Professional Documents
Culture Documents
9 تفسير القرطبى
9 تفسير القرطبى
**2سورة هود
**3مقدمة السورة
@ مكيية إل اليات 114 ،17 ،12فمدنيية وآياتهيا 123نزلت بعيد يونيس .مكيية فيي قول
الحسين وعكرمية وعطاء وجابر .وقال ابن عباس وقتادة :إل آيية؛ وهيي قوله تعالى" :وأقيم الصيلة
طرفي النهار" [هود .]114 :وأسند أبو محمد الدارمي في مسنده عن كعب قال قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم (اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة) .وروى الترمذي عن ابن عباس قال قال أبو
بكيير رضييي ال عنييه :يييا رسييول ال قييد شبييت! قال( :شيبتنييي هود والواقعيية والمرسييلت وعييم
يتسياءلون وإذا الشميس كورت) .قال :هذا حدييث حسين غرييب ،وقيد روي شييء مين هذا مرسيل.
وأخرجه الترمذي الحكيم أبو عبدال في "نوادر الصول" :حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا محمد
بين بشير عين علي بين صيالح عين أبيي إسيحاق عين أبيي جحيفية قال :قالوا ييا رسيول ال نراك قيد
شبيت! قال( :شيبتنيي هود وأخواتهيا) .قال أبيو عبدال :فالفزع يورث الشييب وذلك أن الفزع يذهيل
النفيس فينشيف رطوبية الجسيد ،وتحيت كيل شعرة منبيع ،ومنيه يعرق ،فإذا انتشيف الفزع رطوبتيه
يبسيت المنابيع فيبيس الشعير وابييض؛ كميا ترى الزرع الخضير بسيقائه ،فإذا ذهيب سيقاؤه يبيس
فابيض؛ وإنما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلده ،فالنفس تذهل بوعيد ال ،وأهوال ما
جاء به الخبر عن ال ،فتذبل ،وينشيف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به؛ فمنه تشيب .وقال
ال تعالى" :يوميا يجعيل الولدان شيبيا" [المزميل ]17 :فإنميا شابوا مين الفزع .وأميا سيورة "هود"
فلما ذكر المم ،وما حل بهم من عاجل بأس ال تعالى ،فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم
ميين ملكييه وسييلطانه ولحظاتييه البطييش بأعدائه ،فلو ماتوا ميين الفزع لحييق لهييم ،ولكيين ال تبارك
وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الحايين حتى يقرؤوا كلمه .وأما أخواتها فما أشبهها من السور؛
مثيل "الحاقية" [الحاقية ]1 :و"سيأل سيائل" [المعارج ]1 :و"إذا الشميس كورت" [التكويير]1 :
و"القارعية" [القارعية ،]1 :ففيي تلوة هذه السيور ميا يكشيف لقلوب العارفيين سيلطانه وبطشيه
فتذهيل منيه النفوس ،وتشييب منيه الرؤوس[ .قلت] وقيد قييل :إن الذي شييب النيبي صيلى ال علييه
وسيلم مين سيورة "هود" قوله" :فاسيتقم كميا أمرت" [هود ]112 :على ميا يأتيي بيانيه إن شاء ال
تعالى .وقال يزييد بين أبان :رأييت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي مناميي فقرأت علييه سيورة
"هود" فلما ختمتهيا قال( :ييا يزييد هذه القراءة فأيين البكاء) .قال علماؤنا :قال أبو جعفير النحاس:
يقال هذه هود فاعلم بغيير تنويين على أنيه اسيم للسيورة؛ لنيك لو سيميت امرأة بزييد .لم تصيرف؛
وهذا قول الخليل وسيبويه .وعيسي ابن عمر يقول :هذه هود بالتنوين على أنه اسم للسورة؛ وكذا
إن سيمى امرأة بزييد؛ لنيه لميا سيكن وسيطه خيف فصيرف ،فإن أردت الحذف صيرفت على قول
الجميييع ،فقلت :هذه هود وأنييت تريييد سييورة هود؛ قال سيييبويه :والدليييل على هذا أنييك تقول هذه
الرحمن ،فلول أنك تريد هذه سورة الرحمن ما قلت هذه.
**3الية{ 1 :الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}
@قوله تعالى" :الر" تقدم القول فيه" .كتاب" بمعنى هذا كتاب" .أحكمت آياته" في موضع رفع
نعيت لكتاب .وأحسين ميا قييل فيي معنيى "أحكميت آياتيه" قول قتادة؛ أي جعلت محكمية كلهيا ل خلل
فيها ول باطل .والحكام منع القول من الفساد ،أي نظمت نظما محكما ل يلحقها تناقض ول خلل.
وقال ابن عباس :أي لم ينسخها كتاب ،بخلف التوراة والنجيل .وعلى هذا فالمعنى؛ أحكم بعض
آياتيه بأن جعيل ناسيخا غيير منسيوخ .وقيد تقدم القول فييه .وقيد يقيع اسيم الجنيس على النوع؛ فيقال:
أكلت طعام زيد؛ أي بعض طعامه .وقال الحسن وأبو العالية" :أحكمت آياته" بالمر والنهي" .ثم
فصلت" بالوعد والوعيد والثواب والعقاب .وقال قتادة :أحكمها ال من الباطل ،ثم فصلها بالحلل
والحرام .مجاهد :أحكمت جملة ،ثم بينت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدليل على التوحيد
والنبوة والبعييث وغيرهييا .وقيييل :جمعييت فييي اللوح المحفوظ ،ثييم فصييلت فييي التنزيييل .وقيييل:
"فصيلت" أنزلت نجميا نجميا لتتدبر .وقرأ عكرمية "فصيلت" مخففيا أي حكميت بالحيق" .مين لدن"
أي من عند" .حكيم" أي محكم للمور" .خبير" بكل كائن وغير كائن.
**3الية{ 2 :أل تعبدوا إل ال إنني لكم منه نذير وبشير}
@قوله تعالى" :أل تعبدوا إل ال" قال الكسيائي والفراء :أي بأل؛ أي أحكميت ثيم فصيلت بأل
تعبدوا إل ال .قال الزجاج :لئل؛ أي أحكمييت ثييم فصيلت لئل تعبدوا إل ال .قييل :أميير رسيوله أن
يقول للناس أل تعبدوا إل ال" .إننيي لكيم منيه" أي مين ال" .نذيير" أي مخوف مين عذابيه وسيطوته
لمين عصياه" .وبشيير" بالرضوان والجنية لمين أطاعيه .وقييل :هيو مين قول ال أول وآخرا؛ أي ل
تعبدوا إل ال إنني لكم منه نذير؛ أي ال نذير لكم من عبادة غيره ،كما قال" :ويحذركم ال نفسه"
[آل عمران.]28 :
**3اليتان{ 4 - 3 :وأن اسيتغفروا ربكيم ثيم توبوا إلييه يمتعكيم متاعيا حسينا إلى أجيل مسيمى
ويؤت كيل ذي فضيل فضله وإن تولوا فإنيي أخاف عليكيم عذاب يوم كيبير ،إلى ال مرجعكيم وهيو
على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :وأن استغفروا ربكم" عطف على الول" .ثم توبوا إليه" أي ارجعوا إليه بالطاعة
والعبادة .قال الفراء" :ثم" هنا بمعنى الواو؛ أي وتوبوا إليه؛ لن الستغفار هو التوبة ،والتوبة هي
السيتغفار .وقييل :اسيتغفروه مين سيالف ذنوبكيم ،وتوبوا إلييه مين المسيتأنف متيى وقعيت منكيم .قال
بعييض الصييلحاء :السييتغفار بل إقلع توبيية الكذابييين .وقييد تقدم هذا المعنييى فييي "آل عمران"
مسيتوفى .وفيي "البقرة" عنيد قوله" :ول تتخذوا آيات ال هزوا" [البقرة .]231 :وقييل :إنميا قدم
ذكير السيتغفار لن المغفرة هيي الغرض المطلوب ،والتوبية هيي السيبب إليهيا؛ فالمغفرة أول فيي
المطلوب وآخير فيي السيبب .ويحتميل أن يكون المعنيى اسيتغفروه مين الصيغائر ،وتوبوا إلييه مين
الكبائر" .يمتعكيم متاعيا حسينا" هذه ثمرة السيتغفار والتوبية ،أي يمتعكيم بالمنافيع ثيم سيعة الرزق
ورغيد العييش ،ول يسيتأصلكم بالعذاب كميا فعيل بمين أهلك قبلكيم .وقييل :يمتعكيم يعمركيم؛ وأصيل
المتاع الطالة ،ومنييه أمتييع ال بييك ومتييع .وقال سييهل بيين عبدال :المتاع الحسيين ترك الخلق
والقبال على الحيق .وقييل :هيو القناعية بالموجود ،وترك الحزن على المفقود" .إلى أجيل مسيمى"
قييل :هيو الموت .وقييل :القيامية .وقييل :دخول الجنية .والمتاع الحسين على هذا وقايية كيل مكروه
وأمر مخوف ،مما يكون في القبر وغيره من أهوال القيامة وكربها؛ والول أظهر؛ لقوله في هذه
السييورة" :ويييا قوم اسييتغفروا ربكييم ثييم توبوا إلييه يرسييل السييماء عليكييم مدرارا ويزدكييم قوة إلى
قوتكيم" [هود ]52 :وهذا ينقطيع بالموت وهيو الجيل المسيمى .وال أعلم .قال مقاتيل :فأبوا فدعيا
عليهييم رسييول ال صيلى ال علييه وسييلم ،فابتلوا بالقحييط سييبع سيينين حتييى أكلوا العظام المحرقية
والقذر والجيييف والكلب" .ويؤت كييل ذي فضييل فضله" أي يؤت كييل ذي عمييل ميين العمال
الصالحات جزاء عمله .وقيل :ويؤت كل من فضلت حسناته على سيئاته "فضله" أي الجنة ،وهي
فضيل ال؛ فالكنايية فيي قوله" :فضله" ترجيع إلى ال تعالى .وقال مجاهيد :هيو ميا يحتسيبه النسيان
من كلم يقوله بلسانه ،أو عمل يعمله بيده أو رجله ،أو ما تطوع به من ماله فهو فضل ال ،يؤتيه
ذلك إذا آمن ،ول يتقبله منه إن كان كافرا" .وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير" أي يوم
القيامة ،وهو كبير لما فيه من الهوال .وقيل :اليوم الكبير هو يوم بدر وغيره :و"تولوا" يجوز أن
يكون ماضيا ويكون المعنى :وإن تولوا فقل لهم إني أخاف عليكم .ويجوز أن يكون مستقبل حذفت
منه إحدى التاءين والمعنى :قل لهم إن تتولوا فإني أخاف عليكم.
@قوله تعالى" :إلى ال مرجعكم" أي بعد الموت" .وهو على كل شيء قدير" من ثواب وعقاب.
**3الية{ 5 :أل إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه أل حين يستغشون ثيابهيم يعلم ما يسيرون
وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور}
@قوله تعالى" :أل إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه" أخبر عن معاداة المشركين للنبي صلى
ال علييه وسيلم والمؤمنيين ،ويظنون أنيه تخفيي على ال أحوالهيم" .يثنون صيدورهم" أي يطوونهيا
على عداوة المسييلمين ففيييه هذا الحذف ،قال ابيين عباس :يخفون مييا فييي صييدورهم ميين الشحناء
والعداوة ويظهرون خلفيه .نزلت فيي الخنيس بين شرييق ،وكان رجل حلو الكلم حلو المنطيق،
يلقيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بميا يجيب ،وينطوي له بقلبيه على ميا يسيوء .وقال مجاهيد:
"يثنون صيدورهم" شكيا وامتراء .وقال الحسين :يثنونهيا على ميا فيهيا مين الكفير .وقييل :نزلت فيي
بعض المنافقين ،كان إذا مر بالنبي صلى ال عليه وسلم ثنى صدره وظهره ،وطأطأ رأسه وغطى
وجهه ،لكيل يراه النبي صلى ال عليه وسلم فيدعوه إلى اليمان؛ حكي معناه عن عبدال بن شداد
فالهاء فيي "منيه" تعود على النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :قال المنافقون إذا غلقنيا أبوابنيا،
واستغشينا ثيابنا ،وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا؟ فنزلت الية .وقيل :إن قوما من
المسيلمين كانوا يتنسيكون بسيتر أبدانهيم ول يكشفونهيا تحيت السيماء ،فيبين ال تعالى أن التنسيك ميا
اشتملت عليه قلوبهم من معتقد ،وأظهروه من قول وعمل .وروى ابن جرير عن محمد ابن عباد
بين جعفير قال :سيمعت ابين عباس رضيي ال عنهميا يقول" :أل أنهيم تثنوي صيدورهم ليسيتخفوا
منه" قال :كانوا ل يجامعون النساء ،ول يأتون الغائط وهم يفضون إلى السماء ،فنزلت هذه الية.
وروى غيير محميد بين عباد عين ابين عباس" :أل إنهيم تثنوي صيدورهم" بغيير نون بعيد الواو ،فيي
وزن تنطوي؛ ومعنى "تثنوي" والقراءتين الخريين متقارب؛ لنها ل تثنوي حتيى يثنوها .وقييل:
كان بعضهيم ينحنيي على بعيض يسياره فيي الطعين على المسيلمين ،وبلغ مين جهلهيم أن توهموا أن
ذلك يخفييي على ال تعالى" :ليسييتخفوا" أي ليتواروا عنييه؛ أي عيين محمييد أو عيين ال" .أل حييين
يسيتغشون ثيابهيم" أي يغطون رؤوسيهم بثيابهيم .قال قتادة :أخفيى ميا يكون العبيد إذا حنيى ظهره،
واستغشى ثوبه ،وأضمر في نفسه همه.
**3الية{ 6 :وما من دابة في الرض إل على ال رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في
كتاب مبين}
@قوله تعالى" :وما من دابة في الرض إل على ال رزقها" "ما" نفي و"من" زائدة و"دابة" في
موضيع رفيع؛ التقديير :وميا دابية" .إل على ال رزقهيا" "على" بمعنيى "مين" ،أي مين ال رزقهيا؛
يدل علييه قول ،مجاهيد :كيل ميا جاءهيا مين رزق فمين ال .وقييل" :على ال" أي فضل ل وجوبيا.
وقييل :وعدا منيه حقيا .وقيد تقدم بيان هذا المعنيى فيي "النسياء" وأنيه سيبحانه ل يجيب علييه شييء.
"رزقهيا" رفيع بالبتداء ،وعند الكوفيين بالصفة؛ وظاهير الية العموم ومعناها الخصيوصي؛ لن
كثيرا مين الدواب هلك قبيل أن يرزق .وقييل :هيي عامية فيي كيل دابية :وكيل دابية لم ترزق رزقيا
تعييش به فقيد رزقيت روحهيا؛ ووجه النظيم به قبل :أنيه سبحانه أخبر برزق الجمييع ،وأنيه ل يغفل
عين تربيتيه ،فكييف تخفيى علييه أحوالكيم ييا معشير الكفار وهيو يرزقكيم؟ ! والدابية كيل حيوان يدب.
والرزق حقيقتييه مييا يتغذى بييه الحييي ،ويكون فيييه بقاء روحييه ونماء جسييده .ول يجوز أن يكون
الرزق بمعنيى الملك؛ لن البهائم ترزق ولييس يصيح وصيفها بأنهيا مالكية لعلفهيا؛ وهكذا الطفال
ترزق اللبيين ول يقال :إن اللبيين الذي فييي الثدي ملك للطفييل .وقال تعالى" :وفييي السييماء رزقكييم"
[الذاريات ]22 :ولييس لنيا فيي السيماء ملك؛ ولن الرزق لو كان ملكيا لكان إذا أكيل النسيان مين
ملك غيره أن يكون قيد أكيل مين رزق غيره ،وذلك محال؛ لن العبيد ل يأكيل إل رزق نفسيه .وقيد
تقدم فيي "البقرة" هذا المعنيى والحميد ل .وقييل لبعضهيم :مين أيين تأكيل؟ وقال :الذي خلق الرحيى
يأتيهيا بالطحيين ،والذي شدق الشداق هيو خالق الرزاق .وقييل لبيي أسييد :مين أيين تأكيل؟ فقال:
سبحانه ال وال أكبر! إن ال يرزق الكلب أفل يرزق أبا أسيد! .وقيل لحاتم الصم :من أين تأكل؟
فقال :من عند ال؛ فقيل له :ال ينزل لك دنانير ودراهم من السماء؟ فقال :كأن ماله إل السماء! يا
هذا الرض له والسماء له؛ فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الرض؛ وأنشد:
ورازق هذا الخلق في العسر واليسر وكيف أخاف الفقر وال رازقي
وللضب في البيداء والحوت في البحر تكفل بالرزاق للخلق كلهم
وذكير الترمذي الحكييم فيي "نوادر الصيول" بإسيناده عين زييد بين أسيلم :أن الشعرييين أبيا موسيى
وأبيا مالك وأبيا عامير فيي نفير منهيم ،لميا هاجروا وقدموا على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي
ذلك وقيد أرملوا مين الزاد ،فأرسيلوا رجل منهيم إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يسيأله ،فلميا
انتهى إلى باب رسول ال صلى ال عليه وسلم سمعه يقرأ هذه الية "وما من دابة في الرض إل
على ال رزقهييا ويعلم مسييتقرها ومسييتودعها كييل فييي كتاب مييبين" فقال الرجييل :مييا الشعريون
بأهون الدواب على ال؛ فرجيع ولم يدخيل على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فقال لصيحابه:
أبشروا أتاكيم الغوث ،ول يظنون إل أنيه قيد كلم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فوعده؛ فبينميا هيم
كذلك إذ أتاهييم رجلن يحملن قصييعة بينهييا مملوءة خبزا ولحمييا فأكلوا منهييا مييا شاؤوا ،ثييم قال
بعضهيم لبعيض :لو أنيا رددنيا هذا الطعام إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ليقضيي بيه حاجتيه؛
فقالوا للرجلين :اذهبا بهذا الطعام إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنا قد قضينا منه حاجتنا ،ثم
إنهم أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا :يا رسول ال ما رأينا طعاما أكثر ول أطيب من
طعام أرسلت به؛ قال( :ما أرسلت إليكم طعاما) فأخبروه أنهم أرسلوا صاحبهم ،فسأله رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم فأخيبره ميا صينع ،وميا قال لهيم ،فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ذلك
شيء رزقكموه ال).
@قوله تعالى" :ويعلم مسيتقرها" أي مين الرض حييث تأوي إلييه" .ومسيتودعها" أي الموضيع
الذي تموت فيييه فتدفيين؛ قاله مقسييم عيين ابيين عباس رضييي ال عنهمييا .وقال الربيييع بيين أنييس:
"مسيتقرها" أيام حياتهيا" .ومسيتودعها" حييث تموت وحييث تبعيث .وقال سيعيد بين جيبير عين ابين
عباس" :مسيتقرها" فيي الرحيم "ومسيتودعها" فيي الصيلب .وقييل" :يعلم مسيتقرها" فيي الجنية أو
النار" .ومسيتودعها" فيي القيبر؛ يدل علييه قوله تعالى فيي وصيف أهيل الجنية وأهيل النار" :حسينت
مسيتقرا ومقاميا" [الفرقان" ]76 :سياءت مسيتقرا ومقاميا" [الفرقان" .]66 :كيل فيي كتاب ميبين"
أي في اللوح المحفوظ.
**3الية{ 7 :وهو الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم
أيكييم أحسيين عمل ولئن قلت إنكييم مبعوثون ميين بعييد الموت ليقولن الذييين كفروا إن هذا إل سييحر
مبين}
@قوله تعالى" :وهيو الذي خلق السيماوات والرض فيي سيتة أيام" تقدم فيي "العراف" بيانيه
والحميد ل" .وكان عرشيه على الماء" بيين أن خلق العرش والماء قبيل خلق الرض والسيماء .قال
كعب :خلق ال ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة ال تعالى؛ فلذلك
يرتعد الماء إلى الن وإن كان ساكنا ،ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ،ثم وضع العرش على
الماء .وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس :إنه سئل عن قوله عز وجل" :وكان عرشه على الماء"
فقال :على أي شييء كان الماء؟ قال :على متين الرييح .وروى البخاري عين عمران بين حصيين.
قال :كنيت عنيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذ جاءه قوم مين بنيي تمييم فقال( :اقبلوا البشرى بابنيي
تميم) قالوا :بشرتنا فأعطنا [مرتين] فدخل ناس من أهل اليمن فقال( :اقبلوا البشرى يا أهل اليمن
إذ لم يقبلها بنو تميم) قالوا :قبلنا ،جئنا لنتفقه في الدين ،ولنسألك عن هذا المر ما كان؟ قال( :كان
ال ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والرض وكتب فيي الذكر كل
شيء) ثم أتاني رجل فقال :يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت ،فانطلقت أطلبها فإذا هي يقطع دونها
السراب؛ وايم ال لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم.
@قوله تعالى" :ليبلوكم أيكم أحسن عمل" أي خلق ذلك ليبتلي عباده بالعتبار والستدلل على
كمال قدرتيه وعلى البعيث .وقال قتادة :معنيى "أيكيم أحسين عمل" "أيكيم" أتيم عقل .وقال الحسين
وسفيان الثوري :أيكم أزهد في الدنيا .وذكر أن عيسى عليه السلم مر برجل نائم فقال :يا نائم قم
فتعبيد ،فقال ييا روح ال قيد تعبدت ،فقال (وبيم تعبدت)؟ قال :قيد تركيت الدنييا لهلهيا؛ قال :نيم فقيد
فقت العابيد بن الضحاك :أيكم أكثير شكرا .مقاتل :أيكم أتقى ل .ابن عباس :أيكم أعمل بطاعة ال
عيز وجيل .وروي عين ابين عمير أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم" :أيكيم أحسين عمل" قال( :أيكيم
أحسيين عقل وأورع عيين محارم ال وأسييرع فييي طاعيية ال) فجمييع القاويييل كلهييا ،وسيييأتي فييي
"الكهيف" هذا أيضيا إن شاء ال تعالى .وقيد تقدم معنيى البتلء" .ولئن قلت إنكيم مبعوثون" أي
دللت ييا محميد على البعيث" .مين بعيد الموت" وذكرت ذلك للمشركيين لقالوا :هذا سيحر .وكسيرت
(إن) لنهيا بعيد القول مبتدأة .وحكيى سييبويه الفتيح" .ليقولن الذيين كفروا" فتحيت اللم لنيه فعيل
متقدم ل ضميير فييه ،وبعده "ليقولن" لن فييه ضميرا .و"سيحر" أي غرور باطيل ،لبطلن السيحر
عندهم .وقرأ حمزة والكسائي "إن هذا إل سحر مبين" كناية عن النبي صلى ال عليه وسلم.
**3اليية{ 8 :ولئن أخرنيا عنهيم العذاب إلى أمية معدودة ليقولن ميا يحبسيه أل يوم يأتيهيم لييس
مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}
@قوله تعالى" :ولئن أخرنيا عنهيم العذاب إلى أمية معدودة" اللم فيي "لئن" للقسيم ،والجواب
"ليقولن" .ومعنيى "إلى أمية" إلى أجيل معدود وحيين معلوم؛ فالمية هنيا المدة؛ قاله ابين عباس
ومجاهيد وقتادة وجمهور المفسيرين .وأصيل المية الجماعية؛ فعيبر عين الحيين والسينين بالمية لن
المية تكون فيهيا .وقييل :هيو على حذف المضاف ،والمعنيى إلى مجييء أمية لييس فيهيا مين يؤمين
فيسيتحقون الهلك .أو إلى انقراض أمية فيهيا مين يؤمين فل يبقيى بعيد انقراضهيا مين يؤمين .والمية
اسييم مشترك يقال على ثمانييية أوجييه :فالميية تكون الجماعيية؛ كقوله تعالى" :وجييد عليييه أمية ميين
الناس" [القصيص .]23 :والمية أيضيا اتباع النيبياء عليهيم السيلم .والمية الرجيل الجاميع للخيير
الذي يقتدى بيه؛ كقوله تعالى" :إن إبراهييم كان أمية قانتيا ل حنيفيا" [النحيل .]120 :والمية الديين
والملة؛ كقوله تعالى" :إنا وجدنا آباءنا على أمة" [الزخرف .]22 :والمة الحين والزمان؛ كقوله
تعالى" :ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة" وكذلك قوله تعالى" :وادكر بعد أمة" [يوسف:
]45والمية القامية ،وهيو طول النسيان وارتفاعيه؛ يقال مين ذلك :فلن حسين المية أي القامية.
والمة الرجل المنفرد بدينه وحده ل يشركه فيه أحد؛ قال النبي صلى ال عليه وسلم( :يبعث زيد
بن عمرو بن نفيل أمة وحده) .والمة الم؛ يقال :هذه أمة زيد ،يعني أم زيد.
"ليقولن ميا يحبسيه" يعنيي العذاب؛ وقالوا هذا إميا تكذيبيا للعذاب لتأخره عنهيم ،أو اسيتعجال
واستهزاء؛ أي ما الذي يحبسه عنا" .أل يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم" قيل :هو قتل المشركين
ببدر؛ وقتييل جبريييل المسييتهزئين على مييا يأتييي" .وحاق بهييم" أي نزل وأحاط" .مييا كانوا بييه
يستهزئون" أي جزاء ما كانوا به يستهزئون ،والمضاف محذوف.
**3اليتان{ 10 - 9 :ولئن أذقنيا النسيان منيا رحمية ثيم نزعناهيا منيه إنيه ليؤوس كفور ،ولئن
أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور}
@قوله تعالى" :ولئن أذقنيا النسيان" النسيان اسيم شائع للجنيس فيي جمييع الكفار .ويقال :إن
النسان هنا الوليد بن المغيرة وفيه نزلت .وقيل :في عبدال بن أبي أمية المخزومي" .رحمة" أي
نعمية" .ثيم نزعناهيا منيه" أي سيلبناه إياهيا" .إنيه ليؤوس" أي يائس مين الرحمية" .كفور" للنعيم
جاحيد لهيا؛ قال ابين العرابيي .النحاس" :ليؤوس" مين يئس ييأس ،وحكيى سييبويه يئس ييئس على
فعل يفعل ،ونظير حسب يحسب ونعم ينعم ،ويأس ييئس؛ وبعضهم يقول :يئس ييئس؛ ول يعرف
فيي الكلم [العربيي] إل هذه الربعية الحرف مين السيالم جاءت .على فعيل يفعيل؛ وفيي واحيد منهيا
اختلف .وهو يئس و"يؤوس" على التكثير كفخور للمبالغة.
@قوله تعالى" :ولئن أذقناه نعماء" أي صيحة ورخاء وسعة في الرزق" .بعد ضراء مسته" أي
بعيد ضير وفقير وشدة" .ليقولن ذهيب السييئات عنيي" أي الخطاييا التيي تسيوء صياحبها مين الضير
والفقر" .إنه لفرح فخور" أي يفرح ويفخر بما ناله من السعة وينسى شكر ال عليه؛ يقال :رجل
فاخيير إذا افتخيير -وفخور للمبالغيية -قال يعقوب القارئ :وقرأ بعييض أهييل المدينيية (لفرح) بضييم
الراء كما يقال :رجل فطن وحذر وندس .ويجوز في كلتا اللغتين السكان لثقل الضمة والكسرة.
**3الية{ 11 :إل الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير}
@قوله تعالى" :إل الذيين صيبروا وعملوا الصيالحات" يعنيي المؤمنيين ،مدحهيم بالصيبر على
الشدائد .وهو في موضع نصب .قال الخفش :هو استثناء ليس من الول؛ أي لكن الذين صبروا
وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة .وقال ،الفراء :هو استثناء من "ولئن أذقناه" أي من
النسيان ،فإن النسيان بمعنيى الناس ،والناس يشميل الكافير والمؤمين؛ فهيو اسيتثناء متصيل وهيو
حسن" .أولئك لهم مغفرة" ابتداء وخبر "وأجر" معطوف" .كبير" صفة.
**3الية{ 12 :فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لول أنزل عليه
كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير وال على كل شيء وكيل}
@قوله تعالى" :فلعلك تارك بعيض ميا يوحيى إلييك" أي فلعلك لعظييم ميا تراه منهيم مين الكفير
والتكذيب تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه .وقيل :إنهم لما قالوا" :لول أنزل عليه كنز
أو جاء معيه ملك" هيم أن يدع سيب آلهتهيم فنزلت هذه اليية؛ فالكلم معناه السيتفهام؛ أي هيل أنيت
تارك ما فيه سب آلهتهم كما سألوك؟ وتأكد عليه المر في البلغ؛ كقوله" :يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك" [المائدة .]67 :وقيل :معنى الكلم النفي مع استبعاد؛ أي ل يكون منك ذلك،
بل تبلغهم كل ما أنزل إليك؛ وذلك أن مشركي مكة قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم لو أتيتنا بكتاب
ليييس فيييه سييب آلهتنييا لتبعناك ،فهييم النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أن يدع سييب آلهتهييم؛ فنزلت.
"وضائق بيه صيدرك" عطيف على "تارك" و"صيدرك" مرفوع بيه ،والهاء فيي "بيه" تعود على
"ما" أو على بعض ،أو على التبليغ ،أو التكذيب .وقال" :ضائق" ولم يقل ضيق ليشاكل "تارك"
الذي قبله؛ ولن الضائق عارض ،والضييق ألزم منه" .أن يقولوا" فيي موضع نصب؛ أي كراهيية
أن يقولوا ،أو لئل يقولوا كقوله" :يبين ال لكم أن تضلوا" [النساء ]176 :أي لئل تضلوا .أو لن
يقولوا" .لول" أي هل "أنزل علييه كنيز أو جاء معيه ملك" يصيدقه؛ قاله عبدال بين أبيي أميية بين
المغيرة المخزومي؛ "إنما أنت نذير" فقال ال تعالى :يا محمد إنما عليك أن تنذرهم ،ل بأن تأتيهم
بما يقترحونه من اليات" .وال على كل شيء وكيل" أي حافظ وشهيد.
**3اليية{ 13 :أم يقولون افتراه قيل فأتوا بعشير سيور مثله مفتريات وادعوا مين اسيتطعتم مين
دون ال إن كنتم صادقين}
@قوله تعالى" :أم يقولون افتراه" "أم" بمعنيى بيل ،وقيد تقدم فيي "يونيس" أي قيد أزحيت علتهيم
وإشكالهييم فييي نبوتييك بهذا القرآن ،وحججتهييم بييه؛ فإن قالوا :افتريتييه -أي اختلقتييه -فليأتوا بمثله
مفترى بزعمهم" .وادعوا من استطعتم من دون ال" أي من الكهنة والعوان.
**3اليية{ 14 :فإن لم يسيتجيبوا لكيم فاعلموا أنميا أنزل بعلم ال وأن ل إله إل هيو فهيل أنتيم
مسلمون}
@قوله تعالى" :فإلم يسيتجيبوا لكيم" "فإن لم يسيتجيبوا لكيم" أي فيي المعارضية ولم تتهييأ لهيم فقيد
قاميت عليهيم الحجية؛ إذ هيم اللسين البلغاء ،وأصيحاب اللسين الفصيحاء" .فاعلموا أنميا أنزل بعلم
ال" واعلموا صدق محمد صلى ال عليه وسلم" ،و" اعلموا "أن ل إله إل هو فهل أنتم مسلمون"
اسيتفهام معناه المير .وقيد تقدم القول فيي معنيى هذه اليية ،وأن القرآن معجيز فيي مقدمية الكتاب.
والحميد ل .وقال" :قيل فأتوا" وبعده" .فإن لم يسيتجيبوا لكيم" ولم يقيل لك؛ فقييل :هيو على تحوييل
المخاطبة من الفراد ،إلى الجمع تعظيما وتفخيما؛ وقد يخاطب الرئيس بما يخاطب به الجماعة.
وقييل :الضميير فيي "لكيم" وفيي "فاعلموا" للجمييع ،أي فليعلم للجمييع "أنميا أنزل بعلم ال"؛ قاله
مجاهيد .وقييل :الضميير فيي "لكيم" وفيي "فاعلموا" للمشركيين؛ والمعنيى :فإن لم يسيتجب لكيم مين
تدعونه إلى المعاونة؛ ول تهيأت لكم المعارضة "فاعلموا أنما أنزل بعلم ال" .وقيل :الضمير في
"لكم" للنبي صلى ال عليه وسلم وللمؤمنين ،وفي "فاعلموا" للمشركين.
**3الييية{ 15 :ميين كان يريييد الحياة الدنيييا وزينتهييا نوف إليهييم أعمالهييم فيهييا وهييم فيهييا ل
يبخسون}
@قوله تعالى" :من كان" كان زائدة ،ولهذا جزم بالجواب فقال" :نوف إليهم" قاله الفراء .وقال
الزجاج" :من كان" في موضع جزم بالشرط ،وجوابه "نوف إليهم" أي من يكن يريد؛ والول في
اللفظ ماضي والثاني مستقبل ،كما قال زهير:
ولو رام أسباب السماء بسلم ومن هاب أسباب المنية يلقها
واختلف العلماء فييي تأويييل هذه الييية؛ فقيييل :نزلت فييي الكفار؛ قال الضحاك ،واختاره النحاس؛
بدليل الية التي بعدها "أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار" [هود ]16 :أي من أتى منهم
بصيلة رحيم أو صيدقة نكافئه بهيا فيي الدنييا ،بصيحة الجسيم ،وكثرة الرزق ،لكين ل حسينة له فيي
الخرة .وقيد تقدم هذا المعنيى فيي "براءة" مسيتوفى .وقييل :المراد باليية المؤمنون؛ أي مين أراد
بعمله ثواب الدنيييا عجييل له الثواب ولم ينقييص شيئا فييي الدنيييا ،وله فييي الخرة العذاب لنييه جرد
قصيده إلى الدنييا ،وهذا كميا قال صيلى ال علييه وسيلم( :إنميا العمال بالنيات) فالعبيد إنميا يعطيي
على وجيه قصيده ،وبحكيم ضميره؛ وهذا أمير متفيق علييه فيي الميم بيين كيل ملة .وقييل :هيو لهيل
الرياء؛ وفي الخبر أنه يقال لهل الرياء( :صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد
قيل ذلك) ثم قال( :إن هؤلء أول من تسعر بهم النار) .رواه أبو هريرة ،ثم بكى بكاء شديدا وقال:
صدق رسول ال صلى ال عليه وسلم" ،من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" وقرأ اليتين ،خرجه
مسيلم [فيي صيحيحه] بمعناه والترمذي أيضيا .وقييل :اليية عامية فيي كيل مين ينوي بعمله غيير ال
تعالى ،كان معه أصل إيمان أو لم يكن؛ قال مجاهد وميمون بن مهران ،وإليه ذهب معاوية رحمه
ال تعالى .وقال ميمون بن مهران :ليس أحيد يعميل حسينة إل وفي ثوابهيا؛ فإن كان مسيلما مخلصيا
وفيي فيي الدنييا والخرة ،وإن كان كافرا وفيي الدنييا .وقييل :مين كان يرييد [الدنييا] بغزوه ميع النيبي
صيلى ال علييه وسيلم وفيهيا ،أي وفيي أجير الغزاة ولم ينقيص منهيا؛ وهذا خصيوص والصييحيح
العموم.
@ قال بعض العلماء :معنى هذه الية قوله عليه السلم( :إنما العمال بالنيات) وتدلك هذه الية
على أن من صام في رمضان ل عن رمضان ل يقع عن رمضان ،وتدل على أن من توضأ للتبرد
والتنظف ل يقع قربة عن جهة الصلة ،وهكذا كل ما كان في معناه.
@ ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الية مطلقة؛ وكذلك الية التي في "الشورى" "من كان يريد
حرث الخرة نزد له فييي حرثيه ومين كان يرييد حرث الدنييا نؤتيه منهيا" [الشورى ]20 :اليية.
وكذلك "ومين يرد ثواب الدنييا نؤتيه منهيا" [آل عمران ]145 :قيدهيا وفسيرها التيي فيي "سيبحان"
"من كان يرييد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نرييد" [السراء ]18 :إلى قوله" :محظورا"
[السراء ]20 :فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد وال سبحانه يحكم ما يريد ،وروى الضحاك
عن ابن عباس رضي ال عنهما (في قوله" :من كان يريد الحياة الدنيا" أنها منسوخة بقوله" :من
كان يريد العاجلة") [السراء .]18 :والصحيح ما ذكرناه؛ وأنه من باب الطلق والتقييد؛ ومثله
قوله" :وإذا سييألك عبادي عنييي فإنييي قريييب أجيييب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة ]186 :فهذا
ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائما على كل حال ،وليس كذلك؛ لقوله تعالى" :فيكشف ما تدعون
إلييه إن شاء" [النعام ]41 :والنسييخ فييي الخبار ل يجوز؛ لسيتحالة تبدل الواجبات العقليية،
ولسييتحالة الكذب على ال تعالى فأمييا الخبار عيين الحكام الشرعييية فيجوز نسييخها على خلف
فيه ،على ما هو مذكور في الصول؛ ويأتي في "النحل" بيانه إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 16 :أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا
يعملون}
@قوله تعالى" :أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار" إشارة إلى التخليد ،والمؤمن ل يخلد؛
لقوله تعالى" :إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفير ميا دون ذلك" [النساء ]48 :الية .فهيو محمول
على ميا لو كانيت .موافاة هذا المرئي على الكفير .وقييل :المعنيى لييس لهيم إل النار فيي أيام معلومية
ثييم يخرج؛ إمييا بالشفاعيية ،وإمييا بالقبضيية .والييية تقتضييي الوعيييد بسييلب اليمان؛ وفييي الحديييث
الماضيي يرييد الكفير وخاصية الرياء ،إذ هيو شرك على ميا تقدم بيانيه فيي "النسياء" ويأتيي فيي آخير
"الكهف"" .وباطل ما كانوا يعملون ابتداء وخبر ،قال أبو حاتم :وحذف الهاء؛ قال النحاس :هذا ل
يحتاج إلى حذف؛ لنيه بمعنيى المصيدر؛ أي وباطيل عمله .وفيي حرف أبيي وعبدال "وباطل ميا
كانوا يعملون" وتكون "ما" زائدة؛ أي وكانوا يعملون باطل.
**3اليية{ 17 :أفمين كان على بينية مين ربيه ويتلوه شاهيد منيه ومين قبله كتاب موسيى إماميا
ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده فل تك في مرية منه إنه الحق
من ربك ولكن أكثر الناس ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :أفمن كان على بينة من ربه" ابتداء والخبر محذوف؛ أي أفمن كان على بينة من
ربه في اتباع النبي صلى ال عليه وسلم ومعه من الفضل ما يتبين به كغيره ممن يريد الحياة الدنيا
وزينتهيا؟ ! عين علي بين الحسيين والحسين بين أبيي الحسين .وكذلك قال ابين زييد إن الذي على بينية
هيو مين اتبيع النيبي صيلى ال علييه وسيلم" .ويتلوه شاهيد منيه" مين ال ،وهيو النيبي صيلى ال علييه
وسلم .وقيل المراد بقوله "أفمن كان على بينة من ربه" النبي صلى ال عليه وسلم والكلم راجع
إلى قوله" :وضائق به صدرك" [هود]12 :؛ أي أفمن كان معه بيان من ال ،ومعجزة كالقرآن،
ومعيه شاهيد كجبرييل -على ميا يأتيي -وقيد بشرت به الكتيب السيالفة يضييق صيدره بالبلغ ،وهيو
يعلم أن ال ل يسلمه .والهاء في "ربه" تعود عليه ،وقوله" :ويتلوه شاهد منه" وروى عكرمة عن
ابين عباس (أنيه جبرييل)؛ وهيو قول مجاهيد والنخعيي .والهاء فيي "منيه" ل عيز وجيل؛ أي ويتلو
البيان والبرهان شاهييد ميين ال عييز وجييل .وقال مجاهييد :الشاهييد ملك ميين ال عييز وجييل يحفظييه
ويسدده .وقال الحسن البصري وقتادة :الشاهد لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم .قال محمد بن
علي بين الحنفيية :قلت لبيي أنيت الشاهيد؟ فقال :وددت أن أكون أنيا هيو ،ولكنيه لسيان رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :هيو علي بين أبيي طالب؛ روي عين ابين عباس أنيه قال( :هيو علي بين
أبي طالب)؛ وروي عن علي أنه قال( :ما من رجل من قريش إل وقد أنزلت فيه الية واليتان؛
فقال له رجيل :أي شييء نزل فييك؟ فقال علي" :ويتلوه شاهيد منيه") .وقييل :الشاهيد صيورة رسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم ووجهيه ومخائله؛ لن مين كان له فضيل وعقيل فنظير إلى النيبي صيلى ال
علييه وسيلم علم أنيه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فالهاء على هذا ترجيع إلى النيبي صيلى ال
عليه وسلم ،على قول ابن زيد وغيره .وقيل :الشاهد القرآن فيي نظمه وبلغته ،والمعاني الكثيرة
منيه في اللفظ الواحيد؛ قال الحسيين بن الفضيل ،فالهاء فيي "منه" للقرآن .وقال الفراء قال بعضهيم:
"ويتلوه شاهد منه" النجيل ،وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق؛ والهاء في "منه" ل عز
وجيل .وقييل :البينية معرفية ال التيي أشرقيت لهيا القلوب ،والشاهيد الذي يتلوه العقيل الذي ركيب فيي
دماغه وأشرق صدره بنوره" .ومن قبله" أي من قبل النجيل" .كتاب موسى" رفع بالبتداء ،قال
أبييو إسييحاق الزجاج والمعنييى ويتلوه ميين قبله كتاب موسييى؛ لن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم
موصيوف فيي كتاب موسيى "يجدونيه مكتوبيا عندهيم فيي التوراة والنجييل" [العراف]157 :
وحكيى أبيو حاتيم عين بعضهيم أنيه قرأ "ومين قبله كتاب موسيى" بالنصيب؛ وحكاهيا المهدوي عين
الكلبيي؛ يكون معطوفيا على الهاء فيي "يتلوه" والمعنيى :ويتلو كتاب موسيى جبرييل علييه السيلم؛
وكذلك قال ابين عباس رضيي ال عنهميا؛ المعنيى مين قبله (تل جبرييل كتاب موسيى على موسيى).
ويجوز على ما ذكره ابن عباس أيضا من هذا القول أن يرفع "كتاب" على أن يكون المعنى :ومن
قبله كتاب موسيى كذلك؛ أي تله جبرييل على موسيى كميا تل القرآن على محميد" .إماميا" نصيب
على الحال" .ورحمة" معطوف" .أولئك يؤمنون به" إشارة إلى بني إسرائيل ،أي يؤمنون بما في
التوراة من البشارة بك؛ وإنما كفر بك هؤلء المتأخرون فهم الذين موعدهم النار؛ حكاه القشيري.
والهاء فيي "بيه" يجوز أن تكون للقرآن ،ويجوز أن تكون للنيبي صيلى ال علييه وسيلم" .ومين يكفير
بيه" أي بالقرآن أو بالنيبي علييه السيلم" .مين الحزاب" يعنيي مين الملل كلهيا؛ عين قتادة؛ وكذا قال
سيعيد بين جيبير" :الحزاب" أهيل الديان كلهيا؛ لنهيم يتحازبون .وقييل :قرييش وحلفاؤهيم" .فالنار
موعده" أي هو من أهل النار؛ وأنشد حسان:
فالنار موعدها والموت لقيها أوردتموها حياض الموت ضاحية
وفي صحيح مسلم من حديث أبي يونس عن النبي صلى ال عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده ل
يسمع بي أحد من هذه المة يهودي ول نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إل كان من
أصحاب النار)" .فل تكن في مرية" أي في شك".
@قوله تعالى" :منيه" أي مين القرآن" .إنيه الحيق مين ربيك" أي القرآن من ال؛ قاله مقاتيل .وقال
الكلبيي :المعنيى فل تيك فيي مريية فيي أن الكافيير فييي النار" .إنيه الحيق" أي القول الحيق الكائن؛
والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد جميع المكلفين.
**3اليتان{ 19 - 18 :ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول
الشهاد هؤلء الذيين كذبوا على ربهيم أل لعنية ال على الظالميين ،الذيين يصيدون عين سيبيل ال
ويبغونها عوجا وهم بالخرة هم كافرون}
@قوله تعالى" :ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا" أي ل أحد أظلم منهم لنفسهم لنهم افتروا
على ال كذبيييا؛ فأضافوا كلميييه إلى غيره؛ وزعموا أن له شريكيييا وولدا ،وقالوا للصييينام هؤلء
شفعاؤنا عند ال" .أولئك يعرضون على ربهم" أي يحاسبهم على أعمالهم "ويقول الشهاد" يعني
الملئكية الحفظة؛ عن مجاهد وغيره؛ وقال سفيان :سيألت العمش عن (الشهاد) فقال :الملئكة.
الضحاك :هيم النيبياء والمرسيلون؛ دليله قوله" :فكييف إذا جئنيا مين كيل أمية بشهييد وجئنيا بيك على
هؤلء شهيدا" [النسياء .]41 :وقييل :الملئكية والنيبياء والعلماء الذيين بلغوا الرسيالت .وقال
قتادة :عن الخلئق أجمع .وفي صحيح مسلم من حديث صفوان بن محرز عن ابن عمر عن النبي
صيلى ال علييه وسيلم ،وفييه قال( :وأميا الكفار والمنافقون فينادى بهيم على رؤوس الخلئق هؤلء
الذييين كذبوا على ال)" .أل لعنيية ال على الظالمييين" أي بعده وسييخطه وإبعاده ميين رحمتييه على
الذين وضعوا العبادة في غير موضعها..
@قوله تعالى" :الذيين يصيدون عين سيبيل ال" يجوز أن تكون "الذيين" فيي موضيع خفيض نعتيا
للظالمين ،ويجوز أن تكون في موضع رفع؛ أي هم الذين .وقيل :هو ابتداء خطاب من ال تعالى؛
أي هم الذين يصدون أنفسهم وغيرهم عن اليمان والطاعة" .ويبغونها عوجا" أي يعدلون بالناس
عنها إلى المعاصي والشرك" .وهم بالخرة هم كافرون" أعاد لفظ "هم" تأكيدا.
**3اليية{ 20 :أولئك لم يكونوا معجزيين فيي الرض وميا كان لهيم مين دون ال مين أولياء
يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون}
@قوله تعالى" :أولئك لم يكونوا معجزين في الرض" أي فائتين من عذاب ال .وقال ابن عباس:
لم يعجزوني أن آمر الرض فتنخسف بهم" .وما كان لهم من دون ال من أولياء" يعني أنصارا،
و"مين" زائدة .وقييل" :ميا" بمعنيى الذي تقديره :أولئك لم يكونوا معجزيين ،ل هيم ول الذيين كانوا
لهيم مين أولياء مين دون ال؛ وهيو قول ابين عباس رضيي ال عنهميا" .يضاعيف لهيم العذاب" أي
على قدر كفرهم ومعاصيهم" .ما كانوا يستطيعون السمع" "ما" في موضع نصب على أن يكون
المعنيى :بميا كانوا يسيتطيعون السيمع" .وميا كانوا يبصيرون" ولم يسيتعملوا ذلك فيي اسيتماع الحيق
وإبصياره .والعرب تقول :جزيتيه ميا فعيل وبميا فعيل؛ فيحذفون الباء مرة ويثبتونهيا أخرى؛ وأنشيد
سيبويه:
فقد تركتك ذا مال وذا نشب أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
ويجوز أن تكون "ميا" ظرفيا ،والمعنيى :يضاعيف لهيم أبدا ،أي وقيت اسيتطاعتهم السيمع والبصير،
وال سيبحانه يجعلهيم فيي جهنيم مسيتطيعي ذلك أبدا .ويجوز أن تكون "ميا" نافيية ل موضيع لهيا؛ إذ
الكلم قد تم قبلها ،والوقف على العذاب كاف؛ والمعنى :ما كانوا يستطيعون في الدنيا أن يسمعوا
سيمعا ينتفعون بيه ،ول أن يبصيروا إبصيار مهتيد .قال الفراء :ميا كانوا يسيتطيعون السيمع؛ لن ال
أضلهيم فيي اللوح المحفوظ .وقال الزجاج :لبغضهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم وعداوتهيم له ل
يسييتطيعون أن يسييمعوا منييه ول يفقهوا عنييه .قال النحاس :وهذا معروف فييي كلم العرب؛ يقال:
فلن ل يستطيع أن ينظر إلى فلن إذا كان ذلك ثقيل عليه.
**3اليتان{ 22 - 21 :أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ،ل جرم أنهم
في الخرة هم الخسرون}
@قوله تعالى" :أولئك الذيين خسيروا أنفسهم" ابتداء وخيبر" .وضيل عنهم ما كانوا يفترون" أي
ضاع عنهم افتراؤهم وتلف" .ل جرم" للعلماء فيها أقوال؛ فقال الخليل وسيبويه" :ل جرم" بمعنى
حيق ،فيي "ل" و"جرم" عندهميا كلمية واحدة ،و"أن" عندهميا فيي موضيع رفيع؛ وهذا قول الفراء
ومحمد بن يزيد؛ حكاه النحاس .قال المهدوي :وعن الخليل أيضا أن معناها لبد ول محالة ،وهو
قول الفراء أيضييا؛ ذكره الثعلبييي .وقال الزجاج" :ل" هييا هنييا نفييي وهييو رد لقولهييم :إن الصيينام
تنفعهييم؛ كأن المعنييى ل ينفعهييم ذلك ،وجرم بمعنييى كسييب؛ أي كسييب ذلك الفعييل لهييم الخسييران،
وفاعيل كسيب مضمير ،و"أن" منصيوبة بجرم ،كميا تقول كسيب جفاؤك زيدا غضبيه علييك؛ وقال
الشاعر:
بما جرمت يداه وما اعتدينا نصبنا رأسه في جذع نخل
أي بميا كسيبت .وقال الكسيائي :معنيى "ل جرم" ل صيد ول منيع عين أنهيم .وقييل :المعنيى ل قطيع
قاطع ،فحذف الفاعل حين كثر استعماله؛ والجرم القطع؛ وقد جرم النخل واجترمه أي صرمه فهو
جارم ،وقوم وجرم وجرام وهذا زميين الجرام والجرام ،وجرمييت صييوف الشاة أي جززتييه ،وقييد
جرمت منه أي أخذت منه؛ مثل جلمت الشيء جلما أي قطعت ،وجلمت الجزور أجلمها جلما إذا
أخذت ميا على عظامهيا مين اللحيم ،وأخذت الشييء بجلمتيه -سياكنة اللم -إذا أخذتيه أجميع ،وهذه
جلمة الجزور -بالتحريك -أي لحمها أجمع؛ قاله الجوهري .قال النحاس :وزعم الكسائي أن فيها
أربيع لغات :ل جرم ،ول عين ذا جرم؛ ول أن ذا جرم ،قال :وناس مين فزارة يقولون :ل جرأنهيم
بغييير ميييم .وحكييى الفراء فيييه لغتييين أخريييين قال :بنييو عاميير يقولون ل ذا جرم ،قال :وناس ميين
العرب .يقولون :ل جرم بضم الجيم.
**3اليية{ 23 :إن الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات وأخبتوا إلى ربهيم أولئك أصيحاب الجنية هيم
فيها خالدون}
@قوله تعالى" :إن الذييين آمنوا" "الذييين" اسييم "إن" و"آمنوا" صييلة ،أي صييدقوا" .وعملوا
الصييالحات وأخبتوا إلى ربهييم" عطييف على الصييلة .قال ابيين عباس( :أخبتوا أنابوا) .مجاهييد:
أطاعوا .قتادة :خشعوا وخضعوا .مقاتيل :أخلصيوا .الحسين :الخبات الخشوع للمخافية الثابتية فيي
القلب ،وأصيل الخبات السيتواء ،مين الخبيت وهيو الرض المسيتوية الواسيعة :فالخبات الخشوع
والطمئنان ،أو النابية إلى ال عيز وجيل المسيتمرة ذلك على اسيتواء" .إلى ربهيم" قال الفراء :إلى
ربهم ولربهم واحد ،وقد يكون المعنى :وجهوا إخباتهم إلى ربهم" .أولئك" خبر "إن".
**3الييية{ 24 :مثييل الفريقييين كالعمييى والصييم والبصييير والسييميع هيل يسييتويان مثل أفل
تذكرون}
@قوله تعالى" :مثيل الفريقيين" ابتداء ،والخيبر "كالعميى" وميا بعده .قال الخفيش :أي كمثيل
العميى .النحاس :التقديير مثيل فرييق الكافير كالعميى والصيم ،ومثيل فرييق المؤمين كالسيميع
والبصيير؛ ولهذا قال" :هيل يسيتويان" فرد إلى الفريقيين وهميا اثنان روي معناه عين قتادة وغيره.
قال الضحاك :العميى والصيم مثيل للكافير ،والسيميع والبصيير مثيل للمؤمين .وقييل :المعنيى هيل
يسيتوي العميى والبصيير ،وهيل يسيتوي الصيم والسيميع" .مثل" منصيوب على التميييز" .أفل
تذكرون" في الوصفين وتنظرون.
**3اليتان{ 26 - 25 :ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ،أن ل تعبدوا إل ال إني
أخاف عليكم عذاب يوم أليم}
@قوله تعالى" :ولقيد أرسيلنا نوحيا إلى قوميه" ذكير سيبحانه قصيص النيبياء عليهيم السيلم للنيبي
صييلى ال عليييه وسييلم تنبيهييا له على ملزميية الصييبر على أذى الكفار إلى أن يكفيييه ال أمرهييم.
"إنيي" أي فقال :إنيي؛ لن فيي الرسيال معنيى القول .وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو والكسيائي "أنيي"
بفتح الهمزة؛ أي أرسلناه بأني لكم نذير مبين .ولم يقل "إنه" لنه رجع من الغيبة إلى خطاب نوح
لقوميه؛ كميا قال" :وكتبنيا له فيي اللواح مين كيل شييء" [العراف ]145 :ثيم قال" :فخذهيا بقوة"
[العراف .]145
@قوله تعالى" :أل تعبدوا إل ال" أي اتركوا الصنام فل تعبدوها ،وأطيعوا ال وحده .ومن قرأ
"إني" بالكسير جعله معترضا في الكلم ،والمعنيى أرسلناه بأل تعبدوا إل ال" .إني أخاف عليكم
عذاب يوم أليم".
**3اليية{ 27 :فقال المل الذيين كفروا مين قوميه ميا نراك إل بشرا مثلنيا وميا نراك اتبعيك إل
الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين}
@قوله تعالى" :فقال المل" قال أبو إسحاق الزجاج :المل الرؤساء؛ أي هم مليؤون بما يقولون.
وقييد تقدم هذا فييي "البقرة" وغيرهييا" .مييا نراك إل بشرا" أي آدميييا" .مثلنييا" نصييب على الحال.
و"مثلنا" مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيه التنوين؛ كما قال الشاعر:
يا رب مثلك في النساء غريرة
@قوله تعالى" :وما نراك اتبعك إل الذين هم أراذلنا" أراذل جمع أرذل وأرذل جمع رذل؛ مثل
كلب وأكلب وأكالب .وقيييل :والراذل جمييع الرذل ،كأسيياود جمييع السييود ميين الحيات .والرذل
النذل؛ أرادوا اتبعيك أخسياؤنا وسيقطنا وسيفلتنا .قال الزجاج :نسيبوهم إلى الحياكية؛ ولم يعلموا أن
الصييناعات ل أثيير لهييا فييي الديانيية .قال النحاس :الراذل هييم الفقراء ،والذييين ل حسييب لهييم،
والخسييسو الصيناعات .وفيي الحدييث (أنهيم كانوا حاكية وحجاميين) .وكان هذا جهل منهيم؛ لنهيم
عابوا نبي ال صلى ال عليه وسلم بما ل عيب فيه؛ لن النبياء صلوات ال وسلمه عليهم ،إنما
عليهم أن يأتوا بالبراهين واليات ،وليس عليهم تغييير الصور والهيئات ،وهم يرسلون إلى الناس
جميعا ،فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لن عليهم أن يقبلوا إسلم كل من أسلم
منهم.
قلت :الراذل هنيا هيم الفقراء والضعفاء؛ كميا قال هرقيل لبيي سيفيان :أشراف الناس اتبعوه أم
ضعفاؤهييم؟ فقال :بييل ضعفاؤهييم؛ فقال :هييم أتباع الرسييل .قال علماؤنييا :إنمييا كان ذلك لسييتيلء
الرياسة على الشراف ،وصعوبة النفكاك عنها ،والنفة من النقياد للغير؛ والفقير خلي عن تلك
الموانع ،فهو سريع إلى الجابة والنقياد .وهذا غالب أحوال أهل الدنيا.
@ اختلف العلماء في تعيين السفلة على أقوال؛ فذكر ابن المبارك عن سفيان أن السفلة هم الذين
يتقلسييون ،ويأتون أبواب القضاة والسييلطين يطلبون الشهادات وقال ثعلب عيين ابيين العرابييي:
السفلة الذين يأكلون لدنيا بدينهم؛ قيل له :فمن سفلة السفلة؟ قال :الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه.
وسئل علي رضي ال عنه عن السفلة فقال :الذين إذا اجتمعوا غلبوا؛ وإذا تفرقوا لم يعرفوا .وقيل
لمالك بين أنييس رضييي ال عنيه :ميين السيفلة؟ قال :الذي يسيب الصيحابة .وروي عين ابين عباس
رضي ال عنهما( :الرذلون الحاكة والحجامون) .يحيى بن أكثم :الدباغ والكناس إذا كان من غير
العرب.
إذا قالت المرأة لزوجها :يا سَفِلة ،فقال :إن كنت منهم فأنت طالق؛ فحكى النقاش أن رجل جاء
إلى الترمذي فقال :إن امرأتي قالت لي يا سفلة ،فقلت :إن كنت سفلة فأنت طالق؛ قال الترمذي :ما
صيناعتك؟ قال :سيماك؛ قال :سيفلة وال ،سيفلة وال سيفلة .قلت :وعلى ميا ذكره ابين المبارك عين
سفيان ل تطلق ،وكذلك على قول مالك ،وابن العرابي ل يلزمه شيء.
@قوله تعالى" :بادي الرأي" أي ظاهير الرأي ،وباطنهيم على خلف ذلك .يقال :بدا يبدو .إذا
ظهر؛ كما قال:
فاليوم حين بدون للنظار
ويقال للبرية بادية لظهورها .وبدا لي أن أفعل كذا ،أي ظهر لي رأي غير الول .وقال الزهري:
معناه فيميا يبدو لنيا مين الرأي .ويجوز أن يكون "بادي الرأي" مين بدأ يبدأ وحذف الهمزة .وحقيق
أبييييو عمرو الهمزة فقرأ" :بادئ الرأي" أي أول الرأي؛ أي اتبعوك حييييين ابتدؤوا ينظرون ،ولو
أمعنوا النظيير والفكيير لم يتبعوك؛ ول يختلف المعنييى ههنييا بالهمييز وترك الهمييز .وانتصييب على
حذف "في" كما قال عز وجل" :واختار موسى قومه" [العراف" .]155 :وما نرى لكم علينا
مين فضيل" أي فيي اتباعيه؛ وهذا جحيد منهيم لنبوتيه صيلى ال علييه وسيلم "بيل نظنكيم كاذبيين"
الخطاب لنوح ومن آمن معه.
**3اليية{ 28 :قال ييا قوم أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي وآتانيي رحمية مين عنده فعمييت
عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}
@قوله تعالى" :قال ييا قوم أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي" أي على يقيين؛ قاله أبيو عمران
الجونيي .وقييل :على معجزة؛ وقيد تقدم فيي "النعام" هذا المعنيى" .وآتانيي رحمية مين عنده" أي
نبوة ورسالة؛ عن ابين عباس؛ (وهيي رحمية على الخلق) .وقيل :الهداية إلى ال بالبراهيين .وقيل:
باليمان والسيلم" .فعمييت عليكيم" أي عمييت عليكيم الرسيالة والهدايية فلم تفهموهيا .يقال :عمييت
عن كذا ،وعمي علي كذا أي لم أفهمه .والمعنى :فعميت الرحمة؛ فقيل :هو مقلوب؛ لن الرحمة ل
تعميى إنميا يعميى عنهيا؛ فهيو كقولك :أدخلت فيي القلنسيوة رأسيي ،ودخيل الخيف فيي رجلي .وقرأهيا
العميش وحمزة والكسيائي "فعمييت" بضيم العيين وتشدييد المييم على ميا لم يسيم فاعله ،أي فعماهيا
ال عليكم؛ وكذا في قراءة أبي "فعماها" ذكرها الماوردي" .أنلزمكموها" قيل :شهادة أن ل إله إل
ال .وقيل :الهاء ترجع إلى الرحمة .وقيل :إلى البينة؛ أي أنلزمكم قبولها ،وأوجبها عليكم؟ ! وهو
استفهام بمعنى النكار؛ أي ل يمكنني أن أضطركم إلى المعرفة بها؛ وإنما قصد نوح عليه السلم
بهذا القول أن يرد عليهم .وحكى الكسائي والفراء "أنلزمكموها" بإسكان الميم الولى تخفيفا؛ وقد
أجاز مثل هذا سيبويه ،وأنشد:
إثما من ال ول واغل فاليوم أشرب غير مستحقب
وقال النحاس :ويجوز على قول يونيييس [فيييي غيييير القرآن] أنلزمكمهيييا يجري المضمييير مجرى
المظهر؛ كما تقول :أنلزمكم ذلك" .وأنتم لها كارهون" أي ل يصح قبولكم لها مع الكراهة عليها.
قال قتادة :وال لو استطاع نبي ال نوح عليه السلم للزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك.
**3اليية{ 29 :وييا قوم ل أسيألكم علييه مال إن أجري إل على ال وميا أنيا بطارد الذيين آمنوا
إنهم ملقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون}
@قوله تعالى" :ويا قوم ل أسألكم عليه مال" أي على التبليغ ،والدعاء إلى ال ،واليمان به أجرا
أي "مال" فيثقييل عليكييم" .إن أجري إل على ال" أي ثوابييي فييي تبليييغ الرسييالة" .ومييا أنييا بطارد
الذين آمنوا" سألوه أن يطرد الراذل الذين آمنوا به ،كما سألت قريش النبي صلى ال عليه وسلم
أن يطرد الموالي والفقراء ،حسب ما تقدم في "النعام" بيانه؛ فأجابهم بقوله" :وما أنا بطارد الذين
آمنوا إنهييم ملقييو ربهييم" يحتمييل أن يكون قال هذا على وجييه العظام لهييم بلقاء ال عييز وجييل،
ويحتمل أن يكون قاله على وجه الختصام؛ أي لو فعلت ذلك لخاصموني عند ال ،فيجازيهم على
إيمانهم ،ويجازي من طردهم" .ولكني أراكم قوما تجهلون" في استرذالكم لهم ،وسؤالكم طردهم.
**3الية{ 30 :ويا قوم من ينصرني من ال إن طردتهم أفل تذكرون}
@قوله تعالى" :ويا قوم من ينصرني من ال" قال الفراء :أي يمنعني من عذابه" .إن طردتهم"
أي لجل إيمانهم" .أفل تتذكرون" أدغمت التاء في الذال .ويجوز حذفها فتقولَ :تذَكرون.
**3اليية{ 31 :ول أقول لكيم عندي خزائن ال ول أعلم الغييب ول أقول إنيي ملك ول أقول
للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم ال خيرا ال أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين}
@قوله تعالى" :ول أقول لكيم عندي خزائن ال ول أعلم الغييب" أخيبر بتذل وتواضعيه ل عيز
وجل ،وأنه ل يدعي ما ليس له من خزائن ال؛ وهي إنعامه على من يشاء من عباده؛ وأنه ل يعلم
الغييب؛ لن الغييب ل يعلميه إل ال عيز وجيل" .ول أقول إنيي ملك" أي ل أقول إن منزلتيي عنيد
الناس منزلة الملئكيية .وقييد قالت العلماء :الفائدة فييي الكلم الدللة على أن الملئكيية أفضييل ميين
النبياء؛ لدوامهم على الطاعة ،واتصال عباداتهم إلى يوم القيامة ،صلوات ال عليهم أجمعين .وقد
تقدم هذا المعنييى فييي "البقرة"" .ول أقول للذي تزدري أعينكيييم" أي تسييتثقل وتحتقيير أعينكييم؛
والصل تزدريهيم حذفت الهاء والمييم لطول السيم .والدال مبدلة من تاء؛ لن الصيل فيي تزدري
تزتري ،ولكييين التاء تبدل بعيييد الزاي دال؛ لن الزاي مجهورة والتاء مهموسييية ،فأبدل مييين التاء
حرف مجهور من مخرجها .ويقال :أزريت عليه إذا عبته .وزريت عليه إذا حقرته .وأنشد الفراء:
حليلته وينهره الصغير يباعده الصديق وتزدريه
@قوله تعالى" :لن يؤتيهم ال خيرا" أي ليس لحتقاركم لهم تبطل أجورهم ،أو ينقص ثوابهم.
@قوله تعالى" :ال أعلم بما في أنفسهم" فيجازيهم عليه ويؤاخذهم به" .إني إذا لمن الظالمين" أي
إن قلت هذا الذي تقدم ذكره .و"إذا" ملغاة؛ لنها متوسطة.
**3الية{ 32 :قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}
@قوله تعالى" :قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" أي خاصمتنا فأكثرت خصومتنا وبالغت
فيهيا .والجدل فيي كلم العرب المبالغية فيي الخصيومة؛ مشتيق مين الجدل وهيو شدة الفتيل؛ ويقال
للصقر أيضا أجدل لشدته في الطير؛ وقد مضى هذا المعنى في "النعام" بأشبع من هذا .وقرأ ابن
عباس "فأكثرت جدلنا" ذكره النحاس .والجدل في الدين محمود؛ ولهذا جادل نوج والنبياء قومهم
حتيى يظهير الحيق ،فمين قبله أنجيح وأفلح ،ومين رده خاب وخسير .وأميا الجدال لغيير الحيق حتيى
يظهير الباطيل فيي صيورة الحيق فمذموم ،وصياحبه فيي الداريين ملوم" .فأتنيا بميا تعدنيا" أي مين
العذاب" .إن كنت من الصادقين" في قولك.
**3الية{ 33 :قال إنما يأتيكم به ال إن شاء وما أنتم بمعجزين}
@قوله تعالى" :قال إنما يأتيكم به ال إن شاء" أي إن أراد إهلككم عذبكم" .وما أنتم بمعجزين"
أي بفائتين .وقيل :بغالبين بكثرتكم ،لنهم أعجبوا بذلك؛ كانوا ملؤوا الرض سهل وجبل على ما
يأتي.
**3الية{ 34 :ول ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان ال يريد أن يغويكم هو ربكم
وإليه ترجعون}
@قوله تعالى" :ول ينفعكم نصحي" أي إبلغي واجتهادي في إيمانكم" .إن أردت أن أنصح لكم"
أي لنكم ل تقبلون نصحا؛ وقد تقدم في "براءة" معنى النصح لغة".
@قوله تعالى" :إن كان ال يرييد أن يغويكيم" أي يضلكيم .وهذا مميا يدل على بطلن مذهيب
المعتزلة والقدريية ومين وافقهميا؛ إذ زعموا أن ال تعالى ل يرييد أن يعصيي العاصيي ،ول يكفير
الكافيير ،ول يغوي الغاوي؛ وأن يفعييل ذلك ،وال ل يريييد ذلك؛ فرد ال عليهييم بقوله" :إن كان ال
يريد أن يغويكم" .وقد مضى هذا المعنى في "الفاتحة" وغيرها .وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس
على ما بيناه في "العراف" في إغواء ال تعالى إياه حيث قال" :فبما أغويتني" [العراف]16 :
ول محييص لهيم عين قول نوح علييه السيلم" :إن كان ال يرييد أن يغويكيم" فأضاف إغواءهيم إلى
ال سيبحانه وتعالى؛ إذ هيو الهادي والمضيل؛ سيبحانه عميا يقول الجاحدون والظالمون علوا كيبيرا.
وقيل" :أن يغويكم" يهلككم؛ لن الضلل يفضي إلى الهلك .الطبري" :يغويكم" يهلككم بعذابه؛
حكيي عين طييء أصيبح فلن غاوييا أي مريضيا ،وأغويتيه أهلكتيه؛ ومنيه "فسيوف يلقون غييا".
[مريم" .]59 :هو ربكم" فإليه الغواء ،وإليه الهداية" .وإليه ترجعون" تهديد ووعيد.
**3الية{ 35 :أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون}
@قوله تعالى" :أم يقولون افتراه" يعنون النيبي صيلى ال علييه وسيلم .افترى أفتعيل؛ أي اختلق
القرآن من قبل نفسه ،وما أخبر به عن نوح وقومه؛ قال مقاتل .وقال ابن عباس( :هو من محاورة
نوح لقومه) وهو أظهر؛ لنه ليس قبله ول بعده إل ذكر نوح وقومه؛ فالخطاب منهم ولهم" .قل إن
افتريتيه" أي اختلقتيه وافتعلتيه ،يعنيي الوحيي والرسيالة" .فعلي إجراميي" أي عقاب إجراميي ،وإن
كنيت محقيا فيميا أقوله فعليكيم عقاب تكذييبي .والجرام مصيدر أجرم؛ وهيو اقتراف السييئة .وقييل
المعنى :أي جزاء جرمي وكسبي .وجرم وأجرم بمعنى؛ عن النحاس وغيره .قال:
بما جرمت يدي وجنى لساني طريد عشيرة ورهين جرم
ومن قرأ "أجرامي" بفتح الهمزة ذهب إلى أنه جمع جرم؛ وذكره النحاس أيضا" .وأنا بريء مما
تجرمون" أي من الكفر والتكذيب.
**3اليية{ 36 :وأوحيي إلى نوح أنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد آمين فل تبتئس بميا كانوا
يفعلون}
@قوله تعالى" :وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن" "أنه" في موضع رفع
على أنيه اسييم ميا لم يسييم فاعله .ويجوز أن يكون فيي موضيع نصيب ،ويكون التقدييير :بيي "أنيه".
و"آمن" في موضع نصب بي "يؤمن" ومعنى الكلم الياس من إيمانهم ،واستدامة كفرهم ،تحقيقا
لنزول الوعييد بهيم .قال الضحاك :فدعيا عليهيم لميا أخيبر بهذا فقال" :رب ل تذر على الرض مين
الكافرين ديارا" [نوح ]26 :اليتين .وقيل :إن رجل من قوم نوح حمل ابنه على كتفه ،فلما رأى
الصبي نوحا قال لبيه :اعطني حجرا؛ فأعطاه حجرا ،ورمى به نوحا عليه السلم فأدماه؛ فأوحى
ال تعالى إليه "أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن"" .فل تبتئس بما كانوا يفعلون" أي فل تغتم
بهلكهم حتى تكون بائسا؛ أي حزينا .والبؤس الحزن؛ ومنه قول الشاعر:
فلم أبتئس والرزء فيه جليل وكم من خليل أو حميم رزئته
يقال :ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه .والبتئاس حزن في استكانة.
**3الية{ 37 :واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ول تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}
@قوله تعالى" :واصينع الفلك بأعيننيا ووحينيا" أي اعميل السيفينة لتركبهيا أنيت ومين آمين معيك.
"بأعيننا" أي بمرأى منا وحيث نراك .وقال الربيع بن أنس :بحفظنا إياك حفظ من يراك .وقال ابن
عباس رضي ال عنهما( :بحراستنا)؛ والمعنى واحد؛ فعبر عن الرؤية بالعين؛ لن الرؤية تكون
بهيا .ويكون جميع العيين للعظمية ل للتكثيير؛ كميا قال تعالى" :فنعيم القادرون" [المرسيلت]23 :
"فنعيم الماهدون" "وإنيا لموسيعون" [الذاريات .]47 :وقيد يرجيع معنيى العيين فيي هذه اليية
وغيرها إلى معنى عين؛ كما قال" :ولتصنع على عيني" وذلك كله عبارة عن الدراك والحاطة،
وهيو سيبحانه منزه عين الحواس والتشيبيه والتكيييف؛ ل رب غيره .وقييل :المعنيى "بأعيننيا" أي
بأعيين ملئكتنيا الذيين جعلناهيم عيونيا على حفظيك ومعونتيك؛ فيكون الجميع على هذا التكثيير على
بابيه .وقييل" :بأعيننيا" أي بعلمنيا؛ قاله مقاتيل :وقال الضحاك وسيفيان" :بأعيننيا" بأمرنيا .وقييل:
بوحينيا .وقييل :بمعونتنيا لك على صينعها" .ووحينيا" أي على ميا أوحينيا إلييك ،مين صينعتها" .ول
تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" أي ل تطلب إمهالهم فإني مغرقهم.
**3الية{ 38 :ويصنع الفلك وكلما مر عليه مل من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا
نسخر منكم كما تسخرون}
@قوله تعالى" :ويصينع الفلك" أي وطفيق يصينع .قال زييد بين أسيلم :مكيث نوح صيلى ال علييه
وسيلم مائة سينة يغرس الشجير ويقطعهيا وييبسيها ،ومائة سينة يعملهيا .وروى ابين القاسيم عين ابين
أشرس عين مالك قال :بلغنيي أن قوم نوح ملؤوا الرض ،حتيى ملؤوا السيهل والجبيل ،فميا يسيتطيع
هؤلء أن ينزلوا إلى هؤلء ،ول هؤلء أن يصيييعدوا إلى هؤلء فمكيييث نوح يغرس الشجييير مائة
عام لعميل السيفينة ،ثيم جمعهيا ييبسيها مائة عام ،وقوميه يسيخرون؛ وذلك لميا رأوه يصينع مين ذلك،
حتيى كان مين قضاء ال فيهيم ميا كان .وروي عين عمرو بين الحارث قال :عميل نوح سيفينته ببقاع
دمشيق ،وقطيع خشبهيا مين جبيل لبنان .وقال ،القاضيي أبيو بكير بين العربيي :لميا اسيتنقذ ال سيبحانه
وتعالى من فيي الصيلب والرحام من المؤمنين أوحيى ال إليه" .أنيه لن يؤمن مين قومك إل من
قيد آمين" "فاصينع الفلك" قال :ييا رب ميا أنيا بنجار ،قال" :بلى فإن ذلك بعينيي" فأخيذ القدوم فجعله
بيده ،وجعلت يده ل تخطييئ ،فجعلوا يمرون بييه ويقولون :هذا الذي يزعييم أنييه نييبي صييار نجارا؛
فعملها في أربعين سنة.
وحكيى الثعلبيي وأبيو نصير القشيري عين ،ابين عباس قال( :اتخيذ نوح السيفينة فيي سينتين) .زاد
الثعلبيي :وذلك لنيه لم يعلم كييف صينعة الفلك ،فأوحيى ال إلييه أن اصينعها كجؤجيؤ الطائر .وقال
كعيب :بناهيا فيي ثلثيين سينة ،وال أعلم .المهدوي :وجاء فيي الخيبر أن الملئكية كانيت تعلميه كييف
يصينعها .واختلفوا فيي طولهيا وعرضهيا؛ فعين ابين عباس رضيي ال عنهميا (كان طولهيا ثلثمائة
ذراع ،وعرضهيا خمسيون ،وسيمكها ثلثون ذراعيا؛ وكانيت مين خشيب السياج) .وكذا قال الكلبيي
وقتادة وعكرمييية كان طولهيييا ثلثمائة ذراع ،والذراع إلى المنكيييب .قال سيييلمان الفارسيييي .وقال
الحسن البصري :إن طول السفينة ألف ذراع ومائتا ذراع ،وعرضها ستمائة ذراع .وحكاه الثعلبي
فييي كتاب العرائس .وروى علي بيين زيييد عيين يوسييف بيين مهران عيين ابيين عباس قال( :قال
الحواريون لعيسيى علييه السيلم :لو بعثيت لنيا رجل شهيد السيفينة يحدثنيا عنهيا ،فانطلق بهيم حتيى
انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب ،قال أتدرون ما هذا؟ قالوا :ال ورسوله أعلم.
قال :هذا كعييب حام بيين نوح قال فضرب الكثيييب بعصيياه وقال :قييم بإذن ال فإذا هييو قائم ينفييض
التراب مين رأسيه ،وقيد شاب؛ فقال له عيسيى :أهكذا هلكيت؟ قال :ل بيل ميت وأنيا شاب ،ولكننيي
ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت .قال :أخبرنا عن سفينة نوح؟ قال :كان طولها ألف ذراع ومائتي
ذراع ،وعرضهيا سيتمائة ذراع ،وكانيت ثلث طبقات ،طبقية فيهيا الدواب والوحيش ،وطبقية فيهيا
النيس ،وطبقية فيهيا الطيير .وذكير باقيي الخيير على ميا يأتيي ذكره إن شاء ال تعالى) .وقال الكلبيي
فيما حكاه النقاش :ودخل الماء فيها أربعة أذرع ،وكان لها ثلثة أبواب؛ باب فيه السباع والطير،
وباب فيييه الوحييش ،وباب فيييه الرجال والنسيياء .ابيين عباس جعلهييا ثلث بطون؛ البطيين السييفل
للوحوش والسباع والدواب ،والوسط للطعام والشراب ،وركب هو في البطن العلى ،وحمل معه
جسد آدم عليه السلم معترضا ببن الرجال والنساء ،ثم دفنه بعد ببيت المقدس؛ وكان إبليس معهم
فييي الكوثييل .وقيييل :جاءت الحييية والعقرب لدخول السييفينة فقال نوح :ل أحملكمييا؛ لنكمييا سييبب
الضرر والبلء ،فقالتييا :احملنييا فنحيين نضميين لك أل نضيير أحدا ذكرك؛ فميين قرأ حييين يخاف
مضرتهميا "سيلم على نوح فيي العالميين" [الصيافات ]79 :لم تضراه؛ ذكره القشيري وغيره.
وذكر الحافظ ابن عساكر في التاريخ له مرفوعا من حديث أبي أمامة قال قال رسول ال صلى ال
عليييه وسييلم( :ميين قال حييين يمسييي صييلى ال على نوح وعلى نوح السييلم لم تلدغييه عقرب تلك
الليلة) .قوله تعالى" :وكلما" ظرف" .مر عليه مل من قومه سخروا منه" قال الخفش والكسائي
يقال :سخرت به ومنه .وفي سخريتهم منه قولن :أحدهما :أنهم كانوا يرونه يبني سفينته في البر،
فيسخرون به ويستهزئون ويقولون :يا نوح صرت بعد النبوة نجارا .الثاني :لما رأوه يبني السفينة
ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا :يا نوح ما تصنع؟ قال :أبني بيتا يمشي على الماء؛ فعجبوا من
قوله وسييخروا منييه .قال ابيين عباس( :ولم يكيين فييي الرض قبييل الطوفان نهيير ول بحيير)؛ فلذلك
سيخروا منيه؛ ومياه البحار هيي بقيية الطوفان" .إن تسيخروا منيا فإنيا" أي مين فعلنيا اليوم عنيد بناء
السييفينة" .فإنييا نسييخر منكييم" غدا عنييد الغرق .والمراد بالسييخرية هنييا السييتجهال؛ ومعناه إن
تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلونا.
**3الية{ 39 :فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم}
@قوله تعالى" :فسييوف تعلمون ميين يأتيييه عذاب يخزيييه" تهديييد ،و"ميين" متصييلة بيي "سييوف
تعلمون" و"تعلمون" هنييا ميين باب التعدييية إلى مفعول؛ أي فسييوف تعلمون الذي يأتيييه العذاب.
ويجوز أن تكون "مين" اسيتفهامية؛ أي أينيا يأتييه العذاب؟ .وقييل" :مين" فيي موضيع رفيع بالبتداء
و"يأتيه" الخبر ،و"يخزيه" صفة لي "عذاب" .وحكى الكسائي :أن أناسا من أهل الحجاز يقولون:
سو تعلمون؛ وقال من قال" :ستعلمون" أسقط الواو والفاء جميعا .وحكى الكوفيون :سف تعلمون؛
ول يعرف البصيريون إل سيوف تفعيل ،وسيتفعل لغتان ليسيت إحداهميا مين الخرى "ويحيل علييه"
أي يجب عليه وينزل به" .عذاب مقيم" أي دائم ،يريد عذاب الخرة.
**3الية{ 40 :حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إل
من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إل قليل}
@قوله تعالى" :حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور" اختلف في التنور على أقوال سبعة :الول :أنه
وجييه الرض ،والعرب تسييمي وجييه الرض تنورا؛ قاله ابيين عباس وعكرميية والزهري وابيين
عيينية؛ وذلك أنيه قييل له :إذا رأييت الماء على وجيه الرض فاركيب أنيت ومين معيك .الثانيي :أنيه
تنور الخبيز الذي يخبيز فييه؛ وكان تنورا مين حجارة؛ وكان لحواء حتيى صيار لنوح؛ فقييل له :إذا
رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك .وأنبع ال الماء من التنور ،فعلمت به امرأته
فقالت :يييا نوح فار الماء ميين التنور؛ فقال :جاء وعييد ربييي حقييا .هذا قول الحسيين؛ وقال مجاهييد
وعطية عن ابن عباس .الثالث :أنه موضع اجتماع الماء في السفينة؛ عن الحسن أيضا.
الرابيع :أنيه طلوع الفجير ،ونور الصيبح؛ مين قولهيم :نور الفجير تنويرا؛ قاله علي بين أبيي طالب
رضيي ال عنيه .الخاميس :أنيه مسيجد الكوفية؛ قاله علي بين أبيي طالب أيضيا؛ وقال مجاهيد .قال
مجاهيد :كان ناحيية التنور بالكوفية .وقال :اتخيذ نوح السيفينة فيي جوف مسيجد الكوفية ،وكان التنور
على يميين الداخيل مميا يلي كندة .وكان فوران الماء منيه علميا لنوح ،ودليل على هلك قوميه .قال
الشاعر وهو أمية:
صار فوق الجبال حتى علها فار تنورهم وجاش بماء
السادس :أنه أعالي الرض ،والمواضع المرتفعة منها؛ قاله قتادة .السابع :أنه العين التي بالجزيرة
"عين الوردة" رواه عكرمة .وقال مقاتل :كان ذلك تنور آدم ،وإنما كان بالشام بموضع يقال له:
"عيين وردة" وقال ابين عباس أيضيا( :فار تنور آدم بالهنيد) .قال النحاس :وهذه القوال ليسيت
بمتناقضيية؛ لن ال عييز وجييل أخبرنييا أن الماء جاء ميين السييماء والرض؛ قال" :ففتحنييا أبواب
السماء بماء منهمر .وفجرنا الرض عيونا" [القمر .]12 - 11:فهذه القوال تجتمع في أن ذلك
كان علمة .والفوران الغليان .والتنور اسم أعجمي عربته العرب ،وهو على بناء فعل؛ لن أصل
بنائه تنيير ،وليييس فييي كلم العرب نون قبييل راء .وقيييل :معنييى "فار التنور" التمثيييل لحضور
العذاب؛ كقولهيم :حميي الوطييس إذا اشتدت الحرب .والوطييس التنور .ويقال :فارت قدر القوم إذا
اشتد حربهم؛ قال شاعرهم:
وقدر القوم حامية تفور تركتم قدركم ل شيء فيها
@قوله تعالى" :قلنيا احميل فيهيا مين كيل زوجيين اثنيين" يعنيي ذكرا وأنثيى؛ لبقاء أصيل النسيل بعيد
الطوفان .وقرأ حفص "من كل زوجين اثنين" بتنوين "كل" أي من كل شيء زوجين .والقراءتان
ترجعان إلى معنيى واحيد :شييء معيه آخير ل يسيتغني عنيه .ويقال للثنيين :هميا زوجان ،فيي كيل
اثنين ل يستغني أحدهما عن صاحبه؛ فإن العرب تسمي كل واحد منهما زوجا يقال :له زوجا نعل
إذا كان له نعلن .وكذلك عنده زوجييييا حمام ،وعليييييه زوجييييا قيود؛ قال ال تعالى" :وأنييييه خلق
الزوجين الذكر والنثى"[ .النجم .]45 :ويقال للمرأة هي زوج الرجل ،وللرجل هو زوجها .وقد
يقال للثنييين همييا زوج ،وقييد يكون الزوجان بمعنييى الضربييين ،والصيينفين ،وكييل ضرب يدعييى
زوجيا؛ قال ال تعالى" :وأنبتيت مين كيل زوج بهييج" [الحيج ]5 :أي مين كيل لون وصينف .وقال
العشى:
أبو قدامة محبو بذاك معا وكل زوج من الديباج يلبسه
أراد كييل ضرب ولون .و"وميين كييل زوجييين" فييي موضييع نصييب بي ي "احمييل"" .اثنييين" تأكيييد.
"وأهلك" أي وأحمل أهلك" .إل من" "من" في موضع نصب بالستثناء" .عليه القول" منهم أي
بالهلك؛ وهو ابنه كنعان وامرأته واعلة كانا كافرين" .ومن آمن" قال الضحاك وابن جريج :أي
احميل مين آمين بيي ،أي مين صيدقك؛ فيي "مين" فيي موضيع نصيب بيي "احميل"" .وميا آمين معيه إل
قلييل" قال ابين عباس رضيي ال عنهميا( :آمين مين قوميه ثمانون إنسيانا ،منهيم ثلثية مين بنييه؛ سيام
وحام ويافث ،وثلث كنائن له .ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية وهي اليوم تدعى قرية الثمانين
بناحيية الموصيل) .وورد فيي الخيبر أنيه كان فيي السيفينة ثمانيية أنفيس؛ نوح وزوجتيه غيير التيي
عوقبت ،وبنوه الثلثة وزوجاتهم؛ وهو قول قتادة والحكم بن عتيبة وابن جريج ومحمد بن كعب؛
فأصياب حام امرأتيه فيي السيفينة ،فدعيا نوح ال أن يغيير نطفتيه فجاء بالسيودان .قال عطاء :ودعيا
نوح على حام أل يعدو شعير أولده آذانهيم ،وأنهيم حيثميا كان ولده يكونون عيبيدا لولد سيام ويافيث.
وقال العمش :كانوا سبعة؛ نوح وثلث كنائن وثلثة بنين؛ وأسقط امرأة نوح .وقال ابن إسحاق:
كانوا عشرة سوى نسائهم؛ نوح وبنوه سام وحام ويافث ،وستة أناس ممن كان آمن به ،وأزواجهم
جميعيا .و"قلييل" رفيع بآمين ،ول يجوز نصيبه على السيتثناء ،لن الكلم قبله لم يتيم ،إل أن الفائدة
فيي دخول "إل" و"ميا" لنيك لو قلت :آمين معيه فلن وفلن جاز أن يكون غيرهيم قيد أمين؛ فإذا
جئت بما وإل ،أوجبت لما بعد إل ونفيت عن غيرهم.
**3الية{ 41 :وقال اركبوا فيها بسم ال مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم}
@قوله تعالى" :وقال اركبوا فيهيا" أمير بالركوب؛ ويحتميل أن يكون مين ال تعالى ،ويحتميل أن
يكون مين نوح لقوميه .والركوب العلو على ظهير الشييء .ويقال :ركبيه الديين .وفيي الكلم حذف؛
أي اركبوا الماء في السفينة .وقيل :المعنى اركبوها .و"في" للتأكيد كقوله تعالى" :إن كنتم للرؤيا
تعيبرون" [يوسيف ]43 :وفائدة "فيي" أنهيم أمروا أن يكونوا فيي جوفهيا ل على ظهرهيا .قال
عكرمية :ركيب نوح علييه السيلم فيي الفلك لعشير خلون مين رجيب ،واسيتوت على الجودي لعشير
خلون من المحرم؛ فذلك ستة أشهر؛ وقال قتادة وزاد؛ وهو يوم عاشوراء؛ فقال لمن كان معه :من
كان صيائما فليتيم صيومه ،ومين لم يكين صيائما فليصيمه .وذكير الطيبري فيي هذا حديثيا عين النيبي
صلى ال عليه وسلم (أن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب ،وصام الشهر أجمع ،وجرت
بهم السفينة إلى يوم عاشوراء ،ففيه أرست على الجودي ،فصامه نوح ومن معه) .وذكر الطبري
عين ابين إسيحاق ميا يقتضيي أنيه أقام على الماء نحيو السينة ،ومرت بالبييت فطافيت بيه سيبعا ،وقيد
رفعه ال عن الغرق فلم ينله غرق ،ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجودي فاستوت عليه.
@قوله تعالى" :بسم ال مُجراها ومُرساها" قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة بضم الميم فيهما
إل من شذ ،على معنى بسم ال إجراؤها وإرساؤها؛ فمجراها ومرساها في موضع رفع بالبتداء؛
ويجوز أن تكون فيي موضيع نصيب ،ويكون التقديير :بسيم ال وقيت إجرائهيا ثيم حذف وقيت ،وأقييم
"مجراهيا" مقاميه .وقرأ العميش وحمزة والكسيائي" :بسيم ال مَجريهيا" بفتيح المييم و"مُرسياها"
بضم الميم .وروى يحيى بن عيسى عن العمش عن يحيى بن وثاب "بسم ال مَجراها ومَرساها"
بفتح الميم فيهما؛ على المصدر من جرت تجري جريا ومجرى ،ورست رسوا ومرسى إذا ثبتت.
وقرأ مجاهييد وسييليمان بيين جندب وعاصييم الجحدري وأبييو رجاء العطاردي" :بسييم ال مُجريهييا
ومُرسييها" نعيت ل عيز وجيل فيي موضيع جير .ويجوز أن يكون فيي موضيع رفيع على إضمار
مبتدأ؛ أي هييو مجريهييا ومرسيييها .ويجوز النصييب على الحال .وقال الضحاك .كان نوح عليييه
السيلم إذا قال بسيم ال مجراهيا جرت ،وإذا قال بسيم ال مرسياها رسيت .وروى مروان بين سيالم
عين طلحية بين عبدال بين كرييز عين الحسيين بين علي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :أمان
لمتيي مين الغرق إذا ركبوا فيي الفلك بسيم ال الرحمين الرحييم "وميا قدروا ال حيق قدره والرض
جميعييا قبضتييه يوم القيامية والسيماوات مطويات بيمينيه سييبحانه وتعالى عمييا يشركون" [الزميير:
" ]67بسم ال مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم" .وفي هذه الية دليل ،على ذكر البسملة
عند ابتداء كل فعل؛ كما بيناه في البسملة؛ والحمد ل.
@قوله تعالى" :إن ربي لغفور رحيم" أي لهل السفينة .وروي عن ابن عباس قال( :لما كثرت
الرواث والقذار أوحييى ال إلى نوح اغمييز ذنييب الفيييل ،فوقييع منييه خنزييير وخنزيرة فأقبل على
الروث؛ فقال نوح :لو غمزت ذنب هذا الخنزير! ففعل ،فخرج منه فأر وفأرة فلما وقعا أقبل على
السفينة وحبالها تقرضها ،وتقرض المتعة والزواد حتى خافوا عل حبال السفينة؛ فأوحى ال إلى
نوح أن امسح جبهة السد فمسحها ،فخرج منها سنوران فأكل الفئرة .ولما حمل السد في السفينة
قال :يييا رب ميين أييين أطعمييه؟ قال :سييوف أشغله؛ فأخذتييه الحمييى؛ فهييو الدهيير محموم .قال ابيين
عباس( :وأول ما حمل نوح من البهائم في الفلك حمل الوزة ،وآخر ما حمل حمل الحمار)؛ قال:
وتعلق إبلييس بذنبيه ،ويداه قيد دخلتيا فيي السيفينة ،ورجله خارجية بعيد فجعيل الحمار يضطرب ول
يسيتطيع أن يدخيل ،فصياح بيه نوح :ادخيل ويلك فجعيل يضطرب؛ فقال :ادخيل ويلك وإن كان معيك
الشيطان ،كلمة زلت على لسيانه ،فدخيل ووثيب الشيطان فدخيل .ثيم إن نوحيا رآه يغنيي فيي السيفينة،
فقال له :ييا لعيين ميا أدخلك بيتيي؟ قال :أنيت أذنيت لي؛ فذكير له؛ فقال له :قيم فأخرج .قال :مالك بيد
فيي أن تحملنيي معيك ،فكان فيميا يزعمون فيي ظهير الفلك .وكان ميع نوح علييه السيلم خرزتان
مضيئتان ،واحدة مكان الشمييس ،والخرى مكان القميير .ابيين عباس( :إحداهمييا بيضاء كييبياض
النهار ،والخرى سيوداء كسواد الليل)؛ فكان يعرف بهميا مواقيت الصلة؛ فإذا أمسوا غلب سواد
هذه بياض هذه ،وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد هذه؛ على قدر الساعات.
**3اليية{ 42 :وهيي تجري بهيم فيي موج كالجبال ونادى نوح ابنيه وكان فيي معزل ييا بنيي
اركب معنا ول تكن مع الكافرين}
@قوله تعالى" :وهي تجري بهم في موج كالجبال" الموج جمع موجة؛ وهي ما ارتفع من جملة
الماء الكثيير عنيد اشتداد الرييح .والكاف للتشيبيه ،وهيي فيي موضيع خفيض نعيت للموج .وجاء فيي
التفسيير أن الماء جاوز كيل شييء بخمسية عشير ذراعيا" .ونادى نوح ابنيه" قييل :كان كافرا واسيمه
كنعان .وقيل :يام .ويجوز على قول سيبويه" :ونادى نوح ابن هُ" بحذف الواو من "ابنه" في اللفظ،
وأنشد:
له زجل كأنه صوت حاد
فأميا "ونادى نوح ا ْبنَهَي وَكان" فقراءة شاذة ،وهيي مرويية عين علي بين أبيي طالب كرم ال وجهيه،
وعروة بين الزبيير .وزعيم أبيو حاتيم أنهيا تجوز على أنيه يرييد "ابنهيا" فحذف اللف كميا تقول:
"ابنه"؛ فتحذف الواو .وقال النحاس :وهذا الذي قال أبو حاتم ل يجوز على مذهب سيبويه؛ لن
اللف خفيفيية فل يجوز حذفهييا ،والواو ثقيلة يجوز حذفهييا "وكان فييي معزل" أي ميين دييين أبيييه.
وقيل :عن السفينة .وقيل :إن نوحا لم يعلم أن ابنه كان كافرا ،وأنه ظن أنه مؤمن؛ ولذلك قال له:
"ول تكين ميع الكافريين" وسييأتي .وكان هذا النداء مين قبيل أن يسيتيقن القوم الغرق؛ وقبيل رؤيية
اليأس ،بل كان في أول ما فار التنور ،وظهرت العلمة لنوح .وقرأ عاصم" :يا بني اركب معنا"
بفتح الياء ،والباقون بكسيرها .وأصل "يا بني" أن تكون بثلث ياءات؛ ياء التصغير ،وياء الفعل،
وياء الضافية؛ فأدغميت ياء التصيغير فيي لم الفعيل ،وكسيرت لم الفعيل مين أجيل ياء الضافية،
وحذفيت ياء الضافية لوقوعهيا موقيع التنويين ،أو لسيكونها وسيكون الراء فيي هذا الموضيع؛ هذا
أصيل قراءة مين كسير الياء ،وهيو أيضيا أصيل قراءة مين فتيح؛ لنيه قلب ياء الضافية ألفيا لخفية
اللف ،ثيم حذف اللف لكونهيا عوضيا مين حرف يحذف ،أو لسيكونها وسيكون الراء .قال النحاس:
أمييا قراءة عاصييم فمشكلة؛ قال أبييو حاتييم :يريييد يييا بنياه ثييم يحذف؛ قال النحاس :رأيييت علي بيين
سيليمان يذهيب إلى أن هذا ل يجوز؛ لن اللف خفيفية .قال أبيو جعفير النحاس :ميا علميت أن أحدا
مين النحوييين جوز الكلم فيي هذا إل أبيا إسيحاق؛ فإنيه زعيم أن الفتيح مين جهتيين ،والكسير مين
جهتين؛ فالفتح على أنه يبدل من الياء ألفا؛ قال ال عز وجل إخبارا" :يا ويلتا" [هود ]72 :وكما
قال الشاعر:
فيا عجبا من رحلها المتحمل
فيرييد ييا بنييا ،ثيم تحذف اللف ،للتقاء السياكنين ،كميا تقول :جاءنيي عبدا ال فيي التثنيية .والجهية
الخرى أن تحذف اللف؛ لن النداء موضييع حذف .والكسيير على أن تحذف الياء للنداء .والجهيية
الخرى على أن تحذفها للتقاء الساكنين.
**3الية{ 43 :قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال ل عاصم اليوم من أمر ال إل من
رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
@قوله تعالى" :قال سآوي" أي ارجع وانضم" .إلى جبل يعصمني" أي يمنعني "من الماء" فل
أغرق" .قال ل عاصييم اليوم ميين أميير ال" أي ل مانييع؛ فإنييه يوم حييق فيييه العذاب على الكفار.
وانتصيب "عاصيم" على التيبرئة .ويجوز "ل عاصيم اليوم" تكون ل بمعنيي لييس" .إل مين رحيم"
فيي موضيع نصيب اسيتثناء لييس مين الول؛ أي لكين مين رحميه ال فهيو يعصيمه ،قال الزجاج.
ويجوز أن يكون فيي موضيع رفيع ،على أن عاصيما بمعنيى معصيوم؛ مثيل" :ماء دافيق" [الطارق:
]6أي مدفوق؛ فالستثناء .على هذا متصل؛ قال الشاعر:
م أمسى فؤادي به فاتنا بطيء القيام رخيم الكل
أي مفتونا .وقال آخر:
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي دع المكارم ل تنهض لبغيتها
أي المطعوم المكسو .قال النحاس :ومن أحسن ما قيل فيه أن تكون "من" في موضع رفع؛ بمعنى
ل يعصم اليوم من أمر ال إل الراحم؛ أي إل ال .وهذا اختيار الطبري .ويحسن هذا أنك لم تجعل
عاصيما بمعنيى معصيوم فتخرجيه مين بابيه ،ول "إنيه" بمعنيى "لكين" "وحال بينهميا الموج" يعنيي
بين نوح وابنه" .فكان من المغرقين" قيل :إنه كان راكبا على فرس قد بطر بنفسه ،وأعجب بها؛
فلما رأى الماء جاء قال :يا أبت فار التنور ،فقال له أبوه" :يا بني اركب معنا" فما استتم المراجعة
حتى جاءت موجة عظيمة فالتقمته هو وفرسه ،وحيل بينه وبين نوح فغرق .وقيل :إنه اتخذ لنفسه
بيتيا مين زجاج يتحصين فييه مين الماء ،فلميا فار التنور دخيل فييه وأقفله علييه مين داخيل ،فلم يزل
يتغوط فيه ويبول حتى غرق بذلك .وقيل :إن الجبل الذي أوى إليه "طور سيناء".
**3اليية{ 44 :وقييل ييا أرض ابلعيي ماءك وييا سيماء أقلعييي وغييض الماء وقضييي المير
واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين}
@قوله تعالى" :وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي" هذا مجاز لنها موات .وقيل :جعل
فيها ما تميز به .والذي قال إنه مجاز قال :لو فتش كلم العرب والعجم ما وجد فيه مثل هذه الية
على حسيين نظمهييا ،وبلغيية رصييفها ،واشتمال المعانييي فيهييا .وفييي الثيير :إن ال تعالى ل يخلي
الرض مين مطير عام أو عاميين ،وأنيه ميا نزل مين السيماء ماء قيط إل بحفيظ ملك موكيل بيه إل ميا
كان مين ماء الطوفان؛ فإنيه خرج منيه ميا ل يحفظيه الملك .وذلك قوله تعالى" :إنيا لميا طغيى الماء
حملناكيم فيي الجاريية" [الحاقية ]11 :فجرت بهيم السيفينة إلى أن تناهيى المير؛ فأمير ال الماء
المنهمير مين السيماء بالمسياك ،وأمير ال الرض بالبتلع .ويقال :بلع الماء يبلعيه مثيل منيع يمنيع
وبلع يبلع مثل حمد ويحمد؛ لغتان حكاهما الكسائي والفراء .والبالوعة الموضع الذي يشرب الماء.
قال ابين العربيي :التقيى الماءان على أمير قيد قدر ،ميا كان فيي الرض وميا نزل مين السيماء؛ فأمير
ال ميا نزل مين السيماء بالقلع ،فلم تمتيص الرض منيه قطرة ،وأمير الرض بابتلع ميا خرج
منهيا فقيط .وذلك قوله تعالى" :وقييل ييا أرض ابلعيي ماءك وييا سيماء أقلعيي وغييض الماء" وقييل:
ميز ال بين الماءين ،فما كان من ماء الرض أمرها فبلعته ،وصار ماء السماء بحارا.
@قوله تعالى" :وغيض الماء" أي نقص؛ يقال :غاض الشيء وغضته أنا؛ كما يقال :نقص بنفسه
ونقصه غيره ،ويجوز "غيض" بضم الغين" .وقضي المر" أي أحكم وفرغ منه؛ يعني أهلك قوم
نوح على تمام وإحكام .ويقال :إن ال تعالى أعقيم أرحامهيم أي أرحام نسيائهم قبيل الغرق بأربعيين
سنة ،فلم يكن فيمن هلك صغير .والصحيح أنه أهلك الولدان بالطوفان ،كما هلكت الطير والسباع.
ولم يكين الغرق عقوبية للصيبيان والبهائم والطيير ،بيل ماتوا بآجالهيم .وحكيي أنيه لميا كثير الماء فيي
السيكك خشييت أم صيبي علييه؛ وكانيت تحبيه حبيا شديدا ،فخرجيت بيه إلى الجبيل ،حتيى بلغيت ثلثيه،
فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثيه ،فلما بلغها الماء استوت على الجبل؛ فلما بلغ الماء رقبتها
رفعت يديها بابنها حتى ذهب بها الماء؛ فلو رحم ال منهم أحدا لرحم أم الصبي.
@قوله تعالى" :واسيتوت على الجودي وقييل بعدا للقوم الظالميين" أي هلكيا لهيم .الجودي جبيل
بقرب الموصل؛ استوت عليه في العاشر من المحرم يوم عاشوراء؛ فصامه نوح وأمر جميع من
معه من الناس والوحش والطير والدواب وغيرها فصاموه ،شكرا ل تعالى؛ وقد تقدم هذا المعنى.
وقييل :كان ذلك يوم الجمعية .وروي أن ال تعالى أوحيى إلى الجبال أن السيفينة ترسيي على واحيد
منها فتطاولت ،وبقي الجودي لم يتطاول تواضعا ل ،فاستوت السفينة عليه :وبقيت عليه أعوادها.
وفي الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه المة) .وقال
مجاهييد :تشامخييت الجبال وتطاولت لئل ينالهييا الغرق؛ فعل الماء فوقهييا خمسيية عشيير ذراعييا،
وتطامن الجودي ،وتواضع لمر ال تعالى فلم يغرق ،ورست السفينة عليه .وقد قيل :إن الجودي
اسم لكل جبل ،ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل.
وقبلنا سبح الجودي والجمد سبحانه ثم سبحانا يعود له
ويقال :إن الجودي مين جبال الجنية؛ فلهذا اسيتوت علييه .ويقال :أكرم ال ثلثية جبال بثلثية نفير:
الجودي بنوح ،وطور سيناء بموسى ،وحراء بمحمد صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين.
[مسألة] :لما تواضع الجودي وخضع عز ،ولما ارتفع غيره واستعلى ذل ،وهذه سنة ال في خلقه،
يرفع من تخشع ،ويضع من ترفع؛ ولقد أحسن القائل:
منا إليك فعزها في ذلها وإذا تذللت الرقاب تخشعا
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال :كانت ناقة للنبي صلى ال عليه وسلم تسمى
العضباء؛ وكانيت ل تسيبق؛ فجاء أعرابيي على قعود فسيبقها ،فاشتيد ذلك على المسيلمين؛ وقالوا:
سبقت العضباء! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (إن حقا على ال أل يرفع شيئا من الدنيا إل
وضعه) .وخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ما نقصت صدقة
مين مال وميا زاد ال عبدا بعفيو إل عزا وميا تواضيع أحيد ل إل رفعيه ال) .وقال صيلى ال علييه
وسييلم( :إن ال أوحييى إلي أن تواضعوا حتييى ل يبغييي أحييد على أحييد ول يفخيير أحييد على أحييد).
خرجه البخاري.
مسيألة :نذكير فيهيا مين قصية نوح ميع قوميه وبعيض ذكير السيفينة .ذكير الحافيظ ابين عسياكر فيي
التارييخ له عين الحسين :أن نوحيا أول رسيول بعثيه ال إلى أهيل الرض؛ فذلك قوله تعالى" :ولقيد
أرسيلنا نوحيا إلى قوميه فلبيث فيهيم ألف سينة إل خمسيين عاميا" [العنكبوت ]14 :وكان قيد كثرت
فيهيييم المعاصيييي ،وكثرت الجبابرة وعتوا عتوا كيييبيرا ،وكان نوح يدعوهيييم ليل ونهارا ،سيييرا
وعلنيية ،وكان صيبورا حليميا ،ولم يلق أحيد مين النيبياء أشيد مميا لقيي نوح ،فكانوا يدخلون علييه
فيخنقونه حتى يترك وقيذا ،ويضربونه في المجالس ويطرد ،وكان ل يدعو على من يصنع به بل
يدعوهم ويقول" :رب اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون" فكان ل يزيدهم ذلك إل فرارا منه ،حتى أنه
ليكلم الرجيل منهيم فيلف رأسيه بثوبيه ،ويجعيل أصيبعيه فيي أذنييه لكيل يسيمع شيئا مين كلميه ،فذلك
قوله تعالى" :وإنيي كلميا دعوتهيم لتغفير لهيم جعلوا أصيابعهم فيي آذانهيم واسيتغشوا ثيابهيم" [نوح:
.]7وقال مجاهيد وعبييد بين عميير :كانوا يضربونيه حتيى يغشيى علييه فإذا أفاق قال" :رب اغفير
لقوميي فأنهيم ل يعلمون" .وقال ابين عباس( :إن نوحيا كان يضرب ثيم يلف فيي لبيد فيلقيى فيي بيتيه
يرون أنيه قيد مات ،ثيم يخرج فيدعوهيم؛ حتيى إذا يئس مين إيمان قوميه جاءه رجيل معيه ابنيه وهيو
يتوكأ على عصا؛ فقال :يا بني أنظر هذا الشيخ ل يغرنك ،قال :يا أبت أمكني من العصا ،فأمكنه
فأخذ العصا ثم قال :ضعني في الرض فوضعه ،فمشى إليه بالعصا فضربه فشجه شجة موضحة
فيي رأسيه ،وسيالت الدماء؛ فقال نوح" :رب قيد ترى ميا يفعيل بيي عبادك فإن ييك لك فيي عبادك
خيريية فاهدهيم وإن ييك غيير ذلك فصيبرني إلى أن تحكيم وأنيت خيير الحاكميين" فأوحيى ال إلييه
وآيسه من إيمان قومه ،وأخبره أنه لم يبق في أصلب الرجال ول في أرحام النساء مؤمن)؛
قال" :وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن فل تبتئس بما كانوا يفعلون"؛ أي ل
تحزن عليهم" .واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" قال :يا رب وأين الخشب؟ قال :اغرس الشجر .قال:
فغرس السياج عشريين سينه ،وكيف عين الدعاء ،وكفوا عين السيتهزاء .وكانوا يسيخرون منيه؛ فلميا
أدرك الشجر أمره ربه فقطعها وجففها :فقال :يا رب كيف أتخذ هذا البيت؟ قال :اجعله على ثلثة
صور؛ رأسه كرأس الديك ،وجؤجؤه كجؤجؤ الطير ،وذنبه كذنب الديك؛ واجعلها مطبقة واجعل
لها أبوابا في جنبها ،وشدها بدسر ،يعني مسامير الحديد .وبعث ال جبريل فعلمه صنعة السفينة،
وجعلت يده ل تخطييئ .قال ابين عباس( :كانييت دار نوح عليييه السيلم دمشييق ،وأنشيأ سيفينته ميين
خشييب لبنان بييين زمزم وبيين الركين والمقام) ،فلمييا كملت حمييل فيهييا السييباع والدواب فييي الباب
الول ،وجعيل الوحيش والطيير فيي الباب الثانيي ،وأطبيق عليهميا وجعيل أولد آدم أربعيين رجل
وأربعيين امرأة فيي الباب العلى وأطبيق عليهيم ،وجعيل الذر معيه فيي الباب العلى لضعفهيا أل
تطأها الدواب.
قال الزهري :إن ال عز وجل بعث ريحا فحمل إليه من كل زوجين اثنين؛ من السباع والطير
والوحيش والبهائم .وقال جعفير بين محميد :بعيث ال جبرييل فحشرهيم ،فجعيل يضرب بيدييه على
الزوجيين فتقيع يده اليمنيى على الذكير واليسيرى على النثيى ،فيدخله السيفينة وقال زييد بين ثابيت:
استصعبت على نوح الماعزة أن تدخل السفينة ،فدفعها بيده في ذنبها؛ فمن ثم انكسر ذنبها فصار
معقوفيا وبدا حياؤهيا .ومضيت النعجية حتيى دخلت فمسيح على ،ذنبهيا فسيتر حياؤهيا؛ قال إسيحاق:
أخبرنا رجل من أهل العلم أن نوحا حمل أهل السفينة ،وجعل فيها من كل زوجين اثنين ،وحمل
مين الهدهيد زوجيين ،فماتيت الهدهدة فيي السيفينة قبيل أن تظهير الرض .فحملهيا الهدهيد فطاف بهيا
الدنييا ليصييب لهيا مكانيا ،فلم يجيد طينيا ول ترابيا ،فرحميه ربيه فحفير لهيا فيي قفاه قيبرا فدفنهيا فييه،
فذلك الرييش الناتيئ في قفا الهدهيد موضع القيبر؛ فلذلك نتأت أقفيية الهداهيد .وقال رسيول ال صيلى
ال عليه وسلم( :كان حمل نوح معه في السفينة من جميع الشجر وكانت العجوة من الجنة مع نوح
فيي السفينة) .وذكر صاحب كتاب (العروس) وغيره :أن نوحا عليه السلم لما أراد أن يبعث من
يأتيه بخبر الرض قال الدجاج :أنا؛ فأخذها وختم على جناحها وقال لها :أنت مختومة بخاتمي ل
تطيري أبدا ،أنيت ينتفيع بيك أمتيي؛ فبعيث الغراب فأصياب جيفية فوقيع عليهيا فاحتبيس فلعنيه ،ولذلك
يقتيل فيي الحيل والحرم ودعيا علييه بالخوف؛ فلذلك ل يألف البيوت .وبعيث الحمامية فلم تجيد قرارا
فوقعت على شجرة بأرض سيناء فحملت ورقة زيتونة ،ورجعت إلى نوح فعلم أنها لم تستمكن من
الرض ،ثيم بعثهيا بعيد ذلك فطارت حتيى وقعيت بوادي الحرم ،فإذا الماء قيد نضيب مين مواضيع
الكعبة ،وكانت طينتها حمراء ،فاختضبت رجلها ،ثم جاءت إلى نوح عليه السلم فقالت :بشراي
منيك أن تهيب لي الطوق فيي عنقيي ،والخضاب فيي رجلي ،وأسيكن الحرم؛ فمسيح يده على عنقهيا
وطوقهيا ،ووهيب لهيا الحمرة فيي رجليهيا ،ودعيا لهيا ولذريتهيا بالبركية .وذكير الثعلبيي أنه بعيث بعيد
الغراب التدرج وكان مييين جنيييس الدجاج؛ وقال :إياك أن تعتذر ،فأصييياب الخضرة والفرجييية فلم
يرجع ،وأخذ أولده عنده رهنا إلى يوم القيامة.
**3اليية{ 45 :ونادى نوح ربيه فقال رب إن ابنيي مين أهلي وإن وعدك الحيق وأنيت أحكيم
الحاكمين}
@قوله تعالى" :ونادى نوح ربيه" أي دعاه" .فقال رب إن ابنيي مين أهلي" أي مين أهلي الذيين
وعدتهييم أن تنجيهييم ميين الغرق؛ ففييي الكلم حذف" .وإن وعدك الحييق" يعنييي الصييدق .وقال
علماؤنيا :وإنميا سيأل نوح ربيه ابنيه لقوله" :وأهلك" وترك قوله" :إل مين سيبق علييه القول" [هود:
]40فلميا كان عنده مين أهله قال" :رب إن ابنيي مين أهلي" يدل على ذلك قوله" :ول تكين مين
الكافرين" أي ل تكن ممن لست منهم؛ لنه كان عنده مؤمنا في ظنه ،ولم يك نوح يقول لربه" :إن
ابني من أهلي" إل وذلك عنده كذلك؛ إذ محال أن يسأل هلك الكفار ،ثم يسأل فيي إنجاء بعضهم؛
وكان ابنه يسر الكفر ويظهر اليمان؛ فأخبر ال تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب؛ أي
علميت مين حال ابنيك ميا لم تعلميه أنيت .وقال الحسين :كان منافقيا؛ ولذلك اسيتحل نوح أن ينادييه.
وعنه أيضا :كان ابن امرأته؛ دليله قراءة علي "ونادى نوح ابنها"" .وأنت أحكم الحاكمين" ابتداء
وخبر .أي حكمت على قوم بالنجاة ،وعلى قوم بالغرق.
**3اليتان{ 47 - 46 :قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فل تسألن ما ليس
لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ،قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم
وإل تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}
@قوله تعالى" :قال يا نوح إنه ليس من أهلك" أي ليس ،من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم؛ قاله
سيعيد بين جيبير .وقال الجمهور :لييس مين أهيل دينيك ول وليتيك؛ فهيو على حذف مضاف؛ وهذا
يدل على أن حكيم التفاق فيي الديين أقوى من حكيم النسيب" .إنيه عميل غيير صيالح" قرأ ابين عباس
وعروة وعكرمة ويعقوب والكسائي "إنه عمل غير صالح" أي من الكفر والتكذيب؛ واختاره أبو
عبييد .وقرأ الباقون "عميل" أي ابنيك ذو عميل غيير صيالح فحذف المضاف؛ قاله الزجاج وغيره.
قال:
فإنما هي إقبال وإدبار ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
أي ذات إقبال وإدبار .وهذا القول والذي قبله يرجييييع إلى معنييييى واحييييد .ويجوز أن تكون الهاء
للسؤال؛ أي إن سؤالك إياي أن أنجيه .عمل غير صالح .قال قتادة .وقال الحسن :معنى عمل غير
صيالح أنيه ولد على فراشيه ولم يكين ابنيه .وكان لغيير رشدة ،وقال أيضيا مجاهيد .قال قتادة سيألت
الحسن عنه فقال :وال ما كان ابنه؛ قلت إن ال أخبر عن نوح أنه قال" :إن ابني من أهلي" فقال:
لم يقيل منيي ،وهذه إشارة إلى أنيه كان ابين امرأتيه مين زوج آخير؛ فقلت له :إن ال حكيى عنيه أنيه
قال" :إن ابني من أهلي" "ونادى نوح ابنه" ول يختلف أهل الكتابين أنه ابنه؛ فقال الحسن :ومن
يأخيذ دينيه عين أهيل الكتاب! إنهيم يكذبون .وقرأ" :فخانتاهميا" [التحرييم .]10 :وقال ابين جرييج:
ناداه وهييو يحسييب أنييه ابنيية ،وكان ولد على فراشييه ،وكانييت امرأتييه خانتييه فيييه ،ولهذا قال:
"فخانتاهميا" .وقال ابين عباس( :ميا بغيت امرأة نيبي قيط) ،وأنيه كان ابنيه لصيلبه .وكذلك قال
الضحاك وعكرمية وسيعيد بين جيبير وميمون بين مهران وغيرهيم ،وأنيه كان ابنيه لصيلبه .وقييل
لسعيد بن جبير يقول نوح" :إن ابني من أهلي" أكان من أهله؟ أكان ابنه؟ فسبح ال طويل ثم قال:
(ل اله إل ال! يحدث ال محمدا صلى ال عليه وسلم أنه ابنه ،وتقول إنه ليس ابنه! نعم كان ابنه؛
ولكين كان مخالفيا فيي النيية والعميل والديين ،ولهذا قال ال تعالى" :إنيه لييس مين أهلك")؛ وهذا هيو
الصيحيح فيي الباب إن شاء ال تعالى لجللة مين قال به ،وإن قوله" :إنه لييس من أهلك" لييس مميا
ينفيي عنيه أنيه ابنيه .وقوله" :فخانتاهميا" [التحرييم ]10 :يعنيي فيي الديين ل فيي الفراش ،وذلك أن
هذه كانيت تخيبر الناس أنيه مجنون ،وذلك أنهيا قالت له :أميا ينصيرك ربيك؟ فقال لهيا :نعيم .قالت:
فمتيى؟ قال :إذا فار التنور؛ فخرجيت تقول لقومهيا :ييا قوم وال إنيه لمجنون ،يزعيم أنيه ل ينصيره
ربيه إل أن يفور هذا التنور ،فهذه خيانتهيا .وخيانية الخرى أنهيا كانيت تدل على الضياف على ميا
سيأتي إن شاء ال .وال أعلم .وقيل :الولد قد يسمى عمل كما يسمى كسبا ،كما في الخبر (أولدكم
من كسبكم) .ذكره القشيري.
@ في هذه الية تسلية للخلق في فساد ابنائهم وإن كانوا صالحين .وروي أن ابن مالك بن أنس
نزل من فوق ومعه حمام قيد غطاه ،قال :فعلم مالك أنه قيد فهميه الناس؛ فقال مالك :الدب أدب ال
ل أدب الباء والمهات ،والخير خير ال ل خير الباء والمهات .وفيها أيضا دليل على أن البن
من الهل لغة وشرعا ،ومن أهل البيت؛ فمن وصى لهله دخل في ذلك ابنه ،ومن تضمنه منزله،
وهيو فيي عياله .وقال تعالى فيي آيية أخرى" :ولقيد نادانيا نوح فلنعيم المجيبون .ونجيناه وأهله مين
الكرب العظيم" [الصافات ]75 :فسمى جميع من ضمه منزله من أهله.
@ ودلت الية على قول الحسن ومجاهد وغيرهما :أن الولد للفراش؛ ولذلك قال نوح ما قال آخذا
بظاهير الفراش .وقيد روى سيفيان بين عيينية عين عمرو بين دينار أنيه سيمع عبييد بين عميير يقول:
نرى رسيول ال صيلى علييه وسيلم إنميا قضيى بالولد للفراش مين أجيل ابين نوح علييه السيلم؛ ذكره
أبو عمر في كتاب "التمهيد" .وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :الولد
للفراش وللعاهر الحجر) يريد الخيبة .وقيل :الرجم بالحجارة .وقرأ عروة بن الزبير" .ونادى نوح
ابنها" يريد ابن امرأته ،وهي تفسير القراءة المتقدمة عنه ،وعن علي رضي ال عنه ،وهي حجة
للحسن ومجاهد؛ إل أنها قراءة شاذة ،فل نترك المتفق عليها لها .وال أعلم.
@قوله تعالى" :إنيي أعظيك أن تكون مين الجاهليين" أي أنهاك عين هذا السيؤال ،وأحذرك لئل
تكون ،أو كراهيية أن تكون مين الجاهليين؛ أي الثميين .ومنيه قوله تعالى" :يعظكيم ال أن تعودوا
لمثله أبدا" [النور ]17 :أي يحذركيم ال وينهاكيم .وقييل :المعنيى أرفعيك أن تكون مين الجاهليين.
قال ابين العربيي :وهذه زيادة مين ال وموعظية يرفيع بهيا نوحيا عين مقام الجاهليين ،ويعلييه بهيا إلى
مقام العلماء والعارفيين؛ فيي "قال" نوح" :رب إنيي أعوذ بيك أن أسيألك ميا لييس لي بيه علم" اليية
وهذه ذنوب النبياء عليهم السلم ،فشكر ال تذل وتواضعه" .وإل تغفر لي" ما فرط من السؤال.
"وترحمني" أي بالتوبة" .أكن من الخاسرين" أي أعمال .فقال" :يا نوح اهبط بسلم منا".
**3الية{ 48 :قيل يا نوح اهبط بسلم منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم
ثم يمسهم منا عذاب أليم}
@قوله تعالى" :قيل يا نوح اهبط بسلم منا" أي قالت له الملئكة ،أو قال ال تعالى له :اهبط من
السفينة إلى الرض ،أو من الجبل إلى الرض؛ فقد ابتلعت الماء وجفت" .بسلم منا" أي بسلمة
وأمن .وقييل :بتحية" .وبركات علييك" أي نعم ثابتة؛ مشتيق من بروك الجميل وهو ثبوته وإقامتيه.
