Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 163

‫الكامل فى التاريخ‬

‫المجلد الثانى‬
‫‪page 242- 393‬‬

‫واببن أبجبر‪ ،‬ومالك ببن قيبس فببرز إليبه مالك مبن بينهبم [ فقال له خالد ‪ :‬يبا ببن‬
‫الخبيثبة مبا جرأك عليّب مبن بينهبم ‪ ،‬وليبس فيبك وفاء فضرببه ]‪.‬فقتله خالد‪ ،‬وأعجبل‬
‫العاجم عن‬
‫طعامهم [ قبل أن يأكلوا ]‪ ،‬فقال لهم جابان ‪ :‬ألم أقل لكم وال ما دخلتني من مقدم‬
‫جيش وحشة إل هذا؟ وقال لهم ‪ :‬حيث لم تقدروا على الكل فسموا الطعام فإن‬
‫ظفرتم فأيسرها لك وإن كانت لهم هلكوا بأكله ‪ .‬فلم يفعلوا ‪ ،‬واقتتلوا قتالً شديدًا ‪،‬‬
‫والمشركون يزيدهم كلبًا وثبوتاً توقعهم قدوم بهمن جاذويه فصابروا المسلمين ‪ ،‬فقال‬
‫خالد ‪ :‬اللهم إن هزمتهم فعليّ أن ل أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجرى من‬
‫دمائهم نهرهم ‪ ،‬فانهزمت فارس ‪ ،‬فنادى منادي خالد السراء السراء إل من امتنع‬
‫‪ .‬فاقتلوه فأقبل بهم المسلمون أسراء ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوماً وليلة ‪.‬‬
‫فقال له القعقاع وغيره ‪ :‬لو قتلت أهل الرض لم تجر دماؤهم ‪ ،‬فأرسل عليها‬
‫الماء تبر يمينك‪ ،‬ففعل وسمى نهر الدم ‪ ،‬ووقف خالد على الطعام وقال للمسلمين‬
‫‪ :‬قد نفلتكموه ‪ .‬فتعشى به المسلمون ‪ ،‬وجعل من لم ير الرقاق يقول ‪ :‬ما هذه الرقاع‬
‫البيض ؟ [ وجعل من قد عرفها يجيبهم ‪ .‬ويقول لهم مازحاً ‪ :‬هل سمعتم برقيق‬
‫العيش ؟ فيقولون ‪ :‬نعم فيقولون ‪ :‬هو هذا ] وبلغ عدد القتلى سبعين ألفاً‪ ،‬وكانت‬
‫الوقعة في صفر‪ ،‬فلما فرغ من أليس ‪ .‬سار إلى أمغيشيا ‪ -‬وقيل اسمها ‪ :‬منيشيا ‪-‬‬
‫فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله لن أهلها أعجلهم المسلمون أن ينقلوا أموالهم ‪،‬‬
‫وأثاثهم ‪ ،‬وكراعهم وغير ذلك ‪ ،‬وأرسل إلى أبي بكر بالفتح ‪ .‬ومبلغ الغنائم ‪،‬‬
‫والسبي ‪ ،‬وأخرب أمغيشيا‪ ،‬فلما بلغ ذلك أبا بكر قال ‪:‬‬
‫عجزت النساء أنْ يلدن مثل خالد‪.‬‬
‫وفتح الحيرة‬ ‫‪)(1‬‬
‫ذكر وقعة يوم فرات بادقلي‬
‫ثم سار خالد من أمغيشيا إلى الحيرة‪ ،‬وحمل الرجال والثقال في السفن فخرج‬
‫مرزبان الحيرة‪ ،‬وهو الزاذبه ) فعسكر عند الغ ِريّين ) وأرسل ابنه فقطع الماء‬
‫‪(3‬‬ ‫‪(2‬‬

‫عن السفن فبقيت على الرض ‪ ،‬فسار خالد في خيل نحو ابن الزاذبه فلقيه على‬
‫فرات‬
‫بادقلي فضربه وقتله وقتل أصحابه ‪ ،‬وسار نحو الحيرة فهرب منه الزذابه ‪،‬‬
‫وكان قد بلغه موت أردشير وقتل ابنه فهرب بغير قتال ‪ ،‬ونزل المسلمون عند‬
‫الغريين وتحصن أهل الحيرة فحصرهم في قصورهم ‪ ،‬وكان ضرار بن الزور‬
‫محاصراً القصر البيض ‪ ،‬وفيه إياس بن قبيصة الطائي ‪ ،‬وكان ضرار بن الخطاب‬
‫محاصراً قصر الغريّين ‪ ،‬وفيه عدي بن عدي المقتول ‪ ،‬وكان ضرار بن مقرن‬
‫المزنى عاشر عشرة إخوة محاصراً قصر ابن مازن ‪ ،‬وقيه ابن أكال ‪ ،‬وكان المثنى‬
‫محاصراً قصر ابن بُقيلة‪ ،‬وفيه عمرو بن المسيح بن بقيلة‪ ،‬فدعرهم جميعاً وأجلوهم‬
‫يوماً وليلة فأبى أهل الحيرة‪ .‬وقاتلهم المسلمون فافتتحوا الدور والديار وأكثروا‬
‫القتل فنادى القسيسون والرهبان ‪ :‬يا أهل القصور ما يقتلنا غيركم ‪.‬‬
‫فنادى أهل القصور المسلمين قد قبلنا واحدة من ثلث وهي ‪ :‬إما السلم ‪ ،‬أو‬
‫الجزية‪ ،‬أو المحاربة ‪ .‬فكفوا عنهم ؛ وخرج إليهم إياس بن قبيصة‪ ،‬وعمرو بن عبد‬
‫المسيح بن قيس بن حيان بن الحارث ‪ ،‬وهو بقيلة‪ ،‬وإنما سمي بقيلة لنه خرج على‬
‫قومه في بردين أخضرين فقالوا ‪ [ :‬يا حار] ما أنت إل بقيلة خضراء‪ .‬فارسلوهم إلى‬
‫خالد فكان الذي يتكلم عنهم عمرو بن عبد المسيح ‪ ،‬فقال له خالد‪ :‬كم أتى عليك ؟‬
‫ت القرى منظومة ما بين‬ ‫قال ‪ :‬مئو سنين ‪ .‬قال ‪ :‬فما أعجب ما رأيت ؟ قال ‪ :‬رأي ُ‬
‫دمشق ‪ .‬والحيرة تخرج المرأة [ من الحيرة ] فل تتزود إل رغيفًا ‪ .‬فتبسم خالد‬
‫[ وقال ‪ :‬هل لك من شيخك إل عقلة خرفت ‪ .‬وال يا عمرو؟ وقال لهل الحيرة ‪ .‬ألم‬
‫يبلغني أنكم خبثة خدعة [ مكرة ]؟ فما بالكم تتناولون حوائجكم بخرف ل يدري من‬
‫أين جاء؟‬
‫فأحب عمرو أن يريه من نفسه ما يعرف به عقله و[ يستدل به على ] صحة ما‬
‫حدثه‬
‫به قال ‪ :‬وحقك إِني لعرف من أين جئت ؟ ‪ .‬قال ‪ :‬فمن أين خرجت ؟ [ قال ‪:‬‬
‫أقرب أم بعد؟ قال ‪ :‬ما شئت ] قال ‪ :‬من بطن أمي ‪ .‬قال ‪ :‬فأين تريد؟ قال ‪ :‬أمامي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وما هو؟ قال ‪ :‬الخرة ‪ .‬قال ‪ :‬فمن أين أقص أثرك ؟ قال ‪ :‬من صلب أبي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ففيم أنت ؟ قال ‪ :‬في ثيابي ‪ .‬قال ‪ :‬اتعقل ؟ قال ‪ :‬أي وال وأقيد‪ .‬قال خالد‪ :‬إنما‬
‫سلْم قال ‪ :‬فما هذه‬
‫سلْم أنت أم حرب ؟ قال ‪ :‬بل ِ‬‫أسألك ‪ .‬قال ‪ :‬فأنا اجيبك ‪ .‬قال ‪ :‬أ ِ‬
‫الحصون ؟ قال ‪ :‬بنيناها للسفيه نحبسه حتى ينهاه الحليم ‪ .‬قال ‪ :‬خالد ‪ :‬قتلت أرض‬
‫جاهلها وقتل أرضا عالمها القوم أعلم بما فيهم ‪ [ ،‬فقال عمرو ‪ :‬أيها المير‪ :‬النملة‬
‫أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة] وكان مع ابن بقيلة خادم معه كيس‬
‫فيه سم فأخذه خالد ونثره في يده‬
‫وقال ‪ :‬لم تستصحب هذا؟ قال ‪ :‬خشيتُ أن تكونوا على غير ما رأيت [ وقد أتيت‬
‫على أجلي ] فكان الموت أحبّ إِليّ من مكروه ادخله على قومي [ وعلى أهل قريتي‬
‫] فقال خالد ‪ :‬أنها لن تموت نفسي حتى تأتي على أجلها ‪ ،‬وقال ‪ " :‬باسم ال خير‬
‫السماء ‪ ،‬رب الرض والسماء‪ ،‬الذي ل يضر مع اسمه داء‪ ،‬الرحمن الرحيم‬
‫" [ فأهووا إليه ليمنعوه وبادرهم ] وابتلع السم ‪ ،‬فقال ابن بقيلة ‪ :‬وال لتبلغن ما‬
‫أردتم ما دام أحد منكم هكذا ‪ .‬وأبى خالد أن يصالحهم إل على تسليم كرامة بنت عبد‬
‫المسيح إلى شويل فأبوا فقالت لهم ‪ :‬هونوا وأسلموني فإني سأفتدي ‪ ،‬ففعلوا فأخذها‬
‫شويل ‪ ،‬فافتدت منه بألف درهم فلمه الناس ‪ .‬فقال ‪ :‬ما كنت أظن أن عدداً أكثر من‬
‫هذا‪:‬‬
‫وكان سبب تسليمها إليه أن النبي صلى ال عليه وسلم لما ذكر استيلء أمته على‬
‫ملك فارس والحيرة سأله شويل أن يعطي كرامة ابنة عبد المسيح وكان رآها شابة‬
‫فمال إليها فوعده النبي صلى ال عليه وسلم ذلك‪ ،‬فلما فتحت الحيرة طلبها‪ ،‬وشهد له‬
‫شهود بوعد النبي صلى ال عليه وسلم أن يسلمها إليه فسلمها إِليه خالد‪ ،‬وصالحهم‬
‫على مائة ألف وتسعين ألفاً ‪ .‬وقيل ‪ :‬على مائتي ألف وتسعين ألفاً‪ ،‬وأهدوا له هدايا‪،‬‬
‫فبعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر فقبلها أبو بكر من الجزية ؟ وكتب إلى خالد أن‬
‫يأخذ منهم بقية الجزية ‪ .‬ويحسب لهم الهدية ‪.‬‬
‫وكان فتح الحيرة في شهر ربيع الول سنة اثنتي عشرة‪ ،‬وكتب لهم خالد كتاباً‬
‫فلما‬
‫كفر أهل السواد [ بعد موت أبي بكر] ضيعوا الكتاب ‪ ،‬فلما افتتحها المثنى ثانية‬
‫عاد بشرط آخر‪ ،‬فلما عادوا كفروا ‪ ،‬وافتتحها سعد بن أبي وقاص ووضع عليهم‬
‫أربعمائة ألف [ سوى الحرزة ] ‪ ،‬قال خالد ‪ :‬ما لقيت قومًا كأهل فارس وما لقيت من‬
‫أهل فارس كأهل أليس ‪.‬‬
‫ذكر ما بعد الحيرة‬
‫قيل ‪ :‬كان الدهاقين يتربصون بخالد‪ [ ،‬وينظرون ] ما يصنع أهل الحيرة‪ ،‬فلما‬
‫صالحهم واستقاموا له ‪ .‬اتته الدهاقين من تلك النواحي ‪ ،‬أتاه دهقان فرات سريا ‪،‬‬
‫وصلوا بابن نسطونا‪ ،‬ونسطونا‪ .‬فصالحوه على ما بين الفلليج إلى هرمز جرد على‬
‫ألفي ألف ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ألف ألف سوى ما كان لل كسرى‪ ،‬وبعث خالد عماله‬
‫ومسالحه ‪ ،‬وبعث ضرار بن الزور‪ ،‬وضرار بن الخطاب ‪ ،‬والقعقاع بن عمرو‪،‬‬
‫والمثنى بن حارثة ‪ ،‬وعيبة بن النهاس ‪ .‬فنزلوا على السيب ‪ ،‬وهم كانوا أمراء‬
‫الثغور مع خالد‪ ،‬وأمرهم بالغارة‬
‫فمخروا ما وراء ذلك إلى شاطيء دجلة‪ ،‬وكتب خالد إلى أهل فارس يدعوهم إلى‬
‫السلم أو الجزية فإن أجابوا وإل حاربهم ‪ ،‬فكان العجم مختلفين بموت أردشير إل‬
‫إنهم قد أنزلوا بهمن جاذويه بهر سير ومعه غيره كأنه مقدمة لهم ‪ ،‬وجبى خالد‬
‫الخراج في خمسين ليلة‪ ،‬وأعطاه المسلمين ‪ ،‬ولم يبق لهل فارس فيما بين الحيرة ‪.‬‬
‫ودجلة أمر لختلفهم بموت أردشير إل أنهم مجمعون على حرب خالد‪ ،‬وخالد مقيم‬
‫بالحيرة يصعد ويصوب سنة قبل خروجه إلى الشام والفرس يخلعون ويملكون ليس‬
‫إل الدفع عن بهر سير‪ ،‬وذلك أن شيري بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى أنو‬
‫شروان ‪ ،‬وقتل أهل فارس بعده وبعد أردشير ابنه من كان بين أنو شروان ‪ .‬وبين‬
‫بهرام جور فبقوا لم يقدروا على من يملكونه ممن يجتمعون عليه ‪ ،‬فلما وصلهم كتب‬
‫خالد تكلم نساء آل كسرى فولى الفرخزاد بن البنذوان إلى أن يجتمع آل كسرى على‬
‫من يملكونه إِن وجدوه ‪.‬‬
‫ووصل جرير بن عبد ال البجلي إلى خالد بعد فتح الحيرة‪ ،‬وكان سبب وصوله‬
‫اليه أنه كان مع خالد بن سعيد بن العاص بالشام فاستأذنه في المسير إلى أبي‬
‫بكر ليكلمه في قومه ليجمعهم له وكانوا أوزاعاً متفرقين في العرب ‪ ،‬فأذن له فقدم‬
‫على أبي بكر فذكر له ذلك وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم وعده به وشهد له‬
‫شهود [ وسأله إنجاز ذلك ] فغضب أبو بكر‪ ،‬وقال ‪ [ :‬له ] نرى شغلنا وما نحن فيه‬
‫ِب َغوْث المسلمين ممن بإزائهم [ من السدين ] فارس والروم ‪ ،‬ثم أنت تكلفني‬
‫[ التشاغل ] بما ل يغني [ عما هو أرضى ل ولرسوله ! دعني ] " ‪ .‬وأمره بالمسير‬
‫إلى خالد بن الوليد‪ ،‬فسار حتى قدم عليه بعد فتح الحيرة‪ ،‬ولم يشهد شيئًا مما قبلها‬
‫بالعراق ول شيئًا مما كان خالد فيه من قتل أهل الردة ‪.‬‬
‫( عتيبة ) بالتاء المثناة من فوقها وبالياء المثناة من تحتها وبالباء الموحدة ‪.‬‬
‫ذكر فتح النبار‬
‫ثم سار خالد على تعبيته [ التي خرج فيها من الحيرة ] إلى النبار‪ -‬وأنما سمي‬
‫النبار لن أهراء الطعام كانت بها أنابير‪ -‬وعلى مقدمته القرع بن حابس ‪ ،‬فلما‬
‫بلغها أطاف بها ‪ ،‬وأنشب القتال ‪ ،‬وكان قليل الصبر عنه [ إذا رآه أو سمع به ]‬
‫وتقدم إلى رمالَه [ فأوصاهم ] أن يقصدوا عيونهم فرموا رشقاً واحداً‪ ،‬ثم تابعوا‬
‫فأصابوا ألف عين ‪،‬‬
‫فسميت تلك الوقعة " ذات العيون "‪ ،‬وكان على من بها من الجند شيرزاد‬
‫صاحب ساباط [ وكان أعقل أعجمي يومئذ ]‪ ،‬فلما رأى ذلك أرسل يطلب الصلح‬
‫على أمر لم يرضه خالد‪ ،‬فر ّد رسله ونحر من إبل العسكر كل ضعيف وألقاه في‬
‫خندقهم ثم عبره ‪ ،‬فاجتمع المسلمون والكفار في الخندق ‪ .‬فأرسل شيرزاد إلى خالد‬
‫وبذل له ما أراد ‪ .‬فصالحه على أن يلحقه بمأمنه في جريدة ليس معهم من متاع‬
‫شيء وخرج شير زاد إلى بهمن جاذويه ‪ ،‬ثم صالح خالد من حول النبار وأهل‬
‫ِك ْلوَاذى ) ‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫‪)(2‬‬
‫ذكر فتح عين التمر‬
‫ولما فرغ خالد من النبار [ واستحكمت له ] استخلف عليها الزبرقان بن بدر‬
‫وسار إلى عين التمر‪ ،‬وبها مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم ‪،‬‬
‫وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب‪ .‬من النمر‪ ،‬وتغلب ‪ ،‬وإياد‪ ،‬وغيرهم ‪،‬‬
‫فلما سمعوا بخالد ‪ .‬قال عقة لمهران ‪ :‬إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالداً ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬صدقت [ لعمري ] فأنتم أعلم بقتال العرب وإنكم لمثلنا في قتال العجم فجدعه‬
‫واتقى به ‪ ،‬وقال ‪ [ :‬دونكموهم ] وإن احتجتم إلينا أعنّاكم فلمه أصحابه من الفرس‬
‫على هذا القول ‪ ،‬فقال لهم [ دعوني فإن لم أرِ ْد إل ما هو خير لكم وشر لهم ] إنه قد‬
‫جاءكم من قتل ملوككم ‪ ،‬وفل حدكم ‪ .‬فاتقيته بهم فإن كانت لكم على خالد فهي لكم ‪،‬‬
‫وإن كانت الخرى لم يبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء [ وهم مضعفون ]‬
‫‪ ،‬فاعترفوا له [ بفضل الرأي ] وسار عقة إلىِ خالد فالتقوا فحمل خالد بنفسه على‬
‫عقة‪ ،‬وهو يقيم صفوفه فاحتضنه ‪ ،‬وأخذه أسيرَا وانهزم عسكره من غير قتال ‪،‬‬
‫فأسر أكثرهم ‪ ،‬فلما بلغ الخبر مِهران هرب في جنده وتركوا الحصن ‪ ،‬فلما انتهى‬
‫المنهزمون إليه تحصنوا به فنازلهم خالد فطلبوا منه المان ‪ ،‬فأبن فنزلوا على حكمه‬
‫فأخذهم أسرى‪ ،‬وقتل عقة ثمِ قتلهم أجمعين وسبى كل مَنْ في الحصن وغنم ما فيه ‪،‬‬
‫ووجد في بيعتهم أربعين غلماَ يتعلمون الِنجيل فأخذهم فقسمهم في أهل البلء منهم‬
‫سيرين أبو محمد‪ ،‬ونصير أبو موسى ‪ ،‬وحمران مولى عثمان ‪ ،‬وأرسل إلى أبي‬
‫بكر بالخبر والخمس ‪ .‬وفي عين التمر‬
‫قتل عمير بن رآب السهمي وكان من مهاجرة الحبشة‪ ،‬ومات بها بشير ) بن سعد‬
‫‪(1‬‬

‫النصاري والد النعمان فدفن بها إلى جانب عمير‪.‬‬


‫‪)(2‬‬
‫ذكر خبر دُومة الجندل‬
‫ولما فرغ خالد من عين التمر أتاه كتاب عياض بن غنم يستمده على من بإزائه‬
‫من المشركين فسار خالد إليه فكان بإزائه بهراء‪ ،‬وكلب ‪ ،‬وغسان ‪ ،‬وتنوخ ‪،‬‬
‫والضجاعم ‪ ،‬وكانت دومة على رئيسين ‪ ،‬أكيدر بن عبد الملك ‪ ،‬والجودي بن ربيعة‬
‫‪ ،‬فأما أكيدر فلم ير قتال خالد وأشار بصلحه خوفًا فلم يقبلوا منه [ فقال ‪ :‬لن أمالئكم‬
‫على حرب خالد فشأنكم ]‪ ،‬فخرج عنهم وسمع خالد بمسيره فأرسل إلى طريقه‬
‫[ عاصم بن عمرو معارضًا له ] فأخذه أسيراً فقتله وأخذ ما كان معه )‪ ،‬وسار حتى‬
‫‪(3‬‬

‫نزل على أهل دومة الجندل فجعلها بينه وبين عياض [ وكان النصارى الذين أمدوا‬
‫أهل دومة من العرب محيطين بحصن دومة لم يحملهم الحصن ]‪ ،‬فلما اطمئن خالد‬
‫خرج إليه الجودي في جمع ممن عنده من العرب لقتاله ‪ ،‬وأخرج طائفة أخرى إلى‬
‫عياض فقاتلهم عياض فهزمهم ف َهزَمَ خالد من يليه ‪ ،‬وأخذ الجودي أسيراً وانهزموا‬
‫إلى الحصن [ فلم يحملهم ]‪ ،‬فلما امتل أغلقوا الباب دون أصحابهم فبقوا حوله‬
‫[ حرداء ]‪ ،‬فأخذهم خالد فقتلهم حتى سد باب الحصن ‪ ،‬وقتل الجودي ‪ ،‬وقتل‬
‫السرى إل أسرى كلب فإن بني تميم قالوا لخالد‪ :‬قد أمناهم وكانوا حلفاءهم‬
‫فتركهم ‪[ ،‬وقال ‪ :‬ما لي ولكم أتحفظون أمرَ الجاهلية وتضيّعون أمر السلم ؟ ‪.‬‬
‫فقال له عاصم ‪ :‬ل تحسدهم العافية ول يحوذهم الشيطان ] ‪.‬‬
‫ثم أخذ الحصن قهراً فقتل المقاتلة وسبى الذرية والسرح فباعهم واشترى خالد‬
‫ابنة الجودي ‪ ،‬وكانت موصوفة ‪ ،‬وأقام خالد بدومة الجندل فطمع العاجم‬
‫وكاتبهم عرب الجزيرة غضباً لعقة‪ ،‬فخرج َزرِمهر وروزبه يريدان النبار واتعدا‬
‫حصيداً والخنافس ‪ ،‬فسمع القعقاع بن عمرو وهو خليفة خالد على الحيرة فأرسل‬
‫أعبد بن فدكي وأمره‬
‫بالحصيد‪ ،‬وأرسل عروة بن الجعد البارقي إلى الخنافس فخرجا فحال بينهما‬
‫وبين‬
‫الريف ‪ ،‬ورجع خالد إِلى الحيرة فبلغه ذلك ‪ -‬وكان عازمًا على مصادمة أهل‬
‫المدائن‬
‫فمنعه من ذلك كراهية مخالفة أبي بكر‪-‬فعجّل القعقاع بن عمرو وأبا ليلى بن‬
‫فدكي إلى روزبه و َزرِمهر [ فسبقاه إلى عين التمر ] ‪ ،‬ووصل إِلى خالد [ كتاب‬
‫امرىء القيس الكلبي ] أن الهذيل بن عمران قد عسكر بالمصيخ ‪ ،‬ونزل ربيعة بن‬
‫بجير بالثني وبالبشر غضباً لعقة يريدان زرمهر‪ ،‬وروزبه ‪ ،‬فخرج خالد وسار إلى‬
‫القعقاع وأبي ليلى ‪ .‬فاجتمع بهما بالعين فبعث القعقاع إلى حصيد وبعث أبا ليلى إلى‬
‫الخنافس ‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫حصيد والخنافس‬
‫ذكر وقعة ُ‬
‫فسار القعقاع نحو حُصيد‪ ،‬وقد اجتمع بها روزبه ‪ ،‬وزرمهر فالتقوا بحصيد ‪،‬‬
‫فقتل‬
‫)‬
‫من العجم مقتلة عظيمة فقتل القعقاع زرمِهر‪ ،‬وقتل عصمة بن عبد ال أحد بني‬
‫‪(2‬‬

‫الحارث بن طريف الضبي روزبه ‪ ،‬وكان عصمة من البررة‪ ،‬وهم كل فخذ‬


‫هاجرت‬
‫بأسرها‪ ،‬والخيرة كل قوم هاجروا من بطن ‪ ،‬وغنم المسلمون ما في حصيد‪،‬‬
‫وانهزمت العاجم إلى الخنافس ‪ ،‬وسار أبو ليلى بمن معه إلى الخنافس ‪ ،‬وبها‬
‫المهبوذان على العسكر‪ ،‬فلما أحس المهبوذان بهم هرب إلى المصيخ إلى الهذيل بن‬
‫عمران ‪.‬‬
‫ذكر وقعة مصيخ بني البرشاء‬
‫ولما انتهى الخبر إلى خالد بمصاب أهل الحصيد ‪ -‬وهرب أهل الخنافس كتب‬
‫إلى القعقاع ‪ ،‬وأبي ليلى‪ ،‬وأعبد‪ ،‬وعروة‪ ،‬ووعدهم ليلة وساعة يجتمعون فيها‬
‫إلى‬
‫المصيخ ‪ [ -‬وهو بين حوران والقلت ] ‪ -‬وخرج خالد من العين قاصداً إليهمِ ‪،‬‬
‫[ على‬
‫البل يجنب الخيل ]‪ ،‬فلما كانت تلك الساعة من ليلة الموعد اتفقوا جميعاَ‬
‫بالمصيخ‬
‫ن ثلثة أوجه فقتلوهم ‪ ،‬وأفلت‬ ‫فأغاروا على الهذيل ‪ ،‬ومن معه وهم نائمون مِ ْ‬
‫الهذيل في ناس قليل ‪ ،‬وكثر فيهم القتل ‪ ،‬وكان مع الهذيل عبد العزى بن أبي رهم‬
‫أخو أوس‬
‫مناة‪ ،‬ولبيد بن جرير وكانا قد أسلما ومعهما كتاب أبي بكر بإسلمهما فقتل في‬
‫المعركة ‪ ،‬فبلغ ذلك أبا بكر وقول عبد العزى ‪:‬‬
‫أقول إذ طرق الصباح بغارة سبحانك اللهم رب محمد‬
‫سبحان ربي ل إله غيره رب البلد ورب من يتورد‬
‫فوَدَاهمبا وأوصبى بأولدهمبا فكان عمبر يعتبد بقتلهمبا‪ ،‬وقتبل مالك ببن نويرة على‬
‫خالد ) فيقول أبببو بكبر ‪ :‬كذلك يلقببى مبن نازل أهببل الشرك ‪ ،‬وقبد كان حرقوص بببن‬
‫‪(1‬‬

‫النعمان بن النمر قد نصحهم فلم يقبلوا منه فجلس مع زوجته وأولده يشربون ‪ ،‬فقال‬
‫لهم ‪ :‬اشربوا شراب مودع هذا خالد بالعين وجنوده بالحصيد‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫)‬
‫أل اسقياني قبل خيل أبي بكر لعل منايانا قريب وما ندري‬
‫‪(2‬‬

‫فضرب رأسه ‪ ،‬فإذا هو في جفنة فيها الخمر‪ ،‬وقتلوا أولده ‪ :‬فأخذوا بناته ‪،‬‬
‫وقيل ‪:‬‬
‫إنّ قتل حرقوص ‪ ،‬وهذه الوقعة ووقعة الثني كان في مسير خالد بن الوليد من‬
‫العراق إلى الشام ‪ ،‬وسيذكر ان شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫ذكر وقعة الثني والُّز َ‬
‫‪)(3‬‬
‫ميْل‬
‫وكان ربيعة بن بجير التغلبي بالثني ‪ ،‬والبشر ‪ -‬وهو الزميل ‪ -‬وهما شرقي‬
‫الرصافة ‪ -‬قد خرج غضبًا لعقة وواعد روزبه ‪ ،‬و َز َرمِهر‪ ،‬والهذيل؛ ولما أصاب‬
‫خالد أهل المصيخ ‪ ،‬واعد القعقاع ‪ ،‬وأبا ليلى ليلة ‪ .‬وأمرهما بالمسير ليغيروا‬
‫عليهم ‪ ،‬فسار خالد من المصيخ فاجتمع هو وأصحابه بالثني فبيتهم من ثلثة أوجه ‪-‬‬
‫[ كما فعل بأهل‬
‫المصيخ ]‪-‬وجردوا فيهم السيوف فلم يفلت منهم مخبر‪ ،‬وغنم وسبى‪ ،‬وبعث‬
‫بالخبر والخمس [ مع النعمان بن عوف ] إلى أبي بكر فاشترى عليّ بن أبي طالب‬
‫كرم ال وجهه بنت ربيعة بن بجير التغلبي [ فاتّخذها ] فولدتْ له عمرَ‪ ،‬ورقية ‪.‬‬
‫ولما انهزم الهذيل بالمصيخ لحق بعتاب بن فلن وهو بالبشر في عسكر ضخم‬
‫فبيّتهم خالد بغارة شعواء من ثلثة أوجه قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة فقتل منهم‬
‫مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها [ وكانت على خالد يمين ليبغتن تغلب في دارها‪ ،‬وكانت‬
‫في الخماس ابنة مؤذن النمري ‪ ،‬وليلى بنت خالد‪ ،‬وريحانة بنت الهذيل بن هبيرة ]‪،‬‬
‫وقسم الغنائم وبعث الخمس إلى أبي بكر [ مع الصباح بن فلح المزني ] ‪ ،‬وسار‬
‫خالد من البشر إلى الرضاب ‪ ،‬وبها هلل بن عقة ‪ .‬فتفرق عنه اصحابه [ حين‬
‫سمعوا بدنو خالد ] وسار هلل عنها فلم يلق خالد بها كيداً ‪.‬‬
‫ذكر وقعة الفراض‬
‫ثم سار خالد من الرضاب إلى الفراض وهي تخوم الشام ‪ ،‬والعراق ‪،‬‬
‫والجزيرة ‪،‬‬
‫وأفطر بها رمضان لتصال الغزوات ‪ ،‬وحميت الروم واستعانوا بمن يليهم من‬
‫مسالح الفرس فأعانوهم ‪ ،‬واجتمع معهم تغلب ‪ ،‬وإياد ‪ ،‬وال ّنمِر‪ ،‬وساروا إلى خالد ‪،‬‬
‫فلما بلغوا الفرات قالوا له ‪ :‬إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم ‪ .‬قال خالد ‪:‬‬
‫اعبروا ‪ .‬قالوا له ‪ :‬تنخَ عن طريقنا حتى نعبر‪ .‬قال ‪ :‬ل أفعل ولكن اعبروا أسفل منا‬
‫‪ [ -‬وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة ] فقالت الروم وفارس بعضهم‬
‫لبعض ‪ :‬احتسبوا ملككم ‪ ،‬هذا رجل يقاتل على دين ‪ ،‬وله عقل ‪ ،‬وعلم ووال‬
‫لينصرن ولنُخْ َذلَن ثم لم ينتفعوا بذلك ] فعبروا أسفل من خالد‪ ،‬وعظم في أعينهم ‪،‬‬
‫وقالت الروم ‪ :‬امتازوا حتى نعرف اليوم من يثبت ممن يولي ‪ ،‬ففعلوا فاقتتلوا قتالً‬
‫عظيماً‪ ،‬وانهزمت الروم ومن معهم ‪ ،‬وأمر خالد المسلمين أن ل يرفعوا عنهم فقتل‬
‫في المعركة وفي الطلب مائة ألف ‪ ،‬وأقام خالد على الفراض عشراً‪ ،‬ثم أذن‬
‫بالرجوع إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة [ وأمر عاصم بن عمرو أن يسير‬
‫بهم ]‪ ،‬وجعل شجرة بن العز على الساقة وأظهر خالد أنّه في الساقة ‪.‬‬
‫ذكر حجة خالد‬
‫ثم خرج خالد حاجاً من الفراض سِيراً [ لخمس بقين من ذي القعدة ] ‪ ،‬ومعه عدة‬
‫من أصحابه يعسف البلد فأتن مكة وحج ورجع فما توافى جنده بالخبر حتى‬
‫وافاهم مع صاحب الساقة فقدما معاً‪ ،‬وخالد وأصحابه محلقون ولم يعلم بحجّه إل من‬
‫أعلمه به ولم يعلم أبو بكر بذلك إل بعد رجوعه فعتب عليه ‪ ،‬وكانت عقوبته إياه أنْ‬
‫صرفه إلى الشام من العراق ممداً جموع المسلمين باليرموك ‪ ،‬وكان أهل العراق‬
‫أيام عليّ إذا بلغهم عن معاوية شيء يقولون ‪ :‬نحن أصحاب ذات السلسل ويسمون‬
‫ما بينها‪ ،‬وبين الفراض‪ ،‬ول يذكرون ما بعد الفراض احتقارًا للذي كان بعدها ‪.‬‬
‫وأغار خالد بن الوليد على سوق بغداد‪ ،‬ووجه المثنى فأغار على سوق فيها جمعٌ‬
‫ط َربّل ) وتل عَ ْقرَ ُقوْف ) وبادوريا ) ‪،‬‬
‫‪(3‬‬ ‫‪(2‬‬ ‫‪(1‬‬
‫لقضاعة وبكر‪ ،‬وأغار أيضاً على مسكن ‪ ،‬وقُ ْ‬
‫قال ا لشاعر ‪:‬‬
‫)‬
‫وللمثنى بالعال معركة شاهدها من قبيله بشرُ‬
‫‪(4‬‬

‫كتيبة أفزعت بوقعتها كسرى وكاد الِيوان ينفطرُ‬


‫وشُجع المسلمون إذ حذروا وفي صروف التجارب العبر‬
‫سهل نهج السبيل فاقتفروا آثاره والمور تقتفر‬
‫يعني بالعال النبار‪ ،‬ومسكن ‪ ،‬وقطربل ‪ ،‬وبادوريا ‪ .‬وفيها تزوج عمر عاتكة‬
‫بنت‬
‫زيد‪ .‬وفيها مات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة وأوصى إلى الزبير‪،‬‬
‫وتزوج عليّ عليه السلم ابنته امامة‪ ،‬وأمها زينب بنت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ .‬وفيها اشترى عمر أسلم موله في قول ‪ ،‬وحج بالناس هذه السنة أبو بكر‪،‬‬
‫واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬حج بالناس عمر بن الخطاب أو‬
‫عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وفيها مات أبو مرثد الغنوي ‪ ،‬وهو بدري ؟ وكان ابنه مرثد‬
‫بن أبي مرثد قد قتل بالرجيع وهو بدري أيضاً ‪.‬‬
‫ثم دخلت سنة ثلث عشرة‬
‫ذكر فتوح الشام‬
‫عوْ ِد ِه من الحج ‪،‬‬
‫قيل ‪ :‬في سنة ثلث عشرة وَجّه أبو بكر الجنود إلى الشام بعد َ‬
‫فبعث خالد بن سعيد بن العاص ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنما سيره لما سير خالد بن الوليد إلى‬
‫العراق ‪ ،‬وكان أول لواء عقده إلى الشام لواء خالد‪ ،‬ثم عزله قبل أن يسير‪ ،‬وكان‬
‫ى بكر شهرين [ يقول ‪ :‬قد أمّرني رسول ال صلى‬ ‫سبب عزله أنّه تربص ببيعة أب ِ‬
‫ال عليه وسلم ‪ .‬ثم لم يعزلني حتى قبضه ال ]‪ ،‬ولقي علي بن أبي طالب ؟ وعثمان‬
‫بن عفان ‪ .‬فقال ‪ :‬يا أبا الحسن ‪ ،‬يا بني عبد مناف أغلبتم عليها؟ ) فقال ‪ :‬على‬
‫‪(1‬‬

‫أمغالبة تري أم خلفة ‪ .‬فأما أبو بكر فلم يحقدها عليه ‪ ،‬وأما عمر فاضطغنها عليه‪.‬‬
‫فلما ولّه أبو بكر[ فأخذ عمر يقول ‪ :‬أتؤمره ‪ ،‬وقد صنع ما صنع وقال ما قال ]! لم‬
‫يزل به عمر حتى عزله عن المارة وجعله ردءًا للمسلمين بتيماء )‪ ،‬وأمره أن ل‬
‫‪(2‬‬

‫يفارقها إل بأمره وأن يدعو من حوله من العرب إل من ارتد ‪ ،‬وأن ل يقاتل إل من‬
‫قاتله ‪ ،‬فاجتمع إليه جموع كثيرة ‪.‬‬
‫وبلغ خبره الروم فضربوا البعث على العرب الضاحية بالشام من بهراء ‪،‬‬
‫وسليح ‪ ،‬وتنوخ ‪ ،‬وغسان ‪ ،‬وكلب ‪ ،‬ولخم ‪ ،‬وجذام ‪ ،‬فكتب خالد بن سعيد إلى أبي‬
‫بكر بذلك فكتب إليه أبو بكر أقدم ول تقتحمن [ واستنصر ال ] ‪ .‬فسار إليهم ‪ ،‬فلما‬
‫دنا منهم تفرقوا فنزل منزلهم وكتب إلى أبي بكر بذلك ‪ ،‬فأمره بالقدام بحيث ل‬
‫يؤتى من خلفه ‪ ،‬فسار حتى جاز؟ قليلً ونزل فسار إليه بطريق [ من بطارقة ]‬
‫الروم يدعى باهان فقاتله ‪ ،‬فهزمه ‪ ،‬وقتل من جنده ‪ ،‬فكتب خالد إلى أبي بكر يستمده‬
‫‪ ،‬وكان قد قدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ‪ ،‬وفيهم ذو الكلع ‪ ،‬وقدم عكرمة‬
‫بن أبي جهل [ قافلً وغازيًا ] فيمن‬
‫كان معه من تهامة ‪ ،‬وعمان ‪ ،‬والبحرين ‪ ،‬والسرو فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء‬
‫الصدقات أن يبدلوا من استبدل ‪ .‬فكلهم استبدل فسمى جيش البدال ‪ ،‬وق ِدمُوا على‬
‫خالد بن سعيد‪ ،‬وعندها اهتم أبو بكر بالشام وعناه أمره ‪. .‬‬
‫وكان أبو بكر قد رد عمرو بن العاص إلى عمله الذي كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وله إيّاه من صدقات سعد هذيم ‪ ،‬وعذرة ‪ ،‬وغيرهم قبل ذهابه إلى‬
‫عمان ‪ ،‬ووعده أن يعيده إلى عمله بعد عوده من عمان فأنجز له أبو بكر عِدّة رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما عزم على قصد الشام كتب له ‪ " :‬إنّي كنتُ قد رددتك‬
‫على العمل الذي ولك رسول ال صلى ال عليه وسلم مرة‪ ،‬ووعدك به أخري‬
‫إنجازاً لمواعيد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد وَليتَه ‪ ،‬وقد أجبتُ أن أفرغك‬
‫لما هو خير لك في الدنيا والخرة إل أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك " ‪.‬‬
‫فكتب إليه عمرو ‪ :‬ل إني سه ٌم من سهام السلم وأنت بعد ال الرامي بها؟‬
‫والجامع لها ‪ ،‬فانظرْ أشدها ‪ ،‬وأخشاها ‪ ،‬وأفضلها فارم به " فأمره ‪ ،‬وأمر الوليد بن‬
‫عقبة – وكان على بعض صدقات قضاعة – أن يجمعا العرب ‪ ،‬ففعل‪ ،‬وأرسل أبو‬
‫ط ِريْقٍ سماها له إلى فلسطين ‪ ،‬وأمر‬ ‫بكر إلى عمرو بعض من اجتمع إليه وأمره ب َ‬
‫الوليد بالردن وأمده ببعضهم ‪ ،‬وأمّر يزيد بن أبي سفيان على جيش عظيم هو‬
‫شيّعه ماشيا‪،‬‬ ‫جمهور من انتدب إليه فيهم سهيل بن عمر وفي أمثاله من أهل مكة‪ ،‬و َ‬
‫وأوصاه وغيره من المراء ‪ .‬فكان مما قال ليزيد ‪ " :‬إني قد ولّيتك لبلوك ‪،‬‬
‫ت عزلتُك ‪،‬‬ ‫ن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتُك ‪ ،‬وإنْ أسأ َ‬ ‫وأجرّبك ‪ ،‬وأخرّجك فإ ْ‬
‫فعليك بتقوي الّ فإنّه يري من باطنك مثل الذي من ظاهرك ‪ ،‬وإنّ أولن الناس بال‬
‫أشدهم تولياً له ‪ ،‬وأقرب الناس من ال أشدهم تقربًا إليه بعمله ‪ ،‬وقد وليتك عملَ خالد‬
‫فإياك وعبية الجاهلية فإن ال يبغضها ويبغض أهلها ‪ ،‬وإذا قدمتَ على جندك فأحسِن‬
‫ن كثير الكلم‬ ‫صحبتَهم ‪ ،‬وابدأهم بالخير‪ ،‬وعِدْهم إياه ‪ ،‬وإذا وعظتَهم فأوجز‪ ،‬فإ ّ‬
‫ُينْسِي بعضه بعضاً‪ ،‬وأصلِح نفسك يصلحُ لك الناس ‪َ ،‬وصّلِ الصلوات لوقاتها‬
‫ل عدّوك فأكرِمهم ‪،‬‬ ‫بإتمام ركوعِها وسجودِها والتخشع فيها‪ ،‬وإذا قَدِم عليك رس ُ‬
‫وأقلل ُل ْبثَهم حتى يخرجوا مِنْ عسكرك ‪ ،‬وهم جاهلون به ‪ ،‬ول ترينهم فيروا خللك ‪،‬‬
‫علْمك ‪ ،‬وأ ْنزِلهم في ثروةِ عسكرك ‪ ،‬وامنع مَن قبلك من محادثتهم ‪ ،‬وكُمْ‬ ‫ويعلموا ِ‬
‫أنت ال ُم َت َولّي لكلمهم ‪ ،‬ول تجعل سرك لعلنيتك فيخلط أمرك ‪ ،‬وإذا استشرتَ‬
‫فاصدُق الحديث ُتصْدق المشورة‪ ،‬ول تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل‬
‫ى أصحابك تأتِك الخبار‪ ،‬وتنكشف عندك الستار‪ ،‬وأكثِر‬ ‫نفسك ‪ ،‬واسمر بالليل ف ِ‬
‫حرسك ‪ ،‬وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك ‪،‬‬
‫فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه ‪ ،‬وعاقبه في غير إفراط ‪ ،‬وأعقب بينهم‬
‫بالليل ‪ ،‬واجعل النوبة الولى أطول من الخيرة فإنها أيسرهما لقربها من النهار‪،‬‬
‫ول تخف من عقوبة المستحق ‪ ،‬ول َتلِجّنّ ) فيها‪ ،‬ول تسرع إليها ول تخذلها مدفعاً‬
‫‪(1‬‬

‫‪.‬‬
‫ول تغفل عن أهل عسكرك ‪ .‬فتفسده ‪ ،‬ول تجسس عليهم فتفضحهم ول تكشف‬
‫الناس عن أسرارهم ‪ ،‬واكتف بعلنيتهم ‪ ،‬ول تجالس العباثين وجالس أهل الصدق ‪،‬‬
‫والوفاء‪ ،‬وأصدق اللقاء ول تجبن فيجبن الناس ‪ ،‬واجتنب الغلول فإنه يقرّب الفقر‪،‬‬
‫ويدفع النصر‪ .‬وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع‪ .‬فدعهم وما حبسوا‬
‫أنفسهم له ‪.‬‬
‫وهذه من أحسن الوصايا‪ ،‬وأكثرها نفعًا لولة المر‪ .‬ثم إنّ أبا بكر استعمل أبا‬
‫حمْص ‪ ،‬وساو أبو عبيدة على باب من‬ ‫عبيدة بن الجراح على من اجتمع وأمره ب ِ‬
‫البلقاء ‪ .‬فقاتله أهله ثم صالحوه فكان أول صلح في الشام ‪ ،‬واجتمع للروم جمع‬
‫بالعربة من أرض فلسطين فوجّه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمَامة الباهلي‬
‫فهزمهم ‪ ،‬فكان أول قتال بالشام بعد سرية أسامة بن زيد‪.‬‬
‫ثم أتوا الذَاثِن ) فهزمهم أبو أمامة أيضاً‪ ،‬ثم َمرْج الصفر استشهد فيها ابن‬
‫‪(2‬‬

‫لخالد بن سعيد‪ ،‬وقيل ‪ :‬استشهد فيها خالد أيضاً‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل سلم وانهزم على ما‬
‫نذكره ‪.‬‬
‫وذلك أنه لمّا سمع توجيه المراء بالجنود بادر لقتال الروم فاستطرد له باهان‬
‫فاتّبعه‬
‫خالد ومعه ذو الكلع ‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬والوليد فنزل مرج الصفر فاجتمعت عليه‬
‫مسالح باهان ‪ ،‬وأخذوا الطرق ‪ ،‬وخرج باهان فرأي ابن خالد بن سعيد فقتله ‪ ،‬ومن‬
‫معه فسمع خالد فانهزم فوصل في هزيمته إلى ذي المروة قريب المدينة ‪ .‬فأمره أبو‬
‫بكر بالمقام بها ‪ ،‬وبقي عكرمة في الناس ردءاً للمسلمين يمنع من يطلبهم ‪ ،‬وكان قد‬
‫قدم شرحبيل بن‬
‫حَسَنة من عند خالد بن الوليد إلى أبي بكر وافداً فأمره أبو بكر بالشام ‪ ،‬وندب‬
‫معه الناس واستعمله على عمل الوليد بن عقبة فأتى شرحبيل على خالد بن سعيد‬
‫ففصل عنه بعض أصحابه واجتمع إلى أبي بكر ناسٌ فأرسلهم مع معاوية بن أبي‬
‫سفيان ‪ ،‬وأمره باللحاق بأخيه يزيد‪ ،‬فلما مر بخالد فصل عنه بباقي أصحابه فأذن أبو‬
‫)‬
‫‪(1‬‬
‫بكر لخالد بدخول المدينة فلما وصل المراء إلى الشام نزل أبو عبيدة الجابية‪،‬‬
‫ونزل يزيد البلقاء ) ونزل شرحبيل الردُنّ ‪ -‬وقيل ‪ُ :‬بصْرَي ‪ -‬ونزل عمرو بن‬
‫‪(2‬‬

‫العاص العربة فبلغ الروم ذلك فكتبوا !لى هرقل ‪ -‬وكان بالقدس ‪ -‬فقال ‪ " :‬أرى أن‬
‫تصالحوا المسلمين ‪ ،‬فوال لن تصالحوهم علن نصف ما يحصل من الشام ويبقى‬
‫لكم نصفه مع بلد الروم أحبّ إليكم من أنْ يغلبوكم على الشام ونصف بلد الروم "‬
‫‪ .‬فتفرقوا عنه وعَصَوه فجمعهم وسار بهم إلى حمص فنزلها ‪ ،‬وأعدّ الجنود‬
‫والعساكر وأراد إشغال كُل طائف ًة من المسلمين بطائفةٍ من عسكره لكثرة جنده‬
‫لتضعف كل فرقة من المسلمين عمن بإزائها‪ ،‬فأرسل تذارق أخاه لبيه وأمه في‬
‫تسعين ألفاً إلى عمرو‪ ،‬وأرسل جرجة بن توذر إلى يزيد بن أبي سفيان ‪ ،‬وبعث‬
‫القيقار بن نسطوس في ستين ألفًا إلى أبي عبيدة بن الجراح ‪ ،‬وبعث الدراقص نحو‬
‫شرحبيل فهابهم المسلمون ‪ ،‬وكاتبوا عمراً ما الرأي ؟ فأجابهم ‪ :‬إن الرأي لمثلنا‬
‫ن مثلنا إذا اجتمعنا ل ُن ْغلَب من قلة‪ ،‬فإن تفرقنا ل تقوم كل فرقة لمن‬‫الجتماع ‪ ،‬فإ ّ‬
‫استقبلها لكثرة عدونا ‪.‬‬
‫وكتبوا إلى أبى بكر فأجابهم مثل جواب عمرو‪ ،‬وقال ‪ :‬إنّ ِم ْثلَكم ل يؤتى من قلة‬
‫‪،‬‬
‫وإنما يؤتى العشرة آلف من الذنوب ‪ ،‬فاحترسوا منها ‪ .‬فاجتمعوا "باليرموك "‬
‫متساندين ‪ ،‬وليصلّ كل واحد منكم باصحابه ‪ .‬فاجتمع المسلمون باليرموك )والروم‬
‫‪(3‬‬

‫أيضاً ‪ ،‬وعليهم التذارق ‪ ،‬وعلى المقدمة جرجة ‪ ،‬وعلى المجنبة باهان ‪ ،‬ولم يكن‬
‫وصل بعد إليهم ‪ ،‬والدراقص على الخرى وعلى الحرب القيقار ‪ .‬فنزل الروم‬
‫وصار الوادي خندقًا لهم وإنما أرادوا أنْ يتأنس الروم بالمسلمين لترجع إليهم‬
‫قلوبهم ‪ ،‬ونزل المسلمون على طريقهم ليس للروم طريق إل عليهم ‪ ،‬فقال عمرو‪:‬‬
‫ص َرتْ الروم ‪ ،‬وقَلّ ما‬
‫ح ِ‬‫"أبشروا ُ‬
‫جاء محصورٌ بخير" ‪ .‬وأقاموا صَفَراً عليهم وشهري ربيع ل يقدرون منهم على‬
‫شيء من الوادي ‪ ،‬والخندق ‪ ،‬ول يخرج الروم خرجة إل أديل عليهم المسلمون ‪.‬‬
‫ذكر مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام‬
‫لما رأي المسلمون مطاولة الروم استمدوا أبا بكر‪ ،‬فكتب إِلى خالد بن الوليد‬
‫يأمره بالمسير إليهم ‪ ،‬والحث ‪ ،‬وأن يأخذ نصف الناس ‪ ،‬ويستخلف على النصف‬
‫الخر ال ُم َثنّى بن حارثة ) الشيباني ‪ ،‬ول يأخذن مَنْ فِي ِه نجدة إل ويترك عند المثنى‬
‫‪(1‬‬

‫مثله ‪ ،‬وإذا فتح ال عليهم رجع خالد وأصحابه إلى العراق فاستأثر خالد بأصحاب‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم على المثنى‪ ،‬وترك للمثنى عدادهم من أهل القناعة مَنْ‬
‫جنْد نصفين فقال المثنى ‪ " :‬وال ل أقيم إل على إنفاذ أمر‬ ‫ليس له صُحْبة‪ ،‬ثم قَسًم ال ُ‬
‫أبي بكر [ كله في استصحاب نصف الصحابة أو بعض النصف ] وبال ما أرجو‬
‫النصر إلّ بأصحاب النبي صلى ال عليه وسلم [ فإني تعريني عنهم ] م‪ .‬فلما رأي‬
‫خالد ذلك أرضاه [ ومض لوجهه وشيعه المثنى إلى قراقر )‪ ،‬ثم رجع إلى الحيرة في‬
‫‪(2‬‬

‫المحرم ] ‪ " .‬وقيل ‪ :‬سار من العراق في ثمانمائة وقيل ‪ :‬في ستمائة‪ ،‬وقيل ‪ :‬في‬
‫خمسمائة‪ ،‬وقيل في تسعة آلف ‪ ،‬وقيل ‪ :‬في ستة آلف ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنما أمره أبو بكر‬
‫أن يأخذ أهل القوة والنجدة فأتى حدوداء فقاتله أهلها فظفر بهم وأتى المصيّخ وبه‬
‫جمع من تغلب فقاتلهم وظفر بهم وسبى وغنم ‪ ،‬وكان من السبي "الصهباء بنت‬
‫حبيب بن بجير"‪ ،‬وهي أم عمر بن علي بن أبي طالب ‪-‬وقيل ‪ :‬في أمرها ما تقدم ‪،-‬‬
‫وقيل ‪ :‬سار خالد فلما وصل إلى قراقر – وهو ماء لكلب ‪ -‬أغار على أهلها وأراد‬
‫أنْ يسير عنهم مفؤَزاً ) إلى سُوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليمال [ فلم يهتد]‬
‫‪(3‬‬

‫ل على رافع بن عَميرة‬ ‫فالتمس دليلً فدُ ّ‬


‫الطائى فقال له في ذلك فقال له رافع ‪ :‬إنك لن تطيق ذلك بالخيل والثقال ‪ ،‬فوال‬
‫إن الراكب المفرد يخافه على نفسه [ وما يسلكها إل مغروراً إنها لخمس جياد ل‬
‫يصاب فيها ماء مع مضلتها‪ .‬فقال [ خالد ويحك ]أنه ل بد لي من ذلك لخرج من‬
‫وراء جموع الروم لئل تحسبني عن غياث المسلمين ‪.‬‬
‫فأمر صاحب كل جماعة أنْ يأخذ الماء للشعبة لخمس ‪ ،‬وأنْ يعطّش من البل‬
‫الشرف ) ما يكتفي به ثم يسقوها عللً بعد نهل )‪ ،‬والعلل الشربة الثانية‪ ،‬والنهل‬
‫‪(2‬‬ ‫‪(1‬‬

‫الولى ‪ ،‬ثم يصرّوا آذان البل ويشدوا مشافرها لئل تجتر‪ ،‬ثم ركبوا من قراقر‪ ،‬فلما‬
‫ساروا يومًا وليلة شقوا لعدة من الخيل بطون عشرة من البل فمزجوا ما ًء في‬
‫كروشها بما كان من اللبان وسقوا الخيل ‪ ،‬ففعلوا ذلك أربعة أيام ‪ ،‬فلما [ خشي‬
‫ع ِميْرة ‪ :‬وشكك يا رافع ما‬ ‫خالد على أصحابه في آخر يوم من المفازة قال لرافع بن َ‬
‫ل ] ‪ .‬فلما دنا من العلمين قال للناس ‪ :‬انظروا‬ ‫عندك ؟ قال ‪ :‬أدركت الرّقيَ إنْ شاء ا ّ‬
‫عوْسَج كقعدة الرجل ؟ فقالوا ‪ :‬ما نراها‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا ل وإنّا إليه‬ ‫هل ترون شجرة َ‬
‫راجعون ‪ .‬هلكتم وال [ إذاً ] وهلكتُ معكم ‪ -‬وكان أرمد فقال لهم ‪ :‬انظروا ويحكم ‪.‬‬
‫ي منها بقية‪ ،‬فلما رأوها كبّروا ‪ ،‬فقال رافع ‪ :‬احفروا‬ ‫طعَت وبق ِ‬ ‫فنظروا فرأوها قد قُ ِ‬
‫في أصلها فحفروا واستخرجوا عينا فشربوا حتى روي الناس [ فاتصلت بعد ذلك‬
‫لخالد المنازل ] ‪ .‬فقال رافع ‪ :‬وال ما وردتُ هذا الماء قط إل مرة واحدة مع أبي‬
‫وأنا غلم ‪ ،‬فقال شاع ٌر من المسلمين ‪:‬‬
‫ل عينا رافع أنى اهتدى فوّز من قُراقِر إِلى سِوى‬
‫خمسًا إذا ما ساره الجيش بكى ما سارها قبلك إنسى يرى‬
‫فلمببا انتهببى خالد إلى سبُوى أغار على أهلهببا وهببم بهراء [ قبيببل الصبببح ] وهببم‬
‫يشربون الخمر [ في جفنة قد اجتمعوا إليها ] ومغنيهم يقول ‪:‬‬
‫أل عللني قبل جيش أبي بكر لعل منايانا قريبٌ ول ندري‬
‫أل عللني بالزجاج وكررا على كميت اللون صافية تجري‬
‫أل علللني من سلفة قهوة تسلى هموم النفس من جيد الخمر‬
‫أظن خيول المسلمين وخالداً ستطرقكم قبل الصباح مع النسر‬
‫فهل لك ُم في السير قبل قتالكم وقبل خروج المعصرات من الخدر‬
‫فقتببل المسببلمون مغنيهببم وسببال دمببه فببي تلك الجفنببة‪ ،‬وأخذوا أموالهببم ‪ ،‬وقتببل‬
‫حرقوص بن النعمان البهراني ثم أتى أرَك فصالحوه ‪ .‬ثم أتى تَ ْدمًر فتحصن أهله ثم‬
‫‪ -‬صالحوه ‪ ،‬ثم أتى القريتين ‪ .‬فقاتلهم فظفر بهم ‪ ،‬وغنم ‪ ،‬وأتى حوارين فقالت أهلها‬
‫فهزمهم وقتل وسبى‪ ،‬وأتى قصم فصالحه بنو مشجعة من قضاعة‪ ،‬وسار فوصل إلى‬
‫ثنية العقاب عند دمشق ناشرًا رايته وهي راية سوداء‪ ،‬وكانت لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم تسمى" العقاب " ‪ -‬وقيل ‪ :‬كانت رايته تسمى العقاب فسميت الثنية بها ‪،‬‬
‫وقيبل ‪ :‬سبميت بعقاب مبن الطيبر سبقطت عليهبا ‪ ،‬والول أصبح ‪ ،-‬ثبم سبار فأتبن مزج‬
‫راهبط فأغار على غسبان فبي يوم فِصْبحِهم ) فقتبل وسببى وأرسبل سبرية إلى كنيسبة‬
‫‪(1‬‬

‫بالغوطة فقتلوا الرجال ‪ ،‬وسبوا النساء‪ ،‬وساقوا العيال إلى خالد‪ ،‬ثم سار حتى وصل‬
‫إلى بُصْبرَي فقالت مَن بهبا فظفبر بهبم ‪ ،‬وصالحهم ‪ .‬فكانت بصرى أول مدينبة فتحبت‬
‫بالشام ‪ .‬على يد خالد ‪ ،‬وأهل العراق ‪ ،‬وبعث بالخماس إلى أبي بكر‪ .‬ثم سار فطلع‬
‫علن المسبببلمين فبببي ربيبببع الخبببر‪ ،‬وطلع باهان على الروم ‪ ،‬ومعبببه الشمامسبببة ‪،‬‬
‫والقسبببيسون ‪ ،‬والرهبان يحرضون الروم على القتال ‪ ،‬وخرج باهان كالمعتذر فولى‬
‫خالد قتاله ‪ ،‬وقاتبل المراءُ مَنْب بازَائِهِم ‪ ،‬ورجبع باهان والروم إلى خندقهبم وقبد نال‬
‫منهم المسلمون ‪.‬‬
‫ع ِميْرة ) بفتح العين المهملة وكسر الميم ‪.‬‬
‫( َ‬
‫ذكر وقعة اليرموك‬
‫فلما تكامل جمع المسلمين باليرموك ‪ ،‬وكانوا سبعة وعشرين ألفاً ‪ ،‬وقدم خالد في‬
‫سوَى عكرمة فإنه كان ردءاً لهم ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫تسعة آلف فصاروا ستة وثلثين ألفًا ِ‬
‫بل ‪.‬كانوا سبعة وعشرين ألفاً وثلثة آلف من فلل خالد بن سعيد‪ ،‬وعشرة آلف مع‬
‫خالد بن الوليد فصاروا أربعين ألفاً سوى ستة آلف مع عكرمة بن أبي جهل ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬في عددهم غير ذلك وال أعلم ‪ .‬وكان فيهم ألف صحابي منهم نحو مائة ممن شهد‬
‫بدراً‪ ،‬وكان‬
‫الروم في مائتي ألف وأربعين ألف مقاتل ‪ ،‬منهم ثمانون ألف مُقَيد‪ ،‬وأربعون‬
‫ألف مسلسل للموت ‪ ،‬وأربعون ألفًا مربوطون بالعمائم لئل يَ ِفرّوا ‪ ،‬وثمانون ألف‬
‫راجل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كانوا مائة ألف ‪ ،‬وكان قتال المسلمين لهم على تساند‪ ،‬كل أمير على‬
‫أصحابه ل يجمعهم أحد حتى قدم خالد بن الوليد من العراق ‪ ،‬وكان القسيسون ‪،‬‬
‫والرهيان ‪ ،‬يحرضون الروم شهراً‪ ،‬ثم خرجوا إلى القتال الذي لم يكن بعده في‬
‫جمادي الخرة‪ ،‬فلما أحس المسلمون بخروجهم أرادوا الخروج متساندين ‪ ،‬فسار‬
‫فيهم خالد بن الوليد ‪ .‬فحمد ال وأثنى عليه ثم ‪.‬قال ! إن هذا يومٌ من أيام ال ل‬
‫ينبغي فيه الفَخْر‪ ،‬ول ال َبغْي أخلِصوا جهادكم وأرضوا ال بعملكم ‪ ،‬فإنّ هذا يومٌ له‬
‫ما بعده ‪ ،‬ول تقاتلوا قومًا على ‪ .‬نظام وتعبية‪ ،‬وأنتم متساندون ‪ ،‬فإن ذلك ل يحلّ‬
‫ول ينبغي ‪ ،‬وإنّ مَنْ وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا فاعملوا فيما لم‬
‫تؤمروا به بالذي ترون أنّه رأي من واليكم ومحبته " ‪ .‬قالوا ‪ :‬هات فما الرأي " ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إن أبا بكر لم يبعثنا إل وهو يرى‪.‬أنّا سنتياسر‪ ،‬ولو علم بالذي كان ويكون لما‬
‫جمعكم إنّ الذي أنتم فيه أشد على المسلمين ‪ .‬مما قد غشيهم وأنفع للمشركين من‬
‫ل منكم ببلد ل‬ ‫أمدادهم ‪ ،‬ولقد علمتُ أن الدنيا فرقت بينكم ‪ .‬فال ال فقد أفرد كل رج ٌ‬
‫ينتقصه منه إنْ دان للمراء ول يزيده عليه أن دانوا له؛ إنّ تأمير بعضكم ل‬
‫ينتقصكم عند ال ول عند خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم هلموا فإنّ هؤلء قد‬
‫تهيأوا وإنّ هذا يومٌ له ما بعده إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم ‪ ،‬وإنْ‬
‫هزمونا لم نفلح بعدها فهلموا فلنتعاور الِمارة ‪ ،‬فليكن بعضنا اليوم والخر غداً‬
‫والخر بعد غد حتى تتأمروا كلكم ودعوني أتأمر اليوم ‪ .‬فأمروه ) وهم يرون أنها‬
‫‪(1‬‬

‫كخرجاتهم وأنّ المر ل بطول ‪.‬‬


‫فخرجت الروم في تعبية لم ير الراؤون مثلها قط ‪،‬وخرج خالد في تعبية لم تعبها‬
‫العرب قبل ذلك ‪ ،‬فخرج في ستة وثلثين كردوساً ) إلى الربعين ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن‬
‫‪(2‬‬

