16 تفسير القرطبى

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 153

‫*‪*1‬الجزء ‪ 16‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة الشورى‬
‫*‪ *3‬المقدمة‬
‫@مكيهة فهي قول الحسهن وعكرمهة وعطاء وجابر‪ .‬وقال ابهن عباس وقتادة‪ :‬إل أربهع آيات منهها‬
‫أنزلت بالمدينة‪" :‬قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى" إلى آخرها‪ .‬وهي ثلث وخمسون‬
‫آية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 1 :‬حهم‪ ،‬عسهق‪ ،‬كذلك يوحهي إليهك وإلى الذيهن من قبلك ال العزيهز الحكيهم‪ ،‬له مها فهي‬
‫السماوات وما في الرض وهو العلي العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حههم‪ .‬عسهق" قال عبدالمؤمهن‪ :‬سهألت الحسهين بهن الفضهل‪ :‬لم قطهع "حهم" مهن‬
‫"عسق" ولم تقطع "كهيعص" و"المر" و"المص"؟ فقال‪ :‬لن "حم‪ .‬عسق" بين سور أولها "حم"‬
‫فجرت مجرى نظائرههها قبلههها وبعدههها؛ فكأن "حههم" مبتدأ و"عسههق" خههبره‪ .‬ولنههها عدت آيتيههن‪،‬‬
‫وعدت أخواتهها اللواتي كتبت جملة آية واحدة‪ .‬وقيل‪ :‬إن الحروف المعجمة كلهها فهي معنهى واحهد‪،‬‬
‫مهههن حيهههث إنهههها أس البيان وقاعدة الكلم؛ ذكره الجرجانهههي‪ .‬وكتبهههت "حهههم‪ .‬عسهههق" منفصهههل‬
‫و"كهيعص" متصل لنه قيل‪ :‬حم؛ أي حم ما هو كائن‪ ،‬ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل وبين ما ل‬
‫يقدر‪ .‬ثههم لو فصههل هذا ووصههل ذا لحجاز؛ حكاه القشيري‪ .‬وفههي قراءة سههبن مسههعود وابههن عباس‬
‫"حم‪ .‬سق" قال سبن عباس‪ :‬وكان علي رضي ال عنه يعرف الفتن بها‪ .‬وقال أرطاة بن المنذر‪،‬‬
‫قال رجهل لبهن عباس وعنده حذيفهة بهن اليمان‪ :‬أخهبرني عهن تفسهير قوله تعالى‪" :‬حهم‪ .‬عسهق" ؟‬
‫فأعرض عنه حتى عاد عليه ثلثا فأعرض عنه‪ .‬فقال حذيفة بن اليمان‪ :‬أنا أنبئك بها‪ ،‬قد عرفت لم‬
‫تركههها؛ نزلت فههي رجههل مههن أهههل بيتههه يقال له عبدالله أو عبدال؛ ينزل على نهههر مههن أنهار‬
‫المشرق‪ ،‬يبنهي عليهه مدينتيهن يشهق النههر بينهمها شقها‪ ،‬فإذا أراد ال زوال ملكههم وانقطاع دولتههم‪،‬‬
‫بعهث على إحداهمها نارا ليل فتصهبح سهوداء مظلمهة‪ ،‬فتحرق كلهها كأنهها لم تكهن مكانهها؛ فتصهبح‬
‫صاحبتها متعجبة‪ ،‬كيف قلبت! فما هو إل بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد‪ ،‬ثم يخسف‬
‫ال بهها وبههم جميعها؛ فذلك قوله‪" :‬حهم‪ .‬عسهق" أي عزمهة مهن عزمات ال‪ ،‬وفتنهة وقضاء حهم‪ :‬حهم‪.‬‬
‫"ع"‪ :‬عدل منه‪" ،‬س"‪ :‬سيكون‪" ،‬ق"‪ :‬واقع في هاتين المدينتين‪.‬‬
‫ونظيهر هذا التفسهير مها روى جريهر بهن عبدال البجلي قال‪ :‬سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫ط َربُلْ والصهراة‪ ،‬يجتمهع فيهها جبابرة الرض تجهبى‬ ‫وسهلم يقول‪( :‬تبنهى مدينهة بيهن دجلة ودجيهل و ُق ْ‬
‫إليها الخزائن يخسف بها ‪ -‬وفي رواية بأهلها ‪ -‬فلهي أسرع ذهابا في الرض من الوتد الجيد في‬
‫الرض الرخوة)‪ .‬وقرأ ابهن عباس‪" :‬حهم‪ .‬سهق" بغيهر عيهن‪ .‬وكذلك ههو فهي مصهحف عبدال بهن‬
‫مسهعود؛ حكاه الطهبري‪ .‬وروى نافهع عهن ابهن عباس‪" :‬الحاء" حلمهه‪ ،‬و"الميهم" مجده‪ ،‬و"العيهن"‬
‫علمهه‪ ،‬و"السهين" سهناه‪ ،‬و"القاف" قدرتهه؛ أقسهم ال بهها‪ .‬وعهن محمهد بهن كعهب‪ :‬أقسهم ال بحلمهه‬
‫ومجده وعلوه وسهناه وقدرتهه أل يعذب مهن عاذ بل إله إل ال مخلصها مهن قلبهه‪ .‬وقال جعفهر بهن‬
‫محمد وسعيد بن جبير‪" :‬الحاء" من الرحمن‪ ،‬والميم "من المجيد"‪ ،‬و"العين"من‪ ،‬و"السين" من‬
‫القدوس‪ ،‬و"القاف" من القاهر‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬فواتح السور‪ .‬وقال عبدال بن بريدة‪ :‬إنه اسم الجبل‬
‫المحيط بالدنيا‪ .‬وذكر القشيري‪ ،‬واللفظ للثعلبي‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم لما نزلت هذه الية‬
‫عرفهت الكآبهة فهي وجهه؛ فقيهل له‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬مها أحزنهك؟ قال‪( :‬أخهبرت ببليها تنزل بأمتهي مهن‬
‫خسههف وقذف ونار تحشرهههم وريههح تقذفهههم فههي البحههر وآيات متتابعات متصههلت بنزول عيسههى‬
‫وخروج الدجال)‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيهل‪ :‬هذا فهي شأن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهه "الحاء" حوضهه‬
‫المورود‪ ،‬و"الميهم" ملكهه الممدود‪ ،‬و"العيهن" عزه الموجود‪ ،‬و"السهين" سهناه المشهود‪ ،‬و"القاف"‬
‫قيامهه فهي المقام المحمود‪ ،‬وقربهه فهي الكرامهة مهن الملك المعبود‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬ليهس مهن نهبي‬
‫صهاحب كتاب إل وقهد أوحهي إليهه‪" :‬حهم‪ .‬عسهق"؛ فلذلك قال‪" :‬يوحهي إليهك وإلى الذيهن مهن قبلك"‬
‫المهدوي‪ :‬وقهد جاء فهي الخهبر أن ("حهم‪ .‬عسهق" معناه أوحيهت إلى النهبياء المتقدميهن)‪ .‬وقرأ ابهن‬
‫محيصهن وابهن كثيهر ومجاههد "يوحهى" (بفتهح الحاء) على مها لم يسهم فاعله؛ وروي عهن ابهن عمهر‪.‬‬
‫فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل‪ ،‬ويجوز أن يكون اسم ما لم يسم فاعله‬
‫مضمرا؛ أي يوحهى إليهك القرآن الذي تضمنهه هذه السورة‪ ،‬ويكون اسهم ال مرفوعها بإضمار فعهل‪،‬‬
‫التقديهر‪ :‬يوحيهه ال إليهك؛ كقراءة ابهن عامهر وأبهي بكهر "يسهبح له فيهها بالغدو والصهال رجال"‬
‫[النور‪ ]36 :‬أي يسبحه رجال‪ .‬وأنشد سيبوبه‪:‬‬
‫وأشعث ممن طوحته الطوائح‬ ‫ليبك يزيد ضارع بخصومة‬
‫فقال‪ :‬لبيك يزيد‪ ،‬ثم بين من ينبغي أن يبكيه‪ ،‬فالمعنى يبكيه ضارع‪ .‬ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر‬
‫محذوف؛ كأنهه قال‪ :‬ال يوحيهه‪ .‬أوعلى تقديهر إضمار مبتدأ أي الموحهي ال‪ .‬أويكون مبتدأ والخهبر‬
‫"العزيهز الحكيهم"‪ .‬وقرأ الباقون "يوحي إليك" بكسهر الحاء‪ ،‬ورفهع السهم على أنه الفاعل‪" .‬له مها‬
‫في السماوات وما في الرض وهو العلي العظيم" تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 5 :‬تكاد السهماوات يتفطرن مهن فوقههن والملئكهة يسهبحون بحمهد ربههم ويسهتغفرون‬
‫لمن في الرض أل إن ال هو الغفور الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تكاد السهماوات" قراءة العامهة بالتاء‪ .‬وقرأ نافهع وابهن وثاب والكسهائي بالياء‪.‬‬
‫"يتفطرن" قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء‪ ،‬وهي قراءة العامة‪ .‬وقرأ أبو عمرو‬
‫وأبههو بكههر والمفضههل وأبههو عبيههد "ينفطرن" مههن النفطار؛ كقوله تعالى‪" :‬إذا السههماء انفطرت"‬
‫[النفطار‪ ]1 :‬وقههد مضههى فههي سههورة "مريههم" بيان هذا‪ .‬وقال ابههن عباس‪" :‬تكاد السههماوات‬
‫يتفطرن" أي تكاد كهل واحدة منهها تنفطهر فوق التهي تليهها؛ مهن قول المشركيهن‪" :‬اتخهذ ال ولدا"‬
‫[البقرة‪ .]116 :‬وقال الضحاك والسهدي‪" :‬يتفطرن" أي يتشقهق مهن عظمهة ال وجلله فوقههن‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬فوقهن"‪ :‬فوق الرضين من خشية ال لوكن مما يعقل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والملئكهة يسهبحون بحمهد ربههم" أي ينزهونهه عمها ل يجوز فهي وصهفه‪ ،‬ومها ل‬
‫يليهق بجلل‪ .‬وقيهل يتعجبون مهن جرأة المشركيهن؛ فيذكهر التسهبيح فهي موضهع التعجهب‪ .‬وعهن علي‬
‫رضي ال عنه‪ :‬أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط ال‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬تسبيحهم‬
‫خضوع لما يرون من عظمة ال‪ .‬ومعنى "بحمد ربه"‪ :‬بأمر ربهم؛ قال السدي‪" .‬ويستغفرون لمن‬
‫فهي الرض" قال الضحاك‪ :‬لمهن فهي الرض مهن المؤمنيهن؛ وقال السهدي‪ .‬بيانهه فهي سهورة غافهر‪:‬‬
‫"ويستغفرون للذين آمنوا" [غافر‪ .]7 :‬وعلى هذا تكون الملئكة هنا حملة العرش‪ .‬وقيل‪ :‬جميع‬
‫ملئكة السماء؛ وهو الظاهر من قول الكلبي‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬هو منسوخ بقوله‪" :‬ويستغفرون‬
‫للذيهن آمنوا"‪ .‬قال المهدوي‪ :‬والصهحيح أنهه ليهس بمنسهوخ؛ لنهه خهبر‪ ،‬وههو خاص للمؤمنيهن‪ .‬وقال‬
‫أبهو الحسهن الماوردي عهن الكلبهي‪ :‬إن الملئكهة لمها رأت الملكيهن اللذيهن اختهبرا وبعثها إلى الرض‬
‫ليحكمها بينههم‪ ،‬فافتتنها بالزهرة وهربها إلى إدريهس ‪ -‬وههو جهد أبهي نوح عليهمها السهلم ‪ -‬وسهأله أن‬
‫يدعو لهما‪ ،‬سبحت الملئكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم‪ .‬قال أبو الحسن بن الحصار‪ :‬وقد ظن‬
‫بعههض مههن جهههل أن هذه اليههة نزلت بسههبب هاروت وماروت‪ ،‬وأنههها منسههوخة باليههة التههي فههي‬
‫المومهن‪ ،‬ومها علموا أن حملة العرش مخصهوصون بالسهتغفار للمؤمنيهن خاصهة‪ ،‬ول ملئكهة أخهر‬
‫يسههتغفرون لمههن فههي الرض‪ .‬الماوردي‪ :‬وفههي اسههتغفارهم لهههم قولن‪ :‬أحدهمهها‪ :‬مههن الذنوب‬
‫والخطايا؛ وهو ظاهر قول مقاتل‪ .‬الثاني‪ :‬أنه طلب الرزق لهم والسعه عليهم؛ قاله الكلبي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وههو أظههر‪ ،‬لن الرض تعهم الكافهر وغيره‪ ،‬وعلى قول مقاتهل ل يدخهل فيهه الكافهر‪ .‬وقهد‬
‫روي فهي هذا الباب خهبر رواه عاصهم الحول عهن أبهي عثمان عهن سهلمان قال‪ :‬إن العبهد إذا كان‬
‫يذكهر ال فهي السهراء فنزلت بهه الضراء قالت الملئكهة‪ :‬صهوت معروف مهن آدمهي ضعيهف‪ ،‬كان‬
‫يذكهر ال تعالى فهي السهراء فنزلت بهه الضراء؛ فيسهتغفرون له‪ .‬فإذا كان ل يذكهر ال فهي السهراء‬
‫فنزلت بهه الضراء قالت الملئكهة‪ :‬صهوت منكهر مهن آدمهي كان ل يذكهر ال فهي السهراء فنزلت بهه‬
‫الضراء فل يسهتغفرون ال له‪ .‬وهذا يدل على أن اليهة فهي الذاكهر ل تعالى فهي السهراء والضراء‪،‬‬
‫فهي خاصة ببعض من في الرض من المؤمنين‪ .‬وال أعلم‪ .‬يحتمل أن يقصدوا بالستغفار طلب‬
‫الحلم والغفران فهي قوله تعالى‪" :‬إن ال يمسهك السهموات والرض أن تزول" [فاطهر‪ - ]41 :‬إلى‬
‫أن قال إن كان حليمهها غفورا"‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬وإن ربههك لذو مغفرة للناس على ظلمهههم" [الرعههد‪:‬‬
‫‪ .]6‬والمراد الحلم عنههم وأل يعالجههم بالنتقام؛ فيكون عامها؛ قال الزمخشري‪ .‬وقال مطرف‪:‬‬
‫وجدنها أنصهح عباد ال لعباد ال الملئكهة‪ ،‬ووجدنها أغشهى عباد ال لعباد ال الشياطيهن‪ .‬وقهد تقدم‪.‬‬
‫"أل إن ال ههو الغفور الرحيهم" قال بعهض العلماء‪ :‬هيهب وعظهم جهل وعهز فهي البتداء‪ ،‬وألطهف‬
‫وبشر في النتهاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬والذين اتخذوا من دونه أولياء ال حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيهن اتخذوا مهن دونهه أولياء" يعنهي أصهناما يعبدونهها‪" .‬ال حفيهظ عليههم" أي‬
‫يحفهظ أعمالههم ليجازيههم بهها‪" .‬ومها أنهت عليههم بوكيهل" وهذه منسهوخة بآيهة السهيف‪ .‬وفهي الخهبر‪:‬‬
‫(أطت السماء وحق لها أن تئط) أي صوتت من ثقل سكانها لكثرتهم‪ ،‬فهم مع كثرتهم ل يفترون‬
‫عن عبادة ال؛ وهؤلء الكفار يشركون به‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 7 :‬وكذلك أوحينها إليهك قرآنها عربيها لتنذر أم القرى ومهن حولهها وتنذر يوم الجمهع ل‬
‫ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا" أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني‬
‫فكذلك أوحينا إليك قرآنها عربيا بيناه بلغة العرب‪ .‬قيل‪ :‬أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسهان قومك؛‬
‫كمها أرسهلنا كهل رسهول بلسهان قومهه‪ .‬والمعنهى واحهد‪" .‬لتنذر أم القرى" يعنهي مكهة‪ .‬قيهل لمكهة أم‬
‫القرى لن الرض دحيت من تحها‪" .‬ومن حولها" من سائر الخلق‪" .‬وتنذر يوم الجمع" أي بيوم‬
‫الجمهع‪ ،‬وههو يوم القيامهة‪" .‬ل ريهب فيهه" ل شهك فيهه‪" .‬فريهق فهي الجنهة وفريهق فهي السهعير" ابتداء‬
‫وخبر‪ .‬وأجاز الكسائي النصب على تقدير‪ :‬لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬ولو شاء ال لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم‬
‫من ولي ول نصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ال لجعلهم أمة واحدة" قال الضحاك‪ :‬أهل دين واحد؛ أو أهل ضللة أو‬
‫أهل هدى‪" .‬ولكن يدخل من يشاء في رحمته" قال أنس بن مالك‪ :‬في السلم‪" .‬والظالمون ما لهم‬
‫من ولي ول نصير" "والظالمون" رفع على البتداء‪ ،‬والخبر "ما لهم من ولي ول نصير" عطف‬
‫على اللفظ‪ .‬ويجوز "ول نصير" بالرفع على الموضع و"من" زائدة‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬أم اتخذوا من دونه أولياء فال هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء‬
‫قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم اتخذوا" أي بل اتخذوا‪" .‬من دونه أولياء" يعني أصناما‪" .‬فال هو الولي" أي‬
‫وليك يا محمد وولي من اتبعك‪ ،‬ل ولي سواه‪" .‬وهو يحيي الموتى" يريد عند البعث‪" .‬وهو على‬
‫كل شيء قدير" وغيره من الولياء ل يقدر على شيء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى ال ذلكم ال ربي عليه توكلت وإليه أنيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى ال" حكاية قول رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم للمؤمنين؛ أي وما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أمر الدين‪ ،‬فقولوا لهم‬
‫حكمه إلى ال ل إليكم‪ ،‬وقد حكم أن الدين هو السلم ل غيره‪ .‬وأمور الشرائع إنما تتلقى من بيان‬
‫ال‪" .‬ذلكهم ال ربهي" أي الموصهوف بهذه الصهفات ههو ربهي وحده؛ وفيهه إضمار‪ :‬أي قهل لههم يها‬
‫محمد ذلكم ال الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربي‪" .‬عليه توكلت" اعتمدت‪" .‬وإليه‬
‫أنيب" أرجع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 11 :‬فاطهر السهماوات والرض جعهل لكهم مهن أنفسهكم أزواجها ومهن النعام أزواجها‬
‫يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاطر السماوات والرض" بالرفع على النعت لسم ال‪ ،‬أو على تقدير هو فاطر‪.‬‬
‫ويجوز النصهب على النداء‪ ،‬والجهر على البدل مهن الهاء فهي "عليهه"‪ .‬والفاطهر‪ :‬المبدع والخالق‪.‬‬
‫وقد تقدم‪" .‬جعل لكم من أنفسكم أزواجا" قيل معناه إناثا‪ .‬وإنما قال‪" :‬من أنفسكم" لنه خلق حواء‬
‫مهن ضلع آدم‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬نسهل بعهد نسهل‪" .‬ومهن النعام أزواجها" يعنهي الثمانيهة التهي ذكرهها فهي‬
‫"النعام" ذكور البل والبقر والضأن والمعز وإناثها‪" .‬يذرؤكم فيه" أي يخلقكم وينشئكم "فيه" أي‬
‫في الرحم‪ .‬وقيل‪ :‬في البطن‪ .‬وقال الفراء وابن كيسان‪" :‬فيه" بمعنى به‪ .‬وكذلك قال الزجاج‪ :‬معنى‬
‫"يذرؤكهم فيهه يكثركهم بهه؛ أي يكثركهم يجعلكهم أزواجها‪ ،‬أي حلئل؛ لنههن سهبب النسهل‪ .‬وقيهل‪ :‬إن‬
‫الهاء فهي "فيهه" للجعهل؛ ودل عليهه "جعهل"؛ فكأنهه قال‪ :‬يخلقكهم ويكثركهم فهي الجعهل‪ .‬ابهن قتيبهة‪:‬‬
‫"يذرؤكم فيه" أي في الزوج؛ أي يخلقكم في بطون الناث‪ .‬وقال‪ :‬ويكون "فيه" في الرحم‪ ،‬وفيه‬
‫بعد؛ لن الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر‪" .‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" قيل‪ :‬إن الكاف‬
‫زائدة للتوكيد؛ أي ليس مثله شيء‪ .‬قال‪:‬‬
‫وصاليات ككما يؤثفين‬
‫فأدخههل على الكاف كافهها تأكيدا للتشههبيه‪ .‬وقيههل‪ :‬المثههل زائدة للتوكيههد؛ وهههو قول ثعلب‪ :‬ليههس كهههو‬
‫شيء؛ نحو قوله تعالى‪" :‬فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"‪[ .‬البقرة‪ .]137 :‬وفي حرف ابن‬
‫مسعود "فان آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا" قال أوس بن حجر‪:‬‬
‫وقتلى كمثل جذوع النخه هيل يغشاهم مطر منهمر‬
‫أي كجذوع‪ .‬والذي يعتقهد فهي هذا الباب أن ال جهل اسهمه فهي عظمتهه وكهبريائه وملكوتهه وحسهنى‬
‫أسهمائه وعليّه صهفاته‪ ،‬ل يشبهه شيئا مهن مخلوقاتهه ول يشبهه بهه‪ ،‬وإنمها جاء ممها أطلقهه الشرع على‬
‫الخالق والمخلوق‪ ،‬فل تشابه بينهما في المعنى الحقيقي؛ إذ صفات القديم جل وعز بخلف صفات‬
‫المخلوق؛ إذ صهفاتهم ل تنفهك عهن الغراض والعراض‪ ،‬وههو تعالى منزه عهن ذلك؛ بهل لم يزل‬
‫بأسهمائه وبصهفاته على مها بيناه فهي (الكتاب السهنى فهي شرح أسهماء ال الحسهنى)‪ ،‬وكفهى فهي هذا‬
‫قوله الحق‪" :‬ليس كمثله شيء"‪ .‬وقد قال بعض العلماء المحققين‪ :‬التوحيد إثبات ذات غير مشبهة‬
‫للذوات ول معطلة من الصفات‪ .‬وزاد الواسطي رحمه ال بيانا فقال‪ :‬ليس كذاته ذات‪ ،‬ول كاسمه‬
‫اسهم‪ ،‬ول كفعله فعهل‪ ،‬ول كصهفته صهفة إل مهن جههة موافقهة اللفهظ؛ وجلت الذات القديمهة أن يكون‬
‫لهها صهفة حديثهة؛ كمها اسهتحال أن يكون للذات المحدثهة صهفة قديمهة‪ .‬وهذا كله مذههب أههل الحهق‬
‫والسنة والجماعة‪ .‬رضي ال عنهم !‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 12 :‬له مقاليهد السهماوات والرض يبسهط الرزق لمهن يشاء ويقدر إنهه بكهل شيهء‬
‫عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬له مقاليهد السهماوات والرض" تقدم فهي "الزمهر" بيانهه‪ .‬النحاس‪ :‬والذي يملك‬
‫المفاتيهح يملك الخزائن؛ يقال للمفاتيهح‪ :‬إقليهد‪ ،‬وجمعهه على غيهر قياس؛ كمحاسهن والواحهد حسهن‪.‬‬
‫"يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم‬
‫وموسهى وعيسهى أن أقيموا الديهن ول تتفرقوا فيهه كهبر على المشركيهن مها تدعوههم إليهه ال يجتهبي‬
‫إليه مهن يشاء ويهدي إليه من ينيب‪ ،‬ومها تفرقوا إل مهن بعد ما جاءههم العلم بغيها بينههم ولول كلمة‬
‫سهبقت مهن ربهك إلى أجهل مسهمى لقضهي بينههم وإن الذيهن أورثوا الكتاب مهن بعدههم لفهي شهك منهه‬
‫مريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شرع لكم من الدين" أي الذي له مقاليد السماوات والرض شرع لكم من الدين ما‬
‫شرع لقوم نوج وإبراهيم وموسى وعيسى؛ ثم بين ذلك بقوله تعالى‪" :‬أن أقيموا الدين" وهو توحيد‬
‫ال وطاعته‪ ،‬واليمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء‪ ،‬وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما‪ .‬ولم يرد‬
‫الشرائع التهي ههي مصهالح المهم على حسهن أحوالهها‪ ،‬فإنهها مختلفهة متفاوتهة؛ قال ال تعالى‪" :‬لكهل‬
‫جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة‪ ]48 :‬وقد تقدم القول فيه‪ .‬ومعنى "شرع" أي نهج وأوضح‬
‫وبين المسالك‪ .‬وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن‪ .‬والشارع‪ :‬الطريق العظم‪ .‬وقد شرع المنزل‬
‫إذا كان على طريق نافذ‪ .‬وشرعت البل إذا أمكنتها من الشريعة‪ .‬وشرعت الديم إذا سلخته‪ .‬وقال‬
‫يعقوب‪ :‬إذا شققت ما بين الرجلين‪ ،‬قال‪ :‬وسمعته من أم الحمارس البكرية‪ .‬وشرعت في هذا المر‬
‫شروعها أي خضهت‪" .‬أن أقيموا الديهن" "أن" فهي محهل رفهع‪ ،‬على تقديهر والذي وصهى بهه نوحها أن‬
‫أقيموا الديهن‪،‬ويوقهف على هذا الوجهه على "عيسهى"‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو نصهب‪ ،‬أي شرع لكهم إقامهة الديهن‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬ههو جهر بدل مهن الهاء فهي "بهه"؛ كأنهه قال‪ :‬بهه أقيموا الديهن‪ .‬ول يوقهف على "عيسهى" على‬
‫هذين الوجهين‪ .‬ويجوز أن تكون "أن" مفسرة؛ مثل‪ :‬أن امشوا‪ ،‬فل يكون لها محل من العراب‪.‬‬
‫@ قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫فهي حديث الشفاعة الكهبير المشهور‪( :‬ولكهن ائتوا نوحها فإنهه أول رسهول بعثه ال إلى أهل الرض‬
‫فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض‪ )...‬وهذا صحيح ل إشكال فيه‪،‬‬
‫كمههها أن آدم أول نهههبي بغيهههر إشكال؛ لن آدم لم يكهههن معهههه إل نبوة‪ ،‬ولم تفرض له الفرائض ول‬
‫شرعههت له المحارم‪ ،‬وإنمهها كان تنبيههها على بعههض المور واقتصههارا على ضرورات المعاش‪،‬‬
‫وأخذا بوظائف الحياة والبقاء؛ واسهههههتقر المدى إلى نوح فبعثهههههه ال بتحريهههههم المهات والبنات‬
‫والخوات‪ ،‬ووظهف عليهه الواجبات وأوضهح له الداب فهي الديانات‪ ،‬ولم يزل ذلك يتأكهد بالرسهل‬
‫يتناصهر بالنهبياء ‪ -‬صهلوات ال عليههم ‪ -‬واحدا بعهد واحهد وشريعهة إثهر شريعهة‪ ،‬حتهى ختمهها ال‬
‫بخيهر الملل ملتنها على لسهان أكرم الرسهل نبينها محمهد صهلى صهلى ال عليهه وسهلم؛ فكان المعنهى‬
‫أوصهيناك يها محمهد ونوحها دينها واحدا؛ يعنهي فهي الصهول التهي ل تختلف فيهها الشريعهة‪ ،‬وههى‬
‫التوحيد والصلة والزكاة والصيام والحج‪ ،‬والتقرب إلى ال بصالح العمال‪ ،‬والزلف إليه بما يرد‬
‫القلب والجارحة إليه‪ ،‬والصدق والوفاء بالعهد‪ ،‬وأداء المانة وصلة الرحم‪ ،‬وتحريم الكفر والقتل‬
‫والزنهى والذيهة للخلق كيفمها تصهرفت‪ ،‬والعتداء على الحيوان كيفمها دار‪ ،‬واقتحام الدناءات ومها‬
‫يعود بخرم المروآت؛ فهذا كله مشروع دينها واحدا وملة متحدة‪ ،‬لم تختلف على ألسهنة النهبياء وإن‬
‫اختلفت أعدادهم؛ وذلك قوله تعالى‪" :‬أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه" أي اجعلوه قائما؛ يريد دائما‬
‫مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلف فيه ول أضطراب؛ فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من‬
‫نكهث؛ "فمهن نكهث فإنمها ينكهث على نفسهه" [الفتهح‪ .]10 :‬واختلفهت الشرائع وراء هذا فهي معان‬
‫حسبما أراده ال مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الزمنة على المم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬لم يبعث ال نبيا قط إل وصاه بإقامة الصلة وإيتاء الزكاة والقرار ل بالطاعة‪ ،‬فذلك‬
‫دينههه الذي شرع لهههم؛ وقال الوالبهي عهن ابههن عباس‪ ،‬وههو قول الكلبهي‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يعنههي تحليهل‬
‫الحلل وتحريم الحرام‪ .‬وقال الحكم‪ :‬تحريم المهات والخوات والبنات‪ .‬وما ذكره القاضي يجمع‬
‫هذه القوال ويزيد عليها‪ .‬وخصى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لنهم أرباب الشرائع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كبر على المشركين" " كبر على المشركين" أي عظم عليهم‪" .‬ما تدعوهم إليه"‬
‫"ما تدعوهم إليه" من التوحيد ورفض الوثان‪ .‬قال قتادة‪ :‬كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة‬
‫أن ل إله إل ال‪ ،‬وضاق بهها إبليهس وجنوده‪ ،‬فأبهى ال عهز وجهل إل أن ينصهرها ويعليهها ويظهرهها‬
‫عههل مههن ناوأههها‪" .‬ال يجتههبي إليههه مههن يشاء" "ال يجتههبي إليههه مههن يشاء" أي يختار‪ .‬والجتباء‬
‫الختبار؛ أي يختار للتوحيههد مههن يشاء‪" .‬ويهدي إليههه مههن ينيههب" ويهدي إليههه مههن ينيههب" أي‬
‫يستخلص لدينه من رجع إليه‪" .‬وما تفرقوا" قال ابن عباس‪ :‬يعني قريشا‪" .‬إل من بعد ما جاءهم‬
‫العلم"محمهد صهلى ال عليهه وسهلم؛ وكانوا يتمنون أن يبعهث إليههم نهبي؛ دليله قوله تعالى فهي سهورة‬
‫فاطهر‪" :‬وأقسهموا بال جههد أيمانههم لئن جاءههم نذيهر" [فاطهر‪ ]42 :‬يريهد نبيها‪ .‬وقال فهي سهورة‬
‫البقرة‪" :‬فلمهها جاءههم مها عرفوا كفروا بهه" [البقرة‪ ]89 :‬على مها تقدم بيانهه هناك‪ .‬وقيهل‪ :‬أمهم‬
‫النهبياء المتقدميهن؛ فإنههم فيمها بينههم اختلفوا لمها طال بههم المدى‪ ،‬فأمهن قوم وكفهر قوم‪ .‬وقال ابهن‬
‫عباس أيضها‪ :‬يعنهي أههل الكتاب؛ دليله فهي سهورة المنفكيهن‪" :‬ومها تفرق الذيهن أوتوا الكتاب إل مهن‬
‫بعد ما جاءتهم البينة" [البينة‪ .]4 :‬فالمشركون قالوا‪ :‬لم خُص بالنبوة! واليهود حسدوه لما بعث؛‬
‫وكذا النصههارى‪" .‬بغيهههم بينهههم "أي بغيهها مههن بعضهههم على بعههض طلبهها للرياسههة‪ ،‬فليههس تفرقهههم‬
‫لقصوره في البيان والحجج‪ ،‬ولكن للبغي والظلم والشتغال بالدنيا‪" .‬ولول كلمة سبقت من ربك"‬
‫في تأخير العقاب عن هؤلء‪" .‬إلى أجل مسمى"قيل‪ :‬القيامة؛ لقوله تعالى‪" :‬بل الساعة موعدهم"‬
‫[القمر‪ .]46 :‬وقيل‪ :‬إلى الجل الذي قضي فيه بعذابهم‪" .‬لقضي بينهم" أي بين من آمن وبين من‬
‫كفر بنزول العذاب‪" .‬وإن الذين أورثوا الكتاب" يريد اليهود والنصارى‪" .‬من بعدهم" أي من بعد‬
‫المختلفيهن فهي الحهق‪" .‬لقهي شهك منهه مريهب" مهن الذي أوصهى بهه النهبياء‪ .‬والكتاب هنها التوراة‬
‫والنجيهل‪ .‬وقيهل‪" :‬إن الذيهن أورثوا الكتاب" قريهش‪" .‬مهن بعدههم" مهن بعهد اليهود النصهارى‪" .‬لفهي‬
‫شك" من القرآن أو من محمد‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬معنى "من بعدهم" من قبلهم؛ يعني من قبل مشركي‬
‫مكة‪ ،‬وهم اليهود والنصارى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 15 :‬فلذلك فادع واسهتقم كمها أمرت ول تتبهع أهواءههم وقهل آمنهت بمها أنزل ال مهن‬
‫كتاب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا وبينكم ال يجمع‬
‫بيننا وإليه المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلذلك فادع واسهتقم كمها أمرت" لمها أجاز أن يكون الشهك لليهود والنصهارى‪ ،‬أو‬
‫لقريهش قيهل له‪" :‬فلذلك فادع" أي فتهبينت شكههم فادع إلى ال؛ أي إلى ذلك الديهن الذي شرعهه ال‬
‫للنهبياء ووصهاهم بهه‪ .‬فاللم بمعنهى إلى؛ كقوله تعالى‪" :‬بأن ربهك أوحهى لهها" [الزلزلة‪ ]5 :‬أي‬
‫إليههها‪ .‬و"ذلك" بمعنههى هذا‪ .‬وقههد تقدم أول "البقرة"‪ .‬والمعنهى فلهذا القرآن فادع‪ .‬وقيهل‪ :‬فههي الكلم‬
‫تقديم وتأخير؛ والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع‪ .‬وقيل‪ :‬إن اللم على بابها؛‬
‫والمعنهى‪ :‬فمهن أجهل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واسهتقم‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬أي إلى القرآن فادع الخلق‪.‬‬
‫"واستقم" خطاب له عليه السلم‪ .‬قال قتادة‪ :‬أي استقم على أمر ال‪ .‬وقال سفيان‪ :‬أي استقم على‬
‫القرآن‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬استقم على تبليغ الرسالة‪" .‬ول تتبع أهواءهم" أي ل تنظر إلى خلف من‬
‫خالفههك‪" .‬وقههل آمنههت بمهها أنزل ال مههن كتاب وأمرت لعدل بينكههم" أي أن أعدل؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"وأمرت أن أسلم لرب العالمين" [غافر‪ .]66 :‬وقيل‪ :‬هي لم كي‪ ،‬أي لكي أعدل‪ .‬قال ابن عباس‬
‫وأبهو العاليهة‪ :‬لسهوي بينكهم فهي الديهن فأومهن بكهل كتاب وبكهل رسهول‪ .‬وقال غيرهمها‪ :‬لعدل فهي‬
‫جميههع الحوال وقيههل‪ :‬هذا العدل هههو العدل فههي الحكام‪ .‬وقيههل فههي التبليههغ‪" .‬ال ربنهها وربكههم لنهها‬
‫أعمالنها ولكهم أعمالكهم ل حجهة بيننها وبينكهم" قال ابهن عباس ومجاههد‪ :‬الخطاب لليهود؛ أي لنها ديننها‬
‫ولكههم دينكههم‪ .‬قال‪ :‬نسههخت بقوله‪" :‬قاتلوا الذيههن ل يؤمنون بال ول باليوم الخههر" [التوبههة‪]29 :‬‬
‫الية‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ومعنى "لحجة بيننا وبينكم" ل خصومة بيننا وبينكم‪ .‬وقيل‪ :‬ليس بمنسوخ‪ ،‬لن‬
‫البراهيهن قهد ظهرت‪ ،‬والحجهج قهد قامهت‪ ،‬فلم يبهق إل العناد‪ ،‬وبعهد العناد ل حجهة ول جدال‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬ويجوز أن يكون معنهى "لحجهة بيننها وبينكهم" على ذلك القول‪ :‬لم يؤمهر أن يحتهج عليكهم‬
‫يقاتلكهم؛ ثهم نسهخ هذا‪ .‬كمها أن قائل لو قال مهن قبهل أن تحول القبلة‪ :‬ل تصهل إلى الكعبهة‪ ،‬ثهم‪ .‬حول‬
‫الناس بعهد؛ لجاز أن يقال نسهخ ذلك‪" .‬ال يجمهع بيننها" يريهد يوم القيامهة‪" .‬وإليهه المصهير" أي فههو‬
‫يحكهم بيننها إذا صهرنا إليهه‪ ،‬ويجازي كل بمها كان عليهه‪ .‬وقيهل‪ :‬إن هذه اليهة نزلت فهي الوليهد بهن‬
‫المغيرة وشيبة بن ربيعة‪ ،‬وقد سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يرجع عن دعوته ودينه إلى‬
‫دين قريش‪ ،‬على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬والذين يحاجون في ال من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم‬
‫غضب ولهم عذاب شديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيهن يحاجون فهي ال"رجهع إلى المشركيهن‪" .‬مهن بعهد مها اسهتجيب له" قال‬
‫مجاهههد‪ :‬مههن بعههد مهها أسههلم الناس‪ .‬قال‪ :‬وهؤلء قههد توهموا أن الجاهليههة تعود‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الذيههن‬
‫يحاجون فهي ال اليهود والنصهارى‪ ،‬ومحاجتههم قولههم نبينها قبهل نهبيكم وكتابنها قبهل كتابكهم؛ وكانوا‬
‫يرون لنفسهههم الفضيلة بأنهههم أهههل الكتاب وأنهههم أولد النههبياء‪ .‬وكان المشركون يقولون‪" :‬أي‬
‫الفريقين خير مقاما وأحسن نديا" [مريم‪ ]73 :‬فقال ال تعالى‪" :‬والذين يحاجون في ال من بعد‬
‫ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم" أي ل ثبات لها كالشيء الذي يزل عن موضعه‪ .‬والهاء‬
‫في "له" يجوز أن يكون ل عز وجل؛ أي من بعد ما وحدوا ال وشهدوا له بالوحدانية‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم؛ أي مهن بعهد مها اسهتجيب محمهد صهلى ال عليهه وسهلم فهي دعوتهه‬
‫مهههن أههههل بدر ونصهههر ال المؤمنيهههن‪ .‬يقال‪ :‬دحضهههت حجتهههه دحوضههها بطلت‪ .‬وأدحضهههها ال‪.‬‬
‫والدحاض‪ :‬الزلق‪ .‬ومكان َدحْ ضَ و َدحَض أيضا (بالتحريك) أي زلق‪ .‬ودحضت رجله تدحض‬
‫دحضها زلقهت‪ .‬ودحضهت الشمهس عهن كبهد السهماء زالت‪" .‬وعليههم غضهب" يريهد فهي الدنيها‪" .‬ولههم‬
‫عذاب شديد" يريد في الخرة عذاب دائم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬ال الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي أنزل الكتاب" وما يريدك لعل الساعة قريب يعني القرآن وسائر الكتب‬
‫المنزلة‪" .‬بالحهق" أي بالصههدق‪" .‬والميزان" أي العدل؛ قال ابهن عباس وأكثهر المفسهرين‪ .‬والعدل‬
‫يسمى ميزانا؛ لن الميزان آله النصاف والعدل‪ .‬وقيل‪ :‬الميزان ما بين في الكتب مما يجب على‬
‫النسهان أن يعمهل بهه‪ .‬وقال قتاده‪ :‬الميزان العدل فيمها أمهر بهه ونههي عنهه‪ .‬وهذه القوال متقاربهة‬
‫المعنهى‪ .‬وقيل‪ :‬هو الجزاء على الطاعهة بالثواب وعلى المعصهية بالعقاب‪ .‬وقيهل‪ :‬إنه الميزان نفسه‬
‫الذي يوزن بهه‪ ،‬أنزله مهن السهماء وعلم العباد الوزن بهه؛ لئل يكون بينههم تظالم وتباخهس؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬لقهد أرسهلنا رسهلنا بالبينات وأنزلنها معههم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسهط" [الحديهد‪:‬‬
‫‪ .]25‬قال مجاهد‪ :‬هو الذي يوزن به‪ .‬ومعنى أنزل الميزان‪ .‬هو إلهامه للخلق أن يعملوه ويعملوا‬
‫بهه‪ .‬وقيهل‪ :‬الميزان محمهد صهلى ال عليهه وسهلم يقضهي بينكهم بكتاب ال‪" .‬ومها يدريهك لعهل السهاعة‬
‫قريههب" فلم يخههبره بههها‪ .‬يحضههه على العمههل بالكتاب والعدل والسههوية‪ ،‬والعمههل بالشرائع قبههل أن‬
‫يفاجهئ اليوم الذي يكون فيهه المحاسهبة ووزن العمال‪ ،‬فيوفهى لمهن أوفهى ويطفهف لمهن طفهف‪ .‬فهه‬
‫"لعهل السهاعة قريهب"أي منهك وأنهت ل تدري‪ .‬وقال‪" :‬قريهب" ولم يقهل قريبهة؛ لن تأنيثهها غيهر‬
‫حقيقههي لنههها كالوقههت؛ قاله الزجاج‪ .‬والمعنههى‪ :‬لعههل البعههث أو لعههل مجيههء السههاعة قريههب‪ .‬وقال‬
‫الكسائي‪" :‬قريب" نعت ينعت به المذكر والمؤنث والجمع بمعنى ولفظ واحد؛ قال ال تعالى‪" :‬إن‬
‫رحمة ال قريب من المحسنين" [العراف‪ ]56 :‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فلما وصلنا نصب أعينهم غبنا‬ ‫وكنا قريبا والديار بعيدة‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬يستعجل بها الذين ل يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق‬
‫أل إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلل بعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسهتعجل بهها الذيهن ل يؤمنون بهها" يعنهي على طريهق السهتهزاء‪ ،‬ظنها منههم أنهها‬
‫غيههر آتيههة‪ ،‬أو إيهامهها للضعفههة أنههها ل تكون‪" .‬والذيههن آمنوا مشفقون منههها" أي خائفون وجلون‬
‫لسهتقصارهم أنفسههم مهع الجههد فهي الطاعهة؛ كمها قال‪" :‬والذيهن يؤتون مها آتوا وقلوبههم وجلة أنههم‬
‫إلى ربهم راجعون" [المؤمنون‪" .]60 :‬ويعلمون أنها الحق" أي التي ل شك فيها‪" .‬أل إن الذين‬
‫يمارون فهي السهاعة" أي يشكون ويخاصهمون فهي قيام السهاعة‪" .‬لفهي ضلل بعيهد" أي عهن الحهق‬
‫وطريههق العتبار؛ إذ لو تذكروا لعلموا أن الذي أنشأهههم مههن تراب ثههم مههن نطفههة إلى أن بلغوا مهها‬
‫بلغوا‪ ،‬قادر على أن يبعثهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬ال لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال لطيف بعباده" قال ابن عباس‪ :‬حفي بهم‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬بار بهم‪ .‬وقال السدي‪:‬‬
‫رفيهق بههم‪ .‬وقال مقاتهل‪ :‬لطيهف بالبر والفاجهر؛ حيهث لم يقتلههم جوعها بمعاصهيهم‪ .‬وقال القرظهي‪:‬‬
‫لطيف‪ ،‬بهم في العرض والمحاسبة‪ .‬قال‪:‬‬
‫يسائلهم فيه الجليل ويلطف‬ ‫غدا عند مولى الخلق للخلق موقف‬
‫وقال جعفهر بهن محمهد بهن علي بهن الحسهين‪ :‬يلطهف بههم فهي الرزق مهن وجهيهن‪ :‬أحدهمها‪ :‬أنهه جعهل‬
‫ورزقهك مهن الطيبات‪ .‬والثانهي‪ :‬أنهه لم يدفعهه إليهك مرة واحدة فتبذوه‪ .‬وقال الحسهين بهن الفضهل‪:‬‬
‫لطيهف بههم فهي القرآن وتفصهيله وتفسهيره‪ .‬وقال الجنيهد‪ :‬لطيهف بأوليائه حتهى عرفوه‪ ،‬ولو لطهف‬
‫بأعدائه لمها جحدوه‪ .‬وقال محمهد بهن علي الكتانهي‪ :‬اللطيهف بمهن لجهأ إليهه مهن عباده إذا يئس مهن‬
‫الخلق توكل ورجع إليه‪ ،‬فحينئذ يقبله ويقبل عليه‪ .‬وجاء في حديث النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن‬
‫ال تعالى يطلع على القبور الدوارس فيقول جهل وعهز امحهت آثارههم واضمحلت صهورهم وبقهي‬
‫عليهم العذاب وأنا اللطيف وأنا أرحم الراحمين خففوا عنهم العذاب فيخفف عنهم العذاب)‪ .‬قال أبو‬
‫علي الثقفي رضي ال عنه‪:‬‬
‫أخو فطنة والثواب فيه نحيف‬ ‫أمر بأفناء القبور كأنني‬
‫وربي بمن يلجأ إليه لطيف‬ ‫ومن شق فاه ال قدر رزقه‬
‫وقيل‪ :‬اللطيف الذي ينشر من عباده المناقب ويستر عليهم المثالب؛ وعلى هذا قال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬يا من أظهر الجميل وستر القبيح)‪ .‬وقيل‪ :‬هو الذي يقبل القليل ويبذل الجزيل‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ههو الذي يجهبر الكسهير وييسهر العسهير‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو الذي ل يخاف إل عدله ول يرجهى إل فضله‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬ههو الذي يبذل لعبده النعمهة فوق الهمهة ويكفله الطاعهة فوق الطاقهة؛ قال تعالى‪" :‬وإن تعدوا‬
‫نعمهة ال ل تحصوها" [النحل‪" ]18 :‬وأسهبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" [لقمان‪ ،]20 :‬وقال‪:‬‬
‫"وما جعل عليكهم فهي الدين من حرج" [الحهج‪" ،]78:‬يريد ال أن يخفف عنكهم" [النسهاء‪.]28 :‬‬
‫وقيهل‪ :‬هو الذي يعيهن على الخدمة ويكثهر المدحهة‪ .‬وقيل‪ :‬هو الذي ل يعاجهل مهن عصاه ول يخيهب‬
‫مهن رجاه‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو الذي ل يرد سهائله يوئس آمله‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو الذي يعفهو عمهن يهفهو‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو‬
‫الذي يرحهم مهن ل يرحهم نفسهه‪ .‬وقيهل‪ .‬ههو الذي أوقهد فهي أسهرار العارفيهن مهن المشاهدة سهراجا‪،‬‬
‫وجعهل الصهراط المسهتقيم لههم منهاجها‪ ،‬وأجزل لههم مهن سهحائب بره ماء ثجاجها‪ .‬وقهد مضهى فهي‬
‫"النعام" قول أبي العالية والجنيد أيضا‪ .‬وقد ذكرنا جميع هذا في (الكتاب السنى في شرح أسماء‬
‫ال الحسنى) عند اسمه اللطيف‪ ،‬والحمد ل‪" .‬يرزق من يشاء" ويحرم من يشاء‪ .‬وفي تفضيل قوم‬
‫بالمال حكمهة؛ ليحتاج البعهض إلى البعهض؛ كمها قال‪" :‬ليتخهذ بعضههم بعضها سهخريا" [الزخرف‪:‬‬
‫‪ ،]32‬فكان هذا لطفها بالعباد‪ .‬وأيضها ليمتحهن الغنهي بالفقيهر والفقيهر بالغنهي؛ كمها قال‪" :‬وجعلنها‬
‫بعضكم لبعض فتنة أتصبرون" [الفرقان‪ ]20 :‬على ما تقدم بيانه‪" .‬وهو القوي العزيز"‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته‬
‫منها وما له في الخرة من نصيب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه" الحرث العمل والكسب‪ .‬ومنه قول‬
‫عبدال بهن عمهر‪ :‬واحرث لدنياك كأنهك تعيهش أبدا واعمهل لخرتهك كأنهك تموت غدا‪ .‬ومنهه سهمي‬
‫الرجهل حارثها‪ .‬والمعنهى أي مهن طلب بمها رزقناه حرثها لخرتهه‪ ،‬فأدى حقوق ال وأنفهق فهي إعزاز‬
‫الدين؛ فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر‪" .‬ومن كان يريد حرث الدنيا" أي‬
‫طلب بالمال الذي آتاه ال رياسههة الدنيهها والصههل إلى المحظورات‪ ،‬فإنهها ل نحرمههه الرزق أصههل‪،‬‬
‫ولكن ل حظ به في الخرة من ماله؛ قال ال تعالى‪" :‬من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء‬
‫لمهن نريهد ثهم جعلنها له جهنهم يصهلها مذمومها مدحورا ومهن أراد الخرة وسهعى لهها سهعيها وههو‬
‫مؤمهن فأولئك كان سهعيهم مشكورا" [السهراء‪ .]18 :‬وقيهل‪" :‬نزد له فهي حرثهه" نوفقهه للعبادة‬
‫ونسهلها عليه‪ .‬وقيل‪ :‬حرث الخرة الطاعة؛ أي من أطاع فله الثواب‪ .‬قيل‪" :‬نزد له في حرثه" أي‬
‫نعطه الدنيا مع الخرة‪ .‬وقيل‪ :‬الية في الغزو؛ أي من أراد بغزوه الخرة أوتى الثواب‪ ،‬ومن أراد‬
‫بغزوه الغنيمهة أوتهي منهها‪ .‬قال القشيري‪ :‬والظاههر أن اليهة فهي الكافهر؛ يوسهع له فهي الدنيها؛ أي ل‬
‫ينبغهي له أن يغتهر بهذ لك لن الدنيها ل تبقهى‪ .‬وقال قتادة‪ :‬إن ال يعطهي على نيهة الخرة مها شاء مهن‬
‫أمهر الدنيها‪ ،‬ول يعطهي على نيهة الدنيها إل الدنيها‪ .‬وقال أيضها‪ :‬يقول ال تعالى‪( :‬مهن عمهل لخرتهه‬
‫زدناه فهي عمله وأعطيناه مهن الدنيها مها كتبنها له ومهن أثهر دنياه على آخرتهه لم نجعهل له نصهيبا فهي‬
‫الخرة إل النار ولم يصهب مهن الدنيها إل رزقها قهد قسهمناه له ل بهد أن كان يؤتاه مهع إيثار أو غيهر‬
‫إيثار)‪ .‬وروى جويهبر عهن الضحاك عهن ابهن عباس قال‪ :‬وقوله عهز وجهل‪" :‬مهن كان يريهد حرث‬
‫الخرة" من كال من البرار يريد بعمله الصالح ثواب الخرة "نزد له في حرثه" أي في حسناته‪.‬‬
‫"ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الخرة من نصيب‬
‫"ومن كان يريد حرث الدنيا" أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا "نؤته منها" ثم نسخ‬
‫ذلك فههي السههراء‪" :‬مههن كان يريهد العاجلة عجلنها له فيههها مها نشاء لمهن نريههد" [السههراء‪.]18 .‬‬
‫والصواب أن هذا ليس بنسخ؛ لن هذا خبر الشياء كلها بإرادة ال عز وجل‪ .‬أل ترى أنه قد صح‬
‫عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬ل يقهل أحدكهم اللههم اغفهر لي إن شئت اللههم ارحمنهي إن‬
‫شئت)‪ .‬وقهد قال قتادة مها تقدم ذكره‪ ،‬وههو يهبين لك أن ل نسهخ‪ .‬وقهد ذكرنها فهي "هود" أن هذا مهن‬
‫باب المطلق والمقيد‪ ،‬وأن النسخ ل يدخل في الخبار‪ .‬وال المستعان‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هذه الية تبطل مذهب أبي حنيفة في قوله‪:‬إنه من توضأ تبردا أنه يجزيه عن فريضة‬
‫الوضوء الموظههف عليههه؛ فإن فريضههة الوضوء مههن حرث الخرة والتههبرد مههن حرث الدنيهها‪ ،‬فل‬
‫يدخل أحدهما على الخر‪ ،‬ول تجزي نيته عنه بظاهر هذه الية؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به ال ولول كلمة الفصل لقضي‬
‫بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم لهم شركاء"والميم صلة والهمزة للتقريع‪ .‬وهذا متصل بقوله‪" :‬شرع لكم من‬
‫الدين ما وصى به نوحا" [الشورى‪ ،]13 :‬وقوله تعالى‪" :‬ال الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان"‬
‫[الشورى‪ ]17 :‬كانوا ل يؤمنون به‪ ،‬فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به ال! وإذا‬
‫اسهتحال هذا فال لم يشرع الشرك‪ ،‬فمهن أيهن يدينون بهه‪" .‬ولول كلمهة الفصهل" القيامهة حيهث قال‪:‬‬
‫"بهل السهاعة موعدههم" [القمهر‪" .]46 :‬لقضهي بينههم" فهي الدنيها‪ ،‬فعاجهل الظالم بالعقوبهة وأثاب‬
‫الطائع‪" .‬وإن الظالميهن" أي المشركيهن‪" .‬لههم عذاب أليهم" فهي الدنيها القتهل والسهر والقههر‪ ،‬وفهي‬
‫الخرة عذاب النار‪ .‬وقرأ ابهن هرمهز "وأن" بفتهح الهمزة على العطهف "ولول كلمهة" والفصهل بيهن‬
‫المعطوف عليهه بجواب "لول" جائز‪ .‬ويجوز أن يكون موضهع "أن" رفعها على تقديهر‪ :‬وجهب أن‬
‫الظالمين لهم عذاب أليم‪ ،‬فيكون منقطعا مما قبله كقراءة الكسر؛ فاعلمه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليههة‪{ 22 :‬ترى الظالميههن مشفقيههن ممهها كسههبوا وهههو واقههع بهههم والذيههن آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ترى الظالميهن مشفقيهن" أي خائفيهن "ممها كسهبوا" أي مهن جزاء مها كسهبوا‪.‬‬
‫والظالمون هها هنها الكافرون؛ بدليهل التقسهيم بيهن المؤمهن والكافهر‪" .‬وههو واقهع بههم" أي نازل بههم‪.‬‬
‫"والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات" الروضة‪ :‬الموضع النزه الكثير الخضرة‪.‬‬
‫وقهد مضهى فهي "الروم"‪" .‬لههم مها يشاؤون عنهد ربههم" أي مهن النعيهم والثواب الجزيهل‪" .‬ذلك ههو‬
‫الفضهل الكهبير" أي ل يوصهف ول تهتدي العقول إلى كنهه صهفته؛ لن الحهق إذا قال كهبير فمهن ذا‬
‫الذي يقدر قدره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬ذلك الذي يبشر ال عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل ل أسألكم عليه أجرا‬
‫إل المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن ال غفور شكور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك الذي يبشهر ال عباده الذيهن آمنوا" قرئ "يبشهر" مهن بشره‪" ،‬ويبشهر" مهن‬
‫أبشره‪" ،‬يبشر" من بشره‪ ،‬وفيه حذف؛ أي يبشر ال به عباده المؤمنين ليتعجلوا السرور ويزدادوا‬
‫منه وجدا في الطاعة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ل أسألكم عليه عليه أجرا" أي قل يا محمد ل أسألكم عل تبليغ الرسالة جعل‪.‬‬
‫"إل المودة فههي القربههى" قال الزجاج‪" :‬إل المودة" اسههتثناء ليههس مههن الول؛ أي إل أن تودونههي‬
‫لقرابتههي فتحفظونههي‪ .‬والخطاب لقريههش خاصههة؛ قال ابههن عباس وعكرمههة ومجاهههد وأبههو مالك‬
‫والشعبي وغيرهم‪ .‬قال الشعبي‪ :‬أكثر الناس علينا في هذه الية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها؛‬
‫فكتب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان أوسط الناس في قريش‪ ،‬فليس بطن من بطونهم إل‬
‫وقهد ولده؛ فقال ال له‪" :‬قهل ل أسهألكم عليه أجرا إل المودة فهي القربهى" إل أن تودونهي فهي قرابتهي‬
‫منكم؛ أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني‪ .‬فه "القربى" ها هنا قرابة الرحم؛ كأنه قال‪ :‬اتبعوني‬
‫للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة‪ .‬قال عكرمة‪ :‬وكانت قريش تصل أرحامها فلما بعث النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم قطعتهه؛ فقال‪( :‬صهلوني كمها كنتهم تفعلون)‪ .‬فالمعنهى على هذا‪ :‬قهل ل أسهألكم عليهه أجرا‬
‫لكن أذكركم قرابتي؛ على استئناء ليس من أول؛ ذكره النحاس‪ .‬وفي البخاري عن طاوس عن ابن‬
‫عباس أنه سئل عن قوله تعالى‪" :‬إل المودة في القربى" فقال سعيد بن جبير‪ :‬قربى آل محمد؛ فقال‬
‫ابن عباس‪ :‬عجت ! إن النبي صلى ال عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إل كان له فيهم قرابة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إل أن تصهلوا مها بينكهم مهن القرابهة‪ .‬فهذا قول‪ .‬وقيهل‪ :‬القربهى قرابهة الرسهول صهلى ال عليهه‬
‫وسلم‪ ،‬أي ل أسألكم أجرا إل أن تودوا قرابتي وأهل بيتي‪ ،‬كما أمر بإعظامهم ذوي القربى‪ .‬وهذا‬
‫قول علي بهن حسهين وعمرو بهن شعيهب والسهدي‪ .‬وفهي روايهة سهعيد بهن جهبير عهن ابهن عباس‪ :‬لمها‬
‫أنزل ال عز وجل‪" :‬قل ل أسالكم عيه أجرا إل المودة في القربي" قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬من هؤلء‬
‫الذين نودهم ؟ قال‪( :‬علي وفاطمة وأبناؤهما)‪ .‬ويدل عليه أيضا ما روي عن علي رضي ال عنه‬
‫قال‪ :‬شكوت إلى النههبي صههلى ال عليههه وسههلم حسههد الناس لي‪ .‬فقال‪( :‬أمهها ترضههى أن تكون رابههع‬
‫أربعهة أول مهن يدخهل الجنهة أنها وأنهت والحسهن والحسهين وأزواجنها عهن أيماننها وشمائلنها وذريتنها‬
‫خلف أزواجنها)‪ .‬وعهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬حرمهت الجنهة على مهن ظلم أههل وآذانهي فهي‬
‫عترتي ومن أصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبدالمطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا‬
‫إذا لقينهي يوم القيامهة)‪ .‬وقال الحسهن وقتادة‪ :‬المعنهى إل أن يتوددوا إلى ال عهز وجهل ويتقربوا إليهه‬
‫بطاعته‪ .‬فه "القربى" على هذا بمعنى القربة‪ .‬يقال‪ :‬قربة وقربى بمعنى‪،‬؛ كالزلفة والزلفى‪ .‬وروى‬
‫قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬قل‬
‫ل أسألكم على ما آتيتكم به أجرا إل أن توادوا وتقربوا إليه بالطاعة)‪.‬‬
‫وروى منصههور وعوف عههن الحسههن "قههل ل أسههالكم عليههه أجرا إل المودة فههي القربههى" قال‪:‬‬
‫يتوددون إلى ال عهز وجهل ويتقربون منهه بطاعتهه‪ .‬وقال قوم‪ :‬اليهة منسهوخة وإنمها نزلت بمكهة؛‬
‫وكان المشركون يؤذون رسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه الية‪ ،‬وأمرهم ال بمودة نبيه‬
‫صههلى ال عليههه وسههلم وصههلة رحمههه‪ ،‬فلمهها هاجههر آوتههه النصههار ونصههروه‪ ،‬وأراد ال أن يلحقهه‬
‫بإخوانهه مهن النهبياء حيهث قالوا‪" :‬ومها أسهئلكم عليهه مهن أجهر إن أجري إل على رب العالميهن"‬
‫[الشعراء‪ ]109 :‬فأنزل ال تعالى‪" :‬قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إل على ال" [سبأ‪:‬‬
‫‪ ]47‬فنسخت بهذه الية وبقوله‪" :‬قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" [ص‪،]86 :‬‬
‫وقوله‪" .‬أم تسهألهم خرجها فخراج ربهك خيهر" [المؤمنون‪ ،]72 :‬وقوله‪" :‬أم تسهألهم أجرا فههم مهن‬
‫مغرم مثقلون" [الطور‪ ]40 :‬قال الضحاك والحسين بن الفضل‪ .‬ورواه جويبر عن الضحاك عن‬
‫ابههن عباس‪ .‬قال الثعلبههي‪ :‬وليههس بالقوي‪ ،‬وكفههى قبحهها بقول مههن يقول‪ :‬إن التقرب إلى ال بطاعتههه‬
‫ومودة نبيه صلى ال عليه وسلم وأهل بيته منسوخ؛ وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من مات‬
‫على حهب آل محمهد مات شهيدا‪ .‬ومهن مات على حهب آل محمهد جعهل ال زوا فهي قهبره الملئكهة‬
‫والرحمة‪ .‬ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه أيس اليوم من رحمة‬
‫ال‪ .‬ومههن مات على بغههض آل محمههد لم يرح رائحههة الجنههة‪ .‬ومههن مات على بغههض آل بيتههي فل‬
‫نصيب له في شفاعتي)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكهر هذا الخهبر الزمخشري فهي تفسهيره بأطول مهن هذا فقال‪ :‬وقال رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬من مات على حب آل محمد مات شهيدا أل ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا‬
‫مسهتكمل اليمان‪ .‬أل ومهن مات على حهب آل محمهد بشره ملك‪ ،‬الموت بالجنهة ثهم منكهر ونكيهر‪ .‬أل‬
‫ومهن مات على حهب آل محمهد يزف إلى الجنهة كمها تزف العروس إلى بيهت زوجهها أل ومهن مات‬
‫على حهب آل محمهد فتهح له قهبره بابان إلى الجنهة‪ .‬أل ومهن مات على حهب آل محمهد جعهل ال قهبره‬
‫مزار ملئكة الرحمة‪ .‬أل ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة‪ .‬أل ومن مات‬
‫على بغهض آل محمهد جاء يوم القيامهة مكتوبها بيهن عينيهه آيهس مهن رحمهة ال‪ .‬أل ومهن مات على‬
‫بغض آل محمد مات كافرا‪ .‬أل ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة)‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫ومذهب عكرمة ليست بمنسوخة؛ قال‪ :‬كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قطعوه فقال‪( :‬قل ل أسألكم عليه أجرا إل أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ول تكذبوني)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ههو معنهى قول ابهن عباس فهي البخاري والشعهبي عنهه بعينهه؛ وعليهه ل نسهخ‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وقول الحسهن حسهن‪ ،‬ويدل على صهحته الحديهث المسهند عهن رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسلم كما حدثنا أحمد بن محمد الزدي قال أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي قال أخبرنا أسد بن‬
‫موسى قال حدثنا قزعة ‪ -‬وهو ابن يزيه البصري ‪ -‬قال حدثنا عبدال بن أبي نجيع عن مجاهد عن‬
‫ابههن عباس أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم قال‪( :‬ل أسههألكم على مهها أنبئكههم بههه مههن البينات‬
‫والهدى أجرأ إل أن توادوا ال عهز وجهل وأن تتقربوا إليهه بطاعتهه)‪ .‬فهذا المهبين عهن ال عهز وجهل‬
‫قد قال هذا‪ ،‬وكذا قالت النبياء صلى ال عليه وسلم قبله‪" :‬إن أجري إل على ال" [سبأ‪.]47 :‬‬
‫@ واختلفوا فهي سبب نزولها؛ فقال ابن عباس‪ :‬لما قدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة كانت‬
‫تنوبهه نوائب وحقوق ل يسهعها مها فهي يديهه؛ فقالت النصهار‪ :‬إن هذا الرجهل هداكهم ال به وهو ابهن‬
‫أخيكهم‪ ،‬وتنوبهه نوائب وحقوق ل يسهعها مها فهي يديهه فنجمهع له؛ ففعلوا‪ ،‬ثهم أتوه بهه فنزلت‪ .‬وقال‬
‫الحسهههن‪ :‬نزلت حيهههن تفاخرت النصهههار والمهاجرون‪ ،‬فقالت النصهههار نحهههن فعلنههها‪ ،‬وفخرت‬
‫المهاجرون بقرابتههم مهن رسهول ال صهلى ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬روى مقسهم عهن ابهن عباس‬
‫قال‪ :‬سهمع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم شيئا فخطهب فقال للنصهار‪( :‬ألم تكونوا أذلء فأعزكهم‬
‫ال بههي‪ .‬ألم تكونوا ضلل فهداكههم ال بههي‪ .‬ألم تكونوا خائفيههن فأمنكههم ال بههي أل تردون علي) ؟‬
‫فقالوا‪ :‬بههه نجيبههك؟ قال‪( .‬تقولون ألم يطردك قومههك فآويناك‪ .‬ألم يكذبههك قومههك فصههدقناك‪ )...‬فعدد‬
‫عليهههم‪ .‬قال فجثوا على ركبهههم فقالوا‪ :‬أنفسههنا وأموالنهها لك؛ فنزلت‪" :‬قههل ل أسههألكم عليههه أجرا إل‬
‫المودة فههي القربههى" وقال قتادة‪ :‬قال المشركون لعههل محمههد فيمهها يتعاطاه يطلب أجرا؛ فنزلت هذه‬
‫الية؛ ليحثهم على مودته ومودة أقربائه‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وهذا أشبه بالية‪ ،‬لن السورة مكية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يقترف حسنة" أي يكتسب‪ .‬وأصل القرف الكسب‪ ،‬يقال‪ :‬فلن يقرف لعياله‪،‬‬
‫أي يكسهب‪ .‬والقتراف الكتسهاب؛ وههو مأخوذ مهن قولههم رجهل قرفهة‪ ،‬إذا كان محتال‪ .‬وقهد مضهى‬
‫فهي "النعام" القول فيهه‪ .‬وقال ابهن عباس‪" :‬ومهن يقترف حسهنة" قال المودة لل محمهد صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪" .‬نزد له فيها حسنا" أي نضاعف له الحسنة بعشر فصاعدا‪" .‬إن ال غفور شكور" قال‬
‫قتادة‪" :‬غفور" للذنوب "شكور" للحسهنات‪ .‬وقال السهدي‪" :‬غفور" لذنوب آل محمهد عليهه السهلم‪،‬‬
‫"شكور" لحسناتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 24 :‬أم يقولون افترى على ال كذبها فإن يشهأ ال يختهم على قلبهك ويمهح ال الباطهل‬
‫ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يقولون افترى على ال كذبها" الميهم صهلة‪ ،‬والتقديهر أيقولون افترى‪ .‬واتصهل‬
‫الكلم بمهها قبههل؛ لن ال تعالى لمهها قال‪" :‬وقههل آمنههت بمهها أنزل ال مههن كتاب" [الشورى‪،]15 :‬‬
‫وقال‪" :‬ال الذي أنزل الكتاب بالحهق" [الشورى‪ ]17 :‬قال إتمامها للبيان‪" :‬أم يقولون افترى على‬
‫ال كذبها" يعنهي كفار قريهش قالوا‪ :‬إن محمدا اختلق الكذب على ال‪" .‬فإن يشهأ ال" شرط وجوابهه‬
‫"يختم على قلبك" قال قتادة‪ :‬يطبع على قلبك فينسيك القرآن؛ فأخبرهم ال أنه لو افترى عليه لفعل‬
‫بمحمهد ما أخبرهم به فهي هذه الية‪ .‬وقال مجاهد ومقاتل‪" :‬إن يشاء ال" يربط على قلبك بالصبر‬
‫على أذاهم حتى ل يدخل قلبك مشقة من قولهم‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى إن يشأ يزل تمييزك‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‬
‫لو حدثت نفسك أن تفتري على ال كذبا لطبع على قلبك؛ قال ابن عيسى‪ .‬وقيل‪ :‬فإن يشأ ال يختم‬
‫على قلوب الكفار وعلى ألسههنتهم وعاجلهههم بالعقاب‪ .‬فالخطاب له والمراد الكفار؛ ذكره القشيري‪.‬‬
‫ثهم ابتدأ فقال‪" :‬ويمهح ال الباطهل" قال ابهن النباري‪" :‬يختهم على قلبهك" تام‪ .‬وقال الكسهائي‪ :‬فيهه‬
‫تقديم وتأخير؛ مجازه‪ :‬وال يمحو الباطل؛ فحذف منه الواو في المصحف‪ ،‬وهو في موضع رفع‪.‬‬
‫كمها حذفهت مهن قوله‪" :‬سهندع الزبانيهة"‪[ ،‬العلق‪" ،]18 :‬ويدع النسهان" [السهراء‪ ]1 1 :‬ولنهه‬
‫عطهف على قوله‪" :‬يختهم على قلبهك"‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬قوله‪":‬أم يقولون افترى على ال كذبها" تمام؛‬
‫وقوله‪" :‬ويمح ال الباطل" احتجاج على من أنكر ما أتى به النبي صلى ال عليه وسلم؛ أي لوكان‬
‫ما أتى به باطل لمحاه كما جرت به عادته في المفترين‪" .‬ويحق الحق" أي السلم فيثبته "بكلماته‬
‫إنه عليم بذات الصدور" أي بما أنزل من القرآن‪" .‬إنه عليم بذات الصدور" عام‪ ،‬أي بما في قلوب‬
‫العباد‪ .‬وقيل خاص‪ .‬والمعنى أنك لو حدثت نفسك أن تفتري على ال كذبا لعلمه وطبع على قلبك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وههو الذي يقبهل التوبهة عهن عباده" قال ابهن عباس‪ :‬لمها نزل قوله تعالى "قهل ل‬
‫أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى" قال قوم في نفوسهم‪ :‬ما يريد إل أن يحثنا على أقاربه من‬
‫بعده؛ فأخهبر جبريهل النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وأنههم قهد اتهموه فأنزل‪" :‬أم يقولون افترى على‬
‫ال كدبا" الية؛ فقال القوم‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬فإنا نشهد أنك صادق ونتوب‪ .‬فنزلت‪" :‬وهو الذي يقبل‬
‫التوبهة عهن عباده"‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬أي عهن أوليائه وأههل طاعتهه‪ .‬واليهة عامهة‪ .‬وقهد مضهى الكلم‬
‫في معنى التوبة وأحكامها؛ ومضى هذا اللفظ في "التوبة"‪" .‬ويعفو عن السيئات" أي عن الشرك‬
‫قبل السلم‪" .‬ويعلم ما تفعلون" أي من الخير والشر‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف بالتاء‬
‫على الخطاب‪ ،‬وههى قراءة ابهن مسهعود وأصهحابه‪ .‬الباقون بالياء على الخهبر‪ ،‬واختاره أبهو عبيهد‬
‫وأبو حاتهم؛ لنه بيهن خبرين‪ :‬الول "وهو الذي يقبهل التوبة عن عبادة" والثانهي "ويستجيب الذيهن‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 26 :‬ويسهتجيب الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات ويزيدههم مهن فضله والكافرون لههم‬
‫عذاب شديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيهن" فهي موضهع نصهب؛ أي ويسهتجيب ال الذيهن آمنوا‪ ،‬أي يقبهل عبادة مهن‬
‫أخلص له بقلبههه وأطاع ببدنههه‪ .‬وقيههل‪ :‬يعطيهههم مسههألتهم إذا دعوه‪ .‬وقيههل‪ :‬ويجيههب دعاء المؤمنيههن‬
‫بعضمهههم لبعههض؛ يقال‪ :‬أجاب واسههتجاب بمعنههى‪ ،‬وقههد مضههى فههي "البقرة"‪ .‬وقال ابههن عباس‪:‬‬
‫"ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات" يشفعهم في إخوانهم‪" .‬ويزيد من فضله" قال‪ :‬يشفعهم‬
‫في إخوان إخوانهم‪ .‬وقال المبرد‪ :‬معنى "يستجيب الذين آمنوا" وليستدع الذين آمنوا الجابة؛ هكذا‬
‫حقيقة معنى استفعل‪ .‬فه "الذين" في موضع رفع‪" .‬والكافرون لهم عذاب شديد"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬ولو بسط ال الرزق لعباده لبغوا في الرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده‬
‫خبير بصير}‬
‫@ قيل‪ :‬إنها نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق‪ .‬وقال خاب بن الرت‪ :‬فينا نزلت؛‬
‫نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وبني قينقاع فتمناها فنزلت‪" .‬لو بسط" معناه وسع‪ .‬وبسط‬
‫الشيهء نشره‪ .‬وبالصهاد أيضها‪" .‬لبغوا فهي الرض" طغوا وعصهوا‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬بغيههم طلبههم‬
‫منزلة بعهد منزلة ودابهة بعهد دابهة ومركبها بعهد مركهب وملبسها بعهد ملبهس‪ .‬وقيهل‪ :‬أراد لو أعطاههم‬
‫الكثيهر لطلبوا ما هو أكثر منه‪ ،‬لقوله‪( :‬لوكان لبن آدم واديان من ذههب لبتغهى إليهما ثالثا) وهذا‬
‫هو البغي‪ ،‬وهو معنى قول ابن عباس‪ .‬وقيل‪ :‬لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض‪،‬‬
‫ولتعطلت الصهنائع‪ .‬وقيهل‪ :‬أراد بالرزق المطهر الذي ههو سهبب الرزق؛ أي لو أدام المطهر لتشاغلوا‬
‫بههه عههن الدعاء‪ ،‬فيقبههض تارة ليتضرعوا ويبسههط أخرى ليشكروا‪ .‬وقيههل‪ :‬كانوا إذا أخصههبوا أغار‬
‫بعضههم على بعهض؛ فل يبعهد حمهل البغهي على هذا‪ .‬الزمخشري‪" :‬لبغوا" مهن البغهي وههو الظلم؛‬
‫أي لبغهى هذا على ذاك وذاك على هذا؛ لن الغنهى مبطرة مأشرة‪ ،‬وكفهى بقارون عهبرة‪ .‬ومنهه قول‬
‫عليه السلم‪( :‬أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها)‪ .‬ولبعض العرب‪:‬‬
‫وبين بني دودان نبعا وشوحطا‬ ‫وقد جعل الوسمي ينبت بيننا‬
‫يعنهي أنههم أحيوا فحدثوا أنفسههم بالبغهي والتغابهن‪ .‬أومهن البغهي وههو البذخ والكهبر؛ أي لتكهبروا فهي‬
‫الرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد‪" .‬ولكن ينزل بقدر ما يشاء" أي ينزل أرزاقهم‬
‫بقدر ما يشاء لكفايتهم وقال مقاتل‪" :‬ينزل بقدر ما يشاء" يجعل من يشاء غنيا ومن يشاء فقيرا‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬أفعال الرب سبحانه ل تخلو عن مصالح وإن لم يجب على ال الستصلح؛ فقد‬
‫يعلم من حال عبد أنه لو بسط عليه قاده ذلك إلى الفساد فيزوي عنه الدنيا مصلحة له‪ .‬فليس ضيق‬
‫الرزق هوانها ول سهعة فضيلة؛ وههد أعطهى أقوامها مهع علمهه أنههم يسهتعملونه فهي الفسهاد‪ ،‬ولو فعهل‬
‫بههم خلف مها فعهل لكانوا أقرب إلى الصهلح‪ .‬والمهر على الجملة مفوض إلى مشيئتهه‪ ،‬ول يمكهن‬
‫التزام مذهب السهتصلح في كل فعل من أفعال ال تعالى‪ .‬وروى أنس عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم فيمها يرويهه عهن ربهه تبارك وتعالى قال‪( :‬مهن أهان لي وليها فقهد بارزنهي بالمحاربهة وإنهي‬
‫لسهرع شيهء إلى نصهرة أوليائي وإنهي لغضهب لههم كمها يغضهب الليهث الحرد‪ .‬ومها ترددت فهي‬
‫شيء أنا فاعله ترددي في قبض روج عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته ول بد له منه‪.‬‬
‫ومها تقرب إلي عبدي المؤمهن بمثهل أداء مها افترضهت عليهه‪ .‬ومها يزال عبدي المؤمهن يتقرب إلي‬
‫بالنوافهل حتهى أحبهه فاذا أحببتهه كنهت له سهمعا وبصهرا ولسهانا ويدا ومؤيدا فإن سهألني أعطيتهه وإن‬
‫دعاني أجبته‪ .‬وإن من عبادي المؤمنين من يسألني الباب من العبادة وإني عليم أن لو أعطيته إياه‬
‫لدخله العجهب فأفسهده‪ .‬وإن من عبادي المؤمنيهن من ل يصهلحه إل الغنهى ولو أفقرتهه لفسهده الفقهر‪.‬‬
‫وإن مهن عبادي المؤمنيهن مهن ل يصهلحه إل الفقهر ولو أغنيتهه لفسهده الغنهى‪ .‬وإنهي لدبر عبادي‬
‫لعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير)‪ .‬ثم قال أنس‪ :‬اللهم إني من عبادك المؤمنين الذين ل يصلحهم إل‬
‫الغنى‪ ،‬فل تفقرني برحمتك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}‬
‫@ قرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وحميهد ومجاههد وأبهو عمرو ويعقوب وابهن وثاب والعمهش‬
‫وغيرهمها والكسهائي "ينزل" مخففها‪ .‬الباقون بالتشديهد‪ .‬وقرأ ابهن وثاب أيضها والعمهش وغيرهمها‬
‫"قنطوا" بكسر النون؛ وقد تقدم جميع هذا‪ .‬والغيث المطر؛ وسمي الغيث غيثا لنه يغيث الخلق‪.‬‬
‫وقهد غاث الغيهث الرض أي أصهابها‪ .‬وغاث ال البلد يغيثهها غيثها‪ .‬وغيثهت الرض تغاث غيثها‬
‫فههي أرض مغيثهة ومغيوثة‪ .‬وعن الصهمعي قال‪ :‬مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا فسهألت‬
‫عجوزا منههم‪ :‬أتاكهم المطهر؟ فقالت‪ :‬غثنها مها شئنها غيثها‪ ،‬أي مطرنها‪ .‬وقال ذو الرمهة‪ :‬قاتهل ال أمهة‬
‫بني فلن ما أفصحها ! قلت لها كيف كان المطر عندكم ؟ فقالت‪ :‬غثنا ما شئنا‪ .‬ذكر الول الثعلبي‬
‫والثانههي الجوهري‪ .‬وربمهها سههمي السههحاب والنبات غيثهها‪ .‬والقنوط الياس؛ قاله قتادة وغيره‪ .‬قال‬
‫قتاده‪ :‬ذكهر أن رجل قال لعمهر بهن الخطاب‪ :‬يها أميهر المؤمنيهن‪ ،‬قحهط المطهر وقهل الغيهث وقنهط‬
‫الناس؟ فقال‪ :‬مطرتهم إن شاء ال‪ ،‬ثهم قرأ‪" :‬وههو الذي ينزل الغيهث مهن بعهد مها قنطوا"‪ .‬والغيهث مها‬
‫كان نافعا في وقته‪ ،‬والمطر قد يكون نافعا وضارا في‪ ،‬وقته وغير وقته؛ قال الماوردي‪" .‬وينشر‬
‫رحمتهه" قيهل المطهر؛ وههو قول السهدي‪ .‬وقيهل ظهور الشمهس بعهد المطهر؛ ذكره المهدوي‪ .‬وقال‬
‫مقاتهل‪ :‬نزلت فهي حبهس المطهر عهن أههل مكهة سهبع سهنين حتهى قنطوا‪ ،‬ثهم أنزل ال المطهر‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫نزلت فههي العرابههي سههأل رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم عههن المطههر يوم الجمعههة فههي خههبر‬
‫السههههتسقاء؛ ذكره القشيري‪ ،‬وال أعلم‪" .‬وهههههو الولي الحميههههد" "الولي" الذي ينصههههر أولياءه‪.‬‬
‫"الحميد" المحمود بكل لسان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬ومن آياته خلق السماوات والرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا‬
‫يشاء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومهن آياتهه خلق السهماوات والرض" أي علماتهه الدالة على قدرتهه‪" .‬ومها بهث‬
‫فيهمهها مههن دابههة" قال مجاهههد‪ :‬يدخههل فههي هذا الملئكههة والناس‪ ،‬وقههد قال تعالى‪" :‬ويخلق مهها ل‬
‫تعلمون" [النحهل‪ .]8 :‬وقال الفراء أراد مها بهث فهي الرض دون السهماء؛ كقوله‪" :‬يخرج منهمها‬
‫اللؤلؤ والمرجان" [الرحمهن‪ ]22 :‬إنمها يخرج مهن الملح دون العذب‪ .‬وقال أبهو علي‪ :‬تقديره ومها‬
‫بهث فهي أحدهمها؛ فحذف المضاف‪ .‬وقوله‪" :‬يخرج منهمها" أي مهن أحدهمها‪" .‬وههو على جمعههم إذا‬
‫يشاء قدير" أي يوم القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير‪ ،‬وما أنتم بمعجزين‬
‫في الرض وما لكم من دون ال من ولي ول نصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومها أصهابكم مهن مصهيبة فبمها كسهبت أيديكهم" قرأ نافهع وابهن عامهر "بمها كسهبت"‬
‫بغيههر فاء‪ .‬الباقون "فبمهها" بالفاء‪ ،‬واختاره أبههو عبيههد وأبههو حاتههم للزيادة فههي الحرف والجههر‪ .‬قال‬
‫المهدوي‪ :‬إن قدرت أن "مهها" الموصههولة جاز حذف الفاء وإثباتههها‪ ،‬والثبات أحسههن‪ .‬وإن قدرتههها‬
‫التهي للشرط لم يجهز الحذف عنهد سهيبويه‪ ،‬وأجازه الخفهش واحتهج بقوله تعالى‪" :‬وإن أطعتموههم‬
‫إنكههم لمشركون" [النعام‪ .]121 :‬والمصههيبة هنهها الحدود على المعاصههى؛ قاله الحسههن‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬مها تعلم رجهل القرآن ثهم نسهيه إل بذنهب؛ قال ال تعالى‪" :‬ومها أصهابكم مهن مصهيبة فبمها‬
‫كسبت أيديكم" ثم قال‪ :‬وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن؛ ذكره ابن المبارك عن عبدالعزيز بن‬
‫أبي رواد‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬إنما هذا على الترك‪ ،‬فأما الذي هو دائب في تلوته حريص على حفظه‬
‫إل أن النسهيان يغلبهه فليهس مهن ذلك فهي شيهء‪ .‬وممها يحقهق ذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان‬
‫ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره؛ من ذلك حديث عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬سمع‬
‫قراءة رجهل فهي المسهجد فقال‪( :‬مها له رحمهه ال ! لقهد أذكرنهي آيات كنهت أنسهيتها مهن سهورة كذا‬
‫وكذا)‪ .‬وقيهل‪" :‬مها" بمعنهى الذي‪ ،‬والمعنهى الذي أصهابكم فيمها مضهى بمها كسهبت أيديكهم‪ .‬وقال علي‬
‫رضي ال عنه‪ :‬هذه الية أرجى آية في كتاب ال عز وجل‪ .‬وإذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو‬
‫عهن كثيهر فمها يبقهى بعهد كفارتهه وعفوه ! وقهد روي هذا المعنهى مرفوعها عنهه رضهي ال عنهه‪ ،‬قال‬
‫على بن أبي طالب رضي ال عنه‪ :‬أل أخبركم بأفضل آية في كتاب ال حدثنا بها النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪" :‬ومها مهن مصهيبة فبمها كسهبت أيديكهم" اليهة‪( :‬يها علي مها أصهابكم مهن مرض أوعقوبهة‬
‫أوبلء في الدنيا فبما كسبت أيديكم‪ .‬وال أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الخرة وما عفا عنه‬
‫في الدنيا فال أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه)‪ .‬وقال الحسن‪ :‬لما نزلت هذه الية قال النبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم‪( :‬مها مهن اختلج عرق ول خدش عود ول نكبهة حجهر إل بذنهب ولمها يعفهو ال عنهه‬
‫أكثهر)‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬دخلنها على عمران بهن حصهين فقال رجهل‪ :‬ل بهد أن أسهألك عمها أرى بهك مهن‬
‫الوجهع؛ فقال عمران‪ :‬يها أخهي ل تفعهل ! فوال إنهي لحهب الوجهع ومهن أحبهه كان أحهب الناس إلى‬
‫ال‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتم أيديكم ويعفو عن كثير" فهذا مما كسبت‬
‫يدي‪ ،‬وعفو ربي عما بقي أكثر‪.‬‬
‫وقال ُمرّة الهمذاني‪ :‬رأيت على ظهر كف شريح قرحه فقلت‪ :‬يا أبا أمية‪ ،‬ما هذا؟ قال‪ :‬هذا بما‬
‫كسهبت أيديكهم ويعفهو عهن كثيهر‪ .‬وقال ابهن عون‪ :‬إن محمهد بهن سهيرين لمها ركبهه الديهن اغتهم لذلك‬
‫فقال‪ :‬إني ل أعرف هذا الغم‪ ،‬هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة‪ .‬وقال أحمد بن أبي الحواري قيل‬
‫لبهى سهليمان الدارانهي‪ :‬مها بال العقلء أزالوا اللوم عمهن أسهاء إليههم ؟ فقال‪ :‬لنههم علموا أن ال‬
‫تعالى إنما ابتلهم بذنوبهم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن‬
‫كثير"‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إل بذنب لم يكن ال ليغفره له إل بها أو‬
‫لينال درجة لم يكن يوصله إليها إل بها‪ .‬وروي أن رجل قال لموسى‪ :‬يا موسى‪ ،‬سل ال لي حاجة‬
‫يقضيهها لي ههو أعلم بهها؛ ففعهل موسهى؛ فلمها نزل إذ ههو بالرجهل قهد مزق السهبع لحمهه وقتله؛ فقال‬
‫موسهى‪ :‬مها بال هذا يها رب؟ فقال ال تبارك وتعالى له‪( :‬يها موسهى انهه سهألني درجهة علمهت أنهه لم‬
‫يبلغهها بعمله فأصهبته بمها ترى لجعلهها وسهيلة له فهي نيهل تلك الدرجهة)‪ .‬فكان أبهو سهليمان الدارانهي‬
‫إذا ذكر هذا الحديث يقول‪ :‬سبحان من كان قادرا على أن ينيله تلك الدرجة بل بلوى ! ولكنه يفعل‬
‫ما يشاء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ونظير هذه الية في المعنى قوله تعالى‪" :‬من يعمل سوءا يجز به" [النساء‪ ]123 :‬وقد‬
‫مضهى القول فيهه‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬وهذا فهي حهق المؤمنيهن‪ ،‬فأمها الكافهر فعقوبتهه مؤخرة إلى الخرة‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬هذا خطاب للكفار‪ ،‬وكان إذا أصهابهم شهر قالوا‪ :‬هذا بشؤم محمهد؛ فرد عليههم وقال بهل ذلك‬
‫بشؤم كفركم‪ .‬والول اكثر وأظهر وأشهر‪ .‬وقال ثابت البناني‪ :‬إنه كان يقال ساعات الذى يذهبن‬
‫سهاعات الخطايها‪ .‬ثهم فيهها قولن‪ :‬احدهمها‪ :‬أنهها خاصهة فهي البالغيهن أن تكون عقوبهة لههم‪ ،‬وفهي‬
‫الطفال أن تكون مثوبة لهم‪ .‬الثاني‪ :‬أنها عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم والطفال في غيرهم من‬
‫والد ووالدة‪" .‬ويعفهو عهن كثيهر" أي عهن كثيهر مهن المعاصهي أل يكون عليهها حدود؛ وههو مقتضهى‬
‫قول الحسهن‪ .‬وقيهل‪ :‬أي يعفو عهن كثيهر مهن العصهاة أل يعجهل عليههم بالعقوبهة‪" .‬ومها أنتهم بمعجزيهن‬
‫فههي الرض" أي بفائتيههن ال؛ أي لن تعجزوه ولن تفوتوه "ومهها لكههم مههن دون ال مههن ولي ول‬
‫نصير" تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬ومن آياته الجوار في البحر كالعلم‪ ،‬إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على‬
‫ظهره إن في ذلك ليات لكل صبار شكور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن آياته الجوار في البحر كالعلم" أي ومن علماته الدالة على قدرته السفن‬
‫الجاريهة فهي البحهر كأنهها مهن عظمهها أعلم‪ .‬والعلم‪ :‬الحبال‪ ،‬وواحهد الجواري جاريهة‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬إنها لمها طغهى الماء حملناكهم فهي الجاريهة" [الحاقهة‪ .]11 :‬سهميت جاريهة لنهها تجري فهي‬
‫الماء‪ .‬والجاريههة‪ :‬هههي المرأة الشابههة؛ سههميت بذلك لنههها يجري فيههها ماء الشباب‪ .‬وقال مجاهههد‪:‬‬
‫العلم القصور‪ ،‬واحدها علم؛ ذكره الثعلبهي‪ .‬وذكر الماوردي عنه أنها الجبال‪ .‬وقال الخليل‪ :‬كل‬
‫شيء مرتفع عند العرب فهو علم‪ .‬قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا‪:‬‬
‫كأنه علم في رأسه نار‬ ‫وإن صخرا لتأتم الهداة به‬
‫"إن يشهأ يسهكن الريهح" كذا قرأه أههل المدينهة "الرياح" بالجمهع‪" .‬فيظللن رواكهد على ظهره" أي‬
‫فتبقهى السهفن سهواكن على ظههر البحهر ل تجري‪ .‬ركهد الماء ركودا سهكن‪ .‬وكذلك الريهح والسهفينة‪،‬‬
‫والسهفينة‪ ،‬والشمهس إذا قام قائم الظهيرة‪ .‬وكهل ثابهت فهي مكان فههو راكهد‪ .‬وركهد الميزان اسهتوى‪.‬‬
‫وركههد القوم هدؤوا‪ .‬والمراكههد‪ :‬المواضههع التههي يركههد فيههها النسههان وغيره‪ .‬وقرأ قتادة "فيظللن"‬
‫بكسهر اللم الولى على أن يكون لغهة‪ ،‬مثهل ضللت أضهل‪ .‬وفتهح اللم وههي اللغهة المشهورة‪" .‬إن‬
‫فههي ذلك ليات" أي دللت وعلمات "لكههل صههبار شكور" أي صههبار على البلوى شكور على‬
‫النعماء‪ .‬قال قطرب‪ :‬نعهم العبهد الصهبار الشكور‪ ،‬الذي إذا أعطهي شكهر وإذا أبتلي صهبر‪ .‬قال عون‬
‫بن عبدال‪ :‬فكم من منعم عليه غير شاكر‪ ،‬وكم من مبتلى غير صابر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير‪ ،‬ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من‬
‫محيص}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو يوبقهههن بمهها كسههبوا" أي وإن يشههأ يجعههل الرياح عواصههف فيوبههق السههفن أي‬
‫يغرقههن بذنوب أهلهها‪ .‬وقيهل‪ :‬يوبهق أههل السهفن‪" .‬ويعهف عهن كثيهر" مهن أهلهها فل يغرقههم معهها؛‬
‫حكاه الماوردي‪ .‬وقيهل‪" :‬ويعفهو عهن كثيهر" أي ويتجاوز عهن كثيههر مهن الذنوب فينجيهههم ال مهن‬
‫الهلك‪ .‬قال القشري‪ :‬والقراءة الفاشية "ويعف" بالجزم‪ ،‬وفيها إشكال؛ لن المعنى‪ :‬إن يشأ يسكن‬
‫الريهح فتبقهى تلك السهفن رواكهد ويهلكهها بذنوب أهلهها‪ ،‬فل يحسهن عطهف "يعهف" على هذا لنهه‬
‫يصهير المعنهى‪ :‬إن يشهأ يعهف‪ ،‬وليهس المعنهى ذلك بهل المعنهى الخبار عهن العفهو مهن غيهر شرط‬
‫المشيئة فههو إذا عطهف على المجزوم مهن حيهث اللفهظ ل مهن حيهث المعنهى‪ .‬وقهد قرأ قوم "ويعفهو"‬
‫بالرفع‪ ،‬وهي جيدة في المعنى‪" .‬ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص" يعني الكفار؛‬
‫أي إذا توسهطوا البحهر وغشيتههم الرياح مهن كهل مكان أو بقيهت السهفن رواكهد علموا أنهه ل ملجهأ له‬
‫لههم سهوى ال‪ ،‬ول دافهع لههم إن أراد ال إهلكههم فيخلصهون له العبادة وقهد مضهى هذا المعنهى فهي‬
‫غير موضع ومضى القول في ركوب البحر في "البقرة" وغيرها بما يغني عن إعادته‪ .‬وقرأ نافع‬
‫وابن عامر "ويعلم" بالرفع‪ ،‬الباقون بالنصب‪ .‬فالرفع على الستئناف بعد الشرط والجزاء؛ كقوله‬
‫في سورة التوبة‪" :‬ويخزهم وينصركم عليهم" [التوبة‪ ]14 :‬ثم قال‪" :‬ويتوب ال على من يشاء"‬
‫[التوبههة‪ ]15 :‬رفعهها‪ .‬ونظيره فههي الكلم‪ :‬إن تأتنههي أتههك ومنطلق عبدال‪ .‬أو على أنههه خههبر ابتداء‬
‫محذوف‪ .‬والنصهههب على الصهههرف؛ كقوله تعالى‪" :‬ولمههها يعلم ال الذيهههن جاهدوا منكههههم ويعلم‬
‫الصههابرين" [آل عمران‪]142 :‬صههرف مههن حال الجزم إلى النصههب اسههتخفافا كراهيههة لتوالي‬
‫الجزم؛ كقول النابغة‪:‬‬
‫فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام‬
‫أجب الظهر ليس سنام‬ ‫ويمسك بعده بذناب عيش‬
‫وهذا معنى قول الفراء‪ ،‬قال‪ :‬ولو جزم "ويعلم" جاز‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬نصب على إضمار "أن" لن‬
‫قبلها جزمها؛ تقول‪ :‬مها تصهنع أصهنع مثله وإن شئت قلت‪ .‬وأكرمك بالجزم‪ .‬وفهي بعهض المصاحف‬
‫"وليعلم"‪ .‬وهذا يدل على أن النصب بمعنى‪ :‬وليعلم أو لن يعلم‪ .‬وقال أبو علي والمبرد‪ :‬النصب‬
‫بإضمار "أن" على أن يجعهل الول فهي تقديهر المصهدر؛ أي ويكون منهه عفهو وأن يعلم فلمها حمله‪.‬‬
‫على السهم أضمهر أن‪ ،‬كمها تقول‪ :‬إن تأتنهي وتعطينهي أكرمهك‪ ،‬فتنصهب تعطينهي؛ أي إن يكهن منهك‬
‫إتيان وأن تعطينهي‪ .‬ومعنهى "مهن محيهص" أي مهن فرار ومهرب؛ قاله قطرب السهدي‪ :‬مهن ملجهأ‬
‫وهو مأخوذ من قولهم‪ :‬خاص به البعير حيصة إذا رمى به‪ .‬ومنه قولهم‪ :‬فلن يحيص عن الحق‬
‫أي يميل عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 36 :‬فمها أوتيتهم مهن شيهء فمتاع الحياة الدنيها ومها عنهد ال خيهر وأبقهى للذيهن آمنوا‬
‫وعلى ربهم يتوكلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما أوتيتم من شيء" يريد من الغنى والسعة في الدنيا‪" .‬فمتاع الحياة الدنيا" أي‬
‫فإنمها ههو متاع فهي أيام قليلة تمضهى وتذههب؛ فل ينبغهي أن يتفاخهر بهه‪ .‬والخطاب للمشركيهن‪" .‬ومها‬
‫عنهد ال خيهر وأبقهى" يريهد مهن الثواب على الطاعهة "للذيهن آمنوا" صهدقوا ووحدوا "وعلى ربههم‬
‫يتوكلون" نزلت فهي أبهي بكهر الصهديق حيهن أنفهق جميهع ماله فهي طاعة ال فلمهه الناس‪ .‬وجاء فهي‬
‫الحديث أنه‪ :‬أنفق ثمانين ألفا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيهن يجتنبون" الذيهن فهي موضهع جهر معطوف على قوله‪" :‬خيهر وأبقهى للذيهن‬
‫آمنوا" أي وهو للذين يجتنبون "كبائر الثم" قد مضى القول في الكبائر في "النساء"‪ .‬وقرأ حمزة‬
‫والكسهائي "كبائر الثهم" والواحهد قهد يراد بهه الجمهع عنهد الضافهة؛ كقوله تعالى‪" :‬وإن تعدوا نعمهة‬
‫ال ل تحصوها" [النحل‪ ،]18 :‬وكما جاء في الحديث‪( :‬منعت العراق درهمها وقفيزها)‪ .‬الباقون‬
‫بالجمهع هنها وفهي "النجهم"‪" .‬والفواحهش" قال السهدي‪ :‬يعنهي الزنهى‪ .‬وقال ابهن عباس‪ .‬وقال‪ :‬كهبير‬
‫الثهم الشرك‪ .‬وقال قوم‪ :‬كبائر الثهم مها تقهع على الصهغائر مغفورة عنهد اجتنابهها‪ .‬والفواحهش داخلة‬
‫فهي الكبائر‪ ،‬ولكنهها تكون أفحهش وأشنهع كالقتهل بالنسهبة إلى الجرج‪ ،‬والزنهى بالنسهبة إلى المراودة‪.‬‬
‫وقيههل‪ :‬الفواحههش والكبائر بمعنههى واحههد‪ ،‬فكرر لتعدد اللفههظ؛ أي يجتنبون المعاصههي لنههها كبائر‬
‫وفواحهش‪ .‬وقال مقاتهل‪ :‬الفواحهش موجبات الحدود‪" .‬وإذا مها غضبوا ههم يغفرون" أي يتجاوزون‬
‫ويحملون عمن ظلمهم‪ .‬قيل‪ :‬نزلت في عمر حين شتم بمكة‪ .‬وقيل‪ :‬فهي أبي بكر حين لمه الناس‬
‫على إنفاق مال كله وحيهن شتهم فحلم‪ .‬وعهن علي رضهي ال عنهه قال‪ :‬اجتمهع لبهي بكهر مال مرة‪،‬‬
‫فتصهدق بهه كله فهي سهبيل الخيهر؛ فلمهه المسهلمون وخطأه الكافرون فنزلت‪" :‬فمها أوتيتهم مهن شيهء‬
‫فمتاع الحياة الدنيها ومها عنهد ال خيهر وأبقهى للذيهن آمنوا وعلى ربههم يتوكلون ‪ -‬إلى قوله وإذا مها‬
‫غضبوا هم يغفرون"‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬شتم رجل من المشركين أبا بكر فلم يرد عليه شيئا؛ فنزلت‬
‫الية‪ .‬وهذه من محاسن الخلق؛ يشفقون على ظالمهم ويصفحون لمن جهل عليهم؛ يطلبون بذلك‬
‫ثواب ال تعالى وعفوه؛ لقوله تعالى فهي آل عمران‪" :‬والكاظميهن الغيهظ والعافيهن عهن الناس" [آل‬
‫عمران‪ .]134 :‬وهو أن يتناولك الرجل فتكظم غيظك عنه‪ .‬وأنشد بعضهم‪:‬‬
‫ووهبت ذاك له على علمي‬ ‫إني عفوت لظالمي ظلمي‬
‫حتى بكيت له من الظلم‬ ‫مازال يظلمني وأحرمه‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 38 :‬والذيهن اسهتجابوا لربههم وأقاموا الصهلة وأمرههم شورى بينههم وممها رزقناههم‬
‫ينفقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيهن اسهتجابوا لربههم وأقاموا الصهلة" قال عبدالرحمهن بهن زيهد‪ :‬ههم النصهار‬
‫بالمدينة؛ استجابوا إلى اليمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثنى عشر نقيبا منهم قبل الهجرة‪" .‬وأقاموا‬
‫الصههلة" أي أدوههها لمواقيتههها بشروطههها وهيئاتههها‪" .‬وأمرهههم شورى بينهههم" أي يتشاورون فههي‬
‫المور‪ .‬والشورى مصدر شاورته؛ مئل البشرى والذكرى ونحوه‪ .‬فكانت النصار قبل قدوم النبي‬
‫صهلى إليههم إذا أرادوا أمرا تشاوروا فيهه ثهم عملوا عليهه؛ فمدحههم ال تعالى بهه؛ قاله النقاش‪ .‬وقال‬
‫الحسهن‪ :‬أي إنههم لنقيادههم إلى الرأي فهي أمورههم متفقون ل يختلفون؛ فمدحوا باتفاق كلمتههم‪ .‬قال‬
‫الحسهن‪ :‬مها تشاور قوم قهط إل هدوا لرشهد أمورههم‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬ههو تشاورههم حيهن سهمعوا‬
‫بظهور رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وورد النقباء إليههم حتهى اجتمهع رأيههم فهي دار أبهي أيوب‬
‫على اليمان بهه والنصهرة له‪ .‬وقيهل تشاورههم فيمها يعرض لههم؛ فل يسهتأثر بعضههم بخهبر دون‬
‫بعض‪ .‬وقال ابن العربي‪ :‬الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب‪ ،‬وما تشاور‬
‫قوم إل هدوا‪ .‬وقد قال الحكيم‪:‬‬
‫برأي لبيب أومشورة حازم‬ ‫إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن‬
‫فإن الخوافي قوة للقوادم‬ ‫ول تجعل الشورى عليك غضاضة‬
‫فمدح ال المشاورة فههي المور بمدح القوم الذيههن كانوا يمتثلون ذلك‪ .‬وقههد كان النههبي صههلى ال‬
‫سهبحانه يشاور أصهحابه فهي الراء المتعلقهة بمصهالح الحروب؛ وذلك فهي الراء كثيهر‪ .‬ولم يكهن‬
‫يشاورههم فهي الحكام؛ لنهها منزلة مهن عنهد ال على جميهع القسهام مهن الفرض والندب والمكروه‬
‫والمباح والحرام‪ .‬فأمهها الصههحابة بعههد اسههتئثار ال تعالى بههه علينهها فكانوا يتشاورون فههي الحكام‬
‫ويستنبطونها من الكتاب والسنة‪ .‬وأول مها تشاور فيه الصهحابة الخلفهة؛ فإن النبي صهلى ال عليه‬
‫وسهلم لم ينهص عليهها حتهى كان فيهها بيهن أبهي بكهر والنصهار مها سهبق بيانهه‪ .‬وقال عمهر رضهي ال‬
‫عنهه‪ :‬نرضهى لدنيانها مهن رضيهه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لديننها وتشاوروا فهي أههل الردة‬
‫فاستقر رأي أبي بكر على القتال‪ .‬وتشاوروا في الجد وميراثه‪ ،‬وفي حد الخمر وعدده‪ .‬وتشاوروا‬
‫بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم في الحروب؛ حتى شاور عمر الهرمزان حين وفد عليه مسلما‬
‫فهي المغازي‪ ،‬فقال له الهرمزان‪ :‬مثلهها ومئل مهن فيهها مهن الناس مهن عدو المسهلمين مثهل طائر له‬
‫ريهش وله جناح فإن كسهر أحهد الجناحيهن نهضهت الرجلن بجناح والرأس وإن كسهر الجناح الخهر‬
‫نهضههت الرجلن والرأس وإن شدخ الرأس ذهههب الرجلن والجناحان‪ .‬والرأس كسههرى والجناح‬
‫الواحهد قيصهر والخهر فارس؛؛ فمهر المسهلمين فلينفروا إلى كسهرى‪ ...‬وذكهر الحديهث‪ .‬وقال بعهض‬
‫العقلء‪ :‬مهها أخطأت قههط ! إذا حزبنههي أمههر شاورت قومههي ففعلت الذي يرون؛ فإن أصههبت فيهههم‬
‫المصيبون‪ ،‬وإن أخطأت فهم المخطئون‪.‬‬
‫قهد مضهى فهي "آل عمران"مها تضمنتهه الشورى مهن الحكام عنهد قوله تعالى‪" :‬وشاورههم فهي‬
‫المههر" [آل عمران‪ ]159 :‬والمشورة بركههة‪ .‬والمشورة‪ :‬الشورى‪ ،‬وكذلك المشورة (بضههم‬
‫الشين)؛ تقول منه‪ :‬شاورته في المر واستشرته بمعنى‪ .‬وروى الترمذي عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إذا كان أمراؤكهم خياركهم وأغنياؤكهم سهمحاءكم وأمركهم شورى‬
‫بينكم فظهر الرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلءكم وأموركم‬
‫إلى نسهائكم فبطهن الرض خيهر لكهم مهن ظهرهها)‪ .‬قال حديهث غريهب‪" .‬وممها رزقناههم ينفقون" أي‬
‫ومما أعطيناهم يتصدقون‪ .‬وقد تقدم في "البقرة"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 43 - 39 :‬والذيهن إذا أصهابهم البغهي ههم ينتصهرون‪ ،‬وجزاء سهيئة سهيئة مثلهها فمهن‬
‫عفها وأصهلح فأجره على ال إنهه ل يحهب الظالميهن‪ ،‬ولمهن انتصهر بعهد ظلمهه فأولئك مها عليههم مهن‬
‫سبيل‪ ،‬إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم‪،‬‬
‫ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين إذا أصابهم البغي" أي أصابهم بغي المشركين‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬وذلك أن‬
‫المشركين بغوا على رسول ال صلى ال عيله وسلم وعلى أصحابه وآذوهم وأخرجوهم من مكة‬
‫فأذن ال لهم بالخروج ومكن لهم في الرض ونصرهم على من بغى عليهم؛ وذلك قوله في سورة‬
‫الحج‪" :‬أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير‪ .‬الذين أخرجوا‪[ "...‬الحج‪39 :‬‬
‫‪ ]40 -‬اليات كلها‪ .‬وقيل‪ :‬هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره‪ ،‬أي إذا نالهم ظلم‪ .‬من ظالم‬
‫لم يستسلموا لظلمه‪ .‬وهذه إشارة إلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود‪ .‬قال ابن‬
‫العربي‪ :‬ذكر ال النتصار في البغي في معرض المدح‪ ،‬وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر‬
‫فههي معرض المدح؛ فاحتمههل أن يكون أحدهمهها رافعهها للخههر‪ ،‬واحتمههل أن يكون ذلك راجعهها إلى‬
‫حالتيهن؛ إحداهمها أن يكون الباغهي معلنها بالفجور؛ وقحها فهي الجمهور‪ ،‬مؤذيها للصهغير والكهبير؛‬
‫فيكون النتقام منهه أفضهل‪ .‬وفهي مثله قال إبراهيهم النخعهي‪ :‬كانوا يكوهون أن يذلوا أنفسههم فتجترئ‬
‫عليههم الفسهاق‪ .‬الثانيهة‪ :‬أن تكون الفلتهة‪ ،‬أو يقهع ذلك ممهن يعترف بالزلة ويسهأل المغفرة؛ فالعفهو هها‬
‫هنا أفضل‪ ،‬وفي مثله نزلت‪" :‬وأن تعفوا أقرب للتقوى" [البقرة‪ .]237 :‬وقوله‪" :‬فمن تصهدق به‬
‫فههو كفارة له" [المائدة‪ .]45 :‬وقوله‪" :‬وليعفوا وليصهفحوا أل تحبون أن يغفهر ال لكهم" [النور‪:‬‬
‫‪.]22‬‬
‫قلت‪ :‬هذا حسهن‪ ،‬وهكذا ذكهر الكيها الطهبري فهي أحكامهه قال‪ :‬قوله تعالى‪" :‬والذيهن إذا أصهابهم‬
‫البغهي ينتصهرون" يدل ظاهره على أن النتصهار فهي هذا الموضهع أفضهل؛ أل ترى أنهه قرنهه إلى‬
‫ذكهر السهتجابة ل سهبحانه وتعالى وإقام الصهلة؛ وههو محمول على مها ذكهر إبراهيهم النخعهي أنههم‬
‫كانوا يكرهون للمؤمنيههن أن يذلوا أنفسهههم فتجترئ عليهههم الفسههاق؛ فهذا فيمههن تعدى وأصههر على‬
‫ذلك‪ .‬والموضهع المأمور فيهه بالعفهو إذا كان الجانهي نادمها مقلعها‪ .‬وقهد قال عقيهب هذه اليهة‪" :‬ولمهن‬
‫أنتصهر بعهد ظلمهه فأولئك مها عليههم مهن سهبيل"‪ .‬ويقتضهي ذلك إباحهة النتصهار ل المهر بهه‪ ،‬وقهد‬
‫عقبهه بقوله‪" :‬ولمهن صهبر وغفهر إن ذلك لمهن عزم المور"‪ .‬وههو محمول على الغفران عهن غيهر‬
‫المصر‪ ،‬فأما المصر على البغي والظلم فالفضل النتصار منه بدللة الية التي قبلها‪ .‬وقيل‪ :‬أي‬
‫إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه؛ قال ابن بحر‪ .‬وهو راجع إلى العموم‬
‫على ما ذكرنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها" قال العلماء‪ :‬جعل ال المؤمنين صنفين؛ صنف يعفون‬
‫عهههن الظالم فبدأ بذكرههههم فهههي قول "وإذا مههها غضبوا ههههم يغفرون" [الشورى‪ .]37 :‬وصهههنف‬
‫ينتصرون من ظالمهم‪ .‬ثم بين حد النتصار بقول‪" :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها" فينتصر ممن ظلمه‬
‫مهن غيهر أن يعتدي‪ .‬قال مقاتهل وهشام بهن حجيهر‪ :‬هذا فهي المجروج ينتقهم مهن الجارج بالقصهاص‬
‫دون غيره من سب أوشتم‪ .‬وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان‪ .‬قال سفيان‪ :‬وكان ابن شبرمة يقول‪:‬‬
‫ليس بمكة مثل هشام‪ .‬وتأول الشافعي في هذه الية أن للنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما‬
‫خانهه مهن غيهر علمهه؛ واسهتشهد فهي ذلك بقول النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لهنهد زوج أبهي سهفيان‪:‬‬
‫(خذي من ماله ما يكفيك وولدك) فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه‪ .‬وقد مضى الكلم في هذا مستوفى‬
‫فههي "البقرة"‪ .‬وقال ابههن أبههي نجيههح‪ :‬إنهه محمول على المقابلة فههي الجراح‪ .‬وإذا قال‪ :‬أخزاه ال أو‬
‫لعنههه ال أن يقول مثله‪ .‬ول يقابههل القذف بقذف ول الكذب بكذب‪ .‬وقال السههدي‪ :‬إنمهها مدح ال مههن‬
‫انتصهر ممهن بغهى عليهه مهن غيهر اعتداء بالزيادة على مقدار مها فعهل بهه؛ يعنهي كمها كانهت العرب‬
‫تفعله‪ .‬وسهمي الجزاء سهيئة لنهه فهي مقابلتهها؛ فالول سهاء هذا فهي مال أو بدن‪ ،‬وهذا القتصهاص‬
‫يسوءه بمثل ذلك أيضا؛ وقد مضى هذا كله في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمهن عفها وأصهلح" قال ابهن عباس‪ :‬مهن ترك القصهاص وأصهلح بينهه وبيهن الظالم‬
‫بالعفهو "فأجره على ال" أي إن ال يأجره على ذلك‪ .‬قال مقاتهل‪ :‬فكان العفهو مهن العمال الصهالحة‬
‫وقد مضى في "آل عمران" في هذا ما فيه كفاية‪ ،‬والحمد ل‪ .‬وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن‬
‫الحسهين رضهي ال عنههم قال‪ :‬إذا كان يوم القيامهة نادى مناد أيكههم أههل الفضهل ؟ فيقوم ناس مهن‬
‫الناس؛ فيقال‪ :‬انطلقوا إلى الجنهة فتتلقاههم الملئكهة؛ فيقولون إلى أيهن ؟ فيقولن إلى الجنهة؛ قالوا قبهل‬
‫الحساب ؟ قالوا من أنتم ؟ قالوا أهل الفضل؛ قالوا وما كان فضلكم ؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا‬
‫وإذا ظلمنها صهبرنا وإذا سهيء إلينها عفونها؛ قالوا ادخلوا الجنهة فنعهم أجهر العامليهن‪ .‬وذكهر الحديهث‪.‬‬
‫"إنهه ل يحهب الظالميهن" أي مهن بدأ بالظلم؛ قاله سهعيد بهن جهبير‪ .‬وقيهل‪ :‬ل يحهب مهن يتعدى فهي‬
‫القتصاص ويجاوز الحد؛ قاله ابن عيسى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولمن انتصر بعد ظلمه" أي المسلم إذا انتصر من الكافر فل سبيل إلى لومه‪ ،‬بل‬
‫يحمد على ذلك مع الكافر‪ .‬ول لوم إن أنتصر الظالم من المسلم؛ فالنتصار من الكافر حتم‪ ،‬ومن‬
‫المسلم مباح‪ ،‬والعفو مندوب "فأولئك ما عليهم من سبيل" دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه‪.‬‬
‫وهذا ينقسههم ثلثههة أقسههام‪ :‬أحدههها‪ :‬أن يكون قصههاصا فههي بدن يسههتحقه آدمههي‪ ،‬فل حرج عليههه إن‬
‫استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام‪ ،‬لكن يزجره المام في تفوته بالقصاص لما فيه من‬
‫الجرأة على سهفك الدم‪ .‬وإن كان حقهه غيهر ثابهت عنهد الحاكهم فليهس عليهه فيمها بينهه وبيهن ال حرج؛‬
‫وهو الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب‪ .‬القسم الثاني‪ :‬أن يكون حد ال تعالى لحق لدمي فيه‬
‫كحد الزنى وقطع السرقة؛ فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه‪ ،‬وإن ثبت عند حاكم‬
‫نظهر‪ ،‬فإن كان قطعها فهي سهرقة سهقط بهه الحهد لزوال العضهو المسهتحق قطعهه‪ ،‬ولم يجهب عليهه فهي‬
‫ذلك حههق لن التعزيههر أدب‪ ،‬وإن كان جلدا لم يسههقط بههه الحههد لتعديههه مههع بقاء محله فكان مأخوذا‬
‫بحكمهه‪ .‬القسهم الثالث‪ :‬أن يكون حقها فهي مال؛ فيجوز لصهاحبه أن يغالب على حقهه حتهى يصهل إليهه‬
‫إن كان ممن هو عالم به‪ ،‬لن كان غير عالم نظر‪ ،‬فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له‬
‫الستسرار بأخذه‪ .‬لن كان ل يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له ففي‬
‫جواز اسهتسراره بأخذه مذهبان‪ :‬أحدهمها‪ :‬جوازه؛ وههو قول مالك والشافعهي‪ .‬الثانهي‪ :‬المنهع؛ وههو‬
‫قول أبي حنيفة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما السبيل على الذين يظلمون الناس" أي بعدوانهم عليهم؛ في قول أكثر العلماء‪.‬‬
‫وقال ابهن جريهج‪ :‬أي يظلمونههم بالشرك المخالف لدينههم‪" .‬ويبغون فهي الرض بغيهر الحهق أولئك‬
‫لههههم عذاب أليهههم" أي فهههي النفوس والموال؛ فهههي قول الكثريهههن‪ .‬وقال مقاتهههل‪ :‬بغيههههم عملههههم‬
‫بالمعاصي‪ .‬وقال أبو مالك‪ :‬هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير السلم دينا‪ .‬وعلى هذا‬
‫الحهد قال ابهن زيهد‪ :‬إن هذا كله منسهوخ بالجهاد‪ ،‬لن هذا للمشركيهن خاصهة‪ .‬وقول قتادة‪ :‬إنهه عام؛‬
‫وكذا يدل ظاهر الكلم‪ .‬وقد بيناه والحمد ل‪.‬‬
‫@ قال ابهن العربهي‪ :‬هذه اليهة‪ :‬فهي مقابلة اليهة المتقدمهة فهي "براءة" وههي قوله‪" :‬مها على‬
‫المحسنين من سبيل" [التوبة‪]91 :‬؛ فكما نفى ال السبيل عمن أحسن فكذلك نفاها على من ظلم؛‬
‫واستوفى ببان القسمين‪.‬‬
‫@ واختلف علماؤنها فهي السهلطان يضهع على أههل بلد مال معلومها بأخذههم بهه ويؤدونهه على قدر‬
‫أموالههم؛ ههل لمهن قدر على الخلص مهن ذلك أن يفعهل‪ ،‬وههو إذا تخلص أخهذ سهائر أههل البلد بتمام‬
‫ما جعل عليهم‪ .‬فقيل ل؛ وهو قول سحنون من علمائنا‪ .‬وقيل‪ :‬نعم‪ ،‬له ذلك إن قدر على الخلص؛‬
‫وإليهه ذههب أبهو جعفهر أحمهد بهن نصهر الداودي ثهم المالكهي‪ .‬قال‪ :‬ويدل عليهه قول مالك فهي السهاعي‬
‫يأخهذ مهن غنهم أحهد الخلطاء شاة وليهس فهي جميعهها نصهاب إنهها مظلمهة على من أحذت له ل يرجهع‬
‫على أصحابه بشيء‪ .‬قال‪ :‬ولست آخذ بما روي عن سحنون؛ لن الظلم ل أسوة فيه‪ ،‬ول يلزم أحد‬
‫أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره‪ ،‬وال سبحانه يقول‪" :‬إنما السبيل على‬
‫الذين يظلمون الناس"‪.‬‬
‫@ واختلفهت العلماء فهي التحليهل؛ فكان ابهن المسهيب ل يحلل أحدا مهن عرض ول مال‪ .‬وكان‬
‫سهليمان بهن يسهار ومحمهد بهن سهيرين يحللن مهن العرض والمال‪ .‬ووأى مالك التحليهل مهن المال‬
‫دون العرض‪ .‬روى ابهن القاسهم وابهن وههب عهن مالك وسهئل عهن قول سهعيد بهن المسهيب "ل أحلل‬
‫أحدا" فقال‪ :‬ذلك يختلف؛ فقلت له يا أبا عبدال‪ ،‬الرجل يسلف الرجل فيهلك ول وفاء له؟ قال‪ :‬أرى‬
‫أن يحلله وههههو أفضهههل عندي؛ فان ال تعالى‪ :‬يقول‪" :‬الذيهههن يسهههتمعون القول فيتبعون أحسهههنه"‬
‫[الزمر‪ .]18 :‬فقيل له‪ :‬الرجل يظلم الرجل؟ فقال‪ :‬ل أرى ذلك‪ ،‬هو عندي مخالف للول‪ ،‬يقول‬
‫ال تعالى‪" :‬إنمها السهبيل على الذيهن يظلمون الناس" ويقول تعالى‪" :‬مها على المحسهنين مهن سهبيل"‬
‫التوبهة‪ ]91 :‬فل أرى أن يجعله مهن ظلمهه فهي حهل‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬فصهار فهي المسهألة ثلثهة‬
‫أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬ل يحلله بحال؛ قال سعيد بن المسيب‪ .‬الثاني‪ :‬يحلله؛ قاله محمد بن سيرين‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫إن كان مال حلله وإن كان ظلمههها لم يحلله؛ وههههو قول مالك‪ .‬وجهههه الول أل يحلل مههها حرم ال؛‬
‫فيكون كالتبديهل لحكهم ال‪ .‬ووجهه الثانهي أنهه حقهه فله أن يسهقط كمها يسهقط دمهه وعرضهه‪ .‬ووجهه‬
‫الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله‪ ،‬وإن كان‬
‫ظالمها فمهن الحهق أل تتركهه لئل تغتهر الظلمهة ويسهترسلوا فهي أفعالههم القبيحهة‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم‬
‫حديث أبي اليسهر الطويل وفيه أنه قال لغريمه‪ :‬اخرج إلي‪ ،‬فقد علمت أين أنت؛ فخرج؛ فقال‪ :‬ما‬
‫حملك على أن اختبأت مني؟ قال‪ :‬أنا وال أحدثك ثم ل أكذبك‪ ،‬خشيت وال أن أحدثك فأكذبك‪ ،‬وأن‬
‫أعدك فأخلفهك‪ ،‬وكنهت صهاحب رسهول ال صهلى صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وكنهت وال معسهرا‪ .‬قال‬
‫قلت‪ :‬آل؟ قال ال؛ قال‪ :‬فأتى بصحيفة فمحاها فقال‪ :‬إن وجدت قضاء فأقض‪ ،‬وإل فأنت في حل‪...‬‬
‫وذكههر الحديههث‪ .‬قال ابههن العربههي‪ :‬وهذا فههي الحههي الذي يرجههى له الداء لسههلمة الذمههة ورجاء‬
‫التمحهل‪ ،‬فكيهف بالميهت الذي ل محاللة له ول ذمهة معهه‪ .‬العاشرة‪ :‬قال بعهض العلماء‪ :‬إن مهن ظلم‬
‫وأخهذ له مال فإنمها له ثواب مها أحتبهس عنهه إلى موتهه‪ ،‬ثهم يوجهع الثواب إلى ورثتهه‪ ،‬ثهم كذلك إلى‬
‫آخرههم؛ لن المال يصهير بعده للوارث‪ .‬قال أبهو جعفهر الداودي المالكهي‪ :‬هذا صهحيح فهي النظهر؛‬
‫وعلى هذا القول إن مات الظالم قبل من ظلمه ولم يترك شيئا أو ترك ما لم يعلم وارثه فيه بظلم لم‬
‫تنتقل تباعة المظلوم إلى ورثة الظالم؛ لنه لم يبق للظالم ما يستوجبه ورثة المظلوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولمهن صهبر وغفهر" أي صهبر على الذى و"غفهر" أي ترك النتصهار لوجهه ال‬
‫تعالى؛ وهذا فيمهن ظلمهه مسههلم‪ .‬ويمكههى أن رجل سههب رجل فههي مجلس الحسههن رحمههه ال فكان‬
‫المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق‪ ،‬ثم قام فتل هذه الية؛ فقال الحسن‪ :‬عقلها وال ! وفهمها إذ‬
‫ضيعها الجاهلون‪ .‬وبالجملة العفو مندوب إليه‪ ،‬ثم قد ينعكس المر في بعض الحوال فيرجع ترك‬
‫العفهو مندوبها إليهه كمها تقدم؛ وذلك إذا أحتيهج إلى كهف زيادة البغهي وقطهع مادة الذى‪ ،‬وعهن النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ما يدل عليه‪ ،‬وهو أن زينب أسمعت عائشة رضي ال عنهما بحضرته فكان‬
‫ينهاها فل تنتهي‪ ،‬فقال لعائشة‪( :‬دونك فانتصري) خرجه مسلم في صحيحه بمعناه‪ .‬وقيل‪" :‬صبر"‬
‫عهن المعاصهي وسهتر على المسهاوئ‪" .‬إن ذلك لمهن عزم المور" أي مهن عزائم ال التهي أمهر بهها‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬مهن عزائم الصهواب التهي وفهق لهها‪ .‬وذكهر الكلبهي والفراء أن هذه اليهة نزلت فهي أبهي بكهر‬
‫الصديق رضي ال عنه مع ثلث آيات قبلها‪ ،‬وقد شتمه بعض النصار فرد عليه ثم أمسك‪ .‬وهي‬
‫المدنيات من هذه السورة‪ .‬وقيل‪ :‬هذه اليات في المشركين‪ ،‬وكان هذا في ابتداء السلم قبل المر‬
‫بالقتال ثهم نسهختها آيهة القتال؛ وههو قول ابهن زيهد‪ ،‬وقهد تقدم‪ .‬وفهي تفسهير ابهن عباس "ولمهن انتصهر‬
‫بعههد ظلمههه" يريههد حمزة بههن عبدالمطلب‪ ،‬وعهبيدة وعليهها وجميههع المهاجريههن رضوان ال عليهههم‪.‬‬
‫"فأولئك ما عليهم من سبيل" يريد حمزة بن عبدالمطلب وعبيدة وعليا رضوان ال عليهم أجمعين‪.‬‬
‫"إنمها السهبيل على‪ ،‬الذيهن يظلمون الناس" يريهد عتبة بهن ربيعهة وشيبهة بن ربيعهة والوليد بن عتبة‬