ومنيه البركية لثبوت الماء فيهيا .وقال ابين عباس رضيي ال عنهميا( :نوح آدم الصيغر) ،فجمييع
الخلئق الن من نسله ،ولم يكن معه في السفينة من الرجال والنساء إل من كان من ذريته؛ على
قول قتادة وغيره ،حسيب ميا تقدم؛ وفيي التنزييل "وجعلنيا ذريتيه هيم الباقيين" [الصيافات.]77 :
"وعلى أميم ممين معيك" قييل :دخيل فيي هذا كيل مؤمين إلى يوم القيامية .ودخيل فيي قوله "وأميم
سينمتعهم ثيم يمسيهم منيا عذاب ألييم" كيل كافير إلى يوم القيامية؛ روي ذلك عين محميد بين كعيب.
والتقديير على هذا :وعلى ذريية أميم ممين معيك ،وذريية أميم سينمتعهم .وقييل" :مين" للتبعييض،
وتكون لبيان الجنيس" .وأميم سينمتعهم" ارتفيع و"أميم" على معنيى وتكون أميم .قال الخفيش سيعيد
كميا تقول :كلمت زيدا وعمرو جالس .وأجاز الفراء فيي غير القراءة وأمما ،وتقديره :ونمتع أمميا.
وأعيدت "على" مييع "أمييم" لنييه معطوف على الكاف ميين "عليييك" وهييي ضمييير المجرور ،ول
يعطييف على ضمييير المجرور إل بإعادة الجار على قول سيييبويه وغيره .وقييد تقدم فييي "النسيياء"
بيان هذا مستوفى في قوله تعالى" :واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام" [النساء ]1 :بالخفض.
والباء في قوله" :بسلم" متعلقة بمحذوف؛ لنها في موضع الحال؛ أي اهبط مسلما عليك .و"منا"
فيي موضيع جير متعلق بمحذوف؛ لنيه نعيت للبركات" .وعلى أميم" متعلق بميا تعلق بيه "علييك"؛
لنيه أعييد مين أجيل المعطوف على الكاف .و"مين" فيي قوله" :ممين معيك" متعلق بمحذوف؛ لنيه
فيي موضيع جير نعيت للميم .و"معيك" متعلق بفعيل محذوف؛ لنيه صيلة "لمين" أي ممين اسيتقر
معك ،أو آمن معك ،أو ركب معك.
**3اليية{ 49 :تلك مين أنباء الغييب نوحيهيا إلييك ميا كنيت تعلمهيا أنيت ول قوميك مين قبيل هذا
فاصبر إن العاقبة للمتقين}
@قوله تعالى" :تلك مين أنباء الغييب" أي تلك النباء ،وفيي موضيع آخير "ذلك" أي ذلك النبيأ
والقصيص مين أنباء ميا غاب عنيك" .نوحيهيا إلييك" أي لتقيف عليهيا" .ميا كنيت تعلمهيا أنيت ول
قوميك" أي كانوا غيير عارفيين بأمير الطوفان ،والمجوس الن ينكرونيه" .مين قبيل هذا" خيبر أي
مجهولة عندك وعند قومك" .فاصبر" على مشاق الرسالة وإذاية القوم كما صبر نوح .وقيل :أراد
جهلهم بقصة ابن نوح وإن سمعوا أمر الطوفان [فإنه] على الجملة" .فاصبر" أي اصبر يا محمد
على القيام بأمير ال وتبلييغ رسيالته ،وميا تلقيى مين أذى العرب الكفار ،كميا صيبر نوح على أذى
قومه" .إن العاقبة" في الدنيا بالظفر ،وفي الخرة بالفوز" .للمتقين" عن الشرك والمعاصي.
**3اليتان{ 51 - 50 :وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره إن أنتم
إل مفترون ،يا قوم ل أسألكم عليه أجرا إن أجري إل على الذي فطرني أفل تعقلون}
@قوله تعالى" :وإلى عاد أخاهم هودا" أي وأرسلنا ،فهو معطوف على "أرسلنا نوحا" .وقيل له
أخوهم لنه منهم ،وكانت القبيلة تجمعهم؛ كما تقول :يا أخا تميم .وقيل :إنما قيل له أخوهم لنه من
بنييي آدم كمييا أنهييم ميين بنييي آدم؛ وقييد تقدم هذا فييي "العراف" وكانوا عبدة الوثان .وقيييل :هييم
عادان ،عاد الولى وعاد الخرى ،فهؤلء هيم الولى؛ وأميا الخرى فهيو شداد ولقمان المذكوران
فيي قوله تعالى" :إرم ذات العماد" [الفجير .]7 :وعاد اسيم رجيل ثيم اسيتمر على قوم انتسيبوا إلييه.
"قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره" بالخفض على اللفظ ،و"غيره" بالرفع على الموضع،
و"غيره" بالنصييب على السييتثناء" .إن أنتييم إل مفترون" أي مييا أنتييم فييي اتخاذكييم إلهييا غيره إل
كاذبون عليه جل وعز.
@قوله تعالى" :ييا قوم ل أسيألكم علييه أجرا إن أجري إل على الذي فطرنيي" أي على التبلييغ،
والدعاء إلى ال ،واليمان به فيثقل عليكم ،أي ثوابي في تبليغ الرسالة .والفطرة ابتداء الخلق.
@قوله تعالى" :أفل تعقلون" ما جرى على قوم نوح لما كذبوا الرسل.
**3اليية{ 52 :وييا قوم استغفروا ربكيم ثيم توبوا إلييه يرسل السماء عليكيم مدرارا ويزدكيم قوة
إلى قوتكم ول تتولوا مجرمين}
@قوله تعالى" :ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه" تقدم في أول السورة" .يرسل السماء" جزم
لنييه جواب وفييه معنييى المجازاة" .عليكييم مدرارا" نصييب على الحال ،وفييه معنييى التكثييير؛ أي
يرسيل السيماء بالمطير متتابعيا يتلو بعضيه بعضيا؛ والعرب تحذف الهاء فيي مفعال على النسيب؛
وأكثير ميا يأتيي مفعال مين أفعيل ،وقيد جاء ههنيا مين فعيل؛ لنيه مين درت السيماء تدر وتدر فهيي
مدرار .وكان قوم هود -أعني عادا -أهل بساتين وزروع وعمارة ،وكانت مساكنهم الرمال التي
بيين الشام واليمين كميا تقدم فيي "العراف"" .ويزدكيم" عطيف على يرسيل" .قوة إلى قوتكيم" قال
مجاهييد :شدة على شدتكييم .الضحاك .خصييبا إلى خصييبكم .علي بيين عيسييى :عزا على عزكييم.
عكرمية :ولدا إلى ولدكيم .وقييل :إن ال حبس عنهيم المطير وأعقم الرحام ثلث سنين فلم يولد لهيم
ولد؛ فقال لهييم هود :إن آمنتييم أحيييا ال بلدكييم ورزقكييم المال والولد؛ فتلك القوة .وقال الزجاج:
المعنى يزدكم قوة في النعم" .ول تتولوا مجرمين" أي ل تعرضوا عما أدعوكم إليه ،وتقيموا على
الكفر
**3اليية{ 53 :قالوا ييا هود ميا جئتنيا ببينية وميا نحين بتاركيي آلهتنيا عين قولك وميا نحين لك
بمؤمنين}
@قوله تعالى" :قالوا يا هود ما جئتنا ببينة" أي حجة واضحة" .وما نحن لك بمؤمنين" إصرارا
منهم على الكفر.
**3اليتان{ 56 - 55 - 54 :إن نقول إل اعتراك بعيض آلهتنيا بسيوء قال إنيي أشهيد ال
واشهدوا أنيي برييء مميا تشركون ،مين دونيه فكيدونيي جميعيا ثيم ل تنظرون ،إنيي توكلت على ال
ربي وربكم ما من دابة إل هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :إن نقول إل اعتراك" أي أصيابك" .بعيض آلهتنيا" أي أصينامنا" .بسيوء" أي
بجنون لسيبك إياهيا ،عين ابين عباس وغيره .يقال :عراه المير واعتراه إذا ألم بيه .ومنيه "وأطعموا
القانيع والمعتير" [الحيج" .]36 :قال إنيي أشهيد ال" أي على نفسيي" .واشهدوا" أي وأشهدكم؛ ل
أنهيم كانوا أهيل شهادة ،ولكنيه نهاية للتقريير؛ أي لتعرفوا "أني برييء مما تشركون" أي من عبادة
الصنام التي تعبدونها" .فكيدوني جميعا" أي أنتم وأوثانكم في عداوتي وضري" .ثم ل تنظرون"
أي ل تؤخرون .وهذا القول مييع كثرة العداء يدل على كمال الثقيية بنصيير ال تعالى .وهييو ميين
أعلم النبوة ،أن يكون الرسيول وحده يقول لقوميه" :فكيدونيي جميعيا" .وكذلك قال النيبي صيلى ال
علييه وسيلم لقرييش .وقال نوح صيلى ال علييه وسيلم "فاجمعوا أمركيم وشركاءكيم" [يونيس]71 :
الية.
@قوله تعالى" :إنيي توكلت على ال ربيي وربكيم" أي رضييت بحكميه ،ووثقت بنصيره" .ميا من
دابية" أي نفيس تدب على الرض؛ وهيو فيي موضيع رفيع بالبتداء" .إل هيو آخيذ بناصييتها" أي
يصرفها كيف يشاء ،ويمنعها مما يشاء؛ أي فل تصلون إلى ضري .وكل ما فيه روح يقال له داب
ودابيه؛ والهاء للمبالغية .وقال الفراء :مالكهيا ،والقادر عليهيا .وقال القتيبي :قاهرهيا؛ لن مين أخذت
بناصيته فقد قهرته .وقال الضحاك :يحييها ثم يميتها؛ والمعنى متقارب .والناصية قصاص الشعر
فيي مقدم الرأس .ونصيوت الرجيل أنصيوه نصيوا أي مددت ناصييته .قال ابين جرييج :إنميا خيص
الناصيية؛ لن العرب تسيتعمل ذلك إذا وصيفت إنسيانا بالذلة والخضوع؛ فيقولون .ميا ناصيية فلن
إل بييد فلن؛ أي إنيه مطييع له يصيرفه كييف يشاء .وكانوا إذا أسيروا أسييرا وأرادوا إطلقيه والمين
علييه جزوا ناصييته ليعرفوا بذلك فخرا علييه؛ فخاطبهيم بميا يعرفونيه فيي كلمهيم .وقال ،الترمذي
الحكييم فيي "نوادر الصيول" "ميا مين دابية إل هيو آخيذ بناصييتها" وجهيه عندنيا أن ال تعالى قدر
مقادير أعمال العباد ،ثم نظر إليها ،ثم خلق خلقه ،وقدر نفذ بصره في جميع ما هم فيه عاملون من
قبييل أن يخلقهييم ،فلمييا خلقهييم وضييع نور تلك النظرة فييي نواصيييهم فذلك النور أخييذ بنواصيييهم،
يجريهييم إلى أعمالهييم المقدرة عليهييم يوم المقادييير .وخلق ال المقادييير قبييل أن يخلق السييماوات
والرض بخمسيين ألف سينة؛ رواه عبدال بين عمرو بين العاص قال :سيمعت رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم يقول( :قدر ال المقاديير قبيل أن يخلق السيماوات والرض بخمسيين ألف سينة) .ولهذا
قويييت الرسييل وصيياروا ميين أولي العزم لنهييم لحظوا نور النواصييي ،وأيقنوا أن جميييع خلقييه
منقادون بتلك النوار إلى ما نفذ بصره فيهم من العمال ،فأوفرهم حظا من الملحظة أقواهم في
العزم ،ولذلك ميا قوي هود النيبي صيلى ال علييه وسيلم حتيى قال" :فكيدونيي جميعيا ثيم ل تنظرون.
إنيي توكلت على ال ربيي وربكيم ميا مين دابية إل هيو آخيذ بناصييتها" وإنميا سيميت ناصيية لن
العمال قد نصت وبرزت من غيب الغيب فصارت منصوصة في المقادير ،قد نفذ بصر الخالق
فيي جميع حركات الخلق بقدرة ،ثم وضعت حركات كل من دب على الرض حيا في جبهته بين
عينييه ،فسيمي ذلك الموضيع منيه ناصيية؛ لنهيا تنيص حركات العباد بميا قدر؛ فالناصيية مأخوذة
بمنصيوص الحركات التيي نظير ال تعالى إليهيا قبيل أن يخلقهيا ووصيف ناصيية أبيي جهيل فقال:
"ناصية كاذبة خاطئة" [العلق ]16 :يخبر أن النواصي فيها كاذبة خاطئة؛ فعلى سبيل ما تأولوه
يسيتحيل أن تكون الناصيية منسيوبة إلى الكذب والخطيأ .وال أعلم" .إن ربيي على صيراط مسيتقيم"
قال النحاس :الصراط في اللغة المنهاج الواضح؛ والمعنى أن ال جل ثناؤه وإن كان يقدر على كل
شيء فإنه ل يأخذهم إل بالحق .وقيل :معناه ل خلل في تدبيره ،ول تفاوت في خلقه سبحانه.
**3اليية{ 57 :فإن تولوا فقيد أبلغتكيم ميا أرسيلت بيه إليكيم ويسيتخلف ربيي قوميا غيركيم ول
تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ}
@قوله تعالى" :فإن تولوا" فيي موضيع جزم؛ فلذلك حذفيت منيه النون ،والصيل تتولوا ،فحذفيت
التاء لجتماع تاءين" .فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم" بمعنى قد بينت لكم" .ويستخلف ربي قوما
غيركيم" أي يهلككيم ويخلق مين هيو أطوع له منكيم يوحدونيه ويعبدونيه" .ويسيتخلف" مقطوع مميا
قبله فلذلك ارتفيع؛ أو معطوف على ميا يجيب فيميا بعيد الفاء مين قوله" :فقيد أبلغتكيم" .وروي عين
حفيص عين عاصيم "ويسيتخلف" بالجزم حمل على موضيع الفاء وميا بعدهيا؛ مثيل" :ويذرهيم فيي
طغيانهيم يعمهون" [العراف" .]186 :ول تضرونيه شيئا" أي بتوليكيم وإعراضكيم" .إن ربيى
على كيل شييء حفييظ" أي لكيل شييء حافيظ" .على" بمعنيى اللم؛ فهيو يحفظنيي مين أن تنالونيي
بسوء.
**3اليية{ 58 :ولميا جاء أمرنيا نجينيا هودا والذيين آمنوا معيه برحمية منيا ونجيناهيم مين عذاب
غليظ}
@قوله تعالى" :ولميا جاء أمرنيا" أي عذابنيا بهلك عاد" .نجينيا هودا والذيين آمنوا معيه برحمية
منييا" لن أحدا ل ينجييو إل برحميية ال تعالى ،وإن كانييت له أعمال صييالحة .وفييي صييحيح مسييلم
والبخاري وغيرهميا عين النيبي صيلى ال عليه وسيلم (لن ينجيي أحدا منكيم عمله .قالوا :ول أنيت ييا
رسول ال؟ ! قال :ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمة منه) .وقيل :معنى "برحمة منا" بأن بينا لهم
الهدى الذي هيو رحمية .وكانوا أربعية آلف .وقييل :ثلثية آلف" .ونجيناهيم مين عذاب غلييظ" أي
عذاب يوم القيامية .وقييل :هيو الرييح العقييم كميا ذكير ال فيي "الذاريات" وغيرهيا وسييأتي .قال
القشيري أبيو نصير :والعذاب الذي يتوعيد بيه النيبي أمتيه إذا حضير ينجيي ال منيه النيبي والمؤمنيين
معيه؛ نعيم! ل يبعيد أن يبتلي ال نبييا وقوميه فيعمهيم ببلء فيكون ذلك عقوبية للكافريين ،وتمحيصيا
للمؤمنين إذا لم يكن مما توعدهم النبي به.
**3الية{ 59 :وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد}
@قوله تعالى" :وتلك عاد" ابتداء وخيبر .وحكيى الكسيائي أن مين العرب مين ل يصيرف "عادا"
فيجعله اسييما للقييبيلة" .جحدوا بآيات ربهييم" أي كذبوا بالمعجزات وأنكروهييا" .وعصييوا رسييله"
يعنيي هودا وحده؛ لنيه لم يرسيل إليهيم مين الرسيل سيواه .ونظيره قوله تعالى" :ييا أيهيا الرسيل كلوا
مين الطيبات" [المؤمنون ]51 :يعنيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم وحده؛ لنيه لم يكين فيي عصيره
رسيول سيواه؛ وإنميا جميع ههنيا لن مين كذب رسيول واحدا فقيد كفير بجمييع الرسيل .وقييل :عصيوا
هودا والرسل قبله ،وكانوا بحيث لو أرسل إليهم ألف رسول لجحدوا الكل" .واتبعوا أمر كل جبار
عنيد" أي اتبع سقاطهم رؤساءهم .والجبار المتكبر .والعنيد الطاغي الذي ل يقبل الحق ول يذعن
له .قال أبييو عبيييد :العنيييد والعنود والعانييد والمعانييد المعارض بالخلف ،ومنييه قيييل للعرق الذي
ينفجر بالدم عاند .وقال الراجز:
إني كبير ل أطيق ال ُعنّدا
**3الية{ 60 :وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة أل إن عادا كفروا ربهم أل بعدا لعاد قوم
هود}
@قوله تعالى" :وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة" أي ألحقوها" .ويوم القيامة" أي واتبعوا يوم القيامة
مثيييل ذلك؛ فالتمام على قوله" :ويوم القيامييية"" .أل إن عادا كفروا ربهيييم" قال الفراء :أي كفروا
نعمة ربهم؛ قال :ويقال كفرته وكفرت به ،مثل شكرته وشكرت له" .أل بعدا لعاد قوم هود" أي ل
زالوا مبعدين عن رحمة ال .والبعد الهلك والبعد التباعد من الخير .يقال :بعد يبعد بعدا إذا تأخر
وتباعد .وبعد يبعد بعدا إذا هلك؛ قال:
سم العداة وآفة الجزر ل يبعدن قومي الذين هم
وقال النابغة:
وكل امرئ يوما به الحال زائل فل تبعدن إن المنية منهل
**3الية{ 61 :وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره هو أنشأكم
من الرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}
@قوله تعالى" :وإلى ثمود" أي أرسلنا إلى ثمود "أخاهم" أي في النسب" .صالحا" وقرأ يحيي
بن وثاب "وإلى ثمود" بالتنوين في كل القرآن؛ وكذلك روي عن الحسن .واختلف سائر القراء فيه
فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع .وزعم أبو عبيدة أنه لول مخالفة السواد لكان الوجه
ترك الصرف؛ إذ كان الغلب عليه التأنيث .قال النحاس :الذي قال أبو عبيدة -رحمه ال -من أن
الغالب عليييه التأنيييث كلم مردود؛ لن ثمودا يقال له حييي؛ ويقال له قييبيلة ،وليييس الغالب عليييه
القيبيلة؛ بيل المير على ضيد ميا قال عنيد سييبويه .والجود عنيد سييبويه فيميا لم يقيل فييه بنيو فلن
الصييرف ،نحيو قرييش وثقييف وميا أشبههميا ،وكذلك ثمود ،والعلة فيي ذلك أنيه لميا كان التذكييير
الصيل ،وكان يقيع له مذكير ومؤنيث كان الصيل الخيف أولى .والتأنييث جييد بالغ حسين .وأنشيد
سيبويه في التأنيث:
وكفى قريش المعضلت وسادها غلب المساميح الوليد سماحة
@قوله تعالى" :قال ييا قوم اعبدوا ال ميا لكم من إله غيره" تقدم" .هو أنشأكم من الرض" أي
ابتدأ خلقكيم مين الرض ،وذلك أن آدم خلق من الرض على ميا تقدم فيي "البقرة" و"النعام" وهيم
منه ،وقيل" :أنشأكم في الرض" .ول يجوز إدغام الهاء من "غيره" في الهاء من "هو" إل على
لغية مين حذف الواو فيي الدراج" .واسيتعمركم فيهيا" أي جعلكيم عمارهيا وسيكانها .قال مجاهيد:
ومعنى "استعمركم" أعمركم من قوله :أعمر فلن فلنا داره؛ فهي له عمرى .وقال قتادة :أسكنكم
فيها؛ وعلى هذين القولين تكون استفعل بمعنى أفعل؛ مثل استجاب بمعنى أجاب .وقال الضحاك:
أطال أعماركم ،وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف .ابن عباس( :أعاشكم فيها) .زيد بن أسلم:
أمركييم بعمارة مييا تحتاجون إليييه فيهييا ميين بناء مسيياكن ،وغرس أشجار .وقيييل :المعنييى ألهمكييم
عمارتها من الحرث والغرس وحفر النهار وغيرها.
@ قال ابن العربي قال بعض علماء الشافعية :الستعمار طلب العمارة؛ والطلب المطلق من ال
تعالى على الوجوب ،قال القاضي أبو بكر :تأتي كلمة استفعل في لسان العرب على معان :منها؛
اسييتفعل بمعنييى طلب الفعييل كقوله :اسييتحملته أي طلبييت منييه حملنييا؛ وبمعنييى اعتقييد ،كقولهييم:
اسيتسهلت هذا المير اعتقدتيه سيهل ،أو وجدتيه سيهل ،واسيتعظمته أي اعتقدتيه عظيميا ووجدتيه،
ومنه استفعلت بمعنى أصبت؛ كقولهم :استجدته أي أصبته جيدا :ومنها بمعنى فعل؛ كقوله :قر في
المكان واسيتقر؛ وقالوا وقوله" :يسيتهزئون" و"يسيتسخرون" منيه؛ فقوله تعالى" :اسيتعمركم فيهيا"
خلقكيم لعمارتهيا ،ل على معنيى اسيتجدته واسيتسهلته؛ أي أصيبته جيدا وسيهل؛ وهذا يسيتحيل فيي
الخالق ،فيرجع إلى أنه خلق؛ لنه الفائدة ،وقد يعبر عن الشيء بفائدته مجازا؛ ول يصح أن يقال:
إنيه طلب مين ال تعالى لعمارتهيا ،فإن هذا اللفيظ ل يجوز فييي حقيه ،أمييا أنيه يصييح أن يقال :أنييه
استدعى عمارتها فإنه جاء بلفظ استفعل ،وهو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه إذا كان أمرا،
وطلب للفعل إذا كان من الدنى إلى العلى رغبة.
قلت :لم يذكر استفعل بمعنى أفعل ،مثل قوله :استوقد بمعنى أوقد ،وقد ذكرناه
@ ويكون فيها دليل على السكان والعمرى وقد مضى القول في "البقرة" في السكنى والرقبى.
وأما العمرى فاختلف العلماء فيها على ثلثة أقوال :أحدها -أنها تمليك لمنافع الرقبة حياة المعمر
مدة عمره؛ فإن لم يذكير عقبيا فمات المعمير رجعيت إلى الذي أعطاهيا أو لورثتيه؛ هذا قول القاسيم
بن محمد ويزيد بن قسييط والليث بن سعد ،وهو مشهور مذهب مالك ،وأحد أقوال الشافعي ،وقد
تقدم في "البقرة" حجة هذا القول .الثاني :أنها تمليك الرقبة ومنافعها وهي هبة مبتولة؛ وهو قول
أبيي حنيفية والشافعيي وأصيحابهما والثوري والحسين بين حيي وأحميد بين حنبيل وابين شبرمية وأبيي
عبييد؛ قالوا :مين أعمير رجل شيئا حياتيه فهيو له حياتيه؛ وبعيد وفاتيه لورثتيه؛ لنيه قيد ملك رقبتهيا،
وشرط المعطيى الحياة والعمير باطيل؛ لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :العمرى جائزة)
و(العمرى لميين وهبييت له) .الثالث :إن قال عمرك ولم يذكيير العقييب كان كالقول الول :وإن قال
لعقبيك كان كالقول الثانيي؛ وبيه قال الزهري وأبيو ثور وأبيو سيلمة بين عبدالرحمين وابين أبيي ذئب،
وقيد روي عن مالك؛ وهو ظاهير قوله فيي الموطيأ .والمعروف عنه وعن أصيحابه أنهيا ترجيع إلى
المعمر؛ إذا انقرض عقب المعمر؛ إن كان المعمر حيا ،وإل فإلى من كان حيا من ورثته ،وأولى
الناس بميراثيه .ول يملك المعمير بلفيظ العمرى عنيد مالك وأصيحابه رقبية شييء مين الشياء ،وإنميا
يملك بلفييظ العمرى المنفعيية دون الرقبيية .وقييد قال مالك فييي الحبييس أيضييا :إذا حبييس على رجييل
وعقبه أنه ل يرجع إليه .وإن حبس على رجل بعينه حياته رجع إليه ،وكذلك العمرى قياسا ،وهو
ظاهير الموطيأ .وفيي صيحيح مسيلم عين جابر بين عبدال أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال:
(أيميا رجيل أعمير رجل عمرى له ولعقبيه فقال قيد أعطيتكهيا وعقبيك ميا بقيي منكيم أحيد فإنهيا لمين
أعطيها وأنها ل ترجع إلى صاحبها من أجل أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) وعنه قال :إن
العمرى التي أجاز رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقول :هي لك ولعقبك ،فأما إذا قال :هي لك
ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها؛ قال معمر :وبذلك كان الزهري يفتي.
قلت :معنيى القرآن يجري ميع أهيل القول الثانيي؛ لن ال سيبحانه قال" :واسيتعمركم" بمعنيى
أعمركم؛ فأعمر الرجل الصالح فيها مدة حياته بالعمل الصالح ،وبعد موته بالذكر الجميل والثناء
الحسن؛ وبالعكس الرجل الفاجر؛ فالدنيا ظرف لهما حياة وموتا .وقد يقال :إن الثناء الحسن يجري
مجرى العقيب .وفيي التنزييل" :واجعيل لي لسيان صيدق فيي الخريين" [الشعراء ]84 :أي ثناء
حسينا .وقييل :هيو محميد صيلى ال علييه وسيلم .قال" :وجعلنيا ذريتيه هيم الباقيين" [الصيافات]77 :
وقال" :وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" [الصافات.]113 :
@قوله تعالى" :فاستغفروه" أي سلوه المغفرة من عبادة الصنام" .ثم توبوا إليه" أي ارجعوا إلى
عبادتيه" .إن ربيي قرييب مجييب" أي قرييب الجابية لمين دعاه .وقيد مضيى فيي "البقرة" عنيد قوله:
"فإني قريب أجيب دعوة الداعي" القول فيه.
**3اليية{ 62 :قالوا ييا صيالح قد كنت فينيا مرجوا قبل هذا أتنهانيا أن نعبيد ميا يعبيد آباؤنا وإننيا
لفي شك مما تدعونا إليه مريب}
@قوله تعالى" :قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا" أي كنا نرجو أن تكون فينا سيدا قبل
هذا؛ أي قبل دعوتك النبوة .وقيل :كان صالح يعيب آلهتهم ويشنؤها ،وكانوا يرجون رجوعه إلى
دينهيم ،فلميا دعاهيم إلى ال قالوا :انقطيع رجاؤنيا منيك" .أتنهانيا" اسيتفهام معناه النكار" .أن نعبيد"
أي عن أن نعبد" .ما يعبد آباؤنا" فأن في محل نصب بإسقاط حرف الجر" .وإننا لفي شك" وفي
سييورة "إبراهيييم" و"وإنييا" والصييل وإننييا؛ فاسييتثقل ثلث نونات فأسييقط الثالثيية" .ممييا تدعونييا"
الخطاب لصيالح ،وفيي سيورة إبراهييم "تدعوننيا" [إبراهييم ]9 :لن الخطاب للرسيل صيلوات ال
وسلمه عليهم "إليه مريب" من أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعل يوجب لدية الريبة .قال الهذلي:
يشم عطفي ويبز ثوبي كنت إذا أتوته من غيب
كأنما أربته بريب
**3الية{ 63 :قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربيي وآتاني منه رحمة فمن ينصيرني
من ال إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير}
@قوله تعالى" :قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربيي وآتاني منه رحمة" تقدم معناه في
قول نوح" .فميين ينصييرني ميين ال إن عصيييته" اسييتفهام معناه النفييي؛ أي ل ينصييرني منييه إن
عصيته أحد" .فما تزيدونني غير تخسير" أي تضليل وإبعاد من الخير؛ قال الفراء .والتخسير لهم
ل له صييلى ال عليييه وسييلم؛ كأنييه قال :غييير تخسييير لكييم ل لي .وقيييل :المعنييى مييا تزيدوننييي
باحتجاجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم؛ عن ابن عباس.
**3اليية{ 64 :وييا قوم هذه ناقية ال لكيم آيية فذروهيا تأكيل فيي أرض ال ول تمسيوها بسيوء
فيأخذكم عذاب قريب}
@قوله تعالى" :ويا قوم هذه ناقة ال" ابتداء وخبر" .لكم آية" نصب على الحال ،والعامل معنى
الشارة أو التنيبيه فيي "هذه" .وإنميا قييل :ناقية ال؛ لنيه أخرجهيا لهيم مين جبيل -على ميا طلبوا -
على أنهيم يؤمنون .وقييل :أخرجهيا مين صيخرة صيماء منفردة فيي ناحيية الحجير يقال لهيا الكاثبية،
فلميا خرجيت الناقية -على ميا طلبوا -قال لهيم نيبي ال صيالح" :هذه ناقية ال لكيم آيية"" .فذروهيا
تأكيل" أمير وجوابيه؛ وحذفيت النون مين "فذروهيا" لنيه أمير .ول يقال :وذر ول واذر إل شاذا.
وللنحويين فيه قولن؛ قال سيبويه :استغنوا عنه بترك .وقال غيره :لما كانت الواو ثقيلة وكان في
الكلم فعييل بمعناه ل واو فيييه ألغوه؛ قال أبييو إسييحاق الزجاج :ويجوز رفييع "تأكييل" على الحال
والسييتئناف" .ول تمسييوها" جزم بالنهييي" .بسييوء" قال الفراء :بعقيير" .فيأخذكييم" جواب النهييي.
"عذاب قريب" أي قريب من عقرها.
**3الية{ 65 :فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب}
@قوله تعالى" :فعقروهيا" إنميا عقرهيا بعضهيم؛ وأضييف إلى الكيل لنيه كان برضيا الباقيين .وقيد
تقدم الكلم فييي عقرهييا "العراف" .ويأتييي أيضييا" .فقال تمتعوا" أي قال لهييم صييالح تمتعوا؛ أي
بنعم ال عز وجل قبل العذاب" .في داركم" أي في بلدكم ،ولو أراد المنزل لقال في دوركم .وقيل:
أي يتمتيع كيل واحيد منكيم فيي داره ومسيكنه؛ كقوله" :يخرجكيم طفل" [غافير ]67 :أي كيل واحيد
طفل .وعبر عن التمتع بالحياة لن الميت ل يتلذذ ول يتمتع بشيء؛ فعقرت يوم الربعاء ،فأقاموا
يوم الخميس والجمعة والسبت وأتاهم العذاب يوم الحد .وإنما أقاموا ثلثة أيام؛ لن الفصيل رغا
ثلثيا على ميا تقدم فيي "العراف" فاصيفرت ألوانهيم فيي اليوم الول ،ثيم احمرت فيي الثانيي ،ثيم
اسودت في الثالث ،وهلكوا في الرابع؛ وقد تقدم في "العراف".
استدل علماؤنا بإرجاء ال العذاب عن قوم صالح ثلثة أيام على أن المسافر إذا لم يجمع على
إقامة أربع ليال قصر؛ لن الثلثة اليام خارجة عن حكم القامة وقد تقدم في "النساء" ما للعلماء
في هذا.
قوله تعالى" :ذلك وعد غير مكذوب" أي غير كذب .وقيل :غير مكذوب فيه.
**3الية{ 66 :فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن
ربك هو القوي العزيز}
@قوله تعالى" :فلميا جاء أمرنيا" أي عذابنيا" .نجينيا صيالحا والذيين آمنوا معيه برحمية منيا" تقدم.
"ومن خزي يومئذ" أي ونجيناهم من خزي يومئذ؛ أي من فضيحته وذلته .وقيل :الواو زائدة؛ أي
نجيناهيم مين خزي يومئذ .ول يجوز زيادتهيا عنيد سييبويه وأهيل البصيرة ،وعنيد الكوفييين يجوز
زيادتهيا ميع "لميا" و"حتيى" ل غيير .وقرأ نافيع والكسيائي "يومئذ" بالنصيب .الباقون بالكسير على
إضافة "يوم" إلى "إذ" وقال أبو حاتم :حدثنا أبو زيد عن أبي عمرو أنه قرأ "ومن خزي يومئذ"
أدغم الياء في الياء ،وأضاف ،وكسر الميم في "يومئذ" .قال النحاس :الذي يرويه النحويون :مثل
سيييبويه وميين قاربييه عيين أبييي عمرو فييي مثييل هذا :الخفاء؛ فأمييا الدغام فل يجوز ،لنييه يلتقييي
ساكنان ،ول يجوز كسر الزاي.
**3الية{ 67 :وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين}
@قوله تعالى" :وأخيذ الذيين ظلموا الصييحة" أي فيي اليوم الرابيع صييح بهيم فماتوا؛ وذكير لن
الصيحة والصياح واحد .قيل :صيحة جبريل .وقيل :صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة؛
وصيوت كيل شييء فيي الرض ،فتقطعيت قلوبهيم وماتوا .وقال هنيا" :وأخيذ الذيين ظلموا الصييحة"
وقال فيي العراف "فأخذتهيم الرجفية" [العراف ]78 :وقيد تقدم بيانيه هناك .وفيي التفسيير :أنهيم
لما أيقنوا بالعذاب قال بعضهم لبعض ما مقامكم أن يأتيكم المر بغتة؟ ! قالوا :فما نصنع؟ فأخذوا
سييوفهم ورماحهيم وعددهيم ،وكانوا فيميا يقال اثنيي عشير ألف قيبيلة ،فيي كيل قيبيلة اثنيا عشير ألف
مقاتييل ،فوقفوا على الطرق والفجاج ،زعموا يلقون العذاب؛ فأوحييى ال تعالى إلى الملك الموكييل
بالشميس أن يعذبهيم بحرهيا؛ فأدناهيا مين رؤوسيهم فاشتوت أيديهيم ،وتدلت ألسينتهم على صيدورهم
مين العطيش ،ومات كيل ميا كان معهيم مين البهائم .وجعيل الماء يتفور مين تلك العيون مين غليانيه
حتيى يبلغ السيماء ،ل يسيقط على شييء إل أهلكيه مين شدة حره ،فميا زالوا كذلك ،وأوحيى ال إلى
ملك الموت أل يقبض أرواحهم تعذيبا لهم إلى أن غربت الشمس؛ فصيح بهم فأهلكوا" .فأصبحوا
في ديارهم جاثمين" أي ساقطين على وجوههم ،قد لصقوا بالتراب كالطير إذا جثمت.
**3الية{ 68 :كأن لم يغنوا فيها أل إن ثمود كفروا ربهم أل بعدا لثمود}
**3الية{ 69 :ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلما قال سلم فما لبث أن جاء بعجل
حنيذ}
@قوله تعالى" :ولقيد جاءت رسيلنا إبراهييم بالبشرى" هذه قصية لوط علييه السيلم؛ وهيو ابين عيم
إبراهيم عليه السلم لحا ،وكانت قوى لوط بنوا حي الشام ،وإبراهيم ببلد فلسطين ،فلما أنزل ال
الملئكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده ،وكان كل من نزل عنده يحسن قراه ،وكانوا
مروا ببشارة إبراهييم ،فظنهيم أضيافيا( .وهيم جبرييل وميكائييل وإسيرافيل عليهيم السيلم)؛ قاله ابين
عباس .الضحاك :كانوا تسيعة .السيدي :أحيد عشير ملكيا على صيورة الغلمان الحسيان الوجوه ،ذو
وضاءة وجمال بارع" .بالبشري" قييل :بالولد .وقييل :بإهلك قوم لوط .وقييل :بشروه بأنهيم رسيل
ال عز وجل ،وأنه ل خوف عليه" .قالوا سلما" نصب بوقوع الفعل عليه؛ كما تقول :قالوا خيرا.
وهذا اختيار الطيبري .وأميا قوله" :سييقولون ثلثية" [الكهيف ]22 :فالثلثية اسيم غيير قول مقول.
ولو رفعيا جميعيا أو نصيبا جميعيا "قالوا سيلما قال سيلم" جاز فيي العربيية .قييل :انتصيب على
المصيدر .وقييل" :قالوا سيلما" أي فاتحوه بصيواب مين القول .كميا قال" :وإذا خاطبهيم الجاهلون
قالوا سيلما" [الفرقان ]63 :أي صيوابا؛ فسيلما معنيى قولهيم ل لفظيه؛ قال ،معناه ابين العربيي
واختاره .قال :أل ترى أن ال تعالى لمييا أراد ذكيير اللفييظ قاله بعينييه فقال ،مخييبرا عيين الملئكيية:
"سيلم عليكيم بميا صيبرتم" [الرعيد" ]24 :سيلم عليكيم طبتيم" [الزمير ]73 :وقييل :دعوا له؛
والمعنيى سيلمت سيلما" .قال سيلم" فيي رفعيه وجهان :أحدهميا :على إضمار مبتدأ أي هيو سيلم،
وأمري سلم .والخر بمعنى سلم عليكم إذا جعل بمعنى التحية؛ فأضمر الخبر .وجاز سلم على
التنكيير لكثرة اسيتعماله ،فحذف اللف واللم كميا حذفيت مين ل هيم فيي قولك اللهيم .وقرئ "سيلم"
قال الفراء :السلم والسلم بمعنى؛ مثل الحل والحلل.
@قوله تعالى" :فميا لبيث أن جاء" "أن" بمعنيى حتيى ،قاله كيبراء النحوييين؛ حكاه ابين العربيي.
التقدير :فما لبث حتى جاء .وقيل" :أن" في موضع نصب بسقوط حرف الجر؛ التقدير :فما لبث
عين أن جاء؛ أي ميا أبطيأ عين مجيئه بعجيل؛ فلميا حذف حرف الجير بقيي "أن" فيي محيل النصيب.
وفيي "لبيث" ضميير اسيم إبراهييم .و"ميا" نافيية؛ قال سييبويه .وقال الفراء :فميا لبيث مجيئه؛ أي ميا
أبطيأ مجيئه؛ فأن فيي موضيع رفيع ،ول ضميير فيي "لبيث" ،و"ميا" نافيية؛ ويصيح أن تكون "ميا"
بمعنى الذي ،وفي "لبث" ضمير إبراهيم و"أن جاء" خبر "ما" أي فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه
بعجيل حنييذ .و"حنييذ" مشوي .وقييل :هيو المشوي بحير الحجارة مين غيير أن تمسيه النار .يقال:
حنذت الشاة أحنذهيا حنذا أي شويتهيا ،وجعلت فوقهيا حجارة محماة لتنضجهيا فهيي حنييذ .وحنذت
الفرس أحنذه حنذا ،وهو أن تحضره شوطا أو شوطين ثم تظاهر عليه الجلل في الشمس ليعرق،
فهو محنوذ وحنيذ؛ فإن لم يعرق قيل :كبا .وحنذ موضع قريب من المدينة .وقيل :الحنيذ السميط.
ابين عباس وغيره( :حنييذ نضييج .وحنييذ بمعنيى محنوذ)؛ وإنميا جاء بعجيل لن البقير كانيت أكثير
أموال.
@ في هذه الية من أدب الضيّف أن يعجل قراه ،فيقدم الموجود الميسر في الحال ،ثم يتبعه بغيره
إن كان له جدة ،ول يتكلف ميا يضير بيه .والضيافية مين مكارم الخلق ،ومين آداب السيلم ،ومين
خلق النيبيين والصيالحين .وإبراهييم أول مين أضاف على ميا تقدم فيي "البقرة" وليسيت بواجبية عنيد
عامية أهيل العلم؛ لقوله صيلى ال علييه وسيلم (الضيافية ثلثية أيام وجائزتيه يوم وليلة فميا كان وراء
ذلك فهيو صيدقة) .والجائزة العطيية والصيلة التيي أصيلها على الندب .وقال صيلى ال علييه وسيلم:
(من كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم ضيفه).
وإكرام الجار لييس بواجيب إجماعيا ،فالضيافية مثله .وال أعلم .وذهيب اللييث إلى وجوبهيا تمسيكا
بقوله صيلى ال علييه وسيلم( :ليلة الضييف حيق) إلى غيير ذلك مين الحادييث .وفيميا أشرنيا إلييه
كفايية ،وال الموفييق للهدايية .قال ابين العربيي :وقيد قال قوم :إن وجوب الضيافية كان فيي صيدر
السيلم ثيم نسيخ ،وهذا ضعييف؛ فإن الوجوب لم يثبيت ،والناسيخ لم يرد؛ وذكير حدييث أبيي سيعيد
الخدري خرجه الئمة ،وفيه( :فاستضفناهم فأبوا أن يضيفونا فلدغ سيد ذلك الحي) الحديث .وقال:
هذا ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقا للم النبي صلى ال عليه وسلم القوم الذين أبوا ،ولبين لهم
ذلك.
@ اختلف العلماء فيمين يخاطيب بهيا؛ فذهيب الشافعيي ومحميد بين عبدالحكيم إلى أن المخاطيب بهيا
أهل الحضر والبادية .وقال مالك :ليس على أهل الحضر ضيافة .قال سحنون :إنما الضيافة على
أهل القرى ،وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر حكى اللغتين صاحب العين وغيره .واحتجوا
بحديث ابن عمر قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :الضيافة على أهل الوبر وليست على
أهيل المدر) .وهذا حدييث ل يصيح ،وإبراهييم ابين أخيي عبدالرزاق متروك الحدييث منسيوب إلى
الكذب ،وهذا ممييا انفرد بييه ،ونسييب إلى وضعييه؛ قال أبييو عميير بيين عبدالبر .قال ابيين العربييي:
الضيافية حقيقية فرض على الكفايية ،ومين الناس مين قال :إنهيا واجبية فيي القرى حييث ل طعام ول
مأوى ،بخلف الحواضير فإنهيا مشحونية بالمأواة والقوات؛ ول شيك أن الضييف كرييم ،والضيافية
كرامة؛ فإن كان غريبا فهي فريضة.
@ قال ابين العربيي قال بعيض علمائنيا :كانيت ضيافية إبراهييم قليلة فشكرهيا الحيبيب مين الحيبيب،
وهذا حكم بالظن في موضع القطع ،وبالقياس في موضع النقل؛ من أين علم أنه قليل؟ ! بل قد نقل
المفسيرون أن الملئكية كانوا ثلثية؛ جبرييل وميكائييل وإسيرافيل صيلى ال عليهيم وسيلم؛ وعجيل
لثلثية عظييم؛ فميا هذا التفسيير لكتاب ال بالرأي! هذا بأمانية ال هيو التفسيير المذموم فاجتنبوه فقيد
علمتموه.
@ السنة إذا قدم للضيف الطعام أن يبادر المقدّم إليه بالكل؛ فإن كرامة الضيف تعجيل التقديم؛
وكرامية صياحب المنزل المبادرة بالقبول؛ فلميا قبضوا أيديهيم نكرهيم إبراهييم؛ لنهيم خرجوا عين
العادة وخالفوا السينة ،وخاف أن يكون وراءهيم مكروه يقصيدونه .وروي أنهيم كانوا ينكتون بقداح
كانيت فيي أيديهيم فيي اللحيم ول تصيل أيديهيم إلى اللحيم ،فلميا رأى ذلك منهيم "نكرهيم وأوجيس منهيم
خيفة" أي أضمر .وقيل :أحس؛ والوجوس الدخول؛ قال الشاعر:
فأوجس القلب من قرطاسه جزعا جاء البريد بقرطاس يخب به
"خيفة" خوفا؛ أي فزعا .وكانوا إذا رأوا الضيف ل يأكل ظنوا به شرا؛ فقالت الملئكة "ل تخف
إنا أرسلنا إلى لوط"
@ من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم ل؟ وذلك ينبغي أن يكون
بتلفت ومسارقة ل بتحديد النظر .روي أن أعرابيا أكل مع سليمان بن عبدالملك ،فرأى سليمان في
لقمية العرابيي شعرة فقال له :أزل الشعرة عين لقمتيك؟ فقال له :أتنظير إلي نظير مين يرى الشعرة
في لقمتي؟ ! وال ل أكلت معك.
قلت :وقد ذكر أن هذه الحكاية إنما كانت مع هشام بن عبدالملك ل مع سليمان ،وأن العرابي
خرج من عنده وهو يقول:
يلحظ أطراف الكيل على عمد وللموت خير من زيارة باخل
**3الية{ 70 :فلما رأى أيديهم ل تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا ل تخف إنا أرسلنا
إلى قوم لوط}
@قوله تعالى" :قلميا رأى أيديهيم ل تصيل إلييه نكرهيم" يقول :أنكرهيم؛ تقول :نكرتيك وأنكرتيك
واستنكرتك إذا وجدته على غير ما عهدته؛ قال الشاعر:
من الحوادث إل الشيب والصلعا وأنكرتني وما كان الذي نكرت
فجمع بين اللغتين .ويقال :نكرت لما تراه بعينك .وأنكرت لما تراه بقلبك.
**3الية{ 71 :وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
@قوله تعالى" :وامرأته قائمة" ابتداء وخبر ،أي قائمة بحيث ترى الملئكة .قيل :كانت من وراء
السيتر .وقييل :كانيت تخدم الملئكية وهيو جالس .وقال محميد بين إسيحاق :قائمية تصيلي .وفيي قراءة
عبدال بن مسعود "وامرأته قائمة وهو قاعد"" .فضحكت" قال مجاهد وعكرمة :حاضت ،وكانت
آيسة؛ تحقيقا للبشارة؛ وأنشد على ذلك اللغويون:
وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا وإني لتي العرس عند طهورها
وقال آخر:
كمثل دم الجوف يوم اللقا وضحكت الرانب فوق الصفا
والعرب تقول :ضحكيت الرنيب إذا حاضيت؛ وروي عين ابين عباس رضيي ال عنهميا وعكرمية؛
أخذ من قولهم( :ضحكت الكافورة -وهي قشرة الطلعة -إذا انشقت) .وقد أنكر بعض اللغويين أن
يكون فيي كلم العرب ضحكيت بمعنيى حاضيت .وقال الجمهور :هيو الضحيك المعروف ،واختلفوا
فيه؛ فقيل :هو ضحك التعجب؛ قال أبو ذؤيب:
هو الضحك إل أنه عمل النحل فجاء بمزج لم ير الناس مثله
وقال مقاتيل :ضحكيت مين خوف إبراهييم ،ورعدتيه مين ثلثية نفير ،وإبراهييم فيي حشميه وخدميه؛
وكان إبراهييم يقوم وحده بمائة رجيل .قال :ولييس الضحيك الحييض فيي اللغية بمسيتقيم .وأنكير أبيو
عبييد والفراء ذلك؛ قال الفراء :لم أسيمعه مين ثقية؛ وإنميا هيو كنايية .وروي أن الملئكية مسيحت
العجيل ،فقام مين موضعيه فلحيق بأميه ،فضحكيت سيارة عنيد ذلك فبشروهيا بإسيحاق .ويقال :كان
إبراهيم عليه السلم إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة تخدمهم ،فذلك قوله" :وامرأته قائمة" أي
قائمية فيي خدمتهيم .ويقال" :قائمية" لروع إبراهييم "فضحكيت" لقولهيم" :ل تخيف" سيرورا بالمين.
وقال الفراء :فيه تقديم وتأخير؛ المعنى :فبشرناها بإسحاق فضحكت ،أي ضحكت سرورا بالولد،
وقيد هرميت ،وال أعلم أي ذلك كان .قال النحاس فييه أقوال :أحسينها -أنهيم لميا لم يأكلوا أنكرهيم
وخافهم؛ فلما قالوا ل تخف ،وأخبروه أنهم رسل ال ،فرح بذلك ،فضحكت امرأته سرورا بفرحه.
وقييل :إنهيا كانيت قالت له :أحسيب أن هؤلء القوم سيينزل بهيم عذاب فضيم لوطيا إلييك ،فلميا جاءت
الرسيل بميا قالتيه سيرت بيه فضحكيت؛ قال النحاس :وهذا إن صيح إسيناده فهيو حسين .والضحيك
انكشاف السنان .ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه؛ تقول :رأيت فلنا ضاحكا؛ أي مشرقا.
وأتييت على روضية تضحيك؛ أي مشرقية .وفيي الحدييث (إن ال سيبحانه يبعيث السيحاب فيضحيك
أحسن الضحك) .جعل انجلءه عن البرق ضحكا؛ وهذا كلم مستعار .وروي عن رجل من قراء
مكية يقال له محميد بين زياد العرابيي" .فضحكيت" بفتيح الحاء؛ قال المهدوي؛ وفتيح "الحاء" مين
ضحِكييا أربييع لغات.
ضحِكييا و َ
ضحْكييا و ِ
ضحْكييا و ِ
"فضحكييت" غييير معروف .وضَحِك يضْحَك َ
ضحْكة المرة الواحدة ،ومنه قول كثير: وال ّ
غلقت لضحكته رقاب المال
قاله الجوهري:
@ روى مسلم عن سهل بن سعد قال :دعا أبو أسيد الساعدي رسول ال صلى ال عليه وسلم في
عرسه ،فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس .قال سهل :أتدرون ما سقت رسول ال صلى
ال عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور ،فلما أكل سقته إياه .وأخرجه البخاري وترجم
له "باب قيام المرأة على الرجال فييي العرس وخدمتهييم بالنفييس" .قال علماؤنييا :فيييه جواز خدميية
العروس زوجهييا وأصييحابه فييي عرسييها .وفيييه أنييه ل بأس أن يعرض الرجييل أهله على صييالح
إخوانه ،ويستخدمهن لهم .ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب .وال أعلم.
@ ذكر الطبري أن إبراهيم عليه السلم لما قدم العجل قالوا :ل نأكل طعاما إل بثمن؛ فقال لهم:
"ثمنه أن تذكروا ال في أوله وتحمدوه في آخره" فقال جبريل لصحابه :بحق اتخذ ال هذا خليل.
قال علماؤنييا :ولم يأكلوا لن الملئكيية ل تأكييل .وقييد كان ميين الجائز كمييا يسيير ال للملئكيية أن
يتشكلوا في صفة الدمي جسدا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام؛ إل أنه في قول العلماء أرسلهم في
صيفة الدميي وتكلف إبراهييم علييه السيلم الضيافية حتيى إذا رأى التوقيف وخاف جاءتيه البشرى
فجأة .ودل هذا على أن التسمية في أول الطعام ،والحمد في آخره مشروع في المم قبلنا؛ وقد جاء
فيي السيرائيليات أن إبراهييم علييه السيلم كان ل يأكيل وحده؛ فإذا حضير طعاميه أرسيل يطلب مين
يأكيل معيه؛ فلقيي يوميا رجل ،فلميا جلس معيه على الطعام ،قال له إبراهييم :سيم ال ،قال الرجيل ل
أدري مييا ال؟ فقال له :فاخرج عيين طعامييي ،فلمييا خرج نزل إليييه جبريييل فقال له :يقول ال إنييه
يرزقييه على كفره مدى عمره وأنييت بخلت علييه بلقمية؛ فخرج إبراهيييم فزعيا يجيير رداءه ،وقال:
ارجيع ،فقال :ل أرجيع حتيى تخيبرني لم تردنيي لغيير معنيى؟ فأخيبره بالمير؛ فقال :هذا رب كرييم،
آمنت؛ ودخل وسمى ال وأكل مؤمنا.
@قوله تعالى" :فبشرناها بإسحاق" لما ولد لبراهيم إسماعيل من هاجر تمنت سارة أن يكون لها
ابن ،وأيست لكبر سنها ،فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا ،فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها.
"ومين وراء إسيحاق يعقوب" قرأ حمزة وعبدال بين عامير "يعقوب" بالنصيب .ورفيع الباقون؛
فالرفيع على معنيى :ويحدث لهيا مين وراء إسيحاق يعقوب .ويجوز أن يرتفيع بالفعيل الذي يعميل فيي
"مين" كأن المعنيى :وثبيت لهيا مين وراء إسيحاق يعقوب .ويجوز أن يرتفيع بالبتداء ،ويكون فيي
موضيع الحال؛ أي بشروهيا بإسيحاق مقابل له يعقوب .والنصيب على معنيى :ووهبنيا لهيا مين وراء
إسييحاق يعقوب .وأجاز الكسييائي والخفييش وأبييو حاتييم أن يكون "يعقوب" فييي موضييع جيير على
معنييى :وبشرناهييا ميين وراء إسييحاق بيعقوب .قال الفراء :ول يجوز الخفييض إل بإعادة الحرف
الخافيض؛ قال سييبويه ولو قلت :مررت بزييد أول مين أميس وأميس عمرو كان قبيحيا خبيثيا؛ لنيك
فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو ،كما فرقت بين الجار والمجرور؛ لن الجار ل يفصل
بينه وبين المجرور ،ول بينه وبين الواو.
**3الية{ 72 :قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب}
@قوله تعالى" :يا ويلتا" قال الزجاج :أصلها يا ويلتي؛ فأبدل من الياء ألف ،لنها أخف من الياء
والكسيرة؛ ولم ترد الدعاء على نفسيها بالوييل ،ولكنهيا كلمية تخيف على أفواه النسياء إذا طرأ عليهين
ميا يعجبين منيه؛ وعجبيت مين ولدتهيا ومين كون بعلهيا شيخيا لخروجيه عين العادة ،وميا خرج عين
العادة مسيتغرب ومسيتنكر .و"أألد" اسيتفهام معناه التعجيب" .وأنيا عجوز" أي شيخية .ولقيد عجزت
تعجييز عجزا وعجزت تعجيزا؛ أي طعنييت فييي السيين .وقييد يقال :عجوزة أيضييا .وعجزت المرأة
بكسير الجييم؛ عظميت عجيزتهيا عجزا وعجزا بضيم العيين وفتحهيا .قال مجاهيد :كانيت بنيت تسيع
وتسعين سنة .وقال ابن إسحاق :كانت بنت تسعين سنة .وقيل غير هذا.
@قوله تعالى" :وهذا بعلي شيخا" "وهذا بعلي" أي زوجي" .شيخا" نصب على الحال ،والعامل
فييه التنيبيه أو الشارة" .وهذا بعلي" ابتداء وخيبر .وقال الخفيش :وفيي قراءة ابين مسيعود وأبيي
"وهذا بعلي شييخ" قال النحاس :كميا تقول هذا زييد قائم؛ فزييد بدل مين هذا؛ وقائم خيبر البتداء.
ويجوز أن يكون "هذا" مبتدأ "وزييد قائم" خيبرين؛ وحكيى سييبويه :هذا حلو حاميض .وقييل :كان
إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة .وقيل :ابن مائة فكان يزيد عليها في قول مجاهد سنة .وقيل :إنها
عرضيت بقولهيا" :وهذا بعلي شيخيا" أي عين ترك غشيانيه لهيا .وسيارة هذه امرأة إبراهيييم بنيت
هاران بن ناحور بن شاروع بن أرغو بن فالغ ،وهي بنت عم إبراهيم" .إن هذا لشيء عجيب" أي
الذي بشرتموني به لشيء عجيب.
**3الية{ 73 :قالوا أتعجبين من أمر ال رحمة ال وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}
@قوله تعالى" :قالوا أتعجبين من أمر ال" لما قالت" :وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا" وتعجبت،
أنكرت الملئكية عليهيا تعجبهيا مين أمير ال ،أي مين قضائه .وقدره ،أي ل عجيب مين أن يرزقكميا
ال الولد ،وهو إسحاق .وبهذه الية استدل كثير من العلماء على أن الذبيح إسماعيل ،وأنه أسن من
إسيحاق؛ لنهيا بشرت بأن إسيحاق يعييش حتيى يولد له يعقوب .وسييأتي الكلم فيي هذا؛ وبيانيه فيي
"الصافات" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :رحمة ال وبركاته" مبتدأ ،والخبر "عليكم" .وحكى سيبويه "عليكم" بكسر الكاف
لمجاورتها الياء .وهل هو خبر أو دعاء؟ وكونه إخبارا أشرف؛ لن ذلك يقتضي حصول الرحمة
والبركة لهم ،المعنى :أوصل ال لكم رحمته وبركاته أهل البيت .وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر
يترجيى ولم يتحصيل بيه بعيد" .أهيل البييت" نصيب على الختصياص؛ وهذا مذهيب سييبويه .وقييل:
على النداء.
@ هذه الية تعطي أن زوجة الرجل ،من أهل البيت؛ فدل ،هذا على أن أزواج النبياء من أهل
البييت؛ فعائشية رضيي ال عنهيا وغيرهيا مين جملة أهيل بييت النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ ممين قال
ال فيهم" :ويطهركم تطهيرا" [الحزاب ]33 :وسيأتي.
@ ودلت الية أيضا على أن منتهى السلم "وبركاته" كما أخبر ال عن صالحي عباده "رحمة
ال وبركاتييه عليكييم أهييل البيييت" .والبركيية النمييو والزيادة؛ وميين تلك البركات أن جميييع النييبياء
والمرسلين كانوا في ولد إبراهيم وسارة .وروى مالك عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن محمد بن
عمرو بين عطاء قال :كنيت جالسيا عنيد عبدال بين عباس فدخيل علييه رجيل مين أهيل اليمين فقال:
السيلم علييك ورحمية ال وبركاتيه؛ ثيم زاد شيئا ميع ذلك؛ فقال ،ابين عباس -وهيو يومئذ قيد ذهيب
بصيره -مين هذا؟ فقالوا اليمانيي الذي يغشاك ،فعرفوه إياه ،فقال( :إن السيلم انتهيى إلى البركية).
وروي عين علي رضيى ال عنيه أنيه قال :دخلت المسيجد فإذا أنيا بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي
عصيبة مين أصيحابه ،فقلت :السيلم عليكيم؛ فقال( :وعلييك السيلم ورحمية ال عشرون لي وعشرة
لك) .قال :ودخلت الثانييية؛ فقلت :السييلم عليكييم ورحميية ال فقال( :وعليييك السييلم ورحميية ال
وبركاتيه ثلثون لي وعشرون لك) .فدخلت الثالثية فقلت :السيلم عليكيم ورحمية ال وبركاتيه :فقال:
(وعليك السلم ورحمة ال وبركاته ثلثون لي وثلثون لك أنا وأنت في السلم سواء)" .إنه حميد
مجيد" أي محمود ماجد .وقد بيناهما في "السماء الحسنى".
**3اليات{ 76 - 74 :فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ،إن
إبراهيم لحليم أواه منيب ،يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير
مردود}
@قوله تعالى" :فلميا ذهيب عين إبراهييم الروع" أي الخوف؛ يقال :ارتاع مين كذا إذا خاف؛ قال
النابغة:
طوع الشوامت من خوف ومن صرد فارتاع من صوت كلب فبات له
"وجاءتيه البشرى" أي بإسيحاق ويعقوب .وقال قتادة :بشروه بأنهيم إنميا أتوا بالعذاب إلى قوم
لوط ،وأنييه ل يخاف" .يجادلنييا" أي يجادل رسييلنا ،وأضافييه إلى نفسييه ،لنهييم نزلوا بأمره .وهذه
المجادلة رواهيا حمييد بين هلل عين جندب عين حذيفية؛ وذلك أنهيم لميا قالوا" :إنيا مهلكيو أهيل هذه
القرية" [العنكبوت ]31 :قال لهم :أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا :ل.
قال :فأربعون؟ قالوا :ل .قال :فثلثون؟ قالوا :ل .قال :فعشرون؟ قالوا :ل .قال :فإن كان فيهييييييييا
عشرة -أو خمسية شيك حمييد -قالوا :ل .قال قتادة :نحوا منيه؛ قال فقال يعنيي إبراهييم :قوم لييس
فيهيم عشرة مين المسيلمين ل خيير فيهيم .وقييل إن إبراهييم قال :أرأيتيم إن كان فيهيا رجيل مسيلم
أتهلكونها؟ قالوا :ل .فقال إبراهيم عند ذلك" :إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله
إل امرأتيه كانيت مين الغابريين" [العنكبوت .]32 :وقال عبدالرحمين ابين سيمرة :كانوا أربعمائة
ألف .ابيين جريييج .وكان فييي قرى قوم لوط أربعيية آلف ألف .ومذهييب الخفييش والكسييائي أن
"يجادلنا" في موضع "جادلنا" .قال النحاس :لما كان جواب "لما" يجب أن يكون بالماضي جعل
المستقبل مكانه؛ كما أن الشرط يجب أن يكون بالمستقبل فجعل الماضي مكانه .وفيه جواب آخر:
أن يكون "يجادلنييا" فييي موضييع الحال؛ أي أقبييل يجادلنييا؛ وهذا قول الفراء" .إن إبراهيييم لحليييم :
لواه منييب" تقدم فيي "براءة" معنيى "لواه حلييم" [التوبية ]114 :والمنييب الراجيع؛ يقال :إذا
رجع .وإبراهيم صلى ال عليه وسلم كان راجعا إلى ال تعالى في أمور كلها .وقيل :الواه المتأوه
أسفا على ما قد فات قوم لوط من اليمان.
@قوله تعالى" :يا إبراهيم أعرض عن هذا" أي دع عنك الجدال في قوم لوط" .إنه قد جاء أمر
ربيك" أي عذابيه لهيم" .إنهيم آتيهيم" أي نازل بهيم" .عذاب غيير مردود" أي غيير مصيروف عنهيم
ول مدفوع.
**3الية{ 77 :ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}
@قوله تعالى" :ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم" لما خرجت الملئكة من عند إبراهيم ،وكان
بيين إبراهييم وقريية لوط أربعية فراسيخ بصيرت بنتيا لوط -وهميا تسيتقيان -بالملئكية ورأتيا هيئة
حسينة ،فقالتيا :ميا شأنكيم؟ ومين أيين أقبلتيم؟ قالوا :مين موضيع كذا نرييد هذه القريية قالتيا :فإن أهلهيا
أصحاب الفواحش؛ فقالوا :أبها من يضيفنا؟ قالتا :نعم! هذا الشيخ وأشارتا إلى لوط؛ فلما رأى لوط
هيئتهيم خاف قوميه ،عليهيم" .سييء بهيم" أي سياءه مجيئهيم؛ يقال :سياء بسيوء فهيو لزم ،وسياءه
يسيوءه فهيو متعيد أيضيا ،وإن شئت ضمميت السيين؛ لن أصيلها الضيم ،والصيل سيوئ بهيم مين
السيوء؛ قلبيت حركية الواو على السيين فانقلبيت ياء ،وإن خففيت الهمزة ألقييت حركتهيا على الياء
فقلت" :سييي بهييم" مخففييا ،ولغيية شاذة بالتشديييد" .وضاق بهييم ذرعييا" أي ضاق صييدره بمجيئهييم
وكرهه .وقيل :ضاق وسعه وطاقته .وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة
خطوه؛ فإذا حميل على أكثير مين طوقيه ضاق عين ذلك ،وضعيف وميد عنقيه؛ فضييق الذرع عبارة
عين ضييق الوسيع .وقييل :هيو مين ذرعيه القييء أي غابيه؛ أي ضاق عين حبسيه المكروه فيي نفسيه،
وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم ،وما يعلم من فسق قومه" .وقال هذا يوم عصيب" أي
شديد في الشر .وقال الشاعر:
يكن لك يوم بالعراق عصيب وإنك إل ترض بكر بن وائل
وقال آخر:
عصب القوي السلم الطوال يوم عصيب يعصب البطال
ويقال :عصيب وعصبصب على التكثير؛ أي مكروه مجتمع الشر وقد .عصب؛ أي عصب بالشر
عصييابة ،ومنيه قيييل :عصييبة وعصيابة أي مجتمعييو الكلمية؛ أي مجتمعون فييي أنفسييهم .وعصيبة
الرجييل المجتمعون معييه فييي النسييب؛ وتعصييبت لفلن صييرت كعصييبته ،ورجييل معصييوب ،أي
مجتمع الخلق.
**3اليية{ 78 :وجاءه قوميه يهرعون إلييه ومين قبيل كانوا يعملون السييئات قال ييا قوم هؤلء
بناتي هن أطهر لكم فاتقوا ال ول تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد}
@قوله تعالى" :وجاءه قوميه يهرعون إلييه" فيي موضيع الحال" .يهرعون" أي يسيرعون .قال
الكسييائي والفراء وغيرهمييا ميين أهييل اللغية :ل يكون الهراع إل إسييراعا مييع رعدة؛ يقال :أهرع
الرجل إهراعا أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى ،وهو مهرع؛ قال مهلهل:
نقودهم على رغم النوف فجاؤوا يهرعون وهم أسارى
وقال آخر:
بمعجلت نحوه مهارع
وهذا مثيل :أولع فلن بالمير ،وأرعيد زييد .وزهيي فلن .وتجييء ول تسيتعمل إل على هذا الوجيه.
وقيل :أهرع أي أهرعه حرصه؛ وعلى هذا "يهرعون" أي يستحثون عليه .ومن قال بالول قال:
لم يسيمع إل أهرع الرجيل أي أسيرع؛ على لفيظ ميا لم يسيم فاعله .قال ابين القوطيية :هرع النسيان
هرعييا ،وأهرع :سيييق واسييتعجل .وقال الهروي يقال :هرع الرجييل وأهرع أي اسييتحث .قال ابيين
عباس وقتادة والسييدي"( :يهرعون" يهرولون) .الضحاك :يسييعون .ابيين عيينيية :كأنهييم يدفعون.
ج َمزَى .وقال الحسن :مشي بين مشيين؛ والمعنيى وقال شمير بن عطية :هو مشي بين الهرولة وال َ
متقارب .وكان سيييبب إسيييراعهم ميييا روي أن امرأة لوط الكافرة ،لميييا رأت الضياف وجمالهيييم
وهيئتهم ،خرجت حتى أتت مجالس قومها ،فقالت لهم :إن لوطا قد أضاف الليلة فتية ما رئي مثلهم
جمال؛ وكذا وكذا؛ فحينئذ جاؤوا يهرعون إلييه .ويذكير أن الرسيل لميا وصيلوا إلى بلد لوط وجدوا
لوطييا فييي حرث له .وقيييل :وجدوا ابنتييه تسييتقي ماء ميين نهيير سييدوم؛ فسييألوها الدللة على ميين
يضيفهييم ،ورأت هيئتهييم فخافييت عليهييم ميين قوم لوط ،وقالت لهييم :مكانكييم! وذهبييت إلى أبيهييا
فأخيبرته؛ فخرج إليهيم؛ فقالوا :نرييد أن تضيفنيا الليلة؛ فقال لهيم :أوميا سيمعتم بعميل هؤلء القوم؟
فقالوا :ومييا عملهييم؟ فقال أشهييد بال إنهييم لشيير قوم فييي الرض -وقييد كان ال عييز وجييل ،قال
لملئكتيه ل تعذبوهيم حتيى يشهيد لوط عليهيم أربيع شهادات -فلميا قال لوط هذه المقالة ،قال جبرييل
لصييحابه :هذه واحدة ،وتردد القول بينهييم حتييى كرر لوط الشهادة أربييع مرات ،ثييم دخييل بهييم
المدينة.
@قوله تعالى" :ومين قبيل" أي ومين قبيل مجييء الرسيل .وقييل :مين قبيل لوط" .كانوا يعملون
السيييئات" أي كانييت عادتهييم إتيان الرجال .فلمييا جاؤوا إلى لوط وقصييدوا أضيافييه قام إليهييم لوط
مدافعييا ،وقال" :هؤلء بناتييي" ابتداء وخييبر .وقييد اختلف فييي قوله" :هؤلء بناتييي" فقيييل :كان له
ثلث بنات ميين صييلبه .وقيييل :بنتان؛ زيتييا وزعوراء؛ فقيييل :كان لهييم سيييدان مطاعان فأراد أن
يزوجهما ابنتيه .وقيل :ندبهم في هذه الحالة إلى النكاح ،وكانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة؛
وقيد كان هذا فيي أول السيلم جائزا ثيم نسيخ؛ فزوج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بنتيا له مين
عتبة بن أبي لهب ،والخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي ،وكانا كافرين .وقالت فرقة -
منهم مجاهد وسعيد بن جبير -أشار بقوله" :بناتي" إلى النساء جملة؛ إذ نبي القوم أب لهم؛ ويقوي
هذا أن فيي قراءة ابين مسيعود" .النيبي أولى بالمؤمنيين مين أنفسيهم وأزواجيه أمهاتهيم" [الحزاب:
.]6وقالت طائفة :إنما كان الكلم مدافعة ولم يرد إمضاءه؛ روي هذا القول عن أبي عبيدة؛ كما
يقال لمن ينهى عن أكل مال الغير :الخنزير أحل لك من هذا .وقال عكرمة :لم يعرض عليهم بناته
ول بنات أمته ،وإنما قال لهم هذا لينصرفوا.
@قوله تعالى" :هن أطهر لكم" ابتداء وخبر؛ أي أزوجكموهن؛ فهو أطهر لكم مما تريدون ،أي
أحل .والتطهر التنزه عما ل يحل .وقال ابن عباس( :كان رؤساؤهم خطبوا بناته فلم يجبهم ،وأراد
ذلك اليوم أن يفدي أضيافيه ببناتيه) .ولييس ألف "أطهير" للتفضييل حتيى يتوهيم أن فيي نكاح الرجال
طهارة ،بييل هييو كقولك :ال أكييبر وأعلى وأجييل ،وإن لم يكيين تفضيييل؛ وهذا جائز شائع فييي كلم
العرب ،ولم يكابر ال تعالى أحد حتى يكون ال تعالى أكبر منه .وقد قال أبو سفيان بن حرب يوم
أحيد :اعيل هبيل اعيل هبيل؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم لعمير( :قيل ال أعلى وأجيل) .وهبيل لم
يكين قيط عالييا ول جليل .وقرأ العامية برفيع الراء .وقرأ الحسين وعيسيى بين عمرو "هين أطهير"
بالنصيب على الحال .و"هين" عماد .ول يجييز الخلييل وسييبويه والخفيش أن يكون "هين" ههنيا
عمادا ،وإنميا يكون عمادا فيميا ل يتيم الكلم إل بميا بعدهيا ،نحيو كان زييد هيو أخاك ،لتدل بهيا على
أن الخ ليس بنعت .قال الزجاج :ويدل بها على أن كان تحتاج إلى خبر .وقال غيره :يدل بها على
أن الخبر معرفة أو ما قارنها.
@قوله تعالى" :فاتقوا ال ول تخزون في ضيفي" أي ل تهينوني ول تذلوني .ومنه قول حسان:
ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك
ودميت فاه قطعت بالبوارق مددت يمينا للنبي تعمدا
ويجوز أن يكون من الخزاية ،وهو الحياء ،والخجل؛ قال ذو الرمة:
من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب خزاية أدركته بعد جولته
وقال آخر:
بها مرطها أو زايل الحلي جيدها من البيض ل تخزى إذا الريح ألصقت
وضيف يقع للثنين والجميع على لفظ الواحد ،لنه في الصل مصدر؛ قال الشاعر:
للضيف والضيف أحق زائر ل تعدمي الدهر شفار الجازر
ويجوز فيه التثنية والجمع؛ والول أكثر كقولك :رجال صوم وفطر وزور .وخزي الرجل خزاية؛
أي اسيتحيا مثيل ذل وهان .وخزي خزييا إذا افتضيح؛ يخزى فيهميا جميعيا .ثيم وبخهيم بقوله" :ألييس
منكيم رجيل رشييد" أي شدييد يأمير بالمعروف وينهيى عين المنكير .وقييل" :رشييد" أي ذو رشيد .أو
بمعنيى راشيد أو مرشيد ،أي صيالح أو مصيلح ابين عباس :مؤمين .أبيو مالك :ناه عين المنكير .وقييل:
الرشيييد بمعنييى الرشييد؛ والرشييد والرشاد الهدى والسييتقامة .ويجوز أي يكون بمعنييى المرشييد؛
كالحكيم بمعنى المحكم.
**3الية{ 79 :قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد}
@قوله تعالى" :قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق" روي أن قوم لوط خطبوا بناته فردهم،
وكانت سنتهم أن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا؛ فذلك قوله تعالى" :قالوا لقد علمت ما لنا
فيي بناتيك مين حيق" وبعيد أل تكون هذه الخاصيية .فوجيه الكلم أنيه لييس ،لنيا إلى بناتيك تعلق ،ول
هن قصدنا ،ول لنا عادة نطلب ذلك" .وإنك لتعلم ما نريد" إشارة إلى الضياف.
**3الية{ 80 :قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد}
@قوله تعالى" :قال لو أن لي بكم قوة" لما رأى استمرارهم في غيهم ،وضعف عنهم ،ولم يقدر
على دفعهيم ،تمنيى لو وجيد عونيا على ردهيم؛ فقال على جهية التفجيع والسيتكانة" .لو أن لي بكيم
قوة" أي أنصييارا وأعوانييا .وقال ابيين عباس :أراد الولد .و"أن" فييي موضييع رفييع بفعييل مضميير،
تقديره :لو اتفيق أو وقيع .وهذا يطرد فيي "أن" التابعية ليي "لو" .وجواب "لو" محذوف؛ أي لرددت
أهيل الفسياد ،وحلت بينهيم وبيين ميا يريدون" .أو آوي إلى ركين شدييد" أي ألجيأ وأنضوي .وقرئ
"أو آوي" بالنصب عطفا على "قوة" كأنه قال" :لو أن لي بكم قوة" أو إيواء إلى ركن شديد؛ أي
وأن آوي ،فهيو منصيوب بإضمار "أن" .ومراد لوط بالركين العشيرة ،والمنعية بالكثرة .وبلغ بهيم
قبييح فعلهيم إلى قوله هذا ميع علميه بميا عنيد ال تعالى؛ فيروى أن الملئكية وجدت علييه حيين قال
هذه الكلمات ،وقالوا :إن ركنك لشديد .وفي البخاري عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال( :يرحم ال لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد) الحديث؛ وقد تقدم في "البقرة" .وخرجه
الترمذي وزاد (ما بعث ال بعده نبيا إل في ثروة من قومه) .قال محمد بن عمرو :والثروة الكثرة
والمنعية؛ حدييث حسين .ويروى أن لوطيا علييه السيلم لميا غلبيه قوميه ،وهموا بكسير الباب وهيو
يمسيكه ،قالت له الرسيل :تنيح عين الباب؛ فتنحيى وانفتيح الباب؛ فضربهيم جبرييل بجناحيه فطميس
أعينهيم ،وعموا وانصيرفوا على أعقابهيم يقولون :النجاء؛ قال ال تعالى" :ولقيد راودوه عين ضيفيه
فطمسنا أعينهم" [القمر .]37 :وقال ابن عباس وأهل التفسير :أغلق لوط بابه والملئكة معه في
الدار ،وهييو يناظيير قومييه ويناشدهييم ميين وراء الباب ،وهييم يعالجون تسييور الجدار؛ فلمييا رأت
الملئكية ميا لقيي مين الجهيد والكرب والنصيب بسيببهم ،قالوا :ييا لوط إن ركنيك لشدييد ،وأنهيم آتيهيم
عذاب غييير مردود ،وإنييا رسييل ربييك؛ فافتييح الباب ودعنييا وإياهييم؛ ففتييح الباب فضربهييم جبريييل
بجناحيه على ميا تقدم .وقييل :أخيذ جبرييل قبضية مين تراب فأذراهيا فيي وجوههيم ،فأوصيل ال إلى
عين من بعد ومن قرب من ذلك التراب فطمس أعينهم ،فلم يعرفوا طريقا ،ول اهتدوا إلى بيوتهم،
وجعلوا يقولون :النجاء النجاء! فإن فييي بيييت لوط قومييا هييم أسييحر ميين على وجييه الرض ،وقييد
سحرونا فأعموا أبصارنا .وجعلوا يقولون :يا لوط كما أنت حتى نصبح فسترى؛ يتوعدونه.
**3الية{ 81 :قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ول يلتفت
منكم أحد إل امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}
@قوله تعالى" :قالوا يا لوط إنا رسل ربك" لما رأت الملئكة حزنه واضطرابه ومدافعته عرفوه
بأنفسيهم ،فلميا علم أنهيم رسيل مكين قوميه مين الدخول ،فأمير جبرييل علييه السيلم يده على أعينهيم
فعموا ،وعلى أيديهيم فجفيت" .لن يصيلوا إلييك" أي بمكروه "فأسير بأهلك" قرئ "فاسير" بوصيل
اللف وقطعهيا؛ لغتان فصييحتان .قال ال تعالى" :واللييل إذا يسير" [الفجير ]4 :وقال" :سيبحان
الذي أسرى" [السراء ]1 :وقال النابغة :فجمع بين اللغتين:
تزجي الشمال عليه جامد البرد أسرت عليه من الجوزاء سارية
وقال آخر:
أسرت إليك ولم تكن تسري حي النضيرة ربة الخدر
وقد قيل" :فأسر" بالقطع إذا سار من أول الليل ،وسرى إذا سار من آخره؛ ول يقال في النهار إل
سار .وقال لبيد:
قضى عمل والمرء ما عاش عامل إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه
وقال عبدال بن رواحة:
وتنجلي عنهم غيابات الكرى عند الصباح يحمد القوم السرى
"بقطع من الليل" قال ابن عباس :بطائفة من الليل .الضحاك :ببقية من الليل .قتادة :بعد مضي
صيدر مين اللييل .الخفيش :بعيد جنيح مين اللييل .ابين العرابيي :بسياعة مين اللييل .وقييل :بظلمية مين
اللييل .وقييل :بعيد هدء مين اللييل .وقييل :هزييع مين اللييل .وكلهيا متقاربية؛ وقييل :إنيه نصيف اللييل؛
مأخوذ من قطعه نصفين؛ ومنه قول الشاعر:
على رجل بقارعة الصعيد ونائحة تنوح بقطع ليل
فإن قيل :السرى ل يكون إل بالليل ،فما معنى "بقطع من الليل"؟ فالجواب :أنه لو لم يقل" :بقطع
مين اللييل" جاز أن يكون أوله" .ول يلتفيت منكيم أحيد" أي ل ينظير وراءه منكيم أحيد؛ قال مجاهيد.
ابين عباس :ل يتخلف منكيم أحيد .علي بين عيسيى ل يشتغيل منكيم أحيد بميا يخلفيه مين مال أو متاع.
"إل امرأتيك" بالنصيب؛ وهيي القراءة الواضحية البينية المعنيى؛ أي فأسير بأهلك إل امرأتيك .وكذا
فيي قراءة ابين مسيعود "فأسير بأهلك إل امرأتيك" فهيو اسيتثناء مين الهيل .وعلى هذا لم يخرج بهيا
معيه .وقيد قال ال عيز وجيل" :كانيت مين الغابريين" [العراف ]83 :أي مين الباقيين .وقرأ أبيو
عمرو وابن كثير" :إل امرأتك" بالرفع على البدل من "أحد" .وأنكر هذه القراءة جماعة منهم أبو
عبييد؛ وقال :ل يصح ذلك إل برفع "يلتفت" ويكون نعتيا؛ لن المعنيى يصيير -إذا أبدلت وجزمت
-أن المرأة أبيح لها اللتفات ،وليس المعنى كذلك .قال النحاس :وهذا الحمل من أبي عبيد وغيره
على مثل أبي عمرو مع جللته ومحله من العربية ل يجب أن يكون؛ والرفع على البدل له معنى
صحيح ،والتأويل له على ما حكى محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد أن يقول الرجل لحاجبه :ل
يخرج فلن؛ فلفيظ النهيي لفلن ومعناه للمخاطيب؛ أي ل تدعيه يخرج؛ ومثله قولك :ل يقيم أحيد إل
زييد؛ يكون معناه :انههيم عين القيام إل زيدا؛ وكذلك النهيي للوط ولفظيه لغيره؛ كأنيه قال :انههيم ل
يلتفييت منهييم أحييد إل امرأتييك فإنهييا تلتفييت وتهلك ،وأن النهييي عيين اللتفات لنييه كلم تام؛ أي ل
يلتفت ،منكم أحد إل امرأتك فإنها تلتفت وتهلك ،وأن لوطا خرج بها ،ونهى من معه ممن أسرى
بهيم أل يلتفيت ،فلم يلتفيت منهيم أحيد سيوى زوجتيه؛ فإنهيا لميا سيمعت هدة العذاب التفتيت وقالت:
واقوماه! فأدركها حجر فقتلها" .إنه مصيبها" أي من العذاب ،والكناية في "إنه" ترجع إلى المر
والشأن؛ أي فإن الميير والشأن والقصيية" .مصيييبها مييا أصييابهم إن موعدهييم الصييبح" لمييا قالت
الملئكية" :إنيا مهلكيو أهيل هذه القريية" [العنكبوت ]31 :قال لوط :الن الن .اسيتعجلهم بالعذاب
لغيظه على قومه؛ فقالوا" :أليس الصبح بقريب" وقرأ عيسى بن عمر "أليس الصبح" بضم الباء
وهييي لغيية .ويحتمييل أن يكون جعييل الصييبح ميقاتييا لهلكهييم؛ لن النفوس فيييه أودع ،والناس فيييه
أجميع .وقال بعيض أهيل التفسيير :إن لوطيا خرج بابنتييه لييس معيه غيرهميا عنيد طلوع الفجير؛ وأن
الملئكة قالت له :إن ال قد وكل بهذه القرية ملئكة معهم صوت رعد ،وخطف برق ،وصواعق
عظيمية ،وقيد ذكرنيا لهيم أن لوطيا سييخرج فل تؤذوه؛ وأمارتيه أنيه ل يلتفيت ،ول تلتفيت ابنتاه فل
يهولنك ما ترى .فخرج لوط وطوى ال له الرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم.
**3اليتان{ 83 - 82 :فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل
منضود ،مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}
@قوله تعالى" :فلما جاء أمرنا" أي عذابنا" .جعلنا عاليها سافلها" وذلك أن جبريل عليه السلم
أدخييل جناحييه تحييت قرى قوم لوط ،وهييي خمييس :سييدوم -وهييي القرييية العظمييى - ،وعامورا،
ودادوما ،وضعوه ،وقتم ،فرفعها من تخوم الرض حتى أدناها من السماء بما في فيها؛ حتى سمع
أهل السماء نهيق حمرهم وصياح ديكتهم ،لم تنكفئ لهم جرة ،ولم ينكسر لهم إناء ،ثم نكسوا على
رؤوسهم ،وأتبعهم ال بالحجارة .مقاتل .أهلكت أربعة ،ونجت ضعوه .وقيل :غير هذا ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" دليل على أن من فعل فعلهم حكمه الرجم ،وقد
تقدم فيي "العراف" .وفيي التفسيير :أمطرنيا فيي العذاب ،ومطرنيا فيي الرحمية .وأميا كلم العرب
فيقال :مطرت السييماء وأمطرت :حكاه الهروي .واختلف فييي "السييجيل" فقال النحاس :السييجيل
الشديد الكثير؛ وسجيل وسجين اللم والنون أختان .وقال أبو عبيدة :السجيل الشديد؛ وأنشد:
ضربا تواصى به البطال سجينا
قال النحاس :ورد عليه هذا القول عبدال بن مسلم وقال :هذا سجين وذلك سجيل فكيف يستشهد
بيييه؟! قال النحاس :وهذا الرد ل يلزم؛ لن أبيييا عيييبيدة ذهيييب إلى أن اللم تبدل مييين النون لقرب
إحداهمييا ميين الخرى؛ وقول أبييي عييبيدة يرد ميين جهيية أخرى؛ وهييي أنييه لو كان على قوله لكان
حجارة سجيل؛ لنه ل يقال :حجارة من شديد؛ لن شديدا نعت .وحكى أبو عبيدة عن الفراء أنه قد
يقال لحجارة الرحاء سجيل .وحكى عنه محمد بن الجهم أن سجيل طين يطبخ حتى يصير بمنزلة
الرحاء .وقالت طائفة منهم ابن عباس وسعيد بن جبير وابن إسحاق :إن سجيل لفظة غير عربية
عربت ،أصلها سنج وجيل .ويقال :سنك وكيل؛ بالكاف موضع الجيم ،وهما بالفارسية حجر وطين
عربتهميا العرب فجعلتهميا اسيما واحدا .وقييل :هيو مين لغية العرب .وقال قتادة وعكرمية :السيجيل
الطيين بدلييل قوله "لنرسيل عليهيم حجارة مين طيين" [الذاريات .]33 :وقال الحسين :كان أصيل
الحجارة طينيا فشددت .والسيجيل عنيد العرب كيل شدييد صيلب .وقال الضحاك :يعنيي الجير .وقال
ابن زيد :طين طبخ حتى كان كالجر؛ وعنه أن سجيل اسم السماء الدنيا؛ ذكره المهدوي؛ وحكاه
الثعلبي عن أبي العالية؛ وقال ابن عطية :وهذا ضعيف يرده وصفه بي "منضود" .وعن عكرمة:
أنيه بحير معلق فيي الهواء بيين السيماء والرض منيه نزلت الحجارة .وقييل :هيي جبال فيي السيماء،
وهيي التيي أشار ال تعالى إليهيا بقوله" :وينزل مين السيماء مين جبال فيهيا مين برد" [النور.]43 :
وقييل :هيو مميا سيجل لهيم أي كتيب لهيم أن يصييبهم؛ فهيو فيي معنيى سيجين؛ قال ال تعالى" :وميا
أدراك ما سجين .كتاب مرقوم" [المطففين ]8 :قاله الزجاج واختاره .وقيل :هو فعيل من أسجلته
أي أرسلته؛ فكأنها مرسلة عليهم .وقيل :هو من أسجلته إذا أعطيته؛ فكأنه عذاب أعطوه؛ قال:
يمل الدلو إلى عقد الكرب من يساجلني يساجل ماجدا
وقال أهل المعاني :السجيل والسجين الشديد من الحجر والضرب؛ قال ابن مقبل:
ضربا تواصى به البطال سجينا ورجلة يضربون البيض ضاحية
"منضود" قال ابين عباس :متتابيع .وقال قتادة :نضيد بعضهيا فوق بعيض .وقال الربييع :نضيد
بعضيه على بعيض حتيى صيار جسيدا واحدا .وقال عكرمية :مصيفوف .وقال بعضهيم مرصيوص؛
والمعنيى متقارب .يقال :نضدت المتاع واللبين إذا جعلت بعضيه على بعيض ،فهيو منضود ونضييد
ونضد؛ قال:
ورفعته إلى السجفين فالنضد
وقال أبو بكر الهذلي :معد؛ أي هو مما أعده ال لعدائه الظلمة" .مسومة" أي معلمة ،من السيما
وهيي العلمية؛ أي كان عليهيا أمثال الخواتييم .وقييل :مكتوب على كيل حجير اسيم مين رميي بيه،
وكانيت ل تشاكيل حجارة الرض .وقال الفراء :زعموا أنهيا كانيت بحمرة وسيواد فيي بياض ،فذلك
تسويمها .وقال كعب :كانت معلمة ببياض وحمرة ،وقال الشاعر:
له سيمياء ل تشق على البصر غلم رماه ال بالحسن يافعا
و "مسيومة" مين نعيت حجارة .و"منضود" مين نعيت "سيجيل" .وفيي قوله" :عنيد ربيك" دلييل على
أنها ليست من حجارة الرض؛ قاله الحسن" .وما هي من الظالمين ببعيد" يعني قوم لوط؛ أي لم
تكين تخطئهيم .وقال مجاهد :يرهب قريشا؛ المعنى :ما الحجارة من ظالمي قومك يا محمد ببعييد.
وقال قتادة وعكرمية :يعنيي ظالميي هذه المية؛ وال ميا أجار ال منهيا ظالميا بعيد .وروي عين النيبي
صلى ال عليه وسلم أنه قال( :سيكون في آخر أمتي قوم يكتفي رجالهم بالرجال ونساؤهم بالنساء
فإذا كان ذلك فارتقبوا عذاب قوم لوط أن يرسييل ال عليهييم حجارة ميين سييجيل) ثييم تل رسييول ال
صلى ال عليه وسلم "وما هي من الظالمين ببعيد" .وفي رواية عنه عليه السلم (ل تذهب الليالي
واليام حتيى تسيتحل هذه المية أدبار الرجال كميا اسيتحلوا أدبار النسياء فتصييب طوائف مين هذه
المة حجارة من ربك) .وقيل :المعنى ما هذه القرى من الظالمين ببعيد؛ وهي بين الشام والمدينة.
وجاء "ببعيييد" مذكرا على معنييى بمكان بعيييد .وفييي الحجارة التييي أمطرت قولن :أحدهمييا .أنهييا
أمطرت على المدن حين رفعها جبريل .الثاني :أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها
وكان خارجا عنها.
**3الية{ 84 :وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره ول تنقصوا
المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط}
@قوله تعالى" :وإلى مديين أخاهيم شعيبيا" أي وأرسيلنا إلى مديين ،ومديين هيم قوم شعييب .وفيي
تسميتهم بذلك قولن :أحدهما :أنهم بنو مدين بن إبراهيم؛ فقيل :مدين والمراد بنو مدين .كما يقال
مضير والمراد بنيو مضير .الثانيي :أنيه اسيم مدينتهيم ،فنسيبوا إليهيا .قال النحاس :ل ينصيرف مديين
لنه اسم مدينة؛ وقد تقدم في "العراف" هذا المعنى وزيادة" .قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله
غيره" تقدم" .ول تنقصييوا المكيال والميزان" كانوا مييع كفرهييم أهييل بخييس وتطفيييف؛ كانوا إذا
جاءهييم البائع بالطعام أخذوا بكيييل زائد ،واسييتوفوا بغاييية مييا يقدرون عليييه وظلموا؛ وإن جاءهييم
مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص ،وشحوا له بغاية ما يقدرون؛ فأمروا باليمان إقلعا عن الشرك،
وبالوفاء نهييا عين التطفييف" .إنيي أراكيم بخيير" أي فيي سيعة مين الرزق ،وكثرة مين النعيم .وقال
الحسين :كان سيعرهم رخيصيا" .وإنيي أخاف عليكيم عذاب يوم محييط" وصيف اليوم بالحاطية،
وأراد وصيف ذلك اليوم بالحاطية بهيم؛ فإن يوم العذاب إذا أحاط بهيم فقيد أحاط العذاب بهيم ،وهيو
كقولك :يوم شديييد؛ أي شديييد حره .واختلف فييي ذلك العذاب؛ فقيييل :هييو عذاب النار فييي الخرة.
وقيل :عذاب الستئصال في الدنيا .وقيل :غلء السعر؛ روي معناه عن ابن عباس .وفي الحديث
عن النبي صلى ال عليه وسلم( :ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إل ابتلهم ال بالقحط
والغلء) .وقد تقدم.
**3الية{ 85 :ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ول تبخسوا الناس أشياءهم ول تعثوا في
الرض مفسدين}
@قوله تعالى" :وييا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسيط" أمر باليفاء بعيد أن نهى عن التطفييف
تأكيدا .واليفاء التمام" .بالقسيط" أي بالعدل والحيق ،والمقصيود أن يصيل كيل ذي كيل نصييب إلى
نصييبه؛ ولييس يرييد إيفاء المكيال والموزون لنيه لم يقيل :أوفوا بالمكيال وبالميزان؛ بيل أراد أل
تنقصيييوا حجيييم المكيال عييين المعهود ،وكذا الصييينجات" .ول تبخسيييوا الناس أشياءهيييم" أي ل
تنقصوهم مما استحقوه شيئا" .ول تعثوا في الرض مفسدين" بين أن الخيانة في المكيال والميزان
مبالغة في الفساد في الرض ،وقد مضى في "العراف" زيادة لهذا ،والحمد ل.
**3الية{ 86 :بقية ال خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ}
@قوله تعالى" :بقية ال خير لكم" أي ما يبقيه ال لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة ،وأحمد
عاقبية مميا تبقونيه أنتيم لنفسيكم مين فضيل التطفييف بالتجيبر والظلم؛ قال معناه الطيبري ،وغيره.
وقال مجاهيد" :بقيية ال خيير لكيم" يرييد طاعتيه .وقال الربييع :وصيية ال .وقال الفراء :مراقبية ال.
ابن زيد :رحمة ال .قتادة والحسن :حظكم من ربكم خير لكم .وقال ابن عباس :رزق ال خير لكم.
"إن كنتيم مؤمنيين" شرط هذا لنهيم إنما يعرفون صيحة هذا إن كانوا مؤمنيين .وقيل :يحتميل أنهيم
كانوا يعترفون بأن ال خالقهيم فخاطبهيم بهذا" .وما أنا عليكيم بحفييظ" أي رقييب أرقبكيم عنيد كيلكيم
ووزنكيم؛ أي ل يمكننيي شهود كيل معاملة تصيدر منكيم حتيى أؤاخذكيم بإيفاء الحيق .وقييل :أي ل
يتهيأ لي أن أحفظكم من إزالة نعم ال عليكم بمعاصيكم.
**3الية{ 87 :قالوا يا شعيب أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما
نشاء إنك لنت الحليم الرشيد}
@قوله تعالى" :قالوا يا شعيب أصلواتك" وقرئ "أ صَلتُك" من غير جمع" .تأمرك أن نترك ما
يعبد آباؤنا" "أن" في موضع نصب؛ قال الكسائي :موضعها خفض على إضمار الباء .وروي أن
شعيبا عليه السلم كان كثير الصلة ،مواظبا على العبادة فرضها ونقلها ويقول :الصلة تنهى عن
الفحشاء والمنكر؛ فلما أمرهم ونهاهم عيروه بما رأوه يستمر عليه من كثرة الصلة ،واستهزؤوا
بيه فقالوا ميا أخيبر ال عنهيم .وقييل :إن الصيلة هنيا بمعنيى القراءة؛ قاله سيفيان عين العميش ،أي
قراءتيك تأمرك؛ ودل بهذا على أنهيم كانوا كفارا .وقال الحسيين :لم يبعييث ال نبيييا إل فرض علييه
الصيلة والزكاة" .أو أن نفعيل فيي أموالنيا ميا نشاء" زعيم الفراء أن التقديير :أو تنهانيا أن نفعيل فيي
أموالنيا ميا نشاء .وقرأ السيلمي والضحاك بين قييس "أو أن تفعيل فيي أموالنيا ميا تشاء" بالتاء فيي
الفعليين ،والمعنيى :ميا تشاء أنيت ييا شعييب .وقال النحاس" :أو أن" على هذه القراءة معطوفية على
"أن" الولى .وروي عن زيد بن أسلم أنه قال :كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم .وقيل :معنى.
"أو أن نفعيل فيي أموالنيا ميا نشاء" إذا تراضينيا فيميا بيننيا بالبخيس فلم تمنعنيا منيه؟!" .إنيك لنيت
الحليم الرشيد" يعنون عند نفسك بزعمك .ومثله في صفة أبي جهل" :ذق إنك أنت العزيز الكريم"
[الدخان ]49 :أي عنيد نفسيك بزعميك .وقييل :قالوه على وجيه السيتهزاء والسيخرية ،قاله قتادة.
ومنه قولهيم للحبشيي :أبو البيضاء ،وللبيض أبو الجون؛ ومنه قول خزنية جهنيم لبيي جهيل" :ذق
إنك أنت العزيز الكريم" .وقال سفيان بن عيينة :العرب تصف الشيء بضده للتطير والتفاؤل؛ كما
قيل للديغ سليم ،وللفلة مفازة .وقيل :هو تعريض أرادوا به السب؛ وأحسن من هذا كله ،ويدل ما
قبله على صيحته؛ أي إنيك أنيت الحلييم الرشييد حقيا ،فكييف تأمرنيا أن نترك ميا يعبيد آباؤنيا! ويدل
علييه" .أصيلتك تأمرك أن نترك ميا يعبيد آباؤنيا" أنكروا لميا رأوا مين كثرة صيلته وعبادتيه ،وأنيه
حليم رشيد بأن يكون يأمرهم بترك ما كان يعبد آباؤهم ،وبعده أيضا ما يدل عليه.
**3الية{ 88 :قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد
أن أخالفكيم إلى ميا أنهاكيم عنيه إن أرييد إل الصيلح ميا اسيتطعت وميا توفيقيي إل بال علييه توكلت
وإليه أنيب}
@قوله تعالى" :قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي" أي أفل أنهاكم عن الضلل؟! وهذا
كله يدل على أنهيم قالوه على وجيه الحقيقية ،وأنيه اعتقادهيم فييه .ويشبيه هذا المعنيى قول اليهود مين
بنيي قريظية للنبي صيلى ال عليه وسيلم حيين قال لهيم( :يا إخوة القردة) فقالوا :يا محميد ميا علمناك
جهول!.
@مسيألة :قال أهيل التفسيير :كان مميا ينهاهيم عنيه ،وعذبوا لجله قطيع الدنانيير والدراهيم؛ كانوا
يقرضون مين أطراف الصيحاح لتفضيل لهيم القراضية ،وكانوا يتعاملون على الصيحاح عدا ،وعلى
المقروضية وزنيا ،وكانوا يبخسيون فيي الوزن .وقال ابين وهيب قال مالك :كانوا يكسيرون الدنانيير
والدراهييم ،وكذلك قال جماعيية ميين المفسييرين المتقدمييين كسييعيد بيين المسيييب ،وزيييد بيين أسييلم
وغيرهميا؛ وكسيرهما ذنيب عظييم .وفيي كتاب أبيي داود عين علقمية بين عبدال عين أبييه قال :نهيى
رسول ال صلى ال عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إل من بأس؛ فإنها إذا كانت
صيحاحا قام معناهيا؛ وظهرت فائدتهيا ،وإذا كسيرت صيارت سيلعة ،وبطلت منهيا الفائدة؛ فأضير
ذلك ،بالناس؛ ولذلك حرم .وقيد قييل فيي تأوييل قوله تعالى" :وكان فيي المدينية تسيعة رهيط يفسيدون
في الرض ول يصلحون" [النمل ]48 :أنهم كانوا يكسرون الدراهم؛ قاله زيد بن أسلم .قال أبو
عمير بين عبدالبر :زعموا أنيه لم يكين بالمدينية أعلم بتأوييل القرآن مين زييد بين أسيلم بعيد محميد بين
كعب القرظي.
@ مسألة :قال أصبغ قال عبدالرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة مولى زيد بن الحارث العتقي:
ميين كسييرها لم تقبييل شهادتييه ،وإن اعتذر بالجهالة لم يعذر ،وليييس هذا بموضييع عذر؛ قال ابيين
العربيي :أميا قوله :لم تقبيل شهادتيه فلنيه أتيى كيبيرة ،والكبائر تسيقط العدالة دون الصيغائر؛ وأميا
قوله :ل يقبيل عذره بالجهالة فيي هذا فلنيه أمير بيين ل يخفيى على أحيد ،وإنميا يقبيل العذر إذا ظهير
الصدق فيه ،أو خفي وجه الصدق فيه ،وكان ال أعلم به من العبد كما قال مالك.
مسألة :إذا كان هذا معصية وفسادا ترد به الشهادة فإنه يعاقب من فعل ذلك ،ومر ابن المسيب
برجيل قيد جلد فقال :ميا هذا؟ قال رجيل :يقطيع الدنانيير والدراهيم؛ قال ابين المسييب :هذا مين الفسياد
فيي الرض؛ ولم ينكير جلده؛ ونحوه عين سيفيان .وقال أبيو عبدالرحمين النجييبي :كنيت قاعدا عنيد
عمير بين عبدالعزييز وهيو إذ ذاك أميير المدينية فأتيى برجيل يقطيع الدراهيم وقيد شهيد علييه فضربيه
وحلقه ،وأمر فطيف به ،وأمره أن يقول :هذا جزاء من يقطع الدراهم؛ ثم أمر أن يرد إليه؛ فقال:
إنه لم يمنعني أن أقطع يدك إل أني لم أكن تقدمت في ذلك قبل اليوم ،وقد تقدمت في ذلك فمن شاء
فليقطع .قال القاضي أبو بكر بن العربي :أما أدبه بالسوط فل كلم فيه ،وأما حلقه فقد فعله عمر؛
وقد كنت أيام الحكم بين الناس أضرب وأحلق ،وإنما كنت أفعل ذلك بمن يرى شعره عونا له على
المعصية ،وطريقا إلى التجمل به في الفساد ،وهذا هو الواجب في كل طريق للمعصية ،أن يقطع
إذا كان غير مؤثر في البدن ،وأما قطع يده فإنما أخذ ذلك عمر من فصل السرقة؛ وذلك أن قرض
الدراهم غير كسرها ،فإن الكسر إفساد الوصف ،والقرض تنقيص للقدر ،فهو أخذ مال على جهة
الختفاء؛ فإن قييل :ألييس الحرز أصيل فيي القطيع؟ قلنيا :يحتميل أن يكون عمير يرى أن تهيئتهيا
للفصيل بيين الخلق دينارا أو درهميا حرز لهيا ،وحرز كيل شييء على قدر حاله؛ وقيد أنفيذ ذلك ابين
الزبير ،وقطع يد رجل في قطع الدنانير والدراهم .وقد قال علماؤنا المالكية :إن الدنانير والدراهم
خواتيم ال عليها اسمه؛ ولو قطع على قول أهل التأويل من كسر خاتما ل كان أهل لذلك ،أو من
كسر خاتم سلطان عليه اسمه أدب ،وخاتم ال تقضى به الحوائج فل يستويان في العقوبة .قال ابن
العربي :وأرى أن يقطع فيي قرضهيا دون كسيرها ،وقد كنيت أفعيل ذلك أيام توليتيي الحكيم ،إل أنيي
كنيت محفوفيا بالجهال ،فلم أجبين بسيبب المقال للحسيدة الضلل فمين قدر علييه يوميا مين أهيل الحيق
فليفعله احتسابا ل تعالى.
@قوله تعالى" :ورزقني منه رزقا حسنا" أي واسعا حلل ،وكان شعيب عليه السلم كثير المال،
قاله ابن عباس وغيره .وقيل :أراد به .الهدى والتوفيق ،والعلم والمعرفة ،وفي الكلم حذف ،وهو
ميا ذكرناه؛ أي أفل أنهاكيم عين الضلل! وقييل :المعنيى "أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي" أتبيع
الضلل؟ وقييل :المعنيى "أرأيتيم إن كنيت على بينية مين ربيي" أتأمروننيي بالعصييان فيي البخيس
والتطفييف ،وقيد أغنانيي ال عنيه" .وميا أرييد أن أخالفكيم" فيي موضيع نصيب بيي "أرييد"" .إلى ميا
أنهاكم عنه" أي ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه ،كما ل أترك ما أمرتكم به" .إن أريد إل الصلح
ميا اسيتطعت" أي ميا أرييد إل فعيل الصيلح؛ أي أن تصيلحوا دنياكيم بالعدل ،وآخرتكيم بالعبادة،
وقال" :ما استطعت" لن الستطاعة من شروط الفعل دون الرادة .و"ما" مصدرية؛ أي إن أريد
إل الصييلح جهدي واسييتطاعتي" .ومييا توفيقييي" أي رشدي ،والتوفيييق الرشييد" .إل بال عليييه
توكلت" أي اعتمدت" .وإلييه أنييب" أي أرجيع فيميا ينزل بيي مين جمييع النوائب .وقييل :إلييه أرجيع
في الخرة .وقيل :إن النابة الدعاء ،ومعناه وله أدعو.
**3الية{ 89 :ويا قوم ل يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو
قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد}
@قوله تعالى" :وييا قوم ل يجرمنكيم" وقرأ يحييى بين وثاب " ُيجْ ِر َم ّنكُميْ" .ل يدخلنكيم فيي الجرم؛
كما تقول :آثمني أي أدخلني في الثم" .شقاقي" في موضع رفع" .أن يصيبكم" في موضع نصب،
أي ل يحملنكيم معاداتيي على ترك اليمان فيصييبكم ميا أصياب الكفار قبلكيم ،قاله الحسين وقتادة.
وقيل :ل يكسبنكم شقاقي إصابتكم العذاب ،كما أصاب من كان قبلكم ،قاله الزجاج .وقد تقدم معنى
"يجرمنكم" في "المائدة" و"الشقاق" في "البقرة" وهو هنا بمعنى العداوة ،قاله السدي ،ومنه قول
الخطل:
فكيف وجدتم طعم الشقاق أل من مبلغ عني رسول
وقال الحسن البصري :إضراري .وقال قتادة :فراقي" .وما قوم لوط منكم ببعيد" وذلك أنهم كانوا
حديثيي عهيد بهلك قوم لوط .وقييل :وميا ديار قوم لوط منكيم ببعييد؛ أي بمكان بعييد ،فلذلك وحيد
البعيد .قال الكسائي :أي دورهم في دوركم.
**3الية{ 90 :واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود}
@قوله تعالى" :واسيتغفروا ربكيم ثيم توبوا إلييه" تقدم" .إن ربيي رحييم ودود" اسيمان مين أسيمائه
سبحانه ،وقد بيناهما في كتاب "السنى في شرح السماء الحسنى" .قال الجوهري :وددت الرجل
أوده ودا إذا أحببتيه ،والودود المحيب ،والود والود والود والمودة المحبية .وروي عين النيبي صيلى
ال عليه وسلم أنه كان إذا ذكر شعيبا قال( :ذاك خطيب النبياء).
**3اليية{ 91 :قالوا ييا شعييب ميا نفقيه كثيرا مميا تقول وإنيا لنراك فينيا ضعيفيا ولول رهطيك
لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}
@قوله تعالى" :قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول" أي ما نفهم؛ لنك تحملنا على أمور غائبة
من البعث والنشور ،وتعظنا بما ل عهد لنا بمثله .وقيل :قالوا ذلك إعراضا عن سماعه ،واحتقارا
لكلميه؛ يقال :فقيه يفقيه إذا فهيم فقهيا؛ وحكيى الكسيائي :فقيه فقهيا وفقهيا إذا صيار فقيهيا" .وإنيا لنراك
فينا ضعيفا" قيل :إنه كان مصابا ببصره؛ قاله سعيد بن جبير وقتادة .وقيل :كان ضعيف البصر؛
قاله الثوري ،وحكيى عنيه النحاس مثيل قول سيعيد بين جيبير وقتادة .قال النحاس :وحكيى أهيل اللغية
أن حميير تقول للعميى ضعيفيا؛ أي قيد ضعيف بذهاب بصيره؛ كميا يقال ،له ضريير؛ أي قيد ضير
بذهاب بصييره؛ كمييا يقال له :مكفوف؛ أي قييد كييف عيين النظيير بذهاب بصييره .قال الحسيين :معناه
مهييين .وقيييل :المعنييى ضعيييف البدن؛ حكاه علي بيين عيسييى .وقال السييدي :وحيدا ليييس لك جنييد
وأعوان تقدر بهيا على مخالفتنيا .وقييل :قلييل المعرفية بمصيالح الدنييا وسيياسة أهلهيا و"ضعيفيا"
نصييب على الحال" .ولول رهطييك" رفييع بالبتداء ،ورهييط الرجييل عشيرتييه الذي يسييتند إليهييم
ويتقوى بهيم؛ ومنيه الراهطاء لجحير اليربوع؛ لنيه يتوثيق بيه ويخبيأ فييه ولده .ومعنيى "لرجمناك"
لقتلناك بالرجم ،وكانوا إذا قتلوا إنسانا رجموه بالحجارة ،وكان رهطه من أهل ملتهم .وقيل :معنى
"لرجمناك" لشتمناك؛ ومنه قول الجعدي:
نصير كأننا فرسا رهان تراجمنا بمر القول حتى
والرجيم أيضيا اللعن؛ ومنه الشيطان الرجييم" .وميا أنيت علينيا بعزييز" أي ميا أنيت علينيا بغالب ول
قاهر ول ممتنع.
**3اليية{ 92 :قال ييا قوم أرهطيي أعيز عليكيم مين ال واتخذتموه وراءكيم ظهرييا إن ربيي بميا
تعملون محيط}
@قوله تعالى" :قال يا قوم أرهطي" "أرهطي" رفع بالبتداء؛ والمعنى أرهطي في قلوبكم "أعز
عليكيم مين ال" وأعظيم وأجيل وهيو يملككيم" .واتخذتموه وراءكيم ظهرييا" أي اتخذتيم ميا جئتكيم بيه
من أمر ال ظهريا؛ أي جعلتموه وراء ظهوركم ،وامتنعتم من قتلي مخافة قومي يقال :جعلت أمره
بظهر إذا قصيرت فييه ،وقيد مضيى في "البقرة"" ،إن ربي بما تعملون" أي من الكفير والمعصيية.
"محيط" أي عليم .وقيل :حفيظ.
**3اليتان{ 93 :ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه
ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب}
@قوله تعالى" :وييا قوم اعملوا على مكانتكيم إنيي عاميل سوف تعلمون" تهدييد ووعييد؛ وقيد تقدم
فيي "النعام"" .مين يأتييه عذاب يخزييه" أي يهلكيه .و"مين" فيي موضيع نصيب ،مثيل "يعلم المفسيد
من المصلح" [البقرة" .]220 :ومن هو كاذب" عطف عليها .وقيل :أي وسوف تعلمون من هو
كاذب منيا .وقييل :فيي محيل رفيع؛ تقديره :ويخزي مين هيو كاذب .وقييل :تقديره ومين هيو كاذب
فسيعلم كذبه ،ويذوق وبال أمره .وزعم الفراء أنهم إنما جاؤوا بي "هو" في "ومن هو كاذب" لنهم
ل يقولون مين قائم؛ إنميا يقولون :مين قام ،ومين يقوم ،ومين القائم؛ فزادوا "هيو" ليكون جملة تقوم
مقام فعل ويفعل .قال النحاس :ويدل على خلف هذا قوله:
ضقت ذرعا بهجرها والكتاب من رسولي إلى الثريا بأني
"وارتقبوا إني معكم رقيب" أي انتظروا العذاب والسخطة؛ فإني منتظر النصر والرحمة.
**3الية{ 95 - 94 :ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين
ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ،كأن لم يغنوا فيها أل بعدا لمدين كما بعدت ثمود}
@قوله تعالى" :ولما جاء أمرنا" قيل :صاح بهم جبريل صيحة فخرجت أرواحهيم من أجسادهم
"وأخذت الذين ظلموا الصيحة" أي صيحة جبريل .وأنث الفعل على لفظ الصيحة ،وقال في قصة
صالح" :وأخذ الذين ظلموا الصيحة" فذكر على معنى الصياح .قال ابن عباس :ما أهلك ال أمتين
بعذاب واحد إل قوم صالح وقوم شعيب ،أهلكهم ال بالصيحة؛ غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة
من تحتهم ،وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم" .فأصبحوا في ديارهم جاثمين ،كأن لم يغنوا
فيهيا أل بعدا لمديين كميا بعدت ثمود" تقدم معناه .وحكيى الكسيائي أن أبيا عبدالرحمين السيلمي قرأ
"كما بعدت ثمود" بضم العين .قال النحاس :المعروف في اللغة إنما يقال بعد يبعد بعدا وبعدا إذا
هلك .وقال المهدوي :مين ضيم العيين مين "بعدت" فهيي لغية تسيتعمل فيي الخيير والشير ،ومصيدرها
البعيد؛ وبعدت تسيتعمل فيي الشير خاصية؛ يقال :بعيد يبعيد بعدا؛ فالبعيد على قراءة الجماعية بمعنيى
اللعنية ،وقيد يجتميع معنيى اللغتيين لتقاربهميا فيي المعنيى؛ فيكون مميا جاء مصيدره على غيير لفظيه
لتقارب المعاني.
**3اليتان{ 97 - 96 :ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا وسيلطان ميبين ،إلى فرعون وملئه فاتبعوا
أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد}
@قوله تعالى" :ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا" بيين أنيه أتبيع النيبي النيبي لقامية الحجية ،وإزاحية كيل
علة "بآياتنيا" أي بالتوراة .وقييل :بالمعجزات" .وسيلطان ميبين" أي حجية بينية؛ يعنيي العصيا .وقيد
مضيى فيي "آل عمران" معنيى السيلطان واشتقاقيه فل معنيى للعادة" .إلى فرعون وملئه فاتبعوا
أميير فرعون" أي شأنييه وحاله ،حتييى اتخذوه إلهييا ،وخالفوا أميير ال تعالى" .ومييا أميير فرعون
برشيد" أي بسديد يؤدي إلى صواب :وقيل" :برشيد" أي بمرشد إلى خير.
**3الية{ 98 :يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود}
@قوله تعالى" :يقدم قوميه يوم القيامية" يعنيي أنيه يتقدمهيم إلى النار إذ هيو رئيسيهم .يقال :قدمهيم
يقدمهيم قدميا وقدوميا إذا تقدمهيم" .فأوردهيم النار" أي أدخلهيم فيهيا .ذكير بلفيظ الماضيي؛ والمعنيى
فيوردهيم النار؛ وميا تحقيق وجوده فكأنيه كائن؛ فلهذا يعيبر عين المسيتقبل بالماضيي" .وبئس الورد
المورود" أي بئس المدخييل المدخول؛ ولم يقييل بئسييت لن الكلم يرجييع إلى المورود ،وهييو كمييا
تقول :نعييييم المنزل دارك ،ونعمييييت المنزل دارك .والمورود الماء الذي يورد ،والموضييييع الذي
يورد؛ وهو بمعنى المفعول.
**3الية{ 99 :وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود}
@قوله تعالى" :وأتبعوا فيي هذه لعنية" أي فيي الدنييا" .ويوم القيامية" أي ولعنية يوم القيامية؛ وقيد
تقدم هذا المعنيى" .بئس الرفيد المرفود" حكيى الكسيائي وأبيو عيبيدة :رفدتيه أرفده رفدا؛ أي أعنتيه
وأعطيتييه .واسييم العطييية الرفييد؛ أي بئس العطاء والعانيية .والرفييد أيضييا القدح الضخييم؛ قاله
الجوهري ،والتقدير :بئس الرفد رفد المرفود .وذكر الماوردي :أن الرفد بفتح الراء القدح ،والرفد
بكسيرها ميا فيي القدح مين الشراب؛ حكيى ذلك عين الصيمعي؛ فكأنيه ذم بذلك ميا يسيقونه فيي النار.
وقيل :إن الرفد الزيادة؛ أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار؛ قاله الكلبي.
**3اليتان{ 101 - 100 :ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد ،وما ظلمناهم
ولكين ظلموا أنفسيهم فميا أغنيت عنهيم آلهتهيم التيي يدعون مين دون ال مين شييء لميا جاء أمير ربيك
وما زادوهم غير تتبيب}
@قوله تعالى" :ذلك من أنباء القرى نقصه عليك" "ذلك" رفع على إضمار مبتدأ ،أي المر ذلك.
وإن شئت بالبتداء؛ والمعنيى :ذلك النبيأ المتقدم مين أنباء القرى نقصيه علييك" .منهيا قائم وحصييد"
قال قتادة :القائم ما كان خاويا على عروشه ،والحصيد ما ل أثر له .وقيل :القائم العامر ،والحصيد
الخراب؛ قاله ابيين عباس :وقال مجاهييد :قائم خاوييية على عروشهييا ،وحصيييد مسييتأصل؛ يعنييي
محصودا كالزرع إذا حصد؛ قال الشاعر:
كالزرع منه قائم وحصيد والناس في قسم المنية بينهم
وقال آخر:
فمتى يأن يأت محتصده إنما نحن مثل خامة زرع
قال الخفيش سيعيد :حصييد أي محصيود ،وجمعيه حصيدى وحصياد مثيل مرضيى ومراض؛ قال:
يكون فيمن يعقل حصدى ،مثل قتيل وقتلى" .وما ظلمناهم" أصل الظلم في اللغة وضع الشيء في
غيير موضعيه ،وقيد تقدم فيي "البقرة" مسيتوفى" .ولكين ظلموا أنفسيهم" بالكفير والمعاصيي .وحكيى
سييبويه أنيه يقال :ظلم إياه "فميا أغنيت" أي دفعيت" .عنهيم آلهتهيم التيي يدعون مين دون ال مين
شييء" فيي الكلم حذف ،أي التيي كانوا يعبدون؛ أي يدعون" .وميا زادوهيم غيير تتيبيب" أي غيير
تخسير؛ قاله مجاهد وقتاده .وقال لبيد:
لبلى يعود وذاكم التتبيب فلقد بليت وكل صاحب جده
والتباب الهلل والخسييران؛ وفيييه إضمار؛ أي مييا زادتهييم عبادة الصيينام ،فحذف المضاف؛ أي
كانت عبادتهم إياها قد خسرتهم ثواب الخرة.
**3اليتان{ 103 - 102 :وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ،إن
في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود}
@قوله تعالى" :وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى" أي كما أخذ هذه القرى التي كانت لنوح وعاد
وثمود يأخذ جميع القرى الظالمة .وقرأ عاصم الجحدري وطلحة بن مصرف "وكذلك أخذ ربك إذ
أخيذ القرى" وعين الجحدري أيضيا "وكذلك أخيذ ربيك" كالجماعية "إذ أخيذ القرى" .قال المهدوي
من قرأ" :وكذلك أخذ ربك إذ أخذ" فهو إخبار عما جاءت به العادة في إهلك من تقدم من المم؛
والمعنى :وكذلك أخذ ربك من أخذه من المم المهلكة إذ أخذهم .وقراءة الجماعة على أنه مصدر؛
والمعنيى :كذلك أخيذ ربيك مين أراد إهلكيه متيى أخذه؛ فإذ لميا مضيى؛ أي حيين أخيذ القرى؛ وإذا
للمسيتقبل "وهيي ظالمية" أي وأهلهيا ظالمون؛ فحذف المضاف مثيل" :واسيأل القريية" [يوسيف:
" .]82إن أخذه أليم شديد" أي عقوبته لهل الشرك موجعة غليظة .وفي صحيح مسلم والترمذي
من حديث أبي موسى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن ال تعالى يملي للظالم حتى إذا
أخذه لم يفلتيه) ثيم قرأ "وكذلك أخيذ ربيك إذا أخيذ القرى" اليية .قال أبيو عيسيى :هذا حدييث حسين
صحيح غريب.
@قوله تعالى" :إن فيي ذلك ليية" أي لعيبرة وموعظية" .ذلك يوم" ابتداء وخيبر" .مجموع" مين
نعته.
@قوله تعالى" :له الناس" اسيم ميا لم يسيم فاعله؛ ولهذا لم يقيل مجموعون ،فإن قدرت ارتفاع
"الناس" بالبتداء ،والخبر "مجموع له" فإنما لم يقل :مجموعون على هذا التقدير؛ لن "له" يقوم
مقام الفاعيييييل .والجميييييع الحشييييير ،أي يحشرون لذلك اليوم" .وذلك يوم مشهود" أي يشهده البر
والفاجر؛ ويشهده أهيل السماء .وقد ذكرنيا هذيين السمين مع غيرهميا من أسيماء القيامية في كتاب
"التذكرة" وبيناهما والحمد ال.
**3اليية{ 105 - 104 :وما نؤخره إل لجل معدود ،يوم يأت ل تكلم نفيس إل بإذنيه فمنهيم
شقي وسعيد}
@قوله تعالى" :وميا نؤخره" أي ميا نؤخير ذلك اليوم" .إل لجيل معدود" أي لجيل سيبق بيه
قضاؤنيا ،وهيو معدود عندنيا" .يوم يأتيي" وقرئ "يوم يأت" لن الياء تحذف إذا كان قبلهيا كسيرة؛
تقول :ل أدر؛ ذكره القشيري .قال النحاس :قرأه أهييل المدينيية وأبييو عمرو والكسييائي بإثبات الياء
فيي الدراج؛ وحذفهيا فيي الوقيف ،وروي أن أبييا وابين مسيعود قرآ "يوم يأتيي" بالياء فيي الوقيف
والوصل .وقرأ العمش وحمزة "يوم يأت" بغير باء في الوقف والوصل ،قال أبو جعفر النحاس:
الوجه في هذا أل يوقف عليه ،وأن يوصل بالياء ،لن جماعة من النحويين قالوا :ل تحذف الياء،
ول يجزم الشيء بغير جازم؛ فأما الوقف بغير ياء ففيه قول للكسائي؛ قال :لن الفعل السالم يوقف
عليه كالمجزوم ،فحذف الياء ،كما تحذف الضمة .وأما قراءة حمزة فقد احتج أبو عبيد لحذف الياء
في الوصل والوقف بحجتين إحداهما :أنه زعم أنه رآه في المام الذي يقال له إنه مصحف عثمان
رضيي ال عنيه بغيير ياء .والحجية الخرى :أنيه حكيى أنهيا لغية هذييل؛ تقول :ميا أدر؛ قال النحاس:
أما حجته بمصحف عثمان رضي ال عنه فشيء يرده عليه أكثر العلماء؛ قال مالك بن أنس رحمه
ال :سيألت عين مصيحف عثمان رضيي ال عنيه فقييل لي ذهيب؛ وأميا حجتيه بقولهيم" :ميا أدر" فل
حجية فييه؛ لن هذا الحذف قيد حكاه النحويون القدماء ،وذكروا علتيه ،وأنيه ل يقاس علييه .وأنشيد
الفراء في حذف الياء.