‫عدوكم كثير‪ ،‬وليس تعبية أكثر في رأي العين من الكراديس فجعل القلب كراديس‬
‫وأقام فيه أبا عبيدة‪ ،‬وجعل الميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص وشرحبيل بن‬
‫حَسَنة‪ ،‬وجعل‬
‫الميسرة كراديس ‪ ،‬وعليها يزيد بن أبي سفيان ‪ ،‬وكان على كردوس [ من‬
‫ل من‬ ‫كراديس أهل العراق ] القعقاع بن عمرو‪ ،‬وجعل على كل كردوس رج ً‬
‫الشجعان ‪.‬‬
‫)‬
‫وكان القاضي أبو الدرداء ‪ ،‬وكان القاص أبو سفيان بن حرب ‪ ،‬وعلى‬
‫‪(1‬‬

‫الطلئع‬
‫قباث بن أشيم ‪ ،‬وعلى القباض عبد ال بن مسعود وقال رجل لخالد‪ :‬ما أكثرَ‬
‫الروم ‪ ،‬وأقلّ! المسلمين ! فقال خالد ‪ :‬ما أكثر المسلمين ‪ ،‬وأقل الروم إنما َت ْك ُثرُ‬
‫الجنود بالنصر‪ ،‬وتقل بالخذلن [ ل بعدد الرجال ] ‪ ،‬وال لوددتُ أن الشقر‪-‬يعني‬
‫فرسه ‪ -‬براء من توَجيه وأنهم أضعفوا في العدد‪ ،‬وكان قد حفى في مسيره فأمر خالد‬
‫عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو[ وكانا على مجنبتي القلب ] فانشبا القتال ‪.‬‬
‫والتحم الناس ‪ ،‬وتطارد الفرسان وتقاتَلوا فإذ هم على ذلك قدم البريد من المدينة‬
‫واسمه محمية بن زنيم [ وأخذته الخيول ] فسألوه الخبر فأخبرهم بسلمة وإمداد ‪،‬‬
‫وإنما جاء بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة‪ ،‬فبلغوه خالداً فأخبره خبر أبي بكر‬
‫سراً ‪ [ ،‬وأخبره بالذي أخبر به الجند ‪ .‬قال أحسنت فقف وأخذ الكتاب وجعله في‬
‫كنانته وخاف إنْ هو أظهر ذلك أنْ ينتشر له أمرُ الجند ] ‪.‬‬
‫وخرج جرجة ) إلى بين الصفين ‪ ،‬وطلب خالداً فخرج إليه وأقام أب ا عبيدة‬
‫‪(2‬‬

‫مكانه ؛ فواقفه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما ]‪ ،‬فأمن كل واحد منهما‬
‫صاحبه فقال جرجة ‪ :‬يا خالد أصدُقني ول تكذبني فإن الح ّر ل يكذب ‪ ،‬ول تخادعني‬
‫ل علن نبيكمِ سيفًا من السماء فأعطاكه‬ ‫‪ ،‬فإنّ الكريم ل يخادع المسترسل ‪:‬هل أنزل ا ّ‬
‫س ّميْت سيفَ ال ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إنّ‬ ‫فل تسله على قومِ إل هزمتهم ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬ففيم ُ‬
‫ال بعث فينا نبيه صلى ال عليه وسلم فكنتُ فيمن كذبه وقاتله ‪ ،‬ثم إنّ ال هداني‬
‫سلّه الّ علن المشركين ودعا لي بالنصر‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫فتابعته فقال ‪ :‬أنتَ سيفُ ال َ‬
‫فأخبرني إلى ما تدعوني ؟ قال خالد ‪ :‬إلى السلم ‪ ،‬أو الجزية ‪ ،‬أو الحرب ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فما منزلة الذي يجيبكم ‪ ،‬ويدخل فيكم ‪ .‬قال ‪ :‬منزلتُنا واحدة‪ ،‬قال ‪ :‬فهل له مثلكم من‬
‫الجر والذخر؟ قال ‪ :‬نعم وأفضل لنّنا اتبعنا نبينا‪ ،‬وهو حي يخبرنا بالغيب ‪ ،‬ونرى‬
‫ق لمن رأى ما‬‫منه العجائب واليات ‪ ،‬وحُ ّ‬
‫رأينا وسمع ما سمعنا أنْ يُسلم ‪ ،‬وأنتم لم تروا مثلنا ولم تسمعوا مثلنا فمن دخل‬
‫بنيةٍ وصدقٍ كان أفضل منا ‪ .‬فقلب جرجة ترْسَه ‪ ،‬ومال مع خالد‪ ،‬وأسلم ‪ ،‬وعلّمه‬
‫السلم ‪ ،‬واغتسل ‪ ،‬وصلى ركعتين ‪ ،‬ثم خرج مع خالد فقاتل الروم ‪.‬‬
‫وحملت الرومُ حملةً أزالوا المسلمين عن مواقفهم إلى المحامية‪ ،‬وعليهم عكرمة‪،‬‬
‫وعمه الحارث بن هشام ‪ ،‬فقال عكرمة [ يومئذ ] قاتلت مع النبي صلى ال عليه‬
‫ن يبايع على الموت ؟ فبايعه الحارث‬ ‫وسلم في كل موطن ثم أفز اليوم ! ثم نادي ‪ :‬مَ ْ‬
‫بن هشام ‪ ،‬وضرار بن الزور في أربعمائة من وجوه المسلمين ‪ ،‬وفرسانهم ‪،‬‬
‫فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحاً‪ ،‬فمنهم مَنْ برأ ومنهم من قتل ‪.‬‬
‫ل شديداً فقُتل جرجة عند آخر النهار وصلى الناسُ الظهرَ‬ ‫وقاتل خالد‪ ،‬وجرجة قتا ً‬
‫والعصرَ‪ ،‬إيما ًء وتضعضع الروم ‪ ،‬ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ‪ ،‬ورجلهم‬
‫‪ ،‬فانهزم الفرسان وتركوا الرجالة ‪ .‬ولما رأى المسلمون خيل الروم ‪ ،‬قد توجهت‬
‫للمهرب أفرجوا لها فتفرقت ‪ ،‬وقتل الرجالة ‪ ،‬واقتحموا في خندقهم ‪ ،‬فاقتحمه‬
‫عليهم ‪ ،‬وهوي فيها المقترنون وغيرهم ثمانون ألفاً من المقترنين ‪ ،‬وأربعون ألف‬
‫ن ُقتِلَ في المعركة ‪.‬‬
‫مطلق سوي مَ ْ‬
‫وتجلل القيقار‪ ،‬وجماعة من أشراف الروم برانسهم وجلسوا [ وقالوا ‪ :‬ل نحبّ‬
‫ن نمنع‬ ‫أنْ نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى يوم السرور وإذ لم نستطع أ ْ‬
‫النصرانية فقتلوا متزملين ‪ ،‬ودخل خالد الخندق ‪ ،‬ونزل في رواق تذارق ‪ ،‬فلما‬
‫أصبحوا أتى خالد بعكرمة بن أبي جهل جريحًا فوضع رأسه على فخذه ‪ ،‬وبعمرو‬
‫بن عكرمة فجعل رأسه على ساقه ‪ ،‬ومسح وجوههما‪ ،‬وقطر في حلوقهما الماء‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬زعم ابن حنتمة يعني عمر أنّا ل نستشهد‪.‬‬
‫وقاتل النساء ذلك اليوم وأبلوا ‪ .‬قال عبد ال بن الزبير‪ :‬كنتُ مع أبي باليرموك‬
‫وأنا‬
‫س على تل ‪ .‬ل يقاتلون ‪ ،‬فركبت‬ ‫صبى ل أقاتل فلما اقتتل الناسُ نظرتُ إلى نا ٍ‬
‫جرَة الفتح‬ ‫وذهبت إليهم ‪ ،‬وإذا أبو سفيان بن حرب ‪ ،‬ومشيخة من قريش من ًمهَا ِ‬
‫فرأوني حَدَثًا فلم يتقوني ‪ .‬قال ‪ :‬فجعلوا وال إذا مالت المسلمون ‪ ،‬وركبتهم الروم‬
‫يقولون ‪ " :‬إيه بني الصفر " ‪ ،‬فإذا مالت الروم ‪ ،‬وركبتهم المسلمون قال ‪ " :‬ويح‬
‫ت أبي ‪ ،‬فضحك فقال ‪ :‬قاتلهم ال أبو‬ ‫بنىِ الصفر " فلما هزم ال الروم أخبر ُ‬
‫إلضغنا‪ ،‬لنحن خي ٌر لهم من الروم ‪.‬‬
‫ن أبي سفيان بن حرب ‪ ،‬ولما انهزمت الروم كان‬ ‫وفي اليرموك أصيْبت عي ُ‬
‫هرقل بحمص فنادى بالرحيل عنها قريباً‪ ،‬وجعلها بينه وبين المسلمين وأمّر عليها‬
‫أميراً كما أمّر على دمشق ‪ ،‬وكان من أصيب من المسلمين ثلثة آلف منهم‬
‫جنْدَب‬
‫عكرمة‪ ،‬وابنه عمرو‪ ،‬وسلمة بن هشام ‪ ،‬وعمرو بن سعيد‪ ،‬وأبان بن سعيد‪ ،‬و ُ‬
‫بن عمرو‪ ،‬والطفيل بن عمرو‪ ،‬وطليب بن عمير‪ ،‬وهشام بن العاص ‪ ،‬وعَياش بن‬
‫أبي ربيعة في قول بعضهم ‪ ( -‬عَياش ) بالياء المثناة والشين المعجمة ‪-‬‬
‫وفيها قتل سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي ‪ -‬وهو من مهاجرة‬
‫الحبشة ‪ ،‬وفيها قتل نعيم بن عبد ال النحام العدوي عدي قريش ‪ -‬وكان إسلمه قبل‬
‫عمر‪ ،-‬وفيها قتل النضير بن الحارث بن علقمة – وهو قديم السلم والهجرة‪ ،‬وهو‬
‫أخو النضر الذي قتل ببدر كافراً ‪ -‬وقتل فيها أبو الروم بن عمير بن هاشم العبدري‬
‫‪ -‬أخو مصعب بن عمير وهو من مهاجرة الحبشة شهد أحدًا ‪ .‬وقيل ‪ :‬قتلوا يوم‬
‫أجنادين وال أعلم ‪.‬‬
‫ذكر حال المثنى بن حارثة بالعراق‬
‫وأما المثنى بن حارثة الشيباني فإنه لما وَدّع خالد بن الوليد‪ ،‬وسار خالد إلى‬
‫الشام‬
‫فيمن معه بالجند أقام بالحيرة ‪ ،‬ووضع المسلحة ‪ ،‬وأذكى العيون واستقام أمرُ‬
‫فارس بعد مسير خالد من الحيرة بقليل ‪ ،‬وذلك سنة ثلث عشرة على شهربراز بن‬
‫أردشير بن شهريار ) سابور فوجّه إلى المثنى جنداً عظيماً عليهم هرمز جاذويه في‬
‫‪(1‬‬

‫عشرة آلف [ ومعه فيل ‪ ،‬وكتبت المسالح إلى المثنَى بإقباله ]‪ ،‬فخرج المثنى من‬
‫الحيرة نحوه [ وضم إليه المسالح ‪ ،‬وجعل ] علن مجنبتيه المعنى ومسعود أخواه‬
‫فأقام ببابل ‪ ،‬وأقبل هرمز نحوه ‪ ،‬وكتب كسري شهربراز إلى المثنى كتاباً‪ :‬إنّي قد‬
‫بعثتُ إليكم جنداً من وحش أهل فارس إنما هم رعاء الدجاج والخنازير‪ ،‬ولست‬
‫غ فذلك ش ٌر لك‬ ‫ل بهم " ‪ ،‬فكتب إليه المثنّى ‪ :‬إنما أنت أحدُ رجلين ‪ :‬إمّا با ٍ‬
‫أقاتلك إ ّ‬
‫وخيرٌ لنا‪ ،‬وإمّا كاذب فاعظم الكاذبين [ عقوبة و ] فضيحة عند ال وعند الناس‬
‫الملوك ‪ ،‬وأما الذي يدخلنا عليه الرأي فإنّكم إنما اضطررتم ) إليهم ‪ ،‬فالحمد ل‬
‫‪(2‬‬

‫الذي رَدّ كيدكم إلى رعاة الدجاج‬


‫والخنازير "‪ .‬فجزع الفرس من كتابه [ وقالوا ‪ :‬إنما أتى شهربراز من شؤم‬
‫مولده ‪ ،‬ولؤم ‪.‬منشئه ‪ .‬وقالوا ‪ :‬جرأتَ علينا عدونا بالذي كتبتَ به إليهم ‪ ،‬فإذا كاتبت‬
‫أحداً فاستشرْ‪ .‬فالتقى المثنى وهرمز ببابل فاقتتلوا [ بعدوة الصراة الدنيا على‬
‫ل شديداً ؛ وكان فيلُهم يفرق المسلمين ‪ ،‬فانتدب له المثنى ومعه‬ ‫الطريق الول ] قتا ً‬
‫ناس فقتلوه وانهزم الفرس ‪ ،‬وتبعهم المسلمون إلى المدائن يقتلونهم ومات شهربراز‬
‫لمّا انهزم هرمز جاذويه ‪ ،‬واختلف أهلُ فارس ‪ ،‬وبقيَ ما دون دجلة بيد المثنى ‪.‬‬
‫ثم اجتمعت الفرس على دخت زنان ابنة كسرى فلم ينفذ لها أمر وخلعت و َملَك‬
‫ن يزوّجه‬ ‫سابور بن شهربراز فلما ملك قام بأمره الفرخزاد بن البنذوان فسأله أ ْ‬
‫آزرميدخت بنت كسرى فأجابه فغضبت آزرميدخت [ وقالت ‪ :‬يا بن عم أتزوجني‬
‫عبدي ؟ قال ‪ :‬استحي من هذا الكلم ‪ ،‬ول تعيديه علي فإنه زوجك ] ‪ .‬فأرسلت إلى‬
‫سياوخش الرازي – [ وكان من فتاك العاجم ] – فشكت إليه ‪ ،‬فقال لها ‪ [ :‬إنْ كنتِ‬
‫كارهة لهذا فل ] تعاوديه فيه وأرسلي إليه فليأتِك [ وأنا أكفيكه ] ‪ .‬فأرسلت إليه‬
‫واستعدّ سياوخش فلما كان ليلة العُرس أقبل الفرخزاد حتّى دخل فثار به سياوخش‬
‫فقتله ‪ ،‬وقصدت آزرميدخت ومعها سياوخش سابور فحصروه ‪ ،‬ثم قتلوه ‪ ،‬وملكت‬
‫آزرميدخت ‪ ،‬ثم تشاغلوا بذلك ‪.‬‬
‫صيَة‪،‬‬‫خصَا ِ‬ ‫وأبطأ خبر أبي بكر علن المثنَى‪ ،‬فاستخلف على المسلمين بشير بن ال َ‬
‫[ ووضع مكانه في المسالح سعيد بن مرة العجلي ]‪ ،‬وسار إلى المدينة الى أبي بكر‬
‫ليخبرَه خبر المشركين ‪ ،‬ويستأذنه في الستعانة بمن حسنتْ توبته من المرتدين فإنهم‬
‫أنشط إلى القتال من غيرهم ‪ ،‬فقدِم المدينة وأبو بكر مريض قد أشفى فأخبره الخبر‪،‬‬
‫فاستدعى عمر وقال له ‪ " :‬اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به ‪ ] :‬إنَي لرجو أنْ‬
‫سيَنَ حتى تندب الناس مع المثنى [ وإنْ تأخرتُ إلى‬ ‫أموتَ يومي هذا‪ ،‬فإذا ِمتّ فل ُتمْ ِ‬
‫الليل ‪ ،‬فل تصبحنّي حتى تندب الناس مع المثنى ]‪ ،‬ول تشغل ّنكُم مصيبة [ وإنْ‬
‫عظمت ] عن أمر دينكم ووصية ربكم ‪ ،‬فقد رأيتني متوفّى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وما صنعتُ ‪ -‬وما أصيب الخلقُ بمثله ‪ -‬وإذا فتح ال على أهل الشام فاردُدْ‬
‫أهلَ العراق إلى العراق فإنهم أهله ‪ ،‬وولةُ أمرهِ ‪ ،‬وأهل [ الضراوة بهم ] والجراءة‬
‫عليهم " ‪ .‬ومات أبو بكر ليلً‪ ،‬فدفنه عمر‪ ،‬ونَ َدبَ الناسَ مع المثنَى ‪ ،‬وقال عمر ‪" :‬‬
‫قد علم أبو بكر أنه‬
‫يسؤوني أنْ أؤمّر خالدًا فلهذا أمرني أنْ أرُد أصحاب خالد‪ ،‬وترك ذكره معهم " ‪.‬‬
‫وإلى آزرميدخت انتهى شأنُ أبي بكر‪ .‬فهذا حديث العراق إلى آخر أيام أبي بكر‬
‫رضي ال عنه ‪.‬‬
‫ذكر وقعة أجناِديْن‬
‫قد ذكرها أبو جعفر عقيب وقعة اليرموك ‪ ،‬وروي خبرها عن ابن اسحاق من‬
‫اجتماع المراء ومسير خالد بن الوليد مِن العراق إلى الشام نحو ما تقدم ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫صرَي ‪ -‬وعليها أبو عبيدة بن الجراح ‪ ،‬وشرحبيل‬ ‫فسار خالد من مرج راهط إلى ُب ْ‬
‫بن حسنة‪ ،‬ويزيد بن أبي سفيان ‪ [ -‬فاجتمعوا عليها فرابطوها ]‪ ،‬فصالحهم أهلُها‬
‫على الجزية‪ ،‬فكانت أول مدينة فتحت بالشام في خلفة أبي بكر‪ ،‬ثم ساروا جميعاً‬
‫ن غور فلسطين ] ‪،‬‬ ‫إلى فلسطين مدداً لعمرو بن العاص ‪ ،‬وهم مقيم بالعربات [ مِ ْ‬
‫واجتمعت الروم بأجنادين ‪ ،‬وعليهم " تذارق " أخو هرقل لبويه ‪ -‬وقيل ‪ :‬كان على‬
‫الروم " القبقلر " ‪ -‬وأجنادين بين الرملة وبيت جبرين من أرض فلسطين ‪ ،‬وسار‬
‫عمرو بن العاص حين سم ِع بالمسلمين فلقيهم ‪ ،‬ونزلوا بأجنادين وعسكروا عليهم ‪،‬‬
‫ل ] عربياَ إلى المسلمين يأتيه بخبرهم؛ فدخل فيهم وأقام يوماً‬
‫فبعث القبقلر [ رج ً‬
‫وليلة‪ ،‬ثم عاد إليه فقال ‪ :‬ما وراءك ؟ فقال ‪ :‬بالليل رهبان ‪ ،‬وبالنهار فرسان ‪ ،‬ولو‬
‫سرق ابنُ ملكهم قطعوه ‪ ،‬ولو زنى رجم لِقامة الحق فيهم‪ .‬فقال ‪" :‬إنْ كنتَ صدقتني‬
‫لبطنُ الرض خير من لقاء هؤلء على ظهرها ‪ [ .‬ولوددتُ أنّ حظي من ال أنْ‬
‫يخلي بيني وبينهم فل ينصرني عليهم ‪ ،‬ول ينصرهم على ] ‪.‬‬
‫والتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادي الولى سنة ثلث عشرة فظهر‬
‫المسلمون وهزم المشركون وقتل القبقلر وتذارق ) ‪ ،‬واستشهد رجال من المسلمين‬
‫‪(1‬‬

‫‪،‬‬
‫منهم سلمة بن هشام بن المغيرة‪ ،‬وهبار بن السود‪ ،‬ونعيم بن عبد ال النحام ‪،‬‬
‫وهشام بن العاص بن وائل ‪ -‬وقيل ‪ :‬بل قتل باليرموك ‪-‬وجماعة غيرهم ‪ .‬قال ‪ :‬ثم‬
‫جمَعَ ِهرَقل للمسلمين فالتقوا باليرموك ‪ ،‬وجاءهم خبر وفاة أبي بكر وهم متصافون‬
‫َ‬
‫وولية أبي عبيدة‪ ،‬وكانت هذه الوقعة في رجب هذه سياقة الخبر‬
‫وكان فيمن قتِل ضرار بن الخطاب الفهري ‪ -‬وله صحبة‪ ،‬وعمرو بن سعيد بن‬
‫العاص ‪ -‬وهو من مهاجرة الحبشة‪ -‬وقيل ‪ :‬قتل باليرموك ‪ .‬وممن قتل الفضل بن‬
‫العباس ‪ -‬وقيل ‪ :‬قتل بمرج الصفر‪ ،‬وقيل ‪ :‬مات في طاعون عمواس ‪ .‬وفيها قتل‬
‫طليب بن عمير بن وهب القرشي ‪ -‬وقيل ‪ :‬قتل ‪ ،‬باليرموك شهد بدراً‪ ،‬وهو من‬
‫المهاجرين الولين‪ .‬وفيها قتل عبد ال ‪.‬بن أبي جهم القرشي العدوي ‪-‬وكان إسلمه‬
‫يوم الفتح وفيها قتل عبد ال بن الزبير بن عبد المطلب بعد أن قتل جمعاً من الروم‬
‫في المعركة ‪-‬وكان عمره يوم مات النبي صلى ال عليه وسلم نحو ثلثين سنة ‪.‬‬
‫وفيها قتل عبد ال بن الطفيل الدوسي ‪ -‬وهر الملقب بذي النور‪ ،‬وكان من فضلء‬
‫الصحابة قديم السلم ‪ .‬هاجر إِلى الحبشة ‪.‬‬
‫( اجنادين ) بعد الجيم نون ودال مهملة مفتوحة‪ ،‬ومنهم من يكسرها ثم ياء مثناة‬
‫من تحتها ساكنة وآخره نون ‪ .‬وقد قيل ‪ :‬إن وقعة أجنادين كانت سنة خمس‬
‫عشرة وسيرد ذكرها إنْ شاء ال ‪.‬‬
‫ذكر وفاة أبي بكر‬
‫كانت وفاة أبي بكر رضي ال عنه لثمان ليال بقين من جمادى الخرة ليلة‬
‫الثلثاء ‪،‬‬
‫سمّه‬
‫وهو ابن ثلث وستين سنة‪ ،‬وهو الصحيح‪ ، .‬وقيل ‪ :‬غير ذلك‪ ،‬وكان قد َ‬
‫اليهود في أرز‪ ،‬وقيل ‪ :‬في حريرة وهي الحسو‪ ،‬فأكل هو والحارث بن كلدة ‪ ،‬فكف‬
‫الحارث ‪ ،‬وقال لبي بكر‪ :‬أكلنا طعاماً مسموماً سم سنة‪ ،‬فماتا بعد سنة‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنه‬
‫اغتسل [ الثنين لسبع خلون من جمادى الخرة ] وكان يومًا بارداً فَحُم خمسة عشر‬
‫يوماً ل يخرج إلى صلة فأمر عمَر أنْ يصليَ بالناس ‪ ،‬ولما مرض قال له الناس ‪:‬‬
‫أل ندعو الطبيب ؟ قال ‪ " :‬قد أتاني وقال لي أنا فاعل ما أريد " ‪ .‬فعلموا مراده‬
‫وسكتوا عنه ‪ ،‬ثم مات ‪ .‬وكانت خلفته سنتين وثلثة أشهر وعشر ليال‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬كانت سنتين وأربعة أشهر إل أربع ليال ‪ ،‬وكان مولده بعد الفيل بثلث‬
‫ع َميْس ‪ ،‬وابنه عبد الرحمن ‪ ،‬وأنْ‬
‫سنين ‪ ،‬وأوصى أن تغسله زوجته أسماء نجت ُ‬
‫يكفّن في ثوبيه ‪ ،‬ويشتري معهما ثوبٌ ثالث ‪ ،‬وقال ‪ " :‬الحى أحوجُ إلى الجديد من‬
‫ن ليلً‪ ،‬وصلن عليه عمر بن الخطاب في‬ ‫الميت ‪ ،‬إنما هو للمهنة ) والصديد ‪ . ،‬ودُفِ َ‬
‫‪(1‬‬

‫مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكبّر عليه أربعاً؛ وحُمل على السرير الذي‬
‫حُمل عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ودخل قبره ابنه عبد الرحمن ‪ ،‬وعمر‬
‫وعثمان ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬وجعل رأسه عند كتفي النبي صلى ال عليه وسلم وألصقو الَحْدَه‬
‫بلحدِ النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وجعل قبره مثل قبر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫مسطّحا‪ ،‬وأقامت عائشة عليه النوح ‪ ،‬فنهاهن عن البكاء عمر‪ ،‬فأبين ل أنْ ينتهين ]‬
‫ي ابنة أبي قحافة [ أخت أبي بكر‪ .‬فقالت‬ ‫‪ .‬فقال لهشام بن الوليد ‪ :‬ادخُل فأخرجْ إل ّ‬
‫ج عليك بيتي فقال عمر لهشام ‪:‬‬ ‫عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر‪ :‬إنّي أحر ُ‬
‫ادخل فقد أ ِذ َنتْ لك ‪ .‬فدخل هشام ] فأخرج إِليه أم فروة‬
‫ابنة أبي قحافة فعلها بال ّدرّة ضربات ‪ ،‬فتفرق النوح حين سمعن ذلك ‪ ،‬وكان‬
‫سلِماً وألحقني بالصالحين " )‪.‬‬
‫‪(1‬‬
‫آخر ما تكلم به " َتوَفّني مُ ْ‬
‫وكان أبيض ‪ ،‬خفيف العارضين ‪ ،‬أحنى ل يستمسك إزاره ‪ ،‬معروق الوجه نحيفاً‬
‫[ ناتىء الجبهة ‪ ،‬عاري الشاجع ‪ ،‬ممحوص الفخذين ] أقنى ‪ ،‬غائر العينين ‪.‬‬
‫يخضب بالحناء والكتم ‪ ،‬وكان أبوه حيا بمكة لما توفي ‪.‬‬
‫[اسمه ]‬
‫وهو أبو بكر‪-‬عبد ال ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عتيق ‪ -‬بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو‬
‫بن‬
‫كعب بن سعد بن َتيّم بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن ِفهْربن النضر بن‬
‫مالك يجتم ُع مع النبي صلى ال عليه وسلم في مرة بن كعب ‪ .‬وأمه أم الخير سلمى‬
‫بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال له ‪ " :‬أنت عتيقٌ من النار " ) فل ِزمَه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنما قيل له ‪ " :‬عتيق‬
‫‪(2‬‬

‫سنِهِ وجماله ‪ .‬وأسلمت أمه قديمًا بعد إسلم أبي بكر‪.‬‬ ‫" لرقة حُ ْ‬
‫[ ز وجه وولده ]‬
‫وتزوج في الجاهلية قتيلة بنت عبد ال ُعزّي بن عامر بن لُؤيّ فولدت له ‪ :‬عبدال ‪،‬‬
‫وأسماء ‪ .‬وتزوج أيضاً في الجاهلية أمَ رومان ‪ -‬واسمها دعد ‪ -‬بنت عامر بن عميرة‬
‫الكنانية فولدت له ‪ :‬عبد الرحمن وعائشة‪ .‬وتزوج في السلم أسماء بنت عميس ‪-‬‬
‫وكانت قبله عند جعفر بن أبي طالب ‪ -‬فولدت له محمد بن أبي بكر‪ ،‬وتزوج أيضاً‬
‫في الِسلم حبيبة بنت خارجة بن زيد النصارية ‪ :‬فولدت له بعد وفاته ‪ :‬أم كُلثوم ‪.‬‬
‫ماله وكُتّابه‬
‫ع ّ‬ ‫أسماء ُ‬
‫قضاته و ُ‬
‫لما ولي أبو بكر قال له أبو عبيدة ‪ :‬أنَا أكفيكَ المال‪ .‬وقال له عمر‪ :‬أنا أكفيك‬
‫القضاء‪ .‬فمكث عمر سنة ل يأتيه رجلن ‪.‬‬
‫وكان علي بن أبي طالب يكتب له ‪ ،‬وزيد بن ثابت ج وعثمان بن عفان ‪ ،‬وكان‬
‫يكتب له من حضر‪ .‬وكان عامله على مكة عتاب ‪.‬بن أسِيد‪ ،‬ومات في اليوم الذي‬
‫مات فيه أبو بكر‪ .‬وقيل ‪ :‬مات بعده ‪ ،‬وكان على الطائف عثمان بن أبي العاص ‪،‬‬
‫وعلى صنعاء المهاجر بن أبي أمية‪ ،‬وعلى حضرموت زياد بن لبيد النصاري ‪،‬‬
‫وعلى خولن يعلى بن ُم ْنيَة‪ ،‬وعلى زبيد و ِرمَع أبو موسى‪ ،‬وعلى الجُند معاذ بن‬
‫جبل ‪ ،‬وعلى البحرين العلء بن الحضرمي ‪.‬‬
‫وبعث جرير بن عبدال إلى نجران ‪ ،‬وعبدال بن ثور إلى جُرش ‪ ،‬وعياض بن‬
‫غنم‬
‫إلى دومة الجندل ‪ .‬وكان بالشام أبو عبيدة وشرحبيل ‪ ،‬ويزيد‪ ،‬وعمرو وكل‬
‫جنْدٍ ‪ ،‬وعليهم خالد بن الوليد )‪.‬‬
‫‪(1‬‬
‫رجل منهم على ُ‬
‫وكان نقش خاتمه ‪" :‬نِع ْم القادر ال " ‪ .‬وعاش أبوه بعده ستة أشهر وأياماً‪ .‬ومات‬
‫وله سبع وتسعون سنة ‪.‬‬
‫ذكر بعض أخباره ومناقبه‬
‫كان أبو بكر أول الناس إسلمًا في قول بعضهم وقد تقدم الخلف في ذلك ‪ ،‬وقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما دعوتُ أحداً إلى الِسلم إل كانت له عنه كبوة‬
‫غير أبي بكر" )‪.‬‬
‫‪(2‬‬

‫والذي ورد له عن النبي صلى ال عليه وسلم من المناقب فكَثير كشهادته له‬
‫بالجنة‪ ،‬وعِتقه من النار‪ ،‬وغير ذلك من الخبار بخلفته تعريضاً كقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم للمرأة "إنْ لم تجديني فَأتِي أبا بكر" ) وكقوله "اقتدوا بال َذيْن من بعدي أبي‬
‫‪(3‬‬

‫بكر وعمر" ) إلى غير ذلك ‪.‬‬


‫‪(3‬‬

‫وشهد بدراً ‪ ،‬وأحداً ‪ ،‬والخندق وغير ذلك من المشاهد مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫وأعتق سبعة نفر كلهم يعذب في ال تعالى منهم ‪ :‬بلل ‪ ،‬وعامر بن فهيرة‪،‬‬
‫ع َبيْس‪.‬‬
‫وزِن ْيرَة ‪ ،‬والنهدية ‪ ،‬وابنها ‪ ،‬وجارية بني مؤمل ‪ ،‬وأم ُ‬
‫وأسلم وله أربعون ألفاً أنفقها في ال مع ما كسب من التجارة ‪.‬‬
‫ولما ولي الخلفة وارتدت العرب خرج شاهرًا سيفه إلى ذي القَصة ‪ .‬فجاءه‬
‫عليّ ‪ ،‬وأخذ بزمام راحلته وقال له ‪" :‬أين يا خليفة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ؟ أقول لك ‪ :‬ما قال لك رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم أحد‪ :‬شم سيفك ل‬
‫ص ْبنَا بك ل يكون للِسلم نِظام " ‪ .‬فرجع وأمضى‬ ‫تفجعنا بنفسك ‪ .‬فوال لئن ا ِ‬
‫الجيش ‪.‬‬
‫وكان له بيت مال بالسنح وكان يسكنه إلى أن انتقل إلى المدينة‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أل‬
‫نجعل ‪.‬عليه مَنْ يحرسه ‪ .‬قال ‪ :‬ل‪ .‬فكان ُينْفِق جميع ما فيه على المسلمين فل يبقى‬
‫فيه شئ ‪ .‬فلما انتقل إلى المدينة جعل بيت المال معه في داره ‪.‬‬
‫وفي خلفته انفتح معدن بني سليم ‪ ،‬وكان يسوّي في قسمته بين السابقين الولين‬
‫ح ّر والعبد‪ ،‬والذكر والنثى ‪ .‬فقيل له ‪" :‬لتقدم أهل‬ ‫والمتأخرين في السلم ‪ ،‬وبين ال ُ‬
‫السبق على قدر منازلهم " ‪.‬‬
‫فقال ‪" :‬إنما أسلموا ل ووجب أجرهُم عليه يوفيهم ذلك في الخرة‪ ،‬وإنما هذه‬
‫الدنيا بلغ " ‪ .‬وكان يشتري الكسية‪ ،‬ويفرّقها في الرامل في الشتاء ‪.‬‬
‫ولما توفي أبو بكر جمع عمر المناء‪ ،‬وفتح بيت المال ‪ .‬فلم يجدوا فيه شيئًا غير‬
‫دينار سقط من غرارة‪ .‬فترحموا عليه ‪.‬‬
‫قال أبو صالح الغفاري ‪ :‬كان عمر يتعهد امرأة عمياء في المدينة بم الليل فيقوم‬
‫بأمرها فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها ‪ .‬ففعل ما أرادت فرصده عمر فإذا‬
‫هو أبو بكر كان يأتيها ويقضي أشغالها سراً‪ ،‬وهو خليفة ‪ .‬فقال له ‪ :‬أنت هو لعمري‬
‫! قال أبو بكر بن حفص بن عمر‪ :‬لما حضرت أبا بكر الوفاة حضرته عائشة‪ .‬وهو‬
‫يعالج الموت ‪ -‬فتمثلت ‪:‬‬
‫ت يوما وضاق بها الصدرُ‬ ‫لعم ِركَ ما يغني الثراءُ عن الفتى إذا حشرج ْ‬
‫فنظر إليها كالغضبان ثم قال ‪:‬‬
‫)‬
‫حيْدُ) ‪،‬‬
‫‪(1‬‬
‫س ْك َرةُ ال َم ْوتِ بِالحَقً َذِلكَ مَا ُك ْنتَ ِمنْ ُه تَ ِ‬
‫"ليس كذلك ولكن ( جَا َءتْ َ‬
‫إني قد كنتُ نحلتُك حائط )كذا‪ ،‬وفي نفسي منه شيء فرُديْه على الميراث ‪.‬‬
‫‪(2‬‬
‫فردته ‪ ،‬فقال ‪ " :‬إنما هما أخواك وأختاك " ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬مَن الثانية! إنما هي أسماء ‪ .‬قال ‪ :‬ذات بطن بنت خارجة ‪-‬يعني زوجته ‪-‬‬
‫وكانت حاملً ‪.‬‬
‫فولدت أم كلثوم بعد موته ‪.‬‬
‫وقال لها ‪" :‬أما أنا منذ ولينا أمر المسلمين ‪..‬لم نأكل لهم ديناراً ول درهمًا ‪،‬‬
‫ولكنا قد‬
‫أكلنا من جريش طعامهم ‪ ،‬ولبسنا من خشن ثيابهم ‪ ،‬وليس عندنا من َفيْءِ‬
‫المسلمين إل هذا العبد‪ ،‬وهذا البعير؛ وهذه القطيفة فإذا ِمتّ فابعثي بالجميع إلى‬
‫عمر" ‪ .‬فلما مات بعثته الى عمر‪ ،‬فلما رآه بكى حتى سالتْ دموعه إِلى الرض‬
‫وجعل يقول ‪:‬‬
‫"رحم ال أبا بكر لقد أتعب من بعده " محرر ذلك وأمر برفعه ‪.‬‬
‫عبْداً وناضحاً‬ ‫فقال عبد الرحمن بن عوف ‪( :‬سبحان ال تسلب عيال أبي بكر َ‬
‫وسجق قطيفة ثمنها خمسة دراهم ! فلو أمرتَ يردّها عليهم ‪ .‬فقال ‪ :‬ل والذي بعث‬
‫محمداً صلى ال عليه وسلم ل يكون هذا في وليتي ول يخرج أبو بكر منه وأتقل ُدهُ‬
‫أنا ‪.‬‬
‫وأمر أبو بكر أن يرد جميع ما أخذ من بيت المال لنفقته بعد وفاته ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن زوجته اشتهت حلواً‪ .‬فقال ‪ :‬ليس لنا ما نشتري به ‪ .‬فقالت ‪ :‬أنا‬
‫استفضلُ من نفقتنا في عدة أيام ما نشتري به ‪ .‬قال ‪ :‬افعلي ‪.‬‬
‫ففعلت ذلك فاجتمع لها في أيام كثيرة شيء يسير‪ ،‬فلما عرفته ذلك ليشتري به‬
‫حلواً أخذه فرده إلىِ بيت المال ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا يفضُل عن قوتنا‪ ،‬وأسقط من نفقته‬
‫بمقدار ما نقصت كل يوم وغ ِرمَه لبيت المال من ِم ْلكٍ كان له ‪.‬‬
‫هذا وال هو التقوى الذي ل مزيد عليه ‪ ،‬وبحقٍ قدمَهُ الناسُ رضي ال عنه‬
‫وأرضاه ‪.‬‬
‫وكان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة فأقام هنالك ستة‬
‫أشهر‬
‫بعدما بويع له ‪ ،‬وكان يغدو على رجليه إلى المدينة‪ ،‬وربما ركب فرسه فيصلي‬
‫بالناس ‪ ،‬فإذا صلى العشاء رجع إلى السنح ‪ ،‬وكان إذا غاب صلى بالناس عمر‪،‬‬
‫وكان يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع ‪ ،‬وكانت له قطعة غنم تروح عليه ‪،‬‬
‫وربما خرج هو بنفسه فيها‬
‫وربما رعيت له وكان يحلب للحي أغنامهم ‪ ،‬فلما بويع ‪،‬بالخلفة‪ ،‬قالت جارية‬
‫منهم ‪ :‬الن ل يحلب لنا منائح دارنا‪ ،‬فسمعها فقال ‪" :‬بلى لعمري لحلبنها لكم ‪،‬‬
‫وإني لرجو أن ل يغيرني ما دخلتُ فيه ‪ .‬فكان يحلب لهم ‪ ،‬ثم تحوّل إلى المدينة بعد‬
‫ستة أشهر من خلفته وقال ‪ :‬ما تصلح أمور الناس مع التجارة‪ ،‬وما يصلح إل‬
‫التفرغ لهم والنظر في شأنهم ‪ .‬فترك التجارة‪ ،‬وأنفق من مال المسلمين ما يصلحه‬
‫وعياله يوماً بيوم وشج ويعتمر‪ ،‬فكان الذي فرضوا له في كل سنة ستة آلف درهم ‪،‬‬
‫ص َرفُ‬
‫وقيل ‪ :‬فرضوا له ما يكفيه ‪ ،‬فلما حضرته الوفاة أوصى أنْ تباعَ أرض له وُي ْ‬
‫عوَضَ ما أخذه من مال المسلمين ‪.‬‬ ‫ثمنُها ِ‬
‫وكان أول وال فرض له رعيته نفقته ‪ ،‬وأول خليفة وَليَ وأبوه حيّ ‪ ،‬وأول من‬
‫س ّميَ خليفة ‪.‬‬
‫سمى مصحف القرآن مصحفاً‪ ،‬وأول من ُ‬
‫ع َبيْس ) بضم العين المهملة وبالباء‬
‫( ِزنّيرة) بكسر الزاي والنون مشددة ‪( .‬و ُ‬
‫الموحدة المفتوحة ثم بالياء المثناة من تحت وبالسين المهملة ‪ .‬و(مُنية) بالنون‬
‫الساكنة والياء تحتها نقطتان ‪.‬‬
‫ذكر استخلفه عمر بن الخطاب‬
‫لما نزل بأبي بكر رضي ال عنه الموت دعا عبد الرحمن بن عوف‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫أخبرني عن عمر ‪ .‬فقال ‪ [ :‬يا خليفة رسول ال ] هو وال أفضل من رأيك فيه من‬
‫رجل إل !نه فيه غلظة ‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬ذلك لنه يراني رقيقاً‪ ،‬ولو أفضى الم ُر إلية‬
‫ل أراني الرضا‬ ‫ل َت َركَ كثيراً مما هو عليه ‪ ،‬وقد رمقته فكنت إذا غضبتُ على رج ٍ‬
‫عنه ‪ ،‬وإذا ِل ْنتُ له أراني الشدة عليه ‪.‬‬
‫ودعا عثمان بن عفان وقال له ‪ :‬أخبرني عن عمر‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬سريرته خي ٌر من علنيته ‪ ،‬وليس فينا مثله ‪ .‬فقال أبو بكر لهما ‪ :‬ل تذكرا‬
‫مما‬
‫قلتُ لكما شيئاً‪ ،‬ولو تركتُه ما عدوتُ عثمان ‪ ،‬والخيرةُ له أنْ ل يلي من أموركم‬
‫شيئاً‪ ،‬ولوددتُ أنّي كنتُ من أموركم خلواً‪ ،‬وكنتُ فيمن مض من سلفكم ‪.‬‬
‫ودخل طلحة بن عبيدال على أبي بكر فقال ‪ :‬استخلفت على الناس عمر وقد‬
‫رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنت معه وكيف به إذا خل بهم وأنت لق ربك‬
‫فسائلك عن رعيتك !‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬أجلسوني ‪ .‬فأجلسوه ‪ .‬فقال ‪ :‬أبال تخوفني ! إذا لقيتُ ربي فسألني‬
‫ت على أهلِك خيرُ أهلك‪.‬‬ ‫قلتُ ‪ :‬استخلف ُ‬
‫ثم إنّ أبا بكر أحضر عثمان بن عفان خاليًا لمِكتب عهد عمر فقال له ‪" :‬اكتب‬
‫بسم‬
‫عهِدَ أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ‪ .‬أما بعد‪.،‬‬ ‫ال الرحمن الرحيم ‪ .‬هذا ما َ‬
‫ثم أغمي عليه ‪ ،‬فكتب عثمان أما بعد‪ .‬فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطاب ولم‬
‫آلكمِ ) خيراً ‪ .‬ثم أفاق أبو بكر فقال ‪ :‬أقرأ على فقرأ عليه فكبر أبو بكر وقال ‪ :‬أراك‬ ‫‪(1‬‬

‫ن يختلفَ الناسُ إنْ مِت في غشيتي ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬ ‫خفت أ ْ‬


‫قال ‪ :‬جزاك ال خيراً عن السلم وأهله ‪ .‬فلما كتب العهد أمر به أن يقرأ على‬
‫الناس ‪ ،‬فجمعهم ‪ ،‬وأرسل الكتاب مع مولى له‪ ،‬ومعه عمر‪ .‬فكان عمر يقول‬
‫للناس ‪ :‬أنصتوا وأسمعوا لخليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه لم يألكم‬
‫ُنصْحاً ‪.‬‬
‫فسكن الناس ‪ ،‬فلما ُق ِرىَء عليهم الكتاب سمعوا وأطاعوا ‪ ،‬وكان أبو بكر أشرف‬
‫على الناس وقال ‪( :‬أترضون بمن استخلفت عليكم ؟ فإنّي ما استخلفت عليكم ذا‬
‫قَرابة‪ ،‬وإني قد استخلفتُ عليكم عمر فاسمعوا له وأطيعوا ‪ ،‬فإني وال ما آلوت من‬
‫جهد الرأي " ‪ .‬فقالوا ‪ :‬سمعنا وأطعنا ‪.‬‬
‫ضرَ أبو بكر عمر فقال له ‪ :‬إني قد استخلفتُك على أصحاب رسول ال‬ ‫ح َ‬‫ثم أ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وأوصاه بتقوى ال ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬يا عمر إنّ لِ حقًا بالليل ول يقبله في النهار وحقاً‬
‫في النهار ل يقبله بالليل ‪ ،‬وإنه ل يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة‪ ،‬ألم تر يا عمر‬
‫إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق وث َقلِهِ عليهم ؟ وحُق‬
‫لميزانٍ ل يوض ُع فيه غَداً إل حَق أنْ يكون ثقيلً ‪ .‬ألم تر يا عمر إِنما خفت موازينُ‬
‫مَنْ خِفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل ؟ وخفته عليهم ؟ وحُق لميزان أنْ ل‬
‫ن يكون خفيفًا ‪.‬‬‫يوضع فيه إل باطل أ ْ‬
‫ألم تريا عمر‪ ،‬إنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء‬
‫ليكون‬
‫المؤمن راغبًا زاهبا ل يرغب رغبة يتمنى فيها على ال ما ليس له ‪ ،‬ول يرهب‬
‫رهبة يلقى فيها بيديه ؟ ‪.‬‬
‫ت ‪ :‬إنّي‬
‫ألم تر يا عمر إنما ذكر ال أهل النار بأسوءِ أعمالهم فإذا ذكرتهم قل َ‬
‫لرجو‬
‫أن ل أكون منهم ؟ وإنه إنّما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لنّه تجاوز لهم عما‬
‫كان من سَئ فإذا ذكرتهم ُق ْلتَ ‪ :‬أين عملي من أعمالهم ؟‬
‫فإنْ حفظتَ وصيتي فل يكونن غائبٌ أحب إليك من حاضر من الموت ‪ ،‬ولستَ‬
‫بمعجزه ‪.‬‬
‫خل َ‬
‫فة‬
‫مر بن الخطّاب‬ ‫غ َ‬
‫رضي الله عنه وأرضاه‬
‫ن صعد عمر بن الخطاب فخطب الناس ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إنما‬ ‫وتوفي أبو بكر فلما دُفِ َ‬
‫مثَلُ العرب مثل جمل آنف اتبع قائده ‪ .‬فلينظر قائده حيث يقوده وأما أنا فورب‬
‫الكعبة لحملنكم على الطريق " ‪.‬‬
‫ع َبيْدَة بن الجراح بتولية جند خالد وبعزل خالد لنه‬ ‫وكان أول كتاب كتبه إلى أبي ُ‬
‫كان عليه ساخطًا في خلفة أبي بكر كلها لوقعته بابن نويرة‪ ،‬وما كان يعمل في‬
‫عزَلَ خالد )‪ ،‬وقال ‪ :‬ل يلي لي عملً أبدأ ‪ .‬وكتب إلى أبي‬
‫‪(1‬‬
‫حربه ‪ ،‬وأول ما تكلم به َ‬
‫عبيدة ‪ .‬إنْ أكْ َذبَ خالد نفسه فهو المير على ما كان عليه ‪ ،‬وإنْ لم يكذب نفسه فأنت‬
‫المير على ما هو عليه ‪ .‬وانزع عمامته عن رأسه ‪ ،‬وقاسِمه ماله ‪.‬‬
‫فذكر ذلك لخالد فاستشار أخته فاطمة ‪ -‬وكانت عند الحارث بن هشام ‪ -‬فقالت‬
‫ل أن تكذب نفسك ثم ينزعك " فقبلَ‬ ‫له ‪" :‬والّ ل يحبك عمر أبداً‪ ،‬وما يريد إ ّ‬
‫رأسها وقال ‪ :‬صدقتِ‪.‬‬
‫ن يكذب نفسه ‪ ،‬فأمر أبر عبيدة فنزع عمامة خالد‪ ،‬وقاسمه ماله ‪ ،‬ثم قَدِمَ‬ ‫فأبن أ ْ‬
‫)‬
‫خالد على عمر بالمدينة ؛ وقيل ‪ :‬بل هو أقام بالشام مع المسلمين وهو أصح‪.‬‬
‫‪(2‬‬
‫ذكر فتح دمشق‬
‫‪)(1‬‬
‫قيل ‪ :‬ولما هزم ال أهل اليرموك [ وتهافت أهل الواقوصة وفرغ من المقاسم‬
‫والنفال وبعث بالخماس وسرحت الوفود ] استخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير‬
‫بن كعب الحميري وسار حتى نزل بالصفر [ وهو يريد اتباع الفالة ‪ ،‬ول يدري‬
‫يجتمعون أو يفترقون ؟ ] فأتاه الخبر أن المنهزمين اجتمعوا بفِحْل ) وأتاه الخبر‬
‫‪(2‬‬

‫أيضاً بأنّ المدد قد أتن أهل دمشق من حمص [ فهو ل يدري أبدمشق يبدأ أم بفحل‬
‫في بلد الردن ؟ ] فكتب إلى عمر في ذلك فأجابه عمر يأمره بأن يبدأ بدمشق ‪،‬‬
‫[فانهدوا لها] فإنها حصن الشام ‪ ،‬وبيت ملكهم ‪ ،‬وأن يشغل أهل فحل بخيل تكون‬
‫بإزائهم ‪ ،‬وإذا فتح دمشق سار إلى فحل ‪ ،‬فإذا فتحت عليهم سار هو وخالد إلى‬
‫عمْراً بالردن وفلسطين ‪..‬‬
‫حمص وترك شرحبيل بن حسنة و َ‬
‫)‬
‫فأرسل أبو عبيدة إلى فحل طائفة من المسلمين فنزلوا قريباً منها‪ ،‬وبثق الروم‬
‫‪(3‬‬

‫الماء حول فحل ‪ ،‬فوحلت الرض ‪ ،‬فنزل عليهم المسلمون فكان أول محصور‬
‫بالشام أهل فحل ‪ ،‬ثم أهل دمشق ‪.‬‬
‫وبعث أبو عبيدة جندًا فنزلوا بين حمص ودمشق ‪ ،‬وأرسل جندًا آخر فكانوا بين‬
‫دمشق وفلسطين ‪ ،‬وسار أبو عبيدة ‪ ،‬وخالد فقدِموا على دمشق ‪ ،‬وعليها نِسْطَاس‬
‫عمْرو على ناحية ‪ ،‬وكان ِهرَقل‬ ‫فنزل أبو عبيدة على ناحية ‪ ،‬وخالد على ناحية ‪ ،‬و َ‬
‫قريب [ من ] ) حمص فحصرهم المسلمون سبعين ليلة حصاراً شديدًا وقاتلوهم‬
‫‪(4‬‬

‫بالزحف ‪ ،‬والمجانيق ‪ [ ،‬وهم معتصمون بالمدينة يرجون الغياث ] ‪ ،‬وجاءت خيول‬


‫ل دمشق ‪،‬‬ ‫هرقل مغيثة دمشق فمنعتها خيول المسلمين التي عند حمص فَخُذِلَ أه ِ‬
‫وطمع فيهم المسلمون ‪ ،‬ووُلد للبطريق الذي على أهلها مولود‪ .‬فصنع طعاماَ فأكلَ‬
‫القوم وشربوا وتركوا مواقفهم ‪ ،‬ول يعلم بذلك أحذ من المسلمين إلّ ما كان من خالد‬
‫فإنه كان ل ينام ول ينيم ول يخفن‬
‫عليه من أمورهم شيء ‪ [ ،‬عيونه ذاكية‪ ،‬وهو َم ْعنِى بما يليه ]‪ ،‬وكان قد اتخذ‬
‫ل كهيئة السلليم ‪ ،‬وأوهاقاً‪ ،‬فلما أمسى ذلك اليوم نهض هو ومن معه من جنده‬ ‫حبا ً‬
‫الذين قَدِم عليهم ‪ ،‬وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو‪ ،‬ومذعور بن عَدي ‪ .‬وأمثاله ‪،‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إذا سمعتم تكبيراً على السور فأرقوا إلينا‪ ،‬و[قصدوا الباب ‪.‬‬
‫فلما وصل هو وأصحابه إلى السور ألقوا الحبالى فعلق بالشرف منها حبلن ‪.‬‬
‫فصعد فيهما القعقاع ومذعور وأثبتا الحبال بالشرف ‪،‬وكان ذلك المكان أحصن‬
‫موضع بدمشق ‪ ،‬وأكثره ماء [ وأشده مدخلً ] فصعِد المسلمون ‪ ،‬ثم انحدر خالد‬
‫وأصحابه ‪ ،‬ونرك بذلك المكان مَنْ يحميه ‪ ،‬وأمرهم بالتكبير فكبروا ‪ ،‬فأتاهم‬
‫المسلمون إلى الباب وإلى الحبال ‪ ،‬وانتهى خالد إِلى من يليه فقتلهم ‪ ،‬وقصد الباب‬
‫ل كل ناحية بما‬ ‫فقتل البوابين ‪ ،‬وثار أهلُ المدينة ل يدرون ما الحال ‪ ،‬وتشاغل أه ُ‬
‫يليهم ‪ ،‬وفتح خالد الباب ‪ ،‬وقتل كل من عنده من الروم ‪ ،‬فلما رأى الروم ذلك‬
‫قصدوا أبا عبيدة وبذلوا له الصلح ‪ ،‬فقبِلَ منهم ‪ ،‬وفتحوا له الباب ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬ادخل‬
‫ب بصلح مما يليهم ‪ ،‬ودخل خالد‬ ‫ل كل با َ‬
‫وامنعنا مِنْ أهل ذلك الجانب ‪ .‬ودخل أه ُ‬
‫عنوة فالتقى خالد والقواد في وسطها هذا قتلً ونهباً‪ ،‬وهذا صفحاً وتسكينًا فاجروا‬
‫حهُم على المقاسمة ‪ ،‬؟قسموا معهم للجنود‬ ‫ناحية خالد مجرى الصلح ‪ ،‬وكان صُلْ ُ‬
‫التي عند فحل وعند حمص وغيرهم ممن هو رَدْءٌ للمسلمين ‪ ،‬وأرسل أبو عبيدة إلى‬
‫جنْ ِد العراق نحو‬
‫عمر بالفتح ‪ ،‬فوصل كتاب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بإرسال ُ‬
‫العراق إلى سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬فأرسلهم ‪ ،‬وأمّر عليهم هاشم بن عتبة المرقال ‪،‬‬
‫ن قتل ‪ ،‬وكان مس أرسل الشتر‬ ‫عوَض مَ ْ‬‫وكانوا قد قتل منهم فأرسل أبو عبيدة ِ‬
‫وغيره ‪ ،‬وسار أبو عبيدة إلى فِحْل ‪.‬‬
‫حل ‪.‬‬
‫ف ْ‬
‫ذكر غزوة ِ‬
‫فلما فتحت دمشق سار أبو عبيدة إلى فِحل ‪ ،‬واستخلف على دمشق يزيد بن أبي‬
‫سفيان [ في خيله ]‪ ،‬وبعث خالدًا على المقذَمة‪ ،‬وعلى الناس شرحبيل بن حسنة‪،‬‬
‫وكان على المجنبتين أبو عبيدة‪ ،‬وعمرو بن العاص ‪ ،‬وعلى الخيل ضرار بن‬
‫الزور‪ ،‬وعلى الرجال عياض بن غنم ‪ ،‬وكان أهل فحل قد قصدوا بيسان فهَ ّم بها‬
‫فنزل شرحبيل بالناس فحلً وبينهم وبين الروم تلك المياه والوحال ‪ ،‬وكتبوا إلى‬
‫عمر [ بالخبر وهم يحدثون أنفسهم بالمقام ‪ ،‬ول يريدون أن يريموا فحلً حتى يرجع‬
‫جواب كتابهم من عند‬
‫عمر‪ ،‬ول يستطيعون القدام على عدوهم في مكانهم لما دونهم من الوحال ] ‪،‬‬
‫وكانت العرب تسمي تلك الغزاة ذات الردغة وبيسان وفحل ‪ ،‬وأقام الناس ينتظرون‬
‫كتاب عمر‪ ،‬فاغترهم الروم فخرجوا‪ ،‬وعليهم سقلر بن مخراق [ ورجوا أن يكونوا‬
‫على غِرة ] فأتوهم والمسلمون ح ِذرُون ‪ ،‬وكان شرحبيل ل يبيت ول يصبح إل علن‬
‫تعبية‪ ،‬فلما هجموا على المسلمين لم يناظروهم ‪ .‬فاقتتلوا أشد قتال ‪ .‬كان لهم ليلتهم‬
‫ويومهم إلى الليل وأظلم الليل عليهم وقد حاروا فانهزم الروم وهم حيارى‪ ،‬وقد‬
‫أصيب رئيسهم صقلر‪ ،‬والذي يليه [ فيهم ] نسطوس ‪ ،‬وظفر المسلمون بهم‬
‫[ أحسن ظفر وأهنأه ]‪ ،‬وركبوهم ولم تعرف الروم مأخذهم فانتهت بهم الهزيمة إلى‬
‫الوحل فركبوه ‪ ،‬ولحقهم المسلمون فأخذوهم ‪ ،‬ول يمنعون يدَ لمس ‪ ،‬فوخزوهم‬
‫بالرماح ‪ ،‬فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ فأصيب الروم وهم ثمانون ألفًا لم‬
‫يفلت منهم إل الشريد‪ ،‬وقد كان ال يصنع للمسلمين ‪ ،‬وهم كارهون ‪ ،‬كرهوا البثوق‬
‫والوحل فكانت عوناً لهم على عدوهم [وأناةٌ من ال ليزدادوا بصيرة وجِدّا ] ‪،‬‬
‫وغنموا أموالهم فاقتسموها ‪ ،‬وانصرف أبو عبيدة بخالد‪ ،‬ومن معه إلى حمص ‪.‬‬
‫وممن قُتلَ في هذه الحرب السائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي له‬
‫صحبة‪.‬‬
‫(فِحْل ) بكسر الفاء وسكون الحاء المهملة وآخره لم‪.‬‬
‫ذكر فتح بلد ساحل دمشق‬
‫لما استخلف أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان على دمشق ‪ ،‬وسار إلن ِفحْل ؟ سار‬
‫يزيد‬
‫إلى مدينة صيدا‪ ،‬وعرقة‪ ،‬وجبيل ‪ ،‬وبيروت ‪ ،‬وهي سواحل دمشق على مقدمته‬
‫أخوه معاوية ففتحها فتحًا يسيراً وجل كثيراً من أهلها‪ ،‬وتولى فتح عرقة معاوية‬
‫بنفسه في ولية يزيد ‪ .‬ثم إنّ الروم غلبوا على بعض هذه السواحل في آخر خلفة‬
‫عمر‪ ،‬وأول خلفة عثمان فقصدهم معاوية ففتحها‪ ،‬ثم رمها وشحنها بالمقاتلة‪،‬‬
‫وأعطاهم القطائع ‪ ،‬ولما ولي عثمان الخلفة وجمع لمعاوية الشام وجه معاوية‬
‫سفيان بن مجيب الزدي إلى طرابلس ؟ وهي ثلث مدن مجتمعة ثم بنى في مرج‬
‫على أميال منها حصناً سمي حصن سفيان ‪ ،‬وقطع المادة عن أهلها من البر والبحر‪،‬‬
‫وحاصرهم ‪ ،‬فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلثة وكتبوا إلى‬
‫ملك الروم يسألونه أنْ يمدهم أو يبعث‬
‫إليهم بمراكب يهربون فيها إلى بلد الروم فوجه اليهم بمراكب كثيره ركبوا فيها‬
‫ليلً وهربوا‪ ،‬فلما م صبحِ سفيان وكان يبيت هو والمسلمون في حصنه ثم يغدو على‬
‫العدو فوجد الحصن خالياَ فدخله ‪ ،‬وكتب بالفتح إلى معاوية‪ ،‬فأسكنه معاوية جماعةً‬
‫كثيرةً من اليهود‪ ،‬وهو الذي فيه الميناء اليوم ‪ ،‬ثم بناه عبد الملك بن مروان وحصّنه‬
‫‪ ،‬ثم نقض أهلُه أيام عبد الملك ففتحه ابنه الوليد في زمانه ‪.‬‬
‫ريّة‬
‫ذكر فتح بيسان وطب ِ‬
‫حمْص من فحل أرسل شرحبيل ومن معه إلى بيسان ‪ ،‬فقاتلوا‬ ‫لما قصد أبو عبيدة ِ‬
‫ن بقي على صلح دمشق فقبل ذلك‬ ‫أهلها فقتلوا منهم خلقاً كثيراً‪ ،‬ثم صالحهم مَ ْ‬
‫منهم ‪ ،‬وكان أبو عبيدة قد بعث بالعور إلى طبرية يحاصرها‪ ،‬فصالحه أهلها على‬
‫صلح دمشق أيضاً وأن يشاطروا المسلمين المنازل فنزلها القواد وخيولها وكتبوا‬
‫بالفتح إلى عمر ‪ .‬قال أبو جعفر‪ :‬وقد اختلفوا في أي هذه الغزوات كان قبل الخرى؟‬
‫فقيل ‪ :‬ما‬
‫ذكرنا‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن المسلمين لما فرغوا من أجنادَين اجتمع المنهزمون ب ِفحْل‬
‫فقصدها المسلمون فظفروا بها‪ ،‬ثم لحق المنهزمون من فحل بدمشق فقصدها‬
‫المسلمون فحاصروها وفتحوها‪ ،‬وقدم كتاب عمر بن الخطاب بعزل خالد‪ ،‬وولية‬
‫أبي عبيدة‪ ،‬وهم محاصرون دمشق ‪ .‬فلم ُي َعرًفْهُ أبو عبيدة ذلك حتى فرغوا من صلح‬
‫دمشق ‪ ،‬وكتب الكتاب باسم خالد‪ ،‬وأظهر أبو عبيدة بعد ذلك عزله ‪ ،‬وكانت فِحْل في‬
‫ذي القعدة سنة ثلث عشرة‪ ،‬وفتح دمشق في رجب سنة أربع عشرة ‪ .‬وقيل ‪ :‬إن‬
‫وقعة اليرموك كانت سنة خمس عشرة‪ ،‬ولم تكن للروم بعدها وقعة وإنما اختلفوا‬
‫ل ُقرْب بعض ذلك من بعض ‪.‬‬
‫عبَيْد بن مسعود‬
‫ذكر خبر المثنى بن حارثة‪ ،‬وأبي ُ‬
‫[ عود إلى حرب الفرس ]‬
‫قد ذكرنا قدوم ال ُمثَنى بن حارثة الشيباني من العراق علن أبي بكر ووصية أبي‬
‫بكر‬
‫عمر بالمبادرة الى إرسال الجيوش معه ‪ ،‬فلما أصبح عمر من الليلة التي مات‬
‫ن ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني ‪ [ ،‬إلى‬ ‫فيها أبوبكر كان أول ما عمل أ ْ‬
‫أهل فارس قبل صلة الفجر ] ثم بايع الناس ثم ندب الناس وهو يبايعهم ثلثاً‪ ،‬ول‬
‫ينتدب أح ٌد إلى فارس ‪ ،‬وكانوا أثقل الوجوه على المسلمين وأكرهها إليهم لشدة‬
‫سلطانهم وشوكتهم وقهرهم المم ‪ ،‬فلما كان اليوم الرابع ندب الناس إلى العراق ‪،‬‬
‫ع َبيْد بن مسعود الثقفي وهو والد المختار‪ ،‬وسعد بن عبيدة‬ ‫فكان أول منتدب أبو ُ‬
‫النصاري ‪ ،‬وسليط بن قيس ‪ ،‬وهو ممن شهد بَدْراً ‪ ،‬وتتابع الناس وتكلم المثنى بن‬
‫حارثة فقال ‪" :‬أيها الناس ل يعظمنّ عليكم هذا الوجه فإنّا قد فتحنا ريف فارس‬
‫خيْر شِقّى السواد؛ و[شاطرناهم ] ويخ ْلنَا منهم واجترأنا عليهم ولنا إنْ‬ ‫وغلبناهم علن َ‬
‫شاء الَُ ما بعدها" ‪.‬‬
‫)‬
‫فاجتمع الناس فقيل لعمر‪ :‬أقِر عليهم رجلَ من السابقين من المهاجرين أو‬
‫‪(1‬‬