‫وأبها جههل والسهود‪ ،‬وكهل مهن قاتهل مهن المشركيهن يوم بدر‪" .‬ويبغون فهي الرض" يريهد بالظلم‬
‫والكفر‪" .‬أولئك لهم عذاب أليم" يريد وجيع‪" .‬ولمن صبر وغفر" يريد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة‬
‫بهن الجراح ومصهعب بهن عميهر وجميهع أههل بدر رضوان ال عليههم أجمعيهن‪" .‬إن ذلك مهن عزم‬
‫المور" حيث قبلوا الفداء وصبروا على الذى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬ومن يضلل ال فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون‬
‫هل إلى مرد من سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يضلل ال" أي يخذله "فما له من ولي من بعده" هذا فيمن أعرض عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فيما دعاه إليه من اليمان بال والمودة في القربي‪ ،‬ولم يصدقه في البعث وأن‬
‫متاع الدنيا قليل‪ .‬أي من أضله ال عن هذه الشياء فل يهديه هاد‪" .‬وترى الظالمين" أي الكافرين‪.‬‬
‫"لما رأوا العذاب" يعني جهنم‪ .‬وقيل رأوا العذاب عند الموت‪" .‬يقولون هل إلى مرد من سبيل"‬
‫يطلبون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة ال فل يجابون إلى ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين‬
‫آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل إن الظالمين في عذاب مقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتراهم يعرضون عليها" أي على النار لنها عذابهم؛ فكنى عن العذاب المذكور‬
‫بحرف التأنيهث لن ذلك العذاب ههو النار إن شئت جهنهم‪ ،‬ولو راعهى اللفهظ لقال عليهه‪ .‬ثهم قيهل‪ :‬ههم‬
‫المشركون جميعهها يعرضون على جهنههم عنههد انطلقهههم إليههها؛ قال الكثرون‪ .‬وقيههل‪ :‬آل فرعون‬
‫خصهوصا‪ ،‬تحبهس أرواحههم فهي أجواف طيهر سهود تغدو على جهنهم وتروح؛ فههو عرضههم عليهها؛‬
‫قاله ابن مسعود‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم عامة المشركين‪ ،‬تعرض عليهم ذنوبهم في قبورهم‪ ،‬ويعرضون على‬
‫العذاب فهي قبورههم؛ وهذا معنهى قول أبهي الحجاج‪" .‬خاشعيهن مهن الذل" ذههب بعهض القراء إلى‬
‫الوقهف على "خاشعيهن"‪ .‬وقوله‪" :‬مهن الذل" متعلق بهه "ينتظرون"‪ .‬وقيهل‪ :‬متعلق بهه "خاشعيهن"‪.‬‬
‫والخشوع النكسار والتواضع‪ .‬ومعنى "ينظرون من طرف خفي" أي ل يرفعون أبصارهم للنظر‬
‫رفعها تامها؛ لنههم ناكسهو الرؤوس‪ .‬والعرب تصهف الذليهل بغهض الطرف‪ ،‬كمها يسهتعملون فهي ضده‬
‫حديد النظر إذا لم يتهم بريبة فيكون عليه منها غضاضة‪ .‬وقال مجاهد‪" :‬من رف خفي" أي ذليل‪،‬‬
‫قال‪ :‬وإنمها ينظرون بقلوبههم لنههم يحشرون عميها‪ ،‬وعيهن القلب طرف خفهي‪ .‬وقال قتادة والسهدي‬
‫والقرظهي ومعيهد بهن جهبير‪ :‬يسهارقون النظهر مهن شدة الخوف‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى ينظرون مهن عيهن‬
‫ضعيفهة النظهر‪ .‬وقال يونهس‪" :‬مهن" بمعنهى الباء؛ أي ينظرون بطرف خفهي‪ ،‬أي ضعيهف مهن الذل‬
‫والخوف‪ ،‬ونحوه عن الخفش‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬بطرف ذابل ذليل‪ .‬وقيل‪ :‬أي يفزعون أن ينظروا‬
‫إليها بجميع أبصارهم لما يرون من أصناف العذاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيهن آمنوا إن الخاسهرين الذيهن خسهروا أنفسههم وأهليههم يوم القيامهة" أي‬
‫يقول المؤمنون فهي الجنهة لمها عاينوا مها حهل بالكفار إن الخسهران فهي الحقيقهة مها صهار إليهه هؤلء‬
‫فإنههم خسهروا أنفسههم لنههم فهي العذاب المخلد‪ ،‬وخسهروا أهليههم لن الههل إن كانوا فهي النار فل‬
‫انتفاع بهم‪ ،‬وإن كانوا في الجنة فقد حيل بينه وبينهم‪ .‬وقيل‪ :‬خسران الهل أنهم لو آمنوا لكان لهم‬
‫أههل فهي الجنهة مهن الحور العيهن‪ .‬وفهي سهنن ابهن ماجهة عهن أبهي هريرة قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مها منكهم مهن أحهد إل له منزلن منزل فهي الجنهة ومنزل فهي النار فإذا مات‬
‫فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى‪" :‬أولئك هم الوارثون" [المؤمنون‪ .]10 :‬وقد‬
‫تقدم‪ .‬وفهي مسهند الدارمهي عهن أبهي أمامهة قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مها مهن أحهد‬
‫يدخله ال الجنة إل زوجه اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار‬
‫ومها منههن واحدة إل ولهها قبهل شههي وله ذكهر ل ينثنهي)‪ .‬قال هشام بهن خالد‪( :‬مهن ميراثهه مهن أههل‬
‫النار) يعنههي رجال أدخلوا النار فورث أهههل الجنههة نسههاءهم كمهها ورثههت امرأة فرعون‪" .‬أل إن‬
‫الظالمين في عذاب مقيم" أي دائم ل ينقطع‪ .‬ثم يجوز أن يكون هذا من قول المؤمنين‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون ابتداء من ال تعالى‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 46 :‬ومها كان لههم مهن أولياء ينصهرونهم مهن دون ال ومهن يضلل ال فمها له مهن‬
‫سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان لهم من أولياء" أي أعوانا ونصراء "ينصرونهم من دون ال" أي من‬
‫عذابه "ومن يضلل ال فما له من سبيل" أي طريق يصل به إلى الحق في الدنيا والجنة في الخرة‬
‫لنه قد سدت عليه طريق النجاة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 47 :‬استجيبوا لربكهم من قبل أن يأتهي يوم ل مرد له مهن ال ما لكم من ملجأ يومئذ‬
‫وما لكم من نكير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬استجيبوا لربكم" أي أجيبوه إلى ما دعاكم إليه من اليمان به والطاعة‪ .‬استجاب‬
‫وأجاب بمعنهى؛ وقهد تقدم‪" .‬مهن قبهل أن يأتهي يوم ل مرد له مهن ال" يريهد يوم القيامهة؛ أي ل يرده‬
‫أحهد بعهد مها حكهم ال بهه وجعله أجل ووقتها‪" .‬مها لكهم مهن ملجهأ يومئذ" أي مهن ملجهأ ينجيكهم مهن‬
‫العذاب‪" .‬ومها لكهم مهن نكيهر" أي مهن ناصهر ينصهركم؛ قال مجاههد‪ .‬وقيهل‪ :‬النكيهر بمعنهى المنكهر؛‬
‫كالليهم بمعنهى المؤلم؛ أي ل تجدون يومئذ منكرا لمها ينزل بكهم مهن العذاب؛ حكاه ابهن أبهى حاتهم؛‬
‫وقال الكلبههي‪ .‬الزجاج‪ :‬معناه أنهههم ل يقدرون أن ينكروا الذنوب التههي يوقفون عليههها‪ .‬وقيههل‪" :‬مههن‬
‫نكير" أي إنكار ما ينزل بكم من العذاب‪ ،‬والنكير والنكار تغيير المنكر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 48 :‬فإن أعرضوا فمها أرسهلناك عليههم حفيظها إن عليهك إل البلغ وإنها إذا أذقنها‬
‫النسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن النسان كفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن أعرضوا" أي عن اليمان "فما أرسلناك عليهم حفيظا" أي حافظا لعمالهم‬
‫حتههى تحاسههبهم عليههها‪ .‬وقيههل‪ :‬موكل بهههم ل تفارقهههم دون أن يؤمنوا؛ أي ليههس لك إكراههههم على‬
‫اليمان‪" .‬إن عليهك إل البلغ" وقيهل‪ :‬نسهخ هذا بآيهة القتال‪" .‬وإنها إذا أذقنها النسهان" الكافهر‪" .‬منها‬
‫رحمهة" رخاء وصهحة‪" .‬فرح بهها" بطهر بهها‪" .‬وإن تصهبهم سهيئة" بلء وشدة‪" .‬بمها قدمهت أيديههم‬
‫فإن النسان كفور" أي لما تقدم من النعمة فيعدد المصائب وينسى النعم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬ل ملك السماوات والرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء‬
‫الذكور‪ ،‬أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل ملك السهماوات والرض" ابتداء وخهبر‪" .‬يخلق مها يشاء" مهن الخلق‪" .‬يههب‬
‫لمهن يشاء إناثها ويههب لمهن يشاء الذكور" قال أبهو عهبيدة وأبهو مالك ومجاههد والحسهن والضحاك‪:‬‬
‫يههب لمهن يشاء إناثها ل ذكور معههن‪ ،‬ويههب لمهن يشاء ذكورا ل إناثها معههم؛ وأدخهل اللف واللم‬
‫على الذكور دون الناث لنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف‪ .‬وقال واثلة بن السقع‪ :‬إن من يمن‬
‫المرأة تبكيرهها بالنثهى قبهل الذكهر‪ ،‬وذلك أن ال تعالى قال‪" :‬يههب لمهن يشاء إناثها ويههب لمهن يشاء‬
‫الذكور" فبدأ بالناث‪" .‬أو يزوجهههم ذكرانهها وإناثهها" قال مجاهههد‪ :‬هههو أن تلد المرأة غلمهها ثههم تلد‬
‫جاريهة ثهم تلد غلمها ثهم تلد جاريهة‪ .‬وقال محمهد ابهن الحنفيهة‪ :‬ههو أن تلد توأمها‪ ،‬غلمها وجاريهة‪ ،‬أو‬
‫يزوجههم ذكرانها وإناثها‪ .‬قال القتهبي‪ :‬التزويهج هها هنها ههو الجمهع ببهن البنيهن والبنات؛ تقول العرب‪:‬‬
‫زوجت إبلي إذا جمعت بين الكبار والصغار‪" .‬ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير" أي ل يولد‬
‫له؛ يقال‪ :‬رجل عقيم‪ ،‬وامرأة عقيم‪ .‬وعقمت المرأة تعقم عقما؛ مثل حمد يحمد‪ .‬وعقمت تعقيم‪ ،‬مثل‬
‫عظهم يعظهم‪ .‬وأصهله القطهع‪ ،‬ومنهه الملك العقيهم‪ ،‬أي تقطهع فيهه الرحام بالقتهل والعقوق خوفها على‬
‫الملك‪ .‬وريهح عقيهم؛ أي ل تلقهح سهحابا ول شجرا‪ .‬ويوم القيامهة يوم عقيهم؛ لنهه ل يوم بعده‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫نساء عقم وعقم؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم‬
‫وحكهى النقاش أن هذه اليهة نزلت فهي النهبياء خصهوصا وإن عهم حكمهها‪ .‬وههب للوط الناث ليهس‬
‫معهن ذكر‪ ،‬ووهب لبراهيم الذكور ليس معهم أنثى‪ ،‬ووهب لسماعيل وإسحاق الذكور والناث‪،‬‬
‫وجعهل عيسهى ويحيهى عقيميهن؛ ونحوه عهن ابهن عباس وإسهحاق بهن بشهر‪ .‬قال إسهحاق‪ :‬نزلت فهي‬
‫النهبياء‪ ،‬ثهم عمهت‪" .‬يههب لمهن يشاء إناثها" يعنهي لوطها عليهه السهلم‪ ،‬لم يولد له ذكهر وإنمها ولد له‬
‫ابنتان‪" .‬ويهههب لمههن يشاء الذكور" يعنههي إبراهيههم عليهه السههلم لم يولد له أنثههى بههل ولد له ثمانيههة‬
‫ذكور‪" .‬أو يزوجهم ذكرانا وإناثا" يعني رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولد له أربعة بنين وأربع‬
‫بنات‪" .‬ويجعههل مهن يشاء عقيمهها" يعنههي يحيههى بهن زكريهها عليهمها السهلم؛ لم يذكههر عيسههى‪ .‬ابهن‬
‫العربي‪ :‬قال علماؤنا "يهب لمن يشاء إناثا" يعني لوطا كان له بنات ولم يكن له ابن‪" .‬ويهب لمن‬
‫يشاء الذكور" يعنهي إبراهيهم‪ ،‬كان له بنون ولم يكهن له بنهت‪ .‬وقول‪" :‬أو يزوجههم ذكرانها وإناثها"‬
‫يعنهي آدم‪ ،‬كانهت حواء تلد له فهي كهل بطهن توأميهن ذكرا وأنثهى‪ .‬ويزوج الذكهر مهن هذا البطهن مهن‬
‫النثى من البطن الخر‪ ،‬حتى أحكم ال التحريم في شرع نوح صلى ال عليه وسلم‪ .‬وكذلك محمد‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم كان له ذكور وإناث مهن الولد‪ :‬القاسهم والطيهب والطاههر وعبدال وزينهب‬
‫وأم كلثوم ورقيهة وفاطمهة؛ وكلههم مهن خديجهة رضهي ال عنهها‪ ،‬وإبراهيهم وههو مهن ماريهة القبطيهة‪.‬‬
‫وكذلك قسهم ال الخلق مهن لدن آدم إلى زماننها هذا‪ ،‬إلى أن تقوم السهاعة‪ ،‬على هذا التقديهر المحدود‬
‫بحكمته البالغهة ومشيئته النافذة؛ ليبقهى النسهل‪ ،‬ويتمادى الخلق‪ ،‬وينفهذ الوعهد‪ ،‬ويحهق المهر‪ ،‬وتعمهر‬
‫الدنيها‪ ،‬وتأخهذ الجنهة وجهنهم كهل واحدة مها يملؤهها ويبقهى‪ .‬ففهي الحديهث‪( :‬إن النار لن تمتلئ حتهى‬
‫يضع الجبار فيها قدمه‪ ،‬فتقول قط قط‪ .‬وأما الجنة فيبقى منها فينشئ ال لها خلقا آخر)‪.‬‬
‫@ قال ابهن العربهي‪ :‬إن ال تعالى لعموم قدرتهه وشديهد قوتهه يخلق الخلق ابتداء مهن غيهر شيهء‪،‬‬
‫وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء ل عن حاجة؛ فإنه قدوس عن الحاجات سلم عن‬
‫الفات‪ ،‬كمهها قال القدوس السههلم؛ فخلق آدم مههن الرض وخلق حواء مههن آدم وخلق النشأة مههن‬
‫بينهما منهما مرتبا على الوطء كائنا عن الحمل موجودا في الجنين بالوضع؛ كما قال النبي صلى‬
‫ال عليههه وسههلم‪( :‬إذا سههبق ماء الرجههل ماء المرأة أذكرا وإذا‪ .‬سههبق ماء المرأة ماء الرجههل آنثهها)‪.‬‬
‫وكذلك فهي الصهحيح أيضها‪( :‬إذا عل ماء الرجهل ماء المرأة أشبهه الولد أعمامهه وإذا عل ماء المرأة‬
‫ماء الرجل أشبه الولد أخواله)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا معنى حديث عائشة ل لفظه خرجه مسلم من حديث عروة بن الزبير عنها أن امرأة‬
‫قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال‪( :‬نعم)‬
‫فقالت لهها عائشهة‪ :‬تربهت يداك وألت؛ فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬دعيهها وههل يكون‬
‫الشبهه إل مهن قبهل ذلك‪ .‬إذا عل ماؤهها ماء الرجهل أشبهه الولد أخواله وإذا عل ماء الرجهل ماءهها‬
‫أشبه أعمامه)‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬فعلى مقتضى هذا الحديث أن العلو يقتضي الشبه؛ وقد جاء في حديث‬
‫ثوبان خرجهه مسهلم أيضها أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال لليهودي‪( :‬ماء الرجهل أبيهض وماء‬
‫المرأة أصهفر‪ ،‬فإذا اجتمعها فعل منهي الرجهل منهي المرأة أذكرا بإذن ال وإذا عل منهي المرأة منهي‬
‫الرجل آنثا بإذن ال‪ )...‬الحديث‪ .‬فجعل في هذا الحديث أيضا العلو يقتضي الذكورة والنوثة؛ فعلى‬
‫مقتضهى الحديثيهن يلزم اقتران الشبهه للعمال والذكورة إن عل منهي الرجهل‪ ،‬وكذلك يلزم إن عل‬
‫منههي المرأة اقتران الشبههه للخوال والنوثههة؛ لنهمهها معلول علة واحدة‪ ،‬وليههس المههر كذلك بههل‬
‫الوجود بخلف ذلك؛ لنا نجد الشبه للخوال والذكورة والشبه للعمام والنوثة فتعين تأويل أحد‬
‫الحديثيههن‪ .‬والذي يتعيههن تأويله الذي فههي حديههث ثوبان فيقال‪ :‬إن ذلك العلو معناه سههبق الماء إلى‬
‫الرحهم‪ ،‬ووجهه أن العلو لمها كان معناه الغلبهة مهن قولههم سهابقني فلن فسهبقته أي غلبتهه؛ ومنهه قوله‬
‫تعالى‪" :‬وما نحن بمسبوقين" [الواقعة‪ ]60 :‬أي بمغلوبين‪ ،‬قيل عليه عل‪ .‬ويؤيد هذا التأويل قوله‬
‫في الحديث‪( :‬إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا)‪ .‬وقد بنى‬
‫القاضهي أبهو بكهر بهن العربهي على هذه الحاديهث بناء فقال‪ :‬إن للماءيهن أربعهة أحوال‪ :‬الول‪ :‬أن‬
‫يخرج ماء الرجههههل أول‪ ،‬الثانههههي‪ :‬أن يخرج ماء المرأة أول‪ ،‬الثالث‪ :‬أن يخرج ماء الرجههههل أول‬
‫ويكون أكثهر‪ ،‬الرابهع‪ :‬أن يخرج ماء المرأة أول ويكون أكثهر‪ .‬ويتهم التقسهيم بأن يخرج ماء الرجهل‬
‫أول ثم يخرج ماء المرأة بعده ويكون أكثر أو بالعكس؛ فإذا خرج ماء الرجل أول وكان أكثر جاء‬
‫الولد ذكرا بحكههم السههبق وأشبههه الولد أعمامهه بحكههم الكثرة‪ .‬وإن خرج ماء المرأة أول وكان أكثههر‬
‫جاء الولد أنثهى بحكهم السهبق وأشبهه أخواله بحكهم الغلبهة‪ .‬وإن خرج ماء الرجهل أول لكهن لمها خرج‬
‫ماء المرأة بعده كان أكثهر كان الولد ذكرا بحكهم السهبق وأشبهه أخواله بحكهم غلبهة ماء المرأة‪ ،‬وإن‬
‫سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلى من ماء المرأة‪ ،‬كان الولد أنثى بحكم سبق ماء‬
‫المرأة وأشبههه أعمامههه بحكههم غلبههة ماء الرجههل‪ .‬قال‪ :‬وبانتظام هذه القسههام يسههتتب الكلم ويرتفههع‬
‫التعارض عن الحاديث‪ ،‬فسبحان الخالق العليم‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬كانت الخلقة مستمرة ذكرا وأنثى إلى أن وقع في الجاهلية الولى الخنثى فأتي به‬
‫فريض العرب ومعمرها عامر بن الظرب فلم يدر ما يقول فيه وأرجأهم عنه؛ فلما جن عليه الليل‬
‫تنكهر موضعهه‪ ،‬وأقهض عليهه مضجعهه‪ ،‬وجعهل يتقلب ويتقلب‪ ،‬وتجيهء بهه الفكار وتذههب‪ ،‬إلى أن‬
‫أنكرت خادمهه حاله فقالت‪ :‬مها بهك؟ قال لهها‪ :‬سههرت لمهر قصهدت بهه فلم أدر مها أقول فيهه ؟ فقالت‬
‫ما هو؟ قال لها‪ :‬رجل له ذكر وفرج كيف يكون حاله في الميراث ؟ قالت له المة‪ :‬ورثه من حيث‬
‫يبول؛ فعقلهها وأصهبح فعرضهها عليههم وانقلبوا بهها راضيهن‪ .‬وجاء السهلم على ذلك فلم تنزل إل‬
‫في عهد علي رضي ال عنه فقضى فيها‪ .‬وقد روى الفرضيون عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن‬
‫عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث ؟ قال‪ :‬من‬
‫حيث يبول‪ .‬وروي أنه أتى بخنثى من النصار فقال‪( :‬ورثوه من أول ما يبول)‪ .‬وكذا روى محمد‬
‫ابهن الحنفيهة عهن علي‪ ،‬ونحوه عهن ابهن عباس‪ ،‬وبهه قال ابهن المسهيب وأبهو حنيفهة وأبهو يوسهف‬
‫ومحمهد‪ ،‬وحكاه المزنهي عهن الشافعهي‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل دللة فهي البول؛ فإن خرج البول منهمها جميعها‬
‫قال أبو يوسف‪ :‬يحكم بالكثر‪ .‬وأنكره أبو حنيفة وقال‪ :‬أتكيله ! ولم يجعل أصحاب الشافعي للكثرة‬
‫حكمها‪ .‬وحكهي عهن علي والحسهن أنهمها قال‪ :‬تعهد أضلعهه‪ ،‬فإن المرأة تزيهد على الرجهل بضلع‬
‫واحد‪ .‬وقد مضى ما للعلماء في هذا في آية المواريث في "النساء" مجودا والحمد ل‪.‬‬
‫@ قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬وقد أنكر قوم من رؤوس العوام وجود الخنثى‪ ،‬لن ال تعالى‬
‫قسهم الخلق إلى ذكهر وأنثهى‪ .‬قلنها‪ :‬هذا جههل باللغهة‪ ،‬وغباوة عهن مقطهع الفصهاحة‪ ،‬وقصهور عهن‬
‫معرفههة سههعة القدرة‪ .‬أمهها قدرة ال سههبحانه فإنههه واسههع عليههم‪ ،‬وأمهها ظاهههر القرآن فل ينفههي وجود‬
‫الخنثهههى؛ لن ال تعالى قال‪" :‬ل ملك السهههماوات والرض يخلق مههها يشاء"‪ .‬فهذا عموم مدح فل‬
‫يجوز تحصهيصه؛ لن القدرة تقتضيهه‪ .‬وأمها قوله‪" :‬يههب لمهن يشاء إناثها ويههب لمهن يشاء الذكور‪.‬‬
‫أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما" فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات‪ ،‬وسكت‬
‫عن ذكر النادر لدخول تحت عموم الكلم الول‪ ،‬والوجود يشهد له والعيان يكذب منكره‪ ،‬وقد كان‬
‫يقرأ معنهها برباط أبههي سههعيد على المام الشهيههد مههن بلد المغرب خنثههى ليههس له لحيههة وله ثديان‬
‫وعنده جاريههة؛ فربههك أعلم بههه‪ ،‬ومههع طول الصههحبة عقلنههي الحياء عههن سههؤال‪ ،‬وبودي اليوم لو‬
‫كاشفته عن حاله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 51 :‬ومها كان لبشهر أن يكلمهه ال إل وحيها أو مهن وراء حجاب أو يرسهل رسهول‬
‫فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا" سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ :‬أل تكلم ال وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه؛ فإنا لن نؤمن لك حتى‬
‫تفعل ذلك‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن موسى لن ينظر إليه) فنزل قوله‪" :‬وما كان لبشر‬
‫أن يكلمه ال إل وحيا"؛ ذكره النقاش والواحدي والثعلبي‪" .‬وحيا" قال مجاهد‪ :‬نفث ينفث في قلبه‬
‫فيكون إلهاما؛ ومنه قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت‬
‫حتى تستكمل‪ ،‬رزقها وأجلها فاتقوا ال وأجملوا في الطلب‪ .‬خذوا ما حل ودعوا ما حرم)‪" .‬أو من‬
‫وراء حجاب" كما كلم موسى‪" .‬أو يرسل رسول" كإرساله جبريل عليه السلم‪ .‬وقيل‪" :‬إل وحيا"‬
‫رؤيها يراهها فهي منامهه؛ قال محمهد بهن زهيهر‪" .‬أو مهن وراء حجاب" كمها كلم موسهى‪" .‬أو يرسهل‬
‫رسول" قال زهير‪ :‬هو جبريل عليه السلم‪" .‬فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم" وهذا الوحي‬
‫مهن الرسهل خطاب منههم للنهبياء يسهمعونه نطقها ويرونهه عيانها‪ .‬وهكذا كانهت حال جبريهل عليهه‬
‫السلم إذا نزل بالوحي على النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬نزل جبريل عليه السلم‬
‫على كهل نهبي فلم يره منههم إل محمهد وعيسهى وموسهى وزكريها عليههم السهلم‪ .‬فأمها غيرههم فكان‬
‫وحيا إلهاما في المنام‪ .‬وقل‪" :‬إل وحيا" بإرسال جبريل "أومن وراء حجاب" كما كلم موسى‪" .‬أو‬
‫يرسههل رسههول" إلى الناس كافههة‪ .‬وقرأ الزهري وشيبههة ونافههع "أو يرسههل رسههول فيوحههي" برفههع‬
‫الفعليهن‪ .‬الباقون بنصهبهما‪ .‬فالرفهع على السهتئناف؛ أي وههو يرسهل‪ .‬وقيهل‪" :‬يرسهل" بالرفهع فهي‬
‫موضع الحال؛ والتقدير إل موحيا أومرسل‪ .‬ومن نصب عطفوه على محل الوحي؛ لن معناه وما‬
‫كان لبشهر أن يكلمهه ال إل أن يوحهي أويرسهل‪ .‬ويجوز أن يكون النصهب على تقديهر حذف الجار‬
‫مهن أن المضمرة‪ .‬ويكون فهي موضهع الحال؛ التقديهر أو بأن يرسهل رسهول‪ .‬ول يجوز أن يعطهف‬
‫"أو يرسل" بالنصب على "أن الكلمة" لفساد المعنى؛ لنه يصير‪ :‬ما كان لبشر أن يرسله أو أن‬
‫يرسل إليه رسول‪ ،‬وهو قد أرسل الرسل من البشر وأرسل إليهم‪.‬‬
‫@ احتج بهذه الية من رأى فيمن حلف أل يكلم رجل فأرسل إليه رسول أنه حانث‪ ،‬لن المرسل‬
‫قههد سههمي فيههها مكلمهها للمرسههل إليههه؛ إل أن ينوي الحالف المواجهههة بالخطاب‪ .‬قال ابههن المنذر‪:‬‬
‫واختلفوا فههي الرجههل يحلف أل يكلم فلنهها فكتههب إليههه كتابهها أوأرسههل إليههه رسههول؛ فقال الثوري‪:‬‬
‫الرسهول ليهس بكلم‪ .‬وقال الشافعهي‪ :‬ل يهبين أن يحنهث‪ .‬وقال النخعهي‪ :‬والحكهم فهي الكتاب يحنهث‪.‬‬
‫وقهل له مالك‪ :‬يحنهث فهي الكتاب والرسهول‪ .‬وقال مرة‪ :‬الرسهول أسههل مهن الكتاب‪ .‬وقال أبهو عبيهد‪:‬‬
‫الكلم سهوى الخهط والشارة‪ .‬وقال أبهو ثور‪ :‬ل يحنهث فهي الكتاب‪ .‬قال ابهن المنذر‪ :‬ل يحنهث فهي‬
‫الكتاب والرسول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وههو قول مالك‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬ومهن حلف أل يكلم رجل فسهلم عليهه عامدا أو سهاهيا‪ ،‬أو‬
‫سلم على جماعة هو فيهم فقد حنث في ذلك كله عند مالك‪ .‬وإن أرسل إليه رسول أو سلم عليه في‬
‫الصلة لم يحنث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يحنهث فهي الرسهول إل أن ينوي المشافههة؛ لليهة‪ ،‬وههو قول مالك وابهن الماجشون‪ .‬وقهد‬
‫مضى في أول "سورة مريم" هذا المعنى عن علمائنا مستوفى‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 - 52 :‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان‬
‫ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم‪ ،‬صراط ال الذي‬
‫له ما في السماوات وما في الرض أل إلى ال تصير المور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك أوحينا إليك" أي وكالذي أوحينا إلى النبياء من قبلك أوحينا إليك "روحا"‬
‫أي نبوة؛ قاله ابن عباس‪ .‬الحسن وقتادة‪ :‬رحمة من عندنا‪ .‬السدي‪ :‬وحيا‪ .‬الكلبي‪ :‬كتابا‪ .‬الربيع‪ :‬هو‬
‫جبريههل‪ .‬الضحاك‪ :‬هههو القرآن‪ .‬وهههو قول مالك بههن دينار‪ .‬وسههماه روحهها لن فيههه حياة مههن موت‬
‫الجهل‪ .‬وجعله من أمره بمعنى أنزل كما شاء على من يشاء من النظم المعجز والتأليف المعجب‪.‬‬
‫ويمكن أن يحمل قوله‪" :‬ويسألونك عن الروح" [السراء‪ ]85 :‬على القرآن أيضا "قل الروح من‬
‫أمهر ربهي" [السهراء‪ ]85 :‬أي يسهألونك مهن أيهن لك هذا القرآن‪ ،‬قهل إنهه مهن أمهر ال أنزل علي‬
‫معجزا؛ ذكره القشيري‪ .‬وكان مالك بهن دينار يقول‪ :‬يها أههل القرآن‪ ،‬ماذا زرع القرآن فهي قلوبكهم ؟‬
‫فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الرض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مها كنهت تدري مها الكتاب ول اليمان" أي لم تكهن تعرف الطريهق إلى اليمان‪.‬‬
‫وظاههر هذا يدل على أنهه مها كان قبهل اليحاء متصهفا باليمان‪ .‬قال القشيري‪ :‬وههو مهن مجوزات‬
‫العقول‪ ،‬والذي صار إليه المعظم أن ال ما بعث نبيا إل كان مؤمنا به قبل البعثة‪ .‬وفيه تحكم‪ ،‬إل‬
‫أن يثبت ذلك بتوقيف مقطوع به‪ .‬قال القاضي أبو الفضل عياض وأما عصمتهم من هذا الفن قبل‬
‫النبوة فللناس فيه خلف؛ والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بال وصفاته والتشكك‬
‫فهي شيهء مهن ذلك‪ .‬وقهد تعاضدت الخبار والثار عهن النهبياء بتنزيهههم عهن هذه النقيصهة منهذ‬
‫ولدوا؛ ونشأتههم على التوحيهد واليمان‪ ،‬بهل على إشراق أنوار المعارف ونفحات ألطاف السهعادة‪،‬‬
‫ومهن طالع سهيرهم منهذ صهباهم إلى مبعثههم حقهق ذلك؛ كمها عرف مهن حال موسهى وعيسهى ويحيهى‬
‫وسهههليمان وغيرههههم عليههههم السهههلم‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬وآتيناه الحكهههم صهههبيا" [مريهههم‪ ]12 :‬قال‬
‫المفسرون‪ :‬أعطي يحيى العلم بكتاب ال في حال صباه‪ .‬قال معمر‪ :‬كان ابن سنتين أوثلث؛ فقال‬
‫له الصههبيان‪ :‬لم ل تلعههب ! فقال‪ :‬أللعههب خلقههت ! وقيههل فههي قوله‪" :‬مصههدقا بكلمههة مههن ال" [آل‬
‫عمران‪ ]39 :‬صهدق يحيهى بعيسهى وههو بهن ثلث سهنين‪ ،‬فشههد له أنهه كلمهة ال وروحهه وقيهل‪:‬‬
‫صهدقه وهو فهي بطهن أمه؛ فكانهت أم يحيى تقول لمريهم إني أجد ما في بطنهي يسهجد لما فهي بطنهك‬
‫تحيهة له‪ .‬وقهد نهص ال على كلم عيسهى لمهه عنهد ولدتهها إياه بقول‪" :‬أل تحزنهي" [مريهم‪]24 :‬‬
‫على قراءة مهن قرأ "مهن تحتهها"‪ ،‬وعلى قول مهن قال‪ :‬إن المنادى عيسهى ونهص على كلمهه فهي‬
‫مهده فقال‪" :‬إنهي عبهد ال آتانهي الكتاب وجعلنهي نبيها" [مريهم‪ .]30 :‬وقال "ففهمناهها سهليمان وكل‬
‫آتينا حكما وعلما" [النبياء‪ ]79 :‬وقد ذكر من حكم سليمان وهو صبي يلعب في قصة المرجومة‬
‫وفهي قصهة الصهبي مها اقتدى بهه أبوه داود‪ .‬وحكهى الطهبري أن عمره كان حيهن أوتهي الملك اثنهي‬
‫عشر عاما‪ .‬وكذلك قصة موسى عليه السلم مع فرعون وأخذه بلحيته وهو طفل‪ .‬وقال المفسرون‬
‫في قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل" [النبياء‪ :]51 :‬أي هديناه صغيرا؛ قال مجاهد‬
‫وغيره‪ .‬وقال ابن عطاء‪ :‬اصطفاه قبل إبداء خلقه‪.‬‬
‫وقال بعضههم‪ :‬لمها ولد إبراهيهم بعهث ال إليهه ملكها يأمره عهن ال تعالى أن يعرفهه بقلبهه ويذكره‬
‫بلسهانه فقال‪ :‬قهد فعلت؛ ولم يقهل أفعهل؛ فذلك رشده‪ .‬وقيهل‪ :‬إن إلقاء إبراهيهم فهي النار ومحنتهه كانهت‬
‫وههو ابهن سهت عشره سهنة‪ .‬وإن ابتلء إسهحاق بالذبهح وههو ابهن سهبع سهنين‪ .‬وأن اسهتدلل إبراهيهم‬
‫بالكوكهب والقمهر والشمهس كان وههو ابهن خمهس عشرة سهنة‪ .‬وقيهل أوحهي إلى يوسهف وههو صهبي‬
‫عند ما هم إخوته بإلقائه في الجب بقوله تعالى‪" :‬وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا" [يوسف‪]15 :‬‬
‫الية؛ إلى غير ذلك من أخبارهم‪ .‬وقد حكى أهل السير أن أمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمدا‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم ولد حيهن ولد باسهطا يديهه إلى الرض رافعها رأسهه إلى السهماء‪ ،‬وقال فهي‬
‫حديثه صلى ال عليه وسلم‪( :‬لما نشأت بغضت إلي الوثان وبغض إلي الشعر ولم أهم بشيء مما‬
‫كانهت الجاهليهة تفعله إل مرتيهن فعصهمني ال منهمها ثهم لم أعهد)‪ .‬ثهم يتمكهن المهر لههم‪ ،‬وتترادف‬
‫نفحات ال تعالى عليههم‪ ،‬وتشرق أنوار المعارف فهي قلوبههم حتهى يصهلوا الغايهة ويبلغوا باصهطفاء‬
‫ال تعالى لههم بالنبوة فهي تحصهيل الخصهال الشريفهة النهايهة دون‪ ،‬ممارسهة ول رياضهة‪ .‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬ولمها بلغ أشده آتيناه حكمها وعلمها" [يوسهف‪ .]22 :‬قال القاضهي‪ :‬ولم ينقهل أحهد مهن أههل‬
‫الخبار أن أحدا نبهئ واصهطفي ممهن عرف بكفهر وإشراك قبهل ذلك‪ .‬ومسهتند هذا الباب النقهل‪ .‬وقهد‬
‫استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله‪ .‬فال القاضي‪ :‬وأنا أقول إن قريشا قد رمت‬
‫نبينا عليه السلم بكل ما افترته‪ ،‬وعير كفار المم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته‪ ،‬مما نص ال‬
‫عليهه أو نقلتهه إلينها الرواة‪ ،‬ولم نجهد فهي شيهء مهن ذلك تعييرا لواحهد منههم برفضهه آلهتههم وتقريعهه‬
‫بذمههه بترك مهها كان قههد جامعهههم عليههه‪ .‬ولوكان هذا لكانوا بذلك مبادريههن‪ ،‬وبتلونههه فههي معبوده‬
‫محتجيهن‪ ،‬ولكان توبيخههم له بنهيههم عمها كان يعبهد قبهل أفظهع وأقطهع فهي الحجهة مهن توبيخهه بنهيههم‬
‫عن تركه آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل؛ ففي إطباقهم على العراض عنه دليل على أنهم لم‬
‫يجدوا سهبيل إليهه؛ إذ لو كان لنقهل ومها سهكتوا عنهه كمها لم يسهكتوا عهن تحويهل القبلة وقالوا‪" :‬مها‬
‫ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" [البقرة‪ ]142 :‬كما حكاه ال عنهم‪.‬‬
‫@ وتكلم العلماء في نبينا صلى ال عليه وسلم؛ هل كان متعبدا بدين قبل الوحي أم ل؛ فمنهم من‬
‫منهع ذلك مطلقها وأحاله عقل‪ .‬قالوا‪ :‬لنهه مبعهد أن يكون متبوعها مهن عرف تابعها‪ ،‬وبنوا هذا على‬
‫التحسين والتقبيح‪ .‬وقالت فرقة أخرى‪ :‬بالوقف في أمره عليه السلم وترك قطع الحكم عليه بشيء‬
‫في ذلك‪ ،‬إذ لم يحل الوجهين منهما العقل ول استبان عندها في أحدهما طريق النقل‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫أبهي المعالي‪ .‬وقالت فرقهة ثالثهة‪ :‬إنهه كان متعبدا بشرع مهن قبله وعامل بهه؛ ثهم اختلف هؤلء فهي‬
‫التعييهن‪ ،‬فذهبهت طائفهة إلى أنهه كان على ديهن عيسهى فإنهه ناسهخ لجميهع الديان والملل قبلهها؛ فل‬
‫يجوز أن يكون النهبي على ديهن منسهوخ‪ .‬وذهبهت طائفهة إلى أنهه كان على ديهن إبراهيهم؛ لنهه مهن‬
‫ولده وههو أبهو النهبياء‪ .‬وذهبهت طائفهة إلى أنهه كان على ديهن موسهى؛ لنهه أقدم الديان‪ .‬وذهبهت‬
‫المعتزلة إلى أنهه ل بهد أن يكون على ديهن ولكهن عيهن الديهن غيهر معلومهة عندنها‪ .‬وقهد أبطهل هذه‬
‫القوال كلها أئمتنا؛ إذ هي أقوال متعارضة وليس فيها دللة قاطعة‪،‬وإن كان العقل يجوز ذلك كله‪.‬‬
‫والذي يقطع به أنه عليه السلم لم يكن منسوبا إلى واحد من النبياء نسبة تقتضي أن يكون واحدا‬
‫مهن أمتهه ومخاطبها بكهل شريعتهه؛ بهل شريعتهه مسهتقلة بنفسهها مفتتحهة مهن عنهد ال الحاكهم جهل وعهز‬
‫وأنه صلى ال عليه وسلم كان مؤمنا بال عز وجل‪ ،‬ول سجد لصنم‪ ،‬ول أشرك بال‪ ،‬ول زنى ول‬
‫شرب الخمهر‪ ،‬ول شههد السهامر ول حضهر حلف المطهر ول حلف المطيهبين؛ بهل نزههه ال وصهانه‬
‫عهن ذلك‪ .‬فإن قيهل‪ :‬فقهد روى عثمان بهن أبهي شيبهة حديثها بسهنده عهن جابر أن النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم‪ ،‬فسمع ملكين خلفه أحدهما يقول لصاحبه‪ :‬أذهب حتى‬
‫تقوم خلفه‪ ،‬فقال الخر‪ :‬كيف أقوم خلفه وعهده باستلم الصنام فلم يشهدهم بعد؟ فالجواب أن هذا‬
‫حديهث أنكره المام أحمهد بهن حنبهل جدا وقال‪ :‬هذا موضوع أوشهبيه بالموضوع‪ .‬وقال الدارقطنهي‪:‬‬
‫إن عثمان وهههم فههي إسههناده‪ ،‬والحديههث بالجملة منكههر غيههر متفههق على إسههناده فل يلتفههت إليههه‪،‬‬
‫والمعروف عن النبي صلى ال عليه وسلم خلفه عند أهل العلم من قوله‪( :‬بغضت إلي الصنام)‬
‫وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي صلى ال عليه وسلم باللت والعزى إذ لقيه بالشام في‬
‫سهفرته مهع عمهه أبهي طالب وههو صهبي‪ ،‬ورأى فيهه علمات النبوة فاختهبره بذلك؛ فقال له النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تسألني بهما فوال ما أبغضت شيئا قط بغضهما) فقال له بحيرا‪ :‬فبال إل‬
‫مها أخهبرتني عمها أسهألك عنهه‪ ،‬فقال‪( :‬سهل عمها بدا لك)‪ .‬وكذلك المعروف مهن سهيرته عليهه السهلم‬
‫وتوفيهق ال إياه له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركيهن فهي وقوفههم بمزدلفة فهي الحهج‪ ،‬وكان يقف‬
‫هو بعرفة‪ ،‬لنه كان موقف إبراهيم عليه السلم‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد قال ال تعالى‪" :‬قل بل ملة إبراهيم"‬
‫[البقرة‪ ]135 :‬وقال‪" :‬أن اتبههع ملة إبراهيههم" [النحههل‪ ]12 :‬وقال‪" :‬شرع لكههم مههن الديههن"‬
‫[الشورى‪ ]13 :‬الية‪ .‬وهذا يقتضي أن يكون متعبدا بشرع‪ .‬فالجواب أن ذلك فيما ل تختلف فيه‬
‫الشرائع من التوحيد وإقامة الدين؛ على ما تقدم بيانه في غير موضع وفي هذه السورة عند قوله‪:‬‬
‫"شرع لكم من الدين" [الشورى‪ ]13 :‬والجمد ل‪.‬‬
‫@ إذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا فهي تأويهل قوله تعالى‪" :‬مها كنهت تدري مها الكتاب ول‬
‫اليمان"‪ .‬فقال جماعهة‪ :‬معنهى اليمان فهي هذه اليهة شرائع اليمان ومعالمهه؛ ذكره الثعلبهي‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫تفاصهيل هذا الفرع؛ أي كنهت غافل عهن هذه التفاصهيل‪ .‬ويجوز إطلق لفهظ اليمان على تفاصهيل‬
‫الشرع؛ ذكره القشيري‪ :‬وقيهل‪ :‬مها كنهت تدري قبهل الوحهي أن تقرأ القرآن‪ ،‬ول كيهف تدعهو الخلق‬
‫إلى اليمان؛ ونحوه عن أبي العالية‪ .‬وقال بكر القاضي‪ :‬ول اليمان الذي هو الفرائض والحكام‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان قبهل مؤمنها بتوحيده ثهم نزلت الفرائض التهي لم يكهن يدريهها قبهل؛ فزاد بالتكليهف إيمانها‪.‬‬
‫وهذه القوال الربعهة متقاربهة‪ .‬وقال ابهن خزيمهة‪ :‬عنهى باليمان الصهلة؛ لقوله تعالى‪" :‬ومها كان‬
‫ال ليضيهع إيمانكهم" [البقرة‪ ]143 :‬أي صهلتكم إلى بيهت المقدس؛ فيكون اللفهظ عامها والمراد‬
‫الخصهوصي‪ .‬وقال الحسهين بهن الفضهل‪ :‬أي مها كنهت تدري مها الكتاب ول أههل اليمان‪ .‬وههو مهن‬
‫باب حذف المضاف؛ أي مهن الذي يؤمهن ؟ أبهو طالب أو العباس أوغيرهمها‪ .‬وقيهل‪ :‬مها كنهت تدري‬
‫شيئا إذ كنهت فهي المههد وقبهل البلوغ‪ .‬وحكهى الماوردي نحوه عهن علي بهن عيسهى قال‪ :‬مها كنهت‬
‫تدري ما الكتاب لول الرسالة‪ ،‬ول اليمان لول البلوغ‪ .‬وقيل‪ :‬ما كنت تدري ما الكتاب لول إنعامنا‬
‫عليهك‪ ،‬ول اليمان لول هدايتنها لك‪ ،‬وههو محتمهل‪ .‬وفهي هذا اليمان وجهان‪ :‬أحدهمها‪ :‬أنهه اليمان‬
‫بال‪ ،‬وهذا يعرفه بعد بلوغه وقبل نبوته‪ .‬والثاني‪ :‬أنه دين السلم‪ ،‬وهذا ل يعرفه إل بعد النبوة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصهحيح أنهه صهلى ال عليهه وسهلم كان مؤمنها بال عهز وجهل مهن حيهن نشهأ إلى حيهن‬
‫بلوغهه؛ على مها تقدم‪ .‬وقيهل‪" :‬مها كنهت تدري مها الكتاب ول اليمان" أي كنهت مهن قوم أمييهن ل‬
‫يعرفون الكتاب ول اليمان‪ ،‬حتهى تكون قهد أخذت مها جئتههم بهه عمهن كان يعلم ذلك منههم؛ وههو‬
‫كقوله تعالى‪" :‬ومههها كنهههت تتلو مهههن قبله مهههن كتاب ول تخطهههه بيمينهههك إذا لرتاب المبطلون"‬
‫[العنكبوت‪ ]48 :‬روي معناه عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها‪" .‬ولكهن جعلناه" قال ابهن عباس‬
‫والضحاك‪ :‬يعنهي اليمان‪ .‬السهدي‪ :‬القرآن وقيهل الوحهي؛ أي جعلنها هذا الوحهي "نورا نهدي بهه مهن‬
‫نشاء مهن عبادنها" أي مههن نختاره للنبوة؛ كقوله تعالى‪" :‬يختههص برحمتههه مهن يشاء" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ .]74‬ووحد الكتابة لن الفعل في كثرة أسمائه بمنزلة الفعل في السم الواحد؛ أل ترى أنك تقول‪:‬‬
‫إقبالك وإدبارك يعجبنههي؛ فتوحههد‪ ،‬وهمهها اثنان‪" .‬وإنههك لتهدي" أي تدعههو وترشههد "إلى صههراط‬
‫مستقيم" دين قويم ل اعوجاج فيه‪ .‬وقال علي‪ :‬إلى كتاب مستقيم‪ .‬وقرأ عاصم الجحدري وحوشب‬
‫"وإنهك لتهدى" غيهر مسهمى الفاعهل؛ أي لتدعهى‪ .‬الباقون "لتهدي" مسهمى الفاعهل‪ .‬وفهي قراءة أبهي‬
‫"وإنك لتدعو"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا ل يقرأ به؛ لنه مخالف للسواد‪ ،‬وإنما يحمل ما كان مثله على‬
‫أنهه مهن قائله على جههة التفسهير؛ كمها قال‪" :‬وإنهك لتهدي" أي لتدعهو‪ .‬وروى معمهر عهن قتادة فهي‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإنهك لتهدي إلى صهراط مسهتقيم" قال‪" :‬ولكهل قوم هاد" [الرعهد‪" .]7 :‬صهراط ال"‬
‫بدل مهن الول بدل المعرفههة مههن النكرة‪ .‬قال على‪ :‬هههو القرآن‪ .‬وقيههل السههلم‪ .‬ورواه النواس بههن‬
‫سهمعان عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪" .‬الذي له مها فهي السهماوات ومها فهي الرض" ملكها وعبدا‬
‫وخلقهها‪" .‬أل إلى ال تصههير المور" وعيههد بالبعههث والجزاء‪ .‬قال سهههل بههن أبههي الجعههد‪ :‬احترق‬
‫مصهحف فلم يبهق إل قوله‪" :‬أل إلى ال تصهير المور" وغرق مصهحف فأمحهى كله إل قوله‪" :‬أل‬
‫إلى ال تصير المور"‪ .‬والحمد ل وحده‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الزخرف‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مكيهة بإجماع‪ .‬وقال مقاتهل‪ :‬إل قوله‪" :‬واسهأل مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن رسهلنا" [الزخرف‪:‬‬
‫‪ .]45‬وهي تسع وثمانون آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬حم‪ ،‬والكتاب المبين‪ ،‬إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حم‪ ،‬والكتاب المبين" تقدم‪ .‬وقيل‪" :‬حم" قسم‪" .‬والكتاب المبين" قسم ثان؛ ول أن‬
‫يقسم بما شاء‪ .‬والجواب "إنا جعلناه"‪ .‬وقال ابن النباري‪ :‬من جعل جواب "والكتاب" "حم" ‪ -‬كما‬
‫تقول نزل وال وجهب وال ‪ -‬وقهف على "الكتاب المهبين"‪ .‬ومهن جعهل جواب القسهم "إنها جعلناه" لم‬
‫يقهف على "الكتاب المهبين"‪ .‬ومعنهى‪" :‬جعلناه" أي سهميناه ووصهفناه؛ ولذلك تعدى إلى مفعوليهن؛‬
‫كقوله تعالى‪" :‬مها جعهل ال مهن بحيرة" [المائدة‪ .]103 :‬وقال السهدي‪ :‬أي أنزلناه قرآنها‪ .‬مجاههد‪:‬‬
‫قلناه الزجاج وسهفيان الثوري‪ :‬بيناه‪" .‬عربيها" أي أنزلناه بلسهان العرب؛ لن كهل نهبي أنزل كتابهه‬
‫بلسهان قومهه؛ قال سهفيان الثوري وغيره‪ .‬وقال مقاتهل‪ :‬لن لسهان أههل السهماء عربهي‪ .‬وقيهل‪ :‬المراد‬
‫بالكتاب جميهع الكتهب المنزلة على النهبياء؛ لن الكتاب اسهم جنهس فكأنهه أقسهم بجميهع مها أنزل مهن‬
‫الكتب أنه جعل القرآن عربيا‪.‬‬
‫والكنايهة فهي قوله‪" :‬جعلناه" ترجهع إلى القرآن وإن لم يجهر له ذكهر فهي هذه السهورة؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"إنها أنزلناه فهي ليلة القدر"‪[ .‬القدر‪" .]1 :‬لعلكهم تعقلون" أي تفهمون أحكامهه ومعانيهه‪ .‬فعلى هذا‬
‫القول يكون خاصا للعرب دون العجم؛ قال ابن عيسى‪.‬‬
‫وقال ابن زيد‪ :‬المعنى لعلكم تتفكرون؛ فعلى هذا يكون خطابا عاما للعرب والعجم‪ .‬ونعت الكتاب‬
‫بالمبين لن ال بين فيه أحكامه وفرائضه؛ على ما تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنه في أم الكتاب" يعني القرآن في اللوح المحفوظ "لدينا" عندنا‬
‫"لعلي حكيم" أي رفيع محكم ل يوجد فيه اختلف ول تناقض؛ قال ال تعالى‪" :‬إنه لقرآن كريم في‬
‫كتاب مكنون" [الواقعة‪ ]78:‬وقال تعالى‪" :‬بل هو قرآن مجيد‪ .‬في لوح محفوظ" [البروج‪.]22 :‬‬
‫وقال ابهن جريهج‪ :‬المراد بقوله تعالى‪" :‬وإنهه" أي أعمال الخلق مهن إيمان وكفهر وطاعهة ومعصهية‪.‬‬
‫"لعلي" أي رفيع عن أن ينال فيبدل "حكيم" أي محفوظ من نقص أو تغيير‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أول‬
‫ما خلق ال القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق؛ فالكتاب عنده؛ ثم قرأ "وإنه فهي أم الكتاب لدينا‬
‫لعلي حكيم"‪ .‬وكسر الهمزة من "أم الكتاب" حمزة والكسائي‪ .‬وضم الباقون‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفنضرب عنكم الذكر صفحا" يعني‪ :‬القرآن؛ عن الضحاك وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬المراد‬
‫بالذكهر العذاب؛ أي أفنضرب عنكهم العذاب ول نعاقبكهم على إسهرافكم وكفركهم؛ قال مجاههد وأبهو‬
‫صالح والسدي‪ ،‬ورواه العوفي عن ابن عباس‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم‬
‫العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به‪ .‬وعنه أيضا أن المعنى أتكذبون بالقرآن ول تعاقبون‪ .‬وقال السدي‬
‫أيضها‪ :‬المعنى أفنترككهم سهدى فل نأمركهم ول ننهاكهم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنهى أفنهلككهم ول نأمركهم ول‬
‫ننهاكهم‪ .‬وعنهه أيضها‪ :‬أفنمسهك عهن إنزال القرآن مهن قبهل أنكهم ل تؤمنون بهه فل ننزله عليكهم‪ .‬وقال‬
‫ابههن زيههد‪ .‬قال قتادة‪ :‬وال لو كان هذا القرآن رفههع حيههن رددتههه أوائل هذه المههة لهلكوا‪ ،‬ولكهن ال‬
‫ردده وكرره عليههم برحمتهه‪ .‬وقال الكسهائي‪ :‬أفنطوي عنكهم الذكهر طيها فل توعظون ول تؤمرون‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬الذكهر التذكهر؛ فكأنهه قال‪ :‬أنترك تذكيركهم لن كنتهم قومها مسهرفين؛ فهي قراءة مهن فتهح‪ .‬ومن‬
‫كسر جعلها للشرط وما قبلها جوابا لها؛ لنها لم تعمل في اللفظ‪ .‬ونظيره‪" :‬وذروا ما بقي من الربا‬
‫إن كنتم مؤمنين" [البقرة‪ ]278 :‬وقيل‪ :‬الجواب محذوف دل عليه تقدم؛ كما تقول‪ :‬أنت ظالم إن‬
‫فعلت‪ .‬ومعنى الكسر عند الزجاج الحال؛ لن في الكلم معنى التقرير والتوبيخ‪ .‬ومعنى "صفحا"‬
‫إعراضها؛ يقال صهفحت عهن فلن إذا أعرضهت عهن ذنبهه‪ .‬وقهد ضربهت عنهه صهفحا إذا أعرضهت‬
‫عنههه وتركتههه‪ .‬والصههل‪ ،‬فيههه صههفحة العنههق؛ يقال‪ :‬أعرضههت عنههه أي وليتههه صههفحه عنقههي‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فمن مل منها ذلك الوصل ملت‬ ‫صفوحا فما تلقاك إل بخيلة‬
‫وانتصهب "صهفحا" على المصهدر لن معنهى أفنضرب" أفنصهفح‪ .‬وقيهل‪ :‬التقديهر أفنضرب عنكهم‬
‫الذكر صافحين‪ ،‬كما يقال‪ :‬جاء فلن مشيا‪ .‬ومعنى‪" :‬مسرفين" مشركين‪ .‬واختار أبو عبيدة الفتح‬
‫فهي "أن" وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامهر‪ ،‬قال‪ :‬لن ال تعالى عاتبهم على‬
‫ما كان منهم‪ ،‬وعلمه قبل ذلك من فعلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 - 6 :‬وكم أرسلنا من نبي في الولين‪ ،‬وما يأتيهم من نبي إل كانوا به يستهزئون‪،‬‬
‫فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الولين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكم أرسلنا من نبي في الولين" "كم" هنا خبرية والمراد بها التكثير؛ والمعنى‬
‫ما أكثر ما أرسلنا من النبياء‪ .‬كما قال‪" :‬كم تركوا من جنات وعيون" [الدخان‪ ]25 :‬أي ما أكثر‬
‫ما تركوا‪" .‬وما يأتيهم من نبي" أي لم يكن يأتيهم نبي "إل كانوا به يستهزؤون" كاستهزاء قومك‬
‫بك‪ .‬يعزي نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم ويسليه‪" .‬فأهلكنا أشد منهم بطشا" أي قوما أشد منهم‬
‫قوة‪ .‬والكنايهة فهي "منههم" ترجهع إلى المشركيهن المخاطهبين بقوله‪" :‬أفنضرب عنكهم الذكهر صهفحا"‬
‫فكنى عنهم بعد أن خاطبهم‪ .‬و"أشد" نصب على الحال‪ .‬وقيل‪ :‬هو مفعول؛ أي فقد أهلكنا أقوى من‬
‫هؤلء المشركيهن فهي أبدانههم وأتباعههم‪" .‬ومضهى مثهل الوليهن" أي عقوبتههم؛ عهن قتادة وقيهل‪:‬‬
‫صههفحة الوليههن؛ فخههبرهم بأنهههم أهلكوا على كفرهههم؛ حكاه النقاش والمهدوي‪ .‬والمثههل‪ :‬الوصههف‬
‫والخبر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬ولئن سألتهم من خلق السماوات والرض ليقولن خلقهن العزيز العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن سهألتهم" يعنهي المشركيهن‪" .‬مهن خلق السهماوات والرض ليقولن خلقههن‬
‫العزيز العليم" فأقروا له بالخلق واليجاد‪ ،‬ثم عبدوا معه غيره جهل منهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬الذي جعل لكم الرض مهدا وجعل لكم فيها سبل لعلكم تهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذي جعهل لكهم الرض مهادا" وصهف نفسهه سهبحانه بكمال القدرة‪ .‬وهذا ابتداء‬
‫إخبار منههه عههن نفسههه‪ ،‬ولو كان هذا إخبارا عههن قول الكفار لقال الذي جعههل لنهها الرض "مهادا"‬
‫فراشا وبساطا‪ .‬وقد تقدم‪ .‬وقرأ الكوفيون "مهدا" "وجعل لكم فيها سبل" أي معايش‪ .‬وقيل طرقا‪،‬‬
‫لتسلكوا منها إلى حيث أردتم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعلكهم تهتدون" فتسهتدلون بمقدوراتهه على قدرتهه‪ .‬وقيهل‪" :‬لعلكهم تهتدون" فهي‬
‫أسفاركم؛ قال ابن عيسى‪ .‬وقيل‪ :‬لعلكم تعرفون نعمة ال عليكم؛ قاله سعيد بن جبير‪ .‬وقيل‪ :‬تهتدون‬
‫إلى معايشكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذي نزل من السماء ماء بقدر" قال ابن عباس‪ :‬أي ل كما أنزل على قوم نوح‬
‫بغيهر قدر حتهى أغرقههم‪ ،‬بهل ههو بقدر ل طوفان مغرق ول قاصهر عهن الحاجهة‪ ،‬حتهى يكون معاشها‬
‫لكم ولنعامكم‪" .‬فأنشرنا" أي أحيينا‪" .‬به" أي بالماء‪.‬‬
‫"بلدة ميتها" أي مقفرة مهن النبات‪" .‬كذلك تخرجون" أي مهن قبوركهم؛ لن مهن قدر على هذا قدر‬
‫على ذلك‪ .‬وقهد مضهى فهي "العراف" مجودا‪ .‬وقرأ يحيهى بهن وثاب والعمهش وحمزة والكسهائي‬
‫وابن ذكوان عن ابن عامر "يخرجون" بفتح الياء وضم الراء‪ .‬الباقون على الفعل المجهول‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 14 - 12 :‬والذي خلق الزواج كلهها وجعهل لكهم مهن الفلك والنعام مها تركبون‪،‬‬
‫لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما‬
‫كنا له مقرنين‪ ،‬وإنا إلى ربنا لمنقلبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذي خلق الزواج" أي وال الذي خلق الزواج‪ .‬قال سهعيد بهن جهبير‪ :‬أي‬
‫الصههناف كلههها‪ .‬وقال الحسههن‪ :‬الشتاء والصههيف والليههل والنهار والسههموات والرض والشمههس‬
‫والقمهر والجنهة والنار‪ .‬وقيهل‪ :‬أزواج الحيوان مهن ذكهر وأنثهى؛ قال ابهن عيسهى‪ .‬وقيهل‪ :‬أراد أزواج‬
‫النبات؛ كما قال تعالى‪" :‬وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج" [ق‪ ]7 :‬و"من كل زوج كريم" [لقمان‪:‬‬
‫‪ .]10‬وقيهل‪ :‬مها يتقلب فيهه النسهان مهن خيهر وشهر‪ ،‬وإيمان وكفهر‪ ،‬ونفهع وضهر‪ ،‬وفقهر وغنهى‪،‬‬
‫وصحة وسقم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول يعم القوال كلها ويجمعها بعمومه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعهل لكهم مهن الفلك" السهفن "والنعام" البهل "مها تركبون" فهي البر والبحهر‪.‬‬
‫"لتستووا على ظهوره" ذكر الكناية لنه رده إلى ما في قوله‪" :‬ما تركبون"؛ قال أبو عبيد‪ .‬وقال‬
‫الفراء‪ :‬أضاف الظهور إلى واحهد لن المراد بهه الجنهس‪ ،‬فصهار الواحهد فهي معنهى الجمهع بمنزلة‬
‫الجيش والجند؛ فلذلك ذكر‪ ،‬وجمع الظهور‪ ،‬أي على ظهور هذا الجنس‪.‬‬
‫@ قال سعيد بن جبير‪ :‬النعام هنا البل والبقر‪ .‬وقال أبو معاذ‪ :‬البل وحدها؛ وهو الصحيح لقوله‬
‫عليهه السهلم‪ :‬بينمها رجهل راكهب بقرة إذ قالت له لم أخلق لهذا إنمها خلقهت للحرث فقال النهبي صهلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر)‪ .‬وما هما في القوم‪ .‬وقد مضى هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتسهتووا على ظهوره" يعنهي بهه البهل خاصهة بدليهل مها ذكرنها‪ .‬ولن الفلك إنمها‬
‫تركب بطونها‪ ،‬ولكنه ذكرهما جميعا في أول الية وعطف أخرها على أحدهما‪ .‬ويحتمل أن يجعل‬
‫ظاهرههها باطنههها؛ لن الماء غمره وسههتره وباطنههها ظاهرا؛ لنههه أنكشههف الظاهريههن وظهههر‬
‫للمبصرين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه" أي ركبتم عليه وذكر النعمة هو الحمد ل‬
‫على تسهخير ذلك لنها فهي البر والبحهر‪" .‬وتقولوا سهبحان الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له مقرنيهن"‬
‫"وتقولوا سهبحان الذي سهخر لنها هذا" أي ذلل لنها هذا المركهب‪ .‬وفهي قراءة علي بهن أبهي طالب‬
‫"سبحان من سخر لنا هذا"‪" .‬وما كنا له مقرنين" أي مطيقين؛ في قول ابن عباس والكلبي‪ .‬وقال‬
‫الخفهش وأبهو عهبيدة‪" :‬مقرنيهن" ضابطيهن‪ .‬وقيهل‪ :‬مماثليهن فهي اليهد والقوة؛ مهن قولههم‪ :‬ههو قرن‬
‫فلن إذا كان مثله في القوة‪ .‬ويقال‪ :‬فلن مقرن لفلن أي ضابط له‪ .‬وأقرنت كذا أي أطقته‪ .‬وأقرن‬
‫له أي أطاقهه وقوي عليهه؛ كأنهه صهار له قرنها‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬ومها كنها له مقرنيهن" أي مطيقيهن‪.‬‬
‫وأنشد قطرب قول عمرو بن معديكرب‪:‬‬
‫لنا في النائبات بمقرنينا‬ ‫لقد علم القبائل ما عقيل‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وكبتم صعبتي أشرا وحيفا ولستم للصعاب بمقرنينا‬
‫والمقرن أيضها‪ :‬الذي غلبتهه ضيعتهه؛ يكون له إبهل أو غنهم ول معيهن له عليهها‪ ،‬أو يكون يسهقي إبله‬
‫ول ذائد له يذودهها‪ .‬قال ابهن السهكيت‪ :‬وفهي أصهله قولن‪ :‬أحدهمها‪ :‬أنهه مأخوذ مهن القران؛ يقال‪:‬‬
‫أقرن يقرن إقرانها إذا أطاق‪ .‬وأقرنهت كذا إذا أطقتهه وحكمتهه؛ كأنهه جعله فهي قرن ‪ -‬وههو الحبهل ‪-‬‬
‫فأوثقهه بهه وشده‪ .‬والثانهي‪ :‬أنهه مأخوذ مهن المقارنهة وههو أن يقرن بعضهها ببعهض فهي السهير؛ يقال‪:‬‬
‫قرنت كذا بكذا إذا ربطته به وجعلته قرينه‪.‬‬
‫@ علمنا ال سبحانه ما نقول إذا ركبنا الدواب‪ ،‬وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح عليه السلم‬
‫ما نقول إذا ركبنا السفن؛ وهي قوله تعالى‪" :‬وقال اركبوا فيها بسم ال مجراها ومرساها إن ربي‬
‫لغفور رحيم" [هود‪ ]41 :‬فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها‬
‫فهلك‪ .‬وكهم مهن راكهبين فهي سهفينة أنكسهرت بههم فغرقوا‪ .‬فلمها كان الركوب مباشرة أمهر محظور‬
‫واتصال بأسباب من أسباب التلف أمر أل ينسى عند أتصال به يومه‪ ،‬وأنه هالك ل محالة فمنقلب‬
‫إلى ال عهز وجهل غيهر منفلت مهن قضائه‪ .‬ول يدع ذكهر ذلك بقلبهه ولسهانه حتهى يكون مسهتعدا للقاء‬
‫ال بإصلحه من نفسه‪ .‬والحذر من أن يكون وركوبه ذلك من أسباب موته في علم ال وهو غافل‬
‫عنهه‪ .‬حكهى سهليمان بهن يسهار أن قومها فهي سهفر فكانوا إذا ركبوا قالوا‪" :‬سهبحان الذي سهخر لنها هذا‬
‫وما كنا له مقرنيهن" وكان فيههم رجهل على ناقهة له رازم ‪ -‬وهي التهي ل تتحرك هزال‪ ،‬الرازم من‬
‫البهل‪ :‬الثابهت على الرض ل يقوم مهن الهزال‪ .‬أو قهد رزمهت الناقهة ترزم وترزم رزومها ورزامها‪:‬‬
‫قامت من العياء والهزال فلم تتحرك؛ فهي رازم‪ .‬قال الجوهري في الصحاح‪ .‬فقال‪ :‬أما أنا فاني‬
‫لهذه لمقرن‪ ،‬قال‪ :‬فقمصهت بهه فدقهت عنقهه‪ .‬وروي أن أعرابيها ركهب قعودا له وقال إنهي لمقرن له‬
‫فركضهت بهه القعود حتهى صهرعته فاندقهت عنقهه‪ .‬ذكهر الول الماوردي والثانهي ابهن العربهي‪ .‬قال‪:‬‬
‫وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا وليس بواجب ذكره باللسان؛ فيقول متى ركب وخاصة في السفر‬
‫إذا تذكهر‪" :‬سهبحان الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له بمقرنيهن‪ .‬وإنها إلى ربنها لمنقلبون" اللههم أنهت‬
‫الصهاحب فهي السهفر‪ ،‬والحليفهة فهي الههل والمال‪ ،‬اللههم إنهي أعوذ بهك مهن وعثاء السهفر‪ ،‬وكآبهة‬
‫المنقلب‪ ،‬والجور بعد الكور‪ ،‬وسوء المنظر في الهل والمال؛ يعني به "الجور بعد الكور" تشتت‬
‫أمهر الرجهل بعهد اجتماعهه‪ .‬وقال عمرو بهن دينار‪ :‬ركبهت مهع أبهي جعفهر إلى أرض له نحهو حائط‬
‫يقال لها مدركة‪ ،‬فركب على جمل صعب فقلت له‪ :‬أبا جعفر ! أما تخاف أن يصرعك ؟ فقال‪ :‬إن‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬على سهنام كهل بعيهر شيطان إذا ركبتموهها فاذكروا اسهم ال‬
‫كما أمركم ثم أمتهنوها لنفسكم فإنما يحمل ال)‪ .‬وقال علي بن ربيعة‪ :‬شهدت علي بن أبي طالب‬
‫ركب دابة يوما فلما وضع رجله في الركاب قال‪ :‬باسم ال‪ ،‬فلما استوى على الدابة قال الحمد ل‪،‬‬
‫ثهم قال‪" :‬سهبحان الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له مقرنيهن‪ .‬وإنها إلى ربنها لمنقلبون" ثهم قال‪ :‬الحمهد ل‬
‫وال أكهبر ‪ -‬ثلثها ‪ -‬اللههم ل إله إل أنهت ظلمهت نفسهي فاغفهر لى إنهه ل يغفهر الذنوب إل أنهت؛ ثهم‬
‫ضحك فقلت له‪ :‬ما أضحكك ؟ قال‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم صنع كما صنعت‪ ،‬وقال‬
‫كما قلت؛ ثم ضحك فقلت له ما يضحكك يا رسول ال؟ قال‪( :‬العبد ‪ -‬أو قال ‪ -‬عجبا لعبد أن يقول‬
‫اللههم ل إله إل أنهت ظلمهت نفسهي فاغفهر لي فإنهه ل يغفهر الذنوب إل أنهت يعلم أنهه ل يغفهر الذنوب‬
‫غيره)‪ .‬خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده‪ ،‬وأبو عبدال محمد بن خويزمنداد في أحكامه‪ .‬وذكر‬
‫الثعلبهي له نحوه مختصهرا عهن علي رضهي ال عنهه‪ ،‬ولفظهه عنهه‪ :‬أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫كان إذا وضع رجله في الركاب قال‪( :‬باسم ال ‪ -‬فإذا استوى قال ‪ -‬الحمد ل على كل حال سبحان‬
‫الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له مقرنيهن وإنها إلى ربنها لمنقلبون وإذا نزلتهم مهن الفلك والنعام فقولوا‬
‫اللههم أنزلنها منزل مباركها وأنهت خيهر المنزليهن)‪ .‬وروى ابهن أبهي نجيهح عهن مجاههد قال‪ :‬مهن ركهب‬
‫ولم يقل "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" قال له الشيطان تغنه؛ فإن لم يحسن قال له‬
‫تمنهه؛ ذكره النحاس‪ .‬ويسهتعيذ بال مهن مقام مهن يقول لقرنائه‪ :‬تعالوا نتنزه على الخيهل أوفهي بعهض‬
‫الزوارق؛ فيركبون حامليهن مهع أنفسههم أوانهي الخمهر والمعازف‪ ،‬فل يزالون يسهتقون حتهى تمهل‬
‫طلههم وههم على ظهور الدواب أو فهي بطون السهفن وههي تجري بههم؛ ل يذكرون إل الشيطان‪،‬‬
‫ول يمتثلون إل أوامره‪ .‬الزمخشري‪ :‬ولقد بلغني أن بعض السلطين ركب وهو يشرب الخمر من‬
‫بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر‪ ،‬فلم يصح إل بعد ما أطمأنت به الدار‪ ،‬فلم يشعر بمسيره ول أحس‬
‫به؛ فكيف بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر به في هذه الية ! ؟‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬وجعلوا له من عباده جزء إن النسان لكفور مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلوا له من عباده جزءا" أي عدل؛ عن قتادة‪ .‬يعني ما عبد من دون ال عز‬
‫وجههل‪ .‬الزجاج والمههبرد‪ :‬الجزء ههها هنهها البنات؛ عجههب المؤمنيههن مههن جهلهههم إذا أقروا بأن خالق‬
‫السموات والرض هو ال ثم جعلوا له شريكا أو ولدا‪ ،‬ولم يعلموا أن من قدر على خلق السموات‬
‫والرض ل يحتاج إلى شيههء يعتضههد بههه أو‪ :‬يسههتأنس بههه؛ لن هذا مههن صههفات النقههص‪ .‬قال‬
‫الماوردي‪ :‬والجزء عنههههد أهههههل العربيههههة البنات؛ يقال‪ :‬قههههد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات؛ قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا‬ ‫إن أجزأت المرأة يوما فل عجب‬
‫الزمخشري‪ :‬ومههن بدع التفاسههير تفسههير الجزء بالناث‪ ،‬وادعاء أن الجزء فههي لغههة العرب اسههم‬
‫للناث‪ ،‬وما هو إل كذب على العرب ووضع مستحدث متحول‪ ،‬ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه‪:‬‬
‫أجزأت المرأة‪ ،‬ثم صنعوا بيتا‪ ،‬وبيتا‪:‬‬
‫إن أجزأت حرة يوما فل عجب‬
‫زوجتها من بنات الوس مجزئة‬
‫وإنما قوله‪" :‬وجعلوا له من عباده جزاء" متصل بقوله‪" :‬ولئن سألتهم" أي ولئن سألتهم عن خالق‬
‫السموات والرض ليعترفن به؛ وقد جعلوا له مع ذلك العتراف من عباده جزءا فوصفوه بصفات‬
‫المخلوقين‪ .‬ومعنى "من عباده جزءا" أن قالوا الملئكة بنات ال؛ فجعلوهم جزءا له وبعضا‪ ،‬كما‬
‫يكون الولد بضعههة مههن والده وجزءا له‪ .‬وقرئ "جزؤا" بضمتيههن‪" .‬إن النسههان" يعنههي الكافههر‪.‬‬
‫"لكفور مبين" قال الحسن‪ :‬يعد المصائب وينسى النعم‪" .‬مبين" مظهر الكفر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم اتخذ مما يخلق بنات" الميم صلة؛ تقديره أتخذ مما يخلق بنات كما زعمتم أن‬
‫الملئكهة بنات ال؛ فلفظهه السهتفهام ومعناه التوبيهخ‪" .‬وأصهفاكم بالبنيهن" أي اختصهكم وأخلصهكم‬
‫بالبنين؛ يقال‪ :‬أصفيته بكذا؛أي آثرته به‪ .‬وأصفيته الود أخلصته له‪ .‬وتصافينا تخالصنا‪ .‬عجب من‬
‫إضافتههم إلى ال اختيار البنات مهع اختيارههم لنفسههم البنيهن‪ ،‬وههو مقدس عهن أن يكون له ولد إن‬
‫توهم جاهل أنه اتخذ لنفسه ولدا فهل أضاف إليه أرفع الجنسين ! ولم جعل هؤلء لنفسهم أشرف‬
‫الجنسين وله الخس ؟ وهذا كما قال تعالى‪" :‬ألكم الذكر وله النثى تلك إذا قسمة ضيزى" [النجم‪:‬‬
‫‪.]22‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثل ظل وجهه مسودا وهو كظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا بشهر أحدههم بمها ضرب للرحمهن مثل" أي بأنهه ولدت له بنهت "ظهل وجههه"‬
‫أي صهار وجههه "مسهودا" قيهل ببطلن مثله الذي ضربهه‪ .‬وقيهل‪ :‬بمها بشهر بهه مهن النثهى؛ دليله فهي‬
‫سورة النحل‪" :‬وإذا بشر أحدهم بالنثى"[النحل‪ .]58 :‬ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت‬
‫له أنثهى اغتهم وأربهد وجههه غيظها وتأسهفا وههو مملوء مهن الكرب‪ .‬وعهن بعهض العرب أن امرأتهه‬
‫وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت‪:‬‬
‫يظل في البيت الذي يلينا‬ ‫ما لبي حمزة ل يأتينا‬
‫وإنما نأخذ ما أعطينا‬ ‫غضبان أل نلد البنينا‬
‫وقرئ "مسهودٌ‪ ،‬ومسهوادٌ"‪ .‬وعلى قراءة الجماعة يكون وجههه اسهم "ظهل" و"مسهودا" خهبر "ظهل"‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون فههي "ظههل" ضميههر عائد على أحههد وهههو اسههمها‪ ،‬و"وجهههه" بدل مههن الضميههر‪،‬‬
‫و"مسودا" خبر "ظل"‪ .‬ويجوز أن يكون رفع "وجهه" بالبتداء ويرفع "مسودا" على أنه خبره‪،‬‬
‫وفي "ظل" اسمها والجملة خبرها‪" .‬وهو كظيم" أي حزين؛ قال قتادة‪ .‬وقيل مكروب؛ قال عكرمة‬
‫وقيهل سهاكت؛ قال ابهن أبهي حاتهم؛ وذلك لفسهاد مثله وبطلن حجتهه‪ .‬ومهن أجاز أن تكون الملئكهة‬
‫بنات ال فقهد جعهل الملئكهة شبهها ل؛ لن الولد مهن جنهس الوالد وشبههه‪ .‬ومهن أسهود وجههه بمها‬
‫يضاف إليه مما ل يرضى‪ ،‬أولى من أن يسود وجهه بإضافة مثل ذلك إلى من هو أجل منه؛ فكيف‬
‫إلى ال عز وجل ! وقد مضى في "النحل" في معنى هذه الية ما فيه كفاية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 - 18 :‬أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين‪ ،‬وجعلوا الملئكة الذين‬
‫هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أومهن ينشهأ" أي يربهى ويشهب‪ .‬والنشوء‪ :‬التربيهة؛ يقال‪ :‬نشأت فهي بنهي فلن نشهأ‬
‫ونشوءا إذا شببهت فيههم‪ .‬ونشهئ وأنشههئ بمعنههى‪ .‬وقرأ ابهن عباس والضحاك وابهن وثاب وحفهص‬
‫وحمزة والكسائي وخلف "ينشأ" بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين؛ أي يربى ويكبر في الحلية‪.‬‬
‫واختاره أبو عبيد‪ ،‬لن السناد أيها أعلى‪ .‬وقرأ الباقون "ينشأ" بفتح الياء وإسكان النون‪ ،‬واختاره‬
‫أبهو حاتهم‪ ،‬أي يرسهخ وينبهت‪ ،‬وأصهله مهن نشهأ أي ارتفهع‪ ،‬قال الهروي‪ .‬فهه "ينشهأ" متعهد‪ ،‬و"ينشهأ"‬
‫لزم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬في الحلية" أي في الزينة‪ .‬قال ابن عباس وغيره‪ :‬هن الجواري زيهن غير زي‬
‫الرجال‪ .‬قال مجاهد‪ :‬رخص للنساء في الذهب والحرير؛ وقرأ هذه الية‪ .‬قال الكيا‪ :‬فيه دللة على‬
‫إباحة الحلي للنساء‪ ،‬والجماع منعقد عليه والخبار فيه ل تحصى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روي عهن أبهي هريرة أنهه كان يقول لبنتهه‪ :‬يها بنيهة‪ ،‬إياك والتحلي بالذههب ! فإنهي أخاف‬
‫عليك اللهب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وههو فهي الخصهام غيهر مهبين" أي فهي المجادلة والدلء بالحجهة‪ .‬قال قتادة‪ ،‬مها‬
‫تكلمت امرأة ولها حجة إل جعلتها على نفسها‪ .‬وفي مصحف عبدال "وهو في الكلم غير مبين"‪.‬‬
‫ومعنى الية‪ :‬أيضاف إلى ال من هذا وصفه! أي ل يجوز ذلك‪ .‬وقيل‪ :‬المنشأ في الحلية أصنامهم‬
‫التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها؛ قال ابن زيد والضحاك‪ .‬ويكون معنى "وهو في الخصام‬
‫غيهر مهبين" على هذا القول‪ :‬أي سهاكت عهن الجواب‪ .‬و"مهن" فهي محهل نصهب‪ ،‬أي اتخذوا ل مهن‬
‫ينشهأ فهي الحليهة‪ .‬ويجوز أن يكون رفعها على البتداء والخهبر مضمهر؛ قال الفراء‪ .‬وتقديره‪ :‬أو مهن‬
‫كان على هذه الحالة يسههتحق العبادة‪ .‬وإن شئت قلت خفههض ردا إلى أول الكلم وهههو قوله‪" :‬بمهها‬
‫ضرب" أو على "مهها" فههي قوله‪" :‬ممهها يخلق بنات"‪ .‬وكون البدل فههي هذيههن الموضعيههن ضعيههف‬
‫لكون ألف الستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه‪" .‬وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا"‬
‫قرأ الكوفيون "عباد" بالجمههع‪ .‬واختاره أبههو عبيههد؛ لن السههناد فيههها أعلى‪ ،‬ولن ال تعالى إنمهها‬
‫كذبههم فهي قولههم إنههم بنات ال‪ ،‬فأخهبرهم أنههم عبيهد وأنههم ليسهوا ببناتهه‪ .‬وعهن ابهن عباس أنهه قرأ‬
‫"عباد الرحمن"‪ ،‬فقال سعيد بن جبير‪ :‬إن في مصحفي "عبدالرحمن" فقال‪ :‬أمحها واكتبها "عباد‬
‫الرحمهن"‪ .‬وتصهديق هذه القراءة قوله تعالى‪" :‬بهل عباد مكرمون" [النهبياء‪ .]26 :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"فحسهب الذيهن كفروا أن يتخذوا عبادي مهن دونهي أولياء" [الكههف‪ .]102 :‬وقوله تعالى‪" :‬إن‬
‫الذيهن تدعون مهن دون ال عباد أمثالكهم" [العراف‪ ]194 :‬وقرأ الباقون "عنهد الرحمهن" بنون‬
‫ساكنة واختاره أبو حاتم‪ .‬وتصديق هذه القراءة قوله تعالى‪" :‬إن الذين عند ربك" وقوله‪" :‬وله من‬
‫فهي السهماوات والرض ومهن عنده" [النهبياء‪ .]19 :‬والمقصهود إيضاح كذبههم وبيان جهلههم فهي‬
‫نسهبة الولد إلى ال سهبحانه‪ ،‬ثهم فهي تحكمههم بأن الملئكهة إناث وههم بنات ال‪ .‬وذكهر العباد مدج‬
‫لههم؛ أي كيهف عبدوا من هو نهايهة العبادة‪ ،‬ثم كيهف حكموا بأنههم إناث من غير دليل‪ .‬والجعهل هنا‬
‫بمعنههى القول والحكههم؛ تقول‪ :‬جعلت زيدا أعلم الناس؛ أي حكمههت له بذلك‪" .‬أشهدوا خلقهههم" أي‬
‫أحضروا حالة خلقههم حتهى حكموا بأنههم إناث‪ .‬وقيهل‪ :‬إن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم سهألهم وقال‪:‬‬
‫[فما يدريكم أنهم إناث] ؟ فقالوا‪ :‬سمعنا بذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا في أنهم إناث‪،‬‬
‫فقال ال تعالى‪" :‬سهتكتب شهادتهه ويسهألون" أي يسهألون عنهها فهي الخرة‪ .‬وقرأ نافهع "أوشْهدوا"‬
‫بهمزة اسهتفهام داخلة على همزة مضمومهة مسههلة‪ ،‬ول يمهد سهوى مها روى المسهيبي عنهه أنهه يمهد‪.‬‬
‫وروى المفضهههل عهههن عاصهههم مثهههل ذلك وتحقهههق الهمزتيهههن‪ .‬والباقون "أشهدوا" بهمزة واحدة‬
‫للستفهام‪.‬‬
‫شهِدوا خلقههم" على الخهبر‪" ،‬سهتكتب" قراءة العامهة بضهم التاء على الفعهل‬ ‫وروي عهن الزهري "ُأ ْ‬
‫المجهول "شهادتهههم" رفعهها‪ .‬وقرأ السههلمى وابههن السههميقع وهههبيرة عههن حفههص "سههنكتب" بنون‪،‬‬
‫"شهادتهم" نصبا بتسمية الفاعل‪ .‬وعن أبي رجاء "ستكتب شهاداتهم" بالجمع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إل يخرصون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا لوشاء الرحمهن" يعنهي قال المشركون على طريهق السهتهزاء والسهخرية‪:‬‬
‫لوشاء الرحمهن على زعمكهم مها عبدنها هذه الملئكهة‪ .‬وهذا منههم كلمهة حهق أريهد بهها باطهل‪ .‬وكهل‬
‫شيههء بإرادة ال‪ ،‬وإرادتههه تجههب وكذا علمههه فل يمكههن الحتجاج بههها؛ وخلف المعلوم والمراد‬
‫مقدور وإن لم يقع‪ .‬ولو عبدوا ال بدل الصنام لعلمنا أن ال أراد منهم ما حصل منهم‪ .‬وقد مضى‬
‫هذا المعنهى فهي النعام عنهد قوله‪" :‬سهيقول الذيهن أشركوا لو شاء ال مها أشركنها" [النعام‪]148 :‬‬
‫وفي "يس"‪" :‬أنطعم من لو يشاء ال أطعمه" [يس‪ .]47 :‬وقوله‪" :‬ما لهم بذلك من علم" مردود‬
‫إلى قوله "وجعلوا الملئكهة الذيهن ههم عباد الرحمهن إناثها" [الزخرف‪ ]19 :‬أي مها لههم بقولههم‪:‬‬
‫الملئكة بنات ال ‪ -‬من علم قال قتادة ومقاتل والكلبى‪ .‬وقال مجاهد وابن جريج‪ :‬يعني الوثان؛ أي‬
‫مها لههم بعبادة الوثان مهن علم‪" .‬مهن" صهلة‪" .‬إن ههم إل يخرصهون" أي يحدسهون ويكذبون؛ فل‬
‫عذر لههم فهي عبادة غيهر ال عهز وجهل‪ .‬وكان مهن‪ ،‬ضمهن كلمههم أن ال أمرنها لم بهذا أو أرضهى‬
‫ذلك منا‪ ،‬ولهذا لم ينهنا ولم يعاجلنا بالعقوبة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون}‬
‫@ هذا معادل لقوله‪" :‬أشهدوا خلقهم"‪ .‬والمعنى‪ :‬أحضروا خلقهم أم آتيناهم كتابا من قبله؛ أي من‬
‫قبل القرآن بما ادعوه؛ فهم به متمسكون يعملون بما فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون‪ ،‬وكذلك ما أرسلنا‬
‫من قبلك في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بهل قالوا إنها وجدنها آباءنها على أمهة" أي على طريقهة ومذههب؛ قال عمهر بهن‬
‫عبدالعزيههز‪ .‬وكان يقرأ هههو ومجاهههد وقتادة "على إمههة" بكسههر اللف‪ .‬والمههة الطريقههة‪ .‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬والمة (بالكسر)‪ .‬النعمة‪ .‬والمة أيضا لغة في المة‪ ،‬وهي الطريقة والدين؛ عن أبي‬
‫عبيدة‪ .‬قال عدي بن زيد في النعمة‪:‬‬
‫مة وارتهم هناك القبور‬ ‫ثم بعد الفلح والملك وال‬
‫عن غير الجوهري‪ .‬وقال قتادة وعطية‪" :‬على أمة" على دين؛ ومنه قول قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫ويقتدي الخر بالول‬ ‫كنا على أمة أبائنا‬
‫قال الجوهري‪ :‬والمة الطريقة والدين‪ ،‬يقال‪ :‬فلن ل أمة له؛ أي ل دين له ول نحلة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وهل يستوي ذو أمة وكفور‬
‫وقال مجاهد وقطرب‪ :‬على دين على ملة‪ .‬وفي بعض المصاحف "قالوا إنا وجدنا أباءنا على ملة"‬
‫وهذه القوال متقاربهة‪ .‬وحكهي عهن الفراء على ملة على قبلة‪ .‬الخفهش‪ :‬على اسهتقامة‪ ،‬وأنشهد قول‬
‫النابغة‪:‬‬
‫وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع‬ ‫حلفت فلم أترك لنفسك ريبة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنها على آثارههم مهتدون" أي نهتدي بههم‪ .‬وفهي اليهة الخرى "مقتدون" أي‬
‫نقتدي بهههم‪ ،‬والمعنههى واحههد‪ .‬قال قتادة‪ :‬مقتدون متبعون‪ .‬وفههي هذا دليههل على إبطال التقليههد؛ لذمههه‬
‫إياههم على تقليهد آبائههم وتركههم النظهر فيمها دعاههم إليهه الرسهول صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقهد مضهى‬
‫القول فهي هذا فهي "البقرة" مسهتوفى‪ .‬وحكهى مقاتهل أن هذه اليهة نزلت فهي الوليهد بهن المغيرة وأبهي‬
‫سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة بني ربيعة من قريش؛ أي وكما قال هؤلء فقد قال من قبلهم أيضا‪.‬‬
‫يعزي نهبيه صهلى ال عليهه وسهلم؛ ونظيره‪" :‬مها يقال لك إل مها قهد قيهل للرسهل مهن قبلك" [فصهلت‪:‬‬
‫‪ .]43‬والمترف‪ :‬المنعم‪ ،‬والمراد هنا الملوك والجبابرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل أولو جئتكهم بأهدى" أي قهل يها محمهد لقومهك‪ :‬أوليهس قهد جئتكهم مهن عنهد ال‬
‫بأهدى؛ يريد بأرشد‪" .‬مما وجدتم عليه آبائكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون" يعني بكل ما أرسل‬
‫به الرسل‪ .‬فالخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم ولفظه لفظ الجمع؛ لن تكذيبه تكذيب لمن سواه‪.‬‬
‫وقرئ "قهل وقال وجئتكهم وجئناكهم" يعنهي أتتبعون آباءكهم ولو جئتكهم بديهن أهدى مهن ديهن آبائكهم ؟‬
‫قالوا‪ :‬إنها ثابتون على ديهن آبائنها ل ننفهك عنهه وإن جئتنها بمها ههو أهدى‪ .‬وقهد مضهى فهي "البقرة"‬
‫القول في التقليد وذمه فل معنى لعادته‪ .‬وقراءة العامة "قل أو لو جئتكم" وقرأ ابن عامر وحفص‬
‫"قال أو لو" على الخبر عن النذير أنه قال لهم هذه المقالة‪ .‬وقرأ أبو جعفر "قل أولو جئناكم" بنون‬
‫وألف؛ على أن المخاطبة من رسول ال صلى ال عليه وسلم عن جميع الرسل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانتقمنا منهم" بالقحط والقتل والسبي "فانظر كيف كان عاقبه المكذبين" آخر أمر‬
‫من كذب الرسل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 26 :‬وإذ قال إبراهيهم لبيهه وقومهه إننهي براء ممها تعبدون‪ ،‬إل الذي فطرنهي فإنهه‬
‫سيهدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال" أي ذكرهم إذ قال‪" .‬إبراهيم لبيه وقومه إنني براء مما تعبدون" البراء‬
‫يستعمل للواحد فما فوقه فل يثنى ول يجمع ول يؤنث؛ لنه مصدر وضع موضع النعت؛ ل يقال‪:‬‬
‫البراءان والبراؤون‪ ،‬لن المعنى ذو البراء وذوو البراء‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وتبرأت من كذا‪ ،‬وأنا منه‬
‫براء‪ ،‬وخلء منهه ل يثنهى ول يجمهع لنهه مصهدر فهي الصهل؛ مثهل‪ :‬سهمع سهماعا‪ .‬فإذا قلت‪ :‬أنها‬
‫بريء منه وخلي ثنيت وجمعت وأنثت‪ ،‬وقلت في الجمع‪ :‬نحن منه براء مثل فقيه وفقهاء‪ ،‬وبراء‬
‫أيضها مثهل كريهم وكرام‪ ،‬وأبراء مثهل شريهف وأشراف‪ ،‬وأبرياء مثهل نصهيب وأنصهباء‪ ،‬وبريئون‪.‬‬
‫وامرأة بريئة بريئتان وهن بريئات وبرايا‪ .‬ورجل بريء وبراء مثل عجيب وعجاب‪.‬‬
‫والبراء (بالفتهح) أول ليلة مهن الشههر‪ ،‬سهميت بذلك لتهبرؤ القمهر مهن الشمهس‪" .‬إل الذي فطرنهي"‬
‫اسهتئناء متصهل‪ ،‬لنههم عبدوا ال مهع آلهتههم‪ .‬قال قتادة‪ :‬كانوا يقولون ال ربنها؛ مهع عبادة الوثان‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون منقطعها؛ أي لكهن الذي فطرنهي فههو يهديهن‪ .‬قال ذلك ثقهة بال وتنبيهها لقومهه أن‬
‫الهداية من ربه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلهها كلمهة باقيهة" الضميهر فهي "جعلهها" عائد على قوله‪" :‬إل الذي فطرنهي"‪.‬‬
‫وضمير الفاعل في "جعلها" ل عز وجل؛ أي وجعل ال هذه الكلمة والمقالة باقية في عقبه‪ ،‬وهم‬
‫ولده وولد ولده؛ أي إنهههم توارثوا البراءة عههن عبادة غيههر ال‪ ،‬وأوصههى بعضهههم بعضهها فههي ذلك‪.‬‬
‫والعقهب مهن يأتهي بعده‪ .‬وقال السهدي‪ :‬ههم آل محمهد صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬قوله‪:‬‬
‫"فهي عقبه" أي فهي خلقه‪ .‬وفهي الكلم تقديهم وتأخيهر؛ المعنهى فإنهه سهيهدين لعلههم يرجعون وجعلهها‬
‫كلمهة باقيهة فهي عقبهه‪ .‬أي قال لههم ذلك لعلههم يتوبون عهن عبادة غيهر ال‪ .‬قال مجاههد وقتادة‪ :‬الكلمهة‬
‫ل إله إل ال‪ .‬قال قتادة‪ :‬ل يزال مهن عقبهه مهن يعبهد ال إلى يوم القيامهة‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬الكلمهة أن‬
‫ل تعبدوا إل ال‪ .‬عكرمهة‪ :‬السهلم؛ لقوله تعالى‪" :‬ههو سهماكم المسهلمين مهن قبهل" [الحهج‪.]78 :‬‬
‫القرظهي‪ :‬وجعهل وصهية إبراهيهم التهي وصهى بهها بنيهه وههو قوله‪" :‬يها بنهي إن ال اصهطفى‪ ،‬لكهم‬
‫الديهن"‪[ .‬البقرة‪ ]132 :‬اليهة المذكورة فهي البقرة ‪ -‬كلمهة باقيهة فهي ذريتهه وبنيهه‪ .‬وقال ابهن زيهد‪:‬‬
‫الكلمهة قوله‪" :‬أسهلمت لرب العالميهن" [البقرة‪ ]131 :‬وقرأ "سهماكم المسهلمين مهن قبهل"‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫الكلمة النبوة‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬ولم تزل النبوة باقية في ذرية إبراهيم‪ .‬والتوحيد هم أصله وغيرهم‬
‫فيه تبع لهم‪.‬‬
‫@ قال ابهن العربهي‪ :‬إنمها كانهت لبراهيهم فهي العقاب موصهولة بالحقاب بدعوتيهه المجابتيهن؛‬
‫إحداهما في قوله‪" :‬إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال ل ينال عهدي الظالمين" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]124‬فقهد قال نعهم إل مهن ظلم منههم فل عههد‪ .‬ثانيهمها قوله‪" :‬واجنبنهي وبنهي أن نعبهد الصهنام"‬
‫[إبراهيم‪ .]35 :‬وقيل‪ :‬بل الولى قوله‪" :‬واجعل لي لسان صدق في الخرين" [الشعراء‪]84 :‬‬
‫فكل أمة تعظمه‪ ،‬بنوه وغيرهم ممن يجتمع معه في سام أو نوح‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬جرى ذكر العقب ها هنا موصول في المعنى‪ ،‬وذلك مما يدخل في الحكام‬
‫وترتب عليه عقود العمرى والتحبيس‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أيما رجل أعمر عمرى له‬
‫واعقبهه فإنهها للذي أعطيهها ل ترجهع إلى الذي أعطاهها لنهه أعطهى عطاء وقعهت فيهه المواريهث)‪.‬‬
‫وهي ترد على أحد عشر لفظا‪ :‬اللفظ الول‪ :‬الولد‪ ،‬وهو عند الطلق عبارة عمن وجد من الرجل‬
‫وامرأته في الناث والذكور‪ .‬وعن ولد الذكور دون الناث لغة وشرعا؛ ولذلك وقع الميراث على‬
‫الولد المعيهن وأولد الذكور مهن المعيهن دون ولد الناث لنهه مهن قوم آخريهن‪ ،‬ولذلك لم يدخلوا فهي‬
‫الحبس بهذا اللفظ‪ ،‬قاله مالك في المجموعة وغيرها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا مذهب مالك وجميع أصحابه المتقدمين‪ ،‬ومن حجتههم على ذلك الجماع على أن ولد‬
‫البنات ل ميراث لهم مع قوله تعالى‪" :‬يوصيكم ال في أولدكم" [النساء‪ .]11 :‬وقد ذهب جماعة‬
‫مهن العلماء إلى أن ولد البنات مهن الولد والعقاب يدخلون فهي الحباس؛ يقول المحبهس‪ :‬حبسهت‬
‫على ولدي أو على عقبي‪ .‬وهذا اختيار أبي عمر بن عبدالبر وغيره؛ واحتجوا بقول ال جل وعز‪:‬‬
‫"حرمهت عليكهم أمهاتكهم وبناتكهم" [النسهاء‪ .]23 :‬قالوا‪ :‬فلمها حرم ال البنات فحرمهت بذلك بنهت‬
‫البنهت بإجماع علم أنهها بنهت ووجهب أن تدخهل فهي حبهس أبيهها إذا حبهس على ولده أوعقبهه‪ .‬وقهد‬
‫مضى هذا المعنى في "النعام" مستوفى‪.‬‬
‫اللفهظ الثانهي‪ :‬البنون؛ فإن قال‪ :‬هذا حبهس عهل ابنهي؛ فل يتعدى الولد المعيهن ول يتعدد‪ .‬ولو قال‬
‫ولدي‪ ،‬لتعدى وتعدد فهي كهل مهن ولد‪ .‬وإن قال على بنهي‪ ،‬دخهل فيهه الذكور والناث‪ .‬قال مالك‪ :‬مهن‬
‫تصدق على بنيه وبني بنيه فإن بناته وبنات بناته يدخلن في ذلك‪ .‬روى عيسى عن ابن القاسم فيمن‬
‫حبس على بناته فإن بنات بنته يدخلن في ذلك مع بنات صلبه‪ .‬والذي عليه جماعة أصحابه أن ولد‬
‫البنات ل يدخلون في البنين‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحسن ابن ابنته (إن‬
‫ابنهي هذا سهيد ولعهل ال أن يصهلح بهه بيهن فئتيهن عظيمتيهن مهن المسهلمين)‪ .‬قلنها‪ :‬هذا مجاز‪ ،‬وإنمها‬
‫أشار بهه إلى تشريفهه وتقديمهه؛ أل ترى أنهه يجوز نفيهه عنهه فيقول الرجهل فهي ولد بنتهه ليهس بابنهي؛‬
‫ولو كان حقيقة ما جاز نفيه عنه؛ لن الحقائق ل تنفى عن منتسباتها‪ .‬أل ترى أنه ينتسب إلى أبيه‬
‫دون أمه؛ ولذلك قيل في عبدال بن عباس‪ :‬إنه هاشمي وليس بهللي وإن كانت أمه هللية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا السهتدلل غيهر صهحيح‪ ،‬بهل ههو ولد على الحقيقهة فهي اللغهة لوجود معنهى الولدة فيهه‪،‬‬
‫ولن أههل العلم قهد أجمعوا على تحريهم بنهت البنهت مهن قول ال تعالى‪" :‬حرمهت عليكهم أمهاتكهم‬
‫وبناتكهم" [النسهاء‪ .]23 :‬وقال تعالى‪" :‬ومهن ذريتهه داود وسهليمان" إلى قوله "مهن الصهالحين"‬
‫[النعام‪ ]85 - 84 :‬فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته على ما تقدم بيانه هناك‪ .‬فإن قيل فقد‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫بنوهن أبناء الرجال الباعد‬ ‫بنونا بنو أبنائنا‪ ،‬وبناتنا‬
‫قيهل لههم‪ :‬هذا ل دليهل فيهه؛ لن معنهى قوله‪ :‬إنمها ههو ولد بنيهه الذكران ههم الذيهن لههم حكهم بنيهه فهي‬
‫الموارثههة والنسههب‪ ،‬وإن ولد بناتههه ليههس لهههم حكههم بناتههه فههي ذلك؛ إذ ينتسههبون إلى غيره فأخههبر‬
‫بافتراقهم بالحكم مع اجتماعهم في التسمية ولم ينف عن ولد البنات اسم الولد لنه ابن؛ وقد يقول‬
‫الرجل في ولده ليس هو بابني إذ ل يطيعني ول يرى لي حقا‪ ،‬ول يريد بذلك نفي اسم الولد عنه‪،‬‬
‫وإنمها يريهد أن ينفهي عنهه حكمهه‪ .‬ومهن اسهتدل بهذا البيهت على أن ولد البنهت ل يسهمى ولدا فقهد أفسهد‬
‫معناه وأبطهل فائدتهه‪ ،‬وتأول على قائله مها ل يصهح‪ ،‬إذ ل يمكهن أن يسهمى ولد البهن فهي اللسهان‬
‫العربي ابنا‪ ،‬ول يسمى ولد البنة ابنا؛ من اجل أن معنى الولدة التي اشتق منها اسم الولد فيه أبين‬
‫وأقوى لن ولد البنههة هههو ولدههها بحقيقههة الولدة‪ ،‬وولد البههن إنمهها هههو ولده بمال ممهها كان سههببا‬
‫للولدة‪ .‬ولم يخرج مالك رحمهه ال أولد البنات مهن حبهس على ولده مهن أجهل أن اسهم الولد غيهر‬
‫واقع عليه عنده في اللسان‪ ،‬وإنما أخرجهم منه قياسا على الموارثة‪ .‬وقد مضى هذا في "النعام"‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫اللفههظ الثالث‪ :‬الذريههة؛ وهههي مأخوذة مههن ذرأ ال الخلق؛ فيدخههل فيههه ولد البنات لقوله‪" :‬ومههن‬
‫ذريته داود وسليمان" إلى أن قال "وزكريا ويحيى وعيسى" [النعام‪ .]85 - 84 :‬وإنما كان من‬
‫ذريتههه مههن قبههل أمههه‪ .‬وقههد مضههى فههي "البقرة" اشتقاق الذريههة وفههي "النعام" الكلم على "ومههن‬
‫ذريته" [النعام‪ ]84 :‬الية؛ فل معنى للعادة‪.‬‬
‫اللفهظ الرابهع‪ :‬العقهب؛ وههو فهي اللغهة عبارة عهن شيهء بعهد شيهء كان مهن جنسهه أو مهن غيهر‬
‫جنسهه؛ يقال‪ :‬أعقهب ال بخيهر؛ أي جاء بعهد الشدة بالرخاء‪ .‬وأعقهب الشيهب السهواد‪ .‬وعقهب يعقهب‬
‫عقوبها وعقبها إذا جاء شيئا بعهد شيهء؛ ولهذا قيهل لولد الرجهل‪ :‬عقبه‪ .‬والمعقاب من النسهاء‪ :‬التهي تلد‬
‫ذكرا بعهد أنثهى‪ ،‬هكذا أبدا وعقهب الرجهل‪ :‬ولده وولد ولده الباقون بعده‪ .‬والعاقبهة الولد؛ قال يعقوب‪:‬‬
‫في القرآن"وجعلها كلمة باقية في عقبه" وقيل‪ :‬بل الورثة كلهم عقب‪ .‬والعاقبة الولد؛ ولذلك فسره‬
‫مجاههد هنها‪ .‬وقال ابهن زيهد‪ :‬هها هنها ههم الذريهة‪ .‬وقال ابهن شهاب‪ :‬ههم الولد وولد الولد‪ .‬وقيهل غيره‬
‫على مها تقدم عهن السهدي‪ .‬وفهي الصهحاح والعقهب (بكسهر القاف) مؤخهر القدم وههي مؤنثهة‪ .‬وعقهب‬
‫الرجههل أيضهها ولده وولد ولده‪ .‬وفيههه لغتان‪ :‬عقههب وعقههب (بالتسههكين) وهههي أيضهها مؤنثههة‪ ،‬عههن‬
‫الخفهش‪ .‬وعقهب الرجهل أيضها ولده وولد ولده‪ .‬وعقهب فلن مكان أبيهه عاقبهة أي خلفهه؛ وههو اسهم‬
‫جاء بمعنهى المصهدر كقوله تعالى‪" :‬ليهس لوقعتهها كاذبهة" [الواقعهة‪ .]2 :‬ول فرق عنهد احهد مهن‬
‫العلماء بيهن لفهظ العقهب والولد فهي المعنهى‪ .‬واختلف فهي الذريهة والنسهل فقيهل انهمها بمنزلة الولد‬
‫والعقب؛ ل يدخل ولد البنات فيهما على مذهب مالك‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم يدخلون فيهما‪ .‬وقد مضى الكلم‬
‫في الذرية هنا وفي "النعام"‪.‬‬
‫اللفهظ الخامهس‪ :‬نسهلي؛ وههو عنهد علمائنها كقول‪ :‬ولدي وولد ولدي؛ فإنهه يدخهل فيهه ولد البنات‪.‬‬
‫ويجهب أن يدخلوا؛ لن نسهل بهه بمعنهى خرج‪ ،‬وولد البنات قهد خرجوا منهه بوجهه‪ ،‬ولم يقترن بهه مها‬
‫يخصهه كمها أقترن بقول عقهبي مها تناسهلوا‪ .‬وقال بعهض علمائنها‪ :‬إن النسهل بمنزلة الولد والعقهب ل‬
‫يدخهل فيهه والد البنات؛ إل أن يقول المحبهس نسهلي ونسهل نسهلي‪ ،‬كمها إذا قال‪ :‬عقهبي وعقهب عقهبي‪،‬‬
‫وأما إذا قال ولدي أوعقبي مفردا فل يدخل فيه البنات‪.‬‬
‫اللفظ السادس‪ :‬الل؛ وهم الهل؛ وهو اللفظ السابع‪ .‬قال ابن القاسهم‪ :‬هما سواء‪ ،‬وهم العصبة‬
‫والخوة والبنات والعمات؛ ول يدخهل فيهه الخالت‪ .‬وأصهل أههل الجتماع يقال‪ :‬مكان أههل إذا كان‬
‫فيه جماعة‪ ،‬وذلك بالعصبة ومن دخل في القعدد من النساء والعصبة مشتقة منه وهي أخصى به‪.‬‬
‫وفهي حديهث الفهك‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬أهلك ! ول نعلم إل خيرا؛ يعنهي عائشهة‪ .‬ولكهن ل تدخهل فيهه‬
‫الزوجة بإجماع وإن كانت أصل التأهل؛ لن ثبوتها ليس بيقين إذ قد يتبدل ربطها وينحل بالطلق‪.‬‬
‫وقد‪ .‬قال مالك‪ :‬آل محمد كل تقي؛ وليس من هذا الباب‪ .‬وإنما أراد أن اليمان أخصى من القرابة‬
‫فاشتملت عليه الدعوة وقصد بالرحمة‪ .‬وقد قال أبو إسحاق التونسي‪ :‬يدخل في لهل كل من كان‬
‫مهن جههة البويهن‪ ،‬فوفهى الشتقاق حقهه وغفهل عهن العرف ومطلق السهتعمال‪ .‬وهذه المعانهي إنمها‬
‫تبغى على الحقيقة أو على العرف المستعمل عند الطلق‪ ،‬فهذان لفظان‪.‬‬
‫اللفههظ الثامههن‪ :‬قرابههة‪ ،‬فيههه أربعههة أقوال‪ :‬الول‪ :‬قال مالك فههي كتاب محمههد بههن عبدوس‪ :‬إنهههم‬
‫القرب فالقرب بالجتهاد؛ ول يدخهل فيهه ولد البنات ول ولد الخالت‪ .‬الثانهي‪ :‬يدخهل فيهه أقاربهه‬
‫من قبل أبيه وأمه؛ قال علي بن زياد‪ .‬الثالث‪ :‬قال أشهب‪ :‬يدخل فيه كل رحم من الرجال والنساء‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قال ابن كنانة‪ :‬يدخل فيه العمام والعمات والخوال والخالت وبنات الخت‪ .‬وقد قال ابن‬
‫عباس فهي تفسهير قوله تعالى‪" :‬قهل ل أسهألكم عليهه أجرا إل المودة فهي القربهى" [الشورى‪]23 :‬‬
‫قال‪ :‬إل أن تصهلوا قرابهة مها بينهي وبينكهم‪ .‬وقال‪ :‬لم يكهن بطهن مهن قريهش إل كان بينهه وبيهن النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قرابة؛ فهذا يضبطه وال أعلم‪.‬‬
‫اللفهظ التاسهع‪ :‬العشيرة؛ ويضبطهه الحديهث الصهحيح‪ :‬إن ال تعالى لمها أنزل‪" :‬وأنذر عشيرتهك‬
‫القربيهن" [الشعراء‪ ]214 :‬دعها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بطون قريهش وسهماهم ‪ -‬كمها تقدم‬
‫ذكره ‪ -‬وهم العشيرة القربون؛ وسواهم عشيرة فهي الطلق‪ .‬واللفظ يحمل على الخص القرب‬
‫بالجتهاد‪ ،‬كما تقدم من قول علمائنا‪.‬‬
‫اللفهظ العاشهر‪ :‬القوم؛ يحمهل ذلك على الرجال خاصهة مهن العصهبة دون النسهاء‪ .‬والقول يشمهل‬
‫الرجال والنساء؛ وإن كان الشاعر قد قال‪:‬‬
‫أقوم آل حصن أم نساء‬ ‫وما أدري وسوف إخال أدري‬
‫ولكنهه أراد أن الرجهل إذا دعها قومهه للنصهرة عنهى الرجال‪ ،‬وإذا دعاههم للحرمهة دخهل فيههم الرجال‬
‫والنساء؛ فتعممه الصفة وتخصصه القرينة‪.‬‬
‫اللفظ الحادي عشر‪ :‬الموالي؛ قال مالك‪ :‬يدخل فيه موالي أبيه وابنه مع مواليه‪ .‬وقال ابن وهب‪:‬‬
‫يدخل فيه أولد مواليه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والذي يتحصل منه أنه يدخل فيه من يرثه بالولء؛ قال‪:‬‬
‫وهذه فصهول الكلم وأصهول المرتبطهة بظاههر القرآن والسهنة المبينهة له؛ والتفريهع والتتميهم فهي‬
‫كتاب المسائل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 - 29 :‬بل متعت هؤلء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين‪ ،‬ولما جاءهم‬
‫الحهق قالوا هذا سهحر وإنها بهه كافرون‪ ،‬وقالوا لول نزل هذا القرآن على رجهل مهن القريتيهن عظيهم‪،‬‬
‫أههم يقسهمون رحمهة ربهك نحهن قسهمنا بينههم معيشتههم فهي الحياة الدنيها ورفعنها بعضههم فوق بعهض‬
‫درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بهل متعهت" وقرئ "بهل متعنها"‪" .‬هؤلء وآبائههم" أي فهي الدنيها بالمهال‪" .‬حتهى‬
‫جاءهم الحق" أي محمد صلى ال عليه وسلم بالتوحيد والسلم الذي هو اصل دين إبراهيم؛ وهو‬
‫الكلمهة التهي بقاهها ال فهي عقبهه‪" .‬ورسهول مهبين" أي يهبين لههم مها بههم إليهه حاجهة‪" .‬ولمها جاءههم‬
‫الحهق" يعنهي القرآن‪" .‬قالوا هذا سهحر وإنها بهه كافرون" جاحدون‪" .‬وقالوا لول نزل" أي هل نزل‬
‫"هذا القرآن على رجل" وقرئ "على رجل" بسكون الجيم‪" .‬من القريتين عظيم" أي من إحدى‬
‫القريتين؛ كقوله تعالى‪" :‬يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" [الرحمن‪ ]22 :‬أي من أحدهما‪ .‬أو على‬
‫أحهد رجليهن مهن القريتيهن‪ .‬القريتان‪ :‬مكهة والطائف‪ .‬والرجلن‪ :‬الوليهد بهن المغيرة بهن عبدال بهن‬
‫عمر بن مخزوم عم أبي جهل‪ .‬والذي من الطائف أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي؛ قاله قتادة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬عمير بن عبد ياليل الثقفي من الطائف‪ ،‬وعتبة بن ربيعة من مكة؛ وهو قول مجاهد‪ .‬وعن‬
‫ابن عباس‪ :‬أن عظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي‪ .‬وقال السدي‪ :‬كنانة بن عبد بن عمرو‪ .‬روي‬
‫أن الوليد بن المغيرة ‪ -‬وكان يسمى ريحانة قريش كان يقول‪ :‬لو كان ما يقول محمد حقا لنزل علي‬
‫أو على أبهي مسهعود؛ فقال ال تعالى‪" :‬أههم يقسهمون رحمهة ربهك" يعنهي النبوة فيضعونهها حيهث‬
‫شاؤوا‪" .‬نحن قسمنا ببنهم معيشتهم في الحياة الدنيا" أي أفقرنا قوما وأغنينا قوما؛ فإذا لم يكن أمر‬
‫الدنيها إليههم فكيهف يفوض أمهر النبوة إليههم‪ .‬قال قتادة‪ :‬تلقاه ضعيهف القوة قليهل الحيلة عيهي اللسهان‬
‫وههو مبسهوط له‪ ،‬ونلقاه شديهد الحيلة بسهيط اللسهان وههو مقتهر عليهه‪ .‬وقرأ ابهن عباس ومجاههد وابهن‬
‫محيصن في رواية عنه "معايشهم"‪ .‬وقيل‪ :‬أي نحن أعطينا عظيم القريتين ما أعطينا ل لكرامتهما‬
‫علي وأنهها قادر على نزع النعمههة عنهمهها؛ فأي فضههل وقدر لهمهها‪" .‬ورفعنهها بعضهههم فوق بعههض‬
‫درجات" أي فاضلنها بينههم فمهن فاضهل ومفضول ورئيهس ومرؤوس؛ قال مقاتهل‪ .‬وقيهل‪ :‬بالحريهة‬
‫والرق؛ فبعضهم مالك وبعضهم مملوك‪ .‬وقيل‪ :‬بالغنى والفقر؛ فبعضهم غني وبعضهم فقير‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪" .‬ليتخذ بعضهم بعضا سخريا" قال السدي وابن زيد‪ :‬خول‬
‫وخداما‪ ،‬يسخر الغنياء الفقراء فيكون به بعضهم سببا لمعاش بعض‪ .‬وقال قتادة والضحاك‪ :‬يعني‬
‫ليملك بعضهم بعضا‪ .‬وقيل‪ :‬هو من السخرية التي بمعنى الستهزاء؛ أي ليستهزئ الغني بالفقير‪.‬‬
‫قال الخفش‪ :‬سخرت به وسخرت منه‪ ،‬وضحكت منه وضحكت به‪ ،‬وهزئت منه وبه؛ كل يقال‪،‬‬
‫والسهم السهخرية (بالضهم)‪ .‬والسهخري والسهخري (بالضهم والكسهر)‪ .‬وكهل الناس ضموا "سهخريا"‬
‫إل ابهن محيصهن ومجاههد فإنهمها قرآ "سهخريا" "ورحمهة ربهك خيهر ممها يجمعون" أي أفضهل ممها‬
‫يجمعون من الدنيا‪ .‬ثم قيل‪ :‬الرحمة النبوة‪ ،‬وقيل الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬تمام الفرائض خير مم كثير النوافل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه من أعمالهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 33 :‬ولول أن يكون الناس أمهة واحدة لجعلنها لمهن يكفهر بالرحمهن لبيوتههم سهقفا مهن‬
‫فضة ومعارج عليها يظهرون}‬
‫@ قال العلماء‪ :‬ذكهر حقارة الدنيها وقلة خطرهها‪ ،‬وأنهها عنده مهن الهوان بحيهث كان يجعهل بيوت‬
‫الكفرة ودرجها ذهبا وفضة لول غلبة حب الدنيا على القلوب؛ فيحمل ذلك على الكفر‪ .‬قال الحسن‪:‬‬
‫المعنهى لول أن يكفهر الناس جميعها بسهبب ميلههم إلى الدنيها وتركههم الخرة لعطيناههم فهي الدنيها مها‬
‫وصهفناه؛ لهوان الدنيها عنهد ال عهز وجهل‪ .‬وعلى هذا أكثهر المفسهرين ابهن عباس والسهدي وغيرههم‪.‬‬
‫وقال ابن زيد‪" :‬ولول أن يكون الناس أمة واحدة" في طلب الدنيا واختيارها على الخرة "لجعلنا‬
‫لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة"‪ .‬وقال الكسائي‪ :‬المعنى لول أن يكون في الكفار غني‬
‫وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها‪.‬‬
‫@ قرأ ابهن كثيهر وأبهو عمرو "سهقفا" بفتهح السهين وإسهكان القاف على الواحهد ومعناه الجمهع؛‬
‫اعتبارا بقوله تعالى‪" :‬فخهر عليههم السهقف مهن فوقههم" [النحهل‪ .]26 :‬وقرأ الباقون بضهم السهين‬
‫والقاف على الجمع؛ مثل رهن ورهن‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬ول ثالث لهما‪ .‬وقيل‪ :‬هو جمع سقيف؛ مثل‬
‫كثيهب وكثهب‪ ،‬ورغيهف ورغهف؛ قاله الفراء‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو جمهع سهقوف؛ فيصهير جمهع الجمهع‪ :‬سهقف‬
‫وسقوف‪ ،‬نحو فلس وفلوس‪ .‬ثم جعلوا فعول كأنه اسم واحد فجمعوه على فعل‪ .‬وروي عن مجاهد‬
‫"سهقفا" بإسهكان القاف‪ .‬وقيهل‪ :‬اللم فهي "لبيوتههم" بمعنهى على؛ أي على بيوتههم‪ .‬وقيهل‪ :‬بدل؛ كمها‬
‫تقول‪ :‬فعلت هذا لزيهد لكرامتهه؛ قال ال تعالى‪" :‬ولبويهه لكهل واحهد منهمها السهدس" [النسهاء‪]11 :‬‬
‫كذلك قال هنا‪" :‬لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومعارج" يعنهي الدرج؛ قال ابهن عباس وههو قول الجمهور‪ .‬واحدهها معراج‪،‬‬
‫والمعراج السههلم؛ ومنههه ليلة المعراج‪ .‬والجمههع معارج ومعاريههج؛ مثههل مفاتههح ومفاتيههح؛ لغتان‪.‬‬
‫"ومعاريج" قرأ أبو رجاء العطاردي وطلحة بن مصرف؛ وهي المراقي والسلليم‪ .‬قال الخفش‪:‬‬
‫إن شئت جعلت الواحههد معرج ومعرج؛ مثههل مرقاة ومرقاة‪" .‬عليههها يظهرون" أي على المعارج‬
‫يرتقون ويصهعدون؛ يقال‪ :‬ظهرت على البيهت أي علوت سهطحه‪ .‬وهذا لن مهن عل شيئا وارتفهع‬
‫عليه ظهر للناظرين‪ .‬ويقال‪ :‬ظهرت على الشيء أي علمته‪ .‬وظهرت على العدو أي غلبته‪.‬‬
‫وأنشد نابغة بني جعدة رسول ال صلى ال عليه وسلم قوله‪:‬‬
‫وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا‬ ‫علونا السماء عزة ومهابة‬
‫أي مصعدا؛ فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪[ :‬إلى أين] ؟ قال إلى الجنة؛ قال‪[ :‬أجل‬
‫إن شاء ال]‪ .‬قال الحسن‪ :‬وال لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك ! فكيف لو فعل ؟!‬
‫@ اسهتدل بعهض العلماء بهذه اليهة على أن السهقف ل حهق فيهه لرب العلو؛ لن ال تعالى جعهل‬
‫السقوف للبيوت كما جعل البواب لها‪ .‬وهذا مذهب مالك رحمه ال‪.‬‬
‫قال ابن العربي‪ :‬وذلك لن البيت عبارة عن قاعة وجدار وسقف وباب‪ ،‬فمن له البيت فله أركانه‪.‬‬
‫ول خلف أن العلول إلى السماء‪ .‬واختلفوا في السفل؛ فمنهم من قال هو له‪ ،‬ومنهم من قال ليس له‬
‫في باطن الرض شيء‪ .‬وفي مذهبنا القولن‪.‬‬
‫وقد بين حديث السرائيلي الصحيح فيما تقدم‪ :‬أن رجل باع من رجل دارا فبناها فوجد فيها جرة‬
‫مهن ذههب‪ ،‬فجاء بهها إلى البائع فقال‪ :‬إنمها اشتريهت الدار دون الجرة‪ ،‬وقال البائع‪ :‬إنمها بعهت الدار‬
‫بمها فيهها؛ وكلههم تدافعهها فقضهى بينههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أن يزوج أحدهمها ولده مهن بنهت‬
‫الخههر ويكون المال لهمهها‪ .‬والصههحيح أن العلو والسههفل له إل أن يخرج عنهمهها بالبيههع؛ فإذا باع‬
‫أحدهما أحد الموضعين فله منه ما ينتفع به وباقيه للمبتاع منه‪.‬‬
‫@ من أحكام العلو والسفل‪ .‬إذا كان العلو والسفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه؛‬
‫فذكر سحنون عن أشهب أنه قال‪ :‬إذا أراد صاحب السفل أن يهدم‪ ،‬أو أراد صاحب العلو أن يبني‬
‫علوه فليهس لصهاحب السهفل أن يهدم إل مهن ضرورة‪ ،‬ويكون هدمهه له أرفهق لصهاحب العلو؛ لئل‬
‫ينهدم بانهدامه العلو‪ ،‬وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئا لم يكن قبل ذلك إل الشيء الخفيف‬
‫الذي ل يضر بصاحب السفل‪ .‬ولو انكسرت خشبة من سقف العلو لدخل مكانها خشبة ما لم تكن‬
‫أثقل منها ويخاف ضررها على صاحب السفل‪ .‬قال أشهب‪ :‬وباب الدار على صاحب السفل‪ .‬قال‪:‬‬
‫ولو أنهدم السههفل أجههبر صههاحبه على بنائه‪ ،‬وليههس على صههاحب العلو أن يبنههي السههفل؛ فإن أبههى‬
‫صاحب السفل من البناء قيل له بع ممن يبني‪ .‬وروى ابن القاسم عن مالك في السفل لرجل والعلو‬
‫لخهر فأعتهل السهفل‪ ،‬فإن صهلحه على رب السهفل وعليه تعليهق العلو حتهى يصهلع سهفله؛ لن عليهه‬
‫إما أن يحمله على بنيان أو على تعليق‪ ،‬وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو الثاني على صاحب‬
‫الوسهط‪ .‬وقهد قيهل‪ :‬إن تعليهق العلو الثانهي على رب العلو حتهى يبنهي السهفل‪ .‬وحديهث النعمان بهن‬
‫بشيههر عههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم قال‪[ :‬مثههل القائم على حدود ال والواقههع فيههها كمثههل قوم‬
‫استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من‬
‫الماء مروا على من فوقهم فقالوا لوأنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما‬
‫أرادوا هلكوا جميعها وإن أخذوا على أيديههم نجوا ونجوا جميعها] ‪ -‬أصهل فهي هذا الباب‪ .‬وههو حجهة‬
‫لمالك وأشهب‪ .‬وفيه دليل على أن صاحب السفل ليس له أن يحدث على صاحب العلو ما يضربه‪،‬‬
‫وأنههه إن أحدث عليههه ضررا لزمههه إصههلحه دون صههاحب العلو‪ ،‬وأن لصههاحب العلو منعههه مههن‬
‫الضرر؛ لقوله عليهه السهلم‪[ :‬فإن أخذوا على أيديههم نجوا ونجوا جميعها] ول يجوز الخهذ إل على‬
‫يد الظالم أو من هو ممنوع من إحداث ما ل يجوز له في السنة‪ .‬وفيه دليل على استحقاق العقوبة‬
‫بترك المههر بالمعروف والنهههي عههن المنكههر؛ وقههد مضههى فههي "النفال"‪ .‬وفيههه دليههل على جواز‬
‫القرعة واستعمالها‪ ،‬وقد مضى في "آل عمران" فتأمل كل في موضعه تجده مبينا‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 34 :‬ولبيوتههم أبوابها وسهررا عليهها يتكئون‪ ،‬وزخرفها وإن كهل ذلك لمها متاع الحياة‬
‫الدنيا والخرة عند ربك للمتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولبيوتهم أبوابا وسررا" "ولبيوتهم أبوابا" أي ولجعلنا لبيوتهم‪ .‬وقيل‪" :‬لبيوتهم"‬
‫بدل اشتمال من قوله‪" :‬لمن يكفر بالرحمن"‪" .‬أبوابا" أي من فضة‪.‬‬
‫"وسهررا" كذلك؛ وههو جمهع السهرير‪ .‬وقيهل‪ :‬جمهع السهرة‪ ،‬والسهرة جمهع السهرير؛ فيكون جمهع‬
‫الجمع‪" .‬عليها يتكئون" التكاء والتوكؤ‪ :‬التحامل على الشيء؛ ومنه‪" ،‬أتوكأ عليها"‪ .‬ورجل تكأة؛‬
‫مثال همزة؛ كثيهر التكاء‪ .‬والتكأة أيضها‪ :‬مها يتكهأ عليهه‪ .‬وأتكهأ على الشيهء فههو متكهئ؛ والموضهع‬
‫متكأ‪ .‬وطعنه حتى أتكأه (على أفعله) أي ألقاه على هيئة المتكئ‪ .‬وتوكأت على العصا‪ .‬وأصل التاء‬
‫في جميع ذلك واو‪ ،‬ففعل به ما فعل باتزن واتعد‪" .‬وزخرفا" الزخرف هنا الذهب؛ عن ابن عباس‬
‫وغيره‪ .‬نظيره‪" :‬أو يكون لك بيهت من زخرف" [السهراء‪ ]93 :‬وقد تقدم‪ .‬وقال ابهن زيد‪ :‬هو ما‬
‫يتخذه الناس فههي منازلهههم مههن المتعههة والثاث‪ .‬وقال الحسههن‪ :‬النقوش؛ وأصههله الزينههة‪ .‬يقال‪:‬‬
‫زخرفهت الدار؛ أي زينتهها‪ .‬وتزخرف فلن؛ أي تزبهن‪ .‬واتصهب "زخرفها" على معنهى وجعلنها لههم‬
‫مهع ذلك زخرفها‪ .‬وقيهل‪ :‬ينزع الخافهض؛ والمعنهى فجعلنها لههم سهقفا وأبوابها وسهررا مهن فضهة ومهن‬
‫ذهب؛ فلما حذف "من" قال‪" :‬وزخرفا" فنصب‪" .‬وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا" قرأ عاصم‬
‫وحمزة وهشام عهن ابهن عامهر "وإن كهل ذلك لمها متاع الحياة الدنيها" بالتشديهد‪ .‬الباقون بالتخفيهف؛‬
‫وقهد ذكهر هذا‪ .‬وروي عهن أبهي رجاء كسهر اللم مهن "لمها"؛ فهه "مها" عنده بمنزلة الذي‪ ،‬والعائد‬
‫عليها محذوف؛ والتقدير‪ :‬وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا‪ ،‬وحذف الضمير ها هنا كحذفه‬
‫في قراءة من قرأ "مثل ما بعوضة فما فوقها" [البقرة‪ ]26 :‬و"تماما على الذي أحسن" [النعام‪:‬‬
‫‪ .]154‬أبو الفتح‪ :‬ينبغي أن يكون "كل" على هذه القراءة منصوبة؛ لن "إن" مخففة من الثقيلة‪،‬‬
‫وهي إذا خففت وبطل عملها لزمتها اللم في آخر الكلم للفرق بينها وبين "إن" النافية التي بمعنى‬
‫ما؛ نحو إن زيد لقائم‪ ،‬ول لم هنا سوى الجارة‪" .‬والخرة عند ربك للمتقين" يريد الجنة لمن اتقى‬
‫وخاف‪ .‬وقال كعههب‪ :‬إنههي لجههد فههي بعههض كتههب ال المنزلة‪ :‬لول أن يحزن عبدي المؤمههن لكللت‬
‫رأس عبدي الكافهر بالكليهل‪ ،‬ول يتصهدع ول ينبهض منهه عرق بوجهع‪ .‬وفهي صهحيح الترمذي عهن‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر]‪.‬‬
‫وعهن سههل بهن سهعد قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬لو كانهت الدنيها تعدل عنهد ال‬
‫جناح بعوضهة مها سهقى كافرا منهها شربهة ماء)‪ .‬وفهي الباب عهن أبهي هريرة‪ ،‬وقال‪ :‬حديهث حسهن‬
‫غريب‪ .‬وأنشدوا‪:‬‬
‫إذاً لم يكن فيها معاش لظالم‬ ‫فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن‬
‫وقد شبعت فيها بطون البهائم‬ ‫لقد جاع فيها النبياء كرامة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فإنك فيها بين ناه وآمر‬ ‫تمتع من اليام إن كنت حازما‬