جودا وأخرى تعط بالسيف الدما كفاك كف ما تليق دوهما
أي تعطي .وقد حكى سيبويه والخليل أن العرب تقول :ل أدر ،فتحذف الياء وتجتزئ بالكسرة ،إل
أنهيم يزعمون أن ذلك لكثرة السيتعمال .قال الزجاج :والجود فيي النحيو إثبات الياء؛ قال :والذي
أراه اتباع المصييحف وإجماع القراء؛ لن القراءة سيينة؛ وقييد جاء مثله فييي كلم العرب" .ل تكلم
نفيس إل بإذنيه" الصيل تتكلم؛ حذفيت إحدى التاءيين تخفيفيا .وفييه إضمار؛ أي ل تتكلم فييه نفيس إل
بالمأذون فييه مين حسين الكلم؛ لنهيم ملجوؤون إلى ترك القبييح .وقييل :المعنيى ل تكلم بحجية ول
شفاعة إل بإذنه .وقيل :إن لهم في الموقف وقتا يمنعون فيه من الكلم إل بإذنه .وهذه الية أكثر ما
يسيأل عنهيا أهيل اللحاد فيي الديين .فيقول لم قال" :ل تكلم نفيس إل بإذنيه" و"هذا يوم ل ينطقون.
ول يؤذن لهيم فيعتذرون" [المرسيلت .]36 :وقال فيي موضيع مين ذكير القيامية" :وأقبيل بعضهيم
على بعيض يتسياءلون" [الصيافات .]27 :وقال" :يوم تأتيي كيل نفيس تجادل عين نفسيها" [النحيل:
.]111وقال" :وقفوهم إنهم مسؤولون" [الصافات .]24 :وقال" :فيومئذ ل يسأل عن ذنبه إنس
ول جان" [الرحمن .]39 :والجواب ما ذكرناه ،وأنهم ل ينطقون بحجة تجب لهم وإنما يتكلمون
بالقرار بذنوبهيم ،ولوم بعضهيم بعضيا ،وطرح بعضهيم الذنوب على بعيض؛ فأميا التكلم والنطيق
بحجية لهيم فل؛ وهذا كميا تقول للذي يخاطبيك كثيرا ،وخطابيه فارغ عين الحجية :ميا تكلميت بشييء،
وميا نطقيت بشييء ،فسيمي مين يتكلم بل حجية فييه له غيير متكلم .وقال :قوم :ذلك اليوم طوييل ،وله
مواطن ومواقيف فيي بعضهيا يمنعون من الكلم ،وفيي بعضها يطلق لهم الكلم؛ فهذا يدل على أنه
ل تتكلم نفس إل بإذنه" .فمنهم شقي وسعيد" أي من النفس ،أو من الناس؛ وقد ذكرهم قوله" :يوم
مجموع له الناس" .والشقي الذي كتبت عليه الشقاوة .والسعيد الذي كتبت عليه السعادة؛ قال لبيد:
ومنهم شقي بالمعيشة قانع فمنهم سعيد آخذ بنصيبه
وروى الترمذي عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال لما نزلت هذه الية "فمنهم شقي وسعيد"
سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقلت :يا نبي ال فعلم نعمل؟ على شيء قد فرغ منه ،أو
على شييء لم يفرغ منيه؟ فقال( :بيل على شييء قيد فرغ منيه وجرت بيه القلم ييا عمير ولكين كيل
ميسر لما خلق له) .قال :هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ل نعرفه إل من حديث عبدال بن
عمر؛ وقد تقدم في "العراف".
**3اليات{ 108 - 106 :فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ،خالدين فيها ما
داميت السيماوات والرض إل ميا شاء ربيك إن ربيك فعال لميا يرييد ،وأميا الذيين سيعدوا ففيي الجنية
خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ}
@قوله تعالى" :فأميا الذيين شقوا" ابتداء" .ففيي النار" فيي موضيع الخيبر ،وكذا "لهيم فيهيا زفيير
وشهييق" قال أبيو العاليية :الزفيير مين الصيدر .والشهييق مين الحلق؛ وعنيه أيضيا ضيد ذلك .وقال
الزجاج :الزفيير مين شدة النيين ،والشهييق مين النيين المرتفيع جدا؛ قال :وزعيم أهيل اللغية مين
الكوفييين والبصيريين أن الزفيير بمنزلة ابتداء صيوت الحميير فيي النهييق ،والشهييق بمنزلة آخير
صيوت الحمار فيي الشهييق .وقال ابين عباس رضيي ال عنيه عكسيه؛ قال :الزفيير الصيوت الشدييد،
والشهيق الصوت الضعيف .وقال الضحاك ومقاتل :الزفير مثل أول نهيق الحمار ،والشهيق مثل
آخره حين فرغ من صوته؛ قال الشاعر:
حتى يقال ناهق وما نهق حشرج في الجوف سحيل أو شهيق
وقيل :الزفير إخراج النفس ،وهو أن يمتلئ الجوف غما فيخرج بالنفس ،والشهيق رد النفس وقيل:
الزفيير تردييد النفيس مين شدة الحزن؛ مأخوذ مين الزفير وهيو الحميل على الظهير لشدتيه؛ والشهييق
النفيس الطوييل الممتيد؛ مأخوذ مين قولهيم :جبيل شاهيق؛ أي طوييل .والزفيير والشهييق مين أصيوات
المحزونين.
@قوله تعالى" :خالديين فيهيا ميا داميت السيماوات والرض" "ميا داميت" فيي موضيع نصيب على
الظرف؛ أي دوام السماوات والرض ،والتقدير :وقت ذلك .واختلف في تأويل هذا؛ فقالت .طائفة
منهيم الضحاك :المعنيى ميا داميت سيماوات الجنية والنار وأرضهميا والسيماء كيل ميا علك فأظلك،
والرض مييا اسيتقر علييه قدمييك؛ وفييي التنزيييل" :وأورثنيا الرض نتبوأ مين الجنيية حييث نشاء"
[الزمير .]74 :وقييل :أراد بيه السيماء والرض المعهودتيين فيي الدنييا وأجرى ذلك على عادة
العرب فيي الخبار .عين دوام الشييء وتأبيده؛ كقولهيم :ل آتييك ميا جين لييل ،أو سيال سييل ،وميا
اختلف الليل والنهار ،وما ناح الحمام ،وما دامت السماوات والرض ،ونحو هذا مما يريدون به.
طول ميين غييير نهاييية؛ فأفهمهييم ال تخليييد الكفرة بذلك .وإن كان قييد أخييبر بزوال السييماوات.
والرض .وعين ابيين عباس أن جميييع الشياء المخلوقيية أصيلها ميين نور العرش ،وأن السيماوات
والرض في الخرة تردان إلى النور الذي أخذتا منه؛ فهما دائمتان أبدا في نور العرش.
@قوله تعالى" :إل ما شاء ربك" في موضع نصب؛ لنه استثناء ليس من الول؛ وقد اختلف فيه
على أقوال عشرة :الولى :أنه استثناء من قوله" :ففي النار" كأنه قال :إل ما شاء ربك من تأخير
قوم عن ذلك؛ وهذا قول رواه أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري وجابر رضي ال عنهما .وإنما لم
يقييل ميين شاء؛ لن المراد العدد ل الشخاص؛ كقوله" :مييا طاب لكييم" [النسيياء .]3 :وعيين أبييي
نضرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم (إل من شاء أل يدخلهم وإن شقوا بالمعصية) .الثاني:
أن الستثناء إنما هو للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار؛ وعلى هذا يكون قوله:
"فأما الذين شقوا" عاما في الكفرة والعصاة ،ويكون الستثناء من "خالدين"؛ قاله قتادة والضحاك
وأبيو سينان وغيرهيم .وفيي الصيحيح مين حدييث أنيس بين مالك قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه
وسييلم( :يدخييل ناس جهنييم حتييى إذا صيياروا كالحمميية أخرجوا منهييا ودخلوا الجنيية فيقال هؤلء
الجهنميون) وقد تقدم هذا المعنى في "النساء" وغيرها .الثالث :أن الستثناء من الزفير والشهيق؛
أي لهم فيها زفير وشهيق إل ما شاء ربك من أنواع العذاب الذي لم يذكره ،وكذلك لهل الجنة من
النعييم ميا ذكير ،وميا لم يذكير .حكاه ابين النباري .الرابيع :قال ابين مسيعود" :خالديين فيهيا ميا داميت
السيماوات والرض" ل يموتون فيهيا ،ول يخرجون منهيا "إل ميا شاء ربيك" وهيو أن يأمير النار
فتأكلهم وتفنيهم ،ثم يجدد خلقهم.
قلت :وهذا القول خاص بالكافيير والسييتثناء له فييي الكييل ،وتجديييد الخلق .الخامييس :أن "إل"
بمعنى "سوى" كما تقول في الكلم :ما معي رجل إل زيد ،ولي عليك ألفا درهم إل اللف التي لي
علييك .قييل :فالمعنيى ميا داميت السيماوات والرض سيوى ميا شاء ربيك مين الخلود .السيادس :أنيه
استثناء من الخراج ،وهو ل يريد أن يخرجهم منها .كما تقول في الكلم :أردت أن أفعل ذلك إل
أن أشاء غيره ،وأنيت مقييم على ذلك الفعيل؛ فالمعنيى أنيه لو شاء أن يخرجهيم لخرجهيم ،ولكنيه قيد
أعلمهيم أنهيم خالدون فيهيا ،ذكير هذيين القوليين الزجاج عين أهيل اللغية ،قال :ولهيل المعانيي قولن
آخران ،فأحيد القوليين" :خالديين فيهيا ميا داميت السيماوات والرض إل ميا شاء ربيك" مين مقدار
موقفهييم على رأس قبورهييم ،وللمحاسييبة ،وقدر مكثهييم فييي الدنيييا ،والبرزخ ،والوقوف للحسيياب.
والقول الخير :وقوع السيتثناء فيي الزيادة على النعييم والعذاب ،وتقديره" :خالديين فيهيا ميا داميت
السماوات ولرض إل ما شاء ربك" من زيادة النعيم لهل النعيم ،وزيادة العذاب لهل الجحيم.
قلت :فالسيتثناء فيي الزيادة مين الخلود على مدة كون السيماء والرض المعهودتيين فيي الدنييا
واختاره الترمذي الحكيييم أبييو عبدال محمييد بيين علي ،أي خالدييين فيهييا مقدار دوام السييماوات
والرض ،وذلك مدة العالم ،وللسيماء والرض وقيت يتغيران فييه ،وهيو قوله سيبحانه" :يوم تبدل
الرض غير الرض" [إبراهيم ]48 :فخلق ال سبحانه الدميين وعاملهم ،واشترى منهم أنفسهم
وأموالهم بالجنة ،وعلى ذلك بايعهم يوم الميثاق ،فمن وفي بذلك العهد فله الجنة ،ومن ذهب برقبته
يخلد فيي النار بمقدار دوام السيماوات والرض؛ فإنميا دامتيا للمعاملة؛ وكذلك أهيل الجنية خلود فيي
الجنية بمقدار ذلك؛ فإذا تميت هذه المعاملة وقيع الجمييع فيي مشيئة ال؛ قال ال تعالى" :وميا خلقنيا
السماوات والرض وما بينهما لعبين .ما خلقناهما إل بالحق" [الدخان ]39 :فيخلد أهل الدارين
بمقدار دوامهما ،وهو حق الربوبية بذلك المقدار من العظمة؛ ثم أوجب لهم البد في كلتا الدارين
لحيق الحديية؛ فمين لقييه موحدا لحديتيه بقيي فيي داوه أبدا ،ومين لقييه مشركيا بأحديتيه إلهيا بقيي فيي
السيجن أبدا؛ فأعلم ال العباد مقدار الخلود ،ثيم قال" :إل ميا شاء ربيك" مين زيادة المدة التيي تعجيز
القلوب عين إدراكهيا لنيه ل غايية لهيا؛ فبالعتقاد دام خلودهيم فيي الداريين أبدا .وقيد قييل :إن "إل"
بمعنى الواو ،قاله الفراء وبعض أهل النظر وهو :الثامن :والمعنى :وما شاء ربك من الزيادة في
الخلود على مدة دوام السيماوات والرض فيي الدنييا .وقيد قييل فيي قوله تعالى" :إل الذيين ظلموا"
[البقرة ]150 :أي ول الذين ظلموا .وقال الشاعر:
لعمر أبيك إل الفرقدان وكل أخ مفارقه أخوه
أي والفرقدان .وقال أبيو محميد مكيي :وهذا قول بعييد عنيد البصيريين أن تكون "إل" بمعنيى الواو،
وقد مضى في "البقرة" بيانه .وقيل :معناه كما شاء ربك؛ كقوله تعالى" :ول تنكحوا ما نكح آباؤكم
من النساء إل ما قد سلف" [النساء ]22 :أي كما قد سلف ،وهو :التاسع ،العاشر :وهو أن قوله
تعالى" :إل ميا شاء رب" إنميا ذلك على طرييق السيتثناء الذي ندب الشرع إلى اسيتعماله فيي كيل
كلم؛ فهييو على حييد قوله تعالى" :لتدخلن المسييجد الحرام إن شاء ال آمنييين" [الفتييح ]27 :فهييو
اسيتثناء فيي واجيب ،وهذا السيتثناء فيي حكيم الشرط كذلك؛ كأنيه قال :إن شاء ربيك؛ فلييس يوصيف
بمتصيل ول منقطيع؛ ويؤيده ويقوييه قوله تعالى" :عطاء غيير مجذوذ" ونحوه عين أبيي عبييد قال:
تقدمت عزيمة المشيئة من ال تعالى في خلود الفريقين في الدارين؛ فوقع لفظ الستثناء ،والعزيمة
قييد تقدمييت فييي الخلود ،قال :وهذا مثييل قوله تعالى" :لتدخلن المسييجد الحرام إن شاء ال آمنييين"
[الفتح ]27 :وقد علم أنهم يدخلونه حتما ،فلم يوجب الستثناء في الموضعين خيارا؛ إذ المشيئة قد
تقدمية ،بالعزيمية فيي الخلود فيي الداريين والدخول فيي المسيجد الحرام؛ ونحوه عين الفراء .وقول:
حادي عشيير :وهييو أن الشقياء هييم السييعداء ،والسييعداء هييم الشقياء ل غيرهييم ،والسييتثناء فييي
الموضعين راجع إليهم؛ وبيانه أن "ما" بمعنى "من" استثنى ال عز وجل من الداخلين في النار
المخلديين فيهيا الذيين يخرجون منهيا مين أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم بميا معهيم مين اليمان،
واسيتثنى مين الداخليين فيي الجنية المخلديين فيهيا الذيين يدخلون النار بذنوبهيم قبيل دخول الجنية ثيم
يخرجون منها إلى الجنة .وهم الذين وقع عليهم الستثناء الثاني؛ كأنه قال تعالى" :فأما الذين شقوا
ففيي النار لهيم فيهيا زفيير وشهييق خالديين فيهيا ميا داميت السيماوات والرض إل ميا شاء ربيك" أل
يخلده فيها ،وهم الخارجون منها من أمة محمد صلى ال عليه وسلم بإيمانهم وبشفاعة محمد صلى
ال علييه وسيلم؛ فهيم بدخولهيم النار يسيمون الشقياء ،وبدخلهيم الجنية يسيمون السيعداء؛ كميا روى
الضحاك عن ابن عباس إذ قال :الذين سعدوا شقوا بدخول النار ثم سعدوا بالخروج منها ودخولهم
الجنة.
وقرأ العميش وحفيص وحمزة والكسيائي "وأميا الذيين سيعدوا" بضيم السيين .وقال أبيو عمرو:
والدليييل على أنييه سييعدوا أن الول شقوا ولم يقييل أشقوا .قال النحاس :ورأيييت علي بيين سييليمان
يتعجب من قراءة الكسائي "سعدوا" مع علمه بالعربية! إذ كان هذا لحنا ل يجوز؛ لنه إنما يقال:
سعد فلن وأسعده ال ،وأسعد مثل أمرض؛ وإنما احتج الكسائي بقولهم :مسعود ول حجة له فيه؛
لنييه يقال :مكان مسييعود فيييه ،ثييم يحذف فيييه ويسييمى بييه .وقال المهدوي :وميين ضييم السييين ميين
"سعدوا" فهو محمول على قولهم :مسعود وهو شاذ قليل؛ لنه ل يقال :سعده ال؛ إنما يقال :أسعده
ال .وقال الثعلبيي" :سيعدوا" بضيم السيين أي رزقوا السيعادة؛ يقال :سيعد وأسيعد بمعنيى واحيد وقرأ
الباقون "سيعدوا" بفتيح السيين قياسيا على "شقوا" واختاره أبيو عبييد وأبيو حاتيم .وقال الجوهري:
والسعادة خلف الشقاوة؛ تقول :منه سعد الرجل بالكسر فهو سعيد ،مثل سلم فهو سليم ،وسعد فهو
مسيعود؛ ول يقال فييه :مسيعد ،كأنهيم اسيتغنوا عنيه بمسيعود .وقال القشيري أبيو نصير عبدالرحييم:
وقد ورد سعده ال فهو مسيعود ،وأسعده ال فهو مسعد؛ فهذا يقوي قول الكوفيين وقال سيبويه :ل
يقال سعد فلن كما ل يقال شقي فلن؛ لنه مما ل يتعدى" .عطاء غير مجذوذ" أي غير مقطوع؛
من جذه يجذه أي قطعه؛ قال النابغة:
وتوقد بالصفاح نار الحباحب تجذ السلوقي المضاعف نسجه
**3الية{ 109 :فل تك في مرية مما يعبد هؤلء ما يعبدون إل كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا
لموفوهم نصيبهم غير منقوص}
@قوله تعالى" :فل تك" جزم بالنهي؛ وحذفت النون لكثرة الستعمال" .في مرية" أي في شك.
"مما يعبد هؤلء" من اللهة أنها باطل .وأحسن من هذا :أي قل يا محمد لكل من شك "ل تك في
مرية مما يعبد هؤلء" أن ال عز وجل ما أمرهم به ،وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا
لهيم" .وإنا لموفوهيم نصييبهم غيير منقوص" فيه ثلثية أقوال :أحدهيا :نصيبهم مين الرزق؛ قاله أبو
العاليية .الثانيي :نصييبهم مين العذاب؛ قال ابين زييد .الثالث :ميا وعدوا بيه مين خيير أو شير ،قاله ابين
عباس رضي ال عنهما.
**3الية{ 110 :ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم
وإنهم لفي شك منه مريب}
@قوله تعالى" :ولول كلمية سيبقت مين ربيك" "ولول كلمية سيبقت مين ربيك" الكلمية :أن ال عيز
وجل حكم أن يؤخرهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلح؛ ولول ذلك لقضى بينهم أجلهم
بأن يثييب المؤمين ويعاقيب الكافير .قييل :المراد بيين المختلفيين فيي كتاب موسيى؛ فإنهيم كانوا بيين
مصيدق بيه ومكذب .وقييل :بيين هؤلء المختلفيين فييك ييا محميد بتعجييل العقاب ،ولكين سيبق الحكيم
بتأخيير العقاب عين هذه المية إلى يوم القيامية" .وإنهيم لفيي شيك منيه مرييب" إن حملت على قوم
موسى؛ أي لفي شك من كتاب موسى فهم في شك من القرآن.
**3الية{ 111 :وإن كل لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير}
@قوله تعالى" :وإن كل لميا ليوفينهيم ربيك أعمالهيم" أي إن كل مين الميم التيي عددناهيم يرون
جزاء أعمالهم؛ فكذلك قومك يا محمد .واختلف القراء في قراءة "وإن كل لما" فقرأ أهل الحرمين
ن كل َلمَا" بالتخفيف ،على أنها "إن" المخففة من الثقيلة -نافع وابن كثير وأبو بكر معهم " -وإ ْ
معملة؛ وقيد ذكير هذا الخلييل وسييبويه ،قال سييبويه :حدثنيا مين أثيق بيه أنيه سيمع العرب تقول :إن
زيدا لمنطلق؛ وأنشد قول الشاعر:
ن ظبية تعطو إلى وارق السلم كأ ْ
أراد كأنها ظبية فخفف ونصب ما بعدها؛ والبصريون يجوزون تخفيف "إن" المشددة مع إعمالها؛
وأنكيير ذلك الكسييائي وقال :مييا أدري على أي شيييء قرئ "وإن كل"! وزعييم الفراء أنييه نصييب
"كل" فيي قراءة مين خفيف بقوله" :ليوفينهيم" أي وإن ليوفينهيم كل؛ وأنكير ذلك جمييع النحوييين،
وقالوا :هذا مين كيبير الغلط؛ ل يجوز عنيد أحيد زيدا لضربنيه .وشدد الباقون "إن" ونصيبوا بهيا
"كل" على أصلها .وقرأ عاصيم وحمزة وابن عامر "لما" بالتشدييد .وخففهيا الباقون على معنيى:
وإن كل ليوفينهييم ،جعلوا "مييا" صييلة .وقيييل :دخلت لتفصييل بييين اللمييين اللتييين تتلقيان القسييم،
وكلهمييا مفتوح ففصييل بينهمييا بيي "مييا" .وقال الزجاج :لم "لمييا" لم "إن" و"مييا" زائدة مؤكدة؛
تقول :إن زيدا لمنطلق ،فإن تقتضيييي أن يدخيييل على خبرهيييا أو اسيييمها لم كقولك :إن ال لغفور
رحيم ،وقوله" :إن في ذلك لذكري" .واللم في "ليوفينهم" هي التي يتلقى بها القسم ،وتدخل على
الفعل ويلزمها النون المشددة أو المخففة ،ولما اجتمعت اللمان فصل بينهما بي "ما" و"ما" زائدة
مؤكدة ،وقال الفراء" :ميا" بمعنيى "مين" كقوله" :وإن منكيم لمين ليبطئن" [النسياء ]72 :أي وإن
كل لمن ليوفينهيم ،واللم في "ليوفينهم" للقسم؛ وهذا يرجع معناه إلى قول الزجاج ،غير أن "ما"
عند الزجاج زائدة وعند الفراء اسم بمعنى "من" .وقيل :ليست بزائد ،بل هي اسم دخل عليها لم
التأكييد ،وهي خبر "إن" و"ليوفينهيم" جواب القسيم ،التقدير :وإن كل خلق ليوفينهم ربيك أعمالهم.
وقيل" :ما" بمعنى "من" كقوله" :فانكحوا ما طاب لكم من النساء" [النساء ]3 :أي من؛ وهذا كله
هيو قول الفراء بعينيه .وأميا مين شدد "لميا" وقرأ "وإن كل لميا" بالتشدييد فيهميا -وهيو حمزة ومين
وافقه -فقيل :إنه لحن؛ حكي عن محمد بن زيد أن هذا ل يجوز؛ ول يقال :إن زيدا إل لضربنه،
ول لميا لضربتيه .وقال الكسيائي :ال أعلم بهذه القراءة؛ وميا أعرف لهيا وجهيا .وقال هيو وأبيو علي
الفارسيي :التشدييد فيهميا مشكيل .قال النحاس وغيره :وللنحوييين فيي ذلك أقوال :الول :أن أصيلها
"لمن ما" فقلبت النون ميما ،واجتمعت ثلث ميمات فحذفت الوسطى فصارت "لما" و"ما" على
هذا القول بمعنى "من" تقديره :وإن كل لمن الذين؛ كقولهم:
إذا هو أعيا بالسبيل مصادره وإني لمّا أصدر المر وجهه
وزيّف الزجاج هذا القول ،وقال" :من" اسم على حرفين فل يجوز حذفه .الثاني :أن الصل .لمن
ما ،فحذفت الميم المكسورة لجتماع الميمات ،والتقدير :وإن كل لمن خلق ليوفينهم .وقيل" :لما"
مصييدر "لم" وجاءت بغييير تنوييين حمل للوصييل على الوقييف؛ فهييي على هذا كقوله" :وتأكلون
التراث أكل لميا" [الفجير ]19 :أي جامعيا للمال المأكول؛ فالتقديير على هذا :وإن كل ليوفينهيم
ربيك أعمالهيم توفيية لميا؛ أي جامعية لعمالهيم جمعيا ،فهيو كقولك :قياميا لقومين .وقيد قرأ الزهري
"لميا" بالتشدييد والتنوين على هذا المعنيى .الثالث :أن "لميا" بمعنى "إل" حكيى أهل اللغة :سيألتك
بال لميا فعلت؛ بمعنيى إل فعلت؛ ومثله قوله تعالى" :إن كيل نفيس لميا عليهيا حافيظ" [الطارق]4 :
أي إل عليها؛ فمعنى الية :ما كل واحد منهم إل ليوفينهم؛ قال القشيري :وزيف الزجاج هذا القول
بأنيه ل نفيي لقوله" :وإن كل لميا" حتيى تقدر "إل" ول يقال :ذهيب الناس لميا زييد .الرابيع :قال أبيو
عثمان المازني :الصل وإن كل لما بتخفيف "لما" ثم ثقلت كقوله:
في عامنا ذا بعد ما أخصبا لقد خشيت أن أرى جدبا
وقال أبو إسحاق الزجاج :هذا خطأ ،إنما يخفف المثقل؛ ول يثقل المخفف .الخامس :قال أبو عبيد
القاسم بن سلم :يجوز أن يكون التشديد من قولهم :لممت الشيء ألمه لما إذا جمعته؛ ثم بني منه
فعلى ،كما قرئ "ثم أرسلنا رسلنا تترى" [المؤمنون ]44 :بغير تنوين وبتنوين .فاللف على هذا
للتأنييييث ،وتمال على هذا القول لصيييحاب المالة؛ قال أبيييو إسيييحاق :القول الذي ل يجوز غيره
عندي أن تكون مخففيية ميين الثقيلة ،وتكون بمعنييى "مييا" مثييل" :إن كييل نفييس لمييا عليهييا حافييظ"
[الطارق ]4 :وكذا أيضا تشدد على أصلها ،وتكون بمعنيى "ما" و"لما" بمعنى "إل" حكيى ذلك
الخليل وسيبويه وجميع البصريين؛ وأن "لما" يستعمل بمعنى "إل" قلت :هذا القول الذي ارتضاه
الزجاج حكاه عنيه النحاس وغيره؛ وقيد تقدم مثله وتضعييف الزجاج له ،إل أن ذلك القول صيوابه
"إن" فييه نافيية ،وهنيا مخففية مين الثقيلة فافترقيا وبقييت قراءتان؛ قال أبيو حاتيم :وفيي حرف أبيي:
"وإن كل لما لي وفينهم" [هود ]111 :وروي عن العمش "وإن كل لما" بتخفيف "إن" ورفع
"كل" وبتشديد "لما" .قال النحاس :وهذه القراءات المخالفة للسواد تكون فيها "إن" بمعنى "ما"
ل غير ،وتكون على التفسير؛ لنه ل يجوز أن يقرأ بما خالف السواد إل على هذه الجهة" .إنه بما
يعملون خبير" تهديد ووعيد.
**3الية{ 112 :فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ول تطغوا إنه بما تعملون بصير}
@قوله تعالى" :فاستقم كما أمرت" الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم ولغيره .وقيل :له والمراد
أمته؛ قاله السدى .وقيل" :استقم" اطلب القامة على الدين من ال واسأله ذلك .فتكون السين سين
السؤال ،كما تقول :استغفر ال أطلب الغفران منه .والستقامة الستمرار في جهة واحدة من غير
أخذ في جهة اليمين والشمال؛ فاستقم على امتثال أمر ال .وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبدال
الثقفي قال :قلت يا رسول ال قل لي في السلم قول ل أسأل عنه أحدا بعدك! قال( :قل آمنت بال
ثيم اسيتقم) .وروى الدارميي أبيو محميد فيي مسينده عين عثمان بين حاضير الزدي قال :دخلت على
ابيين عباس فقلت أوصييني! فقال :نعييم! عليييك بتقوى ال والسييتقامة ،اتبييع ول تبتدع" .وميين تاب
معك" أي استقم أنت وهم؛ يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من أمته .قال
ابن عباس ما نزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم آية هي أشد ول أشق من هذه الية عليه،
ولذلك قال لصحابه حين قالوا له :لقد أسرع إليك الشيب! فقال( :شيبتني هود وأخواتها) .وقد تقدم
فيي أول السيورة .وروي عين أبيي عبدالرحمين السيلمي قال سيمعت أبيا علي السيري يقول :رأييت
النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي المنام فقلت :ييا رسيول ال! روي عنيك أنيك قلت( :شيبتنيي هود).
فقال( :نعيم) فقلت له :ميا الذي شيبيك منهيا؟ قصيص النيبياء وهلك الميم! فقال( :ل ولكين قوله:
فاسيتقم كميا أمرت)" .ول تطغوا" نهيى عين الطغيان والطغيان مجاوزة الحيد؛ ومنيه "إنيا لميا طغيى
الماء" .وقيل :أي ل تتجبروا على أحد.
**3الية{ 113 :ول تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون ال من أولياء ثم ل
تنصرون}
@قوله تعالى" :ول تركنوا" الركون حقيقة الستناد والعتماد والسكون إلى ،الشيء والرضا به،
قال قتادة :معناه ل تودوهييم ول تطيعوهييم .ابيين جريييج :ل تميلوا إليهييم .أبييو العالييية :ل ترضوا
أعمالهم؛ وكله متقارب .وقال ابن زيد :الركون هنا الدهان وذلك أل ينكر عليهم كفرهم.
@ قرأ الجمهور" :تركنوا" بفتيح الكاف؛ قال أبيو عمرو :هيي لغية أهيل الحجاز .وقرأ طلحية بين
مصيرف وقتادة وغيرهميا" :تركنوا" بضيم الكاف؛ قال الفراء :وهيي لغية تمييم وقييس .وجوز قوم
ركن يركن مثل منع يمنع" ".إلى الذين ظلموا" قيل :أهل الشرك .وقيل :عامة فيهم وفي العصاة،
على نحو قوله تعالى" :وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" [النعام ]68 :الية .وقد تقدم .وهذا
هييو الصييحيح فييي معنييى الييية؛ وأنهييا دالة على هجران أهييل الكفيير والمعاصييي ميين أهييل البدع
وغيرهم؛ فإن صحبتهم كفر أو معصية؛ إذ الصحبة ل تكون إل عن مودة؛ وقد قال حكيم:
فكل قرين بالمقارِن يقتدي عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه
فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في "آل عمران" و"المائدة" .وصحبة
الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الضطرار .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فتمسيكم النار" أي تحرقكيم .بمخالطتهيم ومصياحبتهم وممالتهيم على إعراضهيم
وموافقتهم في أمورهم.
**3اليية{ 114 :وأقيم الصيلة طرفيي النهار وزلفيا مين اللييل إن الحسينات يذهبين السييئات ذلك
ذكرى للذاكرين}
@قوله تعالى" :وأقم الصلة طرفي النهار" لم يختلف أحد من أهل التأويل في أن الصلة في هذه
الية يراد بها الصلوات المفروضة؛ وخصها بالذكر لنها ثانية اليمان ،وإليها يفزع في النوائب؛
وكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة.
وقال شيوخ الصييوفية :إن المراد بهذه الييية اسييتغراق الوقات بالعبادة فرضييا ونفل؛ قال ابيين
العربيي :وهذا ضعييف ،فإن المير لم يتناول ذلك إل واجبيا ل نفل ،فإن الوراد معلومية ،وأوقات
النوافل المرغب فيها محصورة ،وما سواها من الوقات يسترسل عليها الندب على البدل ل على
العموم ،وليس ذلك في قوة بشر.
@قوله تعالى" :طرفي النهار" قال مجاهد :الطرف الول ،صلة الصبح ،والطرف الثاني صلة
الظهير والعصير؛ واختاره ابين عطيية .وقييل :الطرفان الصيبح والمغرب؛ قال ابين عباس والحسين.
وعين الحسين أيضيا الطرف الثانيي العصير وحده؛ وقال قتادة والضحاك .وقييل :الطرفان الظهير
والعصييير .والزلف المغرب والعشاء والصيييبح؛ كأن هذا القائل راعيييى جهييير القراءة .وحكيييى
الماوردي أن الطرف الول صلة الصبح باتفاق.
قلت :وهذا التفاق ينقضه القول الذي قبله .ورجح الطبري أن الطرفين الصبح والمغرب ،وأنه
ظاهر؛ قال ابن عطية :ورد عليه بأن المغرب ل تدخل فيه لنها من صلة الليل .قال ابن العربي:
والعجييب ميين الطييبري الذي يرى أن طرفييي النهار الصييبح والمغرب ،وهمييا طرفييا الليييل! فقلب
القوس ركوة ،وحاد عين البرجاس غلوة؛ قال الطيبري :والدلييل علييه إجماع الجمييع على أن أحيد
الطرفين الصبح ،فدل على أن الطرف الخر المغرب ،ولم يجمع معه على ذلك أحد.
قلت :هذا تحاميل مين ابين العربيي فيي الرد؛ وأنيه لم يجميع معيه على ذلك أحيد؛ وقيد ذكرنيا عين
مجاهد أن الطرف الول صلة الصبح ،وقد وقع التفاق -إل من شذ -بأن من أكل أو جامع بعد
طلوع الفجر متعمدا أن يومه ذلك يوم فطر ،وعليه القضاء والكفارة ،وما ذلك ،إل وما بعد طلوع
الفجر من النهار؛ فدل على صحة ما قاله الطبري في الصبح ،وتبقى عليه المغرب والرد عليه فيه
ما تقدم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وزلفيا مين اللييل" أي فيي زلف مين اللييل ،والزلف السياعات القريبية بعضهيا مين
بعيض؛ ومنيه سيميت المزدلفية؛ لنهيا منزل بعيد عرفية بقرب مكية .وقرأ ابين القعقاع وابين أبيي
إسيحاق وغيرهميا "وزلفيا" بضيم اللم جميع زلييف؛ لنيه قيد نطيق بزلييف ،ويجوز أن يكون واحده
"زلفة" لغة؛ كبسرة وبسر ،في لغة من ضم السين .وقرأ ابن محيصن "وزلفا" من الليل بإسكان
اللم؛ والواحدة زلفية تجميع جميع الجناس التيي هيي أشخاص كدرة ودر وبرة وبر .وقرأ مجاهيد
وابن محيصن أيضا "زلفى" مثل قربى .وقرأ الباقون "وزلفا" بفتح اللم كغرفة وغرف .قال ابن
العرابييي :الزلف السيياعات ،واحدهييا زلفيية .وقال قوم :الزلفيية أول سيياعة ميين الليييل بعييد مغيييب
الشميس؛ فعلى هذا يكون المراد بزلف اللييل صيلة العتمية؛ قاله ابين عباس .وقال الحسين :المغرب
والعشاء .وقيل :المغرب والعشاء والصبح؛ وقد تقدم .وقال الخفش :يعني صلة الليل ولم يعين.
@قوله تعالى" :إن الحسينات يذهبين السييئات" ذهيب جمهور المتأوليين مين الصيحابة والتابعيين
رضي ال عنهم أجمعين إلى أن الحسنات ههنا هي الصلوات الخمس ،وقال مجاهد :الحسنات قول
الرجيل سيبحان ال والحميد ل ول إله إل ال وال أكيبر ،قال ابين عطيية :وهذا على جهية المثال فيي
الحسنات ،والذي يظهر أن اللفظ عام في الحسنات خاص في السيئات؛ لقوله صلى ال عليه وسلم:
(ما اجتنبت الكبائر).
قلت :سبب النزول يعضد قول الجمهور؛ نزلت في رجل من النصار ،قيل :هو أبو اليسر بن
عمرو .وقييل :اسيمه عباد؛ خل بامرأة فقبلهيا وتلذذ بهيا فيميا دون الفرج .روى الترمذي عين عبدال
قال :جاء رجيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال ::إنيي عالجيت امرأة فيي أقصيى المدينية وإنيي
أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت .فقال له عمر :لقد سترك ال! لو سترت
على نفسيك؛ فلم يرد علييه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم شيئا فانطلق الرجيل فأتبعيه رسيول ال
صييلى ال عليييه وسييلم رجل فدعاه ،فتل عليييه" :أقييم الصييلة طرفييي النهار وزلفييا ميين الليييل إن
الحسيينات يذهبيين السيييئات ذلك ذكرى للذاكرييين" إلى آخيير الييية؛ فقال رجييل ميين القوم :هذا له
خاصيية؟ قال( :ل بييل للناس كافيية) .قال الترمذي :حديييث حسيين صييحيح .وخرج أيضييا عيين ابيين
مسيعود أن رجل أصياب مين امرأة قبلة حرام فأتيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأله عين كفارتهيا
فنزلت" :أقم الصلة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات" فقال الرجل :ألي
هذه ييا رسيول ال؟ فقال( :لك ولمين عميل بهيا مين أمتيي) .قال الترمذي :هذا حدييث حسين صيحيح.
وروي عيين أبييي اليسيير .قال :أتتنييي امرأة تبتاع تمرا فقلت :إن فييي البيييت تمرا أطيييب ميين هذا،
فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها ،فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال :استر على نفسك
وتب ول تخبر أحدا فلم أصبر ،فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال :استر على نفسك وتب ول تخبر
أحدا فلم أصيبر ،فأتييت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فذكرت ذلك له فقال( :أخلفيت غازييا فيي
سيبيل ال فيي أهله بمثيل هذا)؟ حتيى تمنيى أنيه لم يكين أسيلم إل تلك السياعة ،حتيى ظين أنيه مين أهيل
النار .قال :وأطرق رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أوحى ال إليه "أقم الصلة طرفي النهار
وزلفيا مين اللييل إن الحسينات يذهبين السييئات ذلك ذكرى للذاكريين" .قال أبيو اليسير :فأتيتيه فقرأهيا
علي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال أصيحابه :ييا رسيول ال! ألهذا خاصية أم للناس عامية؟
فقال( :بيل للناس عامية) .قال أبيو عيسيى :هذا حدييث حسين غرييب ،وقييس بين الربييع ضعفيه وكييع
وغيره؛ وقيد روى أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أعرض عنيه ،وأقيميت صيلة العصير فلميا فرغ
منهيا نزل جبرييل علييه السيلم علييه باليية فدعاه فقال له( :أشهدت معنيا الصيلة)؟ قال نعيم؛ قال:
(اذهب فإنها كفارة لما فعلت) .وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما تل عليه هذه الية قال له:
(قم فصل أربع ركعات) .وال أعلم .وخرج الترمذي الحكيم في "نوادر الصول" من حديث ابن
عباس عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :لم أر شيئا أحسين طلبيا ول أسيرع إدراكيا مين
حسنة حديثة لذنب قديم" ،إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين".
@ دلت اليية مع هذه الحادييث على أن القبلة الحرام واللمس الحرام ل يجيب ،فيهميا الحيد ،وقد
يستدل به على أن ل حد ول أدب على الرجل والمرأة وإن وجدا في ثوب واحد ،وهو اختيار ابن
المنذر؛ لنيه لميا ذكير اختلف العلماء فيي هذه المسيألة ذكير هذا الحدييث مشيرا إلى أنيه ل يجيب
عليهما شيء ،وسيأتي ما للعلماء في هذا في "النور" إن شاء ال تعالى.
@ ذكير ال سبحانه في كتابه الصلة بركوعها وسجودها وقيامها وقراءتها وأسمائها فقال" :أقم
الصلة" الية .وقال" :أقم الصلة لدلوك الشمس" [السراء ]78 :الية .وقال" :فسبحان ال حين
تمسون وحين تصبحوا .وله الحمد في السماوات والرض وعشيا وحين تظهرون" [الروم- 17:
.]18وقال" :وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" [طه .]130 :وقال" :اركعوا
واسيجدوا" [الحيج .]77 :وقال" :وقوموا ل قانتيين" [البقرة .]238 :وقال" :وإذا قرئ القرآن
فاسيتمعوا له وأنصيتوا" [العراف ]204 :على ميا تقدم .وقال" :ول تجهير بصيلتك ول تخافيت
بها" [السراء ]110 :أي بقراءتك؛ وهذا كله مجمل أجمله في كتابه ،وأحال على نبيه في بيانه؛
فقال جل ذكره" :وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" [النحل ]44 :فبين صلى ال عليه
وسلم مواقيت الصلة ،وعدد الركعات والسجدات ،وصفة جميع الصلوات فرضها وسننها ،وما ل
تصييح الصييلة إل بييه ميين الفرائض ومييا يسييتحب فيهييا ميين السيينن والفضائل؛ فقال فييي صييحيح
البخاري( :صلوا كما رأيتموني أصلي) .ونقل ذلك عنه الكافة عن الكافة ،على ما هو معلوم ،ولم
يميت النيبي صيلى ال علييه وسيلم حتيى بيين جمييع ميا بالناس الحاجية إلييه؛ فكميل الديين ،وأوضيح
السبيل؛ قال ال تعالى" :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا"
[المائدة.]3 :
@قوله تعالى" :ذلك ذكرى للذاكريين" أي القرآن موعظية وتوبية لمين اتعيظ وتذكير؛ وخيص
الذاكرين بالذكر لنهم المنتفعون بالذكرى .والذكرى مصدر جاء بألف التأنيث.
**3اليتان{ 116 - 115 :واصيبر فإن ال ل يضييع أجير المحسينين ،فلول كان مين القرون
من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الرض إل قليل ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما
أترفوا فيه وكانوا مجرمين}
@قوله تعالى" :واصبر" أي على الصلة؛ كقوله" :وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها" [طه:
.]132وقيييل :المعنييى واصييبر يييا محمييد على مييا تلقييى ميين الذى" .فإن ال ل يضيييع أجيير
المحسنين" يعني المصلين.
@قوله تعالى" :فلول كان" أي فهل كان" .من القرون من قبلكم" أي من المم التي قبلكم" .أولو
بقيية" أي أصيحاب طاعية وديين وعقيل وبصير" .ينهون" قومهيم" .عين الفسياد فيي الرض" لميا
أعطاهم ال تعالى من العقول وأراهم من اليات؛ وهذا توبيخ للكفار .وقيل :ولول ههنا للنفي؛ أي
ما كان من قبلكم؛ كقوله" :فلول كانت قرية آمنت" [يونس ]98 :أي ما كانت" .إل قليل" استثناء
منقطع؛ أي لكن قليل" .ممن أنجينا منهم" نهوا عن الفساد في الرض .قيل :هم قوم يونس؛ لقوله:
"إل قوم يونس" .وقيل :هم أتباع النبياء وأهل الحق" .واتبع الذين ظلموا" أي أشركوا وعصوا.
"ما أترفوا فيه" أي من الشتغال بالمال واللذات ،وإيثار ذلك على الخرة.
**3اليات{ 119 - 117 :وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ،ولو شاء ربك
لجعيل الناس أمية واحدة ول يزالون مختلفيين ،إل مين رحيم ربيك ولذلك خلقهيم وتميت كلمية ربيك
لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين}
@قوله تعالى" :وميا كان ربيك ليهلك القرى" أي أهيل القرى" .بظلم" أي بشرك وكفير" .وأهلهيا
مصيلحون" أي فيميا بينهيم فيي تعاطيي الحقوق؛ أي لم يكين ليهلكهيم بالكفير وحده حتيى ينضاف إلييه
الفسييياد ،كميييا أهلك قوم شعييييب ببخيييس المكيال والميزان ،وقوم لوط باللواط؛ ودل هذا على أن
المعاصيي أقرب إلى عذاب السيتئصال فيي الدنييا مين الشرك ،وإن كان عذاب الشرك فيي الخرة
أصعب .وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي ال عنه قال :سمعت رسول ال
صييلى ال عليييه وسييلم يقول( :إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديييه أوشييك أن يعمهييم ال
بعقاب مين عنده) .وقيد تقدم .وقييل :المعنيى وميا كان ربيك ليهلك القرى بظلم وأهلهيا مسيلمون ،فإنيه
يكون ذلك ظلمييا لهييم ونقصييا ميين حقهييم ،أي مييا أهلك قومييا إل بعييد إعذار وإنذار .وقال الزجاج:
يجوز أن يكون المعنيى ميا كان ربيك ليهلك أحدا وهيو يظلميه وإن كان على نهايية الصيلح؛ لنيه
تصرف في ملكه؛ دليله قوله" :إن ال ل يظلم الناس شيئا" [يونس .]44 :وقيل :المعنى وما كان
ال ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون؛ أي مخلصون في اليمان .فالظلم المعاصي على هذا.
@قوله تعالى" :ولو شاء ربيك لجعيل الناس أمية واحدة" قال سيعيد بين جيبير :على ملة السيلم
وحدها .وقال الضحاك :أهل دين واحد ،أهل ضللة أو أهل هدى" .ول يزالون مختلفين" أي على
أديان شتييى؛ قاله مجاهييد وقتادة" .إل ميين رحييم ربييك" اسييتثناء منقطييع؛ أي لكيين ميين رحييم ربييك
باليمان والهدى فإنيه لم يختلف .وقييل :مختلفيين فيي الرزق ،فهذا غنيي وهذا فقيير" .إل مين رحيم
ربيييك" بالقناعييية؛ قاله الحسييين" .ولذلك خلقهيييم" قال الحسييين ومقاتيييل ،وعطاء ويمان :الشارة
للختلف ،أي وللختلف خلقهيم .وقال ابين عباس ومجاهيد وقتادة والضحاك :ولرحمتيه خلقهيم؛
وإنميا قال" :ولذلك" ولم يقيل ولتلك ،والرحمية مؤنثية لنيه مصيدر؛ وأيضيا فإن تأنييث الرحمية غيير
حقيقي ،فحملت على معنى الفضل .وقيل .الشارة بذلك للختلف والرحمة ،وقد يشارك بي "ذلك"
إلى شيئيين متضاديين؛ كقوله تعالى" :ل فارض ول بكير عوان بيين ذلك" [البقرة ]68 :ولم يقيل
بين ذينك ول تينك ،وقال" :والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" [الفرقان:
]67وقال" :ول تجهر بصلتك ول تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيل" [السراء ]110 :وكذلك
قوله" :قيل بفضيل ال وبرحمتيه فبذلك فليفرحوا" [يونيس ]58 :وهذا أحسين القوال إن شاء ال
تعالى؛ لنيه يعيم ،أي ولميا ذكير خلقهيم؛ وإلى هذا أشار مالك رحميه ال فيميا روى عنيه أشهيب؛ قال
أشهب :سألت مالكا عن هذه الية قال :خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير؛ أي خلق
أهل الختلف للختلف ،وأهل الرحمة للرحمة .وروي عن ابن عباس أيضا قال :خلقهم فريقين،
فريقا يرحمه وفريقا ل يرحمه .قال المهدوي :وفي الكلم على هذا التقدير تقديم وتأخير؛ المعنى:
ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك ،وتمت كلمة ربك لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين؛
ولذلك ،خلقهيييم .وقييييل :هيييو .متعلق بقوله "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" [هود:
]103والمعنى :ولشهود ذلك اليوم خلقهم .وقيل :هو متعلق بقوله" :فمنهم شقي وسعيد" [هود:
]105أي للسعادة والشقاوة خلقهم.
@قوله تعالى" :وتمت كلمة ربك" معنى "تمت" ثبت ذلك كما أخبر وقدر في أزله؛ وتمام الكلمة
امتناعهييا عيين قبول التغيييير والتبديييل" .لملن جهنييم ميين الجنيية والناس أجمعييين" "ميين" لبيان
الجنس؛ أي من جنس الجنة وجنس الناس" .أجمعين" تأكيد؛ وكما أخبر أنه يمل ناره كذلك أخبر
على لسيان نيبيه صيلى ال علييه وسيلم أنيه يمل جنتيه بقوله( :ولكيل واحدة منكميا ملؤهيا) .خرجيه
البخاري من حديث أبي هريرة وقد تقدم.
**3اليية{ 120 :وكل نقيص علييك مين أنباء الرسيل ميا نثبيت بيه فؤادك وجاءك فيي هذه الحيق
وموعظة وذكرى للمؤمنين}
@قوله تعالى" :وكل نقص عليك" "كل" نصب بي "نقص" معناه وكل الذي تحتاج إليه من أنباء
الرسييل نقييص عليييك .وقال الخفييش" :كل" حال مقدميية ،كقولك :كل ضربييت القوم" .ميين أنباء
الرسيل" أي مين أخبارهيم وصيبرهم على أذى قومهيم" .ميا نثبيت بيه فؤادك" أي على أداء الرسيالة،
والصيبر على ميا ينالك فيهيا مين الذى .وقييل :نزيدك بيه تثبيتيا ويقينيا .وقال ابين عباس :ميا نشيد بيه
قلبييك .وقال ابيين جريييج :نصييبر بييه قلبييك حتييى ل تجزع .وقال أهييل المعانييي :نطيييب ،والمعنييى
متقارب .و"ما" بدل من "كل" المعنى :نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك" .وجاءك
فيي هذه الحيق" أي فيي هذه السيورة؛ عين ابين عباس وأبيي موسيى وغيرهميا؛ وخيص هذه السيورة
لن فيهيا أخبار النيبياء والجنية والنار .وقييل :خصيها بالذكير تأكيدا وإن كان الحيق فيي كيل القرآن.
وقال قتادة والحسن :المعنى في هذه الدنيا ،يريد النبوة" .وموعظة وذكرى للمؤمنين" الموعظة ما
يتعيظ بيه مين إهلك الميم الماضيية ،والقرون الخاليية المكذبية؛ وهذا تشرييف لهذه السيورة؛ لن
غيرهيا مين السيور قيد جاء فيهيا الحيق والموعظية والذكرى ولم يقيل فيهيا كميا قال فيي هذه على
التخصييص" .وذكرى للمؤمنيين" أي يتذكرون ميا نزل بمين هلك فيتوبون؛ وخيص المؤمنيين لنهيم
المتعظون إذا سمعوا قصص النبياء.
**3اليات{ 123 - 121 :وقل للذين ل يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون ،وانتظروا
إنا منتظرون ،ول غيب السماوات والرض وإليه يرجع المر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك
بغافل عما تعملون}
@قوله تعالى" :وقل للذين ل يؤمنون اعملوا على مكانتكم" تهديد ووعيد" .إنا عاملون .وانتظروا
إنيييا منتظرون" تهدييييد آخييير ،وقيييد تقدم معناه" .ول غييييب السيييماوات والرض" أي غيبهميييا
وشهادتهميا؛ فحذف لدللة المعنيى .وقال ابين عباس :خزائن السيماوات والرض .وقال الضحاك:
جميع ما غاب عن العباد فيهما .وقال الباقون :غيب السماوات والرض نزول العذاب من السماء
وطلوعيه مين الرض .وقال أبيو علي الفارسيي" :ول غييب السيماوات والرض" أي علم ميا غاب
فيهميا؛ أضاف الغييب وهيو مضاف إلى المفعول توسيعا؛ لنيه حذف حرف الجير؛ تقول :غبيت فيي
الرض وغبت ببلد كذا" ..وإليه يرجيع المير كله" أي يوم القيامية ،إذ ليس لمخلوق أمر إل بإذنيه.
وقرأ نافيع وحفيص "يرجيع" بضيم الياء وبفتيح الجييم؛ أي يرد" .فاعبده وتوكيل علييه" أي الجيأ إلييه
وثيق بيه" .وميا ربيك بغافيل عميا تعملون" أي يجازي كل بعمله .وقرأ أهيل المدينية والشام وحفيص
بالتاء على المخاطبية .الباقون بياء على الخيبر .قال الخفيش سيعيد" :يعملون" إذا لم يخاطيب النيبي
صلى ال عليه وسلم معهم؛ قال :بعضهم وقال" :تعملون" بالتاء لنه خاطب النبي صلى ال عليه
وسيلم وقال :قيل لهيم "وميا ربيك بغافيل عميا تعملون" .وقال كعيب الحبار :خاتمية التوراة خاتمية
"هود" من قوله" :ول غيب السماوات والرض" إلى آخر السورة.
**2سورة يوسف
**3مقدمة السورة
@وهي مكية كلها .وقال ابن عباس وقتادة :إل أربع آيات منها .وروي أن اليهود سألوا رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم عين قصية يوسيف فنزلت السيورة؛ وسييأتي .وقال سيعد بين أبيي وقاص :أنزل
القرآن على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فتله عليهيم زمانيا فقالوا :لو قصيصت علينيا؛ فنزل:
"نحين نقيص علييك" [يوسيف ]3 :فتله عليهيم زمانيا فقالوا :لو حدثتنيا؛ فأنزل" :ال نزل أحسين
الحديث" [الزمر .]23 :قال العلماء :وذكر ال أقاصيص النبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد
فيي وجوه مختلفية ،بألفاظ متباينية على درجات البلغية ،وقيد ذكير قصية يوسيف ولم يكررهيا ،فلم
يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ،ول على معارضة غير المتكرر ،والعجاز لمن تأمل.
**3الية{ 1 :الر تلك آيات الكتاب المبين}
@قوله تعالى" :الر" تقدم القول فيه؛ والتقدير هنا :تلك آيات الكتاب ،على البتداء والخبر .وقيل:
"الر" اسم السورة؛ أي هذه السورة المسماة "الر" "تلك آيات الكتاب المبين" يعني بالكتاب المبين
القرآن المييبين؛ أي المييبين حلله وحرامييه ،وحدوده وأحكامييه وهداه وبركتييه .وقيييل :أي هذه تلك
اليات التي كنتم توعدون بها في التوراة.
**3الية{ 2 :إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}
@قوله تعالى" :إنيا أنزلناه قرآنيا عربييا" يجوز أن يكون المعنيى :إنيا أنزلنيا القرآن عربييا؛ نصيب
"قرآنا" على الحال؛ أي مجموعا .و"عربيا" نعت لقوله "قرآنا" .ويجوز أن يكون توطئة للحال،
كميا تقول :مررت بزييد رجل صيالحا ،و"عربييا" على الحال ،أي يقرأ بلغتكيم ييا معشير العرب.
أعرب بيين ،ومنيه (الثييب تعرب عين نفسيها)" .لعلكيم تعقلون" أي لكيي تعلموا معانييه ،وتفهموا ميا
فييه .وبعيض العرب يأتيي بأن ميع "لعيل" تشبيهيا بعسيى .واللم فيي "لعيل" زائدة للتوكييد؛ كميا قال
الشاعر:
يا أبتا علك أو عساكا
وقييل" :لعلكيم تعقلون" أي لتكونوا على رجاء مين تدبره؛ فيعود معنيى الشيك إليهيم ل إلى الكتاب،
ول إلى ال عييز وجييل .وقيييل :معنييى "أنزلناه" أي أنزلنييا خييبر يوسييف ،قال النحاس :وهذا أشبييه
بالمعنيى؛ لنيه يروى أن اليهود قالوا :سيلوه لم انتقيل آل يعقوب مين الشام إلى مصير؟ وعين خيبر
يوسيف؛ فأنزل ال عيز وجيل هذا بمكية موافقيا لميا فيي التوراة ،وفييه زيادة ليسيت عندهيم .فكان هذا
للنبي صلى ال عليه وسلم -إذ أخبرهم ولم يكن يقرأ كتابا قيط ول هو فيي موضع كتاب -بمنزلة
إحياء عيسى عليه السلم الميت على ما يأتي فيه.
**3اليية{ 3 :نحين نقيص علييك أحسين القصيص بميا أوحينيا إلييك هذا القرآن وإن كنيت مين قبله
لمن الغافلين}
@قوله تعالى" :نحين نقيص علييك" ابتداء وخيبره" :أحسين القصيص" بمعنيى المصيدر ،والتقديير:
قصيصنا أحسين القصيص .وأصيل القصيص تتبيع الشييء ،ومنيه قوله تعالى" :وقالت لختيه قصييه"
[القصص ]11 :أي تتبعي أثره؛ فالقاص ،يتبع الثار فيخبر بها .والحسن يعود إلى القصص ل
إلى القصيية .يقال :فلن حسيين القتصيياص للحديييث أي جيييد السييياقة له .وقيييل :القصييص ليييس
مصيدرا ،بيل هيو فيي معنيى السيم ،كميا يقال :ال رجاؤنيا ،أي مرجونيا فالمعنيى على هذا :نحين
نخيبرك بأحسين الخبار" .بميا أوحينيا إلييك" أي بوحينيا فيي "ميا" ميع الفعيل بمنزلة المصيدر" .هذا
القرآن" نصب القرآن على أنه نعت لهذا ،أو بدل منه ،أو عطف بيان .وأجاز الفراء الخفض؛ قال:
على التكريير؛ وهيو عنيد البصيريين على البدل مين "ميا" .وأجاز أبيو إسيحاق الرفيع على إضمار
مبتدأ ،كأن سيائل سيأله عين الوحيي فقييل له :هيو هذا القرآن" .وإن كنيت مين قبله لمين الغافليين" أي
من الغافلين عما عرفناكه.
مسألة :واختلف العلماء لم سميت هذه السورة أحسن القصص من بين سائر القاصيص؟ فقيل:
لنيه ليسيت قصية فيي القرآن تتضمين مين العيبر والحكيم ميا تتضمين هذه القصية؛ وبيانيه قوله فيي
آخرهييا" :لقييد كان فييي قصييصهم عييبرة لولي اللباب" [يوسييف .]111 :وقيييل :سييماها أحسيين
القصص لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته ،وصبره على أذاهم ،وعفوه عنهم -بعد اللتقاء بهم -
عن ذكير ما تعاطوه ،وكرمه في العفو عنهم ،حتى قال" :ل تثريب عليكم اليوم" [يوسف.]92 :
وقييل :لن فيهيا ذكير النيبياء والصيالحين والملئكية والشياطيين ،والجين والنيس والنعام والطيير،
وسيير الملوك والممالك ،والتجار والعلماء والجهال ،والرجال والنسياء وحيلهين ومكرهين ،وفيهيا
ذكير التوحييد والفقيه والسيير وتعيبير الرؤييا ،والسيياسة والمعاشرة وتدبيير المعاش ،وجميل الفوائد
التيي تصيلح للديين والدنييا .وقييل لن فيهيا ذكير الحيبيب والمحبوب وسييرهما .وقييل" :أحسين" هنيا
بمعنى أعجب .وقال بعض أهل المعاني :إنما كانت أحسن القصص لن كل من ذكر فيها كان مآله
السعادة؛ انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته ،وامرأة العزيز؛ قيل :والملك أيضا أسلم بيوسف وحسن
إسلمه ،ومستعبر الرؤيا الساقي ،والشاهد فيما يقال :فما كان أمر الجميع إل إلى خير.
**3الية{ 4 :إذ قال يوسف لبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي
ساجدين}
@قوله تعالى" :إذ قال يوسيف" "إذ" فيي موضيع نصيب على الظرف؛ أي اذكير لهيم حيين قال
يوسيف .وقراءة العامية بضيم السيين .وقرأ طلحية بين مصيرف "يؤسيف" بالهمزة وكسير السيين.
وحكيى أبيو زييد" :يؤسيف" بالهمزة وفتيح السيين .ولم ينصيرف لنيه أعجميي؛ وقييل :هيو عربيي.
وسئل أبو الحسن القطع -وكان حكيما -عن "يوسف" فقال :السف في اللغة الحزن؛ والسيف
العبيد ،وقيد اجتمعيا فيي يوسيف؛ فلذلك سيمي يوسيف" .لبييه ييا أبيت" بكسير التاء قراءة أبيي عمرو
وعاصم ونافع وحمزة والكسائي ،وهي عند البصريين علمة التأنيث أدخلت على الب في النداء
خاصة بدل من ياء الضافة ،وقد تدخل علمة التأنيث على المذكر فيقال :رجل نكحة وهزأة؛ قال
النحاس :إذا قلت "ييا أبيت" بكسير التاء فالتاء عنيد سييبويه بدل مين ياء الضافية؛ ول يجوز على
قوله الوقف إل بالهاء ،وله على قوله دلئل :منها -أن قولك" :يا أبه" يؤدي عن معنى "يا أبي"؛
وأنيه ل يقال" :ييا أبيت" إل فيي المعرفية؛ ول يقال :جاءنيي أبيت ،ول تسيتعمل العرب هذا إل فيي
النداء خاصية ،ول يقال" :ييا أبتيي" لن التاء بدل مين الياء فل يجميع بينهميا .وزعيم الفراء أنيه إذا
قال" :ييا أبيت" فكسير دل على الياء ل غيير؛ لن الياء فيي النيية .وزعيم أبيو إسيحاق أن هذا خطيأ،
والحق ما قال ،كيف تكون الياء في النية وليس يقال" :يا أبتي"؟ وقرأ أبو جعفر والعرج وعبدال
بن عامر "يا أبت" بفتح التاء؛ قال البصريون :أرادوا "يا أبتي" بالياء ،ثم أبدلت الياء ألفا فصارت
"يا أبتا" فحذفت اللف وبقيت الفتحة على التاء .وقيل :الصل الكسر ،ثم أبدل من الكسرة فتحة،
كميا يبدل مين الياء ألف فيقال :ييا غلميا أقبيل .وأجاز الفراء "ييا أبيت" بضيم التاء" .إنيي رأييت أحيد
عشير كوكبيا والشميس والقمير" لييس بيين النحوييين اختلف أنيه يقال :جاءنيي أحيد عشير ،ورأييت
ومررت بأحيد عشير ،وكذلك ثلثية عشير وتسيعة عشير وميا بينهميا؛ جعلوا السيمين اسيما واحدا
وأعربوهميا بأخيف الحركات .قال السيهيلي :أسيماء هذه الكواكيب جاء ذكرهيا مسيندا؛ رواه الحارث
بن أبي أسامة قال :جاء بستانة -وهو رجل من أهل الكتاب -فسأل النبي صلى ال عليه وسلم عن
الحيييد عشييير كوكبيييا الذي رأى يوسيييف فقال( :الحرثان والطارق والذيال وقابيييس والمصيييبح
والضروح وذو الكنفات وذو القرع والفلييق ووثاب والعمودان؛ رآهيا يوسيف علييه السيلم تسيجد
له) .قال ابن عباس وقتادة :الكواكب إخوته ،والشمس أمه ،والقمر أبوه .وقال قتادة أيضا :الشمس
خالتيه ،لن أميه كانيت قيد ماتيت ،وكانيت خالتيه تحيت أبييه" .رأيتهيم" توكييد .وقال" :رأيتهيم لي
سيياجدين" فجاء مذكرا؛ فالقول عنييد الخليييل وسيييبويه أنييه لمييا أخييبر عيين هذه الشياء بالطاعيية
والسجود وهما من أفعال من يعقل أخبر عنها كما يخبر عمن يعقل .وقد تقدم هذا المعنى في قوله:
"وتراهم ينظرون إليك" [العراف .]198 :والعرب تجمع ما ل يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه
منزلته ،وإن كان خارجا عن الصل.
**3الية{ 5 :قال يا بني ل تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للنسان
عدو مبين}
@قوله تعالى" :فيكيدوا لك كيدا" أي يحتالوا فيي هلكيك؛ لن تأويلهيا ظاهير؛ فربميا يحملهيم
الشيطان على قصييدك بسييوء حينئذ .واللم فييي "لك" تأكيييد .كقوله" :إن كنتييم للرؤيييا تعييبرون"
[يوسف.]43 :
@ الرؤيا حالة شريفة ،ومنزلة رفيعة ،قال صلى ال عليه وسلم( :لم يبق بعدي من المبشرات إل
الرؤيا الصالحة الصادقة يراها الرجل الصالح أو ترى له) .وقال( :أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا).
وحكيم صيلى ال علييه وسيلم بأنهيا جزء مين سيتة وأربعيين جزءا مين النبوة ،وروي (مين سيبعين
جزءا مين النبوة) .وروي مين حدييث ابين عباس رضيي ال عنهميا (جزءا مين أربعيين جزءا مين
النبوة) .ومين حدييث ابين عمير (جزء مين تسيعة وأربعيين جزءا) .ومين حدييث العباس (جزء مين
خمسيين جزءا مين النبوة) .ومين حدييث أنيس (مين سيتة وعشريين) .وعين عبادة بين الصيامت (مين
أربعية وأربعيين مين النبوة) .والصيحيح منهيا حدييث السيتة والربعيين ،ويتلوه فيي الصيحة حدييث
السبعين؛ ولم يخرج مسلم في صحيحه غير هذين الحديثين ،أما سائرها فمن أحاديث الشيوخ؛ قاله
ابين بطال .قال أبيو عبدال المازري :والكثير والصيح عنيد أهيل الحدييث (من سيتة وأربعيين) .قال
الطيبري :والصواب أن يقال إن عامة هذه الحادييث أو أكثرها صيحاح ،ولكيل حديث منها مخرج
معقول؛ فأما قوله( :إنها جزء من سبعين جزءا من النبوة) فإن ذلك قول عام في كل رؤيا صالحة
صيادقة ،ولكيل مسيلم رآهيا فيي مناميه على أي أحواله كان؛ وأميا قوله( :إنهيا مين أربعيين أو سيتة
وأربعيين) فإنيه يرييد بذلك مين كان صياحبها بالحال التيي ذكرت عين الصيديق رضيي ال عنيه أنيه
كان بهييا؛ فميين كان ميين أهييل إسييباغ الوضوء فييي السييبرات ،والصييبر فييي ال على المكروهات،
وانتظار الصيلة بعيد الصيلة ،فرؤياه الصيالحة -إن شاء ال -جزء مين أربعيين جزءا مين النبوة،
ومين كانيت حاله فيي ذاتيه بيين ذلك فرؤياه الصيادقة بيين جزأيين ميا بيين الربعيين إلى السيتين ل
تنقييص عيين سييبعين ،وتزيييد على الربعييين وإلى هذا المعنييى أشار أبييو عميير بيين عبدالبر فقال:
اختلف الثار فيي هذا الباب فيي عدد أجزاء الرؤييا لييس ذلك عندي اختلف متضاد متدافيع -وال
أعلم -لنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصيالحة من بعض من يراهيا على حسب ما يكون من صدق
الحديث ،وأداء المانة ،والدين المتين ،وحسن اليقين؛ فعلى قدر اختلف الناس فيما وصفنا تكون
الرؤييا منهيم على الجزاء المختلفية العدد فمين خلصيت نيتيه فيي عبادة ربيه ويقينيه وصيدق حديثيه
كانت رؤياه أصدق وإلى النبوة أقرب كما أن النبياء يتفاضلون قال ال تعالى" :ولقد فضلنا بعض
النبيين على بعض" السراء.]55 :
قلت :فهذا التأوييل يجميع شتات الحادييث ،وهيو أولى مين تفسيير بعضهيا دون بعيض وطرحيه؛
ذكره أبيو سيعيد السيفاقسي عين بعيض أهيل العلم قال :معنيى قوله( :جزء مين سيتة وأربعيين جزءا
مين النبوة) فإن ال تعالى أوحيى إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم فيي النبوة ثلثية وعشريين عاميا -
فيما رواه عكرمة وعمرو بن دينار عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما -فإذا نسبنا ستة أشهر
من ثلثة وعشرين عاما وجدنا ذلك جزءا من ستة وأربعين جزءا؛ وإلى هذا القول أشار المازري
في كتابه "المعلم" واختاره القونوي في تفسيره من سورة "يونس" عند قوله تعالى" :لهم البشرى
في الحياة الدنيا" [يونس .]64 :وهو فاسد من وجهين :أحدهما :ما رواه أبو سلمة عن ابن عباس
وعائشية بأن مدة الوحيي كانيت عشريين سينة ،وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعيث على رأس
أربعييين ،فأقام بمكيية عشييير سيينين؛ وهييو قول عروة والشعيييبي وابييين شهاب والحسيين وعطاء
الخراسياني وسيعيد بين المسييب على اختلف عنيه ،وهيي روايية ربيعية وأبيي غالب عين أنيس ،وإذا
ثبيت هذا الحدييث بطيل ذلك التأوييل -الثانيي :أن سيائر الحادييث فيي الجزاء المختلفية تبقيى بغيير
معنى.
@ إنميا كانيت الرؤييا جزءا مين النبوة؛ لن فيهيا ميا يعجيز ويمتنيع كالطيران ،وقلب العيان،
والطلع على شييء مين علم الغييب؛ كميا قال علييه السيلم( :إنيه لم يبيق مين مبشرات النبوة إل
الرؤييا الصيادقة فيي النوم )...الحدييث .وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من ال ،وأنها من النبوة؛
قال صلى ال عليه وسلم( :الرؤيا من ال والحلم من الشيطان) وأن التصديق بها حق ،ولها التأويل
الحسن ،وربما أغنى بعضها عن التأويل ،وفيها من بديع ال ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه؛ ول
خلف فيي هذا بيين أهيل الديين والحيق مين أهيل الرأي والثير ،ول ينكير الرؤييا إل أهيل اللحاد
وشرذمة من المعتزلة.
إن قييل :إذا كانيت الرؤييا الصيادقة جزءا مين النبوة فكييف يكون الكافير والكاذب والمخلط أهل
لهيا؟ وقيد وقعيت مين بعيض الكفار وغيرهيم ممين ل يرضيى دينيه منامات صيحيحة صيادقة؛ كمنام
رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات ،ومنام الفتيين في السجن؛ ورؤيا بختنصر ،التي فسرها دانيال
فيي ذهاب ملكيه ،ورؤييا كسيرى فيي ظهور النيبي صيلى ال عليه وسيلم ،ومنام عاتكية ،عمية رسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم فيي أمره وهيي كافرة ،وقيد ترجيم البخاري "باب رؤييا أهيل السيجن":
فالجواب أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الوقات ل تكون من
الوحي ول من النبوة؛ إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة؛ وقد تقدم
في "النعام" أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق ،لكن ذلك على الندور والقلة ،فكذلك
رؤييييا هؤلء؛ قال المهلب :إنميييا ترجيييم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤييييا أهيييل الشرك رؤييييا
صادقة ،كما كانت رؤيا الفتيين صادقة ،إل أنه ل يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن
إليها ،إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءا من النبوة.
@ الرؤيا المضافة إلى ال تعالى هي التي خلصت من الضغاث والوهام ،وكان تأويلها موافقا
لميا فيي اللوح المحفوظ ،والتيي هيي مين خيبر الضغاث هيي الحلم ،وهيي المضافية إلى الشيطان،
وإنما سميت ضغثا؛ لن فيها أشياء متضادة؛ قال معناه المهلب .وقد قسم رسول ال صلى ال عليه
وسيلم الرؤييا أقسياما تغنيي عين قول كيل قائل؛ روى عوف بين مالك عين رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم قال( :الرؤيا ثلثة منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في
منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) .قال :قلت :سمعت هذا من رسول ال صلى
ال عليه وسلم؟ قال :نعم! سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :قال يا بني ل تقصص رؤياك على إخوتك" الية .الرؤيا مصدر رأي في المنام،
رؤييا على وزن فعلى كالسيقيا والبشرى؛ وألفيه للتأنييث ولذلك لم ينصيرف .وقيد اختلف العلماء فيي
حقيقية الرؤييا؛ فقييل :هيي إدراك فيي أجزاء لم تحلهيا آفية ،كالنوم المسيتغرق وغيره؛ ولهذا أكثير ميا
تكون الرؤييا فييي آخير اللييل لقلة غلبية النوم؛ فيخلق ال تعالى للرائي علميا ناشئا ،ويخلق له الذي
يراه على ميا يراه ليصيح الدراك ،قال ابين العربيي :ول يرى فيي المنام إل ميا يصيح إدراكيه فيي
اليقظة ،ولذلك ل يرى في المنام شخصا قائما قاعدا بحال ،وإنما يرى الجائزات المعتادات .وقيل:
إن ل ملكييا يعرض المرئيات على المحييل المدرك ميين النائم ،فيمثييل له صييورا محسييوسة؛ فتارة
تكون تلك الصيور أمثلة موافقية لميا يقيع فيي الوجود ،وتارة تكون لمعانيي معقولة غيير محسيوسة،
وفيي الحالتيين تكون مبشرة أو منذرة؛ قال صيلى ال علييه وسيلم فيي صيحيح مسيلم وغيره( :رأييت
سوداء ثائرة الرأس تخرج من المدينة إلى مهيعة فأولتها الحمى) .و(رأيت سيفي قد انقطع صدره
وبقرا تنحير فأولتهميا رجيل مين أهيل بيتيي يقتيل والبقير نفير مين أصيحابي يقتلون) .و(رأييت أنيي
أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة) .و(رأيت في يدي سوارين فأولتهما كذابين يخرجان
بعدي) .إلى غير ذلك مما ضربت له المثال؛ ومنها ما يظهر معناه أول فأول ،ومنها ما ل يظهر
إل بعد التفكر؛ وقد رأى النائم في زمن يوسف عليه السلم بقرا فأولها يوسف السنين ،ورأى أحد
عشر كوكبا والشمس والقمر فأولها بإخوته وأبويه.
@ إن قيل :إن يوسف عليه السلم كان صغيرا وقت رؤياه ،والصغير ل حكم لفعله ،فكيف تكون
له رؤيا لها حكم حتى يقول له أبوه" :ل تقصص رؤياك على إخوتك"؟ فالجواب :أن الرؤيا إدراك
حقيقية على ميا قدمناه ،فتكون مين الصيغير كميا يكون منيه الدراك الحقيقيي فيي اليقظية ،وإذا أخيبر
عميا رأى صيدق ،فكذلك إذا أخيبر عميا يرى فيي المنام؛ وقيد أخيبر ال سيبحانه عين رؤياه وأنهيا
وجدت كما رأى فل اعتراض؛ روي أن يوسف عليه السلم كان ابن اثنتي عشرة سنة.
@ هذه الية أصل في أل تقص الرؤيا على غير شفيق ول ناصح ،ول على من ل يحسن التأويل
فيهيا؛ روى أبيو رزيين العقيلي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :الرؤييا جزء مين أربعيين جزءا
من النبوة) .و(الرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها فإذا حدث بها وقعت فل تحدثوا
بهيا إل عاقل أو محبيا أو ناصيحا) أخرجيه الترمذي وقال فييه :حدييث حسين صيحيح؛ وأبيو رزيين
اسمه لقيط بن عامر .وقيل لمالك :أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال :أبالنبوة يلعب؟ وقال مالك :ل يعبر
الرؤييا إل مين يحسينها ،فإن رأى خيرا أخيبر بيه ،وإن رأى مكروهيا فليقيل خيرا أو ليصيمت؛ قييل:
فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال إنها على ما تأولت عليه؟ فقال :ل!
ثم قال :،الرؤيا جزء من النبوة فل يتلعب بالنبوة.
@ وفيي هذه اليية دلييل على أن مباحيا أن يحذّر المسيلم أخاه المسيلم ممين يخافيه علييه ،ول يكون
داخل فيي معنيى الغيبية؛ لن يعقوب -علييه السيلم -قيد حذر يوسيف أن يقيص رؤياه على إخوتيه
فيكيدوا له كيدا ،وفيهيا أيضيا ميا يدل على جواز ترك إظهار النعمية عنيد مين تخشيى غائلتيه حسيدا
وكيدا؛ وقال النبي صلى ال عليه وسلم( :استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة
محسيود) .وفيهيا أيضيا دلييل واضيح على معرفية يعقوب علييه السيلم بتأوييل الرؤييا؛ فإنيه علم مين
تأويلهييا أنييه سيييظهر عليهييم ،ولم يبال بذلك ميين نفسييه؛ فإن الرجييل يود أن يكون ولده خيرا منييه،
والخ ل يود ذلك لخيه .ويدل أيضا على أن يعقوب عليه السلم كان أح سّ من بنيه حسد يوسف
وبغضه؛ فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن تغل بذلك صدورهم ،فيعملوا الحيلة في هلكه؛
ومين هذا ومين فعلهيم بيوسيف يدل على أنهيم كانوا غيير أنيبياء فيي ذلك الوقيت ،ووقيع فيي كتاب
الطيبري لبين زييد أنهيم كانوا أنيبياء ،وهذا يرده القطيع بعصيمة النيبياء عين الحسيد الدنيوي ،وعين
عقوق الباء ،وتعريييض مؤميين للهلك ،والتآميير فييي قتله ،ول التفات لقول ميين قال إنهييم كانوا
أنيبياء ،ول يسيتحيل فيي العقيل زلة نيبي ،إل أن هذه الزلة قيد جمعيت أنواعيا مين الكبائر ،وقيد أجميع
المسلمون على عصمتهم منها ،وإنما اختلفوا في الصغائر على ما تقدم ويأتي.
العاشرة :روى البخاري عين أبيي هريرة قال :سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول( :لم
يبيق من النبوة إل المبشرات) قالوا :وما المبشرات؟ قال( :الرؤيا الصالحة) وهذا الحديث بظاهره
يدل على أن الرؤيا بشرى على الطلق وليس كذلك؛ فإن الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قبل
ال تعالى ل تسر رائيها ،وإنما يريها ال تعالى المؤمن رفقا به ورحمة ،ليستعد لنزول البلء قبل
وقوعيه؛ فإن أدرك تأولهيا بنفسيه ،وإل سيأل عنهيا مين له أهليية ذلك .وقيد رأى الشافعيي رضيي ال
عنه وهو بمصر رؤيا لحمد بن حنبل تدل على محنته فكتب إليه بذلك ليستعد لذلك ،وقد تقدم في
"يونييس" فييي تفسييير قوله تعالى" :لهييم البشرى فييي الحياة الدنيييا" [يونييس ]64 :أنهييا الرؤيييا
الصالحة .وهذا وحديث البخاري مخرجه على الغلب ،وال أعلم.
@ روى البخاري عن أبي سلمة قال :لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول:
وأنيا كنيت لرى الرؤييا فتمرضنيي حتيى سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول( :الرؤييا
الحسنة من ال فإذا رأى أحدكم ما يحب فل يحدث به إل من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بال
ميين شرهييا وليتفييل ثلث مرات ول يحدث بهييا أحدا فإنهييا لن تضره) .قال علماؤنييا :فجعييل ال
الستعاذة منها مما يرفع أذاها؛ أل ترى قول أبي قتادة :إني كنت لرى الرؤيا هي أثقل علي من
الجبيل ،فلميا سيمعت بهذا الحدييث كنيت ل أعدهيا شيئا .وزاد مسيلم مين روايية جابر عين رسيول ال
صلى ال عليه وسلم أنه قال( :إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلثا وليتعوذ بال
من الشيطان ثلثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) .وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى ال
علييه وسيلم قال( :إذا رأى أحدكيم ميا يكره فليقيم فليصيل) .قال علماؤنيا :وهذا كله لييس بمتعارض؛
وإنما هذا المر بالتحول ،والصلة زيادة ،فعلى الرائي أن يفعل الجميع ،والقيام إلى الصلة يشمل
الجمييع؛ لنيه إذا صيلى تضمين فعله للصيلة جمييع تلك المور؛ لنيه إذا قام إلى الصيلة تحول عين
جنبه ،وإذا تمضمض تفل وبصق ،وإذا قام إلى الصلة تعوذ ودعا وتضرع ل تعالى في أن يكفيه
شرها في حال هي أقرب الحوال إلى الجابة؛ وذلك السحر من الليل.
**3اليية{ 6 :وكذلك يجتبييك ربيك ويعلميك مين تأوييل الحادييث ويتيم نعمتيه علييك وعلى آل
يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم}
@قوله تعالى" :وكذلك يجتبييك ربيك" الكاف فيي موضيع نصيب؛ لنهيا نعيت لمصيدر محذوف،
وكذلك الكاف فيي قوله" :كميا أتمهيا على أبوييك مين قبيل" و"ميا" كافية .وقييل" :وكذلك" أي كميا
أكرميك بالرؤييا فكذلك يجتبييك ،ويحسين إلييك بتحقييق الرؤييا .قال مقاتيل :بالسيجود لك .الحسين:
بالنبوة .والجتباء اختيار معالي المور للمجتييبى ،وأصييله ميين جييبيت الشيييء أي حصييلته ،ومنييه
جيبيت الماء فيي الحوض؛ قال النحاس .وهذا ثناء مين ال تعالى على يوسيف علييه السيلم ،وتعدييد
فيميا عدده علييه مين النعيم التيي آتاه ال تعالى؛ مين التمكيين فيي الرض ،وتعلييم تأوييل الحادييث؛
وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا .قال عبدال بن شداد بن الهاد :كان تفسير رؤيا يوسف صلى ال
علييه وسيلم بعيد أربعيين سينة؛ وذلك منتهيى الرؤييا .وعنيى بالحادييث ميا يراه الناس فيي المنام،
وهيي ،معجزة له؛ فإنيه لم يلحقيه فيهيا خطيأ .وكان يوسيف علييه السيلم أعلم الناس بتأويلهيا ،وكان
نبينيا صيلى ال علييه وسيلم نحيو ذلك ،وكان الصيديق رضيي ال عنيه مين أعيبر الناس لهيا ،وحصيل
لبين سييرين فيهيا التقدم العظييم ،والطبيع والحسيان ،ونحوه أو قرييب منيه كان سيعيد بين المسييب
فيميا ذكروا .وقيد قييل فيي تأوييل قوله" :ويعلميك مين تأوييل الحادييث" أي أحادييث الميم والكتيب
ودلئل التوحيييد ،فهييو إشارة إلى النبوة ،وهييو المقصييود بقوله" :ويتييم نعمتييه عليييك" أي بالنبوة.
وقييل :بإخراج إخوتيك ،إلييك؛ وقييل :بإنجائك مين كيل مكروه" .كميا أتمهيا على أبوييك مين قبيل
إبراهيم" بالخلة ،وإنجائه من النار" .وإسحاق" بالنبوة .وقيل :من الذبح؛ قاله عكرمة .وأعلمه ال
تعالى بقوله" :وعلى آل يعقوب" أنيه سييعطي بنيي يعقوب كلهيم النبوة؛ قاله جماعية مين المفسيرين.
"إن ربك عليم" بما يعطيك" .حكيم" في فعله بك.
**3اليات{ 9 - 7 :لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ،إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى
أبينيا منيا ونحين عصيبة إن أبانيا لفيي ضلل ميبين ،اقتلوا يوسيف أو اطرحوه أرضيا يخيل لكيم وجيه
أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين}
@قوله تعالى" :لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين" يعني من سأل عن حديثهم .وقرأ أهل
مكة "آية" على التوحيد؛ واختار أبو عبيد "آيات" على الجمع؛ قال :لنها خير كثير .قال النحاس:
و"آية" هنا قراءة حسنة ،أي لقد كان للذين سألوا عن خبر يوسف آية فيما خبروا به ،لنهم سألوا
النيبي صيلى ال عليه وسيلم وهو بمكية فقالوا :أخبرنيا عين رجيل مين النيبياء كان بالشام أخرج ابنيه
إلى مصير ،فبكيى علييه حتيى عميي؟ -ولم يكين بمكية أحيد مين أهيل الكتاب ،ول مين يعرف خيبر
النييبياء؛ وإنمييا وجييه اليهود إليهييم ميين المدينيية يسييألونه عيين هذا -فأنزل ال عييز وجييل سييورة
"يوسف" جملة واحدة؛ فيها كل ما في التوراة من خبر وزيادة ،فكان ذلك آية للنبي صلى ال عليه
وسيلم ،بمنزلة إحياء عيسيى ابين مرييم علييه السيلم المييت" .آيات" موعظية؛ وقييل :عيبرة .وروي
أنها في بعض المصاحف "عبرة" .وقيل :بصيرة .وقيل :عجب؛ تقول فلن آية في العلم والحسن
أي عجيب .قال الثعلبيي فيي تفسييره :لميا بلغيت الرؤييا إخوة يوسيف حسيدوه؛ وقال ابين زييد :كانوا
أنبياء ،وقالوا :ما يرضى أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه! فبغوه بالعداوة ،وقد تقدم رد هذا
القول .قال ال تعالى" :لقيد كان فيي يوسيف وإخوتيه" وأسيماؤهم :روبييل وهيو أكيبرهم ،وشمعون
ولوى ويهوذا وزيالون ويشجر ،وأمهم ليا بنت ليان ،وهي بنت حال يعقوب ،وولد له من سريتين
أربعة نفر؛ دان ونفتالي وجاد وأشر ،ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل ،فولدت له يوسف
وبنيامين ،فكان بنو يعقوب اثني عشر رجل .قال السهيلي :وأم يعقوب اسمها رفقا ،وراحيل ماتت
في نفاس بنيامين ،وليان بن ناهر بن آزر هو خال يعقوب .وقيل :في اسم المتين ليا وتلتا ،كانت
إحداهما لراحيل ،والخرى لختها ليا ،وكانتا قد وهبتاهما ليعقوب ،وكان يعقوب قد جمع بينهما،
ولم يحيل لحيد بعده؛ لقول ال تعالى" :وأن تجمعوا بيين الختيين إل ميا قيد سيلف" [النسياء.]23 :
وقد تقدم الرد على ما قاله ابن زيد ،والحمد ل.
@قوله تعالى" :إذ قالوا ليوسف وأخوه" "يوسف" رفع بالبتداء؛ واللم للتأكيد ،وهي التي يتلقى
بها القسم؛ أي وال ليوسف" .وأخوه" عطف عليه" .أحب إلى أبينا منا" خبره ،ول يثنى ول يجمع
لنيه بمعنيى الفعيل؛ وإنميا قالوا هذا لن خيبر المنام بلغهيم فتآمروا فيي كيده" .ونحين عصيبة" أي
جماعية ،وكانوا عشرة .والعصيبة ميا بيين الواحيد إلى العشرة ،وقييل :إلى الخمسية عشير .وقييل :ميا
بين الربعين إلى العشرة؛ ول واحد لها من لفظها كالنفر والرهط" .إن أبانا لفي ضلل مبين" لم
يريدوا ضلل الديين ،إذ لو أرادوه لكانوا كفارا؛ بيل أرادوا لفيي ذهاب عين وجيه التدبيير ،فيي إيثار
اثنين على عشرة مع استوائهم في النتساب إليه .وقيل :لفي خطأ ببن بإيثاره يوسف وأخاه علينا.
@قوله تعالى" :اقتلوا يوسف" في الكلم حذف؛ أي قال قائل منهم" :اقتلوا يوسف" ليكون أحسم
لمادة الميير" .أو اطرحوه أرضييا" أي فييي أرض ،فأسييقط الخافييض وانتصييب الرض؛ وأنشييد
سيبويه فيما حذف منه "في":
فيه كما عسل الطريق الثعلب لدن بهز الكف يعسل متنه
قال النحاس :إل أنيه فيي اليية حسين كثيير؛ لنيه يتعدى إلى مفعوليين ،أحدهميا بحرف ،فإذا حذفيت
الحرف تعدى الفعيل إلييه .والقائل قييل :هيو شمعون ،قال وهيب بين منبيه .وقال كعيب الحبار؛ دان.
وقال مقاتيل :روبييل؛ وال أعلم .والمعنيى أرضيا تبعيد عين أبييه؛ فل بيد مين هذا الضمار لنيه كان
عنيد أبييه فيي أرض" .يخيل" جزم لنيه جواب المير؛ معناه :يخلص ويصيفو" .لكيم وجيه أبيكيم"
فيقبييل عليكييم بكليتييه" .وتكونوا ميين بعده" أي ميين بعييد الذنييب ،وقيييل :ميين بعييد يوسييف" .قومييا
صالحين" أي تائبين؛ أي تحدثوا توبة بعد ذلك فيقبلها ال منكم؛ وفي هذا دليل على أن توبة القاتل
مقبولة ،لن ال تعالى لم ينكير هذا القول منهيم .وقييل" :صيالحين" أي يصيلح شأنكيم عنيد أبيكيم مين
غير أثرة ول تفضيل.
**3الية{ 10 :قال قائل منهم ل تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن
كنتم فاعلين}
@قوله تعالى" :قال قائل منهم ل تقتلوا يوسف" القائل هو يهوذا ،وهو أكبر ولد يعقوب؛ قاله ابن
عباس .وقيل :روبيل ،وهو ابن خالته ،وهو الذي قال" :فلن أبرح الرض" [يوسف ]80 :الية.
وقييل :شمعون" .وألقوه فيي غيابية الجيب" قرأ أهيل مكية وأهيل البصيرة وأهيل الكوفية "فيي غيابية
الجيب" .وقرأ أهيل المدينية "فيي غيابات الجيب" واختار أبو عبييد التوحيد؛ لنيه على موضيع واحد
ألقوه فييه ،وأنكير الجميع لهذا .قال النحاس :وهذا تضيييق فيي اللغية؛ "وغيابات" على الجميع يجوز
من وجهين :حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلنات ،يريد عشية وأصيل ،فجعل كل وقت
منها عشية وأصيل؛ فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة .والخر -أن يكون في الجب غيابات
(جماعة) .ويقال :غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا؛ كما قال الشاعر:
أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا أل فالبثا شهرين أو نصف ثالث
قال الهروي :والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء ،يغيب الشيء عن العين .وقال ابن
عزيز :كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة .قلت :ومنه قيل للقبر غيابة؛ قال الشاعر:
فسيروا بسيري في العشيرة والهل فإن أنا يوما غيبتني غيابتي
والجب الركية التي لم تطو ،فإذا طويت فهي بئر؛ قال العشى:
ورقيت أسباب السماء بسلم لئن كنت في جب ثمانين قامة
وسميت جبا لنها قطعت في الرض قطعا؛ وجمع الجب جببة وجباب وأجباب؛ وجمع بين الغيابة
والجب لنه أراد القوة في موضع مظلم من الجب حتى ل يلحقه نظر الناظرين .قيل :هو بئر بيت
المقدس ،وقيل :هو بالردن؛ قال وهب بن منبه .مقاتل :وهو على ثلثة فراسخ من منزل يعقوب.
@قوله تعالى" :يلتقطه بعض السيارة" جزم على جواب المر .وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن
وقتادة" :تلتقطييه" بالتاء ،وهذا محمول على المعنييى؛ لن بعييض السيييارة سيييارة؛ وقال سيييبويه:
سقطت بعض أصابعه ،وأنشد:
كما شرقت صدر القناة من الدم وتشرق بالقول الذي قد أذعته
وقال آخر:
كما أخذ السرار من الهلل أرى مر السنين أخذن مني
ولم يقيل شرق ول أخذت .والسييارة الجميع الذي يسييرون فيي الطرييق للسيفر؛ وإنميا قال القائل هذا
حتى ل يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود؛ فإن من التقطه من السيارة يحمله
إلى موضع بعيد؛ وكان هذا وجها في التدبير حتى ل يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم ،فربما ل يأذن
لهم أبوهم ،وربما يطلع على قصدهم.
@ وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء ل أولً ول آخراً؛ لن النبياء ل يدبرون
فيي قتيل مسيلم ،بيل كانوا مسيلمين ،فارتكبوا معصيية ثيم تابوا .وقييل :كانوا أنيبياء ،ول يسيتحيل فيي
العقييل زلة نييبي ،فكانييت هذه زلة منهييم؛ وهذا يرده أن النييبياء معصييومون ميين الكبائر على مييا
قدمناه .وقيل :ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم ال؛ وهذا أشبه ،وال أعلم.
@ قال ابين وهيب قال مالك :طرح يوسيف فيي الجيب وهيو غلم ،وكذلك روى ابين القاسيم عنيه،
يعنيي أنيه كان صيغيرا؛ والدلييل علييه قوله تعالى" :ل تقتلوا يوسيف وألقوه فيي غيابية الجيب يلتقطيه
بعييض السيييارة" قال :ول يلتقييط إل الصييغير؛ وقوله" :وأخاف أن يأكله الذئب" [يوسييف]13 :
وذلك أمير يختيص بالصيغار؛ وقولهيم" :أرسيله معنيا غدا يرتيع ويلعيب وإنيا له لحافظون" [يوسيف:
.]12
@ اللتقاط تناول الشيء من الطريق؛ ومنه اللقيط واللقطة ،ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه
اليية والسينة ،وميا قال فيي ذلك أهيل العلم واللغية؛ قال ابين عرفية :اللتقاط وجود الشييء على غيير
طلب ،ومنه قوله تعالى" :يلتقطه بعض السيارة" أي يجده من غير أن يحتسبه .وقد اختلف العلماء
فيي اللقييط؛ فقييل :أصيله الحريية لغلبية الحرار على العبييد؛ وروي عين الحسين بين علي أنيه قضيى
بأن اللقييط حير ،وتل "وشروه بثمين بخيس دراهيم معدودة" [يوسيف ]20 :وإلى هذا ذهيب أشهيب
صيياحب مالك؛ وهييو قول عميير بيين الخطاب ،وكذلك روي عيين علي وجماعيية .وقال إبراهيييم
النخعي :إن نوى رقه فهو مملوك ،وإن نوى الحسبة فهو حر .وقال مالك في موطئه :المر عندنا
فيي المنبوذ أنيه حير ،وأن ولءه لجماعية المسيلمين ،هيم يرثونيه ويعقلون عنيه ،وبيه قال الشافعيي؛
واحتج بقول عليه السلم( :وإنما الولء لمن أعتق) قال :فنفى الولء عن غير المعتق .واتفق مالك
والشافعييي وأصييحابهما على أن اللقيييط ل يوالي أحدا ،ول يرثييه أحييد بالولء .وقال أبييو حنيفيية
وأصحابه وأكثر الكوفيين :اللقيط يوالي من شاء ،فمن وله فهو يرثه ويعقل عنه؛ وعند أبي حنيفة
له أن ينتقل بولئه حيث شاء ،ما لم يعقل عنه الذي واله ،فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل
عنيه بولئه أبدا .وذكير أبيو بكير بين أبيي شيبية عين علي رضيي ال عنيه :المنبوذ حير ،فان أحيب أن
يوالي الذي التقطه واله ،وإن أحب أن يوالي غيره واله؛ ونحوه عن عطاء ،وهو قول ابن شهاب
وطائفية مين أهل المدينية ،وهو حير .قال ابن العربيي :إنميا كان أصيل اللقييط الحريية لغلبية الحرار
على العبييد ،فقضيى بالغالب ،كميا حكيم أنيه مسيلم أخذا بالغالب؛ فإن كان فيي قريية فيهيا نصيارى
ومسيلمون قال ابين القاسيم :يحكيم بالغلب؛ فإن وجيد علييه زي اليهود فهيو يهودي ،وإن وجيد علييه
زي النصيارى فهيو نصيراني ،وإل فهيو مسيلم ،إل أن يكون أكثير أهيل القريية على غيير السيلم.
وقال غيره :لو لم يكن فيها إل مسلم واحد قضي للقيط بالسلم تغليبا لحكم السلم الذي يعلو ول
يعلى عليه ،وهو مقتضى قول أشهب؛ قال أشهب :هو مسلم أبدا .لني أجعله مسلما على كل حال،
كميا أجعله حرا على كيل حال .واختلف الفقهاء فيي المنبوذ تدل البينية على أنيه عبيد؛ فقالت طائفية
مين أهيل المدينية :ل يقبيل قولهيا فيي ذلك ،وإلى هذا ذهيب أشهيب لقول عمير :هيو حير؛ ومين قضيى
بحريتييه لم تقبييل البينيية فييي أنييه عبييد .وقال ابيين القاسييم :تقبييل البينيية فييي ذلك وهييو قول الشافعييي
والكوفي.
@ قال مالك في اللقيط :إذا اتفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على
الب إن كان طرحيه متعمدا ،وإن لم يكين طرحيه ولكنيه ضيل منيه فل شييء على الب ،والملتقيط
متطوع بالنفقيية .وقال أبييو حنيفيية :إذا أنفييق على اللقيييط فهييو متطوع ،إل أن يأمره الحاكييم .وقال
الوزاعي :كل من أنفق علي من ل تجب عليه نفقة رجع بما أنفق .وقال الشافعي :إن لم يكن للقيط
مال وجبت نفقته في بيت المال ،فإن لم يكن ففيه قولن :أحدهما -يستقرض له في ذمته .والثاني
-يقسط على المسلمين من غير عوض.
@ وأميا اللقطية والضوال فقيد اختلف العلماء فيي حكمهميا؛ فقالت طائفية مين أهيل العلم :اللقطية
والضوال سواء في المعنى ،والحكم فيهما سواء؛ وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي ،وأنكر قول
أبيي عبييد القاسيم بين سيلم -أن الضالة ل تكون إل فيي الحيوان واللقطية فيي غيير الحيوان -وقال
هذا غلط؛ واحتج بقوله صلى ال عليه وسلم في حديث الفك للمسلمين( :إن أمكم ضلت قلدتها)
فأطلق ذلك على القلدة.
@ أجميع العلماء على أن اللقطية ميا لم تكين تافهيا يسييرا أو شيئا ل بقاء لهيا فإنهيا تعرف حول
كامل ،وأجمعوا أن صياحبها إن جاء فهيو أحيق بهيا مين ملتقطهيا إذا ثبيت له أنيه صياحبها ،وأجمعوا
أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد .صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له ،وإن تصدق بها فصاحبها
مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها ،فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع؛ ول تنطلق يد
ملتقطها عليها بصدقة ،ول تصرف قبل الحول .وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها.
@ واختلف الفقهاء في الفضل من تركها أو أخذها؛ فمن ،ذلك أن في الحديث دليل على إباحة
التقاط اللقطية وأخيذ الضالة ميا لم تكين إبل .وقال فيي الشاة( :لك أو لخييك أو للذئب) يحضيه على
أخذهيا ،ولم يقيل فيي شييء دعوه حتيى يضييع أو يأتييه ربيه .ولو كان ترك اللقطية أفضيل لمير بيه
رسول ال صيلى ال علييه وسيلم كميا قال فيي ضالة البيل ،وال أعلم .وجملة مذهب أصيحاب مالك
أنييه فييي سييعة ،إن شاء أخذهييا وإن شاء تركهييا؛ هذا قول إسييماعيل بيين إسييحاق رحمييه ال .وقال
المزنيي عين الشافعيي :ل أحيب لحيد ترك اللقطية إن وجدهيا إذا كان أمينيا عليهيا؛ قال :وسيواء قلييل
اللقطة وكثيرها.
@ روى الئمة مالك وغيره عن زييد بن خالد الجهنيي قال :جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه
وسيلم فسيأله عين اللقطية فقال( :اعرف عفاصيها ووكاءهيا ثيم عرفهيا سينة فإن جاء صياحبها وإل
فشأنك بها) قال :فضالة الغنم يا رسول ال؟ قال( :لك أو لخيك أو للذئب) قال :فضالة البل؟ قال:
(ميا لك ولهيا معهيا سيقاؤها وحذاؤهيا ترد الماء وتأكيل الشجير حتيى يلقاهيا ربهيا) .وفيي حدييث أبيي
قال( :احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإل فاستمتع بها) ففي هذا الحديث زيادة
العدد؛ خرجيه مسيلم وغيره .وأجميع العلماء أن عفاص اللقطية ووكاءهيا مين إحدى علماتهيا وأدلهيا
عليهيا؛ فإذا أتيى صياحب اللقطية بجمييع أوصيافها دفعيت له؛ قال ابين القاسيم :يجيبر على دفعهيا؛ فإن
جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا ،وهل يحلف مع الوصاف أو ل؟
قولن :الول لشهيب ،والثانيي لبين القاسيم ،ول تلزميه بينية عنيد مالك وأصيحابه وأحميد بين حنبيل
وغيرهم .وقال أبو حنيفة والشافعي :ل تدفع له إل إذا أقام بينة أنها له؛ وهو بخلف نص الحديث؛
ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى؛ فإنه يستحقها بالبينة
على كل حال؛ ولما جاز سكوت النبي صلى ال عليه وسلم عن ذلك ،فإنه تأخير البيان عن وقت
الحاجة .وال أعلم.
@ نيص الحدييث على البيل والغنيم وبين حكمهميا ،وسيكت عميا عداهميا مين الحيوان .وقيد اختلف
علماؤنا في البقر هل تلحق بالبل أو بالغنم؟ قولن؛ وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال
والحمير ،وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط ،وقال أشهب وابن كنانة :ل تلتقط؛ وقول ابن القاسم
أصح؛ لقول عليه السلم( :احفظ على أخيك المؤمن ضالته).
@ واختلف العلماء في النفقة على الضوال؛ فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم :إن أنفق الملتقط
على الدواب والبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة ،وسواء أنفق عليها بأمر السلطان
أو بغير أمره؛ قال :وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن .وقال الشافعي :إذا
أنفيق على الضوال مين أخذهيا فهيو متطوع؛ حكاه عنيه الربييع .وقال المزنيي عنيه :إذا أمره الحاكيم
بالنفقية كانيت دينيا ،وميا ادعيى قبيل منيه إذا كان مثله قصيدا .وقال أبيو حنيفية :إذا أنفيق على اللقطية
والبيل بغيير أمير القاضيي فهيو متطوع ،وإن أنفيق بأمير القاضيي فذلك ديين على صياحبها إذا جاء،
وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها ،والنفقة عليها ثلثة أيام ونحوها ،حتى يأمر القاضي ببيع الشاة
وما أشبهها ويقضي بالنفقة.
@ ليس في قوله صلى ال عليه وسلم في اللقطة بعد التعريف( :فاستمتع بها) أو (فشأنك بها) أو
(فهي لك) أو (فاستنفقها) أو (ثم كلها) أو (فهو مال ال يؤتيه من يشاء) على ما في صحيح مسلم
وغيره ،ميا يدل على التملييك ،وسيقوط الضمان عين الملتقيط إذا جاء ربهيا؛ فان فيي حدييث زييد بين
خالد الجهني عن النبي صلى ال عليه وسلم( :فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء
صياحبها يوميا مين الدهير فأدهيا إلييه) فيي روايية (ثيم كلهيا فإن جاء صياحبها فأدهيا إلييه) خرجيه
البخاري ومسيلم .وأجميع العلماء على أن صياحبها متيى جاء فهيو أحيق بهيا ،إل ميا ذهيب إلييه داود
من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف؛ لتلك الظواهر ،ول التفات لقوله؛ لمخالفة الناس ،ولقوله
عليه السلم( :فأدها إليه).
**3اليتان{ 12 - 11 :قالوا يا أبانا ما لك ل تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون ،أرسله معنا
غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون}
@قوله تعالى" :قالوا ييا أبانيا ميا لك ل تأمننيا على يوسيف" قييل للحسين :أيحسيد المؤمين؟ قال :ميا
أنسياك ببنيي يعقوب .ولهذا قييل :الب جلب والخ سيلب؛ فعنيد ذلك أجمعوا على التفرييق بينيه
وبيين ولده بضرب مين الحتيال .وقالوا ليعقوب" :ييا أبانيا ميا لك ل تأمنيا على يوسيف" وقييل :لميا
تفاوضوا وافترقوا على رأي المتكلم الثانيي عادوا إلى يعقوب علييه السيلم وقالوا هذا القول .وفييه
دلييل على أنهيم سيألوه قبيل ذلك أن يخرج معهيم يوسيف فأبيي علي ميا يأتيي .قرأ يزييد بين القعقاع
وعمرو بين عبييد والزهري "ل تأمنيا" بالدغام ،وبغيير إشمام وهيو القياس؛ لن سيبيل ميا يدغيم أن
يكون سياكنا .وقرأ طلحية بين مصيرف "ل تأمننيا" بنونيين ظاهرتيين على الصيل .وقرأ يحييى بين
وثاب وأبيو رزبين -وروي عين العميش " -ول تيمنيا" بكسير التاء ،وهيي لغية تمييم؛ يقولون :أنيت
تضرب؛ وقيد تقدم .وقرأ سيائر الناس بالدغام والشمام ليدل على حال الحرف قبيل إدغاميه" .وإنيا
له لناصيحون" أي فيي حفظيه وحيطتيه حتيى نرده إلييك .قال مقاتيل :فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛ وذلك
أن إخوة يوسف قالوا لبيهم" :أرسله معنا غدا" الية؛ فحينئذ قال أبوهم" :إني ليحزنني أن تذهبوا
بيه" [يوسيف ]13 :فقالوا حينئذ جوابيا لقوله" :ميا لك ل تأمنيا على يوسيف" اليية" .أرسيله معنيا
غدا" إلى الصيحراء" .غدا" ظرف ،والصيل عنيد سييبويه غدو ،وقيد نطيق بيه على الصيل؛ قال
النضير بين شمييل :ميا بيين الفجير وصيلة الصيبح يقال له غدوة ،وكذا بكرة" .يرتيع ويلعيب" بالنون
وإسيكان العيين قراءة أهيل البصيرة .والمعروف مين قراءة أهيل مكية" .نرتيع" بالنون وكسير العيين.
وقراءة أهل الكوفة" .يرتع ويلعب" بالياء وإسكان العين .وقراءة أهل المدينة بالياء وكسر العين؛
القراءة الولى ميين قول العرب رتييع النسييان والبعييير إذا أكل كيييف شاءا؛ والمعنييى :نتسييع فييي
الخصب؛ وكل مخصب راتع؛ قال:
فارعي فزارة ل هناك المرتع
وقال آخر:
فإنما هي إقبال وإدبار ترتع ما غفلت حتى إذا أدكرت
وقال آخر:
وبعد عطائك المائة الرتاعا أكفرا بعد رد الموت عني
أي الراتعية لكثرة المرعيى .وروى معمير عين قتادة "ترتيع" تسيعى؛ قال النحاس :أخذه مين قوله:
"إنا ذهبنا نستبق" لن المعنى :نستبق في العدو إلى غاية بعينها؛ وكذا "يرتع" بإسكان العين ،إل
أنيه ليوسيف وحده صيلى ال علييه وسيلم .و"يرتيع" بكسير العيين مين رعيي الغنيم ،أي ليتدرب بذلك
ويرتجل؛ فمرة يرتع ،ومرة يلعب لصغره .وقال القتبي "نرتع" نتحارس ونتحافظ ،ويرعى بعضنا
بعضا؛ مين قولك :رعاك ال؛ أي حفظيك" .ونلعيب" من اللعيب وقيل لبيي عمرو بن العلء :كييف
قالوا "ونلعب" وهم أنبياء؟ فقال :لم يكونوا يومئذ أنبياء .وقيل :المراد باللعب المباح من النبساط،
ل اللعيب المحظور الذي هيو ضيد الحيق؛ ولذلك لم ينكير يعقوب قولهيم "ونلعيب" .ومنيه قوله علييه
السييلم( :فهل بكرا تلعبهييا وتلعبييك) .وقرأ مجاهييد وقتادة" :يرتييع" على معنييى يرتييع مطيتييه،
فحذف المفعول؛ "ويلعيب" بالرفيع على السيتئناف؛ والمعنيى :هيو ممين يلعيب "وإنيا له لحافظون"
من كل ما تخاف عليه .ثم يحتمل أنهم كانوا يخرجون ركبانا ،ويحتمل أنهم كانوا رجّالة .وقد نقل
أنهيم حملوا يوسيف على أكتافهيم ميا دام يعقوب يراهيم ،ثيم لميا غابوا عين عينيه طرحوه ليعدو معهيم
إضرارا به.
**3اليتان{ 14 - 13 :قال إنيي ليحزننيي أن تذهبوا بيه وأخاف أن يأكله الذئب وأنتيم عنيه
غافلون ،قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون}
@قوله تعالى" :قال إني ليحزنني أن تذهبوا به" في موضع رفع؛ أي ذهابكم به .أخبر عن حزنه
لغيبتيه" .وأخاف أن يأكله الذئب" وذلك أنيه رأى فيي مناميه أن الذئب شيد على يوسيف ،فلذلك خافيه
عليه؛ قال الكلبي .وقيل :إنه رأى في منامه كأنه على ذروة جبل ،وكأن يوسف في بطن الوادي،
فإذا عشرة مين الذئاب قيد احتوشتيه ترييد أكله ،فدرأ عنيه واحيد ،ثيم انشقيت الرض فتوارى يوسيف
فيهيا ثلثية أيام؛ فكانيت العشرة إخوتيه ،لميا تمالؤوا على قتله ،والذي دافيع عنيه أخوه الكيبر يهوذا،
وتوارييه فيي الرض هيو مقاميه فيي الجيب ثلثية أيام .وقييل :إنميا قال ذلك لخوفيه منهيم علييه ،وأنيه
أرادهيم بالذئب؛ فخوفيه إنميا كان مين قتلهيم له ،فكنيى عنهيم بالذئب مسياترة لهيم؛ قال ابين عباس:
فسماهم ذئابا .وقيل :ما خافهم عليه ،ولو خافهم لما أرسله معهم ،وإنما خاف الذئب؛ لنه أغلب ما
يخاف في الصحارى .والذئب مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه؛ كذا قال أحمد بن
يحيى؛ قال :والذئب مهموز لنه يجيء من كل وجه .وروى ورش عن نافع "الذيب" بغير همز،
لما كانت الهمزة ساكنة وقبلها كرة فخففها صارت ياء" .وأنتم عنه غافلون" أي مشغلون بالرعي.
@قوله تعالى" :قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة" أي جماعة نرى الذئب ثم ل نرده عنه" .إنا
إذا لخاسرون" أي في حفظنا أغنامنا؛ أي إذا كنا ل نقدر على دفع الذئب عن أخينا فنحن أعجز أن
ندفعه عن أغنامنا .وقيل" :لخاسرون" لجاهلون بحقه .وقيل :لعاجزون.
**3الية{ 15 :فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم
هذا وهم ل يشعرون}
@قوله تعالى" :فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه" "أن" في موضع نصب؛ أي على أن يجعلوه
في غيابة الجب .قيل في القصة :إن يعقوب عليه السلم لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقا غليظا
ليحفظنيه ،وسيلمه إلى روبييل وقال :ييا روبييل إنيه صيغير ،وتعلم ييا بنيي شفقتيي علييه؛ فإن جاع
فأطعمييه ،وإن عطييش فاسييقه ،وإن أعيييا فاحمله ثييم عجييل برده إلي .قال :فأخذوا يحملونييه على
أكتافهيم ،ل يضعيه واحيد إل رفعيه آخير ،ويعقوب يشيعهيم ميل ثيم رجيع؛ فلميا انقطيع بصير أبيهيم
عنهيم رماه الذي كان يحمله إلى الرض حتيى كاد ينكسير ،فالتجيأ إلى آخير فوجيد عنيد كيل واحيد
منهم أشد مما عند الخر من الغيظ والعسف؛ فاستغاث بروبيل وقال( :أنت أكبر إخوتي ،والخليفة
مين بعيد والدي علي ،وأقرب الخوة إلي ،فارحمنيي وارحيم ضعفيي) فلطميه لطمية شديدة وقال :ل
قرابية بينيي وبينيك ،فادع الحيد عشير كوكبيا فلتنجيك منيا؛ فعلم أن حقدهيم مين أجيل رؤياه ،فتعلق
بأخييه يهوذا وقال :ييا أخيي ارحيم ضعفيي وعجزي وحداثية سيني ،وارحيم قلب أبييك يعقوب؛ فميا
أسيرع ميا تناسييتم وصييته ونقضتيم عهده؛ فرق قلب يهوذا فقال :وال ل يصيلون إلييك أبدا ميا دميت
حيا ،ثم قال :يا إخوتاه إن قتل النفس التي حرم ال من أعظم الخطايا ،فردوا هذا الصبي إلى أبيه،
ونعاهده أل يحدث والده بشييييء مميييا جرى أبدا؛ فقال له إخوتيييه :وال ميييا ترييييد إل أن تكون لك
المكانيية عنييد يعقوب ،وال لئن لم تدعييه لنقتلنييك معييه ،قال :فإن أبيتييم إل ذلك فههنييا هذا الجييب
الموحش القفر ،الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه ،فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد،
وقييد اسييترحتم ميين دمييه ،وإن انفلت على أيدي سيييارة يذهبون بييه إلى أرض فهييو المراد؛ فأجمييع
رأيهييم على ذلك؛ فهييو قوله ال تعالى" :فلمييا ذهبوا بييه وأجمعوا أن يجعلوه فييي غيابيية الجييب"
وجواب "لميا" محذوف؛ أي فلميا ذهبوا بيه وأجمعوا على طرحيه فيي الجيب عظميت فتنتهيم .وقييل:
جواب "لميا" قولهيم" :قالوا ييا أبانيا إنيا ذهبنيا نسيتبق" [يوسيف .]17 :وقييل :التقديير فلميا ذهبوا بيه
مين عنيد أبيهيم وأجمعوا أن يجعلوه فيي غيابية الجيب جعلوه فيهيا ،هذا على مذهيب البصيريين؛ وأميا
على قول الكوفييين فالجواب" .أوحينيا" والواو مقحمية ،والواو عندهيم تزاد ميع لميا وحتيى؛ قال ال
تعالى" :حتيى إذا جاؤوهيا وفتحيت أبوابهيا" [الزمير ]73 :أي فتحيت وقوله" :حتيى إذا جاء أمرنيا
وفار التنور" [هود ]40 :أي فار .قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
أي انتحيى؛ ومنيه قوله تعالى" :فلميا أسيلما وتله للجيبين وناديناه" [الصيافات ]104 - 103 :أي
ناديناه .وفي قوله" :وأوحينا إليه" دليل على نبوته في ذلك الوقت .قال الحسن ومجاهد والضحاك
وقتادة :أعطاه ال النبوة وهو في الجب على حجر مرتفع عن الماء .وقال الكلبي :ألقي في الجب،
وهيو ابين ثمانيي عشرة سينة ،فميا كان صيغيرا؛ ومين قال كان صيغيرا فل يبعيد فيي العقيل أن يتنبيأ
الصيغير ويوحيى إلييه .وقييل :كان وحيي إلهام كقوله" :وأوحيى ربيك إلى النحيل" [النحيل.]68 :
وقيل :كان مناما ،والول أظهر -وال أعلم -وأن جبريل جاءه بالوحي.
@قوله تعالى" :لتنبئنهيم بأمرهيم هذا" فييه وجهان :أحدهميا :أنيه أوحيى إلييه أنيه سييلقاهم ويوبخهيم
على ميا صينعوا؛ فعلى هذا يكون الوحيي بعيد إلقائه فيي الجيب تقويية لقلبيه ،وتبشيرا له بالسيلمة.
الثانيي :أنيه أوحيى إلييه بالذي يصينعون بيه؛ فعلى هذا يكون الوحيي قبيل إلقائه فيي الجيب إنذارا له.
"وهم ل يشعرون" أنك يوسف؛ وذلك أن ال تعالى أمره لما أفضى إليه المر بمصر أل يخبر أباه
وإخوتيه بمكانيه .وقييل :بوحيي ال تعالى بالنبوة؛ قاله ابين عباس ومجاهيد .وقييل" :الهاء" ليعقوب؛
أوحى ال تعالى إليه ما فعلوه بيوسف ،وأنه سيعرفهم بأمره ،وهم ل يشعرون بما أوحى ال إليه،
وال أعلم .ومميا ذكير مين قصيته إذ ألقيي فيي الجيب ميا ذكره السيدي وغيره أن إخوتيه لميا جعلوا
يدلونييه فييي البئر ،تعلق بشفييير البئر ،فربطوا يديييه ونزعوا قميصييه؛ فقال :يييا إخوتاه ردوا علي
قميصي أتوارى به في هذا الجب ،فان مت كان كفني ،وإن عشت أواري به عورتي؛ فقالوا :ادع
الشميس والقمير والحيد عشير كوكبيا فلتؤنسيك وتكسيك؛ فقال :إنيي لم أر شيئا ،فدلوه فيي البئر حتيى
إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يسقط فيموت؛ فكان في البئر ماء فسقط فيه ،ثم آوى إلى صخرة فقام
عليهيا .وقييل :إن شمعون هيو الذي قطيع الحبيل إرادة أن يتفتيت على الصيخرة ،وكان جبرييل تحيت
ساق العرش ،فأوحى ال إليه أن أدرك عبدي؛ قال جبريل :فأسرعت وهبطت حتى عارضته بين
الرميي والوقوع فأقعدتيه على الصيخرة سيالما .وكان ذلك الجيب مأوى الهوام؛ فقام على الصيخرة
وجعيل يبكيي ،فنادوه ،فظين أنهيا رحمية علييه أدركتهيم ،فأجابهيم؛ فأرادوا أن يرضخوه بالصيخرة
فمنعهيم يهوذا ،وكان يهوذا يأتييه بالطعام؛ فلميا وقيع عريانيا نزل جبرييل إلييه؛ وكان إبراهييم حيين
ألقيي فيي النار عريانيا أتاه جبرييل بقمييص مين حريير الجنية فألبسيه إياه ،فكان ذلك عنيد إبراهييم ،ثيم
ورثه إسحاق ،ثم ورثه يعقوب ،فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذة وجعله في
عنقيه ،فكان ل يفارقيه؛ فلميا ألقيي فيي الجيب عريانيا أخرج جبرييل دلك القمييص فألبسيه إياه .قال
وهيب :فلميا قام على الصيخرة قال :ييا إخوتاه إن لكيل مييت وصيية ،فاسيمعوا وصييتي ،قالوا :وميا
هي؟ قال :إذا اجتمعتم كلكم فأنس بعضكم بعضا فاذكروا وحشتي ،وإذا أكلتم فاذكروا جوعي ،وإذا
شربتيم فاذكروا عطشيي ،وإذا رأيتيم غريبيا فاذكروا غربتيي ،وإذا رأيتيم شابيا فاذكروا شبابيي؛ فقال
له جبريل :يا يوسف كف عن هذا واشتغل بالدعاء ،فإن الدعاء عند ال بمكان؛ ثم علمه فقال :قل
اللهم يا مؤنس كل غريب ،ويا صاحب كل وحيد ،ويا ملجأ كل خائف ،ويا كاشف كل كربة ،ويا
عالم كيل نجوى ،وييا منتهيى كيل شكوى ،وييا حاضير سير كيل مل ،ييا حيي ييا قيوم أسيألك أن تقذف
رجاءك في قلبي ،حتى ل يكون لي هم ول شغل غيرك ،وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا،
إنيك على كيل شييء قديير؛ فقالت الملئكية :إلهنيا نسيمع صيوتا ودعاء ،الصيوت صيوت صيبي،
والدعاء دعاء نيبي .وقال الضحاك :نزل جبرييل علييه السيلم على يوسيف وهيو فيي الجيب فقال له:
أل أعلميك كلمات إذا انيت قلتهين عجيل ال لك خروجيك مين هذا الجيب؟ فقال :نعيم فقال له :قيل ييا
صانع كل مصنوع ،ويا جابر كل كسير ،ويا شاهد كل نجوى ،ويا حاضر كل مل ،ويا مفرج كل
كربية ،وييا صياحب كيل غرييب ،وييا مؤنيس كيل وحييد ،ايتنيي بالفرج والرجاء ،واقذف رجاءك فيي
قلبي حتى ل أرجو أحدا سواك؛ فرددها يوسف في ليلته مرارا؛ فأخرجه ال في صبيحة يومه ذلك
من الجب.
**3الية{ 16 :وجاؤوا أباهم عشاء يبكون}
@قوله تعالى" :وجاؤوا أباهم عشاء" أي ليل ،وهو ظرف يكون في موضع الحال؛ وإنما جاؤوا
عشاء ليكونوا أقدر على العتذار فيي الظلمية ،ولذا قييل :ل تطلب الحاجية باللييل ،فإن الحياء فيي
العينيين ،ول تعتذر بالنهار مين ذنيب فتتلجلج فيي العتذار؛ فروي أن يعقوب علييه السيلم لميا سيمع
بكاءهم قال :ما بكم؟ أجرى في الغنم شيء؟ قالوا :ل .قال :فأين يوسف؟ قالوا :ذهبنا نستبق فأكله
الذئب ،فبكيى وصياح وقال :ابين قميصيه؟ على ميا يأتيي بيانيه إن شاء ال .وقال السيدي وابين حبان:
إنيه لميا قالوا أكله الذئب خير مغشييا علييه ،فأفاضوا علييه الماء فلم يتحرك ،ونادوه فلم يجيب؛ قال
وهب :ولقد وضع يهوذا يده على مخارج نفس يعقوب فلم يحس بنفس ،ولم يتحرك له عرق؛ فقال
لهيم يهوذا :ويل لنيا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا ،وقتلنا أبانا ،فلم يفيق يعقوب إل ببرد السيحر،
فأفاق ورأسه في حجر روبيل؛ فقال :يا روبيل ألم آتمنك على ولدي؟ ألم أعهد إليك عهدا؟ فقال :يا
أبيت كيف عنيي بكاءك أخيبرك؛ فكيف يعقوب بكاءه فقال :ييا أبيت "إنيا ذهبنيا نسيتبق وتركنيا يوسيف
عند متاعنا فأكله الذئب".
