Professional Documents
Culture Documents
8 تفسير القرطبى
8 تفسير القرطبى
8 تفسير القرطبى
**2سورة النفال
**3اليية{ 41 :واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه وللرسيول ولذي القربيى واليتاميى
والمسياكين وابين السيبيل إن كنتيم آمنتيم بال وميا أنزلنيا على عبدنيا يوم الفرقان يوم التقيى الجمعان
وال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي،
ومن ذلك قول الشاعر:
رضيت من الغنيمة بالياب وقد طوفت في الفاق حتى
وقال آخر:
أنى توجه والمحروم محروم ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه
والمغنييم والغنيميية بمعنييى؛ يقال :غنييم القوم غنمييا .وأعلم أن التفاق حاصييل على أن المراد بقوله
تعالى" :غنمتيم من شييء" مال الكفار إذا ظفير به المسيلمون على وجه الغلبية والقهير .ول تقتضيي
اللغيية هذا التخصيييص على مييا بيناه ،ولكيين عرف الشرع قيييد اللفييظ بهذا النوع .وسييمى الشرع
الواصييل ميين الكفار إلينييا ميين الموال باسييمين :غنيميية وفيئا .فالشيييء الذي يناله المسييلمون ميين
عدوهيم بالسيعي وإيجاف الخييل والركاب يسيمى غنيمية .ولزم هذا السيم هذا المعنيى حتيى صيار
عرفيا .والفييء مأخوذ مين فاء يفييء إذا رجيع ،وهيو كيل مال دخيل على المسيلمين مين غيير حرب
ول إيجاف .كخراج الرضييين وجزييية الجماجييم وخمييس الغنائم .ونحييو هذا قال سييفيان الثوري
وعطاء بن السائب .وقيل :إنهما واحد ،وفيهما الخمس؛ قاله قتادة .وقيل :الفيء عبارة عن كل ما
صار للمسلمين من الموال بغير قهر .والمعنى متقارب.
@ هذه اليية ناسيخة لول السيورة ،عنيد الجمهور .وقيد ادعيى ابين عبدالبر الجماع على أن هذه
اليية نزلت بعيد قوله" :يسيألونك عين النفال" [النفال ]1 :وأن أربعية أخماس الغنيمية مقسيومة
على الغانميين ،على ميا يأتيي بيانيه .وأن قوله" :يسيألونك عين النفال" نزلت فيي حيين تشاجير أهيل
بدر في غنائم بدر ،على ما تقدم أول السورة.
قلت :ومميا يدل على صيحة هذا ميا ذكره إسيماعيل بين إسيحاق قال :حدثنيا محميد بين كثيير قال
حدثنيا سيفيان قال حدثنيي محميد بين السيائب عين أبيي صيالح عين ابين عباس قال( :لميا كان يوم بدر
قال النييبي صييلى ال عليييه وسييلم( :ميين قتييل قتيل فله كذا وميين أسيير أسيييرا فله كذا) وكانوا قتلوا
سيبعين ،وأسيروا سيبعين ،فجاء أبو اليسير بين عمرو بأسييرين ،فقال :ييا رسيول ال إنيك وعدتنيا من
قتل قتيل فله كذا ،وقد جئت بأسيرين .فقام سعد فقال :يا رسول ال ،إنا يمنعنا زيادة في الجر ول
جبين عين العدو ولكنيا قمنيا هذا المقام خشيية أن يعطيف المشركون ،فإنيك إن تعطيي هؤلء ل يبقيى
لصييحابك شيييء .قال :وجعييل هؤلء يقولون وهؤلء يقولون فنزلت "يسييألونك عيين النفال قييل
النفال ل والرسييول فاتقوا ال وأصييلحوا ذات بينكييم" [النفال ]1 :فسييلموا الغنيميية لرسييول ال
صلى ال عليه وسلم )،ثم نزلت "وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه" الية .وقد قيل :إنها
محكميية غييير منسييوخة ،وأن الغنيميية لرسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم ،وليسييت مقسييومة بييين
الغانميين ،وكذلك لمين بعده مين الئمية .كذا حكاه المازري عين كثييير مين أصيحابنا ،رضييي ال
عنهم ،وأن للمام أن يخرجها عنهم .واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين .وكان أبو عبيد يقول :افتتح
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مكية عنوة ومين على أهلهيا فردهيا عليهيم ولم يقسيمها ولم يجعلهيا
عليهم فيئا .ورأى بعض الناس أن هذا جائز للئمة بعده.
قلت :وعلى هذا يكون معنيييى قوله تعالى" :واعلموا أنميييا غنمتيييم ميين شييييء فأن ل خمسيييه"
والربعية الخماس للمام ،إن شاء حبسيها وإن شاء قسيمها بيين الغانميين .وهذا لييس بشييء ،لميا
ذكرناه ،ولن ال سيبحانه أضاف الغنيمية للغانميين فقال" :واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء" ثيم عيين
الخميس لمين سيمى فيي كتابيه ،وسيكت عين الربعية الخماس ،كميا سيكت عين الثلثيين فيي قوله:
"وورثيه أبواه فلميه الثلث" [النسياء ]11 :فكان للب الثلثان اتفاقيا .وكذا الربعية الخماس
للغانمييين إجماعييا ،على مييا ذكره ابيين المنذر وابيين عبدالبر والداودي والمازري أيضييا والقاضييي
عياض وابيين العربييي .والخبار بهذا المعنييى متظاهرة ،وسيييأتي بعضهييا .ويكون معنييى قوله:
"يسيألونك عين النفال" اليية ،ميا ينفله المام لمين شاء لميا يراه مين المصيلحة قبيل القسيمة .وقال
عطاء والحسين :هيي مخصيوصة بميا شيذ مين المشركيين إلى المسيلمين ،مين عبيد أو أمية أو دابية،
يقضي فيها المام بما أحب .وقيل :المراد بها أنفال السرايا أي غنائما ،إن شاء خمسها المام ،وإن
شاء نفلها كلها .وقال إبراهيم النخعي في المام يبعث السرية فيصيبون المغنم :إن شاء المام نفله
كله ،وإن شاء خمسييه .وحكاه أبييو عميير عيين مكحول وعطاء .قال علي بيين ثابييت :سييألت مكحول
وعطاء عين المام ينفيل القوم ميا أصيابوا ،قال :ذلك لهيم .قال أبيو عمير :مين ذهيب إلى هذا تأول
قول ال عيز وجيل" :يسيألونك عين النفال قيل النفال ل والرسيول" [النفال ]1 :أن ذلك للنيبي
صلى ال عليه وسلم يضعها حيث شاء .ولم ير أن هذه الية منسوخة بقوله تعالى" :واعلموا أنما
غنمتيم مين شييء ل خمسيه" .وقييل :غيير هذا مميا قيد أتينيا علييه فيي كتاب (القبيس فيي شرح موطيأ
مالك بين أنيس) .ولم يقيل أحيد مين العلماء فيميا أعلم أن قوله تعالى "يسيألونك عين النفال" اليية،
ناسيخ لقول" :وأعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه" بيل قال الجمهور على ميا ذكرنيا :إن
قوله" :ميا غنمتيم" ناسيخ ،وهيم الذيين ل يجوز عليهيم التحرييف ول التبدييل لكتاب ال تعالى .وأميا
قصة فتيح مكة فل حجة فيها لختلف العلماء فيي فتحهيا .وقيد قال أبيو عبييد :ول نعلم مكية يشبههيا
شييء مين البلدان مين جهتيين :إحداهميا أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان ال قيد خصيه مين
النفال والغنائم ميا لم يجعله لغيره ،وذلك لقوله" :يسيألونك عين النفال" [النفال ]1 :اليية ،فنرى
أن هذا كان خاصا له والجهة الخرى أنه سن لمكة سننا ليست لشيء من البلد .وأما قصة حنين
فقيد عوض النصيار لميا قالوا :يعطيي الغنائم قريشيا ويتركنيا وسييوفنا تقطير مين دمائهيم! فقال لهيم:
(أميا ترضون أن يرجيع الناس بالدنييا وترجعون برسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى بيوتكيم).
خرجيه مسيلم وغيره .ولييس لغيره أن يقول هذا القول ،ميع أن ذلك خاص بيه على ميا قاله بعيض
علمائنا .وال أعلم.
@ لم يختلف العلماء أن قوله" :واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء" لييس على عموميه ،وأنيه يدخله
الخصييوص ،فممييا خصييصوه بإجماع أن قالوا :سييلب المقتول لقاتله إذا نادى بييه المام .وكذلك
الرقاب ،أعنيي السيارى ،الخيرة فيهيا إلى المام بل خلف ،على ميا يأتيي بيانيه .ومميا خيص بيه
أيضيا الرض .والمعنيى :ميا غنمتيم مين ذهيب وفضية وسيائر المتعية والسيبي .وأميا الرض فغيير
داخلة فيي عموم هذه اليية ،لميا روى أبيو داود عين عمير بين الخطاب أنه قال( :لول أخير الناس ميا
فتحت قرية إل قسمتها كما قسم رسول ال صلى ال عليه وسلم خيبر) .ومما يصحح هذا المذهب
ميا رواه الصيحيح عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :منعيت العراق قفيزهيا
ودرهمها ومنعت الشام مدها ودينارها) الحديث .قال الطحاوي" :منعت" بمعنى ستمنع ،فدل ذلك
على أنها ل تكون للغانمين ،لن ما ملكه الغانمون ل يكون فيه قفيز ول درهم ،ولو كانت الرض
تقسيم ميا بقيي لمين جاء بعيد الغانميين شييء .وال تعالى يقول" :والذيين جاؤوا من بعدهيم" [الحشير:
]10بالعطف على قوله" :للفقراء المهاجرين" [الحشر .]8 :قال :وإنما يقسم ما ينقل من موضع
إلى موضع .وقال الشافعي :كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من
دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم ،إل الرجال البالغين فإن المام فيهم مخير أن يمن أو يقتل
أو يسبي .وسبيل ما أخذ منهم وسبي سبيل الغنيمة .واحتج بعموم الية .قال :والرض مغنومة ل
محالة ،فوجب أن تقسم كسائر الغنائم .وقد قسم رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أفتتح عنوة من
خييبر .قالوا :ولو جاز أن يدعيى الخصيوص فيي الرض جاز أن يدعيى فيي غيير الرض فيبطيل
حكيم اليية .وأميا آيية "الحشير" فل حجية فيهيا ،لن ذلك إنميا هيو فيي الفييء ل فيي الغنيمية .وقول:
"والذين جاؤوا من بعدهم" [الحشر ]10 :استئناف كلم بالدعاء لمن سبقهم باليمان ل لغير ذلك.
قالوا :ولييس يخلو فعيل عمير فيي توقيفيه الرض مين أحيد وجهيين :إميا أن تكون غنيمية اسيتطاب
أنفس أهلها ،وطابت بذلك فوقفها .وكذلك روى جرير أن عمر استطاب أنفس أهلها .وكذلك صنع
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي سيبي هوازن ،لميا أتوه اسيتطاب أنفيس أصيحابه عميا كان فيي
أيديهيم .وإميا أن يكون ميا وقفيه عمير فيئا فلم يحتيج إلى مراضاة أحيد .وذهيب الكوفيون إلى تخييير
المام فييي ،قسييمها أو إقرارهييا وتوظيييف الخراج عليهييا ،وتصييير ملكييا لهييم كأرض الصييلح :قال
شيخنيا أبيو العباس رضيي ال عنيه :وكأن هذا جميع بيين الدليليين ووسيط بيين المذهيبين ،وهيو الذي
فهمه عمر رضي ال عنه قطعا ،ولذلك قال :لول أخر الناس ،فلم يخبر بنسخ فعل النبي صلى ال
علييه وسيلم ول بتخصييصه بهيم ،غيير أن الكوفييين زادوا على ميا فعيل عمير ،فإن عمير إنميا وقفهيا
على مصالح المسلمين ولم يملكها لهل الصلح ،وهم الذين قالوا للمام أن يملكها لهل الصلح.
@ ذهيب مالك وأبيو حنيفية والثوري إلى أن السيلب لييس للقاتيل ،وأن حكميه حكيم الغنيمية ،إل أن
يقول الميير :مين قتيل قتيل فله سيلبه ،فيكون حينئذ له .وقال اللييث والوزاعيي والشافعيي وإسيحاق
وأبو ثور وأبو عبيد والطبري وابن المنذر :السلب للقاتل على كل حال ،قاله المام أو لم يقله .إل
أن الشافعيي رضيي ال عنيه قال :إنميا يكون السيلب للقاتيل إذا قتيل قتيل مقبل علييه :وأميا إذا قتله
مدبرا عنيه فل .قال أبيو العباس بين سيريج مين أصيحاب الشافعيي :لييس الحدييث (مين قتيل قتيل فله
سيلبه) على عموميه ،لجماع العلماء على أن مين قتيل أسييرا أو امرأة أو شيخيا أنيه لييس له سيلب
واحيد منهيم .وكذلك مين ذفيف على جرييح ،ومن قتيل مين قطعيت يداه ورجله .قال :وكذلك المنهزم
ل يمتنع في انهزامه ،وهو كالمكتوف .قال :فعلم بذلك أن الحديث إنما جعل السلب لمن لقتله معنى
زائد ،أو لمن في قتله فضيلة ،وهو القاتل فيي القبال ،لما في ذلك من المؤنة .وأما من أثخن فل.
وقال الطييبري :السييلب للقاتييل ،مقبل قتله أو مدبرا ،هاربييا أو مبارزا إذا كان فييي المعركيية .وهذا
يرده ما ذكره عبدالرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج قال سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول :لم
نزل نسيمع إذا التقيى المسيلمون والكفار فقتيل رجيل مين المسيلمين رجل مين الكفار فإن سيلبه له إل
أن يكون فييي معمعيية القتال ،لنييه حينئذ ل يدري ميين قتييل قتيل .فظاهيير هذا يرد قول الطييبري
لشتراطيه فيي السيلب القتيل فيي المعركية خاصية .وقال أبيو ثور وابين المنذر :السيلب للقاتيل فيي
معركيية كان أو غييير معركيية ،فييي القبال والدبار والهروب والنتهار ،على كييل الوجوه ،لعموم
قوله صلى ال عليه وسلم( :من قتل قتيل فله سلبه).
قلت :روى مسلم عن سلمة بن الكوع قال( :غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم هوازن
فبينيا نحين نتضحيى ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذ جاء رجيل على جميل أحمير فأناخيه ،ثيم
انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل ،ثم تقدم يتغدى مع القوم ،وجعل ينظر ،وفينا ضعفة ورقة في
الظهير ،وبعضنيا مشاة ،إذ خرج يشتيد ،فأتيى جمله فأطلق قيده ثيم أناخيه وقعيد علييه فأثاره فاشتيد بيه
الجمل ،فاتبعه رجل على ناقة ورقاء .قال سلمة :وخرجت اشتد فكنت عند ورك الناقة ،ثم تقدمت
حتيى كنيت عنيد ورك الجميل ،ثيم تقدميت حتيى أخذت بخطام الجميل فأنختيه ،فلميا وضيع ركبتيه فيي
الرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر ،ثم جئت بالجمل أقوده ،عليه رحله وسلحه،
فاستقبلني رسول ال صلى ال عليه وسلم والناس معه فقال( :من قتل الرجل) ؟ قالوا :ابن الكوع.
قال( :له سيلبه أجميع) .فهذا سيلمة قتله هاربيا غيير مقبيل ،وأعطاه سيلبه .وفييه حجية لمالك مين أن
السيلب ل يسيتحقه القاتيل إل بإذن المام ،إذ لو كان واجبيا له بنفيس القتيل لميا احتاج إلى تكريير هذا
القول .ومين حجتيه أيضيا ميا ذكره أبيو بكير بين أبيي شيبية قال :حدثنيا أبيو الحوص عين السيود بين
قيس عن بشر بن علقمة قال :بارزت رجل يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه ،فأتيت سعدا فخطب
سعد أصحابه ثم قال :هذا سلب بشر بن علقمة ،فهو خير من اثني عشر ألف درهم ،وإنا قد نفلناه
إياه .فلو كان السيلب للقاتيل قضاء مين النيبي صيلى ال علييه وسيلم ميا احتاج المير أن يضيفوا ذلك
إلى أنفسهم باجتهادهم ،ولخذه القاتل دون أمرهم .وال أعلم .وفي الصحيح أن معاذ بن عمرو بن
الجموح ومعاذ بن عفراء ضربا أبا جهل بسيفيهما حتى قتله ،فأتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال( :أيكميا قتله)؟ فقال كيل واحيد منهميا :أنيا قتلتيه .فنظير فيي السييفين فقال( :كلكميا قتله) وقضيى
بسيلبه لمعاذ بين عمرو بين الجموح ،وهذا نيص على أن السيلب لييس للقاتيل ،إذ لو كان له لقسيمه
النيبي صيلى ال علييه وسيلم بينهميا .وفيي الصيحيح أيضيا عين عوف بين مالك قال :خرجيت ميع مين
خرج ميع زييد بين حارثية فيي غزوة مؤتية ،ورافقنيي مددي مين اليمين .وسياق الحدييث ،وفييه :فقال
عوف :ييا خالد ،أميا علميت أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قضيى بالسيلب للقاتيل؟ قال :بلى،
ولكنيي اسيتكثرته .وأخرجيه أبيو بكير البرقانيي بإسيناده الذي أخرجيه بيه مسيلم ،وزاد فييه بيانيا أن
عوف بين مالك قال :إن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لم يكين يخميس السيلب ،وإن مددييا كان
رفيقا لهم في غزوة مؤتة في طرف من الشام ،قال :فجعل رومي منهم يشتد على المسلمين وهو
على فرس أشقيير وسييرج مذهييب ومنطقيية ملطخيية وسيييف محلى بذهييب .قال :فيغري بهييم ،قال:
فتلطيف له المددي حتيى مير بيه فضرب عرقوب فرسيه فوقيع ،وعله بالسييف فقتله وأخيذ سيلحه.
قال :فأعطاه خالد بين الولييد وحبيس منيه ،قال عوف :فقلت له أعطيه كله ،ألييس قيد سيمعت رسيول
ال صلى ال عليه وسلم يقول( :السلب للقاتل)! قال :بلى ،ولكني استكثرته .قال عوف :وكان بيني
وبينه كلم ،فقلت له :لخبرن رسول ال صلى ال عليه وسلم .قال عوف :فلما اجتمعنا عند رسول
ال صييلى ال عليييه وسييلم ذكيير عوف ذلك لرسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم ،فقال لخالد( :لم لم
تعطيه)؟ قال فقال :اسيتكثرته .قال( :فادفعيه إلييه) فقلت له :ألم أنجيز لك ميا وعدتيك؟ قال :فغضيب
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال( :ييا خالد ل تدفعيه إلييه هيل أنتيم تاركون لي أمرائي) .فهذا
يدل دللة واضحة على أن السلب ل يستحقه القاتل بنفس القتل بل برأي المام ونظره .وقال أحسد
بن حنبل :ل يكون السلب للقاتل إل في المبارزة خاصة.
@ اختلف العلماء فيي تخمييس السيلب ،فقال الشافعيي :ل يخميس .وقال إسيحاق :إن كان السيلب
يسييرا فهيو للقاتيل ،وإن كان كثيرا خميس .وفعله عمير بين الخطاب ميع البراء بين مالك حيين بارز
المرزبان فقتله ،فكانت قيمة منطقته وسواريه ثلثين ألفا فخمس ذلك .أنس عن البراء بن مالك أنه
قتيل مين المشركيين مائة رجيل إل رجل مبارزة ،وأنهيم لميا غزوا الزارة خرج دهقان الزارة فقال:
رجل ورجل ،فبرز البراء فاختلفا بسيفيهما ثم اعتنقا فتوركه البراء فقعد على كبده ،ثم أخذ السيف
فذبحيه ،وأخيذ سيلحه ومنطقتيه وأتيى بيه عمير ،فنفله السيلح وقوم المنطقية بثلثيين ألفيا فخمسيها،
وقال :إنهيا مال .وقال الوزاعيي ومكحول :السيلب مغنيم وفييه الخميس .وروي نحوه عين عمير بين
الخطاب .والحجية للشافعيي ميا رواه أبيو داود عين عوف بين مالك الشجعيي وخالد بين الولييد أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب.
@ ذهب جمهور العلماء إلى أن السلب ل يعطى للقاتل إل أن يقيم البينة على قتله .قال أكثرهم:
ويجزئ شاهييد واحييد ،على حديييث أبييي قتادة .وقيييل :شاهدان أو شاهييد ويمييين .وقال الوزاعييي:
يعطاه بمجرد دعواه ،وليسييت البينيية :شرطييا فييي السييتحقاق ،بييل إن اتفييق ذلك فهييو الولى دفعييا
للمنازعة .أل ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم أعطى أبا قتادة صلب مقتول من غير شهادة ول
يمين .ول تكفي شهادة واحد ،ول يناط بها حكم بمجردها .وبه قال الليث بن سعد.
قلت :سيمعت شيخنييا الحافييظ المنذري الشافعييي أبيا محمييد عبدالعظيييم يقول :إنميا أعطاه النيبي
صلى ال عليه وسلم السلب بشهادة السود بن خزاعي وعبدال بن أنيس .وعلى هذا يندفع النزاع
ويزول الشكال ،ويطرد الحكم .وأما المالكية فيخرج على قولهم أنه ل يحتاج المام فيه إلى بينة،
لنيه مين المام ابتداء عطيية ،فإن شرط الشهادة كان له ،وإن لم يشترط جاز أن يعطييه مين غيير
شهادة.
@ واختلفوا فيي السيلب ميا هيو ،فأميا السيلح وكيل ميا يحتاج للقتال فل خلف أنيه مين السيلب،
وفرسيه إن قاتيل علييه وصيرع عنيه .وقال أحميد فيي الفرس :لييس مين السيلب .وكذلك إن كان فيي
هميانيه وفيي منطقتيه دنانيير أو جواهير أو نحيو هذا ،فل خلف أنيه لييس مين السيلب .واختلفوا فيميا
يتزين به للحرب ،فقال الوزاعي :ذلك كله من السلب .وقالت فرقة :ليس من السلب .وهذا مروي
عيين سييحنون رحمييه ال ،إل المنطقيية فإنهييا عنده ميين السييلب .وقال ابيين حييبيب فييي الواضحيية:
والسواران من السلب.
@قوله تعالى" :فأن ل خمسيه" قال أبيو عبييد :هذا ناسيخ لقوله عيز وجيل فيي أول السيورة "قيل
النفال ل والرسيول" [النفال ]1:ولم يخميس رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم غنائم بدر ،فنسيخ
حكميه فيي ترك التخمييس بهذا .إل أنيه يظهير مين قول علي رضيي ال عنه فيي صيحيح مسيلم" كان
لي شارف مين نصييبي مين المغنيم يوم بدر ،وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أعطانيي شارفيا
مين الخميس يومئذ" الحدييث -أنيه خميس ،فإنيه كان هذا فقول أبيي عبييد مردود .قال ابين عطيية:
ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكر علي من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد ،فقد كانت
غزوة بنييي سييليم وغزوة بنييي المصييطلق وغزوة ذي أميير وغزوة بحران ،ولم يحفييظ فيهييا قتال،
ولكن يمكن أن غنمت غنائم .وال أعلم.
قلت :وهذا التأويييل يرده قول علي يومئذ ،وذلك إشارة إلى يوم قسييم غنائم بدر ،إل أنييه يحتمييل
أن يكون من الخمس إن كان لم يقع في بدر تخميس ،من خمس سرية عبدال بن جحش فإنها أول
غنيمة غنمت في السيلم ،وأول خمس كان فيي السلم ،ثم نزل القرآن "واعلموا أنما غنمتم من
شيء فأن ل خمسه" .وهذا أولى من التأويل الول .وال أعلم.
@ "ما" في قوله" :ما غنمتم" بمعنى الذي والهاء محذوفة ،أي الذي غنمتموه .ودخلت الفاء لن
فيي الكلم معنيى المجازاة .و"أن" الثانيية توكييد للولى ،ويجوز كسيرها ،وروي عين أبيي عمرو.
قال الحسن :هذا مفتاح كلم ،الدنيا والخرة ل ،ذكره النسائي .واستفتح عز وجل الكلم في الفيء
والخمس بذكر نفسه ،لنهما أشرف الكسب ،ولم ينسب الصدقة إليه لنها أوساخ الناس.
@ واختلف العلماء في كيفية قسم الخمس على أقوال ستة:
الول :قالت طائفيية :يقسييم الخمييس على سييتة ،فيجعييل السييدس للكعبيية ،وهييو الذي ل .والثانييي
لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .والثالث لذوي القربيى .والرابيع لليتاميى .والخاميس للمسياكين،
والسادس لبن السبيل .وقال بعض أصحاب هذا القول :يرد السهم الذي ل على ذوي الحاجة.
الثانييي :قال أبيو العالييية والربيييع :تقسييم الغنيميية على خمسيية ،فيعزل منهييا سييهم واحييد ،وتقسييم
الربعة على الناس ،ثم يضرب بيده على السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة،
ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة ،سهم للنبي صلى ال عليه وسلم ،وسهم لذوي القربى،
وسهم لليتامى ،وسهم للمساكين ،وسهم لبن السبيل.
الثالث :قال المنهال بين عمرو :سيألت عبدال بين محميد بين علي وعلي بين الحسيين عين الخميس
فقال :هييو لنييا .قلت لعلي :إن ال تعالى يقول" :واليتامييى والمسيياكين وابيين السييبيل" فقال :أيتامنييا
ومساكيننا.
الرابيع :قال الشافعيي :يقسيم على خمسية .ورأى أن سيهم ال ورسيوله واحيد ،وأنيه يصيرف فيي
مصالح المؤمنين ،والربعة الخماس على الربعة الصناف المذكورين في الية.
الخاميس :قال أبيو حنيفية :يقسيم على ثلثية :اليتاميى والمسياكين وابين السيبيل .وارتفيع عنده حكيم
قرابية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بموتيه ،كميا ارتفيع حكيم سيهمه .قالوا :ويبدأ مين الخميس
بإصلح القناطر ،وبناء المساجد ،وأرزاق القضاة والجند ،وروي نحو هذا عن الشافعي أيضا.
السيادس :قال مالك :هيو موكول إلى نظير المام واجتهاده ،فيأخيذ منيه مين غيير تقديير ،ويعطيي
منه القرابة باجتهاد ،ويصرف الباقي في مصالح المسلمين .وبه قال الخلفاء الربعة ،وبه عملوا.
وعليييه يدل قوله صييلى ال عليييه وسييلم( :مييا لي ممييا أفاء ال عليكييم إل الخمييس والخمييس مردود
عليكيم) .فإنيه لم يقسيمه أخماسيا ول أثلثيا ،وإنميا ذكير فيي اليية مين ذكير على وجيه التنيبيه عليهيم،
لنهيم مين أهيم مين يدفيع إلييه .قال الزجاج محتجيا لمالك :قال ال عيز وجيل" :يسيألونك ماذا ينفقون
قيل ميا أنفقتيم مين خيير فللوالديين والقربيين واليتاميى والمسياكين وابين السيبيل" [البقرة]215 :
وللرجل جائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الصناف إذا رأى ذلك .وذكر النسائي عن عطاء قال:
خمس ال وخمس رسوله واحد ،كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحمل منه ويضعه حيث شاء
ويصنع به ما شاء.
@قوله تعالى" :ولذي القربيى" ليسيت اللم لبيان السيتحقاق والملك ،وإنميا هيي لبيان المصيرف
والمحل .والدليل عليه ما رواه مسلم أن الفضل بن عباس وربيعة بن عبدالمطلب أتيا النبي صلى
ال عليه وسلم ،فتكلم أحدهما فقال :يا رسول ال ،أنت أبر الناس ،وأوصل الناس ،وقد بلغنا النكاح
فجئنيا لتؤمرنيا على بعيض هذه الصيدقات ،فنؤدي إلييك كميا يؤدي الناس ،ونصييب كميا يصييبون.
فسيكت طويل حتيى أردنيا أن نكلميه ،قال :وجعلت زينيب تلميع إلينيا مين وراء الحجاب أل تكلماه،
قال :ثيم قال( :إن الصيدقة ل تحيل لل محميد إنميا هيي أوسياخ الناس ادعوا لي محميية -وكان على
الخمس -ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب) قال :فجاءاه فقال لمحمية( :أنكح هذا الغلم ابنتك) -
للفضيل بين عباس -فأنكحيه .وقال لنوفيل بين الحارث( :أنكيح هذا الغلم ابنتيك) يعنيي ربيعية بين
عبدالمطلب .وقال لمحمية( :أصيدق عنهما من الخمس كذا وكذا) .وقال صلى ال عليه وسلم( :ما
لي مميا أفاء ال عليكيم إل الخميس والخميس مردود عليكيم) .وقيد أعطيى جميعيه وبعضيه ،وأعطيى
منه المؤلفة قلوبهم ،وليس ممن ذكرهم ال في التقسيم ،فدل على ما ذكرناه ،والموفق الله.
@ واختلف العلماء في ذوي القربى على ثلثة أقوال :قريش كلها ،قاله بعض السلف ،لن النبي
صييلى ال عليييه وسييلم لمييا صييعد الصييفا جعييل يهتييف( :يييا بنييي فلن يييا بنييي عبييد مناف يييا بنييي
عبدالمطلب ييا بنيي كعيب ييا بنيي مرة ييا بنيي عبيد شميس أنقذوا أنفسيكم مين النار) الحدييث .وسييأتي
فيي "الشعراء" .وقال الشافعيي وأحميد وأبيو ثور ومجاهيد وقتادة وابين جرييج ومسيلم بين خالد :بنيو
هاشيم وبنو عبدالمطلب ،لن النبي صلى ال عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى بين بنيي هاشم
وبني عبدالمطلب قال( :إنهم لم يفارقوني في جاهلية ول إسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء
واحيد) وشبيك بيين أصيابعه ،أخرجيه النسيائي والبخاري .قال البخاري :قال اللييث حدثنيي يونيس،
وزاد :ولم يقسيم النيبي صيلى ال عليه وسلم لبنيي عبيد شميس ول لبني نوفل شيئا .قال ابن إسيحاق:
وعبيد شميس وهاشيم والمطلب إخوة لم ،وأمهيم عاتكية بنيت مرة .وكان نوفيل أخاهيم لبيهيم .قال
النسيائي :وأسيهم النيبي صيلى ال علييه وسيلم لذوي القربيى ،وهيم بنيو هاشيم وبنيو المطلب ،بينهيم
الغنيي والفقيير .وقيد قييل :إنيه للفقيير منهيم دون الغنيي ،كاليتاميى وابين السيبيل -وهيو أشبيه القوليين
بالصيواب عندي .وال أعلم -والصيغير والكيبير والذكير والنثيى سيواء ،لن ال تعالى جعيل ذلك
لهم ،وقسمه رسول ال صلى ال عليه وسلم فيهم .وليس في الحديث أنه فضل بعضهم على بعض.
الثالث :بنيو هاشيم خاصية ،قاله مجاهيد وعلي بين الحسيين .وهيو قول مالك والثوري والوزاعيي
وغيرهم.
@ لميا بيين ال عيز وجيل حكيم الخميس وسيكت عين الربعية الخماس ،دل ذلك على أنهيا ملك
للغانمين .وبين النبي صلى ال عليه وسلم ذلك بقوله( :وأيما قرية عصت ال ورسوله فإن خمسها
ل ورسول ثم هي لكم) .وهذا ما ل خلف فيه بين المة ول بين الئمة ،على ما حكاه ابن العربي
فيي (أحكاميه) وغيره .بييد أن المام إن رأى أن يمين على السيارى بالطلق فعيل ،وبطلت حقوق
الغانمين فيهم ،كما فعل النبي صلى بثمامة بن أثال وغيره ،وقال( :لو كان المطعم بن عدي حيا ثم
كلمنيي فيي هؤلء النتنيى -يعنيي أسيارى بدر -لتركتيه له) أخرجيه البخاري .مكافأة له لقياميه فيي
شأن نقض الصحيفة .وله أن يقتل جميعهم ،وقد قتل رسول ال صلى ال عليه وسلم عقبة بن أبي
معيط من بين السرى صبرا ،وكذلك النضر بن الحارث قتله بالصفراء صبرا ،وهذا ما ل خلف
فييه .وكان لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم سيهم كسيهم الغانميين ،حضير أو غاب .وسيهم الصيفي،
يصيطفي سييفا أو سيهما أو خادميا أو دابية .وكانيت صيفية بنيت حييي مين الصيفي مين غنائم خييبر.
وكذلك ذو الفقار كان مين الصيفي .وقيد انقطيع بموتيه ،إل عنيد أبيي ثور فإنيه رآه باقييا للمام يجعله
مجعيل سيهم النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وكانيت الحكمية فيي ذلك أن أهيل الجاهليية كانوا يرون
للرئيس ربع الغنيمة .قال شاعرهم:
وحكمك والنشيطة والفضول لك المرباع منها والصفايا
وقال آخر:
عشرون وهو يعد في الحياء منا الذي ربع الجيوش ،لصلبه
يقال :ربع الجيش يربعه رباعة إذا أخذ ربع الغنيمة .قال الصمعي :ربع في الجاهلية وخمس في
السلم ،فكان يأخذ بغير شرع ول دين الربع من الغنيمة ،ويصطفي منها ،ثم يتحكم بعد الصفي
في أي شي أراد ،وكان ما شذ منها وما فضل من خرثي ومتاع له .فأحكم ال سبحانه الدين بقوله:
"واعلموا أنميا غنمتيم مين شيي -فأن ل خمسيه" .وأبقيى سيهم الصيفي لنيبيه صيلى ال علييه وسيلم
وأسيقط حكيم الجاهليية .وقال عامير الشعيبي :كان لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم سيهم يدعيى
الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرسا يختاره قبل الخمس ،أخرجه أبو داود .وفي حديث أبي هريرة
قال :فيلقيى العبيد فيقول( :أي فيل ألم أكرميك وأسيودك وأزوجيك وأسيخر لك الخييل والبيل وأذرك
ترأس وتربيع) الحدييث .أخرجيه مسيلم" .تربيع" بالباء الموحدة مين تحتهيا :تأخيذ المرباع ،أي الربيع
مما يحصل لقومك من الغنائم والكسب .وقد ذهب بعض أصحاب الشافعي رضي ال عنه إلى أن
خميس الخميس كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يصيرفه فيي كفايية أولده ونسيائه ،ويدخير مين ذلك
قوت سينته ،ويصيرف الباقيي في الكراع والسيلح .وهذا يرده ميا رواه عمير قال :كانيت أموال بنيي
النضيير مميا أفاء ال على رسيوله مميا لم يوجيف علييه المسيلمون بخييل ول ركاب ،فكانيت للنيبي
صيلى ال علييه وسيلم خاصية ،فكان ينفيق على نفسيه منهيا قوت سينة ،وميا بقيي جعله فيي الكراع
والسلح عدة في سبيل ال .أخرجه مسلم .وقال( :والخمس مردود عليكم).
@ ليس في كتاب ال تعالى دللة على تفضيل الفارس على الراجل ،بل فيه أنهم سواء ،لن ال
تعالى جعييل الربعيية أخماس لهييم ولم يخييص راجل ميين فارس .ولول الخبار الواردة عين النييبي
صيلى ال علييه وسيلم لكان الفارس كالراجيل ،والعبيد كالحير ،والصيبي كالبالغ .وقيد اختلف العلماء
فيي قسيمة الربعية الخماس ،فالذي علييه عامية أهيل العلم فيميا ذكير ابين المنذر أنيه يسيهم للفارس
سيهمان ،وللراجيل سيهم .وممين قال ذلك مالك بين أنيس ومين تبعيه مين أهيل المدينية .وكذلك قال
الوزاعيي ومين وافقيه مين أهيل الشام .وكذلك قال الثوري ومين وافقيه مين أهيل العراق .وهيو قول
اللييث بن سيعد ومن تبعيه من أهل مصير .وكذلك قال الشافعيي رضيي ال عنه وأصحابه .وبه قال
أحميد بين حنبيل وإسيحاق وأبيو ثور ويعقوب ومحميد .قال بين المنذر :ول نعلم أحدا خالف فيي ذلك
إل النعمان فإنه خالف فيه السنن وما عليه جل أهل العلم في القديم والحديث .قال :ل يسهم للفارس
إل سهم واحد.
قلت :ولعله شبييه عليييه بحديييث ابيين عميير أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم جعييل للفارس
سييهمين ،وللراجييل سييهما .خرجييه الدارقطنييي وقال :قال الرمادي كذا يقول ابيين نمييير قال لنييا
النيسيابوري :هذا عندي وهيم من ابن أبيي شيبة أو من الرمادي ،لن أحمد بن حنبل وعبدالرحمن
بن بشر وغيرهما رووه عن ابن عمر رضي ال عنهما بخلف هذا ،وهو أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلثة أسهم ،سهما له وسهمين لفرسه ،هكذا رواه عبدالرحمن بن
بشر عن عبدال بن نمير عن عبيدال بن عمر عن نافع عن ابن عمر ،وذكر الحديث .وفي صحيح
البخاري عين ابين عمير أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم جعيل للفرس سيهمين ولصياحبه سيهما.
وهذأ نص .وقيد روى الدارقطنيي عن الزبيير قال :أعطانيي رسيول ال صلى ال عليه وسيلم أربعية
أسهم يوم بدر ،سهمين لفرسي وسهما لي وسهما لمي من ذوي القرابة .وفي رواية :وسهما لمه
سيهم ذوي القربيى .وخرج عين بشيير بين عمرو بين محصين قال :أسيهم رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم لفرسي أربعة أسهم ،ولي سهما ،فأخذت خمسة أسهم .وقيل إن ذلك راجع إلى اجتهاد المام،
فينفذ ما رأى .وال أعلم.
@ ل يفاضيل بيين الفارس والراجيل بأكثير مين فرس واحيد ،وبيه قال الشافعيي .وقال أبيو حنيفية:
يسهم لكثر من فرس واحد ،لنه أكثر عنا وأعظم منفعة ،وبه قال ابن الجهم من أصحابنا ،ورواه
سيحنون عين ابين وهيب .ودليلنيا أنيه لم ترد روايية عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم بأن يسيهم لكثير
مين فرس واحيد ،وكذلك الئمية بعده ،ولن العدو ل يمكين أن يقاتيل إل على فرس واحيد ،وميا زاد
على ذلك فرفاهييية وزيادة عدة ،وذلك ل يؤثيير فييي زيادة السييهمان ،كالذي معييه زيادة سيييوف أو
رماح ،واعتبارا بالثالث والرابييع .وقييد روي عيين سييليمان بيين موسييى أنييه يسييهم لميين كان عنده
أفراس ،لكل فرس سهم.
@ ل يسهم إل للعتاق من الخيل ،لما فيها من الكر والفر ،وما كان من البراذين والهجن بمثابتها
في ذلك .وما لم يكن كذلك لم يسهم له .وقيل :إن أجازهم المام أسهم لها ،لن النتفاع بها يختلف
بحسب الموضع ،فالهجن والبراذين تصلح للمواضع المتوعرة كالشعاب والجبال ،والعتاق تصلح
للمواضع التي يتأتى فيها الكر والفر ،فكان ذلك متعلقا برأي المام .والعتاق :خيل العرب .والهجن
والبراذين :خيل الروم.
@ واختلف علماؤنا في الفرس الضعيف ،فقال أشهب وابن نافع :ل يسهم له ،لنه ل يمكن القتال
علييه فأشبيه الكسيير .وقييل :يسيهم له لنيه يرجيى برؤه .ول يسيهم للعجيف إذا كان فيي حييز ميا ل
ينتفع به ،كما ل يسهم للكسير .فأما المريض مرضا خفيفا مثل الرهيص ،وما يجري مجراه مما ل
يمنعييه المرض عيين حصييول المنفعيية المقصييودة منييه فإنييه يسييهم له .ويعطييى الفرس المسييتعار
والمسيتأجر ،وكذلك المغصيوب ،وسيهمه لصياحبه .ويسيتحق السيهم للخييل وإن كانيت فيي السيفن
ووقعت الغنيمة في البحر ،لنها معدة لنزول إلى البر.
@ ل حيق فيي الغنائم للحشوة كالجراء والصيناع الذيين يصيحبون الجييش للمعاش ،لنهيم لم
يقصيدوا قتال ول خرجوا مجاهديين .وقييل :يسيهم لهيم ،لقوله صيلى ال علييه وسيلم( :الغنيمية لمين
شهيد الوقعية) .أخرجيه البخاري .وهذا ل حجية فييه لنيه جاء بيانيا لن باشير الحرب وخرج إلييه،
وكفى ببيان ال عز وجل المقاتلين وأهل المعاش من المسلمين حيث جعلهم فرقتين متميزتين ،لكل
واحدة حالهييا فييي حكمهييا ،فقال" :علم أن سيييكون منكييم مرضييى وآخرون يضربون فييي الرض
يبتغون مين فضيل ال وآخرون يقاتلون فيي سيبيل ال" [المزميل ]20 :إل أن هؤلء إذا قاتلوا ل
يضرهيم كونهيم على معاشهيم ،لن سيبب السيتحقاق قيد وجيد منهيم .وقال أشهيب :ل يسيتحق أحيد
منهم وإن قاتل ،وبه قال ابن القصار في الجير :ل يسهم له وإن قاتل .وهذا يرده حديث سلمة بن
الكوع قال :كنت تبيعا لطلحة بن عبيدال أسقي فرسه وأحسه وأخدمه وأكل من طعامه ،الحديث.
وفيه :ثيم أعطانيي رسول ال صيلى ال عليه وسلم سيهمين ،سيهم الفارس وسهم الراجل ،فجمعهميا
لي .خرجييه مسييلم .واحتييج ابيين القصييار وميين قال بقول بحديييث عبدالرحميين بيين عوف ،ذكره
عبدالرزاق ،وفييه :فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لعبدالرحمين( :هذه الثلثية الدنانيير حظيه
ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته).
@ فأميا العبييد والنسياء فمذهيب الكتاب أنيه ل يسيهم لهيم ول يرضيخ .وقييل :يرضيخ لهيم ،وبيه قال
جمهور العلماء .وقال الوزاعيي :إن قاتلت المرأة أسيهم لهيا .وزعيم أن رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم أسهم للنساء يوم خيبر .قال :وأخذ المسلمون بذلك عندنا .وإلى هذا القول مال ابن حبيب من
أصحابنا .خرج مسلم عن ابن عباس أنه كان في كتابه إلى نجدة :تسألني هل كان رسول ال صلى
ال عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة ،وأما بسهم
فلم يضرب لهين .وأميا الصيبيان فإن كان مطيقيا للقتال ففييه عندنيا ثلثية أقوال :السيهام ونفييه حتيى
يبلغ ،لحديث ابن عمر ،وبه قال أبو حنيفة والشافعي .والتفرقة بين أن يقاتل فيسهم له أو يقاتل فل
يسهم له .والصحيح الول ،لمر رسول ال صلى ال عليه وسلم في بني قريظة أن يقتل منهم من
أنبييت ويخلي منهييم ميين لم ينبييت .وهذه مراعاة لطاقيية القتال ل للبلوغ .وقييد روى أبييو عميير فييي
الستيعاب عن سمرة بن جندب قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعرض عليه الغلمان من
النصار فيلحق من أدرك منهم ،فعرضت عليه عاما فألحيق غلما وردني ،فقلت :يا رسول ال،
ألحقته ورددتني ،ولو صارعني صرعته قال :فصارعني فصرعته فألحقني .وأما العبيد فل يسهم
لهم أيضا ويرضخ لهم.
@ الكافر إذا حضر بإذن المام وقاتل ففي السهام له عندنا ثلثة أقوال :السهام ونفيه ،وبه قال
مالك وابين القاسيم .زاد ابين حيبيب :ول نصييب لهيم .ويفرق فيي الثالث -وهيو لسيحنون -بيين أن
يسيتقل المسيلمون بأنفسيهم فل يسيهم له ،أو ل يسيتقلوا ويفتقروا إلى معونتيه فيسيهم له .فإن لم يقاتيل
فل يسييتحق شيئا .وكذلك العبيييد مييع الحرار .وقال الثوري والوزاعييي :إذا اسييتعين بأهييل الذميية
أسيهم لهيم .وقال أبيو حنيفية وأصيحابه :ل يسيهم لهيم ،ولكين يرضيخ لهيم .وقال الشافعيي رضيي ال
عنيه :يسيتأجرهم المام مين مال ل مالك له بعينيه .فإن لم يفعيل أعطاهيم سيهم النيبي صيلى ال علييه
وسلم .وقال في موضع آخر :يرضخ للمشركين إذا قاتلوا مع المسلمين .قال أبو عمر :اتفق الجميع
أن العبد ،وهو ممن يجوز أمانه ،إذا قاتل لم يسهم له ولكن يرضخ ،فالكافر بذلك أولى أل يسهم له.
@ لو خرج العبيد وأهيل الذمية لصيوصا وأخذوا مال أهيل الحرب فهيو لهيم ول يخميس ،لنيه لم
يدخيل فيي عموم قوله عيز وجيل" :وأعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه" أحيد منهيم ول مين
النسياء .فأميا الكفار فل مدخيل لهيم مين غيير خلف .وقال سيحنون .ل يخميس ميا ينوب العبيد .وقال
ابن القاسم :يخمس ،لنه يجوز أن يأذن له سيده في القتال ويقاتل على الدين ،بخلف الكافر .وقال
أشهب في كتاب محمد :إذا خرج العبد والذمي من الجيش وغنما فالغنيمة للجيش دونهم.
@ سيبب اسيتحقاق السيهم شهود الوقعية لنصير المسيلمين ،على ميا تقدم .فلو شهيد آخير الوقعية
استحق .ولو حضر بعد انقضاء القتال فل .ولو غاب بانهزام فكذلك .فإن كان قصد التحيز إلى فئة
فل يسيقط اسيتحقاقه .روى البخاري وأبيو داود أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بعيث أبان بين
سعيد على سرية من المدينة قبل نجد ،فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول ال صلى ال عليه
وسلم بخيبر بعد أن فتحها ،وإن حزم خيلهم ليف ،فقال أبان :اقسم لنا يا رسول ال .قال أبو هريرة:
فقلت ل تقسييم لهييم يييا رسييول ال .فقال أبان :أنييت بهييا يييا وبرا تحدر علينييا ميين رأس ضال .فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اجلس يا أبان) ولم يقسم لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم.
@ واختلف العلماء فيمين خرج لشهود الوقعية فمنعيه العذر منيه كمرض ،ففيي ثبوت السيهام له
ونفيييه ثلثيية أقوال :يفرق فييي الثالث ،وهييو المشهور ،فيثبتييه إن كان الضلل قبييل القتال وبعييد
الدراب ،وهيو الصيح ،قاله ابين العربيي .وينفييه إن كان قبله .وكمين بعثيه الميير مين الجييش فيي
أمير مين مصيلحة الجييش فشغله ذلك عين شهود الوقعية فإنيه يسيهم له ،قاله ابين المواز ،ورواه ابين
وهيب وابين نافيع عين مالك .وروي ل يسيهم له بيل يوضيخ له لعدم السيبب الذي يسيتحق بيه السيهم،
وال أعلم .وقال أشهيب :يسيهم للسيير وإن كان فيي الحدييد .والصيحيح أنيه ل يسيهم له ،لنيه ملك
مستحق بالقتال ،فمن غاب أو حضر مريضا كمن لم يحضر.
@ الغائب المطلق ل يسهم له ،ولم يسهم رسول ال صلى ال عليه وسلم لغائب قط إل يوم خيبر،
فإنه أسهم لهل الحديبية من حضر منهم ومن غاب ،لقول ال عز وجل" :وعدكم ال مغانم كثيرة
تأخذونها" [الفتح ،]20 :قاله موسى بن عقبة .وروي ذلك عن جماعة من السلف .وقسم يوم بدر
لعثمان ولسيعيد بين زييد وطلحية ،وكانوا غائبيين ،فهيم كمين حضرهيا إن شاء ال تعالى .فأميا عثمان
فإنيه تخلف على رقيية بنيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بأمره مين أجيل مرضهيا .فضرب له
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بسيهمه وأجره ،فكان كمين شهدهيا .وأميا طلحية بين عيبيدال فكان
بالشام فيي تجارة فضرب له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بسيهمه وأجره ،فيعيد لذلك فيي أهيل
بدر .وأما سعيد بن زيد فكان غائبا بالشام أيضا فضرب له رسول ال صلى ال عليه وسلم بسهمه
وأجره .فهو معدود في البدريين .قال ابن العربي :أما أهل الحديبية فكان ميعادا من ال اختص به
أولئك النفير فل يشاركهيم فييه غيرهيم .وأميا عثمان وسيعيد وطلحية فيحتميل أن يكون أسيهم لهيم مين
الخمس ،لن المة مجمعة على أن من بقي لعذر فل يسهم له.
قلت :الظاهير أن ذلك مخصيوص بعثمان وطلحية وسيعيد فل يقاس عليهيم غيرهيم .وأن سيهمهم
كان مين صيلب الغنيمية كسيائر مين حضرهيا ل مين الخميس .هذا الظاهير مين الحادييث وال أعلم.
وقيد روى البخاري عين ابين عمير قال :لميا تغييب عثمان عين بدر فإنيه كان تحتيه ابنية رسيول ال
صلى ال عليه وسلم وكانت مريضة ،فقال له النبي صلى ال عليه وسلم( :إن لك أجر رجل ممن
شهد بدرا وسهمه).
@قوله تعالى" :إن كنتم آمنتم بال" قال الزجاج عن فرقة :المعنى فأعلموا أن ال مولكم إن كنتم،
فيي (إن) متعلقية بهذا الوعيد .وقالت فرقية :إن (إن) متعلقيية بقوله "وأعلموا أنمييا غنمتييم" .قال ابين
عطييية :وهذا هييو الصييحيح ،لن قوله "واعلموا" يتضميين الميير بالنقياد والتسييليم لميير ال فييي
الغنائم ،فعلق (إن) بقوله" :واعلموا" على هذا المعنييى ،أي إن كنتييم مؤمنييين بال فانقادوا وسييلموا
لمر ال فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة.
@قوله تعالى" :وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" (ما) في موضع خفض عطف على اسم ال
"يوم الفرقان" أي اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل ،وهو يوم بدر" .يوم التقى الجمعان"
حزب ال وحزب الشيطان.
**3اليية{ 42 :إذ أنتيم بالعدوة الدنييا وهيم بالعدوة القصيوى والركيب أسيفل منكيم ولو تواعدتيم
لختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي ال أمرا كان مفعول ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة وإن ال لسميع عليم}
@قوله تعالى" :إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" أي أنزلنا إذ أنتم على هذه الصفة .أو
يكون المعنيى :واذكروا إذ أنتيم .والعدوة :جانيب الوادي .وقرئ بضيم العيين وكسيرها ،فعلى الضيم
يكون الجميع عدى ،وعلى الكسير عدى ،مثيل لحيية ولحيى ،وفريية وفرى .والدنييا :تأنييث الدنيى.
والقصوى :تأنيث القصى .من دنا يدنو ،وقصا يقصو .ويقال :القصيا ،والصل الواو ،وهي لغة
أهيل الحجاز قصيوى .فالدنييا كانيت مميا يلي المدينية ،والقصيوى مميا يلي مكية .أي إذ أنتيم نزول
بشفير الوادي بالجانب الدنى إلى المدينة ،وعدوكم بالجانب القصى" .والركب أسفل منكم" يعني
ركيب أبيي سيفيان وغيره .كانوا فيي موضيع أسيفل منهيم إلى سياحل البحير فييه المتعية .وقييل :هيي
البيل التيي كانيت تحميل أمتعتهيم ،وكانيت فيي موضيع يأمنون عليهيا توفيقيا مين ال عيز وجيل لهيم،
فذكرهم نعمه عليهم" .الركب" ابتداء "أسفل منكم" ظرف في موضع الخبر .أي مكانا أسفل منكم.
وأجاز الخفييش والكسييائي والفراء "والركييب أسييفل منكييم" أي أشييد تسييفل منكييم .والركييب جمييع
راكيب .ول تقول العرب :ركيب إل للجماعية الراكيبي البيل .وحكيى ابين السيكيت وأكثير أهيل اللغية
أنييه ل يقال راكييب وركييب إل للذي على البييل ،ول يقال لميين كان على فرس أو غيرهييا راكييب.
والركيب والركيب والركبان والراكبون ل يكونون إل على جمال ،عين ابين فارس" .ولو تواعدتيم
لختلفتم في الميعاد" أي لم يكن يقع التفاق لكثرتهم وقلتكم ،فإنكم لو عرفتم كثرتهم لتأخرتم فوفق
ال عز وجل لكم" .ليقضي ال أمرا كان مفعول ليهلك" من نصر المؤمنين وإظهار الدين .واللم
في (ليقضي) متعلقة بمحذوف .والمعنى :جمعهم ليقضي ال ،ثم كررها فقال" :يهلك" أي جمعهم
هنالك ليقضيي أمرا" .مين هلك "(مين) فيي موضيع رفيع( .ويحييا) فيي موضيع نصيب عطيف على
ليهلك .والبينية إقامية الحجية والبرهان .أي ليموت مين يموت عين بينية رآهيا وعيبرة عاينهيا ،فقاميت
عليه الحجة .وكذلك حياة من يحيا .وقال ابن إسحاق :ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت
عذره ،ويؤمين مين آمين على ذلك .وقرئ "مين حييي" بياءيين على الصيل .وبياء واحدة مشددة،
الولى قراءة أهل المدينة والبزي وأبي بكر .والثانية قراءة الباقين ،وهي اختيار أبي عبيد ،لنها
كذلك وقعت في المصحف.
**3اليتان{ 44 - 43 :إذ يريكهم ال في منامك قليل ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في
المر ولكن ال سلم إنه عليم بذات الصدور ،وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل ويقللكم في
أعينهم ليقضي ال أمرا كان مفعول وإلى ال ترجع المور}
@قوله تعالى" :إذ يريكهم ال في منامك قليل ولو أراكهم كثيرا" قال مجاهد :رآهم النبي صلى
ال عليه وسلم في منامه قليل ،فقص ذلك على أصحابه ،فثبتهم ال بذلك .وقيل :عني بالمنام محل
النوم وهيو العيين ،أي فيي موضيع مناميك ،فحذف ،عين الحسين .قال الزجاج :وهذا مذهيب حسين،
ولكن الولى أسوغ في العربية ،لنه قد جاء "وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل ويقللكم في
أعينهيم" فدل بهذا على أن هذه رؤيية اللتقاء ،وأن تلك رؤيية النوم .ومعنيى "لفشلتيم" لجبنتيم عين
الحرب" .ولتنازعتم في المر" اختلفتم" .ولكن ال سلم" أي سلمكم من المخالفة .ابن عباس :من
الفشل .ويحتمل منهما .وقيل :سلم أي أتم أمر المسلمين بالظفر.
@قوله تعالى" :وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل" هذا في اليقظة .يجوز حمل الولى على
اليقظة أيضا إذا قلت :المنام موضع النوم ،وهو العين ،فتكون الولى على هذا خاصة بالنبي صلى
ال علييه وسيلم ،وهذه للجمييع .قال ابين مسيعود :قلت لنسيان كان بجانيبي يوم بدر :أتراهيم سيبعين؟
فقال :هم نحو المائة .فأسرنا رجل فقلنا :كم كنتم ؟ فقال :كنا ألفا" .ويقللكم في أعينهم" كان هذا في
ابتداء القتال حتييى قال أبييو جهييل فييي ذلك اليوم :إنمييا هييم أكلة جزور ،خذوهييم أخذا واربطوهييم
بالحبال .فلميا أخذوا فيي القتال عظيم المسيلمون فيي أعينهيم فكثروا ،كميا قال" :يرونهيم مثليهيم رأي
العين" [آل عمران ]13 :بيانه" .ليقضي ال أمرا كان مفعول" تكرر هذا ،لن المعنى في الول
من اللقاء ،وفي الثاني من قتل المشركين وإعزاز الدين ،وهو إتمام النعمة على المسلمين" .وإلى
ال ترجع المور" أي مصيرها ومردها إليه.
**3الية{ 45 :يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا لقيتيم فئة" أي جماعية "فاثبتوا" أمير بالثبات عنيد قتال
الكفار ،كميا فيي اليية قبلهيا النهيي عين الفرار عنهيم ،فالتقيى المير والنهيي على سيواء .وهذا تأكييد
على الوقوف للعدو والتجلد له.
@قوله تعالى" :واذكروا ال كثيرا لعلكيم تفلحون" للعلماء فيي هذا الذكير ثلثية أقوال :الول:
اذكروا ال عنييد جزع قلوبكييم ،فإن ذكره يعييين على الثبات فييي الشدائد .الثانييي :اثبتوا بقلوبكييم،
واذكروه بألسنتكم ،فإن القلب ل يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان ،فأمر بالذكر حتى يثبت القلب
على اليقيين ،ويثبيت اللسيان على الذكير ،ويقول ميا قاله أصيحاب طالوت" :ربنيا أفرغ علينيا صيبرا
وثبيت أقدامنيا وانصيرنا على القوم الكافريين" [البقرة .]250 :وهذه الحالة ل تكون إل عين قوة
المعرفية ،واتقاد البصييرة ،وهيي الشجاعية المحمودة فيي الناس .الثالث :اذكروا ميا عندكيم مين وعيد
ال لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم.
قلت :والظهير أنيه ذكير اللسيان الموافيق للجنان .قال محميد بين كعيب القرظيي :لو رخيص لحيد
فيي ترك الذكير لرخيص لزكرييا ،يقول ال عيز وجيل" :أل تكلم الناس ثلثية أيام إل رمزا واذكير
ربك كثيرا" [آل عمران .]41 :ولرخص للرجل يكون في الحرب ،يقول ال عز وجل" :إذا لقيتم
فئة فاثبوا واذكروا ال كثيرا" .وقال قتادة :افترض ال جيييل وعيييز ذكره على عباده ،أشغيييل ميييا
يكونون عنيد الضراب بالسييوف .وحكيم هذا الذكير أن يكون خفييا ،لن رفيع الصيوت فيي مواطين
القتال ردييء مكروه إذا كان الذاكير واحدا .فأميا إذا كان مين الجمييع عنيد الحملة فحسين ،لنيه يفيت
في أعضاد العدو .وروى أبو داود عن قيس بن عباد قال :كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسيلم يكرهون الصوت عند القتال .وروى أبيو بردة عن أبيه عن النبي صلى ال عليه وسلم مثل
ذلك .قال ابيين عباس :يكره التلثييم عنييد القتال .قال ابيين عطييية :وبهذا وال أعلم اسييتن المرابطون
بطرحه عند القتال على صيانتهم به.
**3الية{ 46 :وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن ال مع
الصابرين}
@قوله تعالى" :وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا" هذا استمرار على الوصية لهم ،والخذ على
أيديهيم فييي اختلفهيم فيي أم بدر وتنازعهيم" .فتفشلوا" نصيب بالفاء فييي جواب النهيي .ول يجييز
سييبويه حذف الفاء والجزم وأجازه الكسيائي .وقرئ "تفشلوا" بكسير الشيين .وهيو غيير معروف.
"وتذهيب ريحكيم" أي قوتكيم ونصيركم ،كميا تقول :الرييح لفلن ،إذا كان غالبيا فيي المير قال
الشاعر:
فإن لكل خافقة سكون إذا هبت رياحك فاغتنم
وقال قتادة وابين زييد :إنيه لم يكين نصير قيط إل برييح تهيب فتضرب فيي وجوه الكفار .ومنيه قوله
علييه السيلم( :نصيرت بالصيبا وأهلكيت عاد بالدبور) .قال الحكيم" :وتذهيب ريحكيم" يعنيي الصيبا،
إذ بها نصير محميد عليه الصيلة والسيلم وأمته .وقال مجاهيد :وذهبيت ريح أصيحاب محمد صلى
ال عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد" .واصبروا إن ال مع الصابرين" أمر بالصبر ،وهو محمود
في كل المواطن وخاصة موطن الحرب ،كما قال" :إذا لقيتم فئة فاثبتوا".
**3اليية{ 47 :ول تكونوا كالذيين خرجوا من ديارهيم بطرا ورئاء الناس ويصيدون عن سيبيل
ال وال بما يعملون محيط}
@ يعنييي أبييا جهييل وأصييحابه الخارجييين يوم بدر لنصييرة العييير .خرجوا بالقيان والمغنيات
والمعازف ،فلما وردوا الجحفة بعث خفاف الكناني -وكان صديقا لبي جهل -بهدايا إليه مع ابن
له ،وقال :إن شئت أمددتيك بالرجال ،وإن شئت أمددتيك بنفسيي ميع مين خيف مين قوميي .فقال أبيو
جهل :إن كنا نقاتل ال كما يزعم محمد ،فوال ما لنا بال من طاقة .وإن كنا نقاتل الناس فوال إن
بنيا على الناس لقوة ،وال ل نرجيع عين قتال محميد حتيى نرد بدرا فنشرب فيهيا الخمور ،وتعزف
علينا القيان ،فإن بدرا موسم من مواسم العرب ،وسوق من أسواقهم ،حتى تسمع العرب بمخرجنا
فتهابنا آخر البد .فوردوا بدرا ولكن جرى ما جرى من هلكهم .والبطر في اللغة :التقوية بنعم ال
عز وجل وما ألبسه من العافية على المعاصي .وهو مصدر في موضع الحال .أي خرجوا بطرين
مرائين صادين .وصدهم إضلل الناس.
**3الية{ 48 :وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
فلميا تراءت الفئتان نكيص على عقيبيه وقال إنيي برييء منكيم إنيي أرى ميا ل ترون إنيي أخاف ال
وال شديد العقاب}
@قوله تعالى" :وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
فلمييا تراءت الفئتان نكييص على عقييبيه وقال إنييي بريييء منكييم إنييي أرى مييا ل ترون" روي أن
الشيطان تمثل لهم يومئذ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ،وهو من بني بكر بن كنانة ،وكانت
قرييش تخاف مين بنيي بكير أن يأتوهيم مين ورائهيم ،لنهيم قتلوا رجل منهيم .فلميا تمثيل لهيم قال ميا
أخبر ال به عنه .وقال الضحاك :جاءهم إبليس يوم بدر برايته وجنوده ،وألقى في قلوبهم أنهم لن
يهزموا وهيم يقاتلون على ديين آبائهيم .وعين ابين عباس قال :أميد ال نيبيه محمدا صيلى ال علييه
وسيلم والمؤمنيين بألف مين الملئكية ،فكان جبرييل علييه السيلم فيي خمسيمائة مين الملئكية مجنبية،
وميكائييل فيي خمسيمائة مين الملئكية مجنبية .وجاء إبلييس فيي جنيد مين الشياطيين ومعيه رايية فيي
صييورة رجال ميين بنييي مدلج ،والشيطان فييي صييورة سييراقة بيين مالك بيين جعشييم .فقال الشيطان
للمشركيين :ل غالب لكيم اليوم مين الناس وإنيي جار لكيم ،فلميا اصيطف القوم قال أبيو جهيل :اللهيم
أولنيا بالحيق فأنصيره .ورفيع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يده فقال( :ييا رب إنيك تهلك هذه
العصابة فلن تعبد في الرض أبدا) .فقال جبريل( :خذ قبضة من التراب) فأخذ قبضة من التراب
فرميى بهيا وجوههيم ،فميا مين المشركيين مين أحيد إل أصياب عينيه ومنخرييه وفميه .فولوا مدبريين،
وأقبل جبريل عليه السلم إلى إبليس فلما رآه كانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده
ثم ولى مدبرا وشيعته ،فقال له الرجل :يا سراقة ،ألم تزعم أنك لنا جار ،قال :إني بريء منكم إني
أرى ميا ل ترون .ذكره البيهقيي وغيره .وفيي موطيأ مالك عين إبراهييم بين أبيي عبلة عين طلحية بين
عيبيدال بين كرييز أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :ميا رأى الشيطان نفسيه يوميا هيو فييه
أصيغر ول أدحر ول أغييظ منيه في يوم عرفة وميا ذاك إل لميا رأى من تنزل الرحمية وتجاوز ال
عين الذنوب العظام إل ميا رأى يوم بدر) قييل :وميا رأى يوم بدر ييا رسيول ال؟ قال (أميا إنيه رأى
جبريل يزع الملئكة) .ومعنى نكص :رجع بلغة سليم ،عن مؤرج وغيره .وقال الشاعر:
إن المكارم إقدام على السل ليس النكوص على الدبار مكرمة
وقال آخر:
ول ضر أهل السابقات التقدم وما ينفع المستأخرين نكوصهم
ولييس ههنيا قهقرى بيل هيو فرار ،كميا قال( :إذا سيمع الذان أدبر وله ضراط)" .إنيي أخاف ال"
قيل :خاف إبليس أن يكون يوم بدر اليوم الذي أنظر إليه .وقيل :كذب إبليس في قوله" :إني أخاف
ال" ولكن علم أنه ل قوة له .ويجمع جار على أجوار وجيران ،وفي القليل جيرة.
**3الية{ 49 :إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلء دينهم ومن يتوكل على
ال فإن ال عزيز حكيم}
@ قييل :المنافقون :الذيين أظهروا اليمان وأبطنوا الكفير .والذيين فيي قلوبهيم مرض :الشاكون،
وهيم دون المنافقيين ،لنهيم حديثيو عهيد بالسيلم ،وفيهيم بعيض ضعيف نيية .قالوا عنيد الخروج إلى
القتال وعند التقاء الصيفين :غر هؤلء دينهيم .وقييل :هما واحد ،وهو أولى .أل ترى إلى قوله عز
وجيل" :الذيين يؤمنون بالغييب" [البقرة ]3 :ثيم قال "والذيين يؤمنون بميا أنزل إلييك" [البقرة]4 :
وهما لواحد.
**3اليتان{ 51 - 50 :ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم
وذوقوا عذاب الحريق ،ذلك بما قدمت أيديكم وأن ال ليس بظلم للعبيد}
@ قييل :أراد مين بقيي ولم يقتيل يوم بدر .وقييل :هيي فيمين قتيل ببدر .وجواب "لو" محذوف،
تقديره :لرأييت أمرا عظيميا" .يضربون" فيي موضيع الحال" .وجوههيم وأدبارهيم" أي أسيتاههم،
كنيى عنهيا بالدبار ،قاله مجاهيد وسيعيد بين جيبير .الحسين :ظهورهيم ،وقال :إن رجل قال لرسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم :ييا رسيول ال ،إنيي رأييت بظهير أبيي جهيل مثيل الشراك؟ قال( :ذلك
ضرب الملئكة) .وقيل :هذا الضرب يكون عند الموت .وقد يكون يوم القيامة حين يصيرون بهم
إلى النار" .وذوقوا عذاب الحرييق" قال الفراء :المعنيى ويقولون ذوقوا ،فحذف .وقال الحسين :هذا
يوم القيامة ،تقول لهم خزنة جهنم :ذوقوا عذاب الحريق .وروي أن في بعض التفاسير أنه كان مع
الملئكية مقاميع مين حدييد ،كلميا ضربوا التهبيت النار فيي الجراحات ،فذلك قوله" :وذوقوا عذاب
الحرييق" .والذوق يكون محسيوسا ومعنيى .وقيد يوضيع موضيع البتلء والختبار ،تقول :اركيب
هذا الفرس فذقه .وأنظر فلنا فذق ما عنده .قال الشماخ يصف فرسا:
كفى ولها أن يغرق السهم حاجز فذاق فأعطته من اللين جانبا
وأصيله مين الذوق بالفيم" .ذلك" فيي موضيع رفيع؛ أي المير ذلك .أو "ذلك" جزاؤكيم" .بميا قدميت
أيديكم" أي اكتسبتم من الثام" .وأن ال ليس بظلم للعبيد" إذ قد أوضح السبيل وبعث الرسل ،فلم
خالفتيم؟" .وأن" فيي موضيع خفيض عطيف على "ميا" وإن شئت نصيبت ،بمعنيى وبأن ،وحذفيت
الباء .أو بمعنى :وذلك أن ال .ويجوز أن يكون في موضع رفع نسقا على ذلك.
**3الية{ 52 :كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات ال فأخذهم ال بذنوبهم إن ال
قوي شديد العقاب}
@ الدأب العادة .وقد تقدم في "آل عمران" .أي العادة في تعذيبهم عند قبض الرواح وفي القبور
كعادة آل فرعون .وقييل :المعنيى جوزي هؤلء بالقتيل والسيبي كميا جوزي آل فرعون بالغرق .أي
دأبهم كدأب آل فرعون.
**3الية{ 53 :ذلك بأن ال لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن ال
سميع عليم}
@ تعليل .أي هذا العقاب ،لنهم غيروا وبدلوا ،ونعمة ال على قريش الخصب والسعة ،والمن
والعافيية" .أولم يروا أنيا جعلنيا حرميا آمنيا ويتخطيف الناس مين حولهيم" [العنكبوت ]67:اليية.
وقال السييدي :نعميية ال عليهييم محمييد صييلى ال عليييه وسييلم فكفروا بييه ،فنقييل إلى المدينيية وحييل
بالمشركين العقاب.
**3الية{ 54 :كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا
آل فرعون وكل كانوا ظالمين}
@ ليس هذا بتكرير ،لن الول للعادة في التكذيب ،والثاني للعادة في التغيير ،وباقي الية بين.
**3اليتان{ 56 - 55 :إن شر الدواب عند ال الذين كفروا فهم ل يؤمنون ،الذين عاهدت منهم
ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ل يتقون}
@قوله تعالى" :إن شر الدواب عند ال" أي من يدب على وجه الرض في علم ال وحكمه.
@قوله تعالى" :الذيين كفروا فهيم ل يؤمنون" نظيره "الصيم البكيم الذيين ل يعقلون" [النفال:
.]22ثم وصفهم فقال" :الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ل يتقون" أي ل
يخافون النتقال" .وميين" فييي قوله "منهييم" للتبعيييض ،لن العهييد إنمييا يجري مييع أشرافهييم ثييم
ينقصيونه .والمعنيي بهيم قريظية والنضيير ،فيي قول مجاهيد وغيره .نقضوا العهيد فأعانوا مشركيي
مكة بالسلح ،ثم اعتذروا فقالوا :نسينا ،فعاهدهم عليه السلم ثانية فنقضوا يوم الخندق.
**3الية{ 57 :فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون}
@قوله تعالى" :فإما تثقفنهم في الحرب" شرط وجوابه .ودخلت النون توكيدا لما دخلت ما ،هذا
قول البصيريين .وقال الكوفيون :تدخيل النون الثقيلة والخفيفية ميع "إميا" فيي المجازاة للفرق بيين
المجازاة والتخييير .ومعنيى "تثقفنهيم" تأسيرهم وتجعلهيم فيي ثقاف ،أو تلقاهيم بحال ضعيف ،تقدر
عليهييم فيهييا وتغلبهييم .وهذا لزم ميين اللفييظ؛ لقول" :فييي الحرب" .وقال بعييض الناس :تصييادفنهم
وتلقاهم .يقال :ثقفته أثقفه ثقفا ،أي وجدته .وفلن ثقف لقف أي سريع الوجود لما يحاوله ويطلبه.
وثقييف لقييف .وامرأة ثقاف .والقول الول أولى؛ لرتباطييه بالييية كمييا بينييا .والمصييادف قييد يغلب
فيمكن التشريد به ،وقد ل يغلب .والثقاف في اللغة :ما يشد به القناة ونحوها .ومنه قول النابغة:
عض الثقاف على صم النابيب تدعو قعينا وقد عض الحديد بها
@قوله تعالى" :فشرد بهيم مين خلفهيم" قال سيعيد بين جيبير :المعنيى أنذر بهيم مين خلفهيم .قال أبيو
عبييد :هيي لغية قرييش ،شرد بهيم سيمع بهيم .وقال الضحاك :نكيل بهيم .الزجاج :افعيل بهيم فعل مين
القتل تفرق به من خلفهم .والتشريد في اللغة :التبديد والتفريق ،يقال :شردت بني فلن قلعتهم عن
مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها .وكذلك الواحد ،تقول :تركته شريدا عن وطنه وأهله .قال
الشاعر من هذيل:
مخافة أن يشرد بي حكيم أطوف في الباطح كل يوم
ومنيه شرد البعيير والدابية إذا فارق صياحبه .و"مين" بمعنيى الذي ،قال الكسيائي .وروي عين ابين
مسيعود "فشرذ" بالذال المعجمية ،وهميا لغتان .وقال قطرب :التشرييذ (بالذال المعجمية) التنكييل.
وبالدال المهملة التفريييق ،حكاه الثعلبييي .وقال المهدوي :الذال ل وجييه لهييا ،إل أن تكون بدل ميين
الدال المهملة لتقاربهمييا ،ول يعرف فييي اللغيية "فشرذ" .وقرئ "ميين خلفهييم" بكسيير الميييم والفاء.
"لعلهيم يذكرون" أي يتذكرون بوعدك إياهيم .وقييل :هذا يرجيع إلى مين خلفهيم ،لن مين قتيل ل
يتذكر أي شرد بهم من خلفهم من عمل بمثل عملهم.
**3الية{ 58 :وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن ال ل يحب الخائنين}
@قوله تعالى" :وإما تخافن من قوم خيانة" أي غشا ونقضا للعهد" .فانبذ إليهم على سواء" وهذه
الية نزلت في بني قريظة وبني النضير .وحكاه الطبري عن مجاهد .قال ابن عطية :والذي يظهر
فيي ألفاظ القرآن أن أم بني قريظة انقضى عند قول "فشرد بهم من خلفهم" ثم ابتدأ تبارك وتعالى
فيي هذه اليية بأمره فيميا يصينعه فيي المسيتقبل ميع مين يخاف منيه خيانية ،فتترتيب فيهيم هذه اليية.
وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته ،وإنما كانت خيانتهم ظاهرة مشهورة.
@ قال ابين العربيي :فإن قييل كييف يجوز نقيض العهيد ميع خوف الخيانية ،والخوف ظين ل يقيين
معه ،فكيف يسقط يقين العهد مع ظن الخيانة .فالجواب من وجهين :أحدهما -أن الخوف قد يأتي
بمعنييى اليقييين ،كمييا قييد يأتييي الرجاء بمعنييى العلم ،قال ال تعالى" :مييا لكييم ل ترجون ل وقارا"
[نوح .]13 :الثانيي -إذا ظهرت آثار الخيانية وثبتيت دلئلهيا ،وجيب نبيذ العهيد لئل يوقيع التمادي
عليه في الهلكة ،وجاز إسقاط اليقين هنا ضرورة .وأما إذا علم اليقين فيستغنى عن نبذ العهد إليهم،
وقد سار النبي صلى ال عليه وسلم إلى أهل مكة عام الفتح ،لما إذا اشتهر منهم نقض العهد من
غير أن ينبذ إليهم عهدهم .والنبذ :الرمي والرفض .وقال الزهري :معناه إذا عاهدت قوما فعلمت
منهم النقض بالعهد فل توقع بهم سابقا إلى النقض حتى تلقي إليهم أنك قد نقضت العهد والمواعدة،
فيكونوا في علم النقض مستويين ،ثم أوقع بهم .قال النحاس :هذا من معجز ما جاء في القرآن مما
ل يوجيد فيي الكلم مثله على اختصياره وكثرة معانييه .والمعنيى :وإميا تخافين مين قوم بينيك وبينهيم
عهيد خيانة فأنبيذ إليهيم العهيد ،أي قيل لهيم قيد نبذت إليكيم عهدكيم ،وأنيا مقاتلكيم ،ليعلموا ذلك فيكونوا
معيك فيي العلم سيواء ،ول تقاتلهيم وبينيك وبينهيم عهيد وهيم يثقون بيك ،فيكون ذلك خيانية وغدرا .ثيم
بين هذا بقوله" :إن ال ل يحب الخائنين".
قلت :ميا ذكره الزهري والنحاس مين إنباذ العهيد ميع العلم بنقضيه يرده فعيل النيبي صيلى ال
علييه وسيلم فيي فتيح مكية ،فإنهيم لميا نقضوا لم يوجيه إليهيم بيل قال( :اللهيم اقطيع خيبري عنهيم)
وغزاهم .وهو أيضا معنى الية ،لن في قطع العهد منهم ونكثه مع العلم به حصول نقض عهدهم
والسيتواء معهيم .فأميا ميع غيير العلم بنقيض العهيد منهيم فل يحيل ول يجوز .روى الترمذي وأبيو
داود عن سليم بن عامر قال :كان بين معاوية والروم عهد وكان يسير نحو بلدهم ليقرب حتى إذا
انقضيى العهيد غزاهيم ،فجاءه رجيل على فرس أو برذون وهيو يقول :ال أكيبر ،ال أكيبر ،وفاء ل
غدر ،فنظروا فإذا هو عمرو بن عنبسة ،فأرسل إليه معاوية فسأل فقال :سمعت رسول ال صلى
ال عليه وسلم يقول( :من كان بينه وبين قوم عهد فل يشد عقدة ول يحلها حتى ينقضي أمدها أو
ينبيذ إليهيم على سيواء) فرجيع معاويية بالناس .قال الترمذي :هذا حدييث حسين صيحيح .والسيواء:
المساواة والعتدال .وقال الراجز
حتى يجيبوك إلى السواء فاضرب وجوه الغدر العداء
وقال الكسيائي :السيواء العدل .وقيد يكون بمعنيى الوسيط ،ومنيه قوله تعالى" :فيي سيواء الجحييم"
[الصافات .]55 :ومنه قول حسان:
بعد المغيب في سواء الملحد يا ويح أصحاب النبي ورهطه
الفراء :ويقال "فانبذ إليهم على سواء" جهرا ل سرا.
@ روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :لكل غادر لواء
يوم القيامية يرفيع له بقدر غدره أل ول غادر أعظيم غدرا مين أميير عامية) .قال علماؤنيا رحمية ال
عليهيم :إنما كان الغدر فيي حيق المام أعظم وأفحيش منيه فيي غيره لما في ذلك مين المفسدة ،فإنميا
إذا غدروا وعلم ذلك منهيم ولم ينبذوا بالعهيد لم يأمنهيم العدو على عهيد ول صيلح ،فتشتيد شوكتيه
ويعظيم ضرره ،ويكون ذلك منفرا عين الدخول فيي الديين ،وموجبيا لذم أئمية المسيلمين .فأميا إذا لم
يكن للعدو عهد فينبغي أن يتحيل عليه بكل حيلة ،وتدار عليه كل خديعة .وعليه يحمل قوله صلى
ال علييه وسيلم( :الحرب خدعية) .وقيد اختلف العلماء هيل يجاهيد ميع المام الغادر ،على قوليين.
فذهيب أكثرهيم إلى أنيه ل يقاتيل معيه ،بخلف الخائن والفاسيق .وذهيب بعضهيم إلى الجهاد معيه.
والقولن في مذهبنا.
**3الية{ 59 :ول يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم ل يعجزون}
@قوله تعالى" :ول يحسبن الذين كفروا" أي من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة .ثم استأنف
فقال" :إنهيم ل يعجزون" أي فيي الدنييا حتيى يظفرك ال بهيم .وقييل :يعنيي فيي الخرة .وهيو قول
الحسين .وقرأ ابين عامير وحفص وحمزة "يحسيبن" بالياء والباقون بالتاء ،على أن يكون فيي الفعل
ضمير الفاعل .و"الذين كفروا" مفعول أول .و"سبقوا" مفعول ثان .وأما قراءة الياء فزعم جماعة
مين النحوييين منهيم أبيو حاتيم أن هذا لحين ل تحيل القراءة بيه ،ول تسيمع لمين عرف العراب أو
عرفه .قال أبو حاتم :لنه لم يأت لي "يحسبن" بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين .قال النحاس :وهذا
تحاميل شدييد ،والقراءة تجوز ويكون المعنيى :ول يحسيبن مين خلفهيم الذيين كفروا سيبقوا ،فيكون
الضميير يعود على ميا تقدم ،إل أن القراءة بالتاء أبيين .المهدوي :ومين قرأ بالياء احتميل أن يكون
فيي الفعيل ضميير النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،ويكون "الذيين كفروا سيبقوا" المفعوليين .ويجوز أن
يكون "الذيين كفروا" فاعل ،والمفعول الول محذوف ،المعنيى :ول يحسيبن الذيين كفروا أنفسيهم
سيبقوا .مكيي :ويجوز أن يضمير ميع سيبقوا أن ،فيسيد مسيد المفعوليين والتقديير :ول يحسيبن الذيين
كفروا أن سيبقوا ،فهيو مثيل "أحسيب الناس أن يتركوا" [العنكبوت ]2 :فيي سيد أن مسيد المفعوليين.
وقرأ ابن عامر "أنهم ل يعجزون" بفتح الهمزة .واستبعد هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد .قال أبو
عبييد :وإنميا يجوز على أن يكون المعنيى :ول تحسيبن الذيين كفروا أنهيم ل يعجزون .قال النحاس:
الذي ذكره أبو عبيد ل يجوز عند النحويين البصريين ،ل يجوز حسبت زيدا أنه خارج ،إل بكسر
اللف ،وإنما لم يجز لنه في موضع المبتدأ ،كما تقول :حسبت زيدا أبوه خارج ،ولو فتحت لصار
المعنى حسبت زيدا خروجه .وهذا محال ،وفيه أيضا من البعد أنه ل وجه لما قال يصح به معنى،
إل أن يجعيل "ل" زائدة ،ول وجيه لتوجييه حرف فيي كتاب ال عيز وجيل إلى التطول بغيير حجية
يجييب التسييليم لهييا .والقراءة جيدة على أن يكون المعنييى :لنهييم ل يعجزون .مكييي :فالمعنييى ل
يحسيبن الكفار أنفسيهم فأتوا لنهيم ل يعجزون ،أي ل يفوتون .فيي "أن" فيي موضيع نصيب بحذف
اللم ،أو فييي موضييع خفييض على إعمال اللم لكثرة حذفهييا مييع "أن" ،وهييو يروى عيين الخليييل
والكسيائي .وقرأ الباقون بكسير "إن" على السيتئناف والقطيع مميا قبله ،وهيو الختيار ،لميا فييه مين
معنى التأكيد ،ولن الجماعة عليه .وروي عن ابن محيصن أنه قرأ "ل يعجزون" بالتشديد وكسر
النون .النحاس :وهذا خطيأ مين وجهيين :أحدهميا أن معنيى عجزه ضعفيه وضعيف أمره .والخير -
أنه كان يجب أن يكون بنونين .ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه.
**3الية{ 60 :وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ال وعدوكم
وآخريين مين دونهيم ل تعلمونهيم ال يعلمهيم وميا تنفقوا مين شييء فيي سيبيل ال يوف إليكيم وأنتيم ل
تظلمون}
@قوله تعالى" :وأعدوا لهيم" أمير ال سيبحانه المؤمنيين بإعداد القوة للعداء بعيد أن أكيد تقدمية
التقوى .فإن ال سيبحانه لو شاء لهزمهيم بالكلم والتفيل فيي وجوههيم وبحفنية مين تراب ،كميا فعيل
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .ولكنيه أراد أن يبتلي بعيض الناس ببعيض بعلميه السيابق وقضائه
النافذ .وكلما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عدتك .قال ابن عباس :القوة
ههنا السلح والقسي .وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه
وسيلم وهيو على المنيبر يقول( :وأعدوا لهيم ميا اسيتطعتم مين قوة أل إن القوة الرميي أل إن القوة
الرمي أل إن القوة الرمي) .وهذا نص رواه عن عقبة أبو علي ثمامة بن شفي الهمداني ،وليس له
في الصحيح غيره .وحديث آخر في الرمي عن عقبة أيضا قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه
وسلم يقول( :ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم ال فل يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه) .وقال صلى ال
عليه وسلم( :كل شيء يلهو به الرجل باطل إل رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملعبته أهله فإنه من
الحيق) .ومعنيى هذا وال أعلم :أن كيل ميا يتلهيى بيه الرجيل مميا ل يفيده فيي العاجيل ول فيي الجيل
فائدة فهيو باطيل ،والعراض عنيه أولى .وهذه المور الثلثية فإنيه وإن كان يفعلهيا على أنيه يتلهيى
بها وينشط ،فإنها حق لتصالها بما قد يفيد ،فإن الرمي بالقوس وتأديب الفرس جميعا من معاون
القتال .وملعبة الهل قد تؤدي إلى ما يكون عنه ولد يوحد ال ويعبده ،فلهذا كانت هذه الثلثة من
الحق .وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى ال عليه وسلم:
(إن ال يدخيل ثلثية نفير الجنية بسيهم واحيد صيانعه يحتسيب فيي صينعته الخيير والراميي ومبله).
وفضل الرمي عظيم ومنفعته عظيمة للمسلمين ،ونكايته شديدة على الكافرين .قال صلى ال عليه
وسيلم( :ييا بنيي إسيماعيل ارموا فإن أباكيم كان رامييا) .وتعلم الفروسيية واسيتعمال السيلحة فرض
كفاييية .وقييد يتعييين" .وميين رباط الخيييل" وقرأ الحسيين وعمرو بيين دينار وأبييو حيوة "وميين ربييط
الخيل" بضم الراء والباء ،جمع رباط ،ككتاب وكتب قال أبو حاتم عن ابن زيد :الرباط من الخيل
الخمس فما فوقها ،وجماعته ربط .وهي التي ترتبط ،يقال منه :ربط يربط ربطا .وارتبط يرتبط
ارتباطا .ومربط الخيل ومرابطها وهي ارتباطها بإزاء العدو .قال الشاعر:
في الحرب إن ال خير موفق أمر الله بربطها لعدوه
وقال مكحول بن عبدال:
وأوصى بها ال النبي محمدا تلوم على ربط الجياد وحبسها
ورباط الخيييل فضييل عظيييم ومنزلة شريفيية .وكان لعروة البارقييي سييبعون فرسييا معدة للجهاد.
والمستحب منها الناث ،قال عكرمة وجماعة .وهو صحيح ،فإن النثى بطنها كنز وظهرها عز.
وفرس جبرييل كان أنثيى .وروى الئمية عين أبيي هريرة أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال:
(الخيل ثلثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر) الحديث .ولم يخص ذكرا من أنثى .وأجودها
أعظمهيا أجرا وأكثرهيا نفعيا .وقيد سيئل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم :أي الرقاب أفضيل؟ فقال:
(أغلها ثمنا وأنفسها عند أهلها) .وروى النسائي عن أبي وهب الجشمي -وكانت له صحبة -قال
قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :تسيموا بأسيماء النيبياء وأحيب السيماء إلى ال عيز وجيل
عبدال وعبدالرحمين وارتبطوا الخييل وامسيحوا بنواصييها وأكفالهيا وقلدوهيا ول تقلدوهيا الوتار
وعليكيم بكيل كمييت أغير محجيل أو أشقير أغير محجيل أو أدهيم أغير محجيل) .وروى الترمذي عين
أبي قتادة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :خير الخيل الدهم القرح الرثم ثم القرح المحجل
طلق اليميين فإن لم يكين أدهيم فكمييت على هذه الشيية) .ورواه الدارميي عين أبيي قتادة أيضيا ،أن
رجل قال :ييا رسول ال ،إني أرييد أن أشتري فرسا ،فأيهيا أشتري؟ قال( :اشتر أدهيم أرثيم محجل
طلق الييد اليمنيى أو مين الكمييت على هذه الشيية تغنيم وتسيلم) .وكان صيلى ال علييه وسيلم يكره
الشكال من الخيل .والشكال :أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى ،أو في يده
اليمنيى ورجله اليسيرى .خرجيه مسيلم عين أبيي هريرة رضيي ال عنيه .ويذكير أن الفرس الذي قتيل
عليه الحسين بن علي رضي ال عنهما كان أشكل.
@ فإن قييل :إن قوله "وأعدوا لهيم ميا اسيتطعتم مين قوة" كان يكفيي ،فلم خيص الرميي والخييل
بالذكر؟ قيل له :إن الخيل لما كانت أصل الحروب وأوزارها التي عقد الخير في نواصيها ،وهي
أقوى القوة وأشيد العدة وحصيون الفرسيان ،وبهيا يجال فيي الميدان ،خصيها بالذكير تشريفيا ،وأقسيم
بغبارهيا تكريميا .فقال" :والعاديات ضبحيا" [العاديات ]1 :اليية .ولميا كانيت السيهام مين أنجيع ميا
يتعاطى في الحروب والنكاية في العدو وأقربها تناول للرواح ،خصها رسول ال صلى ال عليه
وسيلم بالذكير لهيا والتنيبيه عليهيا .ونظيير هذا فيي التنزييل" ،وجبرييل وميكال" [البقرة ]98 :ومثله
كثير.
@ وقييد اسيتدل بعييض علمائنييا بهذه اليية على جواز وقييف الخييل والسييلح ،واتخاذ الخزائن
والخزان لها عدة للعداء .وقد اختلف العلماء في جواز وقف الحيوان كالخيل والبل على قولين:
المنيع ،وبيه قال أبيو حنيفية .والصيحة ،وبيه قال الشافعيي رضيي ال عنيه .وهيو أصيح ،لهذه اليية،
ولحديث ابن عمر في الفرس الذي حمل عليه في سبيل ال وقوله عليه السلم في حق خالد( :وأما
خالد فإنكيم تظلمون خالدا فإنيه قيد احتبيس أدراعيه وأعتاده فيي سيبيل ال) الحدييث .وميا روي أن
امرأة جعلت بعيرا في سبيل ال ،فأراد زوجها الحج ،فسألت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
(ادفعيه إليه ليحج عليه فإن الحج من سبيل ال) .ولنه مال ينتفع به في وجه قربة ،فجاز أن يوقف
كالرباع .وقد ذكر السهيلي في هذه الية تسمية خيل النبي صلى الله عليه وسلم ،وآلة حربه .من
أرادها وجدها في كتاب العلم.
@قوله تعالى" :ترهبون بيه عدو ال وعدوكيم" يعنيي تخيفون بيه عدو ال وعدوكيم مين اليهود
وقرييش وكفار العرب" .وآخريين مين دونهيم ل تعلمونهيم ال يعلمهيم" يعنيي فارس والروم ،قاله
السييدي .وقيييل :الجيين .وهييو اختيار الطييبري .وقيييل :المراد بذلك كييل ميين ل تعرف عداوتييه .قال
السهيلي :قيل لهم قريظة .وقيل :هم من الجن .وقيل غير ذلك .ول ينبغي أن يقال فيهم شيء ،لن
ال سبحانه قال" :وآخرين من دونهم ل تعلمونهم ال يعلمهم" ،فكيف يدعي أحد علما بهم ،إل أن
يصيح حدييث جاء فيي ذلك عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،وهيو قوله فيي هذه اليية( :هيم
الجين) .ثيم قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن الشيطان ل يخبيل أحدا فيي دار فيهيا فرس
عتييق) وإنميا سيمي عتيقيا لنيه قيد تخلص مين الهجانية .وهذا الحدييث أسينده الحارث بين أبيي أسيامة
عن ابن المليكي عن أبيه عن جده عن رسول ال صلى ال عليه وسلم .وروي :أن الجن ل تقرب
دارا فيهيا فرس ،وأنهيا تنفير مين صيهيل الخييل" .وميا تنفقوا مين شييء" أي تتصيدقوا .وقييل :تنفقوه
على أنفسيكم أو خيلكيم" .فيي سيبيل ال يوف إليكيم" فيي الخرة ،الحسينة بعشير أمثالهيا إلى سيبعمائة
ضعف ،إلى أضعاف كثيرة" .وأنتم ل تظلمون".
**3الية{ 61 :وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على ال إنه هو السميع العليم}
@قوله تعالى" :وإن جنحوا للسلم فاجنيح لها" إنما قال "لها" لن السيلم مؤنثية .ويجوز أن يكون
التأنييث للفعلة .والجنوح المييل .يقول :إن مالوا -يعنيي الذيين نبيذ إليهيم عهدهيم -إلى المسيالمة ،أي
الصيلح ،فميل إليهيا .وجنيح الرجيل إلى الخير :مال إلييه ،ومنيه قييل للضلع جوانيح ،لنهيا مالت
على الحشوة .وجنحت البل :إذا مالت أعناقها في السير .وقال ذو الرمة:
بذكراك والعيس المراسيل جنح إذا مات فوق الرحل أحييت روحه
وقال النابغة:
إذا ما التقى الجمعان أول غالب جوانح قد أيقن أن قبيله
يعنيي الطيير .وجنيح اللييل إذا أقبيل وأمال أطنابيه على الرض .والسيلم والسيلم هيو الصيلح .وقرأ
العميش وأبو بكير وابن محيصن والمفضل "للسلم" بكسير السين .الباقون بالفتيح .وقد تقدم معنيى
ذلك فيي "البقرة" مسيتوفى .وقيد يكون السيلم مين التسيليم .وقرأ الجمهور "فاجنيح" بفتيح النون،
وهيي لغية تمييم .وقرأ الشهيب العقيلي "فاجنيح" بضيم النون ،وهيي لغية قييس .قال ابين جنيي :وهذه
اللغة هي القياس.
@ وقيد اختلف فيي هذه اليية ،هيل هيي منسيوخة أم ل .فقال قتادة وعكرمية :نسيخها "فاقتلوا
المشركيين حييث وجدتموه" [التوبية" .]5 :وقاتلوا المشركيين كافية" [التوبية ]36 :وقال :نسيخت
براءة كل موادعة ،حتى يقولوا ل إله إل ال .ابن عباس :الناسخ لها "فل تهنوا وتدعوا إلى السلم"
[محمد .]35 :وقيل :ليست بمنسوخة ،بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية .وقد صالح أصحاب
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي زمين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه ومين بعده مين الئمية
كثيرا ميين بلد العجييم ،على مييا أخذوه منهييم ،وتركوهييم على مييا هييم فيييه ،وهييم قادرون على
استئصالهم .وكذلك صالح رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيرا من أهل البلد على مال يؤدونه،
مين ذلك خييبر ،رد أهلهيا إليهيا بعيد الغلبية على أن يعملوا ويؤدوا النصيف .قال ابين إسيحاق :قال
مجاهد عنى بهذه الية قريظة ،لن الجزية تقبل منهم ،فأما المشركون فل يقبل منهم شيء .وقال
السدي وابن زيد :.معنى الية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم .ول نسخ فيها .قال ابن العربي :وبهذا
يختلف الجواب عنييه ،وقييد قال ال عييز وجييل" :فل تهنوا وتدعوا إلى السييلم وأنتييم العلون وال
معكم" [محمد .]35 :فإذا كان المسلمون على عزة وقوة ومنعة ،وجماعة عديدة ،وشدة شديدة فل
صلح ،كما قال:
وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم فل صلح حتى تطعن الخيل بالقنا
وإن كان للمسييلمين مصييلحة فييي الصييلح ،لنفييع يجتلبونييه ،أو ضرر يدفعونييه ،فل بأس أن يبتدئ
المسيلمون به إذا احتاجوا إليه .وقيد صيالح رسيول ال صلى ال عليه وسلم أهل خييبر على شروط
نقضوها فنقض صلحهم .وقد صالح الضمري وأكيدر دومة وأهل نجران ،وقد هادن قريشا لعشرة
أعوام حتيى نقضوا عهده .وميا زالت الخلفاء والصيحابة على هذه السيبيل التيي شرعناهيا سيالكة،
وبالوجوه التي شرحناها عاملة .قال القشيري :إذا كانت القوة للمسلمين فينبغي أل تبلغ الهدنة سنة.
وإذا كانيت القوة للكفار جاز مهادنتهيم عشير سينين ،ول تجوز الزيادة .وقيد هادن رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم أهيل مكية عشير سينين .قال ابين المنذر :اختلف العلماء فيي المدة التيي كانيت بيين
رسيول ال صيلى ال علييه وبيين أهيل مكية عام الحديبيية ،فقال عروة :كانيت أربيع سينين .وقال ابين
جريج :كانت ثلث سنين .وقال ابن إسحاق :كانت عشر سنين .وقال الشافعي رحمه ال :ل تجوز
مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين ،على ما فعل النبي صلى ال عليه وسلم عام الحديبية ،فإن
هودن المشركون أكثير مين ذلك فهيي منتقضية ،لن الصيل فرض قتال المشركيين حتيى يؤمنوا أو
يعطوا الجزية .وقال ابن حبيب عن مالك رضي ال عنه :تجوز مهادنة المشركين السنة والسنتين
والثلث ،وإلى غيير مدة .قال المهلب :إنميا قاضاهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم هذه القضيية التيي
ظاهرهيا الوهين على المسيلمين ،لسيبب حبيس ال ناقية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين مكية،
حين توجه إليها فبركت .وقال( :حبسها حابس الفيل) .على ما خرجه البخاري من حديث المسور
بن مخرمة .ودل على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم ،إذا رأى ذلك المام
وجها .ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمال يبذلونه للعدو ،لموادعة النبي صلى ال عليه
وسيلم عيينية بين حصين الفزاري ،والحارث بين عوف المري يوم الحزاب ،على أن يعطيهميا ثلث
ثمر المدينة ،وينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذل قريشا ،ويرجعا بقومهما عنهم .وكانت هذه
المقالة مراوضية ولم تكين عقدا .فلميا رأى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم منهميا أنهميا قيد أنابيا
ورضيا استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ،فقال :يا رسول ال ،هذا أمر تحبه فنصنعه لك ،أو
شيء أمرك ال به فنسمع له ونطيع ،أو أمر تصنعه لنا؟ فقال( :بل أمر أصنعه لكم فإن العرب قد
رمتكم عن قوس واحدة) ،فقال له سعد بن معاذ :يا رسول ال ،وال قد كنا نحن وهؤلء القوم على
الشرك وعبادة الوثان ،ل نعبييد ال ول نعرفييه ،ومييا طمعوا قييط أن ينالوا منييا ثمرة ،إل شراء أو
قرى ،فحييين أكرمنييا ال بالسييلم ،وهدانييا له وأعزنييا بييك ،نعطيهييم أموالنييا! وال ل نعطيهييم إل
السيف ،حتى يحكم ال بيننا وبينهم .فسر بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال( :أنتم وذاك).
وقال لعيينية والحارث( :انصيرفا فلييس لكميا عندنيا إل السييف) .وتناول سيعد الصيحيفة ،ولييس فيهيا
شهادة أن ل إله إل ال فمحاها.
**3اليتان{ 63 - 62 :وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسيبك ال هيو الذي أيدك بنصيره
وبالمؤمنيين ،وألف بيين قلوبهيم لو أنفقيت ميا فيي الرض جميعيا ميا ألفيت بيين قلوبهيم ولكين ال ألف
بينهم إنه عزيز حكيم}
@قوله تعالى" :وإن يريدوا أن يخدعوك" أي بأن يظهروا لك السيلم ،ويبطنوا الغدر والخيانية،
فاجنح فما عليك من نياتهم الفاسدة" .فإن حسبك ال" كافيك ال ،أي يتولى كفايتك وحياطتك .قال
الشاعر:
فحسبك والضحاك سيف مهند إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا
أي كافيك وكافي الضحاك سيف.
@قوله تعالى" :هيو الذي أيدك بنصيره" أي قواك بنصيره .يرييد يوم بدر" .وبالمؤمنيين" قال
النعمان بين بشيير :نزلت فيي النصيار" .وألف بيين قلوبهيم" أي جميع بيين قلوب الوس والخزرج.
وكان تألف القلوب ميييع العصيييبية الشديدة فيييي العرب مييين آيات النيييبي صيييلى ال علييييه وسيييلم
ومعجزاتيه ،لن أحدهيم كان يلطيم اللطمية فيقاتيل عنهيا حتيى يسيتقيدها .وكانوا أشيد خلق ال حميية،
فألف ال باليمان بينهييم ،حتييى قاتييل الرجييل أباه وأخاه بسييبب الدييين .وقيييل :أراد التأليييف بييين
المهاجرين والنصار .والمعنى متقارب.
**3الية{ 64 :يا أيها النبي حسبك ال ومن اتبعك من المؤمنين}
@لييس هذا تكريرا ،فإنيه قال فيميا سيبق" :وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسيبك ال" وهذه كفايية
خاصية .وفيي قوله" :ييا أيهيا النيبي حسيبك ال" أراد التعمييم ،أي حسيبك ال فيي كيل حال وقال ابين
عباس :نزلت فيي إسيلم عمير فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان أسيلم معيه ثلثية وثلثون رجل
وسيت نسيوة ،فأسيلم عمير وصياروا أربعيين .واليية مكيية ،كتبيت بأمير رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم في سورة مدنية ،ذكره القشيري.
قلت :ما ذكره من إسلم عمر رضي ال عنه عن ابن عباس ،فقد وقع في السيرة خلفه .عن
عبدال بين مسيعود قال( :ميا كنيا نقدر على أن نصيلي عنيد الكعبية حتيى أسيلم عمير ،فلميا أسيلم قاتيل
قريشيا حتيى صيلى عنيد الكعبية وصيلينا معيه .وكان إسيلم عمير بعيه خروج مين خرج مين أصيحاب
رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم إلى الحبشيية ).قال ابيين إسييحاق :وكان جميييع ميين لحييق بأرض
الحبشية وهاجير إليهيا مين المسيلمين ،سيوى أبنائهيم الذيين خرجوا بهيم صيغارا أو ولدوا بهيا ،ثلثية
وثمانين رجل ،إن كان عمار بن ياسر منهم .وهو يشك فيه .وقال الكلبي :نزلت الية بالبيداء في
غزوة بدر قبل القتال.
@قوله تعالى" :وميين اتبعييك ميين المؤمنييين" قيييل :المعنييى حسييبك ال ،وحسييبك المهاجرون
والنصار .وقيل :المعنى كافيك ال ،وكافي من تبعك ،قال الشعبي وابن زيد .والول عن الحسن.
واختاره النحاس وغيره .فيي "مين" على القول الول فيي موضيع رفيع ،عطفيا على اسيم ال تعالى.
على معنى :فإن حسبك ال وأتباعك من المؤمنين .وعلى الثاني على إضمار .ومثله قوله صلى ال
علييه وسيلم( :يكفينييه ال وأبناء قيلة) .وقييل :يجوز أن يكون المعنيى "ومين اتبعيك مين المؤمنيين"
حسيبهم ال ،فيضمير الخيبر .ويجوز أن يكون "مين" فيي موضيع نصيب ،على معنيى :يكفييك ال
ويكفي من اتبعك.
**3اليتان{ 66 - 65 :ييا أيهيا النيبي حرض المؤمنيين على القتال إن يكين منكيم عشرون
صيابرون يغلبوا مائتيين وإن يكين منكيم مائة يغلبوا ألفيا مين الذيين كفروا بأنهيم قوم ل يفقهون ،الن
خفيف ال عنكيم وعلم أن فيكيم ضعفيا فإن يكين منكيم مائة صيابرة يغلبوا مائتيين وإن يكين منكيم ألف
يغلبوا ألفين بإذن ال وال مع الصابرين}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال" أي حثهم وحضهم .يقال :حارض على
المر وواظب وأكب بمعنى واحد .والحارض :الذي قد قارب الهلك ،ومنه قوله عز وجل" :حتى
تكون حرضا" [يوسف ]85 :أي تذوب غما ،فتقارب الهلك فتكون من الهالكين" .إن يكن منكم
عشرون صييابرون يغلبوا مائتييين" لفييظ خييبر ،ضمنييه وعييد بشرط ،لن معناه إن يصييبر منكييم
عشرون صيابرون يغلبوا مائتيين .وعشرون وثلثون وأربعون كيل واحيد منهيا اسيم موضوع على
صيورة الجميع لهذا العدد .ويجري هذا السيم مجرى فلسيطين .فإن قال قائل :لم كسير أول عشريين
وفتيح أول ثلثيين وميا بعده إلى الثمانيين إل سيتين؟ فالجواب عنيد سييبويه أن عشريين مين عشرة
بمنزلة اثنييين ميين واحييد ،فكسيير أول عشرييين كمييا كسيير اثنان .والدليييل على هذا قولهييم :سييتون
وتسييعون ،كمييا قيييل :سييتة وتسييعة .وروى أبييو داود عيين ابيين عباس قال :نزلت "إن يكيين منكييم
عشرون صيابرون يغلبوا مائتيين" فشيق ذلك على المسيلمين ،حيين فرض ال عليهيم أل يفير واحيد
من عشرة ،ثم إنه جاء التخفيف فقال" :ألن خفف ال عنكم" قرأ أبو توبة إلى قوله" :مائة صابرة
يغلبوا مائتيين" .قال :فلميا خفيف ال تعالى عنهيم مين العدد نقيص مين الصيبر بقدر ميا خفيف عنهيم.
وقال ابيين العربييي :قال قوم إن هذا كان يوم بدر ونسييخ .وهذا خطييأ ميين قائله .ولم ينقييل قييط أن
المشركيين صيافوا المسيلمين عليهيا ،ولكين الباري جيل وعيز فرض ذلك عليهيم أول ،وعلق ذلك
بأنكم تفقهون ما تقاتلون عليه ،وهو الثواب .وهم ل يعلمون ما يقاتلون عليه.
قلت :وحديث ابن عباس يدل على أن ذلك فرض .ثم لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت
الواحد للثنين ،فخفيف عنهيم وكتب عليهيم أل يفير مائة من مائتين ،فهيو على هذا القول تخفييف ل
نسيخ .وهذا حسين .وقيد ذكير القاضيي ابين الطييب أن الحكيم إذا نسيخ بعضيه أو بعيض أوصيافه ،أو
غير عدده فجائز أن يقال إنه نسخ ،لنه حينئذ ليس بالول ،بل هو غيره .وذكر في ذلك خلفا.
**3اليية{ 67 :ميا كان لنيبي أن يكون له أسيرى حتيى يثخين فيي الرض تريدون عرض الدنييا
وال يريد الخرة وال عزيز حكيم}
@قوله تعالى" :أسيرى" جميع أسيير ،مثيل قتييل وقتلى وجرييح وجرحيى .ويقال فيي جميع أسيير
أيضا :أسارى (بضم الهمزة) وأسارى (بفتحها) وليست بالعالية .وكانوا يشدون السير بالقد وهو
السار ،فسمي كل أخيذ وإن لم يؤسر أسيرا .قال العشى:
كما قيد السرات الحمارا وقيدني الشعر في بيته
وقيد مضيى هذا فيي سيورة "البقرة" .وقال أبيو عمير بين العلء :السيرى هيم غيير الموثقيين عنيد ميا
يؤخذون ،والسارى هم الموثقون ربطا .وحكى أبو حاتم أنه سمع هذا من العرب.
@ هذه الية نزلت يوم بدر ،عتابا من ال عز وجل لصحاب نبيه صلى ال عليه وسلم .والمعنى:
ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي صلى ال عليه وسلم أسرى قبل
الثخان .ولهيم هذا الخبار بقوله "تريدون عرض الدنييا" .والنيبي صيلى ال علييه وسيلم لم يأمير
باسيتبقاء الرجال وقيت الحرب ،ول أراد قيط عرض الدنييا ،وإنميا فعله جمهور مباشري الحرب،
فالتوبييخ والعتاب إنميا كان متوجهيا بسيبب مين أشار على النيبي صيلى ال علييه وسيلم بأخيذ الفديية.
هذا قول أكثر المفسرين ،وهو الذي ل يصح غيره .وجاء ذكر النبي صلى ال عليه وسلم في الية
حيين لم ينيه عنيه حيين رآه مين العرييش وإذ كره سيعد بين معاذ وعمير بين الخطاب وعبدال بين
رواحة ،ولكنه عليه السلم شغله بغت المر ونزول النصر فترك النهي عن الستبقاء ،ولذلك بكى
هو وأبو بكر حين نزلت اليات .وال أعلم .روى مسلم من حديث عمر بن الخطاب ،وقد تقدم أول
فيي "آل عمران" وهذا تماميه .قال أبيو زمييل :قال ابين عباس فلميا أسيروا السيارى قال رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم لبيي بكير وعمير( :ميا ترون فيي هؤلء السيارى)؟ فقال أبيو بكير :ييا رسيول
ال ،هييم بنيو العييم والعشيرة ،أرى أن تأخييذ منهييم فدييية ،فتكون لنيا قوة على الكفار ،فعسييى ال أن
يهديهم للسلم .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما ترى يا ابن الخطاب)؟ قلت :ل وال يا
رسيول ال ،ميا أرى الذي رأى أبيو بكير ،ولكنيي أرى أن تمكنيا فنضرب أعناقهيم ،فتمكين علييا مين
عقيييل فيضرب عنقييه ،وتمكنييي ميين فلن (نسيييبا لعميير) فأضرب عنقييه ،فإن هؤلء أئميية الكفيير
وصناديدها .فهوي رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت ،فلما كان من
الغيد جئت فإذا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأبيو بكير قاعديين يبكيان ،فقلت :ييا رسيول ال،
أخييبرني ميين أي شيييء تبكييي أنييت وصيياحبك ،فإن وجدت بكاء بكيييت ،وإن لم أجييد بكاء تباكيييت
لبكائكما .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء
لقيد عرض علي عذابهيم أدنيى مين هذه الشجرة) (شجرة قريبية كانيت مين نيبي ال صيلى ال علييه
وسيلم) وأنزل ال عيز وجيل "ميا كان لنيبي أن يكون له أسيرى حتيى يثخين فيي الرض" إلى قوله
تعالى" :فكلوا مما غنمتم حلل طيبا" [النفال ]69 :فأحل ال الغنيمة لهم.
وروى يزييد بين هارون قال :أخبرنيا يحييى قال حدثنيا أبيو معاويية عين العميش عين عمرو بين
مرة عين أبيي عيبيدة عين عبدال قال :لميا كان يوم بدر جييء بالسيارى وفيهيم العباس ،فقال رسيول
ال صييلى ال عليييه وسييلم( :مييا ترون فييي هؤلء السييارى) فقال أبييو بكيير :يييا رسييول ال قومييك
وأهلك ،اسيتبقهم لعيل ال أن يتوب عليهيم .وقال عمير :كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ،قدمهيم فأضرب
أعناقهيم .وقال عبدال بين رواحية :انظير وادييا كثيير الحطيب فأضرميه عليهيم .فقال العباس وهيو
يسمع :قطعت رحمك .قال :فدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا .فقال أناس:
يأخيذ بقول أبيي بكير رضيي ال عنيه .وقال أناس :يأخيذ بقول عمير .وقال أناس :يأخيذ بقول عبدال
بن رواحة .فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال( :إن ال ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون
ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة .).مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم
قال "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" [إبراهيم ]36 :ومثلك يا أبا بكر مثل
عيسى إذ قال "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكييم" [المائدة.]118 :
ومثلك يييا عميير كمثييل نوج عليييه السييلم إذ قال "رب ل تذر على الرض ميين الكافرييين ديارا"
[نوح .]26 :ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلم إذ قال "ربنا اطمس على أموالهم واشدد على
قلوبهيم فل يؤمنوا حتيى يروا العذاب اللييم" [يونيس ]88 :أنتيم عالة فل ينفلتين أحيد إل بفداء أو
ضربية عنيق) .فقال عبدال :إل سيهيل بين بيضاء فإنيي سيمعته يذكير السيلم .فسيكت رسيول ال
صلى ال عليه وسلم .قال :فما رأيتني أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم.
فأنزل ال عيز وجيل" :ميا كان لنيبي أن يكون له أسيرى حتيى يثخين فيي الرض" إلى آخير اليتيين.
فيي روايية فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن كاد ليصييبنا فيي خلف ابين الخطاب عذاب
ولو نزل عذاب ميا أفلت إل عمير) .وروى أبيو داود عين عمير قال :لميا كان يوم بدر وأخيذ -يعنيي
رسول ال صلى ال عليه وسلم -الفداء ،أنزل ال عز وجل "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى
يثخين فيي الرض" إلى قوله "لمسيكم فيميا أخذتيم -مين الفداء -عذاب عظييم" [النفال .]68:ثيم
أحيل الغنائم .وذكير القشيري أن سيعد بين معاذ قال :ييا رسيول ال ،إنيه أول وقعية لنيا ميع المشركيين
فكان الثخان أحيب إلي .والثخان :كثرة القتيل ،عين مجاهيد وغيره .أي يبالغ فيي قتيل المشركيين.
تقول العرب :أثخن فلن في هذا المر أي بالغ .وقال بعضهم :حتى يقهر ويقتل .وأنشد المفضل:
وقد أثخنت فرعون في كفره كفرا تصلي الضحى ما دهرها بتعبد
وقيل" :حتى يثخن" يتمكن .وقيل :الثخان القوة والشدة .فأعلم ال سبحانه وتعالى أن قتل السرى
الذيييين فودوا ببدر كان أولى مييين فدائهيييم .وقال ابييين عباس رضيييي ال عنيييه :كان هذا يوم بدر
والمسلمون يومئذ قليل ،فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل ال عز وجل بعد هذا في السارى" :فإما
منا بعد وإما فداء" [محمد ]4 :على ما يأتي بيانه في سورة "القتال" إن شاء ال تعالى .وقد قيل:
إنمييا عوتبوا لن قضييية بدر كانييت عظيميية الموقييع والتصييريف فييي صييناديد قريييش وأشرافهييم
وسياداتهم وأموالهيم بالقتيل والسيترقاق والتملك .وذلك كله عظييم الموقيع فكان حقهيم أن ينتظروا
الوحي ول يستعجلوا ،فلما استعجلوا ولم ينتظروا توجه عليهم ما توجه .وال أعلم.