‫سبْقهم ومسارعتهم إلى العدو‬ ‫النصار قال ‪ :‬ل وال ل أفعل إنما رفعهم ال تعالى ب َ‬
‫فإذا فعل ِف ْعلَهم قومٌ وتثاقلوا كان الذين ينفرون خفافًا وثقَالً ويسبقون إلى الدفع أولى‬
‫ع َبيْد ‪ ،‬وسعداً ‪،‬‬
‫بالرياسة منهم ‪ ،‬وال ل أؤمر عليهم إل أولهم أنتداباً ثم دعا أبا ُ‬
‫وسليطاً‬
‫وقال لهما ‪ :‬لو سبقتماه لوليتكما ولدركتما بها إلى مالكما من السابقة فأ َمرَ أبا‬
‫عبيد [ على الجيش ] وقال له ‪ :‬اسمع من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأشركهم في المر [ ول تجتهد مسرعاً حتى تتبين ] ولم يمنعني أن أؤمر سليطًا إل‬
‫سرعته إلى الحرب ‪ ،‬وفي التسرع إلى الحرب ضياع العراب فإنه ل يصلحها إل‬
‫الرجل المكيث ‪ ،‬وأوصاه بجنده ‪ ،‬فكان بعث أبي عبيد أول جيش سيّره عمر‪ ،‬ثم‬
‫بعده سير يعلى بن ُم ْنيَة إلى اليمن وأمره بإجلء أهل نجران بوصية رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأن ل يجتمع بجزيرة العرب دينان ‪.‬‬
‫ذكر خبر النمارق‬
‫فسار أبو عبيد الثقفي ‪ ،‬وسعد بن عبيد ‪ ،‬وسليِط ين قيس النصاريان ‪ ،‬والمثنى‬
‫بن‬
‫حارثة الشيباني أحد بني هند من المدينة‪ ،‬وأمر عمر المثنى بالتقدم إلى أنْ يقدم‬
‫عليه أصحابه وأمرهم باستنفار مَنْ حسن إسلمه من أهل الردة ففعلوا ذلك ‪ ،‬وسار‬
‫المثنى فقدم الحيرة‪ ،‬وكانت الفرس تشاغلت عن المسلمين بموت شهر براز حتى‬
‫أصطلحوا على سابور بن شهريار بن اردشير فثارت به آزرميدخت فقتلته وقتلت‬
‫الفرخزاد وملكت بوران وكانت عدلً بين الناس حتى يصطلحوا فأرسلت إلى رستم‬
‫بن الفرخزاد بالخبر وتحثه على السير‪ ،‬وكان علن فرج خراسان فأقبل ل يلقى جيشاً‬
‫لزرميدخت إل هزمه حتى دخل المدائن فاقتتلوا وهزم سياوخش وحصره‬
‫وازرميدخت بالمدائن ‪ ،‬ثم افتتحها رستم وقتل سياوخش وفقأ عين آزرميدخت‬
‫وتصب بوران [ ودعته إلى القيام بأمر أهل فارس وشكت إليه تضعضعهم وإدبار‬
‫ن وَجَدوا من‬
‫أمرهم ] على أن تملكه عشر سنين ‪ ،‬ثم يكون الملك في آل كسرى إ ْ‬
‫ل ففي نسائهم ‪.‬‬
‫غلمانهم أحداً وإ ّ‬
‫عوَضاً ول ثواباً ‪ .‬فقالت بوران ‪:‬‬ ‫[ فقال رستم ‪ :‬أما أنا فسام ٌع مطيع غير طالب ِ‬
‫ن يسمعوا له ويطيعوا‬ ‫اغد عليّ ‪ .‬فغدا عليها ] ودعت مرازبة فارس وأمرتهم أ ْ‬
‫وتوّجته فدانت له فارس قبل قدوم أبي عبيد ‪ ،‬وكان منجّماً حسن المغرفة به‬
‫وبالحوادث ‪ ،‬فقال له بعضهم ‪ :‬ما حملك على هذا المر وأنت ترى ما ترى؟ قال ‪:‬‬
‫حب الشرف والطمع ‪.‬‬
‫ثم قدِم المثنى إلى الحيرة في عشر‪ ،‬وقدِم أبو عبيد بعده بشهر فكتب رستم إلى‬
‫ل يثور ) بأهله ‪ ،‬فبعث‬
‫‪(2‬‬
‫الدهاقين أنْ يثوروا ) بالمسلمين ‪ ،‬وبعث في كل رستاق رج ً‬
‫‪(1‬‬
‫جابان إلى فرات بادَقلي ‪ ،‬وبعث نرسي إلى كسكر ووعدهم يومًا ‪ ،‬وبعث جنداً‬
‫لمصادمة المثنى ‪ ،‬وبلغ المثنى الخبر [ فضم إِليه مسالحه ] فحذر‪ ،‬وعجل جابان‬
‫ونزل النمارق وثاروا وتوالوا على الخروج ‪ ،‬وخرج أهل الرساتيق من أعلى‬
‫الفرات إلى أسفله ‪ ،‬وخرج المثنى من الحيرة فنزل خَفان ) لئل يؤتى من خلفه‬
‫‪(1‬‬

‫بشيء يكرهه ‪ ،‬وأقام حتى قَدِ َم عليه أبو عبيد‪ ،‬فلما قدم لبث أيامًا يستريح هو‬
‫وأصحابه واجتمع إلى جابان بش ٌر كثير فنزل النمارق ‪ ،‬وسار إليه أبو عبيد فجعل‬
‫المثنى على الخيل ‪ ،‬وكان على مجنبتي جابان جشنس ماه ‪ ،‬ومردانشاه فاقتتلوا‬
‫ل شديداً فهزم ال أهل فارس وأسر جابان أسره مطر بن فضة التيمي ‪،‬‬ ‫بالنمارق قتا ً‬
‫وأسر مردانشاه أسره أ ْكتَل بن شماخ العكلي فقتله ‪.‬‬
‫ن تؤمنني وأعطيك غلمين‬ ‫وأما جابان فإنه خدع مطراً وقال له ‪ :‬هل لك أ ْ‬
‫ع َملِك ‪ .‬وكذا وكذا؟ ففعل فخَل عنه فأخذه المسلمون وأتوا به أبا‬ ‫أمردين خفيفين في َ‬
‫عبيد وأخبروه أنه جابان وأشاروا عليه بقتله فقال ‪ :‬إنّي أخاف ال أنْ أقتله وقد أمّنه‬
‫رجلٌ مسلم والمسلمون [ في التوادد والتناصر ] كالجسد الواحد ما لزم بعضهم فقد‬
‫لزم كلهم [ فقالوا له ‪ :‬إنه الملك ‪ .‬قال ‪ :‬وإنْ كان ل أغدر‪ .‬فتركه ]‪ ،‬وتركوه ‪،‬‬
‫وأرسل في طلب المنهزمين حتى أدخلوهم عسكر نرسي وقتلوا منهم ‪.‬‬
‫(أ ْكتَل ) بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح التاء المثناة باثنتين من فوقها وفي‬
‫آخره‬
‫لم ‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫ذكر وقعة السقاطية بكسكر‬
‫ولحق المنهزمون نحو كسكر وبها نرسي وهو ابن خالة الملك ‪ ،‬وكان له‬
‫ن أكرموه بشيء منه‬ ‫س أومَ ْ‬
‫النرسيان وهو نوع من التمر يحميه ل يأكله إل َمِلكُ ال ُفرْ ِ‬
‫‪ ،‬ول يغرسه غيرهم ‪ ،‬واجتمع إلى النرسي الفالة ‪ ،‬وهو في عسكره ‪ ،‬فسار أبو عبيد‬
‫إليهم من النمارق فنزل على نرسي بكسكر‪ ،‬وكان المثنى في تعبيته التي قاتل فيها‬
‫بالنمارق ‪ ،‬وكان على مجنبتي نرسي ‪ ،‬بندويه ‪ ،‬وتيرويه ابنا بسطام خال الملك ‪،‬‬
‫ومعه أهل باروسما‪ ،‬والزوابي ‪.‬‬
‫ولما بلغ الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان بعثا الجالينوس إلى نرسي فلحقه قبل‬
‫الحرب فعاجلهم أبو عبيدة فالتقوا أسفل من كسكر بمكان يُدْعَن السقاطية فاقتتلوا‬
‫ل شديداً ‪ ،‬ثم انهزمت فارس وهرب نرسي ‪ ،‬وغلب‬ ‫[ في صحارى ملس ] قتا ً‬
‫المسلمون على عسكره وأرضه وجمعوا الغنائم ‪ ،‬فرأي أبو عبيد من الطعمة شيئاً‬
‫خمْسِهِ‬‫ن حوله من العرب وأخذوا النرسيان فأطعموه الفلحين وبعثوا ب ُ‬ ‫كثيراً فنفله مَ ْ‬
‫إلى عمر‪ ،‬وكتبوا إليه أنّ ال أطعمنا مطاعم كانت الكاسرة تحميها وأحببنا أن‬
‫تروها لتشكروا إنعام ال وإفضاله ‪.‬‬
‫وأقام أبو عبيد وبعث المثنى إلى باروسما‪ ،‬وبعث والقا إلى الزوابي ‪ ،‬وعاصماً‬
‫إلى نهر جُور فهزموا مَنْ كان تجمّع ‪ ،‬وأخربوا وسبوا أهل َزنْد َورْد ) وغيرها‬
‫‪(1‬‬

‫وبذل لهم فروخ وفراونداذ عن أهل باروسما‪ ،‬والزوابي وكسكر الجزاء معجلً‬
‫صلْحاً وجاء فروخ وفرا ونداذ إلى أبي عبيد بأنواع الطعام‬ ‫فأجابوا إلى ذلك وصاروا ُ‬
‫والخبصة ) وغيرها فقال ‪ :‬هل أكرمتم الجند بمثلها؟‬
‫‪(2‬‬

‫فقالوا ‪ :‬لم ‪ -‬يتيسر ونحن فاعلون ‪ -‬وكانوا يتربصون قدُوم الجالينوس ‪ .‬فقال أبو‬
‫عبيد‪ :‬ل حاجة لنا فيه ‪ ،‬بئس المرءُ أبو عبيد إنْ صحب قومًا من بلدهم استأثر‬
‫عليهم بشيء ‪ ،‬ول وال ل آكل ما أتيتم به ول مما أفاء ال إل مثل ما يأكل أوساطهم‬
‫‪.‬‬
‫فلما هُزم الجالينوس أتوه بالطعمة أيضاً فقال ‪ :‬ما آكل هذا دون المسلمين فقالوا‬
‫له ‪ :‬ليس من أصحابك أحذ إل وقد أتي بمثل هذا فأكل حينئذ ‪.‬‬
‫ذكر وقعة الجالينوس‬
‫ولما بعث رستم الجالينوس أمره أن يبدأ بنرسي ‪ ،‬ثم يقاتل أبا عبيد فبادره أبو‬
‫عبيد‬
‫إلى نرسي فهزمه ‪ ،‬وجاء الجالينوس فنزل بباقسياثا من باروسما فسار إليه أبو‬
‫عبيد وهو على تعبيته فالتقوا بها فهزمهم المسلمون وهرب الجالينوس ‪ ،‬وغلب أبو‬
‫عبيد على تلك البلد‪ ،‬ثم ارتحل حتى قدم الحيرة‪ ،‬وكان عمر قد قال له ‪( :‬إنك تقدم‬
‫على أرض المكر! والخديعة والخيانة والجبرية ‪ ،‬تَقْدُم على قوم تجرأوا على الشر‬
‫فعلموه ‪ ،‬وتناسوا‪ .‬الخير‬
‫ن صاحب‬‫فجهلوه ‪ ،‬فانظر كيف تكون ؟ واحرز ) لسانك ‪ ،‬ول تفشين سرك فإ ّ‬
‫‪(1‬‬

‫السر ما يضبطه متحصن ل يؤتى من وجه يكرهه ‪ ،‬وإذا ضيعه كان بمضيعة‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫س الناطف‬ ‫ذكر وقعة ُ‬
‫ق ّ‬
‫ويقال لها " الجسر " ويقال " المروحة " ) ‪ -‬وقتل أبي عبيد بن مسعود‬
‫‪(3‬‬

‫ولما رجع الجالينوس إلى رستم منهزماً ومن معه من جُنده قال رستم ‪ :‬أقي‬
‫العجم‬
‫أشد على العرب [ فيما ترون ]؟‬
‫قالوا ‪ :‬بهمن جاذويه المعروف بذي الحاجب ‪ -‬وإنما قيل له ‪ :‬ذا الحاجب لنه‬
‫كان يعصب حاجبيه بعصابة ليرفعهما ِكبْراً ‪ -‬فوجَهه ومعه فيلة ‪ ،‬ورد‬
‫الجالينوس معه وقال لبهمن ‪ :‬إنْ انهزم الجالينوس ثانية فاضرب عنقه‪.‬‬
‫فاقبل بهمن جاذويه ومعه ِدرَفش كابيان (راية كسرى) كانت من جلود النمر‬
‫عرض‬
‫ثماني أذرع وطول اثنتي عشرة ذراعاً‪ ،‬فنزل " بقسّ الناطف "‪ ،‬وأقبل أبو عبيد‬
‫فنزل " بالمروحة "‪ ،‬فرأت دومة امرأته أم المختار ابنه أن رجلً نزل من السماء‬
‫بإناء فيه شراب فشرب أبو عبيد ومعه نفر‪ ،‬فأخبرت بها أبا عبيد فقال ‪" :‬لهذه إنْ‬
‫ن قتلتُ فعلن الناس فلن ‪،‬فإن قُتل‬ ‫شاء ال الشهادة"‪ ،‬وعهد إلى الناس فقال ‪" :‬إ ْ‬
‫فعليهم فلن ! ‪ ،‬حتى أمّر الذين شربوا من الناء [ على الولء من كلمه ]‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬فإنْ قتل فعلى الناس المثنى ‪.‬‬
‫وبعث إليه بهمن جاذويه إما أنْ تعبروا إلينا وندعكم والعبور‪ ،‬وإما أنْ تَدَعُونا‬
‫نعبر إليكم ‪ ،‬فنهاه الناس عن العبور ونهاه سليط أيضاً فلجّ وترك الرأي وقال ‪" :‬ل‬
‫يكونوا أجرأ على الموت منا"‪ ،‬فعبر إليهم على جسر عقده ابن صلوبا للفريقين ‪،‬‬
‫وضاقت الرض بأهلها واقتتلوا ‪ ،‬فلما نظرت الخيول إلى الفيلة والخيل عليها‬
‫التجافيف رأت شيئاً منكراً لم تكن رأتْ مثله [ فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم ] فلم‬
‫تقدم عليهم [ خيولهم ]‬
‫وإذا حملت الفرس على المسلمين بالفيلة والجلجل فرقت خيولهم وكراديسهم‬
‫ورموهم بالنشاب واشتد المرُ بالمسلمين ‪ ،‬فترجل أبو عبيد والناس ثم مشوا إليهم ‪،‬‬
‫ثم صافحوهم بالسيوف فجعلت الفيلة ل تحمل على جماعة إل دفعتهم ‪ ،‬فنادي أبو‬
‫عبيد احتوشوا الفيلة ‪ ،‬واقطعوا بِطَانَها ) ‪ ،‬واقلبوا عنها أهلها ‪ ،‬ووثب هو على الفيل‬
‫‪(1‬‬

‫ل إل حطوا‬ ‫البيض فقطع بطانه ووقع الذين عليه وفعل القوم مثل ذلك فما تركوا في ً‬
‫رحله ‪ ،‬وقتلوا أصحابه وأهوى الفيل لبي عبيد فضربه أبو عبيد بالسيف وخبطه‬
‫ت أنفسُ‬‫ط الفيل خشع ْ‬ ‫صرَ به الناسُ تح َ‬
‫الفيل بيده فوقع فوطئه الفيل وقام عليه ‪ ،‬فلما َب ُ‬
‫بعضهم ‪.‬‬
‫ثم أخذ اللواء الذي أقره بعده فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد فأخذه‬
‫المسلمون فأحرزوه ‪ ،‬ثم قتل الفيل المير الذي بعد أبي عبيد وتتابع سبعة أنفس من‬
‫ثقيف كلهم يأخذ اللواء‪ ،‬ويقاتل حتى يموت ‪ ،‬ثم أخذ اللواء المثنى فهرب عنه‬
‫الناس ‪ ،‬فلما رأى عبدال بن مرثد الثقفي ما لقي أبو عبيد وخلفاؤه ‪ ،‬وما يصنع‬
‫الناس بادرهم إلى الجسر فقطعه ؛ وقال ‪ :‬يا أيها الناس موتوا على ما مات عليه‬
‫أمراؤكم أو تظفروا‪ ،‬وحاز المشركون المسلمين إلى الجسر فتواثب بعضهم إلى‬
‫الفرات فغرق مَنْ لم يصبر‪ ،‬واسرعوا فيمن صبر‪ ،‬وحمى المثنى وفرسان من‬
‫المسلمين الناس وقال ‪ :‬أنا دونكم فاعبروا على هينتكم ول تدهشوا [ فإنا لن نزايل‬
‫حتى نراكم من ذلك الجانب ] ول تغرقوا نفوسكم [ فعبروا الجسر ] ‪.‬‬
‫وقاتل عروة بن زيد الخيل قتالً شديدًا وأبو محجن الثقفي ‪ ،‬وقاتل أبو زبيد‬
‫الطائي‬
‫عبَر‬‫حمِية للعربية وكان نصرانياً قَدِم الحيرة لبعض أمره ونادي المثَنى ‪ :‬مَن َ‬ ‫َ‬
‫نجا‪ ،‬فجاء العلوج فعقدوا الجسر وعبر الناس وكان آخر من قتل عند الجسر سليط‬
‫بن قيس ‪ ،‬وعبر المثنى وحمى جانبه ‪ ،‬فلما عبر أرفض عنه أهل المدينة [ حتى‬
‫لحقوا بالمدينة‪ ،‬وتركها بعضهم ونزلوا البوادي ]‪ ،‬وبقي المثنى قي قلة ‪ ،‬وكان قد‬
‫جرِحَ وأثبت فيه حلق من درعه [ هتكهن ]‪ ،‬وأخبر عمر عس سار في البلد من‬ ‫ُ‬
‫الهزيمة استحياء فاشتد عليه ‪ [ ،‬ذلك ورحمهم ]‪ ،‬وقال ‪" :‬اللهم إن كل مسلم في حِل‬
‫مني ‪ ،‬أنافئةُ كُل مسلم ‪ ،‬يرحم ال أبا عبيد لو كان انحاز إليّ لكنتُ له فئة ‪.‬‬
‫وهلك من المسلمين [ يومئذ ] أربعة آلف بين قتيل وغريق ‪ ،‬وهرب ألفان ‪،‬‬
‫وبقي‬
‫ثلثة آلف ‪.‬‬
‫وقتل مز الفرس ستة آلف ‪ ،‬وأراد بهمن جاذويه العبور خلف المسلمين فأتاه‬
‫الخبر‬
‫باختلف الفرس وأنهم قد ثاروا برستم ونقضوا الذي بينهم وبينه وصاروا‬
‫فريقين الفهلوج على رستم ‪ ،‬وأهل فارس على الفيرزان ‪ ،‬فرجع إلى المدائن ‪.‬‬
‫وكانت هذه الوقعة في شعبان ‪.‬‬
‫شهِدا أحداً؟‬
‫وكان فيمن قتل بالجسر عقبة‪ ،‬وعبدال ابنا قبطي بن قيس ‪ ،‬وكانا َ‬
‫وقتل معهما أخوهما عباد ولم يشهد معهما أحداً‪ ،‬وقتل أيضاً قيس بن السكن بن‬
‫قيس‬
‫أبو زيد النصاري وهو بدري ل عقب له ‪ ،‬وقتل يزيد بن قيس بن الخطيم‬
‫النصاري شهد أحدًا ‪ ،‬وفيها قتل أبو أمية الفزاري له صحبة‪ ،‬والحكم بن مسعود‬
‫أخو أبي عبيد‪ ،‬وابنه جبر بن الحكم بن مسعود‪.‬‬
‫ذكر خبر ألَيِّس الصغرى‬
‫لما عاد ذو الحاجب لم يشعر جابان ومردانشاه بما جاء به من الخبر فخرجا حتى‬
‫أخذا بالطريق ‪ ،‬وبلغ المثنى فعلهما فاستخلف على الناس عاصم بن عمرو‬
‫وخرجِ في جريدة خيل يريدهما ‪ ،‬فظنا أنه هارب فاعترضاه فأخذهما أسيرين ‪،‬‬
‫وخرج أهل أليّس على أصحابهما فأتوه بهم أسرى وعقد لهم بها ذمة وقتلهما‪ ،‬وقتل‬
‫السرى‪ ،‬وهرب أبو محجن من أَليّس ولم يرجع مع المثنى بن حارثة‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫ويْب‬
‫ذكر وقعة الب ُ َ‬
‫لما بلغ عمر خبر وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى‪ ،‬وكان فيمن‬
‫ندب بجيلة وأمرهم إلى جرير بن عبدال لنه كان قد جمعهم من القبائل وكانوا‬
‫متفرقين فيها فسأل النبي صلى ال عليه وسلم أن يجمعهم فوعده ذلك ‪ ،‬فلما ولي أبو‬
‫بكر تقاضاه بما وعده النبي صلى ال عليه وسلم فلم يفعل ؟ فلما ولي عمر طلب منه‬
‫ذلك [ دعاه بالبينة فأقامها له ] فكتب الى‬
‫عماله أنه مَنْ كان ُينْسَب إلى بجيلة في الجاهلية وثبت عليه في السلم فأخرجوه‬
‫إلى‬
‫جرير ففعلوا ذلك ‪ ،‬فلما اجتمعوا أمرهم عمر بالعراق وأبوا إلّ الشام فعزم عمر‬
‫علن العراق وينفلهم ربع الخمس فأجابوا وسيّرهم إلى المثنى بن حارثة‪ ،‬وبعث‬
‫عصمة بن عبدال الضبي فيمن تبعه إلى المثنى ‪.‬‬
‫وكتب إلى أهل الردة ) فلم يأته أحد إل رمى به المثنى ‪ ،‬وبعث المثنى الرسل‬
‫‪(1‬‬

‫فيمن يليه من العرب فتوافوا إليه في جمع عظيم ‪ ،‬وكان فيمن جاءه أنس بن‬
‫هلل النمري في جمع عظيم من النمر نصارى‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نقاتل مع قومنا ‪.‬‬
‫وبلغ الخبر رستم ‪ ،‬والفيرزان فبعثا مهران الهمذاني إلى الحيرة فسمع المثنى‬
‫ذلك وهو بين القادسية وخفان فاستبطن فرات بادقلي وكتب إلى جرير وعصمة وكل‬
‫من ‪ .‬أتاه ممداً له يعلمهم الخبر ويأمرهم ب َقصْد البويب فهو الموعد فانتهوا إلى‬
‫المثنى وهو بال ُب َويْب ومهران بإزائه من وراء الفرات ‪ ،‬فاجتمع المسلمون بالبويب‬
‫مما يلي الكوفة اليوم وأرسل مهران إلن المثنى يقول ‪ :‬إما أنْ تعبر إلينا وإما أنْ‬
‫نعبر إليك ‪ ،‬فقال المثنى ‪ :‬اعبروا ‪ .‬فعبر مهران فنزل على شاطىء الفرات وَعَبى‬
‫المثنَى أصحابه وكان في رمضان فأمرهم بالِفطار ليقووا على عدوهم فأفطروا‪،‬‬
‫وكان على مجنبتي المثنى بشير بن الخصاصية وبُسْر بن أبي رُهْم ‪ ،‬وعلى مجردته‬
‫المعني أخوه ‪ ،‬وعلى الرّجل مسعود أخوه ‪ ،‬وعلى الردء مذعور‪ ،‬وكان على‬
‫مجنبتي مهران بن الزاذبه مرزبان الحيرة‪ ،‬ومردانشاه ‪ ،‬وأقبل الفرس في ثلثة‬
‫صفوف مع كل صف فيل ورجلهم أمام فيلهم ولهم زجل ‪ .‬فقال المثنى للمسلمين ‪ :‬إنّ‬
‫الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت [ وائتمروا همسا ]‪ ،‬ودنوا من المسلمين ؛‬
‫وطاف المثنى في صفوفه يعهد إليهم ‪ ،‬وهو على فرسه "الشموس" وإنما سمي بذلك‬
‫ضهُم‬ ‫للينه وكان ل يركبه إِل إذا قاتل فوقف على الرايات [ رايةً راي ًة ] يح َر ْ‬
‫[ ويأمرهم بأمره ] ويهزهم [ بأحسن ما فيهم ] ‪ ،‬ولكلهم يقول ‪" :‬إني لرجو أنْ ل‬
‫يؤتى الناس من ِق َبِلكُمُ اليوم ‪ ،‬وال ما يس ُرنِي اليوم لنفسي شيءٌ إل وهو يسرني‬
‫لعامتكم " فيجيبونه بمثل ذلك ‪ ،‬وأنصفهم من نفسه في القول والفعل وخلط الناس في‬
‫ل ول فعلً‪ ،‬وقال ‪ :‬إني ُم َك ّبرٌ ثلثاً‬ ‫المحبوب والمكروه فلم يقدر أحد أن يعيب له قو ً‬
‫فتهيأوا ثم املوا في الرابعة ‪.‬‬
‫فلما كبّر أول تكبيرة أعجلتهم فارس وخالطوهم [ مع أول تكبيرة ]‪ ،‬وركدت‬
‫ل في بني عجل فجعل يمد لحيته لما يري منهم‬ ‫خيلهم وحربهم مليًا فرأي المثنى خل ً‬
‫وأرسل إليهم يقول ‪ :‬المير يقرأ عليكم السلم ويقول ‪ :‬ل تفضحوا المسلمين اليوم ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬واعتدلوا فضحك فرحاً‪ ،‬فلما طال القتال واشتد ‪ .‬قال المثنى لنس بن‬
‫هلل النمري ‪ :‬إنّك امرؤٌ عربي وإنْ لم تكن على ديننا فإذا [ رأيتني قد ] حملتُ‬
‫على مهران فاحمل معي ‪.‬‬
‫فأجابه فحمل المثنى على مهران فأزاله حتى دخل في ميمنته ‪ .‬ثم خالطوهم ‪،‬‬
‫واجتمع القلبان ‪ ،‬وارتفع الغبار والمجنبات تقتتل ل يستطيعون أنْ يفرغوا لنصر‬
‫أميرهم ل المسلمون ول المشركون ‪ ،‬وارتث مسعود أخو المثنى يومئذ وجماعة من‬
‫أعيان المسلمين ‪ ،‬فلما أصيب مسعود تضعضع من معه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا معشر بكر‬
‫ارفعوا رايتكم رفعكم ال ول يهولنكم مصرعي وكان المثنى قال لهم ‪ :‬إذا رأيتمونا‬
‫صبْنَا فل تدعوا ما أنتم فيه [ فإن الجيش ينكشف ثم ينصرف ] ‪ ،‬ألزموا مصافكم‬ ‫أ ِ‬
‫واغنوا عمن يليكم ‪ ،‬واوجع قلب المسلمين في قلب المشركين ‪.‬‬
‫)‬
‫و َقتَل غلمُ نصراني من تغلب مهران واستوى على فرسه [ ثم انتمى "أنا‬
‫‪(1‬‬

‫الغلم التغلبي ‪ ،‬أنا قتلت المرزبان أ ]‪ .‬فجعل المثنى سلبه لصاحب خيله ‪ ،‬وكان‬
‫التغلبي قله جلب خيلً هو وجماعة من تغلب ‪ ،‬فلما رأوا القتال قاتلوا مع العرب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأفنى المثنى قلب المشركين والمجنبات بعضها يقاتل بعضاً‪ ،‬فلما رأوه قد‬
‫أزال القلب وأفنى أهله َوثَب مجنبات المسلمين على مجنبات المشركين ‪ ،‬وجعلوا‬
‫يردون العاجم على أدبارهم ‪ ،‬وجعل المثنى والمسلمون في القلب يدعون لهم‬
‫بالنصر ويرسل إليهم من يذمرهم ويقول لهم ‪( :‬عاداتكم في أمثالهم انصروا ال‬
‫ينصركم له ‪ ،‬حتى هزموا الفرس ‪ ،‬وسبقهم المثنى إلى الجسر وأخذ طريق العاجم‬
‫فافترقوا [ بشاطىء الفرات نم مصعدين ومنحدرين ‪ ،‬وأخذتهم خيول المسلمين حتى‬
‫قتلوهم وجعلوهم جثثاً‪ ،‬فما كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها بقيت‬
‫عظام القتلى‬
‫دهراً طويلً‪ ،‬وكانوا يحزرون ) القتلى مائة ألف ‪ ،‬وسمي ذلك اليوم " العشار"‬
‫‪(1‬‬

‫صيَ مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة‪ ،‬وكان عروة بن زيد الخيل من‬ ‫ح ِ‬‫أْ‬
‫أصحاب التسعة‪ ،‬وغالب الكناني وعرفجة الزدي ‪ ،‬من أصحاب التسعة ‪.‬‬
‫وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم وضفة الفرات ‪ ،‬ونبعهم المسلمون إلى‬
‫الليل ومن الغد إلى الليل ‪ ،‬وندم المثنى على أخذه بالجسر؛ وقال ‪" :‬لم عجزتُ‬
‫عجزة" وقى ال شرها بمسابقتي إياهم إِلى الجسر [ وقطعه ] حتى أحرجتهم فل‬
‫تعودوا [ ول تقتدوا بي ] أيها الناس إِلى مثلها فإنها كانت زَتة‪ ،‬فل ينبني إحراج من‬
‫ل يقوى علف امتناع )‪ .‬ومات أناسٌ من الجرحى [ من أعلم المسلمين ]‪ .‬منهم‬
‫‪(2‬‬

‫)‬
‫‪(3‬‬
‫مسعود أخو المثنى ‪ ،‬وخالد بن هلل فصلى عليهم المثنى [ وقدّمهم على السنان‬
‫والقرآن ]‪ ،‬وقال ‪" :‬وال إنه ليهوّن عليّ وجدي أنْ صبروا وشهدوا البويب [ ولم‬
‫يجزعوا ]‪ ،‬ولم ينكلوا‪ [ ،‬وإن كان في الشهادة كفارة لتجوز الذنوب ] ‪.‬‬
‫غنَماً ودقيقًا وبقراً فبعثوا بها إلى عيال من قدم من‬‫وكان قد أصاب المسلمون َ‬
‫المدينة وهم بالقوادس ‪.‬‬
‫سيْب ‪.‬‬
‫وأرسل المثنى الخيل في طلب العجم فبلغوا ال ّ‬
‫وغنموا من البقر والسبي وسائر الغنائم شيئاً كثيراً فقسمه فيهم ‪ ،‬ونفل أهل البلء‬
‫[ من جميع القبائل ] ‪ ،‬وأعطى بجيلة ربع الخمس ‪ ،‬وأرسل الذين تبعوا‬
‫المنهزمين إلى المثنى يعرّفونه سلمتهم وأنه ل مانع دون القوم ويستأذنونه في‬
‫القدام فأذن لهم فأغاروا حتى بلغوا ساباط )‪ ،‬وتحصّن أهله منهم واستباحوا‬
‫‪(4‬‬

‫القرى ‪ ،‬ثم مخروا السواد فيما بينهم وبين دجلة ل يخافون كيداً ول يلقون مانعاً‪،‬‬
‫ورجعت مسالح العجم إليهم وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة ‪.‬‬
‫(بُسْر بن أبي رهم ) بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ‪.‬‬
‫ذكر خبر الخنافس ‪ :‬وسوق بغداد‬
‫خلّف المثنى بالحيرة بشير بن الخصاصية ‪ .‬وسار يمخر السواد وأرسل إلى‬ ‫ثم َ‬
‫)‬
‫َميْسَان ‪ ،‬ودَست َميْسَان وأذكى المسالح ونزل أَليّس ‪ -‬قرية من قرى النبار‪ ،‬وهذه‬
‫‪(1‬‬

‫الغزوة تُدْعن غزوة النبار الخرة وغزوة أليس الخرة ‪.‬‬


‫وجاء إلى المثنى رجلن أحدهما أنباري فدّله على سوق الخنافس ‪ ،‬والثاني‬
‫ح ْي ِريّ دله على بغداد‪ ،‬فقال المثنى ‪ :‬أيتهما قبل صاحبتها؟‬‫ِ‬
‫فقال‪ :‬بينهما مسيرة أيام‪ .‬قال ‪ :‬أيهما أعجل ؟ قال‪ :‬سوق الخنافس يجتمع بها‬
‫تجار مدائن كسرى والسواد ‪ ،‬وربيعة ‪ ،‬وقضاعة يخفرونهم ‪.‬‬
‫فركب المثنى وأغار على الخنافس يوم سوقها‪،‬وبها خيلن من ربيعة وقضاعة‪،‬‬
‫وعلى قضاعة رومانس بن وبرة‪ ،‬وعلى ربيعة السليل بن قيس وهم الخفراء؛‬
‫فانتهب السوق وما فيها وسلب الخفراء‪ ،‬ثم رجع فأتن النبار فتحضن أهلُها منه ‪،‬‬
‫فلما عرفوه نزلوا إليه وأتوه بالعلف والزاد‪ ،‬وأخذ منهم الدلء على سوق بغداد‪،‬‬
‫ل وعبر إليهم‬
‫وأظهر لدهقان النبار أنه يريد المدائن وسار منها إلى بغداد لي ً‬
‫وصبحهم في أسواقهم ‪ ،‬فوضع السيف فيهم وأخذ ما شاء‪ ،‬وقال المثنى ‪ :‬ل تأخذوا‬
‫)‬
‫‪(3‬‬
‫إلّ الذهب والفضة‪ ،‬والحر من كل شيء ) ثم عاد راجعًا حتى نزل بنهر الس ْيلَحين‬
‫‪(2‬‬

‫به نبار فسمع أصحابه يقولون ‪ :‬ما أسرَعَ القوم في طلبنا؟ فخطبهم وقال ‪" :‬احمدوا‬
‫ال وسلوه العافية وتناجوا بالبر والتقوى ول تتناجوا بالثم والعدوان ‪ ،‬انظروا في‬
‫المور وقَ ّدرُوها ثم تكلموا ‪ ،‬انه لم يبلغ النذير مدينتهم بعد ولو بلغهم لحالَ الرعبُ‬
‫بينهم وبين طلبكم ‪ ،‬إنّ للغارات َروْعَات تضعف القلوب يوماً إلى الليل ‪ ،‬ولو طلبكم‬
‫المحامون من رأي العين ما أدركوكم وأنتم على الفرات حتى تنتهوا إلى عسكركم ‪،‬‬
‫ولو أدركوكم لقاتلتهم [ لثنتين ] التماس‬
‫الجر‪ ،‬ورجاء النصر‪ ،‬فثقوا بال وأحسِنوا به الظن ‪ .‬فقد نصركم في مواطن‬
‫كثيرة [ وهم أعد منكم ] " ‪.‬‬
‫تم سار بهم النبار‪ ،‬وكان من خلفه من المسلمين يمخرون السواد ويشنون‬
‫الغارات ما بين أسفل كسكر وأسفل الفرات ‪ ،‬وجسوا مثقباً إلى عين التمر‪ ،‬وفي‬
‫أرض الفلليج ‪ ،‬والمثنى بالنبار ‪.‬‬
‫ولما رجع المثنى من بغداد إلى النبار بعث المضارب العجلي في جمع إلى‬
‫الكباث ‪ ،‬وعليه فارس العناب التغلبي ‪ ،‬ثم لحقهم المثنى فسار معهم فوجدوا الكباث‬
‫قد سار من كان به عنه ‪ ،‬ومعهم فارس العناب فسار المسلمون خلفه فلحقوه ‪ -‬وقد‬
‫رحل من الكباث ‪ ،‬فقتلوا في أخريات أصحابه وأكثروا القتل ‪ ،‬فلما رجعوا إلى‬
‫النبار سرّح فرات بن حيان التغلبي ‪ ،‬وعتيبة بن النهاس ‪ ،‬وأمرهما بالغارة على‬
‫أحياء من تغلب بصِفَين ‪ .‬ثم اتبعهما المثنى واستخلف على الناس عمرو بن أبي‬
‫سلمى الهجيمي ‪ ،‬فلما دنوا من صِفين فرّ من بها وعبروا الفرات إلى الجزيرة‪، ،‬‬
‫وفني الزاد الذي مع المثنى وأصحابه فأكلوا رواحلهم إل ما ل بد منه حتى جلودها‬
‫ح ْورَان فقتلوا من بها وأخذوا ثلثة نفر من تغلب‬‫ثم أدركوا عيراً من أهل دَبا‪ ،‬و َ‬
‫كانوا خفراء وأخذوا العير‪ ،‬فقالوا لهم ‪ :‬دلونا ‪.‬‬
‫حيّ من تغلب [ غدوت من‬ ‫فقال أحدهم ‪ :‬أمنُوني على أهلي ومالي وأدلكم على َ‬
‫عندهم اليوم ] ‪.‬‬
‫فأمّنه المثنى وسار معهم يومه ‪ ،‬فهجم العشي على القوم والنعم صادرة عن الماء‬
‫وأصحابها جلوس بأفنية البيوت [ فبثّ غارته ] فقتل المقاتلة وسبى الذرية واستاق‬
‫الموال ‪ ،‬وكان التغلبيون بني ذي الرويحلة فاشترى من كان مع المثنى من ربيعة‬
‫السبايا بنصيبه من الفيء وأعتقوهم ‪ ،‬وكانت ربيعة ل تسابي إذا العرب يتسابون في‬
‫جاهليتهم ‪ .‬وأخبر المثنى أن جمهور من سلك البلد قد انتجع شاطىء دجلة فخرج‬
‫المثنى وعلى مجنبتيه النعمان بن عوف ومطر الشيبانيان ‪ .‬وعلى مقدمته حذيفة بن‬
‫محصن الغلفاني فساروا في طلبهم فأدركوهم بتكريت ‪ ،‬فأصابوا ما شاؤوا من‬
‫النعم ‪ ،‬وعاد إلى النبار ومضى عتيبة وفرات ومَنْ معهما حتى أغاروا على ص َفيْن‬
‫وبها النمر وتغلب متساندين ‪ ،‬فأغاروا عليهم حتى رموا طائفة منهم في الماء فجعلوا‬
‫ينادونهم الغرق الغرق ‪ ،‬وجعل‬
‫عتيبة ‪ ،‬وفرات يذمران الناس ويناديانهم تغريق بتحريق يذكَرانهم نهم يومًا من‬
‫أيام الجاهلية أحرقوا فيه قوماً من بكر بن وائل في غيضة من الغياض ‪ ،‬ثم رجعوا‬
‫إلى المثنى‪ ،‬وقد غرقوهم وقد بلغ الخبر عمر فبعث إلى عتيبة وفرات فاستدعاهما‬
‫فسألهما عن قولهما فأخبراه أنهما لم يفعل ذلك على وجه طلب ذحل إنما هو مثل‬
‫فاستحلفهما وردهما إلى المثنى ‪.‬‬
‫(عتيبة بن النهاس ) بالتاء المثناة من فوقها والياء المثناة من تحتها والباء‬
‫الموحدة ‪.‬‬
‫ذكر الخبر عن الذي هيج أمر القادسية ‪ ،‬وملك‬
‫يزدجرد‬
‫لما رأى أهل فارس ما يفعل المسلمون بالسواد قالوا لرستم والفيرزان وهما على‬
‫أهل فارس ‪ [ :‬أين يذهب بكم ؟ ] لم يبرح بكما الختلف حتى وهّنتما أهل فارس‬
‫وأطمعتما فيهم عدوّهم ؛ ولم يبلغ من أمركما أن نقرّكما على هذا الرأي ‪ ،‬وأنْ‬
‫تعرضاها للهلكة ما بعد بغداد‪ ،‬وساباط ‪ ،‬وتكريت إل المدائن ‪ ،‬وال لتجتمعان أو‬
‫َل َنبْدَأنّ بكما [ قبل أن يشمت بنا شامت ]‪ ،‬ثم نهلك وقد اشتفينا منكما‪.‬‬
‫فقال الفيرزان ورستم لبوران ابنة كسرى ‪ :‬اكتبي لنا نساء كسرى وسراريه‬
‫ونساء آل كسرى وسراريهم ففعلت ‪ [ ،‬ثم أخرجت ذلك إليهم في كتاب ]‬
‫فأحضروهن جميعهن وأخذوهن بالعذاب يستدلونهن على َذكَر من أبناء كسرى فلم‬
‫ل غلمٌ يُدْعَن يزدجرد من‬ ‫يوجد عند واحدة منهن أحد ‪ .‬وقال بعضهن ‪ :‬لم يبق إ ّ‬
‫ولد شهريار بن كسرى وأمه من أهل بادوريا ‪.‬‬
‫فأرسلوا إليها وطلبوه منها وكانت قد أنزلته أيام شيري حين جمعهن ‪ [ ،‬في‬
‫القصر البيض ] فقتل الذكور وأرسلته إلى أخواله ‪ ،‬فلما سألوها عنه دلتهم عليه‬
‫فجاءوا به فملّكوه وهو ابن إحدى وعشرين سنة ‪ ،‬واجتمعوا عليه فاطمأنّت فارس‬
‫واستوثقه وتباري المرازبة في طاعته ومعونته فسمى الجنودَ لكل مسلحة وثغر‪،‬‬
‫فسمى جند الحيرة والبلة ‪ ،‬والنبار وغير ذلك ‪.‬‬
‫وبلغ ذلك من أمرهم [ واجتماعهم على يزدجرد ] المثنى والمسلمين فكتبوا إلى‬
‫عمر بن الخطاب بما ينتظرون من أهل السواد‪ ،‬فلم يصل الكتاب إلى عمر حتى‬
‫كفر أهل السواد مَنْ كان له عهد ومن لم يكن له عهد‪ ،‬فخرج المثنى [ على حاميته ]‬
‫حتى‬
‫نزل بذي قار ونزل الناس بالطف في عسكر واحد ‪.‬‬
‫ولما وصل كتاب المثنى إلى عمر قال ‪" :‬وال لضربن ملوك العجم بملوك‬
‫العرب" ‪.‬‬
‫فلم يَدَع رئيساً ‪ ،‬ول ذا رأي ‪ ،‬وذا شرف ‪ ،‬وبسطة ول خطيباً ‪ ،‬ول شاعراً إل‬
‫غ َررِهِم ‪ ،‬وكتب عمر إلى المثنى ‪ ،‬ومن معه‬ ‫رماهم به ‪ .‬فرماهم بوجوه الناس و ُ‬
‫يأمرهم بالخروج من بين العجم والتفرق في المياه التي تلي العجم [ على حدود‬
‫أرضكم وأرضهم ] وأن ل يدعوا في ربيعة ومضر وحلفائهم أحداً من أهل النجدات‬
‫ول فارساً إل أحضروه إما طوعاً أو كرهاً [ احملوا العرب على الجُ َد إذْ جَدّ العجم ‪،‬‬
‫فلتلقوا جدهم بجدكم ] ‪.‬‬
‫ونزل الناس بالجل ‪ ،‬وشراف إلى غضي ‪ ،‬وهو حيال البصرة‪ ،‬وبسلمان بعضهم‬
‫ينظر إلى بعض ويغيث بعضهم بعضاً‪ ،‬وذلك في ذي القعدة سنة ثلث عشرة‪.‬‬
‫وأرسل عمر في ذي الحجة من السنة مخرجه إلى الحج إلى عماله على العرب‬
‫أنْ‬
‫ل يَدَعُوا من له نجدة‪ ،‬أو فرس ‪ ،‬أو سلح أو رأي ل وَجّهوه اليه ؛ فأما من كان‬
‫على النصف ما بين المدينة والعراق فجاء إليه بالمدينة َلمّا عاد من الحج ‪ ،‬وأما من‬
‫كان أقرب !لى العراق فانض ًم إلى المثنى بن حارثة‪ ،‬وجاءت أمداد العرب إلى عمر‪.‬‬
‫سنِي ِه كلها ‪ .‬وكان عامل عمر‬ ‫وحج في هذه السنة عمر بن الخطاب بالناس وحَجّ ِ‬
‫على مكة هذه السنة عتاب بن أسِيد ‪-‬فيما قال بعضُهُم ‪ ، -‬وعلى الطائف عثمان‬
‫بن أبي العاص ‪ ،‬وعلى اليمن يعلى بن ُم ْنيَة‪ ،‬وعلى عمان واليمامة حذيفة بن‬
‫محصن ‪ ،‬وعلى البحرين العلء بن الحضرمِيّ ‪ ،‬وعلى الشام أبو عبيدة بن‬
‫الجراح ‪ ،‬وعلى فرج الكوفة وما ُفتِح من أرضها المثنى بن حارثة ‪ .‬وكان علن‬
‫القضاء فيما ذُكر علي بن أبي طالب ‪ .‬وفي هذه السنة مات أبو َكبْشَة ) ‪ -‬مولى‬
‫‪(1‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬وقيل بعد ذلك ‪.‬‬


‫وفي خلفة أبي بكر مات سهل بن عمرو )‪ -‬أخو ُ‬
‫س َهيْل ‪ ، -‬وهو من مُسِلمَة‬ ‫‪(2‬‬
‫الفتح ‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫وفي خلفته مات الصعب بن جثامة الليثي ‪.‬‬
‫وفي أول خلفته مات ابنه عبدال بن أبي بكر‪-‬وكان قد جرح في حصار الطائف‬
‫جرْحه فمات ‪.‬‬
‫ثم انتقض عليه ُ‬
‫)‬
‫وقي هذه السنة تُوفي الرقم بن م بي الرقم يوم مات أبو بكر‪ ،‬وهو الذي كان‬
‫‪(2‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مستخفيًا بداره بمكّة أول ما أرسل ‪.‬‬
‫عظمى‬
‫معركة القادسية ال ُ‬
‫َ‬
‫ل هو‬ ‫" وال الذي ل إله إ ّ‬
‫ما اطلعنا على أحدٍ من أهل‬
‫القادسيّة أنه يريد الدنيا‬
‫مع الخرة "‬
‫( جابر بن عبد ال )‬
‫رضي ال عنه‬
‫ثم دخلت سنة أربع عشرة‬
‫ذكر ابتداء أمر القادسية‬
‫لما اجتمع الناس إلن عمر خرج من المدينة حتى نزل على ماء يدعى‬
‫" صراراً " ) فعسكر به ول يدري الناسُ ما يريد أيسير أم يقيم ؟ وكانوا إذا‬
‫‪(1‬‬

‫أرادوا أن يسألوه عن شي ٍء َرمَوهُ بعثمان ‪ ،‬أو بعبد الرحمن بن عوف فإن لم يقدر‬
‫هذان على عِلم شي ٍء مما يريدون ثلثوا بالعباس بن عبد المطلب ‪ ،‬فسأله عثمان عن‬
‫سبب حركته فأحضر الناس فأعلمهم الخبر واستشارهم في المسير إلى العراق ‪،‬‬
‫س ْر وسر بنا معك ‪ ،‬فدخل معهم في رأيهم ‪ [ ،‬وكره أنْ يَدَعهم حتى‬ ‫فقال العامةُ ‪ِ :‬‬
‫ي هو‬ ‫يخرجهم منه في رفق ]‪ ،‬وقال ‪ :‬اغدوا واستعدوا فإني سائر إل أن يجيئ رأ ٌ‬
‫أمثل من هذا ‪.‬‬
‫ثم جمع وجوه أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم [ وأعلم العرب ]‪،‬‬
‫وأرسل إلى علي ‪،‬وكان استخلفه على المدينة فأتاه ‪ ،‬وإلى طلحة وكان على المقدمة‬
‫فرجع إليه ‪ ،‬وإلى الزبير‪ ،‬وعبد الرحمن وكان على المجنبتين فحضرا ‪ ،‬ثم‬
‫ل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬ ‫استشارهم فاجتمعوا على أنْ يبعث رج ً‬
‫وسلم [ ويقيم ] ويرميه بالجنود فإنْ كان الذي يشتهي فهو الفتح وإلّ أعاد رجلً‬
‫وبعث آخر ففي ذلك غيظٌ العدوّ‪.‬‬
‫فجمع عمر الناس ‪ ،‬وقال لهم ‪ :‬إنّي كنتُ عزمتُ على المسير حتى صرفني ذوو‬
‫الرأي منكم ‪ ،‬وقد رأيتُ أنْ أقيم وأبعث رجلً فأشيروا عليّ برجل ‪ ،‬وكان سعد‬
‫بن أبي وقاص علن صدقات هوازن فكتب إليه عمر بانتخاب ذوي الرأي والنجدة‬
‫والسلح فجاءه كتاب سعد وعمر يستشير الناس فيمن يبعثه يقول ‪ :‬قد انتخبتُ لك‬
‫ألف فارس كلهم له نجدة ورأي ‪ ،‬وصاحب حيطة يحوط حريم قومه أ ويمنع ذمارهم‬
‫]‪ ،‬إليهم انتهت احسابهم ورأيهم ‪ ،‬فلما وصل كتابه [ وافق مشورتهم ] قالوا لعمر ‪:‬‬
‫قد وجدته ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من هو؟ قالوا ‪ :‬السد عاديًا سعد بن مالك ) ‪ .‬فانتهى إلى قولهم وأحضره‬
‫‪(1‬‬

‫وأمّره على حرب العراق ووصاه وقال ‪. :‬‬


‫" ل يغرنك من ال أنْ قيل ‪ :‬خال رسول ال صلى ال عليه وسلم وصاحب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنّ ال ل يمحو السيء بالحسن ولكنه يمحو السيء‬
‫بالحسن ‪ ،‬وليس بين ال وبين أحد نسب إل طاعته ‪ ،‬فالناس [ شريفهم ووضيعهم ]‬
‫في ذات ال سواء ‪ ،‬؛ ال ربهم وهم عباده ‪ ،‬يتفاضلون بالعافية ‪ ،‬ويدركون ما عنده‬
‫بالطاعة فانظر المر الذي رأيتَ رسول ال صلى ال عليه وسلم يلزمه فالزمه "‬
‫ووصاه بالصبر‪.‬‬
‫وسرحه فيمن اجتمع اليه من نفر المسلمين وهو أربعة آلف فيهم حُميضة بن‬
‫النعمان بن حميضة على بارق ‪ ،‬وعمرو بن معد يكرب ‪ ،‬وأبو سبرة بن ذؤيب على‬
‫مذحج ‪ ،‬ويزيد بن الحارث الصدائي على صداء‪ ،‬وحبيب ‪ ،‬ومسيلمة‪ ،‬وبشر بن عبد‬
‫ال الهللي في قيس عيلن‪.‬‬
‫وخرج إليهم عمر فمر بفتية من السكون مع حصين بن نمير ومعاوية بن خديج‬
‫دلم‬
‫)‬
‫سباط فأعرض عنهم فقيل له ‪ :‬مالك وهؤلء؟ فقال ‪ :‬ما َم ّر بي قوم من العرب‬ ‫‪(2‬‬

‫سوْدَان بن‬
‫أكره إليّ منهم ثم أمضاهم ‪ .‬فكان بعد يذكرهم بالكراهة‪ ،‬فكان منهم َ‬
‫حمران قتل عثمان ‪ ،‬وابن ملجم قتل علياً‪ ،‬ومعاوية بن خديج جرد السيف في‬
‫المسلمين يظهر الخذ بثأر عثمان ‪ ،‬وحصين بن نمير كان أشد الناس في قتال‬
‫سيّرهم ‪ ،‬وأمدّ عمر سعداً بعد خروجه‬‫عليّ ‪ ،‬ثم إن عمر أخذ بوصيتهم وبعظتهم ثم َ‬
‫ي وألفي َنجِديّ ‪ ،‬وكان المثنى بن حارثة في ثمانية آلف ‪.‬‬
‫بألفي يما ِن ّ‬
‫وسار سعد والمثنى ينتظر قدومه فمات المثنى قبل قدوم سعد من جراحة‬
‫انتقضت‬
‫عليه ‪ ،‬واستخلف على الناس بشير بن الخصاصية ‪ ،‬وسعد يومئذ بزرود‪ ،‬وقد‬
‫اجتمع معه ثمانية آلف ‪ ،‬وأمر عمر بني أسد أن ينزلوا على حد أرضهم بين الحزن‬
‫‪ ،‬والبسيطة فنزلوا في ثلثة آلف ‪ .‬وسار سعد إلى شراف فنزلها ولحقه بها الشعث‬
‫ى ألف وسبعمائة من أهل اليمن ‪ .‬فكان جميع من شهد القادسية بضعة‬ ‫بن قيس ف ِ‬
‫وثلثين ألفاً ‪ ،‬وجميع من‬
‫قسم عليه فيؤها نحو من ثلثين ألفاً‪ ،‬ولم يكن أحد أجرأ على أهل فارس من‬
‫ربيعة ‪ .‬فكان المسلمون يسمونهم ربيعة السد الى ربيعة الفرس ‪ [ ،‬وكانت العرب‬
‫في جاهليتها تسمي فارس السد ‪ ،‬والروم السد ] ‪.‬‬
‫ولم يدع عمر ذا رأيٍ ‪ ،‬ول شرف ‪ ،‬ول خطيباً‪ ،‬ول شاعراً‪ ،‬ول وجيهاً من‬
‫وجوه‬
‫سعْد ‪.‬‬
‫سيّره إلى َ‬
‫الناس إل َ‬
‫جمَعَ سع ُد مَنْ كان بالعراق من المسلمين من عسكر المثنى ‪ .‬فاجتمعوا بشراف‬ ‫وَ‬
‫فعبّأهم ‪ ،‬وأمّر المراء ‪ ،‬وعرّف على كل عشرة عريفًا ‪ ،‬وجعل على الرايات رجالً‬
‫من أهل السابقة ‪ ،‬وولى الحروب رجالً على ساقتها‪ ،‬ومقدمتها‪ ،‬ورجلها‪ ،‬وطلئعها‪،‬‬
‫ومجنباتها ولم يفصل إل بكتاب عمر‪ ،‬فجعل على المقدمة زهرة بن عبد ال بن قتادة‬
‫بن الحوّية فانتهى إلى العذيب ‪ -‬وكان من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وجعل على الميمنة عبد ال بن المعتم ‪-‬وكان من الصحابة أيضًا ‪ ،‬واستعمل على‬
‫الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي ‪ [ -‬وكان غلماً شاباً وكان قد قاتل أهل الردة ]‪،‬‬
‫وجعل خليفته خالد بنُ عرفطة‪ -‬حليف بني عبد شمس ‪ ،‬وجعل م عاصم بن عمرو‬
‫التميمي على الساقة‪ ،‬وسواد بن مالك التميمي على الطلئع ‪ ،‬وسلمان بن ربيعة‬
‫الباهلي على المجردة؟‪ ،‬وعلى الرجالة حمال بن مالك السدي ‪ ،‬وعلى الركبان عبد‬
‫ال بن ذي السهمين الحنفي )‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫وجعل عمر على القضاء بينهم عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وعك قسمة الفيء‬
‫أيضاً ‪ ،‬وجعل رائدهم وداعيتهم سلمان الفارسي ‪ ،‬والكاتب زياد بن أبيه ‪ ،‬وقَدّم‬
‫المعنى بن حارثة الشيباني وسلمى بنت خصفة زوج المثنى بشراف ‪.‬‬
‫وكان المعني بعد موت أخيه قد سار إلى قابوس بن قابوس بن المنذر بالقادسية ‪،‬‬
‫وكان قد بعثه إليها الفرس يستنفر العرب فسار إليه المعني فقفله فأنامه ) ومن‬
‫‪(2‬‬

‫معه ورجع إلى ذي قار‪ ،‬وسار إلى سعد يُعلمه برأي المثنى له وللمسلمين يم مرهم‬
‫أنْ يقاتلوا الفرس على حدود أرضهم على أدنى حَجَر من أرض العرب ‪ ،‬ول‬
‫يقاتلوهم ِبعُقر‬
‫ظ ِهرُ الّ المسلمين فلهم ما وراءهم ‪ ،‬؛ وإن كانت الخرى رجعوا‬ ‫دارهم ‪ ،‬فإنْ يُ ْ‬
‫إلى فئة ‪ ،‬ثم يكونوا أعلم بسبيلهم ‪ ،‬وأجرأ على أرضهم إلى أنْ َيرُد الّ الكرة عليهم ‪.‬‬
‫فترحم سعد ومن معه على المثنى‪ ،‬وجعل المعني على عمله ‪ ،‬وأوصى بأهل‬
‫بيته خيراً‪ ،‬ثم تزوج سعد سلمى زوج المثنى [ وبنى بها ]‪ ،‬وكان معه تسعة‬
‫وتسعون بدرياً )‪ ،‬وثلثمائة وبضعة عشر ممن كانت له صحبة فيما بين بيعة‬
‫‪(1‬‬

‫الرضوان إلى ما فوق ذلك ‪ ،‬ثلثمائة ممن شهد الفتح ‪ ،‬وسبعمائة من أبناء الصحابة‪.‬‬
‫وقدم على سعد [ وهو بشراف ] كتاب عمر بمثل رأي المثنى ) ‪.‬‬
‫‪(2‬‬

‫وكتب عمر أيضاً إلى أبي عبيدة ليصرف أهل العراق ‪ ،‬ومن اختار أن يلحق بهم‬
‫إلى العراق ‪.‬‬
‫وكان للفرس رابطة بقصر ابن مقاتل وعليها النعمان بن قبيصة الطائي ‪ ،‬وهو‬
‫ابن‬
‫عم قبيصة بن إياس صاحب الحيرة‪ ،‬فلما سمع بمجيء سعد سأل عنه ‪ ،‬وعنده‬
‫ل لجادنه‬‫عبد ال بن سنان بن خزيم السدي فقيل ‪ :‬رجل من قريش ‪ .‬فقال ‪ :‬وا ّ‬
‫غلَب ‪ ،‬وال ل يخرجون من بلدهم ال بخفين ‪.‬‬ ‫القتال ‪ ،‬فإن قريشاً عبيد من َ‬
‫فغضب عبد ال بن سنان من قوله وأمهله حتى دخل قبته فقتله ولحق بسعد وأسلم‬
‫‪.‬‬
‫وسار سعد من شَراف فنزل العذيب ‪ ،‬ثم سار حتى نزل القادسية بين العتيق ‪.‬‬
‫والخندق بحيال القنطرة‪ ،‬وقديس أسفل منها بميل ‪ ،‬وكتب عمر إلى سعد ‪ " :‬إني‬
‫ألْ ِقيَ في روعي أنّكم إذا لقيتم العدوّ هزمتموهم [ فاطرحوا الشك ‪ ،‬وآثروا التقية عليه‬
‫] فمتى‬
‫لعب أح ُد منكم أحداً من العجم بأمان أو باشارة أو بلسان [ كان ل يدري‬
‫العجمي ما كلّمه به و] كان عندهم أمانًا فاجروا له ذلك مجري المان ‪ ،‬و[ إياكم‬
‫والضحك ]‪،‬‬
‫والوفاء الوفاء فإن الخطأ بالوفاء بقية‪ ،‬وإن الخطأ بالغدر هلكة‪ ،‬وفيها وهنكم‬
‫وقوة ل عدوكم ‪ [ ،‬وذهاب ريحكم وإقبال ريحهم ‪.‬‬
‫شيْناً على المسلمين وسببًا لتوهينهم ] " ‪.‬‬ ‫ن تكونوا َ‬
‫وأعلموا أنّي أحذركم أ ْ‬
‫فلما نزل زهرة في المقدمة وأمسى بعث سرية في ثلثين معروفين بالنجدة‬
‫وأمرهم‬
‫بالغارة على الحيرة فلما جاروا السيلحين [ وقطعوا جسرها يريدون الحيرة ]‬
‫سمعوا‬
‫)‬
‫جلبة فمكثوا حتى حاذوهم وإذا أخت ازادمرد بن ازاذبه مرزبان الحيرة تزف‬ ‫‪(1‬‬

‫إلى صاحب الصّنيّن وهو من أشراف العجم ؛ فحمل بكير بن عبد ال الليثي أمير‬
‫السرية على شيرزاد بن ازاذبه [ وهو بينها وبين الخيل ] فدق صلبه وطارت الخيل‬
‫على وجوهها ‪ ،‬وأخذوا الثقَال وابنة ازاذبه في ثلثين امرأة من الدهاقين ومائة من‬
‫التوابع ‪،‬ثم ومعهم ما ل يدري قيمته ‪ ،‬فاستاق ذلك ورجع ‪ ،‬فصبّح سعدًا بعُ َذيْب‬
‫الهجانات )[ بما أفاء ال عله ط المسلمين فكبروا تكبيرة شديدة‪ ،‬فقال سعد ‪ :‬إقسم‬
‫‪(2‬‬

