Professional Documents
Culture Documents
16 تفسير القرطبى
16 تفسير القرطبى
16 تفسير القرطبى
**2سورة الشورى
* *3المقدمة
@مكيهة فهي قول الحسهن وعكرمهة وعطاء وجابر .وقال ابهن عباس وقتادة :إل أربهع آيات منهها
أنزلت بالمدينة" :قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى" إلى آخرها .وهي ثلث وخمسون
آية.
**3اليهة{ 1 :حهم ،عسهق ،كذلك يوحهي إليهك وإلى الذيهن من قبلك ال العزيهز الحكيهم ،له مها فهي
السماوات وما في الرض وهو العلي العظيم}
@قوله تعالى" :حههم .عسهق" قال عبدالمؤمهن :سهألت الحسهين بهن الفضهل :لم قطهع "حهم" مهن
"عسق" ولم تقطع "كهيعص" و"المر" و"المص"؟ فقال :لن "حم .عسق" بين سور أولها "حم"
فجرت مجرى نظائرههها قبلههها وبعدههها؛ فكأن "حههم" مبتدأ و"عسههق" خههبره .ولنههها عدت آيتيههن،
وعدت أخواتهها اللواتي كتبت جملة آية واحدة .وقيل :إن الحروف المعجمة كلهها فهي معنهى واحهد،
مهههن حيهههث إنهههها أس البيان وقاعدة الكلم؛ ذكره الجرجانهههي .وكتبهههت "حهههم .عسهههق" منفصهههل
و"كهيعص" متصل لنه قيل :حم؛ أي حم ما هو كائن ،ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل وبين ما ل
يقدر .ثههم لو فصههل هذا ووصههل ذا لحجاز؛ حكاه القشيري .وفههي قراءة سههبن مسههعود وابههن عباس
"حم .سق" قال سبن عباس :وكان علي رضي ال عنه يعرف الفتن بها .وقال أرطاة بن المنذر،
قال رجهل لبهن عباس وعنده حذيفهة بهن اليمان :أخهبرني عهن تفسهير قوله تعالى" :حهم .عسهق" ؟
فأعرض عنه حتى عاد عليه ثلثا فأعرض عنه .فقال حذيفة بن اليمان :أنا أنبئك بها ،قد عرفت لم
تركههها؛ نزلت فههي رجههل مههن أهههل بيتههه يقال له عبدالله أو عبدال؛ ينزل على نهههر مههن أنهار
المشرق ،يبنهي عليهه مدينتيهن يشهق النههر بينهمها شقها ،فإذا أراد ال زوال ملكههم وانقطاع دولتههم،
بعهث على إحداهمها نارا ليل فتصهبح سهوداء مظلمهة ،فتحرق كلهها كأنهها لم تكهن مكانهها؛ فتصهبح
صاحبتها متعجبة ،كيف قلبت! فما هو إل بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد ،ثم يخسف
ال بهها وبههم جميعها؛ فذلك قوله" :حهم .عسهق" أي عزمهة مهن عزمات ال ،وفتنهة وقضاء حهم :حهم.
"ع" :عدل منه" ،س" :سيكون" ،ق" :واقع في هاتين المدينتين.