@ أسيند الطيبري وغيره أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال للناس( :إن شئتيم أخذتيم فداء
السارى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم وإن شئتم قتلوا وسلمتم) .فقالوا :نأخذ الفداء
ويستشهد منا سبعون .وذكر عبد بن حميد بسنده أن جبريل عليه السلم نزل على النبي صلى ال
علييه وسيلم بتخييير الناس هكذا .وقيد مضيى فيي "آل عمران" القول فيي هذا .وقال عيبيدة السيلماني:
طلبوا الخيرتييين كلتيهمييا ،فقتييل منهييم يوم أحييد سييبعون .وينشييأ هنييا إشكال وهييو أن يقال :إذا كان
التخييير فكييف وقيع التوبييخ بقوله "لمسيكم" .فالجواب -أن التوبييخ وقيع أول لحرصيهم على أخيذ
الفداء ،ثم وقع التخييير بعد ذلك .ومما يدل على ذلك أن المقداد قال حين أمير رسول ال صيلى ال
عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط :أسيري يا رسول ال .وقال مصعب بن عمير الذي أسر أخاه:
شيد علييه يدك ،فإن له أميا موسيرة .إلى غيير ذلك مين قصيصهم وحرصيهم على أخيذ الفداء .فلميا
تحصل السارى وسيقوا إلى المدينة وأنفذ رسول ال صلى ال عليه وسلم القتل في النضر وعقبة
وغيرهما وجعل يرتئي في سائرهم نزل التخيير من ال عز وجل ،فاستشار رسول ال صلى ال
علييه وسيلم أصيحابه حينئذ .فمير عمير على أول رأييه فيي القتيل ،ورأى أبيو بكير المصيلحة فيي قوه
المسييلمين بمال الفداء .ومال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم إلى رأي أبييي بكيير .وكل الرأيييين
اجتهاد بعد تخيير .فلم ينزل بعد على هذا شيء من تعنيت .وال أعلم.
@ قال ابين وهيب :قال مالك كان ببدر أسيارى مشركون فأنزل ال "ميا كان لنيبي أن يكون له
أسييرى حتييى يثخيين فييي الرض" .وكانوا يومئذ مشركييين وفادوا ورجعوا ،ولو كانوا مسييلمين
لقاموا ولم يرجعوا .وكان عدة من قتل منهم أربعة وأربعين رجل ،ومثلهم أسروا .وكان الشهداء
قليل .وقال أبيو عمرو بين العلء :إن القتلى كانوا سيبعين ،والسيرى كذلك .وكذلك قال ابين عباس
وابن المسيب وغيرهم .وهو الصحيح كما في صحيح مسلم ،فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
وذكير البيهقيي قالوا :فجييء بالسيارى وعليهيم شقران مولى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيم
تسيعة وأربعون رجل الذيين أحصيوا ،وهيم سيبعون فيي الصيل ،مجتميع علييه ل شيك فييه .قال ابين
العربي :إنما قال مالك "وكانوا مشركين" لن المفسرين رووا أن العباس قال للنبي صلى ال عليه
وسيلم :إنيي مسيلم .وفيي روايية أن السيارى قالوا للنيبي صيلى ال علييه وسيلم :آمنيا بيك .وهذا كله
ضعفيه مالك ،واحتيج على إبطاله بميا ذكير مين رجوعهيم وزيادة علييه أنهيم غزوه فيي أحيد .قال أبيو
عمير بين عبدالبر :اختلفوا فيي وقيت إسيلم العباس ،فقييل :أسيلم قبيل يوم بدر ،ولذلك قال صيلى ال
عليه وسلم( :من لقي العباس فل يقتله فإنما أخرج كرها) .وعن ابن عباس أن رسول ال صلى ال
علييه وسيلم قال يوم بدر( :إن أناسيا مين بنيي هاشيم وغيرهيم قيد أخرجوا كرهيا ل حاجية لهيم بقتالنيا
فمين لقيي منكيم أحدا مين بنيي هاشيم فل يقتله ومين لقيي أبيا البختري فل يقتله ومين لقيي العباس فل
يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها) وذكر الحديث .وذكر أنه أسلم حين أسر يوم بدر .وذكر أنه أسلم
عام خيبر ،وكان يكتب لرسول ال صلى ال عليه وسلم بأخبار المشركين ،وكان يحب أن يهاجر
فكتب إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أمكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا).
**3الية{ 68 :لول كتاب من ال سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :لول كتاب من ال سبق" في أنه ل يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون .واختلف
الناس فيي كتاب ال السيابق على أقوال ،أصيحها ميا سيبق مين إحلل الغنائم ،فإنهيا كانيت محرمية
على مين قبلنيا .فلميا كان يوم بدر ،أسيرع الناس إلى الغنائم فأنزل ال عيز وجيل "لول كتاب مين ال
سبق" أي بتحليل الغنائم .وروى أبو داود الطيالسي في مسنده :حدثنا سلم عن العمش عن أبي
صيالح عين أبيي هريرة قال :لميا كان يوم بدر تعجيل الناس إلى الغنائم فأصيابوها ،فقال رسيول ال
صلى ال عليه وسلم( :إن الغنيمة ل تحل لحد سود الرؤوس غيركم) .فكان النبي صلى ال عليه
وسلم وأصحابه إذا غنموا الغنيمة جمعوها ونزلت نار من السماء فأكلتها ،فأنزل ال تعالى" :لول
كتاب من ال سبق" إلى آخر اليتين .وأخرجه الترمذي وقال :حديث حسن صحيح ،وقال مجاهد
والحسن .وعنهما أيضا وسعيد بن جبير :الكتاب السابق هو مغفرة ال لهل بدر ،ما تقدم أو تأخر
مين ذنوبهيم .وقالت فرقية :الكتاب السيابق هيو عفيو ال عنهيم فيي هذا الذنيب ،معينيا .والعموم أصيح،
لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم لعمر في أهل بدر( :وما يدريك لعل ال اطلع على أهل بدر
فقال أعملوا ميا شئتيم فقيد غفرت لكيم) .خرجيه مسيلم .وقييل :الكتاب السيابق هيو أل يعذبهيم ومحميد
عليه السلم فيهم .وقيل :الكتاب السابق هو أل يعذب أحدا بذنب أتاه جاهل حتى يتقدم إليه .وقالت
فرقة :الكتاب السابق هو مما قضى ال من محو الصغائر باجتناب الكبائر .وذهب الطبري إلى أن
هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ وأنه يعمها ،ونكب عن تخصيص معنى دون معنى.
@ ابن العربي :وفي الية دليل على أن العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراما مما هو في علم ال حلل
له ل عقوبية علييه ،كالصيائم إذا قال :هذا يوم نوبيي فأفطير الن .أو تقول المرأة :هذا يوم حيضتيي
فأفطر ،ففعل ذلك ،وكان النوب والحيض الموجبان للفطر ،ففي المشهور من المذهب فيه الكفارة،
وبه قال الشافعي .وقال أبو حنيفة :ل كفارة عليه ،وهي الرواية الخرى .وجه الرواية الولى أن
طرو الباحية ل يثبيت عذرا فيي عقوبية التحرييم عنيد الهتيك ،كميا لو وطيئ امرأة ثيم نكحهيا .وجيه
الرواية الثانية أن حرمة اليوم ساقطة عند ال عز وجل فصادف الهتك محل ل حرمة له في علم
ال ،فكان بمنزلة ميا لو قصيد وطيء امرأة قيد زفيت إلييه وهيو يعتقدهيا أنهيا ليسيت بزوجتيه فإذا هيي
زوجتيه .وهذا أصيح .والتعلييل الول ل يلزم ،لن علم ال سيبحانه وتعالى ميع علمنيا قيد اسيتوى فيي
مسألة التحريم ،وفي مسألتنا اختلف فيها علمنا وعلم ال فكان المعول على علم ال .كما قال" :لول
كتاب من ال سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم".
**3الية{ 69 :فكلوا مما غنمتم حلل طيبا واتقوا ال إن ال غفور رحيم}
@ يقتضي ظاهره أن تكون الغنيمة كلها للغانمين ،وأن يكونوا مشتركين فيها على السواء ،إل أن
قوله تعالى" :واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه" [النفال ]41 :بيين وجوب إخراج
الخمس منه وصرفه إلى الوجوه المذكورة .وقد تقدم القول في هذا مستوفى.
**3اليتان{ 71 - 70 :يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى إن يعلم ال في قلوبكم خيرا
يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم وال غفور رحيم ،وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا ال من قبل
فأمكن منهم وال عليم حكيم}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى" قيل :الخطاب للنبي صلى ال عليه
وسيلم وأصيحابه .وقييل :له وحده .وقال ابين عباس رضيي ال عنيه :السيرى فيي هذه اليية عباس
وأصحابه .قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم :أمنا بما جئت به ،ونشهد أنك رسول ال ،لننصحن لك
على قومك ،فنزلت هذه الية .وقد تقدم بطلن هذا من قول مالك .وفي مصنف أبي داود عن ابن
عباس رضيي ال عنيه أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم جعيل فداء أهيل الجاهليية يوم بدر أربعمائة.
وعن ابن إسحاق :بعثت قريش إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في فداء أسراهم ،ففدى كل قوم
أسييرهم بميا رضوا .وقال العباس :ييا رسيول ال ،إنيي قيد كنيت مسيلما .فقال رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم( :ال أعلم بإسيلمك فإن يكين كميا تقول فال يجزييك بذلك فأميا ظاهير أمرك فكان علينيا
فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن
عمرو أخا بني الحارث بن فهير) .وقال :ما ذاك عندي يا رسول ال .قال( :فأين المال الذي دفنته
أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال لبني الفضل وعبدال وقثم) ؟ فقال:
يا رسول ال ،إني لعلم أنك رسول ال ،إن هذا لشيء ما علمه غيري وغير أم الفضل ،فاحسب
لي يا رسول ال ميا أصيبتم منيي عشريين أوقيية من مال كان معيي .فقال رسول ال صلى ال عليه
وسيلم( :ل ذاك شييء أعطانيا ال منيك) .ففدى نفسيه وابنيي أخوييه وحليفيه ،وأنزل ال فييه" :ييا أيهيا
النبي قل لمن في أيديكم من السرى" الية .قال ابن إسحاق :وكان أكثر السارى فداء العباس بن
عبدالمطلب ،لنييه كان رجل موسييرا ،فافتدى نفسييه بمائة أوقييية ميين ذهييب .وفييي البخاري :وقال
موسيى بن عقبة قال ابين شهاب :حدثنيي أنس بين مالك أن رجال من النصيار استأذنوا رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم فقالوا :ييا رسيول ال ،ائذن لنا فلنترك لبن أختنيا عباس فداءه .فقال( :ل وال
ل تذرون درهميا) .وذكير النقاش وغيره أن فداء كيل واحيد مين السيارى كان أربعيين أوقيية ،إل
العباس فإن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال( :أضعفوا الفداء على العباس) وكلفييه أن يفدي ابنييي
أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فأدى عنهما ثمانين أوقية ،وعن نفسه ثمانين أوقية
وأخيذ منيه عشرون أوقيية وقيت الحرب .وذلك أنيه كان أحيد العشرة الذيين ضمنوا الطعام لهيل
بدر ،فبلغيت النوبية إلييه يوم بدر فاقتتلوا قبيل أن يطعيم ،وبقييت العشرون معيه فأخذت منيه وقيت
الحرب ،فأخيذ منيه يومئذ مائة أوقيية وثمانون أوقيية .فقال العباس للنيبي صيلى ال علييه وسيلم :لقيد
تركتني ما حييت أسأل قريشا بكفي .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :أين الذهب الذي تركته عند
امرأتك أم الفضل)؟ فقال العباس :أي ذهب؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إنك قلت لها
ل أدري ميا يصييبني فيي وجهيي هذا فإن حدث بيي حدث فهيو لك ولولدك) فقال :ييا ابين أخيي ،مين
أخبرك بهذا؟ قال( :ال أخبرني) .قال العباس :أشهد أنك صادق ،وما علمت أنك رسول ال قط إل
اليوم ،وقد علمت أنه لم يطلعك عليه إل عالم السرائر ،أشهد أن ل إله إل ال وأنك عبده ورسوله،
وكفرت بميا سيواه .وأمير ابنيي أخوييه فأسيلما ،ففيهميا نزلت "ييا أيهيا النيبي قيل لمين فيي أيديكيم مين
السرى" .وكان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة ،وكان رجل قصيرا،
وكان العباس ضخما طويل ،فلما جاء به إلى النيبي صلى ال عليه وسلم قال له( :لقد أعانيك عليه
ملك).
@قوله تعالى" :إن يعلم ال في قلوبكم خيرا" أي إسلما" .يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم
وال غفور رحييم" أي مين الفديية .قييل فيي الدنييا .وقييل فيي الخرة .وفيي صيحيح مسيلم أنيه لميا قدم
على النبي صلى ال عليه وسلم مال من البحرين قال له العباس :إني فاديت نفسي وفاديت عقيل.
فقال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :خيذ) فبسيط ثوبيه وأخيذ ميا اسيتطاع أن يحمله .مختصير.
فيي غيير الصيحيح :فقال له العباس هذا خيير مميا أخيذ منيي ،وأنيا بعيد أرجيو أن يغفير ال لي .قال
العباس :وأعطانيي زمزم ،وميا أحب أن لي بهيا جمييع أموال أهل مكة .وأسند الطيبري إلى العباس
أنيه قال :فيي نزلت حيين أعلميت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بإسيلمي ،وسيألته أن يحاسيبني
بالعشرين أوقية التي أخذت مني قبل المفاداة فأبى .وقال( :ذلك فيء) فأبدلني ال من ذلك عشرين
عبدا كلهم تاجر بمالي .وفي مصنف أبي داود عن عائشة رضي ال عنها قالت :لما بعث أهل مكة
فيي فداء أسيراهم بعثيت زينيب فيي فداء أبيي العاص بمال ،وبعثيت فييه بقلدة لهيا كانيت عنيد خديجية
أدخلتها بها على أبي العاص .قالت :فلما رآها رسول ال صلى ال عليه وسلم رق لها رقة شديدة
وقال( :إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها)؟ فقالوا :نعم .وكان النبي صلى ال
عليه وسلم أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه .بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم زيد
بن حارثة ورجل من النصار فقال( :كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا
بها) .قال ابن إسحاق :وذلك بعد بدر بشهر .قال عبدال بن أبي بكر :حدثت عن زينب بنت رسول
ال صلى ال عليه وسلم أنها قالت :لما قدم أبو العاص مكة قال لي :تجهزي ،فالحقي بأبيك .قالت:
فخرجت أتجهز فلقيتني هند بنت عتبة فقالت :يا بنت محمد ،ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟
فقلت لهييا :مييا أردت ذلك .فقالت ،أي بنييت عييم ،ل تفعلي ،إنييي امرأة موسييرة وعندي سييلع ميين
حاجتيك ،فإن أردت سيلعة بعتكهيا ،أو قرضيا مين نفقية أقرضتيك ،فإنيه ل يدخيل بيين النسياء ميا بيين
الرجال .قالت :فوال ما أراها قالت ذلك إل لتفعل ،فخفتها فكتمتها وقلت :ما أريد ذلك .فلما فرغت
زينيب مين جهازهيا ارتحلت وخرج بهيا حموهيا يقود بهيا نهارا كنانية بين الربييع .وتسيامع بذلك أهيل
مكة ،وخرج في طلبها هبار بن السود ونافع بن عبدالقيس الفهري ،وكان أول من مبق إليها هبار
فروعهيا بالرميح وهيي فيي هودجهيا .وبرك كنانية ونثير نبله ،ثيم أخيذ قوسيه وقال :وال ل يدنيو منيي
رجل إل وضعت فيه سهما .وأقبل أبو سفيان في أشراف قريش فقال :يا هذا ،أمسك عنا نبلك حتى
نكلمك ،فوقف عليه أبو سفيان وقال :إنك لم تصنع شيئا ،خرجت بالمرأة على رؤوس الناس ،وقد
عرفيت مصييبتنا التيي أصيابتنا ببدر فتظن العرب وتتحدث أن هذا وهن منيا وضعيف خروجيك إليه
بابنته على رؤوس الناس من بين أظهرنا .أرجع بالمرأة فأقم بها أياما ،ثم سلها سل رفيقا في الليل
فألحقهيا بأبيهيا ،فلعمري ميا لنيا بحبسيها عين أبيهيا مين حاجية ،وميا لنيا فيي ذلك الن مين ثورة فيميا
أصاب منا ،ففعل فلما مر به يومان أو ثلثة سلها ،فانطلقت حتى قدمت على رسول ال صلى ال
عليه وسلم فذكروا أنها قد كانت ألقت -للروعة التي أصابتها حين روعها هبار بن أم درهم -ما
في بطنها.
@ قال ابين العربيي" :لميا أسير مين أسير مين المشركيين تكلم قوم منهيم بالسيلم ولم يمضوا فييه
عزيمية ول اعترفوا بيه اعترافيا جازميا .ويشبيه أنهيم أرادوا أن يقربوا مين المسيلمين ول يبعدوا مين
المشركيين .قال علماؤنيا :إن تكلم الكافير باليمان فيي قلبيه وبلسيانه ولم يميض فييه عزيمية لم يكين
مؤمنا .وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا ،إل ما كان من الوسوسة التي ل يقدر على دفعها
فإن ال قد عفا عنها وأسقطها .وقد بين ال لرسوله صلى ال عليه وسلم الحقيقة فقال" :إن يريدوا
خيانتيك" أي إن كان هذا القول منهيم خيانية ومكرا "فقيد خانوا ال مين قبيل" بكفرهيم ومكرهيم بيك
وقتالهيم لك .وإن كان هذا القول منهيم خيرا ويعلميه ال فيقبيل منهيم ذلك ويعوضهيم خيرا مميا خرج
عنهم ويغفر لهم ما تقدم من كفرهم وخيانتهم ومكرهم" .وجمع خيانة خيائن ،وكان يجب أن يقال:
خوائن لنيه مين ذوات الواو ،إل أنهيم فرقوا بينيه وبيين جميع خائنية .ويقال :خائن وخوان وخونية
وخانة.
**3اليية{ 72 :إن الذيين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهيم وأنفسيهم فيي سيبيل ال والذيين آووا
ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء حتى
يهاجروا وإن اسييتنصروكم فييي الدييين فعليكييم النصيير إل على قوم بينكييم وبينهييم ميثاق وال بمييا
تعملون بصير}
@قوله تعالى" :إن الذين آمنوا" ختم السورة بذكر الموالة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به.
وقد تقدم معنى الهجرة والجهاد لغة ومعنى" .والذين آووا ونصروا" معطوف عليه .وهم النصار
الذيين تبوؤوا الدار واليمان مين قبلهيم ،وانضوى إليهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم والمهاجرون.
"أولئك" رفع بالبتداء" .بعضهم" ابتداء ثان "أولياء بعض" خبره ،والجميع خبر "إن" .قال ابن
عباس" :أولياء بعيض" فيي الميراث ،فكانوا يتوارثون بالهجرة ،وكان ل يرث مين آمين ولم يهاجير
مين هاجير فنسيخ ال ذلك بقول" :وأولوا الرحام" اليية .أخرجيه أبيو داود .وصيار الميراث لذوي
الرحام مين المؤمنيين .ول يتوارث أهيل ملتيين شيئا .ثيم جاء قوله علييه السيلم( :ألحقوا الفرائض
بأهلهييا) على مييا تقدم بيانييه فييي آييية المواريييث .وقيييل :ليييس هنييا نسييخ ،وإنمييا معناه فييي النصييرة
والمعونية ،كميا تقدم فيي "النسياء"" .والذيين آمنوا" ابتداء والخيبر "ميا لكيم مين وليتهيم مين شييء"
وقرأ يحيى بن وثاب والعمش وحمزة "من وليتهم" بكسر الواو .وقيل هي لغة .وقيل :هي من
وليت الشيء ،يقال :ولي بين الولية .ووال بين الولية .والفتح في هذا أبين وأحسن ،لنه بمعنى
النصرة والنسب .وقد تطلق الولية والولية بمعنى المارة.
@قوله تعالى" :وإن استنصروكم في الدين" يريد إن دعوا هؤلء المؤمنون الذين لم يهاجروا من
أرض الحرب عونكيم بنفيير أو مال لسيتنقاذهم فأعينوهيم ،فذلك فرض عليكيم فل تخذلوهيم .إل أن
يسيتنصروكم على قوم كفار بينكيم وبينهيم ميثاق فل تنصيروهم علييه ،ول تنقضوا العهيد حتيى تتيم
مدته .ابن العربي :إل أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة،
حتى ل تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك ،أو نبذل جميع
أموالنا فيي اسيتخراجهم حتيى ل يبقى لحد درهيم .كذلك قال مالك وجميع العلماء ،فإنا ل وإنا إلييه
راجعون ،على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو وبأيديهم خزائن الموال ،وفضول
الحوال والقدرة والعدد والقوة والجلد .الزجاج :ويجوز "فعليكم النصر" بالنصب على الغراء.
**3اليية{ 73 :والذيين كفروا بعضهيم أولياء بعيض إل تفعلوه تكين فتنية فيي الرض وفسياد
كبير}
@قوله تعالى" :والذيين كفروا بعضهيم أولياء بعيض" قطيع ال الوليية بيين الكفار والمؤمنيين،
فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،والكفار بعضهم أولياء بعض ،يتناصرون بدينهم ويتعاملون
باعتقادهم .قال علماؤنا في الكافرة يكون لها الخ المسلم :ل يزوجها ،إذ ل ولية بينهما ،ويزوجها
أهييل ملتهييا .فكمييا ل يزوج المسييلمة إل مسييلم فكذلك الكافرة ل يزوجهييا إل كافيير قريييب لهييا ،أو
أسيقف ،ولو مين مسيلم ،إل أن تكون معتقية ،فإن عقيد على غيير المعتقية فسيخ إن كان لمسيلم ،ول
يعرض للنصراني .وقال أصبغ :ل يفسخ ،عقد المسلم أولى وأفضل.
@قوله تعالى" :إل تفعلوه" الضمييير عائد على الموارثيية والتزامهييا .المعنييى :إل تتركوهييم
يتوارثون كما كانوا يتوارثون ،قاله ابن زيد .وقيل :هي عائدة على التناصر والمؤازرة والمعاونة
واتصيال اليدي .ابين جرييج وغيره :وهذا إن لم يفعيل تقيع الفتنية عنيه عين قرييب ،فهيو أكيد مين
الول .وذكير الترمذي عين عبدال بين مسيلم بين هرميز عين محميد وسيعد ابنيي عبييد عين أبيي حاتيم
المزني قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إل
تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد كبير) .قالوا :يا رسول ال ،وإن كان فيه؟ قال( :إذا جاءكم من
ترضون دينييه وخلقييه فأنكحوه) ثلث مرات .قال :حديييث غريييب .وقيييل :يعود على حفييظ العهييد
والميثاق الذي تضمنييه قوله" :إل على قوم بينكييم وبينهييم ميثاق" .وهذا وإن لم يفعييل فهييو الفتنيية
نفسيها .وقييل :يعود على النصير للمسيلمين فيي الديين .وهيو معنيى القول الثانيي .قال ابين إسيحاق:
جعيل ال المهاجريين والنصيار أهيل وليتيه فيي الديين دون مين سيواهم ،وجعيل الكافريين بعضهيم
أولياء بعيض .ثيم قال" :إل تفعلوه" وهيو أن يتولى المؤمين الكافير دون المؤمنيين" .تكين فتنية" أي
محنة بالحرب ،وما أنجر معها من الغارات والجلء والسير .والفساد الكبير :ظهور الشرك .قال
الكسائي :ويجوز النصب في قوله" :تكن فتنة" على معنى تكن فعلتكم فتنة وفسادا كبيرا.
**3اليتان{ 75 - 74 :والذيين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فيي سيبيل ال والذيين آووا ونصيروا
أولئك هيم المؤمنون حقيا لهيم مغفرة ورزق كرييم ،والذيين آمنوا مين بعيد وهاجروا وجاهدوا معكيم
فأولئك منكم وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب ال إن ال بكل شيء عليم}
@قوله تعالى" :حقا" مصدر ،أي حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة .وحقق ال إيمانهم بالبشارة في
قوله" :لهم مغفرة ورزق كريم" أي ثواب عظيم في الجنة.
@قوله تعالى" :والذين آمنوا من بعد وهاجروا" يريد من بعد الحديبية وبيعة الرضوان .وذلك أن
الهجرة ميين بعييد ذلك كانييت أقييل رتبيية ميين الهجرة الولى .والهجرة الثانييية هييي التييي وقييع فيهييا
الصيالح ،ووضعيت الحرب أوزارهيا نحيو عاميين ثيم كان فتيح مكية .ولهذا قال علييه السيلم( :ل
هجرة بعد الفتح) .فبين أن من آمن وهاجر من بعد يلتحق بهم .ومعنى "منكم" أي مثلكم في النصر
والموالة.
@قوله تعالى" :وأولوا الرحام" ابتداء .والواحد ذو ،والرحم مؤنثة ،والجمع أرحام .والمراد بها
ههنا العصبات دون المولود بالرحم .ومما يبين أن المراد بالرحم العصبات قول العرب :وصلتك
رحييم .ل يريدون قرابيية الم .قالت قتيلة بنييت الحارث -أخييت النضيير بيين الحارث -كذا قال ابيين
هشام .قال السيهيلي :الصيحيح أنهيا بنيت النضير ل أختيه ،كذا وقيع فيي كتاب الدلئل -ترثيي أباهيا
حين قتله النبي صلى ال عليه وسلم صبرا -بالصفراء:
من صبح خامسة وأنت موفق يا راكبا إن الثيل مظنة
ما إن تزال بها النجائب تخفق أبلغ بها ميتا بأن تحية
جادت بواكفها وأخرى تخنق مني إليك وعبرة مسفوحة
أم كيف يسمع ميت ل ينطق هل يسمعني النضر إن ناديته
في قومها والفحل فحل معرق أمحمد يا خير ضنء كريمة
من الفتى وهو المغيط المحنق ما كان ضرك لو مننت وربما
بأعز ما يفدى به ما ينفق لو كنت قابل فدية لفديته
وأحقهم إن كان عتق يعتق فالنضر أقرب من أسرت قرابة
ل أرحام هناك تشقق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
رسف المقيد وهو عان موثق صبرا يقاد إلى المنية متعبا
@ واختلف السلف ومن بعدهم في توريث ذوي الرحام -وهو من ل سهم له في الكتاب -من
قرابية المييت ولييس بعصيبة ،كأولد البنات ،وأولد الخوات وبنات الخ ،والعمية والخالة ،والعيم
أخ الب للم ،والجيد أبيي الم ،والجدة أم الم ،ومين أدلى بهيم .فقال قوم :ل يرث مين ل فرض له
من ذوي الرحام .وروي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عمر ،ورواية عن علي ،وهو
قول أهييل المدينيية ،وروي عيين مكحول والوزاعييي ،وبييه قال الشافعييي رضييي ال عنييه .وقال
بتوريثهم :عمر بن الخطاب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وعائشة وعلي في رواية عنه ،وهو
قول الكوفيين وأحمد وإسحاق .واحتجوا بالية ،وقالوا :وقد اجتمع في ذوي الرحام سببان القرابة
والسييلم ،فهييم أولى مميين له سييبب واحييد وهييو السييلم .أجاب الولون فقالوا :هذه آييية مجملة
جامعية ،والظاهير بكيل رحيم قرب أو بعيد ،وآيات الموارييث مفسيرة والمفسير قاض على المجميل
ومبين .قالوا :وقد جعل النبي صلى ال عليه وسلم الولء سببا ثابتا ،أقام المولى فيه مقام العصبة
فقال( :الولء لمين أعتيق) .ونهيى عين بييع الولء وعين هبتيه .احتيج الخرون بميا روى أبيو داود
والدارقطني عن المقدام قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من ترك كل فإلي -وربما قال
فإلى ال وإلى رسييوله -وميين ترك مال فلورثتييه فأنييا وارث ميين ل وارث له أعقييل عنييه وأرثييه
والخال وأرث من ل وارث له يعقل عنه .ويرثه) .وروى الدارقطني عن طاوس قال قالت عائشة
رضي ال عنها( :ال مولى من ل مولى له ،والخال وارث من ل وارث له) .موقوف .وروي عن
أبيي هريرة رضيي ال عنيه أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :الخال وارث) .وروي عين
أبيي هريرة قال :سيئل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين ميراث العمية والخالة فقال (ل أدري
حتيى يأتينيي جبرييل) ثيم قال( :أيين السيائل عين ميراث العمية والخالة)؟ قال :فأتيى الرجيل فقال:
(سارني جبريل أنه ل شيء لهما) .قال الدارقطني :لم يسنده غير مسعدة عن محمد بن عمرو وهو
ضعييف ،والصيواب مرسيل .وروي عين الشعيبي قال قال زياد بين أبيي سيفيان لجليسيه :هيل تدري
كيف قضى عمر في العمة والخالة؟ قال ل .قال :إني لعلم خلق ال كيف قضى فيهما عمر ،جعل
الخالة بمنزلة الم ،والعمة بمنزلة الب.
**2سورة التوبة
**3مقدمة
@ في أسمائها .قال سعيد بن جبير :سألت ابن عباس رضي ال عنه عن سورة براءة فقال :تلك
الفاضحية ميا زال ينزل :ومنهيم ومنهيم حتيى خفنيا أل تدع أحدا .قال القشيري أبيو نصير عبدالحمييد:
هذه السيورة نزلت فيي غزوة تبوك ونزلت بعدهيا .وفيي أولهيا نبيذ عهود الكفار إليهيم .وفيي السيورة
كشيف أسيرار المنافقيين .وتسيمى الفاضحية والبحوث ،لنهيا تبحيث عين أسيرار المنافقيين وتسيمى
المبعثرة والبعثرة :البحث.
@ واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أول هذه السورة على أقوال خمسة[ :الول] أنه
قييل كان مين شأن العرب فيي زمانهيا فيي الجاهليية إذا كان بينهيم وبيين قوم عهيد فإذا أرادوا نقضيه
كتبوا إليهيم كتابيا ولم يكتبوا فييه بسيملة فلميا نزلت سيورة براءة بنقيض العهيد الذي كان بيين النيبي
صيلى ال علييه وسيلم والمشركين بعيث بها النبي صلى ال عليه وسيلم علي ابن أبيي طالب رضيي
ال عنه فقرأها عليهم في الموسم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادتهم في نقض العهد من
ترك البسيملة .وقول ثان :روى النسيائي قال حدثنيا أحميد قال حدثنيا محميد بين المثنيى عن يحييى بين
سيعيد قال حدثنيا عوف قال حدثنيا يزييد الرقاشيي قال قال لنيا ابين عباس :قلت لعثمان ميا حملكيم إلى
أن عمدتيم إلى [النفال] وهيي مين المثانيي وإلى [براءة] وهيي مين المئيين فقرنتيم بينهميا ولم تكتبوا
سطر بسم ال الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول فما حملكم على ذلك؟ قال عثمان :إن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان إذا نزل علييه الشييء يدعيو بعيض مين يكتيب عنده فيقول:
(ضعوا هذا فيي السيورة التيي فيهيا كذا وكذا) .وتنزل علييه اليات فيقول( :ضعوا هذه اليات فيي
السيورة التيي يذكير فيهيا كذا وكذا) .وكانيت [النفال] مين أوائل ميا أنزلو [براءة] مين آخير القرآن
وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يبين لنا أنه منها فظننت
أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم ال الرحمن الرحيم .وخرجه أبو عيسى
الترمذي وقال :هدا حدييث حسين .وقول ثالث :روي عين عثمان أيضيا .وقال مالك فيميا رواه ابين
وهيب وابين القاسيم وابين عبدالحكيم :إنيه لميا سيقط أولهيا سيقط بسيم ال الرحمين الرحييم معيه .وروي
ذلك عين ابين عجلن أنيه بلغيه أن سيورة [براءة] كانيت تعدل البقرة أو قربهيا فذهيب منهيا فلذلك لم
يكتب بينهما بسم ال الرحمن الرحييم .وقال سعيد بن جبير :كانت مثل سورة البقرة .وقول رابع:
قاله خارجية وأبيو عصيمة وغيرهميا .قالوا :لميا كتبوا المصيحف فيي خلفية عثمان اختلف أصيحاب
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،فقال بعضهيم :براءة والنفال سيورة واحدة .وقال بعضهيم :هميا
سورتان .فتركت بينهما فرجة لقول من قال أنهما سورتان وتركت بسم ال الرحمن الرحييم لقول
من قال هما سورة واحدة فرضي الفريقان معا وثبتت حجتاهما في المصحف .وقول خامس :قال
عبدال بين عباس :سيألت علي بين أبيي طالب لم لم يكتيب فيي براءة بسيم ال الرحمين الرحييم؟ قال:
لن بسيم ال الرحمين الرحييم أمان وبراءة نزلت بالسييف لييس فيهيا أمان .وروي معناه عين الميبرد
قال :ولذلك لم يجميع بينهميا فإن بسيم ال الرحمين الرحييم رحمية وبراءة نزلت سيخطة .ومثله عين
سيفيان .قال سيفيان بين عيينية :إنميا لم تكتيب فيي صيدر هذه السيورة بسيم ال الرحمين الرحييم لن
التسييمية رحميية والرحميية أمان وهذه السييورة نزلت فييي المنافقييين وبالسيييف ول أمان للمنافقييين.
والصحيح أن التسمية لم تكتب لن جبريل عليه السلم ما نزل بها في هذه السورة قاله القشيري.
وفي قول عثمان :قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها دليل على أن السور
كلها انتظمت بقوله وتبيينه وأن براءة وحدها ضمت إلى النفال من غير عهد من النبي صلى ال
عليه وسلم لما عاجله من الحمام قبل تبيينه ذلك .وكانتا تدعيان القرينتين فوجب أن تجمعا وتضم
إحداهما إلى الخرى للوصف الذي لزمهما من القتران ورسول ال صلى ال عليه وسلم حي.
@ قال ابن العربي :هذا دليل على أن القياس أصل في الدين أل ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة
كيييف لجؤوا إلى قياس الشبييه عنييد عدم النييص ورأوا أن قصيية [براءة] شبيهيية بقصيية [النفال]
فألحقوها بها؟ فإذا كان ال تعالى قد بين دخول القياس في تأليف القرآن فما ظنك بسائر الحكام.
**3الية{ 1 :براءة من ال ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين}
@قوله تعالى" :براءة" تقول :برئت مين الشييء أبرأ براءة فأنيا منيه برييء إذا أزلتيه عين نفسيك
وقطعت سبب ما بينك وبينه .و"براءة" رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذه براءة .ويصح أن
ترفييع بالبتداء .والخييبر فييي قوله" :إلى الذييين" .وجاز البتداء بالنكرة لنهييا موصييوفة فتعرفييت
تعريفيا ميا وجاز الخبار عنهيا .وقرأ عيسيى بين عمير "براءة" بالنصيب على تقديير التزموا براءة
ففيها معنى الغراء .وهي مصدر على فعالة كالشناءة والدناءة.
@قوله تعالى" :إلى الذيين عاهدتيم مين المشركيين" يعنيي إلى الذيين عاهدهيم رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم لنيه كان المتولي للعقود وأصيحابه بذلك كلهيم راضون فكأنهيم عاقدوا وعاهدوا فنسيب
العقد إليهم .وكذلك ما عقده أئمة الكفر على قومهم منسوب إليهم محسوب عليهم يؤاخذون به إذ ل
يمكن غير ذلك فإن تحصيل الرضا من الجميع متعذر فإذا عقد المام لما يراه من المصلحة أمرا
لزم جميع الرعايا.
**3الية{ 2 :فسيحوا في الرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي ال وأن ال مخزي
الكافرين}
@قوله تعالى" :فسيحوا" رجع من الخبر إلى الخطاب أي قل لهم سيحوا أي سيروا في الرض
مقبليين ومدبريين آمنيين غيير خائفيين أحدا مين المسيلمين بحرب ول سيلب ول قتيل ول أسير .يقال
ساح فلن في الرض يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا ومنه السيح في الماء الجاري المنبسط ومنه
قول طرفة بن العبد:
حتى ترى خيل أمامي تسيح لو خفت هذا منك ما نلتني
@ واختلف العلماء في كيفية هذا التأجيل وفي هؤلء الذين برئ ال منهم ورسوله .فقال محمد بن
إسيحاق وغيره :هميا صينفان مين المشركيين أحدهميا كانيت مدة عهده أقيل مين أربعية أشهير فأمهيل
تمام أربعية أشهير والخير كانيت مدة عهده بغيير أجيل محدود فقصير بيه على أربعية أشهير ليرتاد
لنفسيه .ثيم هيو حرب بعيد ذلك ل ولرسيوله وللمؤمنيين يقتيل حييث ميا أدرك ويؤسير إل أن يتوب
وابتداء هذا الجيل يوم الحيج الكيبر وانقضاؤه إلى عشير مين شهير ربييع الخير فأميا مين لم يكين له
عهييد فإنمييا أجله انسييلخ الربعيية الشهيير الحرم وذلك خمسييون يومييا :عشرون ميين ذي الحجيية
والمحرم .وقال الكلبيي :إنميا كانيت الربعية الشهير لمين كان بينيه وبيين رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم عهيد دون أربعية أشهير ومين كان عهده أكثير مين أربعية أشهير فهيو الذي أمير ال أن يتيم له
عهده بقوله "فأتموا إليهيم عهدهيم إلى مدتهيم" [التوبية ]4 :وهذا اختيار الطيبري وغيره .وذكير
محميد بن إسحاق ومجاهيد وغيرهميا :أن هذه الية نزلت في أهل مكية .وذلك أن رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم صيالح قريشيا عام الحديبيية ،على أن يضعوا الحرب عشير سينين ،يأمين فيهيا الناس
ويكيف بعضهيم عين بعيض ،فدخلت خزاعية فيي عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،ودخيل بنيو
بكير في عهد قريش ،فعدت بنيو بكر على خزاعة ونقضوا عهدهيم .وكان سبب ذلك دميا كان لبنيي
بكير عنيد خزاعية قبيل السيلم بمدة ،فلميا كانيت الهدنية المنعقدة يوم الحديبيية ،أمين الناس بعضهيم
بعضيا ،فاغتنيم بنيو الدييل مين بنيي بكير -وهيم الذيين كان الدم لهيم -تلك الفرصية وغفلة خزاعية،
وأرادوا إدراك ثأر بني السود بن رزن ،الذين قتلهم خزاعة ،فخرج نوفل بن معاوية الديلي فيمن
أطاعيه مين بنيي بكير بين عبيد مناة ،حتيى بيتوا خزاعية واقتتلوا ،وأعانيت قرييش بنيي بكير بالسيلح،
وقوم من قريش أعانوهم بأنفسهم ،فانهزمت خزاعة إلى الحرم على ما هو مشهور مسطور ،فكان
ذلك نقضا للصلح الواقع يوم الحديبية ،فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وبديل بن ورقاء الخزاعي
وقوم من خزاعة ،فقدموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم مستغيثين فيما أصابهم به بنو بكر
وقريش ،وأنشد عمرو بن سالم فقال:
حلف أبينا وأبيه أل تلدا يا رب إني ناشد محمدا
ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا كنت لنا أبا وكنا ولدا
عتدا وادع عباد ال يأتوا مددا فانصر هداك ال نصرا
أبيض مثل الشمس ينمو صعدا فيهم رسول ال قد تجردا
في فليق كالبحر يجري مربدا إن سيم خسفا وجهه تربدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا إن قريش أخلفوك الموعدا
وهم أذل وأقل عددا وزعموا أن لست تدعو أحدا
وقتلونا ركعا وسجدا هم بيتونا بالوتير هجدا
فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل نصيرت إن لم أنصير كعيب) .ثيم نظير إلى سيحابة فقال:
(إنهيا لتسيتهل لنصير بنيي كعيب) يعنيي خزاعية .وقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لبدييل بين
ورقاء ومين معيه( :إن أبيا سيفيان سييأتي ليشيد العقيد ويزييد فيي الصيلح وسيينصرف بغيير حاجية).
فندمت قريش على ما فعلت ،فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليستديم العقد ويزيد في الصلح ،فرجع
بغيير حاجية كميا أخيبر رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،على ميا هيو معروف مين خيبره .وتجهيز
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى مكية ففتحهيا ال ،وذلك فيي سينة ثمان مين الهجرة .فلميا بلغ
هوازن فتيح مكية جمعهيم مالك بين عوف النصيري ،على ميا هيو معروف مشهور مين غزاة حنيين.
وسيأتي بعضها .وكان الظفر والنصر للمسلمين على الكافرين .وكانت وقعة هوازن يوم حنين في
أول شوال مين السينة الثامنية مين الهجرة .وترك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قسيم الغنائم مين
الموال والنساء ،فلم يقسمها حتى أتى الطائف ،فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بضعا
وعشرين ليلة .وقيل غير ذلك .ونصب عليهم المنجنيق ورماهم به ،على ما هو معروف من تلك
الغزاة .ثم انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الجعرانة ،وقسم غنائم حنين ،على ما هو
مشهور مين أمرهيا وخبرهيا .ثيم انصيرف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وتفرقوا ،وأقام الحيج
للناس عتاب بين أسييد فيي تلك السينة .وهيو أول أميير أقام الحيج فيي السيلم .وحيج المشركون على
مشاعرهييم .وكان عتاب بين أسيييد خيرا فاضل ورعيا .وقدم كعييب بين زهييير بين أبيي سيلمى إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم وامتدحه ،وأقام على رأسه بقصيدته التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
وأنشدهيا إلى آخرهيا ،وذكير فيهيا المهاجريين فأثنيى عليهيم -وكان قبيل دلك قيد حفيظ له هجاء فيي
النيبي صيلى ال علييه وسيلم -فعاب علييه النصيار إذ لم يذكرهيم ،فغدا على النيبي صيلى ال علييه
وسلم بقصيدة يمتدح فيها النصار فقال:
في مقنب من صالحي النصار من سره كرم الحياة فل يزل
إن الخيار هم بنو الخيار ورثوا المكارم كابرا عن كابر
كسوافل الهندي غير قصار المكرهين السمهري بأذرع
كالجمر غير كليلة البصار والناظرين بأعين محمرة
للموت يوم تعانق وكرار والبائعين نفوسهم لنبيهم
بدماء من علقوا من الكفار يتطهرون يرونه نسكا لهم
غلب الرقاب من السود ضوار دربوا كما دربت ببطن خفية
أصبحت عند معاقل الغفار وإذا حللت ليمنعوك إليهم
دانت لوقعتها جميع نزار ضربوا عليا يوم بدر ضربة
فيهم لصدقني الذين أماري لو يعلم القوام علمي كله
للطارقين النازلين مقاري قوم إذا خوت النجوم فإنهم
ثييم أقام رسيول ال صييلى ال عليييه وسييلم بالمدينية بعييد انصيرافه مين الطائف ذا الحجية والمحرم
وصفر وربيع الول وربيع الخر وجمادى الول وجمادى الخر ،وخرج في رجب من سنة تسع
بالمسلمين إلى غزوة الروم غزوة تبوك .وهي شخر غزوة غزاها .قال ابن جريج عن مجاهد :لما
انصيرف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين تبوك أراد الحيج ثيم قال( :إنيه يحضير البييت عراة
مشركون يطوفون بالبيت فل أحب أن أحج حتى ل يكون ذلك) .فأرسل أبا بكر أميرا على الحج،
وبعيث معيه بأربعيين آيية مين صيدر [براءة] ليقرأهيا على أهيل الموسيم .فلميا خرج دعيا النيبي صيلى
ال عليه وسيلم عليا وقال( :أخرج بهذه القصية من صيدر براءة فأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا).
ي على ناقة النبي صلى ال عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر الصديق رضي ال فخرج عل ٌ
عنهما بذي الحليفة .فقال له أبو بكر لما رآه :أمير أو مأمور؟ فقال :بل مأمور ثم نهضا ،فأقام أبو
بكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية .في كتاب النسائي عن جابر وأن عليا
قرأ على الناس [براءة] حتيى ختمهيا قبيل يوم الترويية بيوم .وفيي يوم عرفية وفيي يوم النحير عنيد
انقضاء خطبية أبيي بكير فيي الثلثية اليام .فلميا كان يوم النفير الول قام أبيو بكير فخطيب الناس،
فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون ،يعلمهم مناسكهم .فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس [براءة]
حتيى ختمها .وقال سليمان بن موسى :لما خطب أبو بكر بعرفة قال قيم ييا علي فأد رسيالة رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،فقام علي ففعل .قال :ثم وقع في نفسي أن جميع الناس لم يشاهدوا خطبة
أبي بكر ،فجعلت أتتبع الفساطيط يوم النحر .وروى الترمذي عن زيد بن يثيع قال :سألت عليا بأي
شييء بعثيت فيي الحيج؟ قال :بعثيت بأربيع :أل يطوف بالبييت عريان ،ومين كان بينيه وبيين النيبي
صلى ال عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ،ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر ،ول يدخل الجنة
إل نفس مؤمنة ،ول يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا .قال :هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجيه النسيائي وقال :فكنيت أنادي حتيى صيحل صيوتي .قال أبيو عمير :بعيث علي لينبيذ إلى كيل
ذي عهيد عهده ،ويعهيد إليهيم أل يحيج بعيد العام مشرك ،ول يطوف بالبييت عريان .وأقام الحيج فيي
ذلك العام سينة تسيع أبيو بكير .ثيم حيج رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم مين قابيل حجتيه التيي لم يحيج
غيرها من المدينة ،فوقعت حجته في ذي الحجة فقال( :إن الزمان قد استدار )...الحديث ،على ما
يأتيي فيي آيية النسييء بيانيه .وثبيت الحيج فيي ذي الحجية إلى يوم القيامية .وذكير مجاهيد :أن أبيا بكير
حيج فيي ذي القعدة مين سينة تسيع .ابين العربيي :وكانيت الحكمية فيي إعطاء [براءة] لعلي أن براءة
تضمنيت نقيض العهيد الذي كان عقده النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،وكانيت سييرة العرب أل يحيل
العقد إل الذي عقده أو رجل من أهل بيته ،فأراد النبي صلى ال عليه وسلم أن يقطع ألسنة العرب
بالحجية ،ويرسيل ابين عميه الهاشميي مين بيتيه ينقيض العهيد ،حتيى ل يبقيى لهيم متكلم .قال معناه
الزجاج.
@ قال العلماء :وتضمنيت اليية جواز قطيع العهيد بيننيا وبيين المشركيين .ولذلك حالتان :حالة
تنقضيي المدة بيننيا وبينهيم فنؤذنهيم بالحرب .واليذان اختيار .والثانيية :أن نخاف منهيم غدرا ،فننبيذ
إليهيم عهدهيم كميا سيبق .ابين عباس :واليية منسيوخة فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم عاهيد ثيم نبيذ
العهد لما أمر بالقتال.
**3اليية{ 3 :وأذان مين ال ورسيوله إلى الناس يوم الحيج الكيبر أن ال برييء مين المشركيين
ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي ال وبشر الذين كفروا بعذاب
أليم}
@قوله تعالى" :وأذان" الذان :العلم لغية مين غيير خلف .وهيو عطيف على "براءة"" .إلى
الناس" الناس هنييا جميييع الخلق" .يوم الحييج الكييبر" ظرف ،والعامييل فيييه "أذان" .وإن كان قييد
وصف بقوله" :من ال" ،فإن رائحة الفعل فيه باقية ،وهي عاملة في الظروف .وقيل :العامل فيه
"مخزي" ول يصح عمل "أذان" ،لنه قد وصف فخرج عن حكم الفعل.
@ واختلف العلماء فيي الحيج الكيبر ،فقييل :يوم عرفية .روي عين عمير وعثمان وابين عباس
وطاوس ومجاهيد .وهيو مذهيب أبيي حنيفية ،وبيه قال الشافعيي .وعين علي وابين عباس أيضيا وابين
مسيعود وابين أبيي أوفيى والمغيرة بين شعبية أنيه يوم النحير .واختاره الطيبري .وروى ابين عمير أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقيف يوم النحير فيي الحجية التيي حيج فيهيا فقال( :أي يوم هذا)
فقالوا :يوم النحر فقال( :هذا يوم الحج الكبر) .أخرجه أبو داود .وخرج البخاري عن أبي هريرة
قال :بعثني أبو بكر الصديق رضي ال عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى :ل يحج بعد العام مشرك
ول يطوف بالبييت عريان .ويوم الحيج الكيبر يوم النحير .وإنميا قييل الكيبر مين أجيل قول الناس:
الحج الصغر .فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ،فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي
صيلى ال علييه وسيلم مشرك .وقال ابين أبيي أوفيى :يوم النحير يوم الحيج الكيبر ،يهراق فييه الدم،
ويوضيع فييه الشعير ،ويلقيى فييه التفيث ،وتحيل فييه الحرم .وهذا مذهيب مالك ،لن يوم النحير فييه
كالحيج كله ،لن الوقوف إنميا هيو ليلتيه ،والرميي والنحير والحلق والطواف فيي صيبيحته .احتيج
الولون بحدييث مخرمية أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :يوم الحيج الكيبر يوم عرفية) .رواه
إسيماعيل القاضيي .وقال الثوري وابين جرييج :الحيج الكيبر أيام منيى كلهيا .وهذا كميا يقال :يوم
صيفين وييم الجميل ويوم بعاث ،فيراد بيه الحيين والزمان ل نفيس اليوم .وروي عين مجاهيد :الحيج
الكيبر القران ،والصيغر الفراد .وهذا لييس من اليية فيي شييء .وعنه وعن عطاء :الحج الكيبر
الذي فيييه الوقوف بعرفيية ،والصييغر العمرة .وعين مجاهييد أيضييا :أيام الحييج كلهييا .وقال الحسيين
وعبدال بيين الحارث بيين نوفييل :إنمييا سييمي يوم الحييج الكييبر لنييه حييج ذلك العام المسييلمون
والمشركون ،واتفقييت فيييه يومئذ أعياد الملل :اليهود والنصييارى والمجوس .قال ابيين عطييية :هذا
ضعيف أن يصفه ال عز وجل في كتابه بالكبر لهذا .وعن الحسن أيضا :إنما سمي الكبر لنه
حيج فييه أبيو بكير ونبذت فييه العهود .وهذا الذي يشبيه نظير الحسين .وقال ابين سييرين :يوم الحيج
الكبر العام الذي حج فيه النبي صلى ال عليه وسلم حجة الوداع ،وحجت معه فيه المم.
@قوله تعالى" :أن ال برييء مين المشركيين ورسيوله" "أن" بالفتيح فيي موضيع نصيب .والتقديير
بأن ال .وميين قرأ بالكسيير قدره بمعنييى قال إن ال "بريييء" خييبر أن" .ورسييوله" عطييف على
الموضع ،وإن شئت على المضمر المرفوع في "بريء" .كلهما حسن؛ لنه قد طال الكلم .وإن
شئت على البتداء والخبر محذوف؛ التقديير :ورسوله بريء منهم .ومن قرأ "ورسوله" بالنصب
-وهو الحسن وغيره -عطفه على اسم ال عز وجل على اللفظ .وفي الشواذ "رسوله" بالخفض
على القسم ،أي وحق رسوله؛ ورويت عن الحسن .وقد تقدمت قصة عمر فيها أول الكتاب" .فإن
تبتيم" أي عين الشرك" .فهيو خيير لكيم" أي أنفيع لكيم" .وإن توليتيم" أي عين اليمان" .فاعلموا أنكيم
غير معجزي ال" أي فائتيه؛ محيط بكم ومنزل عقابه عليكم.
**3اليية{ 4 :إل الذيين عاهدتيم مين المشركيين ثيم لم ينقصيوكم شيئا ولم يظاهروا عليكيم أحدا
فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن ال يحب المتقين}
@قوله تعالى" :إل الذين عاهدتم من المشركين" في موضع نصب بالستثناء المتصل ،المعنى:
أن ال بريء من المشركين إل من المعاهدين في مدة عهدهم .وقيل :الستثناء منقطع ،أي أن ال
برييء منهيم ولكين الذيين عاهدتيم فثبتوا على العهيد فأتموا إليهيم عهدهيم .وقوله" :ثيم لم ينقصيوكم"
يدل على أنيه كان مين أهيل العهيد مين خاس بعهده ومنهيم مين ثبيت على الوفاء ،فأذن ال سيبحانه
لنبييه صلى ال عليه وسلم في نقض عهد من خاس ،وأمر بالوفاء لمن بقي على عهده إلى مدته.
ومعنيييى "لم ينقصيييوكم" أي مييين شروط العهيييد شيئا" .ولم يظاهروا" لم يعاونوا .وقرأ عكرمييية
وعطاء بيين يسييار "ثييم لم ينقضوكييم" بالضاد معجميية على حذف مضاف ،التقدييير ثييم لم ينقضوا
عهدهيم .يقال :إن هذا مخصيوص يراد بيه بنيو ضمرة خاصية .ثيم قال" :فأتموا إليهيم عهدهيم إلى
مدتهم" أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر.
**3الية{ 5 :فإذا انسلخ الشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم
واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :فإذا انسلخ الشهر الحرم" أي خرج .وسلخت الشهر إذا صرت في أواخر أيامه،
تسلخه سلخا وسلوخا بمعنى خرجت منه .وقال الشاعر:
كفى قاتل سلخي الشهور وإهللي إذا ما سلخت الشهر أهللت قبله
وانسلخ الشهر وانسلخ النهار من الليل المقبل .وسلخت المرأة درعها نزعته وفي التنزيل" :وآية
لهم الليل نسلخ منه النهار" [يس .]37 :ونخلة مسلخ ،وهي التي ينتثر بسرها أخضر.
والشهير الحرم فيهيا للعلماء قولن :قييل هيي الشهير المعروفية ،ثلثية سيرد وواحيد فرد .قال
الصيم :أرييد بيه مين ل عقيد له مين المشركيين ،فأوجيب أن يمسيك عين قتالهيم حتيى ينسيلخ الحرم،
وهيو مدة خمسيين يوميا على ميا ذكره ابين عباس ،لن النداء كان بذلك يوم النحير .وقيد تقدم هذا.
وقييل :شهور العهيد أربعية ،قاله مجاهيد وابين إسيحاق وابين زييد وعمرو بين شعييب .وقييل لهيا حرم
لن ال حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والتعرض لهم إل على سبيل الخير.
@قوله تعالى" :فاقتلوا المشركيين" عام فيي كيل مشرك ،لكين السينة خصيت منيه ميا تقدم بيانيه فيي
سورة "البقرة" من امرأة وراهب وصبي وغيرهم .وقال ال تعالى في أهل الكتاب" :حتى يعطوا
الجزيية" .إل أنييه يجوز أن يكون لفيظ المشركييين ل يتناول أهيل الكتاب ،ويقتضييي ذلك منيع أخيذ
الجزيية مين عبدة الوثان وغيرهيم ،على ميا يأتيي بيانيه .واعلم أن مطلق قوله" :اقتلوا المشركيين"
يقتضيي جواز قتلهيم بأي وجيه كان ،إل أن الخبار وردت بالنهيي عين المثلة .وميع هذا فيجوز أن
يكون الصييديق رضييي ال عنييه حييين قتييل أهييل الردة بالحراق بالنار ،وبالحجارة وبالرمييي ميين
رؤوس الجبال ،والتنكييس فيي البار ،تعلق بعموم اليية .وكذلك إحراق علي رضيي ال عنيه قوميا
من أهل الردة يجوز أن يكون ميل إلى هذا المذهب ،واعتمادا على عموم اللفظ .وال أعلم.
@قوله تعالى" :حيث وجدتموهم" عام في كل موضع .وخص أبو حنيفة رضي ال عنه المسجد
الحرام ،كما سبق في سورة "البقرة" ثم اختلفوا ،فقال الحسين بن الفضل :نسخت هذه كل آية في
القرآن فيهييا ذكيير العراض والصييبر على أذى العداء .وقال الضحاك والسييدي وعطاء :هييي
منسوخة بقوله" :فإما منا بعد وإما فداء" [محمد .]4 :وأنه ل يقتل أسير صبرا ،إما أن يمن عليه
وإميا أن يفادى .وقال مجاهيد وقتادة :بيل هيي ناسيخة لقوله تعالى" :فإميا منيا بعيد وإميا فداء" وأنيه ل
يجوز فيي السيارى مين المشركيين إل القتيل .وقال ابين زييد :اليتان محكمتان .وهيو الصيحيح ،لن
المن والقتل والفداء لم يزل من حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم،
وهو يوم بدر كما سبق .وقوله" :وخذوهم" يدل عليه .والخذ هو السر .والسر إنما يكون للقتل
أو الفداء أو الميين على مييا يراه المام .ومعنييى" :احصييروهم" يريييد عيين التصييرف إلى بلدكييم
والدخول إليكم ،إل أن تأذنوا لهم فيدخلوا إليكم بأمان.
@قوله تعالى" :واقعدوا لهم كل مرصد" المرصد :الموضع الذي يرقب فيه العدو ،يقال :رصدت
فلنا أرصده ،أي رقبته .أي اقعدوا لهم في مواضع الغرة حيث يرصدون .قال عامر بن الطفيل:
أن المنية للفتى بالمرصد ولقد علمت وما إخالك ناسيا
وقال عدي:
وإن المنايا للنفوس بمرصد أعاذل إن الجاهل من لذة الفتى
وفي هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة .ونصب "كل" على الظرف ،وهو اختيار الزجاج،
ويقال :ذهبيت طريقيا وذهبيت كيل طرييق .أو بإسيقاط الخافيض ،التقديير :فيي كيل مرصيد وعلى كيل
مرصيد ،فيجعيل المرصيد اسيما للطرييق .وخطيأ أبيو علي الزجاج فيي جعله الطرييق ظرفيا وقال:
الطرييق مكان مخصيوص كالبييت والمسيجد ،فل يجوز حذف حرف الجير منيه إل فيميا ورد فييه
الحذف سماعا ،كما حكى سيبويه :دخلت الشام ودخلت البيت ،وكما قيل:
كما عسل الطريق الثعلب
@قوله تعالى" :فإن تابوا" أي من الشرك" .وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" هذه الية
فيها تأمل ،وذلك أن ال تعالى علق القتل على الشرك ،ثم قال" :فإن تابوا" .والصل أن القتل متى
كان الشرك يزول بزواله ،ودلك يقتضيي زوال القتل بمجرد التوبة ،من غير اعتبار إقامة الصلة
وإيتاء الزكاة ،ولذلك سقط القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلة والزكاة .وهذا بين في هدا المعنى،
غيير أن ال تعالى ذكير التوبية وذكير معهيا شرطيين آخريين ،فل سيبيل إلى إلغائهميا .نظيره قوله
صييلى ال عليييه وسييلم( :أمرت أن أقاتييل الناس حتييى يقولوا ل إله إل ال ويقيموا الصييلة ويؤتوا
الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصيموا منيي دماءهيم وأموالهيم إل بحقهيا وحسيابهم على ال) .وقال أبيو بكير
الصيديق رضيي ال عنيه(:وال لقاتلن مين فرق بيين الصيلة والزكاة ،فإن الزكاة حيق المال) وقال
ابين عباس :رحيم ال أبيا بكير ميا كان أفقهيه .وقال ابين العربيي :فانتظيم القرآن والسينة واطردا .ول
خلف بين المسلمين أن من ترك الصلة وسائر الفرائض مستحل كفر ،ومن ترك السنن متهاونا
فسق ،ومن ترك النوافل لم يحرج ،إل أن يجحد فضلها فيكفر ،لنه يصير رادا على الرسول عليه
السلم ما جاء به وأخبر عنه .واختلفوا فيمن ترك الصلة من غير جحد لها ول استحلل ،فروى
يونس بن عبدالعلى قال :سمعت ابن وهب يقول قال مالك :من آمن بال وصدق المرسلين وأبى
أن يصيلي قتيل ،وبيه قال أبيو ثور وجمييع أصيحاب الشافعيي .وهيو قول حماد بين زييد ومكحول
ووكيع .وقال أبو حنيفة :يسجن ويضرب ول يقتل ،وهو قول ابن شهاب وبه يقول داود بن علي.
ومن حجتهم قوله صلى ال عليه وسلم( :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوا
ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها) .وقالوا :حقها الثلث التي قال النبي صلى ال عليه
وسيلم( :ل يحيل دم امرئ مسيلم إل بإحدى ثلث كفير بعيد إيمان أو زنيى بعيد إحصيان أو قتيل نفيس
بغيير نفيس) .وذهبيت جماعية مين الصيحابة والتابعيين إلى أن مين ترك صيلة واحدة متعمدا حتيى
يخرج وقتها لغير عذر ،وأبى من أدائها وقضائها وقال ل أصلي فإنه كافر ،ودمه وماله حللن،
ول يرثيه ورثتيه مين المسيلمين ،ويسيتتاب ،فإن تاب وإل قتيل ،وحكيم ماله كحكيم مال المرتيد ،وهيو
قول إسييحاق .قال إسييحاق :وكذلك كان رأي أهييل العلم ميين لدن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم إلى
زماننيا هذا .وقال ابين خوييز منداد :واختلف أصيحابنا متيى يقتيل تارك الصيلة ،فقال بعضهيم فيي
آخير الوقيت المختار ،وقال بعضهيم آخير وقيت الضرورة ،وهيو الصيحيح مين ذلك .وذلك أن يبقيى
مين وقيت العصير أربيع ركعات إلى مغييب الشميس ،ومين اللييل أربيع ركعات لوقيت العشاء ،ومين
الصييبح ركعتان قبييل طلوع الشمييس .وقال إسييحاق :وذهاب الوقييت أن يؤخيير الظهيير إلى غروب
الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر.
@ هذه اليية دالة على أن مين قال :قيد تبيت أنيه ل يجتزأ بقوله حتيى ينضاف إلى ذلك أفعاله
المحققة للتوبة ،لن ال عز وجل شرط هنا مع التوبة إقام الصلة وإيتاء الزكاة ليحقق بهما التوبة.
وقال فييي آييية الربييا "وإن تبتييم فلكييم رؤوس أموالكييم" [البقرة .]279:وقال" :إل الذييين تابوا
وأصلحوا وبينوا" [البقرة ]160 :وقد تقدم معنى هذا في سورة البقرة.
**3الية{ 6 :وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال ثم أبلغه مأمنه ذلك
بأنهم قوم ل يعلمون}
@قوله تعالى" :وإن أحيد مين المشركيين" أي مين الذيين أمرتيك بقتالهيم" .اسيتجارك" أي سيأل
جوارك ،أي أمانك وذمامك ،فأعطه إياه ليسمع القرآن ،أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه .فإن قبل
أمرا فحسيين ،وإن أبييى فرده إلى مأمنييه .وهذا مييا ل خلف فيييه .وال أعلم .قال مالك :إذا وجييد
الحربيي فيي طرييق بلد المسيلمين فقال :جئت أطلب المان .قال مالك :هذه أمور مشتبهية ،وأرى
أن يرد إلى مأمنييه .قال ابيين قاسييم :وكذلك الذي يوجييد وقييد نزل تاجرا بسيياحلنا فيقول :ظننييت أل
تعرضوا لمين جاء تاجرا حتيى ييبيع .وظاهير اليية إنميا هيي فيمين يرييد سيماع القرآن والنظير فيي
السلم ،فأما الجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين والنظر فيما تعود عليهم به منفعته.
@ ول خلف بيين كافية العلماء أن أمان السيلطان جائز ،لنيه مقدم للنظير والمصيلحة ،نائب عين
الجمييع فيي جلب المنافيع ودفيع المضار .واختلفوا فيي أمان غيير الخليفية ،فالحير يمضيي أمانيه عنيد
كافية العلماء .إل أن ابين حيبيب قال :ينظير المام فييه .وأميا العبيد فله المان فيي مشهور المذهيب،
وبيه قال الشافعيي وأصيحابه وأحميد وإسيحاق والوزاعيي والثوري وأبيو ثور وداود ومحميد بين
الحسين .وقال أبيو حنيفية :ل أمان له ،وهيو القول الثانيي لعلمائنيا .والول أصيح ،لقوله صيلى ال
علييه وسيلم( :المسيلمون تتكافيأ دماؤهيم ويسيعى بذمتهيم أدناهيم) .قالوا :فلميا قال (أدناهيم) جاز أمان
العبييييد ،وكانييييت المرأة الحرة أحرى بذلك ،ول اعتبار بعلة (ل يسييييهم له) .وقال عبدالملك بيييين
الماجشون :ل يجوز أمان المرأة إل أن يجيزه المام ،فشييذ بقوله عيين الجمهور .وأمييا الصييبي فإذا
أطاق القتال جاز أمانييه ،لنييه ميين جملة المقاتلة ،ودخييل فييي الفئة الحامييية .وقييد ذهييب الضحاك
والسدي إلى أن هذه الية منسوخة بقوله" :فاقتلوا المشركين" .وقال الحسن :هي محكمة سنة إلى
يوم القيامة ،وقاله مجاهد .وقيل :هذه الية إنما كان حكمها باقيا مدة الربعة الشهر التي ضربت
لهيم أجل ،ولييس بشييء .وقال سيعيد بين جيبير :جاء رجيل مين المشركيين إلى علي بين أبيي طالب
فقال :إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء الربعة الشهر فيسمع كلم ال ويأتيه بحاجة
قتل فقال علي بن أبي طالب :ل ،لن ال تبارك وتعالى يقول" :وإن أحد من المشركين استجارك
فأجره حتى يسمع كلم ال" .وهذا صحيح .والية محكمة.
@قوله تعالى" :وإن أحد" "أحد" مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده .وهذا حسن في "إن" وقبيح
فيي أخواتهيا .ومذهيب سييبويه فيي الفرق بيين "إن" وأخواتهيا ،أنهيا لميا كانيت أم حروف الشرط
خصت بهذا ،ولنها ل تكون في غيره .وقال محمد بن يزيد :أما قوله -لنها ل تكون في غيره -
فغلط ،لنهييا تكون بمعنييى -مييا -ومخففيية ميين الثقيلة ولكنهييا مبهميية ،وليييس كذا غيرهييا .وأنشييد
سيبويه:
وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ل تجرعي إن منفسا أهلكته
@ قال العلماء في قوله تعالى" :حتى يسمع كلم ال" دليل على أن كلم ال عز وجل مسموع
عنيد قراءة القارئ ،قاله الشييخ أبيو الحسين والقاضيي أبيو بكير وأبيو العباس القلنسيي وابين مجاهيد
وأبييو إسييحاق السييفراييني وغيرهييم ،لقوله تعالى" :حتييى يسييمع كلم ال" فنييص على أن كلمييه
مسييموع عنييد قراءة القارئ لكلمييه .ويدل عليييه إجماع المسييلمين على أن القارئ إذا قرأ فاتحيية
الكتاب أو سييورة قالوا :سييمعنا كلم ال .وفرقوا بييين أن يقرأ كلم ال تعالى وبييين أن يقرأ شعيير
امرئ القيس .وقد مضى فيي سورة "البقرة" معنى كلم ال تعالى ،وأنه ليس بحرف ول صوت،
والحمد ل.
**3اليية{ 7 :كييف يكون للمشركيين عهيد عنيد ال وعنيد رسيوله إل الذيين عاهدتيم عنيد المسيجد
الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن ال يحب المتقين}
@قوله تعالى" :كييف يكون للمشركيين عهيد عنيد ال وعنيد رسيوله إل الذيين عاهدتيم عنيد المسيجد
الحرام" كييف هنيا للتعجيب ،كميا تقول :كييف يسيبقني فلن أي ل ينبغيي أن يسيبقني .و"عهيد" اسيم
يكون .وفي الية إضمار ،أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر ،كما قال:
فكيف وهاتا هضبة وكثيب وخبرتماني إنما الموت بالقرى
التقديير :فكييف مات ،عين الزجاج .وقييل :المعنيى كييف يكون للمشركيين عهيد عنيد ال يأمنون بيه
عذابه غدا ،وكيف يكون لهم عند رسوله عهد يأمنون به عذاب الدنييا .ثم استثنى فقال" :إل الذين
عاهدتم عند المسجد الحرام" .قال محمد بن إسحاق :هم بنو بكر ،أي ليس العهد إل لهؤلء الذين
لم ينقضوا ولم ينكثوا" .فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن ال يحب المتقين
أي فميا أقاموا على الوفاء بعهدكيم فأقيموا لهيم على مثيل ذلك ابين زييد :فلم يسيتقيموا فضرب لهيم
أجل أربعة أشهر فأما من ل عهد له فقاتلوه حيث وجدتموه إل أن يتوب.
**3اليية{ 8 :كييف وإن يظهروا عليكيم ل يرقبوا فيكيم إل ول ذمية يرضونكيم بأفواههيم وتأبيى
قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
@قوله تعالى" :كيف وإن يظهروا عليكم" أعاد التعجب من أن يكون لهم عهد مع خبث أعمالهم،
أي كييف يكون لهيم عهيد وإن يظهروا عليكيم ل يرقبوا فيكيم إل ول ذمية .يقال :ظهرت على فلن
أي غلبتيه ،وظهرت البييت علوتيه ،ومنيه "فميا اسيتطاعوا أن يظهروه" [الكهيف ]97 :أي يعلوا
عليه.
@قوله تعالى" :ل يرقبوا فيكم" "يرقبوا" يحافظوا .والرقيب الحافظ .وقد تقدم" .إل" عهدا ،عن
مجاهيد وابين زييد .وعين مجاهيد أيضيا :هيو اسيم مين أسيماء ال عيز وجيل .ابين عباس والضحاك:
قرابة .الحسن :جوارا .قتادة :حلفا ،و"ذمة" عهدا .أبو عبيدة :يمينا .وعنه أيضا :إل العهد ،والذمة
التذميم .الزهري :اسيم ال بالعبرانيية ،وأصيله مين اللييل وهيو البرييق ،يقال أل لونيه يؤل أل ،أي
صيفا ولميع .وقييل :أصيله مين الحدة ،ومنيه اللة للحربية ،ومنيه أذن مؤللة أي محددة .ومنيه قول
طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والنتصاب.
كسامعتي شاة بحومل مفرد مؤللتان تعرف العتق فيهما
فإذا قيييل للعهييد والجوار والقرابيية "إل" فمعناه أن الذن تصييرف إلى تلك الجهيية ،أي تحدد لهييا.
والعهييد يسييمى "إل" لصييفائه وظهوره .ويجمييع فييي القلة آلل .وفييي الكثرة إلل .وقال الجوهري
وغيره :الل بالكسر هو ال عز وجل ،والل أيضا العهد والقرابة .قال حسان:
كإل السقب من رأل النعام لعمرك إن إلك من قريش
@قوله تعالى" :ول ذمية" أي عهدا .وهيي كيل حرمية يلزميك إذا ضيعتهيا ذنيب .قال ابين عباس
والضحاك وابين زييد :الذمية العهيد .ومين جعيل الل العهيد فالتكريير لختلف اللفظيين .وقال أبيو
عيبيدة معمير :الذمية التذميم .وقال أبيو عبييد :الذمية المان فيي قوله علييه السيلم( :ويسيعى بذمتهيم
أدناهم) .وجمع ذمة ذمم .وبئر ذمة -بفتح الذال -قليلة الماء ،وجمعها ذمام .قال ذو الرمة:
ذمام الركايا أنكزتها المواتح على حميريات كأن عيونها
أنكزتها أذهبت ماءها .وأهل الذمة أهل العقد.
@قوله تعالى" :يرضونكيم بأفواههيم" أي يقولون بألسينتهم ميا يرضيي ظاهره" .وتأبيى قلوبهيم
وأكثرهييم فاسييقون" أي ناقضون العهييد .وكييل كافيير فاسييق ،ولكنيه أراد ههنييا المجاهرييين بالقبائح
ونقض العهد.
**3الية{ 9 :اشتروا بآيات ال ثمنا قليل فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون}
@ يعنيي المشركيين فيي نقضهيم العهود بأكلة أطعمهيم إياهيا أبيو سيفيان ،قاله مجاهيد .وقييل :إنهيم
اسيتبدلوا بالقرآن متاع الدنييا" .فصيدوا عين سيبيله" أي أعرضوا ،مين الصيدود أو منعوا عين سيبيل
ال ،من الصد.
**3الية{ 10 :ل يرقبون في مؤمن إل ول ذمة وأولئك هم المعتدون}
@ قال النحاس :لييس هذا تكريرا ،ولكن الول لجمييع المشركيين والثانيي لليهود خاصية .والدلييل
على هذا "اشتروا بآيات ال ثمنييا قليل" يعنييي اليهود ،باعوا حجييج ال عييز وجييل وبيانييه بطلب
الرياسة وطمع في شيء" .وأولئك هم المعتدون" أي المجاوزون الحلل إلى الحرام بنقض العهد.
**3الية{ 11 :فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فإخوانكيم في الدين ونفصل اليات لقوم
يعلمون}
@قوله تعالى" :فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة" أي عن الشرك والتزموا أحكام السلم.
"فإخوانكم" أي فهم إخوانكم "فيي الديين" .قال ابن عباس :حرمت هذه دماء أهل القبلة .وقد تقدم
هذا المعنييى .وقال ابيين زيييد :افترض ال الصييلة والزكاة وأبييى أن يفرق بينهمييا وأبييى أن يقبييل
الصييلة إل بالزكاة .وقال ابيين مسييعود :أمرتييم بالصييلة والزكاة فميين لم يزك فل صييلة له .وفييي
حدييث أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين فرق بيين ثلث فرق ال بينيه وبيين رحمتيه يوم
القياميية ميين قال أطيييع ال ول أطيييع الرسييول وال تعالى يقولك "أطيعوا ال وأطيعوا الرسييول"
[النسياء ]59 :ومين قال أقييم الصيلة ول أوتيي الزكاة وال تعالى يقول" :وأقيموا الصيلة وآتوا
الزكاة" [البقرة ]43 :ومن فرق بين شكير ال وشكير والديه وال عز وجل يقول" :أن اشكر لي
ولوالديك" [لقمان.)]14 :
@قوله تعالى" :ونفصل اليات" أي نبينها" .لقوم يعلمون" خصهم لنهم هم المنتفعون بها .وال
أعلم.
**3اليية{ 12 :وإن نكثوا أيمانهيم مين بعيد عهدهيم وطعنوا فيي دينكيم فقاتلوا أئمية الكفير إنهيم ل
أيمان لهم لعلهم ينتهون}
@قوله تعالى" :وإن نكثوا أيمانهم" النكث النقض ،وأصله في كل ما قتل ثم حل .فهي في اليمان
والعهود مستعارة .قال:
عهدها فليس لمخضوب البنان يمين وإن حلفت ل ينقض النأي
أي عهد" .وطعنوا في دينكم" أي بالستنقاض والحرب وغير ذلك مما يفعله المشرك .يقال :طعنه
بالرمح وطعن بالقول السيء فيه يطعن ،بضم العين فيهما .وقيل :يطعن بالرمح -بالضم -ويطعن
بالقول -بالفتيح . -وهيي هنيا اسيتعارة ،ومنيه قوله صيلى ال علييه وسيلم حيين أمير أسيامة( :إن
تطعنوا فيي إمارتيه فقيد طعنتيم فيي إمارة أبييه مين قبيل وأييم ال إن كان لخليقيا للمارة) .خرجيه
الصحيح.
@ استدل بعض العلماء بهذه الية على وجوب قتل كل من طعن في الدين ،إذ هو كافر .والطعن
أن ينسيب إلييه ميا ل يلييق بيه ،أو يعترض بالسيتخفاف على ميا هيو مين الديين ،لميا ثبيت مين الدلييل
القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه .وقال ابن المنذر :أجمع عامة أهل العلم على أن من
سيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم علييه القتيل .وممين قال ذلك مالك واللييث وأحميد وإسيحاق ،وهيو
مذهيب الشافعيي .وقيد حكيي عين النعمان أنيه قال :ل يقتيل مين سيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين
أهييل الذميية ،على مييا يأتييي .وروي أن رجل قال فييي مجلس علي :مييا قتييل كعييب بين الشرف إل
غدرا ،فأمر علي بضرب عنقه .وقال آخر في مجلس معاوية فقام محمد بن مسلمة فقال :أيقال هذا
فيي مجلسيك وتسيكت وال ل أسياكنك تحيت سيقف أبدا ،ولئن خلوت بيه لقتلنيه .قال علماؤنيا :هذا
يقتيل ول يسيتتاب إن نسيب الغدر للنيبي صيلى ال علييه وسيلم .وهيو الذي فهميه علي ومحميد بين
مسيلمة رضوان ال عليهميا مين قائل ذلك ،لن ذلك زندقية .فأميا إن نسيبه للمباشريين لقتله بحييث
يقول :إنهم أمنوه ثم غدروه لكانت هذه النسبة كذبا محضا ،فإنه ليس في كلمهم معه ما يدل على
أنهم أمنوه ول صرحوا له بذلك ،ولو فعلوا ذلك لما كان أمانا ،لن النبي صلى ال عليه وسلم إنما
وجههيم لقتله ل لتأمينيه ،وأذن لمحميد بين مسيلمة فيي أن يقول .وعلى هذا فيكون فيي قتيل مين نسيب
ذلك لهم نظر وتردد .وسببه هل يلزم من نسبة الغدر لهم نسبته للنبي صلى ال عليه وسلم ،لنه قد
صوب فعلهم ورضي به فيلزم منه أنه قد رضي بالغدر ومن صرح بذلك قتل ،أول يلزم من نسبة
الغدر لهم نسبته للنبي صلى ال عليه وسلم فل يقتل .وإذا قلنا ل يقتل ،فل بد من تنكيل ذلك القائل
وعقوبته بالسجن ،والضرب الشديد والهانة العظيمة.
@ فأما الذمي إذا طعن في الدين انتقض عهده في المشهور من مذهب مالك ،لقوله" :وإن نكثوا
أيمانهيم" اليية .فأمير بقتلهيم وقتالهيم .وهيو مذهيب الشافعيي رحميه ال .وقال أبيو حنيفية فيي هذا :إنيه
يسيتتاب ،وإن مجرد الطعين ل ينقيض بيه العهيد إل ميع وجود النكيث ،لن ال عيز وجيل إنميا أمير
بقتلهم بشرطين :أحدهما نقضهم العهد ،والثاني طعنهم في الدين.
قلنيا :إن عملوا بميا يخالف العهيد انتقيض عهدهيم ،وذكير المريين ل يقتضيي توقيف قتاله على
وجودهميا ،فإن النكيث يبييح لهيم ذلك بانفراده عقل وشرعيا .وتقديير اليية عندنيا :فإن نكثوا عهدهيم
حل قتالهم ،وإن لم ينكثوا بل طعنوا في الدين مع الوفاء بالعهد حل قتالهم .وقد روي أن عمر رفع
إليه ذمي نخس دابة عليها امرأة مسلمة فرمحت فأسقطتها فانكشفت بعض عورتها ،فأمر بصلبه
في الموضع.
@ إذا حارب الذمي نقض عهده وكان ماله وولده فيئا معه .وقال محمد بن مسلمة :ل يؤاخذ ولده
به ،لنه نقض وحده .وقال :أما ماله فيؤخذ .وهذا تعارض ل يشبه منصب محمد بن مسلمة ،لن
عهده هو الذي حمى ماله وولده ،فإذا ذهب عنه ماله ذهب عنه ولده .وقال أشهب :إذا نقض الذمي
العهد فهو على عهده ول يعود في الرق أبدا .وهذا من العجب ،وكأنه رأى العهد معنى محسوسا.
وإنما العهد حكم اقتضاه النظر ،والتزمه المسلمون له ،فإذا نقضه انتقض كسائر العقود.
@ أكثر العلماء على أن من سب النبي صلى ال عليه وسلم من أهل الذمة أو عرض أو استخف
بقدره أو وصيفه بغيير الوجيه الذي كفير بيه فإنيه يقتيل ،فإنيا لم نعطيه الذمية أو العهيد على هذا .إل أبيا
حنيفية والثوري وأتباعهميا مين أهيل الكوفية فإنهيم قالوا :ل يقتيل ،ميا هيو علييه مين الشرك أعظيم،
ولكين يؤدب ويعزر .والحجية علييه قوله تعالى" :وإن نكثوا" اليية .واسيتدل علييه بعضهيم بأمره
صلى ال عليه وسلم بقتل كعب بن الشرف وكان معاهدا .وتغيظ أبو بكر على رجل من أصحابه
فقال أبو برزة :أل أضرب عنقه فقال :ما كانت لحد بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم .وروى
الدارقطنيي عين ابين عباس :أن رجل أعميى كانيت له أم ولد ،له منهيا ابنان مثيل اللؤلؤتيين ،فكانيت
تشتيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم وتقيع فييه ،فينهاهيا فلم تنتيه ،ويزجرهيا فلم تنزجير ،فلميا كان ذات
ليلة ذكرت النيبي صيلى ال علييه وسيلم فميا صيبر سييدها أن قام إلى معول فوضعيه فيي بطنهيا ،ثيم
اتكأ عليها حتى أنفذه .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :أل اشهدوا إن دمها هدر) .وفي رواية عن
ابن عباس :فقتلها ،فلميا أصبح قيل ،ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم ،فقام العمى فقال :يا رسول
ال ،أنا صاحبها ،كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فل تنتهي ،وأزجرها فل تنزجر ،ولي منها ابنان
مثيل اللؤلؤتيين ،وكانيت بيي رفيقية فلميا كان البارحية جعلت تشتميك وتقيع فييك فقتلتهيا ،فقال النيبي
صلى ال عليه وسلم( :أل اشهدوا إن دمها هدر).
@ واختلفوا إذا سبه ثم أسلم تقية من القتل ،فقيل يسقط إسلمه قتله ،وهو المشهور من المذهب،
لن السيلم يجيب ميا قبله .بخلف المسيلم إذا سيبه ثيم تاب قال ال عيز وجيل" :قيل للذيين كفروا إن
ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" [النفال .]38:وقيل :ل يسقط السلم قتله ،قاله في العتبية لنه حق
للنيبي صيلى ال علييه وسيلم وجيب لنتهاكيه حرمتيه وقصيده إلحاق النقيصية والمعرة بيه ،فلم يكين
رجوعه إلى السلم بالذي يسقطه ،ول يكون أحسن حال من المسلم.
@قوله تعالى" :فقاتلوا أئمية الكفير" "أئمية" جميع إمام ،والمراد صيناديد قرييش -فيي قول بعيض
العلماء -كأبي جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف .وهذا بعيد ،فإن الية في سورة "براءة" وحين
نزلت وقرئت على الناس كان ال قد استأصل شأفة قريش فلم يبق إل مسلم أو مسالم ،فيحتمل أن
يكون المراد "فقاتلوا أئمية الكفير" .أي مين أقدم على نكيث العهيد والطعين فيي الديين يكون أصيل
ورأسيا فيي الكفير ،فهيو مين أئمية الكفير على هذا .ويحتميل أن يعنيى بيه المتقدمون والرؤسياء منهيم،
وأن قتالهيم قتال لتباعهيم وأنهيم ل حرمية لهيم .والصيل أأممية كمثال وأمثلة ،ثيم أدغميت المييم فيي
المييم وقلبيت الحركية على الهمزة فاجتمعيت همزتان ،فأبدلت مين الثانيية ياء .وزعيم الخفيش أنيك
تقول :هذا أيييم ميين هذا ،بالياء .وقال المازنييي :أوم ميين هذا ،بالواو .وقرأ حمزة "أئميية" .وأكثيير
النحويين يذهب إلى أن هذا لحن ،لنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة" .إنهم ل أيمان لهم" أي
ل عهود لهم ،أي ليست عهودهم صادقة يوفون بها .وقرأ ابن عامر "ل إيمان لهم" بكسر الهمزة
من اليمان ،أي ل إسلم لهم .ويحتمل أن يكون مصدر آمنته إيمانا ،من المن الذي ضده الخوف،
أي ل يؤمنون ،من آمنته إيمانا أي أجرته ،فلهذا قال" :فقاتلوا أئمة الكفر"" .لعلهم ينتهون" أي عن
الشرك .قال الكلبيي :كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم وادع أهيل مكية سينة وهيو بالحديبيية فحبسيوه
عن البيت ،ثم صالحوه على أن يرجع فمكثوا ما شاء ال ،ثم قاتل حلفاء رسول ال صلى ال عليه
وسلم من خزاعة حلفاء بني أمية من كنانة ،فأمدت بنو أمية حلفاءهم بالسلح والطعام ،فاستعانت
خزاعة برسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه الية وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أن
يعيين حلفاءه كميا سيبق .وفيى البخاري عين زييد بين وهيب قال :كنيا عنيد حذيفية فقال ميا بقيي مين
أصحاب هذه الية -يعني "فقاتلوا أئمة الكفر إنهم ل أيمان لهم" -إل ثلثة ،ول بقي من المنافقين
إل أربعية .فقال أعرابيي :إنكيم أصيحاب محميد تخيبرون أخبارا ل ندري ميا هيي تزعمون أل منافيق
إل أربعية ،فميا بال هؤلء الذيين يبقرون بيوتنيا ويسيرقون أعلفنيا قال :أولئك الفسياق أجيل لم يبيق
منهيم إل أربعية ،أحدهيم شييخ كيبير لو شرب الماء البارد لميا وجيد برده" .لعلهيم ينتهون" أي عين
كفرهم وباطلهم وأذيتهم للمسلمين .وذلك يقتضي أن يكون الغرض من قتالهم دفع ضررهم لينتهوا
عن مقاتلتنا ويدخلوا في ديننا.
**3اليية{ 13 :أل تقاتلون قوميا نكثوا أيمانهيم وهموا بإخراج الرسيول وهيم بدؤوكيم أول مرة
أتخشونهم فال أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}
@قوله تعالى" :أل تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم" توبيخ وفيه معنى التحضيض نزلت في كفار مكة
كميا ذكرنيا آنفيا" .وهموا بإخراج الرسيول" أي كان منهيم سيبب الخروج ،فأضييف الخراج إليهيم.
وقيل :أخرجوا الرسول عليه السلم من المدينة لقتال أهل مكة للنكث الذي كان منهم :عن الحسن.
"وهم بدؤوكم" بالقتال" .أول مرة" أي نقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة .وقيل :بدؤوكم
بالقتال يوم بدر؛ لن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم خرج للعييير ولمييا أحرزوا عيرهييم كان يمكنهييم
النصيراف ،فأبوا إل الوصيول إلى بدر وشرب الخمير بهيا؛ كميا تقدم" .فال أحيق أن تخشوه" أي
تخافوا عقابيه فيي ترك قتالهيم مين أن تخافوا أن ينالكيم فيي قتالهيم مكروه .وقييل :إخراجهيم الرسيول
منعهم إياه من الحج والعمرة والطواف ،وهو ابتداؤهم .وال أعلم.
**3اليتان{ 15 - 14 :قاتلوهيم يعذبهيم ال بأيديكيم ويخزهيم وينصيركم عليهيم ويشيف صيدور
قوم مؤمنين ،ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب ال على من يشاء وال عليم حكيم}
@قوله تعالى" :قاتلوهيم" أمير" .يعذبهيم ال" جوابيه .وهيو جزم بمعنيى المجازاة :والتقديير :إن
تقاتلوهم يعذبهم ال بأيديكيم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين" .ويذهب غيظ
قلوبهم" دليل على أن غيظهم كان قد اشتد .وقال مجاهد :يعني خزاعة حلفاء رسول ال صلى ال
عليييه وسييلم .وكله عطييف ،ويجوز فيييه كله الرفييع على القطييع ميين الول .ويجوز النصييب على
إضمار (أن) وهو الصرف عند الكوفيين ،كما قال:
ربيع الناس والشهر الحرام فإن يهلك أبو قابوس يهلك
أجب الظهر ليس له سنام ونأخذ بعده بذناب عيش
وإن شئت رفعيت (ونأخيذ) وإن شئت نصيبته .والمراد بقوله" :ويشيف صيدور قوم مؤمنيين" بنيو
خزاعة ،على ما ذكرنا عن مجاهد .فإن قريشا أعانت بني بكر عليهم ،وكانت خزاعة حلفاء النبي
صيلى ال علييه وسيلم .فأنشيد رجيل مين بنيي بكير هجاء رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،فقال له
بعيض خزاعية :لئن أعدتيه لكسيرن فميك ،فأعاده فكسير فاه وثار بينهيم قتال ،فقتلوا مين الخزاعييين
أقواما ،فخرج عمرو بن سالم الخزاعي في نفر إلى النبي صلى ال عليه وسلم وأخبره به ،فدخل
منزل ميمونيية وقال( :اسييكبوا إلي ماء) فجعييل يغتسييل وهييو يقول( :ل نصييرت إن لم أنصيير بنييي
كعب) .ثم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالتجهز والخروج إلى مكة فكان الفتح.
@قوله تعالى" :ويتوب ال على مين يشاء" القراءة بالرفيع على السيتئناف لنيه لييس مين جنيس
الول ولهذا لم يقييل (ويتييب) بالجزم لن القتال غييير موجييب لهييم التوبيية ميين ال جييل وعييز وهييو
موجيب لهيم العذاب والخزي وشفاء صيدور المؤمنيين وذهاب غييظ قلوبهيم ونظيره" :فإن يشيأ ال
يختم على قلبك" [الشورى ]24 :تم الكلم .ثم قال" :ويمح ال الباطل" [الشورى .]24 :والذين
تاب ال عليهم مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسليم بن أبي عمرو ،فإنهم أسلموا .وقرأ ابن
أبييي إسييحاق "ويتوب" بالنصييب .وكذا روي عيين عيسييى الثقفييي والعرج ،وعليييه فتكون التوبيية
داخلة فييي جواب الشرط ،لن المعنيى :إن تقاتلوهيم يعذبهيم ال .وكذلك ميا عطيف علييه .ثيم قال:
"ويتوب ال" أي إن تقاتلوهيم .فجميع بيين تعذيبهيم بأيديكيم وشفاء صيدوركم وإذهاب غييظ قلوبكيم
والتوبة عليكم .والرفع أحسن ،لن التوبة ل يكون سببها القتال ،إذ قد توجد بغير قتال لمن شاء ال
أن يتوب عليه في كل حال.
**3اليية{ 16 :أم حسيبتم أن تتركوا ولميا يعلم ال الذيين جاهدوا منكيم ولم يتخذوا من دون ال
ول رسوله ول المؤمنين وليجة وال خبير بما تعملون}
@قوله تعالى" :أم حسبتم" خروج من شيء إلى شيء" .أن تتركوا" في موضع المفعولين على
قول سييبويه .وعنيد الميبرد أنيه قيد حذف الثانيي .ومعنيى الكلم :أم حسيبتم أن تتركوا مين غيير أن
تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب .وقد تقدم هذا المعنى
في غير موضع" .ولما يعلم" جزم بلما وإن كانت ما زائدة ،فإنها تكون عند سيبويه جوابا لقولك:
قييد فعييل كمييا تقدم .وكسييرت الميييم للتقاء السيياكنين" .وليجيية" بطانيية ومداخلة ميين الولوج وهييو
الدخول ومنيه سيمي الكناس الذي تلج فييه الوحوش تولجيا ولج يلج ولوجيا إذا دخيل والمعنيى :دخيلة
مودة مين دون ال ورسيوله وقال أبيو عيبيدة :كيل شييء أدخلتيه فيي شييء لييس منيه فهيو وليجية
والرجييل يكون فييي القوم وليييس منهييم وليجيية وقال ابيين زيييد :الوليجيية الدخيلة والولجاء الدخلء
فوليجة الرجل من يختص بدُخلة أمره دون الناس .تقول :هو وليجتي وهم وليجتي الواحد والجمع
فيه سواء قال أبان بن تغلب رحمه ال:
والمعتدين وأهل الريب فبئس الوليجة للهاربين
وقييل :وليجية بطانية ،والمعنيى واحيد ،نظيره "ل تتخذوا بطانية مين دونكيم" [آل عمران.]118 :
وقال الفراء :وليجة بطانة من المشركين يتخذونهم ويفشون إليهم أسرارهم ويعلمونهم أمورهم.
**3اليية{ 17 :ميا كان للمشركيين أن يعمروا مسياجد ال شاهديين على أنفسيهم بالكفير أولئك
حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون}
@قوله تعالى" :ميا كان للمشركيين أن يعمروا مسياجد ال" الجملة مين "أن يعمروا" فيي موضيع
رفيع اسيم كان" .شاهديين" على الحال .واختلف العلماء فيي تأوييل هذه اليية ،فقييل :أراد لييس لهيم
الحج بعد ما نودي فيهم بالمنع عن المسجد الحرام ،وكانت أمور البيت كالسدانة والسقاية والرفادة
إلى المشركيين ،فيبين أنهيم ليسيوا أهل لذلك ،بيل أهله المؤمنون .وقييل :إن العباس لميا أسير وعيير
بالكفير وقطيعية الرحيم قال :تذكرون مسياوئنا ول تذكرون محاسيننا .فقال علي :ألكيم محاسين؟ قال:
نعيم إنيا لنعمير المسيجد الحرام ونحجيب الكعبية ونسيقي الحاج ونفيك العانيي ،فنزلت هذه اليية ردا
علييه .فيجيب إذا على المسيلمين تولي أحكام المسياجد ومنيع المشركيين مين دخولهيا .وقراءة العامية
"يعمير" بفتيح الياء وضيم المييم ،مين عمير يعمير .وقرأ ابين السيميقع بضيم الياء وكسير المييم أي
يجعلوه عامرا أو يعينوا على عمارتيه .وقرئ "مسيجد ال" على التوحييد أي المسيجد الحرام .وهيي
قراءة ابين عباس وسيعيد بين جيبير وعطاء بين أبيي رباح ومجاهيد وابين كثيير وأبيي عمرو وابين
محيصن ويعقوب .والباقون "مسياجد" على التعمييم .وهو اختيار أبي عبييد ،لنه أعم والخاص به
يدخيل تحيت العام .وقيد يحتميل أن يراد بقراءة الجميع المسيجد الحرام خاصية .وهذا جائز فيميا كان
ميين أسييماء الجنييس ،كمييا يقال :فلن يركييب الخيييل وإن لم يركييب إل فرسييا .والقراءة "مسيياجد"
أصيوب ،لنيه يحتميل المعنيى .وقيد أجمعوا على قراءة قوله" :إنميا يعمير مسياجد ال" على الجميع،
قاله النحاس .وقال الحسن :إنما قال مساجد وهو المسجد الحرام ،لنه قبلة المساجد كلها وإمامها.
@قوله تعالى" :شاهديين" قييل :أراد وهيم شاهدون فلميا طرح "وهيم" نصيب .قال ابين عباس:
شهادتهيم على أنفسيهم بالكفير سيجودهم لصينامهم ،وإقرارهيم أنهيا مخلوقية .وقال السيدي :شهادتهيم
بالكفير هيو أن النصيراني تقول له .ميا دينيك؟ فيقول نصيراني ،واليهودي فيقول يهودي والصيابئ
فيقول صييابئ .ويقال للمشرك مييا دينييك فيقول مشرك" .أولئك حبطييت أعمالهييم وفييي النار هييم
خالدون" تقدم معناه.
**3الية{ 18 :إنما يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم الخر وأقام الصلة وآتى الزكاة ولم
يخش إل ال فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
@قوله تعالى" :إنما يعمر مساجد ال" دليل على أن الشهادة لعمار المساجد باليمان صحيحة لن
ال سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملزمتها .وقد قال بعض السلف :إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد
فحسنوا به الظن .وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قال
(إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له باليمان) قال ال تعالى" :إنما يعمر مساجد ال من آمن
بال واليوم الخير" .وفيي روايية( :يتعاهيد المسيجد) .قال :حدييث حسين غرييب .قال ابين العربيي:
وهذا في ظاهر الصلح ليس في مقاطع الشهادات ،فإن الشهادات لها أحوال عند العارفين بها فإن
منهم الذكي الفطن المحصل لما يعلم اعتقادا وإخبارا ومنهم المغفل ،وكل واحد ينزل على منزلته
ويقدر على صيفته" .ولم يخيش إل ال" إن قييل :ميا مين مؤمين إل وقيد خشيي غيير ال ،وميا زال
المؤمنون والنيبياء يخشون العداء مين غيرهيم .قييل له :المعنيى ولم يخيش إل ال مميا يعبيد :فإن
المشركين كانوا يعبدون الوثان ويخشونها ويرجونها .جواب ثان -أي لم يخف في باب الدين إل
ال.
@ فإن قييل :فقيد أثبيت اليمان فيي اليية لمين عمير المسياجد بالصيلة فيهيا ،وتنظيفهيا وإصيلح ميا
وهيى منهيا ،وآمين بال .ولم يذكير اليمان بالرسيول فيهيا ول إيمان لمن لم يؤمين بالرسيول .قييل له:
دل على الرسول ما ذكر من إقامة الصلة وغيرها لنه مما جاء به ،فإقامة الصلة وإيتاء الزكاة
إنميا يصيح مين المؤمين بالرسيول ،فلهذا لم يفرده بالذكير .و"عسيى" مين ال واجبية ،عين ابين عباس
وغيره .وقيل :عسى بمعنى خليق أي فخليق" أن يكونوا من المهتدين".
**3الية{ 19 :أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد
في سبيل ال ل يستوون عند ال وال ل يهدي القوم الظالمين}
@قوله تعالى" :أجعلتيم سيقاية الحاج" التقديير فيي العربيية :أجعلتيم أصيحاب سيقاية الحاج أو أهيل
سقاية الحاج مثل من آمن بال وجاهد في سبيله .ويصح أن يقدر الحذف في "من آمن" أي أجعلتم
عمييل سييقي الحاج كعمييل ميين آميين .وقيييل :التقدييير كإيمان ميين آميين .والسييقاية مصييدر كالسييعاية
والحماية .فجعل السم بموضع المصدر إذ علم معناه ،مثل إنما السخاء حاتم ،وإنما الشعر زهير.
وعمارة المسجد الحرام مثل "واسأل القرية" [يوسف .]82 :وقرأ أبو وجزة "أجعلتم سقاة الحاج
وعمرة المسجد الحرام" سقاة جمع ساق والصل سقية على فعلة ،كذا يجمع المعتل من هذا ،نحو
قاض وقضاة وناس ونسيياة .فإن لم يكيين معتل جمييع على فعلة ،نحييو ناسييئ ونسييأة ،للذييين كانوا
ينسيؤون الشهور .وكذا قرأ ابين الزبيير وسيعيد بين جيبير "سيقاة وعمرة" إل أن ابين جيبير نصيب
"المسجد" على إرادة التنوين في "عمرة" وقال الضحاك :سقاية بضم السين ،وهي لغة .والحاج
اسيم جنيس الحجاج .وعمارة المسيجد الحرام :معاهدتيه والقيام بمصيالحه .وظاهير هذه اليية أنهيا
مبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ،كما ذكره السدي .قال:
افتخر عباس بالسقاية ،وشيبة بالعمارة ،وعلي بالسلم والجهاد ،فصدق ال عليا وكذبهما ،وأخبر
أن العمارة ل تكون بالكفير ،وإنميا تكون باليمان والعبادة وأداء الطاعية .وهذا بيين ل غبار علييه.
ويقال :إن المشركيين سيألوا اليهود وقالوا :نحين سيقاة الحاج وعمار المسيجد الحرام ،أفنحين أفضيل
أم محميد وأصيحابه؟ فقالت لهيم اليهود عنادا لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم :أنتيم أفضيل .وقيد
اعترض هنيا إشكال وهيو ميا جاء فيي صيحيح مسيلم عين النعمان بين بشيير قال :كنيت عنيد منيبر
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال رجيل :ميا أبالي أل أعميل عمل بعيد السيلم إل أن أسيقي
الحاج .وقال آخير :ميا أبالي أل أعميل عمل بعيد السيلم إل أن أعمير المسيجد الحرام .وقال آخير:
الجهاد في سبيل ال أفضل مما قلتم .فزجرهم عمر وقال :ل ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم -وهيو يوم الجمعية -ولكين إذا صيليت الجمعية دخلت واسيتفتيته فيميا اختلفتيم
فيييه .فأنزل ال عييز وجييل" :أجعلتييم سييقاية الحاج وعمارة المسييجد الحرام كميين آميين بال واليوم
الخير" إلى آخير اليية .وهذا المسياق يقتضيي أنهيا إنميا نزلت عنيد اختلف المسيلمين فيي الفضيل
من هذه العمال .وحينئذ ل يليق أن يقال لهم في آخر الية" :وال ل يهدي القوم الظالمين" فتعين
الشكال .وإزالتييه بأن يقال :إن بعييض الرواة تسييامح فييي قوله ،فأنزل ال الييية .وإنمييا قرأ النييبي
صيلى ال علييه وسيلم اليية على عمير حيين سأله فظن الراوي أنهيا نزلت حينئذ .واسيتدل بهيا النيبي
صيلى ال علييه وسيلم على أن الجهاد أفضيل مميا قال أولئك الذيين سيمعهم عمير ،فاسيتفتى لهيم فتل
عليه ما قد كان أنزل عليه ،ل أنها نزلت في هؤلء .وال أعلم.
فإن قييل :فعلى هذا يجوز السيتدلل على المسيلمين بميا أنزل فيي الكافريين ،ومعلوم أن أحكامهيم
مختلفية .قييل له :ل يسيتبعد أن ينتزع مميا أنزل ال فيي المشركيين أحكام تلييق بالمسيلمين .وقيد قال
عمر :إنا لو شئنا لتخذنا سلئق وشواء وتوضع صحفة وترفع أخرى ولكنا سمعنا قول ال تعالى:
"أذهبتيم طيباتكيم فيي حياتكيم الدنييا واسيتمتعتم بهيا" [الحقاف .]20 :وهذه اليية نيص فيي الكفار،
وميع ذلك ففهيم منهيا عمير الزجير عميا يناسيب أحوالهيم بعيض المناسيبة ،ولم ينكير علييه أحيد مين
الصحابة .فيمكن أن تكون هذه الية من هذا النوع .وهذا نفيس وبه يزول الشكال ويرتفع البهام،
وال أعلم.
**3الية{ 20 :الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند
ال وأولئك هم الفائزون}
@قوله تعالى" :الذين آمنوا" في موضع رفع بالبتداء .وخبره "أعظم درجة عند ال" .و"درجة"
نصيب على البيان ،أي مين الذيين افتخروا بالسيقي والعمارة .ولييس للكافريين درجية عنيد ال حتيى
يقال :المؤمن أعظم درجة .والمراد أنهم قدروا لنفسهم الدرجة بالعمارة والسقي فخاطبهم على ما
قدروه فييي أنفسييهم وإن كان التقدييير خطييأ كقوله تعالى" :أصييحاب الجنيية يومئذ خييير مسييتقرا"
[الفرقان .]24 :وقيل" :أعظم درجة" من كل ذي درجة ،أي لهم المزية والمرتبة العلية" .وأولئك
هم الفائزون" بذلك.
**3الية{ 21 :يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم}
@قوله تعالى" :يبشرهم ربهم" أي يعلمهم في الدنيا ما لهم في الخرة من الثواب الجزيل والنعيم
المقيم .والنعيم :لين العيش ورغده.
**3الية{ 22 :خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر عظيم}
@قوله تعالى" :خالدين" نصب على الحال .والخلود القامة" .إن ال عنده أجر عظيم" أي أعد
لهم في دار كرامته ذلك الثواب.
**3اليية{ 23 :ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتخذوا آباءكيم وإخوانكيم أولياء إن اسيتحبوا الكفير على
اليمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}
@ ظاهر هذه الية أنها خطاب لجميع المؤمنين كافة ،وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة في قطع
الوليية بيين المؤمنيين والكافريين .وروت فرقية أن هذه اليية إنميا نزلت فيي الحيض على الهجرة
ورفيض بلد الكفرة .فالمخاطبية على هذا إنميا هيي للمؤمنيين الذيين كانوا بمكية وغيرهيا مين بلد
العرب ،خوطبوا بأل يوالوا الباء والخوة فيكونوا لهيم تبعيا فيي سيكنى بلد الكفير" .إن اسيتحبوا"
أي أحبوا ،كميا يقال :اسيتجاب بمعنيى أجاب .أي ل تطيعوهيم ول تخصيوهم .وخيص ال سيبحانه
الباء والخوة إذ ل قرابية أقرب منهيا .فنفيى الموالة بينهيم كميا نفاهيا بيين الناس بقوله تعالى" :ييا
أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" [المائدة ]51 :ليبين أن القرب قرب الديان
ل قرب البدان .وفي مثله تنشد الصوفية:
وأنت كئيب إن ذا لعجيب يقولون لي دار الحبة قد دنت
إذا لم يكن بين القلوب قريب فقلت وما تغني ديار قريبة
وآخر جار الجنب مات كئيب فكم من بعيد الدار نال مراده
ولم يذكير البناء فيي هذه اليية إذ الغلب مين البشير أن البناء هيم التبيع للباء .والحسيان والهبية
مستثناة من الولية .قالت أسماء :يا رسول ال ،إن أمي قدمت علي راغبة وهي مشركة أفأصلها؟
قال( :صيلي أميك) خرجيه البخاري" .ومين يتولهيم منكيم فأولئك هيم الظالمون" قال ابين عباس :هيو
مشرك مثلهم لن من رضي بالشرك فهو مشرك.
**3الية{ 24 :قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها
وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا
حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقين}
@ لما أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة جعل الرجل يقول لبيه
والب لبنيه والخ لخييه والرجيل لزوجتيه :إنيا قيد أمرنيا بالهجرة ،فمنهيم مين تسيارع لذلك ،ومنهيم
من أبى أن يهاجر ،فيقول :وال لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة ل أنفعكم ول أنفق عليكم شيئا أبدا.
ومنهم من تتعلق به امرأته وولده ويقولون له :أنشدك بال أل تخرج فنضيع بعدك ،فمنهم من يرق
فيدع الهجرة ويقيم معهم ،فنزلت "يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا
الكفيير على اليمان" .يقول :إن اختاروا القاميية على الكفيير بمكيية على اليمان بال والهجرة إلى
المدينة" .ومن يتولهم منكم" بعد نزول الية "فأولئك هم الظالمون" .ثم نزل في الذين تخلفوا ولم
يهاجروا" :قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم" وهي الجماعة التي ترجع
إلى عقييد واحييد كعقييد العشرة فمييا زاد ،ومنييه المعاشرة وهييي الجتماع على الشيييء" .وأموال
اقترفتموهييا" يقول :اكتسييبتموها بمكيية .وأصييل القتراف اقتطاع الشيييء ميين مكانييه إلى غيره.
"وتجارة تخشون كسادها" قال ابن المبارك :هي البنات والخوات إذا كسدن في البيت ل يجدن
لهن خاطبا .قال الشاعر:
وقد زادهن مقامي كسودا كسدن من الفقر في قومهن
"ومساكن ترضونها" يقول :ومنازل تعجبكم القامة فيها" .أحب إليكم من ال ورسوله
ميين أن تهاجروا إلى ال ورسييوله بالمدينيية" .وأحييب" خييبر كان .ويجوز فييي غييير القرآن رفييع
"أحب" على البتداء والخبر ،واسم كان مضمر فيها .وأنشد سيبويه:
وآخر مثن بالذي كنت أصنع إذا مت كان الناس صنفان :شامت
وأنشد:
وليس منها شفاء الداء مبذول هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها
وفي الية دليل على وجوب حب ال ورسوله ،ول خلف في ذلك بين المة ،وأن ذلك مقدم على
كل محبوب .وقد مضى في "آل عمران" معنى محبة ال تعالى ومحبة رسوله" .وجهاد في سبيله
فتربصوا" صيغته صيغة أمر ومعناه التهديد .يقول :انتظروا .وفي قوله" :وجهاد في سبيله" دليل
على فضيل الجهاد ،وإيثاره على راحية النفيس وعلئقهيا بالهيل والمال .وسييأتي فضيل الجهاد فيي
آخير السيورة .وقيد مضيى مين أحكام الهجرة فيي "النسياء" ميا فييه كفايية ،والحميد ل .وفيي الحدييث
الصحيح (إن الشيطان قعد لبن آدم ثلث مقاعد قعد له في طريق السلم فقال لم تذر دينك ودين
آبائك فخالفه وأسلم وقعد له في طريق الهجرة فقال له أتذر مالك وأهلك فخالفه وهاجر ثم قعد في
طريق الجهاد فقال له تجاهيد فتقتل فينكح أهلك ويقسم مالك فخالفه وجاهد فحيق على ال أن يدخله
الجنية) .وأخرجيه النسيائي مين حدييث سيبرة بين أبيي فاكيه قال :سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم يقول( :إن الشيطان )...فذكره .قال البخاري( :ابين الفاكيه) ولم يذكير فيهيا اختلفيا .وقال ابين
أبي عدي :يقال ابن الفاكه وابن أبي الفاكه .انتهى.
**3الية{ 25 :لقد نصركم ال في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم
شيئا وضاقت عليكم الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}
@قوله تعالى" :لقد نصركم ال في مواطن كثيرة" لما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف
النصري من بنى نصر بن مالك ،وكانت الرياسة في جميع العسكر إليه ،وساق مع الكفار أموالهم
ومواشيهم ونساءهم وأولدهم ،وزعم أن ذلك يحمي به نفوسهم وتشتد في القتال عند ذلك شوكتهم.
وكانوا ثمانييية آلف فييي قول الحسيين ومجاهييد .وقيييل :أربعيية آلف ،ميين هوازن وثقيييف .وعلى
هوازن مالك بين عوف ،وعلى ثقييف كنانية بين عبيد ،فنزلوا بأوطاس .وبعيث رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم عبدال بين أبيي حدرد السيلمي عينيا ،فأتاه وأخيبره بميا شاهيد منهيم ،فعزم رسيول ال
صلى ال عليه وسلم على قصدهم ،واستعار من صفوان بن أمية بن خلف الجمحي دروعا .قيل:
مائة درع .وقييل :أربعمائة درع .واستسلف مين ربيعية المخزومي ثلثين ألفيا أو أربعين ألفيا ،فلما
قدم قضاه إياهيا .ثيم قال له النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :بارك ال لك فيي أهلك ومالك إنميا جزاء
السلف الوفاء والحمد) خرجه ابن ماجة في السنن .وخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم في اثني
عشر ألفا من المسلمين ،منهم عشرة آلف صحبوه من المدينة وألفان من مسلمة الفتح وهم الطلقاء
إلى من انضاف إليه من العراب من سُليم وبني كلب وعبس وذبيان .واستعمل على مكة عتاب
بيين أسيييد .وفييي مخرجييه هذا رأى جهال العراب شجرة خضراء وكان لهييم فييي الجاهلييية شجرة
معروفية تسيمى ذات أنواط يخرج إليهيا الكفار يوميا معلوميا فيي السينة يعظمونهيا ،فقالوا :ييا رسيول
ال ،اجعيل لنيا ذات أنواط كميا لهيم ذات أنواط فقال علييه السيلم( :ال أكيبر قلتيم والذي نفسيي بيده
كما قال قوم موسى "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون" لتركبن سنن من قبلكم حذو
القذة بالقذة حتى أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) .فنهض رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى
أتى وادي حنين ،وهو من أودية تهامة ،وكانت هوازن قد كمنت في جنبتي الوادي وذلك في غبش
الصيبح فحملت على المسيلمين حملة رجيل واحيد ،فانهزم جمهور المسيلمين ولم يلو أحيد على أحيد،
وثبيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وثبيت معيه أبيو بكير وعمير ،ومين أهيل بيتيه علي والعباس
وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وابنه جعفر ،وأسامة بن زيد ،وأيمن بن عبيد وهو أيمن بن
أم أيمين قتيل يومئذ بحنيين -وربيعية بين الحارث ،والفضيل بين عباس ،وقييل فيي موضيع جعفير بين
أبي سفيان :قثم بن العباس .فهؤلء عشرة رجال ،ولهذا قال العباس:
وقد فر من قد فر عنه وأقشعوا نصرنا رسول ال في الحرب تسعة
بما مسه في ال ل يتوجع وعاشرنا لقى الحمام بنفسه
وثبتيت أم سيليم فيي جملة مين ثبيت محتزمية ممسيكة بعيرا لبيي طلحية وفيي يدهيا خنجير .ولم ينهزم
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ول أحيد مين هؤلء ،وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم على
بغلته الشهباء واسمها دلدل .وفي صحيح مسلم عن أنس قال عباس :وأنا آخذ بلجام بغلة رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم أكفهيا إرادة أل تسيرع وأبيو سيفيان آخيذ بركاب رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أي عباس ناد أصحاب السمرة) .فقال عباس -وكان
رجل صيتا .ويروى من شدة صوته أنه أغير يوما على مكة فنادى واصباحاه فأسقطت كل حامل
سمعت صوته جنينها : -فقلت بأعلى صوتي :أين أصحاب السمرة؟ قال :فوال لكأن عطفتهم حين
سمعوا صوتي عطفة البقر على أولدها .فقالوا :يا لبيك يا لبيك .قال :فاقتتلوا والكفار )...الحديث.
وفييه( :قال ثيم أخيذ رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حصييات فرميى بهين وجوه الكفار) .ثيم قال:
(انهزموا ورب محمد) .قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى .قال :فوال ما هو إل أن
رماهيم بحصيياته ،فميا زلت أرى حدهيم كليل وأمرهيم مدبرا .قال أبيو عمير :روينيا مين وجوه عين
بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنينا أنه قال -وقد سئل عن يوم حنين : -لقينا المسلمين
فميا لبثنيا أن هزمناهيم وأتبعناهيم حتيى انتهينيا إلى رجيل راكيب على بغلة بيضاء ،فلميا رآنيا زجرنيا
زجرة وانتهرنا ،وأخذ بكفه حصى وترابا فرمى به وقال( :شاهت الوجوه) فلم تبق عين إل دخلها
من ذلك ،وما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا .وقال سعيد بن جبير :حدثنا رجل من المشركين،
يوم حنين قال :لما التقينا مع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يقفوا لنا حلب شاة ،حتى
إذا انتهينيا إلى صياحب البغلة الشهباء -يعنيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم -تلقانيا رجال بييض
الوجوه حسييان ،فقالوا لنييا :شاهييت الوجوه ،ارجعوا ،فرجعنييا وركبوا أكتافنييا فكانييت إياهييا .يعنييي
الملئكة.
قلت :ول تعارض فإنه يحتمل أن يكون شاهت الوجوه من قوله صلى ال عليه وسلم ومن قول
الملئكية معيا ويدل على أن الملئكية قاتلت يوم حنيين .فال أعلم .وقتيل علي رضيي ال عنيه يوم
حنيين أربعيين رجل بيده .وسيبى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أربعية آلف رأس .وقييل :سيتة
آلف ،واثني عشر ألف ناق سوى ما ل يعلم من الغنائم.