‫بال لقد كبرتم ف كبيرة قوم عرفت فيهم العز] فقسّم ذلك على المسلمين وتر ُد الحريم‬
‫بالعذيب ومعها خيل تحوطها وأمّر عليهم غالب بن عبد ال الليثي ‪ .‬ونزل سعد‬
‫القادسية وأقام بها شهرًا لم يأته من الفرس أحد فأرسل سعد عاصم بن عمرو إلى‬
‫ميسان فطلب غنماً أو بقرًا فلم يقدر عليها وتحصن منه مَن هناك فأصاب عاصم‬
‫رجلً بجانب أجمة فسأله [ واستدله ] عن البقر والغنم فقالع ‪ :‬ما أعلم ‪.‬‬
‫فصاح ثور من الجمة كذب عدو ال وها نحن أولء ‪ .‬فدخل فاستاق البقر فأتى‬
‫بها العسكر فقسّمه سعد على الناس فأخصبوا أيامًا فبلغ ذلك الحجاج في زمانه‬
‫فأرسل إلى جماعة فسألهم فشهدوا أنهم سمعوا ذلك وشاهدوه فقال ‪ :‬كذبتم ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ذلك إنْ كنتَ شهدتها وغبنا عنها ‪ .‬قال ‪ :‬صدقتم ‪ ،‬فما كان الناس يقولون‬
‫في ذلك ‪ .‬قالوا [ آي ُة تبشير ] يستدل بها على رضا الّ وفتح عدونا ‪ .‬فقال ‪ :‬ما يكون‬
‫هذا‬
‫إل والجمع أبرار أتقياء ‪ .‬قالوا ‪ :‬وال ما ندري ما أجنتَ قلوبهم فأما ما رأينا فما‬
‫رأينا قوماً قط أزهد في دنيا منهم ول أشد بغْضاً لها ليس فيهم جبان ‪ ،‬ول‪،‬غالّ ‪ ،‬ول‬
‫غدار‪ .‬وذلك يوم الباقر‪.‬‬
‫وبث سعد الغارات والنهب بين كسكر والنبار فحووا من الطعمة ما استكفوا به‬
‫زماناً ‪ .‬وكان بين نزول خالد بن الوليد العراق وبين نزول سعد القادسية والفراغ‬
‫منها سنتان وشيء ‪ ،‬وكان مقام سعد بالقادسية شهرين وشيئًا حتى ظفر فاستغاث‬
‫أهلُ السواد إلى يزدجرد وأعلموه أنّ العرب قد نزلوا القادسية ول يبقى على فعلهم‬
‫شيء وقد أخربوا ما بينهم وبين الفرات ونهبوا الدوابّ والطعمة وإنْ ابطأ عنا‬
‫الغياث أعطيناهم بأيدينا‪ ،‬وكتب إليه بذلك الذين لهم الضياع بالطف وهيجوه عك‬
‫ج َهكَ‬
‫إرسال الجنود ‪ .‬فأرسل يزدجرد إلى رستم فدخل عليه فقال ‪ " :‬إنّي أريد أنْ أوَ ً‬
‫في هذا الوجه [ وإنما يعد للمور على قدرها ] فأنت رجل فارس اليوم وقد ترى ما‬
‫حل بالفرس مما لم يأتهم مثله " ‪.‬‬
‫فاظهر له الجابة ثم قال له ‪ " :‬دعني فإن العرب ل تزال تهاب العجم ما لم‬
‫تضرهم ) بي ‪ ،‬ولعل الدولة أن تثبت بي إذا لم أحضر الحرب فيكون ال قد كفن‬ ‫‪(1‬‬

‫ونكون قد أصبنا المكيدة‪ ،‬والرأي في الحرب أنفع من بعض الظفر‪ ،‬والناة خير من‬
‫العجلة‪ ،‬وقتال جيش بعد جيش أمثل من هزيم ٍة بمرّة وأشد على عدونا ‪ .‬فأبى عليه ‪،‬‬
‫وأعاد رستم كلمه وقال ‪ :‬قد اضطرني تضييع الرأي إلى إعظام نفسي وتزكيتها‬
‫ل في نفسك ومُلكك دعني أقُمْ بعسكري‬ ‫ولو أجد من ذلك بدّا لم أتكلم به فأنشدك ا ّ‬
‫سرّح الجالينوس فإنْ تكن لنا فذلك وإل بعثنا غيره حتى إذا لم نجد بُدّا صبرنا لهم‬ ‫وا َ‬
‫جوّا في أهل فارس ‪-‬ما لم أ ْهزَ ْم ‪ .‬فأبى‬‫وقد وَ ّهنّاهُم ونحن حامون ‪ ،‬فإني ل أزال َمرْ ُ‬
‫إلّ أنْ يسير‪ ،‬فخرج حتى ضرب عسكره بساباط ‪ ،‬وأرسل إلى الملك ليعفيه فأبن ‪.‬‬
‫وجاءت الخبار إلى سع ٍد بذلك ‪ ،‬فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر ‪ " :‬ل يكربنك‬
‫ما يأتيك عنهم [ ول ما يأتونك به ]‪ ،‬واستعنْ بال ‪ ،‬وتوكل عليه ‪ ،‬وابعثْ إليه رجالً‬
‫من أهل المناظرة ‪ ،‬والرأي ‪ ،‬والجلد يدعونه فإنّ ال جاعل دعاءهم توهيناً لهم " ‪.‬‬
‫فأرسل سعد نفراً منهم ‪ :‬النعمان بن مُقرن ‪ ،‬وبُسْر ابن أبي رُهْم ‪ ،‬وحملة بن‬
‫جوّية‪ ،‬وحنظلة بن الربيع ‪ ،‬وفرات بن حيان؛ وعدي بن سهيل ‪ ،‬وعطارد بن‬ ‫ُ‬
‫حاجب ‪ ،‬والمغيرة بن زرارة بن النباش السدي ‪ ،‬والشعث بن قيس ‪ ،‬والحارث بن‬
‫حسان ‪ ،‬وعاصم بن عمرو‪ ،‬وعمرو بن معد يكرب ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة‪ ،‬والمعني‬
‫بن حارثة إلى يزدجرد دعاة ‪ ،‬فخرجوا من العسكر فق ِدمُوا على يزدجرد وطووا‬
‫رستم واستأذنوا على يزدجر فحبسوا وأحضر وزراءه ورستم معهم واستشارهم فيما‬
‫يصنع بهم ويقوله لهم ‪ ،‬واجتمع الناس ينظرون إليهم وتحتهم خيول كلها صهال ‪،‬‬
‫سلْهم ما جاء‬ ‫وعليهم البرود وبأيديهم السياط فأذِن لهم وأحضر الترجمان ‪ ،‬وقال له ‪َ :‬‬
‫بكم وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلدنا؟ أمِنْ أجل أننا تشاغلنا عنكم اجترأتم‬
‫علينا؟‬
‫فقال النعمان بن مقرنَ لصحابه ‪ :‬إنْ شئتم تكلمتُ عنكم ومن شاء آثرته ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬بل تكلم ‪ .‬فقال ‪ " :‬إنّ ال رحمنا فأرسل إلينا رسولً يأمرنا بالخير‬
‫وينهانا‬
‫عن الشر ووعدنا على إجابته خير الدنيا والخرة فلم يدع قبيلة إلَ وقا ّر به منها‬
‫فرقة‪ ،‬وتباعد عنه بها فرقة‪ ،‬ثم أمر أنْ نبتدئ إلى من خالفه من العرب فبدأنا بهم‬
‫فدخلوا معه على وجهين ‪ ،‬مكره عليه فاغتبط ‪ ،‬وطائع فازداد‪ ،‬فعرفنا جميعًا فضل‬
‫ن يلينا من‬ ‫ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ‪ ،‬ثم أمرنا أنْ نبتدئ مَ ْ‬
‫المم فندعوهم إلى النصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو ِديْنٌ حَسّنَ الحسنَ و َقبّح‬
‫ن أبيتم‬‫ن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من اخر شر منه ‪ :‬الجزية‪ ،‬فإ ْ‬ ‫القبيحَ كله فإ ْ‬
‫فالمناجزة‪ ،‬فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب ال وأقمناكم عليه على أنْ تحكموا‬
‫بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلدكم ‪ ،‬لنْ بذلتم الجزاء قبلنا‪ .‬ومنعناكم وإل‬
‫قاتلناكم " ‪.‬‬
‫فتكتم يزدجرد فقال ‪ :‬إنّي ل أعلم في الرض أمة كانت أشقى ول أقل عدداً ول‬
‫أسوأ ذات بين منكم ‪ ،‬قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم [ ل‬
‫تغزوكم فارس ] ول تطمعوِا أنْ تقوموا لفارس فإنْ كان غرر لحقكم ) فل يغرنكم‬
‫‪(1‬‬

‫ضنَا لكم قُوتاً إلى خصبكم ‪ ،‬وأكرمنا وجوهكم ‪،‬‬ ‫منا ‪ ،‬وإنْ كان الجهد [ دعاكم ] ف َر ْ‬
‫وكسوناكم و َمّل ْكنَا عليكم ملكًا َيرْفُقْ بكم " ‪.‬‬
‫فأسكت القوم ‪ ،‬فقام المغيرة بن زرارة فقال ‪ " :‬أيها الملك إنّ هؤلء رؤوس‬
‫العرب ‪،‬ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الشراف ‪ ،‬وإنما يكرم الشراف‬
‫ويعظّم حقهم الشراف وليس كل ما أرسلوا به قالوه ول كل ما تكلمتَ به أجابوك‬
‫عنه [ وقد أحسنوا ول يحْسِنُ بمثلهم إل ذلك ] فجاوبني لكون الذي أبلغك ‪ ،‬وهم‬
‫يشهدون على ذلك لي ‪.‬‬
‫ت وأشدّ ‪-‬ثم ذكر من سوء عيش‬ ‫فأمّا ما ذكرتَ من سوء الحال فهي علن ما وصف َ‬
‫ل النبي صلى ال عليه وسلم إليهم نحو قول النعمان وقتال من‬ ‫العرب وإرسال ا ّ‬
‫ن شئتَ الجزية عن ي ٍد وأنت صاغر‪ ،‬وإنْ‬ ‫خالفهم أو الجزية ‪ ،‬ثم قال له ‪ : -‬اختر إ ْ‬
‫شئتَ فالسيف أو تسْلم فتنجّي نفسك "‪.‬‬
‫فقال ‪ [ :‬أتستقبلني بمثل هذا‪ .‬فقال ‪ :‬ما استقبلتُ إل من َكلّمني ‪ ،‬ولو كلّمني‬
‫ن الرّسُلَ ل تقتل لقتلتكم ‪،‬لشيء لكم عندي‪ .‬ثم‬ ‫غيرك لم أستقبلك به ‪ .‬فقال ‪ ] :‬لول أ ّ‬
‫حمِلوه على أشرف هؤلء ثم سوقوه حتى يخرج‬ ‫استدعى بوِقْر ) من تراب‪ .‬فقال ‪ :‬ا ْ‬
‫‪(1‬‬

‫من باب المدائن ‪ ،‬ارجعوا إلى صاحبكم فاعلموه أني مرسلٌ إليه رستم حتى يدفنه‬
‫خنْدَقِ القادسية [ وينكّل به وبكم ]‪ ،‬ثم أورده بلدكم حتى أشغلكم‬ ‫ويدفنكم معه في َ‬
‫بأنفسكم بأشد مما نالكم من سابور‪ .‬فقام عاصم بن عمر وليأخذ التراب ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنا‬
‫ح َملَه علن عنقه وخرج [ به من اليوان والدار ] إلى‬ ‫أشرفهم ‪ ،‬أنم ا سيد هؤلء ف َ‬
‫راحلته فركبها وأخذ التراب وقال لسعد ‪ " :‬أبشْر‪ ،‬فوال لقد أعطانا الّ أقاليد ملكهم "‬
‫‪.‬‬
‫واشتد ذلك على جلساء الملك ‪ ،‬وقال الملك لرستم وقد حضر عنده من ساباط ‪:‬‬
‫" ما كنتُ أرى أنّ في العرب مثل هؤلء‪ ،‬ما أنتم بأحسن جوابًا منهم ‪ ،‬ولقد‬
‫ت أفضلهم‬ ‫صدقني القوم لقد وُعِدُوا أمراً في ركنه أو ليموتُنّ عليه ‪ ،‬على أنّي وجد ُ‬
‫أحمقهم حيث حمل التراب على رأسه [ فخرج به ] ‪.‬‬
‫فقال رستم ‪ " :‬أيها الملك إنّه أعقلهم ‪ ،‬وتط ّيرَ إلى ذلك وأبصرها دون أصحابه ‪.‬‬
‫وخرج رستم من عند الملك غضبان كئيباً‪ ،‬وبعث في أثر الوفد وقال لثقته ‪ " :‬إنْ‬
‫ضنَا ‪ ،‬وإنْ أعجزوه سلبكم ال أرضكم " ‪ .‬فرجع الرسول‬ ‫أدركهم الرسولُ تلفينا أ ْر َ‬
‫من الحيرة بفواتهم فقال ‪ " :‬ذهب القوم بأرضكم من غير شك " ‪ .‬وكان منجماً كاهناً‬
‫‪ .‬وأغار‬
‫سواد بن مالك التميمي بعد مسير الوفد إلى يزدجرد على النجاف والفراض‬
‫فاستاق ثلثمائة دابة من بين بغل ‪ ،‬وحمار‪ ،‬وثور وأوقرها سمكًا وصبّح العسكر‬
‫فقسمه سعد بين الناس وهذا يوم الحيتان وكانت السرايا تسري لطلب اللحوم فإنّ‬
‫الطعام كان كثيرًا عندهم فكانوا يسمونِ اليام بها يوم الباقر‪ ،‬ويوم الحيتان ‪ ،‬وبعث‬
‫سعد سرية أخرى فأغاروا فأصابوا إبلً لبني تغلب والنمر واستاقوها ومن ِفيّها فنحر‬
‫سعد البل وقسّمها في الناس فاخصبوا ‪ ،‬واغار عمرو بن الحارث على النهرين‬
‫فاستاق مواشي كثيرة وعاد ‪.‬‬
‫وسار رستم من ساباط وجمع آلة الحرب وبعث على مقدمته الجالينوس في‬
‫أربعين ألفاً‪ ،‬وخرج هو في ستين ألفاً‪ ،‬وفي ساقته عشرون ألفاً‪ ،‬وجعل في ميمنته‬
‫الهرمزان ‪ ،‬وعلى الميسرة مهران بن بهرام الرازي ‪ ،‬وقال رستم للملك يشجعه‬
‫بذلك ‪ " :‬إنْ فتح ال علينا توجّهنا إلى ملكهم في دارهم حتى نشغلهم في أصلهم‬
‫وبلدهم إلى أنْ يقبلوا المسالمة " ‪ .‬وكان خروج رستم من المدائن في ستين ألف‬
‫متبوع ‪ ،‬ومسيره عن ساباط في مائة ألف وعشرين ألف متبوع ‪ ،‬وقيل ‪ :‬غير ذلك ‪.‬‬
‫ولما فصل رستم عن ساباط كتب إلى أخيه البنذوان ‪ " :‬أمّا بعد فرموا حصونكم‬
‫وأعدوا واستعدوا فكأنكم بالعرب قد [ وردوا بلدكم ] وقارعوكم عن أرضكم‬
‫وأبنائكم ‪ ،‬وقد كان من رأيي مدافعتهم ومطاولتهم حتى تعود سعودهم نحوساً‪ ،‬فإنّ‬
‫السمكة قد كدّرت الماء ‪ ،‬وإنّ النعائم قد حسنت والزهرة قد حسنت ‪ ،‬واعتدل‬
‫الميزان ‪ ،‬وذهب بهرام ‪ ،‬ول أرى هؤلء القوم إل سيظهرون علينا‪ ،‬ويستولون على‬
‫ما يلينا‪ ،‬وإنّ أشد ما رأيتُ أنّ الملك قال ‪ " :‬لتسيرن [ إليهم ] أو لسيرنّ بنفسي " ‪.‬‬
‫جمْين فشكى إليه وقال له ‪ :‬أل‬ ‫ولقي جابان رستم على قنطرة ساباط وكانا من َ‬
‫ترى‬
‫)‬
‫ما أري ؟ فقال له رستم ‪ " :‬أما أنا فأقاد بخَشَاش وزمام ول أجد بُدا مِنْ النقياد‬
‫‪(1‬‬

‫" ‪ ،‬ثم سار فنزل ب ُكوْثي ) فأتى برجل من العرب فقال له ‪ :‬ما جاء بكم ؟ وماذا‬
‫‪(2‬‬

‫سلِموا ‪.‬‬
‫تطلبون ؟ فقال ‪ :‬جئنا نطلب موعود ال بملك أرضكم وأبنائكم إنْ أبيتم أن تُ ْ‬
‫قال رستم ‪ :‬فإنْ ُق ِت ْلتُم قبل ذلك ؟ قال ‪ :‬مَنْ ُقتِلَ منا دخل الجنة ومَنْ بَ ِقيَ منا أنجزه ال‬
‫ما وعده فنحن على‬
‫يقين ‪ .‬فقال رستم ‪ :‬قد وُضعنا إذن في أيديكم ‪ .‬فقال ‪ :‬أعمالكم َوضَعتكم فأسَل َمكُم‬
‫ال بها فل يغرّنك من ترى حولك فإنّك لستَ تجاول النس إنما تجاولُ [ القضاء و ]‬
‫القدر ‪.‬‬
‫[ فاستشاط غضباً فأمر به ] فضربْت عنقه ‪ ،‬ثم سار فنزل البرس فغصب‬
‫أصحابه‬
‫ج أهلها‬ ‫الناس أ أبناءهم ] وأموالهم ‪ ،‬ووقعوا على النساء‪ ،‬وشربوا الخمور فض ّ‬
‫إلى رستم [ فقام فيهم ] فقال ‪ " :‬يا معشر فارس ‪ :‬وال لقد صدق العربيّ ‪ ،‬وال ما‬
‫أسلمنا إل أعمالنا‪ ،‬وال إنّ العرب مع هؤلء وهم لهم حرب أحسن سير ًة منكم ‪ ،‬إنّ‬
‫ف الظلم‬
‫ال كان ينصركم على العدو ويمكّن لكم في البلد بحسن السيرة و َك ّ‬
‫ل مغيراً ما بكم ‪ ،‬وما أنا‬ ‫[ والوفاء بالعهود ] والحسان ‪ ،‬فإذا تغيرتم فل أرى ال إ ّ‬
‫ن أنْ ينزع الّ سلطانه منكم ‪ .‬وأتى ببعض مَنْ يشكي منه فضرب عنقه ‪ ،‬ثم‬ ‫بآمن مِ ْ‬
‫سار حتى نزل الحيرة ودعا أهلها وتهددهم وهَمّ بهم ‪ ،‬فقال له ابن بقيلة‪ :‬ل تجمع‬
‫علينا [اثنتين ] أنْ تعجز عن نُصرتنا‪ ،‬وتلومنا على الدفع عن أنفسنا ‪ [ .‬وبلدنا‬
‫فسكت ] ‪.‬‬
‫ولما نزل رستم بالنجف رأي كأنّ ملكًا نزل من السماء ومعه النبي صلى ال‬
‫عمَر فأخذ الملك سلح أهل فارس فختمه ثم دفعه إلى النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم و ُ‬
‫عليه وسلم فدفعه النبي صلى ال عليه وسلم إلى عمر‪ ،‬فاصبح رستم حزيناً‪ ،‬وأرسل‬
‫سعد السرايا ورستم بالنجف ‪ ،‬والجالينوس بين النجف والسيلحين ‪ ،‬فطافت في‬
‫السواد فبعث سواداً‪ ،‬وحميضة في مائة مائة فأغاروا علن النهرين ‪ ،‬وبلغ رستم‬
‫الخبر فأرسل إليهم خيلً‪ ،‬وسمع سعد أنّ خيله قد وغلت فأرسل عاصم بن عمرو‬
‫ن جمعكم‬ ‫وجابراً السدي في آثارهم [ يقتصانها وسلكا طريقهما ‪ ،‬وقال لعاصم ‪ " :‬إ ْ‬
‫ل فأنت عليهم " ]‪ .‬فلقيهم عاصم [ بين النهرين ] وخيل فارس تحوشهم ليخلصوا‬ ‫قتا ٌ‬
‫ما بأيديهم فلما رأته الفرس هربوا ورجع المسلمون بالغنائم ‪ ،‬وأرسل سعد عمرو بن‬
‫معد يكرب ‪ ،‬وطليحة السدي طليعة فسارا في عشرة فلم يسيروا إل فرسخاً وبعض‬
‫آخر حتى رأوا مسالحهم وسرحهم على الطفوف قد ملؤها فرجع عمرو ومن معه‬
‫وأبى طليحة ال التقدم ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬أنت رجل في نفسك غدر ولن تفلح بعد قتل‬
‫عكاشة بن محصن فارجع معنا فأبن ‪ ،‬فرجعوا إلى سعد فاخبروه بقُرب القوم ‪،‬‬
‫ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يجوسه ويتوسم ‪ ،‬فهتك أطناب بيت‬
‫رجل عليه ‪ ،‬واقتاد فرسه ‪ ،‬ثم هتك علن آخر بيته وحَلّ فرسه ‪ ،‬نم فعل بآخر كذلك ‪،‬‬
‫ثم‬
‫خرج يعدو به فرسه ونذر به الناس فركبوا في طلبه فأصبح وقد لَحِقَه فارس من‬
‫الجند فقتله طليحة‪ ،‬ثم آخر فقتله ثم لحق به ثالث فرأي مصرع صاحبيه ‪ ،‬وهما ابنا‬
‫عمه فازداد حنقاً فلحق طليحة فكرّ عليه طليحة وأسره ‪ ،‬ولحقه الناس فرأوا فارسي‬
‫الجند قد قتل وأسر الثالث وقد شارف طليحة عسكره فأحجموا عنه ‪ ،‬ودخل طليحة‬
‫على سعد ومعه الفارسي وأخبره الخبر فسأل الترجمان الفارسي فطلب المان فأمّنه‬
‫سعد قال ‪:‬‬
‫ن اخبركم عمن ِقبَلي ‪ :‬باشرتُ الحروب‬ ‫" أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أ ْ‬
‫[ وغشيتُها ] منذ أنا غلم إلى الن وسمعتُ بالبطال [ ولقيتُها ] ولم أسمع بمثل‬
‫هذا ‪ ،‬إن رجلً قطع فرسخين إلى عسكر فيه سبعون ألفاً يخدم الرجل منهم الخمسة‬
‫ض أنْ يخرج كما دخل حتى سلب فرسان الجند وهتك عليهم البيوت‬ ‫والعشرة فلم ير َ‬
‫[ فطلبناه ] فلما أدركناه قتل الول وهو يعد بألف فارس ثم الثاني وهو نظيره [ فقتله‬
‫ن يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين [ وهما‬‫ت مِنْ بعدي مَ ْ‬‫خلَ ْف ُ‬
‫] ثم أدركته أنا ‪ [ -‬ول أظن ] َ‬
‫ابنا عمي ] ‪ -‬فرأيتُ الموتَ واستؤسرت " ‪.‬‬
‫ثم أخبره عن الفُرس [ بأنّ الجند عشرون ومائة ألف ‪ ،‬وأنّ التباع مثلهم خدم‬
‫لهم ] ‪ ،‬وأسلم ولزم طليحة ‪ ،‬وكان من أهل البلء بالقادسية ‪ ،‬وسماه سعد مسلماً ‪.‬‬
‫ثم سار رستم وقدم الجالينوس وذا الحاجب فنزل الجالينوس بحيال زهرة من‬
‫دون القنطرة ‪ ،‬ونزل ذو الحاجب بطيزنا باذ ‪ ،‬ونزل رستم بالخرارة ‪ .‬ثم سار رستم‬
‫فنزل بالقادسية ‪ ،‬وكان بين مسيره من المدائن ووصوله القادسية أربعة أشهر ل يقدم‬
‫رجاء أنْ يضجروا بمكانهم فينصرفوا ‪ ،‬وخاف أنْ يلقى ما لقي مَنْ قبله وطاولهم‬
‫لول ما جعل الملك يستعجله ينهضه ‪.‬‬
‫)‬
‫وكان عمر قد كتب إلى سعد يأمره بالصبر والمطاولة أيضاً فأعدّ للمطاولة ‪،‬‬
‫‪(1‬‬

‫فلما وصل رستم القادسية وقف على العتيق بحيال عسكر سعد ‪ ،‬ونزل الناس فما‬
‫زالوا يتلحقون حتى اعتموا من كثرتهم والمسلمون ممسكون عنهم ‪ ،‬وكان مع‬
‫ل منها فيل سابور البيض ‪ ،‬وكانت الفيلة تألفه فجعل في‬ ‫رستم ثلثة وثلثون ِفيْ ً‬
‫ل‪.‬‬
‫القلبَ ثمانية عشر فيلً ‪ ،‬وفي المجنبتين خمسة عشر في ً‬
‫فلما أصبح رستم من تلك الليلة ركب وسار من العتيق نحو" خفان " حتى أتى‬
‫على منقطع عسكر المسلمين ثم صد حتى انتهى إلى القنطرة فتأمل المسلمين‬
‫ش ِرفُ منه عليهم ووقف على القنطرة ‪ ،‬وأرسل إلى زهرة‬ ‫ووقف علن موضع يُ ْ‬
‫ن غير أن‬ ‫جعْلً على أنْ ينصرفوا عنه مِ ْ‬ ‫فواقفه فأراده علي أنْ يصالحه ويجعل له ُ‬
‫يصرّح له بذلك بل يقول له ‪" :‬كنتم جيراننا وكنا نحسن إليكم ‪ ،‬ونحفظكم " ‪ ،‬ويخبره‬
‫عن صنيعهم مع العرب ‪.‬‬
‫فقال له زهرة ‪" :‬ليس أمرنا أمر أولئك [ول طلبتنا طلبتهم ]‪ ،‬إنّا لم نأتكم لطلب‬
‫الدنيا إنما طلبتنا و ِهمّتنا الخرة وقد كنا كما ذكرتَ إلى أنْ بعث ال فينا رسولً‬
‫ت هذه الطائفة علن من لم يدن‬ ‫فدعانا إلى ربه فأجبناه فقال لرسوله ‪ :‬اني قد سلط ُ‬
‫جعَل لهم الغلبة ماداموا مقرّين به وهو دين الحق ل‬ ‫بديني فأنا منتقمٌ بهم منهم ‪ ،‬وأ ْ‬
‫ل عز ‪ .‬فقال له رستم ‪ :‬ما هو؟ قال؛ أما‬ ‫يرغب عنه أحد إلّ ذل‪ ،‬ول يعتصم به أحد إ ّ‬
‫عموده الذي ل يصلح إل به فشهادة أنْ ل إله إل ال وأن محمداً رسول ال‬
‫[ والِقرار بما جاء به من عند ال ] قال ‪ [ :‬ما أحسن هذا ؟ ] وأقي شيء أيضاً ؟‬
‫ن وأيُ شيء أيضاً ‪:‬‬ ‫قال ؛ وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ال ‪ .‬قال ؛ حس ٌ‬
‫قال ‪ ] :‬والناس بنو آدم وحواء إخوة لب وأم قال ‪ :‬ما أحسن هذا ؟ ثم قال رستم ‪:‬‬
‫أرأيت إنْ أجبتُ إلى هذا ومعي قومي كيفً يكون أمركم ؟ أترجعون ؟ قال ‪ :‬أيْ‬
‫وال [ ثم ل نقربُ بلدكم أبداً إل في تجارة أو حاجة ] قال ‪ :‬صَدَ ْقتَني وال ‪ ،‬أما إن‬
‫أهل فارس منذ ولّي أردشير لم يدعوا أحداً يخرج من عمله من السفلة ‪ ،‬وكانوا‬
‫يقولون ‪ :‬إذا خرجوا من أعمالهم تعدوا طورهم وعادوا اشرافهم ‪ .‬فقال له زهرة ‪:‬‬
‫نحن خير الناس للناس فل نستطيع أن نكون كما تقولون بل نطيع ال في السفلة ول‬
‫يضرنا من عصى ال فينا ‪.‬‬
‫[ المراسلة بين سعد ورستم ]‬
‫فانصرف عنه ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا فأنِفُوا ‪ [ ،‬فقال ‪ :‬أبعدكم ال‬
‫ل نكلّمه‬
‫وأسحقكم ‪ ،‬أخزي ال أخرعنا وأجبننا ]‪ ،‬فأرسل إلى سعد أن ابعث إلينا رج ً‬
‫ويكلّمنا ‪.‬‬
‫فدعا سعد جماعة ليرسلهم إليهم فقال له ربعي بن عامر‪ [ :‬إنّ العاجم لهم آراء‬
‫وآداب و ] متى نأتهم جميعًا َيرَوا أنّا قد احتفلنا بهم فل َتزِدْهُم على رجل ‪.‬‬
‫[فمالَئوه جميعًا على ذلك ] فأرسله وحده ‪ ،‬فسار إليهم فحبسوه على القنطرة‬
‫وأعلم رستم بمجيئه [ فاستشار عظماء فارس فقال ‪ :‬ما ترون أنباهي أم نتهاون ؟ ‪.‬‬
‫فأجمع ملهم على التهاون ] فأظهر زينته ‪ ،‬وجلس على سرير من ذهب ‪،‬‬
‫وبسطَ‬
‫البُسُط ‪ ،‬والنمارق ‪ ،‬والوسائد المسوجة بالذهب ‪ ،‬وأقبل ربعي على فرسه وسيفه‬
‫خرْقَه ورمحه مشدود بعصب وقدّ ‪،‬فلما انتهى إلى البُسُط قيل له ‪ :‬انزل فحمل‬ ‫في ِ‬
‫فرسه عليها ونزل ‪ ،‬وربطها بوسادتين شقهما وأدخل الحبلَ فيهما فلم [ يستطيعوا أنْ‬
‫] ينه َوهْ وأروه التهاون [وع ِرفَ ما أرادوا فأراد استحراجهم ] وعليه درع وأخذ‬
‫عباءة بعيره فتدرعها وشدّها على وسَطَه بسلب [فقالوا ] ‪ :‬ضع سلحك ‪.‬‬
‫ن آتيكم إلّ‬
‫فقال ‪ :‬لم آتِكم فأضع سلحي بأمركم ‪ ،‬أنتم دعوتموني [ فإنْ أبيتم أ ْ‬
‫كما أريد وإلّ رجعتُ ] ‪.‬‬
‫فاخبروا رستم فقال ‪ :‬ائذنوا له [ هل هو إلّ رجل واحد ] ‪.‬‬
‫فأقبل يتوكأ على رمحه ويقارب خطوه [ ويزج النمارق والبسط ] فلم يدع لهم‬
‫نمرقاً ول بساطًا إلّ أفسده وهتّكه ‪ ،‬فلما دنا من رستم جلس على الرض وركز‬
‫رمحه على البُسْط لقيل له ‪ :‬ما حملك على هذا؟‬
‫قال ‪ :‬إنّا ل نستحب القعودَ على زينتكم [ هذه ] فقال له ترجمان رستم واسمه‬
‫عبود من أهل الحيرة ما جاء بكم ؟ قال ‪ :‬ال جاء بنا وهو بعثنا لنخرج من يشاء من‬
‫سعَتها ‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل الِسلم ‪ ،‬فأرسلنا‬ ‫عباده من ضيق الدنيا إلف َ‬
‫ن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه‬ ‫بدينه الى خلقه [ لندعوهم إليه ] فمَ ْ‬
‫دوننا ‪ ،‬ومن أبى قاتلناه حتى نُ ْفضِي إلى الجنة أو الظفر‪ .‬فقال رستم ‪ :‬قد سمعنا‬
‫قولكم فهل لكم أنْ تؤخّروا هذا المر حتى ننظر فيه [ وتنظروا ] ؟ قال [ نعم كم‬
‫أحبّ إليكم أيومًا أو يومين ؟ قال ‪ :‬بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساءِ قومنا –وأراد‬
‫ن لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم [ وعمل‬ ‫مقاربته ومدافعته فقال ‪ ] :‬وإنّ مما س ّ‬
‫به أئمتنا ] أنْ ل نمتهَن العداء أكثر من ثلث فنحن مترددون عنكم ثلثاً فانظر في‬
‫أمرك واختر واحدةً من ثلث بعد الجل ‪ :‬إما السلم وندعك وأرضك ‪ ،‬أو الجزاء‬
‫فنقبل ونكف عنك ‪ ،‬وإنْ احتجت الينا نصرناك ‪ ،‬أو‬
‫المنابذة في اليوم الرابع ) [ ولسنا نبدأك فيما بيننا وبين اليوم الرابع ] إ ّ‬
‫ل أنْ‬ ‫‪(1‬‬

‫ل بذلك عن أصحابي‪.‬‬ ‫تبدأنا ‪ ،‬أنا كفي ٌ‬


‫قال ‪ :‬أسيدُهُم أنت ؟ قال ‪ :‬ل ولكن المسلمين كالجسد الواحد بعضُهم من بعض‬
‫يجير أدناهم على أعلهم ‪.‬‬
‫فخل رستم برؤساء قومه فقال ‪ [ :‬ما ترون ] ؟ هل رأيتم كلمًا قط أعزّو أوضح‬
‫من كلم هذا الرجل ؟‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬معاذ ال أنْ نميل إلى دين هذا الكلب ‪ ،‬أما تري إلى ثيابه فقال ‪ :‬ويحكم‬
‫ل تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا الى الرأي والكلم ‪ ،‬والسيرة إنّ العرب تستخف‬
‫باللباس [ والمأكل ] وتصون الحساب ليسوا مثلكم ‪.‬‬
‫فلما كان من الغد أرسل رستم إلى سعد أن ابعث إلينا ذلك الرجل فبعث إليهم‬
‫حذيفة بن محصن فأقبل في نحو من ذلك الزي ‪ ،‬ولم ينزل عن فرسه ‪ ،‬ووقف على‬
‫رستم راكباً قال له ‪ :‬انزل قال ‪ :‬ل أفعل فقال له ‪ :‬ما جاء بك ولم يجىء الول ؟ قال‬
‫ن يعدل بيننا في الشدة والرخاء ‪ ،‬وهذه نوبتي فقال ‪ :‬ما جاء‬ ‫ن أميرنا يحبّ أ ْ‬ ‫له ‪ :‬إ ّ‬
‫بكم ؟ فأجابه مثل الول فقال رستم ‪ :‬المواعدة إلى يوم ما ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ثلثاً من‬
‫أمس ‪ ،‬فردّه ‪ ،‬وأقبل على أصحابه وقال ‪ :‬ويحكم أما ترون ما أرى ؟ جاءنا الول‬
‫بالمس فغلبنا على أرضنا وحقّر ما نعظم وأقام فرسه على زبرجنا [ وربطه به ] ‪.‬‬
‫وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا وهو في يمن الطائر يقوم علن أرضنا دوننا ‪ [ ،‬حتى‬
‫أغضبهم وأغضبوه ] ‪ .‬فلما كان الغد أرسل ؛ ابعثوا الينا رجلً ‪ .‬فبعث المغيرة بن‬
‫علَى غلوة ل‬ ‫ش ْعبَة ) فاقبل اليهم وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبُسُطهم َ‬
‫‪(2‬‬
‫ُ‬
‫يوصل إلى‬
‫صاحبهم حتى يمشي عليها ‪ ،‬فأقبل المغيرة حتى جلس مع رستم علن سريره‬
‫فوثبوا عليه وأنزلوه ومعكوه ‪ ،‬وقال ‪ " :‬قد كانت تبلغنا عنكم الحلم ول أرى قوماً‬
‫أسفه منكم إنّا معشر العرب ل نستعبد بعضنا بعضًا [ إل أنْ يكون محارباً لصاحبه ]‬
‫ن تخبروني‬ ‫فظننت أنّكم تواسون قومكم كما نتواسى ‪ ،‬فكان أحسن من الذي صنعتم أ ْ‬
‫ن هذا المر ل يستقيم فيكم ول يصنعه أحد ‪ ،‬واني لم‬ ‫أنّ بعضكم أرباب بعض فإ ّ‬
‫آتكم ولكن دعوتموني ‪ ،‬العِوم علمتُ [ أنّ أمركم مضمحل و ] أنكم مغلبون ‪ ،‬وأنّ‬
‫ملكاً ل يقوم على هذه السيرة ول على هذه العقول " ‪.‬‬
‫فقالت السفلة ‪ :‬صدق وال العربي ‪ ،‬وقالت الدهاقين ‪ :‬وال لقد رمن بكلمِ‬
‫ل أولينا [ ما كان أحمقهم ] حين كانوا‬ ‫ل تزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل ا ّ‬
‫يصغَرُون أمر هذ َه المة ‪.‬‬
‫ثم تكلم رستم فحمد قومه وعظم أمرهم وقال ‪ :‬لم نزل متمكنين في البلد‬
‫ع ّزنَا وسلطا ِننَا ننصر‬
‫ظاهرين على العداء ‪ ،‬أشرافاً في المم فليس لحدٍ مثل ِ‬
‫عليهم ول ينصرون علينا إل اليوم ‪ ،‬واليومين ‪ ،‬والشهر للذنوب ‪ ،‬فإذا انتقمِ الّ منا‬
‫ورضي علينا رد لنا الكرّة على عدونا ‪،‬ولم يكن في المم أمة أصغر عندنا أمراَ‬
‫منكم كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة ل نراكم شيئاً وكنتم تقصدوننا إذا قَحطتْ بلدكم‬
‫فنأمر لكم بشيء من التمر ‪ ،‬والشعير ‪ ،‬ثم نردّكم ‪ ،‬وقد علمتُ أنه لم يحملكم على ما‬
‫صنعتم إل [ ما أصابكم من ] الجهد في بلدكم فأنا آمرٌ لميركم بكسوة وبغل ‪ ،‬وألف‬
‫درهم ‪ ،‬وأمر لكل منكم بوقر تمر وتنصرفون عنا فإني لستُ أشتهي أن أقتلكم [ ول‬
‫أسركم ] ‪ .‬فتكلم المغيرة فحمد ال وأثنى عليه وقال ‪ :‬إن ال خالق كل شيء ورازقه‬
‫فمن‬
‫صنع شيئاً فإنما هو بصنعه ‪ ،‬وأمّا الذي ذكرت به نفسك وأهل بلدك فنحن‬
‫ل صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم ‪ ،‬وأما الذي ذكرت فينا من سوء‬ ‫نعرفه فا ّ‬
‫الحال والضيق والختلف فنحن نعرفه ولسنا ننكره والّ ابتلنا به والدنيا ُدوَل ‪ ،‬ولم‬
‫يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه ‪ ،‬ولم يزل أهلُ الرخاء يتوقعون‬
‫الشدائد حتى تنزل بهم [ ويصيروا إليها ] ولو شكرتم ما آتاكم ال لكان شكركم‬
‫يقصر عما أوتيتم وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغيّر الحال ‪ ،‬ولو كنا فيما ابتلينا به‬
‫ل رحمة ورأفة علينا ‪ [ ،‬ولكن‬ ‫أهل الكفر لكان عظيم ما ابتلينا به مستجلبًا من ا ّ‬
‫الشأن غير ما تذهبون إليه أو كنتم تعرفوننا‬
‫به ] ‪ ،‬إنّ ال تبارك وتعالى بعث فينا رسولً ‪ -‬ثم ذكر مثل ما تقدم من ذكر‬
‫الِسلم ‪ ،‬والجزية ‪ ،‬والقتال ‪ .‬وقال له ‪ :‬وإنّ عيالنا قد ذاقوا طعام بلدكم فقالوا ‪ :‬ل‬
‫صبر لنا عنه ‪.‬‬
‫فقال رستم ‪ :‬إذاً تموتون دونها فقال المغيرة ‪ :‬يدخل من قتل منا الجنة ومن قتل‬
‫منكم [ يدخل ] النار ‪ ،‬ويظفر مَنْ بقي منا بمن بقي منكم ‪.‬‬
‫فاستشاط رستم غضباً ثم حلف [ بالشمس ] أنْ ل يرتفع الصبح غداً حتى نقتلكم‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫وانصرف المغيرة وخلص رستم بأهل فارس وقال ‪ :‬أين هؤلء منكم ! هؤلء‬
‫صوْبهم‬
‫ل لئن كان َبلَ َغ من عقلهم و َ‬
‫والته الرجالَ صادقين كانوا أم كاذبين ‪ -‬وا ّ‬
‫سرّهم أنْ ل يختلفوا فما قومٌ أبلغ لما أرادوا منهم ‪ ،‬ولئن كانوا صادقين فما يقوم‬ ‫لِ ِ‬
‫ل إني لعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم ‪،‬‬ ‫لهؤلء شيء ‪ .‬فلجوا وتجلدوا وقال ‪ :‬وا ّ‬
‫وإن هذا‬
‫منكم رئاء ‪.‬‬
‫خلْف المنيرة ‪ ،‬وقال له ‪ :‬إذا قطع القنطرة‬ ‫فازدادوا لجاجة ‪ ،‬فأرسل رستم رسولً َ‬
‫[ ووصل إلى أصحابه ] فأعلمه أن عينه تُفْقَا غداً فأعلمه الرسول ذلك فقال‬
‫المغيرة ‪ :‬بشرتني بخيرٍ وأجر ‪ ،‬ولول أنْ أجاهد بعد هذا اليوم أشباهكم من‬
‫ن الخرى ذهبت [ أيضًا فرآهم يضحكون من مقالته ويتعجبون‬ ‫المشركين لتمنيت أ ّ‬
‫من بصيرته ] ‪ ،‬فرجع إلى رستم فأخبره فقال ‪ :‬أطيعوني يا أهل فارس إني لرى ل‬
‫فيكم نقمة ل تستطيعون ردها ‪ .‬ثم أرسل إليه سعد بقية ذوي الرأي فساروا ‪ -‬وكانوا‬
‫ثلثة ‪ -‬إلى رستم فقالوا له ‪:‬‬
‫إنّ أميرنا يدعوك إلى ما هو خير لنا ولك ‪ ،‬والعافية أنْ تقبل ما دعاك إليه‬
‫ونرجع إلى أرضنا وترجع إلى أرضك وداركم لكم ‪ ،‬وأمركم فيكم ‪ ،‬وما أصبتم‬
‫عوْنًا لكم علن أحد إنْ أرادكم ‪ ،‬فاتق ال‬ ‫[ مما وراءكم ] كان زيادة لكم دوننا ‪ ،‬وكنا َ‬
‫ول يكونَن هلكُ قومك علن يدك ‪ ،‬وليس بينك وبين أن تغبط بهذا المر إلّ أنْ‬
‫تدخل فيه وتطرد به الشيطان عنك ‪.‬‬
‫فقال لهم ‪ :‬إنّ المثال أوضح من كثير من الكلم [ وسأضرب لكم مثلكم تبصروا‬
‫‪ ] :‬إنكم كنتم أهل جهد [ في المعيشة ] وقشف [ في الهيئة ] ل تنتصفون ول‬
‫تمتنعون فلم نسِىءْ جوارَكم ‪ ،‬وكنا نميركم ونحسن إليكم ‪ ،‬فلما طعمتم طعامنا‬
‫وشربتم شرابنا وصفتم لقومكم ذلك ودعوتموهم ‪ ،‬ثم أتيتمونا ‪.‬‬
‫وإنما مثلكم ومثلنا كمثل رجل كان له َكرْم فرأي فيه َثعْلباً ‪ ،‬فقال ‪ :‬وما ثعلب ؟‬
‫فانطلق الثعلبُ فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم ‪ ،‬فلما اجتمعوا إليه سد صاحب الكرم‬
‫النقب الذي كن يدخلن منه فقتلهن ‪.‬‬
‫ن الذي حملكم على هذا ‪ :‬الحرص [ والطمع ] والجهد فارجعوا [ عنا‬ ‫فقد علمت أ ّ‬
‫عامكم هذا ] ونحن نميركم فإني ل أشتهي أنْ أقتلكم ‪.‬‬
‫ومثلكم أيضًا ‪ :‬كالذباب يرى العسل فيقول ‪ :‬مَنْ يوصلني إليه وله درهمان ؟ فإذا‬
‫ق ونشب ‪ ،‬فيقول ‪ :‬من يخرجني وله أربعة دراهم ؟‬ ‫غرِ َ‬
‫دخله َ‬
‫ل وضع سلةً ‪ ،‬وجعل طعاماً فيها فأتن الجرذان فخرقوا‬ ‫وقال أيضًا ‪ :‬إنّ رج ً‬
‫السلة ‪ .‬فدخلوا فيها فأراد سَدّها فقيل له ‪ :‬ل تفعل إذن تخرقه لكن انقب بحياله ثم‬
‫اجعل قصبة مجوفة فإذا دخلها الجرذان وخرجن منها فاقتل كل ما خرج منها ؛ وقد‬
‫سددت عليهم أنْ يقتحموا القصبة ول يخرج منها أح ٌد إل قتل ‪.‬‬
‫فما دعاكم إلى ما صنعتم ؟ ول أري عدداً ول عُدّة ‪.‬‬
‫سؤَ حالهم وما مَنّ ال به عليهم من إرسال رسوله‬ ‫قال ‪ :‬فتكلم القوم وذكروا ُ‬
‫واختلفهم أولً ثم اجتماعهم على السلم ‪ ،‬وما أمرهم به من الجهاد وقالوا ‪:‬‬
‫وأما ما ضربتَ لنا من المثال فليس كذلك ولكن [ سنضرب مثلكم ] ‪ :‬إنما‬
‫ب ] وأجرى إليها‬ ‫مثلكم كمثل رجل غرس أرضاً واختار لها الشجر [ والح ّ‬
‫النهار‪ ،‬وزينها بالقصور‪ ،‬وأقام فيها فلحين يسكنون قصورها ويقومون على‬
‫جناتها ‪ ،‬فخل الفلحون في القصور على ما ل يحبّ ‪ [ ،‬وفي الجنان بمثل ذلك ]‬
‫حيِوا [ مِنْ تلقاء أنفسهم استعتبهم فكابروه ] فدعا إليها غيرهم‬ ‫ستَ ْ‬
‫فأطال إمهالهم فلم يَ ْ‬
‫وأخرجهم منها‪ ،‬فإن ذهبوا عنها تخطفهم الناس ‪ ،‬وإنْ أقاموا فيها صاروا خول‬
‫لهؤلء فيسومونهم الخسف أبداً‪.‬‬
‫وال لو لم يكن ما نقول ‪ ،‬حقًا ولم يكن إل الدنيا لما صبرنا عن الذي نحن فيه‬
‫من لذيذِ عيشكم ورأينا مِنْ زبرجكم ولقارعناكم أ حتى نغلبكم ] عليه ‪ ،‬فقال رستم‬
‫‪ :‬أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬بل اعبروا إلينا ورجعوا من عنده عشيّا ‪.‬‬
‫وأرسل سعدٌ إلى الناس أن يقفوا مواقفهم ‪ ،‬وأرسل إليهم شأنكم والعبور فأرادوا‬
‫القنطرة فقال ‪ :‬ل ول كرامة أما شيء غلبناكم عليه فلن نرده عليكم [ َتكَفّلوا معبراً‬
‫غير ا لقناطر ! ] ‪.‬‬
‫فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بالتراب والقصب والبراذع حتى جعلوه‬
‫طريقاً واستتم بعدما ارتفع النهار‪.‬‬
‫)‬
‫ي أصحابه فختم علينا‬ ‫‪(1‬‬
‫ورأى رستم من الليل كأنَ َملَكاً نزل من السماء فأخذ قس ّ‬
‫ثم صد بها إلى السماء ‪ ،‬فاستيقظ مهموماً واستدعى خاصّته فقصّها عليهم ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬إنّ ال ليعظُنا لو اتّعظنا‪.‬‬
‫ولما ركب رستم ليعبر كان عليه درعان ‪ ،‬ومغفر ‪ ،‬وأخذ سلحه ‪ [ ،‬وأمر‬
‫ى به ] فوثب فإذا هو على فرسه ولم يضع رجله في الركاب ‪،‬‬ ‫بفرسه فأسرج فأت ِ‬
‫وقال ‪ :‬غداً نَدُقهُم َدقّا ‪:‬‬
‫)‬
‫‪(2‬‬
‫فقال له رجل ‪ :‬إن شاء ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإنْ لم يشأ ‪ .‬ثم قال ‪ :‬إنّما ضغا الثعلب‬
‫حين مات السد ‪-‬يعني كسرى ‪ ، -‬وإنّي أخشن أنْ تكون هذه سنَةُ القرود ‪ ،‬وإنما‬
‫قال ‪ :‬هذه الشياء توهينا للمسلمين عند الفرس؛ وإل فالمشهور عنه الخوف من‬
‫المسلمين وقد أظهر ذلك إلى من يثق به ‪.‬‬
‫ذكر يوم أرماث‬
‫‪)(1‬‬
‫عبّى‬
‫عبَر الفرس العتيق جلس رستم علن سريره وضرب عليه طيارة ‪ .‬و َ‬ ‫لما َ‬
‫ل عليها صناديق ورجال ‪ ،‬وفي المجنبتين ثمانية أو سبعة ‪،‬‬ ‫في القلب ثمانية عشر في ً‬
‫وأقام الجالينوس بينه وبين ميمنته والفيرزان بينه وبين ميسرته [ وبقيت القنطرة بين‬
‫الخيلين ]‪.‬‬
‫ل على كل دعوة رجلً أوّلهُم على‬ ‫وكان يزدجرد قد وضع بينه وبين رستم رجا ً‬
‫باب‬
‫إيوانه وآخرهم مع رستم ‪ ،‬فكلما فعل رستم شيئًا قال الذي معه للذي يليه ‪ :‬كان‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬ثم يقول الثاني ذلك للذي يليه وهكذا إلى أنْ ينتهي إلى يزدجرد في أسرع‬
‫وقت ‪.‬‬
‫وأخذ المسلمون مصافهم ‪ ،‬وكان بسعد َدمَا ِميْل وعِرق النسا فل يستطيع الجلوس‬
‫إنما هو مُكب على وجهه في صدره وسادة على سطح القصر يشرف علن الناس‬
‫والصفّ في أصل حائطه لو تعداه الصف ُفوَاق ناقة ) لخذ برمته فما كرته هول‬
‫‪(2‬‬

‫تلك اليام شجاعة ‪ ،‬وذكر ذلك الناس وعابه بعضهم بذلك فقال ‪:‬‬
‫نقاتل حتى انزل ال نصره ) وسعد بباب القادسية معصم‬
‫‪(3‬‬

‫فابنا وقد امت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن ايم‬
‫فبلغت أبياته سعداً فقال ‪ " :‬اللهم إنْ كان هذا كاذبًا وقال الذي قاله ‪ ،‬رياء‬
‫‪)(1‬‬
‫غرَب‬ ‫وسمعة فاقطع عني لسانه " فإنّه لواقف في الصف يومئذ اتاه سهم َ‬
‫فأصاب لسانه فما تكلم بكلمة حتى لحق بال تعالى ‪ ،‬وقال جرير بن عبدال نحو ذلك‬
‫أيضاً ‪ :‬وكذلك غيره‪.‬‬
‫ونزل سعد إلى الناس فاعتذر إليهم وأراهم ما به من القروح في فخذيه وإليتيه‬
‫فعذره الناس وعلموا حاله ‪ ،‬ولما عجز عن الركوب استخلف خالد بن عُرفطة‬
‫على الناس فاختلف عليه فأخذ نفراً ممن شغب عليه فحبسهم في القصر ‪ ،‬منهم أبو‬
‫علْمَ الناسَ أنه‬
‫محجن الثقفي وقيّدهمٍ وقيل ‪ :‬بل كان حبس أبي محجن بسبب الخمر‪-‬وأ َ‬
‫قد استخلف خالدا وإنما يأمرهم خالد فسمعوا وأطاعوا ‪ ،‬وخطب الناس يومئذ ‪ ،‬وهو‬
‫يوم الثنين من المحرم سنة أربع عشرة وحثهم على الجهاد وذكّرهم ما وعدهم ال‬
‫من فتح البلد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من الفرس ‪ ،‬وكذلك فعل أمير كل‬
‫قوم ‪ ،‬وأرسل سعد نفراً من ذوي الرأي والنجدة ‪ ،‬منهم المغيرة وحذيفة ‪ ،‬وعاصم ‪،‬‬
‫وطليحة ‪ ،‬وقيس السدي ‪ ،‬وغالب ‪ ،‬وعمرو بن معد يكرب وأمثالهم ‪ ،‬ومن الشعراء‬
‫الشماخ ‪ ،‬والحطيئة ‪ ،‬وأوس بن مغراء ‪ ،‬وعَبدة بن الطبيب وغيرهم ‪ ،‬وأمرهم‬
‫بتحريضى الناس على القتال ففعلوا ‪.‬‬
‫وكان صف المشركين على شفير العتيق ‪ ،‬وكان صف المسلمين مع حائط قديس‬
‫والخندق ‪ ،‬فكان المسلمون والمشركون بين الخندق والعتيق ومع الفرس ثلثون ألف‬
‫شتْ‬‫مسلسل ‪ ،‬وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد ‪ ،‬وهي النفال ‪ ،‬فلما ُق ِر َئتْ هَ ّ‬
‫قلوبُ الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها ‪.‬‬
‫ِفلما فرغ القراء منها قال سعد ‪ :‬الزموا مواقفكم حتى تُصلوا الظهر فإذا صليتم‬
‫فإني مكب ٌر تكبيرة فكبروا واستعدوا فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم ‪ ،‬ثم إذا‬
‫كبّرتً الثالثة فكبروا لينشط فرسانكم الناس ‪ ،‬فإذا ك َب ْرتُ الرابعة فازحفوا جميعًا حتى‬
‫تخالطوا عدوّكم وقولوا ‪ :‬ل حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال وخرج إِليهم من الفرس‬
‫أمثالهم فاعتوروا الطعن والضرب ‪ ،‬وقال غالب بن عبدال السدي ‪:‬‬
‫قد علمت واردة المسائح ذات اللسان والبيان الواضح‬
‫أني سمام البطل المسالح وفارج المم المهم الفادح‬
‫فخرج إليبه هرمبز وكان مبن ملوك الباب [ والبواب ] وكان ُم َتوّجاً فأسبره غالب‬
‫فجاء به سندًا ورجع ‪ ،‬وخرج عاصم وهو يقول ‪:‬‬
‫قد علمت بيضاء صفراء اللبب مثل اللجين إذْ تغشاه الذهب‬
‫أنّي امرؤٌ ل من يُعنيه السبب ) مثلي علن مثلك يغريه العتب‬
‫‪(1‬‬

‫فطارد فارسياً فانهزم فاتبعه عاصم حتى خالط صفهم فحموه ‪ ،‬فأخذ عاصم رجلً‬
‫على البغل وعاد به وإذ هو خبّاز الملك معه من طعام الملك وخبيصة فاتى به‬
‫عمْرو بن معد‬‫سعدا فنفله أهل موقفه ‪ ،‬وخرج فارسيٌ فطلب البراز فبرز إليه َ‬
‫يكرب فأخذه وجلد به الرض فذبحه وأخذ سوا َريْه ومنطقته ‪.‬‬
‫وحملت الفيلةُ عليهم ‪ ،‬ففرقت بين الكتائب فنفرتْ الخيلُ وكانت الفرسُ قد‬
‫ل بجيلة فكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها‬ ‫ل فنفرت خي ُ‬
‫قصدت بجيلة بسبعة عشر في ً‬
‫عنها وعمن معها ‪ ،‬وأرسل سعد إلى بني أسد أنْ دافعوا عن بجيلة وعمن معها من‬
‫الناس ‪ ،‬فخرج طليحة بن خويلد وحمال بن مالك في كتائبهما فباشروا الفيلة حتى‬
‫عدلها ركبانها ‪ ،‬وخرج إلى طليحة عظيمٌ منهم فقتله طليحة ‪.‬‬
‫وقام الشعث بن قيس في كندة [ حين استصرخهم سعد ] فقال ‪ :‬يا معشر‬
‫ل قوم‬‫كندة ل درّ بني أسد أي فري يفرون وأي هز يهزون عن موقفهم أغنى ك ّ‬
‫ما يليهم وأنتم تنتظرون من يكفيكم [ البأس ] ‪،‬أشهد ما أحسنتم أسوة قومكم من‬
‫العرب أ منذ اليوم وأنهم ليقتلون ويقاتلون وأنتم جثاة على الركب تنظرون فوثب إليه‬
‫عددٌ منهم عشرة فقالوا ‪ :‬عثر ال جدك إنك لتؤبسنا جاهداً ونحن أحسن الناس موقفاً‬
‫فمن أين خذلنا قومنا العرب وأسأنا أسوتهم فها نحن معك ] فنهد ونهدوا معه فأزالوا‬
‫الذين بإزائهم ‪ ،‬فلما رأى الفرس مما يلقى الناس والفيلة من [ كتيبة ] أسد رموهم‬
‫بحدهم وحملوا عليهم وفيهم ذو الحاجب ؛ والجالينوس ‪ ،‬والمسلمون ينتظرون‬
‫التكبيرة الرابعة من سعد ‪ ،‬فاجتمعت‬
‫حَلبَةٌ فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة فثبتوا لهم وكبر سعد الرابعة وزحف‬ ‫َ‬
‫إليهم المسلمون ‪ ،‬ورحا الحرب تدور علن أسد ‪ ،‬وحملت الفيول على الميمنة‬
‫والميسرة فكانت الخيول تحيد عنها فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو التميمي ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬يا معشر بني تميم [ ألستم أصحاب البل والخيل ] أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة ؟‬
‫قالوا ‪ :‬بلى وال ‪ ،‬ثم نادي في رجال من قومه رماة وآخرين لهم ثقافة فقال ‪ :‬ا يا‬
‫معشر الرماة ُذبّوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل وقال ‪ :‬يا معشر أهل الثقافة استدبروا‬
‫الفيلة فقطعوا وضنها ) وخرج لجميهم ‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫ورحا الحرب تدور على أسد ‪ ،‬وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد ‪ ،‬وأقبل‬
‫أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذناب توابيتها فقطعوا وضنها وأرتفع عوَاؤهم‬
‫فما بقي لهم فيل إل أوى وقتل أصحابها ‪ ،‬ونُ ّفسَ عن أسد ‪ ،‬وردوا فارساً عنهم إلى‬
‫مواقفهم واقتتلوا حتى غربت الشمس ‪ ،‬ثم حتى ذهبت هدأةُ ) من الليل ‪ ،‬ثم رجع فى‬
‫‪(2‬‬

‫هؤلء وهؤلء‪.‬‬
‫وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة وكانوا ردءاً للناس ‪ ،‬وكان عاصم حامية‬
‫للناس ‪.‬‬
‫وهذا اليوم الول وهو يوم أرماث فقال عمرو بن شاس السدي ‪:‬‬
‫جلينا الخيل من أكناف نيق إلى كسري فوافقها رعال‬
‫تركن لهم على القسام شَجْواً وبالحقوين أيامًا طوال‬
‫)‬
‫‪(3‬‬
‫قتلنا رستمًا وبنيه قسرا تثير الخيل فوقهم الهيال‬
‫البيات ‪ ،‬وكان سببعد قببد تزوج سببلمى امرأة المثنببى بببن حارتببي الشيبانببي بعده‬
‫بشراف ‪ ،‬فلما جال الناس يوم أرماث وكان سعد ل يطيق الجلوس جعل سعد يتململ‬
‫جزعاً فوق القصببر ‪ ،‬فلمببا رأتبْ سببلمى مببا يصببنع الفرس قالت ‪ :‬وامثيناه ول مثنببى‬
‫للخيل‬
‫اليوم ‪ ،‬قالت ذلك عند رجل صخر مما يرى في أصحابه ونفسه فلطمٍ وجهها ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬أين المثنى عن هذه الكتيبة التي تدور عليها الرحا يعني أسداً وعاصما ‪:‬‬
‫جبْناً فقال ‪ :‬وال ل يعذرني اليوم أحدٌ إن لم تعذريني وأنت ترين‬‫فقالت ‪ :‬أغيرة و ُ‬
‫ن ل يعذروني ] فتعلّقها الناس لم يبق شاعر إل اعت ّد بها‬‫ما بي [ والناس أحق أ ْ‬
‫عليه ‪ ،‬وكان غير جبان ول ملوم ‪.‬‬
‫ذكر يوم أغواث‬
‫ن ينقلهم [ إلى العذيب ] فسلّم‬
‫ولما أصبح القوم وكل سعد بالقتلى والجرحى مَ ْ‬
‫شرّق وهو وادٍ‬‫الجرحى الى النساء ليقمن عليهم ‪ ،‬وأمّا القتلى فدفنوا هنالك على مُ َ‬
‫بين العذيب وعين الشمس‪.‬‬
‫[ مقدم القعقاع بن عمرو ]‬
‫فلما نقل سعد القتلى والجرحى طلعت نواصي الخيل من الشام ‪ ،‬وكان فتح‬
‫دمشق قبل القادسية [ بشهر ] ‪ ،‬فلما قدم كتاب عمر على أبي عبيدة بن الجراح‬
‫بإرسال أهل العراق سَيرهم وعليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ‪ ،‬وعلى مقدمته‬
‫القعقاع بن عمرو التميمي ‪ ،‬فتعجل القعقاع فقدم على الناس صبيحة هذا اليوم وهو‬
‫يوم أغواث ‪ :‬وقد عهد إلى أصحابه أن يتقطعوا أعشارًا وهم ألف كلما بلغ عشرة‬
‫مدى البصر سرحوا [ في آثارهم ] عشرة فقدم أصحابه في عشرة فأتى الناس فسلم‬
‫عليهم وبشرهم بالجنود‪ ،‬وحرّضهم على القتال ‪ ،‬وقال ‪ :‬أ أيها الناس إنّي قد جئتكم‬
‫في قو ِم والته !نْ لو كانوا بمكانكم ثم أحسوكم حسدوكم خطوتها وحاول ا أن يطيروا‬
‫بها دونكَم ] اصنعوا كما أصنع ‪.‬‬
‫وطلب البراز فقالوا فيه ‪ :‬يقول أبو بكر ‪ :‬ل يُهزم جيش فيهم مثل هذا [ وسكنوا‬
‫إليه ]‪.‬‬
‫فخرج إليه ذو الحاجب فعرَفَه القعقاع فنادي ‪ :‬يالثارات أبي عبيد وسليط‬
‫وأصحاب الجسر‪ ،‬وتضاربا فقتله القعقاع‪.‬‬
‫ن لم يكن بالمس مُص ْيبَة ‪ ،‬وفرحوا‬ ‫وجعلت خيله ترد إلى الليل و ُتنَشَط الناس وكأ ْ‬
‫بقتل ذي الحاجب وانكسرت العاجم بذلك ‪.‬‬
‫وطلب القعقاع البراز فخرج إليه الفيرزان والبنذوان فانضم إلى القعقاع‬
‫الحارث بن ظبيان بن الحارث أحد بني تيم اللت فتبارزوا فقتل القعقاع الفيرزان‬
‫وقتل الحارث البنذوان ‪.‬‬
‫حصَد الناسُ‬ ‫ونادى القعقاع ‪ :‬يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما ُي َ‬
‫فاقتتلوا‬
‫حتى المساء فلم َي َر أهلُ فارس في هذا اليوم ما يعجبهم ‪ ،‬وأكثرَ المسلمون فيهم‬
‫القتل ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل ‪ ،‬كانتَ توابيتُها تكسّرت بالمس فاستأنفوا‬
‫عملها فلم يفرغوا منها حتى كان الغد ‪ ،‬وجعل القعقاع كلما طلعت قطعةٌ من أصحابه‬
‫َكبّر وكبّر المسلمون ‪ ،‬ويحمل ويحملون ‪ ،‬وحمل بنو عم للقعقاع عشرة عشرة على‬
‫إبل قد ألبسوها وهي مجلَلة مبرقعة وأطافت بهم خيولهم تحميهم وأمرهم القعقاع أنْ‬
‫يحملوها على خيل الفرس يتشبهون بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم وهو يوم أغواث كما‬
‫فعلت فارس يوم أرماث ‪ ،‬فجعلت خيل الفرس تفر منها وركبتها خيول المسلمين ‪،‬‬
‫ي الفرسُ من الِبل [ يوم أغواث ] أعظم ما لقي‬ ‫سرُوا بهم فلق َ‬
‫فلما رأى الناسُ ذلك ُ‬
‫المسلمون من الفيلة ‪ [ ،‬يوم أرماث ] ‪.‬‬
‫ل من تميم [ممن كان يحمي العشرة يقال له سواد] على "رستم "‬ ‫وحمل رج ٌ‬
‫يريد قتله ف ُقتِل دونه ‪ ،‬وخرج رجلٌ من فارس يبارز فبرز إليه العراف بن‬
‫العلم العقيلي فقتله ‪ ،‬ثم برز إليه آخر فقتله ‪ ،‬وأحاطت به فوارس منهم فصرعوه‬
‫وأخذوا سلحه فغبَر في وجوههم التراب حتى رجع إلى اصحابه ) ‪.‬‬
‫‪(1‬‬
‫وحمل القعقاع بن عمرو يومئذ ثلثين حملة كلما طلعت قطعةٌ حمل حملة‬
‫وأصاب فيها وقتل فكان آخرهم بزرجمهر الهمذاني ‪.‬‬
‫وبارز العور بن قطبة شهريار سجستان فقتل كل واحد منهما صاحبه ‪.‬‬
‫وقاتلت الفرسان إلى انتصاف النهار ‪ ،‬فلما اعتدل النهار وتزاحف الناس فاقتتلوا‬
‫حتى انتصف الليل ‪ ،‬فكانت ليلة أرماث تدعى الهدأة ‪ ،‬وليلة أغواث تدعى السواد‬
‫‪ .‬ولم يزل المسلمون يرون يوم أغواث الظفر ‪ ،‬وقتلوا فيه عامة أعلمهم ‪ ،‬وجالت‬
‫فيه خيل القلب ‪ ،‬وثبت رجلهم ‪ ،‬فلول أنّ خيلهم عادت أخِ َذ رستم أخْذًا ‪ ،‬وبات‬
‫الناس على [ مثل ] ما بات عليه القوم ليلة أرماث ‪ ،‬ولم يزل المسلمون ينتمون ) ‪،‬‬
‫‪(1‬‬