‫فما فاته منها فليس بضائر‬ ‫إذا أبقت الدنيا على المرء دينه‬
‫ول وزن َرقّ من جناح لطائر‬ ‫فل تزن الدنيا جناح بعوضة‬
‫ول رضي الدنيا عقابا لكافر‬ ‫فلم يرض بالدنيا ثوابا لمحسن‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 38 - 36 :‬ومهن يعهش عهن ذكهر الرحمهن نقيهض له شيطانها فههو له قريهن‪ ،‬وإنههم‬
‫ليصههدونهم عههن السههبيل ويحسههبون أنهههم مهتدون‪ ،‬حتههى إذا جاءنهها قال يهها ليههت بينههي وبينههك بعههد‬
‫المشرقين فبئس القرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومهن يعهش عهن ذكهر الرحمهن نقيهض له شيطانها فههو له قريهن" وقرأ ابهن عباس‬
‫وعكرمهة "ومهن يعهش" بفتهح الشيهن‪ ،‬ومعناه يعمهى؛ يقال منهه عشهي يعشهى عشها إذا عمهي‪ .‬ورجهل‬
‫أعشى وامرأة عشواء إذا كان ل يبصر؛ ومنه قول العشى‪:‬‬
‫هن مختلفَ الخلق أعشى ضريرا‬ ‫رأت رجل غائب الوافدَيه‬
‫وقوله‪:‬‬
‫خبِلُ‬
‫ريب المنون ودهر مفند َ‬ ‫أن رأت رجل أعشى أضر به‬
‫الباقون بالضهم؛ مهن عشها يعشهو إذا لحقهه مها لحهق العشهى‪ .‬وقال الخليهل‪ :‬العشهو ههو النظهر ببصهر‬
‫ضعيف؛ وأنشد‪:‬‬
‫تجد خير نار عندها خير موقد‬ ‫متى تأته تعشو إلى ضوء ناره‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إذا الريح هبت والمكان جديب‬ ‫لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره‬
‫الجوهري‪ :‬والعشا (مقصور) مصدر العشى وهو الذي ل يبصر بالليل ويبصر بالنهار‪ .‬والمرأة‬
‫عشواء‪ ،‬وامرأتان عشواوان‪ .‬وأعشاه ال فعشهي (بالكسهر) يعشهى عشهي‪ ،‬وهمها يعشيان‪ ،‬ولم يقولوا‬
‫يعشوان؛ لن الواو لمهها صههارت فههي الواحههد ياء لكسههرة مهها قبلههها تركههت فههي التثنيههة على حالههها‪.‬‬
‫وتعاشههى إذا أرى مههن نفسههه أنههه أعشههى‪ .‬والنسههبة إلى أعشههى أعشوي‪ .‬وإلى العشيههة عشوى‪.‬‬
‫والعشواء‪ :‬الناقة التي ل تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء‪ .‬وركب فلن العشواء إذا خبط‬
‫أمره على غير بصيرة‪ .‬وفلن خابط خبط عشواء‪.‬‬
‫وهذه اليههة تتصههل بقول أول السههورة‪" :‬أفنضرب عنكههم الذكههر صههفحا" [الزخرف‪ ]5 :‬أي‬
‫نواصهل لكهم الذكهر؛ فمهن يعهش عهن ذلك الذكهر بالعراض عنهه إلى أقاويهل المضليهن وأباطيلههم‬
‫"نقيض له شيطانا" أي نسبب له شيطانا جزاء له على كفره "فهو له قرين" قيل في الدنيا‪ ،‬يمنعه‬
‫يمنعهه مهن الحلل‪ ،‬ويبعثهه على الحرام‪ ،‬وينهاه عهن الطاعهة‪ ،‬ويأمره بالمعصهية؛ وههو معنهى قول‬
‫ابن عباس‪ .‬وقيل في الخرة إذا قام من قبره؛ قال سعيد الجريري‪ .‬وفي الخبر‪ :‬أن الكافر إذا خرج‬
‫من قبره يشفع بشيطان ل يزال معه حتى يدخل النار‪ .‬وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي ال بين‬
‫خلقهه؛ ذكره المهدوي‪ .‬وقال القشيري‪ :‬والصهحيح فههو له قريهن فهي الدنيها والخرة‪ .‬وقال أبهو الهيثهم‬
‫والزهري‪ :‬عشوت إلى كذا أي قصهدته‪ .‬وعشوت عهن كذا أي أعرضهت عنهه‪ ،‬فتفرق بيهن "إلى"‬
‫و"عهن"؛ مثهل‪ :‬ملت إليهه وملت عنهه‪ .‬وكذا قال قتادة‪ :‬يعهش‪ ،‬يعرض؛ وههو قول الفراء‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫وهههو غيههر معروف فههي اللغههة‪ .‬وقال القرظههي‪ :‬يولي ظهره؛ والمعنههى واحههد‪ .‬وقال أبههو عههبيدة‬
‫والخفههش‪ :‬تظلم عينههه‪ .‬وأنكههر العتههبي عشوت بمعنههى أعرضههت؛ قال‪ :‬وإنمهها الصههواب تعاشيههت‪.‬‬
‫والقول قول أبي الهيثم والزهري‪ .‬وكذلك قال جميع أهل المعرفة‪ .‬وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق‬
‫ويعقوب وعصمة عن عاصم وعن العمش "يقيض" (بالياء) لذكر "الرحمن" أول؛ أي يقيض له‬
‫الرحمههن شيطانهها‪ .‬الباقون بالنون‪ .‬وعههن ابههن عباس "يقيههض له شيطان فهههو له قريههن" أي ملزم‬
‫ومصهاحب‪ .‬قيهل‪" :‬فههو" كنايهة عهن الشيطان؛ على مها تقدم‪ .‬وقيهل عهن العراض عهن القرآن؛ أي‬
‫هو قرين للشيطان‪" .‬وإنهم ليصدونهم عن السبيل" أي وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى؛‬
‫وذكهر بلفهظ الجمهع لن "مهن" فهي قوله‪" :‬ومهن يعهش" فهي معنهى الجمهع‪" .‬ويحسهبون" أي ويحسهب‬
‫الكفار "أنهم مهتدون" وقيل‪ :‬ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتهى إذا جاءنها" على التوحيهد قرأ أبهو عمرو وحمزة والكسهائي وحفهص يعنهي‬
‫الكافر يوم القيامة‪ .‬الباقون "جاءانا" على التثنية‪ ،‬يعني الكافر وقرينه وقد جعل في سلسلة واحدة؛‬
‫فيقول الكافهر‪" :‬يها ليهت بينهي وبينهك بعهد المشرقيهن" أي مشرق الشتاء ومشرق الصهيف‪ ،‬كمها قال‬
‫تعالى‪" :‬رب المشرقين ورب المغربين" [الرحمن‪ ]17 :‬ونحوه قول مقاتل‪ .‬وقراءة التوحيد وإن‬
‫كان ظاهرها الفراد فالمعنى لهما جميعا؛ لنه قد عرف ذلك بما بعده؛ كما قال‪:‬‬
‫شقت مآقيهما من أخر‬ ‫وعين لها حدرة بدرة‬
‫قال مقاتهل‪ :‬يتمنهى الكافهر أن بينهمها بعهد المشرق أطول يوم فهي السهنة إلى مشرق أقصهر يوم فهي‬
‫السهنة‪ ،‬ولذلك قال‪" :‬بعهد المشرقيهن"‪ .‬وقال الفراء‪ :‬أراد المشرق والمغرب فغلب اسهم أحدهما‪ ،‬كما‬
‫يقال‪ :‬القمران للشمههس والقمههر‪ ،‬والعمران لبههي بكههر وعمههر‪ ،‬والبصههرتان للكوفههة والبصههرة‪،‬‬
‫والعصران للغداة والعصر‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫لنا قمراها والنجوم الطوالع‬ ‫أخذنا بآفاق السماء عليكم‬
‫وأنشد أبو عبيدة لجرير‪:‬‬
‫والعمران أبو بكر ول عمر‬ ‫ما كان يرضى رسول ال فعلهم‬
‫وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫قَدْنيَ من نصر الخُهبَيبين َقدِي‬
‫يريهد عبدال ومصهعبا ابنهي الزبيهر‪،‬وإنمها أبهو خهبيب عبدال‪" .‬فبئس القريهن" أي فبئس الصهاحب‬
‫أنهت؛ لنهه يورده إلى النار‪ .‬قال أبهو سهعيد الخدري‪ :‬إذا بعهث الكافهر زوج بقرينهه مهن الشياطيهن فل‬
‫يفارقه حتى يصير به إلى النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم" "إذ" بدل من اليوم؛ أي يقول ال للكافر‪ :‬لن ينفعكم‬
‫اليوم إذ أشركتم في الدنيا هذا الكلم؛ وهو قول الكافر‪" :‬يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين" أي ل‬
‫تنفهع الندامهة اليوم "إنكهم" بالكسهر "فهي العذاب مشتركون" وههي قراءة ابهن عامهر باختلف عنهه‪.‬‬
‫الباقون بالفتهح‪ .‬وههي فهي موضهع رفهع تقديره‪ :‬ولن ينفعكهم اليوم اشتراككهم فهي العذاب؛ لن لكهل‬
‫واحهد نصهيبه الوفهر منهه‪ .‬أعلم ال تعالى أنهه منهع أههل النار التأسهي كمها يتأسهى أههل المصهائب فهي‬
‫الدنيها‪ ،‬وذلك أن التأسهي يسهتروحه أههل الدنيها فيقول أحدههم‪ :‬لي فهي البلء والمصهيبة أسهوة؛ فيسهكن‬
‫ذلك من حزنه؛ كما قالت الخنساء‪:‬‬
‫على إخوانهم لقتلت نفسي‬ ‫فلول كثرة الباكين حولي‬
‫أعزي النفس عنه بالتأسي‬ ‫وما يبكون مثل أخي ولكن‬
‫فإذا كان فههي الخرة لم ينفعهههم التأسههي‪ ،‬شيئا لشغلهههم بالعذاب‪ .‬وقال مقاتههل‪ :‬لن ينفعكههم العتذار‬
‫والندم اليوم؛ لن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلل مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفأنهت تسهمع الصهم أو تهدي العمهي" يها محمهد "ومهن كان فهي ضلل مهبين" أي‬
‫ليهس لك ذلك فل يضيهق صهدرك إن كفروا؛ ففيهه تسهلية للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وفيهه رد على‬
‫القدريهة وغيرههم‪ ،‬وأن الهدى والرشهد والخذلن فهي القلب خلق ال تعالى‪ ،‬يضهل مهن يشاء ويهدي‬
‫من يشاء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليههة‪{ 41 :‬فإمهها نذهبههن بههك فإنهها منهههم منتقمون‪ ،‬أو نرينههك الذي وعدناهههم فإنهها عليهههم‬
‫مقتدرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإما نذهبن بك" يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش‪" .‬فإنا منهم منتقمون‪ .‬أو‬
‫نريك الذي وعدناهم" وهو النتقام منهم في حياتك‪" .‬فإنا عليهم مقتدرون" قال ابن عباس‪ :‬قد أراه‬
‫ال ذلك يوم بدر؛ وهو قول أكثر المفسرين‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة‪ :‬هي في أهل السلم؛ يريد ما كان بعد النبي صلى ال عليه وسلم من الفتن‪.‬‬
‫و"نذهبن بك" على هذا نتوفينك‪ .‬وقد كان بعد النبي صلى ال عليه وسلم نقمة شديدة فأكرم ال نبيه‬
‫صلى ال عليه وسلم وذهب به فلم يره في أمته إل التي تقر به عينه وأبقى النقمة بعده‪ ،‬وليس من‬
‫نبي إل وقد أري النقمة في أمته‪ .‬وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم أري ما لقيت أمته من بعده‪،‬‬
‫فما زال منقبضا‪ ،‬ما انبسط ضاحكا حتى لقي‪ ،‬ال عز وجل‪ .‬وعن ابن مسعود‪ :‬أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬إذا أراد ال بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعاه لها فرطا وسلفا‪ .‬وإذا أراد ال بأمة‬
‫عذابا عذبها ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوا أمره)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 43 :‬فاسهتمسك بالذي أوحهي إليهك إنهك على صهراط مسهتقيم‪ ،‬وإنهه لذكهر لك ولقومهك‬
‫وسوف تسألون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاستمسك بالذي أوحي إليك" يريد القرآن‪ ،‬يريد القرآن‪ ،‬وإن كذب به من كذب؛ فه‬
‫"إنك على صراط مستقيم" يوصلك إلى ال ورضاه وثوابه‪" .‬وإنه لذكر لك ولقومك" يعني القرآن‬
‫شرف لك ولقومك من قريش‪ ،‬إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم؛ نظيره‪" :‬لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه‬
‫ذكركم" [النبياء‪ ]10 :‬أي شرفكم‪ .‬فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب؛ فاحتاج أهل اللغات‬
‫كلهها إلى لسهانهم كهل مهن آمهن بذك فصهاروا عيال عليههم؛ لن أههل كهل لغهة احتاجوا إلى أن يأخذوه‬
‫مهن لغتههم حتهى يقفوا على المعنهى الذي عنهى بهه مهن المهر‪ .‬والنههي وجميهع مها فيهه مهن النباء‪،‬‬
‫فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بيان لك ولمتك فيما بكم إليه حاجة‪ .‬وقيل‪ :‬تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"وإنه لذكر لك ولقومك" يعني الخلفة فإنها في قريش ل تكون في غيرهم؛ قال النبي مصلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪[ :‬الناس تبهع لقريهش فهي هذا الشأن مسهلمهم تبهع لمسهلمهم وكافرههم تبهع لكافرههم]‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬ههو قول الرجهل حدثنهي أبهي عهن أبيهه‪ ،‬حكاه ابهن أبهي سهلمة عهن أبيهه عهن مالك بهن أنهس فيمها‬
‫ذكهر الماوردي والثعلبهي وغيرهمها‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬ولم أجهد فهي السهلم هذه المرتبهة لحهد إل‬
‫ببغداد فإن بنهي التميمهي بهها يقولون‪ :‬حدثنهي أبهي قال حدثنهي أبهي‪ ،‬إلى رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم؛ وبذلك شرفهت أقدارههم‪ ،‬وعظهم الناس شأنههم‪ ،‬وتهممهت الخلفهة بههم‪ .‬ورأيهت بمدينهة السهلم‬
‫ابني أبي محمد رزق ال بن عبدالوهاب أبي الفرج بن عبدالعزيز بن الحارث بن السد بن الليث‬
‫آل سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبدال التميمي وكانا يقولن‪ :‬سمعنا أبانا رزق‬
‫ال يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول‬
‫سههمعت علي بههن أبههي طالب يقول وقههد سههئل عههن الحنان المنان فقال‪ :‬الحنان الذي يقبههل على مههن‬
‫أعرض عنهه‪ ،‬والمنان الذي يبدأ بالنوال قبهل السهؤال‪ .‬والقائل سهمعت عليها‪ :‬أكينهة بهن عبدال جدههم‬
‫العلى‪ .‬والقوى أن يكون المراد بقوله‪" :‬وإنه لذكر لك ولقومك" يعني القرآن؛ فعليه انبنى الكلم‬
‫وإليهه يرجهع المصهير‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال الماوردي‪" :‬ولقومهك" فيههم قولن‪ :‬أحدهمها‪ :‬مهن اتبعهك مهن‬
‫أمتك؛ قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن‪ .‬الثاني‪ :‬لقومك من قريش؛ فيقال ممن هذا ؟ فيقال من‬
‫العرب‪ ،‬فيقال من أي العرب ؟ فيقال من قريش؛ قال مجاهد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصهحيح أنهه شرف لمهن عمهل بهه‪ ،‬كان مهن قريهش أومهن غيرههم‪ .‬روى ابهن عباس قال‪:‬‬
‫أقبهل نهبي ال صهلى ال عليهه وسهلم مهن سهرية أو غزاة فدعها فاطمهة فقال‪[ :‬يها فاطمهة اشتري نفسهك‬
‫من ال فإني ل أغني عنك من ال شيئا] وقال مثل ذلك لنسوته‪ ،‬وقال مثل ذلك لعترته‪ ،‬ثم قال نبي‬
‫ال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬مها بنهو هاشهم بأولى الناس بأمتهي إن أولى الناس بأمتهي المتقون‪ ،‬ول‬
‫قريههش بأولى الناس بأمتههي إن أولى الناس بأمتههي المتقون‪ ،‬ول النصههار بأولى الناس بأمتههي إن‬
‫أولى الناس بأمتههي المتقون‪ ،‬ول الموالي بأولى الناس بأمتههي إن أولى الناس بأمتههي المتقون‪ .‬إنمهها‬
‫أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ليس لحد على أحد فضل إل بالتقوى]‪ .‬وعن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون‬
‫شرا عند ال من الجعلن التي تدفع النتن بأنفها‪ ،‬كلكم بنو آدم وآدم من تراب‪ ،‬إن ال أذهب عنكم‬
‫عيبهة الجاهليهة وفخرهها بالباء الناس مؤمهن تقهي وفاجهر شقهي]‪ .‬خرجهمها الطهبري‪ .‬وسهيأتي لهذا‬
‫مزيد بيان في الحجرات إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسهوف تسهألون" أي عن الشكهر عليهه؛ قال مقاتهل والفراء‪ .‬وقال ابهن جريهج‪ :‬أي‬
‫تسألون أنت ومن معك على ما أتاك‪ .‬وقيل‪ :‬تسألون عما عملتم فيه؛ والمعنى متقارب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسهأل مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن رسهلنا" قال ابهن عباس وابهن زيهد‪ :‬لمها أسهري‬
‫برسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مهن المسهجد الحرام إلى المسهجد القصهى ‪ -‬وههو مسهجد بيهت‬
‫المقدس ‪ -‬بعهث ال له آدم ومهن ولد مهن المرسهلين‪ ،‬وجبريهل مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم؛ فأذن‬
‫جبريل صلى ال عليه وسلم ثم أقام الصلة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد تقدم فصل بهم؛ فلما فرغ رسول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم؛ قال جبريهل صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬سهل يها محمهد مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن‬
‫رسهلنا أجعلنها مهن دون الرحمهن آلههة يعبدون]‪ .‬فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬ل أسهأل قهد‬
‫اكتفيهت]‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬وكانوا سهبعين نبيها منههم إبراهيهم وموسهى وعيسهى عليههم السهلم؛ فلم‬
‫يسألهم لنه كان أعلم بال منهم‪ .‬في غير رواية ابن عباس‪ :‬فصلوا خلف رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم سهبعة صهفوف‪ ،‬المرسهلون ثلثهة صهفوف والنهبيون أربعهة؛ وكان يلي ظههر رسهول ال صهلى‬
‫ال عليهه وسهلم إبراهيهم خليهل ال‪ ،‬وعلى يمينهه إسهماعيل وعلى يسهاره إسهحاق ثهم موسهى ثهم سهائر‬
‫المرسلين فأمهم ركعتين؛ فلما انفتل قام فقال‪[ :‬إن ربي أوحى إلي أن أسألكم هل أرسل أحد منكم‬
‫يدعو إلى عبادة غير ال] ؟ فقالوا‪ :‬يا محمد‪ ،‬إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أن ل إله إل‬
‫ال وأن ما يعبدون من دونه باطل‪ ،‬وأنك خاتم النبيين وسيد المرسلين‪ ،‬قد استبان ذلك لنا بإمامتك‬
‫إيانا‪ ،‬وأن ل نبي بعدك إلى يوم القيامة إل عيسى ابن مريم فإنه مأمور أن يتبع أثرك)‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى‪" :‬واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا" قال‪ :‬لقي الرسل ليلة‬
‫أسهري بهه‪ .‬وقال الوليهد بهن مسهلم فهي قوله تعالى‪" :‬واسهأل مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن رسهلنا" قال‪:‬‬
‫سهألت عهن ذلك وليهد بهن دعلج فحدثنهي عهن قتادة قال‪ :‬سهألهم ليلة أسهري بهه‪ ،‬لقهي النهبياء ولقهي آدم‬
‫ومالك خازن النار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا ههو الصهحيح فهي تفسهير هذه اليهة‪ .‬و"مهن" التهي قبهل "رسهلنا" على هذا القول غيهر‬
‫زائدة‪ .‬وقال المبرد وجماعة من العلماء‪ :‬إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا‪.‬‬
‫وروي أن في قراءة ابن مسعود‪" :‬واسال الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا"‪ .‬وهذه قراءة مفسرة؛ فه‬
‫"مهن" على هذا زائدة‪ ،‬وههو قول مجاههد والسهدي والضحاك وقتادة وعطاء والحسهن وابهن عباس‬
‫أيضا‪ .‬أي واسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والنجيل‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى سلنا يا محسد عن النبياء‬
‫الذيهن أرسهلنا قبلك؛ فحذفهت "عهن"‪ ،‬والوقهف على "رسهلنا" على هذا تام‪ ،‬ثهم ابتدأ بالسهتفهام على‬
‫طريههق النكار‪ .‬وقيههل‪ :‬المعنههى واسههأل تباع مههن أرسههلنا مههن قبلك مههن رسههلنا‪ ،‬فحذف المضاف‪.‬‬
‫والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" أخبر عن اللهة كما أخبر عمن يعقل فقال‪:‬‬
‫"يعبدون" ولم يقل تعبد ول يعبدن‪ ،‬لن اللهة جرت عندهم مجرى من يعقل فأجرى الخبر عنهم‬
‫مجرى الخبر عمن يعقل‪.‬‬
‫وسبب هذا المر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن ما جئت به‬
‫مخالف لمن كان قبلك؛ فأمره ال بسؤال النبياء على جهة التوقيف والتقرير؛ ل لنه كان في شك‬
‫منه‪.‬‬
‫واختلف أههل التأويهل فهي سهؤال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لههم على قوليهن‪ :‬أحدهمها‪ :‬أنهه سهألهم‬
‫فقالت الرسهل بعثنها بالتوحيهد؛ قاله الواقدي‪ .‬الثانهي‪ :‬أنهه لم يسهألهم ليقينهه بال عهز وجهل؛ حتهى حكهى‬
‫ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل‪( :‬هل سألك محمد عن ذلك ؟ فقال جبريل‪ :‬هو أشد إيمانا وأعظم‬
‫يقينا من أن يسأل عن ذلك)‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 52 - 46 :‬ولقهد أرسهلنا موسهى بآياتنها إلى فرعون وملئه فقال إنهي رسهول رب‬
‫العالميهن‪ ،‬فلمها جاءههم بآياتنها إذا ههم منهها يضحكون‪ ،‬ومها نريههم مهن آيهة إل ههي أكهبر مهن أختهها‬
‫وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون‪ ،‬وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون‪،‬‬
‫فلمها كشفنها عنههم العذاب إذا ههم ينكثون‪ ،‬ونادى فرعون فهي قومهه قال يها قوم أليهس لي ملك مصهر‬
‫وهذه النهار تجري من تحتي أفل تبصرون‪ ،‬أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ول يكاد يبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقهد أرسهلنا موسهى بآياتنها "لمها أعلم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه منتقهم له مهن‬
‫عدوه وأقام الحجة باستشهاد النبياء واتفاق الكل على التوحيد أكد ذلك قصة موسى وفرعون‪ ،‬وما‬
‫كان مهن فرعون مهن التكذيهب‪ ،‬ومها نزل بهه وبقومهه مهن الغراق والتعذيهب‪ :‬أي أرسهلنا موسهى‬
‫بالمعجزات وهههههي التسههههع اليات فكذب؛ فجعلت العاقبههههة الجميلة له‪ ،‬فكذلك أنههههت‪ .‬ومعنههههى‪:‬‬
‫"يضحكون" اسهتهزاء وسهخرية؛ يوهمون أتباعههم أن تلك اليات سهحر وتخيهل‪ ،‬وأنههم قادرون‬
‫عليها‪ .‬وقوله‪" :‬وما نريهم من آية إل هي أكبر من أختها" أي كانت آيات موسى من أكبر اليات‪،‬‬
‫وكانهت كهل واحدة أعظهم ممها قبلهها‪ .‬وقيهل‪" :‬إل وههي أكهبر مهن أختهها" لن الولى تقتضهي علمها‬
‫والثانيهههة تقتضهههي علمههها‪ ،‬فتضهههم الثانيهههة إلى الولى فيزداد الوضوح‪ ،‬ومعنهههى الخوة المشاكلة‬
‫المناسبة؛ كما يقال‪ :‬هذه صاحبة هذه؛ أي قريبتان في المعنى‪" .‬وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون"‬
‫أي على تكذيبهههم بتلك اليات؛ وهههو كقوله تعالى‪" :‬ولقههد أخذنهها آل فرعون بالسههنين ونقههص مههن‬
‫الثمرات" [العراف‪ .]130:‬والطوفان والجراد والقمهل والضفادع‪ .‬وكانهت هذه اليات الخيرة‬
‫عذابا لهم وآيات لموسى‪" .‬لعلهم يرجعون" من كفرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا يها أيهها السهاحر" لمها عاينوا العذاب قالوا يها أيهها السهاحر؛ نادوه بمها كانوا‬
‫ينادونهه بهه مهن قبهل ذلك على حسهب عادتههم‪ .‬وقيهل‪ :‬كانوا يسهمون العلماء سهحرة فنادوه بذلك على‬
‫سبيل التعظيم‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬يا أيها الساحر" يا أيها العالم‪ ،‬وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه؛‬
‫ولم يكهن السهحر صهفة ذم‪ .‬وقيهل‪ :‬يها أيهها الذي غلبنها بسهحره؛ يقال‪ :‬سهاحرته فسهحرته؛ أي غلبتهه‬
‫بالسههحر؛ كقول العرب‪ :‬خاصههمته فخصههمته أي غلبتههه بالخصههومة‪ ،‬وفاضلتههه ففضلتههه‪ ،‬ونحوههها‪.‬‬
‫ويحتمهل أن يكون أرادوا بهه السهاحر على الحقيقهة على معنهى السهتفهام‪ ،‬فلم يلمههم على ذلك رجاء‬
‫أن يؤمنوا‪ .‬وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى بن ثابت "وأي ُه الساحر" بغير ألف والهاء مضمومة؛‬
‫وعلتها أن الهاء خلطت بما قبلها وألزمت ضم الياء الذي أوجبه النداء المفرد‪ .‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫أفق عن البيض الحسان اللعس‬ ‫يأيه القلب اللجوج النفس‬
‫فضهم الهاء حمل على ضهم الياء؛ وقهد مضهى فهي "النور" معنهى هذا‪ .‬ووقهف أبهو عمرو وابهن أبهي‬
‫إسهحاق ويحيهى والكسهائي "أيهها" باللف على الصهل‪ .‬الباقون بغيهر ألف؛ لنهها كذلك وقعهت فهي‬
‫المصهحف‪" .‬ادع لنها ربهك بمها عههد عندك إننها لمهتدون" "ادع لنها ربهك بمها عههد عندك" أي بمها‬
‫أخبرنها عهن عهده إليهك إنها إن آمنها كشهف عنها؛ فسهله يكشهف عنها "إننها لمهتدون" أي فيمها يسهتقبل‪.‬‬
‫"فلما كشفنا عنهم العذاب" أي فدعا فكشفنا‪" .‬إذا هم ينكثون" أي ينقضون العهد على أنفسهم فلم‬
‫يؤمنوا‪ .‬وقيهل‪:‬قولههم‪" :‬إننها لمهتدون" إخبار منههم عهن أنفسههم باليمان؛ فلمها كشهف عنههم العذاب‬
‫ارتدوا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونادى فرعون فهي قومهه" قيهل‪ :‬لمها رأى تلك اليات خاف ميهل القوم إليهه فجمهع‬
‫قومه فقال‪ :‬فنادى بمعنى قال؛ قاله أبو مالك‪ .‬فيجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع صوته بذلك‬
‫فيما بينههم ثهم ينشهر عنه في جموع القبط؛ وكأنه نودي بينههم‪ .‬وقيهل‪ :‬إنه أمر من ينادي فهي قومه؛‬
‫قاله ابهن جريهج‪" .‬قال يها قوم أليهس لي ملك مصهر" أي ل ينازعنهي فيهه أحهد‪ .‬قيهل‪ :‬إنهه ملك منهها‬
‫أربعيهن فرسهخا فهي مثلهها؛ حكاه النقاش‪ .‬وقيهل أراد بالملك هنها السهكندرية‪" .‬وهذه النهار تجري‬
‫من تحتي" يعني أنهار النيل‪ ،‬ومعظمها أربعة‪ :‬نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬كانهت جنانها وأنهارا تجري مهن تحهت قصهوره‪ .‬وقيهل‪ :‬مهن تحهت سهريره‪ .‬وقيهل‪" :‬مهن‬
‫تحتهي" قال القشيري‪ :‬ويجوز ظهور خوارق العادة على مدعهي الربوبيهة؛ إذ ل حاجهة فهي التمييهز‬
‫الله من غير الله إلى فعهل خارق للعادة‪ .‬وقيهل معنهى "وهذه النهار تجري من تحتهي" أي القواد‬
‫والرؤساء والجبابرة يسيرون من تحت لوائي؛ قاله الضحاك‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بالنهار الموال‪ ،‬وعبر‬
‫عنهها بالنهار لكثرتههها وظهورهها‪ .‬وقوله‪" :‬تجري مهن تحتهي" أي أفرقهها على مهن يتبعنههي؛ لن‬
‫الترغيههب والقدرة فههي الموال دون النهار‪" .‬أفل تبصههرون" عظمتههي وقوتههي وضعههف موسههى‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬قدرتهي على نفقتكهم وعجهز موسهى‪ .‬والواو فهي "وهذه" يجوز أن تكون عاطفهة للنهار على‬
‫"ملك مصهر" و"تجري" نصهب على الحال منهها‪ .‬ويجوز أن تكون واو الحال‪ ،‬واسهم الشارة‬
‫مبتدأ‪ ،‬و"النهار" صفة لسم الشارة‪ ،‬و"تجري" خبر للمبتدأ‪ .‬وفتح الياء من "تحتي" أهل المدينة‬
‫والبزي وأبهو عمرو‪ ،‬وأسهكن الباقون‪ .‬وعهن الرشيهد أنهه لمها قرأهها قال‪ :‬لولينهها أحسهن عهبيدي‪،‬‬
‫فولها الخصيب‪ ،‬وكان على وضوئه‪ .‬وعن عبدال بن طاهر أنه وليها فخرج إليها شارفها ووقع‬
‫عليهها بصهره قال‪ :‬أهذه القريهة التهي افتخهر بهها فرعون حتهى قال‪" :‬أليهس لي ملك مصهر" ؟ ! وال‬
‫لههي عندي أقهل مهن أن أدخلهها ! فثنهى عنانهه‪ .‬ثهم صهرح بحاله فقال‪" :‬أم أنها خيهر" قال أبهو عهبيدة‬
‫السدي‪" :‬أم" بمعنى "بل" وليست بحرف عطف؛ على قول أكثر المفسرين‪ .‬والمعنى‪ :‬قال فرعون‬
‫لقومهه بهل أنها خيهر"مهن هذا الذي ههو مهيهن" أي ل عزله فههو يمتههن نفسهه فهي حاجاتهه لحقارتهه‬
‫وضعفه "ول يكاد يبين" يعني ما كان في لسانه من العقدة؛ على ما تقدم في "طه" وقال الفراء‪:‬في‬
‫"أم" وجهان‪ :‬إن شئت جعلتها من الستفهام الذي جعل بأم لتصاله بكلم قبله‪ ،‬وإن شئت جعلتها‬
‫نسقا على قوله‪" :‬أليس لي ملك مصر"‪ .‬وقيل‪ :‬هي زائدة‪ .‬وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون‬
‫"أم" زائدة؛ والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين‪ .‬وقال الخفش‪ :‬في الكلم حذف‪ ،‬والمعنى‪:‬‬
‫أفل تبصرون أم تبصرون؛ كما قال‪:‬‬
‫وبين النقا آأنت أم أم سالم‬ ‫أيا ظبية الوعساء بين جلجل‬
‫أي أنههت أحسههن أم أم سههالم‪ .‬ثههم ابتداء فقال‪( :‬أنهها خيههر)‪ .‬وقال الخليههل وسههيبويه‪ :‬المعنههى "أفل‬
‫تبصهرون"‪ ،‬أم أنتهم بصهراء‪ ،‬فعطهف بهه "أم" على "أفل تبصهرون" لن معنهى "أم أنها خيهر" أم أي‬
‫تبصرون؛ وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء‪.‬‬
‫وروي عههن عيسههى الثقفههي ويعقوب الحضرمههي أنهمهها وقفهها على "أم" على أن يكون التقديههر أفل‬
‫تبصهرون أم تبصهرون؛ فحذف تبصهرون الثانهي‪ .‬وقيهل مهن وقهف على "أم" جعلهها زائدة‪ ،‬وكأنهه‬
‫وقهف على "تبصهرون" مهن قوله‪" :‬أفل تبصهرون"‪ .‬ول يتهم الكلم على "تبصهرون" عنهد الخليهل‬
‫وسهيبويه؛ لن "أم" تقتضهي التصهال بمها قبلهها‪ .‬وقال قوم‪ :‬الوقهف على قوله‪" :‬أفل تبصهرون" ثهم‬
‫ابتدأ "أم أنا خير" بمعنى بل أنا؛ وأنشد الفراء‪:‬‬
‫وصورتها أم أنت في العين أملح‬ ‫بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى‬
‫فمعناه‪ :‬بهل أنهت أملح‪ .‬وذكهر الفراء أن بعهض القراء قرأ "أمها أنها خيهر"؛ ومعنهى هذا ألسهت خيرا‪.‬‬
‫وروي عن مجاهد أنه وقف على "أم" ثم يبتدئ "أنا خير" وقد ذكر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬فلول ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلول" أي هل "ألقي عليه أساورة من ذهب" إنما قال ذلك لنه كان عادة الوقت‬
‫وزي أههل الشرف‪ .‬وقرأ حفهص "أسهورة" جمهع سهوار‪ ،‬كخمار وأخمرة‪ .‬وقرأ أبهي "أسهاور" جمهع‬
‫إسهوار‪ .‬وابهن مسهعود "أسهاوير"‪ .‬الباقون "أسهاورة" جمهع السهورة فههو جمهع الجمهع‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون "أسههاورة" جمههع "إسههوار" وألحقههت الهاء فههي الجمههع عوضهها مههن الياء؛ فهههو مثههل زناديههق‬
‫وزنادقههة‪ ،‬وبطاريههق وبطارقههة‪ ،‬وشبهههه‪ .‬وقال أبههو عمرو بههن العلء‪ :‬واحههد السههاورة والسههاور‬
‫والسهاوير إسهوار‪ ،‬وههي لغهة فهي سهوار‪ .‬قال مجاههد‪ :‬كانوا إذا سهوروا رجل سهوروه بسهوارين‬
‫وطوقوه بطوق ذههب علمهة لسهيادته‪ ،‬فقال فرعون‪ :‬هل ألقهى رب موسهى عليهه أسهاورة مهن ذههب‬
‫إن كان صهادقا ! "أو جاء معهه الملئكهة مقترنيهن" يعنهي متتابعيهن؛ فهي قول قتادة‪ .‬مجاههد‪ :‬يمشون‬
‫معها‪ .‬ابهن عباس‪ :‬يعاونونهه على مهن خالفهه؛ والمعنهى‪ :‬هل ضهم إليهه الملئكهة التهي يزعهم أنهها عنهد‬
‫ربهه حتهى يتكثهر بههم ويصهرفهم على أمره ونهيهه؛ فيكون ذلك أهيهب فهي القلوب‪ .‬فأوههم قومهه أن‬
‫رسههل ال ينبغههي أن يكونوا كرسههل الملوك فههي الشاهههد‪ ،‬ولم يعلم أن رسههل ال إنمهها أيدوا بالجنود‬
‫السهماوية؛ وكهل عاقهل يعلم أن حفهظ ال موسهى مهع تفرده ووحدتهه مهن فرعون مهع كثرة أتباعهه‪،‬‬
‫وإمداد موسههى بالعصهها واليههد البيضاء كان أبلغ مههن أن يكون له أسههورة أو ملئكههة يكونون معههه‬
‫أعوانها ‪ -‬فهي قول مقاتهل ‪ -‬أو دليل على صهدقه ‪ -‬فهي قول الكلبهي ‪ -‬وليهس يلزم هذا لن العجاز‬
‫كان‪ ،‬وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجيء الملئكة كما كذب مع ظهور اليات‪ .‬وذكر فرعون‬
‫الملئكة حكاية عن لفظ موسى؛ لنه ل يؤمن بالملئكة من ل يعرف خالقهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسهتخف قومهه" قال ابهن العرابهي‪ :‬المعنهى فاسهتجهل قومهه "فأطاعوه" لخفهة‬
‫أحلمههم وقلة عقولههم؛ يقال‪ :‬اسهتخفه الفرح أي أزعجهه‪ ،‬واسهتخفه أي حمله على الجههل؛ ومنهه‪:‬‬
‫"ول يسهتخفنك الذيهن ل يوقنون" [الروم‪ .]60 :‬وقيهل‪ :‬اسهتفزهم بالقول فأطاعوه على‪ ،‬التكذيهب‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬اسهتخف قومهه أي وجدههم خفاف الول‪ .‬وهذا ل يدل على أنهه يجهب أن يطيعوه‪ ،‬فل بهد مهن‬
‫إضمار بعيههد تقديره وجدهههم خفاف العقول فدعاهههم إلى الغوايههة فأطاعوه‪ .‬وقيههل‪ :‬اسههتخف قومههه‬
‫وقهرهم حتى أتبعوه؛ يقال‪ :‬استخفه خلف استثقله‪ ،‬واستخف به أهانه‪" .‬إنهم كانوا قوما فاسقين"‬
‫أي خارجين عن طاعة ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما آسفونا انتقمنا منهم" روى الضحاك عن ابن عباس‪ :‬أي غاظونا وأغضبونا‪.‬‬
‫وروى عنه علي بن أبي طلحة‪ :‬أي أسخطونا‪ .‬قال الماوردي‪ :‬ومعناها مختلف‪ ،‬والفرق بينهما أن‬
‫السههخط إظهار الكراهههة‪ .‬والغضههب إرادة النتقام‪ .‬القشيري‪ :‬والسههف ههها هنهها بمعنههى الغضههب؛‬
‫والغضب من ال إما إرادة العقوبة فيكون من صفات الذات‪ ،‬وإما عين العقوبة فيكون من صفات‬
‫الفعل؛ وهو معنى قول الماوردي‪.‬‬
‫وقال عمهر بهن ذر‪ :‬يها أههل معاصهي ال‪ ،‬ل تغتروا بطول حلم ال عنكهم‪ ،‬واحذروا أسهفه؛ فإنهه‬
‫قال‪" :‬فلمها آسهفونا انتقمنها منههم"‪ .‬وقيهل‪" :‬آسهفونا" أي أغضبوا رسهلنا وأولياءنها المؤمنيهن؛ نحهو‬
‫السههحرة وبنههي إسههرائيل‪ .‬وهههو كقوله تعالى‪" :‬يؤذون ال" [الحزاب‪ ]57 :‬و"يحاربون ال"‬
‫[المائدة‪ ]33 :‬أي أولياءه ورسله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬فجعلناهم سلفا ومثل للخرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فجعلناههم سهلفا" أي جعلنها قوم فرعون سهلفا‪ .‬قال أبهو ِمجْلَز‪" :‬سهلفا" لمهن عمهل‬
‫عملهم‪ ،‬و"مثل" لمن يعمل عملهم‪ .‬وقال مجاهد‪" :‬سلفا" إخبارا لمة محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫"ومثل" أي عهبرة لههم‪ .‬وعنهه أيضها "سهلفا" لكفار قومهك يتقدمونههم إلى النار‪ .‬قتادة‪" :‬سهلفا" إلى‬
‫النار‪" ،‬ومثل" عظهة لمهن يأتهي بعدههم‪ .‬والسهلف المتقدم؛ يقال‪ :‬سهلف يسهلف سهلفا؛ مثهل طلب طلبها؛‬
‫أي تقدم ومضهى‪ .‬وسهلف له عمهل صهالح أي تقدم‪ .‬والقوم السهلف المتقدمون‪ .‬وسهلف الرجهل‪ :‬آباؤه‬
‫المتقدمون؛ والجمهع أسهلف وسهلف‪ .‬وقراءة العامهة "سهلفا" (بفتهح السهين واللم) جمهع سهالف؛‬
‫كخادم وخدم‪ ،‬وراصههد ورصههد‪ ،‬وحارس وحرس‪ .‬وقرأ حمزة والكسههائي "سههلفا" (بضههم السههين‬
‫واللم)‪ .‬قال الفراء ههو جمهع سهليف‪ ،‬نحهو سهرير وسهرر‪ .‬وقال أبهو حاتهم‪ :‬ههو جمهع سهلف؛ نحهو‬
‫خشب وخشب‪ ،‬وثمر وثمر؛ ومعناهما واحد‪ .‬وقرأ علي وابن مسعود وعلقمة وأبو وائل والنخعي‬
‫وحميههد بههن قيههس "سههلفا" (بضههم السههين وفتههح اللم) جمههع سههلفة‪ ،‬أي فرقههة متقدمههة‪ .‬قال المؤرج‬
‫والنضر بن شميل‪" :‬سلفا" جمع سلفة‪ ،‬نحو غرفة وغرف‪ ،‬وطرفة وطرف‪ ،‬وظلمة وظلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬ولما ضرب ابن مريم مثل إذا قومك منه يصدون}‬
‫@ لما قال تعالى‪" :‬وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون"‬
‫[الزخرف‪ ]45 :‬تعلق المشركون بأمر عيسى وقالوا‪ :‬ما يريد محمد إل أن نتخذه إلها كما اتخذت‬
‫النصارى عيسى ابن مريم الها؛ قال قتادة‪ .‬ونحوه عن مجاهد قال‪ :‬إن قريشا قالت إن محمدا يريد‬
‫أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى؛ فأنزل ال هذه الية‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أراد به مناظرة عبدال‬
‫بهن الزبعرى مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي شأن عيسهى‪ ،‬وأن الضارب لهذا المثهل ههو عبدال‬
‫بهن الزبعرى اسههمي حالة كفره لمها قالت له قريهش إن محمدا يتلو‪" :‬إنكهم ومها تعبدون مهن دون ال‬
‫حصهب جهنهم" [النهبياء‪ ]98 :‬اليهة‪ ،‬فقال‪ :‬لو حضرته لرددت عليه؛ قالوا‪ :‬ومها كنهت تقول له ؟‬
‫قال‪ :‬كنهت أقول له هذا المسهيح تعبده النصهارى‪ ،‬واليهود تعبهد عزيرا‪ ،‬أفهمها مهن حصهب جهنهم ؟‬
‫فعجبهت قريهش مهن مقالتهه ورأوا أنهه قهد خصهم؛ وذلك معنهى قوله‪" :‬يصهدون" فمها نزل ال تعالى‪:‬‬
‫"إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" [النبياء‪ .]101 :‬ولو تأمل ابن الزبعرى‬
‫اليههة مهها أعترض عليههها؛ لنههه قال‪" :‬ومهها تعبدون" ولم يقههل ومههن تعبدون وإنمهها أراد الصههنام‬
‫ونحوهها ممها ل يعقهل‪ ،‬ولم يرد المسهيح ول الملئكهة وإن كانوا معبوديهن‪ .‬وقهد مضهى هذا فهي آخهر‬
‫سورة "النبياء"‪.‬‬
‫وروى ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لقريش‪[ :‬يا معشر قريش ل خير في أحد‬
‫يعبهد مهن دون ال]‪ .‬قالوا‪ :‬أليهس تزعهم أن عيسهى كان عبدا نبيها وعبدا صهالحا‪ ،‬فإن كان كمها تزعهم‬
‫فقد كان يعبد من دون ال !‪ .‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ولما ضرب ابن مريم مثل إذا قومك يصدون" أي‬
‫يضجون كضجيهج البهل عنهد حمهل الثقال‪ .‬وقرأ نافهع وابهن عامهر والكسهائي "يصهدون" (بضهم‬
‫الصهاد) ومعناه يعرضون؛ قاله النخعهي‪ ،‬وكسهر الباقون‪ .‬قال الكسهائي‪ :‬همها لغتان؛ مثهل يعرشون‬
‫ويعرشون وينمون وينمون‪ ،‬ومعناه يضجون‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وصد يصد صديدا؛ أي ضج‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إنهه بالضهم مهن الصهدود وههو العراض‪ ،‬وبالكسهر مهن الضجيهج؛ قال قطرب‪ .‬قال أبهو عبيهد‪ :‬لو‬
‫كانهت مهن الصهدود عهن الحهق لكانهت‪ :‬إذا قومهك عنهه يصهدون‪ .‬الفراء‪ :‬همها سهواء؛ منهه وعنهه‪ .‬ابهن‬
‫المسهيب‪ :‬يصهدون يضجون‪ .‬الضحاك يعجون‪ .‬ابهن عباس‪ :‬يضحكون‪ .‬أبهو عهبيدة‪ :‬مهن ضهم فمعناه‬
‫يعدلون؛ فيكون المعنههى‪ :‬مههن أجههل الميههل يعدلون‪ .‬ول يعدى "يصههدون" بمههن‪ ،‬ومههن كسههر فمعناه‬
‫يضجون؛ فه "من" متصلة به "يصدون" والمعنى يضجون منه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إل جدل بل هم قوم خصمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا أآلهتنا خير أم هو" أي ألهتنا خير أم عيسى ؟ قال السدي‪ .‬وقال‪ :‬خاصموه‬
‫وقالوا إن كهل مهن عبهد مهن دون ال فهي النار‪ ،‬فنحهن نرضهى أن تكون آلهتنها مهع عيسهى والملئكهة‬
‫وعزيههر‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬إن الذيههن سههبقت لهههم منهها الحسههنى أولئك عنههها مبعدون" [النههبياء‪:‬‬
‫‪ ]101‬اليهة‪ .‬وقال قتادة‪" :‬أم ههو" يعنون محمدا صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وفهي قراءة ابهن مسهعود‬
‫"ألهتنا خير أم هذا"‪ .‬وهو يقوي قول قتادة‪ ،‬فهو استفهام تقرير في أن آلهتهم خير‪ .‬وقرأ الكوفيون‬
‫ويعقوب "أألهتنها" بتحقيهق الهمزتيهن‪ ،‬وليهن الباقون‪ .‬وقهد تقدم‪" .‬مها ضربوه لك إل جدل بهل ههم قوم‬
‫خصههمون" "مهها ضربوه لك إل جدل" حال؛ أي جدليههن‪ .‬يعنههي مهها ضربوا لك هذا المثههل إل إرادة‬
‫الجدل؛ لنهههم علموا أن المراد بحصههب جهنههم مهها اتخذوه مههن الموت "بههل هههم قوم خصههمون"‬
‫مجادلون بالباطل‪ .‬وفي صحيح الترمذي عن أبي أمامة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫[ما ضل قوم بعهد هدى كانوا عليه إل أوتوا الجدل ‪ -‬ثم تل رسهول ال صلى ال عليه وسهلم هذه‬
‫الية ‪" -‬ما ضربوه لك إل جدل بل هم قوم خصمون"]‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 - 59 :‬إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبني إسرائيل‪ ،‬ولو نشاء لجعلنا‬
‫منكم ملئكة في الرض يخلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن هو إل عبهد أنعمنها عليه" أي مها عيسهى إل عبهد أنعهم ال عليه بالنبوة‪ ،‬وجعله‬
‫مثل لبني إسرائيل؛ أي آية وعبرة يستدل بها‪ .‬على قدرة ال تعالى؛ فإن عيسى كان من غير أب‪،‬‬
‫ثم جعل ال من إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص والسقام كلها ما لم يجعل لغيره في زمانه‪،‬‬
‫مع أن بني إسرائيل كانوا يومئذ خير الخلق وأحبه إلى ال عز وجل‪ ،‬والناس دونهم‪ ،‬ليس أحد عند‬
‫ال عز وجل مثلهم‪.‬‬
‫وقيهل المراد بالعبهد المنعهم عليهه محمهد صهلى ال عليهه وسهلم؛ والول أظههر‪" .‬ولو نشاء لجعلنها‬
‫منكهم" أي بدل منكهم "ملئكهة" يكونون خلفها عنكهم؛ قال السهدي‪ .‬ونحوه عهن مجاههد قال‪ :‬ملئكهة‬
‫يعمرون الرض بدل منكم‪ .‬وقال الزهري‪ :‬إن "من" قد تكون للبدل؛ بدليل هذه الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قدم تقدم هذا المعنهى فهي "التوبهة" وغيرهها‪ .‬وقيهل‪ :‬لو نشاء لجعلنها مهن النهس ملئكهة وإن‬
‫لم تجههر العادة بذلك‪ ،‬والجواهههر جنههس واحههد والختلف بالوصههاف؛ والمعنههى‪ :‬لو نشاء لسههكنا‬
‫الرض الملئكة‪ ،‬وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا‪ ،‬أو يقال لهم بنات ال‪ .‬ومعنى‬
‫"يخلفون" يخلف بعضهم بعضا؛ قاله ابن عباس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 61 :‬وإنهه لعلم للسهاعة فل تمترن بهها واتبعون هذا صهراط مسهتقيم‪ ،‬ول يصهدنكم‬
‫الشيطان إنه لكم عدو مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنه لعلم للساعة" قال الحسن وقتادة وسعيد بن جببر‪ :‬يريد القرآن؛ لنه يدل على‬
‫قرب مجيء الساعة‪ ،‬أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها‪.‬‬
‫وقال ابهن عباس ومجاههد والضحاك والسهدي وقتادة أيضها‪ :‬إنهه خروج عيسهى عليهه السهلم‪ ،‬وذلك‬
‫مهن أعلم السهاعة‪ .‬لن ال ينزله مهن السهماء قبيهل قيام السهاعة‪ ،‬كمها أن خروج الدجال مهن أعلم‬
‫الساعة‪ .‬وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك "وإنه لعلم للساعة" (بفتح‬
‫العيهن واللم) أي أمارة‪ .‬وقهد روي عهن عكرمهة "وإنهه للعلم" (بلميهن) وذلك خلف للمصهاحف‪.‬‬
‫وعهن عبدال بهن مسهعود‪ .‬قال‪ :‬لمها كان ليلة أسهري برسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لقهي إبراهيهم‬
‫وموسهى وعيسهى عليههم السهلم فتذاكروا السهاعة فبدؤوا بإبراهيهم فسهألوه عنهها فلم يكهن عنده منهها‬
‫علم‪ ،‬ثهم سهألوا موسهى فلم يكن عنده منهها علم؛ فرد الحديهث إلى عيسهى ابن مريهم قال‪ :‬قهد عههد إلي‬
‫فيمهها دون وجبتههها فأت وجبتههها فل يعلمههها إل ال عههز وجههل؛ فذكههر خروج الدجال ‪ -‬قال‪ :‬فأنزل‬
‫فأقتله‪ .‬وذكهر الحديهث‪ ،‬خرجهه ابهن ماجهة فهي سهننه‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم [فبينمها ههو ‪ -‬يعنهي المسهيح‬
‫الدجال ‪ -‬إذ بعهث ال المسهيح بهن مريهم فينزل عنهد المنارة البيضاء شرقهي دمشهق بيهن مهرودتيهن‬
‫واضعها كفيه على أجنحهة ملكيهن إذا طأطهأ رأسهه قطهر وإذا رفعهه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فل يحهل‬
‫لكافههر يجههد ريههح نفسههه إل مات ونفسههه ينتهههي حيههث ينتهههي طرفههه فيطلبههه حتههى يدركههه بباب لد‬
‫فيقتله‪ ]...‬الحديث‪...‬‬
‫وذكر الثعلبي والزمخشري وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫[ينزل عيسهى بهن مريهم عليهه السهلم مهن السهماء على ثنيهة مهن الرض المقدسهة يقال لهها أفيهق بيهن‬
‫ممصهرتين وشعهر رأسهه دهيهن وبيده حربهة يقتهل بهها الدجال فيأتهي بيهت المقدس والناس فهي صهلة‬
‫العصهر والمام يؤم بههم فيتأخهر المام فيقدمهه عيسهى ويصهلي خلفهه على شريعهة محمهد صهلى ال‬
‫عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إل من آمن‬
‫بههه]‪ .‬وروى خالد عههن الحسههن قال‪ :‬قال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪[ :‬النههبياء إخوة لعلت‬
‫أمهاتههم شتهى ودينههم واحهد وأنها أولى الناس بعيسهى ابهن مريهم إنهه ليهس بينهي وبينهه نهبي وإنهه أول‬
‫نازل فيكسههر الصههليب ويقتههل الخنزيههر ويقاتههل الناس على السههلم]‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وحكههى ابههن‬
‫عيسهى عهن قوم أنههم قالوا إذا نزل عيسهى رفهع التكليهف لئل يكون رسهول إلى ذلك الزمان يأمرههم‬
‫عههن ال تعالى وينهاهههم‪ .‬وهذا قول مردود لثلثههة أمور؛ منههها الحديههث‪ ،‬ولن بقاء الدنيهها يقتضههي‬
‫التكليهف فيهها‪ ،‬ولنه ينزل آمرا بمعروف وناهيها عهن منكهر‪ .‬وليهس يسهتنكر أن يكون أمهر ال تعالى‬
‫له مقصورا على تأييد السلم والمر به والدعاء إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ثبهت فهي صهحيح مسهلم وابهن ماجهة عهن أبهي هريرة قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم‪[ :‬لينزلن عيسهى بهن مريهم حكمها عادل فليكسهرن الصهليب وليقتلن الخنزيهر وليضعهن الجزيهة‬
‫ولتتركهن القلص فل يسهعى عليهها ولتذهبهن الشحناء والتباغهض والتحاسهد وليدعون إلى المال فل‬
‫يقبله أحهد]‪ .‬وعنهه قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬كيهف أنتهم إذا نزل‪،‬ابهن مريهم فيكهم‬
‫وإمامكم منكم] وفي رواية [فأمكم منكم] قال ابن أبي ذئب‪ :‬تدري [ما أمكم منكم] ؟ قلت‪ :‬تخبرني‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال علماؤنا رحمة ال عليهم‪ :‬فهذا نص‬
‫على أنهه ينزل مجددا لديهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم للذي درس منهه‪ ،‬ل بشرع مبتدأ والتكليهف‬
‫باق؛ على ما بيناه هنا وفي كتاب التذكرة‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬وإنه لعلم للساعة" أي وإن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى؛ قال ابن‬
‫إسحاق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويحتمهل أن يكون المعنهى "وإنهه" وإن محمدا صهلى ال عليهه وسهلم لعلم للسهاعة؛ بدليهل‬
‫قوله عليهه السهلم‪[ :‬بعثهت أنها والسهاعة كهاتيهن] وضهم السهبابة والوسهطى؛ خرجهه البخاري ومسهلم‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬أول أشراطها محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم" "فل تمترون بها" فل تشكون فيها؛‬
‫يعني في الساعة؛ قاله يحيى بن سلم‪ .‬وقال السدي‪ :‬فل تكذبون بها‪ ،‬ول تجادلون فيها فإنها كائنة‬
‫ل محالة‪" .‬واتبعون" أي فهي التوحيهد وفيمها أبلغكهم عهن ال‪" .‬هذا صهراط مسهتقيم" أي طريهق قويهم‬
‫إلى ال‪ ،‬أي إلى جنتهه‪ .‬وأثبهت الياء يعقوب فهي قوله‪" :‬واتبعون" فهي الحاليهن‪ ،‬وكذلك "وأطيعون"‪.‬‬
‫وأبههو عمرو وإسههماعيل عههن نافههع فههي الوصههل دون الوقههف‪ ،‬وحذف الباقون فههي الحاليههن‪" .‬ول‬
‫يصهدنكم الشيطان" أي ل تغتروا بوسهاوسه وشبهه الكفار‪ .‬المجادليهن؛ فإن شرائع النهبياء لم تختلف‬
‫في التوحيد ول فيما أخبروا به من علم الساعة وغيرها بما تضمنته من جنه أو نار‪" .‬إنه لكم عدو‬
‫مبين" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 - 63 :‬ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولبين لكم بعض الذي‬
‫تختلفون فيه فاتقوا ال وأطيعون‪ ،‬إن ال هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولمها جاء عيسهى بالبينات" قال ابهن عباس‪ :‬يريهد إحياء الموتهى وإبراء السهقام‪،‬‬
‫وخلق الطيههر‪ ،‬والمائدة وغيرههها‪ ،‬والخبار بكثيههر مههن الغيوب‪ .‬وقال قتادة‪ :‬البينات هنهها النجيههل‪.‬‬
‫"قال قد جئتكم بالحكمة" أي النبوة؛ قاله السدي‪ .‬ابن عباس‪ :‬علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن‬
‫القبيههح‪ .‬وقيههل النجيههل؛ ذكره القشيري والماوردي‪" .‬ولبيههن لكههم بعههض الذي تختلفون فيههه" قال‬
‫مجاههد‪ :‬مهن تبديهل التوراة‪ .‬الزجاج‪ :‬المعنهى لبيهن لكهم فهي النجيهل بعهض الذي تختلفون فيهه مهن‬
‫تبديل التوراة‪.‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬وبين لهم في غير النجيل ما احتاجوا إليه‪ .‬وقيل‪ :‬بين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من‬
‫أحكام التوراة على قدر ما سألوه‪ .‬ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم وأشياء من أمر دنياهم فبين لهم أمر‬
‫دينهم‪ .‬ومذهب أبي عبيدة أن البعض بمعنى الكل؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬يصبكم بعض الذي يعدكم"‬
‫[غافر‪ .]28 :‬وأنشد الخفش قول لبيد‪:‬‬
‫وتعتلق بعض النفوس حمامها‬ ‫سراك أمكنة إذا لم أرضها‬
‫والموت ل يعتلق بعض النفوس دون بعض‪ .‬ويقال للمنية‪ :‬علوق وعلقة‪ .‬قال المفضل البكري‪:‬‬
‫وقد علقت بثعلبة العلوق‬ ‫وسائلة بثعلبة بن سير‬
‫وقال مقاتل‪ :‬هو كقول‪" :‬ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم" [آل عمران‪ .]50 :‬يعني ما أحل في‬
‫النجيل مما كان محرما في التوراة؛ كلحم البل والشحم من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت‪.‬‬
‫"فاتقوا ال" أي اتقوا الشرك ول تعبدوا إل ال وحده؛ وإذا كان هذا قول عيسى فكيف يجوز أن‬
‫يكون إلهها أو ابهن إله‪" .‬وأطيعون" فيمها أدعوكهم إليهه مهن التوحيهد وغيره‪" .‬إن ال ههو ربهي وربكهم‬
‫فاعبدوه هذا صهراط مسهتقيم" أي عبادة ال صهراط مسهتقيم‪ ،‬ومها سهواه معوج ل يؤدي سهالكه إلى‬
‫الحق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 65 :‬فاختلف الحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم‪ ،‬هل ينظرون‬
‫إل الساعة أن تأتيهم بغتة وهم ل يشعرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاختلف الحزاب من بينهم" قال قتادة‪ :‬يعني ما بينهم‪ ،‬وفيهم قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم‬
‫أهههل الكتاب مههن اليهود والنصههارى‪ ،‬خالف بعضهههم بعضهها‪ ،‬قال مجاهههد والسههدي‪ .‬الثانههي‪ :‬فرق‬
‫النصهارى مهن النسهطورية والملكيهة واليعاقبهة‪ ،‬اختلفوا فهي عيسهى؛ فقال النسهطورية‪ :‬ههو ابهن ال‪.‬‬
‫وقالت اليعاقبة‪ :‬هو ال‪ .‬وقالت الملكية‪ :‬ثالث ثلثة أحدهم ال؛ قال الكلبي ومقاتل‪ ،‬وقد مضى هذا‬
‫في سورة "مريم"‪" .‬فويل للذين ظلموا" أي كفروا وأشركوا؛ كما في سورة "مريم"‪" .‬من عذاب‬
‫يوم أليهم" أي أليهم عذابهه؛ مثله‪ :‬ليهل نائم؛ أي ينام فيهه‪" .‬ههل ينظرون" يريهد الحزاب ل ينتظرون‪.‬‬
‫"إل السهاعة أن تأتيههم بغتهة" "إل السهاعة" يريهد القيامهة‪" .‬أن تأتيههم بغتهة" أي فجأة‪" .‬وههم ل‬
‫يشعرون" يفطنون‪ .‬وقههد مضههى فههي غيههر موضههع‪ .‬وقيههل‪ :‬المعنههى ل ينتظههر مشركههو العرب إل‬
‫السهاعة‪ .‬ويكون "الحزاب" على هذا‪ ،‬الذيهن تحزبوا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وكذبوه مهن‬
‫المشركين‪ .‬ويتصل هذا بقوله تعالى‪" :‬ما ضربوه لك إل جدل" [الزخرف‪.]58 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 67 :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الخلء يومئذ" يريهد يوم القيامهة‪" .‬بعضههم لبعهض عدو" أي أعداء‪ ،‬يعادي‬
‫بعضههم بعضها ويلعهن بعضههم بعضها‪" .‬إل المتقيهن" فإنههم أخلء فهي الدنيها والخرة؛ قال معناه ابهن‬
‫عباس ومجاهد وغيرهما‪ .‬وحكى النقاش أن هذه الية نزلت في أمية بن خلف الجمحي وعقبة بن‬
‫أبي معيط‪ ،‬كانا خليلين؛ وكان عقبة يجالس النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقالت قريش‪ :‬قد صبأ عقبة‬
‫بهن أبهي معيهط؛ فقال له أميهة‪ :‬وجههي مهن وجههك حرام إن لقيهت محمدا ولم تتفهل فهي وجههه؛ ففعهل‬
‫عقبهة ذلك؛ فنذر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قتله فقتله يوم بدر صهبرا‪ ،‬وقتهل أميهة فهي المعركهة؛‬
‫وفيهههم نزلت هذه اليههة‪ .‬وذكههر الثعلبههي رضههي ال عنههه فههي هذه اليههة قال‪ :‬كان خليلن مؤمنان‬
‫وخليلن كافران‪ ،‬فمات أحههد المؤمنيههن فقال‪ :‬يهها رب‪ ،‬إن فلنهها كان يأمرنههي بطاعتههك‪ ،‬وطاعههة‬
‫رسولك‪ ،‬وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر‪ .‬ويخبرني أني ملقيك‪ ،‬يا رب فل تضله بعدي‪،‬‬
‫وأهده كمهها هديتنههي‪ ،‬وأكرمههه كمهها أكرمتنههي‪ .‬فإذا مات خليله المؤمههن جمههع ال ببنهمهها‪ ،‬فيقول ال‬
‫تعالى‪ :‬ليثههن كههل واحههد منكمهها على صههاحبه‪ ،‬فيقول‪ :‬يهها رب‪ ،‬إنههه كان يأمرنههي بطاعتههك وطاعههة‬
‫رسولك‪ ،‬ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر‪ ،‬ويخبرني أني ملقيك‪ ،‬فيقول ال تعالى‪ :‬نعم الخليل‬
‫ونعم الخ ونعم الصاحب كان‪ .‬قال‪ :‬ويموت أحد الكافرين فيقول‪ :‬يا رب‪ ،‬إن فلنا كان ينهاني عن‬
‫طاعتك وطاعة رسولك‪ ،‬ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير‪ ،‬ويخبرني أني غير ملقيك‪ ،‬فأسألك‬
‫يا رب أل تهده بعدي‪ ،‬وأن تضله كما أضللتني‪ ،‬وأن تهينه كما أهنتني؛ فإذا مات خليله الكافر قال‬
‫ال تعالى لهمها‪ :‬لثيهن كهل واحهد منكمها على صهاحبه‪ ،‬فيقول‪ :‬يها رب‪ ،‬إنهه كان يأمرنهي بمعصهيتك‬
‫ومعصهية رسهولك‪ ،‬ويأمرنهي بالشهر وينهانهي عهن الخيهر ويخهبرني أنهي غيهر ملقيهك‪ ،‬فأسهألك أن‬
‫تضاعههف عليههه العذاب؛ فيقول ال تعالى‪ :‬بئس الصههاحب والخ والخليههل كنههت‪ .‬فيلعههن كههل واحههد‬
‫منهما صاحبه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والية عامة في كل مؤمن ومتق وكافر ومضل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬يا عباد ل خوف عليكم اليوم ول أنتم تحزنون}‬
‫@ قال مقاتل ورواه المعتمر بن سليمان عن أببه‪ :‬ينادي مناد في العرصات "يا عبادي ل خوف‬
‫عيكهم اليوم"‪ ،‬فيرفهع أههل العرصهة رؤوسههم‪ ،‬فيقول المنادي‪" :‬الذيهن آمنوا بآياتنها وكانوا مسهلمين"‬
‫فينكس أهل الديان رؤوسهم غير المسلمين‪.‬‬
‫وذكر المحاسبي في الرعاية‪ :‬وقد روي في هذا الحديث أن المنادي ينادي يوم القيامة‪" :‬يا عبادي‬
‫ل خوف عليكههم ول أنتههم تحزنون" فيرفههع الخلئق رؤوسهههم‪ ،‬يقولون‪ :‬نحههن عباد ال‪ .‬ثههم ينادي‬
‫الثانيههة‪" :‬الذيههن آمنوا بآياتنهها وكانوا مسههلمين" فينكههس الكفار رؤوسهههم ويبقههى الموحدون رافعههي‬
‫رؤوسهههم‪ .‬ثههم ينادي الثالث‪" :‬الذيههن آمنوا وكانوا يتقون" [يونههس‪ ]63 :‬فينكههس أهههل الكبائر‬
‫رؤوسههم‪ ،‬ويبقهى أههل التقوى رافعهي رؤوسههم‪ ،‬قهد أزال عنههم الخوف والحزن كمها وعدههم؛ لنهه‬
‫أكرم الكرميهن‪ ،‬ل يخذل وليهه ول يسهلمه عنهد الهلكهة‪ .‬وقرئ "يها عباد"‪ .‬وقرأ أبهو بكهر وزر بهن‬
‫حهبيش "يها عبادي" بفتهح الياء وإثباتهها فهي الحاليهن؛ ولذلك أثبتهها نافهع وابهن عامهر وأبهو عمرو‬
‫ورويهس سهاكنة فهي الحاليهن‪ .‬وحذفهها الباقون فهي الحاليهن؛ لنهمها وقعهت مثبتهة فهي مصهاحف أههل‬
‫الشام والمدينة ل غير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين‪ ،‬ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون}‬
‫@ قال الزجاج‪" :‬الذيهن" نصهب على النعهت لهه "عبادي" لن "عبادي" منادى مضاف‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫"الذيهن آمنوا" خهبر لمبتدأ محذوف أو ابتداء وخهبره محذوف؛ تقديره ههم الذيهن آمنوا‪ ،‬يقال لههم‪:‬‬
‫"ادخلوا الجنهة" أو يها عبادي الذيهن آمنوا ادخلوا الجنهة‪" .‬أنتهم وأزواجكهم" المسهلمات فهي الدنيها‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬قرناؤكهم مهن المؤمنيهن‪ .‬وقيهل‪ :‬زوجاتكهم مهن الحور العيهن‪" .‬تحهبرون" تكرمون؛ قاله ابهن‬
‫عباس؛ والكرامههة فههي المنزلة‪ .‬الحسههن‪ :‬تفرحون‪ .‬والفرح فههي القلب‪ .‬قتادة‪ :‬ينعمون؛ والنعيههم فههي‬
‫البدن‪ .‬مجاههد؛ تسهرون؛ والسهرور فهي العيهن‪ .‬ابهن أبهي نجيهح‪ :‬تعجبون؛ والعجهب هها هنها درك مها‬
‫يستطرف يحي بن أبي كثير‪ :‬هو التلذذ بالسماع‪ .‬وقد مضى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 :‬يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه النفس وتلذ العين‬
‫وأنتم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يطاف عليههم بصهحاف مهن ذههب وأكواب" أي لههم فهي الجنهة أطعمهة وأشربهة‬
‫يطاف بهها عليههم فهي صهحاف مهن ذههب وأكواب‪ .‬ولم يذكهر الطعمهة والشربهة؛ لنهه يعلم أنهه ل‬
‫معنههى للطافههة بالصههحاف والكواب عليهههم مههن غيههر أن يكون فيههها شيههء‪ .‬وذكههر الذهههب فههي‬
‫الصهحاف واسهتغنى بهه عهن العادة فهي الكواب؛ كقوله تعالى‪" :‬والذاكريهن ال كثيرا والذاكرات"‬
‫[الحزاب‪ .]35 :‬وفهي الصهحيحين عهن حذيفهة أنهه سهمع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪[ :‬ل‬
‫تلبسوا الحرير ول الديباج ول تشربوا في آنية الذهب والفضة ول تأكلوا في صحافها فإنها لهم في‬
‫الدنيا ولكم في الخرة]‪ .‬وقد مضى في سورة "الحج" أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير‬
‫فهي الدنيها ولم يتهب حرم ذلك فهي الخرة تحريمها مؤيدا‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال المفسهرون‪ :‬يطوف على‬
‫أدناهم في الجنة منزلة سبعون ألف غلم بسبعين ألف صحفة من ذهب‪ ،‬يغدى عليها بها‪ ،‬في كل‬
‫واحدة منهها لون ليهس فهي صهاحبتها‪ ،‬يأكهل مهن آخرهها كمها يأكهل مهن أولهها‪ ،‬ويجهد طعهم آخرهها كمها‬
‫يجهد طعهم أولهها‪ ،‬ل يشبهه بعضهه بعضها‪ ،‬ويراح عليهه بمثلهها‪ .‬ويطوف على أرفعههم درجهة كهل يوم‬
‫سبعمائة ألف غلم‪ ،‬مع كل غلم صحفة من ذهب‪ ،‬فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها‪ ،‬يأكل‬
‫من آخرها كما يأكل من أولها‪ ،‬ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها‪ ،‬ل يشبه بعضه بعضا‪.‬‬
‫"وأكواب" أي ويطاف عليههم بأكواب؛ كمها قال تعالى‪" :‬ويطاف عليههم بآنيهة مهن فضهة وأكواب"‬
‫[النسان‪.]15 :‬‬
‫وذكهر ابن المبارك قال‪ :‬أخبرنها معمر عن رجل عن أبهي قلبهة قال‪ :‬يؤتون بالطعام والشراب‪،‬‬
‫فإذا كان فهي آخهر ذلك أوتوا بالشراب الطهور فتضمهر لذلك بطونههم‪ ،‬ويفيهض عرقها مهن جلودههم‬
‫أطيب من ريح المسك؛ ثم قرأ "شرابا طهورا" [النسان‪ .]21 :‬وفي صحيح مسلم عن جابر بن‬
‫عبدال قال‪ :‬سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪[ :‬إن أههل الجنهة يأكلون فيهها ويشربون‬
‫ول يتفلون ول يبولون ول يتغوطون ول يمتخطون قالوا فمههههها بال الطعام ؟ قال‪ :‬جشاء ورشهههههح‬
‫كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير ‪ -‬في رواية ‪ -‬كما يلهمون النفس]‪.‬‬
‫@ روى الئمهة مهن حديهث أم سهلمة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬الذي يشرب فهي آنيهة‬
‫الذههب والفضهة إنمها يجرجهر فهي بطنهه نار جهنهم) وقال‪( :‬ل تشربوا فهي آنيهة الذههب والفضهة ول‬
‫تأكلوا فهي صهحافها) وهذا يقتضهي التحريهم‪ ،‬ول خلف فهي ذلك‪ .‬واختلف الناس فهي اسهتعمالها فهي‬
‫غير ذلك‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والصحيح أنه ل يجوز للرجال استعمالها في شي لقول النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم الذههب والحريهر‪( :‬هذان حرام لذكور أمتهي حهل لناثهها)‪ .‬والنههي عهن الكهل والشرب‬
‫فيهها يدل علن تحريهم اسهتعمالها؛ لنهه نوع مهن المتاع فلم يجهز‪ .‬أصهله الكهل والشرب‪ ،‬ولن العلة‬
‫فهي ذلك اسهتعجال أمهر الخرة‪ ،‬وذلك يسهتوي فيهه الكهل والشرب وسهائر أجزاء النتفاع؛ ولنهه‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬هي لهم في الدنيا ولنا في الخرة) فلم يجعل لنا فيها حظا في الدنيا‪.‬‬
‫@ إذا كان الناء مضببها بهمها أو فيهه حلقة منهما؛ فقال مالك‪ :‬ل يعجبنهي أن يشرب فيه‪ ،‬وكذلك‬
‫المرأة تكون فيها الحلقة من الفضة ول يعجبني أن ينظر فيها وجهه‪.‬‬
‫وقهد كان عنهد أنهس إناء مضبهب بفضهة وقال‪ :‬لقهد سهقيت فيهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬قال ابهن‬
‫سهيرين‪ :‬كانهت فيهه حلقهة حديهد فأراد أنهس أن يجعهل فيهه حلقهة فضهة؛ فقال أبهو طلحهة‪ :‬ل أغيهر شيئا‬
‫مما صنعه رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فتركه‪.‬‬
‫@ إذا لم يجهز اسهتعمالها لم يجهز اقتناؤهها؛ لن مها ل يجوز اسهتعماله ل يجوز اقتناؤه كالصهنم‬
‫والطنبور‪ .‬وفهي كتهب علمائنها أنهه يلزم الغرم فهي قيمتهها لمهن كسهرها‪ ،‬وههو معنهى فاسهد‪ ،‬فإن كسهره‬
‫واجب فل ثمن لقيمتها‪ .‬ول يجوز تقويمها في الزكاة بحال‪ .‬وغير هذا ل يلتفت إليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بصهحاف" قال الجوهري‪ :‬الصهحفة كالقصهعة والجمهع صهحاف‪ .‬قال الكسهائي‪:‬‬
‫أعظهم القصهاع الجفنهة ثهم القصهعة طيهها تشبهع العشرة‪ ،‬ثهم الصهحفة تشبهع الخمسهة‪ ،‬ثهم المئكلة تشبهع‬
‫الرجليههن والثلثههة‪ ،‬ثههم الصههحيفة تشبههع الرجههل‪ .‬والصههحيفة الكتاب والجمههع صههحف وصههحائف‪.‬‬
‫"وأكواب" قال الجوهري‪ :‬الكوب كوز ل عروة له‪ ،‬والجمع أكواب قال العشى يصف الخمر‪:‬‬
‫لها زبد بين كوب ودن‬ ‫صريفية طيب طعمها‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫يسعى عليه العبد بالكوب‬ ‫متكئا تصفق أبوابه‬
‫وقال قتادة‪ :‬الكوب المدور القصههير العنههق القصههير العروة‪ .‬والبريههق‪ :‬المسههتطيل العنههق الطويههل‬
‫العروة‪ .‬وقال الخفهش‪ :‬الكواب الباريهق التهي ل خراطيهم لهها‪ .‬وههي الباريهق التهي ليسهت لهها‬
‫عرى‪ .‬وقال مجاهههد‪ :‬إنههها النيههة المدورة الفواه‪ .‬السههدي‪ :‬هههي التههي ل آذان لههها‪ .‬ابههن عزيههز‪:‬‬
‫"أكواب" أباريق ل عرى لها ول خراطيم؛ واحدها كوب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو معنى قول مجاهد والسدي‪ ،‬وهو مذهب أهل اللغة أنها التي ل آذان لها ول عرى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وفيهها ما تشتهيه النفهس وتلذ العين" روى الترمذي عن سهليمان بهن بريدة عن‬
‫أبيه أن رجل سأل النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال‪،‬هل في الجنة من خيل ؟ قال‪[ :‬إن‬
‫ال أدخلك الجنهة فل تشاء أن تحمهل فيهها على فرس مهن ياقوتهة حمراء يطيهر بهك فهي الجنهة حيهث‬
‫شئت]‪ .‬قال‪ :‬وسهأله رجل فقال يها رسهول ال‪ ،‬ههل فهي الجنهة مهن إبهل ؟ قال‪ :‬فلم يقهل له مثهل مها قال‬
‫لصاحبه قال‪[ :‬إن أدخلك ال الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك]‪ .‬وقرأ أهل المدينة‪،‬‬
‫ابهن عامهر وأههل الشام "وفيهها مها تشتهيهه النفهس"‪ ،‬الباقون "تشتههي النفهس" أي تشتهيهه النفهس؛‬
‫تقول الذي ضربهت زيهد‪ ،‬أي الذي ضربتهه زيهد‪" .‬وتلذ العيهن" تقول‪ :‬لذ الشيهء يلذ لذاذا‪ ،‬ولذاذة‪.‬‬
‫ولذذت‪ .‬بالشيههء ألذ (بالكسههر فههي الماضههي والفتههح فههي المسههتقبل) لذاذا ولذاذة؛ أي وجدتههه لذيذا‪.‬‬
‫والتذذت بهه وتلذذت بهه بمعنهى‪ .‬أي فهي الجنهة مها تسهتلذه العيهن فكان حسهن المنظهر‪ .‬وقال سهعيد بهن‬
‫جهبير‪" :‬وتلذ العيهن" النظهر إلى ال عهز وجهل؛ كمها فهي الخهبر‪[ :‬أسهألك لذة النظهر إلى وجههك]‪.‬‬
‫"وأنتم فيها خالدون" باقون دائمون؛ لنها لو انقطعت لتبغضت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 72 :‬وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتلك الجنة" أي يقال لهم هذه تلك الجنة التي كانت توصف لكم في الدنيا‪ .‬وقال‬
‫ابههن خالَويههه‪ :‬أشار تعالى إلى الجنههة بتلك وإلى جهنههم بهذه؛ ليخوف بجهنههم ويؤكههد التحذيههر منههها‪.‬‬
‫وجعلها بالشارة القريبة كالحاضرة التي ينظهر إليها‪" .‬التي أورثتموها بما كنتم تعملون" قال ابن‬
‫عباس‪ :‬خلق ال لكهل نفهس جنهة ونارا؛ فالكافهر يرث نار المسهلم‪ ،‬والمسهلم يرث جنهة الكافهر؛ وقهد‬
‫تقدم هذا مرفوعههها فهههي "قهههد أفلح المؤمنون" [المؤمنون‪ ]1 :‬مهههن حديهههث أبهههي هريرة‪ ،‬وفهههي‬
‫"العراف" أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 73 :‬لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون}‬
‫@ الفاكهة معروفة‪ ،‬وأجناسها الفواكه‪ ،‬والفاكِهاني الذي يبيعها‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬هي الثمار كلها‪،‬‬
‫رطبها وطيبا؛ أي لهم في الجنة سوى الطعام والشراب فاكهة كثيرة يأكلون منها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 76 - 74 :‬إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون‪ ،‬ل يفتر عنهم وهم فيه مبلسون‪،‬‬
‫وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن المجرميهن فهي عذاب جهنهم خالدون" لمها ذكهر أحوال أههل الجنهة ذكهر أحوال‬
‫أهل النار أيضا ليبين فضل المطيع على العاصي‪" .‬ل يفتر عنهم" أي ل يخفف عنهم ذلك العذاب‪.‬‬
‫"وههم فيهه ملبسهون" أي آيسهون مهن الرحمهة‪ .‬وقيهل‪ :‬سهاكتون سهكوت يأس؛ وقهد مضهى‪" .‬ومها‬
‫ظلمناهم" بالعذاب "ولكن كانوا هم الظالمين" أنفسهم بالشرك‪ .‬ويجوز "ولكن كانوا هم الظالمون"‬
‫بالرفع على البتداء والخبر والجملة خبر كان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونادوا يهها مالك" وهههو خازن جهنههم‪ ،‬خلقههه لغضبههه؛ إذا زجههر النار زجرة أكههل‬
‫بعضها بعضا‪ .‬وقرأ علي وابن مسعود رضي ال عنهما "ونادوا يا مالِ" وذلك خلف المصحف‪.‬‬
‫وقال أبهو الدرداء وابهن مسهعود‪ :‬قرأ النهبي صهلى ال عليهه وسهلم "ونادوا يها مال "باللم خاصهة؛‬
‫يعنهي رخهم السهم وحذف الكاف‪ .‬والترخيهم الحذف‪ ،‬ومنهه ترخيهم السهم فهي النداء‪ ،‬وههو أن يحذف‬
‫من آخره حرف أوكثر‪ ،‬فتقول في مالك‪ :‬يا مال‪ ،‬وفي حارث‪ :‬يا حار‪ ،‬وفي فاطمة‪ :‬يا فاطم‪ ،‬وفي‬
‫عائشة يا عائش وفي مروان‪ :‬يا مرو‪ ،‬وهكذا‪ .‬قال‪:‬‬
‫لم يلقها سوقة قبلي ول ملك‬ ‫يا حار ل أرمين منكم به بداهية‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كلمع اليدين في حبي مكلل‬ ‫أحار ترى برقا أريك وميضه‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي‬ ‫أفاطم مهل بعض هذا التدليل‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ترجو الحباء وربها لم ييأس‬ ‫يا مرو إن مطيتي محبوسة‬
‫وفي صحيح الحديث (أي فل‪ ،‬هلم)‪ .‬ولك في آخر السم المرخم وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أن تبقيه على ما‬
‫كان عليهه قبهل الحذف‪ .‬والخهر‪ :‬أن تبقيهه على الضهم؛ مثهل‪ :‬يها زيهد؛ كأنهك أنزلتهه منزلتهه ولم تراع‬
‫المحذوف‪ .‬وذكهر أبهو بكهر النباري قال‪ :‬حدثنها محمهد بهن يحيهى المروزي قال حدثنها محمهد ‪ -‬وههو‬
‫ابهن سهعدان ‪ -‬قال حدثنها حجاج عهن شعبهة عهن الحكهم بهن عيينهة عهن مجاههد قال‪ :‬كنها ل ندري مها‬
‫الزخرف حتهى وجدناه فهي قراءة عبدال "بيهت مهن ذههب"‪ ،‬وكنها ل ندري "ونادوا يها مالك" أو يها‬
‫ملك (بفتهح اللم وكسهرها) حتهى وجدناه فهي قراءة عبدال "ونادوا يها مال" على الترخيهم‪ .‬قال أبهو‬
‫بكهر‪ :‬ل يعمهل على هذا الحديهث لنهه مقطوع ل يقبهل مثله فهي الروايهة عهن الرسهول عليهه السهلم؛‬
‫وكتاب ال أحق بأن يحتاط له وينفى عنه الباطل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفهي صهحيح البخاري عنهه صهفوان بهن يعلى عهن أبيهه قال سهمعت النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم يقرأ على المنبر‪" :‬ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك" بإثبات الكاف‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب القرظي‪ :‬بلغني ‪ -‬أو ذكر لي ‪ -‬أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال ال تعالى‪:‬‬
‫"وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب" [غافر‪ ]49 :‬فسألوا‬
‫يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب؛ فردت عليهم‪" :‬قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى‬
‫قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إل في ضلل" [غافر‪ ]50:‬قال‪ :‬فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا‬
‫مالكها؛ وههو عليههم وله مجلس فهي وسهطها‪ ،‬وجسهور تمهر عليهها ملئكهة العذاب؛ فههو يرى أقصهاها‬
‫كمها يرى أدناهها فقالوا‪" :‬يها مالك ليقهض علينها ربهك" سهألوا الموت‪ ،‬قال‪ :‬فسهكت عنههم ل يجيبههم‬
‫ثمانيههن سههنة‪ ،‬قال‪ :‬والسههنة سههتون وثلثمائة يوم‪ ،‬والشهههر ثلثون يومهها‪ ،‬واليوم كألف سههنة ممهها‬
‫تعدون‪ ،‬ثهم لحهظ إليههم بعهد الثمانيهن فقال‪" :‬إنكهم ماكثون" وذكهر الحديهث؛ ذكره ابهن المبارك‪ .‬وفهي‬
‫حديهث أبهي الدرداء عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪[ :‬فيقولون ادعوا مالكها فيقولون يها مالك‬
‫ليقهض علينها ربهك قال إنكهم ماكثون]‪ .‬قال العمهش‪ :‬نبئت أن بيهن دعائههم وبيهن إجابهة مالك إياههم‬
‫ألف عام؛ خرجههه الترمذي‪ .‬وقال ابههن عباس‪ :‬يقولون ذلك فل يجيبهههم ألف سههنة‪ ،‬ثههم يقول إنكههم‬
‫ماكثون‪ .‬وقال مجاههد ونوف البكالي‪ :‬بيهن ندائههم وإجابتهه إياههم مائة سهنة‪ .‬وقال عبدال بهن عمرو‪:‬‬
‫أربعون سنة؛ ذكره ابن المبارك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 78 :‬لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون}‬
‫@ يحتمل أن يكون هذا من قول مالك لهم؛ أي إنكم ماكثون في النار لنا جئناكم في الدنيا بالحق‬
‫فلم تقبلوا‪ .‬ويحتمل أن يكون من كلم ال لهم اليوم؛ أي بينا لكم الدلة وأرسلنا إليكم الرسل‪" .‬ولكن‬
‫أكثركههم" قال ابههن عباس‪" :‬ولكههن أكثركههم" أي ولكههن كلكههم‪ .‬وقيههل‪ :‬أراد بالكثرة الرؤسههاء والقادة‬
‫منهم؛ وأما التباع فما كان لهم أثر "للحق" أي للسلم ودين ال "كارهون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون}‬
‫@ قال مقاتهل‪ :‬نزلت فهي تدبيرههم المكهر بالنهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي دار الندوة‪ ،‬حيهن اسهتقر‬
‫أمرههم على مها أشار بهه أبهو جههل عليههم أن يهبرز مهن كهل قهبيلة رجهل ليشتركوا فهي قتله فتضعهف‬
‫المطالبة بدمه؛ فنزلت هذه الية‪ ،‬وقتل ال جميعهم ببدر‪.‬‬
‫"أبرموا" أحكموا‪ .‬والبرام الحكام‪ .‬أبرمهت الشيهء أحكمتهه‪ .‬وأبرم القتال إذا أحكهم القتهل‪ ،‬وههو‬
‫القتل الثاني‪ ،‬والول سحيل؛ كما قال‪:‬‬
‫‪ .. .‬من سحيل ومبرم‬
‫فالمعنههى‪ :‬أم أحكموا كيدا فإنهها محكمون لهههم كيدا؛ قال ابههن زيههد ومجاهههد‪ .‬قتادة‪ :‬أم أجمعوا على‬
‫التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث‪ .‬الكلبي‪ :‬أم قضوا أمرا فإنا قاضون عليهم بالعذاب‪ .‬وأم‬
‫بمعنههى بههل‪ .‬وقيههل‪" :‬أم أبرموا" عطههف على قوله‪" :‬أجعلنهها مههن دون الرحمههن آلهههة يعبدون"‬
‫[الزخرف‪ .]45 :‬وقيل‪ :‬أي ولقد جئناكم بالحق فلم تسمعوا‪ ،‬أم سمعوا فأعرضوا لنهم في أنفسهم‬
‫أبرموا أمرا أمنوا به العقاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬أم يحسبون أنا ل نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يحسبون أنا ل نسمع سرهم ونجواهم" أي ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به‬
‫بينههم‪" .‬بلى" نسهمع ونعلم‪" .‬ورسهلنا لديههم يكتبون" أي الحفظهة عندههم يكتبون عليههم‪ .‬وروي أن‬
‫هذا نزل في ثلثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها؛ فقال أحدهم‪ :‬أترون أن ال يسمع كلمنا ؟ وقال‬
‫الثاني‪ :‬إذا جهرتم سمع‪ ،‬وإذا أسررتم لم يسمع‪ .‬وقال الثالث‪ :‬إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا‬
‫أسههررتم؛ قاله محمههد بههن كعههب القرظههي‪ ،‬وقههد مضههى هذا المعنههى عههن ابههن مسههعود فههي سههورة‬
‫"فصلت"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 81 :‬قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين‪ ،‬سبحان رب السماوات والرض رب‬
‫العرش عما يصفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل إن كان للرحمهن ولد فأنها أول العابديهن" اختلف فهي معناه؛ فقال ابهن عباس‬
‫والحسن والسدي‪ :‬المعنى ما كان للرحمن ولد‪ ،‬فه "إن" بمعنى ما‪ ،‬ويكون الكلم على هذا تاما‪ ،‬ثم‬
‫تبتدئ‪" :‬فأنا أول العابدين" أي الموحدين من أهل مكة على أنه ل ولد له‪ .‬والوقف على "العابدين"‬
‫تام‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى قهل يها محمهد إن ثبهت ل ولد فأنها أول مهن يعبهد ولده‪ ،‬ولكهن يسهتحيل أن يكون له‬
‫ولد؛ وههو كمها تقول لمهن تناظره‪ :‬إن ثبهت بالدليهل فأنها أول مهن يعتقده؛ وهذا مبالغهة فهي السهتبعاد؛‬
‫أي ل سهبيل إلى اعتقاده‪ .‬وهذا ترقيهق فهي الكلم؛ كقوله‪" :‬وإنها أو إياكهم لعلى هدى أو فهي ضلل‬
‫مبين" [سبأ‪ .]24 :‬والمعنى على هذا‪ :‬ترقيق في الكلم؛ كقول‪" :‬وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في‬
‫ضلل مهبين" [سهبأ‪ .]24 :‬والمعنهى على هذا‪ :‬فأنها أول العابديهن لذلك الولد‪ ،‬لن تعظيهم الولد‬
‫تعظيهم للوالد‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬المعنهى إن كان للرحمهن ولد فأنها أول مهن عبده وحده‪ ،‬على أنهه ل ولد‬
‫له‪ .‬وقال السهدي أيضها‪ :‬المعنهى لو كان له ولد كنهت أول مهن عبده على أن له ولدا؛ ولكهن ل ينبغهي‬
‫ذلك‪ .‬قال المهدوي‪ :‬فههه "إن" على هذه القوال للشرط‪ ،‬وهههو الجود‪ ،‬وهههو اختيار الطههبري‪ ،‬لن‬
‫كونها بمعنى ما يتوهم معه أن المعنى لم يكن له فيما مضى‪ .‬وقيل‪ :‬إن معنى "العابدين" النفين‪.‬‬
‫وقال بعهض العلماء‪ :‬لو كان كذلك لكان العبديهن‪ .‬وكذلك قرأ أبهو عبدالرحمهن واليمانهي "فأنها أول‬
‫العبديهن" بغيهر ألف‪ ،‬يقال‪ :‬عبهد يعبهد عبدا (بالتحريهك) إذا أنهف وغضهب فههو عبهد‪ ،‬والسهم العبدة‬
‫مثل النفة‪ ،‬عن أبي زيد‪ .‬قال الفرزدق‪:‬‬
‫واعبد أن أهجو كلبا بدارم‬ ‫أولئك أجلسي فجئني بمثلهم‬
‫وينشد أيضا‪:‬‬
‫وأعبد أن يهجى كليب بدارم‬ ‫أولئك ناس إن هجوني هجوتهم‬
‫قال الجوهري‪ :‬وقال أبههو عمرو وقوله تعالى‪" :‬فأنهها أول العابديههن" مههن النههف والغضههب‪ ،‬وقال‬
‫الكسائي والقتبي‪ ،‬حكاه الماوردي عنهما‪ .‬وقال الهروي‪ :‬وقوله تعالى‪" :‬فأنا أول العابدين" قيل هو‬
‫مهن عبهد يعبهد؛ أي مهن النفيهن‪ .‬وقال ابهن عرفهة‪ :‬إنمها يقال عبهد يعبهد فههو عبهد؛ وقلمها يقال عابهد‪،‬‬
‫والقرآن ل يأتي بالقليل من اللغة ول الشاذ‪ ،‬ولكن المعنى فأنا أول من يعبد ال عز وجل على أنه‬
‫واحد ل ولد له‪.‬‬
‫وروي أن امرأة دخلت على زوجها فولدت منه لستة أشهر‪ ،‬فذكر ذلك لعثمان رضي ال عنه فأمر‬
‫برجمهها؛ فقال له علي‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬وحمله وفصهاله ثلثون شهرا" [الحقاف‪ ]15:‬وقال فهي‬
‫عبِد عثمان أن بعث إليها ُت َردّ‪ .‬قال عبدال‬ ‫آية أخرى‪" :‬وفصاله في عامين" [لقمان‪ ]14 :‬فوال ما َ‬
‫بن وهب‪ :‬يعني ما استنكف ول أنف‪ .‬وقال ابن العرابي "فأنا أول العابدين" أي الغضاب النفين‬
‫وقيههل‪" :‬فأنهها أول العابديههن" أي أنهها أول مههن يعبده على الوحدانيههة مخالفهها لكههم‪ .‬أبههو عههبيدة‪ :‬معناه‬
‫الجاحديههن؛ وحكههى‪ :‬عبدنههي حقههي أي جحدنههي‪ .‬وقرأ أهههل الكوفههة إل عاصههما "ولد" بضههم الواو‬
‫وإسهكان اللم‪ .‬الباقون وعاصهم "ولد" وقهد تقدم‪" .‬سهبحان رب السهماوات والرض" أي تنزيهها له‬
‫وتقديسها‪ .‬نزه نفسهه عهن كهل مها يقتضهي الحدوث‪ ،‬وأمهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالتنزيهه‪" .‬رب‬
‫العرش عما يصفون" أي عما يقولون من‪ ،‬الكذب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 83 :‬فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فذرهم يخوضوا ويلعبوا" يعني كفار مكة حين كذبوا بعذاب الخرة‪ .‬أي اتركهم‬
‫يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم "حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون" إما العذاب في الدنيا أو‬
‫في الخرة‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذا منسوخ بآية السيف‪ .‬وقيل‪ :‬هو محكم‪ ،‬وإنما أخرج مخرج التهديد‪ .‬وقرأ‬
‫ابن محيصن ومجاهد وحميد وابن القعقاع وابن السميقع "حتى يلقوا" بفتح الياء وإسكان اللم من‬
‫غير ألف؛ وفتح القاف هنا وفي"الطور" و"المعارج"‪ .‬الباقون "يلقوا"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 84 :‬وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله وهو الحكيم العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وههو الذي فهي السهماء إله وفهي الرض إله" هذا تكذيهب لههم فهي أن ل شريكها‬
‫وولدا؛ أي ههو المسهتحق للعبادة فهي السهماء والرض‪ .‬وقال عمهر رضهي ال عنهه وغيره‪ :‬المعنهى‬
‫وهو الذي في السماء إله في الرض؛ وكذلك قرأ‪ .‬والمعنى أنه يعبد فيهما‪ .‬وروي أنه قرأ هو وابن‬
‫مسهعود وغيرهمها "وههو الذي فهي السهماء ال وفهي الرض ال" وهذا خلف المصهحف‪ .‬و"إله"‬
‫رفهع على أنهه خهبر مبتدأ محذوف؛ أي وههو الذي فهي السهماء ههو إله؛ قاله أبهو علي‪ .‬وحسهن حذفهه‬
‫لطول الكلم‪ .‬وقيهل‪" :‬فهي" بمعنهى على؛ كقوله تعالى‪" :‬ولصهلبنكم فهي جذوع النخهل" [طهه‪]71 :‬‬
‫أي على جذوع النخل؛ أي هو القادر على السماء والرض‪" .‬وهو الحكيم العليم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 85 :‬وتبارك الذي له ملك السهماوات والرض ومها بينهمها وعنده علم السهاعة وإليهه‬
‫ترجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تبارك" تفاعل من البركة؛ وقد تقدم‪" .‬وعنده علم الساعة" أي وقت قيامها‪" .‬وإليه‬
‫ترجعون" قرأ ابهههن كثيهههر وحمزة والكسهههائي "وإليهههه يرجعون" بالياء‪ .‬الباقون بالتاء‪ .‬وكان ابهههن‬
‫محيصن وحميد ويعقوب وابن أبي إسحاق يفتحون أوله على أصولهم‪ .‬وضم الباقون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 86 :‬ول يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إل من شهد بالحق وهم يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل مهن شههد بالحهق" فهي موضهع الخفهض‪ .‬وأراد بهه "الذيهن يدعون مهن دونهه"‬
‫عيسهى وعزيرا والملئكهة‪ .‬والمعنهى ول يملك هؤلء الشفاعهة إل لمهن شههد بالحهق وآمهن على علم‬
‫وبصيرة؛ قال سعيد بن جبير وغيره‪ .‬قال‪ :‬وشهادة الحق ل إله إل ال‪ .‬وقيل‪" :‬من" في محل رفع؛‬
‫أي ول يملك الذيههن يدعون مههن دونههه الشفاعههة؛ يعنههي اللهههة ‪ -‬فههي قول قتادة ‪ -‬أي ل يشفعون‬
‫لعابديهها إل من شههد بالحهق؛ يعنهي عزيرا وعيسهى والملئكة فإنههم يشهدون بالحهق والوحدانية ل‪.‬‬
‫"وهم يعلمون" حقيقة ما شهدوا به‪ .‬قيل‪ :‬إنها نزلت بسبب أن النضر بن الحارث ونفرا من قريش‬
‫قالوا‪ :‬إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملئكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه؛ فأنزل ال‪" :‬ول‬
‫يملك الذين‪ ،‬يدعون من دونه الشفاعة إل من شههد بالحهق" أي اعتقدوا أن الملئكة أو الصنام أو‬
‫الجن أو الشياطين تشفع لهم ول شفاعة لحد يوم القيامة‪.‬‬
‫"إل من شهد بالحق" يعني المؤمنين إذا أذن لهم‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬إن من شهد بالحق" أي شهد أن‬
‫ل إله إل ال وأن محمدا رسهول ال‪ .‬وقيهل‪ :‬أي ل يملك هؤلء العابدون مهن دون ال أن يشفهع لههم‬
‫أحد إل من شهد بالحق؛ فإن من شهد بالحق يشفع له ول يشفع لمشرك‪ .‬و"إل" بمعنى لكن؛ أي ل‬
‫ينال المشركون الشفاعة لكن ينال الشفاعة من شههد بالحهق؛ فهو استئناء منقطع‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫متصهل؛ لن فهي جملة "الذيهن يدعون مهن دونهه" الملئكهة‪ .‬ويقال‪ :‬شفعتهه وشفعهت له؛ مثهل كاتهه‬
‫وكلت له‪.‬‬
‫وقيهل‪" :‬إل مهن شههد بالحهق" إل مهن تشههد له الملئكهة بأنهه كان على الحهق فهي الدنيها‪ ،‬مهع علمههم‬
‫بذلك منه بأن يكون ال أخبرهم به‪ ،‬أو بأن شاهدوه على اليمان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل مهن شههد بالحهق وههم يعلمون" يدل على معنييهن‪ :‬أحدهمها‪ :‬أن الشفاعهة بالحهق‬
‫غيهر نافعهة إل مهع العلم‪ ،‬وأن التقليهد ل يغنهي مهع عدم العلم بصهحة المقالة‪ .‬والثانهي‪ :‬أن شرط سهائر‬
‫الشهادات فهي الحقوق وغيرهها أن يكون الشاههد عالمها بهها‪ .‬ونحوه مها روي عهن النهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإل فدع)‪ .‬وقد مضى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 87 :‬ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن ال فأنى يؤفكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن سهألتهم مهن خلقههم ليقولن ال" أي لقروا بأن ال خلقههم بعهد أن لم يكونوا‬
‫شيئا‪" .‬فأنههى يؤفكون" أي كيههف ينقلبون عههن عبادتههه وينصههرفون حتههى أشركوا بههه غيره رجاء‬
‫شفاعتههم له‪ .‬يقال‪ :‬أفكهه يأفكهه أفكها؛ أي قلبهه وصهرفه عهن الشيهء‪ .‬ومنهه قوله تعالى‪" :‬قالوا أجئتنها‬
‫لتأفكنها عهن آلهتنها" [الحقاف‪ .]22 :‬وقيهل‪ :‬أي ولئن سهألت الملئكهة وعيسهى "مهن خلقههم" لقالوا‬
‫ال‪" .‬فأنى يؤفكون" أي فأنى يؤفك هؤلء في ادعائهم إياهم آلهة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 88 :‬وقيله يا رب إن هؤلء قوم ل يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيله" فيه ثلث قراءات‪ :‬النصب‪ ،‬والجر‪ ،‬والرفع‪ .‬فأما الجر فهي قراءة عاصم‬
‫وحمزة‪ .‬وبقيهة السهبعة بالنصهب‪ .‬وأمها الرفهع فههي قراءة العرج وقتادة وابهن هرمهز ومسهلم بهن‬
‫جندب‪ .‬فمهن جهر حمله على معنهى‪ :‬وعنده علم السهاعة وعلم قيله‪ .‬ومهن نصهب فعلى معنهى‪ :‬وعنده‬
‫علم الساعة ويعلم قيله؛ وهذا اختيار الزجاج‪.‬‬
‫وقال الفراء والخفههش‪ :‬يجوز أن يكون "قيله" عطفهها على قوله‪" :‬أنهها ل نسههمع سههرهم ونجواهههم"‬
‫[الزخرف‪ .]80 :‬قال ابهن النباري‪ :‬سهألت أبها العباس محمهد بهن يزيهد المهبرد بأي شيهء تنصهب‬
‫القيهل ؟ فقال‪ :‬أنصهبه على "وعنده علم السهاعة ويعلم قيله"‪ .‬فمهن هذا الوجهه ل يحسهن الوقهف على‬
‫"ترجعون"‪ ،‬ول على "يعلمون"‪ .‬ويحسهن الوقهف على "يكتبون"‪ .‬وأجاز الفراء والخفهش أن‬
‫ينصهب القيهل على معنهى‪ :‬ل نسهمع سهرهم ونجواههم وقيله؛ كمها ذكرنها عنهمها فمهن هذا الوجهه ل‬
‫يحسهن الوقهف على "يكتبون"‪ .‬وأجاز الفراء والخفهش أيضها‪ :‬أن ينصهب على المصهدر؛ كأنهه قال‪:‬‬
‫وقال قيله‪ ،‬وشكا شكواه إلى ال عز وجل‪ ،‬كما قال كعب بن زهير‪:‬‬
‫إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول‬ ‫تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم‬
‫أراد‪ :‬ويقولون قيلهههم‪ .‬ومههن رفههع "قيله" فالتقديههر‪ :‬وعنده قيله‪ ،‬أوقيله مسههموع‪ ،‬أوقيله هذا القول‪.‬‬
‫الزمخشري‪ :‬والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه‬
‫بمها ل يحسهن اعتراضها ومهع تنافهر النظهم‪ .‬وأقوى مهن ذلك وأوجهه أن يكون الجهر والنصهب على‬
‫إضمار حرف القسهم وحذفهه‪ .‬والرفهع على قولههم‪ :‬ايمهن ال وأمانهة ال ويميهن ال ولعمرك‪ ،‬ويكون‬
‫قوله‪" :‬إن هؤلء قوم ل يؤمنون" جواب القسههم؛ كأنههه قال‪ :‬وأقسههم بقيله يهها رب‪ ،‬أو قيله يهها رب‬
‫قسمي‪ ،‬إن هؤلء قوم ل يؤمنون‪ .‬وقال ابن النباري‪ :‬ويجوز في العربية "وقيله" بالرفع‪ ،‬على أن‬
‫ترفعهههه بإن هؤلء قوم ل يؤمنون‪ .‬المهدوي‪ :‬أويكون على تقديهههر وقيله قيله يههها رب؛ فحذف قيله‬
‫الثانهي الذي ههو خهبر‪ ،‬وموضهع "يها رب" نصهب بالخهبر المضمهر‪ ،‬ول يمتنهع ذلك مهن حيهث امتنهع‬
‫حذف بعض الموصول وبقي بعضه؛ لن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور‪ .‬والهاء‬
‫فههي "قيله" لعيسههى‪ ،‬وقيههل لمحمههد صههلى ال عليههه وسههلم‪ ،‬وقههد جرى ذكره إذ قال‪" :‬قههل إن كان‬
‫للرحمن ولد" [الزخرف‪ .]81 :‬وقرأ أبو قلبة "يا رب" بفتح الباء‪ .‬والقيل مصدر كالقول؛ ومنه‬
‫الخبر (نهى عن قيل وقال)‪ .‬ويقال‪ :‬قلت قول وقيل وقال‪ .‬وفي النساء "ومن أصدق من ال قيل"‬
‫[النساء‪.]122 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 89 :‬فاصفح عنهم وقل سلم فسوف يعلمون}‬
‫@ قال قتادة‪ :‬أمر بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم؛ فصار الصفح منسوخا بالسيف‪ .‬ونحوه عن ابن‬
‫عباس قال‪" :‬فاصهفح عنههم" أعرض عنههم‪" .‬وقهل سهلم" أي معروفها؛ أي قهل المشركيهن أههل مكهة‬
‫"فسههوف تعلمون" ثههم نسههخ هذا فههي سههورة "التوبههة" بقوله تعالى‪" :‬فاقتلوا المشركيههن حيههث‬
‫وجدتموههم" [التوبهة‪ ]5 :‬اليهة‪ .‬وقيهل‪ :‬ههي محكمهة لم تنسهخ‪ .‬وقراءة العامهة "فسهوف يعملون"‬
‫(بالباء) على أنه خبر من ال تعالى لنبيه بالتهديد‪ .‬وقرأ نافع وابن عامر "تعلمون" (بالتاء) على‬
‫أنه من خطاب النبي صلى ال عليه وسلم المشركين بالتهديد‪ .‬و"سلم" رفع بإضمار عليكم؛ قاله‬
‫الفراء‪ .‬ومعناه المههر بتوديعهههم بالسههلم‪ ،‬ولم يجعله تحيههة لهههم؛ حكاه النقاش‪ .‬وروى شعيههب بههن‬
‫الحبحاب أنه عرفه بذلك كيف السلم عليهم؛ وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الدخان‬
‫*‪ *3‬المقدمة‬
‫@ سهورة الدخان مكيهة باتفاق‪ ،‬إل قوله تعالى‪" :‬إنها كاشفوا العذاب قليل" [الدخان‪ .]15 :‬وههي‬
‫سهبع وخمسهون آيهة‪ .‬وقيهل تسهع‪ .‬وفهي مسهند الدارمهي عهن أبهي رافهع قال‪( :‬مهن قرأ الدخان فهي ليلة‬
‫الجمعهة أصهبح مغفورا له وزوج مهن الحور العيهن) رفعهه الثعلبهي مهن حديهث أبهي هريرة أن النهبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬من قرأ الدخان فهي ليلة الجمعة أصهبح مغفورا له)‪ .‬وفهي لفظ آخر عن‬
‫أبهي هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬مهن قرأ الدخان فهي ليلة أصهبح يسهتغفر له سهبعون‬
‫ألف ملك)‪ .‬وعن أبي أمامة قال‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من قرأ حم الدخان ليلة‬
‫الجمعة أو يوم الجمعة بنى ال له بيتا في الجنة)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬حم‪ ،‬والكتاب المبين‪ ،‬إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين}‬
‫@ إن جعلت "حم" جواب القسم تم الكلم عند قوله‪" :‬المبين" ثم تبتدئ "إنا أنزلناه"‪ .‬وإن جعلت‬
‫"إنا كنا منذرين" جواب القسم الذي هو "الكتاب" وقفت على "منذرين" وابتدأت "فيها يفرق كل‬
‫أمر حكيم "‪ .‬وقيل‪ :‬الجواب "إنا أنزلناه"‪ ،‬وأنكره بعض النحويين من حيث كان صفة للمقسم به‪،‬‬
‫ول تكون صهفة المقسم به جوابا للقسهم‪ ،‬والهاء في "أنزلناه" للقرآن‪ .‬ومن قال‪ :‬أقسهم بسهائر الكتهب‬
‫فقوله‪" :‬إنهها أنزلناه" كنههى بههه عههن غيههر القرآن‪ ،‬على مهها تقدم بيانههه فههي أول "الزخرف" والليلة‬
‫المباركههة ليلة القدر‪ .‬ويقال‪ :‬ليلة النصههف مههن شعبان‪ ،‬ولههها أربعههة أسههماء الليلة المباركههة‪ ،‬وليلة‬
‫البراءة‪ ،‬وليلة الصههك‪ ،‬وليلة القدر‪ .‬ووصههفها بالبركههة لمهها ينزل ال فيههها على عباده مههن البركات‬
‫والخيرات والثواب‪ .‬وروى قتادة عههن واثلة أن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم قال‪( :‬أنزلت صههحف‬
‫إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الزبور لثنتي‬
‫عشرة مهن رمضان وأنزل النجيهل لثمان عشرة خلت مهن رمضان وأنزل القرآن لربهع وعشريهن‬
‫مضت من رمضان)‪ .‬ثم قيل‪ :‬أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة‪ .‬ثم أنزل نجما نجما‬
‫فهي سهائر اليام على حسهب اتفاق السهباب‪ .‬وقيهل‪ :‬كان ينزل فهي كهل ليلة القدر مها ينزل فهي سهائر‬
‫السهنة‪ .‬وقيهل‪ :‬كان ابتداء النزال فهي هذه الليلة‪ .‬وقال عكرمهة‪ :‬الليلة المباركهة هها هنها ليلة النصهف‬
‫من شعبان‪ .‬والول أصح لقوله تعالى‪" :‬إنا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر‪ .]1 :‬قال قتادة وابن زيد‪:‬‬
‫أنزل ال القرآن كله فهي ليلة القدر مهن أم الكتاب إلى بيهت العزة فهي سهماء الدنيها‪ ،‬ثهم أنزل ال على‬
‫نهبيه صهلى ال عليهه وسهلم فهي الليالي واليام فهي ثلث وعشريهن سهنة‪ .‬وهذا المعنهى قهد مضهى فهي‬
‫"البقرة" عند قوله تعالى‪" :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" [البقرة‪ ،]185 :‬ويأتي آنفا إن‬
‫شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬فيها يفرق كل أمر حكيم}‬
‫@ قال ابن عباس‪ :‬يحكم ال أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أوموت أورزق‪.‬‬
‫وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم‪ .‬وقيل‪ :‬إل الشقاء والسعادة فإنهما ل يتغيران‪ ،‬قاله ابن عمر‪.‬‬
‫قال المهدوي‪ :‬ومعنهى هذا القول أمهر ال عهز وجهل الملئكهة بمها يكون فهي ذلك العام ولم يزل ذلك‬
‫في علمه عز وجل‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الحياء‬
‫مهن الموات‪ ،‬ويكتهب الحاج فل يزاد فيههم أحهد ول ينقهص منههم أحهد‪ .‬وروى عثمان بهن المغيرة‬
‫قال‪ :‬قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬تقطهع الجال مهن شعبان إلى شعبان حتهى أن الرجهل لينكهح‬
‫ويولد له وقههد خرج اسههمه فههي الموتههى)‪ .‬وعههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم قال‪( :‬إذا كانههت ليلة‬
‫النصهف مهن شعبان فقوموا ليلتهها وصهوموا نهارهها فإن ال ينزل لغروب الشمهس إلى سهماء الدنيها‬
‫يقول أل مستغفر فأغفر له أل مبتلى فأعافيه أل مسترزق فأرزقه أل كذا أل كذا حتى يطلع الفجر)‬
‫ذكره الثعلبي‪ .‬وخرج الترمذي بمعناه عن عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن ال عز‬
‫وجهل ينزل ليلة النصهف مهن شعبان إلى سهماء الدنيها فيغفهر لكثهر مهن عدد شعهر غنهم كلب)‪ .‬وفهي‬
‫الباب عن أبي بكر الصديق قال أبو عيسى‪ :‬حديث عائشة ل نعرفه مرفوعا إل من حديث الحجاج‬
‫بهن أرطاة عهن يحيهى بهن أبهي كثيرة عهن عروة عهن عائشهة‪ ،‬وسهمعت محمدا يضعهف هذا الحديهث‪،‬‬
‫وقال‪ :‬يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة‪ ،‬والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقهد ذكهر حديهث عائشهة مطول صهاحب كتاب العروس‪ ،‬واختار أن الليلة التهي يفرق فيهها‬
‫كهل أمهر حكيهم ليلة النصهف مهن شعبان‪ ،‬وأنهها تسهمى ليلة البراءة‪ .‬وقهد ذكرنها قوله والرد عليهه فهي‬
‫غير هذا الموضع‪ ،‬وأن الصحيح إنما هي ليلة القدر على ما بيناه‪ .‬روى حماد بن سلمة قال أخبرنا‬
‫ربيعهة بهن كلثوم قال‪ :‬سهأل رجهل الحسهن وأنها عنده فقال‪ :‬يها أبها سهعيد‪ ،‬أرأيهت ليلة القدر أفهي كهل‬
‫رمضان ههي ؟ قال‪ :‬أي وال الذي ل إله إل ههو‪ ،‬إنهها فهي كهل رمضان‪ ،‬إنهها الليلة التهي يفرق فيهها‬
‫كل أمر حكيم‪ ،‬فيها يقضي ال كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يكتب من‬
‫أم الكتاب فهي ليلة القدر مها يكون فهي السهنة مهن موت وحياة ورزق ومطهر حتهى الحهج؛ يقال‪ :‬يحهج‬
‫فلن ويحهج فلن‪ .‬وقال فهي هذه اليهة‪ :‬إنهك لترى الرجهل يمشهي فهي السهواق وقهد وقهع اسهمه فهي‬
‫الموتهى‪ .‬وهزه البانهة لحكام السهنة إنمها ههي للملئكهة الموكليهن بأسهباب الخلق‪ .‬وقهد ذكرنها هذا‬
‫المعنهى آنفها‪ .‬وقال القاضهي أبهو بكهر بهن العربهي‪ :‬وجمهور العلماء على أنهها ليلة القدر‪ .‬ومنههم مهن‬
‫قال‪ :‬إنها ليلة النصف من شعبان؛ وهو باطل لن ال تعالى قال في كتابه الصادق القاطع‪" :‬شهر‬
‫رمضان الذي أنزل فيهه القرآن" [البقرة‪ ]185 :‬فنهص على أن ميقات نزوله رمضان‪ ،‬ثهم عيهن‬
‫من زمانه الليل ها هنا بقوله‪" :‬في ليلة مباركة" فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على ال‪،‬‬
‫وليهس فهي ليلة النصهف مهن شعبان حديهث يعول عليهه ل فهي فضلهها ول فهي نسهخ الجال فيهها فل‬
‫تلتفتوا إليهها‪ .‬الزمخشري‪" :‬وقيهل يبدأ فهي اسهتنساخ ذلك مهن اللوح المحفوظ فهي ليلة البراءة ويقهع‬
‫الفراغ فههي ليلة القدر؛ فتدفههع نسههخة الرزاق إلى ميكائيههل‪ ،‬ونسههخة الحروب إلى جبريههل‪ ،‬وكذلك‬
‫الزلزل والصههواعق والخسههف؛ ونسههخة العمال إلى إسههماعيل صههاحب سههماء الدنيهها وهههو ملك‬
‫عظيهم؛ ونسهخة المصهائب إلى ملك الموت‪ .‬وعهن بعضههم‪ :‬يعطهى كهل عامهل بركات أعماله؛ فيلقهى‬
‫على ألسهنة الخلق مدحهه‪ ،‬وعلى قلوبههم هيبتهه‪ .‬وقرئ "نفرق" بالتشديهد‪ ،‬و"يفرق" كهل على بنائه‬
‫للفاعهل ونصهب "كهل"‪ ،‬والفارق ال عهز وجهل‪ .‬وقرأ زيهد بهن علي رضهي ال عنهه "نفرق" بالنون‪.‬‬
‫"وكل أمر حكيم" كل شأن ذي حكمة؛ أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة "‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين‪ ،‬رحمة من ربك إنه هو السميع العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمرا مهن عندنها" قال النقاش‪ :‬المهر ههو القرآن أنزله ال مهن عنده‪ .‬وقال ابهن‬
‫عيسهى‪ :‬ههو مها قضاه ال فهي الليلة المباركهة مهن أحوال عباده‪ .‬وههو مصهدر فهي موضهع الحال‪.‬‬
‫وكذلك "رحمهة ربهك" وهمها عنهد الخفهش حالن؛ تقديرهمها‪ :‬أنزلناه آمريهن بهه وراحميهن‪ .‬المهبرد‪:‬‬
‫"أمرا" في موضع المصدر‪ ،‬والتقدير‪ :‬أنزلناه إنزال‪ .‬الفراء والزجاج‪" :‬أمرا" نصب ن"يفرق"‪،‬‬
‫مثل قولك "يفرق فرقا" فأمر بمعنى فرق فهو مصدر‪ ،‬مثل قولك‪ :‬يضرب ضربا‪ .‬وقيل‪" :‬يفرق"‬
‫يدل على يؤمهر‪ ،‬فههو مصهدر عمهل فيهه مها قبله‪" .‬إنها كنها مرسهلين‪ .‬رحمهة مهن ربهك" قال الفراء‬
‫"رحمهة" مفعول بهه "مرسهلين"‪ .‬والرحمهة النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬رحمهة"‬
‫مفعول مههن أجله؛ أي أرسههلناه للرحمههة‪ .‬وقيههل‪ :‬هههي بدل مههن قول‪" .‬أمرا" وقيههل‪ :‬هههي مصههدر‪.‬‬
‫الزمخشري‪" :‬أمرا" نصهب على الختصهاص‪ ،‬جعهل كهل أمهر جزل فخمها بأن وصهفه بالحكيهم‪ ،‬ثهم‬
‫زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال‪ :‬أعنى بهذا المر أمرا حاصهل من عندنا‪ ،‬كائنا من لدنا‪ ،‬وكما‬
‫اقتضاه علمنها وتدبيرنها‪ .‬وفهي قراءة زيهد بهن علي "أمهر مهن عندنها" على ههو أمهر‪ ،‬وههي تنصهر‬
‫انتصابه على الختصاص‪ .‬وقرأ الحسن "رحمة" على تلك هي رحمة‪ ،‬وهي تنصر انتصابها بأنه‬
‫مفعول له‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 9 - 7 :‬رب السهماوات والرض ومها بينهمها إن كنتهم موقنيهن‪ ،‬ل إله إل ههو يحيهي‬
‫ويميت ربكم ورب آبائكم الولين‪ ،‬بل هم في شك يلعبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رب السماوات والرض" قرأ الكوفيون "رب" بالجر‪ .‬الباقون بالرفع؛ ردا على‬
‫قوله‪" :‬إنه هو السهميع العليهم"‪ .‬وإن شئت على البتداء‪ ،‬والخبر ل إله إل هو‪ .‬أو يكون خبر ابتداء‬
‫محذوف؛ تقديره‪ :‬هههو رب السههماوات والرض‪ .‬والجههر على البدل مههن "ربههك" وكذلك‪" :‬ربكههم‬
‫ورب آبائكهم الوليهن" بالجهر فيهمها؛ رواه الشيزري عهن الكسهائي‪ .‬الباقون بالرفهع على السهتئناف‪.‬‬
‫ثهههم يحتمهههل أن يكون هذا الخطاب مهههع المعترف بأن ال خلق السههماوات والرض؛ أي إن كنتهههم‬
‫موقنيهن بهه فاعلموا أن له أن يرسهل الرسهل‪ ،‬ويجوز الكتهب‪ .‬ويجوز أن يكون الخطاب مهع مهن ل‬
‫يعترف أنه الخالق؛ أي ينبغي أن يعرفوا أنه الخالق؛ وأنه الذي يحيي ويميت‪ .‬وقيل‪ :‬الموقن ها هنا‬
‫هو الذي يريد اليقين ويطلبه؛ كما تقول‪ :‬فلن ينجد؛ أي يريد نجدا‪ .‬ويتهم؛ أي يريد تهامة‪" .‬ل إله‬
‫إل ههو يحيهي ويميهت" أي ههو خالق العالم؛ فل يجوز أن يشرك بهه غيره ممهن ل يقدر على خلق‬
‫شيهء‪ .‬و"ههو يحيهي ويميهت" أي يحيهي الموات ويميهت الحياء‪" .‬ربكهم ورب آبائكهم الوليهن" أي‬
‫مالككم ومالك من تقدم منكم‪ .‬واتقوا تكذيب محمد لئل ينزل بكم العذاب‪" .‬بل هم في شك يلعبون"‬
‫أي ليسهوا على يقيهن فيمها يظهرونهه مهن اليمان والقرار فهي قولههم‪ :‬إن ال خالقههم؛ وإنمها يقولونهه‬
‫لتقليد آبائهم من غير علم فهم في شك‪ .‬وإن توهموا أنهم مؤمنون فهم يلعبون في دينهم بما يعن لهم‬
‫من غير حجة‪ .‬وقيل‪" :‬يلعبون" يضيفون إلى النبي صلى ال عليه وسلم الفتراء استهزاء‪ .‬ويقال‬
‫لمن أعرض عن المواعظ‪ :‬لعب؛ وهو كالصبي الذي يلعب فيفعل ما ل يدري عاقبته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‪ ،‬يغشى الناس هذا عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" ارتقب معناه انتظر يا محمد بهؤلء الكفار‬
‫يوم تأتههي السههماء بدخان مههبين؛ قال قتادة‪ .‬وقيههل‪ :‬معناه أحفههظ قولهههم هذا لتشهههد عليهههم يوم تأتههى‬
‫السهماء بدخان مهبين؛ ولذلك سهمي الحافهظ رقيبها‪ .‬وفهي الدخان أقوال ثلثهة‪ :‬الول‪ :‬أنهه مهن أشراط‬
‫السهاعة لم يجيهء بعهد‪ ،‬وأنهه يمكهث فهي الرض أربعيهن يومها يمل مها بيهن السهماء والرض؛ فأمها‬
‫المؤمهن فيصهيبه مثهل الزكام‪ ،‬وأمها الكافهر والفاجهر فيدخهل فهي أنوفههم فيثقهب مسهامعهم‪ ،‬ويضيهق‬
‫أنفاسهم؛ وهو من آثار جهنم يوم القيامة‪ .‬وممن قال إن الدخان لم يأت بعد‪ :‬علي وابن عباس وابن‬
‫عمرو وأبهو هريرة وزيهد بهن علي والحسهن وابهن أبهي مليكهة وغيرههم‪ .‬وروى أبهو سهعيد الخدري‬
‫مرفوعا أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة؛ يأخذ المؤمن منه كالزكمة‪ .‬ومنفخ الكافر حتى يخرج‬
‫مهن كهل مسهمع منهه؛ ذكره الماوردي‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم عهن أبهي الطفيهل عهن حذيفهة بهن أسهيد‬
‫الغفاري قال‪ :‬أطلع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم علينها ونحهن نتذاكهر فقال‪( :‬مها تذكرون) ؟ قالوا‪:‬‬
‫نذكهر السهاعة؛ قال‪( :‬إنهها لن تقوم حتهى تروا قبلهها عشهر آيات ‪ -‬فذكهر ‪ -‬الدخان والدجال والدابهة‬
‫وطلوع الشمهس مهن مغربهها ونزول عيسهى ابهن مريهم وخروج يأجوج ومأجوج وثلثهة خسهوف‬
‫خسهههف بالمشرق وخسهههف بجزيرة العرب وآخهههر ذلك نار تخرج مهههن اليمهههن تطرد الناس إلى‬
‫محشرههم)‪ .‬فهي روايهة عهن حذيفهة (إن السهاعة ل تكون حتهى تكون عشهر آيات‪ :‬خسهف بالمشرق‬
‫وخسههف بالمغرب وخسههف فههي جزيرة العرب والدخان والدجال ودابههة الرض ويأجوج ومأجوج‬
‫وطلوع الشمهس مهن مغربهها ونار تخرج مهن قعهر عدن ترحهل الناس)‪ .‬وخرجهه الثعلبهي أيضها عهن‬