@ قال العلماء فيي هذه الغزاة :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :مين قتيل قتيل له علييه بينية فله
سيلبه) .وقيد مضيى فيي "النفال" بيانيه .قال ابين العربيي :ولهذه النكتية وغيرهيا أدخيل الحكاميون
هذه الية في الحكام.
قلت :وفيه أيضا جواز استعارة السلح وجواز الستمتاع بما استعير إذا كان على المعهود مما
يسييتعار له مثله ،وجواز اسييتلف المام المال عنييد الحاجيية إلى ذلك ورده إلى صيياحبه .وحديييث
صفوان أصل في هذا الباب .وفي هذه الغزاة أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم (أل توطأ حامل
حتيى تضيع ول حائل حتيى تحييض حيضية) .وهيو يدل على أن السيبي يقطيع العصيمة .وقيد مضيى
بيانيه فيي سيورة "النسياء" مسيتوفى .وفيي حدييث مالك أن صيفوان خرج ميع رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم وهيو كافير ،فشهيد حنينيا والطائف وامرأتيه مسيلمة .الحدييث .قال مالك :ولم يكين ذلك
بأميير رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم ،ول أرى أن يسييتعان بالمشركييين على المشركييين إل أن
يكونوا خدما أو نواتية .وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والوزاعي :ل بأس بذلك إذا كان حكم
السيلم هيو الغالب ،وإنميا تكره السيتعانة بهيم إذا كان حكيم الشرك هيو الظاهير .وقيد مضيى القول
في السهام لهم في "النفال"
@قوله تعالى" :ويوم حنين" حنين واد بين مكة والطائف ،وانصرف لنه اسم مذكر ،وهي لغة
القرآن .ومن العرب من ل يصرفه ،يجعله اسما للبقعة .وأنشد:
بحنين يوم تواكل البطال نصروا نبيهم وشدوا أزره
"ويوم" ظرف ،وانتصييب هنييا على معنييى :ونصييركم يوم حنييين .وقال الفراء :لم تنصييرف
"مواطين" لنيه لييس لهيا نظيير فيي المفرد ولييس لهيا جماع ،إل أن الشاعير ربميا اضطير فجميع،
وليس يجوز في الكلم كل ما يجوز في الشعر .وأنشد:
فهن يعلكن حدائداتها
وقال النحاس :رأيت أبا إسحاق يتعجب من هذا قال :أخذ قول الخليل وأخطأ فيه ،لن الخليل يقول
فيه :لم ينصرف لنه جمع ل نظير له في الواحد ،ول يجمع جمع التكسير ،وأما باللف والتاء فل
يمتنع.
@قوله تعالى" :إذ أعجبتكم كثرتكم" قيل :كانوا اثني عشر ألفا .وقيل :أحد عشر ألفا وخمسمائة.
وقيل :ستة عشر ألفا .فقال بعضهم :لن نغلب اليوم عن قلة .فوكلوا إلى هذه الكلمة ،فكان ما ذكرناه
مين الهزيمية فيي البتداء إلى أن تراجعوا ،فكان النصير والظفير للمسيلمين ببركية سييد المرسيلين
صلى ال عليه وسلم .فبين ال عز وجل في هذه الية أن الغلبة إنما تكون بنصر ال ل بالكثرة وقد
قال" :وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" [آل عمران.]160 :
@قوله تعالى" :وضاقت عليكم الرض بما رحبت" أي من الخوف ،كما قال:
على الخائف المطلوب كفة حابل كأن بلد ال وهي عريضة
والرحب -بضم الراء -السعة .تقول منه :فلن رحب الصدر .والرحب -بالفتح : -الواسع .تقول
منيه :بلد رحيب ،وأرض رحبية .وقيد رحبيت ترحيب رحبيا ورحابية .وقييل :الباء بمعنيى ميع أي ميع
رحبها .وقيل :بمعنى على ،أي على رحبها .وقيل :المعنى برحبها ،في "ما" مصدرية.
@قوله تعالى" :ثيم وليتيم مدبريين" روى مسيلم عين أبيي إسيحاق قال :جاء رجيل إلى البراء فقال:
أكنتيم وليتيم يوم حنيين ييا أبيا عمارة .فقال :أشهيد على نيبي ال صيلى ال علييه وسيلم ميا ولى ،ولكنيه
انطلق أخِفّاء مين الناس ،وحسير إلى هذا الحيي مين هوازن .وهيم قوم رماة فرموهيم برشيق مين نبيل
كأنهيا رجيل مين جراد فانكشفوا ،فأقبيل القوم إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأبيو سيفيان يقود
بيه بغلتيه ،فنزل ودعيا واسيتنصر وهيو يقول( :أنيا النيبي ل كذب .أنيا ابين عبدالمطلب .اللهيم نزل
نصيرك) .قال البراء :كنيا وال إذا احمير البأس نتقيي بيه ،وإن الشجاع منيا للذي يحاذي بيه ،يعنيي
النبي صلى ال عليه وسلم.
**3اليتان{ 27 - 26 :ثيم أنزل ال سيكينته على رسيوله وعلى المؤمنيين وأنزل جنودا لم
تروهيا وعذب الذيين كفروا وذلك جزاء الكافريين ،ثيم يتوب ال مين بعيد ذلك على مين يشاء وال
غفور رحيم}
@قوله تعالى" :ثيم أنزل ال سيكينته على رسيوله وعلى المؤمنيين" أي أنزل عليهيم ميا يسيكنهم
ويذهيب خوفهيم ،حتيى اجترؤوا على قتال المشركيين بعيد أن ولوا" .وأنزل جنودا لم تروهيا" وهيم
الملئكيية ،يقوون المؤمنييين بمييا يلقون فييي قلوبهييم ميين الخواطيير والتثييبيت ،ويضعفون الكافرييين
بالتجيبين لهيم مين حييث ل يرونهيم ومين غيير قتال ،لن الملئكية لم تقاتيل إل يوم بدر .وروي أن
رجل من بني نصر قال للمؤمنين بعد القتال :أين الخيل البلق ،والرجال الذين كانوا عليها بيض،
ميا كنيا فيهيم إل كهيئة الشامية ،وميا كان قتلنيا إل بأيديهيم .أخيبروا النيبي صيلى ال علييه وسيلم بذلك
فقال( :تلك الملئكة)" .وعذب الذين كفروا" أي بأسيافكم" .وذلك جزاء الكافرين ،ثم يتوب ال من
بعيد ذلك على مين يشاء" أي على مين انهزم فيهدييه إلى السيلم .كمالك بين عوف النصيري رئييس
حنين ومن أسلم معه من قومه.
@ ولميا قسيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم غنائم حنيين بالجعرانية ،أتاه وفيد هوازن مسيلمين
راغبين في العطف عليهم والحسان إليهم ،وقالوا :يا رسول ال ،انك خير الناس وأبر الناس ،وقد
أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا .فقال لهم( :إني قد كنت استأنيت بكم وقد وقعت المقاسم وعندي من
ترون وإن خير القول أصدقه فاختاروا إما ذراريكم وإما أموالكم) .فقالوا :ل نعدل بالنساب شيئا.
فقام خطيبيا وقال( :هؤلء جاؤونيا مسيلمين وقيد خيرناهيم فلم يعدلوا بالنسياب فرضوا برد الذريية
وما كان لي ولبنيي عبدالمطلب وبني هاشم فهيو لهم) .وقال المهاجرون والنصيار :أما ما كان لنيا
فهو لرسول ال صلى ال عليه وسلم .وامتنع القرع بن حابس وعيينة بن حصن في قومهما من
أن يردوا عليهم شيئا مما وقع لهم في سهامهم .وامتنع العباس بن مرداس السلمي كذلك ،وطمع أن
يساعده قومه كما ساعد القرع وعيينة قومهما .فأبت بنو سليم وقالوا :بل ما كان لنا فهو لرسول
ال صيلى ال علييه وسيلم .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :مين ضين منكيم بميا فيي يدييه فإنيا
نعوضه منه) .فرد عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم نساءهم وأولدهم ،وعوض من لم تطب
نفسيه بترك نصييبه أعواضيا رضوا بهيا .وقال قتادة :ذكير لنيا أن ظئر النيبي صيلى ال علييه وسيلم
التيي أرضعتيه مين بنيي سيعد أتتيه يوم حنيين فسيألته سيبايا حنيين فقال صيلى ال علييه وسيلم( :إنيي ل
أملك إل ميا يصييبني منهيم ولكين ايتينيي غدا فاسيأليني والناس عندي فإذا أعطيتيك حصيتي أعطاك
الناس) .فجاءت الغيد فبسيط لهيا ثوبيه فأقعدهيا علييه .ثيم سيألته فأعطاهيا نصييبه فلميا رأى ذلك الناس
أعطوهيا أنصيباءهم .وكان عدد سيبي هوزان فيي قول سيعيد بين المسييب سيتة آلف رأس .وقييل:
أربعية آلف .قال أبيو عمير :فيهين الشيماء أخيت النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين الرضاعية ،وهيي
بنت الحارث بن عبدالعزى من بنى سعد بن بكر وبنت حليمة السعدية ،فأكرمها رسول ال صلى
ال علييه وسيلم وأعطاهيا وأحسين إليهيا ،ورجعيت مسيرورة إلى بلدهيا بدينهيا وبميا أفاء ال عليهيا.
قال ابين عباس :رأى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يوم أوطاس امرأة تعدو وتصييح ول تسيتقر،
فسييأل عنهييا فقيييل :فقدت بنيييا لهييا .ثييم رآهييا وقييد وجدت ابنهييا وهييي تقبله وتدنيييه ،فدعاهييا وقال
لصحابه( :أطارحة هذه ولدها في النار)؟ قالوا :ل .قال( :لم)؟ قالوا :لشفقتها .قال( :ال أرحم بكم
منها) .وخرجه مسلم بمعناه والحمد ل.
**3الية{ 28 :يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم
هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم ال من فضله إن شاء إن ال عليم حكيم}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس" ابتداء وخبر .واختلف العلماء في معنى
وصيف المشرك بالنجيس ،فقال قتادة ومعمير بين راشيد وغيرهميا :لنيه جنيب إذ غسيله مين الجنابية
لييس بغسيل .وقال ابين عباس وغيره :بيل معنيى الشرك هيو الذي نجسيه .قال الحسين البصيري مين
صيافح مشركيا فليتوضيأ .والمذهيب كله على إيجاب الغسيل على الكافير إذا أسيلم إل ابين عبدالحكيم
فإنيه قال :لييس بواجيب ،لن السيلم يهدم ميا كان قبله .وبوجوب الغسيل علييه قال أبو ثور وأحميد.
وأسييقطه الشافعييي وقال :أحييب إلي أن يغتسييل .ونحوه لبيين القاسييم .ولمالك قول :إنييه ل يعرف
الغسيل ،رواه عنيه ابين وهيب وابين أبيي أوييس .وحدييث ثمامية وقييس بين عاصيم يرد هذه القوال.
رواهما أبو حاتم البستي في صحيح مسنده .وأن النبي صلى ال عليه وسلم مر بثمامة يوما فأسلم
فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل ،فاغتسل وصلى ركعتين .فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم( :لقد حسن إسلم صاحبكم) وأخرجه مسلم بمعناه .وفيه :أن ثمامة لما من عليه النبي
صلى ال عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل .وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل
بماء وسيدر .فإن كان إسيلمه قبييل احتلميه فغسيله مسيتحب .ومتيى أسيلم بعيد بلوغه لزميه أن ينوي
بغسله الجنابة .هذا قول علمائنا ،وهو تحصيل المذهب .وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل
إظهاره للشهادة بلسانه إذا اعتقد السلم بقلبه وهو قول ضعيف في النظر مخالف للثر .وذلك أن
أحدا ل يكون بالنيية مسيلما دون القول .هذا قول جماعية أهيل السينة فيي اليمان :إنيه قول باللسيان
وتصديق بالقلب ،ويزكو بالعمل .قال ال تعالى" :إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"
[فاطر.]10 :
@قوله تعالى" :فل يقربوا المسجد الحرام" "فل يقربوا" نهي ،ولذلك حذفت منه النون" .المسجد
الحرام" هذا اللفييظ يطلق على جميييع الحرم ،وهييو مذهييب عطاء فإذا يحرم تمكييين المشرك ميين
دخول الحرم أجمييع .فإذا جاءنييا رسييول منهييم خرج المام إلى الحييل ليسييمع مييا يقول .ولو دخييل
مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه .فليس لهم الستيطان ول الجتياز .وأما
جزيرة العرب ،وهييي مكيية والمدينيية واليماميية واليميين ومخاليفهييا ،فقال مالك :يخرج ميين هذه
المواضييع كييل ميين كان على غييير السييلم ،ول يمنعون ميين التردد بهييا مسييافرين .وكذلك قال
الشافعيي رحميه ال ،غيير أنيه اسيتثنى مين ذلك اليمين .ويضرب لهيم أجيل ثلثية أيام كميا ضربيه لهيم
عمر رضي ال عنه حين أجلهم .ول يدفنون فيها ويلجؤون إلى الحل.
@ واختلف العلماء فيي دخول الكفار المسياجد والمسيجد الحرام على خمسية أقوال ،فقال أهيل
المدينة الية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد .وبذلك كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عماله
ونزع في كتابه بهذه الية .ويؤيد ذلك قوله تعالى" :في بيوت أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه"
[النور .]36 :ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها .وفي صحيح مسلم وغيره( :إن هذه المساجد
ل تصييلح لشيييء ميين البول والقذر )...الحديييث .والكافيير ل يخلو عيين ذلك .وقال صييلى ال عليييه
وسيلم( :ل أحيل المسيجد لحائض ول لجنيب) والكافير جنيب وقوله تعالى" :إنميا المشركون نجيس"
فسيماه ال تعالى نجسيا .فل يخلو أن يكون نجيس العيين أو مبعدا مين طرييق الحكيم .وأي ذلك كان
فمنعيه مين المسيجد واجيب لن العلة وهيي النجاسية موجودة فيهيم ،والحرمية موجودة فيي المسيجد.
يقال :رجيل نجيس ،وامرأة نجيس ،ورجلن نجيس ،وامرأتان نجيس ،ورجال نجيس ،ونسياء نجيس،
ل يثنيى ول يجميع لنيه مصيدر .فأميا النجيس -بكسير النون وجزم الجييم -فل يقال إل إذا قييل معيه
رجيس .فإذا أفرد قييل نجيس -بفتيح النون وكسير الجييم -ونجيس -بضيم الجييم . -وقال الشافعيي
رحميه ال :اليية عامية فيي سيائر المشركيين ،خاصية فيي المسيجد الحرام ،ول يمنعون مين دخول
غيره ،فأباح دخول اليهودي والنصراني في سائر المساجد .قال ابن العربي :وهذا جمود منه على
الظاهر ،لن قوله عز وجل" :إنما المشركون نجس" تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة .فإن قيل:
فقد ربط النبي صلى ال عليه وسلم ثمامة في المسجد وهو مشرك .قيل له :أجاب علماؤنا عن هذا
الحدييث -وإن كان صيحيحا -بأجوبية :أحدهيا :أنيه كان متقدميا على نزول اليية .الثانيي أن النيبي
صلى ال عليه وسلم كان قد علم بإسلمه فلذلك ربطه .الثالث أن ذلك قضية في عين فل ينبغي أن
تدفع بها الدلة التي ذكرناها ،لكونها مقيدة حكم القاعدة الكلية .وقد يمكن أن يقال :إنما ربطه في
المسيجد لينظير حسين صيلة المسيلمين واجتماعهيم عليهيا ،وحسين آدابهيم فيي جلوسيهم فيي المسيجد،
فيسيتأنس بذلك ويسيلم ،وكذلك كان .ويمكين أن يقال :إنهيم لم يكين لهيم موضيع يربطونيه فييه إل فيي
المسييجد ،وال أعلم .وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه :ل يمنييع اليهود والنصييارى ميين دخول المسييجد
الحرام ول غيره ،ول يمنييع دخول المسييجد الحرام إل المشركون وأهييل الوثان .وهذا قول يرده
كيل ما ذكرناه مين الية وغيرهيا .قال الكيا الطبري :ويجوز للذميي دخول سيائر المسياجد عنيد أبيي
حنيفة من غير حاجة .وقال الشافعي :تعتبر الحاجة ،ومع الحاجة ل يجوز دخول المسجد الحرام.
وقال عطاء بيين أبييي رباح :الحرم كله قبلة ومسييجد ،فينبغييي أن يمنعوا ميين دخول الحرم ،لقوله
تعالى" :سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام" [السراء .]1 :وإنما رفع من بيت أم
هانيييئ .وقال قتادة :ل يقرب المسيييجد الحرام مشرك إل أن يكون صييياحب جزيييية أو عبدا كافرا
لمسيلم .وروى إسيماعيل بين إسيحاق حدثنيا يحييى بين عبدالحمييد قال حدثنيا شرييك عين أشعيث عين
الحسن عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ل يقرب المسجد مشرك إل أن يكون عبدا
أو أميية فيدخله لحاجيية) .وبهذا قال جابر بيين عبدال فإنييه قال :العموم يمنييع المشرك عيين قربان
المسجد الحرام ،وهو مخصوص في العبد والمة.
@قوله تعالى" :بعد عامهم هذا" فيه قولن :أحدهما -أنه سنة تسع التي حج فيها أبو بكر .الثاني
سينة عشير قاله قتادة .ابين العربيي :وهيو الصيحيح الذي يعطييه مقتضيى اللفيظ وإن مين العجيب أن
يقال :إنه سنة تسع وهو العام الذي وقع فيه الذان .ولو دخل غلم رجل داره يوما فقال له موله:
ل تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه.
@قوله تعالى" :وإن خفتيم عيلة" قال عمرو بين فائد :المعنيى وإذ خفتيم .وهذه عجمية ،والمعنيى
بارع بي ي "إن" .وكان المسييلمون لمييا منعوا المشركييين ميين الموسييم وهييم كانوا يجلبون الطعميية
والتجارات ،قذف الشيطان فيي قلوبهيم الخوف مين الفقير وقالوا :مين أيين نعييش .فوعدهيم ال أن
يغنيهم من فضله .قال الضحاك :ففتح ال عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله عز وجل" :قاتلوا
الذيين ل يؤمنون بال ول باليوم الخير" [التوبية ]29 :اليية .وقال عكرمية :أغناهيم ال بإدرار
المطيير والنبات وخصييب الرض فأخصييبت تبالة وجرش وحملوا إلى مكيية الطعام والودك وكثيير
الخيير وأسيلمت العرب :أهيل نجيد وصينعاء وغيرهيم فتمادى حجهيم وتجرهيم وأغنيى ال مين فضله
بالجهاد والظهور على المم .والعيلة :الفقر .يقال :عال الرجل يعيل إذا افتقر .قال الشاعر:
وما يدري الغني متى يعيل وما يدري الفقير متى غناه
وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود "عائلة" وهو مصدر كالقائلة من قال يقيل .وكالعافية.
ويحتميل أن يكون نعتيا لمحذوف تقديره :حال عائلة ،ومعناه خصيلة شاقية .يقال منيه :عالنيي المير
يعولني :أي شق علي واشتد .وحكى الطبري أنه يقال :عال يعول إذا افتقر.
@ فيي هذه اليية دلييل على أن تعلق القلب بالسيباب فيي الرزق جائز ولييس ذلك بمناف للتوكيل
وإن كان الرزق مقدرا وأميير ال وقسييمه مفعول ولكنييه علقييه بالسييباب حكميية ليعلم القلوب التييي
تتعلق بالسباب من القلوب التي تتوكل على رب الرباب .وقد تقدم أن السبب ل ينافي التوكل قال
صييلى ال عليييه وسييلم( :لو توكلتييم على ال حييق توكله لرزقكييم كمييا يرزق الطييير تغدو خماصييا
وتروح بطانييا) .أخرجييه البخاري .فأخييبر أن التوكييل الحقيقييي ل يضاده الغدو والرواح فييي طلب
الرزق .ابن العربي :ولكن شيوخ الصوفية قالوا :إنما يغدو ويروح في الطاعات فهو السبب الذي
يجلب الرزق .قالوا :والدليييل علييه أمران :أحدهمييا :قوله تعالى" :وأميير أهلك بالصيلة واصييطبر
عليهيا ل نسيألك رزقيا نحين نرزقيك" [طيه ]132 :الثانيي :قوله تعالى" :إلييه يصيعد الكلم الطييب
والعميل الصيالح برفعيه" [فاطير ]10 :فلييس ينزل الرزق مين محله ،وهيو السيماء ،إل ميا يصيعد
وهو الذكير الطيب والعمل الصالح وليس بالسيعي فيي الرض فإنه ليس فيهيا رزق .والصحيح ما
أحكمتيه السنة عنيد فقهاء الظاهير وهو العميل بالسيباب الدنيوية من الحرث والتجارة فيي السواق
والعمارة للموال وغرس الثمار .وقيد كانيت الصيحابة تفعيل ذلك والنيبي صيلى ال علييه وسيلم بيين
أظهرهيم .قال أبيو الحسين بين بطال :أمير ال سيبحانه عباده بالنفاق مين طيبات ميا كسيبوا إلى غيير
ذلك ميين الي .وقال" :فميين اضطيير غييير باغ ول عاد فل إثييم عليييه" [البقرة .]173 :فأحييل
للمضطر ما كان حرم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والغتذاء به ،ولم يأمره بانتظار
طعام ينزل علييه مين السيماء ،ولو ترك السيعي فيي ترك ميا يتغذى بيه لكان لنفسيه قاتل .وقيد كان
رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم يتلوى ميين الجوع مييا يجييد مييا يأكله ،ولم ينزل عليييه طعام ميين
السماء ،وكان يدخر لهله قوت سنته حتى فتح ال عليه الفتوح .وقد روى أنس بن مالك أن رجل
أتيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم ببعيير فقال :ييا رسيول ال ،أعقله وأتوكيل أو أطلقيه وأتوكيل؟ قال:
(اعقله وتوكل).
قلت :ول حجيية لهيم فيي أهيل الصييفة ،فإنهييم كانوا فقراء يقعدون فييي المسييجد ميا يحرثون ول
يتجرون ،لييس لهيم كسيب ول مال ،إنميا هيم أضياف السيلم عنيد ضييق البلدان ،وميع ذلك فإنهيم
كانوا يحتطبون بالنهار ويسرقون الماء إلى بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ويقرؤون القرآن
باللييل ويصيلون .هكذا وصيفهم البخاري وغيره .فكانوا يتسيببون .وكان صيلى ال علييه وسيلم إذا
جاءتيه هديية أكلهيا معهيم ،وإن كانيت صيدقة خصيهم بهيا ،فلميا كثير الفتيح وانتشير السيلم خرجوا
وتأمروا -كأبي هريرة وغيره -وما قعدوا .ثم قيل :السباب التي يطلب بها الرزق ستة أنواع:
أعلها :كسب نبينا محمد صلى ال عليه وسلم ،قال( :جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة
والصيغار على مين خالف أمري) .خرجيه الترمذي وصيححه .فجعيل ال رزق نيبيه صيلى ال علييه
وسلم في كسبه لفضله ،وخصه بأفضل أنواع الكسب ،وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه.
الثاني :أكل الرجل من عمل يده ،قال صلى ال عليه وسلم( :إن أطيب ما أكل الرجل من عمل
يده وإن نييبي ال داود كان يأكييل ميين عمييل يده) خرجييه البخاري .وفييي التنزيييل "وعلمناه صيينعة
لبوس لكم" [النبياء ،]80 :وروي أن عيسى عليه السلم كان يأكل من غزل أمه.
الثالث :التجارة ،وهيي كانيت عميل جيل الصيحابة رضوان ال عليهيم ،وخاصية المهاجريين ،وقيد
دل عليها التنزيل في غير موضع.
الرابع :الحرث والغرس .وقد بيناه في سورة "البقرة".
الخامس :إقراء القرآن وتعليمه والرقية ،وقد مضى في الفاتحة
السيادس :يأخيذ بنيية الداء إذا احتاج ،قال صيلى ال علييه وسيلم( :مين أخيذ أموال الناس يرييد
أداءهيا أدى ال عنيه ومين أخذهيا يرييد إتلفهيا أتلفيه ال) .خرجيه البخاري .رواه أبيو هريرة رضيي
ال عنه.
@قوله تعالى" :إن شاء" دليل على أن الرزق ليس بالجتهاد ،وإنما هو من فضل ال تولى قسمته
بيين عباده وذلك بيين فيي قوله تعالى" :نحين قسيمنا بينهيم معيشتهيم فيي الحياة الدنييا" [الزخرف:
]32الية.
**3الية{ 29 :قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال ورسوله
ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
@قوله تعالى" :قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر" لما حرم ال تعالى على الكفار أن
يقربوا المسجد الحرام ،وجد المسلمون في أنفسهم بما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون
يوافون بها ،قال ال عز وجل" :وإن خفتم عيلة" [التوبة ]28:الية .على ما تقدم .ثم أحل في هذه
الية الجزية وكانت لم تؤخذ قبل ذلك ،فجعلها عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجارتهم.
فقال ال عييز وجييل" :قاتلوا الذييين ل يؤمنون بال ول باليوم الخيير" الييية .فأميير سييبحانه وتعالى
بمقاتلة جميييع الكفار لصييفاقهم على هذا الوصييف ،وخييص أهييل الكتاب بالذكيير إكرامييا لكتابهييم،
ولكونهيم عالميين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل ،وخصوصا ذكير محميد صلى ال عليه وسلم
وملتيه وأمتيه .فلميا أنكروه تأكدت عليهيم الحجية وعظميت منهيم الجريمية ،فنبيه على محلهيم ثيم جعيل
للقتال غاية وهي إعطاء الجزية بدل عن القتل .وهو الصحيح .قال ابن العربي :سمعت أبا الوفاء
علي بين عقييل فيي مجلس النظير يتلوهيا ويحتيج بهيا .فقال" :قاتلوا" وذلك أمير بالعقوبية .ثيم قال:
"الذين ل يؤمنون" وذلك بيان للذنب الذي أوجب العقوبة .وقوله" :ول باليوم الخر" تأكيد للذنب
في جانب العتقاد .ثم قال" :ول يحرمون ما حرم ال ورسوله" زيادة للذنب في مخالفة العمال.
ثييم قال" :ول يدينون دييين الحييق" إشارة إلى تأكيييد المعصييية بالنحراف والمعاندة والنفيية عيين
السيتسلم .ثيم قال" :من الذيين أوتوا الكتاب" تأكييد للحجة ،لنهيم كانوا يجدونه مكتوبيا عندهم فيي
التوراة والنجيل .ثم قال" :حتى يعطوا الجزية عن يد" فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة وعين
البدل الذي ترتفع به.
@ وقد اختلف العلماء فيمن تؤخذ منه الجزية ،قال الشافعي رحمه ال :ل تقبل الجزية إل من أهل
الكتاب خاصية عربيا كانوا أو عجميا لهذه اليية ،فإنهيم هيم الذيين خصيوا بالذكير فتوجيه الحكيم إليهيم
دون من سواهم لقوله عيز وجيل" :فاقتلوا المشركين حييث وجدتموهم"[التوبة .]5:ولم يقيل :حتى
يعطوا الجزية كما قال في أهل الكتاب .وقال :وتقبل من المجوس بالسنة وبه قال أحمد وأبو ثور.
وهيو مذهيب الثوري وأبيي حنيفية وأصيحابه .وقال الوزاعيي :تؤخيذ الجزيية مين كيل عابيد وثين أو
نار أو جاحييد أو مكذب .وكذلك مذهييب مالك ،فإنييه رأى الجزييية تؤخييذ ميين جميييع أجناس الشرك
والجحيد ،عربييا أو عجمييا ،تغلبييا أو قرشييا ،كائنيا مين كان ،إل المرتيد .وقال ابين القاسيم وأشهيب
وسيحنون :تؤخيذ الجزيية مين مجوس العرب والميم كلهيا .وأميا عبدة الوثان مين العرب فلم يسيتن
ال فيهم جزية ،ول يبقى على الرض منهم أحد ،وإنما لهم القتال أو السلم .ويوجد لبن القاسم:
أن الجزية تؤخذ منهم ،كما يقول مالك .وذلك في التفريع لبن الجلب وهو احتمال ل نص .وقال
ابيين وهييب :ل تقبييل الجزييية ميين مجوس العرب وتقبييل ميين غيرهييم .قال :لنييه ليييس فييي العرب
مجوسيي إل وجميعهيم أسيلم ،فمين وجيد منهيم بخلف السيلم فهيو مرتيد يقتيل بكيل حال إن لم يسيلم
ول تقبل منهم جزية .وقال ابن الجهم :تقبل الجزية من كل من دان بغير السلم إل ما أجمع عليه
مين كفار قرييش .وذكير فيي تعلييل ذلك أنيه إكرام لهيم عين الذلة والصيغار ،لمكانهيم مين رسيول ال
صلى ال عليه وسلم .وقال غيره :إنما ذلك لن جميعهم أسلم يوم فتح مكة .وال أعلم.
@ وأما المجوس فقال ابن المنذر :ل أعلم خلفا أن الجزية تؤخذ منهم .وفي الموطأ :مالك عن
جعفير بين محميد عين أبييه أن عمير بين الخطاب ذكير أمير المجوس فقال :ميا أدري كييف أصينع فيي
أمرهم .فقال عبدالرحمن بن عوف :أشهد لسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :سنوا بهم
سينة أهيل الكتاب) .قال أبيو عمير :يعنيي فيي الجزيية خاصية .وفيي قول رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم( :سينوا بهيم سينة أهيل الكتاب) دلييل على أنهيم ليسيوا أهيل كتاب .وعلى هذا جمهور الفقهاء.
وقد روي عن الشافعي أنهم كانوا أهل كتاب فبدلوا .وأظنه ذهب في ذلك إلى شيء روي عن علي
بن أبي طالب رضي ال عنه من وجه فيه ضعف ،يدور على أبي سعيد البقال ،ذكره عبدالرزاق
وغيره .قال ابن عطية :وروي أنه قد كان بعث في المجوس نبي اسمه زرادشت .وال أعلم.
@ لم يذكير ال سيبحانه وتعالى فيي كتابيه مقدارا للجزيية المأخوذة منهيم .وقيد اختلف العلماء فيي
مقدار الجزية المأخوذة منهم ،فقال عطاء بن أبي رباح :ل توقيت فيها ،وإنما هو على ما صولحوا
علييه .وكذلك قال يحييى بين آدم وأبيو عبييد والطيبري ،إل أن الطيبري قال :أقله دينار وأكثره ل حيد
له .واحتجوا بميا رواه أهيل الصيحيح عين عمرو بين عوف :أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
صالح أهل البحرين على الجزية .وقال الشافعي :دينار على الغني والفقير من الحرار البالغين ل
ينقيص منيه شييء واحتيج بميا رواه أبيو داود وغيره عين معاذ :أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
بعثيه إلى اليمين وأمره أن يأخيذ مين كيل حالم دينارا فيي الجزيية .قال الشافعيي :وهيو الميبين عين ال
تعالى مراده .وهو قول أبي ثور .قال الشافعي :وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز ،وإن زادوا
وطابييت بذلك أنفسييهم قبييل منهييم .وإن صييولحوا على ضيافيية ثلثيية أيام جاز ،إذا كانييت الضيافيية
معلومة في الخبز والشعير والتبن والدام ،وذكر ما على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر
موضيع النزول والكنّ مين البرد والحير .وقال مالك فيميا رواه عنيه ابين القاسيم وأشهيب ومحميد بين
الحارث بن زنجويه :إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق ،الغني
والفقيير سيواء ولو كان مجوسييا .ل يزاد ول ينقيص على ميا فرض عمير ل يؤخيذ منهيم غيره .وقيد
قييل :إن الضعييف يخفيف عنيه بقدر ميا يراه المام .وقال ابين القاسيم :ل ينقيص مين فرض عمير
لعسير ول يزاد علييه لغنيى .قال أبيو عمير :ويؤخيذ مين فقرائهيم بقدر ميا يحتملون ولو درهميا .وإلى
هذا رجع مالك .وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل :اثنا عشر ،وأربعة
وعشرون ،وأربعون .قال الثوري :جاء عين عمير بين الخطاب فيي ذلك ضرائب مختلفية ،فللوالي
أن يأخذ بأيها شاء ،إذا كانوا أهل ذمة .وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه ل غير.
@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم :والذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين،
لنيه تعالى قال" :قاتلوا الذيين" إلى قوله" :حتيى يعطوا الجزيية" فيقتضيي ذلك وجوبهيا على مين
يقاتييل .ويدل على أنييه ليييس على العبييد وإن كان مقاتل ،لنييه ل مال له ،ولنييه تعالى قال" :حتييى
يعطوا" .ول يقال لمين ل يملك حتيى يعطيي .وهذا إجماع مين العلماء على أن الجزيية إنميا توضيع
على جماجيم الرجال الحرار البالغيين ،وهيم الذيين يقاتلون دون النسياء والذريية والعبييد والمجانيين
المغلوبيين على عقولهيم والشييخ الفانيي .واختلف فيي الرهبان ،فروى ابين وهيب عين مالك أنهيا ل
تؤخذ منهم .قال مطرف وابن الماجشون :هذا إذا لم يترهب بعد فرضها فإن فرضت ثم ترهب لم
يسقطها ترهبه.
@ إذا أعطى أهل الجزية الجزية لم يؤخذ منهم شيء من ثمارهم ول تجارتهم ول زروعهم إل
أن يتجروا فيي بلد غيير بلدهيم التيي أقروا فيهيا وصيولحوا عليهيا .فإن خرجوا تجارا عين بلدهيم
التيي أقروا فيهيا إلى غيرهيا أخيذ منهيم العشير إذا باعوا ونيض ثمين ذلك بأيديهيم ولو كان ذلك فيي
السينة مرارا إل فيي حملهيم الطعام الحنطية والزييت إلى المدينية ومكية خاصية ،فإنيه يؤخيذ منهيم
نصف العشر على ما فعل عمر .ومن أهل المدينة من ل يرى أن يؤخذ من أهل الذمة العشر في
تجارتهم إل مرة في الحول ،مثل ما يؤخذ من المسلمين .وهو مذهب عمر بن عبدالعزيز وجماعة
من أئمة الفقهاء .والول قول مالك وأصحابه.
إذا أدى أهيل الجزيية جزيتهيم التيي ضربيت عليهيم أو صيولحوا عليهيا خلي بينهيم وبيين أموالهيم
كلهيا ،وبيين كرومهيم وعصيرها ميا سيتروا خمورهيم ولم يعلنوا بيعهيا مين مسيلم ومنعوا مين إظهار
الخمر والخنزير في أسواق المسلمين ،فإن أظهروا شيئا من ذلك أريقت الخمر عليهم ،وأدب من
أظهير الخنزيير .وإن أراقهيا مسيلم مين غيير إظهارهيا فقيد تعدى ،ويجيب علييه الضمان .وقييل :ل
يجب ولو غصبها وجب عليه ردها .ول يعترض لهم في أحكامهم ول متاجرتهم فيما بينهم بالربا.
فإن تحاكموا إلينيا فالحاكيم مخيير ،إن شاء حكيم بينهيم بميا أنزل ال وإن شاء أعرض .وقييل :يحكيم
بينهم في المظالم على كل حال ،ويؤخذ من قويهم لضعيفهم ،لنه من باب الدفع عنهم وعلى المام
أن يقاتيل عنهيم عدوهيم ويسيتعين بهيم فيي قتالهيم .ول حيظ لهيم فيي الفييء ،وميا صيولحوا علييه مين
الكنائس لم يزيدوا عليها ،ولم يمنعوا من إصلح ما وهى منها ،ول سبيل لهم إلى إحداث غيرها.
ويأخذون مين اللباس والهيئة بميا ييبينون بيه مين المسيلمين ،ويمنعون مين التشبيه بأهيل السيلم .ول
بأس باشتراء أولد العدو منهيم إذا لم تكين لهيم ذمية .ومين لد فيي أداء جزيتيه أدب على لدده وأخذت
منه صاغرا.
@ اختلف العلماء فيميا وجبيت الجزيية عنيه ،فقال علماء المالكيية :وجبيت بدل عين القتيل بسيبب
الكفر .وقال الشافعي :وجبت بدل عن الدم وسكنى الدار .وفائدة الخلف أنا إذا قلنا وجبت بدل عن
القتل فأسلم سقطت عنه الجزية لما مضى ،ولو أسلم قبل تمام الحول بيوم أو بعده عند مالك .وعند
الشافعيي أنهيا ديين مسيتقر فيي الذمية فل يسيقطه السيلم كأجرة الدار .وقال بعيض الحنفيية بقولنيا.
وقال بعضهيم :إنميا وجبيت بدل عين النصير والجهاد .واختاره القاضيي أبيو زييد وزعيم أنيه سير ال
فيي المسيألة .وقول مالك أصيح ،لقوله صيلى ال علييه وسيلم( :لييس على مسيلم جزيية) .قال سيفيان:
معناه إذا أسيلم الذميي بعيد ميا وجبيت الجزيية علييه بطلت عنيه .أخرجيه الترمذي وأبيو داود .قال
علماؤنا :وعليه يدل قوله تعالى" :حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" لن بالسلم يزول
هذا المعنيى .ول خلف أنهيم إذا أسيلموا فل يؤدون الجزيية عين ييد وهيم صياغرون .والشافعيي ل
يأخذ بعد السلم على الوجه الذي قاله ال تعالى .وإنما يقول :إن الجزية دين ،وجبت عليه بسبب
سابق وهو السكنى أو توقي شر القتل ،فصارت كالديون كلها.
لو عاهييد المام أهييل بلد أو حصيين ثييم نقضوا عهدهييم وامتنعوا ميين أداء مييا يلزمهييم ميين الجزييية
وغيرهيا وامتنعوا مين حكيم السيلم مين غيير أن يظلموا وكان المام غيير جائر عليهيم وجيب على
المسيلمين غزوهيم وقتالهيم ميع إمامهيم .فإن قاتلوا وغلبوا حكيم فيهيم بالحكيم فيي دار الحرب سيواء.
وقد قيل :هم ونساؤهم فيء ول خمس فيهم ،وهو مذهب.
فإن خرجوا متلصصين قاطعين الطريق فهم بمنزلة المحاربين المسلمين إذا لم يمنعوا الجزية.
ولو خرجوا متظلمين نظر في أمرهم وردوا إلى الذمة وأنصفوا من ظالمهم ول يسترق منهم أحد
وهييم أحرار .فإن نقييض بعضهييم دون بعييض فميين لم ينقييض على عهده ،ول يؤخييذ بنقييض غيره
وتعرف إقامتهم على العهد بإنكارهم على الناقضين.
@ الجزية وزنها فعلة ،من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدي إليه ،فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا
من المن ،وهي كالقعدة والجلسة .ومن هذا المعنى قول الشاعر:
أثنى عليك بما فعلت كمن جزى يجزيك أو يثني عليك وإن من
@ روى مسيلم عين هشام بين حكييم بين حزام ومير على ناس مين النباط بالشأم قيد أقيموا فيي
الشميس -فيي روايية :وصيب على رؤوسيهم الزييت -فقال :ميا شأنهيم؟ فقال يحبسيون فيي الجزيية.
فقال هشام :أشهد لسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إن ال يعذب الذين يعذبون الناس
فيي الدنييا) .فيي روايية :وأميرهيم يومئذ عميير بين سيعد على فلسيطين ،فدخيل علييه فحدثيه فأمير بهيم
فخلوا .قال علماؤنيا :أميا عقوبتهيم إذا امتنعوا مين أدائهيا ميع التمكيين فجائز ،فأميا ميع تيبين عجزهيم
فل تحل عقوبتهم ،لن من عجز عن الجزية سقطت عنه .ول يكلف الغنياء أداءها عن الفقراء.
وروى أبو داود عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
عن آبائهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته
أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة).
@قوله تعالى" :عن يد" قال ابن عباس :يدفعها بنفسه غير مستنيب فيها أحدا روى أبو البختري
عين سيلمان قال :مذموميين .وروى معمير عين قتادة قال :عين قهير وقييل" :عين ييد" عين إنعام منكيم
عليهم ،لنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك .عكرمة :يدفعها وهو قائم والخذ جالس
وقال سيعيد بين جيبير .ابين العربيي :وهذا لييس مين قوله" :عين ييد" وإنميا هيو مين قوله" :وهيم
صاغرون".
@ روى الئمة عن عبدال بن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :اليد العليا خير من
الييد السيفلى والييد العلييا المنفقية والسيفلى السيائلة) وروى( :والييد العلييا هيي المعطيية) .فجعيل ييد
المعطيي فيي الصيدقة علييا ،وجعيل ييد المعطيي فيي الجزيية سيفلى .وييد الخيذ علييا؛ ذلك بأنيه الرافيع
الخافض ،يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ،ل إله غيره.
@ عين حيبيب بين أبيي ثابيت قال :جاء رجيل إلى ابين عباس فقال :إن أرض الخراج يعجيز عنهيا
أهلهيا أفأعمرهيا وأزرعهيا وأؤدي خراجهيا؟ فقال :ل .وجاءه آخير فقال له ذلك فقال :ل وتل قوله
تعالى" :قاتلوا الذيين ل يؤمنون بال ول باليوم الخير" إلى قوله" :وهيم صياغرون" أيعميد أحدكيم
إلى الصييغار فييي عنييق أحدهييم فينتزعييه فيجعله فييي عنقييه وقال كليييب بيين وائل :قلت لبيين عميير
اشترييت أرضيا قال الشراء حسين .قلت :فإنيي أعطيي عين كيل جرييب أرض درهميا وقفييز طعام.
قال :ل تجعل في عنقك صغارا .وروى ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي ال عنهما قال :ما
يسرني أن لي الرض كلها بجزية خمسة دراهم أمر فيها بالصغار على نفسي.
**3الييية{ 30 :وقالت اليهود عزييير ابين ال وقالت النصيارى المسييح ابيين ال ذلك قولهييم
بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون}
@ قرأ عاصم والكسائي "عزير ابن ال" بتنوين عزير .والمعنى أن "ابنا" على هذا خبر ابتداء
عن عزير و"عزير" ينصرف عجميا كان أو عربيا .وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر
"عزيير ابين" بترك التنويين لجتماع السياكنين ،ومنيه قراءة مين قرأ "قيل هيو ال أحيد ال الصيمد"
[الخلص .]2 - 1:قال أبو علي :وهو كثير في الشعر .وأنشد الطبري في ذلك:
وبالقناة مدعسا مكرا لتجدني بالمير برا
ف السّلَميّ فرا
إذا غطي ُ
@قوله تعالى" :وقالت اليهود" هذا لفيظ خرج على العموم ومعناه الخصيوص ،لن لييس كيل
اليهود قالوا ذلك .وهذا مثيل قوله تعالى" :الذيين قال لهيم الناس" [آل عمران ]173:ولم يقيل ذلك
كل الناس .وقيل :إن قائل ما حكى عن اليهود سلم بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس
ومالك بيين الصيييف ،قالوه للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم .قال النقاش :لم يبييق يهودي يقولهييا بييل
انقرضوا فإذا قالهيا واحيد فيتوجيه أن تلزم الجماعية شنعية المقالة ،لجيل نباهية القائل فيهيم .وأقوال
النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها .فمن ههنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها .وال أعلم.
وقييد روي أن سييبب ذلك القول أن اليهود قتلوا النييبياء بعييد موسييى عليييه السييلم فرفييع ال عنهييم
التوراة ومحاها من قلوبهم ،فخرج عزير يسيح في الرض ،فأتاه جبريل فقال( :أين تذهب)؟ قال:
أطلب العلم ،فعلمه التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة إلى بني إسرائيل فعلمهم .وقيل :بل حفظها ال
عزيرا كرامية منيه له ،فقال لبنيي إسيرائيل :إن ال قيد حفظنيي التوراة ،فجعلوا يدرسيونها مين عنده.
وكانيت التوراة مدفونية ،كان دفنهيا علماؤهيم حيين أصيابهم مين الفتين والجلء والمرض ميا أصياب
وقتل بختنصر إياهم .ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي متساوية لما كان عزير يدرس فضلوا
عنيد ذلك وقالوا :إن هذا لم يتهييأ لعزيير إل وهيو ابين ال حكاه الطيبري .وظاهير قول النصيارى أن
المسيييح ابيين ال ،إنمييا أرادوا بنوة النسييل كمييا قالت العرب فييي الملئكيية .وكذلك يقتضييي قول
الضحاك والطييبري وغيرهمييا .وهذا أشنييع الكفيير .قال أبييو المعالي :أطبقييت النصييارى على أن
المسيح إله وإنه ابن إله .قال ابن عطية :ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة .وهذا المعنى
أيضا ل يحل أن تطلق البنوة عليه وهو كفر.
@ قال ابين العربيي :فيي هذا دلييل مين قول ربنيا تبارك وتعالى على أن مين أخيبر عن كفير غيره
الذي ل يجوز لحد أن يبتدئ به ل حرج عليه ،لنه إنما ينطق به على معنى الستعظام له والرد
علييه ولو شاء ربنيا ميا تكلم بيه أحيد ،فإذا مكين مين إطلق اللسين بيه فقيد أذن بالخبار عنيه على
معنى إنكاره بالقلب واللسان والرد عليه بالحجة والبرهان.
@قوله تعالى" :ذلك قولهم بأفواههم" قيل :معناه التأكيد ،كما قال تعالى" :يكتبون الكتاب بأيديهم"
[البقرة ]79 :وقوله" :ول طائر يطير بجناحيه" [النعام ]38 :وقوله" :فإذا نفخ في الصور نفخة
واحدة" [الحاقة ]13:ومثله كثير .وقيل :المعنى أنه لما كان قول ساذج ليس فيه بيان ول برهان،
وإنميا هيو قول بالفيم مجرد نفيس دعوى ل معنيى تحتيه صيحيح لنهيم معترفون بأن ال سيبحانه لم
يتخيذ صياحبة فكييف يزعمون أن له ولدا ،فهيو كذب وقول لسياني فقيط بخلف القوال الصيحيحة
التيي تعضدهيا الدلة ويقوم عليهيا البرهان .قال أهيل المعانيي :إن ال سيبحانه لم يذكير قول مقرونيا
بذكيير الفواه واللسيين إل وكان قول زورا ،كقوله" :يقولون بأفواههييم مييا ليييس فييي قلوبهييم" [آل
عمران ]167 :و"كيبرت كلمية تخرج مين أفواههيم إن يقولون إل كذبيا" [الكهيف ]5 :و"يقولون
بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" [الفتح.]11 :
@قوله تعالى" :يضاهئون قول الذين كفروا من قبل" "يضاهئون" يشابهون ،ومنه قول العرب:
امرأة ضهييأ للتيي ل تحييض أو التيي ل ثدي لهيا ،كأنهيا أشبهيت الرجال .وللعلماء فيي "قول الذيين
كفروا" ثلثية أقوال[:الول] قول عبدة الوثان :اللت والعزى ومناة الثالثية الخرى .الثانيي :قول
الكفرة :الملئكية بنات ال .الثالث :قول أسيلفهم ،فقلدوهيم فيي الباطيل واتبعوهيم على الكفير ،كميا
أخبر عنهم بقوله تعالى" :إنا وجدنا آباءنا على أمة" [الزخرف.]23 :
@ اختلف العلماء في "ضهيأ" هل يمد أو ل ،فقال ابن ولد :امرأة ضهيأ ،وهي التي ل تحيض،
مهموز غيير ممدود .ومنهيم مين يميد وهيو سييبويه فيجعلهيا على فعلء بالميد ،والهمزة فيهيا زائدة
لنهم يقولون نساء ضهي فيحذفون الهمزة .قال أبو الحسن قال لي النجيرمي :ضهيأة بالمد والهاء.
جمع بين علمتي تأنيث ،حكاه عن أبي عمرو الشيباني في النوادر .وأنشد:
ضهيأة أو عاقر جماد
ابين عطيية :مين قال "يضاهئون" مأخوذ مين قولهيم :امرأة ضهياء فقوله خطيأ ،قاله أبيو علي ،لن
الهمزة في (ضاهأ) أصلية ،وفي (ضهياء) زائدة كحمراء.
@قوله تعالى" :قاتلهيم ال أنيى يؤفكون" أي لعنهيم ال ،يعنيي اليهود والنصيارى ،لن الملعون
كالمقتول .قال ابن جريج" :قاتلهم ال" هو بمعنى التعجب .وقال ابن عباس :كل شيء في القرآن
قتل فهو لعن ،ومنه قول أبان ابن تغلب:
أني لنفسي إفسادي وإصلحي قاتلها ال تلحاني وقد علمت
وحكيى النقاش أن أصيل "قاتيل ال" الدعاء ،ثيم كثير فيي اسيتعمالهم حتيى قالوه على التعجيب فيي
الخير والشر ،وهم ل يريدون الدعاء .وأنشد الصمعي:
وأخبر الناس أني ل أباليها يا قاتل ال ليلى كيف تعجبني
**3الية{ 31 :اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل
ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون}
@قوله تعالى" :اتخذوا أحبارهيم ورهبانهم أربابيا مين دون ال والمسيح ابن مرييم" الحبار جمع
حبر ،وهو الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه بحسن البيان عنه .ومنه ثوب محبر أي جمع الزينة.
وقد قيل في واحد الحبار :حبر بكسر الحاء ،والدليل على ذلك أنهم قالوا :مداد حبر يريدون مداد
عالم ،ثم كثر الستعمال حتى قالوا للمداد حبر .قال الفراء :الكسر والفتح لغتان .وقال ابن السكيت:
الحيبر بالكسير المداد ،والحيبر بالفتيح العالم .والرهبان جميع راهيب مأخوذ مين الرهبية ،وهيو الذي
حمله خوف ال تعالى على أن يخلص له النية دون الناس ،ويجعل زمانه له وعمله معه وأنسه به.
@قوله تعالى" :أربابا من دون ال" قال أهل المعاني :جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالرباب حيث
أطاعوهيم فيي كيل شييء ومنيه قوله تعالى" :قال انفخوا حتيى إذا جعله نارا" [الكهيف ]96 :أي
كالنار .قال عبدال بن المبارك:
وأحبار سوء ورهبانها وهل أفسد الدين إل الملوك
روى العمش وسفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن أبى البختري قال :سئل حذيفة عن قول ال عز
وجيل" :أتخذوا أحبارهيم ورهبانهيم أربابيا مين دون ال" هيل عبدوهيم؟ فقال ل ،ولكين أحلوا لهيم
الحرام فاسيتحلوه ،وحرموا عليهيم الحلل فحرموه .وروى الترمذي عين عدي بين حاتيم قال :أتييت
النيبي صيلى ال علييه وسيلم وفيي عنقيي صيليب مين ذهيب .فقال( :ميا هذا ييا عدي اطرح عنيك هذا
الوثين) وسيمعته يقرأ فيي سيورة [براءه" "اتخذوا أحبارهيم ورهبانهيم أربابيا مين دون ال والمسييح
ابين مرييم" ثيم قال( :أميا إنهيم لم يكونوا يعبدونهيم ولكنهيم كانوا إذا أحلوا لهيم شيئا اسيتحلوه وإذا
حرموا عليهم شيئا حرموه) .قال :هذا حديث غريب ل يعرف إل من حديث عبدالسلم بن حرب.
وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث.
@قوله تعالى" :والمسيح ابن مريم" مضى الكلم في اشتقاقه في "آل عمران" والمسيح :العرق
يسيل من الجبين .ولقد أحسن بعض المتأخرين فقال:
إذا شهدت الحشر والميزانا افرح فسوف تألف الحزانا
كأنه جداول تسيح وسال من جبينك المسيح
ومضى في "النساء" معنى إضافته إلى مريم أمه.
**3اليية{ 32 :يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههيم ويأبيى ال إل أن يتيم نوره ولو كره
الكافرون}
@قوله تعالى" :يريدون أن يطفئوا نور ال" أي دللتيه وحججيه على توحيده .جعيل البراهيين
بمنزلة النور لمييا فيهييا ميين البيان .وقيييل :المعنييى نور السييلم ،أي أن يخمدوا دييين ال بتكذيبهييم.
"بأفواههم" جمع فوه على الصل ،لن الصل في فم فوه ،مثل حوض وأحواض" .ويأبى ال إل
أن يتيم نوره" يقال :كييف دخلت "إل" ولييس فيي الكلم حرف نفيي ،ول يجوز ضربيت إل زيدا.
فزعيم الفراء أن "إل" إنميا دخلت لن فيي الكلم طرفيا مين الجحيد .قال الزجاج :الجحيد والتحقييق
ليسا بذوي أطراف .وأدوات الجحد :ما ،ول ،وإن ،وليس :وهذه ل أطراف لها ينطق بها ولو كان
المر كما أراد لجاز كرهت إل زيدا ،ولكن الجواب أن العرب تحذف مع أبى .والتقدير :ويأبى ال
كيل شييء إل أن يتيم نوره .وقال علي بين سيليمان :إنميا جاز هذا فيي "أبيى" لنهيا منيع أو امتناع
فضارعت النفي .قال النحاس :فهذا حسن ،كما قال الشاعر:
أبى ال إل أن أكون لها ابنما وهل لي أم غيرها إن تركتها
**3اليية{ 33 :هيو الذي أرسيل رسيوله بالهدى وديين الحيق ليظهره على الديين كله ولو كره
المشركون}
@قوله تعالى" :هييو الذي أرسييل رسييوله" يريييد محمدا صييلى ال عليييه وسييلم" .بالهدى" أي
بالفرقان" .ودييين الحييق ليظهره على الدييين كله" أي بالحجيية والبراهييين .وقييد أظهره على شرائع
الديين حتيى ل يخفيى علييه شييء منهيا ،عين ابين عباس وغيره .وقييل" :ليظهره" أي ليظهير الديين
ديين السيلم على كيل ديين .قال أبيو هريرة والضحاك :هذا عنيد نزول عيسيى علييه السيلم .وقال
السدي :ذاك عند خروج المهدي ،ل يبقى أحد إل دخل في السلم أو أدى الجزية .وقيل :المهدي
هيو عيسيى فقيط وهيو غيير صيحيح لن الخبار الصيحاح قيد تواترت على أن المهدي مين عترة
رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم ،فل يجوز حمله على عيسييى .والحديييث الذي ورد فييي أنييه (ل
مهدي إل عيسيى) غيير صيحيح .قال البيهقيي فيي كتاب البعيث والنشور :لن راوييه محميد بين خالد
الجندي وهو مجهول ،يروي عن أبان بن أبي عياش -وهو متروك -عن الحسن عن النبي صلى
ال عليه وسلم ،وهو منقطع .والحاديث التي قبله في التنصيص على خروج المهدي ،وفيها بيان
كون المهدي من عترة رسول ال صلى ال عليه وسلم أصح إسنادا.
قلت :قد ذكرنا هذا وزدناه بيانا في كتابنا كتاب التذكرة وذكرنا أخبار المهدي مستوفاة والحمد
ل .وقيل :أراد "ليظهره على الدين كله" في جزيرة العرب ،وقد فعل.
**3الية{ 34 :يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل
ويصيدون عن سبيل ال والذين يكنزون الذهيب والفضية ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهيم بعذاب
أليم}
@قوله تعالى" :ليأكلون أموال الناس بالباطيل" دخلت اللم على يفعيل ،ول تدخيل على فعيل
لمضارعييية يفعيييل السيييماء .والحبار علماء اليهود .والرهبان مجتهدو النصيييارى فيييي العبادة.
"بالباطيل" قييل :إنهيم كانوا يأخذون مين أموال أتباعهيم ضرائب وفروضيا باسيم الكنائس والبييع
وغييير ذلك ،ممييا يوهمونهييم أن النفقيية فيييه ميين الشرع والتزلف إلى ال تعالى ،وهييم خلل ذلك
يحجبون تلك الموال ،كالذي ذكره سيلمان الفارسيي عين الراهيب الذي اسيتخرج كنزه ،ذكره ابين
إسيحاق فيي السيير .وقييل :كانوا يأخذون مين غلتهيم وأموالهيم ضرائب باسيم حمايية الديين والقيام
بالشرع .وقييييل :كانوا يرتشون فيييي الحكام ،كميييا يفعله اليوم كثيييير مييين الولة والحكام .وقوله:
"بالباطل" يجمع ذلك كله" .ويصدون عن سبيل ال" أي يمنعون أهل دينهم عن الدخول في دين
السلم ،واتباع محمد صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :والذين يكنزون الذهب والفضة" الكنز أصله في اللغة الضم والجمع ول يختص
ذلك بالذهييب والفضيية .أل ترى قوله عليييه السييلم( :أل أخييبركم بخييير مييا يكنييز المرء المرأة
الصالحة) .أي يضمه لنفسه ويجمعه .قال:
غير خيوط ورثيث بز ولم تزود من جميع الكنز
وقال آخر:
قِرْف الحتيّ وعندي البر مكنوز ل د ّر درّي إن أطعمت جائعهم
قرف الحتي هو سويق المقل .يقول :إنه نزل بقوم فكان قراه عندهم سويق المقل ،وهو الحتي ،فلما
نزلوا بيه قال هيو :ل در دري ...البييت .وخيص الذهيب والفضية بالذكير لنيه مميا ل يطلع علييه،
بخلف سائر الموال .قال الطبري :الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض ،في بطن الرض
كان أو على ظهرهيا .وسيمي الذهيب ذهبيا لنيه يذهيب ،والفضية لنهيا تنفيض فتتفرق ،ومنيه قوله
تعالى" :انفضوا إليهيا" [الجمعية" - ]11 :لنفضوا مين حولك" [آل عمران ]159 :وقيد مضيى
هذا المعنى في "آل عمران".
@ واختلف الصيحابة فيي المراد بهذه اليية ،فذهيب معاويية إلى أن المراد بهيا أهيل الكتاب وإلييه
ذهييب الصييم لن قوله" :والذييين يكنزون" مذكور بعييد قوله" :إن كثيرا ميين الحبار والرهبان
ليأكلون أموال لناس بالباطل" .وقال أبو ذر وغيره :المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين.
وهو الصحيح ،لنه لو أراد أهل الكتاب خاصة لقال :ويكنزون ،بغير والذين .فلما قال" :والذين"
فقد استأنف معنى آخر يبين أنه عطف جملة على جملة .فالذين يكنزون كلم مستأنف ،وهو رفع
على البتداء .قال السيدي :عنيى أهيل القبلة .فهذه ثلثية أقوال .وعلى قول الصيحابة فييه دلييل على
أن الكفار عندهم مخاطبون بفروع الشريعة .روى البخاري عن زيد بن وهب قال :مررت بالربذة
فإذا أنيا بأبيي ذر فقلت له :ميا أنزلك منزلك هذا؟ قال :كنيت بالشأم فاختلفيت أنيا ومعاويية فيي "الذيين
يكنزون الذهيب والفضية ول ينفقونهيا فيي سيبيل ال" ،فقال معاويية :نزلت فيي أهيل الكتاب .فقلت:
نزلت فينيا وفيهيم ،وكان بينيي وبينيه فيي ذلك .فكتيب إلى عثمان يشكونيي ،فكتيب إلي عثمان أن أقدم
المدينية ،فقدمتهيا فكثير علي الناس حتيى كأنهيم لم يرونيي قبيل ذلك ،فذكرت ذلك لعثمان فقال :إن
شئت تنحيت فكنت قريبا ،فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت.
@ قال ابين خوييز منداد :تضمنيت هذه اليية زكاة العيين ،وهيي تجيب بأربعية شروط :حريية،
وإسييلم ،وحول ،ونصيياب سييليم ميين الدييين .والنصيياب مائتييا درهييم أو عشرون دينارا .أو يكمييل
نصاب أحدهما من الخر وأخرج ربع العشر من هذا وربع العشر من هذا .وإنما قلنا إن الحرية
شرط ،فلن العبيد ناقيص الملك .وإنميا قلنيا إن السيلم شرط ،فلن الزكاة طهرة والكافير ل تلحقيه
طهرة ،ولن ال تعالى قال" :وأقيموا الصييلة وآتوا الزكاة" [البقرة ]43:فخوطييب بالزكاة ميين
خوطب بالصلة .وإنما قلنا إن الحول شرط ،فلن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ليس في مال
زكاة حتى يحول عليه الحول) .وإنما قلنا إن النصاب شرط ،فلن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(لييس فيي أقيل مين مائتيي درهيم زكاة ولييس فيي أقيل مين عشريين دينارا زكاة) .ول يراعيى كمال
النصياب فيي أول الحول ،وإنميا يراعيى عنيد آخير الحول ،لتفاقهيم أن الربيح فيي حكيم الصيل .يدل
على هذا أن من كانت معه مائتا درهم فتجر فيها فصارت آخر الحول ألفا أنه يؤدي زكاة اللف،
ول يسيتأنف للربيح حول .فإذا كان كذلك لم يختلف حكيم الربيح ،كان صيادرا عين نصياب أو دونيه.
وكذلك اتفقوا أنه لو كان له أربعون من الغنم ،فتوالدت له رأس الحول ثم ماتت المهات إل واحدة
منها ،وكانت السخال تتمة النصاب فإن الزكاة تخرج عنها.
@ واختلف العلماء في المال الذي أديت زكاته هل يسمى كنزا أم ل؟ فقال قوم :نعم .ورواه أبو
الضحاك عن جعدة بن هبيرة عن علي رضي ال عنه ،قال علي :أربعة آلف فما دونها نفقة ،وما
كثير فهو كنز وإن أديت زكاته ،ول يصح .وقال قوم :ما أديت زكاته منه أو من غيره عنه فليس
بكنز .قال ابن عمر :ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ،وكل ما لم تؤد زكاته
فهو كنز وإن كان فوق الرض .ومثله عن جابر ،وهو الصحيح .وروى البخاري عن أبي هريرة
قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من آتاه ال مال فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا
أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه -ثم يقول أنا مالك أنا كنزك -
ثيم تل " -ول يحسيبن الذيين يبخلون" [آل عمران ]180 :اليية .وفييه أيضيا عين أبيي ذر ،قال:
انتهيت إليه -يعني النبي صلى ال عليه وسلم -قال( :والذي نفسي بيده -أو والذي ل إله غيره أو
كما حلف -ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم ل يؤدي حقها إل أتي بها يوم القيامة أعظم ما
تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت أخراها ردت عليه أولها حتى يقضيى
بين الناس) .فدل دليل خطاب هذين الحديثين على صحة ما ذكرنا .وقد بين ابن عمر في صحيح
البخاري هذا المعنييى ،قال له أعرابييي :أخييبرني عيين قول ال تعالى" :والذييين يكنزون الذهييب
والفضة" قال ابن عمر :من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له ،إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ،فلما
أنزلت جعلهيا ال طهرا للموال .وقييل :الكنيز ميا فضيل عين الحاجية .روى عين أبيي ذر ،وهيو مميا
نقل من مذهبه ،وهو من شدائده ومما انفرد به رضي ال عنه.
قلت :ويحتميل أن يكون مجميل ميا روي عن أبيي ذر فيي هذا ،ميا روي أن اليية نزلت فيي وقيت
شدة الحاجة وضعف المهاجرين وقصر يد رسول ال صلى ال عليه وسلم عن كفايتهم ،ولم يكن
في بيت المال ما يسعهم ،وكانت السنون الجوائح هاجمة عليهم ،فنهوا عن إمساك شيء من المال
إل على قدر الحاجيية ول يجوز ادخار الذهييب والفضيية فييي مثييل ذلك الوقييت .فلمييا فتييح ال على
المسيلمين ووسيع عليهيم أوجيب صيلى ال علييه وسيلم فيي مائتيي درهيم خمسية دراهيم وفيي عشريين
دينارا نصيف دينار ولم يوجيب الكيل واعتيبر مدة السيتنماء ،فكان ذلك منيه بيانيا صيلى ال علييه
وسلم .وقيل :الكنز ما لم تؤد منه الحقوق العارضة ،كفك السير وإطعام الجائع وغير ذلك .وقيل:
الكنييز لغيية المجموع ميين النقدييين ،وغيرهمييا ميين المال محمول عليهمييا بالقياس .وقيييل :المجموع
منهميا ميا لم يكين حلييا ،لن الحلي مأذون فيي اتخاذه ول حيق فييه .والصيحيح ميا بدأنيا بذكره ،وأن
ذلك كله يسمى كنزا لغة وشرعا .وال أعلم.
@ واختلف العلماء في زكاة الحلي ،فذهب مالك وأصحابه وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد إلى أن
ل زكاة فييه .وهيو قول الشافعيي بالعراق ،ووقيف فييه بعيد ذلك بمصير وقال :أسيتخير ال فييه .وقال
الثوري وأبيو حنيفية وأصيحابه والوزاعيي :فيي ذلك كله الزكاة .احتيج الولون فقالوا :قصيد النماء
يوجييب الزكاة فييي العروض وهييي ليسييت بمحييل ليجاب الزكاة ،كذلك قطييع النماء فييي الذهييب
والفضية باتخاذهميا حلييا للقنيية يسيقط الزكاة .احتيج أبيو حنيفية بعموم اللفاظ فيي إيجاب الزكاة فيي
النقدين ولم يفرق بين حلي وغيره .وفرق الليث بن سعد فأوجب الزكاة فيما صنع حليا ليفر به من
الزكاة وأسقطها فيما كان منه يلبس ويعار وفي المذهب في الحلي تفصيل بيانه في كتب الفروع.
@ روى أبو داود عن ابن عباس قال :لما نزلت هذه الية "والذين يكنزون الذهب والفضة" قال:
كبر ذلك على المسلمين ،فقال عمر :أنا أفرج عنكم فانطلق فقال :يا نبي ال إنه كبر على أصحابك
هذه اليية .فقال( :إن ال لم يفرض الزكاة إل ليطييب ميا بقيي مين أموالكيم وإنميا فرض الموارييث -
وذكير كلمية -لتكون لمين بعدكيم) قال :فكيبر عمير .ثيم قال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أل
أخيبرك بخيير ميا يكنيز المرء المرأة الصيالحة إذا نظير إليهيا سيرته وإذا أمرهيا أطاعتيه وإذا غاب
عنهيا حفظتيه) .وروى الترمذي وغيره عين ثوبان أن أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
قالوا :قد ذم ال سبحانه الذهب والفضة ،فلو علمنا أي المال خير حتى نكسبه .فقال عمر :أنا أسأل
لكيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،فسيأله فقال( :لسيان ذاكير وقلب شاكير وزوجية تعيين المرء
على دينه) .قال حديث حسن.
@قوله تعالى" :ول ينفقونهيا فيي سيبيل ال" ولم يقيل ينفقونهميا ،ففييه أجوبية سيتة :الول :قال ابين
النباري :قصييد الغلب والعييم وهييي الفضيية ،ومثله قوله" :واسييتعينوا بالصييبر والصييلة وإنهييا
لكبيرة" [البقرة ]45 :رد الكناية إلى الصلة لنها أعم .ومثله "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انقضوا
إليهيا" [الجمعية ]11 :فأعاد الهاء إلى التجارة لنهيا الهيم وترك اللهيو قاله كثيير مين المفسيرين.
وأباه بعضهيم وقال :ل يشبههيا ،لن "أو" قيد فصيلت التجارة مين اللهيو فحسين عود الضميير على
أحدهميا .الثانيي :العكيس وهيو أن يكون "ينفقونهيا" للذهيب والثانيي معطوفيا علييه .والذهيب تؤنثيه
العرب تقول :هيي الذهيب الحمراء .وقيد تذكير والتأنييث أشهير .الثالث :أن يكون الضميير للكنوز.
الرابييع :للموال المكنوزة .الخامييس :للزكاة التقدييير ول ينفقون زكاة الموال المكنوزة .السييادس:
الكتفاء بضمييير الواحييد عيين ضمييير الخيير إذا فهييم المعنييى ،وهذا كثييير فييي كلم العرب .أنشييد
سيبويه:
عندك راض والرأي مختلف نحن بما عندنا وأنت بما
ولم يقل راضون .وقال آخر.
بريئا ومن أجل الطوي رماني رماني بأمر كنت منه ووالدي
ولم يقل بريئين .ونحوه قول حسان بن ثابت رضي ال عنه:
ما لم يعاص كان جنونا إن شرخ الشباب والشعر السود
ولم يقل يعاصيا.
@ إن قيل :من لم يكنز ولم ينفق في سبيل ال وأنفق في المعاصي ،هل يكون حكمه في الوعيد
حكم من كنز ولم ينفق في سبيل ال .قيل له :إن ذلك أشيد ،فإن من بذر ماله فيي المعاصي عصى
ميين جهتييين :بالنفاق والتناول ،كشراء الخميير وشربهييا .بييل ميين جهات إذا كانييت المعصييية ممييا
تتعدى ،كمن أعان على ظلم مسلم من قتله أو أخذ ماله إلى غير ذلك .والكانز عصى من جهتين،
وهما منع الزكاة وحبس المال ل غير .وقد ل يراعى حبس المال ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :فبشرهيم بعذاب ألييم" قيد تقدم معناه .وقيد فسير النيبي صيلى ال علييه وسيلم هذا
العذاب بقوله( :بشير الكنازيين بكيي فيي ظهورهيم يخرج مين جنوبهيم وبكيي مين قبيل أقفائهيم يخرج
من جباههم) الحديث .أخرجه مسلم .رواه أبو ذر في رواية( :بشر الكنازين برضف يحمى عليه
فيي نار جهنيم فيوضيع على حلمية ثدي أحدهيم حتيى يخرج مين نغيض كتفييه ويوضيع على نغيض
كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه فيتزلزل) الحديث .قال علماؤنا :فخروج الرضف من حلمة ثديه
إلى نغييض كتفيه لتعذيييب قلبييه وباطنييه حييين امتل بالفرج بالكثرة فييي المال والسييرور فييي الدنيييا،
فعوقب في الخرة بالهم والعذاب.
@ قال علماؤنا :ظاهر الية تعليق الوعيد على من كنز ول ينفق في سبيل ال ويتعرض للواجب
وغيره ،غير أن صفة الكنز ل ينبغي أن تكون معتبرة ،فإن من لم يكنز ومنع النفاق في سبيل ال
فل بيد وأن يكون كذلك ،إل أن الذي يخبيأ تحيت الرض هيو الذي يمنيع إنفاقيه فيي الواجبات عرفيا،
فلذلك خص الوعيد به .وال أعلم.
**3اليية{ 35 :يوم يحميى عليهيا فيي نار جهنيم فتكوى بهيا جباههيم وجنوبهيم وظهورهيم هذا ميا
كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
@قوله تعالى" :يوم يحمى عليها في نار جهنم" "يوم" ظرف ،والتقدير يعذبون يوم يحميى .ول
يصيح أن يكون على تقديير :فبشرهيم يوم يحميى عليهيا ،لن البشارة ل تكون حينئذ .يقال :أحمييت
الحديدة في النار ،أي أوقدت عليها .ويقال :أحميته ،ول يقال :أحميت عليه .وههنا قال عليها ،لنه
جعييل "على" ميين صييلة معنييى الحماء ،ومعنييى الحماء اليقاد .أي يوقييد عليهييا فتكوى .الكييي:
إلصاق الحار من الحديد والنار بالعضو حتى يحترق الجلد .والجباه جمع الجبهة ،وهو مستوى ما
بيين الحاجيب إلى الناصيية .وجبهيت فلنيا بكذا ،أي اسيتقبلته بيه وضربيت جبهتيه .والجنوب جميع
الجنب .والكي في الوجه أشهر وأشنع ،وفي الجنب والظهر آلم وأوجع ،فلذلك خصها بالذكر من
بيين سيائر العضاء .وقال علماء الصيوفية :لميا طلبوا المال والجاه شان ال وجوههيم ،ولميا طووا
كشحيا عين الفقيير إذا جالسيهم كوييت جنوبهيم ،ولميا أسيندوا ظهورهيم إلى أموالهيم ثقية بهيا واعتمادا
عليهيا كوييت ظهورهيم .وقال علماء الظاهير :إنميا خيص هذه العضاء لن الغنيي إذا رأى الفقيير
زوى ما بين عينيه وقبض وجهه .كما قال:
زوى بين عينيه علي المحاجم يزيد يغض الطرف عني كأنما
ول تلقني إل وأنفك راغم فل ينبسط من بين عينيك ما انزوى
وإذا سأله طوى كشحه ،وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه وله ظهره .فرتب ال العقوبة على حال
المعصية.
@ واختلفت الثار في كيفية الكي بذلك ،ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر ما ذكرنا من ذكر
الرضيف .وفييه مين حدييث أبيي هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (ميا مين صياحب
ذهب ول فضة ل يؤدي منها حقها إل إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها
فيي نار جهنيم فيكوى بهيا جنبيه وجيبينه وظهره كلميا بردت أعيدت له فيي يوم كان مقداره خمسيين
ألف سيينة حتييى يقضييى بييين العباد فيرى سييبيله إمييا إلى الجنيية وإمييا إلى النار .)...الحديييث .وفييي
البخاري :أنيه يمثيل له كنزه شجاعيا أقرع .وقيد تقدم فيي غيير الصيحيح عين عبدال بين مسيعود أنيه
قال(:من كان له مال فلم يؤد زكاته طوقه يوم القيامة شجاعا أقرع ينفر رأسه)...
قلت :ولعل هذا يكون في مواطن :موطن يمثل المال فيه ثعبانا ،وموطن يكون صفائح وموطن
يكون رضفيا .فتتغيير الصيفات والجسيمية واحدة ،فالشجاع جسيم والمال جسيم .وهذا التمثييل حقيقية،
بخلف قوله( :يؤتى بالموت كأنه كبش أملح) فإن تلك طريقة أخرى ،ول سبحانه وتعالى أن يفعل
ميا يشاء .وخيص الشجاع بالذكير لنيه العدو الثانيي للخلق .والشجاع مين الحيات هيو الحيية الذكير
الذي يواثيب الفارس والراجيل ،ويقوم على ذنبيه وربميا بلغ الفارس ،ويكون فيي الصيحارى .وقييل:
هيو الثعبان .قال اللحيانيي :يقال للحية شجاع ،وثلثة أشجعية ،ثيم شجعان .والقرع مين الحيات هو
الذي تمعييط رأسييه وابيييض ميين السييم .فييي الموطييأ :له زبيبتان ،أي نقطتان منتفختان فييي شدقيييه
كالرغوتين .ويكون ذلك في شدقي النسان إذا غضب وأكثر من الكلم .قالت أم غيلن بنت جرير
ربمييا أنشدت أبييي حتييى يتزبييب شدقاي .ضرب مثل للشجاع الذي كثيير سييمه فيمثييل المال بهذا
الحيوان فيلقيى صياحبه غضبان .وقال ابين درييد :نقطتان سيوداوان فوق عينييه .فيي روايية :مثيل له
شجاع يتبعه فيضطره فيعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل .وقال ابن مسعود(:وال ل يعذب ال
أحدا بكنيز فيميس درهيم درهميا ول دينار دينارا ،ولكين يوسيع جلده حتيى يوضيع كيل درهيم ودينار
على حدته) وهذا إنما يصح في الكافر -كما ورد في الحديث -ل في المؤمن .وال أعلم.
@ أسيند الطيبري إلى أبيي أمامية الباهلي قال :مات رجيل مين أهيل الصيفة فوجيد فيي بردتيه دينار.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :كية) .ثم مات آخر فوجد له ديناران .فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم (كيتان) .وهذا إما لنهما كانا يعيشان من الصدقة وعندهما البر ،وإما لن هذا كان
في صدر السلم ،ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه .ولو كان ضبط المال ممنوعا لكان حقه
أن يخرج كله ،وليس في المة من يلزم هذا .وحسبك حال الصحابة وأموالهم رضوان ال عليهم.
وأما ما ذكير عن أبيي ذر فهيو مذهب له ،رضيي ال عنه .وقيد روى موسيى بين عبيدة عن عمران
بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
(من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة ول يعده لغريم ول ينفقه في سبيل ال فهو كنز يكوى
به يوم القيامة).
قلت :هذا الذي يليق بأبي ذر رضي ال عنه أن يقول به ،وأن ما فضل عن الحاجة فليس بكنز
إذا كان معدا لسييبيل ال .وقال أبييو أماميية :مين خلف بيضييا أوصييفرا كوي بهييا مغفورا له أو غييير
مغفور له ،أل إن حلية السيف من ذلك .وروى ثوبان أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ما
من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إل جعل ال له بكل قيراط صفيحة يكوى بها من فرقه إلى
قدمه مغفورا له بعد ذلك أو معذبا).
قلت :وهذا محمول على ميا لم تؤد زكاتيه بدلييل ميا ذكرنيا فيي اليية قبيل هذا .فيكون التقديير:
وعنده أحمير أو أبييض لم يؤد زكاتيه .وكذلك ميا روي عين أبيي هريرة رضيي ال عنيه :مين ترك
عشرة آلف جعلت صييفائح يعذب بهييا صيياحبها يوم القياميية .أي إن لم يؤد زكاتهييا ،لئل تتناقييض
الحاديث .وال أعلم.
@قوله تعالى" :هذا ميا كنزتيم لنفسيكم" أي يقال لهيم هذا ميا كنزتيم ،فحذف" .فذوقوا ميا كنتيم
تكنزون" أي عذاب ما كنتم تكنزون.
**3اليية{ 36 :إن عدة الشهور عنيد ال اثنيا عشير شهرا فيي كتاب ال يوم خلق السيماوات
والرض منهيا أربعية حرم ذلك الديين القييم فل تظلموا فيهين أنفسيكم وقاتلوا المشركيين كافية كميا
يقاتلونكم كافة واعلموا أن ال مع المتقين}
@قوله تعالى" :إن عدة الشهور" جميع شهير .فإذا قال الرجيل لخييه :ل أكلميك الشهور ،وحلف
على ذلك فل يكلميه حول ،قاله بعيض العلماء .وقييل :ل يكلميه أبدا .ابين العربيي :وأرى إن لم تكين
له نية أن يقتضي ذلك ثلثة أشهر لنه أقل الجمع الذي يقتضيه صيغة فعول في جمع فعل" .عند
ال" أي في حكم ال وفيما كتب في اللوح المحفوظ" .اثنا عشر شهرا" أعربت "اثنا عشر شهرا"
دون نظائرها ،لن فيها حرف العراب ودليله .وقرأ العامة "عشر" بفتح العين والشين .وقرأ أبو
جعفير "عشير" بجزم الشيين" .فيي كتاب ال" يرييد اللوح المحفوظ .وأعاده بعيد أن قال "عنيد ال"
لن كثيرا ميين الشياء يوصييف بأنييه عنييد ال ،ول يقال إنييه مكتوب فييي كتاب ال ،كقوله" :إن ال
عنده علم الساعة" [لقمان.]34 :
@قوله تعالى" :يوم خلق السماوات والرض" إنما قال "يوم خلق السموات والرض" ليبين أن
قضاءه وقدره كان قبل ذلك ،وأنه سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه
يوم خلق السيموات والرض ،وأنزل ذلك على أنييبيائه فييي كتبييه المنزلة .وهيو معنييى قوله تعالى:
"إن عدة الشهور عند ال اثنا عشر شهرا" .وحكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها
تغييير المشركيين لسيمائها ،وتقدييم المقدم فيي السيم منهيا .والمقصيود مين ذلك اتباع أمير ال فيهيا
ورفييض مييا كان عليييه أهييل الجاهلييية ميين تأخييير أسييماء الشهور وتقديمهييا ،وتعليييق الحكام على
السيماء التيي رتبوهيا علييه ،ولذلك قال علييه السيلم فيي خطبتيه فيي حجية الوداع( :أيهيا الناس إن
الزمان قيد اسيتدار كهيئتيه يوم خلق ال السيموات والرض )...على ميا يأتيي بيانيه .وأن الذي فعيل
أهل الجاهلية من جعل المحرم صفرا وصفر محرما ليس يتغير به ما وصفه ال تعالى .والعامل
في "يوم" المصدر الذي هو "في كتاب ال" وليس يعنى به واحد الكتب ،لن العيان ل تعمل في
الظروف .والتقدير :فيما كتب ال يوم خلق السموات والرض .و"عند" متعلق بالمصدر الذي هو
العدة ،وهيو العاميل فييه .و"فيي" مين قوله" :فيي كتاب ال" متعلقية بمحذوف ،هيو صيفة لقوله" :اثنيا
عشير" .والتقديير :اثنيا عشير شهرا معدودة أو مكتوبية فيي كتاب ال .ول يجوز أن تتعلق بعدة لميا
فيه من التفرقة بين الصلة والموصول بخبر إن.
@ هذه اليية تدل على أن الواجيب تعلييق الحكام مين العبادات وغيرهيا إنميا يكون بالشهور
والسينين التيي تعرفهيا العرب ،دون الشهور التيي تعتبرهيا العجيم والروم والقبيط وإن لم تزد على
اثني عشر شهرا ،لنها مختلفة العداد ،منها ما يزيد على ثلثين ومنها ما ينقص ،وشهور العرب
ل تزيد على ثلثين وإن كان منها ما ينقص ،والذي ينقص ليس يتعين له شهر ،وإنما تفاوتها في
النقصان والتمام على حسب اختلف سير القمر في البروج.
@قوله تعالى" :منهيا أربعية حرم" الشهير الحرم المذكورة فيي هذه اليية ذو القعدة وذو الحجية
والمحرم ورجب الذي بين جمادى الخرة وشعبان ،وهو رجب مضر ،وقيل له رجب مضر لن
ربيعية بين نزار كانوا يحرمون شهير رمضان ويسيمونه رجبيا .وكانيت مضير تحرم رجبيا نفسيه،
فلذلك قال النبي صلى ال عليه وسلم فيه( :الذي بين جمادى وشعبان) ورفع ما وقع في اسمه من
الختلل بالبيان .وكانييت العرب أيضييا تسييميه منصييل السيينة ،روى البخاري عيين أبييي رجاء
العطاردي -واسيمه عمران بين ملحان وقييل عمران بين تييم -قال :كنيا نعبيد الحجير ،فإذا وجدنيا
حجرا هيو خيير منيه ألقيناه وأخذنيا الخير ،فإذا لم نجيد حجرا جمعنيا حثوة مين تراب ثيم جئنيا بالشاء
فحلبنا عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا منصل السنة ،فلم ندع رمحا فيه حديدة ول سهما
فيه حديدة إل نزعناها فألقيناه.
@قوله تعالى" :ذلك الديين القييم" أي الحسياب الصيحيح والعدد المسيتوفى .وروى علي بين أبيي
طلحية عين ابين عباس" :ذلك الديين" أي ذلك القضاء .مقاتيل :الحيق .ابين عطيية :والصيوب عندي
أن يكون الدين ههنا على أشهر وجوهه ،أي ذلك الشرع والطاعة" .القيم" أي القائم المستقيم ،من
قام يقوم .بمنزلة سيد ،من ساد يسود .أصله قيوم.
@قوله تعالى" :فل تظلموا فيهن أنفسيكم" على قول ابن عباس راجع إلى جمييع الشهور .وعلى
قول بعضهم إلى الشهر الحرم خاصة ،لنه إليها أقرب ولها مزية في تعظيم الظلم ،لقوله تعالى:
"فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج" [البقرة ]197 :ل أن الظلم في غير هذه اليام جائز
على ميا نيبينه .ثيم قييل :فيي الظلم قولن :أحدهميا ل تظلموا فيهين أنفسيكم بالقتال ،ثيم نسيخ بإباحية
القتال فيييي جمييييع الشهور ،قال قتادة وعطاء الخراسييياني والزهري وسيييفيان الثوري .وقال ابييين
جريج :حلف بال عطاء بن أبي رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ول في الشهر الحرم
إل أن يقاتلوا فيهيا ،وميا نسيخت .والصيحيح الول ،لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم غزا هوازن
بحنيين وثقيفيا بالطائف ،وحاصيرهم فيي شوال وبعيض ذي القعدة .وقيد تقدم هذا المعنيى فيي البقرة.
الثانيي -ل تظلموا فيهين أنفسيكم بارتكاب الذنوب ،لن ال سيبحانه إذا عظيم شيئا مين جهية واحدة
صيارت له حرمية واحدة وإذا عظميه مين جهتيين أو جهات صيارت حرمتيه متعددة فيضاعيف فييه
العقاب بالعمل السيء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح .فإن من أطاع ال في الشهر الحرام في
البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلل في البلد الحرام .ومن أطاعه في الشهر
الحلل في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلل في بلد حلل .وقد أشار تعالى
إلى هذا بقوله تعالى" :ييا نسياء النيبي مين يأت منكين بفاحشية مبينية يضاعيف لهيا العذاب ضعفيين"
[الحزاب.]30 :
@ وقد اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن قتل في الشهر الحرام خطأ ،هل تغلظ عليه الدية أم
ل ،فقال الوزاعي :القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية فيما بلغنا وفي الحرم فتجعل دية وثلثا.
ويزاد في شبه العمد في أسنان البل .قال الشافعي :تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر
الحرام وفيي البلد الحرام وذوي الرحيم .وروي عين القاسيم بين محميد وسيالم بن عبدال وابين شهاب
وأبان بن عثمان :من قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها .وروي ذلك عن
عثمان بن عفان أيضا .وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن أبي ليلى :القتل في الحل والحرم
سواء ،وفي الشهر الحرام وغيره سواء ،وهو قول جماعة من التابعين .وهو الصحيح ،لن النبي
صلى ال عليه وسلم سن الديات ولم يذكر فيها الحرم ول الشهر الحرام .وأجمعوا أن الكفارة على
من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء .فالقياس أن تكون الدية كذلك .وال أعلم.
@ خص ال تعالى الربعة الشهر الحرم بالذكر ،ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهيا
عنه في كل الزمان .كما قال" :فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج" [البقرة ]197 :على هذا
أكثير أهيل التأوييل .أي ل تظلموا فيي الربعية الشهير أنفسيكم .وروى حماد بين سيلمة عين علي بين
زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال" :فل تظلموا فيهن أنفسكم" في الثني عشر .وروى
قيس بن مسلم عن الحسن عن محمد بن الحنفية قال :فيهن كلهن .فإن قيل على القول الول :لم قال
فيهين ولم يقيل فيهيا؟ وذلك أن العرب يقولون لميا بيين الثلثية إلى العشرة :هين وهؤلء فإذا جاوزوا
العشرة قالوا :هيي وهذه ،إرادة أن تعرف تسيمية القلييل مين الكثيير .وروي عين الكسيائي أنيه قال:
إني لتعجب من فعل العرب هذا .وكذلك يقولون فيما دون العشرة من الليالي :خلون .وفيما فوقها
خلت .ل يقال :كيف جعل بعض الزمنة أعظم حرمة من بعض ،فإنا نقول :للبارئ تعالى أن يفعل
ميا يشاء ،ويخيص بالفضيلة ميا يشاء ،لييس لعمله علة ول علييه حجير ،بيل يفعيل ميا يرييد بحكمتيه،
وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى.
@قوله تعالى" :قاتلوا" أمير بالقتال .و"كافية" معناه جميعيا ،وهيو مصيدر فيي موضيع الحال .أي
محيطيين بهيم ومجتمعيين .قال الزجاج :مثيل هذا مين المصيادر عافاه ال عافيية وعاقبيه عاقبية .ول
يثنيى ول يجميع ،وكذا عامية وخاصية .قال بعيض العلماء :كان الغرض بهذه اليية قيد توجيه على
العيان ثم نسخ ذلك وجعل فرض كفاية .قال ابن عطية :وهذا الذي قال لم يعلم قط من شرع النبي
صييلى ال عليييه وسييلم أنييه ألزم الميية جميعييا النفيير ،وإنمييا معنييى هذه الييية الحييض على قتالهييم
والتحزب عليهم وجمع الكلمة .ثم قيدها بقول" :كما يقاتلونكم كافة" فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا
يكون فرض اجتماعنا لهم .وال أعلم.
**3الية{ 37 :إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما
ليواطئوا عدة ما حرم ال فيحلوا ما حرم ال زين لهم سوء أعمالهم وال ل يهدي القوم الكافرين}
@قوله تعالى" :إنميا النسيء زيادة فيي الكفر" هكذا يقرأ أكثير الئمة .قال النحاس :ولم يرو أحد
سيّ" بل همز إل ورش وحده .وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره، عن نافع فيما علمناه "إنما النَ ِ
حكيى اللغتيين الكسيائي .الجوهري :النسييء فعييل بمعنيى مفعول ،مين قولك :نسيأت الشييء فهيو
منسوء إذا أخرته .ثم يحول منسوء إلى نسيء كما يحول مقتول إلى قتيل .ورجل ناسئ وقوم نسأة،
مثيل فاسيق وفسيقة .قال الطيبري :النسييء بالهمزة معناه الزيادة نسيأ ينسيأ إذا زاد .قال :ول يكون
بترك الهميز إل مين النسييان ،كميا قال تعالى" :نسيوا ال فنسييهم" [التوبية ،]67 :ورد على نافيع
قراءتييه ،واحتييج بأن قال :إنييه يتعدى بحرف الجيير يقال :نسييأ ال فييي أجلك كمييا تقول زاد ال فييي
أجلك ،ومنه قوله عليه الصلة والسلم( :من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل
رحميه) .قال الزهري :أنسيأت الشييء إنسياء ونسييئا اسيم وضيع موضيع المصيدر الحقيقيي .وكانوا
يحرمون القتال فييي المحرم فإذا احتاجوا إلى ذلك حرموا صييفرا بدله وقاتلوا فييي المحرم .وسييبب
ذلك أن العرب كانت أصحاب حروب وغارات فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلثة أشهر متوالية ل
يغيرون فيهيا ،وقالوا :لئن توالت علينيا ثلثية أشهير ل نصييب فيهيا شيئا لنهلكين .فكانوا إذا صيدروا
عن منى يقوم من بني كنانة ،ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس ،فيقول أنا الذي ل يرد لي
قضاء .فيقولون :أنسيئنا شهرا ،أي أخير عنيا حرمية المحرم واجعلهيا فيي صيفر ،فيحيل لهيم المحرم.
فكانوا كذلك شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السنة كلها .فقام السلم وقد رجع المحرم إلى
موضعه الذي وضعه ال فيه .وهذا معنى قوله عليه السلم( :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق
ال السيموات والرض) .وقال مجاهيد :كان المشركون يحجون فيي كيل شهير عاميين ،فحجوا فيي
ذي الحجية عاميين ،ثيم حجوا فيي المحرم عاميين ،ثيم حجوا فيي صيفر عاميين ،وكذلك فيي الشهور
كلهيا حتيى وافقيت حجية أبيي بكير التيي حجهيا قبيل حجية الوداع ذا القعدة مين السينة التاسيعة .ثيم حيج
النيبي صيلى ال عليه وسلم فيي العام المقبيل حجة الوداع فوافقيت ذا الحجة ،فذلك قوله فيي خطبتيه:
(إن الزمان قيد اسيتدار )...الحدييث .أراد بذلك أن أشهير الحيج رجعيت إلى مواضعهيا ،وعاد الحيج
إلى ذي الحجية وبطيل النسييء .وقول ثالث .قال إياس بين معاويية :كان المشركون يحسيبون السينة
اثني عشر شهرا وخمسة عشر يوما ،فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة ،وفي كل شهر
مين السينة بحكيم اسيتدارة الشهير بزيادة الخمسية عشير يوميا فحيج أبيو بكير سينة تسيع فيي ذي القعدة
بحكيم السيتدارة ،ولم يحيج النيبي صيلى ال علييه وسيلم فلميا كان فيي العام المقبيل وافيق الحيج ذا
الحجيية فييي العشيير ،ووافييق ذلك الهلة .وهذا القول أشبييه بقول النييبي صييلى ال عليييه وسييلم( :إن
الزمان قييد اسييتدار )...أي زمان الحييج عاد إلى وقتييه الصييلي الذي عينييه ال يوم خلق السييموات
والرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه ،ونفذ بها حكمه .ثم قال :السنة اثنا عشر شهرا.
ينفيي بذلك الزيادة التيي زادوهيا فيي السينة -وهيي الخمسية عشير يوميا -بتحكمهيم ،فتعيين الوقيت
الصلي وبطل التحكم الجهلي.
وحكييى المام المازري عيين الخوارزمييي أنييه قال :أول مييا خلق ال الشمييس أجراهييا فييي برج
الحمل ،وكان الزمان الذي أشار به النبي صلى ال عليه وسلم صادف حلول الشمس برج الحمل.
وهذا يحتاج إلى توقيف ،فإنه ل يتوصل إليه إل بالنقل عن النبياء ،ول نقل صحيحا عنهم بذلك،
وميين ادعاه فليسيينده .ثييم إن العقييل يجوز خلف مييا قال ،وهييو أن يخلق ال الشمييس قبييل البروج،
ويجوز أن يخلق ذلك كله دفعية واحدة .ثيم إن علماء التعدييل قيد اختيبروا ذلك فوجدوا الشميس فيي
برج الحوت وقيت قوله عليه السلم( :إن الزمان قيد استدار )...بينهيا وبين الحميل عشرون درجة.
ومنهيم مين قال عشير درجات .وال أعلم .واختلف أهيل التأوييل فيي أول مين نسيأ ،فقال ابين عباس
وقتادة والضحاك :بنو مالك بن كنانة ،وكانوا ثلثة .وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن
أول من فعل ذلك عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف .وقال الكلبي :أول من فعل ذلك رجل من بني
كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة ،ثم كان بعده رجل يقال له :جنادة بن عوف ،وهو الذي أدركه رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم .وقال الزهري :حيي مين بنيي كنانية ثيم مين بنيي فقييم منهيم رجيل يقال له
القلمس واسمه حذيفة بن عبيد .وفي رواية :مالك بن كنانة .وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة
لتريس العرب إياه .وفي ذلك يقول شاعرهم:
ومنا ناسئ الشهر القلمّس
وقال الكميت:
شهور الحل نجعلها حراما ألسنا الناسئين على معد
@قوله تعالى" :زيادة في الكفر" بيان لما فعلته العرب من جمعها من أنواع الكفر فإنها أنكرت
وجود البارئ تعالى فقالت" :ومييا الرحميين" [الفرقان ]60 :فييي أصييح الوجوه .وأنكرت البعييث
فقالت" :قال مين يحييي العظام وهيي رمييم" [ييس .]78 :وأنكرت بعثية الرسيل فقالوا" :أبشرا منيا
واحدا نتبعييه" [القميير .]24 :وزعمييت أن التحليييل والتحريييم إليهييا ،فابتدعتييه ميين ذاتهييا مقتفييية
لشهواتها فأحلت ما حرم ال .ول مبدل لكلماته ولو كره المشركون.
@قوله تعالى" :يضيل بيه الذيين كفروا يحلونيه عاميا ويحرمونيه عاميا ليواطئوا عدة ميا حرم ال
فيحلوا ميا حرم ال زيين لهيم سيوء أعمالهيم وال ل يهدي القوم الكافريين" فييه ثلث قراءات .قرأ
أهل الحرمين وأبو عمرو " َيضِل" وقرأ الكوفيون "يُضَل" على الفعل المجهول .وقرأ الحسن وأبو
رجاء "يُضِل" والقراءات الثلث كييل واحدة منهييا تؤدي عيين معنييى ،إل أن القراءة الثالثيية حذف
منها المفعول .والتقدير :ويضل به الذين كفروا من يقبل منهم .و"الذين" في محل رفع .ويجوز أن
يكون الضميير راجعيا إلى ال عيز وجيل .التقديير :يضيل ال بيه الذيين كفروا ،كقوله تعالى" :يضيل
من يشاء" [الرعد ،]27 :وكقوله في آخر الية" :وال ل يهدي القوم الكافرين" .والقراءة الثانية
"يضيل بيه الذيين كفروا" يعنيي المحسيوب لهيم ،واختار هذه القراءة أبيو عبييد ،لقوله تعالى" :زيين
لهيم سيوء أعمالهيم" .والقراءة الولى اختارهيا أبيو حاتيم؛ لنهيم كانوا ضاليين بيه أي بالنسييء لنهيم
كانوا يحسييبونه فيضلون بييه .والهاء فييي "يحلونييه" ترجييع إلى النسيييء .وروي عيين أبييي رجاء
"يضل" بفتح الياء والضاد .وهي لغة ،يقال :ضللت أضل ،وضللت أضل" .ليواطئوا" نصب بلم
كي أي ليوافقوا .تواطأ القوم على كذا أي اجتمعوا عليه ،أي لم يحلوا شهرا إل حرموا شهرا لتبقى
الشهير الحرم أربعية .وهذا هيو الصيحيح ،ل ميا يذكير أنهيم جعلوا الشهير خمسية .قال قتادة :إنهيم
عمدوا إلى صييفر فزادوه فييي الشهيير الحرم ،وقرنوه بالمحرم فييي التحريييم ،وقاله عنييه قطرب
والطبري .وعليه يكون النسيء بمعنى الزيادة .وال أعلم.
**3اليية{ 38 :ييا أيهيا الذيين آمنوا ميا لكيم إذا قييل لكيم انفروا فيي سيبيل ال اثاقلتيم إلى الرض
أرضيتم بالحياة الدنيا من الخرة فما متاع الحياة الدنيا في الخرة إل قليل}
@قوله تعالى" :ما لكم" "ما" حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ التقدير :أي شيء يمنعكم عن
كذا كما تقول :مالك عن فلن معرضا .ول خلف أن هذه الية نزلت عتابا على تتخلف من تخلف
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ،وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام،
وسييأتي ذكرهيا فيي آخير السيورة إن شاء ال .والنفير :هيو التنقيل بسيرعة مين مكان إلى مكان لمير
يحدث ،يقال فيييي ابييين آدم :نفييير إلى الم يفييير نفورا .وقوم نفور ،ومنيييه قوله تعالى" :ولوا على
أدبارهيم نفورا" [السيراء .]46 :ويقال فيي الدابية :نفرت تنفير -بضيم الفاء وكسيرها -نفارا
ونفورا .يقال :في الدابة نفار ،وهو اسم مثل الحران .ونفر الحاج من منى نفرا.
@قوله تعالى" :اثاقلتيم إلى الرض" قال المفسيرون :معناه أثاقلتيم إلى نعييم الرض ،أو إلى
القاميية بالرض .وهييو توبيييخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعييد عيين المبادرة إلى الخروج،
وهو نحو من أخلد إلى الرض .وأصله تثاقلتم ،أدغمت التاء في الثاء لقربها منها ،واحتاجت إلى
ألف الوصيل لتصيل إلى النطيق بالسياكن ،ومثله "اداركوا" [العراف ]38 :و"ادارأتيم" [البقرة:
]72و"اطيرنا" [النمل ]47 :و"ازينت" [يونس .]24 :وأنشد الكسائي:
عذب المذاق إذا ما أتابع القبل تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا
وقرأ العمييش "تثاقلتييم" على الصييل .حكاه المهدوي .وكانييت تبوك -ودعييا الناس إليهييا -فييي
حرارة القيظ وطيب الثمار وبرد الظلل -كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي -فاستولى
على الناس الكسيل فتقاعدوا وتثاقلوا فوبخهيم ال بقوله هذا وعاب عليهيم اليثار للدنييا على الخرة.
ومعنيى" :أرضيتيم بالحياة الدنييا مين الخرة" أي بدل ،التقديير :أرضيتيم بنعييم الدنييا بدل مين نعييم
الخرة "فميين" تتضميين معنييى البدل ،كقوله تعالى" :ولو نشاء لجعلنييا منكييم ملئكيية فييي الرض
يخلفون" [الزخرف ]60 :أي بدل منكم .وقال الشاعر:
مبردة باتت على طَهيان فليت لنا من ماء زمزم شربة
ويروى من ماء حمنان .أراد :ليت لنا بدل من ماء زمزم شربة مبردة .والطهيان :عود ينصب في
ناحية الدار للهواء ،يعلق عليه الماء حتى يبرد .عاتبهم ال على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة
في الخرة ،إذ ل تنال راحة الخرة إل بنصب الدنيا .قال صلى ال عليه وسلم لعائشة وقد طافت
صبِك) .خرجه البخاري. جرُك على قدر َن َ راكبة( :أ ْ
**3الية{ 39 :إل تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ول تضروه شيئا وال على
كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :إل تنفروا يعذبكييم" "إل تنفروا" شرط ،فلذلك حذفييت منييه النون .والجواب
"يعذبكيم"" ،ويسيتبدل قوميا غيركيم" وهذا تهدييد شدييد ووعييد مؤكيد فيي ترك النفيير .قال ابين
العربيي :ومين محققات الصيول أن المير إذا ورد فلييس فيي وروده أكثير مين اقتضاء الفعيل .فأميا
العقاب عنيد الترك فل يؤخيذ مين نفيس الميير ول يقتضييه القتضاء ،وإنميا يكون العقاب بالخيبر
عنيه ،كقوله :إن لم تفعيل كذا عذبتيك بكذا ،كميا ورد فيي هذه اليية .فوجيب بمقتضاهيا النفيير للجهاد
والخروج إلى الكفار لمقاتلتهيم على أن تكون كلمية ال هيي العلييا .وروى أبيو داود عين ابين عباس
قال" :إل تنفروا يعذبكييم عذابييا أليمييا" و"مييا كان لهييل المدينيية -إلى قوله -يعملون" [التوبيية:
]120نسيختها اليية التيي تليهيا" :وميا كان المؤمنون لينفروا كافية" [التوبية .]122 :وهيو قول
الضحاك والحسين وعكرمية" .يعذبكيم" قال ابين عباس :هيو حبيس المطير عنهيم .قال ابين العربيي:
فإن صح ذلك عنه فهيو أعلم من أين قال ،وإل فالعذاب اللييم هو فيي الدنيا باسيتيلء العدو وبالنار
في الخرة.
قلت :قول ابين عباس خرجيه المام أبيو داود فيي سيننه عن ابين نفييع قال :سيألت ابن عباس عين
هذه الية "إن تنفروا يعذبكم عذابا أليما" قال :فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم .وذكره المام أبو
محميد بين عطيية مرفوعيا عين ابين عباس قال :اسيتنفر رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قيبيلة مين
القبائل فقعدت ،فأمسيك ال عنهيم المطير وعذبهيا بيه .و"أليميا" بمعنيى مؤلم ،أي موجيع .وقيد تقدم.
"ويسيتبدل قوميا غيركيم" توعيد بأن يبدل لرسيوله قوميا ل يقعدون عنيد اسيتنفاره إياهيم .قييل :أبناء
فارس .وقييل :أهيل اليمين" .ول تضروه شيئا" عطيف .والهاء قييل ل تعالى ،وقييل للنيبي صيلى ال
عليه وسلم .والتثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهة حرام على كل أحد .فأما من غير كراهة فمن
عينيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم حرم علييه التثاقيل وإن أمين منهميا فالفرض فرض كفايية ،ذكره
القشيري .وقيييد قييييل :إن المراد بهذه اليييية وجوب النفيييير عنيييد الحاجييية وظهور الكفرة واشتداد
شوكتهيم .وظاهير اليية يدل على أن ذلك على وجيه السيتدعاء فعلى هذا ل يتجيه الحميل على وقت
ظهور المشركيين فإن وجوب ذلك ل يختيص بالسيتدعاء ،لنيه متعيين .وإذا ثبيت ذلك فالسيتدعاء
والسييتنفار يبعييد أن يكون موجبييا شيئا لم يجييب ميين قبييل إل أن المام إذا عييين قومييا وندبهييم إلى
الجهاد لم يكين لهيم أن يتثاقلوا عنيد التعييين ويصيير بتعيينيه فرضيا على مين عينيه ل لمكان الجهاد
ولكن لطاعة المام .وال أعلم.
**3الية{ 40 :إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ
يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين
كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا وال عزيز حكيم}
@قوله تعالى" :إل تنصروه فقد نصره ال" يقول :تعينوه بالنفر معه في غزوة تبول .عاتبهم ال
بعييد انصييراف نييبيه عليييه السييلم ميين تبوك .قال النقاش :هذه أول آييية نزلت ميين سييورة [براءة]
والمعنيى :إن تركتيم نصيره فال يتكفيل بيه ،إذ قيد نصيره ال فيي مواطين القلة وأظهره على عدوه
بالغلبيية والعزة .وقيييل :فقييد نصييره ال بصيياحبه فييي الغار بتأنيسييه له وحمله على عنقييه ،وبوفاتييه
ووقايته له بنفسه ومواساته له بماله .قال الليث بن سعد :ما صحب النبياء عليهم السلم مثل أبي
بكير الصيديق .وقال سيفيان بين عيينية .خرج أبيو بكير بهذه اليية مين المعاتبية التيي فيي قوله" :إل
تنصروه".
@قوله تعالى" :إذ أخرجه الذين كفروا" وهو خرج بنفسه فارا ،لكن بإلجائهم إلى ذلك حتى فعله،
فنسيب الفعيل إليهيم ورتيب الحكيم فييه عليهيم ،فلهذا يقتيل المكره على القتيل ويضمين المال المتلف
بالكراه ،للجائه القاتل والمتلف إلى القتل والتلف.
@قوله تعالى" :ثاني اثنين" أي أحد اثنين .وهذا كثالث ثلثة ورابع أربعة .فإذا اختلف اللفظ فقلت
رابيع ثلثية وخاميس أربعية ،فالمعنيى صيير الثلثية أربعية بنفسيه والربعية خمسية .وهيو منصيوب
على الحال ،أي أخرجوه منفردا مين جمييع الناس إل مين أبيي بكير .والعاميل فيهيا "نصيره ال" أي
نصيره منفردا ونصيره أحيد اثنيين .وقال علي بين سيليمان :التقديير فخرج ثانيي اثنيين ،مثيل "وال
أنبتكم من الرض نباتا" [نوح .]17 :وقرأ جمهور الناس "ثاني" بنصب الياء .قال أبو حاتم :ل
يعرف غيير هذا .وقرأت فرقية "ثانيي" بسيكون الياء .قال ابين جنيي :حكاهيا أبيو عمرو بين العلء
ووجهه أنه سكن الياء تشبيها لها باللف .قال ابن عطية :فهي كقراءة الحسن "ما بقي من الربا"
وكقول جرير:
ماضي العزيمة ما في حكمه جنف هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم
@قوله تعالى" :إذ هميا فيي الغار" الغار :ثقيب فيي الجبيل ،يعنيي غار ثور .ولميا رأت قرييش أن
المسيلمين قيد صياروا إلى المدينية قالوا :هذا شير شاغيل ل يطاق ،فأجمعوا أمرهيم على قتيل رسيول
ال صييلى ال عليييه وسييلم ،فييبيتوه ورصييدوه على باب منزله طول ليلتهييم ليقتلوه إذا خرج ،فأميير
النبي صلى ال عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه ،ودعا ال أن يعمي عليهم أثره،
فطمييس ال على أبصييارهم فخرج وقييد غشيهييم النوم ،فوضييع على رؤوسييهم ترابييا ونهييض فلمييا
أصيبحوا خرج عليهيم علي رضيي ال عنيه وأخيبرهم أن لييس فيي الدار أحيد فعملوا أن رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم قيد فات ونجيا وتواعيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ميع أبيي بكير الصيديق
للهجرة ،فدفعا راحلتيهما إلى عبدال بن أرقط .ويقال ابن أريقط ،وكان كافرا لكنهما وثقا به ،وكان
دليل بالطرق فاسيتأجراه ليدل بهميا إلى المدينية وخرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين خوخية
فيي ظهير دار أبيي بكير التيي فيي بنيي جميح ونهضيا نحيو الغار فيي جبيل ثور ،وأمير أبيو بكير ابنيه
عبدال أن يستمع ما يقول الناس ،وأمر موله عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما ليل
فيأخيذ منهيا حاجتهميا .ثيم نهضيا فدخل الغار .وكانيت أسيماء بنيت أبيي بكير الصيديق تأتيهميا بالطعام
ويأتيهما عبدال بن أبي بكر بالخبار ،ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم فيعفي آثارهما .فلما فقدته
قريييش جعلت تطلبييه بقائف معروف بقفاء الثيير ،حتييى وقييف على الغار فقال :هنييا انقطييع الثيير.
فنظروا فإذا بالعنكبوت قيد نسيج على فيم الغار مين سياعته ،ولهذا نهيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم
عين قتله فلميا رأوا نسيج العنكبوت أيقنوا أن ل أحيد فييه فرجعوا وجعلوا فيي النيبي صيلى ال علييه
وسلم مائة ناقة لمن رده عليهم الخبر مشهور ،وقصة سراقة بن مالك بن جعشم في ذلك مذكورة.
وقيد روي مين حدييث أبيي الدرداء وثوبان رضيي ال عنهميا :أن ال عيز وجيل أمير حمامية فباضيت
على نسج العنكبوت ،وجعلت ترقد على بيضها ،فلما نظر الكفار إليها ردهم ذلك عن الغار.
@ روى البخاري عن عائشة قالت :استأجر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر رجل من
بني الديل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلث
ليال فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلث فارتحل وارتحل معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي فأخذ
بهم طريق الساحل.
قال المهلب :فيه من الفقه ائتمان أهل الشرك على السر والمال إذا علم منهم وفاء ومروءة كما
ائتمن النبي صلى ال عليه وسلم هذا المشرك على سره في الخروج من مكة وعلى الناقتين .وقال
ابين المنذر :فييه اسيتئجار المسيلمين الكفار على هدايية الطرييق .وقال البخاري فيي ترجمتيه[ :باب
اسيتئجار المشركيين عنيد الضرورة أو إذا لم يوجيد أهيل السيلم] قال ابين بطال :إنميا قال البخاري
في ترجمته [أو إذا لم يوجد أهل السلم] من أجل أن النبي صلى ال عليه وسلم إنما عامل أهل
خييبر على العميل فيي أرضهيا إذ لم يوجيد مين المسيلمين مين ينوب منابهيم فيي عميل الرض ،حتيى
قوي السيلم واسيتغني عنهيم أجلهييم عمير .وعامية الفقهاء يجيزون اسيتئجارهم عنيد الضرورة
وغيرهيا .وفييه :اسيتئجار الرجليين الرجيل الواحيد على عميل واحيد لهميا .وفييه :دلييل على جواز
الفرار بالديين خوفيا مين العدو ،والسيتخفاء فيي الغيران وغيرهيا أل يلقيي النسيان بيده إلى العدو
توكل على ال واسيتسلما له .ولو شاء ربكيم لعصيمه ميع كونيه معهيم ولكنهيا سينة ال فيي النيبياء
وغيرهم ،ولن تجد لسنة ال تبديل .وهذا أدل دليل على فساد من منع ذلك وقال :من خاف مع ال
سواه كان ذلك نقصا في توكله ،ولم يؤمن بالقدر .وهذا كله في معنى الية ،ول الحمد والهداية
@قوله تعالى" :إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا" هذه الية تضمنت فضائل الصديق رضي
ال عنيه .روى أصيبغ وأبيو زييد عين ابين القاسيم عين مالك "ثانيي اثنيين إذ هميا فيي الغار إذ يقول
لصاحبه ل تحزن إن ال معنا" هو الصديق .فحقق ال تعالى قوله له بكلمه ووصف الصحبة في
كتابه .قال بعض العلماء :من أنكر أن يكون عمر وعثمان أو أحد من الصحابة صاحب رسول ال
صلى ال عليه وسلم فهو كذاب مبتدع .ومن أنكر أن يكون أبو بكر رضي ال عنه صاحب رسول
ال صييلى ال عليييه وسييلم فهييو كافيير ،لنييه رد نييص القرآن .ومعنييى "إن ال معنييا" أي بالنصيير
والرعايية والحفيظ والكلءة .روى الترمذي والحارث بين أبيي أسيامة قال :حدثنيا عفان قال حدثنيا
همام قال أخبرنيا ثابيت عين أنيس أن أبيا بكير حدثيه قال :قلت للنيبي صيلى ال علييه وسيلم ونحين فيي
الغار :لو أن أحدهيم نظير إلى قدمييه لبصيرنا تحيت قدمييه ،فقال( :ييا أبيا بكير ميا ظنيك باثنيين ال
ثالثهما) .قال المحاسبي :يعني معهما بالنصر والدفاع ،ل على معنى ما عم به الخلئق ،فقال" :ما
يكون مين نجوى ثلثية إل هيو رابعهيم" [المجادلة .]7 :فمعناه العموم أنيه يسيمع ويرى مين الكفار
والمؤمنين.
@ قال ابين العربيي :قالت الماميية قبحهيا ال :حزن أبيي بكير فيي الغار دلييل على جهله ونقصيه
وضعف قلبه وخرقه .وأجاب علماؤنا عن ذلك بأن إضافة الحزن إليه ليس بنقص ،كما لم ينقص
إبراهيم حين قال عنه" :نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا ل تخف" [هود .]70 :ولم ينقص موسى
قوله" :فأوجيس فيي نفسيه خيفة موسيى .قلنيا ل تخيف" [طيه .]67،68وفيى لوط" :ول تحزن إنيا
منجوك وأهلك" [العنكبوت .]33 :فهؤلء العظماء صيلوات ال عليهيم قيد وجدت عندهيم التقيية
نصيا ولم يكين ذلك طعنيا عليهيم ووصيفا لهيم بالنقيص ،وكذلك فيي أبيي بكير .ثيم هيي عنيد الصيديق
احتمال ،فإنيه قال :لو أن أحدهيم نظير تحيت قدمييه لبصيرنا .جواب ثان -إن حزن الصيديق إنميا
كان خوفيا على النيبي صيلى ال علييه وسيلم أن يصيل إلييه ضرر ،ولم يكين النيبي صيلى ال علييه
وسلم في ذلك الوقت معصوما وإنما نزل عليه "وال يعصمك من الناس" [المائدة ]67 :بالمدينة.
@ قال ابن العربي :قال لنا أبو الفضائل العدل قال لنا جمال السلم أبو القاسم قال موسى صلى
ال علييه وسيلم" :كل إن معيي ربيي سييهدين" [الشعراء ]62 :وقال فيي محميد صيلى ال علييه
وسلم" :ل تحزن إن ال معنا" ل جرم لما كان ال مع موسى وحده ارتد أصحابه بعده ،فرجع من
عند ربه ووجدهم يعبدون العجل .ولما قال في محمد صلى ال عليه وسلم "ل تحزن إن ال معنا"
بقي أبو بكر مهتديا موحدا عالما جازما قائما بالمر ولم يتطرق إليه اختلل.