‫[ لدن أمسوا حتى تفايأوا ] فلما سمع سعد ذلك قال لبعض من عنده ‪ :‬إن تم الناس‬
‫على النتماء فل توقظني فإنهم أقوياء [ على عدوهم ] وإنْ سكتوا ولم ينت ِم الخرون‬
‫ن انتماءهم من السوء‬ ‫فل توقظني فإنهم على السواء‪ ،‬فإن سمعتهم ينتمون فأيقظني فإ ّ‬
‫‪.‬‬
‫[ قتال أبي محجن الثقفي ]‬
‫ولما اشتد القتال [ بالسواد ] وكان أبو محجن قد حبس و ُقيّد فهو في القصر‬
‫[ فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله فزبره وردّه فنزل ] قال لسلمى‬
‫زوج سعد؛ هل لك [ إلى خير؟ قالت ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ ] :‬أن تخلينَ عني وتعيريني "‬
‫ن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي ‪ ،‬فأبت ‪،‬‬ ‫سّل َمنِي ال أ ْ‬
‫البلقاء " فال عليّ إنْ َ‬
‫فقال ‪:‬‬
‫عَليً َوثَا ِقيَا‬
‫كفى حزنًا أنْ ترتدي الخيل بالقنا وأ ْت َركُ مَشْدودًا َ‬
‫إذَا ُق ْمتُ عناني الحديد وأغلقت مصارع دوني قد تصم المناديا‬
‫وقد كنت ذا مال كثير واخوة فقد تركوني واحداً ل أخاً ليا‬
‫ول عهد ل أخيس بعهده لئن فرجت أنْ ل أزور الحوانيا‬
‫فرقت له سلمى وأطلقته وأعطته البلقاء فرس سعد ) فركبها حتى إذا كان بحيال‬
‫‪(1‬‬

‫الميمنة َكبّر‪ ،‬ثم حمل على ميسرة الفرس ‪ ،‬ثم رجع خلف المسلمين وحمل على‬
‫ميمنتهم ‪ ،‬وكان يقصف الناس قصفاً منكراً وتعجب الناس منه وهم ل يعرفونه [ ولم‬
‫يروه من النهار ] فقال بعضهم ‪ :‬هو من أصحاب هاشم أو هاشم بنفسه ‪ ،‬وكان سعد‬
‫يقول ‪ [ :‬وهو مشرف على الناس مكبّ من فوق القصر وال ] لول محبس أبي‬
‫محجن لقلت ‪ :‬هذا أبو محجن وهذه البلقاء‪.‬‬
‫وقال بعض الناس ‪ :‬هذا الخضر‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬لول أنّ الملئكة ل تباشر‬
‫الحرب لقلنا ‪ :‬إنه ملك [ يثبتنا ول يذكره الناس ول يأبهون له لنه بات في محبسه ]‬
‫‪ .‬فلما انتصف الليل وتراجع المسلمون والفرس عن القتال أقبل أبو محجن فدخل‬
‫القصر وأعاد رجليه في القيد وقال ‪:‬‬
‫عِل َمتْ ثقيفُ غير فخر بأنا نحن أكرمهم سيوفاً‬‫لقد َ‬
‫وأكثرهم دروعاً سابغات وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا‬
‫وأنا وفدهم في كل يوم فإن عميوا فسل بهم عريفا‬
‫وليلة قادس لم يشعروا بي ولم أشعر بمخرجي الزحوفا‬
‫ن أحبس فذلكم بلئي وإنْ أترك أذيقهم الحتوفا‬ ‫فإ ْ‬
‫فقالت له سلمى ‪ :‬في أي شيء حبسك [ هذا الرجل ] ؟ ‪ .‬فقال ‪ :‬وال ما حبسني‬
‫بحرام أكلته ول شربته ولكنني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا امرؤ‬
‫شاعر يدب الشعر على لساني فقلت ‪:‬‬
‫إذا مت فادفِني إلى أصل كرمة تروّى عظامي بعد موتي عروقها‬
‫ول تدفنني بالفلة فإنني أخاف إذا ما مت أن ل أذوقها‬
‫فلذلك حبسني ‪ .‬فلما أصبحتْ ألَت سعداً فصالحته وكانت مغاضبة له وأخبرته‬
‫بخبر أبي محجن [ فدعا به ] فأطلقه فقال ‪ :‬أذهبْ فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله‬
‫جرَم [ وال ] ل أجيب لساني إلى [ صفة ] قبيح أبداً ‪.‬‬
‫حتى تفعله ‪ .‬قال ‪ :‬ل َ‬
‫* * *‬
‫ذكر يوم عماس‬
‫ثم أصبحوا اليوم الثالث وهم على مواقفهم ‪ ،‬وبين الصفين مِنْ قتلى المسلمين‬
‫ألفان من جريح وميت ‪ ،‬ومن المشركين عشرة آلف ‪ ،‬فجعل المسلمون ينقلون‬
‫قتلهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء‪ ،‬وكان النساء والصبيان يحفرون القبور‪،‬‬
‫وكان على الشهداء حاجب بن زيد‪.‬‬
‫وأما قتلى المشركين فبين الصفين لم ينقلوا‪ ،‬وكان ذلك مما قوَي المسلميِن ‪.‬‬
‫وبات القعقاع تلك الليلة يسرّب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه ‪ [ .‬من‬
‫المس ] وقال ‪ :‬إذَا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة فإنْ جاء هاشم فذاك وإلّ جددتم‬
‫للناس رجا ًء وجِ ّداً ‪.‬‬
‫[ ففعلوا ] ول يشعر به أحد‪ ،‬وأصبح الناس على مواقفهم ‪ ،‬فلما ذر قرنُ الشمس‬
‫أتبل أصحاب القعقاع فحين رآهم كبر وكبر المسلمون أ وقالوا ‪ :‬جاء المدد‪ ،‬وقد‬
‫كان عاصم بن عمرو أمر أن يصنع مثلها فجاؤوا من ِقبَل خفا] وتقدموا وتكتبت‬
‫الكتائب ‪ ،‬واختلفوا الضرب والطعن والمدد متتابع ‪ ،‬فما جاء آخر أصحاب القعقاع‬
‫حتى أنتهى إليهم هاشم فأخبر بما صنع القعقاع فعبى أصحابه سبعين سبعين ‪ ،‬وكان‬
‫فيهم قيس بن هبيرة بن عبد يغوث المعروف بقيس بن المكشوح المرادي ولم يكن‬
‫من أهل اليام إنما كان باليرموك فانتدب مع هاشم حتى إِذا خالط القلب كبر وكبر‬
‫المسلمون؛ [ وقد أخذوا‬
‫مصافهم ] وقال ‪ :‬هاشم أول قتال المطاردة‪ ،‬ثم المراماة‪ ،‬ثم حمل على‬
‫المشركين يقاتلهم حتى خرق صفهم إلى العتيق ثم عاد‪.‬‬
‫وكان المشركون قد باتوا يعملون توابيتهم حتى أعادوها وأصبحوا على مواقفهم‬
‫ن تقطع وضنها ومع الرجالة فرسان يحمونهم‬ ‫وأقبلت الرجالة مع الفيل يحمونها أ ْ‬
‫[ إذا أرادوا كتيبة دلفوا لها بفيل وأتباعه لينّفروا بهم خيلهم ] فلم تنفر الخيل منهم كما‬
‫ن الفيل إذا كان وحده كان أوحش وإذا أطافوا به كان انس ‪ [ ،‬فكان‬ ‫كانت بالمس ل ّ‬
‫القتال كذلك حتى عدل النهار ] وكان يوم عماس من ‪.‬أوله إلى آخره شديداً ‪ ،‬العرب‬
‫والعجم فيه سواء ‪ ،‬ول تكون بينهم نقطة إل أبلغوها يزدجرد بالصوات فيبعث إليهم‬
‫أهل النجدات ممن [ بقي ] عنده ‪ 1 ،‬فيقوون بهم ] فلول أنّ ال ألهم القعقاع ما فعل‬
‫سرَ ذلك المسلمين ‪.‬‬‫في اليومين [ وأتاح لهم بهاشم ] وإلّ كُ ِ‬
‫ل شديداً وحرّض أصحابه ‪،‬‬ ‫وقاتل قيس بن المكشوح وكان قد قدم مع هاشم قتا ً‬
‫وقال عمرو بن معد يكرب ‪ :‬إنّي حامل على الفيل ومن حوله لفيل بإزائهم فل َ‬
‫دَعُوني أكثر من جزر جزور فإن تأخرتم عني فقدتم أبا ثور يعني نفسه وأين لكم‬
‫مثل أبي ثور‪ [ .‬فإن أدركتموني وجدتموني وفي يدي السيد ] ‪.‬‬
‫فحمل وضرب فيهم حتى ستره الغبار وحمل أصحابه فأفرج المشركون عنه بعد‬
‫ما‪ .‬صرعوه ) وإنّ سيفه لفي يده يصارمهم وقد طُعن فرسه فأخذ بِرجل فرس‬
‫‪(1‬‬

‫أعجمي فلم يطق الجري فنزل عنه صاحبه الى أصحابه وركبه عمرو‪ ،‬وبرز‬
‫فارسي فبرز إليه رجل من المسلمين يقال له ‪ :‬شبر بن علقمة وكان قصيراً فترجل‬
‫الفارسي إليه فاحتمله وجلس على صدره ثم أخذ سيفه ليذبحه ‪-‬ومقود فرسه مشدود‬
‫في منطقته ‪ -‬فلما سلّ سيفه نفر الفرس فجذبه المقود فقلبه عنه وتبعه المسلم فقتله‬
‫وأخذ سلبه فباعه باثني عشر ألفًا ‪.‬‬
‫فلما رأى سعد الفيول قد فَرقت بين الكتائب وعادت لفعلها [ يوم أرماث ]أرسل‬
‫إلى القعقاع وعاصم ابني عمرو اكفياني البيض وكانت كلها آلفة له وكان‬
‫بإزائهما‪ ،‬وقال لحمال ‪ ،‬والزبيل ‪ :‬اكفياني " الجرب " وكان بازائهما فأخذ القعقاع‬
‫وعاصم رمحين [ أصميْن لينين ] وتقدما في خيل ورجل ‪ ،‬وفعل حمال ‪ ،‬والزبيل‬
‫بمثل فعلهما‬
‫[ فلما خالطوهما اكتنفوهما فنظر كل واح ٍد منهما يمنة ويسرة وهما يريدان أن‬
‫يتخبطا ] فحمل القعقاع وعاصم أ والفيل متشاغل بمن حوله ] فوضعا رمحيهما في‬
‫عيني الفيل البيض فنفض رأسه فطرح ساسته ودلى مشفره فضربه القعقاع فرمى‬
‫به ووقع لجنبه وقتلوا مَنْ كان عليه ‪ ،‬وحمل حمال ‪ ،‬والزبيل السديان على الفيل‬
‫الخر [ وهو متشاغل بملحظة من اكتنفه ] فطعنه حمال في عينه فأقعى ثم استوى‪،‬‬
‫وضربه الزبيل فأبان مشفره وبصر به سائسه فبقر أنفه وجبينه بالطبرزين فأفلت‬
‫الزبيل جريحًا فبقي الفيل جريحاً متحيراً بين الصفين كلما جاء صف المسلمين‬
‫وخزوه وإذا أتى صف المشركين نخسوه ‪ ،‬وولى الفيل وكان يدعى " الجرب ‪ ،‬وقد‬
‫عوّر حمال عينيه فألقى نفسه في العتيق فاتبعته الفيلة فخرقت صف العاجم فعبرت‬ ‫َ‬
‫في أثره فأتت المدائن في توابيتها وهلك من فيها‪.‬‬
‫فلما ذهبت الفيلة وخلص المسلمون والفرس ومال الظل تزاحف المسلمون‬
‫فاجتلدوا حق أمسوا وهم على السواء‪ ،‬فلما أمسى الناسُ اشتد القتالُ وصبر الفريقان‬
‫فخرجا على السواء ‪.‬‬
‫ذكر ليلة الهرير‪ ،‬وقتل رستم‬
‫قيل ‪ :‬إنما سميت بذلك لتركهم الكلم إنما كانوا يهرون هريراً ‪.‬‬
‫عمْراً ليلة الهرير إلى مخاضة أسفل العسكر ليقوما عليها‬ ‫وأرسل سعد طليح َة و َ‬
‫خشية أنْ يأتيَه القوم منها‪ [ .‬وقال لهما‪ :‬إنْ وجدتما القومَ قد سبقوكما إليها فانزل‬
‫ن لم تجداهم علموا بها فأقيما حتى يأتيكما أمري ]‪،‬‬ ‫بحيالهم إ ْ‬
‫فلما أتياها قال طليحة ‪ :‬لو خضنا وأتينا العاجم من خلفهم ‪ .‬قال عمرو‪ :‬بل نعبر‬
‫أسفل فافترقا ‪ ،‬وأخذ طليحة وراء العسكر وكبّر ثلث تكبيرات ‪ ،‬ثم ذهب وقد ارتاع‬
‫عمْرو فانه أغار‬
‫أهل فارس وتعجب المسلمون وطلبه العاجم فلم يُدْركوه ‪ ،‬وأما َ‬
‫أسفل المخاضة ورجع‪.‬‬
‫وخرج مسعود بن مالك السدي ؛ وعاصم بن عمرو‪ ،‬وابن ذي البردين‬
‫الهللي ‪،‬‬
‫وابن ذي السهمين ‪ ،‬وقيس بن هبيرة السدي وأشباههم فطاردوا القوم فإذا هم ل‬
‫يشدون ول يريدون غير الزحف فقدموا صفوفهم وزاحفهم الناس بغير إذن سعد‬
‫[ فأصيب ليلتئذ‬
‫خالد بن يعمر التميمي ثم العمري ] وكان أول من زاحفهم القعقاع ‪.‬‬
‫وقال سعد ‪ :‬اللهم اغفرها له وأنصره فقد أذنتُ له إِذْ لم يستأذني ‪ .‬ثم قال ‪ :‬أري‬
‫المر ما فيه هذا فإذا كبرت ثلثاً فاحملوا‪ .‬وكبر واحدة فلحقهم أسد فقال ‪ :‬اللهم‬
‫اغفرها لهم وانصرهم ‪ ،‬ثم حملت النخع فقال ‪ :‬اللهم أغفرها لهم وانصرهم ‪ ،‬ثم‬
‫حملت بجيلة فعقال ‪ :‬اللهم اغفرها لهم وانصرهم ‪ ،‬ثم حملت كندة فقال ‪ :‬اللهم‬
‫أغفرها لهم وانصرهم ‪ ،‬ثم زحف الرؤساء ورحا الحرب تدور على القعقاع ‪ ،‬وتقدم‬
‫حنظلة بن الربيع وأمراء العشار وطليحة ‪ ،‬وغالب ‪ ،‬وحمال وأهل النجدات ‪.‬‬
‫ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقبالً‬
‫بعدما صلوا العشاء‪ ،‬وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ) ليلتهم إلى‬
‫‪(1‬‬

‫الصباح وأفرغ ال الصبر عليهم إفراغاً‪ ،‬وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها‪ ،‬ورأي‬
‫العرب والعجم أمراً لم يروا مثله قط ‪ ،‬وانقطعت الخبار والصوات عن سعد‬
‫ورستم ‪ ،‬وأقبل سعد على الدعاء‪ ،‬فلما كان عند الصبح انتمى الناس فاستدل بذلك‬
‫على أنهم العلون ‪.‬‬
‫وكان أول شيء سمعه نصف الليل الباقي صوت القعقاع بن عمرو وهو يقول ‪:‬‬
‫نحن قتلنا معشراً وزائداً أربعة وخمسة وواحداً‬
‫نحسب فوق اللبد الساودا حتى إذا ماتوا دعوت جاهداً‬
‫ال ربي واحترزت عامداً‬
‫وقتلْت كندةُ تركبببا الطببببري ‪ ،‬وكان مقدّما فيهبببم ‪ ،‬وأصببببح الناس ليلة الهريبببر‪-‬‬
‫سمّى‬
‫وتُ َ‬
‫" ليلة القادسية " من بين تلك الليالي ‪ -‬وهم حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها فسار‬
‫القعقاع في الناس فقال ‪ " :‬انّ الدائر َة بعد ساعة لمن بدأ القوم ‪ .‬فاصبروا ساعة‬
‫واحملوا فإنّ النصر مع الصبر أ فآثِروا الصبر على الجزع ] ‪ .‬فاجتمع إليه جماعة‬
‫من الرؤساء وصمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح ‪ ،‬فلما رأتْ ذلك‬
‫القبائل قام فيها رؤساؤهم وقالوا‪ :‬ل يكونن هؤلء أج ّد في أمر ال منكم ‪ ،‬ول هؤلء‬
‫يعنىِ الفرس أجرأ على الموت منكم [ ول أسخى أنفسًا عن الدنيا تنافسوها ] فحملوا‬
‫فيما يليهم وخالطوا مَن بإزائهم فاقتتلوا حتى قام قائم الظهيرة‪ ،‬فكان أول من زال‬
‫الفيرزان ‪ ،‬والهرمزان‬
‫فتأخرُوا وثبتا حيث انتهيا‪ ،‬وانفرج القلب وركد عليهم النقع ‪ ،‬وهبت ريح‬
‫عاصف فقلعت طيارة رستم عن سريره فهوت في العتيق وهي دبور؛ ومال الغبار‬
‫عليهم ‪ ،‬وانتهى القعقاع ومن معه إلى السرير فعثروا به وقد قام رستم عنه حين‬
‫أطارت الريح الطيارة إلى بغال قد قدمت عليه بمال [ يومئذ ] فهي واقفة فاستظل في‬
‫ظل بغل وحمله ‪ ،‬وضرب هلل بن علفة ) الحمل الذي تحته رستم فقطع حباله‬
‫‪(1‬‬

‫ووقع عليه أحد العدلين ول يراه هلل ول يشعر به فأزال عن ظهره فقارا‪ ،‬وضربه‬
‫هلل ضربة فنفحت مسكاً‪ ،‬ومضى [ رستم ] نحو العتيق فرمى بنفسه فيه واقتحمه‬
‫هلل عليه [ فتناوله وقد عام وهلل قائم ] وأخذ برجليه ‪ ،‬ثم خرج به فضرب جبينه‬
‫بالسيف حتى قتله ثم ألقاه بين أرجا‪ ،‬البغال ‪ ،‬ثم صد السرير‪ ،‬وقال ‪ " :‬قتلتُ رستم‬
‫ورب الكعبة ‪ ،‬إلي إلي " فأطافوا به [ ول يحسُون السرير ول يرونه ] وكبروا فنفله‬
‫سعد سلبه ‪ ،‬وكان قد أصابه الماء ولم يظفر بقلنسوته ولو ظفر بها لكانت قيمتها مائة‬
‫ألف ‪.‬‬
‫ن هللً لما قصد رستم رماه رستم بنشابة أثبت قدمه بالركاب فحمل‬ ‫وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫عليه‬
‫هلل فضربه فقتله ‪ ،‬ثم احتز رأسه وعلقه ونادى ‪ " :‬قتلت رستم "‪ ،‬فانهزم قلب‬
‫المشركين وقام الجالينوس على الردم ونادي الفرس إلى العبور‪ ،‬وأما المقترنون‬
‫فإنهم جشعوا ) فتهافتوا في العتيق فوخزهم المسلمون برماحهم فما أفلت منهم‬
‫‪(2‬‬

‫مخبر‪ ،‬وهم ثلثون ألفاً ‪.‬‬


‫وأخذ ضرار بن الخطاب " ِدرَفش كابيان " وهو العلم الكبر الذي كان للفُرس‬
‫فعوض منه ثلثين ألفاً‪ ،‬وكانت قيمته ألف ألف ومائتي ألف )‪ ،‬وقتلوا في المعركة‬
‫‪(3‬‬

‫عشرة آلف سوى من قتلوا في اليام قبله ‪.‬‬


‫وقتل من المسلمين قبل ليلة الهرير ألفان وخمسمائة‪ ،‬وقتل ليلة الهرير ويوم‬
‫القادسية ستة آلف فدفنوا في الخندق حيال مشرّق ‪ ،‬ودفن من كان قبل ليلة الهرير‬
‫على مشرّق ‪ ،‬وجمعت السلب ‪ ،‬والموال ‪ ،‬فجمع منها شيءٌ لم يُجمع قبله ول‬
‫بعده مثله ‪ .‬وأرسل سعد إلى هلل فسأله عن رستم فأحضره فقال ؛ جَر ْدهُ إلّ ما‬
‫شئت فأخذ‬
‫حتى كادوا يقتتلون؛ وأقرع سعد بينهم فخرج سهم رجل فأذن ‪ ،‬وفضل أهل‬
‫البلء من أهل القادسية عند العطاء بخمسمائة خمسمائة وهم خمسة وعشرون رجلً‪،‬‬
‫منهم زهرة‪ ،‬وعصمة الضبي ‪ ،‬والكلج ‪،‬وأمّا أهل اليام قبلها فإنّهم فرض لهم على‬
‫ثلثة آلف ُفضّلوا على أهل القادسية‪ ،‬فقيل لعمر‪ :‬لو ألحقت بهم أهل القادسية فقال ‪:‬‬
‫لم أكن للحق بهم من لم يدركهم ‪ .‬وقيل له ‪ :‬لو فضلت من بعدت داره على مَنْ‬
‫قاتلهم بفَنائِه قال ‪ :‬كيف أفضل عليهم ‪ ،‬وهم شجن العدو؟ [ وما سويت بينهم حتى‬
‫استطبتهم ]‪ ،‬وهل فعل المهاجرون بالنصار [ إذ قاتلوا بفنائهم مثل هذا ]؟ ‪.‬‬
‫وكانت العرب تتوقع وقعة العرب وأهل فارس بالقادسية فيما بين العذيب إلى‬
‫ن ثبات ملكهم وزواله بها ‪ ،-‬وكانت في‬ ‫عدن أبين وفيما بين البلة وأيلة ‪ -‬يرون أ ّ‬
‫كل بلد مصيّخة إليها تنظر ما يكون من أمرها [ حتى إنْ كان الرجل ليريد المر‬
‫فيقول ‪ :‬ل أنظر فيه حتى أنظر ما يكون من أمر القادسية ] ‪.‬‬
‫فلما كانت وقعة القادسية سارت بها الجن فأتَ بها أناسًا من النس فسبقت أخبار‬
‫الِنس [ إليهم ]‪ ،‬وكتب سعد إلى عمر بالفتح ‪ ،‬وبعدة من قتلوا ‪ ،‬وبعدة من‬
‫أصيب من المسلمين وسمى من يعرف مع سعد بن عميلة الفزاري ‪.‬‬
‫وكان عمر يسأل الركبان من حينِ يصبح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية‪،‬‬
‫ثم يرجع إلى أهله ومنزله‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما لقي البشير سأله ‪ :‬من أين ؟ فأخبره قال ‪ :‬يا عبد ال حدثني ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫هزم‬
‫ل المشركين ‪ ،‬وعمر يخب معه يسأله والخر يسير على ناقته ل يعرفه حتى‬ ‫ا ّ‬
‫سًلمُون عليه بإمرة المؤمنين ‪ .‬قال البشير‪ .:‬هَلً أخبرتني‬ ‫دخل المدينة ‪ ،‬وإذا الناس يُ َ‬
‫رحمك ال إنك أمير المؤمنين ؟‬
‫)‬
‫فقال عمر‪ :‬ل بأس عليك يا أخي ‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫ن يقوموا‬ ‫وأقام المسلمون بالقادسية في انتظار قدوم البشير وأمر عمر الناس أ ْ‬
‫على أقباضهم ويصلح أحوالهم ويتابع إِليهم أهل الشام ممن شهد اليرموك ‪ ،‬ودمشق‬
‫ممدين‬
‫لهم وجاء أولهم يوم أغواث وآخرهم بعد الغد يوم الفتح فكتبوا فيهم إلى عمر‬
‫يسألونه عما ينبغي أن يشار فيه مع نذير بن عمرو‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬كانت وقعة القادسية سنة ست عشرة قال ‪ :‬وكان بعض أهل الكوفة يقول‬
‫‪:‬‬
‫إنها كانت سنة خمس عشرة‪ ،‬وقد تقدم أنها كانت سنة أربع عشرة ‪.‬‬
‫ح َم ْيضَة بن النعمان ) بضم الحاء المهملة وفتح الميم وبالضاد المعجمة ‪.‬‬ ‫(ُ‬
‫و(بُسْر بن أبي رهم )بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة‪.‬‬
‫حوِية) بفتح الحاء المهملة وكسر الواو‪ ،‬وقيل ‪ :‬بالجيم المضمومة وفتح‬ ‫و (ال َ‬
‫الواو والول أصح ‪.‬‬
‫حمّال )بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ‪.‬‬ ‫و( َ‬
‫و (ال ُم َعنَى)بضم الميم وفتح العين المهملة والنون المشددة ‪.‬‬
‫صيْن بن نمير)بضم الحاء وفتح الصاد‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫و( ُ‬
‫)‬
‫و(معاوية بن حُ َديْج ) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وآخره جيم ‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫و(ال ُم ْعتَمّ ) بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح التاء فوقها نقطتان وآخره ميم‬
‫مشددة ‪.‬‬
‫و(صِرار) بكسر الصاد المهملة بالراءين المهملتين بينهما ألف موضع عند‬
‫المدينة ‪.‬‬
‫صنّين ) بكسر الصاد المهملة والنون المشددة بعدها ياء ساكنة معجمة باثنتين‬ ‫و( ِ‬
‫من تحتها وآخره نون موضع من ناحية الكوفة‪ ،‬انتهى خبر القادسية ‪.‬‬
‫* * *‬
‫‪)(1‬‬
‫البصرة‬ ‫ذكر ولية عتبة بن غزوان‬
‫ع ْتبَة بن غزوان إلى البصرة‪ ،‬وكان بها قطبة بن‬ ‫قيل ‪ :‬في هذه السنة بعثَ عمر ُ‬
‫ي يغيِر بتلك الناحية كما كان يغير المثنى بناحية الحيرة فكتب إلى‬‫قتادة السدوس ّ‬
‫عمر يُعلمه مكانه؛ وأنه لو كان معه عدد يسير ظفر بمن كان قبله من العجم فنفاهم‬
‫عن بلدهم – [ وكانت العاجم بتلك الناحية قد هابوه بعد وقعة خالد بنهر المرأة ]‬
‫– فكتب إليه عمر يأمره بالمقام ‪ ،‬والحذر‪ ،‬ووجّه إليه شريح بن عامر أحد بني سعد‬
‫بن بكر فأقبل إلى البصرة وترك بها قطبة ومضى الى الهواز حتى انتهى إلى‬
‫دارس ‪ .‬وفيها مسلحة العاجم فقتلوه ‪ ،‬فبعث عمر عتبة بن عزوان ‪.‬‬
‫قال له حين وجهه ‪ :‬يا عتبة إني قد استعملتك على أرض الهند‪ ،‬وهي حومة من‬
‫حومة العدو وأرجو أن يكفيك ال ما حولها ويعينك عليها وقد كتبتُ إلى العلء‬
‫بن الحضرمي أن يمدّك بعرفجة بن هرثمة وهو ذو مجاهدة ومكايدة للعدو‪ ،‬فإذا قدم‬
‫شرْه [ وقرّبه ] وادع إلى ال فمَنْ أجابك فاقبل منه ‪ ،‬ومَنْ أبى فالجزية أ‬‫عليك فاست ِ‬
‫صغَارٍ و ِذلّة ] وإل فالسيف [ في غير هوادة ] ‪ ،‬واتّق ال فيما وليتَ وإيّاك أنْ‬
‫عن َ‬
‫ل ال صلى ال‬ ‫تنازعك نفسك إلى كبر مما يفسد عليك أخوّتك ‪ ،‬وقد صحبتَ رسو َ‬
‫عليه وسلم فعززتَ به بعد الذلة‪ ،‬وقويت به بعد الضعف ‪ ،‬حتى صرتَ أميراً مسلطاً‬
‫وملكاً مطاعاً‪ ،‬تقول فيسمع منك ‪ ،‬وتأمر فيطاع أمرك فيا لها نعمة إنْ لم ترفعك فوق‬
‫قدرك وتبطرك على من دونك ؛ واحتفظ مِن النعمةِ احتفاظك من المعصية‪ ،‬ولهي‬
‫جكَ وتخدعك فتسقط سقط ًة تصير بها إلى جهنم‬ ‫أخوفهما عندي عليك أنْ تستدر ُ‬
‫أعيذك بال ونفسي من ذلك ‪ .‬إنّ الناس اسرعوا إلى ال حتى‬
‫رفعت لهم الدنيا فأرادوها فأرِد ال ول ترد الدنيا ‪ ،‬واتق مصارع الظالمين ‪.‬‬
‫انطلق أنتْ ومن معك حتى إذا كنتم في أقص أرض العرب وأدنى أرض العجم‬
‫فأقيموا ‪.‬‬
‫فسار عتبة ومن معه حتى إذا كانوا بالمربد تقدّموا حتى بلغوا حيال الجسر‬
‫الصغير فنزلوا‪ ،‬فبلغ صاحب الفرات خبرهم فأقبل في أربعة آلف فالتقوا فقاتلهم‬
‫عتبة بعد الزوال وكان في خمسمائة فقتلهم أجمعين ولم يبق إلّ صاحب الفرات‬
‫فأخذه أسيراً ‪.‬‬
‫ثم خطب عتبة أصحابه وقال ‪ " :‬إنّ الدنيا قد تَصرمت وولت جدًا ولم يبق منها‬
‫إل صبابة كصبابة الناء؛ أل وإنّكم منتقلون منها إلى دار القرار فانتقلوا بخير ما‬
‫يحضر بكم ‪ ،‬وقد ذكر لي لو أن صخرة ألقيت من شفير جهنم لهوت سبعين خريفاً‬
‫ولتملنه ‪ ،‬أو عجبتم ؟ ولقد ذكر لي أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة‬
‫أربعين خريفاً وليأتين عليه يوم وهو كظيظ )‪ ،‬ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع النبي‬
‫‪(1‬‬

‫سمُر ) حتى تقرحت أشداقنا‪ ،‬والتقطت‬ ‫‪(2‬‬


‫صلى ال عليه وسلم ما لنا طعام إلّ ورق ال ّ‬
‫ل وهو أمير مصرٍ من‬ ‫ن أحَدٍ إِ ّ‬
‫بردة فشققتها بيني وبين سعد فما منا أولئك السبعة مِ ْ‬
‫المصار‪ ،‬وسيجربون الناس بعدنا ‪.‬‬
‫وكان نزوله البصرة في ربيع الول أو الخر سنة أربع عشرة‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن‬
‫البصرة مصرت سنة ست عشرة بعد جلولء‪ ،‬وتكريت أرسله سعد إليها بأمر عمر‪،‬‬
‫وأن عتبة لما نزل البصرة أقام نحو شهر فخرج إليه أهل البلّة وكان بها خمسمائة‬
‫أسوار يحمونها وكانت مرفأ السفن من الصين فقاتلهم عتبة فهزمهم حتى دخلوا‬
‫المدينة ‪ ،‬ورجع عتبة إلى عسكره وألقى ال الرعب في قلوب الفرس فخرجوا عن‬
‫المدينة وحملوا ما خف وعبروا الماء وأخلوا المدينة ودخلها المسلمون فأصابوا‬
‫متاعاً وسلحاً وسبيًا فاقتسموه وأخرج الخمس منه ‪ ،‬وكان المسلمون ثلثمائة‪ ،‬وكان‬
‫فتحها في رجب أو في شعبان ‪.‬‬
‫ثم نزل موضع مدينة الرزق ‪ ،‬وخط موضع المسجد وبناه بالقصب ‪ ،‬وكان أول‬
‫جزُوراً فكفتهم لقلة‬
‫مولود بها عبد الرحمن بن أبي بكرة ‪ .‬فلما ولد ذبح أبوه َ‬
‫الناس ‪،‬‬
‫وجمعِ لهم أهل دَسْتمِيسان ) ‪ [ .‬يقاتلونهم ] فلقيهم عتبة فهزمهم وأخذ مرزبانها‬
‫‪(1‬‬

‫أسيراَ؛ وأخذ قتادة منطقته فبعث بها مع أنس بن حجنة ) إلى عمر فقال له عمر‪:‬‬
‫‪(2‬‬

‫كيف الناس ؟‬
‫فقال ‪ :‬انثالت عليهم الدنيا ‪ .‬فهم يهيلون الذهب والفضة ‪ .‬فرغب الناس في‬
‫البصرة فأتوها‪ ،‬واستعمل عتبة مجاشع بن مسعود على جماعة وسيّرهم إلى‬
‫ن يقدم مجاشع بن مسعود‬ ‫الفرات ‪ ،‬واستخلف المغيرة بن شعبة على الصلة إلى أ ْ‬
‫فإذا قدم فهو المير‪ ،‬وسار عتبة إِلى عمر فظفر مجاشع بأهل الفرات وجمع الفليكان‬
‫عظيم من الفرس للمسلمين فخرج إليه المغيرة بن شعبة فلقيهم بالمرغاب فاقتتلوا‬
‫خ ُمرِهِن رايات ‪ ،‬وسرن‬ ‫فقال نساء المسلمين ‪ :‬لو لحقنا بهم فكنا معهم فاتخذن من ُ‬
‫إلى المسلمين [ فانتهين إليهم والمشركون يقاتلونهم ] فلما رأى المشركون الرايات‬
‫ظنوا أنّ مدداً للمسلمين قد أقبل فانهزموا‪ ،‬وظفر بهم المسلمون ‪ ،‬وكتب إلى عمر‬
‫بالفتح ‪ .‬فقال عمر لعتبة ‪ :‬من استعملت على البصرة؟‬
‫ل من أهل الوبر على أهل‬ ‫فقال ‪ :‬مجاشع بن مسعود؟ قال ‪ :‬أتستعمل رج ً‬
‫المَدَر )؟ وأخبره بما كان من المغيرة‪ ،‬وأمره أن يرجع إلى عمله فمات في‬
‫‪(3‬‬

‫الطريق ‪ ،‬وقيل في موته ‪ :‬غير ذلك ‪ ،‬وسيرد ذكره سنة سبع عشرة‪.‬‬
‫وكان من سبي ميسان يسار أبو الحسن البصري ‪ ،‬وأرطبان جد عبد ال بن‬
‫عون بن أرطبان ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنَ إمارة عتبة البصرة كانت سنة خمس عشرة‪ ،‬وقيل‬
‫‪. :‬ست عشرة والول أصح؛ فكانت إمارته عليها ستة أشهر ‪.‬‬
‫واستعمل عمر على البصرة المغيرة بن شعبة فبقي سنتين ثم ُرمِي بما رمى‪،‬‬
‫واسَتعمل أبا موسى‪ ،‬وقيل ‪ :‬استعمل بعد عتبة أبا موسى وبعده المغيرة ‪. .‬‬
‫وفيها أعني سنة أربع عشرة ضرب عمر ابنه عبيد ال وأصحابه في شراب‬
‫شربوه‬
‫وأبا مِحجن ‪.‬‬
‫وفيها أمر عمر بالقيام في شهر رمضان في المساجد بالمدينة وجمعهم على أبى‬
‫بن كعب ‪ .‬وكتب إلى المصار بذلك ‪.‬‬
‫وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب ‪ .‬وكان على مكة عتاب بن أسِيد في‬
‫قول ‪ ،‬وعلى اليمن يعلى بن ُمنْية‪ ،‬وعلى الكوفة سعد [ بن أبي وقاص ]‪ ،‬وعلى‬
‫الشام أبو عبيدة بن الجراح ‪ ،‬وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص ‪ ،‬وقيل ‪ :‬العلء‬
‫بن الحضرمي ‪ ،‬وعلى عمان حذيفة بن حصن ‪.‬‬
‫)‬
‫وفي هذه السنة مات أبو قحافة والد أبي بكر الصديق بعد موت ابنه ‪ .‬وفيها‬
‫‪(1‬‬

‫مات سعد بن عبادة النصاري )‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة إحدى عشرة‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة خمس‬
‫‪(2‬‬

‫عشرة‪ .‬وفيها قتل سليط بن عمرو بن عامر بن لؤي ‪ .‬وفيها ماتت هند بنت عتبة بن‬
‫ربيعة أم معاوية )‪ ،‬وكان إسلمها يوم الفتح ‪.‬‬
‫‪(3‬‬
‫ثم دخلت سنة خمس عشرة‬
‫ن الكوفة مصّرها سعد بن أبي وقاص في هذه السنة دلهم على موضعها‬ ‫وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫ابن بُقيلة قال لسعد ‪ :‬أدلك على أرضٍ ل ارتفعت عن البقعة وانحدرت عن الفلة‬
‫فذله على موضعها‪ ،‬وقيل ‪ :‬غير ذلك ويأتي ذكره ‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫ذكر الوقعة بمرج الروم‬
‫ن أبا عبيدة‪ ،‬وخالد‬
‫في هذه السنة كانت الوقعة بمرج الروم ‪ ،‬وكان سبب ذلك أ ّ‬
‫بن‬
‫الوليد سارا بمن معهما من فحل قاصدين حمص فنزل على ذي الكلع ‪ ،‬وبلغ‬
‫الخبر هرقل فبعث توذر البطريق حتى نزل بمرج الروم غرب دمشق ‪ ،‬ونزل أبو‬
‫عبيدة بمرج الروم أيضاً [ وقد هجم الشتاء عليهم والجراح فيهم فاشية ] ونازله يوم‬
‫نزوله شنش ) الرومي في مثل خيل توذر أمداداً لتوذر وردءاً لهل حمص ‪ ،‬فلما‬
‫‪(2‬‬

‫نزل أصبحت الرض من توذر بلقع ‪ ،‬وكان خالد بإزائه ‪ ،‬وأبو عبيدة بإزاء‬
‫شنش ‪ ،‬وسار توذر يطلب دمشق ‪ ،‬فسار خالد وراءه في جريدة ) ‪ ،‬وبلغ يزيد بن‬
‫‪(3‬‬

‫أبي سفيان فعل توذر فاستقبله فاقتتلوا ‪ ،‬ولحق بهم خالد وهم يقتتلون فأخذهم من‬
‫خلفهم ولم يفلت منهم إل الشريد‪ ،‬وغنم المسلمون ما معهم فقسمه يزيد في أصحابه ‪،‬‬
‫وأصحاب خالد‪ ،‬وعاد يزيد إلى دمشق ورجع خالد إلى أبي عبيدة وقد قتل توذر‪.‬‬
‫وقاتل أبو عبيدة بعد مسير خالد شنش ‪ .‬فاقتتلوا بمرج الروم فقتلت الروم مقتلة‬
‫عظيمة وقتل [ أبو عبيدة ] شنش [ وامتل المرج من قتلهم فأنتنت منهم الرض ]‪،‬‬
‫وتبعهم المسلمون إلى حمص ‪ ،‬فلما بلغ هرقل ذلك أمر بطريق حمص بالمسير‬
‫إليها‪ ،‬وسار هو إلى الرها ‪ ،‬وسار أبو عبيدة إِلى حمص ‪.‬‬
‫ذكر فتح حمص ‪ ،‬وبعلبك وغيرهما‬
‫فلما فرغ أبو عبيدة من دمشق سار إلى حمص فسلك طريق بعلبك فحاصرها‬
‫فطلب أهلها المان فأمّنهم وصالحهم وسار عنهم فنزل على حمص ومعه خالد ؛‬
‫وقيل ‪ :‬إنما سار المسلمون إلى حمص من مرج الروم وقد تقدم ذكره ‪ ،‬فلما نزلوها‬
‫قاتلوا أهلها فكانوا يغادونهم القتال ويراوحونهم في كل يوم بارد ‪ ،‬ولقي المسلمون‬
‫ل فصبر المسلمون ‪ ،‬والروم ‪ ،‬وكان هرقل‬ ‫برداً شديداً و [ لقي ] الروم حصاراً طوي ً‬
‫قد أرسل إلى أهل حمص َيعِدُهُم المدد ‪ ،‬وأمر أهل الجزيرة جميعها بالتجهز إلى‬
‫حمص فساروا نحو الشام لمنعوا حمص عن المسلمين ‪ ،‬فسيّر سعد بن أبي وقاص‬
‫السرايا من العراق إلى هِيت ) وحصروها ‪ ،‬وسار بعضهم إلى قرقيسيا ) فتفرّق‬
‫‪(2‬‬ ‫‪(1‬‬

‫حمْص ‪ ،‬فكان أهلُها يقولون ‪ :‬تمسكوا بمدينتكم‬ ‫أهل الجزيرة وعادوا عن نجدة أهل ِ‬
‫فإنهم حفاة فإذا أصابهم البرد تقطعْت أقدامهم ‪ ،‬فكانت أقدام الروم تسقط ول يسقط‬
‫للمسلمين اصبع ‪ ،‬فلما خرج الشتاء قام شيخ من الروم فدعاهم إلى مصالحة‬
‫المسلمين فلم يجيبوه ‪ ،‬وقام اخر فلم يجيبوه ‪ ،‬فناهدهم المسلمون فكبّروا تكبيرة‬
‫فانهدم كثي ٌر من دور حمص وزلزلت حيطانهم فتصدعتْ ‪ ،‬فكبّروا ثانية فأصابهم‬
‫أعظم من ذلك ‪ ،‬فخرج أهلها إليهم يطلبون الصلح ول يعلم المسلمون بما حدث فيهم‬
‫فأجابوهم وصالحوهم على صلح دمشق ‪.‬‬
‫وأنزلها أبو عبيدة السمط بن السود الكندي في بني معاوية ‪ .‬والشعث بن‬
‫ميناس في السكون ‪ ،‬والمقداد في بلى ‪ ،‬وأنزلها غيرهم ‪ ،‬وبعث بالخماس إلى‬
‫عمر مع عبدال بن مسعود ‪ ،‬وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن أقم بمدينتك وادع أهل‬
‫القوة [ والجلد ] من عرب الشام فإني غير تارك البعثة إليك ‪.‬‬
‫ثم استخلف أبو عبيدة على حمص عبادة بن الصامت وسار إلى حماة فتلقّاه أهلها‬
‫مذعنين فصالحهم أبو عبيدة على الجزية لرؤوسهم والخراج على أرضهم ‪،‬‬
‫شيْزر ) فخرجوا إليه يسألون الصلح على ما صالح عليه أهل حماة ‪.‬‬ ‫‪(1‬‬
‫ومض نحو َ‬
‫س َبتْ بعد إلى النعمان بن بشير‬ ‫وسار أبو عبيدة إلى معرّة ‪ ،‬وهي معرة النعمان نُ ِ‬
‫النصاري فأذعنوا له بالصلح على ما صالح عليه أهل حمص ‪ ،‬ثم أتى اللذقية ‪،‬‬
‫جمْ ٌع من الناس ‪ ،‬فعسكر المسلمون على‬ ‫فقاتله أهلها ‪ ،‬وكان لها باب عظيم يفتحه َ‬
‫بعدٍ منها ‪ ،‬ثم أمر فحفر حفائر عظيمة تستر الحفرة منها الفارس راكباً ‪ ،‬ثم أظهروا‬
‫أنهم عائدون عنها ورحلوا ‪ ،‬فلما جنّهم الليل عادوا واستتروا في تلك الحفائر ‪،‬‬
‫وأصبح أهل اللذقية‪ .‬وهم يرون أنّ المسلمين قد انصرفوا عنهم فأخرجوا سرحهم‬
‫وانتشروا بظاهر البلد ‪ ،‬فلم يرعهم إل والمسلمون يصيحون بهم ودخلوا معهم‬
‫المدينة ‪ ،‬و ُمِل َكتْ عنوة ‪ ،‬وهرب قوم من النصارى ‪ ،‬ثم طلبوا المان على أن‬
‫يرجعوا إلى أرضهم ‪ ،‬فقوطعوا على خراج يؤدونه ‪ ،‬قلوا أو كثروا ‪ ،‬وتُركت لهم‬
‫كنيستُهم ‪ ،‬وبنى المسلمون بها مسجداً جامعًا بناه عبادة بن الصامت ‪ ،‬ثم وسع فيه‬
‫بعد ‪.‬‬
‫جبَلة من الروم عنها ‪ ،‬فلما كان زمن‬ ‫ولما فتح المسلمون اللذقية جل أهل َ‬
‫معاوية‬
‫بنى حصناً خارج الحصن الروميّ ‪ ،‬وشحنه بالرجال ‪ ،‬وفتح المسلمون مع عبادة‬
‫بن الصامت أنطرطوس ‪ ،‬وكان حصينًا فجل عنه أهله ‪ ،‬فبنى معاوية مدينة‬
‫انطرطوس ومصرها ‪ ،‬وأقطع بها القطائع للمقاتلة وكذلك فعل ببانياس ) وفتحت‬
‫‪(2‬‬

‫سَل ْميَة ) أيضاً ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنما سميت سلمية لنه كان بقربها مدينة تدعى " المؤتفكة "‬
‫‪(3‬‬
‫َ‬
‫انقلبتْ بأهلها ‪ ،‬ولم يسلم منهم غير مائة نفس فبنوا لهم مائة منزل وسميت سلم‬
‫مائة ‪ ،‬ثم حرف الناس فقالوا ‪ :‬سلمية ‪ ،‬وهذا يتمشى لقائله لو كان أهلها عرباً ‪،‬‬
‫ولسانهم عربياً ‪ . ،‬وأمّا إذا كان لسانهم أعجمياً فل يسوغ هذا القول ‪.‬‬
‫ثم إن صالح بن علي بن عبد ال بن عباس اتخذها داراً وبنى ولده فيها‬
‫ومصَروهها‬
‫ونزلها من نزلها من ولده ‪ .‬فهي وأرضوها لهم ‪.‬‬
‫قن َّ ْ‬
‫‪)(1‬‬
‫ودخول هرقل القسطنطينية‬ ‫رين‬
‫س ِ‬ ‫ذكر فتح ِ‬
‫ثم ارسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى قنسرين ‪ ،‬فلما نزل الحاضر زحف إليهم‬
‫الروم وعليهم ميناس ‪ ،‬وكان من أعظم الروم بعد هرقل ‪ .‬فاقتتلوا فقتل ميناس‬
‫ومن معه مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها فماتوا على دم واحد‪ [ .‬وأما أهل الحاضر‬
‫فارسلوا إلى خالد أنهم عرب وأنهم إنما حشروا ولم يكن مِنْ رأيهم حربه فقبِلَ‬
‫منهم ]‪.‬‬
‫وسار خالد حتى نزل على قِنسرين فتحصنوا منه فقال ‪ [ :‬إنّكم ] لو كنتم في‬
‫ح َملَنا ال إليكم أو لنزلكم إلينا ‪.‬‬
‫السحاب ل َ‬
‫فنظروا في أمرهم ورأوا ما لقي أهل حمص فصالحوهم على صلح حمص فأبن‬
‫خالد إلّ على خراب المدينة فأخربها ‪ ،‬فعند ذلك دخل هرقل القسطنطينية ‪،‬‬
‫وسببه أن خالداً ‪ ،‬وعياضاً أدربا إلى هرقل من الشام ‪ ،‬وأدرب عمر ) بن مالك من‬
‫‪(2‬‬

‫الكوفة ‪ ،‬فخرج من ناحية قرقيسيا ‪ ،‬وأدرب عبدال بن المعتم من ناحية الموصل ‪،‬‬
‫ثم رجعوا فعندها دخل هرقل القسطنطينية ‪ ،‬وكانت هذه أول مدربة في الِسلم سنة‬
‫خمس عشرة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ست عشرة‪ .‬فلما بلغ عمر صنيع خالد ‪ ،‬قال أمّر خالد نفسه‬
‫يرحم ال أبا بكر هو كان أعلم بالرجال مني ‪،‬وقد كان عزله والمثنى بن حارثة ؛‬
‫ت أن يوكلوا إليهما ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬إنّي لم أعزلهما عن ريبة ولكن الناس عظموهما فخشي ُ‬
‫‪ .‬فأما المثنى فإنه رجع عن رأيه فيه لما قام بعد أبي عبيدة ‪ ،‬ورجع عن خالد بعد‬
‫ِقنَسرين ‪ .‬وأما هرقل فإنه أخرج من الرها ‪.‬‬
‫وكان أول من أنبح كلبها ‪ ،‬ونفر دجاجها من المسلمين زياد بن حنظلة ‪ ،‬وكان‬
‫من الصحابة ‪.‬‬
‫)‬
‫وسار هرقل فنزل بشمشاط ثم أدرب منها نحو القسطنطينية ‪ ،‬فلما أراد المسير‬
‫‪(3‬‬

‫منها عل على نشز ثم ألتفت الى الشام فقال ‪:‬‬


‫" السلم عليك يا سورية ‪ ،‬سل ٌم ل اجتماع بعده ‪ ،‬ول يعود إليك ُر ْومِي أبداً إل‬
‫خائفًا حتى يولدَ المولودُ المشؤوم ‪ ،‬ويا ليته ل يولد‪-‬فما أحلى فعله وأمرّ فتنته ) على‬
‫‪(1‬‬

‫الروم ‪.‬‬
‫)‬
‫‪(2‬‬
‫ثم سار فدخل القسطنطينية ‪ ،‬وأخذ أهل الحصون التي بين اسكندرية‬
‫وطرسوس معه لئل يسير المسلمون في عمارة ما بين انطاكية وبلد الروم ‪ ،‬وشعث‬
‫الحصون ‪ ،‬فكان المسلمون ل يجدون بها أحدًا ‪ ،‬وربما كمن عندها الروم ‪ .‬فأصابوا‬
‫غرة المتخلفين فاحتاط المسلمون لذلك ‪.‬‬
‫ذكر فتح حلب وأنطاكية وغيرهما من العواصم‬
‫لما فرغ أبو عبيدة من قِنسرين سار إلى حلب ‪ ،‬فبلغه أنّ أهل قنسرين نقضوا‬
‫وغدروا فوجّه إليهم السمط الكندي فحصرهم وفتحها وأصاب فيها بقرًا وغنماً ‪،‬‬
‫فقسم بعضه في جيشه ‪ ،‬وجعل بقيته في المغنم ‪.‬‬
‫ووصل أبو عبيدة الى حاضر حلب ‪ ،‬وهو قريب منها ‪ .‬فجمع أصنافاً من‬
‫العرب ‪ ،‬فصالحهم أبو عبيدة على الجزية ‪ ،‬ثم أسلموا بعد ذلك ‪ ،‬وأتى حلب‬
‫وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري فتحضَن أهلها ‪ ،‬وحصرهم المسلمون فلم يلبثوا‬
‫أنْ طلبوا الصلح والمان على أنفسهم وأولدهم ومدينتهم وكنائسهم وحصنهم‬
‫فأعطوا ذلك واستثنى عليهم موضع المسجد ‪ ،‬وكان الذي صالحهم عياض فأجاز أبو‬
‫عبيدة ذلك ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬صولحوا على أن يقاسموا منازلهم وكنائسهم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّ أبا عبيدة لم‬
‫يصادف بحلب أحدًا لن أهلها انتقلوا إلن أنطاكية وراسلوا في الصلح ‪ ،‬فلما تمّ ذلك‬
‫رجعوا إليها ‪ ،‬وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية ‪ ،‬وقد تحضَن بها كثيرٌ من‬
‫الخلق من ِقنّسرين وغيرها ‪ ،‬فلما فارقها لقيه جمعُ العدو فهزمهم فألجأهم إلى المدينة‬
‫‪،‬وحاصرها من جميع نواحيها ‪ ،‬ثم إنهم صالحوه على الجلء أو الجزية فجل بعضٌ‬
‫وأقام بعضٌ فأمّنهم ثم نقضوا ‪ ،‬فوجّه أبو عبيدة إليهم عياض بن غنم ‪ ،‬وحبيب بن‬
‫مسلمة ففتحاها على الصلح الول ‪ ،‬وكانت أنطاكية عظيمة ال َذكْر عند المسلمين فلما‬
‫فتحت كتب عمر‬
‫إِلى أبي عبيدة أنْ رتب بأنطاكية جماعة من المسلمين واجعلهم بها مرابطة ول‬
‫تحبس عنهم العطاء ‪.‬‬
‫و َبلَغَ أبا عبيدة أنْ جمعًا من الروم بين مَعرّة مَصرين وحلب ‪ ،‬فسار اليهم فلقيهم‬
‫فهزمهم ‪ .‬وقتل عدة بطارقة وسبى وغنم ‪ ،‬وفتح معرة مصرين على مثل صلح حلب‬
‫سرْمين ) وبيرين ) وغلبوا‬
‫‪(4‬‬ ‫‪(3‬‬
‫‪ ،‬وجالت خيوله فبلغت بُوقا ) وفتحت قرى الجُومة ) و َ‬
‫‪(2‬‬ ‫‪(1‬‬

‫على جميع أرض قنسرين وأنطاكية ‪.‬‬


‫ثم أتى أبو عبيدة حلب وقد التاث أهلُها فلم يزل بهم حتى أذعنوا وفتحوا المدينة ‪.‬‬
‫وسار أبو عبيدة يريد قورس وعلى مقدمته عياض فلقيه راهب من رهبانها يسأله‬
‫الصلح فبعث به إلن أبي عبيدة فصالحه على صلح أنطاكية ‪ ،‬وبث خيله فغلب على‬
‫جميع أرض قورس ‪ ،‬وفتح تل عزاز ‪ ،‬وكان سلمان بن ربيعة الباهلي في جيش أبي‬
‫عبيدة فنزل في حصن بقورس فنسب إليه فهو يعرف بحصن سلمان ‪.‬‬
‫ثم سار أبو عبيدة إلى مَنبجٍ ) وعلى مقدمته عياض فلحقه وقد صالح أهلها على‬
‫‪(5‬‬

‫سيّر عياضاً إلى ناحية دُلوك ) ورعبان ) فصالحه أهلها‬


‫‪(7‬‬ ‫‪(6‬‬
‫مثل صلح أنطاكية ‪ .‬و َ‬
‫على مثل منبج ‪ ،‬واشترط عليهم أن يخبروا المسلمين بخبر الروم ‪ ،‬وولى أبو عبيدة‬
‫ل وضم اليه جماعة وشحن النواحي المخوفة ‪ ،‬وسار إلى بالس‬ ‫كل كورة فتحها عام ً‬
‫) ‪ ،‬وبعث جيشًا مع حبيب بن مسلمة إلى قاصرين ‪ ،‬فصالحهم أهلها على الجزية أو‬ ‫‪(8‬‬

‫الجلء فجل أكثرهم إلى بلد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج ‪ ،‬ولم يكن‬
‫الجسر يومئذ وإنما‬
‫اتخذ في خلفة عثمان للصوائف ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل كان له رسم قديم ‪ ،‬واستولى‬
‫المسلمون على الشام ‪ ،‬من هذه الناحية إلى الفرات ‪.‬‬
‫وعاد أبو عبيدة إلى فلسطين ‪ ،‬وكان بجبل اللكام مدينة يقال لها ‪ :‬جُرجُرومة‬
‫صلْحاً‬
‫وأهلها يقال لهم الجراجمة ‪ ،‬فسار حبيب بن مسلمة إليها من أنطاكية فافتتحها ُ‬
‫على أنْ يكونوا أعواناً للمسلمين ‪.‬‬
‫وفيها سيّر أبو عبيدة بن الجراح جيشًا مع ميسرة بن مسروق العبسي فسلكوا‬
‫سَلكَ ذلك الدرب‬ ‫درب بغراس ) من أعمال أنطاكية إلى بلد الروم ‪ ،‬وهو أول مَ ْ‬
‫ن َ‬ ‫‪(1‬‬

‫جمْعًا للروم معهم عرب من غسان ‪ ،‬وتنوخ ‪ ،‬واياد ‪ ،‬يريدون اللحاق بهرقل ‪،‬‬ ‫فلقيَ َ‬
‫فأوقع بهم ‪ ،‬وقتل منهم مقتلة عظيمة ‪ ،‬ثم لحق به مالك الشتر النخعي مدداً من قبل‬
‫أبي عبيدة ‪ ،‬وهو بأنطاكية فسلموا وعادوا ‪.‬‬
‫وسيّر جيشًا آخر إلى َمرْعَش ) مع خالد بن الوليد ففتحها على إجلء أهلها‬
‫‪(2‬‬

‫بالمان وأخربها ‪ ،‬وسير جيشًا آخر مع حبيب بن مسلمة إلى حصن " الحَدَث "‬
‫وإنما سمّي الحدث لن المسلمين لقوا عليه غلماً حدثاً فقاتلهم في أصحابه فقيل ‪:‬‬
‫درب الحدث ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لن المسلمين أصيبوا به فقيل ‪ :‬درب الحدث ‪ ،‬وكان بنو أمية‬
‫يسمونه درب السلمة لهذا المعنى ‪.‬‬
‫ذكر فتح قيسارية وحصر غزة‬
‫في هذه السنة فتحت قيسارية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة تسع عشرة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة عشرين ‪.‬‬
‫وكان سببها أنّ عمر كتب إلى يزيد بن أبي سفيان أنْ يرسل معاوية إلى‬
‫قيسارية ‪،‬‬
‫)‬
‫وكتب عمر إلى معاوية يأمره بذلك ‪ ،‬فسار معاوية إليها فحصر أهلها فجعلوا‬
‫‪(3‬‬