@ قال علماؤنا :هذه الية دليل على أن بكاء المرء ل يدل على صدق مقاله ،لحتمال أن يكون
تصنعا؛ فمن الخلق من يقدر على ذلك ،ومنهم من ل يقدر .وقد قيل :إن الدمع المصنوع ل يخفى؛
كما قال حكيم:
تبين من بكى ممن تباكى إذا اشتبكت دموع في خدود
**3اليية{ 17 :قالوا ييا أبانيا إنيا ذهبنيا نسيتبق وتركنيا يوسيف عنيد متاعنيا فأكله الذئب وميا أنيت
بمؤمن لنا ولو كنا صادقين}
@قوله تعالى" :نستبق" نفتعل ،من ،المسابقة .وقيل :أي ننتضل؛ وكذا في قراءة عبدال "إنا ذهبنا
ننتضيل" وهيو نوع مين المسيابقة؛ قاله الزجاج .وقال الزهري :النضال فيي السيهام ،والرهان فيي
الخييل ،والمسيابقة تجمعهميا .قال القشيري أبيو نصير" :نسيتبق" أي فيي الرميي ،أو على الفرس؛ أو
على القدام؛ والغرض ميين المسييابقة على القدام تدريييب النفييس على العدو ،لنييه اللة فييي قتال
العدو ،ودفع الذئب عن الغنام .وقال السدي وابن حبان" :نستبق" نشتد جريا لنرى أينا أسبق .قال
ابين العربيي :المسيابقة شرعية فيي الشريعية ،وخصيلة بديعية ،وعون على الحرب؛ وقيد فعلهيا صيلى
ال عليه وسلم بنفسه وبخيله ،وسابق عائشة رضي ال عنها على قدميه فسبقها؛ فلميا كبر رسول
ال صلى ال عليه وسلم سابقها فسبقته؛ فقال لها( :هذه بتلك).
قلت :وسيابق سيلمة بين الكوع رجل لميا رجعوا مين ذي قرد إلى المدينية فسيبقه سيلمة؛ خرجيه
مسلم.
@ وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سابق بين الخيل التي
قيد أضمرت مين الحفياء وكان أمدهيا ثنيية الوداع ،وسيابق بيين الخييل التيي لم تضمير مين الثنيية إلى
مسيجد بنيي زرييق ،وأن عبدال بين عمير كان ممين سيابق بهيا؛ وهذا الحدييث ميع صيحته فيي هذا
الباب تضمين ثلثية شروط؛ فل تجوز المسيابقة بدونهيا ،وهيي :أن المسيافة ل بيد أن تكون معلومية.
الثانيي :أن تكون الخييل متسياوية الحوال .الثالث :أل يسيابق المضمير ميع غيير المضمير فيي أميد
واحد وغاية واحدة .والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها ،وتقام هذه السنة فيها هي الخيل
المعدة لجهاد العدو ل لقتال المسلمين في الفتن.
@ وأما المسابقة بالنصال والبل؛ فروى مسلم عن عبدال بن عمرو قال :سافرنا مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم فنزلنا منزل فمنا من يصلح خباءه ،ومنا من ينتضل ،وذكر الحديث .وخرج
النسائي عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ل سبق إل في نصل أو خف أو
حافير) .وثبيت ذكير النصيل مين حدييث ابين أبيي ذئب عين نافيع بين أبيي نافيع عين أبيي هريرة ،ذكره
النسييائي؛ وبييه يقول فقهاء الحجاز والعراق .وروى البخاري عيين أنييس قال :كان للنييبي صييلى ال
علييه وسيلم ناقية تسيمى العضباء ل تسيبق -قال حمييد :أول تكاد تسيبق -فجاء أعرابيي على قعود
فسيبقها ،فشيق ذلك على المسيلمين حتيى عرفيه؛ فقال( :حيق على ال أل يرتفيع شييء مين الدنييا إل
وضعه).
@ أجمع المسلمون على أن السبق ل يجوز على وجه الرهان إل في الخف ،والحافر والنصل؛
قال الشافعي :ما عدا هذه الثلثة فالسبق فيها قمار .وقد زاد أبو البختري القاضي في حديث الخف
والحافير والنصيل "أو جناح" وهيي لفظية وضعهيا للرشييد ،فترك العلماء حديثيه لذلك ولغيره مين
موضوعاتيه؛ فل يكتيب العلماء حديثيه بحال .وقيد روي عين مالك أنيه قال :ل سيبق إل فيي الخييل
والرمييي ،لنييه قوة على أهييل الحرب؛ قال :وسييبق الخيييل أحييب إلينييا ميين سييبق الرمييي .وظاهيير
الحديث يسوي بين السبق على النجب والسبق على الخيل .وقد منع بعض العلماء الرهان في كل
شيء إل في الخيل؛ لنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها .وروي عن عطاء أن المراهنة
فييي كييل شيييء جائزة؛ وقييد تُؤُول قوله؛ لن حمله على العموم فييي كييل شيييء يؤدي إلى ،إجازة
القمار ،وهو محرم باتفاق.
@ ل يجوز السبق في الخيل والبل إل في غاية معلومة وأمد معلوم ،كما ذكرنا ،وكذلك الرمي
ل يجوز السيبق فييه إل بغايية معلومية ورشيق معلوم ،ونوع مين الصيابة؛ مشترط خسيقا أو إصيابة
بغيير شرط .والسيباق ثلثية :سيبق يعطييه الوالي أو الرجيل غيير الوالي مين ماله متطوعيا فيجعيل
للسييابق شيئا معلومييا؛ فميين سييبق أخذه .وسييبق يخرجييه أحييد المتسييابقين دون صيياحبه ،فإن سييبقه
صياحبه أخذه ،وإن سيبق هيو صياحبه أخذه ،وحسين أن يمضييه فيي الوجيه الذي أخرجيه له ،ول
يرجيع إلى ماله؛ وهذا مميا ل خلف فييه .والسيبق الثالث :اختلف فييه؛ وهيو أن يخرج كيل واحيد
منهما شيئا مثل ما يخرجه صاحبه ،فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه؛ وهذا الوجه ل يجوز
حتيى يدخل بينهميا محلل ل يأمنيا أن يسيبقهما؛ فإن سيبق المحلل أحرز السيبقين جميعيا وأخذهميا
وحده ،وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه؛ ول شيء للمحلل فيه ،ول شيء
عليه .وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما .وقال أبو علي بن خيران -من
أصييحاب الشافعييي : -وحكييم الفرس المحلل أن يكون مجهول جريييه؛ وسييمي محلل لنييه يحلل
السييبق للمتسييابقين أوله .واتفييق العلماء على أنييه إن لم يكيين بينهمييا محلل واشترط كييل واحييد ميين
المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه أنه قمار ،ول يجوز .وفي سنن أبي داود عن أبي
هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين أدخيل فرسيا بيين فرسيين وهيو ل يأمين أن يسيبق
فلييس بقمار ومين أدخله وهيو يأمين أن يسيبق فهيو قمار) .وفيي الموطيأ عين سيعيد بين المسييب قال:
لييس برهان الخييل بأس إذا دخيل فيهيا محلل ،فإن سيبق أخيذ السيبق ،وإن سيبق لم يكين علييه شييء؛
وبهذا قال ،الشافعي وجمهور أهل العلم .واختلف في ذلك قول مالك؛ فقال مرة ل يجب المحلل في
الخيل ،ول نأخذ فيه بقول سعيد ،ثم قال :ل يجوز إل بالمحلل؛ وهو الجود من قوله.
@ ول يحمل على الخيل والبل في المسابقة إل محتلم ،ولو ركبها أربابها كان أولى؛ وفد روي
عيين عميير بيين الخطاب رضييي ال عنييه أنييه قال :ل يركييب الخيييل فييي السييباق إل أربابهييا .وقال
الشافعيي :وأقيل السيبق أن يسيبق بالهادي أو بعضيه؛ أو بالكفيل أو بعضيه .والسيبق مين الرماة على
هذا النحو عنده؛ وقول محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي.
@ روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سابق ،أبا بكر وعمر رضي ال عنهما ،فسبق رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم ،وصيلى أبيو بكير وثلث عمير؛ ومعنيى وصيلى أبيو بكير :يعنيي أن رأس
فرسه كان عند صل فرس رسول ال صلى ال عليه وسلم ،والصلوان موضع العجز.
@قوله تعالى" :وتركنيا يوسيف عنيد متاعنيا" أي عنيد ثيابنيا وأقمشتنيا حارسيا لهيا" .فأكله الذئب"
وذلك أنهيم لميا سيمعوا أباهيم يقول" :وأخاف أن يأكله الذئب" أخذوا ذلك مين فييه فتحرموا بيه؛ لنيه
كان أظهر المخاوف عليه" .وما أنت بمؤمن لنا" أي بمصدق" .ولو كنا" أي وإن كنا؛ قاله المبرد
وابين إسيحاق" .صيادقين" فيي قولنيا؛ ولم يصيدقهم يعقوب لميا ظهير له منهيم مين قوة التهمية وكثرة
الدلة على خلف ميا قالوه على ميا يأتيي ،بيانيه .وقييل" :ولو كنيا صيادقين" أي ولو كنيا عندك مين
أهيل الثقية ولصيدق ميا صيدقتنا ،ول تهمتنيا فيي هذه القضيية ،لشدة محبتيك فيي يوسيف؛ قال معناه
الطبري والزجاج وغيرهما.
**3الية{ 18 :وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل وال
المستعان على ما تصفون}
@قوله تعالى" :بدم كذب" قال مجاهد :كان دم سخلة أو جدي ذبحوه .وقال قتادة :كان دم ظبية؛
أي جاؤوا على قميصييه بدم مكذوب فيييه ،فوصييف الدم بالمصييدر ،فصييار تقديره :بدم ذي كذب؛
مثيل" :وسيئل القريية" [يوسيف ]82 :والفاعيل والمفعول قيد يسيميان بالمصيدر؛ يقال :هذا ضرب
المير ،أي مضروبه وماء سكب أي مسكوب ،وماء غور أي غائر ،ورجل عدل أي عادل.
وقرأ الحسييين وعائشييية" :بدم كدب" بالدال غيييير المعجمييية ،أي بدم طري؛ يقال للدم الطري
الكدب .وحكيي أنيه المتغيير؛ قاله الشعيبي .والكدب أيضيا البياض الذي يخرج فيي أظفار الحداث؛
فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اختلف اللونين.
@ قال علماؤنيا رحمية ال عليهيم :لميا أرادوا أن يجعلوا الدم علمية على صيدقهم قرن ال بهذه
العلمية علمية تعارضهيا ،وهيي سيلمة القمييص مين التنيييب؛ إذ ل يمكين افتراس الذئب ليوسيف
وهو لبس القميص ويسلم القميص من التخريق؛ ولما تأمل يعقوب عليه السلم القميص فلم يجد
فيه خرقا ول أثرا استدل بذلك على كذبهم ،وقال لهم :متى كان هذا الذئب ،حكيما يأكل يوسف ول
يخرق القميص! قاله ابن عباس وغيره؛ روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن
عباس قال :كان الدم دم سخلة .وروى سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال :لما نظر
إلييه قال كذبتيم؛ لو كان الذئب أكله لخرق القمييص .وحكيى الماوردي أن فيي القمييص ثلث آيات:
حين جاؤوا عليه بدم كذب ،وحين قد قميصه من دبر ،وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا.
قلت :وهذا مردود؛ فإن القمييص الذي جاؤوا علييه بالدم غيير القمييص الذي قُد ،وغيير القمييص
الذي أتاه البشيير بيه .وقيد قييل :إن القمييص الذي قُد هيو الذي أتيي بيه فارتيد بصييرا ،على ميا يأتيي
بيانيه آخيير السيورة إن شاء ال تعالى .وروي أنهييم قالوا له :بيل اللصيوص قتلوه؛ فاختلف قولهيم،
فاتهمهييم ،فقال لهييم يعقوب :تزعمون أن الذئب أكله ،ولو أكله لشييق قميصييه قبييل أن يفضييي إلى
جلده ،وميا أرى بالقمييص مين شيق؛ وتزعمون أن اللصيوص قتلوه ،ولو قتلوه لخذوا قميصيه؛ هيل
يريدون إل ثيابه؟! فقالوا عند ذلك" :وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين" عن الحسن وغيره؛ أي
لو كنا موصوفين بالصدق ل تهمتنا.
@ استدل الفقهاء بهذه الية في إعمال المارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها ،وأجمعوا
على أن يعقوب عليه السلم ستدل على كذبهم بصحة القميص؛ وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ
المارات والعلمات إذا تعارضت ،فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح ،وهي قوة التهمة؛ ول
خلف بالحكم بها ،قاله بن العربي.
@ روي أن يعقوب لمييا قالوا له" :فأكله الذئب" قال لهييم :ألم يترك الذئب له عضوا فتأتونييي بييه
أسيتأنس بيه؟! ألم يترك لي ثوبيا أشيم فييه رائحتيه؟ قالوا :بلى! هذا قميصيه ملطوخ بدميه؛ فذلك قوله
تعالى" :وجاؤوا على قميصه بدم كذب" فبكى يعقوب عند ذلك وقال ،لبنيه :أروني قميصه ،فأروه
فشميه وقبله ،ثيم جعيل يقلبيه فل يرى فييه شقيا ول تمزيقيا ،فقال :وال الذي ل إله إل هيو ميا رأييت
كاليوم ذئبيا أحكيم منيه؛ أكيل ابنيي واختلسيه مين قميصيه ولم يمزقيه علييه؛ وعلم أن المير لييس كميا
قالوا ،وأن الذئب لم يأكله ،فأعرض عنهيم كالمغضيب باكييا حزينيا وقال :ييا معشير ولدي! دلونيي
على ولدي؛ فإن كان حييا رددتيه إلي ،وإن كان ميتيا كفنتيه ودفنتيه ،فقييل قالوا حينئذ :ألم تروا إلى
أبينيا كييف يكذبنيا فيي مقالتنيا! تعالوا نخرجيه مين الجيب ونقطعيه عضوا عضوا ،ونأت أبانيا بأحيد
أعضائه فيصيدقنا فيي مقالتنيا ويقطيع يأسيه؛ فقال يهوذا :وال لئن فعلتيم لكونين لكيم عدوا ميا بقييت،
ولخيبرن أباكيم بسيوء صينيعكم؛ قالوا :فإذا منعتيا مين هذا فتعالوا نصيطد له ذئبيا ،قال :فاصيطادوا
ذئبيا ولطخوه بالدم ،وأوثقوه بالحبال ،ثيم جاؤوا بيه يعقوب وقالوا :ييا أبانيا! إن هذا الذئب الذي يحيل
بأغنامنيا ويفترسيها ،ولعله الذي أفجعنيا بأخينيا ل نشيك فييه ،وهذا دميه علييه ،فقال يعقوب :اطلقوه؛
فأطلقوه ،وتبصيبص له الذئب؛ فأقبيل يدنيو منيه ويعقوب يقول له :ادن ادن؛ حتيى ألصيق خده بخده
فقال له يعقوب :أيها الذئب! لم فجعتني بولدي وأورثتني حزنا طويل؟! ثم قال اللهم أنطقه ،فأنطقه
ال تعالى فقال :والذي اصطفاك نبيا ما أكلت لحمه ،ول مزقت جلده ،ول نتفت شعرة من شعراته،
وال! ميا لي بولدك عهيد ،وإنميا أنيا ذئب غرييب أقبلت مين نواحيي مصير فيي طلب أخ لي فُقيد ،فل
أدري أحيي هيو أم مييت ،فاصيطادني أولدك وأوثقونيي ،وإن لحوم النيبياء حرميت علينيا وعلى
جمييع الوحوش ،وتال ل أقميت فيي بلد يكذب فيهيا أولد النيبياء على الوحوش؛ فأطلقيه يعقوب
وقال :وال لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم؛ هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذمام أخيه ،وأنتم ضيعتم أخاكم،
وقيد علميت أن الذئب برييء مميا جئتيم بيه" .بيل سيولت" أي زينيت لكيم" .أنفسيكم أمرا" غيير ميا
تصفون وتذكرون.
@قوله تعالى" :فصبر جميل" قال الزجاج :أي فشأني والذي اعتقده صبر جميل .وقال قطرب:
أي فصبري صبر جميل .وقيل :أي فصبر جميل أولى بي؛ فهو مبتدأ وخبره محذوف .ويروى أن
النيبي صيلى ال علييه وسيلم سيئل عين الصيبر الجمييل فقال( :هيو الذي ل شكوى معيه) .وسييأتي له
مزيد بيان آخر السورة إن شاء ال .قال أبو حاتيم :قرأ عيسيى بن عمير فيميا زعم سيهل بين يوسيف
"فصيبرا جميل" قال :وكذا قرأ الشهيب العقيلي؛ قال وكذا .فيي مصيحف أنيس وأبيي صيالح .قال
الميبرد" :فصيبر جمييل" بالرفيع أولى مين النصيب؛ لن المعنيى :قال رب عندي صيبر جمييل؛ قال:
وإنما النصب على المصدر ،أي فلصبرن صبرا جميل؛ قال:
صبرا جميل فكلنا مبتلى شكا إلي جملي طول السرى
والصيبر الجمييل هيو الذي ل جزع فييه ول شكوى .وقييل :المعنيى ل أعاشركيم على كآبية الوجيه
وعبوس الجييبين ،بييل أعاشركييم على مييا كنييت عليييه معكييم؛ وفييي هذا مييا يدل على أنييه عفييا عيين
مؤاخذتهيم .وعين حيبيب بين أبيي ثابيت أن يعقوب كان قيد سيقط حاجباه على عينييه؛ فكان يرفعهميا
بخرقة؛ فقيل له :ما هذا؟ قال :طول الزمان وكثرة الحزان؛ فأوحى ال إليه أتشكوني يا يعقوب؟!
قال :ييا رب! خطيئة أخطأتهيا فاغفير لي" .وال المسيتعان" ابتداء وخيبر" .على ميا تصيفون" أي
على احتمال ما تصفون من الكذب.
@ قال ابن أبي رفاعة :ينبغي لهل الرأي أن يتهموا رأيهم عند ظن يعقوب صلى ال عليه وسلم
وهيو نيبي؛ حيين قال له بنوه" :إنيا ذهبنيا نسيتبق وتركنيا يوسيف عنيد متاعنيا فأكله الذئب" قال" :بيل
سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل" فأصاب هنا ،ثم قالوا له" :إن ابنك سرق وما شهدنا إل بما
علمنا وما كنا للغيب حافظين" [يوسف ]81 :قال" :بل سولت لكم أنفسكم أمرا" فلم يصب.
**3اليية{ 19 :وجاءت سييارة فأرسيلوا واردهيم فأدلى دلوه قال ييا بشرى هذا غلم وأسيروه
بضاعة وال عليم بما يعملون}
@قوله تعالى" :وجاءت سييارة" أي رفقية مارة يسييرون مين الشام إلى مصير فأخطؤوا الطرييق
وهاموا حتييى نزلوا قريبييا ميين الجييب ،وكان الجييب فييي قفرة بعيدة ميين العمران ،إنمييا هييو للرعاة
والمجتاز ،وكان ماؤه ملحيا فعذب حيين ألقيي فييه يوسيف" .فأرسيلوا واردهيم" فذكير على المعنيى؛
ولو قال :فأرسيلت واردهيا لكان على اللفيظ ،مثيل "وجاءت" .والوارد الذي يرد الماء يسيتقي للقوم؛
وكان اسمه -فيميا ذكير المفسرون -مالك بن دعير ،من العرب العاربة" .فأدلى دلوه" أي أرسله؛
يقال :أدلى دلوه إذا أرسيلها ليملهيا ،ودلهيا أي أخرجهيا :عين الصيمعي وغيره .ودل -مين ذات
الواو -يدلو دلوا ،أي جذب وأخرج ،وكذلك أدلى إذا أرسيل ،فلميا ثقيل ردوه إلى الياء ،لنهيا أخيف
ميين الواو؛ قال الكوفيون .وقال الخليييل وسيييبويه :لمييا جاوز ثلثيية أحرف رجييع إلى الياء ،اتباعييا
للمستقبل .وجمع دلو فيي أقل العدد أدل فإذا كثرت قلت :دلي ودلي؛ فقلبت الواو ياء ،إل أن الجمع
بابيه التغييير ،وليفرق بيين الواحيد والجميع؛ ودلء أيضيا" .قال ييا بشرى هذا غلم" فتعلق يوسيف
بالحبيل ،فلميا خرج إذا غلم كالقمير ليلة البدر ،أحسين ميا يكون مين الغلمان .قال صيلى ال علييه
وسلم في حديث السراء من صحيح مسلم( :فإذا أنا بيوسف إذا هو قد أعطي شطر الحسن) .وقال
كعب الحبار :كان يوسف حسن الوجه ،جعد الشعر ،ضخم العينين ،مستوي الخلق ،أبيض اللون،
غلييظ السياعدين والعضديين ،خمييص البطين ،صيغير السيرة ،إذا ابتسيم رأييت النور مين ضواحكيه،
وإذا تكلم رأييت فيي كلميه شعاع الشميس مين ثناياه ،ل يسيتطيع أحيد وصيفه؛ وكان حسينه كضوء
النهار عنيد اللييل ،وكان يشبيه آدم علييه السيلم يوم خلقيه ال ونفيخ فييه مين روحيه قبيل أن يصييب
المعصية ،وقيل :إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة؛ وكانت قد أعطيت سدس الحسن؛ فلما رآه
مالك بين دعير قال" :ييا بشراي هذا غلم" وهذه قراءة أهيل المدينية وأهيل البصيرة؛ إل ابين أبيي
إسيحاق فإنيه قرأ "ييا ُبشْ َريّ هذا غلم" فقلب اللف ياء ،لن هذه الياء يكسير ميا قبلهيا ،فلميا لم يجيز
كسيير اللف كان قلبهييا عوضييا .وقرأ أهييل الكوفيية "يييا بشرى" غييير مضاف؛ وفييي معناه قولن:
أحدهما :اسم الغلم ،والثاني :معناه يا أيتها البشرى هذا حينك وأوانك .قال قتادة والسدي :لما أدلى
المدلي دلوه تعلق بهيا يوسيف فقال :ييا بشرى هذا غلم؛ قال قتادة :بشير أصيحابه بأنيه وجيد عبدا.
وقال السدي :نادى رجل اسمه بشرى .قال النحاس :قول قتادة أولى؛ لنه لم يأت في القرآن تسمية
أحيد إل يسييرا؛ وإنميا يأتيي بالكنايية كميا قال عيز وجيل" :ويوم يعيض الظالم على يدييه" [الفرقان:
]27وهو عقبة بن أبي معيط ،وبعده "يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلنا خليل" [الفرقان ]28 :وهو
أميية بين خلف؛ قال النحاس .والمعنيى فيي نداء البشرى :التبشيير لمين حضير؛ وهيو أوكيد مين قولك
تبشرت ،كميا تقول :يييا عجباه! أي يييا عجيب هذا مين أيامييك ومين آياتيك ،فاحضيير؛ وهذا مذهييب
سيبويه ،وكذا قال السهيلي .وقيل :هو كما تقول :واسروراه! وأن البشرى مصدر من الستبشار:
وهذا أصح؛ لنه لو كان اسما علما لم يكن مضافا إلى ،ضمير المتكلم؛ وعلى هذا يكون "بشراي"
فيي موضيع نصيب ،لنيه نداء مضاف؛ ومعنيى النداء ههنيا التنيبيه ،أي انتبهوا لفرحتيي وسيروري؛
وعلى قول السدي يكون في موضع رفع كما تقول :يا زيد هذا غلم .ويجوز أن يكون محله نصبا
كقولك :يييا رجل ،وقوله" :يييا حسييرة على العباد" [يييس ]30:ولكنييه لم ينون "بشرى" لنيه ل
ينصيرف" .وأسيروه بضاعية" الهاء كنايية عين يوسيف علييه السيلم؛ فأميا الواو فكنايية عين إخوتيه.
وقييل :عين التجار الذيين اشتروه ،وقييل :عين الوارد وأصيحابه" .بضاعية" نصيب على الحال .قال
مجاهد :أسره مالك بن دعر وأصحابه من التجار الذين معهم في الرفقة ،وقالوا لهم :هو بضاعة
استبضعناها بعض أهل الشام أو أهل هذا الماء إلى مصر؛ وإنما قالوا هذا خيفة الشركة .وقال ابن
عباس :أسييره إخوة يوسييف بضاعيية لمييا اسييتخرج ميين الجييب؛ وذلك أنهييم جاؤوا فقالوا :بئس مييا
صينعتم! هذا عبيد لنيا أبيق ،وقالوا ليوسيف بالعبرانيية :إميا أن تقير لنيا بالعبوديية فنبيعيك مين هؤلء،
وإما أن نأخذك فنقتلك؛ فقال :أنا أقير لكيم بالعبوديية ،فأقير لهيم فباعوه منهيم .وقييل :إن يهوذا وصيى
أخاه يوسيف بلسيانهم أن اعترف لخوتيك بالعبوديية فإنيي أخشيى إن لم تفعيل ،قتلوك؛ فلعيل ال أن
يجعل لك مخرجا ،وتنجو من القتل ،فكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته؛ فقال مالك :وال ما
هذه سيمة العبييد! ،قالوا :هيو تربيى فيي حجورنيا ،وتخلق بأخلقنيا ،وتأدب بآدابنيا؛ فقال :ميا تقول ييا
غلم؟ قال :صييدقوا! تربيييت فييي حجورهييم ،وتخلقييت ،:بأخلقهييم؛ فقال مالك :إن بعتموه منييي
اشتريته منكم؛ فباعوه منه.
**3الية{ 20 :وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين}
@قوله تعالى" :وشروه" يقال :شريت بمعنى اشتريت ،وشريت بمعنى بعت لغة؛ قال الشاعر:
من بعد برد كنت هامه وشريت بردا ليتني
أي بعت .وقال آخر:
وفي الصدر حزاز من اللوم حامز فلما شراها فاضت العين عبرة
"بثمين بخيس" أي نقيص؛ وهيو هنيا مصيدر وضيع موضيع السيم؛ أي باعوه بثمين مبخوس ،أي
منقوص .ولم يكين قصيد إخوتيه ميا يسيتفيدونه مين ثمنيه ،وإنميا كان قصيدهم ميا يسيتفيدونه مين خلو
وجيه أبيهيم عنيه .وقييل :إن يهوذا رأى مين بعييد أن يوسيف أخرج مين الجيب فأخيبر إخوتيه فجاؤوا
وباعوه مين الواردة .وقييل :ل بيل عادوا بعيد ثلث إلى البئر يتعرفون الخيبر ،فرأوا أثير السييارة
فاتبعوهيم وقالوا :هذا عبدنيا أبيق منيا فباعوه منهيم .وقال قتادة" :بخيس" ظلم وقال الضحاك ومقاتيل
والسدي وابن عطاء" :بخس" حرام .وقال ابن العربي :ول وجه له ،وإنما الشارة فيه إلى أنه لم
يستوف ثمنه بالقيمة؛ لن إخوته إن كانوا باعوه فلم يكن قصدهم ما يستفيدونه من ثمنه ،وإنما كان
قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهم عنه؛ وإن كان الذين باعوه الواردة فإنهم أخفوه مقتطعا؛
أو قالوا لصحابهم :أرسل معنا بضاعة فرأوا أنهم لم يعطوا عنه ثمنا وأن ما أخذوا فيه ربح كله.
قلت :قوله -وإنميا الشارة فييه إلى أنيه لم يسيتوف ثمنيه بالقيمية -يدل على أنهيم لو أخذوا القيمية
فييه كاملة كان ذلك جائزا ولييس كذلك؛ فدل على صيحة ميا قاله السيدي وغيره؛ لنهيم أوقعوا البييع
على نفيس ل يجوز بيعهيا ،فلذلك كان ل يحيل لهيم ثمنيه .وقال عكرمية والشعيبي :قلييل .وقال ابين
حيان :زيييف .وعين ابيين عباس وابيين مسييعود باعوه بعشرييين درهمييا أخييذ كييل واحييد ميين إخوتييه
درهميين ،وكانوا عشرة؛ وقاله قتادة والسيدي .وقال أبيو العاليية ومقاتيل :اثنيين وعشريين درهميا،
وكانوا أحيد عشير أخيذ كيل واحيد درهميين؛ وقاله مجاهيد .وقال عكرمية :أربعيين درهميا؛ وميا روي
عن الصحابة أولى .و"بخس" من نعت "ثمن".
@قوله تعالى" :دراهم معدودة" على البدل والتفسير له .ويقال :دراهيم على أنه جمع درهام ،وقد
يكون اسيما للجميع عنيد سييبويه ،ويكون أيضيا عنده على أنيه ميد الكسيرة فصيارت ياء ،ولييس هذا
مثييل مييد المقصييور؛ لن مييد المقصييور ل يجوز عنييد البصييريين فييي شعيير ول غيره .وأنشييد
النحويون:
نفي الدراهيم تنقاد الصياريف تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
"معدودة" نعيت؛ وهذا يدل على أن الثمان كانيت تجري عندهيم عدا ل وزنيا بوزن .وقييل :هيو
عبارة عين قلة الثمين؛ لنهيا دراهيم لم تبلغ أن توزن لقلتهيا؛ وذلك أنهيم كانوا ل يزنون ميا كان دون
الوقية ،وهي أربعون درهما.
@ قال القاضي ابن العربي :وأصل النقدين الوزن؛ قال صلى ال عليه وسلم( :ل تبيعوا الذهب
بالذهيب ول الفضية بالفضية إل وزنيا بوزن مين زاد أو ازداد فقيد أربيى) .والزنية ل فائدة فيهيا إل
المقدار؛ فأميا عينهيا فل منفعية فييه ،ولكين جرى فيهيا العيد تخفيفيا عين الخلق لكثرة المعاملة ،فيشيق
الوزن؛ حتيى لو ضرب مثاقييل أو دراهيم لجاز بييع بعضهيا ببعيض عدا إذا لم يكين بهيا نقصيان ول
رجحان؛ فإن نقصيت عاد المير إلى الوزن؛ ولجيل ذلك كان كسيرها أو قرضهيا مين الفسياد فيي
الرض حسب ما تقدم.
واختلف العلماء في الدراهم والدنانير هل تتعين أم ل؟ وقد اختلفت الرواية في ذلك عن مالك:
فذهيب أشهيب إلى أن ذلك ل يتعيين ،وهيو الظاهير مين قول مالك؛ وبيه قال أبيو حنيفية .وذهيب ابين
القاسم إلى أنها تتعين ،وحكي عن الكرخي؛ وبه قال الشافعي .وفائدة الخلف أنا إذا قلنا ل تتعين
فإذا قال :بعتك ،هذه الدنانير بهذه الدراهم تعلقت الدنانير بذمة صاحبها ،والدراهم بذمة صاحبها؛
ولو تعينت ثم تلفت لم يتعلق بذمتهما شيء ،وبطل العقد كبيع العيان من العروض وغيرها.
روي عن الحسن بن علي رضي ال عنهما أنه قضى ،في اللقيط أنه حر ،وقرأ" :وشروه بثمن
بخس دراهم معدودة" وقد مضى القول فيه.
@قوله تعالى" :وكانوا فييه مين الزاهديين" قييل :المراد إخوتيه .وقييل :السييارة .وقييل :الواردة؛
وعلى أي تقديير فلم يكين عندهيم غبيطيا ،ل عنيد الخوة؛ لن المقصيد زواله عين أبييه ل ماله ،ول
عنيد السييارة لقول الخوة إنيه عبيد أبيق منيا -والزهيد قلة الرغبية -ول عنيد الواردة لنهيم خافوا
اشتراك أصحابهم معهم ،ورأوا أن القليل من ثمنه في النفراد أولى.
@ في هذه الية دليل واضح على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير ،ويكون البيع لزما؛
ولهذا قال مالك :لو باع درة ذات خطير عظييم بدرهييم ثيم قال لم أعلم أنهيا درة وحسيبتها مخشلبية
لزمه البيع ولم يلتفت إلى قوله .وقيل" :وكانوا فيه من الزاهدين" أي في حسنه؛ لن ال تعالى وإن
أعطى يوسف شطر الحسن صرف عنه دواعي نفوس القوم إليه إكراما له .وقيل" :وكانوا فيه من
الزاهدين" لم يعلموا منزلتيه عنيد ال تعالى .وحكى سيبويه والكسائي :زهدت وزهدت بكسير الهاء
وفتحها.
**3الية{ 21 :وقال الذي اشتراه من مصر لمرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا
وكذلك مكنيا ليوسيف فيي الرض ولنعلميه مين تأوييل الحادييث وال غالب على أمره ولكين أكثير
الناس ل يعلمون}
@قوله تعالى" :وقال الذي اشتراه من مصر لمرأته" قيل :الشتراء هنا بمعنى الستبدال؛ إذ لم
يكين ذلك عقدا ،مثيل" :أولئك الذيين اشتروا الضللة بالهدى"[ .البقرة ]16 :وقييل :إنهيم ظنوه فيي
ظاهيير الحال اشتراء ،فجرى هذا اللفييظ على ظاهيير الظيين .قال الضحاك :هذا الذي اشتراه ملك
مصيير ،ولقبييه العزيييز .السييهيلي :واسييمه قطفييير .وقال ابيين إسييحاق :إطفييير بيين رويحييب اشتراه
لمرأته راعيل؛ ذكره الماوردي .وقيل :كان اسمها زليخاء .وكان ال ألقى محبة يوسف على قلب
العزييز ،فأوصيى بيه أهله؛ ذكره القشيري .وقيد ذكير القوليين فيي اسيمها الثعلبيي وغيره .وقال ابين
عباس :إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر ،وهو الريان بن الوليد .وقيل :الوليد بن الريان ،وهو
رجل من العمالقة .وقيل :هو فرعون موسى؛ لقول موسى" :ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات"
[غافر ]34 :وأنه عاش أربعمائة سنة .وقيل :فرعون موسى من أولد فرعون يوسف ،على ما
يأتي في "غافر] بيانه .وكان هذا العزيز الذي اشترى يوسف على خزائن الملك؛ واشترى يوسف
من مالك بن دعر بعشرين دينارا ،وزاده حلة ونعلين .وقيل :اشتراه من أهل الرفقة .وقيل :تزايدوا
في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا وللئ وجواهر ل يعلم قيمتها إل
ال؛ فابتاعييه قطفييير ميين مالك بهذا الثميين؛ قاله وهييب بيين منبييه .وقال وهييب أيضييا وغيره :ولمييا
اشترى مالك بن دعر يوسف من إخوته كتب بينهم وبينه كتابيا :هذا ما اشترى مالك بن دعر من
بني يعقوب ،وهم فلن وفلن مملوكا لهم بعشرين درهما ،وقد شرطوا له أنه آبق ،وأنه ل ينقلب
بيه إل مقيدا مسيلسل ،وأعطاهيم على ذلك عهيد ال .قال :فودعهيم يوسيف عنيد ذلك ،وجعيل يقول:
حفظكييم ال وإن ضيعتمونييي ،نصييركم ال وإن خذلتمونييي ،رحمكييم ال وإن لم ترحمونييي؛ قالوا:
فألقييت الغنام مييا فييي بطونهييا دمييا عبيطييا لشدة هذا التوديييع ،وحملوه على قتييب بغييير غطاء ول
وطاء ،مقيدا مكبل مسيلسل ،فمير على مقيبرة آل كنعان فرأى قيبر أميه -وقيد كان وكيل بيه أسيود
يحرسيه فغفيل السيود -فألقيى يوسيف نفسيه على قيبر أميه فجعيل يتمرغ ويعتنيق القيبر ويضطرب
ويقول :ييا أماه! ارفعيي رأسيك ترى ولدك مكبل مقيدا مسيلسل مغلول؛ فرقوا بينيي وبيين والدي،
فاسيألي ال أن يجميع بيننيا فيي مسيتقر رحمتيه إنيه أرحيم الراحميين ،فتفقده السيود على البعيير فلم
يره ،فقفيا أثره ،فإذا هيو بياض على قيبر ،فتأمله فإذا هيو إياه ،فركضيه برجله فيي التراب ومرغيه
وضربه ضربا وجيعا؛ فقال له :ل تفعل! وال ما هربت ول أبقت وإنما مررت بقبر أمي فأحببت
أن أودعهيا ،ولن أرجيع إلى ميا تكرهون؛ فقال السيود :وال إنيك لعبيد سيوء ،تدعيو أباك مرة وأميك
أخرى! فهل كان هذا عنيد موالييك؛ فرفيع يدييه إلى السيماء وقال :اللهيم إن كانيت لي عندك خطيئة
أخلقيت بهيا وجهيي فأسيألك بحيق آبائي إبراهييم وإسيحاق ويعقوب أن تغفير لي وترحمنيي؛ فضجيت
الملئكية فيي السيماء ،ونزل جبرييل فقال له :ييا يوسيف غيض صيوتك فلقيد أبكييت ملئكية السيماء
أفتريييد أن أقلب الرض فأجعييل عاليهييا سييافلها؟ قال :تثبييت يييا جبريييل ،فإن ال حليييم ل يعجييل؛
فضرب الرض بجناحييه فأظلمييت ،وارتفييع الغبار ،وكسييفت الشمييس ،وبقيييت القافلة ل يعرف
بعضها بعضا؛ فقال رئيس القافلة :من أحدث منكم حدثا؟ -فإني أسافر منذ كيت وكيت ما أصابني
قيط مثيل هذا -فقال السيود :أنيا لطميت ذلك الغلم العيبراني فرفيع يده إلى السيماء وتكلم بكلم ل
أعرفه ،ول أشك أنه دعا علينا؛ فقال له :ما أردت إل هلكنا ايتنا به ،فأتاه به ،فقال له :يا غلم لقد
لطمك فجاءنا ما رأيت؛ فإن كنت تقتص فاقتص ممن شئت ،وإن كنت تعفو فهو الظن بك؛ قال :قد
عفوت رجاء أن يعفيييو ال عنيييي؛ فانجلت الغيييبرة ،وظهرت الشميييس ،وأضاء مشارق الرض
ومغاربها ،وجعل التاجر يزوره بالغداة والعشي ويكرمه ،حتى وصل إلى مصر فاغتسل في نيلها
وأذهيب ال عنيه كآبية السيفر ،ورد علييه جماله ،ودخيل بيه البلد نهارا فسيطع نوره على الجدران،
وأوقفوه للبيييع فاشتراه قطفييير وزييير الملك؛ قاله ابيين عباس على مييا تقدم .وقيييل :إن هذا الملك لم
يميت حتيى آمين واتبيع يوسيف على دينيه ،ثيم مات الملك ويوسيف يومئذ على خزائن الرض؛ فملك
بعده قابوس وكان كافرا ،فدعاه يوسف إلى السلم فأبى.
@قوله تعالى" :أكرمي مثواه" أي منزله ومقامه بطيب المطعم واللباس الحسن؛ وهو مأخوذ من
ثوى بالمكان أي أقام بيه؛ وقيد تقدم فيي "آل عمران" وغيره" .عسيى أن ينفعنيا" أي يكفينيا بعيض
المهمات إذا بلغ" .أو نتخذه ولدا" قال ابين عباس :كان حصيورا ل يولد له ،وكذا قال ابين إسيحاق:
كان قطفير ل يأتي النساء ول يولد له .فإن قيل :كيف قال "أو نتخذه ولدا" وهو ملكه ،والولدية مع
العبدية تتناقض؟ قيل له :يعتقه ثم يتخذه ولدا بالتبني؛ وكان التبني في المم معلوما عندهم ،وكذلك
كان فييي أول السييلم ،على مييا يأتييي بيانييه فييي "الحزاب" إن شاء ال تعالى .وقال عبدال بيين
مسعود :أحسن الناس فراسة ثلثة؛ العزيز حين تفرس في يوسف فقال" :عسى أن ينفعنا أو نتخذه
ولدا" وبنيت شعييب حيين قالت لبيهيا فيي موسيى "اسيتأجره إن خيير مين اسيتأجرت القوي الميين"
[القصص ،]26 :وأبو بكر حين استخلف عمر .قال ابن العربي :عجبا للمفسرين في اتفاقهم على
جلب هذا الخبر والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة [الحجر] وليس كذلك فيما
نقلوه؛ لن الصييديق إنمييا ولى عميير بالتجربيية فييي العمال ،والمواظبيية على الصييحبة وطولهييا،
والطلع على ميا شاهيد منيه مين العلم والمنية ،ولييس ذلك مين طرييق الفراسية؛ وأميا بنيت شعييب
فكانيت معهيا العلمية البينية على ميا يأتيي بيانيه فيي "القصيص" .وأميا أمير العزييز فيمكين أن يجعيل
فراسة؛ لنه لم يكن معه علمة ظاهرة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وكذلك مكنا ليوسف في الرض" الكاف في موضع نصب؛ أي وكما أنقذناه من
إخوتيه ومين الجيب فكذلك مكنيا له؛ أي عطفنيا علييه قلب الملك الذي اشتراه حتيى تمكين مين المير
والنهيي فيي البلد الذي الملك مسيتول علييه" .ولنعلميه مين تأوييل الحادييث" أي فعلنيا ذلك تصيديقا
لقول يعقوب" :ويعلميك مين تأوييل الحادييث" .وقييل :المعنيى مكناه لنوحيي إلييه بكلم منيا ،ونعلميه
تأويله .وتفسييره ،وتأوييل الرؤييا ،وتيم الكلم" .وال غالب على أمره" الهاء راجعية إلى ال تعالى؛
أي ل يغلب ال شييء ،بيل هيو الغالب على أمير نفسيه فيميا يريده أن يقول له :كين فيكون .وقييل:
ترجييع إلى يوسييف؛ أي ال غالب على أميير يوسييف يدبره ويحوطييه ول يكله إلى غيره ،حتييى ل
يصييل إليييه كيييد كائد" .ولكيين أكثيير الناس ل يعلمون" أي ل يطلعون على غيبييه .وقيييل :المراد
بالكثر الجميع؛ لن أحدا ل يعلم الغيب .وقيل :هو مجرى على ظاهره؛ إذ قد يطلع من يريد على
بعيييض ،غيبيييه .وقييييل :المعنيييى "ولكييين أكثييير الناس ل يعلمون" أن ال غالب على أمره ،وهيييم
المشركون وميين ل يؤميين بالقدر .وقالت الحكماء فييي هذه الييية" :وال غالب على أمره" حيييث،
أمره يعقوب أل يقيص رؤياه على إخوتيه فغلب أمير ال حتيى قيص ،ثيم أراد إخوتيه قتله فغلب أمير
ال حتى صار ملكا وسجدوا بين يديه ،ثم أراد الخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر ال حتى
ضاق عليهيم قلب أبيهيم ،وافتكره بعيد سيبعين سينة أو ثمانيين سينة ،فقال" :ييا أسيفا على يوسيف" ثيم
تدبروا أن يكونوا من بعده قوما صالحين ،أي تائبين فغلب أمر ال حتى نسوا الذنب وأصروا عليه
حتيى أقروا بيين يدي يوسيف فيي آخير المير بعيد سيبعين سينة ،وقالوا لبيهيم" :إنيا كنيا خاطئيين"
[يوسف ]97 :ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص فغلب أمر ال فلم ينخدع ،وقال" :بل
سولت لكم أنفسكم أمرا" [يوسف ]18 :ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب ،أبيهم فغلب أمر
ال فازدادت المحبة والشوق في قلبه ،ثم دبرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلم غلبته ،فغلب
أمير ال حتيى قال العزييز" :اسيتغفري لذنبيك إنيك كنيت مين الخاطئيين" [يوسيف ،]29 :ثيم دبر
يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر ال فنسي الساقي ،ولبث يوسف في السجن
بضع سنين.
**3الية{ 22 :ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}
@قوله تعالى" :ولما بلغ أشده" "أشده" عند سيبويه جمع ،واحده شدة .وقال الكسائي :واحده شد؛
كما قال الشاعر:
خضب اللبان ورأسه بالعظلم عهدي به شد النهار كأنما
وزعم أبو عبيد أنه ل واحد له من لفظه عند العرب؛ ومعناه استكمال القوة ثم يكون النقصان بعد.
وقال مجاهيد وقتادة :الشيد ثلث وثلثون سينة .وقال ربيعية وزييد بين أسيلم ومالك بين أنيس :الشيد
بلوغ الحلم؛ وقد مضى ما للعلماء في هذا في "النساء" و"النعام" مستوفى" .آتيناه حكما وعلما"
قييل :جعلناه المسيتولي على الحكيم ،فكان يحكيم فيي سيلطان الملك؛ أي وآتيناه علميا بالحكيم .وقال
مجاهيد :العقيل والفهيم والنبوة .وقيل :الحكيم النبوة ،والعلم علم الديين؛ وقيل :علم الرؤيا؛ ومن قال:
أوتي النبوة صبيا قال :لما بلغ أشده زدناه فهما وعلما" .وكذلك نجزي المحسنين" يعني المؤمنين.
وقيييل :الصييابرين على النوائب كمييا صييبر يوسييف؛ قاله الضحاك .وقال الطييبري :هذا وإن كان
مخرجه ظاهرا على كل محسن فالمراد به محمد صلى ال عليه وسلم؛ يقول ال تعالى :كما فعلت
هذا بيوسيف بعيد أن قاسيى ميا قاسيى ثيم أعطيتيه ميا أعطيتيه ،كذلك أنجييك مين مشركيي قوميك الذيين
يقصدونك بالعداوة ،وأمكن لك في الرض.
**3اليتان{ 24 - 23 :وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت البواب وقالت هيت لك
قال معاذ ال إنيه ربيي أحسين مثواي إنيه ل يفلح الظالمون ،ولقيد هميت بيه وهيم بهيا لول أن رأى
برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}
@قوله تعالى" :وراودته التي هو في بيتها عن نفسه" وهي امرأة العزيز ،طلبت منه أن يواقعها.
وأصيل المراودة الرادة والطلب برفيق وليين .والرود والرياد طلب الكل؛ وقييل :هيي مين روييد؛
يقال :فلن يمشيي رويدا ،أي برفيق؛ فالمراودة الرفيق فيي الطلب؛ يقال فيي الرجيل :راودهيا عين
نفسيها ،وفيي المرأة راودتيه عين نفسيه .والرود التأنيي؛ يقال :أرودنيي أمهلنيي" .وغلقيت البواب"
غلق للكثير ،ول يقال :غلق الباب؛ وأغلق يقع للكثير والقليل؛ كما قال الفرزدق في أبي عمرو بن
العلء:
حتى أتيت أبا عمرو بن عمار ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها
يقال :إنهيا كانيت سيبعة أبواب غلقتهيا ثيم دعتيه إلى نفسيها" .وقالت هييت لك" أي هلم وأقبيل وتعال؛
ول مصدر له ول تصريف .قال النحاس :فيهيا سبع قراءات؛ فمن أجل ما فيها وأصحه إسنادا ما
رواه العميش عين أبيي وائل قال :سيمعت عبدال بين مسيعود يقرأ "هَيتَي لك" قال فقلت :إن قوميا
يقرؤونهيا "هِيتَي لك" فقال :إنميا أقرأ كميا علميت .قال أبيو جعفير :وبعضهيم يقول عين عبدال بين
مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ول يبعد ذلك؛ لن قوله :إنما أقرأ كما علمت يدل على أنه
مرفوع ،وهذه القراءة بفتييح التاء والهاء هييي الصييحيحة ميين قراءة ابيين عباس وسييعيد بيين جييبير
والحسين ومجاهيد وعكرمية؛ وبهيا قرأ أبيو عمرو بين العلء وعاصيم والعميش وحمزة والكسيائي.
قال عبدال ابن مسعود :ل تقطعوا في القرآن؛ فإنما هو مثل ،قول أحدكم :هلم تعال .وقرأ ابن أبي
ت لك" بفتح الهاء وكسر التاء .وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي وابن كثيير إسحاق النحوي "قالت هَي ِ
ت لك" بفتح الهاء وضم التاء؛ قال طرفة: "هَي ُ
قال داع من العشيرة هيت ليس قومي بالبعدين إذا ما
ت لك" بكسر الهاء فهذه ثلث قراءات الهاء فيهن مفتوحة .وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع "وقالت هِي َ
وفتيييح التاء .وقرأ يحييييى بييين وثاب "وقالت ِهيْت يُي لك" بكسييير الهاء وبعدهيييا ياء سييياكنة والتاء
مضمومة .وروي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه وابن عباس ومجاهد وعكرمة" :وقالت
ت لك" بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة والتاء مضمومة .وعن ابن عامر وأهل الشام" :وقالت هَئ ُ
هِئتيَ" بكسير الهاء وبالهمزة وبفتيح التاء؛ قال أبيو جعفير" :هئتَي لك" بفتيح التاء للتقاء السياكنين،
لنه صوت نحومه وصه يجب أل يعرب ،والفتح خفيف؛ لن قبل التاء ياء مثل ،أين وكيف؛ ومن
كسير التاء فإنميا كسيرها لن الصيل الكسير؛ لن السياكن إذا حرك حرك إلى الكسير ،ومين ضيم
فلن فيه معنى الغاية؛ أي قالت :دعائي لك ،فلما حذفت الضافة بني على الضم؛ مثل حيث وبعد.
وقراءة أهيل المدينية فيهيا قولن :أحدهميا :أن يكون الفتيح للتقاء السياكنين كميا مير .والخير :أن
يكون فعل مين هاء يهييئ مثيل جاء يجييء؛ فيكون المعنيى فيي "هئت" أي حسينت هيئتيك ،ويكون
"لك" مين كلم آخير ،كميا تقول :لك أعنيي .ومين هميز .وضيم التاء فهيو فعيل بمعنيى تهيأت لك؛
وكذلك من قرأ "هيت لك" .وأنكر أبو عمرو هذه القراءة؛ قال أبو عبيدة -معمر بن المثنى :سئل
أبيو عمرو عين قراءة مين قرأ بكسير الهاء وضيم التاء مهموزا فقال أبيو عمرو :باطيل؛ جعلهيا مين
تهيأت! اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن هل تعرف أحدا يقول هذا؟! وقال الكسائي
أيضييا :لم تحييك "هئت" عيين العرب .قال عكرميية" :هئت لك" أي تهيأت لك وتزينييت وتحسيينت،
وهي قراءة غير مرضية؛ لنها لم تسمع في العربية .قال النحاس :وهي جيدة عند البصريين؛ لنه
يقال :هاء الرجيل يهاء ويهييئ هيأة فهاء يهييئ مثيل جاء يجييء وهئت مثيل جئت .وكسير الهاء فيي
"هيت" لغة لقوم يؤثرون كسر الهاء على فتحها .قال الزجاج :أجود القراءات "هيت" بفتح الهاء
والتاء؛ قال طرفة:
قال داع من العشيرة هيت ليس قومي بالبعدين إذا ما
بفتح الهاء والتاء .وقال الشاعر في علي بن أبي طالب رضي ال عنه:
يين أخا العراق إذا أتيتا أبلغ أمير المؤمني
سلم إليك فهيت هيتا إن العراق وأهله
قال ابن عباس والحسن" :هيت" كلمة بالسريانية تدعوه إلى نفسها .وقال السدي :معناها بالقبطية
هلم لك .قال أبيو عبييد :كان الكسيائي يقول :هيي لغية لهيل حوران وقعيت إلى أهيل الحجاز معناه
تعال؛ قال أبيو عبييد :فسيألت شيخيا عالميا مين حوران فذكير أنهيا لغتهيم؛ وبيه قال عكرمية .وقال
مجاهيد وغيره :هيي لغية عربيية تدعوه بهيا إلى نفسيها ،وهيي كلمية حيث وإقبال على الشياء؛ قال
الجوهري :يقال هوت به وهيت به إذا صاح به ودعاه؛ قال:
لو كان معنيا بها لهيتا قد رابني أن الكري أسكتا
أي صاح؛ وقال آخر :يحدو بها كل فتى هيات
@قوله تعالى" :قال معاذ ال" أي أعوذ بال وأسيتجير بيه مميا دعوتنيي إلييه؛ وهيو مصيدر ،أي
أعوذ بال معاذا؛ فيحذف المفعول وينتصييب بالمصييدر بالفعييل المحذوف ،ويضاف المصييدر إلى
اسييم ال كمييا يضاف المصييدر إلى المفعول ،كمييا تقول :مررت بزيييد مرور عمرو أي كمروري
بعمرو" .إنيه ربيي" يعنيي زوجهيا ،أي هيو سييدي أكرمنيي فل أخونيه؛ قاله مجاهيد وابين إسيحاق
والسدي .وقال الزجاج :أي إن ال ربي تولني بلطفه ،فل أرتكب ما حرمه .وفي الخبر أنها قالت
له :يا يوسف! ما أحسن صورة وجهك! قال :في الرحم صورني ربي؛ قالت :يا يوسف ما أحسن
شعرك! قال :هيو أول شييء يبلى منيي فيي قيبري؛ قالت :ييا يوسيف! ميا أحسين عينييك؟ قال :بهميا
أنظير إلى ربيي .قالت :ييا يوسيف! ارفيع بصيرك فانظير فيي وجهيي ،قال :إنيي أخاف العميى فيي
آخرتيي .قالت ييا يوسيف ! أدنيو منيك وتتباعيد منيي؟! قال :أرييد بذلك القرب مين ربيي .قالت :ييا
يوسيف! القيطون فرشتيه لك فادخيل معيي ،قال :القيطون ل يسيترني مين ربيي .قالت :ييا يوسيف!
فراش الحريير قيد فرشتيه لك ،قيم فاقيض حاجتيي ،قال :إذا يذهيب مين الجنية نصييبي؛ إلى غيير ذلك
مين كلمهيا وهيو يراجعهيا؛ إلى أن هيم بهيا .وقيد ذكير بعضهيم ميا زال النسياء يملن إلى يوسيف مييل
شهوة حتى نبأه ال ،فألقى عليه هيبة النبوة؛ فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه .واختلف العلماء
في همه .ول خلف أن همها كان المعصية ،وأما يوسف فهم بها "لول أن رأى برهان ربه" ولكن
لمييا رأى البرهان مييا هييم؛ وهذا لوجوب العصييمة للنييبياء؛ قال ال تعالى" :كذلك لنصييرف عنييه
السيوء والفحشاء إنه مين عبادنيا المخلصيين" فإذا فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛ أي لول أن رأى برهان
ربيه هيم بهيا .قال أبيو حاتيم :كنيت أقرأ غرييب القرآن على أبيي عيبيدة فلميا أتييت على قوله" :ولقيد
همت به وهم بها" الية ،قال أبو عبيدة :هذا على التقديم والتأخير؛ كأنه أراد ولقد همت به ولول
أن رأى برهان ربيه لهيم بهيا .وقال أحميد بين يحييى :أي هميت زليخاء بالمعصيية وكانيت مصيرة،
وهيم يوسيف ولم يواقيع ميا هيم بيه؛ فيبين الهمتيين فرق ،ذكير هذيين القوليين الهروي فيي كتابيه .قال
جميل:
شفيت غليلت الهوى من فؤاديا هممت بهم من بثينة لو بدا
آخر:
تركت على عثمان تبكي حلئله هممت ولم أفعل وكدت وليتني
فهذا كله حدييث نفيس مين غيير عزم .وقييل :هيم بهيا تمنيى زوجيتهيا .وقييل :هيم بهيا أي بضربهيا
ودفعهيا عين نفسيه ،والبرهان كفيه عين الضرب؛ إذ لو ضربهيا لوهيم أنيه قصيدها بالحرام فامتنعيت
فضربها .وقيل :إن هم يوسف كان معصية ،وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته ،وإلى هذا
القول ذهيب معظيم المفسيرين وعامتهيم ،فيميا ذكير القشيري أبيو نصير ،وابين النباري والنحاس
والماوردي وغيرهيم .قال ابين عباس :حيل الهميان وجلس منهيا مجلس الخاتين ،وعنيه :اسيتلقت،
على قفاهيا وقعيد بيين رجليهيا ينزع ثيابيه .وقال سيعيد بين جيبير :أطلق تكية سيراويله .وقال مجاهيد:
حل السراويل حتى بلغ الليتين ،وجلس منها مجلس الرجل من امرأته .قال ابن عباس :ولما قال:
"ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" [يوسف ]52 :قال له جبريل :ول حين هممت بها يا يوسف؟!
فقال عند ذلك" :وما أبرئ نفسي" [يوسف .]53 :قالوا :والنكفاف في مثل هذه الحالة دال على
الخلص ،وأعظم للثواب.
قلت :وهذا كان سبب ثناء ال تعالى على ذي الكفل حسب ،ما يأتي بيانه في "ص] إن شاء ال
تعالى .وجواب "لول" على هذا محذوف؛ أي لول أن رأى برهان ربيه لمضيى ميا هيم بيه؛ ومثله
"كل لو تعلمون علم اليقيين" [التكاثير ]5 :وجوابيه لم تتنافسيوا؛ قال ابين عطيية :روي هذا القول
عيين ابيين عباس وجماعيية ميين السييلف ،وقالوا :الحكميية فييي ذلك أن يكون مثل للمذنييبين ليروا أن
توبتهم ترجع إلى ،عفو ال تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب ،وهذا
كله على أن هيم يوسيف بلغ فيميا روت هذه الفرقية إلى أن جلس بيين رجلي زليخاء وأخيذ فيي حيل
ثيابيه وتكتيه ونحو ذلك ،وهيي قيد اسيتلقت له؛ حكاه الطيبري .وقال أبو عبييد القاسيم بين سيلم :وابين
عباس ومين دونيه ل يختلفون فيي أنيه هيم بهيا ،وهيم أعلم بال وبتأوييل كتابيه ،وأشيد تعظيميا للنيبياء
مين أن يتكلموا فيهيم بغيير علم .وقال الحسين :إن ال عيز وجيل لم يذكير معاصيي النيبياء ليعيرهيم
بهيا؛ ولكنيه ذكرهيا لكيل تيأسيوا من التوبية .قال الغزنوي :مع أن زلة النبياء حكميا :زيادة الوجيل،
وشدة الحياء بالخجيل ،والتخلي عين عجيب ،العميل ،والتلذذ بنعمية العفيو بعيد الميل ،وكونهيم أئمية
رجاء أهيل الزلل .قال القشيري أبيو نصير :وقال قوم جرى مين يوسيف هيم ،وكان ذلك الهيم حركية
طبع من غير تصميم للعقد على الفعل؛ وما كان من هذا القبيل ل يؤخذ به العبد ،وقد يخطر بقلب
المرء وهييو صييائم شرب الماء البارد؛ وتناول الطعام اللذيييذ؛ فإذا لم يأكييل ولم يشرب ،ولم يصييمم
عزمه على الكل والشرب ل يؤاخذ بما هجس في النفس؛ والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم
يصر عزما مصمما.
قلت :هذا قول حسن؛ وممن قال به الحسن .قال ابن عطية :الذي أقول به في هذه الية إن كون
يوسيف نبييا فيي وقيت هذه النازلة لم يصيح ،ول تظاهرت بيه روايية؛ وإذا كان كذلك فهيو مؤمين قيد
أوتي حكما وعلما ،ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر
الردييء على ميا فيي ذلك مين الخطيئة؛ وإن فرضناه نبييا فيي ذلك الوقيت فل يجوز علييه عندي إل
الهم الذي هو خاطر ،ول يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه؛ لن العصمة مع النبوة.
وميا روي مين أنيه قييل له :تكون فيي ديوان النيبياء وتفعيل فعيل السيفهاء .فإنميا معناه العدة بالنبوة
فيما بعد.
قلت :ميا ذكره مين هذا التفصييل صيحيح؛ لكين قوله تعالى" :وأوحينيا إلييه" [يوسيف ]15 :يدل
على أنه كان نبيا على ما ذكرناه ،وهو قول جماعة من العلماء؛ وإذا كان نبيا فلم يبق إل أن يكون
الهيم الذي هيم بيه ميا يخطير فيي النفيس ول يثبيت فيي الصيدر؛ وهيو الذي رفيع ال فييه المؤاخذة عين
الخلق ،إذ ل قدرة للمكلف على دفعيه؛ ويكون قوله" :وميا أبرئ نفسيي" [يوسيف - ]53 :إن كان
مين قول يوسيف -أي مين هذا الهيم ،أو يكون ذلك منيه على طرييق التواضيع والعتراف ،لمخالفية
النفيس لميا زكيي بيه قبيل وبرئ؛ وقيد أخيبر ال تعالى عين حال يوسيف مين حيين بلوغيه فقال" :ولميا
بلغ أشده آتيناه حكما وعلما" [يوسيف ]22 :على ما تقدم بيانيه؛ وخيبر ال تعالى صيدق ،ووصفه
صيحيح ،وكلميه حيق؛ فقيد عميل يوسيف بميا علميه ال مين تحرييم الزنيى ومقدماتيه؛ وخيانية السييد
والجار والجنبي في أهله؛ فما تعرض لمرأة العزيز ،ول أجاب إلى المراودة ،بل أدبر عنها وفر
منها؛ حكمة خص بها ،وعمل بمقتضى ما علمه ال .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي ال
عنيه قال قال رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم( :قالت الملئكية رب ذاك عبدك يرييد أن يعميل سييئة
وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها
من جراي) .وقال عليه السلم مخبرا عن ربه( :إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة) .فإن
كان ميا يهيم بيه العبيد مين السييئة يكتيب له بتركهيا حسينة فل ذنيب؛ وفيي الصيحيح( :إن ال تجاوز
لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به) وقد تقدم .قال ابن العربي :كان بمدينة السلم
إمام من أئمة الصوفية - ،وأي إمام -يعرف بابن عطاء! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر
تبرئته مما نسب إليه من مكروه؛ فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة
فقال :ييا شييخ! ييا سييدنا! فإذا يوسيف هيم وميا تيم؟ قال :نعيم! لن العنايية مين ثيم .فانظير إلى حلوة
العالم والمتعلم ،وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله ،وجواب العالم في اختصاره واستيفائه؛ ولذلك
قال علماء الصوفية :إن فائدة قوله" :ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما" [يوسف ]22 :إنما أعطاه
ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سببا للعصمة.
قلت :وإذا تقررت عصيمته وبراءتيه بثناء ال تعالى علييه فل يصيح ميا قال مصيعب بين عثمان:
إن سييليمان بيين يسييار كان ميين أحسيين الناس وجهييا ،فاشتاقتييه امرأة فسييامته نفسييها فامتنييع عليهييا
وذكرهيا ،فقالت :إن لم تفعيل لشهرنيك؛ فخرج وتركهيا ،فرأى فيي مناميه يوسيف الصيديق علييه
السيلم جالسيا فقال :أنيت يوسيف؟ فقال :أنيا يوسيف الذي همميت ،وأنيت سيليمان الذي لم تهيم؟! فإن
هذا يقتضي أن تكون درجة الولية أرفع من درجة النبوة وهو محال؛ ولو قدرنا يوسف غير نبي
فدرجتييه الولييية ،فيكون محفوظييا كهييو؛ ولو غلقييت على سييليمان البواب ،وروجييع فييي المقال
والخطاب ،والكلم والجواب مع طول الصحبة لخيف عليه الفتنة ،وعظيم المحنة ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :لول أن رأى برهان ربيه" "أن" فيي موضيع رفيع أي لول رؤيية برهان ربيه
والجواب محذوف .لعلم السييامع؛ أي لكان مييا كان .وهذا البرهان غييير مذكور فييي القرآن؛ فروي
عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية
البييت فسيترته بثوب ،فقال :ميا تصينعين؟ قالت :أسيتحي مين إلهيي هذا أن يرانيي فيي هذه الصيورة؛
فقال يوسف :أنا أولى أن أستحي من ال؛ وهذا أحسن ما قيل فيه ،لن فيه إقامة الدليل .وقيل :رأى
مكتوبا في سقف البيت "ول تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيل" [السراء .]32 :وقال ابن
عباس :بدت كف مكتوب عليها "وإن عليكم لحافظين" [النفطار ]10 :وقال قوم :تذكر عهد .ال
وميثاقه .وقيل :نودي يا يوسف! أنت مكتوب في ديوان النبياء وتعمل عمل السفهاء؟! وقيل :رأى
صيورة يعقوب على الجدران عاضيا على أنملتيه يتوعده فسيكن ،وخرجيت شهوتيه مين أنامله؛ قال
قتادة ومجاهد والحسن والضحاك .وأبو صالح وسعيد بن جبير .وروى العمش عن مجاهد قال:
حيل سيراويله فتمثيل له يعقوب ،وقال له :ييا يوسيف! فولى هاربيا .وروى سيفيان عين أبيي حصيين
عين سيعيد بين جيبير قال :مثيل له يعقوب فضرب صيدره فخرجيت شهوتيه مين أنامله ،قال مجاهيد:
فولد لكيل واحيد مين أولد يعقوب اثنيا عشير ذكرا إل يوسيف لم يولد له إل غلمان ،ونقيص بتلك
الشهوة ولده؛ وقيل غير هذا .وبالجملة :فذلك البرهان آية من آيات ال أراها ال يوسف حتى قوي
إيمانه ،وامتنع عن المعصية.
@قوله تعالى" :كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" الكاف من "كذلك" يجوز أن تكون رفعا،
بأن يكون خيبر ابتداء محذوف ،التقديير :.البراهيين كذلك ،ويكون نعتيا لمصيدر محذوف؛ أي أريناه
البراهيين رؤيية كذلك .والسيوء الشهوة ،والفحشاء المباشرة .وقييل :السيوء الثناء القبييح ،والفحشاء
الزنى .وقيل :السوء خيانة صاحبه ،والفحشاء ركوب الفاحشة .وقيل :السوء عقوبة الملك العزيز.
وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو وابين عامير "المخلصيين" بكسير اللم؛ وتأويلهيا الذيين أخلصيوا طاعية
ال .وقرأ الباقون بفتح اللم ،وتأويلها :الذين أخلصهم ال لرسالته؛ وقد كان يوسف صلى ال عليه
وسلم بهاتين الصفتين؛ لنه كان مخلصا في طاعة ال تعالى ،مستخلصا لرسالة ال تعالى.
**3الية{ 25 :واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من
أراد بأهلك سوء إل أن يسجن أو عذاب أليم}
@قوله تعالى" :واسيتبقا الباب" قال العلماء :وهذا مين اختصيار القرآن المعجيز الذي يجتميع فييه
المعانيي؛ وذلك أنيه لميا رأى برهان ربيه هرب منهيا فتعادييا ،هيي لترده إلى نفسيها ،وهيو ليهرب
عنها ،فأدركته قبل أن يخرج .وحذفت اللف من "استبقا" في اللفظ لسكونها وسكون اللم بعدها؛
كميا يقال :جاءنيي عبدال فيي التثنيية؛ ومين العرب مين يقول :جاءنيي عبدا ال بإثبات اللف بغيير
هميز ،يجميع بيين سياكنين؛ لن الثانيي مدغيم ،والول حرف ميد وليين .ومنهيم مين يقول :عبدا ال
بإثبات اللف والهمز ،كما تقول في الوقف.
@قوله تعالى" :وقدت قميصه من دبر" أي من خلفه؛ قبضت في أعلى قميصه فتخرق القميص
عنيد طوقيه ،ونزل التخرييق إلى أسيفل القمييص .والسيتباق طلب السيبق إلى الشييء؛ ومنه السيباق.
والقد القطع ،وأكثر ما يستعمل فيما كان طول؛ قال النابغة:
وتوقد بالصفاح نار الحباحب تقد السلوقي المضاعف نسجه
والقيط بالطاء يسيتعمل فيميا كان عرضيا .وقال المفضيل بين حرب :قرأت فيي مصيحف "فلميا رأى
قميصه عط من دبره" أي شق .قال يعقوب :العط الشق في الجلد الصحيح والثوب الصحيح.
@ في الية دليل على القياس والعتبار ،والعمل بالعرف والعادة؛ لما ذكر من قد القميص مقبل
ومدبرا ،وهذا أمر انفرد به المالكية في كتبهم؛ وذلك أن القميص إذا جبذ من خلف تمزق من تلك
الجهة ،وإذا جبذ من قدام تمزق من تلك الجهة ،وهذا هو الغلب.
@قوله تعالى" :وألفييا سييدها لدى الباب" أي وجدا العزييز عنيد الباب ،وعنيي بالسييد الزوج،
والقبيط يسيمون الزوج سييدا .يقال :ألفاه وصيادفه ووارطيه ووالطيه ولطيه كله بمعنيى واحيد؛ فلميا
رأت زوجها طلبت وجها للحيلة وكادت في "قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا" أي زنى.
@قوله تعالى" :إل أن يسيجن" تقول :يضرب ضربيا وجيعيا .و"ميا جزاء" ابتداء ،وخيبره "أن
يسييجن"" .أو عذاب أليييم" عطييف على موضييع "أن يسييجن" لن المعنييى :إل السييجن .ويجوز أو
عذابا أليما بمعنى :أو يعذب عذابا أليما؛ قال الكسائي.
**3اليات{ 29 - 26 :قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد
من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ،وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ،فلما
رأى قميصه قيد من دبر قال إنه مين كيدكن إن كيدكين عظيم ،يوسيف أعرض عن هذا واستغفري
لذنبك إنك كنت من الخاطئين}
@قوله تعالى" :قال هي راودتني عن نفسي" قال العلماء :لما برأت نفسها؛ ولم تكن صادقة في
حبيه -لن مين شأن المحيب إيثار المحبوب -قال" :هيي راودتنيي عين نفسيي" نطيق يوسيف بالحيق
في مقابلة بهتها وكذبها عليه .قال نوف الشامي وغيره :كأن يوسف عليه السلم لم يبن عن كشف
القضية ،فلما بغت به غضب فقال الحق.
@قوله تعالى" :وشهد شاهد من أهلها" لنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد ليعلم
الصادق من الكاذب ،فشهد شاهد من أهلها .أي حكم حاكم من أهلها؛ لنه حكم منه وليس بشهادة.
وقد اختلف في هذا الشاهد على أقوال أربعة :الول -أنه طفل في المهد تكلم؛ قال السهيلي :وهو
الصيحيح؛ للحدييث الوارد فييه عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،وهيو قوله( :لم يتكلم فيي المهيد إل
ثلثة )...وذكر فيهم شاهد يوسف .وقال القشيري أبو نصر :قيل فيه :كان صبيا في المهد في الدار
وهيو ابين خالتهيا؛ وروى سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال:
(تكلم أربعة وهم صغار )...فذكر منهم شاهد يوسف؛ فهذا قول .الثاني -أن الشاهد قد القميص؛
رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ،وهو مجاز صحيح من جهة اللغة؛ فإن لسان الحال أبلغ من لسان
المقال؛ وقيد تضييف العرب الكلم إلى الجمادات وتخيبر عنهيا بميا هيي علييه مين الصيفات ،وذلك
كثير في أشعارها وكلمها؛ ومن أحله قول بعضهم :قال الحائط للوتد لم تشقني؟ قال له :سل من
يدقنيي .إل أن قول ال تعالى بعيد "مين أهلهيا" يبطيل أن يكون القمييص .الثالث -أنيه خلق مين خلق
ال تعالى لييس بإنسيي ول بجنيي؛ قال مجاهيد أيضيا ،وهذا يرده قوله تعالى" :مين أهلهيا" .الرابيع -
أنيه رجيل حكييم ذو عقيل كان الوزيير يسيتشيره فيي أموره ،وكان مين جملة أهيل المرأة وكان ميع
زوجهيا فقال :قيد سيمعت السيتبدار والجلبية مين وراء الباب ،وشيق القمييص ،فل يدري أيكميا كان
قدام صياحبه؛ فإن كان شيق القمييص مين قداميه فأنيت صيادقة ،وإن كان مين خلفيه فهيو صيادق،
فنظروا إلى القمييييص فإذا هيييو مشقوق مييين خلف؛ هذا قول الحسييين وعكرمييية وقتادة والضحاك
ومجاهيد أيضيا والسيدي .قال السيدي :كان ابين عمهيا؛ وروي عين ابين عباس ،وهيو الصيحيح فيي
الباب ،وال أعلم .وروي عين ابين عباس -رواه عنيه إسيرائيل عين سيماك عين عكرمية -قال :كان
رجل ذا لحيية .وقال سيفيان عين جابر عين ابين أبيي مليكية عين ابين عباس أنيه قال :كان مين خاصية
الملك .وقال عكرمية :لم يكين بصيبي ،ولكين كان رجل حكيميا .وروى سيفيان عين منصيور عين
مجاهييد قال :كان رجل .قال أبييو جعفيير النحاس :والشبييه بالمعنييى -وال أعلم -أن يكون رجل
عاقل حكيميا شاوره الملك فجاء بهذه الدللة؛ ولو كان طفل لكانيت شهادتيه ليوسيف صيلى ال علييه
وسييلم تغنييي عيين أن يأتييي بدليييل ميين العادة؛ لن كلم الطفييل آييية معجزة ،فكادت أوضييح ميين
السيتدلل بالعادة؛ ولييس هذا بمخالف للحدييث (تكلم أربعية وهيم صيغار) منهيم صياحب يوسيف،
يكون المعنى :صغيرا ليس بشيخ؛ وفي هذا دليل آخر وهو :أن ابن عباس رضي ال عنهما روى
الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وقد تواترت الرواية عنه أن صاحب يوسف ليس بصبي.
قلت :قيد روي عين ابين عباس وأبيي هريرة وابين جيبير وهلل بين يسياف والضحاك أنيه كان
صيبيا فيي المهيد؛ إل أنيه لو كان صيبيا تكلم لكان الدلييل نفيس كلميه ،دون أن يحتاج إلى اسيتدلل
بالقمييص ،وكان يكون ذلك خرق عادة ،ونوع معجزة؛ وال أعلم .وسييأتي مين تكلم فيي المهيد مين
الصبيان في سورة [البروج] إن شاء ال.
@ إذا تنزلنيا على أن يكون الشاهيد طفل صيغيرا فل يكون فييه دللة على العميل بالمارات كميا
ذكرنا؛ وإذا كان رجل فيصح أن يكون حجة بالحكم بالعلمة في اللقطة وكثير من المواضع؛ حتى
قال مالك في اللصوص :إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها ،وليست لهم بينة فإن السلطان
يتلوم لهيم فيي ذلك؛ فإن لم يأت غيرهيم دفعهيا إليهيم .وقال محميد فيي متاع البييت إذا اختلفيت فييه
المرأة والرجييل :إن مييا كان للرجال فهييو للرجييل ،ومييا كان للنسيياء فهييو للمرأة ،ومييا كان للرجييل
والمرأة فهو للرجل .وكان شريح وإياس بن معاوية يعملن على العلمات في الحكومات؛ وأصل
ذلك هذه الية ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :إن كان قميصيه قيد مين قبيل" كان فيي موضيع جزم بالشرط ،وفييه مين النحيو ميا
يشكل ،لن حروف الشرط ترد الماضي إلى المستقبل ،وليس هذا فيي كان؛ فقال المبرد محمد بن
يزيد :هذا لقوة كان ،وأنه يعبر بها عن جميع الفعال .وقال الزجاج :المعنى إن يكن؛ أي إن يعلم،
والعلم لم يقيع ،وكذا الكون لنيه يؤدي عين العلم" .قيد مين قبيل" فخيبر عين "كان" بالفعيل الماضيي؛
كما قال زهير:
فل هو أبداها ولم يتقدم وكان طوى كشحا على مستكنة
وقرأ يحيييى بيين يعميير وابيين أبييي إسييحاق "ميين قبييل" بضييم القاف والباء واللم ،وكذا "دبر" قال
الزجاج :يجعلهميا غايتيين كقبيل وبعيد؛ كأنيه قال :مين قبله ومين دبره ،فلميا حذف المضاف إلييه -
وهيو مراد -صييار المضاف غايية نفسيه بعييد أن كان المضاف إلييه غايية له .ويجوز "ميين قبيل"
"ومن دبر" بفتح الراء واللم تشبيها بما ل ينصرف؛ لنه معرفة ومزال عن بابه .وروى محبوب
عن أبي عمرو "من قبل" "ومن دبر" مخففان مجروران.
@قوله تعالى" :فلميا رأى قميصيه قيد مين دبر قال إنيه من كيدكين" قييل :قال لهيا ذلك العزييز عنيد
قولهيا" :ميا جزاء مين أراد بأهلك سيوءا" [يوسيف .]25 :وقييل :قاله لهيا الشاهيد .والكييد :المكير
والحيلة ،وقد تقدم في (النفال)" .إن كيدكن عظيم" وإنما قال "عظيم" لعظم فتنتهن واحتيالهن في
التخلص مين ورطتهين .وقال مقاتيل عين يحييى بين أبيي كثيير عين أبيي هريرة قال قال رسيول ال
صييلى ال عليييه وسييلم( :إن كيييد النسيياء أعظييم ميين كيييد الشيطان لن ال تعالى يقول" :إن كيييد
الشيطان كان ضعيفا" [النساء ]76 :وقال" :إن كيدكن عظيم".
@قوله تعالى" :يوسيف أعرض عين هذا" القائل هذا هيو الشاهيد .و"يوسيف" نداء مفرد ،أي ييا
يوسيف ،فحذف" .أعرض عين هذا" أي ل تذكره لحيد واكتميه" .واسيتغفري لذنبيك" أقبيل عليهيا
فقال :وأنت استغفري زوجك من ذنبك ل يعاقبك" .إنك كنت من الخاطئين" ولم يقل من الخاطئات
لنيه قصيد الخبار عين المذكير والمؤنيث ،فغلب المذكير؛ والمعنيى :مين الناس الخاطئيين ،أو مين
القوم الخاطئين؛ مثل" :إنها كانت من قوم كافرين" [النمل" ]43 :وكانت من القانتين" [التحريم:
.]12وقيل :إن القائل ليوسف أعرض ولها استغفري زوجها الملك؛ وفيه قولن :أحدهما :أنه لم
يكن غيورا؛ فلذلك ،كان ساكنا .وعدم الغيرة في كثير من أهل مصر موجود .الثاني :أن ال تعالى
سلبه الغيرة وكان فيه لطف بيوسف حتى كفي بادرته وعفا عنها.
**3الية{ 31 - 30 :وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا
إنا لنراها في ضلل مبين ،فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة
منهين سيكينا وقالت اخرج عليهين فلميا رأينيه أكيبرنه وقطعين أيديهين وقلن حاش ل ميا هذا بشرا إن
هذا إل ملك كريم}
@قوله تعالى" :وقال نسييوة فييي المدينيية" ويقال" :نُسييوة" بضييم النون ،وهييي قراءة العمييش
والمفضيل والسيلمي ،والجميع الكثيير نسياء .ويجوز :وقالت نسيوة ،وقال نسيوة ،مثيل قالت العراب
وقال العراب؛ وذلك أن القصة انتشرت في أهل مصر فتحدث النساء .قيل :امرأة ساقي العزيز،
وامرأة خبازه ،وامرأة صيياحب دوابييه ،وامرأة صيياحب سييجنه .وقيييل :امرأة الحاجييب؛ عيين ابيين
عباس وغيره" .تراود فتاهييا عين نفسيه" الفتييى فييي كلم العرب الشاب ،والمرأة فتاة" .قيد شغفهيا
حبا" قيل :شغفها غلبها .وقيل :دخل حبه في شغافها؛ عن مجاهد .وغيره .وروى عمرو بن دينار
عين عكرمية عين ابين عباس قال :دخيل تحيت شغافهيا .وقال الحسين :الشغيف باطين القلب .السيدي
وأبو عبييد :شغاف القلب غلفيه ،وهيو جلد عليه .وقييل :هيو وسيط القلب؛ والمعنيى فيي هذه القوال
متقارب ،والمعنى :وصل حبه إلى شغافها فغلب عليه؛ قال النابغة:
دخول الشغاف تبتغيه الصابع وقد حال هم دون ذلك داخل
وقد قيل :إن الشغاف داء؛ وأنشد الصمعي للراجز:
يتبعها وهي له شغاف
وقرأ أبو جعفر بن محمد وابن محيصن والحسن "شعفها" بالعين غير معجمة؛ قال ابن العرابي:
معناه أحرق حبيه قلبهيا؛ قال :وعلى الول العميل .قال الجوهري :وشعفيه الحيب أحرق قلبيه .وقال
أبيو زييد :أمرضيه .وقيد شعيف بكذا فهيو مشعوف .وقرأ الحسين "قيد شعفهيا" قال :بطنهيا حبيا .قال
النحاس :معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب؛ لن شعاف الجبال .أعاليها؛ وقد شغف
بذلك شغفا بإسكان الغين إذا أولع به؛ إل أن أبا عبيدة أنشد بيت امرئ القيس:
كما شعف المهنوءة الرجل الطالي لتقتلني وقد شعفت فؤادها
قال :فشبهت لوعة الحب وجواه بذلك .وروي عن الشعبي أنه قال :الشغف بالغين المعجمة حب،
والشعف بالعين غير المعجمة جنون .قال النحاس :وحكي "قد شغِفها" بكسر الغين ،ول يعرف في
كلم العرب إل "شغفهييا" بفتييح الغييين ،وكذا "شعفهييا" أي تركهييا مشعوفيية .وقال سييعيد بيين أبييي
عروبة عن الحسن :الشغاف حجاب القلب ،والشعاف سويداء القلب ،فلو وصل الحب إلى الشعاف
لماتت؛ وقال الحسن :ويقال إن الشغاف الجلدة اللصقة بالقلب التي ل ترى ،وهي الجلدة البيضاء،
فلصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالقلب.
@قوله تعالى" :إنيا لنراهيا فيي ضلل ميبين" أي فيي هذا الفعيل .وقال قتادة" :فتاهيا" وهيو فتيى
زوجهيا ،لن يوسيف كان عندهيم فيي حكيم الممالييك ،وكان ينفيذ أمرهيا فييه .وقال مقاتيل عين أبيي
عثمان النهدي عين سيلمان الفارسيي قال :إن امرأة العزييز اسيتوهبت زوجهيا يوسيف فوهبيه لهيا،
وقال :ميا تصينعين بيه؟ قالت :أتخذه ولدا؛ قال :هيو لك؛ فربتيه حتيى أيفيع وفيي نفسيها منيه ميا فيي
نفسها ،فكانت تنكشف له وتتزين وتدعوه من وجه اللطف فعصمه ال.
@قوله تعالى" :فلما سمعت بمكرهن" أي بغيبتهن إياها ،واحتيالهن في ذمها .وقيل :إنها أطلعتهن
واستأمنتهن فأفشين سرها ،فسمي ذلك مكرا .وقوله" :أرسلت إليهن" في الكلم حذف؛ أي أرسلت
إليهين تدعوهين إلى وليمية لتوقعهين فيميا وقعيت فييه؛ فقال مجاهيد عين ابين عباس :إن امرأة العزييز
قالت لزوجهيا إنيي أرييد أن أتخيذ طعاميا فأدعيو هؤلء النسيوة؛ فقال لهيا :افعلي؛ فاتخذت طعاميا ،ثيم
نجدت لهن البيوت؛ نجدت أي زينت؛ والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين ،والجمع نجود
عين أبيي عبييد؛ والتنجييد التزييين؛ وأرسيلت إليهين أن يحضرن طعامهيا ،ول تتخلف منكين امرأة
ممن سميت .قال وهب بن منبه :إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن ،وقد قال فيهن أمية
بن أبي الصلت:
ومهدت لهن أنضادا وكبابا حتى إذا جئنها قسرا
ويروى :أنماطيا .قال وهيب بين منبيه :فجئن وأخذن مجالسيهن" .وأعتدت لهين متكيأ" أي هيأت لهين
مجالس يتكئن عليها .قال ابن جبير :في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد .وقرأ مجاهد
وسيعيد بين جيبير "متكيا" مخففيا غيير مهموز ،والمتيك هيو الترج بلغية القبيط ،وكذلك فسيره مجاهيد
روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال :المتكأ مثقل هو الطعام ،والمتك مخففا هو الترج؛ وقال
الشاعر:
وترى المتك بيننا مستعارا نشرب الثم بالصواع جهارا
وقييد تقول أزد شنوءة :الترجيية المتكيية؛ قال الجوهري :ال ُمتْك َي مييا تبقيييه الخاتنيية .وأصييل المتييك
الزماورد .والمتكاء من النساء التي لم تحفض .قال الفراء :حدثني شيخ من ثقات أهل البصيرة أن
المتيك مخففيا الزماورد .وقال بعضهيم :إنيه الترج؛ حكاه الخفيش .ابين زييد :أترجيا وعسيل يؤكيل
به؛ قال الشاعر:
وشربنا الحلل من قلله فظلنا بنعمة واتكأنا
أي أكلنا.
النحاس :قوله تعالى" :واعتدت" من العتاد؛ وهو كل ما جعلته عدة لشيء" .متكأ" أصح ما قيل
فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال :مجلسا ،وأما قول جماعة من أهل ،التفسير إنه
الطعام فيجوز على تقديير :طعام متكيأ ،مثيل" :واسيأل القريية"؛ ودل على هذا الحذف "وآتيت كيل
واحدة منهين سيكينا" لن حضور النسياء معهين سيكاكين إنميا هيو لطعام يقطيع بالسيكاكين؛ كذا قال
فييي كتاب "إعراب القرآن" له .وقال فييي كتاب "معانييي القرآن" له :وروى معميير عيين قتادة قال:
"المتكيأ" الطعام .وقييل" :المتكيأ" كيل ميا أتكيئ علييه عنيد طعام أو شراب أو حدييث؛ وهذا هيو
المعروف عند أهل اللغة ،إل أن الروايات قد صحت بذلك .وحكى القتبي أنه يقال :اتكأنا عند فلن
أي أكلنيا ،والصيل فيي "متكيأ" موتكيأ ،ومثله متزن ومتعيد؛ لنيه مين وزنيت ،ووعدت ووكأت،
ويقال :اتكيأ يتكيئ اتكاء" .كيل واحدة منهين سيكينا" مفعولن؛ وحكيى الكسيائي والفراء أن السيكين
يذكر ويؤنث ،وأنشد الفراء:
بسكين موثقة النصاب فعيث في السنام غداة قر
الجوهري :والغالب عليه التذكير ،وقال:
فذلك سكين على الحلق حاذق يرى ناصحا فيما بدا فإذا خل
الصمعي :ل يعرف في السكين إل التذكير.
@قوله تعالى" :وقالت اخرج عليهن" بضم التاء للتقاء الساكنين؛ لن الكسرة تثقل إذا كان بعدها
ضمية ،وكسيرت التاء على الصيل .قييل :إنهيا قالت لهين :ل تقطعين ول تأكلن حتيى أعلمكين ،ثيم
قالت لخادمهيا :إذا قلت لك ادع إيل فادع يوسيف؛ وإييل :صينم كانوا يعبدونيه ،وكان يوسيف علييه
السيلم يعميل فيي الطيين ،وقيد شيد مئزره ،وحسير عن ذراعييه؛ فقالت للخادم :ادع لي إيل؛ أي ادع
لي الرب؛ وإيل بالعبرانية الرب؛ قال :فتعجب النسوة وقلن :كيف يجيء؟! فصعدت الخادم فدعت
يوسف ،فلما انحدر قالت لهن :اقطعن ما معكن" .فلما رأينه أكبرنه" واختلف في معنى "أكبرنه"
فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس :أعظمنه وهبنه؛ وعنه أيضا أمنين وأمذين من الدهش؛
وقال الشاعر:
صهلن وأكبرن المني المدفقا إذا ما رأين الفحل من فوق قارة
وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه :إنهم قالوا أمذين عشقا؛ وهب بن منبه :عشقنه حتى مات
منهين عشير فيي ذلك المجلس دهشيا وحيرة ووجدا بيوسيف .وقييل :معناه حضين مين الدهيش؛ قاله
قتادة ومقاتل والسدي؛ قال الشاعر:
ول نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا نأتي النساء على أطهارهن
وأنكير ذلك أبيو عيبيدة وغيره وقالوا :لييس ذلك فيي كلم العرب ،ولكنيه يجوز أن يكين حضين مين
شدة إعظامهين له ،وقيد تقزع المرأة فتسيقط ولدهيا أو تحييض .قال الزجاج يقال أكيبرنه ،ول يقال
حضنه ،فليس الكبار بمعنى الحيض؛ وأجاب الزهري فقال :يجوز أكبرت بمعنى حاضت؛ لن
المرأة إذا حاضت في البتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر؛ قال :والهاء في "أكبرنه" يجوز
أن تكون هاء الوقيف ل هاء الكنايية ،وهذا مزييف ،لن هاء الوقيف تسيقط فيي الوصيل ،وأمثيل منيه
قول ابين النباري :إن الهاء كنايية عين مصيدر الفعيل ،أي أكيبرن إكبارا ،بمعنيى حضين حيضيا.
وعلى قول ابن عباس الول تعود الهاء إلى يوسف؛ أي أعظمن يوسف وأجللنه.
@قوله تعالى" :وقطعين أيديهين" بالمدى حتيى بلغيت السيكاكين إلى العظيم؛ قاله وهيب بين منبيه.
سيعيد بين جيبير :لم يخرج عليهين حتيى زينتيه ،فخرج عليهين فجأة فدهشين فييه ،وتحيرن لحسين
وجهه وزينته وما عليه ،فجعلن يقطعن أيديهن ،ويحسبن أنهن يقطعن الترج؛ قال مجاهد :قطعنها
حتيى ألقينهيا .وقييل :خدشنهيا .وروى ابين أبيي نجييح عين مجاهيد قال :حزا بالسيكين ،قال النحاس:
يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد ،إنما هو خدش وحز ،وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا
خدش النسيان ييد صياحبه قطيع يده .وقال عكرمية" :أيديهين" أكمامهين ،وفييه بعيد .وقييل :أناملهين؛
أي ما وجدن ألما في القطع والجرح ،أي لشغل قلوبهن بيوسف ،والتقطيع يشير إلى الكثرة ،فيمكن
أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع ،ويمكن أن يرجع إلى عددهن.
@قوله تعالى" :وقلن حاش ل" أي معاذ ال .وروى الصيمعي عين نافيع أنيه قرأ كميا قرأ أبيو
عمرو بين العلء" .وقلن حاشيا ل" بإثبات اللف وهيو الصيل ،ومين حذفهيا جعيل اللم فيي "ل"
عوضيا منهيا .وفيهيا أربيع لغات؛ يقال :حاشاك وحاشيا لك وحاش لك وحشيا لك .ويقال :حاشيا زييد
وحاشيا زيدا؛ قال النحاس :وسيمعت علي بين سيليمان يقول سيمعت محميد بين يزييد يقول :النصيب
أولى؛ لنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد ،والحرف ل يحذف منه؛ وقد قال ،النابغة:
ول أحاشي من القوام من أحد
وقال بعضهيم :حاش حرف ،وأحاشيي فعيل .ويدل على كون حاشيا فعل وقوع حرف الجير بعدهيا.
وحكى أبو زيد عن أعرابي :اللهم اغفر لي ولمن يسمع ،حاشا الشيطان وأبا الصبغ؛ فنصب بها.
وقرأ الحسن "وقلن حاش ل" بإمكان الشين ،وعنه أيضا "حاش الله" .ابن مسعود وأبي" :حاش
ال" بغير لم ،ومنه قول الشاعر:
ضنا عن الملحاة والشتم حاشا أبي ثوبان إن به
قال الزجاج :وأصل الكلمة من الحاشية ،والحشا بمعنى الناحية ،تقول :كنت في حشا فلن أي في
ناحيته؛ فقولك :حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه ،والستثناء إخراج وتنحية عن جملة
المذكورين .وقال أبو علي :هو فاعل من المحاشاة؛ أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما
قرف به ،أو من أن يكون بشرا؛ فحاشا وحاش في الستثناء حرف جر عند سيبويه ،وعلى ما قال
المبرد وأبو علي فعل.
@قوله تعالى" :ميا هذا بشرا" قال الخلييل وسييبويه" :ميا" بمنزلة لييس؛ تقول :لييس زييد قائميا،
و"ميا هذا بشرا" و"ميا هين أمهاتهيم" [المجادلة .]2 :وقال الكوفيون :لميا حذفيت الباء نصيبت؛
وشرج هذا -فيمييا قال أحمييد بيين يحيييى - ،إنييك إذا قلت :مييا زيييد بمنطلق ،فموضييع الباء موضييع
نصيب ،وهكذا سيائر حروف الخفيض؛ فلميا حذفيت الباء نصيبت لتدل على محلهيا ،قال :وهذا قول
الفراء ،قال :ولم تعميل "ميا" شيئا؛ فألزمهيم البصيريون أن يقولوا :زييد القمير؛ لن المعنيى كالقمير!
فرد أحميد بين يحييى بأن قال :الباء أدخيل فيي حروف الخفيض مين الكاف؛ لن الكاف تكون اسيما.
قال النحاس :ل يصيح إل قول البصيريين؛ وهذا القول يتناقيض؛ لن الفراء أجاز نصيا ميا بمنطلق
زيد ،وأنشد:
وما بالحر أنت ول العتيق أما وال أن لو كنت حرا
ومنع نصا النصب؛ ول نعلم بين النحويين اختلفا أنه جائز :ما فيك براغب زيد ،وما إليك بقاصد
عمرو ،ثيم يحذفون الباء ويرفعون .وحكيى البصيريون والكوفيون ميا زييد منطلق بالرفيع ،وحكيى
البصريون أنها لغة تميم ،وأنشدوا:
وما تيم لذي حسب نديد أتيما تجعلون إلي ندا
النيد والندييد والنديدة المثيل والنظيير .وحكيى الكسيائي أنهيا لغية تهامية ونجيد .وزعيم الفراء أن الرفيع
أقوى الوجهيين :قال أبيو إسيحاق :وهذا غلط؛ كتاب ال عيز وجيل ولغية رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم أقوى وأولى.
قلت :وفيي مصيحف حفصية رضيي ال عنهيا "ميا هذا ببشير" ذكره الغزنوي .قال القشيري أبيو
نصر :وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن ،من صورة البشر ،بل هو في صورة ملك؛ وقال
ال تعالى" :لقد خلقنا النسان في أحسن تقويم" [التين ]4 :والجمع بين اليتين أن قولهن" :حاش
ل" تيبرئة ليوسيف عميا رمتيه بيه امرأة العزييز .مين المراودة ،أي بعيد يوسيف عين هذا؛ وقولهين:
"ل" أي لخوفيه ،أي براءة ل مين هذا؛ أي قيد نجيا يوسيف مين ذلك ،فلييس هذا مين الصيورة فيي
شيييء؛ والمعنييى :أنيه فييي التييبرئة عين المعاصييي كالملئكيية؛ فعلى هذا ل تناقييض .وقيييل :المراد
تنزيهيه عين مشابهية البشير فيي الصيورة ،لفرط جماله .وقوله" :ل" تأكييد لهذا المعنيى؛ فعلى هذا
المعنيى قالت النسيوة ذلك ظنيا منهين أن صيورة الملك أحسين ،وميا بلغهين قوله تعالى" :لقيد خلقنيا
النسان في أحسن تقويم" [التين ]4 :فإنه من كتابنا .وقد ظن بعض ،الضعفة أن هذا القول لو كان
ظنيا باطل منهين لوجيب على ال أن يرد عليهين ،وييبين كذبهين ،وهذا باطيل؛ إذ ل وجوب على ال
تعالى ،وليس كل ما يخبر به ال سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به
الرد عليه ،وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان ،وفي الحسن كأنه ملك؛ أي لم ير
مثله ،لن الناس ل يرون الملئكيية؛ فهييو بناء على ظيين فييي أن صييورة الملك أحسيين ،أو على
الخبار بطهارة أخلقه وبعده عن التهم" ..إن هذا إل ملك" أي ما هذا إل ملك؛ وقال الشاعر:
تنزل من جو السماء يصوب فلست لني ولكن لملك
وروي عين الحسين" :ميا هذا بشرى" بكسير الباء والشيين ،أي ميا هذا عبدا مشترى ،أي ميا ينبغيي
لمثييل هذا أن يباع ،فوضييع المصييدر موضييع اسييم المفعول ،كمييا قال" :أحييل لكييم صيييد البحيير"
[المائدة ]96 :أي مصيده ،وشبهه كثير .ويجوز أن يكون المعنى :ما هذا بثمن ،أي مثله ل يثمن
ول يقوم؛ فيراد بالشراء على هذا الثميين المشترى بييه :كقولك :مييا هذا بألف إذا نفيييت قول القائل:
هذا بألف .فالباء على هذا متعلقيية بمحذوف هييو الخييبر ،كأنييه قال :مييا هذا مقدرا بشراء .وقراءة
العامة أشبه؛ لن بعده "إن هذا إل ملك كريم" مبالغة في تفضيله في جنس الملئكة تعظيما لشأنه،
ولن مثل "بشرى" يكتب في المصحف بالياء.
**3الية{ 32 :قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما
آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين}
@قوله تعالى" :قالت فذلكين الذي لمتننيي فييه" لميا رأت افتتانهين بيوسيف أظهرت عذر نفسيها
بقولهيا" :لمتننيي فييه" أي بحبيه ،و"ذلك" بمعنيى "هذا" وهيو اختيار الطيبري .وقييل :الهاء للحيب،
و"ذلك" عيل بابيه ،والمعنيى :ذلكين الحيب الذي لمتننيي فييه ،أي حيب هذا هيو ذلك الحيب .واللوم
الوصف بالقبيح .ثم أقرت وقالت" :ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" أي امتنع .وسميت العصمة
عصمة لنها تمنع من ارتكاب المعصية .وقيل" :استعصم" أي استعصى ،والمعنى واحد" .ولئن
لم يفعييل مييا آمره ليسييجنن" عاودتييه المراودة بمحضيير منهيين ،وهتكييت جلباب الحياء ،ووعدت
بالسيجن إن لم يفعيل ،وإنميا فعلت هذا حيين لم تخيش لوميا ول مقال خلف أول أمرهيا إذ كان ذلك
بينيه وبينهيا" .وليكون من الصياغرين" أي الذلء .وخيط المصيحف "وليكونيا" باللف وتقرأ بنون
مخففة للتأكيد؛ ونون التأكيد تثقل وتخفف والوقف على قوله" :ليسجنن" بالنون لنها مثقلة ،وعلى
"ليكونيا" باللف لنهيا مخففية ،وهيي تشبيه نون العراب فيي قولك :رأييت رجل وزيدا وعمرا،
ومثله قوله" :لنسفعا بالناصية" ونحوها الوقف عليها باللف ،كقول العشى:
ول تعبد الشيطان وال فاعبدا
أي أراد فاعبدا ،فلما وقف عليه كان الوقف باللف.
**3اليتان{ 34 - 33 :قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإل تصرف عني كيدهن
أصب إليهن وأكن من الجاهلين ،فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم}
@قوله تعالى" :قال رب السييجن أحييب إلي ممييا يدعوننييي إليييه" أي دخول السييجن ،فحذف
المضاف؛ قاله الزجاج والنحاس" .أحيب إلي" أي أسيهل علي وأهون مين الوقوع فيي المعصيية؛ ل
أن دخول السيجن مميا يحيب على التحقييق .وحكيي أن يوسيف علييه السيلم لميا قال" :السيجن أحيب
إلي" أوحيى ال إلييه "ييا يوسيف! أنيت حبسيت نفسيك حييث قلت السيجن أحيب إلي ،ولو قلت العافيية
أحب إلي لعوفيت" .وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي ال عنه قرأ" :السّجن" بفتح السين
وحكيى أن ذلك قراءة ابين أبيي إسيحاق وعبدالرحمين العرج ويعقوب؛ وهيو مصيدر سيجنه سيجنا.
"وإل تصيرف عنيي كيدهين" أي كييد النسيوان .وقييل :كييد النسيوة اللتيي رأينيه؟ فإنهين أمرنيه
بمطاوعية امرأة العزييز ،وقلن له :هيي مظلومية وقيد ظلمتهيا .وقييل :طلبيت كيل واحدة أن تخلو بيه
للنصييحة فيي امرأة العزييز؛ والقصيد بذلك أن تعذله فيي حقهيا ،وتأمره بمسياعدتها ،فلعله يجييب؛
فصيارت كيل واحدة تخلو بيه على حدة فتقول له :ييا يوسيف! اقيض لي حاجتيي فأنيا خيير لك مين
سييدتك؛ تدعوه كيل واحدة لنفسيها وتراوده؛ فقال :ييا رب كانيت واحدة فصيرن جماعية .وقييل :كييد
امرأة العزيييز فيمييا دعتييه إليييه ميين الفاحشيية؛ وكنييى عنهييا بخطاب الجمييع إمييا لتعظيييم شأنهييا فييي
الخطاب ،وإمييا ليعدل عيين التصييريح إلى التعريييض .والكيييد الحتيال والجتهاد؛ ولهذا سييميت
الحرب كيدا لحتيال الناس فيها؛ قال عمر بن لجأ:
وكيد بالتبرج ما تكيد تراءت كي تكيدك أم بشر
@قوله تعالى" :أصب إليهن" جواب الشرط ،أي أمل إليهن ،من صبا يصبو -إذا مال واشتاق -
صبوا وصبوة؛ قال:
وهند مثلها يصبي إلى هند صبا قلبي
أي إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها" .وأكن من الجاهلين" أي ممن يرتكب الثم
ويسييتحق الذم ،أو مميين يعمييل عمييل الجهال؛ ودل هذا على أن أحدا ل يمتنييع عيين معصييية ال إل
بعون ال؛ ودل أيضا على قبح الجهل والذم لصاحبه.
@قوله تعالى" :فاسيتجاب له ربيه" لميا قال" .وإل تصيرف عين كيدهين" تعرض للدعاء ،وكأنيه
قال :اللهيم اصيرف عنيي كيدهين؛ فاسيتجاب له دعاءه ،ولطيف بيه وعصيمه عين الوقوع فيي الزنيى.
"كيدهين" قييل :لنهين جميع قيد راودنيه عين نفسيه .وقييل :يعنيي كييد النسياء .وقييل :يعنيي كييد امرأة
العزيز ،على ما ذكر في الية قبل؛ والعموم أولى.
**3الية{ 35 :ثم بدا لهم من بعد ما رأوا اليات ليسجننه حتى حين}
@قوله تعالى" :ثيم بدا لهيم" أي ظهير للعزييز وأهيل مشورتيه "مين بعيد أن رأوا اليات" أي
علمات براءة يوسف -من قد القميص من دبر؛ وشهادة الشاهد ،وحز اليدي ،وقلة صبرهن عن
لقاء يوسيف :أن يسيجنوه كتمانيا للقصية أل تشييع فيي العامية ،وللحيلولة بينيه وبينهيا .وقييل :هيي
البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم؛ والول أصح .قال مقاتل عن مجاهد عن ابن
عباس في قوله" :ثم بدا لهم من بعد ما رأوا اليات" قال :القميص من اليات ،وشهادة الشاهد من
اليات ،وقطع اليدي من اليات ،وإعظام النساء إياه من اليات .وقيل :ألجأها الخجل من الناس،
والوجييل ميين اليأس إلى أن رضيييت بالحجاب مكان خوف الذهاب ،لتشتفييي إذا منعييت ميين نظره،
قال:
من اللقاء كمشتاق بل أمل وما صبابة مشتاق على أمل
أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه.
جنُنه" فيي موضيع الفاعيل؛ أي ظهير لهيم أن يسيجنوه؛ هذا قول جنُنه" "يُسْي ُ@قوله تعالى" :ليَسْي ُ
سيييبويه .قال المييبرد :وهذا غلط؛ ل يكون الفاعييل جملة ،ولكيين الفاعييل مييا دل عليييه "بدا" وهييو
مصدر؛ أي بدا لهم بداء؛ فحذف لن الفعل يدل عليه؛ كما قال الشاعر:
يوقفه الذي نصب الجبال وحق لمن أبو موسى أبوه
أي وحيق الحيق ،فحذف .وقييل :المعنيى ثيم بدا لهيم رأي لم يكونوا يعرفونيه؛ وحذف هذا لن فيي
الكلم دليل عليييه ،وحذف أيضيييا القول؛ أي قالوا :ليسييجننه ،واللم جواب ليمييين مضمييير؛ قاله
الفراء ،وهيو فعيل مذكير ل فعيل مؤنيث؛ ولو كان فعل مؤنثيا لكان يسيجنانه؛ ويدل على هذا قوله
"لهم" ولم يقل لهن ،فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر؛ قاله أبو علي .وقال السدي:
كان سيبب حبيس يوسيف أن امرأة العزييز شكيت إلييه أنيه شهرهيا ونشير خبرهيا؛ فالضميير على هذا
في "لهم" للملك.
@قوله تعالى" :حتيى حيين" أي إلى مدة غيير معلومية؛ قاله كثيير مين المفسيرين .وقال ابين عباس:
إلى انقطاع ميا شاع فيي المدينية .وقال سعيد بين جبير :إلى سيتة أشهير .وحكى الكيا أنه عنى ثلثة
عشر شهرا .عكرمة :تسع سنين .الكلبي :خمس سنين .مقاتل :سبع .وقد مضى في "البقرة" القول
فيي الحيين وميا يرتبيط بيه مين الحكام .وقال وهيب :أقام فيي السيجن اثنتيي عشرة سينة .و"حتيى"
بمعنيى إلى؛ كقوله" :حتيى مطلع الفجير" [القدر .]5 :وجحيل ال الحبيس تطهيرا ليوسيف صيلى ال
علييه وسيلم مين هميه بالمرأة .وكأن العزيييز -وإن عرف براءة يوسييف -أطاع المرأة فييي سييجن
يوسييف .قال ابيين عباس :عثيير يوسييف ثلث عثرات :حييين هييم بهييا فسييجن ،وحييين قال للفتييى:
"اذكرنيي عنيد ربيك" [يوسيف ]42 :فلبيث فيي السيجن بضيع سينين ،وحيين قال لخوتيه" :إنكيم
لسارقون" [يوسف ]70 :فقالوا" :إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل"[ .يوسف.]77 :
@ أكره يوسف عليه السلم على الفاحشة بالسجن ،وأقام خمسة أعوام ،وما رضي بذلك لعظييم
منزلتيه وشرييف قدره؛ ولو أكره رجيل بالسيجن على الزنيى ميا جاز له إجماعيا .فإن أكره بالضرب
فقيد اختلف فييه العلماء ،والصيحيح أنيه إذا كان فادحيا فإنيه يسيقط عنيه إثيم الزنيى وحده .وقيد قال
بعيض علمائنيا :إنيه ل يسيقط عنيه الحيد ،وهيو ضعييف؛ فإن ال تعالى ل يجميع على عبده العذابيين،
ول يصرفه بين بلءين؛ فإنه من أعظم الحرج في الدين" .وما جعل عليكم في الدين من حرج".
[الحيج .]78 :وسييأتي بيان هذا فيي "النحيل" إن شاء ال .وصيبر يوسيف ،واسيتعاذ بيه مين الكييد،
فاستجاب له على ما تقدم.
**3الية{ 36 :ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الخر إني
أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين}
@قوله تعالى" :ودخل معه السجن فتيان" "فتيان" تثنية فتى؛ وهو من ذوات الياء ،وقولهم :الفتو
شاذ .قال وهييب وغيره :حمييل يوسييف إلى السييجن مقيدا على حمار ،وطيييف بييه "هذا جزاء ميين
يعصيي سييدته" وهيو يقول :هذا أيسير مين مقطعات النيران ،وسيرابيل القطران ،وشراب الحمييم،
وأكيل الزقوم .فلميا انتهيى يوسيف إلى السيجن وجيد فييه قوميا قيد انقطيع رجاؤهيم ،واشتيد بلؤهيم؛
فجعل يقول لهم :اصبروا وابشروا تؤجروا؛ فقالوا له :يا فتى ! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في
جوارك ،مين أنيت ييا فتيى؟ قال :أنيا يوسيف ابين صيفي ال يعقوب ،ابين ذبييح ال إسيحاق ،ابين خلييل
ال إبراهيم .وقال ابن عباس :لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني ،وأنا أريد
أن تسجنه ،فسجنه في السجن؛ فكان يعزي فيه الحزين ،ويعود فيه المريض ،ويداوي فيه الجريح،
ويصيلي اللييل كله ،ويبكيي حتيى تبكييي معيه جدر البيوت وسيقفها والبواب ،وطهير بيه السيجن،
واسيتأنس بيه أهيل السيجن؛ فكان إذا خرج الرجيل مين السيجن رجيع حتيى يجلس فيي السيجن ميع
يوسيف ،وأحبيه صياحب السيجن فوسيع علييه فييه؛ ثيم قال ،له :ييا يوسيف! لقيد أحببتيك .حبيا لم أحيب
شيئا حبيك؛ فقال :أعوذ بال مين حبيك ،قال :ولم ذلك؟ فقال :أحبنيي أبيي ففعيل بيي أخوتيي ميا فعلوه،
وأحبتنييي سيييدتي فنزل بييي مييا ترى ،فكان فييي حبسييه حتييى غضييب الملك على خبازه وصيياحب
شرابييه ،وذلك أن الملك عميير فيهييم فملوه ،فدسييوا إلى خبازه وصيياحب شرابييه أن يسييماه جميعييا،
فأجاب الخباز وأبييى صيياحب الشراب ،فانطلق صيياحب الشراب فأخييبر الملك بذلك ،فأميير الملك
بحبسيهما ،فاسيتأنسا بيوسيف ،فذلك قوله" :ودخيل معيه السيجن فتيان" وقيد قييل :إن الخباز وضيع
السيم فيي الطعام ،فلميا حضير الطعام قال السياقي :أيهيا الملك! ل تأكيل فإن الطعام مسيموم .وقال
الخباز :أيها الملك ل تشرب! فإن الشراب مسموم؛ فقال الملك للساقي :اشرب! فشرب فلم يضره،
وقال للخباز :كيل؛ فأبيى ،فجرب الطعام على حيوان فنفيق مكانيه ،فحبسيهما سينة ،وبقييا فيي السيجن
تلك المدة ميع يوسيف .واسيم السياقي منجيا ،والخير مجلث؛ ذكره الثعلبيي عين كعيب .وقال النقاش:
اسييم أحدهمييا شرهييم ،والخيير سييرهم؛ الول ،بالشييين المعجميية .والخيير بالسييين المهملة .وقال
الطبري :الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو ،قال السهيلي :وذكر اسم الخر ولم أقيده.
وقال "فتيان" لنهميا كانيا عبديين ،والعبيد يسيمى فتيى ،صيغيرا كان أو كيبيرا؛ ذكره الماوردي.
وقال القشيري :ولعييل الفتييى كان اسييما للعبييد فييي عرفهييم؛ ولهذا قال" :تراود فتاهييا عيين نفسييه"
[يوسف .]30 :ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا .ويمكن أن يكون حبسهما
ميع حبيس يوسيف أو بعده أو قبله ،غيير أنهميا دخل معيه البييت الذي كان فييه" .قال أحدهميا إنيي
أراني أعصر خمرا وقال الخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله"
"قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا" أي عنبا؛ كان يوسف قال لهل السجن .إني أعبر الحلم؛
فقال أحيد الفتييين لصياحبه :تعال حتيى نجرب هذا العبيد العيبراني؛ فسيأله مين غيير أن يكونيا رأييا
شيئا؛ قاله ابين مسيعود .وحكيى الطيبري أنهميا سيأله عين علميه فقال :إنيي أعيبر الرؤييا؛ فسيأله عين
رؤياهميا .قال ابين عباس ومجاهيد :كانيت رؤييا صيدق رأياهيا وسيأله عنهيا؛ ولذلك صيدق تأويلهيا.
وفيي الصيحيح عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :أصيدقكم رؤييا أصيدقكم حديثيا).
وقيييل :إنهييا كانييت رؤيييا كذب سييأله عنهييا تجريبييا؛ وهذا قول ابيين مسييعود والسييدي .وقيييل :إن
المصيلوب منهميا كان كاذبيا ،والخير صيادقا؛ قاله أبيو مجلز .وروى الترمذي عين ابين عباس عين
النبي صلى ال عليه وسلم :قال( :من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد
بينهما) .قال أبو عيسى :هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(مين كذب فيي حلميه كلف يوم القيامية عقيد شعيرة) .قال :حدييث حسين .قال ابين عباس :لميا رأييا
رؤياهميا أصيبحا مكروبيين؛ فقال لهميا يوسيف :مالي أراكميا مكروبيين؟ قال :ييا سييدنا! إنيا رأينيا ميا
كرهنيا؛ قال :فقصيا علي ،فقصيا علييه؛ قال :نبئنيا بتأوييل ميا رأينيا؛ وهذا يدل على أنهيا كانيت رؤييا
منام" .إنا نراك من المحسنين" فإحسانه ،أنه كان يعود المرضى ويداويهم ،ويعزي الحزاني؛ قال
الضحاك :كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به ،وإذا ضاق وسع له ،وإذا احتاج جمع له،
وسيأل له .وقييل" :مين المحسينين" أي العالميين الذيين أحسينوا العلم ،قال الفراء .وقال ابين إسيحاق:
"مين المحسينين" لنيا إن فسيرته ،كميا يقول :افعيل كذا وأنيت محسين .قال :فميا رأيتميا؟ قال الخباز:
رأييت كأنيي اختبزت فيي ثلثية تنانيير ،وجعلتيه فيي ثلث سيلل ،فوضعتيه على رأسيي فجاء الطيير
فأكيل منيه .وقال الخير :رأييت كأنيي أخذت ثلثية عناقييد مين عنيب أبييض ،فعصيرتهن فيي ثلث
أوان ،ثيم صيفيته فسيقيت الملك كعادتيي فيميا مضيى ،فذلك قوله" :إنيي أرانيي أعصير خمرا" أي
عنبيا ،بلغية عمان ،قال الضحاك .وقرأ ابين مسيعود" :إنيي أرانيي أعصير عنبيا" .وقال الصيمعي:
أخيبرني المعتمير بين سيليمان أنيه لقيي أعرابييا ومعيه عنيب فقال له :ميا معيك؟ قال :خمير .وقييل:
معنيى" .أعصير خمرا" أي عنيب خمير ،فحذف المضاف .ويقال :خمرة وخمير وخمور ،مثيل تمرة
وتمر وتمور.
**3الية{ 37 :قال ل يأتيكما طعام ترزقانه إل نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني
ربي إني تركت ملة قوم ل يؤمنون بال وهم بالخرة هم كافرون}
@ قال لهميا يوسيف" :ل يأتيكميا طعام ترزقانيه" يعنيي ل يجيئكميا غدا طعام مين منزلكميا "إل
نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما" لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما ،فقال :افعل! فقال لهما :يجيئكما كذا
وكذا ،فكان على ميا قال؛ وكان هذا مين علم الغييب خُص بيه يوسيف .وبيين أن ال خصيه بهذا العلم
لنيه ترك ملة قوم ل يؤمنون بال ،يعنيي ديين الملك .ومعنيى الكلم عندي :العلم بتأوييل رؤياكميا،
والعلم بميا يأتيكميا مين طعامكميا والعلم بديين ال ،فاسيمعوا أول ميا يتعلق بالديين لتهتدوا ،ولهذا لم
يعبر لهما حتى دعاهما إلى السلم ،فقال" :يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم ال الواحد
القهار ،ما تعبدون" [يوسف ]39:الية كلها ،على ما يأتي .وقيل :علم أن أحدهما مقتول فدعاهما
إلى السيلم ليسيعدا بيه .وقييل :إن يوسيف كره أن يعيبر لهميا ميا سيأله لميا علميه مين المكروه على
أحدهميا فأعرض عين سيؤالهما ،وأخيذ فيي غيره فقال" :ل يأتيكميا طعام ترزقانيه" فيي النوم "إل
نبأتكما" بتفسيره في اليقظة ،قاله السدي ،فقال له :هذا من فعل العرافين والكهنة ،فقال لهما يوسف
عليه السلم :ما أنا بكاهن ،وإنما ذلك مما علمنيه ربي ،إني ل أخبركما به تكهنا وتنجيما ،بل هو
بوحيي مين ال عيز وجيل .وقال ابين جرييج :كان الملك إذا أراد قتيل إنسيان صينع له طعاميا معروفيا
فأرسيل بيه إلييه ،فالمعنيى :ل يأتيكميا طعام ترزقانيه فيي اليقظية ،فعلى هذا "ترزقانيه" أي يجري
عليكمييا ميين جهيية الملك أو غيره .ويحتمييل يرزقكمييا ال .قال الحسيين :كان يخبرهمييا بمييا غاب،
كعيسيى علييه السيلم .وقييل :إنميا دعاهميا بذلك إلى السيلم؛ وجعيل المعجزة التيي يسيتدلن بهيا
إخبارهما بالغيوب.
**3الية{ 38 :واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بال من شيء
ذلك من فضل ال علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون}
@قوله تعالى" :واتبعيت ملة آبائي إبراهييم وإسيحاق ويعقوب" لنهيم أنيبياء على الحيق" .ميا كان
لنا" أي ما ينبغي لنا" .أن نشرك بال من شيء" "من" للتأكيد ،كقولك :ما جاءني من أحد" .ذلك
ميين فضييل ال علينييا" إشارة إلى عصييمته ميين الزنييى" .وعلى الناس" أي على المؤمنييين الذييين
عصمهم ال من الشرك .وقيل" :ذلك من فضل ال علينا" إذ جعلنا أنبياء" ،وعلى الناس" إذ جعلنا
الرسل إليهم" .ولكن أكثر الناس ل يشكرون" على نعمة التوحيد واليمان.
**3الية{ 39 :يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم ال الواحد القهار}
@قوله تعالى" :ييا صياحبي السيجن" أي ييا سياكني السيجن؛ وذكير الصيحبة لطول مقامهميا فييه،
كقولك :أصيحاب الجنية ،وأصيحاب النار" .أأرباب متفرقون" أي فيي الصيغر والكيبر والتوسيط ،أو
متفرقون فيي العدد" .خيير أم ال الواحيد القهار" وقييل :الخطاب لهميا ولهيل السيجن ،وكان بيين
أيديهيم أصينام يعبدونهيا مين دون ال تعالى ،فقال ذلك إلزاميا للحجية؛ أي آلهية شتيى ل تضير ول
تنفيع" .خيير أم ال الواحيد القهار" الذي قهير كيل شييء .نظيره" :ال خيير أميا يشركون" [النميل:
.]59وقيل :أشار بالتفرق إلى أنه لو تعدد الله لتفرقوا في الرادة ولعل بعضهم على ،بعض،
وبين أنها إذا تفرقت لم تكن آلهة.
**3الية{ 40 :ما تعبدون من دونه إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من سلطان
إن الحكم إل ل أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون}
@قوله تعالى" :ما تعبدون من دونه إل أسماء" بين عجز الصنام وضعفها فقال" :ما تعبدون من
دونيه" أي مين دون ال إل ذوات أسيماء ل معانيي لهيا" .سيميتموها أنتيم وآباؤكيم" من تلقاء أنفسيكم.
وقييل :عنيى بالسيماء المسيميات؛ أي ميا تعبدون إل أصيناما لييس لهيا مين اللهيية شييء إل السيم؛
لنهيا جمادات .وقال" :ميا تعبدون" وقيد ابتدأ بخطاب الثنيين؛ لنيه قصيد جمييع مين هيو على مثيل
حالهميا مين الشرك" .إل أسيماء سيميتموها أنتيم وآباؤكيم" فحذف ،المفعول الثانيي للدللة؛ والمعنيى:
سميتموها آلهة من عند أنفسكم" .ما أنزل ال بها من سلطان" ذلك في كتاب .قال سعيد بن جبير:
"مين سيلطان" أي مين حجية" .إن الحكيم إل ل" الذي هيو خالق الكيل" .أمير أل تعبدوا إل إياه"
تعبدوه وحده ول تشركوا معه غيره" .ذلك الدين القيم" أي القويم" .ولكن أكثر الناس ل يعلمون"
**3اليية{ 41 :ييا صياحبي السيجن أميا أحدكميا فيسيقي ربيه خمرا وأميا الخير فيصيلب فتأكيل
الطير من رأسه قضي المر الذي فيه تستفتيان}
@قوله تعالى" :أميا أحدكميا فيسيقي ربيه خمرا" أي قال للسياقي :إنيك ترد على عملك الذي كنيت
علييه مين سيقي الملك بعيد ثلثية أيام ،وقال للخير :وأميا أنيت فتدعيى إلى ثلثية أيام فتصيلب فتأكيل
الطير من رأسك ،قال :وال ما رأيت شيئا؛ قال :رأيت أو لم تر "قضي المر الذي فيه تستفتيان".