‫حذيفهة قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬أول اليات خروجها الدجال ونزول عيسهى ابهن‬
‫مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم‬
‫إذا قالوا وتصهبح معههم إذا أصهبحوا وتمسهي معههم إذا أمسهوا)‪ .‬قلت‪ :‬يها نهبي ال‪ ،‬ومها الدخان ؟ قال‬
‫هذه اليهة‪" :‬ارتقهب يوم تأتهي السهماء بدخان مهبين" يمل مها بيهن المشرق والمغرب يمكهث أربعيهن‬
‫يومها وليلة أمها المؤمهن فيصهيبه منهه شبهه الزكام والكافهر فيكون بمنزلة السهكران يخرج الدخان مهن‬
‫فمهه ومنخره وعينيهه وأذنهه ودبره)‪ .‬فهذا قول‪ .‬القول الثانهي‪ :‬أن الدخان ههو مها أصهاب قريشها مهن‬
‫الجوع بدعاء النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬حتهى كان الرجهل يرى بيهن السماء والرض دخانا؛ قاله‬
‫ابن مسعود‪ .‬قال وقد كشفه ال عنهم‪ ،‬ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم‪ .‬والحديث عنه بهذا في‬
‫صههحيح البخاري ومسههلم والترمذي‪ .‬قال البخاري‪ :‬حدثنههي يحيههى قال حدثنهها أبههو معاويههة عههن‬
‫العمش عن مسلم عن مسروق قال‪ :‬قال عبدال‪ :‬إنما كان هذا لن قريشا لما استعصت على النبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم دعها عليههم بسهنين كسهني يوسهف‪ ،‬فأصهابهم قحهط وجههد حتهى أكلوا العظام‪،‬‬
‫فجعهل الرجهل ينظهر إلى السهماء فيرى مها بينهه وبينهها كهيئة الدخان مهن الجههد؛ فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫"فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‪ .‬يغشى الناس هذا عذاب أليم"‪ .‬قال‪ :‬فأتي رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقيل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬استسق ال لمضر فإنها قد هلكت‪ .‬قال‪( :‬لمضر! إنك لجريء)‬
‫فاسهتسقى فسهقوا؛ فنزلت "إنكهم عائدون" [الدخان‪ .]15 :‬فلمها أصهابتهم الرفاهيهة عادوا إلى حالههم‬
‫حين أصابتهم الرفاهية؛ فأنزل ال عز وجل‪" :‬يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون" قال‪ :‬يعني‬
‫يوم بدر‪ .‬قال أبهو عهبيدة‪ :‬والدخان الجدب‪ .‬القتهبي سهمي دخانها ليبهس الرض منهه حيهن يرتفهع منهها‬
‫كالدخان‪ .‬القول الثالث‪ :‬إنه يوم‪ .‬فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة؛ قاله عبدالرحمن العرج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يغشهى الناس" فهي موضهع الصهفة للدخان‪ ،‬فإن كان قهد مضهى على مها قال ابهن‬
‫مسهعود فههو خاص بالمشركيهن مهن أههل مكهة‪ ،‬وإن كان مهن أشراط السهاعة فههو عام على مها تقدم‪.‬‬
‫"هذا عذاب أليم" أي يقول ال لهم‪" :‬هذا عذاب أليم"‪ .‬فمن قال‪ :‬إن الدخان قد مضى فقوله‪" :‬هذا‬
‫عذاب أليهم" حكايهة حال ماضيهة‪ ،‬ومهن جعله مسهتقبل‪ .‬فههو حكايهة حال آتيهة‪ .‬وقيهل‪" :‬هذا" بمعنهى‬
‫ذلك‪ .‬وقيهل‪ :‬أي يقول الناس لذلك الدخان‪" :‬هذا عذاب أليهم"‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو إخبار عهن دنهو المهر؛ كمها‬
‫تقول‪ :‬هذا الشتاء فأعد له‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}‬
‫@ أي يقولون ذلك‪ :‬اكشهف عنها العذاب فهه "إنها مؤمنون"؛ أي نؤمهن بهك إن كشفتهه عنها‪ .‬قيهل‪ :‬إن‬
‫قريشها أتوا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقالوا‪ :‬إن كشهف ال عنها هذا العذاب أسهلمنا‪ ،‬ثهم نقضوا هذا‬
‫القول‪ .‬قال قتادة‪" :‬العذاب" هنا الدخان‪ .‬وقيل‪ :‬الجوع؛ حكاه النقاش‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول تناقههض؛ فإن الدخان لم يكههن‪ ،‬إل مههن الجوع الذي أصههابهم؛ على مهها تقدم‪ .‬وقههد يقال‬
‫للجوع والقحهط‪ :‬الدخان؛ ليبهس الرض فهي سهنة الجدب وارتفاع الغبار بسهبب قلة المطار؛ ولهذا‬
‫يقال لسهنة الجدب‪ :‬الغهبراء‪ .‬وقيهل‪ :‬إن العذاب هنها الثلج‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وهذا ل وجهه له؛ لن هذا‬
‫إنما يكون في الخرة أو في أهل مكة‪ ،‬ولم تكن مكة من بلد الثلج؛ غير أنه مقول فحكيناه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين‪ ،‬ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أنى لهم الذكرى" أي من أين يكون لهم التذكر والتعاظ عند حلول العذاب‪" .‬وقد‬
‫جاءههم رسهول مهبين" يهبين لههم الحهق‪ ،‬والذكرى والذكهر واحهد؛ قاله البخاري‪" .‬ثهم تولوا عنهه" أي‬
‫أعرضوا‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬أي متى يتعظون وال أبعدهم من التعاظ والتذكر بعد توليهم عن محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم وتكذيبهم إياه‪ .‬وقيل‪ :‬أي أنى ينفعهم قولهم‪" :‬إنا مؤمنون" بعد ظهور العذاب‬
‫غدا أو بعههد ظهور أعلم السههاعة‪ ،‬فقههد صههارت المعارف ضروريههة‪ .‬وهذا إذا جعلت الدخان آيههة‬
‫مرتقبهة‪" .‬وقالوا معلم مجنون" أي علمهه بشهر أو علمهه الكهنهة والشياطيهن‪ ،‬ثهم ههو مجنون وليهس‬
‫برسول‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬إنا كاشفوا العذاب قليل إنكم عائدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا كاشفوا العذاب قليل" أي وقتا قليل‪ ،‬وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليل؛‬
‫أي فهي زمان قليهل ليعلم أنههم ل يفون بقولههم‪ ،‬بهل يعودون إلى الكفهر بعهد كشفهه؛ قال ابهن مسهعود‪.‬‬
‫فلمها كشهف ذلك عنههم باسهتسقاء النهبي صهلى لههم ال عليهه وسهلم عادوا إلى تكذيبهه‪ .‬ومهن قال‪ :‬إن‬
‫الدخان منتظر قال‪ :‬أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية من آيات قيام الساعة‪ .‬ثم من‬
‫قضهي عليهه بالكفهر يسهتمر على كفره‪ .‬ومهن قال هذا فهي القيامهة قال‪ :‬أي لو كشفنها عنكهم العذاب‬
‫لعدتهم إلى الكفر‪ .‬وقيل‪ :‬معنهى "إنكهم عائدون" إلينها؛ أي مبعوثون بعد الموت‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى "إنكهم‬
‫عائدون" إلى نار جهنم إن لم تؤمنوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم" محمول على مها دل عليهه "منتقمون"؛ أي ننتقهم منههم يوم نبطهش‪ .‬وأبعده‬
‫بعهض النحوييهن بسهبب أن مها بعهد "إن" ل يفسهر مها قبلهها‪ .‬وقيهل‪ :‬إن العامهل فيهه "منتقمون"‪ .‬وههو‬
‫بعيد أيضا؛ لن ما بعد "إن" ل يعمل فيما قبلها‪ .‬ول يحسن تعلقه بقوله‪" :‬عائدون" ول بقوله‪" :‬إنا‬
‫كاشفوا العذاب"؛ إذ ليهس المعنهى عليهه‪ .‬ويجوز نصهبه بإضمار فعهل؛ كأنهه قال‪ :‬ذكرههم أو أذكهر‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المعنهى فإنههم عائدون‪ ،‬فإذا عدتهم أنتقهم منكهم يوم نبطهش البطشهة الكهبرى‪ .‬ولهذا‬
‫وصهل هذا بقصهة فرعون‪ ،‬فإنههم وعدوا موسهى اليمان إن كشهف عنههم العذاب‪ ،‬ثهم لم يؤمنوا حتهى‬
‫غرقوا‪ .‬وقيههل‪" :‬إنهها كاشفوا العذاب قليل إنكههم عائدون" كلم تام‪ .‬ثههم ابتدأ‪" :‬يوم نبطههش البطشههة‬
‫الكههبرى إنهها منتقمون" أي ننتقههم مههن جميههع الكفار‪ .‬وقيههل‪ :‬المعنههى وارتقههب الدخان وارتقههب يوم‬
‫نبطهش‪ ،‬فحذف واو العطهف؛ كمها تقول‪ :‬اتهق النار اتهق العذاب‪ .‬و"البطشهة الكهبرى" فهي قول ابهن‬
‫مسعود‪ :‬يوم بدر‪ .‬وهو قول ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد والضحاك‪ .‬وقيل‪ :‬عذاب جهنم يوم‬
‫القيامهة؛ قال الحسهن وعكرمهة وابهن عباس أيضها‪ ،‬واختاره الزجاج‪ .‬وقيهل‪ :‬دخان يقهع فهي الدنيها‪،‬‬
‫أوجوع أو قحهط يقهع قبهل يوم القيامهة‪ .‬الماوردي‪ :‬ويحتمهل أنهها قيام السهاعة؛ لنهها خاتمهة‪ :‬بطشاتهه‬
‫فهي الدنيها‪ .‬ويقال‪ :‬انتقهم ال منهه؛ أي عاقبهه‪ .‬والسهم منهه النقمهة والجمهع النقمات‪ .‬وقيهل بالفرق بيهن‬
‫النقمهة والعقوبهة؛ فالعقوبهة بعهد المعصهية لنهها مهن العاقبهة‪ .‬والنقمهة قهد تكون قبلهها؛ قال ابهن عباس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬العقوبة ما تقدرت والنتقام غير مقدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم}‬
‫@ أي ابتليناههم‪ .‬ومعنهى هذه الفتنهة والبتلء المهر بالطاعهة‪ .‬والمعنهى عاملناههم معاملة المختهبر‬
‫ببعثههة موسههى إليهههم فكذبوا فأهلكوا؛ فهكذا أفعههل بأعدائك يهها محمههد إن لم يؤمنوا‪ .‬وقيههل‪ :‬فتناهههم‬
‫عذبناههم بالغرق‪ .‬وفهي الكلم تقديهم وتأخيهر؛ والتقديهر‪ :‬ولقهد جاء آل فرعون رسهول كريهم وفتناههم‪،‬‬
‫أي أغرقناهم؛ لن الفتنة كانت بعد مجيء الرسول‪ .‬والواو ل ترتب‪ .‬ومعنى "كريم" أي كريم في‬
‫قومههه‪ .‬وقيههل‪ :‬كريههم الخلق بالتجاوز والصههفح‪ .‬وقال الفراء‪ :‬كريههم على ربههه إذ اختصههه بالنبوة‬
‫وإسماع الكلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 18 :‬أن أدوا إلي عباد ال إنهي لكهم رسهول أميهن‪ ،‬وأن ل تعلوا على ال إنهي آتيكهم‬
‫بسلطان مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن أدوا إلي عباد ال" قال ابهن عباس‪ :‬المعنهى جاءههم فقال‪ :‬اتبعونهي‪ .‬فهه "عباد‬
‫ال" منادى‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬المعنى أرسلوا معي عباد ال وأطلقوهم من العذاب‪ .‬فه "عباد ال" على‬
‫هذا مفعول‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى أدوا إلي سهمعكم حتهى أبلغكهم رسهالة ربهي‪" .‬إنهي لكهم رسهول أميهن" أي‬
‫أميهن على الوحهي فأقبلوا نصهحي‪ .‬وقيهل‪ :‬أميهن على مها أسهتأديه منكهم فل أخون فيهه‪" .‬وأن ل تعلوا‬
‫على ال" أي ل تتكهبروا عليهه ول ترتفعوا عهن طاعتهه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ل تبغوا على ال‪ .‬ابهن عباس‪:‬‬
‫ل تفتروا على ال‪ .‬والفرق بيههن البغههي والفتراء‪ :‬أن البغههي بالفعههل والفتراء بالقول‪ .‬وقال ابههن‬
‫جريههج‪ :‬ل تعظموا على ال‪ .‬يحيههى بههن سههلم‪ :‬ل تسههتكبروا على عبادة ال‪ .‬والفرق بيههن التعظيههم‬
‫والسهتكبار‪ :‬أن التعظيهم تطاول المقتدر‪ ،‬والسهتكبار ترفهع المحقهر؛ ذكره الماوردي "إنهي آتيكهم‬
‫بسهلطان مهبين" قال قتادة‪ :‬بعذر بيهن‪ .‬وقال يحيهى بهن سهلم بحجهة بينهة‪ .‬والمعنهى واحهد؛ أي برهان‬
‫بين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون}‬
‫@ كأنهههم توعدوه بالقتههل فاسههتجار بال‪ .‬قال قتادة‪" :‬ترجمون" بالحجارة‪ .‬وقال ابههن عباس‪:‬‬
‫تشتمون؛ فتقولوا سهاحر كذاب‪ .‬وأظههر الذال مهن "عذت" نافهع وابهن كثيهر وابهن عامهر وعاصهم‬
‫ويعقوب‪ .‬وأدغهم الباقون‪ .‬والدغام طلبها للتخفيهف‪ ،‬والظهار على الصهل‪ .‬ثهم قيهل‪ :‬إنهي عذت بال‬
‫فيمها مضهى؛ لن ال وعده فقال‪" :‬فل يصهلون إليكمها" [القصهص‪ .]35 :‬وقيهل‪ :‬إنهي أعوذ؛ كمها‬
‫تقول نشدتك بال‪ ،‬وأقسمت عليك بال؛ أي أقسم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن لم تؤمنوا لي" أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بال لجل برهاني؛ فاللم في‬
‫"لي" لم أجهل‪ .‬وقيهل‪ :‬أي وإن لم تؤمنوا بهي؛ كقوله‪" :‬فآمهن له لوط" [العنكبوت‪ ]26 :‬أي بهه‪.‬‬
‫"فاعتزلون" أي دعونهي كفافها ل لي ول علي؛ قال مقاتهل‪ .‬وقيهل‪ :‬أي كونوا بمعزل منهي وأنها بهه‬
‫معزل منكهم إلى أن يحكهم ال بيننها‪ .‬وقيهل‪ :‬فخلوا سهبيلي وكفوا عهن أذاي‪ .‬والمعنهى متقارب‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬فدعا ربه أن هؤلء قوم مجرمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فدعها ربهه" فيهه حذف؛ أي فكفروا فدعها ربهه‪" .‬أن هؤلء" بفتهح "أن" أي بأن‬
‫هؤلء‪" .‬قوم مجرمون" أي مشركون‪ ،‬قد امتنعوا من إطلق بنى إسرائيل ومن اليمان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬فأسر بعبادي ليل إنكم متبعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأسهر بعبادي ليل" أي فأجبنها دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي؛ أي بمن آمهن‬
‫بال مهن بنهي إسهرائيل‪" .‬ليل" أي قبهل الصهباح "إنكهم متبعون" وقرأ أههل الحجاز "فأسهر" بوصهل‬
‫اللف‪ .‬وكذلك ابهن كثيهر؛ مهن سهرى‪ .‬الباقون "فأسهر" بالقطهع؛ مهن أسهرى‪ .‬وقهد تقدم‪ .‬وتقدم خروج‬
‫فرعون وراء موسهى فهي "البقرة والعراف وطهه والشعراء ويونهس" وإغراقهه وإنجاء موسهى"؛‬
‫فل معنى للعادة‪.‬‬
‫@ أمر موسى عليه السلم بالخروج ليل‪ .‬وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف‪ ،‬والخوف‬
‫يكون بوجهيهن‪ :‬إمها مهن العدو فيتخهذ الليهل سهترا مسهدل؛ فههو مهن أسهتار ال تعالى‪ .‬وإمها مهن خوف‬
‫المشقة على الدواب والبدان بحر أو جدب‪ ،‬فيتخذ السرى مصلحة من ذلك‪ .‬وكان النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يسري ويدلج ومترفق ويستعجل‪ ،‬بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة‪ .‬وفي الصحيح‬
‫عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إذا سهافرتم فهي الخصهب فأعطوا البهل حظهها مهن الرض وإذا‬
‫سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها)‪ .‬وقد مضى في أول "النحل"؛ والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون}‬
‫@ قال ابهن عباس‪" :‬رهوا" أي طريقها‪ .‬وقال كعهب والحسهن‪ .‬وعهن ابهن عباس أيضها سهمتا‪.‬‬
‫الضحاك والربيههع‪ :‬سهههل‪ .‬عكرمههة‪ :‬يبسهها‪ ،‬لقوله‪" :‬فاضرب لهههم طريقهها فههي البحههر يبسهها" وقيههل‪:‬‬
‫مفترقا‪ .‬مجاهد‪ :‬منفرجا‪ .‬وعنه يابسا‪ .‬وعنه ساكنا‪ ،‬وهو المعروف في اللغة‪ .‬وقاله قتادة والهروي‪.‬‬
‫وقال غيرهما‪ :‬منفرجا‪ .‬وقال ابن عرفة‪ :‬وهما يرجعان إلى معنى واحد وإن اختلف لفظاهما‪ ،‬لنه‬
‫إذا سهكن جريهه انفرج‪ .‬وكذلك كان البحهر يسهكن جريهه وانفرج لموسهى عليهه السهلم‪ .‬والرههو عنهد‬
‫العرب‪ :‬الساكن‪ ،‬يقال‪ :‬جاءت الخيل رهوا‪ ،‬أي ساكنة‪ .‬قال‪:‬‬
‫كالطير تنجو من الشؤبوب ذي البرد‬ ‫والخيل تنزع رهوا في أعنتها‬
‫الجوهري‪ :‬ويقال أفعهل ذلك رهوا‪ ،‬أي سهاكنا على هينتهك‪ .‬وعيهش راه‪ ،‬أي سهاكن رافهه‪ .‬وخمهس‬
‫راه‪ ،‬إذا كان سههل‪ .‬ورهها البحهر أي سهكن‪ .‬وقال أبهو عبيهد‪ :‬رهها بيهن رجليهه يرههو رهوا أي فتهح‪،‬‬
‫ومنهههه قوله تعالى‪" :‬واترك البحهههر رهوا"‪ :‬السهههير السههههل‪ ،‬يقال‪ :‬جاءت الخيهههل رهوا‪ .‬قال ابهههن‬
‫العرابي‪ :‬رها يرهو في السير أي رفق‪ .‬قال القطامي في نعت الركاب‪:‬‬
‫ول الصدور على العجاز تتكل‬ ‫يمشين رهوا فل العجاز خاذلة‬
‫والرهو والرهوة‪ :‬المكان المرتفع‪ ،‬والمنخفض أيضا يجتمع فيه الماء‪ ،‬وهو من الضداد‪ .‬وقال أبو‬
‫عبيهد‪ :‬الرههو‪ :‬الجوبهة تكون فهي محلة القوم يسهيل فيهها ماء المطهر وغيره‪ .‬وفهي الحديهث أنهه قضهى‬
‫أن (ل شفعهة فهي فناء ول طريهق ول منقبهة ول ركهح ول رههو)‪ .‬والجمهع رهاء‪ .‬والرههو‪ :‬المرأة‬
‫الواسههعة الهههن‪ .‬حكاه النضيههر بههن شميههل‪ .‬والرهههو‪ :‬ضرب مههن الطيههر‪ ،‬ويقال‪ :‬هههو الكركههي‪ .‬قال‬
‫الهروي‪ :‬ويجوز أن يكون "رهوا "من نعت موسى ‪ -‬وقال القشيري ‪ -‬أي سر ساكنا على هينتك؛‬
‫فالرههو مهن نعهت موسهى وقومهه ل مهن نعهت البحهر‪ ،‬وعلى الول ههو مهن نعهت البحهر؛ أي اتركهه‬
‫سهاكنا كمها ههو قهد انفرق فل تأمره بالنضمام‪ .‬حتهى يدخهل فرعون وقومهه‪ .‬قال قتادة‪ :‬أراد موسهى‬
‫أن يضرب البحهر لمها قطعهه بعصهاه حتهى يلتئم‪ ،‬وخاف أن يتبعهه فرعون فقيهل له هذا‪ .‬وقيهل‪ :‬ليهس‬
‫الرهو من السكون بل هو الفرجة بين الشيئين؛ يقال‪ :‬رها ما بين الرجلين أي فرج‪ .‬فقوله‪" :‬رهوا"‬
‫أي منفرجها‪ .‬وقال الليهث‪ :‬الرههو ومشهي فهي سهكون‪ ،‬يقال‪ :‬رهها يرههو رهوا فههو راه‪ .‬وعيهش راه‪:‬‬
‫وادع خافض‪ .‬وافعل ذلك سهوا رهوا؛ أي ساكنا بغير شدة‪ .‬وقد ذكرناه آنفا‪" .‬إنهم" أي إن فرعون‬
‫وقومه‪" .‬جند مغرقون" أخبر موسى بذلك ليسكن قلبه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 27 - 25 :‬كهم تركوا مهن جنات وعيون‪ ،‬وزروع ومقام كريهم‪ ،‬ونعمهة كانوا فيهها‬
‫فاكهين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كهم تركوا مهن جنات وعيون‪ .‬وزروع ومقام كريهم" "كهم" للكثيهر‪ .‬وقهد مضهى‬
‫الكلم فهي معنهى هذه اليهة‪" .‬ونعمهة كانوا فيهها فاكهيهن" النعمهة (بالفتهح)‪ :‬التنعيهم‪ ،‬يقال‪ :‬نعمهه ال‬
‫وناعمه فتنعم‪ .‬وامرأة منعمة ومناعمة‪ ،‬بمعنى‪ .‬والنعمة (بالكسر)‪ :‬اليد والصنيعة والمنة وما أنعم‬
‫بههه عليههك‪ .‬وكذلك النعمههى‪ .‬فإن فتحههت النون مددت وقلت‪ :‬النعماء‪ .‬والنعيههم مثله‪ .‬وفلن واسههع‬
‫النعمهة‪ ،‬أي واسهع المال؛ جميعهه عهن الجوهري‪ .‬وقال ابهن عمهر‪ :‬المراد بالنعمهة نيهل مصهر‪ .‬ابهن‬
‫لهيعهة‪ :‬الفيوم‪ .‬ابهن زياد‪ :‬أرض مصهر لكثرة خيرهها‪ .‬وقيهل‪ :‬مها كانوا فيهه مهن السهعة والدعهة‪ .‬وقهد‬
‫يقال‪ :‬نعمههة ونعمههة (بفتههح النون وكسههرها)‪ ،‬حكاه الماوردي‪ .‬قال‪ :‬وفههي الفرق بينهمهها وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنها بكسر النون في الملك‪ ،‬وبفتحها في البدن والدين‪ ،‬قاله النضير بن شميل‪ .‬الثاني‪ :‬أنها‬
‫بالكسر من المنة وهو الفضال والعطية؛ وبالفتح من التنعيم وهو سعة العيش والراحة؛ قال ابن‬
‫زياد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الفرق هو الذي وقع في الصحاح وقد ذكرناه‪ .‬وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو الشهب‬
‫والعرج وأبههو جعفههر وشيبههة "فكهيههن" بغيههر ألف‪ ،‬ومعناه أشريههن بطريههن‪ .‬قال الجوهري‪ :‬فكههة‬
‫الرجهل (بالكسهر) فههو فكهه إذا كان طهب النفهس مزاحها‪ .‬والفكهه أيضها الشهر البطهر‪ .‬وقرئ "ونعمهة‬
‫كانوا فيههها فكهيههن" أي أشريههن بطريههن‪ .‬و"فاكهيههن" أي ناعميههن‪ .‬القشيري‪" :‬فاكهيههن" لهيههن‬
‫مازحيهن‪ ،‬يقال‪ :‬إنهه لفاكهه أي مزاج‪ .‬وفيهه فكاههة أي مزح‪ .‬الثعلبهي‪ :‬وهمها لغتان كالحاذر والحذر‪،‬‬
‫والفاره والفره‪ .‬وقيههل‪ :‬إن الفاكههه هههو المسههتمتع بأنواع اللذة كمهها يتمتههع الكههل بأنواع الفاكهههة‪.‬‬
‫والفاكهة‪ :‬فضل عن القوت الذي ل بد منه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬كذلك وأورثناها قوما آخرين}‬
‫@ قال الزجاج‪ :‬أي المر كذلك؛ فيوقف على "كذلك"‪ .‬وقيل‪ :‬إن الكاف في موضع نصب‪ ،‬على‬
‫تقدير نفعل فعل كذلك بمن نريد إهلكه‪ .‬وقال الكلبي‪" :‬كذلك" أفعل بمن عصاني‪ .‬وقيل‪" :‬كذلك"‬
‫كان أمرههم فأهلكوا‪" .‬وأورثناهها قومها آخريهن" يعنهي بنهى إسهرائيل‪ ،‬ملكههم ال تعالى أرض مصهر‬
‫بعد أن كانوا فيها مستعبدين‪ ،‬فصاروا لها وارثين؛ لوصول ذلك إليهم كوصول الميراث‪ .‬ونظيره‪:‬‬
‫"وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الرض ومغاربها" [العراف‪.]137 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬فما بكت عليهم السماء والرض وما كانوا منظرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما بكت عليهم السماء والرض" أي لكفرهم‪" .‬وما كانوا منظرين" أي مؤخرين‬
‫بالغرق‪ .‬وكانهت العرب تقول عنهد موت السهيد منههم‪ :‬بكهت له السهماء والرض؛ أي عمهت مصهيبته‬
‫الشياء حتى بكته السماء والرض والريح والبرق‪ ،‬وبكته الليالي الشاتيات‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫والبرق يلمع في الغمامة‬ ‫فالريح تبكي شجوها‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫تبكي عليك نجوم الليل والقمرا‬ ‫والشمس طالعة ليست بكاسفة‬
‫وقالت الخارجية‪:‬‬
‫كأنك لم تجزع على ابن طريف‬ ‫أيا شجر الخابور مالك مورقا‬
‫وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه‪ .‬والمعنى أنهم هلكوا فلم‬
‫تعظههم مصههيبتهم ولم يوجههد لهههم فقههد‪ .‬وقيههل‪ :‬فههي الكلم إضمار‪ ،‬أي مهها بكههى عليهههم أهههل السههماء‬
‫والرض مهن الملئكهة؛ كقوله تعالى‪" :‬واسهأل القريهة" [يوسهف‪ ]82 :‬بهل سهروا بهلكههم‪ ،‬قاله‬
‫الحسن‪ .‬وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما من‬
‫مؤمهن إل وله فهي السهماء بابان باب ينزل منهه رزقهه وباب يدخهل منهه كلمهه وعمله فإذا مات فقداه‬
‫فبكيا عليه ‪ -‬ثم تل ‪" -‬فما بكت عليهم السماء والرض"‪ .‬يعني أنهم لم يعملوا على الرض عمل‬
‫صالحا تبكي عليهم لجله‪ ،‬ول صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي فقد ذلك‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬إن‬
‫السههماء والرض يبكيان على المؤمههن أربعيههن صههباحا‪ .‬قال أبههو يحيههى‪ :‬فعجبههت مههن قوله فقال‪:‬‬
‫أتعجهب ! ومها للرض ل تبكهي على عبهد يعمرهها بالركوع والسهجود ! ومها للسهماء ل تبكهي على‬
‫عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل !‪ .‬وقال علي وابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬إنه‬
‫يبكي عليه مصله من الرض ومصعد عمله من السماء‪ .‬وتقدير الية على هذا‪ :‬فما بكت عليهم‬
‫مصاعد عملهم من السماء ول مواضع عبادتهم من الرض‪ .‬وهو معنى قول سعيد بن جبير‪ .‬وفي‬
‫بكاء السهماء والرض ثلثهة أوجهه‪ :‬أحدهها أنهه كالمعروف مهن بكاء الحيوان‪ .‬ويشبهه أن يكون قول‬
‫مجاههد‪ .‬وقال شريهح الحضرمهي قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن السهلم بدأ غريبها وسهيعود‬
‫غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يوم القيامة قيل‪ :‬من هم يا رسول ال؟ قال ‪ -‬هم الذين إذا فسد الناس‬
‫صهلحوا ‪ -‬ثهم قال ‪ -‬أل ل غربهة على مؤمهن ومها مات مؤمهن فهي غربهة غائبها عنهه بواكيهه إل بكهت‬
‫عليههه السههماء والرض ‪ -‬ثههم قرأ رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم ‪" -‬فمهها بكههت عليهههم السههماء‬
‫والرض" ثم قال‪ :‬أل إنهما ل يبكيان على الكافر)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكر أبو نعيم محمد بن معمر قال‪ :‬حدثنا أبو شعيب الحراني قال حدثنا يحيى بن عبدال‬
‫قال حدثنها الوزاعهي قال حدثنهي عطاء الخراسهاني قال‪ :‬مها مهن عبهد يسهجد ل سهجدة فهي بقعهة مهن‬
‫بقاع الرض إل شهدت له يوم القيامهة وبكهت عليهه يوم يموت‪ .‬وقيهل‪ :‬بكاؤهمها حمرة أطرافهمها؛‬
‫قال علي بهن أبهي طالب ‪ -‬رضهي ال عنهه ‪ -‬وعطاء والسهدي والترمذي محمهد بهن علي وحكاه عهن‬
‫الحسههن‪ .‬قال السههدي‪ :‬لمهها قتههل الحسههين بههن علي رضههي ال عنهمهها بكههت عليههه السههماء؛ وبكاؤههها‬
‫حمرتها‪ .‬وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال‪ :‬لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‬
‫ال عنهمهها احمههر له آفاق السههماء أربعههة أشهههر‪ .‬قال يزيههد‪ :‬واحمرارههها بكاؤههها‪ .‬وقال محمههد بههن‬
‫سهيرين‪ :‬أخبرونها أن الحمرة التهي تكون مهع الشفهق لم تكهن حتهى قتهل الحسهين بهن علي رضهي ال‬
‫عنهما‪ .‬وقال سليمان القاضي‪ :‬مطرنا دما يوم قتل الحسين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى الدارقطني من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬قال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬الشفق الحمرة)‪ .‬وعن عبادة بن الصامت وشداد بن أوس قال‪ :‬الشفق شفقان‪ :‬الحمرة‬
‫والبياض؛ فإذا غابههت الحمرة حلت الصههلة‪ .‬وعههن أبههي هريرة قال‪ :‬الشفههق الحمرة‪ .‬وهذا يرد مهها‬
‫حكاه ابن سيرين‪ .‬وقد تقدم في "السراء" عن قرة بن خالد قال‪ :‬ما بكت السماء على أحد إل على‬
‫يحيى بن زكريا والحسين بن علي‪ ،‬وحمرتها بكاؤها‪ .‬وقال محمد بن علي الترمذي‪ :‬البكاء إدرار‬
‫الشيههء فإذا أدرت العيههن بمائههها قيههل بكههت‪ ،‬وإذا أدرت السههماء بحمرتههها قيههل بكههت‪ ،‬وإذا أدرت‬
‫الرض بغبرتها قيل بكت؛ لن المؤمن نور ومعه نور ال؛ فالرض مضيئة بنوره وإن غاب عن‬
‫عينيههك‪ ،‬فان فقدت نور المؤمههن اغههبرت فدرت باغبرارههها؛ لنههها كانههت غههبراء بخطايهها أهههل‬
‫الشرك‪،‬وإنما صارت مضيئة بنور المؤمن؛ فإذا قبض المؤمن منها درت بغبرتها‪ .‬وقال أنس‪ :‬لما‬
‫كان اليوم الذي دخهل فيهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم المدينهة أضاء كهل شيهء‪ ،‬فلمها كان اليوم الذي‬
‫قبض فيه أظلم كل شيء‪ ،‬وإنا لفي دفنه ما نفضنا اليدي منه حتى أنكرنا قلوبنا‪ .‬وأما بكاء السماء‬
‫فحمرتهها كمها قال الحسهن‪ .‬وقال نصهر بهن عاصهم‪ :‬إن أول اليات حمرة تظههر‪ ،‬وإنمها ذلك لدنهو‬
‫السهاعة‪ ،‬فتدر بالبكاء لخلئهها مهن أنوار المؤمنيهن‪ .‬وقيهل‪ :‬بكاؤهها أمارة تظههر منهها تدل على أسهف‬
‫وحزن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقول الول أظهر؛ إذ ل استحالة في ذلك‪ .‬وإذا كانت السماوات والرض تسبح وتسمع‬
‫وتتكلم كمها بيناه فهي "السهراء ومريهم وحهم فصهلت" فكذلك تبكهي‪ ،‬مهع مها جاء مهن الخهبر فهي ذلك‬
‫وال أعلم بصواب هذه القوال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 - 30 :‬ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين‪ ،‬من فرعون إنه كان عاليا من‬
‫المسرفين}‬
‫@ يعنهي مها كانهت القبهط تفعهل بههم بأمهر فرعون‪ ،‬مهن قتهل البناء واسهتخدام النسهاء‪ ،‬واسهتعبادهم‬
‫إياههم وتكلفههم العمال الشاقهة‪" .‬مهن فرعون" بدل مهن "العذاب المهيهن" فل تتعلق "مهن" بقوله‪:‬‬
‫"مهن العذاب" لنهه قهد وصهف‪ ،‬وههو ل يعمهل بعهد الوصهف عمهل الفعهل‪ .‬وقيهل‪ :‬أي أنجيناههم مهن‬
‫العذاب ومن فرعون‪" .‬إنه كان عاليا من المسرفين" أي جبارا من المشركين‪ .‬وليس هذا علو مدح‬
‫بل هو علو في السراف‪ .‬كقوله‪" :‬إن فرعون عل في الرض" [القصص‪ .]4 :‬وقيل‪ :‬هذا العلو‬
‫هو الترفع عن عبادة ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬ولقد اخترناهم على علم على العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقهد اخترناههم" يعنهي بنهي إسهرائيل‪" .‬على علم" أي على علم منها بههم لكثرة‬
‫النبياء منهم‪" .‬على العالمين" أي عالمي زمانهم‪ ،‬بدليل قوله لهذه المة‪" :‬كنتم خير أمة أخرجت‬
‫للناس" [آل عمران‪ .]110:‬وهذا قول قتادة وغيره‪ .‬وقيهل‪ :‬على كهل العالميهن بمها جعهل فيههم مهن‬
‫النهبياء‪ .‬وهذا خاصهة لههم وليهس لغيرههم؛ حكاه ابهن عيسهى والزمخشري وغيرهمها‪ .‬ويكون قوله‪:‬‬
‫"كنتهم خيهر أمهة" أي بعهد بنهي إسهرائيل‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيهل‪ :‬يرجهع هذا الختيار إلى تخليصههم مهن‬
‫الغرق وإيراثهم الرض بعد فرعون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬وآتيناهم من اليات ما فيه بلء مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتيناههم مهن اليات" أي من المعجزات لموسهى‪" .‬مها فيهه بلء مهبين" قال قتادة‪:‬‬
‫اليات إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر لهم‪ ،‬وتظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى‪ .‬ويكون‬
‫هذا الخطاب متوجههها إلى بنههي إسههرائيل‪ .‬وقيههل‪ :‬إنههها العصهها واليههد‪ .‬ويشبههه أن يكون قول الفراء‪.‬‬
‫ويكون الخطاب متوجههها إلى قوم فرعون‪ .‬وقول ثالث‪ :‬إنههه الشههر الذي كفهههم عنههه والخههبر الذي‬
‫أمرههم بهه؛ قال عبدالرحمهن بهن زيهد‪ .‬ويكون الخطاب متوجهها إلى الفريقيهن معها مهن قوم فرعون‬
‫وبني إسرائيل‪ .‬وفي قوله‪" :‬بلء مبين" أربعة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬نعمة ظاهرة؛ قال الحسن وقتادة‪ .‬كما‬
‫قال ال تعالى‪" :‬وليبلي المؤمنين منه بلء حسنا" [النفال‪ .]17 :‬وقال زهير‪:‬‬
‫فأبلهما خير البلء الذي يبلو‬
‫الثانهي‪ :‬عذاب شديهد؛ قاله الفراء‪ .‬الثالث‪ :‬اختبار يتميهز بهه المؤمهن مهن الكافهر؛ قاله عبدالرحمهن‬
‫بهن زيهد‪ .‬وعنهه أيضها‪ :‬ابتلؤههم بالرخاء والشدة؛ ثهم قرأ "ونبلوكهم بالشهر والخيهر فتنهة" [النهبياء‪:‬‬
‫‪.]35‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬إن هؤلء ليقولون‪ ،‬إن هي إل موتتنا الولى وما نحن بمنشرين‪ ،‬فأتوا بآبائنا إن‬
‫كنتم صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن هؤلء ليقولون" يعني‪ ،‬كفار قريش "إن هي إل موتتنا الولى" ابتداء وخبر؛‬
‫مثهل‪" :‬إن ههي إل فتنتهك" [العراف‪" ،]155 :‬إن ههي إل حياتنها الدنيها" [المؤمنون‪" ]37 :‬ومها‬
‫نحهن بمنشريهن" أي بمبعوثيهن‪ .‬أنشهر ال الموتهى فنشروا‪ .‬وقهد تقدم‪ .‬والمنشورون المبعوثون‪ .‬قيهل‪:‬‬
‫إن قائل هذا من كفار قريهش أبو جههل‪ ،‬قال‪ :‬يها محمهد‪ ،‬إن كنت صهادقا فهي قولك فابعهث لنها رجليهن‬
‫مهن آبائنها‪ :‬أحدهمها‪ :‬قصهي بهن كلب فإنهه كان رجل صهادقا؛ لنسهأله عمها يكون بعهد الموت‪ .‬وهذا‬
‫القول مهن أبي جهل مهن أضعهف الشبهات؛ لن العادة إنمها ههي للجزاء ل للتكليهف؛ فكأنه قال‪ :‬إن‬
‫كنهت صهادقا فهي إعادتههم للجزاء فأعدههم للتكليهف‪ .‬وههو كقول قائل‪ :‬لو قال إن كان ينشهأ بعدنها قوم‬
‫مهن البناء؛ فلم ل يرجهع مهن مضهى مهن الباء؛ حكاه الماوردي‪ .‬ثهم قيهل‪" :‬فأتوا بآبائنها" مخاطبهة‬
‫ولنهبي صهلى ال عليهه وسهلم وحده؛ كقوله‪" :‬رب ارجعون" [المؤمنون‪ ]99:‬قاله الفراء‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫مخاطبة له ولتباعه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 37 :‬أههم خيهر أم قوم تبهع والذيهن مهن قبلههم أهلكناههم إنههم كانوا مجرميهن‪ ،‬ومها خلقنها‬
‫السماوات والرض وما بينهما لعبين‪ ،‬ما خلقناهما إل بالحق ولكن أكثرهم ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أهم خير أم قوم تبع" هذا استفهام إنكار؛ أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب؛‬
‫إذ ليسوا خيرا من قوم تبع والمم المهلكة‪ ،‬وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلء‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أهم أظهر‬
‫نعمهة وأكثهر أموال أم قوم تبهع‪ .‬وقيهل‪ :‬أههم أعهز وأشهد وأمنهع أم قوم تبهع‪ .‬وليهس المراد بتبهع رجل‬
‫واحدا بهل المراد بهه ملوك اليمهن؛ فكانوا يسهمون ملوكههم التبابعهة‪ .‬فتبهع لقهب للملك منههم كالخليفهة‬
‫للمسلمين‪ ،‬وكسرى للفرس‪ ،‬وقيصهر للروم‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬سمي كل واحد منههم تباعا لنه يتبع‬
‫صاحب‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والتبابعة ملوك اليمن‪ ،‬واحدهم تبع‪ .‬والتبع أيضا الظل؛ وقال‪:‬‬
‫ورد القطاة إذا اسمأل التبع‬ ‫يرد المياه حضيرة ونفيضة‬
‫والتبع أيضا ضرب من الطير‪ .‬وقال السهيلي‪ :‬تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشحر وحضرموت‪.‬‬
‫وإن ملك اليمهن وحدهها لم يقهل له تبهع؛ قاله المسهعودي‪ .‬فمهن التبابعهة‪ :‬الحارث الرائش وههو ابهن‬
‫همال ذي سدد‪ .‬وأبرهة ذو المنار‪ .‬وعمرو ذو الذعار‪ .‬وشمر بن مالك‪ ،‬الذي تنسب إليه سمرقند‪.‬‬
‫وأفريقيس بن قيس‪ ،‬الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان‪ ،‬وبه سميت إفريقية‪ .‬والظاهر‬
‫مهن اليات‪ :‬أن ال سهبحانه إنمها أراد واحدا مهن هؤلء‪ ،‬وكانهت العرب تعرفهه بهذا السهم أشهد مهن‬
‫معرفهة غيره؛ ولذلك قال عليهه السهلم‪( :‬ول أدري أتبهع لعيهن أم ل)‪ .‬ثهم قهد روي عنهه أنهه قال‪( :‬ل‬
‫تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا) فهذا يدلك على أنه كان واحدا بعينه؛ وهو ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أبو كرب الذي‬
‫كسا البيت بعد ما أراد غزوه‪ ،‬وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها‪ ،‬ثم انصرف عنها لما أخبر أنها‬
‫مهاجهر نهبي اسهمه أحمهد‪ .‬وقال شعرا أودعهه عنهد أهلهها؛ فكانوا يتوارثونهه كابرا عهن كابر إلى أن‬
‫هاجهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأدوه إليهه‪ .‬ويقال‪ :‬كان الكتاب والشعهر عنهد أبهي أيوب خالد بهن‬
‫زيد‪ .‬وفيه‪:‬‬
‫رسول من ال باري النسم‬ ‫شهدت على أحمد أنه‬
‫لكنت وزيرا له وابن عم‬ ‫فلو مد عمري إلى عمره‬
‫وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له بصنعاء ‪ -‬ويقال بناحية حمير‬
‫‪ -‬فهي السهلم‪ ،‬فوجهد فيهه امرأتان صهحيحتان‪ ،‬وعنهد رؤوسههما لوح مهن فضهة مكتوب فيهه بالذههب‬
‫حبّىه ولميهس" ويروى أيضها‪" :‬حهبي وتماضهر" ويروى أيضها‪" :‬هذا قهبر رضوي وقهبر‬ ‫"هذا قهبر ُ‬
‫حهههب ابنتههها تبهههع‪ ،‬ماتتههها وهمههها يشهدان أن ل إله إل ال ول يشركان بهههه شيئا؛ وعلى ذلك مات‬
‫الصالحون قبلهما"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وروى ابههن إسههحاق وغيره أنههه كان فههي الكتاب الذي كتبههه‪( :‬أمهها بعههد‪ ،‬فإنههي آمنههت بههك‬
‫وبكتابهك الذي أنزل عليك‪ ،‬وأنا على دينك وسنتك‪ ،‬وآمنت بربهك ورب كل شيء‪ ،‬وآمنهت بكهل ما‬
‫جاء مهن ربهك مهن شرائع السهلم؛ فإن أدركتهك فبهها ونعمهت‪ ،‬وإن لم أدركهك فاشفهع لي ول تنسهني‬
‫يوم القيامهة‪ ،‬فإنهي مهن أمتهك الوليهن وبايعتهك قبهل مجيئك‪ ،‬وأنها على ملتهك وملة أبيهك إبراهيهم عليهه‬
‫السلم"‪ .‬ثم ختم الكتاب ونقش عليه‪" :‬ل المر من قبل ومن بعد" [الروم‪ .]4 :‬وكتب على عنوانه‬
‫(إلى محمد بن عبدال نبي ال ورسوله‪ ،‬خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫من تبع الول‪ .‬وقد ذكرنا بقية خبره وأوله في "اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية" للفارابي‬
‫رحمهه ال‪ .‬وكان مهن اليوم الذي مات فيهه تبهع إلى اليوم الذي بعهث فيهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫ألف سنة ل يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫واختلف ههل كان نبيها أو ملكها؛ فقال ابهن عباس‪ :‬كان تبهع نبيها‪ .‬وقال كعهب‪ :‬كان تبهع ملكها مهن‬
‫الملوك‪ ،‬وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من أهل الكتاب‪ ،‬فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم‬
‫قربانها ففعلوا‪ ،‬فتقبهل قربان أههل الكتاب فأسهلم‪ ،‬وقالت عائشهة رضهي ال عنهها‪ :‬ل تسهبوا تبعها فإنهه‬
‫كان رجل صالحا‪ .‬وحكى قتادة أن تبعا كان رجل من حمير‪ ،‬سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى‬
‫سهمرقند فهدمهها؛ حكاه الماوردي‪ .‬وحكهى الثعلبهي عهن قتادة أنهه تبهع الحميري‪ ،‬وكان سهار بالجنود‬
‫حتههى عههبر الحيرة‪ .‬وبنههى سههمرقند وقتههل وهدم البلد‪ .‬وقال الكلبههي‪ :‬تبههع هههو أبهو كرب أسههعد بههن‬
‫ملكيكرب‪ ،‬وإنما سمي تبعا لنه تبع من قبله‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬هو الذي كسا البيت الحبرات‪.‬‬
‫وقال كعههب‪ :‬ذم ال قومههه ولم يذمههه‪ ،‬وضرب بهههم لقريههش مثل لقربهههم مههن دارهههم وعظمهههم فههي‬
‫نفوسهم؛ فلمها أهلكهم ال تعالى ومن قبلههم ‪ -‬لنهم كانوا مجرمين ‪ -‬كان من أجرم مع ضعف اليد‬
‫وقلة العدد أحرى بالهلك‪ .‬وافتخهر أههل اليمهن بهذه اليهة‪ ،‬إذ جعهل ال قوم تبهع خيرا مهن قريهش‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬سمي أولهم تبعا لنه أتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيهن من قبلههم أهلكناهم إنههم كانوا مجرمين" "الذيهن" فهي موضهع رفع عطف‬
‫على "قوم تبهع"‪" .‬أهلكناههم" صهلته‪ .‬ويكون "مهن قبلههم" متعلقها بهه‪ .‬ويجوز أن يكون "مهن قبلههم"‬
‫صهلة "الذيهن" ويكون فهي الظرف عائد إلى الموصهول‪ .‬وإذا كان كذلك كان "أهلكناههم" على أحهد‬
‫أمريهن‪ :‬إمها أن يقدر معهه "قهد" فيكون فهي موضهع الحال‪ .‬أو يقدر حذف موصهوف؛ كأنهه قال‪ :‬قوم‬
‫أهلكناهههم‪ .‬والتقديههر أفل تعتههبرون أنهها إذا قدرنهها على إهلك هؤلء المذكوريههن قدرنهها على إهلك‬
‫المشركيهههن‪ .‬ويجوز أن يكون "والذيهههن مهههن قبلههههم" ابتداء خهههبره "أهلكناههههم"‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫"الذين" في موضع جر عطفا على "تبع" كأنه قال‪ :‬قوم تبع المهلكين من قبلهم‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫"الذين" في موضع نصب بإضمار فعل دل عليه "أهلكناهم"‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبين" أي غافلين‪ ،‬قاله مقاتل‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫لهيهن؛ وههو قول الكلبهي‪" .‬مها خلقناهمها إل بالحهق" أي إل بالمهر الحهق؛ قاله مقاتهل‪ .‬وقيهل‪ :‬إل‬
‫للحهق؛ قال الكلبهي والحسهن‪ .‬وقيهل‪ :‬إل لقامهة الحهق لظهاره مهن توحيهد ال والتزام طاعتهه‪ .‬وقهد‬
‫مضى هذا المعنى في "النبياء"‪" .‬ولكن أكثرهم" يعني أكثر الناس "ل يعلمون" ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم الفصل" هو يوم القيامة؛ وسمي بذلك لن ال تعالى يفصل فيه بين خلقه دليله‬
‫قوله "لن تنفعكهم أرحامكهم ول أولدكهم يوم القيامهة يفصهل بينكهم" [الممتحنهة‪ .]3 :‬ونظيره قوله‬
‫تعالى‪" :‬ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون" [الروم‪ .]14 :‬فه "يوم الفصل" ميقات الكل؛ كما قال‬
‫تعالى‪" :‬إن يوم الفصل كان ميقاتا" [النبأ‪ ]17 :‬أي الوقت المجهول لتمييز المسيء من المحسن‪،‬‬
‫والفصهل بينهمها‪ :‬فريهق فهي الجنهة وفريهق فهي السهعير‪ .‬وهذا غايهة فهي التحذيهر والوعيهد‪ .‬ول خلف‬
‫بين القراء في رفع "ميقاتهم" على أنه خبر "إن" واسمها "يوم الفصل"‪ .‬وأجاز الكسائي‪ ،‬والفراء‬
‫نصههب "ميقاتهههم"‪ .‬به ه "إن" و"يوم الفصههل" ظرف فههي موضههع خههبر "إن"؛ أي إن ميقاتهههم يوم‬
‫الفصل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 - 41 :‬يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ول هم ينصرون‪ ،‬إل من رحم ال إنه‬
‫هو العزيز الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا" "يوم" بدل من "يوم" الول‪ .‬والمولى‪ :‬الولي‬
‫وهو ابن العم والناصر‪ .‬أي ل يدفع ابن عم عن ابن عمه‪ ،‬ول قريب عن قريبه‪ ،‬ول صديق عن‬
‫صديقه‪" .‬ول هم ينصرون" أي ل ينصر المؤمن الكافر لقرابته‪ .‬ونظير هذه الية‪" :‬واتقوا يوما ل‬
‫تجزي نفهس عهن نفهس شيئا" [البقرة‪ ]48 :‬اليهة‪" .‬إل مهن رحهم ال" "مهن "رفهع على البدل مهن‬
‫المضمر في "ينصرون"؛ كأنك قلت‪ :‬ل يقوم أحد إل فلن‪ .‬أو على البتداء والخبر مضمر؛ كأنه‬
‫قال‪ :‬إل من رحم ال فمغفور له؛ أو فيغني عنه ويشفع وينصر‪ .‬أو على البدل من "مولى" الول؛‬
‫كأنهه قال‪ :‬ل يغنهي إل من رحهم ال‪ .‬وهو عنهد الكسهائي والفراء نصهب على السهتثناء المنقطهع؛ أي‬
‫لكن من رحم ال ل ينالهم ما يحتاجون فيه إلى من يغنيهم من المخلوقين‪ .‬ويجوز أن يكون استثناء‬
‫متصل؛ أي ل يغني قريب عن قريب إل المؤمنين فإنه يؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض‪" .‬إنه‬
‫ههو العزيهز الرحيهم" أي المنتقهم مهن أعدائه الرحيهم بأوليائه؛ كمها قال‪" :‬شديهد العقاب ذي الطول"‬
‫[غافر‪ ]3 :‬فقرن الوعد بالوعيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬إن شجرة الزقوم‪ ،‬طعام الثيم‪ ،‬كالمهل يغلي في البطون‪ ،‬كغلي الحميم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن شجرة الزقوم" كهل مها فهي كتاب ال تعالى مهن ذكهر الشجرة فالوقهف عليهه‬
‫بالهاء؛ إل حرفهها واحدا فههي صههورة الدخان "إن شجرة الزقوم‪ .‬طعام الثيههم"؛ قاله ابههن النباري‪.‬‬
‫"الثيهم" الفاجر؛ قاله أبو الدرداء‪ .‬وكذلك قرأ هو وابن مسعود‪ .‬وقال همام بن الحارث‪ :‬كان أبو‬
‫الدرداء يقرئ رجل "إن شجرة الزقوم طعام الثيهم" والرجهل يقول‪ :‬طعام اليتيهم‪ ،‬فلمها لم يفههم قال‬
‫له‪" :‬طعام الفاجهر"‪ .‬قال أبهو بكهر النباري‪ :‬حدثنهي أبهي قال حدثنها نصهر قال حدثنها أبهو عبيهد قال‬
‫حدثنها نعيهم بهن حماد عهن عبدالعزيهز بهن محمهد عهن ابهن عجلن عهن عون بهن عبدال بهن عتبهة بهن‬
‫مسههعود قال‪ :‬علم عبدال بههن مسههعود رجل "أن شجرة الزقوم‪ .‬طعام الثيههم" فقال الرجههل‪ :‬طعام‬
‫اليتيههم‪ ،‬فأعاد عليههه عبدال الصههواب وأعاد الرجههل الخطههأ‪ ،‬فلمهها رأى عبدال أن لسههان الرجههل ل‬
‫يستقيم على الصواب قال له‪ :‬أما تحسن أن تقول طعام الفاجر ؟ قال بلى‪ ،‬قال فافعل‪ .‬ول حجة في‬
‫هذا للجهال من أهل الزيغ‪ ،‬أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره‪ ،‬لن ذلك إنما كان من عبدال‬
‫تقريبا للمتعلم‪ ،‬وتوطئة منه له للرجوع إلى الصواب‪ ،‬واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال‬
‫ال وحكايهة رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقال الزمخشري‪" :‬وبهذا يسهتدل على أن إبدال كلمهة‬
‫مكان كلمهة جائز إذا كانهت مؤديهة معناهها‪ .‬ومنهه أجاز أبهو حنيفهة القراءة بالفارسهية على شريطهة‪،‬‬
‫وهههي أن يؤدي القارئ المعانههي على كمالههها مههن غيههر أن يخرم منههها شيئا‪ .‬قالوا‪ :‬وهذه الشريطههة‬
‫تشههد أنهها إجازة كل إجازة؛ لن فهي كلم العرب خصهوصا فهي القرآن الذي ههو معجهز بفصهاحته‬
‫وغرابهة نظمهه وأسهاليبه‪ ،‬مهن لطائف المعانهي والغراض مها ل يسهتقل بأدائه لسهان مهن فارسهية‬
‫وغيرهها‪ ،‬ومها كان أبهو حنيفهة رحمهه ال يحسهن الفارسهية‪ ،‬فلم يكهن ذلك منهه عهن تحقهق وتبصهر‪.‬‬
‫وروى علي بههن الجعههد عههن أبههي يوسههف عههن أبههي حنيفههة مثههل قول صههاحبيه فههي إنكار القراءة‬
‫بالفارسهية"‪ .‬وشجرة الزقوم‪ :‬الشجرة التهي خلقهها ال فهي جهنهم وسهماها الشجرة الملعونهة‪ ،‬فإذا جاع‬
‫أهل النار التجؤوا إليها فأكلوا منها‪ ،‬فغليت في بطونهم كما يغلي الماء الحار‪ .‬وشبه ما يصير منها‬
‫إلى بطونههم بالمههل‪ ،‬وههو النحاس المذاب‪ .‬وقراءة العامهة "تغلي" بالتاء حمل على الشجرة‪ .‬وقرأ‬
‫ابهن كثيهر وحفهص وابهن محيصهن ورويهس عهن يعقوب "يغلي" بالياء حمل على الطعام؛ وههو فهي‬
‫معنهى الشجرة‪ .‬ول يحمهل على المههل لنهه ذكهر للتشهبيه‪ .‬و"الثيهم" الثهم؛ مهن أثهم يأثهم إثمها؛ قال‬
‫القشيري وابهن عيسهى‪ .‬وقيهل ههو المشرك المكتسهب للثهم؛ قاله يحيهى بهن سهلم‪ .‬وفهي الصهحاح‪ :‬قهد‬
‫أثم الرجل (بالكسر) إثما ومأثما إذا وقع في الثم‪ ،‬فهو آثم وأثيم وأثوم أيضا‪ .‬فمعنى "طعام الثيم"‬
‫أي ذي الثهم الفاجهر‪ ،‬وههو أبهو جههل‪ .‬وذلك أنهه قال‪ :‬يعدنها محمهد أن فهي جهنهم الزقوم‪ ،‬وإنمها ههو‬
‫الثريهد بالزبهد والتمهر‪ ،‬فههبين ال خلف مها قاله‪ .‬وحكهى النقاش عهن مجاههد أن شجرة الزقوم أبهو‬
‫جهل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ل يصح عن مجاهد‪ .‬وهو مردود بما ذكرناه فهي هذه الشجرة فهي سورة "الصافات‬
‫والسراء" أيضا‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 - 47 :‬خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم‪ ،‬ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خذوه" أي يقال للزبانيهة خذوه؛ يعنهي الثيهم‪" .‬فاعتلوه" أي جروه وسهوقوه‪.‬‬
‫والعتل‪ :‬أن تأخذ بتلبيب الرجل فتعتله‪ ،‬أي تجره إليك لتذهب به إلى حبس أو بلية‪ .‬عتلت الرجل‬
‫أعتله وأعتله عتل إذا جذبته جذبا عنيفا‪ .‬ورجل‪ ،‬معتل (بالكسر)‪ .‬وقال يصف فرسا‪:‬‬
‫نفرعه فرعا ولسانا نعتله‬
‫وفيههه لغتان؛ عتله وعتنههه (باللم والنون جميعهها)‪ ،‬قاله ابههن السههكيت‪ .‬وقرأ الكوفيون وأبههو عمرو‬
‫"فاعتلوه" بالكسهر‪ .‬وضهم الباقون‪" .‬إلى سهواء الجحيهم" وسهط الجحيهم‪" .‬ثهم صهبوا فوق رأسهه مهن‬
‫عذاب الحميم" قال مقاتل‪ :‬يضرب مالك خازن النار ضربة‪ .‬على رأس أبي جهل بمقمع من حديد‪،‬‬
‫فيتفتت رأسه عن دماغه‪ ،‬فيجري دماغه عل جسده‪ ،‬ثم يصب الملك فيه ماء حميما قد انتهى حره‬
‫فيقههع فههي بطنههه؛ فيقول الملك‪ :‬ذق العذاب‪ .‬ونظيره "يصههب مههن فوق رؤوسهههم الحميههم" [الحههج‪:‬‬
‫‪.]19‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 - 49 :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم‪ ،‬إن هذا ما كنتم به تمترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذق إنهك أنهت العزيهز الكريم" قال ابن النباري‪ :‬أجمعهت العوام على كسهر "إن"‬
‫وروي عن الحسن عن علي رحمه ال "ذق أنك" بفتح "أن"‪ ،‬وبها قرأ الكسائي‪ .‬فمن كسر "إن"‬
‫وقف على ذق"‪ .‬ومن فتحها لم يقف على "ذق"؛ لن المعنى ذق لنك وبأنك أنت العزيز الكريم‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬نزلت فهي أبهي جههل وكان قهد قال‪ :‬مها فيهها أعهز منهي ول أكرم؛ فلذلك قيهل له‪" :‬ذق إنهك‬
‫أنت العزيز الكريم"‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬التقى النبي صلى ال عليه وسلم وأبو جهل فقال النبي صلى‬
‫ال عليههه وسههلم‪( :‬إن ال أمرنههي أن أقول لك أولى لك فأولى) فقال‪ :‬بأي شيههء تهددنههي ! وال مهها‬
‫تسهتطيع أنهت ول ربهك أن تفعل بهي شيئا‪ ،‬إنهي لمهن أعهز هذا الوادي وأكرمهه على قومهه؛ فقتله ال‬
‫يوم بدر وأذله ونزلت هذه الية‪ .‬أي يقول له الملك‪ :‬ذق إن أنت العزيز الكريم بزعمك‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫على معنههى السههتخفاف والتوبيههخ والسههتهزاء والهانههة والتنقيههص؛ أي قال له‪ :‬إنههك أنههت الذليههل‬
‫المهان‪ .‬وههو كمها قال قوم شعيهب لشعيهب‪" :‬إنهك لنهت الحليهم الرشيهد" [هود‪ ]87 :‬يعنون السهفيه‬
‫الجاههل فهي أحهد التأويلت على مها تقدم‪ .‬وهذا قول سهعيد بهن جهبير‪" .‬إن هذا مها كنتهم بهه تمترون"‬
‫أي تقول لهم الملئكة‪ :‬إن هذا ما كنتم تشكون فيه في الدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 53 - 51 :‬إن المتقيهن فهي مقام أميهن‪ ،‬فهي جنات وعيون‪ ،‬يلبسهون مهن سهندس‬
‫وإستبرق متقابلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن المتقين في مقام أمين" لما ذكر مستقر الكافرين وعذابهم ذكر نزل المؤمنين‬
‫ونعيمهم‪ .‬وقرأ نافع وابن عامر "في مقام" بضم الميم‪ .‬الباقون بالفتح‪ .‬قال الكسائي‪ :‬المقام المكان‪،‬‬
‫والمقام القامة‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫عفت الديار محلها فمقامها‬
‫قال الجوهري‪ :‬وأمها المقام والمقام فقهد يكون كهل واحهد منهمها بمعنهى القامهة‪ ،‬وقهد يكون بمعنهى‬
‫موضهع القيام؛ لنهك إذا جعلتهه مهن قام يقوم فمفتوح‪ ،‬وإن جعلتهه مهن أقام يقيهم فمضموم‪ ،‬لن الفعهل‬
‫إذا جاوز الثلث فالموضهع مضموم الميهم‪ ،‬لنهه مشبهه ببنات الربعهة‪ ،‬نحهو دحرج وهذا مدحرجنها‪.‬‬
‫وقيههل‪ :‬المقام (بالفتههح) المشهههد والمجلس‪ ،‬و(بالضههم) يمكههن أن يراد بههه المكان‪ ،‬ويمكههن أن يكون‬
‫مصهدرا ومقدر فيهه المضاف‪ ،‬أي فهي موضهع إقامهة‪" .‬أميهن" يؤمهن فيهه مهن الفات "فهي جنات‬
‫وعيون" بدل "من مقام أمين"‪" .‬يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين" ل يرى بعضهم قفا بعض‪،‬‬
‫متواجهين يدور بهم مجلسهم حيث داروا‪ .‬والسندس‪ :‬ما رق من الديباج‪ .‬والستبرق‪ :‬ما غلظ منه‪.‬‬
‫وقد مضى في"الكهف"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬كذلك وزوجناهم بحور عين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك" أي المهر كذلك الذي ذكرناه‪ .‬فيوقههف على "كذلك"‪ .‬وقيههل‪ :‬أي كمهها‬
‫أدخلناهم الجنة وفعلنا بهم ما تقدم ذكره‪ ،‬كذلك أكرمناهم بأن‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وزوجناههم بحور عين" وقهد مضهى الكلم فهي العيهن فهي "والصهافات"‪ .‬والحور‪:‬‬
‫البيههض؛ فههي قول قتادة والعامههة‪ ،‬جمههع حوراء‪ .‬والحوراء‪ :‬البيضاء التههي يرى سههاقها مههن وراء‬
‫ثيابهها‪ ،‬ويرى الناظهر وجههه فهي كعبهها؛ كالمرآة مهن دقهة الجلد وبضاضهة البشرة وصهفاء اللون‪.‬‬
‫ودليل‪ ،‬هذا التأويل أنها في حرف ابن مسعود "بعيس عين"‪ .‬وذكر أبو بكر النباري أخبرنا أحمد‬
‫بهن الحسهين قال حدثنها قال حدثنها عمار بهن محمهد قال‪ :‬صهليت خلف منصهور بهن المعتمهر فقرأ فهي‬
‫"حهم" الدخان "بعيهس عيهن‪ .‬ل يذوقون طعهم الموت إل الموتهة الولى "‪ .‬والعيهس‪ :‬البيهض؛ ومنهه‬
‫قيل للبل البيض‪ :‬عيس‪ ،‬واحدها بعير أعيس وناقة عيساء‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كما ترعوي عيط إلى صوت أعيسا‬ ‫يرعن إلى صوتي إذا ما سمعنه‬
‫فمعنهى الحور هنها‪ :‬الحسهان الثاقبات البياض بحسهن‪ .‬وذكهر ابهن المبارك أخبرنها معمهر عهن أبهي‬
‫إسهحاق عهن عمرو بهن ميمون الودي عهن ابهن مسهعود قال‪ :‬إن المرأة مهن الحور العيهن ليرى مهخ‬
‫سهاقها مهن وراء اللحهم والعظهم‪ ،‬ومهن تحهت سهبعين حلة‪ ،‬كمها يرى الشراب الحمهر فهي الزجاجهة‬
‫البيضاء‪ .‬وقال مجاهههد‪ :‬إنمهها سههميت الحور حورا لنهههن يحار الطرف فههي حسههنهن وبياضهههن‬
‫وصههفاء لونهههن‪ .‬وقيههل‪ :‬إنمهها قيههل لهههن حور لحور أعينهههن‪ .‬والحور‪ :‬شدة بياض العيههن فههي شدة‬
‫سههوادها‪ .‬امرأة حوراء بينههة الحور‪ .‬يقال‪ :‬أحورت عينههه أحورارا‪ .‬والحور الشيههء ابيههض‪ .‬قال‬
‫الصمعي‪ :‬ما أدري ما الحور في العين ؟ وقال أبو عمرو‪ :‬الحور أن تسود العين كلها مثل أعين‬
‫الظباء والبقهر‪ .‬قال‪ :‬وليهس فهي بنهي آدم حور؛ وإنمها قيهل للنسهاء‪ :‬حور العيهن لنههن يشبههن بالظباء‬
‫والبقر‪ .‬وقال العجاج‪:‬‬
‫بأعين محورات حور‬
‫يعنهي العيهن النقيات البياض الشديدات سواد‪ .‬الحدق‪ .‬والعين جمهع عيناء؛ وهي الواسهعة العظيمهة‬
‫العينيهن‪ .‬وعهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬مهور الحور‬
‫العيهن قبضات التمهر وفلق الخبهز)‪ .‬وعهن أبهي قرصهافة سهمعت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪:‬‬
‫(إخراج القمامهة من المسجد مهور الحور العين)‪ .‬وعن أنس أن النبي صهلى ال عليه وسهلم قال‪:‬‬
‫(كنهس المسهاجد مهور الحور) ذكره الثعلبهي رحمهه ال‪ .‬وقهد أفردنها لهذا المعنهى بابها مفردا فهي‬
‫(كتاب التذكرة) والحمد ل‪.‬‬
‫واختلف أيمهها أفضههل فههي الجنههة؛ نسههاء الدميات أم الحور ؟ فذكههر ابههن المبارك قال‪ :‬وأخبرنهها‬
‫رشديهن عهن ابهن أنعهم عهن حبان بهن أبهي جبلة قال‪ :‬إن نسهاء الدميات مهن دخهل منههن الجنهة فضلن‬
‫على الحور العيههن بمهها عملن فههي الدنيهها‪ .‬وروي مرفوعهها إن (الدميات أفضههل مههن الحور العيههن‬
‫سهبعين ألف ضعهف)‪ .‬وقيهل‪ :‬إن الحور العيهن أفضهل؛ لقوله عليهه السهلم فهي دعائه‪( :‬وأبدله زوجها‬
‫خيرا مهن زوجهه)‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقرأ عكرمهة (بحور عيهن" مضاف‪ .‬والضافهة والتنويهن فهي "بحور‬
‫عين" سواء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬يدعون فيها بكل فاكهة آمنين}‬
‫@ قال قتادة‪" :‬آمنيهن" مهن الموت والوصهب والشيطان‪ .‬وقيهل‪ :‬آمنيهن مهن انقطاع مها ههم فيهه مهن‬
‫النعيم‪ ،‬أو من أن ينالهم من أكلها أذى أو مكروه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 57 - 56 :‬ل يذوقون فيهها الموت إل الموتهة الولى ووقاههم عذاب الجحيهم‪ ،‬فضل‬
‫من ربك ذلك هو الفوز العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يذوقون فيها الموت إل الموتة الولى" أي ل يذوقون فيها الموت البتة لنهم‬
‫خالدون فيها‪ .‬ثم قال‪" :‬إل الموتة الولى" على الستثناء المنقطع؛ أي لكن الموتة الولى قد ذاقوها‬
‫في الدنيا‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫فلبونه جربت معا وأغدت‬ ‫من كان أسرع في تفرق فالج‬
‫ثم استثنى بما ليس من الول فقال‪:‬‬
‫كالغصن في غلوائه المتنبت‬ ‫إل كناشرة الذي ضيعتم‬
‫وقيهل‪ :‬إن "إل" بمعنهى بعهه؛ كقولك‪ :‬مها كلمهت رجل اليوم إل رجل عندك‪ ،‬أي بعهد رجهل عندك‪.‬‬
‫وقيهل‪" :‬إل" بمعنهى سهوى‪ ،‬أي سهوى الموتهة التهي ماتوهها فهي الدنيها‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا مها‬
‫نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف" [النساء‪ .]22 :‬وهو كما تقول‪ :‬ما ذقت اليوم طعاما سوى‬
‫مها أكلت أمهس‪ .‬وقال القتهبي‪" :‬إل الموتهة الولى" معناه أن المؤمهن إذا أشرف على الموت اسهتقبلته‬
‫ملئكهة الرحمهة ويلقهى الروح والريحان‪ ،‬وكان موتهه فهي الجنهة لتصهافه بأسهبابها‪ ،‬فههو اسهتثناء‬
‫صهحيح‪ .‬والموت عرض ل يذاق‪ ،‬ولكهن جعهل كالطعام الذي يكره ذوقهه‪ ،‬فاسهتعير فيهه لفهظ الذوق‪.‬‬
‫"ووقاهم عذاب الجحيم‪ .‬فضل من ربك" أي فعل ذلك بهم تفضل منه عليهم‪ .‬فه "فضل" مصدر‬
‫عمل فيه "يدعون"‪ .‬وقيل‪ :‬العامل فيه "ووقاهم" وقيل‪ :‬فعل مضمر‪ .‬وقيل‪ :‬معنى الكلم الذي قبله‪،‬‬
‫لنهه تفضهل منهه عليههم‪ ،‬إذ وفقههم فهي الدنيها إلى أعمال يدخلون بهها الجنة‪" .‬ذلك ههو الفوز العظيهم"‬
‫أي السعادة والربح العظيم والنجاة العظيمة‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قولك فاز بكذا‪ ،‬أي ناله وظفر به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون‪ ،‬فارتقب إنهم مرتقبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإنمها يسهرناه بلسهانك" يعنهي القرآن‪ ،‬أي سههلناه بلغتهك عليهك وعلى مهن يقرؤه‬
‫(لعلههم يتذكرون) أي يتعظون وينزجرون‪ .‬ونظيره‪" :‬ولقهد يسهرنا القرآن للذكهر فههل مهن مدكهر"‬
‫[القمهر‪ ]17 :‬فختهم السهورة بالحهث على آتباع القرآن وإن لم يكهن مذكورا‪ ،‬كمها قال فهي مفتتهح‬
‫السورة‪" :‬إنا أنزلناه في ليلة مباركة" [الدخان‪" ،]3 :‬إنا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر‪ ]1 :‬على ما‬
‫تقدم‪" .‬فارتقب إنهم مرتقبون"‬
‫أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت؛ حكاه النقاش‪ .‬وقيل‪ :‬انتظر الفتح‬
‫من ربك إنهم منتظرون بزعمهم قهرك‪ .‬وقيل‪ :‬انتظر أن يحكم ال بينك وبينهم فإنهم ينتظرون بك‬
‫ريههب الحدثان‪ .‬والمعنههى متقارب‪ .‬وقيههل‪ :‬ارتقههب مهها وعدتههك مههن الثواب فإنهههم كالمنتظريههن لمهها‬
‫وعدتهههم مههن العقاب‪ .‬وقيههل‪ :‬ارتقههب يوم القيامههة فإنههه يوم الفصههل‪ ،‬وإن لم يعتقدوا وقوع القيامههة‪،‬‬
‫جعلوا كالمرتقبين لن عاقبتهم ذلك‪ .‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الجاثية‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@سهورة الجاثيهة مكيهة كلهها فهي قول الحسهن وجابر وعكرمهة‪ .‬وقال ابهن عباس وقتادة‪ :‬إل آيهة‪،‬‬
‫ههي"قهل للذيهن آمنوا يغفروا للذيهن ل يرجون أيام ال" [الجاثيهة‪ ]14 :‬نزلت بالمدينهة فهي عمهر بهن‬
‫الخطاب رضي ال عنه؛ ذكره الماوردي‪ .‬وقال المهدوي والنحاس عن ابن عباس‪ :‬إنها نزلت في‬
‫عمر رضي ال عنه‪ ،‬شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة‪ .‬فأراد أن يبطش به‪ ،‬فأنزل ال‬
‫عهز وجهل‪" :‬قهل للذيهن آمنوا يغفروا للذيهن ل يرجون أيام ال" [الجاثيهة‪ ]14 :‬ثهم نسهخت بقوله‪:‬‬
‫"فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة‪ .]5 :‬فالسورة كلها مكية على هذا من غير خلف‪.‬‬
‫وهي سبع وثلثون آية‪ .‬وقيل ست‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬حم‪ ،‬تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حم" مبتدأ و"تنزيل" خبره‪ .‬وقال بعضهم‪" :‬حم" اسم السورة‪ .‬و"تنزيل الكتاب"‬
‫مبتدأ‪ .‬وخبره "من ال"‪ .‬والكتاب القرآن‪" .‬العزيز" المنيع‪" .‬الحكيم" في فعله‪ .‬وقد تقدم جميعه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 5 - 3 :‬إن فهي السهماوات والرض ليات للمؤمنيهن‪ ،‬وفهي خلقكهم ومها يبهث مهن دابهة‬
‫آيات لقوم يوقنون‪ ،‬واختلف الليل والنهار وما أنزل ال من السماء من رزق فأحيا به الرض بعد‬
‫موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن فهي السهماوات والرض" أي فهي خلقهمها "ليات للمؤمنيهن‪ ،‬وفهي خلقكهم ومها‬
‫يبث من دابة آيات لقوم يوقنون‪ ،‬واختلف الليل والنهار وما أنزل ال من السماء من رزق" يعني‬
‫المطهر‪" .‬فأحيها بهه الرض بعهد موتهها وتصهريف الرياح آيات لقوم يعقلون" تقدم جميعهه‪ .‬وقراءة‬
‫العامهة ومها يبهث مهن دابهة آيات" "وتصهريف الرياح آيات" بالرفهع فيهمها‪ .‬وقرأ حمزة والكسهائي‬
‫بكسهر التاء فيهمها‪ .‬ول خلف فهي الول أنهه بالنصهب على اسهم "إن" وخبرهها "فهي السهموات"‪.‬‬
‫ووجهه الكسهر فهي "آيات" الثانهي العطهف على مها عملت فيهه؛ التقديهر‪ :‬إن فهي خلقكهم ومها يبهث مهن‬
‫دابة آيات‪ .‬فأما الثالث فقيل‪ :‬إن وجه النصب فيه تكرير "آيات" لما طال الكلم؛ كما تقول‪ :‬ضرب‬
‫زيدا زيدا‪ .‬وقيهل‪ :‬إنهه على الحمهل على مها عملت فيهه "إن" على تقديهر حذف "فهي"؛ التقديهر‪ :‬وفهي‬
‫اختلف الليل والنهار آيات‪ .‬فحذفت "في" لتقدم ذكرها‪ .‬وأنشد سيبويه في الحذف‪:‬‬
‫ونار توقد بالليل نارا‬ ‫كل امرئ تحسبين امرأ‬
‫فحذف "كهل" المضاف إلى نار المجرورة لتقدم ذكرهها‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو مهن باب العطهف على عامليهن‪.‬‬
‫ولم يجزه سهيبوبه‪ ،‬وأجازه الخفهش وجماعهة مهن الكوفييهن؛ فعطهف "واختلف" على قوله‪( :‬وفهي‬
‫خلقكم) ثم قال‪( :‬وتصريف الرياح آيات) فيحتاج إلى العطف على عاملين‪ ،‬والعطف على عاملين‬
‫قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل‪ ،‬فلم تقو أن تنوب مناب عاملين مختلفين؛ إذ‬
‫لو ناب مناب رافههع وناصههب لكان رافعهها ناصههبا فههي حال‪ .‬وأمهها قراءة الرفههع فحمل على موضههع‬
‫"إن" مهع مها عملت فيهه‪ .‬وقهد ألزم النحويون فهي ذلك أيضها العطهف على عامليهن؛ لنهه عطهف‬
‫"واختلف" على "وفهي خلقكهم"‪ ،‬وعطهف "آيات" على موضهع "آيات" الول‪ ،‬ولكنهه يقدر على‬
‫تكرير "في"‪ .‬ويجوز أن يرفع على القطع مما قبله فيرفع بالبتداء‪ ،‬وما قبله خبره‪ ،‬ويكون عطف‬
‫جملة على جملة‪ .‬وحكى الفراء رفع "واختلف" و"آيات" جميعا‪ ،‬وجعل الختلف هو اليات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد ال وآياته يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك آيات ال" أي هذه آيات ال أي حججه وبراهينه الدالة على وحدانيته وقدرته‪.‬‬
‫"نتلوهها عليهك بالحهق" أي بالصهدق الذي ل باطهل ول كذب فيهه‪ .‬وقرئ "يتلوهها" بالياء‪" .‬فبأي‬
‫حديهث بعهد ال" أي بعهد حديهث ال وقيهل بعهد قرآنهه "وآياتهه يؤمنون" وقراءة العامهة بالياء على‬
‫الخبر‪ .‬وقرأ ابن محيصن وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي "تؤمنون" بالتاء على الخطاب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 8 - 7 :‬ويهل لكهل أفاك أثيهم‪ ،‬يسهمع آيات ال تتلى عليهه ثهم يصهر مسهتكبرا كأن لم‬
‫يسمعها فبشره بعذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويهل لكهل أفاك أثيهم" "ويهل" واد فهي جهنهم‪ .‬توعهد مهن ترك السهتدلل بآياتهه‪.‬‬
‫والفاك‪ :‬الكذاب‪ .‬والفهك الكذب‪( .‬أثيهم) أي مرتكهب للثهم‪ .‬والمراد فيمها روي‪ :‬النضهر بهن الحارث‬
‫وعن ابن عباس أنه الحارث بن كلدة‪ .‬وحكى الثعلبي أنه أبو جهل وأصحابه‪" .‬يسمع آيات ال تتلى‬
‫عليهه" يعنهي آيات القرآن‪" .‬ثهم يصهر مسهتكبرا كأن لم يسهمعها" أي يتمادى على كفره متعظمها فهي‬
‫نفسه عن النقياد مأخوذ من صر الصرة إذا شدها‪ .‬قال معناه ابن عباس وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬أصله من‬
‫إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه‪ .‬و"أن" من "كان" مخففة من الثقيلة؛‬
‫كأنه لم يسمعها‪ ،‬والضمير ضمير الشأن؛ كما في قوله‪:‬‬
‫كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم‬
‫ومحل الجملة النصب‪ ،‬أي يصر مثل غير السامع‪ .‬وقد تقدم في أول "لقمان" القول في هذه الية‪.‬‬
‫وتقدم معنى "فبشره بعذاب أليم" في "البقرة"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 - 9 :‬وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين‪ ،‬من ورائهم‬
‫جهنم ول يغني عنهم ما كسبوا شيئا ول ما اتخذوا من دون ال أولياء ولهم عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا علم مهن آياتنها شيئا اتخذهها هزوا" نحهو قوله فهي الزقوم‪ :‬إنهه الزبهد والتمهر‬
‫وقوله فهي خزنهة جهنهم‪ :‬إن كانوا تسهعة عشهر فأنها ألقاههم وحدي‪" .‬أولئك لههم عذاب مهيهن" مذل‬
‫مخهز‪" .‬من ورائهم جهنم" أي من وراء ما هم فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق جهنم‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪" :‬من ورائهم جهنم" أي أمامهم‪ ،‬نظيره‪" :‬من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد"‬
‫[إبراهيم‪ ]16 :‬أي من أمامه‪ .‬قال‪:‬‬
‫أدب مع الولدان أزحف كالنسر‬ ‫أليس ورائي إن تراخت منيتي‬
‫"ول يغنهي عنههم مها كسهبوا شيئا" أي مهن المال والولد؛ نظيره‪" :‬لن تغنهي عنههم أموالههم ول‬
‫أولدهم من ال شيئا" [آل عمران‪ ]10 :‬أي من المال والولد‪" .‬ول ما اتخذوا من دون ال أولياء"‬
‫يعني الصنام‪" .‬ولهم عذاب عظيم" أي دائم مؤلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا هدى" ابتداء وخبر؛ يعني القرآن‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يعني كل ما جاء به محمد‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪" .‬والذيهن كفروا بآيات ربههم" أي جحدوا دلئله‪" .‬لههم عذاب مهن رجهز أليهم"‬
‫الرجهز العذاب؛ أي لههم عذاب مهن عذاب أليهم دليله قوله تعالى‪" :‬فأنزلنها على الذيهن ظلموا رجزا‬
‫من السماء" [البقرة‪ ]59 :‬أي عذابا‪ .‬وقيل‪ :‬الرجز القذر مثل الرجس؛ وهو كقوله تعالى‪" :‬ويسقى‬
‫مهن ماء صهديد" [إبراهيهم‪ ]16 :‬أي لههم عذاب مهن تجرع الشراب القذر‪ .‬وضهم الراء من الرجهز‬
‫ابهن محيصهن حيهث وقهع‪ .‬وقرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وحفهص "أليهم" بالرفهع؛ على معنهى لههم‬
‫عذاب أليم من رجز‪ .‬الباقون بالخفض نعتا للرجز‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 13 - 12 :‬ال الذي سهخر لكهم البحهر لتجري الفلك فيهه بأمره ولتبتغوا مهن فضله‬
‫ولعلكم تشكرون‪ ،‬وسخر لكم ما في السماوات وما في الرض جميعا منه إن في ذلك ليات لقوم‬
‫يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي سهخر لكهم البحهر لتجري الفلك فيهه بأمره ولتبتغوا مهن فضله ولعلكهم‬
‫تشكرون" ذكر كمال قدرته وتمام نعمته على عباده‪ ،‬وبين أنه خلق ما خلق لمنافعهم‪" .‬وسخر لكم‬
‫ما في السماوات وما في الرض جميعا منه" يعني أن ذلك فعله وخلقه وإحسان منه وإنعام‪ .‬وقرأ‬
‫ابهن عباس والجحدري وغيرهمها "جميعها منهه" بكسهر الميهم وتشديهد النون وتنويهن الهاء‪ ،‬منصهوبا‬
‫على المصههدر‪ .‬قال أبههو عمرو‪ :‬وكذلك سههمعت مسههلمة يقرؤههها "منههه" أي تفضل وكرمهها‪ .‬وعههن‬
‫مسلمة بن محارب أيضا "جميعا منه" على إضافة المن إلى هاء الكناية‪ .‬وهو عند أبي حاتم خبر‬
‫ابتداء محذوف‪ ،‬أي ذلك‪ ،‬أو هو منه‪ .‬وقراءة الجماعة ظاهرة‪" .‬إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬قل للذين آمنوا يغفروا للذين ل يرجون أيام ال ليجزي قوما بما كانوا يكسبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل للذين آمنوا يغفروا" جزم على جواب "قل" تشبيها بالشرط والجزاء كقولك‪:‬‬
‫قم تصب خيرا‪ .‬وقيل‪ :‬هو على حذف اللم‪ .‬وقيل‪ :‬على معنى قل لهم اغفروا يغفروا؛ فهو جواب‬
‫أمهر محذوف دل الكلم عليهه؛ قال علي بهن عيسهى واختاره ابهن العربهي‪ .‬ونزلت اليهة بسهبب أن‬
‫رجل مهن قريهش شتهم عمهر بهن الخطاب فههم أن يبطهش بهه‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬وهذا لم يصهح‪ .‬وذكهر‬
‫الواحدي والقشيري وغيرهما عن ابن عباس أن الية نزلت في عمر مع عبدال بن أبي في غزوة‬
‫بنهي المصهطلق‪ ،‬فإنههم نزلوا على بئر يقال لهها "المريسهيع" فأرسهل عبدال غلمهه ليسهتقي‪ ،‬وأبطهأ‬
‫عليهه فقال‪ :‬مها حبسهك؟ قال‪ :‬غلم عمهر بهن الخطاب قعهد على فهم البئر‪ ،‬فمها ترك أحدا يسهتقي حتهى‬
‫مل قرب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقرب أبهي بكهر‪ ،‬ومل لموله‪ .‬فقال عبدال‪ :‬مها مثلنها ومثهل‬
‫هؤلء إل كمها قيهل‪ :‬سهمن كلبهك يأكلك‪ .‬فبلغ عمهر رضهي ال عنهه قول‪ ،‬فاشتمهل على سهيفه يريهد‬
‫التوجهه إليهه ليقتله؛ فأنزل ال هذه اليهة‪ .‬هذه روايهة عطاء عهن ابهن عباس‪ .‬وروى عنهه ميمون بهن‬
‫مهران قال‪ :‬لما نزلت "من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا" [البقرة‪ ]245 :‬قال يهودي بالمدينة‬
‫يقال له فنحاص‪ :‬احتاج رب محمد! قال‪ :‬فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه؛‬
‫فجاء جبريهل عليهه السهلم إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فقال‪( :‬إن ربهك يقول لك قهل للذيهن آمنوا‬
‫يغفروا للذيهن ل يرجون أيام ال)‪ .‬وأعلم أن عمهر قهد أشتمهل عهل سهيفه وخرج فهي طلب اليهودي‪،‬‬
‫فبعهث رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فهي طلبهه‪ ،‬فلمها جاء قال‪( :‬يها عمهر‪ ،‬ضهع سهيفك) قال‪ :‬يها‬
‫رسول ال‪ ،‬صهدقت‪ .‬أشههد أنك أرسلت بالحهق‪ .‬قال‪( :‬فإن ربهك يقول‪ :‬قل للذين آمنوا يغفروا للذين‬
‫ل يرجون أيام ال) قال‪ :‬ل جرم! والذي بعثك بالحق ل ترى الغضب في وجهي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومهها ذكره المهدوي والنحاس فهههو روايههة الضحاك عههن ابههن عباس‪ ،‬وهههو قول القرظههي‬
‫والسدي‪ ،‬وعليه يتوجه النسخ في الية‪ .‬وعلى أن الية نزلت بالمدينة أو في غزوة بني المصطلق‬
‫فليست بمنسوخة‪ .‬ومعنى "يغفروا" يعفوا ويتجاوزوا‪ .‬ومعنى‪" :‬ل يرجون أيام ال" أي ل يرجون‬
‫ثوابههه‪ .‬وقيههل‪ :‬أي ل يخافون بأس ال ونقمههه‪ .‬وقيههل‪ :‬الرجاء بمعنههى الخوف؛ كقوله‪" :‬مهها لكههم ل‬
‫ترجون ل وقارا" [نوح‪ ]13 :‬أي ل تخافون له عظمهة‪ .‬والمعنهى‪ :‬ل تخشون مثهل عذاب المهم‬
‫الخاليهة‪ .‬واليام يعهبر بهها عهن الوقائع‪ .‬وقيهل‪ :‬ل يأملون نصهر ال لوليائه وإيقاعهه بأعدائه‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫المعنههى ل يخافون البعههث‪" .‬ليجزي قومهها بمهها كانوا يكسههبون" قراءة العامههة "ليجزي" بالياء على‬
‫معنههى ليجزي ال‪ .‬وقرأ حمزة والكسههائي وابههن عامههر "لنجزي" بالنون على التعظيههم‪ .‬وقرأ أبههو‬
‫جعفهههر والعرج وشيبههة "ليجزى" بياء مضمومههة وفتههح الزاي على الفعههل المجهول‪" ،‬قومههها"‬
‫بالنصههب‪ .‬قال أبههو عمرو‪ :‬وهذا لحههن ظاهههر‪ .‬وقال الكسههائي‪ :‬معناه ليجزي الجزاء قومهها‪ ،‬نظيره‪:‬‬
‫"وكذلك نجي المؤمنين" على قراءة ابن عامر وأبي بكر في سورة "النبياء"‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ب بذلك الجر ِو الكلبا‬
‫َلسُ ّ‬ ‫ولو وَلَدت قُفيرة جرو كلب‬
‫أي َلسُبّ السب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون}‬
‫@ تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 17 - 16 :‬ولقهد آتينها بنهي إسهرائيل الكتاب والحكهم والنبوة ورزقناههم مهن الطيبات‬
‫وفضلناههم على العالميهن‪ ،‬وآتيناههم بينات مهن المهر فمها اختلفوا إل مهن بعهد مها جاءههم العلم بغيها‬
‫بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب" يعني التوراة‪" .‬والحكم والنبوة" الحكم‪ :‬الفهم في‬
‫الكتاب‪ .‬وقيهل‪ :‬الحكهم على الناس والقضاء‪ .‬و"النبوة" يعنهي النهبياء مهن وقهت يوسهف عليهه السهلم‬
‫إلى زمن عيسى عليه السلم‪" .‬ورزقناهم من الطيبات" أي الحلل من القوات والثمار والطعمة‬
‫التي كانت بالشام‪ .‬وقيل‪ :‬يعني المن والسلوى في التيه‪" .‬وفضلناهم على العالمين" أي على عالمي‬
‫زمانهههم‪" .‬وآتيناهههم بينات مههن المههر" قال ابههن عباس‪ :‬يعنههي أمههر النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪،‬‬
‫وشواههد نبوتهه بأنهه يهاجهر مهن تهامهة إلى يثرب‪ ،‬وينصهره أههل يثرب‪ .‬وقيهل‪ :‬بينات الم شرائع‬
‫واضحات في الحلل والحرام ومعجزات‪" .‬فما اختلفوا إل من بعد ما جاءهم العلم" يريد يوشع بن‬
‫نون؛ فآمهن بعضههم وكفهر بعضههم؛ حكاه النقاش‪ .‬وقيهل‪" :‬إل مهن بعهد مها جاءههم العلم" نبوة النهبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم فاختلفوا فيهها‪" .‬بغيها بينههم" أي حسهدا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم؛ قال‬
‫معناه الضحاك‪ .‬قيهل‪ :‬معنهى "بغيها" أي بغهى بعضههم على بعهض يطلب الفضهل والرياسهة‪ ،‬وقتلوا‬
‫النهبياء؛ فكذا مشركهو عصهرك يها محمهد‪ ،‬قهد جاءتههم البينات ولكهن أعرضوا عنهها للمنافسهة فهي‬
‫الرياسهة‪" .‬إن ربهك يقضهي بينههم" أي يحكهم ويفصهل‪" .‬يوم القيامهة فيمها كانوا فيهه يختلفون" فهي‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثهم جعلناك على شريعهة مهن المهر" الشريعهة فهي اللغهة‪ :‬المذههب والملة‪ .‬ويقال‬
‫لمشرعة الماء ‪ -‬وهي مورد الشاربة ‪ : -‬شريعة‪ .‬ومنه الشارع لنه طريق إلى المقصد‪ .‬فالشريعة‪:‬‬
‫مها شرع ال لعباده مهن الديهن؛ والجمهع الشرائع‪ .‬والشرائع فهي الديهن‪ :‬المذاههب التهي شرعهها ال‬
‫لخلقهه‪ .‬فمعنهى‪" :‬جعلناك على شريعهة مهن المهر" أي على منهاج واضهح مهن أمهر الديهن يشرع بهك‬
‫إلى الحهق‪ .‬وقال ابهن عباس‪" :‬على شريعهة" أي على هدى مهن المهر‪ .‬قتادة‪ :‬الشريعهة الم والنههي‬
‫والحدود والفرائض‪ .‬مقاتهل‪ :‬البينهة؛ لنهها طريهق إلى الحهق‪ .‬الكلبهي‪ :‬السهنة؛ لنهه يسهتن بطريقهة مهن‬
‫قبله مههن النههبياء‪ .‬ابههن زيههد‪ :‬الديههن؛ لنههه طريههق النجاة‪ .‬قال ابههن العربههي‪ :‬والمههر يرد فههي اللغههة‬
‫بمعنييههن‪ :‬أحدهمهها‪ :‬بمعنههى الشأن كقوله‪" :‬فاتبعوا أمههر فرعون ومهها أمههر فرعون برشيههد" [هود‪:‬‬
‫‪ .]97‬والثانهي‪ :‬أحهد أقسهام الكلم الذي يقابله الذي يقابله النههي‪ .‬وكلهمها يصهح أن يكون مرادا‬
‫هاهنها؛ وتقديره‪ :‬ثهم جعلناك على طريقهة مهن الديهن وههي ملة السهلم؛ كمها قال تعالى‪" :‬ثهم أوحينها‬
‫إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" [النحل‪.]123 :‬‬
‫ول خلف أن ال تعالى لم يغايهر بيهن الشرائع فهي التوحيهد والمكارم والمصهالح‪ ،‬وإنمها خالف‬
‫بينهما في الفروع حسبما علمه سبحانه‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬ظن بعض من يتكلم في العلم أن هذه الية دليل على أن شرع من قبلنا ليس‬
‫بشرع لنا؛ لن ال تعالى أفرد النبي صلى ال عليه وسلم وأمته في هذه الية بشريعة‪ ،‬ول ننكر أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وأمته منفردان بشريعة‪ ،‬وإنما الخلف فيما أخبر النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم عنهه مهن شرع مهن قبلنها فهي معرض المدح والثناء ههل يلزم اتباعهه أم ل‪" .‬ول تتبهع أهواء‬
‫الذيهن ل يعلمون" يعنهي المشركيهن‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬قريظهة والنضيهر‪ .‬وعنهه‪ :‬نزلت لمها دعتهه‬
‫قريش إلى دين آبائه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 19 :‬إنههم لن يغنوا عنهك مهن ال شيئا وإن الظالميهن بعضههم أولياء بعهض وال ولي‬
‫المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنههم لن يغنوا عنهك مهن ال شيئا" أي إن اتبعهت أهواءههم ل يدفعون عنهك مهن‬
‫عذاب ال شيئا‪" .‬وإن الظالميههن بعضهههم أولياء بعههض" أي أصههدقاء وأنصههار وأحباب‪ .‬قال ابههن‬
‫عباس‪ :‬يريهد أن المنافقيهن أولياء اليهود‪" .‬وال ولي المتقيهن" أي ناصهرهم ومعينههم‪ .‬والمتقون هنها‪:‬‬
‫الذين أتقوا الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا بصهائر للناس" ابتداء وخهبر؛ أي هذا الذي أنزلت عليهك براهيهن ودلئل‬
‫ومعالم للناس فههههي الحدود والحكام‪ .‬وقرئ "هذه بصههههائر" أي هذه اليات‪" .‬وهدى" أي رشههههد‬
‫وطريق يؤدي إلى الجنة لمن أخذ به‪" .‬ورحمة" في الخرة "لقوم يوقنون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 21 :‬أم حسهب الذيهن اجترحوا السهيئات أن نجعلههم كالذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات‬
‫سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم حسهب الذيهن اجترحوا السهيئات" أن اكتسهبوها‪ .‬والجتراح‪ :‬الكتسهاب؛ ومنهه‬
‫الجوارح‪ ،‬وقهد تقدم‪" .‬أن نجعلههم كالذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات" قال الكلبهي‪" :‬الذيهن اجترحوا"‬
‫عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة‪ .‬و"الذين آمنوا" علي وحمزة وعبيدة بن الحارث ‪ -‬رضي‬
‫ال عنهههم ‪ -‬حيههن برزوا إليهههم يوم بدر فقتلوهههم‪ .‬وقيههل‪ :‬نزلت فههي قوم مههن المشركيههن قالوا‪ :‬إنهههم‬
‫يعطون فهي الخرة خيرا ممها يعطاه المؤمهن؛ كمها أخهبر الرب عنههم فهي قوله‪" :‬ولئن رجعهت إلى‬
‫ربهي إن لي عنده للحسهنى" [فصهلت‪ .]50 :‬وقوله‪" :‬أم حسهب" اسهتفهام معطوف معناه النكار‪.‬‬
‫وأهل العربية يجوزون ذلك من غير عطف إذا كان متوسطا للخطاب‪ .‬وقوم يقولون‪ :‬فيه إضمار؛‬
‫أي وال ولي المتقيهن أفيعلم المشركون ذلك أم حسهبوا أنها نسهوي بينههم‪ .‬وقيهل‪ :‬ههي أم المنقطعهة‪،‬‬
‫ومعنهى الهمزة فيهها إنكار الحسهبان‪ .‬وقراءة العامهة "سهواء" بالرفهع على أنهه خهبر ابتداء مقدم‪ ،‬أي‬
‫محياهم ومماتهم سواء‪ .‬والضمير في "محياهم ومماتهم" يعود على الكفار‪ ،‬أي محياهم محيا سوء‬
‫ومماتههم كذلك‪ .‬وقرأ حمزة والكسهائي والعمهش بالنصهب‪ ،‬واختاره أبهو عبيهد قال‪ :‬معناه نجعلههم‬
‫سهواء‪ .‬وقرأ العمهش أيضها وعيسهى بهن عمهر "ومماتههم" بالنصهب؛ على معنهى سهواء فهي محياههم‬
‫ومماتهم؛ فلما أسقط الخافض انتصب‪ .‬ويجوز أن يكون بد ل من الهاء والميم في نجعلهم؛ المعنى‪:‬‬
‫أن نجعههل محياهههم ومماتهههم سههواء كمحيهها الذيههن آمنوا ومماتهههم‪ .‬ويجوز أن يكون الضميههر فههي‬
‫"محياههم ومماتههم" للكفار والمؤمنيهن جميعها‪ .‬قال مجاههد‪ :‬المؤمهن يموت مؤمنها ويبعهث مؤمنها‪،‬‬
‫والكافهر يموت كافرا ويبعهث كافرا‪ .‬وذكهر ابهن المبارك أخبرنها شعبهة عهن عمرو بهن مرة عهن أبهي‬
‫الضحها عن مسهروق قال‪ :‬قال رجل من أهل مكة‪ :‬هذا مقام تميم الداري‪ ،‬لقد رأيته ذات ليلة حتى‬
‫أصهبح أو قرب أن يصهبح يقرأ آيهة مهن كتاب ال ويركهع ويسهجد ويبكهي "أم حسهب الذيهن اجترحوا‬
‫السهيئات أن نجعلههم كالذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات" اليهة كلهها‪ .‬وقال بشيهر‪ :‬بهت عنهد الربيهع بهن‬
‫خيثههم ذات ليلة فقام يصههلي فمههر بهذه اليههة فمكههث ليله حتههى أصههبح لم يعدههها ببكاء شديههد‪ .‬وقال‬
‫إبراهيهم بهن الشعهث‪ :‬كثيرا مها رأيهت الفضيهل بهن عياض يردد مهن أول الليهل إلى آخره هذه اليهة‬
‫ونظيرهها‪ ،‬ثهم يقول‪ :‬ليهت‪ ،‬شعري! مهن أي الفريقيهن أنهت؟ وكانهت هذه اليهة تسهمى مبكاة العابديهن‬
‫لنها محكمة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 22 :‬وخلق ال السهماوات والرض بالحهق ولتجزى كهل نفهس بمها كسهبت وههم ل‬
‫يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وخلق ال السهماوات والرض بالحهق" أي بالمهر الحهق‪" .‬ولتجزى" أي ولكهي‬
‫تجزى‪" .‬كل نفس بما كسبت" أي في الخرة‪" .‬وهم ل يظلمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله ال على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل‬
‫على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد ال أفل تذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفرأيت من اتخذ إلهه هواه" قال ابن عباس والحسن وقتادة‪ :‬ذلك الكافر اتخذ دينه‬
‫مها يهواه؛ فل يهوى شيئا إل ركبهه‪ .‬وقال عكرمهة‪ :‬أفرأيهت مهن جعهل إلههه الذي يعبده مها يهواه أو‬
‫يستحسنه؛ فإذا استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها‪ .‬قال سعيد بن جبير‪ :‬كان أحدهم يعبد الحجر؛ فإذا‬
‫رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الخر‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد‬
‫المسهتهزئين‪ ،‬لنهه كان يعبهد مها تهواه نفسهه‪ .‬وقال سهفيان بهن عيينهة‪ :‬إنمها عبدوا الحجارة لن البيهت‬
‫حجارة‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى أفرأيهت مهن ينقاد لهواه ومعبوده تعجيبها لذوي العقول مهن هذا الجههل‪ .‬وقال‬
‫الحسن بن الفضل‪ :‬في هذه الية تقديم وتأخير‪ ،‬مجازه‪ :‬أفرأيت من اتخذ هواه إلهه‪ .‬وقال الشعبي‪:‬‬
‫إنما سمي الهوى هوى لنه يهوي بصاحبه في النار‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ما ذكر ال هوى في القرآن‬
‫إل ذمهه‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬واتبهع هواه فمثله كمثهل الكلب" [العراف‪ .]176 :‬وقال تعالى‪" :‬واتبهع‬
‫هواه وكان أمره فرطا" [الكهف‪ .]28 :‬وقال تعالى‪" :‬بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن‬
‫يهدي من أضل ال" [الروم‪ .]29 :‬وقال تعالى‪" :‬ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال"‬
‫[القصص‪ .]50 :‬وقال تعالى‪" :‬ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال" [ص‪ .]26 :‬وقال عبدال‬
‫بهن عمرو بهن العاص عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪" :‬ل يؤمهن أحدكهم حتهى يكون هواه تبعها لمها‬
‫جئت بهه"‪ .‬وقال أبهو أمامهة‪ :‬سهمعت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪" :‬مها عبهد تحهت السهماء إله‬
‫أبغهض إلى ال مهن الهوى"‪ .‬وقال شداد بن أوس عن النهبي صهلى ال عليه وسلم‪" :‬الكيهس مهن دان‬
‫نفسهه وعمهل لمها بعهد الموت‪ .‬والفاجهر مهن أتبهع نفسهه هواهها وتمنهى على ال"‪ .‬وقال عليهه السهلم‪:‬‬
‫"إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك‬
‫ودع عنك أمر العامة"‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ثلث مهلكات وثلث منجيات فالمهلكات شح‬
‫مطاع وهوى متبهع وإعجاب المرء بنفسهه‪ .‬والمنجيات خشيهة ال فهي السهر والعلنيهة والقصهد فهي‬
‫الغنهى والفقهر والعدل فهي الرضها والغضهب"‪ .‬وقال أبهو الدرداء رضهي ال عنهه‪ :‬إذا أصهبح الرجهل‬
‫اجتمهع هواه وعمله وعلمهه؛ فإن كان عمله تبعها لهواه فيومهه يوم سهوء‪ ،‬وإن كان عمله تبعها لعلمهه‬
‫فيومه يوم صالح‪ .‬وقال الصمعي سمعت رجل يقول‪:‬‬
‫فإذا هويت فقد لقيت هوانا‬ ‫إن الهوان هو الهوى قلب اسمه‬
‫وسئل ابن المقفع عن الهوى فقال‪ :‬هوان سرقت نونه‪ ،‬فأخذه شام فنظمه وقال‪:‬‬
‫فإذا هويت فقد لقيت هوانا‬ ‫نون الهوان من الهوى مسروقة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فإذا هويت فقد كسبت هوانا‬ ‫إن الهوى لهو الهوان بعينه‬
‫فاخضع لحبك كائنا من كانا‬ ‫وإذا هويت فقد تعبّدك الهوى‬
‫ولعبدال بن المبارك‪:‬‬
‫أل يرى لك عن هواك نزوع‬ ‫ومن البليا للبلء علمة‬
‫والحر يشبع تارة ويجوع‬ ‫العبد عبد النفس في شهواتها‬
‫ولبن دريد‪:‬‬
‫وكان إليها للخلف طريق‬ ‫إذا طالبتك النفس يوما بشهوه‬
‫هواك عدو والخلف صديق‬ ‫فدعها وخالف ما هويت فإنما‬
‫ولبي عبيد الطوسي‪:‬‬
‫فاغرة نحو هواها فاها‬ ‫والنفس إن أعطيتها مناها‬
‫وقال أحمد بن أبي الحوارى‪ :‬مررت براهب فوجدته نحيفا فقلت له‪ :‬أنت عليل‪ .‬قال نعم‪ .‬قلت‪ :‬مذ‬
‫كهم؟ قال‪ :‬مهذ عرفهت نفسهي! قلت فتداوى؟ قال‪ :‬قهد أعيانهي الدواء وقهد عزمهت على الكهي‪ .‬قلت ومها‬
‫الكهي؟ قال‪ :‬مخالفهة الهوى‪ .‬وقال سههل بهن عبدال التري‪ :‬هواك داؤك‪ .‬فان خالفتهه فدواؤك‪ .‬وقال‬
‫وههب‪ :‬إذا شككهت فهي أمريهن ولم تدر خيرهمها فانظهر أبعدهمها مهن هواك فأتهه‪ .‬وللعلماء فهي هذا‬
‫الباب فهي ذم الهوى ومخالفتهه كتهب وأبواب أشرنها إلى مها فيهه كفايهة منهه؛ وحسهبك بقوله تعالى‪:‬‬
‫"وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى‪ .‬فإن الجنة هي المأوى" [النازعات‪.]41:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأضله ال على علم" أي على علم قد علمه منه‪ .‬وقيل‪ :‬أضله عن الثواب على‬
‫علم منه بأنه ل يستحقه‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أي على علم قد سبق عنده أنه سيضل‪ .‬مقاتل‪ :‬على علم‬
‫منهه أنهه ضال؛ والمعنهى متقارب‪ .‬وقيهل‪ :‬على علم مهن عابهد الصهنم أنهه ل ينفهع ول يضهر‪ .‬ثهم قيهل‪:‬‬
‫"على علم" يجوز أن يكون حال من الفاعل؛ المعنى‪ :‬أضله على علم منه به‪ ،‬أي أضله عالما بأنه‬
‫مهن أههل الضلل فهي سهابق علمهه‪ .‬ويجوز أن يكون حال مهن المفعول؛ فيكون المعنهى‪ :‬أضله فهي‬
‫حال علم الكافهر بأنهه ضال‪" .‬وختهم على سهمعه وقلبهه" أي طبهع على سهمعه حتهى ل يسهمع الوعهظ‪،‬‬
‫وطبع على قلبه حتى ل يفقه الهدى‪" .‬وجعل على بصره غشاوة" أي غطاء حتى ل يبصر الرشد‪.‬‬
‫وقرأ حمزه والكسائي "غشوة" بفتح الغين من غير ألف وقال الشاعر‪:‬‬
‫يمينا ومالك أبدى اليمينا‬ ‫أما والذي أنا عبد له‬
‫لقد كنت أصفيتك الود حينا‬ ‫لئن كنت ألبستني غشوة‬
‫"فمن يهديه من بعد ال" أي من بعد أن أضله‪" .‬أفل تتذكرون" تتعظون وتعرفون أنه قادر على‬
‫ما يشاء‪.‬‬
‫وهذه اليهة ترد على القدريهة والماميهة وسهلك سهبيلهم فهي العتقاد؛ إذ ههي مصهرحة بمنعههم مهن‬
‫الهداية‪ .‬ثم قيل‪" :‬وختم على سمعه وقلبه" إنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم‪ .‬وقيل‪ :‬إنه خارج‬
‫مخرج الدعاء بذلك عليههم؛ كمها تقدم فهي أول "البقرة"‪ .‬وحكهى ابهن جريهج أنهها نزلت فهي الحارث‬
‫بن قيس من الغياطلة‪ .‬وحكى النقاش أنها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف‪ .‬وقال مقاتل‪:‬‬
‫نزلت فهي أبهي جههل‪ ،‬وذلك أنهه طاف بالبيهت ذات ليلة ومعهه الوليهد بهن المغيرة‪ ،‬فتحدثها فهي شأن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال أبو جهل‪ :‬وال إني لعلم إنه لصادق! فقال له مه! وما دلك على‬
‫ذلك!؟ قال‪ :‬يها أبها عبهد شمهس‪ ،‬كنها نسهميه فهي صهباه الصهادق الميهن؛ فلمها تهم عقله وكمهل رشده‪،‬‬
‫نسهميه الكذاب الخائن!! وال إنهي لعلم إنهه لصهادق! قال‪ :‬فمها يمنعهك أن تصهدقه وتؤمهن بهه؟ قال‪:‬‬
‫تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة‪ ،‬واللت والعزى إن اتبعته‬
‫أبدا‪ .‬فنزلت‪" :‬وختم على سمعه وقلبه"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر وما لهم بذلك من‬
‫علم إن هم إل يظنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا مها ههي إل حياتنها الدنيها نموت ونحيها" هذا إنكار منههم للخرة وتكذيهب‬
‫للبعهث وإبطال للجزاء‪ .‬ومعنهى‪" :‬نموت ونحيها" أي نموت نحهن وتحيها أولدنها؛ قال الكلبهي‪ .‬وقرئ‬
‫"ونحيها" بضهم النون‪ .‬وقيهل‪ :‬يموت بعضنها ويحيها بعضنها‪ .‬وقيهل‪ :‬فيهه تقديهم وتأخيهر؛ أي نحيها‬
‫ونموت؛ وههي قراءة ابهن مسهعود‪" .‬ومها يهلكنها إل الدههر" قال مجاههد‪ :‬يعنهي السهنين واليام‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬إل العمههر‪ ،‬والمعنههى واحههد‪ .‬وقرئ "إل دهههر يمههر"‪ .‬وقال ابههن عيينههة‪ :‬كان أهههل الجاهليههة‬
‫يقولون‪ :‬الدهههر هههو الذي يهلكنهها وهههو الذي يحيينهها ويميتنهها؛ فنزلت هذه اليههة‪ .‬وقال قطرب‪ :‬ومهها‬
‫يهلكنا إل الموت؛ وأنشد قول أبي ذؤيب‪:‬‬
‫والدهر ليس بمعتب من يجزع‬ ‫أمن المنون وريبها تتوجع‬
‫وقال عكرمة‪ :‬أي وما يهلكنا إل ال‪ .‬وروى أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬كان‬
‫أههل الجاهليهة يقولون مها يهلكنها إل الليهل والنهار وههو الذي يهلكنها ويميتنها ويحيينها فيسهبون الدههر‬
‫قال ال تعالى‪ :‬يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي المر أقلب الليل والنهار"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله "قال ال" إلى آخره نههص البخاري ولفظههه‪ .‬وخرجههه مسههلم أيضهها وأبههو داود‪ .‬وفههي‬
‫الموطأ عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن‬
‫ال هو الدهر)‪ .‬وقد استدل بهذا الحديث من قال‪ :‬إن الدهر من أسماء ال‪ .‬وقال‪ :‬من لم يجعله من‬
‫العلماء اسهما إنمها خرج ردا على العرب فهي جاهليتهها؛ فإنههم كانوا يعتقدون أن الدههر ههو الفاعهل‬
‫كما أخبر ال عنهم في هذه الية؛ فكانوا إذا أصابهم ضر أو ضيم أو مكروه نسبوا ذلك إلى الدهر‬
‫فقيهل لههم على ذلك‪ :‬ل تسهبوا الدههر فإن ال ههو الدههر؛ أي إن ال ههو الفاعهل لهذه المور التهي‬
‫تضيفونها إلى الدهر فيرجع السب إليه سبحانه؛ فنهوا عن ذلك‪ .‬ودل على صحة هذا ما ذكره من‬
‫حديهث أبهي هريرة قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬قال ال تبارك وتعالى يؤذينهي ابهن‬
‫آدم‪ )...‬الحديث‪ .‬ولقد أحسن من قال‪ ،‬وهو أبو علي الثقفي‪:‬‬
‫ل تلم الدهر على غدره‬ ‫يا عاتب الدهر إذا نابه‬
‫وينتهي الدهر إلى أمره‬ ‫الدهر مأمور‪ ،‬له آمر‬
‫تزداد أضعافا على كفره‬ ‫كم كافر أمواله جمة‬
‫يزداد إيمانا على فقره‬ ‫ومؤمن ليس له درهم‬
‫وروي أن سالم بن عبدال بن عمر كان كثيرا ما يذكر الدهر فزجره أبوه وقال‪ :‬إياك يا بني وذكر‬
‫الدهر! وأنشد‪:‬‬
‫ول جالب البلوى فل تشتم الدهرا‬ ‫فما الدهر بالجاني لشيء لحينة‬
‫على معشر يجعل مياسيرهم عسرا‬ ‫ولكن متى ما يبعث ال باعثا‬
‫وقال أبهو عبيهد‪ :‬ناظرت بعهض الملحدة فقال‪ :‬أل تراه يقول‪" :‬فإن ال ههو الدههر"؟ فقلت‪ :‬وههل كان‬
‫أحد يسب ال في آباد الدهر‪ ،‬بل كانوا يقولون كما قال العشى‪:‬‬
‫وإن في السفر إذ مضوا مهل‬ ‫إن محل وإن مرتحل‬
‫ل وولى الملمة الرجل‬ ‫استأثر ال بالوفاء وبالعد‬
‫قال أبههو عبيههد‪ :‬ومههن شأن العرب أن يذموا الدهههر عنههد المصههائب والنوائب؛ حتههى ذكروه فههي‬
‫أشعارهم‪ ،‬ونسبوا الحداث إليه‪ .‬قال عمرو بن قميئة‪:‬‬
‫فكيف بمن يرمى وليس برام‬ ‫رمتني بنات الدهر من حيث ل أرى‬
‫ولكنني أرمى بغير سهام‬ ‫فلو أنها نبل إذًا لتقيتها‬
‫أنوء ثلثا بعدهن قيامي‬ ‫على الراحتين مرة وعلى العصا‬
‫ومثله كثير في الشعهر‪ .‬ينسهبون ذلك إلى الدهر ويضيفونه إليه‪ ،‬وال سبحانه الفاعل ل رب سواه‪.‬‬
‫"وما لهم بذلك من علم" أي علم‪ .‬و"من" زائدة؛ أي قالوا ما قالوا شاكين‪" .‬إن هم إل يظنون" أي‬
‫مها ههم إل يتكلمون بالظهن‪ .‬وكان المشركون أصهنافا‪ ،‬منههم هؤلء‪ ،‬ومنههم مهن كان يثبهت الصهانع‬
‫وينكهر البعهث‪ ،‬ومنههم مهن كان يشهك فهي البعهث ول يقطهع بإنكاره‪ .‬وحدث فهي السهلم أقوام ليهس‬
‫يمكنهههم إنكار البعههث خوفهها مههن المسههلمين؛ فيتأولون ويرون القيامههة موت البدن‪ ،‬ويرون الثواب‬
‫والعقاب إلى خيالت تقهع للرواح بزعمههم؛ فشهر هؤلء أضهر مهن شهر جميهع الكفار؛ لن هؤلء‬
‫يلبسهون على الحهق‪ ،‬ويغتهر بتلبيسههم الظاههر‪ .‬والمشرك المجاههر بشركهه يحذره المسهلم‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫نموت وتحيا آثارنا؛ فهذه حياة الذكر‪ .‬وقيل‪ :‬أشاروا إلى التناسخ؛ أي يموت الرجل فتجعل روحه‪.‬‬
‫في موات فتحيا به‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 26 - 25 :‬وإذا تتلى عليههم آياتنا بينات مها كان حجتههم إل أن قالوا ائتوا بآبائنها إن‬
‫كنتم صادقين‪ ،‬قل ال يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ل ريب فيه ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات" أي وإذ تقرأ على هؤلء المشركين آياتنا المنزلة في‬
‫جواز البعهث لم يكهن ثهم دفهع "مها كان حجتههم إل أن قالوا ائتوا بأبائنها إن كنتهم صهادقين" "حجتههم"‬
‫خهبر كان والسهم "إل أن قالوا ائتوا بآبائنها" الموتهى نسهألهم عهن صهدق مها تقولون‪ ،‬فرد ال عليههم‬
‫بقوله "قل ال يحيكم" يعني بعد كونكم نطفا أمواتا "ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ل ريب‬
‫فيهه" كمها أحياكهم فهي الدنيها‪" .‬ولكهن أكثهر الناس ل يعلمون" أن ال يعيدههم كمها بدأههم‪ .‬الزمخشري‪:‬‬
‫فإن قلت لم سمي قولهم حجة وليس بحجة؟ قلت‪ :‬لنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته‪ ،‬وساقوه‬
‫مسهاقها فسهميت حجهة على سهبيل التهكهم‪ .‬أو لنهه فهي حسهبانهم وتقديرههم حجهة‪ .‬أو لنهه فهي أسهلوب‬
‫قوله‪:‬‬
‫تحية بينهم ضرب وجيع‬
‫كأنه قيل‪ :‬ما كان حجتهم إل ما ليس بحجة‪ .‬والمراد نفي أن تكون لهم حجة البتة‪ .‬فإن قلت‪ :‬كيف‬
‫وقع قوله‪" :‬قل ال يحييكم" جواب "ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين"؟ قلت‪ :‬لما أنكروا البعث وكذبوا‬
‫الرسهل‪ ،‬وحسهبوا أن مها قالوه قول مبكهت ألزموا مها ههم مقرون بهه مهن أن ال عهز وجهل وههو الذي‬
‫يحييههم ثهم يميتههم‪ ،‬وضهم إلى إلزام ذلك إلزام مها ههو واجهب القرار بهه إن أنصهفوا وأصهغوا إلى‬
‫داعهى الحهق وههو جمعههم يوم القيامهة‪ ،‬ومهن كان قادرا على ذلك كان قادرا على التيان بآبائههم‪،‬‬
‫وكان أهون شيء عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬ول ملك السماوات والرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول ملك السهماوات والرض" خلقها وملكها‪" .‬ويوم تقوم السهاعة يومئذ يخسهر‬
‫المبطلون" "يوم" الول منصهوب بهه "يخسهر" و"يومئذ" تكريهر للتأكيهد أو بدل‪ .‬وقيهل‪ :‬إن التقديهر‬
‫وله الملك يوم تقوم السهاعة‪ .‬والعامهل فهي "يومئذ" "يخسهر"‪ ،‬ومفعول "يخسهر" محذوف‪ ،‬والمعنهى‬
‫يخسرون منازلهم في الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وترى كهل أمهة جاثيهة" أي مهن هول ذلك اليوم‪ .‬والمهة هنها‪ :‬أههل كهل ملة‪ .‬وفهي‬
‫الجاثيههة تأويلت خمههس‪ :‬الول‪ :‬قال مجاهههد‪ :‬مسههتوفزة‪ .‬وقال سههفيان‪ :‬المسههتوفز الذي ل يصههيب‬
‫الرض منههه إل ركبتاه وأطراف أنامله‪ .‬الضحاك‪ :‬ذلك عنههد الحسههاب‪ .‬الثانههي‪ :‬مجتمعههة قاله ابههن‬
‫عباس‪ .‬الفراء‪ :‬المعنههى وترى أهههل كههل ديههن مجتمعيههن‪ .‬الثالث‪ :‬متميزة‪ ،‬قاله عكرمههة‪ .‬الرابههع‪:‬‬
‫خاضعة بلغة قريش‪ ،‬قال مؤرج‪ .‬الخامس‪ :‬باركة على الركب قاله الحسن‪ .‬والجثو‪ :‬الجلوس على‬
‫جثِيها‪ ،‬على فعول؟؟ منهها‪ ،‬وقهد مضهى فهي "مريهم"‪:‬‬ ‫جثُوّا و ُ‬
‫الركهب‪ .‬جثها على ركبتيهه يجثهو ويجثهي ُ‬
‫وأصل الجثوة‪ :‬الجماعة من كل شيء‪ .‬قال طرفه يصف قبرين‪:‬‬
‫صفائح صم من صفيح منضد‬ ‫ترى جثوتين من تراب عليهما‬
‫ثهم قيهل‪ :‬ههو خاص بالكفار‪ ،‬قاله يحهي بهن سهلم‪ .‬وقيهل‪ :‬إنهه عام للمؤمهن والكافهر انتظارا للحسهاب‪.‬‬
‫وقهد روى سهفيان بهن عيينهة عهن عمرو عهن عبدال بهن باباه أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪:‬‬
‫"كأنهي أراكهم بالكوم جاثيهن دون جهنهم" ذكره الماوردي‪ .‬وقال سهلمان‪ :‬إن فهي يوم القيامهة لسهاعة‬
‫ههي عشهر سهنين يخهر الناس فيهها جثاة على ركبههم حتهى إن إبراهيهم عليهه السهلم لينادي "ل أسهألك‬
‫اليوم إل نفسهي"‪" .‬كهل أمهة تدعهى إلى كتابهها" قال يحهي بهن سهلم‪ :‬إلى حسهابها‪ .‬وقيهل‪ :‬إلى كتابهها‬
‫الذي كان يسهتنسخ لهها فيهه مها عملت مهن خيهر وشهر‪ ،‬قال مقاتهل‪ .‬وههو معنهى قول مجاههد‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫"كتابهها" مها كتبهت الملئكهة عليهها‪ .‬وقيهل كتابهها المنزل عليهها لينظهر ههل عملوا بمها فيهه‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫الكتاب هها هنها اللوح المحفوظ‪ .‬وقرأ يعقوب الحضرمهي "كهل أمهة" بالنصهب على البدل مهن "كهل"‬
‫الولى لمها فهي الثانية من اليضاح الذي ليس فهي الولى‪ ،‬إذ ليس فهي جثوها شيهء من حال شرح‬
‫الجثهو كمها فهي الثانيهة مهن ذكهر السهبب الداعهي إليهه وههو اسهتدعاؤها إلى كتابهها‪ .‬وقيهل‪ :‬انتصهب‬
‫بإعمال "ترى" مضمرا‪ .‬والرفع على البتداء‪" .‬اليوم تجزون ما كنتم تعملون" من خير أو شر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا كتابنها" قيهل مهن قول ال لههم‪ .‬وقيهل مهن قول الملئكهة‪" .‬ينطهق عليكهم بالحهق"‬
‫أي يشههد‪ .‬وههو اسهتعارة يقال‪ :‬نطهق الكتاب بكذا أي بيهن‪ .‬وقيهل‪ :‬إنههم يقرؤونهه فيذكرههم الكتاب مها‬
‫عملوا‪ ،‬فكأنهه ينطهق عليههم‪ ،‬دليله قوله‪" :‬ويقولون يها ويلتنها مال هذا الكتاب ل يغادر صهغيرة ول‬
‫كهبيرة إل أحصهاها" [الكههف‪ .]49 :‬وفهي المؤمنيهن‪" :‬ولدينها كتاب ينطهق بالحهق وههم ل يظلمون"‬
‫وقهد تقدم‪ .‬و"ينطهق" فهي‪ ،‬موضهع الحال مهن الكتاب‪ ،‬أو مهن ذا‪ ،‬أو خهبر ثان لذا‪ ،‬أو يكون "كتابنها"‬
‫بدل من "هذا" و"ينطق" الخبر‪" .‬إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون‪.‬‬
‫قال علي رضي ال عنه‪ :‬إن ل ملئكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬إن ال وكل ملئكة مطهرين فينسخون من أم الكتاب في رمضان كل ما يكون من أعمال‬
‫بني آدم فيعارضون حفظة ال على العباد كل خميس‪ ،‬فيجدون ما جاء به الحفظة من أعمال العباد‬
‫موافقها لمها فهي كتابههم الذي اسهتنسخوا مهن ذلك الكتاب ل زيادة فيهه ول نقصهان‪ .‬قال ابهن عباس‪:‬‬
‫وهل يكون النسخ إل من كتاب‪ .‬الحسن‪ :‬نستنسخ ما كتبته الحفظة على بني آدم‪ ،‬لن الحفظة ترفع‬
‫إلى الخزنة صحائف العمال‪ .‬وقيل‪ :‬تحمل الحفظة كل يوم ما كتبوا على العبد‪ ،‬ثم إذا عادوا إلى‬
‫مكانههم نسهخ منهه الحسهنات والسهيئات‪ ،‬ول تحول المباحات إلى النسهخة الثانيهة‪ .‬وقيهل‪ :‬إن الملئكهة‬
‫إذا رفعت أعمال العباد إلى ال عز وجل أمر بأن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب‪ ،‬ويسقط من‬
‫جملتها ما ل ثواب فيه ول عقاب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 31 - 30 :‬فأمها الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات فيدخلههم ربههم فهي رحمتهه ذلك ههو‬
‫الفوز المبين‪ ،‬وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته" أي الجنة "ذلك هو‬
‫الفوز المبين‪ .‬وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم" أي فيقال لهم ذلك‪ .‬وهو استفهام توبيخ‪.‬‬
‫"فاسهتكبرتم" عهن قبولهها‪" .‬وكنتهم قومها مجرميهن" أي مشركيهن تكسهبون المعاصهي‪ .‬يقال‪ :‬فلن‬
‫جريمهة أهله إذا كان كاسهبهم‪ ،‬فالمجرم مهن أكسهب نفسهه المعاصهي‪ .‬وقهد قال ال تعالى‪" :‬أفنجعهل‬
‫المسلمين كالمجرمين" [القلم‪ ]35 :‬فالمجرم ضد المسلم فهو المذنب بالكفر إذا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬وإذا قيل إن وعد ال حق والساعة ل ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن‬
‫إل ظنا وما نحن بمستيقنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قيل إن وعد ال حق" أي البعث كائن‪" .‬والساعة ل ريب فيها" وقرأ حمزة‬
‫"والساعة" بالنصب عطفا على "وعد"‪ .‬الباقون بالرفع على البتداء‪ ،‬أو العطف على موضع "إن‬
‫وعهد ال"‪ .‬ول يحسهن على الضميهر الذي فهي المصهدر‪ ،‬لنهه غيهر مؤكهد‪ ،‬والضميهر المرفوع إنمها‬