خرج الترمذي من حديث نبيط بن شريط عن سالم بن عبيد -له صحبة -قال :أغمي على رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم ،...الحدييث .وفييه :واجتميع المهاجرون يتشاورون فقالوا :انطلقوا بنيا إلى
إخواننا من النصار ندخلهم معنا في هذا المر .فقالت النصار :منا أمير ومنكم أمير .فقال عمر
رضي ال عنه :من له مثل هذه الثلث "ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن
ال معنا" من هما؟ قال :ثم بسط يده فبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة.
قلت :ولهذا قال بعيض العلماء :فيي قوله تعالى" :ثانيي اثنيين إذ هميا فيي الغار" ميا يدل على أن
الخليفة بعد النبي صلى ال عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي ال عنه ،لن الخليفة ل يكون أبدا
إل ثانييا .وسيمعت شيخنيا المام أبيا العباس أحميد بين عمير يقول :إنميا اسيتحق الصيديق أن يقال له
ثاني اثنين لقيامه بعد النبي صلى ال عليه وسلم بالمر ،كقيام النبي صلى ال عليه وسلم به أول.
وذلك أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا مات ارتدت العرب كلهيا ،ولم يبيق السيلم إل بالمدينية
ومكة وجواثا ،فقام أبو بكر يدعو الناس إلى السلم ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبي
صلى ال عليه وسلم ،فاستحق من هذه الجهة أن يقال في حقه ثاني اثنين.
قلت :وقييد جاء فييي السيينة أحاديييث صييحيحة ،يدل ظاهرهييا على أنييه الخليفيية بعده ،وقييد انعقييد
الجماع على ذلك ولم يبيق منهيم مخالف .والقادح فيي خلفتيه مقطوع بخطئه وتفسييقه .وهيل يكفير
أم ل ،يختلف فيه ،والظهر تكفيره .وسيأتي لهذا المعنى مزيد بيان في سورة [الفتح] إن شاء ال.
والذي يقطيع بيه مين الكتاب والسينة وأقوال علماء المية ويجيب أن تؤمين بيه القلوب والفئدة فضيل
الصييديق على جميييع الصييحابة .ول مبالة بأقوال أهييل الشيييع ول أهييل البدع ،فإنهييم بييين مكفيير
تضرب رقبتيه ،وبيين مبتدع مفسيق ل تقبيل كلمتيه .ثيم بعيد الصيديق عمير الفاروق ،ثيم بعده عثمان.
روى البخاري عين ابين عمير قال :كنيا نخيير بيين الناس فيي زمين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان .واختلف أئمة أهل السلف في عثمان وعلي ،فالجمهور منهم على
تقديييم عثمان .وروي عيين مالك أنييه توقييف فييي ذلك .وروي عنييه أيضييا أنييه رجييع إلى مييا عليييه
الجمهور .وهو الصح إن شاء ال.
@قوله تعالى" :فأنزل ال سيكينته علييه" فييه قولن :أحدهميا :على النيبي صيلى ال علييه وسيلم.
والثانيي :على أبيي بكير .ابين العربيي :قال علماؤنيا وهيو القوى ،لنيه خاف على النيبي صيلى ال
عليه وسلم من القوم فأنزل ال سكينته عليه بتأمين النبي صلى ال عليه وسلم ،فسكن جأشه وذهب
روعييه وحصييل الميين وأنبييت ال سييبحانه ثماميية ،وألهييم الوكيير هناك حماميية وأرسييل العنكبوت
فنسيجت بيتيا علييه .فميا أضعيف هذه الجنود فيي ظاهير الحيس وميا أقواهيا فيي باطين المعنيى ولهذا
المعنى قال النبي صلى ال عليه وسلم لعمر حين تغامر مع الصديق( :هل أنتم تاركو لي صاحبي
إن الناس كلهم قالوا كذبت وقال أبو بكر صدقت) رواه أبو الدرداء.
@قوله تعالى" :وأيده بجنود لم تروهيا" أي مين الملئكية .والكنايية فيي قوله "وأيده" ترجيع إلى
النبي صلى ال عليه وسلم .والضميران يختلفان ،وهذا كثير في القرآن وفي كلم العرب" .وجعل
كلمة الذين كفروا السفلى" أي كلمة الشرك" .وكلمة ال هي العليا" قيل :ل إله إل ال .وقيل :وعد
النصيير .وقرأ العمييش ويعقوب "وكلميية ال" بالنصيب حمل على "جعيل" والباقون بالرفيع على
الستئناف .وزعم الفراء أن قراءة النصب بعيدة ،قال :لنك تقول أعتق فلن غلم أبيه ،ول تقول
غلم أبييي فلن .وقال أبييو حاتييم نحوا ميين هذا .قال :كان يجييب أن يقال وكلمتييه هييي العليييا .قال
النحاس :الذي ذكره الفراء ل يشبه الية ،ولكن يشبهها ما أنشد سيبويه:
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا ل أرى الموت يسبق الموت شيء
فهذا حسين جيد ل إشكال فيه ،بل يقول النحويون الحذاق :فيي إعادة الذكر فيي مثيل هذا فائدة وهيي
أن فيييه معنييى التعظيييم ،قال ال تعالى" :إذا زلزلت الرض زلزالهييا .وأخرجييت الرض أثقالهييا"
[الزلزلة ]1،2:فهذا ل إشكال فيه .وجمع الكلمة كلم .وتميم تقول :هي كلمة بكسر الكاف .وحكى
الفراء فيهيا ثلث لغات :كلمية وكلمية وكلمية مصيل كبيد وكبيد وكبيد ،وورق وورق وورق .والكلمية
أيضا القصيدة بطولها ،قاله الجوهري.
**3اليية{ 41 :انفروا خفافيا وثقال وجاهدوا بأموالكيم وأنفسيكم فيي سيبيل ال ذلكيم خيير لكيم إن
كنتم تعلمون}
@ روى سفيان عن حصين بن عبدالرحمن عن أبي مالك الغفاري قال :أول ما نزل من سورة
براءة "انفروا خفافا وثقال" .وقال أبو الضحاك كذلك أيضا .قال :ثم نزل أولها وآخرها.
@قوله تعالى" :انفروا خفافا وثقال" نصب على الحال ،وفيه عشرة أقوال:
الول :يذكير عين ابين عباس "انفروا ثبات" [النسياء ::71 :سيرايا متفرقيين .الثانيي :روي عين
ابن عباس أيضا وقتادة :نشاطا وغير نشاط .الثالث :الخفيف :الغني ،والثقيل :الفقير ،قاله مجاهد.
الرابع :الخفيف :الشاب ،والثقيل :الشيخ ،قاله الحسن .الخامس :مشاغيل وغير مشاغيل ،قاله زيد
بن علي والحكم بن عتبة .السادس :الثقيل :الذي له عيال ،والخفيف :الذي ل عيال له ،قاله زيد بن
أسيلم .السيابع :الثقييل :الذي له ضيعية يكره أن يدعهيا ،والخفييف :الذي ل ضيعية له ،قاله ابين زييد.
الثامين :الخفاف :الرجال ،والثقال :الفرسيان ،قاله الوزاعيي .التاسيع :الخفاف :الذيين يسيبقون إلى
الحرب كالطليعيية وهييو مقدم الجيييش والثقال :الجيييش بأثره .العاشيير :الخفيييف :الشجاع ،والثقيييل:
الجبان ،حكاه النقاش .والصييحيح فييي معنييى الييية أن الناس أمروا جملة أي انفروا خفييت عليكييم
الحركية أو ثقلت .وروي أن ابين أم مكتوم جاء إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال له :أعلي
أن أنفر؟ فقال( :نعم) حتى أنزل ال تعالى "ليس على العمى حرج" [النور .]61 :وهذه القوال
إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة.
@ واختلف فييي هذه الييية ،فقيييل إنهييا منسييوخة بقوله تعالى" :ليييس على الضعفاء ول على
المرضى" [التوبة .]91 :وقيل :الناسخ لها قوله" :فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة" [التوبة:
.]122والصحيح أنها ليست بمنسوخة .روى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله تعالى" :انفروا
خفافيا وثقال" قال شبانيا وكهول ،ميا سيمع ال عذر أحيد .فخرج إلى الشام فجاهيد حتيى مات رضيي
ال عنه .وروى حماد عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة [براءة] فأتى على
هذه الييية "انفروا خفافييا وثقال" فقال :أي بنييي جهزونييي جهزونييي فقال بنوه :يرحمييك ال لقييد
غزوت ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم حتيى مات وميع أبيي بكير حتيى مات وميع عمير حتيى مات
فنحن نغزو عنك .قال .ل ،جهزوني .فغزا في البحر فمات في البحر ،فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه
فيها إل بعد سبعة أيام فدفنوه فيها ،ولم يتغير رضي ال عنه .وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن
السيود بحميص على تابوت صيراف ،وقيد فضيل على التابوت مين سيمنه وهيو يتجهيز للغزو .فقييل
له :لقييد عذرك ال .فقال :أتييت علينييا سييورة البعوث "انقروا خفافييا وثقال" .وقال الزهري :خرج
سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه .فقيل له :إنك عليل .فقال :استنفر ال الخفيف
والثقيييل ،فإن لم يمكنييي الحرب كثرت السييواد وحفظييت المتاع .وروي أن بعييض الناس رأى فييي
غزوات الشأم رجل قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ،فقال له :يا عم إن ال قد عذرك فقال :يا
ابن أخي ،قد أمرنا بالنفر خفافا وثقال .ولقد قال ابن أم مكتوم رضي ال عنه -واسمه عمرو -يوم
أحيد :أنيا رجيل أعميى ،فسيلموا لي اللواء ،فإنيه إذا انهزم حاميل اللواء انهزم الجييش ،وأنيا ميا أدري
مين يقصيدني بسييفه فميا أبرح فأخيذ اللواء يومئذ مصيعب بين عميير على ميا تقدم فيي "آل عمران"
بيانيه .فلهذا وميا كان مثله مميا روي عين الصيحابة والتابعيين ،قلنيا :إن النسيخ ل يصيح .وقيد تكون
حالة يجيب فيهيا نفيير الكيل وذلك إذا تعيين الجهاد بغلبية العدو على قطير مين القطار ،أو بحلوله
بالعقر ،فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقال ،شبابا
وشيوخا ،كل على قدر طاقته ،من كان له أب بغير إذنه ومن ل أب له ،ول يتخلف أحد يقدر على
الخروج ،مين مقاتيل أو مكثير .فإن عجيز أهيل تلك البلدة عين القيام بعدوهيم كان على مين قاربهيم
وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ،حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم
ومدافعتهيم .وكذلك كيل من علم بضعفهيم عن عدوهيم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهيم لزميه أيضيا
الخروج إليهم ،فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ،حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل
العدو عليهيا واحتييل بهييا سييقط الفرض عين الخرييين .ولو قارب العدو دار السييلم ولم يدخلوهييا
لزمهم أيضا الخروج إليه ،حتى يظهر دين ال وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو .ول
خلف في هذا.
وقسيم ثان مين واجيب الجهاد -فرض أيضيا على المام إغزاء طائفية إلى العدو كيل سينة مرة
يخرج معهم بنفسه أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى السلم ويرغبهم ،ويكف أذاهم ويظهر دين
ال عليهم حتى يدخلوا في السلم أو يعطوا الجزية عن يد.
ومين الجهاد أيضيا ميا هيو نافلة وهيو إخراج المام طائفية بعيد طائفية وبعيث السيرايا فيي أوقات
الغرة وعند إمكان الفرصة والرصاد لهم بالرباط في موضع الخوف وإظهار القوة.
@ فإن قيل :كييف يصينع الواحد إذا قصير الجميع ،قييل له :يعميد إلى أسيير واحيد فيفديه ،فإنيه إذا
فدى الواحيد فقيد أدى فيي الواحيد أكثير مميا كان يلزميه فيي الجماعية ،فإن الغنياء لو اقتسيموا فداء
السيارى ميا أدى كيل واحيد منهيم إل أقيل مين درهيم .ويغزو بنفسيه إن قدر وإل جهيز غازييا .قال
صيلى ال علييه وسيلم( :مين جهيز غازييا فقيد غزا ومين خلفيه فييي أهله بخيير فقيد غزا) أخرجيه
الصحيح .وذلك لن مكانه ل يغني وماله ل يكفي.
@ روي أن بعيض الملوك عاهيد كفارا على أل يحبسيوا أسييرا ،فدخيل رجيل مين المسيلمين جهية
بلدهييم فميير على بيييت مغلق ،فنادتييه امرأة إنييي أسيييرة فأبلغ صيياحبك خييبري فلمييا اجتمييع بييه
واستطعمه عنده وتجاذبا ذيل الحديث انتهى الخبر إلى هذه المعذبة فما أكمل حديثه حتى قام المير
على قدمييه وخرج غازييا مين فوره ومشيى إلى الثغير حتيى أخرج السييرة واسيتولى على الموضيع
رضيي ال عنيه .ذكره ابين العربيي وقال :ولقيد نزل بنيا العدو -قصيمه ال -سينة سيبع وعشريين
وخمسمائة فجاس ديارنا وأسر خيرتنا وتوسط بلدنا في عدد هال الناس عدده وكان كثيرا وإن لم
يبلغ مييا حددوه .فقلت للوالي والمولى عليييه :هذا عدو ال قييد حصييل فييي الشرك والشبكيية فلتكيين
عندكم بركة ،ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة فليخرج إليه جميع الناس حتى
ل يبقى منهم أحد في جميع القطار فيحاط به فإنه هالك ل محالة إن يسركم ال له فغلبت الذنوب
ورجفييت القلوب بالمعاصييي وصييار كييل أحييد ميين الناس ثعلبييا يأوي إلى وجاره وإن رأى المكيدة
بجاره .فإنا ل وإنا إليه راجعون .وحسبنا ال ونعم الوكيل).
@قوله تعالى" :وجاهدوا" أمر بالجهاد ،وهو مشتق من الجهد "بأموالكم وأنفسكم" روى أبو داود
عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم).
وهذا وصف لكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند ال تعالى .فحض على كمال الوصاف ،وقدم
الموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز .فرتب المر كما هو نفسه.
**3الية{ 42 :لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون
بال لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم وال يعلم إنهم لكاذبون}
@ لما رجع النبي صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك أظهر ال نفاق قوم .والعرض :ما يعرض
مين منافيع الدنييا .والمعنيى :غنيمية قريبية .أخيبر عنهيم أنهيم لو دعوا إلى غنيمية لتبعوه" .عرضيا"
خييبر كان" .قريبييا" نعتييه" .وسييفرا قاصييدا" عطييف عليييه .وحذف اسييم كان لدللة الكلم عليييه.
التقدير :لو كان المدعو إليه عرضا قريبا وسفرا قاصدا -أي سهل معلوم الطرق -لتبعوك .وهذه
الكنايية للمنافقيين كميا ذكرنيا ،لنهيم داخلون فيي جملة مين خوطيب بالنفيير .وهذا موجود فيي كلم
العرب يذكرون الجملة ثييم يأتون بالضمار عائدا على بعضهييا ،كمييا قيييل فييي قوله تعالى" :وإن
منكم إل واردها" [مريم ]71 :أنها القيامة .ثم قال جل وعز" :ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين
فيهيا جثييا" [مرييم ]72:يعنيي جيل وعيز جهنيم .ونظيير هذه اليية مين السينة فيي المعنيى قوله علييه
السيلم( :لو يعلم أحدهيم أنيه يجيد عظميا سيمينا أو مرماتيين حسينتين لشهيد العشاء) .يقول :لو علم
أحدهم أنه يجد شيئا حاضرا معجل يأخذه لتى المسجد من أجله" .ولكن بعدت عليهم الشقة" حكى
أبيو عيبيدة وغيره أن الشقية السيفر إلى أرض بعيدة .يقال :منيه شقية شاقية .والمراد بذلك كله غزوة
تبوك .وحكى الكسائي أنه يقال :شُقة وشِقة .قال الجوهري :الشقة بالضم من الثياب ،والشقة أيضا
السيفر البعييد وربميا قالوه بالكسير .والشقية شظيية تشظيى مين لوح أو خشبية .يقال للغضبان :احتيد
فطارت منيه شقية ،بالكسير" .وسييحلفون بال لو اسيتطعنا" أي لو كان لنيا سيعة فيي الظهير والمال.
"لخرجنيا معكيم" نظيره "ول على الناس حيج البييت مين اسيتطاع إلييه سيبيل" [آل عمران]97 :
فسيرها النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال( :زاد وراحلة) وقيد تقدم" .يهلكون أنفسيهم" أي بالكذب
والنفاق" .وال يعلم إنهم لكاذبون" في العتلل.
**3الية{ 43 :عفا ال عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
@قوله تعالى" :عفا ال عنك لم أذنت لهم" قيل :هو افتتاح كلم ،كما تقول :أصلحك ال وأعزك
ورحميك كان كذا وكذا .وعلى هذا التأوييل يحسين الوقيف على قوله" :عفيا ال عنيك" ،حكاه مكيي
والمهدوي والنحاس .وأخبره بالعفو قبل الذنب لئل يطير قلبه فرقا .وقيل :المعنى عفا ال عنك ما
كان مين ذنبيك فيي أن أذنيت لهيم ،فل يحسين الوقيف على قوله" :عفيا ال عنيك" على هذا التقديير،
حكاه المهدوي واختاره النحاس .ثييم قيييل :فييي الذن قولن :الول" :لم أذنييت لهييم" فييي الخروج
معيك ،وفيي خروجهيم بل عدة ونيية صيادقة فسياد .الثانيي " -لم أذنيت لهيم" فيي القعود لميا اعتلوا
بأعذار ،ذكرهيا القشيري قال :وهذا عتاب تلطيف إذ قال" :عفيا ال عنيك" .وكان علييه السيلم أذن
من غير وحي نزل فيه .قال قتادة وعمرو بن ميمون :اثنتان فعلهما النبي صلى ال عليه وسلم ولم
يؤمر بهما :إذنه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئا إل بوحي وأخذه
من السارى الفدية فعاتبه ال كما تسمعون .قال بعض العلماء :إنما بدر منه ترك الولى فقدم ال
العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب.
@قوله تعالى" :حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" أي ليتبين لك من صدق ممن نافق.
قال ابيين عباس :وذلك أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم لم يكيين يومئذ يعرف المنافقييين وإنمييا
عرفهيم بعيد نزول سيورة [التوبية] .وقال مجاهيد :هؤلء قوم قالوا :نسيتأذن فيي الجلوس فإن أذن لنيا
جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا .وقال قتادة :نسخ هذه الية بقوله في سورة "النور"" :فإذا استأذنوك
لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم" [النور .]62 :ذكره النحاس في معاني القرآن له.
**3اليتان{ 45 - 44 :ل يسيتأذنك الذيين يؤمنون بال واليوم الخير أن يجاهدوا بأموالهيم
وأنفسهم وال عليم بالمتقين ،إنما يستأذنك الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر وارتابت قلوبهم فهم
في ريبهم يترددون}
@قوله تعالى" :ل يستأذنك الذين يؤمنون بال واليوم الخر" أي في القعود ول في الخروج ،بل
إذا أمرت بشيييء ابتدروه ،فكان السييتئذان فييي ذلك الوقييت ميين علمات النفاق لغييير عذر ،ولذلك
قال" :إنما يسيتأذنك الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر وارتابت قلوبهم فهيم فيي ريبهيم يترددون".
روى أبو داود عن ابن عباس قال" :ل يستأذنك الذين يؤمنون بال" نسختها التي في "النور] "إنما
المؤمنون الذيين آمنوا بال ورسيوله -إلى قوله -غفور رحييم" [النور" ]62 :أن يجاهدوا" فيي
موضع نصب بإضمار في ،عن الزجاج .وقيل :التقدير كراهية أن يجاهدوا ،كقوله" :يبين ال لكم
أن تضلوا" [النسياء" .]176 :وارتابيت قلوبهيم" شكيت فيي الديين" .فهيم فيي ريبهيم يترددون" أي
في شكهم يذهبون ويرجعون.
**3الية{ 46 :ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة ولكن كره ال انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا
مع القاعدين}
@قوله تعالى" :ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة" أي لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبية السيفر.
فتركهييم السييتعداد دليييل على إرادتهييم التخلف" .ولكيين كره ال انبعاثهييم" أي خروجهييم معييك.
"فثبطهم" أي حبسهم عنك وخذلهم ،لنهم قالوا :إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على
المؤمنين .ويدل على هذا أن بعده "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إل خبال"" .وقيل اقعدوا
قييل :هو مين قول بعضهيم لبعيض .وقيل :هو مين قول النبي صلى ال عليه وسلم ،ويكون هذا هو
الذن الذي تقدم ذكره .قييل :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم غضبيا فأخذوا بظاهير لفظيه وقالوا قيد
أذن لنا .وقيل :هو عبارة عن الخذلن ،أي أوقع ال في قلوبهم القعود .ومعنى "مع القاعدين" أي
مع أولي الضرر والعميان والزمنى والنسوان والصبيان.
**3اليية{ 47 :لو خرجوا فيكيم ميا زادوكيم إل خبال ولوضعوا خللكيم يبغونكيم الفتنية وفيكيم
سماعون لهم وال عليم بالظالمين}
@قوله تعالى" :لو خرجوا فيكيم ميا زادوكيم إل خبال" هيو تسيلية للمؤمنيين فيي تخلف المنافقيين
عنهم .والخبال :الفساد والنميمة وإيقاع الختلف والراجيف .وهذا استثناء منقطع ،أي ما زادوكم
قوة ولكيين طلبوا الخبال .وقيييل :المعنييى ل يزيدونكييم فيمييا يترددون فيييه ميين الرأي إل خبال ،فل
يكون الستثناء منقطعا.
@قوله تعالى" :ولوضعوا خللكيم" المعنيى لسيرعوا فيميا بينكيم بالفسياد .واليضاع ،سيرعة
السير .وقال الراجز:
أخب فيها وأضع يا ليتني فيها جذع
يقال :وضع البعير إذا عدا ،يضع وضعا ووضوعا إذا أسرع السير .وأوضعته حملته على العدو.
وقييل :اليضاع سيير مثيل الخبيب .والخلل الفرجية بيين الشيئيين ،والجميع الخلل ،أي الفرج التيي
تكون بيين الصيفوف .أي لوضعوا خللكيم بالنميمية وإفسياد ذات البيين" .يبغونكيم الفتنية" مفعول
ثان .والمعنييى يطلبون لكييم الفتنيية ،أي الفسيياد والتحريييض .ويقال :أبغيتييه كذا أعنتييه على طلبييه،
وبغيتيه كذا طلبتيه له .وقييل :الفتنية هنيا الشرك" .وفيكيم سيماعون لهيم" أي عيون لهيم ينقلون إليهيم
الخبار منكييم .قتادة :وفيكييم ميين يقبييل منهييم قولهييم ويطيعهييم .النحاس :القول الول أولى ،لنييه
الغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلم :ومثله "سماعون للكذب" [المائدة .]41 :والقول
الثاني :ل يكاد يقال فيه إل سامع ،مثل قائل.
**3الية{ 48 :لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك المور حتى جاء الحق وظهر أمر ال وهم
كارهون}
@قوله تعالى" :لقد ابتغوا الفتنة من قبل" أي لقد طلبوا الفساد والخبال من قبل أن يظهر أمرهم،
وينزل الوحيي بميا أسيروه وبميا سييفعلونه .وقال ابين جرييج :أراد اثنيي عشير رجل مين المنافقيين،
وقفوا على ثنييية الوداع ليلة العقبيية ليفتكوا بالنييبي صييلى ال عليييه وسييلم" .وقلبوا لك المور" أي
صيرفوها وأجالوا الرأي فيي إبطال ميا جئت بيه" .حتيى جاء الحيق وظهير أمير ال" أي دينيه "وهيم
كارهون"
**3اليتان{ 50 - 49 :ومنهيم مين يقول ائذن لي ول تفتنيي أل فيي الفتنية سيقطوا وإن جهنيم
لمحيطية بالكافريين ،إن تصيبك حسينة تسيؤهم وإن تصيبك مصييبة يقولوا قيد أخذنيا أمرنيا مين قبيل
ويتولوا وهم فرحون}
@قوله تعالى" :ومنهم من يقول ائذن لي" من أذن يأذن .وإذا أمرت زدت همزة مكسورة وبعدها
همزة هيي فاء الفعيل ،ول يجتميع همزتان ،فأبدلت مين الثانيية ياء لكسيرة ميا قبلهيا فقلت ايذن .فإذا
وصيلت زالت العلة فيي الجميع بيين همزتيين ،ثيم همزت فقلت" :ومنهيم مين يقول ائذن لي" وروى
ورش عن نافع "ومنهم من يقول اوذن لي" خفف الهمزة .قال النحاس :يقال إيذن لفلن ثم إيذن له
هجاء الولى والثانيية واحيد بألف وياء قبيل الذال فيي الخيط .فإن قلت :ايذن لفلن وأذن لغيره كان
الثانييي بغييير ياء وكذا الفاء .والفرق بيين ثيم والواو أن ثيم يوقييف عليهيا وتنفصيل والواو والفاء ل
يوقيف عليهميا ول ينفصيلن .قال محميد بين إسيحاق :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم للجيد بين
قيس أخي بني سلمة لما أراد الخروج إلى تبوك( :يا جد ،هل لك في جلد بني الصفر تتخذ منهم
سيراري ووصيفاء) فقال الجيد :قيد عرف قوميي أنيي مغرم بالنسياء ،وإنيي أخشيى إن رأييت بنيي
الصيفر أل أصيبر عنهين فل تفتنيي وأذن لي فيي القعود وأعينيك بمالي فأعرض عنيه رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم وقال( :قيد أذنيت لك) فنزلت هذه اليية .أي ل تفتنيي بصيباحة وجوههيم ،ولم
يكن به علة إل النفاق .قال المهدوي :والصفر رجل من الحبشة كانت له بنات لم يكن في وقتهن
أجمل منهن وكان ببلد الروم .وقيل :سموا بذلك لن الحبشة غلبت على الروم ،وولدت لهم بنات
فأخذن من بياض الروم وسواد الحبشة ،فكن صفرا لعسا .قال ابن عطية :في قول ابن أبي إسحاق
فتور .وأسيند الطيبري أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :اغزوا تغنموا بنات الصيفر) فقال
له الجد :ايذن لنا ول تفتنا بالنساء .وهذا منزع غير الول ،وهو أشبه بالنفاق والمحادة .ولما نزلت
قال النبي صلى ال عليه وسلم لبني سلمة -وكان الجد بن قيس منهم( :من سيدكم يا بني سلمة)؟
قالوا :جيد بين قييس ،غيير أنيه بخييل جبان .فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :وأي داء أدوى مين
البخل بل سيدكم الفتى البيض بشر بن البراء بن معرور) .فقال حسان بن ثابت النصاري فيه:
وحق لبشر بن البرا أن يسودا وسود بشر بن البراء لجوده
وقال خذوه إنني عائد غدا إذا ما أتاه الوفد أذهب ماله
@قوله تعالى" :أل فيي الفتنية سيقطوا" أي فيي الثيم والمعصيية وقعوا .وهيي النفاق والتخلف عين
النبي صلى ال عليه وسلم" .وإن جهنم لمحيطة بالكافرين" أي مسيرهم إلى النار ،فهي تحدق بهم.
@قوله تعالى" :إن تصيبك حسينة تسيؤهم" شرط ومجازاة ،وكذا "وإن تصيبك مصييبة يقولوا قيد
أخذنيا أمرنيا مين قبيل" عطيف علييه .والحسينة :الغنيمية والظفير .والمصييبة النهزام .ومعنيى قوله:
"أخذنا أمرنا من قبل" أي احتطنا لنفسنا ،وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال" .ويتولوا" أي عن
اليمان" .وهم فرحون" أي معجبون بذلك.
**3الية{ 51 :قل لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا هو مولنا وعلى ال فليتوكل المؤمنون}
@قوله تعالى" :قل لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا" قيل :في اللوح المحفوظ .وقيل :ما أخبرنا به في
كتابيه من أنيا إميا أن نظفر فيكون الظفر حسنى لنيا ،وإميا أن نقتل فتكون الشهادة أعظيم حسينى لنا.
والمعنيى كيل شييء بقضاء وقدر .وقيد تقدم فيي "العراف" أن العلم والقدر والكتاب سيواء" .هيو
مولنيا" أي ناصيرنا .والتوكيل تفوييض المير إلييه .وقراءة الجمهور "يصييبنا" نصيب بلن .وحكيى
أبيو عيبيدة أن مين العرب مين يجزم بهيا .وقرأ طلحية بين مصيرف "هيل يصييبنا" وحكيي عين أعيين
قاضيي الري أنيه قرأ (قيل لن يصييبنا) بنون مشددة .وهذا لحين ،ل يؤكيد بالنون ميا كان خيبرا ،ولو
كان هذا في قراءة طلحة لجاز .قال ال تعالى" :هل يذهبن كيده ما يغيظ" [الحج.]15 :
**3اليية{ 52 :قيل هيل تربصيون بنيا إل إحدى الحسينيين ونحين نتربيص بكيم أن يصييبكم ال
بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون}
@قوله تعالى" :قيل هيل تربصيون بنيا" والكوفيون يدغمون اللم فيي التاء .فأميا لم المعرفية فل
يجوز إل الدغام ،كميا قال جيل وعيز" :التائبون" [التوبية ]112 :لكثرة لم المعرفية فيي كلمهيم
ول يجوز الدغام فييي قوله" :قييل تعالوا" [النعام ]151 :لن "قييل" معتييل ،فلم يجمعوا عليييه
علتيين .والتربيص النتظار .يقال :تربيص بالطعام أي انتظير بيه إلى حيين الغلء .والحسينى تأنييث
الحسين .وواحيد الحسينيين حسينى ،والجميع الحسينى .ول يجوز أن ينطيق بيه إل معرفيا .ل يقال:
رأيييت امرأة حسيينى .والمراد بالحسيينيين الغنيميية والشهادة ،عيين ابيين عباس ومجاهييد وغيرهمييا.
واللفيظ اسيتفهام والمعنيى توبييخ" .ونحين نتربيص بكيم أن يصييبكم ال بعذاب مين عنده" أي عقوبية
تهلككم كما أصاب المم الخالية من قبلكم" .أو بأيدينا" أي يؤذن لنا في قتالكم" .فتربصوا" تهديد
ووعيد .أي انتظروا مواعد الشيطان إنا منتظرون مواعد ال.
**3الية{ 53 :قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين}
@ قال ابن عباس :نزلت في الجد بن قيس إذ قال ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به .ولفظ
"أنفقوا" أمير ،ومعناه الشرط والجزاء .وهكذا تسيتعمل العرب فيي مثيل هذا تأتيي بأو كميا قال
الشاعر:
لدينا ول مقلية إن تقلت أسيئي بنا أو أحسني ل ملومة
والمعنيى إن أسيأت أو أحسينت فنحين على ميا تعرفيين .ومعنيى اليية :إن أنفقتيم طائعيين أو مكرهيين
فلن يقبيل منكيم .ثيم بيين جيل وعيز لم ل يقبيل منهيم فقال" :وميا منعهيم أن تقبيل منهيم نفقاتهيم إل أنهيم
كفروا بال وبرسيوله" [التوبية ]54 :فكان فيي هذا أدل دلييل على أن أفعال الكافير إذا كانيت برا
كصلة القرابة وجبر الكسير وإغاثة الملهوف ل يثاب عليها ول ينتفع بها في الخرة ،بيد أنه يطعم
بها في الدنيا .دليله ما رواه مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت :قلت يا رسول ال ،ابن جدعان
كان فيي الجاهليية يصيل الرحيم ويطعيم المسيكين فهيل ذلك نافعيه ؟ قال( :ل ينفعيه ،إنيه لم يقيل يوميا
رب اغفر لي خطيئتيي يوم الديين) .وروي عن أنس قال قال رسول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن
ال ل يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما
عمل ل بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الخرة لم يكن له حسنة يجزى بها) .وهذا نص .ثم قيل:
هل بحكم هذا الوعد الصادق ل بد أن يطعم الكافر ويعطى بحسناته في الدنيا أو ذلك مقيد بمشيئة
ال المذكورة في قوله" :عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد" [السراء ]18 :وهذا هو الصحيح من
القولين ،وال أعلم .وتسمية ما يصدر عن الكافر حسنة إنما هو بحسب ظن الكافر ،وإل فل يصح
منيه قربية ،لعدم شرطهيا المصيحح لهيا وهيو اليمان .أو سيميت حسينة لنهيا تشبيه صيورة حسينة
المؤمن ظاهرا .قولن أيضا.
@ فإن قييل :فقيد روى مسيلم عين حكييم بين حزام أنيه قال لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم :أي
رسيول ال ،أرأييت أمورا كنيت أتحنيث بهيا فيي الجاهليية مين صيدقة أو عتاقية أو صيلة رحيم أفيهيا
أجر؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أسلمت على ما أسلفت من خير) قلنا قوله( :أسلمت
على مييا أسييلفت ميين خييير) مخالف ظاهره للصييول ،لن الكافيير ل يصييح منييه التقرب ل تعالى
فيكون مثابيا على طاعتيه ،لن مين شرط المتقرب أن يكون عارفيا بالمتقرب إلييه ،فإذا عدم الشرط
انتفى صحة المشروط .فكان المعنى في الحديث :إنك اكتسبت طباعا جميلة في الجاهلية أكسيبتك
عادة جميلة فييي السييلم .وذلك أن حكيمييا رضييي ال عنييه عاش مائة وعشرييين سيينة ،سييتين فييي
السلم وستين في الجاهلية ،فأعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير؟ وكذلك فعل في
السيلم .وهذا واضيح .وقيد قييل :ل يبعيد فيي كرم ال أن يثيبيه على فعله ذلك بالسيلم ،كميا يسيقط
عنيه ميا ارتكبيه فيي حال كفره مين الثام .وإنميا ل يثاب مين لم يسيلم ول تاب ،ومات كافرا .وهذا
ظاهير الحدييث .وهيو الصيحيح إن شاء ال .ولييس عدم شرط اليمان فيي عدم ثواب ميا يفعله مين
الخير ثم أسلم ومات مسلما بشرط عقلي ل يتبدل ،وال أكرم من أن يضيع عمله إذا حسن إسلمه.
وقد تأول الحربي الحديث على هذا المعنى فقال( :أسلمت على ما أسلفت) ،أي ما تقدم لك من خير
عملته فذلك لك .كما تقول :أسلمت على ألف درهم ،أي على أن أحرزها لنفسه .وال أعلم.
@ فإن قييل :فقيد روى مسيلم عين العباس قال :قلت ييا رسيول ال إن أبيا طالب كان يحوطيك
وينصيرك ،فهيل نفعيه ذلك؟ قال( :نعيم وجدتيه فيي غمرات مين النار فأخرجتيه إلى ضحضاح) .قييل
له :ل يبعيد أن يخفف عن الكافير بعيض العذاب بما عمل من الخيير ،لكين مع انضمام شفاعة ،كميا
جاء فيي أبيي طالب .فأميا غيره فقيد أخيبر التنزييل بقوله" :فميا تنفعهيم شفاعية الشافعيين" [المدثير:
.]48وقال مخيبرا عين الكافريين" :فميا لنيا مين شافعيين .ول صيديق حمييم" [الشعراء،100 :
.]101وقد روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر عنده عمه
أبيو طالب فقال( :لعله تنفعيه شفاعتيي يوم القيامية فيجعيل فيي ضحضاح مين النار يبلغ كعيبيه يغلي
منيه دماغيه) .مين حدييث العباس رضيي ال عنيه( :ولول أنيا لكان فيي الدرك السيفل مين النار).
"إنكم كنتم قوما فاسقين" أي كافرين.
**3الية{ 54 :وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إل أنهم كفروا بال وبرسوله ول يأتون الصلة
إل وهم كسالى ول ينفقون إل وهم كارهون}
@قوله تعالى" :وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إل أنهم" "أن" الولى في موضع نصب ،والثانية
في موضع رفع .والمعنى :وما منعهم من أن تقبل منهم نفقاتهم إل كفرهم وقرأ الكوفيون "أن يقبل
منهيم" بالياء ،لن النفقات والنفاق واحيد" .ول يأتون الصيلة إل وهيم كسيالى" قال ابين عباس :إن
كان فيي جماعية صيلى وإن انفرد لم يصيل ،وهيو الذي ل يرجيو على الصيلة ثوابيا ول يخشيى فيي
تركهيا عقابيا .فالنفاق يورث الكسيل فيي العبادة ل محالة .وقيد تقدم فيي "النسياء" القول فيي هذا كله.
وقيد ذكرنيا هناك حدييث العلء موعبيا .والحميد ل" .ول ينفقون إل وهيم كارهون" لنهيم يعدونهيا
مغرما ومنعها مغنما وإذا كان المر كذلك فهي غير متقبلة ول مثاب عليها حسب ما تقدم.
**3الية{ 55 :فل تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق
أنفسهم وهم كافرون}
@ أي ل تسيتحسن ميا أعطيناهيم ول تميل إلييه فإنيه اسيتدراج "إنميا يرييد ال ليعذبهيم بهيا" قال
الحسيين :المعنييى بإخراج الزكاة والنفاق فييي سييبيل ال .وهذا اختيار الطييبري .وقال ابيين عباس
وقتادة :في الكلم تقديم وتأخير ،والمعنى فل تعجبك أموالهم ول أولدهم في الحياة الدنيا إنما بريد
ال ليعذبهيم بهيا فيي الخرة .وهذا قول أكثير أهيل العربيية ،ذكره النحاس .وقييل :يعذبهيم بالتعيب فيي
الجميع .وعلى هذا التأوييل وقول الحسين ل تقدييم فييه ول تأخيير ،وهيو حسين .وقييل :المعنيى فل
تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما يريد ال ليعذبهم بها في الدنيا لنهم منافقون ،فهم ينفقون كارهين
فيعذبون بما ينفقون" .وتزهق أنفسهم وهم كافرون" نص في أن ال يريد أن يموتوا كافرين ،سبق
بذلك القضاء.
**3الية{ 56 :ويحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون}
@ بين أن من أخلق المنافقين الحلف بأنهم مؤمنون .نظيره "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك
لرسول ال" [المنافقون ]1 :الية .والفرق الخوف ،أي يخافون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا.
**3الية{ 57 :لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخل لولوا إليه وهم يجمحون}
@قوله تعالى" :لو يجدون ملجيأ" كذا الوقيف علييه .وفيي الخيط بألفيين :الولى همزة ،والثانيية
عوض مين التنويين ،وكذا رأييت جزءا .والملجيأ الحصين ،عين قتادة وغيره .ابين عباس :الحرز،
وهميا سيواء .يقال :لجأت إلييه لجيأ بالتحرييك وملجيأ والتجأت إلييه بمعنيى .والموضيع أيضيا لجيأ
وملجييأ .والتلجئة الكراه .وألجأتييه إلى الشيييء اضطررتييه إليييه .وألجأت أمري إلى ال أسييندته.
وعمرو بين لجيأ التميميي الشاعير عين الجوهري" .أو مغارات" جميع مغارة ،مين غار يغيير .قال
الخفش :ويجوز أن يكون من أغار يغير ،كما قال الشاعر:
الحمد ل ممسانا ومصبحنا
قال ابين عباس :المغارات الغيران والسيراديب ،وهيي المواضيع التيي يسيتتر فيهيا ،ومنيه غار الماء
وغارت العيين" .أو مدخل" مفتعيل مين الدخول ،أي مسيلكا نختفيي بالدخول فييه ،وأعاده لختلف
اللفيظ .قال النحاس :الصيل فييه مدتخيل ،قلبيت التاء دال ،لن الدال مجهورة والتاء مهموسية وهميا
مين مخرج واحد .وقيل :الصيل فييه متدخيل على متفعل ،كميا فيي قراءة أبي" :أو متدخل" ومعناه
دخول بعييد دخول ،أي قومييا يدخلون معهييم .المهدوي :متدخل ميين تدخييل مثييل تفعييل إذا تكلف
الدخول .وعيين أبييي أيضييا :مندخل ميين اندخييل ،وهييو شاذ ،لن ثلثيييه غييير متعييد عنييد سيييبويه
وأصيحابه .وقرأ الحسين وابين أبيي إسيحاق وابين محيصين" :أو مدخل" بفتيح المييم وإسيكان الدال.
قال الزجاج :ويقرأ "أو مدخل" بضم الميم وإسكان الدال .الول من دخل يدخل .والثاني من أدخل
يدخل .كذا المصدر والمكان والزمان كما أنشد سيبويه:
مغار ابن همام على حي خثعما
وروي عين قتادة وعيسيى والعميش "أو مدخل" بتشدييد الدال والخاء .والجمهور بتشدييد الدال
وحدهييا ،أي مكانييا يدخلون فيييه أنفسييهم .فهذه سييت قراءات" .لولوا إليييه" أي لرجعوا إليييه" .وهييم
يجمحون" أي يسرعون ،ل يرد وجوههم شيء .من جمح الفرس إذا لم يرده اللجام .قال الشاعر:
كمعمعة السعف الموقد سبوحا جموحا وإحضارها
والمعنى :لو وجدوا شيئا من هذه الشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هربا من المسلمين.
**3الية{ 58 :ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا
هم يسخطون}
@قوله تعالى" :ومنهم من يلزمك في الصدقات" أي يطعن عليك ،عن قتادة .الحسن :يعيبك .وقال
مجاهد :أي يروزك ويسألك .النحاس :والقول عند أهل اللغة قول قتادة والحسن .يقال :لمزه يلمزه
إذا عابيه .واللميز فيي اللغية العييب فيي السير .قال الجوهري :اللميز العييب ،وأصيله الشارة بالعيين
ونحوها ،وقد لمزه يلمزه ويلمز وقرئ بهما "ومنهم من يلمزك في الصدقات" .ورجل لماز ولمزة
أي عياب .ويقال أيضا :لمزه يلمزه إذا دفعه وضربه .والهمز مثل اللمز .والهامز والهماز العياب،
والهمزة مثله .يقال :رجيل همزة وامرأة همزة أيضيا .وهمزه أي دفعيه وضربيه .ثيم قييل :اللميز فيي
الوجه ،والهمز بظهر الغيب .وصف ال قوما من المنافقين بأنهم عابوا النبي صلى ال عليه وسلم
فيي تفرييق الصيدقات ،وزعموا أنهيم فقراء ليعطيهيم .قال أبيو سيعيد الخدري :بينيا رسيول ال صيلى
ال عليييه وسييلم يقسييم مال إذ جاءه حرقوص بيين زهييير أصييل الخوارج ،ويقال له ذو الخويصييرة
التميمييي ،فقال :اعدل يييا رسييول ال .فقال( :ويلك وميين يعدل إذا لم أعدل) فنزلت الييية .حديييث
صيحيح أخرجيه مسيلم بمعناه .وعندهيا قال عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه :دعنيي ييا رسيول ال
فأقتيل هذا المنافيق .فقال( :معاذ ال أن يتحدث الناس أنيي أقتيل أصيحابي إن هذا وأصيحابه يقرؤون
القرآن ل يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية).
**3اليية{ 59 :ولو أنهيم رضوا ميا آتاهيم ال ورسيوله وقالوا حسيبنا ال سييؤتينا ال مين فضله
ورسوله إنا إلى ال راغبون}
@قوله تعالى" :ولو أنهم رضوا ما آتاهم ال" جواب "لو" محذوف ،التقدير لكان خيرا لهم.
**3الية{ 60 :إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل ال وابن السبيل فريضة من ال وال عليم حكيم}
@قوله تعالى" :إنما الصدقات للفقراء" خص ال سبحانه بعض الناس بالموال دون بعض نعمة
منيه عليهيم ،وجعيل شكير ذلك منهيم إخراج سيهم يؤدونيه إلى مين ل مال له ،نيابية عنيه سيبحانه فيميا
ضمنييه بقوله" :ومييا ميين دابيية فييي الرض إل على ال رزقهييا" [هود" .]6 :للفقراء" تييبيين
لمصارف الصدقات والمحل ،حتى ل تخرج عنهم .ثم الختيار إلى من يقسم ،هذا قول مالك وأبي
حنيفة وأصحابهما .كما يقال :السرج للدابة والباب للدار .وقال الشافعي :اللم لم التمليك ،كقولك:
المال لزيد وعمرو وبكر ،فل بد من التسوية بين المذكورين .قال الشافعي وأصحابه :وهذا كما لو
أوصى لصناف معينين أو لقوم معينين .واحتجوا بلفظة "إنما" وأنها تقتضي الحصر في وقوف
الصييدقات على الثمانييية الصييناف وعضدوا هذا بحديييث زياد بيين الحارث الصييدائي قال :أتيييت
رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يبعث إلى قومي جيشا فقلت :يا رسول ال احبس جيشك فأنا
لك بإسلمهم وطاعتهم ،وكتبت إلى قومي فجاء إسلمهم وطاعتهم .فقال رسول ال صلى ال عليه
وسيلم( :ييا أخيا صيداء المطاع فيي قوميه) .قال :قلت بيل مين ال عليهيم وهداهيم ،قال :ثيم جاءه رجيل
يسأل عن الصدقات ،فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ال لم يرض في الصدقات بحكم
نيبي ول غيره حتيى جزأهيا ثمانيية أجزاء فإن كنيت مين أهيل تلك الجزاء أعطيتيك) رواه أبيو داود
والدارقطني .واللفظ للدارقطني .وحكي عن زين العابدين أنه قال :إنه تعالى علم قدر ما يدفع من
الزكاة وميا تقيع بيه الكفايية لهذه الصيناف ،وجعله حقيا لجميعهيم ،فمين منعهيم ذلك فهيو الظالم لهيم
رزقهم .وتمسك علماؤنا بقوله تعالى" :إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء
فهو خير لكم" [البقرة .]271 :والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض .وقال صلى
ال علييه وسيلم( :أمرت أن آخيذ الصيدقة مين أغنيائكيم وأردهيا على فقرائكيم) .وهذا نيص فيي ذكير
أحيد الصيناف الثمانيية قرآنيا وسينة ،وهيو قول عمير بين الخطاب وعلي وابين عباس وحذيفة .وقال
به من التابعين جماعة .قالوا :جائز أن يدفعها إلى الصناف الثمانية ،وإلى أي صنف منها دفعت
جاز .روى المنهال بين عمرو عين زر بين حيبيش عين حذيفية فيي قوله" :إنميا الصييدقات للفقراء
والمسياكين" قال :إنميا ذكير ال هذه الصييدقات لتعرف وأي صينف منهييا أعطيييت أجزأك .وروى
سيعيد بين جيبير عين ابين عباس "إنميا الصيدقات للفقراء والمسياكين "قال :فيي أيهيا وضعيت أجزأ
عنيك .وهيو قول الحسين وإبراهييم وغيرهميا .قال الكييا الطيبري :حتيى ادعيى مالك الجماع على
ذلك.
قلت :يريد إجماع الصحابة ،فإنه ل يعلم لهم مخالف منهم على ما قال أبو عمر ،وال أعلم .ابن
العربيي :والذي جعلناه فيصيل بيننيا وبينهيم أن المية اتفقيت على أنيه لو أعطيي كيل صينف حظيه لم
يجب تعميمه ،فكذلك تعميم الصناف مثله .وال أعلم.
@ واختلف علماء اللغية وأهيل الفقيه فيي الفرق بيين الفقيير والمسيكين على تسيعة أقوال :فذهيب
يعقوب بن السكيت والقتبي ويونس بن حبيب إلى أن الفقير أحسن حال من المسكين .قالوا :الفقير
هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه ،والمسكين الذي ل شيء له ،واحتجوا بقول الراعي:
وفق العيال فلم يترك له سبد أما الفقير الذي كانت حلوبته
وذهيب إلى هذا قوم مين أهيل اللغية والحدييث منهيم أبيو حنيفية والقاضيي عبدالوهاب ،والوفيق مين
الموافقة بين الشيئين كاللتحام ،يقال :حلوبته وفق عيال أي لها لبن قدر كفايتهم ل فضل فيه ،عن
الجوهري .وقال آخرون بالعكيس ،فجعلوا المسيكين أحسين حال مين الفقيير .واحتجوا بقوله تعالى:
"أميا السيفينة فكانيت لمسياكين يعملون فيي البحير" [الكهيف .]79 :فأخيبر أن لهيم سيفينة مين سيفن
البحر .وربما ساوت جملة من المال .وعضدوه بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه تعوذ
من الفقر .وروي عنه أنه قال" :اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا" .فلو كان المسكين أسوأ حال
مين الفقيير لتناقيض الخيبران ،إذ يسيتحيل أن يتعوذ مين الفقير ثيم يسيأل ميا هيو أسيوأ حال منيه ،وقيد
اسيتجاب ال دعاءه وقبضيه وله مميا أفاء ال علييه ،ولكين لم يكين معيه تمام الكفايية ،ولذلك رهين
درعيه .قالوا :وأميا بييت الراعيي فل حجية فييه ،لنيه إنميا ذكير أن الفقيير كانيت له حلوبية فيي حال.
قالوا :والفقيير معناه فيي كلم العرب المفقور الذي نُزعِت فقرة مين ظهره مين شدة الفقير فل حال
أشييد ميين هذه .وقييد أخييبر ال عنهييم بقوله "ل يسييتطيعون ضربييا فييي الرض" [البقرة.]273 :
واستشهدوا بقول الشاعر:
رفع القوادم كالفقير العزل لما رأى لبد النسور تطايرت
أي لم يطيق الطيران فصيار بمنزلة مين انقطيع صيلبه ولصيق بالرض .ذهيب إلى هذا الصيمعي
وغيره ،وحكاه الطحاوي عين الكوفييين .وهيو أحيد قولي الشافعيي وأكثير أصيحابه .وللشافعيي قول
آخير :أن الفقيير والمسيكين سيواء ،ل فرق بينهميا فيي المعنيى وإن افترقيا فيي السيم ،وهيو القول
الثالث .وإلى هذا ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك ،وبه قال أبو يوسف.
قلت :ظاهير اللفيظ يدل على أن المسيكين غيير الفقيير ،وأنهميا صينفان ،إل أن أحيد الصينفين أشيد
حاجية مين الخير ،فمين هذا الوجيه يقرب قول مين جعلهميا صينفا واحدا ،وال أعلم .ول حجية فيي
قول مين احتيج بقوله تعالى" :أميا السيفينة فكانيت لمسياكين" [الكهيف ]79 :لنيه يحتميل أن تكون
مستأجرة لهم ،كما يقال :هذه دار فلن إذا كان ساكنها وإن كانت لغيره .وقد قال تعالى في وصف
أهل النار" :ولهم مقامع من حديد" [الحج ]21 :فأضافها إليهم .وقال تعالى" :ول تؤتوا السفهاء
أموالكيم" [النسياء .]5 :وقال صيلى ال علييه وسيلم( :مين باع عبدا وله مال )...وهيو كثيير جدا
يضاف الشيء إليه وليس له .ومنه قولهم :باب الدار .وجل الدابة ،وسرج الفرس ،وشبهه .ويجوز
أن يسيموا مسياكين على جهية الرحمية والسيتعطاف ،كميا يقال لمين امتحين بنكبية أو دفيع إلى بليية
مسكين .وفي الحديث (مساكين أهل النار) وقال الشاعر:
عليها تراب الذل بين المقابر مساكين أهل الحب حتى قبورهم
وأما ما تأولوه من قوله عليه السلم( :اللهم أحيني مسكينا) الحديث .رواه أنس ،فليس كذلك ،وإنما
المعنيى ههنيا :التواضيع ل الذي ل جيبروت فييه ول نخوة ،ول كيبر ول بطير ،ول تكيبر ول أشير.
ولقد أحسن ،أبو العتاهية حيث قال:
فانظر إلى ملك في زي مسكين إذا أردت شريف القوم كلهم
وذاك يصلح للدنيا وللدين ذاك الذي عظمت في ال رغبته
وليس بالسائل ،لن النبي صلى ال عليه وسلم قيد كره السؤال ونهى عنه ،وقال فيي امرأة سوداء
أبت أن تزول له عن الطريق( :دعوها فإنها جبارة) وأما قوله تعالى" :للفقراء الذين أحصروا في
سيبيل ال ل يسيتطيعون ضربيا فيي الرض" [البقرة ]273 :فل يمتنيع أن يكون لهيم شييء .وال
أعلم .وما ذهب إليه أصيحاب مالك والشافعيي فيي أنهما سواء حسين .ويقرب منيه ما قاله مالك فيي
كتاب ابن سيحنون ،قال :الفقيير المحتاج المتعفيف ،والمسيكين السيائل ،وروي عين ابين عباس وقاله
الزهري ،واختاره ابن شعبان وهو القول الرابع .وقول خامس :قال محمد بن مسلمة :الفقير الذي
له المسكن والخادم إلى من هو أسفل من ذلك .والمسكين الذي ل مال له.
قلت :وهذا القول عكيس ميا ثبيت فيي صيحيح مسيلم عين عبدال بين عمرو ،وسيأله رجيل فقال:
ألسيينا ميين فقراء المهاجرييين ؟ فقال له عبدال :ألك امرأة تأوي إليهييا؟ قال نعييم .قال :ألك مسييكن
تسكنه؟ قال نعم .قال :فأنت من الغنياء .قال :فإن لي خادما قال :فأنت من الملوك .وقول سادس:
روي عن ابن عباس قال :الفقراء من المهاجرين ،والمساكين من العراب الذين لم يهاجروا وقال
الضحاك .وقول سيابع :وهيو أن المسيكين الذي يخشيع ويسيتكن وإن لم يسيأل .والفقيير الذي يتحميل
ويقبل الشيء سرا ول يخشع ،قاله عبيدال بن الحسن .وقول ثامن قاله مجاهد وعكرمة والزهري
-المساكين الطوافون ،والفقراء فقراء المسلمين .وقول تاسع قاله عكرمة أيضا -أن الفقراء فقراء
المسلمين ،والمساكين فقراء أهل الكتاب .وسيأتي.
وهيي فائدة الخلف فيي الفقراء والمسياكين ،هيل هميا صينف واحيد أو أكثير تظهير فيمين أوصيى
بثلث ماله لفلن وللفقراء والمسيياكين ،فميين قال همييا صيينف واحييد قال :يكون لفلن نصييف الثلث
وللفقراء والمساكين نصف الثلث الثاني .ومن قال هما صنفان يقسم الثلث بينهم أثلثا.
@ وقد اختلف العلماء في حد الفقر الذي يجوز معه الخذ -بعد إجماع أكثر من يحفظ عنه من
أهييل العلم -أن ميين له دارا وخادمييا ل يسييتغني عنهمييا أن له أن يأخييذ ميين الزكاة ،وللمعطييي أن
يعطييه .وكان مالك يقول :إن لم يكين فيي ثمين الدار والخادم فضلة عميا يحتاج إلييه منهميا جاز له
الخذ وإل لم يجز ،ذكره ابن المنذر .وبقول مالك قال النخعي والثوري .وقال أبو حنيفة :من معه
عشرون دينارا أو مائتا درهيم فل يأخيذ من الزكاة .فاعتبر النصياب لقوله عليه السلم( :أمرت أن
آخييذ الصييدقة ميين أغنيائكييم وأردهييا فييي فقرائكييم) .وهذا واضييح ،ورواه المغيرة عيين مالك .وقال
الثوري وأحمد وإسحاق وغيرهم :ل يأخذ من له خمسون درهما أو قدرها من الذهب ،ول يعطي
منهيا أكثير مين خمسيين درهميا إل أن يكون غارميا ،قال أحميد وإسيحاق .وحجية هذا القول ميا رواه
الدارقطني عن عبدال بن مسيعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ل تحيل الصيدقة لرجيل له
خمسون درهما) .في إسناده عبدالرحمن بن إسحاق ضعيف ،وعنه بكر بن خنيس ضعيف أيضا.
ورواه حكيم بن جبير عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبدال عن النبي صلى ال
عليييه وسييلم نحوه ،وقال(:خمسييون درهمييا) وحكيييم بيين جييبير ضعيييف تركييه شعبيية وغيره ،قال
الدارقطنيي رحميه ال .وقال أبيو عمير :هذا الحدييث يدور على حكييم بين جيبير وهيو متروك .وعين
علي وعبدال قال :ل تحل الصدقة لمن له خمسون درهميا أو قيمتها من الذهب ،ذكره الدارقطنيي
وقال الحسن البصري :ل يأخذ من له أربعون درهما .ورواه الواقدي عن مالك .وحجة هذا القول
ما رواه الدارقطني عن عبدال بن مسعود قال :سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول( :من سأل
الناس وهو غني جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح وخدوش) .فقيل :يا رسول ال وما غناؤه؟ قال:
(أربعون درهما) .وفي حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد
فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم" :مين سيأل منكيم وله أوقيية أو عدلهيا فقيد سيأل إلحافيا والوقيية
أربعون درهما) .والمشهور عن مالك ما رواه ابن القاسم عنه أنه سئل :هل يعطى من الزكاة من
له أربعون درهمييا؟ قال نعييم .قال أبييو عميير :يحتمييل أن يكون الول قويييا على الكتسيياب حسيين
التصرف .والثاني ضعيفا عن الكتساب ،أو من له عيال .وال أعلم .وقال الشافعي وأبو ثور .من
كان قويييا على الكسييب والتحرف مييع قوة البدن وحسيين التصييرف حتييى يغنيييه ذلك عيين الناس
فالصيدقة علييه حرام .واحتيج بحدييث النيبي صيلى ال علييه وسيلم (ل تحيل الصيدقة لغنيى ول لذي
مرة سيوي) رواه عبدال بين عمير ،وأخرجيه أبيو داود والترمذي والدارقطنيي .وروى جابر قال:
جاءت رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم صييدقة فركبييه الناس ،فقال( :إنهييا ل تصييلح لغنييي ول
لصحيح ول لعامل) أخرجه الدارقطني.
وروى أبو داود عن عبيدال بن عدي بن الخيار قال :أخبرني رجلن أنهما أتيا النبي صلى ال
عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسأله منها ،فرفع فينا النظر وخفضه ،فرآنا جلدين
فقال( :إن شئتما أعطيتكما ول حظ فيها لغني ول لقوي مكتسب) .ولنه قد صار غنيا بكسبه كغنى
غيره بمال فصيار كيل واحيد منهميا غنييا عين المسيألة .وقال ابين خوييز منداد ،وحكاه عين المذهيب.
وهذا ل ينبغيي أن يعول علييه ،فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان يعطيهيا الفقراء ووقوفهيا على
الزمن باطل .قال أبو عيسى الترمذي في جامعه :إذا كان الرجل قويا محتاجا ولم يكن عنده شيء
فتصدق عليه أجزأ عن المتصدق عند أهل العلم .ووجه الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة.
وقال الكييا الطيبري :والظاهير يقتضيي جواز ذلك ،لنيه فقيير ميع قوتيه وصيحة بدنيه .وبيه قال أبيو
حنيفة وأصحابه .وقال عبيدال بن الحسن :من ل يكون له ما يكفيه ويقيمه سنة فإنه يعطى الزكاة.
وحجتيه ميا رواه ابين شهاب عين مالك بين أوس بين الحدثان عين عمير بين الخطاب أن رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم كان يدخير مميا أفاء ال علييه قوت سينة ،ثيم يجعيل ميا سيوى ذلك فيي الكراع
والسلح مع قوله تعالى" :ووجدك عائل فأغنى" [الضحى .]8 :وقال بعض أهل العلم :لكل واحد
أن يأخيذ من الصيدقة فيميا ل بيد له منيه .وقال قوم :مين عنده عشاء ليلة فهيو غنيي وروي عين علي.
واحتجوا بحدييث علي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :مين سيأل مسيألة عين ظهير غنيى
اسيتكثر بهيا مين رضيف جهنيم) قالوا :ييا رسيول ال ،وميا ظهير الغنيى؟ قال( :عشاء ليلة) أخرجيه
الدارقطني وقال :في إسناده عمرو بن خالد وهو متروك .وأخرجه أبو داود عن سهل بن الحنظلية
عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،وفييه( :مين سيأل وعنده ميا يغنييه فإنميا يسيتكثر مين النار) .وقال
النفيلي في موضع آخر (من جمر جهنم) .فقالوا :يا رسول ال وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع
آخر :وما الغنى الذي ل تنبغي معه المسألة؟ قال( :قدر ما يغديه ويعشيه) .وقال النفيلي في موضع
آخر( :أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم).
قلت :فهذا مييا جاء فييي بيان الفقيير الذي يجوز معييه الخييذ .ومطلق لفييظ الفقراء ل يقتضييي
الختصاص بالمسلمين دون أهل الذمة ،ولكن تظاهرت الخبار في أن الصدقات تؤخذ من أغنياء
المسيلمين فترد في فقرائهيم .وقال عكرمة :الفقراء فقراء المسيلمين ،والمسياكين فقراء أهل الكتاب.
وقال أبيو بكير العبسيي :رأى عمير بين الخطاب ذمييا مكفوفيا مطروحيا على باب المدينية فقال له
عمير :مالك؟ قال :اسيتكروني فيي هذه الجزيية ،حتيى إذا كيف بصيري تركونيي ولييس لي أحيد يعود
علي شيء .فقال عمر :ما أنصفت إذا ،فأمر له بقوته وما يصلحه .ثم قال( :هذا من الذين قال ال
تعالى فيهيم" :إنميا الصيدقات للفقراء والمسياكين" اليية .وهيم زمنيى أهيل الكتاب) ولميا قال تعالى:
"إنمييا الصييدقات للفقراء والمسيياكين" الييية ،وقابييل الجملة بالجملة وهييي جملة الصييدقة بجملة
المصرف بين النبي صلى ال عليه وسلم ذلك ،فقال لمعاذ حين أرسله إلى اليمن( :أخبرهم أن ال
افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) .فاختص أهل كل بلد بزكاة بلده .وروى
أبو داود أن زيادا أو بعض المراء بعث عمران بن حصين على الصدقة ،فلما رجع قال لعمران:
أين المال؟ قال :وللمال أرسلتني أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول ال صلى ال عليه
وسيلم ووضعناهيا حييث كنيا نضعهيا على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .وروى الدارقطنيي
والترمذي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال :قدم علينا مصدق النبي صلى ال عليه وسلم فأخذ
الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلما يتيما فأعطاني منها قلوصا .قال الترمذي :وفي
الباب عن ابن عباس حديث ابن أبي جحيفة حديث حسن.
@ وقد اختلفت العلماء في نقل الزكاة عن موضعها على ثلثة أقوال :ل تنقل ،قاله سحنون وابن
القاسيم ،وهو الصحيح لميا ذكرناه .قال ابن القاسم أيضيا :وإن نقيل بعضهيا لضرورة رأيته صيوابا.
وروي عيين سييحنون أنييه قال :ولو بلغ المام أن ببعييض البلد حاجيية شديدة جاز له نقييل بعييض
الصدقة المستحقة لغيره إليه ،فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج (والمسلم
أخو المسلم ل يسلمه ول يظلمه) .والقول الثاني تنقل .وقاله مالك أيضا .وحجة هذا القول ما روي
أن معاذا قال لهل اليمن :ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة فإنه
أيسير عليكيم وأنفيع للمهاجريين بالمدينية .أخرجيه الدارقطنيي وغيره .والخمييس لفيظ مشترك ،وهيو
هنا الثوب طوله خمس أذرع .ويقال :سمي بذلك لن أول من عمله الخمس ملك من ملوك اليمن،
ذكره ابين فارس فيي المجميل والجوهري أيضيا .وفيي هذا الحدييث دليلن :أحدهميا :ميا ذكرناه مين
نقيل الزكاة مين اليمين إلى المدينية ،فيتولى النيبي صيلى ال علييه وسيلم قسيمتها .ويعضيد هذا قوله
تعالى" :إنما الصدقات للفقراء" ولم يفصل بين فقير بلد وفقير آخر .وال أعلم .الثاني :أخذ القيمة
فيي الزكاة .وقيد اختلفيت الروايية عين مالك فيي إخراج القييم فيي الزكاة ،فأجاز ذلك مرة ومنيع منيه
أخرى ،فوجه الجواز -وهو قول أبي حنيفة -هذا الحديث .وثبت في صحيح البخاري من حديث
أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم (من بلغت عنده من البل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة
وعنده حقة فإنه تؤخذ منه وما استيسرنا من شاتين أو عشرين درهما .)...الحديث .وقال صلى ال
عليه وسلم( :اغنوهم عن سؤال هذا اليوم) يعني يوم الفطر .وإنما أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم،
فأي شيء سد حاجتهم جاز .وقد قال تعالى" :خذ من أموالهم صدقة" [التوبة ]103 :ولم يخص
شيئا مين شييء .ول يدفيع عنيد أبيي حنيفية سيكنى دار بدل الزكاة ،مثيل أن يجيب علييه خمسية دراهيم
فأسيكن فيهيا فقيرا شهرا فإنيه ل يجوز .قال :لن السيكنى لييس بمال .ووجيه قوله :ل تجزي القييم -
وهو ظاهر المذهب -فلن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :في خمس من البل شاة وفي أربعين
شاة شاة) فنص على الشاة ،فإذا لم يأت بها لم يأت بمأمور به ،وإذا لم يأت بالمأمور به فالمر باق
عليه .القول الثالث وهو أن سهم الفقراء والمساكين يقسم في الموضع ،وسائر السهام تنقل باجتهاد
المام .والقول الول أصح .وال أعلم.
وهيييل المعتيييبر مكان المال وقيييت تمام الحول فتفرق الصيييدقة فييييه ،أو مكان المالك إذ هيييو
المخاطيب ،قولن .واختار الثانيي أبيو عبدال محميد بين خوييز منداد فيي أحكاميه قال :لن النسيان
هيو المخاطيب بإخراجهيا فصيار المال تبعيا له ،فيجيب أن يكون الحكيم فييه بحييث المخاطيب .كابين
السبيل فإنه يكون غنيا في بلده فقيرا في بلد آخر ،فيكون الحكم له حيث هو.
@ مسألة :واختلفت الرواية عن مالك فيمن أعطى فقيرا مسلما فانكشف في ثاني حال أنه أعطى
عبدا أو كافرا أو غنييا ،فقال مرة :تجزييه ومرة ل تجزييه .وجيه الجواز -وهيو الصيح -ميا رواه
مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :قال رجل لتصدقن الليلة بصدقة فخرج
بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية قال اللهم لك الحمد على
زانية لتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني
قال اللهيم لك الحميد على غنيي لتصيدقن بصيدقة فخرج بصيدقته فوضعهيا فيي ييد سيارق فأصيبحوا
يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق فأتي فقيل له
أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه
ال ولعيل السيارق يسيتعف بهيا عين سيرقته) .وروي أن رجل أخرج زكاة ماله فأعطاهيا أباه ،فلميا
أصيبح علم بذلك ،فسيأل النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال له( :قيد كتيب لك أجير زكاتيك وأجير صيلة
الرحيم فلك أجران) .ومين جهية المعنيى أنيه سيوغ له الجتهاد فيي المعطيى ،فإذا اجتهيد وأعطيى مين
يظنه من أهلها فقد أتى بالواجب عليه .ووجه قوله :ل يجزي .أنه لم يضعها في مستحقها ،فأشبه
العميد ،ولن العميد والخطيأ فيي ضمان الموال واحيد فوجيب أن يضمين ميا أتلف ،على المسياكين
حتى يوصله إليهم.
فإن أخرج الزكاة عند محلها فهلكت من غير تفريط لم يضمن ،لنه وكيل للفقراء .فإن أخرجها
بعد ذلك بمدة فهلكت ضمن ،لتأخيرها عن محلها فتعلقت بذمته فلذلك ضمن وال أعلم.
وإذا كان المام يعدل فيي الخيذ والصيرف لم يسيغ للمالك أن يتولى الصيرف بنفسيه فيي الناضّي
ول فيي غيره .وقيد قييل :إن زكاة الناض على أربابيه .وقال ابين الماجشون :ذلك إذا كان الصيرف
للفقراء والمسيياكين خاصيية ،فإن احتيييج إلى صييرفها لغيرهمييا ميين الصييناف فل يفرق عليهييم إل
المام .وفروع هذا الباب كثيرة ،هذه أمهاتا.
@قوله تعالى" :والعاملييين عليهييا" يعنييي السييعاة والجباة الذييين يبعثهييم المام لتحصيييل الزكاة
بالتوكيل على ذلك .روى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال :استعمل رسول ال صلى ال عليه
وسلم رجل من السد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية ،فلما جاء حاسبه .واختلف العلماء
فيي المقدار الذي يأخذونيه على ثلثية أقوال :قال مجاهيد والشافعيي :هيو الثمين .ابين عمير ومالك:
يعطون قدر عملهيم مين الجرة ،وهيو قول أبيي حنيفية وأصيحابه .قالوا :لنيه عطيل نفسيه لمصيلحة
الفقراء ،فكانت كفايته وكفاية أعوانه في مالهم ،كالمرأة لما عطلت نفسها لحق الزوج كانت نفقتها
ونفقية أتباعهيا مين خادم أو خادميين على زوجهيا .ول تقدر بالثمين ،بيل تعتيبر الكفايية ثمنيا كان أو
أكثير ،كرزق القاضيي .ول تعتيبر كفايية العوان فيي زماننيا لنيه إسيراف محيض .القول الثالث -
يعطون مين بييت المال .قال ابين العربيي :وهذا قول صيحيح عين مالك بين أنيس مين روايية ابين أبيي
أويس وداود بن سعيد بن زنبوعة ،وهو ضعيف دليل ،فإن ال سبحانه قد أخبر بسهمهم فيها نصا
فكيييف يخلفون عنييه اسييتقراء وسييبرا .والصييحيح الجتهاد فييي قدر الجرة ،لن البيان فييي تعديييد
الصناف إنما كان للمحل ل للمستحق ،على ما تقدم.
واختلفوا فيي العاميل إذا كان هاشمييا ،فمنعيه أبيو حنيفية لقوله علييه السيلم( :إن الصيدقة ل تحيل
لل محمد إنما هي أوساخ الناس) .وهذه صدقة من وجه ،لنها جزء من الصدقة فتلحق بالصدقة
من كل وجه كرامة وتنزيها لقرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم عن غسالة الناس .وأجاز عمله
مالك والشافعيي ،ويعطيى أجير عمالتيه ،لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعيث علي بين أبيي طالب
مصدقا ،وبعثه عامل إلى اليمن على الزكاة ،وولى جماعة من بني هاشم وولى الخلفاء بعده كذلك.
ولنيه أجيير على عميل مباح فوجيب أن يسيتوي فييه الهاشميي وغيره اعتبارا بسيائر الصيناعات.
قالت الحنفييية :حديييث علي ليييس فيييه أنييه فرض له ميين الصييدقة ،فإن فرض له ميين غيرهييا جاز.
وروي عن مالك.
@ ودل قوله تعالى" :والعامليين عليهيا" على أن كيل ميا كان مين فروض الكفايات كالسياعي
والكاتيب والقسيام والعاشير وغيرهيم فالقائم بيه يجوز له أخيذ الجرة علييه .ومين ذلك المامية ،فإن
الصلة وإن كانت متوجهة على جميع الخلق فإن تقدم بعضهم بهم من فروض الكفايات ،فل جرم
يجوز أخيذ الجرة عليهيا .وهذا أصيل الباب ،وإلييه أشار النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقوله( :ميا
تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)قاله ابن العربي.
@قوله تعالى" :والمؤلفة قلوبهم" ل ذكر للمؤلفة قلوبهم في التنزيل في غير قسم الصدقات ،وهم
قوم كانوا فيي صيدر السيلم ممين يظهير السيلم ،يتألفون بدفيع سيهم مين الصيدقة إليهيم لضعيف
يقينهييم .قال الزهري :المؤلفيية ميين أسييلم ميين يهودي أو نصييراني وإن كان غنيييا .وقال بعييض
المتأخرين :اختلف في صفتهم ،فقيل :هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على السلم ،وكانوا ل
يسلمون بالقهر والسيف ،ولكن يسلمون بالعطاء والحسان .وقيل :هم قوم أسلموا في الظاهر ولم
تسيتيقن قلوبهيم ،فيعطون ليتمكين السيلم فيي صيدورهم .وقييل :هيم قوم مين عظماء المشركيين لهيم
أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهيم على السيلم .قال :وهذه القوال متقاربية والقصيد بجميعهيا العطاء
لمن ل يتمكن إسلمه حقيقة إل بالعطاء ،فكأنه ضرب من الجهاد.
والمشركون ثلثية أصيناف :صينف يرجيع بإقامية البرهان .وصينف بالقهير .وصينف بالحسيان.
والمام الناظير للمسيلمين يسيتعمل ميع كيل صينف ميا يراه سيببا لنجاتيه وتخليصيه مين الكفير .وفيي
صيحيح مسيلم مين حدييث أنيس ،فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أعنيي للنصيار ( : -فإنيي
أعطيي رجال حديثيي عهيد بكفير أتألفهيم )...الحدييث .قال ابين إسيحاق :أعطاهيم يتألفهيم ويتألف بهيم
قومهيم .وكانوا أشرافيا ،فأعطيى أبيا سيفيان بين حرب مائة بعيير ،وأعطيى ابنيه مائة بعيير ،وأعطيى
حكييم بين حزام مائة بعيير ،وأعطيى الحارث بين هشام مائة بعيير ،وأعطيى سيهيل بين عمرو مائة
بعيير ،وأعطيى حويطيب بين عبدالعزى مائة بعيير ،وأعطيى صيفوان بين أميية مائة بعيير .وكذلك
أعطى مالك بن عوف والعلء بن جارية .قال :فهؤلء أصحاب المئين .وأعطى رجال من قريش
دون المائة منهم مخرمة بن نوفل الزهري وعمير بن وهب الجمحي ،وهشام بن عمرو العامري.
قال ابين إسيحاق :فهؤلء ل أعرف ميا أعطاهيم .وأعطيى سيعيد بين يربوع خمسيين بعيرا ،وأعطيى
عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فسخطها .فقال في ذلك:
بكري على المهر في الجرع كانت نهابا تلفيتها
إذا هجع الناس لم أهجع وإيقاظي القوم أن يرقدوا
بين عيينة والقرع فأصبح نهبي ونهب العبيد
فلم أعط شيئا ولم أمنع وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
عديد قوائمه الربع إل أفائل أعطيتها
يفوقان مرداس في المجمع وما كان حصن ول حابس
ومن تضع اليوم ل يرفع وما كنت دون امرئ منهما
فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :اذهبوا فاقطعوا عنيي لسيانه) فأعطوه حتيى رضيي ،فكان
ذلك قطع لسانه .قال أبو عمر :وقد ذكر في المؤلفة قلوبهم النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة،
أخو النضير بن الحارث المقتول ببدر صيبرا .وذكر آخرون أنيه فيمن هاجر إلى الحبشية ،فإن كان
منهيم فمحال أن يكون مين المؤلفية قلوبهيم ،ومين هاجير إلى أرض ،الحبشية فهيو مين المهاجريين
الولين ممن رسخ اليمان فيي قلبه وقاتل دونه ،وليس ممن يؤلف عليه .قال أبو عمر :واستعمل
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مالك بين عوف بين سيعد بين يربوع النصيري على مين أسيلم مين
قوميه مين قبائل قييس ،وأمره بمغاورة ثقييف ففعيل وضييق عليهيم ،وحسين إسيلمه وإسيلم المؤلفية
قلوبهيم ،حاشيا عيينية بين حصين فلم يزل مغمورا علييه .وسيائر المؤلفية متفاضلون ،منهيم الخيير
الفاضييل المجتمييع على فضله ،كالحارث بيين هشام ،وحكيييم بيين حزام ،وعكرميية بيين أبييي جهييل،
وسيهيل بين عمرو ،ومنهيم دون هؤلء .وقيد فضيل ال النيبيين وسيائر عباده المؤمنيين بعضهيم على
بعيض وهيو أعلم بهيم .قال مالك :بلغنيي أن حكييم بين حزام أخرج ميا كان أعطاه النيبي صيلى ال
عليه وسلم في المؤلفة قلوبهم فتصدق به بعد ذلك.
قلت :حكييم بين حزام وحويطيب بين عبدالعزى عاش كيل واحيد منهميا مائة وعشريين سينة سيتين
في السلم وستين في الجاهلية .وسمعت المام شيخنا الحافظ أبا محمد عبدالعظيم يقول :شخصان
مين الصيحابة عاشيا فيي الجاهليية سيتين سينة وفيي السيلم سيتين سينة ،وماتيا بالمدينية سينة أربيع
وخمسين ،أحدهما حكيم بن حزام ،وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلث عشرة سنة.
والثانييي حسييان بيين ثابييت بيين المنذر بيين حرام النصيياري .وذكيير هذا أيضييا أبييو عميير وعثمان
الشهرزوري فييي كتاب معرفيية أنواع علم الحديييث له ،ولم يذكرا غيرهمييا .وحويطييب ذكره أبييو
الفرج الجوزي في كتاب الوفا في شرف المصطفى .وذكره أبو عمر في كتاب الصحابة أنه أدرك
السلم وهو ابن ستين سنة ،ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة .وذكر أيضا حمنن بن عوف أخو
عبدالرحمين بين عوف ،أنيه عاش فيي السيلم سيتين سينة وفيي الجاهليية سيتين سينة .وقيد عيد فيي
المؤلفية قلوبهيم معاويية وأبوه أبيو سيفيان بين حرب .أميا معاويية فبعييد أن يكون منهيم ،فكييف يكون
منهيم وقيد ائتمنيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم على وحيي ال وقراءتيه وخلطيه بنفسيه .وأميا حاله فيي
أيام أبيي بكير فأشهير مين هذا وأظهير .وأميا أبوه فل كلم فييه أنيه كان منهيم .وفيي عددهيم اختلف،
وبالجملة فكلهم مؤمن ولم يكن فيهم كافر على ما تقدم ،وال أعلم وأحكم.
واختلف العلماء فيي بقائهيم ،فقال عمير والحسين والشعيبي وغيرهيم :انقطيع هذا الصينف بعيز
السيلم وظهوره .وهذا مشهور مين مذهيب مالك وأصيحاب الرأي .قال بعيض علماء الحنفيية :لميا
أعيز ال السيلم وأهله وقطيع دابر الكافريين -لعنهيم ال -اجتمعيت الصيحابة رضوان ال عنهيم
أجمعين في خلفة أبي بكر رضي ال عنه على سقوط سهمهم .وقال جماعة من العلماء :هم باقون
لن المام ربما أحتاج أن يستألف على السلم .وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين .قال
يونيس :سيألت الزهري عنهيم فقال :ل أعلم نسيخا فيي ذلك .قال أبيو جعفير النحاس :فعلى هذا الحكيم
فيهيم ثابيت ،فإن كان أحيد يحتاج إلى تألفيه ويخاف أن تلحيق المسيلمين منيه آفية أو يرجيى أن يحسين
إسيلمه بعيد دفيع إلييه .قال القاضيي عبدالوهاب :إن احتييج إليهيم فيي بعيض الوقات أعطوا مين
الصييدقة .وقال القاضييي ابيين العربييي :الذي عندي أنييه إن قوي السييلم زالوا ،وإن احتيييج إليهييم
أعطوا سيهمهم كميا كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يعطيهيم ،فإن فيي الصيحيح( :بدأ السيلم
غريبا وسيعود كما بدأ).
@ فإذا فرّعنا على أنه ل يرد إليهم سهمهم فإنه يرجع إلى سائر الصناف أو ما يراه المام .وقال
الزهري :يعطى نصف سهمهم لعمار المساجد .وهذا مما يدلك على أن الصناف الثمانية محل ل
مسييتحقون تسييوية ،ولو كانوا مسييتحقين لسييقط سييهمهم بسيقوطهم ولم يرجييع إلى غيرهييم ،كمييا لو
أوصى لقوم معينين فمات أحدهم لم يرجع نصيبه إلى من بقي منهم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وفي الرقاب" أي في فك الرقاب ،قاله ابن عباس وابن عمر ،وهو مذهب مالك
وغيره .فيجوز للمام أن يشتري رقابييا ميين مال الصييدقة يعتقهييا عيين المسييلمين ،ويكون ولؤهييم
لجماعية المسيلمين .وإن اشتراهيم صياحب الزكاة وأعتقهيم جاز .هذا تحصييل مذهيب مالك ،وروي
عن ابن عباس والحسن ،وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد .وقال أبو ثور :ل يبتاع منهيا صاحب
الزكاة نسيمة يعتقهيا بجَرّ ولء .وهيو قول الشافعيي وأصيحاب الرأي وروايية عين مالك .والصيحيح
الول ،لن ال عييز وجييل قال" :وفييي الرقاب" فإذا كان للرقاب سييهم ميين الصييدقات كان له أن
يشتري رقبة فيعتقها .ول خلف بين أهل العلم أن للرجل أن يشتري الفرس فيحمل عليه في سبيل
ال .فإذا كان له أن يشتري فرسييا بالكمال ميين الزكاة جاز أن يشتري رقبيية بالكمال ،ل فرق بييين
ذلك .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وفي الرقاب" الصل في الولء ،قال مالك :هي الرقبة تعتق وولؤها للمسلمين،
وكذلك إن أعتقها المام .وقد نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن بيع الولء وعن هبته .وقال عليه
السيلم( :الولء لحمية كلحمية النسيب ل يباع ول يوهيب) .وقال علييه السيلم( :الولء لمين أعتيق).
ول ترث النسياء مين الولء شيئا ،لقوله علييه السيلم( :ل ترث النسياء مين الولء شيئا إل ميا أعتقين
أو أعتق من أعتقن) وقد ورث النبي صلى ال عليه وسلم ابنة حمزة من مولى لها النصف ولبنته
النصيف .فإذا ترك المعتيق أولدا ذكورا وإناثيا فالولء للذكور مين ولده دون الناث .وهيو إجماع
الصيحابة رضيي ال عنهيم .والولء إنميا يورث بالتعصييب المحيض ،والنسياء ل تعصييب فيهين فلم
يرثن من الولء شيئا .فافهم تصب.
@ واختلف هل يعان منها المكاتب ،فقيل ل .روي ذلك عن مالك ،لن ال عز وجل ذكر الرقبة
دل على أنه أراد العتق الكامل ،وأما المكاتب فإنما هو داخل في كلمة الغارمين بما عليه من دين
الكتابية ،فل يدخيل فيي الرقاب .وال أعلم .وقيد روي عين مالك مين روايية المدنييين وزياد عنيه :أنيه
يعان منهيا المكاتيب فيي آخير كتابتيه بميا يعتيق .وعلى هذا جمهور العلماء فيي تأوييل قول ال تعالى:
"وفيي الرقاب" .وبيه قال ابين وهيب والشافعيي واللييث والنخعيي وغيره وحكيى علي بين موسيى
القمي الحنفي في أحكامه :أنهم أجمعوا على أن المكاتب مراد .واختلفوا في عتق الرقاب ،قال الكيا
الطيبري :وذكير وجهيا بينيه فيي منيع ذلك فقال :إن العتيق إبطال ملك ولييس بتملييك ،وميا يدفيع إلى
المكاتب تمليك ،ومن حق الصدقة أل تجزي إل إذا جرى فيها التمليك .وقوى ذلك بأنه لو دفع من
الزكاة عين الغارم فيي دينيه بغيير أمره لم يجزه مين حييث لم يملك فلن ل يجزي ذلك فيي العتيق
أولى .وذكير أن فيي العتيق جير الولء إلى نفسيه وذلك ل يحصيل فيي دفعيه للمكاتيب .وذكير أن ثمين
العبد إذا دفعه إلى العبد لم يملكه العبد ،وإن دفعه إلى سيده فقد ملّكه العتق .وإن دفعه بعد الشراء
ض ديناً وذلك ل يجزي في الزكاة. والعتق فهو قا ٍ
قلت :قيد ورد حدييث ينيص على معنيى ميا ذكرنيا مين جواز عتيق الرقبية وإعانية المكاتيب معيا
أخرجه الدارقطني عن البراء قال :جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :دلني على عمل
يقربني من الجنة ويباعدني من النار .قال( :لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق
النسيمة وفك الرقبية) .فقال :يا رسول ال ،أو ليسيتا واحدا ؟ قال( :ل ،عتيق النسيمة أن تنفرد بعتقهيا
وفك الرقبة أن تعين في ثمنها )...وذكر الحديث.
@ واختلفوا في فك السارى منها ،فقال أصبغ :ل يجوز .وهو قول ابن قاسم .وقال ابن حبيب:
يجوز ،لنهيا رقبية ملكيت بملك الرق فهيي تخرج مين رق إلى عتيق ،وكان ذلك أحيق وأولى مين
فكاك الرقاب الذي بأيدينييا ،لنييه إذا كان فييك المسييلم عيين رق المسييلم عبادة وجائزا ميين الصييدقة،
فأحرى وأولى أن يكون ذلك في فك المسلم عن رق الكافر وذله.
@قوله تعالى" :والغارمين" هم الذين ركبهم الدين ول وفاء عندهم به ،ول خلف فيه .اللهم إل
من ادّان في سفاهة فإنه ل يعطى منها ول من غيرها إل أن يتوب .ويعطى منها من له مال وعليه
دييين محيييط بييه مييا يقضييي بييه دينييه ،فإن لم يكيين له مال وعليييه دييين فهييو فقييير وغارم فيعطييى
بالوصيفين .روى مسيلم عين أبيي سيعيد الخدري قال :أصييب رجيل فيي عهيد رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم فيي ثمار ابتاعهيا فكثير دينيه .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :تصيدقوا علييه).
فتصيدق الناس علييه فلم يبلغ ذلك وفاء دينيه .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لغرمائه( :خذوا
ما وجدتم وليس لكم إل ذلك).
@ ويجوز للمتحميل فيي صيلح وبر أن يُعطيى من الصيدقة ميا يؤدي ميا تحمل به إذا وجب عليه
وإن كان غنييا ،إذا كان ذلك يجحيف بماله كالغرييم .وهيو قول الشافعيي وأصيحابه وأحميد بين حنبيل
وغيرهم .واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث قبيصة بن مخارق قال :تحملت حمالة فأتيت النبي
صلى ال عليه وسلم أسأله فيها فقال( :أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها -ثم قال -يا قبيصة إن
المسألة ل تحل إل لحد ثلثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسيألة حتى يصييبها ثم يمسك ورجل
أصيابته جائحية اجتاحيت ماله فحلت له المسيألة حتيى يصييب قواميا مين عييش -أو قال سيدادا مين
حجَا من قومه لقد أصابت فلنا فاقة فحلت عيش -ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلثة من ذوي ال ِ
له المسيألة حتيى يصييب قواميا مين عييش -أو قال سيدادا مين عييش -فميا سيواهن مين المسيألة ييا
قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا) .فقوله( :ثم يمسك) دليل على أنه غني ،لن الفقير ليس عليه
أن يمسك .وال أعلم .وروي عنه عليه السلم أنه قال( :إن المسألة ل تحل إل لحد ثلثة لذي فقر
مدقيع أو لذي غرم مفظيع أو لذي دم موجيع) .وروي عنيه علييه السيلم( :ل تحيل الصيدقة لغنيي إل
لخمسة )...الحديث .وسيأتي.
@ واختلفوا ،هل يقضى منها دين الميت أم ل ،فقال أبو حنيفة :ل يؤدى من الصدقة دين ميت.
وهيو قول ابين المواز .قال أبيو حنيفية :ول يعطيى منهيا مين علييه كفارة ونحيو ذلك مين حقوق ال
تعالى ،وإنما الغارم من عليه دين يسجن فيه .وقال علماؤنا وغيرهم :يقضى منها دين الميت لنه
من الغارمين ،قال صلى ال عليه وسلم( :أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مال فلهله ومن
ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي).
@قوله تعالى" :وفي سبيل ال" وهم الغزاة وموضع الرباط ،يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا
أغنياء أو فقراء .وهذا قول أكثير العلماء ،وهيو تحصييل مذهيب مالك رحميه ال .وقال ابين عمير:
الحجاج والعمار .ويؤثر عن أحمد وإسحاق رحمهما ال أنهما قال :سبيل ال الحج .وفي البخاري:
ويذكير عين أبيي لس :حملنيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم على إبيل الصيدقة للحيج ،ويذكير عين ابين
عباس :يعتيق مين زكاة ماله ويعطيي فيي الحيج .خرج أبيو محميد عبدالغنيي الحافيظ حدثنيا محميد بين
محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن
محمد بن أبي يعقوب عن عبدالرحمن بن أبي نُعم ويكنى أبا الحكم قال :كنت جالسا مع عبدال بن
عمر فأتته امرأة فقالت له :يا أبا عبدالرحمن ،إن زوجي أوصى بماله في سبيل ال .قال ابن عمر:
فهو كما قال في سبيل ال .فقلت له :ما زدتها فيما سألت عنه إل غما .قال :فما تأمرني يا ابن أبي
نُعيم ،آمرهيا أن تدفعيه إلى هؤلء الجيوش الذيين يخرجون فيفسيدون فيي الرض ويقطعون السيبيل،
قال :قلت فميا تأمرهيا .قال :آمرهيا أن تدفعيه إلى قوم صيالحين ،إلى حجاج بييت ال الحرام ،أولئك
وفد الرحمن ،أولئك وفد الرحمن ،أولئك وفد الرحمن ،ليسوا كوفد الشيطان ،ثلثا يقولها .قلت :يا
أبيا عبدالرحمين ،وميا وفيد الشيطان؟ قال :قوم يدخلون على هؤلء المراء ف ُي ِنمُون إليهيم الحدييث،
ويسيييعون فيييي المسيييلمين بالكذب ،فيجازون الجوائز ويعطون علييييه العطاييييا .وقال محميييد بييين
عبدالحكم :ويعطى من الصدقة في الكراع والسلح وما يحتاج إليه من آلت الحرب ،وكف العدو
عن الحوزة ،لنه كله من سبيل الغزو ومنفعته .وقد أعطى النبي صلى ال عليه وسلم مائة ناقة في
نازلة سهل بن أبي حثمة إطفاء للثائرة.
قلت :أخرج هذا الحدييث أبو داود عين بشيير بن يسيار ،أن رجل مين النصيار يقال له سيهل بين
أبييي حثميية أخييبره أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وداه مائة ميين إبييل الصييدقة ،يعنييي دييية
النصاري الذي قتل بخيبر ،وقال عيسى بن دينار :تحل الصدقة لغاز في سبيل ال ،قد احتاج في
غزوته وغاب عنه غناؤه ووفره .قال :ول تحل لمن كان معه ماله من الغزاة ،إنما تحل لمن كان
ماله غائبيا عنيه منهيم .وهذا مذهيب الشافعيي وأحميد وإسيحاق وجمهور أهيل العلم .وقال أبيو حنيفية
وصياحباه :ل يعطيى الغازي إل إذا كان فقيرا منقطعيا بيه .وهذه زيادة على النيص ،والزيادة عنده
على النيص نسيخ ،والنسيخ ل يكون إل بقرآن أو خيبر متواتير ،وذلك معدوم هنيا ،بيل فيي صيحيح
السينة خلف ذلك مين قوله علييه السيلم( :ل تحيل الصيدقة لغنيي إل لخمسية لغاز فيي سيبيل ال أو
لعامييل عليهييا أو لغارم أو لرجييل اشتراهييا بماله أو لرجييل له جار مسييكين فتصييدق على المسييكين
فأهدى المسيكين للغنيي) .رواه مالك مرسيل عين زييد بين أسيلم عين عطاء بين يسيار .ورفعيه معمير
عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى ال عليه وسلم فكان
هذا الحدييث مفسيرا لمعنيى اليية ،وأنيه يجوز لبعيض الغنياء أخذهيا ،ومفسيرا لقوله علييه السيلم:
(ل تحل الصدقة لغني ول لذي مرة سوي) لن قوله هذا مجمل ليس على عمومه بدليل الخمسة
الغنياء المذكورين .وكان ابن القاسم يقول :ل يجوز لغني أن يأخذ من الصدقة ما يستعين به على
الجهاد وينفقيه فيي سيبيل ال ،وإنميا يجوز ذلك لفقيير .قال :وكذلك الغارم ل يجوز له أن يأخيذ مين
الصدقة ما يقي به ماله ويؤدي منها دينه وهو عنها غني .قال :وإذا احتاج الغازي في غزوته وهو
غني له مال غاب عنه لم يأخذ من الصدقة شيئا يستقرض ،فإذا بلغ بلده أدى ذلك من ماله .هذا كله
ذكره ابن حبيب عن ابن القاسم ،وزعم أن ابن نافع وغيره خالفوه في ذلك .وروى أبو زيد وغيره
عن ابن القاسم أنه قال :يعطى من الزكاة الغازي وإن كان معه في غزاته ما يكفيه من ماله وهو
غنيي فيي بلده .وهذا هيو الصيحيح ،لظاهير الحدييث( :ل تحيل الصيدقة لغنيي إل لخمسية .)...وروى
ابن وهب عن مالك أنه يعطى منها الغزاة ومواضع الرباط فقراء كانوا أو أغنياء.
@قوله تعالى" :وابين السيبيل" السيبيل الطرييق ،ونسيب المسيافر إليهيا لملزمتيه إياهيا ومروره
عليها ،كما قال الشاعر:
وابن الهوى وأخو الهوى وأبوه إن تسألوني عن الهوى فأنا الهوى
والمراد الذي انقطعيت بيه السيباب فيي سيفره عين بلده ومسيتقره وماله ،فإنيه يعطيى منهيا وإن كان
غنييا فيي بلده ،ول يلزميه أن يشغيل ذمتيه بالسيلف .وقال مالك فيي كتاب ابين سيحنون :إذا وجيد مين
يسلفه فل يعطى .والول أصح ،فإنه ل يلزمه أن يدخل تحت منة أحد وقد وجد منة ال تعالى .فإن
كان له ميا يغنييه ففيي جواز الخيذ له لكونيه ابين السيبيل روايتان :المشهور أنيه ل يعطيى ،فإن أخيذ
فل يلزمه رده إذا صار إلى بلده ول إخراجه.
فإن جاء وادعيى وصيفا مين الوصياف ،هيل يقبيل قوله أم ل ويقال له أثبيت ميا تقول .فأميا الديين
فل بيد أن يثبتيه ،وأميا سيائر الصيفات فظاهير الحال يشهيد له ويكتفيى بيه فيهيا .والدلييل على ذلك
حديثان صيحيحان أخرجهميا أهيل الصيحيح ،وهيو ظاهير القرآن .روى مسيلم عين جريير عين أبييه
قال :كنيا عنيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فييي صييدر النهار ،قال :فجاءه قوم حفاة عراة مجتابييي
النمار أو العباء متقلدي السييوف ،عامتهيم مين مضير بيل كلهيم مين مضير ،فتمعير وجيه رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم لميا رأى بهيم مين الفاقية ،فدخيل ثيم خرج فأمير بلل فأذن وأقام فصيلى ،ثيم
خطيب فقال" :ييا أيهيا الناس اتقوا ربكيم الذي خلقكيم -اليية إلى قوله -رقيبيا" [النسياء ]1 :واليية
التي في الحشر "ولتنظر نفس ما قدمت لغد" [الحشر ]18 :تصدق رجل من ديناره من ثوبه من
صاع بره -حتى قال -ولو بشق تمرة .قال :فجاء رجل من النصار بصرة كادت كفه تعجز عنها
بل قيد عجزت ،قال :ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ،حتى رأيت وجه رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم يتهلل كأنيه مذهبية فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :مين سين فيي
السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن
سن فيي السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
أوزارهيم شييء) .فاكتفيى صيلى ال عليه وسيلم بظاهير حالهيم وحيث على الصيدقة ،ولم يطلب منهيم
بينة ،ول استقصى هل عندهم مال أم ل .ومثله حديث أبرص وأقرع وأعمى أخرجه مسلم وغيره.
وهذا لفظه :عن أبي هريرة أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إن فيي بني إسرائيل
أبرص وأقرع وأعمى فأراد ال أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى البرص فقال أي شيء أحب إليك
فقال لون حسيين وجلد حسيين ويذهييب عنييي الذي قييد قذرنييي الناس قال فمسييحه فذهييب عنييه قذره
وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا قال فأي المال أحب إليك قال البل -أو قال البقر ،شك إسحاق ،إل
أن البرص أو القرع قال أحدهميا البيل وقال الخير البقير -قال فأعطيي ناقية عشراء قال بارك
ال لك فيهيا قال فأتيى القرع فقال أي شييء أحيب إلييك قال شعير حسين ويذهيب عنيي هذا الذي قيد
قذرنيي الناس قال فمسيحه فذهيب عنيه قال فأعطيي شعرا حسينا قال فأي المال أحيب إلييك قال البقير
فأعطيي بقرة حامل قال بارك ال لك فيهيا قال فأتيى العميى فقال أي شييء أحيب إلييك قال أن يرد
ال إلي بصري فأبصر به الناس قال فمسحه فرد ال إليه بصره قال فأي المال أحب إليك قال الغنم
فأعطيي شاة والدا فأنتيج هذان وولد هذا قال فكان لهذا واد مين البيل ولهذا واد مين البقير ولهذا واد
من الغنم قال ثم إنه أتى البرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في
سييفري فل بلغ لي اليوم إل بال وبييك أسييألك بالذي أعطاك اللون الحسيين والجلد الحسيين والمال
بعيرا أتبلغ عليييه فييي سييفري فقال له الحقوق كثيرة فقال له كأنييي أعرفييك ألم تكيين أبرص يقذرك
الناس فقيرا فأعطاك ال فقال إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك ال
إلى ما كنت فقال وأتى القرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد على هذا
فقال إن كنيت كاذبيا فصييرك ال إلى ميا كنيت قال وأتيى العميى فيي صيورته وهيئتيه فقال رجيل
مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فل بلغ لي اليوم إل بال ثم بك أسألك بالذي رد
عليك بصيرك شاة أتبلغ بها فيي سفري فقال قيد كنت أعمى فرد ال إلي بصيري فخذ ما شئت ودع
ما شئت فوال ل أجهدك اليوم شيئا أخذته ل فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط
على صاحبيك).
وفيي هذا أدل دلييل على أن مين ادعيى زيادة على فقره مين عيال أو غيره ل يكشيف عنيه خلفيا
لمن قال يكشف عنه إن قدر ،فإن في الحديث (فقال رجل مسكين وابن سبيل أسألك شاة) ولم يكلفه
إثبات السفر .فأما المكاتب فإنه يكلف إثبات الكتابة لن الرق هو الصل حتى تثبت الحرية.
@ ول يجوز أن يعطيي مين الزكاة مين تلزميه نفقتيه وهيم الوالدان والولد والزوجية .وإن أعطيى
المام صيدقة الرجيل لولده ووالده وزوجتيه جاز .وأميا أن يتناول ذلك هيو نفسيه فل ،لنيه يسيقط بهيا
عن نفسه فرضا .قال أبو حنيفة :ول يعطى منها ولد ابنه ول ولد ابنته ،ول يعطي منها مكاتبه ول
مدبره ول أم ولده ول عبدا أعتييق نصييفه ،لنييه مأمور باليتاء والخراج إلى ال تعالى بواسييطة
كيف الفقيير ،ومنافيع الملك مشتركية بينيه وبيين هؤلء ،ولهذا ل تقبيل شهادة بعضهيم لبعيض .قال:
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم وربما يعجز فيصير الكسب له .ومعتق البعض عند أبي حنيفة
بمنزلة المكاتب .وعند صاحبيه أبي يوسف ومحمد بمنزلة حر عليه دين فيجوز أداؤها إليه.
فإن أعطاها لمن ل تلزمه نفقتهم فقد اختلف فيه ،فمنهم من جوزه ومنهم من كرهه .قال مالك:
خوف المحمدة .وحكى مطرف أنه قال :رأيت مالكا يعطي زكاته لقاربه .وقال الواقدي قال مالك:
أفضل من وضعت فيه زكاتك قرابتك الذين ل تعول .وقد قال صلى ال عليه وسلم لزوجة عبدال
بين مسيعود( :لك أجران أجير القرابية وأجير الصيدقة) .واختلفوا فيي إعطاء المرأة زكاتهيا لزوجهيا،
فذكير عين ابين حيبيب أنيه كان يسيتعين بالنفقية عليهيا بميا تعطييه .وقال أبيو حنيفية :ل يجوز ،وخالفيه
صاحباه فقال :يجوز .وهو الصح لما ثبت أن زينب امرأة عبدال أتت رسول ال صلى ال عليه
وسلم فقالت :إني أريد أن أتصدق على زوجي أيجزيني ؟ فقال عليه السلم( :نعم لك أجران أجر
الصيدقة وأجير القرابية) .والصيدقة المطلقية هيي الزكاة ،ولنيه ل نفقية للزوج عليهيا ،فكان بمنزلة
الجنييبي .اعتييل أبييو حنيفيية فقال :منافييع الملك بينهمييا مشتركيية ،حتييى ل تقبييل شهادة أحدهمييا
لصاحبه .والحديث محمول على التطوع .وذهب الشافعي وأبو ثور وأشهب إلى إجازة ذلك ،إذا لم
يصرفه إليها فيما يلزمه لها ،وإنما يصرف ما يأخذه منها في نفقته وكسوته على نفسه وينفق عليها
من ماله.
@ واختلفوا أيضا في قدر المعطى ،فالغارم يعطى قدر دينه ،والفقير والمسكين يعطيان كفايتهما
وكفايية عيالهميا .وفيي جواز إعطاء النصياب أو أقيل منيه خلف ينبنيي على الخلف المتقدم فيي حيد
الفقير الذي يجوز معيه الخيذ .وروى علي بين زياد وابين نافيع :لييس فيي ذلك حيد وإنميا هيو على
اجتهاد الوالي .وقيد تقيل المسياكين وتكثير الصيدقة فيعطيى الفقيير قوت سينة .وروى المغيرة :يعطيى
دون النصاب ول يبلغه .وقال بعض المتأخرين :إن كان في البلد زكاتان نقد وحرث أخذ ما يبلغه
إلى الخرى .قال ابن العربي :الذي أراه أن يعطى نصابا ،وإن كان في البلد زكاتان أو أكثر ،فإن
الغرض إغناء الفقيير حتيى يصيير غنييا .فإذا أخيذ ذلك فإن حضرت الزكاة الخرى وعنده ميا يكفييه
أخذها غيره.
قلت :هذا مذهييب أصييحاب الرأي فييي إعطاء النصيياب .وقييد كره ذلك أبييو حنيفيية مييع الجواز،
وأجازه أبيو يوسيف ،قال :لن بعضيه لحاجتيه مشغول للحال ،فكان الفاضيل عين حاجتيه للحال دون
المائتيين ،وإذا أعطاه أكثير مين مائتيي درهيم جملة كان الفاضيل عين حاجتيه للحال قدر المائتيين فل
يجوز .ومين متأخري الحنفيية مين قال :هذا إذا لم يكين له عيال ولم يكين علييه ديين ،فإن كان علييه
دين فل بأس أن يعطيه مائتي درهم أو أكثر ،مقدار ما لو قضى به دينه يبقى له دون المائتين .وإن
كان معيل ل بأس بأن يعطييه مقدار ميا لو وزع على عيال أصياب كيل واحيد منهيم دون المائتيين،
لن التصدق عليه في المعنى تصدق عليه وعلى عياله .وهذا قول حسن.
@ اعلم أن قوله تعالى" :للفقراء" مطلق ليس فيه شرط وتقييد ،بل فيه دللة على جواز الصرف
إلى جملة الفقراء كانوا ميين بنييي هاشييم أو غيرهييم ،إل أن السيينة وردت باعتبار شروط :منهييا أل
يكونوا مين بنيي هاشيم وأل يكونوا ممين تلزم المتصيدق نفقتيه .وهذا ل خلف فييه .وشرط ثالث أل
يكون قويا على الكتساب ،لنه عليه السلم قال( :ل تحل الصدقة لغني ول لذي مرة سوي) .وقد
تقدم القول فيه .ول خلف بين علماء المسلمين أن الصدقة المفروضة ل تحل للنبي صلى ال عليه
وسيلم ،ول لبنيي هاشيم ول لمواليهيم .وقيد روي عين أبيي يوسيف جواز صيرف صيدقة الهاشميي
للهاشميي ،حكاه الكييا الطيبري .وشيذ بعيض أهيل العلم فقال :إن موالي بنيي هاشيم ل يحرم عليهيم
شيء من الصدقات .وهذا خلف الثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم فإنه قال لبي رافع موله:
(وإن مولى القوم منهم)
@ واختلفوا في جواز صدقة التطوع لبني هاشم ،فالذي عليه جمهور أهل العلم -وهو الصحيح -
أن صدقة التطوع ل بأس بها لبني هاشم ومواليهم ،لن عليا والعباس وفاطمة رضوان ال عليهم
تصيدقوا وأوقفوا أوقافيا على جماعية مين بنيي هاشيم ،وصيدقاتهم الموقوفية معروفية مشهورة .وقال
ابين الماجشون ومطرف وأصيبغ وابن حبيب :ل يعطيى بنيو هاشم من الصيدقة المفروضية ول مين
التطوع .وقال ابن القاسم :يعطى بنو هاشم من صدقة التطوع .قال ابن القاسم :والحديث الذي جاء
عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :ل تحيل الصيدقة لل محميد) إنميا ذلك فيي الزكاة ل فيي التطوع.
واختار هذا القول ابين خوييز منداد ،وبيه قال أبيو يوسيف ومحميد .قال ابين القاسيم :ويعطيى مواليهيم
من الصدقتين .وقال مالك في الواضحة :ل يعطى لل محمد من التطوع .قال ابن القاسم - :قيل له
يعني مالكا -فمواليهم؟ قال :ل أدري ما الموالي .فاحتججت عليه بقوله عليه السلم( :مولى القوم
منهم) .فقال قد قال( :ابن أخت القوم منهم) .قال أصبغ :وذلك في البر والحرمة.
@قوله تعالى" :فريضية مين ال" بالنصيب على المصيدر عنيد سييبويه .أي فرض ال الصيدقات
فريضية .ويجوز الرفيع على القطيع فيي قول الكسيائي ،أي هين فريضية .قال الزجاج :ول أعلم أنيه
قرئ به.
قلت :قرأ بها إبراهيم بن أبي عبلة ،جعلها خبرا ،كما تقول :إنما زيد خارج.
**3الية{ 61 :ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بال ويؤمن
للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول ال لهم عذاب أليم}
@ بيين تعالى أن فيي المنافقين مين كان يبسيط لسيانه بالوقيعة فيي أذية النيبي صيلى ال عليه وسلم
ويقول :إن عاتبنيي حلفيت له بأنيي ميا قلت هذا فيقبله ،فإنيه أذن سيامعة .قال الجوهري :يقال رجيل
أذن إذا كان يسيمع مقال كيل أحيد ،يسيتوي فييه الواحيد والجميع .وروى علي بين أبيي طلحية عين ابين
عباس فيي قوله تعالى" :هيو أذن" قال :مسيتمع وقابيل .وهذه اليية نزلت فيي عتاب بين قشيير ،قال:
إنما محمد أذن يقبل كل ما قيل له .وقيل :هو نبتل بن الحارث ،قال ابن إسحاق .وكان نبتل رجل
جسيما ثائر شعر الرأس واللحية ،آدم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة ،وهو الذي قال فيه
النبي صلى ال عليه وسلم( :من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث) .السفعة
بالضيم :سيواد مشرب بحمرة .والرجيل أسيفع ،عنيد الجوهري .وقرئ "أذن" بضيم الذال وسيكونها.
"قل أذن خير لكم" أي هو أذن خير ل أذن شر ،أي يسمع الخير ول يسمع الشر .وقرأ "قل أذن
خيير لكيم" بالرفيع والتنويين ،الحسين وعاصيم فيي روايية أبيي بكير .والباقون بالضافية ،وقرأ حمزة
"ورحمة" بالخفض .والباقون بالرفع عطف على "أذن" ،والتقدير :قل هو أذن خير وهو رحمة،
أي هيو مسيتمع خيير ل مسيتمع شير ،أي هيو مسيتمع ميا يحيب اسيتماعه ،وهيو رحمية .ومين خفيض
فعلى العطييف على "خييير" .قال النحاس :وهذا عنييد أهييل العربييية بعيييد ،لنييه قييد تباعييد مييا بييين
السييمين ،وهذا يقبييح فييي المخفوض .المهدوي :وميين جيير الرحميية فعلى العطييف على "خييير"
والمعنيى مسيتمع خيير ومسيتمع رحمية ،لن الرحمية مين الخيير .ول يصيح عطيف الرحمية على
المؤمنين ،لن المعنى يصدق بال ويصدق المؤمنين؛ فاللم زائدة في قول الكوفيين .ومثله "لربهم
يرهبون" [العراف ]154 :أي يرهبون ربهم .وقال أبو علي :كقوله "ردف لكم" [النمل]72 :
وهي عند المبرد متعلقة بمصدر دل عليه الفعل ،التقدير :إيمانه للمؤمنين ،أي تصديقه للمؤمنين ل
للكفار .أو يكون محمول على المعنيى ،فإن معنيى يؤمين يصيدق ،فعدي باللم كميا عدي فيي قوله
تعالى" :مصدقا لما بين يديه" [المائدة.]46 :
**3الية{ 62 :يحلفون بال لكم ليرضوكم وال ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين}
@ روي أن قوما من المنافقين اجتمعوا ،فيهم الجلس بن سويد ووديعة بن ثابت ،وفيهم غلم من
النصيار يدعيى عامير بين قييس ،فحقروه فتكلموا وقالوا :إن كان ميا يقول محميد حقيا لنحين شير مين
الحميير .فغضيب الغلم وقال :وال إن ميا يقول حيق وأنتيم شير مين الحميير ،فأخيبر النيبي صيلى ال
عليه وسلم بقولهم ،فحلفوا أن عامرا كاذب ،فقال عامر :هم الكذبة ،وحلف على ذلك وقال :اللهم ل
تفرق بيننيا حتيى يتيبين صيدق الصيادق وكذب الكاذب .فأنزل ال هذه اليية وفيهيا "يحلفون بال لكيم
ليرضوكم".
@قوله تعالى" :وال ورسيوله أحيق أن يرضوه" ابتداء وخيبر .ومذهيب سييبويه أن التقديير :وال
أحيق أن يرضوه ورسيوله أحيق أن يرضوه ،ثيم حذف ،كميا قال بعضهيم :نحين بميا عندنيا وأنيت بميا
عندك راض والرأي مختلف وقال محميد بين يزييد :لييس فيي الكلم محذوف ،والتقديير ،وال أحيق
أن يرضوه ورسيوله ،على التقدييم والتأخيير .وقال الفراء :المعنيى ورسيوله أحيق أن يرضوه ،وال
افتتاح كلم ،كميا تقول :ميا شاء ال وشئت .قال النحاس :قول سييبويه أولهيا ،لنيه قيد صيح عين
النيبي صيلى ال علييه وسيلم النهيي عين أن يقال :ميا شاء ال وشئت ،ول يقدر فيي شييء تقدييم ول
تأخير ،ومعناه صحيح.
قلت :وقييل إن ال سيبحانه جعيل رضاه فيي رضاه ،أل ترى أنيه قال" :مين يطيع الرسيول فقيد
أطاع ال" [النسياء .]80وكان الربييع بين خثييم إذا مير بهذه اليية وقيف ،ثيم يقول :حرف وأيميا
حرف فُوض إليه فل يأمرنا إل بخير.
@ قال علماؤنا :تضمنت هذه الية قبول يمين الحالف وإن لم يلزم المحلوف له الرضا .واليمين
حيق للمدعيي .وتضمنيت أن يكون اليميين بال عيز وجيل حسيب ميا تقدم .وقال النيبي صيلى ال علييه
وسيلم( :مين حلف فليحلف بال أو ليصيمت ومين حلف له فليصيدق) .وقيد مضيى القول فيي اليمان
والستثناء فيها مستوفى في المائدة.
**3اليية{ 63 :ألم يعلموا أنيه مين يحادد ال ورسيوله فأن له نار جهنيم خالدا فيهيا ذلك الخزي
العظيم}
@قوله تعالى" :ألم يعلموا" يعنييي المنافقيين .وقرأ ابين هرمييز والحسيين "تعلموا" بالتاء على
الخطاب" .أنيه" فيي موضيع نصيب بيي "يعلموا" ،والهاء كنايية عين الحدييث" .مين يحادد ال" فيي
موضيع رفيع بالبتداء .والمحادة :وقوع هذا فيي حيد وذاك فيي حيد ،كالمشاقية .يقال :حاد فلن فلنيا
أي صار في حد غير حده" .فأن له نار جهنم" يقال :ما بعد الفاء في الشرط مبتدأ ،فكان يجب أن
يكون "فإن" بكسير الهمزة .وقيد أجاز الخلييل وسييبويه "فإن له نار جهنيم" بالكسير .قال سييبويه:
وهو جيد وأنشد:
قلئص تخدي في طريق طلئح وعلمي بأسدام المياه فلم تزل
فإني على حظي من المر جامح وأني إذا ملت ركابي مناخها
إل أن قراءة العاميية "فأن" بفتييح الهمزة .فقال الخليييل أيضييا وسيييبويه :إن "أن" الثانييية مبدلة ميين
الولى .وزعم المبرد أن هذا القول مردود ،وأن الصيحيح ما قاله الجرمي ،قال :إن الثانية مكررة
للتوكيييد لمييا طال الكلم ،ونظيره "وهييم فييي الخرة هييم الخسييرون" [النمييل .]5 :وكذا "فكان
عاقبتهميا أنهميا فيي النار خالديين فيهيا" [الحشير .]17 :وقال الخفيش :المعنيى فوجوب النار له.
وأنكره الميبرد وقال :هذا خطيأ مين أجيل إن "أن" المفتوحية المشددة ل يبتدأ بهيا ويضمير الخيبر.
وقال علي بين سيليمان :المعنيى فالواجيب أن له نار جهنيم ،فإن الثانيية خيبر ابتداء محذوف .وقييل:
التقدير فله أن له نار جهنم .فإن مرفوعة بالستقرار عاف إضمار المجرور بين الفاء وأن.