وحكى أهل اللغة أن سقى وأسقى لغتان بمعنى واحد ،كما قال الشاعر:
والقبائل من هلل سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا
قال النحاس :الذي عليييه أكثيير أهييل اللغيية أن معنييى سييقاه ناوله فشرب ،أو صييب الماء فييي حلقييه
ومعنى أسقاه جعل له سقيا؛ قال ال تعالى" :وأسقيناكم ماء فراتا" [المرسلت]27 :
قال علماؤنا :إن قيل من كذب في رؤياه ففسرها العابر له أيلزمه حكمها؟ قلنا :ل يلزمه؛ وإنما
كان ذلك في يوسف لنه نبي ،وتعبير النبي حكم ،وقد قال :إنه يكون كذا وكذا فأوجد ال تعالى ما
أخيبر كميا قال تحقيقيا لنبوتيه؛ فإن قييل :فقيد روى عبدالرزاق عين معمير عين قتادة قال :جاء رجيل
إلى عمير بين الخطاب فقال :إنيي رأييت كأنيي أعشبيت ثيم أجدبيت ثيم أعشبيت ثيم أجدبيت ،فقال له
عمير :أنيت رجيل تؤمين ثيم تكفير ،ثيم تؤمين ثيم تكفير ،ثيم تموت كافرا؛ فقال الرجيل :ميا رأييت شيئا؛
فقال له عمير :قيد قضيى لك ميا قضيى لصياحب يوسيف؛ قلنيا :ليسيت لحيد بعيد عمير؛ لن عمير كان
محدثيا ،وكان إذا ظين ظنيا كان وإذا تكلم بيه وقيع ،على ميا ورد فيي أخباره؛ وهيي كثيرة؛ منهيا :أنيه
دخل عليه رجل فقال له :أظنك كاهنا فكان كما ظن؛ خرجه البخاري .ومنها :أنه سأل رجل عن
اسييمه فقال له فيييه أسييماء النار كلهييا ،فقال له :أدرك أهلك فقييد احترقوا ،فكان كمييا قال :خرجييه
الموطأ .وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة "الحجر" إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 42 :وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث
في السجن بضع سنين}
@قوله تعالى" :وقال للذي ظين" "ظين" هنيا بمعنيى أيقين ،فيي قول أكثير المفسيرين وفسيره قتادة
على الظن الذي هو خلف اليقين؛ قال :إنما ظن يوسف نجاته لن العابر يظن ظنا وربك يخلق ما
يشاء؛ والول أصح وأشبه بحال النبياء وأن ما قاله للفتيين في تعبير الرؤيا كان عن وحي ،وإنما
يكون ظنا في حكم الناس ،وأما في حق النبياء فإن حكمهم حق كيفما وقع" .اذكرني عند ربك"
أي سيدك ،وذلك معروف في اللغة أن يقال للسيد رب؛ قال العشى:
وإذا تنوشد في المهارق أنشدا ربي كريم ل يكدر نعمة
أي اذكير ميا رأيتيه ،وميا أنيا علييه مين عبارة الرؤييا للملك ،وأخيبره أنيي مظلوم محبوس بل ذنيب.
وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل يقل أحدكم
اسيق ربك أطعيم ربيك وضيئ ربيك ول يقيل أحدكم ربيي وليقل سييدي مولي ول يقل أحدكيم عبدي
أمتيي وليقيل فتاي فتاتيي غلميي) .وفيي القرآن" :اذكرنيي عنيد ربيك" "إلى ربيك" "إنيه ربيي أحسين
مثواي" [يوسف ]23 :أي صاحبي؛ يعني العزيز .ويقال لكل من قام بإصلح شيء وإتمامه :قد
ربيه يربيه ،فهيو رب له .قال العلماء قول علييه السيلم( :ل يقيل أحدكيم) (وليقيل) مين باب الرشاد
إلى إطلق اسيم الولى؛ ل أن إطلق ذلك السيم محرم؛ ولنيه قيد جاء عنيه علييه السيلم (أن تلد
المية ربهيا) أي مالكهيا وسييدها؛ وهذا موافيق للقرآن فيي إطلق ذلك اللفيظ؛ فكان محيل النهيي فيي
هذا الباب أل نتخييذ هذه السييماء عادة فنترك الولى والحسيين .وقييد قيييل :إن قول الرجييل عبدي
وأمتي يجمع معنيين :أحدهما :أن العبودية بالحقيقة إنما هي ل تعالى؛ ففي قول الواحد من الناس
لمملوكه عبدي وأمتي تعظيم عليه ،وإضافة له إلى نفسه بما أضافه ال تعالى به إلى نفسه؛ وذلك
غيير جائز .والثانيي :أن المملوك يدخله مين ذلك شييء فيي اسيتصغاره بتلك التسيمية ،فيحمله ذلك
على سيوء الطاعية .وقال ابين شعبان فيي "الزاهيي"( :ل يقيل السييد عبدي وأمتيي ول يقيل المملوك
ربيي ول ربتيي) وهذا محمول على ميا ذكرنيا .وقييل :إنميا قال صيلى ال علييه وسيلم (ل يقيل العبيد
ربيي وليقيل سييدي) لن الرب مين أسيماء ال تعالى المسيتعملة بالتفاق؛ واختلف فيي السييد هيل هيو
مين أسيماء ال تعالى أم ل؟ فإذا قلنيا لييس مين أسيماء ال فالفرق واضيح؛ إذ ل التباس ول إشكال،
وإذا قلنيا إنيه مين أسيمائه فلييس فيي الشهرة ول السيتعمال كلفيظ الرب ،فيحصيل ،الفرق .وقال ابين
العربي :يحتمل أن يكون ذلك جائزا في شرع يوسف عليه السلم.
@قوله تعالى" :فأنساه الشيطان ذكر ربه" الضمير في "فأنساه" فيه قولن :أحدهما :أنه عائد إلى
يوسف عليه السلم ،أي أنساه الشيطان ذكر ال عز وجل؛ وذلك أنه لما قال يوسف لساقي الملك -
حين علم أنه سينجو ويعود إلى حالته الولى مع الملك " -اذكرني عند ربك" نسي في ذلك الوقت
أن يشكيو إلى ال ويسيتغيث بيه ،وجنيح إلى العتصيام بمخلوق؛ فعقيب باللبيث .قال عبدالعزييز بين
عمير الكندي :دخل جبريل على يوسف النبي عليه السلم في السجن فعرفه يوسف ،فقال :يا أخا
المنذريين! مالي أراك بيين الخاطئيين؟! فقال جبرييل علييه السيلم :ييا طاهير ابين الطاهريين! يقرئك
السلم رب العالمين ويقول :أما استحيت إذ استغثت بالدميين؟! وعزتي! للبثنك في السجن بضع
سنين؛ فقال :يا جبريل! أهو عني راض؟ قال :نعم! قال :ل أبالي الساعة .وروي أن جبريل عليه
السلم جاءه فعاتبه عن ال تعالى في ذلك وطول سجنه ،وقال له :يا يوسف! من خلصك من القتل
من أيدي أخوتك؟! قال :ال تعالى ،قال :فمن أخرجك من الجب؟ قال :ال تعالى قال :فمن عصمك
من الفاحشة؟ قال :ال تعالى ،قال :فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال :ال تعالى ،قال :فكيف وثقت
بمخلوق وتركيت ربيك فلم تسيأله؟! قال :ييا رب كلمية زلت منيي! أسيألك ييا إله إبراهييم وإسيحاق
والشيخ يعقوب عليهم السلم أن ترحمني؛ فقال له جبريل :فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع
سنين .وروى أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :رحم ال يوسف
لول الكلمية التيي قال" :اذكرنيي عنيد ربيك" ميا لبيث فيي السيجن بضيع سينين) .وقال ابين عباس:
عوقيب يوسيف بطول الحبيس بضيع سينين لميا قال للذي نجيا منهميا "اذكرنيي عنيد ربيك" ولو ذكير
يوسف ربه لخلصه .وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم( :لول كلمة يوسف -يعني قوله" :اذكرني عند ربك" -ما لبث في السجن ما لبث)
قال :ثيم يبكيي الحسين ويقول :نحين ينزل بنيا المير فنشكيو إلى الناس .وقييل :إن الهاء تعود على
الناجي ،فهو الناسي؛ أي أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف لربه ،أي لسيده؛ وفيه حذف ،أي
أنساه الشيطان ذكره لربه؛ وقد رجح بعض العلماء هذا القول فقال :لول أن الشيطان أنسى يوسف
ذكر ال لما استحق العقاب باللبث في السجن؛ إذ الناسي غير مؤاخذ .وأجاب أهل القول الول بأن
النسيان قد يكون بمعنى الترك ،فلما ترك ذكر ال ودعاه الشيطان إلى ذلك عوقب؛ رد عليهم أهل
القول الثانيي بقوله تعالى" :وقال الذي نجيا منهميا وادكير بعيد أمية" [يوسيف ]45 :فدل على أن
الناسي هو الساقي ل يوسف؛ مع قوله تعالى" :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" [الحجر]42 :
فكيف يصح أن يضاف نسيانه إلى الشيطان ،وليس له على النبياء سلطنة؟! قيل :أما النسيان فل
عصمة للنبياء عنه إل في وجه واحد ،وهو الخبر عن ال تعالى فيما يبلغونه ،فإنهم معصومون
فييه؛ وإذا وقيع منهيم النسييان حييث يجوز وقوعيه فإنيه ينسيب إلى الشيطان إطلقيا ،وذلك إنميا يكون
فيميا أخيبر ال عنهيم ،ول يجوز لنيا نحين ذلك فيهيم؛ قال صيلى ال علييه وسيلم( :نسيي آدم فنسييت
ذريته) .وقال( :إنما أنا بشر أنسى كما تنسون) .وقد تقدم.
@قوله تعالى" :فلبث في السجن بضع سنين" البضع قطعية من الدهير مختلف فيها؛ قال يعقوب
عن أبي زيد :يقال بضع وبضع بفتح الباء وكسرها ،قال أكثرهم :ول يقال بضع ومائة ،وإنما هو
إلى التسعين .وقال الهروي :العرب تستعمل البضع فيما بين الثلث إلى التسع .والبضع والبضعة
واحد ،ومعناهما القطعة من العدد .وحكى أبو عبيدة أنه قال :البضع ما دون نصف العقد ،يريد ما
بيين الواحيد إلى أربعية ،وهذا لييس بشييء .وفيي الحدييث أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال
لبيي بكير الصيديق رضيي ال عنيه( :وكيم البضيع) فقال :ميا بيين الثلث إلى السيبع .فقال( :اذهيب
فزائد في الخطر) .وعلى هذا أكثر المفسرين ،أن البضع سبع ،حكاه الثعلبي .قال الماوردي :وهو
قول أبي بكر الصديق رضي ال عنه وقطرب .وقال مجاهد :من ثلث إلى تسع ،وقال الصمعي.
ابيين عباس :ميين ثلث إلى عشرة .وحكييى الزجاج أنييه مييا بييين الثلث إلى الخمييس قال الفراء:
والبضيع ل يذكير العشرة والعشريين إلى التسيعين ،ول يذكير بعيد المائة .وفيي المدة التيي لبيث فيهيا
يوسيف مسيجونا ثلثية أقاوييل :أحدهيا :سيبع سينين ،قاله ابين جرييج وقتادة ووهيب بين منبيه ،قال
وهيب :أقام أيوب فيي البلء سيبع سينين ،وأقام يوسيف فيي السيجن سيبع سينين .الثانيي - :اثنتيا عشرة
سينة ،قال ابين عباس .الثالث :أربيع عشرة سينة ،قاله الضحاك .وقال مقاتيل عين مجاهيد عين ابين
عباس قال :مكيث يوسيف فيي السيجن خمسيا وبضعيا .واشتقاقيه مين بضعيت الشييء أي قطعتيه ،فهيو
قطعية مين العدد ،فعاقيب ال يوسيف بأن حبيس سيبع سينين أو تسيع سينين بعيد الخميس التيي مضيت،
فالبضيع مدة العقوبية ل مدة الحبيس كله .قال وهيب بين منبيه :حبيس يوسيف فيي السيجن سيبع سينين،
ومكيث أيوب فيي البلء سيبع سينين ،وعذب بختنصير بالمسيخ سيبع سينين .وقال عبدال بين راشيد
البصري عن سعيد بن أبي عروبة :إن البضع ما بين الخمس إلى الثنتي عشرة سنة.
@ في هذه الية دليل على جواز التعلق بالسباب وإن كان اليقين حاصل فإن المور بيد مسببها،
ولكنيه جعلهيا سيلسلة ،وركيب بعضهيا على بعيض ،فتحريكهيا سينة ،والتعوييل على المنتهيى يقيين.
والذي يدل على جواز ذلك نسييبة ميا جرى مين النسييان إلى الشيطان كميا جرى لموسييى فييي لقييا
الخضر؛ وهذا بين فتأملوه.
**3اليية{ 43 :وقال الملك إنيي أرى سيبع بقرات سيمان يأكلهين سيبع عجاف وسيبع سينبلت
خضر وأخر يابسات يا أيها المل أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون}
@قوله تعالى" :وقال الملك إنيي أرى سيبع بقرات سيمان" لميا دنيا فرج يوسيف علييه السيلم رأى
الملك رؤياه ،فنزل جبريييل فسييلم على يوسييف وبشره بالفرج وقال :إن ال مخرجييك ميين سييجنك،
وممكين لك فيي الرض ،يذل لك ملوكهيا ،ويطيعيك جبابرتهيا ،ومعطييك الكلمية العلييا على إخوتيك،
وذلك بسبب رؤيا رآها الملك ،وهي كيت وكيت ،وتأويلها كذا وكذا ،فما لبث في السجن أكثر مما
رأى الملك الرؤيييا حتييى خرج ،فجعييل ال الرؤيييا أول ليوسييف بلء وشدة ،وجعلهييا آخرا بشرى
ورحمية؛ وذلك أن الملك الكيبر الريان بين الولييد رأى فيي نوميه كأنميا خرج مين نهير يابيس سيبع
بقرات سييمان ،فييي أثرهيين سييبع عجاف -أي مهازيييل -وقييد أقبلت العجاف على السييمان فأخذن
بآذانهن فأكلنهن ،إل القرنين ،ورأى سبع سنبلت خضر قد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى
أتيين عليهين فلم يبيق منهين شييء وهين يابسيات ،وكذلك البقير كين عجافيا فلم يزد فيهين شييء مين
أكلهيين السييمان ،فهالتييه الرؤيييا ،فأرسييل إلى الناس وأهييل العلم منهييم والبصيير بالكهانيية والنجاميية
والعرافية والسيحر ،وأشراف قوميه ،فقال" :ييا أيهيا المل أفتونيي فيي رؤياي" فقيص عليهيم ،فقال
القوم" :أضغاث أحلم" [يوسف ]44 :قال ابن جريج قال لي عطاء :إن أضغاث الحلم الكاذبة
المخطئة مين الرؤييا .وقال جوييبر عين الضحاك عين ابين عباس قال :إن الرؤييا منهيا حيق ،ومنهيا
أضغاث أحلم ،يعنيي بهيا الكاذبية .وقال الهروي :قوله تعالى" :أضغاث أحلم" أي أخلط أحلم.
والضغث فيي اللغة الحزمة من الشييء كالبقيل والكل وميا أشبههميا ،أي قالوا :ليست رؤياك ببينية،
والحلم الرؤيا المختلطة .وقال مجاهد :أضغاث الرؤيا أهاويلها .وقال أبو عبيدة :الضغاث ما ل
تأويل له من الرؤيا.
@قوله تعالى" :سيبع بقرات سيمان" حذفيت الهاء من "سيبع" فرقيا بيين المذكير والمؤنيث "سيمان"
ميين نعييت البقرات ،ويجوز فييي غييير القرآن سييبع بقرات سييمانا ،نعييت للسييبع ،وكذا خضرا ،قال
الفراء :ومثله" :سييبع سييماوات طباقييا" [نوح .]15 :وقييد مضييى فييي سييورة "البقرة" اشتقاقهييا
ومعناها .وقال علي بن أبي طالب رضي ال عنه :المعز والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سمانا
فهيي سيني رخاء ،وإن كانيت عجافيا كانيت شدادا ،وإن كانيت المدينية مدينية بحير وإبان سيفر قدميت
سفن على عددها وحالها ،وإل كانت فتنا مترادفة ،كأنها وجوه البقر ،كما في الخبر (يشبه بعضها
بعضيا) .وفيي خيبر آخير فيي الفتين (كأنهيا صيياصي البقير) يرييد لتشابههيا ،إل أن تكون صيفرا كلهيا
فإنهييا أمراض تدخييل على الناس ،وإن كانييت مختلفية اللوان ،شنيعيية القرون وكان الناس ينفرون
منهييا ،أو كأن النار والدخان يخرج ميين أفواههييا فإنييه عسييكر أو غارة ،أو عدو يضرب عليهييم،
وينزل بسيياحتهم .وقييد تدل البقرة على الزوجيية والخادم والغلة والسيينة؛ لمييا يكون فيهييا ميين الولد
والغلة والنبات" .يأكلهين سيبع عجاف" مين عجُف يعجُف ،على وزن عظيم يعظيم ،وروي عجِف
يعجَف على وزن حمد يحمد.
@قوله تعالى" :ييا أيهيا المل أفتونيي فيي رؤياي" جميع الرؤييا رؤى :أي أخيبروني بحكيم هذه
الرؤييا" .إن كنتيم للرؤييا تعيبرون" العبارة مشتقية مين عبور النهير ،فمعنيى عيبرت النهير ،بلغيت
شاطئه ،فعابر الرؤيا يعبر بما يؤول إليه أمرها .واللم في "للرؤيا" للتبيين ،أي إن كنتم تعبرون،
ثم بين فقال :للرؤيا قاله الزجاج.
**3الية{ 44 :قالوا أضغاث أحلم وما نحن بتأويل الحلم بعالمين}
@قوله تعالى" :أضغاث أحلم" قال الفراء :ويجوز "أضغاث أحلم" قال النحاس :النصب بعيد،
لن المعنيى :لم تير شيئا له تأوييل ،إنميا هيي أضغاث أحلم ،أي أخلط .وواحيد الضغاث ضغيث،
يقال لكل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما ضغث؛ قال الشاعر:
كضغث حلم غر منه حالمه
@قوله تعالى" :وما نحن بتأويل الحلم بعالمين" قال الزجاج :المعنى بتأويل الحلم المختلطة،
نفوا عين أنفسيهم علم ميا ل تأوييل له ،ل أنهيم نفوا عين أنفسيهم علم التأوييل .وقييل :نفوا عين أنفسيهم
علم التعبير .والضغاث على هذا الجماعات من الرؤيا التي منها صحيحة ومنها باطلة ،ولهذا قال
السياقي" :أنيا أنبئكيم بتأويله" [يوسيف ]45 :فعلم أن القوم عجزوا عين التأوييل ،ل أنهيم ادعوا أل
تأويل لها .وقيل :إنهم لم يقصدوا تفسيرا ،وإنما أرادوا محوها من صدر الملك حتى ل تشغل باله،
وعلى هذا أيضيا فعندهيم علم .و"الحلم" جميع حلم ،والحلم بالضيم ميا يراه النائم ،تقول منيه حلم
بالفتح واحتلم ،وتقول :حلمت ،بكذا وحلمته ،قال:
ل يبعدن خيالها المحلوم فحلمتها وبنو رفيدة دونها
أصييله الناة ،ومنييه الحلم ضييد الطيييش؛ فقيييل لمييا يرى فييي النوم حلم لن النوم حالة أناة وسييكون
ودعة.
@ وفيي اليية دلييل على بطلن قول مين يقول :إن الرؤييا على أول ميا تعيبر ،لن القوم قالوا:
"أضغاث أحلم" ولم تقع كذلك؛ فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب ،فكان كما عبر؛
وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على ،رجل طائر ،فإذا عبرت وقعت.
**3الية{ 45 :وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون}
@قوله تعالى" :وقال الذي نجا منهما" يعني ساقي الملك" .وادكر بعد أمة" أي بعد حين ،عن ابن
عباس وغيره؛ ومنه "إلى أمية معدودة" [هود ]8 :وأصله الجملة مين الحين .وقال ابن درستويه:
والمة ل تكون الحين إل على حذف مضاف ،وإقامة المضاف إليه مقامه ،كأنه قال -وال أعلم -
:وادكر بعد حين أمة ،أو بعد زمن أمة ،وما أشبه ذلك؛ والمة الجماعة الكثيرة من الناس .قال
الخفش :هو في اللفظ واحد ،وفي المعنى جمع؛ وقال جنس من الحيوان أمة؛ وفي الحديث( :لول
أن الكلب أمية مين الميم لم بقتلهيا)" .وادكير" أي تذكير حاجية يوسيف ،وهيو قوله" :اذكرنيي عنيد
ربك" .وقرأ ابن عباس فيما روى عفان عن همام عن قتادة عن عكرمة عنه " -وادكر بعه أمة".
النحاس :المعروف ميين قراءة ابيين عباس وعكرميية والضحاك "وادكيير بعييد أمييه" بفتييح الهمزة
وتخفيف الميم؛ أي بعد نسيان؛ قال الشاعر:
كذاك الدهر يودي بالعقول أمهت وكنت ل أنسى حديثا
وعين شبييل بين عزرة الضبعيي" :بعيد أميه" بفتيح اللف وإسيكان المييم وهاء خالصية؛ وهيو مثيل
المه ،وهما لغتان ،ومعناهما النسيان؛ ويقال :أمه يأمه أمها إذا نسي؛ فعلى هذا "وادكر بعد أمه"؛
ذكره النحاس؛ ورجيل أميه ذاهيب العقيل .قال الجوهري :وأميا ميا فيي حدييث الزهري (أميه) بمعنيى
أقر واعترف فهي لغة غير مشهورة .وقرأ الشهب العقيلي " -بعد إمة" أي بعد نعمة؛ أي بعد أن
أنعم ال عليه بالنجاة .ثم قيل :نسي الفتى يوسف لقضاء ال تعالى في بقائه في السجن مدة .وقيل:
ميا نسيي ،ولكنيه خاف أن يذكير الملك الذنيب الذي بسيببه حبيس هيو والخباز؛ فقوله" :وادكير" أي
ذكير وأخيبر .قال النحاس :أصيل ادكير اذتكير؛ والذال قريبية المخرج مين التاء؛ ولم يجيز إدغامهيا
فيهيا لن الذال مجهورة ،والتاء مهموسية ،فلو أدغموا ذهيب الجهير ،فأبدلوا مين موضيع التاء حرفيا
مجهورا وهييو الدال؛ وكان أولى ميين الطاء لن الطاء مطبقيية؛ فصييار أذدكيير ،فأدغموا الذال فييي
الدال لرخاوة الدال ولينهييا .ثييم قال" :أنيا أنبئكييم بتأويله" أي أنييا أخييبركم .وقرأ الحسيين "أنيا آتيكييم
بتأويله" وقال :كيف ينبئهم العلج؟! قال النحاس :ومعنى "أنبئكم" صحيح حسن؛ أي أنا أخبركم إذا
سألت" .فأرسلوني" خاطب الملك ولكن بلفظ التعظيم ،أو خاطب الملك وأهل مجلسه.
**3اليية{ 46 :يوسيف أيهيا الصيديق أفتنيا فيي سيبع بقرات سيمان يأكلهين سيبع عجاف وسيبع
سنبلت خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون}
@قوله تعالى" :يوسيف" نداء مفرد ،وكذا "الصيديق" أي الكثيير الصيدق" .أفتنيا" أي فأرسيلوه،
فجاء إلى يوسييف فقال :أيهييا الصييديق! وسييأله عيين رؤيييا الملك" .لعلي أرجييع إلى الناس" أي إلى
الملك وأصيحابه" .لعلهيم يعلمون" التعيبير ،أو "لعلهيم يعلمون" مكانيك مين الفضيل والعلم فتخرج.
ويحتمل أن يريد بالناس الملك وحده تعظيما.
**3الية{ 47 :قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إل قليل مما تأكلون}
@قوله تعالى" :قال تزرعون" لميا أعلميه بالرؤييا جعيل يفسيرها له ،فقال :السيبع مين البقرات
السمان والسنبلت الخضر سبع سنين مخصبات؛ وأما البقرات العجاف والسنبلت اليابسات فسبع
سنين مجدبات؛ فذلك قوله" :تزرعون سبع سنين دأبا" أي متوالية متتابعة؛ وهو مصدر على غير
المصيدر ،لن معنيى "تزرعون" تدأبون كعادتكيم فيي الزراعية سيبع سينين .وقييل :هيو حال؛ أي
دائبيين .وقييل :صيفة لسيبع سينين ،أي دائبية .وحكيى أبيو حاتيم عين يعقوب "دأبيا" بتحرييك الهمزة،
وكذا روى حفص عن عاصم ،وهما لغتان ،وفيه قولن ،قول أبي حاتم :إنه من دئب .قال النحاس:
ول يعرف أهيل اللغية إل دأب .والقول الخير -إنيه حرك لن فييه حرفيا مين حروف الحلق؛ قاله
الفراء ،قال :وكذلك كيل حرف فتيح أول وسيكن ثانيية فتثقيله جائز إذا كان ثانييه همزة ،أو هاء ،أو
عينا ،أو غينا ،أو حاء ،أو خاء؛ وأصله العادة؛ قال:
كدأبك من أم الحويرث قبلها
وقد مضى في "آل عمران" القول فيه" .فما حصدتم فذروه في سنبله" قيل :لئل يتسوس ،وليكون
أبقيى؛ وهكذا المير فيي ديار مصير" .إل قليل مميا تأكلون" أي اسيتخرجوا ميا تحتاجون إلييه بقدر
الحاجة؛ وهذا القول منه أمر ،والول خبر .ويحتمل أن يكون الول أيضا أمرا ،وإن كان الظهر
منه الخبر؛ فيكون معنى" :تزرعون" أي ازرعوا.
@ هذه اليية أصييل فييي القول بالمصييالح الشرعيية التييي هييي حفييظ الديان والنفوس والعقول
والنسياب والموال؛ فكيل ميا تضمين تحصييل شييء مين هذه المور فهيو مصيلحة ،وكيل ميا يفوت
شيئا منها فهو مفسدة ،ودفعه مصلحة؛ ول خلف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم
الدنيويية؛ ليحصيل لهيم التمكين مين معرفية ال تعالى وعبادتيه الموصيلتين إلى السيعادة الخرويية،
ومراعاة ذلك فضييل ميين ال عييز وجييل ورحميية رحييم بهييا عباده ،ميين غييير وجوب عليييه ،ول
استحقاق؛ هذا مذهب كافة المحققين من أهل السنة أجمعين؛ وبسطه في أصول الفقه.
**3الية{ 48 :ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إل قليل مما تحصنون}
@قوله تعالى" :سيبع شداد" يعنيي السينين المجدبات" .يأكلن" مجاز ،والمعنيى يأكيل أهلهين" .ميا
قدمتم لهن" أي ما ادخرتم لجلهن؛ ونحوه قول القائل:
وليلك نوم والردى لك لزم نهارك يا مغرور سهو وغفلة
والنهار ل يسهو ،والليل ل ينام؛ وإنما يسهى في النهار ،وينام في الليل .وحكى زيد بن أسلم عن
أبييه :أن يوسيف كان يضيع طعام الثنيين فيقربيه إلى رجيل واحيد فيأكيل بعضيه ،حتيى إذا كان يوم
قربيه له فأكله كله؛ فقال يوسيف :هذا أول يوم مين السيبع الشداد" .إل قليل" نصيب على السيتثناء.
"مميا تحصينون" أي مميا تحبسيون لتزرعوا؛ لن فيي اسيتبقاء البذر تحصيين القوات .وقال أبيو
عيبيدة :تحرزون .وقال قتادة" :تحصينون" تدخرون ،والمعنيى واحيد؛ وهيو يدل على جواز احتكار
الطعام إلى وقت الحاجة.
@ هذه الية أصيل فيي صحة رؤييا الكافير ،وأنها تخرج على حسيب ميا رأى ،ل سيما إذا تعلقيت
بمؤمين؛ فكييف إذا كانيت آيية لنيبي .ومعجزة لرسيول ،وتصيديقا لمصيطفى للتبلييغ ،وحجية للواسيطة
بين ال -جل جلل -وبين عباده.
**3الية{ 49 :ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}
@قوله تعالى" :ثم يأتي من بعد ذلك عام" هذا خبر من يوسف عليه السلم عما لم يكن في رؤيا
الملك ،ولكنييه ميين علم الغيييب الذي آتاه ال .قال قتادة :زاده ال علم سيينة لم يسييألوه عنهييا إظهارا
لفضله ،وإعلمييا لمكانييه ميين العلم وبمعرفتييه" .فيييه يغاث الناس" ميين الغاثيية أو الغوث؛ غوث
الرجيل فال واغوثاه ،والسيم الغوث والغواث والغواث ،واسيتغاثني فلن فأغثتيه ،والسيم الغياث؛
صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها .والغيث المطر؛ وقد غاث الغيث الرض أي أصابها؛ وغاث ال
البلد يغيثها غيثا ،وغيثت الرض تغاث غيثا ،فهي أرض مغيثة ومغيوثة؛ فمعنى "يغاث الناس"
يمطرون" .وفييه يعصيرون" فال ابين عباس :يعصيرون العناب والدهين؛ ذكره البخاري .وروى
حجاج عن ابن جريح قال :يعصرون العنب خمرا والسمسم دهنا ،والزيتون زيتا .وقيل :أراد حلب
اللبان لكثرتهيا؛ ويدل ذلك على كثرة النبات .وقييل" :يعصيرون" أي ينجون؛ وهيو مين العصيرة،
وهي المنجاة .قال أبو عبيدة والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة ،وكذلك العصرة؛ قال أبو زبيد:
ولقد كان عصره المنجود صاديا يستغيث غير مغاث
والمنجود الفزع .واعتصييرت بفلن وتعصييرت أي التجأت إليييه .قال أبييو الغوث" :يعصييرون"
يسييتغلون؛ وهييو ميين عصيير العنييب .واعتصييرت ماله أي اسييتخرجته ميين يده .وقرأ عيسييى
"تعصيرون" بضيم التاء وفتيح الصياد ،ومعناه :تمطرون؛ مين قول ال" :وأنزلنيا مين المعصيرات
ماء ثجاجا" [النبأ ]14 :وكذلك معنى "تعصرون" بضم التاء وكسر الصاد ،فيمن قرأه كذلك.
**3اليتان{ 51 - 50 :وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما
بال النسوة اللتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ،قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه
قلن حاش ل ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه
وإنه لمن الصادقين}
@قوله تعالى" :وقال الملك ائتونيي بيه" أي فذهيب الرسيول فأخيبر الملك ،فقال :ائتونيي بيه" .فلميا
جاءه الرسيول" أي يأمره بالخروج" .قال ارجيع إلى ربيك فاسيأله ميا بال النسيوة" أي حال النسيوة.
"فاسأله ما بال النسوة" ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى ل
يقيع عليهيا تصيريح؛ وذلك حسين عشرة وأدب؛ وفيي الكلم محذوف ،أي فاسيأله أن يتعرف ميا بال
النسيوة" .اللتيي قطعين أيديهين إن ربيي بكيدهين علييم" فأبيى أن يخرج إل أن تصيح براءتيه عنيد
الملك مما قذف به ،وأنه حبس بل جرم .وروى الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى
ال علييه وسيلم( :إن الكرييم ابين الكرييم ابين الكرييم ابين الكرييم يوسيف بين يعقوب بين إسيحاق بين
إبراهييم -قال -ولو لبيث فيي ،السيجن ميا لبيث ثيم جاءنيي الرسيول أجبيت -ثيم قرأ " -فلميا جاءه
الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللتي يقطعن أيديهن" -قال -ورحمة ال على
لوط لقيد كان يأوي إلى ركين شدييد إذ قال "لو أن لي بكيم قوة أو آوي إلى ركين شدييد فميا بعيث ال
من بعده نبيا إل في ذروة من قومه) .وروى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال
علييه وسيلم( :يرحيم ال لوطيا لقيد كان يأوي إلى ركين شدييد ولو لبثيت فيي السيجن ميا لبيث يوسيف
لجبييت الداعييي ونحيين أحييق ميين إبراهيييم إذ قال له "أو لم تؤميين قال بلى ولكنييي ليطمئن قلبييي"
[البقرة ]260 :وروي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال (يرحيم ال أخيي يوسيف لقيد كان
صيابرا حليميا ولو لبثيت فيي السيجن ميا لبثيه أجبيت الداعيي ولم ألتميس العذر) .وروي نحيو هذا
الحديث من طريق عبدالرحمن بن القاسم صاحب مالك ،فيي كتاب التفسير من صحيح البخاري،
وليس لبن القاسم في الديوان غيره .وفي رواية الطبري (يرحم ال يوسف لو كنت أنا المحبوس
ثيم أرسيل إلي لخرجيت سيريعا أن كان لحليميا ذا أناة) .وقال صيلى ال علييه وسيلم( :لقيد عجبيت مين
يوسيف وصيبره وكرميه وال يغفير له حيين سيئل عين البقرات لو كنيت مكانيه لميا أخيبرتهم حتيى
اشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين آتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب) .قال ابن
عطية :كان هذا الفعل من يوسف عليه السلم أناة وصبرا ،وطلبا لبراءة الساحة؛ وذلك أنه -فيما
روي -خشيي أن يخرج وينال مين الملك مرتبية ويسيكت عين أمير ذنبيه صيفحا فيراه الناس بتلك
العين أبدا ويقولون :هذا الذي راود امرأة موله؛ فأراد يوسف عليه السلم أن يبين براءته ،ويحقق
منزلتيه مين العفية والخيير؛ وحينئذ يخرج للحظاء والمنزلة؛ فلهذا قال للرسيول :ارجيع إلى ربيك
وقل له ما بال النسوة ،ومقصد يوسف عليه السلم إنما كان :وقل له يستقصي عن ذنبي ،وينظر
فيي أمري هيل سيجنت بحيق أو بظلم؛ ونكيب عين امرأة العزييز حسين عشرة ،ورعايية لذمام الملك
العزييز له .فإن قييل :كييف مدح النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوسيف بالصيبر والناة وترك المبادرة
إلى الخروج ،ثيم هو يذهيب بنفسه عن حالة قيد مدح بهيا غيره؟ فالوجه فيي ذلك أن النبي صلى ال
علييه وسيلم إنميا أخيذ لنفسيه وجهيا آخير مين الرأي ،له جهية أيضيا مين الجودة؛ يقول :لو كنيت أنيا
لبادرت بالخروج ،ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك ،وذلك أن هذه القصص والنوازل هي معرضة
لن يقتدي الناس بهييا إلى يوم القياميية؛ فأراد رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم حمييل الناس على
الحزم مين المور؛ وذلك أن تارك الحزم فيي مثيل هذه النازلة ،التارك فرصية الخروج مين مثيل
ذلك السيجن ،ربميا نتيج له البقاء فيي سيجنه ،وانصيرفت نفيس مخرجيه عنيه ،وإن كان يوسيف علييه
السيلم أمين مين ذلك بعلميه مين ال ،فغيره مين الناس ل يأمين ذلك؛ فالحالة التيي ذهيب النيبي صيلى
ال عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم ،وما فعله يوسف عليه السلم صبر عظيم وجلد.
@قوله تعالى" :فاسأله ما بال النسوة" ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم
بالتلويح حتى ل يقع عليها تصريح؛ وذلك حسن عشرة وأدب؛ وفي الكلم محذوف ،أي فاسأله أن
يتعرف مييا بال النسييوة .قال ابيين عباس :فأرسييل الملك إلى النسييوة وإلى امرأة العزيييز -وكان قييد
مات العزييز فدعاهين فيي "قال ميا خطبكن" أي ما شأنكن" .إذ راودتن يوسيف عن نفسه" وذلك أن
كيل واحدة منهين كلميت يوسيف فيي حيق نفسيها ،على ميا تقدم ،أو أراد قول كيل واحدة قيد ظلميت
امرأة العزيز ،فكان ذلك مراودة منهن" .قلن حاش ل" أي معاذ ال" .ما علمنا عليه من سوء" أي
زنيى" .قالت امرأة العزييز الن حصيحص الحيق" لميا رأت إقرارهين بيبراءة يوسيف ،وخافيت أن
يشهدن عليها إن أنكرت أقرت هي أيضا؛ وكان ذلك لطفا من ال بيوسف .و"حصحص الحق" أي
تبين وظهر؛ وأصله حصص ،فقيل :حصحص؛ كما قال :كبكبوا في كببوا ،وكفكف في كفف؛ قال
الزجاج وغيره .وأصيل الحيص اسيتئصال الشييء؛ يقال :حيص شعره إذا اسيتأصله جزا؛ قال أبيو
القيس بن السلت:
أطعم نوما غير تهجاع قد حصّت البيضة رأسي فما
وسنة حصّاء أي جرداء ل خير فيها ،قال جرير:
من ساقه السنة الحصا والذيب يأوي إليكم بل من ول جحد
كأنيه أراد أن يقول :والضبيع ،وهيي السينة المجدبية؛ فوضيع الذئب موضعيه لجيل القافيية؛ فمعنيى
"حصحص الحق" أي انقطع عن الباطل ،بظهوره وثباته؛ قال:
كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم أل مبلغ عني خداشا فإنه
وقيل :هو مشتق من الحصة؛ فالمعنى :بانت حصة الحق من حصة الباطل .وقال مجاهد وقتادة:
وأصيله مأخوذ مين قولهيم؛ حيص شعره إذا اسيتأصل قطعيه؛ ومنيه الحصية مين الرض إذا قطعيت
منهيا .والحصيحص بالكسير التراب والحجارة؛ ذكره الجوهري" .أنيا راودتيه عين نفسيه وإنيه لمين
الصييادقين" وهذا القول منهييا -وإن لم يكيين سييأل عنييه -إظهار لتوبتهييا وتحقيييق لصييدق يوسييف
وكرامتيه؛ لن إقرار المقير على نفسيه أقوى مين الشهادة علييه؛ فجميع ال تعالى ليوسيف لظهار
صدقه الشهادة والقرار ،حتى ل يخامر نفسا ظن ،ول يخالطها شك .وشددت النون في "خطبكن"
و"راودتن" لنها بمنزلة الميم والواو في المذكر.
**3الية{ 52 :ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن ال ل يهدي كيد الخائنين}
@قوله تعالى" :ذلك ليعلم أنيي لم أخنيه بالغييب" اختلف فيمين قاله ،فقييل :هيو مين ،قول امرأة
العزيز ،وهو متصل بقولها" :الن حصحص الحق" أي أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب
أي بالكذب علييه ،ولم أذكره بسيوء وهيو غائب ،بيل صيدقت وحدت عين الخيانية؛ ثيم قالت" :وميا
أبرئ نفسيي" بيل أنيا راودتيه؛ وعلى هذا هيي كانيت مقرة بالصيانع ،ولهذا قالت" :إن ربيي غفور
رحيييم" .وقيييل :هييو ميين قول يوسييف؛ أي قال يوسييف :ذلك الميير الذي فعلتييه ،ميين رد الرسييول
"ليعلم" العزيز "أني لم أخنه بالغيب" قاله الحسن وقتادة وغيرهما .ومعنى "بالغيب" وهو غائب.
وإنميا قال يوسيف ذلك بحضرة الملك ،وقال" :ليعلم" على الغائب توقيرا للملك .وقييل :قاله إذ عاد
إلييه الرسيول وهيو فيي السيجن بعيد؛ قال ابين عباس :جاء الرسيول إلى يوسيف علييه السيلم بالخيبر
وجبريل معه يحدثه؛ فقال يوسيف" :ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن ال ل يهدي كيد الخائنين"
أي لم أخن سيدي بالغيب؛ فقال له جبريل عليه السلم :يا يوسف! ول حين حللت الزار ،وجلست
مجلس الرجل من المرأة؟! فقال يوسف" :وما أبرئ نفسي" الية .وقال السدي :إنما قالت له امرأة
العزيز ول حين حللت سراويلك يا يوسف؟! فقال يوسف" :وما أبرئ نفسي" .وقيل" :ذلك ليعلم"
ميين قول العزيييز؛ أي ذلك ليعلم يوسييف أنييي لم أخنييه بالغيييب ،وأنييي لم أغفييل عيين مجازاتييه على
أمانته" .وأن ال ل يهدي كيد الخائنين" معناه :أن ال ل يهدي الخائنين بكيدهم.
**3اليية{ 53 :وميا أبرئ نفسيي إن النفيس لمارة بالسيوء إل ميا رحيم ربيي إن ربيي غفور
رحيم}
@قوله تعالى" :وميا أبرئ نفسيي" قييل :هيو مين قول المرأة .وقال القشيري :فالظاهير أن قوله:
"ذلك ليعلم" وقوله" :وما أبرئ نفسي" من قول يوسف.
قلت :إذا احتميل أن يكون مين قول المرأة فالقول بيه أولى حتيى نيبرئ يوسيف مين حيل الزار
والسراويل؛ وإذا قدرناه من قول يوسف فيكون مما خطير بقلبه ،على ما قدمناه من القول المختار
في قوله" :وهم بها" .قال أبو بكر النباري :من الناس من يقول" :ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب"
إلى قوله" :إن ربيي غفور رحييم" مين كلم امرأة العزييز؛ لنيه متصيل بقولهيا" :أنيا راودتيه عين
نفسه وإنه لمن الصادقين" [يوسف ]51 :وهذا مذهب الذين ينفون الهم عن يوسف عليه السلم؛
فمين بنيى على قولهيم قال :مين قوله" :قالت امرأة العزييز" [يوسيف ]51 :إلى قوله" :إن ربيي
غفور رحييم" كلم متصيل بعضيه ببعيض ،ول يكون فييه وقيف تام على حقيقية؛ ولسينا نختار هذا
القول ول نذهيب إلييه .وقال الحسين :لميا قال يوسيف "ذلك ليعلم أنيي لم أخنيه بالغييب" كره نيبي ال
أن يكون قيد زكيى نفسيه فقال" :وميا أبرئ نفسيي" لن تزكيية النفيس مذمومية؛ قال ال تعالى" :فل
تزكوا أنفسيكم" [النجيم ]32 :وقيد بيناه فيي "النسياء" .وقييل :هيو مين قول العزييز؛ أي وميا أبرئ
نفسيي مين سيوء الظين بيوسيف" .إن النفيس لمارة بالسيوء" أي مشتهيية له" .إل ميا رحيم ربيي إن
ربي غفور رحيم" "إل ما رحم ربي" في موضع نصب بالستثناء؛ و"ما" بمعنى من؛ أي إل من
رحيم ربيي فعصيمه؛ و"ميا" بمعنيى مين كثيير؛ قال ال تعالى" :فانكحوا ميا طاب لكيم مين النسياء"
[النساء ]3 :وهو استثناء منقطع ،لنه استثناء المرحوم بالعصمة من النفس المارة بالسوء؛ وفي
الخيبر عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :ميا تقولون فيي صياحب لكيم إن أنتيم أكرمتموه
وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى
خييير غاييية) قالوا :يييا رسييول ال! هذا شيير صيياحب فييي الرض .فال( :فوالذي نفسييي بيده إنهييا
لنفوسكم التي بين جنوبكم).
**3اليية{ 54 :وقال الملك ائتونيي بيه أسيتخلصه لنفسيي فلميا كلميه قال إنيك اليوم لدينيا مكيين
أمين}
@قوله تعالى" :وقال الملك ائتونيي بيه أسيتخلصه لنفسيي" لميا ثبيت للملك براءتيه مميا نسيب إلييه؛
وتحقق في القصة أمانته ،وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده ،وتيقن حسن خلل قال:
"ائتوني به استخلصه لنفسي" فانظر إلى قول الملك أول -حين تحقق علمه " -ائتوني به" فقط،
فلميا فعيل يوسيف ميا فعيل ثانييا قال" :ائتونيي بيه اسيتخلصه لنفسيي" وروي عن وهيب بين منبيه قال:
لميا دعيي يوسيف وقيف بالباب فقال :حسيبي ربيي مين خلقيه ،عيز جاره وجيل ثناؤه ول إله غيره .ثيم
دخيل فلميا نظير إلييه الملك نزل عين سيريره فخير له سياجدا؛ ثيم أقعده الملك معيه على سيريره فقال.
"إنيك اليوم لدينيا مكيين أميين" قال له يوسيف "اجعلنيي على خزائن الرض إنيي حفييظ" [يوسيف:
]55بوجوه تصرفاتها .وقيل :حافظ للحساب ،عليم باللسن .وفي الخبر( :يرحم ال أخي يوسف
لو لم يقل اجعلني على خزائن الرض لستعمله من ساعته ولكن أخر ذلك سنة) .وقيل :إنما تأخر
تمليكه إلى سنة لنه لم يقل إن شاء ال .وقد قيل في هذه القصة :إن يوسف عليه السلم لما دخل
على الملك قال :اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ،وأعوذ بك ،من شره وشر غيره؛ ثم سلم على
الملك بالعربية فقال :ما هذا اللسان؟ فال :هذا لسان عمي إسماعيل ،ثم دعا له بالعبرانية فقال :ما
هذا اللسيان؟ قال :لسيان آبائي إبراهييم وإسيحاق ويعقوب؛ وكان الملك يتكلم بسيبعين لسيانا ،فكلميا
تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان ،فأعجب الملك أمره ،وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلثين
سنة؛ ثم أجلسه على سريره وقال :أحب أن أسمع منك رؤياي ،قال يوسف نعم أيها الملك! رأيت
سبع بقرات سمان شهبا غرا حسانا ،كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلفها
لبنيا؛ فبينيا أنيت تنظير إليهين وتتعجيب مين حسينهن إذ نضيب النييل فغار ماؤه ،وبدا أسيه ،فخرج مين
حمئه ووحله سيبع بقرات عجاف شعيث غيبر مقلصيات البطون ،لييس لهين ضروع ول أخلف،،
لهيين أنياب وأضراس ،وأكييف كأكييف الكلب وخراطيييم كخراطيييم السييباع ،فاختلطيين بالسييمان
فافترسيينهن افتراس السييباع ،فأكلن لحومهيين ،ومزقيين جلودهيين ،وحطميين عظامهيين ،ومشمشيين
مخهن؛ فبينا أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل! ثم لم يظهر منهن سمن ول زيادة بعد
أكلهن! إذا بسبع سنابل خضر طريات ناعمات ممتلئات حبا وماء ،وإلى جانبهن سبع يابسات ليس
فيهين ماء ول خضرة فيي منبيت واحيد ،عروقهين فيي الثرى والماء ،فبينيا أنيت تقول فيي نفسيك :أي
شيء هذا؟! هؤلء خضر مثمرات ،وهؤلء سود يابسات ،والمنبت واحد ،وأصولهن في الماء ،إذ
هبييت ريييح فذرت الوراق ميين اليابسييات السييود على الخضيير المثمرات ،فأشعلت فيهيين النار
فأحرقتهيين؛ فصييرن سييودا مغييبرات؛ فانتبهييت مذعورا أيهييا الملك؛ فقال الملك :وال مييا شأن هذه
الرؤييا وإن كان عجبيا بأعجيب مميا سيمعت منيك! فميا ترى فيي رؤياي أيهيا الصيديق؟ فقال يوسيف:
أرى أن تجمع الطعام ،وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة؛ فإنك لو زرعت على حجر
أو مدر لنبيت ،وأظهير ال فييه النماء والبركية ،ثيم ترفيع الزرع فيي قصيبه وسينبله تبنيي له المخازن
العظام؛ فيكون القصب والسنبل علفا للدواب ،وحبه للناس ،وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى
أهرائك الخمييس؛ فيكفيييك ميين الطعام الذي جمعتييه لهييل مصيير وميين حولهييا ،ويأتيييك الخلق ميين
النواحيي يمتارون منيك ،ويجتميع عندك مين الكنوز ميا لم يجتميع لحيد قبلك؛ فقال الملك :ومين لي
بتدبيير هذه المور؟ ولو جمعيت أهيل مصير جميعيا ميا أطاقوا ،ولم يكونوا فييه أمناء؛ فقال يوسيف
علييه السيلم عنيد ذلك" :اجعلنيي على خزائن الرض" [يوسيف ]55 :أي على خزائن أرضيك؛
وهي جمع خزانة؛ ودخلت اللف واللم عوضا من الضافة ،كقول النابغة:
من الجود والحلم غير كواذب لهم شيمة لم يعطها ال غيرهم
@قوله تعالى" :اسيتخلصه لنفسيي" جزم لنيه جواب المير؛ وهذا يدل على أن قوله" :ذلك ليعلم
أنيي لم أخنيه بالغييب" جرى فيي السيجن .ويحتميل أنيه جرى عنيد الملك ثيم قال فيي مجلس آخير:
"ائتوني به" [يوسف ]50 :تأكيدا "استخلصه لنفسي" أي اجعله خالصا لنفسي ،أفوض إليه أمر
مملكتيي؛ فذهبوا فجاؤوا بيه؛ ودل على هذا قوله" :فلميا كلميه" أي كلم الملك يوسيف ،وسيأله عين
الرؤييا فأجاب يوسيف؛ "قال إنيك اليوم لدينيا مكيين" "قال" الملك" :إنيك اليوم لدينيا مكيين أميين" أي
متمكن نافذ القول" ،أمين" ل تخاف غدرا.
**3الية{ 55 :قال اجعلني على خزائن الرض إني حفيظ عليم}
@قوله تعالى" :قال اجعلنيي على خزائن الرض" قال سعيد بن منصور :سمعت مالك بن أنس
يقول :مصييير خزانييية الرض؛ أميييا سيييمعت إلى قوله" :اجعلنيييي على خزائن الرض" أي على
حفظها ،فحذف المضاف" .إني حفيظ" لما وليت "عليم" بأمره .وفي التفسير :إني حاسب كاتب؛
وأنيه أول مين كتيب فيي القراطييس .وقييل" :حفييظ" لتقديير القوات "علييم" بسيني المجاعات .قال
جوييبر عين الضحاك عين ابين عباس قال قال وسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :رحيم ال أخيي
يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الرض لستعمله من ساعته ولكن أخر ذلك عنه سنة).
قال ابيين عباس :لمييا انصييرمت السيينة ميين يوم سييأل المارة دعاه الملك فتوجييه ورداه بسيييفه،
ووضيع له سيريرا مين ذهيب ،مكلل بالدر والياقوت ،وضرب علييه حلة مين إسيتبرق؛ وكان طول
السييرير ثلثييين ذراعييا وعرضييه عشرة أذرع ،عليييه ثلثون فراشييا وسييتون مرفقييه ،ثييم أمره أن
يخرج ،فخرج متوجيا ،لونيه كالثلج ،ووجهيه كالقمير؛ يرى الناظير وجهيه مين صيفاء لون وجهيه،
فجلس على السرير ودانت له الملوك ،ودخل الملك بيته مع نسائه ،وفوض إليه أمر مصر ،وعزل
قطفيير عميا كان علييه وجعيل يوسيف مكانيه .قال ابين زييد :كان لفرعون ملك مصير خزائن كثيرة
غيير الطعام ،فسيلم سيلطانه كله إلييه ،وهلك قطفيير تلك الليالي ،فزوج الملك يوسيف راعييل امرأة
العزييز ،فلميا دخيل عليهيا قال :ألييس هذا خيرا مميا كنيت تريديين؟! فقالت :أيهيا الصيديق ل تلمنيي؛
فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى ،وكان صاحبي ل يأتي النساء ،وكنت كما جعلك ال من
الحسين فغلبتنيي نفسيي .فوجدهيا يوسيف عذراء فأصيابها فولدت له رجليين :إفراثييم بين يوسيف،
ومنشا بن يوسف .وقال وهب بن منبه :إنما كان تزويجه زليخاء امرأة العزيز بين دخلتي الخوة،
وذلك أن زليخاء مات زوجها ويوسف في السجن ،وذهب مالها وعمي بصرها بكاء على يوسف،
فصيارت تتكفيف الناس ،فمنهيم مين يرحمهيا ومنهيم مين ل يرحمهيا ،وكان يوسيف يركيب فيي كيل
أسيبوع مرة فيي موكيب زهاء مائة ألف مين عظماء قوميه ،فقييل لهيا :لو تعرضيت له لعله يسيعفك
بشييء؛ ثيم قييل لهيا :ل تفعلي ،فربميا ذكير بعيض ميا كان منيك مين المراودة والسيجن فيسييء إلييك،
فقالت :أنييا أعلم بخلق حبيييبي منكييم ،ثييم تركتييه حتييى إذا ركييب فييي موكبييه ،قامييت فنادت بأعلى
صوتها :سبحان من جعل الملوك عبيدا بمعصيتهم ،وجعل العبيد ملوكا بطاعتهم ،فقال يوسف :ما
هذه؟ فأتوا بها؛ فقالت :أنا التي كنت أخدمك على صدور قدمي ،وأرجل جمتك ،بيدي ،وتربيت في
بيتييي ،وأكرمييت مثواك ،لكيين فرط مييا فرط ميين جهلي وعتوي فذقييت وبال أمري ،فذهييب مالي،
وتضعضييع ركنييي ،وطال ذلي ،وعمييي بصييري ،وبعدمييا كنييت مغبوطيية أهييل مصيير صييرت
مرحومتهيم ،أتكفيف الناس ،فمنهيم مين يرحمنيي ،ومنهيم مين ل يرحمنيي ،وهذا جزاء المفسيدين؛
فبكى يوسف بكاء شديدا ،ثم قال لها :هل بقيت تجدين مما كان في نفسك من حبك لي شيئا؟ فقالت:
وال لنظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا بحذافيرها ،لكن ناولني صدر سوطك ،فناولها فوضعته
على صدرها ،فوجد للسوط في يده اضطرابا وارتعاشا من خفقان قلبها ،فبكى ثم مضى إلى منزله
فأرسيل إليهيا رسيول :إن كنيت أيميا تزوجناك ،وإن كنيت ذات بعيل أغنيناك ،فقالت للرسيول :أعوذ
بال أن يستهزئ بي الملك! لم يردني أيام شبابي وغناي ومالي وعزي أفيريدني اليوم وأنا عجوز
عمياء فقيرة؟! فأعلميه الرسيول بمقالتهيا ،فلميا ركيب فيي السيبوع الثانيي تعرضيت له ،فقال لهيا :ألم
يبلغك الرسول؟ فقالت :قد أخبرتك أن نظرة واحدة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ فأمر
بها فأصلح من شأنها وهيئت ،ثم زفت إليه ،فقام يوسف يصلي ويدعو ال ،وقامت وراءه ،فسأل
ال تعالى أن يعييد إليهيا شبابهيا وجمالهيا وبصيرها ،فرد ال عليهيا شبابهيا وجمالهيا وبصيرها حتيى
عادت أحسن ما كانت يوم راودته ،إكراما ليوسف عليه السلم لما عف عن محارم ال ،فأصابها
فإذا هيي عذراء ،فسيألها؛ فقالت :ييا نيبي ال إن زوجيي كان عنينيا ل يأتيي النسياء ،وكنيت أنيت مين
الحسين والجمال بميا ل يوصيف؛ قال :فعاشيا فيي خفيض عييش ،فيي كيل يوم يجدد ال لهميا خيرا،
وولدت له ولدييين؛ إفراثيييم ومنشييا .وفيمييا روي أن ال تعالى ألقييى فييي قلب يوسييف ميين محبتهييا
أضعاف ما كان في قلبها ،فقال لها :ما شأنك ل تحبينني كما كنت في أول مرة؟ فقالت له :لما ذقت
محبة ال تعالى شغلني ذلك عن كل شيء.
@ قال بعض أهل العلم :في هذه الية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر ،والسلطان
الكافر ،بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل ل يعارضه فيه ،فيصلح منه ما شاء؛ وأما إذا كان
عمله بحسيييب اختيار الفاجييير وشهواتيييه وفجوره فل يجوز ذلك .وقال قوم :إن هذا كان ليوسيييف
خاصيييية ،وهذا اليوم غييييير جائز؛ والول أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه .وال أعلم .قال
الماوردي :فان كان المولي ظالما فقد اختلف الناس في جواز الولية من قبله على قولين :أحدهما
-جوازهيا إذا عميل بالحيق فيميا تقلده؛ لن يوسيف ولي مين قبيل فرعون ،ولن العتبار فيي حقيه
بفعله ل بفعل غيره .الثاني :أنه ل يجوز ذلك؛ لما فيه من تولي الظالمين بالمعونة لهم ،وتزكيتهم
بتقلد أعمالهيم؛ فأجاب مين ذهيب إلى هذا المذهيب عين وليية يوسيف مين قبيل فرعون بجوابيين:
أحدهما :أن فرعون يوسف كان صالحا ،وإنما الطاغي فرعون موسى .الثاني :أنه نظر في أملكه
دون أعماله ،فزالت عنيه التبعية فييه .قال الماوردي :والصيح مين إطلق هذيين القوليين أن يفصيل
ما يتوله من جهة الظالم على ثلثة أقسام :أحدها :ما يجوز لهله فعله من غير اجتهاد فيي تنفيذه
كالصييدقات والزكوات ،فيجوز توليييه ميين جهيية الظالم ،لن النييص على مسييتحقه قييد أغنييى عيين
الجتهاد فيه ،وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التقليد .والقسم الثاني :ما ل يجوز أن يتفردوا به
ويلزم الجتهاد فيي مصيرفه كأموال الفييء ،فل يجوز تولييه مين جهية الظالم؛ لنيه يتصيرف بغيير
حييق ،ويجتهييد فيمييا ل يسييتحق .والقسييم الثالث :مييا يجوز أن يتوله لهله ،وللجتهاد فيييه مدخييل
كالقضايا والحكام ،فعقد التقليد محلول ،فإن كان النظر تنفيذا للحكم بين متراضيين ،وتوسطا بين
مجبورين جاز ،وإن كان إلزام إجبار لم يجز.
@ ودلت الية أيضا على جواز أن يخطب النسان عمل يكون له أهل؛ فإن قيل :فقد روى مسلم
عين عبدالرحمين بين سيمرة قال قال لي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ييا عبدالرحمين ل تسيأل
المارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها) .وعن
أبي بردة قال قال أبو موسى :أقبلت إلى النبي صلى ال عليه وسلم ومعي رجلن من الشعريين،
أحدهما عن يميني والخر عن يساري ،فكلهما سأل العمل ،والنبي صلى ال عليه وسلم يستاك،
فقال( :ميا تقول ييا أبيا موسيى -أو ييا عبدال بين قييس) .قال قلت :والذي بعثيك بالحيق ميا أطلعانيي
على ميا فيي أنفسيهما ،وميا شعرت أنهميا يطلبان العميل ،قال :وكأنيي أنظير إلى سيواكه تحيت شفتيه
وقد قلصت ،فقال( :لن -أو -ل نستعمل على عملنا من أراده) وذكر الحديث؛ خرجه مسلم أيضا
وغيره؛ فالجواب :أول :أن يوسيف علييه السيلم إنميا طلب الوليية لنيه علم أنيه ل أحيد يقوم مقاميه
فيي العدل والصيلح وتوصييل الفقراء إلى حقوقهيم فرأى أن ذلك فرض متعيين علييه فإنيه لم يكين
هناك غيره ،وهكذا الحكم اليوم ،لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة ولم
يكين هناك مين يصيلح ول يقوم مقاميه لتعيين ذلك علييه ،ووجيب أن يتولهيا ويسيأل ذلك ،ويخيبر
بصيفاته التيي يسيتحقها بيه مين العلم والكفايية وغيير ذلك ،كميا قال يوسيف علييه السيلم ،فأميا لو كان
هناك مين يقوم بهيا ويصيلح لهيا وعلم بذلك فالولى أل يطلب؛ لقول علييه السيلم ،لعبدالرحمين( :ل
تسيأل ،المارة وأيضيا فإن فيي سيؤالها والحرص عليهيا ميع العلم بكثرة آفاتهيا وصيعوبة التخلص
منهيا دلييل على ،أنيه يطلبهيا لنفسيه ولغراضيه ،ومين كان هكذا يوشيك أن تغلب علييه نفسيه فيهلك؛
وهذا معنيى قوله علييه السيلم( :وكيل إليهيا) ومين أباهيا لعلميه بآفاتهيا ،ولخوفيه مين التقصيير فيي
حقوقها فر منها ،ثم إن ابتلي بها فيرجى له التخلص منها ،وهو معنى قوله( :أعين عليها) .الثاني:
أنه لم يقل :إني حسيب كريم ،وإن كان كما قال النبي صلى ال عليه وسلم( :الكريم ابن الكريم ابن
الكرييم ابين الكرييم يوسيف بن يعقوب بين إسيحاق بن إبراهييم) ول قال :إنيي جمييل ملييح ،إنميا قال:
"إنيي حفييظ علييم" فسيألها بالحفيظ والعلم ،ل بالنسيب والجمال .الثالث :إنميا قال ذلك عنيد مين ل
يعرفيه فأراد تعرييف نفسيه ،وصيار ذلك مسيتثنى مين قوله تعالى" :فل تزكوا أنفسيكم" .الرابيع :أنيه
رأى ذلك فرضا متعينا عليه؛ لنه لم يكن هنالك غيره ،وهو الظهر ،وال أعلم.
@ ودلت اليية أيضيا على أنيه يجوز للنسيان أن يصيف نفسيه بميا فييه مين علم وفضيل؛ قال
الماوردي :وليس هذا على الطلق في عموم الصفات ،ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله ،أو
تعلق بظاهير مين مكسيب ،وممنوع منيه فيميا سيواه ،لميا فييه مين تزكيية ومراءاة ،ولو ميزه الفاضيل
عنه لكان ألييق بفضله؛ فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله ،ولما يرجو من الظفر
بأهله.
**3الية{ 56 :وكذلك مكنا ليوسف في الرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء
ول نضيع أجر المحسنين}
@قوله تعالى" :وكذلك مكنا ليوسف في الرض يتبوأ منها حيث يشاء" أي ومثل هذا النعام الذي
أنعمنا عليه في تقريبه إلى قلب الملك ،وإنجائه من السجن مكنا له في الرض؛ أي أقدرناه على ما
يرييد .وقال الكييا الطيبري قوله تعالى" :وكذلك مكنيا ليوسيف فيي الرض" دلييل على إجازة الحيلة
في التوصل إلى المباح ،وما فيه الغبطة والصلح ،واستخراج الحقوق ،ومثله قوله تعالى" :وخذ
بيدك ضغثيا فاضرب بيه ول تحنيث" [ص ]44 :وحدييث أبيي سيعيد الخدري فيي عاميل خييبر،
والذي أداه من التمر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وما قاله.
قلت :وهذا مردود على ما يأتي .يقال :مكناه ومكنا له ،قال ال تعالى" :مكناهم في الرض ما لم
نمكن لكم" [النعام .]6 :قال الطبري :استخلف الملك الكبر الوليد بن الريان يوسف على عمل
إطفير وعزله؛ فال مجاهد :وأسلم على يديه .قال ابن عباس :ملكه بعد سنة ونصف .وروى مقاتل
أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :لو أن يوسف قال إني حفيظ عليم إن شاء ال لملك في وقته).
ثيم مات إطفيير فزوجيه الولييد بزوجية إطفيير راعييل ،فدخيل بهيا يوسيف فوجدهيا عذراء ،وولدت له
ولديين :إفراثييم ومنشيا ،ابنيي يوسيف ،ومين زعيم أنهيا زليخاء قال :لم يتزوجهيا يوسيف ،وأنهيا لميا
رأته في موكبه بكت ،ثم قالت :الحمد ل الذي جعل الملوك عبيدا بالمعصية ،والحمد ل الذي جعل
العبيييد بالطاعيية ملوكييا ،فضمهييا إليييه ،فكانييت ميين عياله حتييى ماتييت عنده ،ولم يتزوجهييا؛ ذكره
الماوردي؛ وهو خلف ما تقدم عن وهب ،وذكره الثعلبي؛ فال أعلم .ولما فوض الملك أمر مصر
إلى يوسيف تلطيف بالناس ،وجعيل يدعوهيم إلى السيلم حتيى آمنوا بيه ،وأقام فيهيم العدل ،فأحبيه
الرجال والنسيياء ،قال وهيب والسييدي وابيين عباس وغيرهييم :ثييم دخلت السيينون المخصييبة ،فأميير
يوسف بإصلح المزارع ،وأمرهم أن يتوسعوا في الزراعة ،فلما أدركت الغلة أمر بها فجمعت،
ثم بنى لها الهرام ،فجمعت فيها في تلك السنة غلة ضاقت عنها المخازن لكثرتها ،ثم جمع عليه
غلة كل سنة كذلك ،حتى إذا انقضت السبع المخصبة وجاءت السنون المجدبة نزل جبريل وقال:
يا أهل مصر جوعوا؛ فإن ال سلط عليكم الجوع سبع سنين.
وقال بعييض أهييل الحكميية :للجوع والقحييط علمتان :إحداهمييا :أن النفييس تحييب الطعام أكثيير ميين
العادة ،ويسييرع إليهييا الجوع خلف مييا كانييت عليييه قبييل ذلك ،وتأخييذ ميين الطعام فوق الكفاييية.
والثانييية :أن يفقييد الطعام فل يوجييد رأسييا ويعييز إلى الغاييية ،فاجتمعييت هاتان العلمتان فييي عهييد
يوسييف ،فانتبييه الرجال والنسيياء والصييبيان ينادون الجوع الجوع!! ويأكلون ول يشبعون ،وانتبييه
الملك ،ينادى الجوع الجوع!! قال :فدعا له يوسف فأبرأه ال من ذلك ،ثم أصبح فنادى يوسف في
أرض مصير كلهيا؛ معاشير الناس! ل يزرع أحيد زرعيا فيضييع البذر ول يطلع شييء .وجاءت تلك
السينون بهول عظييم ل يوصيف؛ قال ابين عباس :لميا كان ابتداء القحيط بينيا الملك فيي جوف اللييل
أصيابه الجوع فيي نصيف اللييل ،فهتيف الملك ييا يوسيف! الجوع الجوع!! فقال يوسيف :هذا أوان
القحط؛ فلما دخلت أول سنة من سني القحط هلك فيها كل شيء أعدوه في السنين المخصبة ،فجعل
أهيل مصير يبتاعون الطعام مين يوسيف؛ فباعهيم أول سينة بالنقود ،حتيى لم يبيق بمصير دينار ول
درهيم إل قبضيه؛ وباعهيم فيي السينة الثانيية بالحلي والجواهير ،حتيى لم يبيق فيي أيدي الناس منهيا
شييء؛ وباعهيم فيي السينة الثالثية بالمواشيي والدواب ،حتيى احتوى عليهيا أجميع ،وباعهيم فيي السينة
الرابعية بالعبييد والماء ،حتيى احتوى على الكيل؛ وباعهيم فيي السينة الخامسية بالعقار والضياع،
حتى ملكها كلها؛ وباعهم في السنة السادسة بأولدهم ونسائهم فاسترقهم جميعا وباعهم في السنة
السابعة برقابهم ،حتى لم يبق في السنة السابعة بمصر حر ول عبد إل صار عبدا له؛ فقال الناس:
وال ميا رأينيا ملكيا أجيل ول أعظيم مين هذا؛ فقال يوسيف لملك مصير :كييف رأييت صينع ربيي فيميا
خولنيي! والن كيل هذا لك ،فميا ترى فييه؟ فقال :فوضيت إلييك الم فافعيل ميا شئت ،وإنميا نحين لك
تبيع؛ وميا أنيا بالذي يسيتنكف عين عبادتيك وطاعتيك ،ول أنيا إل مين بعيض مماليكيك ،وخول مين
خولك؛ فقال يوسييف علييه السيلم :إنيي لم أعتقهيم مين الجوع لسييتعبدهم ،ولم أجرهيم مين البلء
لكون عليهيم بلء؛ وإنيي أشهيد ال وأشهدك أنيي أعتقيت أهيل مصير عين آخرهيم ،ووددت عليهيم
أموالهيم وأملكهيم ،ورددت علييك ملكيك بشرط أن تسيتن بسينتي .ويروى أن يوسيف علييه السيلم
كان ل يشبيع مين طعام فيي تلك السينين ،فقييل له :أتجوع وبيدك خزائن الرض؟ فقال :إنيي أخاف
إن شبعيت أن أنسيى الجائع؛ وأمير يوسيف طباخ الملك أن يجعيل غذاءه نصيف النهار ،حتيى يذوق،
الملك طعم الجوع .فل ينسى الجائعين؛ فمن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار.
@قوله تعالى" :نصيب برحمتنا من نشاء" أي بإحساننا؛ والرحمة النعمة والحسان".
@قوله تعالى" :ول نضيع أجر المحسنين" أي ثوابهم .وقال ابن عباس ووهب :يعني الصابرين؛
لصيبره فيي الجيب ،وفيي الرق ،وفيي السيجن ،وصيبره عين محارم ال عميا دعتيه إلييه المرأة .وقال
الماوردي :واختلف فيما أوتيه يوسف من هذه الحال على قولين :أحدهما :أنه ثواب من ال تعالى
على ما ابتله .الثاني :أنه أنعم ال عليه بذلك تفضل منه عليه ،وثوابه باق على حاله في الخرة.
**3الية{ 57 :ولجر الخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون}
@ أي ما نعطيه في الخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا؛ لن أجر الخرة دائم ،وأجر الدنيا
ينقطع؛ وظاهر الية العموم في كل مؤمن متق؛ وأنشدوا:
لمثلك محبوسا على الظلم والفك أما في رسول ال يوسف أسوة
فآل به الصبر الجميل إلى الملك أقام جميل الصبر في الحبس برهة
وكتب بعضهم إلى صديق له:
وأول مفروج به آخر الحزن وراء مضيق الخوف متسع المن
خزائنه بعد الخلص من السجن فل تيأسن فال ملك يوسفا
وأنشد بعضهم:
وكادت تذوب لهن المهج إذا الحادثات بلغن النهي
فعند التناهي يكون الفرج وحل البلء وقل العزاء
والشعر في هذا المعنى كثير.
**3الية{ 58 :وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون}
@قوله تعالى" :وجاء إخوة يوسييف فدخلوا علييه" أي جاؤوا إلى مصيير لمييا أصييابهم القحيط
ليمتاروا؛ وهذا ميين اختصييار القرآن المعجييز .قال ابيين عباس وغيره :لمييا أصيياب الناس القحييط
والشدة ،ونزل ذلك بأرض كنعان بعيث يعقوب علييه السيلم ولده للميرة ،وذاع أمير يوسيف علييه
السيلم فيي الفاق ،للينيه وقربيه ورحمتيه ورأفتيه وعدل وسييرته؛ وكان يوسيف علييه السيلم حيين
نزلت الشدة بالناس ،يجلس للناس عنيد البييع بنفسيه ،فيعطيهيم مين الطعام على عدد رؤوسيهم ،لكيل
رأس وسقا" .فعرفهم" يوسف "وهم له منكرون" لنهم خلقوه صبيا ،ولم يتوهموا أنه بعد العبودية
يبلغ إلى تلك الحال مين المملكية ،ميع طول المدة؛ وهيي أربعون سينة .وقييل :أنكروه لنهيم اعتقدوا
أنه ملك كافر :وقيل :رأوه لبس حريير ،وفي عنقه طوق ذهب ،وعلى رأسه تاج ،وقد تزييا بزي
فرعون مصير؛ ويوسيف رآهيم على ميا كان عهدهيم فيي الملبيس والحليية .ويحتميل أنهيم رأوه وراء
ستر فلم يعرفوه .وقيل :أنكروه لمر خارق امتحانا امتحن ال به يعقوب.
**3الية{ 59 :ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم أل ترون أني أوفي الكيل
وأنا خير المنزلين}
@قوله تعالى" :ولميا جهزهيم بجهازهيم" يقال :جهزت القوم تجهيزا أي تكلفيت لهيم بجهازهيم
للسييفر؛ وجهاز العروس مييا يحتاج إليييه عنييد الهداء إلى الزوج؛ وجوز بعييض الكوفيييين الجهاز
بكسير الجييم؛ والجهاز فيي هذه اليية الطعام الذي امتاروه مين عنده .قال السيدي :وكان ميع إخوة
يوسف أحد عشر بعيرا ،وهم عشرة ،فقالوا ليوسف :إن لنا أخا تخلف عنا ،وبعيره معنا؛ فسألهم لم
تخلف؟ فقالوا :لحييب أبيييه إياه ،وذكروا له أنييه كان له أخ أكييبر منييه فخرج إلى البرييية فهلك؛ فقال
لهيم :أردت أن أرى أخاكيم هذا الذي ذكرتيم ،لعلم وجيه محبية أبيكيم إياه ،وأعلم صيدقكم؛ ويروى
أنهم تركوا عنده شمعون رهينة ،حتى يأتوا بأخيه بنيامين .وقال ابن عباس :قال يوسف للترجمان
قييل لهييم :لغتكييم مخالفيية للغتنييا ،وزيكييم مخالف لزينييا ،فلعلكييم جواسيييس؛ فقالوا :وال! مييا نحيين
بجواسيس ،بل نحن بنو أب واحد ،فهو شيخ صديق؛ قال :فكم عدتكم؟ قالوا :كنا اثني عشر فذهب
أخ لنيا إلى البريية فهلك فيهيا؛ قال :فأيين الخير؟ قالوا :عنيد أبينيا؛ قال :فمين يعلم صيدقكم؟ قالوا :ل
يعرفنا ههنا أحد ،وقد عرفناك أنسابنا ،فبأي شيء تسكن نفسك إلينا؟ فقال يوسف" :ائتوني بأخ لكم
من أبيكم" إن كنتم صادقين؛ فأنا أرضى بذلك
@قوله تعالى" :أل ترون أنيي أوفيي الكييل" أي أتميه ول أبخسيه ،وأزيدكيم حميل بعيير لخيكيم
ويحتمل وجهين :أحدهما :أنه رخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل .والثاني :أنه كال لهم
بمكيال واف" .وأنا خير المنزلين" فيه وجهان :أحدهما :أنه خير المضيفين ،لنه أحسن ضيافتهم؛
قال مجاهد .الثاني :وهو محتمل؛ أي خير من نزلتم عليه من المأمونين؛ وهو على التأويل الول
مأخوذ من النزل وهو الطعام ،وعلى الثاني من المنزل وهو الدار.
**3الية{ 60 :فإن لم تأتوني به فل كيل لكم عندي ول تقربون}
@قوله تعالى" :فإن لم تأتوني به فل كيل لكم عندي" أي فل أبيعكم شيئا فيما بعد ،لنه قد وفاهم
كيلهيم فيي هذه الحال" .ول تقربون" أي ل أنزلكيم عندي منزلة القرييب ،ولم يرد أنهيم يبعدون منيه
ول يعودون إلييه؛ لنيه على العود حثهيم .قال السيدي :وطلب منهيم رهينية حتيى يرجعوا؛ فارتهين
شمعون عنده؛ قال الكلبيي :إنميا اختار شمعون منهيم لنيه كان يوم الجيب أجملهيم قول ،وأحسينهم
رأييا .و"تقربون" فيي موضيع جزم بالنهيي ،فلذلك حذفيت منيه النون وحذفيت الياء؛ لنيه رأس آيية؛
ولو كان خبرا لكان "تقربون" بفتح النون.
**3الية{ 61 :قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون}
@قوله تعالى" :قالوا سنراود عنه أباه" أي سنطلبه منه ،ونسأله أن يرسله معنا" .وإنا لفاعلون"
أي لضامنون المجيء به ،ومحتالون في ذلك.
@ مسيألة :إن قييل :كييف اسيتجاز يوسيف إدخال الحزن على أبييه بطلب أخييه؟ قييل له :عين هذا
أربعية أجوبية :أحدهيا :يجوز أن يكون ال عيز وجيل أمره بذلك ابتلء ليعقوب ،ليعظيم له الثواب؛
فاتبع أمره فيه .الثاني :يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف عليهما السلم.
الثالث :لتتضاعيف المسيرة ليعقوب برجوع ولدييه علييه .الرابيع :ليقدم سيرور أخييه بالجتماع معيه
قبل إخوته؛ لميل كان منه إليه؛ والول أظهر .وال أعلم.
**3اليية{ 62 :وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فيي رحالهم لعلهيم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهيم
لعلهم يرجعون}
@قوله تعالى" :وقال لفتيته" هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم؛ وهي اختيار أبي حاتم
والنحاس وغيرهميا .وقرأ سيائر الكوفييين "لفتيانيه" وهو اختيار أبيي عبييد؛ وقال :هو فيي مصيحف
عبدال كذلك .قال الثعلبييي :وهمييا لغتان جيدتان؛ مثييل الصييبيان والصييبية قال النحاس" :لفتيانييه"
مخالف للسواد العظم؛ لنه فيي السواد ل ألف فيه ول نون ،ول يترك السواد المجتمع عليه لهذا
السيناد المنقطيع؛ وأيضيا فإن فتيية أشبيه مين فتيان؛ لن فتيية عنيد العرب لقيل العدد ،والقلييل بأن
يجعلوا البضاعيية فييي الرحال أشبييه .وكان هؤلء الفتييية يسييوون جهازهييم ،ولهذا أمكنهييم جعييل
بضاعتهيم فيي رحالهيم .ويجوز أن يكونوا أحرارا ،وكانوا أعوانيا له ،وبضاعتهيم أثمان ميا اشتروه
مين الطعام .وقييل :كانيت دراهيم ودنانيير .وقال ابين عباس :النعال والدم ومتاع المسيافر ،ويسيمى
رحل؛ قال ابيين النباري :يقال للوعاء رحييل ،وللبيييت رحييل .وقال" :لعلهييم يعرفونهييا" لجواز أل
تسيلم فيي الطرييق .وقييل :إنميا فعيل ذلك ليرجعوا إذا وجدوا ذلك؛ لعلميه أنهيم ل يقبلون الطعام إل
بثمنيه .قييل :ليسيتعينوا بذلك على الرجوع لشراء الطعام .وقييل :اسيتقبح أن يأخيذ مين أبييه وإخوتيه
ثمن الطعام .وقيل :ليروا فضله ،ويرغبوا في الرجوع إليه.
**3الية{ 63 :فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له
لحافظون}
@قوله تعالى" :فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل" لنه قال لهم" :فإن لم تأتوني به
فل كييل لكيم عندي" وأخيبروه بميا كان مين أمرهيم وإكرامهيم إياه ،وأن شمعون مرتهين حتيى يعلم
صيدق قولهيم" .فأرسيل معنيا أخانيا نكتيل" أي قالوا عنيد ذلك" :فأرسيل معنيا أخانيا نكتيل" والصيل
نكتال؛ فحذفييت الضميية ميين اللم للجزم ،وحذفييت اللف للتقاء السيياكنين .وقراءة أهييل الحرمييين
وأبي عمرو وعاصم "نكتل" بالنون وقرأ سائر الكوفيين "يكتل" بالياء؛ والول اختيار أبي عبيد،
ليكونوا كلهيم داخليين فيمين يكتال؛ وزعيم أنيه إذا كان بالياء كان للخ وحده .قال النحاس :وهذا ل
يلزم؛ لنييه ل يخلو الكلم ميين أحييد جهتييين؛ أن يكون المعنييى :فأرسييل أخانييا يكتييل معنييا؛ فيكون
للجمييع ،أو يكون التقديير على غيير التقدييم والتأخيير؛ فيكون فيي الكلم دلييل على الجمييع ،لقوله:
"فإن لم تأتوني به فل كيل لكم عندي"" .وإنا له لحافظون" من أن يناله سوء.
**3الية{ 64 :قال هل آمنكم عليه إل كما أمنتكم على أخيه من قبل فال خير حافظا وهو أرحم
الراحمين}
@قوله تعالى" :قال هل آمنكم عليه إل كما أمنتكم على أخيه من قبل" أي قيد فرطتيم في يوسف
فكيييف آمنكييم على أخيييه!" .فال خييير حفظييا" نصييب على البيان ،وهذه قراءة أهييل المدينيية وأبييي
عمرو وعاصييم .وقرأ سييائر الكوفيييين "حافظييا" على الحال .وقال الزجاج :على البيان؛ وفييي هذا
دليل على أنه أجابهم إلى إرسال معهم؛ ومعنى الية :حفظ ال له خير من حفظكم إياه .قال كعب
الحبار :لميا قال يعقوب" :فال خيير حافظيا" قال ال تعالى :وعزتيي وجللي لردن علييك ابنييك
كليهما بعدما توكلت علي
**3اليية{ 65 :ولميا فتحوا متاعهيم وجدوا بضاعتهيم ردت إليهيم قالوا ييا أبانيا ميا نبغيي هذه
بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير}
@قوله تعالى" :ولميا فتحوا متاعهيم" اليية لييس فيهيا معنيى يشكيل" .ميا نبغيي" "ميا" اسيتفهام فيي
موضيع نصيب؛ والمعنيى :أي شييء نطلب وراء هذا؟! وفيي لنيا الكييل ،ورد علينيا الثمين؛ أرادوا
بذلك أن يطيبوا نفيس أبيهييم .وقييل :هييي نافييية؛ أي ل نبغييي منييك دراهيم ول بضاعية ،بيل تكفينييا
بضاعتنيا هذه التيي ردت إلينيا .وروي عين علقمية "ردت إلينيا" بكسير الراء؛ لن الصيل ،رددت؛
فلما أدغم قلبت حركة الدال على الراء .وقوله" :ونمير أهلنا" أي نجلب لهم الطعام؛ قال الشاعر:
متى يأتي غياثك من تغيث بعثتك مائرا فمكثت حول
وقرأ السيلمي بضيم النون ،أي نعينهيم على الميرة" .ونزداد كييل بعيير ذلك كييل يسيير" أي حميل
بعير لبنيامين.
**3الية{ 66 :قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من ال لتأتنني به إل أن يحاط بكم فلما
آتوه موثقهم قال ال على ما نقول وكيل}
@قوله تعالى" :تؤتون" أي تعطوني" .موثقا من ال" أي عهدا يوثق به .قال السدي :حلفوا بال
ليردنيه إلييه ول يسيلمونه؛ واللم فيي "لتأتننيي" لم القسيم" .إل أن يحاط بكيم" قال مجاهيد :إل أن
تهلكوا أو تموتوا .وقال قتادة :إل أن تغلبوا علييه .قال الزجاج :وهيو فيي موضيع نصيب" .فلميا آتوه
موثقهم قال ال على ما نقول وكيل" أي حافظ للحلف .وقيل :حفيظ للعهد قائم بالتدبير والعدل.
@ هذه اليية أصيل فيي جواز الحمالة بالعيين والوثيقية بالنفيس؛ وقيد اختلف العلماء فيي ذلك؛ فقال
مالك وجمييع أصيحابه وأكثير العلماء :هيي جائزة إذا كان المتحميل بيه مال .وقيد ضعيف الشافعيي
الحمالة بالوجه فيي المال؛ وله قول كقول مالك .وقال عثمان البتيي :إذا تكفيل بنفس فيي قصياص أو
جراح فإنيه إن لم يجييء بيه لزميه الديية وأرش الجراح ،وكانيت له فيي مال الجانيي ،إذ ل قصياص
على الكفيل؛ فهذه ثلثة أقوال في الحمالة بالوجه .والصواب تفرقة مالك في ذلك ،وأنها تكون في
المال ،ول تكون في حد أو تعزير ،على ما يأتي بيانه:
**3الية{ 67 :وقال يا بني ل تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم
من ال من شيء إن الحكم إل ل عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}
@ لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين؛ فأمرهم أل يدخلوا مصر من باب واحد ،وكانت
مصر لها أربعة أبواب؛ وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجل لرجل واحد؛ وكانوا أهل
جمال وكمال وبسطة؛ قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم.
@ إذا كان هذا معنى الية فيكون فيها دليل على التحرز من العين ،والعين حق؛ وقد قال رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن العيين لتدخيل الرجيل القيبر والجميل القدر) .وفيي تعوذه عليه السيلم:
(أعوذ بكلمات ال التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لمة) ما يدل على ذلك.
وروى مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول :اغتسل أبي سهل بن
حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه ،وعامر بن ربيعة ينظر ،قال :وكان سهل رجل ابيض حسن
الجلد قال فقال له عامير بين ربيعية :ميا رأييت كاليوم ول جلد عذراء! فوعيك سيهل مكانيه واشتيد
وعكه ،فأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبر أن سهل وعك ،وأنه غير رائح معك يا رسول
ال؛ فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر؛ فقال رسول ال
صيلى ال علييه سيلم( :علم يقتيل أحدكيم أخاه أل بركيت إن العيين حيق توضيأ له) فتوضيأ عامير،
فراح سهل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس به بأس؛ في رواية (اغتسل) فغسل له عامر
وجهيه ويدييه ومرفقييه وركبتييه وأطراف رجلييه وداخيل إزاره فيي قدح ثيم صيب علييه؛ فراح سيهل
ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لييس بيه بأس .وركيب سيعد بين أبيي وقاص يوميا فنظرت إلييه
امرأة فقالت :إن أميركيم هذا ليعلم أنيه أهضيم الكشحيين؛ فرجيع إلى منزله فسيقط ،فبلغيه ميا قالت
المرأة ،فأرسل إليها فغسلت له؛ ففي هذين الحديثين أن العين حق ،وأنها تقتل كما قال النبي صلى
ال علييه وسيلم؛ وهذا قول علماء المية ،ومذهيب ،أهيل السينة؛ وقيد أنكرتيه طوائف مين المبتدعية،
وهم محجوجون بالسنة وإجماع علماء هذه المة ،وبما يشاهد من ذلك في الوجود؛ فكم من رجل
أدخلتيه العيين القيبر ،وكيم مين جميل ظهيير أدخلتيه القدر ،لكين ذلك بمشيئة ال تعالى كميا قال" :وميا
هيم بضاريين بيه مين أحيد إل بإذن ال" [البقرة .]102 :قال الصيمعي :رأييت رجل عيونيا سيمع
بقرة تحلب فأعجبييه شخبهييا فقال :أيتهيين هذه؟ فقالوا :الفلنييية لبقرة أخرى يورون عنهييا ،فهلكتييا
جميعييا ،المروى بهييا والمورى عنهييا .قال الصييمعي .وسييمعته يقول :إذا رأيييت الشيييء يعجبنييي
وجدت حرارة تخرج من عيني.
@ واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرك؛ فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور ل محالة؛
أل ترى قوله عليييه السييلم لعاميير( :أل بركييت) فدل على أن العييين ل تضيير ول تعدو إذا برك
العائن ،وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك .والتبريك أن يقول :تبارك ال أحسن الخالقين! اللهم بارك فيه.
@ العائن إذا أصاب بعينه ولم يبرك فإنه يؤمر بالغتسال ،ويجبر على ذلك إن أباه؛ لن المر
على الوجوب ،ل سييما هذا؛ فإنيه قيد يخاف على المعيين الهلك ،ول ينبغيي لحيد أن يمنيع أخاه ميا
ينتفع به أخوه ول يضره هو ،ول سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه.
@ من عرف بالصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعا لضرره؛ وقد قال بعض العلماء :يأمره
المام بلزوم بيتيه؛ وإن كان فقيرا رزقيه ميا يقوم بيه ،ويكيف أذاه عين الناس .وقيد قييل :إنيه ينفيى؛
وحدييث مالك الذي ذكرناه يرد هذه القوال؛ فإنيه علييه السيلم لم يأمير فيي عامير بحبيس ول بنفيي،
بل قد يكون الرجل الصالح عائنا ،وأنه ل يقدح فيه ول يفسق به؛ ومن قال :يحبس ويؤمر بلزوم
بيته .فذلك احتياط ودفع ضرر ،وال أعلم.
@ روى مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال :دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم بابني
جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما( :ما لي أراهما ضارعين) فقالت حاضنتهما :يا رسول ال!
إنيه تسيرع إليهميا العيين ،ولم يمنعنيا أن نسيترقي لهميا إل أنيا ل ندري ميا يوافقيك مين ذلك؟ فقال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :اسيترقوا لهميا فإنيه لو سيبق شييء القدر سيبقته العيين) .وهذا
الحدييث منقطيع ،ولكنيه محفوظ لسيماء بنيت عمييس الخثعميية عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين
وجوه ثابتية متصيلة صيحاح؛ وفييه أن الرقيي مميا يسيتدفع بيه البلء ،وأن العيين تؤثير فيي النسيان
وتضرعه ،أي تضعفه وتنحله؛ وذلك بقضاء ال تعالى وقدره .ويقال :إن العين أسرع إلى الصغار
منها إلى الكبار ،وال أعلم.
@ أمر صلى ال عليه وسلم في حديث أبي أمامة العائن بالغتسال للمعين ،وأمر هنا بالسترقاء؛
قال علماؤنيا :إنميا يسيترقى مين العيين إذا لم يعرف العائن؛ وأميا إذا عرف الذي أصيابه بعينيه فإنيه
يؤمر بالوضوء على حديث أبي أمامة ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وما أغني عنكم من ال من شيء" أي من شيء أحذره عليكم؛ أي ل ينفع الحذر
ميع القدر" .إن الحكيم إل ل" أي المير والقضاء ل" .علييه توكلت وعلييه فليتوكيل المتوكلون" أي
اعتمدت ووثقت" .وعليه فليتوكل المتوكلون".
**3الية{ 68 :ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من ال من شيء إل حاجة
في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس ل يعلمون}
@قوله تعالى" :ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم" أي من أبواب شتى" .ما كان يغني عنهم من
ال مين شييء" إن أراد إيقاع مكروه بهيم" .إل حاجية" اسيتثناء لييس مين الول" .فيي نفيس يعقوب
قضاها" أي خاطر خطر بقلبه؛ وهو وصيته أن يتفرقوا؛ قال مجاهد :خشية العين ،وقد تقدم القول
فييه .وقييل :لئل يرى الملك عددهيم وقوتهيم فيبطيش بهيم حسيدا أو حذرا؛ قاله بعيض المتأخريين،
واختاره النحاس ،وقال :ول معنييى للعييين هاهنييا .ودلت هذه الييية على أن المسييلم يجييب عليييه أن
يحذر أخاه ممييا يخاف عليييه ،ويرشده إلى مييا فيييه طريييق السييلمة والنجاة؛ فإن الدييين النصيييحة،
والمسلم أخو المسلم.
@قوله تعالى" :وإنيه" يعنيي يعقوب" .لذو علم لميا علمناه" أي بأمير دينيه .وقييل" :لذو علم" أي
عميل؛ فإن العلم أول أسيباب العميل ،فسيمي بميا هيو بسيببه" .ولكين أكثير الناس ل يعلمون" أي ل
يعلمون ما يعلم يعقوب عليه السلم من أمر دينه.
**3اليية{ 69 :ولميا دخلوا على يوسيف آوى إلييه أخاه قال إنيي أنيا أخوك فل تبتئس بميا كانوا
يعملون}
@قوله تعالى" :ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه" قال قتادة :ضمه إليه ،وأنزله معه .وقيل:
أمير أن ينزل كيل اثنيين فيي منزل ،فبقيى أخوه منفردا فضميه إلييه وقال :أشفقيت علييه مين الوحدة،
"قال إنيي أنيا أخوك فل تبتئس بميا كانوا يعملون" قال له سيرا مين إخوتيه" :إنيي أنيا أخوك فل
تبتئس" أي ل تحزن "بما كانوا يعملون".
**3الية{ 70 :فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم
لسارقون}
@قوله تعالى" :فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه" لما عرف بنيامين أنه يوسف
قال له :ل تردنيي إليهيم ،فقال :قيد علميت اغتمام يعقوب بيي فيزداد غميه ،فأبيى بنياميين الخروج؛
فقال يوسيف :ل يمكين حبسيك إل بعيد أن أنسيبك إلى ميا ل يجميل بيك :فقال :ل أبالي! فدس الصياع
في رحله؛ إما بنفسه من حيث لم يطلع عليه أحد ،أو أمر بعض خواصه بذلك .والتجهيز التسريح
وتنجيز المر؛ ومنه جهز على الجريح أي قتله ،ونجز أمره .والسقاية والصواع شيء واحد؛ إناء
له رأسييان فييي وسييطه مقبييض ،كان الملك يشرب منييه ميين الرأس الواحييد ،ويكال الطعام بالرأس
الخر؛ قاله النقاش عن ابن عباس ،وكل شيء يشرب به فهو صواع؛ وأنشد:
نشرب الخمر بالصواع جهارا
واختلف في جنسه؛ فروى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :كان صواع
الملك شيء من فضة يشبه المكوك ،من فضة مرصع بالجوهر ،يجعل على الرأس؛ وكان للعباس
واحد في الجاهلية ،وسأل نافع بن الزرق ما الصواع؟ قال :الناء؛ قال فيه العشى:
وقدر وطباخ وصاع وديسق له درمك في رأسه ومشارب
وقال عكرمية :كان مين فضية .وقال عبدالرحمين بين زييد :كان مين ذهيب؛ وبيه كال طعامهيم مبالغية
في إكرامهم .وقيل :إنما كان يكال به لعزة الطعام .والصاع يذكر ويؤنث؛ فمن أنثه قال :أصوع؛
مثل أدور ،ومن ذكره قال أصواع؛ مثل أثواب .وقال مجاهد وأبو صالح :الصاع الطر جهالة بلغة
حميير .وفييه قراءات" :صيواع" قراءة العامية؛ و"صيوغ" بالغيين المعجمية ،وهيي قراءة يحييى بين
يعمر؛ قال :وكان إناء أصيغ من ذهب" .وصوع" بالعين غير المعجمة قراءة أبي رجا" .وصوع"
بصياد مضمومية وواو سياكنة وعيين غيير معجمية قراءة أبيي .و"صيياع" بياء بيين الصياد واللف؛
قراءة سعيد بن جبير" .وصاع" بألف بين الصاد والعين؛ وهي قراءة أبي هريرة.
@قوله تعالى" :ثيم أذن مؤذن أيتهيا العيير إنكيم لسيارقون" أي نادى مناد وأعلم" .وأذن" للتكثيير؛
فكأنيه نادى مرارا "أيتهيا العيير" .والعيير ميا امتيير علييه مين الحميير والبيل والبغال .قال مجاهيد:
كان عيرهيم حميرا .قال أبيو عيبيدة :العيير البيل المرحولة المركوبية؛ والمعنيى :ييا أصيحاب العيير،
كقوله" :واسيأل القريية" [يوسيف ]82 :وييا خييل ال اركيبي :أي ييا أصيحاب خييل ال ،وسييأتي.
وهنييا اعتراضان :الول :إن قيييل :كيييف رضييي بنيامييين بالقعود طوعييا وفيييه عقوق الب بزيادة
الحزن ،ووافقه على ذلك يوسف؟ وكيف نسب يوسف السرقة إلى إخوته وهم براء وهو -الثاني -
فالجواب عيين الول :أن الحزن كان قييد غلب على يعقوب بحيييث ل يؤثيير فيييه فقييد بنيامييين كييل
التأثيير ،أول تراه لميا فقده قال" :ييا أسيفا على يوسيف" [يوسيف ]84 :ولم يعرج على بنياميين؛
ولعيل يوسيف إنميا وافقيه على القعود بوحيي؛ فل اعتراض .وأميا نسيبة يوسيف السيرقة إلى إخوتيه
فالجواب :أن القوم كانوا قيد سيرقوه مين أبييه فألقوه فيي الجيب ،ثيم باعوه؛ فاسيتحقوا هذا السيم بذلك
الفعيل ،فصيدق إطلق ذلك عليهيم .جواب آخير -وهيو أنيه أراد أيتهيا العيير حالكيم حال السيراق؛
والمعنى :إن شيئا لغيركم صار عندكم من غير رضا الملك ول علمه .جواب آخر -وهو أن ذلك
كان حيلة لجتماع شمله بأخيه ،وفصله عنهم إليه ،وهذا بناء على أن بنيامين لم يعلم بدس الصاع
فيي رحله ،ول أخيبره بنفسيه .وقيد قييل :إن معنيى الكلم السيتفهام؛ أي أو إنكيم لسيارقون؟ كقوله:
"وتلك نعمة" [الشعراء ]22 :أي أو تلك نعمة تمنها علي؟ والغرض أل يعزى إلى يوسف صلى
ال عليه وسلم الكذب.
**3اليتان{ 72 - 71 :قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون ،قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به
حمل بعير وأنا به زعيم}
@قوله تعالى" :ولميين جاء بييه حمييل بعييير وأنييا بييه زعيييم" .البعييير هنييا الجمييل فييي قول أكثيير
المفسرين .وقيل :إنه الحمار ،وهي لغة لبعض العرب؛ قاله مجاهد واختاره .وقال مجاهد :الزعيم
هيو المؤذن الذي قال" :أيتهيا العيير" .والزعييم والكفييل والحمييل والضميين والقبييل سيواء والزعييم
الرئيس .قال:
بسير ترى منه الفرانق أزورا وإني زعيم إن رجعت مملكا
وقالت ليلى الخيلية ترثي أخاها:
يوم اللقاء من الحياء سقيما ومخرق عنه القميص تخاله
تحت اللواء على الخميس زعيما حتى إذا رفع اللواء رأيته
@ إن قييل :كييف ضمين حميل البعيير وهيو مجهول ،وضمان المجهول ل يصيح؟ قييل له :حميل
البعير كان معينا معلوما عندهم كالوسق؛ فصح ضمانه ،غير أنه كان بدل مال للسارق ،ول يحل
للسارق ذلك ،فلعله كان يصح في شرعهم أو كان هذا جعالة ،وبذل مال لمن كان يفتش ويطلب.
@ قال بعيض العلماء :فيي هذه اليية دليلن :أحدهميا :جواز الجُعْل وقيد أجييز للضرورة؛ فإنيه
يجوز فييه مين الجهالة ميا ل يجوز .فيي غيره؛ فإذا قال الرجيل :مين فعيل كذا فله كذا صيح .وشأن
الجعل أن يكون أحد الطرفين معلوما والخر مجهول للضرورة إليه؛ بخلف الجارة؛ فإنه يتقدر
فيهيا العوض والمعوض مين الجهتيين؛ وهيو مين العقود الجائزة التيي يجوز لحدهميا فسيخه؛ إل أن
المجعول له يجوز أن يفسخه قبل الشروع وبعده ،إذا رضي بإسقاط حقه ،وليس للجاعل أن يفسخه
إذا شرع المجعول له فيي العميل .ول يشترط فيي عقيد الجعيل حضور المتعاقديين ،كسيائر العقود؛
لقوله" :ولمن جاء به حمل بعير" وبهذا كله قال الشافعي.
@ متى قال النسان ،من جاء بعبدي البق فله دينار لزمه ما جعله فيه إذا جاء به؛ فلو جاء به من
غيير ضمان لزميه إذا جاء بيه على طلب الجرة؛ وذلك أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين
جاء بآبيق فله أربعون درهميا) ولم يفصيل بيين مين جاء بيه مين عقيد ضمان أو غيير عقيد .قال ابين
خوييز منداد ولهذا قال أصيحابنا :إن كان ممين يفعيل بالنسيان ميا يجيب علييه أن يفعله بنفسيه مين
مصالحه لزمه ذلك ،وكان له أجر مثله إن كان ممن يفعل ذلك بالجر.
قلت :وخالفنا في هذا كله الشافعي.
@ الدلييل الثانيي :جواز الكفالة على الرجيل؛ لن المؤذن الضامين هيو غيير يوسيف علييه السيلم،
قال علماؤنيا :إذا قال الرجيل تحملت أو تكفلت أو ضمنيت أو وأنيا حمييل لك أو زعييم أو كفييل أو
ضاميين أو قبيييل ،أو هييو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي فذلك كله حمالة لزميية ،وقييد اختلف
الفقهاء فيمن تكفل بالنفس أو بالوجه ،هل يلزمه ضمان المال أم ل؟ فقال الكوفيون :من تكفل بنفس
رجيل لم يلزميه الحيق الذي على المطلوب إن مات؛ وهيو أحيد قولي الشافعيي فيي المشهور عنيه.
وقال مالك واللييث والوزاعيي :إذا تكفيل بنفسيه وعلييه مال فإنيه إن لم يأت بيه غرم المال ،ويرجيع
بييه إلى المطلوب؛ فإن اشترط ضمان نفسييه أو وجهييه وقال :ل أضميين المال فل شيييء عليييه ميين
المال؛ والحجية لمين أوجيب غرم المال أن الكفييل قيد علم أن المضمون وجهيه ل يطلب بدم ،وإنميا
يطلب بمال؛ فإذا ضمنيه له ولم يأتيه بيه فكأنيه فوتيه علييه ،وعزه منيه؛ فلذلك لزميه المال .واحتيج
الطحاوي للكوفييين فقال :أميا ضمان المال بموت المكفول بيه فل معنيى له؛ لنيه إنميا تكفيل بالنفيس
ولم يتكفل بالمال ،فمحال أن يلزمه ما لم يتكفل به.
@ واختلف العلماء إذا تكفيل رجيل عين رجيل بمال؛ هيل للطالب أن يأخيذ مين شاء منهميا؟ فقال
الثوري والكوفيون والوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق :يأخذ من شاء حتى يستوفي حقه؛ وهذا
كان قول مالك ثيم رجيع عنيه فقال :ل يؤخيذ الكفييل إل أن يفلس الغرييم أو يغييب؛ لن التبديية بالذي
عليه الحق أولى ،إل أن يكون معدما فإنه يؤخذ من الحميل ،لنه معذور في أخذه في هذه الحالة؛
وهذا قول حسيين .والقياس أن للرجييل مطالبيية أي الرجلييين شاء .وقال ابيين أبييي ليلى :إذا ضميين
الرجيل عين صياحبه ميا ل تحول على الكفييل وبرئ صياحب ،الصيل ،إل أن يشترط المكفول له
عليهميا أن يأخيذ أيهميا شاء؛ واحتيج بيبراءة المييت مين الديين ،بضمان أبيي قتادة ،وبنحوه قال أبيو
ثور.
@ الزعامة ل تكون إل في الحقوق التي تجوز النيابة فيها ،مما يتعلق بالذمة من الموال ،وكان
ثابتيا مسيتقرا؛ فل تصيح الحمالة بالكتابية لنهيا ليسيت بديين ثابيت مسيتقر؛ لن العبيد إن عجيز رق
وانفسيخت الكتابية؛ وأميا كيل حيق ل يقوم بيه أحيد عين أحيد كالحدود فل كفالة فييه ،ويسيجن المدعيى
عليه الحد ،حتى ينظر في أمره.
وشييذ أبييو يوسييف ومحمييد فأجازا الكفالة فييي الحدود والقصيياص ،وقال :إذا قال المقذوف أو
المدعيي القصياص بينتيي حاضرة كفله ثلثية أيام؛ واحتيج لهيم الطحاوي بميا رواه حمزة بين عمرو
عن عمر وابن مسعود وجرير بن عبدال والشعث أنهم حكموا بالكفالة بالنفس بمحضر الصحابة.
**3اليات{ 75 - 73 :قالوا تال لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الرض وما كنا سارقين ،قالوا
فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ،قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين}
@قوله تعالى" :قالوا تال لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الرض" يروى أنهم كانوا ل ينزلون على
أحييد ظلمييا ،ول يرعون زرع أحييد ،وأنهييم جمعوا على أفواه إبلهييم الكميية لئل تعيييث فييي زروع
الناس .ثم قال" :وما كنا سارقين" يروى أنهم ردوا البضاعة التي كانت في رحالهم؛ أي فمن رد
ما وجد فكيف يكون سارقا؟ !.
@قوله تعالى" :قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين" المعنى :فما جزاء الفاعل إن بان كذبكم؟ فأجاب
إخوة يوسييف" :جزاؤه ميين وجييد فييي رحله فهييو جزاؤه" أي يسييتعبد ويسييترق" .فجزاؤه" مبتدأ،
و"ميين وجييد فييي رحله" خييبره؛ والتقدييير :جزاؤه اسييتعباد ميين وجييد فييي رحله؛ فهييو كناييية عيين
الستعباد؛ وفي الجملة معنى التوكيد ،كما تقول :جزاء من سرق القطع فهذا جزاؤه" .كذلك نجزي
الظالميين" أي كذلك نفعيل فيي الظالميين إذا سيرقوا أن يسيترقوا ،وكان هذا مين ديين يعقوب علييه
السلم وحكمه .وقولهم هذا قول من لم يسترب نفسه؛ لنهم التزموا استرقاق من وجد في رحله،
وكان حكم السارق عند أهل مصر أن يغرم ضعفي ما أخذ؛ قاله الحسن والسدي وغيرهما .مسألة:
قد تقدم في سورة "المائدة" أن القطع في السرقة ناسخ لما تقدم من الشرائع ،أو لما كان في شرع
يعقوب من استرقاق السارق ،وال أعلم.
**3الية{ 76 :فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما
كان ليأخذ أخاه في دين الملك إل أن يشاء ال نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم}
@قوله تعالى" :فبدأ بأوعيتهيم قبيل وعاء أخييه" إنما بدأ يوسيف برحالهيم لنفيي التهمة والريبية من
قلوبهيم إن بدأ بوعاء أخييه .والوعاء يقال بضيم الواو وكسيرها ،لغتان؛ وهيو ميا يحفيظ فييه المتاع
ويصونه" .ثم استخرجها من وعاء أخيه" يعني بنيامين؛ أي استخرج السقاية أو الصواع عند من
يؤنث ،وقال" :ولمن جاء به" [يوسف ]72 :فذكر؛ فلما رأى ذلك إخوته نكسوا رؤوسهم ،وظنوا
الظنون كلهييا ،وأقبلوا عليييه وقالوا ويلك يييا بنيامييين! مييا رأينييا كاليوم قييط ،ولدت أمييك "راحيييل"
أخوين لصين! قال لهم أخوهم :وال ما سرقته ،ول علم لي بمن وضعه في متاعي .ويروى أنهم
قالوا له :ييا بنياميين! أسيرقت؟ قال :ل وال؛ قالوا :فمين جعيل الصيواع فيي رحلك؟ قال :الذي جعيل
البضاعية فيي رحالكيم .ويقال :إن المفتيش كان إذا فرغ مين رجيل رجيل اسيتغفر ال عيز وجيل تائبيا
ميين فعله ذلك؛ وظاهيير كلم قتادة وغيره أن المسييتغفر كان يوسييف؛ لنييه كان يفتشهييم ويعلم أييين
الصيواع حتيى فرغ منهيم ،وانتهيى إلى رحيل بنياميين فقال :ميا أظين هذا الفتيى رضيي بهذا ول أخيذ
شيئا ،فقال له إخوته :وال ل نبرح حتى تفتشه؛ فهو أطيب لنفسك ونفوسنا؛ ففتش فأخرج السقاية؛
وهذا التفتييش مين يوسيف يقتضيي أن المؤذن سيرقهم برأييه؛ فيقال :إن جمييع ذلك كان أمير مين ال
تعالى؛ ويقوي ذلك قوله تعالى" :كذلك كدنا ليوسف".
@قوله تعالى" :كدنيا" معناه صينعنا؛ عين ابين عباس .القتيبي :دبرنيا .ابين النباري :أردنيا؛ قال
الشاعر:
لو عاد من عهد الصبا ما قد مضى كادت وكدت وتلك خير إرادة
وفييه جواز التوصيل إلى الغراض بالحييل إذا لم تخالف شريعية ،ول هدميت أصيل ،خلفيا لبيي
حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الصول ،وخرمت التحليل.
@ أجميع العلماء على أن للرجيل قبيل حلول الحول التصيرف فيي مال بالبييع والهبية إذا لم ينيو
الفرار مين الصيدقة؛ وأجمعوا على أنيه إذا حال الحول وأظيل السياعي أنيه ل يحيل له التحييل ول
النقصيان ،ول أن يفرق بيين مجتميع ،ول أن يجميع بيين متفرق .وقال مالك :إذا فوت مين ماله شيئا
ينوي بيه الفرار مين الزكاة قبيل الحول بشهير .أو نحوه لزمتيه الزكاة .عنيد الحول ،أخذا منيه بقوله
عليه السلم( :خشية الصدقة) .وقال أبو حنيفة :إن نوى بتفريقه الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم
ل يضره؛ لن الزكاة ل تلزم إل بتمام الحول ،ول يتوجييه إليييه معنييى قوله( :خشييية الصييدقة) إل
حينئذ .قال ابين العربيي :سيمعت أبيا بكير محميد بين الولييد الفهري وغيره يقول :كان شيخنيا قاضيي
القضاة أبييو عبدال محمييد بيين علي الدامغانييي صيياحب عشرات اللف دينار ميين المال ،فكان إذا
جاء رأس الحول دعيا بنييه فقال لهيم :كيبرت سيني ،وضعفيت قوتيي ،وهذا مال ل أحتاجيه فهيو لكيم،
ثم يخرجه فيحمله الرجال على أعناقهم إلى دور بنيه؛ فإذا جاء رأس الحول ودعا بنية لمر قالوا:
ييا أبانيا! إنميا أملنيا حياتيك ،وأميا المال فأي رغبية لنيا فييه ميا دميت حييا؛ أنيت ومالك لنيا ،فخذه إلييك،
ويسير الرجال به حتى يضعوه بين يديه ،فيرده إلى موضعه؛ يريد بتبديل الملك إسقاط الزكاة على
رأي أبيي حنيفية فيي التفرييق بيين المجتميع ،والجميع بيين المتفرق؛ وهذا خطيب عظييم وقيد صينف
البخاري رضي ال عنه في جامعه كتابا مقصود فقال" :كتاب الحيل".
قلت :وترجيم فييه أبوابيا منهيا" :باب الزكاة وأل يفرق بيين مجتميع ول يجميع بيين متفرق خشيية
الصيدقة" .وأدخل فيه حديث أنس بن مالك ،وأن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة؛ وحديث طلحة
بن عبيدال أن أعرابيا جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثائر الرأس .الحديث؛ وفي آخره:
(أفلح إن صدق) أو (دخيل الجنة إن صدق) .وقال بعض الناس :فيي عشريين ومائة بعيير حقتان؛
فإن أهلكهيا متعمدا أو وهبهيا أو احتال فيهيا فرارا مين الزكاة فل شييء علييه؛ ثيم أردف بحدييث أبيي
هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :يكون كنيز أحدكيم يوم القيامية شجاعيا أقرع له
زبيبتان ويقول أنيا كنزك) الحدييث ،قال المهلب :إنميا قصيد البخاري فيي هذا الباب أن يعرفيك أن
كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فإن إثم ذلك عليه؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم لما منع
مين جميع الغنيم وتفريقهيا خشيية الصيدقة فهيم منيه هذا المعنيى ،وفهيم مين قوله( :أفلح إن صيدق) أن
مين رام أن ينقيض شيئا مين فرائض ال بحيلة يحتالهيا أنيه ل يفلح ،ول يقوم بذلك عذره عنيد ال؛
وميا أجازه الفقهاء مين تصيرف صياحب المال فيي ماله قرب حلول الحول إنميا هيو ميا لم يرد بذلك
الهرب مين الزكاة؛ ومين نوى ذلك فالثيم ،عنيه غيير سياقط ،وال حسييبه؛ وهيو كمين فير مين صييام
رمضان قبيل رؤيية الهلل بيوم ،واسيتعمل سيفرا ل يحتاج إلييه رغبية عين فرض ال الذي كتبيه ال
على المؤمنين؛ فالوعيد متوجه عليه؛ أل ترى عقوبة من منع الزكاة يوم القيامة بأي وجه متعمدا
كيييف تطؤه البييل ،ويمثييل له ماله شجاعييا أقرع! ؟ وهذا يدل على أن الفرار ميين الزكاة ل يحييل،
وهو مطالب بذلك في الخرة.
@ قال ابن العربي :قال بعض علماء الشافعية في قوله تعالى" :وكذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ
أخاه" .دليييل على وجييه الحيلة إلى المباح ،واسييتخراج الحقوق؛ وهذا وهييم عظيييم؛ وقوله تعالى:
"وكذلك كدنا ليوسف في الرض" قيل فيه :كما مكنا ليوسف ملك نفسه عن امرأة العزيز مكنا له
ملك الرض عيين العزيييز ،أو مثله ممييا ل يشبييه مييا ذكره .قال الشفعوي :ومثله قوله عييز وجييل:
"وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ول تحنث" [ص ]44 :وهذا ليس حيلة ،إنما هو حمل لليمين على
اللفاظ أو على المقاصيد .قال الشفعوي :ومثله حدييث أبيي سيعيد الخدري فيي عاميل خييبر أنيه أتيى
النيبي صيلى ال علييه وسيلم بتمير جنييب ،الحدييث؛ ومقصيود الشافعيية مين هذا الحدييث أنيه علييه
السيلم أمره أن ييبيع جمعيا ويبتاع جنيبيا مين الذي باع منيه الجميع أو مين غيره .وقالت المالكيية:
معناه ميين غيره؛ لئل يكون جنيبييا بجمييع ،والدراهييم ربييا؛ كمييا قال ابيين عباس :جريرة بجريرة
والدراهم ربا.
@قوله تعالى" :فيي ديين الملك" أي سيلطانه ،عين ابين عباس ابين عيسيى :عاداتيه ،أي يظلم بل
حجة .مجاهد :في حكمه؛ وهو استرقاق السيراق" .إل أن يشاء ال" أي إل بأن يشاء ال أن يجعل
السيقاية فيي رحله تعلة وعذرا له .وقال قتادة :بيل كان حكيم الملك الضرب والغرم ضعفيين ،ولكين
شاء ال أن يجري على ألسنتهم حكم بني ،إسرائيل ،على ما تقدم.
@قوله تعالى" :نرفيع درجات مين نشاء" أي بالعلم واليمان .وقرئ "نرفيع درجات مين نشاء"
بمعنيى :نرفع من نشاء درجات؛ وقد مضيى فيي "النعام" وقوله" :وفوق كل ذي علم عليم" روى
إسيرائيل عين سيماك عين عكرمية عين ابين عباس قال :يكون ذا أعلم مين ذا وذا أعلم مين ذا ،وال
فوق كل عالم .وروى سفيان عن عبدالعلى عن سعيد بن جبير قال :كنا عند ابن عباس رحمه ال
فتحدث بحديث فتعجب منه رجل فقال :سبحان ال! وفوق كل ذي علم عليم؛ فقال ابن عباس :بئس
ما قلت؛ ال العليم وهو فوق كل عالم.
**3الية{ 77 :قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم
قال أنتم شر مكانا وال أعلم بما تصفون}
@قوله تعالى" :قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل" اقتدى :أي اقتدى بأخيه ،ولو اقتدى بنا
ميا سيرق؛ وإنميا قالوا ذلك لييبرؤوا مين فعله ،لنيه لييس مين أمهيم؛ وأنيه إن سيرق فقيد جذبيه عرق
أخيه السارق؛ لن الشتراك في النساب يشاكل في الخلق .وقد اختلفوا في السرقة التي نسبوا
إلى يوسف؛ فروي عن مجاهد وغيره أن عمة يوسف بنت إسحاق كانت أكبر من يعقوب ،وكانت
صيارت إليهيا منطقية إسيحاق لسينها؛ لنهيم كانوا يتوارثون بالسين ،وهذا مميا نسيخ حكميه بشرعنيا،
وكان من سرق استعبد .وكانت عمة يوسف حضنته وأحبته حبا شديدا؛ فلما ترعرع وشب فال لها
يعقوب :سيلمي يوسيف إلي ،فلسيت أقدر أن يغييب عنيي سياعة؛ فولعيت بيه ،وأشفقيت مين فراقيه؛
فقالت له :دعيه عندي أياميا أنظيير إلييه فلميا خرج مين عندهيا يعقوب عمدت إلى منطقية إسيحاق،
فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه ،ثم قالت :لقد فقدت منطقة إسحاق ،فانظروا من أخذها ومن
أصابها؛ فالتمست ثم فالت :اكشفوا أهل البيت فكشفوا؛ فوجدت مع يوسف .فقالت :إنه وال لي سلم
أصينع فييه ميا شئت؛ ثيم أتاهيا يعقوب فأخيبرته الخيبر ،فقال لهيا :أنيت وذلك ،إن كان فعيل ذلك فهيو
سلم لك؛ فأمسكته حتى ماتت؛ فبذلك عيره إخوته في قولهم" :إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل"
ومن ههنا تعلم يوسف وضع السقاية في رحل أخيه كما عملت به عمته .وقال سعيد بن جبير :إنما
أمرتيه أن يسيرق صينما كان لجده أبيي أميه ،فسيرقه وكسيره وألقاه على الطرييق ،وكان ذلك منهميا
تغييرا للمنكر؛ فرموه بالسرقة وعيروه بها ،وقال قتادة .وفي كتاب الزجاج :أنه كان صنما ذهب.
وقال عطيية العوفيي :إنيه كان ميع إخوتيه على طعام فنظير إلى عرق فخبأه فغيره بذلك .وقييل :إنيه
كان يسرق من طعام المائدة للمساكين؛ حكاه ابن عسى وقيل :إنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه؛ قاله
الحسن
@قوله تعالى" :فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم" أي أسر في نفسه قولهم "إن يسرق فقد
سرق أخ له من قبل" قاله ابن شجرة وابن عيسى .وقيل :إنه أسر في نفسه قوله" :أنتم شر مكانا"
ثيم جهير فقال" :وال أعلم بميا تصيفون" .قاله ابين عباس ،أي أنتيم شير مكانيا ممين نسيبتموه إلى هذه
السيرقة .ومعنيى قوله" :وال أعلم بميا تصيفون" أي ال أعلم أن ميا قلتيم كذب ،وإن كانيت ل رضيا.
وقد قيل :إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء.
**3اليية{ 78 :قالوا ييا أيهيا العزييز إن له أبيا شيخيا كيبيرا فخيذ أحدنيا مكانيه إنيا نراك مين
المحسنين}
@قوله تعالى" :قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه" خاطبوه باسم العزيز
إذ كان في تلك اللحظة بعزل الول أو موته .وقولهم" :إن له أبا شيخا كبيرا" أي كبير القدر ،ولم
يريدوا كبر السن؛ لن ذلك معروف من حال الشيء" .فخذ أحدنا مكانه" أي عبدا بدله؛ وقد قيل:
إن هذا مجاز؛ لنهيم يعلمون أنيه ل يصيح أخيذ حير يسيترق بدل مين قيد أحكميت السينة عندهيم رقيه؛
وإنميا هذا كميا تقول لمين تكره فعله :اقتلنيي ول تفعيل كذا وكذا ،وأنيت ل ترييد أن يقتلك ،ولكنيك
مبالغ في استنزاله .ويحتمل أن يكون قولهم" :فخذ أحدنا مكان" حقيقة؛ وبعيد عليهم وهم أنبياء أن
يروا استرقاق حر ،فلم يبق إل أن يريدوا بذلك طريق الحمالة؛ أي خذ أحدنا مكانه .حتى ينصرف
إليييك صيياحبك؛ ومقصييدهم بذلك أن يصييل بنيامييين إلى أبيييه؛ ويعرف يعقوب جلييية الميير؛ فمنييع
يوسيف علييه السيلم مين ذلك ،إذ الحمالة فيي الحدود ونحوهيا -بمعنيى إحضار المضمون فقيط -
جائزة ميع التراضيي ،غيير لزمية إذا أبيى الطالب؛ وأميا الحمالة فيي مثيل هذا على أن يلزم الحمييل
ما كان يلزم المضمون من عقوبة ،فل يجوز إجماعا .وفي "الواضحة" :إن الحمالة في الوجه فقط
فيي جمييع الحدود جائزة ،إل فيي النفيس .وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة فيي النفيس .واختلف
فيها عن الشافعي؛ فمرة ضعفها ،ومرة أجازها.
@قوله تعالى" :إنا نراك من المحسنين" يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع
أفعاله معهيم ،ويحتميل أن يريدوا :إنيا نرى لك إحسيانه علينيا فيي هذه الييد أن أسيديتها إلينيا؛ وهذا
تأويل ابن إسحاق.
**3الية{ 79 :قال معاذ ال أن نأخذ إل من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون}
@قوله تعالى" :قال معاذ ال" مصدر" .أن نأخيذ" فيي موضع نصب؛ أي من أن نأخذ" .إل من
وجدنا" في موضع نصب بي "أخذ"" .متاعنا عنده" أي معاذ ال أن نأخذ البريء بالمجرم ونخالف
ما تعاقدنا عليه" .إنا إذا لظالمون" أي أن نأخذ غيره.
**3اليية{ 80 :فلميا اسيتيأسوا منيه خلصيوا نجييا قال كيبيرهم ألم تعلموا أن أباكيم قيد أخيذ عليكيم
موثقا من ال ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم ال لي
وهو خير الحاكمين}
@قوله تعالى" :فلمييا اسييتيئسوا منييه" أي يئسييوا؛ مثييل عجييب واسييتعجب ،وسييخر واسييتسخر.