‫يعطف عليه بغير تأكيد في الشعر‪" .‬قلتم ما ندري ما الساعة" هل هي حق أم باطل‪" .‬إن نظن إل‬
‫ظنا" تقديره عند المبرد‪ :‬إن نحن إل نظن ظنا‪ .‬وقيل‪ :‬التقدير‪ :‬إن نظن إل أنكم تظنون ظنا‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أي وقلتم إن نظن إل ظنا "وما نحن بمستيقنين" أن الساعة آتية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبدا لهم سيئات ما عملوا" أي ظهر لهم جزاء سيئات ما عملوا‪" .‬وحاق بهم" أي‬
‫نزل بهم وأحاط‪" .‬ما كانوا به يستهزئون" من عذاب ال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليههة‪{ 34 :‬وقيههل اليوم ننسههاكم كمهها نسههيتم لقاء يومكههم هذا ومأواكههم النار ومهها لكههم مهن‬
‫ناصرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا" أي نترككم في النار كما تركتم لقاء‬
‫يومكهم هذا أي تركتهم العمهل له‪" .‬ومأواكهم النار" أي مسهكنكم ومسهتقركم‪" .‬ومها لكهم مهن ناصهرين"‬
‫من ينصركم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬ذلكم بأنكم اتخذتم آيات ال هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم ل يخرجون منها‬
‫ول هم يستعتبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكم بأنكم اتخذتم آيات ال" يعني القرآن‪" .‬هزوا" لعبا‪" .‬وغرتكم الحياة الدنيا"‬
‫أي خدعتكهم بأباطيلهها وزخارفهها‪ ،‬فظننتهم أن ليهس ثهم غيرهها‪ ،‬وأن ل بعهث‪" .‬فاليوم ل يخرجون‬
‫منهها" أي مهن النار‪" .‬ول ههم يسهتعتبون" يسهترضون‪ .‬وقرأ حمزة والكسهائي "فاليوم ل يخرجون"‬
‫بفتهح الياء وضهم الراء لقوله تعالى‪" :‬كلمهها أرادوا أن يخرجوا منههها أعيدوا فيههها" [السههجدة‪]20 :‬‬
‫الباقون بضم الياء وفتح الراء‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ربنا أخرجنا" [فاطر‪ ]37 :‬ونحوه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليههة‪{ 36 :‬فلله الحمههد رب السههماوات ورب الرض رب العالميههن‪ ،‬وله الكههبرياء فههي‬
‫السماوات والرض وهو العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلله الحمد رب السماوات ورب الرض رب العالمين" قرأ مجاهد وحميد وابن‬
‫محيصن "رب السموات ورب الرض رب العالمين" بالرفع فيها كلها على معنى هو رب‪" .‬وله‬
‫الكهبرياء" أي العظمهة والجلل والبقاء والسهلطان والقدرة والكمال‪" .‬فهي السهموات والرض وههو‬
‫العزيز الحكيم" وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الحقاف‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬حم‪ ،‬تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم‪ ،‬ما خلقنا السماوات والرض وما بينهما‬
‫إل بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حهم‪ ،‬تنزيهل الكتاب مهن ال العزيهز الحكيهم" تقدم‪" .‬مها خلقنها السهماوات والرض‬
‫ومها بينهمها إل بالحهق " تقدم أيضها‪" .‬وأجهل مسهمى" "وأجهل مسهمى" يعنهي القيامهة‪ ،‬فهي قول ابهن‬
‫عباس وغيره‪ .‬وهو الجل الذي تنتهي إليه السموات والرض‪ .‬وقيل‪ :‬إنه هو الجل المقدور لكل‬
‫مخلوق‪" .‬والذيهن كفروا عمها أنذروا معرضون" "والذيهن كفروا عمها أنذروا" خُوفوه "معرضون"‬
‫مولون ل هون غير مستعدين له‪ .‬يجوز أن تكون "ما" مصدرية‪ ،‬أي عن إنذارهم ذلك اليوم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬قل أرأيتم ما تدعون من دون ال أروني ماذا خلقوا من الرض أم لهم شرك في‬
‫السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم ما تدعون من دون ال" أي ما تعبدون من الصنام والنداد من دون‬
‫ال‪" .‬أرونهي ماذا خلقوا مهن الرض" أي ههل خلقوا شيئا مهن الرض "أم لههم شرك" أي نصهيب‬
‫"فهي السهماوات" أي فهي خلق السهموات مهع ال‪" .‬ائتونهي بكتاب مهن قبهل هذا" أي مهن قبهل هذا‬
‫القرآن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو أثارة مهن علم" قراءة العامهة "أو أثارة" بألف بعهد الثاء‪ .‬قال ابهن عباس عهن‬
‫النهبي صهلى ال عليه وسلم‪( :‬هو خهط كانهت تخطهه العرب فهي الرض)‪ ،‬ذكره المهدوي والثعلبهي‪.‬‬
‫وقال ابن العربي‪ :‬ولم يصح‪ .‬وفي مشهور الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬كان نبي‬
‫من النبياء يخط فمن وافق خطه فذاك) ولم يصح أيضا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هو ثابت من حديث معاوية بن الحكم السلمي‪ ،‬خرجه مسلم‪ .‬وأسند النحاس‪ :‬حدثنا محمد‬
‫بهن أحمهد (يعرف بالجرايجهي) قال حدثنها محمهد بهن بندار قال حدثنها يحيهى بهن سهعيد عهن سهفيان‬
‫الثوري عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله‬
‫عهز وجهل‪" :‬أو أثارة مهن علم" قال‪[ :‬الخهط] وهذا صهحيح أيضها‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬واختلفوا فهي‬
‫تأويله‪ ،‬فمنههم مهن قال‪ :‬جاء لباحهة الضرب‪ ،‬لن بعهض النهبياء كان يفعهل‪ .‬ومنههم مهن قال جاء‬
‫للنههي عنهه‪ ،‬لنهه صهلى ال عليهه وسهلم قال‪[ :‬فمهن وافهق خطهه فذاك]‪ .‬ول سهبيل إلى معرفهة طريهق‬
‫النهي المتقدم فيه‪ ،‬فإذا ل سبيل إلى العمل به‪ .‬قال‪:‬‬
‫ول زاجرات الطير ما ال صانع‬ ‫لعمرك ما تدري الضوارب بالحصا‬
‫وحقيقتههه عنههد أربابههه ترجههع إلى صههور الكواكههب‪ ،‬فيدل مهها يخرج منههها على مهها تدل عليههه تلك‬
‫الكواكهب مهن سهعد أو نحهس يحهل بههم‪ ،‬فصهار ظنها مبنيها على ظهن‪ ،‬وتعلقها بأمهر غائب قهد درسهت‬
‫طريقهه وفات تحقيقهه‪ ،‬وقهد نههت الشريعهة عنهه‪ ،‬وأخهبرت أن ذلك ممها اختهص ال بهه‪ ،‬وقطعهه عهن‬
‫الخلق‪ ،‬وإن كانهت لههم قبهل ذلك أسهباب يتعلقون بهها فهي درك الشياء المغيبهة‪ ،‬فإن ال قهد رفهع تلك‬
‫السباب وطمس تلك البواب وأفرد نفسه بعلم الغيب‪ ،‬فل يجوز مزاحمته في ذلك‪ ،‬ول يحل لحد‬
‫دعواه‪ .‬وطلبهه عناء لو لم يكهن فيهه نههي‪ .‬فإذ وقهد ورد النههي فطلبهه معصهية أو كفهر بحسهب قصهد‬
‫الطالب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما اختاره هو قول الخطابي‪ .‬قال الخطابي‪ :‬قوله عليه السلم‪[ :‬فمن وافق خطه فذاك] هذا‬
‫يحتمههل الزجههر إذ كان ذلك علمهها لنبوتههه وقههد انقطعههت‪ ،‬فنهينهها عههن التعاطههي لذلك‪ .‬قال القاضههي‬
‫عياض‪ :‬الظهر من اللفظ خلف هذا‪ ،‬وتصويب خط من يوافق خطه‪ ،‬لكن من أين تعلم الموافقة‬
‫والشرع منع من التخرص وادعاء الغيب جملة ‪ -‬فإنما معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون‬
‫إصهابته‪ ،‬ل أنهه يريهد إباحهة ذلك لفاعله على مها تأوله بعضههم‪ .‬وحكهى مكهي فهي تفسهير قوله‪[ :‬كان‬
‫نهبي مهن النهبياء يخهط] أنهه كان يخهط بأصهبعه السهبابة والوسهطى فهي الرمهل ثهم يزجهر‪ .‬وقال ابهن‬
‫عباس في تفسير قوله [ومنا رجال يخطون]‪ :‬هو الخط الذي يخطه الحازي فيعطى حلوانا فيقول‪:‬‬
‫اقعهد حتهى أخهط لك‪ ،‬وبيهن يدي الحازي غلم معهه ميهل ثهم يأتهي إلى أرض رخوة فيخهط السهتاذ‬
‫خطوطها معجلة لئل يلحقهها العدد‪ ،‬ثهم يرجهع فيمحهو على مههل خطيهن خطيهن‪ ،‬فإن بقهي خطان فههو‬
‫علمة النجح‪ ،‬وإن بقي خط فهو علمة الخيبة‪ .‬والعرب تسميه السحم وهو مشؤوم عندهم‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬إن ال تعالى لم يبق من السباب الدالة على الغيب التي أذن في التعلق بها‬
‫والسهتدلل منهها إل الرؤيها‪ ،‬فإنهه أذن فيهها‪ ،‬وأخهبر أنهها جزء مهن النبوة وكذلك الفأل‪ ،‬وأمها الطيرة‬
‫والزجهر فإنهه نههى عنهمها‪ .‬والفأل‪ :‬ههو السهتدلل بمها يسهمع مهن الكلم على مها يريهد مهن المهر إذا‬
‫كان حسهههنا‪ ،‬فإذا سهههمع مكروهههها فههههو تطيهههر‪ ،‬أمره الشرع بأن يفرح بالفأل ويمضهههى على أمره‬
‫مسهرورا‪ .‬وإذا سهمع المكروه أعرض عنهه ولم يرجهع لجله‪ ،‬وقهد قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪:‬‬
‫[اللهم ل طير إل طيرك ول خير إل خيرك ول إله غيرك]‪ .‬وقد روى بعض الدباء‪:‬‬
‫مضللون ودون الغيب أقفال‬ ‫الفأل والزجر والكهان كلهم‬
‫وهذا كلم صهحيح‪ ،‬إل فهي الفأل فإن الشرع اسهتثناه وأمهر بهه‪ ،‬فل يقبهل مهن هذا الشاعهر مها نظمهه‬
‫فيه‪ ،‬فإنه تكلم بجهل‪ ،‬وصاحب الشرع أصدق وأعلم وأحكم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد مضى في الطيرة والفأل وفي الفرق بينهما ما يكفي في (المائدة) وغيرها‪ .‬ومضى في‬
‫(النعام) أن ال سبحانه منفرد بعلم الغيب‪ ،‬وأن أحدا ل يعلم ذلك إل ما أعلمه ال‪ ،‬أو يجعل على‬
‫ذلك دللة عاديهة يعلم بهها مها يكون على جري العادة‪ ،‬وقهد يختلف‪ .‬مثال إذا رأى نخلة قهد أطلعهت‬
‫فإنهه يعلم أنهها سهتثمر‪ ،‬وإذا رآهها قهد تناثهر طلعهها علم أنهها ل تثمهر‪ .‬وقهد يجوز أن يأتهي عليهها آفهة‬
‫تهلك ثمرهها فل تثمهر‪ ،‬كمها أنهه جائز أن تكون النخلة التهي تناثهر طلعهها يطلع ال فيهها طلعها ثانيها‬
‫فتثمهر‪ .‬وكمها أنهه جائز أيضها أل يلي شهره شههر ول يومهه يوم إذا أراد ال إفناء العالم ذلك الوقهت‪.‬‬
‫إلى غير ذلك مما تقدم في (النعام) بيانه‪.‬‬
‫@ قال ابهن خويهز منداد‪ :‬قوله تعالى‪" :‬أو أثارة مهن علم" يريهد الخهط‪ .‬وقهد كان مالك رحمهه ال‬
‫يحكهم بالخهط إذا عرف الشاههد خطهه‪ .‬وإذا عرف الحاكهم خطهه أو خهط مهن كتهب إليهه حكهم بهه‪ ،‬ثهم‬
‫رجع عن ذلك حين ظهر في الناس ما ظهر من الحيل والتزوير‪ .‬وقد روي عنه أنه قال‪[ :‬يُحدِث‬
‫الناس فجورا فتحدث لهم أقضية]‪ .‬فأما إذا شهد الشهود على الخط المحكوم به‪ ،‬مثل أن يشهدوا أن‬
‫هذا الحاكم وكتابه‪ ،‬أشهدنا على ما فيه وإن لم يعلموا ما في الكتاب‪ .‬وكذلك الوصية أو خط الرجل‬
‫باعترافهه بمال لغيره يشهدون أنهه خطهه ونحهو ذلك ‪ -‬فل يختلف مذهبهه أن يحكهم بهه‪ .‬وقيهل‪" :‬أو‬
‫أثارة مههن علم" أو بقيههة مههن علم‪ ،‬قبههل ابههن عباس والكلبههي وأبههو بكههر بههن عياش وغيرهههم‪ .‬وفههي‬
‫الصحاح "أو أثارة من علم" بقية منه‪ .‬وكذلك الثرة (بالتحريك)‪ .‬ويقال‪ :‬سمنت البل على أثارة‪،‬‬
‫أي بقية شحم كان قبل ذلك‪ .‬وأنشد الماوردي والثعلبي قول الراعي‪:‬‬
‫نباتا في أكمته ففارا‬ ‫وذات أثارة أكلت عليها‬
‫وقال الهروي‪ :‬والثارة والثهر‪ :‬البقيهة‪ ،‬يقال‪ :‬مها ثهم عيهن ول أثهر‪ .‬وقال ميمون بهن مهران وأبهو‬
‫سهلمة بهن عبدالرحمهن وقتادة‪" :‬أو أثارة مهن علم" خاصهة مهن علم‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬روايهة تأثرونهها‬
‫عمهن كان قبلكهم‪ .‬وقال عكرمهة ومقاتهل‪ :‬روايهة عهن النهبياء‪ .‬وقال القرظهي‪ :‬ههو السهناد‪ .‬الحسهن‪:‬‬
‫المعنهى شيهء يثار أو يسهتخرج‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬أو أثارة" أي علمهة‪ .‬والثارة مصهدر كالسهماحة‬
‫والشجاعة‪ .‬وأصل الكلمة من الثر‪ ،‬وهي الرواية‪ ،‬يقال‪ :‬أثرت الحديث آثره أثرا وأثارة وأثرة فأنا‬
‫آثر‪ ،‬إذا ذكرته عن غيرك‪ .‬ومنه قيل‪ :‬حديث مأثور‪ ،‬أي نقله خلف عن سلف‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫ُبيّن للسامع والثر‬ ‫إن الذي فيه تماريتما‬
‫ويروى " َبيّنه" وقرئ "أو أثرة" بضهم الهمزة وسهكون الثاء‪ .‬ويجوز أن يكون معناه بقيهة مهن علم‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون معناه شيئا مأثورا من كتب الولين‪ .‬والمأثور‪ :‬ما يتحدث به مما صح سنده عمن‬
‫تحدث به عنه‪ .‬وقرأ السلمي والحسن وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف‪ ،‬أي خاصة من‬
‫علم أوتيتموها أو أوثرتم بها على غيركم‪ .‬وروي عن الحسن أيضا وطائفة "أثرة" مفتوحة اللف‬
‫سهاكنة الثاء‪ ،‬ذكهر الولى الثعلبهي والثانيهة الماوردي‪ .‬وحكهى الثعلبهي عهن عكرمهة‪ :‬أو ميراث علم‪.‬‬
‫"إن كنتم صادقين"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ائتونهي بكتاب مهن قبهل هذا أو أثارة مهن علم" فيهه بيان مسهالك الدلة بأسهرها‪،‬‬
‫فأولههها المعقول‪ ،‬وهههو قوله تعالى‪" :‬قههل أرأيتههم مهها تدعون مههن دون ال أرونههي ماذا خلقوا مههن‬
‫الرض أم لهم شرك في السموات" وهو احتجاج بدليل العقل في أن الجماد ل يصح أن يدعى من‬
‫دون ال فإنه ل يضر ول ينفع‪ .‬ثم قال‪" :‬ائتوني بكتاب من قبل هذا" فيه بيان أدلة السمع "أو أثارة‬
‫من علم"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 5 :‬ومهن أضهل ممهن يدعهو مهن دون ال مهن ل يسهتجيب له إلى يوم القيامهة وههم عهن‬
‫دعائهم غافلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أضل" أي ل أحد أضل وأجهل "ممن يدعو من دون ال من ل يستجيب له‬
‫إلى يوم القيامههة" وهههي الوثان‪" .‬وهههم عههن دعائهههم غافلون" يعنههي ل يسههمعون ول يفهمون‪،‬‬
‫فأخرجها وهي جماد مخرج ذكور بني آدم‪ ،‬إذ قد مثلتها عبدتها بالملوك والمراء التي تُخدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا حشهر الناس" يريهد يوم القيامهة‪" .‬كانوا لههم أعداء وكانوا بعبادتههم كافريهن"‬
‫أي هؤلء المعبودون أعداء الكفار يوم القيامههههة‪ .‬فالملئكههههة أعداء الكفار‪ ،‬والجههههن والشياطيههههن‬
‫يتبرؤون غدا من عبدتهم‪ ،‬ويلعن بعضهم بعضا‪.‬‬
‫ويجوز أن تكون الصههنام للكفار الذيههن عبدوههها أعداء‪ ،‬على تقديههر خلق الحياة لههها‪ ،‬دليله قوله‬
‫تعالى‪" :‬تبرأنها إليهك مها كانوا إيانها يعبدون" [القصهص‪ .]63 :‬وقيهل‪ :‬عادوا معبوداتههم لنههم كانوا‬
‫سبب هلكهم‪ ،‬وجحد المعبودون عبادتهم‪ ،‬وهو قوله‪" :‬وكانوا بعبادتهم كافرين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا ببنات" يعني القرآن‪" .‬قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا‬
‫سحر مبين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬أم يقولون افتراه قل إن افتريته فل تملكون لي من ال شيئا هو أعلم بما تفيضون‬
‫فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يقولون افتراه" الميهم صهلة‪ ،‬التقديهر‪ :‬أيقولون افتراه‪ ،‬أي تقوله محمهد‪ .‬وههو‬
‫إضراب عن ذكر تسميتهم اليات سحرا‪ .‬ومعنى الهمزة في "أم" النكار والتعجب‪ ،‬كأنه قال‪ :‬دع‬
‫هذا واسهمع قولههم المسهتنكر المقضهي منهه العجهب‪ .‬وذلك أن محمدا كان ل يقدر عليهه حتهى يقوله‬
‫ويفتريهه على ال‪ ،‬ولو قدر عليهه دون أمهة العرب لكانهت قدرتهه عليهه معجزة لخرقهها العادة‪ ،‬وإذا‬
‫كانهت معجزة كانهت تصهديقا مهن ال له‪ ،‬والحكيهم ل يصهدق الكاذب فل يكون مفتريها‪ ،‬والضميهر‬
‫للحهق‪ ،‬والمراد بهه اليات‪" .‬قهل إن افتريتهه" على سهبيل الفرض‪" .‬فل تملكون لي مهن ال شيئا" أي‬
‫ل تقدرون على أن تردوا عنهي عذاب ال‪ ،‬فكيهف أفتري على ال لجلكهم‪" .‬ههو أعلم بمها تفيضون‬
‫فيهه" أي تقولونهه‪ ،‬عهن مجاههد‪ .‬وقيهل‪ :‬تخوضون فيهه مهن التكذيهب‪ .‬والفاضهة فهي الشيهء‪ :‬الخوض‬
‫فيههه والندفاع‪ .‬أفاضوا فههي الحديههث أي أندفعوا فيههه‪ .‬وأفاض البعيههر أي دفههع جرتههه مههن كرشههه‬
‫فأخرجها‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وأفضن بعد كظومهن بجرة‬
‫وأفاض الناس مهن عرفات إلى منهى أي دفعوا‪ ،‬وكهل دفعهة إفاضهة‪" .‬كفهى بهه شهيدا بينهي وبينكهم"‬
‫"كفهى بهه شهيدا" نصهب على التمييهز‪" .‬بينهي وبينكهم" أي ههو يعلم صهدقي وأنكهم مبطلون‪" .‬وههو‬
‫الغفور" لمن تاب "الرحيم" بعباده المؤمنين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى‬
‫إلي وما أنا إل نذير مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل مها كنهت بدعها مهن الرسهل" أي أول مهن أرسهل‪ ،‬قهد كان قبلي رسهل‪ ،‬عهن ابهن‬
‫عباس وغيره‪ .‬والبدع‪ :‬الول‪ .‬وقرأ عكرمههههة وغيره "بدعهههها" بفتههههح الدال‪ ،‬على تقديههههر حذف‬
‫المضاف‪ ،‬والمعنى‪ :‬ما كنت صاحب بدع‪ .‬وقيل‪ :‬بدع وبديع بمعنى‪ ،‬مثل نصف ونصيف‪ .‬وأبدع‬
‫الشاعهر‪ :‬جاء بالبديهع‪ .‬وشيهء بدع (بالكسهر) أي مبتدع‪ .‬وفلن بدع فهي هذا المهر أي بديهع‪ .‬وقوم‬
‫أبداع‪ ،‬عن الخفش‪ .‬وأنشد قطرب قول عدي بن زيد‪:‬‬
‫رجال غدت من بعد بؤسى بأسعد‬ ‫فل أنا بدع من حوادث تعتري‬
‫"وما أدري ما يفعل بي ول بكم" يريد يوم القيامة‪ .‬ولما نزلت فرح المشركون واليهود والمنافقون‬
‫وقالوا‪ :‬كيهف نتبهع نبيها ل يدري مها يفعهل بهه ول بنها‪ ،‬وأنهه ل فضهل له علينها‪ ،‬ولو ل أنهه ابتدع الذي‬
‫يقول مهن تلقاء نفسهه لخهبره الذي بعثهه بمها يفعهل بهه‪ ،‬فنزلت‪" :‬ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها‬
‫تأخر" [الفتح‪ ]2 :‬فنسخت هذه الية‪ ،‬وأرغم ال أنف الكفار‪ .‬وقالت الصحابة‪ :‬هنيئا لك يا رسول‬
‫ال‪ ،‬لقهد بيهن ال لك مها يفعهل بهك يها رسهول ال‪ ،‬فليهت شعرنها مها ههو فاعهل بنها؟ فنزلت‪" :‬ليدخهل‬
‫المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار" [الفتح‪ ]5 :‬الية‪ .‬ونزلت‪" :‬وبشر المؤمنين‬
‫بأن لههم مهن ال فضل كهبيرا" [الحزاب‪ .]47 :‬قاله أنهس وابهن عباس وقتادة والحسهن وعكرمهة‬
‫والضحاك‪ .‬وقالت أم العلء امرأة مهن النصهار‪ :‬اقتسهمنا المهاجريهن فصهار لنها عثمان بهن مظعون‬
‫بهن حذافهة بهن جمهح‪ ،‬فأنزلناه أبياتنها فتوفهي‪ ،‬فقلت‪ :‬رحمهة ال عليهك أبها السهائب إن ال أكرمهك‪ .‬فقال‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬ومها يدريهك أن ال أكرمهه] ؟ فقلت‪ :‬بأبهي وأمهي يها رسهول ال فمهن؟‬
‫قال‪[ :‬أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إل خيرا فوال إني لرجو له الجنة ووال إني لرسول ال‬
‫ومها أدري مها يفعهل بهي ول بكهم]‪ .‬قالت‪ :‬فوال ل أزكهي بعده أحدا أبدا‪ .‬ذكره الثعلبهي‪ ،‬وقال‪ :‬وإنمها‬
‫قال هذا حين لم يعلم بغفران ذنبه‪ ،‬وإنما غفر ال له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بأربع سنين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديهث أم العلء خرجهه البخاري‪ ،‬وروايتهي فيهه‪" :‬ومها أدري مها يفعهل بهه" ليهس فيهه "بهي‬
‫ول بكهم" وههو الصهحيح إن شاء ال‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه‪ .‬واليهة ليسهت منسهوخة‪ ،‬لنهها خهبر‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬محال أن يكون فهي هذا ناسهخ ول منسهوخ مهن جهتيهن‪ :‬أحدهمها أنهه خهبر‪ ،‬والخهر أنهه مهن‬
‫أول السورة إلى هذا الموضع خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم‪ ،‬فوجب أن يكون هذا‬
‫أيضهها خطابهها للمشركيههن كمهها كان قبله ومهها بعده‪ ،‬ومحال أن يقول النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‬
‫للمشركيهن "مها أدري مها يفعهل بهي ول بكهم" فهي الخرة‪ ،‬ولم يزل صهلى ال عليهه وسهلم مهن أول‬
‫مبعثههه إلى مماتههه يخههبر أن مههن مات على الكفههر مخلد فههي النار‪ ،‬ومههن مات على اليمان واتبعههه‬
‫وأطاعه فهو في الجنة‪ ،‬فقد رأى صلى ال عليه وسلم ما يفعل به وبهم في الخرة‪ .‬وليس يجوز أن‬
‫يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ول بكم في الخرة‪ ،‬فيقولون كيف نتبعك وأنت ل تدري أتصير إلى‬
‫خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب‪.‬‬
‫والصحيح في الية قول الحسن‪ ،‬كما قرأ علي بن محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى‬
‫قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن‪" :‬وما أدري ما يفعل بي ول بكم في الدنيا"‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذا أصح قول وأحسنه‪ ،‬ل يدري صلى ال عليه وسلم ما يلحقه وإياهم من مرض‬
‫وصهحة ورخهص وغلء وغنهى وفقهر‪ .‬ومثله‪" :‬ولو كنهت أعلم الغيهب لسهتكثرت مهن الخيهر ومها‬
‫مسهني السهوء إن أنها إل نذيهر وبشيهر" [العراف‪ .]188 :‬وذكهر الواحدي وغيره عن الكلبهي عن‬
‫أبهي صهالح عهن ابهن عباس‪ :‬لمها اشتهد البلء بأصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم رأى فهي‬
‫المنام أنهه يهاجهر إلى أرض ذات نخهل وشجهر وماء‪ ،‬فقصهها على أصهحابه بهه فاسهتبشروا بذلك‪،‬‬
‫ورأوا فيهها فرجها ممها ههم فيهه مهن أذى المشركيهن‪ ،‬ثهم إنههم مكثوا برههة ل يرون ذلك فقالوا‪ :‬يها‬
‫رسهول ال‪ ،‬متهى نهاجهر إلى الرض التهي رأيهت؟ فسهكت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأنزل ال‬
‫تعالى‪" :‬وما أدري ما يفعل بي ول بكم" أي ل أدري أأخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم‬
‫ل‪ .‬ثهم قال‪[ :‬إنمها هو شيهء رأيتهه فهي منامهي مها أتبهع إل مها يوحهى إلي] أي لم يوح إلي مها أخهبرتكم‬
‫بهه‪ .‬قال القشيري‪ :‬فعلى هذا ل نسهخ فهي اليهة‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى ل أدري مها يفرض علي وعليكهم مهن‬
‫الفرائض‪ .‬واختار الطهبري أن يكون المعنهى‪ :‬مها أدري مها يصهير إليهه أمري وأمركهم فهي الدنيها‪،‬‬
‫أتؤمنون أم تكفرون‪ ،‬أم تعاجلون بالعذاب أم تؤخرون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو معنى قول الحسن والسدي وغيرهما‪ .‬قال الحسن‪ :‬ما أدري ما يفعل بي ول بكم في‬
‫الدنيها‪ ،‬أمها فهي الخرة فمعاذ ال قهد علم أنهه فهي الجنهة حيهن أخهذ ميثاقهه فهي الرسهل‪ ،‬ولكهن قال مها‬
‫أدري ما يفعل بي في الدنيا أأخرج كما أخرجت النبياء قبلي‪ ،‬أو أقتل كما قتلت النبياء قبلي‪ ،‬ول‬
‫أدري مها يفعهل بكهم‪ ،‬أأمتهي المصهدقة أم المكذبهة‪ ،‬أم أمتهى المرميهة بالحجارة مهن السهماء قذفها‪ ،‬أو‬
‫مخسهوف بهها خسهفا‪ ،‬ثهم نزلت‪" :‬ههو الذي أرسهل رسهوله بالهدى وديهن الحهق ليظهره على الديهن‬
‫كله" [التوبة‪ .]33 :‬يقول‪ :‬سيظهر دينه على الديان‪ .‬ثم قال في أمته‪" :‬وما كان ال ليعذبهم وأنت‬
‫فيهم" [النفال‪ ]33 :‬فأخبره تعالى بما يصنع به وبأمته‪ ،‬ول نسخ على هذا كله‪ ،‬والحمد ل‪ .‬وقال‬
‫الضحاك أيضا‪" :‬ما أدري ما يفعل بي ول بكم" أي ما تؤمرون به وتنهون عنه‪ .‬وقيل‪ :‬أمر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يقول للمؤمنين ما أدري ما يفعل بي ول بكم في القيامة‪ ،‬ثم بين ال تعالى‬
‫ذلك فهي قوله‪" :‬ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر" [الفتهح‪ ]2 :‬وبيهن فيمها بعهد ذلك حال‬
‫المؤمنين ثم بين حال الكافرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا معنهى القول الول‪ ،‬إل أنهه أطلق فيهه النسهخ بمعنهى البيان‪ ،‬وأنهه أمهر أن يقول ذلك‬
‫للمؤمنيههن‪ ،‬والصههحيح مهها ذكرناه عههن الحسههن وغيره‪ .‬و"مهها" فههي "مهها يفعههل" يجوز أن تكون‬
‫موصولة‪ ،‬وأن تكون استفهامية مرفوعة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن أتبع إل ما يوحى إلي وما أنا إل نذير مبين" وقرئ "يوحي" أي ال عز وجل‪.‬‬
‫تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬قل أرأيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله‬
‫فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم إن كان من عند ال" يعني القرآن‪" .‬وكفرتم به" وقال الشعبي‪ :‬المراد‬
‫محمهد صهلى ال عليهه وسهلم‪" .‬وشههد شاههد مهن بنهي إسهرائيل" قال ابهن عباس والحسهن وعكرمهة‬
‫وقتادة ومجاهد‪ :‬هو عبدال بن سلم‪ ،‬شهد على اليهود أن رسول ال صلى ال مذكور في التوراة‪،‬‬
‫وأنه نبي من عند ال‪ .‬وفي الترمذي عنه‪ :‬ونزلت في آيات من كتاب ال‪ ،‬نزلت في‪" :‬وشهد شاهد‬
‫مهن بنهي إسهرائيل على مثله فآمهن واسهتكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالميهن"‪ .‬وقهد تقدم فهي آخهر‬
‫سهورة "الرعهد"‪ .‬وقال مسهروق‪ :‬ههو موسهى والتوراة‪ ،‬ل ابهن سهلم؛ لنهه أسهلم بالمدينهة والسهورة‬
‫مكية‪ .‬وقال‪ :‬وقول‪" :‬وكفرتم به" مخاطبة لقريش‪ .‬الشعبي‪ :‬هو من آمن من بني إسرائيل بموسى‬
‫والتوراة‪ ،‬لن ابن سلم إنما أسلم قبل وفاة النبي صلى ال عليه وسلم بعامين‪ ،‬والسورة مكية‪ .‬قال‬
‫القشيري‪ :‬ومهن قال الشاههد موسهى قال السهورة مكيهة‪ ،‬وأسهلم ابهن سهلم قبهل موت النهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم بعامين‪ .‬ويجوز أن تكون الية نزلت بالمدينة وتوضع في سورة مكية‪ ،‬فإن الية كانت‬
‫تنزل فيقول النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ضعوهها فهي سهورة كذا‪ .‬واليهة فهي محاجهة المشركيهن‪،‬‬
‫ووجه الحجة أنهم كانوا يراجعون اليهود في أشياء‪ ،‬أي شهادتهم لهم وشهادة نبيهم لي من أوضح‬
‫الحجهج‪ .‬ول يبعهد أن تكون السهورة فهي محاجهة اليهود‪ ،‬ولمها جاء ابهن سهلم مسهلما مهن قبهل أن تعلم‬
‫اليهود بإسهلمه قال‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬اجعلنهي حكمها بينهك وبيهن اليهود‪ ،‬فسهألهم عنهه‪[ :‬أي رجهل ههو‬
‫فيكم] قالوا‪ :‬سيدنا وعالمنا‪ .‬فقال‪[ :‬إنه قد آمن بي] فأساؤوا القول فيه‪ ...‬الحديث‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬رضيهت اليهود بحكهم ابهن سهلم‪ ،‬وقالت للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ :‬إن يشههد لك آمنها بهك‪،‬‬
‫فسهئل فشههد ثهم أسهلم‪" .‬على مثله" أي على مثهل مها جئتكهم بهه‪ ،‬فشههد موسهى على التوراة ومحمهد‬
‫على القرآن‪ .‬وقال الجرجاني‪" .‬مثل" صلة‪ ،‬أي وشهد شاهد عليه أنه من عند ال‪" .‬فآمن" أي هذا‬
‫الشاهههد‪" .‬واسههتكبرتم" أنتههم عههن اليمان‪ .‬وجواب "إن كان" محذوف تقديره‪ :‬فآمههن أتؤمنون‪ ،‬قال‬
‫الزجاج‪ .‬وقيهل‪" :‬فآمهن واسهتكبرتم" أليهس قهد ظلمتهم‪ ،‬يهبينه "إن ال ل يهدي القوم الظالميهن" وقيهل‪:‬‬
‫"فآمهن واسهتكبرتم" أفتأمنون عذاب ال‪ .‬و"أرأيتهم" لفهظ موضوع للسهؤال والسهتفهام‪ ،‬ولذلك ل‬
‫يقتضي مفعول‪ .‬وحكى النقاش وغيره‪ :‬أن في الية تقديما وتأخيرا‪ ،‬وتقديره‪ :‬قل أرأيتم إن كان من‬
‫عند ال وشهد شاهد من بني إسرائيل فآمن هو وكفرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 11 :‬وقال الذيهن كفروا للذيهن آمنوا لو كان خيرا مها سهبقونا إليهه وإذ لم يهتدوا بهه‬
‫فسيقولون هذا إفك قديم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيهن كفروا للذيهن آمنوا لو كان خيرا مها سهبقونا إليهه" اختلف فهي سهبب‬
‫نزولهها على سهتة أقوال‪ :‬الول‪ :‬أن أبها ذر الغفاري دعاه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إلى السهلم‬
‫بمكهة فأجاب‪ ،‬واسهتجار بهه قومهه فأتاه زعيمههم فأسهلم‪ ،‬ثهم دعاههم الزعيهم فأسهلموا‪ ،‬فبلغ ذلك قريشها‬
‫فقالوا‪ :‬غفار الحلفاء لو كان هذا خيرا مها سهبقونا إليهه‪ ،‬فنزلت هذه اليهة‪ ،‬قال أبهو المتوكهل‪ .‬الثانهي‪:‬‬
‫أن زنيرة أسهلمت فأصهيب بصهرها فقالوا لهها‪ :‬أصهابك اللت والعزى‪ ،‬فرد ال عليهها بصهرها‪ .‬فقال‬
‫عظماء قريش‪ :‬لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه الية‪ ،‬قاله‬
‫عروة بن الزبير‪ .‬الثالث‪ :‬أن الذين كفروا هم بنو عامر وغطفان وتميم وأسد وحنظلة وأشجع قالوا‬
‫لمهن أسلم من غفار وأسهلم وجهينهة ومزينة وخزاعة‪ :‬لو كان مها جاء به محمهد خيرا مها سهبقتنا إليه‬
‫رعاة البهم إذ نحن أعز منهم‪ ،‬قاله الكلبي والزجاج‪ ،‬وحكاه القشيري عن ابن عباس‪ .‬الرابع‪ :‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬نزلت فههي مشركههي قريههش‪ ،‬قالوا‪ :‬لو كان مهها يدعونهها إليههه محمههد خيرا مهها سههبقنا إليههه بلل‬
‫وصهيب وعمار وفلن وفلن‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن الذين كفروا من اليهود قالوا للذين آمنوا يعني عبدال بن سلم وأصحابه‪ :‬لو كان دين‬
‫محمد حقا ما سبقونا إليه‪ ،‬قال أكثر المفسرين‪ ،‬حكاه الثعلبي‪.‬‬
‫وقال مسهههروق‪ :‬إن الكفار قالوا لو كان خيرا مههها سهههبقتنا إليهههه اليهود‪ ،‬فنزلت هذه اليهههة‪ .‬وهذه‬
‫المعارضة من الكفار في قولهم‪ :‬لو كان خيرا ما سبقونا إليه من أكبر المعارضات بانقلبها عليهم‬
‫لكل من خالفهم‪ ،‬حتى يقال لهم‪ :‬لو كان ما أنتم عليه خيرا ما عدلنا عنه‪ ،‬ولو كان تكذيبكم للرسول‬
‫خيرا مها سهبقتمونا إليهه‪ ،‬ذكره الماوردي‪ .‬ثهم قيهل‪ :‬قوله‪" :‬مها سهبقونا إليهه" يجوز أن يكون مهن قول‬
‫الكفار لبعهههض المؤمنيهههن‪ ،‬ويجوز أن يكون على الخروج مهههن الخطاب إلي الغبهههة‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫"حتهى إذا كنتهم فهي الفلك وجريهن بههم" [يونهس‪" .]22 :‬وإذ لم يهتدوا بهه" يعنهي اليمان‪ .‬وقيهل‬
‫القرآن‪ .‬وقيهل محمهد صهلى ال عليهه وسهلم‪" .‬فسهيقولون هذا إفهك قديهم" أي لمها لم يصهيبوا الهدى‬
‫بالقرآن ول بمههن جاء بههه عادوه ونسههبوه إلى الكذب‪ ،‬وقالوا هذا إفههك قديههم‪ ،‬كمهها قالوا‪ :‬أسههاطير‬
‫الوليهن وقيهل لبعضههم‪ :‬ههل فهي القرآن‪ :‬مهن جههل شيئا عاداه؟ فقال نعهم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وإذ لم‬
‫يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" ومثله‪" :‬بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه" [يونس‪.]39 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين‬
‫ظلموا وبشرى للمحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن قبله" أي ومن قبل القرآن "كتاب موسى" أي التوراة "إماما" يقتدى بما فيه‪.‬‬
‫و"إمامها" نصهب على الحال‪ ،‬لن المعنهى‪ :‬وتقدمهه كتاب موسهى إمامها‪" .‬ورحمهة" معطوف عليهه‪.‬‬
‫وقيههل‪ :‬انتصههب بإضمار فعههل‪ ،‬أي أنزلناه إمامهها ورحمههة‪ .‬وقال الخفههش‪ :‬على القطههع‪ ،‬لن كتاب‬
‫موسههى معرفههة بالضافههة‪ ،‬لن النكرة إذا أعيدت أو أضيفههت أو أدخههل عليههها ألف ولم صههارت‬
‫معرفهة‪" .‬ورحمهة" مهن ال‪ .‬وفهي الكلم حذف‪ ،‬أي فلم تهتدوا بهه‪ .‬وذلك أنهه كان فهي التوراة نعهت‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم واليمان بهه فتركوا ذلك‪ .‬و"إمامها" نصهب على الحال‪ ،‬لن المعنهى‪:‬‬
‫وتقدمهه كتاب موسهى إمامها‪" .‬ورحمهة" معطوف عليهه‪ .‬وقيهل‪ :‬انتصهب بإضمار فعهل‪ ،‬أي أنزلناه‬
‫إمامهها ورحمههة‪ .‬وقال الخفههش‪ :‬على القطههع‪ ،‬لن كتاب موسههى معرفههة بالضافههة‪ ،‬لن النكرة إذا‬
‫أعيدت أو أضيفت أو أدخل عليها ألف ولم صارت معرفة‪" .‬وهذا كتاب" يعني القرآن "مصدق"‬
‫يعنهي للتوراة ولمها قبله مهن الكتهب‪ .‬وقيهل‪ :‬مصهدق للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪" .‬لسهانا عربيها"‬
‫منصوب على الحال‪ ،‬أي مصدق لما قبله عربيا‪ ،‬و"لسانا" توطئة للحال أي تأكيد‪ ،‬كقولهم‪ :‬جاءني‬
‫زيد رجل صالحا‪ ،‬فتذكر رجل توكيدا‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬نصهب بإضمار فعهل تقديره‪ :‬وهذا كتاب مصهدق أعنهي لسهانا عربيها‪ .‬وقيهل‪ :‬نصهب بإسهقاط‬
‫حرف الخفههض تقديره‪ :‬بلسههان عربههي‪ .‬وقيههل‪ :‬إن لسههانا مفعول والمراد بههه النههبي صههلى ال عليههه‬
‫وسلم‪ ،‬أي وهذا كتاب مصدق للنبي صلى ال عليه وسلم لنه معجزته‪ ،‬والتقدير‪ :‬مصدق ذا لسان‬
‫عربي‪ .‬فاللسان منصوب بمصدق‪ ،‬وهو النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬ويبعد أن يكون اللسان القرآن‪،‬‬
‫لن المعنى يكون يصدق نفسه‪" .‬لينذر الذين ظلموا" قراءة العامة "لينذر" بالياء خبر عن الكتاب‪،‬‬
‫أي لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية‪ .‬وقيل‪ :‬هو خبر عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقرأ نافهع وابهن عامهر والبزي بالتاء‪ ،‬واختاره أبهو عبيهد وأبهو حاتهم‪ ،‬على خطاب النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إنمها أنهت منذر" [الرعهد‪" .]7 :‬وبشرى للمحسهنين" "بشرى" فهي‬
‫موضهع رفهع‪ ،‬أي وههو بشرى‪ .‬وقيهل‪ :‬عطفها على الكتاب‪ ،‬أي وهذا كتاب مصهدق وبشرى‪ .‬ويجوز‬
‫أن يكون منصهوبا بإسهقاط حرف الخفهض‪ ،‬أي لينذر الذيهن ظلموا وللبشرى‪ ،‬فلمها حذف الخافهض‬
‫نصب‪ .‬وقيل‪ :‬على المصدر‪ ،‬أي وتبشر المحسنين بشرى‪ ،‬فلما جعل مكان وتبشر بشرى أو بشارة‬
‫نصهب‪ ،‬كمها تقول‪ :‬أتيتهك لزورك‪ ،‬وكرامهة لك وقضاء لحقهك‪ ،‬يعنهي لزورك وأكرمهك وأقضهي‬
‫حقك‪ ،‬فنصب الكرامة بفعل مضمر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 13 :‬إن الذيهن قالوا ربنها ال ثهم اسهتقاموا فل خوف عليههم ول ههم يحزنون‪ ،‬أولئك‬
‫أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" الية تقدم معناها‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬نزلت في‬
‫أبي بكر الصديق‪ .‬والية تعم‪" .‬جزاء" نصب على المصدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬ووصينا النسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله‬
‫ثلثون شهرا حتهى إذا بلغ أشده وبلغ أربعيهن سهنة قال رب أوزعنهي أن أشكهر نعمتهك التهي أنعمهت‬
‫علي وعلى والدي وأن أعمههل صههالحا ترضاه وأصههلح لي فههي ذريتههي إنههي تبههت إليههك وإنههي مههن‬
‫المسلمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ووصينا النسان بوالديه" بين اختلف حال النسان مع أبويه‪ ،‬فقد يطيعهما وقد‬
‫يخالفهما‪ ،‬أي فل يبعد مثل هذا في حق النبي صلى ال عليه وسلم وقومه حتى يستجيب له البعض‬
‫ويكفههر البعههض‪ .‬فهذا وجههه اتصههال الكلم بعضههه ببعههض‪ ،‬قاله القشيري‪" .‬حسههنا" قراءة العامههة‬
‫"حُسهناً" وكذا ههو فهي مصهاحف أههل الحرميهن والبصهرة والشام‪ .‬وقرأ ابهن عباس والكوفيون‬
‫"إحسهانا" وحجتههم قوله تعالى فهي سهورة (النعام وبنهي إسهرائيل)‪" :‬وبالوالديهن إحسهانا" [النعام‪:‬‬
‫‪ ]151‬وكذا ههو فهي مصهاحف الكوفهة‪ .‬وحجهة القراءة الولى قوله تعالى فهي سهورة العنكبوت‪:‬‬
‫"ووصههينا النسههان بوالديههه حسههنا" [العنكبوت‪ ]8 :‬ولم يختلفوا فيههها‪ .‬والحسههن خلف القبههح‪.‬‬
‫والحسان خلف الساءة‪ .‬والتوصية المر‪ .‬وقد مضى القول في هذا وفيمن نزلت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حملتهه أمهه كرهها ووضعتهه كرهها" أي بكره ومشقهة‪ .‬وقراءة العامهة بفتهح الكاف‪.‬‬
‫واختاره أبهو عبيهد‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك لفهظ الكره فهي كهل القرآن بالفتهح إل التهي فهي سهورة البقرة‪" :‬كتهب‬
‫عليكهم القتال وههو كره لكهم" [البقرة‪ ]216 :‬لن ذلك اسهم وهذه كلهها مصهادر‪ .‬وقرأ الكوفيون‬
‫"كرها" بالضم‪ .‬قيل‪ :‬هما لغتان مثل الضعف والضعف والشهد والشهد‪ ،‬قاله الكسائي‪ ،‬وكذلك هو‬
‫عنهد جميهع البصهريين‪ .‬وقال الكسهائي أيضها والفراء فهي الفرق بينهمها‪ :‬إن الكره (بالضهم) مها حمهل‬
‫النسهان على نفسهه‪ ،‬وبالفتهح مها حمهل على غيره‪ ،‬أي قهرا وغضبها‪ ،‬ولهذا قال بعهض أههل العربيهة‬
‫إن كرها (بفتح الكاف) لحن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحمله وفصهاله ثلثون شهرا" قال ابهن عباس‪ :‬إذا حملت تسهعة أشههر أرضعهت‬
‫إحدى وعشريهن شهرا‪ ،‬وإن حملت سهتة أشههر أرضعهت أربعهة وعشريهن شهرا‪ .‬وروي أن عثمان‬
‫قهد أتهي بامرأة قهد ولدت لسهتة أشههر‪ ،‬فأراد أن يقضهي عليهها بالحهد‪ ،‬فقال له علي رضهي ال عنهه‪:‬‬
‫ليهس ذلك عليهها‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وحمله وفصهاله ثلثون شهرا" وقال تعالى‪" :‬والوالدات يرضعهن‬
‫أولدههن حوليهن كامليهن" [البقرة‪ ]233 :‬فالرضاع أربعهة وعشرون شهرا والحمهل سهتة أشههر‪،‬‬
‫فرجهع عثمان عهن قول ولم يحدهها‪ .‬وقهد مضهى فهي "البقرة"‪ .‬وقيهل‪ :‬لم يعهد ثلثهة أشههر فهي ابتداء‬
‫الحمهل‪ ،‬لن الولد فيهها نطفهة وعلقهة ومضغهة فل يكون له ثقهل يحهس بهه‪ ،‬وههو معنهى قوله تعالى‪:‬‬
‫"فلمها تغشاهها حملت حمل خفيفها فمرت بهه" [العراف‪ .]189 :‬والفصهال الفطام‪ .‬وقهد تقدم فهي‬
‫"لقمان" الكلم فيه‪ .‬وقرأ الحسن ويعقوب وغيرهما "وفصله" بفتح الفاء وسكون الصاد‪ .‬وروي‬
‫أن الية نزلت في أبي بكر الصديق؛ وكان حمله وفصاله في ثلثين شهرا‪ ،‬حملته أمه تسعة أشهر‬
‫وأرضعتهه إحدى وعشريهن شهرا‪ .‬وفهي الكلم إضمار‪ ،‬أي ومدة حمله ومدة فصهاله ثلثون شهرا‪،‬‬
‫ولو ل هذا الضمار لنصب ثلثون على الظرف وتغير المعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتهى إذا بلغ أشده" قال ابهن عباس‪" :‬أشده" ثمانهي عشرة سهنة‪ .‬وقال فهي روايهة‬
‫عطاء عنه‪ :‬إن أبا بكر صحب النبي صلى ال عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم ابهن عشريهن سهنة‪ ،‬وههم يريدون الشام للتجارة‪ ،‬فنزلوا منزل فيهه سهدرة‪ ،‬فقعهد النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في ظلها‪ ،‬ومضى أبو بكر إلى راهب هناك فسهأله عن الدين‪ .‬فقال الراهب‪:‬‬
‫من الرجل الذي في ظل الشجرة؟ فقال‪ :‬ذاك محمد بن عبدال بن عبدالمطلب‪ .‬فقال‪ :‬هذا وال نبي‪،‬‬
‫وما استظل أحد تحتهها بعهد عيسهى‪ .‬فوقهع فهي قلب أبي بكهر اليقين والتصهديق‪ ،‬وكان ل يكاد يفارق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في أسفاره وحضره‪ .‬فلما نبئ رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫ابهن أربعين سنة‪ ،‬صدق أبهو بكر رضهى ال عنه رسول ال صهلى ال عليه وسلم وهو ابن ثمانية‬
‫وثلثيهن سهنة‪ .‬فلمها بلغ أربعيهن سهنة قال‪" :‬رب أوزعنهي أن أشكهر نعمتهك التهي أنعمهت علي وعلى‬
‫والدي" اليهة‪ .‬وقال الشعهبي وابهن زيهد‪ :‬الشهد الحلم‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬ههو بلوغ الربعيهن‪ .‬وعنهه قيام‬
‫الحجة عليه‪ .‬وقد مضى في "النعام" الكلم في الية‪ .‬وقال السدي والضحاك‪ :‬نزلت في سعد بن‬
‫أبي وقاص‪ .‬وقد تقدم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هي مرسلة نزلت على العموم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رب أوزعنهي" أي ألهمنهي‪" .‬أن أشكهر نعمتهك" فهي موضهع نصهب على‬
‫المصههدر‪ ،‬أي شكههر نعمتههك "علي" أي مهها أنعمههت بههه علي مههن الهدايههة "وعلى والدي" بالتحنههن‬
‫والشفقهة حتهى ربيانهي صهغيرا‪ .‬وقيهل‪ :‬أنعمهت علي بالصهحة والعافيهة وعلى والدي بالغنهى والثروة‪.‬‬
‫وقال علي رضي ال عنه‪ :‬هذه الية نزلت في أبي بكر الصديق رضي ال عنه‪ ،‬أسلم أبواه جميعا‬
‫ولم يجتمهع لحهد مهن المهاجريهن أن أسهلم أبواه غيره‪ ،‬فأوصهاه ال بهمها ولزم ذلك مهن بعده‪ .‬ووالده‬
‫هو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم‪ .‬وأمه أم الخير‪ ،‬واسمها سلمى بنت‬
‫صخر بن عامر بن كعب بن سعد‪ .‬وأم أبيه أبي قحافة "قيلة" "بالياء المعجمة باثنتين من تحتها"‪.‬‬
‫وامرأة أبي بكر الصديق اسمها "قتيلة" "بالتاء المعجمة باثنتين من فوقها" بنت عبد العزى‪" .‬وأن‬
‫أعمهل صهالحا ترضاه" قال ابهن عباس‪ :‬فأجابهه ال فأعتهق تسهعة مهن المؤمنيهن يعذبون فهي ال منههم‬
‫بلل وعامر بن فهيرة‪ ،‬ولم يدع شيئا من الخير إل أعانه ال عليه‪ .‬وفي الصحيح عن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬مهن أصهبح منكهم اليوم صهائما]؟ قال أبهو بكهر أنها‪ .‬قال‪:‬‬
‫[فمن تبع منكم اليوم جنازة]؟ قال أبو بكر أنا‪ .‬قال‪[ :‬فمن أطعم منكم اليوم مسكينا]؟ قال أبو بكر‬
‫أنا‪ .‬قال‪[ :‬فمن عاد منكم اليوم مريضا]؟ قال أبو بكر أنا‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬ما‬
‫اجتمعن في امرئ إل دخل الجنة]‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأصلح لي في ذريتي" أي اجعل ذريتي صالحين‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬فلم يبق له ولد‬
‫ول والد ول والدة إل امنوا بال وحده‪ .‬ولم يكههن أحههد مههن أصههحاب رسههول ال أسههلم هههو وأبواه‬
‫وأولده وبناته كلهم إل أبو بكر‪ .‬وقال سهل بن عبدال‪ :‬المعنى اجعلهم لي خلف صدق‪ ،‬ولك عبيد‬
‫حههق‪ .‬وقال أبههو عثمان‪ :‬اجعلهههم أبرارا لي مطيعيههن لك‪ .‬وقال ابههن عطاء‪ :‬وفقهههم لصههالح أعمال‬
‫ترضهى بهها عنههم‪ .‬وقال محمهد بهن علي‪ :‬ل تجعهل للشيطان والنفهس والهوى عليههم سهبيل‪ .‬وقال‬
‫مالك بن مقول‪ :‬اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف‪ ،‬فقال‪ :‬استعن عليه بهذه الية‪ ،‬وتل‪:‬‬
‫"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح‬
‫لي فهي ذريتهي إنهي تبهت إليهك وإنهي مهن المسهلمين"‪" .‬إنهي تبهت إليهك" قال ابهن عباس‪ :‬رجعهت عهن‬
‫المر الذي كنت عليه‪" .‬وإني من المسلمين" أي المخلصين بالتوحيد‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 16 :‬أولئك الذيهن نتقبهل عنههم أحسهن مها عملوا ونتجاوز عهن سهيئاتهم فهي أصهحاب‬
‫الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم" قراءة العامة بضم‬
‫الياء فيهما‪ .‬وقرئ "يتقبل‪ ،‬ويتجاوز" بفتح الياء‪ ،‬والضمير فيهما يرجع ل عز وجل‪ .‬وقرأ حفص‬
‫وحمزة والكسهائي "نتقهل‪ ،‬ونتجاوز" النون فيهمها‪ ،‬أي نغفرهها ونصهفح عنهها‪ .‬والتجاوز أصهله مهن‬
‫جزت الشيهء إذا لم تقهف عليهه‪ .‬وهذه اليهة تدل على أن اليهة التهي قبلهها "ووصهينا النسهان" إلى‬
‫آخرها مرسلة نزلت على العموم‪ .‬وهو قول الحسن‪ .‬ومعنى "نتقبل عنهم" أي نتقبل منهم الحسنات‬
‫ونتجاوز عهن السهيئات‪ .‬قال زيهد بهن أسهلم ‪ -‬ويحكيهه مرفوعها ‪ : -‬إنههم إذا أسهلموا قبلت حسهناتهم‬
‫وغفرت سهيئاتهم‪ .‬وقيهل‪ :‬الحسهن مها يقتضهى الثواب مهن الطاعات‪ ،‬وليهس فهي الحسهن المباح ثواب‬
‫ول عقاب‪ ،‬حكاه ابن عيسى‪" .‬في أصحاب الجنة" "في" بمعنى مع‪ ،‬أي مع أصحاب الجنة‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫أكرمك وأحسن إليك في جميع أهل البلد‪ ،‬أي مع جميعهم‪" .‬وعد الصدق" نصب لنه مصدر مؤكد‬
‫لما قبله‪ ،‬أي وعد ال أهل اليمان أن يتقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وعد الصهدق‪ .‬وهو‬
‫مهن باب إضافهة الشيهء إلى نفسهه‪ ،‬لن الصهدق ههو ذلك الوعهد الذي وعده ال‪ ،‬وههو كقوله تعالى‪:‬‬
‫"حهق اليقيهن" [الواقعهة‪ .]95 :‬وهذا عنهد الكوفييهن‪ ،‬فأمها عنهد البصهريين فتقديره‪ :‬وعهد الكلم‬
‫الصههدق أو الكتاب الصههدق‪ ،‬فحذف الموصههوف‪ .‬وقههد مضههى هذا فههي غيههر موضههع‪" .‬الذي كانوا‬
‫يوعدون" في الدنيا على ألسنة الرسل‪ ،‬وذلك الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 - 17 :‬والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي‬
‫وهما يستغيثان ال ويلك آمن إن وعهد ال حهق فيقول ما هذا إل أسهاطير الولين‪ ،‬أولئك الذين حهق‬
‫عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والنس إنهم كانوا خاسرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن اخرج" أي أن أبعث‪" .‬وقد خلت القرون‬
‫من قبلي" قراءة نافع وحفص وغيرهما "أف" مكسور منون‪ .‬وقرأ ابن كثير وابن محيصن وابن‬
‫عامر والمفضل عن عاصم "أف" بالفتح من غير تنوين‪ .‬الباقون بالكسر غير منون‪ ،‬وكلها لغات‪،‬‬
‫وقد مضى في "بني إسرائيل"‪ .‬وقراءة العامة "أتعدانني" بنونين مخففتين‪ .‬وفتح ياءه أهل المدينة‬
‫ومكة‪ .‬وأسكن الباقون‪ .‬وقرأ أبو حيوة والمغيرة وهشام "أتعداني" بنون واحدة مشددة‪ ،‬وكذلك هي‬
‫فههي مصههاحف أهههل الشام‪ .‬والعامههة على ضههم اللف وفتههح الراء مههن "أن أخرج"‪ .‬وقرأ الحسههن‬
‫ونصهر وأبهو العاليهة والعمهش وأبهو معمهر بفتهح اللف وضهم الراء‪ .‬قال ابهن عباس والسهدي وأبهو‬
‫العاليهة ومجاههد‪ :‬نزلت فهي عبدال بهن أبهي بكهر رضهي ال عنهمها‪ ،‬وكان يدعوه أبواه إلى السهلم‬
‫فيجيبهما بما أخبر ال عز وجل‪.‬‬
‫وقال قتادة والسهدي أيضها‪ :‬ههو عبدالرحمهن بهن أبهي بكهر قبهل إسهلمه‪ ،‬وكان أبوه وأمهه أم رومان‬
‫يدعوانه إلى السلم ويعدانه بالبعث‪ ،‬فيرد عليهما بما حكاه ال عز وجل عنه‪ ،‬وكان هذا منه قبل‬
‫إسهلمه‪ .‬وروي أن عائشهة رضهي ال عنهها أنكرت أن تكون نزلت فهي عبدالرحمهن‪ .‬وقال الحسهن‬
‫وقتادة أيضا‪ :‬هي نعت عبد كافر عاق لوالديه‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬كيف يقال نزلت في عبدالرحمن قبل‬
‫إسلمه وال عز وجل يقول‪" :‬أولئك الذين حق عليهم القول في أمم" أي العذاب‪ ،‬ومن ضرورته‬
‫عدم اليمان‪ ،‬وعبدالرحمن من أفاضل المؤمنين‪ ،‬فالصحيح أنها نزلت في عبد كافر عاق لوالديه‪.‬‬
‫وقال محمد بن زياد‪ :‬كتب معاوية إلى مروان بن الحكم حتى يبايع الناس ليزيد‪ ،‬فقال عبدالرحمن‬
‫بهن أبهي بكهر‪ :‬لقهد جئتهم بهها هرقليهة‪ ،‬أتبايعون لبنائكهم فقال مروان‪ :‬ههو الذي يقول ال فيهه‪" :‬والذي‬
‫قال لوالديه أف لكما" الية‪ .‬فقال‪ :‬وال ما هو به‪ .‬ولو شئت لسميت‪ ،‬ولكن ال لعن أباك وأنت في‬
‫صهلبه‪ ،‬فأنهت فضهض مهن لعنهة ال‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ومهن جعهل اليهة فهي عبدالرحمهن كان قوله بعهد‬
‫ذلك "أولئك الذيهن حهق عليههم القول" يراد بهه مهن اعتقهد مها تقدم ذكره‪ ،‬فأول اليهة خاص وآخرهها‬
‫عام‪ .‬وقيهل إن عبدالرحمهن لمها قال‪" :‬وقهد خلت القرون مهن قبلي" قال مهع ذلك‪ :‬فأيهن عبدال بهن‬
‫جدعان‪ ،‬وأيهن عثمان بهن عمرو‪ ،‬وأيهن عامهر بهن كعهب ومشايهخ قريهش حتهى أسهألهم عمها يقولون‪.‬‬
‫فقول‪" :‬أولئك الذين حق عليهم القول" يرجع إلى أولئك القوام‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قهد مضهى مهن خهبر عبدالرحمهن بهن أبهي بكهر فهي سهورة (النعام) عنهد قوله‪" :‬له أصهحاب‬
‫يدعونه إلى الهدى" [النعام‪ ]71 :‬ما يدل على نزول هذه الية فيه‪ ،‬إذ كان كافرا وعند إسلمه‬
‫وفضله تعيههن أنههه ليههس المراد بقوله‪" :‬أولئك الذيههن حههق عليهههم القول"‪" .‬وهمهها" يعنههي والديههه‪.‬‬
‫"يسهتغيثان ال" أي يدعوان ال له بالهدايهة‪ .‬أو يسهتغيثان بال مهن كفره‪ ،‬فلمها حذف الجار وصهل‬
‫الفعهل فنصهب‪ .‬وقيهل‪ :‬السهتغاثة الدعاء‪ ،‬فل حاجهة إلى الباء‪ .‬قال الفراء‪ :‬أجاب ال دعاءه وغواثهه‪.‬‬
‫"ويلك آمن" أي صدق بالبعث‪" .‬إن وعد ال حق" أي صدق ل خلف فيه‪" .‬فيقول ما هذا" أي ما‬
‫يقوله والداه‪" .‬إل أسهاطير الوليهن" أي أحاديثههم ومها سهطروه ممها ل أصهل له‪" .‬أولئك الذيهن حهق‬
‫عليهم القول" يعني الذين أشار إليهم ابن أبي بكر في قوله أحيوا لي مشايخ قريش‪ ،‬وهم المعنيون‬
‫بقوله‪" :‬وقهد خلت القرون مهن قبلي"‪ .‬فأمها ابهن أبهي بكهر عبدال أو عبدالرحمهن فقهد أجاب ال فيهه‬
‫دعاء أبيه في قوله‪" :‬وأصلح لي في ذريتي" [الحقاف‪ ]15 :‬على ما تقدم‪ .‬ومعنى‪" :‬حق عليهم‬
‫القول" أي وجهب عليههم العذاب‪ ،‬وههي كلمهة ال‪( :‬هؤلء فهي الجنهة ول أبالي وهؤلء فهي النار ول‬
‫أبالي)‪" .‬في أمم" أي مع أمم "قد خلت من قبلهم" تقدمت ومضت‪" .‬من الجن والنس" الكافرين‬
‫"إنهم" أي تلك المم الكافرة "كانوا خاسرين" لعمالهم‪ ،‬أي ضاع سعيهم وخسروا الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم ل يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكهل درجات ممها عملوا" أي ولكهل واحهد مهن الفريقيهن المؤمنيهن والكافريهن مهن‬
‫الجهن والنهس مراتهب عند ال يوم القيامهة بأعمالههم‪ .‬قال ابن زيهد‪ :‬درجات أههل النار فهي هذه اليهة‬
‫تذههب سهفال‪ ،‬ودرج أههل الجنهة علوا‪" .‬وليوفيههم أعمالههم" قرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وعاصهم‬
‫وأبهو عمرو ويعقوب بالياء لذكهر ال قبله‪ ،‬وههو قوله تعالى‪" :‬إن وعهد ال حهق" واختاره أبهو حاتهم‪.‬‬
‫الباقون بالنون ردا على قوله تعالى‪" :‬ووصهينا النسهان بوالديهه" وههو اختيار أبهي عبيهد‪" .‬وههم ل‬
‫يظلمون" أي ل يزاد على مسيء ول ينقص من محسن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم‬
‫بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم يعرض" أي ذكرهم يا محمد يوم يعرض‪" .‬على النار" أي يكشف الغطاء‬
‫فيقربون مهن النار وينظرون إليهها‪" .‬أذهبتهم طيباتكهم فهي حياتكهم الدنيها واسهتمتعتم بهها" أي يقال لههم‬
‫أذهبتهم‪ ،‬فالقول مضمهر‪ .‬وقرأ الحسهن ونصهر وأبهو العال ويعقوب وابهن كثيهر "أأذهبتهم" بهمزتيهن‬
‫مخففتيهن‪ ،‬واختاره أبهو حاتهم‪ .‬وقرأ أبهو حيوة وهشام "آذهبتهم" بهمزة واحدة مطولة على السهتفهام‪.‬‬
‫الباقون بهمزة واحدة من غير مد على الخبر‪ ،‬وكلها لغات فصيحة ومعناها التوبيخ‪ ،‬والعرب توبخ‬
‫بالستفهام وبغير الستفهام‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬واختار أبو عبيد ترك الستفهام لنه قراءة أكثر أئمة السبعة‬
‫نافههع وعاصههم وأبههي عمرو وحمزة والكسههائي‪ ،‬مههع مههن وافقهههم شيبههة والزهري وابههن محيصههن‬
‫والمغيرة بن أبي شهاب ويحيى بن الحارث والعمش ويحيى بن وثاب وغيرهم‪ ،‬فهذه عليها جلة‬
‫الناس‪ .‬وترك الستفهام أحسن‪ ،‬لن إثباته يوهم أنهم لم يفعلوا ذلك‪ ،‬كما تقول‪ :‬أنا ظلمتك؟ تريد أنا‬
‫لم أظلمهك‪ .‬وإثباتهه حسهن أيضها‪ ،‬يقول القائل‪ :‬ذهبهت فعلت كذا‪ ،‬يوبهخ ويقول‪ :‬أذهبهت فعلت كهل ذلك‬
‫جائز‪ .‬ومعنهى "أذهبتهم طيباتكهم" أي تمتعتهم بالطيبات فهي الدنيها واتبعتهم الشهوات واللذات‪ ،‬يعنهي‬
‫المعاصههههي‪" .‬فاليوم تجزون عذاب الهون" أي عذاب الخزي والفضيحههههة‪ .‬قال مجاهههههد‪ :‬الهون‬
‫الهوان‪ .‬قتادة‪ :‬بلغة قريش‪" .‬بمها كنتهم تسهتكبرون فهي الرض بغيهر الحق" أي تسهتعلون على أهلهها‬
‫بغيهر اسهتحقاق‪" .‬وبمها كنتهم تفسهقون" فهي أفعالكهم بغيها وظلمها‪ .‬وقيهل‪" :‬أذهبتهم طيباتكهم" أي أفنيتهم‬
‫شبابكههم فههي الكفههر والمعاصههي‪ .‬قال ابههن بحههر‪ :‬الطيبات الشباب والقوة‪ ،‬مأخوذ مههن قولهههم‪ :‬ذهههب‬
‫أطيباه‪ ،‬أي شبابه وقوته‪ .‬قال الماوردي‪ :‬ووجدت الضحاك قاله أيضا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول أظهر‪ ،‬روى الحسن عن الحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب رضي‬
‫ال عنه يقول‪ :‬لنا أعلم بخفض العيش‪ ،‬ولو شئت لجعلت أكبادا وصلء وصنابا وصلئق‪ ،‬ولكني‬
‫أستبقي حسناتي‪ ،‬فإن ال عز وجل وصف أقواما فقال‪" :‬أذهبتم طباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم‬
‫بهها" وقال أبهو عبيهد فهي حديهث عمهر‪ :‬لو شئت لدعوت بصهلئق وصهناب وكراكهر وأسهنمة‪ .‬وفهي‬
‫بعهض الحديهث‪ :‬وأفلذ‪ .‬قال أبهو عمرو وغيره‪ :‬الصهلء (بالمهد والكسهر)‪ :‬الشواء‪ ،‬سهمي بذلك لنهه‬
‫يصههلى بالنار‪ .‬والصههلء أيضهها‪ :‬صههلء النار‪ ،‬فإن فتحههت الصههاد قصههرت وقلت‪ :‬صههلى النار‪.‬‬
‫والصهناب‪ :‬الصهبغة المتخذة مهن الخردل والزبيهب‪ .‬قال أبهو عمرو‪ :‬ولهذا قيهل للبرذون‪ :‬صهنابي‪،‬‬
‫وإنمها شبهه لونهه بذلك‪ .‬قال‪ :‬والسهلئق (بالسهين) ههو مها يسهلق مهن البقول وغيرهها‪ .‬وقال غيره‪ :‬ههي‬
‫الصلئق بالصاد‪ ،‬قال جرير‪:‬‬
‫ومن لي بالصلئق والصناب‬ ‫تكلفني معيشة آل زيد‬
‫والصلئق‪ :‬الخبز الرقاق العريض‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في (العراف)‪ .‬وأما الكراكر فكراكر‬
‫البل‪ ،‬واحدتها كركرة وهي معروفة‪ ،‬هذا قول أبي عبيد‪.‬‬
‫وفههي الصههحاح‪ :‬والكركرة رحههى زور البعيههر‪ ،‬وهههي إحدى النفثات الخمههس‪ .‬والكركرة أيضهها‬
‫الجماعة من الناس‪ .‬وأبو مالك عمرو بن كركرة رجل من علماء اللغة‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬وأما الفلذ‬
‫فإن واحدها فلذ‪ ،‬وهي القطعة من الكبد‪ .‬قال أعشى باهلة‪:‬‬
‫من الشواء ويروي شربه الغمر‬ ‫تكفيه حزة فلذ إن ألم بها‬
‫وقال قتادة‪ :‬ذكهر لنها أن عمهر رضهي ال عنهه قال‪ :‬لو شئت كنهت أطيبكهم طعامها‪ ،‬وألينكهم لباسها‪،‬‬
‫ولكني أستبقي طيباتي للخرة‪ .‬ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله قال‪ :‬هذا لنا! فما‬
‫لفقراء المسههلمين الذيههن ماتوا ومهها شبعوا مههن خبههز الشعيههر فقال خالد بههن الوليههد‪ :‬لهههم الجنههة‪،‬‬
‫فاغرورقهت عينها عمهر بالدموع وقال‪ :‬لئن كان حظنها مهن الدنيها هذا الحطام‪ ،‬وذهبوا ههم فهي حظههم‬
‫بالجنة فلقد باينونا بونا بعيدا‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم وغيره أن عمر رضي ال عنه دخل على النبي صلى ال عليه وسلم وهو في‬
‫مشربتهه حيهن هجهر نسهاءه قال‪ :‬فالتفهت فلم أر شيئا يرد البصهر إل أهبها جلودا معطونهة قهد سهطع‬
‫ريحها‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أنت رسول ال وخيرته‪ ،‬وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟‬
‫قال‪ :‬فاسههتوى جالسهها وقال‪( :‬أفههي شههك أنههت يهها ابههن الخطاب‪ .‬أولئك قوم عجلت لهههم طيباتهههم فههي‬
‫حياتههم الدنيها) فقلت‪ :‬اسهتغفر لي فقال‪( :‬اللههم اغفهر له)‪ .‬وقال حفهص بهن أبهي العاص‪ :‬كنهت أتغدى‬
‫عنهد عمهر بهن الخطاب رضهي ال عنهه الخبهز والزيهت‪ ،‬والخبهز والخهل‪ ،‬والخبهز واللبهن‪ ،‬والخبهز‬
‫والقديد‪ ،‬وأقل ذلك اللحم الغريض‪ .‬وكان يقول‪ :‬ل تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله‪ ،‬فجيء بخبز متفلع‬
‫غليههظ‪ ،‬فجعههل يأكههل ويقول‪ :‬كلوا‪ ،‬فجعلنهها ل نأكههل‪ ،‬فقال‪ :‬مهها لكههم ل تأكلون؟ فقلنهها‪ :‬وال يهها أميههر‬
‫المؤمنين نرجع إلى طعام ألين من طعامك هذا‪ ،‬فقال‪ :‬يا بن أبي العاص أما ترى بأني عالم أن لو‬
‫أمرت بعناق سمينة فيلقى عنها شعرها ثم تخرج مصلية كأنها كذا وكذا‪ ،‬أما ترى بأني عالم أن لو‬
‫أمرت بصاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء ثم أشن عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يها أميهر المؤمنيهن‪ ،‬أجهل مها تنعهت العيهش‪ ،‬قال‪ :‬أجهل وال الذي ل إله إل ههو لول أنهي أخاف‬
‫أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركناكم في العيش ولكني سمعت ال تعالى يقول لقوام‪" :‬أذهبتم‬
‫طيباتكهم فهي حياتكهم الدنيها واسهتمتعتم بهها"‪" .‬فاليوم تجزون عذاب الهون" أي الهوان‪" .‬بمها كنتهم‬
‫تسههتكبرون فههي الرض بغيههر الحههق" أي تتعظمون عههن طاعههة ال وعلى عباد ال‪" .‬وبمهها كنتههم‬
‫تفسهقون" تخرجون عهن طاعهة ال‪ .‬وقال جابر‪ :‬اشتههى أهلي لحمها فاشتريتهه لههم فمررت بعمهر بهن‬
‫الخطاب رضي ال عنه فقال‪ :‬ما هذا يا جابر؟ فأخبرته‪ ،‬فقال‪ :‬أو كلما اشتهى أحدكم شيئا جعله في‬
‫بطنه أما يخشى أن يكون من أهل هذه الية‪" :‬أذهبتم طيباتكم" الية‪.‬‬
‫قال ابههن العربههي‪ :‬وهذا عتاب منههه له على التوسههع بابتياع اللحههم والخروج عههن جلف الخبههز‬
‫والماء‪ ،‬فإن تعاطي الطيبات من الحلل تستشره لها الطباع وتستمرئها العادة فإذا فقدتها استسهلت‬
‫فهي تحصهيلها بالشبهات حتهى تقهع فهي الحرام المحهض بغلبهة العادة واسهتشراه الهوى على النفهس‬
‫المارة بالسهوء‪ .‬فأخهذ عمهر المهر مهن أوله وحماه مهن ابتدائه كمها يفعله مثله‪ .‬والذي يضبهط هذا‬
‫الباب ويحفهظ قانونهه‪ :‬على المرء أن يأكهل مها وجهد‪ ،‬طيبها كان أو قفارا‪ ،‬ول يتكلف الطيهب ويتخذه‬
‫عادة‪ ،‬وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يشبع إذا وجد‪ ،‬ويصبر إذا عدم‪ ،‬ويأكل الحلوى إذا قدر‬
‫عليههها‪ ،‬ويشرب العسههل إذا اتفههق له‪ ،‬ويأكههل اللحههم إذا تيسههر‪ ،‬ول يعتمههد أصههل‪ ،‬ول يجعله ديدنهها‪.‬‬
‫ومعيشهة النهبي صهلى ال عليهه وسهلم معلومهة‪ ،‬وطريقهة الصهحابة منقولة‪ ،‬فأمها اليوم عنهد اسهتيلء‬
‫الحرام وفسههاد الحطام فالخلص عسههير‪ ،‬وال يهههب الخلص‪ ،‬ويعيههن على الخلص برحمتههه‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬إن التوبيهخ واقهع على ترك الشكهر ل على تناول الطيبات المحللة‪ ،‬وههو حسهن‪ ،‬فإن تناول‬
‫الطيهب الحلل مأذون فيهه‪ ،‬فإذا ترك الشكهر عليهه واسهتعان بهه على مها ل يحهل له فقهد أذهبهه‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه‬
‫أل تعبدوا إل ال إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكر أخا عاد" هو هود بن عبدال بن رباح عليه السلم‪ ،‬كان أخاهم في النسب‬
‫ل فهي الديهن‪" .‬إذ أنذر قومه بالحقاف" أي اذكهر لهؤلء المشركيهن قصهة عاد ليعتهبروا بهها‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به‪ ،‬ويهون عليه تكذيب قومه له‪ .‬والحقاف‪ :‬ديار عاد‪.‬‬
‫وههي الرمال العظام‪ ،‬فهي قول الخليهل وغيره‪ .‬وكانوا قهروا أههل الرض بفضهل قوتههم‪ .‬والحقاف‬
‫جمهع حقهف‪ ،‬وههو مها اسهتطال مهن الرمهل العظيهم وأعوج ولم يبلغ أن يكون جبل‪ ،‬والجمهع حقاف‬
‫وأحقاف وحقوف‪ .‬واحقوقف الرمل والهلل أي اعوج‪ .‬وقيل‪ :‬الحقف جمع حقاف‪ .‬والحقاف جمع‬
‫الجمع‪ .‬ويقال‪ :‬حِقف أحقف‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫بات إلى أرطاة حقف أحقفا‬
‫أي رمل مستطيل مشرف‪ .‬والفعل منه احقوقف‪ .‬قال العجاج‪:‬‬
‫سماوة الهلل حتى احقوقفا‬ ‫طي الليالي زلفا فزلفا‬
‫أي انحنى واستدار‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫بما احتسبا من لين مس وتسهال‬ ‫كحقف النقا يمشي الوليدان فوقه‬
‫وفيما أريد بالحقاف ها هنا مختلف فيه‪ .‬فقال ابن زيد‪ :‬هي رمال مشرفة مستطيلة كهيئة الجبال‪،‬‬
‫ولم تبلغ أن تكون جبال‪ ،‬وشاهده ما ذكرناه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هي جبال مشرفة بالشحر‪ ،‬والشحر قريب‬
‫من عدن‪ ،‬يقال‪ :‬شحر عمان وشحر عمان‪ ،‬وهو ساحل البحر بين عمان وعدن‪ .‬وعنه أيضا‪ :‬ذكر‬
‫لنهها أن عادا كانوا أحياء باليمههن‪ ،‬أهههل رمههل مشرفيههن على البحههر بأرض يقال لههها‪ :‬الشحههر‪ .‬وقال‬
‫مجاههد‪ :‬ههي أرض مهن حسهمى تسهمى بالحقاف‪ .‬وحسهمى (بكسهر الحاء) اسهم أرض بالباديهة فيهها‬
‫جبال شواهق ملس الجوانب ل يكاد القتام يفارقها‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫دقاق الترب محتزم القتام‬ ‫فأصبح عاقل بجبال حسمى‬
‫قاله الجوهري‪ .‬وقال ابن عباس والضحاك‪ :‬الحقاف جبل بالشام‪ .‬وعن ابن عباس أيضا‪ :‬واد بين‬
‫عمان ومهرة‪ .‬وقال مقاتههل‪ :‬كانههت منازل عاد باليمههن فههي حضههر موت بواد يقال له مهرة‪ ،‬وإليههه‬
‫تنسهب البهل المهريهة‪ ،‬فيقال‪ :‬إبهل مهريهة ومهاري‪ .‬وكانوا أههل عمهد سهيارة فهي الربيهع فإذا هاج‬
‫العود رجعوا إلى منازلههم‪ ،‬وكانوا مهن قهبيلة إرم‪ .‬وقال الكلبهي‪ :‬أحقاف الجبهل مها نضهب عنهه الماء‬
‫زمان الغرف‪ ،‬كان ينضهب الماء مهن الرض ويبقهى أثره‪ .‬وروى الطفيهل عهن علي بهن أبهي طالب‬
‫رضهي ال عنهه أنهه فال‪ :‬خيهر وادييهن فهي الناس واد بمكهة وواد نزل بهه آدم بأرض الهنهد‪ .‬وشهر‬
‫وادييهن فهي الناس واد بالحقاف وواد بحضهر موت يدعهى برهوت تلقهى فيهه أرواح الكفار‪ .‬وخيهر‬
‫بئر فههي الناس بئر زمزم‪ .‬وشههر بئر فههي الناس بئر برهوت‪ ،‬وهههو فههي ذلك الوادي الذي بحضههر‬
‫موت‪" .‬وقهد خلت النذر" أي مضهت الرسهل‪" .‬مهن بيهن يديهه" أي مهن قبهل هود‪" .‬ومهن خلفهه" أي‬
‫ومهن بعده‪ ،‬قال الفراء‪ .‬وفهي قراءة ابهن مسهعود "مهن بيهن يديهه ومهن بعده"‪" .‬أل تعبدوا إل ال" هذا‬
‫مهن قول المرسهل‪ ،‬فههو كلم معترض‪ .‬ثهم قال هود‪" :‬إنهي أخاف عليكهم عذاب يوم عظيهم" وقيهل‪:‬‬
‫"أل تعبدوا إل ال" من كلم هود‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 - 22 :‬قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين‪ ،‬قال‬
‫إنمها العلم عنهد ال وأبلغكهم مها أرسهلت بهه ولكنهي أراكهم قومها تجهلون‪ ،‬فلمها رأوه عارضها مسهتقبل‬
‫أوديتههم قالوا هذا عارض ممطرنها بهل ههو مها اسهتعجلتم بهه ريهح فيهها عذاب أليهم‪ ،‬تدمهر كهل شيهء‬
‫بأمر ربها فأصبحوا ل يرى إل مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا أجئتنها لتأفكنها عهن آلهتنها" فيهه وجهان‪ :‬أحدهمها‪ :‬لتزيلنها عهن عبادتهها بالفهك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬لتصرفنا عن آلهتنا بالمنع‪ ،‬قال الضحاك‪ .‬قال عروة بن أذينة‪:‬‬
‫فوكا ففي آخرين قد أفكوا‬ ‫إن تك عن أحسن الصنيعة مأ‬
‫يقول‪ :‬إن لم توفهق للحسان فأنت في قوم قهد صهرفوا‪" .‬فأتنا بما تعدنها" هذا يدل على أن الوعهد قهد‬
‫يوضهع موضهع الوعيهد‪" .‬إن كنهت مهن الصهادقين" أنهك نهبي "قال إنمها العلم" بوقهت مجيهء العذاب‪.‬‬
‫"عند ال" ل عندي "وأبلغكم ما أرسلت به" عن ربكم‪" .‬ولكني أراكم قوما تجهلون" في سؤالكم‬
‫اسهتعجال العذاب‪" .‬فلمها رأوه عارضها" قال المهبرد‪ :‬الضميهر فهي "رأوه" يعود إلى غيهر مذكور‪،‬‬
‫وبينه قوله‪" :‬عارضا" فالضمير يعود إلى السحاب‪ ،‬أي فلما رأوا السحاب عارضا‪ .‬فه "عارضا"‬
‫نصهب على التكريهر‪ ،‬سهمي بذلك لنهه يبدو فهي عرض السهماء‪ .‬وقيهل‪ :‬نصهب على الحال‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫يرجع الضمير إلى قوله‪" :‬فأتنا بما تعدنا" فلما رأوه حسبوه سحابا يمطرهم‪ ،‬وكان المطر قد أبطأ‬
‫عنهم‪ ،‬فلما رأوه "مستقبل أوديتهم" استبشروا‪ .‬وكان قد جاءهم من واد جرت العادة أن ما جاء منه‬
‫يكون غيثهههها‪ ،‬قال ابههههن عباس وغيره‪" .‬قالوا هذا عارض ممطرنهههها" قال الجوهري‪ :‬والعارض‬
‫السحاب يعترض في الفق‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬هذا عارض ممطرنا" أي ممطر لنا‪ ،‬لنه معرفة‬
‫ل يجوز أن يكون صهفة لعارض وههو نكرة‪ .‬والعرب إنمها تفعهل مثهل هذا فهي السهماء المشتقهة مهن‬
‫الفعال دون غيرها‪ .‬قال جرير‪:‬‬
‫لقى مباعدة منكم وحرمانا‬ ‫يا رب غابطنا لو كان يطلبكم‬
‫ول يجوز أن يقال‪ :‬هذا رجهل غلمنها‪ .‬وقال أعرابهي بعهد الفطهر‪ :‬رب صهائمة لن تصهومه‪ ،‬وقائمهة‬
‫لن تقومه‪ ،‬فجعله نعتا للنكرة وأضافه إلى المعرفة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله‪( :‬ل يجوز أن يكون صههفة لعارض) خلف قول النحوييههن‪ ،‬والضافهههة فههي تقديهههر‬
‫النفصهال‪ ،‬فههي إضافهة لفظيهة ل حقيقيهة‪ ،‬لنهها لم تفهد الول تعريفها‪ ،‬بهل السهم نكرة على حاله‪،‬‬
‫فلذلك جرى نعتها على النكرة‪ .‬هذا قول النحوييهن فهي اليهة والبيهت‪ .‬ونعهت النكرة نكرة‪ .‬و"رب" ل‬
‫تدخهل إل على النكرة‪" .‬بهل ههو" أي قال هود لههم‪ .‬والدليهل عليهه قراءة مهن قرأ "قال هود بهل ههو"‬
‫وقرئ "قهل بهل مها اسهتعجلتم بهه ههي ريهح" أي قال ال‪ :‬قهل بهل ههو مها اسهتعجلتم بهه‪ ،‬ويعنهي قولههم‪:‬‬
‫"فأتنا بما تعدنا" ثم بين ما هو فقال‪" :‬ريح فيها عذاب أليم" والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك‬
‫السههحاب الذي رأوه‪ ،‬وخرج هود مههن بيههن أظهرهههم‪ ،‬فجعلت تحمههل الفسههاطيط وتحمههل الظعينههة‬
‫فترفعها كأنها جرادة‪ ،‬ثم تضرب بها الصخور‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا‬
‫أيديهم‪ ،‬فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم‬
‫الريح ما بين السماء والرض مثل الريش‪ ،‬فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم‪ ،‬فقلعت الريح البواب‬
‫وصههرعتهم‪ ،‬وأمههر ال الريههح فأمالت عليهههم الرمال‪ ،‬فكانوا تحههت الرمال سههبع ليال وثمانيههة أيام‬
‫حسوما‪ ،‬ولهم أنين‪ ،‬ثم أمر ال الريح فكشف عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر‪ ،‬فهي التي‬
‫قال ال تعالى فيها‪" :‬تدمر كل شيء بأمر ربها" أي كل شيء مرت عليه من رجال عاد وأموالها‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬أي كل شيء بعثت إليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تدمهر كهل شيهء بأمهر ربهها" والتدميهر‪ :‬الهلك‪ .‬وكذلك الدمار‪ .‬وقرئ "يدمهر كهل‬
‫شيء" من دمر دمارا‪ .‬يقال‪ :‬دمره تدميرا ودمارا ودمر عليه بمعنى‪ .‬ودمر يدمر دمورا دخل بغير‬
‫إذن‪ .‬وفهي الحديهث‪( :‬مهن سهبق طرفهه اسهتئذانه فقهد دمهر) مخفهف الميهم‪ .‬وتدمهر‪ :‬بلد بالشام‪ .‬ويربوع‬
‫تدمري إذا كان صغيرا قصيرا‪" .‬بأمر ربها" بإذن ربها‪ .‬وفي البخاري عن عائشة رضي ال عنها‬
‫زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت‪ :‬ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ضاحكا حتى أرى‬
‫منهه لهواتهه إنمها كان يتبسهم‪ .‬قالت‪ :‬وكان إذا رأى غيمها أو ريحها عرف فهي وجههه‪ .‬قالت‪ :‬يها رسهول‬
‫ال‪ ،‬الناس إذا رأوا الغيههم فرحوا رجاء أن يكون فيههه المطههر‪ ،‬وأراك إذا رأيتههه عرف فههي وجهههك‬
‫الكراهيهة؟ فقال‪[ :‬يها عائشهة مها يؤمننهي أن يكون فيهه عذاب عذب قوم بالريهح وقهد رأى قوم العذاب‬
‫فقالوا هذا عارض ممطرنها] خرجهه مسهلم والترمذي‪ ،‬وقال فيهه‪ :‬حديهث حسهن‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم‬
‫عهن ابهن عباس عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال‪[ :‬نصهرت بالصهبا وأهلكهت عاد بالدبور]‪.‬‬
‫وذكههر الماوردي أن القائل "هذا عارض ممطرنهها" مههن قوم عاد‪ :‬بكههر بههن معاويههة‪ ،‬ولمهها رأى‬
‫السهحاب قال‪ :‬إنهي لرى سهحابا مرمدا‪ ،‬ل تدع مهن عاد أحدا‪ .‬فذكهر عمرو بهن ميمون أنهها كانهت‬
‫تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬واعتزل هود ومن معه من المؤمنين‬
‫في حظيرة‪ ،‬ما يصيبه ومن معه منها إل ما يلين أعلى ثيابهم‪ .‬وتلتذ النفس به‪ ،‬لنها لتمر من عاد‬
‫بالظعهن بيهن السهماء والرض وتدمغههم بالحجارة حتهى هلكوا‪ .‬وحكهى الكلبهي أن شاعرههم قال فهي‬
‫ذلك‪:‬‬
‫دعوة أضحوا همودا‬ ‫فدعا هود عليهم‬
‫تركت عادا خمودا‬ ‫عصفت ريح عليهم‬
‫لم تدع في الرض عودا‬ ‫سخرت سبع ليال‬
‫وعمر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة‪" .‬فأصبحوا ل يرى إل مساكنهم‬
‫قرأ عاصهم وحمزة "ل يرى إل مسهاكنهم" بالياء غيهر مسهمى الفاعهل‪ .‬وكذلك روى حماد بهن سهلمة‬
‫عهن ابهن كثيهر إل أنهه قرأ "ترى" بالتاء‪ .‬وقهد روى ذلك عهن أبهي بكهر عهن عاصهم‪ .‬الباقون "ترى"‬
‫بتاء مفتوحههة‪" .‬مسههاكنهم" بالنصههب‪ ،‬أي ل ترى يهها محمههد إل مسههاكنهم‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ومههن قرأ‬
‫بالتاء غير مسمى الفاعل فعلى لفظ الظاهر الذي هو المساكن المؤنثة‪ ،‬وهو قليل ل يستعمل إل في‬
‫الشعهر‪ .‬وقال أبهو حاتهم‪ :‬ل يسهتقيم هذا فهي اللغهة إل أن يكون فيهها إضمار‪ ،‬كمها تقول فهي الكلم أل‬
‫ترى النسههاء إل زينههب‪ .‬ول يجوز ل ترى إل زينههب‪ .‬وقال سههيبويه‪ :‬معناه ل ترى أشخاصهههم إل‬
‫مسهاكنهم‪ .‬واختار أبهو عبيهد وأبهو حاتهم قراءة عاصهم وحمزة‪ .‬قال الكسهائي‪ :‬معناه ل يرى شيهء إل‬
‫مسهاكنهم‪ ،‬فههو محمول على المعنهى‪ ،‬كمها تقول‪ :‬مها قام إل هنهد‪ ،‬والمعنهى مها قام أحهد إل هنهد‪ .‬وقال‬
‫الفراء‪ :‬ل يرى الناس لنههم كانوا تحهت الرمهل‪ ،‬وإنمها ترى مسهاكنهم لنهها قائمهة‪" .‬كذلك نجزي‬
‫القوم المجرمين" أي مثل هذه العقوبة نعاقب بها المشركين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 26 :‬ولقهد مكناههم فيمها إن مكناكهم فيهه وجعلنها لههم سهمعا وأبصهارا وأفئدة فمها أغنهى‬
‫عنههم سهمعهم ول أبصهارهم ول أفئدتههم مهن شيهء إذ كانوا يجحدون بآيات ال وحاق بههم مها كانوا‬
‫به يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقهد مكناههم فيمها إن مكناكهم فيهه" قيهل‪ :‬إن "إن" زائدة‪ ،‬تقديره ولقهد مكناكهم فيمها‬
‫مكناكم فيه‪ .‬وهذا قول القتبي‪ .‬وأنشد الخفش‪:‬‬
‫وتعرض دون أدناه الخطوب‬ ‫يرجي المرء ما إن ل يراه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫منايانا ودولة آخرينا‬ ‫فما إن طبنا جبن ولكن‬
‫وقيل‪ :‬إن "ما" بمعنى الذي‪ .‬و"إن" بمعنى ما‪ ،‬والتقدير ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه‪ ،‬قاله‬
‫المبرد‪ .‬وقيل‪ :‬شرطية وجوابها مضمر محذوف‪ ،‬والتقدير ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه كان‬
‫بغيكم أكثر وعنادكم أشد‪ ،‬وتم الكلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلنها لههم سهمعا وأبصهارا وأفئدة" يعنهي قلوبها يفقهون بهها‪" .‬فمها أغنهى عنههم‬
‫سهمعهم ول أبصهارهم ول أفئدتههم مهن شيهء" مها أغنهت عنههم مهن عذاب ال‪" .‬إذ كانوا يجحدون"‬
‫يكفرون "بآيات ال وحاق بهم" أحاط بهم "ما كانوا به يستهزئون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا اليات لعلهم يرجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى" يريد حجر ثمود وقرى لوط ونحوهما مما كان‬
‫يجاور بلد الحجاز‪ ،‬وكانهت أخبارههم متواترة عندههم‪" .‬وصهرفنا اليات" يعنهي الحجهج والدللت‬
‫وأنواع البينات والعظات‪ ،‬أي بيناههها لهههل تلك القرى‪" .‬لعلهههم يرجعون" فلم يرجعوا‪ .‬وقيههل‪ :‬أي‬
‫صرفنا آيات القرآن في الوعد والوعيد والقصص والعجاز لعل هؤلء المشركين يرجعون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬فلول نصرهم الذين اتخذوا من دون ال قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم‬
‫وما كانوا يفترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلول نصهرهم" "لول" بمعنهى هل‪ ،‬أي هل نصهرهم آلهتههم التهي تقربوا بهها‬
‫بزعمهههم إلى ال لتشفههع لهههم حيههث قالوا‪" :‬هؤلء شفعاؤنهها عنههد ال" [يونههس‪ ]18 :‬ومنعتهههم مههن‬
‫الهلك الواقههع بهههم‪ .‬قال الكسههائي‪ :‬القربان كههل مهها يتقرب بههه إلى ال تعالى مههن طاعههة ونسههيكة‪،‬‬
‫والجمهع قرابيهن‪ ،‬كالرهبان والرهابيهن‪ .‬وأحهد مفعولي اتخهذ الراجهع إلى الذيهن المحذوف‪ ،‬والثانهي‬
‫"آلهة"‪ .‬و"قربانا" حال‪ ،‬ول يصح أن يكون "قربانا" مفعول ثانيا‪ .‬و"آلهة" بدل منه لفساد المعنى‪،‬‬
‫قال الزمخشري‪ .‬وقرئ "قربانا" بضم الراء‪" .‬بل ضلوا عنهم" أي هلكوا عنهم‪ .‬وقيل‪" :‬بل ضلوا‬
‫عنهم" أي ضلت عنهم آلهتهم لنها لم يصبها ما أصابهم‪ ،‬إذ هي جماد‪ .‬وقيل‪" :‬ضلوا عنهم"‪ ،‬أي‬
‫تركوا الصهنام وتهبرؤوا منهها‪" .‬وذلك إفكههم" أي واللههة التهي ضلت عنههم ههي إفكههم فهي قولههم‪:‬‬
‫إنها تقربهم إلى ال زلفى‪ .‬وقراءة العامة "إفكهم" بكسر الهمزة وسكون الفاء‪ ،‬أي كذبهم‪ .‬والفك‪:‬‬
‫الكذب‪ ،‬وكذلك الفيكههة‪ ،‬والجمههع الفائك‪ .‬ورجههل أفاك أي كذاب‪ .‬وقرأ ابههن عباس ومجاهههد وابههن‬
‫الزبير "وذلك أفكهم" بفتح الهمزة والفاء والكاف‪ ،‬على الفعل‪ ،‬أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد‪.‬‬
‫والفههك "بالفتههح" مصههدر قولك‪ :‬أفكههه يأفكههه أفكهها‪ ،‬أي قلبههه وصههرفه عههن الشيههء‪ .‬وقرأ عكرمههة‬
‫"أفكههم" بتشديهد الفاء على التأكيهد والتكثيهر‪ .‬قال أبو حاتهم‪ :‬يعنهي قلبههم عمها كانوا عليه مهن النعيهم‪.‬‬
‫وذكر المهدوي عن ابن عباس أيضا "آفكهم" بالمد وكسر الفاء‪ ،‬بمعنى صارفهم‪ .‬وعن عبدال بن‬
‫الزبيههر باختلف عنههه "آفكهههم" بالمههد‪ ،‬فجاز أن يكون أفعلهههم‪ ،‬أي أصههارهم إلى الفههك‪ .‬وجاز أن‬
‫يكون فاعلهم كخادعهم‪ .‬ودليل قراءة العامة "إفكهم" قوله‪" :‬وما كانوا يفترون" أي يكذبون‪ .‬وقيل‬
‫"أفكهم" مثل "أفكهم"‪ .‬الفك والفك كالحذر والحذر‪ ،‬قاله المهدوي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما‬
‫قضي ولوا إلى قومهم منذرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن" هذا توبيخ لمشركي قريش‪ ،‬أي إن الجن سمعوا‬
‫القرآن فآمنوا به وعلموا أنه من عند ال وأنتم معرضون مصرون على الكفر‪ .‬ومعنى‪" :‬صرفنا"‬
‫وجهنها إليهك وبعثنها‪ .‬وذلك أنههم صهرفوا عهن اسهتراق السهمع مهن السهماء برجوم الشههب ‪ -‬على مها‬
‫يأتهي ‪ -‬ولم يكونوا بعهد عيسهى قهد صهرفوا عنهه إل عنهد مبعهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬قال‬
‫المفسرون ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم‪ :‬لما مات أبو طالب خرج النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم وحده إلى الطائف يلتمهس مهن ثقيهف النصهرة فقصهد عبهد ياليهل ومسهعودا وحبيبها وههم‬
‫إخوة ‪ -‬بنو عمرو بن عمير ‪ -‬وعندهم امرأة من قريش من بني جمح‪ ،‬فدعاهم إلى اليمان وسألهم‬
‫أن ينصهروه على قومهه فقال أحدههم‪ :‬ههو يمرط ثياب الكعبهة إن كان ال أرسهلك وقال الخهر‪ :‬مها‬
‫وجههد ال أحدا يرسههله غيرك وقال الثالث‪ :‬وال ل أكلمههك كلمههة أبدا‪ ،‬إن كان ال أرسههلك كمهها تقول‬
‫فأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلم‪ ،‬وإن كنت تكذب فما ينبغي لي أن أكلمك‪ .‬ثم أغروا به‬
‫سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويضحكون به‪ ،‬حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة‬
‫ابنهي ربيعهة‪ .‬فقال للجمحيهة‪( :‬ماذا لقينها مهن أحمائك)؟ ثهم قال‪( :‬اللههم إنهي أشكهو إليهك ضعهف قوتهي‬
‫وقلة حيلتهي وهوانهي على الناس‪ ،‬يها أرحهم الراحميهن‪ ،‬أنهت رب المسهتضعفين‪ ،‬وأنهت ربهي‪ ،‬لمهن‬
‫تكلنهي إلى عبهد يتجهمنهي‪ ،‬أو إلى عدو ملكتهه أمري إن لم يكهن بهك غضهب علي فل أبالي‪ ،‬ولكهن‬
‫عافيتهك ههي أوسهع لي‪ ،‬أعوذ بنور وجههك مهن أن ينزل بهي غضبهك‪ ،‬أو يحهل علي سهخطك‪ ،‬لك‬
‫العتبى حتى ترضى‪ ،‬ول حول ول قوة إل بك)‪ .‬فرحمه ابنا ربيعة وقال لغلم لهما نصراني يقال‬
‫له عداس‪ :‬خهذ قطفها مهن العنهب وضعهه فهي هذا الطبهق ثهم ضعهه بيهن يدي هذا الرجهل‪ ،‬فلمها وضعهه‬
‫بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم قال النبي صلى ال عليه وسلم (باسم ال) ثم أكل‪ ،‬فنظر‬
‫عداس إلى وجهههه ثههم قال‪ :‬وال إن هذا الكلم مهها يقوله أهههل هذه البلدة فقال النههبي صههلى ال عليههه‬
‫وسهلم‪( :‬مهن أي البلد أنهت يها عداس ومها دينهك) قال‪ :‬أنها نصهراني مهن أههل نينوى‪ .‬فقال له النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى)؟ فقال‪ :‬وما يدريك ما يونس بن‬
‫متى؟ قال‪( :‬ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي) فانكب عداس حتى قبل رأس النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ويديهه ورجليهه‪ .‬فقال له ابنها ربيعهة‪ :‬لم فعلت هكذا؟ فقال‪ :‬يها سهيدي مها فهي الرض خيهر مهن هذا‪،‬‬
‫أخبرني بأمر ما يعلمه إل نبي‪.‬‬
‫ثهم انصهرف النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حيهن يئس مهن خيهر ثقيهف‪ ،‬حتهى إذا كان ببطهن نخلة قام‬
‫مهن الليهل يصهلي فمهر بهه نفهر مهن جهن أههل نصهيبين‪ .‬وكان سهبب ذلك أن الجهن كانوا يسهترقون‬
‫السمع‪ ،‬فلما حرست السماء ورموا بالشهب قال إبليس‪ :‬إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث‬
‫في الرض‪ ،‬فبعث سراياه ليعرف الخبر‪ ،‬أولهم ركب نصيبين وهم أشراف الجن إلى تهامة‪ ،‬فلما‬
‫بلغوا بطهن نخلة سهمعوا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يصهلي صهلة الغداة ببطهن نخلة ويتلو القرآن‪،‬‬
‫فاسههتمعوا له وقالوا‪ :‬أنصههتوا‪ .‬وقالت طائفههة‪ :‬بههل أمههر النههبي صههلى ال عليهه وسههلم أن ينذر الجههن‬
‫ويدعوههم إلى ال تعالى ويقرأ عليههم القرآن‪ ،‬فصهرف ال عهز عهز وجهل إليهه نفرا مهن الجهن مهن‬
‫نينوى وجمعههم له‪ ،‬فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إنهي أريهد أن أقرأ القرآن على الجهن الليلة‬
‫فأيكهم يتبعنهي)؟ فأطرقوا‪ ،‬ثهم قال الثانيهة فأطرقوا‪ ،‬ثهم قال الثالثهة فأطرقوا‪ ،‬فقال ابهن مسهعود‪ :‬أنها يها‬
‫رسهول ال‪ ،‬قال ابهن مسهعود‪ :‬ولم يحضهر معهه أحهد غيري‪ ،‬فانطلقنها حتهى إذا كنها بأعلى مكهة دخهل‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم شعبها يقال له (شعهب الحجون) وخهط لي خطها وأمرنهي أن أجلس فيهه‬
‫وقال‪( :‬ل تخرج منههه حتههى أعود إليههك)‪ .‬ثههم انطلق حتههى قام فافتتههح القرآن‪ ،‬فجعلت أرى أمثال‬
‫النسهور تهوي وتمشهي فهي رفرفهها‪ ،‬وسهمعت لغطها وغمغمهة حتهى خفهت على النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم‪ ،‬وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته‪ ،‬ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع‬
‫السهحاب ذاههبين‪ ،‬ففرغ النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهع الفجهر فقال‪( :‬أنمهت)؟ قلت‪ :‬ل وال‪ ،‬ولقهد‬
‫هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول اجلسوا‪ ،‬فقال‪( :‬لو خرجت لم‬
‫آمهن عليهك أن يخطفهك بعضههم) ثهم قال‪( :‬ههل رأيهت شيئا)؟ قلت‪ :‬نعهم يها رسهول ال‪ ،‬رأيهت رجال‬
‫سهودا مسهتثفري ثيابها بيضها‪ ،‬فقال‪( :‬أولئك جهن نصهيبين سهألوني المتاع والزاد فمتعتههم بكهل عظهم‬
‫حائل وروثهة وبعرة)‪ .‬فقالوا‪ :‬يها رسهول ال يقذرهها الناس علينها‪ .‬فنههى رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم أن يسهتنجى بالعظهم والروث‪ .‬قلت‪ :‬يها نهبي ال‪ ،‬ومها يغنهي ذلك عنههم قال‪( :‬إنههم ل يجدون‬
‫عظمها إل وجدوا عليهه لحمهه يوم أكهل‪ ،‬ول روثهة إل وجدوا فيهها حبهها يوم أكهل) فقلت‪ :‬يها رسهول‬
‫ال‪ ،‬لقهد سهمعت لغطها شديدا؟ فقال‪( :‬إن الجهن تدارأت فهي قتيهل بينههم فتحاكموا إلي فقضيهت بينههم‬
‫بالحق)‪ .‬ثم تبرز النبي صلى ال عليه وسلم ثم أتاني فقال‪( :‬هل معك ماء)؟ فقلت يا نبي ال‪ ،‬معي‬
‫إداوة فيهها شيهء مهن نهبيذ التمهر فصهببت على يديهه فتوضهأ فقال‪( :‬تمرة طيبهة وماء طهور)‪ .‬روى‬
‫معناه معمر عن قتادة وشعبة أيضا عن ابن مسعود‪ .‬وليس في حديث معمر ذكر نبيذ التمر‪.‬‬
‫روي عهن أبهي عثمان النهدي أن ابهن مسهعود أبصهر زطها فقال‪ :‬مها هؤلء؟ قال‪ :‬هؤلء الزط‪.‬‬
‫قال‪ :‬ما رأيت شبههم إل الجن ليلة الجن فكانوا مستفزين يتبع بعضهم بعضا‪ .‬وذكر الدارقطني عن‬
‫عبدال بن لهيعة حدثني قيس بن الحجاج عن حنش عن ابن عباس عن ابن مسعود أنه وضأ النبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم ليلة الجهن بنهبيذ فتوضهأ بهه وقال‪( :‬شراب وطهور)‪ .‬ابهن لهيعهة ل يحتهج بهه‪.‬‬
‫وبهذا السند عن ابن مسعود‪ :‬أنه خرج مع النبي صلى ال عليه وسلم ليلة الجن‪ ،‬فقال له رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬أمعك ماء يا ابن مسعود)؟ فقال‪ :‬معي نبيذ في إداوة‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم‪( :‬صهب علي منهه)‪ .‬فتوضهأ وقال‪( :‬ههو شراب وطهور) تفرد بهه ابهن لهيعهة وههو‬
‫ضعيف الحديث‪ .‬قال الدارقطني‪ :‬وقيل إن ابن مسعود لم يشهد مع النبي صلى ال عليه وسلم ليلة‬
‫الجهن‪ .‬كذلك رواه علقمهة بهن قيهس وأبهو عهبيدة بهن عبدال وغيرهمها عنهه أنهه قال‪ :‬مها شهدت ليلة‬
‫الجن‪ .‬حدثنا أبو محمد بن صاعد حدثنا أبو الشعث حدثنا بشر بن المفضل حدثنا داود بن أبي هند‬
‫عن عامر عن علقمة بن قيهس قال قلت لعبدال بن مسهعود‪ :‬أشههد رسول ال صهلى ال عليه وسلم‬
‫أحههد منكههم ليلة أتاه داعههى الجههن؟ قال ل‪ .‬قال الدارقطنههي‪ :‬هذا إسههناد صههحيح ل يختلف فههي عدالة‬
‫راويه‪ .‬وعن عمرو بن مرة قال قلت لبي عبيدة‪ :‬حضر عبدال بن مسعود ليلة الجن؟ فقال ل‪ .‬قال‬
‫ابهن عباس‪ :‬كان الجهن سهبعة نفهر مهن جهن نصهيبين فجعلههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم رسهل إلى‬
‫قومههم‪ .‬وقال زر بهن حهبيش‪ :‬كانوا تسهعة أحدههم زوبعهة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬إنههم مهن أههل نينوى‪ .‬وقال‬
‫مجاهد‪ :‬من أهل حران‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬من جزيرة الموصل‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم كانوا سبعة‪ ،‬ثلثة من أهل‬
‫نجران وأربعة من أهل نصيبين‪ .‬وروى ابن أبي الدنيا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال في هذا‬
‫الحديهث وذكهر فيهه نصهيبين فقال‪( :‬رفعهت إلي حتهى رأيتهها فدعوت ال أن يكثهر مطرهها وينضهر‬
‫شجرهها وأن يغزو نهرهها)‪ .‬وقال السههيلي‪ :‬ويقال كانوا سهبعة‪ ،‬وكانوا يهودا فأسهلموا‪ ،‬ولذلك قالوا‪:‬‬
‫"أنزل من بعد موسى"‪ .‬وقيل في أسمائهم‪ :‬شاصر وماصر ومنشي وماشي والحقب‪ ،‬ذكر هؤلء‬
‫الخمسهة ابهن دريهد‪ .‬ومنههم عمرو بهن جابر‪ ،‬ذكره ابهن سهلم مهن طريهق أبهي إسهحاق السهبيعي عهن‬
‫أشياخه عن ابن مسعود أنه كان في نفر من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم يمشون فرفع لهم‬
‫إعصهار ثهم جاء إعصهار أعظهم منهه فإذا حيهة قتيهل‪ ،‬فعمهد رجهل منها إلى ردائه فشقهه وكفهن الحيهة‬
‫ببعضهه ودفنهها‪ ،‬فلمها جهن الليهل إذا امرأتان تسهألن‪ :‬أيكهم دفهن عمرو بن جابر؟ فقلنها‪ :‬مها ندري مهن‬
‫عمرو بن جابر فقالتا‪ :‬إن كنتم ابتغيتم الجر فقد وجدتموه‪ ،‬إن فسقة الجن اقتتلوا مع المؤمنين فقتل‬
‫عمرو‪ ،‬وهو الحية التي رأيتم‪ ،‬وهو من النفر الذين استمعوا القرآن من محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫ثم ولوا إلى قومهم منذرين‪ .‬وذكر ابن سلم رواية أخرى‪ :‬أن الذي كفنه هو صفوان بن المعطل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكههر هذا الخههبر الثعلبههي بنحوه فقال‪ :‬وقال ثابههت بههن قطبههة جاء أناس إلى ابههن مسههعود‬
‫فقالوا‪ :‬إنها كنها فهي سهقر فرأينها حيهة متشحطهة فهي دمائهها‪ ،‬فأخذهها رجهل منها فواريناهها‪ ،‬فجاء أناس‬
‫فقالوا‪ :‬أيكم دفن عمرا؟ قلنا وما عمرو؟ قالوا الحية التي دفنتم في مكان كذا‪ ،‬أما إنه كان من النفر‬
‫الذيهن سهمعوا القرآن مهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وكان بيهن حييهن مهن الجهن مسهلمين وكافريهن‬
‫قتال فقتهل‪ .‬ففي هذا الخهبر أن ابن مسهعود لم يكن فهي سهفر ول حضهر الدفن‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وذكهر ابن‬
‫أبي الدنيا عن رجل من التابعين سماه‪ :‬أن حية دخلت عليه في خبائه تلهث عطشا فسقاها ثم أنها‬
‫ماتت فدفنها‪ ،‬فأتي من الليل فسلم عليه وشكر‪ ،‬وأخبر أن تلك الحية كانت رجل عن جن نصيبين‬
‫اسمه زوبعة‪ .‬قال السهيلي‪ :‬وبلغنا في فضائل عمر بن عبدالعزيز رضي ال عنه مما حدثنا به أبو‬
‫بكهر بهن طاههر الشهبيلي أن عمهر بهن عبدالعزيهز كان يمشهي بأرض فلة‪ ،‬فإذا حيهة ميتهة فكفنهها‬
‫بفضلة من ردائه ودفنهها‪ ،‬فإذا قائل يقول‪ :‬يا سهرق‪ ،‬أشههد لسهمعت رسهول ال صلى ال عليه وسهلم‬
‫يقول‪[ :‬سهتموت بأرض فلة فيكفنهك رجهل صهالح]‪ .‬فقال‪ :‬ومهن أنهت يرحمهك ال؟ فقال‪ :‬رجهل مهن‬
‫الجهن الذيهن اسهتمعوا القرآن مهن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لم يبهق منههم إل أنها وسهرق‪ ،‬وهذا‬
‫سهرق قهد مات‪ .‬وقهد قتلت عائشهة رضهي ال عنهها حيهة رأتهها فهي حجرتهها تسهتمع وعائشهة تقرأ‪،‬‬
‫فأتيهت فهي المنام فقيهل لهها‪ :‬إنهك قتلت رجل مؤمنها مهن الجهن الذيهن قدموا على رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬لو كان مؤمنا ما دخل على حرم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقيل لها‪ :‬ما‬
‫دخهل عليهك إل وأنهت متقنعهة‪ ،‬ومها جاء إل ليسهتمع الذكهر‪ .‬فأصهبحت عائشهة فزعهة‪ ،‬واشترت رقابها‬
‫فأعتقتههم‪ .‬قال السههيلي‪ :‬وقهد ذكرنها مهن أسهماء هؤلء الجهن مها حضرنها‪ ،‬فإن كانوا سهبعة فالحقهب‬
‫منهم وصف لحدهم‪ ،‬وليس باسم علم‪ ،‬فإن السماء التي ذكرناها آنفا ثمانية بالحقب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد ذكهر الحافهظ ابهن عساكر فهي تاريخه‪ :‬هامة بهن الهيم بن القيهس بهن إبليس‪ ،‬قيهل‪ :‬إنه‬
‫من مؤمني الجن وممن لقي النبي صلى ال عليه وسلم وعلمه سورة "إذا وقعت الواقعة" [الواقعة‪:‬‬
‫‪ ]1‬و"المرسلت" [المرسلت‪ ]1 :‬و"عم يتساءلون" [النبأ‪ ]1 :‬و"إذا الشمس كورت" [التكوير‪:‬‬
‫‪ ]1‬و"الحمد" [الفاتحة‪ ]1 :‬و"المعوذتين" [الفلق‪ ، 1 :‬والناس‪ .]1 :‬وذكر أنه حضر قتل هابيل‬
‫وشرك فهي دمهه وههو غلم ابهن أعوام‪ ،‬وأنهه لقهي نوحها وتاب على يديهه‪ ،‬وهودا وصهالحا ويعقوب‬
‫ويوسف وإلياس وموسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهم السلم‪ .‬وقد ذكر الماوردي أسماءهم‬
‫عهن مجاههد فقال‪ :‬حسهى ومسهى ومنشهى وشاصهر وماصهر والرد وأنيان والحقهم‪ .‬وذكرهها أبهو‬
‫عمرو عثمان بهن أحمهد المعروف بابهن السهماك قال‪ :‬حدثنها محمهد بهن البراء قال حدثنها الزبيهر بهن‬
‫بكار قال‪ :‬كان حمزة بن عتبة بن أبي لهب يسمي جن نصيبين الذين قدموا على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فيقول‪ :‬حسى ومسى وشاصر وماصر والفخر والرد وأنيال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلمها حضروه" أي حضروا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وههو مهن باب تلويهن‬
‫الخطاب‪ .‬وقيهل‪ :‬لمها حضروا القرآن واسهتماعه‪" .‬قالوا أنصهتوا" أي قال بعضههم لبعهض اسهكتوا‬
‫لسهتماع القرآن‪ .‬قال ابهن مسهعود‪ :‬هبطوا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وههو يقرأ القرآن ببطهن‬
‫نخلة‪ ،‬فلما سمعوه "قالوا أنصتوا" قالوا صه‪ .‬وكانوا سبعة‪ :‬أحدهم زوبعة‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وإذ‬
‫صهرفنا إليهك نفرا مهن الجهن يسهتمعون القرآن فلمها حضروه قالوا أنصهتوا" اليهة إلى قوله‪" :‬فهي‬
‫ضلل مهبين" [الحقاف‪ .]32 :‬وقيهل‪" :‬أنصهوا" لسهماع قول رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪،‬‬
‫والمعنهى متقارب‪" .‬فلمها قضهي ولوا إلى قومههم منذريهن" وقرأ لحهق بهن حميهد وخهبيب بهن عبدال‬
‫بهن الزبيهر "فلما قضهى" بفتح القاف والضاد‪ ،‬يعنهي النبي صلى ال عليه وسلم قبل الصلة‪ .‬وذلك‬
‫أنهم خرجوا حين حرست السماء من استراق السمع ليستخبروا ما أوجب ذلك؟ فجاؤوا وادي نخلة‬
‫والنهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقرأ فهي صهلة الفجهر‪ ،‬وكانوا سهبعة‪ ،‬فسهمعوه وانصهرفوا إلى قومههم‬
‫منذريهن‪ ،‬ولم يعلم بههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقيهل‪ :‬بهل أمهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أن‬
‫ينذر الجن ويقرأ عليهم القرآن‪ ،‬فصرف ال إليه نفرا من الجن ليستمعوا منه وينذروا قومهم‪ ،‬فلما‬
‫تل عليههم القرآن وفرغ انصهرفوا بأمره قاصهدين مهن وراءههم مهن قومههم مهن الجهن‪ ،‬منذريهن لههم‬
‫مخالفهة القرآن ومحذريهن إياههم بأس ال إن لم يؤمنوا‪ .‬وهذا يدل على أنههم آمنوا بالنهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وأنه أرسلهم‪ .‬ويدل على هذا قولهم‪" :‬يا قومنا أجيبوا داعي ال وآمنوا به" [الحقاف‪:‬‬
‫‪ ]31‬ولول ذلك لما أنذروا قومهم‪ .‬وقد تقدم عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم جعلهم‬
‫رسل إلى قومهم‪ ،‬فعلى هذا ليلة الجن ليلتان‪ ،‬وقد تقدم هذا المعنى مستوفى‪ .‬وفي صحيح مسلم ما‬
‫يدل على ذلك على مها يأتهي بيانهه فهي "قهل أوحهي إلي" [الجهن‪ .]1 :‬وفهي صهحيح مسهلم عهن معهن‬
‫قال‪ :‬سهمعت أبهي قال سهألت مسهروقا‪ :‬مهن آذن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالجهن ليلة اسهتمعوا‬
‫القرآن؟ فقال‪ :‬حدثني أبوك ‪ -‬يعني ابن مسعود ‪ -‬أنه آذنته بهم شجرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى‬
‫الحهق وإلى طريهق مسهتقيم‪ ،‬يها قومنها أجيبوا داعهي ال وآمنوا بهه يغفهر لكهم مهن ذنوبكهم ويجركهم مهن‬
‫عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا ياقومنها إنها سهمعنا كتابها أنزل مهن بعهد موسهى" أي القرآن‪ ،‬وكانوا مؤمنيهن‬
‫بموسهى‪ .‬قال عطاء‪ :‬كانوا يهودا فأسهلموا‪ ،‬ولذلك قالوا‪" :‬أنزل مهن بعهد موسهى"‪ .‬وعهن ابهن عباس‪:‬‬
‫أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى‪ ،‬فلذلك قالت‪" :‬أنزل من بعد موسى"‪" .‬مصدقا لما بين يديه"‬
‫يعني ما قبله من التوراة‪" .‬يهدي إلى الحق" دين الحق‪" .‬وإلى طريق مستقيم" دين ال القويم‪" .‬يا‬
‫قومنها أجيبوا داعهي ال" يعنهي محمدا صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وهذا يدل على أنهه كان مبعوثها إلى‬
‫الجن والنس‪ .‬قال مقاتل‪ :‬ولم يبعث ال نبيا إلى الجن والنس قبل محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يدل على قوله مها فهي صهحيح مسهلم عهن جابر بهن عبدال النصهاري قال‪ :‬قال رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬أعطيهت خمسها لم يعطههن أحهد قبلي كان كهل نهبي يبعهث إلى قومهه خاصهة‬
‫وبعثههت إلى كههل أحمههر وأسههود وأحلت لي الغنائم ولم تحههل لحههد قبلي وجعلت لي الرض طيبههة‬
‫طهورا ومسهجدا فأيمها رجهل أدركتهه الصهلة صهلى حيهث كان ونصهرت بالرعهب بيهن يدي مسهيرة‬
‫شهر وأعطيت الشفاعة]‪ .‬قال مجاهد‪ :‬الحمر والسود‪ :‬الجن والنس‪ .‬وفي رواية من حديث أبي‬
‫هريرة "وبعثت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآمنوا به" أي بالداعي‪ ،‬وهو محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪" :‬به" أي بال‪،‬‬
‫لقوله‪" :‬يغفهر لكهم مهن ذنوبكهم"‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬فاسهتجاب لههم مهن قومههم سهبعون رجل‪ ،‬فرجعوا‬
‫إلى النبي صلى ال عليه وسلم فوافقوه بالبطحاء‪ ،‬فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هذه الي تدل على أن الجن كالنس في المر والنهي والثواب والعقاب‪ .‬وقال الحسن‪:‬‬
‫ليهس لمؤمنهي الجهن ثواب غيهر نجاتههم مهن النار‪ ،‬يدل عليهه قوله تعالى‪" :‬يغفهر لكهم مهن ذنوبكهم‬
‫ويجركم من عذاب أليم"‪ .‬وبه قال أبو حنيفة قال‪ :‬ليس ثواب الجن إل أن يجاروا من النار‪ ،‬ثم يقال‬
‫لههم‪ :‬كونوا ترابها مثهل البهائم‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إنههم كمها يعاقبون فهي السهاءة يجازون فهي الحسهان‬
‫مثهل النهس‪ .‬وإليهه ذههب مالك والشافعهي وابهن أبهي ليلي‪ .‬وقهد قال الضحاك‪ :‬الجهن يدخلون الجنهة‬
‫ويأكلون ويشربون‪ .‬قال القشيري‪ :‬والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشيء‪ ،‬والعلم عند ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله تعالى‪" :‬ولكل درجات مما عملوا" [النعام‪ ]132 :‬يدل على أنهم يثابون ويدخلون‬
‫الجنة‪ ،‬لنه قال في أول الية‪" :‬يا معشر الجن والنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي"‬
‫إلى أن قال "ولكههل درجات ممهها عملوا" [النعام‪ .]130:‬وال أعلم‪ ،‬وسههيأتي لهذا فههي سههورة‬
‫"الرحمن" مزيد بيان إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 32 :‬ومهن ل يجهب داعهي ال فليهس بمعجهز فهي الرض وليهس له مهن دونهه أولياء‬
‫أولئك في ضلل مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومهن ل يجهب داعهي ال فليهس بمعجهز فهي الرض" أي ل يفوت ال ول يسهبقه‬
‫"وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلل مبين" أي أنصار يمنعونه من عذاب ال‪" .‬أولئك في‬
‫ضلل مبين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬أولم يروا أن ال الذي خلق السماوات والرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن‬
‫يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يروا أن ال الذي خلق السماوات والرض" الرؤية هنا بمعنى العلم‪ .‬و"أن"‬
‫واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي الرؤية‪" .‬ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه‬
‫على كل شيء قدير" احتجاج على منكري البعث‪ .‬ومعنى "لم يعي" يعجز ويضعف عن إبداعهن‪.‬‬
‫يقال‪ :‬عهي بأمره وعيهي إذا لم يهتهد لوجههه‪ ،‬والدغام أكثهر‪ .‬وتقول فهي الجمهع عيوا‪ ،‬مخففها‪ ،‬وعيوا‬
‫أيضا بالتشديد‪ .‬قال‬
‫عيت ببيضتها الحمامة‬ ‫عيوا بأمرهم كما‬
‫وعييهت بأمري إذا لم تهتهد لوجههه‪ .‬وأعيانهي ههو‪ .‬وقرأ الحسهن "ولم يعهي" بكسهر العيهن وإسهكان‬
‫الياء‪ ،‬وهو قليل شاذ‪ ،‬لم يأت إعلل العين وتصحيح اللم إل في أسماء قليلة‪ ،‬نحو غاية وآية‪ .‬ولم‬
‫يأت في الفعل سوى بيت أنشده الفراء‪ ،‬وهو قول الشاعر‪:‬‬
‫تمشى بسدة بيتها فتعي‬ ‫فكأنها بين النساء سبيكة‬
‫"بقادر" قال أبو عبيدة والخفش‪ :‬الباء زائدة للتوكيد كالباء في قوله‪" :‬وكفى بال شهيدا" [النساء‪:‬‬
‫‪ ،]166‬وقوله‪" :‬تنبهت بالدههن" [المؤمنون‪ .]20 :‬وقال الكسهائي والفراء والزجاج‪ :‬الباء فيهه‬
‫خلف السهتفهام والجحهد فهي أول الكلم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬والعرب تدخلهها مهع الجحهد تقول‪ :‬مها ظننهت‬
‫أن زيدا بقائم‪ .‬ول تقول‪ :‬ظننهت أن زيدا بقائم‪ .‬وههو لدخول "مها" ودخول "أن" للتوكيهد‪ .‬والتقديهر‪:‬‬
‫أليهس ال بقادر‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬أوليهس الذي خلق السهماوات والرض بقادر" [يهس‪ .]81 :‬وقرأ‬
‫ابن مسعود والعرج والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب "يقدر" واختاره أبو حاتم‪ ،‬لن دخول‬
‫الباء فهي خهبر "أن" قبيهح‪ .‬واختار أبهو عبيهد قراءة العامهة‪ ،‬لنهها فهي قراءة عبدال "خلق السهموات‬
‫والرض قادر" بغير باء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 34 :‬ويوم يعرض الذيهن كفروا على النار أليهس هذا بالحهق قالوا بلى وربنها قال‬
‫فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم يعرض الذين كفروا على النار" أي ذكرهم يوم يعرضون فيقال لهم‪" :‬أليس‬
‫هذا بالحق قالوا بلى وربنا" فيقول لهم المقرر‪" :‬فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" أي بكفركم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ول تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما‬
‫يوعدون لم يلبثوا إل ساعة من نهار بلغ فهل يهلك إل القوم الفاسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل" وقال ابن عباس‪ :‬ذوو الحزم والصبر‪،‬‬
‫قال مجاههد‪ :‬ههم خمسهة‪ :‬نوح‪ ،‬وإبراهيهم‪ ،‬وموسهى‪ ،‬وعيسهى‪ ،‬ومحمهد عليههم الصهلة والسهلم‪ .‬وههم‬
‫أصحاب الشرائع‪ .‬وقال أبو العالية‪ :‬إن أولي العزم‪ :‬نوح‪ ،‬وهود‪ ،‬وإبراهيم‪ .‬فأمر ال عز وجل نبيه‬
‫عليههه الصههلة والسههلم أن يكون رابعهههم‪ .‬وقال السههدي‪ :‬هههم سههتة‪ :‬إبراهيههم‪ ،‬وموسههى‪ ،‬وداود‪،‬‬
‫وسهليمان‪ ،‬وعيسهى‪ ،‬ومحمهد‪ ،‬صهلوات ال عليههم أجمعيهن‪ .‬وقيهل‪ :‬نوح‪ ،‬وهود‪ ،‬وصهالح‪ ،‬وشعيهب‪،‬‬
‫ولوط‪ ،‬وموسهى‪ ،‬وههم المذكورون على النسهق فهي سهورة "العراف والشعراء"‪ .‬وقال مقاتهل‪ :‬ههم‬
‫سههتة‪ :‬نوح صههبر على أذى قومههه مدة‪ .‬وإبراهيههم صههبر على النار‪ .‬وإسههحاق صههبر على الذبههح‪.‬‬
‫ويعقوب صهبر على فقهد الولد وذهاب البصهر‪ .‬ويوسهف صهبر على البئر والسهجن‪ .‬وأيوب صهبر‬
‫على الضهر‪ .‬وقال ابهن جريهج‪ :‬إن منههم إسهماعيل ويعقوب وأيوب‪ ،‬وليهس منههم يونهس ول سهليمان‬
‫ول آدم‪ .‬وقال الشعبي والكلبي ومجاههد أيضا‪ :‬هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا‬
‫الكفرة‪ .‬وقيههل‪ :‬هههم نجباء الرسههل المذكورون فههي سههورة "النعام" وهههم ثمانيههة عشههر‪ :‬إبراهيههم‪،‬‬
‫وإسههحاق‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬ونوح‪ ،‬وداود‪ ،‬وسههليمان‪ ،‬وأيوب‪ ،‬ويوسههف‪ ،‬وموسههى‪ ،‬وهرون‪ ،‬وزكرياء‪،‬‬