**3الية{ 64 :يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن ال
مخرج ما تحذرون}
@قوله تعالى" :يحذر المنافقون" خبر وليس بأمر .ويدل على أنه خبر أن ما بعده "إن ال مخرج
مييا تحذرون" لنهييم كفروا عنادا .وقال السييدي :قال بعييض المنافقييين وال وددت لو أنييي قدمييت
فجلدت مائة ول ينزل فينيا شييء يفضحنيا ،فنزلت اليية" .يحذر" أي يتحرز .وقال الزجاج :معناه
ليحذر ،فهيو أمير ،كميا يقال :يفعيل ذلك" .أن تنزل عليهيم" "أن" فيي موضيع نصيب ،أي مين أن
تنزل .ويجوز على قول سييبويه أن تكون فيي موضيع خفيض على حذف مين .ويجوز أن تكون فيي
موضع نصب مفعولة ليحذر ،لن سيبويه أجاز :حذرت زيدا ،وأنشد:
ما ليس منجيه من القدار حذر أمورا ل تضير وآم
ولم يجزه الميبرد ،لن الحذر شييء فيي الهيئة .ومعنيى "عليهيم" أي على المؤمنيين "سيورة" فيي
شأن المنافقيين تخيبرهم بمخازيهيم ومسياويهم ومثالبهيم ،ولهذا سيميت الفاضحية والمثيرة والمبعثرة،
كميا تقدم أول السيورة .وقال الحسين :كان المسيلمون يسيمون هذه السيورة الحفارة لنهيا حفرت ميا
في قلوب المنافقين فأظهرته.
@قوله تعالى" :قل استهزئوا" هذا أمر وعيد وتهديد" .إن ال مخرج" أي مظهر "ما تحذرون"
ظهوره .قال ابين عباس :أنزل ال أسيماء المنافقيين وكانوا سيبعين رجل ،ثيم نسيخ تلك السيماء مين
القرآن رأفية منيه ورحمية ،لن أولدهيم كانوا مسيلمين والناس يعيير بعضهيم بعضيا .فعلى هذا قيد
أنجز ال وعده بإظهاره ذلك إذ قال" :إن ال مخرج ما تحذرون" .وقيل :إخراج ال أنه عرف نبيه
عليه السلم أحوالهم وأسماءهم ل أنها نزلت في القرآن ،ولقد قال ال تعالى" :ولتعرفنهم في لحن
القول" [محمد ]30 :وهو نوع إلهام .وكان من المنافقين من يتردد ول يقطع بتكذيب محمد عليه
السلم ول بصدقه .وكان فيهم من يعرف صدقه ومعاند.
**3اليية{ 65 :ولئن سيألتهم ليقولن إنميا كنيا نخوض ونلعيب قيل أبال وآياتيه ورسيوله كنتيم
تستهزئون}
@ هذه الية نزلت في غزوة تبوك .قال الطبري وغيره عن قتادة :بينا النبي صلى ال عليه وسلم
يسيير فيي غزوة تبوك وركيب مين المنافقيين يسييرون بيين يدييه فقالوا :انظروا ،هذا يفتيح قصيور
الشام ويأخذ حصون بني الصفر! فأطلعه ال سبحانه على ما في قلوبهم وما يتحدثون به ،فقال:
(احبسوا علي الركب -ثم أتاهم فقال -قلتم كذا وكذا) فحلفوا :ما كنا إل نخوض ونلعب ،يريدون
كنيا غيير مجديين .وذكير الطيبري عين عبدال بين عمير قال :رأييت قائل هذه المقالة وديعية بين ثابيت
متعلقيا بحقيب ناقية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يماشيهيا والحجارة تنكبيه وهيو يقول :إنميا كنيا
نخوض ونلعب .والنبي صلى ال عليه وسلم يقول" :أبا ل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" .وذكر
النقاش أن هذا المتعلق كان عبدال بين أبيي بين سيلول .وكذا ذكير القشيري عين ابين عمير .قال ابين
عطيية :وذلك خطيأ ،لنيه لم يشهيد تبوك .قال القشيري :وقييل إنميا قال علييه السيلم هذا لوديعية بين
ثابيت وكان مين المنافقيين وكان فيي غزوة تبوك .والخوض :الدخول فيي الماء ،ثيم اسيتعمل فيي كيل
دخول فيه تلويث وأذى.
@ قال القاضي أبو بكر بن العربي :ل يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزل ،وهو كيفما
كان كفير ،فإن الهزل بالكفير كفير ل خلف فييه بيين المية .فإن التحقييق أخيو العلم والحيق ،والهزل
أخييو الباطييل والجهييل .قال علماؤنييا :انظيير إلى قوله" :أتتخذنييا هزوا قال أعوذ بال أن أكون ميين
الجاهلين" [البقرة.]67 :
@ واختلف العلماء في الهزل في سائر الحكام كالبيع والنكاح والطلق على ثلثة أقوال :ل يلزم
مطلقيا .يلزم مطلقيا .التفرقية بيين البييع وغيره .فيلزم فيي النكاح والطلق ،وهيو قول الشافعيي فيي
الطلق قول واحدا .ول يلزم في البيع .قال مالك في كتاب محمد :يلزم نكاح الهازل .وقال أبو زيد
عن ابن القاسم في العتبية :ل يلزم .وقال علي بن زياد :يفسخ قبل وبعد .وللشافعي في بيع الهازل
قولن .وكذلك يخرج ميين قول علمائنييا القولن .وحكييى ابيين المنذر الجماع فييي أن جييد الطلق
وهزله سواء .وقال بعض المتأخرين من أصحابنا :إن اتفقا على الهزل في النكاح والبيع لم يلزم،
وإن اختلفييا غلب الجييد الهزل .وروى أبييو داود والترمذي والدارقطنييي عيين أبييي هريرة قال قال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ثلث جدهين جيد وهزلهين جيد النكاح والطلق والرجعية) .قال
الترمذي :حديث حسن غريب ،والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى ال عليه
وسلم وغيرهم.
قلت :كذا فيي الحدييث (والرجعية) وفيي موطيأ مالك عين يحييى بين سيعيد عين سيعيد بين المسييب
قال :ثلث ليس فيهم لعب النكاح والطلق والعتق .وكذا روي عن علي بن أبي طالب وعبدال بن
مسيعود وأبيي الدرداء ،كلهيم قال(:ثلث ل لعيب فيهين ول رجوع فيهين واللعيب فيهين جاد النكاح
والطلق والعتييق) وعيين سييعيد بيين المسيييب عيين عميير قال(:أربييع جائزات على كييل أحييد العتييق
والطلق والنكاح والنذور) وعن الضحاك قال :ثلث ل لعب ،فيهن النكاح والطلق والنذور.
**3اليية{ 66 :ل تعتذروا قيد كفرتيم بعيد إيمانكيم إن نعيف عين طائفية منكيم نعذب طائفية بأنهيم
كانوا مجرمين}
@قوله تعالى" :ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" على جهة التوبيخ ،كأنه يقول :ل تفعلوا ما ل
ينفع ،ثم حكم عليهم بالكفر وعدم العتذار من الذنب .واعتذر بمعنى أعذر ،أي صار ذا عذر .قال
لبيد:
ومن يبك حول كامل فقد اعتذر
والعتذار :محو أثر الموجدة ،يقال :اعتذرت المنازل درست .والعتذار الدروس .قال الشاعر:
أطلل إلفك بالودكاء تعتذر أم كنت تعرف آيات فقد جعلت
وقال ابين العرابيي :أصيله القطيع .واعتذرت إلييه قطعيت ميا فيي قلبيه مين الموجدة .ومنيه عذرة
الغلم وهو ما يقطع منه عند الختان .ومنه عذرة الجارية لنه يقطع خاتم عذرتها.
@قوله تعالى" :إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين" قيل :كانوا ثلثة نفر،
هزئ اثنان وضحييك واحييد ،فالمعفييو عنييه هييو الذي ضحييك ولم يتكلم .والطائفيية الجماعيية ،ومقال
للواحيد على معنيى نفيس طائفية .وقال ابين النباري :يطلق لفيظ الجميع على الواحيد ،كقولك :خرج
فلن على البغال .قال :ويجوز أن تكون الطائفيية إذا أرييييد بهييا الواحييد طائفييا ،والهاء للمبالغيية.
واختلف في اسم هذا الرجل الذي عفي عنه على أقوال .فقيل :مخشي بن حمير ،قاله ابن إسحاق.
وقال ابن هشام :ويقال فيه ابن مخشي .وقال خليفة بن خياط في تاريخه :اسمه مخاشن بن حمير.
وذكير ابين عبدالبر مخاشين الحميري وذكير السيهيلي مخشين بين خميير .وذكير جميعهيم أنيه اسيتشهد
باليمامة ،وكان تاب وسمي عبدالرحمن ،فدعا ال أن يقتل شهيدا ول يعلم بقبره .واختلف هل كان
منافقيا أو مسيلما .فقييل :كان منافقيا ثيم تاب توبية نصيوحا .وقييل :كان مسيلما ،إل أنيه سيمع المنافقيين
فضحك لهم ولم ينكر عليهم.
**3الية{ 67 :المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف
ويقبضون أيديهم نسوا ال فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون}
@قوله تعالى" :المنافقون والمنافقات" ابتداء" .بعضهيم" ابتداء ثان .ويجوز أن يكون بدل،
ويكون الخبر "من بعض" .ومعنى "بعضهم من بعض" أي هم كالشيء الواحد في الخروج عن
الدين .وقال الزجاج ،هذا متصل بقوله" :يحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم" [التوبة ]56 :أي
ليسيوا مين المؤمنيين ،ولكين بعضهييم مين بعيض ،أي متشابهون فيي المير بالمنكير والنهييي عين
المعروف .وقبيض أيديهيم عبارة عين ترك الجهاد ،وفيميا يجيب عليهيم مين حيق .والنسييان :الترك
هنيا ،أي تركوا ميا أمرهيم ال بيه فتركهيم فيي الشيك .وقييل :إنهيم تركوا أمره حتيى صيار كالمنسيي
قصييرهم بمنزلة المنسيي من ثوابيه .وقال قتادة" :نسييهم" أي مين الخيير ،فأميا مين الشير فلم ينسيهم.
والفسق :الخروج عن الطاعة والدين .وقد تقدم.
**3الية{ 68 :وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم
ال ولهم عذاب مقيم}
@قوله تعالى" :وعيد ال المنافقيين" يقال :وعيد ال بالخيير وعدا .ووعيد بالشير وعيدا "خالديين"
نصيب على الحال والعاميل محذوف ،أي يصيلونها خالديين" .هيي حسيبهم" ابتداء وخيبر ،أي هيي
كفايية ووفاء لجزاء أعمالهيم .واللعين :البعيد ،أي مين رحمية ال ،وقيد تقدم" .ولهيم عذاب مقييم" أي
واصب دائم.
**3اليية{ 69 :كالذيين مين قبلكيم كانوا أشيد منكيم قوة وأكثير أموال وأولدا فاسيتمتعوا بخلقهيم
فاسيتمتعتم بخلقكيم كميا اسيتمتع الذيين مين قبلكيم بخلقهيم وخضتيم كالذي خاضوا أولئك حبطيت
أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك هم الخاسرون}
@قوله تعالى" :كالذين من قبلكم" قال الزجاج :الكاف في موضع نصب ،أي وعد ال الكفار نار
جهنم وعدا كما وعد الذين من قبلهم .وقيل :المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في المر بالمنكر
والنهيي عين المعروف ،فحذف المضاف .وقييل :أي أنتيم كالذيين مين قبلكيم ،فالكاف فيي محيل رفيع
لنيه خيبر ابتداء محذوف .ولم ينصيرف "أشيد" لنيه أفعيل صيفة .والصيل فييه أشدد ،أي كانوا أشيد
منكم قوة فلم يتهيأ لهم ول أمكنهم رفع عذاب ال عز وجل.
@ روى سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال (تأخذون كما أخذت المم قبلكم
ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه) .قال
أبو هريرة :وإن شئتم فاقرؤوا القرآن" :كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموال وأولدا
فاسيتمتعوا بخلقهيم" قال أبيو هريرة :والخلق ،الديين "فاسيتمتعتم بخلقكيم كميا اسيتمتع الذيين مين
قبلكيم بخلقهيم" حتيى فرغ مين اليية .قالوا :ييا نيبي ال ،فميا صينعت اليهود والنصيارى؟ قال( :وميا
الناس إل هيم) .وفيي الصيحيح عنيه عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم (لتتبعين سينن مين قبلكيم شيبرا
بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) قالوا :يا رسول ال ،اليهود والنصارى؟
قال( :فمن)؟ وقال ابن عباس :ما أشبه الليلة بالبارحة ،هؤلء بنو إسرائيل شبهنا بهم .ونحوه عن
ابن مسعود.
@قوله تعالى" :فاسيتمتعوا بخلقهيم" أي انتفعوا بنصييبهم مين الديين كميا فعيل الذيين مين قبلهيم.
"وخضتيم" خروج مين الغيبية إلى الخطاب" .كالذي خاضوا" أي كخوضهيم .فالكاف فيي موضيع
نصب نعت لمصدر محذوف ،أي وخضتم خوضا كالذين خاضوا .و"الذي" اسم ناقص مثل من،
يعييبر بييه عيين الواحييد والجمييع .وقييد مضييى فييي "البقرة" ويقال :خضييت الماء أخوضييه خوضييا
وخياضيييا .والموضيييع مخاضييية ،وهيييو ميييا جاز الناس فيهيييا مشاة وركبانيييا .وجمعهيييا المخاض
والمخاوض أيضيا ،عين أبيي زييد .وأخضيت دابتيي فيي الماء .وأخاض القوم ،أي خاضيت خيلهيم.
وخضت الغمرات :اقتحمتها .ويقال :خاضه بالسيف ،أي حرك سيفه في المضروب .وخوض في
نجيعيه شدد للمبالغية .والمخوض للشراب كالمجدع للسيويق ،يقال منيه :خضيت ،الشراب .وخاض
القوم فيي الحدييث وتخاوضوا أي تفاوضوا فييه ،فالمعنيى :خضتيم فيي أسيباب الدنييا باللهيو واللعيب.
وقيل :في أمر محمد صلى ال عليه وسلم بالتكذيب" .أولئك حبطت" بطلت .وقد تقدم" .أعمالهم"
حسناتهم" .وأولئك هم الخاسرون" وقد تقدم أيضا.
**3الية{ 70 :ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين
والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان ال ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
@قوله تعالى" :ألم يأتهم نبأ" أي خبر "الذين من قبلهم" اللف لمعنى التقرير والتحذير ،أي ألم
يسمعوا إهلكنا الكفار من قبل" .قوم نوح وعاد وثمود" بدل من الذين" .وقوم إبراهيم" أي نمرود
بيين كنعان وقومييه" .وأصييحاب مدييين" مدييين اسييم للبلد الذي كان فيييه شعيييب ،أهلكوا بعذاب يوم
الظلة" .والمؤتفكات" قيييل :يراد بييه قوم لوط ،لن أرضهييم ائتفكييت بهييم ،أي انقلبييت ،قاله قتادة.
وقيل :المؤتفكات كل من أهلك ،كما يقال :انقلبت عليهم الدنيا" .أتتهم رسلهم بالبينات" يعني جميع
النبياء .وقيل :أتت أصحاب المؤتفكات رسلهم ،فعلى هذا رسولهم لوط وحده ،ولكنه بعث في كل
قرية رسول ،وكانت ثلث قريات ،وقيل أربع .وقوله تعالى في موضع آخر" :والمؤتفكة" [النجم:
]53على طرييق الجنيس .وقييل :أراد بالرسيل الواحيد ،كقوله "ييا أيهيا الرسيل كلوا مين الطيبات"
[المؤمنون ]51 :ولم يكن في عصره غيره.
قلت :وهذا فيييه نظيير ،للحديييث الصييحيح عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم( :إن ال خاطييب
المؤمنين بما أمر به المرسلين) الحديث .وقد تقدم في "البقرة" .والمراد جميع الرسل ،وال أعلم.
قوله تعالى" :فميا كان ال ليظلمهيم" أي ليهلكهيم حتيى يبعيث إليهيم النيبياء" .ولكين كانوا أنفسيهم
يظلمون" ولكن ظلموا أنفسهم بعد قيام الحجة عليهم.
**3اليية{ 71 :والمؤمنون والمؤمنات بعضهيم أولياء بعيض يأمرون بالمعروف وينهون عين
المنكير ويقيمون الصيلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسيوله أولئك سييرحمهم ال إن ال عزييز
حكيم}
@قوله تعالى" :بعضهم أولياء بعض" أي قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف .وقال في
المنافقين "بعضهم من بعض" لن قلوبهم مختلفة ولكن يقسم بعضهم إلى بعض في الحكم.
@قوله تعالى" :يأمرون بالمعروف" أي بعبادة ال تعالى وتوحيده ،وكيل ما أتبيع ذلك" .وينهون
عين المنكير" عين عبادة الوثان وكيل ميا أتبيع ذلك .وذكير الطيبري عين أبيي العاليية أنيه قال :كيل ميا
ذكيير ال فييي القرآن ميين الميير بالمعروف والنهييي عيين المنكيير فهييو النهييي عيين عبادة الوثان
والشياطيين .وقيد مضيى القول فيي المير بالمعروف والنهيي عين المنكير فيي سيورة "المائدة" و"آل
عمران" والحمد ل.
@قوله تعالى" :ويقيمون الصييلة" تقدم فييي أول "البقرة" القول فييه .وقال ابين عباس :هيي
الصيلوات الخميس ،وبحسيب هذا تكون الزكاة هنيا المفروضية .ابين عطيية :والمدح عندي بالنوافيل
أبلغ؛ إذ من يقيم النوافل أحرى بإقامة الفرائض.
@قوله تعالى" :ويطيعون ال" فييي الفرائض "ورسييوله" فيمييا سيين لهييم .والسييين فييي قوله:
"سيرحمهم ال" مدخلة في الوعد مهلة لتكون النفوس تتنعم برجائه؛ وفضله تعالى زعيم بالنجاز.
**3اليية{ 72 :وعيد ال المؤمنيين والمؤمنات جنات تجري مين تحتهيا النهار خالديين فيهيا
ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من ال أكبر ذلك هو الفوز العظيم}
@قوله تعالى" :وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات" أي بساتين "تجري من تحتها النهار" أي
مين تحيت أشجارهيا وغرفهيا النهار .وقيد تقدم فيي "البقرة" أنهيا تجري منضبطية بالقدرة فيي غيير
أخدود" .خالدين فيها ومساكن طيبة" قصور من الزبرجد والدر والياقوت يفوح طيبها من مسيرة
خمسيمائة عام" .فيي جنات عدن" أي فيي دار إقامية .يقال :عدن بالمكان إذا أقام بيه؛ ومنيه المعدن.
وقال عطاء الخراسياني" :جنات عدن" هيي قصيبة الجنية ،وسيقفها عرش الرحمين جيل وعيز .وقال
ابن مسعود :هي بطنان الجنة ،أي وسطها .وقال الحسن :هي قصر من ذهب ل يدخلها إل نبي أو
صيديق أو شهييد أو حكيم عدل؛ ونحوه عين الضحاك .وقال مقاتيل والكلبيي :عدن أعلى درجية فيي
الجنة ،وفيها عين التسنيم ،والجنان حولها محفوفة بها ،وهي مغطاة من يوم خلقها ال حتى ينزلها
النيبياء والصيديقون والشهداء والصيالحون ومين يشاء ال" .ورضوان مين ال أكيبر" أي أكيبر مين
ذلك" .ذلك هو الفوز العظيم".
**3الييية{ 73 :يييا أيهييا النييبي جاهييد الكفار والمنافقييين واغلظ عليهييم ومأواهييم جهنييم وبئس
المصير}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا النيبي جاهيد الكفار" الخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم وتدخيل فييه أمتيه
مين بعده .قييل :المراد جاهيد بالمؤمنيين الكفار .وقال ابين عباس :أمير بالجهاد ميع الكفار بالسييف،
وميع المنافقيين باللسيان وشدة الزجير والتغلييظ .وروي عين ابين مسيعود أنيه قال :جاهيد المنافقيين
بيدك ،فإن لم تسيتطع فبلسيانك ،فإن لم تسيتطع فاكفهير فيي وجوههيم .وقال الحسين :جاهيد المنافقيين
بإقامية الحدود عليهيم وباللسيان -واختار قتادة -وكانوا أكثير مين يصييب الحدود .ابين العربيي :أميا
إقامية الحجية باللسيان فكانيت دائمية وأميا بالحدود لن أكثير إصيابة الحدود كانيت عندهيم فدعوى ل
برهان عليها وليس العاصي بمنافق إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامنا ل بما تتلبس به
الجوارح ظاهرا وأخبار المحدودين يشهد سياقها أنهم لم يكونوا منافقين.
@قوله تعالى" :واغلظ عليهم" الغلظ :نقيض الرأفة ،وهي شدة القلب على إحلل المر بصاحبه.
وليس ذلك في اللسان؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ول
يثرب عليهييا) .ومنييه قوله تعالى" :ولو كنييت فظييا غليييظ القلب لنفضوا ميين حولك" [آل عمران:
.]159ومنيه قول النسيوة لعمير :أنيت أفيظ وأغلظ مين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ومعنيى
الغلظ خشونيية الجانييب .فهييي ضييد قوله تعالى" :واخفييض جناحييك لميين اتبعييك ميين المؤمنييين"
[الشعراء" .]215 :واخفض لهميا جناح الذل من الرحمية" [السيراء .]24 :وهذه الية نسيخت
كل شيء من العفو والصلح والصفح.
**3اليية{ 74 :يحلفون بال ميا قالوا ولقيد قالوا كلمية الكفير وكفروا بعيد إسيلمهم وهموا بميا لم
ينالوا وميا نقموا إل أن أغناهيم ال ورسيوله مين فضله فإن يتوبوا ييك خيرا لهيم وإن يتولوا يعذبهيم
ال عذابا أليما في الدنيا والخرة وما لهم في الرض من ولي ول نصير}
@قوله تعالى" :يحلفون بال ميا قالوا" روي أن هذه اليية نزلت فيي الجُلس بين سيويد بين
الصيامت ،ووديعية بين ثابيت؛ وقعوا فيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم وقالوا :وال لئن كان محميد
صادقا على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير .فقال له عامر بن قيس :أجل
وال إن محمدا لصيادق مصيدق؛ وإنيك لشير مين حمار .وأخيبر عامير بذلك النيبي صيلى ال علييه
وسيلم .وجاء الجلس فحلف بال عنيد منيبر النيبي صيلى ال علييه وسيلم إن عامرا لكاذب .وحلف
عامر لقد قال ،وقال :اللهم أنزل على نبيك الصادق شيئا ،فنزلت .وقيل :إن الذي سمعه عاصم بن
عدي .وقيل حذيفة .وقيل :بل سمعه ولد امرأته واسمه عمير بن سعد؛ فيما قال ابن إسحاق .وقال
غيره :اسيمه مصيعب .فهيم الجلس بقتله لئل يخيبر بخيبره؛ ففييه نزل" :وهموا بميا لم ينالوا" .قال
مجاهيد :وكان الجلس لميا قال له صياحبه إنيي سيأخبر رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بقولك هيم
بقتله ،ثم لم يفعل ،عجز عن ذلك .قال ،ذلك هي الشارة بقوله" ،وهموا بما لم ينالوا" .وقيل :إنها
نزلت فيي عبدال بين أبيي ،رأى رجل مين غفار يتقاتيل ميع رجيل مين جهينية ،وكانيت جهينية حلفاء
النصار ،فعل الغفاري الجهني .فقال ابن أبي :يا بني الوس والخزرج ،انصروا أخاكم فوال ما
مثلنيا ومثيل محميد إل كميا قال القائل :سيمن كلبيك يأكلك ،ولئن رجعنيا إلى المدينية ليخرجين العيز
منهيا الذل .فأخيبر النيبي صيلى ال علييه وسيلم بذلك ،فجاءه عبدال بين أبيي فحلف أنيه لم يقله؛ قال
قتادة .وقول ثالث أنيه قول جمييع المنافقيين؛ قال الحسين .ابين العربيي :وهيو الصيحيح؛ لعموم القول
ووجود المعنى فيه وفيهم ،وجملة ذلك اعتقادهم فيه أنه ليس بنبي.
@قوله تعالى" :ولقد قالوا كلمة الكفر" قال النقاش :تكذيبهم بما وعد ال من الفتح .وقيل" :كلمة
الكفير" قول الجلس :إن كان ميا جاء بيه محميد حقيا لنحين أشير مين الحميير .وقول عبدال بين أبيي:
لئن رجعنيا إلى المدينة ليخرجن العز منهيا الذل .قال القشيري :كلمة الكفر سب النبي صلى ال
عليه وسلم والطعن في السلم" .وكفروا بعد إسلمهم" أي بعد الحكم بإسلمهم .فدل هذا على أن
المنافقيين كفار ،وفيي قوله تعالى" :ذلك بأنهيم آمنوا ثيم كفروا" [المنافقون ]3 :دلييل قاطيع .ودلت
اليية أيضيا على أن الكفير يكون بكيل ميا يناقيض التصيديق والمعرفية؛ وإن كان اليمان ل يكون إل
بل إله إل ال دون غيره ميين القوال والفعال إل فييي الصييلة .قال إسييحاق بيين راهويييه :ولقييد
أجمعوا في الصلة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع؛ لنهم بأجمعهم قالوا :من عُرف
بالكفر ثم رأوه يصلي الصلة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة .ولم يعلموا منه إقرارا باللسان
أنه يحكم له باليمان ،ولم يحكموا له في الصوم والزكاة بمثل دلك.
@قوله تعالى" :وهموا بما لم ينالوا" يعني المنافقين من قتل النبي صلى ال عليه وسلم ليلة العقبة
في غزوة تبوك ،وكانوا اثني عشر رجل .قال حذيفة :سماهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى
عدهيم ولهيم .فقلت :أل تبعيث إليهيم فتقتلهيم؟ فقال( :أكره أن تقول العرب لميا ظفير بأصيحابه أقبيل
يقتلهيم بيل يكفيهيم ال بالدبيلة) .قييل :ييا رسيول ال وميا الدبيلة؟ قال( :شهاب مين جهنيم يجعله على
نياط فؤاد أحدهيم حتيى تزهيق نفسيه) .فكان كذلك .خرجيه مسيلم بمعناه .وقييل هموا بعقيد التاج على
رأس ابن أبي ليجتمعوا عليه .وقد تقدم قول مجاهد في هذا.
@قوله تعالى" :وما نقموا إل أن أغناهم ال ورسوله من فضله" أي ليس ينقمون شيئا؛ كما قال
النابغة:
بهن فلول من قراع الكتائب ول عيب فيهم غير أن سيوفهم
ويقال :نقَم ينقِم ،ونقِم ينقَم؛ قال الشاعر في الكسر:
أنهم يحلمون إن غضبوا ما نقِموا من بني أمية إل
وقال زهير:
ليوم الحساب أو يعجل فينقَم يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
ينشيد بكسير القاف وفتحهيا .قال الشعيبي :كانوا يطلبون ديية فيقضيي لهيم بهيا رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم فاستغنوا .ذكر عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفا .ويقال :إن القتيل كان مولى الجلس.
وقال الكلبيي :كانوا قبيل قدوم النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي ضنيك مين العييش ،ل يركبون الخييل
ول يحوزون الغنيميية ،فلمييا قدم عليهييم النييبي صييلى ال علييه وسييلم اسييتغنوا بالغنائم .وهذا المثييل
مشهور :اتيق شير مين أحسينت إلييه .قال القشيري أبيو نصير :قييل للبجلي أتجيد فيي كتاب ال تعالى
اتق شر من أحسنت إليه؟ قال نعم" ،وما نقموا إل أن أغناهم ال ورسوله من فضله".
@قوله تعالى" :فإن يتوبوا يكن خيرا لهم" روي أن الجلس قام حين نزلت الية فاستغفر وتاب.
فدل هذا على توبة الكافر الذي يسر الكفر ويظهر اليمان؛ وهو الذي يسميه الفقهاء الزنديق .وقد
اختلف فيي ذلك العلماء؛ فقال الشافعيي :تقبيل توبتيه .وقال مالك :توبية الزندييق ل تعرف؛ لنيه كان
يظهير اليمان ويسير الكفير ،ول يعلم إيمانيه إل بقوله .وكذلك يفعيل الن فيي كيل حيين ،يقول :أنيا
مؤمن وهو يضمر خلف ما يظهر؛ فإذا عثر عليه وقال :تبت ،لم يتغير حاله عما كان عليه .فإذا
جاءنا تائبا من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلت توبته؛ وهو المراد بالية .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وإن يتولوا" أي يعرضوا عن اليمان والتوبة "يعذبهم ال عذابا أليما" في الدنيا
بالقتيل ،وفيي الخرة بالنار" .وميا لهيم فييي الرض مين ولي" أي مانيع يمنعهييم "ول نصيير" أي
معين .وقد تقدم.
**3اليتان{ 76 - 75 :ومنهييم ميين عاهييد ال لئن آتانييا ميين فضله لنصييدقن ولنكونيين ميين
الصالحين ،فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون}
@قوله تعالى" :ومنهم من عاهد ال" قال قتادة :هذا رجل من النصار قال :لئن رزقني ال شيئا
لؤدين فيه حقه ولتصيدقن؛ فلميا آتاه ال ذلك فعل ما نُص عليكم ،فاحذروا الكذب فإنيه يؤدي إلى
الفجور .وروى علي بين يزييد عين القاسيم عين أبيي أمامية الباهلي أن ثعلبية بين حاطيب النصياري
(فسماه) قال للنبي صلى ال عليه وسلم ادع ال أن يرزقني مال .فقال عليه السلم (ويحك يا ثعلبة
قلييل تؤدي شكره خيير مين كثيير ل تطيقيه) ثيم عاود ثانييا فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :أميا
ترضييى أن تكون مثييل نييبي ال لو شئت أن تسييير معييي الجبال ذهبييا لسييارت) فقال :والذي بعثييك
بالحق لئن دعوت ال فرزقني مال لعطين كل ذي حق حقه .فدعا له النبي صلى ال عليه وسلم؛
فاتخذ غنما فنمت كما تنمي الدود ،فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من أوديتها حتى
جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ،وترك ما سواهما .ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات
إل الجمعية ،وهيي تنميي حتيى ترك الجمعية أيضيا فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ييا وييح
ثعلبة) ثلثا .ثم نزل "خذ من أموالهم صدقة" [التوبة .]103 :فبعث صلى ال عليه وسلم رجلين
على الصيدقة ،وقال لهميا( :مرا بثعلبية وبفلن -رجيل مين بنيي سيليم -فخذا صيدقاتهما) فأتييا ثعلبية
وأقرأه كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :ما هذه إل أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم
تعودا .الحديث ،وهو مشهور .وقيل :سبب غناء ثعلبة أنه ورث ابن عم له .قاله ابن عبدالبر :قيل
إن ثعلبية بين حاطيب هيو الذي نزل فييه "ومنهيم مين عاهيد ال "...اليية؛ إذ منيع الزكاة ،فال أعلم.
وما جاء فيمن شاهد بدرا يعارضه قوله تعالى في الية" :فأعقبهم نفاقا في قلوبهم" الية.
قلت :وذكر عن ابن عباس في سبب نزول الية أن حاطب بن أبي بلتعة أبطأ عنه ماله بالشام
فحلف فيي مجلس مين مجالس النصيار :إن سيلم ذلك لتصيدقن منيه ولصيلن منيه .فلميا سيلم بخيل
بذلك فنزلت.
قلت :وثعلبة بدري أنصاري وممن شهد ال له ورسوله باليمان؛ حسب ما يأتي بيانه في أول
الممتحنية فميا روي عنيه غيير صيحيح .قال أبيو عمير :ولعيل قول مين قال فيي ثعلبية أنيه مانيع الزكاة
الذي نزلت فيييه الييية غييير صييحيح ،وال أعلم .وقال الضحاك :إن الييية نزلت فييي رجال ميين
المنافقين نبتل بن الحارث وجد بن قيس ومعتب بن قشير.
قلت :وهذا أشبيه بنزول اليية فيهيم؛ إل أن قوله "فأعقبهيم نفاقيا" يدل على أن الذي عاهيد ال لم
يكين منافقيا مين قبيل ،إل أن يكون المعنيى :زادهيم نفاقيا ثبتوا علييه إلى الممات ،وهيو قوله تعالى:
"إلى يوم يلقونه" على ما يأتي.
@ قال علماؤنا :لما قال ال تعالى" :ومنهم من عاهد ال" احتمل أن يكون عاهد ال بلسانه ولم
يعتقده بقلبيه .واحتميل أن يكون عاهيد ال بهميا ثيم أدركتيه سيوء الخاتمية؛ فإن العمال بخواتيمهيا
واليام بعواقبها .و"من" رفع بالبتداء والخبر في المجرور .ولفظ اليمين ورد في الحديث وليس
في ظاهر القرآن يمين إل بمجرد الرتباط واللتزام ،أما إنه في صيغة القسم في المعنى فإن اللم
تدل علييه ،وقيد أتيى بلميين الولى للقسيم والثانيية لم الجواب ،وكلهميا للتأكييد .ومنهيم مين قال:
إنهما ل ما القسم؛ والول أظهر ،وال أعلم.
@ العهيد والطلق وكيل حكيم ينفرد بيه المرء ول يفتقير إلى غيره فييه فإنيه يلزميه منيه ميا يلتزميه
بقصده وإن لم يلفظ به؛ قاله علماؤنا .وقال الشافعي وأبو حنيفة :ل يلزم أحدا حكم إل بعد أن يلفظ
بيه وهيو القول الخير لعلمائنيا .ابين العربيي :والدلييل على صيحة ميا ذهبنيا إلييه ميا رواه أشهيب عين
مالك ،وقيد سيئل :إذا نوى الرجيل الطلق بقلبيه ولم يلفيظ بيه بلسيانه فقال :يلزميه؛ كميا يكون مؤمنيا
بقلبيه ،وكافرا بقلبيه .قال ابين العربيي :وهذا أصيل بدييع ،وتحريره أن يقال :عقيد ل يفتقير فييه المرء
إلى غيره في التزامه فانعقد عليه بنية .أصله اليمان والكفر.
قلت :وحجية القول الثانيي ميا رواه مسيلم عين أبيي هريرة قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم( :إن ال تجاوز لمتيي عميا حدثيت بيه أنفسيها ميا لم تعميل أو تتكلم بيه) رواه الترمذي وقال:
حدييث حسين صيحيح ،والعميل على هذا عنيد أهيل العلم إذا حدث نفسيه بالطلق لم يكين شيئا حتيى
يتكلم به .قال أبو عمر :ومن اعتقد بقلبه الطلق ولم ينطق به لسانه فليس بشيء .هذا هو الشهر
عن مالك .وقيد روي عنه أنه يلزمه الطلق إذا نواه بقلبيه؛ كميا يكفير بقلبه وإن لم ينطيق بيه لسانه.
والول أصيح فيي النظير وطرييق الثير؛ لقول رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :تجاوز ال لمتيي
عما وسوست به نفوسها ما لم ينطق به لسان أو تعلمه يد).
@ إن كان نذرا فالوفاء بالنذر واجيب مين غيير خلف وتركيه معصيية .وإن كانيت يمينيا فلييس
الوفاء باليميين واجبيا باتفاق .بييد أن المعنيى فييه إن كان الرجيل فقيرا ل يتعيين علييه فرض الزكاة؛
فسأل ال مال تلزمه فيه الزكاة ويؤدي ما تعين عليه من فرضه ،فلما آتاه ال ما شاء من ذلك ترك
ما التزم مما كان يلزمه في أصل الدين لو لم يلتزمه ،لكن التعاطي بطلب المال لداء الحقوق هو
الذي أورطيه إذ كان طلبيه مين ال تعالى بغيير نيية خالصية ،أو نيية لكين سيبقت فييه البدايية المكتوب
عليه فيها الشقاوة .نعوذ بال من ذلك.
قلت :ومين هذا المعنيى قوله علييه السيلم( :إذا تمنيى أحدكيم فلينظير ميا يتمنيى فإنيه ل يدري ميا
كتب له في غيب ال عز وجل من أمنيته) أي من عاقبتها ،فرب أمنية يفتتن بها أو يطغي فتكون
سيببا للهلك دنييا وأخرى ،لن أمور الدنييا مبهمية عواقبهيا خطرة غائلتهيا .وأميا تمنيي أمور الديين
والخرى فتمنيها محمود العاقبة محضوض عليها مندوب إليها.
@قوله تعالى" :لئن آتانا من فضله لنصدقن" دليل على أن من قال :إن ملكت كذا وكذا فهو صدقة
فإنيه يلزميه؛ وبيه قال أبيو حنيفية :وقال الشافعيي :ل يلزميه .والخلف فيي الطلق مثله ،وكذلك فيي
العتيق .وقال أحميد بين حنبيل :يلزميه ذلك فيي العتيق ول يلزميه فيي الطلق؛ لن العتيق قربية وهيي
تثبيت فيي الذمية بالنذر؛ بخلف الطلق فإنيه تصيرف فيي محيل ،وهيو ل يثبيت فيي الذمية .احتيج
الشافعيي بميا رواه أبيو داود والترمذي وغيرهميا عين عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال :قال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل نذر لبين آدم فيميا ل يملك ول طلق له فيميا ل يملك) لفيظ
الترمذي .وقال :وفيي الباب عين علي ومعاذ وجابر وابين عباس وعائشية حدييث عبدال بين عمرو
حديث حسن ،وهو أحسن شيء روي في هذا الباب .وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي
صلى ال عليه وسلم وغيرهم .ابن العربي :وسرد أصحاب الشافعي في هذا الباب أحاديث كثيرة
لم يصح منها شيء فل يعول عليها ،ولم يبق إل ظاهر الية.
@قوله تعالى" :فلما آتاهم من فضله" أي أعطاهم" .بخلوا به" أي بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال
فيي الخيير ،وبالوفاء بميا ضمنوا والتزموا .وقيد مضيى البخيل فيي "آل عمران"" .وتولوا" أي عين
طاعة ال" .وهم معرضون" أي عن السلم ،أي مظهرون للعراض عنه.
**3اليتان{ 78 - 77 :فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما
كانوا يكذبون ،ألم يعلموا أن ال يعلم سرهم ونجواهم وأن ال علم الغيوب}
@قوله تعالى" :فأعقبهيم نفاقيا" مفعولن أي أعقبهيم ال تعالى نفاقيا فيي قلوبهيم .وقييل :أي أعقبهيم
البخيل نفاقيا؛ ولهذا قال" :بخلوا بيه"" .إلى يوم يلقونيه" فيي موضيع خفيض؛ أي يلقون بخلهيم ،أي
جزاء بخلهم؛ كما يقال :أنت تلقي غدا عملك .وقيل" :إلى يوم يلقونه" أي يلقون ال .وفي هذا دليل
على أنيه مات منافقيا .وهيو يبعيد أن يكون المنزل فييه ثعلبية أو حاطيب؛ لن النيبي صيلى ال علييه
وسيلم قال لعمير( :وميا يدرييك لعيل ال اطلع على أهيل بدر فقال اعملوا ميا شئتيم فقيد غفرت لكيم)
وثعلبية وحاطيب ممين حضير بدرا وشهدهيا" .بميا أخلفوا ال ميا وعدوه وبميا كانوا يكذبون" كذبهيم
نقضهم العهد وتركهم الوفاء بما التزموه من ذلك.
@قوله تعالى" :نفاقا" النفاق إذا كان في القلب فهو الكفر .فأما إذا كان في العمال فهو معصية.
قال النبي صلى ال عليه وسلم( :أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن
كانييت فيييه خصييلة ميين النفاق حتييى يدعهييا .إذا اؤتميين خان وإذا حدث كذب وإذا عاهييد غدر وإذا
خاصيم فجير) خرجيه البخاري .وقيد مضيى فيي "البقرة" اشتقاق هذه الكلمية ،فل معنيى لعادتهيا.
واختلف الناس فيي تأوييل هذا الحدييث؛ فقالت طائفية :إنميا ذلك لمين يحدث بحدييث يعلم أنيه كذب،
ويعهد عهدا ل يعتقد الوفاء به ،وينتظر المانة للخيانة فيها .وتعلقوا بحديث ضعيف السناد ،وأن
علي بن أبي طالب رضي ال عنه لقي أبا بكر وعمر رضي ال عنهما خارجين من عند رسول
ال صلى ال عليه وسلم وهما ثقيلن فقال علي :مالي أراكما ثقيلين؟ قال حديثا سمعناه من رسول
ال صلى ال عليه وسلم من خلل المنافقيين (إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا اؤتمن خان وإذا
وعييد أخلف) فقال علي :أفل سييألتماه؟ فقال :هبنييا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم قال :لكنييي
سيأسأله؛ فدخيل على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال :ييا رسيول ال ،خرج أبيو بكير وعمير
وهميا ثقيلن ،ثيم ذكير ميا قاله ،فقال( :قيد حدثتهمييا ولم أضعيه على الوضيع الذي وضعاه ولكين
المنافيق إذا حدث وهيو يحدث نفسيه أنيه يكذب وإذا وعيد وهيو يحدث نفسيه أنيه يخلف وإذا اؤتمين
وهيو يحدث نفسيه أنيه يخون) ابين العربيي :قيد قام الدلييل الواضيح على أن متعميد هذه الخصيال ل
يكون كافرا ،وإنميييا يكون كافرا باعتقاد يعود إلى الجهيييل بال وصيييفاته أو تكذييييب له تعالى ال
وتقدس عين اعتقاد الجاهليين وعين زييغ الزائغيين .وقالت طائفية :ذلك مخصيوص بالمنافقيين زمان
رسول ال صلى ال عليه وسلم .وتعلقوا بما رواه مقاتل بن حيان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر
وابن عباس قال :أتينا رسيول ال صلى ال عليه وسلم فيي أناس مين أصحابه فقلنا :يا رسول ال،
إنك قلت (ثلث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلي وزعم أنه مؤمن إذا حدث كذب وإذا وعد
أخلف وإذا اؤتمن خان ومن كانت فيه خصلة منهن ففيه ثلث النفاق) فظننا أنا لم نسلم منهن أو من
بعضهين ولم يسيلم منهين كثيير مين الناس؛ قال :فضحيك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال:
(مالكم ولهن إنما خصصت بهن المنافقين كما خصهم ال في كتابه أما قولي إذا حدث كذب فذلك
قوله عز وجل "إذا جاءك المنافقون[ "...المنافقون - ]1 :الية ( -أفأنتم كذلك)؟ قلنا :ل .قال( :ل
عليكيم أنتيم مين ذلك براء وأميا قولي إذا وعيد أخلف فذلك فيميا أنزل ال علي "ومنهيم مين عاهيد ال
لئن آتانا من فضله" -اليات الثلث ( -أفأنتم كذلك) ؟ قلنا ل ،وال لو عاهدنا ال على شيء أوفينا
بييه .قال( :ل عليكييم أنتييم ميين ذلك براء وأمييا قولي وإذا اؤتميين خان فذلك فيمييا أنزل ال علي "إنييا
عرضنيا المانية على السيماوات والرض والجبال[ "...الحزاب - ]72 :اليية ( -فكيل إنسيان
مؤتمين على دينيه فالمؤمين يغتسيل مين الجنابية فيي السير والعلنيية والمنافيق ل يفعيل ذلك إل فيي
العلنية أفأنتم كذلك)؟ قلنا ل قال( :ل عليكم أنتم من ذلك براء) .وإلى هذا صار كثير من التابعين
والئمة .قالت طائفة :هذا فيمن كان الغالب عليه هذه الخصال .ويظهر من مذهب البخاري وغيره
مين أهيل العلم أن هذه الخلل الذميمية منافيق مين اتصيف بهيا إلى يوم القيامية .قال ابين العربيي:
والذي عندي أنه لو غلبت عليه المعاصي ما كان بها كافرا ما لم يؤثر في العتقاد.
قال علماؤنييا :إن إخوة يوسييف عليييه السييلم عاهدوا أباهييم فأخلفوه ،وحدثوه فكذبوه ،وائتمنهييم
على يوسيف فخانوه وميا كانوا منافقيين .قال عطاء بين أبيي رباح :قيد فعيل هذه الخلل إخوة يوسيف
ولم يكونوا منافقييين بيل كانوا أنييبياء .وقال الحسيين بين أبييي الحسيين البصييري :النفاق نفاقان ،نفاق
الكذب ونفاق العميل؛ فأميا نفاق الكذب فكان على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،وأميا نفاق
العميل فل ينقطيع إلى يوم القيامية .وروى البخاري عين حذيفية أن النفاق كان على عهيد رسيول ال
صلى ال عليه وسلم ،فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد اليمان.
قوله تعالى" :ألم يعلموا أن ال يعلم سرهم ونجواهم" هذا توبيخ ،وإذا كان عالما فإنه سيجازيهم.
**3اليية{ 79 :الذيين يلمزون المطوعيين مين المؤمنيين فيي الصيدقات والذيين ل يجدون إل
جهدهم فيسخرون منهم سخر ال منهم ولهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :الذيين يلمزون المطوعيين مين المؤمنيين فيي الصيدقات" هذا أيضيا مين صيفات
المنافقين .قال قتادة" :يلمزون" يعيبون .قال :وذلك أن عبدالرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله،
وكان ماله ثمانيية آلف فتصيدق منهيا بأربعية آلف .فقال قوم :ميا أعظيم رياءه؛ فأنزل ال" :الذيين
يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات" .وجاء رجل من النصار بنصف صبرة من تمره
فقالوا :ميا أغنيى ال عين هذا؛ فأنزل ال عيز وجيل "والذيين ل يجدون إل جهدهيم" اليية .وخرج
مسيلم عين أبيي مسيعود قال :أمرنيا بالصيدقة -قال :كنيا نحاميل ،فيي روايية :على ظهورنيا -قال:
فتصيدق أبيو عقييل بنصيف صياع .قال :وجاء إنسيان بشييء أكثير منيه فقال المنافقون :إن ال لغنيي
عن صيدقة هذا ،وما فعل هذا الخر إل رياء :فنزلت "الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في
الصيدقات والذيين ل يجدون إل جهدهيم" .يعنيي أبيا عقييل ،واسيمه الحبحاب .والجهيد :شييء قلييل
يعييييش بيييه المقيييل .والجُهيييد والجَهيييد بمعنيييى واحيييد .وقيييد تقدم .و"يلمزون" يعيبون .وقيييد تقدم.
و"المطوعين" أصله المتطوعين أدغمت التاء في الطاء؛ وهم الذين يفعلون الشيء تبرعا من غير
أن يجيب عليهيم" .والذيين" فيي موضيع خفيض عطيف على "المؤمنيين" .ول يجوز أن يكون عطفيا
على السم قبل تمامه" .فيسخرون" عطف على "يلمزون"" .سخر ال منهم" خبر البتداء ،وهو
دعاء عليهيم .وقال ابين عباس :هو خيبر؛ أي سيخر منهيم حييث صياروا إلى النار .ومعنيى سيخر ال
مجازاتهم على سخريتهم .وقد تقدم في "البقرة".
**3الية{ 80 :استغفر لهم أو ل تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر ال لهم ذلك
بأنهم كفروا بال ورسوله وال ل يهدي القوم الفاسقين}
@قوله تعالى" :اسيتغفر لهيم" يأتيي بيانيه عنيد قوله تعالى" :ولتصيل على أحيد منهيم مات أبدا"
[التوبة.]84 :
**3الييية{ 81 :فرح المخلفون بمقعدهييم خلف رسييول ال وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهييم
وأنفسهم في سبيل ال وقالوا ل تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون}
@قوله تعالى" :فرح المخلفون بمقعدهيم" أي بقعودهيم .قعيد قعودا ومقعدا؛ أي جلس .وأقعده
غيره؛ عن الجوهري .والمخلف المتروك؛ أي خلفهم ال وثبطهم ،أو خلفهم رسول ال والمؤمنون
لميا علموا تثاقلهيم عين الجهاد؛ قولن ،وكان هذا فيي غزوة تبوك" .خلف رسيول ال" مفعول مين
أجله ،وإن شئت كان مصيدرا .والخلف المخالفية .ومين قرأ "خلف رسيول ال" أراد التأخير عين
الجهاد" .وقالوا ل تنفروا في الحر" أي قال بعضهم لبعض ذلك" .قل نار جهنم" قل لهم يا محمد
نار جهنيم" .أشيد حرا لو كانوا يفقهون" ابتداء وخيبر" .حرا" نصيب على البيان؛ أي مين ترك أمير
ال تعرض لتلك النار.
**3الية{ 82 :فليضحكوا قليل وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
@قوله تعالى" :فليضحكوا قليل" أمير ،معناه معنيى التهدييد ولييس أمرا والصيل أن تكون اللم
مكسييورة فحذفييت الكسييرة لثقلهييا .قال الحسيين" :فليضحكوا قليل" فييي الدنيييا "وليبكوا كثيرا" فييي
جهنيم .وقيل :هو أمر بمعنيى الخبر .أي إنهم سيضحكون قليل ويبكون كثيرا" .جزاء" مفعول من
أجله؛ أي للجزاء.
@ من الناس من كان ل يضحك اهتماما بنفسه وفساد حاله في اعتقاده من شدة الخوف ،وإن كان
عبدا صييالحا .قال صييلى ال عليييه وسييلم( :وال لو تعلمون مييا أعلم لضحكتييم قليل ولبكيتييم كثيرا
ولخرجتيم إلى الصيعدات تجأرون إلى ال تعالى لوددت أنيي كنيت شجرة تعضيد) خرجيه الترمذي.
وكان الحسيين البصييري رضييي ال عنييه مميين قييد غلب عليييه الحزن فكان ل يضحييك .وكان ابيين
سييرين يضحيك ويحتيج على الحسين ويقول :ال أضحيك وأبكيى .وكان الصيحابة يضحكون؛ إل أن
الكثار منه وملزمته حتى يغلب على صاحبه مذموم منهي عنه ،وهو من فعل السفهاء والبطالة.
وفيي الخيبر( :أن كثرتيه تمييت القلب) وأميا البكاء مين خوف ال وعذابيه وشدة عقابيه فمحمود؛ قال
علييه السيلم( :ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهيل النار يبكون حتيى تسييل دموعهيم فيي وجوههيم
كأنهييا جداول حتييى تنقطيع الدموع فتسيييل الدماء فتقرح العيون فلو أن سييفنا أجريييت فيهيا لجرت)
خرجه ابن المبارك من حديث أنس وابن ماجة أيضا.
**3اليية{ 83 :فإن رجعيك ال إلى طائفية منهيم فاسيتأذنوك للخروج فقيل لن تخرجوا معيي أبدا
ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين}
@قوله تعالى" :فإن رجعك ال إلى طائفة منهم" أي المنافقين .وإنما قال" :إلى طائفة" لن جميع
مين أقام بالمدينية ميا كانوا منافقيين ،بيل كان فيهيم معذورون ومين ل عذر له ،ثيم عفيا وتاب عليهيم؛
كالثلثية الذيين خلفوا .وسييأتي" .فاسيتأذنوك للخروج فقيل لن تخرجوا معيي أبدا" أي عاقبهيم بأل
تصحبهم أبدا .وهو كما قال في "سورة الفتح"" :قل لن تتبعونا" [الفتح .]15 :و"الخالفين" جمع
خالف؛ كأنهم خلقوا الخارجين .قال ابن عباس" :الخالفين" من تخلف من المنافقين .وقال الحسن:
ميع النسياء والضعفاء مين الرجال ،فغلب المذكير .وقييل :المعنيى فأقعدوا ميع الفاسيدين؛ مين قولهيم
فلن خالفية أهيل بيتيه إذا كان فاسيدا فيهيم؛ مين خلوف فيم الصيائم .ومين قولك :خلف اللبين؛ أي فسيد
بطول المكييث فييي السييقاء؛ فعلى هذا يعنييي فاقعدوا مييع الفاسييدين .وهذا يدل على أن اسييتصحاب
المخذل في الغزوات ل يجوز.
**3الية{ 84 :ول تصل على أحد منهم مات أبدا ول تقم على قبره إنهم كفروا بال ورسوله
وماتوا وهم فاسقون}
@ روي أن هذه اليية نزلت فيي شأن عبدال بين أبيي سيلول وصيلة النيبي صيلى ال علييه وسيلم
علييه .ثبيت ذلك فيي الصيحيحين وغيرهميا .وتظاهرت الروايات بأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم
صلى عليه ،وأن الية نزلت بعد ذلك .وروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم لما
تقدم ليصيلي علييه جاءه جبرييل فجبيذ ثوبيه وتل علييه "ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا" اليية؛
فأنصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يصل عليه .والروايات الثابتة على خلف هذا ،ففي
البخاري عن ابن عباس قال :فصلي عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم انصرف؛ فلم يمكث
إل يسييرا حتيى نزلت اليتان مين [براءة] "ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا" ونحوه عين ابين
عمر؛ خرجه مسلم .قال ابن عمر :لما توفي عبدال بن أبي بن سلول جاء ابنه عبدال إلى رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم فسيأله أن يعطييه قميصيه يكفين فييه أباه فأعطاه ثيم سيأله أن يصيلي علييه،
فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم ليصلي عليه ،فقام عمر وأخذ بثوب رسول ال صلى ال عليه
وسيلم فقال :ييا رسيول ال ،أتصيلي علييه وقيد نهاك ال أن تصيلي علييه؟ فقال رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم( :إنميا خيرنيي ال تعالى فقال" :اسيتغفر لهيم أو ل تسيتغفر لهيم إن تسيتغفر لهيم سيبعين
مرة" [التوبة ]80 :وسأزيد على سبعين) قال :إنه منافق .فصلى عليه رسول ال صلى ال عليه
وسيلم فأنزل ال عيز وجيل "ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا ول تقيم على قيبره" فترك الصيلة
عليهيم .وقال بعيض العلماء :إنميا صيلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم على عبدال بين أبيي بناء على
الظاهر من لفظ إسلمه .ثم لم يكن يفعل ذلك لما نهي عنه.
@ إن قال قائل فكييف قال عمير :أتصيلي عليه وقيد نهاك ال أن تصلي عليه؛ ولم يكين تقدم نهيي
عيين الصييلة عليهييم .قيييل له :يحتمييل أن يكون ذلك وقييع له فييي خاطره ،ويكون ميين قبيييل اللهام
والتحدث الذي شهد له به النبي صلى ال عليه وسلم ،وقد كان القرآن ينزل على مراده ،كما قال:
وافقت ربي في ثلث .وجاء :في أربع .وقد تقدم في البقرة .فيكون هذا من ذلك .ويحتمل أن يكون
فهم ذلك من قوله تعالى" :استغفر لهم أو ل تستغفر لهم" [التوبة ]80 :الية .ل أنه كان تقدم نهي
على ما دل عليه حديث البخاري ومسلم .وال أعلم.
قلت :ويحتمييل أن يكون فهمييه ميين قوله تعالى" :مييا كان للنييبي والذييين آمنوا أن يسييتغفروا
للمشركين" [التوبة ]113 :لنها نزلت بمكة .وسيأتي القول فيها.
@قوله تعالى" :اسيتغفر لهيم" اليية .بيين تعالى أنيه وإن اسيتغفر لهيم لم ينفعهيم ذلك وإن أكثير مين
الستغفار .قال القشيري :ولم يثبت ما يروي أنه قال( :لزيدن على السبعين).
قلت :وهذا خلف ميا يثبيت فيي حدييث ابين عمير (وسيأزيد على سيبعين) وفيي حدييث ابين عباس
(لو أعلم أنيي زدت على السيبعين يغفير لهيم لزدت عليهيا] .قال فصيلي علييه رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم .خرجه البخاري.
@ واختلف العلماء في تأويل قوله" :استغفر لهم" هل هو إياس أو تخيير ،فقالت طائفة :المقصود
به اليأس بدليل قوله تعالى" :فلن يغفر ال لهم" [التوبة .]80 :وذكر السبعين وفاق جرى ،أو هو
عادتهيم فيي العبارة عين الكثرة والغياء فإذا قال قائلهيم :ل أكلميه سيبعين سينة صيار عندهيم بمنزلة
قوله .ل أكلميه أبدا .ومثله فيي الغياء قوله تعالى" :فيي سيلسلة ذرعهيا سيبعون ذراعيا" [الحاقية:
]32وقوله عليه السلم( :من صام يوما فيي سبيل ال باعد ال وجهه عن النار سبعين خريفا).
وقالت طائفة :هو تخيير -منهم الحسن وقتاده وعروة -إن شئت استغفر لهم وإن شئت ل تستغفر.
ولهذا لميا أراد أن يصيلي على ابين أبيي قال عمير :أتصيلي على عدو ال ،القائل يوم كذا كذا وكذا؟
فقال( :إنيي خيرت فاخترت) .قالوا ثيم نسيخ هذا لميا نزل "سيواء عليهيم أسيتغفرت لهيم أم لم تسيتغفر
لهم" [المنافقون" ]6 :ذلك بأنهم كفروا" [التوبة]80 :أي ل يغفر ال لهم لكفرهم.
@قوله تعالى" :ما كان للنبي والذين آمنوا أن يسيتغفروا للمشركين" [التوبة ]113 :الية .وهذه
الية نزلت بمكة عند موت أبي طالب ،على ما يأتي بيانه .وهذا يفهم منه النهي عن الستغفار لمن
مات كافرا .وهو متقدم على هذه الية التي فهم منها التخيير بقوله( :إنما خيرني ال) وهذا مشكل.
فقيل :إن استغفاره لعمه إنما كان مقصوده استغفارا مرجو الجابة حتى تحصل له المغفرة .وفي
هذا السيتغفار اسيتأذن علييه السيلم ربيه فيي أن يأذن له فييه لميه فلم يأذن له فييه .وأميا السيتغفار
للمنافقيين الذي خيير فييه فهيو اسيتغفار لسياني ل ينفيع ،وغايتيه تطيييب قلوب بعيض الحياء مين
قرابات المستغفر له .وال أعلم.
@ واختلف فيي إعطاء النبي صلى ال عليه وسيلم قميصه لعبدال؛ فقيل :إنميا أعطاه لن عبدال
كان قيد أعطيى العباس عيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم قميصيه يوم بدر .وذلك أن العباس لميا أسير
يوم بدر -على ما تقدم -وسيلب ثوبيه رآه النيبي صلى ال عليه وسلم كذلك فأشفق علييه ،فطلب له
قميصا فما وجد له قميص يقادره إل قميص عبدال ،لتقاربهما في طول القامة؛ فأراد النبي صلى
ال علييه وسيلم بإعطاء القمييص أن يرفيع الييد عنه فيي الدنييا ،حتيى ل يلقاه فيي الخرة وله عليه ييد
يكافئه بهيا ،وقييل :إنميا أعطاه القمييص إكراميا لبنيه وإسيعافا له فيي طلبتيه وتطييبيا لقلبيه .والول
أصح؛ خرجه البخاري عن جابر بن عبدال قال :لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم
يكين علييه ثوب؛ فطلب النيبي صيلى ال علييه وسيلم له قميصيا فوجدوا قمييص عبدال بين أبيي يقدر
علييه ،فكسياه النيبي صيلى ال علييه وسيلم إياه؛ فلذلك نزع النيبي صيلى ال علييه وسيلم قميصيه الذي
ألبسيه .وفيي الحدييث أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال[ :إن قميصيي ل يغنيي عنيه مين ال شيئا
وإنيي لرجيو أن يسيلم بفعلي هذا ألف رجيل مين قوميي] كذا فيي بعيض الروايات (مين قوميي) يرييد
مين منافقيي العرب .والصيحيح أنيه قال( :رجال مين قوميه) .ووقيع فيي مغازي ابين إسيحاق وفيي
بعيض كتيب التفسيير :فأسيلم وتاب لهذه الفعلة مين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ألف رجيل مين
الخزرج.
@ لميا قال تعالى" :ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا" قال علماؤنيا :هذا نيص في المتناع من
الصيلة على الكفار ،ولييس فييه دلييل على الصيلة على المؤمنيين .واختلف هيل يؤخيذ مين مفهوميه
وجوب الصيلة على المؤمنيين على قوليين .يؤخيذ لنيه علل المنيع مين الصيلة على الكفار لكفرهيم
لقوله تعالى" :إنهييم كفروا بال ورسييوله" فإذا زال الكفيير وجبييت الصييلة .ويكون هذا نحييو قوله
تعالى" :كل إنهيم عين ربهيم يومئذ لمحجوبون" [المطففيين ]15 :يعنيي الكفار؛ فدل على أن غيير
الكفار يرونيه وهيم المؤمنون؛ فذلك مثله .وال أعلم .أو تؤخيذ الصيلة مين دلييل خارج عين اليية،
وهيي الحادييث الواردة فيي الباب ،والجماع .ومنشيأ الخلف القول بدلييل الخطاب وتركيه .روى
مسيلم عين جابر بين عبدال قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن أخيا لكيم قيد مات فقوموا
فصلوا عليه) قال :فقمنا فصففنا صفين؛ يعني النجاشي .وعن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال
علييه وسيلم نعيى للناس النجاشيي فييي اليوم الذي مات فيييه ،فخرج بهييم إلى المصيلي وكيبر أربييع
تكبيرات .وأجمع المسلمون على أنه ل يجوز ترك الصلة على جنائز المسلمين ،من أهل الكبائر
كانوا أو صيالحين ،وراثية عين نيبيهم صيلى ال علييه وسيلم قول وعمل .والحميد ل .وأتفيق العلماء
على ذلك إل في الشهيد كما تقدم؛ وإل في أهل البدع والبغاة.
@ والجمهور من العلماء على أن التكبير أربع .قال ابن سيرين :كان التكبير ثلثا فزادوا واحدة.
وقالت طائفة :يكبر خمسا؛ وروي عن ابن مسعود وزيد بن أرقم .وعن علي :ست تكبيرات .وعن
ابين عباس وأنيس بين مالك وجابر بين زييد :ثلث تكيبيرات والمعول علييه أربيع .روى الدارقطنيي
عين أبيي بين كعيب أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :إن الملئكية صيلت على آدم فكيبرت
عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم).
ول قراءة في هذه الصلة في المشهور من مذهب مالك ،وكذلك أبو حنيفة والثوري؛ لقوله صلى
ال عليه وسلم( :إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود من حديث أبي هريرة.
وذهييب الشافعييي وأحمييد وإسييحاق ومحمييد بيين مسييلمة وأشهييب ميين علمائنييا وداود إلى أنييه يقرأ
بالفاتحيية؛ لقوله عليييه السييلم( :ل صييلة إل بفاتحيية الكتاب) حمل له على عمومييه .وبمييا خرجييه
البخاري عين ابين عباس وصيلى على جنازة فقرأ بفاتحية الكتاب وقال :لتعلموا أنهيا سينة .وخرج
النسيائي مين حدييث أبيي أمامية قال :السينة فيي الصيلة على الجنائز أن يقرأ فيي التكيبيرة الولى بأم
القرآن مخافتة ،ثم يكبر ثلثا ،والتسليم عند الخرة .وذكر محمد بن نصر المروزي عن أبي أمامة
أيضا قال :السنة في الصلة على الجنائز أن تكبر ،ثم تقرأ بأم القرآن ،ثم تصلي على النبي صلى
ال علييه وسيلم ،ثيم تخلص الدعاء للمييت .ول يقرأ إل فيي التكيبيرة الولى ثيم يسيلم .قال شيخنيا أبيو
العباس :وهذان الحديثان صيحيحان ،وهميا ملحقان عنيد الصيوليين بالمسيند .والعميل على حدييث
أبييي أماميية أولى؛ إذ فيييه جمييع بييين قوله عليييه السييلم( :ل صييلة) وبييين إخلص الدعاء للميييت.
وقراءة الفاتحة فيها إنما هي استفتاح للدعاء .وال أعلم.
@ وسينة المام أن يقوم عنيد رأس الرجيل وعجيزة المرأة ،لميا رواه أبيو داود عين أنيس وصيلى
على جنازة فقال له العلء بن زياد :يا أبا حمزة ،هكذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي
على الجنائز كصلتك يكبر أربعا ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال :نعم .ورواه مسلم
عين سيمرة بين جندب قال :صيليت خلف النيبي صيلى ال علييه وسيلم وصيلى على أم كعيب ماتيت
وهي نفساء ،فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم للصلة عليها وسطها.
@قوله تعالى" :ول تقم على قبره" كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على
قبره ودعا له بالتثبيت ،على ما بيناه [في التذكرة] والحمد ل.
**3اليية{ 85 :ول تعجبيك أموالهيم وأولدهيم إنميا يرييد ال أن يعذبهيم بهيا فيي الدنييا وتزهيق
أنفسهم وهم كافرون}
@ كرره تأكيدا .وقد تقدم الكلم فيه.
**3الية{ 86 :وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بال وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم
وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين}
@ انتدب المؤمنون إلى الجابية وتعلل المنافقون .فالمير للمؤمنيين باسيتدامة اليمان وللمنافقيين
بابتداء اليمان .و"أن" فييي موضييع نصييب؛ أي بأن آمنوا .و"الطول" الغنييي؛ وقييد تقدم .وخصييهم
بالذكيير لن ميين ل طول له ل يحتاج إلى إذن لنييه معذور" .وقالوا ذرنييا نكيين مييع القاعدييين" أي
العاجزين عن الخروج.
**3الية{ 89 - 88 - 87 :رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون،
لكيين الرسييول والذييين آمنوا معييه جاهدوا بأموالهييم وأنفسييهم وأولئك لهييم الخيرات وأولئك هييم
المفلحون ،أعد ال لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}
@قوله تعالى" :رضوا بأن يكونوا مييع الخوالف" "الخوالف" جمييع خالفيية؛ أي مييع النسيياء
والصييبيان وأصييحاب العذار ميين الرجال .وقييد يقال للرجييل :خالفيية وخالف أيضييا إذا كان غييير
نجييب؛ على ميا تقدم .يقال :فلن خالفية أهله إذا كان دونهيم .قال النحاس :وأصيله مين خلف اللبين
يخلف إذا حمض من طول مكثه .وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه؛ ومنه فلن خلف سوء؛ إل أن
فواعيل جميع فاعله ول يجميع فاعيل صيفة على فواعيل إل فيي الشعير؛ إل فيي حرفيين ،وهميا فارس
وهالك .وقوله تعالى فيي وصيف المجاهديين" :وأولئك لهيم الخيرات" قييل :النسياء الحسيان؛ عين
الحسين .دليله قوله عيز وجيل" :فيهين خيرات حسيان" [الرحمين .]70 :ويقال :هيي خيرة النسياء.
والصيل خيرة فخفيف؛ مثيل هينية وهينية .وقييل :جميع خيير .فالمعنيى لهيم منافيع الداريين .وقيد تقدم
معنى الفلح .والجنات :والبساتين .وقد تقدم أيضا.
**3الية{ 90 :وجاء المعذرون من العراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا ال ورسوله سيصيب
الذين كفروا منهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :وجاء المعذرون مين العراب" قرأ العرج والضحاك "الم ْعذِرون" مخففيا.
ورواهيا أبيو كرييب عين أبيي بكير عين عاصيم ،ورواهيا أصيحاب القراءات عين ابين عباس .قال
الجوهري :وكان ابين عباس يقرأ "وجاء المعْذرون" مخففية ،مين أعذر .ويقول :وال لهكذا أنزلت.
قال النحاس :إل أن مدارهيا عين الكلبيي ،وهيي مين أعذر؛ ومنيه قيد أعذر مين أنذر؛ أي قيد بالغ فيي
العذر من تقدم إليك فأنذرك .وأما "المعذرون" بالتشديد ففيه قولن :أحدهما أنه يكون المحق؛ فهو
فييي المعنييى المعتذر ،لن له عذرا .فيكون "المعذرون" على هذه أصييله المعتذرون ،ولكيين التاء
قلبيت ذال فأدغميت فيهيا وجعلت حركتهيا على العيين؛ كميا قرئ "يخصيمون" [ييس ]49 :بفتيح
الخاء .ويجوز "المعذرون" بكسيير العييين لجتماع السيياكنين .ويجوز ضمهييا اتباعييا للميييم .ذكره
الجوهري والنحاس .إل أن النحاس حكاه عين الخفيش والفراء وأبيي حاتيم وأبيي عبييد .ويجوز أن
يكون الصل المعتذرون ،ثم أدغمت التاء في الذال؛ ويكونون الذين لهم عذر .قال لبيد:
ومن يبك حول كامل فقد اعتذر إلى الحول ثم اسم السلم عليكما
والقول الخر أن المعذر قد يكون غير محق ،وهو الذي يعتذر ول عذر له .قال الجوهري :فهو
المعذر على جهية المفعيل؛ لنيه الممرض والمقصير يعتذر بغيير عذر .قال غيره :يقال عذر فلن
فيي أمير كذا تعذيرا؛ أي قصير ولم يبالغ فييه .والمعنيى أنهيم اعتذروا بالكذب .قال الجوهري :وكان
ابيين عباس يقول :لعيين ال المعذرييين .كأن الميير عنده أن المعذر بالتشديييد هييو المظهيير للعذر،
اعتلل مين غيير حقيقية له فيي العذر .النحاس :قال أبيو العباس محميد بين يزييد ول يجوز أن يكون
الصل فيه المعتذرين ،ول يجوز الدغام فيقع اللبس .ذكر إسماعيل بن إسحاق أن الدغام مجتنب
على قول الخليييل وسيييبويه ،بعييد أن كان سييياق الكلم يدل على أنهييم مذمومون ل عذر لهييم ،قال:
لنهيم جاؤوا ليؤذن لهيم ولو كانوا مين الضعفاء والمرضيى والذيين ل يجدون ميا ينفقون لم يحتاجوا
أن يسيتأذنوا .قال النحاس :وأصيل المعذرة والعذار والتعذيير مين شييء واحيد وهيو مميا يصيعب
ويتعذر .وقول العرب :من عذيري من فلن ،معناه قد أتى أمرا عظيما يستحق أن أعاقبه عليه ولم
يعلم الناس به؛ فمن يعذرني إن عاقبته .فعلى قراءة التخفيف قال ابن عباس :هم الذين تخلفوا بعذر
فأذن لهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :هيم رهيط عامير بين الطفييل قالوا :ييا رسيول ال ،لو
غزونيا معيك أغارت أعراب طييء على حلئلنيا وأولدنيا ومواشينيا؛ فعذرهيم النيبي صيلى ال علييه
وسلم .وعلى قراءة التشديد في القول الثاني ،هم قوم من غفار اعتذروا فلم يعذرهم النبي صلى ال
عليه وسلم؛ لعلمه أنهم غير محقين ،وال أعلم .وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم ،وهيم الذيين أخيبر ال تعالى عنهيم فقال" :وقعيد الذيين كذبوا ال ورسيوله"
والمراد بكذبهم قولهم :إنا مؤمنون .و"ليؤذن" نصب بلم كي.
**3الية{ 91 :ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجدون ما ينفقون حرج
إذا نصحوا ل ورسوله ما على المحسنين من سبيل وال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :ليس على الضعفاء" الية .أصل في سقوط التكليف عن العاجز؛ فكل من عجز
عين شييء سيقط عنيه ،فتارة إلى بدل هيو فعيل ،وتارة إلى بدل هيو غرم ،ول فرق بيين العجيز مين
جهية القوة أو العجيز مين جهية المال؛ ونظيير هذه اليية قوله تعالى" :ل يكلف ال نفسيا إل وسيعها"
[البقرة ]286 :وقوله" :لييس على العميى حرج ول على العرج حرج ول على المرييض
حرج" [النور .]61 :وروى أبيو داود عين أنيس أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :لقيد
تركتيم بالمدينية أقواميا ميا سيرتم مسييرا ول أنفقتيم مين نفقية ول قطعتيم مين واد إل وهيم معكيم فييه).
قالوا :يا رسول ال ،وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال( :حبسهم العذر) .فبينت هذه الية مع
مييا ذكرنييا ميين نظائرهييا أنييه ل حرج على المعذورييين ،وهييم قوم عرف عذرهييم كأرباب الزمانيية
والهرم والعمى والعرج ،وأقوام لم يجدوا ما ينفقون؛ فقال :ليس على هؤلء حرج" .إذا نصحوا ل
ورسيييوله" إذا عرفوا الحيييق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه قال العلماء :فعذر الحيييق سيييبحانه
أصحاب العذار ،وما صبرت القلوب؛ فخرج ابن أم مكتوم إلى أحد وطلب أن يعطي اللواء فأخذه
مصييعب بيين عمييير ،فجاء رجييل ميين الكفار فضرب يده التييي فيهييا اللواء فقطعهييا ،فأمسييكه باليييد
الخرى فضرب اليييد الخرى فأمسييكه بصييدره وقرأ "ومييا محمييد إل رسييول قييد خلت ميين قبله
الرسل" [آل عمران .]144 :هذه عزائم القوم .والحق يقول" :ليس على العمى حرج" [النور:
]61وهيو فيي الول" .ول على العرج حرج" [النور ]61 :وعمرو بين الجموح مين نقباء
النصيار أعرج وهيو فيي أول الجييش .قال له الرسيول علييه السيلم( :إن ال قيد عذرك) فقال :وال
لحفرن بعرجتي هذه في الجنة؛ إلى أمثالهم حسب ما تقدم في هذه السورة من ذكرهم رضي ال
عنهم .وقال عبدال بن مسعود :ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
@قوله تعالى" :إذا نصحوا" النصح إخلص العمل من الغش .ومنه التوبة النصوح .قال نفطويه:
نصيح الشييء إذا خلص .ونصيح له القول أي أخلصيه له .وفيي صيحيح مسيلم عين تمييم الداري أن
النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :الديين النصييحة) ثلثيا .قلنيا لمين؟ قال( :ل ولكتابيه ولرسيوله
ولئمية المسيلمين وعامتهيم) .قال العلماء :النصييحة ل إخلص العتقاد فيي الوحدانيية ،ووصيفه
بصيفات اللوهيية ،وتنزيهيه عين النقائص والرغبية فيي محابّه والبعيد مين مسياخطه .والنصييحة
لرسيوله :التصيديق بنبوتيه ،والتزام طاعتيه فيي أمره ونهييه ،وموالة مين واله ومعاداة مين عاداه،
وتوقيره ،ومحبتيه ومحبية آل بيتيه ،وتعظيميه وتعظييم سينته ،وإحياؤهيا بعيد موتيه بالبحيث عنهيا،
والتفقيه فيهيا والذب عنهيا ونشرهيا والدعاء إليهيا ،والتخلق بأخلقيه الكريمية صيلى ال علييه وسيلم.
وكذا النصيح لكتاب ال :قراءتيه والتفقيه فييه ،والذب عنيه وتعليميه وإكراميه والتخلق بيه .والنصيح
لئميية المسييلمين :ترك الخروج عليهييم ،إرشادهييم إلى الحييق وتنييبيههم فيمييا أغفلوه ميين أمور
المسلمين ،ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم .والنصح للعامة :ترك معاداتهم ،وإرشادهم وحب
الصالحين منهم ،والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم .وفي الحديث الصحيح (مثل المؤمنين في
توادهيم وتراحمهيم وتعاطفهيم مثيل الجسيد إذا اشتكيى منيه عضيو تداعيى له سيائر الجسيد بالسيهر
والحمى).
@قوله تعالى" :ميا على المحسينين مين سيبيل" "مين سيبيل" فيي موضيع رفيع اسيم "ميا" أي مين
طريق إلى العقوبة .وهذه الية أصل في رفع العقاب عن كل محسن .ولهذا قال علماؤنا في الذي
يقتيص مين قاطيع يده فيفضيي ذلك فيي السيراية إلى إتلف نفسيه :إنيه ل ديية له؛ لنيه محسين فيي
اقتصاصه من المعتدي عليه .وقال أبو حنيفة :تلزمه الدية .وكذلك إذا صال فحل على رجل فقتله
فيي دفعيه عين نفسيه فل ضمان علييه؛ وبيه قال الشافعيي .وقال أبيو حنيفية :تلزميه لمالكيه القيمية .قال
ابن العربي :وكذلك القول في مسائل الشريعة كلها.
**3الية{ 92 :ول على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ل أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم
تفيض من الدمع حزنا أل يجدوا ما ينفقون}
@قوله تعالى" :ول على الذين إذا ما أتوك لتحملهم" روي أن الية نزلت في عرباض بن سارية.
وقيييل :نزلت فييي عائذ بيين عمرو .وقيييل :نزلت فييي بنييي مقرن -وعلى هذا جمهور المفسييرين -
وكانوا سيبعة إخوة ،كلهيم صيحبوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،ولييس فيي الصيحابة سيبعة إخوة
غيرهم ،وهم النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وسابع لم يسم .بنو مقرن المزنيون سبعة إخوة
هاجروا وصحبوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يشاركهم -فيما ذكره ابن عبدالبر وجماعة
-فيي هذه المكرمية غيرهيم .وقيد قييل :إنهيم شهدوا الخندق كلهيم .وقييل :نزلت فيي سيبعة نفير مين
بطون شتى ،وهم البكاؤون أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ليحملهم ،فلم يجد
ميا يحملهيم علييه؛ فيي "تولوا وأعينهيم تفييض مين الدميع حزنيا أل يجدوا ميا ينفقون" فسيموا البكائيين.
وهم سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف وعلبة بن زيد أخو بني حارثة .وأبو ليلى عبدالرحمن
بن كعب من بني مازن بن النجار .وعمرو بن الحمام من بني سلمة .وعبدال بن المغفل المزني،
وقيل :بل هو عبدال بن عمرو المزني .وهرمي بن عبدال أخو بني واقف ،وعرباض بن سارية
الفزاري ،هكذا سماهم أبو عمر في كتاب الدرر له .وفيهم اختلف .قال القشيري :معقل بن يسار
وصخر بن خنساء وعبدال بن كعب النصاري ،وسالم بن عمير ،وثعلبة بن غنمة ،وعبدال بن
مغفيل وآخير .قالوا :ييا نيبي ال ،قيد ندبتنيا للخروج معيك ،فاحملنيا على الخفاف المرفوعية والنعال
المخصوفة نغز معك .فقال" :ل أجد ما أحملكم عليه" فتولوا وهم يبكون .وقال ابن عباس :سألوه
أن يحملهيم على الدواب ،وكان الرجيل يحتاج إلى بعيريين ،بعيير يركبيه وبعيير يحميل ماءه وزاده
لبعييد الطريييق .وقال الحسيين :نزلت فييي أبييي موسييى وأصييحابه أتوا النييبي صييلى ال عليييه وسييلم
ليسيتحملوه ،ووافيق ذلك منيه غضبيا فقال" :وال ل أحملكيم ول أجيد ميا أحملكيم علييه فتولوا يبكون؛
فدعاهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأعطاهيم ذودا .فقال أبيو موسيى :ألسيت حلفيت ييا رسيول
ال؟ فقال( :إنيي إن شاء ال ل أحلف على يميين فأرى غيرهيا خيرا منهيا إل أتييت الذي هيو خيير
وكفرت عن يميني).
قلت :وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم بلفظه ومعناه .وفي مسلم :فدعا بنا فأمر لنا
بخمييس ذود غيير الذرى ...الحديييث .وفييي آخره( :فانطلقوا فإنمييا حملكييم ال) .وقال الحسيين أيضييا
وبكر بن عبدال :نزلت في عبدال بن مغفل المزني ،أتى النبي صلى ال عليه وسلم يستحمله .قال
الجرجانيي :التقديير أي ول على الذيين إذا ميا أتوك لتحملهيم وقلت ل أجيد .فهيو مبتدأ معطوف على
ميا قبله بغيير واو ،والجواب "تولوا"" .وأعينهيم تفييض مين الدميع" الجملة فيي موضيع نصيب على
الحال" .حزنييا" مصييدر" .أل يجدوا" نصييب بأن .وقال النحاس :قال الفراء يجوز أن ل يجدون؛
يجعل ل بمعنى ليس .وهو عند البصريين بمعنى أنهم ل يجدون.
والجمهور من العلماء على أن من ل يجد ما ينفقه فيي غزوه أنه ل يجيب عليه .وقال علماؤنا:
إذا كانت عادته المسألة لزمه كالحج وخرج على العادة لن حاله إذا لم تتغير يتوجه الفرض عليه
كتوجهه على الواجد .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وأعينهم تفيض من الدمع" ما يستدل به على قرائن الحوال .ثم منها ما يفيد العلم
الضروري ،ومنهيا ميا يحتميل التردييد .فالول كمين يمير على دار قيد عل فيهيا النعييي وخمشيت
الخدود وحلقييت الشعور وسييلقت الصييوات وخرقييت الجيوب ونادوا على صيياحب الدار بالثبور؛
فيعلم أنيه قيد مات .وأميا الثانيي فكدموع اليتام على أبواب الحكام؛ قال ال تعالى مخيبرا عين إخوة
يوسيف علييه السيلم" :وجاؤوا أباهيم عشاء يبكون" [يوسيف .]16 :وهيم الكاذبون؛ قال ال تعالى
مخيبرا عنهيم" :وجاؤوا على قميصيه بدم كذب" [يوسيف .]18 :وميع هذا فإنهيا قرائن يسيتدل بهيا
في الغالب فتبني عليها الشهادات بناء على ظواهر الحوال وغالبها .وقال الشاعر:
تبين من بكى ممن تباكي إذا اشتبكت دموع في خدود
وسيأتي هذا المعنى في "يوسف" مستوفى إن شاء ال تعالى.
**3اليية{ 93 :إنميا السيبيل على الذيين يسيتأذنونك وهيم أغنياء رضوا بأن يكونوا ميع الخوالف
وطبع ال على قلوبهم فهم ل يعلمون}
@قوله تعالى" :إنميا السيبيل" أي العقوبية والمأثيم" .على الذيين يسيتأذنونك وهيم أغنياء" والمراد
المنافقون .كرر ذكرهم للتأكيد في التحذير من سوء أفعالهم.
**3اليية{ 94 :يعتذرون إليكيم إذا رجعتيم إليهيم قيل ل تعتذروا لن نؤمين لكيم قيد نبأنيا ال مين
أخباركم وسيرى ال عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :يعتذرون إليكم" يعني المنافقين" .لن نؤمن لكم" أي لن نصدقكم" .قد نبأنا ال من
أخباركم" أي أخبرنا بسيرائركم" .وسيرى ال عملكم" فيما تستأنفون" .ثم تردون إلى عالم الغيب
والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" أي يجازيكم بعملكم .وقد مضى هذا كله مستوفى.
**3اليية{ 95 :سيحلفون بال لكم إذا انقلبتم إليهيم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهيم رجيس
ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون}
@قوله تعالى" :سيحلفون بال لكم إذا انقلبتم إليهم" أي من تبوك .والمحلوف عليه محذوف؛ أي
يحلفون أنهم ما قدروا على الخروج" .لتعرضوا عنهم" أي لتصفحوا عن لومهم .وقال ابن عباس:
أي ل تكلموهيم .وفيي الخيبر أنيه قال علييه السيلم لميا قدم مين تبوك( :ول تجالسيوهم ول تكلموهيم).
"إنهم رجس" أي عملهم رجس؛ والتقدير :إنهم ذوو رجس؛ أي عملهم قبيح" .ومأواهم جهنم" أي
منزلهيم ومكانهيم .قال الجوهري :المأوى كيل مكان يأوي إلييه شييء ليل أو نهارا .وقيد أوى فلن
إلى منزله يأوي أويا ،على فعول ،وإواء .ومنه قوله تعالى" :سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"
[هود .]43 :وآويته أنا إيواء .وأويته إذا أنزلته بك؛ فعلت وأفعلت ،بمعنى؛ عن أبى زيد .ومأوي
البل "بكسر الواو" لغة في مأوى البل خاصة ،وهو شاذ.
**3اليية{ 96 :يحلفون لكيم لترضوا عنهيم فإن ترضوا عنهيم فإن ال ل يرضيى عين القوم
الفاسقين}
@ حلف عبدال بن أبي أل يتخلف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد ذلك وطلب أن يرضى
عنه.
**3الية{ 97 :العراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أل يعلموا حدود ما أنزل ال على رسوله وال
عليم حكيم}
@ لما ذكر جل وعز أحوال المنافقين بالمدينة ذكر من كان خارجا منها ونائيا من العراب؛ فقال
كفرهيم أشيد .قال قتادة :لنهيم أبعيد عين معرفية السينن .وقييل :لنهيم أقسيى قلبيا وأجفيى قول وأغلظ
طبعيا وأبعيد عين سيماع التنزييل؛ ولذلك قال ال تعالى فيي حقهيم" :وأجدر" أي أخلق" .أل يعلموا"
"أن" فيي موضيع نصيب بحذف الباء؛ تقول :أنيت جديير بأن تفعيل وأن تفعيل؛ فإذا حذفيت الباء لم
يصييلح إل بي ي "أن" وإن أتيييت بالباء صييلح بي ي "أن" وغيره؛ تقول :أنييت جدييير أن تقوم ،وجدييير
بالقيام .ولو قلت :أنييت جدييير القيام كان خطييأ .وإنمييا صييلح مييع "أن" لن أن يدل على السييتقبال
فكأنهيييا عوض مييين المحذوف" .حدود ميييا أنزل ال" أي فرائض الشرع .وقييييل :حجيييج ال فيييي
الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم.
@ ولميا كان ذلك ودل على نقصيهم وحطهيم عين المرتبية الكاملة عين سيواهم ترتبيت على ذلك
أحكام ثلثة:
أولها :ل حق لهم في الفيء والغنيمة؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في صحيح مسلم من
حدييث بريدة ،وفييه( :ثيم أدعهم إلى التحول من دارهيم إلى دار المهاجريين وأخبرهم أنهيم إن فعلوا
ذلك فلهييم مييا للمهاجرييين وعليهييم مييا على المهاجرييين فإن أبوا أن يتحولوا عنهييا فأخييبرهم أنهييم
يكونون كأعراب المسييلمين يجري عليهييم حكييم ال الذي يجري على المؤمنييين ول يكون لهييم فييي
الغنيمة والفيء شيء إل أن يجاهدوا مع المسلمين).
وثانيهيا :إسيقاط شهادة أهيل الباديية عين الحاضرة؛ لميا فيي ذلك مين تحقيق التهمية .وأجازهيا أبيو
حنيفية قال :لنهيا ل تراعيي كيل تهمية ،والمسيلمون كلهيم عنده على العدالة .وأجازهيا الشافعيي إذا
كان عدل مرضيييا؛ وهييو الصييحيح لمييا بيناه فييي "البقرة" .وقييد وصييف ال تعالى العراب هنييا
أوصيافا ثلثية :أحدهيا :بالكفير والنفاق .والثانيي :بأنيه يتخيذ ميا ينفيق مغرميا ويتربيص بكيم الدوائر.
والثالث :باليمان بال وباليوم الخر ويتخذ ما ينفق قربات عند ال وصلوات الرسول؛ فمن كانت
هذه صفته فبعيد أل تقبل شهادته فيلحق بالثاني والول ،وذلك باطل .وقد مضى الكلم في هذا في
"النساء".
وثالثهيا :أن إمامتهيم بأهيل الحاضرة ممنوعية لجهلهيم بالسينة وتركهيم الجمعية .وكره أبيو مجلز
إماميية العرابييي .وقال مالك :ل يؤم وإن كان أقرأهييم .وقال سييفيان الثوري والشافعييي وإسييحاق
وأصحاب الرأي :الصلة خلف العرابي جائزة .واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلة.
@قوله تعالى" :أشيد" أصيله أشدد؛ وقيد تقدم" .كفرا" نصيب على البيان" .ونفاقيا" عطيف علييه.
"وأجدر" عطف على أشد ،ومعناه أخلق؛ يقال :فلن جدير بكذا أي خليق به ،وأنت جدير أن تفعل
كذا ،والجميع جدراء وجديرون .وأصيله مين جدر الحائط وهيو رفعيه بالبناء .فقوله :هيو أجدر بكذا
أي أقرب إليييه وأحييق بييه" .أل يعلموا" أي بأل يعلموا .والعرب :جيييل ميين الناس ،والنسييبة إليهييم
عربيي بيين العروبية ،وهيم أهيل المصيار .والعراب منهيم سيكان الباديية خاصية .وجاء فيي الشعير
الفصييح أعارييب .والنسيبة إلى العراب أعرابيي لنيه ل واحيد له ،ولييس العراب جمعيا للعرب
كما كان النباط جمعا لنبط؛ وإنما العرب اسم جنس .والعرب العاربة هم الخلص منهم ،وأخذ من
لفظيه وأكيد بيه؛ كقولك :لييل لئل .وربميا قالوا :العرب العرباء .وتعرب أي تشبيه بالعرب .وتعرب
بعييد هجرتييه أي صييار أعرابيييا .والعرب المسييتعربة هييم الذييين ليسييوا بخلص ،وكذلك المتعربيية،
والعربية هي هذه اللغة .ويعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية ،وهو أبو اليمن كلهم .والعُرب
والعَرب واحد؛ مثل العجم والعجم .والعريب تصغير العرب؛ قال الشاعر:
ول تشتهيه نفوس العجم ومكن الضباب طعام العريب
إنميا صيغرهم تعظيميا؛ كميا قال :أنيا جذيلهيا المحيك ،وعذيقهيا المرجيب كله عين الجوهري .وحكيى
القشيري وجمييع العربييي العرب ،وجمييع العرابييي أعراب وأعاريييب .والعرابييي إذا قيييل له يييا
عربيي فرح ،والعربيي إذا قييل له ييا أعرابيي غضيب .والمهاجرون والنصييار عرب ل أعراب.
وسيميت العرب عربيا لن ولد إسيماعيل نشؤوا مين عربية وهيي مين تهامية فنسيبوا إليهيا .وأقاميت
قريش بعربة وهي مكة ،وانتشر سائر العرب في جزيرتها.
**3الية{ 98 :ومن العراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء
وال سميع عليم}
@قوله تعالى" :ومين العراب مين يتخيذ" "مين" فيي موضيع رفيع بالبتداء" .ميا ينفيق مغرميا"
مفعولن؛ والتقدير ينفقه ،فحذفت الهاء لطول السم" .مغرما" معناه غرما وخسرانا؛ وأصله لزوم
الشيء؛ ومنه" :إن عذابها كان غراما" [الفرقان ]65 :أي لزما ،أي يرون ما ينفقونه في جهاد
وصييدقة غرمييا ول يرجون عليييه ثوابييا" .ويتربييص بكييم الدوائر" التربييص النتظار؛ وقييد تقدم.
والدوائر جميع دائرة ،وهيي الحالة المنقلبية عين النعمية إلى البليية ،أي يجمعون إلى الجهيل بالنفاق
سيوء الدخلة وخبيث القلب" .عليهيم دائرة السيوء" قرأه ابين كثيير وأبيو عمرو بضيم السيين هنيا وفيي
الفتييح ،وفتحهييا الباقون .وأجمعوا على فتييح السييين فييي قوله" :مييا كان أبوك امرأ سييوء" [مريييم:
.]28والفرق بينهميا أن السيُوء بالضيم المكروه .قال الخفيش :أي عليهيم دائرة الهزيمية والشير.
وقال الفراء :أي عليهيم دائرة العذاب والبلء .قال :ول يجوز امرأ سيُوء بالضيم؛ كميا ل يقال :هيو
امرؤ عذاب ول شير .وحكيي عين محميد بين يزييد قال :السيَوء بالفتيح الرداءة .قال سييبوبه :مررت
برجل صدق ،ومعناه برجل صلح .وليس من صدق اللسان ،ولو كان من صدق اللسان لما قلت:
مررت بثوب صيدق .ومررت برجيل سيوء لييس هيو مين سيُؤته ،وإنميا معناه مررت برجيل فسياد.
وقال الفراء :السوء بالفتح مصدر سؤته سوءا ومساءة وسوائية .قال غيره :والفعل منه ساء يسوء.
والسوء بالضم اسم ل مصدر؛ وهو كقولك :عليهم دائرة البلء والمكروه.
**3اليية{ 99 :ومين العراب مين يؤمين بال واليوم الخير ويتخيذ ميا ينفيق قربات عنيد ال
وصلوات الرسول أل إنها قربة لهم سيدخلهم ال في رحمته إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :ومين العراب مين يؤمين بال" أي صيدق .والمراد بنيو مقرن مين مزينية؛ ذكره
المهدوي" .قربات" جميع قربية ،وهيي ميا يتقرب بيه إلى ال تعالى؛ والجميع قرب وقربات وقربات
وقربات؛ حكاه النحاس .والقربات بالضيم ميا تقرب بيه إلى ال تعالى؛ تقول منيه :قربيت ل قربانيا.
والقربة بكسر القاف ما يستقي فيه الماء؛ والجمع في أدنى العدد قِرْبات و ِقرِبات و ِقرَبات ،وللكثير
قرب .وكذلك جميع كيل ميا كان على فعلة؛ مثيل سيدرة وفقرة ،لك أن تفتيح العيين وتكسير وتسيكن؛
حكاه الجوهري .وقرأ نافيع فيي روايية ورش "قربية" بضيم الراء وهيي الصيل .والباقون بسيكونها
تخفيفيا؛ مثيل كتيب ورسيل ،ول خلف فيي قربات .وحكيى ابين سيعدان أن يزييد بين القعقاع قرأ "أل
إنهييا قربيية لهييم" .ومعنييى "وصييلوات الرسييول" اسييتغفاره ودعاؤه .والصييلة تقييع على ضروب؛
فالصييلة ميين ال جييل وعييز الرحميية والخييير والبركيية؛ قال ال تعالى" :هييو الذي يصييلي عليكييم
وملئكتيه" [الحزاب ]43:والصيلة مين الملئكية الدعاء ،وكذلك هيي مين النيبي صيلى ال علييه
وسيلم؛ كميا قال" :وصيل عليهيم إن صيلتك سيكن لهيم" [التوبية ]103:أي دعاؤك تثيبيت لهيم
وطمأنينة" .أل إنها قربة لهم" أي تقربهم من رحمة ال ،يعني نفقاتهم.
**3الية{ 100 :والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي
ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
@ لميا ذكير جيل وعيز أصيناف العراب ذكير المهاجرين والنصيار ،وبين أن منهيم السيابقين إلى
الهجرة وأن منهم التابعين ،وأثنى عليهم .وقد اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم .ونحن نذكر من
ذلك طرفا نبين الغرض فيه إن شاء ال تعالى .وروى عمر بن الخطاب أنه قرأ "والنصار" رفعا
عطفيا على السيابقين .قال الخفيش :الخفيض فيي النصيار الوجيه؛ لن السيابقين منهميا .والنصيار
اسيم إسيلمي .قييل لنيس بين مالك :أرأييت قول الناس لكيم :النصيار ،اسيم سيماكم ال بيه أم كنتيم
تدعون به في الجاهلية؟ قال :بل اسم سمانا ال به في القرآن؛ ذكره أبو عمر في الستذكار.
@ نيص القرآن على تفضييل السيابقين الوليين مين المهاجريين والنصيار وهيم الذيين صيلوا إلى
القبلتيين؛ فيي قول سيعيد بين المسييب وطائفية .وفيي قول أصيحاب الشافعيي هيم الذيين شهدوا بيعية
الرضوان ،وهيي بيعية الحديبيية ،وقال الشعيبي .وعين محميد بين كعيب وعطاء بين يسيار :هيم أهيل
بدر .واتفقوا على أن مين هاجير قبيل تحوييل القبلة فهيو مين المهاجريين الوليين مين غيير خلف
بينهم.
وأميا أفضلهيم فقال أبيو منصيور البغدادي التميميي :أصيحابنا مجمعون على أن أفضلهيم الخلفاء
الربعية ،ثيم السيتة الباقون إلى تمام العشرة ،ثيم البدريون ثيم أصيحاب أحيد ثيم أهيل بيعية الرضوان
بالحديبية.
وأما أولهم إسلما فروى مجالد عن الشعبي قال :سألت ابن عباس من أول الناس إسلما؟ قال
أبو بكر ،أو ما سمعت قول حسان:
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعل إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة
بعد النبي وأوفاها بما حمل خير البرية أتقاها وأعدلها
وأول الناس منهم صدق الرسل الثاني التالي المحمود مشهده
وذكر أبو الفرج الجوزي عن يوسف بن يعقوب بن الماجشون أنه قال :أدركت أبي وشيخنا محمد
بين المنكدر وربيعية بين أبيي عبدالرحمين وصيالح بين كيسيان وسيعد بين إبراهييم وعثمان بين محميد
الخنسي وهم ل يشكون أن أول القوم إسلما أبو بكر؛ وهو قول ابن عباس وحسان وأسماء بنت
أبي بكر ،وبه قال إبراهيم النخعي .وقيل :أول من أسلم علي؛ روي ذلك عن زيد بن أرقم وأبي ذر
والمقداد وغيرهييم .قال الحاكييم أبييو عبدال :ل أعلم خلفييا بييين أصييحاب التواريييخ أن عليييا أولهييم
إسلما .وقيل :أول من أسلم زيد بن حارثة .وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري .وهو قول سليمان
بن يسار وعروة بن الزبير وعمران بن أبي أنس .وقيل :أول من أسلم خديجة أم المؤمنين؛ روي
ذلك مين وجوه عين الزهري ،وهيو قول قتادة ومحميد بين إسيحاق بين يسيار وجماعية ،وروي أيضيا
عن ابن عباس .وأدعى الثعلبي المفسر اتفاق العلماء على أن أول من أسلم خديجة ،وأن اختلفهم
إنميا هيو فيمين أسيلم بعدهيا .وكان إسيحاق بين إبراهييم بين راهوييه الحنظلي يجميع بيين هذه الخبار،
فكان يقول :أول مين أسيلم مين الرجال أبيو بكير ،ومين النسياء خديجية ،ومين الصيبيان علي ،ومين
الموالي زييد بين حارثية ،ومين العبييد بلل .وال أعلم .وذكير محميد بين سيعد قال :أخيبرني مصيعب
بن ثابت قال حدثني أبو السود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل قال :كان إسلم الزبير بعد أبي بكر
وكان رابعيا أو خامسيا .قال اللييث بين سيعد وحدثنيي أبيو السيود قال :أسيلم الزبيير وهيو ابين ثمان
سنين .وروي إن عليا أسلم ابن سبع سنين .وقيل :ابن عشر.
@ والمعروف عن طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو من
أصيحابه .قال البخاري فيي صيحيحه :مين صيحب النيبي صيلى ال علييه وسيلم أو رآه مين المسيلمين
فهو من أصحابه .وروي عن سعيد بن المسيب أنه كان ل يعد الصحابي إل من أقام مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم سنة أو سنتين ،وغزا معه غزوة أو غزوتين .وهذا القول إن صح عن سعيد
بين المسييب يوجيب أل يعيد مين الصيحابة جريير بين عبدال البجلي أو من شاركيه فيي فقيد ظاهير ميا
اشترطه فيهم ممن ل نعرف خلفا في عده من الصحابة.
@ ل خلف أن أول السيابقين مين المهاجريين أبيو بكير الصيديق .وقال ابين العربيي :السيبق يكون
بثلثة أشياء :الصفة وهو اليمان ،والزمان ،والمكان .وأفضل هذه الوجوه سبق الصفات؛ والدليل
علييه قوله صيلى ال علييه وسيلم فيي الصيحيح( :نحين الخرون الولون بييد أنهيم أوتوا الكتاب مين
قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا ال له فاليهود غدا والنصارى بعد غد).
فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن من سبقنا من المم بالزمان سبقناهم باليمان والمتثال لمر
ال تعالى والنقياد إلييه ،والسيتسلم لمره والرضيا بتكليفيه والحتمال لوظائفيه ،ل نعترض علييه
ول نختار معييه ،ول نبدل بالرأي شريعتييه كمييا فعييل أهييل الكتاب؛ وذلك بتوفيييق ال لمييا قضاه،
وبتيسيره لما يرضاه؛ وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال.
@ قال ابن خويز منداد :تضمنت هذه الية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة ،في
علم أو ديين أو شجاعية أو غيير ذلك ،مين العطاء فيي المال والرتبية فيي الكرام .وفيي هذه المسيألة
خلف بيين أبيي بكير وعمير رضيي ال عنهميا .واختلف العلماء فيي تفضييل السيابقين بالعطاء على
غيرهيم؛ فروي عين أبيي بكير الصيديق رضيي ال عنيه أنيه كان ل يفضيل بيين الناس فيي العطاء
بعضهم على بعض بحسب السابقة .وكان عمر يقول له :أتجعل ذا السابقة كمن ل سابقة له؟ فقال
أبو بكر :إنما عملوا ل وأجرهم عليه .وكان عمر يفضل في خلفته؛ ثم قال عند وفاته :لئن عشت
إلى غد للحقن أسفل الناس بأعلهم؛ فمات من ليلته .والخلفة إلى يومنا هذا على هذا الخلف.
@ قرأ عمر "والنصارُ" رفعا" .الذين" بإسقاط الواو نعتا للنصار؛ فراجعه زيد بن ثابت ،فسأل
عمير أبيي بين كعيب فصيدق زيدا؛ فرجيع إلييه عمير وقال :ميا كنيا نرى إل أنيا رفعنيا رفعية ل ينالهيا
معنا أحد .فقال أبي :إني أجد مصداق ذلك في كتاب ال في أول سورة الجمعة" :وآخرين منهم لما
يلحقوا بهيم" [الجمعية ]3 :وفيي سيورة الحشير" :والذيين جاؤوا مين بعدهيم يقولون ربنيا اغفير لنيا
ولخواننا الذين سبقونا باليمان" [الحشر .]10 :وفي سورة النفال بقوله" :والذين آمنوا من بعد
وهاجروا وجاهدوا معكيم فأولئك منكيم" [النفال .]74 :فثبتيت القراءة بالواو .وبيين تعالى بقوله:
"بإحسيان" ميا يتبعون فييه مين أفعالهيم وأقوالهيم ،ل فيميا صيدر عنهيم مين الهفوات والزلت؛ إذ لم
يكونوا معصومين رضي ال عنهم.
@ واختلف العلماء في التابعين ومراتبهم؛ فقال الخطيب الحافظ :التابعي من صحب الصحابي؛
ويقال للواحيد منهيم :تابيع وتابعيي .وكلم الحاكيم أبيي عبدال وغيره مشعير بأنيه يكفيي فييه أن يسيمع
مين الصيحابي أو يلقاه وإن لم توجيد الصيحبة العرفيية .وقيد قييل :إن اسيم التابعيين ينطلق على مين
أسيلم بعيد الحديبية؛ كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومن داناهيم من مسيلمة الفتح؛ لما ثبت أن
عبدالرحمين بين عوف شكيا إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم خالد بين الولييد؛ فقال النيبي صيلى ال
علييه وسيلم لخالد( :دعوا لي أصيحابي فوالذي نفسيي بيده لو أنفيق أحدكيم كيل يوم مثيل أحيد ذهبيا ميا
بلغ مد أحدهم ول نصيفه) .ومن العجب عد الحاكم أبو عبدال النعمان وسويدا ابني مقرن المزني
في التابعين عندما ذكر الخوة من التابعين ،وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة ،وقد
شهدا الخندق كميا تقدم .وال أعلم .وأكيبر التابعيين الفقهاء السيبعة مين أهيل المدينية ،وهيم سيعيد بين
المسييب ،والقاسيم بين محميد؛ وعروة بين الزبيير ،وخارجيه بين زييد ،وأبيو سيلمة بين عبدالرحمين،
وعبدال بن عتبة بن مسعود ،وسليمان بن يسار .وقد نظمهم بعض الجلة في بيت واحد فقال:
سعيد أبو بكر سليمان خارجه فخذهم عبيدال عروة قاسم
وقال أحمد بن حنبل :أفضل التابعين سعيد بن المسيب؛ فقيل له :فعلقمة والسود .فقال :سعيد بن
المسيييب وعلقميية والسييود .وعنييه أيضييا أنييه قال :أفضييل التابعييين قيييس وأبييو عثمان وعلقميية
ومسيروق؛ هؤلء كانوا فاضليين ومين عليية التابعيين .وقال أيضيا :كان عطاء مفتيي مكية والحسين
مفتييي البصييرة فهذان أكثيير الناس عنهييم؛ وأبهييم .وروي عيين أبييي بكيير بيين أبييي داود قال :سيييدتا
التابعيين مين النسياء حفصية بنيت سييرين وعمرة بنيت عبدالرحمين ،وثالثهميا -وليسيت كهميا -أم
الدرداء .وروي عن الحاكم أبي عبدال قال :طبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من
الصيحابة؛ منهيم إبراهييم بين سيويد النخعيي ولييس بإبراهييم بين يزييد النخعيي الفقييه .وبكيير بين أبيي
السميط ،وبكير بن عبدال الشج .وذكر غيرهم قال :وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين.
وقد لقوا الصحابة منهم أبو الزناد عبدال بن ذكوان ،لقي عبدال بن عمر وأنسا .وهشام بن عروة،
وقد أدخل على عبدال بن عمر ،وجابر بن عبدال وموسى بن عقبة ،وقد أدرك أنس بن مالك .وأم
خالد بنيت خالد بين سيعيد .وفيي التابعيين طبقية تسيمى بالمخضرميين ،وهيم الذيين أدركوا الجاهليية
وحياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأسلموا ول صحبة لهم .واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه
خضرم ،أي قطيع عين نظرائه الذيين أدركوا الصيحبة وغيرهيا .وذكرهيم مسيلم فبلغ بهيم عشريين
نفسا ،منهم أبو عمرو الشيباني ،وسويد بن غفلة الكندي ،وعمرو بن ميمون الودي ،وأبو عثمان
النهدي وعبيد خيير بين يزييد الخيرانيي بفتيح الخاء ،بطين مين همدان ،وعبدالرحمين بين ميل .وأبيو
الحلل العتكي ربيعة بن زرارة .وممن لم يذكره مسلم؛ منهم أبو مسلم الخولني عبدال بن ثوب،
والحنيف بين قييس .فهذه نبذة مين معرفية الصيحابة والتابعيين الذيين نطيق بفضلهيم القرآن الكرييم،
رضوان ال عليهيم أجمعيين .وكفانيا نحين قوله جيل وعيز" :كنتيم خيير أمية أخرجيت للناس" [آل
عمران ]110 :على ميا تقدم ،وقوله عيز وجيل" :وكذلك جعلناكيم أمية وسيطا" [البقرة]143 :
اليية .وقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :وددت أنيا لو رأينيا إخواننيا .)...الحدييث .فجعلنيا
إخوانه؛ إن اتقينا ال واقتفينا آثاره حشرنا ال في زمرته ول حاد بنا عن طريقته وملته بحق محمد
وآله.
**3اليية{ 101 :وممين حولكيم مين العراب منافقون ومين أهيل المدينية مردوا على النفاق ل
تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :وممن حولكم من العراب منافقون" ابتداء وخبر .أي قوم منافقون؛ يعني مزينة
وجهينية وأسيلم وغفار وأشجيع" .ومين أهيل المدينية مردوا على النفاق" أي قوم مردوا على النفاق.
وقييل" :مردوا" مين نعيت المنافقيين؛ فيكون فيي الكلم تقدييم وتأخيير ،المعنيى .ومين حولكيم مين
العراب منافقون مردوا على النفاق ،وميين أهييل المدينيية مثييل ذلك .ومعنييى" :مردوا" أقاموا ولم
يتوبوا؛ عن ابن زيد .وقال غيره :لجوا فيه وأبوا غيره؛ والمعنى متقارب .وأصل الكلمة من اللين
والملمسية والتجرد .فكأنهيم تجردوا للنفاق .ومنيه رملة مرداء ل نبيت فيهيا .وغصين أمرد ل ورق
عليييه .وفرس أمرد ل شعيير على ثنتييه .وغلم أمرد بييين المرد؛ ول يقال :جارييية مرداء .وتمريييد
البناء تمليسه؛ ومنه قوله" :صرح ممرد" [النمل .]44 :وتمريد الغصن تجريده من الورق؛ يقال:
مرد يمرد مرودا ومرادة" .ل تعلمهييم نحيين نعلمهييم" هييو مثييل قوله" :ل تعلمونهييم ال يعلمهييم"
[النفال ]60 :على ميا تقدم .وقييل :المعنيى ل تعلم ييا محميد عاقبية أمورهيم وإنميا نختيص نحين
بعلمها؛ وهذا يمنع أن يحكم على أحد بجنة أو نار.
@قوله تعالى" :سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم" قال ابن عباس :بالمراض في الدنيا
وعذاب الخرة .فمرض المؤميين كفارة ،ومرض الكافيير عقوبيية .وقيييل :العذاب الول الفضيحيية
بإطلع النبي صلى ال عليه وسلم عليهم؛ على ما يأتي بيانه في المنافقين .والعذاب الثاني عذاب
القبر .الحسن وقتادة :عذاب الدنيا وعذاب القبر .ابن زيد :الول بالمصائب في أموالهم وأولدهم،
والثانيي عذاب القيبر .مجاهيد :الجوع والقتيل .الفراء :القتيل وعذاب القيبر .وقييل :السيباء والقتيل.
وقيييل :الول أخييذ الزكاة ميين أموالهييم وإجراء الحدود عليهييم ،والثانييي عذاب القييبر .وقيييل :أحييد
العذابين ما قال تعالى" :فل تعجبك أموالهم -إلى قول -إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحياة الدنيا"
[التوبة .]55 :والغرض من الية اتباع العذاب ،أو تضعيف العذاب عليهم.
**3الية{ 102 :وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب
عليهم إن ال غفور رحيم}
@ أي ومن أهل المدينة وممن حولكم قوم أقروا بذنوبهم ،وآخرون مرجون لمر ال يحكم فيهم
بميا يرييد .فالصينف الول يحتميل أنهيم كانوا منافقيين وميا مردوا على النفاق ،ويحتميل أنهيم كانوا
مؤمنيين .وقال ابين عباس :نزلت فيي عشرة تخلفوا عين غزوة تبوك فأوثيق سيبعة منهيم أنفسيهم فيي
سيواري المسيجد .وقال بنحوه قتادة وقال :وفيهيم نزل "خيذ مين أموالهيم صيدقة" [التوبية]103 :؛
ذكره المهدوي .وقال زييد بين أسيلم :كانوا ثمانيية .وقييل :كانوا سيتة .وقييل :خمسية .وقال مجاهيد:
نزلت الية في أبي لبابة النصاري خاصة في شأنه مع بني قريظة؛ وذلك أنهم كلموه في النزول
على حكيم ال ورسيوله صيلى ال علييه وسيلم فأشار لهيم إلى حلقيه .يرييد أن النيبي صيلى ال علييه
وسلم يذبحهم إن نزلوا ،فلما افتضح تاب وندم وربط نفسه في سارية من سواري المسجد ،وأقسم
أل يطعيم ول يشرب حتيى يعفيو ال عنيه أو يموت؛ فمكيث كذلك حتيى عفيا ال عنيه ،ونزلت هذه
اليية ،وأمر رسيول ال صلى ال عليه وسلم بحله؛ ذكره الطبري عن مجاهيد ،وذكره ابن إسيحاق
فييي السيييرة أوعييب ميين هذا .وقال أشهييب ،عيين مالك :نزلت "وآخرون" فييي شأن أبييي لبابيية
وأصحابه ،وقال حين أصاب الذنب :يا رسول ال ،أجاورك وأنخلع من مالي؟ فقال( :يجزيك من
ذلك الثلث وقيد قال تعالى" :خيذ مين أموالهيم صيدقة تطرهيم وتزكيهيم بهيا" [التوبية ]103ورواه
ابين القاسيم وابين وهيب عين مالك .والجمهور أن اليية نزلت فيي شأن المتخلفيين عين غزوة تبوك،
وكانوا ربطوا أنفسيهم كميا فعيل أبيو لبابية ،وعاهدوا ال أل يطلقوا أنفسيهم حتيى يكون رسيول ال
صلى ال عليه وسلم وهو الذي يطلقهم ويرضى عنهم ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :وأنا أقسم
بال ل أطلقهيم ول أعذرهيم حتيى أومير بإطلقهيم رغبوا عنيي وتخلفوا عين الغزو ميع المسيلمين)
فأنزل ال هذه اليية؛ فلميا نزلت أرسيل إليهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم فأطلقهيم وعذرهيم .فلميا
أطلقوا قالوا :ييا رسيول ال ،هذه أموالنيا التيي خلفتنيا عنيك ،فتصيدق بهيا عنيا وطهرنيا واسيتغفر لنيا.
فقال( :ميا أمرت أن آخيذ مين أموالكيم شيئا) فأنزل ال تعالى" :خيذ مين أموالهيم صيدقة" [التوبية:
]103الية .قال ابن عباس :كانوا عشرة أنفس منهم أبو لبابة؛ فأخذ ثلث أموالهم وكانت كفارة
الذنوب التييي أصييابوها .فكان عملهييم السيييئ التخلف بإجماع ميين أهييل هذه المقالة .واختلفوا فييي
الصييالح؛ فقال الطييبري وغيره :العتراف والندم .وقيييل :عملهييم الصييالح الذي عملوه أنهييم لحقوا
برسول ال صلى ال عليه وسلم ،وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالوا :ل نقرب أهل ول ولدا
حتى ينزل ال عذرنا .وقالت فرقة :بل العمل الصالح غزوهم فيما سلف من غزو النبي صلى ال
علييه وسيلم .وهذه اليية وإن كانيت نزلت فيي أعراب فهيي عامية إلى يوم القيامية فيمين له أعمال
صالحة وسيئة؛ فهي ترجى .ذكر الطبري عن حجاج بن أبي زينب قال :سمعت أبا عثمان يقول:
ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه المة من قوله تعالى" :وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل
صالحا وآخر سيئا".
