، ) 33 - 32 /2 ( ٟ‬اٌم‪ٛ‬اػذ )) ‪،‬‬


‫ٌٍّمش‪. ) 394 /2 ( ٞ‬‬
‫‪111‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫بن‬ ‫وهذا هو الذي نص علٌه العالمة الشٌخ عبد العزٌز بن عبد هللا‬
‫باز – حفظه هللا تعالى – كما تقدم النقل عنه فً هذه الرسالة ( ص ‪-76‬‬
‫‪.) 77‬‬

‫وهو قول اإلمام المحقق العالمة الشٌخ محمد ناصر الدٌن األلبانً –‬
‫حفظه هللا تعالى ‪. -‬‬

‫ومما ٌتأٌد به هذا القول ‪ :‬شدة إنكار السلؾ ألي وسٌلة محدثة ولو‬
‫نافعة ))على حد‬ ‫((‬
‫كان ٌجنى منها رقة القلب ودمع العٌن … ولو كانت‬
‫تعبٌر المعاصرٌن ‪.‬‬

‫فإنكار السلؾ على القصاص وعلى أصحاب السماع المجرد عن‬


‫اآللة معروؾ ومشهور ال ٌخفى علً أح ٍد ‪.‬‬

‫ثانٌا ً ‪ :‬أن إحداث وسٌلة فً وسابل الدعوة ٌعتبر إحداثا ً فً‬ ‫‪‬‬
‫الدٌن وخروجا ً عن سبٌل المؤمنٌن ‪.‬‬

‫عند أهل البدع واألهواء ‪ ،‬وعلى‬ ‫وما عرؾ إحداث الوسابل إال‬
‫رأسهم ‪ :‬الصوفٌة ‪ .‬فهم سلؾ لمنادٌن بإحداث الوسابل المتالبمة مع‬
‫العصر ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬أن ما شوش بعض األؼمار من معرضة ما تقرر من‬ ‫‪‬‬


‫))‬ ‫((‬
‫هو باطل‬ ‫تقنٌة‬ ‫توقٌفٌة الوسابل ‪ :‬بما استجد فً هذا العصر من آالت‬
‫وبٌنت أنه ال تعارض بٌن القول‬ ‫مردود وقد كشفت هذه الرسالة ذلك ‪،‬‬
‫اآلالت ))بشرط أن تكون هذه‬ ‫((‬
‫بتوقٌفٌة الوسابل وبٌن استخدام هذه‬
‫(( اآلالت ) ؼٌر ممنوعة شرعا ً ‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫الشيخ عبدالسالم بن برجس آل عبدالكريم‬ ‫اٌسدح اٌم‪٠ٛ‬ح ػٍ‪ ٝ‬أْ ‪ٚ‬سائً اٌذػ‪ٛ‬ج ت‪ٛ‬ل‪١‬ف‪١‬ح‬

‫أسأل هللا عز وجل أن ٌجعل ما كتبته خالصا ً لوجهه الكرٌم ‪ ،‬مقربا ً‬


‫لدٌه فً جنات النعٌم ‪ ،‬وأن ٌعم بنفعها إنه سمٌع مجٌب قرٌب وصلى هللا‬
‫وسلم وبارك على نبٌنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعٌن ‪.‬‬

‫‪113‬‬

You might also like