ونظيهر هذا التفسهير مها روى جريهر بهن عبدال البجلي قال :سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه
ط َربُلْ والصهراة ،يجتمهع فيهها جبابرة الرض تجهبى وسهلم يقول( :تبنهى مدينهة بيهن دجلة ودجيهل و ُق ْ
إليها الخزائن يخسف بها -وفي رواية بأهلها -فلهي أسرع ذهابا في الرض من الوتد الجيد في
الرض الرخوة) .وقرأ ابهن عباس" :حهم .سهق" بغيهر عيهن .وكذلك ههو فهي مصهحف عبدال بهن
مسهعود؛ حكاه الطهبري .وروى نافهع عهن ابهن عباس" :الحاء" حلمهه ،و"الميهم" مجده ،و"العيهن"
علمهه ،و"السهين" سهناه ،و"القاف" قدرتهه؛ أقسهم ال بهها .وعهن محمهد بهن كعهب :أقسهم ال بحلمهه
ومجده وعلوه وسهناه وقدرتهه أل يعذب مهن عاذ بل إله إل ال مخلصها مهن قلبهه .وقال جعفهر بهن
محمد وسعيد بن جبير" :الحاء" من الرحمن ،والميم "من المجيد" ،و"العين"من ،و"السين" من
القدوس ،و"القاف" من القاهر .وقال مجاهد :فواتح السور .وقال عبدال بن بريدة :إنه اسم الجبل
المحيط بالدنيا .وذكر القشيري ،واللفظ للثعلبي :أن النبي صلى ال عليه وسلم لما نزلت هذه الية
عرفهت الكآبهة فهي وجهه؛ فقيهل له :يها رسهول ال ،مها أحزنهك؟ قال( :أخهبرت ببليها تنزل بأمتهي مهن
خسههف وقذف ونار تحشرهههم وريههح تقذفهههم فههي البحههر وآيات متتابعات متصههلت بنزول عيسههى
وخروج الدجال) .وال أعلم .وقيهل :هذا فهي شأن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهه "الحاء" حوضهه
المورود ،و"الميهم" ملكهه الممدود ،و"العيهن" عزه الموجود ،و"السهين" سهناه المشهود ،و"القاف"
قيامهه فهي المقام المحمود ،وقربهه فهي الكرامهة مهن الملك المعبود .وقال ابهن عباس :ليهس مهن نهبي
صهاحب كتاب إل وقهد أوحهي إليهه" :حهم .عسهق"؛ فلذلك قال" :يوحهي إليهك وإلى الذيهن مهن قبلك"
المهدوي :وقهد جاء فهي الخهبر أن ("حهم .عسهق" معناه أوحيهت إلى النهبياء المتقدميهن) .وقرأ ابهن
محيصهن وابهن كثيهر ومجاههد "يوحهى" (بفتهح الحاء) على مها لم يسهم فاعله؛ وروي عهن ابهن عمهر.
فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل ،ويجوز أن يكون اسم ما لم يسم فاعله
مضمرا؛ أي يوحهى إليهك القرآن الذي تضمنهه هذه السورة ،ويكون اسهم ال مرفوعها بإضمار فعهل،
التقديهر :يوحيهه ال إليهك؛ كقراءة ابهن عامهر وأبهي بكهر "يسهبح له فيهها بالغدو والصهال رجال"
[النور ]36 :أي يسبحه رجال .وأنشد سيبوبه:
وأشعث ممن طوحته الطوائح ليبك يزيد ضارع بخصومة
فقال :لبيك يزيد ،ثم بين من ينبغي أن يبكيه ،فالمعنى يبكيه ضارع .ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر
محذوف؛ كأنهه قال :ال يوحيهه .أوعلى تقديهر إضمار مبتدأ أي الموحهي ال .أويكون مبتدأ والخهبر
"العزيهز الحكيهم" .وقرأ الباقون "يوحي إليك" بكسهر الحاء ،ورفهع السهم على أنه الفاعل" .له مها
في السماوات وما في الرض وهو العلي العظيم" تقدم في غير موضع.
**3اليهة{ 5 :تكاد السهماوات يتفطرن مهن فوقههن والملئكهة يسهبحون بحمهد ربههم ويسهتغفرون
لمن في الرض أل إن ال هو الغفور الرحيم}
@قوله تعالى" :تكاد السهماوات" قراءة العامهة بالتاء .وقرأ نافهع وابهن وثاب والكسهائي بالياء.
"يتفطرن" قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء ،وهي قراءة العامة .وقرأ أبو عمرو
وأبههو بكههر والمفضههل وأبههو عبيههد "ينفطرن" مههن النفطار؛ كقوله تعالى" :إذا السههماء انفطرت"
[النفطار ]1 :وقههد مضههى فههي سههورة "مريههم" بيان هذا .وقال ابههن عباس" :تكاد السههماوات
يتفطرن" أي تكاد كهل واحدة منهها تنفطهر فوق التهي تليهها؛ مهن قول المشركيهن" :اتخهذ ال ولدا"
[البقرة .]116 :وقال الضحاك والسهدي" :يتفطرن" أي يتشقهق مهن عظمهة ال وجلله فوقههن.
وقيل" :فوقهن" :فوق الرضين من خشية ال لوكن مما يعقل.