‫ويحيهى‪ ،‬وعيسهى‪ ،‬وإلياس‪ ،‬وإسهماعيل‪ ،‬واليسهع‪ ،‬ويونهس‪ ،‬ولوط‪ .‬واختاره الحسهن بهن الفضهل لقوله‬
‫في عقبه‪" :‬أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده" [النعام‪ ]90 :‬وقال ابن عباس أيضا‪ :‬كل الرسل‬
‫كانوا أولي عزم‪ .‬واختاره علي بن مهدي الطبري‪ ،‬قال‪ :‬وإنما دخلت "من" للتجنيس ل للتبعيض‪،‬‬
‫كمها تقول‪ :‬اشتريهت أرديهة مهن البهز وأكسهية مهن الخهز‪ .‬أي اصهبر كمها صهبر الرسهل‪ .‬وقيهل‪ :‬كهل‬
‫النهبياء أولو عزم إل يونهس بهن متهى‪ ،‬أل ترى أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم نههي أن يكون مثله‪،‬‬
‫لخفهة وعجلة ظهرت منهه حيهن ولى مغاضبها لقومهه‪ ،‬فابتله ال بثلث‪ :‬سهلط عليهه العمالقهة حتهى‬
‫أغاروا على أهله وماله‪ ،‬وسلط الذئب على ولده فأكله‪ ،‬وسلط عليه الحوت فابتلعه‪ ،‬قال أبو القاسم‬
‫الحكيم‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم‪ ،‬فأوحى‬
‫ال إليهم النبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل؛ فشق ذلك على المرسلين فأوحى ال‬
‫إليهههم اختاروا لنفسههكم‪ ،‬إن شئتههم أنزلت بكههم العذاب وأنجيههت بنههي إسههرائيل‪ ،‬لن شئتههم نجيتكههم‬
‫وأنزلت العذاب ببني إسرائيل‪ ،‬فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي ال‬
‫بني إسرائيل‪ ،‬فأنجى ال بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب‪ .‬وذلك أنه سلط عليهم ملوك الرض‪،‬‬
‫فمنهم من نشر بالمناشير‪ ،‬ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه‪ ،‬ومنهم من صلب على الخشب حتى‬
‫مات‪ ،‬ومنهههم مههن حرق بالنار‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال الحسههن‪ :‬أولو العزم أربعههة‪ :‬إبراهيههم‪ ،‬وموسههى‪،‬‬
‫وداود‪ ،‬وعيسى‪ ،‬فأما إبراهيم فقيل له‪" :‬أسلم قال أسلمت لرب العالمين" [البقرة‪ ]131 :‬ثم ابتلي‬
‫فهي ماله وولده ووطنه ونفسه‪ ،‬فوجد صادقا وافيها في جميع ما ابتلي به‪ .‬وأما موسى فعزمه حين‬
‫قال له قومهه‪" :‬إنها لمدركون‪ .‬قال كل إن معهي ربهي سهيهدين" [الشعراء‪ .]61 :‬وأمها داود فأخطهأ‬
‫خطيئته فنبه عليها‪ ،‬فأقام يبكهي أربعين سهنة حتهى نبتهت من دموعه شجرة‪ ،‬فقعد تحت ظلها‪ .‬وأمها‬
‫عيسهى فعزمهه أنهه لم يضهع لبنهة على لبنهة وقال‪" :‬إنهها معهبرة فاعبروهها ول تعمروهها"‪ .‬فكأن ال‬
‫تعالى يقول لرسههوله صههلى ال عليههه وسههلم‪ :‬اصههبر‪ ،‬أي كههن صههادقا فيمهها ابتليههت بههه مثههل صههدق‬
‫إبراهيم‪ ،‬واثقا بنصرة مولك مثل ثقة موسى‪ ،‬مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود‪ ،‬زاهدا‬
‫فهي الدنيها مثهل زههد عيسهى‪ .‬ثهم قيهل ههي‪ :‬منسهوخة بآيهة السهيف‪ .‬وقيهل‪ :‬محكمهة‪ ،‬والظههر أنهها‬
‫منسوخة‪ ،‬لن السورة مكية‪ .‬وذكر مقاتل‪ :‬أن هذه الية نزلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يوم أحهد‪ ،‬فأمره ال عهز وجهل أن يصهبر على مها أصهابه كمها صهبر أولو العزم مهن الرسهل‪ ،‬تسههيل‬
‫عليه وتثبيتا له‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تسهتعجل لهم" قال مقاتهل‪ :‬بالدعاء عليهم‪ .‬وقيل‪ :‬فهي إحلل العذاب بههم‪ ،‬فإن‬
‫أبعههد غاياتهههم يوم القيامههة‪ .‬ومفعول السههتعجال محذوف‪ ،‬وهههو العذاب‪" .‬كأنهههم يوم يرون مهها‬
‫يوعدون" قال يحيههى‪ :‬مههن العذاب‪ .‬النقاش‪ :‬مههن الخرة‪" .‬لم يلبثوا" أي فههي الدنيهها حتههى جاءهههم‬
‫العذاب‪ ،‬وههو مقتضهى قول يحيهى‪ .‬وقال النقاش‪ :‬فهي قبورههم حتهى بعثوا للحسهاب‪" .‬إل سهاعة مهن‬
‫نهار" يعنهي فهي جنهب يوم القيامهة‪ .‬وقيهل‪ :‬نسهاهم هول مها عاينوا مهن العذاب طول لبثههم فهي الدنيها‪.‬‬
‫"بلغ" أي هذا القرآن بلغ‪ ،‬قاله الحسهن‪ .‬فهه "بلغ" رفهع على إضمار مبتدأ‪ ،‬دليله قوله تعالى‪:‬‬
‫"هذا بلغ للناس ولينذروا به" [إبراهيم‪ ،]52 :‬وقوله‪" :‬إن في هذا لبلغا لقوم عابدين" [النبياء‪:‬‬
‫‪ .]106‬والبلغ بمعنى التبليغ‪ .‬وقيل‪ :‬أي إن ذلك اللبث بلغ‪ ،‬قاله ابن عيسى‪ ،‬فيوقف على هذا‬
‫على "بلغ" وعلى "نهار"‪ .‬وذكهر أبهو حاتهم أن بعضههم وقهف على "ول تسهتعجل" ثهم ابتدأ "لههم"‬
‫على معنى لهم بلغ‪ .‬قال ابن النباري‪ :‬وهذا خطأ‪ ،‬لنك قد فصلت بين البلغ وبين اللم‪ - ،‬وهي‬
‫رافعة ‪ -‬بشيء ليس منهما‪ .‬ويجوز في العربية‪ :‬بلغا وبلغ‪ ،‬النصب على معنى إل ساعة بلغا‪،‬‬
‫على المصهدر أو على النعهت للسهاعة‪ .‬والخفهض على معنهى مهن نهار بلغ‪ .‬وبالنصهب قرأ عيسهى‬
‫بن عمو والحسن‪ .‬وروي عن بعض القراء "بلغ" على المر‪ ،‬فعلى هذه القراءة يكون الوقف على‬
‫"من نهار" ثم يبتدئ "بلغ"‪" .‬فهل يهلك إل القوم الفاسقون" أي الخارجون عن أمر ال‪ ،‬قاله ابن‬
‫عباس وغيره‪ .‬وقرأ ابههن محيصههن "فهههل يهلك إل القوم" على إسههناد الفعههل إلى القوم‪ .‬وقال ابههن‬
‫عباس‪ :‬إذا عسهر على المرأة ولدهها تكتهب هاتيهن اليتيهن والكلمتيهن فهي صهحيفة ثهم تغسهل وتسهقى‬
‫منها‪ ،‬وهي‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم ل إله إل ال العظيم الحليم الكريم‪ ،‬سبحان ال رب السموات‬
‫ورب الرض ورب العرش العظيم" كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إل عشية أو ضحاها" [النازعات‪:‬‬
‫‪" .]46‬كأنههم يوم يرون مها يوعدون لم يلبثوا إل سهاعة مهن نهار بلغ فههل يهلك إل القوم‬
‫الفاسهقون" صهدق ال العظيهم‪ .‬وعهن قتادة‪ :‬ل يهلك ال إل هالكها مشركها‪ .‬وقيهل‪ :‬هذه أقوى آيهة فهي‬
‫الرجاء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة محمد‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مدنيهة فهي قول ابهن عباس‪ ،‬ذكره النحاس‪ .‬وقال الماوردي‪ :‬فهي قول الجميهع إل ابهن عباس‬
‫وقتادة فإنهما قال‪ :‬إل آية منها نزلت عليه بعد حجة الوداع حين خرج من مكة‪ ،‬وجعل ينظر إلى‬
‫البيت وهو يبكي حزنا عليه‪ ،‬فنزل عليه "وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك" [محمد‪.]13 :‬‬
‫وقال الثعلبهي‪ :‬إنهها مكيهة‪ ،‬وحكاه ابهن هبهة ال عهن الضحاك وسهعيد بهن جهبير‪ .‬وههي تسهع وثلثون‬
‫آية‪ .‬وقيل ثمان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال أضل أعمالهم}‬
‫@ قال ابن عباس ومجاهد‪ :‬هم أهل مكة كفروا بتوحيد ال‪ ،‬وصدوا أنفسهم والمؤمنين عن دين‬
‫ال وههو السهلم بنهيههم عهن الدخول فيهه‪ ،‬وقال السهدي‪ .‬وقال الضحاك‪" :‬عهن سهبيل ال" عهن بيهت‬
‫ال بمنهع قاصهديه‪ .‬ومعنهى "أضهل أعمالههم"‪ :‬أبطهل كيدههم ومكرههم بالنهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪،‬‬
‫وجعهل الدائرة عليههم‪ ،‬قال الضحاك‪ .‬وقيهل‪ :‬أبطهل مها عملوه فهي كفرههم بمها كانوا يسهمونه مكارم‪،‬‬
‫مههن صههلة الرحام وفههك السههارى وقرى الضياف وحفههظ الجوار‪ .‬وقال ابههن عباس‪ :‬نزلت فههي‬
‫المطعميهن ببدر‪ ،‬وههم اثنها عشهر رجل‪ :‬أبهو جههل‪ ،‬والحارث بهن هشام‪ ،‬وعتبهة وشيبهة ابنها ربيعهة‪،‬‬
‫وأبهي وأميهة ابنها خلف‪ ،‬ومنبهه ونهبيه ابنها الحجاج‪ ،‬وأبهو البختري بهن هشام‪ ،‬وزمعهة بهن السهود‪،‬‬
‫وحكيم بن حزام‪ ،‬والحارث بن عامر بن نوفل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم‬
‫كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيهن آمنوا" قال ابهن عباس ومجاههد‪ :‬ههم النصهار‪ .‬وقال مقاتهل‪ :‬إنهها نزلت‬
‫خاصهة فهي ناس مهن قريهش‪ .‬وقيهل‪ :‬همها عامتان فيمهن كفروا وآمهن‪ .‬ومعنهى "أضهل أعمالههم"‪:‬‬
‫أبطلها‪ .‬وقيل‪ :‬أضلهم عن الهدى بما صرفهم عنه من التوفيق‪" .‬وعملوا الصالحات" من قال إنهم‬
‫النصهار فههي المواسهاة فهي مسهاكنهم وأموالههم‪ .‬ومهن قال إنههم مهن قريهش فههي الهجرة‪ .‬ومهن قال‬
‫بالعموم فالصههالحات جميههع العمال التههي ترضههي ال تعالى‪" .‬وآمنوا بمهها نزل على محمههد" لم‬
‫يخالفوه فهي شيهء‪ ،‬قال سهفيان الثوري‪ .‬وقيهل‪ :‬صهدقوا محمدا صهلى ال عليهه وسهلم فيمها جاء بهه‪.‬‬
‫"وههو الحهق مهن ربههم" يريهد أن إيمانههم ههو الحهق مهن ربههم‪ .‬وقيهل‪ :‬أي إن القرآن ههو الحهق مهن‬
‫ربهم‪ ،‬نسخ به ما قبله "كفر عنهم سيئاتهم" أي ما مضى من سيئاتهم قبل اليمان‪" .‬وأصلح بالهم"‬
‫أي شأنههم‪ ،‬عهن مجاههد وغيره‪ .‬وقال قتادة‪ :‬حالههم‪ .‬ابهن عباس‪ :‬أمورههم‪ .‬والثلثهة متقاربهة وههي‬
‫متأولة على إصلح ما تعلق بدنياهم‪ .‬وحكى النقاش أن المعنى أصلح نياتهم‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وإن تدبري أذهب إلى حال باليا‬ ‫فإن تقبلي بالود أقبل بمثله‬
‫وههو على هذا التأول محمول على صهلح دينههم‪" .‬والبال" كالمصهدر‪ ،‬ول يعرف منهه فعهل‪ ،‬ول‬
‫تجمعه العرب إل في ضرورة الشعر فيقولون فيه‪ :‬بالت‪ .‬المبرد‪ :‬قد يكون البال في موضع آخر‬
‫بمعنى القلب‪ ،‬يقال‪ :‬ما يخطر فلن على بالي‪ ،‬أي على قلبي‪ .‬الجوهري‪ :‬والبال رخاء النفس‪ ،‬يقال‬
‫فلن رخهي البال‪ .‬والبال‪ :‬الحال؛ يقال مها بالك‪ .‬وقولههم‪ :‬ليهس هذا مهن بالي‪ ،‬أي ممها أباليهه‪ .‬والبال‪:‬‬
‫الحوت العظيهم مهن حيتان البحهر‪ ،‬وليهس بعربهي‪ .‬والبالة‪ :‬وعاء الطيهب‪ ،‬فارسهي معرب‪ ،‬وأصهله‬
‫بالفارسية بيلة‪ .‬قال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫لها من خلل الدأيتين أريج‬ ‫كأن عليها بالة لطمية‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك‬
‫يضرب ال للناس أمثالهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم" "ذلك"‬
‫فهي موضهع رفهع‪ ،‬أي الم ذلك‪ ،‬أو ذلك الضلل والهدى المتقدم ذكرهمها سهببه هذا‪ .‬فالكافهر اتبهع‬
‫الباطههل‪ ،‬والمؤمههن اتبههع الحههق‪ .‬والباطههل‪ :‬الشرك‪ .‬والحههق‪ :‬التوحيههد واليمان‪" .‬كذلك يضرب ال‬
‫للناس أمثالههم" أي كهذا البيان الذي بيهن يهبين ال للناس أمهر الحسهنات والسهيئات‪ .‬والضميهر فهي‬
‫"أمثالهم" يرجع إلى الذين كفروا والذين آمنوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا‬
‫بعهد وإمها فداء حتهى تضهع الحرب أوزارهها ذلك ولو يشاء ال لنتصهر منههم ولكهن ليبلو بعضكهم‬
‫ببعض والذين قتلوا في سبيل ال فلن يضل أعمالهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" لما ميز بين الفريقين أمر بجهاد الكفار‪.‬‬
‫قال ابهن عباس‪ :‬الكفار المشركون عبدة الوثان‪ .‬وقيهل‪ :‬كهل مهن خالف ديهن السهلم مهن مشرك أو‬
‫كتابههي إذا لم يكههن صههاحب عهههد ول ذمههة‪ ،‬ذكره الماوردي‪ .‬واختاره ابههن العربههي وقال‪ :‬وهههو‬
‫الصهحيح لعموم اليهة فيهه‪" .‬فضرب الرقاب" مصهدر‪ .‬قال الزجاج‪ :‬أي فاضربوا الرقاب ضربها‪.‬‬
‫وخص الرقاب بالذكر لن القتل أكثر ما يكون بها‪ .‬وقيل‪ :‬نصب على الغراء‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬هو‬
‫كقولك يها نفهس صهبرا‪ .‬وقيهل‪ :‬التقديهر اقصهدوا ضرب الرقاب‪ .‬وقال‪" :‬فضرب الرقاب" ولم يقهل‬
‫فاقتلوههم‪ ،‬لن فهي العبارة بضرب الرقاب مهن الغلظهة والشدة مها ليهس فهي لفهظ القتهل‪ ،‬لمها فيهه مهن‬
‫تصهوير القتهل بأشنهع صهوره‪ ،‬وههو حهز العنهق وإطارة العضهو الذي ههو رأس البدن وعلوه وأوجهه‬
‫أعضائه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى إذا أثخنتموهم" أي أكثرتم القتل‪ .‬وقد مضى في "النفال" عند قوله تعالى‪:‬‬
‫"حتهى يثخهن فهي الرض" [النفال‪" .]67 :‬فشدوا الوثاق" أي إذا أسهرتموهم‪ .‬والوثاق اسهم مهن‬
‫اليثاق‪ ،‬وقد يكون مصدرا‪ ،‬يقال‪ :‬أوثقته إيثاقا ووثاقا‪ .‬وأما الوثاق (بالكسر) فهو اسم الشيء الذي‬
‫يوثق به كالرباط؛ قاله القشيري‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬وأوثقه في الوثاق أي شده‪ ،‬وقال تعالى‪" :‬فشدوا‬
‫الوثاق"‪ .‬والوثاق (بكسر الواو) لغة فيه‪ .‬وإنما أمر بشد الوثاق لئل يفلتوا‪" .‬فإما منا بعد وإما فداء"‬
‫"فإما منا" عليهم بالطلق من غير فدية "وإما فداء"‪ .‬ولم يذكر القتل ها هنا اكتفاء بما تقدم من‬
‫القتل في صدر الكلم‪ ،‬و"منا" و"فداء" نصب بإضمار فعل‪ .‬وقرئ "فدى" بالقصر مع فتح الفاء‪،‬‬
‫أي فإما أن تمنوا عليهم منا‪ ،‬وإما أن تفادوهم فداء‪.‬‬
‫روي عههن بعضهههم أنههه قال‪ :‬كنههت واقفهها على رأس الحجاج حيههن أتههي بالسههرى مههن أصههحاب‬
‫عبدالرحمهن بهن الشعهث وههم أربعهة آلف وثمانمائة فقتهل منههم نحهو مهن ثلثهة آلف حتهى قدم إليهه‬
‫رجهل مهن كندة فقال‪ :‬يها حجاج‪ ،‬ل جازاك ال عهن السهنة والكرم خيرا قال‪ :‬ولم ذلك؟ قال‪ :‬لن ال‬
‫تعالى قال‪" :‬فإذا لقيتهم الذيهن كفروا فضرب الرقاب حتهى إذا أثخنتموههم فشدوا الوثاق فإمها منها بعهد‬
‫وإما فداء" في حق الذين كفروا‪ ،‬فوال ما مننت ول فديت؟ وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه‬
‫من مكارم الخلق‪:‬‬
‫إذا أثقل العناق حمل المغارم‬ ‫ول نقتل السرى ولكن نفكهم‬
‫فقال الحجاج‪ :‬أف لهذه الجيف أما كان فيهم من يحسن مثل هذا الكلم؟ خلوا سبيل من بقي‪ .‬فخلي‬
‫يومئذ عن بقية السرى‪ ،‬وهم زهاء ألفين‪ ،‬بقول ذلك الرجل‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فهي تأويهل هذه اليهة على خمسهة أقوال‪ :‬الول‪ :‬أنهها منسهوخة‪ ،‬وههي فهي أههل‬
‫الوثان‪ ،‬ل يجوز أن يفادوا ول يمههن عليهههم‪ .‬والناسههخ لههها عندهههم قوله تعالى‪" :‬فاقتلوا المشركيههن‬
‫حيهث وجدتموه" [التوبهة‪ ]5 :‬وقوله‪" :‬فإمها تثقفنههم فهي الحرب فشرد بههم مهن خلفههم" [النفال‪:‬‬
‫‪ ]57‬وقوله‪" :‬وقاتلوا المشركيهن كافهة" [التوبهة‪ ]36 :‬اليهة‪ ،‬قال قتادة والضحاك والسهدي وابهن‬
‫جريج والعوفي عن ابن عباس‪ ،‬وقاله كثير من الكوفيين‪ .‬وقال عبدالكريم الجوزي‪ :‬كتب إلى أبي‬
‫بكهر فهي أسهير أسهر‪ ،‬فذكروا أنههم التمسهوه بفداء كذا وكذا‪ ،‬فقال اقتلوه‪ ،‬لقتهل رجهل مهن المشركيهن‬
‫أحب إلي من كذا وكذا‪ .‬الثاني‪ :‬أنها في الكفار جميعا‪ .‬وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء‬
‫وأههل النظهر‪ ،‬منههم قتادة ومجاههد‪ .‬قالوا‪ :‬إذ أسهر المشرك لم يجهز أن يمهن عليهه‪ ،‬ول أن يفادى بهه‬
‫فيرد إلى المشركيهن‪ ،‬ول يجوز أن يفادى عندههم إل بالمرأة‪ ،‬لنهها ل تقتهل‪ .‬والناسهخ لهها‪" :‬فاقتلوا‬
‫المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة‪ ]5 :‬إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف‪ ،‬فوجب أن يقتل‬
‫كهل مشرك إل مهن قامهت الدللة على تركهه مهن النسهاء والصهبيان ومهن يؤخهذ منهه الجزيهة‪ .‬وههو‬
‫المشهور مهن مذههب أبهي حنيفهة‪ ،‬خيفهة أن يعودوا حربها للمسهلمين‪ .‬ذكهر عبدالرزاق أخبرنها معمهر‬
‫عهن قتادة "فإمها منها بعهد وإمها فداء" قال‪ :‬نسهخها "فشرد بههم مهن خلفههم"‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬نسهخها‬
‫"فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة‪ .]5 :‬وهو قول الحكم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهههها ناسهههخة‪ ،‬قال الضحاك وغيره‪ .‬روى الثوري عهههن جويهههبر عهههن الضحاك‪" :‬فاقتلوا‬
‫المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة‪ ]5 :‬قال‪ :‬نسخها "فإما منا بعد وإما فداء"‪ .‬وقال ابن المبارك‬
‫عن ابن جريج عن عطاء‪" :‬فإما منا بعد وإما فداء فل يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى‪ ،‬كما‬
‫قال ال عز وجل‪ .‬وقال أشعث‪ :‬كان الحسن يكره أن يقتل السير‪ ،‬ويتلو "فإما منا بعد وإما فداء"‪.‬‬
‫وقال الحسههن أيضهها‪ :‬فههي اليههة تقديههم وتأخيههر‪ ،‬فكأنههه قال‪ :‬فضرب الرقاب حتههى تضههع الحرب‬
‫أوزارها‪ .‬ثم قال‪" :‬حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق"‪ .‬وزعم أنه ليس للمام إذا حصل السير في‬
‫يديه أن يقتله‪ ،‬لكنه بالخيار في ثلثة منازل‪ :‬إما أن يمن‪ ،‬أو يفادي‪ ،‬أو يسترق‪ .‬الرابع‪ :‬قول سعيد‬
‫بهن جهبير‪ :‬ل يكون فداء ول أسهر إل بعهد الثخان والقتهل بالسهيف‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬مها كان لنهبي أن‬
‫يكون له أسهرى حتهى يثخهن فهي الرض" [النفال‪ .]67 :‬فإذا أسهر بعهد ذلك فللمام أن يحكهم بمها‬
‫رآه مهن قتهل أو غيره‪ .‬الخامهس‪ :‬أن اليهة محكمهة‪ ،‬والمام مخيهر فهي كهل حال‪ ،‬رواه علي بهن أبهي‬
‫طلحهة عهن ابهن عباس‪ ،‬وقال كثيهر مهن العلماء منههم ابهن عمهر والحسهن وعطاء‪ ،‬وههو مذههب مالك‬
‫والشافعهي والثوري والوزاعهي وأبهي عبيهد وغيرههم‪ .‬وههو الختيار‪ ،‬لن النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسههلم والخلفاء الراشديههن فعلوا كههل ذلك‪ ،‬قتههل النههبي صههلى ال عليههه وسههلم عقبههة بههن أبههي معيههط‬
‫والنضهر بهن الحارث يوم بدر صهبرا‪ ،‬وفادى سهائر أسهارى بدر‪ ،‬ومهن على ثمامهة بهن أثال الحنفهي‬
‫وههو أسهير فهي يده‪ ،‬وأخهذ مهن سهلمة بهن الكوع جاريهة ففدى بهها أناسها مهن المسهلمين‪ ،‬وهبهط عليهه‬
‫عليه السلم قوم من أهل مكة فأخذهم النبي صلى ال عليه وسلم ومن عليهم‪ ،‬وقد من على سبي‬
‫هوازن‪ .‬وهذا كله ثابت في الصحيح‪ ،‬وقد مضى جميعه في (النفال) وغيرها‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬وهذا على أن اليتيههن محكمتان معمول بهمهها‪ ،‬وهههو قول حسههن‪ ،‬لن النسههخ إنمهها‬
‫يكون لشيء قاطهع‪ ،‬فإذا أمكن العمهل باليتيهن فل معنى للقول بالنسهخ‪ ،‬إذا كان يجوز أن يقع التعبهد‬
‫إذا لقينها الذيهن كفروا قتلناههم‪ ،‬فإذا كان السهر جاز القتهل والسهترقاق والمفاداة والمهن‪ ،‬على مها فيهه‬
‫الصهلح للمسهلمين‪ .‬وهذا القول يروى عهن أههل المدينهة والشافعهي وأبهي عبيهد‪ ،‬وحكاه الطحاوي‬
‫مذهبا عن أبي حنيفة‪ ،‬والمشهور عنه ما قدمناه‪ ،‬وبال عز وجل التوفيق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتهى تضهع الحرب أوزارهها" قال‪ ،‬مجاههد وابهن جهبير‪ :‬ههو خروج عيسهى عليهه‬
‫السهلم‪ .‬وعهن مجاههد أيضها‪ :‬أن المعنهى حتهى ل يكون ديهن إل ديهن السهلم‪ ،‬فيسهلم كهل يهودي‬
‫ونصهراني وصهاحب ملة‪ ،‬وتأمهن الشاة مهن الذئب‪ .‬ونحوه عهن الحسهن والكلبهي والفراء والكسهائي‪.‬‬
‫قال الكسائي‪ :‬حتى يسلم الخلق‪ .‬وقال الفراء‪ :‬حتى يؤمنوا ويذهب الكفر‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬حتى يظهر‬
‫السههلم على الديههن كله‪ .‬وقال الحسههن‪ :‬حتههى ل يعبدوا إل ال‪ .‬وقيههل‪ :‬معنههى الوزار السههلح‪،‬‬
‫فالمعنهى شدوا الوثاق حتهى تأمنوا وتضعوا السهلح‪ .‬وقيهل‪ :‬معناه حتهى تضهع الحرب‪ ،‬أي العداء‬
‫المحاربون أوزارهم‪ ،‬وهو سلحهم بالهزيمة أو الموادعة‪ .‬ويقال للكراع أوزار‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫رماحا طوال وخيل ذكورا‬ ‫وأعددت للحرب أوزارها‬
‫على أثر الحي عيرا فعيرا‬ ‫ومن نسج داود يحدى بها‬
‫وقيل‪" :‬حتى تضع الحرب أوزارها" أي أثقالها‪ .‬والوزر الثقل‪ ،‬ومنه وزير الملك لنه يتحمل عنه‬
‫الثقال‪ .‬وأثقالها السلح لثقل حملها‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬قال الحسن وعطاء‪ :‬في الية تقديم وتأخير‪،‬‬
‫المعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق‪ ،‬وليس للمام أن‬
‫يقتل السير‪ .‬وقد روي عن الحجاج أنه دفع أسيرا إلى عبدال بن عمر ليقتله فأبى وقال‪ :‬ليس بهذا‬
‫أمرنا ال‪ ،‬وقرأ "حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق"‪ .‬قلنا‪ :‬قد قاله رسول ال‪ :‬صلى ال عليه وسلم‬
‫وفعله‪ ،‬وليهس فهي تفسهير ال للمهن والفداء منهع مهن غيره‪ ،‬فقهد بيهن ال فهي الزنهى حكهم الجلد‪ ،‬وبيهن‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حكهم الرجهم‪ ،‬ولعهل ابهن عمهر كره ذلك مهن يهد الحجاج فاعتذر بمها قال‪،‬‬
‫وربك أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك ولو يشاء ال لنتصر منهم" "ذلك" في موضع رفع على ما تقدم‪ ،‬أي المر‬
‫ذلك الذي ذكرت وبينههت‪ .‬وقيههل‪ :‬هههو منصههوب على معنهههى افعلوا ذلك‪ .‬ويجوز أن يكون مبتدأ‪،‬‬
‫المعنهى ذلك حكهم الكفار‪ .‬وههي كلمهة يسهتعملها الفصهيح عنهد الخروج مهن كلم إلى كلم‪ ،‬وههو كمها‬
‫قال تعالى‪" :‬هذا وإن للطاغين لشر مآب" [ص‪ .]55 :‬أي هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا‪.‬‬
‫ومعنهى‪" :‬ل انتصهر منههم" أي أهلكههم بغيهر قتال‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬لهلكههم بجنهد مهن الملئكهة‪.‬‬
‫"ولكهن ليبلو بعضكهم ببعهض" أي أمركهم بالحرب ليبلو ويختهبر بعضكهم ببعهض فيعلم المجاهديهن‬
‫والصابرين‪ ،‬كما في السورة نفسها‪" .‬والذين قتلوا في سبيل ال" يريد قتلى أحد من المؤمنين "فلن‬
‫يضهل أعمالههم" قراءة العامهة "قاتلوا" وههي اختيار أبهي عبيهد‪ .‬وقرأ أبهو عمرو وحفهص "قتلوا"‬
‫بضم القاف وكسر التاء‪ ،‬وكذلك قرأ الحسن إل أنه شدد التاء على التكثير‪ .‬وقرأ الجحدري وعيسى‬
‫بهن عمهر وأبهو حيوة "قتلوا" بفتهح القاف والتاء مهن غيهر ألف‪ ،‬يعنهي الذيهن قتلوا المشركيهن‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬ذكر لنا أن هذه الية نزلت يوم أحد ورسول ال صلى ال عليه وسلم في الشعب‪ ،‬وقد فشت‬
‫فيهم الجراحات والقتل‪ ،‬وقهد نادى المشركون‪ :‬اعل هبل‪ .‬ونادى المسلمون‪ :‬ال أعلى وأجل‪ .‬وقال‬
‫المشركون‪ :‬يوم بيوم بدر والحرب سجال‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬قولوا ل سواء‪ .‬قتلنا‬
‫أحياء عند ربهم يرزقون وقتلكم في النار يعذبون)‪ .‬فقال المشركون‪ :‬إن لنا العزى ول عزى لكم‪.‬‬
‫فقال المسلمون‪ :‬ال مولنا ول مولى لكم‪ .‬وقد تقدم ذكر ذلك في (آل عمران)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬سيهديهم ويصلح بالهم}‬
‫@ قال القشيري‪ :‬قراءة أبي عمرو "قتلوا" بعيدة‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬سيهديهم ويصلح بالهم" والمقتول‬
‫ل يوصهف بهذا‪ .‬قال غيره‪ :‬يكون المعنهى سيهديهم إلى الجنة‪ ،‬أو سيهدي من بقي منههم‪ ،‬أي يحقق‬
‫لهم الهداية‪ .‬وقال ابن زياد‪ :‬سيهديهم إلى محاجة منكر ونكير في القبر‪ .‬قال أبو المعالي‪ :‬وقد ترد‬
‫الهدايههة والمراد بههها إرشاد المؤمنيههن إلى مسههالك الجنان والطرق المفضيههة إليههها‪ ،‬ومههن ذلك قوله‬
‫تعالى فههي صههفة المجاهديههن‪" :‬فلن يضههل أعمالهههم‪ .‬سههيهديهم" ومنههه قوله تعالى‪" :‬فاهدوهههم إلى‬
‫صراط الجحيم" [الصافات‪ ]23 :‬معناه فاسلكوا بهم إليها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ويدخلهم الجنة عرفها لهم}‬
‫@ أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم؛ فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا‬
‫إلى منازلههم‪ .‬قال معناه مجاههد وأكثهر المفسهدين‪ .‬وفهي البخاري مها يدل على صهحة هذا القول عهن‬
‫أبههي سههعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪( :‬يخلص المؤمنون مههن النار‬
‫فحبسهون على قنطرة بيهن الجنهة والنار فيقهص لبعضههم مهن بعهض مظالم كان بينههم فهي الدنيها حتهى‬
‫إذا هذبوا ونقوا أذن لههم فهي دخول الجنهة فوالذي نفهس محمهد بيده لحدههم أهدى بمنزله فهي الجنهة‬
‫منهه بمنزله فهي الدنيها)‪ .‬وقيهل‪" :‬عرفهها لههم" أي بينهها لههم حتهى عرفوهها مهن غيهر اسهتدلل‪ .‬قال‬
‫الحسن‪ :‬وصف ال تعالى لهم الجنة في الدنيا‪ ،‬فلما دخلوها عرفوها بصفتها‪ .‬وقيل‪ :‬فيه حذف؛ أي‬
‫عرف طرقهها ومسهاكنها وبيوتهها لههم؛ فحذف المضاف‪ .‬وقيهل‪ :‬هذا التعريهف‪ ،‬بدليهل‪ ،‬وههو الملك‬
‫الموكهل بعمهل العبهد يمشهي بيهن يديهه ويتبعهه العبهد حتهى يأتهي العبهد منزله‪ ،‬ويعرفهه الملك جميهع مها‬
‫جعل له في الجنة‪ .‬وحديث أبي سعيد الخدري يرده‪ .‬وقال ابن عباس‪" :‬عرفها لهم" أي طيبها لهم‬
‫بأنواع الملذ؛ مأخوذ مهن العرف‪ ،‬وههو الرائحهة الطيبهة‪ .‬وطعام معرف أي مطيهب؛ تقول العرب‪:‬‬
‫عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والبزار‪ .‬وقال الشاعر يخاطب رجل ويمدحه‪:‬‬
‫عرفت كإتب عرفته اللطائم‬
‫يقول‪ :‬كما عرف التب‪ ،‬وهو البقير والبقيرة‪ ،‬وهو قميص ل كمين له تلبسه النساء‪ .‬وقيل‪ :‬هو من‬
‫وضع الطعام بعضه على بعض من كثرته‪ ،‬يقال حرير معرف‪ ،‬أي بعضه على بعض‪ ،‬وهو من‬
‫العرف المتتابع كعرف الفرس‪ .‬وقيل‪" :‬عرفها لهم" أي وفقهم للطاعة حتى استوجبوا الجنة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫عرف أهل السماء أنها لهم إظهارا لكرامتهم فيها‪ .‬وقيل‪ :‬عرف المطيعين أنها لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا ال ينصركم ويثبت أقدامكم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا إن تنصهروا ال ينصهركم" أي إن تنصهروا ديهن ال ينصهركم‬
‫على الكفار‪ .‬نظيره‪" :‬ولينصههرن ال مههن ينصههره" [الحههج‪ ]40 :‬وقههد تقدم‪ .‬وقال قطرب‪ :‬إن‬
‫تنصههروا نههبي ال ينصههركم ال‪ ،‬والمعنههى واحههد‪" .‬ويثبههت أقدامكههم" أي عنههد القتال‪ .‬وقيههل على‬
‫السهلم‪ .‬وقيل على الصهراط‪ .‬وقيهل‪ :‬المراد تثهبيت القلوب بالمهن‪ ،‬فيكون تثبيت القدام عبارة عن‬
‫النصر والمعونة في موطن الحرب‪ .‬وقد مضى في "النفال" هذا المعنى‪ .‬وقال هناك‪" :‬إذ يوحي‬
‫ربهك إلى الملئكهة أنهي معكهم فثبتوا الذيهن آمنوا" [النفال‪ ]12 :‬فأثبهت هناك واسهطة ونفاهها هنها‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪" :‬قل يتوفاكم ملك الموت" [السجدة‪ ]11 :‬ثم نفاها بقوله‪" :‬ال الذي خلقكم ثم رزقكم‬
‫ثم يميتكم" [الروم‪" .]40 :‬الذي خلق الموت والحياة" [الملك‪ ]2 :‬ومثله كثير‪ ،‬فل فاعل إل ال‬
‫وحده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين كفروا فتعسا لهم" يحتمل‪ ،‬الرفع على البتداء‪ ،‬والنصب بما يفسره "فتعسا‬
‫لههم" كأنهه قال‪ :‬أتعهس الذيهن كفروا‪ .‬و"تعسها لههم" نصهب على المصهدر بسهبيل الدعاء‪ ،‬قاله الفراء‪،‬‬
‫مثل سقيا له ورعيا‪ .‬وهو نقيض لعا له‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫فالتعس أولى لها من أن أقول لعا‬
‫وفيهه عشرة أقوال‪ :‬الول‪ :‬بعدا لههم‪ ،‬قاله ابهن عباس وابهن جريهج‪ .‬الثانهي‪ :‬حزنها لههم‪ ،‬قاله السهدي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬شقاء لههم‪ ،‬قال ابهن زيهد‪ .‬الرابهع‪ :‬شتمها لههم مهن ال‪ ،‬قاله الحسهن‪ .‬الخامهس‪ :‬هلكها لههم‪ ،‬قال‬
‫ثعلب‪ .‬السادس‪ :‬خيبة لهم‪ ،‬قاله الضحاك وابن زيد‪ .‬السابع‪ :‬قبحا لهم‪ ،‬حكاه النقاش‪ .‬الثامن‪ :‬رغما‬
‫لههم‪ ،‬قاله الضحاك أيضها‪ .‬التاسهع‪ :‬شرا لههم‪ ،‬قاله ثعلب أيضها‪ .‬العاشهر‪ :‬شقوة لههم‪ ،‬قال أبهو العاليهة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن التعس النحطاط والعثار‪ .‬قال ابن السكيت‪ :‬التعس أن يخر على وجهه‪ .‬والنكس أن يخر‬
‫على رأسهه‪ .‬قال‪ :‬والتعهس أيضها الهلك‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وأصهله الكهب‪ ،‬وههو ضهد النتعاش‪ .‬وقهد‬
‫تعس (بفتح العين) يتعس تعسا‪ ،‬وأتعسه ال‪ .‬قال مجمع بن هلل‪:‬‬
‫تعست كما أتعستني يا مجمع‬ ‫تقول وقد أفردتها من خليلها‬
‫يقال‪ :‬تعسها لفلن‪ ،‬أي ألزمهه ال هلكها‪ .‬قال القشيري‪ :‬وجوز قوم تعهس (بكسهر العيهن)‪ .‬قلت‪ :‬ومنهه‬
‫حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة‬
‫والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض" خرجه البخاري‪ .‬في بعض طرق هذا الحديث‬
‫"تعس وانتكس وإذا شيك فل انتقش" خرجه ابن ماجة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأضهل أعمالههم" أي أبطلهها لنهها كانهت فهي طاعهة الشيطان‪ .‬ودخلت الفاء فهي‬
‫قوله‪" :‬فتعسا" لجل البهام الذي في "الذين"‪ ،‬وجاء "وأضل أعمالهم" على الخبر حمل على لفظ‬
‫الذين‪ ،‬لنه خبر في اللفظ‪ ،‬فدخول الفاء حمل على المعنى‪" ،‬وأضل" حمل على اللفظ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل ال فأحبط أعمالهم}‬
‫@ أي ذلك الضلل والتعاس‪ ،‬لنههم "كرهوا مها أنزل ال" مهن الكتهب والشرائع‪" .‬فأحبهط‬
‫أعمالههم" أي مها لههم مهن صهور الخيرات‪ ،‬كعمارة المسهجد وقرى الضيهف وأصهناف القرب‪ ،‬ول‬
‫يقبل ال العمل إل من مؤمن‪ .‬وقيل‪ :‬أحبط أعمالهم أي عبادة الصنم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر ال عليهم‬
‫وللكافرين أمثالها}‬
‫@ بيهن أحوال المؤمهن والكافهر تنبيهها على وجوب اليمان‪ ،‬ثهم وصهل هذا بالنظهر‪ ،‬أي ألم يسهر‬
‫هؤلء في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا بهم "فينظروا" بقلوبهم "كيف كان" آخر‬
‫أمهر الكافريهن قبلههم‪" .‬دمهر ال عليههم" أي أهلكههم واسهتأصلهم‪ .‬يقال‪ :‬دمره تدميرا‪ ،‬ودمهر عليهه‬
‫بمعنههى‪" .‬وللكافريههن أمثالههها" ثههم تواعههد مشركههي مكههة فقال‪" :‬وللكافريههن أمثالههها" أي أمثال هذه‬
‫الفعلة‪ ،‬يعنهي التدميهر‪ .‬وقال الزجاج والطهبري‪ :‬الهاء تعود على العاقبهة‪ ،‬أي وللكافريهن مهن قريهش‬
‫أمثال عاقبة تكذيب المم السالفة إن لم يؤمنوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬ذلك بأن ال مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ل مولى لهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأن ال مولى الذيهن آمنوا" أي وليههم وناصهرهم‪ .‬وفهي حرف ابهن مسهعود‬
‫"ذلك بأن ال ولي الذين آمنوا"‪ .‬فالمولى‪ :‬الناصر ها هنا‪ ،‬قاله ابن عباس وغيره‪ .‬قال‪:‬‬
‫مولى المخافة خلفها وأمامها‬ ‫فغدت كل الفرجين تحسب أنه‬
‫قال قتادة‪ :‬نزلت يوم أحهد والنهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي الشعهب‪ ،‬إذ صهاح المشركون‪ :‬يوم بيوم‪،‬‬
‫لنها العزى ول عزى لكهم‪ ،‬قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬قولوا ال مولنها ول مولى لكهم] وقهد‬
‫تقدم‪" .‬وأن الكافرين ل مولى لهم" أي ل ينصرهم أحد من ال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 12 :‬إن ال يدخهل الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات جنات تجري مهن تحتهها النهار‬
‫والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام والنار مثوى لهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يدخهل الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات جنات تجري مهن تحتهها النهار"‬
‫تقدم‪" .‬والذين كفروا يتمتعون" في الدنيا كأنهم أنعام‪ ،‬ليس لهم همة إل بطونهم وفروجهم‪ ،‬ساهون‬
‫عما في غدهم‪ .‬وقيل‪ :‬المؤمن في الدنيا يتزود‪ ،‬والمنافق يتزين‪ ،‬والكافر يتمتع‪" .‬والنار مثوى لهم"‬
‫أي مقام ومنزل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فل ناصر لهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكأيهن مهن قريهة" تقدم الكلم فهي "كأيهن" فهي (آل عمران)‪ .‬وههي هها هنها بمعنهى‬
‫كم‪ ،‬أي وكم من قرية‪ .‬وأنشد الخفش قول لبيد‪:‬‬
‫ومفتاح قيد للسير المكبل‬ ‫وكائن رأينا من ملوك وسوقة‬
‫فيكون معناه‪ :‬وكم من أهل قرية‪" .‬قريتك التي" أي أخرجك أهلها‪" .‬أهلكناهم فل ناصر لهم" قال‬
‫قتادة وابهن عباس‪ :‬لمها خرج النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن مكهة إلى الغار التفهت إلى مكهة وقال‪:‬‬
‫[اللهم أنت أحب البلد إلى ال وأنت أحب البلد إلي ولول المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت‬
‫منك]‪ .‬فنزلت الية‪ ،‬ذكره الثعلبي‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمهن كان على بينهة مهن ربهه" اللف ألف تقريهر‪ .‬ومعنهى "على بينهة" أي على‬
‫ثبات ويقين‪ ،‬قال ابن عباس‪ .‬أبو العالية‪ :‬وهو محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬والبينة‪ :‬الوحي‪" .‬كمن‬
‫زين له سوء عمله" أي عبادة الصنام‪ ،‬وهو أبو جهل والكفار‪" .‬واتبعوا أهواءهم" أي ما اشتهوا‪.‬‬
‫وهذا التزييهن مهن جههة ال خلقها‪ .‬ويجوز أن يكون مهن الشيطان دعاء ووسهوسة‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫من الكافر‪ ،‬أي زين لنفسه سوء عمله وأصر على الكفر‪ .‬وقال‪" :‬سوء" على لفظ "من" "واتبعوا"‬
‫على معناه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 15 :‬مثهل الجنهة التهي وعهد المتقون فيهها أنهار مهن ماء غيهر آسهن وأنهار مهن لبهن لم‬
‫يتغيهر طعمهه وأنهار مهن خمهر لذة للشاربيهن وأنهار مهن عسهل مصهفى ولههم فيهها مهن كهل الثمرات‬
‫ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مثهل الجنهة التهي وعهد المتقون" لمها قال عهز وجهل‪" :‬إن ال يدخهل الذيهن آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات جنات" [الحج‪ ]14 :‬وصف تلك الجنات‪ ،‬أي صفة الجنة المعدة للمتقين‪ .‬وقد‬
‫مضهى الكلم فهي هذا فهي "الرعهد"‪ .‬وقرأ علي بهن أبهي طالب "مثال الجنهة التهي وعهد المتقون"‪.‬‬
‫"فيهها أنهار مهن ماء غيهر آسهن" أي غيهر متغيهر الرائحهة‪ .‬والسهن مهن الماء مثهل الجهن‪ .‬وقهد أسهن‬
‫الماء يأسهن ويأسهن أسهنا وأسهونا إذا تغيرت رائحتهه‪ .‬وكذلك أجهن الماء يأجهن ويأجهن أجنها وأجونها‪.‬‬
‫ويقال بالكسر فيهما‪ :‬أجن وأسن يأسن ويأجن أسنا وأجنا‪ ،‬قاله اليزيدي‪ .‬وأسن الرجل أيضا يأسن‬
‫(بالكسر ل غير) إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار‬
‫رأسه‪ ،‬قال زهير‪:‬‬
‫يميد في الرمح ميد المائح السن‬ ‫قد أترك القِرن مصفرا أنامله‬
‫ويروى "الوسهن"‪ .‬وتأسهن الماء تغيهر‪ .‬أبهو زيهد‪ :‬تأسهن علي تأسهنا اعتهل وأبطهأ‪ .‬أبهو عمرو‪ :‬تأسهن‬
‫الرجهل أباه أخهذ أخلقهه‪ .‬وقال اللحيانهي‪ :‬إذا نزع إليه فهي الشبه‪ ،‬وقراءة العامة "آسهن" بالمهد‪ .‬وقرأ‬
‫ابههن كثيهر وحميهد "أسهن" بالقصهر‪ ،‬وهمهها لغتان‪ ،‬مثهل حاذر وحذر‪ .‬وقال الخفهش‪ :‬أسههن للحال‪،‬‬
‫وآسن (مثل فاعل) يراد به الستقبال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنهار من لبن لم يتغير طعمه" أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا‬
‫إلى الحموضهة‪" .‬وأنهار مهن خمهر لذة للشاربيهن" أي لم تدنسهها الرجهل ولم ترنقهها اليدي كخمهر‬
‫الدنيا‪ ،‬فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب ل يتكرهها الشاربون‪ .‬يقال‪ :‬شراب لذ ولذيذ بمعنى‪ .‬واستلذه‬
‫عده لذيذا‪" .‬وأنهار مهن عسهل مصهفى" العسهل مها يسهيل مهن لعاب النحهل‪" .‬مصهفى" أي مهن الشمهع‬
‫والقذى‪ ،‬خلقه ال كذلك لم يطبخ على نار ول دنسه النحل‪ .‬وفي الترمذي عن حكيم بن معاومة عن‬
‫أبيه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر‬
‫الخمر ثم تشقق النهار بعد]‪ .‬قال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي‬
‫ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار‬
‫الجنهة]‪ .‬وقال كعهب‪ :‬نههر دجلة نههر ماء أههل الجنهة‪ ،‬ونههر الفرات نههر لبنههم‪ ،‬ونههر مصهر نههر‬
‫خمرههم‪ ،‬ونههر سهيحان نههر عسهلهم‪ .‬وهذه النهار الربعهة تخرج مهن نههر الكوثهر‪ .‬والعسهل‪ :‬يذكهر‬
‫ويؤنهث‪ .‬وقال ابهن عباس‪" :‬مهن عسهل مصهفى" أي لم يخرج مهن بطون النحهل‪" .‬ولههم فيهها مهن كهل‬
‫الثمرات" "مهن" زائدة للتأكيهد‪" .‬ومغفرة مهن ربههم" أي لذنوبههم‪" .‬كمهن ههو خالد فهي النار" قال‬
‫الفراء‪ :‬المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي أفمن كان على بينة‬
‫مهن ربهه وأعطهى هذه الشياء كمهن زيهن له سهوء عمله وههو خالد فهي النار‪ .‬فقوله‪" :‬كمهن" بدل من‬
‫قوله‪" :‬أفمهن زيهن له سهوء عمله" [فاطهر‪ .]8 :‬وقال ابهن كيسهان‪ :‬مثهل هذه الجنهة التهي فيهها الثمار‬
‫والنهار كمثهل النار التهي فيهها الحميهم والزقوم‪ .‬ومثهل أههل الجنهة فهي النعيهم المقيهم كمئل أههل النار‬
‫فههي العذاب المقيههم‪" .‬وسههقوا ماء حميمهها" أي حارا شديههد الغليان‪ ،‬إذا أدنههى منهههم شوى وجوههههم‪،‬‬
‫ووقعهت فروة رؤوسههم‪ ،‬فإذا شربوه قطهع أمعاءههم وأخرجهها مهن دبورههم‪ .‬والمعاء‪ :‬جمهع معهى‪،‬‬
‫والتثنية معيان‪ ،‬وهو جميع ما في البطن من الحوايا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 16 :‬ومنههم مهن يسهتمع إليهك حتهى إذا خرجوا مهن عندك قالوا للذيهن أوتوا العلم ماذا‬
‫قال آنفهها أولئك الذيههن طبههع ال على قلوبهههم واتبعوا أهواءهههم‪ ،‬والذيههن اهتدوا زادهههم هدى وآتاهههم‬
‫تقواهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم من يستمع إليك" أي من هؤلء الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام‪،‬‬
‫وزيهن لههم سهوء عملههم قوم يسهتمعون إليهك وههم المنافقون‪ :‬عبدال بهن أبهي ابهن سهلول ورفاعهة بهن‬
‫التابوت وزيههد بههن الصههليت والحارث بههن عمرو ومالك بههن دخشههم‪ ،‬كانوا يحضرون الخطبههة يوم‬
‫الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه‪ ،‬فإذا خرجوا سألوا عنه‪ ،‬قاله الكلبي ومقاتل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كانوا يحضرون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم مع المؤمنين‪ ،‬فيستمعون منه ما يقول‪،‬‬
‫فيعيهه المؤمهن ول يعيهه الكافهر‪" .‬حتهى إذا خرجوا مهن عندك" أي إذا فارقوا مجلسهك‪" .‬قالوا للذيهن‬
‫أوتوا العلم" قال عكرمهة‪ :‬ههو عبدال بهن العباس‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬كنهت ممهن يُسهأل‪ ،‬أي كنهت مهن‬
‫الذيهن أوتوا العلم‪ .‬وفهي روايهة عهن ابهن عباس‪ :‬أنهه يريهد عبدال بهن مسهعود‪ .‬وكذا قال عبدال بهن‬
‫بريدة‪ :‬ههو عبدال بهن مسهعود‪ .‬وقال القاسهم بهن عبدالرحمهن‪ :‬ههو أبهو الدرداء‪ .‬وقال ابهن زيهد‪ :‬إنههم‬
‫الصهحابة‪" .‬ماذا قال آنفها" أي الن‪ ،‬على جههة السهتهزاء‪ .‬أي أنها لم ألتفهت إلى قوله‪ .‬و"آنفها" يراد‬
‫به الساعة التي هي أقرب الوقات إليك‪ ،‬من قولك‪ :‬استأنفت الشيء إذا ابتدأت به‪ .‬ومنه أمر أنف‪،‬‬
‫وروضة أنف‪ ،‬أي لم يرعها أحد‪ .‬وكأس أنف‪ :‬إذا لم يشرب منها شيء‪ ،‬كأنه استؤنف شربها مثل‬
‫روضة أنف‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ويأكل جارهم أنف القصاع‬ ‫ويحرم سر جارتهم عليهم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫والقينة الحسناء والكأس النف‬ ‫إن الشواء والنشيل والرغف‬
‫للطاعنين الخيل والخيل قطف‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫قد غدا يحملني في أنفه‬
‫أي في أوله‪ .‬وأنف كل شيء أوله‪ .‬وقال قتادة في هؤلء المنافقين‪ :‬الناس رجلن‪ :‬رجل عقل عن‬
‫ال فانتفهع بمها سهمع‪ ،‬ورجهل لم يعقهل ولم ينتفهع بمها سهمع‪ .‬وكان يقال‪ :‬الناس ثلثهة‪ :‬فسهامع عامهل‪،‬‬
‫وسامع عاقل‪ ،‬وسامع غافل تارك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذيهن طبهع ال على قلوبههم" فلم يؤمنوا‪" .‬واتبعوا أهواءههم" فهي الكفهر‪.‬‬
‫"والذين اهتدوا" أي لليمان زادهم ال هدى‪ .‬وقيل‪ :‬زادهم النبي صلى ال عليه وسلم هدى‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫مهها يسههتمعونه مههن القرآن هدى‪ ،‬أي يتضاعههف يقينهههم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬زادهههم إعراض المنافقيههن‬
‫واسههتهزاؤهم هدى‪ .‬وقيههل‪ :‬زادهههم نزول الناسههخ هدى‪ .‬وفههي الهدى الذي زادهههم أربعههة أقاويههل‪:‬‬
‫أحدهها‪ :‬زادههم علمها‪ ،‬قاله الربيهع بهن أنهس‪ .‬الثانهي‪ :‬أنههم علموا مها سهمعوا وعملوا بمها علموا‪ ،‬قاله‬
‫الضحاك‪ .‬الثالث‪ :‬زادههم بصهيرة فهي دينههم وتصهديقا لنهبيهم‪ ،‬قاله الكلبهي‪ .‬الرابهع‪ :‬شرح صهدورهم‬
‫بما هم عليه من اليمان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتاههم تقواههم" أي ألهمههم إياهها‪ .‬وقيهل‪ :‬فيهه خمسهة أوجهه‪ :‬أحدهها‪ :‬آتاههم الخشيهة‪،‬‬
‫قاله الربيع‪ .‬الثاني‪ :‬ثواب تقواهم في الخرة‪ ،‬قاله السدي‪ .‬الثالث‪ :‬وفقهم للعمل الذي فرض عليهم‪،‬‬
‫قاله مقاتهل‪ .‬الرابهع‪ :‬بيهن لههم مها يتقون‪ ،‬قاله ابهن زياد والسهدي أيضها‪ .‬الخامهس‪ :‬أنهه ترك المنسهوخ‬
‫والعمههل بالناسههخ‪ ،‬قاله عطيههة‪ .‬الماوردي‪ :‬ويحتمههل‪ .‬سههادسا‪ :‬أنههه ترك الرخههص والخههذ بالعزائم‪.‬‬
‫وقرئ "وأعطاهم" بدل "وآتاهم"‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬هذه نزلت فيمن آمن من أهل الكتاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬فهل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم‬
‫ذكراهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فهل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم بغتة" أي فجأة‪ .‬وهذا وعيد للكفار‪" .‬فقد جاء‬
‫أشراطها" أي أماراتها وعلماتها‪ .‬وكانوا قد قرؤوا في كتبهم أن محمدا صلى ال عليه وسلم آخر‬
‫النهبياء‪ ،‬فبعثهه مهن أشراطهها وأدلتهها‪ ،‬قاله الضحاك والحسهن‪ .‬وفهي الصهحيح عهن أنهس قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬بعثت أنا والساعة كهاتين] وضم السبابة والوسطى‪ ،‬لفظ مسلم‪:‬‬
‫وخرجهه البخاري والترمذي وابهن ماجهه‪ .‬ويروى [بعثهت والسهاعة كفرسهي رهان]‪ .‬وقيهل‪ :‬أشراط‬
‫الساعة أسبابها التي هي دون معظمها‪ .‬ومنه يقال للدون من الناس‪ :‬الشرط‪ .‬وقيل‪ :‬يعني علمات‬
‫السههاعة انشقاق القمههر والدخان‪ ،‬قال الحسههن أيضهها‪ .‬وعههن الكلبههي‪ :‬كثرة المال والتجارة وشهادة‬
‫الزور وقطهههع الرحام‪ ،‬وقلة الكرام وكثرة اللئام‪ .‬وقهههد أتينههها على هذا الباب فهههي كتاب "التذكرة"‬
‫مسههتوفى والحمههد ل‪ .‬وواحههد الشراط شرط‪ ،‬وأصههله العلم‪ .‬ومنههه قيههل الشرط‪ ،‬لنهههم جعلوا‬
‫لنفسهم علمة يعرفون بها‪ .‬ومنه الشرط في البيع وغيره‪ .‬قال أبو السود‪:‬‬
‫فقد جعلت أشراط أوله تبدو‬ ‫فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا‬
‫ويقال‪ :‬أشرط فلن نفسه في عمل كذا أي أعلمها وجعلها له‪ .‬قال أوس بن حجر يصف رجل تدلى‬
‫بحبل من رأس جبل إلى نبعة يقطعها ليتخذ منها قوسا‪:‬‬
‫وألقى بأسباب له وتوكل‬ ‫فأشرط نفسه فيها وهو معصم‬
‫"أن تأتيههم بغتهة" "أن" بدل اشتمال مهن "السهاعة"‪ ،‬نحهو قوله‪" :‬أن تطؤوههم" [الفتهح‪ ]25 :‬مهن‬
‫قوله‪" :‬رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" [الفتح‪ .]25 :‬وقرئ "بغتة" بوزن جربة‪ ،‬وهي غريبة لم‬
‫ترد فهي المصهادر أختهها‪ ،‬وههي مرويهة عهن أبهي عمرو‪ .‬الزمخشري‪ :‬ومها أخوفنهي أن تكون غلطهة‬
‫مههن الراوي عههن أبههي عمرو‪ ،‬وأن يكون الصههواب "بغتههة" بفتههح الغيههن مههن غيههر تشديههد‪ ،‬كقراءة‬
‫الحسن‪ .‬وروى أبو جعفر الرؤاسي وغيره من أهل مكة "إن تأتهم بغتة"‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ومن قرأ‬
‫"إن تأتهم بغتة" كان الوقف على "الساعة" ثم استأنف الشرط‪ .‬وما يحتمله الكلم من الشك مردود‬
‫إلى الخلق‪ ،‬كأنه قال‪ :‬إن شكوا في مجيئها "فقد جاء أشراطها"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأنهى لههم إذا جاءتههم ذكراههم" "ذكراههم" ابتداء و"أنهى لههم" الخهبر‪ .‬والضميهر‬
‫المرفوع فهي "جاءتههم" للسهاعة‪ ،‬التقديهر‪ :‬فمهن أيهن لههم التذكهر إذا جاءتههم السهاعة‪ ،‬قال معناه قتادة‬
‫وغيره‪ .‬وقيههل‪ :‬فكيههف لهههم بالنجاة إذا جاءتهههم الذكرى عنههد مجيههء السههاعة‪ ،‬قاله ابههن زيههد‪ .‬وفههي‬
‫الذكرى وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬تذكيرهم بما عملوه من خير أو شر‪ .‬الثاني‪ :‬هو دعاؤهم بأسمائهم تبشيرا‬
‫وتخويفا‪ ،‬روى أبان عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬أحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون‬
‫بها يوم القيامة يا فلن قم إلى نورك يا فلن قم ل نور لك] ذكره الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬فاعلم أنه ل إله إل ال واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وال يعلم متقلبكم‬
‫ومثواكم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاعلم أنهه ل إله إل ال" قال الماوردي‪ :‬وفيهه ‪ -‬وإن كان الرسهول عالمها بال ‪-‬‬
‫ثلثة أوجه‪ :‬يعني اعلم أن ال أعلمك أن ل إله إل ال‪ .‬الثاني‪ :‬ما علمته استدلل فاعلمه خبرا يقينا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬يعني فاذكر أن ل إله إل ال‪ ،‬فعبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه‪ .‬وعن سفيان بن عيينة أنه‬
‫سئل عن فضل العلم فقال‪ :‬ألم تسمع قوله حين بدأ به "فاعلم أنه ل إله إل ال واستغفر لذنبك" فأمر‬
‫بالعمههل بعههد العلم وقال‪" :‬اعلموا أنمهها الحياة الدنيهها لعههب ولهههو" إلى قوله "سههابقوا إلى مغفرة مههن‬
‫ربكم" [الحديد‪ ]21 - 20 :‬وقال‪" :‬واعلموا أنما أموالكم وأولدكم فتنة" [النفال‪ .]28 :‬ثم قال‬
‫بعهد‪" :‬فاحذروههم" [التغابهن‪ .]14 :‬وقال تعالى‪" :‬واعلموا أنمها غنمتهم مهن شيهء فأن ل خمسهة"‬
‫[النفال‪ .]41 :‬ثم أمر بالعمل بعد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسهتغفر لذنبهك" يحتمهل وجهيهن‪ :‬أحدهمها‪ :‬يعنهي اسهتغفر ال أن يقهع منهك ذنهب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬استغفر ال ليعصمك من الذنوب‪ .‬وقيل‪ :‬لما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات‬
‫على اليمان‪ ،‬أي اثبهت على مها أنهت عليهه مهن التوحيهد والخلص والحذر عمها تحتاج معهه إلى‬
‫اسههتغفار‪ .‬وقيههل‪ :‬الخطاب له والمراد بههه المههة‪ ،‬وعلى هذا القول توجههب اليههة اسههتغفار النسههان‬
‫لجميهع المسهلمين‪ .‬وقيهل‪ :‬كان عليهه السهلم يضيهق صهدره مهن كفهر الكفار والمنافقيهن‪ ،‬فنزلت اليهة‪.‬‬
‫أي فاعلم أنهه ل كاشهف يكشهف مها بهك إل ال‪ ،‬فل تعلق قلبهك بأحهد سهواه‪ .‬وقيهل‪ :‬أمهر بالسهتغفار‬
‫لتقتدي بهه المهة‪" .‬وللمؤمنيهن والمؤمنات" أي ولذنوبههم‪ .‬وهذا أمهر بالشفاعهة‪ .‬وروى مسهلم عهن‬
‫عاصم الحول عن عبدال بن سرجس المخزومي قال‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وأكلت من‬
‫طعامهه فقلت‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬غفهر ال لك فقال له صهاحبي‪ :‬ههل اسهتغفر لك النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسههلم؟ قال‪ :‬نعههم‪ ،‬ولك‪ .‬ثههم تل هذه اليههة‪" :‬واسههتغفر لذنبههك وللمؤمنيههن والمؤمنات" ثههم تحولت‬
‫فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه‪ ،‬جمعا عليه خيلن كأنه الثآليل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يعلم متقلبكهم ومثواكهم" فيهه خمسهة أقوال‪ :‬أحدهها‪ :‬يعلم أعمالكهم فهي تصهرفكم‬
‫وإقامتكم‪ .‬الثاني‪" :‬متقلبكم" في أعمالكم نهارا "ومثواكم" في ليلكم نياما‪ .‬وقيل "متقلبكم" في الدنيا‪.‬‬
‫"ومثواكهم" فهي الدنيها والخرة‪ ،‬قال ابهن عباس والضحاك‪ .‬وقال عكرمهة‪" :‬متقلبكهم" فهي أصهلب‬
‫الباء إلى أرحام المهات‪" .‬ومثواكهم" مقامكهم فهي الرض‪ .‬وقال ابهن كيسهان‪" :‬متقلبكهم" مهن ظههر‬
‫إلى بطن الدنيا‪" .‬ومثواكم" في القبور‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والعموم يأتي على هذا كله‪ ،‬فل يخفى عليه سبحانه شيء من حركات بني آدم وسكناتهم‪،‬‬
‫وكذا جميع خلقه‪ .‬فهو عالم بجميع ذلك قبل كونه جملة وتفصيل أولى وأخرى‪ .‬سبحانه! ل إله إل‬
‫هو‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 - 20 :‬ويقول الذين آمنوا لول نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها‬
‫القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم‪ ،‬طاعة‬
‫وقول معروف فإذا عزم المر فلو صدقوا ال لكان خيرا لهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقول الذين آمنوا" أي المؤمنون المخلصون‪" .‬لول نزلت سورة" اشتياقا للوحي‬
‫وحرصها على الجهاد وثوابهه‪ .‬ومعنهى "لول" هل‪" .‬فإذا أنزلت سهورة محكمهة" ل نسهخ فيهها‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة‪ ،‬وهي أشد القرآن على المنافقين‪ .‬وفي قراءة عبدال‬
‫"فإذا أنزلت سورة محدثة" أي محدثة النزول‪" .‬وذكر فيها القتال" أي فرض فيها الجهاد‪ .‬وقرئ‬
‫"فإذا أنزلت سورة وذكر فيهها القتال" على البناء للفاعهل ونصهب القتال‪" .‬رأيهت الذيهن فهي قلوبههم‬
‫مرض" أي شههك ونفاق‪" .‬ينظرون إليههك نظههر المغشههي عليههه مههن الموت" أي نظههر مغموصههين‬
‫مغتاظين بتحديد وتحديق‪ ،‬كمن يشخص بصره عند الموت‪ ،‬وذلك لجبنهم عن القتال جزعا وهلعا‪،‬‬
‫ولميلهم في السر إلى الكفار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأولى لهم" قال الجوهري‪ :‬وقولهم‪ :‬أولى لك‪ ،‬تهديد ووعيد‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وهل للدر يحلب من مرد‬ ‫فأولى ثم أولى ثم أولى‬
‫قال الصمعي‪ :‬معناه قاربه ما يهلكه‪ ،‬أي نزل به‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫وأولى أن يزيد على الثلث‬ ‫فعادى بين هاديتين منها‬
‫أي قارب أن يزيهد‪ .‬قال ثعلب‪ :‬ولم يقهل أحهد فهي "أولى" أحسهن ممها قال الصهمعي‪ .‬وقال المهبرد‪:‬‬
‫يقال لمن هم بالعطب ثم أفلت‪ :‬أولى لك‪ ،‬أي قاربت العطب‪ .‬كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي‬
‫الصيد فيفلت منه ليقول‪ :‬أولى لك‪ .‬ثم رمى صيدا فقاربه ثم أفلت منه فقال‪:‬‬
‫ولكن أولى يترك القوم جوعا‬ ‫فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم‬
‫وقيههل‪ :‬هههو كقول الرجههل لصههاحبه‪ :‬يهها محروم‪ ،‬أي شيههء فاتههك وقال الجرجانههي‪ :‬ههو مأخوذ مهن‬
‫الويهل‪ ،‬فههو أفعهل‪ ،‬ولكهن فيهه قلب‪ ،‬وههو أن عيهن الفعهل وقهع موقهع اللم‪ .‬وقهد تهم الكلم على قوله‪:‬‬
‫"فأولى لههم"‪ .‬قال قتادة‪ :‬كأنهه قال العقاب أولى لههم‪ .‬وقيهل‪ :‬أي وليههم المكروه‪ .‬ثهم قال‪" :‬طاعهة‬
‫وقول معروف" أي طاعهة وقول معروف أمثهل وأحسهن‪ ،‬وههو مذههب سهيبويه والخليهل‪ .‬وقيهل‪ :‬إن‬
‫التقدير أمرنا طاعة وقول معروف‪ ،‬فحذف المبتدأ فيوقف على "فأولى لهم"‪ .‬وكذا من قدر يقولون‬
‫منا طاعة‪ .‬وقيل‪ :‬إن الية الثانية متصلة بالولى‪ .‬واللم في قوله‪" :‬لهم" بمعنى الباء‪ ،‬أي الطاعة‬
‫أولى وأليهق بههم‪ ،‬وأحهق لههم مهن ترك أمتثال أمهر ال‪ .‬وههي قراءة أبهي "يقولون طاعهة"‪ .‬وقيهل إن‪:‬‬
‫"طاعهة" نعهت لهه "سهورة"‪ ،‬على تقديهر‪ :‬فإذا أنزلت سهورة ذات طاعهة‪ ،‬فل يوقهف على هذا على‬
‫"فأولى لهم"‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬إن قولهم "طاعة" إخبار من ال عز وجل عن المنافقين‪ .‬والمعنى‬
‫لههم طاعة وقول معروف‪ ،‬قيهل‪ :‬وجوب الفرائض عليههم‪ ،‬فإذا أنزلت الفرائض شهق عليههم نزولهها‪.‬‬
‫فيوقهف على هذا على "فأولى"‪" .‬فإذا عزم المهر" أي جهد القتال‪ ،‬أو وجهب فرض القتال‪ ،‬كرهوه‪.‬‬
‫فكرهوه جواب "إذا" وهو محذوف‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى فإذا عزم أصحاب المر‪" .‬فلو صدقوا ال" أي‬
‫في اليمان والجهاد‪" .‬لكان خيرا لهم" من المعصية والمخالفة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 - 22 :‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكهم‪ ،‬أولئك‬
‫الذين لعنهم ال فأصمهم وأعمى أبصارهم‪ ،‬أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض" اختلف في معنى "إن توليتم" فقيل‪:‬‬
‫جعِلتهم حكامها أن تفسهدوا فهي‬
‫ههو مهن الوليهة‪ .‬قال أبهو العاليهة‪ :‬المعنهى فههل عسهيتم إن توليتهم الحكهم ف ُ‬
‫الرض بأخهذ الرشها‪ .‬وقال الكلبهي‪ :‬أي فههل عسهيتم إن توليتهم أمهر المهة أن تفسهدوا فهي الرض‬
‫بالظلم‪ .‬وقال ابههن جريههج‪ :‬المعنههى فهههل عسههيتم إن توليتههم عههن الطاعههة أن تفسههدوا فههي الرض‬
‫بالمعاصي وقطع الرحام‪ .‬وقال كعب‪ :‬المعنى فهل عسيتم إن توليتم المر أن يقتل بعضكم بعضا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من العراض عن الشيء‪ .‬قال قتادة‪ :‬أي فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب ال أن تفسدوا في‬
‫الرض بسفك الدماء الحرام‪ ،‬وتقطعوا أرحامكم‪ .‬وقيل‪" :‬فهل عسيتم" أي فلعلكم إن أعرضتم عن‬
‫القرآن وفارقتم أحكامه أن تفسدوا في الرض فتعودوا إلى جاهليتكم‪ .‬وقرئ بفتح السين وكسرها‪.‬‬
‫وقههد مضههى فههي "البقرة" القول فيههه مسههتوفى‪ .‬وقال بكههر المزنههي‪ :‬إنههها نزلت فههي الحروريههة‬
‫والخوارج‪ ،‬وفيهه بعهد‪ .‬والظههر أنهه إنمها عنهي بهها المنافقون‪ .‬وقال ابهن حيان‪ :‬قريهش‪ .‬ونحوه قال‬
‫المسهيب بهن شريهك والفراء‪ ،‬قال‪ :‬نزلت فهي بنهي أميهة وبنهي هاشهم‪ ،‬ودليهل هذا التأويهل مها روى‬
‫عبدال بن مغفل قال سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في‬
‫الرض ‪ -‬ثهم قال ‪ -‬ههم هذا الحهي مهن قريهش أخهذ ال عليههم إن ولوا الناس أل يفسهدوا فهي الرض‬
‫ول يقطعوا أرحامههم)‪ .‬وقرأ علي بهن أبهي طالب "إن توليتههم أن تفسهدوا فهي الرض" بضهم التاء‬
‫والواو وكسهر اللم‪ .‬وههي قراءة ابهن أبهي إسهحاق‪ ،‬ورواهها رويهس عهن يعقوب‪ .‬يقول‪ :‬إن وليتكهم‬
‫ولة جائرة خرجتم معهم في الفتنة وحاربتموهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتقطعوا أرحامكم" بالبغي والظلم والقتل‪ .‬وقرأ يعقوب وسلم وعيسى وأبو حاتم‬
‫"وتقطعوا" بفتح التاء وتخفيف القاف‪ ،‬من القطع‪ ،‬اعتبارا بقوله تعالى‪" :‬ويقطعون ما أمر ال به‬
‫أن يوصهل" [البقرة‪ .]27 :‬وروى هذه القراءة هارون عهن أبهى عمرو‪ .‬وقرأ الحسهن "وتقطعوا"‬
‫مفتوحهة الحروف مشددة‪ ،‬أعتبارا بقوله تعالى‪" :‬وتقطعوا أمرههم بينههم" [النهبياء‪ .]93 :‬الباقون‬
‫"وتقطعوا" بضم التاء مشددة الطاء‪ ،‬من التقطيع على التكثير‪ ،‬وهو اختيار أبي عبيد‪ .‬وتقدم ذكر‬
‫"عسيتم" [البقرة‪ ]246 :‬في (البقرة)‪ .‬وقال الزجاج في قراءة نافع‪ :‬لو جاز هذا لجاز "عيسى"‬
‫بالكسههر‪ .‬قال الجوهري‪ :‬ويقال عسههيت أن أفعههل ذلك‪ ،‬وعسههيت بالكسههر‪ .‬وقرئ "فهههل عسههيتم"‬
‫بالكسر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل قوله هذا على أنهما لغتان‪ .‬وقد مضى القول فيه في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذيهن لعنههم ال" أي طردههم وأبعدههم مهن رحمتهه‪" .‬فأصهمهم" عهن الحهق‪.‬‬
‫"وأعمى أبصارهم" أي قلوبهم عن الخير‪ .‬فأتبع الخبار بأن من فعل ذلك حقت عليه لعنته‪ ،‬وسلبه‬
‫النتفاع بسمعه وبصره حتى ل ينقاد للحق وإن سمعه‪ ،‬فجعله كالبهيمة التي ل تعقل‪ .‬وقال‪" :‬فهل‬
‫عسيتم" ثم قال‪" :‬أولئك الذين لعنهم ال" فرجع من الخطاب إلى الغيبة على عادة العرب في ذلك‪.‬‬
‫"أفل يتدبرون القرآن" أي يتفهمونهه فيعلمون مها أعهد ال للذيهن لم يتولوا عهن السهلم‪" .‬أم على‬
‫قلوب أقفالهها" أي بهل على قلوب أقفال أقفلهها ال عهز وجهل عليههم فههم ل يعقلون‪ .‬وهذا يرد على‬
‫القدرية والمامية مذهبهم‪ .‬وفي حديث مرفوع أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬إن عليها أقفال‬
‫كأقفال الحديهد حتهى يكون ال يفتحهها]‪ .‬وأصهل القفهل اليبهس والصهلبة‪ .‬ويقال لمها يبهس مهن الشجهر‪:‬‬
‫القفل‪ .‬والقفيل مثله‪ .‬والقفيل أيضا نبت‪ .‬والقفيل‪ :‬الصوت‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫قمت إليه بالقفيل ضربا‬ ‫لما أتاك يابسا قرشبا‬
‫كيف قريت شيخك الزبا‬
‫ال ِق ْرشَبّهه (بكسهههر القاف) المسهههن‪ ،‬عهههن الصهههمعي‪ .‬وأقفله الصهههوم أي أيبسهههه‪ ،‬قاله القشيري‬
‫والجوهري‪ .‬فالقفال ههها هنهها إشارة إلى ارتجاج القلب وخلوه عههن اليمان‪ .‬أي ل يدخههل قلوبهههم‬
‫اليمان ول يخرج منههها الكفههر‪ ،‬لن ال تعالى طبههع على قلوبهههم وقال‪" :‬على قلوب" لنههه لو قال‬
‫على قلوبههم لم يدخهل قلب غيرههم فهي هذه الجملة‪ .‬والمراد أم على قلوب هؤلء وقلوب مهن كانوا‬
‫بهذه الصفة أقفالها‪.‬‬
‫@ في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬إن ال خلق الخلق‬
‫حتهى إذا فرغ منههم قامهت الرحهم فقالت هذا مقام العائذ مهن القطيعهة قال نعهم أمها ترضيهن أن أصهل‬
‫مهن وصهلك وأقطهع مهن قطعهك قالت بلى قال فذاك لك ‪ -‬ثهم قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ‪-‬‬
‫اقرؤوا إن شئتهم "فههل عسهيتم إن توليتهم أن تفسهدوا فهي الرض وتقطعوا أرحامكهم‪ .‬أولئك الذيهن‬
‫لعنههم ال فأصهمهم وأعمهى أبصهارهم‪ .‬أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالهها"]‪ .‬وظاههر اليهة‬
‫أنهها خطاب لجميهع الكفار‪ .‬وقال قتادة وغيره‪ :‬معنهى اليهة فلعلكهم‪ ،‬أو يخاف عليكهم‪ ،‬إن أعرضتهم‬
‫عن اليمان أن تعودوا إلى الفساد في الرض لسفك الدماء‪ .‬قال قتادة‪ :‬كيف رأيتم القوم حين تولوا‬
‫عن كتاب ال تعالى ألم يسفكوا الدماء الحرام ويقطعوا الرحام وعصوا الرحمن‪ .‬فالرحم على هذا‬
‫رحهههم ديهههن السهههلم واليمان‪ ،‬التهههي قهههد سهههماها ال إخوة بقوله تعالى‪" :‬إنمههها المؤمنون إخوة"‬
‫[الحجرات‪ .]10 :‬وعلى قول الفراء أن الية نزلت في بني هاشم وبني أمية‪ ،‬والمراد من أضمر‬
‫منههم نفاقها‪ ،‬فأشار بقطهع الرحهم إلى مها كان بينههم وبيهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن القرابهة‬
‫بتكذيبههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وذلك يوجهب القتال‪ .‬وبالجملة فالرحهم على وجهيهن‪ :‬عامهة‬
‫وخاصههة‪ ،‬فالعامهة رحهم الديهن‪ ،‬ويوجههب مواصههلتها بملزمههة اليمان والمحبهة لهله ونصههرتهم‪،‬‬
‫والنصههيحة وترك مضارتهههم والعدل بينهههم‪ ،‬والنصههفة فههي معاملتهههم والقيام بحقوقهههم الواجبههة‪،‬‬
‫كتمريهض المرضهى وحقوق الموتهى مهن غسهلهم والصهلة عليههم ودفنههم‪ ،‬وغيهر ذلك مهن الحقوق‬
‫المترتبهة لههم‪ .‬وأمها الرحهم الخاصهة وههي رحهم القرابهة مهن طرفهي الرجهل أبيهه وأمهه‪ ،‬فتجهب لههم‬
‫الحقوق الخاصهههة وزيادة‪ ،‬كالنفقهههة وتفقهههد أحوالههههم‪ ،‬وترك التغافهههل عهههن تعاهدههههم فهههي أوقات‬
‫ضروراتهههم‪ ،‬وتتأكههد فههي حقهههم حقوق الرحههم العامههة‪ ،‬حتههى إذا تزاحمههت الحقوق بدئ بالقرب‬
‫فالقرب‪ .‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬إن الرحم التي تجب صلتها هي كل رحم محرم وعليه فل تجب‬
‫في بني العمام وبني الخوال‪ .‬وقيل‪ :‬بل هذا في كل رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الرحام‬
‫فهي المواريهث‪ ،‬محرمها كان أو غيهر محرم‪ .‬فيخرج مهن هذا أن رحهم الم التهي ل يتوارث بهها ل‬
‫تجب صلتهم ول يحرم قطعهم‪ .‬وهذا ليس بصحيح‪ ،‬والصواب أن كل ما يشمله ويعمه الرحم تجب‬
‫صلته على كل حال‪ ،‬قربة ودينية‪ ،‬على ما ذكرناه أول وال أعلم‪ .‬قد روى أبو داود الطيالسي في‬
‫مسهنده قال‪ :‬حدثنها شعبهة قال أخهبرني محمهد بهن عبدالجبار قال سهمعت محمهد بهن كعهب القرظهي‬
‫يحدث عهن أبهي هريرة قال‪ :‬سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪( :‬إن للرحهم لسهانا يوم‬
‫القيامة تحت العرش يقول يا رب قطعت يا رب ظلمت يا رب أسيء إلي فيجيبها ربها أل ترضين‬
‫أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك)‪ .‬وفي صحيح مسلم عن جبير بن مطعم عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يدخل الجنة قاطع)‪ .‬قال ابن أبي عمر قال سفيان‪ :‬يعني قاطع رحم‪ .‬ورواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫@ قوله عليهه السهلم‪( :‬إن ال تعالى خلق الخلق حتهى إذا فرغ منههم ‪" )...‬خلق" بمعنهى اخترع‬
‫وأصهله التقديهر‪ ،‬كمها تقدم‪ .‬والخلق هنها بمعنهى المخلوق‪ .‬ومنهه قوله تعالى‪" :‬هذا خلق ال" [لقمان‪:‬‬
‫‪ ]11‬أي مخلوقهه‪ .‬ومعنهى [فرغ منههم] كمهل خلقههم‪ .‬ل أنهه اشتغهل بههم ثهم فرغ مهن شغله بههم‪ ،‬إذ‬
‫ليههس فعله بمباشرة ول مناولة‪ ،‬ول خلقههه بآلة ول محاولة‪ ،‬تعالى عههن ذلك‪ .‬وقوله‪[ :‬قامههت الرحههم‬
‫فقالت] يحمل على أحد وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون ال تعالى أقام من يتكلم عن الرحم من الملئكة‬
‫فيقول ذلك‪ ،‬وكأنه وكل بهذه العبادة من يناضل عنها ويكتب ثواب من وصلها ووزر من قطعها‪،‬‬
‫كما وكل ال بسائر العمال كراما كاتبين‪ ،‬وبمشاهدة أوقات الصلوات ملئكة متعاقبين‪ .‬وثانيهما‪:‬‬
‫أن ذلك على جههة التقديهر والتمثيهل المفههم للعياء وشدة العتناء‪ .‬فكأنهه قال‪ :‬لو كانهت الرحهم ممهن‬
‫يعقههل ويتكلم لقالت هذا الكلم‪ ،‬كمهها قال تعالى‪" :‬لو أنزلنهها هذا القرآن على جبههل لرأيتههه خاشعهها‬
‫متصهدعا مهن خشيهة ال" ثهم قال "وتلك المثال نضربهها للناس لعلههم يتفكرون" [الحشهر‪.]21 :‬‬
‫وقوله‪( :‬فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة) مقصود هذا الكلم الخبار بتأكد أمر صلة الرحم‪،‬‬
‫وأن ال سبحانه قد نزلها بمنزلة من استجار به فأجاره‪ ،‬وأدخله في ذمته وخفارته‪ .‬وإذا كان كذلك‬
‫فجار ال غير مخذول وعهده غير منقوض‪ .‬ولذلك قال مخاطبا للرحم‪( :‬أما ترضين أن أصل من‬
‫وصلك وأقطع من قطعك)‪ .‬وهذا كما قال عليه السلم‪[ :‬ومن صلى الصبح فهو في ذمة ال تعالى‬
‫فل يطلبنكم ال من ذمته بشيء فإنه من يطلبه بذمته بشيء يدركه ثم يكبه في النار على وجهه]‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 25 :‬إن الذيهن ارتدوا على أدبارههم مهن بعهد مها تهبين لههم الهدى الشيطان سهول لههم‬
‫وأملى لهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيهن ارتدوا على أدبارههم" قال قتادة‪ :‬ههم كفار أههل الكتاب‪ ،‬كفروا بالنهبي‬
‫صههلى ال عليههه وسههلم بعههد مهها عرفوا نعتههه عندهههم‪ ،‬قاله ابههن جريههج‪ .‬وقال ابههن عباس والضحاك‬
‫والسهدي‪ :‬ههم المنافقون‪ ،‬قعدوا عهن القتال بعهد مها علموه فهي القرآن‪" .‬الشيطان سهول لههم" أي زيهن‬
‫لهم خطاياهم‪ ،‬قاله الحسن‪" .‬وأملى لهم" أي مد لهم الشيطان في المل ووعدهم طول العمر‪ ،‬عن‬
‫الحسهن أيضها‪ .‬وقال‪ :‬إن الذي أملى لههم فهي المهل ومهد فهي آجالههم ههو ال عهز وجهل‪ ،‬قاله الفراء‬
‫والمفضهل‪ .‬وقال الكلبهي ومقاتهل‪ :‬إن معنهى "أملى لههم" أمهلههم‪ ،‬فعلى هذا يكون ال تعالى أملى لههم‬
‫بالمهال فهي عذابههم‪ .‬وقرأ أبهو عمرو وابهن إسهحاق وعيسهى بهن عمرو أبهو جعفهر وشيبهة "وأملي‬
‫لههم" بضهم الهمزة وكسهر اللم وفتهح الياء‪ ،‬على مها لم يسهم فاعله‪ .‬وكذلك قرأ ابهن هرمهز ومجاههد‬
‫والجحدري ويعقوب‪ ،‬إل أنههم سهكنوا الياء على وجهه الخهبر مهن ال تعالى عهن نفسهه أنهه يفعهل ذلك‬
‫بهم‪ ،‬كأنه قال‪ :‬وأنا أملي لهم‪ .‬واختاره أبو حاتم‪ ،‬قال‪ :‬لن فتح الهمزة يوهم أن الشيطان يملي لهم‪،‬‬
‫وليهس كذلك‪ ،‬فلهذا عدل إلى الضهم‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ومهن قرأ "وأملى لههم" فالفاعهل اسهم ال تعالى‪.‬‬
‫وقيهههل الشيطان‪ .‬واختار أبهههو عبيهههد قراءة العامهههة‪ ،‬قال‪ :‬لن المعنهههى معلوم‪ ،‬لقوله‪" :‬لتؤمنوا بال‬
‫ورسهوله وتعزروه وتوقروه وتسهبحوه" [الفتهح‪ ]9 :‬رد التسهبيح على اسهم ال‪ ،‬والتوقيهر والتعزيهر‬
‫على اسم الرسول‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 26 :‬ذلك بأنههم قالوا للذيهن كرهوا مها نزل ال سهنطيعكم فهي بعهض المهر وال يعلم‬
‫إسرارهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأنههم قالوا" أي ذلك الملء لههم حتهى يتمادوا فهي الكفهر بأنههم قالوا‪ ،‬يعنهي‬
‫المنافقيهن واليهود‪" .‬للذيهن كرهوا مها نزل ال" وههم المشركون‪" .‬سهنطيعكم فهي بعهض المهر وال‬
‫يعلم إسهرارهم" أي فهي مخالفهة محمهد والتظاههر على عداوتهه‪ ،‬والقعود عهن الجهاد معهه وتوهيهن‬
‫أمره فهي السهر‪ .‬وههم إنمها قالوا ذلك سهرا فأخهبر ال نهبيه‪ .‬وقراءة العامهة "أسهرارهم" بفتهح الهمزة‬
‫جمههع سههر‪ ،‬وهههي اختيار أبههي عبيههد وأبههي حاتههم‪ .‬وقرأ الكوفيون وابههن وثاب والعمههش وحمزة‬
‫والكسههائي وحفههص عههن عاصههم "إسههرارهم" بكسههر الهمزة على المصههدر‪ ،‬نحههو قوله تعالى‪:‬‬
‫"وأسررت لهم إسرارا" [نوح‪ ]9 :‬جمع لختلف ضروب السر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬فكيف إذا توفتهم الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكيههف" أي فكيههف تكون حالهههم‪" .‬إذا توفتهههم الملئكههة يضربون وجوههههم‬
‫وأدبارههم" أي ضاربيهن‪ ،‬فههو فهي موضهع الحال‪ .‬ومعنهى الكلم التخويهف والتهديهد‪ ،‬أي إن تأخهر‬
‫عنهم العذاب فإلى انقضاء العمر‪ .‬وقد مضى في "النفال والنحل"‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ل يتوفى أحد‬
‫على معصهية إل بضرب شديهد لوجههه وقفاه‪ .‬وقيهل‪ :‬ذلك عنهد القتال نصهرة لرسهول ال صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪ ،‬بضرب الملئكهة وجوهههم عنهد الطلب وأدبارههم عنهد الهرب‪ .‬وقيهل‪ :‬ذلك فهي القيامهة‬
‫عند سوقهم إلى النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك" أي ذلك جزاؤهم‪" .‬بأنهم اتبعوا ما أسخط ال" قال ابن عباس‪ :‬هو كتمانهم‬
‫مها فهي التوراة مهن نعهت محمهد صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وإن حملت على المنافقيهن فههو إشارة إلى مها‬
‫أضمروا عليهه مهن الكفهر‪" .‬وكرهوا رضوانهه" يعنهي اليمان‪" .‬فأحبهط أعمالههم" أي مها عملوه مهن‬
‫صدقة وصلة رحم وغير ذلك‪ ،‬على ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 - 29 :‬أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج ال أضغانهم‪ ،‬ولو نشاء‬
‫لريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول وال يعلم أعمالكم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم حسب الذين في قلوبهم مرض" نفاق وشك‪ ،‬يعني المنافقين‪" .‬أن لن يخرج ال‬
‫أضغانههم" الضغان مها يضمهر مهن المكروه‪ .‬واختلف فهي معناه‪ ،‬فقال السهدي‪ :‬غشههم‪ .‬وقال ابهن‬
‫عباس‪ :‬حسدهم‪ .‬وقال قطرب‪ :‬عداوتهم‪ ،‬وأنشد قول الشاعر‪:‬‬
‫ساء الصديق وشيد الضغانا‬ ‫قل لبن هند ما أردت بمنطق‬
‫وقيل‪ :‬أحقادهم‪ .‬واحدها ضغن‪ .‬قال‪:‬‬
‫وذي ضغن كففت النفس عنه‬
‫وقد تقدم‪ .‬وقال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫عليك ويخرج الداء الدفينا‬ ‫وإن الضغن بعد الضغن يفشو‬
‫قال الجوهري‪ :‬الضغههن والضغينههة‪ :‬الحقههد‪ .‬وقههد ضغههن عليههه (بالكسههر) ضغنهها‪ .‬وتضاغههن القوم‬
‫واضطغنوا‪ :‬أبطنوا على الحقاد‪ .‬واضطغنت الصبي إذا أخذته تحت حضنك‪ .‬وأنشد الحمر‪:‬‬
‫كأنه مضطغن صبيا‬
‫أي حامله في حجره‪ .‬وقال ابن مقبل‪:‬‬
‫ومرفق كرئاس السيف إذ شسفا‬ ‫إذا اضطغنت سلحي عند مغرضها‬
‫وفرس ضاغهن‪ :‬ل يعطهي مها عنده مهن الجري إل بالضرب‪ .‬والمعنهى‪ :‬أم حسهبوا أن لن يظههر ال‬
‫عداوتهم وحقدهم لهل السلم‪" .‬ولو نشاء لريناكهم" أي لعرفناكههم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬وقد عرفه‬
‫إياههم فهي سهورة "التوبهة"‪ .‬تقول العرب‪ :‬سهأريك مها أصهنع‪ ،‬أي سهأعلمك‪ ،‬ومنهه قوله تعالى‪" :‬بمها‬
‫أراك ال" [النساء‪ ]105 :‬أي بما أعلمك‪" .‬فلعرفتهم بسيماهم" أي بعلماتهم‪ .‬قال أنس‪ .‬ما خفي‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم بعد هذه الية أحد من المنافقين‪ ،‬كان يعرفهم بسيماهم‪ .‬وقد كنا في‬
‫غزاة وفيهها سهبعة مهن المنافقيهن يشهك فيههم الناس‪ ،‬فأصهبحوا ذات ليلة وعلى جبههة كهل واحهد منههم‬
‫مكتوب (هذا منافق) فذلك سيماهم‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬قدر ال إظهارهم وأمر أن يخرجوا من المسجد‬
‫فأبوا إل أن يتمسههكوا بل إله إل ال‪ ،‬فحقنههت دماؤهههم ونكحوا وأنكحوا بههها‪" .‬ولتعرفنهههم فههي لحههن‬
‫القول" أي في فحواه ومعناه‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وخير الكلم ما كان لحنا‬
‫أي ما عرف بالمعنى ولم يصرح به‪ .‬مأخوذ من اللحن في العراب‪ ،‬وهو الذهاب عن الصواب‪،‬‬
‫ومنهه قول النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬إنكهم تختصهمون إلي ولعهل بعضكهم أن يكون ألحهن بحجتهه‬
‫من بعض] أي أذهب بها في الجواب لقوته على تصريف الكلم‪ .‬أبو زيد‪ :‬لحنت له (بالفتح) ألحن‬
‫لحنا إذا قلت له قول يفهمه عنك ويخفى على غيره‪ .‬ولحنه هو عني (بالكسر) يلحنه لحنا أي فهمه‪.‬‬
‫وألحنته أنا إياه‪ ،‬ولحنت الناس فاطنتهم‪ ،‬قال الفزاري‪:‬‬
‫ينعت الناعتون يوزن وزنا‬ ‫وحديث ألذه هو مما‬
‫وخير الحديث ما كان لحنا‬ ‫منطق رائع وتلحن أحيانا‬
‫يريد أنها تتكلم بشيء وهي تريد غيره‪ ،‬وتعرض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها وذكائها‪.‬‬
‫وقد قال تعالى‪" :‬ولتعرفنهم في لحن القول"‪ .‬وقال القتال الكلبي‪:‬‬
‫ولحنت لحنا ليس بالمرتاب‬ ‫ولقد وحيت لكم لكيما تفهموا‬
‫وقال مرار السدي‪:‬‬
‫صدودك ترضين الوشاة العاديا‬ ‫ولحنت لحنا فيه غش ورابني‬
‫قال الكلبهي‪ :‬فلم يتكلم بعهد نزولهها عنهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم منافهق إل عرفهه‪ .‬وقيهل‪ :‬كان‬
‫المنافقون يخاطبون النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بكلم تواضعوه فيمها بينههم‪ ،‬والنهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم يسهمع ذلك ويأخهذ بالظاههر المعتاد‪ ،‬فنبههه ال تعالى عليهه‪ ،‬فكان بعهد هذا يعرف المنافقيهن إذا‬
‫سمع كلمهم‪ .‬قال أنس‪ :‬فلم يخف منافق بعد هذه الية على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬عرفه‬
‫ال ذلك بوحهي أو علمهة عرفهها بتعريهف ال إياه‪" .‬وال يعلم أعمالكهم" أي ل يخفهى عليهه شيهء‬
‫منها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولنبلونكهم" أي نتعبدكهم بالشرائع لن علمنها عواقهب المور‪ .‬وقيهل‪ :‬لنعاملنكهم‬
‫معاملة المختهبرين‪" .‬حتهى نعلم المجاهديهن منكهم والصهابرين" عليهه‪ .‬قال ابهن عباس‪" :‬حتهى نعلم"‬
‫حتهى نميهز‪ .‬وقال على رضهي ال عنهه‪" .‬حتهى نعلم" حتهى نرى‪ .‬وقهد مضهى فهي "البقرة"‪ .‬وقراءة‬
‫العامة بالنون في "نبلونكم" و"نعلم" "ونبلو"‪ .‬وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء فيهن‪ .‬وروى رويس‬
‫عهن يعقوب إسهكان الواو مهن "نبلو" على القطهع ممها قبهل‪ .‬ونصهب الباقون ردا على قوله‪" :‬حتهى‬
‫نعلم"‪ .‬وهذا العلم هو العلم الذي يقع به الجزاء‪ ،‬لنه إنما يجازيهم بأعمالهم ل بعلمه القديم عليهم‪.‬‬
‫فتأويله‪ :‬حتهى نعلم المجاهديهن علم شهادة‪ ،‬لنههم إذا أمروا بالعمهل يشههد منههم مها عملوا‪ ،‬فالجزاء‬
‫بالثواب والعقاب يقههع على علم الشهادة‪" .‬ونبلو أخباركههم" نختبرههها ونظهرههها‪ .‬قال إبراهيههم بههن‬
‫الشعههث‪ :‬كان الفضيههل بههن عياض إذا قرأ هذه اليههة بكههى وقال‪ :‬اللهههم ل تبتلنهها فإنههك إذا بلوتنهها‬
‫فضحتنا وهتكت أستارنا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 32 :‬إن الذيهن كفروا وصهدوا عهن سهبيل ال وشاقوا الرسهول مهن بعهد مها تهبين لههم‬
‫الهدى لن يضروا ال شيئا وسيحبط أعمالهم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال" يرجع إلى المنافقين أو إلى اليهود‪ .‬وقال‬
‫ابهن عباس‪ :‬ههم المطعمون يوم بدر‪ .‬نظيرهها‪" :‬إن الذيهن كفروا ينفقون أموالههم ليصهدوا عهن سهبيل‬
‫ال" [النفال‪ ]36 :‬الية‪" .‬وشاقوا الرسول" أي عادوه وخالفوه‪" .‬من بعد ما تبين لهم الهدى" أي‬
‫علموا أنهه نهبي بالحجهج واليات‪" .‬لن يضروا ال شيئا" بكفرههم‪" .‬وسهيحبط أعمالههم" أي ثواب مها‬
‫عملوه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول ول تبطلوا أعمالكم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسهول" لمها بيهن حال الكفار أمهر‬
‫المؤمنيههن بلزوم الطاعههة فههي أوامره والرسههول فههي سههننه‪" .‬ول تبطلوا أعمالكههم" أي حسههناتكم‬
‫بالمعاصهههي‪ ،‬قال الحسههن‪ .‬وقال الزهري‪ :‬بالكبائر‪ .‬ابههن جريهههج‪ :‬بالرياء والسهههمعة‪ .‬وقال مقاتههل‬
‫والثمالي‪ :‬بالمههن‪ ،‬وهههو خطاب لمههن كان يمههن على النههبي صههلى ال عليههه وسههلم بإسههلمه‪ .‬وكله‬
‫متقارب‪ ،‬وقول الحسن يجمعه‪ .‬وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات‪ ،‬والمعاصي تخرج عن‬
‫اليمان‪.‬‬
‫@ احتهج علماؤنها وغيرههم بهذه اليهة على أن التحلل مهن التطوع ‪ -‬صهلة كان أو صهوما ‪ -‬بعهد‬
‫التلبهس بهه ل يجوز‪ ،‬لن فيهه إبطال العمهل وقهد نههى ال عنهه‪ .‬وقال مهن أجاز ذلك ‪ -‬وههو المام‬
‫الشافعي وغيره ‪ : -‬المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض‪ ،‬فنهى الرجل عن إحباط ثوابه‪ .‬فأما‬
‫مها كان نفل فل‪ ،‬لنهه ليهس واجبها عليهه‪ .‬فان زعموا أن اللفهظ عام فالعام يجوز تخصهيصه أن النفهل‬
‫تطوع‪ ،‬والتطوع يقتضي تخبيرا‪ .‬وعن أبي العالية كانوا يرون أنه ل يضر مع السلم ذنب‪ ،‬حتى‬
‫نزلت هذه الية فخافوا الكبائر أن تحبط العمال‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬يقول ال تعالى إذا عصيتم الرسول‬
‫فقد أبطلتم أعمالكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر ال لهم}‬
‫@ بين أن العتبار بالوفاة على الكفر يوجب الخلود في النار‪ .‬وقد مضى في "البقرة" الكلم فيه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن المراد بالية أصحابة القليب‪ .‬وحكمها عام‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬فل تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم العلون وال معكم ولن يتركم أعمالكم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تهنوا" أي تضعفوا عهن القتال‪ .‬والوههن‪ :‬الضعهف وقهد وههن النسهان ووهنهه‬
‫غيره‪ ،‬يتعدى ول يتعدى‪ .‬قال‪:‬‬
‫إنني لست بموهون فقر‬
‫ووههن أيضها (بالكسهر) وهنها أي ضعهف‪ ،‬وقرئ "فمها وهنوا" بضهم الهاء وكسهرها‪ .‬وقهد مضهى فهي‬
‫(آل عمران)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتدعوا إلى السلم" أي الصلح‪" .‬وأنتم العلون" أي وأنتم أعلم بال منهم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫وأنتم العلون في الحجة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى وأنتم الغالبون لنكم مؤمنون وإن غلبوكم في الظاهر في‬
‫بعض الحوال‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ل تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فهي حكمهها‪ ،‬فقيهل‪ :‬إنهها ناسهخة لقوله تعالى‪" :‬وإن جنحوا للسهلم فاجنهح لهها"‬
‫[النفال‪ ،]61 :‬لن ال تعالى منع من الميل إلى الصلح إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الصلح‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬منسوخة بقوله تعالى‪" :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها"‪ .‬وقيل‪ :‬هي محكمة‪ .‬واليتان نزلتا في‬
‫وقتين مختلفي الحال‪ .‬وقيل‪ :‬إن قوله‪" :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" مخصوص في قوم بأعيانهم‪،‬‬
‫والخرى عامههة‪ .‬فل يجوز مهادنههة الكفار إل عنههد الضرورة‪ ،‬وذلك إذا عجزنهها عههن مقاومتهههم‬
‫لضعهف المسهلمين‪ .‬وقهد مضهى هذا المعنهى مسهتوفى‪" .‬وال معكهم" أي بالنصهر والمعونهة‪ ،‬مثهل‪:‬‬
‫"وإن ال لمع المحسنين" [العنكبوت‪" :]69 :‬ولن يتركم أعمالكم" أي لن ينقصكم‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫وغيره‪ .‬ومنهه الموتور الذي قتهل له قتيهل فلم يدرك بدمهه‪ ،‬تقول منهه‪ :‬وتره يتره وترا وترة‪ .‬ومنهه‬
‫قوله عليهه السهلم‪[ :‬مهن فاتتهه صهلة العصهر فكأنمها وتهر أهله وماله] أي ذههب بهمها‪ .‬وكذلك وتره‬
‫حقه أي نقصه‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ولن يتركم أعمالكم" أي لن ينتقصكم في أعمالكم‪ ،‬كما تقول‪ :‬دخلت‬
‫البيهت‪ ،‬وأنهت تريهد فهي البيهت‪ ،‬قاله الجوهري‪ .‬الفراء‪" :‬ولن يتركهم" ههو مشتهق مهن الوتهر وههو‬
‫الفرد‪ ،‬فكان المعنى‪ :‬ولن يفردكم بغير ثواب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 - 36 :‬إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ول يسألكم‬
‫أموالكم‪ ،‬إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمهها الحياة الدنيها لعهب ولههو" تقدم فههي "النعام‪" .‬وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكهم‬
‫أجوركهم" شرط وجوابه‪" .‬ول يسهألكم أموالكهم" أي ل يأمركهم بإخراج جميعهها فهي الزكاة‪ ،‬بهل أمر‬
‫بإخراج البعض‪ ،‬قاله أين عيينة وغيره‪ .‬وقيل‪" :‬ل يسألكم أموالكم" لنفسه أو لحاجة منه إليها‪ ،‬إنما‬
‫يأمركم بالنفاق في سبيله ليرجع ثوابه إليكم‪ .‬وقيل‪" :‬ل يسألكم أموالكم" إنما يسألكم أمواله‪ ،‬لنه‬
‫المالك لها وهو المنعم بإعطائها‪ .‬وقيل‪ :‬ول يسألكم محمد أموالكم أجرا على تبليغ الرسالة‪ .‬نظيره‪:‬‬
‫"قل ما أسألكم عليه من أجر" [الفرقان‪ ]57 :‬الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يسهألكموها فيحفكهم" يلح عليكهم‪ ،‬يقال‪ :‬أحفهى بالمسهألة وألحهف وألح بمعنهى‬
‫واحهد‪ .‬والحفهي المسهتقصي فهي السهؤال‪ ،‬وكذلك الحفاء السهتقصاء فهي الكلم والمنازعهة‪ .‬ومنهه‬
‫أحفهى شاربهه أي اسهتقصى فهي أخذه‪" .‬تبخلوا ويخرج أضغانكهم" أي يخرج البخهل أضغانكهم‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬قهد علم ال أن فهي سهؤال المال خروج الضغان‪ .‬وقرأ ابهن عباس ومجاههد وابهن محيصهن‬
‫وحميهد "وتخرج" بتاء مفتوحهة وراء مضمومهة‪" .‬أضغانكهم" بالرفهع لكونهه الفاعهل‪ .‬وروى الوليهد‬
‫عهن يعقوب الحضرمهي "ونخرج" بالنون‪ .‬وأبهو معمهر عهن عبدالوارث عهن أبهي عمرو "ومخرج"‬
‫بالرفع في الجيم على القطع والستئناف والمشهور عنه "ويخرج" كسائر القراء‪ ،‬عطف على ما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬ها أنتم هؤلء تدعون لتنفقوا في سبيل ال فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل‬
‫عن نفسه وال الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ها أنتم هؤلء تدعون" أي ها أنتم هؤلء أيها المؤمنون تدعون "لتنفقوا في سبيل‬
‫ال" أي فهي الجهاد وطريهق الخيهر‪" .‬فمنكهم مهن يبخهل ومهن يبخهل فإنمها يبخهل عهن نفسهه" أي على‬
‫نفسهه‪ ،‬أي يمنعهها الجهر والثواب‪" .‬وال الغنهي" أي إنهه ليهس بمحتاج إلى أموالكهم‪" .‬وأنتهم الفقراء"‬
‫إليهها‪" .‬وإن تتولوا يسهتبدل قومها غيركهم ثهم ل يكونوا أمثالكهم" أي أطوع ل منكهم‪ .‬روى الترمذي‬
‫عههن أبههى هريرة قال‪ :‬تل رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم هذه اليههة "وإن تتولوا يسههتبدل قومهها‬
‫غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم" قالوا‪ :‬ومن يستبدل بنا؟ قال‪ :‬فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫على منكب سلمان ثم قال‪[ :‬هذا وقومه‪ .‬هذا وقومه] قال‪ :‬حديث غريب في إسناده مقال‪ .‬وقد روى‬
‫عبدال بن جعفر بن نجيح والد على بن المديني أيضا هذا الحديث عن العلء بن عبدالرحمن عن‬
‫أبيه عن أبي هريرة قال‪ :‬قال أنس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يا رسول ال‪ ،‬من‬
‫هؤلء الذيهن ذكهر ال إن تولينها اسهتبدلوا ثهم ل يكونوا أمثالنها؟ قال‪ :‬وكان سهلمان جنهب رسهول ال‬
‫صههلى ال عليههه وسههلم قال‪ :‬فضرب رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فخههذ سههلمان‪ ،‬قال‪[ :‬هذا‬
‫وأصحابه‪ .‬والذي نفسي بيده لو كان اليمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس]‪ .‬وقال الحسن‪:‬‬
‫هم العجم‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬هم فارس والروم‪ .‬قال المحاسبي‪ :‬فل أحد بعد العربي من جميع أجناس‬
‫العاجهم أحسهن دينها‪ ،‬ول كانهت العلماء منههم إل الفرس‪ .‬وقيهل‪ :‬إنههم اليمهن‪ ،‬وههم النصهار‪ ،‬قال‬
‫شريح بن عبيد‪ .‬وكذا قال ابن عباس‪ :‬هم النصهار‪ .‬وعنه أنهم الملئكة‪ .‬وعنه هم التابعون‪ .‬وقال‬
‫مجاههد‪ :‬إنههم مهن شاء مهن سهائر الناس‪ .‬قال الطهبري‪ :‬أي فهي البخهل بالنفاق فهي سهبيل ال‪ .‬وحكهي‬
‫عهن أبهي موسهى الشعري أنه لمها نزلت هذه اليهة فرح بهها رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وقال‪:‬‬
‫[هي أحب إلي من الدنيا]‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫ختمت السورة بحمد ال وعونه‪ ،‬وصلى ال على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه الطهار‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الفتح‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مدنية بإجماع‪ ،‬وهي تسع وعشرون آية‪ .‬ونزلت ليل بين مكة والمدينة في شأن الحديبية‪ .‬روى‬
‫محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم‪ ،‬قال‪ :‬نزلت‬
‫سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها‪ .‬وفي الصحيحين عن زيد بن‬
‫أسلم عن أبيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يسهير فهي بعض أسفاره وعمر بن الخطاب‬
‫يسير معه ليل فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم سأله فلم يجبه‪،‬‬
‫ثهم سهأله فلم يجبهه‪ ،‬فقال عمهر بهن الخطاب‪ :‬ثكلت أم عمهر‪ ،‬نزرت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫ثلث مرات كل ذلك لم يجبك‪ ،‬فقال عمر‪ :‬فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل‬
‫فهي قرآن‪ ،‬فمها نشبهت أن سهمعت صهارخا يصهرخ بهي‪ ،‬فقلت‪ :‬لقهد خشيهت أن يكون نزل فهي قرآن‪،‬‬
‫فجئت رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلمت عليه‪ ،‬فقال‪[ :‬لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب‬
‫إلي ممها طلعهت عليهه الشمهس ‪ -‬ثهم قرأ ‪" -‬إنها فتحنها لك فتحها مبينها"] لفهظ البخاري‪ .‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫حديث حسن غريب صحيح‪ .‬وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال‪ :‬لما نزلت‪:‬‬
‫"إنها فتحنها لك فتحها مبينها‪ .‬ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر ويتهم نعمتهه عليهك ويهديهك‬
‫صهراطا مسهتقيما ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬فوزا عظيمها" مرجعهه مهن الحديبيهة وههم يخالطههم الحزن والكآبهة‪،‬‬
‫وقد نحر الهدي بالحديبية‪ ،‬فقال‪[ :‬لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا]‪ .‬وقال عطاء‬
‫عن ابن عباس‪ :‬إن اليهود شتموا النبي صلى ال عليه وسلم والمسلمين لما نزل قوله تعالى‪" :‬وما‬
‫أدري ما يفعل بي ول بكم" [الحقاف‪ ]9 :‬وقالوا‪ :‬كيف نتبع رجل ل يدري ما يفعل به فاشتد ذلك‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى‪" :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا‪ .‬ليغفر لك ال ما تقدم من‬
‫ذنبهك ومها تأخهر"‪ .‬ونحوه قال مقاتل بن سليمان‪ :‬لما نزل قوله تعالى‪" :‬وما أدري ما يفعهل بهي ول‬
‫بكم" [الحقاف‪ ]9 :‬فرح المشركون والمنافقون وقالوا‪ :‬كيف نتبع رجل ل يدري ما يفعل به ول‬
‫بأصههحابه‪ ،‬فنزلت بعههد مهها رجههع مههن الحديبيههة‪" :‬إنهها فتحنهها لك فتحهها مبينهها" أي قضينهها لك قضاء‪.‬‬
‫فنسهخت هذه اليهة تلك‪ .‬فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬لقهد أنزلت علي سهورة مها يسهرني بهها‬
‫حمهر النعم]‪ .‬وقال المسهعودي‪ :‬بلغني أنه من قرأ سهورة الفتهح في أول ليلة من رمضان فهي صهلة‬
‫التطوع حفظه ال ذلك العام‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا}‬
‫@ اختلف في هذا الفتح ما هو؟ ففي البخاري حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا‬
‫شعبهة قال سهمعت قتادة عهن أنهس "إنها فتحنها لك فتحها مبينها" قال‪ :‬الحديبيهة‪ .‬وقال جابر‪ :‬مها كنها نعهد‬
‫فتح مكة إل يوم الحديبية‪ .‬وقال الفراء‪ :‬تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد‬
‫الفتهح بيعهة الرضوان يوم الحديبيهة‪ ،‬كنها نعهد مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أربهع عشرة مائة‪،‬‬
‫والحديبية بئر‪ .‬وقال الضحاك‪" :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا" بغير قتال‪ .‬وكان الصلح من الفتح‪ .‬وقال‬
‫مجاههد‪ :‬ههو منحره بالحديبيهة وحلقهه رأسهه‪ .‬وقال‪ :‬كان فتهح الحديبيهة آيهة عظيمهة‪ ،‬نزح ماؤهها فمهج‬
‫فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه‪ .‬وقال موسى بن عقبة‪ :‬قال رجل عند منصرفهم‬
‫من الحديبية‪ :‬ما هذا بفتح‪ ،‬لقد صدونا عن البيت‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬بل هو أعظم‬
‫الفتوح قهد رضهي المشركون أن يدفعوكهم عهن بلدههم بالراح ويسهألكم القضيهة ويرغبوا إليكهم فهي‬
‫المان وقد رأوا منكم ما كرهوا]‪ .‬وقال الشعبي في قوله تعالى‪" :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا" قال‪ :‬هو‬
‫فتح الحديبية‪ ،‬لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة‪ ،‬غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬وبويع‬
‫بيعههههة الرضوان‪ ،‬وأطعموا نخههههل خيههههبر‪ ،‬وبلغ الهدي محله‪ ،‬وظهرت الروم على فارس‪ ،‬ففرح‬
‫المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس‪ .‬وقال الزهري‪ :‬لقد كان الحديبية أعظم الفتوح‪ ،‬وذلك‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة‪ ،‬فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم‬
‫في بعض وعلموا وسمعوا عن ال‪ ،‬فما أراد أحد السلم إل تمكن منه‪ ،‬فما مضت تلك السنتان إل‬
‫والمسههلمون قههد جاؤوا إلى مكههة فههي عشرة آلف‪ .‬وقال مجاهههد أيضهها والعوفههي‪ :‬هههو فتههح خههبير‪.‬‬
‫والول أكثههر‪ ،‬وخيههبر إنمهها كانههت وعدا وعدوه‪ ،‬على مهها يأتههي بيانههه فههي قوله تعالى‪" :‬سههيقول‬
‫المخلفون إذا انطلقتهم" [الفتهح‪ ]10 :‬وقوله‪" :‬وعدكهم ال مغانهم كثيرة تأخذونهها فعجهل لكهم هذه"‬
‫[الفتح‪ .]20 :‬وقال مجمع بن جارية ‪ -‬وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن ‪ : -‬شهدنا الحديبية مع‬
‫النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪ ،‬فلمهها انصههرفنا عنههها إذا الناس يهزون الباعههر‪ ،‬فقال بعههض الناس‬
‫لبعههض‪ :‬مهها بال الناس؟ قالوا‪ :‬أوحههى ال إلى النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪ .‬قال‪ :‬فخرجنهها نوجههف‬
‫فوجدنا نبي ال صلى ال عليه وسلم عند كراع الغميم‪ ،‬فلما اجتمع الناس قرأ النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" فقال عمر بن الخطاب‪ :‬أو فتح هو يا رسول ال؟ قال‪[ :‬نعم‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيده إنه لفتح]‪ .‬فقسمت خيبر على أهل الحديبية‪ ،‬لم يدخل أحد إل من شههد الحديبية‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إن قوله تعالى‪" :‬فتحا" يدل على أن مكة فتحت عنوة‪ ،‬لن اسم الفتح ل يقع مطلقا إل على ما فتح‬
‫عنوة‪ .‬هذا هو حقيقة السم‪ .‬وقد يقال‪ :‬فتح البلد صلحا‪ ،‬فل يفهم الصلح إل بأن يقرن بالفتح‪ ،‬فصار‬
‫الفتح في الصلح مجازا‪ .‬والخبار دالة على أنها فتحت عنوة‪ ،‬وقد مضى القول فيها‪ ،‬ويأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 2 :‬ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر ويتهم نعمتهه عليهك ويهديهك صهراطا‬
‫مستقيما‪ ،‬وينصرك ال نصرا عزيزا}‬
‫@ قال ابن النباري‪" :‬فتحا مبينا" غير تام‪ ،‬لن قوله‪" :‬ليغفر لك ال ما تقدم" متعلق بالفتح‪ .‬كأنه‬
‫قال‪ :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجمع ال لك مع الفتح المغفرة‪ ،‬فيجمع ال لك به ما تقر به عينك‬
‫فهي الدنيها والخرة‪ .‬وقال أبهو حاتهم السهجستاني‪ :‬ههي لم القسهم‪ .‬وهذا خطهأ‪ ،‬لن لم القسهم ل تكسهر‬
‫ول ينصهب بهها‪ ،‬ولو جاز هذا لجاز‪ :‬ليقوم زيهد‪ ،‬بتأويهل ليقومهن زيهد‪ .‬الزمخشري‪ :‬فإن قلت كيهف‬
‫جعههل فتههح مكههة علة للمغفرة؟ قلت‪ :‬لم يجعههل علة للمغفرة‪ ،‬ولكههن لجتماع مهها عدد مههن المور‬
‫الربعهة‪ ،‬وههي‪ :‬المغفرة‪ ،‬وإتمام النعمهة‪ ،‬وهدايهة الصهراط المسهتقيم‪ ،‬والنصهر العزيهز‪ .‬كأنهه قال‬
‫يسههرنا لك فتههح مكههة ونصههرناك على عدوك ليجمههع لك عههز الداريههن وأعراض العاجههل والجههل‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب‪ .‬وفي الترمذي عن أنس‬
‫قال‪ :‬أنزلت على النبي صلى ال عليه وسلم "ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" مرجعه من‬
‫الحديبية‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الرض]‪.‬‬
‫ثهم قرأهها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عليههم‪ ،‬فقالوا‪ :‬هنيئا مريئا يها وسهول ال‪ ،‬لقهد بيهن ال لك ماذا‬
‫يفعههل بههك‪ ،‬فماذا يفعههل بنهها‪ ،‬فنزلت عليههه‪" :‬ليدخههل المؤمنيههن والمؤمنات جنات تجري مههن تحتههها‬
‫النهار ‪ -‬حتى بلغ ‪ -‬فوزا عظيما" قال حديث حسن صحيح‪ .‬وفيه عن مجمع بن جارية‪ .‬واختلف‬
‫أههل التأويهل فهي معنهى "ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر" فقيهل‪" :‬مها تقدم مهن ذنبهك" قبهل‬
‫الرسهالة‪" .‬ومها تأخهر" بعدهها‪ ،‬قال مجاههد‪ .‬ونحوه قال الطهبري وسهفيان الثوري‪ ،‬قال الطهبري‪ :‬ههو‬
‫راجع إلى قوله تعالى‪" :‬إذا جاء نصر ال والفتح" إلى قول "توابا" [النصر‪" .]3 - 1 :‬ليغفر لك‬
‫ال مها تقدم مهن ذنبهك" قبهل الرسهالة "ومها تأخهر" إلى وقهت نزول هذه اليهة‪ .‬وقال سهفيان الثوري‪:‬‬
‫"ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك" ذنبك" ما عملته في الجاهلية من قبل أن يوحى إليك‪" .‬وما تأخر"‬
‫كل شيء لم تعمله‪ ،‬وقاله الواحدي‪ .‬وقد مضى الكلم في جريان الصغائر على النبياء في سورة‬
‫"البقرة"‪ ،‬فهذا قول‪ .‬وقيل‪" :‬ما تقدم" قبل الفتح‪" .‬وما تأخر" بعد الفتح‪ .‬وقيل‪" :‬ما تقدم" قبل نزول‬
‫هذه اليهة‪" .‬ومها تأخهر" بعدهها‪ .‬وقال عطاء الخرسهاني‪" :‬مها تقدم مهن ذنبهك" يعنهي مهن ذنهب أبويهك‬
‫آدم وحواء‪" .‬ومها تأخهر" مهن ذنوب أمتهك‪ .‬وقيهل‪ :‬مهن ذنهب أبيهك إبراهيهم‪" .‬ومها تأخهر" مهن ذنوب‬
‫النهبيين‪ .‬وقيهل‪" :‬مها تقدم" مهن ذنهب يوم بدر‪" .‬ومها تأخهر" مهن ذنهب يوم حنيهن‪ .‬وذلك أن الذنهب‬
‫المتقدم يوم بدر‪ ،‬أنهه جعهل يدعهو ويقول‪" :‬اللههم إن تهلك هذه العصهابة ل تعبهد فهي الرض أبدا"‬
‫وجعهل يردد هذا القول دفعات‪ ،‬فأوحهى ال إليهه‪ :‬مهن أيهن تعلم أنهي لو أهلكهت هذه العصهابة ل أعبهد‬
‫أبدا‪ ،‬فكان هذا الذنهب المتقدم‪ .‬وأمها الذنهب المتأخهر فيوم حنيهن‪ ،‬لمها انهزم الناس قال لعمهه العباس‬
‫ولبهن عمهه أبهي سهفيان‪[ :‬ناولنهي كفها مهن حصهباء الوادي] فناوله فأخذه بيده ورمهى بهه فهي وجوه‬
‫المشركيهن وقال‪[ :‬شاههت الوجوه‪ .‬حهم‪ .‬ل ينصهرون] فانهزم القوم عهن آخرههم‪ ،‬فلم يبهق أحهد إل‬
‫امتلت عيناه رمل وحصهباء‪ .‬ثم نادى فهي أصحابه فرجعوا فقال لهم عند رجوعهم‪[ :‬لو لم أرمههم‬
‫لم ينهزموا] فأنزل ال عز وجل‪" :‬وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى" [النفال‪ ]17 :‬فكان هذا‬
‫هو الذنب المتأخر‪ .‬وقال أبو علي الروذباري‪ :‬يقول لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويتم نعمته عليك" قال ابن عباس‪ :‬في الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬بالنبوة والحكمة‪ .‬وقيل‪ :‬بفتح‬
‫مكة والطائف وخيبر‪ .‬وقيل‪ :‬بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر‪" .‬ويهديهك صهراطا مستقيما"‬
‫أي يثبتهك على الهدى إلى أن يقبضهك إليهه‪" .‬وينصهرك ال نصهرا عزيزا" أي غالبها منيعها ل يتبعهه‬
‫ذل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 4 :‬ههو الذي أنزل السهكينة فهي قلوب المؤمنيهن ليزدادوا إيمانها مهع إيمانههم ول جنود‬
‫السماوات والرض وكان ال عليما حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين" "السكينة"‪ :‬السكون والطمأنينة‪ .‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬كل سكينة في القرآن هي الطمأنينة إل التي في "البقرة"‪" .‬ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم"‬
‫قال ابهن عباس‪ :‬بعهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بشهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬فلمها صهدقوه فيهها زادههم‬
‫الصلة‪ ،‬فلما صدقوه زادهم الزكاة‪ ،‬فلما صدقوه زادهم الصيام‪ ،‬فلما صدقوه زادهم الحج‪ ،‬ثم أكمل‬
‫لهههم دينهههم‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬ليزدادوا إيمانهها مههع إيمانهههم" أي تصههديقا بشرائع اليمان مههع تصههديقهم‬
‫باليمان‪ .‬وقال الربيهع بهن أنهس‪ :‬خشيهة مهع خشيتههم‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يقينها مهع يقينههم‪" .‬ول جنود‬
‫السهماوات والرض" قال ابهن عباس‪ :‬يريهد الملئكهة والجهن والشياطيهن والنهس "وكان ال عليمها"‬
‫بأحوال خلقه "حكيما" فيما يريده‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 5 :‬ليدخهل المؤمنيهن والمؤمنات جنات تجري مهن تحتهها النهار خالديهن فيهها ويكفهر‬
‫عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند ال فوزا عظيما}‬
‫@ أي أنزل السكينة ليزدادوا إيمانا‪ .‬ثم تلك الزيادة بسبب إدخالهم الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬اللم في "ليدخل"‬
‫يتعلق بمهها يتعلق بههه اللم فههي قوله‪" :‬ليغفههر لك ال" "وكان ذلك" أي ذلك الوعههد مههن دخول مكههة‬
‫وغفران الذنوب‪" .‬عند ال فوزا عظيما" أي نجاة من كل غم‪ ،‬وظفرا بكل مطلوب‪ .‬وقيل‪ :‬لما قرأ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم على أصحابه "ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" قالوا‪ :‬هنيئا لك‬
‫يا رسول ال‪ ،‬فماذا لنا؟ فنزل‪" :‬ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات" ولما قرأ "ويتم نعمته عليك"‬
‫قالوا‪ :‬هنيئا لك‪ ،‬فنزلت‪" :‬وأتممت عليكم نعمتي" [المائدة‪ ]3 :‬فلما قرأ "ويهديك صراطا مستقيما"‬
‫نزل فهي حهق المهة‪" :‬ويهديهك صهراطا مسهتقيما" [الفتهح‪ .]2 :‬ولمها قال‪" :‬وينصهرك ال نصهرا‬
‫عزيزا" [الفتهح‪ ]3 :‬نزل‪" :‬وكان حقها علينها نصهر المؤمنيهن" [الروم‪ .]47 :‬وههو كقوله تعالى‪:‬‬
‫"إن ال وملئكتهه يصهلون على النهبي يها أيهها الذيهن آمنوا صهلوا عليهه وسهلموا تسهليما" [الحزاب‪:‬‬