‫يزاحفونه وهو يهزمهم ويردهم إلى حصنهم‪ .‬ثم زاحفوه آخر ذلك مستميتين وبلغت‬
‫قتلهم في المعركة ثمانين ألفاً وكملها في هزيمتهم مائة ألف وفتحها ‪.‬‬
‫وكان علقمة بن مجزز قد حصر القيقار بغزة وجعل يراسله فلم يشفه أحد بما‬
‫يريد‬
‫فأتاه كأنه رسول علقمة فأمر القيقار رجلً أن يقعد له في الطريق فإذا مر به قتله‬
‫ففطن علقمة فقال ‪ :‬إن معي نفراً يشركونني في الرأي فأنطلق فآتيك بهم فبعث‬
‫القيقار إلى ذلك الرجل أنْ ل يعرض له فخرج علقمة من عنده فلم َيعُد ‪ ،‬وفعل كما‬
‫فعل عمرو بالرطبون ‪.‬‬
‫( مجزّز ) بجيم وزايين الولى مكسورة ‪.‬‬
‫ذكر فتح بيسان ووقعة أجنادين‬
‫ولما انصرف أبو عبيدة ؛ وخالد إلى حمص نزل عمرو ‪ ،‬وشرحبيل على أهل‬
‫بيسان فافتتحاها وصالحا أهل الردن ‪ ،‬واجتمع عسكر الروم بغزّة ‪ ،‬وأجنادين ‪،‬‬
‫وبيسان ‪.‬‬
‫وسار عمرو ‪ ،‬وشرحبيل إلى الرطبون ومَنْ معه ‪ ،‬وهو بأجنادين ‪ ،‬واستخلف‬
‫علن الردن أبا العور فنزل بالرطبون ومعه الروم ‪ ،‬وكان " الرطبون "‬
‫أدهن الروم وأبعدها غوراً [ وأنكاها فعلً ] وكان قد وضع بالرملة جنداً عظيماً‬
‫عمَر بالخبر ] فلما بل ِغ عمر بن الخطاب الخبر قال‬‫جنْداً عظيماً [ وكتب إلى ُ‬ ‫وبإيلياء ُ‬
‫عتَم تنْفرج "‪.‬‬
‫‪ " :‬قد َر َميْنا أرطبون الروم بأرطبون العرب فانظروا َ‬
‫وكان معاوية قد شغل أهل قيسارية عن عمرو ‪ ،‬وكان عمرو قد جعل علقمة بن‬
‫حكيم الفراسي ‪ ،‬ومسروق بن فلن العكي على قتال [ أهل ] إيلياء فشغلوا من به‬
‫عنه ‪ ،‬وجعل أيضاً أبا أيوب المالكي على مَنْ بالرملة فشغلهم عنه ‪ ،‬وتتابعت المداد‬
‫من عند عمر إلى عمرو‪ ،‬وأقام عمرو على أجنادين ل يقدر من الرطبون على‬
‫شيء ول تشفيه الرسل ‪ ،‬فسار إليه بنفسه فدخل عليه كأنه رسول [ فأبلغه ما يريد‬
‫سمِع كلمه وتأمّل حصونه حتى عرف ما أراد ] ففطِن به الرطبون ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ل‬ ‫وَ‬
‫شك أنّ هذا هو المير أو مَنْ يأخذ الميرُ برأيه [ وما كنت لصيب القوم بأم ٍر أعظم‬
‫عليهم مِنْ قَتلِ ِه ] ‪ . ،‬فأمر إنسانًا أنْ يقعد على طريقه ليقتله إذا مر به ‪ ،‬وفطن عمرو‬
‫ت مني وسمعتُ منك ‪ ،‬وقد وقع قولك مني موقعاً ‪ ،‬وأنا واحد‬ ‫لِفعله فقال له ‪ :‬قد سمع َ‬
‫من عشرة بعثنا عمر[بن الخطاب ] إِلى هذا الوالي لنكانفه [ ويشهدنا أموره ] فأرجع‬
‫ن رأوا‬
‫فآتيك بهم الن فإ ْ‬
‫الذي عرضَت على الن فقد رآه المير وأهل العسكر وإنْ لم يروه رددتهم إلى‬
‫مأمنهم [ وكنت على رأس أمرك ] فقال ‪ :‬نعم ورَدّ الرجل الذي أمر بقتله [ وقال‬
‫لعمرو ‪ :‬انطلق وجئ بأصحابك ‪.‬‬
‫فخرج عمرو من عنده [ ورأي أنْ ل يعد لمثلها ] ‪ ،‬وعلم الرومي أنها خدعة‬
‫اختدعه بها فقال ‪ [ :‬خدعني الرجل ] هذا أدهن الخلق ‪.‬‬
‫عمْرو " ‪ .‬وعرف عمرو مأخذه‬ ‫وبلغت خديعته عمر بن الخطاب فقال ‪ " :‬ل دَر َ‬
‫ل شديداً كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم ‪،‬‬‫فلقيه فاقتتلوا بأجنادين قتا ً‬
‫وانهزم أرطبون إلى إيلياء ‪ ،‬ونزل عمرو أجنادين ‪ ،‬وأفرج المسلمون الذين‬
‫يحصرون بيت المقدس لرطبون فدخل إيلياء وأزاح المسلمين عنه إِلى عمرو ‪.‬‬
‫وقد تقدم ذكر وقعة أجنادين على قول ‪ :‬من يجعلها قبل اليرموك ‪ ،‬وسياقها على‬
‫غير هذه السياقة فلهذا ذكرناها هنالك وها هنا ‪.‬‬
‫ذكر فتح بيت المقدس وهو إيلياء‬
‫في هذه السنة فتح بيت المقدس ‪ -‬وقيل ‪ :‬سنة ست عشرة في ربيع الول ‪-‬‬
‫وسبب ذلك أنه لما دخل أرطبون إيلياء ) فتح عمرو غزة ‪ -‬وقيل ‪ :‬كان فتحها في‬
‫‪(1‬‬

‫طيّة ) وفيها قبر يحيى بن زكريا عليه السلم ‪ ،‬وفتح‬ ‫سبَسْ ِ‬


‫‪(2‬‬
‫خلفة أبي بكر ‪ ،‬ثم فتح َ‬
‫)‬ ‫)‬
‫نابلس بأمان على الجزية ‪ ،‬وفتح مدينة لُدّ ثم فتح ُتبْني ‪ ،‬وعمواس ‪ ،‬وبيت‬
‫‪(4‬‬ ‫‪(3‬‬

‫جبرين ‪ ،‬وفتح يافا‪ -‬وقيل ‪ :‬فتحها معاوية ‪ -‬وفتح عمرو " مرج عيون " فلمّا تم له‬
‫ل يتكلم بالرومية وقال له ‪ " :‬اسمع ما يقول " ‪ ،‬وكتب‬ ‫ذلك أرسل إلى أرطبون رج ً‬
‫معه كتابًا ‪.‬‬
‫فوصل الرسول ودفع الكتاب إلى أرطبون وعنده وزراؤه فقال أرطبون ‪ " :‬ل‬
‫يفتح‬
‫وال عمرو شيئاً من فلسطين بعد أجنادين " ‪.‬‬
‫فقالوا له ‪ :‬مِنْ أين علمت هذا؟ ‪ .‬فقال ‪ :‬صاحبها رجل صفته كذا وكذا وذكر‬
‫صفة‬
‫عمر‪.‬‬
‫فرج ِع الرسول إلى عمرو فأخبره الخبر فكتب إلى عمر بن الخطاب يقول ‪" :‬إن‬
‫ت لك فرأيك " ‪.‬‬‫خ َر ْ‬
‫أعالج عَ ُدوّا شديداً وبلداً قد ادّ ِ‬
‫عمْرًا لم يقل ذلك إل بشيء سمعه فسار عمر عن المدينة ‪.‬‬ ‫ن َ‬
‫فعلم عمر أ ّ‬
‫ن أبا عبيدة حصر بيت المقدس فطلب أهله‬ ‫وقيل كان سبب قدوم عمر إلى الشام أ ّ‬
‫منه أن يصالحهم على صلح أهل مدن الشام وأنْ يكون المتولي للعقد عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬فكتب اليه بذلك فسار عن المدينة ‪ ،‬واستخلف عليها عليّ بن أبي‬
‫طالب ‪ .‬فقال له علي ‪ :‬أين تخرج بنفسك ؟ إنّك تريد عدواً كلبًا ‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬أبادر بالجهاد قبل موت العباس إنكم لو فقدتم العباس لنتقض بكم‬
‫الشر كما ينتقض الحبل ‪.‬‬
‫ت سنين من خلفة عثمان فانتقض بالناس الشر ‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫فمات العباس ل ِ‬
‫وسار عمر فقدِم الجابية على فرس ‪ -‬وجميع ما قدم الشام أربع مرات ‪ ،‬الولى‬
‫على فرس ‪ ،‬والثانية على بعير ‪ ،‬والثالثة على بغل ‪ ،‬ورجع لجل الطاعون ‪،‬‬
‫والرابعة على حمار‪ -‬وكتب إلى أمراء الجناد أنْ يوافوه بالجابية ليوم سماه لهم في‬
‫المجردة ويستخلفوا على أعمالهم فلقوه حيث رفعت لهم الجابية ‪.‬‬
‫فكان أول من لقيه يزيد ‪ ،‬وأبو عبيدة ‪ ،‬ثم خالد على الخيول عليهم الديباج‬
‫والحرير فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها وقال ‪:‬‬
‫" ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم ! إياي تستقبلون في هذا الزي ؛ وإنما شبعتم مذ‬
‫سنتين ‪ ،‬وبال لو فعلتم هذا على رأس المائتين لستبدلتُ بكم غيركم فقالوا ‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين إنها يلمقة ) وإنّ علينا السلح ‪ .‬قال ‪ :‬فنعم إذن ‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫وركب حتى دخل عليه الجابية وعمرو ‪ ،‬وشرحبيل كأنهما لم يتحركا [ مِنْ‬
‫مكانهما ] ‪ ،‬فلما قدم عمر الجابية ‪ ،‬قال له رجل من اليهود ‪ " :‬يا أمير المؤمنين إنّك‬
‫عمْراً وأشجاهم‬ ‫ل ترجع إلى بلدك حتى يفتح ال عليك إيلياء " ‪ ،‬وكانوا قد شجوا َ‬
‫سكْر بالجابية فزع الناس إلى‬ ‫ولم يقدر عليها ول على الرملة فبينما عمر ُمعَ ِ‬
‫السلح ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما شأنكم ؟ فقالوا ‪ :‬ما شأنكم ؟ فقالوا ‪ :‬أل تري إلى الخيل والسيوف‬
‫‪.‬‬
‫فنظر فإذا كردوس يلمعون بالسيوف فقال عمر ‪ :‬مستأمنة فل ُترَاعوا ‪ ،‬فأمنوهم‬
‫وإذا [ هم ] أهل إيلياء وحيزها فصالحهم على الجزية وفتحوها له ‪.‬‬
‫وكان الذى صالحه العوا ّم [ من أهل إيلياء والرملة ] لن أرطبون والتذارق دخل‬
‫مصر لمّا وصل عمر إلى الشام وأخذوا كتابه على إيلياء وحيزها ‪ ،‬والرملة‬
‫وحيزها‬
‫فشهد ذلك اليهودي الصلح فسأله عمر عن الدجال ‪ -‬وكان كثير السؤال عنه ‪-‬‬
‫فقال له ‪ :‬وما مسألتُك عنه يا أمير المؤمنين ؟ أنتم وال [ معشر العرب ] تقتلونه‬
‫دون باب لدّ ببضع عشرة ذراعاً ؟‬
‫وأرسل عمر إليهم بالمان ‪ ،‬وجعل علقمة بن حكيم على نصف فلسطين وأسكنه‬
‫الرملة وجعل علقمة بن مجزز على نصفها الخر وأسكنه إيلياء ‪ ،‬وضم عمراً‬
‫وشرحبيل إليه بالجابية فلقياه راكباً فقبّل ركبته وضم كلُ واح ٍد منهما محتضنهما ‪.‬‬
‫عرَجاً فنزل عنه ‪،‬‬‫ثم سار إلى بيت المقدس من الجابية فركب فرسه فرأي به َ‬
‫ل به فنزل وضرب وجهه وقال ‪ " :‬ل أعلم مَنْ‬ ‫وأتى ببرذون ) فركبه فجعل يتجلج ِ‬
‫‪(1‬‬

‫خيَلء " ! ثم لم يركب برذونًا قبله ول بعده ‪.‬‬


‫علّمك هذه ال ُ‬
‫َ‬
‫وفتحت إيلياء وأهلها على يديه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كان فتحها سنة ستة عشرة ‪ ،‬ولحق‬
‫أرطبون ومن أبن الصلح من الروم بمصر ‪ ،‬فلما ملك المسلمون مصر ُقتِلَ ‪-‬وقيل ‪:‬‬
‫بل لحق بالروم ‪ .‬فكان يكون علن صوائفهم والتقى هو وصاحب صائفة المسلمين‬
‫ومع المسلمين رجل من قيس يقال له ‪ :‬ضريس فقطع يد القيسي وقتله القيسي فقال‬
‫فيه ‪ :‬فإن يكن أرطبون الروم أفسدها فإنّ فيها بحمد ال منتفعاً‬
‫)‬
‫‪(2‬‬
‫وإن يكن أرطبون الروم قطعها فقد تركت بها أوصاله قطعاً‬
‫‪)(1‬‬
‫ذكر فروض العطاء وعمل الديوان‬
‫وفي سنة خمس عشرة فرض عمر للمسلمين الفروض ‪ ،‬ودوَن الدواوين ‪،‬‬
‫وأعطن العطايا على السابقة ‪ ،‬وأعطى صفوان بن أمية ‪ ،‬والحارث بن هشام ‪،‬‬
‫س َهيْل بن عمرو في أهل الفتح أقلّ ما أخذ من قبلهم فامتنعوا من أخذه ‪ ،‬وقالوا ‪" :‬‬‫وُ‬
‫ل نعترف أن يكون أحدٌ أكرم منا " ‪ .‬فقال ‪ :‬إني إنما أعطيتكم على السابقة في‬
‫الِسلم ل على الحساب قالوا ‪ :‬فنعم إذن ‪ .‬وأخذوا ‪.‬‬
‫وخرج الحارث وسهيل بأهليهما نحو الشام فلم يزال مجاهدين حتى أصيبا في‬
‫بعض تلك الدروب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ماتا في طاعون عمواس ‪.‬‬
‫ولما أراد عمر وضع الديوان ‪ ،‬قال له علي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف ‪ :‬ابدأ‬
‫بنفسك تجال ل ‪ ،‬بل أبداً بعَمّ رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم القرب فالقرب ‪.‬‬
‫ففرض للعباس وبدأ به ؛ ثم فرض لهل بدر خمسة آلف خمسة آلف ‪ ، -‬ثم‬
‫فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلف أربعة آلف ‪ ،‬ثم فرض لمن بعد‬
‫الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر عن أهل الردة ثلثة آلف ثلثة آلف في ذلك من شهد‬
‫الفتح وقاتل عن أبي بكر ؛ ومن ولى اليام قبل القادسية ‪ ،‬كل هؤلء ثلثة آلف‬
‫ثلثة آلف ‪ ،‬ثم فرض لهل القادسية وأهل الشام أل َفيْن ألفين ‪.‬‬
‫وفرض لهل البلء النازع منهم ألفين وخمسمائة ألفين وخمسمائة فقيل له ‪ :‬لو‬
‫ألحقتَ أهل القادسية بأهل اليام ‪ .‬فقال ‪ :‬لم أكن للحقهم بدرجة مَنْ لم يدركوا ‪.‬‬
‫وقيل‬
‫ن بعدت داره بمن قربت داره وقاتلهم عن فنائه ! فقال ‪ :‬من‬ ‫له ‪ :‬قد سوْيتَ مَ ْ‬
‫)‬
‫قربت داره أحق بالزيادة لنهم كانوا أردءاً للحتوف وشجى للعدو فهل قال‬
‫‪(1‬‬

‫المهاجرون ‪ :‬مثل قولكم حين سوينا بين السابقين منهم والنصار فقد كانت نصرة‬
‫النصار بفنائهم وهاجر إليهم المهاجرون من بعد" ‪.‬‬
‫وفرض لمن بعده القادسية واليرموك ألفاً ألفًا ‪ ،‬ثم فرض للروادف المثنى‬
‫خمسمائة خمسمائة ‪ ،‬ثم للروادف الليث بعدهم ثلثمائة ثلثمائة سوي كل طبقة في‬
‫العطاء قويهم وضعيفهم عربهم وعجمهم ‪ ،‬وفرض للروادف الربيع على مائتين‬
‫وخمسين ‪ ،‬وفرض لمن بعدهم وهم أهل هجر ‪ ،‬والعباد على مائتين ‪.‬‬
‫وألحق بأهل بدر أربعة من لم غير أهلها الحسن ‪ ،‬والحسين ‪ ،‬وأباذر وسلمان ‪.‬‬
‫وكان فرض للعباس خمسة وعشرين ألفاً ‪ ،‬وقيل ‪ :‬اثني عشر ألفاً ‪ ،‬وأعطى نساء‬
‫النبي في لحيينه عشرة آلف عشرة آلف إل مَنْ جرى عليها الملك ‪ ،‬فقال نسوة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ما كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يفضلنا‬
‫عليهن في القسمة فَسَو بيننا فْفعل ‪ ،‬وفضّل عائشة بألفين لمحبة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إياها فلم تأخذ ‪ ،‬وجعل نساء أهل بدر في خمسمائة خمسمائة ‪ ،‬ونساء من‬
‫بعدهم إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ‪ ،‬ونساء مَنْ بعد ذلك إلى اليام ثلثمائة‬
‫ثلثمائة ‪ ،‬ونساء أهل القادسية مائتين مائتين ‪ ،‬ثم سَوي بين النساء بعد ذلك وجعل‬
‫الصبيان سواء على مائة مائة ‪ ،‬ثم جمع ستين مسكينًا وأطعمهم الخبز فأحصوا ما‬
‫أكلوا فوجدوه يخرج من جريبتين ‪ ،‬ففرض لكل إنسان منهم ولعياله جريبتين في‬
‫الشهر ‪.‬‬
‫وقال عمر قبل موته ‪ " :‬لقد هممتُ أنْ أجعل العطاء أربعة آلف أربعة آلف ألفاً‬
‫يجعلها الرجل في أهله ‪ ،‬وألفاً يزودها معه ‪ ،‬وألفاً يتجهز بها وألفًا يترفق بها " ‪،‬‬
‫فمات قبل أنْ يفعل ‪ .‬وقال له قائل عند فرض العطاء‪" :‬يا أمير المؤمنين لو تركتَ‬
‫في بيوت الموالُ عدة لكون إنْ كان فقال ‪" :‬كلمةُ ألقاها الشيطان علن ِفيّك وقاني ال‬
‫شرّها وهي فتنةُ لمن بعدي ‪ ،‬بل أعِدّ لهم ما أعدّ الُ ورسوله ‪ :‬طاعة ال ورسوله‬
‫هما عدتنا التي بها أفضينا إلى ما ترون ‪ ،‬فإذا كان المال ثمن ِديْن أحدكم هلكتم " ‪.‬‬
‫وقال عمر للمسلمين إني كنتُ امرءاً تاجرًا يغني ال عيالي بتجارتي وقد‬
‫شغلتموني بأمركم هذا فما ترون أنه يحل لي في هذا المال ؟‬
‫[ فأكثر القو ُم ] وعلى ساكت فقال ‪ :‬ما تقول يا علي ؟ فقال ‪ :‬ما أصلحك وعيالك‬
‫بالمعروف ليس لك غيره فقال القوم ‪ :‬القول ما قال علي فأخذ ُق ْوتَه ‪ .‬واشتدت حاجةُ‬
‫عمر فاجتمع نفرٌ من الصحابة [ المهاجرين ] ‪ ،‬منهم عثمان ‪،‬‬
‫وعلي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبير فقالوا ‪ :‬لو قُلنا لعمر في زيادة نزيده إيّاها في رزقه ‪.‬‬
‫فقال عثمان ‪َ :‬هلُموا فلنستبرىء ‪ ،‬ما عنده من وراء وراء‪.‬‬
‫ن ل تخبر بهم عمر ‪ ،‬فلقيت‬ ‫فأتوا حفصة ابنته فأعلموها الحال واستكتموها أ ْ‬
‫عمر‬
‫في ذلك فغضب وقال ‪ :‬مَن هؤلء ؟ لسوأنّهم قالت ‪ :‬ل سبيل إلى علمهم قال ‪:‬‬
‫أنت بيني وبينهم ما أفضل ما اقتنى رسول ال فًي في بيتك من الملبس ؟ قالت ‪:‬‬
‫ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد و[ يخطب فيهما ] للجمع قال ‪ :‬فأى الطعام ناله‬
‫عن َدكِ أرفع ؟ قالت ‪ :‬حرفًا من خبز شعير فصببنا عليه وهو حار أسفل عكة لنا‬
‫فجعلتها دسمة حلوة فأكل كل منها قال ‪ :‬وأيّ مبسط كان يبسط عندك كان أوطأ ؟‬
‫قالت ‪ :‬كِسَاءٌ ثخين ُكنَا نرّبعه في الصيف [ فنجعله تحتنا ] فإذا كان الشتاء بسطنا‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه‬ ‫نصفه وتدثرنا بنصفه قال ‪ :‬يا حفصة فأبلغيهم [ عنّي ] أ َ‬
‫ت ] فوال‬
‫وسلم قدر فوضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية ‪ [ ،‬وإني قَدِر ُ‬
‫لضعنَ الفضول مواضعها ولتبلّغن بالترجية ‪ ،‬وإنما َمثَلي ومثل صاحبي كثلثة‬
‫سلكوا طريقاً فمضى الول وقد تزود [ زادأ ] فبلغ المنزل ‪ ،‬ثم اتبعه الخر فسلك‬
‫ن لزم طريقهما ورضيَ بزادهما ألحق بهما‬ ‫طريقه فأفضى إليه ‪ ،‬ثم اتبعه الثالث فإ ْ‬
‫[ وكان معهما ] وإنْ سلك غير طريقهما لم يجامعهما ‪.‬‬
‫ذكر الحروب إلى آخر السنة فمن ذلك‬
‫يوم برس وبابل وكوثى‬
‫لمّا فرغ سعد من أمر القادسية أقام بها بعد الفتح شهرين ؟ وكا َتبَ عمر فيما‬
‫يفعل ‪ ،‬فكتب إليه عمر يأمره بالمسير إلى ( المدائن " ‪ ،‬وأن يخلف النساء‬
‫والعيال بالعتيق ‪ ،‬وأنْ يجعل معهم جنداً كثيفًا ‪ ،‬و [ عهد إليه ] أنْ يشركهم في كل‬
‫مغنم ما داموا يخلفون المسلمين في عيالتهم ‪ ،‬ففعل ذلك ‪ ،‬وسار من القادسية ليام‬
‫بقين من شوال ‪ ،‬وكل الناس مُؤد مذ نقل ال إليهم ما كان في عسكر الفرس ‪ [ ،‬من‬
‫ت مقدمة المسلمين بُرس ) وعليهم عبدال بن‬
‫‪(1‬‬
‫سلح ‪ ،‬وكراع ‪ ،‬ومال ] فلما وصل ْ‬
‫المعتم ‪ ،‬وزهرة بن حوّية ‪ ،‬وشرحبيل بن السمط لقيهم بها بصبهرا في جمع من‬
‫الفرس فهزمه المسلمون ومن معه إلى بابل ‪ ،‬وبها فالة القادسية وبقايا رؤسائهم‬
‫النخير خان ) ومهران الرازي ‪ ،‬والهرمزان وأشباههم ‪ ،‬وقد استعملوا عليهم‬‫‪(2‬‬

‫الفيرزان وقدم بصهبرا منهزمًا من بُرس فوقع في النهر ومات من طعنة كان طعنه‬
‫زهرة ‪ ،‬ولما هزم بصبهرا أقبل بسطام دهقان برس فصالح زهرة وعقد له الجسور‬
‫وأخبره بمن اجتمع ببابل فأرسل زهرة إلى سعد ُي َعرَفُهُ ذلك ‪ ،‬فقدم عليه سعد‬
‫ببرس ‪ ،‬وستره في المقدمة واتبعه عبدال ‪ ،‬وشرحبيل ‪ ،‬وهاشماً المرقال واتبعهم‬
‫فنزلوا على الفيرزان ببابل ‪ ،‬وقد قالوا ‪ :‬نقاتَلهم قبل أنْ نفترق فاقتتلوا فهزمهم‬
‫المسلمون [ في أسرع من لفت الرداء ] ‪ ،‬فانطلقوا على وجهين فسار الهرمزان نحو‬
‫الهواز فأخذها فأكلها‪ ،‬وخرج الفيرزان نحو نهاوند فأخذها فأكلها وبها كنوز كسرى‬
‫‪ ،‬وأكل الماهَين ‪ ،‬وسار النخير خان ‪ ،‬ومهران إلى المدائن وقطعا الجسر وأقام سعد‬
‫ن النخير خان قد خلف شهريار دهقاناً من‬ ‫ببابل [ أياماً وبلغه أ ّ‬
‫دهاقين الباب بكوثى في جمع ] فقدم زهرة بين يديه بكير بن عبدال الليثي ‪،‬‬
‫وكثير بن شهاب السعدي حتى عبرا الصراة ) فلحقا بأخريات القوم ‪ ،‬وفيهم‬
‫‪(1‬‬

‫فيومان ‪ ،‬والفرّخان هذا بيساني وهذا أهوازي فقتل بكير الفرّخان ‪ ،‬وقتل كثير‬
‫فيومان بسورا ‪ ،‬وجاء زهرة فجاز سورا ونزل ‪ ،‬وجاء سعد وهاشم والناس ونزلوا‬
‫عليه ‪ ،‬وتقدم زهرة نحو الفرس ‪ -‬وكانوا قد نزلوا بين الدير وكوثى ‪ ،‬وقد استخلف‬
‫النخير خان ومهران على جنودهما شهريار دهقان البابَ فنازلهم زهرة فبرزوا الى‬
‫قتاله ‪ ،‬وخرج شهريار يطلب المبارزة ‪ ،‬فأخرج زهرة إليه أبا نباتة نايل بن جعشم‬
‫العرجي ‪-‬وكان من شجعان بني تميم وكلهما وثيق الخلق ‪ -‬فلما رأي شهريار‬
‫نايلً ألقى الرمح ليعتنقه وألقى أبو نباتة رمحه ليعتنقه أيضًا وانتضيا سيفيهما فاجتلدا‬
‫‪ .‬ثم اعتنقا فسقطا عن دابتيهما فوقع شهريار عليه كأنه ‪ ،‬جمل ‪ .‬فضغطه بفخذه‬
‫وأخذ الخنجر وأراد حل أزرار درعه فوقعت إصبعه في فن نايل فكسر عظمها‬
‫ورأى منه فتوراً فبادره وجلد به الرض ‪ ،‬ثم قعد على صدره وأخذ خنجره وكشف‬
‫درعه عن بطنه ‪ ،‬وطعن به بطنه وجنبه حتى مات ‪ ،‬وأخذ فرسه وسواريه وسلبه ‪،‬‬
‫وأنهزم أصحابه فذهبوا في البلد ‪.‬‬
‫ل وألبسه سلح شهريار‬ ‫وأقام زهرة بكوثى حتى قدم عليه سعد فقدم إِليه ناي ً‬
‫وسواريه وأركبه برذونه وغنمه الجميع ‪ ،‬فكان أول أعرجي سور بالعراق ‪،‬‬
‫وأقام بها سعد أياماً ‪ ،‬وزار مجلس إبراهيم ) الخليل عليه السلم ‪.‬‬
‫‪(2‬‬

‫وقيل ‪ :‬كانت هذه الوقعات سنة ست عشرة ‪.‬‬


‫( نايل ) بالنون وبعد اللف ياء تحتها نقطتان وآخره لم ‪.‬‬
‫سيْر‪ )(3‬وهي المدينة العتيقة‪ ،‬وهي‬
‫هَر ِ‬
‫ذكر ب َ ُ‬
‫المدائن الدنيا من الغرب‬
‫ثم إن سعداً قدم زهرة إلى بهرسير‪ ،‬فمضى في المقدمات فتلقاه شير زاد دهقان‬
‫ساباط بالصلح فأرسله إِلى سعد فصالحه على تأدية الجزية‪ ،‬ولقى زهرة كثيبة‬
‫بنت‬
‫كسرى التي تدعى بوران ‪ ،‬وكانوا يحلفون كل يوم أن ل يزول ملك فارس ما‬
‫عشنا فهزمهم ‪ ،‬وقتل هاشم بن عتبة ‪ -‬وهو ابن أخي سعد المقرطِ ) وهو أسد كان‬
‫‪(1‬‬

‫لكسرى قد ألفه ‪ -‬فقبل سعد رأس هاشم ‪ ،‬وقبّل هاشم قدم سعد‪ ،‬وأرسله سعد في‬
‫س ْمتُم مِن َقبْل مَا َلكُم مِن‬
‫سيْر فنزل إلى المظلم وقرأ ( أ َولَم َتكُونُوا أقْ َ‬
‫المقدمة إِلى ب ُهرَ ِ‬
‫َزوَالٍ ) ‪.‬‬
‫ثم أَرتحل فنزل على بهرسير‪ ،‬ووصلها سعد والمسلمون فرأوا الِيوان ‪ ،‬فقال‬
‫سرَي ‪ ،‬هذا ما وعد ال ورسوله ‪ .‬وكبّر‬ ‫ض كِ ْ‬
‫ضرار بن الخطاب ‪ :‬ال أكبر أبي ُ‬
‫وكبّر الناس معه ‪ ،‬فكانوا كلما وصلت طائفةٌ كبروا‪ ،‬ثم نزلوا على المدينة‪ ،‬وكان‬
‫نزولهم عليها في ذي الحجة‪ [ ،‬فكان مقامه بالناس على بهرسير شهرين وعبروا في‬
‫الثالث ] ‪.‬‬
‫وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب ‪ ،‬وكان عامله فيها على مكة عتاب‬
‫بن أسيد في قول ‪ ،‬وعلى الطائف يعلى بن مُنية‪ ،‬وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن‬
‫أبي العاص ‪ ،‬وعلى عمان حذيفة بن محصن ‪ ،‬وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح ‪،‬‬
‫وعلى الكوفة وأرضها سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬ر وعلى القضاء أبو فروة ]‪ ،‬وعلى‬
‫البصرة المغيرة بن شعبة ‪.‬‬
‫عبَادة النصاري ‪ ،‬وقيل ‪ :‬توفي في خلفة أبي بكر‪ ،‬ونوفل‬ ‫وفيها مات سعد بن ُ‬
‫بن الحرث بن عبد المطلب ‪ ،‬وكان أسن من أسلم من بني هاشم ‪.‬‬
‫ثم دخلت سنة ست عشرة‬
‫ذكر فتح المدائن الغربية‪ ،‬وهى بهرسير‬
‫سيْر‪ ،‬وكان سعد محاصِراً لها ‪،‬‬ ‫في هذه السنة في صفر دخل المسلمون َب ُهرَ ِ‬
‫وأرسل الخيول فأغارت على مَنْ ليس له عهد فأصابوا مائة ألف فلح فأصاب كل‬
‫واحد منهم فلحًا لن كل المسلمين كان فارسا [ فخندق لهم ‪ ،‬فقال له شيرازاد دهقان‬
‫ساباط ‪ :‬إنك ل تصنع بهؤلء شيئًا إنّما هؤلء علوج لهل فارس لم يجروا إليك‬
‫فدعهم إلى حتى يفرق لكم الرأي‪.‬‬
‫فأرسل سعد إلى عمر يستأذنه فأجابه أنّ من جاءكم من الفلحين [ إذا كانوا‬
‫خلَى‬
‫مقيمين ] ممن لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به ف َ‬
‫سعد عنهم وأرسل إلى الدهاقين ودعاهم إلى السلم ‪ ،‬أو الجزية ولهم الذمة‬
‫[ وال َم َنعَة ] فتراجعوا [ على الجزاء والمنعة ] ولم يدخل في ذلك ما كان لل كسرى‬
‫ي إل آمن ‪،‬‬ ‫[ ومن دخل معهم ]‪ ،‬فلم يبق غربي دجلة إلى أرض العرب سوا ِد ّ‬
‫واغتبط بملك السلم ‪ ،‬وأقاموا على بهرسير شهرين يرمونهم بالمجانيق ‪ ،‬ويدنون‬
‫إليهم بالدبابات ‪ ،‬ويقاتلونهم بكل عدة‪ ،‬ونصبوا عليها عشرين منجنيقاً‪ ،‬فشغلوهم بها‪،‬‬
‫وربما خرج العجم فقاتلوهم فل يقومون لهم ‪.‬‬
‫وكان آخر ما خرجوا متجردين للحرب وتبالغوا على الصبر‪ ،‬فقاتلهم المسلمون‬
‫[ فلم يثبتوا لهم ] وكان على زهرة بن الحويّة درع مفصوم ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬لو أمرتَ‬
‫بهذا الفصم فسرد‪ .‬فقال لهم ‪ [ :‬ولم قالوا ‪ :‬نخاف عليك منه ‪ .‬قال ‪ ] :‬إنّي علن ال‬
‫لكريم إنْ نزل سه ُم فارس الجند كلهم أنْ ل يؤمنني من هذا الفصم حتى يثبت فيّ ‪،‬‬
‫فكان أول رجل أصيب من المسلمين يومئذ هو بنشابة من ذلك الفصم فقال بعضهم ‪:‬‬
‫ت فيّ لعلي أن أصيب منهم‬ ‫انزعوها [ عنه ]‪ .‬فقال ‪ :‬دعوني فإنّ نفسي معي ما دام ْ‬
‫بطعنة أو‬
‫ضربة ‪ .‬فمضى نحو العدو فضرب بسيفه شهريار من أهل إصطخر فقتله‬
‫وأحيط به ف ُقتِل وما انكشفوا ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن زهرة عاش إلى أيام الحجاج فقتله شبيب الخارجي ‪ ،‬وسيرد ذكره ‪،‬‬
‫وأشتد الحصار بأهل المدائن الغربية حتى أكلوا السنانير والكلب ‪ ،‬وصبروا من‬
‫شدة الحصار على أمر عظيم ‪ ،‬فبيناهم يحاصرونهم إذْ أشرف عليهم رسولُ الملك ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬الملكُ يقول لكم ‪ :‬هل لكم إلى المصالحة على أنّ لنا ما يلينا من دجلة إلى‬
‫جبلنا ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم ؟ أما شبعتم ل أشبع ال بطونكم ‪ .‬فقال لهم‬
‫أبو مفزر السود بن قطبة وقد أنطقه ال تعالى بما ل يدري ما هو ول من معه ‪،‬‬
‫فرجع الرجل فقطعوا دجلة إلى المدائن الشرقية التي فيها اليوان فقال له من معه ‪:‬‬
‫يا أبا مفزر ما قلتَ له ؟ قال ‪ :‬والذي بعث محمداً بالحق ما أدري ‪ ،‬وأنا أرجو أنْ‬
‫ت بالذي هو خير‪.‬‬ ‫أكون قد نطق ُ‬
‫وسأله سعد والناس عما قال فلم يعلم ‪ ،‬فنادي سعد في الناس فنهدوا إليهم فما‬
‫ظهر على المدينة أحد ول خرج رجل إلّ رجلٌ ينادي بالمان فأمّنوه ‪ ،‬فقال لهم‬
‫‪ :‬ما بقي بالمدينة من يمنعكم فدخلوا فما وجدوا فيها شيئًا ول أحداً إل أسارى وذلك‬
‫الرجل ‪ ،‬فسألوه لي شيء هربوا؟ فقال ‪ :‬بعث الملك إليكم يعرض عليكم الصلح‬
‫فأجبتموه أنه ل يكون بيننا وبينكم صلح أبداً حتى نأكل عسل افريدون باترج كوثى‬
‫فقال الملك ‪ :‬يا ويلتيه إن الملئكة تتكلم على ألسنتهم ترد علينا [ وتجيبنا عن‬
‫صوَى فلما دخلها المسلمون أنزلهم سعد المنازل‬ ‫العرب ]‪ .‬فساروا إلى المدينة ال ُق ْ‬
‫وأرادوا العبور إلى المدائن فوجدوا المعابر قد أخذوها ما بين المدائن وتكريت ‪.‬‬
‫ذكر فتح المدائن التي فيها إيوان كسرى‬
‫وكان فتحها في صفر أيضاً سنة ست عشرة‪ ،‬قيل ‪ :‬وأقام سعد ببهرسير أيامًا من‬
‫صفر فأتاه علج ) فدلّه على مخاضة تخاض إلى صلب الفرس فأبن وتردد عن‬‫‪(1‬‬

‫ذلك وقحمهم المد ) وكانت السنة كثيرة المدود‪ ،‬ودجلة تقذف بال ّزبَد فأتاه علج فقال ‪:‬‬
‫‪(2‬‬

‫ما‬
‫يقيمك ل يأتي عليك ثالثة حتى يذهب يزدجرد بكل شيء في المدائن فهيّجه ذلك‬
‫على العبور‪ ،‬ورأوا رؤيا أنّ خيول المسلمين اقتحمت دجلة فعبرت ‪ ،‬فعزم سعد‬
‫ن عدوكم قد اعتصم منكم‬ ‫لتأويل الرؤيا فجمع الناس فحمد ال وأثنى عليه ثم قال ‪ :‬إ ّ‬
‫بهذا البحر فل تخلصون إليه معه ويخلصون إليكم إذ شاؤوا في سفنهم فينا وشؤونكم‬
‫وليس وراءكم شي ت تخافون أنْ تؤتوا منه قد كفاكموهم أهل اليام ‪ ،‬وعطّلوا‬
‫ثغورهم [ وأفنوا ذادتهم ] وقد رأيتُ مِنْ الرأي أنْ تُجاهدوا العدو قبل أن تحصدكم‬
‫الدنيا أل إنّي قد عزمتُ علن قطع هذا البحر إليهم ‪.‬‬
‫فقالوا جميعًا ‪ :‬عزم ال لنا ولك على الرشد فافعل فندب الناس إلى العبور‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬مَنْ يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلحق به الناس لكي ل يمنعوهم من‬
‫العبور؟ فانتدب له عاصم بن عمرو ذو الباس في ستمائة من أهل النجدات فاستعمل‬
‫عليهم عاصماً فقدّمهم عاصم في ستين فارسًا وجعلهم على خير ذكور لناث ليكون‬
‫أسلس لسباحة الخيل ‪ ،‬ثم اقتحموا دجلة ‪.‬‬
‫فلما رآهم العاجم وما صنعوا أخرجوا للخيل التي تقدمت مثلها فاقتحموا عليهم‬
‫دجلة فلقوا عاصماً وقد دنا من الفراض فقال عاصم ‪ :‬الرماح الرماح اشرعوها‬
‫وتواخرا العيون فالتقوا فاطعنوا وتوخّى المسلمون عيونهم ف َوتُوا‪ ،‬ولحقهم المسلمون‬
‫ن نجا منهم صار أعور من الطعن ‪ ،‬وتلحق الستمائة بالستين‬ ‫فقتلوا أكثرهم ‪ ،‬ومَ ْ‬
‫غير متعتعين ‪ ،‬ولما رأى سعد عاصماً على الفراض قد منعها أذِنَ للناس في‬
‫ل ونتوكل عليه حسبنا ال و ِنعْم الوكيل ‪ ،‬والّ‬ ‫القتحام ‪ ،‬وقال ‪ :‬قولوا ‪ :‬نستعين با ّ‬
‫لينصرن ال وليه ‪ ،‬وليظهرن دينه ‪ ،‬وليهز من عدوه [ ل حول ] ول قوة إل بالّ‬
‫العلي العظيم ‪.‬‬
‫وتلحق الناسُ في دجلة وإنهم يتحدثون كما يتحدثون في البر‪ ،‬وطبقوا دجلة‬
‫حتى ما يري من الشاطىء شئ وكان الذي يساير سعداً‪ [ ،‬في الماء ] سلمان‬
‫الفارسي فعامت بهم خيولهم وسعد يقول ‪ " :‬حسبنا ال ونعم الوكيل ‪ ،‬وال لينصرن‬
‫ال وليه وليظهرن دينه وليهزمن عدوه إنْ لم يكن في الجيش َب ْغيٌ أو ُذنُوب تغلب‬
‫الحسنات ‪ . ،‬فقال له سلمان ‪ " :‬السلمُ جديد ذَلَلتْ لهم [ وال ] البحور كما ُذلّل لهم‬
‫البر‪ ،‬أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجًا كما دخلوا فيه أفواجاً ‪.،‬‬
‫فخرجوا منه كما قال سلمان لم يفقدوا شيئاً‪ [ ،‬ولم يغرق منهم أحد ] إل أن‬
‫مالك بن عامر العنبري سقط منه قَدَح فذهبت به جرية الماء فقال له الذي يسايره‬
‫ُمعَيراً له ‪ :‬أصابه القدر فطاح فقال ‪ :‬وال إني لعلن حالة ما كان ال ليسلبني قدحي‬
‫من بين العسكرين ‪ .‬فلما عبروا ألقته الريح إلى الشاطىء فتناوله بعضُ الناس‬
‫وعرفه صاحبه فأخذه صاحبه ‪ ،‬ولم يغرق منهم أحد غير أنّ رجلً من بارق يدعى‬
‫غرقدة زال عن ظهر فرس له أشقر فثنى القعقاع عنان فرسه إليه فأخذ بيده فأخرجه‬
‫سالماً‪ [ ،‬فقال البارقي وكان من أشد الناس ‪ :‬أعجز الخوات أنْ يلدن مثلك ث ا‬
‫قعقاع ‪ .‬وكان للقعقاع فيهم خؤولة ] ) وخرج الناس سالمين وخيلهم تنفض أعرافها ‪،‬‬
‫‪(1‬‬

‫فلما رأي الفرس ذلك وأتاهم أمرٌ لم يكن في حُسابهم خرجوا هاربين نحو حُلوَان ‪،‬‬
‫وكان يزدجرد قد قدم عياله إلى حلوان قبل ذلك وخلف مهران الرازي ‪،‬‬
‫والنخيرخان وكان على بيت المال بالنهروان وخرجوا معهم بما قدروا عليه من خير‬
‫متاعهم وخفيفه وما قدروا عليه من بيت المال وبالنساء والذراري وتركوا في‬
‫الخزائن من الثياب والمتاع والنية والفصوص واللطاف ‪ ،‬والدهان ما ل يدري‬
‫قيمته ‪ ،‬وخلّفوا ما كانوا أعدوا للحصار من البقر والغنم والطعمة ‪ ،‬وكان في بيت‬
‫المال ثلثة آلف ألف ألف ألف ثلث مرات أخذ منها رستم عند مسيره إلى القادسية‬
‫النصف ‪ ،‬وبقي النصف ‪.‬‬
‫وكان أول من دخل المدائن كتيبة الهوال وهى كتيبة عاصم بن عمرو ‪ ،‬ثم‬
‫كتيبة الخرساء وهي كتيبة القعقاع بن عمرو؟ فاخذوا في سككها ل َيلْقَون فيها أحداً‬
‫ل من كان في القصر البيض فأحاطوا بهم ‪ ،‬ودعوهم ‪ ،‬فاستجابوا على‬ ‫يخشونه ) إ ّ‬
‫‪(2‬‬

‫تأدية الجزية والذمة ‪ ،‬فتراجع إليهم أهلُ المدائن على مثل عهدهم ليس في ذلك ما‬
‫كان لل كسرى [ ومن خرج معهم ] ونزل سعد القصر البيض ‪ ،‬وسرح سعد‬
‫زهرة في آثارهم الى النهروان ‪ [ ،‬وسرح ] مقدار ذلك من كل جهة ‪ ،‬وكان سلمان‬
‫الفارسي رائد المسلمين وداعيتهم دعا أهل بهرسير ثلثاً ‪ ،‬وأهل القصر البيض‬
‫ثلثاً ‪ ،‬وأتخذ سعد إيوان كسري مصلى ولم يغيّر ما فيه من التماثيل ‪ ،‬ولم يكن‬
‫بالمدائن أعجب من عبور الماء‪ ،‬وكان يدعى يوم الجراثيم ل يبقى أحدٌ إل اشمخرت‬
‫له جرثومة من الرض يستريح عليها ما يبلغ الماء حزام فرسه ‪ ،‬ولذلك يقول أبو‬
‫جيْد نافع بن السود ‪:‬‬
‫بُ َ‬
‫وأملنا على المدائن خيلً بحرها مثل برّهن أريضا‬
‫فانتثلنا خزائن المرء كسرى يوم ولوا وخاض منها جريضا‬
‫ع ) إلى قوله‬‫عيُونٍ َو ُزرُو ٍ‬
‫ت وَ ُ‬
‫جنّا ٍ‬
‫ولما دخل سعد اليوان قرأ ( كَ ْم َت َركُوا مِنْ َ‬
‫( َقوْمًا آخرين ) ) وصلى فيه صلة الفتح ثماني ركعات ل يفصل بينهن ول‬‫‪(1‬‬

‫يصلي جماعة ‪ ،‬وأتم الصلة لنه نوي القامة ‪ ،‬وكانت أول جمعة بالعراق ‪-‬‬
‫وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة ‪.‬‬
‫ولما سار المسلمون وراءهم أدرك رجلٌ من المسلمين فارسيًا يحمي أصحابه‬
‫فضرب فرسه ليقدم على المسلم فأحجم وأراد الفرار فتقاعس فأدركه المسلم فقتله‬
‫ل آخر من المسلمين جماعة من الفرس يتلومون ) وقد‬
‫‪(2‬‬
‫وأخذ سلبه ‪ ،‬وأدرك رج ٌ‬
‫نصبوا لحدهم كُرة ) وهو يرميها ل يخطئها ‪ ،‬فرجعوا فلقيهم المسلم فتقدم إليه ذلك‬
‫‪(3‬‬

‫الفارسي فرماه بأقرب مما كانت الكرة فلم يصبه فوصل المسلم إليه فقتله وهرب‬
‫أصحابه ‪.‬‬
‫جيْد ) بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وبعدها ياء تحتها نقطتان ودال‬ ‫( أبو بُ َ‬
‫مهملة ‪.‬‬
‫ع من غنائم أهل المدائن وقسمتها‬
‫م َ‬
‫ج ِ‬
‫ذكر ما ُ‬
‫عمْرو بن مقرن ‪ ،‬وعلى القسمة‬ ‫عمْرو بن َ‬
‫كان سعد قد جعل على القباض َ‬
‫سلمان بن ربيعة الباهلي ‪ ،‬فجمع ما في القصر واليوان والدور‪ ،‬وأحص ما يأتيه به‬
‫الطلب ؛ وكان أهل المدائن قد نهبوها عند الهزيمة وهربوا في كل وجه فما أفلت‬
‫أحدٌ منهم بشيء أل أدركهم الطلب ‪ ،‬فأخذوا ما معهم ‪ ،‬ورأوا بالمدائن ِقبَاباً تركية‬
‫مملؤة سِلَلً مختومة برصاص فحسبوه طعاماً فإذا فيها آنية الذهب والفضة ‪ ،‬وكان‬
‫الرجل يطوف ليبيع الذهب بالفضة متماثلين ‪ ،‬ورأوا كافوراً كثيراً فحسبوه ِملْحاً‬
‫فعجنوا به فوجدوه ُمرًا ‪ .‬وأدرك الطلب مع زهرة جماعة من الفرس على جسر‬
‫النهروان فازدحموا عليه‬
‫ن لهذا‬‫فوقع منهم بغلٌ في الماء فعجلوا وكلبوا عليه ‪ ،‬فقال بعض المسلمين ‪ :‬إ ّ‬
‫البغل لشانا فجالدهم المسلمون عليه حتى أخذوه ‪ ،‬وفيه حلية كسري ثيابه ؛‬
‫وخرزاته؛ ووشاحه ‪ ،‬و ِدرْعه التي فيها الجوهر‪ -‬وكان يجلس فيها للمباهاة‪ ،‬ولحق‬
‫الكلج بغلين معهما فارسيان فقتلهما وأخذ البغلين فأبلغهما صاحب القباض وهو‬
‫ط عنهما فإذا سَفَطان‬‫يكتب ما يأتيه به الرجال ‪ ،‬فقال له ‪ِ :‬قفْ حتى ننظر ما معك فحَ ّ‬
‫) فيهما تاج كسري مرصعًا وكان ل يحمله إل السطوانيان ) وفيه الجوهر‪ ،‬وعلى‬
‫‪(2‬‬ ‫‪(1‬‬

‫البغل الخر سفطان فيهما ثياب كسري التي كان يلبس من الديباج المنسوج بالذهب‬
‫المنظوم بالجوهر وغير الديباج منسوجًا منظوماً‪.‬‬
‫)‬
‫ع ْي َب َتيْن [ غلفين ] في‬
‫‪(3‬‬
‫وأدرك القعقاع بن عمرو فارسياً فقتله ‪ ،‬وأخذ منه َ‬
‫أحدهما خمسة أسياف وفي الخر ستة أسياف ‪ ،‬و [ إذا في العيبتين ] أدراع منها‬
‫درع كسرى ومغافره ‪ ،‬ودرع هرقل ‪ ،‬ودرع خاقان ملك الترك ‪ ،‬ودرع داهر ملك‬
‫الهند ‪ ،‬ودرع بهرام جوبين ‪ ،‬؛ ودرع سياوخش ‪ ،‬ودرع النعمان أستلبها الفرس أيام‬
‫غزاهم خاقان ‪ ،‬وهرقل ‪ ،‬وداهر‪ ،‬وأما النعمان وجوبين فحين هربا من كسرى‬
‫والسيوف من سيوف كسرى ‪ ،‬وهرمز ‪ ،‬وقباذ ‪ ،‬وفيروز ‪ ،‬وهرقل ‪ ،‬وخاقان وداهر‬
‫‪ ،‬وبهرا م ‪ ،‬وسياوخش ‪ ،‬والنعمان فأحضر القعقاع الجميع عند سعد فخيّره بين‬
‫السياف فاختار سيف هرقل ‪ ،‬وأعطاه درع بهرام ونفل سائرها في الخرساء إلّ‬
‫سيف كسري ‪ ،‬والنعمان بعث بهما إلى عمر بن الخطاب لتسمع العرب بذلك‬
‫[ لمعرفتهم بهماو ] حسبوهما ) في الخماس ‪ .‬وبعثوا بتاج كسرى وحليته وثيابه إلى‬
‫‪(4‬‬

‫عمر ليراه المسلمون ‪.‬‬


‫وأدرك عصمة بن خالد الضبي رجلين معهما حماران فقتل أحدهما وهرب‬
‫الخر‬
‫وأخذ الحمارين فأتى بهما صاحب القباض فإذا على أحدهما سفطان في أحدهما‬
‫فرس من ذهب بسرج من فضة‪ ،‬وعلى ثفره ولباته الياقوت والزمرد المنظوم على‬
‫الفضة‪ ،‬ولجام كذلك ‪ ،‬وفارس من فضة مكلل بالجوهر‪ ،‬وفي الخر ناقة من فضة‬
‫عليها شليل ) من‬
‫‪(5‬‬
‫ذهب ‪ ،‬وبطان من ذهب ‪ ،‬ولها زمام من ذهب ‪ ،‬وكل ذلك منظوم بالياقوت ‪،‬‬
‫وعليها رجل من ذهب مكلل بالجواهر كان كسرى يضعهما على أسطوانتي التاج ‪.‬‬
‫وأقبل رجل بحُقّ إِلى صاحب القباض فقال ‪ :‬هو والذين معه ‪ :‬ما رأينا مثل هذا‬
‫ما‬
‫يعدله ما عندنا ول يقاربه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هل أخذت منه شيئاً؟ فقال ‪ :‬وال لول ال ما‬
‫أتيتكم به ‪ .‬فصّالوا ‪ :‬مَن أنت ؟ فقال ‪ :‬وال ل أخبركمٍ فتحمدوني [ ول غيركم‬
‫ليقرظوني ]‪ ،‬ولكني أحمد ال وأرضى بثوابه ‪ .‬فأتبعوه رجل [ حتى انتهى إلى‬
‫أصحابه ] فسأل عنه ‪ .‬فإذا هو عامر بن عبد قيس ‪ .‬وقال سعد ‪ :‬وال إن الجيش لذو‬
‫ت إنهم على فضل أهل بدر لقد تتبعتُ أ من أقوام ]‬ ‫أمانة ولول ما سبق لهل بدر لقل ُ‬
‫منهم هناة ما أحسبها من هؤلء‪ .‬وقال جابر بن عبد ال ‪ :‬والذي ل إله إل هو ما‬
‫أطلعنا على أح ٍد من أهل القادسية أنه يريد الدنيا مع الخرة فلقد اتهمنا ثلثة نفر فما‬
‫رأينا كأمانتهم وزهدهم ‪ .‬وهم طليحة [ بن خويلد ] وعمرو بن معد يكرب ‪ ،‬وقيس‬
‫بن المكشوح ‪ ،‬وقال عمر لما قدم عليه بسيف كسري ومنطقته وبزبرجده ‪ " :‬إن‬
‫ت الرعية ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬إنّك عففت فعف ْ‬
‫قوماً أدوا هذا لذوو أمانة " ‪ .‬فقال عل ّ‬
‫فلما جمعت الغنائم قسم سعد الفيء بين الناس بعدما خمسه ‪ ،‬وكانوا ستين ألفاً‪،‬‬
‫فأصاب الفارس اثني عشر ألفاً ‪ ،‬وكلهم كان فارسًا نيس فيهم راجل ‪ ،‬ونفل من‬
‫الخماس في أهل البلء وقسم المنازل بين الناس ‪ ،‬وأحضر العيالت فأنزلهم الدور‬
‫فأقاموا بالمدائن حتى فرغوا من جلولء وحلوان ‪ ،‬وتكريت ‪ ،‬والموصل ‪ ،‬ثم تحولوا‬
‫إلى الكوفة ‪ ،‬وأرسل سعد في الخمس كل شيء أراد أن يعجب منه العرب وما كان‬
‫يعجبهم أنْ يقع [!ليهم ]‪.‬‬
‫[القطيف ]‪:‬‬
‫وأراد إخراج خُمس القطيف فلم تعتدل قسمته ‪ -‬وهو بهار كسرى ‪ -‬فقال‬
‫للمسلمين ‪ :‬هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماسه فنبعث به إلى عمر يضعه حيث‬
‫يشاء؟ فإنّا ل نراه ينقسم وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعاً ‪ .‬فقالوا ‪ :‬نعم‬
‫‪ .‬فبعثه إلى عمر‪.‬‬
‫والقطيف بساط واحد طوله ستون ذراعاً وعرضه ستون ذراعًا مقدار جريب‬
‫كانت الكاسرة تعده للشتاء إذا ذهبت الرياحين شربوا عليه فكأنهم في رياض فيه‬
‫طرق‬
‫كالصور‪ ،‬وفيه فصوص كالنهار أرضها مذهبة ‪ ،‬وخلل ذلك فصوص كالدر‪،‬‬
‫وفي حافاته كالرض المزروعة والرض المبقّلة بالنبات في الربيع والورق من‬
‫الحرير على قضبان ‪ ،‬الذهب وزهره الذهب والفضة ‪ ،‬وثمره الجوهر وأشباه ذلك ‪،‬‬
‫وكانت العرب تسميه القطيف ‪.‬‬
‫فلما قدمت الخماس على عمر نفل منها مَن غاب ومن شهد من أهل البلء‪ ،‬ثم‬
‫قسم الخمس في مواضعه ‪ .‬ثم قال ‪ :‬أشيروا على في هذا القطيف ‪ .‬فمنْ بين‬
‫مشير بقبضه ‪ ،‬وآخر مفوض إليه ‪ ،‬فقال له عليّ ‪ :‬لم يجعل ال علمك جهلً‪ ،‬ويقينك‬
‫شَكا إنه ليس لك من الدنيا إل ما أعطيتَ فأمضيت ‪ ،‬أو لبست فأبليتَ‪ ،‬أو أكلتَ‬
‫ن ُتبْقِهِ على هذا اليوم لم تعدم في غدٍ من يستحق به ما ليس له ‪ .‬فقال‬
‫ت ‪ ،‬لنّك إ ْ‬
‫فأفني َ‬
‫‪ :‬صدقتني ‪ ،‬ونصحتني ‪ .‬فقطعه بينهم فأصاب علياً قطعة منه فباعها بعشرين ألفاً‪،‬‬
‫وما هي بأجود تلك القطع ‪.‬‬
‫وكان الذي سار بالخماس بشير بن الخصاصية‪ ،‬والذي [ ذهب بالفتح حليس بن‬
‫فلن السدي ‪ ،‬والذي ولي القبض عمرو‪ ،‬والقسم سلمان ] ‪ .‬وأثنى الناس على أهل‬
‫القادسية فقال عمر ‪ :‬أولئك أعيان العرب ‪ ،‬ولما رأى عمر سيف النعمان سأل جبير‬
‫بن مطعم عن نسب النعمان فقال جبير‪ :‬كانت العرب تنسبه إلى أشلء قنص ‪ ،‬وكان‬
‫أحد بني عجم بن قنص ‪ .‬فجهل الناس عجم فقالوا ‪ :‬لخم ) فنفله سيفه ‪ ،‬ووَلى عمر‬
‫‪(1‬‬

‫بن الخطاب سعد بن أبي وقاص صلة ما غلب عليه وحربه ‪ ،‬وولّى الخراج النعمان‬
‫وسويداً ابني عمرو بن مقرن ‪ -‬سويدا على ما سقت الفرات ‪ ،‬والنعمان على ما سقت‬
‫دجلة ‪ [ -‬وعقدوا الجسور ]‪ ،‬ثم استعفيا فولي عملهما حذيفة أبي أسِيد‪ ،‬وجابر بن‬
‫عمرو المزني ‪ ،‬ثم ولي عملهما بعد حذيفة ابنَ النعمان ‪ ،‬وعثمان بن حنيف ‪.‬‬
‫(حذيفة بن أسِيد) بفتح الهمزة وكسر السين ‪.‬‬
‫جلُولء وفتح ُ‬
‫حلوان‬ ‫ذكر وقعة َ‬
‫وفي هذه السنة كانت وقعة جلولء‪ ،‬وسببها أن الفرس لما انتهوا بعد الهرب من‬
‫جلُولَء )وافترقت الطرق بأهل أ َذ ْر ِبيْجَان والباب ‪ ،‬وأهل الجبال ‪،‬‬
‫‪(1‬‬
‫المدائن إلى َ‬
‫وفارس [ تذامروا ] وقالوا ‪ :‬لو افترقتم لم تجتمعوا أبداً ‪ ،‬وهذا مكانٌ يفرّق بيننا ‪،‬‬
‫فهلموا فلنجتمع للعرب به ‪ ،‬ولنقاتلهم فإنْ كانت لنا فهو الذي نحب ‪ ،‬وإنْ كانت‬
‫الخري كنا قد قضينا الذي علينا وأبدينا عُذْراً ‪.‬‬
‫فاحتفروا خندقًا ‪ ،‬واجتمعوا فيه على مهران الرازي ‪ ،‬وتقدم يزدجرد إلى حلوان‬
‫[ فنزل بها‪ ،‬ورماهم بالرجال وخلف فيهم الموال فأقاموا ] وأحاطوا خندقهم‬
‫بحسك الحديد إل طرقهم ‪.‬‬
‫فبلغ ذلك سعداً‪ ،‬فأرسل بذلك إلى عمر‪ ،‬فكتب إليه أن عمر سرح هاشم بن عتبة‬
‫جلُولء‪ ،‬و[جعل على مقدمته القعقاع بن عمرو[ وعلى ميمنته مسعر بن مالك ‪،‬‬ ‫إلى َ‬
‫وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة‪ ،‬واجعل على ساقته عمرو بن مرة الجهني ]‬
‫ل الفرس فاجعل القعقاع بين السواد والجبل على حد سوادكم ‪ ،‬وليكن‬ ‫وإنْ هزم ا ّ‬
‫الجند اثني عشر ألفاً ‪ .‬ففعل سعد ذلك ‪.‬‬
‫وسار هاشم من المدائن بعد قسمة الغنيمة في اثني عشر ألفًا منهم وجوه‬
‫المهاجرين ‪ ،‬والنصار‪ ،‬وأعلم العرب ممن كان ارتد ومن لم يرتد ‪ ،‬فسار من‬
‫المدائن فمرّ ببابل مهروذ‪ ،‬فصالحه دهقانها على أن يفرش له جريب الرض‬
‫دراهم ‪ ،‬ففعل وصالحه ‪ ،‬ثم مضى حتى قدِم جلولء فحاصرهم في خنادقهم وأحاط‬
‫بهم وطاولهم‬
‫الفرس ‪ ،‬وجعلوا ل يخرجون [ إليهم ] إلّ إذا أرادوا وزاحفهم المسلمون نحو‬
‫ثمانين‬
‫يوماً كل ذلك ينصر المسلمون عليهم ‪ ،‬وجعلت المداد َترِ ُد مِنْ يزدجرد إلى‬
‫مهران وأمدّ سعد المسلمين ‪ ،‬وخرجت الفرس ‪ ،‬وقد اختلفوا فاقتتلوا؛ فأرسل ال‬
‫عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البلد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق فجعلوا‬
‫طرُقاً مما يليهم تصعد منه خيلهم فأفسدوا حصنهم ‪ ،‬وبلغ ذلك المسلمين فنهضوا‬ ‫فيه ُ‬
‫ل شديداً لم يقتتلوا مثله إل ليلة الهرير إل أنه كان أعجل ‪ ،‬وانتهى‬ ‫إليهم وقاتلوهم قتا ً‬
‫القعقاع بن عمرو من الوجه الذي زحف فيه إلى باب خندقهم ‪ ،‬فأخذ به وأمر منادياً‬
‫فنادي ‪:‬‬
‫" يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل الخندق ‪ ،‬وأخذ به فَأ ْق ِبلُوا إليه ول‬
‫ن بينكم وبينه من دخوله "‪ ،‬وإنما أمر بذلك ليقوي المسلمين [ به ]‬ ‫يمنعكم مَ ْ‬
‫فحملوا‬
‫ول يشكوّن بأنّ هاشمًا في الخندق [ فلم يقم لحملتهم شيء حتى انتهوا إلى باب‬
‫الخندق ] فإذا هم بالقعقاع بن عمرو‪ ،‬وقد أخذ به ‪ ،‬فانهزم المشركون عن‬
‫المجال يمنة ويسرة فهلكوا فيما أعدوا من الحسك ‪ ،‬فعقرت دوابهم وعادوا رجالة ‪،‬‬
‫جّللَت‬ ‫واتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إل من ل ُيعَدّ‪ ،‬وقتل يومئذ منهم مائة ألف ف َ‬
‫القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جَلولء بما جللها من قتلهم فهي‬
‫جلولء‬
‫الوقيعة‪ ،‬فسار القعقاع بن عمرو في الطلب حتى بلغ خانقين ‪.‬‬
‫ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حُلوان نحو ال ّريّ ) ‪ ،‬وقدم القعقاع حلوان‬
‫‪(1‬‬

‫فنزلها في جند من الفناء ) والحمراء‪ ،‬وكان فتح جلولء في ذي القعدة سنة ست‬
‫‪(2‬‬

‫عشرة‪ .‬ولما سار يزدجرد عن حلوان استخلف عليها خسر سنوم )‪ ،‬فلما وصل‬
‫‪(3‬‬

‫القعقاع قصر شيرين خرج عليه خسر سنوم وقدم إليه الزينبي دهقان حلوان َفلَ ِقيَه‬
‫القعقاع فقتل الزينبي وهرب خسر سنوم واستولى المسلمون على حلوان ‪ ،‬وبقي‬
‫القعقاع بها إلى أنْ تحوّل سعد إلى الكوفة فلحقه القعقاع واستخلف علن حلوان قباذ ‪،‬‬
‫وكان أصله خراسانيًا ‪ ،‬وكتبوا إلى عمر بالفتح وبنزول القعقاع حلوان واستاذنوه في‬
‫ن بين السواد وبين الجبل سَدّا ل يخلصون إلينا ول‬ ‫اتباعهم فأبن وقال ‪ " :‬لوددتُ أ ّ‬
‫ت‬
‫نُخلص إليهم ‪ ،‬حسبُنا من الريف السواد إنّي آثر ُ‬
‫سلمة المسلمين على النفال ‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫وأدرك القعقاع في اتباعه الفرس مهران بخانِ ِقيْن فقتله ‪ ،‬وأدرك الفيرزان‬
‫فنزل وتوغّل في الجبل فتحامَى ‪ ،‬وأصاب القعقاع سبايا فأرسلهن إلى هاشم فقسمهن‬
‫ل من بني‬ ‫فاتخذن فولدن ‪ ،‬وممن ينسب إلى ذلك السبي أم الشعبي )‪ [ ،‬وقعت لرج ٍ‬
‫‪(2‬‬