وفيي البخاري عين سيمرة بين جندب قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لنيا( :أتانيي الليلة
آتيان فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن
ميا أنيت راء وشطير كأقبيح ميا أنيت راء قال لهيم :أذهبوا فقعوا فيي ذلك النهير فوقعوا فييه ثيم رجعوا
إلينيا قيد ذهيب ذلك السيوء عنهيم فصياروا فيي أحسين صيورة قال لي هذه جنية عدن وهذاك منزلك
قال :أما القوم الذي كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا
تجاوز ال عنهيم) .وذكير البيهقيي مين حدييث الربييع بين أنيس عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال
علييه وسيلم حدييث السيراء وفييه قال( :ثيم صيعد بيي إلى السيماء )...ثيم ذكير الحدييث إلى أن ذكير
صعوده إلى السماء السابعة فقالوا( :حياه ال من أخ وخليفة ،فنعم الخ ونعم الخليفة ونعم المجيء
جاء فإذا برجييل أشمييط جالس على كرسييي عنييد باب الجنيية وعنده قوم بيييض الوجوه وقوم سييود
الوجوه وفيي ألوانهيم شييء فأتوا نهرا فاغتسيلوا فييه فخرجوا منيه وقيد خلص مين ألوانهيم شييء ثيم
إنهيم أتوا نهرا آخير فاغتسيلوا فييه فخرجوا منيه وقيد خلص مين ألوانهيم شييء ثيم دخلوا النهير الثالث
فخرجوا منيه وقيد خلصيت ألوانهيم مثيل ألوان أصيحابهم فجلسيوا إلى أصيحابهم فقال ييا جبرييل مين
هؤلء بييض الوجوه وهؤلء الذيين فيي ألوانهيم شييء فدخلوا النهير وقيد خلصيت ألوانهيم فقال هذا
أبوك إبراهييم هيو أول رجيل شميط على وجيه الرض وهؤلء بييض الوجوه قوم لم يلبسيوا إيمانهيم
بظلم -قال -وأميا هؤلء الذيين فيي ألوانهيم شييء خلطوا عمل صيالحا وآخير سييئا فتابوا فتاب ال
عليهيم .فأميا النهير الول فرحمية ال وأميا النهير الثانيي فنعمية ال .وأميا النهير الثالث فسيقاهم ربهيم
شرابا طهورا) وذكر الحديث .والواو في قوله" :وآخر سيئا" قيل :هي بمعنى الباء ،وقيل :بمعنى
مع؛ كقولك استوى الماء والخشبة .وأنكر ذلك الكوفيون وقالوا :لن الخشبة ل يجوز تقديمها على
الماء ،و"آخر" في الية يجوز تقديمه على الول؛ فهو بمنزلة خلطت الماء باللبن.
**3اليية{ 103 :خيذ مين أموالهيم صيدقة تطهرهيم وتزكيهيم بهيا وصيل عليهيم إن صيلتك سيكن
لهم وال سميع عليم}
@قوله تعالى" :خيذ مين أموالهيم صيدقة" اختلف فيي هذه الصيدقة المأمور بهيا؛ فقييل :هيي صيدقة
الفرض؛ قال جويبر عن ابن عباس ،وهو قول عكرمة فيميا ذكر القشيري .وقيل :هو مخصوص
بمين نزلت فييه؛ فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أخيذ منهيم ثلث أموالهيم ،ولييس هذا مين الزكاة
المفروضة في شيء؛ ولهذا قال مالك :إذا تصدق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث؛ متمسكا
بحديييث أبييي لبابيية .وعلى القول الول فهييو خطاب للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم يقتضييي بظاهره
اقتصياره علييه فل يأخيذ الصيدقة سيواه ،ويلزم على هذا سيقوطها بسيقوطه وزوالهيا بموتيه .وبهذا
تعلق مانعيو الزكاة على أبيي بكير الصيديق رضيي ال عنيه وقالوا :إنيه كان يعطينيا عوضيا منهيا
التطهير والتزكية والصلة علينا وقد عدمناها من غيره .ونظم في ذلك شاعرهم فقال:
فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر أطعنا رسول ال ما كان بيننا
لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر وإن الذي سألوكم فمنعتم
كرام على الضراء في العسر واليسر سنمنعهم ما دام فينا بقية
وهذا صينف مين القائميين على أبيي بكير أمثلهيم طريقية ،وفيي حقهيم قال أبيو بكير(:وال لقاتلن مين
فرق بيين الصيلة والزكاة) .ابين العربيي :أميا قولهيم إن هذا خطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فل
يلتحق به غيره فهو كلم جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلعب بالدين؛ فإن الخطاب في
القرآن لم يرد بابيا واحدا ولكين اختلفيت موارده على وجوه ،فمنهيا خطاب توجيه إلى جمييع المية
كقوله" :ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا قمتيم إلى الصيلة" [المائدة ]6 :وقوله" :ييا أيهيا الذيين آمنوا كتيب
عليكيم الصييام" [البقرة ]183 :ونحوه .ومنهيا خطاب خيص بيه ولم يشركيه فييه غيره لفظيا ول
معنيى كقوله" :ومين اللييل فتهجيد بيه نافلة لك" [السيراء ]79 :وقوله" :خالصية لك" [الحزاب:
.]50ومنهيا خطاب خيص بيه لفظيا وشركيه جمييع المية معنيى وفعل؛ كقوله "أقيم الصيلة لدلوك
الشميس" [السيراء ]78 :اليية .وقوله" :فإذا قرأت القرآن فاسيتعذ بال" [النحيل ]98 :وقوله:
"وإذا كنيت فيهيم فأقميت لهيم الصيلة" [النسياء ]102 :فكيل مين دلكيت علييه الشميس مخاطيب
بالصيلة .وكذلك كيل مين قرأ القرآن مخاطيب بالسيتعاذة .وكذلك كيل مين خاف يقييم الصيلة بتلك
الصيفة .ومين هذا القبييل قوله تعالى" :خيذ مين أموالهيم صيدقة تطهرهيم وتزكيهيم بهيا" .وعلى هذا
المعنيى جاء قوله تعالى" :يا أيها النبي اتيق ال" [الحزاب ]1 :و"ييا أيها النبي إذا طلقتيم النساء"
[الطلق.]1 :
@قوله تعالى" :مين أموالهيم" ذهيب بعيض العرب وهيم دوس :إلى أن المال الثياب والمتاع
والعروض .ول تسمي العين مال .وقد جاء هذا المعنى في السنة من رواية مالك عن ثور بن زيد
الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال :خرجنا مع رسول ال صلى ال
علييه وسيلم عام خييبر فلم نغنيم ذهبيا ول ورقيا إل الموال الثياب والمتاع .الحدييث .وذهيب غيرهيم
إلى أن المال الصيامت مين الذهيب والورق .وقييل :البيل خاصية؛ ومنيه قولهيم :المال البيل .وقييل:
جمييع الماشيية .وذكير ابين النباري عين أحميد بين يحييى ثعلب النحوي قال :ميا قصير عين بلوغ ميا
تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال؛ وأنشد:
حد الزكاة ول إبل ول مال وال ما بلغت لي قط ماشية
قال أبيو عمير :والمعروف مين كلم العرب أن كيل ميا تمول وتملك هيو مال؛ لقوله صيلى ال علييه
وسلم( :يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو لبس فأبلي أو تصدق فأمضي).
وقال أبو قتادة :فأعطاني الدرع فابتعث به مخرفا في بني سلمة؛ فإنه لول مال تأثلته في السلم.
فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله ،سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن؛
إل أن ينوي شيئا بعينييه فيكون على مييا نواه .وقييد قيييل :إن ذلك على أموال الزكاة .والعلم محيييط
واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مال .وال أعلم.
@قوله تعالى" :خيذ مين أموالهيم صيدقة" مطلق غيير مقييد بشرط فيي المأخوذ والمأخوذ منه ،ول
تبيين مقدار المأخوذ ول المأخوذ منه .وإنما بيان ذلك في السنة والجماع .حسب ما نذكره فتؤخذ
الزكاة مين جمييع الموال .وقيد أوجيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم الزكاة فيي المواشيي والحبوب
والعيين ،وهذا ميا ل خلف فييه .واختلفوا فيميا سيوى ذلك كالخييل وسيائر العروض .وسييأتي ذكير
الخيل والعسل في "النحل" إن شاء ال .روى الئمة عن أبي سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنيه قال( :لييس فيميا دون خمسية أوسيق مين التمير صيدقة ولييس فيميا دون خميس أواق مين الورق
صيدقة ولييس فيميا دون خميس ذود مين البيل صيدقة) .وقيد مضيى الكلم فيي "النعام" فيي زكاة
الحبوب وما تنبته الرض مستوفى .وفي المعادن في "البقرة" وفي الحلي في هذه السورة .وأجمع
العلماء على أن الوقيية أربعون درهميا؛ فإذا ملك الحير المسيلم مائتيي درهيم مين فضية مضروبية -
وهيي الخميس أواق المنصيوصة فيي الحدييث -حول كامل فقيد وجبيت علييه صيدقتها ،وذلك ربيع
عشرهيا خمسية دراهيم .وإنميا اشترط الحول لقوله علييه السيلم( :لييس فيي مال زكاة حتيى يحول
عليه الحول) .أخرجه الترمذي .وما زاد على المائتي درهم من الورق فبحساب ذلك من كل شيء
منيه ربع عشره قل أو كثير؛ هذا قول مالك واللييث والشافعيي وأكثر أصحاب أبي حنيفة وابن أبي
ليلى والثوري والوزاعيي وأحميد بين حنبيل وأبيي ثور وإسيحاق وأبيي عبييد .وروي ذلك عين علي
وابن عمر .وقالت طائفة :ل شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما؛ فإذا
بلغتهيا كان فيهيا درهيم وذلك ربيع عشرهيا .هذا قول سيعيد بين المسييب والحسين وعطاء وطاوس
والشعبي والزهري ومكحول وعمرو بن دينار وأبي حنيفة.
@ وأميا زكاة الذهيب فالجمهور مين العلماء على أن الذهيب إذا كان عشريين دينارا قيمتهيا مائتيا
درهم فما زاد أن الزكاة فيها واجبة؛ على حديث علي ،أخرجه الترمذي عن ضمرة والحارث عن
علي .قال الترمذي :سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال كلهما عندي صحيح عن أبي
إسحاق ،يحتمل أن يكون عنهما جميعا .وقال الباجي في المنتقى :وهذا الحديث ليس إسناده هناك،
غييير أن اتفاق العلماء على الخييذ بييه دليييل على صييحة حكمييه ،وال أعلم .وروي عيين الحسيين
والثوري ،وإلييه مال بعيض أصيحاب داود بين علي على أن الذهيب ل زكاة فييه حتيى يبلغ أربعيين
دينارا .وهذا يرده حدييث علي وحدييث ابين عمير وعائشية أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان يأخيذ
مين كيل عشريين دينارا نصيف دينار ،ومين الربعيين دينارا دينارا؛ على هذا جماعية أهيل العلم إل
من ذكر.
@ اتفقت المة على أن ما كان دون خمس ذَود من البل فل زكاة فيه .فإذا بلغت خمسا ففيها شاة.
والشاة تقيع على واحدة مين الغنيم ،والغنيم الضأن والمعيز جميعيا .وهذا أيضيا اتفاق مين العلماء أنيه
ليييس فييي خمييس إل شاة واحدة؛ وهيي فريضتهييا .وصييدقة المواشيي مبينيية فيي الكتاب الذي كتبيه
الصيديق لنيس لميا وجهيه إلى البحريين؛ أخرجيه البخاري وأبيو داود والدارقطنيي والنسيائي وابين
ماجية وغيرهيم ،وكله متفيق علييه .والخلف فييه فيي موضعيين أحدهميا فيي زكاة البيل ،وهيي إذا
بلغيت إحدى وعشريين ومائة فقال مالك :المصيدق بالخيار إن شاء أخيذ ثلث بنات لبون ،وإن شاء
أخييذ حقتييين .وقال ابيين القاسييم :وقال ابيين شهاب :فيهييا ثلث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلثييين ومائة
فتكون فيهيا حقية وابنتيا لبون .قال ابين القاسيم :ورأييي على قول ابين شهاب .وذكير ابين حيبيب أن
عبدالعزييز بين أبيي سيلمة وعبدالعزييز بين ابين حازم وابين دينار يقولون بقول مالك .وأميا الموضيع
الثاني فهو في صدقة الغنم ،وهي إذا زادت على ثلثمائة شاة وشاة؛ فإن الحسن بن صالح بن حي
قال :فيهيا أربيع شياه .وإذا كانيت أربعمائة شاة وشاة ففيهيا خميس شياه؛ وهكذا كلميا زادت ،فيي كيل
مائة شاة .وروي عين إبراهييم النخعيي مثله .وقال الجمهور :فيي مائتيي شاة وشاة ثلث شياه ،ثيم ل
شييء فيها إلى أربعمائة فيكون فيهيا أربيع شياه؛ ثيم كلميا زادت مائة ففيها شاة؛ إجماعا واتفاقيا .قال
ابن عبدالبر :وهذه مسألة وهم فيها ابن المنذر ،وحكى فيها عن العلماء الخطأ ،وخلط وأكثر الغلط.
@ لم يذكير البخاري ول مسيلم فيي صيحيحهما تفصييل زكاة البقير .وخرجيه أبيو داود والترمذي
والنسائي والدارقطني ومالك في موطئه وهي مرسلة ومقطوعة وموقوفة .قال أبو عمر :وقد رواه
قوم عين طاوس عين معاذ ،إل أن الذيين أرسيلوه أثبيت مين الذيين أسيندوه .وممين أسينده بقيية عين
المسيعودي عين الحكيم عين طاوس .وقيد اختلفوا فيميا ينفرد بيه بقيية عين الثقات .ورواه الحسين بين
عمارة عين الحكيم كميا رواه بقيية عين المسيعودي عين الحكيم ،والحسين مجتميع على ضعفيه .وقيد
روي هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاوس؛ ذكره عبدالرزاق قال :أخبرنا
معمر والثوري عن العمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال :بعثني رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم إلى اليمين فأمره أن يأخيذ مين كيل ثلثيين بقرة تبيعيا أو تبيعية ،ومين أربعيين
مسنة ،ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر؛ ذكره الدارقطني وأبو عيسى الترمذي وصححه .قال
أبييو عميير .ول خلف بييين العلماء أن الزكاة فييي زكاة البقيير عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم
وأصحابه ما قال معاذ بن جبل :في ثلثين بقرة تبيع ،وفي أربعين مسنة إل شيء روي عن سعيد
بين المسييب وأبيي قلبية والزهري وقتادة؛ فإنهيم يوجبون فيي كيل خميس مين البقير شاة إلى ثلثيين.
فهذه جملة مين تفصييل الزكاة بأصيولها وفروعهيا فيي كتيب الفقيه .ويأتيي ذكير الخلطية فيي سيورة
[ص] إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :صيدقة" مأخوذ مين الصيدق؛ إذ هيي دلييل على صيحة إيمانيه ،وصيدق باطنيه ميع
ظاهره ،وأنيه لييس مين المنافقيين الذيين يلمزون المطوعيين مين المؤمنيين فيي الصيدقات" .تطهرهيم
وتزكيهيم بهيا" حاليين للمخاطيب؛ التقديير :خذهيا مطهرا لهيم ومزكييا لهيم بهيا .ويجوز أن يجعلهميا
صيفتين للصيدقة؛ أي صيدقة مطهرة لهيم مزكيية ،ويكون فاعيل تزكيهيم المخاطيب ،ويعود الضميير
الذي فيي "بهيا" على الموصيوف المنكير .وحكيى النحاس ومكيي أن "تطهرهيم" مين صيفة الصيدقة
"وتزكيهيم بهيا" حال مين الضميير فيي "خيذ" وهيو النيبي صيلى ال علييه وسيلم .ويحتميل أن تكون
حال مين الصيدقة ،وذلك ضعييف لنهيا حال مين نكرة .وقال الزجاج :والجود أن تكون المخاطبية
للنيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ أي فإنيك تطهرهيم وتزكيهيم بهيا ،على القطيع والسيتئناف .ويجوز
الجزم على جواب المير ،والمعنيى :إن تأخيذ مين أموالهيم صيدقة تطهرهيم وتزكيهيم؛ ومنيه قول
امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وقرأ الحسيين تطهرهييم "بسييكون الطاء" وهييو منقول بالهمزة ميين طهيير وأطهرتييه ،مثييل ظهيير
وأظهرته.
@قوله تعالى" :وصيل عليهم" أصلٌ فيي فعيل كيل إمام يأخذ الصيدقة أن يدعو للمتصيدق بالبركية.
روى مسييلم عيين عبدال بيين أبييي أوفييى قال :كان رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم إذا أتاه قوم
بصيدقتهم قال( :اللهيم صيل عليهيم) فأتاه ابين أبيي أوفيى بصيدقته فقال( :اللهيم صيل على آل أبيي
أوفيى) .ذهيب قوم إلى هذا ،وذهيب آخرون إلى أن هذا منسيوخ بقوله تعالى" :ول تصيل على أحيد
منهم مات أبدا" [التوبة .]84 :قالوا :فل يجوز أن يُصلى على أحد إل على النبي صلى ال عليه
وسلم وحده خاصة؛ لنه خص بذلك .واستدلوا بقوله تعالى" :ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء
بعضكم بعضا" [النور ]63 :الية .وبأن عبدال بن عباس كان يقول :ل يُصلى على أحد إل على
النيبي صيلى ال علييه وسيلم .والول أصيح؛ فإن الخطاب لييس مقصيورا علييه كميا تقدم؛ ويأتيي فيي
الية بعد هذا .فيجب القتداء برسول ال صلى ال عليه وسلم ،والتأسي به؛ لنه كان يمتثل قوله:
"وصيل عليهيم إن صيلتك سيكن لهيم" أي إذا دعوت لهيم حيين يأتون بصيدقاتهم سيكن ذلك قلوبهيم
وفرحوا بيه .وقيد روى جابر بين عبدال قال :أتانيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقلت لمرأتيي :ل
تسيألي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم شيئا؛ فقالت :يخرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين
عندنيا ول نسيأله شيئا! فقالت :ييا رسيول ال؛ صيل على زوجيي .فقال رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم( :صيلى ال علييك وعلى زوجيك) .والصيلة هنيا الرحمية والترحيم .قال النحاس :وحكيى أهيل
اللغيية جميعييا فيمييا علمناه أن الصييلة فييي كلم العرب الدعاء؛ ومنييه الصييلة على الجنائز .وقرأ
حفص وحمزة والكسائي" :إن صلتك" بالتوحيد .وجمع الباقون .وكذلك الختلف في "أصلتك
تأمرك" [هود ]87 :وقرئ "سكن" بسكون الكاف .قال قتادة :معناه وقار لهم .والسكن :ما تسكن
به النفوس وتطمئن به القلوب.
**3اليية{ 104 :ألم يعلموا أن ال هيو يقبيل التوبية عين عباده ويأخيذ الصيدقات وأن ال هيو
التواب الرحيم}
@ قيل :قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين :هؤلء كانوا معنا بالمس ،ل يكلمون ول يجالسون،
فما لهم الن؟ وما هذه الخاصة التي خصوا بها دوننا؛ فنزلت" :ألم يعلموا" فالضمير في "يعلموا"
عائد إلى الذييين لم يتوبوا ميين المتخلفييين .قال معناه ابيين زيييد .ويحتمييل أن يعود إلى الذييين تابوا
وربطوا أنفسيهم .وقوله تعالى" :هيو" تأكييد لنفراد ال سيبحانه وتعالى بهذه المور .وتحقييق ذلك
أنه لو قال :إن ال يقبل التوبة لحتمل أن يكون قبول رسوله قبول منه؛ فبينت الية أن ذلك مما ل
يصل إليه نبي ول ملك.
@قوله تعالى" :ويأخذ الصدقات" هذا نص صريح في أن ال تعالى هو الخذ لها والمثيب عليها
وأن الحق له جل وعز ،والنبي صلى ال عليه وسلم واسطة ،فإن توفي فعامله هو الواسطة بعده،
وال عيز وجيل حيي ل يموت .وهذا ييبين أن قوله سيبحانه وتعالى" :خيذ مين أموالهيم صيدقة" لييس
مقصورا على النبي صلى ال عليه وسلم :روى الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم( :إن ال يقبل الصيدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لحدكم كما يربيي أحدكيم مهره حتيى
أن اللقمية لتصيير مثيل أحيد وتصيديق ذلك فيي كتاب ال "وهيو الذي يقبيل التوبية عين عباده ويأخيذ
الصيدقات" "ويمحيق ال الربيا ويربيي الصيدقات" .قال :هذا حدييث حسين صيحيح .وفيي صيحيح
مسيلم( :ل يتصيدق أحيد بتمرة مين كسيب طييب إل أخذهيا ال بيمينيه -فيي روايية -فتربيو فيي كيف
الرحمين حتيى تكون أعظيم مين الجبيل) الحدييث .وروي (إن الصيدقة لتقيع فيي كيف الرحمين قبيل أن
تقع في كف السائل فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله وال يضاعف لمن يشاء) .قال علماؤنا
رحمة ال عليهم في تأويل هذه الحاديث :إن هذا كناية عن القبول والجزاء عليها؛ كما كنى بنفسه
الكريمة المقدسة عن المريض تعطفا عليه بقوله( :يا ابن آدم مرضت فلم تعدني )...الحديث .وقد
تقدم هذا المعنيى فيي "البقرة" .وخيص اليميين والكيف بالذكير إذ كيل قابيل لشييء إنميا يأخذه بكفيه
وبيمينه أو يوضع له فيه؛ فخرج على ما يعرفونه ،وال جل وعز منزه عن الجارحة .وقد جاءت
اليمين في كلم العرب بغير معنى الجارحة؛ كما قال الشاعر:
تلقاها عرابة باليمين إذا ما راية رفعت لمجد
أي هو مؤهل للمجد والشرف ،ولم يرد بها يمين الجارحة ،لن المجد معنى فاليمين التي تتلقى به
رايته معنيى .وكذلك اليميين فيي حيق ال تعالى .وقد قييل :إن معنيى (تربيو في كف الرحمين) عبارة
عين كفية الميزان التيي توزن فيهيا العمال ،فيكون مين باب حذف المضاف؛ كأنيه قال .فتربيو كفية
ميزان الرحمين .وروي عين مالك والثوري وابين المبارك أنهيم قالوا فيي تأوييل هذه الحادييث وميا
شابهها :أ ِمرّوها بل كيف؛ قال الترمذي وغيره .وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
**3الية{ 105 :وقل اعملوا فسيرى ال عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب
والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :وقيل اعملوا" خطاب للجمييع" .فسييرى ال عملكيم ورسيوله والمؤمنون" أي
بإطلعه إياهم على أعمالكم .وفي الخبر( :لو أن رجل عمل في صخرة ل باب لها ول كوة لخرج
عمله إلى الناس كائنا ما كان).
**3الية{ 106 :وآخرون مرجون لمر ال إما يعذبهم وإما يتوب عليهم وال عليم حكيم}
@ نزلت في الثلثة الذين تيب عليهم :كعب بن مالك وهلل بن أمية من بنى واقف ومرارة بن
الربييع؛ وقييل :ابين ربعيي العمري؛ ذكره المهدوي .كانوا قيد تخلفوا عين تبوك وكانوا مياسير؛ على
ما يأتي من ذكرهم .والتقدير :ومنهم آخرون مرجون؛ من أرجأته أي أخرته .ومنه قيل :مرجئة؛
لنهم أخروا العمل .وقرأ حمزة والكسائي "مرجون" بغير همزة؛ فقيل :هو من أرجيته أي أخرته.
وقال المييبرد :ل يقال أرجيتييه بمعنييى أخرتييه ،ولكيين يكون ميين الرجاء" .إمييا يعذبهييم وإمييا يتوب
عليهم" "إما" في العربية لحد أمرين ،وال عز وجل عالم بمصير الشياء ،ولكن المخاطبة للعباد
على ما يعرفون؛ أي ليكن أمرهم عندكم على الرجاء لنه ليس للعباد أكثر من هذا.
**3اليية{ 107 :والذيين اتخذوا مسيجدا ضرارا وكفرا وتفريقيا بيين المؤمنيين وإرصيادا لمين
حارب ال ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إل الحسنى وال يشهد إنهم لكاذبون}
@قوله تعالى" :والذيين اتخذوا مسيجدا" معطوف ،أي ومنهيم الذيين اتخذوا مسيجدا ،عطيف جملة
على جملة .ويجوز أن يكون رفعييا بالبتداء والخييبر محذوف كأنهييم "يعذبون" أو نحوه .وميين قرأ
"الذيين" بغيير واو وهيي قراءة المدنييين فهيي عنده رفيع بالبتداء ،والخيبر "ل تقيم" التقديير :الذيين
اتخذوا مسيجدا ل تقيم فييه أبدا؛ أي ل تقيم فيي مسيجدهم؛ قاله الكسيائي .وقال النحاس :يكون خيبر
البتداء "ل يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم" [التوبة .]110 :وقيل :الخبر "يعذبون" كما
تقدم .ونزلت اليية فيميا روي فيي أبيو عامير الراهيب؛ لنيه كان خرج إلى قيصير وتنصير ووعدهيم
قيصيير أنييه سيييأتيهم ،فبنوا مسييجد الضرار يرصييدون مجيئه فيييه؛ قال ابيين عباس ومجاهييد وقتادة
وغيرهيم ،وقيد تقدميت قصيته فيي العراف وقال أهيل التفسيير :إن بنيي عمرو بين عوف اتخذوا
مسيجد قباء وبعثوا للنيبي صيلى ال علييه وسيلم أن يأتيهيم فأتاهيم فصيلى فييه؛ فحسيدهم إخوانهيم بنيو
غنيم بين عوف وقالوا :نبنيي مسيجدا ونبعيث إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم يأتينيا فيصيلي لنيا كميا
صلى في مسجد إخواننا ،ويصلي فيه أبو عامر إذا قدم من الشام؛ فأتوا النبي صلى ال عليه وسلم
وهيو يتجهيز إلى تبوك فقالوا :ييا رسيول ال ،قيد بنينيا مسيجدا لذي الحاجية ،والعلة والليلة المطيرة،
ونحيب أن تصيلي لنيا فييه وتدعيو بالبركية؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم (إنيي على سيفر وحال
شغيل فلو قدمنيا لتيناكيم وصيلينا لكيم فييه) فلميا أنصيرف النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين تبوك أتوه
وقيد فرغوا منيه وصيلوا فييه الجمعية والسيبت والحيد ،فدعيا بقميصيه ليلبسيه ويأتيهيم فنزل علييه
القرآن بخيبر مسيجد الضرار؛ فدعيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم مالك بين الدخشيم ومعين بين عدي
وعاميير بيين السييكن ووحشيييا قاتييل حمزة ،فقال( :انطلقوا إلى هذا المسييجد الظالم أهله فاهدموه
وأحرقوه) فخرجوا مسييرعين ،وأخرج مالك بيين الدخشييم ميين منزله شعلة نار ،ونهضوا فأحرقوا
المسجد وهدموه ،وكان الذين بنوه اثني عشر رجل :خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني
عمرو بين عوف ومين داره أخرج مسيجد الضرار ،ومعتيب بين قشيير ،وأبيو حبيبية بين الزعير،
وعباد بين الزعير ،وعباد بين حنييف أخيو سيهل بين حنييف مين بنيي عمرو بين عوف .وجاريية بين
عامير ،وابناه مجميع وزييد ابنيا جارية ،ونبتيل بن الحارث ،وبحزج ،وبجاد بن عثمان ،ووديعية بن
ثابت ،وثعلبة بن حاطب مذكور فيهم .قال أبو عمر بن عبدالبر :وفيه نظر؛ لنه شهد بدرا .وقال
عكرمة :سأل عمر بن الخطاب رجل منهم بماذا أعنت في هذا المسجد؟ فقال :أعنت فيه بسارية.
فقال :أبشر بها سارية في عنقك من نار جهنم.
@قوله تعالى" :ضرارا" مصيدر مفعول مين أجله" .وكفرا وتفريقيا بيين المؤمنيين وإرصيادا"
عطيف كله .وقال أهيل التأوييل :ضرارا بالمسيجد ،ولييس للمسيجد ضرار ،إنميا هيو لهله .وروى
الدارقطنيي عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (ل ضرر ول ضرار
مين ضار ضار ال بيه ومين شاق ال علييه) .قال بعيض العلماء :الضرر :الذي لك بيه منفعية وعلى
جارك فييه مضرة .والضرار :الذي لييس لك فييه منفعية وعلى جارك فييه المضرة .وقيد قييل :هميا
بمعنى واحد ،تكلم بهما جميعا على جهة التأكيد.
@ قال علماؤنيا :ل يجوز أن يبنيي مسيجد إلى جنيب مسيجد ،ويجيب هدميه؛ والمنيع مين بنائه لئل
ينصرف أهل المسجد الول فيبقى شاغرا ،إل أن تكون المحلة كبيرة فل يكفي أهلها مسجد واحد
فيبنى حينئذ .وكذلك قالوا .ل ينبغي أن يبنى في المصر الواحد جامعان وثلثة ،ويجب منع الثاني،
ومين صيلى فييه الجمعية لم تجزه .وقيد أحرق النيبي صيلى ال علييه وسيلم مسيجد الضرار وهدميه.
وأسند الطبري عن شقيق أنه جاء ليصلي في مسجد بني غاضرة فوجد الصلة قد فاتته ،فقيل له:
إن مسيجد بنيي فلن لم يصيل فييه بعيد؛ فقال :ل أحيب أن أصيلي فييه؛ لنيه بنيي على ضرار .قال
علماؤنييا :وكييل مسييجد بنييي على ضرار أو رياء وسييمعة فهييو فييي حكييم مسييجد الضرار ل تجوز
الصلة فيه .وقال النقاش :يلزم من هذا أل يصلي في كنيسة ونحوها؛ لنها بنيت على شر.
قلت :هذا ل يلزم؛ لن الكنيسة لم يقصد ببنائها الضرر بالغير ،وإن كان أصل بنائها على شر،
وإنما اتخذ النصارى الكنيسة واليهود البيعة موضعا يتعبدون فيه بزعمهم كالمسجد لنا فافترقا .وقد
أجميع العلماء على أن مين صيلى فيي كنيسية أو بيعية على موضيع طاهير أن صيلته ماضيية جائزة.
وقد ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة إذا لم يكن فيها تماثيل .وذكر أبو داود عن
عثمان بين أبيي العاص أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمره أن يجعيل مسيجد الطائف حييث كانيت
طواغيتهم.
@ قال العلماء :إن مين كان إماميا لظالم ل يصيلي وراءه إل أن يظهير عذره أو يتوب فإن بنيي
عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء سألوا عمر بن الخطاب في خلفته ليأذن لمجمع بن جارية
أن يصيلي بهيم فيي مسيجدهم؛ فقال :ل ول نعمية عيين ألييس بإمام مسيجد الضرار فقال له مجميع :ييا
أمير المؤمنين ،ل تعجل علي فوال لقد صليت فيه وأنا ل أعلم ما قد أضمروا عليه ولو علمت ما
صليت بهم فيه كنت غلما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا قد عاشوا على جاهليتهم وكانوا ل يقرؤون
من القرآن شيئا فصليت ول أحسب ما صنعت إثما ول أعلم بما في أنفسهم فعذره عمر رضي ال
عنهما وصدقه وأمره بالصلة في مسجد قباء.
@ قال علماؤنيا رحمية ال عليهيم :وإذا كان المسيجد الذي يتخيذ للعبادة وحيض الشرع على بنائه
فقال( :مين بنيى ل مسيجدا ولو كمفحيص قطاة بنيى ال له بيتيا فيي الجنية) يهدم وينزع إذا كان فييه
ضرر بغيره ،فمييا ظنييك بسييواه بييل هييو أحرى أن يزال ويهدم حتييى ل يدخييل ضرر على القدم.
وذلك كمن بنى فرنا أو رحى أو حفر بئرا أو غير ذلك مما يدخل به الضرر على الغير .وضابط
هذا الباب :أن مين أدخيل على أخييه ضررا منيع .فإن أدخيل على أخييه ضررا بفعيل ميا كان له فعله
فييي ماله فأضيير ذلك بجاره أو غييير جاره نظيير إلى ذلك الفعييل؛ فإن كان تركييه أكييبر ضررا ميين
الضرر الداخل على الفاعل قطع أكبر الضررين وأعظمهما حرمة في الصول .مثال ذلك :رجل
فتيح كوة فيي منزله يطلع منهيا على دار أخييه وفيهيا العيال والهيل ،ومين شأن النسياء فيي بيوتهين
إلقاء بعييض ثيابهيين والنتشار فييي حوائجهيين ،ومعلوم أن الطلع على العورات محرم وقييد ورد
النهيي فييه فلحرميه الطلع على العورات رأى العلماء أن يغلقوا على فاتيح الباب والكوة ميا فتيح
مما له فيه منفعة وراحة وفي غلقه عليه ضرر لنهم قصدوا إلى قطع أعظم الضررين ،إذ لم يكن
بيد مين قطيع أحدهميا وهكذا الحكيم فيي هذا الباب ،خلفيا للشافعيي ومين قال بقوله .قال أصيحاب
الشافعي :لو حفر رجل في ملكه بئرا وحفر آخر في ملكه بئرا يسرق منها ماء البئر الولة جاز؛
لن كيل واحيد منهميا حفير فيي ملكيه فل يمنيع مين ذلك .ومثله عندهيم :لو حفير إلى جنيب بئر جاره
كنيفيا يفسيده علييه لم يكين له منعيه؛ لنيه تصيرف فيي ملكه .والقرآن والسينة يردان هذا القول .وبال
التوفيق.
وميين هذا الباب وجييه آخيير ميين الضرر منييع العلماء منييه ،كدخان الفرن والحمام وغبار الندر
والدود المتولد مين الزبيل المبسيوط فيي الرحاب ،وميا كان مثيل هذا فإنيه يقطيع منيه ميا بان ضرره
وخشي تماديه .وأما ما كان ساعة خفيفة مثل نفض الثياب والحصر عند البواب؛ فإن هذا مما ل
غنيى بالناس عنيه ،ولييس مميا يسيتحق بيه شييء؛ فنفيي الضرر فيي منيع مثيل هذا أعظيم وأكيبر مين
الصيبر على ذلك سياعة خفيفية .وللجار على جاره فيي أدب السينة أن يصيبر على أذاه على ميا يقدر
كما عليه أل يؤذيه وأن يحسن إليه.
ومميا يدخيل فيي هذا الباب مسيألة ذكرهيا إسيماعيل بين أبيي أوييس عين مالك أنيه سيئل عين امرأة
عرض لها ،يعني مسا من الجن ،فكانت إذا أصابها زوجها وأجنبت أودنا منها يشتد ذلك بها .فقال
مالك :ل أرى أن يقربها ،وأرى للسلطان أن يحول بينه وبينها.
@قوله تعالى" :وكفرا" لميا كان اعتقادهيم أنيه ل حرمية لمسيجد قباء ول لمسيجد النيبي صيلى ال
علييه وسيلم كفروا بهذا العتقاد؛ قاله ابين العربيي .وقييل" :وكفرا" أي بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم
وبما جاء به؛ قاله القشيري وغيره.
@قوله تعالى" :وتفريقا بين المؤمنين" أي يفرقون به جماعتهم ليتخلف أقوام عن النبي صلى ال
عليه وسلم .وهذا يدلك على أن المقصد الكبر والغرض الظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب
والكلمية على الطاعية ،وعقيد الذمام والحرمية بفعيل الديانية حتيى يقيع النيس بالمخالطية ،وتصيفو
القلوب من وضر الحقاد.
تفطين مالك رحميه ال مين هذه اليية فقال :ل تصيلي جماعتان فيي مسيجد واحيد بإماميين؛ خلفيا
لسائر العلماء .وقد روي عن الشافعي المنع؛ حيث كان تشتيتا للكلمة وإبطال لهذه الحكمة وذريعة
إلى أن نقول :من يريد النفراد عن الجماعة كان له عذر فيقيم جماعته ويقدم إمامته فيقع الخلف
ويبطل النظام ،وخفي ذلك عليهم .قال ابن العربي :وهذا كان شأنه معهم ،وهو أثبت قدما منهم في
الحكمة وأعلم بمقاطع الشريعة.
@قوله تعالى" :وإرصادا لمن حارب ال ورسوله" يعني أبا عامر الراهب؛ وسمي بذلك لنه كان
يتعبيد ويلتميس العلم فمات كافرا بقنسيرين بدعوة النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ فإنيه كان قال للنيبي
صيلى ال علييه وسيلم :ل أجيد قوميا يقاتلونيك إل قاتلتيك معهيم؛ فلم يزل يقاتله إلى يوم حنيين .فلميا
انهزمت هوازن خرج إلى الورم يسيتنصر ،وأرسل إلى المنافقيين وقال :استعدوا بما استطعتم من
قوة وسلح ،وابنوا مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم لخرج محمدا من المدينة؛
فبنوا مسجد الضرار .وأبو عامر هذا هو والد حنظلة غسيل الملئكة .والرصاد :النتظار؛ تقول:
أرصدت كذا إذا أعددته مرتقبا له به .قال أبو زيد :يقال رصدته وأرصيدته في الخير ،وأرصدت
له فيي الشير .وقال ابين العرابيي :ل يقال إل أرصيدت ،ومعناه ارتقبيت .وقوله تعالى" :مين قبيل"
أي ميين قبييل بناء مسييجد الضرار" .وليحلفيين إن أردنييا إل الحسيينى" أي مييا أردنييا ببنائه إل الفعلة
الحسني ،وهي الرفيق بالمسلمين كما ذكروا لذي العلة والحاجة .وهذا يدل على أن الفعال تختلف
بالمقصود والرادات؛ ولذلك قال" :وليحلفن إن أردنا إل الحسنى"" .وال يشهد إنهم لكاذبون" أي
يعلم خبث ضمائرهم وكذبهم فيما يحلفون عليه.
**3اليية{ 108 :ل تقيم فييه أبدا لمسيجد أسيس على التقوى مين أول يوم أحيق أن تقوم فييه فييه
رجال يحبون أن يتطهروا وال يحب المطهرين}
@قوله تعالى" :ل تقم فيه أبدا" يعني مسجد الضرار؛ أي ل تقم فيه للصلة .وقد يعبر عن الصلة
بالقيام؛ يقال :فلن يقوم الليل أي يصلي؛ ومنه الحديث الصحيح( :من قام رمضان إيمانا واحتسابا
غفر له ما تقدم من ذنبه) .أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال،...
فذكره .وقد روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما نزلت هذه الية كان ل يمر بالطريق التي
فيها المسجد ،وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والقذار والقمامات.
@قوله تعالى" :أبدا" "أبدا" ظرف زمان .وظرف الزمان على قسيمين :ظرف مقدر كاليوم،
وظرف مبهم كالحين والوقت؛ والبد من هذا القسم ،وكذلك الدهر.
وتنشأ هنا مسألة أصولية ،وهي أن "أبدا" وإن كانت ظرفا مبهما ل عموم فيه ولكنه إذا اتصل
بل النافيية أفاد العموم ،فلو قال :ل تقيم ،لكفيي فيي النكفاف المطلق .فإذا قال" :أبدا" فكأنيه قال فيي
وقيت مين الوقات ول فيي حيين مين الحيان .فأميا النكرة فيي الثبات إذا كانيت خيبرا عين واقيع لم
تعم ،وقد فهم ذلك أهل اللسان وقضى به فقهاء السلم فقالوا :لو قال رجل لمرأته أنت طالق أبدا
طلقت طلقة واحدة.
@قوله تعالى" :لمسجد أسس على التقوى" أي بنيت جدره ورفعت قواعده .والسس أصل البناء؛
وكذلك السياس .والسيس مقصيور منيه .وجميع الس إسياس؛ مثيل عيس وعسياس .وجميع السياس
أسيس؛ مثيل قذال وقذل .وجميع السيس أسياس؛ مثيل سيبب وأسيباب .وقيد أسيست البناء تأسييسا.
وقولهييم :كان ذلك على أس الدهيير ،وأس الدهيير ،وإس الدهيير؛ ثلث لغات؛ أي على قدم الدهيير
ووجيه الدهير .واللم فيي قوله "لمسيجد" لم قسيم .وقييل لم البتداء؛ كميا تقول :لزييد أحسين الناس
فعل؛ وهييي مقتضييية تأكيدا" .أسييس على التقوى" نعييت لمسييجد" .أحييق" خييبر البتداء الذي هييو
"لمسجد" ومعنى التقوى هنا الخصال التي تتقى بها العقوبة ،وهي فعلى من وقيت ،وقد تقدم.
@ واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى؛ فقالت طائفة :هو مسجد قباء؛ يروى عن
ابيين عباس والضحاك والحسيين .وتعلقوا بقول" :ميين أول يوم" ،ومسييجد قباء كان أسييس بالمدينيية
أول يوم؛ فإنه بني قبل مسجد النبي صلى ال عليه وسلم؛ قاله ابن عمر وابن المسيب ،ومالك فيما
رواه عنيه ابين وهيب وأشهيب وابين القاسيم .وروى الترمذي عين أبيي سيعيد الخدري :قال تماري
رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم؛ فقال رجل هو مسجد قباء ،وقال آخر هو
مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :هيو مسيجدي هذا) .قال
حديييث صييحيح .والقول الول أليييق بالقصيية؛ لقوله" :فيييه" وضمييير الظرف يقتضييي الرجال
المتطهريين؛ فهيو مسيجد قباء .والدلييل على ذلك حدييث أبيي هريرة قال :نزلت هذه اليية فيي أهيل
قباء "فيه رجال يحبون أن يتطهروا وال يحب المطهرين" قال :كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم
هذه اليية .قال الشعيبي :هيم أهيل مسيجد قباء ،أنزل ال فيهيم هذا ..وقال قتادة :لميا نزلت هذه اليية
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لهل قباء( :إن ال سبحانه قد أحسن عليكم الثناء في التطهر
فميا تصينعون) ؟ قالوا :إنيا نغسيل أثير الغائط والبول بالماء؛ رواه أبيو داود .وروى الدارقطنيي عين
طلحة بن نافع قال :حدثني أبو أيوب وجابر بن عبدال وأنس بن مالك النصاريون عن رسول ال
صلى ال عليه وسلم في هذه الية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا وال يحب المطهرين" فقال( :يا
معشير النصيار إن ال قيد أثنيى عليكيم خيرا فيي الطهور فميا طهوركيم هذا) ؟ قالوا :ييا رسيول ال،
نتوضأ للصلة ونغتسل من الجنابة .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :فهل مع ذلك من غيره)
؟ فقالوا :ل غير ،إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء .قال( :هو ذاك فعليكموه).
وهذا الحديييث يقتضييي أن المسييجد المذكور فييي الييية هييو مسييجد قباء ،إل أن حديييث أبييي سييعيد
الخدري نص فيه النبي صلى ال عليه وسلم على أنه مسجده فل نظر معه .وقد روى أبو كريب
قال :حدثنيا أبيو أسيامة قال حدثنيا صيالح بين حيان قال حدثنيا عبدال بين بريدة فيي قوله عيز وجيل:
"في بيوت أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه" [النور ]36 :قال :إنما هي أربعة مساجد لم يبنهن
إل نييبي :الكعبيية بناهييا إبراهيييم وإسييماعيل عليهمييا السييلم ،وبيييت أريحييا بيييت المقدس بناه داود
وسليمان عليهما السلم ،ومسجد المدينة ومسجد قباء اللذين أسسا على التقوى ،بناهما رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :مين أول يوم" "مين" عنيد النحوييين مقابلة منيذ؛ فمنيذ فيي الزمان بمنزلة مين فيي
المكان .فقييل :إن معناه هنيا معنيى منيذ؛ والتقديير :منيذ أول يوم ابتدئ بنيانيه .وقييل :المعنيى مين
تأسيس أول اليام ،فدخلت على مصدر الفعل الذي هو أسس؛ كما قال:
أقوين من حجج ومن دهر لمن الديار بقنة الحجر
أي من مر حجج ومن مر دهر .وإنما دعا إلى هذا أن من أصول النحويين أن "من" ل يجر بها
الزمان ،وإنما تجر الزمان بمنذ ،تقول ما رأيته منذ شهر أوسنة أو يوم ،ول تقول :من شهر ول
من سنة ول من يوم .فإذا وقعت في الكلم وهي يليها زمن فيقدر مضمر يليق أن يجر بمن؛ كما
ذكرنا في تقدير البيت .ابن عطية .ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الية عن تقدير ،وأن تكون
"من" تجر لفظة "أول" لنها بمعنى البداءة؛ كأنه قال :من مبتدأ اليام.
@قوله تعالى" :أحيق أن تقوم فييه" أي بأن تقوم؛ فهيو فيي موضيع نصيب .و"أحيق" هو أفعيل من
الحق ،وأفعل ل يدخل إل بين شيئين مشتركين ،لحدهما في المعنى الذي اشتركا فيه مزية .على
الخر؛ فمسجد الضرار وإن كان باطل لحق فيه ،فقد اشتركا في الحق من جهة اعتقاد بانيه ،أو
مين جهية اعتقاد مين كان يظين أن القيام فييه جائز للمسيجدية؛ لكين أحيد العتقاديين باطيل باطنيا عنيد
ال ،والخيير حييق باطنييا وظاهرا؛ ومثييل هذا قوله تعالى" :أصييحاب الجنيية يومئذ خييير مسييتقرا
وأحسن مقيل" [الفرقان ]24 :ومعلوم أن الخيرية من النار مبعودة ،ولكنه جرى على اعتقاد كل
فرقة أنها على خير وأن مصيرها إليه خير؛ إذ كل حزب بما لديهم فرحون .وليس هذا من قبيل:
العسل أحلى من الخل؛ فإن العسل وإن كان حلوا فكل شيء ملئم فهو حلو؛ أل ترى أن من الناس
من يقدم الخل على العسل مفردا بمفرد ومضافا إلى غيره بمضاف.
@قوله تعالى" :فييه" مين قال :إن المسيجد يراد بيه مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فالهاء فيي
"أحيق أن تقوم فييه" عائد إلييه .و"فييه رجال" له أيضيا .ومين قال :إنيه مسيجد قباء ،فالضميير فيي
"فيه" عائد إليه على الخلف المتقدم.
@ أثنى ال سبحانه وتعالى في هذه الية على من أحب الطهارة وآثر النظافة ،وهي مروءة آدمية
ووظيفيية شرعييية؛ وفييى الترمذي عيين عائشيية رضوان ال عليهييا أنهييا قالت(:مرن أزواجكيين أن
يسيتطيبوا بالماء فإنيي أسيتحييهم) .قال :حدييث صيحيح .وثبيت أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم (كان
يحمل الماء معه في الستنجاء؛ فكان يستعمل الحجارة تخفيفا) الماء تطهيرا .ابن العربي :وقد كان
علماء القيروان يتخذون في متوضآتهم أحجارا في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء.
@ اللزم من نجاسة المخرج التخفيف ،وفي نجاسة سائر البدن والثوب التطهير .وذلك رخصة
ميين ال لعباده فييي حالتييي وجود الماء وعدمييه؛ وبييه قال عاميية العلماء .وشييذ ابيين حييبيب فقال :ل
يسيتجمر بالحجار إل عنيد عدم الماء .والخبار الثابتية فيي السيتجمار بالحجار ميع وجود الماء
ترده.
@ واختلف العلماء مين هذا الباب فيي إزالة النجاسية مين البدان والثياب ،بعيد إجماعهيم على
التجاوز والعفيو عين دم البراغييث ميا لم يتفاحيش على ثلثية أقوال :الول :أنيه واجيب فرض ،ول
تجوز صلة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا؛ روي عن ابن عباس والحسن وابن
سييرين ،وهيو قول الشافعيي وأحميد وأبيي ثور ،ورواه ابين وهيب عين مالك ،وهيو قول أبيي الفرج
المالكي والطبري؛ إل أن الطبري قال :إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلة .وهو قول أبي
حنيفية وأبيي يوسيف فيي مراعاة قدر الدرهيم قياسيا على حلقية الدبر .وقالت طائفية :إزالة النجاسية
واجبة بالسنة من الثياب والبدان ،وجوب سنة وليس بفرض .قالوا :ومن صلى بثوب نجس أعاد
الصلة في الوقت فإن خرج الوقت فل شيء عليه؛ هذا قول مالك وأصحابه إل أبا الفرج ،ورواية
ابن وهب عنه .وقال مالك في يسير الدم :ل تعاد منه الصلة في الوقت ول بعده ،وتعاد من يسير
البول والغائط؛ ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث .وقال ابن القاسم عنه :تجب إزالتها في
حالة الذكير دون النسيان؛ وهي من مفرداتيه .والقول الول أصح إن شاء ال؛ لن النيبي صيلى ال
عليييه وسييلم ميير على قييبرين فقال(:إنهمييا ليعذبان ومييا يعذبان فييي كييبير أمييا أحدهمييا فكان يمشييي
بالنميميية وأمييا الخيير فكان ل يسييتتر ميين بوله .)...الحديييث ،خرجييه البخاري ومسييلم ،وحسييبك.
وسييأتي فيي سيورة [سيبحان] .قالوا :ول يعذب النسيان إل على ترك واجيب؛ وهذا ظاهير .وروى
أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :أكثر عذاب القبر من
البول) .احتج الخرون(بخلع النبي صلى ال عليه وسلم نعليه فيي الصلة لما أعلمه جبريل عليه
السيلم أن فيهميا قذرا وأذى )...الحدييث .خرجيه أبيو داود وغيره مين حدييث أبيي سيعيد الخدري،
وسييأتي فيي سيورة [طيه] إن شاء ال تعالى .قالوا :ولميا لم يعيد ميا صيلى دل على أن إزالتهيا سينة
وصلته صحيحة ،ويعيد ما دام في الوقت طلبا للكمال .وال أعلم.
@ قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي :وأميا الفرق بيين القلييل والكثيير بقدر الدرهيم البغلي؛ يعنيي
كبار الدراهيم التيي هيي على قدر اسيتدارة الدينار قياسيا على المسيربة ففاسيد مين وجهيين؛ أحدهميا:
أن المقدرات ل تثبييت قياسييا فل يقبييل هذا التقدييير .الثانييي :أن هذا الذي خفييف عنييه فييي المسييربة
رخصة للضرورة ،والحاجة والرخص ل يقاس عليها؛ لنها خارجة عن القياس فل ترد إليه.
**3الية{ 109 :أفمن أسس بنيانه على تقوى من ال ورضوان خير أم من أسس بنيانه على
شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم وال ل يهدي القوم الظالمين}
@قوله تعالى" :أفمين أسيس" أي أصيل ،وهيو اسيتفهام معناه التقريير .و"مين" بمعنيى الذي ،وهيي
في موضع رفع بالبتداء ،وخبره "خير" .وقرأ نافع وابن عامر وجماعة "أسس بنيانه" على بناء
أسيس للمفعول ورفيع بنيان فيهميا .وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو وحمزة والكسيائي وجماعية "أسيس
بنيانه" على بناء الفعل للفاعل ونصب بنيانه فيهما .وهي اختيار أبي عبيد لكثرة من قرأ به ،وأن
الفاعيل سيمي فييه .وقرأ نصير بين عاصيم بين علي "أفمين أسيس" بالرفيع "بنيانيه" بالخفيض .وعنيه
أيضا "أساس بنيانه" وعنه أيضا "أس بنيانه" بالخفض .والمراد أصول البناء كما تقدم .وحكى أبو
حاتييم قراءة سييادسة وهييي "أفميين أسيياس بنيانييه" قال النحاس :وهذا جمييع أس؛ كمييا يقال :خييف
وأخفاف ،والكثير "إساس" مثل خفاف .قال الشاعر:
في البهاليل من بني العباس أصبح الملك ثابت الساس
@قوله تعالى" :على تقوى من ال" قراءة عيسى بن عمر -فيما حكى سيبويه -بالتنوين ،واللف
ألف إلحاق كألف تترى فيما نون ،وقال الشاعر:
يستن في علقي وفي مكور
وأنكر سيبويه التنوين ،وقال :ل أدري ما وجهه" .على شفا" الشفا :الحرف والحد ،وقد مضى في
(آل عمران) مسيتوفى .و"جرف" قرئ برفيع الراء ،وأبيو بكير وحمزة بإسيكانها؛ مثيل الشغيل
والشغل ،والرسل والرسل ،يعني جرفا ليس له أصل .والجرف :ما يتجرف بالسيول من الودية،
وهيو جوانبيه التيي تنحفير بالماء ،وأصيله مين الجرف والجتراف؛ وهيو اقتلع الشييء مين أصيله.
"هار" سياقط؛ يقال .تهور البناء إذا سيقط ،وأصيله هائر ،فهيو مين المقلوب يقلب وتؤخير ياؤهيا،
فيقال :هار وهائر ،قال الزجاج .ومثله لث الشيييء بييه إذا دار؛ فهييو لث أي لئث .وكمييا قالوا:
شاكي السلح وشائك السلح .قال العجاج:
لث به الشاء والعبري
الشاء النخيل ،والعيبري السيدر الذي على شاطيئ النهار .ومعنيى لث بيه مطييف بيه .وزعيم أبيو
حاتيم أن الصيل فييه هاور ،ثيم يقال هائر مثيل صيائم ،ثيم يقلب فيقال هار .وزعيم الكسيائي أنيه مين
ذوات الواو ومن ذوات الياء ،وأنه يقال :تهور وتهير.
قلت :ولهذا يمال ومفتح.
@قوله تعالى" :فانهار بيه فيي نار جهنيم" فاعيل انهار الجرف؛ كأنيه قال :فانهار الجرف بالبنيان
فييي النار؛ لن الجرف مذكيير .ويجوز أن يكون الضمييير فييي بييه يعود على "ميين" وهييو البانييي؛
والتقدير :فانهار من أسس بنيانه على غير تقوى .وهذه الية ضرب مثل لهم ،أي من أسس بنيانه
على السيلم خيير أم مين أسيس بنيانيه على الشرك والنفاق .وبيين أن بناء الكافير كبناء على جرف
جهنم يتهور بأهله فيها .والشفا :الشفير .وأشفى على كذا أي دنا منه.
@ فيي هذه اليية دلييل على أن كيل شييء ابتدئ بنيية تقوى ال تعالى والقصيد لوجهيه الكرييم فهيو
الذي يبقى ويسعد به صاحبه ويصعد إلى ال ويرفع إليه ،ويخبر عنه بقوله" :ويبقى وجه ربك ذو
الجلل والكرام" [الرحميين ]27 :على أحييد الوجهييين .ويخييبر عنييه أيضييا بقوله" :والباقيات
الصالحات" [الكهف ]46 :على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@ واختلف العلماء فيي قوله تعالى" :فانهار بيه فيي نار جهنيم" هيل ذلك حقيقية أو مجاز على
قولييين؛ [الول] أن ذلك حقيقيية وأن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم إذ أَرسييل إليييه فهُدم رئي الدخان
يخرج منه؛ من رواية سعيد بن جبير .وقال بعضهم :كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل
فيخرجهيا سيوداء محترقية .وذكير أهيل التفسيير أنيه كان يحفير ذلك الموضيع الذي انهار فيخرج منيه
دخان .وروى عاصييم بيين أبييي النجود عيين زر بيين حييبيش عيين ابيين مسييعود أنييه قال :جهنييم فييي
الرض ،ثم تل "فانهار به في نار جهنم" .وقال جابر بن عبدال :أنا رأيت الدخان يخرج منه على
عهييد رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم[ .والثانييي] أن ذلك مجاز ،والمعنييى :صييار البناء فييي نار
جهنييم ،فكأنييه انهار إليييه وهوى فيييه؛ وهذا كقوله تعالى" :فأمييه هاوييية" [القارعيية .]9 :والظاهيير
الول ،إذ ل إحالة في ذلك .وال أعلم.
**3اليية{ 110 :ل يزال بنيانهيم الذي بنوا ريبية فيي قلوبهيم إل أن تقطيع قلوبهيم وال علييم
حكيم}
@قوله تعالى" :ل يزال بنيانهيم الذي بنوا" يعنيي مسيجد الضرار" .ريبية" أي شكيا فيي قلوبهيم
ونفاقا؛ قاله ابن عباس وقتادة والضحاك .وقال النابغة:
وليس وراء ال للمرء مذهب حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وقال الكلبيي :حسيرة وندامية؛ لنهيم ندموا على بنيانيه .وقال السيدي وحيبيب والميبرد" :ريبية" أي
حزازة وغيظا" .إل أن تقطع قلوبهم" قال ابن عباس :أي تنصدع قلوبهم فيموتوا؛ كقوله" :لقطعنا
منه الوتين" [الحاقة ]46 :لن الحياة تنقطع بانقطاع الوتين؛ وقاله قتادة والضحاك ومجاهد .وقال
سيفيان :إل أن يتوبوا .عكرمية :إل أن تقطيع قلوبهيم فيي قبورهيم ،وكان أصيحاب عبدال بن مسيعود
يقرؤونها" :ريبة في قلوبهم ولو تقطعت قلوبهم" .وقرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم "إلى أن تقطع"
على الغايية ،أي ل يزالون فيي شيك منيه إلى أن يموتوا فيسيتيقنوا ويتيبينوا .واختلف القراء فيي قوله
"تقطيع" فالجمهور "تقطيع" بضيم التاء وفتيح القاف وشيد الطاء على الفعيل المجهول .وقرأ ابين
عامير وحمزة وحفيص ويعقوب كذلك إل أنهيم فتحوا التاء .وروي عين يعقوب وأبيي عبدالرحمين
"تقطيع" على الفعيل المجهول مخفيف القاف .وروي عين شبيل وابين كثيير "تقطيع" خفيفية القاف
"قلوبهم" نصبا ،أي أنت تفعل ذلك بهم .وقد ذكرنا قراءة أصحاب عبدال" .وال عليم حكيم" تقدم.
**3الية{ 111 :إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل
ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليييه حقييا فييي التوراة والنجيييل والقرآن وميين أوفييى بعهده ميين ال
فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}
@قوله تعالى" :إن ال اشترى مين المؤمنيين أنفسيهم" قييل :هذا تمثييل؛ مثيل قوله تعالى" :أولئك
الذيين اشتروا الضللة بالهدى" [البقرة .]16 :ونزلت اليية فيي البيعية الثانيية ،وهيي بيعية العقبية
الكبرى ،وهي التي أناف فيها رجال النصار على السبعين ،وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو؛
وذلك أنهيم اجتمعوا إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عنيد العقبية ،فقال عبدال بين رواحية للنيبي
صيلى ال علييه وسيلم :اشترط لربيك ولنفسيك ميا شئت؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :أشترط
لربيييي أن تعبدوه ول تشركوا بيييه شيئا وأشترط لنفسيييي أن تمنعونيييي مميييا تمنعون منيييه أنفسيييكم
وأموالكييم) .قالوا :فإذا فعلنييا ذلك فمييا لنييا؟ قال( :الجنيية) قالوا :ربييح البيييع ،ل نقيييل ول نسييتقيل؛
فنزلت" :إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" الية .ثم هي بعد ذلك عامة
في كل مجاهد في سبيل ال من أمة محمد صلى ال عليه وسلم إلى يوم القيامة.
@ هذه الية دليل على جواز معاملة السيد مع عبده ،وإن كان الكل للسيد لكن إذا ملكه عامله فيما
جعل إليه .وجائز بين السيد وعبده ما ل يجوز بينه وبين غيره؛ لن ماله له وله انتزاعه.
أصل الشراء بين الخلق أن يعوضوا عما خرج من أيديهيم ما كان أنفع لهم أو مثل ما خرج عنهم
فييي النفييع؛ فاشترى ال سييبحانه ميين العباد إتلف أنفسييهم وأموالهييم فييي طاعتييه ،وإهلكهييا فييي
مرضاتييه ،وأعطاهييم سييبحانه الجنيية عوضييا عنهييا إذا فعلوا ذلك .وهييو عوض عظيييم ل يدانيييه
المعوض ول يقاس بيه ،فأجرى ذلك على مجاز ميا يتعارفونيه فيي البييع والشراء فمين العبيد تسيليم
النفس والمال ،ومن ال الثواب والنوال فسمي هذا شراء .وروى الحسن قال :قال رسول ال صلى
ال عليييه وسييلم( :إن فوق كييل ِبرّ ِب ّر حتييى يبذل العبييد دمييه فإذا فعييل ذلك فل بر فوق ذلك) .وقال
الشاعر في معنى البر:
والجود بالنفس أقصى غاية الجود الجود بالماء جود فيه مكرمة
وأنشد الصمعي لجعفر الصادق رضي ال عنه:
وليس لها في الخلق كلهم ثمن أثامن بالنفس النفيسة ربها
بشيء سواها إن ذلكم غبن بها تشتري الجنات إن أنا بعتها
لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها
قال الحسن :ومر أعرابي على النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ هذه الية" :إن ال اشترى من
المؤمنيين أنفسيهم" فقال :كلم مين هذا؟ قال( :كلم ال) قال :بييع وال مربيح ل نقيله ول نسيتقيله.
فخرج إلى الغزو واستشهد.
@ قال العلماء :كميا اشترى مين المؤمنيين البالغيين المكلفيين كذلك اشترى مين الطفال فآلمهيم
وأسقمهم؛ لما في ذلك من المصلحة وما فيه من العتبار للبالغين ،فإنهم ل يكونون عند شيء أكثر
صلحا وأقل فسادا منهم عند ألم الطفال ،وما يحصل للوالدين الكافلين من الثواب فيما ينالهم من
الهيم ويتعلق بهيم مين التربيية والكفالة .ثيم هيو عيز وجيل يعوض هؤلء الطفال عوضيا إذا صياروا
إلييه .ونظيير هذا فيي الشاهيد أنيك تكتري الجيير ليبنيي وينقيل التراب وفيي كيل ذلك له ألم وأذى،
ولكن ذلك جائز لما في عمله من المصلحة ولما يصل إليه من الجر.
@قوله تعالى" :يقاتلون في سبيل ال" بيان لما يقاتل له وعليه؛ وقد تقدم" .فيقتلون ويقتلون" قرأ
النخعي والعمش وحمزة والكسائي وخلف بتقديم المفعول على الفاعل؛ ومنه قول امرئ القيس:
فإن تقتلونا نقتلكم...
أي إن تقتلوا بعضنا يقتلكم بعضنا .وقرأ الباقون بتقديم الفاعل على المفعول.
@قوله تعالى" :وعدا عليه حقا في التوراة والنجيل والقرآن" إخبار من ال تعالى أن هذا كان في
هذه الكتيب ،وأن الجهاد ومقاومية العداء أصيله مين عهيد موسيى علييه السيلم .و"وعدا" و"حقيا"
مصدران موكدان.
@قوله تعالى" :ومين أوفيى بعهده مين ال" أي ل أحيد أو فيي بعهده مين ال .وهيو يتضمين الوفاء
بالوعيد والوعييد ،ول يتضمين وفاء البارئ بالكيل؛ فأميا وعده فللجمييع ،وأميا وعيده فمخصيوص
ببعض المذنبين وببعض الذنوب وفي بعض الحوال .وقد تقدم هذا المعنى مستوفى.
@قوله تعالى" :فاسيتبشروا بيبيعكم الذي بايعتيم بيه" أي أظهروا السيرور بذلك .والبشارة إظهار
السرور في البشرة .وقد تقدم .وقال الحسن :وال ما على الرض مؤمن إل يدخل في هذه البيعة.
"وذلك هو الفوز العظيم" أي الظفر بالجنة والخلود فيها.
**3الييية{ 112 :التائبون العابدون الحامدون السييائحون الراكعون السيياجدون المرون
بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال وبشر المؤمنين}
@قوله تعالى" :التائبون العابدون" التائبون هيم الراجعون عين الحالة المذمومية فيي معصيية ال
إلى الحالة المحمودة فييي طاعيية ال .والتائب هييو الراجييع .والراجييع إلى الطاعيية هييو أفضييل ميين
الراجيع عين المعصيية لجمعيه بيين المريين" .العابدون" أي المطيعون الذيين قصيدوا بطاعتهيم ال
سبحانه" .الحامدون" أي الراضون بقضائه المصرفون نعمته في طاعته ،الذين يحمدون ال على
كييل حال" .السييائحون" الصييائمون؛ عيين ابيين مسييعود وابيين عباس وغيرهمييا .ومنييه قوله تعالى:
"عابدات سائحات" [التحريم .]5 :وقال سفيان بن عيينة :إنما قيل للصائم سائح لنه يترك اللذات
كلها من المطعم والمشرب والمنكح .وقال أبو طالب:
لربهم والذاكرات العوامل وبالسائحين ل يذوقون قطرة
وقال آخر:
يظل كثير الذكر ل سائحا برا يصلي ليله ونهاره
وروي عن عائشة أنها قالت :سياحة هذه المة الصيام؛ أسنده الطبري .ورواه أبو هريرة مرفوعا
عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :سياحة أمتي الصيام) .قال الزجاج :ومذهب الحسن أنهم
الذين يصومون القرض .وقد قيل :إنهم الذين يديمون الصيام .وقال عطاء :السائحون المجاهدون.
وروى أبيو أمامية أن رجل اسيتأذن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي السيياحة فقال( :إن سيياحة
أمتييي الجهاد فييي سييبيل ال) .صييححه أبييو محمييد عبدالحييق .وقيييل :السييائحون المهاجرون قاله
عبدالرحمين بين زييد .وقييل :هيم الذيين يسيافرون لطلب الحدييث والعلم؛ قال عكرمية .وقييل :هيم
الجائلون بأفكارهيم فيي توحييد ربهيم وملكوتيه وميا خلق مين العيبر والعلمات الدالة على توحيده
وتعظيميه حكاه النقاش وحكيي أن بعيض العباد أخيذ القدح ليتوضيأ لصيلة اللييل فأدخيل أصيبعه فيي
أذن القدح وقعييد يتفكيير حتييى طلع الفجيير فقيييل له فييي ذلك فقال :أدخلت أصييبعي فييي أذن القدح
فتذكرت قول ال تعالى" :إذ الغلل فيي أعناقهيم والسيلسل" [غافير ]71 :وذكرت كييف أتلقيى
الغل وبقيت ليلي في ذلك أجمع.
قلت :لفيييظ "س ي ح" يدل على صيييحة هذه القوال فإن السيييياحة أصيييلها الذهاب على وجيييه
الرض كميا يسييح الماء؛ فالصيائم مسيتمر على الطاعية فيي ترك ميا يتركيه مين الطعام وغيره فهيو
بمنزلة السييائح .والمتفكرون تجول قلوبهييم فيمييا ذكروا .وفييي الحديييث( :إن ل ملئكيية سييياحين
مشائيين فيي الفاق يبلغوننيي صيلة أمتيي) ويروى "صيياحين" بالصياد ،مين الصيياح" .الراكعون
السيياجدون" يعنييي فييي الصييلة المكتوبيية وغيرهييا" .المرون بالمعروف" أي بالسيينة ،وقيييل:
باليمان" .والناهون عين المنكير" قييل :عين البدعية .وقييل :عين الكفير .وقييل :هيو عموم فيي كيل
معروف ومنكر" .والحافظون لحدود ال" أي القائمون بما أمر به والمنتهون عما نهى عنه.
@ واختلف أهيل التأوييل فيي هذه اليية هيل هيي متصيلة بميا قبيل أو منفصيلة فقال جماعية :اليية
الولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل ال لتكون كلمة ال هي العليا
وإن لم يتصيف بهذه الصيفات فيي هذه اليية الثانيية أو بأكثرهيا .وقالت فرقية :هذه الوصياف جاءت
على جهيية الشرط واليتان مرتبطتان فل يدخييل تحييت المبايعيية إل المؤمنون الذييين هييم على هذه
الوصيياف ويبذلون أنفسييهم فييي سييبيل ال قاله الضحاك .قال ابيين عطييية :وهذا القول تحريييج
وتضيييق ومعنيى اليية على ميا تقتضييه أقوال العلماء والشرع أنهيا أوصياف الكملة مين المؤمنيين
ذكرهيا ال ليسيتبق إليهيا أهيل التوحييد حتيى يكونوا فيي أعلى مرتبية .وقال الزجاج :الذي عندي أن
قوله" :التائبون العابدون" رفيع بالبتداء وخيبره مضمير؛ أي التائبون العابدون -إلى آخير اليية -
لهيم الجنية أيضيا وإن لم يجاهدوا إذ لم يكين منهيم عناد وقصيد إلى ترك الجهاد لن بعيض المسيلمين
يجزي عييين بعيييض فيييي الجهاد .واختار هذا القول القشيري وقال :وهذا حسييين إذ لو كان صيييفة
للمؤمنييين المذكورييين فييي قوله" :اشترى ميين المؤمنييين" لكان الوعييد خاصييا للمجاهدييين .وفييي
مصييحف عبدال "التائبييين العابدييين" إلى آخرهييا؛ ولذلك وجهان :أحدهمييا الصييفة للمؤمنييين على
التباع .والثاني النصب على المدح.
@ واختلف العلماء في الواو في قوله" :والناهون عن المنكر" فقيل :دخلت في صفة الناهين كما
دخلت فييي قوله تعالى" :حييم .تنزيييل الكتاب ميين ال العزيييز العليييم .غافيير الذنييب .وقابييل التوب"
[غافر ]3 ،2 ،1 :فذكر بعضها بالواو والبعض بغيرها .وهذا سائغ معتاد فيي الكلم ول يطلب
لمثله حكمية ول علة .وقييل :دخلت لمصياحبة الناهيي عين المنكير المير بالمعروف فل يكاد يذكير
واحيد منهيا مفردا .وكذلك قوله" :ثيبات وأبكارا" [التحرييم .]5 :ودخلت فيي قوله" :والحافظون"
لقربيه مين المعطوف .وقيد قييل :إنهيا زائدة ،وهذا ضعييف ل معنيى له .وقييل :هيي واو الثمانيية لن
السييبعة عنييد العرب عدد كامييل صييحيح .وكذلك قالوا فييي قوله" :ثيبات وأبكارا" [التحريييم.]5 :
وقول فيي أبواب الجنية" :وفتحيت أبوابهيا" [الزمير ]73 :وقوله" :ويقولون سيبعة وثامنهيم كلبهيم"
[الكهف ]22 :وقد ذكرها ابن خالويه في مناظرته لبي علي الفارسي في معنى قوله" :وفتحت
أبوابها" [الزمر ]73 :وأنكرها أبو علي .قال ابن عطية :وحدثني أبي رضي ال عنه عن الستاذ
النحوي أبيي عبدال الكفييف المالقيي ،وكان ممين اسيتوطن غرناطية وأقرأ فيهيا فيي مدة ابين حبوس
أنيه قال :هيي لغية فصييحة لبعيض العرب مين شأنهيم أن يقولوا إذا عدوا :واحيد اثنان ثلثية أربعية
خمس ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة وهكذا هي لغتهم .ومتى جاء في كلمهم أمر ثمانية أدخلوا
الواو .قلت :هيي لغية قرييش .وسييأتي بيانيه ونقضيه فيي سيورة [الكهيف] إن شاء ال تعالى وفيي
"الزمر] أيضا بحول ال تعالى.
**3الية{ 113 :ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من
بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}
@ روى مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال :لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول ال
صلى ال عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدال بن أبي أمية بن المغيرة ،فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم( :يا عم قل ل إله إل ال كلمة أشهد لك بها عند ال) فقال أبو جهل وعبدال بن أمية:
ييا أبيا طالب أترغيب عين ملة عبدالمطلب .فلم يزل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يعرضهيا علييه
ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم :هو على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول ل
إله إل ال .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أما وال لستغفرن لك ما لم ُأنْهَ عنك) فأنزل ال
عيز وجيل" :ميا كان للنيبي والذيين آمنوا أن يسيتغفروا للمشركيين ولو كانوا أولي قربيى مين بعيد ميا
تيبين لهيم أنهيم أصيحاب الجحييم" وأنزل ال فيي أبيي طالب فقال لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم:
"إنك ل تهدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" [القصص .]56 :فالية
على هذا ناسيخة لسيتغفار النيبي صيلى ال علييه سيلم لعميه فإنيه اسيتغفر له بعيد موتيه على ميا روي
فيي غيير الصيحيح .وقال الحسيين بين الفضيل :وهذا بعييد لن السيورة مين آخير ميا نزل مين القرآن
ومات أبو طالب في عنفوان السلم والنبي صلى ال عليه وسلم بمكة.
@ هذه اليية تضمنيت قطيع موالة الكفار حيهيم وميتهيم فإن ال لم يجعيل للمؤمنيين أن يسيتغفروا
للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما ل يجوز .فإن قيل :فقد صح أن النبي صلى ال عليه وسلم
قال يوم أحيد حيين كسيروا رباعيتيه وشجوا وجهيه( :اللهيم اغفير لقوميي فإنهيم ل يعلمون) فكييف
يجتمييع هذا مييع منييع ال تعالى رسييوله والمؤمنييين ميين طلب المغفرة للمشركييين .قيييل له :إن ذلك
القول من النبي صلى ال عليه وسلم إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من النبياء والدليل
علييه ميا رواه مسيلم عين عبدال قال :كأنيي أنظير إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم يحكيي نبييا مين
النبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول( :رب اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون) .وفي
البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر نبيا قبله شجه قومه فجعل النبي صلى ال عليه وسلم
يخبر عنه بأنه قال( :اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون).
قلت :وهذا صيريح فيي الحكايية عمين قبله ،ل أنيه قاله ابتداء عين نفسيه كميا ظنيه بعضهيم .وال
أعلم .والنيبي الذي حكاه هيو نوح علييه السيلم؛ على ميا يأتيي بيانيه فيي سيورة [هود] إن شاء ال.
وقيل :إن المراد بالستغفار في الية الصلة .قال بعضهم :ما كنت لدع الصلة على أحد من أهل
القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنى لني لم أسمع ال حجب الصلة إل عن المشركين بقوله:
"ميا كان للنيبي والذيين آمنوا أن يسيتغفروا للمشركيين" اليية .قال عطاء بين أبيي رباح :اليية فيي
النهييي عيين الصييلة على المشركييين والسييتغفار هنييا يراد بييه الصييلة .جواب ثالث :وهييو أن
الستغفار للحياء جائز لنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين .وقد
قال كثيير مين العلماء :ل بأس أن يدعيو الرجيل لبوييه الكافريين ويسيتغفر لهميا ميا داميا حييين .فأميا
مين مات فقيد انقطيع عنيه الرجاء فل يدعيي له .قال ابين عباس :كانوا يسيتغفرون لموتاهيم فنزلت
فأمسكوا عن الستغفار ولم ينههم أن يستغفروا للحياء حتى يموتوا.
@ قال أهل المعاني" :ما كان" في القرآن يأتي على وجهين :على النفي نحو قوله" :ما كان لكم
أن تنبتوا شجرهيا" [النميل" ،]60 :وميا كان لنفس أن تموت إل بإذن ال" [آل عمران.]145 :
والخير بمعنيى النهيي كقوله" :وميا كان لكيم أن تؤذوا رسيول ال" [الحزاب ،]53 :و"ميا كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين".
**3الية{ 114 :وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو
ل تبرأ منه إن إبراهيم لواه حليم}
@ روى النسائي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال :سمعت رجل يستغفر لبويه وهما
مشركان فقلت :أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال :أو لم يستغفر إبراهيم عليه السلم لبيه .فأتيت
النبي صلى ال عليه وسلم فذكرت ذلك له فنزلت" :وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة
وعدهيا إياه" .والمعنيى :ل حجية لكيم أيهيا المؤمنون فيي اسيتغفار إبراهييم الخلييل علييه السيلم لبييه
فإن ذلك لم يكن إل عن عدة .وقال ابن عباس :كان أبو إبراهيم وعد إبراهيم الخليل أن يؤمن بال
ويخلع النداد فلما مات على الكفر علم أنه عدو ال فترك الدعاء له فالكناية في قوله" :إياه" ترجع
إلى إبراهيييم والواعييد أبوه .وقيييل :الواعييد إبراهيييم أي وعييد إبراهيييم أباه أن يسييتغفر له فلمييا مات
مشركيا تيبرأ منيه .ودل على هذا الوعيد قوله" :سيأستغفر لك ربيي" [مرييم .]47 :قال القاضيي أبيو
بكيير بيين العربييي :تعلق النييبي صييلى ال عليييه وسييلم فييي السييتغفار لبييي طالب بقوله تعالى:
"سأستغفر لك ربي" [مريم ]47 :فأخبره ال تعالى أن استغفار إبراهييم لبيه كان وعدا قبل أن
يتيبين الكفير منيه فلميا تيبين له الكفير منيه تيبرأ منيه فكييف تسيتغفر أنيت لعميك ييا محميد وقيد شاهدت
موته كافرا.
@ ظاهر حالة المرء عند الموت يحكم عليه بها فإن مات على اليمان حكم له به وإن مات على
الكفير حكيم له بيه وربيك أعلم بباطين حاله بييد أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال له العباس :ييا
رسول ال هل نفعت عمك بشيء؟ قال( :نعم) .وهذه شفاعة في تخفيف العذاب ل في الخروج من
النار على ما بيناه في كتاب "التذكرة".
@قوله تعالى" :إن إبراهيم لواه حليم" اختلف العلماء في الواه على خمسة عشر قول:
[الول] أنه الدّعّاء الذي يكثر الدّعاء؛ قاله ابن مسعود وعبيد بن عمير .الثاني :أنه الرحيم بعباد
ال قاله الحسن وقتادة ،وروي عن ابن مسعود .والول أصح إسنادا عن ابن مسعود قاله النحاس.
الثالث :إنه الموقن قاله عطاء وعكرمة ورواه أبو ظبيان عن ابن عباس .الرابع :أنه المؤمن بلغة
الحبشية قاله ابين عباس أيضيا[ .الخاميس] أنيه المسيبح الذي يذكير ال فيي الرض القفير الموحشية؛
قاله الكلبي وسعيد بن المسيب[ .السادس] أنه الكثير الذكر ل تعالى قاله عقبة بن عامر وذكر عند
النبي صلى ال عليه وسلم رجل يكثر ذكر ال ويسبح فقال( :إنه لواه).
[السابع] أنه الذي يكثر تلوة القرآن .وهذا مروي عن ابن عباس.
قلت :وهذه القوال متداخلة وتلوة القرآن يجمعها.
[الثامن] أنه المتأوه؛ قاله أبو ذر وكان إبراهيم عليه السلم يقول( :آه من النار قبل أل تنفع آه).
وقال أبيو ذر :كان رجيل يكثير الطواف بالبييت ويقول فيي دعائه :أوه أوه؛ فشكاه أبيو ذر إلى النيبي
صلى ال عليه وسلم فقال( :دعه فإنه أواه) فخرجت ذات ليلة فإذا النبي صلى ال عليه وسلم يدفن
ذلك الرجل ليل ومعه المصباح[ .التاسع] أنه الفقيه قاله مجاهد والنخعي[ .العاشر] أنه المتضرع
الخاشيع رواه عبدال بين شداد بين الهاد عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وقال أنيس :تكلميت امرأة
عند النبي صلى ال عليه وسلم بشيء كرهه فنهاها عمر فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :دعوها
فإنهيا أواهية) قييل :ييا رسيول ال ،وميا الواهية؟ قال( :الخاشعية)[ .الحادي عشير] أنيه الذي إذا ذكير
خطاياه استغفر منها قاله أبو أيوب[ .الثاني عشر] أنه الكثير التأوه من الذنوب قال الفراء[ .الثالث
عشير] أنيه المعلم للخيير قاله سيعيد بين جيبير[ .الرابيع عشير] أنيه الشفييق قاله عبدالعزييز بين يحييى.
وكان أبيو بكير الصيديق رضيي ال عنيه يسيمى الواه لشفقتيه ورأفتيه[ .الخاميس عشير] أنيه الراجيع
عين كيل ميا يكره ال تعالى قاله عطاء وأصيله مين التأوه ،وهيو أن يسيمع للصيدر صيوت مين تنفيس
الصييعداء .قال كعييب :كان إبراهيييم عليييه السييلم إذا ذكيير النار تأوه .قال الجوهري :قولهييم عنييد
الشكاية أوه من كذا ساكنة الواو إنما هو توجع .قال الشاعر:
ومن ب عد أرض بيننا وسماء فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها
وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا :آه من كذا .وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا :أوه من
كذا .وربميا حذفوا ميع التشدييد الهاء فقالوا :أو مين كذا بل ميد .وبعضهيم يقول :آوه بالميد والتشدييد
وفتيح الواو سياكنة الهاء لتطوييل الصيوت بالشكايية .وربميا أدخلوا فيهيا التاء فقالوا :أوتاه يميد ول
يمد .وقد أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه ،والسم منه الهة بالمد .قال المثقب العبدي:
تأوه آهة الرجل الحزين إذا ما قمت أرحلها بليل
والحليم :الكثير الحلم وهو الذي يصفح عن الذنوب ويصبر على الذى .وقيل :الذي لم يعاقب أحدا
قيط إل فيي ال ولم ينتصير لحيد إل ل .وكان إبراهييم علييه السيلم كذلك وكان إذا قام يصيلي سيمع
وجيب قلبه على ميلين.
**3اليية{ 115 :وميا كان ال ليضيل قوميا بعيد إذ هداهيم حتيى ييبين لهيم ميا يتقون إن ال بكيل
شيء عليم}
@قوله تعالى" :وما كان ال ليضل قوما بعد إذ هداهم" أي ما كان ال ليوقع الضللة في قلوبهم
بعد الهدى حتى يبين لهم ما يتقون فل يتقوه فعند ذلك يستحقون الضلل.
قلت :ففيي هذا أدل دلييل على أن المعاصيي إذا ارتكيب وانتهيك حجابهيا كانيت سيببا إلى الضللة
والردى وسلما إلى ترك الرشاد والهدى .نسأل ال السداد والتوفيق والرشاد بمنه .وقال أبو عمرو
بن العلء رحمه ال في قوله" :حتى يبين لهم" أي حتى يحتج عليهم بأمره؛ كما قال" :وإذا أردنا
أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" [السراء ]16 :وقال مجاهد" :حتى يبين لهم" أي أمر
إبراهييم أل يسيتغفروا للمشركيين خاصية وييبين لهيم الطاعية والمعصيية عامية .وروي انيه لميا نزل
تحريم الخمر وشدد فيها سألوا النبي صلى ال عليه وسلم عمن مات وهو يشربها فأنزل ال تعالى:
"وميا كان ال ليضيل قوميا بعيد إذ هداهيم حتيى ييبين لهيم ميا يتقون" وهذه اليية رد على المعتزلة
وغيرهم الذين يقولون بخلق هداهم وإيمانهم كما تقدم.
**3الية{ 116 :إن ال له ملك السماوات والرض يحيي ويميت وما لكم من دون ال من ولي
ول نصير}
@تقدم معناه غير مرة.
**3الية{ 117 :لقد تاب ال على النبي والمهاجرين والنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة
من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم}
@ روى الترمذي :حدثنييا عبييد بيين حميييد حدثنييا عبدالرزاق أخبرنييا معميير عيين الزهري عيين
عبدالرحمين بين كعيب بين مالك عين أبييه قال :لم أتخلف عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي غزوة
غزاها حتى كانت غزوة تبوك إل بدرا ولم يعاتب النبي صلى ال عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر
إنميا خرج يرييد العيير فخرجيت قرييش مغوثيين لعيرهيم فالتقوا عين غيير موعيد كميا قال ال تعالى
ولعمري إن أشرف مشاهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي الناس لبدر وميا أحيب أنيي كنيت
شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حين تواثقنا على السلم ثم لم أتخلف بعد عن النبي صلى ال عليه
وسيلم حتيى كانيت غزوة تبوك وهيي آخير غزوة غزاهيا وآذن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بالرحييل
فذكير الحدييث بطول قال(:فانطلقيت إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فإذا هيو جالس فيي المسيجد
وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر وكان إذا سر بالمر استنار فجئت فجلست بين يديه
فقال( :أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتي عليك منذ ولدتك أمك) فقلت :يا نبي ال أمن عند ال
أم مين عندك؟ قال( :بييل مين عنييد ال -ثييم تل هذه الييية " -لقييد تاب ال على النييبي والمهاجرييين
والنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة -حتى بلغ -إن ال هو التواب الرحيم" قال :وفينا أنزلت
أيضيا "اتقوا ال وكونوا ميع الصيادقين" [التوبية )...]119 :وذكير الحدييث .وسييأتي بكمال مين
صحيح مسلم في قصة الثلثة إن شاء ال تعالى.
واختلف العلماء فييي هذه التوبيية التييي تابهييا ال على النييبي والمهاجرييين والنصييار على أقوال
فقال ابن عباس :كانت التوبة على النبي لجل إذنه للمنافقين في القعود دليله قوله" :عفا ال عنك
لم أذنت لهم" [التوبة ]43 :وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه .وقيل :توبة
ال عليهم استنقاذهم من شدة العسرة .وقيل :خلصهم من نكاية العدو ،وعبر عن ذلك بالتوبة وإن
خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه وهو الرجوع إلى الحال الولى .وقال أهل المعاني :إنما
ذكير النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي التوبية لنيه لميا كان سيبب توبتهيم ذكير معهيم كقوله" :فأن ل
خمسه وللرسول" [النفال.]41 :
@قوله تعالى" :الذين اتبعوه في ساعة العسرة" أي فيي وقت العسيرة ،والمراد جميع أوقات تلك
الغزاة ولم يرد سياعة بعينهيا .وقييل :سياعة العسيرة أشيد السياعات التيي مرت بهيم فيي تلك الغزاة.
والعسيرة صيعوبة المير .قال جابر :اجتميع عليهيم عسيرة الظهير وعسيرة الزاد وعسيرة الماء .قال
الحسيين :كانييت العشرة ميين المسييلمين يخرجون على بعييير يعتقبونييه بينهييم وكان زادهييم التميير
المتسيوس والشعيير المتغيير والهالة المنتنية وكان النفير يخرجون ميا معهيم -إل التمرات -بينهيم
فإذا بلغ الجوع مين أحدهيم أخيذ التمرة فلكهيا حتيى يجيد طعمهيا ثيم يعطيهيا صياحبه حتيى يشرب
عليها جرعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم فل يبقى من التمرة إل النواة فمضوا مع النبي
صيلى ال علييه وسيلم على صيدقهم ويقينهيم رضيي ال عنهيم .وقال عمير رضيي ال عنيه وقيد سيئل
عن ساعة العسرة(:خرجنا في قيظ شديد فنزلنا منزل أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا
سيتنقطع مين العطيش ،وحتيى أن الرجيل لينحير بعيره فيعصير فرثيه فيشربيه ويجعيل ميا بقيي على
كبده .فقال أبيو بكير :ييا رسيول ال ،إن ال قيد عودك فيي الدعاء خيرا فادع لنيا .قال( :أتحيب ذلك)؟
قال :نعيم فرفيع يدييه فلم يرجعهميا حتيى أظلت السيماء ثيم سيكبت فملؤوا ميا معهيم ثيم ذهبنيا ننظير فلم
نجدها جاوزت العسكر) .وروى أبو هريرة وأبو سعيد قال :كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم في
غزوة تبوك فأصيياب الناس مجاعيية وقالوا :يييا رسييول ال ،لو أذنييت لنييا فنحرنييا نواضحنييا فأكلنييا
وأدهنيا .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (افعلوا) فجاء عمير وقال :ييا رسيول ال إن فعلوا قيل
الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم فادع ال عليها بالبركة لعل ال أن يجعل في ذلك البركة .قال:
(نعم) ثم دعا بنطع فبسط ثم دعا بفضل الزواد فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الخر بكف
تمير ويجيء الخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير .قال أبو هريرة :فحزرته
فإذا هييو قدر ربضيية العنييز فدعييا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم بالبركيية .ثييم قال( :خذوا فييي
أوعيتكيم) فأخذوا فيي أوعيتهيم حتيى -والذي ل إله إل هيو -ميا بقيي فيي العسيكر وعاء إل ملؤوه،
وأكيل القوم حتيى شبعوا وفضلت فضلة فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :أشهيد أن ل إله إل ال
وأنيي رسيول ال ل يلقيي ال بهميا عبيد شاك فيهميا فيحجيب عين الجنية) .خرجيه مسيلم فيي صيحيحه
بلفظه ومعناه ،والحمد ل.
وقال ابين عرفية :سيمي جييش تبوك جييش العسيرة لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ندب
الناس إلى الغزو فيييي حمارة القييييظ ،فغلظ عليهيييم وعسييير ،وكان إبان ابتياع الثمرة .قال :وإنميييا
ضرب المثيل بجييش العسيرة لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لم يغيز قبله فيي عدد مثله لن
أصيحابه يوم بدر كانوا ثلثمائة وبضعية عشير ويوم أحيد سيبعمائة ويوم خييبر ألفيا وخمسيمائة ويوم
الفتح عشرة آلف ويوم حنين اثني عشر ألفا وكان جيشه في غزوة تبوك ثلثين ألفا وزيادة ،وهي
آخير مغازييه صيلى ال علييه وسيلم .وخرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي رجيب وأقام بتبوك
شعبان وأياميا مين رمضان وبيث سيراياه وصيالح أقواميا على الجزيية .وفيي هذه الغزاة خلف علييا
على المدينية فقال المنافقون :خلفيه بغضيا له؛ فخرج خلف النيبي صيلى ال علييه وسيلم وأخيبره فقال
علييه السيلم( :أميا ترضيى أن تكون منيي بمنزلة هارون مين موسيى) وبيين أن قعوده بأمره علييه
السيلم يوازي فيي الجير خروجيه معيه لن المدار على أمير الشارع .وإنميا قييل لهيا :غزوة تبوك
لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم رأى قوميا مين أصيحابه يبوكون حسيي تبوك أي يدخلون فييه القدح
ويحركونيه ليخرج الماء ،فقال( :ميا زلتيم تبوكونهيا بوكيا) فسيميت تلك الغزوة غزوة تبوك .الحسيي
بالكسير ميا تنشفيه الرض مين الرميل فإذا صيار إلى صيلبة أمسيكته فتحفير عنيه الرميل فتسيتخرجه
وهو الحتساء قاله الجوهري.
@قوله تعالى" :مين بعيد ميا كاد يزييغ قلوب فرييق منهيم" "قلوب" رفيع بيي "تزييغ" عنيد سييبويه.
ويضمر في "كاد" الحديث تشبيها بكان؛ لن الخبر يلزمها كما يلزم كان .وإن شئت رفعتها بكاد،
ويكون التقديير :مين بعيد ميا كان قلوب فرييق منهيم تزييغ .وقرأ العميش وحمزة وحفيص "يزييغ"
بالياء ،وزعيم أبيو حاتيم أن مين قرأ "يزييغ" بالياء فل يجوز له أن يرفيع القلوب بكاد .قال النحاس:
والذي لم يجزه جائز عنيد غيره على تذكيير الجمييع .حكيى الفراء رحيب البلد وأرحبيت ،ورحبيت
لغية أهيل الحجاز واختلف فيي معنيى تزييغ ،فقييل :تتلف بالجهيد والمشقية والشدة .وقال ابين عباس:
تعدل -أي تمييل -عين الحيق فيي الممانعية والنصيرة .وقييل :مين بعيد ميا هيم فرييق منهيم بالتخلف
والعصيان ثم لحقوا به وقيل :هموا بالقفول فتاب ال عليهم وأمرهم به.
@قوله تعالى" :ثم تاب عليهم" قيل :توبته عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ ،وكذلك سنة الحق
مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ،ووطنوا أنفسهم على الهلك أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا
قلوبهم .وينشد:
يرتجى منه بعض ما منك أرجو منك أرجو ولست أعرف ربا
على الخلق فاستغاثوا وعجوا وإذا اشتدت الشدائد في الرض
وصروا على الذنوب ولجوا وابتليت العباد بالخوف والجوع
فتيقنت أنني بك أنجو لم يكن لي سواك ربي ملذ
وقال فييي حيق الثلثية" :ثييم تاب عليهييم ليتوبوا" فقييل :معنيى "ثييم تاب عليهييم" أي وفقهييم للتوبية
ليتوبوا .وقيل :المعنى تاب عليهم؛ أي فسح لهم ولم يعجل عقابهم ليتوبوا .وقيل :تاب عليهم ليثبتوا
على التوبة .وقيل :المعنى تاب عليهم ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم .وبالجملة فلول ما سبق لهم
في علمه أنه قضى لهم بالتوبة ما تابوا؛ دليله قوله عليه السلم( :اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
**3الية{ 118 :وعلى الثلثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الرض بما رحبت وضاقت
عليهم أنفسهم وظنوا أن ل ملجأ من ال إل إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن ال هو التواب الرحيم}
@قوله تعالى" :وعلى الثلثية الذيين خلفوا" قييل :عين التوبية عين مجاهيد وأبيي مالك .وقال قتادة:
عين غزوة تبوك .وحكيي عين محميد بين زييد معنيى "خلفوا" تركوا؛ لن معنيى خلفيت فلنيا تركتيه
وفارقتيه قاعدا عميا نهضيت فييه .وقرأ عكرمية بين خالد "خلفوا" أي أقاموا بعقيب رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم .وروي عين جعفير بين محميد أنيه قرأ "خالفوا" .وقييل" :خلفوا" أي أرجئوا وأخروا
عن المنافقين فلم يقض فيهم بشيء .وذلك أن المنافقين لم تقبل توبتهم ،واعتذر أقوام فقبل عذرهم،
وأخر النبي صلى ال عليه وسلم هؤلء الثلثة حتى نزل فيهم القرآن .وهذا هو الصحيح لما رواه
مسلم والبخاري وغيرهما .واللفظ لمسلم قال كعب :كنا خلفنا أيها الثلثة عن أمر أولئك الذين قبل
منهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم ،وأرجأ رسول ال صلى
ال علييه وسيلم أمرنيا حتيى قضيى ال فييه؛ فبذلك قال ال عيز وجيل" :وعلى الثلثية الذيين خلقوا"
وليس الذي ذكر ال مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ،وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف
له واعتذر إليه فقبل منه .وهذا الحديث فيه طول ،هذا آخره.
والثلثية الذيين خلفوا هيم :كعيب بين مالك ومرارة بين ربيعية العامري وهلل بين أميية الواقفيي
وكلهيم مين النصيار .وقيد خرج البخاري ومسيلم حديثهيم ،فقال مسيلم عين كعيب بين مالك قال :لم
أتخلف عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي غزوة غزاهيا قيط إل فيي غزوة تبوك غيير أنيي قيد
تخلفييت فييي غزوة بدر ولم يعاتييب أحدا تخلف عنييه إنمييا خرج رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم
والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع ال بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ليلة العقبية حيين تواثقنيا على السيلم وميا أحيب أن لي بهيا مشهيد
بدر وإن كانيت بدر أذكير فيي الناس منهيا وكان مين خيبري حيين تخلفيت عين رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم فيي غزوة تبوك :أني لم أكين قط أقوى ول أيسير منيي حين تخلفت عنه فيي تلك الغزوة
وال ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة فغزاها رسول ال صلى ال عليه
وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل عدوا كثيرا فجل للمسلمين أمرهم ليتأهبوا
أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول ال صلى ال عليه وسلم كثير ول
يجمعهييم كتاب حافييظ -يريييد بذلك الديوان -قال كعييب :فقييل رجييل يريييد أن يتغيييب يظيين أن ذلك
سييخفى له ميا لم ينزل فييه وحيي مين ال تعالى وغزا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم تلك الغزوة
حييين طابييت الثمار والظلل فأنييا إليهييا أصييعر فتجهييز إليهييا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم
والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهيز معهيم فأرجع ولم أقض شيئا وأقول في نفسي :أنا قادر
على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بيي حتيى استمر بالناس الجد فأصيبح رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم غازييا والمسيلمون معيه ولم أقيض مين جهازي شيئا ثيم غدوت فرجعيت ولم أقيض شيئا
فلم يزل كذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أترحل فأدركهم فيا ليتني فعلت
ثييم لم يقدر ذلك لي فطفقييت إذا خرجييت فييي الناس بعييد خروج رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم
يحزننييي أنييي ل أرى لي أسييوة إل رجل مغموصييا عليييه فييي النفاق أو رجل مميين عذر ال ميين
الضعفاء ولم يذكرنيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حتيى بلغ تبوك فقال وهيو جالس فيي القوم
بتبوك( :ما فعل كعب بن مالك)؟ فقال رجل من بني سلمة :يا رسول ال ،حبسه برداه والنظر في
عطفييه .فقال له معاذ بين جبيل :بئس ميا قلت وال ييا رسيول ال ميا علمنيا علييه إل خيرا .فسيكت
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فبينميا هيو على ذلك رأى رجل مبيضيا يزول بيه السيراب فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :كن أبا خيثمة) فإذا هو أبو خيثمة النصاري وهو الذي تصدق
بصياع التمير حتيى لمزه المنافقون .فقال كعيب بين مالك :فلميا بلغنيي أن رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم قد توجه قافل من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب وأقول :بم أخرج من سخطه غدا
وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي فلما قيل لي :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أظل
قادما زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدا ،فأجمعت صدقه ،وصبح رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم قادميا ،وكان إذا قدم مين سيفر بدأ بالمسيجد فركيع فييه ركعتيين ثيم جلس
للناس فلمييا فعييل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليييه ويحلفون له ،وكانوا بضعيية وثمانييين
رجل فقبيل منهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم علنيتهيم وبايعهيم واسيتغفر لهيم ووكيل سيرائرهم
إلى ال حتيى جئت فلميا سيلمت تبسيم تبسيم المغضيب ثيم قال( :تعال) فجئت أمشيي حتيى جلسيت بيين
يديه ،فقال لي( :ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك)؟ قال :قلت :يا رسول ال ،إني وال لو جلست
عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدل ولكني وال لقد
علميت لئن حدثتيك اليوم حدييث كذب ترضيى بيه عنيي ليوشكين ال أن يسيخطك علي ،ولئن حدثتيك
حديث صدق تجد علي فيه إني لرجو فيه عقبى ال ،وال ما كان لي عذر ،وال ما كنت قط أقوى
ول أيسر مني حين تخلفت عنك .قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أما هذا فقد صدق فقم حتى
يقضيي ال فييك) .فقمت وثار رجال مين بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي :وال ما علمناك أذنبيت ذنبيا
قبيل هذا لقيد عجزت فيي أل تكون اعتذرت إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بميا اعتذر بيه إلييه
المتخلفون ،فقيد كان كافييك ذنبيك اسيتغفار رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لك قال :فوال ميا زالوا
يؤنبوني حتى أردت أن أرجع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأكذب نفسي .قال :ثم قلت لهم
هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا :نعم لقيه معك رجلن قال مثل ما قلت ،فقيل لهما مثل ما قيل لك.
قال قلت :ميين همييا؟ قالوا :مرارة بيين ربيعيية العامري وهلل بيين أمييية الواقفييي .قال :فذكروا لي
رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة؛ قال :فمضيت حين ذكروهما لي.
قال :ونهى رسول ال صلى ال عليه وسلم المسلمين عن كلمنا أيها الثلثة من بين من تخلف
عنييه .قال :فاجتنبنييا الناس .وقال :وتغيروا لنييا ،حتييى تنكرت لي فييي نفسييي الرض ،فمييا هييي
بالرض التييي أعرف ،فلبثنييا على ذلك خمسييين ليلة؛ فأمييا صيياحباي فاسييتكانا وقعدا فييي بيوتهمييا
يبكيان ،وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ،فكنت أخرج فأشهد الصلة وأطوف في السواق ول
يكلمني أحد ،وآتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلة ،فأقول
فيي نفسيي :هيل حرك شفتييه برد السيلم أم ل ثيم أصيلي قريبيا منيه وأسيارقه النظير ،فإذا أقبلت على
صلتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت
حتيى تسيورت جدار حائط أبيي قتادة ،وهيو ابين عميي وأحيب الناس إلي فسيلمت علييه ،فوال ميا رد
علي السلم ،فقلت له :يا أبا قتادة أنشدك بال هل تعلمن أني أحب ال ورسوله؟ قال :فسكت فعدت
فناشدتييه فسييكت ،فعدت فناشدتييه فقال :ال ورسييوله أعلم فقاضييت عيناي وتوليييت حتييى تسييورت
الجدار ،فبينيا أنيا أمشيي فيي سيوق المدينية إذا نبطيٌي مين نبيط أهيل الشام ممين قدم بالطعام ييبيعه
بالمدينية يقول :مين يدل على كعيب بين مالك؟ قال :فطفيق الناس يشيرون له إلي حتيى جاءنيي فدفيع
إلي كتابا من ملك غسان ،وكنت كاتبا فقرأته فإذا فيه :أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك،
ولم يجعلك ال بدار هوان ول مضيعية فالحيق بنيا نواسيك .قال فقلت ،حيين قرأتهيا :وهذه أيضيا مين
البلء فتيامميت بهيا التنور فسيجرته بهيا حتيى إذا مضيت أربعون مين الخمسيين واسيتلبث الوحيي إذا
رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم يأتيني فقال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمرك أن
تعتزل امرأتيك .قال فقلت :أطلقهيا أم ماذا أفعيل؟ قال :ل بيل اعتزلهيا فل تقربنهيا .قال :فأرسيل إلى
ي بمثل ذلك .قال فقلت لمرأتي :الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي ال في هذا المر. صاحب ّ
قال :فجاءت امرأة هلل بن أمية رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت له :يا رسول ال ،إن هلل
بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم ،فهل تكره أن أخدمه؟ قال( :ل ولكن ل يقربنك) فقالت :إنه وال
ميا بيه حركية إلى شييء ووال ميا زال يبكيي منيذ كان مين أمره ميا كان إلى يوميه هذا .قال :فقال
بعض أهلي لو استأذنت رسول ال صلى ال عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لمرأة هلل بن أمية
أن تخدمه .قال فقلت :ل أستأذن فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم إذا اسيتأذنته فيهيا وأنيا رجيل شاب قال :فلبثيت بذلك عشير ليال فكميل لنيا
خمسون ليلة من حين نهي عن كلمنا.
قال :ثم صليت صلة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على
الحال التيي ذكير ال منيا قيد ضاقيت عليّي نفسيي وضاقيت عليّي الرض بميا رحبيت سيمعت صيوت
صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته :يا كعب بن مالك أبشر .قال :فخررت ساجدا وعرفت
أن قد جاء فرج .قال :فآذن رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس بتوبة ال علينا حين صلى صلة
الفجير فذهيب الناس يبشروننيا فذهيب قبيل صياحبي مبشرون وركيض رجيل إلي فرسيا وسيعى سياع
مين أسيلم قبلي وأوفيى الجبيل فكان الصيوت أسيرع مين الفرس فلميا جاءنيي الذي سيمعت صيوته
يبشرنيي نزعيت له ثوبيّي فكسيوته إياهميا ببشارتيه ،وال ميا أملك غيرهميا يومئذ ،واسيتعرت ثوبيين
فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة
ويقولون :لتهنئك توبة ال عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم جالس في
المسيجد وحوله الناس فقام طلحية بين عيبيدال يهرول حتيى صيافحني وهنأنيي وال ميا قام رجيل مين
المهاجرين غيره .قال :فكان كعب ل ينساها لطلحة .قال كعب :فلما سلمت على رسول ال صلى
ال علييه وسيلم قال وهيو ييبرق وجهيه مين السيرور ويقول( :أبشير بخيير يوم مير علييك منيذ ولدتيك
أمك) .قال :فقلت أمن عند ال يا رسول ال أم من عندك؟ قال( :ل بل من عند ال) .وكان رسول
ال صلى ال عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر .قال :وكنا نعرف ذلك.
قال :فلما جلست بين يديه قلت :يا رسول ال ،إن من توبة ال علي أن أنخلع من مالي صدقة إلى
ال وإلى رسيوله؛ فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أمسيك علييك بعيض مالك فهيو خيير لك).
قال فقلت :فإنيي أمسيك سيهمي الذي بخييبر .قال وقلت :ييا رسيول ال ،إن ال إنميا أنجانيي بالصيدق،
وإن مين توبتيي أل أحدث إل صيدقا ميا بقييت .قال :فوال ميا علميت أحدا مين المسيلمين أبله ال فيي
صيدق الحدييث منيذ ذكرت ذلك لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى يوميي هذا أحسين مميا أبلنيي
ال بيه ،وال ميا تعمدت كذبية منيذ قلت ذلك لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى يوميي هذا وإنيي
لرجييو ال أن يحفظنييي فيمييا بقييي فأنزل ال عييز وجييل" :لقييد تاب ال على النييبي والمهاجرييين
والنصيار الذيين أتبعوه فيي سياعة العسيرة -حتيى بلغ -إنيه بهيم رؤوف رحييم .وعلى الثلثية الذيين
خلفوا حتيى إذا ضاقيت عليهيم الرض بميا رحبيت وضاقيت عليهيم أنفسيهم -حتيى بلغ -اتقوا ال
وكونوا ميع الصيادقين" .قال كعيب :وال ميا أنعيم ال علي مين نعمية قيط بعيد إذ هدانيي ال للسيلم
أعظم في نفسي من صدقي رسول ال صلى ال عليه وسلم أل أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين
كذبوا ،إن ال قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لحد ،وقال ال تعالى" :سيحلفون بال
لكيم إذا انقلبتيم إليهيم لتعرضوا عنيه فأعرضوا عنهيم إنهيم رجيس ومأواهيم جهنيم جزاء بميا كانوا
يكسييبون .يحلفون لكييم لترضوا عنهييم فإن ترضوا عنهييم فإن ال ل يرضييى عيين القوم الفاسييقين"
[التوبة .]96 - 95 :قال كعب :كنا خلفنا أيها الثلثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم حيين حلفوا له فبايعهيم واسيتغفر لهيم ،وأرجيأ رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
أمرنا حتى قضى ال فيه ،فبذلك قال ال عز وجل" :وعلى الثلثة" وليس الذي ذكر ال مما خُلفنا
َتخَلُفنا عن الغزو ،وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.
@قوله تعالى" :حتيى إذا ضاقيت عليهيم الرض بميا رحبيت" أي بميا اتسيعت يقال :منزل رجيب
ورحييب ورحاب .و"ميا" مصيدرية؛ أي ضاقيت عليهيم الرض برحبهيا ،لنهيم كانوا مهجوريين ل
يعاملون ول يكلمون .وفيي هذا دلييل على هجران أهيل المعاصيي حتيى يتوبوا" .وضاقيت عليهيم
أنفسهم" أي ضاقت صدورهم بالهم والوحشة" ،وبما لقوه من الصحابة من الجفوة" .وظنوا أن ل
ملجيأ مين ال إل إلييه" أي تيقنوا أن ل ملجيأ يلجؤون إلييه فيي الصيفح عنهيم وقبول التوبية منهيم إل
إليه .قال أبو بكر الوراق .التوبة النصوح أن تضيق على التائب الرض بما رحبت ،وتضيق عليه
نفسه؛ كتوبة كعب وصاحبيه.
@قوله تعالى" :ثيم تاب عليهيم ليتوبوا إن ال هيو التواب الرحييم" فبدأ بالتوبية منيه .قال أبيو زييد:
غلطت في أربعة أشياء :في البتداء مع ال تعالى ،ظننت أني أحبه فإذا هو أحبني؛ قال ال تعالى:
"يحبهم ويحبونه" [المائدة .]54 :وظننت أني أرضى عنه فإذا هو قد رضي عني؛ قال ال تعالى:
"رضيي ال عنهيم ورضوا عنيه" [المائدة .]119 :وظننيت أنيي أذكره فإذا هيو يذكرنيي؛ قال ال
تعالى" :ولذكر ال أكبر" .وظننت أني أتوب فإذا هو قد تاب على؛ قال ال تعالى" :ثم تاب عليهم
ليتوبوا" .وقييل :المعنييى ثيم تاب عليهيم ليثبتوا على التوبيية؛ كمييا قال تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا
آمنوا" [النسياء ]136 :وقييل :أي فسيح لهيم ولم يعجيل عقابهيم كميا فعيل بغيرهيم؛ قال جيل وعيز:
"فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" [النساء.]160 :
**3الية{ 119 :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين}
@قوله تعالى" :وكونوا مع الصادقين" هذا المر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلثة
حين نفعهم الصدق وذهب بهم عن منازل المنافقين .قال مطرف :سمعت مالك بن أنس يقول :قلما
كان رجل صادقا ل يكذب إل متع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف.
واختلف فيي المراد هنيا بالمؤمنيين والصيادقين على أقوال؛ فقييل :هيو خطاب لمين آمين مين أهيل
الكتاب .وقييل :هيو خطاب لجمييع المؤمنيين؛ أي اتقوا مخالفية أمير ال "وكونوا ميع الصيادقين" أي
مع الذين خرجوا مع النبي صلى ال عليه وسلم ل مع المنافقين .أي كونوا على مذهب الصادقين
وسبيلهم .وقيل :هم النبياء؛ أي كونوا معهم بالعمال الصالحة في الجنة .وقيل :هم المراد بقوله:
"ليس البر أن تولوا وجوهكم -الية إلى قوله -أولئك الذين صدقوا" [البقرة .]177 :وقيل :هم
الموفون بميييا عاهدوا؛ وذلك لقوله تعالى" :رجال صيييدقوا ميييا عاهدوا ال علييييه" وقييييل :هيييم
المهاجرون؛ لقول أبيييي بكييير يوم السيييقيفة إن ال سيييمانا الصيييادقين فقال" :للفقراء المهاجريييين"
[الحشر ]8 :الية ،ثم سماكم بالمفلحين فقال" :والذين تبوؤوا الدار واليمان" [الحشر ]9 :الية.
وقيل :هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم .قال ابن العربي :وهذا القول هو الحقيقة والغاية التي
إليهيا المنتهيى فإن هذه الصيفة يرتفيع بهيا النفاق فيي العقيدة والمخالفية فيي الفعيل ،وصياحبها يقال له
الصيديق كأبيي بكير وعمر وعثمان ومن دونهم على منازلهيم وأزمانهم .وأميا مين قال :إنهيم المراد
بآية البقرة فهو معظم الصدق ومتبعه القل وهو معنى آية الحزاب .وأما تفسير أبي بكر الصديق
فهو الذي يعم القوال كلها فإن جميع الصفات فيهم موجودة.
@ حيق مين فهيم عين ال وعقيل عنيه أن يلزم الصيدق فيي القوال ،والخلص فيي العمال،
والصفاء ،في الحوال ،فمن كان كذلك لحق بالبرار ووصل إلى رضا الغفار؛ قال صلى ال عليه
وسييلم( :عليكييم بالصييدق فإن الصييدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنيية ومييا يزال الرجييل
يصيدق ويتحرى الصيدق حتيى يكتيب عنيد ال صيديقا) .والكذب على الضيد مين ذلك؛ قال صيلى ال
عليييه وسييلم( :إياكييم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ومييا يزال
الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال كذابا) خرجه مسلم .فالكذب عار وأهله مسلوبو
الشهادة ،وقد رد صلى ال عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها .قال معمر :ل أدري أكذب على
ال أو كذب على رسييوله أو كذب على أحييد ميين الناس .وسييئل شريييك بيين عبدال فقيييل له :يييا أبييا
عبدال ،رجييل سييمعته يكذب متعمدا أأصييلي خلفييه؟ قال ل .وعيين ابيين مسييعود قال :إن الكذب ل
يصلح منه جد ول هزل ،ول أن يعد أحدكم شيئا ثم ل ينجزه ،أقرؤوا إن شئتم "يا أيها الذين آمنوا
اتقوا ال وكونوا مع الصادقين" هل ترون في الكذب رخصة؟ وقال مالك :ل يقبل خبر الكاذب في
حدييث الناس وإن صيدق فيي حدييث رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .وقال غيره :يقبيل حديثيه.
والصييحيح أن الكاذب ل تقبييل شهادتييه ول خييبره لمييا ذكرناه؛ فإن القبول مرتبيية عظيميية وولييية
شريفة ل تكون إل لمن كملت خصاله ول خصلة هي أشر من الكذب فهي تعزل الوليات وتبطل
الشهادات.
**3اليتان{ 121 - 120 :ميا كان لهيل المدينية ومين حولهيم مين العراب أن يتخلفوا عين
رسيول ال ول يرغبوا بأنفسيهم عين نفسيه ذلك بأنهيم ل يصييبهم ظميأ ول نصيب ول مخمصية فيي
سيبيل ال ول يطؤون موطئا يغييظ الكفار ول ينالون مين عدو نيل إل كتيب لهيم بيه عميل صيالح إن
ال ل يضييع أجير المحسينين ،ول ينفقون نفقية صيغيرة ول كيبيرة ول يقطعون وادييا إل كتيب لهيم
ليجزيهم ال أحسن ما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :ما كان لهل المدينة ومن حولهم من العراب أن يتخلفوا عن رسول ال" ظاهره
خيبر ومعناه أمير؛ كقوله" :وميا كان لكيم أن تؤذوا رسيول ال" [الحزاب ]53 :وقيد تقدم" .أن
يتخلفوا" في موضع رفع اسم كان .وهذه معاتبة للمؤمنين من أهل يثرب وقبائل العرب المجاورة
لهيا؛ كمزينية وجهينية وأشجيع وغفار وأسيلم على التخلف عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي
غزوة تبوك .والمعنى :ما كان لهؤلء المذكورين أن يتخلفوا؛ فإن النفير كان فيهم ،بخلف غيرهم
فإنهيم لن يسيتنفروا؛ فيي قول بعضهيم .ويحتميل أن يكون السيتنفار فيي كيل مسيلم ،وخصيى هؤلء
بالعتاب لقربهم وجوارهم ،وأنهم أحق بذلك من غيرهم.
@قوله تعالى" :ول يرغبوا بأنفسهم عن نفسه" أي ل يرضوا لنفسهم بالخفض والدعة ورسول
ال صلى ال عليه وسلم في المشقة .يقال :رغبت عن كذا أي ترفعت عنه" .ذلك بأنهم ل يصيبهم
ظمأ" أي عطش .وقرأ عبيد بن عمير "ظماء" بالمد .وهما لغتان مثل خطأ وخطاء" .ول نصب"
عطييف ،أي تعييب ،ول زائدة للتوكيييد .وكذا "ول مخمصيية" أي مجاعيية .وأصييله ضمور البطيين؛
ومنييه رجييل خميييص وامرأة خمصييانة .وقييد تقدم" .فييي سييبيل ال" أي فييي طاعتييه" .ول يطؤون
موطئا" أي أرضيا" .يغييظ الكفار" أي بوطئهيم إياهيا ،وهيو فيي موضيع نصيب لنيه نعيت للموطيئ،
أي غائظيا" .ول ينالون مين عدو نيل" أي قتل وهزيمية .وأصيله مين نلت الشييء أنال أي أصيبت.