"خلصوا" أي انفردوا وليس هو معهم" .نجيا" نصب على الحال من المضمر في "خلصوا" وهو
واحيد يؤدي عين جميع ،كميا فيي هذه اليية؛ ويقيع على الواحيد كقوله تعالى" :وقربناه نجييا" [مرييم:
]52وجمعه أنجية؛ قال الشاعر:
واضطرب القوم اضطراب الرشية إني إذا ما القوم كانوا أنجية
هناك أوصيني ول توصي بيه
وقرأ ابين كثيير" :اسيتايسوا" "ول تايسيوا" "إنيه ل ياييس" "أفلم ياييس" بألف مين غيير هميز على
القلب؛ قدميت الهمزة وأخرت الياء ،ثيم قلبيت الهمزة ألفيا لنهيا سياكنة قبلهيا فتحية؛ والصيل قراءة
الجماعية؛ لن المصيدر ميا جاء إل على تقدييم الياء -يأسيا -والياس لييس بمصيدر أييس؛ بيل هيو
مصيدر أسيته أوسيا وإياسيا أي أعطيتيه .وقال قوم :أييس ويئس لغتان؛ أي فلميا يئسيوا مين رد أخيهيم
إليهيم تشاوروا فيميا بينهيم ل يخالطهيم غيرهيم مين الناس ،يتناجون فيميا عرض لهيم .والنجيي فعييل
بمعنى المناجي.
@قوله تعالى" :قال كبيرهم" قال قتادة :وهو روبيل ،كان أكبرهم في السن .مجاهد :هو شمعون،
كان أكبرهم في الرأي .وقال الكلبي :يهوذا؛ وكان أعقلهم .وقال محمد بن كعب وابن إسحاق :هو
لوى ،وهيو أبيو النيبياء" .ألم تعلموا أن أباكيم قيد أخيذ عليكيم موثقيا مين ال" أي عهدا مين ال فيي
حفيظ ابنيه ،ورده إلييه" .ومين قبيل ميا فرطتيم فيي يوسيف" "ميا" فيي محيل نصيب عطفيا على "أن"
والمعنيى :ألم تعلموا أن أباكيم قيد أخيذ عليكيم موثقيا مين ال ،وتعلموا تفريطكيم فيي يوسيف؛ ذكير
النحاس وغيره .و"مين" فيي قوله" :ومين قبيل" متعلقية بيي "تعلموا" .ويجوز أن تكون "ميا" زائدة؛
فيتعلق الظرفان اللذان هما "من قبل" و"في يوسف" بالفعل وهو "فرطتم" .ويجوز أن تكون "ما"
والفعل مصدرا ،و"من قبل" متعلقا بفعل مضمر؛ التقدير :تفريطكم في يوسف واقع من قبل؛ فما
والفعل في موضع رفع بالبتداء ،والخبر هو الفعل المضمر الذي يتعلق به "من قبل"" .فلن أبرح
الرض" أي ألزمهييا ،ول أبرح مقيميا فيهيا؛ يقال :برح براحييا وبروحيا أي زال ،فإذا دخيل النفيي
صيار مثبتيا" .حتيى يأذن لي أبيي" بالرجوع فإنيي أسيتحي منيه" .أو يحكيم ال لي" بالممير ميع أخيي
فأمضييي معييه إلى أبييي .وقيييل :المعنييى أو يحكييم ال لي بالسيييف فأحارب واخييذ أخييي ،أو أعجييز
فأنصيرف بعذر ،وذلك أن يعقوب قال" :لتأتننيي بيه إل أن يحاط بكيم" [يوسيف ]66 :ومين حارب
وعجز فقد أحيط به.
وقال ابن عباس :وكان يهوذا إذا غضب وأخذ السيف فل يرد وجهه مائة ألف؛ يقوم شعره في
صدره مثل المسال فتنفذ من ثيابه .وجاء في الخبر أن يهوذا قال لخوته -وكان أشدهم غضبا : -
إميا أن تكفونيي الملك ومين معيه أكفكيم أهيل مصير؛ وإميا أن تكفونيي أهيل مصير أكفكيم الملك ومين
معه؛ قالوا :بل أكفنا الملك ومن معه نكفك أهل مصر ،فبعث واحدا من إخوته فعدوا أسواق مصر
فوجدوا فيها تسعة أسيواق ،فأخيذ كيل ،واحيد منهيم سيوقا؛ ثيم إن يهوذا دخل على يوسيف وقال :أيهيا
الملك! لئن لم تخل معنا أخانا لصيحن صيحة ل تبقي في مدينتك حامل إل أسقطت ما في بطنها؛
وكان ذلك خاصة فيهم عند الغضب ،فأغضبه يوسف وأسمعه كلمه ،فغضب يهوذا واشتد غضبه،
وانتبجيت ؟؟ شعراتيه؛ وكذا كان كيل واحيد مين بنيي يعقوب؛ كان إذا غضيب ،اقشعير جلده ،وانتفيخ
جسده ،وظهرت شعرات ظهره ،من تحت الثوب ،حتى تقطر من كل شعرة قطرة دم؛ وإذا ضرب
الرض برجله تزلزلت وتهدم البنيان ،وإن صيياح صيييحة لم تسييمعه حامييل ميين النسيياء والبهائم
والطير إل وضعت ما في بطنها ،تماما أو غير تمام؛ فل يهدأ غضبه إل أن يسفك دما ،أو تمسكه
يييد ميين نسييل يعقوب؛ فلمييا علم يوسييف أن غضييب أخيييه يهوذا قييد تييم وكمييل كلم ولدا له صييغيرا
بالقبطية ،وأمره أن يضع يده بين كتفي يهوذا من حيث ل يراه؛ ففعل فسكن غضبه وألقى السيف
فالتفييت يمينييا وشمال لعله يرى أحدا ميين إخوتييه فلم يره؛ فخرج مسييرعا إلى إخوتييه وقال :هييل
حضرني منكم أحد؟ قالوا :ل! قال :فأين ذهب شمعون؟ قالوا :ذهب إلى الجبل؛ فخرج فلقيه ،وقد
احتمل صخرة عظيمة؛ قال :ما تصنع بهذه؟ قال أذهب إلى السوق الذي وقع في نصيبي أشدخ بها
رؤوس كل من فيه؛ قال :فارجع فردها أو ألقها في البحر ،ول تحدثن حدثا؛ فوالذي اتخذ إبراهيم
خليل! لقد مسني كف من نسل يعقوب .ثم دخلوا على يوسف ،وكان يوسف أشدهم بطشا ،فقال :يا
معشيير العيبرانيين! أتظنون أنيه لييس أحييد أشييد منكييم قوة ،ثيم عميد إلى حجيير عظيييم مين حجارة
الطاحونيية فركله برجله فدحييا بييه ميين خلف الجدار -الركييل الضرب بالرجييل الواحدة؛ وقييد ركله
يركله؛ قال الجوهري -ثيم أمسيك يهوذا بإحدى يدييه فصيرعه لجنبيه ،وقال :هات الحداديين أقطيع
أيديهيم وأرجلهيم وأضرب أعناقهييم ،ثييم صييعد على سيريره وجلس على فراشييه ،وأميير بصييواعه
فوضيع بيين يدييه ،ثيم نقره نقرة فخرج طنينيه ،فالتفيت إليهيم وقال :أتدرون ميا يقول؟ قالوا :ل! قال:
فإنه يقول :إنه ليس على قلب أبي هؤلء هم ول غم ول كرب إل بسببهم ،ثم نقر نقرة ثانية وقال:
إنيه يخيبرني أن هؤلء أخذوا أخيا لهيم صيغيرا فحسيدوه ونزعوه مين أبيهيم ثيم أتلفوه؛ فقالوا :أيهيا
العزيز! استر علينا ستر ال عليك ،وامنن علينا من ال عليك؛ فنقره نقرة ثالثة وقال إنه يقول :إن
هؤلء طرحوا صيغيرهم فيي الجيب ،ثيم باعوه بييع العبييد بثمين بخيس ،وزعموا لبيهيم أن الذئب
أكله؛ ثيم نقره رابعية وقال :إنيه يخيبرني أنكيم أذنبتيم ذنبيا منيذ ثمانيين سينة لم تسيتغفروا ال منيه؛ ولم
تتوبوا إلييه ،ثيم نقره خامسية وقال إنيه يقول :إن أخاهيم الذي زعموا أنيه هلك لن تذهيب اليام حتيى
يرجيع فيخيبر الناس بميا صينعوا؛ ثيم نقره سيادسة وقال إنيه يقول :لو كنتيم أنيبياء أو بنيي أنيبياء ميا
كذبتييم ول عققتييم والدكييم؛ لجعلنكييم نكال للعالمييين .ايتونييي بالحدادييين أقطييع أيديهييم وأرجلهييم،
فتضرعوا وبكوا وأظهروا التوبية وقالوا :لو قيد أصيبنا أخانيا يوسيف إذ هيو حيي لنكونين طوع يده،
وترابا يطأ علينا برجله؛ فلما رأى ذلك يوسف من إخوته بكى وقال لهم :اخرجوا عني! قد خليت
سبيلكم إكراما لبيكم ،ولول هو لجعلتكم نكال.
**3الية{ 81 :ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إل بما علمنا وما كنا
للغيب حافظين}
@قوله تعالى" :ارجعوا إلى أبيكم" قاله الذي قال" :فلن أبرح الرض"" .فقولوا يا أبانا إن ابنك
سرّقَ" النحاس :وحدثني محمد بن أحمد سرَق" وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين "إن ابنك ُ َ
بن عمر قال حدثنا ابن شاذان قال حدثنا أحمد بن أبي سريج البغدادي قال :سمعت ،الكسائي يقرأ:
سرّق" بضم السين وتشديد الراء مكسورة؛ على ما لم يسم فاعله؛ أي نسب ،إلى "يا أبانا إن ابنك ُ
السيرقة ورميي بهيا؛ مثيل خونتيه وفسيقته وجرتيه إذا نسيبته إلى هذه الخلل .وقال الزجاج" :سيرق"
يحتمل معنيين :أحدهما :علم منه السرق ،والخر :اتهم بالسرق .قال الجوهري :والسرق والسرقة
بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق ،والمصدر يسرق سرقا بالفتح.
@قوله تعالى" :وما شهدنا إل بما علمنا" يريدون فقد شهدنا قط إل بما علمنا ،وأما الن فقد شهدنا
بالظاهير وميا نعلم الغييب؛ كأنهيم وقعيت لهيم تهمية مين قول بنياميين :دس هذا فيي رحلي مين دس
بضاعتكيم فيي رحالكيم؛ قال معناه ابين إسيحاق .وقييل المعنيى :ميا شهدنيا عنيد يوسيف بأن السيارق
يسيترق إل بميا علمنيا مين دينيك؛ قاله ابين زييد" .وميا كنيا للغييب حافظيين" أي لم نعلم وقيت أخذناه
منك أنه يسرق فل نأخذه .وقال مجاهد وقتادة :ما كنا نعلم أن ابنك يسترق ويصير أمرنا إلى هذا،
وإنميا قلنيا :نحفيظ أخانيا فيميا نطييق .وقال ابين عباس :يعنون أنيه سيرق ليل وهيم نيام ،والغييب هيو
الليل بلغة حمير؛ وعنه :ما كنا نعلم ما يصنع في ليلة ونهاره وذهابه وإيابه .وقيل :ما دام بمرأى
منا لم يجر خلل ،فلما غاب عنا خفت عنا حالته .وقيل معناه :قد أخذت السرقة من رحله ،ونحن
أخرجناها وننظر إليها ،ول علم لنا بالغيب ،فلعلهم سرقوه ولم يسرق.
@ تضمنت هذه الية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها؛ فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقل
وشرعيا ،فل تسيمع إل ممين علم ،ول تقبيل إل منهيم ،وهذا هيو الصيل فيي الشهادات؛ ولهذا قال
أصييحابنا :شهادة العمييى جائزة ،وشهادة المسييتمع جائزة ،وشهادة الخرس إذا فهمييت إشارتييه
جائزة؛ وكذلك الشهادة على الخيط -إذا تيقين أنيه خطيه أو خيط فلن -صيحيحة فكيل مين حصيل له
العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه؛ قال ال تعالى" :إل من شهد بالحق وهم
يعلمون" [الزخرف ]86 :وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أل أخبركم بخير الشهداء خير
الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) وقد مضى في "البقرة".
@ اختلف قول مالك فيي شهادة المرور؛ وهيو أن يقول :مررت بفلن فسيمعته يقول كذا فإن
اسييتوعب القول شهييد فييي أحييد قوليييه ،وفييي القول الخيير ل يشهييد حتييى يشهداه .والصييحيح أداء
الشهادة عند الستيعاب؛ وبه قال جماعة العلماء ،وهو الحق؛ لنه قد حصل المطلوب وتعين عليه
أداء العلم؛ فكان .خير الشهداء إذا أعلم المشهود له ،وشر الشهداء إذا كتمها وال أعلم،
إذا أدعى رجل شهادة ل يحتملها عمره ردت؛ لنه ادعى باطل فأكذبه العيان ظاهر.
**3الية{ 82 :واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون}
@قوله تعالى" :واسأل القرية التي كنا فيها والعير" حققوا بها شهادتهم عنده ،ورفعوا التهمة عن
أنفسيهم لئل يتهمهيم .فقولهيم" :واسيأل القريية" أي أهلهيا؛ فحذف؛ ويريدون بالقريية مصير .وقييل:
قرية من قراها نزلوا بها وامتاروا منها .وقيل المعنى "واسأل القرية" وإن كانت جمادا ،فأنت نبي
ال ،وهيييو ينطيييق الجماد له؛ وعلى هذا فل حاجييية إلى إضمار؛ قال سييييبويه :ول يجوز كلم هندا
وأنت تريد غلم هند؛ لن هذا يشكل .والقول في العير كالقول في القرية سواء" .وإنا لصادقون"
في قولنا.
@ في هذه الية من الفقه أن كل من كان على حق ،وعلم أنه قد يظن به أنه على خلف ما هو
عليه أو يتوهم أن يرفع التهمة وكل ريبة عن نفسه ،ويصرح بالحق الذي هو عليه ،حتى ل يبقى
لحد متكلم؛ وقد فعل هذا نبينا محمد صلى ال عليه وسلم بقوله للرجلين اللذين مرا وهو قد خرج
ميع صيفية يقلبهيا مين المسيجد( :على رسيلكما إنميا هيي صيفية بنيت حييي) فقال :سيبحان ال وكيبر
عليهميا فقال النيبي( :إن الشيطان يبلغ مين النسيان مبلغ الدم وإنيي خشييت أن يقذف فييي قلوبكميا
شيئا) رواه البخاري ومسلم.
**3الية{ 83 :قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى ال أن يأتيني بهم جميعا إنه
هو العليم الحكيم}
@قوله تعالى" :قال بيل سيولت" أي زينيت" .لكيم أنفسيكم" أن ابنيي وميا سيرق ،وإنميا ذلك لمير
يريده ال" .فصييبر جميييل" أي فشأنييي صييبر جميييل أو صييبر جميييل أولى بييي على مييا تقدم أول
السورة.
@ الواجيب على كيل مسيلم إذا أصييب بمكروه فيي نفسيه أو ولده أو ماله أن يتلقيى ذلك بالصيبر
الجميييل ،والرضييا والتسييليم لمجريييه عليييه وهييو العليييم الحكيييم ،ويقتدي بنييبي ال يعقوب وسييائر
النبيين ،صلوات ال عليهم أجمعين .وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال :ما من
جرعتيين يتجرعهميا العبيد أحيب إلى ال مين جرعية مصييبة يتجرعهيا العبيد بحسين صيبر وحسين
عزاء ،وجرعية غييظ يتجرعهيا العبيد بحلم وعفيو .وقال ابين جرييج عين مجاهيد فيي قوله تعالى:
"فصبر جميل" أي ل أشكو ذلك إلى أحد .وروى قاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي
هريرة عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين بيث لم يصيبر) .وقيد تقدم فيي "البقرة" أن
الصبر عند أول الصدمة ،وثواب من ذكر مصيبته واسترجع وأن تقادم عهدها .وقال جويبر عن
الضحاك عين ابين عباس قال :إن يعقوب أعطيى على يوسيف أجير مائة شهييد ،وكذلك مين احتسيب
من هذه المة في مصيبته فله مثل أجر يعقوب عليه السلم.
@قوله تعالى" :عسى ال أن يأتيني بهم جميعا" لنه كان عنده أن يوسف صلى ال عليه وسلم لم
يمت ،وإنما غاب عنه خبره؛ لن يوسف حمل وهو عبد ل يملك لنفسه شيئا ،ثم اشتراه الملك فكان
في داره ل يظهر للناس ،ثم حبس ،فلما تمكن احتال في أن يعلم أبوه خبره؛ ولم يوجه برسول لنه
كره مين إخوتيه أن يعرفوا ذلك فل يدعوا الرسيول يصيل إلييه وقال" :بهيم" لنهيم ثلثية؛ يوسيف
وأخوه ،والمتخلف ميين أجييل أخيييه ،وهييو القائل" :فلن أبرح الرض"" .إنييه هييو العليييم" بحالي.
"الحكيم" فيما يقضي.
**3الية{ 84 :وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}
@قوله تعالى" :وتولى عنهيم" أي أعرض عنهيم؛ وذلك أن يعقوب لميا بلغيه خيبر بنياميين تتام
حزنييه ،وبلغ جهده ،وجدد ال مصيييبته له فييي يوسييف فقال" :يييا أسييفا على يوسييف" ونسييى ابنييه
بنياميين فلم يذكره؛ عين ابين عباس .وقال سيعيد بين جيبير :لم يكين عنيد يعقوب ميا فيي كتابنيا مين
السيترجاع ،ولو كان عنده لميا قال" :ييا أسيفا على يوسيف" قال قتادة والحسين :والمعنيى ييا حزناه!
وقال مجاهد والضحاك :يا جزعاه!؛ قال ُك َثيّر:
وللنفس لما سليت فتسلت فيا أسفا للقلب كيف انصرافه
والسف شدة الحزن على ما فات .والنداء على معنى :تعال يا أسف فإنه من أوقاته .وقال الزجاج:
الصيل ييا أسيفي؛ فأبدل مين الياء ألف لخفية الفتحية" .وابيضيت عيناه مين الحزن" قييل :لم يبصير
بهما ست سنين ،وأنه عمي؛ قال مقاتل .وقيل :قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية ،وال أعلم
بحال يعقوب؛ وإنميا ابيضت عيناه من البكاء ،ولكن سبب البكاء الحزن ،فلهذا قال" :مين الحزن".
وقييل :إن يعقوب كان يصيلي ،ويرسيف نائميا معترضيا ببين يدييه ،فغيط فيي نوميه ،فالتفيت يعقوب
إليه ،ثم غط ثانية فالتفت إليه ،ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه؛ فأوحى ال تعالى إلى
ملئكتيه" :انظروا إلى صيفيي وابين خليلي قائميا فيي مناجاتيي يلتفيت إلى غيري ،وعزتيي وجللي!
لنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما ،ولفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة ،ليعلم العاملون
أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري".
@ هذا يدل على أن اللتفات في الصلة -وإن لم يبطل -يدل على العقوبة عليها ،والنقص فيها،
وقيد روى البخاري عين عائشية قالت :سيألت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين اللتفات فيي
الصلة فقال( :هو اختلس يختلسه الشيطان من صلة العبد) .وسيأتي ما للعلماء في هذا في أول
سورة "المؤمنون" موعبا إن شاء ال تعالى.
قال النحاس :فإن سيأل قوم عين معنيى شدة حزن يعقوب -صيلى ال علييه وسيلم وعلى نبينيا -
فللعلماء في هذا ثلثة أجوبة :منها -أن يعقوب لما علم أن يوسف صلى ال عليه وسلم حي خاف
على دينيه ،فاشتيد حزنيه لذلك .وقييل :إنميا حزن لنيه سيلمه إليهيم صيغيرا ،فندم على ذلك .والجواب
الثالث :وهيو أبينهيا -هيو أن الحزن لييس بمحظور ،وإنميا المحظور الولولة وشيق الثياب ،والكلم
بميا ل ينبغيي وقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :تدميع العيين ويحزن القلب ول نقول ميا يسيخط
الرب) .وقيد بيين ال جيل وعيز ذلك بقوله" :فهيو كظييم" أي مكظوم مملوء مين الحزن ممسيك علييه
ل يبثيه؛ ومنيه كظيم الغييظ وهيو إخفاؤه؛ فالمكظوم المسيدود علييه طرييق حزنيه؛ قال ال تعالى" :إذ
نادى وهو مكظوم" [القلم ]48 :أي مملوء كربا .ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم؛ وهو
المشتمل على حزنه .وعن ابن عباس :كظيم مغموم؛ قال الشاعر:
فإني اليوم منطلق لساني فإن أك كاظما لمصاب شاس
وقال ابين جرييج عين مجاهيد عين ابين عباس قال :ذهبيت عيناه مين الحزن "فهيو كظييم" قال :فهيو
مكروب .وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله" :فهو كظيم" قال :فهو كمد؛
يقول :يعلم أن يوسف حي ،وأنه ل يدري أين هو؛ فهو كمد من ذلك .قال الجوهري :الكمد الحزن
المكتوم؛ تقول منيه كميد الرجيل فهيو كميد وكمييد .النحاس .يقال فلن كظييم وكاظيم؛ أي حزيين ل
يشكو حزنه؛ قال الشاعر:
والقوم من الخوف المنايا كظم فحضضت قومي واحتسبت قتالهم
**3اليتان{ 86 - 85 :قالوا تال تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين،
قال إنما أشكو بثي وحزني إلى ال وأعلم من ال ما ل تعلمون}
@قوله تعالى" :قالوا تال تفتيأ تذكير يوسيف" أي قال له ولده" :تال تفتيا تذكير يوسيف" قال
الكسائي :فتأت وفتئت أفعل ذلك أي ما زلت .وزعم الغراء أن "ل" مضمرة؛ أي ل تفتأ ،وأنشد:
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي فقلت يمين ال أبرح قاعدا
أي ل أبرح؛ قال النحاس :والذي قال حسين صيحيح .وزعيم الخلييل وسييبويه أن "ل" تضمير فيي
القسم ،لنه ليس فيه إشكال؛ ولو كان واجبا لكان باللم والنون؛ وإنما قالوا له لنهم علموا باليقين
أنه يداوم على ذلك؛ يقال :ما زال يفعل كذا ،وما فتئ وفتأ فهما لغتان ،ول يستعملن إل مع الجحد
قال الشاعر:
سرادق يوم ذي رياح ترفع فما فئت حتى كأن غبارها
أي ما برحت فتفتأ تبرح .وقال ابن عباس :تزال" .حتى تكون حرضا" أي تالفا .وقال ابن عباس
ومجاهد :دنفا من المرض ،وهو ما دون الموت؛ قال الشاعر:
وقدما زادني مرضا سرى همي فأمرضني
م مما يورث الحرضا كذا الحب قبل اليو
وقال قتادة :هرميا .الضحاك :بالييا دائرا .محميد بين إسيحاق :فاسيدا ل عقيل لك .الفراء :الحارض
الفاسيد الجسيم والعقيل؛ وكذا الحرض .ابين زييد :الحرص الذي قيد رد إلى أرذل العمير .الربييع بين
أنس :يابس الجلد على العظيم .المؤرج :ذائبا من الهم .وقال الخفش :ذاهبا .ابن النباري :هالكا،
وكلها متقاربة .وأصل الحرض الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم ،عن أبي
عبيدة وغيره؛ وقال العرجي:
حتى بليت وحتى شفني السقم إني امرؤ لج بي حب فأحرضني
قال النحاس :يقال حرض حرضييا وحرض حروضييا وحروضيية إذا بليييي وسييقم ،ورجييل حارض
وحرض؛ إل أن حرضييا ل يثنييي ول يجمييع ،ومثله فميين وحري ل يثنيان ول يجمعان .الثعلبييي:
وميين العرب ميين يقول حارض للمذكيير ،والمؤنثيية حارضيية؛ فإذا وصييف بهذا اللفييظ ثنييى وجمييع
وأنث .ويقال :حرض يحرض حراضة فهو حريض وحرض .ويقال :رجل محرض ،وينشد:
ولو الفته لضحى محرضا طلبته الخيل يوما كامل
وقال امرؤ القيس:
كإحراض بكر في الديار مريض أرى المرء ذا الذواد يصبح محرضا
قال النحاس :وحكيى أهيل اللغية أحرضيه الهيم إذا أسيقمه ،ورجيل حارض أي أحميق .وقرأ أنيس:
"حُرْضا" بضم الحاء وسكون الراء ،أي مثل عود الشنان .وقرأ الحسن بضم الحاء والراء .قال
حرَض والحُرُض الشنان" .أو تكون مين الهالكيين" أي الميتيين ،وهيو قول الجمييع؛ الجوهري :ال َ
وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه ،وإن كانوا السبب في ذلك.
@قوله تعالى" :قال إنما أشكو بثي" حقيقة البث في اللغة ما يرد على النسان من الشياء المهلكة
التي ل يتهيأ له أن يخفيها؛ وهو من بثثته أي فرقته ،فسميت المصيبة بثا مجازا ،قال ذو الرمة:
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وقفت على ربع لمية ناقتي
تكلمني أحجاره وملعبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه
وقال ابين عباس" :بثيي" هميي .الحسين :حاجتيي .وقييل :أشيد الحزن ،وحقيقية ميا ذكرناه" .وحزنيي
إلى ال" معطوف عليه ،أعاده بغير لفظه" .وأعلم من ال ما ل تعلمون" أي أعلم أن رؤيا يوسف
صادقة ،وأني سأسجد له .قاله ابن عباس .إني أعلم من إحسان ال تعالى إلى ما يوجب حسن ظني
بييه .وقيييل :قال يعقوب لملك الموت هييل قبضييت روح يوسييف؟ قال :ل ،فأكييد هذا رجاءه .وقال
السدي :أعلم أن يوسف حي ،وذلك أنه لما أخبر .ولده بسيرة الملك وعدله خلفه وقوله أحست نفس
يعقوب أنه ولده فطمع ،وقال :لعله يوسف .وقال :ل يكون في الرض صديق إل نبئ .وقيل :أعلم
من إجابة دعاء المضطرين ما ل تعلمون.
**3الية{ 87 :يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ول تيأسوا من روح ال إنه ل ييأس
من روح ال إل القوم الكافرون}
@قوله تعالى" :ييا بنيي اذهبوا فتحسيسوا مين يوسيف وأخييه" هذا يدل على أنيه تيقين حياتيه؛ إميا
بالرؤييا ،وإميا بإنطاق ال تعالى الذئب كمييا فييي أول القصية ،وإمييا بإخبار ملك الموت إياه بأنييه لم
يقبض روحه؛ وهو أظهر .والتحسس طلب الشيء بالحواس؛ فهو تفعل من الحس ،أي اذهبوا إلى
هذا الذهيب طلب منكيم أخاكيم ،واحتال عليكيم فيي أخذه فاسيألوا عنيه وعين مذهبيه .ويروى أن ملك
الموت قال له :اطلبيه مين هاهنيا! وأشار إلى ناحيية مصير .وقييل :إن يعقوب تنبيه على يوسيف برد
البضاعية ،واحتباس أخييه ،وإظهار الكرامية؛ فلذلك وجههيم سيلى جهية مصير دون غيرهيا" .ول
تيأسيوا مين روح ال" أي ل تقنطوا مين فرج ال؛ قال ابين زييد ،يرييد :أن المؤمين يرجيو فرج ال،
والكافير يقنيط فيي الشدة .وقال قتادة والضحاك :مين رحمية ال" .إنيه ل ييأس مين روح ال إل القوم
الكافرون" دليل على أن القنوط من الكبائر ،وهو اليأس في "الزمر" بيانه إن شاء ال تعالى.
**3اليية{ 88 :فلميا دخلوا علييه قالوا ييا أيهيا العزييز مسينا وأهلنيا الضير وجئنيا ببضاعية مزجاة
فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن ال يجزي المتصدقين}
@قوله تعالى" :فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز" أي الممتنع" .مسنا وأهلنا الضر" هذه المرة
الثالثية مين عودهيم إلى مصير؛ وفيي الكلم حذف ،أي فخرجوا إلى مصير ،فلميا دخلوا على يوسيف
قالوا" :مسينا" أي أصيابنا "وأهلنيا الضير" أي الجوع والحاجية؛ وفيي هذا دلييل على جواز الشكوى
عند الضر ،أي الجوع؛ بل واجب عليه إذا خاف على نفسه الضر من الفقر وغيره أن يبدي حالته
إلى مين يرجيو منيه النفيع؛ كميا هيو واجيب علييه أن يشكيو ميا بيه مين اللم إلى الطيبيب ليعالجيه؛ ول
يكون ذلك قدحيا فيي التوكيل ،وهذا ميا لم يكين التشكيي على سيبيل التسيخط؛ والصيبر والتجلد فيي
النوائب أحسيين ،والتعفييف عيين المسييألة أفضييل؛ وأحسيين الكلم فييي الشكوى سييؤال المولى زوال
البلوى؛ وذلك قول يعقوب" :إنما أشكو بثي وحزني إلى ال وأعلم من ال ما ل تعلمون" [يوسف:
]86أي من جميل صنعه ،وغريب لطفه ،وعائدته على عباده؛ فأما الشكوى على غير مشك فهو
السفه ،إل أن يكون على وجه البث والتسلي؛ كما قال ابن دريد:
لنكبة تعرفني عرق المدى ل تحسبن يا دهر أني ضارع
جوانب الجو عليه ما شكا مارست ما لو هوت الفلك من
جاش لغام من نواحيها غما لكنها نفثة مصدر إذا
@قوله تعالى" :وجئنا ببضاعة" البضاعة القطعة من المال يقصد بها شراء شيء؛ تقول :أبضعت
الشييء واسيتبضعته أي جعلتيه بضاعية؛ وفيي المثيل :كمسيتبضع التمير إلى هجير" .مزجاة" صيفة
لبضاعية؛ والزجاء السيوق بدفيع؛ ومنيه قوله تعالى" :ألم تير أن ال يزجيي سيحابا" [النور]43 :
والمعنى أنها بضاعة تدفع؛ ول يقبلها كل أحد .قال ثعلب :البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة.
واختلفت فيي تعيينهيا هنيا؛ فقيل :كانيت قديدا وحيسيا؛ ذكره الواقدي عن علي بين أبي طالب رضي
ال عنه .وقيل :خلق الغرائر والحبال؛ روى عن ابن عباس .وقيل :متاع العراب صوف وسمن؛
قال عبدال بين الحارث .وقييل :الحبية الخضراء والصينوبر وهيو البطيم ،حيب شجرة بالشام؛ يؤكيل
ويعصير الزييت منيه لعميل الصيابون ،قاله أبيو صيالح؛ فباعوهيا بدراهيم ل تنفيق فيي الطعام ،وتنفيق
فيميا بيين الناس؛ فقالوا :خذهيا منيا بحسياب جياد تنفيق مين الطعام .وقييل :دراهيم رديئه؛ فال ابين
عباس أيضيا .وقيل :لييس عليهيا صيورة يوسيف ،وكانت دراهيم مصير عليهيم صيورة يوسف .وقال
الضحاك :النعال والدم؛ وعنه :كانت سويقا منخل .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فأوف لنا الكيل" يريدون كما تبيع بالدراهم الجياد ل تنقصنا بمكان دراهمنا؛ هذا
قول أكثرا المفسرين .وقال ابن جريج" .فأوف لنا الكيل" يريدون الكيل الذي كان قد كاله لخيهم.
"وتصيدق علينيا" أي تفضيل علينيا بميا بيين سيعر الجياد والرديئة .قاله سيعيد بين جيبير والسيدي
والحسين :لن الصيدفة تحرم على النيبياء .وقييل المعنيى" :تصيدق علينيا" بالزيادة على حقنيا؛ قاله
سفيان بن عيينة .قال مجاهد :ولم تحرم الصدقة إل على نبينا محمد صلى ال عليه وسلم .وقال ابن
جريييج :المعنييى "تصييدق علينييا" برد أخينييا إلينييا .وقال ابيين شجرة" :تصييدق علينييا" تجوز عنييا؛
استشهد بقول الشاعر:
وأمر علينا الشعري لياليا تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب
"إن ال يجزي المتصدقين" يعني في الخرة؛ يقال :هذا من معاريض الكل؛ لنه لم يكن عندهم
أنيه على دينهيم ،فلذلك لم يقولوا :إن ال يجزييك بصيدقتك ،فقالوا لفظيا يوهميه أنهيم أرادوه ،وهيم
يصح لهم إخراجه بالتأويل؛ قاله النقاش وفي الحديث( :إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب).
@ استدل مالك وغيره من العلماء على أن أجرة الكيال على البائع؛ قال ابن القاسم وابن نافع قال
مالك :قالوا ليوسيييف "فأوف لنيييا الكييييل" فكان يوسيييف هيييو الذي يكييييل ،وكذلك الوزان والعداد
وغيرهم ،لن الرجل إذا باع عدة معلومة من طعامه ،وأوجب العقد عليه ،وجب عليه أن يبرزها
ويميز حق المشتري من حقه ،إل أن يبيع منه معينا صبره أو ما ل حق توفيه فيه ي فخلى ما بينه
وبينه ،فما جرى على المبيع فهو على المبتاع؛ وليس كذلك ما فيه حق توفيه من كيل أو وزن ،أل
ترى أنه ل يستحق البائع الثمن إل بعد التوفية ،وإن تلف فهو منه قبل التوفية.
@ وأميا أجرة النقيد فعلى البائع أيضيا؛ لن المبتاع الدافيع لدراهميه يقول :إنهيا طيبية ،فأنيت الذي
تدعيي الرداءة فانظير لنفسيك؛ وأيضيا فإن النفيع يقيع له فصيار الجير علييه ،وكذلك ل يجيب على
الذي يجب عليه القصاص؛ لنه ل يجب عليه أن يقطع يد نفسه ،إل أن يمكن من ذلك طائعا؛ أل
ترى أن قرضيا علييه أن يفدي يده ،ويصيالح علييه إذا طلب المقتيص ذلك منيه ،فأجير القطاع على
المقتص .وقال الشافعي في المشهور عنه :إنها على المقتص منه كالبائع.
@ يكره للرجل أن يقول في دعائه :اللهم تصدق علي؛ لن الصدقة إنما تكون ممن يبتغي الثواب،
وال تعالى متفضيل بالثواب بجمييع النعيم ل رب غيره؛ وسيمع الحسين رجل يقول :اللهيم تصيدق
علي؛ فقال الحين :ييا هذا! إن ال ل يتصيدق إنميا يتصيدق مين يبتغيي الثواب؛ أميا سيمعت قول ال
تعالى" :إن ال يجزي المتصدقين" قل :اللهم أعطني وتفضل علي.
**3اليتان{ 90 - 89 :قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ،قالوا أئنك لنت
يوسيف قال أنيا يوسيف وهذا أخيي قيد مين ال علينيا إنيه مين يتيق ويصيبر فإن ال ل يضييع أجير
المحسنين}
@قوله تعالى" :قال هيل علمتيم ميا فعلتيم بيوسيف وأخييه" اسيتفهام بمعنيى التذكيير والتوبييخ ،وهيو
الذي قال ال" :لتنبئنهم بأمرهم هذا" [يوسف ]15 :الية" .إذ أنتم جاهلون" دليل على أنهم كانوا
صيغارا فيي وقيت أخذهيم ليوسيف ،غيير أنيبياء؛ لنيه ل يوصيف بالجهيل إل مين كانيت هذه صيفته؛
ويدل على أنييه حسيينت حالهييم الن؛ أي فعلتييم ذلك إذ أنتييم صييغار جهال؛ قال معناه ابيين عباس
والحسين؛ ويكون قولهيم" :وإن كنيا لخاطئيين" على هذا ،لنهيم كيبروا ولم يخيبروا أباهيم بميا فعلوا
حياء وخوفا منه .وقيل :جاهلون بما تؤول إليه العاقبة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :قالوا أئنك لنت يوسف" لما دخلوا عليه فقالوا" :مسنا وأهلنا الضر" فخضوا له
وتواضعوا رق لهيم ،وعرقهيم بنفسيه ،فقال" :هيل علمتيم ميا فعلتيم بيوسيف وأخييه" فتنبهوا فقالوا:
"أئنك لنت يوسف" قاله ابن إسحاق .وقيل :إن يوسف تبسم فشبهوه بيوسف واستفهموا قال ابن
عباس لما قال لهم" :هل علمتم ما فعلتم بيوسف" الية ،ثم تبسم يوسف -وكان إذا تبسم كأن ثناياه
اللؤلؤ المنظوم -فشبهوه بيوسيف ،فقالوا له على جهية السيتفهام" :أئنيك لنيت يوسيف" .وعين ابين
عباس أيضيا :أن إخوتيه لم يعرفوه حتيى وضيع التاج عنيه ،وكان فيي قرنيه علمية ،وكان ليعقوب
مثلهيا شبيه الشامية ،فلميا قال لهيم" :هيل علمتيم ميا فعلتيم بيوسيف" رفيع التاج عنيه فعرفوه ،فقالوا:
"أئنك لنت يوسف" .وقال ابن عباس :كتب يعقوب إليه يطلب رد ابنه ،وفي الكتاب :من يعقوب
صيفي ال ابين إسيحاق ذبييح ال ابين إبراهييم خلييل ال إلى عزييز مصير -أميا بعيد -فإنيا أهيل بييت
بلء ومحين ،ابتلى ال جدي إبراهييم بنمروذ وناره ،ثيم ابتلى أبيي إسيحاق بالذبيح ،ثيم ابتلنيي بولد
كان لي أحب أولدي إلي حتى كف بصري من البكاء ،وإني لم أسرق ولم ألد سارقا والسلم .فلما
قرأ يوسييف الكتاب ارتعدت مفاصييله ،واقشعيير جلده ،وأرخييى عينيييه بالبكاء ،وعيييل صييبره فباح
بالسيير .وقرأ ابيين كثييير "إنييك" على الخييبر ،ويجوز أن تكون هذه القراءة اسييتفهاما كقوله" :وتلك
نعمية" [الشعراء" .]22 :قال أنيا يوسيف" أي أنيا المظلوم والمراد قتله ،ولم يقيل أنيا هيو تعظيميا
للقصية" .قيد مين ال علينيا" أي بالنجاة والملك" .إنيه مين يتيق ويصيبر" أي يتيق ال ويصيبر على
المصيائب ،وعين المعاصيي" .فإن ال ل يضييع أجير المحسينين" أي الصيابرين فيي بلئه ،القائميين
بطاعتيه .وقرأ ابين كثيير" :إنيه مين يتقيي" بإثبات الياء؛ والقراءة بهيا جائزة على أن تجعيل "مين"
بمعنيى الذي ،وتدخيل "يتقيي" فيي الصيلة ،فتثبيت الياء ل غيير ،وترفيع "ويصيبر" .وقيد يجوز أن
تجزم "ويصيير" على أن تجعيل "يتقيي" فيي موضيع جزم و"مين" للشرط ،وتثبيت الياء ،وتجعيل
علمة الجزم حذف الضمة التي كانت في الياء على الصل؛ كما قال:
يا يزيد بن خالد بن يزيد ثم نادي إذا دخلت دمشقا
وقال آخر:
بما لقت لبون بني زياد ألم يأتيك والنباء تنمي
وقراءة الجماعة ظاهرة ،والهاء في "إنه" كناية عن الحديث ،والجملة الخبر.
**3اليتان{ 92 - 91 :قالوا تال لقيد آثرك ال علينيا وإن كنيا لخاطئيين ،قال ل تثرييب عليكيم
اليوم يغفر ال لكم وهو أرحم الراحمين}
@قوله تعالى" :قالوا تال لقد آثرك ال علينا" الصل همزتان خففت الثانية ،ول يجوز تحقيقها،
واسم الفاعل مؤثر ،والمصدر إيثار .ويقال :أثرت التراب إثارة فإنا مثير؛ وهو أيضا على أفعل ثم
أعيل ،والصيل أثيير نقلت حركية الياء على الثاء ،فانقلبيت الياء ألفيا ،ثيم حذفيت للتقاء السياكنين.
وأثرت الحديث على فعلت فأنا اثر؛ والمعنى :لقد فضلك ال علينا ،واختارك بالعلم والحلم والحكم
والعقل والملك" .وإن كنا لخاطئين" أي مذنبين من خطئ يخطأ إذا أتى الخطيئة ،وفي ضمن هذا
سؤال العفو .وقيل لبن عباس :كيف قالوا "وإن كنا لخاطئين" وقد تعمدوا لذلك؟ قال :وإن تعمدوا
لذلك ،فميا تعمدوا حتيى أخطؤوا الحيق ،وكذلك كيل مين أتيى ذنبيا تخطيى المنهاج الذي علييه مين
الحق ،حتى يقع في الشبهة والمعصية.
@قوله تعالى" :ل تثرييب عليكيم اليوم" أي قال يوسيف -وكان حليميا موفقيا" :ل تثرييب عليكيم
اليوم" وتيم الكلم .ومعنيى "اليوم" :الوقيت .والتثرييب التعييير والتوبييخ ،أي تعييير ول توبييخ ول
لوم عليكم اليوم؛ قال سفيان الثوري وغيره؛ ومنه قوله عليه السلم( :إذا زنت أمه أحدكم فليجلدها
الحد ول يثرب عليها) أي ل يعيرها؛ وقال بشر:
وتركتهم لعقاب يوم سرمد فعفوت عنهم عفو مثرب
وقال الصيمعي :ثربيت علييه وعربيت علييه بمعنيى إذا قبحيت علييه فعله .وقال الزجاج :المعنيى ل
إفسياد لميا بينيي وبينكيم مين الحرمية ،وحيق الخوة ،ولكيم عندي العفيو والصيفح؛ وأصيل التثرييب
الفساد ،وهي لغة أهل الحجاز .وعن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذ بعضادتي
الباب يوم فتيح مكية ،وقيد لذ الناس بالبييت فقال( :الحميد ل الذي صيدق وعده ونصير عبده وهزم
الحزاب وحده) ثيم قال( :ماذا تظنون ييا معشير قرييش) قالوا :خيرا ،أخ كرييم ،ابين أخ كرييم وقيد
قدرت؛ قال( :وأنيا أقول كميا قال أخيي يوسيف "ل تثرييب عليكيم اليوم" فقال عمير رضيي ال عنيه:
ففضت عرقا من الحياء من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ذلك أني قد كنت قلت لهم حين
دخلنا مكة :اليوم ننتقم منكم ونفعل ،فلما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قال استحييت من
قولي" .يغفيير ال لكييم" مسييتقبل فيييه معنييى الدعاء؛ سييأل ال أن يسييتر عليهييم ويرحمهييم .وأجاز
الخفيش الوقيت على "عليكيم" والول هيو المسيتعمل؛ فإن فيي الوقيف على "عليكيم" والبتداء بيي
"اليوم يغفر ال لكم" جزم بالمغفرة في اليوم ،وذلك ل يكون إل عن وحي ،وهذا بين .وقال عطاء
الخراسيياني :طلب الحوائج ميين الشباب أسييهل منييه ميين الشيوخ؛ ألم تيير قول يوسييف" :ل تثريييب
عليكم اليوم يغفر ال لكم" وقال يعقوب" :سوف أستغفر لكم ربي".
**3الية{ 93 :اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين}
@قوله تعالى" :اذهبوا بقميصي هذا" نعت للقميص ،والقميص مذكر ،فأما قول الشاعر:
فوق النطاق تشد بالزرار تدعو هوازن والقميص مفاضة
فتقديره[ :والقمييص] درع مفاضية .قاله النحاس .وقال ابين السيدي عين أبييه عين مجاهيد :قال لهيم
يوسف" :اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا" قال :كان يوسف أعلم بال من أن
يعلم أن قميصيه يرد على يعقوب بصيره ،ولكين ذلك قمييص إبراهييم الذي البسيه ال فيي النار مين
حرير الجنة ،وكان كساه إسحاق ،وكان إسحاق كساه يعقوب ،وكان يعقوب أدرج ذلك القميص في
قصبة من فضة وعلقة في عنق يوسف ،لما كان يخاف عليه من العين ،وأخبره جبريل بأن أرسل
قميصيك فإن فييه رييح الجنية ،وإن رييح الجنية ل يقيع على سيقيم ول مبتلى إل عوفيي .وقال قميصيه
يهوذا ،قال يوسيف :أنيا الذي حملت إلييه قميصيك بدم كذب فأحزنتيه ،وأنيا الذي أحمله الن لسيره،
وليعود إليييه بصييره ،فحمله؛ حكاه السييدي" .وأتونييي بأهلكييم أجمعييين" لتتخذوا مصيير دارا .قال
مسروق :فكانوا ثلثة وتسعين ،ما بين رجل وامرأة .وقد قيل :إن القميص الذي بعثه هو القميص
الذي قد من دبره ،ليعلم يعقوب أنه عصم من الزنيى؛ والقول الول أصح ،وقد روى مرفوعا من
حديث أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم؛ ذكره القشيري وال أعلم.
**3الية{ 94 :ولما فصلت العير قال أبوهم إني لجد ريح يوسف لول أن تفندون}
@قوله تعالى" :ولما فصلت العير" أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام ،يقال :فصل فصول،
وفصيلته فصيل ،فهيو لزم ومتعيد" .قال أبوهيم" أي قال لمين حضير مين قرابتيه ممين لم يخرج إلى
مصير وهيم ولد ولده" :إنيي لجيد رييح يوسيف" وقيد يحتميل ،أن يكون خرج بعيض بنييه ،فقال لمين
بقيي" :إنيي لجيد رييح يوسيف لول أن تفندون" .قال ابين عباس :هاجيت رييح فحملت رييح قمييص
يوسف إليه ،وبينهما مسيرة ثمان ليال .وقال الحسن :مسيرة عشر ليال؛ وعنه أيضا مسيرة شهر.
وقال مالك بن أنس رضيي ال عنه :إنما أوصل ريحه من أوصل عرش .بلقيس قبل أن يرتيد إلى
سيليمان علييه السيلم طرفيه .وقال مجاهيد :هبيت رييح فصيفقت القمييص فراحيت روائح الجنية فيي
الدنيا واتصلت بيعقوب ،فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إل ما كان من ذلك
القميص ،فعند ذلك قال" :إني لجد" أي أشم؛ فهو وجود بحاسة الشم" .لول أن تفندوني" قال ابن
عباس ومجاهد :لول أن تسفهون؛ ومنه قول النابغة:
قم في البرية فاحددها عن الفند إل سليمان إذ قال المليك له
أي عيين السييفه .وقال سييعيد بيين جييبير والضحاك :لول أن تكذبون .والفنييد الكذب .وقييد أفنييد إفنادا
كذب؛ ومنه قول الشاعر:
فليس ما فات من أمري مردود يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي
وقال ابيين العرابييي" :لول أم تفندون" لول أن تُضعفوا رأي؛ وقاله ابيين إسييحاق .والفنييد ضعييف
الرأي ميين كييبر .وقول رابييع :تضللون ،قاله أبييو عييبيدة .وقال الخفييش :تلومونييي؛ والتفنيييد اللوم
وتضعيف الرأي .وقال الحسن وقتادة ومجاهد أيضا :تهرمون؛ وكله متقارب المعنى ،وهو راجع
إلى التعجيز وتضعيف الرأي؛ يقال :فنده تفنيدا إذا أعجزه ،كما قال:
أهلكني باللوم والتفنيد
ويقال :أفند إذا تكلم بالخطأ؛ والفند الخطأ في الكلم والرأي ،كما قال النابغة:
... .فاحددها عن الفند
أي امنعها عن الفساد في العقل ،ومن ذلك قيل :اللوم تفنيد؛ قال الشاعر:
طال الهوى وأطلتما التفنيدا يا عاذلي دعا الملم وأقصرا
ويقال :أفند فلنا الدهر إذا أفسده؛ ومنه قول ابن مقبل:
إذا كلف الفناد بالناس أفندا دع الدهر يفعل ما أراد فإنه
**3الية{ 95 :قالوا تال إنك لفي ضللك القديم}
@قوله تعالى" :قالوا تال إنك لفي ضللك القديم" أي لفي ذهاب عن طريق الصواب .وقال ابن
عباس وابن زيد :لفي خطئك الماضي من حب يوسف ل تنساه .وقال سعيد بن جبير :لفي جنونك
القديم .قال الحسن :وهذا عقوق .وقال قتادة وسفيان :لفي محبتك القديمة .وقيل :إنما قالوا هذا؛ لن
يوسيف عندهيم كان قيد مات .وقييل :إن الذي قال له ذلك مين بقيي معيه مين ولده ولم يكين عندهيم
الخبر .وقيل :قال له ذلك من كان معه من أهله وقرابته .وقيل :بنو بنيه وكانوا صغارا؛ فال أعلم.
**3الية{ 96 :فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من
ال ما ل تعلمون}
@قوله تعالى" :فلميا أن جاء البشيير ألقاه على وجهيه" أي على عينييه" .فارتيد بصييرا" "أن"
زائدة ،والبشيير قييل هيو شمعون .وقييل :يهوذا قال :أنيا أذهيب بالقمييص اليوم كميا ذهبيت به ملطخيا
بالدم؛ قال ابين عباس .وعين السيدي أنيه قال لخوتيه :قيد علمتيم أنيي ذهبيت إلييه بقمييص الترحية
فدعونيي أذهيب إلييه بقمييص الفرحية .وقال يحييى بين يمان عين سيفيان :لميا جاء البشيير إلى يعقوب
قال له :على أي ديين تركيت يوسيف؟ قال :على السيلم؛ قال :الن تميت النعمية؛ وقال الحسين :لميا
ورد البشيير على يعقوب لم يجيد عنده شيئا يثيبيه بيه؛ فقال :وال ميا أصيبت عندنيا شيئا؛ وميا خبزنيا
شيئا منذ سبع ليال ،ولكن هون ال عليك سكرات الموت.
قلت :وهذا الدعاء مين أعظيم ميا يكون مين الجوائز ،وأفضيل العطاييا والذخائر .ودلت هذه اليية
على جواز البذل والهبات عنيد البشائر .وفيي الباب حدييث كعيب بين مالك -الطوييل -وفييه" :فلميا
جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته" وذكر الحديث ،وقد تقدم
بكماله فيي قصية الثلثية الذيين خلفوا ،وكسيوة كعيب ثوبييه للبشيير ميع كونيه لييس له غيرهميا دلييل
على جواز مثيل ذلك إذا ارتجيى حصيول ميا يسيتبشر بيه .وهيو دلييل على جواز إظهار الفرح بعيد
زوال الغيم والترح .ومين هذا الباب جواز حذاقية الصيبيان ،وإطعام الطعام فيهيا ،قيد نحير عمير بعيد
حفظه سورة "البقرة" جزورا .وال أعلم" .قال ألم أقل لكم إني أعلم من ال ما ل تعلمون" ذكرهم
قوله" :إنما أشكو بثي وحزني إلى ال وأعلم من ال ما ل تعلمون" [يوسف.]86 :
**3اليتان{ 98 - 97 :قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ،قال سوف أستغفر لكم
ربي إنه هو الغفور الرحيم}
@قوله تعالى" :قالوا ييا أبانيا اسيتغفر لنيا ذنوبنيا إنيا كنيا خاطئيين" فيي الكلم حذف ،التقديير :فلميا
رجعوا من مصر قالوا يا أبانا؛ وهذا يدل على أن الذي قال له" :تال إنك لفي ضللك" القديم" بنو
بنيه أو غيرهم من قرابته وأهله ل ولده ،فإنهم كانوا غيبا ،وكان يكون ذلك زيادة في العقوق .وال
أعلم .وإنما سألوه المغفرة ،لنهم أدخلوا عليه من ألم الحزن ما لم يسقط المأثم عنه إل بإحلله.
قلت :وهذا الحكم ثابت فيمن آذى مسلما في نفسه أو ماله أو غير ذلك ظالما له؛ فإنه يجب عليه
أن يتحلل له ويخبره بالمظلمة وقدرها؛ وهل ينفعه التحليل المطلق أم ل؟ فيه خلف والصحيح أنه
ل ينفيع؛ فإنيه لو أخيبره بمظلمية لهيا قدر وبال ربميا لم تطيب نفيس المظلوم فيي التحلل منهيا .وال
أعلم .وفيي صيحيح البخاري وغيره عين أبيي هريرة قال :قال رسيول صيلى ال علييه وسيلم( :مين
كانت له مظلمة لخيه من عرضه أو شيء فليحلله منه اليوم قبل أل يكون دينار ول درهم إن كان
له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)
قال المهلب فقوله صيلى ال علييه وسيلم( :أخيذ منيه بقدر مظلمتيه) يجيب أن تكون المظلمية معلومية
القدر مشارا إليها مبينة ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :قال سوف أستغفر لكم ربي" قال ابن عباس :أخر دعاءه إلى السحر .وقال المثنى
بن الصباح عن طاوس قال :سحر ليلة الجمعة ،ووافق ذلك ليلة عاشوراء .وفي دعاء الحفظ -من
كتاب الترمذي -عين ابين عباس أنيه قال :بينميا نحين عنيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذ جاءه
علي بن أبي طالب -رضى ال عنه -فقال - :بأبي أنت وأمي -تفلت هذا القرآن من صدري ،فما
أجدنيي أقدر علييه ،فقال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أفل أعلميك كلمات ينفعيك ال بهين
وينفيع بهين مين علمتيه ويثبيت ميا تعلميت فيي صيدرك) قال :أجيل ييا رسيول ال! فعلمنيي؛ قال( :إذا
كان ليلة الجمعيية فإن اسييتطعت أن تقوم فييي ثلث الليييل الخيير فإنهييا سيياعة مشهودة والدعاء فيهييا
مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه "سوف أستغفر لكم ربي" يقول حتى تأتي ليلة الجمعة) وذكر
الحدييث .وقال قال أيوب بين أبيي تميمية السيختياني عين سيعيد بين جيبير قال" :سيوف اسيتغفر لكيم
ربيي" فيي الليالي البييض ،فيي الثالثية عشرة ،والرابعية عشرة ،والخامسية عشرة فإن الدعاء فيهيا
مسيتجاب .وعين عامير الشعيبي قال" :سيوف اسيتغفر لكيم ربيي" أي أسيأل يوسيف إن عفيا عنكيم
اسيتغفرت لكيم ربيي؛ وذكير سينيد بين داود قال :حدثنيا هشييم قال حدثنيا عبدالرحمين بين إسيحاق عين
محارب بن دثار عن عمه قال :كنت آتي المسجد في السحر فأمر بدار ابن مسعود فأسمعه يقول:
اللهيم إنيك أمرتنيي فأطعيت ،ودعوتنيي فأجبيت ،وهذا سيحر فاغفير لي ،فلقييت ابين مسيعود فقلت:
كلمات أسمعك تقولهن في السحر فقال :إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله" :سوف استغفر لكم
ربي".
**3الية{ 99 :فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء ال آمنين}
@قوله تعالى" :فلميا دخلوا على يوسيف" أي قصيرا كان له هناك" .آوى إلييه أبوييه" قييل :إن
يوسيف بعيث ميع البشيير مائتيي راحلة وجهازا ،وسيأل يعقوب أن يأتييه بأهله وولده جميعيا؛ فلميا
دخلوا علييه آوى إلييه أبوييه ،أي ضيم؛ ويعنيي بأبوييه أباه وخالتيه ،وكانيت أميه قيد ماتيت فيي ولدة
أخييه بنياميين .وقييل :أحييا ال له أميه تحقيقيا للرؤييا حتيى سيجدت له ،قاله الحسين؛ وقيد تقدم فيي
"البقرة" أن ال تعالى أحيا لنبيه عليه السلم أباه وأمه فآمنا به.
@قوله تعالى" :وقال ادخلوا مصر إن شاء ال آمنين" قال ابن جريج :أي سوف أستغفر لكم ربي
إن شاء ال؛ قال :وهذا من تقديم القرآن وتأخيره؛ قال النحاس :يذهب ابن جريج إلى أنهم قد دخلوا
مصيير فكيييف يقول" :ادخلوا مصيير إن شاء ال" .وقيييل :إنمييا قال" :إن شاء ال" تبركييا وجزمييا.
"آمنين" من القحط ،أو من فرعون؛ وكانوا ل يدخلونها إل بجوازه.
**3الية{ 100 :ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من
قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ
الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم}
@قوله تعالى" :ورفع أبويه على العرش" قال قتادة :يريد السرير ،وقد تقدمت محامله؛ قد يعبر
بالعرش عن الملك والملك نفسه؛ ومنه قول النابغة الذبياني:
عروش تفانوا بعد وأمنة
وقد تقدم.
@قوله تعالى" :وخروا له سيجدا" الهاء فيي "خروا له" قييل :إنهيا تعود على ال تعالى؛ المعنيى:
وخروا شكرا ل سييجدا؛ ويوسييف كالقبلة لتحقيييق روياه ،وروي عيين الحسيين؛ قال النقاش :وهذا
خطأ؛ والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة" :رأيتهم لي ساجدين" [يوسف.]4 :
وكان تحيتهيم أن يسيجد الوضييع للشرييف ،والصيغير للكيبير؛ سيجد يعقوب وخالتيه وإخوته ليوسيف
عليه السلم ،فاقشعر جلده وقال" :هذا تأويل رؤياي من قبل" وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها
اثنتان وعشرون سنة .وقال سلمان الفارسي وعبدال بن شداد :أربعون سنة؛ قال عبدال بن شداد:
وذلك آخيير مييا تبطييئ الرؤيييا .وقال قتادة :خمييس وثلثون سيينة .وقال السييدي وسييعيد بيين جييبير
وعكرمة :ست وثلثون سنة .وقال الحسن وجسر بن فرقد وفضيل ابن عياض :ثمانون سنة .وقال
وهيب بين منبيه :ألقيي يوسيف فيي الجيب وهيو ابين سيبع عشرة سينة ،وغاب عين أبييه ثمانيين سينة،
وعاش بعيد أن التقيى بأبييه ثلثيا وعشريين سينة ،ومات وهيو ابين مائة وعشريين سينة .وفيي التوراة
مائة وسيت وعشرون سينة .وولد ليوسيف مين امرأة العزييز إفراثييم ومنشيا ورحمية امرأة أيوب.
وبيين يوسيف وموسيى أربعمائة سينة .وقييل :إن يعقوب بقيي عنيد يوسيف عشريين سينة ،ثيم توفيي
صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :أقام عنده ثمانيي عشرة سينة .وقال بعيض المحدثيين :بعضيا وأربعيين
سينة؛ وكان بيين يعقوب ويوسيف ثلث وثلثون سينة حتيى جمعهيم ال .وقال ابين إسيحاق :ثمانيي
عشرة سنة ،وال أعلم.
@ قال سعيد بعد جبير عن قتادة عن الحسن :في قوله" :وخروا له سجدا" -قال :لم يكن سجودا،
لكنييه سيينة كانييت فيهييم ،يومئون برؤوسييهم إيماء ،كذلك كانييت تحيتهييم .وقال الثوري والضحاك
وغيرهميا :كان سيجودا كالسيجود المعهود عندنيا ،وهيو كان تحيتهيم .وقييل :كان انحناء كالركوع،
ولم يكين خرورا على الرض ،وهكذا كان سيلمهم بالتكفيي والنحناء ،وقيد نسيخ ال ذلك كله فيي
شرعنييا ،وجعييل الكلم بدل عيين النحناء .وأجمييع المفسييرون أن ذلك السييجود على أي وجييه كان
فإنميا كان تحيية ل عبادة؛ قال قتادة :هذه كانيت تحيية الملوك عندهيم؛ وأعطيى ال هذه المية السيلم
تحية أهل الجنة.
قلت :هذا النحناء والتكفي الذي نسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية ،وعند العجم ،وكذلك
قيام بعضهيم إلى بعيض؛ حتيى أن أحدهيم إذا لم يقيم له وجيد فيي نفسيه كأنيه ل يؤبيه بيه ،وأنيه ل قدر
له؛ وكذلك إذا التقوا انحنييى بعضهيم لبعيض ،عادة مسيتمرة ،ووراثية مسيتقرة ل سييما عنيد التقاء
المراء والرؤسياء .نكبوا عين السينن ،وأعرضوا عين السينن .وروى أنيس بين مالك قال :قلنيا ييا
رسيول ال أينحنيي بعضنيا إلى بعيض إذا التقينيا؟ قال( :ل)؛ قلنيا :أفيعتنيق بعضنيا بعضيا؟ قال (ل).
قلنا :أفيصافح بعضنا بعضا؟ قال (نعم) .خرجه أبو عمر في "التمهيد" فإن قيل :فقد قال رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم( :قوموا إلى سييدكم وخيركيم) -يعنيي سيعد بين معاذ -قلنيا :ذلك مخصيوص
بسعد لما تقتضيه الحال المعينة؛ وقد قيل :إنما كان قيامهم لينزلوه عن الحمار؛ وأيضا فإنه يجوز
للرجيل الكيبير إذا لم يؤثير ذلك فيي نفسيه ،فإن أثير فييه وأعجيب بيه ورأى لنفسيه حظيا لم يجيز عونيه
على ذلك؛ لقوله صيلى ال عليه وسيلم( :من سيره أن يتمثيل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار).
وجاء عين الصيحابة رضوان ال عليهيم أجمعيين أنيه لم يكين وجيه أكرم عليهيم مين وجيه رسيول ال
صلى ال عليه وسلم ،وما كانوا يقومون له إذا رأوه ،لما يعرفون من كراهته لذلك.
@ فإن قييل :فميا تقول فيي الشارة بالصيبع؟ قييل له :ذلك جائز إذا بعيد عنيك ،لتعيين له بيه وقيت
السيلم ،فإن كان دانييا فل؛ وقيد قييل بالمنيع فيي القرب والبعيد؛ لميا جاء عين رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم أنيه قال( :مين تشبيه بغيرنيا فلييس منيا) .وقال( :ل تسيلموا تسيليم اليهود والنصيارى فإن
تسيليم اليهود بالكيف والنصيارى بالشارة) .وإذا سيلم فإنيه ل ينحنيي ،ول أن يقبيل ميع السيلم يده،
ولن النحناء على معنيى التواضيع ل ينبغيي إل ل .وأميا تقبييل الييد فإنيه مين فعيل العاجيم ،ول
يتبعون على أفعالهيم التيي أحدثوهيا تعظيميا منهيم لكيبرائهم؛ قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :ل
تقوموا عنيد رأسيي كميا تقوم العاجيم عنيد رؤوس أكاسيرتها" فهذا مثله .ول بأس بالمصيافحة؛ فقيد
صيافح النيبي صيلى ال علييه وسيلم جعفير بين أبيي طالب حيين قدم مين الحبشية ،وأمير بهيا ،وندب
إليها ،وقال( :تصافحوا يذهب الغل) وروى غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي صلى ال
علييييه وسيييلم كانوا إذا التقوا تصيييافحوا ،وإذا قدموا مييين سيييفر تعانقوا؛ فإن قييييل :فقيييد كره مالك
المصافحة؟ قلنا :روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة ،وذهب إلى هذا سحنون
وغيره مين أصيحابنا؛ وقيد روي عين مالك خلف ذلك مين جواز المصيافحة ،وهيو الذي يدل علييه
معنى ما في الموطأ؛ وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف .قال ابن العربي:
إنما كره مالك المصافحة لنه لم يرها أمرا عاما في الدين ،ول منقول نقل
قلت :قد جاء في المصافحة حديث يدل على الترغيب فيها ،والدأب عليها والمحافظة؛ وهو ما
رواه البراء بن عازب قال :لقيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخذ بيدي فقلت :يا رسول ال!
إن كنت لحسب أن المصافحة للعاجم؟ فقال( :نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان
فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إل ألقيت ذنوبها بينهما).
@قوله تعالى" :وقيد أحسين بيي إذ أخرجنيي مين السيجن" ولم يقيل من الجيب اسيتعمال للكرم؛ لئل
يذكر إخوته صنيعهم بعد عفوه عنهم بقوله" :ل تثريب عليكم".
قلت :وهذا هو الصل عند مشايخ الصوفية :ذكر الجفا في وقت الصفا جفا ،وهو قول صحيح
دل علييه الكتاب .وقييل :لن فييي دخول السيجن كان باختياره بقوله" :رب السيجن أحييب إلي ممييا
يدعونني إليه" [يوسف ]33 :وكان في الجب بإرادة ال تعالى له .وقيل :لنه كان في السجن مع
اللصوص والعصاة ،وفي الجب مع ال تعالى؛ وأيضا فإن المنة في النجاة من السجن كانت أكبر،
لنيه دخله بسيبب أمرهيم بيه؛ وأيضيا دخله باختياره إذ قال" :رب السيجن أحيب إلي" فكان الكرب
فيه أكثر؛ وقال فيه أيضا" :اذكرني عند ربك" [يوسف ]42 :فعوقب فيه.
@قوله تعالى" :وجاء بكيم مين البدو" يروى أن مسيكن يعقوب كان بأرض كنعان ،وكانوا أهيل
مواش وبريية؛ وقييل :كان يعقوب تحول إلى باديية وسيكنها ،وأن ال لم يبعيث نبييا مين أهيل الباديية.
وقيل :إنه كان خرج إلى بدا ،وهو موضع؛ وإياه عنى جميل بقوله:
إلي وأوطاني بلد سواهما وأنت التي حببت شغبا إلى بدا
وليعقوب بهذا الموضيع مسيجد تحيت جبيل .يقال :بدا القوم بدوا إذا أتوا بدا ،كميا يقال :غاروا غورا
أي أتوا الغور؛ والمعنيى :وجاء بكيم مين مكان بدا؛ ذكره القشيري ،وحكاه الماوردي عين الضحاك
عين ابين عباس" .مين بعيد أن نزغ الشيطان بينيي وبيين إخوتيي" بإيقاع الحسيد؛ قاله ابين عباس.
وقيل :أفسد ما بيني وبين إخوتي؛ أحال ذنبهم على الشيطان تكرما منه" .إن ربي لطيف لما يشاء"
أي رفييق بعباده .وقال الخطابيي :اللطييف هيو البر بعباده الذي يلطيف بهيم مين حييث ل يعلمون،
ويسييبب لهييم مصييالحهم ميين حيييث ل يحتسييبون؛ كقوله" :ال لطيييف بعباده يرزق ميين يشاء"
[الشورى .]19 :وقييل :اللطييف العالم بدقائق المور؛ والمراد هنيا الكرام والرفيق .قال قتادة،
لطييف بيوسييف بمييا خراجييه ميين السييجن ،وجاءه بأهله ميين البدو ،ونزع عيين قلبييه نزغ الشيطان.
ويروى أن يعقوب لميا قدم بأهله وولده وشارف أرض مصير وبلغ ذلك يوسيف اسيتأذن فرعون -
واسمه الريان -أن يأذن له في تلقي أبيه يعقوب؛ وأخبره بقدومه فأذن له ،وأمر المل من أصحابه
بالركوب معه؛ فخرج يوسيف والملك معيه في أربعية آلف من المراء مع كل أميير خلق ال أعلم
بهييم؛ وركييب أهييل مصيير معهييم يتلقون يعقوب ،فكان يعقوب يمشييي متكئا على يييد يهوذا؛ فنظيير
يعقوب إلى الخيييل والناس والعسيياكر فقال :يييا يهوذا! هذا فرعون مصيير؟ قال :ل ،بييل هذا ابنييك
يوسيف؛ فلميا دنيا كيل واحيد منهميا مين صياحبه ذهيب يوسيف ليبدأه بالسيلم فمنيع مين ذلك ،وكان
يعقوب أحق بذلك منه وأفضل؛ فابتدأ يعقوب بالسلم فقال :السلم عليك يا مذهب الحزان ،وبكى
وبكيى معيه يوسيف؛ فبكيى يعقوب فرحيا ،وبكيى يوسيف لميا رأى بأبييه مين الحزن؛ قال ابين عباس:
فالبكاء أربعية ،بكاء مين الخوف ،وبكاء من الجزع ،وبكاء من الفرح ،وبكاء رياء .ثيم فال يعقوب:
الحمد ل الذي أقر عيني بعد الهموم والحزان ،ودخل ،مصر في اثنين وثمانين من أهل بيته؛ فلم
يخرجوا مين مصير حتيى بلغوا سيتمائة ألف ونييف ألف؛ وقطعوا البحير ميع موسيى علييه السيلم؛
رواه عكرمية عين ابين عباس .وحكيى ابين مسيعود أنهيم دخلوا مصير وهيم ثلثية وتسيعون إنسيانا ميا
بيين رجيل وامرأة ،وخرجوا ميع موسيى وهيم سيتمائة ألف وسيبعون ألفيا .وقال الربييع بين خيثيم:
دخلوها وهم اثنان وسبعون ألفا ،وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف .وقال وهب :بن منبه دخل
يعقوب وولده مصير وهيم تسيعون إنسيانا ميا بيين رجيل وامرأة وصيغير ،وخرجوا منهيا ميع موسيى
فرارا ميين فرعون ،وهييم سييتمائة ألف وسييتمائة وبضييع وسييبعون رجييل مقاتلييين ،سييوى الذرييية.
والهرميى والزمنيى؛ وكانيت الذريية ألف ألف ومائتيي ألف سيوى المقاتلة ،وقال أهيل التوارييخ :أقام
يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة في أغبط حال ونعمة ،ومات بمصر ،وأوصى إلى ابنه يوسف
أن يحميل جسيده حتيى يدفنيه عنيد أبييه إسيحاق بالشام ففعيل ،ثيم انصيرف إلى مصير .قال سيعيد بين
جبير :نقل يعقوب صلى ال عليه وسلم في تابوت من ساج إلى بيت المقدس ،ووافق ذلك يوم مات
عيصيو ،فدفنيا فيي قيبر واحيد؛ فمين ثيم تنقيل اليهود موتاهيم إلى بييت المقدس ،مين فعيل ذلك منهيم؛
وولد يعقوب وعيصييو فييي بطيين واحييد ،ودفنييا فييي قييبر واحييد وكان عمرهمييا جميعييا مائة وسييبعا
وأربعين سنة.
**3اليية{ 101 :رب قيد آتيتنيي مين الملك وعلمتنيي مين تأوييل الحادييث فاطير السيماوات
والرض أنت وليي في الدنيا والخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}
@قوله تعالى" :رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث" قال قتادة :لم يتمن الموت
أحيد؛ نيبي ول غيره إل يوسيف علييه السيلم؛ حيين تكاملت علييه النعيم وجميع له الشميل اشتاق إلى
لقاء ربه عز وجل .وقيل :إن يوسف لم يتمن الموت ،وإنما تمنى الوفاة على السلم؛ أي إذا جاء
أجلي توفنييي مسييلما؛ وهذا قول الجمهور .وقال سييهل بيين عبدال التسييتري :ل يتمنييى الموت إل
ثلث :رجيل جاهيل بميا بعيد الموت ،أو رجيل يفير مين أقدار ال تعالى علييه ،أو مشتاق محيب للقاء
ال عيز وجيل .وثبيت فيي الصيحيح عين أنيس قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل يتمنيين
أحدكييم الموت لضيير نزل بييه فإن كان ل بييد متمنيييا فليقييل اللهييم أحينييي مييا كانييت الحياة خيرا لي
وتوفنيي إذا كانيت الوفاة خيرا لي) رواه مسيلم .وفييه عين أبيي هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم( :ل يتمنيين أحدكيم الموت ول يدع بيه مين قبيل أن يأتييه إنيه إذا مات أحدكيم انقطيع عمله
وإنيه ل يزييد المؤمين عمره إل خيرا) .وإذا ثبيت هذا فكييف يقال :إن يوسيف علييه السيلم تمنيى
الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل؟ هذا بعيد! إل أن يقال :إن ذلك كان جائزا في شرعه؛ أما
أنيه يجوز تمنيي الموت والدعاء بيه عنيد ظهور الفتين وغلبتهيا ،وخوف ذهاب الديين ،على ميا بيناه
فيي كتاب "التذكرة"" .ومين" مين قوله" :مين الملك" للتبعييض ،وكذلك قوله" :وعلمتنيي مين تأوييل
الحاديث" لن ملك مصر ما كان كل الملك ،وعلم التعبير ما كان كل العلوم .وقيل" :من" للجنس
كقوله" :فاجتنبوا الرجس من الوثان" [الحج ]30:وقيل :للتأكد .أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل
الحاديث.
@قوله تعالى" :فاطير السيماوات والرض" نصيب على النعيت للنداء ،وهيو رب ،وهيو نداء
مضاف؛ والتقدييير :يييا رب! ويجوز أن يكون نداء ثانيييا .والفاطيير الخالق؛ فهييو سييبحانه فاطيير
الموجودات ،أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الطلق من غير شيء ،ول مثال سبق؛
وقد تقدم هذا المعنى في "البقرة" مستوفى؛ عند قوله" :بديع السماوات والرض" [البقرة]117 :
وزدناه بيانيا فيي الكتاب السينى فيي شرح أسيماء ال الحسينى" .أنيت ولييي" أي ناصيري ومتولي
أموري فييي الدنيييا والخرة" .توفنييي مسييلما وألحقنييي بالصييالحين" يريييد آباءه الثلثيية؛ إبراهيييم
وإسيحاق ويعقوب ،فتوفاه ال -طاهرا طيبيا صيلى ال علييه وسيلم -بمصير ،ودفين فيي النييل فيي
صيندوق مين رخام؛ وذلك أنيه لميا مات تشاح الناس علييه؛ كيل يحيب أن يدفين فيي محلتهيم ،لميا
يرجون ميين بركتييه؛ واجتمعوا على ذلك حتييى هموا بالقتال ،فرأوا أن يدفنوه فييي النيييل ميين حيييث
مفرق الماء بمصير ،فيمير علييه الماء ،ثيم يتفرق فيي جمييع مصير ،فيكونوا فييه شرعيا ففعلوا؛ فلميا
خرج موسيى ببنيي إسيرائيل أخرجيه مين النييل :ونقيل تابوتيه بعيد أربعمائة سينة إلى بييت المقدس،
فدفنوه مع آبائه لدعوته" :وألحقني بالصالحين" وكان عمره مائة عام وسبعة أعوام .وعن الحسن
قال :ألقي يوسف فيي الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ،وكان فيي العبودية والسجن والملك ثمانين
سينة ،ثيم جميع له شمله فعاش بعيد ذلك ثلثيا وعشريين سينه؛ وكان له مين الولد إفراثييم ،ومنشيا،
ورحمية ،زوجية أيوب؛ فيي قول ابين لهيعية .قال الزهري :وولد لفراثييم -بين يوسيف -نون بين
إفراثيم ،وولد لنون يوشع؛ فهو يوشع بن نون ،وهو فتى موسى الذي كان معه صاحب أمره ،ونبأه
ال فيي زمين موسيى علييه السيلم؛ فكان بعده نبييا ،وهيو الذي افتتيح أريحيا ،وقتيل مين كان بهيا مين
الجبابرة ،واسيتوقفت له الشميس حسيب ميا تقدم فيي "المائدة" .وولد لمنشيا بين يوسيف موسيى بين
منشيا ،قبيل موسيى بين عمران .وأهيل التوراة يزعمون أنيه هيو الذي طلب العالم ليتعلم منيه حتيى
أدركيه ،والعالم هيو الذي خرق السيفينة ،وقتيل الغلم ،وبنيى الجدار ،وموسيى بين منشيا معيه حتيى
بلغه معه حيث بلغ؛ وكان ابن عباس ينكر ذلك؛ والحق الذي قاله ابن عباس؛ وكذلك في القرآن .ثم
كان بييين يوسييف وموسييى أمييم وقرون ،وكان فيمييا بينهمييا شعيييب ،صييلوات ال وسييلمه عليهييم
أجمعين.
**3اليية{ 102 :ذلك مين أنباء الغييب نوحييه إلييك وميا كنيت لديهيم إذ أجمعوا أمرهيم وهيم
يمكرون}
@قوله تعالى" :ذلك من أنباء الغيب" ابتداء وخبر" .نوحيه إليك" خبر ثان .قال الزجاج :ويجوز
أن يكون "ذلك" بمعنى الذي! "نوحيه إليك" خبره؛ أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك؛ يعني هو
الذي قصصنا عليك يا محمد من أمر يوسف من أخبار الغيب "نوحيه إليك" أي نعلمك بوحي هذا
إليك" .وما كنت لديهم" أي مع إخوة يوسف "إذ أجمعوا أمرهم" في إلقاء يوسف في الجب" .وهم
يمكرون" أي بيوسف في إلقائه في الجب .وقيل" :يمكرون" بيعقوب حين جاؤوه بالقميص ملطخا
بالدم؛ أي ما شاهدت تلك الحوال ،ولكن ال أطلعك عليها.
**3الية{ 103 :وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}
@قوله تعالى" :وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" ظن أن العرب لما سألته عن هذه القصة
وأخيبرهم يؤمنون ،فلم يؤمنوا؛ فنزلت اليية تسيلية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ أي لييس تقدر على
هدايية مين أردت هدايتيه؛ تقول :حرص يحرص ،مثيل :ضرب يضرب .وفيي لغية ضعيفية حرص
يحرص مثل حمد يحمد .والحرص طلب الشيء باختيار.
**3الية{ 104 :وما تسألهم عليه من أجر إن هو إل ذكر للعالمين}
@قوله تعالى" :وما تسألهم عليه من أجر" "من" صلة؛ أي ما تسألهم جعل" .إن هو" أي ما هو؛
يعني القرآن والوحي" .إل ذكر" أي عظة وتذكرة "للعالمين".
**3الية{ 105 :وكأين من آية في السماوات والرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}
@ قال الخليل وسيبويه :هي "أي" دخل عليها كاف التشبيه وبنيت معها ،فصار في الكلم معنى
كم ،وقد مضى في "آل عمران" القول فيها مستوفى .ومضى القول في آية "السماوات والرض"
فيي "البقرة" .وقييل :اليات آثار عقوبات الميم السيالفة؛ أي هيم غافلون معرضون عن تأميل .وقرأ
عكرمييية وعمرو بييين فائد "والرض" رفعيييا ابتداء ،وخيييبره" .يمرون عليهيييا" .وقرأ السيييدي
"والرض" نصيبا بإضمار فعيل ،والوقيف على هاتيين القراءتيين على "السيماوات" .وقرأ ابين
مسعود" :يمشون عليها".
**3الية{ 106 :وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون}
@قوله تعالى" :وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون" نزلت في قوم أقروا بال خالقهم وخالق
الشياء كلهيا ،وهيم يعبدون الوثان؛ قاله الحسين ،ومجاهيد وعامير الشعيبي وأكثير المفسيرين .وقال
عكرمية هيو قوله" :ولئن سيألتهم مين خلقهيم ليقولن ال" [الزخرف ]87 :ثيم يصيفونه بغيير صيفته
ويجعلون له أندادا؛ ودعين الحسين أيضيا :أنهيم أهيل كتاب معهيم شرك وإيمان ،آمنوا بال وكفروا
بمحميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فل يصيح إيمانهيم؛ حكاه ابين ،النباري .وقال ابين عباس :نزلت فيي
تلبييية مشركييي العرب :لبيييك ل شريييك لك إل شريكييا هييو لك تملكييه ومييا ملك .وعنييه أيضييا أنهييم
النصيارى .وعنيه أيضيا أنهيم المشبهية ،آمنوا مجمل وأشركوا مفصيل .وقييل :نزلت فيي المنافقيين؛
المعنيى" :وميا يؤمين أكثرهيم بال" أي باللسيان إل وهيو كافير بقلبيه؛ ذكره الماوردي عين الحسين
أيضيا .وقال عطاء :هذا فيي الدعاء؛ وذلك أن الكفار ينسيون ربهيم فيي الرخاء ،فإذا أصيابهم البلء
أخلصييوا فييي الدعاء؛ بيانييه" :وظنوا أنهييم أحيييط بهييم" [يونييس ]22 :الييية .وقوله" :وإذا مييس
النسيان الضير دعانيا لجنبيه" [يونيس ]12 :اليية .وفيي آيية أخرى" :وإذا مسيه الشير فذو دعاء
عريض" [فصلت .]51 :وقيل :معناها أنهم يدعون ال ينجيهم من الهلكة ،فإذا أنجاهم قال قائلهم:
لول فلن ميا نجونيا ،ولول الكلب لدخيل علينيا اللص ،ونحيو هذا؛ فيجعلون .نعمية ال منسيوبة إلى
فلن ،ووقايته منسوبة إلى الكلب.
قلت :وقييد يقييع فييي هذا القول والذي قبله كثييير ميين عوام المسييلمين؛ ول حول ول قوة إل بال
العلي العظييم .وقييل :نزلت هذه اليية فيي قصية الدخان؛ وذلك أن أهيل مكية لميا غشيهيم الدخان فيي
سيني القحيط قالوا" :ربنيا اكشيف عنيا العذاب إنيا مؤمنون" [الدخان ]12 :فذلك إيمانهيم ،وشركهيم
عودهيم إلى الكفير بعيد كشيف العذاب؛ بيانيه قوله" :إنكيم عائدون" [الدخان ]15 :والعود ل يكون
إل بعد ابتداء؛ فيكون معنى" :إل وهم مشركون" أي إل وهم عائدون إلى الشرك ،وال أعلم.
**3الييية{ 107 :أفأمنوا أن تأتيهييم غاشييية ميين عذاب ال أو تأتيهييم السيياعة بغتيية وهييم ل
يشعرون}
@قوله تعالى" :أفأمنوا أن تأتيهيم غاشيية مين عذاب ال" قال ابين عباس :مجللة .وقال مجاهيد:
عذاب يغشاهيم؛ نظيره" .يوم يغشاهيم العذاب مين فوقهيم ومين تحيت أرجلهيم" [العنكبوت.]55 :
وقال قتادة :وقيعية تقيع لهيم .وقال الضحاك :يعنيي الصيواعق والقوارع" .أو تأتيهيم السياعة" يعنيي
القيامة" .بغتة" نصب على الحال؛ وأصله المصدر .وقال المبرد :جاء عن العرب حال بعد نكرة؛
وهو قولهم :وقع أمر بغتة وفجأة؛ قال النحاس :ومعنى "بغتة" إصابة من حيث لم يتوقع" .وهم ل
يشعرون" وهيو توكييد .وقوله" :بغتية" قال ابين عباس :تصييح الصييحة بالناس وهيم فيي أسيواقهم
ومواضعهم ،كما قال" :تأخذهم وهم يخصمون" [يس ]49 :على ما يأتي.
**3الية{ 108 :قل هذه سبيلي أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان ال وما أنا
من المشركين}
@قوله تعالى" :قل هذه سبيلي" ابتداء وخبر؛ أي قل يا محمد هذه طريقي وسنتي ومنهاجي؛ قاله
ابن زيد .وقال الربيع :دعوتي ،مقاتل :دينيي ،والمعنيى واحد؛ أي الذي أنا عليه وأدعو إليه يؤدي
إلى الجنية" .على بصييرة" أي على يقيين وحيق؛ ومنيه :فلن مسيتبصر بهذا" .أنيا" توكييد" .ومين
اتبعنيي" عطيف على المضمير" .وسيبحان ال" أي قيل ييا محميد" :وسيبحان ال"" .وميا أنيا مين
المشركين" الذين يتخذون من دون ال أندادا.
**3اليية{ 109 :وميا أرسيلنا مين قبلك إل رجال نوحيي إليهيم مين أهيل القرى أفلم يسييروا فيي
الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الخرة خير للذين اتقوا أفل تعقلون}
@قوله تعالى" :وما أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم من أهل القرى" هذا رد على القائلين:
"لول أنزل علييه ملك" [النعام ]8 :أي أرسيلنا رجال لييس فيهيم امرأة ول جنيي ول ملك؛ وهذا
يرد ما يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :إن في النساء أربع نبيات حواء وآسية وأم
موسيى ومرييم) .وقيد تقدم فيي "آل عمران" شييء مين هذا" .مين أهيل القرى" يرييد المدائن؛ ولم
يبعيث ال نبييا مين أهيل الباديية لغلبية الجفاء والقسيوة على أهيل البدو؛ ولن أهيل المصيار أعقيل
وأحلم وأفضيل وأعلم .قال الحسين :لم يبعيث ال نبييا مين أهيل الباديية قيط ،ول مين النسياء ،ول مين
الجين .وقال قتادة" :مين أهيل القرى" أي مين أهيل المصيار؛ لنهيم أعلم وأحلم .وقال العلماء :مين
شرط الرسول أن يكون رجل آدميا مدنيا؛ وإنما قالوا آدميا تحرزا؛ من قوله" :يعوذون برجال من
الجن" [الجن ]6 :وال أعلم.
@قوله تعالى" :أفلم يسيروا في الرض فينظروا" إلى مصارع المم المكذبة لنبيائهم فيعتبروا.
"ولدار الخرة خير" ابتداء وخبره .وزعم الفراء أن الدار هي الخرة؛ وأضيف الشيء إلى نفسه
لختلف اللفظ ،كيوم الخميس ،وبارحة الولى؛ قال الشاعر:
عرفت الذل عرفان اليقين ولو أقوت عليك ديار عبس
أي عرفانييا يقينييا؛ واحتييج الكسييائي بقولهييم :صييلة الولى؛ واحتييج الخفييش بمسييجد الجامييع .قال
النحاس :إضافية الشييء إلى نفسيه محال؛ لنيه إنميا يضاف الشييء إلى غيره ليتعرف بيه؛ والجود
الصيلة الولى ،ومين قال صيلة الولى فمعناه :عنيد صيلة الفريضية الولى؛ وإنميا سيميت الولى
لنهيا أول ميا صيلي حيين فرضيت الصيلة ،وأول ميا أظهير؛ فلذلك قييل لهيا أيضيا الظهير .والتقديير:
ولدار الحال الخرة خيير ،وهذا قول البصيريين؛ والمراد بهذه الدار الجنية؛ أي هيي خيير للمتقيين.
وقرئ" :وللدار الخرة" .وقرأ نافيييييع وعاصيييييم ويعقوب وغيرهيييييم" .أفل تعقلون" بالتاء على
الخطاب .الباقون بالياء على الخبر.
**3الية{ 110 :حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء
ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين}
@قوله تعالى" :حتى إذا استيأس الرسل" تقدم القراءة فيه ومعناه" .وظنوا أنهم قد كذبوا" وهذه
اليية فيهيا تنزييه النيبياء وعصيمتهم عميا ل يلييق بهيم .وهذا الباب عظييم ،وخطره جسييم ،ينبغيي
الوقوف ،علييه لئل يزل النسيان فيكون فيي سيواء الجحييم .المعنيى :وميا أرسيلنا قبلك ييا محميد إل
رجال ثم لم نعاقب أممهم بالعذاب" .حتى إذا استيأس الرسل" أي يئسوا من إيمان قومهم" .وظنوا
أنهيم قيد كذبوا" بالتشدييد؛ أي أيقنوا أن قومهيم كذبوهيم .وقييل المعنيى :حسيبوا أن مين آمين بهيم مين
قومهم كذبوهم ،ل أن القوم كذبوا ،ولكن النبياء ظنوا وحسبوا أنهم يكذبونهم؛ أي خافوا أن يدخل
قلوب أتباعهم شك؛ فيكون "وظنوا" على بابه في هذا التأويل .وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو
عبدالرحمن السلمي وأبو جعفر بن القعقاع والحسن وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة
والكسائي ويحيى بن وثاب والعمش وخلف "كذبوا" بالتخفيف؛ أي ظن القوم أن الرسل كذبوهم
فيما أخبروا به من العذاب ،ولم يصدقوا .وقيل :المعنى ظن المم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا
به من نصرهم .وفي رواية عن ابن عباس؛ ظن الرسل أن ال أخلف ما وعدهم .وقيل :لم تصح
هذه الروايية؛ لنيه ل يظين بالرسيل هذا الظين ،ومين ظين هذا الظين ل يسيتحق النصير؛ فكييف قال:
"جاءكم نصرنا"؟ ! قال القشيري أبو نصر :ول يبعد إن صحت الرواية أن المراد خطر بقلوب
الرسيل هذا مين غيير أن يتحققوه فيي نفوسيهم؛ وفيي الخيبر( :إن ال تعالى تجاوز لمتيي عميا حدثيت
به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمل به) .ويجوز أن يقال :قربوا من ذلك الظن؛ كقولك :بلغت
المنزل ،أي قربت منه.
وذكر الثعلبي والنحاس عن ابن عباس قال :كانوا بشرا فضعفوا من طول البلء ،ونسوا وظنوا
أنهم أخلفوا؛ ثم تل" :حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر ال" [البقرة .]214 :وقال
الترمذي الحكييم :وجهيه عندنيا أن الرسيل كانيت تخاف بعيد ميا وعيد ال النصير ،ل مين تهمية لوعيد
ال ،ولكين لتهمية النفوس أن تكون قيد أحدثيت ،حدثيا ينقيض ذلك الشرط والعهيد الذي عهيد إليهيم؛
فكانييت إذا طالت عليهييم المدة دخلهييم الياس والظنون ميين هذا الوجييه .وقال المهدوي عيين ابيين
عباس :ظنيت الرسيل أنهيم قيد أخلفوا على ميا يلحيق البشير؛ واسيتشهد بقول إبراهييم علييه السيلم:
"رب أرني كيف تحيى الموتى" [البقرة ]260 :الية .والقراءة الولى أولى .وقرأ مجاهد وحميد
" -قيد كذبوا" بفتيح الكاف والذال مخففيا؛ على معنيى :وظين قوم الرسيل أن الرسيل قيد كذبوا ،لميا
رأوا مين تفضيل ال عيز وجيل فيي تأخيير العذاب .ويجوز أن يكون المعنيى :ولميا أيقين الرسيل أن
قومهم قد كذبوا على ال بكفرهم جاء الرسل نصرنا .وفي البخاري عن عروة عن عائشة قالت له
وهيو يسيألها عين قول ال عيز وجيل" :حتيى إذا اسيتيأس الرسيل" قال قلت :أكذبوا أم كذبوا؟ قالت
عائشيية :كذبوا .قلت :فقييد اسييتيقنوا أن قومهييم كذبوهييم فمييا هييو بالظيين؟ قالت :أجييل! لعمري! لقييد
اسيتيقنوا بذلك؛ فقلت لهيا" :وظنوا أنهيم قيد كذبوا" قالت :معاذ ال! لم تكين الرسيل تظين ذلك بربهيا.
قلت :فميا هذه اليية؟ قالت :هييم أتباع الرسييل الذيين آمنوا بربهييم وصييدقوهم ،فطال عليهييم البلء،
واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم ،وظنت الرسل أن أتباعهم
قييد كذبوهييم جاءهييم نصييرنا عنييد ذلك .وفييي قوله تعالى" :جاءهييم نصييرنا" قولن :أحدهمييا :جاء
الرسيل نصير ال؛ قال مجاهيد .الثانيي :جاء قومهيم عذاب ال؛ قاله ابين عباس" .فننجيي مين نشاء"
قييل :النيبياء ومين آمين معهيم .وروي عين عاصيم "فنجيي مين نشاء" بنون واحدة مفتوحية الياء،
و"مين" فيي موضيع رفيع ،اسيم ميا لم يسيم فاعله؛ واختار أبيو عبييد هذه القراءة لنهيا فيي مصيحف
عثمان ،وسيائر مصياحف البلدان بنون واحدة .وقرأ ابين محيصين "فنجيا" فعيل ماض ،و"مين" فيي
موضيع رفيع لنيه الفاعيل ،وعلى قراءة الباقيين نصيبا على المفعول" .ول يرد بأسينا" أي عذابنيا.
"عن القوم المجرمين" أي الكافرين المشركين.
**3الية{ 111 :لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق
الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
@قوله تعالى" :لقد كان في قصصهم عبرة" أي في قصة يوسف وأبيه وإخوته ،أو في قصص
الميم" .عيبرة" أي فكرة وتذكرة وعظية" .لولي اللباب" أي العقول .وقال محميد بين إسيحاق عين
الزهري عين محميد بين إبراهييم بين الحارث التيميي :إن يعقوب عاش مائة سينة وسيبعا وأربعيين
سينة ،وتوفيي أخوه عيصيو معيه فيي يوم واحيد ،وقيبرا فيي قيبر واحيد؛ فذلك قوله" :لقيد كان فيي
قصيصهم عيبرة لولي اللباب" إلى آخير السيورة" .ميا كان حديثيا يفترى" أي ميا كان القرآن حديثيا
يفترى ،أو مييا كانييت هذه القصيية حديثييا يفترى" .ولكيين تصييديق الذي بييين يديييه" أي ولكيين كان
تصديق ،ويجوز الرفع بمعنى لكن هو تصديق الذي بين يديه أي ما كان قبله من التوراة والنجيل
وسيائر كتيب ال تعالى؛ وهذا تأوييل مين زعيم أنيه القرآن" .وتفصييل كيل شييء" مميا يحتاج العباد
إليه من الحلل والحرام ،والشرائع والحكام" .وهدى ورحمة لقوم يؤمنون".
**2سورة الرعد
**3مقدمة السورة
@ سيورة الرعيد مكيية فيي قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ،ومدنية فيي قول الكلبيي ومقاتل.
وقال ابين عباس وقتادة :مدنيية إل آيتيين منهيا نزلتيا بمكية؛ وهميا قوله عيز وجيل" :ولو أن قرآنيا
سيرت به الجبال" [الرعد[ ]31 :إلى آخرهما].
**3اليية{ 1 :المير تلك آيات الكتاب والذي أنزل إلييك مين ربيك الحيق ولكين أكثير الناس ل
يؤمنون}
@قوله تعالى" :المير تلك آيات الكتاب" تقدم القول فيهيا" .والذي أنزل إلييك" يعنيي وهذا القرآن
الذي أنزل إليك" .من ربك الحق ولكن أكثر الناس ل يؤمنون" ل كما يقول المشركون :إنك تأتي
به من تلقاء نفسك؛ فاعتصم به ،وأعمل بما فيه .قال مقاتل :نزلت حين قال المشركون :إن محمدا
أتييى بالقرآن ميين تلقاء نفسييه" .والذي" فييي موضييع رفييع عطفييا على "آيات" أو على البتداء،
و"الحييق" خييبره؛ ويجوز أن يكون موضعييه جرا على تقدييير :وآيات الذي أنزل إليييك ،وارتفاع
"الحيق" على هذا على إضمار مبتدأ ،تقديره :ذلك الحيق؛ كقوله تعالى" :وهيم يعلمون الحيق"
[البقرة ]147 - 146:يعنيي ذلك الحيق .قال الفراء :وإن شئت جعلت "الذي" خفضيا نعتيا
للكتاب ،وإن كانييت فيييه الواو كمييا يقال :أتانييا هذا الكتاب عيين أبييي حفييص والفاروق؛ ومنييه قول
الشاعر:
وليت الكتيبة في المزدحم إلى الملك القرم وابن الهمام
يريد :إلى الملك القرم بن الهمام ،ليث الكتيبة" .ولكن أكثر الناس ل يؤمنون"
**3الية{ 2 :ال الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس
والقمر كل يجري لجل مسمى يدبر المر يفصل اليات لعلكم بلقاء ربكم توقنون}
@قوله تعالى" :ال الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها" الية .لما بين تعالى أن القرآن حق،
بييين أن ميين أنزل قادر على الكمال؛ فانظروا فييي مصيينوعاته لتعرفوا كمال قدرتييه؛ وقييد تقدم هذا
المعنى .وفي قوله" :بغير عمد ترونها" قولن :أحدهما :أنها مرفوعة بغير عمد ترونها؛ قاله قتادة
وإياس بين معاويية وغيرهميا .الثانيي :لهيا عميد ،ولكنيا ل نراه؛ قال ابين عباس :لهيا عميد على جبيل
قاف؛ ويمكن أن يقال على هذا القول :العمد قدرته التي يمسك بها السماوات والرض ،وهي غير
مرئيية لنيا؛ ذكره الزجاج .وقال ابين عباس أيضيا :هيي توحييد المؤمين .أعمدت السيماء حيين كادت
تنفطر من كفر الكافر؛ ذكره الغزنوي .والعمد جمع عمود؛ قال النابغة:
يبنون تدمر بالصفاح والعمد وخيس الجن إني قد أذنت لهم
@قوله تعالى" :ثيم اسيتوى على العرش" تقدم الكلم فييه" .وسيخر الشميس والقمير" أي ذللهميا
لمنافيع خلقيه ومصيالح عباده؛ وكيل مخلوق مذلل للخالق" .كيل يجري لجيل مسيمى" أي إلى وقيت
معلوم؛ وهو فناء الدنييا ،وقيام السياعة التيي عندهيا تكور الشميس ،ويخسيف القمير ،وتنكدر النجوم،
وتنتثير الكواكيب .وقال ابين عباس :أراد بالجيل المسيمى درجاتهميا ومنازلهيا التيي ينتهيان إليهيا ل
يجاوزانهيا .وقييل :معنيى الجيل المسيمى أن القمير يقطيع فلكيه فيي شهير ،والشميس فيي سينة" .يدبر
المير" أي يصيرفه على ميا يرييد" .يفصيل اليات لعلكيم بلقاء ربكيم توقنون" "يفصيل اليات" أي
يبينها أي من قدر على هذه الشياء يقدر على العادة؛ ولهذا قال" :لعلكم بلقاء ربكم توقنون".
**3اليية{ 3 :وهيو الذي ميد الرض وجعيل فيهيا رواسيي وأنهارا ومين كيل الثمرات جعيل فيهيا
زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون}
@قوله تعالى" :وهيو الذي ميد الرض" لميا بيين آيات السيماوات بيين آيات الرض؛ أي بسيط
الرض طول وعرضييا" .وجعييل فيهييا رواسييي" أي جبال ثوابييت؛ واحدهييا راسييية؛ لن الرض
ترسو بها ،أي تثبت؛ والرساء الثبوت؛ قال عنترة:
ترسوا إذا نفس الجبان تطلع فصبرت عارفة لذلك حرة
وقال جميل:
حبا إذا ظهرت آياته بطنا أحبها والذي أرسى قواعده
وقال ابن عباس وعطاء :أول جبل وضع على الرض أبو قبيس.
مسييألة :فييي هذه الييية رد على ميين زعييم أن الرض كالكرة ،ورد على ميين زعييم أن الرض
تهوي أبوابها عليها؛ وزعم ابن الراوندي أن تحت الرض جسما صعادا كالريح الصعادة؛ وهي
منحدرة فاعتدل الهاوي والصعادي في الجرم والقوة فتوافقا .وزعم آخرون أن الرض مركب من
جسييمين ،أحدهمييا منحدر ،والخيير مصييعد ،فاعتدل ،فلذلك وقفييت .والذي علييه المسييلمون وأهيل
الكتاب القول بوقوف الرض وسكونها ومدها ،وأن حركتها إنما تكون فيي العادة بزلزلة تصيبها.
وقوله تعالى" :وأنهارا" أي مياها جارية في الرض ،فيها منافع الخلق" .ومن كل الثمرات جعل
فيهييا زوجييين اثنييين" بمعنييى صيينفين .قال أبييو عييبيدة :الزوج واحييد ،ويكون اثنييين .الفراء :يعنييي
بالزوجيين هييا هنييا الذكيير والنثييى؛ وهذا خلف النييص .وقيييل :معنييى "زوجييين" نوعان ،كالحلو
والحاميض ،والرطيب واليابيس ،والبييض والسيود ،والصيغير والكيبير" .إن فيي ذلك ليات" أي
دللت وعلمات "لقوم يتفكرون"
**3اليية{ 4 :وفيي الرض قطيع متجاورات وجنات مين أعناب وزرع ونخييل صينوان وغيير
صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل إن في ذلك ليات لقوم يعقلون}
@قوله تعالى" :وفيي الرض قطيع متجاورات" "وفيي الرض قطيع متجاورات" فيي الكلم
حذف؛ المعنيى :وفيي الرض قطيع متجاورات وغيير متجاورات؛ كميا قال" :سيرابيل تقيكيم الحير"
والمعنيييى :وتقيكيييم البرد ،ثيييم حذف لعلم السيييامع .والمتجاورات المدن وميييا كان عامرا ،وغيييير
متجاورات الصييحارى ومييا كان غييير عاميير" .متجاورات" أي قرى متدانيات ،ترابهييا واحييد،
وماؤها واحد ،وفيها زروع وجنات ،ثم تتفاوت في الثمار والتمر؛ فيكون البعض حلوا ،والبعض
حامضيا؛ والغصين الواحيد مين الشجرة قيد يختلف الثمير فييه مين الصيغر والكيبر واللون والمطعيم،
وإن انبسط الشمس والقمر على الجميع على نسق واحد؛ وفي هذا أدل دليل على وحدانيته وعظم
صمديته ،والرشاد لمن ضل عن معرفته؛ فإنه نبه سبحانه بقوله" :تسقى بماء واحد" على أن ذلك
كله ليس إل بمشيئته وإرادته ،وأنه مقدور بقدرته؛ وهذا أدل دليل على بطلن القول بالطبع؛ إذ لو
كان ذلك بالماء والتراب والفاعيل له الطبيعية لميا وقيع الختلف .وقييل :وجيه الحتجاج أنيه أثبيت
التفاوت بين البقاع؛ فمن تربة عذبة ،ومن تربة سبخة مع تجاورهما؛ وهذا أيضا من دللت كمال
قدرته؛ جل وعز تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا.
@ ذهبيت الكفرة -لعنهيم ال -إلى أن كيل حادث يحدث بنفسيه ل مين صيانع؛ وادعوا ذلك فيي
الثمار الخارجية مين الشجار ،وقيد أقروا بحدوثهيا ،وأنكروا محدثهيا ،وأنكروا العراض .وقالت
فرقة :بحدوث الثمار ل من صانع ،وأثبتوا للعراض فاعل؛ والدليل على أن الحادث ل بد له من
محدث أنيه يحدث فيي وقيت ،ويحدث ميا هيو مين جنسيه فيي وقيت آخير؛ فلو كان حدوثيه فيي وقتيه
لختصاصه به ،لوجب أن يحدث في وقته كل ما هو من جنسه؛ وإذا بطل اختصاصه بوقته صح
أن اختصياصه بيه لجيل مخصيص خصيصه بيه ،ولول تخصييصه إياه بيه لم يكين حدوثيه فيي وقتيه
أولى من حدوثه قبل ذلك أو بعده؛ واستيفاء هذا في علم الكلم.
@قوله تعالى" :وجنا تٌ من أعناب" قرأ الحسن "وجنا تٍ" بكسر التاء ،على التقدير :وجعل فيها
جنات ،فهو محمول على قوله" :وجعل فيها رواسي" .ويجوز أن تكون مجرورة على الحمل على
"كل" التقدير :ومن كل الثمرات ،ومن جنات .الباقون "جنات" بالرفع على تقدير :وبينهما جنات.
"وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان" بالرفع .ابن كثير وأبو عمرو وحفص عطفا على الجنات؛
أي على تقدييير :وفيي الرض زرع ونخييل .وخفضهييا الباقون نسيقا على العناب؛ فيكون الزرع
والنخيييل ميين الجنات؛ ويجوز أن يكون معطوفييا على "كييل" حسييب مييا تقدم فييي "وجنات" .وقرأ
مجاهد والسلمي وغيرهما "صنوان" بضم الصاد ،الباقون بالكسر؛ وهما لغتان؛ وهما جمع صنو،
وهييي النخلت والنخلتان ،يجمعهيين أصييل واحييد ،وتتشعييب منييه رؤوس فتصييير نخيل؛ نظيرهييا
قنوان ،واحدهييا قنييو وروى أبييو إسييحاق عيين البراء قال :الصيينوان المجتمييع ،وغييير الصيينوان
المتفرق؛ النحاس :وكذلك هيو فيي اللغية؛ يقال للنخلة إذا كانيت فيهيا نخلة أخرى أو أكثير صينوان.
والصنو المثيل؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم( :عيم الرجل صنو أبييه) .ول فرق فيها بين
التثنية والجمع ول بالعراب؛ فتعرب نون الجمع ،وتكسر نون التثنية؛ قال الشاعر:
للمرء زين هما اجتمعا العلم والحلم خلتا كرم
إل بجمع ذا وذاك معا صنوان ل يستتم حسنهما
@قوله تعالى" :يسقى بماء واحد" كصالح بني آدم وخبيثهم؛ أبوهم واحد؛ قاله النحاس والبخاري.
وقرأ عاصيم وابين عامير" :يسيقى" بالياء ،أي يسيقى ذلك كله .وقرأ الباقون بالتاء ،لقوله" :جنات"
واختاره أبيو حاتيم وأبيو عيبيدة؛ قال أبيو عمرو :والتأنييث أحسين؛ "ونفضيل بعضهيا على بعيض فيي
الكيل" ولم يقيل بعضيه .وقرأ حمزة والكسيائي وغيرهمييا "ويُ َفضّلي" بالياء ردا على قوله" :يدبر
المير" [الرعيد ]2 :و"يفصيل" [الرعيد ]2 :و"يغشيي" [الرعيد ]3:الباقون بالنون على معنيى:
ونحين نفضيل .وروى جابر بين عبدال قال :سيمعت النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقول لعلي رضيي
ال عنيه( :الناس مين شجير شتيى وأنيا وأنيت مين شجرة واحدة ثيم قرأ النيبي صيلى ال علييه وسيلم
"وفيي الرض قطيع متجاورات" حتيى بلغ قوله" :يسيقى بماء واحيد") و"الكيل" الثمير .قال ابين
عباس :يعنييي الحلو والحامييض والفارسييي والدقييل .وروي مرفوعييا ميين حديييث أبييي هريرة (أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في قوله تعالى" :ونفضل بعضها على بعض في الكل" قال:
الفارسي والدقل والحلو والحامض) ذكره الثعلبي .قال الحسن :المراد بهذه الية المثل؛ ضربه ال
تعالى لبني آدم ،أصلهم واحد ،وهم مختلفون في الخير والشر .واليمان والكفر ،كاختلف الثمار
التي تسقى بماء واحد؛ ومنه قول الشاعر:
منها شجر الصندل والكافور والبان الناس كالنبت والنبت ألوان
ومنها شجر ينضج طول الدهر قطران
"إن في ذلك ليات لقوم يعقلون" أي لعلمات لمن كان له قلب يفهم عن ال تعالى.
**3اليية{ 5 :وإن تعجيب فعجيب قولهيم أئذا كنيا ترابيا أئنيا لفيي خلق جدييد أولئك الذيين كفروا
بربهم وأولئك الغلل في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :وإن تعجيب فعجيب قولهيم" أي إن تعجيب ييا محميد مين تكذيبهيم لك بعدميا كنيت
عندهييم الصييادق المييين فأعجييب منييه تكذيبهييم بالبعييث؛ وال تعالى ل يتعجييب ،ول يجوز عليييه
التعجيب؛ لنيه تغيير النفيس بميا تخفيى أسيبابه ،وإنميا ذكير ذلك ليتعجيب منيه نيبيه والمؤمنون .وقييل
المعنيى :أي إن عجبيت ييا محميد مين إنكارهيم العادة ميع إقرارهيم بأنيي خالق السيماوات والرض
والثمار المختلفيية ميين الرض الواحدة فقولهييم عجييب يعجييب منييه الخلق؛ لن العادة فييي معنييى
البتداء .وقييل :اليية فيي منكري الصيانع؛ أي إن تعجيب مين إنكارهيم الصيانع ميع الدلة الواضحية
بأن المتغير ل بد له من مغير فهو محل التعجب؛ ونظم الية يدل على الول والثاني؛ لقوله" :أئذا
كنيا ترابيا" أي انبعيث إذا كنيا ترابيا؟ !" .أئنيا لفيي خلق جدييد" وقرئ "إنيا" .و"الغلل" جميع غيل؛
وهيو طوق تشيد بيه الييد إلى العنيق ،أي يغلون يوم القيامية؛ بدلييل قوله" :إذ الغلل فيي أعناقهيم"
[غافر ]71 :إلى قوله" :ثم في النار يسجرون" [غافر .]72 :وقيل :الغلل أعمالهم السيئة التي
هي لزمة لهم.
**3الية{ 6 :ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلت وإن ربك لذو مغفرة
للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب}
@قوله تعالى" :ويسيتعجلونك بالسييئة قبيل الحسينة" أي لفرط إنكارهيم وتكذيبهيم يطلبون العذاب؛
قييل هو قولهيم" :اللهيم إن كان هذا هيو الحيق مين عندك فأمطير علينيا حجارة مين السيماء" [النفال:
.]32قال قتادة :طلبوا العقوبية قبيل العافيية؛ وقيد حكيم سيبحانه بتأخيير العقوبية عين هذه المية إلى
يوم القيامة .وقيل" :قبل الحسنة" أي قبل اليمان الذي يرجى به المان والحسنات" .وقد خلت من
قبلهم المثلت" العقوبات؛ الواحدة مثلة .ورى عن العمش أنه قرأ "المثلت" بضم الميم وإسكان
الثاء؛ وهذا جمييع مثلة ،ويجوز "المثلت" تبدل ميين الضميية فتحيية لثقلهييا ،وقيييل :يؤتييى بالفتحيية
عوضا من الهاء .وروي عن العمش أنه قرأ "المثلت" بفتح الميم وإسكان الثاء؛ فهذا جمع مثلة،
ثيم حذف الضمية لثقلهيا؛ ذكره جميعيه النحاس رحميه ال .وعلى قراءة الجماعية واحدة مثلة ،نحيو
صدقة وصدقة؛ وتميم تضم الثاء والميم جميعا ،واحدها على لغتهم مثلة ،بضم الميم وجزم الثاء؛
مثل :غرفة وغرفات ،والفعل منه مثلت به أمثل مثل ،بفتح الميم وسكون الثاء.
@قوله تعالى" :وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب" أي لذو تجاوز
عين المشركيين إذا أمنوا ،وعين المذنيبين إذا تابوا .وقال ابين عباس :أرجيى آيية فيي كتاب ال تعالى
"وإن ربيك لذو مغفرة للناس على ظلمهيم"" .وإن ربيك لشدييد العقاب" إذا أصيروا على الكفير.
وروى حماد بين سيلمة عين علي بين زييد عين سيعيد بين المسييب قال :لميا نزلت" :وإن ربيك لذو
مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب" قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :لول عفو
ال ورحمته وتجاوزه لما َه َنأَ أحداً عيشٌ ولول عقابه ووعيده وعذابه لتكل كل أحد).
**3الية{ 7 :ويقول الذين كفروا لول أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}
@قوله تعالى" :ويقول الذين كفروا لول" أي هل "أنزل عليه آية من ربه" .لما اقترحوا اليات
وطلبوها قال ال تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم" :إنما أنت منذر" أي معلم" .ولكل قوم هاد" أي
نبي يدعوهم إلى ال .وقيل :الهادي ال؛ أي عليك النذار ،وال هادي ،كل قوم إن أراد هدايتهم.
**3اليتان{ 9 - 8 :ال يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام وما تزداد وكل شيء عنده
بمقدار ،عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال}
@قوله تعالى" :ال يعلم ما تحمل كل أنثى" أي من ذكر وأنثى ،صبيح وقبيح ،صالح وطالح؛ وقد
تقدم في سورة "النعام" أن ال سبحانه منفرد بعلم الغيب وحده ل شريك له؛ وذكرنا هناك حديث
البخاري عين ابين عمير أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :مفاتييح الغييب خميس) الحدييث.
وفييه (ل يعلم ميا تغييض الرحام إل ال) .واختلف العلماء فيي تأوييل قوله" :وميا تغييض الرحام
وميا تزداد" فقال قتادة :المعنيى ميا تسيقط قبيل التسيعة الشهير ،وميا تزداد فوق التسيعة؛ وكذلك قال
ابن عباس .وقال مجاهد :إذا حاضت المرأة في حملها كان ذلك نقصانا في ولدها؛ فإن زادت على
التسيعة كان تماميا لميا نقيص؛ وعنيه :الغييض ميا تنقصيه الرحام مين الدم ،والزيادة ميا تزداد منيه.
وقييل :الغييض والزياد .يرجعان إلى الولد ،كنقصيان إصيبع أو غيرهيا ،وزيادة إصيبع أو غيرهيا.
وقيل :الغيض انقطاع دم الحيض" .وما تزداد" بدم النفاس بعد الوضع.
@ في هذه الية دليل على أن الحامل تحيض؛ وهو مذهب مالك والشافعي في أحد قوليه .وقال
عطاء والشعبي وغيرهما :ل تحيض؛ وبه قال أبو حنيفة؛ ودليله الية .قال ابن عباس في تأويلها:
إنه .حيض الحبالى ،وكذلك روي عن عكرمة ومجاهد؛ وهو قول عائشة ،وأنها كانت تفتي النساء
الحواميل إذا حضين أن يتركين الصيلة؛ والصيحابة إذ ذاك متوافرون ،ولم ينكير منهيم أحيد عليهيا،
فصيار كالجماع؛ قاله ابين القصيار .وذكير أن رجليين ،تنازعيا ولدا ،فترافعيا إلى عمير رضيي ال
عنيه فعرضيه على القافية ،فألحقيه القافية بهميا ،فعله عمير بالدرة ،وسيأل نسيوة مين قرييش فقال:
انظرن ما شأن هذا الولد؟ فقلن :إن الول خل بها وخلها ،فحاضت على الحمل ،فظنت أن عدتها
انقضت؛ فدخل بها الثاني ،فانتعش الولد بماء الثاني؛ فقال عمر :ال أكبر! وألحقه بالول ،ولم يقل
إن الحامل ل تحيض ،ول قال ذلك أحد من الصحابة؛ فدل أنه إجماع ،وال أعلم .واحتج المخالف
بأن قال لو كان الحامييل تحيييض ،وكان مييا تراه المرأة ميين الدم حيضييا لمييا صييح اسييتبراء الميية
بحيض؛ وهو إجماع وروي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض.
@ فيي هذه اليية دلييل على أن الحاميل قيد تضيع حملهيا لقيل مين تسيعة أشهير والكثير ،وأجميع
العلماء على أن أقيل الحميل سيتة أشهير ،وأن عبدالملك ،بين مروان ولد لسيتة أشهير .وهذه السيتة
الشهر هي بالهلة كسائر أشهر الشريعة؛ ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك،
وأظنيه فيي كتاب ابين حارث أنيه إن نقيص عين الشهير السيتة ثلثية أيام فإن الولد يلحيق لعلة نقيص
الشهر وزيادتها؛ حكاه ابن عطية.
@ واختلف العلماء فيي أكثير الحميل؛ فروى ابين جرييج عين جميلة بنيت سيعد عين عائشية قالت:
يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل؛ ذكره الدارقطني .وقالت جميلة بنت سعد
-أخيت عبييد بين سيعد ،وعين اللييث بين سيعد -إن أكثره ثلث سينين .وعين الشافعيي أربيع سينين؛
وروي عين مالك فيي إحدى روايتييه ،والمشهور عنيه خميس سينين؛ وروي عنيه ل حيد له ،ولو زاد
على العشرة العوام؛ وهيي الروايية الثالثية عنيه .وعين الزهري سيت وسيبع .قال أبيو عمير :ومين
الصحابة من يجعله إلى سبع؛ والشافعي :مدة الغاية منها أربع سنين .والكوفيون يقولون :سنتان ل
غير .ومحمد بن عبدالحكم يقول :سنة ل أكثر .وداود يقول :تسعة أشهر ،ل يكون عنده حمل أكثر
منهيا .قال أبيو عمير :وهذه مسيألة ل أصيل لهيا إل الجتهاد ،والرد إلى ميا عرف مين أمير النسياء
وبال التوفييق .روى الدارقطنيي عين الولييد بين مسيلم قال :قلت لمالك ابين أنيس إنيي حدثيت عين
عائشية أنهيا قالت :ل تزييد المرأة فيي حملهيا على سينتين قدر ظيل المغزل ،فقال :سيبحان ال! مين
يقول هذا؟ ! هذه جارتنيا امرأة محميد بين عجلن ،تحميل وتضيع فيي أربيع سينين ،امرأة صيدق،
وزوجها رجل صدق؛ حملت ثلثة أبطن في اثنتي عشرة سنة ،تحمل كل بطن أربع سنين .وذكره
عين المبارك ابن مجاهيد قال :مشهور عندنيا كانيت امرأة محميد بن عجلن تحميل وتضيع فيي أربيع
سنين ،وكانت تسمى حاملة الفيل .وروى أيضا قال :بينما مالك بن دينار يوما جالس إذ جاءه رجل
فقال :ييا أبيا يحييى! ادع لمرأة حبلى منيذ أربيع سينين قيد أصيبحت فيي كرب شدييد؛ فغضيب مالك
وأطبيق المصيحف ثيم قال :ميا يرى هؤلء القوم إل أنيا أنيبياء! ثيم قرأ ،ثيم دعيا ،ثيم قال :اللهيم هذه
المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها الساعة ،وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلما،
فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ،وعندك أم الكتاب ،ورفع مالك يده ،ورفع الناس أيديهم ،وجاء الرسول
إلى الرجييل فقال :أدرك امرأتييك ،فذهييب الرجييل ،فمييا حييط مالك يده حتييى طلع الرجييل ميين باب
المسجد على رقبته غلم جعد قطط ،ابن أربع سنين ،قد استوت أسنانه ،ما قطعت سراره؛ وروي
أيضيا أن رجل جاء إلى عمير بين الخطاب فقال :ييا أميير المؤمنيين! إنيي غبيت عين امرأتيي سينتين
فجئت وهيي حبلى؛ فشاور عمير الناس فيي رجمهيا ،فقال معاذ بين جبيل :ييا أميير المؤمنيين! إن كان
لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل؛ فاتركها حتى تضع ،فتركها ،فوضعت غلما قد
خرجيت ثنيتاه؛ فعرف الرجيل الشبيه فقال :ابنيي ورب الكعبية!؛ فقال عمير :عجزت النسياء أن يلدن
مثيل معاذ؛ لول معاذ لهلك عمير .وقال الضحاك :وضعتنيي أميي وقيد حملت بيي فيي بطنهيا سينتين،
فولدتني وقد خرجت سني .ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتين ،وقيل :ثلث سنين.
ويقال :إن محميد بين عجلن مكيث فيي بطين أميه ثلث سينين ،فماتيت بيه وهيو يضطرب اضطرابيا
شديدا ،فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه .وقال حماد بن سلمة :إنما سمي هرم بن حيان هرما
لنه بقي في بطن أمه أربع سنين .وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين ،وقد طلعت سنه فسمي
ضحاكا .وقال عباد بن العوام :ولدت جارة لنا لربع سنين غلما شعره إلى منكبيه ،فمير به طيير
فقال :كش.
@ قال ابين خوييز منداد :أقيل الحييض والنفاس وأكثره وأقيل الحميل وأكثره مأخوذ مين طرييق
الجتهاد؛ لن علم ذلك اسيتأثر ال بيه ،فل يجوز أن يحكيم فيي شييء منيه إل بقدر ميا أظهره لنيا،
ووجيد ظاهرا فيي النسياء نادرا أو معتادا؛ ولميا وجدنيا امرأة قيد حملت أربيع سينين وخميس سينين
حكمنيا بذلك ،والنفاس والحييض لميا لم نجيد فييه أمرا مسيتقرا رجعنيا فييه إلى ميا يوجيد فيي النادر
منهن.
@ قال ابن العربي :نقل بعض المتساهلين من المالكيين أن أكثر الحمل تسعة أشهر؛ وهذا ما لم
ينطييق بييه قييط إل هالكييي ،وهييم الطبائعيون الذييين يزعمون أن مدبر الحمييل فييي الرحييم الكواكييب
السييبعة؛ تأخذه شهرا شهرا ،ويكون الشهيير الرابييع منهييا للشمييس؛ ولذلك يتحرك ويضطرب ،وإذا
تكاميل التداول فيي السيبعة الشهير بيين الكواكيب السيبعة عاد فيي الشهير الثامين إلى زحيل ،فيبقله
ببرده؛ فيا ليتني تمكنت من مناظرتهم أو مقاتلتهم! ما بال المرجع بعد تمام الدور يكون إلى زحل
دون غيره؟ ال أخييبركم بهذا أم على ال تفترون؟ ! وإذا جاز أن يعود إلى اثنييين منهييا لم ل يجوز
أن يعود التدبير إلى ثلث أو أربع ،أو يعود إلى جميعها مرتين أو ثلثا؟ ! ما هذا التحكم بالظنون
الباطلة على المور الباطنة!.
@قوله تعالى" :وكيل شييء عنده بمقدار" يعنيي مين النقصيان والزيادة .ويقال" :بمقدار" قدر
خروج الولد مين بطين أميه ،وقيد مكثيه فيي بطنهيا إلى خروجيه .وقال قتادة :فيي الرزق والجيل.
والمقدار القدر؛ وعموم الية يتناول كل ذلك ،وال سبحانه أعلم.