‫عبس ‪ ،‬فولدت فمات عنها فخلف شراحيل فولدت له عامراً ونشأ في بني عبس ] ؟‬
‫قسمت الغنيمة وأصاب كل واحد من الفوارس تسعة آلف وتسعة من الدواب ؛ وقيل‬
‫‪ :‬إنّ الغنيمة كانت ثلثين ألف ألف فقسمها سلمان بن ربيعة‪ ،‬وبعث سعد بالخماس‬
‫إلى عمر‪ ،‬وبعث الحساب مع زياد بن أبيه [ وكان الذي يكتب للناس ويدونهم ] فكلّم‬
‫عمر فيما جاء له ووصف له فقال عمر ‪ :‬هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل ما‬
‫كلمتني به ؟ فقال ‪ :‬وال ما على الرض شخص أهيب في صدري منك فكيف ل‬
‫أقوى على هذا من غيرك ؟ فقام في الناس بما أصابوا وما صنعوا وبما يستأنفون‬
‫من النسياح في البلد‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬هذا الخطيب المصقع ‪ .‬فقال ‪ :‬إنّ جندنا أطلقوا [‬
‫بالفعال ] ألسنتنا ‪.‬‬
‫)‬
‫جنّه سقف [بيت ] حتى أقسمه ‪.‬‬ ‫فلما قدم الخُمس على عمر قال ‪ :‬وال ل يُ ِ‬
‫‪(3‬‬

‫فبات‬
‫عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وعبد ال بن الرقم يحرسانه في [ صحن ] المسجد‪،‬‬
‫فلما أصبح جاء في الناس فكشف عنه [ جلبيبه وهي النطاع ] فلما نظر إلى ياقوته‬
‫وزبرجده وجوهره بكى ‪ .‬فقال له عبد الرحمن بن عوف ‪ :‬ما يبكيك يا أمير‬
‫شكْر‪ .‬فقال عمر ‪ :‬وال ما ذلك يبكيني – وبال ما‬ ‫المؤمنين ؟ فوال إن هذا لموطنُ ُ‬
‫أعطى ال هذا قومًا إل تحاسدوا وتباغضوا ‪ ،‬ول تحاسدوا إل ألقى ال باسهم بينهم ‪،‬‬
‫ومنع عمر من قسمة السواد لتعذر ذلك بسبب الجام ‪ ،‬والغياض ‪ ،‬وتبعيض المياه ‪،‬‬
‫وما كان لبيوت النار ولسكك البرد‪ ،‬وما كان لكسري ومن جامعه ‪ ،‬ومن كان لمن‬
‫قتل والرحام ‪ ،‬وخاف أيضاً الفتنة بين المسلمين فلم يقسمه ‪ ،‬ومنع من بيعه لنه لم‬
‫يقسم وأقروها حبيسًا يولونها من أجمعوا‬
‫عليه بالرضا‪ ،‬وكانوا ل يجمعون إل على المراء‪ ،‬فل يحل بيع شيء من أرض‬
‫السواد ما بين حلوان والقادسية ‪ .‬واشترى جرير أرضاً على شاطىء الفرات فردّ‬
‫عمر ذلك الشراء وكرهه ‪.‬‬
‫ذكر فتح تكريت ‪ ،‬والموصل‬
‫وفي هذه السنة فتحت تكريت ) في جمادى ‪ ،‬وسبب ذلك أنّ النطاق سار من‬
‫‪(1‬‬

‫خنْدَق [ فيه ] عليه ليحمي أرضه ‪ ،‬ومعه الروم ‪ ،‬وإياد‪،‬‬ ‫الموصل إلى تكريت و َ‬
‫وتغلب ‪ ،‬والنمر‪ ،‬والشهارجة‪ ،‬فبلغ ذلك سعدًا فكتب الى عمر فكتب إليه عمر أن‬
‫سرّح إليه عبد ال بن المعتم واستعمل على مقدمته ربعي بن الفكل ‪ [ ،‬وعلى‬ ‫َ‬
‫ميمنته الحارث بن حسان الذهلي ‪ ،‬وعلى ميسرته فرات بن حيان العجلي ‪ ،‬وعلى‬
‫ساقته هانىء بن قيس ]‪ ،‬وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة‪ ،‬فسار عبد ال إلى تكريت‬
‫ونزل على النطاق فحصره ‪ ،‬ومن معه أربعين يوماً فتزاحفوا أربعة وعشرين‬
‫زحفًا ‪ ،‬وكانوا أهون شوكة [ وأسرع أمراً ] من أهل جلولء ‪ ،‬وأرسل عبد ال بن‬
‫المعتم إلى العرب الذين مع اللنطاق يدعوهم إلى نصرته [ على الروم ] وكانوا ل‬
‫يخفون عليه شيئاً‪ ،‬ولما رأت الروم المسلمين ظاهرين عليهم تركوا أمراءهم ونقلوا‬
‫متاعهم إلى السفن ‪ ،‬فأرسلت تغلب ‪ ،‬وإياد‪ ،‬والنمر إلى عبد ال بالخبر‪ ،‬وسألوه‬
‫المان وأعلموه أنهم معه ‪ ،‬فأرسل إليهم ‪ :‬إنْ كنتم صادقين [ بذلك ] فأسلِموا فأجابوه‬
‫وأسلموا ‪ ،‬فأرسل إليهم عبد ال ‪ :‬إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنّا أخذنا أبواب الخندق‬
‫فخذوا البواب التي تلي دجلة وكبّروا واقتلوا مَنْ قدرتم عليه ‪.‬‬
‫ونهد عبد ال والمسلمون وكبّروا وكبّرت تغلب ‪ ،‬وإياد ‪ ،‬والنمر وأخذوا‬
‫البواب ‪،‬فظن الروم أنّ المسلمين قد أتوهم من خلفهم مما يلي دجلة فقصدوا البواب‬
‫التي عليها المسلمون ‪،‬وأخذتهم سيوف المسلمين وسيوف الربعيين الذين أسلموا تلك‬
‫الليلة فلم يفلتَ من أهل الخندق إل من أسلم من تغلب ‪ ،‬وإباد‪ ،‬والنمر‪ ،‬وأرسل عبد‬
‫ال بن المعتم ربعي بن الفكل إلى الحصنين ‪ ،‬وهما نينوى والموصل فسمى نينوى‬
‫الحصن‬
‫الشرقي ‪ ،‬وسمى الموصل الحصن الغربي ‪ ،‬وقال ‪ :‬أسبق الخبر [ وسر ما دون‬
‫القيل وأحيي الليل ] وسرح ومعه تغلب ‪ ،‬وإياد‪ ،‬والنمر فقدّمهم ابن الفكل إلى‬
‫الحصنين فسبقوا الخبر وأظهروا الظفر والغنيمة وبشروهم ووقفوا بالبواب وأقبل‬
‫ابن الفكل فاقتحم عليهم الحصنين وكلبوا أبوابهما فنادوا بالجابة إلى الصلح‬
‫وصاروا ذمة وقسموا الغنيمة‪ ،‬فكان سهم الفارس ثلثة آلف درهم ‪ ،‬وسهم الراجل‬
‫ألف درهم وبعثوا بالخماس [ مع فرات بن حيان وبالفتح مع الحارث بن حسان ]‬
‫إلى عمر‪.‬‬
‫وولى حرب الموصل ربعي بن الفكل ‪ ،‬والخراج عرفجة بن هرثمة ‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫إنّ‬
‫عمر بن الخطاب استعمل عتبة بن فرقد على قصد الموصل وفتحها سنة عشرين‬
‫فأتاها فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها‪ ،‬وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل‬
‫الحصن الغربي وهو الموصل على الجزية ؛ ثم فتح المرج ‪ ،‬وبانهذرا ‪ ،‬وباعذرا ‪،‬‬
‫وحِبتون ‪ ،‬وداسن ‪ ،‬وجميع معاقل الكراد ‪ .‬وقرْدي ‪ ،‬وبازبدي ‪ ،‬وجميع أعمال‬
‫الموصل فصارت للمسلمين ‪.‬‬
‫ن عياض بن غنم لما فتح بلداً على ما نذكره أتى الموصل ففتح أحد‬‫وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫الحصنين ‪ ،‬وبعث عتبة بن فرقد إلى الحصن الخر ففتحه على الجزية والخراج ‪.‬‬
‫والّ أعلم ‪.‬‬
‫(المُ ْعتَمّ ) بضم الميم وسكون العين المهملة وآخره ميم مشددة ‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫سبَذَان‬
‫ذكر فتح ما َ‬
‫ولما رجع هاشم من جلولء إلى المدائن بلغ سعداً أنّ آذين بن الهرمزان قد جمع‬
‫جمعًا وخرج بهم إلى السهل ‪ [ .‬فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر ابعث إليهم‬
‫جنْ ٍد ‪ ،‬واجعل على مقدمته ابن الهذيل السدي ‪ ،‬وعلى‬
‫ضرار بن الخطاب في ُ‬
‫مجنبتيه عبد ال بن وهب الراسبي ‪ ،‬والمضارب بن فلن العجلي ] ‪ .‬فأرسل إليهم‬
‫ضرار بن الخطاب ) في جيش فالتقوا بسهل ما سبذان فاقتتلوا‪ ،‬فأسرع المسلمون‬
‫‪(3‬‬

‫في‬
‫المشركين ‪ ،‬وأخذ ضرار آذين أسيراً فضرب رقبته ‪ ،‬ثم خرج في الطلب حتى‬
‫انتهى إلى السيروان فأخذ ماسبذان عنوة فهرب أهلها في الجبال فدعاهم فاستجابوا‬
‫له وأقام بها حق تحوّل سعد إلى الكوفة فأرسل إليه فنزل الكوفة‪ ،‬واستخلف على‬
‫ماسبذان ابن الهذيل السدي فكانت أحد فروج الكوفة ‪ .‬وقيل ‪ :‬إن فتحها كان بعد‬
‫وقعة نهاوند ‪.‬‬
‫ذكر فتح قرقيسيا‬
‫ولما رجع هاشم [ بن عتبة ] من جلولء الى المدائن ‪ ،‬وقد اجتمعت جُموع أهل‬
‫الجزيرة فأمدوا هرقل على أهل حمص ‪ ،‬وبعثوا جنداً إلى أهل هِيت [ وكتب بذلك‬
‫سعد إلى عمر فكتب اليه عمر أن أبعث إليهم عمر بن مالك في جند‪ ،‬وعلى مقدمته‬
‫الحارث ‪ ،‬وعلى مجنبتيه ربعي بن عامر‪ ،‬ومالك بن حبيب ] ‪.‬‬
‫فأرسل سعد عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف في جند‪ ،‬وجعل على‬
‫فقدمته الحارث بن يزيد العامري ‪ ،‬فخرج عمر بن مالك في جنده نحو هِيت فنازل‬
‫من بها وقد خندقوا عليهم ‪ ،‬فلما رأى عمر بن مالك اعتصامهم بخندقهم ترك الخبية‬
‫على حالها وخلف عليهم الحارث بن يزيد يحاصرهم ‪ ،‬وخرج في نصف الناس‬
‫فجاء قرقيسيا على غرة فأخذها عنوة فأجابوا إلى الجزية ‪ ،‬وكتب إلى الحارث بن‬
‫يزيد إنْ هُم استجابوا َفخَل عنهم فليخرجوا وإل فخندِق على خندقهم خندقًا أبوابه مما‬
‫يليك حتى أرى رأي ‪ ،‬فراسلهم الحارث فأجابوا إلى ال َعوْد إلى بلدهم فتركهم ‪،‬‬
‫وسار الحارث إلى عمر بن مالك ‪.‬‬
‫)‬
‫وفيها غرب عمر بن الخطاب أبا محجن الثقفي إلى ناصع ‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫وفيها تزوج ابن عمر صفية بنت أبي عبيد أخت المختار‪ .‬وفيها حمى عمر‬
‫الربَذَة ) لخيل المسلمين ‪ .‬وفيها ماتت مارية أم ابراهيم ابن رسول ال صلى ال عليه‬
‫‪(2‬‬

‫وسلم‪ ،‬وصلى عليها عمر ودفنها بالبقيع في المحرم ‪ .‬وفيها كتب عمر التاريخ‬
‫بمشورة علي بن أبي طالب ‪ .‬وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب ‪،‬‬
‫واستخلف على الملينة زيد بن‬
‫ثابت ‪ .‬وكان عماله على البلد كانوا في السنة قبلها‪ ،‬وكان على حرب الموصل‬
‫ربعي بن الفكل ‪ ،‬وعلى خراجها عرفجة بن هرثمة‪ ،‬وقيل ‪ :‬كان على الحرب‬
‫والخراج بها عتبة بن فرقد‪ ،‬وقيل كان ذلك كله إلى عبدال بن ال ُم ْعتَمّ ‪ ،‬وعلى‬
‫الجزيرة عياض بن غنم ‪.‬‬
‫ثم دخلت سنة سبع عشرة‬
‫ذكر بناء الكوفة والبصرة‬
‫في هذه السنة اختُطّت الكوفة‪ ،‬ولَحوّل سعد إليها من المدائن ‪.‬‬
‫وكان سبب ذلك أن سعداً أرسل وفداً إلى عمر بهذه الفتوح المذكورة فلما رآهم‬
‫عمر سألهمِ عن تغير ألوانهم وحالهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬وخومة البلد غَي َر ْتنَا‪ .‬فأمرهم‬
‫ل ينزله الناس ‪ .‬وكان قد حضر مع الوفد نفر من بني تغلب‬ ‫عمر أن يرتادوا منز َ‬
‫ن من أسلم منكم كان له ما‬ ‫ليعاقدوا عمر على قومهم فقال لهم عمر‪ :‬أعاقدهم على أ ّ‬
‫للمسلمين وعليه ما عليهم ‪ ،‬ومَنْ أبى فعليه الجزية ‪ .‬فقالوا ‪ :‬إذن يهربون ويصيرون‬
‫عجمًا ‪.‬‬
‫وبذلوا له الصدقة فأبى فجعلوا جزيتهم مثل صدقة المسلم فأجابهم على أنْ ل‬
‫ُي َنصّرُوا وليداً [ ممن أسلم آباؤهم ‪ .‬فقالوا ‪ :‬لك ذلك ] ‪ .‬فهاجر هؤلء التغلبيون ومَنْ‬
‫بم طاعهم من النمر‪ ،‬وإياد إلى سعد بالمدائن ونزلوا بالمدائن ونزلوا م! بعد بالكوفة ‪.‬‬
‫وقيا‪ ،‬بل كتب حذيفة إلى عمر‪ " :‬إنّ العرب قد رقّت بطونها‪ ،‬وجفّت أعضادُها‪،‬‬
‫وتغيّرت ألوانها " ‪.‬‬
‫وكان مع سعد [ يومئذ ] فكتب عمر إلى سعد ‪ :‬أخبرني ما الذي غيّر ألوان‬
‫العرب ولحومهم ؟‬
‫فكتب إليه سعد ‪ :‬إن الذي غيرهم وخومة البلد لنّ العرب ل يوافقها إل ما‬
‫وافق‬
‫إبلها من البلدان ‪.‬‬
‫ن ابعث سلمان وحذيفة رائدين فليرتادا منزلً برياً بحريًا ليس‬ ‫فكتب إليه عمر أ ْ‬
‫بيني وبينكم فيه بحر ول جسر‪ .‬فأرسلهما سعد فخرج سلمان حتى أتى النبار‬
‫فسار في غربي الفرات ل يرضى شيئًا حتى أتى الكوفة ‪ ،‬وسار حذيفة في شرقي‬
‫الفرات ل يرض شيئاً حتى أتى الكوفة‪ ،‬وكل رملة وحصباء مختلطين فهو"كوفة "‬
‫فأتيا عليها‪ ،‬وفيها‬
‫ديرات ثلثة ‪ :‬دير حرمة )‪ ،‬ودير أم عمرو‪ ،‬ودير سلسلة ‪ ،‬وخصاص خلل‬
‫‪(1‬‬

‫ذلك ‪ .‬فأعجبتهما البقعة فنزل فصليا ودعوا ال تعالى أنْ يجعلهما منزل الثبات ‪ ،‬فلما‬
‫رجعا إلى سعد بالخبر‪ ،‬وقدم كتاب عمر إليه أيضاً كتب سعد إِلى القعقاع بن عمرو‪،‬‬
‫وعبد ال بن المعتم أن يستخلفا على جندهما ويحضرا عنده ‪ ،‬ففعل فارتحل سعد‬
‫[ بالناس ] من المدائن حتى نزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة‪ ،‬وكان بين‬
‫نزول الكوفة ووقعة القادسية سنة وشهران ‪ ،‬وكان فيما بين قيام عمر واختطاط‬
‫الكوفة ثلث سنين وثمانية أشهر ‪.‬‬
‫ولما نزلها سعد كتب الى عمر إني قد نزلتُ بالكوفة مغزلً فيما بين الحيرة‬
‫والفرات‬
‫)‬
‫برياً وبحريًا ينبت الحلفاء والنصي وخيّرت المسلمين بينها وبين المدائن ‪ ،‬فمن‬
‫‪(2‬‬

‫أعجبه المقام بالمدائن تركته فيها كالمسلحة ‪.‬‬


‫ولما استقروا بها عرفوا أنفسهم ورجع إليهم ما كانوا فقدوا من قُوتهِم ‪ ،‬واستأذن‬
‫أهلُ الكوفة في بنيان القصب ‪ ،‬واستأذن فيه أهل البصرة أيضاً‪ ،‬واستقر منزلهم‬
‫فيها في الشهر الذي نزل أهل الكوفة بعد ثلث نزلت قبلها فكتب إليهم إن العسكر‬
‫أشد لحربكم وأذكر لكم وما أحب أن أخالفكم فابتنى أهل المص َريْن بالقصب ‪ ،‬ثم إن‬
‫الحريق وقع في الكوفة والبصرة وكانت الكوفة أشد حريقاً في شوال ‪ ،‬فبعث سعد‬
‫نفراً منهم إلى عمر يستأذنونه في البنيان باللبن فقدموا عليه بخبر الحريق واستئذانه‬
‫أيضاً فقال ‪" :‬افعلوا ‪ ،‬ول يزيدنَ أحدكم على ثلث أبيات ول تطاولوا في البنيان ‪،‬‬
‫وألزموا السنة تلزمكم الدولة" ‪.‬‬
‫فرجع القوم إلى الكوفة بذلك ‪ ،‬وكتب عمر إلى [ عتبة وأهل ] البصرة بمثل‬
‫ذلك ‪،‬‬
‫وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك ‪ .‬وعلى تنزيل البصرة عاصم بن‬
‫دلف أبو الجرباء وقدر المناهجٍ أربعين ذراعاً‪ ،‬وما بين ذلك عشرين ذراعاً ‪،‬‬
‫ل الذي لبني ضبة ] وأول شيء خط‬ ‫والزقة سبع أذرع ‪ ،‬والقطائع ستين ذراعا [ إ ّ‬
‫جهَ ٍة بسهم‬
‫فيهما وبنى مسجداهما‪ ،‬وقام في وسطهما رجل شديد النزع فرمى في كل ِ‬
‫وأمر أنْ يبنى ما وراء‬
‫ذلك ‪ ،‬وبنى ظلة في مقدمة مسجد الكوفة على أساطين رخام من بناء الكاسرة‬
‫في الحيرة‪ ،‬وجعلوا على الصحن خندقًا لئل يقتحمه أحد ببنيان ‪ .‬وبنوا لسعدٍ داراً‬
‫بحياله‬
‫[ بينهما طريق منقب مائتي ذراع ‪ ،‬وجعل فيها بيوت الموال ] وهي قصر‬
‫الكوفة اليوم بناه روزبه من آجر بنيان الكاسرة بالحيرة ‪ ،‬وجعل السواق على شبه‬
‫سبَق الى مقع ٍد فهو له حتى يقوم منه إلى بيته ‪،‬ويفرغ من بيعه ‪.‬‬
‫ن َ‬
‫المساجد مَ ْ‬
‫وبلغ عمر أنّ سعداً قال ‪ -‬وقد سمع أصوات الناس من السواق ‪ -‬سكّنوا عني ‪،‬‬
‫الصويت ‪ ،‬وأن الناس يسمونه " قصر سعد "‪ ،‬فبعث محمد بن مسلمة الى الكوفة‬
‫وأمره ا أنْ يحرق باب القصر ثم يرجع ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬فبلغ سعدًا ذلك فقال ‪ " :‬هذا رسولٌ‬
‫أرسل لهذا ‪ ،‬فاستدعاه سعد فأبى أنْ يدخل إليه فخرج إليه سعد وغرَض عليه نفقة‬
‫فلم يأخذ‪ ،‬وأبلغه كتاب عمر إليه ‪ ( :‬بلغني أنك اتخذت قصراً جعلته حصناً ويسمى‬
‫" قصر سعد " ل بينك وبين الناس باب ‪ ،‬فليس بقصرك ولكنه قصر الخبال انزل‬
‫منه مما يلي بيوت الموال وأغلقه ‪ ،‬ول تجعل على القصر باباً يمنع الناس من‬
‫دخوله [ وتنفيهم به عن حقوقهم ليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت ] )‬
‫فحلف له سعد ما قال الذي قالوا‪ ،‬فرجع محمد أ مِنْ فوره حتى إذا دنا من المدينة‬
‫فني زاده فتبلغ بلحاء من لحاء الشجر‪ ،‬فقدِم المدينة ] فأبلغ عمر قول سعد فصدقه‬
‫[ وقال ‪ " :‬هو أصدق ممن ُر ِويَ عليه ومن أبلغني ] ) "‪.‬‬
‫‪(1‬‬
‫وكانت ثغور الكوفة أربعة‪ ،‬حلوان ‪ ،‬وعليها القعقاع ‪ ،‬وماسَبذان ‪ ،‬وعليها ضرار‬
‫بن الخطاب ‪ ،‬وقرقيسيا‪ ،‬وعليها عمر بن مالك ‪ ،‬أو عمرو بن عتبة بن نوفل ‪،‬‬
‫والموصل وعليها عبد ال بن المعتم ‪ .‬وكان بها خلفاؤهم إذا غابوا عنها‪ [ ،‬فكان‬
‫خليفة القعقاع على حلوان قباذ بن عبد ال ‪ ،‬وخليفة عبد ال على الموصل مسلم بن‬
‫عبد ال ‪ ،‬وخليفة ضرار رافع بن عبد ال ‪ ،‬وخليفة عمر عشنق بن عبد ال ]‪ ،‬وولى‬
‫سعد الكوفة بعدما اختطت ثلث سنين ونصفاً سوى ما كان بالمدائن قبلها ‪.‬‬
‫* * *‬
‫من بها من‬
‫مص حين قصد هرقل َ‬
‫ح ْ‬
‫ذكر خبر ِ‬
‫المسلمين‬
‫وفي هذه السنة قصد الروم أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من [ جند ] المسلمين‬
‫بِحمْص ‪ ،‬وكان المهيج للروم أهل الجزيرة فإنهم أرسلوا إلى ملكهم وبعثوه على‬
‫إرسال الجنود إلى الشام ووعدوا من أنفسهم المعاونة ففعل ذلك ‪ ،‬فلما سمع‬
‫المسلمون باجتماعهم ضَمّ أبو عبيدة إليه مسالحه وعسكر بفناء مدينة حمص ‪ ،‬وأقبل‬
‫خالد من ِقنّسرين إليهم فاستشارهم أبو عبيدة في المناجزة أو التحصين إلى مجيء‬
‫الغياث فاشار خالد بالمناجزة وأشار سائرهم بالتحصين ومكاتبة عمر فأطاعهم ‪،‬‬
‫ل على قدره من فضول‬ ‫وكتب إلى عمر بذلك وكان عمر قد اتخذ في كل مصر خيو ً‬
‫أموال المسلمين عدة لكون إنْ كان ؛ فكان بالكوفة من ذلك أربعة آلف فرس ‪ ،‬وكان‬
‫القيّم عليها سلمان بن ربيعة الباهلي ونفر من أهل الكوفة‪ ،‬وفي كل ِمصْر من‬
‫ن يتجهز‬‫المصار الثمانية على قدره فإن تأتهم آتية ركبها الناس ‪ ،‬وساروا إلى أ ْ‬
‫الناس ‪ ،‬فلما سمع عمر الخبر كتب إلى سعد أن اندب الناس مع القعقاع بن عمرو‬
‫وسرّحْهم من يومهم [ الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص ] فإن أبا عبيدة قد أحيط به ‪.‬‬
‫س َهيْل بن عدي إلى الرقة فإن أهل الجزيرة هم الذين‬‫سرّح ُ‬‫وكتب اليه أيضاً َ‬
‫استثاروا الروم على أهل حمص وأمره أنْ يسرّح عبد ال بن عِتبان إلى نصيبين ثم‬
‫ليقصد حرّان والرها وأنْ يسرّح الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة من ربيعة‬
‫وتنوخ ‪ ،‬وأنْ يسّرح عياض بن غنم فإن كان قتال فأمرهم الى عياض ) فمضى‬
‫‪(1‬‬

‫القعقاع في أربعة آلف مِنْ يومهم [ الذي أتاهم فيه الكتاب ] إلى حمص ‪ ،‬وخرج‬
‫عياض بن غنم وأمراء الجزيرة‬
‫وأخذوا طريق الجزيرة وتوجه كل أمير إلى الكورة التي أفَر عليها ‪ ،‬وخرج‬
‫عمر من المدينة فأتى الجابية لبي عُبيدة مغيثاً يريد حمصر‪ ،‬ولمّا بلغ أهلُ الجزيرة‬
‫الذي أعانوا الروم على أهل حمص وهم معهم خبر الجنود الِسلمية تفرقوا إلى‬
‫بلدهم وفارقوا الروم ‪،‬فلما فارقوهم استشار أبو عبيدة خالداً في الخروج إلى الروم‬
‫فأشار به فخرج إليهم فقاتلهم ففتح ال عليه ‪.‬‬
‫وقدم القعقاع لن عمرو لعد الوقعة بثلثة أيام فكتبوا الى عمر بالفتح ‪ ،‬وبقدوم‬
‫المدد عليهم ‪ ،‬والحكم في ذلك فكتب إليهم أنْ أشركوهم فإنهم نفروا إليكم ‪،‬‬
‫وأنفرق‬
‫لهم عدوكم ‪ ،‬وقال ‪ " :‬جزئ ال أهل الكوفة خيراً يكفون حوزتهم ويمدون أهل‬
‫المصار " ‪ .‬فلما فرغوا رجعوا ‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫ميْنِيَة‬
‫ذكر فتح الجزيرة وإْر ِ‬
‫وفي هذه السنة فتحت الجزيرة قد ذكرنا إرسال سعد العساكر إلى الجزيرة‪،‬‬
‫فخرج عياض بن غنم ومن معه فأرسل سهيل بن عدي إلى الرًقة‪ ،‬وقد أرفض أهل‬
‫الجزيرة عن حمص إلى كورهم حين سمعوا بأهل الكوفة فنزل عليهم فأقام‬
‫يحاصرهم حتى صالحوه فبعثوا في ذلك إلى عياض وهو في منزل وسط بين‬
‫الجزيرة‪ ،‬فقبل منهم‬
‫وصالحهم وصاروا ذمة ‪.‬‬
‫وخرج عبدال بن عتبان على الموصل إلى نصيبين فلقوه بالصلح وصنعوا‬
‫كصنع‬
‫أهل الرقة فكتبوا إلى عياض فقبل منهم وعقد لهم ‪.‬‬
‫وخرج الوليد بن عقبة فقدم على عرب الجزيرة فنهض معه مسلمهم وكافرهم إل‬
‫إياد بن نزار فإنهم دخلوا أرض الروم فكتب الوليد بذلك إلى عمر‪ ،‬ولما أخذوا‬
‫الرقة ونصيبين ضم عياض إليه سهيل‪ ،‬وعبد ال ‪ ،‬وسار بالناس إلى حران ‪ ،‬فلما‬
‫وصل أجابه أهلها إلى الجزية فقبل منهم ‪ ،‬ثم ان عياضًا سرح سهيل ‪،‬وعبد ال إلى‬
‫الرها فأجابوهما إلى الجزية وأجروا كل ما أخذوه من الجزيرة عنوة مجرى الذمة‬
‫فكانت الجزيرة أسهل البلدان فتحا‪ ،‬ورجع سهيل ‪ ،‬وعبد ال إلى الكوفة‪ .‬وكتب أبو‬
‫عبيدة إلى عمر بعد‬
‫انصرافه من الجابية يسأله أنْ يضم إليه عياض بن غنم إذا أخذ خالدًا إلى‬
‫حرْبها‪ ،‬والوليد‬ ‫المدينة‪ ،‬فصرفه إليه فاستعمل حبيب بن مسلمة على عجم الجزيرة و َ‬
‫عرَبها‪ ،‬فلما قدم كتاب الوليد على عمر بمن دخل الروم من العرب‬ ‫بن عقبة على َ‬
‫حيًّا مِنْ أحياء العرب ترك دارنا وأتف دارك‬ ‫كتب عمر إلى ملك الروم ‪" :‬بلغني أن َ‬
‫فوالّ لتخرجنه إلينا أو لنخرجن النصارى إليك " ‪.‬‬
‫فأخرجهم ملك الروم ) فخرج منهم أربعة آلف وتفرّق بقيتهم فيما يلي الشام‬
‫‪(1‬‬

‫والجزيرة من بلد الروم فكل إيادي في أرض العرب من أولئك الربعة آلف ؛‬
‫ل السلم فكتب فيهم إلى عمر فكتب إليه‬ ‫وأبن الولي ُد بن عقبة أن يقبل من تغلب إ ّ‬
‫عهُم على أنْ ل‬ ‫عمر‪ :‬إنّما ذلك بجزيرة العرب ل يقبل منهم [ فيها ] إل السلم فَدَ ْ‬
‫ُينَضرُوا وليداً ‪ ،‬ول يمنعوا أحدًا منهم من السلم ‪.‬‬
‫)‬
‫‪(2‬‬
‫وكان في تغلب عِز وامتناع [ ول يزالون ينازعون الوليد ] فهم ‪ ،‬بهم الوليد‬
‫فخاف عمر أن يسطو عليهم فعزله وأقَر عليهم فرات بن حيان ‪ ،‬وهند بن عمرو‬
‫الجملي ‪ .‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬إن فتح الجزيرة كان سنة تسع عشرة ‪ .‬وقال ‪ :‬إنّ عمر‬
‫كتب إلى سعد بن أبي وقاص ‪ :‬إذا فتح ال [ على المسلمين ] الشام والعراق فابعث‬
‫جنداً إلى الجزيرة وأفر عليه خالد بن عُرفطة ‪-‬أو هاشم بن عتبة‪ ،‬أو عياض بن غنم‬
‫خرَ أمير المؤمنين عياضاً إل لن له فيه هوى [ أنْ أوّليه ] وأنا‬ ‫‪ -‬قال سعد ‪ :‬ما أ َ‬
‫موليه ‪ .‬فبعثه وبعث معه جيشًا فيه أبو موسى الشعري وابنه عمر بن سعد [ وهو‬
‫غلم حَدَث ] ليس له من المر شيء فسارَ عياض ونزل بجنده على الرها فصالحه‬
‫أهله مصالحة حران ‪.‬‬
‫وبعث أبا موسى إلى نصيبين فافتتحها‪ ،‬وسار عياض بنفسه إلى " دارا "‬
‫فافتتحها‪ ،‬ووجه عثمان بن أبي العاص إلى إرمينية الرابعة فقاتل أهلها فاستشهد‬
‫صفوان بن ال ُمعَطل وصالح أهلها عثمان على الجزية [ على كل أهل بيت دينار ] ‪.‬‬
‫ثم كان فتح قيسارية من فلسطين ‪ ،‬وهرب هرقل ‪.‬‬
‫فعلى هذا القول تكون الجزيرة من فتوح أهل العراق ‪ ،‬والكثر على أنفا من‬
‫فتوح‬
‫ن أبا عبيدة سيّر عياض بن غنم إلى الجزيرة‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن أبا عبيدة‬ ‫أهل [لشام ‪ ،‬فإ ّ‬
‫لما ُتوُفي أستخلف عياضاً فورَ َد عليه كتاب عمر بوليته حمص ‪ ،‬وقنسرين ‪،‬‬
‫والجزيرة فسار إلى الجزيرة سنة ثمان عشرة للنصف من شعبان في خمسة آلف ‪،‬‬
‫وعلى ميمنته سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي ‪ ،‬وعلى ميسرته صفوان بن‬
‫المعطل ‪ ،‬وعلى مقدمته هبيرة بن مسروق ‪ ،‬فانتهت طليعة عياض إلى " الرقّة"‬
‫(‬

‫)فأغاروا على الفلحين وحصروا المدينة؛ وبث عياض السرايا فأتوه بالسري‬ ‫‪1‬‬

‫والطعمة وكان حصرها ستة أيام فطلب أهلها الصلح فصالحهم على أنفسهم‬
‫ط ْئنَاهَا ومَلكناها ‪.‬‬
‫وذراريهم وأموالهم ومدينتهم؛ وقال عياض ‪ :‬الرض لنا قد وَ ِ‬
‫فأقرها في أيديهم على الخراج ووضع الجزية‪ ،‬ثم سار إلى حَران فجعل عليها‬
‫عسكراً يحصرها‪ ،‬عليهم صفوان بن المعطل ‪ ،‬وحبيب بن مسلمة وسار هو إلى‬
‫الرها فقاتله أهلها ‪ .‬ثم انهزموا‪ ،‬وحصرهم المسلمون في مدينتهم فطلب أهلها الصلح‬
‫غَلبَا على حصون وقرى مِنْ‬ ‫فصالحهم وعاد إلى حرّان فوجد صفوان وحبيباً قد َ‬
‫حرّان فصالحه أهلها على مثل صلح الرها‪ ،‬وكان عياض يغزو ويعود إلى‬ ‫أعمال َ‬
‫)‬ ‫)‬
‫الرها وفتح سميساط ‪ ،‬وأتق سَروج ‪ ،‬ورأس كيفا ؛ والرض البيضاء فصالحه‬
‫‪(3‬‬ ‫‪(2‬‬

‫أهلها علن صُلح الرها ‪ .‬ثم إنّ أهل سميساط غدروا فرجع إليهم عياض فحاصرهم‬
‫حتى فتحها‪ ،‬ثم أتى قرَيات على الفرات وهي جسر منبج وما يليها ففتحها‪ ،‬وسار إلى‬
‫رأس عين ‪ ،‬وهي "عين الوردة" فامتنعت عليه وتركها وسار إلى تل موزن ففتحها‬
‫على صلح الرها سنة تسع عشرة‪ ،‬وسار إلى "آمِدْ " ) فحصرها فقاتله أهلها ثم‬
‫‪(4‬‬

‫صالحوه على صلح الرها وفتح " ميافارقِين " ) على مثل ذلك ‪ ،‬وكفرتُوْثا ) فسار‬
‫‪(6‬‬ ‫‪(5‬‬

‫إلى نصيبين فقاتله أهلها ‪ ،‬ثم صالحوه على مثل صلح الرها؛ وفتح طور عَبدين ‪،‬‬
‫وحصن ماردين ‪ ،‬وقصد الموصل ففتح أحد‬
‫الحصنين ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لم يصل إليها وأتاه بطريق الزوزان فصالحه ثم سار إلى‬
‫أرزن ففتحها ‪ ،‬ودخل الدرب فأجازه إلى بدليس ‪ ،‬وبلغ خلط فصالحه بطريقها‬
‫وانتهى إلى العين الحامضة من إرمينية ‪ .‬ثم عاد إلى الرقة ومضى إلى حمص فمات‬
‫سنة عشرين ‪ .‬واستعمل عمر سعيد بن عامر بن حذيم فلم يلبث إلّ قليلً حتى مات ؛‬
‫فاستعمل عمير بن سعد النصاري ففتح رأس عين بعد قتال شديد ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنّ عياضاً أرسل عمير بن سعد إلى رأس عين ففتحها بعد أنْ اشتد قتالُه‬
‫عليها‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّ عمر أرسل أبا موسى الشعري إلى رأس عين بعد وفاة عياض‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنّ خالد بن الوليد حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل حماماً بامد فأطلي‬
‫بشيءٍ فيه خمر فعزله عمر‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن خالداً لم يسر تحت لواء أحد غير أبي عبيدة‬
‫وال أعلم ‪ .‬ولما فتح عياض سميساط بعث حبيب بن مسلمة إلى ملطية فنتحها عنوة‪،‬‬
‫ثمٍ نقض أهلها الصلح ‪ ،‬فلما ولي معاوية الشام والجزيرة وجّه إليها حبيب بن مسلمة‬
‫جنْداً من المسلمين مع عاملها‪.‬‬
‫أيضا ففتحها عنوة ورَتب فيها ُ‬
‫ذكر عزل خالد بن الوليد‬
‫في هذه السنة وهي سنة عشرة عزل خالد بن الوليد عما كان عليه من التقدم‬
‫على الجيوش والسرايا‪ ،‬وسبب ذلك أنّه كان أ ْد َربَ ) هو وعياض بن غنم فأصابا‬
‫‪(1‬‬

‫حمْص‬ ‫أموالً عظيمة وكانا توجها من " الجابية " مرجع عمر إلى المدينة‪ ،‬وعلى ِ‬
‫أبو عبيدة‪ ،‬وخالد تحت يده على قنسرين ج وعلن دمشق يزيد‪ ،‬وعلى الردن‬
‫معاوية‪ ،‬وعلن فلسطين علقمة بن مجزر ‪ ،‬وعلن الساحل عبد ال بن قيس ‪ ،‬فبلغ‬
‫الناس ما أصاب خالد فانتجعه رجال [ من أهل‪ ،‬الفاق ] وكان منهم الشعث بن‬
‫قيس فأجازه بعشرة آلف ‪ ،‬ودخل خالد الحمام فتَدلّك بغسل فيه خمر فكتب إليه‬
‫عمر‪ ( :‬بلغني أنّك تدلكت بخمر وإنّ ال قد حرم ظاهر الخمر وباطنه [ كما حرم‬
‫ظاهر الثم وباطنه ] ‪،‬و [ قد حرّم ] مسه فل تمسوها أجسادكم ‪ [ ،‬وإنْ فعلتم فل‬
‫ل غير‪ .‬خمر )‪ .‬فكتب إليه عمر ‪:‬‬
‫‪(2‬‬
‫تعودوا ] " ‪ .‬فكتب إليه خالد إنا قتلناها فعادت غسو ً‬
‫ن آلَ المغيرة ابتًلوا بالجفاء فل‬
‫"إّ‬
‫فل أماتكم ال عليه " ‪.‬‬
‫فلما فرّق خالد في الذين انتجعوه الموال سمع بذلك عمر بن الخطاب ‪ ،‬وكان ل‬
‫يخفى عليه شي ٌء من عمله ‪ ،‬فدعا عمر البريد فكتب معه إلى أبي عبيدة أنْ يقيم‬
‫حتّى يعلمكم من أين أجاز الشعث ؟ أمن‬ ‫خالداً ويعقله بعمامته وينزع عنه قلنسوته َ‬
‫ماله أم من مال إصابةٍ أصابها؟ فإنْ زعم أنّه فرّقه من إصابةٍ أصابها فقد أقر‬
‫بخيانة ‪ ،‬وإنْ زعم أنه من ماله فقد أسرف واعزله على كل حال واضمم إليك‬
‫عمله ‪ ،‬فكتب أبو عبيدة إلى خالد فقدم عليه ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر‪،‬‬
‫فقا ٍم البريد فسأل خالداً‪ ،‬من أين أجاز الشعث ؟ فلم يجبه ‪ ،‬وأبو عبيدة ساكت ل‬
‫ن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا ونزوع‬ ‫يقول شيئا ‪ ،‬فقام بلل [ إليه ] فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫عمامته فلم يمنعه سمعًا وطاعة‪ ،‬ووضع قلنسوته ‪ ،‬ثم أقامه فعقله بعمامته ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ت الشعث مِنْ مالك أجزت ؟ أم من إصابة أصبتها؟ فقال ‪ :‬بل من مالي‬ ‫مِنْ أين أجز َ‬
‫‪.‬‬
‫ع ّممَه بيده ثم قال ‪ :‬نسمع ونطيع لولتنا ونفخم ونخدم‬ ‫فأطلقه وأعاد قلنسوته ثم َ‬
‫موالينا ‪ ،‬قال ‪ :‬وأقام خالد متحيراً ل يدري أمعزولٌ أو غير معزول ؟ ول ُي ْعِلمُهُ أبو‬
‫عبيدة بذلك تكرمة وتفخمة‪ ،‬فلمّا تأخر قدومه على عمر ظنّ الذي كان ‪ ،‬فكتب إلى‬
‫خالد بالِقبال إليه [ فأتن خالد أبا عبيدة فقال ‪ :‬رحمك ال ما أردتَ إلى ما صنعتَ‬
‫ل ما كنتُ‬ ‫كتمتني أمراً كنتُ م حبّ أن أعلمه قبل اليوم ؟ ‪ .‬فقال أبو عبيدة ‪ :‬إنّي وا ّ‬
‫ت لذلك بدّا‪ ،‬وقد علمتُ أنّ ذلك يروعك ]‪.‬‬ ‫لروعك ما وجد ُ‬
‫فرجع [ خالد ] إلى قنسرين فخطب الناس وودّعهم ‪ ،‬ورجع إلى حمص‬
‫فخطبهم ‪ ،‬ثم سار إلى المدينة‪ ،‬فلما قدم على عمر شكاه ‪ ،‬وقال ‪ :‬قد شكوتك إلى‬
‫ل إنّك في أمري لغير مجمل [ يا عمر ] فقال له عمر ‪ :‬من أين هذا‬ ‫المسلمين فبا ّ‬
‫الثراء؟ قال ‪ :‬مِن النفال والسهمان ما زاد على ستين ألفًا فلك ‪ .‬فقوَم عمر ماله فزاد‬
‫عشرين ألفاً فجعلها في بيت المال ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬يا خالد وال إنّك علي لكريم لنك إليّ‬
‫لحبيب ‪ [ ،‬ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء ] ‪ .‬وكتب إلى المصار ‪ " :‬إنّي لم‬
‫خمُوه و ُفتِئوا به فخفت أن يوكلوا إليه‬ ‫أعزل خالدًا عن سخطة ول خيانة ولكن الناس ف ّ‬
‫[ ويبتلوا به ]‬
‫ل هو الصانع وأن ل يكونوا‪ .‬بعرضى فتنة "‪ .‬وعوضه‬
‫فأحببت أن يعلموا أن ا ّ‬
‫عما أخذ منه )‪.‬‬
‫‪(1‬‬

‫ذكر بناء المسجد الحرام والتوسعة فيه‬


‫‪ .‬وفيها ‪ -‬أعني سنة سبع عشرة ‪ -‬أعتمر عمر بن الخطاب ‪ ،‬وبنى المسجد‬
‫الحرام ‪ ،‬ووسع فيه ‪ ،‬وأقام بمكة عشرين ليلة ‪ ،‬وهدم على قوم أبوا أن يبيعوا ‪،‬‬
‫ووضع أثمان دورهم في بيت المال حتى أخذوها‪ .‬وكانت عمرته في رجب ‪،‬‬
‫واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وأمر بتجديد أنصاب الحرم فأمر بذلك مخرمة‬
‫بن نوفل ‪ ،‬والزهر بن عبد عوف ‪ ،‬وحويطب بن عبد العزى‪ ،‬وسعيد بن يربوع ‪.‬‬
‫واستأذنه أهل المياه في أن يبنوا منازل بين مكة والمدينة فأذِن لهم وشرط عليهم أنّ‬
‫ابن السبيل أحق بالظل والماء‪ .‬وفيها تزوج عمر ‪ :‬أمَ كلثوم بنعت علي بن أبي طالب‬
‫وهي ابنة فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ ودخل بها في ذي القعدة‪.‬‬
‫ذكر غزوة فارس من البحرين‬
‫ن بيننا وبين‬
‫قيل ‪ :‬كان عمر يقول لمّا أخذت الهواز وما يليها ‪ " :‬وددتُ م ّ‬
‫فارس‬
‫جبلً من نار ل نصل إليهم منه ول يصلون إلينا "‪ ،‬وقد كان العلء بن‬
‫الحضرمي على البحرين أيام أبي بكر فعزله عمر وجعل موضعه قدامة بن مظعون‬
‫‪ ،‬ثم عزل قدامة وأعاد العلء يناوئ ) سعد بن أبي وقاص ففاز العلء في قتال أهل‬
‫‪(2‬‬

‫الردة بالفضل ‪ ،‬فلما ظفر سعد بأهل القادسية وأزاح الكاسرة [ عن الدار وأخذ‬
‫حدود ما يلي السواد ] جاء بأعظم مما فعله العلء فأراد العلء أنْ يصنع في الفرس‬
‫شيئاً ولم ينظر في [ما بين فضل ] الطاعة والمعصية ‪ ،‬وقد كان عمر نهاه عن‬
‫الغزو في البحر ونهى غيره أيضاً اتباعاً لرسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر‪،‬‬
‫وخوف الغرر‪ ،‬فندب العلء الناس إلى فارس فأجابوه وفرّقهم أجناداً‪ ،‬على أحدها‬
‫الجارود بن المعلى ‪ ،‬وعلى الخر سوار بن همام ‪ ،‬وعلى الخر خليد بن‬
‫المنذر بن ساوى ‪ ،‬وخليد على جميع الناس ‪ ،‬وحملهم في البحر إلى فارس بغير‬
‫إذن عمر فعبرت الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا إلى إصْطَخْر‪ ،‬وبإزائهم‬
‫أهل فارس ‪ ،‬وعليهم الهربذ‪ ،‬فحالت الفرس بين المسلمين وبين سفنهم ‪ ،‬فقام خليد‬
‫ن القوم لم يدعوكم إلى حربهم وأنما جئتم‬ ‫في الناس فخطبهم ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬أما بعد فإ ّ‬
‫لةِ وَإنها َلكَب ْيرَةٌ‬
‫لمحاربتهم ‪ ،‬والسفن والرض لمن غلب ( فاس َت ِع ْينُوا بالص ْب ِر والصّ َ‬
‫ش ِعيْن ) ) فأجابوه إلى ذلك ‪.‬‬
‫‪(1‬‬
‫علَى الخَا ِ‬
‫إل َ‬
‫ل شديداً بمكان يدعن طاوس ‪ ،‬فقتل سوار‬ ‫ثم صلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتا ً‬
‫والجارود وكان خلي ٌد قد أمر أصحابه أ ْد يقاتلوا رجالة ففعلوا فقتل من أهل فارس‬
‫مقتلة عظيمة أ لم يقتلوا مثلها قبلها ]‪ ،‬ثم خرجوا يريدون البصرة ولم يجدوا إلى‬
‫الرجوع في البحر سبيلً‪ ،‬وأخذت الفرس منهم طرقهم فعسكروا وامتنعوا [ في‬
‫نشوبهم ] ‪.‬‬
‫ولما بلغ عمر صنيع العلء أرسل إلى عتبة بن غزوان يأمره بإنفاذ جند كثيف‬
‫إلى المسلمين بفارس قبل أن يهلكوا‪ ،‬وقال ‪ " :‬فإنّي قد ألْ َقيَ في َروْعِي كذا وكذا "‬
‫نحو الذي كان ‪ ،‬وأمر العلء بأثقل الشياء عليه تأمير سعد عليه فشخص العلء إلى‬
‫سعد بمن معه ‪ ،‬وأرسل عتبة جيشاً كثيفًا في اثني عشر ألف مقاتل ‪ ،‬فيهم عاصم بن‬
‫عمرو ‪ ،‬وعرفجة بن هرثمة والحنف بن قيس وغيرهم فخرجوا على البغال يجنبون‬
‫الخيل ‪ ،‬وعليهم أبو سبرة بن أبي رُهم أحد بني عامر بن لؤي فسار بالناس وسَاحَلَ‬
‫بهم ل يعرض له أحد حتى ألتقى أبو سبرة وخليد بحيث أخذ عليهم الطريق عقيب‬
‫وقعة طاوس ‪ ،‬وإنما كان ولي قتالهم أهل إصطخر وحدهم ‪ ،‬ومن شَذ من غيرهم ‪،‬‬
‫وكان أهل إصطخر حيث أخذوا الطريق على المسلمين فجمعوا أهل فارس عليهم‬
‫فجاؤوا من كل جهة فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاوس ‪ ،‬وقد توافت إلى المسلمين‬
‫أمدادهم وعلى المشركين " شهرك " فاقتتلوا ففتح ال على المسلمين ‪ ،‬وقتل‬
‫المشركين ‪ ،‬وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا ‪ ،‬وهي الغزوة التي شرفت فيها نابتة‬
‫البصرة‪ ،‬وكانوا أفضل نوابت المصار‪ ،‬ثم انكفؤا بما أصابوا ‪ ،‬وكان عتبة كتب‬
‫إليهم بالحث و ِقلَة العرجة فرجعوا إلى البصرة سالمين ‪.‬‬
‫ولما أحرز عتبة الهواز‪ ،‬وأوطأ فارس فاستأذن عمر في الحج ‪ ،‬فأذِن له فلما‬
‫قضى‬
‫حجه استعفاه فأبن أنْ يعفيه ‪ ،‬وعزم عليه ليرجعنّ إِلى عمله فدعا ال ‪ ،‬ثم‬
‫انصرف‬
‫فمات في بطن نخلة فدُفن ‪ ،‬وبلغ عمر موته فمر به زائراً لقبره وقال ‪ " :‬أنا‬
‫قتلتُك لول أنّه أجلٌ معلوم [ وكتابٌ مرقوم ] " وأثنى عليه خيراً‪ ،‬ولم يختط فيمن‬
‫اختط من المهاجرين ‪ ،‬وأنما ورث ولده منزلهم من فاختة بنت غزوان ‪ ،‬وكانت‬
‫تحت عثمان بن عفان ‪ ،‬وكان خباب موله قد لزم شيمته فلم يختط ‪.‬‬
‫ومات عتبة بن غزوان على رأس ثلث سنين من مفارقة سعد [ بالمدائن ] وذلك‬
‫بعد أنْ استنفذ الجند الذي بفارس ونزولهم البصرة‪ ،‬واستخلف على الناس أبا‬
‫سبرة بن أبي رهم بالبصرة فأقرّه عمر بقية السنة‪ ،‬ثم استعمل المغيرة بن شعبة‬
‫عليها‪ ،‬فلم ينتقض عليه أح ٌد [ في عمله وكان مرزوقًا السلمة ] ولم يُحْدِث شيئًا إل‬
‫ما كان بينه وبين أبي بكرة‪ ،‬ثم استعمل [ عمر ] أبا موسى على البصرة‪ ،‬ثم صرف‬
‫إلى الكوفة‪ ،‬ثم استعمل عمرو بن سراقة‪ ،‬ثم صرف ابن سراقة إلى الكوفة من‬
‫البصرة‪ ،‬وصرِف أبو موسى من الكوفة إلى البصرة فعمل عليها ثانية ‪ .‬وقد تقدم‬
‫ذكر ولية عتبة بن غزوان البصرة والختلف فيها سنة أربع عشرة ‪.‬‬
‫ذكر عزل المغيرة عن البصرة وولية أبي موسى‬
‫في هذه السنة عزل عمر المغيرة بن شعبة عن البصرة‪ ،‬واستعمل عليها أبا‬
‫موسى‬
‫وأمره أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع الول قاله الواقدي ‪ .‬وكان‬
‫سبب عَزله أنّه ‪،‬ئ ن بين أبي بكرة والمغيرة بن شعبة منافرة‪ ،‬وكانا متجاورين‬
‫بينهما طريق ‪ ،‬وكانا في مشربتين في كل واحدة منهما كوة مقابلة الخرى‪ ،‬فاجتمع‬
‫إلى أبي بكرة نفرٌ يتحدّثون في مشربته فهبتّ الريح ففتحت باب الكوة‪ ،‬فقام أبو بكرة‬
‫ب كوّة مشربته ‪ ،‬وهو بين رجلي امرأة ‪.‬‬ ‫ليسدّه فبصر بالمغيرة‪ ،‬وقد فتحت الريح با َ‬
‫فقال للنفر ‪ :‬قوموا فانظروا‪ .‬فقاموا فنظروا ‪ ،‬وهم أبو بكرة ونافع بن كلدة‪ ،‬وزياد بن‬
‫أبيه ‪ ،‬وهو أخو أبي بكرة لمه ‪ ،‬وشبل بن معبد البجلي ‪ .‬فقال لهم ‪ :‬اشهدوا قالوا‪:‬‬
‫ومَن هذه ؟ قال ‪ :‬أم جميل بن الفقم؛ وكانت من بني عامر بن صصعة وكانت‬
‫تغشى المغيرة والمراء [ والشراف ] ‪ ،‬وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها‪،‬‬
‫فلما قامت عرفوها ‪.‬‬
‫فلما خرج المغيرة إلى الصلة منعه أبو بكرة [ وقال ل تصل بنا ] ‪ .‬وكتب إلى‬
‫عمر [ لذلك ]‪ ،‬فبعث عمر أبا موسى أميراً علن البصرة‪ ،‬وأمره بلزوم السنة ‪ .‬فقال‬
‫عنّي‬‫‪:‬أِ‬
‫بعدة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم [ من المهاجرين والنصار ]‬
‫فإنهم في هذه المة كالملح [ ل يصلح الطعام إلّ به ]‪ .‬قال له ‪ :‬خذ من أحببت ‪ .‬فأخذ‬
‫معه لَسعة وعشرين رجلً‪ ،‬منهم ‪ :‬أنس بن مالك ‪ ،‬وعمران بن حصين ‪ ،‬وهشام بن‬
‫عامر‪ ،‬وخرج معهم فقدم البصرة فدفع الكتاب بإمارته إلى المغيرة وهو أوجز كتاب‬
‫وأبلغه ) ‪ :‬أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثتُ أبا موسى أميراً فسلمْ إليه ما في يدك‬
‫‪(1‬‬

‫والعَجَل ‪.‬‬
‫فاهدى إليه المغيرة وليدة تسمى عقيلة ‪ ،‬ورحل المغيِرة ‪ ،‬ومعه أبو بكرة‬
‫والشهود فقدِموا على عمر فقال له المغيرة ‪ :‬سَلْ هؤلء العبد كيف رأوني‬
‫ن كانوا مستقبلي فكيف لم‬ ‫أمستقبلهم أم مستدبرهم ؟ وكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإ ْ‬
‫أستتر؟ أو مستدبري فبأيّ شيء استحلوا النظر إليّ في منزلي على امرأتي ؟ وال ما‬
‫أتيتُ إل امرأتي ؛ وكانت تشبهها )‪ .‬فشهد أبو بكرة أنه رآه على أم جميل يدخله‬
‫‪(2‬‬

‫[ ويخرجه ] كالميل في المكحلة وأنه رآهما مستدبرين ‪ ،‬وشبل ونافع مثل ذلك ‪،‬‬
‫وأما زياد فإنه قال ‪ " :‬رأيتُه جالسًا بين رجلي امرأة فرأيتُ قدمين مخضوبتين‬
‫يخفقان ‪،‬وأستين مكشوفتين وسمعتُ حفزاً شديداً‪ .‬قال ‪ :‬هل رأيت كالميل في‬
‫المكحلة؟ قال ‪ :‬ل‪ ،‬قال ‪ :‬هل تعرف المرأة؟ قال ‪ :‬ل ولكن أشبهها‪ .‬قال ‪ :‬فتنح وأمر‬
‫س َكتَ ال‬
‫بالثلثة فجلدوا الحد فقال ‪ :‬المغيرة‪ ،‬أشفني من العبد قال ‪ :‬اسكت أ ْ‬
‫ل لو تمطَ الشهادة لرجمتك بأحجارك ‪.‬‬‫نامتك ‪ ،‬أما وا ّ‬
‫‪)(1‬‬
‫منَاِذر‪ ،‬ونهر تِيَْرى‬
‫ذكر الخبر عن فتح الهواز و َ‬
‫وفي هذه السنة فتحت الهواز‪ ،‬ومناذر‪ ،‬ونهر تيري ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة عشرين ‪،‬‬
‫وكان السبب في هذا الفتح أنّه لما انهزم الهرمزان يوم القادسية ‪ ،‬وهو أحد البيوتات‬
‫السبعة في أهل فارس ‪ ،‬وكانت أمته منهم مهرجان قذق )‪ ،‬وكور الهواز‪ ،‬فلما‬
‫‪(2‬‬

‫انهزم قصد خوزستان فملكها‪ ،‬وقاتل بها مَنْ أرادهم ‪ ،‬فكان الهرمزان يغير على أهل‬
‫ميسان ‪ ،‬ودستميسان من [ وجهين من ] مناذر‪ ،‬ونهر تيري ‪.‬‬
‫فاستمد عتبة بن غزوان سعداً فأمده بنعيم بن مقرن ‪ ،‬ونعيم بن مسعود‪ ،‬وأمرهما‬
‫أنْ يأتيا أعلى ميسان ‪ ،‬ودستميسان حتى يكونا بينهم وبين نهر تيري ‪ ،‬ووجه‬
‫عتبة بن غزوان سلمى بن القين ‪ ،‬وحرملة بن مريطة وكانا من المهاجرين مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهما من بني العدوية من بني حنظلة فنزل علن‬
‫حدود [ أرض ] ميسان ‪ ،‬ودستميسان بينهم وبين مناذر‪ ،‬ودعوا بني العم فخرج إليهم‬
‫غالب الوائلي ‪ ،‬وكليب بن وائل الكليبي ‪ .‬فتركا نعيمًا وأتيا سلمى وحرملة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أنتما من العشيرة‪ ،‬وليس لكما مترك فإذا كان يوم كذا وكذا ‪ :‬فانهدوا للهرمزان فإنّ‬
‫أحدنا يثور بمناذر‪ ،‬والخر بنهر تيري فنقتل المقاتلة‪ ،‬ثم يكون وجهنا إليكم فليس‬
‫دون الهرمزان شيء إنْ شاء ال ‪ ،‬ورجعا وقد استجابا واستجاب قومهما بنو العم بن‬
‫مالك ‪ ،‬وكانوا ينزلون خوزستان قبل السلم فأهل البلد يأمنونهم ‪.‬‬
‫فلما كان تلك الليلة ليلة الموعد بين سلمى‪،‬وحرملة‪ ،‬وغالب وكليب ‪ ،‬وكان‬
‫الهرمزان يومئذ بين نهر تيرى‪ ،‬وبين دُلث ) وخرج سلمى وحرملة صبيحتهما في‬
‫‪(1‬‬

‫تعبية وأنهضا نعيماً ومن معه فالتقوا ‪ .‬هم والهرمزان بين دلث ونهر تيرى‪ ،‬وسلمى‬
‫بن القين على أهل البصرة‪ ،‬ونعيم بن مُقَرن على أهل الكوفة‪ ،‬فاقتتلوا فبيناهم على‬
‫ذلك أقبل مدد من قبل غالب ‪ ،‬وكليب ‪.‬‬
‫وأتن الهرمزان الخبر بأنّ مناذر‪ ،‬ونهر لَيرى قد أخذتا فكسر ذلك قلب الهرمزان‬
‫ومن معه ‪ ،‬وهزمه ال وإياهم فقتل المسلمون منهم ما شاؤوا وأصابوا ما شاؤوا‬
‫جيْل وأخذوا ما دونه ‪ ،‬وعسكروا بحيال سوق‬ ‫واتبعوهم حتى وقفوا على شاطىء دُ َ‬
‫الهواز‪ ،‬وعبر الهرمزان جسر سوق الهواز وأقام [بها] ‪ ،‬وصار دجيل بين‬
‫الهرمزان والمسلمين ‪ ،‬فلما رأى الهرمزان مال طاقة به طلب الصلح فاستأمروا‬
‫عتبة فأجاب إلى ذلك على الهواز لها ‪ ،‬ومهرجان قذق ما خل نهر تيرى ‪ ،‬ومناذر‬
‫وما غلبوا عليه من سوق الهواز فإنه ل يرد عليهم ‪ ،‬وجعل سلمى على مناذر‬
‫مسلحة وأمرها إلى غالب ؛ وحرملة على نهر تيرى وأمرها إلى كليب ‪ ،‬فكانا على‬
‫مسالح البصرة‪ ،‬وهاجرت طوائف من بني العم فنزلوا البصرة [ وجعلوا يتتابعون‬
‫على ذلك ] ووفد عتبة وفداً إلى عمر منهم سلمى ‪ ،‬وجماعة من أهل البصرة فأمرهم‬
‫عمر أن يرفعوا حوائجهم فكلهم قال ‪ :‬أما العامة فأنت صاحبها وطلبوا لنفسهم [ إل‬
‫ما كان من ] الحنف ) بن قيس فإنه قال ‪ :‬يا أمير المؤمنين إنك كما ذكروا ولقد‬
‫‪(2‬‬

‫يعزب عنك ما يحق علينا إنهاؤه إليك مما فيه صلح العامة‪ ،‬وإنما ينظر الوالي فيما‬
‫غاب عنه بأعين أهل الخبر‪ ،‬ويسمع بآذانهم فإنّ إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في‬
‫مثل حدقة البعير الغاسقة من العيون العذاب ‪ ،‬والجنان الخصاب ‪ ،‬فتأتيهم ثمارهم‬
‫ولم يحصدوا ‪ ،‬وإنا معشر أهل البصرة نزلنا سبخة هشاشة‪ ،‬وعقة نشاشة ) طرفٌ‬
‫‪(3‬‬

‫لها في الفلة‪ ،‬وطرف لها في البحر الجاج ‪ ،‬يجري إليها ما جرى في مثل مريء‬
‫النعامة دارنا فعمة ‪ ،‬وطبقتنا مضيقة ‪ ،‬وعددنا كثير‪ ،‬وأشرافنا قليل ‪ ،‬وأهل البلء‬
‫فينا كثير‪ ،‬درهمنا كبير‪ ،‬وقفيزنا صغير‪ ،‬وقد وشَع ال علينا وزادنا في أرضنا فوسَع‬
‫علينا يا أمير المؤمنين وزِدْنا طبقة تطوف علينا ونعيش بها ‪.‬‬
‫فلما سمع عمر قوله أحسن إليهم وأقطعهم مما كان فيئاً لهل كسري وزادهم ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ " :‬هذا الفتى سيد أهل البصرة " ‪ .‬وكتب إلى عتبة فيه بانْ يسمع منه‬
‫ويرجع إلى رأيه ‪ ،‬وردَهم إلى بلدهم ‪.‬‬
‫وبينا الناس على ذلك من ذمتهم مع الهرمزان وقع بين الهرمزان ‪ ،‬وغالب ‪،‬‬
‫وكليب‬
‫في حدود الرضين اختلف فحضر [ ذلك ] سلمى وحرملة لينظرا فيما بينهم‬
‫فوجدا غالبًا وكليباً محقين والهرمزان مبطلً‪ ،‬فحال بينهما وبينه فكفر الهرمزان‬
‫ومنع ما قبله واستعان بالكراد فكثف جنده ‪ ،‬وكتب سلمى ومن معه إلى عتبة بذلك‬
‫فكتب عتبة إلى عمر‪ ،‬فكتب إليه عمر يأمره بقصده ‪ ،‬وأمدّ المسلمين بحرقوص بن‬
‫زهير السعدي ) وكانت له صحبة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأقَره على‬
‫‪(1‬‬