‫‪ .]56‬ثم قال‪" :‬هو الذي يصلي عليكم" [الحزاب‪ ]43 :‬ذكره القشيري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{7 - 6 :‬ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بال ظن السوء‬
‫عليهههم دائرة السههوء وغضههب ال عليهههم ولعنهههم وأعههد لهههم جهنههم وسههاءت مصههيرا‪ ،‬ول جنود‬
‫السماوات والرض وكان ال عزيزا حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويعذب المنافقيهن والمنافقات والمشركيهن والمشركات" أي بإيصهال الهموم إليههم‬
‫بسبب علو كلمة المسلمين‪ ،‬وبأن يسلط النبي عليه السلم قتل وأسرا واسترقاقا‪" .‬الظانين بال ظن‬
‫السوء" يعني ظنهم أن النبي صلى ال عليه وسلم ل يرجع إلى المدينة‪ ،‬ول أحد من أصحابه حين‬
‫خرج إلى الحديبيههة‪ ،‬وأن المشركيههن يسههتأصلونهم‪ .‬كمهها قال‪" :‬بههل ظننتههم أن لن ينقلب الرسههول‬
‫والمؤمنون إلى أهليههم أبدا" [الفتهح‪ .]12 :‬وقال الخليهل وسهيبويه‪" :‬السهوء" هنها الفسهاد‪" .‬عليههم‬
‫دائرة السهوء" فهي الدنيها بالقتهل والسهبي والسهر‪ ،‬وفهي الخرة جهنهم‪ .‬وقرأ ابهن كثيهر وأبهو عمرو‬
‫"دائرة السوء" بالضم‪ .‬وفتح الباقون‪ .‬قال الجوهري‪ :‬ساءه يسوءه سوءا (بالفتح) ومساءة ومساية‪،‬‬
‫نقيض سره‪ ،‬والسم السوء (بالضم)‪ .‬وقرئ "عليهم دائرة السوء" يعني الهزيمة والشر‪ .‬ومن فتح‬
‫فهههو مههن المسههاءة‪" .‬وغضههب ال عليهههم ولعنهههم وأعههد لهههم جهنههم وسههاءت مصههيرا‪ .‬ول جنود‬
‫السهماوات والرض وكان ال عزيزا حكيمها" تقدم فهي غيهر موضهع جميعهه‪ .‬والحمهد ل‪ .‬وقيهل‪ :‬لمها‬
‫جرى صهلح الحديبيهة قال ابهن أُبهي‪ :‬أيظهن محمهد أنهه إذا صهالح أههل مكهة أو فتحهها ل يبقهى له عدو‪،‬‬
‫فأين فارس والروم فبين ال عز وجل أن جنود السموات والرض أكثر من فارس والروم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يدخههل فيههه جميههع المخلوقات‪ .‬وقال ابههن عباس‪" :‬ول جنود السههموات" الملئكههة‪ .‬وجنود الرض‬
‫المؤمنون‪ .‬وأعاد لن الذي سهبق عقيهب ذكهر المشركيهن مهن قريهش‪ ،‬وهذا عقيهب ذكهر المنافقيهن‬
‫وسائر المشركين‪ .‬والمراد في الموضعين التخويف والتهديد‪ .‬فلو أراد إهلك المنافقين والمشركين‬
‫لم يعجزه ذلك‪ ،‬ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 - 8 :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‪ ،‬لتؤمنوا بال ورسوله وتعزروه وتوقروه‬
‫وتسبحوه بكرة وأصيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنها أرسهلناك شاهدا" قال قتادة‪ :‬على أمتهك بالبلغ‪ .‬وقيهل‪ :‬شاهدا عليههم بأعمالههم‬
‫مهن طاعهة أو معصهية‪ .‬وقيهل‪ :‬مبينها لههم مها أرسهلناك به إليههم‪ .‬وقيهل‪ :‬شاهدا عليههم يوم القيامهة‪ .‬فههو‬
‫شاههد أفعالههم اليوم‪ ،‬والشهيهد عليههم يوم القيامهة‪ .‬وقهد مضهى فهي "النسهاء" عهن سهعيد بهن جهبير هذا‬
‫المعنى مبينا‪" .‬ومبشرا" لمن أطاعه بالجنة‪" .‬ونذيرا" من النار لمن عصى‪ ،‬قاله قتادة وغيره‪ .‬وقد‬
‫مضههى فههي "البقرة" اشتقاق البشارة والنذارة ومعناهمهها‪ .‬وانتصههب "شاهدا ومبشرا ونذيرا" على‬
‫الحال المقدرة‪ .‬حكههى سههيبويه‪ :‬مررت برجههل معهه صههقر صههائدا بههه غدا‪ ،‬فالمعنههى‪ :‬إنهها أرسههلناك‬
‫مقدرين بشهادتك يوم القيامة‪ .‬وعلى هذا تقول‪ :‬رأيت عمرا قائما غدا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتؤمنوا بال ورسوله" قرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو "ليؤمنوا" بالياء‪،‬‬
‫وكذلك "يعزروه ويوقروه ويسهبحوه" كله بالياء على الخبر‪ .‬واختاره أبو عبيد لذكهر المؤمنين قبله‬
‫وبعده‪ ،‬فأما قبله فقوله‪" :‬ليدخل" وأما بعده فقوله‪" :‬إن الذين يبايعونك" [الفتح‪ ]10 :‬الباقون بالتاء‬
‫على الخطاب‪ ،‬واختاره أبههههو حاتههههم‪" .‬وتعزروه" أي تعظموه وتفخموه‪ ،‬قاله الحسههههن والكلبههههي‪،‬‬
‫والتعزيز‪ :‬التعظيم والتوقير‪ .‬وقال قتادة‪ :‬تنصروه وتمنعوا منه‪ .‬ومنه التعزير في الحد‪ .‬لنه مانع‪.‬‬
‫قال القطامي‪:‬‬
‫تعاتب والمودود ينفعه العزر‬ ‫أل بكرت مي بغير سفاهة‬
‫وقال ابهن عباس وعكرمهة‪ :‬تقاتلون معهه بالسهيف‪ .‬وقال بعهض أههل اللغهة‪ :‬تطيعوه‪" .‬وتوقروه" أي‬
‫تسودوه‪ ،‬قاله السدي‪ .‬وقيل تعظموه‪ .‬والتوقير‪ :‬التعظيم والترزين أيضا‪ .‬والهاء فيهما للنبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم‪ .‬وهنها وقهف تام‪ ،‬ثهم تبتدئ "وتسهبحوه" أي تسهبحوا ال "بكرة وأصهيل" أي عشيها‪.‬‬
‫وقيهههل‪ :‬الضمائر كلهههها ل تعالى‪ ،‬فعلى هذا يكون تأويهههل "تعزروه وتوقروه" أي تثبتوا له صهههحة‬
‫الربوبية وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك‪ .‬واختار هذا القول القشيري‪ .‬والول قول الضحاك‪،‬‬
‫وعليههه يكون بعههض الكلم راجعهها إلى ال سههبحانه وتعالى وهههو "وتسههبحوه" مههن غيههر خلف‪.‬‬
‫وبعضهه راجعها إلى رسهول صهلى ال عليهه وسهلم وههو "وتعزروه وتوقروه" أي تدعوه بالرسهالة‬
‫والنبوة ل بالسههم والكنيههة‪ .‬وفههي "تسههبحوه" وجهان‪ :‬تسههبيحه بالتنزيههه له سههبحانه مههن كههل قبيههح‪.‬‬
‫والثانهي‪ :‬ههو فعهل الصهلة التهي فيهها التسهبيح‪" .‬بكرة وأصهيل" أي غدوة وعشيها‪ .‬وقهد مضهى القول‬
‫فيه‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وأجلس في أفيائه بالصائل‬ ‫لعمري لنت البيت أكرم أهله‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال يد ال فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على‬
‫نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه ال فسيؤتيه أجرا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين يبايعونك" بالحديبية يا محمد‪" .‬إنما يبايعون ال" بين أن بيعتهم لنبيه إنما‬
‫هي بيعة ال‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال" [النساء‪ .]80 :‬وهذه المبايعة هي‬
‫بيعهة الرضوان‪ ،‬على مها يأتهي بيانهها فهي هذه السهورة إن شاء ال تعالى‪" .‬يهد ال فوق أيديههم" قيهل‪:‬‬
‫يده فهي الثواب فوق أيديههم فهي الوفاء‪ ،‬ويده فهي المنهة عليههم بالهدايهة فوق أيديههم فهي الطاعة‪ .‬وقال‬
‫الكلبهي‪ :‬معناه نعمهة ال عليههم فوق مها صهنعوا مهن البيعهة‪ .‬وقال ابهن كيسهان‪ :‬قوه ال ونصهرته فوق‬
‫قوتهم ونصرتهم‪" .‬فمن نكث" بعد البيعة‪" .‬فإنما ينكث على نفسه" أي يرجع ضرر النكث عليه‪،‬‬
‫لنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب‪" .‬ومن أوفى بما عاهد عليه ال" قيل في البيعة‪ .‬وقيل في‬
‫إيمانهه‪ .‬وقرأ حفهص والزهري "عليهه" بضهم الهاء‪ .‬وجرهها الباقون‪" .‬فسهيؤتيه أجرا عظيمها" يعنهي‬
‫فهي الجنهة‪ .‬وقرأ نافهع وابهن كثيهر وابهن عامهر "فسهنؤتيه" بالنون‪ .‬واختاره الفراء وأبهو معاذ‪ .‬وقرأ‬
‫الباقون بالياء‪ .‬وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم‪ ،‬لقرب اسم ال منه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 11 :‬سهيقول لك المخلفون مهن العراب شغلتنها أموالنها وأهلونها فاسهتغفر لنها يقولون‬
‫بألسهنتهم مها ليهس فهي قلوبههم قهل فمهن يملك لكهم مهن ال شيئا إن أراد بكهم ضرا أو أراد بكهم نفعها بهل‬
‫كان ال بما تعملون خبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيقول لك المخلفون من العراب" قال مجاهد وابن عباس‪ :‬يعني أعراب غفار‬
‫ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والديل‪ ،‬وهم العراب الذين كانوا حول المدينة‪ ،‬تخلفوا عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح‪ ،‬بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه‬
‫حذرا مههن قريههش‪ ،‬وأحرم بعمرة وسههاق معههه الهدي‪ ،‬ليعلم الناس أنههه ل يريههد حربهها فتثاقلوا عنههه‬
‫واعتلوا بالشغهههل‪ ،‬فنزلت‪ .‬وإنمههها قال‪" :‬المخلفون" لن ال خلفههههم عهههن صهههحبة نهههبيه‪ .‬والمخلف‬
‫المتروك‪ .‬وقد مضى في "التوبة"‪" .‬شغلتنا أموالنا وأهلونا" أي ليس لنا من يقوم بهما‪" .‬فاستغفر‬
‫لنهها" جاؤوا يطلبون السههتغفار واعتقادهههم بخلف ظاهرهههم‪ ،‬ففضحهههم ال تعالى بقوله‪" :‬يقولون‬
‫بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" وهذا هو النفاق المحض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل فمن يملك لكم من ال شيئا إن أراد بكم ضرا" قرأ حمزة والكسائي "ضرا"‬
‫بضهم الضاد هنها فقهط‪ ،‬أي أمرا يضركهم‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬الهزيمهة‪ .‬الباقون بالفتهح‪ ،‬وههو مصهدر‬
‫ضررته ضرا‪ .‬وبالضم اسم لما ينال النسان من الهزال وسوء الحال‪ .‬والمصدر يؤدي عن المرة‬
‫وأكثهر‪ .‬واختاره أبهو عبيهد وأبهو حاتهم‪ ،‬قال‪ :‬لنهه قابله بالنفهع وههو ضهد الضهر‪ .‬وقيهل‪ :‬همها لغتان‬
‫بمعنى‪ ،‬كالفقر والفقر والضعف والضعف‪" .‬أو أراد بكم نفعا" أي نصرا وغنيمة‪ .‬وهذا رد عليهم‬
‫حين ظنوا أن التخلف عن الرسول يدفع عنهم الضر ويعجل لهم النفع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم‬
‫وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا" وذلك أنهم قالوا‪ :‬إن‬
‫محمدا وأصهحابه أكلة رأس ل يرجعون‪" .‬وزيهن ذلك" أي النفاق‪" .‬فهي قلوبكهم" وهذا التزييهن مهن‬
‫الشيطان‪ ،‬أو يخلق ال ذلك في قلوبهم‪" .‬وظننتم ظن السوء" أن ال ل ينصر رسوله‪" .‬وكنتم قوما‬
‫بورا" أي هلكهى‪ ،‬قاله مجاههد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬فاسهدين ل يصهلحون لشيهء مهن الخيهر‪ .‬قال الجوهري‪:‬‬
‫البور‪ :‬الرجل الفاسد الهالك الذي ل خير فيه‪ .‬قال عبدال بن الزبعرى السهمي‪:‬‬
‫راتق ما فتقت إذ أنا بور‬ ‫يا رسول المليك إن لساني‬
‫وامرأة بور أيضها‪ ،‬حكاه أبهو عبيهد‪ .‬وقوم بور هلكهى‪ .‬قال تعالى‪" :‬وكنتهم قومها بورا" وههو جمهع‬
‫بائر‪ ،‬مثهل حائل وحول‪ .‬وقهد بار فلن أي هلك‪ .‬وأباره ال أي أهلكهه‪ .‬وقيهل‪" :‬بورا" أشرارا‪ ،‬قاله‬
‫ابن بحر‪ .‬وقال حسان بن ثابت‪:‬‬
‫يهدي الله سبيل المعشر البور‬ ‫ل ينفع الطول من نوك الرجال وقد‬
‫أي الهالك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬ومن لم يؤمن بال ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا}‬
‫@ وعيد لهم‪ ،‬وبيان أنهم كفروا بالنفاق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬ول ملك السماوات والرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان ال غفورا‬
‫رحيما}‬
‫@ أي هو غني عن عباده‪ ،‬وإنما ابتلهم بالتكليف ليثيب من آمن ويعاقب من كفر وعصى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا‬
‫كلم ال قل لن تتبعونا كذلكم قال ال من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا ل يفقهون إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها" يعني مغانم خيبر‪ ،‬لن ال عز‬
‫وجهل وعهد أههل الحديبيهة فتهح خيهبر‪ ،‬وأنهها لههم خاصهة مهن غاب منههم ومهن حضهر‪ .‬ولم يغهب منههم‬
‫عنهها غيهر جابر بهن عبدال فقسهم له رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم كسههم مهن حضهر‪ .‬قال ابهن‬
‫إسحاق‪ :‬وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار بن صخر النصاري من بني سلمة‪ ،‬وزيد بن ثابت من‬
‫بني النجار‪ ،‬كانا حاسبين قاسمين‪" .‬ذرونا نتبعكم" أي دعونا‪ .‬تقول‪ :‬ذره‪ ،‬أي دعه‪ .‬وهو يذره‪ ،‬أي‬
‫يدعهه‪ .‬وأصهله وذره يذره مثال وسهعه يسهعه‪ .‬وقهد أميهت صهدره‪ ،‬ل يقال‪ :‬وذره ول واذر‪ ،‬ولكهن‬
‫تركه وهو تارك‪ .‬قال مجاهد‪ :‬تخلفوا عن الخروج إلى مكة‪ ،‬فلما خرج النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وأخهذ قومها ووجهه بههم قالوا ذرونها نتبعكهم فنقاتهل معكهم‪" .‬يريدون أن يبدلوا كلم ال" أي يغيروا‪.‬‬
‫قال ابههن زيههد‪ :‬هههو قوله تعالى‪" :‬فاسههتأذنوك للخروج فقههل لن تخرجوا معههي أبدا ولن تقاتلوا معههي‬
‫عدوا" [التوبة‪ ]83 :‬الية‪ .‬وأنكر هذا القول الطبري وغيره‪ ،‬بسبب أن غزوة تبوك كانت بعد فتح‬
‫خيبر وبعد فتح مكة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى يريدون أن يغيروا وعد ال الذي وعد لهل الحديبية‪ ،‬وذلك أن‬
‫ال تعالى جعل لهم غنائم خيبر عوضا عن فتح مكة إذ رجعوا من الحديبية على صلح‪ ،‬قاله مجاهد‬
‫وقتادة‪ ،‬واختاره الطهبري وعليهه عامهة أههل التأويهل‪ .‬وقرأ حمزة والكسههائي "كلم" بإسهقاط اللف‬
‫وكسهر اللم جمهع كلمهة‪ ،‬نحهو سهلمة وسهلم‪ .‬الباقون "كلم" على المصهدر‪ .‬واختاره أبهو عبيهد وأبهو‬
‫حاتهههم‪ ،‬اعتبارا بقوله‪" :‬إنهههي اصهههطفيتك على الناس برسهههالتي وبكلمهههي" [العراف‪.]144 :‬‬
‫والكلم‪ :‬مها اسهتقل بنفسهه مهن الجمهل‪ .‬قال الجوهري‪ :‬الكلم اسهم جنهس يقهع على القليهل والكثيهر‪.‬‬
‫والكلم ل يكون أقل من ثلث كلمات لنه جمع كلمة‪ ،‬مثل نبقة ونبق‪ .‬ولهذا قال سيبويه‪( :‬هذا باب‬
‫علم مها الكلم مهن العربيهة) ولم يقهل مها الكلم‪ ،‬لنهه أراد نفهس ثلثهة أشياء‪ :‬السهم والفعهل والحرف‪،‬‬
‫فجاء بما ل يكون إل جمعا‪ ،‬وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة‪ .‬وتميم تقول‪ :‬هي كلمة‪،‬‬
‫بكسر الكاف‪ ،‬وقد مضى في "التوبة" القول فيها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلكم قال ال من قبل" أي من قبل رجوعنا من الحديبية إن غنيمة خيبر لمن شهد‬
‫الحديبيهة خاصهة‪" .‬فسهيقولون بهل تحسهدوننا" أن نصهيب معكهم مهن الغنائم‪ .‬وقيهل‪ :‬قال رسهول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪[ ،‬إن خرجتم لم أمنعكم إل أنه ل سهم لكم]‪ .‬فقالوا‪ :‬هذا حسد‪ .‬فقال المسلمون‪:‬‬
‫قهد أخبرنها ال فهي الحديبيهة بمها سهيقولونه وههو قوله تعالى‪" :‬فسهيقولون بهل تحسهدوننا" فقال ال‬
‫تعالى‪" :‬بههل كانوا ل يفقهون إل قليل" يعنههي ل يعلمون إل أمههر الدنيهها‪ .‬وقيهل‪ :‬ل يفقهون مهن أمههر‬
‫الدين إل قليل‪ ،‬وهو ترك القتال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 16 :‬قهل للمخلفيهن مهن العراب سهتدعون إلى قوم أولي بأس شديهد تقاتلونههم أو‬
‫يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم ال أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل للمخلفين من العراب" أي قل لهؤلء الذين تخلفوا عن الحديبية‪" .‬ستدعون‬
‫إلى قوم أولي بأس شديههد" قال ابهن عباس وعطاء بهن أبهي رباح ومجاهههد وابهن أبهي ليلى وعطاء‬
‫الخراساني‪ :‬هم فارس‪ .‬وقال كعب والحسن وعبدالرحمن بن أبي ليلى‪ :‬الروم‪ .‬وعن الحسن أيضا‪:‬‬
‫فارس والروم‪ .‬وقال ابههههن جههههبير‪ :‬هوازن وثقيههههف‪ .‬وقال عكرمههههة‪ :‬هوازن‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هوازن‬
‫وغطفان يوم حنين‪ .‬وقال الزهري ومقاتل‪ :‬بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة‪ .‬وقال رافع بن‬
‫خديج‪ :‬وال لقد كنا نقرأ هذه الية فيما مضى "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد" فل نعلم من هم‬
‫حتهى دعانها أبهو بكهر إلى قتال بنهي حنيفهة فعلمنها أنههم ههم‪ .‬وقال أبهو هريرة‪ :‬لم تأت هذه اليهة بعهد‪.‬‬
‫وظاهر الية يرده‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي ال عنهما‪ ،‬لن أبا بكر دعاهم إلى‬
‫قتال بنههي حنيفههة‪ ،‬وعمههر دعاهههم إلى قتال فارس والروم‪ .‬وأمهها قول عكرمههة وقتادة إن ذلك فههي‬
‫هوازن وغطفان يوم حنيهن فل‪ ،‬لنهه يمتنهع أن يكون الداعهي لههم الرسهول عليهه السهلم‪ ،‬لنهه قال‪:‬‬
‫"لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا" فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪ .‬ومعلوم أنهه لم يدع هؤلء القوم بعهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إل أبهو بكهر وعمهر‬
‫رضي ال عنهما‪ .‬الزمخشري‪ :‬فإن صح ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبدا ما دمتم على‬
‫مها أنتهم عليهه مهن مرض القلوب والضطراب فهي الديهن‪ .‬أو على قول مجاههد كان الموعهد أنههم ل‬
‫يتبعون رسول ال صلى ال عليه وسلم إل متطوعين ل نصيب لهم في المغنم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تقاتلونههم أو يسهلمون" هذا حكهم مهن ل تؤخهذ منههم الجزيهة‪ ،‬وههو معطوف على‬
‫"تقاتلونهم" أي يكون أحد المرين‪ :‬إما المقاتلة وإما السلم‪ ،‬ل ثالث لهما‪ .‬وفي حرف أُبي "أو‬
‫يسلموا" بمعنى حتى يسلموا‪ ،‬كما تقول‪ :‬كل أو تشبع‪ ،‬أي حتى تشبع‪ .‬قال‪:‬‬
‫نحاول ملكا أو نموت فنعذرا‬ ‫فقلت له ل تبك عينك إنما‬
‫وقال الزجاج‪ :‬قال "أو يسهههلمون" لن المعنهههى أو ههههم يسهههلمون مهههن غيهههر قتال‪ .‬وهذا فهههي قتال‬
‫المشركيهن ل فهي أههل الكتاب‪" .‬فإن تطيعوا يؤتكهم ال أجرا حسهنا" الغنيمهة والنصهر فهي الدنيها‪،‬‬
‫والجنهة فهي الخرة‪" .‬وإن تتولوا كمها توليتهم مهن قبهل" عام الحديبيهة‪" .‬يعذبكهم عذابها أليمها" وههو‬
‫عذاب النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على المريض حرج ومن‬
‫يطع ال ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما}‬
‫@ قال ابهن عباس‪ :‬لمها نزلت‪" :‬وإن تتولوا كمها توليتهم مهن قبهل يعذبكهم عذابها أليمها" قال أههل‬
‫الزمانة‪ :‬كيف بنا يا رسول ال؟ فنزلت "ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على‬
‫المريهض حرج" أي ل إثهم عليههم فهي التخلف عهن الجهاد لعماههم وزمانتههم وضعفههم‪ .‬وقهد مضهى‬
‫فهي "التوبهة" وغيرهها الكلم فيهه مبينها‪ .‬والعرج‪ :‬آفهة تعرض لرجهل واحدة‪ ،‬وإذا كان ذلك مؤثرا‬
‫فخلل الرجلين أولى أن يؤثر‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬هم أهل الزمانة الذين تخلفوا عن الحديبية وقد عذرهم‪.‬‬
‫أي مهن شاء أن يسهير منههم معكهم إلى خيهبر فليفعهل‪" .‬ومهن يطهع ال ورسهوله" فيمها أمره‪" .‬يدخله‬
‫جنات تجري من تحتها النهار" قرأ نافع وابن عامر "ندخله" بالنون على التعظيم‪ .‬الباقون بالياء‪،‬‬
‫واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لتقدم اسم ال أول‪" .‬ومن يتول يعذبه عذابا أليما"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬لقد رضي ال عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل‬
‫السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا‪ ،‬ومغانم كثيرة يأخذونها وكان ال عزيزا حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقهد رضهي ال عهن المؤمنيهن إذ يبايعونهك تحهت الشجرة" هذه بيعهة الرضوان‪،‬‬
‫وكانهت بالحديبيهة‪ ،‬وهذا خهبر الحديبيهة على اختصهار‪ :‬وذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أقام‬
‫منصهرفه مهن غزوة بنهي المصهطلق فهي شوال‪ ،‬وخرج فهي ذي القعدة معتمرا‪ ،‬واسهتنفر العراب‬
‫الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم‪ ،‬وخرج النبي صلى ال عليه وسلم بمن معه من المهاجرين‬
‫والنصهار ومهن اتبعهه مهن العرب‪ ،‬وجميعههم نحهو ألف وأربعمائة‪ .‬وقيهل‪ :‬ألف وخمسهمائة‪ .‬وقيهل‬
‫غير هذا‪ ،‬على ما يأتي‪ .‬وساق معه الهدي‪ ،‬فأحرم رسول ال صلى ال عليه وسلم ليعلم الناس أنه‬
‫لم يخرج لحرب‪ ،‬فلمها بلغ خروجهه قريشها خرج جمعههم صهادين لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫عهن المسهجد الحرام ودخول مكهة‪ ،‬وإنهه إن قاتلههم قاتلوه دون ذلك‪ ،‬وقدموا خالد بهن الوليهد فهي خيهل‬
‫إلى (كراع الغميهم) فورد الخهبر بذلك على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وههو (بعسهفان) وكان‬
‫المخهبر له بشهر بهن سهفيان الكعهبي‪ ،‬فسهلك طريقها يخرج بهه فهي ظهورههم‪ ،‬وخرج إلى الحديبيهة مهن‬
‫أسهفل مكهة‪ ،‬وكان دليله فيههم رجهل مهن أسهلم‪ ،‬فلمها بلغ ذلك خيهل قريهش التهي مهع خالد جرت إلى‬
‫قريش تعلمهم بذلك‪ ،‬فلما وصل رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الحديبية بركت ناقته صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال الناس‪ :‬خلت خلت فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما خلت وما هو لها بخلق‬
‫ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة‪ ،‬ل تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة رحم إل‬
‫أعطيتههم إياهها)‪ .‬ثهم نزل صهلى ال عليهه وسهلم هناك‪ ،‬فقيهل‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬ليهس بهذا الوادي ماء‬
‫فأخرج عليه الصلة والسلم سهما من كنانته فأعطاه رجل من أصحابه‪ ،‬فنزل في قليب من تلك‬
‫القلب فغرزه فهي جوفهه فجاش بالماء الرواء حتهى كفهى جميهع الجيهش‪ .‬وقيهل‪ :‬إن الذي نزل بالسههم‬
‫فهي القليهب ناجيهة بهن جندب بهن عميهر السهلمي وههو سهائق بدن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يومئذ‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬نزل بالسههم فهي القليهب البراء بهن عازب‪ ،‬ثهم جرت السهفراء بيهن رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم وبيهن كفار قريهش‪ ،‬وطال التراجهع والتنازع إلى أن جاء سههيل بهن عمرو العامري‪ ،‬فقاضاه‬
‫ل أتههى معتمِرا ودخههل هههو‬‫عههل أن ينصههرف عليههه الصههلة والسههلم عامههه ذلك‪ ،‬فإذا كان مههن قابِ ٍ‬
‫وأصحابه مكة بغيهر سلح‪ ،‬حاشا السيوف فهي قِربها فيقيم بها ثلثا ويخرج‪ ،‬وعلى أن يكون بينه‬
‫وبينهم صلح عشرة أعوام‪ ،‬يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا‪ ،‬وعلى أن من جاء من الكفار‬
‫إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار‪ ،‬ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم‬
‫يردوه إلى المسههلمين‪ ،‬فعظههم ذلك على المسههلمين حتههى كان لبعضهههم فيههه كلم‪ ،‬وكان رسههول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم أعلم بمها علمه ال من أنهه سيجعل للمسلمين فرجها‪ ،‬فقال لصحابه (اصهبروا‬
‫فإن ال يجعهل هذا الصهلح سهببا إلى ظهور دينهه) فأنهس الناس إلى قوله هذا بعهد نفار منههم‪ ،‬وأبهى‬
‫سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح‪ :‬من محمد رسول ال‪ ،‬وقالوا له‪ :‬لو صدقناك‬
‫بذلك مها دفعناك عمها تريهد فل بهد أن تكتهب‪ :‬باسهمك اللههم‪ .‬فقال لعلي وكان يكتهب صهحيفة الصهلح‪:‬‬
‫(امح يا علي‪ ،‬واكتب باسمك اللهم) فأبى علي أن يمحو بيده "محمد رسول ال"‪ .‬فقال له رسول‬
‫ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬اعرضهه علي) فأشار إليهه فمحاه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بيده‪،‬‬
‫وأمره أن يكتهب (من محمهد بهن عبدال)‪ .‬وأتى أبو جندل بن سهيل يومئذ بأكثهر كتاب الصهلح وهو‬
‫يرسههف فههي قيوده‪ ،‬فرده رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم إلى أبيههه‪ ،‬فعظههم ذلك على المسههلمين‪،‬‬
‫فأخهبرهم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وأخهبر أبها جندل (أن ال سهيجعل له فرجها ومخرجها)‪.‬‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل الصلح قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسول‪ ،‬فجاء‬
‫خبر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوه‪ ،‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حينئذ إلى المبايعهة له على الحرب والقتال لههل مكهة‪ ،‬فروي أنهه بايعههم على الموت‪ .‬وروي أنهه‬
‫بايعههم على أل يفروا‪ .‬وههي بيعهة الرضوان تحهت الشجرة‪ ،‬التهي أخهبر ال تعالى أنهه رضهي عهن‬
‫المبايعيهن لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم تحتهها‪ .‬وأخهبر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أنههم ل‬
‫يدخلون النار‪ .‬وضرب رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم بيمينههه على شماله لعثمان‪ ،‬فهههو كمههن‬
‫شهدها‪.‬‬
‫وذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال‪ :‬أول من بايع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم يوم الحديبيهة أبهو سهفيان السهدي‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم عهن أبهي الزبيهر عهن جابر قال‪ :‬كنها يوم‬
‫الحديبيهة ألفها وأربعمائة‪ ،‬فبايعناه وعمهر آخهذ بيده تحهت الشجرة وههي سهمرة‪ ،‬وقال‪ :‬بايعناه على أل‬
‫نفهر ولم نبايعهه على الموت وعنهه أنهه سهمع جابرا يسهأل‪ :‬كهم كانوا يوم الحديبيهة؟ قال‪ :‬كنها أربهع‬
‫عشرة مائة‪ ،‬فبايعناه وعمههر آخههذ بيده تحههت الشجرة وهههي سههمرة‪ ،‬فبايعناه‪ ،‬غيههر جههد بههن قيههس‬
‫النصهاري اختبهأ تحهت بطهن بعيره‪ .‬وعهن سهالم بهن أبهي الجعهد قال‪ :‬سهألت جابر بهن عبدال عهن‬
‫أصحاب الشجرة‪ .‬فقال‪ :‬لو كنا مائة ألف لكفانا‪ ،‬كنا ألفا وخمسمائة‪ .‬وفي رواية‪ :‬كنا خمس عشرة‬
‫مائة‪.‬‬
‫وعههن عبدال بههن أبههي أوفههى قال‪ :‬كان أصههحاب الشجرة ألفهها وثلثمائة‪ ،‬وكانههت أسههلم ثمههن‬
‫المهاجريهن‪ .‬وعهن يزيهد بهن أبهي عبيهد قال‪ :‬قلت لسهلمة‪ :‬على أي شيهء بايعتهم رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال‪ :‬على الموت‪ .‬وعن البراء بن عازب قال‪ :‬كتب علي رضي ال عنه‬
‫الصهلح بيهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وبيهن المشركيهن يوم الحديبيهة‪ ،‬فكتهب‪ :‬هذا مها كاتهب عليهه‬
‫محمههد رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فقالوا‪ :‬ل تكتههب رسههول ال‪ ،‬فلو نعلم أنههك رسههول ال لم‬
‫نقاتلك‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي‪( :‬امحه)‪ .‬فقال‪ :‬ما أنا بالذي أمحاه‪ ،‬فمحاه النبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم بيده‪ .‬وكان فيمها اشترطوا‪ :‬أن يدخلوا مكهة فيقيموا فيهها ثلثها‪ ،‬ول يدخلهها بسهلح إل‬
‫جلبان السهلح‪ .‬قلت لبهي إسهحاق ومها جلبان السهلح؟ قال‪ :‬القراب ومها فيهه‪ .‬وعهن أنهس‪ :‬أن قريشها‬
‫صالحوا النبي صلى ال عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي‪:‬‬
‫(اكتب بسم ال الرحمن الرحيم) فقال سهيل بن عمرو‪ :‬أما باسم ال‪ ،‬فما ندري ما بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم ولكن اكتب ما نعرف‪ :‬باسمك اللهم‪ .‬فقال‪( :‬اكتب من محمد رسول ال) قالوا‪ :‬لو علمنا أنك‬
‫رسوله لتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬اكتب من محمد‬
‫بهن عبدال) فاشترطوا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ :‬أن مهن جاء منكهم لم نرده عليكهم‪ ،‬ومهن‬
‫جاءكم منا رددتموه علينا‪ .‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أنكتب هذا قال‪( :‬نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده‬
‫ال ومن جاءنا منهم فسيجعل ال له فرجا ومخرجا)‪ .‬وعن أبي وائل قال‪ :‬قام سهل بن حنيف يوم‬
‫صفين فقال يا أيها الناس‪ ،‬اتهموا أنفسكم‪ ،‬لقد كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الحديبية‬
‫ولو نرى قتال لقاتلنهها‪ ،‬وذلك فههي الصههلح الذي كان ببههن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم وبيههن‬
‫المشركين‪ .‬فجاء عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫يها رسهول ال‪ ،‬ألسهنا على حهق وههم على باطهل؟ قال (بلى) قال‪ :‬أليهس قتلنها فهي الجنهة وقتلههم فهي‬
‫النار؟ قال (بلى) قال ففيهم نعطهي الدنيهة فهي ديننها ونرجهع ولمها يحكهم ال بيننها وبينههم؟ فقال (يها ابهن‬
‫الخطاب إني رسول ال ولن يضيعني ال أبدا) قال‪ :‬فانطلق عمر‪ ،‬فلم يصبر متغيظا فأتى أبا بكر‬
‫فقال‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال بلى‪ ،‬قال‪ :‬أليس قتلنا في الجنة وقتلهم في‬
‫النار؟ قال بلى‪ .‬قال‪ :‬فعلم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم ال بيننا وبينههم؟ فقال‪ :‬يا ابن‬
‫الخطاب‪ ،‬إنههه رسههول ال ولن يضيعههه ال أبدا‪ .‬قال‪ :‬فنزل القرآن على رسههول ال صههلى ال عليههه‬
‫وسلم بالفتح‪ ،‬فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أو فتح هو؟ قال (نعم)‪ .‬فطابت نفسه‬
‫ورجع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعلم ما في قلوبهم" من الصدق والوفاء‪ ،‬قاله الفراء‪ .‬وقال ابن جريج وقتادة‪ :‬من‬
‫الرضا بأمهر البيعة على أل يفروا‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت‬
‫"فأنزل السكينة عليهم" حتى بايعوا‪ .‬وقيل‪" :‬فعلم ما في قلوبهم" من الكآبة بصد المشركين إياهم‬
‫وتخلف رؤيها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عنههم‪ ،‬إذا رأى أنهه يدخهل الكعبهة‪ ،‬حتهى قال رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إنمها ذلك رؤيها منام)‪ .‬وقال الصهديق‪ :‬لم يكهن فيهها الدخول فهي هذا العام‪.‬‬
‫والسكينة‪ :‬الطمأنينة وسكون النفس إلى صدق الوعد‪ .‬وقيل الصبر‪" .‬وأثابهم فتحا قريبا" قال قتادة‬
‫وابن أبي ليلى‪ :‬فتح خيبر‪ .‬وقيل فتح مكة‪ .‬وقرئ "وآتاهم" "ومغانم كثيرة يأخذونها" يعني أموال‬
‫خيهبر‪ ،‬وكانهت خيهبر ذات عقار وأموال‪ ،‬وكانهت بيهن الحديبيهة ومكهة‪ .‬فهه "مغانهم" على هذا بدل مهن‬
‫"فتحا قريبا" والواو مقحمة‪ .‬وقيل "ومغانم" فارس والروم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون‬
‫آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها" قال ابن عباس ومجاهد‪ .‬إنها المغانم التي تكون‬
‫إلى يوم القيامة‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬هي مغانم خيبر‪" .‬فعجل لكم هذه" أي خيبر‪ ،‬قاله مجاهد‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬عجل لكم صلح الحديبية‪" .‬وكف أيدي الناس عنكم" يعني أهل مكة‪ ،‬كفهم عنكم بالصلح‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬كههف أيدي اليهود عههن المدينههة بعههد خروج النههبي صههلى ال عليههه وسههلم إلى الحديبيههة‬
‫وخيهبر‪ .‬وههو اختيار الطهبري‪ ،‬لن كهف أيدي المشركيهن بالحديبيهة مذكور فهي قوله‪" :‬وههو الذي‬
‫كهف أيديههم عنكهم" [الفتهح‪ .]24 :‬وقال ابهن عباس‪ :‬فهي "كهف أيدي الناس عنكهم" يعنهي عيينهة بهن‬
‫حصن الفزاري وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما‪ ،‬إذ جاؤوا لينصروا أهل خيبر والنبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم محاصهر لههم‪ ،‬فألقهى ال عهز وجهل فهي قلوبههم الرعهب وكفههم عهن المسهلمين‬
‫"ولتكون آية للمؤمنين" أي ولتكون هزيمتهم وسلمتكم آية للمؤمنين‪ ،‬فيعلموا أن ال يحرسهم في‬
‫مشهدههم ومغيبههم‪ .‬وقيهل‪ :‬أي لتكون كهف أيديههم عنكهم آيهة للمؤمنيهن‪ .‬وقيهل‪ :‬أي ولتكون هذه التهي‬
‫عجلها لكم آية للمؤمنين على صدقك حيث وعدتهم أن يصيبوها‪ .‬والواو في "ولتكون" مقحمة عند‬
‫الكوفيين‪ .‬وقال البصريون‪ :‬عاطفة على مضمر‪ ،‬أي وكف أيدي الناس عنكم لتشكروه ولتكون آية‬
‫للمؤمنين‪" .‬ويهديكم صراطا مستقيما" أي يزيدكم هدى‪ ،‬أو يثبتكم على الهداية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط ال بها وكان ال على كل شيء قديرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأخرى" "أخرى" معطوفهة على "هذه"‪ ،‬أي فعجهل لكهم هذه المغانهم ومغانهم‬
‫أخرى‪" .‬لم تقدروا عليها قد أحاط ال بها" قال ابن عباس‪ :‬هي الفتوح التي فتحت على المسلمين‪،‬‬
‫كأرض فارس والروم‪ ،‬وجميع ما فتحه المسلمون‪ .‬وهو قول الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى‪ .‬وعن‬
‫ابن عباس أيضا والضحاك وابن زيد وابن إسحاق‪ :‬هي خيبر‪ ،‬وعدها ال نبيه قبل أن يفتحها‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا يرجونهها حتهى أخهبرهم ال بهها‪ .‬وعهن الحسهن أيضها وقتادة‪ :‬ههو فتهح مكهة‪ .‬وقال عكرمهة‪:‬‬
‫حنيههن‪ ،‬لنههه قال‪" :‬لم تقدروا عليههها"‪ .‬وهذا يدل على تقدم محاولة لههها وفوات درك المطلوب فههي‬
‫الحال كمها كان فهي مكهة‪ ،‬قال القشيري‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬ههي مها يكون إلى يوم القيامهة‪ .‬ومعنهى "قهد‬
‫أحاط ال بها"‪ :‬أي أعدها لكم‪ .‬فهي كالشيء الذي قد أحيط به من جوانبه‪ ،‬فهو محصور ل يفوت‪،‬‬
‫فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم ل تفوتكم‪ .‬وقيل‪" :‬أحاط ال بها" علم أنها‬
‫سهتكون لكهم‪ ،‬كسها قال‪" :‬وأن ال قهد أحاط بكهل شيهء علمها" [الطلق‪ .]12 :‬وقيهل‪ :‬حفظهها ال‬
‫عليكم‪ .‬ليكون فتحها لكم‪" .‬وكان ال على كل شيء قديرا"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ل يجدون وليا ول نصيرا‪ ،‬سنة ال التي‬
‫قد خلت من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار" قال قتادة‪ :‬يعني كفار قريش في الحديبية‪.‬‬
‫وقيهل‪" :‬ولو قاتلكهم" غطفان وأسهد والذيهن أرادوا نصهرة أههل خيهبر‪ ،‬لكانهت الدائرة عليههم‪" .‬ثهم ل‬
‫يجدون وليها ول نصهيرا‪ .‬سهنة ال التهي قهد خلت مهن قبهل" يعنهي طريقهة ال وعاداتهه السهالفة نصهر‬
‫أوليائه على أعدائه‪ .‬وانتصههب "سههنة" على المصههدر‪ .‬وقيههل‪" :‬سههنة ال" أي كسههنة ال‪ .‬والسههنة‬
‫الطريقة والسيرة‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأول راض سنة من يسيرها‬ ‫فل تجزعن من سيرة أنت سرتها‬
‫والسنة أيضا‪ :‬ضرب من تمر المدينة‪" .‬ولن تجد لسنة ال تبديل"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم‬
‫وكان ال بما تعملون بصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة" وهي الحديبية‪" .‬من بعد أن‬
‫أظفركهم عليههم" روى يزيهد بهن هارون قال‪ :‬أخبرنها حماد بهن سهلمة عهن ثابهت عهن أنهس أن ثمانيهن‬
‫رجل من أهل مكة هبطوا على النبي صلى ال عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه‪ ،‬فأخذناههم سهلما فاسهتحييناهم‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وههو الذي‬
‫كهف أيديههم عنكهم وأيديكهم عنههم ببطهن مكهة مهن بعهد أن أظفركهم عليههم"‪ .‬وقال عبدال بهن مغفهل‬
‫المزنهي‪ :‬كنها مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالحديبيهة فهي أصهل الشجرة التهي قال ال فهي القرآن‪،‬‬
‫فبينها نحهن كذلك إذ خرج علينها ثلثون شابها عليههم السهلح فثاروا فهي وجوهنها فدعها عليههم النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فأخذ ال بأبصارهم‪ ،‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬هل جئتم في‬
‫عههد أحهد أو ههل جعهل لكهم أحهد أمانها]‪ .‬قالوا‪ :‬اللههم ل‪ ،‬فخلى سهبيلهم‪ .‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وههو الذي‬
‫كف أيدهم عنكم" الية‪ .‬وذكر ابن هشام عن وكيع‪ :‬وكانت قريش قد جاء منهم نحو سبعين رجل‬
‫أو ثمانيهن رجل لليقاع بالمسهلمين وانتهاز الفرصهة فهي أطرافههم‪ ،‬ففطهن المسهلمون لههم فأخذوههم‬
‫أسهرى‪ ،‬وكان ذلك والسهفراء يمشون بينههم فهي الصهلح‪ ،‬فأطلقههم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪،‬‬
‫فههم الذيهن يسهمون العتقاء‪ ،‬ومنههم معاويهة وأبوه‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬أقبهل النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫معتمرا‪ ،‬إذ أخذ أصحابه ناسا من الحرم غافلين فأرسلهم النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فذلك الظفار‬
‫ببطهن مكهة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ذكهر لنها أن رجل مهن أصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقال له‬
‫زنيهم‪ ،‬اطلع الثنيهة مهن الحديبيهة فرماه المشركون بسههم فقتلوه‪ ،‬فبعهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫خيل فأتوا باثني عشر فارسا من الكفار‪ ،‬فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬هل لكم علي ذمة]‬
‫قالوا ل؟ فأرسلهم فنزلت‪ .‬وقال ابن أبزى والكلبي‪ :‬هم أهل الحديبية‪ ،‬كف ال أيديهم عن المسلمين‬
‫حتهى وقهع الصهلح‪ ،‬وكانوا خرجوا بأجمعههم وقصهدوا المسهلمين‪ ،‬وكهف أيدي المسهلمين عنههم‪ .‬وقهد‬
‫تقدم أن خالد بن الوليد كان في خيل المشركين‪ .‬قال القشيري‪ :‬فهذه رواية‪ ،‬والصحيح أنه كان مع‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في ذلك الوقت‪ .‬وقد قال سلمة بن الكوع‪ :‬كانوا في أمر الصلح إذ أقبل‬
‫أبو سفيان‪ ،‬فإذا الوادي يسير بالرجال والسلح‪ ،‬قال‪ :‬فجئت بستة من المشركين أسوقهم متسلحين‬
‫ل يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا‪ ،‬فأتيت بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وكان عمر قال في‬
‫الطريهق‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬نأتهي قومها حربها وليهس معنها سهلح ول كراع؟ فبعهث رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم إلى المدينة من الطريق فأتوه بكل سلح وكراع كان فيها‪ ،‬وأُخبر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أن عكرمة بن أبي جهل خرج إليك في خمسمائة فارس‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لخالد بن الوليد‪[ :‬هذا ابن عمك أتاك في خمسمائة]‪ .‬فقال خالد‪ :‬أنا سيف ال وسيف رسوله‪،‬‬
‫فيومئذ سهمي بسهيف ال‪ ،‬فخرج ومعهه خيهل وهزم الكفار ودفعههم إلى حوائط مكهة‪ .‬وهذه الروايهة‬
‫أصح‪ ،‬وكان بينهم قتال بالحجارة‪ ،‬وقيل بالنبل والظفر‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بكف اليد أنه شرط في الكتاب‬
‫أن من جاءنها منههم فهو رد عليههم‪ ،‬فخرج أقوام مهن مكة مسلمون وخافوا أن يردههم الرسول عليه‬
‫السهلم إلى المشركيهن لحقوا بالسهاحل‪ ،‬ومنههم أبهو بصهير‪ ،‬وجعلوا يغيرون على الكفار ويأخذون‬
‫عيرههم‪ ،‬حتهى جاء كبار قريهش إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقالوا‪ :‬اضممههم إليهك حتهى نأمهن‪،‬‬
‫ففعهل‪ .‬وقيهل‪ :‬همهت غطفان وأسهد منهع المسهلمين مهن يهود خيهبر‪ ،‬لنههم كانوا حلفاءههم فمنعههم ال‬
‫عهن ذلك‪ ،‬فههو كهف اليهد‪" .‬ببطهن مكهة" فيهه قولن‪ :‬أحدهمها‪ :‬يريهد بهه مكهة‪ .‬الثانهي‪ :‬الحديبيهة‪ ،‬لن‬
‫بعضهها مضاف إلى الحرم‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وفهي قوله‪" :‬مهن بعهد أن أظفركهم عليههم" بفتهح مكهة‪.‬‬
‫تكون هذه نزلت بعد فتح مكة‪ ،‬وفيها دليل على أن مكة فتحت صلحا‪ ،‬لقوله عز وجل‪" :‬كف أيديهم‬
‫عنكم وأيديكم عنهم"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصحيح أن هذه الية نزلت في الحديبية قبل فتح مكة‪ ،‬حسب ما قدمناه عن أهل التأويل‬
‫من الصحابة والتابعين‪ .‬وروى الترمذي قال‪ :‬حدثنا عبد بن حميد قال حدثني سليمان بن حرب قال‬
‫حدثنها حماد بهن سهلمة عهن ثابهت عهن أنهس‪ :‬أن ثمانيهن هبطوا على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫وأصحابه من جبل التنعيم عند صلة الصبح وهم يريدون أن يقتلوه‪ ،‬فأخذوا أخذا فأعتقهم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الية‪ .‬قال‬
‫أبهو عيسهى‪ :‬هذا حديهث حسهن صهحيح‪ ،‬وقهد تقدم‪ .‬وأمها فتهح مكهة فالذي تدل عليهه الخبار أنهها إنمها‬
‫فتحت عنوة‪ ،‬وقد مضى القول في ذلك في "الحج" وغيرها‪" .‬وكان ال بما تعملون بصيرا"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 25 :‬ههم الذيهن كفروا وصهدوكم عهن المسهجد الحرام والهدي معكوفها أن يبلغ محله‬
‫ولول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل‬
‫ال في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هم الذين كفروا" يعني قريشا‪ ،‬منعوكم دخول المسهجد الحرام عام الحديبية حين‬
‫أحرم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهع أصهحابه بعمرة‪ ،‬ومنعوا الهدي وحبسهوه عهن أن يبلغ محله‪.‬‬
‫وهذا كانوا ل يعتقدونهه‪ ،‬ولكنهه حملتههم النفهة ودعتههم حميهة الجاهليهة إلى أن يفعلوا مها ل يعتقدونهه‬
‫دينها‪ ،‬فوبخههم ال على ذلك وتوعدههم عليهه‪ ،‬وأدخهل النهس على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫ببيانه ووعده‪" .‬والهدي معكوفا" أي محبوسا‪ .‬وقيل موقوفا‪ .‬وقال أبو عمرو بن العلء‪ :‬مجموعا‪.‬‬
‫الجوهري‪ :‬عكفه أي حبسه ووقفه‪ ،‬يعكفه ويعكفه عكفا‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬والهدي معكوفا"‪ ،‬يقال‬
‫مها عكفهك عهن كذا‪ .‬ومنهه العتكاف فهي المسهجد وههو الحتباس‪" .‬أن يبلغ محله" أي منحره‪ ،‬قاله‬
‫الفراء‪ .‬وقال الشافعي رضهي ال عنه‪ :‬الحرم‪ .‬وكذا قال أبو حنيفة رضي ال عنه‪ ،‬المحصر محل‬
‫هديه الحرم‪ .‬والمحل (بكسر الحاء)‪ :‬غاية الشيء‪( .‬وبالفتح)‪ :‬هو الموضع الذي يحله الناس‪ .‬وكان‬
‫الهدي سبعين بدنة‪ ،‬ولكن ال بفضله جعل ذلك الموضع له محل‪ .‬وقد اختلف العلماء في هذا على‬
‫مها تقدم بيانهه فهي "البقرة" عنهد قوله تعالى‪" :‬فإن أحصهرتم" والصهحيح مها ذكرناه‪ .‬وفهي صهحيح‬
‫مسهلم عهن أبهي الزبيهر عهن جابر بهن عبدال قال‪ :‬نحرنها مهع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم عام‬
‫الحديبيهة البدنهة عهن سهبعة‪ ،‬والبقرة عهن سهبعة‪ .‬وعنهه قال‪ :‬اشتركنها مهع رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم فهي الحهج والعمرة كهل سهبعة فهي بدنهة‪ .‬فقال رجهل لجابر‪ :‬أيشترك فهي البدنهة مها يشترك فهي‬
‫الجزور؟ قال‪ :‬مهها هههي إل مههن البدن‪ .‬وحضههر جابر الحديبيههة قال‪ :‬ونحرنهها يومئذ سههبعين بدنههة‪،‬‬
‫اشتركنا كل سبعة في بدنة‪ .‬وفي البخاري عن ابن عمر قال‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم معتمريهن‪ ،‬فحال كفار قريهش دون البيهت‪ ،‬فنحهر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بدنهة وحلق‬
‫رأسه‪ .‬قيل‪ :‬إن الذي حلق رأسه يومئذ خراش بن أمية بن أبي العيص الخزاعي‪ ،‬وأمر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلوا‪ ،‬ففعلوا بعد توقف كان منهم أغضب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقالت له أم سلمة‪ :‬لو نحرت لنحروا‪ ،‬فنحر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫هديههه ونحروا بنحره‪ ،‬وحلق رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم رأسههه ودعهها للمحلقيههن ثلثهها‬
‫وللمقصهرين مرة‪ .‬ورأى كعهب بهن عجرة والقمهل يسهقط على وجههه‪ ،‬فقال‪[ :‬أيؤذيهك هوامهك]؟ قال‬
‫نعم‪ ،‬فأمره أن يحلق وهو بالحديبية‪ .‬خرجه البخاري والدارقطني‪ .‬وقد مضى في "البقرة"‪.‬‬
‫ي محله" [البقرة‪]196 :‬‬ ‫@قوله تعالى‪" :‬والهدي" والهَديُ وال َهدِيّ لغتان‪ .‬وقرئ "حتى يبلغ ال َهدْ ُ‬
‫بالتخفيف والتشديد‪ ،‬الواحدة هدية‪ .‬وقد مضى في "البقرة" أيضا‪ .‬وهو معطوف على الكاف والميم‬
‫مههن "صههدوكم"‪ .‬و"معكوفهها" حال‪ ،‬وموضههع "أن" مههن قوله‪" :‬أن يبلغ محله" نصههب على تقديههر‬
‫الحمهل على "صهدوكم" أي صهدوكم وصهدوا الهدي عهن أن يبلغ‪ .‬ويجوز أن يكون مفعول له‪ ،‬كأنهه‬
‫قال‪ :‬وصههدوا الهدي كراهيههة أن يبلغ محله‪ .‬أبههو علي‪ :‬ل يصههح حمله على العكههف‪ ،‬لنهها ل نعلم‬
‫"عكف" جاء متعديا‪ ،‬ومجيء "معكوفا" في الية يجوز أن يكون محمول على المعنى‪ ،‬كأنه لما‬
‫كان حبسها حمهل المعنهى على ذلك‪ ،‬كمها حمهل الرفهث على معنهى الفضاء فعدي بإلى‪ ،‬فإن حمهل‬
‫على ذلك كان موضعهههه نصهههبا على قياس قول سهههيبويه‪ ،‬وجرا على قياس قول الخليههل‪ .‬أو يكون‬
‫مفعول له‪ ،‬كأنه قال‪ :‬محبوسا كراهية أن يبلغ محله‪ .‬ويجوز تقدير الجر في "أن" لن عن تقدمت‪،‬‬
‫فكأنههه قال‪ :‬وصههدوكم عههن المسههجد الحرام‪ ،‬وصههدوا الهدي "عههن" أن يبلغ محله‪ .‬ومثله مهها حكاه‬
‫سيبويه عن يونس‪ :‬مررت برجل إن زيد وإن عمرو‪ ،‬فأضمر الجار لتقدم ذكره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول رجال مؤمنون" يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة وسط الكفار‪ ،‬كسلمه‬
‫بهن هشام وعياش بهن أبهي ربيعهة وأبهي جندل بهن سههيل‪ ،‬وأشباهههم‪" .‬لم تعلموههم" أي تعرفوههم‪.‬‬
‫وقيل لم تعلموهم أنهم مؤمنون‪" .‬أن تطؤوهم" بالقتل واليقاع بهم‪ ،‬يقال‪ :‬وطئت القوم‪ ،‬أي أوقعت‬
‫بهههم‪ .‬و"أن" يجوز أن يكون رفعهها على البدل مههن رجال‪ ،‬ونسههاء كأنههه قال ولول وطؤكههم رجال‬
‫مؤمنين ونساء مؤمنات‪ .‬ويجوز أن يكون نصبا على البدل من الهاء والميم في "تعلموهم"‪ ،‬فيكون‬
‫التقديههر‪ :‬لم تعلموا وطأهههم‪ ،‬وهههو فههي الوجهيههن بدل الشتمال‪" .‬لم تعلموهههم" نعههت له ه "رجال"‬
‫و"نسههاء"‪ .‬وجواب "لول" محذوف‪ ،‬والتقديههر‪ :‬ولو أن تطؤوا رجال مؤمنيههن ونسههاء مؤمنات لم‬
‫تعلموهم لذن ال لكم في دخول مكة‪ ،‬ولسلطكم عليهم‪ ،‬ولكنا صنا من كان فيها يكثم إيمانه‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬لول من في أصلب الكفار وأرحام نسائهم من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموا‬
‫أن تطؤوا آباءهم فتهلك أبناؤهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتصيبكم منهم معرة" المعرة العيب‪ ،‬وهي مفعلة من العر وهو الجرب‪ ،‬أي يقول‬
‫المشركون‪ :‬قهد قتلوا أههل دينههم‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى يصهيبكم مهن قتلههم مها يلزمكهم مهن أجله كفارة قتهل‬
‫الخطأ‪ ،‬لن ال تعالى إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ولم يعلم‬
‫بإيمانهه الكفارة دون الديهة فهي قوله‪" :‬فإن كان مهن قوم عدو لكهم وههو مؤمهن فتحريهر رقبهة مؤمنهة"‬
‫[النسهاء‪ ]92 :‬قاله الكلبهي ومقاتهل وغيرهمها‪ .‬وقهد مضهى فهي "النسهاء" القول فيهه‪ .‬وقال ابهن زيهد‪:‬‬
‫"معرة" إثهم‪ .‬وقال الجوهري وابهن إسهحاق‪ :‬غرم الديهة‪ .‬قطرب‪ :‬شدة‪ .‬وقيهل غهم‪" .‬بغيهر علم"‬
‫تفضيل للصحابة وإخبار عن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والعصمة عن التعدي‪ ،‬حتى‬
‫لو أنهم أصابوا من ذلك أحدا لكان عن غير قصد‪ .‬وهذا كما وصفت النملة عن جنه سليمان عليه‬
‫السلم في قولها‪" :‬ل يحطمنكم سليمان وجنوده وهم ل يشعرون" [النمل‪.]18 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليدخهل ال فهي رحمتهه مهن يشاء" اللم فهي "ليدخهل" متعلقهة بمحذوف‪ ،‬أي لو‬
‫قتلتموهم لدخلهم ال في رحمته‪ .‬ويجوز أن تتعلق باليمان‪ .‬ول تحمل على مؤمنين دون مؤمنات‬
‫ول على مؤمنات دون مؤمنين لن الجميع يدخلون في الرحمة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لم يأذن ال لكم في‬
‫قتال المشركيهن ليسهلم بعهد الصهلح مهن قضهى أن يسهلم مهن أههل مكهة‪ ،‬وكذلك كان أسهلم الكثيهر منههم‬
‫وحسن إسلمه‪ ،‬ودخلوا في رحمته‪ ،‬أي جنته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما" أي تميزوا‪ ،‬قاله القتبي‪ .‬وقيل‪ :‬لو‬
‫تفرقوا‪ ،‬قاله الكلبههي‪ .‬وقيههل‪ :‬لو زال المؤمنون مههن بيههن أظهههر الكفار لعذب الكفار بالسههيف‪ ،‬قاله‬
‫الضحاك‪ .‬ولكهن ال يدفهع بالمؤمنيهن عهن الكفار‪ .‬وقال علي رضهي ال عنهه‪ :‬سهألت النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم عهن هذه اليهة "لو تزيلوا لعذبنها الذيهن كفروا" فقال‪[ :‬ههم المشركون مهن أجداد نهبي ال‬
‫ومهن كان بعدههم وفهي عصهرهم كان فهي أصهلبهم قوم مؤمنون فلو تزيهل المؤمنون عهن أصهلب‬
‫الكافرين لعذب ال تعالى الكافرين عذابا أليما]‪.‬‬
‫@ هذه الية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن‪ ،‬إذ ل يمكن أذية الكافر إل بأذية المؤمن‪.‬‬
‫قال أبو زيد قلت لبن القاسم‪ :‬أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم‪ ،‬حصرهم‬
‫أههل السهلم وفيههم قوم مهن المسهلمين أسهارى فهي أيديههم‪ ،‬أيحرق هذا الحصهن أم ل؟ قال‪ :‬سهمعت‬
‫مالكها وسهئل عهن قوم مهن المشركيهن فهي مراكبههم‪ :‬أنرمهي فهي مراكبههم بالنار ومعههم السهارى فهي‬
‫مراكبهم؟ قال‪ :‬فقال مالك ل أرى ذلك‪ ،‬لقوله تعالى لهل مكة‪" :‬لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم‬
‫عذابهها أليمهها"‪ .‬وكذلك لو تترس كافههر بمسههلم لم يجههز رميههه‪ .‬وإن فعههل ذلك فاعههل فأتلف أحدا مههن‬
‫المسلمين فعليه الدية والكفارة‪ .‬فإن لم يعلموا فل دية ول كفارة‪ ،‬وذلك أنهم إذا علموا فليس لهم أن‬
‫يرموا‪ ،‬فإذا فعلوه صاروا قتلة خطأ والدية على عواقلهم‪ .‬فإن لم يعلموا فلهم أن يرموا‪ .‬وإذا أبيحوا‬
‫الفعل لم يجهز أن يبقى عليهم فيها تباعة‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وقد قال جماعة إن معناه لو تزيلوا عن‬
‫بطون النسهاء وأصهلب الرجال‪ .‬وهذا ضعيهف‪ ،‬لن مهن فهي الصهلب أو فهي البطهن ل يوطهأ ول‬
‫تصيب منه معرة‪ .‬وهو سبحانه قد صرح فقال‪" :‬ولول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم‬
‫أن تطؤوهههم" وذلك ل ينطلق على مههن فههي بطههن المرأة وصههلب الرجال‪ ،‬وإنمهها ينطلق على مثههل‬
‫الوليد بن الوليد‪ ،‬وسلمة بن هشام‪ ،‬وعياش بن أبي ربيعة‪ ،‬وأبي جندل بن سهيل‪ .‬وكذلك قال مالك‪:‬‬
‫وقد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنهم الماء‪ ،‬فكانوا ينزلون السارى يستقون لهم الماء‪ ،‬فل يقدر‬
‫أحد على رميهم بالنبل‪ ،‬فيحصل لهم الماء بغير اختيارنا‪ .‬وقد جوز أبو حنيفة وأصحابه والثوري‬
‫الرمي في حصون المشركين وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفالهم‪ .‬ولو تترس كافر بولد‬
‫مسههلم رمههي المشرك‪ ،‬وإن أصههيب أحههد مههن المسههلمين فل ديهة فيههه ول كفارة‪ .‬وقال الثوري‪ :‬فيههه‬
‫الكفارة ول ديهة‪ .‬وقال الشافعهي بقولنها‪ .‬وهذا ظاههر‪ ،‬فإن التوصهل إلى المباح بالمحظور ل يجوز‪،‬‬
‫سيما بروح المسلم‪ ،‬فل قول إل ما قاله مالك رضي ال عنه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قهههد يجوز قتهههل الترس‪ ،‬ول يكون فيهههه اختلف إن شاء ال‪ ،‬وذلك إذا كانهههت المصهههلحة‬
‫ضروريههة كليههة قطعيههة‪ .‬فمعنههى كونههها ضروريههة‪ :‬أنههها ل يحصههل الوصههول إلى الكفار إل بقتههل‬
‫الترس‪ .‬ومعنههى أنههها كليههة‪ :‬أنههها قاطعههة لكههل المههة‪ ،‬حتههى يحصههل مهن قتههل الترس مصههلحة كههل‬
‫المسهلمين‪ ،‬فإن لم يفعهل قتهل الكفار الترس واسهتولوا على كهل المهة‪ .‬ومعنهى كونهها قطعيهة‪ :‬أن تلك‬
‫المصههلحة حاصههلة مههن قتههل الترس قطعهها‪ .‬قال علماؤنهها‪ :‬وهذه المصههلحة بهذه القيود ل ينبغههي أن‬
‫يختلف فههي اعتبارههها‪ ،‬لن الفرض أن الترس مقتول قطعهها‪ ،‬فإمهها بأيدي العدو فتحصههل المفسههدة‬
‫العظيمهة التهي ههي اسهتيلء العدو على كهل المسهلمين‪ .‬وإمها بأيدي المسهلمين فيهلك العدو وينجهو‬
‫المسهلمون أجمعون‪ .‬ول يتأتهى لعاقهل أن يقول‪ :‬ل يقتهل الترس فهي هذه الصهورة بوجهه‪ ،‬لنهه يلزم‬
‫منهه ذهاب الترس والسهلم والمسهلمين‪ ،‬لكهن لمها كانهت هذه المصهلحة غيهر خاليهة مهن المفسهدة‪،‬‬
‫نفرت منهها نفهس مهن لم يمعهن النظهر فيهها‪ ،‬فإن تلك المفسهدة بالنسهبة إلى مها حصهل منهها عدم أو‬
‫كالعدم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قراءة العامهة "لو تزيلوا" إل أبها حيوة فإنهه قرأ "تزايلوا" وههو مثهل "تزيلوا" فهي المعنهى‪.‬‬
‫والتزايل‪ :‬التباين‪ .‬و"تزيلوا" تفعلوا‪ ،‬من زلت‪ .‬وقيل‪ :‬هي تفيعلوا‪" .‬لعذبنا الذين كفروا" قيل‪ :‬اللم‬
‫جواب لكلميهن‪ ،‬أحدهمها‪" :‬لول رجال" والثانهي‪" :‬لو تزيلوا"‪ .‬وقيهل جواب "لول" محذوف‪ ،‬وقهد‬
‫تقدم‪" .‬ولو تزيلوا" ابتداء كلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 26 :‬إذ جعهل الذيهن كفروا فهي قلوبههم الحميهة حميهة الجاهليهة فأنزل ال سهكينته على‬
‫رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان ال بكل شيء عليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ جعهل الذيهن كفروا فهي قلوبههم الحميهة حميهة الجاهليهة" العامهل فهي "إذ" قوله‬
‫تعالى‪" :‬لعذبنها" أي لعذبناههم إذ جعلوا هذا‪ .‬أو فعهل مضمهر تقديره واذكروا‪" .‬الحميهة" فعيلة وههي‬
‫النفهة‪ .‬يقال‪ :‬حميهت عهن كذا حميهة (بالتشديهد) ومحميهة إذا أنفهت منهه وداخلك عار وأنفهة أن تفعله‪.‬‬
‫ومنه قول المتلمس‪:‬‬
‫كذي النف يحمي أنفه أن يكشما‬ ‫أل إنني منهم وعرضي عرضهم‬
‫أي يمنع‪ .‬قال الزهري‪ :‬حميتهم أنفتهم من القرار للنبي صلى ال عليه وسلم بالرسالة والستفتاح‬
‫ببسهم ال الرحمهن الرحيهم‪ ،‬ومنعههم مهن دخول مكهة‪ .‬وكان الذي امتنهع مهن كتابهة بسهم ال الرحمهن‬
‫الرحيهم ومحمهد رسهول ال‪ :‬سههيل بهن عمرو‪ ،‬على مها تقدم‪ .‬وقال ابهن بحهر‪ :‬حميتهههم عصهبيتهم‬
‫للهتهههم التههي كانوا يعبدونههها مههن دون ال تعالى‪ ،‬والنفههة مههن أن يعبدوا غيرههها‪ .‬وقيههل‪" :‬حميههة‬
‫الجاهلية" إنهم قالوا‪ :‬قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا‪ ،‬واللت والعزى ل يدخلها‬
‫أبدا‪" .‬فأنزل ال سهكينته" أي الطمأنينهة والوقار‪" .‬على رسهوله وعلى المؤمنيهن" وقيهل‪ :‬ثبتههم على‬
‫الرضا والتسليم‪ ،‬ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وألزمهم كلمة التقوى" قيل‪ :‬ل إله إل ال‪ .‬روي مرفوعا من حديث أبي بن كعب‬
‫عههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪ .‬وهههو قول علي وابههن عمههر وابههن عباس‪ ،‬وعمرو بههن ميمون‬
‫ومجاهههد وقتادة وعكرمههة والضحاك‪ ،‬وسهلمة بهن كهيههل وعبيهد بههن عميههر وطلحههة بهن مصههرف‪،‬‬
‫والربيهع والسهدي وابهن زيهد‪ .‬وقال عطاء الخرسهاني‪ ،‬وزاد "محمهد رسهول ال"‪ .‬وعهن علي وابهن‬
‫عمر أيضا هي ل إله إل ال وال أكبر‪ .‬وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضا‪ :‬هي ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪ .‬وقال الزهري‪ :‬بسم ال الرحمن‬
‫الرحيهم‪ .‬يعنهي أن المشركيهن لم يقروا بهذه الكلمهة‪ ،‬فخهص ال بهها المؤمنيهن‪ .‬و"كلمهة التقوى" ههي‬
‫التهي يتقهى بهها مهن الشرك‪ .‬وعهن مجاههد أيضها أن "كلمهة التقوى" الخلص‪" .‬وكانوا أحهق بهها‬
‫وأهلهها" أي أحهق بهها مهن كفار مكهة‪ ،‬لن ال تعالى اختارههم لدينهه وصهحبة نهبيه‪" .‬وكان ال بكهل‬
‫شيء عليما"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 27 :‬لقهد صهدق ال رسهوله الرؤيها بالحهق لتدخلن المسهجد الحرام إن شاء ال آمنيهن‬
‫محلقين رؤوسكم ومقصرين ل تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقهد صهدق ال رسهوله الرؤيها بالحهق" قال قتادة‪ :‬كان رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسلم رأى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة‪ ،‬فلما صالح قريشا بالحديبية ارتاب المنافقون‬
‫حتى قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه يدخل مكة‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬لقد صدق ال رسوله‬
‫الرؤيها بالحهق" فأعلمههم أنههم سهيدخلون فهي غيهر ذلك العام‪ ،‬وأن رؤياه صهلى ال عليهه وسهلم حهق‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن أبا بكر هو الذي قال إن المنام لم يكن مؤقتا بوقت‪ ،‬وأنه سيدخل‪ .‬وروي أن الرؤيا كانت‬
‫بالحديبيهة‪ ،‬وأن رؤيها النهبياء حهق‪ .‬والرؤيها أحهد وجوه الوحهي إلى النهبياء‪" .‬لتدخلن" أي فهي العام‬
‫القابل "المسهجد الحرام إن شاء ال" قال ابن كيسان‪ :‬إنه حكاية ما قيل للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫في منامه‪ ،‬خوطب في منامه بما جرت به العادة‪ ،‬فأخبر ال عن رسول أنه قال ذلك ولهذا استثنى‪،‬‬
‫تأدب بأدب ال تعالى حيهههث قال تعالى‪" :‬ول تقولن لشيهههء إنهههي فاعهههل ذلك غدا إل أن يشاء ال"‬
‫[الكهف‪ .]23 :‬وقيل‪ :‬خاطب ال العباد بما يحب أن يقولوه‪ ،‬كما قال‪" :‬ول تقولن لشيء إني فاعل‬
‫ذلك غدا إل أن يشاء ال"‪ .‬وقيههل‪ :‬اسههتثنى فيمهها يعلم ليسههتثني الخلق فيمهها ل يعلمون‪ ،‬قاله ثعلب‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬كان ال علم أنهه يميهت بعهض هؤلء الذيهن كانوا معهه بالحديبيهة فوقهع السهتثناء لهذا المعنهى‪،‬‬
‫قال الحسهين بهن الفضهل‪ .‬وقيهل‪ :‬السهتثناء مهن "آمنيهن"‪ ،‬وذلك راجهع إلى مخاطبهة العباد على مها‬
‫جرت بهه العادة‪ .‬وقيهل‪ :‬معنهى "إن شاء ال" إن أمركهم ال بالدخول‪ .‬وقيهل‪ :‬أي إن سههل ال‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫"إن شاء ال" أي كما شاء ال‪ .‬وقال أبو عبيدة‪" :‬إن" بمعنى "إذ"‪ ،‬أي إذ شاء ال‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫"اتقوا ال وذروا مها بقهي مهن الربها إن كنتهم مؤمنيهن" [البقرة‪ ]278 :‬أي إذ كنتهم‪ .‬وفيهه بعهد‪ ،‬لن‬
‫"إذ" فهي الماضهي مهن الفعهل‪ ،‬و"إذا" فهي المسهتقبل‪ ،‬وهذا الدخول فهي المسهتقبل‪ ،‬فوعدههم دخول‬
‫المسهجد الحرام وعلقهه بشرط المشيئة‪ ،‬وذلك عام الحديبيهة‪ ،‬فأخهبر أصهحابه بذلك فاسهتبشروا‪ ،‬ثهم‬
‫تأخهر ذلك عهن العام الذي طمعوا فيهه فسهاءهم ذلك واشتهد عليههم وصهالحهم ورجهع‪ ،‬ثهم أذن ال فهي‬
‫العام المقبهل فأنزل ال‪" :‬لقهد صهدق ال رسهوله الرؤيها بالحهق"‪ .‬وإنمها قيهل له فهي المنام‪" :‬لتدخلن‬
‫المسهجد الحرام إن شاء ال" فحكهى فهي التنزيهل مها قيهل له فهي المنام‪ ،‬فليهس هنها شهك كمها زعهم‬
‫بعضههم أن الستثناء يدل على الشهك‪ ،‬وال تعالى ل يشك‪ ،‬و"لتدخلن" تحقيق فكيهف يكون شك‪ .‬فهه‬
‫"إن" بمعنهى "إذا"‪" .‬آمنيهن" أي مهن العدو‪" .‬محلقيهن رؤوسهكم ومقصهرين" والتحليهق والتقصهير‬
‫جميعها للرجال‪ ،‬ولذلك غلب المذكهر على المؤنهث‪ .‬والحلق أفضهل‪ ،‬وليهس للنسهاء إل التقصهير‪ .‬وقهد‬
‫مضهى القول فهي هذا فهي "البقرة"‪ .‬وفهي الصهحيح أن معاويهة أخهذ مهن شعهر النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم على المروة بمشقهص‪ .‬وهذا كان فهي العمرة ل فهي الحهج‪ ،‬لن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫حلق فهي حجتهه‪" .‬ل تخافون" حال مهن المحلقيهن والمقصهرين‪ ،‬والتقديهر‪ :‬غيهر خائفيهن‪" .‬فعلم مها لم‬
‫تعلموا" أي علم ما في تأخير الدخول من الخير والصلح ما لم تعلموه أنتم‪ .‬وذلك أنه عليه السلم‬
‫لمها رجهع مضهى منهها إلى خيهبر فافتتحهها‪ ،‬ورجهع بأموال خيهبر وأخهذ مهن العدة والقوة أضعاف مها‬
‫كان فيهه فهي ذلك العام‪ ،‬وأقبهل إلى مكهة على أهبهة وقوة وعدة بأضعاف ذلك‪ .‬وقال الكلبهي‪ :‬أي علم‬
‫أن دخولههها إلى سههنة ولم تعلموه أنتههم‪ .‬وقيههل‪ :‬علم أن بمكههة رجال مؤمنيههن ونسههاء مؤمنات لم‬
‫تعلموهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فجعل من دون ذلك فتحا قريبا" أي من دون رؤيا النبي صلى ال عليه وسلم فتح‬
‫خيههبر‪ ،‬قال ابههن زيههد والضحاك‪ .‬وقيههل فتههح مكههة‪ .‬وقال مجاهههد‪ :‬هههو صههلح الحديبيههة‪ ،‬وقاله أكثههر‬
‫المفسرين‪ .‬قال الزهري‪ :‬ما فتح ال في السلم أعظم من صلح الحديبية‪ ،‬لنه إنما كان القتال حين‬
‫تلتقههي الناس‪ ،‬فلمهها كانههت الهدنههة وضعههت الحرب أوزارههها وأمههن الناس بعضهههم بعضهها‪ ،‬فالتقوا‬
‫وتفاوضوا الحديههث والمناظرة‪ .‬فلم يكلم أحههد بالسههلم يعقههل شيئا إل دخههل فيههه‪ ،‬فلقههد دخههل تينههك‬
‫السهنتين فهي السهلم مثهل مها كان فهي السهلم قبهل ذلك وأكثهر‪ .‬يدلك على ذلك أنههم كانوا سهنة سهت‬
‫يوم الحديبية ألفا وأربعمائة‪ ،‬وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان في عشرة آلف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 28 :‬ههو الذي أرسهل رسهوله بالهدى وديهن الحهق ليظهره على الديهن كله وكفهى بال‬
‫شهيدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ههو الذي أرسهل رسهوله" يعنهي محمدا صهلى ال عليهه وسهلم "ليظهره على الديهن‬
‫كله" أي يعليهه على كهل الديان‪ .‬فالديهن اسهم بمعنهى المصهدر‪ ،‬ويسهتوي لفهظ الواحهد والجمهع فيهه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أي ليظهر رسول على الدين كله‪ ،‬أي على الدين الذي هو شرعه بالحجة ثم باليد والسيف‪،‬‬
‫ونسخ ما عداه‪" .‬وكفى بال شهيدا" "شهيدا" نصب على التفسير‪ ،‬والباء زائدة‪ ،‬أي كفى ال شهيدا‬
‫لنهبيه صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وشهادتهه له تهبين صهحة نبوتهه بالمعجزات‪ .‬وقيهل‪" :‬شهيدا" على مها‬
‫أرسل به‪ ،‬لن الكفار أبوا أن يكتبوا‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد رسول ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا‬
‫يبتغون فضل من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم‬
‫فههي النجيههل كزرع أخرج شطأه فآزره فاسههتغلظ فاسههتوى على سههوقه يعجههب الزراع ليغيههظ بهههم‬
‫الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محمههد رسههول ال" "محمههد" مبتدأ و"رسههول" خههبره‪ .‬وقيههل‪" :‬محمههد" ابتداء‬
‫و"رسهول ال" نعتهه‪" .‬والذيهن معهه" عطهف على المبتدأ‪ ،‬والخهبر فيمها بعده؛ فل يوقهف على هذا‬
‫التقديهر على "رسهول ال"‪ .‬وعلى الول يوقهف على "رسهول ال"؛ لن صهفاته عليهه السهلم تزيهد‬
‫على مها وصهف أصهحابه؛ فيكون "محمهد" ابتداء و"رسهول ال" الخهبر "والذيهن معهه" ابتداء ثان‪.‬‬
‫و"أشداء" خهبره و"رحماء" خهبر ثان‪ .‬وكون الصهفات فهي جملة أصهحاب النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم ههو الشبهه‪ .‬وقيهل‪ :‬المراد بهه "الذيهن معهه" جميهع المؤمنيهن‪" .‬أشداء على الكفار" قال ابهن‬
‫عباس‪ :‬أهل الحديبية أشداء على الكفار؛ أي غلظ عليهم كالسد على فريسته‪" .‬رحماء بينهم" أي‬
‫يرحهم بعضههم بعضها‪ .‬وقيهل‪ :‬متعاطفون متوادون‪ .‬وقرأ الحسهن "أشداء على الكفار رحماء بينههم"‬
‫بالنصهب على الحال‪ ،‬كأنهه قال‪ :‬والذيهن معهه فهي حال شدتههم على الكفار وتراحمههم بينههم‪" .‬تراههم‬
‫ركعهها سههجدا" إخبار عههن كثرة صههلتهم‪" .‬يبتغون فضل مههن ال ورضوانهها" أي يطلبون الجنههة‬
‫ورضا ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيماهم في وجوههم من أثر السجود" السيما العلمة‪ ،‬وفيها لغتان‪ :‬المد والقصر‪،‬‬
‫أي لحهت علمات التهجهد بالليهل وأمارات السههر‪ .‬وفهي سهنن ابهن ماجهة قال‪ :‬حدثنها إسهماعيل بهن‬
‫محمهد الطلحهي قال حدثنها ثابهت بهن موسهى أبهو يزيهد عهن شريهك عهن العمهش عهن أبهي سهفيان عهن‬
‫جابر قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬مهن كثرت صهلته بالليهل حسهن وجههه بالنهار]‪.‬‬
‫وقال ابهن العربهي‪ :‬ودسهه قوم فهي حديهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم على وجهه الغلط‪ ،‬وليهس عهن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فيه ذكر بحرف‪ .‬وقد روى ابن وهب عن مالك "سيماهم في وجوههم‬
‫من أثر السجود" ذلك مما يتعلق بجباههم من الرض عند السجود‪ ،‬وبه قال سعيد بن جبير‪ .‬وفي‬
‫الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬صلى صبيحة إحدى وعشرين من رمضان وقد‬
‫وكهف المسهجد وكان على عريهش‪ ،‬فانصهرف النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن صهلته وعلى جبهتهه‬
‫وأرنبتهه أثهر الماء والطيهن‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬ههو بياض يكون فهي الوجهه يوم القيامهة‪ .‬وقاله سهعيد بهن‬
‫جبير أيضا‪ ،‬ورواه العوفي عن ابن عباس؛ قاله الزهري‪ .‬وفي الصحيح عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم من حديث أبي هريرة‪ ،‬وفيه‪[ :‬حتى إذا فرغ ال من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج‬
‫برحمته من أراد من أهل النار أمر الملئكة أن يخرجوا من النار من كان ل يشرك بال شيئا ممن‬
‫أراد ال أن يرحمه ممن يقول ل إله إل ال فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إل‬
‫أثههر السههجود حرم ال على النار أن تأكههل أثههر السههجود]‪ .‬وقال شهههر بههن حوشههب‪ :‬يكون موضههع‬
‫السهجود مهن وجوهههم كالقمهر ليلة البدر‪ .‬وقال ابهن عباس ومجاههد‪ :‬السهيما فهي الدنيها وههو السهمت‬
‫الحسن‪ .‬وعن مجاهد أيضا‪ :‬هو الخشوع والتواضع‪ .‬قال منصور‪ :‬سألت مجاهدا عن قوله تعالى‪:‬‬
‫"سيماهم في وجوههم" أهو أثر يكون بين عيني الرجل؟ قال ل‪ ،‬ربما يكون بين عيني الرجل مثل‬
‫ركبة العنز وهو أقسى قلبا من الحجارة ولكنه نور في وجوههم من الخشوع‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬هو‬
‫الوقار والبهاء‪ .‬وقال شمهر بهن عطيهة‪ :‬ههو صهفرة الوجهه مهن قيام الليهل‪ .‬قال الحسهن‪ :‬إذا رأيتههم‬
‫حسبتهم مرضى وما هم بمرضى‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬أما إنه ليس بالندب في وجوههم ولكنه الصفرة‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري‪ :‬يصلون بالليل فإذا أصبحوا رئي ذلك في وجوههم‪ ،‬بيانه قوله صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪[ :‬مهن كثرت صهلته بالليهل حسهن وجههه بالنهار]‪ .‬وقهد مضهى القول فيهه آنفها‪ .‬وقال عطاء‬
‫الخراساني‪ :‬دخل في هذه الية كل من حافظ على الصلوات الخمس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في النجيل" قال الفراء‪ :‬فيه وجهان‪ ،‬إن شئت قلت‬
‫المعنههى ذلك مثلهههم فههي التوراة وفههي النجيههل أيضهها‪ ،‬كمثلهههم فههي القرآن‪ ،‬فيكون الوقههف على‬
‫"النجيل" وإن شئت قلت‪ :‬تمام الكلم ذلك مثلهم في التوراة‪ ،‬ثم ابتداء فقال‪ :‬ومثلهم في النجيل‪.‬‬
‫وكذا قال ابن عباس وغيره‪ :‬هما مثلن‪ ،‬أحدهما في التوراة والخر في النجيل‪ ،‬فيوقف على هذا‬
‫على "التوراة"‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬هو مثل واحد‪ ،‬يعني أن هذه صفتهم في التوراة والنجيل‪ ،‬فل يوقف‬
‫على "التوراة" على هذا‪ ،‬ويوقهههف على "النجيهههل"‪ ،‬ويبتدئ‪" :‬كزرع أخرج شطأه" على معنهههى‬
‫وهم كزرع‪ .‬و"شطأه" يعني فراخه وأولده‪ ،‬قاله ابن زيد وغيره‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬هو نبت واحد‪ ،‬فإذا‬
‫خرج مها بعده فقهد شطأه‪ .‬قال الجوهري‪ :‬شطهء الزرع والنبات فراخهه‪ ،‬والجمهع أشطاء‪ .‬وقهد أشطهأ‬
‫الزرع خرج شطؤه‪ .‬قال الخفش في قوله‪" :‬أخرج شطأه" أي طرفه‪ .‬وحكاه الثعلبي عن الكسائي‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ومن الشجار أفنان الثمر‬ ‫أخرج الشطء على وجه الثرى‬
‫الزجاج‪ :‬أخرج شطأه أي نباته‪ .‬وقيل‪ :‬إن الشطء شوك السنبل‪ ،‬والعرب أيضا تسميه‪ :‬السفا‪ ،‬وهو‬
‫شوك البهمهى‪ ،‬قاله قطرب‪ .‬وقيهل‪ :‬إنهه السهنبل‪ ،‬فيخرج مهن الحبهة عشهر سهنبلت وتسهع وثمان‪ ،‬قال‬
‫الفراء‪ ،‬حكاه الماوردي‪ .‬وقرأ ابههن كثيههر وابههن ذكوان "شطأه" بفتههح الطاء‪ ،‬وأسههكن الباقون‪ .‬وقرأ‬
‫أنس ونصر بن عاصم وابن وثاب "شطاه" مثل عصاه‪ .‬وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق "شطه"‬
‫بغير همز‪ ،‬وكلها لغات فيها‪.‬‬
‫وهذا مثهل ضربهه ال تعالى لصهحاب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬يعنهي أنههم يكونون قليل ثهم‬
‫يزدادون ويكثرون‪ ،‬فكان النههبي صههلى ال عليههه وسههلم حيههن بدأ بالدعاء إلى دينههه ضعيفهها فأجابههه‬
‫الواحد بعد الواحد حتى قوي أمره‪ ،‬كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفا فيقوى حال بعد حال حتى يغلظ‬
‫نباتهه وأفراخهه‪ .‬فكان هذا مهن أصهح مثهل وأقوى بيان‪ .‬وقال قتادة‪ :‬مثهل أصهحاب محمهد صهلى ال‬
‫عليههه وسههلم فههي النجيههل مكتوب أنههه سههيخرج مههن قوم ينبتون نبات الزرع‪ ،‬يأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عهن المنكهر‪" .‬فآزره" أي قواه وأعانهه وشده‪ ،‬أي قوى الشطهء الزرع‪ .‬وقيهل بالعكهس‪ ،‬أي‬
‫قوى الزرع الشطههء‪ .‬وقراءة العامههة "آزره" بالمههد‪ .‬وقرأ ابههن ذكوان وأبههو حيوة وحميههد بههن قيههس‬
‫"فأزره" مقصورة‪ ،‬مثل فعله‪ .‬والمعروف المد‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫مجر جيوش غانمين وخيب‬ ‫بمحنية قد آزر الضال نبتها‬
‫"فاستغلظ فاستوى على سوقه" على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقا له‪ .‬والسوق‪ :‬جمع الساق‪.‬‬
‫"يعجب الزراع" أي يعجب هذا الزرع زراعه‪ .‬وهو مثل كما بينا‪ ،‬فالزرع محمد صلى ال عليه‬
‫وسههلم‪ ،‬والشطههء أصههحابه‪ ،‬كانوا قليل فكثروا‪ ،‬وضعفاء فقووا‪ ،‬قال الضحاك وغيره‪" .‬ليغيههظ بهههم‬
‫الكفار" اللم متعلقهة بمحذوف‪ ،‬أي فعهل ال هذا لمحمهد صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه ليغيهظ بههم‬
‫الكفار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعهد ال الذيهن آمنوا" أي وعهد ال هؤلء الذيهن مهع محمهد‪ ،‬وههم المؤمنون الذيهن‬
‫أعمالههم صهالحة‪ .‬و"مهن" فهي قوله‪" :‬منههم" مبعضهة لقوم مهن الصهحابة دون قوم‪ ،‬ولكنهها عامهة‬
‫مجنسهة‪ ،‬مثهل قوله تعالى‪" :‬فاجتنبوا الرجهس مهن الوثان" [الحهج‪ ]30 :‬ل يقصهد للتبعيهض لكنهه‬
‫يذههب إلى الجنهس‪ ،‬أي فاجتنبوا الرجهس مهن جنهس الوثان‪ ،‬إذ كان الرجهس يقهع مهن أجناس شتهى‪،‬‬
‫منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب‪ ،‬فأدخل "من" يفيد بها الجنس وكذا "منهم"‪ ،‬أي من هذا‬
‫الجنهس‪ ،‬يعنهي جنهس الصهحابة‪ .‬ويقال‪ :‬أنفهق نفقتهك مهن الدراههم‪ ،‬أي اجعهل نفقتهك هذا الجنهس‪ .‬وقهد‬
‫يخصهص أصهحاب محمهد صهلى ال عليهه وسهلم بوعهد المغفرة تفضيل لههم‪ ،‬وإن وعهد ال جميهع‬
‫المؤمنين المغفرة‪ .‬وفي الية جواب آخر‪ :‬وهو أن "من" مؤكدة للكلم‪ ،‬والمعنهى وعدهم ال كلهم‬
‫مغفرة وأجرا عظيمها‪ .‬فجرى مجرى قول العربهي‪ :‬قطعهت مهن الثوب قميصها‪ ،‬يريهد قطعهت الثوب‬
‫كله قميصهها‪ .‬و"مههن" لم يبعههض شيئا‪ .‬وشاهههد هذا مههن القرآن "وننزل مههن القرآن مهها هههو شفاء"‬
‫[السهراء‪ ]82 :‬معناه وننزل القرآن شفاء‪ ،‬لن كهل حرف منهه يشفهي‪ ،‬وليهس الشفاء مختصها بهه‬
‫بعضه دون بعض‪ .‬على أن من اللغويين من يقول‪" :‬من" مجنسة‪ ،‬تقديرها ننزل الشفاء من جنس‬
‫القرآن‪ ،‬ومن جهة القرآن‪ ،‬ومن ناحية القرآن‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫أمن أم أوفى دمنة لم تكلم‬
‫أراد من ناحية أم أوفى دمنة‪ ،‬أم من منازلها دمنة‪ .‬وقال الخر‪:‬‬
‫يأبى الظلمة منه النوفل الزفر‬ ‫أخو رغائب يعطيها ويسألها‬
‫فهه "مهن" لم تبعهض شيئا‪ ،‬إذ كان المقصهد يأبهى الظلمهة لنهه نوفهل زفهر‪ .‬والنوفهل‪ :‬الكثيهر العطاء‪.‬‬
‫والزفر‪ :‬حامل الثقال والمؤن عن الناس‪.‬‬
‫@ روى أبهو عروة الزبيري مهن ولد الزبيهر‪ :‬كنها عنهد مالك بهن أنهس‪ ،‬فذكروا رجل ينتقهص‬
‫أصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فقرأ مالك هذه اليهة "محمهد رسهول ال والذيهن معهه"‬
‫حتهى بلغ "يعجهب الزراع ليغيهظ بههم الكفار"‪ .‬فقال مالك‪ :‬مهن أصهبح مهن الناس فهي قلبهه غيهظ على‬
‫أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد أصابته هذه الية‪ ،‬ذكره الخطيب أبو بكر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لقهد أحسهن مالك فهي مقالتهه وأصهاب فهي تأويله‪ .‬فمهن نقهص واحدا منههم أو طعهن عليهه فهي‬
‫روايتهه فقهد رد على ال رب العالميهن‪ ،‬وأبطهل شرائع المسهلمين‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬محمهد رسهول ال‬
‫والذيههن معههه أشداء على الكفار" اليههة‪ .‬وقال‪" :‬لقههد رضههي ال عههن المؤمنيههن إذ يبايعونههك تحههت‬
‫الشجرة" [الفتح‪ ]18 :‬إلى غير ذلك من الي التي تضمنت الثناء عليهم‪ ،‬والشهادة لهم بالصدق‬
‫والفلح‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬رجال صههدقوا مهها عاهدوا ال عليههه" [الحزاب‪ .]23 :‬وقال‪" :‬للفقراء‬
‫المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضل من ال ورضوانا" إلى قوله "أولئك‬
‫هم الصادقون" [الحشر‪ ،]8 :‬ثم قال عز من قائل‪" :‬والذين تبوؤوا الدار واليمان من قبلهم" إلى‬
‫قوله "فأولئك هم المفلحون" [الحشر‪ .]9 :‬وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى بحالهم ومآل أمرهم‪،‬‬
‫وقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪( :‬خيههر الناس قرنههي ثههم الذيههن يلونهههم) وقال‪( :‬ل تسههبوا‬
‫أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ول نصيفه) خرجهما البخاري‪ .‬وفي‬
‫حديهث آخهر‪( :‬فلو أن أحدكهم أنفهق مها فهي الرض لم يدرك مهد أحدههم ول نصهيفه)‪ .‬قال أبهو عبيهد‪:‬‬
‫معناه لم يدرك مهد أحدههم إذا تصهدق بهه ول نصهف المهد‪ ،‬فالنصهيف ههو النصهف هنها‪ .‬وكذلك يقال‬
‫للعشهر عشيهر‪ ،‬وللخمهس خميهس‪ ،‬وللتسهع تسهيع‪ ،‬وللثمهن ثميهن‪ ،‬وللسهبع سهبيع‪ ،‬وللسهدس سهديس‪،‬‬
‫وللربع ربيع‪ .‬ولم تقل العرب للثلث ثليث‪.‬‬
‫وفهي البزار عهن جابر مرفوعها صهحيحا‪( :‬إن ال اختار أصهحابي على العالميهن سهوى النهبيين‬
‫والمرسههلين واختار لي مههن أصههحابي أربعههة ‪ -‬يعنههي أبهها بكههر وعمههر وعثمان وعليهها ‪ -‬فجعلهههم‬
‫أصحابي)‪ .‬وقال‪( :‬في أصحابي كلهم خير)‪ .‬وروى عويم بن ساعدة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليههه وسههلم‪( :‬إن ال عههز وجههل اختارنههي واختار لي أصههحابي فجعههل لي منهههم وزراء وأختانهها‬
‫وأصهارا فمن سهبهم فعليهه لعنة ال والملئكة والناس أجمعيهن ول يقبهل ال منهه يوم القيامهة صهرفا‬
‫ول عدل)‪ .‬والحاديث بهذا المعنى كثيرة‪ ،‬فحذار من الوقوع في أحد منهم‪ ،‬كما فعل من طعن في‬
‫الديهن فقال‪ :‬إن المعوذتيهن ليسهتا مهن القرآن‪ ،‬ومها صهح حديهث عهن رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم‬
‫في تثبيتهما ودخولهما في جملة التنزيل إل عن عقبة بن عامر‪ ،‬وعقبة بن عامر ضعيف لم يوافقه‬
‫غيره عليههها‪ ،‬فروايتههه مطروحههة‪ .‬وهذا رد لمهها ذكرناه مههن الكتاب والسههنة‪ ،‬وإبطال لمهها نقلتههه لنهها‬
‫الصحابة من الملة‪ .‬فإن عقبة بن عامر بن عيسى الجهني ممن روى لنا الشريعة في الصهحيحين‬
‫البخاري ومسهلم وغيرهمها‪ ،‬فههو ممهن مدحههم ال ووصهفهم وأثنهى عليههم ووعدههم مغفرة وأجرا‬
‫عظيما‪ .‬فمن نسبه أو واحدا من الصحابة إلى كذب فهو خارج عن الشريعة‪ ،‬مبطل للقرآن طاعن‬
‫على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬ومتهى ألحهق واحهد منههم تكذيبها فقهد سهب‪ ،‬لنهه ل عار ول‬
‫عيب بعد الكفر بال أعظم من الكذب‪ ،‬وقد لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم من سب أصحابه‪،‬‬
‫فالمكذب لصغرهم ‪ -‬ول صغير فيهم ‪ -‬داخل في لعنة ال التي شهد بها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وألزمها كل من سب واحدا من أصحابه أو طعن عليه‪ .‬وعن عمر بن حبيب قال‪ :‬حضرت‬
‫مجلس هارون الرشيهد فجرت مسهألة تنازعهها الحضور وعلت أصهواتهم‪ ،‬فاحتهج بعضههم بحديهث‬
‫يرويهه أبهو هريرة عهن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فرفهع بعضههم الحديهث وزادت المدافعهة‬
‫والخصام حتى قال قائلون منهم‪ :‬ل يقبل هذا الحديث على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لن أبا‬
‫هريرة متهم فيما يرويه‪ ،‬وصرحوا بتكذيبه‪ ،‬ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم فقلت أنا‪:‬‬
‫الحديث صحيح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبو هريرة صحيح النقل صدوق فيما يرويه‬
‫عهن النهبي صههلى ال عليهه وسههلم وغيره‪ ،‬فنظهر إلي الرشيهد نظههر مغضهب‪ ،‬وقمههت مهن المجلس‬
‫فانصههرفت إلى منزلي‪ ،‬فلم ألبههث حتههى قيههل‪ :‬صههاحب البريههد بالباب‪ ،‬فدخههل فقال لي‪ :‬أجههب أميههر‬
‫المؤمنين إجابة مقتول‪ ،‬وتحنط وتكفن فقلت‪ :‬اللهم إنك تعلم أني دافعت عن صاحب نبيك‪ ،‬وأجللت‬
‫نبيهك أن يطعهن على أصهحابه‪ ،‬فسهلمني منهه‪ .‬فأدخلت على الرشيهد وههو جالس على كرسهي مهن‬
‫ذهب‪ ،‬حاسر عن ذراعيه‪ ،‬بيده السيف وبين يديه النطع‪ ،‬فلما بصر بي قال لي‪ :‬يا عمر بن حبيب‬
‫مها تلقانهي أحهد مهن الرد والدفهع لقولي بمثهل مها تلقيتنهي بهه فقلت‪ :‬يها أميهر المؤمنيهن‪ ،‬إن الذي قلتهه‬
‫وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى ما جاء به‪ ،‬إذا كان أصحابه‬
‫كذابيهن فالشريعهة باطلة‪ ،‬والفرائض والحكام فهي الصهيام والصهلة والطلق والنكاح والحدود كله‬
‫مردود غير مقبول فرجع إلى نفسه ثم قال‪ :‬أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك ال‪ ،‬وأمر لي بعشرة‬
‫آلف درهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالصحابة كلهم عدول‪ ،‬أولياء ال تعالى وأصفياؤه‪ ،‬وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله‪.‬‬
‫هذا مذههب أههل السهنة‪ ،‬والذي عليهه الجماعهة مهن أئمهة هذه المهة‪ .‬وقهد ذهبهت شرذمهة ل مبالة بههم‬
‫إلى أن حال الصهحابة كحال غيرههم‪ ،‬فيلزم البحهث عهن عدالتههم‪ .‬ومنههم مهن فرق بيهن حالههم فهي‬
‫بداءة المهر فقال‪ :‬إنههم كانوا على العدالة إذ ذاك‪ ،‬ثهم تغيرت بههم الحوال فظهرت فيههم الحروب‬
‫وسههفك الدماء‪ ،‬فل بههد مههن البحههث‪ .‬وهذا مردود‪ ،‬فإن خيار الصههحابة وفضلءهههم كعلي وطلحههة‬
‫والزبير وغيرهم رضي ال عنهم ممن أثنى ال عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم ووعدهم‬
‫الجنهة بقوله تعالى‪" :‬مغفرة وأجرا عظيمها"‪ .‬وخاصهة العشرة المقطوع لههم بالجنهة بإخبار الرسهول‬
‫ههم القدوة مهع علمههم بكثيهر مهن الفتهن والمور الجاريهة عليههم بعهد نهبيهم بإخباره لههم بذلك‪ .‬وذلك‬
‫غير مُسقط من مرتبتهم وفضلهم‪ ،‬إذ كانت تلك المور مبنية على الجتهاد‪ ،‬وكل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫وسيأتي الكلم في تلك المور في سورة "الحجرات" مبينة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الحجرات‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ال ورسوله واتقوا ال إن ال سميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ال ورسوله" قال العلماء‪ :‬كان في العربي‬
‫جفاء وسوء أدب في خطاب النبي صلى ال عليه وسلم وتلقيب الناس‪ .‬فالسورة في المر بمكارم‬
‫الخلق ورعايههة الداب‪ .‬وقرأ الضحاك ويعقوب الحضرمههي‪" :‬ل تَ َقدّموا" بفتههح التاء والدال مههن‬
‫التقدم‪ .‬الباقون "تُقدِموا" بضهم التاء وكسهر الدال مهن التقديهم‪ .‬ومعناهمها ظاههر‪ ،‬أي ل تقدموا قول‬
‫ول فعل بيهن يدي ال وقول رسهوله وفعله فيمها سهبيله أن تأخذوه عنهه مهن أمهر الديهن والدنيها‪ .‬ومهن‬
‫قدم قوله أو فعله على الرسهول صهلى ال عليهه وسهلم فقهد قدمهه على ال تعالى‪ ،‬لن الرسهول صهلى‬
‫ال عليه وسلم إنما يأمر عن أمر ال عز وجل‪.‬‬
‫@ واختلف في سبب نزولها على أقوال ستة‪ :‬الول‪ :‬ما ذكره الواحدي من حديث ابن جريج قال‪:‬‬
‫حدثني ابن أبي مليكة أن عبدال بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم‪ ،‬فقال أبهو بكهر‪ :‬أمهر القعقاع بهن معبهد‪ .‬وقال عمهر‪ :‬أمهر القرع بهن حابهس‪ .‬فقال أبهو‬
‫بكر‪ :‬ما أردت إل خلفي‪ .‬وقال عمر‪ :‬ما أردت خلفك‪ .‬فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما‪ ،‬فنزل في‬
‫ذلك‪" :‬يهها أيههها الذيههن آمنوا ل تقدموا بيههن يدي ال ورسههوله ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ولو أنهههم صههبروا حتههى‬
‫تخرج إليهم"‪ .‬رواه البخاري عن الحسن بن محمد بن الصباح‪ ،‬ذكره المهدوي أيضا‪.‬‬
‫الثانهي‪ :‬مها روي أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أراد أن يسهتخلف على المدينهة رجل إذا مضهى‬
‫إلى خيههبر‪ ،‬فأشار عليههه عمههر برجههل آخههر‪ ،‬فنزل‪" :‬يهها أيههها الذيههن آمنوا ل تقدموا بيههن يدي ال‬
‫ورسوله"‪ .‬ذكره المهدوي أيضا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مها ذكره الماوردي عهن الضحاك عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها‪ :‬أن النهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم أنفذ أربعة وعشرين رجل من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم‪ ،‬إل ثلثة تأخروا عنهم‬
‫فسهلموا وانكفؤوا إلى المدينهة‪ ،‬فلقوا رجليهن مهن بنهي سهليم فسهألوهما عهن نسهبهما فقال‪ :‬مهن بنهي‬
‫عامر‪ ،‬لنهم أعز من بني سليم فقتلوهما‪ ،‬فجاء نفر من بني سليم إلى رسول ال صلى فقالوا‪ :‬ان‬
‫بيننها وبينهك عهدا‪ ،‬وقهد قتهل منها رجلن‪ ،‬فوداهمها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بمائة بعيهر‪ ،‬ونزلت‬
‫عليهه هذه اليهة فهي قتلههم الرجليهن‪ .‬وقال قتادة‪ :‬إن ناسها كانوا يقولون لو أنزل فهي كذا‪ ،‬لو أنزل فيّه‬
‫كذا؟ فنزلت هذه اليههة‪ .‬ابههن عباس‪ :‬نهوا أن يتكلموا بيههن يدي كلمههه‪ .‬مجاهههد‪ :‬ل تفتاتوا على ال‬
‫ورسول حتى يقضي ال على لسان رسوله‪ ،‬ذكره البخاري أيضا‪.‬‬
‫الحسهن‪ :‬نزلت فهي قوم ذبحوا قبهل أن يصهلي رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فأمرههم أن يعيدوا‬
‫الذبهح‪ .‬ابهن جريهج‪ :‬ل تقدموا أعمال الطاعات قبهل وقتهها الذي أمهر ال تعالى بهه ورسهوله صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه القوال الخمسههة المتأخرة ذكرههها القاضههي أبههو بكههر بههن العربههي‪ ،‬وسههردها قبله‬
‫الماوردي‪ .‬قال القاضهي‪ :‬وههي كلهها صهحيحة تدخهل تحهت العموم‪ ،‬فال أعلم مها كان السهبب المثيهر‬
‫للية منها‪ ،‬ولعلها نزلت دون سبب‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال القاضي‪ :‬إذا قلنا إنها نزلت في تقديم الطاعات‬
‫على أوقاتهها فههو صهحيح‪ ،‬لن كهل عبادة مؤقتهة بميقات ل يجوز تقديمهها عليهه كالصهلة والصهوم‬
‫والحهج‪ ،‬وذلك بيهن‪ .‬إل أن العلماء اختلفوا فهي الزكاة‪ ،‬لمها كانهت عبادة ماليهة وكانهت مطلوبهة لمعنهى‬
‫مفهوم‪ ،‬وهو سد خلة الفقير‪ ،‬ولن النبي صلى ال عليه وسلم استعجل من العباس صدقة عامين‪،‬‬
‫ولمها جاء مهن جمهع صهدقة الفطهر قبهل يوم الفطهر حتهى تعطهى لمسهتحقيها يوم الوجوب وههو يوم‬
‫الفطر‪ ،‬فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والثنين‪ .‬فإن جاء رأس العام والنصاب بحاله وقعت‬
‫موقعهها‪ .‬وإن جاء رأس العام وقهد تغيهر النصهاب تهبين أنهها صهدقة تطوع‪ .‬وقال أشههب‪ :‬ل يجوز‬
‫تقديمههها على الحول لحظههة كالصههلة‪ ،‬وكأنههه طرد الصههل فههي العبادات فرأى أنههها إحدى دعائم‬
‫السلم فوفاها حقها في النظام وحسن الترتيب‪ .‬ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز‪،‬‬
‫لنهه معفهو عنهه فهي الشرع بخلف الكثيهر‪ .‬ومها قاله أشههب أصهح‪ ،‬فإن مفارقهة اليسهير الكثيهر فهي‬
‫أصهول الشريعهة صهحيح‪ ،‬ولكنهه لمعان تختهص باليسهير دون الكثيهر‪ .‬فأمها فهي مسهألتنا فاليوم فيهه‬
‫كالشههر‪ ،‬والشههر كالسهنة‪ .‬فإمها تقديهم كلي كمها قال أبهو حنيفهة والشافعهي‪ ،‬وإمها حفهظ العبادة على‬
‫ميقاتها كما قال أشهب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تقدموا بيهن يدي ال" أصهل فهي ترك التعرض لقوال النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم‪ ،‬وإيجاب اتباعهه والقتداء بهه‪ ،‬وكذلك قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي مرضهه‪[ :‬مروا أبها‬
‫بكر فليصل بالناس]‪ .‬فقالت عائشة لحفصة رضي ال عنهما‪ :‬قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه‬
‫متهى يقهم مقامهك ل يُسهْمع الناس مهن البكاء‪َ ،‬فمُرْ عمهر فليصهل بالناس‪ .‬فقال صهلى ال عليهه وسهلم‪:‬‬
‫[إنكن لنتن صواحب يوسف‪ .‬مروا أبا بكر فليصل بالناس]‪ .‬فمعنى قول [صواحب يوسف] الفتنة‬
‫بالرد عهن الجائز إلى غيهر الجائز‪ .‬وربمها احتهج ُبغَاةُ القياس بهذه اليهة‪ .‬وههو باطهل منههم‪ ،‬فإن مها‬
‫قامهت دللتهه فليهس فهي فعله تقديهم بيهن يديهه‪ .‬وقهد قامهت دللة الكتاب والسهنة على وجوب القول‬
‫بالقياس فهي فروع الشرع‪ ،‬فليهس إذاً تقدمٌه بيهن يديهه‪" .‬واتقوا ال" يعنهي فهي التقدم المنههي عنهه‪" .‬إن‬
‫ال سميع" لقولكم "عليم" بفعلكم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 2 :‬يها أيهها الذيهن آمنوا ل ترفعوا أصهواتكم فوق صهوت النهبي ول تجهروا له بالقول‬
‫كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يهها أيههها الذيههن آمنوا ل ترفعوا أصههواتكم فوق صههوت النههبي" روى البخاري‬
‫والترمذي عهن ابهن أبهي مليكهة قال‪ :‬حدثنهي عبدال بهن الزبيهر أن القرع بهن حابهس قدم على النهبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فقال أبهو بكهر‪ :‬يها رسهول ال اسهتعمله على قومهه‪ ،‬فقال عمهر‪ :‬ل تسهتعمله يها‬
‫رسول ال‪ ،‬فتكلما عند النبي صلى ال عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما‪ ،‬فقال أبو بكر لعمر‪ :‬ما‬
‫أردت إل خلفههي‪ .‬فقال عمههر‪ :‬مهها أردت خلفههك‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت هذه اليههة‪" :‬يهها أيههها لذيههن آمنوا ل‬
‫ترفعوا أصهواتكم فوق صهوت النهبي" قال‪ :‬فكان عمهر بعهد ذلك إذا تكلم عنهد النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم لم يسمع كلمه حتى يستفهمه‪ .‬قال‪ :‬وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث‬
‫غريب حسن‪ .‬وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسل‪ ،‬لم يذكر فيه عن عبدال بن الزبير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هههو البخاري‪ ،‬قال‪ :‬عههن ابههن أبههي مليكههة كاد الخيران أن يهلكهها أبههو بكههر وعمههر‪ ،‬رفعهها‬
‫أصهواتهما عنهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حيهن قدم عليهه ركهب بنهي تميهم‪ ،‬فأشار أحدهمها بالقرع‬
‫بهن حابهس أخهي بنهي مجاشهع‪ ،‬وأشار الخهر برجهل آخهر‪ ،‬فقال نافهع‪ :‬ل أحفهظ اسهمه‪ ،‬فقال أبهو بكهر‬
‫لعمهر‪ :‬مها أردت إل خلفهي‪ .‬فقال‪ :‬مها أردت خلفهك‪ .‬فارتفعهت أصهواتهما فهي ذلك‪ ،‬فأنزل ال عهز‬
‫وجل‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" الية‪ .‬فقال ابن الزبير‪ :‬فما كان‬
‫عمر يسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد هذه الية حتى يستفهمه‪ .‬ولم يذكر ذلك عن أبيه‪،‬‬
‫يعنهي أبها بكهر الصهديق‪ .‬وذكهر المهدوي عهن علي رضهي ال عنهه‪ :‬نزل قوله‪" :‬ل ترفعوا أصهواتكم‬
‫فوق صهوت النهبي" فينها لمها ارتفعهت أصهواتنا أنها وجعفهر وزيهد بهن حارثهة‪ ،‬نتنازع ابنهة حمزة لمها‬
‫جاء بهها زيهد مهن مكهة‪ ،‬فقضهى بهها رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لجعفهر‪ ،‬لن خالتهها عنده‪ .‬وقهد‬
‫تقدم هذا الحديث في "آل عمران"‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل‪ :‬يا‬
‫رسهول ال‪ ،‬أنها أعلم لك علمهه‪ ،‬فأتاه فوجده جالسها فهي بيتهه منكسها رأسهه‪ ،‬فقال له‪ :‬مها شأنهك؟ فقال‪:‬‬
‫شهر كان يرفهع صهوته فوق صهوت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فقهد حبهط عمله وههو مهن أههل النار‪.‬‬
‫فأتهى الرجهل النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأخهبره أنهه قال كذا وكذا‪ .‬فقال موسهى‪ :‬فرجهع إليهه المرة‬
‫الخرة ببشارة عظيمهة‪ ،‬فقال‪( :‬اذههب إليهه فقهل له إنهك لسهت مهن أههل النار ولكنهك مهن أههل الجنهة)‬
‫(لفهظ البخاري) وثابهت هذا ههو ثابهت بهن قيهس بهن شماس الخزرجهي يكنهى أبها محمهد بابنهه محمهد‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬أبها عبدالرحمهن‪ .‬قتهل له يوم الحرة ثلثهة مهن الولد‪ :‬محمهد‪ ،‬ويحيهى‪ ،‬وعبدال‪ .‬وكان خطيبها‬
‫بليغها معروفها بذلك‪ ،‬كان يقال له خطيهب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬كمها يقال لحسهان شاعهر‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬ولمها قدم وفهد تميهم على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وطلبوا‬
‫المفاخرة قام خطيبهههم فافتخههر‪ ،‬ثههم قام ثابههت بههن قيههس فخطههب خطبههة بليغههة جزلة فغلبهههم‪ ،‬وقام‬
‫شاعرهم وهوالقرع بن حابس فأنشد‪:‬‬
‫إذا خلفونا عند ذكر المكارم‬ ‫أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا‬
‫وأن ليس في أرض الحجاز كدارم‬ ‫وإنا رؤوس الناس من كل معشر‬
‫تكون بنجد أو بأرض التهائم‬ ‫وإن لنا المرباع في كل غارة‬
‫فقام حسان فقال‪:‬‬
‫يعود وبال عند ذكر المكارم‬ ‫بني دارم ل تفخروا إن فخركم‬
‫لنا خول من بين ظئر وخادم‬ ‫هبلتم علينا تفخرون وأنتم‬
‫في أبيات لهما‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬خطيبهم أخطب من خطيبنا‪ ،‬وشاعرهم أشعر من شاعرنا‪ ،‬فارتفعت أصواتهم فأنزل ال‬
‫تعالى‪" :‬ل ترفعوا أصههواتكم فوق صههوت النههبي ول تجهروا له بالقول"‪ .‬وقال عطاء الخراسههاني‪:‬‬
‫حدثتنهي ابنهة ثابهت بهن قيهس قالت‪ :‬لمها نزلت‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا ل ترفعوا أصهواتكم فوق صهوت‬
‫النبي" الية‪ ،‬دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه‪ ،‬ففقده النبي صلى ال عليه وسلم فأرسل إليه يسأله‬
‫مها خهبره‪ ،‬فقال‪ :‬أنها رجهل شديهد الصهوت‪ ،‬أخاف أن يكون حبهط عملي‪ .‬فقال عليهه السهلم‪( :‬لسهت‬
‫منهم بل تعيش بخير وتموت بخير)‪ .‬قال‪ :‬ثم أنزل ال‪" :‬إن ال ل يحب كل مختال فخور" [لقمان‪:‬‬
‫‪ ]18‬فأغلق بابهه وطفهق يبكهي‪ ،‬ففقده النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأرسهل إليهه فأخهبره‪ ،‬فقال‪ :‬يها‬
‫رسهول ال‪ ،‬إنهي أحهب الجمال وأحهب أن أسهود قومهي‪ .‬فقال‪[ :‬لسهت منههم بهل تعيهش حميدا وتقتهل‬
‫شهيدا وتدخهل الجنهة]‪ .‬قالت‪ :‬فلمها كان يوم اليمامهة خرج مهع خالد بهن الوليهد إلى مسهيلمة فلمها التقوا‬
‫انكشفوا‪ ،‬فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيقة‪ :‬ما هكذا كنا نقاتل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ثهم حفهر كهل واحهد منهمها له حفرة فثبتها وقاتل حتهى قتل‪ ،‬وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسهة‪ ،‬فمر به‬
‫رجهل مهن المسهلمين فأخذهها‪ ،‬فبينها رجهل مهن المسهلمين نائم أتاه ثابهت فهي منامهه فقال له‪ :‬أوصهيك‬
‫بوصهية‪ ،‬فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعهه‪ ،‬إنهي لمها قتلت أمهس مهر بهي رجهل مهن المسهلمين فأخهذ‬
‫درعهي ومنزله فهي أقصهى الناس‪ ،‬وعنهد خبائه فرس يسهتن فهي طوله‪ ،‬وقهد كفهأ على الدرع برمهة‪،‬‬
‫وفوق البرمهة رحهل‪ ،‬فأت خالدا فمره أن يبعث إلى درعهي فيأخذهها‪ ،‬وإذا قدمت المدينة على خليفة‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ‪ -‬يعنهي أبها بكهر ‪ -‬فقهل له‪ :‬إن علي مهن الديهن كذا وكذا‪ ،‬وفلن مهن‬
‫رقيقهي عتيهق وفلن‪ ،‬فأتهى الرجهل خالدا فأخهبره‪ ،‬فبعهث إلى الدرع فأتهى بهها وحدث أبها بكهر برؤياه‬
‫فأجاز وصيته‪ .‬قال‪ :‬ول نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت‪ ،‬رحمه ال‪ ،‬ذكره أبو عمر‬
‫في الستيعاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تجهروا له بالقول" أي ل تخاطبوه‪ :‬يها محمهد‪ ،‬ويها أحمهد‪ .‬ولكهن‪ :‬يها نهبي ال‪،‬‬
‫ويا رسول ال‪ ،‬توقيرا له‪ .‬وقيل‪ :‬كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ليقتدي بهم ضعفة المسلمين فنهي المسلمون عن ذلك‪ .‬وقيل‪" :‬ل تجهروا له" أي ل تجهروا عليه‪،‬‬
‫كما يقال‪ :‬سقط لفيه‪ ،‬أي على فيه ‪" -‬كجهر بعضكم لبعض" الكاف كاف التشبيه في محل النصب‪،‬‬
‫أي ل تجهروا له جهرا مثهل جههر بعضكهم لبعهض‪ .‬وفهي هذا دليهل على أنههم لم ينهوا عهن الجههر‬
‫مطلقها حتهى ل يسهوغ لههم إل أن يكلموه بالهمهس والمخافتهة‪ ،‬وإنمها نهوا عهن جههر مخصهوص مقيهد‬
‫بصهفة‪ ،‬أعنهي الجههر المنعوت بمماثلة مها قهد اعتادوه منههم فيمها بينههم‪ ،‬وههو الخلو مهن مراعاة أبههة‬
‫النبوة وجللة مقدارهها وانحطاط سهائر الرتهب وإن جلت عهن رتبتهها‪" .‬لبعهض أن تحبهط أعمالكهم‬
‫وأنتهم ل تشعرون" أي مهن أجهل أن تحبهط‪ ،‬أي تبطهل‪ ،‬هذا قول البصهريين‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬أي لئل‬
‫تحبط أعمالكم‪.‬‬
‫@ معنى الية المر بتعظيم رسول ال صلى ال عليه وسلم وتوقيره‪ ،‬وخفض الصوت بحضرته‬
‫وعنهد مخاطبتهه‪ ،‬أي إذا نطهق ونطقتهم فعليكهم أل تبلغوا بأصهواتكم وراء الحهد الذي يبلغهه بصهوته‪،‬‬
‫وأن تغضوا منهها بحيهث يكون كلمهه غالبها لكلمكهم‪ ،‬وجهره باهرا لجهركهم‪ ،‬حتهى تكون مزيتهه‬
‫عليكههم لئحههة‪ ،‬وسههابقته واضحههة‪ ،‬وامتيازه عههن جمهوركههم كشيههة البلق‪ .‬ل أن تغمروا صههوته‬
‫بلغطكم‪ ،‬وتبهروا منطقه بصخبكم‪ .‬وفي قراءة ابن مسعود "ل ترفعوا بأصواتكم"‪ .‬وقد كره بعض‬
‫العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلم‪ .‬وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء‬
‫تشريفا لهم‪ ،‬إذ هم ورثة النبياء‪.‬‬
‫@ قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬حرمة النبي صلى ال عليه وسلم ميتا كحرمته حيا‪ ،‬وكلمه‬
‫المأثور بعهد موتهه فهي الرفعهة مثال كلمهه المسهموع مهن لفظهه‪ ،‬فإذا قرئ كلمهه‪ ،‬وجهب على كهل‬
‫حاضر أل يرفع صوته عليه‪ ،‬ول يعرض عنه‪ ،‬كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به‪ .‬وقد‬
‫نبههه ال سههبحانه على دوام الحرمههة المذكورة على مرور الزمنههة بقوله تعالى‪" :‬وإذا قرئ القرآن‬
‫فاسهتمعوا له وأنصهتوا" [العراف‪ .]204 :‬وكلمهه صهلى ال عليهه وسهلم مهن الوحهي‪ ،‬وله مهن‬
‫الحكمة مثل ما للقرآن‪ ،‬إل معاني مستثناة‪ ،‬بيانها في كتب الفقه‪.‬‬
‫@ ليهس الغرض برفهع الصهوت ول الجههر مها يقصهد بهه السهتخفاف والسهتهانة‪ ،‬لن ذلك كفهر‬
‫جرْ سِه غير مناسب لما‬ ‫والمخاطبون مؤمنون‪ .‬وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من َ‬
‫يهاب بهه العظماء ويوقهر الكهبراء‪ ،‬فيتكلف الغهض منهه ورده إلى حهد يميهل بهه إلى مها يسهتبين فيهه‬
‫المأمور بهه مهن التعزيهر والتوقيهر‪ .‬ولم يتناول النههي أيضها رفهع الصهوت الذي يتأذى بهه رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وههو مها كان منههم فهي حرب أو مجادلة معانهد أو إرهاب عدو أو مها أشبهه‬
‫ذلك‪ ،‬ففي الحديث أنه قال عليه السلم للعباس بن عبدالمطلب لما انهزم الناس يوم حنين‪( :‬اصرخ‬
‫بالناس)‪ ،‬وكان العباس أجههر الناس صهوتا‪ .‬يروى أن غارة أتتههم يومها فصهاح العباس‪ :‬يها صهاحباه‬