قلت :هذه الية تمدح ال سبحانه وتعالى بها بأنه "عالم الغيب والشهادة" أي هو عالم بما غاب
عين الخلق ،وبميا شهدوه .فالغييب مصيدر بمعنيى الغائب .والشهادة مصيدر بمعنيى الشاهيد؛ فنبيه
سبحانه على انفراده بعلم الغيب ،والحاطة بالباطن الذي يخفى على الخلق ،فل يجوز أن يشاركه
في ذلك أحد؛ فأما أهل الطب الذين يستدلون بالمارات والعلمات فإن قطعوا بذلك فهو كفر ،وإن
قالوا إنهييا تجربيية تركوا ومييا هييم عليييه ،ولم يقدح ذلك فييي الممدوح؛ فإن العادة يجوز انكسييارها،
والعلم ل يجوز تبدله .و"الكبير" الذي كل شيء دونه" .المتعال" عما يقول المشركون ،المستعلي
على كل شيء بقدرته وقهره؛ وقد ذكرناهما في شرح السماء مستوفى ،والحمد ل.
**3اليية{ 10 :سيواء منكيم مين أسير القول ومين جهير بيه ومين هيو مسيتخف باللييل وسيارب
بالنهار}
@قوله تعالى" :سواء منكم من أسر القول ومن جهر به" إسرار القول :ما حدث به المرء نفسه،
والجهر ما حدث به غيره؛ والمراد بذلك أن ال سبحانه يعلم ما أسره النسان من خير وشر ،كما
يعلم ما جهر به من خير وشر .و"منكم" يحتمل أن يكون وصفا لي " سواء" التقدير :سير من أسر
وجهر من جهر سواء منكم؛ ويجوز أن يتعلق "بسواء" على معنى :يستوي منكم ،كقولك :مررت
بزييد .ويجوز أن يكون على تقديير :سير مين أسير منكيم وجهير مين جهير منكيم .ويجوز أن يكون
التقديير :ذو سيواء منكيم مين أسير القول ومين جهير بيه ،كميا تقول :عدل زييد وعمرو أي ذوا عدل.
وقييل" :سيواء" أي مسيتو ،فل يحتاج إلى تقديير حذف مضاف" .ومين هيو مسيتخف باللييل وسيارب
بالنهار" "بالنهار" أي يسيتوي فيي علم ال السير والجهير ،والظاهير فيي الطرقات ،والمسيتخفي فيي
الظلمات .وقال الخفييش وقطرب :المسييتخفي بالليييل الظاهيير؛ ومنييه خفيييت الشيييء وأخفيتييه أي
أظهرته؛ وأخفيت الشيء أي استخرجته؛ ومنه قيل للنباش :المختفي .وقال امرؤ القيس:
خفاهن ودق من عشي مجلب خفاهن من أنفاقهن كأنما
والسارب المتواري ،أي الداخل سربا؛ ومنه قولهم :انسرب الوحشي إذا دخل في كناسه .وقال ابن
عباس" :مستخف" مستتر" ،وسارب" ظاهر .مجاهد" :مستخف" بالمعاصي" ،وسارب" ظاهر.
وقيل :معنى "سارب" ذاهب؛ قال الكسائي :سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب؛ وقال الشاعر:
ونحن خلعنا قيدة فهو سارب وكل أناس قاربوا قيد فحلهم
أي ذاهب .وقال أبو رجاء :السارب الذاهب على وجهه في الرض؛ قال الشاعر:
أني سربت وكنت غير سروب
وقال القتيبي" :سيارب بالنهار" أي منصيرف فيي حوائجيه بسيرعة؛ مين قولهيم :أنسيرب الماء .وقال
الصمعي :خل سربه أي طريقه.
**3الية{ 11 :له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر ال إن ال ل يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد ال بقوم سوء فل مرد له وما لهم من دونه من وال}
@قوله تعالى" :له معقبات" قوله تعالى" :له معقبات" أي ل ملئكة يتعاقبون بالليل والنهار؛ فإذا
صيعدت ملئكية اللييل أعقبتهيا ملئكية النهار .وقال" :معقبات" والملئكية ذكران لنيه جميع معقبية؛
يقال :ملك معقيب ،وملئكية معقبية ،ثيم معقبات جميع الجميع .وقرأ بعضهيم " -له معاقييب مين بيين
يديه ومن خلفه" .ومعاقيب جمع معقب؛ وقيل للملئكة معقبة على لفظ الملئكة وقيل :أنث لكثرة
ذلك منهيم؛ نحيو نسيابة وعلمية وراويية؛ قال الجوهري وغيره .والتعقيب العود بعيد البدء؛ قال ال
تعالى" :ولى مدبرا ولم يعقيب" [النميل ]10 :أي لم يرجيع؛ وفيي الحدييث( :معقبات ل يخييب
قائلهين -أو -فاعلهين) فذكير التسيبيح والتحمييد والتكيبير .قال أبيو الهيثيم :سيمين "معقبات" لنهين
عادت مرة بعد مرة ،فعل من عمل عمل ثم عاد إليه فقد عقب .والمعقبات من البل اللواتي يقمن
عند أعجاز البل المعتركات على الحوض؛ فإذا انصرفت ناقة دخلت مكانها أخرى .وقوله" :من
بين يديه ومن خلفه" أي المستخفي بالليل والسارب بالنهار.
@قوله تعالى" :يحفظونيه مين أمير ال" اختلف فيي هذا الحفيظ؛ فقييل :يحتميل أن يكون توكييل
الملئكية بهيم لحفظهيم مين الوحوش والهوام والشياء المضرة ،لطفيا منيه بيه ،فإذا جاء القدر .خلوا
بينيه وبينيه؛ قال ابين عباس وعلي بين أبيي طالب رضيي ال عنهميا .قال أبيو مجلز :جاء رجيل مين
مراد إلى علي فقال :احترس فإن ناسييا ميين مراد يريدون قتلك؛ فقال :إن مييع كييل رجييل ملكييين
يحفظانيه ميا لم يقدر ،فإذا جاء القدر خلييا بينيه وبيين قدر ال ،وإن الجيل حصين حصيينة؛ وعلى
هذا" ،يحفظونيه مين أمير ال" أي بأمير ال وبإذنيه؛ فيي "مين" بمعنيى الباء؛ وحروف الصيفات يقوم
بعضهيا مقام بعيض .وقييل" :مين" بمعنيى عين؛ أي يحفظونيه عين أمير ال ،وهذا قرييب مين الول؛
أي حفظهييم عيين أميير ال ل مين عنييد أنفسييهم؛ وهذا قول الحسيين؛ تقول :كسييوته عيين عري وميين
عري؛ ومنه قوله عز وجل" :أطعمهم من جوع" [قريش ]4 :أي عن جوع .وقيل :يحفظونه من
ملئكة العذاب ،حتى ل تحل به عقوبة؛ لن ال ل يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما
بأنفسيهم بالصيرار على الكفير ،فإن أصيروا حان الجيل المضروب ونزلت بهيم النقمية ،وتزول
عنهم الحفظة المعقبات .وقيل :يحفظونه من الجن؛ قال كعب :لول أن ال وكل بكم ملئكة يذبون
عنكيم فيي مطعمكيم ومشربكيم وعوراتكيم لتخطفتكيم الجين .وملئكية العذاب مين أمير ال؛ وخصيهم
بأن قال" :من أمر ال" لنهم غير معاينين؛ كما قال" :قل الروح من أمر ربي" [السراء]85 :
أي لييس مميا تشاهدونيه أنتيم .وقال الفراء :فيي الكلم تقدييم وتأخيير ،تقديره ،له معقبات مين أم ال
من بين يديه ومن خلفه يحفظونه .وهو مروي عن مجاهد وابن جريج والنخعي؛ وعلى أن ملئكة
العذاب والجين مين أمير ال ل تقدييم فييه ول تأخيير .وقال ابين جرييج :إن المعنيى يحفظون علييه
عمله؛ فحذف المضاف .وقال قتادة :يكتبون أقواله وأفعاله .ويجوز إذا كانيت المعقبات الملئكية أن
تكون الهاء في "له" ل عز وجل ،كما ذكرنا؛ ويجوز أن تكون للمستخفي ،فهذا قول.
وقيل" :له معقبات من بين يديه ومن خلفه" يعني به النبي صلى ال عليه وسلم؛ أي أن الملئكة
تحفظه من أعدائه؛ وقد جرى ذكر الرسول في قوله" :لول أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر"
[الرعيد ]7 :أي سيواء منكيم مين أسير القول ومين جهير بيه فيي أنيه ل يضير النيبي صيلى ال علييه
وسلم ،بل له معقبات يحفظونه عليه السلم؛ ويجوز أن يرجع هذا إلى جميع الرسل؛ لنه قد قال:
"ولكل قوم هاد" [الرعد ]7 :أي يحفظون الهادي من بين يديه ومن خلفه .وقول رابع :أن المراد.
بالية السلطين والمراء الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم؛ فإذا جاء أمر ال لم
يغنوا عنهيم مين ال شيئا؛ قال ابين عباس وعكرمية؛ وكذلك قال الضحاك :هيو السيلطان المتحرس
مين أمير ال ،المشرك .وقيد قييل :إن فيي الكلم على هذا التأوييل نفييا محذوفيا ،تقديره :ل يحفظونيه
من أمر ال تعالى ،ذكره الماوردي .قال المهدوي :ومن جعل المعقبات الحرس فالمعنى :يحفظونه
مين أمير ال على ظنيه وزعميه .وقييل :سيواء مين أسير القول ومين جهير بيه فله حراس وأعوان
يتعاقبون عليه فيحملونه على المعاصي ،ويحفظونه من أن ينجع فيه وعظ؛ قال القشيري :وهذا ل
يمنع الرب من المهال إلى أن يحق العذاب؛ وهو إذا غير هذا العاصي ما بنفسه بطول الصرار
فيصيير ذلك سيببا للعقوبة؛ فكأنيه الذي يحيل العقوبة بنفسيه؛ فقوله" :يحفظونيه مين أمير ال" أي مين
امتثال أمير ال .وقال عبدالرحمين بين زييد :المعقبات ميا يتعاقيب مين أمير ال تعالى وقضائه فيي
عباده؛ قال الماوردي :وميين قال بهذا القول ففييي تأويييل قوله" :يحفظونييه ميين أميير ال" وجهان:
أحدهميا :يحفظونيه مين الموت ميا لم يأت أجيل؛ قاله الضحاك .الثانيي :يحفظونيه مين الجين والهوام
المؤذية ،ما لم يأت قدر؛ -قاله أبو أمامة وكعب الحبار -فإذا جاء المقدور خلوا عنه؛ والصحيح
أن المعقبات الملئكيية ،وبييه قال الحسيين ومجاهييد وقتادة وابيين جريييج؛ وروي عيين ابيين عباس،
واختاره النحاس ،واحتيج بقول النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :يتعاقبون فيكيم ملئكية باللييل وملئكية
بالنهار) الحديث ،رواه الئمة.
وروى الئمة عن عمرو عن ابن عباس قرأ " -معقبات من بين يديه ووقباء من خلفه من أمر ال
يحفظونه" فهذا قد بين المعنى .وقال كنانة العدوي :دخل عثمان رضيي ال عنه على النبي صلى
ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال! أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال( :ملك عن يمينك يكتب
الحسينات وآخير عين الشمال يكتيب السييئات والذي على اليميين أميير على الذي على الشمال فإذا
عملت حسينة كتبيت عشرا وإذا عملت سييئة قال الذي على الشمال للذي على اليميين أأكتيب قال ل
لعله يستغفر ال تعالى أو يتوب إليه فإذا قال ثلثا قال نعم اكتب أراحنا ال تعالى منه فبئس القرين
هو ما أقل مراقبته ل عز وجل وأقل استحياءه منا يقول ال تعالى "ما يلفظ من قول إل لديه رقيب
عتيد" [ق ]18 :وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول ال تعالى "له معقبات من بين يديه ومن
خلفه يحفظونه من أمر ال" وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت ل رفعك وإذا تجبرت على
ال قصيمك وملكان على شفتييك ولييس يحفظان علييك إل الصيلة على محميد وآله وملك قاسيم على
فيييك ل يدع أن تدخييل الحييية فييي فيييك وملكان على عينيييك فهؤلء عشرة أملك على كييل آدمييي
يتداولون ملئكية اللييل على ملئكية النهار لن ملئكية اللييل ليسيوا بملئكية النهار فهؤلء عشرون
ملكا على كل آدمي وإبليس مع ابن آدم بالنهار وولده بالليل) .ذكره الثعلبي .قال الحسن :المعقبات
أربعيية أملك يجتمعون عنييد صييلة الفجيير .واختيار الطييبري :أن المعقبات المواكييب بييين أيدي
المراء وخلفهييم؛ والهاء فييي "له" لهيين؛ على مييا تقدم .وقال العلماء رضوان ال عليهييم :إن ال
سبحانه جعل أوامره على وجهين :أحدهما :قضى حلوله ووقوعه بصاحبه؛ فذلك ل يدفعه أحد ول
يغيره .والخيير :قضييى مجيئه ولم يقييض حلوله ووقوعييه ،بييل قضييى صييرفه بالتوبيية والدعاء
والصدقة والحفظ.
@قوله تعالى" :إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أخبر ال تعالى في هذه الية أنه
ل يغيير ميا بقوم حتيى يقيع منهيم تغييير ،إميا منهيم أو مين الناظير لهيم ،أو ممين هيو منهيم بسيبب؛ كميا
غيير ال بالمنهزميين يوم أحيد بسيبب تغييير الرماة بأنفسيهم ،إلى غيير هذا مين أمثلة الشريعية؛ فلييس
معنى الية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إل بأن يتقدم منه ذنب ،بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير؛
كميا قال صيلى ال علييه وسيلم :وقيد(سيئل أنهلك وفينيا الصيالحون؟ قال :نعيم إذا كثير الخبيث) .وال
أعلم.
@قوله تعالى" :وإذا أراد ال بقوم سوءا" أي هلكا وعذابا" ،فل مرد له" وقيل :إذا أراد بهم بلء
مين أمراض وأسيقام فل مرد لبلئه .وله :إذا أراد ال بقوم سوءا أعميى أبصيارهم حتيى يختاروا ميا
فييه البلء ويعملوه؛ فيمشون إلى هلكهيم بأقدامهيم ،حتيى يبحيث أحدهيم عين حتفيه بكفيه ،ويسيعى
بقدميه إلى إراقية دميه" .وميا لهيم مين دونيه مين وال" أي ملجيأ؛ وهيو معنيى قول السيدي .وقييل :مين
ناصر يمنعهم من عذابه؛ وقال الشاعر:
ما في السماء سوى الرحمن من وال
ووال وولي كقادر وقدير.
**3اليتان{ 13 - 12 :هيو الذي يريكيم البرق خوفيا وطمعيا وينشيئ السيحاب الثقال ،ويسيبح
الرعيد بحمده والملئكية مين خيفتيه ويرسيل الصيواعق فيصييب بهيا مين يشاء وهيم يجادلون فيي ال
وهو شديد المحال}
@قوله تعالى" :هييو الذي يريكييم البرق خوفييا وطمعييا وينشييئ السييحاب الثقال" أي بالمطيير.
"السيحاب" جميع ،والواحدة سيحابة ،وسيحب وسيحائب فيي الجميع أيضيا" .ويسيبح الرعيد بحمده
والملئكيية ميين خيفتييه" قييد مضييى فييي "البقرة" القول فييي الرعييد والبرق والصييواعق فل معنييى
للعادة؛ والمراد بالية بيان كمال قدرته؛ وأن تأخير العقوبة ليس عن عجز؛ أي يربكم البرق في
السيماء خوفيا للمسيافر؛ فإنيه يخاف أذاه لميا ينال مين المطير والهول والصيواعق؛ قال ال تعالى:
"أذى من مطر" [النساء ]102 :وطمعا للحاضر أن يكون عقبه مطر وخصب؛ قال معناه قتادة
ومجاهيد وغيرهميا .وقال الحسين :خوفيا مين صيواعق البرق ،وطمعيا فيي غيثيه المزييل للقحيط.
"وينشئ السحاب الثقال" قال مجاهد :أي بالماء" .ويسبح الرعد بحمده" من قال إن الرعد صوت
السيحاب فيجوز أن يسيبح الرعيد بدلييل خلق الحياة فييه؛ ودلييل ،صيحة هذا القول قوله" :والملئكية
مين خيفتيه" فلو كان الرعيد ملكيا لدخيل فيي جملة الملئكية .ومين قال إنيه ملك قال :معنيى" .مين
خيفتييه" ميين خيفيية ال؛ قاله الطييبري وغيره .قال ابيين عباس :إن الملئكيية خائفون ميين ال ليييس
كخوف ابن آدم؛ ل يعرف واحدهم من على يمينه ومن على يساره ،ل يشغلهم عن عبادة ال طعام
ول شراب؛ وعنيه قال :الرعيد ملك يسيوق السيحاب ،وإن بخار الماء لفيي نقرة إبهاميه ،وإنيه موكيل
بالسيحاب يصيرفه حييث يؤمير ،وإنيه يسيبح ال؛ فإذا سيبح الرعيد لم يبيق ملك فيي السيماء إل رفيع
صيوته بالتسيبيح ،فعندهيا ينزل القطير ،وعنيه أيضيا كان إذا سيمع صيوت الرعيد قال :سيبحان الذي
سبحت له .وروى مالك عن عامر بن عبدال عن أبيه أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال :سبحانه
الذي يسح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ،ثم يقول :إن هذا وعيد لهل الرض شديد .وقيل :إنه
ملك جالس على كرسي بين السماء والرض ،وعن يمينه سبعون ألف ملك وعن يساره مثل ذلك؛
فإذا أقبيل على يمينيه وسيبح سيبح الجمييع مين خوف ال ،وإذا أقبيل على يسياره وسيبح سيبح الجمييع
من خوف ال.
@قوله تعالى" :ويرسيل الصيواعق فيصييب بهيا من يشاء" ذكير الماوردي عن ابين عباس وعلي
بين أبيي طالب ومجاهيد :نزلت فيي يهودي قال للنيبي صيلى ال علييه وسيلم :أخيبرني! مين أي شييء
ربك؛ أمن لؤلؤ أم من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأحرقته .وقيل :نزلت في بعض كفار العرب؛ قال
الحسين( :كان رجيل مين طواغييت العرب بعيث النيبي صيلى ال علييه وسيلم نفرا يدعونيه إلى ال
ورسوله والسلم فقال لهم :أخبروني عن رب محمد ما هو ،ومم هو ،أمن فضة أم من حديد أم
نحاس؟ فاسيتعظم القوم مقالتيه؛ فقال :أجييب محمدا إلى رب ل يعرفيه! فبعيث النيبي صيلى ال علييه
وسلم إليه مرارا وهو يقول مثل هذا؛ فبينا النفر ينازعونه ويدعونه إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق
رؤوسييهم ،فرعدت وأبرقييت ورمييت بصيياعقة ،فأحرقييت الكافيير وهييم جلوس؛ فرجعوا إلى النييبي
صيلى ال علييه وسيلم فاسيتقبلهم بعيض أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،فقالوا :أحترق
صيياحبكم ،فقالوا :ميين أييين علمتييم؟ قالوا :أوحييى ال إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم" .ويرسييل
الصييواعق فيصيييب بهييا ميين يشاء") .ذكره الثعلبييي عيين الحسيين؛ والقشيري بمعناه عيين أنييس،
وسيأتي .وقيل :نزلت الية في أربد بن ربيعة أخي لبيد بن ربيعة ،وفي عامر بن الطفيل؛ قال ابن
عباس( :أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة العامريان يريدان النبي صلى ال عليه وسلم وهو
فييي المسيجد جالس فييي نفير مين أصيحابه ،فدخل المسييجد ،فاسييتشرف الناس لجمال عامير وكان
أعور ،وكان من أجميل الناس؛ فقال رجيل من أصيحاب النبي صلى ال عليه وسلم :هذا يا رسيول
ال عامير بين الطفييل قيد أقبيل نحوك؛ فقال( :دعيه فإن يرد ال بيه خيرا يهده) فأقبيل حتيى قام علييه
فقال؛ يا محمد مالي إن أسلمت؟ فقال( :لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين) .قال :أتجعل لي
الميير ميين بعدك؟ قال( :ليييس ذاك إلي إنمييا ذلك إلى ال يجعله حيييث يشاء) .قال :أفتجعلنييي على
الوبر وأنت على المدر؟ قال( :ل) .قال :فما تجعل لي؟ قال( :أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها في
سبيل ال) .قال :أو ليس لي أعنة الخيل اليوم؟ قم معي أكلمك ،فقام معه رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،وكان عامر أومأ إلى أربد :إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف ،فجعل يخاصم
النيبي صيلى ال علييه وسيلم ويراجعيه؛ فاخترط أربيد مين سييفه شيبرا ثيم حبسيه ال ،فلم يقدر على
سله ،ويبست يده على سيفه؛ وأرسل ال عليه صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته؛ وولى عامر
هاربيا وقال :ييا محميد! دعوت ربيك على أربيد حتيى قتلتيه؛ وال لملنهيا علييك خيل جردا ،وفتيانيا
مردا؛ فقال عليه السلم( :يمنعك ال من ذلك وأبناء قيلة) يعني الوس والخزرج؛ فنزل عامر بيت
امرأة سييلولية؛ وأصييبح وهييو يقول :وال لئن أصييحر لي محمييد وصيياحبه -يريييد ملك الموت -
لنفذتهميا برمحيي؛ فأرسيل ال ملكيا فلطميه بجناحيه فأذراه فيي التراب؛ وخرجيت على ركبتيه غدة
عظيمة في الوقت؛ فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول :غدة كغدة البعير ،وموت في بيت سلولية؛ ثم
ركب على فرسه فمات على ظهره) .ورثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد فقال:
ينا وقام الخصوم في كبد يا عين هل بكيت أربد إذ قمي
أرهب نوء السماك والسد أخشى على أربد الحتوف ول
رس يوم الكريهة النجد فجعني الرعد والصواعق بالفا
وفيه قال:
فقدان كل أخ كضوء الكوكب إن الرزية ل رزية مثلها
أفردتني أمشي بقرن أعضب يا أربد الخير الكريم جدوده
وأسلم لبيد بعد ذلك رضي ال عنه.
مسيألة :روى أبان عن أنيس قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل تأخيذ الصياعقة ذاكرا
ل عيز وجيل) .وقال أبيو هريرة رضيي ال عنيه( :كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا سيمع صيوت
الرعيد يقول :سيبحان مين يسيبح الرعيد بحمده والملئكية مين خيفتيه وهيو على كيل شييء قديير فإن
أصيابته صياعقة فعلي ديتيه) .وذكير الخطيب مين حديث سليمان بين علي بن عبدال بن عباس عن
أبييه عين جده قال :كنيا ميع عمير فيي سيفر فأصيابنا رعيد وبرد ،فقال لنيا كعيب :مين قال حيين يسيمع
الرعد :سبحان من يسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ثلثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد؛
ففعلنيا فعوفينيا؛ ثيم لقييت عمير بين الخطاب رضيى ال عنيه فإذا بردة قيد أصيابت أنفيه فأثرت بيه،
فقلت :ييا أميير المؤمنيين ميا هذا؟ قال بردة أصيابت أنفيي فأثرت ،فقلت :إن كعبيا حيين سيمع الرعيد
قال لنا :من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ثلثا عوفي
مما يكون في ذلك الرعد؛ فقلنا فعوفينا؛ فقال عمر :أفل قلتم لنا حتى نقولها؟ وقد تقدم هذا المعنى
في "البقرة".
@قوله تعالى" :وهم يجادلون في ال" يعني جدال اليهودي حين سأل عن ال تعالى :من أي شيء
هيو؟ قال مجاهيد .وقال ابين جرييج :جدال أربيد فيميا هيم بيه مين قتيل النيبي صيلى ال علييه وسيلم.
ويجوز أن يكون" ،وهم يجادلون في ال" حال ،ويجوز أن يكون منقطعا .وروى أنس (أن رسول
ال صلى ال عليه وسلم بعث إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى ال عز وجل ،فقال لرسول ال:
أخبرني عن إلهك هذا؟ أهو من فضة أم من ذهب أم من نحاس؟ فاستعظم ذلك؛ فرجع إليه فأعلمه؛
فقال :ارجع إليه فادعه فرجع إليه وقد أصابته صاعقة ،وعاد إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم
وقييد نزل" :وهييم يجادلون فييي ال" "وهييو شديييد المحال" قال ابيين العرابييي" :المحال" المكيير،
والمكير مين ال عيز وجيل التدبيير بالحيق .النحاس :المكير مين ال إيصيال المكروه إلى مين يسيتحقه
ميين حيييث ل يشعيير .وروى ابيين اليزيدي عيين أبييي زيييد "وهييو شديييد المحال" أي النقميية .وقال
الزهري" :المحال" أي القوة والشدة .والمحييل :الشدة؛ الميييم أصييلية ،ومييا حلت فلنييا محال أي
قاويتييه حتييى يتييبين أينييا أشييد .وقال أبييو عبيييد" :المحال" العقوبيية والمكروه .وقال ابيين عرفيية:
"المحال" الجدال؛ يقال :ميا حيل عين أمره أي جادل .وقال القتييبي :أي شدييد الكييد؛ وأصيله مين
الحيلة ،جعيل ميميه كمييم المكان؛ وأصيله مين الكون ،ثيم يقال :تمكنيت .وقال الزهري :غلط ابين
قتيبة أن الميم فيه زائدة؛ بل هي أصلية ،وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي
أصيلية؛ مثيل :مهاد وملك ومراس ،وغيير ذلك مين الحروف .ومفعيل إذا كانيت مين بنات الثلثية
فإنه يجيء بإظهار الواو مثل :مزود ومحول ومحور ،وغيرها من الحروف؛ وقال :وقرأ العرج
ي "وهو شديد الَمحال" بفتح الميم؛ وجاء تفسيره على هذه القراءة عن ابن عباس أنه الحول ،ذكر
هذا كله أبيو عبيييد الهروي ،إل مييا ذكرناه أول عين ابين العرابييي؛ وأقاوييل الصييحابة والتابعييين
بمعناهيا؛ وهيي ثمانيية :أولهيا :شدييد العداوة ،قاله ابين عباس .وثانيهيا :شدييد الحول ،قاله ابن عباس
أيضييا .وثالثهييا :شديييد الخييذ ،قال علي بيين أبييي طالب .ورابعهييا :شديييد الحقييد ،قاله ابيين عباس.
وخامسيها :شدييد القوة ،قال مجاهيد .وسيادسها :شدييد الغضيب ،قاله وهيب بين منبيه .وسيابعها :شدييد
الهلك بالمحيل ،وهيو القحيط؛ قاله الحسين أيضيا .وثامنهيا :شدييد الحيلة؛ قاله قتادة .وقال أبيو عيبيدة
معمر :المحال والمماحلة المماكرة والمغالبة؛ وأنشد للعشى:
يد كثير الندى شديد المحال فرع نبع يهتز في غصن المجي
وقال آخر:
أعد له الشغازب والمحال ولبس بن أقوام فكل
وقال عبدالمطلب:
ينع رحله فامنع حللك ل هم إن المرء يمي
لهم عدوا محالك ل يغلبن صليبهم ومحا
**3الية{ 14 :له دعوة الحق والذين يدعون من دونه ل يستجيبون لهم بشيء إل كباسط كفيه
إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إل في ضلل}
@قوله تعالى" :له دعوة الحق" أي ل دعوة الصدق .قال ابن عباس وقتادة وغيرهما :ل إله إل
ال .وقال الحسن :إن ال هو الحيق ،فدعاؤه دعوة الحيق .وقييل :إن الخلص فيي الدعاء هو دعوة
الحق؛ قال بعض المتأخرين .وقيل :دعوة الحق دعاؤه عند الخوف؛ فإنه ل يدعى فيه إل إياه .كما
قال" :ضيل مين تدعون إل إياه" [السيراء]67 :؛ قال الماوردي :وهيو أشبيه بسيياق اليية؛ لنيه
قال" :والذييين يدعون ميين دونييه" يعنييي الصيينام والوثان" .ل يسييتجيبون لهييم بشيييء" أي ل
يسيتجيبون لهيم دعاء ،ول يسيمعون لهيم نداء" .إل كباسيط كفييه إلى الماء ليبلغ فاه وميا هيو ببالغيه"
ضرب ال عز وجل الماء مثل ليأسهم من الجابة لدعائهم؛ لن العرب تضرب لمن سعى فيما ل
يدركه مثل بالقابض الماء باليد؛ قال:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد
وفيي معنيى هذا المثيل ثلثية أوجيه :أحدهيا :أن الذي يدعيو إلهيا مين دون ال كالظمآن الذي يدعيو
الماء إلى فييه مين بعييد يرييد تناوله ول يقدر علييه بلسيانه ،ويشيير إلييه بيده فل يأتييه أبدا ،لن الماء
ل يسيتجيب ،وميا الماء ببالغ إلييه؛ قاله مجاهيد .الثانيي :أنيه كالظمآن الذي يرى خياله فيي الماء وقيد
بسيط كفيه فييه ليبلغ فاه وميا هيو ببالغيه ،لكذب ظنيه ،وفسياد توهميه؛ قاله ابين عباس .الثالث :أنيه
كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فل يجمد في كفه شيء منه .وزعم الفراء أن المراد بالماء ههنا
البئر؛ لنها معدن للماء ،وأن المثل كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء؛ وشاهده قول الشاعر:
وبئري ذو حفرت وذو طويت فإن الماء ماء أبي وجدي
قال علي رضي ال عنه :هو كالعطشان على شفة البئر ،فل يبلغ قعر البئر ،ول الماء يرتفع إليه،
ومعنى "إل كباسط" إل كاستجابة باسط كفيه "إلى الماء" فالمصدر مضاف إلى الباسط ،ثم حذف
المضاف؛ وفاعل المصدر المضاف مراد في المعنى وهو الماء؛ والمعنى :إل كإجابة باسط كفيه
إلى الماء؛ واللم فيي قوله" :ليبلغ فاه" متعلقية بالبسيط ،وقوله" :وميا هيو ببالغيه" كنايية عين الماء؛
أي وميا الماء ببالغ فاه .ويجوز أن يكون "هيو" كنايية عين الفيم؛ أي ميا الفيم ببالغ الماء" .وميا دعاء
الكافرين إل فيي ضلل" أي ليست عبادة الكافرين الصينام إل في ضلل ،لنها شرك ،وقيل :إل
فيي ضلل أي يضيل عنهيم ذلك الدعاء ،فل يجدون منيه سيبيل؛ كميا قال" :أيين ميا كنتيم تدعون مين
دون ال قالوا ضلوا عنيا" [العراف ]37 :وقال ابين عباس :أي أصيوات الكافريين محجوبية عين
ال فل يسمع دعاءهم.
**3الية{ 15 :ول يسجد من في السماوات والرض طوعا وكرها وظللهم بالغدو والصال}
@قوله تعالى" :ول يسييجد ميين فييي السييماوات والرض طوعييا وكرهييا" قال الحسيين وقتادة
وغيرهميا :المؤمين يسيجد طوعيا ،والكافير يسيجر كرهيا بالسييف .وعين قتادة أيضيا :يسيجد الكافير
كارها حين ل ينفه اليمان .وقال الزجاج :سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة.
وقال ابن زيد" :طوعا" من دخل في السلم رغبة ،و"كرها" من دخل فيه رهبة بالسيف .وقيل:
"طوعيا" مين طالت مدة إسيلمه فألف السيجود ،و"كرهيا" مين يكره نفسيه ل تعالى؛ فاليية فيي
المؤمنيين ،وعلى هذا يكون معنيى "والرض" وبعيض مين فيي الرض .قال القشري :وفيي اليية
مسييلكان :أحدهمييا :أنهييا عاميية والمراد بهييا التخصيييص؛ فالمؤميين يسييجد طوعييا ،وبعييض الكفار
يسييجدون إكراهييا وخوفييا كالمنافقييين؛ فالييية محمولة على هؤلء ،ذكره الفراء .وقيييل على هذا
القول :الية في المؤمنين؛ منهم من يسجد طوعا ل يثقل عليه السجود ،ومنهم من يثقل عليه؛ لن
التزام التكليف مشقة ،ولكنهم يتحملون المشقة إخلصا وإيمانا ،إلى أن يألفوا الحق ويمرنوا عليه.
والمسييلك الثانييي :وهييو الصييحيح -إجراء الييية على التعميييم؛ وعلى هذا طريقان :أحدهمييا :أن
المؤمين يسيجد طوعيا ،وأميا الكافير فمأمور :السيجود مؤاخيذ بيه .والثانيي :وهيو الحيق -أن المؤمين
يسيجد ببدنيه طوعيا ،وكيل مخلوق مين المؤمين والكافير يسيجد مين حييث إنيه مخلوق ،يسيجد دللة
وحاجية إلى الصيانع؛ وهذا كقوله" :وإن مين شييء إل يسيبح بحمده" [السيراء ]44 :وهيو تسيبيح
دللة ل تسبيح عبادة.
@قوله تعالى" :وظللهيم بالغدو والصيال" أي ظلل الخلق سياجدة ل تعالى بالغدو والصيال؛
لنها تبين في هذين الوقتين ،وتميل من ناحية إلى ناحية؛ وذلك تصريف ال إياها على ما يشاء؛
وهو كقوله تعالى" :أو لم يروا إلى ما خلق ال من شيء يتفيأ ظلله عن اليمين والشمائل سجدا ل
وهم داخرون" [النحل ]48 :قال ابن عباس وغيره .وقال مجاهد :ظل المؤمن يسجد طوعا وهو
طائع؛ وظيل الكافير يسيجد كرهيا وهيو كاره .وقال ابين النباري :يجعيل للظلل عقول تسيجد بهيا
وتخشيع بهيا ،كميا جعيل للجبال أفهام حتيى خاطبيت وخوطبيت .قال القشيري :فيي هذا نظير؛ لن
الجبييل عييين ،فيمكيين أن يكون له عقييل بشرط تقدييير الحياة ،وأمييا الظلل فآثار وأعراض ،ول
يتصور تقدير الحياة لها ،والسجود بمعنى الميل؛ فسجود الظلل ميلها من جانب إلى جانب؛ يقال:
سجدت النخلة أي مالت .و"الصال" جمع أصل ،والصل جمع أصيل؛ وهو ما بين العصر إلى
الغروب ،ثم أصائل جمع الجمع؛ قال أبو ذؤيب الهذلي:
وأقعد في أفيائه بالصائل لعمري لنت البيت أكرم أهله
و"ظللهم" يجوز أن يكون معطوفا على "من" ويجوز أن يكون ارتفع بالبتداء والخبر محذوف؛
التقدير :وظللهم سجد بالغدو والصال و"بالغدو" يجوز أن يكون مصدرا ،ويجوز أن يكون جمع
غداة؛ يقوى كونه جمعا مقابلة الجمع الذي هو الصال به.
**3الية{ 16 :قل من رب السماوات والرض قل ال قل أفاتخذتم من دونه أولياء ل يملكون
لنفسيهم نفعيا ول ضرا قيل هيل يسيتوي العميى والبصيير أم هيل تسيتوي الظلمات والنور أم جعلوا
ل شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل ال خالق كل شيء وهو الواحد القهار}
@قوله تعالى" :قل من رب السماوات والرض قل ال" أمر ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم
أن يقول للمشركين" :قل من رب السماوات والرض" ثم أمره أن يقول لهم :هو ال إلزاما للحجة
إن لم يقولوا ذلك ،وجهلوا ميين هييو" .قييل أفاتخذتييم ميين دونييه أولياء ل يملكون لنفسييهم نفعييا ول
ضرا" هذا يدل على اعترافهيم بأن ال هيو الخالق وإل لم يكين للحتجاج بقوله" :قيل أفاتخذتيم مين
دونيه أولياء" معنيى؛ دليله قوله" :ولئن سيألتهم مين خلق السيماوات والرض ليقولن ال" [الزمير:
]38أي فإذا اعترفتم فلم تعبدون غيره؟ !،وذلك الغير ل ينفع ول يضر؛ وهو إلزام صحيح .ثم
ضرب لهيم مثل فقال" :قيل هيل يسيتوي العميى والبصيير" فكذلك ل يسيتوي المؤمين الذي يبصير
الحيق ،والمشرك الذي ل يبصير الحيق .وقييل :العميى مثيل لميا عبدوه من دون ال ،والبصيير مثيل
ال تعالى" :أم هييل تسييتوي الظلمات والنور" أي الشرك واليمان .وقرأ ابيين محيصيين وأبييو بكيير
والعميش وحمزة والكسيائي "يسيوي" بالياء لتقدم الفعيل؛ ولن تأنييث "الظلمات" لييس بحقيقيي.
الباقون بالتاء؛ واختاره أبو عبيد ،قال :لنه لم يحل بين المؤنث والفعل حائل .و"الظلمات والنور"
مثييل اليمان والكفيير؛ ونحيين ل نقييف على كيفييية ذلك" .أم جعلوا ل شركاء خلقوا كخلقييه فتشابييه
الخلق عليهم" هذا من تمام الحتجاج؛ أي خلق غير ال مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم ،فل يدرون
خلق ال مين خلق آلهتهيم" .قيل ال خالق كيل شييء" أي قيل لهيم ييا محميد" :ال خالق كيل شييء"،
فلزم لذلك أن يعبده كيل شييء .واليية رد على المشركيين والقدريية الذيين زعموا أنهيم خلقوا كميا
خلق ال" .وهيو الواحيد" قبيل كيل شييء" .القهار" الغالب لكيل شييء ،الذي يغلب فيي مراده كيل
مرييد .قال القشيري أبيو نصير :ول يبعيد أن تكون اليية واردة فيمين ل يعترف بالصيانع؛ أي سيلهم
عن خالق السماوات والرض ،فإنه يسهل تقرير الحجة فيه عليهم ،ويقرب المر من الضرورة؛
فإن عجيز الجماد وعجيز كيل مخلوق عين خلق السيماوات والرض معلوم ،وإذا تقرر هذا وبان أن
الصيانع هيو ال فكييف يجوز اعتداد الشرييك له؟ ! وبيين فيي أثناء الكلم أنيه لو كان للعالم صيانعان
لشتبه الخلق ،ولم يتميز فعل هذا عن فعل ذلك ،فبم يعلم أن الفعل من اثنين؟ !.
**3اليية{ 17 :أنزل مين السيماء ماء فسيالت أوديية بقدرهيا فاحتميل السييل زبدا رابييا ومميا
يوقدون علييه فيي النار ابتغاء حليية أو متاع زبيد مثله كذلك يضرب ال الحيق والباطيل فأميا الزبيد
فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض كذلك يضرب ال المثال}
@قوله تعالى" :أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا" ضرب مثل
للحيق والباطيل؛ فشبيه الكفير بالزبيد الذي يعلو الماء ،فإنيه يضمحيل ويعلق بجنبات الوديية ،وتدفعيه
الرياح؛ فكذلك يذهيب الكفير ويضمحيل ،عله ،ميا نيبينه .قال مجاهيد" :فسيالت أوديية بقدرهيا" قال:
بقدر ملئهييا .وقال ابيين جريييج :بقدر صييغرها وكبرهييا .وقرأ الشهييب العقيلي والحسيين "بقدرهييا"
بسيكون الدال ،والمعنيى واحيد .وقييل :معناهيا بميا قدر لهيا .والوديية .جميع الوادي؛ وسيمي وادييا
لخروجه وسيلنه؛ فالوادي على هذا اسم للماء السائل .وقال أبو علي" :فسالت أودية" توسع؛ أي
سييال ماؤهييا فحذف ،قال :ومعنييى "بقدرهييا" بقدر مياههييا؛ لن الودييية مييا سييالت بقدر أنفسييها.
"فاحتميل السييل زبدا رابييا" أي طالعيا عالييا مرتفعيا فوق الماء؛ وتيم الكلم؛ قال مجاهيد .ثيم قال:
"ومميا يوقدون علييه فيي النار" وهيو المثيل الثانيي" .ابتغاء حليية" أي حليية الذهيب والفضية" .أو
متاع زبد مثله" قال مجاهد :الحديد والنحاس والرصاص .وقوله" :زبد مثله" أي يعلو هذه الشياء
زبيد كميا يعلو السييل؛ وإنميا احتميل السييل الزبيد لن الماء خالطيه تراب الرض فصيار ذلك زبدا،
كذلك ميا يوقيد علييه فيي النار مين الجوهير ومين الذهيب والفضية مميا ينبيث فيي الرض مين المعادن
فقد خالطه التراب؛ فإنما يوقد عليه ليذوب فيزايله تراب الرض .وقوله" :كذلك يضرب ال الحق
والباطيل فأميا الزبيد فيذهيب جفاء" قال مجاهيد :جمودا .وقال أبيو عيبيدة قال أبيو عمرو بين العلء:
أجفأت القدر إذا غلت حتى ينصب زبدها ،وإذا جمد في أسفلها .والجفاء ما أجفاه الوادي أي رمى
بييه .وحكييى أبييو عييبيدة أنييه سييمع رؤبيية يقرأ "جفال" قال أبييو عييبيدة :يقال أجفلت القدر إذا قذفييت
بزبدها ،وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته" .وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض" قال مجاهد:
هييو الماء الخالص الصييافي .وقيييل :الماء ومييا خلص ميين الذهييب والفضيية والحديييد والنحاس
والرصياص؛ وهيو أن المثليين ضربهميا ال للحيق فيي ثباتيه ،والباطيل فيي اضمحلله ،فالباطيل وإن
عل فيي بعيض الحوال فإنيه يضمحيل كاضمحلل الزبيد .والخبيث .وقييل :المراد مثيل ضربيه ال
للقرآن ومييا يدخييل منييه القلوب؛ فشبييه القرآن بالمطيير لعموم خيره وبقاء نفعييه ،وشبييه القلوب
بالودية ،يدخل فيها من القرآن مثل ما يدخل في الودية بحسب سعتها وضيقها .قال ابن عباس:
"أنزل من الماء ماء" قال :قرآنا" ،فسالت أودية بقدرها" قال :الودية قلوب العباد .قال صاحب
"سوق العروس" إن صح هذا التفسير فالمعنى فيه أن ال سبحانه مثل القرآن بالماء .ومثل القلوب
بالودية ،ومثل المحكم بالصافي ،ومثل المتشابه بالزبد .وقيل :الزبد مخايل النفس وغوائل الشك
ترتفيع مين حييث ميا فيهيا فتضطرب مين سيلطان تلعهيا ،كميا أن ماء السييل يجري صيافيا فيرفيع ميا
يجيد فيي الوادي باقييا ،وأميا حليية الذهيب والفضية فمثيل الحوال النيية .والخلق الزكيية؛ التيي بهيا
جمال الرجال ،وقوام صالح العمال ،كما أن من الذهب والفضة زينة النساء .وبهما قيمة الشياء.
وقرأ جحيد وابن محيصن ويحيى والعمش وحمزة والكسائي وحفص" ،يوقدون" بالياء واختاره
أبييو عبيييد؛ لقوله" :ينفييع الناس" فأخييبر ،ول مخاطبيية هاهنييا .الباقون بالتاء لقوله فييي أول الكلم:
"أفاتخذتيم مين دونيه أولياء" [الرعيد ]16 :اليية .وقوله" :فيي النار" متعلق بمحذوف ،وهيو فيي
موضيع الحال ،وذو الحال الهاء التيي فيي "علييه" التقديير :ومميا توقدون علييه ثابتيا فيي النار أو
كامئا .وفي قوله" :في النار" ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي اسم ذي الحال ول يستقيم أن
يتعلق "فيي النار" بيي "يوقدون" مين حييث ل يسيتقيم أوقدت علييه فيي النار؛ لن الموقيد علييه يكون
في النار ،فيصير قوله" :في النار" غير مقيد .وقوله" :ابتغاء حلية" مفعول له" .زبد مثله" ابتداء
وخيبر؛ أي زبيد مثيل زبيد السييل .وقييل :إن خيبر "زبيد" قوله" :فيي النار" الكسيائي" :زبيد" ابتداء،
و"مثله" نعيت له ،والخيبر فيي الجملة التيي قبله ،وهيو "مميا يوقدون"" .كذلك يضرب ال المثال"
أي كما بين لكم هذه المثال فكذلك يضربها بينات .تم الكلم.
**3الية{ 18 :للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الرض
جميعا ومثله معه لفتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد}
@قوله تعالى" :للذين استجابوا لربهم" أي أجابوا؛ واستجاب بمعنى أجاب؛ قال:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقيد تقدم؛ أي أجاب إلى ميا دعاه ال مين التوحييد والنبوات" .الحسينى" لنهيا فيي نهايية الحسين.
وقييل :مين الحسينى النصير فيي الدنييا ،والنعييم المقييم غدا" .والذيين لم يسيتجيبوا" أي لم يجيبوا إلى
اليمان بيه" .لو أن لهيم ميا فيي الرض جميعيا" أي مين الموال" .ومثله معيه" ملك لهيم" .لفتدوا
بيه" مين عذاب يوم القيامية؛ نظيره فيي "آل عمران" "إن الذيين كفروا لن تغنيي عنهيم أموالهيم ول
أولدهم من ال شيئا" [آل عمران" ،]10 :إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم
ملء الرض ذهبيا ولو افتدى بيه" [آل عمران ]91 :حسيب ميا تقدم بيانيه هناك" .أولئك لهيم سيوء
الحسياب" أي ل يقبيل لهيم حسينة ،ول يتجاوز لهيم عين سييئة .وقال فرقيد السيبخي قال لي إبراهييم
النخعيي :يا فرقيد! أتدري ميا سوء الحسياب؟ قلت ل! قال أن يحاسب الرجل :بذنبه كله ل يفقد منيه
شيء" .ومأواهم جهنم" أي مسكنهم ومقامهم" .وبئس المهاد" أي الفراش الذي مهدوا لنفسهم.
**3اليية{ 19 :أفمين يعلم أنميا أنزل إلييك مين ربيك الحيق كمين هيو أعميى إنميا يتذكير أولوا
اللباب}
@قوله تعالى" :أفمين يعلم أنميا أنزل إلييك مين ربيك الحيق كمين هيو أعميى" هذا مثيل ضربيه ال
للمؤمن والكافر ،وروي أنها نزلت في حمزة بن عبدالمطلب رضي ال عنه ،وأبي جهل لعنه ال.
والمراد بالعمى عمى القلب ،والجاهل بالدين أعمى القلب" .إنما يتذكر أولو اللباب".
**3الية{ 20 :الذين يوفون بعهد ال ول ينقضون الميثاق}
@قوله تعالى" :الذين يوفون بعهد ال" هذا من صفة ذوي اللباب ،أي إنما يتذكر أولو اللباب
الموفون بعهد ال .والعهد اسم الجنس؛ أي بجميع عهود ال ،وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها
عييبيده؛ ويدخييل فييي هذه اللفاظ التزام جميييع الفروض ،وتجنييب جميييع المعاصييي .وقوله" :ول
ينقضون الميثاق" يحتمل أن يريد به جنس المواثيق ،أي إذا عقدوا في طاعة ال عهدا لم ينقضوه.
قال قتادة :تقدم ال إلى عباده فيي نقيض الميثاق ونهيى عنيه فيي بضيع وعشريين آيية؛ ويحتميل أن
يشييير إلى ميثاق بعينييه ،هييو الذي أخذه ال على عباده حييين أخرجهييم ميين صييلب أبيهييم آدم .وقال
القفال :هو ما ركب في عقولهم من دلئل التوحيد والنبوات.
@ روى أبو داود وغيره عن عوف بن مالك قال( :كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم سبعة
أو ثمانيية أو تسيعة فقال :أل تبايعون رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم وكنا حديث عهيد ببيعية فقلنا:
قيد بايعناك حتيى قالهيا ثلثيا؛ فبسيطنا أيدينيا فبايعناه ،فقال قائل :ييا رسيول ال! إنيا قيد بايعناك فعلى
ماذا نبايعيييك؟ قال( :أن تعبدوا ال ول تشركوا بيييه شيئا وتصيييلوا الصيييلوات الخميييس وتسيييمعوا
وتطيعوا وأسر كلمة خفية -قال :ل تسألوا الناس شيئا) .قال :ولقد كان بعضد ،أولئك النفر يسقط -
سيوطه فميا يسيأل أحدا أن يناوله .إياه .قال ابين العربيي :مين أعظيم المواثييق فيي الذكير أل يسيأل
سواه؛ فقد كان أبو حمزة الخراساني من كبار العباد سمع أن أناسا بايعوا رسول ال صلى ال عليه
وسيلم أل يسيألوا أحدا شيئا ،الحدييث؛ فقال أبيو حمزة :رب! إن هؤلء عاهدوا نبييك إذ رأوه ،وأنيا
أعاهدك أل أسأل أحدا شيئا؛ قال :فخرج حاجا من الشام يريد مكة فبينما هو يمشي في الطريق من
اللييل إذ بقيي عين أصيحابه لعذر ثيم أتبعهيم ،فبينميا هيو يمشيي إليهيم إذ سيقط فيي بئر على حاشيية
الطريييق؛ فلمييا حييل فييي قعره قال :اسييتغيث لعييل أحدا يسييمعني .ثييم قال :إن الذي عاهدتييه يرانييي
ويسيمعني ،وال! ل تكلميت بحرف للبشير ،ثيم لم يلبيث إل يسييرا إذ مير بذلك البئر نفير ،فلميا رأوه
على حاشييية الطريييق قالوا :إنييه لينبغييي سييد هذا البئر؛ ثييم قطعوا خشبييا ونصييبوها على فييم البئر
وغطوهيا بالتراب؛ فلميا رأى ذلك أبيو حمزة قال :هذه مهلكية ،ثيم أراد أن يسييتغيث بهيم ،ثيم قال:
وال! ل أخرج منهيا أبدا؛ ثيم رجيع إلى نفسيه فقال :ألييس قيد عاهدت مين يراك؟ فسيكت وتوكيل ،ثيم
اسيتند فيي قعير البئر مفكرا فيي أمره ،فإذا بالتراب يقيع علييه؛ والخشيب يرفيع عنيه ،وسيمع فيي أثناء
ذلك مين يقول :هات يدك! قال :فأعطيتيه يدي فأقلنيي فيي مرة واحدة إلى فيم البئر؛ فخرجيت فلم أر
أحدا؛ فسمعت هاتفا يقول :كيف رأيت ثمرة التوكل؛ وأنشد:
فأغنيتني بالعلم منك عن الكشف نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى
إلى غائبي واللطف يدرك باللطف تلطفت في أمري فأبديت شاهدي
تخبرني بالغيب أنك في كف تراءيت لي بالعلم حتى كأنما
فتؤنسني باللطف منك وبالعطف أراني وبي من هيبتي لك وحشة
وذا عجب كيف الحياة مع الحتف وتحيي محبا أنت في الحب حتفه
قال ابيين العربييي :هذا رجييل عاهييد ال فوجييد الوفاء على التمام والكمال ،فاقتدوا بييه إن شاء ال
تهتدوا .قال أبيو الفرج الجوزي :سيكوت هذا الرجيل فيي هذا المقام على التوكيل بزعميه إعانية على
نفسه ،وذلك ل يحل؛ ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه ل ينافي استغاثته في تلك الحالة؛ كما لم يخرج
رسول ال صلى ال عليه وسلم من التوكل بإخفائه الخروج من مكة ،واستئجاره دليل ،واستكتامه
ذلك الميير ،واسييتتاره فييي الغار ،وقوله لسييراقة( :اخييف عنييا) .فالتوكييل الممدوح ل ينال بفعييل
محظور؛ وسيكوت هذا الواقيع فيي البئر محظور عليه ،وبيان ذلك أن ال تعالى قيد خلق للدميي آلة
يدفيع عنيه بهيا الضرر ،وآلة يجتلب بهيا النفيع ،فإذا عطلهيا مدعييا للتوكيل كان ذلك جهل بالتوكيل،
وردا لحكمة التواضع؛ لن التوكل إنما هو اعتماد القلب على ال تعالى ،وليس من ضرورته قطع
السيباب؛ ولو أن إنسيانا جاع فلم يسيأل حتيى مات دخيل النار؛ قاله سيفيان الثوري وغيره ،لنيه قيد
دل على طريقية السيلمة ،فإذا تقاعيد عنهيا أعان على نفسيه .وقال أبيو الفرج :ول التفات إلى قول
أبيي حمزة" :فجاء أسيد فأخرجنيي" فإنيه إن صيح ذلك فقيد يقيع مثله اتفاقيا وقيد يكون لطفيا مين ال
تعالى بالعبيد الجاهيل ،ول ينكير أن يكون ال تعالى لطيف بيه ،إنميا ينكير فعله الذي هيو كسيبه ،وهيو
إعانته على نفسه التي هي وديعة ل تعالى عنده ،وقد أمره بحفظها.
**3الييية{ 21 :والذييين يصييلون مييا أميير ال بييه أن يوصييل ويخشون ربهييم ويخافون سييوء
الحساب}
@قوله تعالى" :والذيين يصيلون ميا أمير ال بيه أن يوصيل" ظاهير فيي صيلة الرحام ،وهيو قول
قتادة وأكثير المفسيرين ،وهيو ميع ذلك يتناول جمييع الطاعات" .ويخشون ربهيم} قييل :فيي قطيع
الرحييم .وقييل :فييي جمييع المعاصييي" .ويخافون سيوء الحسيياب" سييوء الحسيياب السييتقصاء فييه
والمناقشة؛ ومن نوقش الحساب عذب .وقال ابن عباس وسعيد بن جبير :معنى" .يصلون ما أمر
ال به" اليمان بجميع الكتب والرسل كلهم .الحسن :هو صلة محمد صلى ال عليه وسلم .ويحتمل
رابعا :أن يصيلوا اليمان بالعميل الصيالح؛ "ويخشون ربهيم" فيميا أمرهيم بوصيله" ،ويخافون سيوء
الحساب" في تركه؛ والقول الول يتناول هذه القوال كما ذكرنا ،وبال توفيقنا.
**3اليية{ 22 :والذيين صيبروا ابتغاء وجيه ربهيم وأقاموا الصيلة وأنفقوا مميا رزقناهيم سيرا
وعلنية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار}
@قوله تعالى" :والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم" قيل" :الذين" مسيتأنف؛ لن "صيبروا" ماض
فل ينعطيف على "يوفون" وقييل :.هيو مين وصيف مين تقدم ،ويجوز الوصيف تارة بلفيظ الماضيي،
وتارة بلفييظ المسييتقبل؛ لن المعنييى ميين يفعييل كذا فله كذا؛ ولمييا كان "الذييين" يتضميين الشرط،
والماضي في الشرط كالمستقبل جاز ذلك؛ ولهذا قال" :الذين يوفون" ثم قال" :والذين صبروا" ثم
عطف عليه فقال" :ويدرؤون بالحسنة السيئة" قال ابن زيد :صبروا على طاعة ال ،وصبروا عن
معصية ال .وقال عطاء :صبروا على الرزايا والمصائب ،والحوادث والنوائب .وقال أبو عمران
الجونيي :صيبروا على دينهيم ابتغاء وجيه ال "وأقاموا الصيلة" أدوهيا بفروضهيا وخشوعهيا فيي
مواقيتهيا" .وأنفقوا مميا رزقناهيم سيرا وعلنيية" يعنيي الزكاة المفروضية ،عين ابين عباس ،وقيد
مضى القول في هذا في "البقرة" وغيرها" .ويدرؤون بالحسنة السيئة" أي يدفعون بالعمل الصالح
السييء مين العمال ،قال ابين عباس .ابين زييد :يدفعون الشير بالخيير .سيعيد بين جيبير :يدفعون
المنكير بالمعروف .الضحاك :يدفعون الفحيش بالسيلم .جوييبر :يدفعون الظلم بالعفيو .ابين شجرة:
يدفعون الذنيب بالتوبية .القتيبي :يدفعون سيفه الجاهيل بالحلم؛ فالسيفه السييئة ،والحلم الحسينة .وقييل:
إذا هموا بسيئة رجعوا عنها واستغفروا .وقيل :يدفعون الشرك بشهادة أن ل إله إل ال؛ فهذه تسعة
أقوال ،معناهييا كلهييا متقارب ،والول يتناولهييا بالعموم؛ ونظيره" :إن الحسيينات يذهبيين السيييئات"
[هود ]114 :ومنيه قول علييه السيلم لمعاذ( :وأتبيع السييئة الحسينة تمحهيا وخالق الناس بخلق
حسن) .قوله تعالى" :أولئك لهم عقبى الدار" أي عاقبة الخرة ،وهي الجنة بدل النار ،والدار غدا
داران :الجنية للمطييع ،والنار للعاصيي؛ فلميا ذكر وصف المطيعيين فدارهيم الجنة ل محالة .وقيل:
عني بالدار دار الدنيا؛ أي لهم جزاء ما عملوا من الطاعات في دار الدنيا.
**3اليتان{ 24 - 23 :جنات عدن يدخلونهيا ومين صيلح مين آبائهيم وأزواجهيم وذرياتهيم
والملئكة يدخلون عليهم من كل باب ،سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}
@قوله تعالى" :جنات عدن يدخلونهيا" أي لهيم جنات عدن؛ فيي "جنات عدن" بدل مين "عقيبي"
ويجوز أن تكون تفسيييرا لييي"عقييبى الدار" أي لهييم دخول جنات عدن؛ لن "عقييبى الدار" حدث
و"جنات عدن" عيين ،والحدث إنميا يفسير بحدث مثله؛ فالمصيدر المحذوف مضاف إلى المفعول.
ويجوز أن يكون "جنات عدن" خيييبر ابتداء محذوف .و"جنات عدن" وسيييط الجنييية وقصيييبتها،
وسيقفها عرش الرحمين؛ قال القشيري أبيو نصير عبدالملك .وفيي صيحيح البخاري( :إذا سيألتم ال
فاسيألوه الفردوس فإنيه أوسيط الجنية وأعلى الجنية وفوقيه عرش الرحمين ومنيه تفجير أنهار الجنية)
فيحتميل أن يكون "جنات" كذلك إن صيح فذلك خيبر .وقال عبدال بين عمرو :إن فيي الجنية قصيرا
يقال له عدن ،حوله البروج والمروج؛ فيه ألف باب ،على كل باب خمسة آلف حبرة ل يدخله إل
نيبي أو صيديق أو شهييد .و"عدن" مأخوذ مين عدن بالمكان إذا أقام فييه؛ على ميا يأتيي بيانيه فيي
سيورة "الكهيف" إن شاء ال تعالى" .ومين صيلح مين آبائهيم وأزواجهيم وذرياتهيم" يجوز أن يكون
معطوفيا على "أولئك" المعنيى :أولئك ومين صيلح مين آبائهيم وأزواجهيم وذرياتهيم لهيم عقيبى الدار.
ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في "يدخلونها" وحسن العطف لما حال الضمير
المنصيوب بينهميا .ويجوز أن يكون المعنيى :يدخلونهيا ويدخلهيا مين صيلح مين آبائهيم ،أي مين كان
صالحا ،ل يدخلونها بالنساب .ويجوز أن يكون موضع "من" نصبا على تقدير :يدخلونها مع من
صييلح ميين آبائهييم ،وإن لم يعمييل مثييل أعمالهييم يلحقييه ال بهييم كراميية لهييم .وقال ابيين عباس :هذا
الصلح اليمان بال والرسول ،ولو كان لهم مع اليمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم ل على
وجييه التبعييية .قال القشيري :وفييي هذا نظيير؛ لنييه ل بييد ميين اليمان ،فالقول فييي اشتراط العمييل
الصييالح كالقول فييي اشتراط اليمان .فالظهيير أن هذا الصييلح فييي جملة العمال ،والمعنييى :أن
النعمية غدا تتيم عليهيم بأن جعلهيم مجتمعيين ميع قراباتهيم فيي الجنية ،وإن دخلهيا كيل إنسيان بعميل
نفسه؛ بل برحمة ال تعالى.
@قوله تعالى" :والملئكية يدخلون عليهيم مين كيل باب" أي بالتحيف والهداييا مين عنيد ال تكرمية
لهيم" .سيلم عليكيم" أي يقولون :سيلم عليكيم؛ فأضمير القول ،أي قيد سيلمتم مين الفات والمحين.
وقييل :هيو دعاء لهيم بدوام السيلمة ،وإن كانوا سيالمين ،أي سيلمكم ال ،فهيو خيبر معناه الدعاء؛
ويتضمين العتراف بالعبوديية" .بميا صيبرتم" أي بصيبركم؛ فيي"ميا" ميع الفعيل بمعنيى المصيدر،
والباء فييي "بمييا" متعلقيية بمعنييى" .سييلم عليكييم" ويجوز أن تتعلق بمحذوف؛ أي هذه الكراميية
بصبركم ،أي على أمر ال تعالى ونهيه؛ قال سعيد بن جبير .وقيل :على الفقر في الدنيا؛ قاله أبو
عمران الجونيي .وقييل :على الجهاد فيي سيبيل ال؛ كميا روي عين عبدال بين عمير قال قال رسيول
ال صلى ال عليه وسلم( :هل تدرون من يدخل الجنة من خلق ال)؟ قالوا :ال ورسول أعلم؛ قال:
(المجاهدون الذين تسد بهم الثغور وتتقي بهم المكاره فيموت أحدهم وحاجته في نفسه ل يستطيع
لها قضاء فتأتيهم الملئكة فيدخلون عليهم من كل باب سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وقال محميد بين إبراهييم(:كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يأتيي قبور الشهداء على رأس كيل حول
فيقول :السلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان؛ وذكره البيهقي
عن أبي هريرة قال(:كان النبي صلى ال عليه وسلم يأتي الشهداء ،فإذا أتى فرضة الشعب يقول:
السلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى ال عليه وسلم يفعله،
وكان عمير بعيد أبيي بكير يفعله ،وكان عثمان بعيد عمير يفعله .وقال الحسين البصيري رحميه ال:
"بميا صيبرتم" عين فضول الدنييا .وقييل" :بميا صيبرتم" على ملزمية الطاعية ،ومفارقية المعصيية؛
قال معناه الفضييل بين عياض .ابين زييد" :بميا صيبرتم" عميا تحبونيه إذا فقدتموه .ويحتميل سيابعا -
"بما صبرتم" عن اتباع الشهوات .وعن عبدال بن سلم وعلي بن الحسين رضي ال عنهم أنهما
قال :إذا كان يوم القيامية ينادي مناد ليقيم أهيل الصيبر؛ فيقوم ناس مين الناس فيقال لهيم :انطلقوا إلى
الجنية فتتلقاهيم الملئكية فيقولون :إلى أيين؟ فيقولون :إلى الجنية؛ قالوا :قبيل الحسياب؟ قالوا نعيم!
فيقولون :من أنتم؟ فيقولون :نحن أهل الصبر ،قالوا :وما كان صبركم؟ قالوا :صبرنا أنفسنا على
طاعية ال ،وصيبرناها عين معاصيي ال وصيبرناها على البلء والمحين فيي الدنييا .قال علي بين
الحسين :فتقول لهم الملئكة :ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .وقال ابن سلم :فتقول لهم الملئكة:
"سلم عليكم بما صبرتم"" .فنعم عقبى الدار" أي نعم عاقبة الدار التي كنتم فيها؛ عملتم فيها ما
أعقبكيم هذا الذي أنتيم فييه؛ فالعقيبى على هذا اسيم ،و"الدار" هيي الدنييا .وقال أبيو عمران الجونيي:
"فنعم عقبى الدار" الجنة عن النار .وعنه" :فنعم عقبى الدار" الجنة عن الدنيا.
**3اليية{ 25 :والذيين ينقضون عهيد ال مين بعيد ميثاقيه ويقطعون ميا أمير ال بيه أن يوصيل
ويفسدون في الرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}
@قوله تعالى" :والذيين ينقضون عهيد ال مين بعيد ميثاقيه" لميا ذكير الموفيين بعهده ،والمواصيلين
لمره ،وذكير ميا لهيم ذكير عكسيهم .نقيض الميثاق :ترك أمره .وقييل :إهمال عقولهيم ،فل يتدبرون
بهييا ليعرفوا ال تعالى" .ويقطعون مييا أميير ال بييه أن يوصييل" أي ميين الرحام .واليمان بجميييع
النييبياء" .ويفسييدون فييي الرض" أي بالكفيير وارتكاب المعاصييي "أولئك لهييم اللعنية" أي الطرد
والبعاد من الرحمة" .ولهم سوء الدار" أي سوء المنقلب ،وهو جهنم .وقال سعد بن أبي وقاص:
وال الذي ل إله إل هو ! إنهم الحرورية.
**3اليية{ 26 :ال يبسيط الرزق لمين يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنييا وميا الحياة الدنييا فيي
الخرة إل متاع}
@قوله تعالى" :ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" لما ذكر عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك بين أنه
تعالى الذي يبسط الرزق ويقدر في الدنيا ،لنها دار امتحان؛ فبسط الرزق على الكافر ل يدل على
كرامته ،والتقتير على بعض المؤمنين ل يدل على إهانتهم" .ويقدر" أي يضيق؛ ومنه "ومن قدر
عليه رزقه" [الطلق ]7 :أي ضيق .وقيل" :يقدر" يعطي بقدر الكفاية" .وفرحوا بالحياة الدنيا"
يعنيي مشركيي مكية؛ فرحوا بالدنييا ولم يعرفوا غيرهيا ،وجهلوا ميا عنيد ال؛ وهيو معطوف على
"ويفسدون في الرض" .وفي الية تقديم وتأخير؛ التقدير :والذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه
ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون في الرض وفرحوا بالحياة الدنيا" .وما الحياة الدنيا
فيي الخرة" أي فيي جنبهيا" .إل متاع" أي متاع مين المتعية ،كالقصيعة والسيكرجة .وقال مجاهيد:
شييء قلييل ذاهيب؛ مين متيع النهار إذا ارتفيع؛ فل بيد له مين زوال .ابين عباس :زاد كزاد الراعيي.
وقيل :متاع الحياة الدنيا ما يستمتع بها منها .وقيل :ما يتزود منها إلى الخرة ،من التقوى والعمل
الصالح" ،ولهم سوء الدار" ثم ابتدأ" .ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" أي يوسع ويضيق.
**3الية{ 27 :ويقول الذين كفروا لول أنزل عليه آية من ربه قل إن ال يضل من يشاء ويهدي
إليه من أناب}
@قوله تعالى" :ويقول الذيين كفروا لول أنزل علييه آيية مين ربيه" بيين فيي مواضيع أن اقتراح
اليات على الرسيل جهيل ،بعيد أن رأوا آيية واحدة تدل على الصيدق ،والقائل ،عبدال بين أبيي أميية
وأصحابه حين طالبوا النيبي صلى ال عليه وسلم باليات" .قيل إن ال يضيل مين يشاء" عيز وجيل
"يضيل مين يشاء" أي كميا أضلكيم بعيد ميا أنزل مين اليات وحرمكيم السيتدلل بهيا يضلكيم عنيد
نزول غيرهيا" .ويهدي إلييه مين أناب" أي مين رجيع .والهاء فيي "إلييه" للحيق ،أو للسيلم ،أو ل
عيز وجيل؛ على تقديير :ويهدي إلى دينيه وطاعتيه مين رجيع إلييه بقلبيه .وقييل :هيي للنيبي صيلى ال
عليه وسلم.
**3الية{ 28 :الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال أل بذكر ال تطمئن القلوب}
@قوله تعالى" :الذين آمنوا" "الذين" في موضع نصب ،لنه مفعول؛ أي يهدي ال الذين أمنوا.
وقيل بدل من قوله" :من أناب" فهو في محل نصب أيضا" .وتطمئن قلوبهم بذكر ال" أي تسكن
وتسييتأنس بتوحيييد ال فتطمئن؛ قال :أي وهييم تطمئن قلوبهييم على الدوام بذكيير ال بألسيينتهم؛ قال
قتادة :وقال مجاهيد وقتادة وغيرهميا :بالقرآن .وقال سيفيان بين عيينية :بأمره .مقاتيل :بوعده .ابين
عباس :بالحلف باسيمه ،أو تطمئن بذكير فضله وإنعاميه؛ كميا تَْوجيل بذكير عدله وانتقاميه وقضائه.
وقيل" :يذكر ال" أي يذكرون ال ويتأملون آياته فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة.
@قوله تعالى" :أل بذكر ال تطمئن القلوب" أي قلوب المؤمنين .قال ابن عباس :هذا في الحلف؛
فإذا حلف خصمه بال سكن قلبه .وقيل" :بذكر ال" أي بطاعة ال .وقيل :بثواب ال .وقيل :بوعد
ال .وقال مجاهد :هم أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم.
**3الية{ 29 :الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب}
@قوله تعالى" :الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم" ابتداء وخبره .وقيل :معناه لهم طوبى،
في"طوبى" رفع بالبتداء ،ويجوز أن يكون موضعه نصبا على تقديير :جعل لهم طوبى ،ويعطف
عليه "وحسن مآب" على الوجهين المذكورين ،فترفع أو تنصب .وذكر عبدالرزاق :أخبرنا معمر
عين يحييى بين أبيي كثيير عين عمرو بين أبيي يزييد البكالي عين عتبية بين عبدالسيلمي قال( :جاء
أعرابيي إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأله عين الجنية وذكير الحوض فقال :فيهيا فاكهية؟ قال:
(نعم شجرة تدعى طوبى) قال :يا رسول ال! أي شجر أرضنا تشبه؟ قال (ل تشبه شيئا من شجر
أرضيك أأتييت الشام هناك شجرة تدعيي الجوزة تنبيت على سياق ويفترش أعلهيا) .قال :ييا رسيول
ال! فمييا عظييم أصييلها! قال( :لو ارتحلت جذعية ميين إبييل أهلك مييا أحطييت بأصييلها حتييى تنكسيير
ترقوتها هرما) .وذكر الحديث ،وقد كتبناه بكمال في أبواب الجنة من كتاب "التذكرة" ،والحمد ل.
وذكير ابين المبارك قال :أخبرنيا معمير عين الشعيث عين عبدال عين شهير بين حوشيب عين أبيي
هريرة قال :في الجنة شجرة يقال لها طوبى؛ يقول ال تعالى لها :تفتقي لعبدي عما شاء؛ فتفتق له
عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء ،وتفتق عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء،
وعين النجائب والثياب .وذكير ابين وهيب مين حدييث شهير بين حوشيب عين أبيي أمامية الباهلي قال:
"طوبيى" شجرة فيي الجنية ليس منهيا دار إل وفيهيا غصن منهيا ،ول طيير حسين إل هو فيها ،ول
ثمرة إل هيي منهيا؛ وقيد قييل :إن أصيلها فيي قصير النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي الجنية ،ثيم تنقسيم
فروعهيا على منازل أهيل الجنية ،كميا انتشير منيه العلم واليمان على جمييع أهيل الدنييا .وقال ابين
عباس" :طوبيى لهيم" فرح لهيم وقرة عيين؛ وعنيه أيضيا أن "طوبيى" اسيم الجنية بالحبشيية؛ وقال
سعيد بن جبير .الربيع بن أنس :هو البستان بلغة الهند؛ قال القشيري :إن صح هذا فهو وفاق بين
اللغتين .وقال قتادة" :طوبى لهم" حسنى لهم .عكرمة :نعمى لهم .إبراهيم النخعي :خير لهم ،وعنه
أيضيا كرامية مين ال لهيم .الضحاك :غبطية لهيم .النحاس :وهذه القوال متقاربية؛ لن طوبيى فعلى
مين الطييب؛ أي العييش الطييب لهيم؛ وهذه الشياء ترجيع إلى الشييء الطييب .وقال الزجاج :طوبيى
فعلى من الطيب ،وهي الحالة المستطابة لهم؛ والصل طيبي ،فصارت الياء واوا لسكونها وضم
ما قبلها ،كما قالوا :موسر وموقن.
قلت :والصيييحيح أنهيييا شجرة؛ للحدييييث المرفوع الذي ذكرناه ،وهيييو صيييحيح على ميييا ذكره
السيهيلي؛ ذكره أبيو عمير فيي التمهييد ،ومنيه نقلناه؛ وذكره أيضيا الثعلبيي فيي تفسييره؛ وذكير أيضيا
المهدوي والقشيري عن معاوية بن قرة عن أبييه أن رسول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :طوبيى
شجرة في الجنة غرسها ال بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من
وراء سيور الجنية) ومين أراد زيادة على هذه الخبار فليطالع الثعلبيي .وقال ابين عباس" :طوبيى"
شجرة فيي الجنة أصيلها فيي دار علي ،وفيي دار كيل مؤمين منهيا غصين .وقال أبيو جعفير محميد بين
علي(:سيئل النيبي صيلى ال علييه وسيلم عين قوله تعالى" :طوبيى لهيم وحسين مآب" قال( :شجرة
أصلها في داري وفروعها في الجنة) ثم سئل عنها مرة أخرى فقال( :شجرة أصلها في دار على
وفروعهيا فيي الجنية) .فقييل له :ييا رسيول ال! سيئلت عنهيا فقلت( :أصيلها فيي داري وفروعهيا فيي
الجنية) ثيم سيئلت عنها فقلت( :أصيلها في دار علي وفروعها فيي الجنة) فقال النيبي صلى ال عليه
وسلم( :إن داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد) وعنه صلى ال عليه وسلم( :هي
شجرة أصلها في داري وما من دار من دوركم إل مدلى فيها غصن منها) "وحسن مآب" آب إذا
رجح .وقيل :تقدير الكلم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال وعملوا الصالحات طوبى لهم.
**3الية{ 30 :كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم
يكفرون بالرحمن قل هو ربي ل إله إل هو عليه توكلت وإليه متاب}
@قوله تعالى" :كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم" أي أرسلناك كما أرسلنا النبياء من
قبلك؛ قاله الحسين .وقييل :شبيه النعام على مين أرسيل إلييه محميد علييه السيلم بالنعام على مين
أرسيل إلييه النيبياء قبله" .لتتلو عليهيم الذي أوحينيا إلييك" يعنيي القرآن" .وهيم يكفرون بالرحمين"
قال مقاتيل وابين جرييج :نزلت فيي صيلح الحديبيية حيين أرادوا أن يكتبوا كتاب الصيلح ،فقال النيبي
صلى ال عليه وسلم لعلي( :اكتب بسم ال الرحمن الرحيم) فقال سهيل بن عمرو والمشركون :ما
نعرف الرحمين إل صياحب اليمامية ،يعنون مسييلمة الكذاب؛ اكتيب باسيمك اللهيم ،وهكذا كان أهيل
الجاهليية يكتبون؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم لعلي( :اكتيب هذا ميا صيالح علييه محميد رسيول
ال) فقال مشركيو قرييش :لئن كنت رسول ال ثيم قاتلناك وصددناك لقد ظلمناك ،ولكن اكتيب :هذا
ما صالح عليه محمد بن عبدال؛ فقال أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم :دعنا نقاتلهم؛ فقال( :ل
ولكن اكتب ما يريدون) فنزلت .وقال ابن عباس :نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى
ال علييه وسيلم( :اسيجدوا للرحمين) [الفرقان "]60 :قالوا وميا الرحمين" فنزلت" .قيل" لهيم ييا
محمد :الذي أنكرتم" .هو ربي ل إله إل هو" ول معبود سواه؛ هو واحد بذاته؛ وإن اختلفت أسماء
صييفاته" .عليييه توكلت" واعتمدت ووثقييت" .وإليييه متاب" أي مرجعييي غدا ،واليوم أيضييا عليييه
توكلت ووثقيت ،رضيا بقضائه ،وتسيليما لمره .وقييل :سيمع أبيو جهيل رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم يدعيو فيي الحجير ويقول( :ييا ال ييا رحمين) فقال :كان محميد ينهانيا عين عبادة اللهية وهيو
يدعو إلهين؛ فنزلت هذه الية ،ونزل" .قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن" [السراء.]110 :
**3اليية{ 31 :ولو أن قرآنيا سييرت بيه الجبال أو قطعيت بيه الرض أو كلم بيه الموتيى بيل ل
المييير جميعيييا أفلم ييأس الذيييين آمنوا أن لو يشاء ال لهدى الناس جميعيييا ول يزال الذيييين كفروا
تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد ال إن ال ل يخلف الميعاد}
@قوله تعالى" :ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" هذا متصل بقوله" :لول أنزل عليه آية من ربه"
[يونيس .]20 :وذلك أن نفرا مين مشركيي مكية فيهيم أبيو جهيل وعبدال بين أبيي أميية المخزوميان
جلسوا خلف الكعبة ،ثم أرسلوا إلى رسول ال فأتاهم؛ فقال له عبدال :إن سرك أن نتبعك فسير لنا
جبال مكية بالقرآن ،فأذهبهيا عنيا حتيى تنفسيح؛ فإنهيا أرض ضيقية ،واجعيل لنيا فيهيا عيونيا وأنهارا،
حتيى نغرس ونزرع؛ فلسيت كميا زعميت بأهون على ربيك مين داود حيين سيخر له الجبال تسيير
معه ،وسخر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا ،ثم نرجع من يومنا؛ فقد
كان سليمان سحرت له الريح كما زعمت؛ فلست بأهون على ربك من سليمان بن داود ،وأحي لنا
قصيا جدك ،أو من شئت أنت من موتانا نسأله؛ أحق ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيى
الموتى ،ولست بأهون على ال منه؛ فأنزل ال تعالى" :ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" الية؛ قال
معناه الزبييير بيين العوام ومجاهييد وقتادة والضحاك؛ والجواب محذوف تقديره :لكان هذا القرآن،
لكن حذف إيجازا ،لما في ظاهر الكلم من الدللة عليه؛ كما قال امرؤ القيس:
ولكنها نفس تساقط أنفسا فلو أنها نفس تموت جميعة
يعنييي لهان علي؛ هذا معنييى قول قتادة؛ قال :لو فعييل هذا قرآن قبييل قرآنكييم لفعله قرآنكييم .وقيييل:
الجواب متقدم ،وفي الكلم تقديم وتأخير؛ أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما
اقترحوا .الفراء :يجوز أن يكون الجواب لو فعيييل بهيييم هذا لكفروا بالرحمييين .الزجاج" :ولو أن
قرآنيا" إلى قوله" :الموتيى" لميا آمنوا ،والجواب المضمير هنيا ميا أظهير فيي قوله" :ولو أننيا نزلنيا
إليهم الملئكة" [النعام ]111 :إلى قوله" :ما كانوا ليؤمنوا إل أن يشاء ال" [النعام.]111 :
"بل ل المر جميعا" أي هو المالك لجميع المور ،الفاعل لما يشاء منها ،فليس ما تلتمسونه مما
يكون بالقرآن ،إنما يكون بأمر ال.
@قوله تعالى" :أفلم ييئس الذيين آمنوا" قال الفراء قال الكلبيي" :ييأس" بمعنيى يعلم ،لغية النخيع؛
وحكاه القشيري عيين ابيين عباس؛ أي أفلم يعلموا؛ وقاله الجوهري فييي الصييحاح .وقيييل :هييو لغيية
هوازن؛ أي أفلم يعلم؛ عيين ابيين عباس ومجاهييد والحسيين .وقال أبييو عييبيدة :أفلم يعلموا ويتييبينوا،
وأنشد في ذلك أبو عبيدة لمالك بن عوف النصري:
ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني
ييسرونني من الميسر ،وقد تقدم في "البقرة" ويروى يأسرونني من السر .وقال رباح بن عدي:
وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا ألم ييأس القوام أني أنا ابنه
فييي كتاب الرد "أنييي أنييا ابنييه" وكذا ذكره الغزنوي :ألم يعلم؛ والمعنييى على هذا :أفلم يعلم الذييين
آمنوا أن لو يشاء ال لهدى الناس جميعيييا مييين غيييير أن يشاهدوا اليات .وقييييل :هيييو مييين اليأس
المعروف؛ أي أفلم ييأس الذيين آمنوا مين إيمان هؤلء الكفار ،لعلمهيم أن ال تعالى لو أراد هدايتهيم
لهداهييم؛ لن المؤمنييين تمنوا نزول اليات طمعييا فييي إيمان الكفار .وقرأ علي وابيين عباس" :أفلم
يتييبين الذييين آمنوا" ميين البيان .قال القشيري :وقيييل لبيين عباس المكتوب "أفلم ييئس" قال :أظيين
الكاتيب كتبهيا وهيو ناعيس؛ أي زاد بعيض الحروف حتيى صيار "ييئس" .قال أبيو بكير النباري:
روي عين عكرمية عين ابين أبيي :نجييح أنيه قرأ " -أفلم يتيبين الذيين آمنوا" وبهيا احتيج مين زعيم أنيه
الصيواب فيي التلوة؛ وهيو باطيل عين بين عباس ،لن مجاهدا وسيعيد بين جيبير حكييا الحرف عين
ابن عباس ،على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن
ابيين عباس؛ ثييم إن معناه :أفلم يتييبين؛ فإن كان مراد ال تحييت اللفظيية التييي خالفوا بهييا الجماع
فقراءتنيا تقيع عليهيا ،وتأتيي بتأويلهيا ،وإن أراد ال المعنيى الخير الذي اليأس فييه لييس مين طرييق
العلم فقيد سيقط مميا أوردوا؛ وأميا سيقوطه يبطيل القرآن ،ولزوم أصيحابه البهتان" .أن لو يشاء ال
لهدى الناس جميعيا" "أن" مخففية مين القيلة ،أي أنيه لو يشاء ال "لهدى الناس جميعيا" وهيو يرد
على القدرية وغيرهم.
@قوله تعالى" :ول يزال الذيين كفروا تصييبهم بميا صينعوا قارعية" أي داهيية تفجؤهيم بكفرهيم؛
وعتوهم؛ ويقال :قرعه أمر إذا أصابه ،والجمع قوارع؛ والصل في القرع الضرب؛ قال:
قرع القواقيز أفواه الباريق أفني تلدي وما جمعت من نشب
أي ل يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو
جدب ،أو غييير ذلك ميين العذاب والبلء؛ كمييا نزل بالمسييتهزئين ،وهييم رؤسيياء المشركييين .وقال
عكرمة عن ابن عباس :القارعة النكبة .وقال ابن عباس أيضا وعكرمة :القارعة الطلئع والسرايا
التيي كان ينفذهيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لهيم "أو تحيل" أي القارعية" .قريبيا مين دارهيم"
قاله قتادة والحسن .وقال ابن عباس :أو تحل أنت قريبا من دارهم .وقيل :نزلت الية بالمدينة؛ أي
ل تزال تصييبهم القوارع فتنزل بسياحتهم أو بالقرب منهيم كقرى المدينية ومكية" .حتيى يأتيي وعيد
ال" فيي فتيح مكية؛ قاله مجاهيد وقتادة وقييل :نزلت بمكية؛ أي تصييبهم القوارع ،وتخرج عنهيم إلى
المدينية ييا محميد ،فتحيل قريبيا مين دارهيم ،أو تحيل بهيم محاصيرا لهيم؛ وهذه المحاصيرة لهيل
الطائف ،ولقلع خييبر ،ويأتيي وعيد ال بالذن لك فيي قتالهيم وقهرهيم .وقال الحسين :وعيد ال يوم
القيامة.
**3الية{ 32 :ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب}
@قوله تعالى" :ولقييد اسييتهزئ برسييل ميين قبلك فأمليييت للذييين كفروا ثييم أخذتهييم" تقدم معنييى
السيتهزاء فيي "البقرة" ومعنيى الملء فيي "آل عمران" أي سيخر بهيم ،وأزري عليهيم؛ فأمهلت
الكافرين مدة ليؤمن من كان في علمي أنه يؤمن منهم؛ فلما حق القضاء أخذتهم بالعقوبة" .فكيف
كان عقاب" أي فكيف رأيتم ما صنعت بهم ،فكذلك أصنع بمشركي قومك.
**3الية{ 33 :أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا ل شركاء قل سموهم أم تنبئونه
بما ل يعلم في الرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن
يضلل ال فما له من هاد}
@قوله تعالى" :أفمين هيو قائم على كيل نفيس بميا كسيبت" لييس هذا القيام القيام الذي هيو ضيد
القعود ،بل هو بمعنيى التولي لمور الخلق؛ كما يقال :قام فلن بشغل كذا؛ فإنه قائم على كل نفس
بميا كسيبت أي يقدرهيا على الكسيب ،ويخلقهيا ويرزقهيا ويحفظهيا ويجازيهيا على عملهيا؛ فالمعنيى:
أنه حافظ ل يغفل ،والجواب محذوف؛ والمعنى :أفمن هو حافظ ل يغفل كمن يغفل .وقيل" :أفمن
هو قائم" أي عالم؛ قاله العمش .قال الشاعر:
سرقتم ثياب البيت وال قائم فلول رجال من قريش أعزة
أي عالم؛ فال عالم بكسب كل نفس .وقيل :المراد بذلك الملئكة الموكلون ببني آدم ،عن الضحاك.
"وجعلوا" حال؛ أي أوقد جعلوا ،أو عطف على "استهزئ" أي استهزؤوا وجعلوا؛ أي سموا "ل
شركاء" يعنييي أصييناما جعلوهييا آلهيية" .قييل سييموهم" أي قييل لهييم يييا محمييد" :سييموهم" أي بينوا
أسيماءهم ،على جهية التهدييد؛ أي إنميا يسيمون :اللت والعزى ومناة وهبيل" .أم تنبئونيه بميا ل يعلم
فيي الرض" "أم" اسيتفهام توبييخ ،أي أتنبئونيه؛ وهيو على التحقييق عطيف على اسيتفهام متقدم فيي
المعنيى؛ لن قوله" :سيموهم" معناه :ألهيم أسيماء الخالقيين" .أم تنبئونيه بميا ل يعلم فيي الرض"؟.
وقيل :المعنيى قل لهم أتنبئون ال بباطن ل يعلمه" .أم بظاهير من القول" يعلمه؟ فإن قالوا :بباطن
ل يعلميه أحالوا ،وإن قالوا :بظاهير يعلميه فقيل لهيم :سيموهم؛ فإذا سيموهم اللت والعزى فقيل لهيم:
إن ال ل يعلم لنفسيه شريكيا .وقييل" :أم تنبئونيه" عطيف على قوله" :أفمين هيو قائم" أي أفمين هيو
قائم ،أم تنبئون ال بمييا ل يعلم؛ أي أنتييم تدعون ل شريكييا ،وال ل يعلم لنفسييه شريكييا؛ أفتنبئونييه
بشرييك له فيي الرض وهيو ل يعلميه! وإنميا خيص الرض بنفيي الشرييك عنهيا وإن لم يكين له
شريك في غير الرض لنهم ادعوا له شركاء في الرض .ومعنى" .أم بظاهر من القول" :الذي
أنزل ال على أنبيائه .وقال قتادة :معناه بباطل من القول؛ ومنه قول الشاعر:
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر أعيرتنا ألبانها ولحومها
أي باطيل .وقال الضحاك :بكذب مين القول .ويحتميل خامسيا -أن يكون الظاهير مين القول حجية
يظهرونهيا بقولهيم؛ ويكون معنيى الكلم :أتجيبرونه بذلك مشاهديين ،أم تقولون محتجيين" .بيل زيين
للذين كفروا مكرهم" أي دع هذا! بل زين للذين كفروا مكرهم قيل :استدراك .على هذا الوجه ،أي
لييس ل شرييك ،لكين زيين للذيين كفروا مكرهيم .وقرأ ابين عباس ومجاهيد " -بيل زيين للذيين كفروا
مكرهييم" مسييمى الفاعييل ،وعلى قراءة الجماعيية فالذي زييين للكافرييين مكرهييم ال تعالى ،وقيييل:
الشيطان .ويجوز أن يسيمى الكفير مكرا؛ لن مكرهيم بالرسيول كان كفرا" .وصيدوا عين السيبيل"
أي صدهم ال؛ وهي قراءة حمزة والكسائي .الباقون بالفتح؛ أي صدوا غيرهم؛ واختاره أبو حاتم،
اعتبارا بقوله" :ويصيدون عين سيبيل ال" [النفال ]47 :وقوله" :هيم الذيين كفروا وصيدوكم عين
المسجد الحرام" [الفتح .]25 :وقراءة الضم أيضا حسنة في "زين" و"صدوا" لنه معلوم أن ال
فاعيل ،ذلك فيي مذهيب أهيل السينة؛ ففييه إثبات القدر ،وهيو اختيار أبيي عبييد .وقرأ يحييى بين وثاب
وعلقمة " -وصِدوا" بكسر الصاد؛ وكذلك" .هذه بضاعتنا ردت إلينا" [يوسف ]65 :بكسر الراء
أيضيا على ميا لم يسيم فاعله؛ وأصيلها صيددوا ورددت ،فلميا أدغميت الدال الولى فيي الثانيية نقلت
حركتهيا على ميا قبلهيا فانكسير" .ومين يضلل ال" بخذلنيه" .فميا له مين هاد" أي موفيق؛ وفيي هذا
إثبات قراءة الكوفيييين وميين تابعهييم؛ لقوله ،" :وميين يضلل ال" فكذلك قوله" :وصييدوا" .ومعظييم
القراء يقفون على الدال مين غيير الياء؛ وكذلك "وال" و"واق"؛ لنيك تقول فيي الرجيل :هذا قاض
ووال وهاد ،فتحذف الياء لسييكونها والتقائهييا مييع التنوييين .وقرئ "فمييا له ميين هادي" و"والي"
و"واقييي" بالياء؛ وهييو على لغيية ميين يقول :هذا داعييي وواقييي بالياء؛ لن حذف الياء فييي حالة
الوصيل للتقائهيا ميع التنويين ،وقيد أمنيا هذا فيي الوقيف؛ فردت الياء فصيار هادي ووالي وواقيي.
وقال الخلييل فيي نداء قاض :ييا قاضيي بإثبات الياء؛ إذ ل تنويين ميع النداء ،كميا ل تنويين فيي نحيو
الداعي والمتعالي.
**3الية{ 34 :لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الخرة أشق وما لهم من ال من واق}
@قوله تعالى" :لهيم عذاب فيي الحياة الدنييا" أي للمشركيين الصيادين :بالقتيل والسيبي والسيار،
وغير ذلك من السقام والمصائب" .ولعذاب الخرة أشق" أي أشد؛ من قولك :شق علي كذا يشق.
"وما لهم من ال من واق" أي مانع يمنعهم من عذابه ول دافع .و"من" زائدة.
**3اليية{ 35 :مثيل الجنية التيي وعيد المتقون تجري مين تحتهيا النهار أكلهيا دائم وظلهيا تلك
عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار}
@قوله تعالى" :مثل الجنة التي وعد المتقون" اختلف النحاة في رفع "مثل" فقال سيبويه :ارتفع
بالبتداء والخيبر محذوف؛ والتقديير :وفيميا يتلى عليكيم مثيل الجنية .وقال الخلييل :ارتفيع البتداء
وخيبره "تجري مين تحتهيا النهار" أي صيفة الجنية التيي وعيد المتقون تجري مين تحتهيا النهار؛
كقولك :قولي يقوم زيييد؛ فقولي مبتدأ ،ويقوم زيييد خييبره؛ والمثييل بمعنييى الصييفة موجود؛ قال ال
تعالى" :ذلك مثلهيم فيي التوراة ومثلهيم فيي النجييل" [الفتيح ]29 :وقال" :ول المثيل العلى"
[النحيل ]60 :أي الصيفة العلييا؛ وأنكره أبيو علي وقال :لم يسيمع مثيل بمعنيى الصيفة؛ إنميا معناه
الشبيه؛ أل تراه يجري مجراه فيي مواضعيه ومتصيرفاته ،كقولهيم :مررت برجيل مثلك؛ كميا تقول:
مررت برجل شبهك؛ قال :ويفسد أيضا من جهة المعنى؛ لن مثل إذا كان معناه صفة كان تقدير
الكلم :صيفة الجنية التيي فيهيا أنهار ،وذلك غيير مسيتقيم؛ لن النهار فيي الجنية نفسيها ل صيفتها
وقال الزجاج :مثيل ال عيز وجيل لنيا ميا غاب عنيا بميا نراه؛ والمعنيى :مثيل الجنية جنية تجري مين
تحتهيا النهار؛ وأنكره أبو علي فقال :ل يخلو المثل على قوله أن يكون الصفة أو الشبه ،وفي كل
الوجهيين ل يصيح ميا قاله؛ لنيه إذا كان بمعنيى الصيفة لم يصيح ،لنيك إذا قلت :صيفة الجنية جنية،
فجعلت الجنية خيبرا لم يسيتقم ذلك؛ لن الجنية ل تكون الصيفة ،وكذلك أيضيا شبيه الجنية جنية؛ أل
ترى أن الشبيه عبارة عين المماثلة التيي بيين المتماثليين ،وهيو حدث؛ والجنية غيير حدث؛ فل يكون
الول الثاني .وقال الفراء :المثل مقحم للتأكيد؛ والمعنى :الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها
النهار؛ والعرب تفعيل ذلك كثيرا بالمثيل؛ كقوله" :لييس كمثله شييء" [الشورى :]11 :أي لييس
هيو كشييء .وقييل التقديير :صيفة الجنية التيي وعيد المتقون صيفة جنية "تجري مين تحتهيا النهار"
وقييل معناه :شبيه الجنية التيي وعيد المتقون فيي الحسين والنعمية والخلود كشبيه النار فيي العذاب
والشدة والخلود؛ قاله مقاتييل" .أكلهييا دائم وظلهييا" ل ينقطييع؛ وفييي الخييبر( :إذا أخذت ثمرة عادت
مكانهيا أخرى) وقيد بيناه فيي "التذكرة"" .وظلهيا" أي وظلهيا كذلك؛ فحذف؛ أي ثمرهيا ل ينقطيع،
وظلها ل يزول؛ وهذا رد على الجهمية في زعمهم أن نعيم الجنة يزول ويفني" .تلك عقبى الذين
اتقوا وعقبى الكافرين النار" أي عاقبة أمر المكذبين وآخرتهم النار يدخلونها.
**3الية{ 36 :والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الحزاب من ينكر بعضه قل
إنما أمرت أن أعبد ال ول أشرك به إليه أدعو وإليه مآب}
@قوله تعالى" :والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك" أي بعض من أوتي الكتاب يفرح
بالقرآن ،كابين سيلم وسيلمان ،والذيين جاؤوا مين الحبشية؛ فاللفيظ عام ،والمراد الخصيوص .وقال
قتادة :هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم يفرحون بنور القرآن؛ وقاله مجاهد وابن زيد .وعن
مجاهييد أيضييا أنهييم مؤمنييو أهييل الكتاب .وقيييل :هييم جماعيية أهييل الكتاب ميين اليهود والنصييارى
يفرحون بنزول القرآن لتصيديقه كتبهيم .وقال أكثير العلماء :كان ذكير الرحمين فيي القرآن قليل فيي
أول ميا أنزل ،فلميا أسيلم عبدال بين سيلم وأصيحابه سياءهم قلة ذكير الرحمين فيي القرآن ميع كثرة
ذكره في التوراة؛ فسألوا النيبي عن ذلك؛ فأنزل ال تعالى" :قيل ادعوا ال أو ادعوا الرحمين أيا ميا
تدعوا فله السيماء الحسينى" [السيراء ]110 :فقالت قرييش :ميا بال محميد يدعيو إلى إله واحيد
فأصبح اليوم يدعو إلهين ،ال والرحمن! وال ما نعرف الرحمن إل رحمن اليمامة ،يعنون مسيلمة
الكذاب؛ فنزلت" :وهييم بذكيير الرحميين هييم كافرون" [النييبياء" ]36 :وهييم يكفرون بالرحميين"
[الرعد ]30 :ففرح مؤمنو أهل الكتاب بذكير الرحمن؛ فأنزل ال تعالى" :والذين آتيناهيم الكتاب
يفرحون بمييا أنزل إليييك"" .وميين الحزاب" يعنييي مشركييي مكيية ،وميين لم يؤميين ميين اليهود
والنصارى والمجوس .وقيل :هم العرب المتحزبون على النبي صلى ال عليه وسلم .وقيل :ومن
أعداء المسيلمون مين ينكير بعيض ميا فيي القرآن؛ لن فيهيم مين كان يعترف ببعيض النيبياء ،وفيهيم
ميين كان يعترف بأن ال خالق السييماوات والرض" .قييل إنمييا أمرت أن أعبييد ال ول أشرك بييه"
قراءة الجماعيية بالنصييب عطفييا على "أعبييد" .وقرأ أبييو خالد بالرفييع على السييتئناف أي أفرده
بالعبادة وحده ل شريك له ،وأتبرأ عن المشركين ،ومن قال :المسيح ابن ال وعزير ابن ال ،ومن
اعتقد التشبيه كاليهود" .إليه أدعو" أي إلى عبادته أدعو الناس" .وإليه مآب" أي أرجع في أموري
كلها.
**3الية{ 37 :وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك
من ال من ولي ول واق}
@قوله تعالى" :وكذلك أنزلناه حكما عربيا" أي وكما أنزلنا عليك القرآن فأنكره بعض الحزاب
كذلك أنزلناه حكميا عريبيا؛ وإذا وصيفه بذلك لنيه أنزله على محميد صيلى ال علييه وسيلم ،وهيو
عربي ،فكذب الحزاب بهذا الحكم أيضا .وقيل نظم الية :وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم
كذلك أنزلنا إليك القرآن حكما عربيا ،أي بلسان العرب؛ ويريد بالحكم ما فيه من الحكام .وقيل:
أراد بالحكم العربي القرآن كله؛ لنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم" .ولئن اتبعت أهواءهم" أي
أهواء المشركيين فيي عبادة ميا دون ال ،وفيي التوجييه إلى غيير الكعبية" .بعدميا جاءك مين العلم ميا
لك مين ال مين ولي ول واق" أي ناصير ينصيرك" .ول واق" يمنعيك مين عذابيه؛ والخطاب للنيبي
صلى ال عليه وسلم ،والمراد المة.
**3الية{ 38 :ولقد أرسلنا رسل من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي
بآية إل بإذن ال لكل أجل كتاب}
@ قيل :إن اليهود عابوا على النبي صلى ال عليه وسلم الزواج ،وعيرته بذلك وقالوا :ما نرى
لهذا الرجييل هميية إل النسيياء والنكاح ،ولو كان نبيييا لشغله أم النبوة عيين النسيياء؛ فأنزل ال هذه
واليية ،وذكرهيم أمير داود وسيليمان فقال" :ولقيد أرسيلنا مين قبلك وجعلنيا لهيم أزواجيا وذريية" أي
جعلناهم بشرا يقصون ما أحل ال من شهوات الدنيا ،وإنما التخصيص في الوحي.
@ هذه الية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه ،وتنهي عن التبتل ،وهو ترك النكاح،
وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الية ،والسنة واردة بمعناها؛ قال صلى ال عليه وسلم:
(تزوجوا فإني مكاثر بكم المم) الحديث .وقد تقدم في "آل عمران" وقال( :من تزوج فقد استكمل
نصيف الديين فليتيق ال فيي النصيف الثانيي) .ومعنيى ذلك أن النكاح يعيف عن الزنيي ،والعفاف أحيد
الخصلتين اللتين ضمن رسول ال صلى ال عليه وسلم عليهما الجنة فقال( :من وقاه ال شر اثنتين
ولج الجنية ميا بيين لحيييه وميا بيين رجلييه) خرجيه الموطيأ وغيره .وفيي صيحيح البخاري عين أنيس
قال( :جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى
ال عليه وسلم ،فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا :وأين نحن من النبي صلى ال عليه وسلم! قد غفر
ال له ميا تقدم مين ذنبيه وميا تأخير .فقال أحدهيم :أميا أنيا فإنيي أصيلي اللييل أبدا ،وقال الخير :إنيي
أصوم الدهر فل أفطر .وقال الخر :أنا أعتزل النساء فل أتزوج؛ فجاء رسول ال صلى ال عليه
وسلم إليهم فقال( :أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما وال إني لخشاكم ل وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر
وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) .خرجه مسلم بمعناه؛ وهذا أبين.
وفيي صيحيح مسيلم عين سيعد بين أبيي وقاص قال(:أراد عثمان أن يتبتيل فنهاه النيبي صيلى ال علييه
وسيلم؛ ولو أجاز له ذلك لختصيينا ،وقيد تقدم فيي "آل عمران" الحيض على طلب الولد والرد على
مين جهل ذلك .وقد روي عن عمير بن الخطاب رضيي ال عنه أنه كان يقول :إني لتزوج المرأة
وما لي فيها من حاجة ،وأطؤها وما أشتهيها؛ قيل له :وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال:
حيبي أن يخرج ال منيي من يكاثير به النيبي صيلى ال علييه وسيلم النيبيين يوم القيامة؛ وإنيي سيمعته
يقول( :عليكم بالبكار فإنهن أعذب أفواها وأحسن أخلقا وأنتق أرحاما وإني مكاثر بكم المم يوم
القياميية) يعنييي بقول( :أنتييق أرحامييا) أقبييل للولد؛ ويقال للمرأة الكثيرة الولد ناتييق؛ لنهييا ترمييي
بالولد رمييا .وخرج أبيو داود عين معقيل بين يسيار قال :جاء رجيل إلى رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم فقال :إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ،وإنها ل تلد ،أفأتزوجها؟ قال "ل" ثم أتاه الثانية
فنهاه ،ثييم أتاه الثالثيية فقال( :تزوجوا الودود الولود فإنييي مكاثيير بكييم المييم) .صييححه أبييو محمييد
عبدالحق وحسبك.
@قوله تعالى" :وما كان لرسول أن يأتي بآية إل بإذن ال" عاد الكلم إلى ما اقترحوا من اليات
-ما تقدم ذكره في هذه السورة -فأنزل ال ذلك فيهم؛ وظاهر الكلم حظر ومعناه النفي؛ لنه ل
يحظير على أحيد ميا ل يقدر علييه" .لكيل أجيل كتاب" أي لكيل أمير قضاه ال كتاب عنيد ال؛ قال
الحسن .وقيل :فيه تقديم وتأخير ،المعنى :لكل كتاب أجل؛ قال الفراء والضحاك؛ أي لكل أمر كتبه
ال أجل مؤقت ،ووقت معلوم؛ نظيره" .لكل نبأ مستقر" [النعام]67 :؛ بين أن المراد ليس على
اقتراح الميم فيي نزول العذاب ،بيل لكيل أجيل كتاب .وقييل :المعنيى لكيل مدة كتاب مكتوب ،وأمير
مقدر ل تقف عليه الملئكة .وذكر الترمذي الحكيم في "نوادر الصول" عن شهر بن حوشب عن
أبيي هريرة قال :لميا ارتقيى موسيى صيلوات ال علييه وسيلمه طور سييناء رأى الجبار فيي إصيبعه
خاتميا ،فقال :ييا موسيى ميا هذا؟ وهيو أعلم بيه ،قال :شييء مين حلي الرجال ،قال :فهيل علييه شييء
من أسمائي مكتوب أو كلمي؟ قال :ل ،قال :فاكتب عليه "لكل أجل كتاب".
**3الية{ 39 :يمحو ال ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}
@قوله تعالى" :يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت" أي يمحيو مين ذلك الكتاب ميا يشاء أن يوقعيه بأهله
ويأتيي بيه" .ويثبيت" ميا يشاء؛ أي يؤخره إلى وقتيه؛ يقال :محوت الكتاب محوا ،أي أذهبيت أثره.
"ويثبيت" أي ويثبتيه؛ كقوله" :والذاكريين ال كثيرا والذاكرات" [الحزاب ]35 :أي والذاكرات
ال.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم "ويثبت" بالتخفيف ،وشدد الباقون؛ وفي قراءة ابن عباس،
واختيار أبيي حاتيم وأبيي عبييد لكثرة مين قرأ بهيا؛ لقول" :يثبيت ال الذيين آمنوا" [إبراهييم.]27 :
وقال ابين عمير :سيمعت النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقول( :يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت إل السيعادة
والشقاوة والموت) .وقال ابين عباس :يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت إل أشياء؛ الخَلق والخُلق والجيل
والرزق والسيعادة والشقاوة؛ وعنيه :هميا كتابان سيوى أم الكتاب ،يمحيو ال منهميا ميا يشاء ويثبيت.
"وعنده أم الكتاب" الذي ل يتغير منه شيء .قال القشيري :وقيل السعادة والشقاوة والخلق والخلق
والرزق ل تتغير؛ فالية فيما عدا هذه الشياء؛ وفي هذا القول نوع تحكم.
قلت :مثييل هذا ل يدرك بالرأي والجتهاد ،وإنمييا يؤخييذ :توقيفييا ،فإن صييح فالقول بييه يجييب
ويوقييف عنده ،وإل فتكون الييية عاميية فييي جميييع الشياء ،وهييو الظهيير وال أعلم؛ وهذا يروي
معناه عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه وابن مسعود وأبي وائل وكعب الحبار وغيرهم ،وهو
قول الكلبي .وعن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضى ال عنه كان يطوف بالبيت وهو
يبكي ويقول :اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ،وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة
والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ،وعندك أم الكتاب.
وقال ابين مسيعود :اللهيم إن كنيت كتبتنيي فيي السيعداء فأثبتنيي فيهيم ،وإن كنيت كتبتنيي فيي الشقياء
فامحنيي مين الشقياء واكتبنيي فيي السيعداء؛ فإنيك :تمحيو ميا تشاء وتثبيت؛ وعندك أم الكتاب .وكان
أبيو وائل يكثير أن يدعيو :اللهيم إن كنيت كتبتنيا أشقياء فاميح واكتبنيا سيعداء ،وإن كنيت كتبتنيا سيعداء
فأثبتنيا ،فإنيك تمحيو ميا تشاء وتثبيت وعندك أم الكتاب .وقال كعيب لعمير بين الخطاب :لول آيية فيي
كتاب ال لنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة" .يمحو ال ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" .وقال
مالك بن دينار في المرأة التي دعا لها :اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلما فإنك تمحو ما
تشاء وتثبيت وعندك أم الكتاب .وقيد تقدم فيي الصيحيحين عين أبيي هريرة قال :سيمعت النيبي صيلى
ال علييه وسيلم يقول( :مين سيره أن يبسيط له رزقيه وينسيأ له أثره فليصيل رحميه) .ومثله عين أنيس
بين مالك أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين أحيب) فذكره بلفظيه سيواء؛ وفييه تأويلن:
أحدهميا :معنوي ،وهيو ميا يبقيى بعده مين الثناء الجمييل والذكير الحسين ،والجير المتكرر ،فكأنيه لم
يميت .والخير :يؤخير أجله المكتوب فيي اللوح المحفوظ؛ والذي فيي علم ال ثابيت ل تبدل له ،كميا
قال" :يمحيو ال ميا يشاء ويثبيت وعنده أم الكتاب" .وقييل لبين عباس لميا روى الحدييث الصيحيح
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال( :من أحب أن يمد ال في عمره وأجله ويبسط له في
رزقه فليتق ال وليصل رحمه) كيف يزاد في العمر والجل؟ ! فقال :قال ال عز وجل" :هو الذي
خلقكم من طين ثم قضى أجل وأجل مسمى عنده" [النعام .]2 :فالجل الول أجل العبد من حين
ولدتيه إلى حيين موتيه ،والجيل الثانيي :يعنيي المسيمى عنده -مين حيين وفاتيه إلى يوم يلقاه فيي
البرزخ ل يعلمه إل ال؛ فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده ال في أجل عمره الول من أجل
البرزخ؛ ما شاء ،وإذا عصى وقطع رحمه نقصه ال من أجل عمره في الدنيا ما شاء ،فيزيده في
البرزخ فإذا تحتمل الجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان؛ لقوله تعالى" :فإذا جاء أجلهم
ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون" [العراف ]34 :فتوافق الخبر والية؛ وهذه زيادة في نفس
العمير وذات الجيل على ظاهير اللفيظ ،فيي اختيار حيبر المية ،وال أعلم .وقال مجاهيد :يحكيم ال
أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ،إل الحياة والموت ،والشقاء والسعادة؛ وقد
مضييى القول فيييه .وقال الضحاك :يمحييو ال مييا يشاء ميين ديوان الحفظيية مييا ليييس فيييه ثواب ول
عقاب ،ويثبت ما فيه ثواب وعقاب؛ وروى معناه أبو صالح عن ابن عباس.
وقال الكلبيي :يمحيو مين الرزق ويزييد فييه ،ويمحيو مين الجيل ويزييد فييه ،ورواه عين النيبي صيلى
ال علييه وسيلم .ثيم سيئل الكلبيي عين هذه اليية فقال :يكتيب القول كله ،حتيى إذا كان يوم الخمييس
طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ول عقاب ،مثل قولك :أكلت وشربت ودخلت وخرجت ونحوه،
وهيو صيادق ،ويثبيت ميا فييه الثواب والعقاب .وقال قتادة وابين زييد وسيعيد بين جيبير :يمحيو ال ميا
يشاء من الفرائض والنوافيل فينسيخه ويبدله ،ويثبيت ميا يشاء فل ينسيخه ،وجملة الناسيخ والمنسيوخ
عنده فيي أم الكتاب؛ ونحوه ذكره النحاس والمهدوي عين ابين عباس؛ قال النحاس :وحدثنيا بكير بين
سيهل ،قال حدثنيا أبيو صيالح ،عين معاويية بين صيالح ،عين علي بين أبيي طلحية عين ابين عباس،
"يمحيو ال ميا يشاء" يقول :يبدل ال مين القرآن ميا يشاء فينسيخه" ،ويثبيت" ميا يشاء فل يبدله،
"وعنده أم الكتاب" يقول :جملة ذلك عنده في أم الكتاب ،الناسخ والمنسوخ .وقال سعيد بن جبير
أيضا :يغفر ما يشاء -يعني -من ذنوب عباده ،ويترك ما يشاء فل يغفره .وقال عكرمة :يمحو ما
يشاء -يعنيي بالتوبية -جمييع الذنوب ويثبيت بدل الذنوب حسينات قال تعالى" :إل مين تاب وأمين
وعميل عمل صيالحا" [الفرقان ]70 :اليية .وقال الحسين" :يمحيو ال ميا يشاء" مين جاء أجله،
"ويثبت" من لم يأت أجله .وقال الحسن :يمحو الباء ،ويثبت البناء .وعنه أيضا .ينسى الحفظة
مين الذنوب ول ينسيي .وقال السيدي" :يمحيو ال ميا يشاء" يعنيي :القمير" ،ويثبيت" يعنيي :الشميس؛
بيانيه قوله" :فمحونيا آيية اللييل وجعلنيا آيية النهار مبصيرة" [السيراء ]12 :وقال الربييع بين أنيس:
هذا في الرواح حالة النوم؛ يقبضها عند النوم ،ثم إذا أراد موته فجأة أمسكه ،ومن أراد بقاءه أثبته
ورده إلى صاحبه؛ بيانه قوله" :ال يتوفى النفس حين موتها" الية [الزمر .]42 :وقال علي بن
أبيي طالب يمحيو ال ميا يشاء مين القرون ،كقوله" :ألم يروا كيم أهلكنيا قبلهيم مين القرون" [ييس:
]31ويثبيت ميا يشاء منهيا ،كقوله" :ثيم أنشأنيا مين بعدهيم قرنيا آخريين" [المؤمنون ]31 :فيمحيو
قرنا ،ويثبت قرنا .وقيل :هو الرجل يعمل الزمن الطويل بطاعة ال ،ثم يعمل بمعصية ال فيموت
على ضلله؛ فهيو الذي يمحيو ،والذي يثبيت :الرجيل يعميل بمعصيية ال الزمان الطوييل ثيم يتوب،
فيمحوه ال مين ديوان السيييئات ،ويثبتييه فييي ديوان الحسيينات؛ ذكره الثعلبييي والماوردي عين ابيين
عباس .وقيييل :يمحييو ال مييا يشاء -يعنييي الدنيييا -ويثبييت الخرة .وقال قيييس بيين عباد فييي اليوم
العاشر من رجب :هو اليوم الذي يمحو ال فيه ما يشاء ،ويثبت فيه ما يشاء ،وقد تقدم عن مجاهد
أن ذلك يكون فيي رمضان .وقال ابين عباس :إن ل لوحيا محفوظيا مسييرة خمسيمائة عام ،مين درة
بيضاء ،لها دفتان من ياقوتة حمراء ،ل فيه كل يوم ثلثمائة وستون نظرة ،يثبت ما يشاء ويمحو
ميا يشاء .وروي أبيو الدرداء عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :إن ال سيبحانه يفتيح الذكير فيي
ثلث ساعات يبقين من الليل فينظر في الكتاب الذي ل ينظر فيه أحد غيره فيثبت ما يشاء ويمحو
ما يشاء) .والعقيدة أنه ل تبديل لقضاء ال؛ وهذا المحو والثبات مما سبق به القضاء ،وقد تقدم أن
من القضاء ما يكون واقعا محتوما ،وهو الثابت؛ ومنه ما يكون مصروفا بأسباب ،وهو الممحو،
وال أعلم .وقال الغزنوي :وعندي أن مييا فييي اللوح خرج عيين الغيييب لحاطيية بعييض الملئكيية؛
فيحتمل التبديل؛ لن إحاطة الخلق بجميع علم ال محال؛ وما في علمه من تقدير الشياء ل يبدل.
"وعنده أم الكتاب" أصيل ميا كتيب مين الجال وغيرهيا .وقييل :أم الكتاب اللوح المحفوظ الذي ل
يبدل ول يغيير .وقيد قييل :إنيه يجري فييه التبدييل .وقييل :إنميا يجري فيي الجرائد الخير .وسيئل ابين
عباس عين أم الكتاب فقال :علم ال ميا هيو خالق ،وميا خلقيه عاملون؛ فقال لعلميه :كين كتابيا ،ول
تبدييل فيي علم ال ،وعنيه أنيه الذكير؛ دليله قوله تعالى" :ولقيد كتبنيا فيي الزبور مين بعيد الذكير"
[النيبياء ]105 :وهذا يرجيع معناه إلى الول؛ وهيو معنيى قول كعيب .قال كعيب الحبار :أم
الكتاب علم ال تعالى بما خلق وبما هو خالق.
**3الية{ 40 :وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلغ وعلينا الحساب}
@قوله تعالى" :وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم" "ما" زائدة ،والتقدير :وإن نرينك بعض الذي
نعدهم ،أي من العذاب لقوله" :لهم عذاب في الحياة الدنيا" [الرعد ]34 :وقوله" :ول يزال الذين
كفروا تصييبهم بميا صينعوا قارعية" [الرعيد ]31 :أي إن أريناك بعيض ميا وعدناهيم "أو نتوفينيك
فإنما عليك البلغ" فليس عليك إل البلغ؛ أي التبليغ؛ "وعلينا الحساب" أي الجزاء والعقوبة.
**3الية{ 41 :أولم يروا أنا نأتي الرض ننقصها من أطرافها وال يحكم ل معقب لحكمه وهو
سريع الحساب}
@قوله تعالى" :أولم يروا" يعنيي ،أهيل مكية" ،أنيا نأتيي الرض" أي نقصيدها" .ننقصيها مين
أطرافهيا" اختلف فييه؛ فقال ابين عباس ومجاهيد" :ننقصيها مين أطرافهيا" موت علمائهيا وصيلحائها
قال القشيري :وعلى هذا فالطراف الشراف؛ وقيد قال ابين العرابييي :الطرف والطرف الرجييل
الكرييم؛ ولكين هذا القول بعييد ،لن مقصيود اليية :أنيا أريناهيم النقصيان فيي أمورهيم ،ليعلموا أن
تأخيييير العقاب عنهييم ليييس عيين عجييز؛ إل أن يحمييل قول ابيين عباس على موت أحبار اليهود
والنصييارى .وقال مجاهييد أيضييا وقتادة والحسيين :هييو مييا يغلب عليييه المسييلمون ممييا فييي أيدي
المشركيين؛ وروي ذلك عين ابين عباس ،وعنيه أيضيا هيو خراب الرض حتيى يكون العمران فيي
ناحيية منهيا؛ وعين مجاهيد :نقصيانها خرابهيا وموت أهلهيا .وذكير وكييع بين الجراح عين طلحية بين
عمييير عيين عطاء بيين أبييي رباح فييي قول ال تعالى" :أو لم يروا أنييا نأتييي الرض ننقصييها ميين
أطرافهيا" قال :ذهاب فقهائهيا وخيار أهلهيا .قال أبيو عمير بين عبدالبر :قول عطاء فيي تأوييل اليية
حسن جدا؛ تلقاه أهل العلم بالقبول.
قلت :وحكاه المهدوي عين مجاهيد وابين عمير ،وهذا نيص القول الول نفسيه ،روى سيفيان عين
منصيور عين مجاهيد" ،ننقصيها مين أطرفهيا" قال :موت الفقهاء والعلماء؛ ومعروف فيي اللغية أن
الطرف الكريم من كل شيء؛ وهذا خلف ما ارتضاه أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم من قول
ابين عباس .وقال عكرمية والشعيبي :هيو النقصيان وقبيض النفيس .قال أحدهميا :ولو كانيت الرض
تنقيص لضاق علييك حشيك .وقال الخير :لضاق علييك حيش تتيبرز فييه .قييل :المراد بيه هلك مين
هلك مين الميم قبيل قرييش وهلك أرضهيم بعدهيم؛ والمعنيى :أو لم تير قرييش هلك مين قبلهيم،
وخراب أرضهيم بعدهيم؟! أفل يخافون أن يحيل بهيم مثيل ذلك؛ وروي ذلك أيضيا عين ابين عباس
ومجاهيد وابين جرييج .وعين ابين عباس أيضيا أنيه بركات الرض وثمارهيا وأهلهيا .وقييل :نقصيها
بجور ولتها.
قلت :وهذا صحيح معنى؛ فإن الجور والظلم يخرب البلد ،بقتل أهلها وانجلئهم عنها ،وترفع
من الرض البركة ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وال يحكيم ل معقيب لحكميه" أي لييس يتعقيب حكميه أحيد بنقيص ول تغيير" .وهو
سيريع الحسياب" أي النتقام مين الكافريين ،سيريع الثواب للمؤمين .وقييل :ل يحتاج .فيي حسيابه إلى
روية قلب ،ول عقد بنان؛ حسب ما تقدم في "البقرة" بيانه.
**3الية{ 42 :وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار
لمن عقبى الدار}
@قوله تعالى" :وقد مكر الذين من قبلهم" أي من قبل مشركي مكة ،مكروا بالرسل وكادوا لهم
وكفروا بهم" .فلله المكر جميعا" أي هو مخلوق له مكر الماكرين ،فل يضر إل بإذنه .وقيل :فلله
خيير المكير؛ أي يجازيهيم بيه" .يعلم ميا تكسيب كيل نفيس" مين خيير وشير ،فيجازي علييه" .وسييعلم
الكفار" كذا قراءه نافع وابين كثيير وأبي عمرو .الباقون" :الكفار" على الجمع .وقيل :عني به أبو
جهييل" .لميين عقييبى الدار" أي عاقبيية دار الدنيييا ثوابييا وعقابييا ،أو لميين الثواب والعقاب فييي الدار
الخرة؛ وهذا تهديد ووعيد.
**3الية{ 43 :ويقول الذين كفروا لست مرسل قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
الكتاب}
@قوله تعالى" :ويقول الذين كفروا لست مرسل" قال قتادة :هم مشركو العرب؛ أي لست بنبي
ول رسول ،وإنما أنت متقول؛ أي لما لم يأتهم بما اقترحوا قالوا ذلك" .قل كفى بال" أي قل لهم يا
محمد" :كفى بال شهيدا بيني وبينكم" بصدقي وكذبكم" .ومن عنده علم الكتاب" وهذا إحجاج على
مشركي العرب لنهم كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب -من آمن منهم -في التفاسير .وقيل :كانت
شهادتهم قاطعة لقول الخصوم؛ وهم مؤمنو أهل الكتاب كعبدال بن سلم وسلمان الفارسي وتميم
الداري والنجاشي وأصحابه ،قاله قتادة وسعيد بن جبير .وروى الترمذي عن ابن أخي عبدال بن
سيلم قال :لميا أرييد قتيل عثمان جاء عبدال بين سيلم فقال له عثمان :ميا جاء بيك؟ قال :جئت فيي
نصرتك؛ قال :أخرج إلى الناس فاطردهم عني ،فإنك خارج خير لي من داخل؛ قال فخرج عبدال
بن سلم إلى الناس فقال :أيها الناس! إنه كان اسمي في الجاهلية فلن ،فسماني رسول ال صلى
ال عليه وسلم عبدال ،ونزلت في آيات من كتاب ال؛ فنزلت في" .وشهد شاهد من بنيي إسرائيل
على مثله فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين" [الحقاف ]10 :ونزلت في" .قل كفى
بال شهيدا بينيي وبينكييم ومين عنده علم الكتاب" الحدييث .وقيد كتبناه بكماله فييي كتاب "التذكرة".
وقال فيه أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب .وكان اسمه الجاهلية حصين فسماه النبي صلى ال
عليه وسلم عبدال .وقال أبو بشر :قلت لسعيد بن جبير "ومن عنده علم الكتاب"؟ قال :هو عبدال
بن سلم.