قال الكسائي :هو من قولهم أمر منيل منه؛ وليس هو من التناول ،إنما التناول من نلته العطية .قال
غيره :نلت أنول مين العطيية ،مين الواو والنييل مين الياء ،تقول :نلتيه فأنيا نائل ،أي أدركتيه" .ول
يقطعون وادي" العرب تقول :واد وأوديية ،على غييير قياس .قال النحاس :ول يعرف فيمييا علمييت
فاعييل وأفعلة سييواه ،والقياس أن يجمييع ووادي؛ فاسييتثقلوا الجمييع بييين واوييين وهييم قييد يسييتثقلون
واحدة ،حتى قالوا :أقتت في وقتت .وحكى الخليل وسيبويه في تصغير واصل اسم رجل أو يصل
فل يقولون غيره .وحكى الفراء في جمع واد أوداء .قلت :وقد جمع أوداه؛ قال جرير:
محيل طال عهدك من رسوم عرفت ببرقة الوداه رسما
"إل كتب لهم به عمل صالح" قال ابن عباس :بكل روعة تنالهم في سبيل ال سبعون ألف حسنة.
وفيي الصيحيح( :الخييل ثلثية - ...وفييه -وأميا التيي هيي له أجير فرجيل ربطهيا فيي سيبيل ال لهيل
السلم في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إل كتب له عدد ما أكلت حسنات
وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات .)...الحديث .هذا وهي في مواضعها فكيف إذا أدرب بها.
@ استدل بعض العلماء بهذه الية على أن الغنيمة تستحق بالدراب والكون في بلد العدو ،فإن
مات بعييد ذلك فله سييهمه؛ وهييو قول أشهييب وعبدالملك ،وأحييد قولي الشافعييي .وقال مالك وابيين
القاسم :ل شيء له؛ لن ال عز وجل إنما ذكر في هذه الية الجر ولم يذكر السهم.
قلت :الول أصح لن ال تعالى :جعل وطء ديار الكفار بمثابة النيل من أموالهم وإخراجهم من
ديارهيم ،وهو الذي يغيظهيم ويدخيل الذل عليهيم ،فهيو بمنزلة نيل الغنيمة والقتل والسير؛ وإذا كان
كذلك فالغنيمية تسيتحق بالدراب ل بالحيازة ،ولذلك قال علي رضيي ال عنيه :ميا وطيئ قوم فيي
عقر دارهم إل ذلوا .وال أعلم.
@ هذه اليية منسيوخة بقوله تعالى" :وميا كان المؤمنون لينفروا كافية" [التوبية ]122 :وأن
حكمهيا كان حيين كان المسيلمون فيي قلة ،فلميا كثروا نسيخت وأباح ال التخلف لمين شاء؛ قاله ابين
زيد .وقال مجاهد :بعث صلى ال عليه وسلم قوما إلى البوادي ليعلموا الناس فلما نزلت هذه الية
خافوا ورجعوا؛ فأنزل ال" :وميا كان المؤمنون لينفروا كافية" .وقال قتادة :كان هذا خاصيا بالنيبي
صيلى ال علييه وسيلم ،إذا غزا بنفسيه فلييس لحيد أن يتخلف عنيه إل بعذر؛ فأميا غيره مين الئمية
الولة فلمين شاء أن يتخلف خلفيه مين المسيلمين إذا لم يكين بالناس حاجية إلييه ول ضرورة .وقول
ثالث :أنهيا محكمية؛ قال الولييد بين مسيلم :سيمعت الوزاعيي وابين المبارك والفزاري والسيبيعي
وسعيد بن عبدالعزيز يقولون في هذه الية إنها لول هذه المة وآخرها.
قلت :قول قتادة حسن؛ بدليل غزاة تبوك ،وال أعلم.
@ روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :لقد تركتم بالمدينة
أقواميا ميا سيرتم مسييرا ول أنفقتيم مين نفقية ول قطعتيم مين واد إل وهيم معكيم فييه) قالوا :ييا رسيول
ال ،وكييف يكونون معنيا وهيم بالمدينية.؟ قال( :حبسيهم العذر) .خرجيه مسيلم مين حدييث جابر قال:
كنيا ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي غزاة فقال( :إن بالمدينية لرجال ميا سيرتم مسييرا ول
قطعتم واديا إل كانوا معكم حبسهم المرض) .فأعطى صلى ال عليه وسلم للمعذور من الجر مثل
مييا أعطييى للقوي العامييل .وقييد قال بعييض الناس :إنمييا يكون الجيير للمعذور غييير مضاعييف،
ويضاعيف للعاميل المباشير .قال ابين العربيي :وهذا تحكيم على ال تعالى وتضيييق لسيعة رحمتيه،
وقيد عاب بعيض الناس فقال :إنهيم يعطون الثواب مضاعفيا قطعيا ،ونحين ل نقطيع بالتضعييف فيي
موضيع فإنيه مبنيي على مقدار النيات ،وهذا أمير مغييب ،والذي يقطيع بيه أن هناك تضعيفيا وربيك
أعلم بمن يستحقه.
قلت :الظاهير مين الحادييث والي المسياواة فيي الجير؛ منهيا قوله علييه السيلم( :مين دل على
خيير فله مثيل أجير فاعله) وقوله( :مين توضيأ وخرج إلى الصيلة فوجيد الناس قيد صيلوا أعطاه ال
مثيل أجير مين صيلها وحضرهيا) .وهيو ظاهير قوله تعالى" :ومين يخرج مين بيتيه مهاجرا إلى ال
ورسيوله ثيم يدركيه الموت فقيد وقيع أجره على ال" [النسياء ]100:وبدلييل أن النيية الصيادقة هيي
أصل العمال ،فإذا صحت في فعل طاعة فعجز عنها صاحبها لمانع منع منها فل بعد في مساواة
أجر ذلك العاجز لجر القادر الفاعل ويزيد عليه؛ لقوله عليه السلم( :نية المؤمن خير من عمله).
وال أعلم.
**3الية{ 122 :وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
@قوله تعالى" :وميا كان المؤمنون" وهيي أن الجهاد لييس على العيان وأنيه فرض كفايية كميا
تقدم؛ إذ لو نفيير الكييل لضاع ميين وراءهييم ميين العيال ،فليخرج فريييق منهييم للجهاد وليقييم فريييق
يتفقهون في الدين ويحفظون الحريم ،حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام
الشرع ،ومييا تجدد نزول على النييبي صييلى ال عليييه وسييلم .وهذه الييية ناسييخة لقوله تعالى" :إل
تنفروا" [التوبة ]39 :وللية التي قبلها؛ على قول مجاهد وابن زيد.
@ هذه اليية أصيل فيي وجوب طلب العلم؛ لن المعنيى :وميا كان المؤمنون لينفروا كافية والنيبي
صيلى ال علييه وسيلم مقييم ل ينفير فيتركوه وحده" .فلو ل نفير" بعيد ميا علموا أن النفيير ل يسيع
جميعهيم" .مين كيل فرقية منهيم طائفية" وتبقيى بقيتهيا ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم ليتحملوا عنيه
الديين ويتفقهوا؛ فإذا رجيع النافرون إليهيم أخيبروهم بميا سيمعوا وعلموه .وفيى هذا إيجاب التفقيه فيي
الكتاب والسينة ،وأنيه على الكفايية دون العيان .ويدل علييه أيضيا قوله تعالى" :فاسيألوا أهيل الذكير
إن كنتم ل تعلمون" [النحل .]43 :فدخل في هذا من ل يعلم الكتاب والسنن.
@قوله تعالى" :فلول نفير" قال الخفيش :أي فهل نفير" .مين كيل فرقية منهيم طائفية" الطائفية فيي
اللغة الجماعة ،وقد تقع على أقل من ذلك حتى تبلغ الرجلين ،وللواحد على معنى نفس طائفة .وقد
تقدم أن المراد بقوله تعالى" :إن نعيف عين طائفية منكيم نعذب طائفية" [التوبية ]66 :رجيل واحيد.
ول شييك أن المراد هنييا جماعيية لوجهييين؛ أحدهمييا عقل ،والخيير لغيية .أمييا العقييل فلن العلم ل
يتحصيل بواحيد فيي الغالب ،وأميا اللغية فقوله" :ليتفقهوا فيي الديين ولينذروا قومهيم" فجاء بضميير
الجماعة .قال ابن العربي :والقاضي أبو بكر والشيخ أبو الحسن قبله يرون أن الطائفة ههنا واحد،
ويعتضون فييه بالدلييل على وجوب العميل بخيبر الواحيد ،وهيو صيحيح ل مين جهية .أن الطائفية
تنطلق على الواحيد ولكين مين جهية أن خيبر الشخيص الواحيد أو الشخاص خيبر واحيد ،وأن مقابله
وهو التواتر ل ينحصر.
قلت :أنص ما يستدل به على أن الواحد يقال له طائفة قوله تعالى" :وإن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا" [الحجرات ]9 :يعنيي نفسين .دليله قوله تعالى" :فأصيلحوا بين أخويكيم" [الحجرات]9 :
فجاء بلفيظ التثنيية ،والضميير فيي "اقتتلوا" وإن كان ضميير جماعية فأقيل الجماعية اثنان فيي أحيد
القولين للعلماء.
@قوله تعالى" :ليتفقهوا" الضميير فيي "ليتفقهوا ،ولينذروا" للمقيميين ميع النيبي صيلى ال علييه
وسلم؛ قاله قتادة ومجاهد .وقال الحسن :هما للفرقة النافرة؛ واختاره الطبري .ومعنى "ليتفقهوا في
الديين" أي يتبصيروا ويتيقنوا بميا يريهيم ال مين الظهور على المشركيين ونصيرة الديين" .ولينذروا
قومهم" من الكفار" .إذا رجعوا إليهم" من الجهاد فيخبرونهم بنصرة ال تعالى نبيه صلى ال عليه
وسيلم والمؤمنيين ،وأنهيم ل يدان لهيم بقتالهيم وقتال النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ فينزل بهيم ميا نزل
بأصحابهم من الكفار.
قلت :قول مجاهيد وقتادة أبيين ،أي لتتفقيه الطائفية المتأخرة ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
عن النفور في السرايا .وهذا يقتضي الحث على طلب العلم والندب إليه دون الوجوب واللزام؛ إذ
ليس ذلك في قوة الكلم ،وإنما لزم طلب العلم بأدلته؛ قاله أبو بكر بن العربي.
@ طلب العلم ينقسم قسمين :فرض على العيان؛ كالصلة والزكاة والصيام.
قلت :وفييي هذا المعنييى جاء الحديييث المروي (إن طلب العلم فريضيية) .روى عبدالقدوس بيين
حبيب :أبو سعيد الوحاظي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال سمعت أنس بن مالك
يقول :سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول( :طلب العلم فريضية على كيل مسيلم) .قال
إبراهيم :لم أسمع من أنس بن مالك إل هذا الحديث.
وفرض على الكفاييية؛ كتحصيييل الحقوق وإقاميية الحدود والفصييل بييين الخصييوم ونحوه؛ إذ ل
يصلح أن يتعلمه جميع الناس فتضيع أحوالهم وأحوال سراياهم وتنقص أو تبطل معايشهم؛ فتعين
بين الحالين أن يقوم به البعض من غير تعيين ،وذلك بحسب ما يسره ال لعباده وقسمه بينهم من
رحمته وحكمته بسابق قدرته وكلمته.
@ طلب العلم فضيلة عظيمية ومرتبية شريفية ل يوازيهيا عميل؛ روى الترمذي مين حدييث أبيي
الدرداء قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك
ال به طريقيا إلى الجنية وإن الملئكية لتضيع أجنحتهيا رضيا لطالب العلم وإن العالم ليسيتغفر له مين
في السموات ومن في الرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر
ليلة البدر على سيائر الكواكيب وإن العلماء ورثية النيبياء وإن النيبياء لم يورثوا دينارا ول درهميا
إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) .وروى الدارمي أبو محمد في مسنده قال :حدثنا أبو
المغيرة حدثنا الوزاعي عن الحسن قال سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن رجلين كانا في
بنيي إسيرائيل ،أحدهميا كان عالميا يصيلي المكتوبية ثيم يجلس فيعلم الناس الخيير .والخير يصيوم
النهار ويقوم الليييل ،أيهمييا أفضييل؟ قال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم( :فضييل هذا العالم الذي
يصيلي المكتوبية ثيم يجلس فيعلم الناس الخيير على العابيد الذي يصيوم النهار ويقوم اللييل كفضلي
على أدناكم) .أسنده أبو عمر في كتاب بيان العلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى
ال علييه وسيلم( :فضيل العالم على العابيد كفضلي على أمتيي) .وقال ابين عباس :أفضيل الجهاد مين
بنيى مسيجدا يعلم فييه القرآن والفقيه والسينة .رواه شرييك عين لييث بين أبيي سيليم عين يحييى بين أبيي
كثييير عين علي الزدي قال :أردت الجهاد فقال لي ابين عباس أل أدلك على ميا هيو خييير لك مين
الجهاد ،تأتيي مسيجدا فتقرئ فييه القرآن وتعلم فييه الفقيه .وقال الربييع سيمعت الشافعيي يقول :طلب
العلم أوجب من الصلة النافلة .وقوله عليه السلم( :إن الملئكة لتضع أجنحتها )...الحديث يحتمل
وجهين :أحدهما :أنها تعطف عليه وترحمه؛ كما قال ال تعالى فيما وصى به الولد من الحسان
إلى الوالديين بقوله" :واخفيض لهميا جناح الذل مين الرحمية" [السيراء ]24 :أي تواضيع لهميا.
والوجيه الخير :أن يكون المراد بوضيع الجنحية فرشهيا؛ لن فيي بعيض الروايات (وإن الملئكية
تفرش أجنحتهيا) أي إن الملئكية إذا رأت طالب العلم يطلبيه مين وجهيه ابتغاء مرضات ال وكانيت
سائر أحواله مشاكلة لطلب العلم فرشت له أجنحتها فيي رحلته وحملته عليها؛ فمن هناك يسلم فل
يحفيى إن كان ماشييا ول يعييا ،وتقرب علييه الطرييق البعيدة ول يصييبه ميا يصييب المسيافر مين
أنواع الضرر كالمرض وذهاب المال وضلل الطرييق .وقيد مضيى شييء مين هذا المعنيى فيي "آل
عمران" عنيد قوله تعالى" :شهيد ال "...اليية .روى عمران بين حصيين قال قال رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم (ل تزال طائفية مين أمتيي ظاهريين على الحيق حتيى تقوم السياعة) .قال يزييد بين
هارون :إن لم يكونوا أصحاب الحديث فل أدري من هم؟.
قلت :وهذا قول عبدالرزاق فييي تأويييل الييية ،إنهييم أصييحاب الحديييث؛ ذكره الثعلبييي .سييمعت
شيخنييا السييتاذ المقرئ النحوي المحدث أبييا جعفيير أحمييد بيين محمييد بيين محمييد القيسييي القرطييبي
المعروف بابيين أبييي حجيية رحمييه ال يقول فييي تأويييل قوله عليييه السييلم( :ل يزال أهييل الغرب
ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) إنهم العلماء؛ قال :وذلك أن الغرب لفظ مشترك يطلق على
الدلو الكيبيرة وعلى مغرب الشميس ،ويطلق على فيضية مين الدميع .فمعنيى (ل يزال أهيل الغرب)
أي ل يزال أهل فيض الدمع من خشية ال عن علم به وبأحكامه ظاهرين؛ الحديث .قال ال تعالى:
"إنما يخشى ال من عباده العلماء" [فاطر.]28 :
قلت :وهذا التأوييل يعضده قوله علييه السلم فيي صيحيح مسيلم( :من يرد ال به خيرا يفقهه فيي
الدييين ول تزال عصييابة ميين المسييلمين يقاتلون على الحييق ظاهرييين على ميين ناوأهييم إلى يوم
القيامة) .وظاهر هذا المساق أن أوله مرتبط بآخره .وال أعلم.
**3الية{ 123 :يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا
أن ال مع المتقين}
@ فييه مسيألة واحدة :وهيو أنيه سيبحانه عرفهيم كيفيية الجهاد وأن البتداء بالقرب فالقرب مين
العدو ولهذا بدأ رسول ال صلى ال عليه وسلم بالعرب ،فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام .وقال
الحسين :نزلت قبيل أن يؤمير النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقتال المشركيين؛ فهيي مين التدرييج الذي
كان قبيل السيلم .وقال ابين زييد :المراد بهذه اليية وقيت نزولهيا العرب ،فلميا فرغ منهيم نزلت فيي
الروم وغيرهيم" :قاتلوا الذيين ل يؤمنون بال" [التوبية .]29 :وقيد روي عين ابين عمير أن المراد
بذلك الديلم .وروي عنيه أنيه سيئل بمين يبدأ بالروم أو بالديلم؟ فقال بالروم .وقال الحسين :هيو قتال
الديلم والترك والروم .وقال قتادة :الية على العموم في قتال القرب فالقرب ،والدنى فالدنى.
قلت :قول قتادة هو ظاهر الية ،واختار ابن العربي أن يبدأ بالروم قبل الديلم؛ على ما قاله ابن
عمر لثلثة أوجه[ .أحدها] أنهم أهل كتاب ،فالحجة عليهم أكثر وأكد .الثاني :أنهم إلينا أقرب أعني
أهل المدينة .الثالث :أن بلد النبياء في بلدهم أكثر فاستنقاذها منهم أوجب .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وليجدوا فيكم غلظة" أي شدة وقوة وحمية .وروى الفضل عن العمش وعاصم
"غَلظة" بفتح الغين وإسكان اللم .قال الفراء :لغة أهل الحجاز وبني أسد بكسر الغين ،ولغة بني
تميم "غُلظة" بضم الغين.
**3اليية{ 124 :وإذا ميا أنزلت سيورة فمنهيم مين يقول أيكيم زادتيه هذه إيمانيا فأميا الذيين آمنوا
فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون}
@ "ميا" صيلة ،والمراد المنافقون" .أيكيم زادتيه هذه إيمانيا" قيد تقدم القول فيي زيادة اليمان
ونقصيانه فيي سيورة "آل عمران" .وقيد تقدم معنيى السيورة فيي مقدمية الكتاب ،فل معنيى للعادة.
وكتييب الحسيين إلى عميير بيين عبدالعزيييز (إن لليمان سييننا وفرائض ميين اسييتكملها فقييد اسييتكمل
اليمان ومين لم يسيتكملها لم يسيتكمل اليمان) قال عمير بين عبدالعزييز( :فإن أعيش فسيأبينها لكيم
وإن أميت فميا أنيا على صيحبتكم بحرييص) .ذكره البخاري .وقال ابين المبارك لم أجيد بدا مين أن
أقول بزيادة اليمان وإل رددت القرآن.
**3الييية{ 125 :وأمييا الذييين فييي قلوبهييم مرض فزادتهييم رجسييا إلى رجسييهم وماتوا وهييم
كافرون}
@قوله تعالى" :وأما الذين فيي قلوبهم مرض" أي شك وريب ونفاق .وقد تقدم" .فزادتهم رجسيا
إلى رجسهم" أي شكا إلى شكهم وكفرا إلى كفرهم .وقال مقاتل :إثما إلى إثمهم؛ والمعنى متقارب.
**3اليية{ 126 :أول يرون أنهيم يفتنون فيي كيل عام مرة أو مرتيين ثيم ل يتوبون ول هيم
يذكرون}
@قوله تعالى" :أول يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين" قراءة العامة بالياء ،خبرا عن
المنافقيين .وقرأ حمزة ويعقوب بالتاء خيبرا عنهيم وخطابيا للمؤمنيين .وقرأ العميش "أو لم يروا".
وقرأ طلحية بين مصيرف "أول ترى" وهيي قراءة ابين مسيعود ،خطابيا للرسيول صيلى ال علييه
وسيلم .و"يفتنون" قال الطيبري :يختيبرون .قال مجاهيد :بالقحيط والشدة .وقال عطيية :بالمراض
والوجاع؛ وهيي روائد الموت .وقال قتادة والحسين ومجاهيد :بالغزو والجهاد ميع النيبي صيلى ال
عليه وسلم ،ويرون ما وعد ال من النصر "ثم ل يتوبون" لذلك "ول هم يذكرون".
**3الية{ 127 :وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا
صرف ال قلوبهم بأنهم قوم ل يفقهون}
@قوله تعالى" :وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض" "ما" صلة ،والمراد المنافقون؛ أي
إذا حضروا الرسول وهو يتلو قرآنا أنزل فيه فضيحتهم أو فضيحة أحد منهم جعل ينظر بعضهم
إلى بعيض نظير الرعيب على جهية التقريير؛ يقول :هيل يراكيم مين أحيد إذا تكلمتيم بهذا فينقله إلى
محميد؛ وذلك جهيل منهيم بنبوتيه علييه السيلم ،وأن ال يطلعيه على ميا يشاء مين غيبيه .وقييل إن
"نظير" فيي هذه اليية بمعنيى أنبيأ .وحكيى الطيبري عين بعضهيم أنيه قال" :نظير" فيي هذه اليية
موضع قال.
@قوله تعالى" :ثم انصرفوا" أي انصرفوا عن طريق الهتداء .وذلك أنهم حينما بين لهم كشف
أسيرارهم والعلم بمغيبات أمورهم يقع لهم ل محالة تعجب وتوقف ونظير ،فلو اهتدوا لكان ذلك
الوقيت مظنية ليمانهيم؛ فهيم إذ يصيممون على الكفير ويرتبكون فييه كأنهيم انصيرفوا عين تلك الحال
التيي كانيت مظنية النظير الصيحيح والهتداء ،ولم يسيمعوا قراءة النيبي صيلى ال علييه وسيلم سيماع
من يتدبره وينظر في آياته؛ "إن شر الدواب عند ال الصم البكم الذين ل يعقلون" [النفال.]22 :
"أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" [محمد.]24 :
@قوله تعالى" :صيرف ال قلوبهم" دعاء عليهيم؛ أي قولوا لهيم هذا .ويجوز أن يكون خيبرا عن
صيرفها عين الخيير مجازاة على فعلهيم .وهيي كلمية يدعيي بهيا؛ كقوله" :قاتلهيم ال" [التوبية]30 :
والباء في قوله" :بأنهم" صلة لي "صرف".
قال ابين عباس :يكره أن يقال انصيرفنا مين الصيلة؛ لن قوميا انصيرفوا فصيرف ال قلوبهيم،
ولكين قولوا قضينيا الصيلة؛ أسينده البري عنيه .قال ابين العربيي :وهذا فييه نظير وميا أظنيه بصيحيح
فإن نظام الكلم أن يقال :ل يقيل أحييد انصييرفنا مين الصيلة؛ فإن قومييا قيييل فيهيم" :ثيم انصييرفوا
صرف ال قلوبهم" .أخبرنا محمد بن عبدالملك القيسي الواعظ حدثنا أبو الفضل الجوهري سماعا
منه يقول :كنا في جنازة فقال المنذر بها :انصرفوا رحمكم ال فقال :ل يقل أحد انصرفوا فإن ال
تعالى قال في قوم ذمهم" :ثم انصرفوا صرف ال قلوبهم" ولكن قولوا :انقلبوا رحمكم ال فإن ال
تعالى قال في قوم مدحهم" :فانقلبوا بنعمة من ال وفضل لم يمسسهم سوء" [آل عمران.]174 :
@ أخبر ال سبحانه وتعالى في هذه الية أنه صارف القلوب ومصرفها وقالبها ومقلبها؛ ردا على
القدريية فيي اعتقادهيم أن قلوب الخلق بأيديهيم وجوارحهيم بحكمهيم ،يتصيرفون بمشيئتهيم ويحكمون
بإراداتهم واختيارهم؛ ولذلك قال مالك فيما رواه عنه أشهب :ما أبين هذا في الرد على القدرية "ل
يزال بنيانهيم الذي بنوا ريبية فيي قلوبهيم إل أن تقطيع قلوبهيم" [التوبية .]110 :وقوله عيز وجيل
لنوح" :أنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد آمين" [هود ]36 :فهذا ل يكون أبدا ول يرجيع ول
يزول.
**3اليتان{ 129 - 128 :لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنيين رؤوف رحييم ،فإن تولوا فقيل حسيبي ال ل إله إل هيو علييه توكلت وهيو رب العرش
العظيم}
@ هاتان اليتان في قول أُبي أقرب القرآن بالسماء عهدا .وفي قول سعيد بن جبير :آخر ما نزل
مين القرآن "واتقوا يوميا ترجعون فييه إلى ال" [البقرة ]281 :على ميا تقدم .فيحتميل أن يكون
قول أُبيييّ :أقرب القرآن بالسييماء عهدا بعييد قوله" :واتقوا يومييا ترجعون فيييه إلى ال" .وال أعلم
والخطاب للعرب فيي قول الجمهور ،وهذا على جهية تعدييد النعمية عليهيم فيي ذلك؛ إذ جاء بلسيانهم
وبمييا يفهمونييه ،وشرفوا بييه غابر اليام .وقال الزجاج :هييي مخاطبيية لجميييع العالم والمعنييى :لقييد
جاءكم رسول من البشر؛ والول أصوب .قال ابن عباس :ما من قبيلة من العرب إل ولدت النبي
صيلى ال علييه وسيلم فكأنيه قال :ييا معشير العرب لقيد جاءكيم رسيول مين بنيي إسيماعيل .والقول
الثاني أوكد للحجة أي هو بشر مثلكم لتفهموا عنه وتأتموا به.
@قوله تعالى" :مين أنفسيكم" يقتضيي مدحيا لنسيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم وأنيه مين صيميم
العرب وخالصها .وفي صحيح مسلم عن واثلة بن السقع قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه
وسيلم يقول( :إن ال اصيطفى كنانية مين ولد إسيماعيل واصيطفى قريشيا مين كنانية واصيطفى مين
قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) .وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال( :إني من
نكاح ولست من سفاح) .معناه أن نسبه صلى ال عليه وسلم إلى آدم عليه السلم لم يكن النسل فيه
إل من نكاح ولم يكن فيه زنى .وقرأ عبدال بن قُسيط المكي من "أنْفَ سِكم" بفتح الفاء من النفاسة؛
ورويت عن النبي صلى ال عليه وسلم وعن فاطمة رضي ال عنها أي جاءكم رسول من أشرفكم
وأفضلكم من قولك :شيء نفيس إذا كان مرغوبا فيه .وقيل :من أنفسكم أي أكثركم طاعة.
@قوله تعالى" :عزييز علييه ميا عنتيم" أي يعيز علييه مشقتكيم .والعنيت :المشقية؛ مين قولهيم :أكمية
عنوت إذا كانيت شاقية مهلكية .وقال ابين النباري :أصيل التعنيت التشدييد؛ فإذا قالت العرب :فلن
يتعنيت فلنيا ويعنتيه فمرادهيم يشدد علييه ويلزميه بميا يصيعب علييه أداؤه .وقيد تقدم فيي "البقرة".
"وميا" فيي "ميا عنتيم" مصيدرية ،وهيي ابتداء و"عزييز" خيبر مقدم .ويجوز أن يكون "ميا عنتيم"
فاعل بعزيييز ،و"عزيييز" صييفة للرسييول ،وهييو أصييوب .وكذا "حريييص عليكييم" وكذا "رؤوف
رحيم" رفع على الصفة .قال الفراء :ولو قرئ عزيزا عليه ،ما عنتم حريصا رؤوفا رحيما ،نصبا
على الحال جاز .قال أبو جعفر النحاس :وأحسن ما قيل في معناه مما يوافق كلم العرب ما حدثنا
أحميد بين محميد الزدي قال حدثنيا عبدال بين محميد الخزاعيي قال سيمعت عمرو بين علي يقول:
سيمعت عبدال بين داود الخرييبي يقول فيي قوله عيز وجيل" :لقيد جاءكيم رسيول مين أنفسيكم عزييز
عليه ما عنتم" قال :أن تدخلوا النار" ،حريص عليكم" أن تدخلوا الجنة .وقيل :حريص عليكم أن
تؤمنوا .وقال :الفراء :شحييييح بأن تدخلوا النار .والحرص على الشييييء :الشيييح علييييه أن يضييييع
ويتلف" .بالمؤمنييين رؤوف رحيييم" الرؤوف :المبالغ فييي الرأفيية والشفقيية .وقييد تقدم فييي "البقرة"
معنى "رؤوف رحيم" مستوفى .وقال الحسين بن الفضل :لم يجمع ال لحد من النبياء اسمين من
أسيمائه إل للنيبي محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فإنيه قال" :بالمؤمنيين رؤوف رحييم" وقال" :إن ال
بالناس لرؤوف رحيم" [الحج .]65 :وقال عبدالعزيز بن يحيى :نظم الية لقد جاءكم رسول من
أنفسكم عزيز حريص بالمؤمنين رؤوف رحيم ،عزيز عليه ما عنتم ل يهمه إل شأنكم ،وهو القائم
بالشفاعة لكم فل تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته؛ فانه ل يرضيه إل دخولكم الجنة.
@قوله تعالى" :فإن تولوا فقل حسبي ال" أي إن اعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعم التي من
ال عليهيم بهيا فقيل حسيبي ال أي كافيي ال تعالى" .علييه توكلت" أي اعتمدت وإلييه فوضيت جمييع
أموري" .وهو رب العرش العظيم" خص العرش لنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه إذا ما
ذكره .وقراءة العامية بخفيض "العظييم" نعتيا للعرش .وقرئ بالرفيع صيفة للرب ،روييت عين ابين
كثير ،وهي قراءة ابن محيصن وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال( :من قال إذا أصبح وإذا
أمسيى حسيبي ال ل إله إل هيو علييه توكلت وهيو رب العرش العظييم سيبع مرات كفاه ال ميا أهميه
صادقا كان بها أو كاذبا) .وفي نوادر الصول عن بريدة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(مين قال عشير كلمات عنيد دبر كيل صيلة وجيد ال عندهين مكفييا مجزييا خميس للدنييا وخميس
للخرة حسيبي ال لدينيي حسيبي ال لدنياي حسيبي ال لميا أهمنيي حسيبي ال لمين بغيى علي حسيبي
ال لمين حسيدني حسيبي ال لمين كادنيي بسيوء حسيبي ال عنيد الموت حسيبي ال عنيد المسيألة فيي
القيبر حسيبي ال عنيد الميزان حسيبي ال عنيد الصيراط حسيبي ال ل إله إل هيو علييه توكلت وإلييه
أنييب) .وحكيى النقاش عين أبيي بين كعيب أنيه قال :أقرب القرآن عهدا بال تعالى هاتان اليتان "لقيد
جاءكيم رسيول مين أنفسيكم" إلى آخير السيورة؛ وقيد بيناه .وروى يوسيف بين مهران عين ابين عباس
بين أن آخير ميا نزل مين القرآن "لقيد جاءكيم رسيول مين أنفسيكم" وهذه اليية؛ ذكره الماوردي .وقيد
ذكرنيا عين ابين عباس خلفيه؛ على ميا ذكرناه فيي "البقرة" وهيو أصيح .وقال مقاتيل :تقدم نزولهيا
بمكية .وهذا فييه بعيد لن السيورة مدنيية وال أعلم .وقال يحييى بين جعدة :كان عمير بين الخطاب
رضيي ال عنيه ل يثبيت آيية فيي المصيحف حتيى يشهيد عليهيا رجلن فجاءه رجيل مين النصيار
باليتيين مين آخير سيورة براءة "لقيد جاءكيم رسيول مين أنفسيكم" فقال عمير :وال ل أسيألك عليهميا
بينة كذلك كان النبي صلى ال عليه وسلم فأثبتهما .قال علماؤنا :الرجل هو خزيمة بن ثابت وإنما
أثبتهما عمر رضي ال عنه بشهادته وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى ال عليه
وسيلم فهيي قرينية تغنيي عين طلب شاهيد آخير بخلف آيية الحزاب "رجال صيدقوا ميا عاهدوا ال
علييه" [الحزاب ]23 :فإن تلك ثبتيت بشهادة زييد وخزيمية لسيماعهما إياهيا مين النيبي صيلى ال
عليه وسلم .وقد تقدم هذا المعنى في مقدمة الكتاب .والحمد ل.
**2سورة يونس
**3مقدمة السورة
@سيورة يونيس علييه السيلم مكيية فيي قول الحسين وعكرمية وعطاء وجابر .وقال ابين عباس إل
ثلث آيات من قوله تعالى" :فإن كنت في شك" [يونس ]94 :إلى آخرهن .وقال مقاتل :إل آيتين
وهي قوله" :فإن كنت في شك" نزلت بالمدينة .وقال الكلبي :مكية إل قوله" :ومنهم من يؤمن به
ومنهم من ل يؤمن به" [يونس ]40 :نزلت بالمدينة في اليهود .وقالت فرقة :نزل من أولها نحو
من أربعين آية بمكة وباقيها بالمدينة.
**3الية{ 1 :الر تلك آيات الكتاب الحكيم}
@قوله تعالى" :الر" قال النحاس :قرئ على أبيي جعفير أحميد بين شعيب بن علي بن الحسين بن
حريث قال :أخبرنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد أن عكرمة حدثه عن ابن عباس :الر ،وحم،
ونون حروف الرحمين مفرقية؛ فحدثيت بيه العميش فقال :عندك أشباه هذا ول تخيبرني بيه؟ .وعين
ابن عباس أيضا قال" :الر" أنا ال أرى .قال النحاس :ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول؛ لن
سيبويه قد حكى مثله عن العرب وأنشد:
ول أريد الشر إل أن تا بالخير خيرات وإن شرافا
وقال الحسين وعكرمية" :الر" قسيم .وقال سيعيد عين قتادة" :الر" اسيم السيورة؛ قال :وكذلك كيل
هجاء فيي القرآن .وقال مجاهيد :هيي فواتيح السيور .وقال محميد بين يزييد :هيي تنيبيه ،وكذا حروف
التهجي .وقرئ "الر" من غير إمالة .وقرئ بالمالة لئل تشبه ما ول من الحروف.
@قوله تعالى" :تلك آيات الكتاب الحكييم" ابتداء وخيبر؛ أي تلك التيي جرى ذكرهيا آيات الكتاب
الحكييم .قال مجاهيد وقتادة :أراد التوراة والنجييل والكتيب المتقدمية؛ فإن "تلك" إشارة إلى غائب
مؤنث .وقيل" :تلك" بمعنى هذه؛ أي هذه آيات الكتاب الحكيم .ومنه قول العشى:
هن صفر أولدها كالزبيب تلك خيلي منه وتلك ركابي
أي هذه خيلي .والمراد القرآن وهييو أولى بالصييواب؛ لنييه لم يجيير للكتييب المتقدميية ذكيير ،ولن
"الحكييم" مين نعيت القرآن .دليله قوله تعالى" :الر كتاب أحكميت آياتيه" [هود ]1 :وقيد تقدم هذا
المعنييى فيي أول سييورة "البقرة" .والحكيييم :المحكيم بالحلل والحرام والحدود والحكام؛ قاله أبيو
عييبيدة وغيره .وقيييل :الحكيييم بمعنييى الحاكييم؛ أي إنييه حاكييم بالحلل والحرام ،وحاكييم بييين الناس
بالحيق؛ فعييل بمعنيى فاعيل .دليله قوله" :وأنزل معهيم الكتاب بالحيق ليحكيم بيين الناس فيميا اختلفوا
فيه" [البقرة .]213 :وقيل :الحكيم بمعنى المحكوم فيه؛ أي حكم ال فيه بالعدل والحسان وإيتاء
ذي القربى ،وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر ،وبالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه؛ فهو
فعييل بمعنيى المفعول؛ قاله الحسين وغيره .وقال مقاتيل :الحكييم بمعنيى المحكيم مين الباطيل ل كذب
فيه ول اختلف؛ فعيل بمعنى مفعل ،كقول العشى يذكر قصيدته التي قالها:
قد قلتها ليقال من ذا قالها وغريبة تأتي الملوك حكيمة
**3الية{ 2 :أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن
لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين}
@قوله تعالى" :أكان للناس عجبا" استفهام معناه التقرير والتوبيخ" .وعجبا" خبر كان ،واسمها
"أن أوحينا" وهو في موضع رفع؛ أي كان إيحاؤنا عجبا للناس .وفي قراءة عبدال "عجب" على
أنه اسيم كان .والخيبر "أن أوحينا"" .إلى رجيل منهيم" قرئ " َرجْل" بإسكان الجيم .وسبب النزول
فيما روي عن ابن عباس أن الكفار قالوا لما بعث محمد :إن ال أعظم من أن يكون رسوله بشرا.
وقالوا :ما وجيد ال مين يرسيله إل يتييم أبيي طالب؛ فنزلت" :أكان للناس" يعني أهل مكية "عجبيا".
وقيل :إنما تعجبوا من ذكر البعث.
@قوله تعالى" :أن أنذر الناس وبشير الذيين آمنوا" فيي موضيع نصيب بإسيقاط الخافيض؛ أي بأن
أنذر الناس ،وقييد تقدم معنييى النذارة والبشارة وغييير ذلك ميين ألفاظ الييية" .أن لهييم قدم صييدق"
اختلف فيي معنيى "قدم صيدق" فقال ابين عباس :قدم صيدق منزل صيدق؛ دليله قوله تعالى" :وقيل
رب أدخلني مدخل صدق" [السراء .]80 :وعنه أيضا أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم .وعنه
أيضيا "قدم صيدق" سيبق السيعادة فيي الذكير الول ،وقاله مجاهيد .الزجاج :درجية عاليية .قال ذو
الرمة:
مع الحسب العالي طمت على البحر لكم قدر ل ينكر الناس أنها
قتادة :سييلف صييدق .الربيييع :ثواب صييدق .عطاء :مقام صييدق .يمان :إيمان صييدق .وقيييل :دعوة
الملئكة .وقيل :ولد صالح قدموه .الماوردي :أن يوافق صدق الطاعة الجزاء .وقال الحسن وقتادة
أيضيا :هيو محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فإنيه شفييع مطاع يتقدمهيم؛ كميا قال( :أنيا فرطكيم على
الحوض) .وقييد سييئل صييلى ال عليييه وسييلم فقال( :هييي شافعتييي توسييلون بييي إلى ربكييم) .وقال
الترمذي الحكيم :قدمه صلى ال عليه وسلم في المقام المحمود .وعن الحسن أيضا :مصيبتهم في
النبي صلى ال عليه وسلم .وقال عبدالعزيز بن يحيى" :قدم صدق" قوله تعالى" :إن الذين سبقت
لهيم منيا الحسينى أولئك عنهيا مبعدون" [النيبياء ]101 :وقال مقاتيل :أعمال قدموهيا؛ واختاره
الطبري .قال الوضاح:
تنجيك يوم العثار والزلل صل لذي العرش واتخذ قدما
وقييل :هيو تقدييم ال هذه المية فيي الحشير مين القيبر وفيي إدخال الجنية .كميا قال( :نحين الخرون
السابقون يوم القيامة المفضي لهم قبل الخلئق) .وحقيقته أنه كناية عن السعي في العمل الصالح؛
فكني عنه بالقدم كما يكنى عن النعام باليد وعن الثناء باللسان .وأنشد حسان:
لولنا في طاعة ال تابع لنا القدم العليا إليك وخلفنا
يرييد السيابقة بإخلص الطاعية ،وال أعلم .وقال أبيو عيبيدة والكسيائي :كيل سيابق مين خيير أو شير
فهيو عنيد العرب قدم؛ يقال :لفلن قدم فيي السيلم ،له عندي قدم صيدق وقدم شير وقدم خيير .وهيو
مؤنيث وقيد يذكير؛ يقال :قدم حسين وقدم صيالحة .وقال ابين العرابيي :القدم التقدم فيي الشرف؛ قال
العجاج:
وتركوا الملك لملك ذي قدم زل بنو العوام عن آل الحكم
وفيي الصيحاح عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :لي خمسية أسيماء .أنيا محميد وأحميد وأنيا
الماحي الذي يمحو ال بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب) يريد آخر
النبياء؛ كما قال تعالى" :وخاتم النبيين" [الحزاب.]40 :
@قوله تعالى" :قال الكافرون إن هذا لسياحر ميبين" قرأ ابين محيصين وابين كثيير والكوفيون
عاصيم وحمزة والكسيائي وخلف والعميش "لسياحر" نعتيا لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .وقرأ
الباقون "لسحر" نعتا للقرآن وقد تقدم معنى السحر في "البقرة".
**3الية{ 3 :إن ربكيم ال الذي خلق السماوات والرض فيي ستة أيام ثم استوى على العرش
يدبر المر ما من شفيع إل من بعد إذنه ذلكم ال ربكم فاعبدوه أفل تذكرون}
@قوله تعالى" :إن ربكم ال الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش"
تقدم فييي العراف" .يدبر الميير" قال مجاهييد :يقضيييه ويقدره وحده .ابيين عباس :ل يشركييه فييي
تدبير خلقه أحد .وقيل :يبعث بالمر .وقيل :ينزل به .وقيل :يأمر به ويمضيه؛ والمعنى متقارب.
فجبرييل للوحيي ،وميكائييل للقطير ،وإسيرافيل للصيور ،وعزرائييل للقبيض .وحقيقتيه تنزييل المور
فيي عواقبهيا ،واشتقاقيه مين الدبر .والمير اسيم لجنيس المور" .ميا مين شفييع" فيي موضيع رفيع،
والمعنيى ميا شفييع "إل من بعيد إذنيه" وقيد تقدم فيي "البقرة" معنيى الشفاعية .فل يشفيع أحيد نيبي ول
غيره إل بإذنيه سيبحانه ،وهذا رد على الكفار فيي قولهيم فيميا عبدوه مين دون ال" :هؤلء شفعاؤنيا
عند ال" [يونس ]18 :فأعلمهم ال أن أحدا ل يشفع لحد إل بإذنه ،فكيف بشفاعة أصنام ل تعقل.
@قوله تعالى" :ذلكيم ال ربكيم فاعبدوه" أي ذلكيم الذي فعيل هذه الشياء مين خلق السيموات
والرض هيو ربكيم ل رب لكيم غيره" .فاعبدوه" أي وحدوه وأخلصيوا له العبادة" .أفل تتذكرون"
أي أنها مخلوقاته فتستدلوا بها عليه.
**3اليية{ 4 :إلييه مرجعكيم جميعيا وعيد ال حقيا إنيه يبدأ الخلق ثيم يعيده ليجزي الذيين آمنوا
وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون}
@قوله تعالى" :إليه مرجعكم" رفع بالبتداء" .جميعا" نصب على الحال .ومعنى الرجوع إلى ال
الرجوع إلى أجزائه" .وعييد ال حقييا" مصييدران؛ أي وعييد ال ذلك وعدا وحققييه "حقييا" صييدقا ل
خلف فيه .وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة "وعد ال حق" على الستئناف.
@قوله تعالى" :إنه يبدأ الخلق" أي من التراب" .ثم يعيده" إليه .مجاهد :ينشئه ثم يميته ثم يحييه
للبعييث؛ أو ينشئه ميين الماء ثييم يعيده ميين حال إلى حال .وقرأ يزيييد ابيين القعقاع "أنييه يبدأ الخلق"
تكون "أن" في موضع نصب؛ أي وعدكم أنه يبدأ الخلق .ويجوز أن يكون التقدير لنه يبدأ الخلق؛
كما يقال :لبيك إن الحمد والنعمة لك؛ والكسر أجود .وأجاز الفراء أن تكون "أن" في موضع رفع
فتكون اسما .قال أحمد بن يحيى :يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق.
@قوله تعالى" :ليجزي الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات بالقسيط" أي بالعدل" .والذيين كفروا لهيم
شراب من حميم" أي ماء حار قد انتهى حره ،والحميمة مثله .يقال :حممت الماء احمه فهو حميم،
أي محموم؛ فعييل بمعنيى مفعول .وكيل مسيخن عنيد العرب فهيو حمييم" .وعذاب ألييم" أي موجيع،
يخلص وجعيه إلى قلوبهيم" .بميا كانوا يكفرون" أي بكفرهيم ،وكان معظيم قرييش يعترفون بأن ال
خالقهيم؛ فاحتيج عليهيم بهذا فقال :مين قدر على البتداء قدر على العادة بعيد الفناء أو بعيد تفرييق
الجزاء.
**3اليية{ 5 :هيو الذي جعيل الشميس ضياء والقمير نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السينين
والحساب ما خلق ال ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم يعلمون}
@قوله تعالى" :هو الذي جعل الشمس ضياء" مفعولن ،أي مضيئة ،ولم يؤنث لنه مصدر؛ أو
ذات ضياء "والقمير نورا" عطيف ،أي منيرا ،أو ذا نور ،فالضياء ميا يضييء الشياء ،والنور ميا
ييبين فيخفيى ،لنه مين النار مين أصل واحد .والضياء جمع ضوء؛ كالسيياط والحياض جمع سوط
وحوض .وقرأ قنبيل عين ابين كثيير "ضئاء" بهميز الياء ول وجيه له ،لن ياءه كانيت واوا مفتوحية
وهيي عيين الفعيل ،أصيلها ضواء فقلبيت وجعلت ياء كميا جعلت فيي الصييام والقيام .قال المهدوي:
ومين قرأ ضئاء بالهميز فهيو مقلوب ،قدميت الهمزة التيي بعيد اللف فصيارت قبيل اللف ضئاييا ،ثيم
قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة .وكذلك إن قردت أن الياء حين تأخرت رجعت إلى الواو
التيي انقلبيت عنهيا فإنهيا تقلب همزة أيضيا فوزنيه فلع مقلوب مين فعال .ويقال :إن الشميس والقمير
تضيء وجوهها لهل السموات السبع وظهورهما لهل الرضين السبع.
@قوله تعالى" :وقدره منازل" أي ذا منازل ،أو قدر له منازل .ثم قيل :المعنى وقدرهما ،فوحد
إيجازا واختصارا؛ كما قال" :وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها" .وكما قال:
عندك راض والرأي مختلف نحن بما عندنا وأنت بما
وقيييل :إن الخبار عيين القميير وحده؛ إذ بييه تحصييى الشهور التييي عليهييا العمييل فييي المعاملت
ونحوهيا ،كميا تقدم فيي "البقرة" .وفيي سيورة ييس" :والقمير قدرناه منازل" [ييس ]39 :أي على
عدد الشهر ،وهو ثمانية وعشرون منزل .ويومان للنقصان والمحاق ،وهناك يأتي بيانه.
@قوله تعالى" :لتعلموا عدد السينين والحسياب" قال ابن عباس :لو جعيل شمسيين ،شمسيا بالنهار
وشمسيا باللييل لييس فيهميا ظلمية ول لييل ،لم يعلم عدد السينين وحسياب الشهور .وواحيد "السينين"
سنة ،ومن العرب من يقول :سنوات في الجمع ومنهم من يقول :سنهات .والتصغير سنية وسنيهة.
@قوله تعالى" :ميا خلق ال ذلك إل بالحيق" أي ميا أراد ال عيز وجيل بخلق ذلك إل الحكمية
والصيواب ،وإظهارا لصينعته وحكمتيه ،ودللة على قدرتيه وعلميه ،ولتجزى كيل نفيس بميا كسيبت؛
فهذا هو الحق" .يفصل اليات لقوم يعلمون" تفصيل اليات تبيينها ليستدل بها على قدرته تعالى،
لختصاص الليل بظلمه والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما ول إيجاب؛ فيكون هذا لهم دليل
على أن ذلك بإرادة مرييد .وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو وحفيص ويعقوب "يفصيل" بالياء ،واختاره
أبو عبيد وأبو حاتم؛ لقوله من قبله" :ما خلق ال ذلك إل بالحق" وبعده "وما خلق ال في السموات
والرض" فيكون متبعييا له .وقرأ ابيين السييميقع "تفصييل" بضييم التاء وفتييح الصيياد على الفعييل
المجهول" ،واليات" رفعا .الباقون "نفصل" بالنون على التعظيم.
**3اليية{ 6 :إن فيي اختلف اللييل والنهار وميا خلق ال فيي السيماوات والرض ليات لقوم
يتقون}
@ تقدم في "البقرة" وغيرها معناه ،والحمد ل .وقد قيل :إن سبب نزولها أن أهل مكة سألوا آية
فردهييم إلى تأمييل مصيينوعاته والنظيير فيهييا؛ قاله ابيين عباس" .لقوم يتقون" أي الشرك؛ فأمييا ميين
أشرك ولم يستدل فليست الية له آية.
**3اليتان{ 8 - 7 :إن الذيين ل يرجون لقاءنيا ورضوا بالحياة الدنييا واطمأنوا بهيا والذيين هيم
عن آياتنا غافلون ،أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}
@قوله تعالى" :إن الذين ل يرجون لقاءنا" "يرجون" يخافون؛ ومنه قول الشاعر:
وخالفها في بيت نوب عواسل إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وقيل يرجون يطمعون؛ ومنه قول الخر:
وقومي تميم والفلة ورائيا أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي
فالرجاء يكون بمعنيى الخوف والطميع؛ أي ل يخافون عقابيا ول يرجون ثوابيا .وجعيل لقاء العذاب
والثواب لقاء ل تفخيميا لهميا .وقييل :يجري اللقاء على ظاهره ،وهيو الرؤيية؛ أي ل يطمعون فيي
رؤيتنيا .وقال بعيض العلماء :ل يقيع الرجاء بمعنيى الخوف إل ميع الجحيد؛ كقوله تعالى" :ميا لكيم ل
ترجون ل وقارا" [نوح .]13 :وقال بعضهم :بل يقع بمعناه في كل موضع دل عليه المعنى.
@قوله تعالى" :ورضوا بالحياة الدنيا" أي رضوا بها عوضا من الخرة فعملوا لها" .واطمأنوا
بهيا" أي فرحوا بهيا وسيكنوا إليهيا ،وأصيل اطمأن طأمين طمأنينية ،فقدميت ميميه وزيدت نون وألف
وصل ،ذكره الغزنوي" .والذين هم عن آياتنا" أي عن أدلتنا "غافلون" ل يعتبرون ول يتفكرون.
"أولئك مأواهم" أي مثواهم ومقامهم" .النار بما كانوا يكسبون" أي من الكفر والتكذيب.
**3الية{ 9 :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم النهار
في جنات النعيم}
@قوله تعالى" :إن الذيين آمنوا" أي صيدقوا" .وعملوا الصيالحات يهديهيم ربهيم بإيمانهيم" أي
يزيدهم هداية؛ كقوله" :والذين اهتدوا زادهم هدى" [محمد .]17 :وقيل" :يهديهم ربهم بإيمانهم"
إلى مكان تجري من تحتهم النهار .وقال أبو روق :يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة .وقال عطية:
"يهديهم" يثيبهم ويجزيهم .وقال مجاهد" :يهديهم ربهم" بالنور على الصراط إلى ا الجنة ،يجعل
لهم نورا يمشون به .ويروى عن النبي صلى ال عليه وسلم ما يقوي هذا أنه قال( :يتلقى المؤمن
عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله) .هذا
معنى الحديث .وقال ابن جريج :يجعل عملهم هاديا لهم .الحسن" :يهديهم" يرحمهم.
@قوله تعالى" :تجري من تحتهم النهار" قيل :في الكلم واو محذوفة ،أي وتجري من نحتهم،
أي من نحت بساتينهم .وقيل :من تحت أسرتهم؛ وهذا أحسن في النزهة والفرجة.
**3الية{ 10 :دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلم وآخر دعواهم أن الحمد ل رب
العالمين}
@قوله تعالى" :دعواهم فيها سبحانك اللهم" دعواهم :أي دعاؤهم؛ والدعوى مصدر دعا يدعو،
كالشكوى مصيدر شكيا يشكيو؛ أي دعاؤهيم فيي الجنية أن يقولوا سيبحانك اللهيم وقييل :إذا أرادوا أن
يسألوا شيئا أخرجوا السؤال بلفظ التسبيح ويختمون بالحمد .وقيل :نداؤهم الخدم ليأتوهم بما شاؤوا
ثم سبحوا .وقيل :إن الدعاء هنا بمعنى التمني قال ال تعالى "ولكم فيها ما تدعون" [فصلت]31 :
أي ميا تتمنون .وال أعلم" .وتحيتهيم فيهيا سيلم" أي تحيية ال لهيم أو تحيية الملك أو تحيية بعضهيم
لبعض :سلم .وقد مضى في "النساء" معنى التحية مستوفى .والحمد ل.
@ قيل :إن أهل الجنة إذا مر بهم الطير واشتهوه قالوا :سبحانك اللهم؛ فيأتيهم الملك بما اشتهوا،
فإذا أكلوا حمدوا ال فسؤالهم بلفظ التسبيح والختم بلفظ الحمد .ولم يحك أبو عبيد إل تخفيف "أن"
ورفع ما بعدها؛ قال :وإنما نراهم مم اختاروا هذا وفرقوا بينها وبين قوله عز وجل" :أن لعنة ال"
و"أن غضيب ال" لنهيم أرادوا الحكايية حيين يقال الحميد ل .قال النحاس :مذهيب الخلييل وسييبويه
أن "أن" هذه مخففة من الثقيلة .والمعنى أنه الحمد ل .قال محمد بن يزيد :ويجوز "أن الحمد ل"
يعملهيا خفيفية عملهيا ثقيلة؛ والرفيع أقييس .قال النحاس :وحكيى أبيو حاتيم أن بلل بين أبيي بردة قرأ
"وآخر دعواهم أن الحمد ل رب العالمين".
قلت :وهى قراءة ابن محيصن ،حكاها الغزنوي لنه يحكي عنه.
@ التسبيح والحمد والتهليل قد يسمى دعاء؛ روى مسلم والبخاري عن ابن عباس أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم كان يقول عند الكرب( :ل إله إل ال العظيم الحليم .ل إله إل ال رب العرش
العظييييم .ل إله إل ال رب السيييموات ورب الرض ورب العرش الكرييييم) .قال الطيييبري :كان
السيلف يدعون بهذا الدعاء ويسيمونه دعاء الكرب .وقال ابين عيينية وقيد سيئل عين هذا فقال :أميا
علميت أن ال تعالى يقول (إذا شغيل عبدي ثناؤه عين مسيألتي أعطيتيه أفضيل ميا أعطيي السيائلين).
والذي يقطيع النزاع وأن هذا يسيمى دعاء وإن لم يكين فييه مين معنيى الدعاء شييء وإنميا هيو تعظييم
ل تعالى وثناء عليه ما رواه النسائي عن سعد بن أبي وقاص قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم( :دعوة ذي النون إذا دعا بها في بطن الحوت ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إل استجيب له).
@ من السنة لمن بدأ بالكل أن يسمي ال عند أكله وشربه ويحمده عند فراغه اقتداء بأهل الجنة؛
وفيي صيحيح مسيلم عين أنيس بين مالك قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن ال ليرضيى
عن العبد أن يأكل الكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها).
الرابعية :يسيتحب للداعيي أن يقول فيي آخير دعائه كميا قال أهيل الجنية :وآخير دعواهيم أن الحميد ل
رب العالمين؛ وحسن أن يقرأ آخر "والصافات" فإنها جمعت تنزيه البارئ تعالى عما نسب إليه،
والتسليم على المرسلين ،والختم بالحمد ل رب العالمين.
**3اليية{ 11 :ولو يعجيل ال للناس الشير اسيتعجالهم بالخيير لقضيي إليهيم أجلهيم فنذر الذيين ل
يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}
@قوله تعالى" :ولو يعجييل ال للناس الشيير" قيييل :معناه ولو عجييل ال للناس العقوبيية كمييا
يسيتعجلون الثواب والخيير لماتوا ،لنهيم خلقوا فيي الدنييا خلقيا ضعيفيا ،ولييس هيم كذا يوم القيامية؛
لنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء .وقيل :المعنى لو فعل ال مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما
يريدون فعله معهيم فيي إجابتيه إلى الخيير لهلكهيم؛ وهيو معنيى "لقضيي إليهيم أجلهيم" .وقييل :إنيه
خاص بالكافيير؛ أي ولو يجعييل ال للكافيير العذاب على كفره كمييا عجييل له خييير الدنيييا ميين المال
والولد لعجيل له قضاء أجله ليتعجيل عذاب الخرة؛ قال ابين إسيحاق .مقاتيل :هيو قول النضير بين
الحارث :اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء؛ فلو عجل لهم هذا
لهلكوا .وقال مجاهيد :نزلت فيي الرجيل يدعيو على نفسيه أو ماله أو ولده إذا غضيب :اللهيم أهلكيه،
اللهيم ل تبارك له فييه وألعنيه ،أو نحيو هذا؛ فلو اسيتجيب ذلك منيه كميا يسيتجاب الخيير لقضيي إليهيم
أجلهم .فالية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الجابة
ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر؛ فلو عجل لهم لهلكوا.
@ واختلف في إجابة هذا الدعاء؛ فروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :إني سألت ال
عز وجل أل يستجيب دعاء حبيب على حبيبه) .وقال شهر بن حوشب :قرأت في بعض الكتب أن
ال تعالى يقول للملئكية الموكليين بالعبيد :ل تكتبوا على عبدي فيي حال ضجره شيئا؛ لطفيا مين ال
تعالى عليييه .قال بعضهييم :وقييد يسييتجاب ذلك الدعاء ،واحتييج بحديييث جابر الذي رواه مسييلم فييي
صيحيحه آخير الكتاب ،قال جابر :سيرنا ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي غزوة بطين بواط
وهيو يطلب المجدي بين عمرو الجهنيي وكان الناضيح يعتقبيه منيا الخمسية والسيتة والسيبعة ،فدارت
عقبة رجل من النصيار على ناضيح له فأناخه فركيب ،ثم بعثه فتلدن عليه بعيض التلدن؛ فقال له:
شيأ؛ لعنيك ال! فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :مين هذا اللعين بعيره)؟ قال :أنيا ييا رسيول
ال؛ قال( :انزل عنيه فل تصيحبنا بملعون ل تدعوا على أنفسيكم ول تدعوا على أولدكيم ول تدعوا
على أموالكم ل توافقوا من ال ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم).
فيي غيير كتاب مسيلم أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان فيي سيفر فلعين رجيل ناقتيه فقال( :أيين
الذي لعين ناقتيه)؟ فقال الرجيل :أنيا هذا ييا رسيول ال؛ فقال( :أخرهيا عنيك فقيد أجبيت فيهيا) ذكره
الحليمي في منهاج الدين" .شأ" يروى بالسين والشين ،وهو زجر للبعير بمعنى سر.
قوله تعالى" :ولو يعجل ال" قال العلماء :التعجيل من ال ،والستعجال من العبيد .وقال أبو علي:
هميا مين ال؛ وفيي الكلم حذف؛ أي ولو يعجيل ال للناس الشير تعجيل مثيل اسيتعجالهم بالخيير ،ثيم
حذف تعجيل وأقام صيفته مقاميه ،ثيم حذف صيفته وأقام المضاف إلييه مقاميه؛ هذا مذهيب الخلييل
وسيبويه .وعلى قول الخفش والفراء كاستعجالهم ،ثم حذف الكاف ونصب .قال الفراء :كما تقول
ضربت زيدا ضربك ،أي كضربك .وقرأ ابن عامر "لقضى إليهم أجلهم" .وهي قراءة حسنة؛ لنه
متصل بقوله" :ولو يعجل ال للناس الشر".
@قوله تعالى" :فنذر الذين ل يرجون لقاءنا" أي ل يعجل لهم الشر فربما يتوب منهيم تائب ،أو
يخرج من أصلبهم مؤمن" .في طغيانهم يعمهون" أي يتحيرون .والطغيان :العلو والرتفاع؛ وقد
تقدم فيي "البقرة" .وقيد قييل :إن المراد بهذه اليية أهيل مكية ،وإنهيا نزلت حيين قالوا" :اللهيم إن كان
هذا هو الحق من عندك" [النفال ]32 :الية ،على ما تقدم وال أعلم.
**3الية{ 12 :وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر
كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبه" قيل :المراد بالنسان هنا الكافر ،قيل :هو
أبييو حذيفيية بيين المغيرة المشرك ،تصيييبه البأسيياء والشدة والجهييد" .دعانييا لجنبييه" أي على جنبييه
مضطجعيا" .أو قاعدا أو قائميا" وإنميا أراد جمييع حالتيه؛ لن النسيان ل يعدو إحدى هذه الحالت
الثلثية .قال بعضهيم :إنميا بدأ بالمضطجيع لنيه بالضير أشيد فيي غالب المير ،فهيو يدعيو أكثير،
واجتهاده أشد ،ثم القاعد ثم القائم" .فلما كشفنا عنه ضره مر" أي استمر على كفره ولم يشكر ولم
يتعظ.
قلت :وهذه صفة كثيير مين المخلطيين الموحديين ،إذا أصيابته .العافيية مير على ما كان عليه مين
المعاصييي؛ فالييية تعييم الكافيير وغيره" .كأن لم يدعنييا" قال الخفييش :هييي "كأن" الثقيلة خففييت،
والمعنى كأنه وأنشد:
يبب ومن يفتقر يعش عيش ضر وي كأنْ من يكن له نشب ُيحْي
"كذلك" أي كميا زيين لهذا الدعاء عنيد البلء والعراض عين الرخاء" .زيين للمسيرفين" أي
للمشركيين أعمالهيم مين الكفير والمعاصيي .وهذا التزييين يجوز أن يكون مين ال ،ويجوز أن يكون
من الشيطان ،وإضلله دعاؤه إلى الكفر.
**3اليية{ 13 :ولقيد أهلكنيا القرون مين قبلكيم لميا ظلموا وجاءتهيم رسيلهم بالبينات وميا كانوا
ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين}
@قوله تعالى" :ولقيد أهلكنيا القرون مين قبلكيم لميا ظلموا" يعنيي الميم الماضيية مين قبيل أهيل مكة
أهلكناهيييييم" .لميييييا ظلموا" أي كفروا وأشركوا" .وجاءتهيييييم رسيييييلهم بالبينات" أي بالمعجزات
الواضحات والبراهيين النيرات" .وميا كانوا ليؤمنوا" أي أهلكناهيم لعلمنيا أنهيم ل يؤمنون .يخوف
كفار مكيية عذاب المييم الماضييية؛ أي نحيين قادرون على إهلك هؤلء بتكذيبهييم محمدا صييلى ال
عليه وسلم ،ولكن نمهلهم لعلمنا بأن فيهم من يؤمن ،أو يخرج من أصلبهم من يؤمن .وهذه الية
ترد على أهل الضلل القائلين بخلق الهدى واليمان .وقيل :معنى "ما كانوا ليؤمنوا" أي جازاهم
على كفرهم بأن طبع على قلوبهم؛ ويدل على هذا أنه قال" :كذلك نجزي القوم المجرمين".
**3الية{ 14 :ثم جعلناكم خلئف في الرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}
@قوله تعالى" :ثم جعلناكم خلئف" مفعولن .والخلئف جمع خليفة ،وقد تقدم آخر "النعام" أي
جعلناكيم سيكانا فيي الرض" .مين بعدهيم" أي مين بعيد القرون المهلكية" .لننظير" نصيب بلم كيي،
وقييد تقدم نظائره وأمثاله؛ أي ليقييع منكييم مييا تسييتحقون بييه الثواب والعقاب ،ولم يزل يعلمييه غيبييا.
وقييل :يعاملكيم معاملة المختيبر إظهارا للعدل .وقييل :النظير راجيع إلى الرسيل؛ أي لينظير رسيلنا
وأولياؤنيا كييف أعمالكيم .و"كييف" نصيب بقوله :تعملون :لن السيتفهام له صيدر الكلم فل يعميل
فيه ما قبله.
**3الية{ 15 :وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين ل يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو
بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إل ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي
عذاب يوم عظيم}
@قوله تعالى" :وإذا تتلى عليهم آياتنا" "تتلى" تقرأ ،و"بينات" نصب على الحال؛ أي واضحات
ل لبيس فيهيا ول إشكال" .قال الذيين ل يرجون لقاءنيا" يعنيي ل يخافون يوم البعيث والحسياب ول
يرجون الثواب .قال قتادة :يعنييي مشركييي أهييل مكيية" .ائت بقرآن غييير هذا أو بدله" والفرق بييين
تبديله والتيان بغيره أن تبديله ل يجوز أن يكون معيييه ،والتيان بغيره قيييد يجوز أن يكون معيييه؛
وفي قولهم ذلك ثلثة أوجه:
أحدهيا :أنهيم سيألوه أن يحول الوعيد وعيدا والوعييد وعدا ،والحلل حراميا والحرام حلل؛ قاله
ابن جرير الطبري.
الثاني :سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلمهم؛ قاله ابن عيسى.
الثالث :أنهم سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور؛ قاله الزجاج.
@قوله تعالى" :قيل ميا يكون لي" أي قيل ييا محميد ميا كان لي "أن أبدله مين تلقاء نفسيي" ومين
عندي ،كميا لييس لي أن ألقاه بالرد والتكذييب" .إن أتبيع إل ميا يوحيى إلي" أي ل أتبيع إل ميا أتلوه
عليكيم مين وعيد ووعييد ،وتحرييم وتحلييل ،وأمير ونهيي" .وقيد يسيتدل بهذا مين يمنيع نسيخ الكتاب
بالسنة؛ لنه تعالى قال" :قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي" وهذا فيه بعد؛ فإن الية وردت
في طلب المشركين مثل القرآن نظما ،ولم يكن الرسول صلى ال عليه وسلم قادرا على ذلك ،ولم
يسيألوه تبدييل الحكيم دون اللفيظ؛ ولن الذي يقوله الرسيول صيلى ال علييه وسيلم إذا كان وحييا لم
يكين مين تلقاء نفسيه ،بيل كان مين عنيد ال تعالى" .إنيي أخاف إن عصييت ربيي" أي إن خالفيت فيي
تبديله وتغييره أو في ترك العمل به" .عذاب يوم عظيم" يعني يوم القيامة.
**3الية{ 16 :قل لو شاء ال ما تلوته عليكم ول أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفل
تعقلون}
@قوله تعالى" :قيل لو شاء ال ميا تلوتيه عليكيم ول أدراكيم بيه" أي لو شاء ال ميا أرسيلني إليكيم
فتلوت عليكم القرآن ،ول أعلمكم ال ول أخبركم به؛ يقال :دريت الشيء وأدراني ال به ،ودريته
ودرييت بيه .وفيي الدرايية معنيى الختيل؛ ومنيه درييت الرجيل أي ختلتيه ،ولهذا ل يطلق الداري فيي
حييق ال تعالى وأيضييا عدم فيييه التوقيييف .وقرأ ابيين كثييير" :ولدراكييم بييه" بغييير ألف بييين اللم
والهمزة؛ والمعنيى :لو شاء ال لعلمكيم بيه مين غيير أن أتلوه عليكيم؛ فهيي لم التأكييد دخلت على
ألف أفعل .وقرأ ابن عباس والحسن "ول أدراتكم به" بتحويل الياء ألفا ،على لغة بني عقيل؛ قال
الشاعر:
على الرض قيسي يسوق الباعرا لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقى
وقال آخر:
بحرب كناصات الغر المشهر أل آذنت أهل اليمامة طيء
قال أبو حاتم :سمعت الصمعي يقول سألت أبا عمرو بن العلء :هل لقراءة الحسن "ول أدراتكم
به" وجه؟ فقال ل .وهل أبو عبيد :ل وجه لقراءة الحسن "ول أدراتكم به" إل الغلط .قال النحاس:
معنييى قول أبييي عبيييد :ل وجييه ،إن شاء ال على الغلط؛ لنييه يقال :دريييت أي علمييت ،وأدريييت
غيري ،ويقال :درأت أي دفعيت؛ فيقيع الغلط بيين درييت ودرأت .قال أبيو حاتيم :يرييد الحسين فيميا
أحسب "ول أدريتكم به" فأبدل من الياء ألفا على لغة بني الحارث بن كعب ،يبدلون من الياء ألفا
إذا انفتيح ميا قبلهيا؛ مثيل" :إن هذان لسياحران" [طيه .]63 :قال المهدوي :ومين قرأ "أدرأتكيم"
فوجهيه أن أصيل الهمزة ياء ،فأصيله "أدريتكيم" فقلبيت الياء ألفيا وإن كانيت سياكنة؛ كميا قال :ياييس
فيي يييس وطاييء فيي طييء ،ثيم قلبيت اللف همزة على لغية مين قال فيي العالم العألم وفيي الخاتيم
الخأتيم .قال النحاس :وهذا غلط ،والروايية عين الحسين "ول أدرأتكيم" بالهمزة ،وأبيو حاتيم وغيره
تكلم أنه بغير همز ،ويجوز أن يكون من درأت أي دفعت؛ أي ول أمرتكم أن تدفعوا فتتركوا الكفر
بالقرآن.
@قوله تعالى" :فقد لبثت فيكم عمرا" ظرف ،أي مقدارا من الزمان وهو أربعون سنة" .من قبله"
أي مين قبيل القرآن ،تعرفوننيي بالصيدق والمانية ،ل أقرأ ول أكتيب ،ثيم جئتكيم بالمعجزات" .أفل
تعقلون" أن هذا ل يكون إل من عند ال ل من قبلي .وقيل :معنى "لبثت فيكم عمرا" أي لبثت فيكم
مدة شبابي لم أعص ال ،أفتريدون مني الن وقد بلغت أربعين سنة أن أخالف أمر ال ،وأغير ما
ينزله علي .قال قتادة :لبيث فيهيم أربعيين سينة ،وأقام سينتين يرى رؤييا النيبياء ،وتوفيي صيلى ال
عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة.
**3الية{ 17 :فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو كذب بآياته إنه ل يفلح المجرمون}
@ هذا استفهام بمعنى الجحد؛ أي ل أحد أظلم ممن افترى على ال الكذب ،وبدل كلمه وأضاف
شيئا إلييه مميا لم ينزله .وكذلك ل أحيد أظلم منكيم إذا أنكرتيم القرآن وافتريتيم على ال الكذب ،وقلتيم
لييس هذا كلميه .وهذا مميا أمير بيه الرسيول صيلى ال علييه وسيلم أن يقول لهيم .وقييل :هيو من قول
ال ابتداء .وقيل :المفتري المشرك ،والمكذب باليات أهل الكتاب" .إنه ل يفلح المجرمون".
**3الية{ 18 :ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال
قل أتنبئون ال بما ل يعلم في السماوات ول في الرض سبحانه وتعالى عما يشركون}
@قوله تعالى" :ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم" يريد الصنام" .ويقولون هؤلء
شفعاؤنيا عنيد ال" وهذه غايية الجهالة منهيم؛ حييث ينتظرون الشفاعية فيي المال ممين ل يوجيد منيه
نفع ول ضر في الحال .وقيل" :شفعاؤنا" أي تشفع لنا عند ال في إصلح معائشنا في الدنيا" .قل
أتنبئون ال بميا ل يعلم فيي السيماوات ول فيي الرض" قراءة العامية "تنبئون" بالتشدييد .وقرأ أبيو
السمال العدوي "أتنبئون ال" مخففا ،من أنبأ ينبئ .وقراءة العامة من نبأ ينبئ تنبئة؛ وهما بمعنى
واحد ،جمعهما قوله تعالى" :من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير" [التحريم ]3 :أي أتخبرون ال
أن له شريكا في ملكه أو شفيعا بغير إذنه ،وال ل يعلم لنفسه شريكا في السموات ول في الرض؛
لنيه ل شرييك له فلذلك ل يعلميه .نظيره قوله" :أم تنبئونيه بميا ل يعلم فيي الرض" [الرعيد]33 :
ثم نزه نفسه وقدسها عن الشرك فقال" :سبحانه وتعالى عما يشركون" أي هو أعظم من أن يكون
له شريك وقيل :المعنى أي يعبدون ما ل يسمع ول يبصر ول يميز" ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند
ال" فيكذبون؛ وهييل يتهيييأ لكييم أن تنبؤه بمييا ل يعلم ،سييبحانه وتعالى عمييا يشركون! .وقرأ حمزة
والكسائي "تشركون" بالتاء ،وهو اختيار أبي عبيد .الباقون بالياء.
**3الية{ 19 :وما كان الناس إل أمة واحدة فاختلفوا ولول كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم
فيما فيه يختلفون}
@ تقدم في "البقرة" معناه فل معنى للعادة .وقال الزجاج :هم العرب كانوا على الشرك .وقيل:
كيل مولود يولد عيل الفطرة ،فاختلفوا عنيد البلوغ" .ولول كلمية سيبقت مين ربيك لقضيي بينهيم فيميا
فيييه يختلفون" إشارة إلى القضاء والقدر؛ أي لول مييا سييبق فييي حكمييه أنييه ل يقضييى بينهييم فيمييا
اختلفوا فييه بالثواب والعقاب دون القيامية لقضيي بينهيم فيي الدنييا ،فأدخيل المؤمنيين الجنية بأعمالهيم
والكافرين النار بكفرهم ،ولكنه سبق من ال الجل مع علمه بصنيعهم فجعل موعدهم القيامة؛ قال
الحسن .وقال أبو ورق" :لقضي بينهم" لقام عليهم الساعة .وقيل :لفرغ من هلكهم .وقال الكلبي:
"الكلمية" أن ال أخر هذه المة فل يهلكهيم بالعذاب في الدنييا إلى يوم القيامية ،فلول .هذا التأخيير
لقضيي بينهيم بنزول العذاب أو بإقامية السياعة .واليية تسيلية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي تأخيير
العذاب عمن كفر به .وقيل :الكلمة السابقة أنه ل يأخذ أحدا إل بحجة وهو إرسال الرسل؛ كما قال:
"وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" [السراء ]15 :وقيل :الكلمة قوله( :سبقت رحمتي غضبي)
ولول ذلك لما أخر العصاة إلى التوبة .وقرأ عيسى "لقضى" بالفتح.
**3الية{ 20 :ويقولون لول أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب ل فانتظروا إني معكم من
المنتظرين}
@ يريد أهل مكة؛ أي هل أنزل عليه آية ،أي معجزة غير هذه المعجزة ،فيجعل لنا الجبال ذهبا
ويكون ل بييت مين زخرف ،ويحييى لنيا مين مات مين آبائنيا .وقال الضحاك :عصيا كعصيا موسيى.
"فقل إنما الغيب ل" أي قل يا محمد إن نزول الية غيب" .فانتظروا" أي تربصوا" .إني معكم
من المنتظرين" لنزولها .وقيل :انتظروا قضاء ال بيننا بإظهار المحق على المبطل.
**3الية{ 21 :وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل ال أسرع
مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون}
@ يريد كفار مكة" .رحمة من بعد ضراء مستهم" قيل :رخاء بعد شدة ،وخصب بعد جدب" .إذا
لهيم مكير فيي آياتنيا" أي اسيتهزاء وتكذييب .وجواب قوله" :وإذا أذقنيا"" :إذا لهيم" على قول الخلييل
وسييبويه" .قيل ال أسيرع مكرا" ابتداء وخيبر" .مكرا" على البيان؛ أي أعجيل عقوبية على جزاء
مكرهم ،أي أن ما يأتيهم من العذاب أسرع في إهلكهم مما أتوه من المكر" .إن رسلنا يكتبون ما
تمكرون" يعنيي بالرسيل الحفظية .وقراءة العامية "تمكرون" بالتاء خطابيا .وقرأ يعقوب فيي روايية
روييس وأبيو عمرو فيي روايية هارون العتكيي "يمكرون" بالياء؛ لقول" :إذا لهيم مكير فيي آياتنيا"
قيل :قال أبو سفيان قحطنا بل بدعائك فان سقيتنا صدقناك؛ فسقوا باستسقائه صلى ال عليه وسلم
فلم يؤمنوا ،فهذا مكرهم.
**3اليتان{ 23 - 22 :هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم
برييح طيبية وفرحوا بهيا جاءتهيا رييح عاصيف وجاءهيم الموج مين كيل مكان وظنوا أنهيم أحييط بهيم
دعوا ال مخلصيين له الديين لئن أنجيتنيا مين هذه لنكونين مين الشاكريين ،فلميا أنجاهيم إذا هيم يبغون
فيي الرض بغيير الحيق ييا أيهيا الناس إنميا بغيكيم على أنفسيكم متاع الحياة الدنييا ثيم إلينيا مرجعكيم
فننبئكم بما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم" أي يحملكم
في البر على الدواب وفي البحر على الفلك .وقال الكلبي :يحفظكم في السير .والية تتضمن تعديد
النعم فيما هي الحال بسبيله من ركوب الناس الدواب والبحر .وقد مضى الكلم في ركوب البحر
فيي "البقرة"" .يسييركم" قراءة العامية .ابين عامير "ينشركيم" بالنون والشيين ،أي يبثكيم ويفرقكيم.
والفلك يقع على الواحد والجمع ،ويذكر ويؤنث ،وقد تقدم القول فيه .وقوله" :وجربن بهم" خروج
من الخطاب إلى الغيبة ،وهو في القرآن وأشعار العرب كثير؛ قال النابغة:
أقوت وطال عليها سالف المد يا دار مية بالعلياء فالسند
قال ابين النباري :وجائز فيي اللغية أن يرجيع مين خطاب الغيبية إلى لفيظ المواجهية بالخطاب؛ قال
ال تعالى" :وسيقاهم ربهيم شرابيا طهورا إن هذا كان لكيم جزاء وكان سيعيكم مشكورا" [النسيان:
]22 - 21فأبدل الكاف من الهاء.
@قوله تعالى "برييح طيبية وفرحوا بهيا" تقدم الكلم فيهيا فيي البقرة" .جاءتهيا رييح عاصيف"
الضمييير فييي "جاءتهييا" للسييفينة .وقيييل للريييح الطيبيية .والعاصييف الشديدة؛ يقال :عصيفت الريييح
وأعصفت ،فهي عاصف ومعصف ومعصفة أي شديدة ،قال الشاعر:
فيها قطار ورعد صوته زجل حتى إذا أعصفت ريح مزعزعة
وقال "عاصيف" بالتذكيير لن لفيظ الرييح مذكير ،وهيي القاصيف أيضيا .والطيبية غيير عاصيف ول
بطيئة" .وجاءهم الموج من كل مكان" والموج ما ارتفع من الماء "وظنوا" أي أيقنوا "أنهم أحيط
بهم" أي أحاط بهم البلء؛ يقال لمن وقع في بلية :قد أحيط به ،كأن البلء قد أحاط به؛ وأصل هذا
أن العدو إذا أحاط بموضييع فقييد هلك أهله" .دعوا ال مخلصييين له الدييين" أي دعوه وحده وتركوا
ميييا كانوا يعبدون .وفيييي هذا دلييييل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى ال فيييي الشدائد ،وأن
المضطيير يجاب دعاؤه ،وإن كان كافرا؛ لنقطاع السييباب ورجوعييه إلى الواحييد رب الرباب؛
على ما يأتي بيانه في "النمل" إن شاء ال تعالى .وقال بعض المفسرين :إنهم قالوا في دعائهم أهيا
شراهيا؛ أي يا حي يا قيوم .وهي لغة العجم.
مسألة :هذه الية تدل على ركوب البحر مطلقا ،ومن السنة حديث أبي هريرة وفيه :إنا نركب
البحير ونحميل معنيا القلييل مين الماء ...الحدييث .وحدييث أنيس فيي قصية أم حرام يدل على جواز
ركوبيه فيي الغزو ،وقيد مضيى هذا المعنيى فيي "البقرة" مسيتوفى والحميد ل .وقيد تعدم فيي آخير
"العراف" حكيم راكيب البحير فيي حال ارتجاجيه وغليانيه ،هيل حكميه حكيم الصيحيح أو المرييض
المحجور عليه؛ فتأمله هناك.
@قوله تعالى" :لئن أنجيتنيا مين هذه" أي هذه الشدائد والهوال .وقال الكلبيي :مين هذه الرييح.
"لنكونن من الشاكرين" أي من العاملين بطاعتك على نعمة الخلص" .فلما أنجاهم" أي خلصهم
وأنقذهيم" ..إذا هيم يبغون فيي الرض بغيير الحيق" أي يعملون فيي الرض بالفسياد وبالمعاصيي.
والبغي :الفساد والشرك؛ من بغيى الجرح إذا فسيد؛ وأصله الطلب ،أي يطلبون السيتعلء بالفساد.
"بغير الحق" أي بالتكذيب؛ ومنه بغت المرأة طلبت غير زوجها.
@قوله تعالى" :يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" أي وباله عائد عليكم؛ وتم الكلم ،ثم ابتدأ
فقال" :متاع الحياة الدنييا ثيم إلي مرجعكيم فننبئكيم بميا كنتيم تعملون" أي هيو متاع الحياة الدنييا؛ ول
بقاء له .قال النحاس" :بغيكيم" رفيع بالبتداء وخيبره "متاع الحياة الدنييا" .و"على أنفسيكم" مفعول
معنى فعل البغي .ويجوز أن يكون خبره "على أنفسكم" وتضمر مبتدأ ،أي ذلك متاع الحياة الدنيا،
أو هيو متاع الحياة الدنييا؛ وبيين المعنييين حرف لطييف ،إذا رفعيت متاعيا على أنيه خيبر "بغيكيم"
فالمعنيى .إنميا بغيي بعضكيم على بعيض؛ مثيل" :فسيلموا على أنفسيكم" [النور ]61 :وكذا "لقيد
جاءكم رسول من أنفسكم" [التوبة .]128 :وإذا كان الخبر "على أنفسكم" فالمعنى إنما فسادكم
راجيع عليكيم؛ مثيل "وإن أسيأتم فلهيا" .وروي عين سيفيان بين عيينية أنيه قال :أراد أن البغيي متاع
الحياة الدنيا ،أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا؛ كما يقال :البغي مصرعة .وقرأ ابن أبي إسحاق
"متاع" بالنصب على أنه مصدر؛ أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا .أو ينزع الخافض ،أي لمتاع ،أو
مصدر ،بمعنى المفعول على الحال ،أي متمتعين .أو هو نصب على الظرف ،أي في متاع الحياة
الدنييييا ،ومتعلق الظرف والجار والحال معنيييى الفعييل فييي البغيييي .و"على أنفسييكم" مفعول ذلك
المعنى.
**3الية{ 24 :إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض مما يأكل
الناس والنعام حتى إذا أخذت الرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا
ليل أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالمس كذلك نفصل اليات لقوم يتفكرون}
@قوله تعالى" :إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء" معنى الية التشبيه والتمثيل ،أي
صيفة الحياة الدنييا فيي فنائهيا وزوالهيا وقلة خطرهيا والملذ بهيا كماء؛ أي مثيل ماء ،فالكاف فيي
موضع رفع .وسيأتي لهذا التشبيه مزيد بيان في "الكهف" إن شاء ال تعالى" .أنزلناه من السماء"
نعيت ليي "ماء"" .فاختلط" روي عين نافيع أنيه وقيف على "فاختلط" أي فاختلط الماء بالرض" ،بيه
نبات الرض" أي بالماء نبات الرض؛ فأخرجيت ألوانيا مين النبات ،فنبات على هذا ابتداء ،وعلى
مذهب من لم يقف على "فاختلط" مرفوع باختلط؛ أي اختلط النبات بالمطر ،أي شرب منه فتندى
وحسن وأخضر .والختلط تداخل الشيء بعضه في بعض.
@قوله تعالى" :مميا يأكيل الناس" مين الحبوب والثمار والبقول" .والنعام" مين الكل والتبين
والشعيير" .حتيى إذا أخذت الرض زخرفهيا" أي حسينها وزينتهيا .والزخرف كمال حسين الشييء؛
ومنيه قييل للذهيب :زخرف" .وازينيت" أي بالحبوب والثمار والزهار؛ والصيل تزينيت أدغميت
التاء في الزاي وجيء بألف الوصل؛ لن الحرف المدغم مقام حرفين الول منهما ساكن والساكن
ل يمكيين البتداء بييه .وقرأ ابيين مسييعود وأبييي بيين كعييب "وتزينييت" على الصييل .وقرأ الحسيين
والعرج وأبييو العالييية "وازينييت" أي أتييت بالزينيية عليهييا ،أي الغلة والزرع ،وجاء بالفعييل على
أصله ولو أعله لقال وازانت .وقال عوف بن أبي جميلة العرابي :قرأ أشياخنا "وازيانت" وزنه
اسيوادت .وفيي روايية المقدميي "وازاينيت" والصيل فييه تزاينيت ،وزنيه تقاعسيت ثيم أدغيم .وقرأ
الشعيبي وقتادة "وازيانيت" مثيل أفعلت .وقرأ عثمان النهدي "وازينيت" مثيل أفعلت ،وعنيه أيضيا
"وازيانت مثل أفعالت ،وروى عنه "ازيأنت" بالهمزة؛ ثلث قراءات.
@قوله تعالى" :وظين أهلهيا" أي أيقين" .أنهيم قادرون عليهيا" أي على حصيادها والنتفاع بهيا؛
أخييبر عيين الرض والمعنييى النبات إذ كان مفهومييا وهييو منهييا .وقيييل :رد إلى الغلة ،وقيييل :إلى
الزينية" .أتاهيا أمرنيا" أي عذابنيا ،أو أمرنيا بهلكهيا" .ليل أو نهارا" ظرفان" .فجعلناهيا حصييدا"
مفعولن ،أي محصييودة مقطوعيية ل شيييء فيهييا .وقال "حصيييدا" ولم يؤنييث لنييه فعيييل بمعنييى
مفعول .قال أبو عبيد :الحصيد المستأصل" .كأن لم تغن بالمس" أي لم تكن عامرة؛ من غني إذا
أقام فييه وعمره .والمغانييي فيي اللغية :المنازل التيي يعمرهيا الناس .وقال قتادة :كأن لم تنعيم .قال
لبيد:
لو كان للنفس اللجوج خلود وغنيت سبتا قبل مجرى داحس
وقراءة العاميية "تغيين" بالتاء لتأنيييث الرض .وقرأ قتادة "يغيين" بالياء ،يذهييب بييه إلى الزخرف؛
يعنييي فكمييا يهلك هذا الزرع هكذا كذلك الدنيييا" .نفصييل اليات" أي نبينهييا" .لقوم يتفكرون" فييي
آيات ال.
**3الية{ 25 :وال يدعو إلى دار السلم ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :وال يدعيو إلى دار السيلم" لميا ذكير وصيف هذه الدار وهيي دار الدنييا وصيف
الخرة فقال :إن ال ل يدعوكيم إلى جميع الدنييا بيل يدعوكيم إلى الطاعية لتصييروا إلى دار السيلم،
أي إلى الجنة .قال قتادة والحسن :السلم هو ال ،وداره الجنة؛ وسميت الجنة دار السلم لن من
دخلهيا سيلم مين الفات .ومين أسيمائه سيبحانه "السيلم" ،وقيد بيناه فيي (الكتاب السينى فيي شرح
أسيماء ال الحسينى) .ويأتيي فيي سيورة "الحشير" إن شاء ال .وقييل :المعنيى وال يدعيو إلى دار
السلمة .والسلم والسلمة بمعنى كالرضاع والرضاعة؛ قاله الزجاج .قال الشاعر:
وهل لك بعد قومك من سلم تحيي بالسلمة أم بكر
وقيييل :أراد وال يدعييو إلى دار التحييية؛ لن أهلهييا ينالون ميين ال التحييية والسييلم ،وكذلك ميين
الملئكة .قال الحسن :إن السلم ل ينقطع ،عن أهل الجنة ،وهو تحيتهم؛ كما قال" :وتحيتهم فيها
سلم" [يونس .]10 :وقال يحيى بن معاذ :يا ابن آدم ،دعاك ال إلى دار السلم فانظر من أين
تجيبيه ،فإن أجبتيه مين دنياك دخلتهيا ،وإن أجبتيه مين قيبرك منعتهيا .وقال ابين عباس :الجنان سيبع:
دار الجلل ،ودار السلم ،وجنة عدن ،وجنة المأوى ،وجنة الخلد ،وجنة الفردوس ،وجنة النعيم.
@قوله تعالى" :ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" عم بالدعوة إظهارا لحجته ،وخص بالهداية
اسيتغناء عين خلقيه .والصيراط المسيتقيم ،قييل :كتاب ال؛ رواه علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه
قال :سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول( :الصيراط المسيتقيم كتاب ال تعالى) .وقييل:
السيلم؛ رواه النواس بين سيمعان عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :الحيق؛ قاله قتادة
ومجاهيد .وقييل :رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وصياحباه مين بعده أبيو بكير وعمير رضيي ال
عنهميا .وروى جابر بين عبدال قال :خرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يوميا فقال( :رأييت فيي
المنام كأن جبرييل عنيد رأسيي وميكائييل عنيد رجلي فقال أحدهميا لصياحبه اضرب له مثل فقال له
اسمع سمعت أذناك واعقل عقل قلبك وإنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا
ثيم جعيل فيهيا مأدبية ثيم بعيث رسيول يدعيو الناس إلى طعاميه فمنهيم مين أجاب الرسيول ومنهيم مين
تركه فال الملك والدار السلم والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل في السلم
ومن دخل في السلم دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل مما فيها) ثم تل يعني رسول ال صلى ال
عليييه وسييلم (ويهدي ميين يشاء إلى صييراط مسييتقيم" .ثييم تل قتادة ومجاهييد" :وال يدعييو إلى دار
السييلم" .وهذه الييية بينيية الحجيية فييي الرد على القدرييية؛ لنهييم قالوا :هدى ال الخلق كلهييم إلى
صراط مستقيم ،وال قال" :ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" فردوا على ال نصوص القرآن.
**3اليية{ 26 :للذيين أحسينوا الحسينى وزيادة ول يرهيق وجوههيم قتير ول ذلة أولئك أصيحاب
الجنة هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" روي من حديث أنس قال :سئل رسول ال صلى
ال علييه وسيلم عين قوله تعالى" :وزيادة" قال( :للذيين أحسينوا العميل فيي الدنييا لهيم الحسينى وهيي
الجنية والزيادة النظير إلى وجيه ال الكرييم) وهيو قول أبيي بكير الصيديق وعلي بين أبيي طالب فيي
روايية .وحذيفية وعبادة بين الصيامت وكعيب بين عجرة وأبيي موسيى وصيهيب وابين عباس فيي
روايية ،وهيو قول جماعية مين التابعيين ،وهيو الصيحيح فيي الباب .وروى مسيلم فيي صيحيحه عين
صيهيب عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :إذا دخيل أهيل الجنية الجنية قال ال تبارك وتعالى
تريدون شيئا أزيدكييم فيقولون ألم تييبيض وجوهنييا ألم تدخلنييا الجنيية وتنجنييا ميين النار قال فيكشييف
الحجاب فميا أعطوا شيئا أحيب إليهيم مين النظير إلى ربهيم عيز وجيل) وفيي روايية ثيم تل "للذيين
أحسينوا الحسينى وزيادة" وخرجيه النسيائي أيضيا عين صيهيب قال قييل لرسيول ال صيلى ال علييه
وسلم :هذه الية "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" قال( :إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار
نادى مناد ييا أهيل الجنية إن لكيم موعدا عنيد ال يرييد أن ينجزكموه قالوا ألم ييبيض وجوهنيا ويثقيل
موازيننا ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوال ما أعطاهم ال شيئا أحب إليهم
مين النظير ول أقير لعينهيم) .وخرجيه ابين المبارك فيي دقائقيه عين أبيي موسيى الشعري موقوفيا،
وقيد ذكرناه فييي كتاب التذكرة ،وذكرنيا هناك معنيى كشيف الحجاب ،والحميد ل .وخرج الترمذي
الحكيم أبو عبدال رحمه ال :حدثنا علي بن حجر حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير عن أبي العالية
عن أبي بن كعب قال :سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب ال؛ في قول
"للذيين أحسيوا الحسينى وزيادة" قال( :النظير إلى وجيه الرحمين) وعين قوله" :وأرسيلناه إلى مائة
ألف أو يزيدون" [الصييافات ]147 :قال( :عشرون ألفييا) .وقييد قيييل :إن الزيادة أن تضاعييف
الحسينة عشير حسينات إلى أكثير مين ذلك؛ روي عين ابين عباس .وروي عين علي بين أبيي طالب
رضيي ال عنه :الزيادة غرفية مين لؤلؤة واحدة لهيا أربعية آلف باب .وقال مجاهيد :الحسينى حسينة
مثل حسنة ،والزيادة مغفرة من ال ورضوان .وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم :الحسنى الجنة،
والزيادة ما أعطاهم ال في الدنيا من فضله ل يحاسبهم به يوم القيامة .وقال عبدالرحمن بن سابط:
الحسيينى البشرى ،والزيادة النظيير إلى وجييه ال الكريييم؛ قال ال تعالى" :وجوه يومئذ ناضرة إلى
ربهيا ناظرة" [القيامية .]23 - 22 :وقال يزييد بين شجرة :الزيادة أن تمير السيحابة بأهيل الجنية
فتمطرهييم ميين كييل النوادر التييي لم يروهييا ،وتقول :يييا أهييل الجنيية ،مييا تريدون أن أمطركييم؟ فل
يريدون شيئا إل أمطير لهيم إياه .وقييل :الزيادة أنيه ميا يمير عليهيم مقدار يوم مين أيام الدنييا إل حتيى
يطيف بمنزل أحدهم سبعون ألف ملك ،مع كل ملك هدايا من عند ال ليست مع صاحبه ،ما رأوا
مثيل تلك الهداييا قيط؛ فسيبحان الواسيع العلييم الغنيي الحمييد العلي الكيبير العزييز القديير البر الرحييم
المدبر الحكيييم اللطيييف الكريييم الذي ل تتناهييى مقدوراتييه .وقيييل" :أحسيينوا" أي معاملة الناس،
"الحسنى" :شفاعتهم ،والزيادة :إذن ال تعالى فيها وقبوله.
@قوله تعالى" :ول يرهق وجوههم" قيل :معناه يلحق؛ ومنه قيل :غلم مراهق إذا لحق بالرجال.
وقيل :يعلو .وقيل :يغشى؛ والمعنى متقارب" .قتر ول ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون"
"قتر" غبار" .ول ذلة" أي مذلة؛ كما يلحق أهل النار؛ أي ل يلحقهم غبار في محشرهم إلى ال
ول تغشاهم ذلة .وأنشد أبو عبيدة للفرزدق:
موج ترى فوقه الرايات والقترا متوج برداء الملك يتبعه
وقرأ الحسين "قتير" بإسيكان التاء .والقتير والقترة والقترة بمعنيى واحيد؛ قاله النحاس .وواحيد القتير
قترة؛ ومنه قوله تعالى" :ترهقها قترة" [عبس ]41 :أي تعلوها غبرة .وقيل :قتر كآبة وكسوف.
ابين عباس :القتير سيواد الوجوه .ابين بحير :دخان النار؛ ومنيه قتار القدر .وقال ابين ليلى :هيو بعيد
نظرهم إلى ربهم عز وجل.
قلت :هذا فييه نظير؛ فإن ال عيز وجيل يقول" :إن الذيين سيبقت لهيم منيا الحسينى أولئك عنهيا
مبعدون" إلى قوله "ل يحزنهم الفزع الكبر" [النبياء ]103 - 101 :وقال في غير آية" :ول
خوف عليهيم ول هيم يحزنون" [البقرة ]62 :وقال" :إن الذيين قالوا ربنيا ال ثيم اسيتقاموا تتنزل
عليهيم الملئكية أل تخافوا ول تحزنوا" [فصيلت ]30 :اليية .وهذا عام فل يتغيير بفضيل ال فيي
موطين مين المواطين ل قبيل النظير ول بعده وجيه المحسين بسيواد مين كآبية ول حزن ،ول يعلوه
شييء مين دخان جهنيم ول غيره" .وأميا الذيين ابيضيت وجوههيم ففيي رحمية ال هيم فيهيا خالدون"
[آل عمران.]107 :
**3الية{ 27 :والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من ال من عاصم
كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :والذين كسبوا السيئات" أي عملوا المعاصي .وقيل :الشرك" .جزاء سيئة بمثلها"
"جزاء" مرفوع بالبتداء ،وخيبره "بمثلهيا" .قال ابين كيسيان :الباء زائدة؛ والمعنيى جزاء سييئة
مثلهيا .وقييل :الباء ميع ميا بعدهيا الخيبر ،وهيي متعلقة بمحذوف قاميت مقامه ،والمعنيى :جزاء سييئة
كائن بمثلهيا؛ كقولك :إنميا أنابيك؛ أي وإنميا أنيا كائن بيك .ويجوز أن تتعلق بجزاء ،التقديير :جزاء
السييئة بمثلهيا كائن؛ فحذف خيبر المبتدأ .ويجوز أن يكون "جزاء" مرفوعيا على تقديير فلهيم جزاء
سييئة؛ فيكون مثل قوله" :فعدة مين أيام أخير" [البقرة ]184 :أي فعليه عدة ،وشبهه؛ والباء على
هذا التقدير تتعلق بمحذوف ،كأنه قال لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها ،أو تكون مؤكدة أو زائدة.
ومعنى هذه المثلية أن ذلك الجزاء مما يعد مماثل لذنوبهم ،أي هم غير مظلومين ،وفعل الرب
جلت قدرتيه وتعالى شأنيه غيير معلل بعلة" .وترهقهيم ذلة" أي يغشاهيم هوان وخزي" .ميا لهيم مين
ال" أي من عذاب ال" .من عاصم" أي مانع يمنعهم منه" .كأنما أغشيت" أي ألبست" .وجوههم
قطعيا" جميع قطعية ،وعلى هذا يكون "مظلميا" حال مين "اللييل" أي أغشييت وجوههيم قطعيا مين
الليل في حال ظلمته .وقرأ الكسائي وابن كثير "قطعا" بإسكان الطاء؛ في "مظلما" على هذا نعت،
ويجوز أن يكون حال مين اللييل .والقطيع اسيم قطيع فسيقط .وقال ابين السيكيت :القطيع طائفية مين
الليل؛ وسيأتي في "هود" إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 28 :ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم
وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون}
@قوله تعالى" :ويوم نحشرهيم جميعيا" أي نجمعهيم ،والحشير الجميع" .جميعيا" حال" .ثيم نقول
للذيين أشركوا" أي اتخذوا ميع ال شريكيا" .مكانكيم" أي الزموا واثبتوا مكانكيم ،وقفوا مواضعكيم.
"أنتيم وشركاؤكيم" وهذا وعييد" .فزيلنيا بينهيم" أي فرقنيا وقطعنيا ميا كان بينهيم مين التواصيل فيي
الدنييا؛ يقال :زيلتيه فتزييل ،أي فرقتيه فتفرق ،وهيو فعلت؛ لنيك تقول فيي مصيدره تزييل ،ولو كان
فيعلت لقلت زيلة .والمزايلة المفارقيية؛ يقال :زايله ال مزايلة وزيال إذا فارقييه .والتزايييل التباييين.
قال الفراء :وقرأ بعضهيم "فزايلنيا بينهيم"؛ يقال :ل أزاييل فلنيا ،أي ل أفارقيه؛ فإن قلت :ل أزاوله
فهيو بمعنيى آخير ،معناه ل أخاتله" .وقال شركاؤهيم" عنيى بالشركاء الملئكية .وقييل :الشياطيين،
وقيييل :الصيينام؛ فينطقهييا ال تعالى فتكون بينهييم هذه المحاورة .وذلك أنهييم ادعوا على الشياطييين
الذين أطاعوهم والصنام التي عبدوها أنهم أمروهم بعبادتهم ويقولون ما عبدناكم حتى أمرتمونا.
قال مجاهيد :ينطيق ال الوثان فتقول ميا كنيا نشعير بأنكيم إيانيا تعبدون ،وميا أمرناكيم بعبادتنيا .وإن
حميل الشركاء على الشياطيين فالمعنيى أنهيم يقولون ذلك دهشيا ،أو يقولون كذبيا واحتيال للخلص،
وقد يجري مثل هذا غدا؛ وإن صارت المعارف ضرورية.
**3الية{ 29 :فكفى بال شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين}
@قوله تعالى" :فكفى بال شهيدا بيننا وبينكم" "شهيدا" مفعول ،أي كفى ال شهيدا ،أو تمييز ،أي
اكتييف بييه شهيدا بيننييا وبينكييم إن كنييا أمرناكييم بهذا أو رضيناه منكييم" .إن كنييا" أي مييا كنييا "عيين
عبادتكم لغافلين" إل غافلين ل نسمع ول نبصر ول نعقل؛ لنا كنا جمادا ل روح فينا.
**3الية{ 30 :هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى ال مولهم الحق وضل عنهم ما كانوا
يفترون}
@قوله تعالى" :هنالك" فيي موضيع نصيب على الظرف" .تبلو" أي فيي ذلك الوقيت" .تبلو" أي
تذوق .وقال الكلبي :تعلم .مجاهد :تختبر" .كل نفس ما أسلفت" أي جزاء ما عملت وقدمت .وقيل:
تسيلم ،أي تسيلم ميا عليهيا مين الحقوق إلى أربابهيا بغيير اختيارهيا .وقرأ حمزة والكسيائي "تتلو" أي
تقرأ كيل نفيس كتابهيا الذي كتيب عليهيا .وقييل" :تتلو" تتبيع؛ أي تتبيع كيل نفيس ميا قدميت فيي الدنييا؛
قاله السدي .ومنه قول الشاعر:
كما رأيت الذيب يتلو الذيبا إن المريب يتبع المريبا
@قوله تعالى" :وردوا إلى ال مولهم الحق" بالخفض على البدل أو الصفة .ويجوز نصب الحق
ميين ثلث جهات؛ يكون التقدييير :وردوا حقييا ،ثييم جيييء باللف واللم .ويجوز أن يكون التقدييير:
مولهيم حقيا ل ميا يعبدون مين دونيه .والوجيه الثالث أن يكون مدحيا؛ أي أعنيي الحيق .ويجوز أن
يرفييع "الحييق" ،ويكون المعنييى مولهييم الحييق -على البتداء والخييبر والقطييع ممييا قبييل -ل مييا
يشركون من دونه .ووصف نفسه سبحانه بالحق لن الحق منه كما وصف نفسه بالعدل لن العدل
منيه؛ أي كيل عدل وحيق فمين قبله ،وقال ابين عباس" :مولهيم بالحيق" أي الذي يجازيهيم بالحيق.
"وضل عنهم" أي بطل" .ما كانوا يفترون" "يفترون" في موضع رفع وهو بمعنى المصدر ،أي
افتراؤهم .فإن قيل :كيف قال" :وردوا إلى ال مولهم الحق" وقد أخبر بأن الكافرين ل مولى لهم.
قيل ليس بمولهم في النصرة والمعونة ،وهو مولى لهم في الرزق وإدرار النعم.
**3الية{ 31 :قل من يرزقكم من السماء والرض أم من يملك السمع والبصار ومن يخرج
الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر المر فسيقولون ال فقل أفل تتقون}
@ المراد بمساق هذا الكلم الرد على المشركين وتقرير الحجة عليهم؛ فمن اعترف منهم فالحجة
ظاهرة عليهيم ،ومين لم يعترف فيقرر علييه أن هذه السيموات والرض ل بيد لهميا مين خالق؛ ول
يتمارى فيي هذا عاقيل .وهذا قرييب مين مرتبية الضرورة" .مين السيماء" أي بالمطير" .والرض"
بالنبات" .أميين يملك السييمع والبصييار" أي ميين جعلهمييا وخلقهمييا لكييم" .وميين يخرج الحييي ميين
المييت" أي النبات مين الرض ،والنسيان مين النطفية ،والسينبلة مين الحبية ،والطيير مين البيضية،
والمؤمين مين الكافير" .ومين يدبر المير" أي يقدره ويقضييه" .فسييقولون ال" لنهيم كانوا يعتقدون
أن الخالق هيو ال؛ أو فسييقولون هيو ال إن فكروا وأنصيفوا "فقيل" لهيم ييا محميد" .أفل تتقون" أي
أفل تخافون عقابه ونقمته في الدنيا والخرة.
**3الية{ 32 :فذلكم ال ربكم الحق فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون}
@قوله تعالى" :فذلكيم ال ربكيم الحيق" أي هذا الذي يفعيل هذه الشياء هيو ربكيم الحيق ،ل ميا
أشركتييم معييه" .فماذا بعييد الحييق" "ذا" صييلة أي مييا بعييد عبادة الله الحييق إذا تركييت عبادتييه إل
الضلل .وقال بعيض المتقدميين :ظاهير هذه اليية يدل على أن ميا بعيد ال هيو الضلل؛ لن أولهيا
"فذلكم ال ربكم الحق" وآخرها "فماذا بعد الحق إل الضلل" فهذا في اليمان والكفر ،ليس في
العمال .وقال بعضهييم :إن الكفيير تغطييية الحييق ،وكييل مييا كان غييير الحييق جرى هذا المجرى؛
فالحرام ضلل والمباح هدى؛ فإن ال هييو المبيييح والمحرم .والصييحيح الول؛ لن قبييل "قييل ميين
يرزقكم من السماء والرض" ثم قال "فذلكم ال ربكم الحق" أي هذا الذي رزقكم ،وهذا كله فعله
هييو" .ربكييم الحييق" أي الذي تحييق له اللوهييية ويسييتوجب العبادة ،وإذا كان ذلك فتشريييك غيره
ضلل وغير حق.
@ قال علماؤنا :حكمت هذه الية بأنه ليس بين الحيق والباطل منزلة ثالثة فيي هذه المسألة التي
هيي توحييد ال تعالى ،وكذلك هيو المير فيي نظائرهيا ،وهيي مسيائل الصيول التيي الحيق فيهيا فيي
طرف واحد؛ لن الكلم فيها إنما هو في تعديد وجود ذات كيف هي ،وذلك بخلف مسائل الفروع
التيي قال ال تعالى فيهيا" :لكيل جعلنيا منكيم شرعية ومنهاجيا" [المائدة ،]48 :وقوله علييه السيلم:
(الحلل بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات) .والكلم في الفروع إنما هو في أحكام طارئة
على وجود ذات متقررة ل يختلف فيها وإنما يختلف في الحكام المتعلقة بها.
@ ثبيت عين عائشية رضيي ال عنهيا أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان إذا قام إلى الصيلة فيي
جوف اللييل قال( :اللهيم لك الحميد) الحدييث .وفييه (أنيت الحيق ووعدك الحيق وقولك الحيق ولقاؤك
الحق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق) الحديث .فقوله( :أنت الحق)
أي الواجيب الوجود؛ وأصيله مين حيق الشييء أي ثبيت ووجيب .وهذا الوصيف ل تعالى بالحقيقية إذ
وجوده لنفسييه لم يسييبقه عدم ول يلحقييه عدم؛ ومييا عداه ممييا يقال عليييه هذا السييم مسييبوق بعدم،
ويجوز عليه لحاق العدم ،ووجوده من موجده ل من نفسه .وباعتبار هذا المعنيى كان أصدق كلمة
قالها الشاعر ،كلمة لبيد:
أل كل شيء ما خل ال باطل
وإليه الشارة بقوله تعالى" :كل شيء هالك إل وجهه له الحكم وإليه ترجعون" [القصص.]88 :
@ مقابلة الحق بالضلل عرف لغة وشرعا ،كما في هذه الية .وكذلك أيضا مقابلة الحق بالباطل
عرف لغيية وشرعييا؛ قال ال تعالى" :ذلك بأن ال هييو الحييق وأن مييا يدعون ميين دونييه الباطييل"
[لقمان .]30 :والضلل حقيقتيه الذهاب عين الحيق؛ أخيذ مين ضلل الطرييق ،وهيو العدول عين
سيمته .قال ابين عرفية :الضللة عنيد العرب سيلوك غيير سيبيل القصيد؛ يقال :ضيل عين الطرييق
وأضيل الشييء إذا أضاعيه .وخيص فيي الشرع بالعبارة فيي العدول عين السيداد فيي العتقاد دون
العمال؛ ومين غرييب أمره أنيه يعيبر بيه عين عدم المعرفية بالحيق سيبحانه إذا قابله غفلة ولم يقترن
بعدميه جهيل أو شيك ،وعلييه حميل العلماء قوله تعالى" :ووجدك ضال فهدى" [الضحيى ]7 :أي
غافل ،فيي أحيد التأويلت ،يحققيه قوله تعالى" :ميا كنيت تدري ميا الكتاب ول اليمان" [الشورى:
.]52
@ روى عبدال بين عبدالحكيم وأشهيب عين مالك فيي قوله تعالى" :فماذا بعيه الحيق إل الضلل"
قال :اللعب بالشطرنج والنرد من الضلل .وروى يونس عن ابن وهب أنه سئل عن الرجل يلعب
فيي بيتيه ميع امرأتيه بأربيع عشرة؛ فقال مالك :ميا يعجبنيي! ولييس مين شأن المؤمنيين ،يقول ال
تعالى" :فماذا بعيد الحيق إل الضلل" .وروى يونيس عين أشهيب قال :سيئل -يعنيي مالكيا -عين
اللعيب بالشطرنيج فقال :ل خيير فييه ،ولييس بشييء وهيو مين الباطيل ،واللعيب كله مين الباطيل ،وإنه
لينبغي لذي العقل أن تنهاه اللحية والشيب عن الباطل .وقال الزهري لما سئل عن الشطرنج :هي
من الباطل ول أحبها.
@ اختلف العلماء فيي جواز اللعيب بالشطرنيج وغيره إذا لم يكين على وجيه القمار؛ فتحصييل
مذهب مالك وجمهور الفقهاء في الشطرنج أن من لم يقامر بها ولعب مع أهله في بيته مستترا به
مرة فيي الشهير أو العام ،ل يطلع علييه ول يعلم بيه أنيه معفيو عنيه غيير محرم علييه ول مكروه له،
وأنه إن تخلع به واشتهر فيه سقطت مروءته وعدالته وردت شهادته .وأما الشافعي فل تسقط في
مذهب أصحابه شهادة اللعب بالنرد والشطرنج ،إذا كان عدل في جميع أصحابه ،ولم يظهر منه
سيفه ول ريبية ول كيبيرة إل أن يلعيب بيه قمارا ،فإن لعيب بهيا قمارا وكان بذلك معروفيا سيقطت
عدالتيه وسيفه نفسيه لكله المال بالباطيل .وقال أبيو حنيفية :يكره اللعيب بالشطرنيج والنرد والربعية
عشير وكيل اللهيو؛ فإن لم تظهير مين اللعيب بهيا كيبيرة وكانيت محاسينه أكثير مين مسياويه قبلت
شهادتييه عندهييم .قال ابيين العربييي :قالت الشافعييية إن الشطرنييج يخالف النرد لن فيييه إكداد الفهييم
واستعمال القريحة .والنرد قمار غرر ل يعلم ما يخرج له فيه كالستقسام بالزلم.
@ قال علماؤنا :النرد قطع مملوءة من خشب البقس ومن عظم الفيل ،وكذا هو الشطرنج إذ هو
أخوه غذي بلبانيه .والنرد هيو الذي يعرف بالباطيل ،ويعرف بالكعاب ويعرف فيي الجاهليية أيضيا
بالرن ويرف أيضا بالنردشير .وفي صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى
ال علييه وسيلم قال( :مين لعيب بالنردشيير فكأنميا غميس يده فيي لحيم خنزيير ودميه) .قال علماؤنيا:
ومعنى هذا أي هو كمن غمس يده في لحم الخنزير يهيئه لن يأكله ،وهذا الفعل في الخنزير حرام
ل يجوز؛ يييبينه قوله تعالى( :ميين لعييب بالنرد فقييد .عصييى ال ورسييوله) رواه مالك وغيره ميين
حدييث أبيي موسيى الشعري وهيو حدييث صيحيح ،وهيو يحرم اللعيب بالنرد جملة واحدة ،وكذلك
الشطرنج ،لم يستثن وقتا من وقت ول حال من حال ،وأخبر .أن فاعل ذلك عاص ل ورسوله؛ إل
أنيه يحتميل أن يكون المراد باللعيب بالنرد المنهيي عنيه أن يكون على وجيه القمار؛ لميا روي مين
إجازة اللعيب بالشطرنيج عين التابعيين على غيير قمار .وحميل ذلك على العموم قمارا وغيير قمار
أولى وأحوط إن شاء ال .قال أبيو عبدال الحليميي فيي كتاب منهاج الديين :ومميا جاء فيي الشطرنيج
حديييث يروى فيييه كمييا يروى فييي النرد أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم قال( :ميين لعييب
بالشطرنج فقد عصى ال ورسوله) .وعن علي رضي ال عنه أنه مر على مجلس من مجالس بني
تمييم وهيم يلعبون بالشطرنيج فوقيف عليهيم فقال( :أميا وال لغيير هذا خلقتيم! أميا وال لول أن تكون
سينة لضربيت بيه وجوهكيم) .وعنيه رضيي ال عنيه أنيه مير بقوم يلعبون بالشطرنيج فقال :ميا هذه
التماثييل التيي أنتيم لهيا عاكفون؛ لن يميس أحدكيم جمرا حتيى يطفيأ خيير مين أن يمسيها .وسيئل ابين
عمير عين الشطرنيج فقال هيي شير مين النرد .وقال أبيو موسيى الشعري :ل يلعيب بالشطرنيج إل
خاطيئ .وسيئل أبيو جعفير عين الشطرنيج فقال :دعونيا مين هذه المجوسيية .وفيي حدييث طوييل عين
النبي صلى ال عليه وسلم( :وأن من لعب بالنرد والشطرنج والجوز والكعاب مقته ال ومن جلس
إلى من يلعب بالنرد والشطرنج لينظر إليهم محيت عنه حسناته كلها وصار ممن مقته ال) .وهذه
الثار كلها تدل على تحريم اللعب بها بل قمار ،وال اعلم .وقد ذكرنا في "المائدة" بيان تحريمها
وأنها كالخمر في التحريم لقترانها به ،وال أعلم.