‫القتال ‪ ،‬وعلى ما غلب عليه ‪ ،‬وسار الهرمزان ومن معه ‪ ،‬وسار المسلمون إلى‬
‫جسر سوق الهواز وأرسلوا إليه إمّا أنْ تعبر إلينا أو نعبر إليكم ؟ فقال ‪ :‬اعبروا‬
‫إلينا ‪ .‬فعبروا فوق الجسر فاقتتلوا مما يلي سوق الهواز فانهزم الهرمزان وسار إلى‬
‫ستَر‬
‫رامَهرُمز‪ ،‬وفتح حرقوص سوق الهواز ونزل بها ‪ ،‬واتسعت له بلدها إلى تُ ْ‬
‫ووضع الجزية ‪ ،‬وكتب بالفتح إلى عمر وأرسل إليه الخماس ‪.‬‬
‫ستَر‪ )(2‬مع المسلمين‬
‫ذكر صلح الهرمزان ‪ ،‬وأهل ت ُ ْ‬
‫ستَر‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة ست عشرة‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة تسع عشرة‪.‬‬ ‫وفي هذه السنة فتحت تُ ْ‬
‫قيل ‪ :‬ولما انهزم الهرمزان يوم سوق الهواز وافتتحها المسلمون بعث حرقوص‬
‫جزء بن معاوية ) في أثره بأمر عمر إلى سوق الهواز‪ ،‬فما زال يقتلهم حتى انتهى‬
‫‪(3‬‬

‫)‬
‫إلى قرية الشعر ) وأعجزه الهرمزان فمال جزء إلى َد ْورَق وهي مدينة سُرق‬
‫‪(5‬‬ ‫‪(4‬‬

‫فأخذها صافية‪،‬‬
‫ن هرب إلى الجزية فأجابوه ‪ ،‬وكتب إلن عمر‪ ،‬وعتبة بذلك فكتب عمر‬ ‫ودعا مَ ْ‬
‫إلى حرقوص وإليه بالمقام فيما غلبا عليه حتى يأمرهما بأمره فعمّر جزء البلد‬
‫وشق النهار‪ ،‬وأحيا الموات وراسلهم الهرمزان يطلب الصلح ‪ ،‬فأجاب عمر إلى‬
‫ذلك وأنْ يكون ما أخذه المسلمون بأيديهم ثم اصْطلحوا على ذلك وأقام الهرمزان‬
‫والمسلمون يمنعونه إذا قصده الكراد ويجيء إليهم ‪ ،‬ونزل حرقوص جبل الهواز‬
‫وكان يشق على الناس الختلف إليه ‪ ،‬فبلغ ذلك عمر فكتب إليه يأمره بنزول السهل‬
‫وأنْ ل يشق على مسلم ول معاهد ‪ ،‬ول تدركك فترة ول عجلة فتكدر دنياك وتذهب‬
‫آخرتك ‪ ،‬وبقي حرقوص إلى يوم صفين وصار حروريًا ‪ ،‬وشهد النهروان مع‬
‫الخوارج ‪.‬‬
‫مز‪ ، )(1‬وتستر وأسر الهرمزان‬
‫مهر ُ‬
‫ذكر فتح َرا َ‬
‫ستَر‪،‬والسوس في سنة سبع عشرة‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة تسع‬ ‫قيل ‪ :‬كان فتح رامهرمز‪،‬وتُ ْ‬
‫عشرة‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة عشرين ‪ ،‬وكان سبب فتحها أنّ يزدجرد لم يزل وهو بمرو يثير‬
‫أهل فارس أسفاً على ما خرج من ملكهم فتحركوا وتكاتبوا هم وأهل الهواز‬
‫صرَة فجاءت الخبار حرقوص بن زهير وجزءاً ‪ ،‬وسلمى ‪،‬‬ ‫وتعاقدوا على الن ْ‬
‫وحرملة فكتبوا إلى عمر بالخبر‪ ،‬فكتب عمر إلى سعد ‪ :‬أن ابعث إلى الهواز جنداً‬
‫ل‪.‬‬‫كثيفاً مع النعمان بن مُقَرن وعَجَ ْ‬
‫فلينزلوا بإزاء الهرمزان ويتحققوا أمره ‪ ،‬وكتب إلى أبي موسى أن ابعث إلى‬
‫جنْداً كثيفًا وأمر عليهم سهل )بن عدي أخا سهيل وابعث معه ال َبرَاء بن‬
‫‪(2‬‬
‫الهواز ُ‬
‫مالك ؛ ومجزأة بن ثور‪ ،‬وعرفجة بن هرثمة‪-‬وغيرهم ‪ .‬وعلى أهل الكوفة والبصرة‬
‫جميعًا أبو سبرة بن أبي رُهم ‪ [ ،‬وكل من أتاه ممد له ] فخرج النعمان بن مقرًن في‬
‫أهل الكوفة فسار إلى الهواز علن البغال يجنبون الخيل فخلف حرقوصاً‪ ،‬وسلمى ؛‬
‫وحرملة وسار نحو الهرمزان وهو برامهرمز‪ ،‬فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان‬
‫إليه بادره بالشدة ورجا أن يقتطعه ومعه أهل فارس فالتقى النعمان والهرمزان‬
‫بَاربك فاقتتلوا قتالً شديداً ‪ ،‬ثم إنَ ال عز وجل هزم الهرمزان فترك رامهرمز‬
‫ستَر‪ ،‬وسار النعمان إلى رامهرمز ونزلها‬ ‫ولحق بتُ ْ‬
‫وصعد إلى إيذج ‪ ) ،‬فصالحه تيرويه على إيذج ورجع إلى رامهرمز فأقام بها‪،‬‬
‫‪(1‬‬

‫ووصل أهل البصرة فنزلوا سوق الهواز وهم يريدون رامهرمز فأتاهم خبر الوقعة‬
‫وهم بسوق الهواز وأتاهم الخبر أنّ الهرمزان قد لحق بتستر فساروا نحوه ‪ ،‬وسار‬
‫النعمان أيضاً‪ ،‬وسار حرقوص ‪ ،‬وسلمى ‪ ،‬وحرملة ؛ وجزء فاجتمعوا على تستر‬
‫وبها الهرمزان –وجنوده من أهل فارس ‪ ،‬والجبال ‪ ،‬والهواز في الخنادق ‪،‬‬
‫وأمدهم عمر بأبي موسى وجعله على أهل البصرة‪ ،‬وعلى الجميع أبو سبرة‬
‫فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل وقتل ال َبرَاء بن مالك وهو أخو أنس بن مالك‬
‫في ذلك الحصار إِلى الفتح مائة مبارزة سوى من قتل في غير ذلك ‪ ،‬وقتل مثله‬
‫مجزأة بن ثور‪ ،‬وكعب بن ثور‪ ،‬وعِدة من أهل البصرة وأهل الكوفة ‪.‬‬
‫ستَر ثمانين زحفًا يكون لهم مرة ومرة عليهم ‪ ،‬فلما‬ ‫وزاحفهم المشركون أيام تُ ْ‬
‫كان‬
‫في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون ‪ :‬يا براء اقسم على ربك‬
‫ليهزمنهم [ لنا ] قال ‪ " :‬اللهم اهزمهم لنا واستشهدني " ‪ -‬وكان مجاب الدعوة‪،‬‬
‫فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ‪ ،‬ثم دخلوا مدينتهم ‪ ،‬وأحاط بها‬
‫المسلمون فبينما هم على ذلك وقد ضاقت المدينة بهم وطالت حربهم خرج رجلُ إلى‬
‫ن يدله على مدخل يدخلون منه ‪ ،‬ورمن في ناحية أبي مرسى‬ ‫النعمان يستأمنه على أ ْ‬
‫بسهم إن أمنتموني دللتكم على مكان تأتون المدينة منه ‪ ،‬فأمنوه في نشابة فرمى إِليهم‬
‫ن ِقبَل مخرج الماء فإنكم تقتحمونها‪.‬‬ ‫بأخرى‪ ،‬وقال ‪ :‬انهدوا مِ ْ‬
‫فندب الناس إليه فانتدب له عامر بن عبد قيس وبشر كثير ونهدوا لذلك المكان‬
‫ليلً وقد ندب النعمان أصحابه ليسيروا مع الرجل الذي يدلهم على المدخل إلى‬
‫المدينة فانتدب له بشر كثير فالتقوا هم وأهل البصرة على ذلك المخرج فدخلوا في‬
‫السرب والناس من خارج ‪ ،‬فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج‬
‫وفتحت البواب فاجتلدوا نجيها فأناموا كل مقاتل ‪ ،‬وقصد الهرمزان القلعة فتحصن‬
‫بها وأطاف به الذين دخلوا فنزل إليهم على حكم عمر فأوثقوه وأقتسموا ما أفاء ال‬
‫عليهم ‪ ،‬فكان سهم الفارس ثلثة آلف ‪ ،‬وسهم الراجل ألفاً‪ ،‬وجاء صاحب الرمية‬
‫والرجل الذي خرج بنفسه فأفنوهما ومَنْ أغلق بابه معهما ‪.‬‬
‫وقتل من المسلمين تلك الليلة بش ٌر كثير‪ ،‬وممن قتل الهرمزان بنفسه مجزأة بن‬
‫ثور‪ ،‬والبراء بن مالك ‪ ،‬وخرج أبو سبرة بنفسه في أثر المنهزمين إلى السوس‬
‫ونزل عليها ومعه النعمان بن مقرن ‪ ،‬وأبو موسى‪ ،‬وكتبوا إلى عمر فكتب إلى أبي‬
‫موسى برده إلى البصرة وهي المرة الثالثة‪ .‬فانصرف إليها من على السوس ‪ ،‬وسار‬
‫جنْ َد يسَابور ) فنزل عليها وهو من الصحابة‪،‬‬
‫‪(1‬‬
‫زر بن عبد ال بن كليب الفقيمي الى ُ‬
‫وأفر عمر على جند البصرة المقترب وهو السود بن ربيعة أحد بني ربيعة بن مالك‬
‫وهو صحابي أيضاً وكانا مهاجرين ‪ ،‬وكان السود قد وَفَدَ على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وقال ‪ " :‬جئت لقترب إلى ال بصحبتك " فسماه المقترب ‪.‬‬
‫وأرسل أبو سبرة وفدًا إلى عمر بن الخطاب فيهم أنس بن مالك والحنف بن‬
‫قيس‬
‫ومعهم الهرمزان فقدموا به المدينة وألبسوه كسوته من الديباج الذي فيه الذهب‬
‫وتاجه وكان مكللً بالياقوت وحليته ليراه عمر والمسلمون ‪ ،‬فطلبوا عمر فلم يجدوه‬
‫فسألوا عنه فقيل ‪ :‬جلس في المسجد لوفد من الكوفة فوجدوه في المسجد متوسداً‬
‫برنسه ) وكان قد لبسه للوفد ‪ ،‬فلما قاموا عنه توسده ‪ ،‬ونام فجلسوا دونه ‪ ،‬وهو نائم‬
‫‪(2‬‬

‫والدرة في يده ‪ ،‬فقال الهرمزان ‪ :‬أين عمر؟ قالوا ‪ :‬هوذا ‪ .‬فقال ‪ :‬أين حرسه‬
‫وحُجابه ؟ قالوا ‪ :‬ليس له حارس ول حاجب ‪ ،‬ول كاتب ‪ .‬قال ‪ :‬فينبغي أن يكون‬
‫نبياً‪ .‬قالوا‪ :‬بل يعمل بعمل النبياء‪ .‬فاستيقظ عمر بجلبة الناس فاستوي جالساً‪ ،‬ثم‬
‫نظر إلى الهرمزان فقال ‪ :‬الهرمزان ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ [ .‬فتأمله وتأمل ما عليه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫أعوذ بال من النار وأستعين ال ] فقال ‪ :‬الحمد ل الذي أذل بالسلم هذا وغيره‬
‫أشباهه ‪ .‬فأمر بنزع ما عليه فنزعوه وألبسوه ثوبًا صفيقاً ‪ ،‬فقال له عمر ‪ [ :‬هيه ] يا‬
‫هرمزان كيف رأيت عاقبة الغدر وعاقبة أمر ال ؟ فقال ‪ :‬يا عمر إنّا وإياكم في‬
‫الجاهلية كان ال قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم [ إذ لم يكن معنا ول معكم ]‪ .‬فلما كان‬
‫الن معكم غلبتمونا‪ [ .‬فقال عمر‪ :‬إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا] ‪.‬‬
‫ثم قال له ‪ :‬ما حجتك وما عذرك في أنتقاضك مرة بعد أخرى؟ فقال ‪ :‬أخاف أنْ‬
‫تقتلني قبل أن أخبرك ‪ .‬قال ‪ :‬ل تخف ذلك ‪ ،‬واستسقى ماءً فأتي به في قدح‬
‫غليظ‬
‫فقال ‪ :‬لو ِمتُ عطشاً لم أستطع أن أشرب في مثل هذا فأتي به في إناء يرضاه‬
‫[ فجعلت يده ترجف ] فقال ‪ :‬إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب فقال عَمر ‪ :‬ل بأس‬
‫عليك حق تشربه ‪ .‬فأكفاه فقال عمر ‪ :‬أعيدوا عليه ول تجمعوا عليه بين القتل‬
‫والعطش ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل حاجة لي في الماء إنما أردتُ أنْ استأمن به فقال عمر له ‪ :‬إني‬
‫قاتلك فقال ‪ :‬قد أمنتني ‪ .‬فقال ‪ :‬كذبت قال أنس ‪ :‬صَدَقَ يا أمير المؤمنين قد أمنته‬
‫قال عمر ‪ [ :‬ويحك ] يا أنس أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك وال‬
‫لتأتين بمخرج أو لعاقبنك ‪ .‬قال ‪ :‬قلت له نر ل بأس عليك حتى تخبرني ول بأس‬
‫عليك حتى تشربه وقال له من حوله مثل ذلك فأقبل على الهرمزان وقال ‪ :‬خدعتني‬
‫بى ال ل أنخدع إل أن تسلم فاسلم ‪ ،‬ففرض له في ألفين وأنزله المدينة ‪ ،‬وكان‬
‫المترجم بينهما المغيرة بن شعبة وكان يفقه بالفارسية إلى أن جاء المترجم ‪. .‬‬
‫وقال عمر للوفد ‪ :‬لعل المسلمين يؤذون أهل الذمة فلهذا ينتقضون بكم ‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫ما نعلم إل وفاء‪ .‬قال ‪ :‬فكيف هذا؟ فلم يشفه أحد منهم إل إن الحنف قال له ‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين إنك نهيتنا عن النسياح في البلد [ وأمرتنا بالقتصار على ما في‬
‫حيُ ] بين أظهرهم ول يزالون يقاتلوننا ما دام َمِل ُكهُم‬
‫ن َملِك فارس [ َ‬
‫أيدينا ] ل ّ‬
‫فيهمٍ ‪ ،‬ولم يجتمع ملكان متفقان حتى يُخرج أحدهما صاحبه ‪ ،‬وقد رأيت أنا لم نأخذ‬
‫شيئا بعد شيء إل بانبعاثهم وغدرهم ‪ ،‬وإم َمِلكَهم هو الذي يبعثهم ول يزال هذا دأبهم‬
‫حتى تأذن لنا بالنسياح فنسيح في بلدهم و ُن ِزيْل ملكهم فهنالك ينقطع رجاء أهل‬
‫فارس ويضربوا جاشا ] فقال ‪ :‬صدقتني وال ‪ .‬ونظر في حوائجهم وسرحهم ‪ ،‬وأتن‬
‫عمر الكتاب باجتماع أهل نهاوند فأذن في النسياح في بلد الفرس ‪ ،‬وقتل محمد بن‬
‫جعفر بن أبي طالب شهيدًا على تستر في قول بعضهم ( أربك ) بفتح الهمزة‬
‫وسكون الراء وضم الباء الموحدة ‪ .‬وفي آخره كاف موضع عند الهواز ‪.‬‬
‫‪)(1‬‬ ‫ذكر فتح ال ُّ‬
‫سوس‬
‫‪ .‬قيل ‪ :‬ولما نزل أبو سبرة على السوس وبها شهريار أخو الهرمزان أحاط‬
‫المسلمون بها وناوشوهم القتال مرات كل ذلك يصيب أهل السوس في المسلمين‬
‫فأشرف عليهم‬
‫[ يوماً ] الرهبان والقسيسون فقالوا ‪ " :‬يا معشر العرب إنّ مما عهد إلينا علماؤنا‬
‫[ وأوائلنا ] أنّه ل يفتح السوس أل الدجال أو َقوْ ٌم فيهم الدجال ‪ ،‬فإنْ كان فيكم‬
‫فستفتحونها"‪.‬‬
‫وسار أبو موسى إلى البصرة من السوس وصار مكانه علن أهل البصرة‬
‫بالسوس المقترب بن ربيعة ‪ ،‬واجتمع العاجم بنهاوند ‪ ،‬والنعمان على أهل الكوفة‬
‫محاصراً أهل السوس مع أبي سبرة‪ ،‬وزرّ محاصراً أهل جن َد يسابور‪ ،‬فجاء كتاب‬
‫عمر بصرف النعمان إلى أهل نهاوند من وجهه ذلك فناوشهم القتال قبل مسيره‬
‫فصاح أهلها بالمسلمين وناوشوهم وغاظوهم ‪ ،‬وكان صاف بن صياد مع المسلمين‬
‫في خيل النعمان فاتن صاف باب السوس فدقّه بزجله فقال ‪ :‬انفتح بظار وهو‬
‫غضبان فتقطعت السلسل وتكسرت الغلق ‪ ،‬وتفتحت البواب ودخل المسلمون ‪،‬‬
‫وألقى المشركون بأيديهم ‪ ،‬ونادوا الصلح الصلح ‪ ،‬فاجابهم إلى ذلك المسلمون بعد ما‬
‫دخلوها عنوهّ واقتسموا ما أصابوا [ قبل الصلح ]‪ ،‬ثم افترقوا‪ ،‬فسار النعمان حتى‬
‫أتن نهاوند‪ ،‬وسار المقترب حتى نزل على جند يسابور مع زر‪.‬‬
‫وقيل لبي سبرة ‪ :‬هذا جسد " دانيال " في هذه المدينة ‪ .‬قال ‪ :‬وما علمي بذلك ؟‬
‫فأقره في أيديهم ‪ ،‬وكان دانيال قد لزم نواحي فارس بعد بختنصر فلما حضر لَه‬
‫الوفاة ولم ير أحداً [ ممن هو بين ظهريهم ] على السلم أكرم كتاب الّ عس لم‬
‫يجبه [ ولم يقبل منه فأودعه ربه ] فقال ‪ :‬لبنه اثت ساحل البحر فاقذف بهذا الكتاب‬
‫فيه فأخذه الغلم أ وضن به ] وغاب عنه وعاد‪ ،‬وقال له ‪ :‬قد فعلتُ قال ‪ :‬ما صنع‬
‫البحر[ حين هوى فيه ]؟ قال ‪ :‬ما صنع شيئًا ‪ .‬فغضب وقال ‪ :‬وال ما فعلتَ الذي‬
‫أمرتُك به ‪ ،‬فخرج من عنده وفعل أ مثل ] فعلته الولى [ ثم أتاه ] فقال ‪ :‬كيف رأيتَ‬
‫البحر صنع أ حين هوى فيه ]؟ قال ‪ :‬ماج واصطفق فغضب أشد من الول ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫وال ما فعلت الذي أمرتُك به فعاد إلى البحر وألقاه فيه فانفلق البحر عن الرض‬
‫[ حتى بدت ] وانفجرت له الرض عن مثل التنور فهوي فيها ‪ ،‬ثم انطبقت عليه‬
‫واختلط الماء ‪ ،‬فلما رجع إليه وأخبره بما رأى فقال ‪ :‬الن صدقت ‪ .‬ومات دانيال‬
‫بالسوس ‪ ،‬وكأن هناك يستسقى بجسده ‪ ،‬فاستأذنوا عمر فيه فأمر بدفنه ‪.‬‬
‫وقيل في أمر السوس ‪ :‬أنّ يزدجرد سار بعد وقعة جلولء‪ ،‬فنزل إصطخر ومعه‬
‫سياه‬
‫الكلمة الفارسية وأصلها بودقلي بالواو وابدلوا العرب الواو ألفًا ومعناه بالفارسية متفرع ويكون‬ ‫(‪(1‬‬

‫المعنى عند تفرع الفرات ( م ) ‪.‬‬


‫بالفارسية ينطق بلفظ ( به ) بين الباء والفاء ويكون تحتها ثلث نقط ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫الغربان ‪ :‬بناء ان كالصومعتين كانا بظهر الكوفة قرب القبر الذي يقال له قبر على ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫موضع قرب بغداد ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫بلدة في طرف البادية على غربي الفرات حولها قريات ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫في الصول ‪ :‬بشر بن سعد ‪ ،‬وهو غلط صححناه من أسد الغابة ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫دومة الجندل من أعمال المدينة على سبع مراحل من دمشق ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أعلم أن أكيدراً هذا تقدم ص ‪ 227‬كان أرسل رسول ال إليه خالد بن الوليد وقال له؛ إنك تجده‬ ‫(‪(3‬‬

‫يصيد البقرة – راجع القصة ‪.‬‬


‫ن المسلمين لم يروا كيداً‬
‫جمع المؤلف الوقعتين في ترجمة واحدة لقربهما وعدم أهمية الثانية ل ْ‬ ‫(‪(1‬‬

‫ل بترجمة ‪.‬‬‫في الخنافس ‪ ،‬وأفرد ابن جرير ك ً‬


‫والخنافس ‪ :‬موضع في طرف العراق ترب النبار من ناحية البردان تقام فيه سوق للعرب ‪.‬‬
‫سماه في معجم البلدان ‪ :‬روزمهر ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫ليس لعمر رضي ال عنه حق في العتداد بقتلهما على خالد لنهما كانت لهما مندوحة عن‬ ‫(‪(1‬‬

‫الوجود في عسكر محارب للمسلمين ‪ ،‬فهما اللذان تورطا بوجودهما مع ذلك الجند ‪ ،‬وأما مالك بن‬
‫نويرة فقد كان لخالد تأويل وهو قائد ماهر يعرف ما ينفع أهل السلم فيأتيه ‪ ،‬ولعله رأي في قتل‬
‫مالك نفعًا وبخاصة هو في جند قليل بإزاء جند أهل الردة وهم كثيرون ‪ ،‬فإذا لم يشرد بمن يقعون‬
‫في يده مَنْ خلفهم فَسَدَ عليه‬
‫المر ( م ) ‪.‬‬
‫الذي في ابن جرير هكذا ‪:‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أل فاشربوا من قبل قاصمة الظهر بعيد انتفاخ القوم بالعكر الدثر‬
‫وقبل مايانا المصيبة بالقدر لحين لعمري ل يزيد ول يجري‬
‫) الز َميْل موضع في ديار كلب ‪ ،‬والزميل عند البشر بالجزيرة شرقي الرصافة ‪.‬‬ ‫(‪3‬‬

‫قطربل ‪ :‬قرية بين بغداد وعكبرا ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫عقرقوف ‪ :‬قرية من نواحي دجيل ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫بادوريا ‪ :‬بالجانب الغربي من بغداد ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫قال ياقوت ‪ :‬ما أظنه إل مقصوراً من العالي بمعنى العلو لنه يقال للنبار وبادوريا وقطربل‬ ‫(‪(4‬‬

‫ومسكن الستان العال لكونه في علو مدينة السلم ‪ ،‬والستان بمنزلة الكورة والرستاق هكذا يفسر‬
‫‪.‬‬
‫هذا باطل ومحال أن يصدر هذا الكلم من هؤلء الفاضل ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫تيماء ‪ :‬بليد في أطراف الشام بينها وبين وادي القري على طريق حاج دمشق ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫من اللجاج ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫الداثن ‪ :‬ناحية قرب غَزة من فلسطين ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫الجا ِبيَة ‪ :‬قرية من أعمال دمشق ‪ ،‬ناحية الجولن ‪ ،‬قرب مرج الصفر ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫البلقاء ‪ :‬كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان وفيها قرى ومزارع‬ ‫(‪(2‬‬

‫واسعة‪.‬‬
‫اليرموك ‪ :‬واد بناحية الشام في طرف الغور ‪ ،‬يصب فيه نهر الردن ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن وائل الربعي الشيباني ‪ :‬وفد إلى النبي مع وفد قومه‬ ‫(‪(1‬‬

‫وسيره أبو بكر إلى العراق في صدر خلفته قبل مسيرة خالد بن الوليد ‪ .‬وهو الذي أطمع‬
‫المسلمين في الفرس وهون أمر الفرس عندهم ‪ ،‬وكان شهماً شجاعًا ميمون النقيبة ‪ ،‬حسن الرأي ‪.‬‬
‫( اسد الغابة ه ‪. )60 :59 /‬‬
‫قراقر ‪ :‬واد أصله من الدهناء ‪ ،‬وقيل ماء لكلب ‪ .‬وقراقر أيضًا واد لكلب بالسماوة من ناحية‬ ‫(‪(2‬‬

‫العراق ‪ ،‬وكلها حول ذي قار ‪.‬‬


‫أي يسير عبر المفازة ‪ -‬وهي الصحراء ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫) هو جمع شارف ‪ :‬المسنة من النوق ‪.‬‬ ‫(‪1‬‬

‫النهل ‪ :‬هو الشرب الول ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫والعلل ‪ :‬الشربة الثانية ‪ .‬ومراده أن يعطشوا البل ثم تشرب شرباً شرهًا حتى تتضلع ‪.‬‬
‫أي يوم عيدهم ويسمى بعيد الفصح عندهم ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫ل يظن القارىء أن تأميره لنفسه لحب السلطان بل هو كما قال يوسف ‪ ( :‬اجعلني على خزائن‬ ‫(‪(1‬‬

‫الرض إنّي حفيظ عليهم )‪.‬‬


‫الكردوس ‪ :‬القطعة من الخيل العظيمة ‪ ،‬والظاهر أنْ كردوس المسلمين في هذه الوقعة ل يزبد‬ ‫(‪(2‬‬

‫على ألف مقاتل إل قليلً ‪.‬‬


‫القاص ‪ :‬الذي يعظ الناس ويحرّضهم على القتال ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫من هذه القصة يظهر أن جرجة كان يعرف العربية لنه كلم خالد بل ترجمان ‪ ،‬وقال الطبري ‪:‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫جرجة بن توذر ‪ ،‬ولعله جورج بن ثيودور ( م ) ‪.‬‬


‫عبارة الطبري ‪ :‬ابن شهريار ممن يناسب إلى كسري ثم إلى سابور‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫في الصول ‪ :‬أضررت بهم ‪ ،‬وصححناه من الطبري ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫قال الطبري في التاريخ ثم تزاحف الناس فاقتتلوا فلما رأى القبقلر ما رأى من قتال المسلمين‬ ‫(‪(1‬‬

‫قال للروم لفوا رأسي بثوب قالوا له ‪ :‬لم ؟ قال يوم البئيس ما أحب أن أراه ما رأبت في الدنيا يوماً‬
‫أشد من هذا ؟ قال فاحتز المسلمون رأسه وإنه لملفف ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬للمتهان ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫يوسف ‪. 101 :‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أخرجه الترمذي ‪ 3679‬وابن حبان في صحيحه ‪( 2 171‬موارد) والدولبي ‪. 6 / 1‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫معلوم ان خالد بن الوليد لم يكن ابداً على هؤلء وجنودهم إل يوم اليرموك خاصة ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أخرجه البخاري ‪5 /5‬و ‪ 135 ، 1 0 1 /9‬ومسلم فضائل الصحابة رقم ‪. 1 0‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫‪1 0 9‬‬ ‫أخرجه الترمذي ‪ 3662‬و ‪ 385 5‬وابن ماجة ‪ 97‬والحاكم ‪ 75 /3‬وأبو نعيم في الحلية ‪/ 9‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫والبخاري في التاريخ ‪ 2 0 9 /8‬و ‪5 0 /9‬وابن حبان ‪ ( 2 /93‬موارد ) أحمد ‪. 382/ 5‬‬


‫(‬

‫ق ‪. 19 :‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي أعطيتك حائط نخل هدية ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أي ‪ :‬لم أقصر ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫وسيأتي قول عمر رضي ال عنه ( أني لم أعزلهما عن ريبة ولكن الناس عظموهما فخشيت أن‬ ‫(‪(1‬‬

‫يوكلوا !ليهما ) ‪ 0‬انظر ص ‪ 419‬من هذا الجزء ‪.‬‬


‫ومراد عمر رضي ال عنه بعزله خالد ل كما يقول المرجفون بل أراد أن ينسب فضل انتشار‬
‫السلم وكسر للفرس والروم الى رحمة ال ونصره ل أن يقال نصر بعبقرية قائد أو بقوة زعيم ‪.‬‬
‫إنما أقام خالد في جيش المسلمين يقاتل معهم تحت راية هذا الدين وسيأتي في هذا الجزء ذكر‬ ‫(‪(2‬‬

‫كثبر من أخباره تحت قيادة أبو عبيدة وغيره‪.‬‬


‫الواقصة‪ :‬منزل في طريق مكة بعد القرعاء نحو مكة ‪ .‬وقيل ماء لبني كعب ‪ .‬وواقصة أيضاً‬ ‫(‪(1‬‬

‫بأرض اليمامة ‪.‬‬


‫فحل ‪ :‬مرضع بالشام ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أي ‪ :‬انساح وانفجر ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫زيادة على المطبوعة يقتضيها السياق ‪.‬‬ ‫(‪(4‬‬

‫في الطبري بعد أن تكلم المثنى بن حارثة ‪ .‬قام عمر بن الخطاب في الناس فقال أن الحجاز ليس‬ ‫(‪(1‬‬

‫لكم بدار إل على النجعة ول يقوى عليه أهله إل بذلك ‪.‬‬


‫أين الطراء المهاجرون عن موعود ال سيروا في الرض التي وعدكم ال في الكتاب أن‬
‫يورثكموها فأنه قال ليظهره على الدين كله وال مظهرًا دينه ومعز ناصره ومولي أهله مواريث‬
‫المم ‪.‬‬
‫أين عباد ال الصالحون ‪ ،‬فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود ثم ثنى سعد بن عبيد أو سليط بن‬
‫قيس ‪.‬‬
‫في الصول كلها أن يؤثروا وصححنها من الطبري ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الصل يؤثر ‪ -‬وهو غلط‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫خفان ‪ :‬موضع قرب الكوفة فوق القادسية‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫كورة واسعة قصبتها واسط القصب التي بين الكوفة والبصرة ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫زندورد‪:‬مدينة كانت قرب واسط مما يلي البصرة خربت بعمارة واسط ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫الخبيصة ‪ :‬القطعة من الخبيص وهو الحلوى المخبوصة من التمر والسمن‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أي ‪ :‬احفظ ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫قس الناطف ‪ :‬موضع قريب من الكوفة على شاطىء الفرات الشرقى ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫المروحة ‪ :‬موضع بشاطىء الفرات الغربي ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫بطان الرحل ‪ :‬مثل الحزام ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫نهر كان بالعراق يأخذ من الفرات ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫مراده من تاب من أهل الردة ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي ‪ :‬أنتسب إلى قومه ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي ‪ :‬يقدرون القتلى ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫وهذا لعمري هو خلق المسلمين ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أي ‪ :‬الكبر سناً ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫ساباط ‪ :‬قرية كانت قريبة من المدائن على نهر الملك‪.‬‬ ‫(‪(4‬‬

‫كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫الحر؛ الحسن والجميل ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫وفي الصول الخز بمعجمتين ول معنى له هنا ‪.‬‬


‫في الصول ‪ :‬السالحين وهو غلط ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫السيلحون ‪ :‬وهي ناحية قرب الحيرة ضاربة في البر بينها وبين القادسية ‪.‬‬
‫أبو كبشة مولى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول ال صلى ال‬ ‫(‪(1‬‬

‫عليه وسلم وهو من فارس أعتقه وتوفي سنة ‪ 13‬انظر أسد الغابة ‪. 262 / 261 / 6‬‬
‫سهل بن عمر بن عبد شمس القرشي اسلم يوم الفتح وله عقب بالمدينة ودار ‪ ،‬توقي أول خلقة‬ ‫(‪(2‬‬

‫عمر ‪ .‬انظر اسد الغابة ‪. 475 / 2‬‬


‫الصعب بن جثامة‪ :‬أسمه يزيد بن قيس بن ربيعة بن عبد ال الكناني الليثي توفى فى خلفة أبو‬ ‫(‪(1‬‬

‫بكر رضى ال عنه اسد الغابة ‪. 3/20‬‬


‫الرقم بن أبي الرقم ‪ ،‬عبد مناف بن أسد بن عبدال بن عمر المخزومي كان من السابقين إلى‬ ‫(‪(2‬‬

‫السلم وكان من المهاجرين الولين ‪ ،‬استخفى رسول ال صلى ال عليه وسلم في داره في أول‬
‫السلم ‪ .‬توفي أبو الرقم سنة ‪.53‬‬
‫اسد الغابة ‪. 75 / 74 / 1‬‬
‫صرار ‪ :‬موضع على ثلثة أميال من المدينة على طريق العراق ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي ‪ :‬وهو سعد بن أبي وقاص ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫الدلم؛ جمع ادلم وهو الدم والشديد السواد في ملوسه ‪ .‬ومن تهدلت شفتاه ‪ .‬والسبط الطويل‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫في الطبري ‪ :‬الخثعمي ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي ؛ قتلهم ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫في الطبري بضعة وسبعون بدريًا ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أورد الطري كتاب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص وفيه ‪:‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫( وإذا انتهيت إلى القادسية والقادسية باب فارس في الجاهلية وير أجمع تلك البواب لمادتهم ولما‬
‫يريدونه من تلك الصل وهو منزل رغيب خصيب حصبن …‪ ..‬فتكون مسالحك على أنقابها ‪. .‬‬
‫ثم الزم مكانك فل تبرحه فانهم إذا أحسوك أنغضتهم رموك بجمعهم الذي يأتي على خيلهم‬
‫ت أن تنصروا عليهم‬ ‫ورجلهم ‪ . . . .‬فإن أنت ِم صبرتم لعدوكم وأحتسبتم لقتاله ونويتم المانة رجو ُ‬
‫ثم ل يجتمع عليكم مثلهم ابدًا ‪. . .‬‬
‫أي الصياح والصخب ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫العُ َذيْب ‪ :‬عُ َذ ْيبَان ‪ :‬عذيب الهجانات ‪ ،‬وعذيب القوادس‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫في الصول ‪ :‬تضربهم ‪ -‬وصححناه من الطبري ( م )‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الطبري؛ فإنْ كان عدد لحق فل يغرنكم منا ‪ .‬وهنا أظهر ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫الوِقر ‪ :‬الحِفل الثقيل ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫الخِشَاش ‪ :‬ما يوضع في أنف البعير ‪ ،‬وهو من خشب ‪ ،‬ويريد أنه مسوق بقوة ومغلوب على‬ ‫(‪(1‬‬

‫ذلك ولو كان مطلقاً لما اقدم عليه‪.‬‬


‫ُك ْوثَى ‪ :‬ثلث مواضع بسواد العراق بأرض بابل ‪ ،‬وكوثى نهر بالعراق ‪ ،‬وقد ضُم وأخرج‬ ‫(‪(2‬‬

‫غيره ‪.‬‬
‫أي أطال في المكث دون أن ينشب قتال ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫قي المطبوعة بدون اللف بعد الراء ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬


‫هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي ‪ ،‬أبو عبدال أسلم عام الخندق وشهد‬ ‫(‪(2‬‬

‫الحديبية‪ ،‬وله في صلحها كلم مع عروة بن مسعود ‪ ( ،‬انظر سيرة ابن هشام ‪. ) 313/ 1‬‬
‫قال الشعبي ‪ :‬دهاة العرب أربعة ‪ :‬معاوية ‪ ،‬وعمرو بن العاص ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة ‪ ،‬وزياد ‪.‬‬
‫شهد اليمامة ‪ ،‬وفتوح الشام ‪ ،‬وذهبت عينه باليرموك ‪ ،‬وشهد القادسية ‪ ،‬وفتح نهاوند ‪ ،‬وهمدان ‪،‬‬
‫وغيرها ‪ ،‬واعتزل الفتة بعد مقتل عثمان ‪ ،‬وشهد الحكمين ‪.‬‬
‫انظر أسد الغابة ‪. 249 :5/247‬‬
‫القسي ‪ :‬ثياب من كتان وحرير كانت تصنع بمصر والشام مضلعة مزينة بأمثال الترج ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي صاح الثعلب ‪ ،‬وهو صوت كل ذليل مقهور ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫وفي الصول ‪ ( :‬صفا ) ‪ -‬بالفاء ‪ -‬وهو تحريف غريب ( م ) ‪.‬‬


‫‪ :‬عبأ ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫هو ما بين الحلبتين من الراحة ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫روى السطر الول من البيت في المعجم هكذا ‪ :‬ألم تر أنّ ال أنزل نصره (م ) ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫أي ‪ :‬ل يعرف راميه ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في تاريخ الطبري ‪ :‬إني امرؤ ل من يعينه السبب بالنون بعد الياء ‪ ،‬وفي مروج الذهب ‪:‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫إني امرؤ ل من يصيبه السبب مثلي على مثلك يعديه الكتب‬


‫جمع وضين ‪ :‬وهو بطان منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج‬ ‫(‪(1‬‬

‫(م)‪.‬‬
‫أي مضن طائفة من الليل ثلثه أو ربعه ( م )‪. :‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫في تاريخ الطبري ذكر قبل البيت الخير بيتاً وبعده أبيات فليراجع ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫وأعلم أن محاربة المسلمين للفرس إنما كانت لعلء كلمة ل ال ونصر المسلمين وإعزاز دينه‬ ‫(‪(1‬‬

‫ودفع الظلم ومنع الستبداد ليس إل ‪.‬‬


‫ومما يشهد لذلك ما حكاه الطبري ني تاريخه في هذه الوقعة قال ‪" :‬خرج رجل من أهل فارس‬
‫ينادي من يبارز فبرز له علباء بن جحش العجلي فنفحه علباء فأسمره ونفحه الخر فأعماه وخرا‬
‫فأما الفارسي فمات من ساعته وأما الخر فانتثرت أمعاءه فلم يستطع القيام فعالج إدخالها فلم يتأت‬
‫له حتى مر به رجل من المسلمين فقال يا هذا أعنّي على بطني فأدخله له فأخذ بصفاقيه ثم زحف‬
‫نحو صف فارس ما يلتفت إلى المسلمين فأدركه الموت على رأس ثلثين ذراعاً من مصرعه إلى‬
‫صف فارس وقال ‪:‬‬
‫أرجو بها من ربنا ثواباً قد كنت ممن أحسن الضراب‬
‫ومما حكاه أيضاً عن الشعبي قال ‪- :‬‬
‫كانببت امرأة مببن النخببع لهببا بنون أربعببة شهدوا القادسببية فقالت لبنيهببا ‪ :‬إنكببم أسببلمتم فلم تبدلوا‬
‫وهاجرتببم فلم تثربوا ولمببْ تنببي بكببم البلد ولم تقحمكببم السببنة ؟ ثببم جئتببم بإمكببم عجوز كبببيرة‬
‫فوضعتموهببا بيببن أيدي أهببل قارس والُ أنكببم لبنببو رجببل واحببد ‪ . .‬انطلقوا فأشهدوا أول القنال‬
‫وآخره ‪.‬‬
‫فأقبلوا يشتدون فلما غابوا عنها رفعت يديها إلى السماء وهي تقول ‪:‬‬
‫" اللهم ادفع عن بني فرجعوا إليها وقد أحسوا القتال ما ُكلِمَ منهم رجل َكلْماً فرأيتهم بعد ذلك‬
‫يأخذون ألفين ألفين من العطاء ثم يأتون أمهم فيلقونه في حجرها فترده علبهم وتقسمه فيهم على ما‬
‫يصلحهم ويرضيهم (م )‪.‬‬
‫أي ينتسبون إلى قومهم ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الطبري أنها لم ترض بإعطائه فرس سعد فأخذها بنفسه بعدما ذهبت هي وفي تاريخ‬ ‫(‪(1‬‬

‫المسعودي فأطلقته وقالت شأنك وما أردت ؟ فاقتاد بلقاء سعد وأخرجها من باب القصر الذي يلي‬
‫الخندق فركبها ثم دب عليها حتى إذا كان بحيال ميمنة المسلمين كبز ثم ا حمل على ميسرة القوم‬
‫ل كثيراً من نساكهم ونكس آخرين‬ ‫يلعب برمحه وسلحه بين الصفين فأوقف ميسرتهم وتتل رجا ً‬
‫والفريقان يرمقونه بأبصارهم – وقد توزع في البلقاء فمنهم من قال إنه ركبها عرياً ومنهم من قال‬
‫بل ركبها بسرج –ثم غاص في المسلمين وخرج من ميسرتهم وحمل على ميمنة القلب فأوقفهم‬
‫وجعل يلعب برمحه وسلحه ل يبدو له فارس إل هتكه فأوقفهم وهابته الرجال ثم رجع فغاص في‬
‫قلب المسلمين ثم برز أمامهم ووقف بازاء قلب المشركين ففعل مثل أفعاله في الميمنة والميسرة‬
‫وأوقف القلب حتى لم يبرز منهم فارس إل اختطفه وحمل عن المسلمين الحرب فتعجب الناس منه‬
‫وقالوا من هذا الفارس الذي ل لم نره في يومنا فقال بعضهم هو ممن قدم علينا من إخواننا من‬
‫الشام وقال بعضهم ان كان الخضر عليه السلم شهد الحرب فهذا هو الخضر وقال قائل منهم لول‬
‫أن الملئكة ل تباشر الحروب لقلنا أنه ملك وأبو محجن برز كاليث الضرغام قد هتك الفرسان ى‬
‫لعقاب يجول عليهم ومن حضر من فرسان المسلمين ينظرون إليه وقد حاروا ني أمره ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬صرعوا فرسه ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫جمع قين وهو الحداد ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الصول هلل بن علقمة وهو غلط صححناه من الطبري وأسد الغابة ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫هو بالجيم في أوله أي حرصوا علن الحياة فشروا من القتال مقدرين النجاة فيها فوقعوا في‬ ‫(‪(2‬‬

‫العتيق ‪.‬‬
‫أي ‪( 1 ،200 ، 000 :‬مليون ومائتي ألف ) ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫ل درك يا أمير المؤمنين يا من هدم ال بك امبراطوريتين ( ل بأس عليك يا أخي ) في لحظة‪-‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫بلوغك النبأ العظيم والنصر المبين ‪ .‬أيها السادة إنها أخلق المسلمين وبها سحقوا الفرس والروم‬
‫وكل أهل الشرك ‪.‬‬
‫نقدم ني صفحة ‪ 377‬معاوية بن خديج بالخاء المعجمة ؟ وصوابه بالحاء المهملة ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫وفي صفحة ‪ 404‬تكرر فيها لفظ الزبيل بالزاي وهو غلط في الصول كلها وصوابه الربيل بالراء‬
‫‪ .‬صححناه من القاموس وغيره ( م ) ‪.‬‬
‫هو عتبة بن عزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب بن قيس عيلن أبو عبدال ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫سابع سبعة في الِسلم هاجر إلى الحبشة والمدينة وكان من السابقين فشهد بدراً والمشاهد كلها‬
‫توفي‬
‫بالربذة سنة ‪ - 17‬أنظر أسد الغابة ‪.)567 :565 /3‬‬
‫أي ممتلئ والكظيظ الزحام ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫السمُر ‪ :‬ضرب من شجر الطلح واحدتها سمرة ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫كورة جليل بين واسطة والبصرة والهواز وهي أقرب إلى الهواز‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الطبري أنس بن حجبة بالياء المثناة التحتية ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫المدر الطين اللزج المتماسك والقطعة منه مدرة ‪ .‬وأهل المدر ‪ .‬سكان البيوت المبنية خلف‬ ‫(‪(3‬‬

‫أهل الوَبر وهم البدو سكان الخيام ‪.‬‬


‫أبو قحافة ‪ :‬إسمه عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم القرشي التيمي له صحبة ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أسلم يوم الفتح ومات في المحرم سنة ‪ ( 14‬أنظر أسد الغابة ‪. ) 252 - 251 /6‬‬
‫هو سعد بن عبادة بن ُدَليْمٍ بن حارثة بن أبي حزيمة النصاري الساعدي أبو ثابت " نقيب بن‬ ‫(‪(2‬‬

‫ساعدة شهد بدراً والمشاهد كلها سيدا جوادًا ذا رياسة وسيادة كان غيوراً شديد الغيرة قال فيه‬
‫صلى ال عليه وسلم إن سعداً لغيور وإني لغير من سعد والُ أغير منا ‪.‬‬
‫توفي سنة ‪ 15‬وفيه ‪. 17‬‬
‫( أنظر أسد الغابة ‪. ) 358 - 356/ 2‬‬
‫هند هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشية الهاشمية امرأة سفيان بن حرب وأم‬ ‫(‪(3‬‬

‫معاوية أسلمت في الفتح بعد إسلم زوجها وشهدت أحداً كافرة ولما قتل حمزة مثلت به شهدت‬
‫اليرموك وحرضت على قتال الروم مع زوجها وماتت في خلفة عمر (أنظر أسد الغابة ‪- 7/292‬‬
‫‪. )293‬‬
‫هو غربي دمشق ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الطبري شنس بسين مهملة قي آخره ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫الجريدة خيل ل رجالة فيها ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫بلدة على الفرات من نواحي بغداد ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫بلد على نهر الخابور بين الخابور والفرات ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫قلعة تشمل كورة بالشام قرب المعرة بينها وبين حماه يوم ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫كذا في الصول وفي معجم البلدان بلنياس ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫قيل هي قرب المؤتفكة وقيل بليدة في ناحية البريَة من أعمال حماة بينهما مسيرة يومين ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫مدينة بينها وبين حلب مرحلة كانت عامرة آهلة فلما غلب الروم على حلب خاف أهل قنسرين‬ ‫(‪(1‬‬

‫وجلوا عنها وتفرقوا في البلد ‪.‬‬


‫في الصل عمرو بزيادة واو في آخره وهو غلط صححناه من الطبري وأسد الغابة ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫مدينة بالروم على شاطىء الفرات وهي غير سميساط التي بالشام ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫في الطبري ‪ :‬وأمر عاقبته على الروم وهو أظهر ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫يريد السكندرونة ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫قرية من قرى أنطاكية ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫من نواحي حلب ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫بلدة مشهورة من أعمال حلب ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫من قرى حمص ‪.‬‬ ‫(‪(4‬‬

‫بلد قديم بينه وبين حلب عشرة فراسخ ‪.‬‬ ‫(‪(5‬‬

‫من نواحي حلب ‪.‬‬ ‫(‪(6‬‬

‫مدينة بين حلب وسميساط قرب الفرات ‪.‬‬ ‫(‪(7‬‬

‫بلدة بين حلب والرقة ‪.‬‬ ‫(‪(8‬‬

‫مدينة بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫مدينة بالثغور بين الشام وبلد الروم ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫في الطبري نص كتابه وهو ‪ " :‬أما بعد فإني قد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر ال عليهم‬ ‫(‪(3‬‬

‫وأكثر من قول ل حول ول قوة إل بال ال ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولنا نعم المولى ونعم النصير‬
‫"‪.‬‬
‫إسم مدينة ببيت المقدس عبري قيل معناه بيت ال ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫بلدة من نواحي فلسطين بينها وبين بيت المقدس يومان وهى من أعمال نبلس ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين يقتل عيس بن مريم الدجال ببابها ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫بلدة بحوران من أعمال دمشق ‪.‬‬ ‫(‪(4‬‬

‫اليلمق ‪ :‬القباء المحشو ‪ .‬وفي الصول اليلمعة وهو تصحيف صححناه من النهاية وتاريخ‬ ‫(‪(1‬‬

‫الطبري ‪.‬‬
‫البرذون ‪ :‬يطلق على غير العربي من الخيل والبغال من الفصيلة الخيلية عظيم الخلقة غليظ‬ ‫(‪(1‬‬

‫العضاء قوي الرجل عظيم الحوافر جمعه براذين ‪.‬‬


‫) زاد الطبري بيتين بعد البيت الول فراجعه ‪.‬‬ ‫(‪2‬‬

‫الديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من العمال والموال ومن يقوم بها من‬ ‫(‪(1‬‬

‫الجيوش‪ ،‬والعمال (م)‪.‬‬


‫أي كانوا رِدءًا والردء المعين والناصر ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫موضع بأرض بابل به أثاء لبختنصر وتل مفرط العلو ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الصول كلها بخاءين معجمتين وفي الطبري بجيم بدل الخاء المعجمة الثانية ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫الصراة ‪ :‬نهران ببغداد الصراة الكبرى والصراة الصغرى ‪َ.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي المكان الذي جلس فيه إبراهيم عليه السلم بكوثى ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أحدى المدائن السبع التي سميت بها المدائن وهي معربة من ‪ :‬ده أردشير وقيل من به أردشير‬ ‫(‪(3‬‬

‫ومعناه خير مدينة أردشير ‪.‬‬


‫في الصول القرط وهو غلط صححناه من الطبري ( م )‬ ‫(‪(1‬‬

‫العلج كل جاف شديد من الرجال جمعه علوج وأعلج ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي السيل ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫أي أخواله ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الطبري ل يلقون فبها أحداً ول يحسونه إل من كان ‪ . . .‬إلخ (م )‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫‪25‬‬‫الدخان ‪:‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫أي يلوم بعضهم بعضاً على الفرار ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫وهو البعر العفن تجلى به الدروع ‪ .‬وفي الصول الكربى ول معنى له هنا وصححناه من‬ ‫(‪(3‬‬

‫الطبري والصحاح‬
‫السفط ‪ :‬وعاء يوضع فيه الطيب ونحوه من أدوات النساء جمعه أسفاط ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الصحاح للجوهري ‪ ،‬جمل إسطوان أي مرتفع وفي الطبري وكان ل يحمله إل اسطوانتان (‬ ‫(‪(2‬‬

‫م)‪.‬‬
‫العيبة ‪ :‬وعاء من خوص ونحوه ينقل فيه الزرع المحصود إلى الجرين ‪ .‬والعيبة وعاء من أدم‬ ‫(‪(3‬‬

‫ونحوه ‪.‬‬
‫في الطبري وحبسوهما في الخناس ‪.‬‬ ‫(‪(4‬‬

‫هو مسح من صوف أو شعر يجعل على عجز البعير من وراء الرحل ‪. .‬‬ ‫(‪(5‬‬

‫وعبارة الطبري‪ :‬فقال جبير كانت العرب تنسبه إلى الشلء أشلء قنص وكان أحد بي عجم بن‬ ‫(‪(1‬‬

‫قنص ‪ . . .‬فجهل الناس عجم وقالوا لخم ‪.‬‬


‫وفي الصول السلء بالسين المهملة ‪ ،‬وقبص بالباء الموحدة بدل النون وهو غلط صححناه من‬
‫الطبري وصحاح الجوهري ( م ) ‪.‬‬
‫جلولء ‪ :‬في طريق خراسان وهو نهر عظيم يمتد إلى بعقوباء ويشق بين منازلها وعليه في‬ ‫(‪(1‬‬

‫وسطها قنطرة‪ .‬وجلولء مدينة مشهورة بأفريقيا مبنية بالصخر ‪.‬‬


‫مدينة مشهورة من أمهات البلد وأعلم المدن كثيرة الخيرات ينسب إليها كثير من العلماء‬ ‫(‪(1‬‬

‫والفضلء ‪.‬‬
‫من الصول من المناء بالميم وصححناه من الطبري ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫كذا في الصول والذي في الطبري خسر شنوم بالشين المعجمة ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫بلدة من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫الشعبي ‪ :‬هو عامر بن شراحيل بن عبدال الشعبي الحميري أبو عمرو الكوفي من شعب همدان‬ ‫(‪(2‬‬

‫قال أدركت خمسمائة من الصحابة وقال فبه الحسن البصري كان وال كثير العلم عظيم العلم قديم‬
‫السن من السلم بمكانه ‪.‬‬
‫كان من المحدثين المبرزين ولد سنة ‪ 19‬ومات سنة ‪. 109‬‬
‫أي ل يضله ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫مدينة مشهورة بين بغداد والموصل وكانت لها قلعة حصينة أحد جوانبها إلى دجلة ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫هي مدن عدة أصله ماه سبذان منها أريوجان يخرج ماؤها إلى البندنيجين ومن هذه المدينة إلى‬ ‫(‪(1‬‬

‫الروذ عشرة فراسخ ‪.‬‬


‫هو ضرار بن الخطاب بن مرداس بن كثير بن عمرو القرشي الفهري كان من فرسان قريش‬ ‫(‪(3‬‬

‫وشعراءهم المطبوعين المجودين وهو أحد الربعة الذين وثب الخندق وكان من مسلمة الفتح ‪.‬‬
‫(أنظر أسد الغابة ‪. )54 - 3/53‬‬
‫كذا بالصول بالنون في أوله وصاد مهملة بعد اللف وفي آخره عين مهملة وني الطبري‬ ‫(‪(1‬‬

‫باضع بباء موحدة في أوله وضاد معجمة وكلهما في بلد الحبشة ‪.‬‬
‫الربذة ‪ :‬من قرى المدينة على ثلثة أميال منها على طريق الحجاز خربت سنة ‪ 319‬بالقرامطة ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫في الطبري ‪ :‬دير حرقة بالقات المثناة ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الطبري ‪ :‬ينبت الحلي والنص ا هب ‪ .‬والنص تنبت ما دام رطباً فإذا ابيض في الطريفة لذا‬ ‫(‪(2‬‬

‫ضخم ويبس فهو الحلي ‪.‬‬


‫أقول وكأني بصائحين يصيحون ما هذا الحرج الذي استفز عمر إلى أن يزعج محمد بن مسلمة‬ ‫(‪(1‬‬

‫ويكلفه أن يذرع ما بين المدينة والكوفة لحراق باب قصر أو باب بيت اتخذه أمير ليكون حجاباً‬
‫بينه وبين من ل يروق منظره ومن ل يحب مقابلته ؟ وهل يريد عمر أن يسكن الناس قي القبور‬
‫وهم أحياء ومن ذا الذي حرم زينة ال لعباده والطيبات من الرزق وأي حرج على الناس إذا‬
‫استطالوا في البناء وجملوا دررهم ‪.‬‬
‫أما أنا فأعرض عن هؤلء الصائحين وإنما أقول لكم إن القوم على أثر من رسالة قد بهرتهم‬
‫عجائبها ( بنور الحقيقة) وفي عقب نبوة قد أخذت نواصيهم ( وعلمتهم العراض عن الدنيا‬
‫وزيتها ) وعلى بينة من دين استغرق أفئدتهم وملك عليهم مشاعرهم وعلمهم في قوله تعالى ‪) :‬‬
‫إنما المؤمنون إخوة) وقوله )فأصبحتم بنعمته إخواناً أل يعلوا بعضهم على بعض )‪.‬‬
‫وهذه يد عمر لم تغسل لهن دماء العاجم والروم الذين كانوا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون‬
‫ال وملوكهم يتخذون المصانع الشامخة والقصور المزخرفة فغرتهم الحياة الدنيا وسوغوا لنفسهم‬
‫استعباد الرعية وتسخير الكافة ني توفير لذتهم فأدال ال منهم هؤلء القوم وهم على حال أخوه‬
‫وتواسٍ قيما بينهم ل ميز لحد منهم على الخر إل بحسن البلء أكرمهم عند ال وقيما بينهم‬
‫أتقاهم لم تبهرهم الدنيا بزخرها ولم تختلب قلوبهم بنقشها ورقشها فمثل عمر يخشى أن يغمس‬
‫أمثال سعد بن أبي وقاص ومن على شاكلته أيديهم فيما غمست فارس والروم أيديهم فيه فبديل ال‬
‫من السلم كما أدالهم من جيرانهم بالمس ‪ .‬واتخاذ البواب دون المر وصعوبة الوصول إليه‬
‫أمر لم تجربه عادة العرب ولم يألفوه فيما بينهم إلى اليوم وعمر يخشى أن يكون بداية جبروت‬
‫يقترفها سعد سرت إليه من أهل فارس رهم إنما كانوا يعيرون العجم بالمى بمثل ما يتخوف‬
‫عليهم عمر منه اليوم ‪.‬‬
‫وأما تحجيره على أهل المصرين أن يبنوا بيوتهم في أول المر ثم تسويغهم ذلك على شرط‬
‫القصد في البناء وعدم الستطالة فسببه أن القوم هم جند السلم وأعباء الجهاد أحمات تلك‬
‫ع من ناحية من‬‫النواحي وذادت الملة وهم على أهبة النجعة وعلى أوفاز للغاثة إن دعا دا ٍ‬
‫النواحي والجندي إذا تأثل العقار وتبحبح في اتخاذ الدور المنجدة بأنواع الزخرف والزينة كان‬
‫ذلك أدعى إلى ثقل الجهاد على نفسه ورغبته عن مزايلة مستقر راحته ط ذا أزعج من مكانه هذا‬
‫الى وجه من الوجوه أو ناحية من النواحي كان قلبه دائم اللتفات إلى ما خنف وراءه من نعيم وما‬
‫فارق من مال ‪ ( .‬م بتصرف ) ‪.‬‬
‫وكان عياض من أهل العراق الذين خرجوا مع خالد بن الوليد ممدين لهل الشام وممن انصرف‬ ‫(‪(1‬‬

‫ايام انصراف اهل العراق ممدين لهل القادسية وكان يرافد أبا عبيدة ‪.‬‬
‫إِرمينية ‪ :‬إسم لصقع واسع عظيم من جهة الم وحدها من برذعة الى باب البواب ومن الجهة‬ ‫(‪(1‬‬

‫الخرى إلى بلد الروم وجبل القبق وهي صغرى وكبرى ‪.‬‬
‫وهذه هي عثرة السلم وقوة الدين إن تنصروا ال ينصركم ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫وقال في ذلك ‪:‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫إذا ما عصبت الرأس مني بمشوذ فغيك مني تغلب أبنة وائل‬
‫فبلغت عنه عمر فخاف أن يحرجوه وأن يضعف صبره فيسطو عليهم فعزلهم ‪.‬‬
‫مدينة مشهورة على الفرات بينها ربين حران ثلثة أيام ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫بلدة قريبة من حران ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫هي من ديار مضر بالجزيرة قرب حران ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫هي من مدن ديار بكر وأجلها قدرًا وأشهرها ذكراً ‪.‬‬ ‫(‪(4‬‬

‫مدينة بديار بكر ‪.‬‬ ‫(‪(5‬‬

‫قربة كبيرة من أعمال الجزيرة ‪.‬‬ ‫(‪(6‬‬

‫أي سار في طرق الروم ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫ل‪.‬‬
‫أي صارت خ ً‬ ‫(‪(2‬‬
‫وفي الطبري لما قدم خالد على عمر قال عمر متمثلً ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫صنعت فلم يصنع كصنعك صانع وما يصنع القوام فال يصنع‬
‫فأغرمه شيئًا ثم عوضه وكتب قيه إلى الناس بهذا الكتاب ليعذره عندهم وليبصرهم ‪.‬‬
‫إنما هي منافسة قي سبيل ال وال تعالى يقول ‪ ( :‬وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫البقرة‪.45:‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫لنه أربع كلم عزل في وعاتب واستحث وأمر وكتب عمر إلى أهل البصرة أما بعد فأني قد‬ ‫(‪(1‬‬

‫بعثت أبا موسى أميراً عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويكم ‪،‬جمار بكم عدوكم وليدفع عن ذمتكم‬
‫وليحصي لكم فيأكم ثم ليقسمه بينكم ولينقي لكم طريقكَم ( م ) ‪.‬‬
‫والظاهر أن هذا هو الحق في المسألة وأنها ما كانت إل امرأته ‪ ،‬أما قوله ( فلما قامت‬ ‫(‪(2‬‬

‫عرفوها ) فل أطن هذه الزبادة تصح ‪.‬‬


‫الهواز بفتح الهمزة كورة ويغلب عند العامة على سوق الهواز بفارس ‪ .‬مناذر بلدان بنواحي‬ ‫(‪(1‬‬

‫خزستان صغرى وكبرى نهر تيرَى بلد من نواحي الهواز ‪.‬‬


‫كورة حسنة واسعة ذات مدن وقرى ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫وفي الصول قذف وهو غلط صححناه من المعجم ( م ) ‪.‬‬


‫في الصول دلب بالموحدة التحتية وهو غلط صححناه من المعجم ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الصل وطلبوا لنفسهم الحنف وهو غلط صريح ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫الرض السبخة ذات ملح ونز والهشاشة الرخوة اللينة ؟ وعقة بشاشة أي أرض ذات شقوق‬ ‫(‪(3‬‬

‫يظهر فيها ماء السباخ قينش فيها حتى يعود ملحًا ‪.‬‬
‫حرقوص بن زهير السعدي بقي إلى أيام علي وشهد معه صفين ثم صار من الخوارج ومن‬ ‫(‪(1‬‬

‫أشدهم على علي بن أبي طالب وكان من الخوارج لما قاتلهم عليّ فقتل يومئذ سنة ‪ ( 037‬أنظر أسد‬
‫الغابة ‪. ) 475 - 47 4 / 1‬‬
‫تستر ‪ :‬أعظم مدينة بخوزستان وهي تعريب شوشتر‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫هو جزي بن معاوية بن حصين بن عبادة السعدي عَم الحنف بن قيس ‪.‬‬ ‫(‪(3‬‬

‫ل لعمر بن الخطاب رضي ال عنه على الهواز‬‫قبل له صحبة وقيل ل تصح له صحبة وكان عام ً‬
‫وقيل في اسمه جزء بالهمز( ابن السير ‪. ) 337/ 1‬‬
‫كذا بالصول وفي الطبري قرية الشغر ولم أجدها في المعجم نصاً ولعل ما في الطبري هو‬ ‫(‪(4‬‬

‫الصحيح ( م ) ‪.‬‬
‫هي إحدى كور الهواز ‪.‬‬ ‫(‪(5‬‬

‫مدينة مشهورة بنواحي خوزستان ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫في الصول سعد بن عدي وهو غلط صححناه من كتب تراجم الصحابة ( م ) ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬
‫كورة وبلد بين خوزستان وأصفهان ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫مدينة بخوزستان ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

‫هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به ‪.‬‬ ‫(‪(2‬‬

‫بلدة بخوزستان ‪.‬‬ ‫(‪(1‬‬

You might also like