قلت :وكييف يكون عبدال بين سيلم وهذه السيورة مكيية وابين سيلم ميا أسيلم إل بالمدينية؟! ذكره
الثعلبيي .وقال القشيري :وقال ابين جيبير السيورة مكيية وابين سيلم أسيلم بالمدينية بعيد هذه السيورة؛
فل يجوز أن تحمل هذه الية على ابن سلم؛ فمن عنده علم الكتاب جبريل؛ وهو قول ابن عباس.
وقال الحسيييين ومجاهييييد والضحاك :هييييو ال تعالى؛ وكانوا يقرؤون "وميييين عنده علم الكتاب"
وينكرون على مين يقول :هيو عبدال بين سيلم وسيلمان؛ لنهييم يرون أن السيورة مكيية ،وهؤلء
أسلموا بالمدينة .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قرأ "ومن عنده علم الكتاب" وإن كان
في الرواية ضعف ،وروى ذلك سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى
ال عليه وسلم؛ وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ كذلك " -ومِن عنده" بكسر
المييم والعيين والدال "علم الكتاب" بضيم العيين ورفيع الكتاب .وقال عبدال بين عطاء :قلت ،لبيي
جعفيير بيين على بيين الحسييين بيين علي بيين أبييي طالب رضييي ال عنهييم زعموا أن الذي عنده علم
الكتاب عبدال بين سيلم فقال :إنميا ذلك علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه؛ وكذلك قال محميد ابين
الحنفيية .وقيل :جمييع المؤمنين ،وال أعلم .قال القاضيي أبيو بكر بن العربيي :أما مين قال إنه علي
فعول على أحد وجهين :إما لنه عنده أعلم المؤمنين وليس كذلك؛ بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم
منيه .ولقول النيبي صيلى ال علييه وسيلم( .أنيا مدينية العلم وعلي بابهيا) وهيو حدييث باطيل؛ النيبي
صيلى ال علييه وسيلم علم وأصيحابه أبوابهيا؛ فمنهيم الباب المنفسيح ،ومنهيم المتوسيط ،على قدر
منازلهم في العلوم .وأما من قال إنهم جميع المؤمنين فصدق؛ لن كل مؤمن يعلم الكتاب ،ويدرك
وجه إعجازه ،ويشهد للنبي صلى ال عليه وسلم بصدقه.
قلت :فالكتاب على هذا هييو القرآن .وأمييا ميين قال هييو عبدال بيين سييلم فعوّل ،على حديييث
الترمذي؛ ولييس يمتنيع أن ينزل فيي عبدال بين سيلم شيئا ويتناول جمييع المؤمنيين لفظيا؛ ويعضده
ميين النظام أن قوله تعالى" :ويقول الذييين كفروا" يعنييي قريشييا؛ فالذييين عندهييم علم الكتاب هييم
المؤمنون من اليهود والنصارى ،الذين هم إلى معرفة النبوة والكتاب أقرب من عبدة الوثان .قال
النحاس :وقول من قال هو عبدال بن سلم وغيره يحتمل أيضا؛ لن البراهين إذا صحت وعرفها
من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا؛ وال أعلم بحقيقة ذلك.
**2سورة إبراهيم
**3مقدمة
@ سيورة إبراهييم مكيية كلهيا فيي قول الحسين وعكرمية وجابر .وقال ابين عباس وقتادة :إل آيتيين
منهييا مدنيتييين وقيييل :ثلث ،نزلت فييي الذييين حاربوا ال ورسييوله وهييي قوله تعالى" :ألم تيير إلى
الذين بدلوا نعمت ال كفرا" [إبراهيم ]28 :إلى قوله" :فإن مصيركم إلى النار" [إبراهيم.]30 :
**3الية{ 1 :الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط
العزيز الحميد}
@قوله تعالى" :الر كتاب أنزلناه إليك" تقدم معناه" .لتخرج الناس" أي بالكتاب ،وهو القرآن ،أي
بدعائك إليييه" .ميين الظلمات إلى النور" أي ميين ظلمات الكفيير الضللة والجهييل إلى نور اليمان
والعلم؛ وهذا على التمثيل؛ لن الكفر بمنزلة الظلمة؛ والسلم بمنزلة النور .وقيل :من البدعة إلى
السنة ،ومن الشك إلى اليقين ،والمعنى .متقارب" .بإذن ربهم" أي بتوفيقه إياهم ولطفه بهم ،والباء
فيي "بإذن ربهيم" متعلقية بيي "تخرج" وأضييف الفعيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم لنيه الداعيي
والمنذر الهادي" .إلى صراط العزيز الحميد" هو كقولك :خرجت إلى زيد العاقل الفاضل من غير
واو ،لنهما شيء واحد؛ وال هو العزيز الذي ل مثل له ول شبيه .وقيل" :العزيز" الذي ل يغلبه
غالب .وقيل" :العزيز" المنيع في ملكه وسلطانه" .الحميد" أي المحمود بكل لسان ،والممجد في
كيل مكان على كيل حال .وروى مقسيم عين ابين عباس قال :كان قوم آمنوا بعيسيى ابين مرييم ،وقوم
كفروا بيه ،فلميا بعيث محميد صيلى ال علييه وسيلم آمين بيه الذيين كفروا بعيسيى ،وكفير الذيين آمنوا
بعيسى؛ فنزلت هذه الية ،ذكره الماوردي.
**3الية{ 2 :ال الذي له ما في السماوات وما في الرض وويل للكافرين من عذاب شديد}
@قوله تعالى" :ال الذي له ما في السماوات وما في الرض" أي ملكا وعبيدا واختراعا وخلقا.
وقرأ نافيع وابين عامير وغيرهميا" :ال" بالرفيع على البتداء "الذي" خيبره .وقييل" :الذي" صيفة،
والخيبر مضمير؛ أي ال الذي له ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض قادر على كيل شييء .الباقون
بالخفض نعتا للعزيز الحميد فقدم النعت على المنعوت؛ كقولك :مررت بالظريف زيد .وقيل :على
البدل ميين "الحميييد" وليييس صييفة؛ لن اسييم ال صييار كالعلم فل يوصييف؛ كمييا ل يوصييف بزيييد
وعمرو ،بل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى؛ لن معناه أنه المنفرد بقدرة اليجاد .وقال أبو
عمرو :والخفييض على التقديييم والتأخييير ،مجازه :إلى صييراط ال العزيييز الحميييد الذي له مييا فييي
السيماوات وميا فيي الرض .وكان يعقوب إذا وقيف على "الحمييد" رفيع ،وإذا وصيل خفيض على
النعيت .قال ابين النباري :مين خفيض وقيف على "وميا فيي الرض"" .ووييل للكافريين مين عذاب
شديد" قد تقدم معنى الويل في "البقرة" وقال الزجاج :هي كلمة تقال للعذاب والهلكة" .من عذاب
شديد" أي من جهنم.
**3الية{ 3 :الذين يستحبون الحياة الدنيا على الخرة ويصدون عن سبيل ال ويبغونها عوجا
أولئك في ضلل بعيد}
@قوله تعالى" :الذين يستحبون الحياة الدنيا" أي يختارونها على الخرة ،والكافرون يفعلون ذلك.
في "الذين" في موضع خفض صفة لهم .وقيل :في موضع رفع خبر ابتداء مضمر ،أي هم الذين
وقيل" :الذين يستحبون" مبتدأ وخبره" .أولئك" .وكل من آثر الدنيا وزهرتها ،واستحب البقاء في
نعيمهيا على النعييم فيي الخرة ،وصيد عين سيبيل ال -أي صيرف الناس عنيه وهيو ديين ال ،الذي
جاءت بيه الرسيل ،فيي قول ابين عباس وغيره -فهيو داخيل فيي هذه اليية؛ وقيد قال صيلى ال علييه
وسلم( :إن أخوف ما أخاف على أمتي الئمة المضلون) وهو حديث صحيح .وما أكثر ما هم في
هذه الزمان ،وال المستعان .وقيل" :يستحبون" أي يلتمسون الدنيا من غير وجهها ،لن نعمة ال
ل تلتمييس إل بطاعتييه دون معصيييته" .ويبغونهييا عوجييا" أي يطلبون لهييا زيغييا وميل لموافقيية
أهوائهيم ،وقضاء حاجاتهيم وأغراضهيم .والسيبيل تذكير وتؤنيث .والموج بكسير العيين فيي الديين
والمر والرضي ،وفي كل ما لم يكن قائما؛ وبفتح العين في كل ما كان قائما ،كالحائط والرمح
ونحوه؛ وقيد تقدم فيي "آل عمران" وغيرهيا" .أولئك فيي ضلل بعييد" أي ذهاب عين الحيق بعييد
عنه.
**3الية{ 4 :وما أرسلنا من رسول إل بلسيان قومه ليبين لهم فيضل ال من يشاء ويهدي من
يشاء وهو العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :وما أرسلنا من رسول" أي قبلك يا محمد "إل بلسان قومه" أي بلغتهم ،ليبينوا لهم
أمير دينهيم؛ ووحيد اللسيان وإن أضافيه إلى القوم لن المراد اللغية؛ فهيي اسيم جنيس يقيع على القلييل
والكثيير؛ ول حجية للعجيم وغيرهيم فيي هذه اليية؛ لن كيل مين ترجيم له ميا جاء بيه النيبي صيلى ال
علييه وسيلم ترجمية يفهمهيا لزمتيه الحجية ،وقيد قال ال تعالى" :وميا أرسيلناك إل كافية للناس بشيرا
ونذيرا" [سيبأ .]28 :وقال صيلى ال علييه وسيلم( :أرسيل كيل نيبي إلى أمتيه بلسيانها وأرسيلني ال
إلى كيل أحمير وأسيود مين خلقيه) .وقال صيلى ال علييه وسيلم( :والذي نفسيي بيده ل يسيمع بيي أحيد
ميين هذه الميية يهودي ول نصييراني ثييم لم يؤميين بالذي أرسييلت بييه إل كان ميين أصييحاب النار).
خرجه مسلم ،وقد تقدم" .فيضل ال من يشاء ويهدي من يشاء" رد على القدرية في نفوذ المشيئة،
وهيو مسيتأنف ،ولييس بمعطوف على "لييبين" لن الرسيال إنميا وقيع للتيبيين ل للضلل .ويجوز
النصيب فيي "يضيل" لن الرسيال صيار سيببا للضلل؛ فيكون كقوله" :ليكون لهيم عدوا وحزنيا"
[القصص ]8 :وإنما صار الرسال سببا للضلل لنهم كفروا به لما جاءهم؛ فصار كأنه سبب
لكفرهم "وهو العزيز الحكيم" تقدم معناه.
**3اليية{ 5 :ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا أن أخرج قوميك مين الظلمات إلى النور وذكرهيم بأيام
ال إن في ذلك ليات لكل صبار شكور}
@قوله تعالى" :ولقيد أرسيلنا موسيى بآياتنيا" أي بحجتنيا وبراهيننيا؛ أي بالمعجزات الدالة على
صييدقه .قال مجاهييد :هييي التسييع اليات" .أن أخرج قومييك ميين الظلمات إلى النور" نظيره قوله
تعالى :لنبينيا علييه السيلم أول السيورة" :لتخرج الناس مين الظلمات إلى النور"" :أن" هنيا بمعنيى
أي ،كقوله تعالى" :وانطلق المل منهم أن امشوا" [ص ]6 :أي امشوا.
@قوله تعالى" :وذكرهيم بأيام ال" أي قيل لهيم قول يتذكرون بيه أيام ال تعالى .قال ابين عباس
ومجاهيد وقتادة :بنعيم ال عليهيم؛ وقاله أبيي بين كعيب ورواه مرفوعيا؛ أي بميا أنعيم ال عليهيم مين
النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم ،وقد تسمى النعم اليام؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غر طوال
وعيين ابيين عباس أيضييا ومقاتييل :بوقائع ال فييي المييم السييالفة؛ يقال :فلن عالم بأيام العرب ،أي
بوقائعهيا .قال ابين زييد :يعنيي اليام التيي انتقيم فيهيا مين الميم الخاليية؛ وكذلك روى ابين وهيب عين
مالك قال :بلؤه .وقال الطبري :وعظهم بما سلف في اليام الماضية لهم ،أي بما كان في أيام ال
من النعمة والمحنة؛ وقد كانوا عبيدا مستذلين؛ واكتفى بذكر اليام عنه لنها كانت معلومة عندهم.
وروى سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين أبيي بين كعيب قال :سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم يقول( :بينيا موسيى علييه السيلم فيي قوميه يذكرهيم بأيام ال وأيام ال بلؤه ونعماؤه) وذكير
حديث الخضر؛ ودل هذا على جواز الوعظ المرفق للقلوب ،المقوي لليقين .الخالي من كل بدعة،
والمنزه عن كل ضللة وشبهة" .إن في ذلك" أي في التذكير بأيام ال "ليات" أي دللت" .لكل
صبار" أي كثير الصبر على طاعة ال ،وعن معاصيه" .شكور" لنعم ال .وقال قتادة :هو العبد؛
إذا أعطي شكر ،وإذا ابتلي صبر .وروى عن النبي أنه قال( :اليمان نصفان نصف صبر ونصف
شكير -ثيم تل هذه اليية " -إن فيي ذلك ليات لكيل صيبار شكور" ).ونحوه عين الشعيبي موقوفيا.
وتواري الحسين البصيري عن الحجاج سبع سنين ،فلميا بلغيه موتيه قال :اللهيم قيد أمتيه فأميت سنته،
وسييجد شكرا ،وقرأ" :إن فييي ذلك ليات لكييل صييبار شكور" .وإنمييا خييص باليات كييل صييبار
شكور؛ لنيه يعتيبر بهيا ول يغفيل عنهيا؛ كميا قال" :إنميا أنيت منذر مين يخشاهيا" [النازعات]45 :
وإن كان منذرا للجميع.
**3الية{ 6 :وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة ال عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم
سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلء من ربكم عظيم}
@ تقدم معناه في "البقرة" مستوفى والحمد ل.
**3الية{ 7 :وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}
@قوله تعالى" :وإذ تأذن ربكيم" قييل :هيو مين قول موسيى لقوميه .وقييل :هيو مين قول ال؛ أي
واذكير ييا محميد إذ قال ربيك كذا .و"تأذن" وأذن بمعنيى أعلم؛ مثيل أوعيد وتوعيد؛ روي معنيى ذلك
عن الحسن وغيره .ومنه الذان ،لنه إعلم؛ قال الشاعر:
سمعنا في مجالسنا الذينا فلم نشعر بضوء الصبح حتى
وكان ابين مسيعود يقرأ" :وإذ قال ربكيم" والمعنيى واحيد" .لئن شكرتيم لزيدنكيم" أي لئن شكرتيم
إنعاميي لزيدنكيم مين فضلي .الحسين :لئن شكرتيم نعمتيي لزيدنكيم مين طاعتيي .ابين عباس :لئن
وحدتم وأطعتم لزيدنكم من الثواب ،والمعنى متقارب في هذه القوال؛ والية نص في أن الشكر
سبب المزيد؛ وقد تقدم في "البقرة" ما للعلماء في معنى الشكر .وسئل بعض الصلحاء عن الشكر
ل فقال :أل تتقوى بنعمييه على معاصيييه .وحكييي عيين داود عليييه السييلم أنييه قال :أي رب كيييف
أشكرك ،وشكري لك نعمة مجددة منك علي .قال :يا داود الن شكرتني .قلت :فحقيقة الشكر على
هذا العتراف بالنعمة للمنعم .وأل يصرفها في غير طاعته؛ وأنشد الهادي وهو يأكل:
بطاعته وتشكر بعض حقه أنالك رزقه لتقوم فيه
قويت على معاصيه برزقه فلم تشكر لنعمته ولكن
فغص باللقمة ،وخنقته العبرة .وقال جعفر الصادق :إذا سمعت النعمة الشكر فتأهب للمزيد" .ولئن
كفرتييم إن عذابييي لشديييد" أي جحدتييم حقييي .وقيييل :نعمييي؛ وعييد بالعذاب على الكفيير ،كمييا وعييد
بالزيادة على الشكر ،وحذفت الفاء التي في جواب الشرط من "إن" للشهرة.
**3الية{ 8 :وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الرض جميعا فإن ال لغني حميد}
@قوله تعالى" :وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الرض جميعا فإن ال لغني حميد" أي ل
يلحقه بذلك نقص ،بل هو الغني( .الحميد) أي المحمود.
**3الية{ 9 :ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم إل
ال جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهيم في أفواههم وقالوا إنا كفرنيا بما أرسلتم به وإنا لفي شك
مما تدعوننا إليه مريب}
@قوله تعالى" :ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود" النبأ الخبر ،والجمع النباء؛
قال:
ألم يأتيك والنباء تنمي
ثيم قييل :هيو مين قول موسيى .وقييل :مين قول ال؛ أي واذكير ييا محميد إذ قال ربيك كذا .وقييل :هيو
ابتداء خطاب ميين ال تعالى .وخييبر قوم نوح وعاد وثمود مشهور قصييه ال فييي كتابييه .وقوله:
"والذيين مين بعدهيم ل يعلمهيم إل ال" أي ل يحصيي عددهيم إل ال ،ول يعرف نسيبهم إل ال،
والنسيابون وإن نسيبوا إلى آدم فل يدعون إحصياء جمييع الميم ،وإنميا ينسيبون البعيض؛ ويمسيكون
عن نسب البعض؛ وقد روى عن النبي صلى ال عليه وسلم لما سمع النسابين ينسبون إلى معد بن
عدنان ثيم زادوا فقال( :كذب النسيابون إن ال يقول" :ل يعلمهيم إل ال") .وقيد روي عن عروة بين
الزبييير أنييه قال :مييا وجدنييا أحدا يعرف مييا بييين عدنان وإسييماعيل .وقال بيين عباس :بييين عدنان
وإسييماعيل ثلثون أبييا ل يعرفون .وكان ابيين مسييعود يقول حييين يقرأ" :ل يعلمهييم إل ال" .كذب
النسابون" .جاءتهم رسلهم بالبينات" أي بالحجج والدللت" .فردوا أيديهم في أفواههم" أي جعل
أولئك القوم أيدي أنفسييهم فييي أفواههييم ليعضوهييا غيظييا ممييا جاء بييه الرسييل؛ إذ كان فيييه تسييفيه
أحلمهيم ،وشتيم أصينامهم؛ قاله بين مسيعود ،ومثله قاله عبدالرحمين بين زييد؛ وقرأ" :عضوا عليكيم
النامل من "الغيظ" [آل عمران .]119 :وقال ابن عباس :لما سمعوا كتاب ال عجبوا ورجعوا
بأيديهم إلى أفواههم .وقال أبو صالح :كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول ال إليكم أشاروا بأصابعهم
إلى أفواههيم :أن اسيكت ،تكذيبيا له ،وردا لقوله؛ وهذه القوال الثلثية متقاربية المعنيى .والضميران
للكفار؛ والقول الول أصيحها إسينادا؛ قال أبيو عبييد :حدثنيا عبدالرحمين بين مهدي عين سيفيان عين
أبي إسحاق عن أبي الحوص عن عبدال في قوله تعالى" :فردوا أيديهم في أفواههم" قال :عضوا
عليها غيظا؛ وقال الشاعر:
ودقة في عظم ساقي ويدي لو أن سلمى أبصرت تخددي
عضت من الوجد بأطراف اليد وبعد أهلي وجفاء عودي
وقد مضى هذا المعنى في "آل عمران" مجودا ،والحمد ل .وقال مجاهد وقتادة :ردوا على الرسل
قولهييم وكذبوهيم بأفواههييم؛ فالضمييير الول للرسيل ،والثانييي للكفار .وقال الحسين وغيره :جعلوا
أيديهيم فيي أفواه الرسيل ردا لقولهيم؛ فالضميير الول على هذا للكفار ،والثانيي للرسيل .وقييل معناه:
أومأوا للرسل أن يسكتوا .وقال مقاتل :أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم
ويقطعوا كلمهيم .وقييل :رد الرسيل أيدي القوم فيي أفواههيم .وقييل :إن اليدي هنيا النعيم؛ أي ردوا
نعييم الرسييل بأفواههييم ،أي بالنطييق والتكذيييب ،ومجيييء الرسييل بالشرائع نعييم؛ والمعنييى :كذبوا
بأفواههيم ميا جاءت بيه الرسيل .و"فيي" بمعنيى الباء؛ يقال :جلسيت فيي البييت وبالبييت؛ وحروف
الصييفات يقام بعضهييا مقام بعييض .وقال أبييو عييبيدة :هييو ضرب مثييل؛ أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا؛
والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت :قد رد يده في فيه .وقاله الخفش أيضا .وقال
القتيبي :لم نسيمع أحدا مين العرب يقول :رد يده فيي فييه إذا ترك ميا أمير بيه؛ وقاله المغنيي :عضوا
على اليدي حنقا وغيظا؛ لقول الشاعر:
د حتى يعض علي الكفا تردون في فيه غش الحسو
يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه .وقال آخر:
فأضحى يعض علي الوظيفا قد أفني أنامل أزمة
وقالوا - :يعني المم للرسل" :وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به" أي بالرسال على زعمكم ،ل أنهم
أقروا أنهم أرسلوا" .وإنا لفي شك" أي في ريب ومرية" .مما تدعوننا إليه" من التوحيد.
@قوله تعالى" :مريب" أي موجب للريبة؛ يقال :أربته إذ فعلت أمرا من أوجب ريبة وشكا؛ أي
نظن أنكم تطلبون الملك والدنيا.
**3اليية{ 10 :قالت رسيلهم أفيي ال شيك فاطير السيماوات والرض يدعوكيم ليغفير لكيم مين
ذنوبكيم ويؤخركيم إلى أجيل مسيمى قالوا إن أنتيم إل بشير مثلنيا تريدون أن تصيدونا عميا كان يعبيد
آباؤنا فأتونا بسلطان مبين}
@قوله تعالى" :قالت رسيلهم أفيي ال شيك" اسيتفهام معناه النكار؛ أي ل شيك فيي ال؛ أي فيي
توحيده؛ قال قتادة .وقيل :في طاعته .ويحتمل وجها ثالثا :أفي قدرة ال شك؟ ! لنهم متفقون عليها
ومختلفون فيميا عداهيا؛ يدل علييه قوله" :فاطير السيماوات والرض" خالقهيا ومخترعهيا ومنشئهيا
وموجدهيا بعيد العدم؛ لينبيه على قدرتيه فل تجوز العبادة إل له" .يدعوكيم" أي إلى طاعتيه بالرسيل
والكتب" .ليغفر لكم من ذنوبكم" قال أبو عبيد" :من" زائدة .وقال سيبويه :هي للتبعيض؛ ويجوز
أن يذكير البعيض والمراد منيه الجمييع .وقييل" :مين" للبدل وليسيت بزائدة ول مبعضية؛ أي لتكون
المغفرة بدل مين الذنوب" .ويؤخركيم إلى أجيل مسيمى" يعنيي الموت ،فل يعذبكيم فيي لدنييا" .قالوا
إن أنتييم" أي مييا أنتييم" .إل بشيير مثلنييا" فييي الهيئة والصييورة؛ تأكلون ممييا نأكييل ،وتشربون ممييا
نشرب ،ولسيتم ملئكية" .تريدون أن تصيدونا عميا كان يعبيد آباؤنيا" مين الصينام والوثان "فأتونيا
بسلطان مبين" أي بحجة ظاهرة؛ وكان محال منهم؛ فإن الرسل ما دعوا إل ومعهم المعجزات.
**3الية{ 11 :قالت لهم رسلهم إن نحن إل بشر مثلكم ولكن ال يمن على من يشاء من عباده
وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إل بإذن ال وعلى ال فليتوكل المؤمنون}
@قوله تعالى" :قالت لهم رسلهم إن نحن إل بشر مثلكم" أي في الصورة والهيئة كما قلتم" .ولكن
ال يمين على مين يشاء مين عباده" أي يتفضيل علييه بالنبوة .وقييل؛ بالتوفييق ،والحكمية والمعرفية
والهداية .وقال سهل بن عبدال :بتلوة القرآن وفهم ما فيه.
قلت :وهذا قول حسيين ،وقييد خرج الطييبري ميين حديييث ابيين عميير قال قلت لبييي ذر :يييا عييم
أوصيني؛ قال :سيألت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كميا سيألتني فقال( :ميا مين يوم ول ليلة ول
سياعة إل ول فييه صيدقة يمين بهيا على مين يشاء مين عباده وميا مين ال تعالى على عباده بمثيل أن
يلهمهم ذكره)" .وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان" أي بحجة وآية" .إل بإذن ال" أي بمشيئته ،وليس
ذلك فيي قدرتنيا؛ أي ل نسيتطيع أن نأتيي بحجية كميا تطلبون إل بأمره وقدرتيه؛ فلفظيه؛ لفيظ الخيبر،
ومعناه النفي ،لنه ل يحظر على أحد ما ل يقدر عليه" .وعلى ال فليتوكل المؤمنون" تقدم معناه.
**3الية{ 12 :وما لنا أل نتوكل على ال وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى ال
فليتوكل المتوكلون}
@قوله تعالى" :وميا لنيا أل نتوكيل على ال" "ميا" اسيتفهام فيي موضيع رفيع بالبتداء ،و"لنيا"
الخيبر؛ وميا بعدهيا فيي موضيع الحال؛ التقديير :أي شييء لنيا فيي ترك التوكيل على ال" .وقيد هدانيا
سيبلنا" أي الطريييق الذي يوصيل إلى رحمتيه ،وينجيي مين سيخطه ونقمتيه" .ولنصيبرن على ميا
آذيتمونييا وعلى ال فليتوكييل المتوكلون" "ولنصييبرنّ" لم قسييم؛ مجازه :وال لنصييبرن "على مييا
آذيتمونيا" بيه ،أي مين الهانية والضرب ،والتكذييب والقتيل ،ثقية بال أنيه يكفينيا ويثيبنيا" .وعلى ال
فليتوكل المتوكلون".
**3اليتان{ 14 - 13 :وقال الذيين كفروا لرسيلهم لنخرجنكيم مين أرضنيا أو لتعودن فيي ملتنيا
فأوحيى إليهيم ربهيم لنهلكين الظالميين ،ولنسيكننكم الرض مين بعدهيم ذلك لمين خاف مقاميي وخاف
وعيد}
@قوله تعالى" :وقال الذييين كفروا لرسييلهم لنخرجنكييم ميين أرضنييا" اللم لم قسييم؛ أي وال
لنخرجنكم" .أو لتعودن" أي حتى تعودوا أو إل أن تعودوا؛ قاله الطبري وغيره .قال ابن العربي:
وهيو غيير مفتقير إلى هذا التقديير؛ فإن "أو" على بابهيا مين التخييير؛ خيير الكفار الرسيل بيين أن
يعودوا في ملتهم أو يخرجوهم من أرضهم؛ وهذه سيرة ال تعالى فيي رسله وعباده؛ أل ترى إلى
قوله" :وإن كادوا ليستفزونك من الرض ليخرجوك منها وإذا ل يلبثون خلفك إل قليل .سنة من
قد أرسلنا قبلك من رسلنا" [السراء ]77 - 76 :وقد تقدم هذا المعنى في "العراف" وغيرها.
"في ملتنا" أي إلى ديننا" ،فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ،ولنسكننكم الرض من بعدهم"
@قوله تعالى" :ذلك لمين خاف مقاميي وخاف وعييد" أي مقاميه بيين يدي يوم القيامية؛ فأضييف
المصدر إلى الفاعل .والمقام مصدر كالقيام؛ يقال :قام قياما ومقاما؛ وأضاف ذلك إليه لختصاصه
بيه .والمقام بفتيح المييم مكان المامية ،وبالضيم فعيل القامية؛ و"ذلك لمين خاف مقاميي" أي قياميي
عليه ،ومراقبتي له؛ قال ال تعالى" :أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت"[ .الرعد ]33وقال
الخفيش" :ذلك لمين خاف مقاميي" أي عذابيي" ،وخاف وعييد" أي القرآن وزواجره .وقييل :إنيه
العذاب .والوعيد السم من الوعد.
**3الية{ 15 :واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد}
@قوله تعالى" :واستفتحوا" أي واستنصروا؛ أي أذن للرسل في الستفتاح على قومهم ،والدعاء
بهلكهم؛ قاله ابن عباس وغيره ،وقد مضى في "البقرة" .ومنه الحديث :إن النبي صلى ال عليه
وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ،أي يستنصر .وقال ابن زيد :استفتحت المم بالدعاء كما
قالت قريش" :اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" [النفال ]32 :الية .وروي عن ابن عباس.
وقييل قال الرسيول( :إنهيم كذبونيي فافتيح بينيي وبينهيم فتحيا) وقالت الميم :إن كان هؤلء صيادقين
فعذبنيا ،عين ابين عباس أيضيا؛ نظيره "ائتنيا بعذاب ال إن كنيت مين الصيادقين" [العنكبوت]29 :
"ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين" [العراف" .]77 :وخاب كل جبار عنيد" الجبار المتكبر
الذي ل يري لحييد عليييه حقييا؛ هكذا هييو عنييد أهييل اللغيية؛ ذكره النحاس .والعنيييد المعانييد للحييق
والمجانيب له ،عين ابين عباس وغيره؛ يقال :عنيد عين قوميه أي تباعيد عنهيم .وقييل :هيو مين العنيد،
وهو الناحية وعاند فلن أي أخذ في ناحية معرضا؛ قال الشاعر:
إني كبير ل أطيق العندا إذا نزلت فاجعلوني وسطا
وقال الهروي :قوله تعالى" :جبار عنييد" أي جائر عين القصيد؛ وهيو العنود والعنييد والعانيد؛ وفيي
حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال :إنه عرق عاند .قال أبو عبيد :هو الذي عند وبغى
كالنسان يعاند؛ فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته .وقال شمر :العاند الذي ل يرقأ .وقال
عمير يذكير سييرته :أضيم العنود؛ قال اللييث :العنود مين البيل الذي ل يخالطهيا إنميا هيو فيي ناحيية
أبدا؛ أراد من هم بالخلف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها .وقال مقاتل :العنيد المتكبر .وقال
ابين كيسيان :هيو الشاميخ بأنفيه .وقييل :العنود والعنييد الذي يتكيبر على الرسيل وبذهيب عين طرييق
الحق فل يسلكها؛ تقول العرب :شر البل العنود الذي يخرج عن الطريق .وقيل :العنيد العاصي.
وقال قتادة :العنيد الذي أبي أن يقول ل إله إل ال.
قلت :والجبار والعنييد فيي اليية بمعنيى واحيد ،وإن كان اللفيظ مختلفيا ،وكيل متباعيد عين الحيق
جبار وعنييد أي متكيبر .وقييل :إن المراد بيه فيي اليية أبيو جهيل؛ ذكره المهدوي .وحكيى الماوردي
في كتاب "أدب الدنيا والدين" أن الوليد بن يزيد بن عبدالملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له
قوله عز وجل" :واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد" فمزق المصحف وأنشأ يقول:
فها أنا ذاك جبار عنيد أتوعد كل جبار عنيد
فقل يا رب مزقني الوليد إذا ما جئت ربك يوم حشر
فلم يلبث إل أياما حتى قتل شر قتلة ،وصلب رأسه على قصره ،ثم على سور بلده.
**3الية{ 16 :من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد}
@قوله تعالى" :مين ورائه جهنيم" أي مين وراء ذلك الكافير جهنيم ،أي مين بعيد هلكيه .ووراء
بمعنى بعد؛ قال النابغة:
وليس وراء ال للمرء مذهب حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
أي بعيد ال جيل جلله؛ وكذلك قوله تعالى" :ومين ورائه عذاب غلييظ" أي مين بعده؛ وقوله تعالى:
"ويكفرون بما وراءه" [البقرة ]91 :أي بميا سيواه؛ قاله الفراء .وقال أبو عبيد :بما بعده :وقيل:
"من ورائه" أي من أمامه ،ومنه قول الشاعر:
ل حاضر معجز عنه ول بادي ومن ورائك يوم أنت بالغه
وقال آخر:
وقومي تميم والفلة ورائيا أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي
وقال لبيد:
لزوم العصا تحني عليها الصابع ليس ورائي إن تراخت منيتي
يرييد أماميي .وفيي التنزييل" :كان وراءهيم ملك" [الكهيف ]79 :أي أمامهيم ،وإلى هذا ذهيب أبيو
عيبيدة وأبيو علي قطرب وغيرهميا .وقال الخفيش :هيو كميا يقال هذا المير مين ورائك ،أي سيوف
يأتيك ،وأنا من وراء فإن أي في طلبه وسأصل إليه .وقال النحاس في قول "من ورائه جهنم" أي
ميين أمامييه ،وليييس ميين الضداد ولكنييه ميين تواري؛ أي اسييتتر .وقال الزهري :إن وراء تكون
بمعنى خلف وأمام فهو من الضداد ،وقاله أبو عبيدة أيضا ،واشتقاقهما مما توارى واستتر ،فجهنم
توارى ول تظهر ،فصارت من وراء لنها ل ترى ،حكاه ابن النباري وهو حسن.
@قوله تعالى" :ويسقى من ماء صديد" أي من ماء مثل الصديد ،كما يقال للرجل الشجاع أسد،
أي مثل السد ،وهو تمثيل وتشبيه .وقيل :هو ما يسيل من أجسام أهل النار من القيح والدم .وقال
محمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس :هو غسالة أهل النار ،وذلك ماء يسيل من فروج الزناة
والزوانيي .وقييل :هيو مين ماء كرهتيه تصيد عنيه ،فيكون الصيديد مأخوذا مين الصيد .وذكير ابين
المبارك ،أخبرنا صفوان بن عمرو عن عبيدال بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه
وسلم في قوله" :ويسقي من ماء صديد يتجرعه" قال( :يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى
وجهيه ووقعيت فروة رأسيه فإذا شربيه قطيع أمعاءه حتيى تخرج مين دبره يقول ال" :وسيقوا ماء
حميما فقطع أمعاءهم" [محمد ]15 :ويقول ال" :وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه
بئس الشراب") [الكهيف )]29 :خرجيه الترمذي ،وقال :حدييث غرييب ،وعيبيدال بين بسير الذي
روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة لعله أن يكون أخا عبدال بن بسر*3* .الية17 :
{يتجرعه ول يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ}
@قوله تعالى" :يتجرعه" أي يتحساه جرعا ل مرة واحدة لمرارته وحرارته" .ول يكاد يسيغه"
أي يبتلعه؛ يقال :جرع الماء واجترعه وتجرعه بمعنى .وساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا إذا
كان سيلسا سيهل ،وأسياغه ال إسياغة .و"يكاد" صيلة؛ أي يسييغه بعيد إبطاء ،قال ال تعالى" :وميا
كادوا يفعلون" [البقرة ]71 :أي فعلوا بعد إبطاء ،ولهذا قال" :يصهر به ما في بطونهم والجلود"
[الحج ]20 :فهذا يدل على الساغة .وقال ابن عباس :يجيزه ول يمر به" .ويأتيه الموت من كل
مكان" قال ابين عباس :أي يأتييه أسيباب الموت مين كيل جهية عين يمينيه وشماله ،ومين فوقيه وتحتيه
ومين قداميه وخلفيه ،كقول" :لهيم مين فوقهيم ظلل مين النار ومين تحتهيم ظلل" [الزمير .]16 :وقال
إبراهيم التيمي :يأتيه من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره؛ لللم التي في كل مكان من
جسد .وقال الضحاك :إنه ليأتيه الموت من كل ناحية ومكان حتى من إبهام رجليه .وقال الخفش:
يعنيي البلييا التيي تصييب الكافير فيي النار سيماها موتيا ،وهيي مين أعظيم الموت .وقييل :إنه ل يبقيى
عضيو مين أعضائه إل وكيل بيه نوع مين العذاب؛ لو مات سيبعين مرة لكان أهون علييه مين نوع
منهيا فيي فرد لحظية؛ إميا حيية تنهشيه؛ أو عقرب تلسيعه ،أو نار تسيفعه ،أو قييد برجلييه ،أو غيل فيي
عنقه ،أو سيلسلة يقرن بهيا ،أو تابوت يكون فييه ،أو زقوم أو حمييم ،أو غيير ذلك من العذاب ،وقال
محمد بن كعب :إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه مات موتات ،فإذا دنا منه مات موتات ،فإذا
شرب منه مات موتات؛ فذلك قوله" :ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت" .قال الضحاك :ل
يموت فيسيتريح .وقال ابين جرييج :تعلق روحيه فيي حنجرتيه فل تخرج مين فييه فيموت ،ول ترجيع
إلى مكانهيا مين جوفيه فتنفعيه الحياة؛ ونظيره قوله" :ل يموت فيهيا ول يحييا" [طيه .]74 :وقييل:
يخلق ال في جسده آل ما كل واحد منها كألم الموت .وقيل:
@قوله تعالى" :وما هو بميت" لتطاول شدائد الموت به ،وامتداد سكراته عليه؛ ليكون ذلك زيادة
في عذابه.
قلت :ويظهيير ميين هذا أنييه يموت ،وليييس كذلك؛ لقوله تعالى" :ل يقضييى عليهييم فيموتوا ول
يخفيف عنهيم مين عذابهيا" [فاطير ]36 :وبذلك وردت السينة؛ فأحوال الكفار أحوال مين اسيتولى
عليييه سييكرات الموت دائمييا ،وال أعلم" .وميين ورائه" أي ميين أمامييه" .عذاب غليييظ" أي شديييد
متواصل اللم غير فتور؛ ومنه قوله" :وليجدوا فيكم غلظة" [التوبة ]123 :أي شدة وقوة .وقال
فضيل بن عياض في قول ال تعالى" :ومن ورائه عذاب غليظ" قال :حبس النفاس.
**3اليية{ 18 :مثيل الذيين كفروا بربهيم أعمالهيم كرماد اشتدت بيه الرييح فيي يوم عاصيف ل
يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلل البعيد}
@قوله تعالى" :مثيل الذيين كفروا بربهيم أعمالهيم كرماد" اختلف النحويون فيي رفيع "مثيل" فقال
سييبويه :ارتفيع بالبتداء والخيبر مضمير؛ التقديير :وفيميا يتلى عليكيم أو يقيص "مثيل الذيين كفروا
بربهم" ثم ابتدأ فقال" :أعمالهم كرماد" أي كمثل رماد "اشتدت به الريح" .وقال الزجاج :أي مثل
الذيين كفروا فيميا يتلى عليكيم أعمالهيم كرماد ،وهيو عنيد الفراء على إلغاء المثيل ،التقديير :والذيين
كفروا بربهم أعمالهم كرماد .وعنه أيضا أنه على حذف مضاف؛ التقدير :مثل أعمال الذين كفروا
بربهيم كرماد؛ وذكير الول عنيه المهدوي ،والثانيي القشيري والثعلبيي ويجوز أن يكون مبتدأ كميا
يقال :صييفة فلن أسييمر؛ فييي"مثييل" بمعنييى صييفة .ويجوز فييي الكلم جيير "أعمالهييم" على بدل
الشتمال ميين "الذييين" واتصييل هذا بقوله" :وخاب جبار عنيييد" والمعنييى :أعمالهييم محبطيية غييير
مقبولة .والرماد مييا بقييي بعييد احتراق الشيييء؛ فضرب ال هذه الييية مثل لعمال الكفار فييي أنييه
يمحقهيا كميا تمحيق الرييح الشديدة الرماد فيي يوم عاصيف .والعصيف شدة الرييح؛ وإنميا كان ذلك
لنهم أشركوا فيها غير ال تعالى .وفي وصف اليوم بالعصوف ثلثة أقاويل :أحدها :أن العصوف
وإن كان للرييح فإن اليوم قيد يوصيف بيه؛ لن الرييح تكون فييه ،فجاز أن يقال :يوم عاصيف ،كميا
يقال :يوم حار ويوم بارد ،والبرد والحير فيهما .والثانيي :أن يرييد "فيي يوم عاصيف" الرييح؛ لنها
ذكرت في أول الكلمة ،كما قال الشاعر:
إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف
يرييد كاسيف الشميس فحذف؛ لنيه قيد مير ذكره؛ ذكرهميا الهروي .والثالث :أنيه مين نعيت الرييح؛
غيير أنيه لميا جاء بعيد اليوم أتبيع إعرابيه كميا قييل :جحير ضيب خرب؛ ذكره الثعلبيي والماوردي.
وقرأ ابين أبيي إسيحاق وإبراهييم بين أبيي بكير "فيي يوم عاصيف"" .ل يقدرون" يعنيي الكفار" .مميا
كسيبوا على شييء" يرييد فيي الخرة؛ أي مين ثواب ميا عملوا مين البر فيي الدنييا ،لحباطيه بالكفير.
"ذلك هو الضلل البعيد" أي الخسران الكبير؛ وإنما جعله كبيرا بعيدا لفوات استدراكه بالموت.
**3الية{ 19 :ألم تر أن ال خلق السماوات والرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد}
@قوله تعالى" :ألم تير أن ال خلق السيماوات والرض بالحيق" الرؤيية هنيا رؤيية القلب؛ لن
المعنييى :ألم ينتييه علمييك إليييه؛ .وقرأ حمزة والكسييائي " -خالق السييماوات والرض" .ومعنييى
"بالحق" ليستدل بها على قدرته" .إن يشأ يذهبكم" أيها الناس؛ أي هو قادر على الفناء كما قدر
على إيجاد الشياء؛ فل تعصييوه فإنكييم إن عصيييتموه "يذهبكييم ويأت بخلق جديييد" أفضييل وأطوع
منكم؛ إذ لو كانوا مثل الولين فل فائدة في البدال.
**3الية{ 20 :وما ذلك على ال بعزيز}
@ أي منيع متعذر.
**3الية{ 21 :وبرزوا ل جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون
عنيا مين عذاب ال مين شييء قالوا لو هدانيا ال لهديناكيم سيواء علينيا أجزعنيا أم صيبرنا ميا لنيا مين
محيص}
@قوله تعالى" :وبرزوا ل جميعا" أي برزوا من قبورهم ،يعني يوم القيامة .والبروز الظهور.
والبراز المكان الواسيع لظهوره؛ ومنيه امرأة برزة أي تظهير للناس؛ فمعنيى" ،برزوا" ظهروا مين
قبورهيم .وجاء بلفيظ؛ الماضيي ومعناه السيتقبال ،وأتصيل هذا بقوله" :وخاب كيل جبار عنييد" أي
وقاربوا لميا اسيتفتحوا فأهلكوا ،ثيم بعثوا للحسياب فيبرزوا ل جميعيا ل يسيترهم عنيه سياتر" .ل"
لجل أمر ال إياهم بالبروز" .فقال الضعفاء" يعني التباع "للذين استكبروا" وهم القادة" .إنا كنا
لكييم تبعييا" يجوز أن يكون تبييع مصييدرا؛ التقدييير :ذوي تبييع .ويجوز أن يكون تابييع؛ مثييل حارس
وحرس ،وخادم وخدم ،وراصيد ورصيد ،وباقير وبقير" .فهيل أنتيم مغنون عنيا مين عذاب ال مين
شيء" أي دافعون "عنا من عذاب ال من شيء" أي شيئا ،و"من" صلة؛ يقال :أغنى عنه إذا دفع
عنيه الذى ،وأغناه إذا أوصيل إلييه النفيع" .قالوا لو هدانيا ال لهديناكيم" أي لو هدانيا ال إلى اليمان
لهديناكيم إلييه .وقييل :لو هدانيا ال إلى طرييق الجنية لهديناكيم إليهيا .وقييل؛ لو نجانيا ال مين العذاب
لنجيناكيم منيه" .سيواء علينيا أجزعنيا أم صيبرنا ميا لنيا مين محييص" "سيواء علينيا" هذا ابتداء خيبره
"أجزعنا" أي" :سواء علينا "أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص" أي من مهرب وملجأ .ويجوز
أن يكون بمعنيى المصيدر ،وبمعنيى السيم؛ يقال :حاص فلن عين كذا أي فير وزاغ يحييص حيصيا
وحيوصيا وحيصيانا؛ والمعنيى :ميا لنيا وجيه نتباعيد بيه عين النار .وروي عين النيبي صيلى ال علييه
وسيلم أنيه قال( :يقول أهيل النار إذا أشتيد بهيم العذاب تعالوا نصيبر فيصيبرون خمسيمائة عام فلميا
رأوا أن ذلك ل ينفعهيم قالوا هلم فلنجزع فيجزعون ويصييحون خمسيمائة عام فلميا رأوا أن ذلك ل
ينفعهيم قالوا "سيواء علينيا أجزعنيا أم صيبرنا ميا لنيا مين محييص") .وقال محميد بن كعيب القرظيي:
ذكر لما أن أهل النار يقول بعضهم لبعض :يا هؤلء! قد نزل بكم من البلء والعذاب ما قد ترون،
فهلم فلنصبر؛ فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الطاعة على طاعة ال فنفعهم الصبر إذ صبروا؛
فأجمعوا رأيهييم على الصييبر فصيبروا؛ فطال صييبرهم فجزعوا ،فنادوا" :سيواء علينييا أجزعنييا أم
صييبرنا مييا لنييا ميين محيييص" أي منجييي ،فقام إبليييس عنييد ذلك فقال" :إن ال وعدكييم وعييد الحييق
ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا
أنفسيكم ميا أنيا بمصيرخكم" يقول :لسيت بمغين عنكيم شيئا "وميا أنتيم بمصيرخي إنيي كفرت بميا
أشركتموني من قبل" الحديث بطوله ،وقد كتبناه في كتاب {التذكرة} بكماله.
**3الية{ 22 :وقال الشيطان لما قضي المر إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما
كان لي عليكييم ميين سييلطان إل أن دعوتكييم فاسييتجبتم لي فل تلومونييي ولوموا أنفسييكم مييا أنييا
بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :وقال الشيطان لميا قضيي المير" قال الحسين :يقيف إبلييس يوم القيامية خطيبيا فيي
جهنم على منبر من نار يسمعه الخلئق جميعا .ومعنى" :لما قضي المر" أي حصل أهل الجنة
في الجنة وأهل النار في النار ،على ما يأتي بيانه في "مريم" عليها السلم" .إن ال وعدكم وعد
الحق" يعني البعث والجنة والنار وثواب المطيع وعقاب العاصي فصدقكم وعده ،ووعدتكم أن ل
بعث ول جنة ول نار ول ثواب ول عقاب فأخلفتكم .وروي ابن المبارك من حديث عقبة بن عامر
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديث الشفاعة قال( :فيقول عيسى أدلكم على النبي المي
فيأتونيي فيأذن ال لي أن أقوم فيثور مجلسيي مين أطييب رييح شمهيا أحيد حتيى آتيي ربيي فيشفعنيي
ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ثم يقول الكافرون قد وجه المؤمنون من يشفع لهم
فمين يشفيع لنيا فيقولون ميا هيو غيير إبلييس هيو الذي أضلنيا فيأتونيه فيقولون قيد وجيد المؤمنون مين
يشفع لهم فاشفع لنا فإنك أضللتنا فيثور مجلسه من أنتن ريح شمها أحد ثم يعظم نحيبهم ويقول عند
ذلك" :إن ال وعدكيم وعيد الحيق ووعدتكيم فأخلفتكيم" اليية)" .وعيد الحيق" هيو إضافية الشييء إلى
نعتيه كقولهيم :مسيجد الجاميع؛ قال الفراء قال البصيريون :وعدكيم وعيد اليوم الحيق أو وعدكيم وعيد
الوعد الحق فصدقكم؛ فحذف المصدر لدللة الحال" .وما كان لي عليكم من سلطان" أي من حجة
وبيان؛ أي ميا أظهرت لكيم حجة على ميا وعدتكيم وزينتيه لكيم فيي الدنييا" ،إل أن دعوتكيم فاسيتجبتم
لي" أي أغويتكم فتابعتموني .وقيل :لم أقهركم على ما دعوتكم إليه" .إل أن دعوتكم" هو استثناء
منقطع؛ أي لكن دعوتكم بالوسواس فاستجبتم لي باختياركم" ،فل تلوموني ولوموا أنفسكم" وقيل:
"وما كان لي عليكم من سلطان" أي على قلوبكم وموضع إيمانكم لكن دعوتكم فاستجبتم لي؛ وهذا
على أنيه خطيب العاصيي المؤمين والكافير الجاحيد؛ وفييه نظير؛ لقوله" :لميا قضيي المير" فإنيه يدل
على أنييه خطييب الكفار دون العاصييين الموحدييين؛ وال أعلم" .فل تلومونييي ولوموا أنفسييكم" إذا
جئتمونيي مين غيير حجية" .ميا أنيا بمصيرخكم" أي بمغيثكيم" .وميا أنتيم بمصيرخي" أي بمغيثيي.
والصارخ والمستصرخ هو الذي يطلب النصرة والمعاونة ،والمصرخ هو المغيث .قال سلمة بن
جندل.
وكان الصراخ له قرع الظنابيب كنا إذا ما أتانا صارخ فزع
وقال أمية بن أبي الصلت:
ول تجزعوا إني لكم غير مصرخ وليس لكم عندي غناء ول نصر
يقال :صييرخ فلن أي اسيتغاث يصييرخ صيرخا وصييراخا وصيرخة .واصييطرخ بمعنييى صييرخ.
والتصيرخ تكلف الصيراخ .والمصيرخ المغييث ،والمسيتصرخ المسيتغيث؛ تقول منيه :اسيتصرخني
فأصيرخته .والصيريخ صيوت المسيتصرخ .والصيريخ أيضيا الصيارخ ،وهيو المغييث والمسيتغيث،
وهيو مين الضداد؛ قاله الجوهري .وقراءة العامية "بمصيرخي" بفتيح الياء .وقرأ العميش وحمزة
"بمصرخي" بكسر الياء .والصل فيها بمصرخيين فذهبت النون للضافة ،وأدغمت ياء الجماعة
فيي ياء الضافية ،فمين نصيب فلجيل التضعييف ،ولن ياء الضافية إذا سيكن ميا قبلهيا تعيين فيهيا
الفتيح مثيل :هواي وعصياي ،فإن تحرك ميا قبلهيا جاز الفتيح والسيكان ،مثيل :غلميي وغلمتيي،
ومن كسر فللتقاء الساكنين حركت إلى الكسر ،لن الياء أخت الكسرة .وقال الفراء :قراءة حمزة
وهيم منيه ،وقيل مين سيلم منهيم عين خطيأ .وقال الزجاج :هذه قراءة رديئة ول وجيه لهيا إل وجيه
ضعييف .وقال قطرب :هذه لغية بنيي يربوع يزيدون على ياء الضافية ياء .القشيري :والذي يغنيي
عن هذا أن ما يثبت بالتواتر عن النبي صلى ال عليه وسلم فل يجوز أن يقال فيه هو خطأ أو قبيح
أو رديء ،بل هو في القرآن فصيح ،وفيه ما هو أفصح منه ،فلعل هؤلء أرادوا أن غير هذا الذي
قرأ به حمزة أفصح" .إني كفرت بما أشركتموني من قبل" أي كفرت بإشراككم إياي مع ال تعالى
في الطاعة؛ في "ما" بمعنى المصدر .وقال ابن جريج :إني كفرت اليوم بما كنتم تدعونه في الدنيا
ميين الشرك بال تعالى .قتادة :إنييي عصيييت ال .الثوري :كفرت بطاعتكييم إياي فييي الدنيييا" .إن
الظالميين لهيم عذاب ألييم" .وفيي هذه اليات رد على القدريية والمعتزلة والماميية ومين كان على
طريقهيم؛ انظير إلى قول المتبوعيين" :لو هدانيا ال لهديناكيم" وقول إبلييس" :إن ال وعدكيم وعيد
الحق" كيف اعترفوا بالحق في صفات ال تعالى وهم في دركات النار؛ كما قال في موضع آخر:
"كلميا ألقيي فيهيا فوج سيألهم خزنتهيا" [الملك ]8 :إلى قوله" :فاعترفوا بذنبهيم" [الملك]11 :
واعترافهم في دركات لظى بالحق ليس بنافع ،وإنما ينفع العتراف صاحبه في الدنيا؛ قال ال عز
وجييل" :وآخرون اعترفوا بذنوبهييم خلطوا عمل صييالحا وآخيير سيييئا عسييى ال أن يتوب عليهييم"
[التوبة ]102 :و"عسى" من ال واجبة.
**3اليية{ 23 :وأدخيل الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات جنات تجري مين تحتهيا النهار خالديين
فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلم}
@قوله تعالى" :وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات" أي في جنات لن دخلت ل يتعدى؛
كميا ل يتعدى نقيضيه وهيو خرجيت ،ول يقاس علييه؛ قاله المهدوي .ولميا أخيبر تعالى بحال أهيل
النار أخيبر بحال أهيل الجنية أيضيا .وقراءة الجماعية "أدخيل" على أنيه فعيل مبنيي للمفعول .وقرأ
الحسين "وأدخيل" على السيتقبال والسيتئناف" .بإذن ربهيم" أي بأمره .وقييل :بمشيئتيه وتيسييره.
وقال" :بإذن ربهييم" ولم يقييل :بإذنييي تعظيمييا وتفخيمييا" .تحيتهييم فيهييا سييلم" تقدم فييي "يونييس".
والحمد ل.
**3اليتان{ 25 - 24 :ألم تير كييف ضرب ال مثل كلمية طيبية كشجرة طيبية أصيلها ثابيت
وفرعها في السماء ،تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب ال المثال للناس لعلهم يتذكرون}
@قوله تعالى" :ألم تير كييف ضرب ال مثل" لميا ذكير تعالى مثيل أعمال الكفار وأنهيا كرماد
اشتدت بيه الرييح فيي يوم عاصيف ،ذكير مثيل أقوال المؤمنيين وغيرهيا ،ثيم فسير ذلك المثيل فقال:
"كلمية طيبية" التمير ،فحذف لدللة الكلم علييه .قال ابين عباس :الكلمية الطيبية ل إله إل ال
والشجرة الطيبية المؤمين .وقال مجاهيد وابين جرييج :الكلمية الطيبية اليمان .عطية العوفيي والربييع
بين أنس :هيي المؤمن نفسه .وقال مجاهيد أيضا وعكرمية :الشجرة النخلة؛ فيجيز أن يكون المعنيى:
أصيل الكلمية فيي قلب المؤمين -وهيو اليمان -شبهيه بالنخلة فيي المنبيت ،وشبيه ارتفاع عمله فيي
السيماء بارتفاع فروع النخلة ،وثواب ال له بالثمير .وروي مين حدييث أنيس عين النيبي صيلى ال
علييه وسيلم أنيه قال( :إن مثيل اليمان كمثيل شجرة ثابتية اليمان عروقهيا والصيلة أصيلها والزكاة
فروعها والصيام أغصانها والتأذي ال نباتها وحسن الخلق ورقها والكف عن محارم ال ثمرتها).
ويجوز أن يكون المعنى :أصل النخلة ثابت في الرض؛ أي عروقها تشرب من الرض وتسقيها
السماء من فوقها ،فهي زاكية نامية .وخرج الترمذي من حديث أنس بن مالك قال :أتي رسول ال
صلى ال عليه وسلم بقناع فيه رطب ،فقال( :مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها
فيي السيماء تؤتيي أكلهيا كيل حيين بإذن ربهيا -قال -هيي النخلة ومثيل كلمية خبيثية كشجرة خبيثية
اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار -قال -هي الحنظل) .وروي عن أنس قوله وقال :وهو
أصح .وخرج الدارقطني عن ابن عمر قال(:قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم "ضرب ال مثل
كلمية طيبية كشجرة طيبية أصيلها ثابيت" فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أتدرون ميا هيي)
فوقع في نفسي أنها النخلة .قال السهيلي ول يصح فيها ما روي عن علي بن أبي طالب أنها جوزة
الهند؛ لما صح عن النبي صلى ال عليه وسلم في حديث ابن عمر (إن من الشجرة شجرة ل يسقط
ورقها وهي مثل المؤمن خبروني ما هي -ثم قال -هي النخلة) خرجه مالك "الموطأ" من رواية
ابين القاسيم وغيره إل يحييى فإنيه أسيقطه مين روايتيه .وخرجيه أهيل الصيحيح وزاد فييه الحارث بين
أسيامة زيادة تسياوي رحلة؛ عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :وهيى النخلة ل تسيقط هيا أنملة
وكذلك المؤمن ل تسقط له دعوة) .فبين معنى الحديث والمماثلة
قلت :وذكير الغزنوي عنيه علييه السيلم( :مثيل المؤمين كالنخلة إن صياحبته نفعيك وإن جالسيته
نفعيك وإن شاورتيه نفعيك كالنخلة كيل شييء منهيا ينتفيع بيه) .وقال( :كلوا مين عمتكيم) يعنيي النخلة
خلقيت مين فضلة طينية آدم علييه السيلم ،وكذلك أنهيا برأسيها تبقيي ،وبقلبهيا تحييا ،وثمرهيا بامتزاج
الذكر والنثى .وقد قيل :إنها لما كانت أشبه الشجار بالنسان شبهت به؛ وذلك أن كل شجرة إذا
قطيع رأسيها تشعبيت الغصيون مين جوانيب ،والنخلة إذا قطيع رأسيها يبسيت وذهبيت أصيل؛ ولنهيا
تشبه النسان وسائر الحيوان في اللتقاح لنها ل تحمل حتى تلقح قال النبي صلى ال عليه وسلم:
"خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة) .والبار اللقاح وسيأتي في سورة "الحجر" بيانه .ولنها
من فضلة طينة آدم .ويقال :إن ال عز وجل لما صور آدم من الطين فضلت قطعة طين فصورها
بيده وغرسها في جنة عدن .قال النبي صلى ال عليه وسلم( :أكرموا عمتكم) قالوا :ومن عمتنا يا
رسيول ال؟ قال( :النخلة)" .تؤتيي أكلهيا كيل حيين" قال الربييع" :كيل حيين" غدوة وعشيية كذلك
يصيعد عميل المؤمين أول النهار وآخره؛ وقاله ابين عباس .وعنيه "تؤتيي أكلهيا كيل حيين" قال :هيو
شجرة جوزة الهند ل تتعطل من ثمرة ،تحمل في كل شهر ،شبه عمل المؤمن ل عز وجل في كل
وقيت :لنخلة التيي تؤتيي أكلهيا فيي أوقات مختلفية .وقال الضحاك :كيل سياعة مين لييل أو نهار شتاء
وصيييفا يوكييل فييي جميييع الوقات ،وكذلك المؤميين ل يخلو ميين الخييير فييي الوقات كلهييا .وقال
النحاس :وهذه القوال متقاربية غيير متناقضية ،لن الحيين عنيد جمييع أهيل اللغية إل مين شيذ منهيم
بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره ،وأنشد الصمعي بيت النابغة:
تطلقه حينا وحينا تراجع تناذرها الراقون من سوء سمها
فهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت ،فاليمان ثابت في قلب المؤمن ،وعمله وقوله وتسبيحه عال
مرتفيع فيي السيماء ارتفاع فروع النخلة ،وميا يكسيب مين بركية اليمان وثوابيه كميا ينال مين ثمرة
النخلة فيي أوقات السينة كلهيا ،مين الرطيب والبسير والبلح والزهيو والتمير والطلع .وفيي روايية عين
ابن عباس :إن الشجرة شجرة في الجنة تثمر في كل وقت .و(مثل) مفعول بي"ضرب"" ،وكلمة"
بدل منيه ،والكاف فيي قوله( :كشجرة) فيي موضيع نصيب على الحال مين "كلمية" التقديير :كلمية
طيبة مشبهة بشجرة طيبة
@قوله تعالى" :تؤتيي أكلهيا كيل حيين" لميا كانيت الشجار تؤتيي أكلهيا كيل سينة مرة كان فيي ذلك
بيان حكيم الحيين؛ ولهذا قلنيا :مين حلف أل يكلم فلنيا حينيا ،ول يقول كذا حينيا إن الحيين سينة .وقيد
ورد الحيين فيي موضيع آخير يراد بيه أكثير مين ذلك لقوله تعالى" :هيل أتيى على النسيان حيين مين
الدهير" [النسيان ]1 :قييل فيي "التفسيير" :أربعون عاميا .وحكيى عكرمية أن رجل قال :إن فعلت
كذا وكذا إلى حين فغلمه حر ،فأتى عمر بن عبدالعزيز فسأل ،فسألني عنها فقلت :إن من الحين
حينا ل يدرك ،قوله" :وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين" [النبياء ]111 :فأرى أن تمسك
ما بين صرام النخلة إلى حملها ،فكأنه أعجبه؛ وهو قول أبي حنيفة في الحين أنه ستة أشهر اتباعا
لعكرمية وغيره .وقيد مضيى ميا للعلماء فيي الحيين فيي "البقرة" مسيتوفى والحميد ل" .ويضرب ال
المثال" أي الشباه "للناس لعلهم يتذكرون" ويعتبرون؛ وقد تقدم.
**3الية{ 26 :ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار}
@ الكلمة الخبيثة كلمة الكفر .وقيل :الكافر نفسه .والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل كما في حديث
أنيس ،وهيو قول ابين عباس ومجاهيد وغيرهميا ،وعين ابين عباس أيضيا :أنهيا شجرة لم تخلق على
الرض .وقيل :هي شجرة الثوم؛ عن ابن عباس أيضا .وقيل :الكمأة أو الطحلبة .وقيل :الكشوث،
وهي شجرة ل ورق لها ول عروق في الرض؛ قال الشاعر:
وهم كشوث فل أصل ول ورق
"اجتثت من فوق الرض" اقتلعت من أصلها؛ قال ابن عباس؛ ومنه قول لقيط:
فمن رأى مثل ذا يوما ومن سمعا والجلء الذي تجتث أصلكم
وقال المؤرج :أخذت جثتهييا وهييي نفسييها ،والجثيية شخييص النسييان قاعدا أو قائمييا .وجثييه قلعييه،
واجتثه اقتلعه من فوق الرض؛ أي ليس لها أصل راسخ يشرب بعروقه من الرض" .ما لها من
قرار" أي من أصل في الرض .وقيل :من ثبات؛ فكذلك الكافر ل حجة له ول ثبات ول خير فيه،
وميا يصيعد له قول طييب ول عميل صيالح .وروى معاويية بين صيالح عين علي بين أبيي طلحية فيي
قوله تعالى" :ضرب ال مثل كلمييية طيبييية" قال :ل إله إل ال "كشجرة طيبييية" قال :المؤمييين،
"أصيلها ثابيت" ل إله إل ال ثابتية فيي قلب المؤمين؛ "ومثيل كلمية خبيثية" قال :الشرك" ،شجرة
خبيثية" قال :المشرك؛ "اجتثيت مين فوق الرض ميا لهيا مين قرار" أي لييس للمشرك أصيل يعميل
عليه .وقيل :يرجع المثل إلى الدعاء إلى اليمان ،والدعاء إلى الشرك؛ لن الكلمة يفهم منها القول
والدعاء إلى الشيء.
**3اليية{ 27 :يثبيت ال الذيين آمنوا بالقول الثابيت فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة ويضيل ال
الظالمين ويفعل ال ما يشاء}
@قوله تعالى" :يثبيت ال الذيين آمنوا بالقول الثابيت" قال ابين عباس :هيو ل إله إل ال .وروى
النسيائي عين البراء قال قال" :يثبيت ال الذيين آمنوا بالقول الثابيت فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة"
نزلت فيي عذاب القيبر؛ يقال :مين ربيك؟ فيقول :ربيي ال ودينيي ديين محميد ،فذلك قوله" :يثبيت ال
الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة".
قلت :وقد جاء هكذا موقوفا في بعض طرق مسلم عن البراء أنه قول ،والصحيح فيه الرفع كما
فيي صحيح مسلم وكتاب النسائي وأبي داود وابين ماجة وغيرهيم ،عن البراء عن النبي صيلى ال
عليه وسلم؛ وذكر البخاري؛ حدثنا جعفر بن عمر ،قال حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد
بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه
آت ثم يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فذلك قوله "يثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الخرة" .وقد بينا هذا الباب في كتاب (التذكرة) وبينا هناك من يفتن في قبره
ويسأل ،فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك .وقال سهل بن عمار :رأيت يزيد بن هارون في المنام
بعيد موتيه ،فقلت له :ميا فعيل ال بيك؟ فقال :أتانيي فيي قيبري ملكان فظان غليظان ،فقال :ميا دينيك
ومين ربيك ومين نبييك؟ فأخذت بلحيتيي البيضاء وقلت :ألمثلي يقال هذا وقيد علميت الناس جوابكميا
ثمانيين سينة؟! فذهبيا وقال :أكتبيت عين حرييز بين عثمان؟ قلت نعيم! فقال :إنيه كان يبغيض علييا
فأبغضه ال .وقيل :معنى" ،يثبت ال" يديمهم ال على القول الثابت ،ومنه قول عبدال بن رواحة:
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصرا يثبت ال ما آتاك من حسن
وقيل :يثبتهم في الدارين جزاء لهم على القول الثابت .وقال القفال وجماعة" :في الحياة الدنيا" أي
في القبر؛ لن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا" ،وفي الخرة" أي عند الحساب؛ وحكاه الماوردي
عن البراء قال :المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر ،وبالخرة المساءلة في القيامة" :ويضل ال
الظالميين" أي عين حجتهيم فيي قبورهيم كميا ضلوا فيي الدنييا بكفرهيم فل يلقنهيم كلمية الحيق ،فإذا
سئلوا في قبورهم قالوا :ل ندري؛ فيقول :ل دريت ول تليت؛ وعند ذلك يضرب بالمقامع على ما
ثبيت فيي الخبار؛ وقيد ذكرنيا ذلك فيي كتاب {التذكرة} .وقييل :يمهلهيم حتيى يزدادوا ضلل فيي
الدنيا" .ويفعل ال ما يشاء" من عذاب قوم وإضلل قوم .وقيل :إن سبب نزول هذه الية ما روي
عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا وصيف مسياءلة منكير ونكيير وميا يكون مين جواب المييت قال
عمر :يا رسول ال معي عقلي؟ قال( :نعم) قال :كفيت إذا؛ فأنزل ال عز وجل هذه الية.
**3الية{ 28 :ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة ال كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}
@قوله تعالى" :ألم تير إلى الذيين بدلوا نعمية ال كفرا" أي جعلوا بدل نعمية ال عليهيم الكفير فيي
تكذيبهيم محمدا صيلى ال علييه وسيلم ،حيين بعثيه ال منهيم وفيهيم فكفروا ،والمراد مشركيو قرييش
وأن اليية نزلت فيهيم؛ عين ابين عباس وعلي وغيرهميا .وقييل :نزلت فيي المشركيين الذيين قاتلوا
النبي صلى ال عليه وسلم يوم بدر .قال أبو الطفيل :سمعت عليا رضي ال عنه يقول :هم قريش
الذين نحروا يوم بدر .وقيل :نزلت في الفجرين من قريش بني مخزوم وبني أمية ،فأما بنو أمية
فمتعوا إلى حيين؛ وأميا بنيو مخزوم فأهلكوا يوم بدر؛ قال علي بين أبيي طالب وعمير بين الخطاب
رضي ال عنهما .وقول رابع :أنهم متنصيرة العرب جبلة بن اليهم وأصحابه حين لطيم فجعل له
عمير القصياص بمثلهيا ،فلم يرض وأنيف فارتيد متنصيرا ولحيق بالروم فيي جماعية مين قوميه؛ عين
ابن عباس وقتادة .ولما صار إلى بلد الروم ندم فقال:
وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تنصرت الشراف من عار لطمة
وبعت لها العين الصحيحة بالعور تكنفني منها لجاج ونخوة
ولم أنكر القول الذي قاله عمر فيا ليتني أرعى المخاض ببلدة
وقال الحسين :إنهيا عامية فيي جمييع المشركيين" .وأحلوا قومهيم" أي أنزلوهيم .قال ابين عباس :هيم
قادة المشركيين يوم بدر" .وأحلوا قومهيم" أي الذيين اتبعوهيم" .دار البوار" قييل :جهنيم؛ قال ابين
زيد .وقيل :يوم بدر؛ قال علي بن أبي طالب ومجاهد .والبوار الهلك؛ ومنه قول الشاعر:
غداة الحرب إذ خيف البوار فلم أر مثلهم أبطال حرب
**3الية{ 29 :جهنم يصلونها وبئس القرار}
@قوله تعالى" :جهنيم يصيلونها" بيين أن دار البوار جهنيم كميا قال ابين زييد ،وعلى هذا ل يجوز
الوقييف على "دار البوار" لن جهنييم منصييوبة على الترجميية عيين "دار البوار" فلو رفعهييا رافييع
بإضمار ،على معنى :هي جهنم ،أو بما عاد من الضمير في "يصلونها" لحسن الوقف على "دار
البوار"" .وبئس القرار" أي المستقر.
**3الية{ 30 :وجعلوا ل أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}
@قوله تعالى" :وجعلوا ل أندادا" أي أصيناما عبدوهيا؛ وقيد تقدم فيي "البقرة"" .ليضلوا عين
سيبيله" أي عين دينيه .وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو بفتيح الياء ،وكذلك فيي الحيج "ليضيل عين سيبيل
ال" [الحيج ]9 :ومثله فيي "لقمان" و"الزمير" وضمهيا الباقون على معنيى ليضلوا الناس عين
سييبيله ،وأمييا ميين فتييح فعلى معنييى أنهييم هييم يضلون عيين سييبيل ال على اللزوم ،أي عاقبتييم إلى
الضلل والضلل؛ فهذه لم العاقبة" .قل تمتعوا" وعيد لهم ،وهو إشارة إلى تقليل ما هم فيه من
ملذ الدنيا إذ هو منقطع" .فإن مصيركم إلى النار" أي مردكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم.
**3الية{ 31 :قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية من قبل
أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلل}
@قوله تعالى" :قيل لعبادي الذيين آمنوا" أي إن أهيل مكية بدلوا نعمية ال بالكفير ،فقيل لمين آمين
وحقق عبوديته أن "يقيموا الصلة" يعني الصلوات الخمس ،أي قل لهم أقيموا ،والمر معه شرط
مقدر ،تقول :أطييع ال يدخلك الجنيية؛ أي إن أطعتييه يدخلك الجنيية؛ هذا قول الفراء .وقال الزجاج:
"يقيموا" مجزوم بمعنى اللم ،أي ليقيموا فأسقطت اللم لن المر دل على الغائب بي "قل" .قال:
ويحتمل أن يقال" :يقيموا" جواب أمر محذوف؛ أي قل لهم أقيموا الصلة يقيموا الصلة" .وينفقوا
مميا رزقناهيم سيرا وعلنيية" يعنيي الزكاة؛ عين ابين عباس وغيره .وقال الجمهور :السير ميا خفيي
والعلنيية ميا ظهير .وقال القاسيم بين يحييى :إن السير التطوع والعلنيية الفرض ،وقيد مضيى هذا
المعنيى فيي "البقرة" مجودا عنيد قوله" :إن تبدوا الصيدقات فنعميا هيي" [البقرة" .]271 :مين قبيل
أن يأتييي يوم ل بيييع فيييه ول خلل" وأميير تعالى عباده بالنفاق ممييا رزقهييم ال وأنعييم بييه عليهييم
وحذرهيم مين المسياك إلى أن يجييء يوم ل يمكين فييه بييع ول شراء ول اسيتدراك نفقية ،كميا قال:
"فيقول رب لول أخرتنيي إلى أجيل قرييب فأصيدق" [المنافقون .]1 0 :والخلة :خالص المودة،
مأخوذة من تخلل السرار بين الصديقين جمع خلة كقلة وقلل .قال:
فلست بمقلي الخلل ول قالي
**3اليتان{ 33 - 32 :ال الذي خلق السيماوات والرض وأنزل مين السيماء ماء فأخرج بيه
مين الثمرات رزقيا لكيم وسيخر لكيم الفلك لتجري فيي البحير بأمره وسيخر لكيم النهار ،وسيخر لكيم
الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار}
@قوله تعالى" :ال الذي خلق السماوات والرض" أي أبدعها واخترعها على غير مثال سبق.
"وأنزل مين السيماء" أي مين السيحاب" .ماء فأخرج بيه مين الثمرات رزقيا لكيم" أي مين الشجير
ثمرات "رزقا لكم"" .وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره" تقدم معناه في "البقرة"" .وسخر
لكم النهار" يعني البحار العذبة لتشربوا منها وتسقوا وتزرعوا ،والبحار المالحة لختلف المنافع
مين الجهات" .وسخر لكم الشمس والقمير دائبين" أي في إصيلح ما يصلحانه من النبات وغيره،
والدؤوب مرور الشييء فيي العميل على عادة جاريية .وقييل :دائبيين فيي السيير امتثال لمير ال،
والمعنييى يجريان إلى يوم القياميية ل يفتران؛ روي معناه عيين ابيين عباس" .وسييخر لكييم الليييل
والنهار" أي لتسيكنوا فيي اللييل ولتبتغوا مين فضله فيي النهار ،كميا قال" :ومين رحمتيه جعيل لكيم
الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله" [القصص.]73 :
**3اليية{ 34 :وآتاكيم مين كيل ميا سيألتموه وإن تعدوا نعمية ال ل تحصيوها إن النسيان لظلوم
كفار}
@قوله تعالى" :وآتاكيم مين كيل ميا سيألتموه" أي أعطاكيم مين كيل مسيؤول سيألتموه شيئا؛ فحذف؛
عين الخفيش .وقييل :المعنيى وآتاكيم مين كيل ميا سيألتموه ،ومين كيل ميا لم تسيألوه فحذف ،فلم نسيأل
شمسا ول قمرا ول كثيرا من نعمه التي ابتدأنا بها .وهذا كما قال" :سرابيل تقيكم الحر" [النحل:
]81على ميا يأتيي .وقييل" :مين" زائدة؛ أي أتاكيم كيل ميا سيألتموه .وقرأ ابين عباس والضحاك
وغيرهميا "وآتاكيم مين كيل" بالتنويين "ميا سيألتموه" وقيد روييت هذه القراءة عين الحسين والضحاك
وقتادة؛ هي على النفي أي من كل ما لم تسألوه؛ كالشمس والقمر وغيرهما .وقيل :من كل شيء ما
سيألتموه أي الذي ميا سيألتموه" .وإن تعدوا نعمية ال ل تحصيوها" أي نعيم ال" .ل تحصيوها" ول
تطيقوا عدهيا ،ول تقوموا بحصيرها لكثرتهيا ،كالسيمع والبصير وتقوييم الصيور إلى غيير ذلك مين
العافية والرزق؛ نعم ل تحصى وهذه النعم من ال ،فلم تبدلون نعمة ال بالكفر؟! وهل استعنتم بها
على الطاعة؟! "إن النسان لظلوم كفار" النسان لفظ جنس وأراد به الخصوص؛ قال ابن عباس:
أراد أبا جهل .وقيل :جميع الكفار.
**3الية{ 35 :وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الصنام}
@قوله تعالى" :وإذ قال إبراهييم رب اجعيل هذا البلد آمنيا" يعنيي مكية وقيد مضيى فيي "البقرة".
"واجنبنيي وبنيي أن نعبيد الصينام" أي اجعلنيي جانبيا عين عبادتهيا ،وأراد بقوله( :بنيي) بنييه مين،
صيلبه وكانوا ثمانيية ،فميا عبيد أحيد منهيم صينما .وقييل :هيو دعاء لمين أراد ال أن يدعيو له .وقرأ
الجحدري وعيسييى "وأجنبنييي" بقطييع اللف والمعنييى واحييد؛ يقال :جنبييت ذلك الميير؛ وأجنبتييه
وجنبته إياه فتجانبه وأجتنبه أي تركه .وكان إبراهيم التيمي يقول في قصصه :من يأمن البلء بعد
الخليل حين يقول "وأجنبني وبني أن نعبد الصنام" كما عبدها أبي وقومي.
**3الية{ 36 :رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور
رحيم}
@قوله تعالى" :رب إنهن أضللن كثيرا من الناس" لما كانت سببا للضلل أضاف الفعل إليهن
مجازا؛ فإن الصينام جمادات ل تفعيل" .فمين تبعنيي" فيي التوحييد" .فإنيه منيي" أي مين أهيل دينيي.
"ومن عصاني" أي أصر على الشرك" .فإنك غفور رحيم" قيل :قال هذا قبل أن يعرفه ال أن ال
ل يغفر أن يشرك به .وقيل :غفور رحيم لمن تاب من معصيته قبل الموت .وقال مقاتل بن حيان:
"ومن عصاني" فيما دون الشرك.
**3الية{ 37 :ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا
الصلة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}
@ روى البخاري عن ابن عباس(:أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل؛ اتخذت منطقا
لتعفيي أثرهيا على سيارة ،ثم جاء بهيا إبراهييم وبابنهيا إسماعيل وهي ترضعه ،حتى وضعهميا عند
البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد؛ وليس ،بمكة يومئذ أحد ،وليس بها ماء ،فوضعهما
هنا لك؛ ووضع عندهما جرابا فيه تمر ،وسقاء فيه ماء ،ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل؛
فقالت :ييا إبراهييم! أيين تذهيب وتتركنيا بهذا الوادي الذي لييس فييه إنيس ول شييء ،فقالت له ذلك
مرارا وجعيل ل يلتفيت إليهيا ،فقالت له :ال أمرك بهذا؟ قال :نعيم .قالت إذا ل يضيعنيا؛ ثيم رجعيت،
فانطلق إبراهيييم حتييى إذا كان عنييد التثنييية حيييث ل يرونييه ،اسييتقبل بوجهييه البيييت ثييم دعييا بهذه
الدعوات ،ورفيع يدييه فقال" :ربنيا إنيي أسيكنت مين ذريتيي بواد غيير ذي زرع" [إبراهييم]37 :
حتى بلغ "يشكرون" وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء ،حتى إذا نفد ما
فيي السيقاء عطشيت وعطيش ابنهيا ،وجعلت تنظير إلييه يتلوى -أو قال بتلبيط -فانطلقيت كراهيية أن
تنظر إليه ،فوجدت الصفا أقرب جبل في الرض يليها ،فقامت عليه ،ثم استقبلت الوادي تنظر هل
ترى أحدا ،فلم تر أحدا ،فهبطت من الصفا ،حتى إذا بلغت الوادي ،رفعت طرف درعها ،ثم سعت
سيعي النسيان المجهود ،ثيم جاوزت الوادي ،ثيم أتيت المروة فقاميت علييه ،فنظرت هيل ترى أحدا
فلم تير أحدا ،ففعلت ذلك سيبع مرات؛ قال ابين عباس قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :فذلك سيعي
الناس بينهم) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت :صه! تريد نفسها ،ثم تسمعت فسمعت
أيضيا فقالت :قيد أسيمعت ،إن كان عندك غواث! فإذا هيي بالملك عنيد موضيع زمزم فبحيث بعقبيه -
أو قال بجناحيه -حتيى ظهير الماء ،فجعلت تحوضيه وتقول بيدهيا هكذا ،وجعلت تغرف مين الماء
في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف؛ قال ابن عباس قال النبي صلى ال عليه وسلم( :يرحم ال أم
إسماعيل لو تركت زمزم -أو قال :لو لم تغرف من الماء -لكانت زمزم عينا معينا) قال :فشربت
وأرضعت ولدها فقال لها الملك :ل تخافي الضيعة فإن ها هنا بيت ال يبنيه هذا الغلم وأبوه ،وإن
ال ل يضيع أهله) وذكر الحديث بطوله.
مسيألة :ل يجوز لحيد أن يتعلق بهذا فيي طرح ولده وعياله بأرض مضيعية اتكال على العزييز
الرحيم ،واقتداء بفعل إبراهيم الخليل ،كما تقول غلة الصوفية في حقيقة التوكل ،فإن إبراهيم فعل
ذلك بأمر ال لقوله الحديث :آل أمرك بهذا؟ قال :نعم .وقد روي أن سارة لما غارت من هاجر بعد
أن ولدت إسيماعيل خرج بهيا إبراهييم علييه السيلم إلى مكية ،فروي أنيه ركيب البراق هيو وهاجير
والطفل فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكة ،وترك ابنه وأمته هنا لك وركب منصرفا من
يومه ،فكان ذلك كله بوحي من ال تعالى ،فلما ولي دعا بضمن هذه الية.
@ لما أراد ال تأسيس الحال ،وتمهيد المقام ،وخط الموضع للبيت المكرم ،والبلد المحرم ،أرسل
الملك فبحييث عيين الماء وأقامييه مقام الغذاء ،وفييي الصييحيح :أن أبييا ذر رضييي ال عنييه اجتزأ بييه
ثلثيين بيين يوم وليلة ،قال أبيو ذر :ميا كان لي طعام إل ماء زمزم فسيمنت حتيى تكسيرت عكنيي،
وما أجد على كبدي سخفة جوع؛ وذكر الحديث .وروي الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول
ال صييلى ال عليييه وسييلم( :ماء زمزم لمييا شرب له إن شربتييه تشتفييي بييه شفاك ال وإن شربتييه
لشبعيك أشبعيك ال بيه وإن شربتيه لقطيع ظمئك قطعيه وهيي هزمية جبرييل وسيقيا ال إسيماعيل).
وروي أيضيا عين عكرمية قال :كان ابين عباس إذا شرب مين زمزم قال :اللهيم إنيي أسيألك علميا
نافعيا ،ورزقيا واسيعا ،وشفاء مين كيل داء .قال ابين العربيي :وهذا موجود فييه إلى يوم القيامية لمين
صيحت نيتيه ،وسيلمت طويتيه ،ولم يكين بيه مكذبيا ،ول يشربيه مجربيا ،فإن ال ميه المتوكليين ،وهيو
يفضيح المجربيين .وقال أبيو عبدال محميد بين علي الترمذي وحدثنيي أبيي رحميه ال قال :دخلت
الطواف فييي ليلة ظلماء فأخذنييي ميين البول مييا شغلنييي ،فجعلت أعتصيير حتييى آذانييي ،وخفييت إن
خرجييت ميين المسييجد أن أطييأ بعييض تلك القدام ،وذلك أيام الحييج؛ فذكرت هذا الحديييث ،فدخلت
زمزم فتضلعت منه ،فذهب عني إلى الصباح .وروي عن عبدال بن عمرو :إن في زمزم عينا في
الجنة من قبل الركن.
@قوله تعالى" :ومين ذريتيي" "مين" فيي قوله تعالى" :مين ذريتيي" للتبعييض أي أسيكنت بعيض
ذريتي؛ يعني إسماعيل وأمه ،لن إسحاق كان بالشام .وقيل :هي صلة؛ أي أسكنت ذريتي" .عند
بيتك المحرم" يدل على أن البيت كان قديما على ما روي قبل الطوفان ،وقد مضى هذا المعنى في
سييورة "البقرة" .أضاف البيييت إليييه لنييه ل يملكييه غيره ،ووصييفه بأنييه محرم ،أي يحرم فيييه مييا
يستباح في غيره من جماع واستحلل .وقيل :محرم على الجبابرة ،وأن تنتهك حرمته ،ويستخف
بحقه ،قاله قتادة وغيره .وقد مضى القول في هذا في "المائدة"" .ربنا ليقيموا الصلة" خصها من
جملة الدين لفضلها فيه ،ومكانها منه ،وهي عهد اله عند العباد؛ قال صلى ال عليه وسلم( :خمس
صيلوات كتبهين ال على العباد) .الحدييث .واللم فيي "ليقيموا الصيلة" لم كيي؛ هذا هيو الظاهير
فيهييا وتكون متعلقيية بييي"أسييكنت" ويصييح أن تكون لم أميير ،كأنييه رغييب إلى ال أن يأتمنهييم وأن
يوفقهم لقامة الصلة.
@ تضمنيت هذه اليية أن الصيلة بمكية أفضيل مين الصيلة بغيرهيا؛ لن معنيى "ربنيا ليقيموا
الصيلة" أي أسيكنتهم عنيد بيتيك المحرم ليقيموا الصيلة فييه .وقيد اختلف العلماء هيل الصيلة بمكية
أفضيل أو فيي مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم؟ فذهيب عامية أهيل الثير إلى أن المسيجد الحرام
أفضيل مين الصيلة فيي مسيجد الرسيول صيلى ال عليه وسيلم بمائة صيلة ،واحتجوا بحدييث عبدال
بن الزبيرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :صلة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلة
فيميا سيواه مين المسياجد إل المسيجد الحرام وصيلة فيي المسيجد الحرام أفضيل مين صيلة مسيجدي
هذا بمائة صلة" .قال المام الحافظ أبو عمر :وأسند هذا الحديث حبيب المعلم عن عطاء بن أبي
رباح عين عبدال بين الزبيير وجوده ،ولم يخلط فيي لفظيه ول فيي معناه ،وكان ثقية .قال ابين أبيي.
خيثمية سيمعت يحييى بين معيين يقول :حيبيب المعلم ثقية .وذكير عبدال بين أحميد قال سيمعت أبيي
يقول :حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه! وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال :بصري
ثقة.
قلت :وقيد خرج حدييث حيبيب المعلم هذا عين عطاء بين أبيي رباح عين عبدال بين الزبيير عين
النبي صلى ال عليه وسلم الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم التميمي البستي في المسند الصحيح له،
فالحديث صحيح وهو الحجة عند التنازع والختلف .والحمد ل .قال أبو عمر :وقد روي عن ابن
عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم مثل حديث ابن الزبير؛ رواه موسى الجهني عن نافع عن ابن
عمرو؛ وموسيى الجهنيي الكوفيي ثقية ،أثنيى علييه القطان وأحميد ويحييى وجماعتهيم .وروى عنيه
شعبة .والثوري ويحيى بن سعيد .وروى حكيم بن سيف ،حدثنا عبيدال بن عمر؛ عن عبدالكريم
عن عطاء بن أبي رباح ،عن جابر بن عبدال قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :صلة في
مسجدي هذا أفضل من ألف صلة فيما سواه إل المسجد الحرام وصلة في المسجد الحرام أفضل
مين مائة ألف فيمين سيواه) .وحكييم بين سييف هذا شييخ مين أهيل الرقية قيد روى عنيه أبيو زرعية
الرازي ،وأخذ عنه ابن وضاح ،وهو عندهم شيخ صدوق ل بأس به .فإن كان حفظ فهما حديثان،
وإل فالقول قول حبيب المعلم .وروى محمد بن وضاح ،حدثنا يوسف بن عدي عن عمر بن عبيد
عين عبدالملك عين عطاء عين ابين عمير قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :صييلة فيي
مسيجدي هذا أفضيل مين ألف صيلة فيي غيره مين المسياجد إل المسيجد الحرام فإن الصيلة فييه
أفضل) .قال أبو عمر :وهذا كله نص في موضع الخلف قاطع له عند من ألهم رشده ،ولم تمل به
عصييته .وذكير ابين حيبيب عين مطرف وعين أصيبغ عين ابين وهيب أنهميا كانيا يذهبان إلى تفضييل
الصيلة فيي المسيجد الحرام على الصيلة فيي مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم على ميا فيي هذا
الباب .وقيد اتفيق مالك وسيائر العلماء على أن صيلة العيديين ييبرز لهميا فيي كيل بلد إل مكية فإنهيا
تصييلي فييي المسييجد الحرام .وكان عميير وعلي وابيين مسييعود وأبييو الدرداء وجابر يفضلون مكيية
ومسييجدها وهييم أولى بالتقليييد مميين بعدهييم؛ وإلى هذا ذهييب الشافعييي .وهييو قول عطاء والمكيييين
والكوفييين ،وروي مثله عين مالك؛ ذكير ابين وهيب فيي جامعيه عين مالك أن آدم علييه السيلم لميا
أهبيط إلى الرض قال :ييا رب هذه أحيب إلييك أن تعبيد فيهيا؟ قال :بيل مكية .والمشهور عنيه وعين
أهل المدينة تفضيل المدينة ،واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك؛ فطائفة تقول مكة ،وطائفة
تقول المدينة.
@قوله تعالى" :فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" الفئدة جمع فؤاد وهي القلوب ،وقد يعبر عن
القلب بالفؤاد كما قال الشاعر:
إليك على طول المدى لصبور وإن فؤادا قادني بصبابة
وقيل :جمع وفد ،والصل أوفدة ،فقدمت الفاء وقلبت الواو ياء كما هي ،فكأنه قال :واجعل وفودا
مين الناس تهوي إليهيم؛ أي تنزع؛ يقال :هوي نحوه إذا مال ،وهوت الناقية تهوي هوييا فهيي هاويية
إذا عدت عدوا شديدا كأنهيييا فيييي هواء بئر ،وقوله" :تهوي إليهيييم" مأخوذ منيييه .قال ابييين عباس
ومجاهييد :لو قال أفئدة الناس لزدحمييت عليييه فارس والروم والترك والهنييد واليهود والنصييارى
والمجوس ،ولكين قال" :مين الناس" فهيم المسيلمون؛ فقوله" :تهوي إليهيم" أي تحين إليهيم ،وتحين
إلى زيارة البييت .وقرأ مجاهيد "تهوَى إليهيم" أي تهواهيم وتجلهيم" .وارزقهيم مين الثمرات لعلهيم
يشكرون" فاسيييتجاب ال دعاءه ،وأنبيييت لهيييم بالطائف سيييائر الشجار ،وبميييا يجلب إليهيييم مييين
المصار .وفي صحيح البخاري عن ابن عباس الحديث الطويل وقد ذكرنا بعضه( :فجاء إبراهيم
بعيد ميا تزوج إسيماعيل يطالع تركتيه فلم يجيد إسماعيل ،فسيأل امرأته عنه فقالت :خرج يبتغيي لنيا،
ثم سألهم عن عيشهم وهيئتهم فقالت :نحن بشر ،نحن في ضيق وشدة؛ فشكت إليه ،قال :فإذا جاء
زوجك فاقرئي عليه السلم وقولي له يغير عتبة بابه ،فلما جاء إسماعيل كأنه أنس شيئا فقال :هل
جاءكيم مين أحيد! قالت :نعيم جاءنيا شييخ كذا وكذا فسيألني عنيك فأخيبرته ،وسيألني كييف عيشتنيا
فأخيبرته أنيا فيي جهيد وشدة ،قال فهيل أوصياك بشييء :قالت :أمرنيي أن أقرأ علييك السيلم ،ويقول:
غيير عتبية بابيك؛ قال :ذاك أبيي وقيد أمرنيي أن أفارقيك ألحقيي بأهلك؛ فطلقهيا وتزوج منهيم أخرى،
فلبث عنهم إبراهيم ما شاء ال ثم أتاهم بعد فلم يجده ،ودخل على امرأته فسألها عنه فقالت :خرج
يبتغيي لنيا .قال :كييف أنتيم؟ وسيألها عين عيشهيم وهيئتهيم فقالت :نحين بخيير وسيعة وأثنيت على ال.
قال ما طعامكم؟ قالت :اللحم .قال فما شرابكم؟ قالت :الماء .قال :اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى ال عليه وسلم( :ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه) .قال :فهما ل
يخلو عليهميا أحيد بغيير مكية إل لم يوافقاه؛ وذكير الحدييث .وقال ابين عباس :قول إبراهييم "فاجعيل
أفئدة مين الناس تهوي إليهيم" سيأل أن يجعيل ال الناس يهوون السيكنى بمكية ،فيصيير بيتيا محرميا،
وكل ذلك كان والحمد ل .وأول من سكنه جرهم .ففي البخاري -بعد قوله :وإن ال ل يضيع أهله
-وكان البيت مرتفعا من الرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ،وكذلك حتى
مرت بهم رفقة من جرهم قافلين من طريق كذا ،فنزلوا بأسفل مكة ،فرأوا طائرا عائفا فقالوا :إن
هذا الطائر ليدور على ماء! لعهدنييا بهذا الوادي ومييا فيييه ماء؛ فأرسييلوا جريييا أو جريييين فإذا هييم
بالماء ،فأخيبروهم بالماء فأقبلوا .قال :وأم إسيماعيل عنيد الماء؛ فقالوا :أتأذنيين لنيا أن ننزل عندك؟
قالت :نعيم ولكين ل حيق لكيم فيي الماء .قالوا :نعيم .قال ابين عباس قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم:
(فألفي ذلك أم إسماعيل وهي تحب النس) فنزلوا وأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهيم حتى إذا كان
بها أهل أبيات منهم ،شب الغلم ،وماتت أم إسماعيل ،فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع
تركته؛ الحديث.
**3الية{ 38 :ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على ال من شيء في الرض ول
في السماء}
@قوله تعالى" :ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن" أي ،ليس يخفى عليك شيء من أحوالنا .وقال
ابن عباس ومقاتل :تعلم جميع ما أخفيه وما أعلنه من الوجه بإسماعيل وأمه حيث أسكنا بواد غير
ذي زرع" .وميا يخفيي على ال مين شييء فيي الرض ول فيي السيماء" قييل :هيو مين قول إبراهييم.
وقييل :هيو مين قول ال تعالى لميا قال إبراهييم" :ربنيا إنيك تعلم ميا نخفيي وميا نعلن" قال ال" :وميا
يخفى على ال من شيء في الرض ول في السماء".
**3الية{ 39 :الحمد ل الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء}
@ أي على كبر سني وسن امرأتي؛ قال ابن عباس :ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة.
وإسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة .وقال سعيد بن جبير :بشير إبراهيم بإسحاق بعد عشر
ومائة سنة" .إن ربي لسميع الدعاء".
**3اليتان{ 41 - 40 :رب اجعلني مقيم الصلة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ،ربنا اغفر لي
ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}
@قوله تعالى" :رب اجعلنيي مقييم الصيلة" أي مين الثابتيين على السيلم والتزام أحكاميه" .ومين
ذريتيي" أي واجعيل مين ذريتيي مين يقيمهيا" .ربنيا وتقبيل دعاء" أي عبادتيكميا قال" :وقال ربكيم
ادعوني أستجب لكم" [غافر .]60 :وقال عليه السلم" :الدعاء مخ العبادة) وقد تقدم في "البقرة".
"ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين" قيل :استغفر إبراهيم لوالديه قبل أن يثبت عنده أنهما عدوان
ل .قال القشيري :ول يبعيد أن تكون أميه مسيلمة لن ال ذكير عذره فيي اسيتغفاره لبييه دون أميه.
قلت :وعلى هذا قراءة سيعيد بين جيبير" ،رب اغفير لي ولوالدي" يعنيي .أباه .وقييل :اسيتغفر لهميا
طمعا في إيمانهما .وقيل :استغفر لهما بشرط أن يسلما .وقيل :أراد آدم وحواء .وقد روي أن العبد
إذا قال :اللهم اغفر لي ولوالدي وكان أبواه قد ماتا كافرين انصرفت المغفرة إلى آدم وحواء لنهما
والدا الخلق أجمع .وقيل :إنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق .وكان إبراهيم النخعي يقرأ" :ولولدي"
يعنيي ابنييه ،وقييل :إنيه أراد ولدييه إسيماعيل وإسيحاق .وكان إبراهييم "وللمؤمنيين" قال ابين عباس:
من أمة محمد صلى ال عليه وسلم .وقيل" :للمؤمنين" كلهم وهو أظهر" .يوم يقوم الحساب" أي
يوم يقوم الناس للحساب.
**3اليية{ 42 :ول تحسيبن ال غافل عميا يعميل الظالمون إنميا يؤخرهيم ليوم تشخيص فييه
البصار}
@قوله تعالى" :ول تحسبن ال غافل عما يعمل الظالمون" وهذا تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم
بعد أن أجبه من أفعال المشركين ومخالفتهم دين إبراهيم؛ أي أصبر إبراهيم ،وأعلم المشركين أن
تأخيير العذاب لييس للرضيا بأفعالهيم ،بيل سينة ال إمهال العصياة مدة .قال ميمون بين مهران :هذا
وعبيد للظالم ،وتعزيية للمظلوم" .إنميا يؤخرهيم" يعنيي مشركيي مكية يمهلهيم ويؤخير بهيم .وقراءة
العاميية "يؤخرهييم" بالياء واختاره أبييو عبيييد وأبييو حاتييم لقوله "ول تحسييبن ال" .وقرأ الحسيين
والسلمي وروي عن أبي عمرو أيضا "نؤخرهم" بالنون للتعظيم" .ليوم تشخص فيه البصار" أي
ل تغمييض ميين هول مييا تراه فييي ذلك اليوم ،قاله الفراء .يقال :شخييص الرجييل بصييره وشخييص
البصر نفسه أي سما وطمح من هول ما يرى .قال ابن عباس :تشخص أبصار الخلئق يومئذ إلى
الهواء لشدة الحيرة فل يرمضون.
**3الية{ 43 :مهطعين مقنعي رؤوسهم ل يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}
@قوله تعالى" :مهطعيين" أي مسيرعين؛ قاله الحسين وقتادة وسيعيد بين جيبير؛ مأخوذ مين أهطيع
يهطع إذا أسرع ومنه قوله تعالى" :مهطعين إلى الداع" [القمر ]8 :أي مسرعين .قال الشاعر:
بدجلة مهطعين إلى السماع بدجلة دارهم ولقد أراهم
وقيل :المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع؛ أي ناظرين من غير أن يطرفوا؛ قاله ابن عباس ،وقال
مجاهييد والضحاك" :مهطعييين" أي مديمييي النظيير .وقال النحاس :والمعروف فييي اللغيية أن يقال:
أهطيع إذا أسيرع؛ قال أبيو عبييد :وقيد يكون الوجهان جميعيا يعنيي السيراع ميع إدامية النظير .وقال
ابين زييد :المهطيع الذي ل يرفيع رأسيه" .مقنعيي رؤوسيهم" أي رافعيي رؤوسيهم ينظرون فيي ذل.
وإقناع الرأس رفعه؛ قال ابن عباس ومجاهد .قال ابن عرفة والقتبي وغيرهما :المقنع الذي يرفع
رأسيه ويقبيل ببصيره على ميا بيين يدييه؛ ومنيه القناع فيي الصيلة وأقنيع صيوته إذا رفعيه .وقال
الحسيين :وجوه الناس يومئذ إلى السييماء ل ينظيير أحييد إلى أحييد .وقيييل :ناكسييي رؤوسييهم؛ قال
المهدوي :ويقال أقنع إذا رفع رأسه ،وأقنع إذا رأسه ذلة وخضوعا ،والية محتملة الوجهين ،وقاله
المبرد ،والقول الول أعرف في اللغة؛ قال الراجز:
كأنما أبصر شيئا أطمعا أنغض نحوي رأسه وأقنعا
وقال الشماخ يصف إبل:
نواجذهن كالحدأ الوقيع يباكرن العضاه بمقنعات
يعني :برؤوس مرفوعات إليها لتتناولهن .ومنه قيل :مقنعة لرتفاعها .ومنه قنع الرجل إذا رضي؛
أي رفع رأسه عن السؤال .وقنع إذا سأل أي أتى ما يتقنع منه؛ عن النحاس .وفم مقنع أي معطوفة
أسنانه إلى داخل .ورجل مقنع بالتشديد؛ أي عليه بيضة قاله الجوهري" .ل يرتد إليهم طرفهم" أي
ل ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر فهي شاخصة النظر .يقال :طرف الرجل يطرف طرفا إذا
أطبق جفنه على الخر ،فسمي النظر طرفا لنه به يكون .والطرف العين .قال عنترة:
حتى يواري جارتي مأواها وأغض طرفي ما بدت جارتي
وقال جميل:
لجمل وللطرف الذي أنا قاصره وأقصر طرفي دون جمل كرامة
@قوله تعالى" :وأفئدتهم هواء" أي ل تغني شيئا من شدة الخوف .ابن عباس :خالية من كل خير.
السيدي :خرجيت قلوبهيم مين صيدورهم فنشبيت فيي حلوقهيم؛ وقال مجاهيد ومرة وابين زييد :خاويية
خربة متخرقة ليس فيها خير ول عقل؛ كقولك في البيت الذي ليس فيه شيء :إنما هو هواء؛ وقال
ابن عباس :والهواء في اللغة المجوف الخالي؛ ومنه قول حسان:
فأنت مجوفة نخب هواء أل أبلغ أبا سفيان عني
وقال زهير يصف صغيرة الرأس:
من الظلمان جؤجؤه هواء كأن الرجل منها فوق صعل
فارغ أي خال؛ وفي التنزيل" :وأصبح فؤاد أم موسى فارغا" [القصص ]10 :أي من كل شيء
إل من هم موسى .وقيل :في الكلم إضمار؛ أي ذات هواء وخلء.
**3اليية{ 44 :وأنذر الناس يوم يأتيهيم العذاب فيقول الذيين ظلموا ربنيا أخرنيا إلى أجيل قرييب
نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}
@قوله تعالى" :وأنذر الناس" قال ابين عباس :أراد أهيل مكية" .يوم يأتيهيم العذاب" وهيو يوم
القياميية؛ أي خوفهييم ذلك اليوم .وإنمييا خصييهم بيوم العذاب وإن كان يوم الثواب ،لن الكلم خرج
مخرج التهدييد للعاصيي" .فيقول الذيين ظلموا" أي فيي ذلك اليوم "ربنيا أخرنيا" أي أمهلنيا" .إلى
أجل قريب" سألوه الرجوع إلى الدنيا حين ظهير الحق في الخرة" .نجب دعوتك ونتبع الرسل"
أي إلى السلم فيجابوا" :أولم تكونوا أقسمتم من قبل" يعني في دار الدنيا" .ما لكم من زوال" قال
مجاهد :هو قسم قريش أنهم ل يبعثون .ابن جريج :هو ما حكاه عنهم في قوله" :وأقسموا بال جهد
أيمانهيم ل يبعيث ال مين يموت" [النحيل" .]38 :ميا لكيم مين زوال" فييه تأويلن :أحدهميا :ميا لكيم
مين انتقال عين الدنييا إلى الخرة؛ أي ل تبعثون ول تحشرون؛ وهذا قول مجاهيد .الثانيي" :ميا لكيم
مين زوال" أي مين العذاب .وذكير البيهقيي عين محميد بين كعيب القرظيي قال :لهيل النار خميس
دعوات يجيبهيم ال أربعية ،فإذا كان فيي الخامسية لم يتكلموا بعدهيا أبدا ،يقولون" :ربنيا أمتنيا اثنتيين
وأحييتنيا اثنتيين فاعترفنيا بذنوبنيا فهيل إلى خروج مين سيبيل" [غافير ]11 :فيجيبهيم ال "ذلكيم بأنيه
إذا دعيي ال وحده كفرتيم وأن يشرك بيه تؤمنوا فالحكيم ل العلي الكيبير" [غافير ]12 :ثيم يقولون:
"ربنيا أبصيرنا وسيمعنا فارجعنيا نعميل صيالحا إنيا موقنون" [السيجدة ]12 :فيجيبهيم ال تعالى:
"فذوقوا بميا نسييتم لقاء يومكيم هذا إنيا نسييناكم وذوقوا عذاب الخلد بميا كنتيم تعملون" [السيجدة:
]14ثم يقولون" :ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل" فيجيبهم ال تعالى "أو
لم تكونوا أقسيمتم مين قبيل ميا لكيم مين زوال" فيقولون" :ربنيا أخرجنيا نعميل صيالحا غيير الذي كنيا
نعميل" [فاطير ]37 :فيجيبهيم ال تعالى" :أو لم نعمركيم ميا يتذكير فييه مين تذكير وجاءكيم النذيير
فذوقوا فميا للظالميين مين نصيير" [فاطير .]37 :ويقولون" :ربنيا غلبيت علينيا شقوتنيا وكنيا قوميا
ضالين" [المؤمنون ]106 :فيجيبهم ال تعالى" :اخسؤوا فيها ول تكلمون" [المؤمنون]108 :
فل يتكلمون بعدهيا أبدا؛ خرجيه ابين المبارك فيي {دقائقيه} بأطول مين هذا -وقيد كتبناه فيي كتاب
{التذكرة} وزاد فيي الحدييث "وسيكنتم فيي مسياكن الذيين ظلموا أنفسيهم وتيبين لكيم كييف فعلنيا بهيم
وضربنيا لكيم المثال .وقيد مكروا مكرهيم وعنيد ال مكرهيم وإن كان مكرهيم لتزول منيه الجبال"
[إبراهيم ]45 - 44:قال هذه الثالثة ،وذكر الحديث وزاد بعد قوله" :اخسؤوا فيها ول تكلمون"
[المؤمنون ]108 :فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء ،وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في
وجه بعضهم في وجه بعض ،وأطبقت عليهم؛ وقال :فحدثني الزهر بن أبي الزهر أنه ذكر له
أن ذلك قوله" :هذا يوم ل ينطقون .ول يؤذن لهم فيعتذرون" [المرسلت.]36 - 35:
**3الية{ 45 :وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم
المثال}
@قوله تعالى" :وسيكنتم فيي مسياكن الذيين ظلموا أنفسيهم وتيبين لكيم كييف فعلنيا بهيم وضربنيا لكيم
المثال" أي في بلد ثمود ونحوها فهل اعتبرتم بمساكنهم ،بعد ما تبين لكم ما فعلنا بهم ،وبعد أن
ضربنيا لكيم المثال فيي القرآن .وقرأ أبيو عبدالرحمين السيلمي "ونيبين لكيم" بنون والجزم على أنيه
مستقبل ومعناه الماضي؛ وليناسب قوله" :كيف فعلنا بهم" .وقراءة الجماعة" ،وتبين" وهي مثلها
في المعنى؛ لن ذلك ل تبين لهم إل بتبيين ال إياهم.
**3الية{ 46 :وقد مكروا مكرهم وعند ال مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
@قوله تعالى" :وقيد مكروا مكرهيم" أي بالشرك بال وتكذييب الرسيل والمعاندة؛ عين ابين عباس
وغيره" .وعنييد ال مكرهييم وإن كان مكرهييم لتزول منييه الجبال" "إن" بمعنييى "مييا" أي مييا كان
مكرهيم لتزول منيه الجبال لضعفيه ووهنيه؛ "وإن" بمعنيى "ميا" فيي القرآن فيي مواضيع خمسية:
أحدها هذا .الثاني" :فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك" [يونس .]94 :الثالث" :لو أردنا أن نتخذ
لهوا لتخذناه مين لدنيا إن كنيا" [النيبياء ]17 :أي ميا كنيا .الرابيع" :قيل إن كان للرحمين ولد"
[الزخرف .]81 :الخاميس" :ولقيد مكناهيم فيميا إن مكناكيم فييه" [الحقاف .]26 :وقرا الجماعية
"وإن كان" بالنون .وقرأ عمرو بن علي وابن مسعود وأبي "وإن كاد" بالدال .والعامة على كسر
اللم فيي "لتزول" على أنهيا لم الجحود وفتيح اللم الثانيية نصييبا .وقرأ بين محيصين وابين جرييج
والكسيائي "لتزول" بفتيح اللم الول على أنهيا لم البتداء ورفيع الثانيية "وإن" مخففية مين الثقيلة،
ومعنيى هذه القراءة اسيتعظام مكرهيم؛ أي ولقيد عظيم مكرهيم حتيى كادت الجبال تزول منيه؛ قال
الطيبري :الختيار القراءة الولى؛ لنهيا لو كانيت زالت لم تكين ثابتية؛ قال أبيو بكير النباري :ول
حجة على مصحف المسلمين في الحديث الذي حدثناه أحمد بن الحسين :حدثنا عثمان بن أبي شيبة
حدثنيا وكييع بين الجراح عين إسيرائيل عين أبيي إسيحاق عين عبدالرحمين بين دانييل قال سيمعت علي
بيين أبييي طالب رضييي ال عنييه يقول :إن جبارا ميين الجبابرة قال ل أنتهييي حتييى أعلم ميين فييي
السماوات ،فعمد إلى فراخ نسور ،فأمر أن تطعم اللحم ،حتى اشتدت وعضلت واستعلجت أمر بأن
يتخذ تابوت يسع فيه رجلين؛ وأن يجعل فيه عصا في رأسها لحم شديد حمرته ،وأن يستوثق من
أرجييل النسييور بالوتاد؛ وتشييد إلى قوائم التابوت ،ثييم جلس هييو وصيياحب له ميين التابوت وأثار
النسييور ،فلمييا رأت اللحييم طلبتييه ،فجعلت ترفييع التابوت حتييى بلغييت بييه مييا شاء ال؛ فقال الجبار
لصاحبه :افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال :أرى الجبال كأنها ذباب ،فقال :أغلق الباب؛ ثم صعدت
بالتابوت ما شاء ال أن تصعد ،فقال الجبار لصاحبه :افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال :ما أرى إل
السماء وما تزداد منا إل بعدا ،فقال :نكس العصا فنكسها ،فانقضت النسور .فلما وقع التابوت على
الرض سيمعت له هدة كادت الجبال تزول عين مراتبهيا منهيا؛ قال :فسيمعت علييا رضيي ال عنيه
يقرأ "وإن كان مكرهم لتزول" بفتح اللم الولى من "لتزول" وضم الثانية .وقد ذكر الثعلبي هذا
الخيبر بمعناه ،وأن الجبار هيو النمرود الذي حاج إبراهييم فيي ربيه ،وقال عكرمية :كان معيه فيي
التابوت غلم أمرد ،وقييد حمييل القوس والنبييل فرمييى بهمييا فعاد إليييه ملطخييا بالدماء وقال :كفيييت
نفسيك إله السيماء .قال عكرمية :تلطيخ بدم سيمكة مين السيماء ،فذفيت نفسيها إلييه مين بحير فيي الهواء
معلق .وقييل :طائر مين الطيير أصيابه السيهم ثيم أمير نمرود صياحبه أن يضرب العصيا وأن ينكيس
اللحيم ،فهبطيت النسيور بالتابوت ،فسيمعت الجبال حفييف التابوت والنسيور ففزعيت ،وظنيت أنيه قيد
حدث بهييا حدث ميين السييماء ،وأن السيياعة قييد قامييت ،فذلك قوله" :وإن كان مكرهييم لتزول منييه
الجبال" .قال القشيري :وهذا جائز بتقدير خلق الحياة في الجبال .وذكر الماوردي عن ابن عباس:
أن النمرود بين كنعان بنيى الصيرح فيي قريية الرس مين سيواد الكوفية ،وجعيل طول خمسية آلف
ذراع وخمسيين ذراعيا ،وعرضيه ثلثية آلف ذراع وخمسية وعشريين ذراعيا ،وصيعد منيه ميع
النسيور ،فلميا علم أنيه ل سيبيل له إلى السيماء اتخذه حصينا ،وجميع فييه أهله وولده ليتحصين فييه.
فأتى ال بنيانه من القواعد ،فتداعي الصرح عليهم فهلكوا جميعا ،فهذا معنى "وقد مكروا مكرهم"
وفيي الجبال التيي عنيي زوالهيا بمكرهيم وجهان :أحدهميا :جبال الرض .الثانيي :السيلم والقرآن،
لنيه لثبوتيه ورسيوخه كالجبال .وقال القشيري" :وعنيد ال مكرهيم" أي هيو عالم بذلك فيجازيهيم أو
عنيد ال جزاء مكرهيم فحذف المضاف" .وإن كان مكرهيم لتزول منيه الجبال" بكسير اللم؛ أي ميا
كان مكرهيم مكرا يكون له أثير وخطير عنيد ال تعالى ،فالجبال مثيل لمير النيبي صيلى ال علييه
وسييلم .وقيييل" :وإن كان مكرهييم" فييي تقديرهييم "لتزول منييه الجبال" وتؤثيير فييي إبطال السييلم.
وقرئ "لتزول منييه الجبال" بفتييح اللم الولى وضييم الثانييية؛ أي كان مكرا عظيمييا تزول منييه
الجبال ،ولكن ال حفظ رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهو كقوله تعالى" :ومكروا مكرا كبارا"
[نوح ]22 :والجبال ل تزول ولكن العبارة عن تعظيم الشيء هكذا تكون.
**3الية{ 47 :فل تحسبن ال مخلف وعده رسله إن ال عزيز ذو انتقام}
@قوله تعالى" :فل تحسيبن ال مخلف وعده رسيله" اسيم ال تعالى و"مخلف" مفعول تحسيب؛
و"رسله" مفعول "وعده" وهو على التساع ،والمعنى :مخلف وعده رسله؛ قال الشاعر:
وسائره باد إلى الشمس أجمع ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه
قال القتيبي :هيو مين المقدم الذي يوضحيه التأخيير ،والمؤخير الذي يوضحيه التقدييم ،وسيواء فيي
قولك :مخلف وعده رسييله ،ومخلف رسييله وعده" .إن ال عزيييز ذو انتقام" أي ميين أعدائه .وميين
أسمائه المنتقم وقد بيناه في "الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى".
**3الية{ 48 :يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات وبرزوا ل الواحد القهار}
@قوله تعالى" :يوم تبدل الرض غيير الرض" أي اذكير يوم تبدل الرض ،فتكون متعلقة بميا
قبله .وقيييل :هييو صييفة لقول" :يوم يقوم الحسيياب" [إبراهيييم .]41 :واختلف فييي كيفييية تبديييل
الرض ،فقال كثير من الناس :إن تبدل الرض عبارة عن تغير صفاتها ،وتسوية آكامها ،ونسف
جبالهيا ،وميد أرضهيا؛ ورواه ابين مسيعود رضيي ال عنيه؛ خرجيه ابين ماجية فيي سيننه وذكره ابين
المبارك من حديث شهر بن حوشب ،قال حدثني ابن عباس قال :إذا كان يوم القيامة مدت الرض
مد الديم وزيد في سعتها كذا وكذا؛ وذكر الحديث .وروي مرفوعا من حديث أبي هريرة أن النبي
صلى ال عليه وسلم قال( :تبدل الرض غير الرض فيبسطها ويمدها مد الديم العكاظي ل ترى
فيها عوجا ول أمتا ثم يزجر ال الخلق زجرة فإذا هم في الثانية في مثل مواضعهم من الولى من
كان في بطنها ففي بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها) ذكره الغزنوي .وتبديل السماء
تكويير شمسيها وقمرهيا ،وتناثير نجومهيا؛ قال ابين عباس .وقييل :اختلف أحوالهيا ،فمرة كالمهيل
ومرة كالدهان؛ حكاه ابيين النباري؛ وقييد ذكرنييا هذا الباب مبينييا فييي كتاب {التذكرة} وذكرنييا مييا
للعلماء فيي ذلك ،وأن الصيحيح إزالة هذه الرض حسيب ميا ثبيت عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم.
روى مسلم عن ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :كنت قائما عند رسول ال صلى
ال عليييه وسييلم فجاءه حييبر ميين أحبار اليهود فقال :السييلم عليييك؛ وذكيير الحديييث ،وفيييه :فقال
اليهودي أيين يكون الناس يوم تبدل الرض غيير الرض والسيماوات؟ فقال رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم( :فيي الظلمية دون الجسير) .وذكير الحدييث .وخرج عين عائشية قالت :سيئل رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم عين قوله" :يوم تبدل الرض غيير الرض والسيماوات" فأيين الناس يومئذ؟
قال( :على الصراط) .خرجه ابن ماجة بإسناد مسلم سواء ،وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي
لسيائلة ،قال :هذا حدييث حسين صيحيح؛ فهذه الحادييث تنيص على أن السيماوات والرض تبدل
وتزال ،ويخلق ال أرضا أخرى يكون الناس عليها بعد كونهم على الجسر .وفي صحيح مسلم عن
سييهل بين سييعد قال قال رسييول ال صيلى ال علييه وسيلم( :يحشيير الناس يوم القيامية على أرض
بيضاء عفراء كقرصه النقي ليس فيها علم لحد) .وقال جابر :سألت أبا جعفر محمد بن علي عن
قول ال عييز وجييل" :يوم تبدل الرض غييير الرض" قال :تبدل خييبرة يأكييل منهييا الخلق يوم
القيامة ،ثم قرأ" :وما جعلناهم جسدا ل يأكلون الطعام" [النبياء .]8 :وقال ابن مسعود :إنه تبدل
بأرض غيرهيا بيضاء كالفضية لم يعميل عليهيا خطيئة .وقال ابين عباس :بأرض مين فضية بيضاء.
وقال علي رضيي ال عنيه :تبدل الرض يومئذ مين فضية والسيماء مين ذهيب وهذا تبدييل للعيين،
وحسبك" .وبرزوا ل الواحد القهار" أي من قبورهم ،وقد تقدم.
**3الية{ 49 :وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الصفاد}
@قوله تعالى" :وترى المجرميين" وهيم المشركون" .يومئذ" أي يوم القيامية" .مقرنيين" أي
مشدوديين "فيي الصيفاد" وهيي الغلل والقيود ،وأحدهيا صيفد وصيفد .ويقال :صيفدته صيفدا أي
قيدته والسم الصفد ،فإذا أردت التكثير قلت :صفدته تصفيدا؛ قال عمرو بن كلثوم:
وأبنا بالملوك مصفدينا فآبوا بالنهاب وبالسبايا
أي مقيدينا .وقال حسان:
صقر إذا لقى الكريهة حام من كل مأسور يشد صفاده
أي غله ،وأصفدته إصفادا أعطيته .وقيل :صفدته وأصفدته جاريان في القيد والعطاء جميعا؛ قال
النابغة:
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد
فالصفد العطاء؛ لنه يقيد ويعبد ،قال أبو الطيب:
ومن وجد الحسان قيدا تقيدا وقيدت نفسي في ذراك محبة
قيل :يقرن كل كافر مع شيطان في غل ،بيانه قوله" :احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" [الصافات:
]22يعني قرناءهم من الشياطين .وقيل :إنهم الكفار يجمعون في الصفاد كما اجتمعوا في الدنيا
على المعاصي.
**3الية{ 50 :سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار}
@قوله تعالى" :سيرابيلهم مين قطران" أي قميصيهم ،عين ابين درييد وغيره ،واحدهيا سيربال،
والفعل تسربلت وسربلت غيري؛ قال كعب بن مالك:
من نسج داود في الهيجا سرابيل تلقاكم عصب حول النبي لهم
"مين قطران" يعنيي قطران البيل الذي تهنيأ به؛ قال الحسين .وذلك أبلغ لشتعال النار فيهيم .وفيي
الصيحيح :أن النائحية إذا لم تتيب قبيل موتهيا تقام يوم القيامية وعليهيا سيربال مين فطران ودرع مين
جرب .وروي عيين حماد أنهييم قالوا :هييو النحاس .وقرأ عيسييى بيين عميير" :قطران" بفتييح القاف
وتسكين الطاء .وفيه قراءة ثالثة :كسر القاف وجزم الطاء؛ ومنه قول أبي النجم:
لبسه القطران والمسوحا جون كان العرق المنتوحا
وقراءة رابعيية" :ميين قطران" رويييت عيين ابيين عباس وأبييي هريرة وعكرميية وسييعيد بيين جييبير
ويعقوب؛ والقطير النحاس والصيفر المذاب؛ ومنه قوله تعالى" :آتونيي أفرغ عليه قطرا" [الكهيف:
.]96والن :الذي قيد انتهيى إلى حره؛ ومنيه قوله تعالى" :وبيين حمييم آن"[ .الرحمين.]44 :
"وتغشى وجوههم النار" أي تضرب "وجوههم النار" فتغشيها.
**3الية{ 51 :ليجزي ال كل نفس ما كسبت إن ال سريع الحساب}
@قوله تعالى" :ليجزي ال كل نفس ما كسبت" أي بما كسبت" .إن ال سريع الحساب" تقدم.
**3الية{ 52 :هذا بلغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا اللباب}
@قوله تعالى" :هذا بلغ للناس" أي هذا الذي أنزلنيا إلييك بلغ؛ أي تبلييغ وعظية" .ولينذروا بيه"
أي ليخوفوا عقاب ال عيز وجيل ،وقرئ" .ولينذروا" بفتيح الياء والذال ،يقال :نذرت بالشييء أنذر
إذا علميت بيه فاسيتعددت له ،ولم يسيتعملوا منيه مصيدرا كميا لم يسيتعملوا مين عسيى ولييس ،وكأنهيم
اسيتغنوا بأن والفعيل كقولك :سيرني أن نذرت بالشييء" .وليعلموا أنميا هيو إله واحيد وليذكير أولو
اللباب" أي وليعلموا وحدانييية ال بمييا أقام ميين الحجييج والبراهييين" .وليذكيير أولو اللباب" أي
وليتعيظ أصيحاب العقول .وهذه اللمات فيي "ولينذروا" "وليعلموا" "وليذكير" متعلقية بمحذوف،
التقديير :ولذلك أنزلناه .وروي يمان بين رئاب أن هذه اليية نزلت فيي أبيي بكير الصيديق رضيي ال
عنيه .وسيئل بعضهيم هيل لكتاب ال عنوان؟ فقال :نعيم؛ قييل :وأيين هيو؟ قال قوله تعالى" :هذا بلغ
للناس ولينذروا به" إلى آخرها .تم تفسير سورة إبراهيم عليه السلم والحمد ل.