‫فأسقطت الحوامل لشدة صوته‪ ،‬وفيه يقول نابغة بني جعدة‪:‬‬
‫أشفق أن يختلطن بالغنم‬ ‫زجر أبي عروة السباع إذا‬
‫زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه‪.‬‬
‫@ قال الزجاج‪" :‬أن تحبهط أعمالكهم" التقديهر لن تحبهط‪ ،‬أي فتحبهط أعمالكهم‪ ،‬فاللم المقدرة لم‬
‫الصهيرورة وليهس قوله‪" :‬أن تحبهط أعمالكهم وأنتهم ل تشعرون" بموجهب أن يكفهر النسهان وههو ل‬
‫يعلم‪ ،‬فكما ل يكون الكافر مؤمنا إل باختياره اليمان على الكفر‪ ،‬كذلك ل يكون المؤمن كافرا من‬
‫حيث ل يقصد إلى الكفر ول يختاره بإجماع‪ .‬كذلك ل يكون الكافر كافرا من حيث ل يعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول ال أولئك الذين امتحن ال قلوبهم للتقوى‬
‫لهم مغفرة وأجر عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيهن يغضون أصهواتهم عنهد رسهول ال" أي يخفضون أصهواتهم عنده إذا‬
‫تكلموا إجلل له‪ ،‬أو كلموا غيره بيههههن يديههههه إجلل له‪ .‬قال أبههههو هريرة‪ :‬لمهههها نزلت "ل ترفعوا‬
‫أصهواتكم" قال أبهو بكهر رضهي ال عنهه‪ :‬وال ل أرفهع صهوتي إل كأخهي السهرار‪ .‬وذكهر سهنيد قال‪:‬‬
‫حدثنها عباد بهن العوام عهن محمهد بهن عمرو عهن أبهي سهلمة قال‪ :‬لمها نزلت‪" :‬ل تقدموا بيهن يدي ال‬
‫ورسهوله" [الحجرات‪ ]1 :‬قال أبو بكر‪ :‬والذي بعثهك بالحهق ل أكلمك بعد هذا إل كأخهي السرار‪.‬‬
‫وقال عبدال بن الزبير‪ :‬لما نزلت‪" :‬ل ترفعوا أصواتكم" ما حدث عمر عند النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم بعهد ذلك فسمع كلمه حتهى يستفهمه ممها يخفهض‪ ،‬فنزلت‪" :‬إن الذين يغضون أصهواتهم عنهد‬
‫رسول ال أولئك الذين امتحن ال قلوبهم للتقوى"‪ .‬قال الفراء‪ :‬أي أخلصها للتقوى‪ .‬وقال الخفش‪:‬‬
‫أي اختصها للتقوى‪ .‬وقال ابن عباس‪" :‬امتحن ال قلوبهم للتقوى" طهرهم من كل قبيح‪ ،‬وجعل في‬
‫قلوبههههم الخوف مههن ال والتقوى‪ .‬وقال عمهههر رضهههي ال عنههه‪ :‬أذهههب عههن قلوبههههم الشهوات‪.‬‬
‫والمتحان افتعال مهن محنهت الديهم محنها حتهى أوسهعته‪ .‬فمعنهى أمتحهن ال قلوبههم للتقوى وسهعها‬
‫وشرحهها للتقوى‪ .‬وعلى القوال المتقدمهه‪ :‬امتحهن قلوبههم فأخلصهها‪ ،‬كقولك‪ :‬امتحنهت الفضهة أي‬
‫اختبرتهها حتهى خلصهت‪ .‬ففهي الكلم حذف يدل عليهه الكلم‪ ،‬وههو الخلص‪ .‬وقال أبهو عمرو‪ :‬كهل‬
‫شيء جهدته فقد محنته‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫قد محنت واضطربت آطالها‬ ‫أتت رذايا باديا كللها‬
‫"لهم مغفرة وأجر عظيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ل يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" قال مجاهد وغيره‪ :‬نزلت في أعراب بني‬
‫تميم‪ ،‬قدم الوفد منهم على النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فدخلوا المسجد ونادوا النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم مهن وراء حجرتهه أن اخرج إلينها‪ ،‬فإن مدحنها زيهن وذمنها شيهن‪ .‬وكانوا سهبعين رجل قدموا‬
‫الفداء ذراري لههم‪ ،‬وكان النهبي صهلى ال عليهه وسهلم نام للقائلة‪ .‬وروي أن الذي نادي القرع بهن‬
‫حابهس‪ ،‬وأنهه القائل‪ :‬إن مدحهي زيهن وإن ذمهي شيهن‪ ،‬فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬ذاك ال]‪.‬‬
‫ذكره الترمذي عهن البراء بهن عازب أيضها‪ .‬وروى زيهد بهن أرقهم فقال‪ :‬أتهى أناس النهبي صهلى ال‬
‫عليههه وسههلم فقال بعضهههم لبعههض‪ :‬انطلقوا بنهها إلى هذا الرجههل‪ ،‬فإن يكههن نبيهها فنحههن أسههعد الناس‬
‫باتباعهه‪ ،‬وإن يكهن ملكها نعهش فهي جنابهه‪ .‬فأتوا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فجعلوا ينادونهه وههو فهي‬
‫حجرتهه‪ :‬يها محمهد‪ ،‬يها محمهد‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه اليهة‪ .‬قيهل‪ :‬إنههم كانوا مهن بنهي تميهم‪ .‬قال مقاتهل‬
‫كانوا تسهعة عشهر‪ :‬قيهس بهن عاصهم‪ ،‬والزبرقان بهن بدر‪ ،‬والقرع بهن حابهس‪ ،‬وسهويد بهن هاشهم‪،‬‬
‫وخالد بهن مالك‪ ،‬وعطاء بهن حابهس‪ ،‬والقعقاع بهن معبهد‪ ،‬ووكيهع بهن وكيهع‪ ،‬وعيينهة بهن حصهن وههو‬
‫الحمهق المطاع‪ ،‬وكان مهن الجراريهن يجهر عشرة آلف قناة‪ ،‬أي يتبعهه‪ ،‬وكان اسهمه حذيفهة وسهمي‬
‫عيينهة لشتركان فهي عينيهه ذكهر عبدالرزاق فهي عيينهة هذا‪ :‬أنهه الذي نزل فيهه "ول تطهع مهن أغفلنها‬
‫قلبه عن ذكرنا" [الكهف‪ .]28 :‬وقد مضى في آخر "العراف" من قول لعمر رضي ال عنه ما‬
‫فيه كفاية‪ ،‬ذكره البخاري‪ .‬وروي أنهم وفدوا وقت الظهيرة ورسول ال صلى ال عليه وسلم راقد‪،‬‬
‫فجعلوا ينادونهه‪ :‬يها محمهد يها محمهد‪ ،‬أخرج إلينها‪ ،‬فاسهتيقظ وخرج‪ ،‬ونزلت‪ .‬وسهئل رسهول ال صهلى‬
‫ال عليهه وسهلم فقال‪[ :‬ههم جفاة بنهي تميهم لول أنههم مهن أشهد الناس قتال للعور الدجال لدعوت ال‬
‫عليهم أن يهلكهم]‪ .‬والحجرات جمع الحجرة‪ ،‬كالغرفات جمع غرفة‪ ،‬والظلمات جمع ظلمة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الحجرات جمهع الحجهر‪ ،‬والحجهر جمهع حجرة‪ ،‬فههو جمهع الجمهع‪ .‬وفيهه لغتان‪ :‬ضهم الجيهم وفتحهها‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫على موطن ل نخلط الجد بالهزل‬ ‫ولما رأونا باديا ركباتنا‬
‫والحجرة‪ :‬الرقعة من الرض المحجورة بحائط يحوط عليها‪ .‬وحظيرة البل تسمى الحجرة‪ ،‬وهي‬
‫فعلة بمعنهى مفعولة‪ .‬وقرأ أبهو جعفهر بهن القعقاع "الحجرات" بفتهح الجيهم اسهتثقال للضمتيهن‪ .‬وقرئ‬
‫"الحجرات" بسكون الجيم تخفيفا‪ .‬وأصل الكلمة المنع‪ .‬وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت‬
‫عليهه‪ .‬ثهم يحتمهل أن يكون المنادي بعضها مهن الجملة فلهذا قال‪" :‬أكثرههم ل يعقلون" أي إن الذيهن‬
‫ينادونك من جملة قوم الغالب عليهم الجهل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم وال غفور رحيم}‬
‫@ أي لو انتظروا خروجك لكان أصلح في دينهم ودنياهم‪ .‬وكان صلى ال عليه وسلم ل يحتجب‬
‫عن الناس إل في أوقات يشتغل فيهما بمهمات نفسه‪ ،‬فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الدب‬
‫وقيهل‪ :‬كانوا جاؤوا شفعاء فهي أسهاري بنهي عنهبر فأعتهق رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم نصهفهم‪،‬‬
‫وفادي على النصف‪ .‬ولو صبروا لعتق جميعهم بغير فداء‪" .‬وال غفور رحيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا‬
‫على ما فعلتم نادمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" قيل‪ :‬إن هذه الية نزلت في الوليد‬
‫بهن عقبهة بهن أبهي معيهط‪ .‬وسهبب ذلك مها رواه سهعيد عهن قتادة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بعهث‬
‫الوليهد بهن عقبهة مصهدقا إلى بنهي المصهطلق‪ ،‬فلمها أبصهروه أقبلوا نحوه فهابههم ‪ -‬فهي روايهة‪ :‬لحنهة‬
‫كانهت بينهه وبينههم ‪ ، -‬فرجهع إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأخهبره أنههم قهد ارتدوا عهن السهلم‪.‬‬
‫فبعهث نهبي ال صهلى ال عليهه وسهلم خالد بهن الوليهد وأمره أن يتثبهت ول يعجهل‪ ،‬فانطلق خالد حتهى‬
‫أتاهههم ليل‪ ،‬فبعههث عيونههه فلمهها جاؤوا أخههبروا خالدا أنهههم متمسههكون بالسههلم‪ ،‬وسههمعوا أذانهههم‬
‫وصلتهم‪ ،‬فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه‪ ،‬فعاد إلى نبي ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فأخهبره‪ ،‬فنزلت هذه اليهة‪ ،‬فكان يقول نهبي ال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬التأنهي مهن ال والعجلة مهن‬
‫الشيطان]‪ .‬وفي رواية‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم بعثه إلى بني المصطلق بعد إسلمهم‪ ،‬فلما‬
‫سمعوا به ركبوا إليه‪ ،‬فلما سمع بهم خافهم‪ ،‬فرجع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبره أن‬
‫القوم قهد هموا بقتله‪ ،‬ومنعوا صهدقاتهم‪ .‬فههم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بغزوههم‪ ،‬فبينمها ههم‬
‫كذلك إذ قدم وفدههم على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فقالوا‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬سهمعنا برسهولك‬
‫فخرجنا إليه لنكرمه‪ ،‬ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة‪ ،‬فاستمر راجعا‪ ،‬وبلغنا أنه يزعم لرسول ال‬
‫أنها خرجنها لنقاتله‪ ،‬وال مها خرجنها لذلك‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه اليهة‪ .‬وسهمي الوليهد فاسهقا أي كاذبها‪.‬‬
‫قال ابههن زيههد ومقاتههل وسهههل بههن عبدال‪ :‬الفاسههق الكذاب‪ .‬وقال أبههو الحسههن الوراق‪ :‬هههو المعلن‬
‫بالذنههب‪ .‬وقال ابههن طاهههر‪ :‬الذي ل يسههتحي مههن ال‪ .‬وقرأ حمزة والكسههائي "فتثبتوا" مههن التثبههت‪.‬‬
‫الباقون "فتبينوا" من التبيين "أن تصيبوا قوما" أي لئل تصيبوا‪ ،‬فه "أن" في محل نصب بإسقاط‬
‫الخافض‪" .‬بجهالة" أي بخطأ‪" .‬فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" على العجلة وترك التأني‪.‬‬
‫@ فهي هذه اليهة دليهل على قبول خهبر الواحهد إذا كان عدل‪ ،‬لنهه إنمها أمهر فيهها بالتثبهت عنهد نقهل‬
‫خبر الفاسق‪ .‬ومن ثبت فسقه بطل قوله في الخبار إجماعا‪ ،‬لن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها‪.‬‬
‫وقهد اسهتئنى الجماع من جملة ذلك مها يتعلق بالدعوى والجحود‪ ،‬وإثبات حهق مقصهود على الغيهر‪،‬‬
‫مثههل أن يقول‪ :‬هذا عبدي‪ ،‬فإنههه يقبههل قوله‪ .‬وإذا قال‪ :‬قههد أنفههذ فلن هذا لك هديههة‪ ،‬فإنههه يقبههل ذلك‪.‬‬
‫وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر‪ .‬وكذلك إذا أقر لغيره بحق على نفسه فل يبطل إجماعا‪ .‬وأما في‬
‫النشاء على غيره فقال الشافعهي وغيره‪ :‬ل يكون وليها فهي النكاج‪ .‬وقال أبهو حنيفهة ومالك‪ :‬يكون‬
‫وليا‪ ،‬لنه يلي مالها فيلي بضعها‪ .‬كالعدل‪ ،‬وهو وإن كان فاسقا في دينه إل أن غيرته موفرة وبها‬
‫يحمي الحريم‪ ،‬وقد يبذل المال ويصون الحرمة‪ ،‬وإذا ولي المال فالنكاج أولى‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬ومن العجب أن يجوز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق‪ .‬ومن ل يؤتمن على‬
‫حبة مال كيف يصح أن يؤتمن على قنطار دين‪ .‬وهذا إنما كان أصله أن الولة الذين كانوا يصلون‬
‫بالناس لمها فسهدت أديانههم ولم يمكهن ترك الصهلة وراءههم‪ ،‬ول اسهتطيعت إزالتههم صهلي معههم‬
‫ووراءهههم‪ ،‬كمهها قال عثمان‪ :‬الصههلة أحسههن مهها يفعههل الناس‪ ،‬فإذا أحسههنوا فأحسههن‪ ،‬وإذا أسههاؤوا‬
‫فآجتنهب إسهاءتهم‪ .‬ثهم كان مهن الناس مهن إذا صهلى معههم تقيهة أعادوا الصهلة ل‪ ،‬ومنههم مهن كان‬
‫يجعلههها صههلته‪ .‬ويوجوب العادة أقول‪ ،‬فل ينبغههي لحههد أن يترك الصههلة مههن ل يرضههى مههن‬
‫الئمة‪ ،‬ولكن يعيد سرا في نفسه‪ ،‬ول يؤثر ذلك عند غيره‪.‬‬
‫@ وأمها أحكامهه إن كان واليها فينفهذ منهها مها وافهق الحهق ويرد مها خالفهه‪ ،‬ول ينقهض حكمهه الذي‬
‫أمضاه بحال‪ ،‬ول تلتفتوا إلى غيههر هذا القول مههن روايههة تؤثههر أو قول يحكههى‪ ،‬فإن الكلم كثيههر‬
‫والحق ظاهر‪.‬‬
‫ل خلف فههي أنههه يصههح أن يكون رسههول عههن غيره فههي قول يبلغههه أو شيههء يوصههله‪ ،‬أو إذن‬
‫يعلمه‪ ،‬إذا لم يخرج عن حق المرسل‪ ،‬والمبلغ‪ ،‬فإن تعلق به حق لغيرهما لم يقبل قوله‪ .‬وهذا جائز‬
‫للضرورة الداعيهة اليه‪ ،‬فإنه لو لم يتصهرف بيهن الخلق فهي هذه المعاني إل العدول لم يحصل منهها‬
‫شيء لعدمهم في ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وفي الية دليل على فساد‪ .‬من قال‪ :‬إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة‪ ،‬لن ال تعالى‬
‫أمر بالتثبت قبل القبول‪ ،‬ول معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم‪ ،‬فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب‬
‫المحكوم عليه بجهالة‪.‬‬
‫فإن قضهى بمها يغلب على الظهن لم يكهن ذلك عمل بجهالة‪ ،‬كالقضاء بالشاهديهن العدلييهن‪ ،‬وقبول‬
‫قول العالم المجتههد‪ .‬وإنمها العمهل بالجهالة قبول قول مهن ل يحصهل غلبهة الظهن بقبوله‪ .‬ذكهر هذه‬
‫المسألة القشيري‪ ،‬والذي قبلها المهدوي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 8 - 7 :‬واعلموا أن فيكهم رسهول ال لو يطيعكهم فهي كثيهر مهن المهر لعنتهم ولكهن ال‬
‫حبهب إليكهم اليمان وزينهه فهي قلوبكهم وكره إليكهم الكفهر والفسهوق والعصهيان أولئك ههم الراشدون‪،‬‬
‫فضل من ال ونعمة وال عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واعلموا أن فيكم رسول ال" فل تكذبوا‪ ،‬فإن ال يعلمه أنباءكم فتفتضحون‪" .‬لو‬
‫يطيعكم في كثير من المر لعنتم" أي لو تسارع إلى ما أردتم قبل وضوح المر لنالكم مشقة وإثم‪،‬‬
‫فإنهه لو قتهل القوم الذيهن سهعى بههم الوليهد بهن عقبهة إليهه لكان خطهأ‪ ،‬ولعنهت مهن أراد إيقاع الهلك‬
‫بأولئك القوم لعداوة كانههت بينههه وبينهههم‪ .‬ومعنههى طاعهة الرسههول لهههم‪ :‬الئتمار بمهها يأمههر بهه فيمهها‬
‫يبلغونههه عههن الناس والسههماع منهههم‪ .‬والعنههت الثههم‪ ،‬يقال‪ :‬عنههت الرجههل‪ .‬والعنههت أيضهها الفجور‬
‫والزني‪ ،‬كما في سورة "النساء"‪ .‬والعنت أيضا الوقوع في أمر شاق‪ ،‬وقد مضى في آخر "التوبة"‬
‫القول فهي "عنتهم" [التوبهة‪ ]128 :‬بأكثهر مهن هذا‪" .‬ولكهن ال حبهب إليكهم اليمان" هذا خطاب‬
‫للمؤمنيهن المخلصهين الذيهن ل يكذبون النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ول يخهبرون بالباطهل‪ ،‬أي جعهل‬
‫اليمان أحهب الديان إليكهم‪" .‬وزينهه فهي قلوبكهم" "وزينهه" بتوفيقهه‪" .‬فهي قلوبكهم" أي حسهنه إليكهم‬
‫حتى اخترتموه‪ .‬وفي هذا رد على القدرية والمامية وغيرهم‪ ،‬حسب ما تقدم في غير موضع‪ .‬فهو‬
‫سهبحانه المنفرد بخلق ذوات الخلق وخلق أفعالههم وصهفاتهم واختلف ألسهنتهم وألوانههم‪ ،‬ل شريهك‬
‫له‪" .‬وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان" قال ابن عباس‪ :‬يريد به الكذب خاصة‪ .‬وقاله ابن زيد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كل ما خرج عن الطاعة‪ ،‬مشتق من فسقت الرطبة خرجت من قشرها‪ .‬والفأرة من جحرها‪.‬‬
‫وقد مضى في "البقرة" القول فيه مستوفى‪ .‬والعصيان جمع المعاصي‪ .‬ثم انتقل من الخطاب إلى‬
‫الخهبر فقال‪" :‬أولئك" يعنهي ههم الذيهن وفقههم ال فحبهب إليههم اليمان وكره إليههم الكفهر أي قبحهه‬
‫عندههم "الراشدون" كقوله تعالى‪" :‬ومها آتيتهم مهن زكاة تريدون وجهه ال فأولئك ههم المضعفون"‬
‫[الروم‪ .]39 :‬قال النابغة‪:‬‬
‫أقوَتْ وطال عليها سالف المد‬ ‫يا دا َر َميّ َة بالعلياء فالسند‬
‫والرشهد السهتقامة على طريهق الحهق مهع تصهلب فيهه‪ ،‬مهن الرشاد وههي الصهخرة‪ .‬قال أبهو الوازع‪:‬‬
‫كل صخرة رشادة‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫صلين الضوء من صم الرشاد‬ ‫وغير مقلد وموشمات‬
‫"فضل مهن ال ونعمهة" أي فعهل ال ذلك بكهم فضل‪ ،‬أي الفضهل والنعمهة‪ ،‬فههو مفعول له‪" .‬وال‬
‫عليم حكيم" "عليم" بما يصلحكم "حكيم" في تدبيركم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى‬
‫فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال يحب‬
‫المقسطين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن طائفتان مهن المؤمنيهن اقتتلوا" روى المعتمهر بهن سهليمان عن أنهس بهن مالك‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يها نهبي ال‪ ،‬لو أتيهت عبدال بهن أبهي؟ فانطلق إليهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فركهب‬
‫حمار وانطلق المسهلمون يمشون‪ ،‬وههي أرض سهبخة‪ ،‬فلمها أتاه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪:‬‬
‫إليهك عنهي فوال لقهد أذانهي نتهن حمارك‪ .‬فقال رجهل من النصهار‪ :‬وال لحمار رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم أطيب ريحا منك‪ .‬فغضب لعبدال رجل من قومه‪ ،‬وغضب لكل واحد منهما أصحابه‪،‬‬
‫فكان بينهم حرب بالجريد واليدي والنعال‪ ،‬فبلغنا أنه أنزل فيهم هذه الية‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬نزلت في‬
‫الوس والخزرج‪ .‬قال مجاههد‪ :‬تقاتهل حيان مهن النصهار بالعصهي والنعال فنزلت اليهة‪ .‬ومثله عهن‬
‫سهعيد بهن جهبير‪ :‬أن الوس والخزرج كان بينههم على عههد رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قتال‬
‫بالسههعف والنعال ونحوه‪ ،‬فأنزل ال هذه اليههة فيهههم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نزلت فههي رجليههن مههن النصههار‬
‫كانت بينهما مداراة في حق بينهما فقال أحدهما‪ :‬لخذن حقي عنوة‪ ،‬لكثرة عشيرته‪ .‬ودعاه الخر‬
‫إلى أن يحاكمهه إلى رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فأبهي أن يتبعهه‪ ،‬فلم يزل المهر بينهمها حتهى‬
‫تواقعا وتناول بعضهم بعضا باليدي والنعال والسيوف‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬نزلت في‬
‫حرب سُمير وحاطب‪ ،‬وكان سمير قتل حاطبا‪ ،‬فاقتتل الوس والخزرج حتى أتاهم النبي صلى ال‬
‫عليههه وسههلم‪ ،‬فنزلت‪ .‬وأمههر ال نههبيه صههلى ال عليههه وسههلم والمؤمنيههن أن يصههلحوا بينهمهها‪ .‬وقال‬
‫السهدي‪ :‬كانهت امرأة من النصهار يقال لهها‪ :‬أم زيهد تحهت رجهل مهن غيهر النصهار‪ ،‬فتخاصهمت مهع‬
‫زوجهها‪ ،‬أرادت أن تزور قومهها فحبسهها زوجهها وجعلهها فهي عليهة ل يدخهل عليهها أحهد مهن أهلهها‪،‬‬
‫وأن المرأة بعثههت إلى قومههها‪ ،‬فجاء قومههها فأنزلوههها لينطلقوا بههها‪ ،‬فخرج الرجههل فاسههتغاث أهله‬
‫فخرج بنههو عمههه ليحولوا بيههن المرأة وأهلههها‪ ،‬فتدافعوا وتجالدوا بالنعال‪ ،‬فنزلت اليههة‪ .‬والطائفههة‬
‫تتناول الرجهل الواحد والجمهع والثنين‪ ،‬فههو مما حمل على المعنهى دون اللفظ‪ ،‬لن الطائفتيهن فهي‬
‫معنهى القوم والناس‪ .‬وفهي قراءة عبدال "حتهى يفيؤوا إلى أمهر ال فإن فاؤوا فخذوا بينههم بالقسهط"‪.‬‬
‫وقرأ ابن أبي عبلة "اقتتلتا" على لفظ الطائفتين‪ .‬وقد مضى في آخر "التوبة" القول فيه‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس فهي قوله عهز وجهل‪" :‬وليشههد عذابهمها طائفهة مهن المؤمنيهن" [الروم‪ ]2 :‬قال‪ :‬الواحهد فمها‬
‫فوقهه‪ ،‬والطائفهة مهن الشيهء القطعهة منهه‪" .‬فأصهلحوا بينهمها" بالدعاء إلى كتاب ال لهمها أو عليهمها‪.‬‬
‫"فإن بغت إحداهما على الخرى" تعدت ولم تجب إلى حكم ال وكتابه‪ .‬والبغي‪ :‬التطاول والفساد‪.‬‬
‫"حتهى تفيهء إلى أمهر ال" أي ترجهع إلى كتابهه‪" .‬فإن فاءت" أي فإن رجعهت "فأصهلحوا بينهمها‬
‫بالعدل" أي احملوهمها على النصهاف‪" .‬وأقسهطوا" أقسهطوا أيهها الناس فل تقتتلوا‪ .‬وقيهل‪ :‬أقسهطوا‬
‫أي اعدلوا‪" .‬إن ال يحب المقسطين" أي العادلين المحقين‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬ل تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما‪ ،‬إما أن يقتتل على سبيل البغي منهما‬
‫جميعا أو ل‪ .‬فإن كان الول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة‬
‫والموادعههة‪ .‬فإن لم يتحاجزا ولم يصههطلحا وأقامتهها على البغههي صههير إلى مقاتلتهمهها‪ .‬وأمهها إن كان‬
‫الثانههي وهههو أن تكون إحداهمهها باغيههة على الخرى‪ ،‬فالواجههب أن تقاتههل فئة البغههي إلى أن تكههف‬
‫وتتوب‪ ،‬فإن فعلت أصهلح بينهها وبيهن المبغهي عليهها بالقسهط والعدل‪ .‬فإن التحهم القتال بينهمها لشبههة‬
‫دخلت عليهمهها وكلتاهمهها عنههد أنفسهههما محقههة‪ ،‬فالواجههب إزالة الشبهههة بالحجههة النيرة والبراهيههن‬
‫القاطعة على مراشد الحق‪ .‬فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعمل على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به‬
‫من اتباع الحق بعد وضرحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ فهي هذه اليهة دليهل على وجوب قتال الفئة الباغيهة المعلوم بغيهها على المام أو على أحهد مهن‬
‫المسهلمين‪ .‬وعلى فسهاد قول مهن منهع مهن قتال المؤمنيهن‪ ،‬واحتهج بقوله عليهه السهلم‪[ :‬قتال المؤمهن‬
‫كفهر]‪ .‬ولو كان قتال المؤمهن الباغهي كفرا لكان ال تعالى قهد أمهر بالكفهر‪ ،‬تعالى ال عهن ذلك وقهد‬
‫قاتهل الصهديق رضهي ال عنهه‪ :‬مهن تمسهك بالسهلم وامتنهع مهن الزكاة‪ ،‬وأمهر أل يتبهع مُولّ‪ ،‬ول‬
‫يجههز على جريهح‪ ،‬ولم تحهل أموالههم‪ ،‬بخلف الواجهب فهي الكفار‪ .‬وقال الطهبري‪ :‬لو كان الواجهب‬
‫في كل اختلف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ول أبطل باطل‪ ،‬ولوجد‬
‫أهل النفاق والفجور سبيل إلى استحلل كل ما حرم ال عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم‬
‫وسههفك دمائهههم‪ ،‬بأن يتحزبوا عليهههم‪ ،‬ويكههف المسههلمون أيديهههم عنهههم‪ ،‬وذلك مخالف لقوله عليههه‬
‫السلم‪[ :‬خذوا على أيدي سفهائكم]‪.‬‬
‫@ قال القاضهي أبهو بكهر بهن العربهي‪ :‬هذه اليهة أصهل فهي قتال المسهلمين‪ ،‬والعمدة فهي حرب‬
‫المتأوليهن‪ ،‬وعليهها عول الصهحابة‪ ،‬وإليهها لجهأ العيان مهن أههل الملة‪ ،‬وإياهها عنهي النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم بقوله‪[ :‬تقتهل عمارا الفئة الباغيهة]‪ .‬وقوله عليهه السهلم فهي شأن الخوارج‪[ :‬يخرجون‬
‫على خيهر فرقهة أو على حسهين فرقهة]‪ ،‬والروايهة الولى أصهح‪ ،‬لقوله عليهه السهلم‪[ :‬تقتلههم أولى‬
‫الطائفتيههن إلى الحههق]‪ .‬وكان الذي قتلهههم علي بههن أبههي طالب ومههن كان معههه‪ .‬فتقرر عنههد علماء‬
‫المسهلمين وثبهت بدليهل الديهن أن عليها رضهي ال عنهه كان إمامها‪ ،‬وأن كهل مهن خرج عليهه باغ وأن‬
‫قتال واجهب حتهى يفيهء إلى الحهق وينقاد إلى الصهلح‪ ،‬لن عثمان رضهي ال عنهه قتهل والصهحابة‬
‫برآء مهن دمهه‪ ،‬لنهه منهع مهن قتال مهن ثار عليهه وقال‪ :‬ل أكون أول مهن خلف رسهول ال صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم فهي أمتهه بالقتهل‪ ،‬فصهبر على البلء‪ ،‬واسهتسلم للمحنهة وفدى بنفسهه المهة‪ .‬ثهم لم يمكهن‬
‫ترك الناس سدي‪ ،‬فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشوري‪ ،‬وتدافعوها‪ ،‬وكان‬
‫علي كرم ال وجهه أحق بها وأهلها‪ ،‬فقبلها حوطة على المة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل‪،‬‬
‫أو يتخرق أمرهها إلى مها ل يتحصهل‪ .‬فربمها تغيهر الديهن وانقهض عمود السهلم‪ .‬فلمها بويهع له طلب‬
‫أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم‪ ،‬فقال لهم علي رضي ال عنه‪:‬‬
‫ادخلوا فههي البيعههة واطلبوا الحههق تصههلوا إليههه‪ .‬فقالوا‪ :‬ل تسههتحق بيعههة وقتلة عثمان معههك تراهههم‬
‫صههباحاً ومسههاءً‪ .‬فكان علي فههي ذلك أشههد رأيهها وأصههوب قيل‪ ،‬لن عليهها لو تعاطههى القود منهههم‬
‫لتعصبت لهم قبائل وصارت حربا ثالثة‪ ،‬فانتظر بهم أن يستوثق المر وتنعقد البيعة‪ ،‬ويقع الطلب‬
‫من الولياء في مجلس الحكم‪ ،‬فيجري القضاء بالحق‪.‬‬
‫ول خلف بيهن المهة أنهه يجوز للمام تأخيهر القصهاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنهة أو تشتيهت‬
‫الكلمة‪ .‬وكذلك جرى لطلحة والزبير‪ ،‬فإنهما ما خلعا عليا من ولية ول اعترضا عليه في ديانة‪،‬‬
‫وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا قول فهي سهبب الحرب الواقهع بينههم‪ .‬وقال جلة مهن أههل العلم‪ :‬إن الوقعهة بالبصهرة‬
‫بينهم كانت على غير عزيمة منهم على الحرب بل فجأة‪ ،‬وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين‬
‫عن أنفسهم لظنه أن الفريق الخر قد غدر به‪ ،‬لن المر كان قد انتظم بينهم‪ ،‬وتم الصلح والتفرق‬
‫على الرضهها‪ .‬فخاف قتلة عثمان رضههي ال عنههه مههن التمكيههن منهههم والحاطههة بهههم‪ ،‬فاجتمعوا‬
‫وتشاوروا واختلفوا‪ ،‬ثهههم أتفقهههت آراوههههم على أن يفترقوا فريقيهههن‪ ،‬ويبدأوا بالحرب سهههحرة فهههي‬
‫العسهكرين‪ ،‬وتختلف السههام بينههم‪ ،‬ويصهيح الفريهق الذي فهي عسهكر علي‪ :‬غدر طلحهة والزبيهر‪.‬‬
‫والفريق الذي في عسكر طلحة والزبير‪ :‬غدر علي‪ .‬فتم لهم ذلك على ما دبروه‪ ،‬ونشبت الحرب‪،‬‬
‫فكان كهل فريهق دافعها لمكرتهه عنهد نفسهه‪ ،‬ومانعها مهن الشاطهة بدمهه‪ .‬وهذا صهواب مهن الفريقيهن‬
‫وطاعههة ل تعالى‪ ،‬إذ وقههع القتال والمتناع منهمهها على هذه السههبيل‪ .‬وهذا هوالصههحيح المشهور‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال" أمر بالقتال‪ .‬وهو فرض على الكفاية‬
‫إذا قام بهه البعهض سههقط عهن الباقيههن‪ ،‬ولذلك تخلف قوم مهن الصههحابة رضههي ال عنههم عهن هذه‬
‫المقامات‪ ،‬كسعد بن أبي وقاص وعبدال بن عمرو ومحمد بن مسلمة وغيرهم‪ .‬وصوب ذلك علي‬
‫بهن أبهي طالب لههم‪ ،‬واعتذر إليهه كهل واحهد منههم بعذر قبله منهه‪ .‬ويروي أن معاويهة رضهي ال عنه‬
‫لمها أفضهى إليهه المهر‪ ،‬عاتهب سهعدا على مها فعهل‪ ،‬وقال له‪ :‬لم تكهن ممهن أصهلح بيهن الفئتيهن حيهن‬
‫أقتتل‪ ،‬ول ممهن قاتهل الفئة الباغيهة‪ .‬فقال له سهعد‪ :‬ندمهت على تركهي قتال الفئة الباغيهة‪ .‬فتهبين أنهه‬
‫ليهس على الكهل درك فيمها فعهل‪ ،‬وإنمها كان تصهرفا بحكهم الجتهاد وإعمال بمقتضهى الشرع‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل" ومن العدل في صلحهم أل يطالبوا بما جرى‬
‫بينهم من دم ول مال‪ ،‬فإنه تلف على تأويل‪ .‬وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي‪.‬‬
‫وهذا أصهل فهي المصهلحة‪ .‬وقهد قال لسهان المهة‪ :‬إن حكمهة ال تعالى فهي حرب الصهحابة التعريهف‬
‫منهم لحكام قتال أهل التأويل‪ ،‬إذ كان أحكام قتال أهل الشرك قد عرفت على لسان الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم وفعله‪.‬‬
‫@ إذا خرجت على المام العدل خارجة باغية ول حجة لها‪ ،‬قاتلهم المام بالمسلمين كافة أو من‬
‫فيهه كفايهة‪ ،‬ويدعوههم قبهل ذلك إلى الطاعهة والدخول فهي الجماعهة‪ ،‬فإن أبوا مهن الرجوع والصهلح‬
‫قوتلوا‪ .‬ول يقتههل أسههيرهم ول يتبههع مدبرهههم ول يذفههف على جريحهههم‪ ،‬ول تسههبي ذراريهههم ول‬
‫أموالهم‪ .‬وإذا قتل العادل الباغي‪ ،‬أو الباغي العادل وهو وليه لم يتوارثا‪ .‬ول يرث قاتل عمدا على‬
‫حال‪ .‬وقيل‪ :‬إن العادل يرث الباغي‪ ،‬قياسا على القصاص‪.‬‬
‫@ وما استهلكه البغاة والخوارج من دم أو مال ثم تابوا لم يؤاخذوا به‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يضمنون‪.‬‬
‫وللشافعهي قولن‪ .‬وجهه قول أبهي حنيفهة أنهه إتلف بعدوان فيلزم الضمان‪ .‬والمعول فهي ذلك عندنها‬
‫أن الصهحابة رضهي ال عنههم فهي حروبههم لم يتبعوا مدبرا ول ذففوا على جريهح ول قتلوا أسهيرا‬
‫ول ضمنوا نفسا ول مال‪ ،‬وهم القدوة‪.‬‬
‫وقال ابن عمر‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬يا عبدال أتدري كيف حكم ال فيمن بغى من هذه‬
‫المهة]؟ قال‪ :‬ال ورسهوله أعلم‪ .‬فقال‪[ :‬ل يجههز على جريحهها ول يقتهل أسهيرها ول يطلب طلب‬
‫هاربها ول يقسم فيئها]‪ .‬فأما ما كان قائما رد بعينه‪.‬‬
‫هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له‪ .‬وذكر الزمخشري في تفسيره‪ :‬إن كانت الباغية من قلة العدد‬
‫بحيهث ل منعهة لهها ضمنهت بعهد الفيئة مها جنهت‪ ،‬وإن كانهت كثيرة ذات منعهة وشوكهة لم تضمهن‪ ،‬إل‬
‫عنهد محمهد بهن الحسهن رحمهه ال فإنهه كان يفتهي بأن الضمان يلزمهها إذا فاءت‪ .‬وأمها قبهل التجمهع‬
‫والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها‪ ،‬فما جنته ضمنته عند الجميع‪ .‬فحمل الصلح‬
‫بالعدل فهي قوله‪" :‬فأصهلحوا بينهمها بالعدل" على مذههب محمهد واضهح منطبهق على لفهظ التنزيهل‪.‬‬
‫وعلى قول غيره وجههههه أن يحمهههل على كون الفئة الباغيهههة قليلة العدد‪ .‬والذي ذكروا أن الغرض‬
‫إماتههة الضغائن وسههل الحقاد دون ضمان الجنايات‪ ،‬ليههس بحسههن الطباق المأمور بههه مههن أعمال‬
‫العدل ومراعاة القسهههط‪ .‬قال الزمخشري‪ :‬فإن قلت‪ :‬لم قرن بالصهههلح الثانهههي العدل دون الول؟‬
‫قلت‪ :‬لن المراد بالقتتال فهي أول اليهة أن يقتتل باغيتيهن أو راكبتهي شبههة‪ ،‬وأيتهمها كانهت فالذي‬
‫يجهب على المسهلمين أن يأخذوا بهه فهي شأنهمها إصهلح ذات البيهن وتسهكين الدهماء بإراءة الحهق‬
‫والمواعظ الشافية ونفي الشبهة‪ ،‬إل إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة‪ ،‬وأما الضمان فل يتجه‪ .‬وليس‬
‫كذلك إذا بغت إحداهما‪ ،‬فإن الضمان متجه على الوجهين المذكورين‪.‬‬
‫@ ولو تغلبوا (أي البغاة) على بلد فأخذوا الصهدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيههم بالحكام‪ ،‬لم‬
‫تثهن عليههم الصهدقات ول الحدود‪ ،‬ول ينقهض مهن أحكامههم إل مها كان خلفها للكتاب أو السهنة أو‬
‫الجماع‪ ،‬كمها تنقهض أحكام أههل العدل والسهنة‪ ،‬قال مطرف وابهن الماجشون‪ .‬وقال ابهن القاسهم‪ :‬ل‬
‫تجوز بحال‪ .‬وروي عن أصبغ أنه جائز‪ .‬وروي عنه أيضا أنه ل يجوز كقول ابن القاسم‪ .‬وبه قال‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬لنه عمل بغير حق ممن ل تجوز توليته‪ .‬فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة‪ .‬والعمدة لنا ما‬
‫قدمناه مهن أن الصهحابة رضهي ال عنههم‪ ،‬لمها أنجلت الفتنهة وارتفهع الخلف بالهدنهة والصهلح‪ ،‬لم‬
‫يعرضوا لحد منهم في حكم‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬الذي عندي أن ذلك ل يصلح‪ ،‬لن الفتنة لما انجلت‬
‫كان المام هو الباغي‪ ،‬ولم يكن هناك من يعترضه وال أعلم‪.‬‬
‫@ ل يجوز أن ينسهب إلى أحد مهن الصحابة خطأ مقطوع به‪ ،‬إذ كانوا كلههم اجتهدوا فيما فعلوه‬
‫وأرادوا ال عهز وجهل‪ ،‬وههم كلههم لنها أئمهة‪ ،‬وقهد تعبدنها بالكهف عمها شجهر بينههم‪ ،‬وأل نذكرههم إل‬
‫بأحسهن الذكهر‪ ،‬لحرمهة الصهحبة ولنههي النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن سهبهم‪ ،‬وأن ال غفهر لههم‪،‬‬
‫وأخهبر بالرضها عنههم‪ .‬هذا مهع مها قهد ورد مهن الخبار مهن طرق مختلفهة عهن النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الرض‪ ،‬فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن‬
‫بالقتهل فيهه شهيدا‪ .‬وكذلك لو كان مها خرج إليهه خطهأ فهي التأويهل وتقصهيرا فهي الواجهب عليهه‪ ،‬لن‬
‫الشهادة ل تكون إل بقتهل فهي طاعهة‪ ،‬فوجهب حمهل أمرههم على مها بيناه‪ .‬وممها يدل على ذلك مها قهد‬
‫صهح وانتشهر مهن أخبار علي بأن قاتهل الزبيهر فهي النار‪ .‬وقول‪ :‬سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسلم يقول‪[ :‬بشر قاتل ابن صفية بالنار]‪ .‬وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين‬
‫ول أثمين بالقتال‪ ،‬لن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى ال عليه وسلم في طلحة‪[ :‬شهيد]‪ .‬ولم‬
‫يخهبر أن قاتهل الزبيهر فهي النار‪ .‬وكذلك مهن قعهد غيهر مخطهئ فهي التأويهل‪ .‬بهل صهواب أراههم ال‬
‫الجتهاد‪ .‬وإذا كان كذلك لم يوجههههب ذلك لعنهههههم والبراءة منهههههم وتفسههههيقهم‪ ،‬وإبطال فضائلهههههم‬
‫وجهادههم‪ ،‬وعظيهم غنائههم فهي الديهن‪ ،‬رضهي ال عنههم‪ .‬وقهد سهئل بعضههم عهن الدماء التهي أريقهت‬
‫فيمها بينههم فقال‪" :‬تلك أمهة قهد خلت لهها مها كسهبت ولكهم مها كسهبتم ول تسهألون عمها كانوا يعملون"‬
‫[البقرة‪ .]141 :‬وسهئل بعضههم عنهها أيضها فقال‪ :‬تلك دماء طههر ال منهها يدي‪ ،‬فل أخضهب بهها‬
‫لسهاني‪ .‬يعنهي فهي التحرز مهن الوقوع فهي خطهأ‪ ،‬والحكهم على بعضههم بمها ل يكون مصهيبا فيهه‪ .‬قال‬
‫ابهن فورك‪ :‬ومهن أصهحابنا مهن قال‪ :‬إن سهبيل مها جرت بيهن الصهحابة مهن المنازعات كسهبيل مها‬
‫جرى بين إخوة يوسف مع يوسف‪ ،‬ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولية والنبوة‪ ،‬فكذلك المر‬
‫فيمها جرى بيهن الصهحابة‪ .‬وقال المحاسهبي‪ :‬فأمها الدماء فقهد أشكهل علينها القول فيهها باختلفههم‪ .‬وقهد‬
‫سهئل الحسهن البصهري عهن قتالههم فقال‪ :‬قتال شهده أصهحاب محمهد صهلى ال عليهه وسهلم وغبنها‪،‬‬
‫وعلموا وجهلنها‪ ،‬واجتمعوا فاتبعنها‪ ،‬واختلفوا فوقفنها‪ .‬قال المحاسهبي‪ :‬فنحهن نقول كمها قال الحسهن‪،‬‬
‫ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا‪ ،‬ونتبع ما اجتمعوا عليه‪ ،‬ونقف عند ما اختلفوا فيه ول‬
‫نبتدع رأيا منا‪ ،‬ونعلم أنهم أجتهدوا وأرادوا ال عز وجل‪ ،‬إذ كانوا غير متهمين في الدين‪ ،‬ونسأل‬
‫ال التوفيق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا ال لعلكم ترحمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما المؤمنون إخوة" أي في الدين والحرمة ل في النسب‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬أخوة الدين‬
‫أثبهت مهن أخوة النسهب‪ ،‬فإن أخوة النسهب تنقطهع بمخالفهة الديهن‪ ،‬وأخوة الديهن ل تنقطهع بمخالفهة‬
‫النسب‪ .‬وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(ل تحاسدوا ول تباغضوا ول تجسسوا ول تحسسوا ول تناجشوا وكونوا عباد ال إخوانا)‪ .‬وفي‬
‫روايههة‪( :‬ل تحاسههدوا ول تناجشوا ول تباغضوا ول تدابروا ول يبههع بعضكههم على بيههع بعههض‬
‫وكونوا عباد ال إخوانا‪ ،‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله ول يحقره‪ ،‬التقوى ها هنا ‪ -‬ويشير‬
‫إلى صهدره ثلث مرات ‪ -‬بحسهب أمريهء مهن الشهر أن يحقهر أخاه المسهلم‪ ،‬كهل المسهلم على المسهلم‬
‫حرام دمهه وماله وعرضهه) لفهظ مسهلم‪ .‬وفهي غيهر الصهحيحين عهن أبهي هريرة قال النهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪[ :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يعيبه ول يخذله ول يتطاول عليه في البنيان فيسهتر‬
‫عليههه الريههح إل بإذنههه ول يؤذيههه بقتار قدره إل أن يغرف له غرفههة ول يشتري لبنيههه الفاكهههة‬
‫فيخرجون بها إلى صبيان جاره ول يطعمونهم منها]‪ .‬ثم قال النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬احفظوا‬
‫ولبحفظ منكم إل قليل]‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأصههلحوا بيههن أخويكههم" أي بيههن كههل مسههلمين تخاصههما‪ .‬وقيههل‪ :‬بيههن الوس‬
‫والخزرج‪ ،‬على مها تقدم‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬أراد بالخويهن الطائفتيهن‪ ،‬لن لفظ التثنية يرد والمراد به‬
‫الكثرة‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬بهل يداه مبسهوطتان" [المائدة‪ .]64 :‬وقال أبهو عهبيدة‪ :‬أي أصهلحوا بيهن كهل‬
‫أخوين‪ ،‬فهو آت على الجميع‪ .‬وقرأ ابن سيرين ونصر بن عاصم وأبو العالية والجحدري ويعقوب‬
‫"بين إخوتكم" بالتاء على الجمع‪ .‬وقرأ الحسن "إخوانكم"‪ .‬الباقون‪" :‬أخويكم" بالياء على التثنية‪.‬‬
‫@ في هذه الية والتي قبلها دليل على أن البغي ل يزيل اسم اليمان‪ ،‬لن ال تعالى سماهم إخوة‬
‫مؤمنيهن مهع كونههم باغيهن‪ .‬قال الحارث العور‪ :‬سهئل علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه وههو‬
‫القدوة عهن قتال أههل البغهي مهن أههل الجمهل وصهفين‪ :‬أمشركون ههم؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬مهن الشرك فروا‪.‬‬
‫فقيههل‪ :‬أمنافقون؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬لن المنافقيههن ل يذكرون ال إل قليل‪ .‬قيههل له‪ :‬فمهها حالهههم؟ قال إخواننهها‬
‫بغوا علينا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬يا أيها الذين آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ول نساء‬
‫من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ول تلمزوا أنفسكم ول تنابزوا باللقاب بئس السم الفسوق بعد‬
‫اليمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا ل يسهخر قوم مهن قوم عسهى أن يكونوا خيرا منههم" قيهل عنهد‬
‫ال‪ .‬وقيهل "خيرا منههم" أي معتقدا وأسهلم باطنها‪ .‬والسهخرية السهتهزاء‪ .‬سهخرت منهه أسهخر سهخرا‬
‫(بالتحريهك) ومسهخرا وسهخرا (بالضهم)‪ .‬وحكهى أبهو زيهد سهخرت بهه‪ ،‬وههو أردأ اللغتيهن‪ .‬وقال‬
‫الخفهش‪ :‬سهخرت منهه وسهخرت بهه‪ ،‬وضحكهت منهه وضحكهت بهه‪ ،‬وهزئت منهه وهزئت بهه‪ ،‬كهل‬
‫يقال‪ .‬والسههم السههخرية والسههخري‪ ،‬وقرئ بهمهها قوله تعالى‪" :‬ليتخههذ بعضهههم بعضهها سههخريا"‬
‫[الزخرف‪ ]32 :‬وقهد تقدم‪ .‬وفلن سهخرة‪ ،‬يتسهخر فهي العمهل‪ .‬يقال‪ :‬خادم سهخرة‪ .‬ورجهل سهخرة‬
‫أيضا يسخر منه‪ .‬وسخرة (بفتح الخاء) يسخرمن الناس‪.‬‬
‫@ واختلف فهي سبب نزولها‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه‬
‫وقهر‪ ،‬فإذا سهبقوه الى مجلس النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أوسهعوا له إذا أتهى حتهى يجلس إلى جنبهه‬
‫ليسهمع مها يقول‪ ،‬فأقبهل ذات يوم وقهد فاتتهه مهن صهلة الفجهر ركعهة مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪،‬‬
‫فلمها انصهرف النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أخهذ أصهحابه مجالسههم منهه‪ ،‬فربهض كهل رجهل منههم‬
‫بمجلسهه‪ ،‬وعضوا فيهه فل يكاد يوسهع أحهد لحهد حتهى يظهل الرجهل ل يجهد مجلسها فيظهل قائمها‪ ،‬فلمها‬
‫انصهرف ثابهت مهن الصهلة تخطهي رقاب الناس ويقول‪ :‬تفسهحوا تفسهحوا‪ ،‬ففسهحوا له حتهى انتههى‬
‫إلى النبي صلى ال عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له‪ :‬تفسح‪ .‬فقال له الرجل‪ :‬قد وجدت مجلسا‬
‫فأجلس فجلس ثابهت مهن خلفهه مغضبها‪ ،‬ثهم قال‪ :‬مهن هذا؟ قالوا فلن‪ ،‬فقال ثابهت‪ :‬ابهن فلنهة يعيره‬
‫بهها‪ ،‬يعنهي أمها له فهي الجاهليهة‪ ،‬فاسهتحيا الرجهل‪ ،‬فنزلت‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬نزلت فهي وفهد بنهي تميهم‬
‫الذي تقدم ذكرههم فهي أول "السهورة" اسهتهزؤوا بفقراء الصهحابة‪ ،‬مثهل عمار وخباب وابهن فهيرة‬
‫وبلل وصههيب وسهلمان وسهالم مولى أبهي حذيفهة وغيرههم‪ ،‬لمها رأوا مهن رثاثهة حالههم‪ ،‬فنزلت فهي‬
‫الذين آمنوا منهم‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬هو سخرية الغني من الفقير‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬ل يسخر من ستر ال‬
‫عليهه ذنوبهه ممهن كشفهه ال‪ ،‬فلعهل إظهار ذنوبهه فهي الدنيها خيهر له فهي الخرة‪ .‬وقيهل‪ :‬نزلت فهي‬
‫عكرمههة بهن أبهي جههل حيهن قدم المدينههة مسهلما‪ ،‬وكان المسههلمون إذا رأوه قالوا ابههن فرعون هذه‬
‫المة‪ .‬فشكا ذلك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت‪.‬‬
‫وبالجملة فينبغههي أل يجتريههء أحههد على السههتهزاء بمههن يقتحمههه بعينههه إذا رءاه رث الحال أو ذا‬
‫عاههة فهي بدنهه أو غيهر لبيهق فهي محادثتهه‪ ،‬فلعله أخلص ضميرا وأنقهى قلبها ممهن ههو على ضهد‬
‫صهفته‪ ،‬فيظلم نفسهه بتحقيهر مهن وقره ال‪ ،‬والسهتهزاء بمهن عظمهه ال‪ .‬ولقهد بلغ بالسهلف إفراط‬
‫توقيههم وتصهونهم مهن ذلك أن قال عمرو بهن شرحبيهل‪ :‬لو رأيهت رجل يرضهع عنزا فضحكهت منهه‬
‫لخشيهت أن أصهنع مثهل الذي صهنع‪ .‬وعهن عبدال بهن مسهعود‪ :‬البلء موكهل بالقول‪ ،‬لو سهخرت مهن‬
‫كلب لخشيت أن أحول كلبا‪ .‬و"قوم" في اللغة للمذكرين خاصة‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫أقوم آل حصن أم نساء‬ ‫وما أدري وسوف إخال أدري‬
‫وسموا قوما لنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد‪ .‬وقيل‪ :‬إنه جمع قائم‪ ،‬ثم استعمل في كل جماعة‬
‫وإن لم يكونوا قائمين‪ .‬وقد يدخل في القوم النساء مجازا‪ ،‬وقد مضى في "البقرة" بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول نساء من نسهاء عسى أن يكن خيرا منهن" أفرد النساء بالذكهر لن السخرية‬
‫منهههن أكثههر‪ .‬وقههد قال ال تعالى‪" :‬إنهها أرسههلنا نوحهها إلى قومههه" [نوج‪ ]1 :‬فشمههل الجميههع‪ .‬قال‬
‫المفسهرون‪ :‬نزلت فهي امرأتيهن مهن أزواج النهبي صهلى ال عليهه وسهلم سهخرتا مهن أم سهلمة‪ ،‬وذلك‬
‫أنهها ربطهت خصهريها بسهبيبة ‪ -‬وههو ثوب أبيهض‪ ،‬ومثلهها السهب ‪ -‬وسهدلت طرفيهها خلفهها فكانهت‬
‫تجرها‪ ،‬فقالت عائشة لحفصة رضي ال عنهما‪ :‬انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب‪ ،‬فهذه كانت‬
‫سهخريتهما‪ .‬وقال أنهس وابهن زيهد‪ :‬نزلت فهي نسهاء النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬عيرن أم سهلمة‬
‫بالقصههر‪ .‬وقيههل‪ :‬نزلت فههي عائشههة‪ ،‬أشارت بيدههها إلى أم سههلمة‪ ،‬يهها نههبي ال إنههها لقصههيرة‪ .‬وقال‬
‫عكرمة عن ابن عباس‪ :‬إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت‪:‬‬
‫يا رسول ال‪ ،‬إن النساء يعيرنني‪ ،‬ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬هل قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد)‪ .‬فأنزل ال هذه الية‪.‬‬
‫@ فهي صهحيح الترمذي عهن عائشهة قالت‪ :‬حكيهت للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم رجل‪ ،‬فقال‪[ :‬مها‬
‫يسهرني أنهي حكيهت رجل وأن لي كذا وكذا]‪ .‬قالت فقلت‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬إن صهفية امرأة ‪ -‬وقالت‬
‫بيدها ‪ -‬هكذا‪ ،‬يعني أنها قصيرة‪ .‬فقال‪[ :‬لقد مزجت بكلمة لو مزج بها البحر لمزج]‪ .‬وفي البخاري‬
‫عهن عبدال بهن زمعهة قال‪ :‬نههى النهبى صهلى ال عليهه وسهلم أن يضحهك الرجهل ممها يخرج مهن‬
‫النفهس‪ .‬وقال‪[ :‬لم يضرب أحدكهم امرأتهه ضرب الفحهل ثهم لعله يعانقهها]‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم عهن‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬إن ال ل ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن‬
‫ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم]‪ .‬وهذا حديث عظيم يترتب عليه أل يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من‬
‫صهور أعمال الطاعة أو المخالفة‪ ،‬فلعهل من يحافهظ على العمال الظاهرة يعلم ال مهن قلبهه وصهفا‬
‫مذموما ل تصح معه تلك العمال‪ .‬ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم ال من قلبه وصفا‬
‫محمودا يغفر له بسببه‪ .‬فالعمال أمارات ظنية ل أدلة قطعية‪ .‬ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم‬
‫مهن رأينها عليهه أفعال صهالحة‪ ،‬وعدم الحتقار لمسهلم رأينها عليهه أفعال سهيئة‪ .‬بهل تحتقهر وتذم تلك‬
‫الحالة السيئة‪ ،‬ل تلك الذات المسيئة‪ .‬فتدبر هذا‪ ،‬فإنه نظر دقيق‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تلمزوا أنفسهكم" اللمهز‪ :‬العيهب‪ ،‬وقهد مضهى فهي "التوبهة" عنهد قوله تعالى‪:‬‬
‫"ومنههم مهن يلمزك فهي الصهدقات" [التوبهة‪ .]58 :‬وقال الطهبري‪ :‬اللمهز باليهد والعيهن واللسهان‬
‫والشارة‪ .‬والهمهز ل يكون إل باللسهان‪ .‬وهذه اليهة مثهل قوله تعالى‪" :‬ول تقتلوا أنفسهكم" [النسهاء‪:‬‬
‫‪ ]29‬أي ل يقتل بعضكم بعضا‪ ،‬لن المؤمنين كنفس واحدة‪ ،‬فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه‪ .‬وكقوله‬
‫تعالى‪" :‬فسهلموا على أنفسهكم" [النور‪ ]61 :‬يعنهي يسهلم بعضكهم على بعهض‪ .‬والمعنهى‪ :‬ل يعهب‬
‫بعضكهم بعضها‪ .‬وقال ابهن عباس ومجاههد وقتادة وسهعيد بهن جهبير‪ :‬ل يطعهن بعضكهم على بعهض‪.‬‬
‫وقال الضحاك‪ :‬ل يلعهن بعضكهم بعضها‪ .‬وقرئ‪" :‬ول تُلمزوا" بالضهم‪ .‬وفهي قوله‪" :‬أنفسهكم" تنهبيه‬
‫على أن العاقهل ل يعيهب نفسهه‪ ،‬فل ينبغهي أن يعيهب غيره لنهه كنفسهه‪ ،‬قال صهلى ال عليهه وسهلم‪:‬‬
‫[المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى]‪ .‬وقال بكر‬
‫بهن عبدال المزنهي‪ :‬إذا أردت أن تنظهر العيوب جمهة فتأمهل عيابها‪ ،‬فإنهه إنمها يعيهب الناس بفضهل مها‬
‫فيهه مهن العيهب‪ .‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬يبصهر أحدكهم القذاة فهي عيهن أخيهه ويدع الجذع فهي‬
‫عينه] وقيل‪ :‬من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أشغله عن عيوبه ورعه‬ ‫المرء إن كان عاقل ورعا‬
‫عن وجع الناس كلهم وجعه‬ ‫كما السقيم المريض يشغله‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فيهتك ال سترا عن مساويكا‬ ‫ل تكشفن مساوي الناس ما ستروا‬
‫ول تعب أحدا منهم بما فيكا‬ ‫واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تنابزوا باللقاب" النبز (بالتحريك) اللقب‪ ،‬والجمع النباز‪ .‬والنبز (بالتسكين)‬
‫المصههدر‪ ،‬تقول‪ :‬نبزه ينبزه نبزا‪ ،‬أي لقبههه‪ .‬وفلن ينبههز بالصههبيان أي يلقبهههم‪ ،‬شدد للكثرة‪ .‬ويقال‬
‫النبز والنزب لقب السوء‪ .‬وتنابزوا باللقاب‪ :‬أي لقب بعضهم بعضا‪ .‬وفي الترمذي عن أبي جبيرة‬
‫بههن الضحاك قال‪ :‬كان الرجههل منهها يكون له السههمين والثلثههة فيدعههي ببعضههها فعسههى أن يكره‪،‬‬
‫فنزلت هذه الية‪" :‬ول تنابزوا باللقاب"‪ .‬قال هذا حديث حسن‪ .‬وأبو جبيرة هذا هو أخو ثابت بن‬
‫الضحاك بن خليفة النصاري‪ .‬وأبو زيد سعيد بن الربيع صاحب الهروي ثقة‪ .‬وفي مصنف أبي‬
‫داود عنهه قال‪ :‬فينها نزلت هذه اليهة‪ ،‬فهي بنهي سهلمة "ول تنابزوا باللقاب بئس السهم الفسهوق بعهد‬
‫اليمان" قال‪ :‬قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم وليس منا رجل إل وله اسمان أو ثلثة‪ ،‬فجعل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول يا فلن فيقولون مه يا رسول ال‪ ،‬إنه يغضب من هذا السم‪،‬‬
‫فنزلت هذه اليهة‪" :‬ول تنابزوا باللقاب"‪ .‬فهذا قول‪ .‬وقول ثان ‪ -‬قال الحسهن ومجاههد‪ :‬كان الرجهل‬
‫يعيهر بعهد إسهلمه بكفره يها يهودي يها نصهراني‪ ،‬فنزلت‪ .‬وروي عهن قتادة وأبهي العاليهة وعكرمهة‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬ههو قول الرجهل للرجهل يها فاسهق يها منافهق‪ ،‬وقاله مجاههد والحسهن أيضها‪" .‬بئس السهم‬
‫الفسهوق بعهد اليمان" أي بئس أن يسهمى الرجهل كافرا أو زانيها بعهد إسهلمه وتوبتهه‪ ،‬قال ابهن زيهد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق‪ .‬وفي الصحيح [من قال لخيه يا كافر فقد‬
‫باء بها أحدهما إن كان كما قال وإل رجعت عليه]‪ .‬فمن فعل ما نهى ال عنه من السخرية والهمز‬
‫والنبهز فذلك فسهوق وذلك ل يجوز‪ .‬وقهد روي أن أبها ذر رضهي ال عنهه كان عنهد النهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم فنازعه رجل فقال له أبو ذر‪ :‬يا ابن اليهودية فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬ما ترى‬
‫ها هنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه] يعني بالتقوى‪ ،‬ونزلت‪" :‬ول تنابزوا باللقاب"‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬التنابز باللقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب‪ ،‬فنهى ال أن يعير بما سلف‪ .‬يدل‬
‫عليه ما روي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪[ :‬من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على ال‬
‫أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والخرة]‪.‬‬
‫@ وقع من ذلك مستثني من غلب عليه الستعمال كالعرج والحدب ولم يكن له فيه كسب يجد‬
‫في نفسه منه عليه‪ ،‬فجوزته المة وأتفق على قول أهل الملة‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وقد ورد لعمر ال‬
‫مهن ذلك فهي كتبههم مها ل أرضاه فهي صهالح جزرة‪ ،‬لنهه صهحف "خرزة" فلقهب بهها‪ .‬وكذلك قولههم‬
‫في محمد بن سليمان الحضرمي‪ :‬مطين‪ ،‬لنه وقع في طين ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين‪،‬‬
‫ول أراه سهائغا فهي الديهن‪ .‬وقهد كان موسهى بهن علي بهن رباح المصهري يقول‪ :‬ل أجعهل أحدا صهغر‬
‫اسم أبي في حل‪ ،‬وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين‪ .‬والذي يضبط هذا كله‪ :‬أن كل ما‬
‫يكره النسان إذا نودي به فل يجوز لجل الذية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا المعنهى ترجهم البخاري رحمهه ال فهي (كتاب الدب) مهن الجامهع الصهحيح‪ .‬فهي‬
‫(باب مها يجوز مهن ذكهر الناس نحهو قولههم الطويهل والقصهير ل يراد بهه شيهن الرجهل) قال‪ :‬وقال‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬مها يقول ذو اليديهن] قال أبهو عبدال بهن خويهز منداد‪ :‬تضمنهت اليهة‬
‫المنع من تلقيب النسان بما يكره‪ ،‬ويجوز تلقيبه بما يحب‪ ،‬أل ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫لقهب عمهر بالفاروق‪ ،‬وأبها بكهر بالصهديق‪ ،‬وعثمان بذي النوريهن‪ ،‬وخزيمهة بذي الشهادتيهن‪ ،‬وأبها‬
‫هريرة بذي الشماليهن وبذي اليديهن‪ ،‬فهي أشباه ذلك‪ .‬الزمخشري‪ :‬روي عهن النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم [مهن حهق المؤمهن على المؤمهن أن يسهميه بأحهب أسهمائه إليهه]‪ .‬ولهذا كانهت التكنيهة مهن السهنة‬
‫والدب الحسهن‪ ،‬قال عمهر رضهي ال عنهه‪ :‬أشيعوا الكنهي فإنهها منبههة‪ .‬ولقهد لقهب أبهو بكهر بالعتيهق‬
‫والصهديق‪ ،‬وعمهر بالفاروق‪ ،‬وحمزة بأسهد ال‪ ،‬وخالد بسهيف ال‪ .‬وقهل مهن المشاهيهر فهي الجاهليهة‬
‫والسهلم مهن ليهس له لقهب‪ .‬ولم تزل هذه اللقاب الحسهنة فهي المهم كلهها ‪ -‬مهن العرب والعجهم ‪-‬‬
‫تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير‪ .‬قال الماوردي‪ :‬فأما مستحب اللقاب ومستحسنها‬
‫فل يكره‪ .‬وقد وصف رسول ال صلى ال عليه وسلم عددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من‬
‫أجل اللقاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة ل العيب فذلك كثيهر‪ .‬وقد سئل عبدال‬
‫بههن المبارك عههن الرجههل يقول‪ :‬حُميههد الطويههل‪ ،‬وسههليمان العمههش‪ ،‬وحُميههد العرج‪ ،‬ومروان‬
‫الصههغر‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أردت صههفته ولم ترد عيبههه فل بأس بههه‪ .‬وفههي صههحيح مسههلم عههن عبدال بههن‬
‫سرجس قال‪ :‬رأيت الصلع ‪ -‬يعني عمر ‪ -‬يقبل الحجر‪ .‬في رواية الصيلع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومهن لم يتهب" أي عهن هذه اللقاب التهي يتأذى بهها السهامعون‪" .‬فأولئك ههم‬
‫الظالمون" لنفسهم بارتكاب هذه المناهي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ول تجسسوا ول‬
‫يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا ال إن ال تواب رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا اجتنبوا كثيرا مهن الظهن" قيهل‪ :‬إنهها نزلت فهي رجليهن مهن‬
‫أصهحاب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم اغتابها رفيقهمها‪ .‬وذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان إذا‬
‫سههافر ضههم الرجههل المحتاج إلى الرجليههن الموسههرين فيخدمهمهها‪ .‬فضههم سههلمان إلى رجليههن‪ ،‬فتقدم‬
‫سهلمان إلى المنزل فغلبتهه عيناه فنام ولم يهيهئ لهمها شيئا‪ ،‬فجاءا فلم يجدا طعامها وإدامها‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫انطلق فاطلب لنا من النبي صلى ال عليه وسلم طعاما وإداما‪ ،‬فذهب فقال له النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪( :‬اذههب إلى أسهامة بهن زيهد فقهل له إن كان عندك فضهل مهن طعام فليعطهك) وكان أسهامة‬
‫خازن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪ ،‬فذهههب إليههه‪ ،‬فقال أسههامة‪ :‬مهها عندي شيههء‪ ،‬فرجههع إليهمهها‬
‫فأخبرهمها‪ ،‬فقال‪ :‬قهد كان عنده ولكنهه بخهل‪ .‬ثهم بعثها سهلمان إلى طائفهة مهن الصهحابة فلم يجهد عندههم‬
‫سمَيحة لغار ماؤها‪ .‬ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء‪،‬‬ ‫شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬لو بعثنا سلمان إلى بئر ُ‬
‫فرآهما النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما) فقال‪ :‬يا نبي ال‪،‬‬
‫وال مها أكلنها فهي يومنها هذا لحمها ول غيره‪ .‬فقال‪( :‬ولكنكمها ظلتمها تأكلن لحهم سهلمان وأسهامة)‬
‫فنزلت‪" :‬يهها أيههها الذيههن آمنوا اجتنبوا كثيرا مههن الظههن إن بعههض الظههن إثههم" ذكره الثعلبههي‪ .‬أي ل‬
‫تظنوا بأهل الخير سوءا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير‪.‬‬
‫@ ثبهت فهي الصهحيحين عهن أبهي هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬إياكهم والظهن فإن‬
‫الظن أكذب الحديث ول تحسسوا ول تجسسوا ول تناجشوا ول تحاسدوا ول تباغضوا ول تدابروا‬
‫وكونوا عباد ال إخوانها) لفهظ البخاري‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬فالظهن هنها وفهي اليهة ههو التهمهة‪ .‬ومحهل‬
‫التحذيهر والنههي إنمها ههو تهمهة ل سهبب لهها يوجبهها‪ ،‬كمهن يتههم بالفاحشهة أو بشرب الخمهر مثل ولم‬
‫يظهر عليه ما يقتضي ذلك‪ .‬ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى‪" :‬ول تجسسوا" وذلك‬
‫أنهه قهد يقهع له خاطهر التهمهة ابتداء ويريهد أن يتجسهس خهبر ذلك ويبحهث عنهه‪ ،‬ويتبصهر ويسهتمع‬
‫لتحقيهق مها وقهع له مهن تلك التهمهة‪ .‬فنههى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن ذلك‪ .‬وإن شئت قلت‪:‬‬
‫والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها‪ ،‬أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب‬
‫ظاههر كان حرامها واجهب الجتناب‪ .‬وذلك إذا كان المظنون بهه ممهن شوههد منهه السهتر والعلج‪،‬‬
‫وأونسههت منههه المانههة فههي الظاهههر‪ ،‬فظههن الفسههاد بههه والخيانههة محرم‪ ،‬بخلف مههن أشتهره الناس‬
‫بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه وسلم (إن ال حرم من المسلم دمه‬
‫وعرضه وأن يظن به ظن السوء)‪ .‬وعن الحسن‪ :‬كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام‪ ،‬وأنت اليوم‬
‫في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت‪.‬‬
‫@ وللظهن حالتان‪ :‬حالة تعرف وتقوى بوجهه مهن وجوه الدلة فيجوز الحكهم بهها‪ ،‬وأكثهر أحكام‬
‫الشريعههة مبنيههة على غلبههة الظههن‪ ،‬كالقياس وخههبر الواحههد وغيههر ذلك مههن قيههم المتلفات وأروش‬
‫الجنايات‪ .‬والحالة الثانيهه‪ :‬أن يقهع فهي النفهس شيهء مهن غيهر دللة فل يكون ذلك أولى مهن ضده‪،‬‬
‫فهذا هو الشك‪ ،‬فل يجوز الحكم به‪ ،‬وهو المنهي عنه على ما قررناه آنفا‪ .‬وقد أنكرت جماعة من‬
‫المبتدعهة تعبدال بالظهن وجواز العمهل بهه‪ ،‬تحكمها فهي الديهن ودعوى فهي المعقول‪ .‬وليهس فهي ذلك‬
‫أصههل يعول عليههه‪ ،‬فإن البارئ تعالى لم يذم جميعههه‪ ،‬وإنمهها أورد الذم فههي بعضههه‪ .‬وربمهها تعلقوا‬
‫بحديهث أبهي هريرة (إياكهم والظهن) فإن هذا ل حجهة فيهه‪ ،‬لن الظهن فهي الشريعهة قسهمان‪ :‬محمود‬
‫ومذموم‪ ،‬فالمحمود منهه مها سهلم معهه ديهن الظان والمظنون بهه عنهد بلوغهه‪ .‬والمذموم ضده‪ ،‬بدللة‬
‫قوله تعالى‪" :‬إن بعهض الظهن إثهم"‪ ،‬وقوله‪" :‬لول إذ سهمعتموه ظهن المؤمنون والمؤمنات بأنفسههم‬
‫خيرا" [النور‪ ،]12 :‬وقوله‪" :‬وظننتهم ظهن السهوء وكنتهم قومها بورا" [الفتهح‪ ]12 :‬وقال النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا كان أحدكم مادحا أخاه فليقل أحسب كذا ول أزكي على ال أحدا)‪ .‬وقال‪:‬‬
‫(إذا ظننهت فل تحقهق وإذا حسهدت فل تبهغ وإذا تطيرت فامهض) خرجهه أبهو داود‪ .‬وأكثهر العلماء‬
‫على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير ل يجوز‪ ،‬وأنه ل حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح‪،‬‬
‫قاله المهدوي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تجسسوا" قرأ أبو رجاء والحسن باختلف وغيرهما "ول تحسسوا" بالحاء‪.‬‬
‫واختلف ههل همها بمعنهى واحهد أو بمعنييهن‪ ،‬فقال الخفهش‪ :‬ليهس تبعهد إحداهمها مهن الخرى‪ ،‬لن‬
‫التجسههس البحههث عمهها يكتههم عنههك‪ .‬والتحسههس (بالحاء) طلب الخبار والبحههث عنههها‪ .‬وقيههل‪ :‬إن‬
‫التجسهس (بالجيهم) ههو البحهث‪ ،‬ومنهه قيهل‪ :‬رجهل جاسهوس إذا كان يبحهث عهن المور‪ .‬وبالحاء‪ :‬هو‬
‫ما أدركه النسان ببعض حواسه‪ .‬وقول ثان في الفرق‪ :‬أنه بالحاء تطلبه لنفسه‪ ،‬وبالجيم أن يكون‬
‫رسهول لغيره‪ ،‬قال ثعلب‪ .‬والول أعرف‪ .‬جسهست الخبار وتجسههستها أي تفحصهت عنهها‪ ،‬ومنهه‬
‫الجاسهوس‪ .‬ومعنهى اليهة‪ :‬خذوا مها ظههر ول تتبعوا عورات المسهلمين‪ ،‬أي ل يبحهث أحدكهم عهن‬
‫عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره ال‪ .‬وفي كتاب أبى داود عن معاوية قال سمعت رسول‬
‫ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪( :‬إنهك إن اتبعهت عورات الناس أفسهدتهم أو كدت تفسهدهم) فقال أبهو‬
‫الدرداء‪ :‬كلمة سمعها معاوية من رسول ال صلى ال عليه وسلم نفعه ال تعالى بها‪ .‬وعن المقدام‬
‫بن معد يكرب عن أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن المير إذا ابتغى الريبة في‬
‫الناس أفسدهم)‪ .‬وعن زيد بن وهب قال‪ :‬أتي ابن مسعود فقيل‪ :‬هذا فلن تقطر لحيته خمرا‪ .‬فقال‬
‫عبدال‪ :‬إنا قد نهينا عن التجسس‪ ،‬ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به‪ .‬وعن أبي برزة السلمي قال‪:‬‬
‫قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬يها معشهر مهن آمهن بلسهانه ولم يدخهل اليمان قلبهه ل تغتابوا‬
‫المسلمين ول تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإن من اتبع عوراتهم يتبع ال عورته ومن يتبع ال عورته يفضحه‬
‫فهي بيته)‪ .‬وقال عبدالرحمن بن عوف‪ :‬حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي ال عنه بالمدينة‬
‫إذ تهبين لنها سهراج فهي بيهت بابهه مجاف على قوم لههم أصهوات مرتفعهة ولغهط‪ ،‬فقال عمهر‪ :‬هذا بيهت‬
‫ربيعة بن أمية بن خلف‪ ،‬وهم الن شرب فما ترى !؟ قلت‪ :‬أرى أنا قد أتينا ما نهى ال عنه‪ ،‬قال‬
‫ال تعالى‪" :‬ول تجسهسوا" وقهد تجسهسنا‪ ،‬فانصهرف عمهر وتركههم‪ .‬وقال أبهو قلبهة‪ :‬حدث عمهر بهن‬
‫الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته‪ ،‬فانطلق عمر حتى دخل عليه‪،‬‬
‫فإذا ليهس عنده إل رجهل‪ ،‬فقال أبهو محجهن‪ :‬إن هذا ل يحهل لك قهد نهاك ال عهن التجسهس‪ ،‬فخرج‬
‫عمر وتركه‪ .‬وقال زيد بن أسلم‪ :‬خرج عمر وعبدالرحمن يعسان‪ ،‬إذ تبينت لهما نار فاستأذنا ففتح‬
‫الباب‪ ،‬فإذا رجهل وامرأة تغنهي وعلى يهد الرجهل قدح‪ ،‬فقال عمهر‪ :‬وأنهت بهذا يها فلن؟ فقال‪ :‬وأنهت‬
‫بهذا يها أميهر المؤمنيهن! قال عمهر‪ :‬فمهن هذه منهك؟ قال امرأتهي‪ ،‬قال فمها فهي هذا القدح؟ قال ماء‬
‫زلل‪ ،‬فقال للمرأة‪ :‬وما الذي تغنين؟ فقالت‪:‬‬
‫وأرقني أن ل خليل ألعبه‬ ‫تطاول هذا الليل واسود جانبه‬
‫لزعزع من هذا السرير جوانبه‬ ‫فوال لول ال أني أراقبه‬
‫وأ كرم بعلي أن تنال مراكبه‬ ‫ولكن عقلي والحياء يكفني‬
‫ثم قال الرجل‪ :‬ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين قال ال تعالى‪" :‬ول تجسسوا"‪ .‬قال صدقت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل يفههم مهن هذا الخهبر أن المرأة كانهت غيهر زوجهة الرجهل‪ ،‬لن عمهر ل يقهر على الزنهى‪،‬‬
‫وإنمها غنهت بتلك البيات تذكارا لزوجهها‪ ،‬وأنهها قالتهها فهي مغيبهه عنهها‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال عمرو بهن‬
‫دينار‪ :‬كان رجل من أهل المدينة له أخت فاشتكت‪ ،‬فكان يعودها فماتت فدفنها‪ .‬فكان هو الذي نزل‬
‫في قبرها‪ ،‬فسقط من كمه كيس فيه دنانير‪ ،‬فاستعان ببعض أهله فنبشوا قبرها فأخذ الكيس ثم قال‪:‬‬
‫لكشفن حتى أنظر ما آل حال أختي إليه‪ ،‬فكشف عنها فإذا القبر مشتعل نارا‪ ،‬فجاء إلى أمه فقال‪:‬‬
‫أخبريني ما كان عمل أختي؟ فقالت‪ :‬قد ماتت أختك فما سؤالك عن عملها فلم يزل بها حتى قالت‬
‫له‪ :‬كان من عملها أنها كانت تؤخر الصلة عن مواقيتها‪ ،‬وكانت إذا نام الجيران قامت إلى بيوتهم‬
‫فألقمت أذنها أبوابهم‪ ،‬فتجسس عليهم وتخرج أسرارهم‪ ،‬فقال‪ :‬بهذا هلكت‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يغتهب بعضكهم بعضها" نههى عهز وجهل عهن الغيبهة‪ ،‬وههي أن تذكهر الرجهل بمها‬
‫فيهه‪ ،‬فإن ذكرتهه بمها ليهس فيهه فههو البهتان‪ .‬ثبهت معناه فهي صهحيح مسهلم عن أبهي هريرة أن رسهول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬أتدرون ما الغيبة)؟ قالوا‪ :‬ال ورسول أعلم‪ .‬قال‪( :‬ذكرك أخاك بما‬
‫يكره) قيل‪ :‬أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال‪( :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه‬
‫فقهد بهتهه)‪ .‬يقال‪ :‬اغتابهه اغتيابها إذا وقهع فيهه‪ ،‬والسهم الغيبهة‪ ،‬وههي ذكهر العيهب بظههر الغيهب‪ .‬قال‬
‫الحسهن‪ :‬الغيبهة ثلثهة أوجهه كلهها فهي كتاب ال تعالى‪ :‬الغيبهة والفهك والبهتان‪ .‬فأمها الغيبهة فههو أن‬
‫تقول فهي أخيهك مها ههو فيهه‪ .‬وأمها الفهك فأن تقول فيهه مها بلغهك عنهه‪ .‬وأمها البهتان فأن تقول فيهه مها‬
‫ليهس فيهه‪ .‬وعهن شعبهة قال‪ :‬قال لي معاومهة ‪ -‬يعنهي ابهن قرة ‪ : -‬لو مهر بهك رجهل أقطهع‪ ،‬فقلت هذا‬
‫أقطهع كان غيبهة‪ .‬قال شعبهة‪ :‬فذكرتهه لبهي إسهحاق فقال صهدق‪ .‬وروى أبهو هريرة أن السهلمي مها‬
‫عزا جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فشهد على نفسه بالزنى فرجمه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬فسمع نبي ال صلى ال عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما للخر‪ :‬انظر إلى هذا‬
‫الذي سهتر ال عليهه فلم تدعهه نفسهه حتهى رجهم رجهم الكلب‪ ،‬فسهكت عنهمها‪ .‬ثهم سهار سهاعة حتهى مهر‬
‫بجيفهة حمار شائل برجله فقال‪( :‬أيهن فلن وفلن)؟ فقال‪ :‬نحهن ذا يها رسهول ال‪ ،‬قال‪( :‬انزل فكل‬
‫من جيفة هذا الحمار) فقال‪ :‬يا نبي ال ومن يأكل من هذا ! قال‪( :‬فما نلتما من عرض أخيكما أشد‬
‫من الكل منه والذي نفسي بيده إنه الن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أيحهب أحدكهم أن يأكهل لحهم أخيهه ميتها" مثهل ال الغيبهة بأكهل الميتهة‪ ،‬لن الميهت ل‬
‫يعلم بأكل لحمه كما أن الحي ل يعلم بغيبة من اغتابه‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬إنما ضرب ال هذا المثل‬
‫للغيبهة لن أكهل لحهم الميهت حرام مسهتقذر‪ ،‬وكذا الغيبهة حرام فهي الديهن وقبيهح فهي النفوس‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا‪ .‬واستعمل أكل‬
‫اللحم مكان الغيبة لن عادة العرب بذلك جارية‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا‬ ‫فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم‬
‫وقال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مها صهام مهن ظهل يأكهل لحوم الناس)‪ .‬فشبهه الوقيعهة فهي الناس بأكهل‬
‫لحومههم‪ .‬فمهن تنقهص مسهلما أو ثلم عرضهه فههو كالكهل لحمهه حيها‪ ،‬ومهن اغتابهه فههو كالكهل لحمهه‬
‫ميتا‪ .‬وفي كتاب أبي داود عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لما عرج‬
‫بهي مررت بقوم لههم أظفار مهن نحاس يخمشون وجوهههم وصهدورهم فقلت مهن هؤلء يها جبريهل؟‬
‫قال هؤلء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)‪ .‬وعن المستورد أن رسول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم قال‪( :‬مهن أكهل برجهل مسهلم أكلة فإن ال يطعمهه مثلهها مهن جهنهم ومهن كسهي ثوبها‬
‫برجهل مسهلم فإن ال يكسهوه مثله مهن جهنهم ومهن أقام برجهل مقام سهمعة ورياء فإن ال يقوم بهه مقام‬
‫سمعة ورياء يوم القيامة)‪ .‬وقد تقدم قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل‬
‫اليمان قلبهه ل تغتابوا المسهلمين)‪ .‬وقوله للرجليهن‪( :‬مها لي أرى خضرة اللحهم فهي أفواهكمها)‪ .‬وقال‬
‫أبو قلبة الرقاشي‪ :‬سمعت أبا عاصم يقول‪ :‬ما اغتبت أحدا مذ عرفت ما في الغيبة‪ .‬وكان ميمون‬
‫بههن سههياه ل يغتاب أحدا‪ ،‬ول يدع أحدا يغتاب أحدا عنده‪ ،‬ينهاه فإن انتهههى وإل قام‪ .‬وذكههر الثعلبههي‬
‫مهن حديهث أبهي هريرة قال‪ :‬قام رجهل مهن عنهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فرأوا فهي قيامهه عجزا‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول ال ما أعجز فلنا فقال‪( :‬أكلتم لحم أخيكم وأغتبتموه)‪ .‬وعن سفيان الثوري قال‪:‬‬
‫أدني الغيبة أن تقول إن فلنا جعد قطط‪ ،‬إل أنه يكره ذلك‪ .‬وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪:‬‬
‫إياكم وذكر الناس فإنه داء‪ ،‬وعليكم بذكر ال فإنه شفاء‪ .‬وسمع علي بن الحسين رضي ال عنهما‬
‫رجل يغتاب آخهر‪ ،‬فقال‪ :‬إياك والغيبهة فإنهها إدام كلب الناس‪ .‬وقيهل لعمرو بهن عبيهد‪ :‬لقهد وقهع فيهك‬
‫فلن حتى رحمناك‪ ،‬قال‪ :‬إياه فارحموا‪ .‬وقال رجل للحسن‪ :‬بلغني أنك تغتابني فقال‪ :‬لم يبلغ قدرك‬
‫عندي أن أحكمك في حسناتي‪.‬‬
‫@ ذهب قوم إلى أن الغيبة ل تكون إل في الدين ول تكون في الخلقة والحسب‪ .‬وقالوا‪ :‬ذلك فعل‬
‫ال بههه‪ .‬وذهههب آخرون إلى عكههس هذا فقالوا‪ :‬ل تكون الغيبههة إل فههي الخَلْق والخُلُق والحسههب‪.‬‬
‫والغيبة في الخلق أشد‪ ،‬لن من عيب صنعة فإنما عيب صانعها‪ .‬وهذا كله مردود‪ .‬أما الول فيرده‬
‫حديهث عائشة حيهن قالت فهي صفية‪ :‬إنهها امرأة قصيرة‪ ،‬فقال لها النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬لقد‬
‫قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته)‪ .‬خرجه أبو داود‪ .‬وقال فيه الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪،‬‬
‫وما كان في معناه حسب ما تقدم‪ .‬وإجماع العلماء قديما على أن ذلك غيبة إذا أريد به العيب‪ .‬وأما‬
‫الثاني فمردود أيضا عند جميع العلماء‪ ،‬لن العلماء من أول الدهر من أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدين‪ ،‬لن عيب‬
‫الدين أعظم العيب‪ ،‬فكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه‪ .‬وكفى ردا لمن قال‬
‫هذا القول قول عليه السلم‪( :‬إذا قلت في أخيك ما يكره فقد أغتبته‪ )...‬الحديث‪ .‬فمن زعم أن ذلك‬
‫ليس بغيبة فقد رد ما قال النبي صلى ال عليه وسلم نصا‪ .‬وكفى بعموم قول النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪( :‬دماؤكهم وأموالكهم وأعراضكهم عليكهم حرام) وذلك عام للديهن والدنيها‪ .‬وقول النهبي‪( :‬مهن‬
‫كانهت عنده لخيهه مظلمهة فهي عرضهه أو ماله فليتحلله منهه)‪ .‬فعهم كهل عرض‪ ،‬فمهن خهص مهن ذلك‬
‫شيئا دون شيء فقد عارض ما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ ل خلف أن الغيبة من الكبائر‪ ،‬وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى ال عز وجل‪ .‬وهل‬
‫يسهتحل المغتاب؟ اختلف فيه‪ ،‬فقالت فرقهة‪ :‬ليس عليه اسهتحلله‪ ،‬وإنما هي خطيئة بينهه وبيهن ربه‪.‬‬
‫واحتجهت بأنهه لم يأخهذ مهن ماله ول أصهاب مهن بدنهه مها ينقصهه‪ ،‬فليهس ذلك بمظلمهة يسهتحلها منهه‪،‬‬
‫وإنمها المظلمهة مها يكون منهه البدل والعوض فهي المال والبدن‪ .‬وقال فرقهة‪ :‬ههي مظلمهة‪ ،‬وكفارتهها‬
‫الستغفار لصاحبها الذي اغتابه‪ .‬واحتجت بحديث يروي عن الحسن قال‪ :‬كفارة الغيبة أن تستغفر‬
‫لمن اغتبته‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬هي مظلمة وعليه الستحلل منها‪ .‬واحتجت بقول النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪( :‬مهن كانهت لخيهه عنده مظلمهة فهي عرض أو مال فليتحلله منهه مهن قبهل أن يأتهي يوم ليهس‬
‫هناك دينار ول درهم يؤخذ من حسهناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صهاحبه فزيد على‬
‫سيئاته)‪ .‬خرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال وسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪( :‬مهن كانهت له مظلمهة لخيهه مهن عرضهه أو شيهء فليتحلله منهه اليوم قبهل أل يكون له دينار‬
‫ول درههم إن كان له عمهل صهالح أخهذ منهه بقدر مظلمتهه وإن لم يكهن له حسهنات أخهذ مهن سهيئات‬
‫صهاحبه فحمهل عليهه)‪ .‬وقهد تقدم هذا المعنهى فهي سهورة "آل عمران" عنهد قوله تعالى‪" :‬ول تحسهبن‬
‫الذيهن قتلوا فهي سهبيل ال أمواتها بهل أحياء" [آل عمران‪ .]169 :‬وقهد روي مهن حديهث عائشهة أن‬
‫امرأة دخلت عليها فلما قامت قالت امرأة‪ :‬ما أطول ذيلها فقالت لها عائشة‪ :‬لقد اغتبتيها فاستحليها‪.‬‬
‫فدلت الثار عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهها مظلمهة يجهب على المغتاب اسهتحللها‪ .‬وأمها قول‬
‫مهن قال‪ :‬إنمها الغيبهة فهي المال والبدن‪ ،‬فقهد أجمعهت العلماء على أن على القاذف للمقذوف مظلمهة‬
‫يأخذه بالحد حتى يقيمه عليه‪ ،‬وذلك ليس في البدن ول في المال‪ ،‬ففي ذلك دليل على أن الظلم في‬
‫العرض والبدن والمال‪ ،‬وقههد قال ال تعالى فههي القاذف‪" :‬فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عنههد ال هههم‬
‫الكاذبون" [النور‪ .]13 :‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪[ :‬من بهت مؤمنا بما ليس فيه‬
‫حبسهه ال فهي طينهة الخبال]‪ .‬وذلك كله فهي غيهر المال والبدن‪ .‬وأمها مهن قال‪ :‬إنهها مظلمهة‪ ،‬وكفارة‬
‫المظلمهة أن يسهتغفر لصهاحبها‪ ،‬فقهد ناقهض إذ سهماها مظلمهة ثهم قال‪ :‬كفارتهها أن يسهتغفر لصهاحبها‪،‬‬
‫لن قول مظلمهة تثبهت ظلمهة المظلوم‪ ،‬فإذا ثبتهت الظلمهة لم يزلهها عهن الظالم إل إحلل المظلوم‬
‫له‪ .‬وأمها قول الحسهن فليهس بحجهة‪ ،‬وقهد قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬مهن كانهت له عنهد أخيهه‬
‫مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه]‪ .‬وقد ذهب بعضهم إلى ترك التحليل لمن سأله‪ ،‬ورأى أنه‬
‫ل يحهل مها حرم ال عليه‪ ،‬منهم سعيد بهن المسيب قال‪ :‬ل أحلل مهن ظلمنهي‪ .‬وقيهل لبن سهيرين‪ :‬يها‬
‫أبا بكر‪ ،‬هذا رجل سألك أن تحلله من مظلمة هي لك عنده‪ ،‬فقال‪ :‬إني لم أحرمها عليه فأحلها‪ ،‬إن‬
‫ال حرم الغيبهة عليهه‪ ،‬وماكنهت لحهل مها حرم ال عليهه أبدا‪ .‬وخهبر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يدل‬
‫على التحليهل‪ ،‬وههو الحجهة والمهبين‪ .‬والتحليهل يدل على الرحمهة وههو مهن وجهه العفهو‪ ،‬وقهد قال‬
‫تعالى‪" :‬فمن عفا وأصلح فأجره على ال" [الشوري‪.]40 :‬‬
‫@ ليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر‪ ،‬فإن في الخبر [من ألقى جلباب الحياء فل‬
‫غيبهة له]‪ .‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬اذكروا الفاجهر بمها فيهه كهي يحذره الناس]‪ .‬فالغيبهة إذا فهي‬
‫المرء الذي يسههتر نفسههه‪ .‬وروي عههن الحسههن أنههه قال‪ :‬ثلثههة ليههس لهههم حرمههة‪ :‬صههاحب الهوي‪،‬‬
‫والفاسق المعان‪ ،‬والمام الجائر‪ .‬وقال الحسن لما مات الحجاج‪ :‬اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته ‪-‬‬
‫وفهي رواية شينهه ‪ -‬فإنهه أتانها أخيفهش أعيمهش‪ ،‬يمهد بيهد قصهيرة البنان‪ ،‬وال مها عرق فيهها غبار فهي‬
‫سهبيل ال‪ ،‬يرجهل جمتهه ويخطهر فهي مشيتهه‪ ،‬ويصهعد المنهبر فيهدر حتهى تفوتهه الصهلة‪ .‬ل مهن ال‬
‫يتقهي‪ ،‬ول مهن الناس يسهتحي‪ ،‬فوقهه ال وتحتهه مائة ألف أو يزيدون‪ ،‬ل يقول له قائل‪ :‬الصهلة أيهها‬
‫الرجهل‪ .‬ثهم يقول الحسهن‪ :‬هيهات ! حال دون ذلك السهيف والسهوط‪ .‬وروى الربيهع بهن صهبيح عهن‬
‫الحسهن قال‪ :‬ليهس لههل البدع غيبهة‪ .‬وكذلك قولك للقاضهي تسهتعين بهه على أخهذ حقهك ممهن ظلمهك‬
‫فتقول فلن ظلمنهي أو غضبنهي أو خاننهي أو ضربنهي أو قذفنهي أو أسهاء إلي‪ ،‬ليهس بغيبهة‪ .‬وعلماء‬
‫المهة على ذلك مجمعهة‪ .‬وقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي ذلك‪[ :‬لصهاحب الحهق مقال]‪ .‬وقال‪:‬‬
‫[مطل الغني ظلم] وقال] [لي الواجد يحل عرضه وعقوبته]‪ .‬ومن ذلك الستفتاء‪ ،‬كقول هند للنبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪ :‬إن أبها سهفيان رجهل شحيهح ل يعطينهي مها يكفينهي أنها وولدي‪ ،‬فآخهذ مهن غيهر‬
‫علمه؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪[ :‬نعم فخذي]‪ .‬فذكرته بالشح والظلم لها ولولدها‪ ،‬ولم يرها‬
‫مغتابهة‪ ،‬لنهه لم يغيهر عليهها‪ ،‬بهل أجابهها عليهه الصهلة والسهلم بالفتيها لهها‪ .‬وكذلك إذا كان فهي ذكره‬
‫بالسوء فائدة‪ ،‬كقوله صلى ال عليه وسلم‪[ :‬أما معاوية فصعلوك ل مال له وأما أبو جهم فل يضع‬
‫عصههاه عههن عاتقههه]‪ .‬فهذا جائز‪ ،‬وكان مقصههوده أل تغتههر فاطمههة بنههت قيههس بهمهها‪ .‬قال جميعههه‬
‫المحاسبي رحمه ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميتا" وقريء "ميتا" وهو نصب على الحال من اللحم‪ .‬ويجوز أن ينصب على‬
‫الخ‪ ،‬ولمهها قررهههم عههز وجههل بأن أحدا منهههم ل يجههب أكههل جيفههة أخيههه عقههب ذلك بقوله تعالى‪:‬‬
‫"فكرهتموه" وفيهه وجهان‪ :‬أحدهمها‪ :‬فكرهتهم أكهل الميتهة فكذلك فاكرهوا الغيبهة‪ ،‬روي معناه عهن‬
‫مجاههد‪ .‬الثانهي‪ :‬فكرهتهم أن يغتابكهم الناس فاكرهوا غيبهة الناس‪ .‬وقال الفراء‪ :‬أي فقهد كرهتموه فل‬
‫تفعلوه‪ .‬وقيهل‪ :‬لفظهه خهبر ومعناه أمهر‪ ،‬أي اكرهوه‪" .‬واتقوا ال" عطهف عليهه‪ .‬وقيهل‪ :‬عطهف على‬
‫قوله‪" :‬اجتنبوا‪ .‬ول تجسسوا"‪" .‬إن ال تواب رحيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 13 :‬يها أيهها الناس إنها خلقناكهم مهن ذكهر وأنثهى وجعلناكهم شعوبها وقبائل لتعارفوا إن‬
‫أكرمكم عند ال أتقاكم إن ال عليم خبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم بن ذكر وأنثى" يعني آدم وحواء‪ .‬ونزلت الية في أبي‬
‫هنهد‪ ،‬ذكره أبهو داود فهي (المراسهيل)‪ ،‬حدثنها عمرو بهن عثمان وكثيهر بهن عبيهد قال حدثنها بقيهة بهن‬
‫الوليد قال حدثني الزهري قال‪ :‬أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند‬
‫امرأة منهم‪ ،‬فقالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬نزوج بناتنا موالينا؟ فأنزل ال عز وجل‪" :‬إنا‬
‫خلقناكهم مهن ذكهر وأنثهى وجعلناكهم شعوبها" اليهة‪ .‬قال الزهري‪ :‬نزلت فهي أبهي هنهد خاصهة‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس‪ .‬وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له‪ :‬ابن فلنة‪ ،‬فقال النبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪[ :‬مهن الذاكهر فلنهة]؟ قال ثابهت‪ :‬أنها يها رسهول ال‪ ،‬فقال النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم‪[ :‬انظهر فهي وجوه القوم] فنظهر‪ ،‬فقال‪[ :‬مها رأيهت]؟ قال رأيهت أبيهض وأسهود وأحمهر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[فإنك ل تفضلهم إل بالتقوى] فنزلت في ثابت هذه الية‪ .‬ونزلت في الرجل الذي لم يتفسح له‪" :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس" [المجادلة‪ ]11 :‬الية‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬لما كان‬
‫يوم فتح مكة أمر النبي صلى ال عليه وسلم بلل حتى عل على ظهر الكعبة فأذن‪ ،‬فقال عتاب بن‬
‫أسهيد بهن أبهي العيهص‪ :‬الحمهد ل الذي قبهض أبهي حتهى ل يرى هذا اليوم‪ .‬قال الحارث بهن هشام‪ :‬مها‬
‫وجهد محمهد غيهر هذا الغراب السهود مؤذنها‪ .‬وقال سههيل بهن عمرو‪ :‬إن يرد ال شيئا يغيره‪ .‬وقال‬
‫أبهو سهفيان‪ :‬إنهي ل أقول شيئا أخاف أن يخهبر بهه رب السهماء‪ ،‬فأتهى جبريهل النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم وأخبره بما قالوا‪ ،‬فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه الية‪ .‬زجرهم عن‬
‫التفاخر بالنساب‪ ،‬والتكاثر بالموال‪ ،‬والزدراء بالفقراء‪ ،‬فإن المدار على التقوى‪ .‬أي الجميع من‬
‫آدم وحواء‪ ،‬إنمها الفضهل بالتقوى‪ .‬وفهي الترمذي عهن ابهن عمهر أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫خطهب بمكهة فقال‪( :‬يها أيهها الناس إن ال قهد أذههب عنكهم عيبهة الجاهليهة وتعاظمهها بآبائهها‪ .‬فالناس‬
‫رجلن‪ :‬رجل بر تقي كريم على ال‪ ،‬وفاجر شقي هين على ال‪ .‬والناس بنو آدم وخلق ال آدم من‬
‫تراب قال ال تعالى‪" :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن‬
‫أكرمكهم عنهد ال أتقاكهم إن ال عليهم خهبير")‪ .‬خرجهه مهن حديهث عبدال بهن جعفهر والد علي بهن‬
‫المديني وهو ضعيف‪ ،‬ضعفه يحيى بن معين وغيره‪ .‬وقد خرج الطبري في كتاب (آداب النفوس)‬
‫وحدثنهي يعقوب بهن إبراهيهم قال حدثنها إسهماعيل قال حدثنها سهعيد الجريري عهن أبهي نضرة قال‪:‬‬
‫حدثني أو حدثنا من شهد خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم بمنى في وسط أيام التشريق وهو‬
‫على بعير فقال‪[ :‬أيها الناس أل إن ربكم واحد وإن أباكم واحد أل ل فضل لعربي على عجمي ول‬
‫عجمي على عربي ول لسود على أحمر ول لحمر على أسود إل بالتقوى أل هل بلغت؟ ‪ -‬قالوا‬
‫نعهم قال ‪ -‬ليبلغ الشاههد الغائب]‪ .‬وفيهه عهن أبهو مالك الشعري قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسلم‪[ :‬إن ال ل ينظر إلى أحسابكم ول إلى أنسابكم ول إلى أجسامكم ول إلى أموالكم ولكن ينظر‬
‫إلى قلوبكهم فمهن كان له قلب صهالح تحنهن ال عليهه وإنمها أنتهم بنهو آدم وأحبكهم إليهه أتقاكهم]‪ .‬ولعلي‬
‫رضي ال عنه في هذا المعنى وهو مشهور من شعره‪:‬‬
‫أبوهم آدم والم حواء‬ ‫الناس من جهة التمثيل أكفاء‬
‫وأعظم خلقت فيهم وأعضاء‬ ‫نفس كنفس وأرواح مشاكلة‬
‫يفاخرون به فالطين والماء‬ ‫فإن يكن لهم من أصلهم حسب‬
‫على الهدى لمن استهدىأدلء‬ ‫ما الفضل إل لهل العلم إنهم‬
‫وللرجال على الفعال سيماء‬ ‫وقدر كل امرئ ما كان يحسنه‬
‫والجاهلون لهل العلم أعداء‬ ‫وضد كل امرئ ما كان يجهله‬
‫@ بين ال تعالى في هذه الية أنه خلق الخلق من الذكر والنثى‪ ،‬وكذلك في أول سورة "النساء"‪.‬‬
‫ولو شاء لخلقهه دونهمها كخلقهه لدم‪ ،‬أو دون ذكهر كخلقهه لعيسهى عليهه السهلم‪ ،‬أو دون أنثهى كخلقهه‬
‫حواء مهن إحدى الجهتيهن‪ .‬وهذا الجائز فهي القدرة لم يرد بهه الوجود‪ .‬وقهد جاء أن آدم خلق ال منهه‬
‫حواء من ضلع انتزعها من أضلعه‪ ،‬فلعله هذا القسم‪ ،‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@ خلق ال الخلق بين الذكر والنثى أنسابا وأصهارا وقبائل وشعوبا‪ ،‬وخلق لهم منها التعارف‪،‬‬
‫وجعهل لههم بهها التواصهل للحكمهة التهي قدرهها وههو أعلم بهها‪ ،‬فصهار كهل أحهد يحوز نسهبه‪ ،‬فإذا نفاه‬
‫رجهل عنهه اسهتوجب الحهد بقذفهه‪ ،‬مثهل أن ينفيهه عهن رهطهه وحسهبه‪ ،‬بقول للعربهي‪ :‬يها عجمهي‪،‬‬
‫وللعجمي‪ :‬يا عربي‪ ،‬ونحو ذلك مما يقع به النفي حقيقة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫@ ذهب قوم من الوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده‪ ،‬ويتربى في رحم الم‪،‬‬
‫ويسههتمد مههن الدم الذي يكون فيههه‪ .‬واحتجوا بقوله تعالى‪" :‬ألم نخلقكههم مههن ماء مهيههن‪ .‬فجعلناه فههي‬
‫قرار مكين" [المرسلت‪ .]21 :‬وقوله تعالى‪" :‬ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين" [السجدة‪:‬‬
‫‪ .]8‬وقوله‪" :‬ألم يهك نطفهة مهن منهي يمنهى" [القيامهة‪ .]37 :‬فدل على أن الخلق مهن ماء واحهد‪.‬‬
‫والصهحيح أن الخلق إنمها يكون مهن ماء الرجهل والمرأة لهذه اليهة‪ ،‬فإنهها نهص ل يحتمهل التأويهل‪.‬‬
‫وقوله تعال‪" :‬خلق مهن ماء دافهق‪ .‬يخرج مهن بيهن الصهلب والترائب" [الطارق‪ ]6 :‬والمراد منهه‬
‫أصلب الرجال وترائب النساء‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪ .‬وأما ما احتجوا به فليس فيه أكثر من أن ال‬
‫تعالى ذكر خلق النسان من الماء والسللة والنطفة ولم يضفها إلى أحد البوين دون الخر‪ .‬فدل‬
‫على أن الماء والسهللة لهمها والنطفهة منهمها بدللة مها ذكرنها‪ .‬وبأن المرأة تمنهي كمها يمنهي الرجهل‪،‬‬
‫وعهن ذلك يكون الشبهه‪ ،‬حسهب مها تقدم بيانهه فهي آخهر "الشورى"‪ .‬وقهد قال فهي قصهة نوج‪" :‬فالتقهى‬
‫الماء على أمر قد قدر" [القمر‪ ]12 :‬وإنما أراد ماء السماء وماء الرض‪ ،‬لن اللتقاء ل يكون‬
‫إل مهن أثنيهن‪ ،‬فل ينكهر أن يكون "ثهم جعهل نسهله مهن سهللة مهن ماء مهيهن" [السهجدة‪ .]8:‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬ألم نخلقكم من ماء مهين" [المرسلت‪ ]21 :‬ويريد ماءين‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلناكهم شعوبها وقبائل لتعارفوا" الشعوب رؤوس القبائل‪ ،‬مثهل ربيعهة ومضهر‬
‫والوس والخزرج‪ ،‬وأحدهها شَعْب بفتهح الشيهن‪ ،‬سهموا بهه لتشعبههم واجتماعههم كشعهب أغصهان‬
‫الشجرة‪ .‬والشعب من الضداد‪ ،‬يقال شعبته إذا جمعته‪ ،‬ومنه المشعب (بكسر الميم) وهو الشفي‪،‬‬
‫لنه يجمع به ويشعب‪ .‬قال‪:‬‬
‫بمدرية كأنه ذلق مشعب‬ ‫فكاب على حر الجبين ومتق‬
‫وشعبته إذا فرقته‪ ،‬ومنه سميت المنية شعوبا لنها مفرقة‪ .‬فأما الشعب (بالكسر) فهو الطريق في‬
‫الجبههل‪ ،‬والجمههع الشعاب‪ .‬قال الجوهري‪ :‬الشعههب‪ :‬مهها تشعههب مههن قبائل العرب والعجههم‪ ،‬والجمههع‬
‫الشعوب‪ .‬والشعوبيهة‪ :‬فرقههة ل تفضههل العرب على العجههم‪ .‬وأمهها الذي فههي الحديههث‪ :‬أن رجل مهن‬
‫الشعوب أسلم‪ ،‬فإنه يعني من العجم‪ .‬والشعب‪ :‬القبيلة العظيمة‪ ،‬وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه‪،‬‬
‫أي يجمعهههم ويضمهههم‪ .‬قال ابههن عباس‪ :‬الشعوب الجمهور‪ ،‬مثههل مضههر‪ .‬والقبائل الفخاذ‪ .‬وقال‬
‫مجاههد‪ :‬الشعوب البعيهد مهن النسهب‪ ،‬والقبائل دون ذلك‪ .‬وعنهه أيضها أن الشعوب النسهب القرب‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ .‬ذكر الول عنه المهدوي‪ ،‬والثاني الماوردي‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك‬ ‫رأيت سعودا من شعوب كثيرة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫كريم قد يعد ول نجيب‬ ‫قبائل من شعوب ليس فيهم‬
‫وقيهل‪ :‬إن الشعوب عرب اليمهن مهن قحطان‪ ،‬والقبائل مهن ربيعهة ومضهر وسهائر عدنان‪ .‬وقيهل‪ :‬إن‬
‫الشعوب بطون العجههم‪ ،‬والقبائل بطون العرب‪ .‬وقال ابههن عباس فههي روايههة‪ :‬إن الشعوب الموالي‪،‬‬
‫والقبائل العرب‪ .‬قال القشيري‪ :‬وعلى هذا فالشعوب مهن ل يعرف لههم أصهل نسهب كالهنهد والجبهل‬
‫والترك‪ ،‬والقبائل مههههن العرب‪ .‬الماوردي‪ :‬ويحتمههههل أن الشعوب هههههم المضافون إلى النواحههههي‬
‫والشعاب‪ ،‬والقبائل هم المشركون في النساب‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فيها أمير المؤمنين ومنبر‬ ‫وتفرقوا شعبا فكل جزيرة‬
‫وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه‪ :‬الشعب أكبر من القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم‬
‫الفخهذ‪ .‬وقيهل‪ :‬الشعهب ثهم القهبيلة ثهم العمارة ثهم البطهن ثهم الفخهذ ثهم الفصهيلة ثهم العشيرة‪ ،‬وقهد نظمهها‬
‫بعض الدباء فقال‪:‬‬
‫عددا في الحواء ثم القبيله‬ ‫اقصد الشعب فهو أكثر حي‬
‫هبطن والفخذ بعدها والفصيله‬ ‫ثم تتلوها العمارة ثم اله‬
‫هي في جنب ما ذكرناه قليله‬ ‫ثم من بعدها العشيرة لكن‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫عمارة ثم بطن تلوه فجذ‬ ‫قبيلة قبلها شعب وبعدهما‬
‫ول سداد لسهم ماله قذذ‬ ‫وليس يؤوي الفتى إل فصيلته‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم" وقد تقدم في سورة "الزخرف" عند قوله تعالى‪" :‬وإنه‬
‫لذكر لك ولقومك" [الزخرف‪ .]44 :‬وفي هذه الية ما يدلك على أن التقوى هي المراعى عند ال‬
‫تعالى وعنهد رسهوله دون الحسهب والنسهب‪ .‬وقريهء "أن" بالفتهح‪ .‬كأنهه قيهل‪ :‬لم يتفاخهر بالنسهاب؟‬
‫قيل‪ :‬لن أكرمكم عند ال أتقاكم ل أنسبكم‪ .‬وفي الترمذي عن سمرة عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬الحسهب المال والكرم التقوى)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديهث حسهن غريهب صهحيح‪ .‬وذلك يرجهع إلى قوله‬
‫تعالى‪" :‬إن أكرمكهم عنهد ال أتقاكهم"‪ ،‬وقهد جاء منصهوصا عنهه عليهه السهلم‪( :‬مهن أحهب أن يكون‬
‫أكرم الناس فليتههق ال)‪ .‬والتقوى معناه مراعاة حدود ال تعالى أمرا ونهيها‪ ،‬والتصههاف بمها أمرك‬
‫أن تتصف به‪ ،‬والتنزه عما نهاك عنه‪ .‬وقد مضى هذا في غير موضع‪ .‬وفي الخبر من رواية أبي‬
‫هريرة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن ال تعالى يقول يوم القيامهة إنهي جعلت نسهبا وجعلتهم‬
‫نسههبا فجعلت أكرمكههم أتقاكههم وأبيتههم إل أن تقولوا فلن ابههن فلن وأنهها اليوم أرفههع نسههبي وأضههع‬
‫أنسابكم أين المتقون أين المتقون)‪ .‬وروى الطبري من حديث أبي هريرة أن رسول ال صلى ال‬
‫عليههه وسههلم قال‪( :‬إن أوليائي المتقون يوم القيامههة وإن كان نسههب أقرب مههن نسههب‪ .‬يأتههي الناس‬
‫بالعمال وتأتون بالدنيها تحملونهها على رقابكهم تقولون يها محمهد فأقول هكذا وهكذا)‪ .‬وأعرض فهي‬
‫كل عطفيه‪ .‬وفي صحيح مسلم من حديث عبدال بن عمرو قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم جهارا غيهر سهر يقول‪( :‬إن آل أبهي ليسهوا لي بأولياء إنمها وليهي ال وصهالح المؤمنيهن)‪ .‬وعن‬
‫أبهي هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم سهئل‪ :‬مهن أكرم الناس؟ فقال‪( :‬يوسهف بهن يعقوب بهن‬
‫إسهحاق بهن إبراهيهم) قالوا‪ :‬ليهس عهن هذا نسهألك‪ ،‬قال‪( :‬فأكرمههم عنهد ال أتقاههم) فقالوا‪ :‬ليهس عهن‬
‫هذا نسههألك‪ ،‬فقال‪( :‬عههن معادن العرب؟ خيارهههم فههي الجاهليههة خيارهههم فههي السههلم إذا فقهوا)‬
‫وأنشدوا في ذلك‪:‬‬
‫والعز كل العز للمتقي‬ ‫ما يصنع العبد بعز الغني‬
‫معرفة ال فذاك الشقي‬ ‫من عرف ال فلم تغنه‬
‫@ ذكر الطبري حدثني عمر بن محمد قال حدثنا عبيد بن إسحاق العطار قال حدثنا مندل بن علي‬
‫عهن ثور بهن يزيهد عهن سهالم بهن أبهي الجعهد قال‪ :‬تزوج رجهل مهن النصهار امرأة فطُعِن عليهها فهي‬
‫حسهبها‪ ،‬فقال الرجهل‪ :‬إنهي لم أتزوجهها لحسهبها إنمها تزوجتهها لدينهها وخلقهها‪ ،‬فقال النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪( :‬مها يضرك أل تكون مهن آل حاجهب بهن زرارة)‪ .‬ثهم قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪:‬‬
‫(إن ال تبارك وتعالى جاء بالسهلم فرفهع بهه الخسهيسة وأتهم بهه الناقصهة وأذههب بهه اللوم فل لوم‬
‫على مسههلم إنمهها اللوم لوم الجاهليههة)‪ .‬وقال النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪( :‬إنههي لرجههو أن أكون‬
‫أخشاكهم ل وأعلمكهم بمها أتقهي) ولذلك كان أكرم البشهر على ال تعالى‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬وهذا الذي‬
‫لحههظ مالك فههي الكفاءة فههي النكاح‪ .‬روى عبدال عههن مالك‪ :‬يتزوج المولى العربيههة‪ ،‬واحتههج بهذه‬
‫اليهة‪ .‬وقال أبهو حنيفهة والشافعهي‪ :‬يراعهى الحسهب والمال‪ .‬وفهي الصهحيح عهن عائشهة أن أبها حذيفهة‬
‫بن عتبة بن ربيعة ‪ -‬وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬تبني سالما وأنكحه هندا‬
‫بنت أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة‪ ،‬وهو مولى لمرأة من النصار‪ .‬وضباعة بنت الزبير كانت‬
‫تحت المقداد بن السود‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأخهت عبدالرحمهن بهن عوف كانهت تحهت بلل‪ .‬وزينهب بنهت جحهش كانهت تحهت زيهد بهن‬
‫حارثة‪ .‬فدل على جواز نكاح الموالي العربية‪ ،‬وإنما تراعى الكفاءة في الدين‪ .‬والدليل عليه أيضا‬
‫ما روى سهل بن سعد في صحيح البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم مر عليه رجل فقال‪( :‬ما‬
‫تقولون فهي هذا)؟ فقالوا‪ :‬حَري إن خطهب أن يُنكَح‪ ،‬وإن شفهع أن ُيشْفّعه وإن قال أن يُسْهمَع‪ .‬قال‪ :‬ثهم‬
‫سهكت‪ ،‬فمهر رجهل مهن فقراء المسهلمين فقال‪( :‬مها تقولون فهي هذا) قالوا‪ :‬حري إن خطهب أل ُي ْنكَح‪،‬‬
‫وإن شفهع أل ُيشَفّع‪ ،‬وإن قال أل يُسهمَع‪ .‬فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬هذا خيهر مهن ملء‬
‫الرض مثل هذا)‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها ‪ -‬وفي رواية ‪-‬‬
‫ولحسبها فعليك بذات الدين تربت يداك)‪ .‬وقد خطب سلمان إلى أبي بكر ابنته فأجابه‪ ،‬وخطب إلى‬
‫عمهر ابنتهه فالتوى عليهه‪ ،‬ثهم سهأله أن ينكحههها فلم يفعهل سهلمان‪ .‬وخطهب بلل بنهت البكيههر فأبهى‬
‫إخوتها‪ ،‬قال بلل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ماذا لقيت من بني البكير خطبت إليهم أختهم فمنعوني وآذوني‪،‬‬
‫فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم من أجل بلل‪ ،‬فبلغهم الخبر فأتوا أختهم فقالوا‪ :‬ماذا لقينا‬
‫من سببك؟ فقالت أختهم‪ :‬أمري بيد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فزوجوها‪ .‬وقال النبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم فهي أبهي هنهد حيهن حجمهه‪( :‬أنكحوا أبها هنهد وأنكحوا إليهه)‪ .‬وههو مولى بنهي بياضهة‪.‬‬
‫وروى الدارقطنهي مهن حديهث الزهري عهن عروة عهن عائشهة أن أبها هنهد مولى بنهي بياضهة كان‬
‫حجاما فحجم النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من سره أن ينظر إلى‬
‫مههن صههور ال اليمان فههي قلبههه فلينظههر إلى أبههي هنههد)‪ .‬وقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪:‬‬
‫(أنكحوه وأنكحوا إليهه)‪ .‬قال القشيري أبهو نصهر‪ :‬وقهد يعتهبر النسهب فهي الكفاءة فهي النكاح وههو‬
‫التصهال بشجرة النبوة أو بالعلماء الذيهن ههم ورثهة النهبياء‪ ،‬أو بالمرموقيهن فهي الزههد والصهلح‪.‬‬
‫والتقهي المؤمهن أفضهل مهن الفاجهر النسهيب‪ ،‬فإن كانها تقييهن فحينئذ يقدم النسهيب منهمها‪ ،‬كمها تقدم‬
‫الشاب على الشيخ في الصلة إذا استويا في التقوى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 14 :‬قالت العراب آمنها قهل لم تؤمنوا ولكهن قولوا أسهلمنا ولمها يدخهل اليمان فهي‬
‫قلوبكم وإن تطيعوا ال ورسوله ل يلتكم من أعمالكم شيئا إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالت العراب آمنها قهل لم تؤمنوا ولكهن قولوا أسهلمنا ولمها يدخهل اليمان فهي‬
‫قلوبكهم" نزلت فهي أعرب مهن بنهي أسهد بهن خزيمهة قدموا على رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم فهي‬
‫سههنة جدبههة وأظهروا الشهادتيههن ولم يكونوا مؤمنيههن فههي السههر‪ .‬وأفسههدوا طرق المدينههة بالعذرات‬
‫وأغلوا أسههعاوها‪ ،‬وكانوا يقولون لرسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪ :‬أتينال بالثقال والعيال ولم‬
‫نقاتلك كمهها قاتلك بنههو فلن فأعطنهها مههن الصههدقة‪ ،‬وجعلوا يمنون عليههه فأنزل ال تعالى فيهههم هذه‬
‫اليهة‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬نزلت فهي أعراب أرادوا أن يتسهموا باسهم الهجرة قبهل أن يهاجروا‪ ،‬فأعلم‬
‫ال أن لهم أسماء العراب ل أسماء المهاجرين‪ .‬وقال السدي‪ :‬نزلت في العراب المذكورين في‬
‫سهورة الفتهح‪ :‬أعراب مزينهة وجهينهة وأسهلم وغفار والديهل وأشجهع‪ ،‬قالوا آمنها ليأمنوا على أنفسههم‬
‫وأموالهم‪ ،‬فلما استنفروا إلى المدينة تخلفوا‪ ،‬فنزلت‪ .‬وبالجملة فالية خاصة لبعض العراب‪ ،‬لن‬
‫منهم من يؤمن بال واليوم الخر كما وصف ال تعالى‪ .‬ومعنى "ولكن قولوا أسلمنا" أي استسلمنا‬
‫خوف القتهل والسهبي‪ ،‬وهذه صهفة المنافقيهن‪ ،‬لنههم أسهلموا فهي ظاههر إيمانههم ولم تؤمهن قلوبههم‪،‬‬
‫وحقيقهة اليمان التصهديق بالقلب‪ .‬وأمها السهلم فقبول مها أتهى بهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي‬
‫الظاههر‪ ،‬وذلك يحقهن الدم‪" .‬وإن تطيعوا ال ورسهوله" يعنهي إن تخلصهوا اليمان "ل يلتكهم" أي ل‬
‫ينقصهكم‪" .‬مهن أعمالكهم شيئا" لتهه يليتهه ويلوتهه‪ :‬نقصهه‪ .‬وقرأ أبهو عمرو "ل يألتكهم" بالهمزة‪ ،‬مهن‬
‫ألت يألت ألتها‪ ،‬وههو اختيار أبهي حاتهم‪ ،‬اعتبارا بقوله تعالى‪" :‬ومها ألتناههم مهن عملههم مهن شيهء"‬
‫[الطور‪ ]21 :‬قال الشاعر‪:‬‬
‫جهد الرسالة ل ألتا ول كذبا‬ ‫أبلغ بني ثعل عني مغلغلة‬
‫واختاو الولى أبو عبيد‪ .‬قال رؤبة‪:‬‬
‫ولم يلتني عن سراها ليت‬ ‫وليلة ذات ندى سريت‬
‫أي لم يمنعنهي عن سهراها مانع‪ ،‬وكذلك ألتهه عن وجهه‪ ،‬فعل وأفعل بمعنى‪ .‬ويقال أيضا‪ :‬ما ألته‬
‫من عمله شيئا‪ ،‬أي ما نقصه‪ ،‬مثل ألته‪ ،‬قال الفراء‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫كأن بحافات النهاء المزارعا‬ ‫ويأكلن ما أعني الولي فلم يلت‬
‫قوله‪ :‬فلم "يلت" أي لم ينقهص منهه شيئا‪ .‬و"أعنهي" بمعنهى أنبهت‪ ،‬يقال‪ :‬مها أعنهت الرض شيئا‪ ،‬أي‬
‫مها أنبتهت‪ .‬و"الولي" المطهر بعهد الوسهمي‪ ،‬سهمي وليها لنهه يلي الوسهمي‪ .‬ولم يقهل‪ :‬ل يألتاكهم‪ ،‬لن‬
‫طاعة ال تعالى طاعة الرسول‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 - 15 :‬إنما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم‬
‫وأنفسهم في سبيل ال أولئك هم الصادقون‪ ،‬قل أتعلمون ال بدينكم وال يعلم ما في السماوات وما‬
‫في الرض وال بكل شيء عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمها المؤمنون الذيهن آمنوا بال ورسهوله ثهم لم يرتابوا" أي صهدقوا ولم يشكوا‬
‫وحققوا ذلك بالجهاد والعمال الصهالحة‪" .‬أولئك ههم الصهادقون" فهي إيمانههم‪ ،‬ل مهن أسهلم خوف‬
‫القتهل ورجاء الكسب‪ .‬فلما نزلت حلف العراب أنهم مؤمنون فهي السهر والعلنيهة وكذبوا‪ ،‬فنزلت‪.‬‬
‫"قهل أتعلمون ال بدينكم" الذي أنتم عليهه‪" .‬وال يعلم مها فهي السهماوات وما فهي الرض وال بكل‬
‫شيء عليم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 - 17 :‬يمنون عليك أن أسلموا قل ل تمنوا علي إسلمكم بل ال يمن عليكم أن‬
‫هداكم لليمان إن كنتم صادقين‪ ،‬إن ال يعلم غيب السماوات والرض وال بصير بما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يمنون عليههك أن أسههلموا" إشارة إلى قولهههم‪ :‬جئناك بالثقال والعيال‪ .‬و"أن" فههي‬
‫موضهع نصهب على تقديهر لن أسهلموا‪" .‬قهل ل تمنوا علي إسهلمكم" أي بإسهلمكم‪" .‬بهل ال يمهن‬
‫عليكهم أن هداكهم لليمان" "أن" موضهع نصهب‪ ،‬تقديره بأن‪ .‬وقيهل‪ :‬لن‪ .‬وفهي مصهحف عبدال "إذ‬
‫هداكهم"‪" .‬إن كنتهم صهادقين" صهادقين أنكهم مؤمنون‪ .‬وقرأ عاصهم "إن هداكهم" بالكسهر؛ وفيهه بعهد؛‬
‫لقوله‪" :‬إن كنتههم صههادقين"‪ .‬ول يقال يمههن عليكههم أن يهديكههم إن صههدقتم‪ .‬والقراءة الظاهرة "أن‬
‫هداكم"‪ .‬وهذا ل يدل على أنهم كانوا مؤمنين‪ ،‬لن تقدير الكلم‪ :‬إن آمنتم فذلك منة ال عليكم‪" .‬إن‬
‫ال يعلم غيهب السهماوات والرض وال بصهير بمها تعملون"‪ .‬قرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وأبهو‬
‫عمرو بالياء على الخبر‪ ،‬ردا على قوله‪" :‬قالت العراب"‪ .‬الباقون بالتاء على الخطاب‪.‬‬

You might also like