@قوله تعالى" :والملئكهة يسهبحون بحمهد ربههم" أي ينزهونهه عمها ل يجوز فهي وصهفه ،ومها ل
يليهق بجلل .وقيهل يتعجبون مهن جرأة المشركيهن؛ فيذكهر التسهبيح فهي موضهع التعجهب .وعهن علي
رضي ال عنه :أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط ال .وقال ابن عباس :تسبيحهم
خضوع لما يرون من عظمة ال .ومعنى "بحمد ربه" :بأمر ربهم؛ قال السدي" .ويستغفرون لمن
فهي الرض" قال الضحاك :لمهن فهي الرض مهن المؤمنيهن؛ وقال السهدي .بيانهه فهي سهورة غافهر:
"ويستغفرون للذين آمنوا" [غافر .]7 :وعلى هذا تكون الملئكة هنا حملة العرش .وقيل :جميع
ملئكة السماء؛ وهو الظاهر من قول الكلبي .وقال وهب بن منبه :هو منسوخ بقوله" :ويستغفرون
للذيهن آمنوا" .قال المهدوي :والصهحيح أنهه ليهس بمنسهوخ؛ لنهه خهبر ،وههو خاص للمؤمنيهن .وقال
أبهو الحسهن الماوردي عهن الكلبهي :إن الملئكهة لمها رأت الملكيهن اللذيهن اختهبرا وبعثها إلى الرض
ليحكمها بينههم ،فافتتنها بالزهرة وهربها إلى إدريهس -وههو جهد أبهي نوح عليهمها السهلم -وسهأله أن
يدعو لهما ،سبحت الملئكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم .قال أبو الحسن بن الحصار :وقد ظن
بعههض مههن جهههل أن هذه اليههة نزلت بسههبب هاروت وماروت ،وأنههها منسههوخة باليههة التههي فههي
المومهن ،ومها علموا أن حملة العرش مخصهوصون بالسهتغفار للمؤمنيهن خاصهة ،ول ملئكهة أخهر
يسههتغفرون لمههن فههي الرض .الماوردي :وفههي اسههتغفارهم لهههم قولن :أحدهمهها :مههن الذنوب
والخطايا؛ وهو ظاهر قول مقاتل .الثاني :أنه طلب الرزق لهم والسعه عليهم؛ قاله الكلبي.
قلت :وههو أظههر ،لن الرض تعهم الكافهر وغيره ،وعلى قول مقاتهل ل يدخهل فيهه الكافهر .وقهد
روي فهي هذا الباب خهبر رواه عاصهم الحول عهن أبهي عثمان عهن سهلمان قال :إن العبهد إذا كان
يذكهر ال فهي السهراء فنزلت بهه الضراء قالت الملئكهة :صهوت معروف مهن آدمهي ضعيهف ،كان
يذكهر ال تعالى فهي السهراء فنزلت بهه الضراء؛ فيسهتغفرون له .فإذا كان ل يذكهر ال فهي السهراء
فنزلت بهه الضراء قالت الملئكهة :صهوت منكهر مهن آدمهي كان ل يذكهر ال فهي السهراء فنزلت بهه
الضراء فل يسهتغفرون ال له .وهذا يدل على أن اليهة فهي الذاكهر ل تعالى فهي السهراء والضراء،
فهي خاصة ببعض من في الرض من المؤمنين .وال أعلم .يحتمل أن يقصدوا بالستغفار طلب
الحلم والغفران فهي قوله تعالى" :إن ال يمسهك السهموات والرض أن تزول" [فاطهر - ]41 :إلى
أن قال إن كان حليمهها غفورا" ،وقوله تعالى" :وإن ربههك لذو مغفرة للناس على ظلمهههم" [الرعههد:
.]6والمراد الحلم عنههم وأل يعالجههم بالنتقام؛ فيكون عامها؛ قال الزمخشري .وقال مطرف:
وجدنها أنصهح عباد ال لعباد ال الملئكهة ،ووجدنها أغشهى عباد ال لعباد ال الشياطيهن .وقهد تقدم.
"أل إن ال ههو الغفور الرحيهم" قال بعهض العلماء :هيهب وعظهم جهل وعهز فهي البتداء ،وألطهف
وبشر في النتهاء.
**3الية{ 6 :والذين اتخذوا من دونه أولياء ال حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل}
@قوله تعالى" :والذيهن اتخذوا مهن دونهه أولياء" يعنهي أصهناما يعبدونهها" .ال حفيهظ عليههم" أي
يحفهظ أعمالههم ليجازيههم بهها" .ومها أنهت عليههم بوكيهل" وهذه منسهوخة بآيهة السهيف .وفهي الخهبر:
(أطت السماء وحق لها أن تئط) أي صوتت من ثقل سكانها لكثرتهم ،فهم مع كثرتهم ل يفترون
عن عبادة ال؛ وهؤلء الكفار يشركون به.