قال ابين العربيي فيي قبسيه :وقيد جوزه الشافعيي ،وانتهيى حال بعضهيم إلى أن يقول :هيو مندوب
إليه ،حتى اتخذوه في المدرسة؛ فإذا أعيا الطالب من القراءة لعب به في المسجد .وأسندوا إلى قوم
مين الصيحابة والتابعيين أنهيم لعبوا بهيا؛ وميا كان ذلك قيط! وتال ميا مسيتها ييد تقيي .ويقولون :إنهيا
تشحيذ الذهين ،والعيان يكذبهيم ،ميا تبحير فيهيا قيط رجيل له ذهين .سيمعت المام أبيا الفضيل عطاء
المقدسيي يقول بالمسيجد القصيى فيي المناظرة :إنهيا تعلم الحرب .فقال له الطرطوشيي :بيل تفسيد
تدبيير الحرب؛ لن الحرب المقصيود منهيا الملك واغتياله ،وفيي الشطرنيج تقول :شاه إياك :الملك
نحيه عين طريقيي؛ فاسيتضحك الحاضريين .وتارة شدد فيهيا مالك وحرمهيا وقال فيهيا" :فماذا بعيد
الحييق إل الضلل" وتارة اسييتهان بالقليييل منهييا والهون ،والقول الول أصييح وال أعلم .فإن قال
قائل :روى عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه سئل عن الشطرنج فقال :وما الشطرنج؟ فقيل
له :إن امرأة كان لهييا ابيين وكان ملكييا فأصيييب فييي حرب دون أصييحابه؛ فقالت :كيييف يكون هذا
أرونيه عيانا؛ فعمل لها الشطرنج ،فلما رأته تسلت بذلك .ووصفوا الشطرنج لعمر رضي ال عنه
فقال :ل بأس بما كان من آلة الحرب؛ قيل له :هذا ل حجة فيه لنه لم يقل ل بأس بالشطرنج وإنما
قال ل بأس بما كان من آلة الحرب .وإنما قال هذا لنه شبه عليه أن اللعب بالشطرنج مما يستعان
بيه على معرفية أسيباب الحرب ،فلميا قييل له ذلك ولم يحيط بيه علميه قال :ل بأس بميا كان مين آلة
الحرب ،إن كان كميا تقولون فل بأس بيه ،وكذلك مين روى عنيه مين الصيحابة أنيه لم ينيه عنيه ،فإن
ذلك محمول منييه على أنييه ظيين أن ذلك ليييس يتلهييى بييه ،وإنمييا يراد بييه التسييبب إلى علم القتال
والمضاربة فيه ،أو على أن الخبر المسند لم يبلغهم .قال الحليمي :وإذا صح الخبر فل حجة لحد
معه ،وإنما الحجة فيه على الكافة.
@ ذكر ابن وهب بإسناده أن عبدال بن عمر مر بغلمان يلعبون بالكجّة ،وهي حفر فيها حصى
يلعبون بهيا ،قال :فسيدها ابين عمير ونهاهيم عنهيا .وذكير الهروي فيي باب (الكاف ميع الجييم) فيي
حدييث ابين عباس :فيي كيل شييء قمار حتيى فيي لعيب الصيبيان بالكجية؛ قال ابين العرابيي :هيو أن
يأخذ الصبي خرقة فيدورها كأنها كرة ،ثم يتقامرون بها .وكج إذا لعب بالكجة.
@قوله تعالى" :فأنى تصرفون" أي كيف تصرفون عقولكم إلى عبادة ما ل يرزق ول يحيي ول
يميت.
**3الية{ 33 :كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :كذلك حقت كلمة ربك" أي حكمه وقضاؤه وعلمه السابق" .على الذين فسقوا" أي
خرجوا عين الطاعية وكفروا وكذبوا" .أنهيم ل يؤمنون" أي ل يصيدقون .وفيي هذا أوفيى دلييل على
القدرية .وقرأ نافع وابن عامر هنا وفي آخرها "كذلك حقت كلمات ربك" وفي سورة غافر بالجمع
في الثلثة .الباقون بالفراد و"أن" في موضع نصب؛ أي بأنهم أو لنهم .قال الزجاج :ويجوز أن
تكون في موضع رفع على البدل من كلمات .قال الفراء :يجوز "إنهم" بالكسر على الستئناف.
**3اليية{ 34 :قيل هيل مين شركائكيم مين يبدأ الخلق ثيم يعيده قيل ال يبدأ الخلق ثيم يعيده فأنيى
تؤفكون}
@قوله تعالى" :قيل هيل مين شركائكيم" أي آلهتكيم ومعبوداتكيم" .مين يبدأ الخلق ثيم يعيده" أي قيل
لهيم ييا محميد ذلك على جهية التوبييخ والتقريير؛ فإن أجابوك وإل فيي "قيل ال يبدأ الخلق ثيم يعيده"
وليس غيره يفعل ذلك" .فأنى تؤفكون" أي فكيف تنقلبون وتنصرفون عن الحق إلى الباطل.
**3اليية{ 35 :قيل هيل مين شركائكيم مين يهدي إلى الحيق قيل ال يهدي للحيق أفمين َي ِهدّي إلى
الحق أحق أن يتبع أم من ل يهدي إل أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون}
@قوله تعالى" :قيل هيل مين شركائكيم مين يهدي إلى الحيق" يقال :هداه للطرييق وإلى الطرييق
بمعنى واحد؛ وقد تقدم .أي هل من شركائكم من يرشد إلى دين السلم؛ فإذا قالوا ل ول بد منه في
"قل" لهم "ال يهدي للحق" ثم قل لهم موبخا ومقررا" .أفمن يهدي" أي يرشد" .إلى الحق" وهو
ال سبحانه وتعالى" .أحق أن يتبع أمن ل يهدي إل أن يهدى فما لكم كيف تحكمون" يريد الصنام
التي ل تهدي أحدا ،ول تمشي إل أن تحمل ،ول تنتقل عن مكانها إل أن تنقل .قال الشاعر:
حيث تهدي ساقه قدمه للفتى عقل يعيش به
وقيل :المراد الرؤساء والمضلون الذين ل يرشدون أنفسهم إلى هدى إل أن يرشدوا.
وفي "يهدي" قراءات ست :الولى :قرأ أهل المدينة إل ورشا " َي ْهدّي" بفتح الياء وإسكان الهاء
وتشديييد الدال؛ فجمعوا فييي قراءتهييم بييين سيياكنين كمييا فعلوا فييي قوله" :ل ت ْعدّوا" وفييي قوله:
"يخْصّمون" .قال النحاس :والجمع بين الساكنين ل يقدر أحد أن ينطق به .قال محمد بن يزيد :ل
بيد لمين رام مثيل هذا أن يحرك حركية خفيفية إلى الكسير ،وسييبويه يسيمي هذا اختلس الحركية.
الثانية :قرأ أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والسكان ،على مذهبه في الخفاء والختلس.
الثالثية :قرأ ابين عامير وابين كثيير وورش وابين محيصين " َي َهدّي" بفتيح الياء والهاء وتشدييد الدال،
قال النحاس :هذه القراءة بينيية فييي العربييية ،والصييل فيهييا يهتدى أدغمييت التاء فييي الدال وقلبييت
حركتها على الهاء .الرابعة :قرأ حفص ويعقوب والعمش عن أبي بكر مثل قراءة ابن كثير ،إل
أنهيم كسيروا الهاء ،قالوا :لن الجزم إذا اضطير إلى حركتيه حرك إلى الكسير .قال أبيو حاتيم :هيي
لغية سيفلى مضير .الخامسية :قرأ أبيو بكير عين عاصيم ِي ِهدّي بكسير الياء والهاء وتشدييد الدال ،كيل
ذلك لتباع الكسيير كمييا تقدم فييي البقرة فييي "يخطييف" [البقرة ]20 :وقيييل :هييي لغيية ميين قرأ
"نسيتعين" ،و"لن تمسينا النار" ونحوه .وسييبويه ل يجييز "يهدي" ويجييز "تهدي" و"نهدي"
و"اهدي" قال :لن الكسيرة فيي الياء تثقيل .السيادسة :قرأ حمزة والكسيائي وخلف ويحييى بين وثاب
والعمييش " َي ْهدِي" بفتييح الياء وإسييكان الهاء وتخفيييف الدال؛ ميين هدى يهدي .قال النحاس :وهذه
القراءة لها وجهان في العربية وإن كانت بعيدة ،وأحد الوجهين أن الكسائي والفراء قال" :يهدي"
بمعنى يهتدي .قال أبو العباس :ل يعرف هذا ،ولكن التقدير أمن ل يهدي غيره ،ثم الكلم ،ثم قال:
"إل أن يهدى" استأنف من الول ،أي لكنه يحتاج أن يهدى؛ فهو استثناء منقطع ،كما تقول :فلن
ل يسييمع غيره إل أن يسييمع ،أي لكنييه يحتاج أن يسييمع .وقال أبييو إسييحاق" :فمييا لكييم" كلم تام،
والمعنيى :فأي شييء لكيم فيي عبادة الوثان .ثيم قييل لهيم" :كييف تحكمون" أي لنفسيكم وتقضون
بهذا الباطيل الصيراح ،تعبدون آلهية ل تغنيي عين أنفسيها شيئا إل أن يفعيل بهيا ،وال يفعيل ميا يشاء
فتتركون عبادته؛ فموضع "كيف" نصب بي "تحكمون".
**3اليية{ 36 :وميا يتبيع أكثرهيم إل ظنيا إن الظين ل يغنيي مين الحيق شيئا إن ال علييم بميا
يفعلون}
@قوله تعالى" :وما يتبع أكثرهم إل ظنا" يريد الرؤساء منهم؛ أي ما يتبعون إل حدسا وتخريصا
فيي أنهيا آلهية وأنهيا تشفيع ،ول حجية معهيم .وأميا أتباعهيم فيتبعونهيم تقليدا" .إن الظين ل يغنيي مين
الحيق شيئا" أي مين عذاب ال؛ فالحيق هيو ال .وقييل "الحيق" هنيا اليقيين؛ أي لييس الظين كاليقيين.
وفيي هذه اليية دلييل على أنيه ل يكتفيى بالظين فيي العقائد" .إن ال علييم بميا يفعلون" مين الكفير
والتكذيب ،خرجت مخرج التهديد.
**3اليية{ 37 :وميا كان هذا القرآن أن يفترى مين دون ال ولكين تصيديق الذي بيين يدييه
وتفصيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالمين}
@قوله تعالى" :ومييا كان هذا القرآن أن يفترى ميين دون ال" "أن" مييع "يفترى" مصييدر،
والمعنيى :وميا كان هذا القرآن افتراء؛ كميا تقول :فلن يحيب أن يركيب ،أي يحيب الركوب ،قاله
الكسيائي .وقال الفراء :المعنيى وميا ينبغيي لهذا القرآن أن يفترى؛ كقوله" :وميا كان لنيبي أن يغيل"
[آل عمران" ]161 :وميا كان المؤمنون لينفروا كافية" [التوبية .]122 :وقييل" :أن" بمعنيى
اللم ،تقديره :وميا كان هذا القرآن ليفترى .وقييل :بمعنيى ل ،أي ل يفترى .وقييل :المعنيى ميا كان
يتهييأ لحيد أن يأتيي بمثيل هذا القرآن مين عنيد غيير ال ثيم ينسيبه إلى ال تعالى لعجازه؛ لوصيفه
ومعانييه وتأليفيه" .ولكين تصيديق الذي بيين يدييه" قال الكسيائي والفراء ومحميد بين سيعدان :التقديير
ولكين كان تصيديق؛ ويجوز عندهيم الرفيع بمعنيى :ولكين هيو تصيديق" .الذي بيين يدييه" أي مين
التوراة والنجيل وغيرهما من الكتيب ،فإنهيا قيد بشرت به فجاء مصيدقا لهيا فيي تلك البشارة ،وفي
الدعاء إلى التوحييد واليمان بالقيامية .وقييل :المعنيى ولكين تصيديق النيبي بيين يدي القرآن وهيو
محمد صلى ال عليه وسلم؛ لنهم شاهدوه قبل أن سمعوا منه القرآن" .وتفصيل" بالنصب والرفع
على الوجهيين المذكورييين فييي تصيديق .والتفصييل التيبيين ،أي ييبين مييا فييي كتييب ال المتقدميية.
والكتاب اسيم الجنيس .وقييل :أراد بتفصييل الكتاب ميا بيين فيي القرآن مين الحكام" .ل رييب فييه"
الهاء عائدة للقرآن ،أي ل شك فيه أي في نزول من قبل ال تعالى.
**3الية{ 38 :أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم
صادقين}
@قوله تعالى" :أم يقولون افتراه" أم ههنيا فيي موضيع ألف السيتفهام لنهيا اتصيلت بميا قبلهيا.
وقيل :هي أم المنقطعة التي تقدر بمعنى بل والهمزة؛ كقوله تعالى" :الم تنزيل الكتاب ل ريب فيه
مين رب العالميين أم يقولون افتراه" [السيجدة ]3 ،2 ،1 :أي بيل أيقولون افتراه .وقال أبيو عبيدة:
أم بمعنيى الواو ،مجازة :ويقولون افتراه .وقييل :المييم صيلة ،والتقديير :أيقولون افتراه ،أي اختلق
محميد القرآن مين قبيل نفسيه ،فهيو اسيتفهام معناه التقرييع" .قيل فأتوا بسيورة مثله" ومعنيى الكلم
الحتجاج ،فإن اليية الولى دلت على كون القرآن مين عنيد ال؛ لنيه مصيدق الذي بيين يدييه مين
الكتب وموافق لها من غير أن يتعلم محمد عليه السلم عن أحد .وهذه الية إلزام بأن يأتوا بسورة
مثله إن كان مفترى .وقيد مضيى القول فيي إعجاز القرآن ،وأنيه معجيز فيي مقدمية الكتاب ،والحميد
ل.
**3اليية{ 39 :بيل كذبوا بميا لم يحيطوا بعلميه ولميا يأتهيم تأويله كذلك كذب الذيين مين قبلهيم
فانظر كيف كان عاقبة الظالمين}
@قوله تعالى" :بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه" أي كذبوا بالقرآن وهم جاهلون بمعانيه وتفسيره،
وعليهيم أن يعلموا ذلك بالسؤال؛ فهذا يدل على أنه يجب أن ينظر في التأويل .وقوله" :ولما يأتهيم
تأويله" أي ولم يأتهم حقيقة عاقبة التكذيب من نزول العذاب بهم .أو كذبوا بما في القرآن من ذكر
البعييث والجنيية والنار ،ولم يأتهييم تأويله أي حقيقيية مييا وعدوا فييي الكتاب؛ قاله الضحاك .وقيييل
للحسين بن الفضل :هل تجد في القرآن (من جهل شيئا عاداه) قال نعم ،في موضعين" :بل كذبوا
بما لم يحيطوا بعلمه" وقوله" :وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" [الحقاف" .]11 :كذلك
كذب الذييين ميين قبلهييم" يريييد المييم الخالييية ،أي كذا كانييت سييبيلهم .والكاف فييي موضييع نصييب.
"فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" أي أخذهم بالهلك والعذاب.
**3الية{ 40 :ومنهم من يؤمن به ومنهم من ل يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين}
@قوله تعالى" :ومنهم من يؤمن به" قيل :المراد أهل مكة ،أي ومنهم من يؤمن به في المستقبل
وإن طال تكذيبيه؛ لعلميه تعالى السيابق فيهيم أنهيم مين السيعداء .و"مين" رفيع بالبتداء والخيبر فيي
المجرور .وكذا" .ومنهم من ل يؤمن به" والمعنى ومنهم من يصر على كفره حتى يموت؛ كأبي
طالب وأبيي لهيب ونحوهميا .وقييل :المراد أهيل الكتاب .وقييل :هيو عام فيي جمييع الكفار؛ وهيو
الصحيح .وقيل .إن الضمير في "به" يرجع إلى محمد صلى ال عليه وسلم؛ فأعلم ال سبحانه أنه
إنميا أخير العقوبية لن منهيم مين سييؤمن" .وربيك أعلم بالمفسيدين" أي مين يصير على كفره؛ وهذا
تهديد لهم.
**3اليية{ 41 :وإن كذبوك فقيل لي عملي ولكيم عملكيم أنتيم بريئون مميا أعميل وأنيا برييء مميا
تعملون}
@قوله تعالى" :وإن كذبوك فقل لي عملي" رفع بالبتداء ،والمعنى :لي ثواب عملي فيي التبلييغ
والنذار والطاعية ل تعالى" .ولكيم عملكيم" أي جزاؤه مين الشرك" .أنتيم بريؤون مميا أعميل وأنيا
بريء مما تعملون" مثله؛ أي ل يؤاخذ أحد بذنب الخر .وهذه الية منسوخة بآية السيف؛ في قول
مجاهد والكلبي ومقاتل وابن زيد.
**3اليتان{ 43 - 42 :ومنهيم مين يسيتمعون إلييك أفأنيت تسيمع الصيم ولو كانوا ل يعقلون،
ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا ل يبصرون}
@قوله تعالى" :ومنهم من يستمعون إليك" يريد بظواهرهم ،وقلوبهم ل تعي شيئا مما يقوله من
الحييق ويتلوه ميين القرآن؛ ولهذا قال" :أفأنييت تسييمع الصييم ولو كانوا ل يعقلون" أي ل تسييمع؛
فظاهره الستفهام ومعناه النفي ،وجعلهم كالصم للختم على قلوبهم والطبع عليها ،أي ل تقدر على
هداية من أصمه ال عن سماع الهدى .وكذا المعنى في" :ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي
ولو كانوا ل يبصيرون" أخيبر تعالى أن أحدا ل يؤمين إل بتوفيقيه وهدايتيه .وهذا وميا كان مثله يرد
على القدريية قولهيم؛ كميا تقدم فيي غيير موضيع .وقال" :يسيتمعون" على معنيى "مين" و"ينظير"
على اللفيظ؛ والمراد تسيلية النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،أي كميا ل تقدر أن تسيمع مين سيلب السيمع
ول تقدر أن تخلق للعميى بصيرا يهتدي بيه ،فكذلك ل تقدر أن توفيق هؤلء لليمان وقيد حكيم ال
عليهم أل يؤمنوا .ومعنى" :ينظر إليك" أي يديم النظر إليك؛ كما قال" :ينظرون إليك تدور أعينهم
كالذي يغشى عليه من الموت" [الحزاب ]19 :قيل :إنها نزلت في المستهزئين ،وال أعلم.
**3الية{ 44 :إن ال ل يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}
@ لميا ذكير أهيل الشقاء ذكير أنيه لم يظلمهيم ،وأن تقديير الشفاء عليهيم وسيلب سيمع القلب وبصيره
ليس ظلما منه؛ لنه مصرف في ملكه بما شاء ،وهو في جميع أفعاله عادل" .ولكن الناس أنفسهم
يظلمون" بالكفير والمعصيية ومخالفية أمير خالقهيم .وقرأ حمزة والكسيائي "ولكين" مخففيا "الناس"
رفعييا .قال النحاس :زعييم جماعيية ميين النحويييين منهييم الفراء أن العرب إذا قالت "ولكيين" بالواو
آثرت التشدييد ،وإذا حذفوا الواو آثرت التخفييف ،واعتيل فيي ذلك فقال :لنهيا إذا كانيت بغيير واو
أشبهيت بيل فخففوهيا ليكون ميا بعدهيا كميا بعيد بيل ،وإذا جاؤوا بالواو خالفيت بيل فشددوهيا ونصيبوا
بها ،لنها "إن" زيدت عليها لم وكاف وصيرت حرفا واحد؛ وأنشد:
ولكنني من حبها لعميد
فجاء باللم لنها "إن".
**3الية{ 45 :ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إل ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين
كذبوا بلقاء ال وما كانوا مهتدين}
@قوله تعالى" :ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا" بمعنى كأنهم خففت ،أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم.
"إل سياعة مين النهار" أي قدر سياعة :يعنيي أنهيم اسيتقصروا طول مقامهيم فيي القبور لهول ميا
يرون من البعث؛ دليله قولهم" :لبثنا يوما أو بعض يوم" [الكهف .]19 :وقيل :إنما قصرت مدة
لبثهم في الدنيا من هول ما استقبلوا ل مدة كونهم في القبر .ابن عباس :رأوا أن طول أعمارهم في
مقابلة الخلود كسيياعة" .يتعارفون بينهييم" فييي موضييع نصييب على الحال ميين الهاء والميييم فييي
"يحشرهم" .ويجوز أن يكون منقطعا ،فكأنه قال فهم يتعارفون .قال الكلبي :يعرف بعضهم بعضا
كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم؛ وهذا التعارف تعارف توبيخ وافتضاح؛ يقول بعضهم
لبعيض :أنيت أضللتنيي وأغويتنيي وحملتنيي على الكفير؛ ولييس تعارف شفقية ورأفية وعطيف .ثيم
تنقطيع المعرفية إذا عاينوا أهوال يوم القيامية كميا قال" :ول يسيأل حمييم حميميا" [المعارج.]10 :
وقيييل :يبقييى تعارف التوبيييخ؛ وهييو الصييحيح لقوله تعالى" :ولو ترى إذ الظالمون موقوفون" إلى
قوله "وجعلنا الغلل في أعناق الذين كفروا" [سبأ ]33 - 31 :وقوله" :كلما دخلت أمة لعنت
أختها" [العراف ]38 :الية ،وقوله" :ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا" [الحزاب ]67 :الية.
فأميا قوله" :ول يسيأل حمييم حميميا" وقوله" :فإذا نفيخ فيي الصيور فل أنسياب بينهيم" [المؤمنون:
]101فمعناه ل يسيأله سيؤال رحمية وشفقية ،وال أعلم .وقييل :القيامية مواطين .وقييل :معنيى
"يتعارفون" يتسياءلون ،أي يتسياءلون كيم لبثتيم؛ كميا قال" :وأقبيل بعضهيم على بعيض يتسياءلون"
[الصيافات ]27 :وهذا حسين .وقال الضحاك :ذلك تعارف تعاطيف المؤمنيين؛ والكافرون ل
تعاطف عليهم؛ كما قال" :فل أنساب بينهم" .والول أظهر ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال" أي بالعرض على ال .ثم قيل :يجوز أن يكون هذا
إخبارا مين ال عيز وجيل بعيد أن دل على البعيث والنشور ،أي خسيروا ثواب الجنية .وقييل :خيبروا
في حال لقاء ال؛ لن الخسران إنما هو في تلك الحالة التي ل يرجى فيها إقالة ول تنفع توبة .قال
النحاس :ويجوز أن يكون المعنيى يتعارفون بينهيم ،يقولون هذا" .وميا كانوا مهتديين" برييد فيي علم
ال.
**3اليية{ 46 :وإميا نرينيك بعيض الذي نعدهيم أو نتوفينيك فإلينيا مرجعهيم ثيم ال شهييد على ميا
يفعلون}
@قوله تعالى" :وإميا نرينيك" شرط" .بعيض الذي نعدهيم" أي مين إظهار دينيك فيي حياتيك .وقال
المفسرون :كان البعض الذي وعدهم قتل من قتل وأسر من أسر ببدر" .أو نتوفينك" عطف على
"نريك" أي نتوفينك قبل ذلك" .فإلينا مرجعهم" جواب "إما" .والمقصود إن لم ننتقم منهم عاجل
انتقمنيا منهيم آجل" .ثيم ال شهييد" أي شاهيد ل يحتاج إلى شاهيد" .على ميا يفعلون" مين محاربتيك
وتكذيبك .ولو قيل" :ثم ال شهيد" بمعنى هناك ،جاز.
**3الية{ 47 :ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم ل يظلمون}
@قوله تعالى" :ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط" يكون المعنى :ولكل أمة
رسول شاهد عليهم ،فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم؛ مثل" .فكيف إذا جئنا من كل أمة
بشهييد" [النسياء .]41 :وقال ابين عباس :تنكير الكفار غدا مجييء الرسيل إليهيم ،فيؤتيى بالرسيول
فيقول :قييد أبلغتكييم الرسييالة؛ فحينئذ يقضييى عليهييم بالعذاب .دليله قوله" :ويكون الرسييول عليكييم
شهيدا" .ويجوز أن يكون المعنى أنهم ل يعذبون في الدنيا حتى يرسل إليهم؛ فمن آمن فاز ونجا،
ومين لم يؤمين هلك وعذب .دليله قوله تعالى" :وميا كنيا معذبيين حتيى نبعيث رسيول" [السيراء:
.]15والقسط :العدل" .وهم ل يظلمون" أي ل يعذبون بغير ذنب ول يؤاخذون بغير حجة.
**3الية{ 48 :ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}
@ يريد كفار مكة لفرط إنكارهم واستعجالهم العذاب؛ أي متى العقاب أو متى القيامة التي يعدنا
محمد .وقيل :هو عام في كل أمة كذبت رسولها.
**3الية{ 49 :قل ل أملك لنفسي ضرا ول نفعا إل ما شاء ال لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فل
يستأخرون ساعة ول يستقدمون}
@قوله تعالى" :قيل ل أملك لنفسيي ضرا ول نفعيا" لميا اسيتعجلوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم
بالعذاب قال ال له :قيل لهيم ييا محميد ل أملك لنفسيي ضرا ول نفعيا؛ أي لييس ذلك لي ول لغيري.
"إل ما شاء ال" أن أملكه وأقدر عليه ،فكيف أقدر أن أملك ما استعجلتم فل تستعجلوا" .لكل أمة
أجييل" أي لهلكهييم وعذابهييم وقييت معلوم فييي علمييه سييبحانه" .إذا جاء أجلهييم" أي وقييت انقضاء
أجلهيم" .فل يسيتأخرون سياعة ول يسيتقدمون" أي ل يمكنهيم أن يسيتأخروا سياعة باقيين فيي الدنييا
ول يتقدمون فيؤخرون.
**3الية{ 50 :قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون}
@قوله تعالى" :قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا" ظرفان ،وهو جواب لقولهم" :متى هذا
الوعيد" وتسيفيه لرائهيم فيي اسيتعجالهم العذاب؛ أي إن أتاكيم العذاب فميا نفعكيم فييه ،ول ينفعكيم
اليمان حينئذ" .ماذا يسيتعجل منيه المجرمون" اسيتفهام معناه التهوييل والتعظييم؛ أي ميا أعظيم ميا
يستعجلون به؛ كما يقال لمن يطلب أم أمرا يستوخم عاقبته :ماذا تجني على نفسك! والضميير في
"منه" قيل :يعود على العذاب ،وقيل :يعود على ال سبحانه وتعالى .قال النحاس :إن جعلت الهاء
فيي "منيه" تعود على العذاب كان لك فيي "ماذا" تقديران :أحدهميا أن يكون "ميا" فيي موضيع رفيع
بالبتداء ،و"ذا" :بمعنيى الذي ،وهيو خيبر "ميا" والعائد محذوف .والتقديير الخير أن يكون "ماذا"
اسيما واحدا فيي موضيع بالبتداء ،والخيبر فيي الجملة ،قاله الزجاج .وإن جعلت الهاء فيي "منيه"
تعود على اسم ال تعالى جعلت "ما" ،و"ذا" شيئا واحدا ،وكانت في موضع نصب بي "يستعجل"؛
والمعنى :أي شيء يستعجل منه المجرمون عن ال عز وجل.
**3الية{ 51 :أثم إذا ما وقع آمنتم به آلن وقد كنتم به تستعجلون}
@قوله تعالى" :أثيم إذا ميا وقيع آمنتيم بيه آلن" فيي الكلم حذف ،والتقديير :أتأمنون أن ينزل بكيم
العذاب ثم يقال لكم إذا حل :آلن آمنتم به؟ قيل :هو من قول الملئكة استهزاء بهم .وقيل :هو من
قول ال تعالى ،ودخلت ألف الستفهام على "ثم" والمعنى :التقرير والتوبيخ ،وليدل على أن معنى
الجملة الثانيية بعيد الولى .وقييل :إن "ثيم" ههنيا بمعنيى" :ثيم" بفتيح الثاء ،فتكون ظرفيا ،والمعنيى:
أهنالك؛ وهو مذهب الطبري ،وحينئذ ل يكون فيه معنى الستفهام .و"الن" قيل :أصله فعل مبني
مثيل حان ،واللف واللم لتحويله إلى السيم .الخلييل :بنييت للتقاء السياكنين ،واللف واللم للعهيد
والشارة إلى الوقت ،وهو حد الزمانين" .وقد كنتم به" أي بالعذاب "تستعجلون".
**3الية{ 52 :ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إل بما كنتم تكسبون}
@قوله تعالى" :ثم قيل للذين ظلموا" أي تقول لهم خزنة جهنم" .ذوقوا عذاب الخلد" أي الذي ل
ينقطع" .هل تجزون إل بما كنتم تكسبون" أي جزاء كفركم.
**3الية{ 53 :ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين}
@قوله تعالى" :ويسيتنبئونك" أي يسيتخبرونك ييا محميد عين كون العذاب وقيام السياعة" .أحيق"
ابتداء" .هيو" سيد مسيد الخيبر؛ وهذا قول سييبويه .ويجوز أن يكون "هيو" مبتدأ ،و"أحيق" خيبره.
"قيل إي" "إي" كلمية تحقييق وإيجاب وتأكييد بمعنيى نعيم" .وربيي" قسيم" .إنيه لحيق" جوابيه ،أي
كائن ل شك فيه" .وما أنتم بمعجزين" أي فائتين عن عذابه ومجازاته.
**3اليية{ 54 :ولو أن لكيل نفيس ظلميت ميا فيي الرض لفتدت بيه وأسيروا الندامية لميا رأوا
العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم ل يظلمون}
@قوله تعالى" :ولو أن لكيل نفيس ظلميت" أي أشركيت وكفرت" .ميا فيي الرض" أي ملكيا.
"لفتدت به" أي من عذاب ال ،يعني ول يقبل منها؛ كما قال" :إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار
فلن يقبل من أحدهم ملء الرض ذهبا ولو افتدى به" [آل عمران ]91 :وقد تقدم.
@قوله تعالى" :وأسيروا الندامية" أي أخفوهيا؛ يعنيي رؤسياءهم ،أي أخفوا ندامتهيم عين اتباعهيم.
"لما رأوا العذاب" وهذا قبل الحراق بالنار ،فإذا وقعوا في النار ألهتهم النار عن التصنع؛ بدليل
قولهييم" :ربنييا غلبييت علينييا شقوتنييا" [المؤمنون .]106 :فييبين أنهييم ل يكتمون مييا بهييم .وقيييل:
"أسيروا" أظهروا ،والكلمية مين الضداد ،ويدل علييه أن الخرة ليسيت دار تجلد وتصيبر .وقييل:
وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم؛ لن الندامة ل يمكن إظهارها .قال كثير:
بسرد جمال غاضرة المنادي فأسررت الندامة يوم نادى
وذكير الميبرد فييه وجهيا ثالثيا :أنيه بدت بالندامية أسيرة وجوههيم ،وهيي تكاسيير الجبهية ،واحدهيا
سيرار .والندامية :الحسيرة لوقوع شييء أو فوت شييء ،وأصيلها اللزوم؛ ومنيه الندييم لنيه يلزم
المجالس .وفلن نادم سادم .والسدم اللهج بالشيء .وندم وتندم بالشيء أي اهتم به .قال الجوهري:
السييدم (بالتحريييك) الندم والحزن؛ وقييد سييدم بالكسيير أي اهتييم وحزن ورجييل نادم سييادم ،وندمان
سيدمان؛ وقييل :هيو اتباع .وماله هيم ول سيدم إل ذلك .وقييل :الندم مقلوب الدمين ،والدمين اللزوم؛
ومنه فلن مدمن الخمر .والدمن :ما اجتمع في الدار وتلبد من البوال والبعار؛ سمي به للزومه.
والدمنية :الحقيد الملزم للصيدر ،والجميع دمين .وقيد دمنيت قلوبهيم بالكسير؛ يقال :دمنيت على فلن
أي ضغنت" .وقضي بينهم بالقسط" أي بين الرؤساء والسفل بالعدل" .وهم ل يظلمون".
**3اليية{ 55 :أل إن ل ميا فيي السيماوات والرض أل إن وعيد ال حيق ولكين أكثرهيم ل
يعلمون}
@ "أل" كلمة تنبيه للسامع تزاد في أول الكلم؛ أي انتبهوا لما أقول لكم" :إن ل ما في السماوات
والرض أل إن وعيد ال حيق" "له ملك السيماوات والرض" [الحدييد ]2 :فل مانيع يمنعيه مين
إنفاذ ما وعده" .ولكن أكثرهم ل يعلمون" ذلك.
**3الية{ 56 :هو يحيي ويميت وإليه ترجعون}
@ بين المعنى .وقد تقدم
**3الية{ 57 :يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة
للمؤمنين}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الناس" يعنيي قريشيا" .قيد جاءتكيم موعظية" أي وعيظ" .مين ربكيم" بعنيي
القرآن ،فييه مواعيظ وحكيم" .وشفاء لميا فيي الصيدور" أي مين الشيك والنفاق والخلف ،والشقاق.
"وهدى" أي ورشدا لمن اتبعه" .ورحمة" أي نعمة" .للمؤمنين" خصهم لنهم المنتفعون باليمان؛
والكل صفات القرآن ،والعطف لتأكيد المدح .قال الشاعر:
وليث الكتيبة في المزدحم إلى الملك القرم وابن الهمام
**3الية{ 58 :قل بفضل ال وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}
@قوله تعالى" :قيل بفضيل ال وبرحمتيه" قال أبيو سيعيد الخدري وابين عباس رضيي ال عنهميا:
فضل ال القرآن ،ورحمته السلم .وعنهما أيضا :فضل ال القرآن ،ورحمته أن جعلكم من أهله.
وعيين الحسيين والضحاك ومجاهييد وقتادة :فضييل ال اليمان ،ورحمتييه القرآن؛ على العكييس ميين
القول الول .وقييييل :غيييير هذا" .فبذلك فليفرحوا" إشارة إلى الفضيييل والرحمييية .والعرب تأتيييي
"بذلك" للواحد والثنين والجمع .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قرأ "فبذلك فلتفرحوا"
بالتاء؛ وهيي قراءة يزييد بين القعقاع ويعقوب وغيرهميا؛ وفيي الحدييث (لتأخذوا مصيافكم) .والفرح
لذة فيييي القلب بإدراك المحبوب .وقيييد ذم الفرج فيييي مواضيييع؛ كقوله" :ل تفرح إن ال ل يحيييب
الفرحين" [القصص ]76 :وقوله" :إنه لفرح فخور" [هود ]10 :ولكنه مطلق .فإذا قيد الفرح لم
يكن ذما؛ لقوله" :فرحين بما آتاهم ال من فضله" [آل عمران ]170 :وههنا قال تبارك وتعالى:
"فبذلك فليفرحوا" أي بالقرآن والسيلم فليفرحوا؛ فقييد .قال هارون :وفيي حرف أبيي "فبذلك
فافرحوا" .قال النحاس :سييبيل الميير أن يكون باللم ليكون معييه حرف جازم كمييا أن مييع النهييي
حرفيا؛ إل أنهيم يحذفون ،مين المير للمخاطيب اسيتغناء بمخاطبتيه ،وربميا جاؤوا بيه على الصيل؛
منه "فبذلك فلتفرحوا"" .هو خير مما يجمعون" يعني في الدنيا .وقراءة العامة بالياء في الفعلين؛
وروي عين ابين عامير أنيه قرأ "فليفرحوا" بالياء "تجمعون" بالتاء خطابيا للكافريين .وروي عين
الحسين أنيه قرأ بالتاء فيي الول؛ و"يجمعون" بالياء على العكيس .وروى أبان عين أنيس أن النيبي
صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين هداه ال للسيلم وعلميه القرآن ثيم شكيا الفاقية كتيب ال الفقير بيين
عينيه إلى يوم يلقاه ثم تل "قل بفضل ال وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون".
**3الية{ 59 :قل أرأيتم ما أنزل ال لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلل قل آل أذن لكم أم
على ال تفترون}
@قوله تعالى" :قيل أرأيتيم" يخاطيب كفار مكية" .ميا أنزل ال لكيم مين رزق" "ميا" فيي موضيع
نصيب بيي "أرأيتيم" .وقال الزجاج :فيي موضيع نصيب بيي "أنزل"" .وأنزل" بمعنيى خالق؛ كميا قال:
"وأنزل لكيم مين النعام ثمانيية أزواج" [الزمير" .]6 :وأنزلنيا الحدييد فييه بأس شدييد" [الحدييد:
.]25فيجوز أن يعبر عن الخلق بالنزال؛ لن الذي في الرض من الرزق إنما هو بما ينزل من
السيماء من المطر" .فجعلتم منه حراما وحلل" قال مجاهيد :هو ما حكموا بيه من تحرييم البحيرة
والسيائبة والوصييلة والحام .وقال الضحاك :هيو قول ال تعالى" :وجعلوا ل مميا ذرأ مين الحرث
والنعام نصييبا" [النعام" .]136 :قيل أآل أذن لكيم" أي فيي التحلييل والتحرييم" .أم على ال"
"أم" بمعنى بل" .تفترون" هو قولهم إن ال أمرنا بها.
@ اسيتدل بهذه اليية مين نفيي القياس ،وهذا بعييد؛ فإن القياس دلييل ال تعالى ،فيكون التحلييل
والتحرييم مين ال تعالى عنيد وجود دللة نصيبها ال تعالى على الحكيم ،فإن خالف فيي كون القياس
دليل ل تعالى فهو خروج عن هذا الغرض ورجوع إلى غيره.
**3الية{ 60 :وما ظن الذين يفترون على ال الكذب يوم القيامة إن ال لذو فضل على الناس
ولكن أكثرهم ل يشكرون}
@قوله تعالى" :وما ظن الذين يفترون على ال الكذب يوم القيامة" "يوم" منصوب على الظرف،
أو بالظين؛ نحيو ميا ظنيك زيدا؛ والمعنيى :أيحسيبون أن ال ل يؤاخذهيم بيه" .إن ال لذو فضيل على
الناس" أي في التأخير والمهال .وقيل :أراد أهل مكة حين جعلهم في حرم آمن" .ولكن أكثرهم"
يعنييي الكفار" .ل يشكرون" ال على نعميه ول فيي تأخييير العذاب عنهيم .وقييل" :ل يشكرون" ل
يوحدون.
**3الية{ 61 :وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ول تعملون من عمل إل كنا عليكم
شهودا إذ تفيضون فييه وميا يعزب عين ربيك مين مثقال ذرة فيي الرض ول فيي السيماء ول أصيغر
من ذلك ول أكبر إل في كتاب مبين}
@قوله تعالى" :وما تكون في شأن" "ما" للجحد؛ أي لست في شأن ،يعني من عبادة أو غيرها
إل والرب مطلع علييك .والشأن الخطيب ،والمير ،وجمعيه شؤون .قال الخفيش :تقول العرب ميا
شانيت شأنيه ،أي ميا عملت عمله" .وميا تتلو منيه مين قرآن" قال الفراء والزجاج :الهاء فيي "منيه"
تعود على الشأن ،أي تحدث شأنييا فيتلى ميين أجله القرآن فيعلم كيييف حكمييه ،أو ينزل فيييه قرآن
فيتلى .وقال الطيبري" :منيه" أي مين كتاب ال تعالى" .مين قرآن" أعاد تفخيميا؛ كقوله" :إنيي أنيا
ال" [القصص" .]30 :ول تعملون من عمل" يخاطب النبي صلى ال عليه وسلم والمة .وقوله:
"وميا تكون فيي شأن" خطاب له والمراد هيو وأمتيه؛ وقيد يخاطيب الرسيول والمراد هيو وأتباعيه.
وقييل :المراد كفار قرييش" .إل كنيا عليكيم شهودا" أي نعلميه؛ ونظيره "ميا يكون مين نجوى ثلثية
إل هو رابعهم" [المجادلة" ]4 :إذ تفيضون فيه" أي تأخذون فيه ،والهاء عائدة على العمل؛ يقال:
أفاض فلن في الحديث والعمل إذا اندفع فيه .قال الراعي:
من ذي الباطح إذ رعين حقيل فأفضن بعد كظومهن بجرة
ابن عباس" :تفيضون فيه" تفعلونه .الخفش :تتكلمون .ابن زيد :تخوضون .ابن كيسان :تنشرون
القول .وقال الضحاك :الهاء عائدة على القرآن؛ المعنييييى :إذ تشيعون فييييي القرآن الكذب" .ومييييا
يعزب عين ربيك" قال ابين عباس :يغييب .وقال أبيو روق :يبعيد .وقال ابين كيسيان :يذهيب .وقرأ
الكسييائي "يعزب" بكسيير الزاي حيييث وقييع؛ وضييم الباقون؛ وهمييا لغتان فصيييحتان؛ نحييو يعرش
ويعرش" .من مثقال" "من" صلة؛ أي وما يعزب عن ربك مثقال "ذرة" أي وزن وذرة ،أي نميلة
حمراء صيغيرة؛ وقيد تقدم فيي النسياء" .فيي الرض ول فيي السيماء ول أصيغر مين ذلك ول أكيبر"
عطييف على لفييظ مثقال ،وإن شئت على ذرة .وقرأ يعقوب وحمزة برفييع الراء فيهمييا عطفييا على
موضييع مثقال لن ميين زائدة للتأكيييد .وقال الزجاج :ويجوز الرفييع على البتداء .وخييبره "إل فييي
كتاب ميبين" يعنيي اللوح المحفوظ ميع علم ال تعالى بيه .قال الجرجانيي "إل" بمعنيى واو النسيق،
أي وهيو فيي كتاب ميبين؛ كقوله تعالى" :إنيي ل يخاف لدي المرسيلون إل مين ظلم" [النميل- 10:
]11أي ومن ظلم .وقوله" :لئل يكون للناس عليكم حجة إل الذين ظلموا منهم" [البقرة]150 :
أي والذييين ظلموا منهييم؛ في ي "إل" بمعنييى واو النسييق ،وأضميير هييو بعده كقوله" :وقولوا حطيية"
[البقرة .]58 :أي هي حطة .وقوله" :ول تقولوا ثلثة" [النساء ]171 :أي هم ثلثة .ونظير ما
نحن فيه" :وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول حبة في ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في
كتاب مبين" [النعام ]59 :وهو في كتاب مبين.
**3الية{ 62 :أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون}
@قوله تعالى" :أل إن أولياء ال ل خوف عليهم" أي في الخرة" .ول هم يحزنون" لفقد الدنيا.
وقييل" :ل خوف عليهيم ول هيم يحزنون" أي مين توله ال تعالى وتولى حفظيه وحياطتيه ورضيي
عنييه فل يخاف يوم القياميية ول يحزن؛ قال ال تعالى" :إن الذييين سييبقت لهييم منييا الحسيينى أولئك
عنهيا" أي عين جهنيم "مبعدون" إلى قوله "ل يحزنهيم الفزع الكيبر" [النيبياء.]103 - 101:
وروى سعيد بن جبير أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل :من أولياء ال؟ فقال( :الذين يذكر
ال برؤيتهم) .وقال عمر بن الخطاب ،في هذه الية :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
(إن من عباد ال عبادا ما هم بأنبياء ول شهداء تغبطهم النبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من
ال تعالى) .قييل :ييا رسيول ال ،خبرنيا مين هيم وميا أعمالهيم فلعلنيا نحبهيم .قال( :هيم قوم تحابوا فيي
ال على غيير أرحام بينهيم ول أموال يتعاطون بهيا فوال إن وجوههيم لنور وإنهيم على منابر مين
نور ل يخافون إذا خاف الناس ول يحزنون إذا حزن الناس ثييييييييم قرأ "أل إن أولياء ال ل خوف
عليهم ول هم يحزنون" .وقال علي بن أبي طالب رضي ال عنه :أولياء ال قوم صفر الوجوه من
السيهر ،عميش العيون مين العيبر ،خميص البطون مين الجوع ،يبيس الشفاه مين الذوي .وقييل" :ل
خوف عليهم" في ذريتهم ،لن ال يتولهم" .ول هم يحزنون" على دنياهم لتعويض ال إياهم في
أولهم وأخراهم لنه وليهم ومولهم.
**3الية{ 63 :الذين آمنوا وكانوا يتقون}
@ هذه صفة أولياء ال تعالى؛ فيكون" :الذين" في موضع نصب على البدل من اسم "إن" وهو
"أولياء" .وإن شئت على أعنيي .وقييل :هيو ابتداء ،وخيبره" .لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا وفيي
الخرة" فيكون مقطوعا مما قبله .أي يتقون الشرك والمعاصي.
**3اليية{ 64 :لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة ل تبدييل لكلمات ال ذلك هيو الفوز
العظيم}
@قوله تعالى" :لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا" عين أبيي الدرداء قال :سيألت رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم عنها فقال( :ما سألني أحد عتها غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو
ترى له) خرجيه الترمذي فيي جامعيه .وقال الزهري وعطاء وقتادة :هيي البشارة التيي تبشير بهيا
الملئكة المؤمن في الدنيا عند الموت .وعن محمد بن كعب القرظي قال :إذا استنقعت نفس العبد
المؤميين جاءه ملك الموت فقال( :السييلم عليييك ولي ال ال يقرئك السييلم) .ثييم نزع بهذه الييية:
"الذين تتوفاهم الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم" [النحل ]32 :ذكره ابن المبارك .وقال قتادة
والضحاك :هيي أن يعلم أيين هيو مين قبيل أن يموت .وقال الحسين :هيي ميا يبشرهيم ال تعالى فيي
كتابه من جنته وكريم ثوابه؛ لقوله" :يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان" [التوبة ،]21 :وقوله:
"وبشير الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات أن لهيم جنات" [البقرة .]25 :وقوله" :وأبشروا بالجنية
التي كنتم توعدون" [فصلت ]30 :ولهذا قال" :ل تبديل لكلمات ال" أي ل خلف لمواعيده ،وذلك
لن مواعيده بكلماته" .وفي الخرة" قيل :بالجنة إذا خرجوا من قبورهم .وقيل :إذا خرجت الروح
بشرت برضوان ال .وذكير أبو إسيحاق الثعلبيي :سيمعت أبيا بكير محميد بن عبدال الجوزقيي يقول:
رأيت أبا عبدال الحافظ في المنام راكبا برذونا عليه طيلسان وعمامة ،فسلمت عليه وقلت له :أهل
بيك ،إنيا ل نزال نذكرك ونذكير محاسينك؛ فقال :ونحين ل نزال نذكرك ونذكير محاسينك ،قال ال
تعالى" :لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة" الثناء الحسين :وأشار بيده" .ل تبدييل لكلمات
ال" أي ل خلف لوعده .وقيييل :ل تبديييل لخباره ،أي ل ينسييخها بشيييء ،ول تكون إل كمييا قال.
"ذلك هو الفوز العظيم" أي ما يصير إليه أولياؤه فهو الفوز العظيم.
**3الية{ 65 :ول يحزنك قولهم إن العزة ل جميعا هو السميع العليم}
@قوله تعالى" :ول يحزنيك قولهيم" أي ل يحزنيك افتراؤهيم وتكذيبهيم لك ،ثيم ابتداء فقال" :إن
العزة ل" أي القوة الكاملة والغلبة الشاملة والقدرة التامة ل وحده؛ فهو ناصرك ومعينك ومانعك.
"جميعا" نصب على الحال ،ول يعارض هذا قوله" :ول العزة ولرسوله وللمؤمنين" [المنافقون:
]8فإن كيل عزة بال فهيي كلهيا ل؛ قال ال سيبحانه" :سيبحان ربيك رب العزة عميا يصيفون"
[الصيافات" .]180 :هيو السيميع العلييم" السيميع لقوالهيم وأصيواتهم ،العلييم بأعمالهيم وأفعالهيم
وجميع حركاتهم.
**3الية{ 66 :أل إن ل من في السماوات ومن في الرض وما يتبع الذين يدعون من دون ال
شركاء إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون}
@قوله تعالى" :أل إن ل من في السماوات ومن في الرض" أي يحكم فيهم بما يريد ويفعل فيهم
ما يشاء سبحانه!.
@قوله تعالى" :وميا يتبيع الذيين يدعون مين دون ال شركاء" "ميا" للنفيي ،أي ل يتبعون شركاء
على الحقيقية ،بيل يظنون أنهيا تشفيع أو تنفيع .وقييل" :ميا" اسيتفهام ،أي أي شييء يتبيع الذيين يدعون
من دون ال شركاء تقبيحا لفعلهم ،ثم أجاب فقال" :إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون" أي
يحدسون ويكذبون ،وقد تقدم.
**3اليية{ 67 :هيو الذي جعيل لكيم اللييل لتسيكنوا فييه والنهار مبصيرا إن فيي ذلك ليات لقوم
يسمعون}
@قوله تعالى" :هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه" بين أن الواجب عبادة من يقدر على خلق
اللييل والنهار ل عبادة مين ل يقدر على شييء" .لتسيكنوا فييه" أي ميع أزواجكيم وأولدكيم ليزول
التعب والكلل بكم .والسكون :الهدوء عن الضطراب.
@قوله تعالى" :والنهار مبصيرا" أي مضيئا لتهتدوا بيه فيي حوائجكيم .والمبصير :الذي يبصير،
والنهار يبصر فيه .وقال" :مبصرا" تجوزا وتوسعا على عادة العرب في قولهم" :ليل قائم ،ونهار
صائم" .وقال جرير:
ونمت وما ليل المطي بنائم لقد لمتنا يا أم غيلن في السرى
وقال قطرب :قال أظلم الليل أي صار ذا ظلمة ،وأضاء النهار وأبصر أي صار ذا ضياء وبصر.
@قوله تعالى" :إن في ذلك ليات" أي علمات ودللت" .لقوم يسمعون" أي سماع اعتبار؟
**3اليية{ 68 :قالوا اتخيذ ال ولدا سيبحانه هيو الغنيي له ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض إن
عندكم من سلطان بهذا أتقولون على ال ما ل تعلمون}
@قوله تعالى" :قالوا اتخيذ ال ولدا" يعنيي الكفار .وقيد تقدم" .سيبحانه" نزه نفسيه عين الصيحابة
والولد وعين الشركاء والنداد" .هيو الغنيي له ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض" ثيم أخيبر بغناه
المطلق ،وأن له ما في السموات والرض ملكا وخلقا وعبيدا؛ "إن كل من في السماوات والرض
إل آتي الرحمن عبدا" [مريم" .]93 :إن عندكم من سلطان بهذا" أي ما عندكم من حجة بهذا.
@قوله تعالى" :أتقولون على ال ميا ل تعلمون" مين إثبات الولد له ،والولد يقتضيي المجانسية
والمشابهة وال تعالى ل يجانس شيئا ول يشابه شيئا.
**3اليتان{ 70 - 69 :قل إن الذين يفترون على ال الكذب ل يفلحون ،متاع في الدنيا ثم إلينا
مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون}
@قوله تعالى" :قل إن الذين يفترون" أي يختلقون" .على ال الكذب ل يفلحون" أي ل يفوزون
ول يأمنون؛ وتم الكلم" .متاع في الدنيا" أي ذلك متاع ،أو هو متاع في الدنيا؛ قاله الكسائي .وقال
الخفش :لهم متاع في الدنيا .قال أبو إسحاق :ويجوز النصب في غير القرآن على معنى يتمتعون
متاعييا" .ثييم إلينييا مرجعهييم" أي رجوعهييم" .ثييم نذيقهييم العذاب الشديييد" أي الغليييظ" .بمييا كانوا
يكفرون" أي بكفرهم.
**3اليية{ 71 :واتيل عليهيم نبيأ نوح إذ قال لقوميه ييا قوم إن كان كيبر عليكيم مقاميي وتذكيري
بآيات ال فعلى ال توكلت فأجمعوا أمركيم وشركاءكيم ثيم ل يكين أمركيم عليكيم غمية ثيم اقضوا إلي
ول تنظرون}
@قوله تعالى" :واتل عليهم نبأ نوح" أمره عليه السلم أن يذكرهم أقاصيص المتقدمين ،ويخوفهم
العذاب اللييم على كفرهيم .وحذفيت الواو مين "اتيل" لنيه أمير؛ أي اقرأ عليهيم خيبر نوح" .إذ قال
لقومه" "إذ" في موضع نصب" .يا قوم إن كان كبر عليكم" أي عظم وثقل عليكم" .مقامي" المقام
(بفتيح المييم) :الموضيع الذي يقوم فييه .والمقام (بالضيم) القامية .ولم يقرأ بيه فيميا علميت؛ أي إن
طال عليكم لبثي فيكم" .وتذكيري" إياكم ،وتخويفي لكم" .بآيات ال" وعزمتم على قتلي وطردي.
"فعلى ال توكلت" أي اعتمدت .وهذا هو جواب الشرط ،ولم يزل عليه السلم متوكل على ال في
كل حال؛ ولكن بين أنه متوكل في هذا على الخصوص ليعرف قومه أن ال يكفيه أمرهم؛ أي إن
لم تنصروني فإني أتوكل على من ينصرني.
@قوله تعالى" :فأجمعوا أمركيم وشركاءكيم" قراءة العامية "فأجمعوا" بقطيع اللف "شركاءكيم"
بالنصيييب .وقرأ عاصيييم الجحدري "فاجمعوا" بوصيييل اللف وفتيييح المييييم؛ مييين جميييع يجميييع.
"شركاءكييم" بالنصييب .وقرأ الحسيين وابيين أبييي إسييحاق ويعقوب "فأجمعوا" بقطييع اللف
"شركاؤكم" بالرفع .فأما القراءة الولى من أجمع على الشيء إذا عزم عليه .وقال الفراء :أجمع
الشيء أعده .وقال المؤرج :أجمعت المر أفصح من أجمعت عليه .وأنشد:
هل أغدون يوما وأمري مجمع يا ليت شعري والمنى ل تنفع
قال النحاس :وفيي نصيب الشركاء على هذه القراءة ثلثية أوجيه؛ قال الكسيائي والفراء :هيو بمعنيى
وادعوا شركاءكم لنصرتكم؛ وهو منصوب عندهما على إضمار هذا الفعل .وقال محمد بن يزيد:
هو معطوف على المعنى؛ كما قال:
متقلدا سيفا ورمحا يا ليت زوجك في الوغى
والرميح ل يتقلد ،إل أنيه محمول كالسييف .وقال أبيو إسيحاق الزجاج :المعنيى ميع شركائكيم على
تناصركم؛ كما يقال :التقى الماء والخشبة .والقراءة الثانية من الجمع ،اعتبارا بقوله تعالى" :فجمع
كيده ثم أتى" [طه .]60 :قال أبو معاذ :ويجوز أن يكون جمع وأجمع بمعنى واحد" ،وشركاءكم"
على هذه القراءة عطييف على "أمركيم" ،أو على معنييى فأجمعوا أمركييم وأجمعوا شركاءكييم ،وإن
شئت بمعنى مع ،قال أبو جعفر النحاس :وسمعت أبا إسحاق يجيز قام زيد وعمرا .والقراءة الثالثة
على أن يعطيف الشركاء على المضمير المرفوع فيي أجمعوا ،وحسين ذلك لن الكلم قيد طال .قال
النحاس وغيره :وهذه القراءة تبعييد؛ لنييه لو كان مرفوعييا لوجييب أن تكتييب بالواو ،ولم ييير فييي
المصياحف واو فيي قوله "وشركاءكيم" ،وأيضيا فإن شركاءهيم الصينام ،والصينام ل تصينع شيئا
ول فعيل لهيا حتيى تجميع .قال المهدوي :ويجوز أن يرتفيع الشركاء بالبتداء والخيير محذوف ،أي
وشركاءكم ليجمعوا أمرهم ،ونسب ذلك إلى الشركاء وهي ل تسمع ول تبص ول تميز على جهة
التوبيخ لمن عبدها.
@قوله تعالى" :ثيم ل يكين أمركيم عليكيم غمية" اسيم يكين وخبرهيا .وغمية وغيم سيواء ،ومعناه
التغطية؛ من قولهم :غم الهلل إذا استتر؛ أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا تتمكنون فيه مما شئتم؛ ل
كمن يخفى أمره فل يقدر على ما يريد .قال طرفة:
نهاري ول ليلي علي بسرمد لعمرك ما أمري علي بغمة
الزجاج :غمية ذا غيم ،والغيم والغمية كالكرب والكربية .وقييل :إن الغمية ضييق المير الذي يوجيب
الغيم فل يتيبين صياحبه لمره مصيدرا لينفرج عنيه ميا يغميه .وفيي الصيحاح :والغمية الكربية .قال
العجاج:
بغمة لو لم تفرج غموا بل لو شهدت الناس إذ تكتمون
يقال :أمير غمية ،أي مبهيم ملتبيس؛ قال تعالى" :ثيم ل يكين أمركيم عليكيم غمية" .قال أبيو عيبيدة:
مجازهيا ظلمية وضييق .والغمية أيضيا :قعير النحيي وغيره .قال غيره :وأصيل هذا كله مشتيق مين
الغمامة.
@قوله تعالى" :ثم اقضوا إلي ول تنظروني" ألف "اقضوا" ألف وصل ،من قضى يقضي .قال
الخفيش والكسيائي :وهيو مثيل" :وقضينيا إلييه ذلك المير" [الحجير ]66 :أي أنهيناه إلييه وأبلغناه
إياه .وروي عييين ابييين عباس "ثيييم اقضوا إلي ول تنظرون" قال :امضوا إلي ول تؤخرون .قال
النحاس :هذا قول صيحيح فيي اللغة؛ ومنه :قضيى الميت أي مضيى .وأعلمهيم بهذا أنهيم ل يصيلون
إليه ،وهذا من دلئل النبوات .وحكى الفراء عن بعض القراء "ثم افضوا إلي" بالفاء وقطع اللف،
أي توجهوا؛ يقال :أفضيت الخلفية إلى فلن ،وأفضيى إلي الوجيع .وهذا إخبار مين ال تعالى عين
نبيه نوح عليه السلم أنه كان بنصر ال واثقا ،ومن كيدهم غير خائف؛ علما منه بأنهم وآلهتهم ل
ينفعون ول يضرون .وهو تعزية لنبيه صلى ال عليه وسلم وتقوية لقلبه.
**3اليية{ 72 :فإن توليتيم فميا سيألتكم مين أجير إن أجري إل على ال وأمرت أن أكون مين
المسلمين}
@قوله تعالى" :فإن توليتم فما سألتكم من أجر" أي فإن أعرضتم عما جئتكم به فليس ذلك لني
سيألتكم أجرا فيثقيل عليكيم مكافأتيي" .إن أجري إل على ال" فيي تبلييغ رسيالته" .وأمرت أن أكون
ميين المسييلمين" أي الموحدييين ل تعالى .فتييح أهييل المدينيية وأبييو عمرو وابيين عاميير وحفييص ياء
"أجري" حيث وقع ،وأسكن الباقون.
**3الية{ 73 :فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلئف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا
فانظر كيف كان عاقبة المنذرين}
@قوله تعالى" :فكذبوه" يعنيي نوحيا" .فنجيناه ومين معيه" أي مين المؤمنيين "فيي الفلك" أي
السيفينة ،وسييأتي ذكرهيا" .وجعلناهيم خلئف" أي سيكان الرض وخلفيا ممين غرق" .فانظير كييف
كان عاقبة المنذرين" يعني آخر أمر الذين أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا.
**3الية{ 74 :ثم بعثنا من بعده رسل إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا
به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين}
@قوله تعالى" :ثم بعثنا من بعده" أي من بعد نوح" .رسل إلى قومهم" كهود وصالح وإبراهيم
ولوط وشعيب وغيرهم" .فجاؤوهم بالبينات" أي بالمعجزات" .فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من
قبل" التقدير :بما كذب به قوم نوح من قبل .وقيل" :بما كذبوا به من قبل" أي من قبل يوم الذر،
فإنيه كان فيهيم مين كذب بقلبيه وإن قال الجمييع :بلى .قال النحاس :ومين أحسين ميا قييل فيي هذا أنيه
لقوم بأعيانهيم؛ مثيل" :أأنذرتهيم أم لم تنذرهيم ل يؤمنون"[ .البقرة" ]6 :كذلك نطبيع" أي نختيم.
"على قلوب المعتدين" أي المجاوزين الحد في الكفر والتكذيب فل يؤمنوا .وهذا يرد على القدرية
قولهم كما تقدم.
**3الية{ 75 :ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا
قوما مجرمين}
@قوله تعالى" :ثيم بعثنيا مين بعدهيم" أي مين بعيد الرسيل والميم" .موسيى وهارون إلى فرعون
وملئه" أي أشراف قومييه" .بآياتنييا" يريييد اليات التسييع ،وقييد تقدم ذكرهييا" .فاسييتكبروا" أي عيين
الحق" .وكانوا قوما مجرمين" أي مشركين.
**3اليتان{ 77 - 76 :فلميا جاءهيم الحيق مين عندنيا قالوا إن هذا لسيحر ميبين ،قال موسيى
أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ول يفلح الساحرون}
@قوله تعالى" :فلميا جاءهيم الحيق مين عندنيا" يرييد فرعون وقوميه "قالوا إن هذا لسيحر ميبين"
حملوا المعجزات على السيحر .قال لهيم موسيى" :أتقولون للحيق لميا جاءكيم أسيحر هذا" قييل :فيي
الكلم حذف ،المعنى :أتقولون للحق هذا سحر .في "أتقولون" إنكار وقولهم محذوف أي هذا سحر،
ثيم اسيتأنف إنكارا آخير مين قبله فقال :أسيحر هذا! فحذف قولهيم الول اكتفاء بالثانيي مين قولهيم،
منكرا على فرعون وملئه .وقال الخفش :هو من فولهم ،ودخلت اللف حكاية لقولهم؛ لنهم قالوا
أسييحر هذا .فقيييل لهييم :أتقولون للحييق لمييا جاءكييم أسييحر هذا؛ وروي عيين الحسيين" .ول يفلح
الساحرون" أي ل يفلح من أتى به.
**3الية{ 78 :قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الرض وما
نحن لكما بمؤمنين}
@قوله تعالى" :قالوا أجئتنا لتلفتنا" أي تصرفنا وتلوينا ،يقال :لفته يلفته لفتا إذا لواه وصرفه .قال
الشاعر:
وجعت من الصغاء ليتا وأخدعا تلفت نحو الحي حتى رأيتني
ومين هذا التفيت إنميا هيو عدل عين الجهية التيي بيين يدييه" .عميا وجدنيا عليه آباءنيا" يرييد مين عبادة
الصنام" .وتكون لكما الكبرياء" أي العظمة والملك والسلطان "في الرض" يريد أرض مصر.
ويقال للملك :الكبرياء لنه أعظم ما يطلب في الدنيا" .وما نحن لكما بمؤمنين" .وقرأ ابن مسعود
والحسن وغيرهما "ويكون" بالياء لنه تأنيت غير حقيقي وقد فصل بينهما .وحكى سيبويه :حضر
القاضي اليوم امرأتان.
**3الية{ 79 :وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم}
@ إنما قاله لما رأى العصا واليد البيضاء واعتقد أنهما سحر .وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب
والعمش "سحار" وقد تقدم في العراف القول فيهما.
**3الية{ 80 :فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون}
@ أي اطرحوا على الرض ما معكم من حبالكم وعصيكم .وقد تقدم في العراف القول في هذا
مستوفى.
**3اليية{ 81 :فلميا ألقوا قال موسيى ميا جئتيم بيه السيحر إن ال سييبطله إن ال ل يصيلح عميل
المفسدين}
@قوله تعالى" :فلما ألقوا قال موسيى ما جئتيم به السحر" تكون "ما" فيي موضيع رفع بالبتداء،
والخبر "جئتم به" والتقدير :أي شيء جئتم به ،على التوبيخ والتصغير لما جاؤوا به من السحر.
وقراءة ضيبي عمرو "السيحر" على السيتفهام على إضمار مبتدأ والتقديير أهيو السيحر .ويجوز أن
يكون مبتدأ والخييبر محذوف ،التقدييير :السييحر جئتييم بييه .ول تكون "مييا" على قراءة ميين اسييتفهم
بمعنيى الذي ،إذ ل خيبر لهيا .وقرأ الباقون "السيحر" على الخيبر ،ودلييل هذه القراءة ابين مسيعود:
"ما جئتم به سحر" .وقراءة أبي" :ما أتيتم به سحر"؛ في "ما" بمعنى الذي ،و"جئتم به" الصلة،
وموضع "ما" رفع بالبتداء ،والسحر خبر البتداء .ول تكون "ما" إذا جعلتها بمعنى الذي نصبا
لن الصيلة ل تعميل فيي الموصيول .وأجاز الفراء نصيب السيحر بجئتيم ،وتكون ل للشرط ،وجئتيم
فييي موضييع جزم بمييا والفاء محذوفيية؛ التقدييير :فإن ال سيييطلبه .ويجوز أن ينصييب السييحر على
المصيدر ،أي ميا جئتيم بيه سيحرا ،ثيم دخلت اللف واللم زائدتيين ،فل يحتاج على هذا التقديير إلى
حذف الفاء .واختار هذا القول النحاس ،وقال :حذف الفاء في المجازاة ل يجيزه كثير من النحويين
إل في ضرورة الشعر؛ كما قال:
من يفعل الحسنات ال يشكرها
بل ربما قال بعضهم :إنه ل يجوز البتة .وسمعت علي بن سليمان يقول :حدثني محمد بن يزيد قال
حدثني المازني قال سمعت الصمعي يقول :غير النحويون هذا البيت ،وإنما الرواية:
من يفعل الخير فالرحمن يشكره
وسييمعت علي بيين سييليمان يقول :حذف الفاء فييي المجازاة جائز .قال :والدليييل على ذلك "ومييا
أصيابكم مين مصييبة فبميا كسيبت أيديكيم"" .وميا أصيابكم مين مصييبة بميا كسيبت أيديكيم" قراءتان
مشهورتان معروفتان" .إن ال ل يصيلح عميل المفسيدين" يعنيي السيحر .قال ابين عباس :مين أخيذ
مضجعيه مين اللييل ثيم تل هذه اليية( .ميا جئتيم بيه السيحر إن ال سييبطله إن ال ل يصيلح عميل
المفسدين) لم يضره كيد ساحر .ول تكتب على مسحور إل دفع ال عنه السحر.
**3الية{ 82 :ويحق ال الحق بكلماته ولو كره المجرمون}
@قوله تعالى" :ويحيق ال الحيق" أي ييبينه ويوضحيه" .بكلماتيه" أي بكلميه وحججيه وبراهينيه.
وقيل :بعداته بالنصر" .ولو كره المجرمون" من آل فرعون.
**3الية{ 83 :فما آمن لموسى إل ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن
فرعون لعال في الرض وإنه لمن المسرفين}
@قوله تعالى" :فما آمن لموسى إل ذرية من قومه" الهاء عائدة على موسى .قال مجاهد :أي لم
يؤمين منهيم أحيد ،وإنميا آمين أولد مين أرسيل موسيى إليهيم مين بنيي إسيرائيل ،لطول الزمان هلك
الباء وبقيي البناء فآمنوا؛ وهذا اختيار الطيبري .والذريية أعقاب النسيان وقيد تكثير .وقييل :أراد
بالذريية مؤمنيي بنيي إسيرائيل .قال ابين عباس :كانوا سيتمائة ألف ،وذلك أن يعقوب علييه السيلم
دخيل مصير فيي اثنيين وسيبعين إنسيانا فتوالدوا بمصير حتيى بلغوا سيتمائة ألف .وقال ابين عباس
أيضييا" :ميين قومييه" يعنييي ميين قوم فرعون؛ منهييم مؤميين آل فرعون وخازن فرعون وامرأتييه
وماشطة ابنته وامرأة خازنه .وقيل :هم أقوام آباؤهم من القبط ،وأمهاتهم من بني إسرائيل فسموا
ذرييية كمييا يسييمى أولد الفرس الذييين توالدوا باليميين وبلد العرب البناء؛ لن أمهاتهييم ميين غييير
جنييس آبائهييم؛ قال الفراء .وعلى هذا فالكناييية فييي "قومييه" ترجييع إلى موسييى للقرابيية ميين جهيية
المهات ،وإلى فرعون إذا كانوا من القبط.
@قوله تعالى" :على خوف من فرعون" لنه كان مسلطا عليهم عاتبا" .وملئهم" ولم يقل وملئه؛
وعنه ستة أجوبة :أحدها :أن فرعون لما كان جبارا أخبر عنه بفعل الجميع .الثاني :أن فرعون لما
ذكيير علم أن معييه غيره ،فعاد الضمييير عليييه وعليهييم؛ وهذا أحييد قولي الفراء .الثالث :أن تكون
الجماعية سيميت بفرعون مثيل ثمود .الرابيع :أن يكون التقديير :على خوف مين آل فرعون؛ فيكون
مين باب حذف المضاف مثيل" :واسيأل القريية"[ ،يوسيف ]82 :وهيو القول الثانيي للفراء .وهذا
الجواب على مذهييب سيييبويه والخليييل خطييأ ،ل يجوز عندهمييا قامييت هنييد ،وأنييت تريييد غلمهييا.
الخاميس :مذهيب الخفيش سيعيد أن يكون الضميير يعود على الذريية ،أي مل الذريية؛ وهيو اختيار
الطبري .السادس :أن يكون الضمير يعود على قومه .قال النحاس :وهذا الجواب كأنه أبلغها" .أن
يفتنهيم" وحيد "يفتنهيم" على الخبار عين فرعون ،أي يصيرفهم عين دينهيم بالعقوبات ،وهيو فيي
موضع خفض على أنه بدل اشتمال .ويجوز أن يكون في موضع نصب بي "خوف" .ولم ينصرف
فرعون لنه اسم أعجمي وهو معرفة" .وإن فرعون لعال في الرض" أي عات متكبر "وإنه لمن
المسرفين" أي المجاوزين الحد في الكفر؛ لنه كان عبدا فادعى الربوبية.
**3اليتان{ 85 - 84 :وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين،
فقالوا على ال توكلنا ربنا ل تجعلنا فتنة للقوم الظالمين}
@قوله تعالى" :وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم" أي صدقتم" .بال فعليه توكلوا" أي اعتمدوا.
"إن كنتم مسلمين" كرر الشرط تأكيدا ،وبين أن كمال اليمان بتفويض المر إلى ال" .فقالوا على
ال توكلنا" أي أسلمنا أمورنا إليه ،ورضينا بقضائه وقدره ،وانتهينا إلى أمره" .ربنا ل تجعلنا فتنة
للقوم الظالمين" أي ل تنصرهم علينا ،فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين ،أو ل تمتحنا بأن تعذبنا على
أيديهيم .وقال مجاهيد :المعنيى ل تهلكنيا بأيدي أعدائنيا ،ول تعذبنيا بعذاب مين عندك ،فيقول أعداؤنيا
لو كانوا على حيق لم نسيلط عليهيم؛ فيفتنوا .وقال أبيو مجلز وأبيو الضحيا :يعنيي ل تظهرهيم علينيا
فيروا أنهم خير منا فيزدادوا طغيانا.
**3الية{ 86 :ونجنا برحمتك من القوم الكافرين}
@قوله تعالى" :ونجنيا برحمتيك" أي خلصينا" .من القوم الكافريين" أي من فرعون وقوميه لنهيم
كانوا يأخذونهم بالعمال الشاقة.
**3اليية{ 87 :وأوحينيا إلى موسيى وأخييه أن تبوأا لقومكميا بمصير بيوتيا واجعلوا بيوتكيم قبلة
وأقيموا الصلة وبشر المؤمنين}
@قوله تعالى" :وأوحينيا إلى موسيى وأخييه أن تبوأا" أي اتخذا" .لقومكميا بمصير بيوتيا" يقال:
بوأت زيدا مكانيا وبوأت لزييد مكانيا .والمبوأ المنزل الملزوم؛ ومنيه بوأه ال منزل ،أي ألزميه إياه
وأسكنه؛ ومنه الحديث( :من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) قال الراجز:
تبوأ المجد بنا والملك نحن بنو عدنان ليس شك
ومصير فيي هذه اليية هيي السيكندرية؛ فيي قول مجاهيد .وقال الضحاك :إنيه البلد المسيمى مصير،
ومصر ما بين البحر إلى أسوان ،والسكندرية من أرض مصر.
@قوله تعالى" :واجعلوا بيوتكيم قبلة" قال أكثير المفسيرين :كان بنيو إسيرائيل ل يصيلون إل فيي
مساجدهم وكنائسهم وكانت ظاهرة ،فلما أرسل موسى أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت
كلهيا ومنعوا مين الصيلة؛ فأوحيى ال إلى موسيى وهارون أن اتخذوا لبنيي إسيرائيل بيوتيا بمصير،
أي مساجد ،ولم يرد المنازل المسكونة .هذا قول إبراهيم وابن زيد والربيع وأبي مالك وابن عباس
وغيرهم .وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أن المعنى :واجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا.
والقول الول أصييح؛ أي اجعلوا مسيياجدكم إلى القبلة؛ قيييل :بيييت المقدس ،وهييي قبلة اليهود إلى
اليوم؛ قال ابن بحر .وقيل الكعبة .عن ابن عباس قال :وكانت الكعبة قبلة موسى ومن معه ،وهذا
يدل على أن القبلة فييي الصييلة كانييت شرعييا لموسييى عليييه السييلم ،ولم تخييل الصييلة عيين شرط
الطهارة وسييتر العورة واسييتقبال القبلة؛ فإن ذلك أبلغ فييي التكليييف وأوفيير للعبادة .وقيييل :المراد
صيلوا فيي بيوتكيم سيرا لتأمنوا؛ وذلك حيين أخافهيم فرعون فأمروا بالصيبر واتخاذ المسياجد فيي
البيوت ،والقدام على الصييلة ،والدعاء إلى أن ينجييز ال وعده ،وهييو المراد بقوله" :قال موسييى
لقوميه اسيتعينوا بال واصيبروا" اليية .وكان مين دينهيم أنهيم ل يصيلون إل فيي البييع والكنائس ميا
داموا على أمين ،فإذا خافوا فقيد أذن لهيم أن يصيلوا فييي بيوتهيم .قال ابين العربييي :والول أظهيير
القولين؛ لن الثاني دعوى.
قلت :قوله" :دعوى" صيحيح؛ فإن فيي الصيحيح قوله علييه السيلم( :جعلت لي الرض مسيجدا
وطهورا) وهذا مميا خيص بيه دون النيبياء؛ فنحين بحميد ال نصيلي فيي المسياجد والبيوت ،وحييث
أدركتنيا الصيلة؛ إل أن النافلة فيي المنازل أفضيل منهيا فيي المسياجد ،حتيى الركوع قبيل الجمعية
وبعدها .وقبل الصلوات المفروضات وبعدها؛ إذ النوافل يحصل فيها الرياء ،والفرائض ل يحصل
فيهيا ذلك ،وكلميا خلص العميل مين الرياء كان أوزن وأزلف عنيد ال سيبحانه وتعالى .روى مسيلم
عين عبدال بين شقييق قال :سيألت عائشية عين صيلة رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين تطوعيه
قالت( :كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ،ثم يخرج فيصلي بالناس ،ثم يدخل فيصلي ركعتين،
وكان يصيلى بالناس المغرب ،ثيم يدخيل فيصيلي ركعتيين ،ثيم يصيلي بالناس العشاء ،ويدخيل بيتيي
فيصلي ركعتين )..الحديث .وعن ابن عمر قال :صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم قبل الظهر
سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب مجدتين؛ فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي
صلى ال عليه وسلم في بيته .وروى أبو داود عن كعب بن عجرة أن النبي صلى ال عليه وسلم
أتى مسجد بني الشهل فصلى فيه المغرب؛ فلما قضوا صلتهم رآهم يسبحون بعدها فقال( :هذه
صلة البيوت).
@ واختلف العلماء من هذا الباب في قيام رمضان ،هل إيقاعه في البيت أفضل أو في المسجد؟
فذهييب مالك إلى أنييه فييي البيييت أفضييل لميين قوي عليييه ،وبييه قال أبييو يوسييف وبعييض أصييحاب
الشافعيي .وذهيب ابين عبدالحكيم وأحميد وبعيض أصيحاب الشافعيي إلى أن حضورهيا فيي الجماعية
أفضيل .وقال اللييث :لو قام الناس فيي بيوتهيم ولم يقيم أحيد فيي المسيجد ل ينبغيي أن يخرجوا إلييه.
والحجة لمالك ومن قال بقوله قوله صلى ال عليه وسلم في حديث زيد بن ثابت( :فعليكم بالصلة
في بيوتكم فإن خير صلة المرء في بيته إل المكتوبة) خرجه البخاري .احتج المخالف بأن النبي
صلى ال عليه وسلم قد صلها في الجماعة في المسجد ،ثم أخبر بالمانع الذي منع منه على الدوام
على ذلك ،وهييو خشييية أن تفرض عليهييم فلذلك قال لهييم( :فعليكييم بالصييلة فييي بيوتكييم) .ثييم إن
الصييحابة كانوا يصييلونها فييي المسييجد أوزاعييا متفرقييين ،إلى أن جمعهييم عميير على قارئ واحييد
فاستقر المر على ذلك وثبت سنة.
@ وإذا تنزلنا على أنه كان أبيح لهم أن يصلوا في بيوتهم إذا خافوا على أنفسهم فيستدل به على
أن المعذور بالخوف وغيره يجوز له ترك الجماعية والجمعية .والعذر الذي يبييح له ذلك كالمرض
الحابيس ،أو خوف زيادتيه ،أو خوف جور السيلطان فيي مال أو دون القضاء علييه بحيق .والمطير
الوابييل مييع الوحييل عذر إن لم ينقطييع ،وميين له ولي حميييم قييد حضرتييه الوفاة ولم يكيين عنده ميين
يمرضه؛ وقد فعل ذلك ابن عمر.
@قوله تعالى" :وبشير المؤمنيين" قييل :الخطاب لمحميد صيلى ال علييه وسيلم .وقييل لموسيى علييه
السلم ،وهو أظهر ،أي بشر بني إسرائيل بأن ال سيظهرهم على عدوهم.
**3اليية{ 88 :وقال موسيى ربنيا إنيك آتييت فرعون ومله زينية وأموال فيي الحياة الدنييا ربنيا
ليضلوا عيين سييبيلك ربنييا اطمييس على أموالهييم واشدد على قلوبهييم فل يؤمنوا حتييى يروا العذاب
الليم}
@قوله تعالى" :وقال موسيى ربنا إنك آتيت فرعون ومله" "آتييت" أي أعطييت" .زينة وأموال
فيي الحياة الدنييا" أي مال الدنييا ،وكان لهيم مين فسيطاط مصير إلى أرض الحبشية جبال فيهيا معادن
الذهب والفضة والزبرجد والزمرد والياقوت.
@قوله تعالى" :ربنيا ليضلوا عين سيبيلك" اختلف فيي هذه اللم ،وأصيح ميا قييل فيهيا -وهيو قول
الخلييل وسييبويه -أنهيا لم العاقبية والصييرورة؛ وفيي الخيبر (إن ل تعالى ملكيا ينادي كيل يوم لدوا
للموت وابنوا للخراب) .أي لميا كان عاقبية أمرهيم إلى الضلل صيار كأنيه أعطاهيم ليضلوا .وقييل:
هيي لم كيي أي أعطيتهيم لكيي يضلوا ويبطروا ويتكيبروا .وقييل :هيي لم أجيل ،أي أعطيتهيم لجيل
إعراضهييم عنييك فلم يخافوا أن تعرض عنهييم .وزعييم قوم أن المعنييى :أعطيتهييم ذلك لئل يضلوا،
فحذفييت ل كمييا قال عييز وجييل( :يييبين ال لكييم أن تضلوا) .والمعنييى :لن ل تضلوا .قال النحاس:
ظاهر هذا الجواب حسن ،إل أن العرب ل تحذف "ل" إل مع أن؛ فموه صاحب هذا الجواب بقوله
عيز وجيل" :أن تضلوا" .وقييل :اللم للدعاء ،أي ابتلهيم بالضلل عين سيبيلك؛ لن بعده" :اطميس
على أموالهم واشدد" .وقيل :الفعل معنى المصدر أي إضللهم كقوله عز وجل "لتعرضوا عنهم"
قرأ الكوفيون" :ليضلوا" بضم الياء من الضلل ،وفتحها الباقون.
@قوله تعالى" :ربنا اطمس على أموالهم" أي عاقبهم عل كفرهم بإهلك أموالهم .قال الزجاج:
طميس الشييء إذهابيه عين صيورته .قال ابين عباس ومحميد بين كعيب :صيارت أموالهيم ودراهمهيم
حجارة منقوشية كهيئتهيا صيحاحا وأثلثيا وأنصيافا ،ولم يبيق لهيم معدن إل طميس ال علييه فلم ينتفيع
به أحد بعد .وقال قتادة :بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة .وقال مجاهد وعطية :أهلكها
حتيى ل ترى؛ يقال :عيين مطموسية ،وطميس الموضيع إذا عفيا ودرس .وقال ابين زييد :صيارت
دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة .محمد بن كعب :وكان الرجل منهم يكون مع
أهله فييي فراشييه وقييد صييارا حجرييين؛ قال :وسييألني عميير بيين عبدالعزيييز فذكرت ذلك له فدعييا
بخريطية أصييبت بمصير فأخرج منهيا الفواكيه والدراهيم والدنانيير وإنهيا لحجارة .وقال السيدي:
وكانت إحدى اليات التسع" .واشدد على قلوبهم" قال ابن عباس :أي امنعهم اليمان .وقيل :قسها
واطبيع عليهيا حتيى ل تنشرح لليمان؛ والمعنيى واحيد" .قل يؤمنوا" قييل :هيو عطيف على قوله:
"ليضلوا" أي آتيتهيم النعيم ليضلوا ول يؤمنوا؛ قاله الزجاج والميبرد .وعلى هذا ل يكون فييه مين
معنييى الدعاء شيييء .وقوله( :ربنييا اطمييس ،واشدد) كلم معترض .وقال الفراء والكسييائي وأبييو
عييبيدة :هييو دعاء ،فهييو فييي موضييع جزم عندهييم؛ أي اللهييم فل يؤمنوا ،أي فل آمنوا .ومنييه قول
العشى:
ول تلقني إل وأنفك راغم فل ينبسط من بين عينيك ما انزوى
أي ل انبسييط .وميين قال "ليضلوا" دعاء -أي ابتلهييم بالضلل -قال :عطييف عليييه "فل يؤمنوا".
وقيييل :هييو فييي موضييع نصييب لنييه جواب الميير؛ أي واشدد على قلوبهييم فل يؤمنوا .وهذا قول
الخفش والفراء أيضا ،وأنشد الفراء:
إلى سليمان فنستريحا يا ناق سيري عنقا فسيحا
فعلى هذا حذفيت النون لنيه منصيوب" .حتيى يروا العذاب اللييم" قال ابين عباس :هيو الغرق .وقيد
اسييتشكل بعييض الناس هذه الييية فقال :كيييف دعييا عليهييم وحكييم الرسييل اسييتدعاء إيمان قومهييم؛
فالجواب أنه ل يجوز أن يدعو نبي على قومه إل بإذن من ال ،وإعلم أنه ليس فيهم من يؤمن ول
يخرج مين أصيلبهم مين يؤمين؛ دليله قوله لنوح علييه السيلم" :إنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد
آمين" [هود ]36 :وعنيد ذلك قال" :رب ل تذر على الرض مين الكافريين ديارا" اليية [نوح:
.]26وال أعلم.
**3الية{ 89 :قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ول تتبعان سبيل الذين ل يعلمون}
@قوله تعالى" :قال قد أجيبت دعوتكما" قال أبو العالية :دعا موسى وأمن هارون؛ فسمي هارون
وقييد أميين على الدعاء داعيييا .والتأمييين على الدعاء أن يقول آمييين؛ فقولك آمييين دعاء ،أي ل رب
استجب لي .وقيل :دعا هارون مع موسى أيضا .وقال أهل المعاني :ربما خاطبت العرب الواحد
بخطاب الثنين؛ قال الشاعر:
بنزع أصوله فاجتز شيحا فقلت لصاحبي ل تعجلنا
وهذا على أن آميين لييس بدعاء ،وأن هارون لم يدع .قال النحاس :سيمعت علي بين سيليمان يقول:
الدليييل على أن الدعاء لهمييا قول موسييى عليييه السييلم "ربنييا" ولم يقييل رب .وقرأ علي والسييلمي
"دعواتكميا" بالجمييع .وقرأ ابين السيميقع "أجبيت دعوتكميا" خيبرا عين ال تعالى ،ونصيب دعوة
بعده .وتقدم القول فيي "آميين" فيي آخير الفاتحية مسيتوفى .وهيو مميا خيص بيه نبينيا محميد صيلى ال
علييه وسيلم وهارون وموسيى عليهميا السيلم .روى أنيس بين مالك قال :قال رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم( :إن ال قد أعطى أمتي ثلثا لم تعط أحدا قبلهم السلم وهي تحية أهل الجنة وصفوف
الملئكية وآميين إل ميا كان مين موسيى وهارون) ذكره الترمذي الحكييم فيي نوادر الصيول .وقيد
تقدم في الفاتحة.
@قوله تعالى" :فاستقيما" قال الفراء وغيره :أمر بالستقامة .على أمرهما والثبات عليه من دعاء
فرعون وقوميه إلى اليمان ،إلى أن يأتيهميا تأوييل الجابية .قال محميد بين علي وابين جرييح :مكيث
فرعون وقوميييه بيييه هذه الجابييية أربعيييين سييينة ثيييم أهلكوا .وقييييل" :اسيييتقيما" أي على الدعاء؛
والسيتقامة فيي الدعاء ترك السيتعجال فيي حصيول المقصيود ،ول يسيقط السيتعجال من القلب إل
باسيتقامة السيكينة فييه ،ول تكون تلك السيكينة إل بالرضيا الحسين لجمييع ميا يبدو مين الغييب" .ول
تتبعان سبيل الذين ل يعلمون" بتشديد النون في موضع جزم على النهي ،والنون للتوكيد وحركت
للتقاء الساكنين واختير لها الكسر لنها أشبهت نون الثنين .وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على
النفي .وقيل :هو حال من استقيما؛ أي استقيما غير متبعين ،والمعنى :ل تسلكا طريق من ل يعلم
حقيقة وعدي ووعيدي.
**3اليية{ 90 :وجاوزنيا ببنيي إسيرائيل البحير فأتبعهيم فرعون وجنوده بغييا وعدوا حتيى إذا
أدركه الغرق قال آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين}
@قوله تعالى" :وجاوزنا ببني إسرائيل البحر" تقدم القول فيه في "البقرة" في قوله" :وإذ فرقنا
بكييم البحيير" .وقرأ الحسيين "وجوزنييا" وهمييا لغتان" .فأتبعهييم فرعون وجنوده" يقال :تبييع وأتبييع
بمعنيى واحيد ،إذا لحقيه وأدركيه .وأتبيع (بالتشدييد) إذا سيار خلفيه .وقال الصيمعي :أتبعيه (بقطيع
اللف) إذا لحقه وأدركه ،وأتبعه (بوصل اللف) إذا أتبع أثره ،أدركه أو لم يدركه .وكذلك قال أبو
زيييد .وقرأ قتادة "فاتبعهيم" بوصيل اللف .وقييل" :اتبعيه" (بوصيل اللف) فيي المير اقتدى بيه.
وأتبعه (بقطع اللف) خيرا أو شرا؛ هذا قول أبي عمرو .وقد قيل هما بمعنى واحد .فخرج موسى
ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا ،وتبعه فرعون مصبحا في ألفي ألف وستمائة ألف.
وقيد تقدم" .بغييا" نصيب على الحال" .وعدوا" معطوف علييه؛ أي فيي حال بغيي واعتداء وظلم؛
يقال :عدا يعدو عدوا؛ مثييل غزا يغزو غزوا .وقرأ الحسيين "وعدوا" بضييم العييين والدال وتشديييد
الواو؛ مثل عل يعلو علوا .وقال المفسرون" :بغيا" طلبا للستعلء بغير حق في القول" ،وعدوا"
فيي الفعيل؛ فهميا نصيب على المفعول له" .حتيى إذا أدركيه الغرق" أي ناله ووصيله" .قال آمنيت"
أي صدقت" .أنه" أي بأنه" .ل إله إل الذي آمنت به بنو إسرائيل" فلما حذف الخافض تعدى الفعل
فنصب .وقرئ بالكسر ،أي صرت مؤمنا ثم استأنف .وزعم أبو حاتم أن القول محذوف ،أي آمنت
فقلت إنه ،واليمان ل ينفع حينئذ؛ والتوبة مقبولة قبل رؤية البأس ،وأما بعدها وبعد المخالطة فل
تقبل ،حسب ما تقدم في "النساء" بيانه.
ويقال :إن فرعون هاب دخول البحر وكان على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس
أنثيى؛ فجاء جبرييل على فرس ودييق أي شهيي فيي صيورة هامان وقال له :تقدم ،ثيم خاض البحير
فتبعها حصان فرعون ،وميكائيل يسوقهم ل يشذ منهم أحد ،فلما صار آخرهم في البحر وهم أولهم
أن يخرج انطبيق عليهيم البحير ،وألجيم فرعون الغرق فقال :آمنيت بالذي آمنيت بيه بنيو إسيرائيل؛
فدس جبرييل فيي فميه حال البحير .وروى الترمذي عين ابين عباس أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم
قال( :لما أغرق ال فرعون قال آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل يا محمد
فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة) .قال أبو عيسى :هذا
حدييث حسين .حال البحير :الطيين السيود الذي يكون فيي أرضيه؛ قال أهيل اللغية .وعين ابين عباس
عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه ذكير( :أن جبرييل جعيل يدس فيي فيي فرعون الطيين خشيية أن
يقول ل إله إل ال فيرحميه ال أو خشيية أن يرحميه) .قال :هذا حدييث حسين غرييب صيحيح .وقال
عون بين عبدال :بلغنيي أن جبرييل قال للنيبي صيلى ال علييه وسيلم :ميا ولد إبلييس أبغيض إلي مين
فرعون ،فإنيه لميا أدركيه الغرق قال" :آمنيت" اليية ،فخشييت أن يقولهيا فيرحيم ،فأخذت تربية أو
طينية فحشوتهيا فيي فييه .وقييل :إنميا فعيل هذا بيه عقوبية له على عظييم ميا كان يأتيي .وقال كعيب
الحبار :أمسك ال نيل مصر عن الجري في زمانه .فقالت له القبط :إن كنت ربنا فأجر لنا الماء؛
فركيب وأمير بجنوده قائدا قائدا وجعلوا يقفون عيل درجاتهيم وقفيز حييث ل يرونيه ونزل عين دابتيه
ولبييس ثيابييا له أخرى وسييجد وتضرع ل تعالى فأجرى ال له الماء ،فأتاه جبريييل وهييو وحده فييي
هيئة مستفت وقال :ما يقول المير في رجل له عبد قد نشأ في نعمته ل سند له غيره ،فكفر نعمه
وجحيد حقيه وادعيى السييادة دونيه؛ فكتيب فرعون :يقول أبيو العباس الولييد بين مصيعب بين الريان
جزاؤه أن يغرق في البحر؛ فأخذه جبريل ومر فلما أدركه الغرق ناول جبريل عليه السلم خطه.
وقيد مضيى هذا فيي "البقرة" عين عبدال بين عمرو بين العاص وابين عباس مسيندا؛ وكان هذا فيي
يوم عاشوراء على ما تقدم بيانه في "البقرة" أيضا فل معنى للعادة" .وأنا من المسلمين" أي من
الموحدين المستسلمين بالنقياد والطاعة.
**3الية{ 91 :آلن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}
@ قيل :هو من قول ال تعالى .وميل :هو من قول جبريل .وقيل :ميكائيل ،صلوات ال عليهما،
أو غيرهميا مين الملئكية له صيلوات ال عليهيم .وقييل :هيو مين قول فرعون فيي نفسيه ،ولم يكين ثيم
قول اللسيان بيل وقيع ذلك فيي قلبيه فقال فيي نفسيه ميا قال :حييث لم تنفعيه الندامية؛ ونظيره" .إنميا
نطعمكيم لوجيه ال" [النسيان ]9 :أثنيى عليهيم الرب بميا فيي ضميرهيم ل أنهيم قالوا ذلك بلفظهيم،
والكلم الحقيقي كلم القلب.
**3اليية{ 92 :فاليوم ننجييك ببدنيك لتكون لمين خلفيك آيية وإن كثيرا مين الناس عين آياتنيا
لغافلون}
@قوله تعالى" :فاليوم ننجيك ببدنك" أي نلقيك على نجوة من الرض .وذلك أن بني إسرائيل لم
يصيدقوا أن فرعون غرق ،وقالوا :هيو أعظيم شأنيا مين ذلك ،فألقاه ال على نجوة مين الرض ،أي
مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه قال أوس بن حجر يصف مطرا:
والمستكن كمن يمشي بقرواح فمن بعقوته كمن بنجوته
وقرأ اليزيدي وابين السيميقع "ننحييك" بالحاء مين التنحيية ،وحكاهيا علقمية عين ابين مسيعود؛ أي
تكون على ناحيية مين البحير .قال ابين جرييج :فرميي بيه على سياحل البحير حتيى رآه بنيو إسيرائيل،
وكان قصييرا أحمير كأنيه ثور .وحكيى علقمية عين عبدال أنيه قرأ "بندائك" مين النداء .قال أبيو بكير
النباري :وليييس بمخالف لهجاء مصييحفنا ،إذ سييبيله أن يكتييب بياء وكاف بعييد الدال؛ لن اللف
تسقط من ندائك في ترتيب خط المصحف كما سقط من الظلمات والسماوات ،فإذا وقع بها الحذف
اسيتوى هجاء بدنيك وندائك ،على أن هذه القراءة مرغوب عنهيا لشذوذهيا وخلفهيا ميا علييه عامية
المسلمين؛ والقراءة سنة يأخذها آخر عن أول ،وفي معناها نقص عن تأويل قراءتنا ،إذ ليس فيها
للدرع ذكره الذي تتابعت الثار بأن بني إسرائيل اختلفوا في غرق فرعون ،وسألوا ال تعالى ،أن
يريهم إياه غريقا فألقوه على نجوة من الرض ببدنه وهو درعه التي يلبسها في الحروب .قال ابن
عباس ومحميد بين كعيب القرظيي :وكانيت درعيه مين لؤلؤ منظوم .وقييل :مين الذهيب وكان يعرف
بها .وقيل :من حديد؛ قاله أبو صخر :والبدن الدرع القصيرة .وأنشد أبو عبيدة للعشى:
لها قونس فوق جيب البدن وبيضاء كالنهي موضونة
وأنشد أيضا لعمرو بن معد يكرب:
جدلء سابغة وبالبدان ومضى نساؤهم بكل مفاضة
وقال كعب بن مالك:
على البطال واليلب الحصينا ترى البدان فيها مسبغات
أراد بالبدان الدروع واليلب الدروع اليمانيية ،كانيت تتخيذ مين الجلود يخرز بعضهيا إلى بعيض؛
وهو اسم جنس ،الواحد يلبة .قال عمرو بن كلثوم:
وأسياف يقمن وينحنينا علينا البيض واليلب اليماني
وقييل "ببدنيك" بجسيد ل روح فييه؛ قاله مجاهيد .قال الخفيش :وأميا قول مين قال بدرعيك فلييس
بشييء .قال أبيو بكير :لنهيم لميا ضرعوا إلى ال يسيألونه مشاهدة فرعون غريقيا أبرزه لهيم فرأوا
جسدا ل روج فيه ،فلما رأته بنو إسرائيل قالوا نعم! يا موسى هذا فرعون وقد غرق؛ فخرج الشك
مين قلوبهيم وابتلع البحير فرعون كميا كان .فعلى هذا "ننجييك ببدنيك" احتميل معنييين :أحدهميا -
نلقيك على نجوة من الرض .والثاني -نظهر جسدك الذي ل روج فيه .والقراءة الشاذة "بندائك"
يرجع معناها إلى معنى قراءة الجماعة ،لن النداء يفسر تفسيرين ،أحدهما -نلقيك بصياحك بكلمة
التوبية ،وقولك بعيد أن أغلق بابهيا ومضيى وقيت قبولهيا" :آمنيت أنيه ل إله إل الذي آمنيت بيه بنيو
إسيرائيل وأنيا مين المسيلمين" [يونيس ]90 :على موضيع رفييع .والخير -فاليوم نعزلك عين
غاميض البحير بندائك لميا قلت أنيا ربكيم العلى؛ فكانيت تنجيتيه بالبدن معاقبية مين رب العالميين له
على ما فرط من كفره الذي منه نداؤه الذي افترى فيه وبهت ،وادعى القدرة والمر الذي يعلم أنه
كاذب فييه وعاجيز عنيه وغيير مسيتحق له .قال أبيو بكير النباري :فقراءتنيا تتضمين ميا فيي القراءة
الشاذة من المعاني وتزيد عليها.
@قوله تعالى" :لتكون لمن خلفك آية" أي لبني إسرائيل ولمن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه
الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر" .وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" أي معرضون عن تأمل
آياتنيا والتفكير فيهيا .وقرئ "لمين خلفك" (بفتح اللم)؛ أي لمين بقيي بعدك يخلفيك فيي أرضك .وقرأ
علي بن أبي طالب "لمن خلقك" بالقاف؛ أي تكون آية لخالقك.
**3اليية{ 93 :ولقيد بوأنيا بنيي إسيرائيل مبوأ صيدق ورزقناهيم مين الطيبات فميا اختلفوا حتيى
جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
@قوله تعالى" :ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق" أي منزل صدق محمود مختار ،يعني مصر.
وقيييل :الردن وفلسييطين .وقال الضحاك :هييي مصيير والشام" .ورزقناهييم ميين الطيبات" أي ميين
الثمار وغيرهيا .وقال ابين عباس :يعنيي قريظية والنضيير وأهيل عصير النيبي صيلى ال علييه وسيلم
مين بنيي إسيرائيل؛ فإنهيم كانوا يؤمنون بمحميد صيلى ال علييه وسيلم وينتظرون خروجيه ،ثيم لميا
خرج حسيدوه؛ ولهذا قال" :فميا اختلفوا" أي فيي أمير محميد صيلى ال علييه وسيلم" .حتيى جاءهيم
العلم" أي القرآن ،ومحميد صيلى ال علييه وسيلم .والعلم بمعنيى المعلوم؛ لنهيم كانوا يعلمونيه قبيل
خروجيه؛ قال ابين جريير الطيبري" .إن ربيك يقضيي بينهيم" أي يحكيم بينهيم ويفصيل" .يوم القيامية
فيما كانوا فيه يختلفون" في الدنيا ،فيثيب الطائع ويعاقب العاصي.
**3اليتان{ 95 - 94 :فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك
لقد جاءك الحق من ربك فل تكونن من الممترين ،ول تكونن من الذين كذبوا بآيات ال فتكون من
الخاسرين}
@قوله تعالى" :فإن كنيت فيي شيك مميا أنزلنيا إلييك" الخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم والمراد
غيره ،أي لسيت فيي شيك ولكين غيرك شيك .قال أبيو عمير محميد بين عبدالواحيد الزاهيد :سيمعت
المامين ثعلبا والمبرد يقولن :معنى "فإن كنت في شك" أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك
مميا أنزلنيا إلييك "فاسيأل الذيين يقرؤون الكتاب مين قبلك" أي ييا عابيد الوثين إن كنيت فيي شيك مين
القرآن فأسيأل مين أسيلم مين اليهود ،يعنيي عبدال بين سيلم وأمثاله؛ لن عبدة الوثان كانوا يقرون
لليهود أنهم أعلم منهم من أجل أنهم أصحاب كتاب؛ فدعاهم الرسول صلى ال عليه وسلم إلى أن
يسألوا من يقرون بأنهم أعلم منهم ،هل يبعث ال برسول من بعد موسى .وقال القتبي :هذا خطاب
لمن كان ل يقطع بتكذيب محمد ول بتصديقه صلى ال عليه وسلم ،بل كان في شك .وقيل :المراد
بالخطاب النبي صلى ال عليه وسلم ل غيره ،والمعنى :لو كنت يلحقك الشك فيه فيما أخبرناك به
فسيألت أهيل الكتاب لزالوا عنيك الشيك .وقييل :الشيك ضييق الصيدر؛ أي إن ضاق صيدرك بكفير
هؤلء فاصيبر ،واسيأل الذيين يقرؤون الكتاب مين قبلك يخيبروك صيبر النيبياء مين قبلك على أذى
قومهم وكيف عاقبة أمرهم .والشك في اللغة أصله الضيق؛ يقال :شك الثوب أي ضمه بخلل حتى
يصيير كالوعاء .وكذلك السيفرة تميد علئقهيا حتيى تنقبيض؛ فالشيك يقبيض الصيدر ويضميه حتيى
يضيق .وقال الحسين بن الفضل :الفاء مع حروف الشرط ل توجب .الفعل ول تثبته ،والدليل عليه
ميا روي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال لميا نزلت هذه اليية( :وال ل أشيك -ثيم اسيتأنف
الكلم فقال -لقييد جاءك الحييق مين ربييك فل تكونين ميين الممترييين) أي الشاكييين المرتابييين" .ول
تكونين مين الذيين كذبوا بآيات ال فتكون مين الخاسيرين" والخطاب فيي هاتيين اليتيين للنيبي صيلى
ال عليه وسلم والمراد غيره.
**3اليتان{ 97 - 96 :إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ل يؤمنون ،ولو جاءتهم كل آية حتى
يروا العذاب الليم}
@قوله تعالى" :إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ل يؤمنون" تقدم القول فيه في هذه السورة .قال
قتادة :أي الذين حق عليهم غضب ال وسخطه بمعصيتهم ل يؤمنون" .ولو جاءتهم كل آية" أنث
"كل" على المعنى؛ أي ولو جاءتهم اليات" .حتى يروا العذاب الليم" فحينئذ يؤمنون ول ينفعهم.
**3الية{ 98 :فلول كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إل قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب
الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين}
@قوله تعالى" :فلول كانت قرية آمنت" قال الخفش والكسائي :أي فهل .وفي مصحف أبي وابن
مسيعود "فهل" وأصيل لول فيي الكلم التحضييض أو الدللة على منيع أمير لوجود غيره .ومفهوم
من معنى الية نفي إيمان أهل القرى ثم استثنى قوم يونس؛ فهو بحسب اللفظ استئناء منقطع ،وهو
بحسيب المعنيى متصيل؛ لن تقديره ميا آمين أهيل قريية إل قوم يونيس .والنصيب فيي "قوم" هيو
الوجييه ،وكذلك أدخله سيييبويه فييي (باب مال يكون إل منصييوبا) .قال النحاس" :إل قوم يونييس"
نصييب لنييه اسييتئناء ليييس مين الول ،أي لكيين قوم يونييس؛ هذا قول الكسييائي والخفييش والفراء.
ويجوز" .إل قوم يونيس" بالرفيع ،ومين أحسين ميا قييل فيي الرفيع ميا قال أبيو إسيحاق الزجاج قال:
يكون المعنى غير قوم يونس ،فلما جاء بإل أعرب السم الذي بعدها بإعراب غير؛ كما قال:
لعمر أبيك إل الفرقدان وكل أخ مفارقه أخوه
وروي فيي قصية قوم يونيس عين جماعية مين المفسيرين :أن قوم يونيس كانوا بنينوى مين أرض
الموصل وكانوا يعبدون الصنام ،فأرسل ال إليهم يونس عليه السلم يدعوهم إلى السلم وترك
ما هم عليه فأبوا؛ فقيل :إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم؛ فقيل له :أخبرهم أن العذاب
مصييبحهم إلى ثلث ففعييل ،وقالوا :هييو رجييل ل يكذب فارقبوه فإن أقام معكييم وبييين أظهركييم فل
عليكييم ،وإن ارتحييل عنكييم فهييو نزول العذاب ل شييك؛ فلمييا كان الليييل تزود يونييس وخرج عنهييم
فأصييبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا ال ولبسييوا المسييوح وفرقوا بييين المهات والولد ميين الناس
والبهائم ،وردوا المظالم في تلك الحالة .وقال ابن مسعود :وكان الرجل يأتي الحجر قد وضع عليه
أسياس بنيانيه فيقتلعيه فيرده؛ والعذاب منهيم فيميا روي عين ابين عباس على ثلثيي مييل .وروي على
ميل .وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم.
وقال ابن جبير :غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر ،فلما صحت توبتهم رفع ال عنهم العذاب.
وقال الطبري :خص قوم يونس من بين سائر المم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب؛ وذكر ذلك
عين جماعية مين المفسيرين .وقال الزجاج :إنهيم لم يقيع بهيم العذاب ،وإنميا رأوا العلمية التيي تدل
على العذاب ،ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم اليمان.
قلت :قول الزجاج حسين؛ فان المعاينية التيي ل تنفيع التوبية معهيا هيي التلبيس بالعذاب كقصية
فرعون ،ولهذا جاء بقصة قوم يونس على أثر قصة فرعون لنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه
ذلك ،وقوم يونيس تابوا قبيل ذلك .ويعضييد هذا قوله عليييه السيلم( :إن ال يقبييل توبيية العبيد ميا لم
يغرغير) .والغرغرة الحشرجية ،وذلك هيو حال التلبيس بالموت ،وأميا قبيل ذلك فل .وال أعلم .وقيد
روي معنييى مييا قلناه عيين ابيين مسييعود ،أن يونييس لمييا وعدهييم العذاب إلى ثلثيية أيام خرج عنهييم
فأصييبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بييين المهات والولد؛ وهذا يدل على أن توبتهييم قبييل رؤييية
علميية العذاب .وسيييأتي مسييندا مبينييا فييي سييورة "والصييافات" إن شاء ال تعالى .ويكون معنييى
"كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا" أي العذاب الذي وعدهم به يونس أنه ينزل بهم ،ل
أنهيم رأوه عيانيا ول مخايلة؛ وعلى هذا ل إشكال ول تعارض ول خصيوص ،وال أعلم .وبالجملة
فكان أهل نينوى في سابق العلم من السعداء .وروي عن علي رضي ال عنه أنه قال :إن الحذر ل
يرد القدر ،وإن الدعاء ليرد القدر .وذلك أن ال تعالى يقول" :إل قوم يونيس لميا آمنوا كشفنيا عنهيم
عذاب الخزي فيي الحياة الدنييا" .قال رضيي ال عنيه :وذلك يوم عاشوراء" .ومتعناهيم إلى حيين"
قيل إلى أجلهم ،قال السدي وقيل :إلى أن يصيروا إلى الجنة أو إلى النار؛ قاله ابن عباس.
**3الية{ 99 :ولو شاء ربك لمن من في الرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا
مؤمنين}
@قوله تعالى" :ولو شاء ربيك لمين مين فيي الرض كلهيم جميعيا" أي لضطرهيم إلييه" .كلهيم"
تأكييد ليي "مين"" .جميعيا" عنيد سييبويه نصيب على الحال .وقال الخفيش :جاء بقول جميعيا بعيد كيل
تأكيدا؛ كقوله" :ل تتخذوا إلهين اثنين" [النحل]51 :
@قوله تعالى" :أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" قال ابن عباس :كان النبي صلى ال عليه
وسلم حريصا على إيمان جميع الناس؛ فأخبره ال تعالى أنه ل يؤمن إل من سبقت له السعادة في
الذكير الول ،ول يضيل إل مين سيبقت له الشقاوة فيي الذكير الول .وقييل :المراد بالناس هنيا أبيو
طالب؛ وهو عن ابن عباس أيضا.
**3الية{ 100 :وما كان لنفس أن تؤمن إل بإذن ال ويجعل الرجس على الذين ل يعقلون}
@قوله تعالى" :وما كان لنفس أن تؤمن إل بإذن ال" "ما" نفي؛ أي ما ينبغي أن تؤمن نفس إل
بقضائه وقدره ومشيئتيه وإرادتيه" .ويجعيل الرجيس" وقرأ الحسين وأبيو بكير والمفضيل "ونجعيل"
بالنون على التعظييم .والرجيس :العذاب؛ بضيم الراء وكسيرها لغتان" .على الذيين ل يعقلون" أمير
ال عز وجل ونهيه.
**3الية{ 101 :قل انظروا ماذا في السماوات والرض وما تغني اليات والنذر عن قوم ل
يؤمنون}
@قوله تعالى" :قيل انظروا ماذا فيي السيماوات والرض" أمير للكفار بالعتبار والنظير فيي
المصيينوعات الدالة على الصييانع والقادر على الكمال .وقييد تقدم القول فييي هذا المعنييى فييي غييير
موضع مستوفى" .وما تغني" "ما" نفي؛ أي ولن تغني .وقيل :استفهامية؛ التقدير أي شيء تغني.
"اليات" أي الدللت" .والنذر" أي الرسل ،جمع نذير ،وهو الرسول صلى ال عليه وسلم" .عن
قوم ل يؤمنون" أي عمن سبق له في علم ال أنه ل يؤمن.
**3اليية{ 102 :فهيل ينتظرون إل مثيل أيام الذيين خلوا مين قبلهيم قيل فانتظروا إنيي معكيم مين
المنتظرين}
@قوله تعالى" :فهل ينتظرون إل مثل أيام الذين خلوا من قبلهم" اليام هنا بمعنى الوقائع؛ يقال:
فلن عالم بأيام العرب أي بوقائعهم .قال قتادة :يعني وقائع ال في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم.
والعرب تسيمي العذاب أياميا والنعيم أياميا؛ كقوله تعالى" :وذكره بأيام ال" .وكيل ميا مضيى لك مين
خير أو شر فهو أيام" .فانتظروا" أي تربصوا؛ وهذا تهديد ووعيد" .إني معكم من المنتظرين" أي
المتربصين لموعد وربي.
**3الية{ 103 :ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين}
@قوله تعالى" :ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا" أي من سنتنا إذا أنزلنا بقوم عذابا أخرجنا من بينهم
الرسل والمؤمنين ،و"ثم" معناه ثم اعلموا أنا ننجي رسلنا" .كذلك حقا علينا" أي واجبا علينا؛ لنه
أخبر ول خلف في خبره .وقرأ يعقوب" .ثم ننجي" مخففا .وقرأ الكسائي وحفص ويعقوب" .ننجي
المؤمنيين" مخففيا؛ وشدد الباقون؛ وهميا لغتان فصييحتان :أنجيى ينجيي إنجاء ،ونجيى ينجيي تنجيية
بمعنى واحد.
**3الية{ 104 :قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فل أعبد الذين تعبدون من دون ال
ولكن أعبد ال الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين}
@قوله تعالى" :قل يا أيها الناس" يريد كفار مكة" .إن كنتم في شك من ديني" أي في ريب من
ديين السيلم الذي أدعوكيم إلييه" .فل أعبيد الذيين تعبدون مين دون ال" مين الوثان التيي ل تعقيل.
"ولكن أعبد ال الذي يتوفاكم" أي يميتكم ويقبض أرواحكم" .وأمرت أن أكون من المؤمنين
أي المصدقين بآيات ربهم.
**3اليتان{ 106 - 105 :وأن أقم وجهك للدين حنيفا ول تكونن من المشركين ،ول تدع من
دون ال ما ل ينفعك ول يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين}
@قوله تعالى" :وأن أقم وجهك للدين" "أن" عطف على "أن أكون" أي قيل لي كن من المؤمنين
وأقيم وجهيك .قال ابين عباس :عملك ،وقييل :نفسيك؛ أي اسيتقم بإقبالك على ميا أمرت بيه مين الديين.
"حنيفا" أي قويما به مائل عن كل دين .قال حمزة بن عبدالمطلب (رضي ال عنه):
من الشراك للدين الحنيف حمدت ال حين هدى فؤادي
وقد مضى في "النعام" اشتقاقه والحمد ل" .ول تكونن من المشركين" أي وقيل لي ول تشرك؛
والخطاب له والمراد غيره؛ وكذلك قوله" :ول تدع" أي ل تعبييد" .ميين دون ال مييا ل ينفعييك" إن
عبدتيه" .ول يضرك" إن عصييته" .فإن فعلت" أي عبدت غيير ال" .فإنيك إذا مين الظالميين" أي
الواضعين العبادة في غير موضعها.
**3الية{ 107 :وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله
يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}
@قوله تعالى" :وإن يمسسك ال بضر" أي يصيبك به" .فل كاشف له إل هو" أي ل دافع "له إل
هيو وإن يردك بخيير" أي يصيبك برخاء ونعمية "فل راد لفضله يصييب بيه" أي بكيل ميا أراد مين
الخيير والشير" .مين يشاء مين عباده وهيو الغفور" لذنوب عباده وخطاياهيم "الرحييم" بأوليائه فيي
الخرة.
**3الية{ 108 :قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن
ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل}
@قوله تعالى" :قيل ييا أيهيا الناس قيد جاءكيم الحيق" أي القرآن .وقييل :الرسيول صيلى ال علييه
وسيلم" .فمين اهتدى" أي صيدق محمدا وآمين بميا جاء بيه" .فإنميا يهتدي لنفسيه" أي لخلص نفسيه.
"ومن ضل" أي ترك الرسول والقرآن واتبع الصنام والوثان" .فإنما يضل عليها" أي وبال ذلك
على نفسيه" .وميا أنيا عليكيم بوكييل" أي بحفييظ أحفيظ أعمالكيم إنميا أنيا رسيول .قال ابين عباس:
نسختها آية السيف.
**3الية{ 109 :واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم ال وهو خير الحاكمين}
@قوله تعالى" :واتبع ما يوحى إليك واصبر" قيل :نسخ بآية القتال :وقيل :ليس منسوخا؛ ومعناه
اصيبر على الطاعية وعين المعصيية .وقال ابين عباس :لميا نزلت جميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم
النصيار ولم يجميع معهيم غيرهيم فقال( :إنكيم سيتجدون بعدي أثرة فاصيبروا حتيى تلقونيي على
الحوض) وعين أنيس بمثيل ذلك؛ ثيم قال أنيس :فلم يصيبروا فأمرهيم بالصيبر كميا أمره ال تعالى؛
وفي ذلك يقول عبدالرحمن بن حسان:
أمير المؤمنين نثا كلمي أل أبلغ معاوية بن حرب
إلى يوم التغابن والخصام بأنا صابرون ومنظروكم
"حتى يحكم ال وهو خير الحاكمين" ابتداء وخبر؛ لنه عز وجل ل يحكم إل بالحق.