**3اليهة{ 7 :وكذلك أوحينها إليهك قرآنها عربيها لتنذر أم القرى ومهن حولهها وتنذر يوم الجمهع ل
ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير}
@قوله تعالى" :وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا" أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني
فكذلك أوحينا إليك قرآنها عربيا بيناه بلغة العرب .قيل :أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسهان قومك؛
كمها أرسهلنا كهل رسهول بلسهان قومهه .والمعنهى واحهد" .لتنذر أم القرى" يعنهي مكهة .قيهل لمكهة أم
القرى لن الرض دحيت من تحها" .ومن حولها" من سائر الخلق" .وتنذر يوم الجمع" أي بيوم
الجمهع ،وههو يوم القيامهة" .ل ريهب فيهه" ل شهك فيهه" .فريهق فهي الجنهة وفريهق فهي السهعير" ابتداء
وخبر .وأجاز الكسائي النصب على تقدير :لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير.
**3الية{ 8 :ولو شاء ال لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم
من ولي ول نصير}
@قوله تعالى" :ولو شاء ال لجعلهم أمة واحدة" قال الضحاك :أهل دين واحد؛ أو أهل ضللة أو
أهل هدى" .ولكن يدخل من يشاء في رحمته" قال أنس بن مالك :في السلم" .والظالمون ما لهم
من ولي ول نصير" "والظالمون" رفع على البتداء ،والخبر "ما لهم من ولي ول نصير" عطف
على اللفظ .ويجوز "ول نصير" بالرفع على الموضع و"من" زائدة
**3الية{ 9 :أم اتخذوا من دونه أولياء فال هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء
قدير}
@قوله تعالى" :أم اتخذوا" أي بل اتخذوا" .من دونه أولياء" يعني أصناما" .فال هو الولي" أي
وليك يا محمد وولي من اتبعك ،ل ولي سواه" .وهو يحيي الموتى" يريد عند البعث" .وهو على
كل شيء قدير" وغيره من الولياء ل يقدر على شيء.
**3الية{ 10 :وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى ال ذلكم ال ربي عليه توكلت وإليه أنيب}
@قوله تعالى" :وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى ال" حكاية قول رسول ال صلى ال عليه
وسلم للمؤمنين؛ أي وما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أمر الدين ،فقولوا لهم
حكمه إلى ال ل إليكم ،وقد حكم أن الدين هو السلم ل غيره .وأمور الشرائع إنما تتلقى من بيان
ال" .ذلكهم ال ربهي" أي الموصهوف بهذه الصهفات ههو ربهي وحده؛ وفيهه إضمار :أي قهل لههم يها
محمد ذلكم ال الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربي" .عليه توكلت" اعتمدت" .وإليه
أنيب" أرجع.
**3اليهة{ 11 :فاطهر السهماوات والرض جعهل لكهم مهن أنفسهكم أزواجها ومهن النعام أزواجها
يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
@قوله تعالى" :فاطر السماوات والرض" بالرفع على النعت لسم ال ،أو على تقدير هو فاطر.
ويجوز النصهب على النداء ،والجهر على البدل مهن الهاء فهي "عليهه" .والفاطهر :المبدع والخالق.
وقد تقدم" .جعل لكم من أنفسكم أزواجا" قيل معناه إناثا .وإنما قال" :من أنفسكم" لنه خلق حواء
مهن ضلع آدم .وقال مجاههد :نسهل بعهد نسهل" .ومهن النعام أزواجها" يعنهي الثمانيهة التهي ذكرهها فهي
"النعام" ذكور البل والبقر والضأن والمعز وإناثها" .يذرؤكم فيه" أي يخلقكم وينشئكم "فيه" أي
في الرحم .وقيل :في البطن .وقال الفراء وابن كيسان" :فيه" بمعنى به .وكذلك قال الزجاج :معنى
"يذرؤكهم فيهه يكثركهم بهه؛ أي يكثركهم يجعلكهم أزواجها ،أي حلئل؛ لنههن سهبب النسهل .وقيهل :إن
الهاء فهي "فيهه" للجعهل؛ ودل عليهه "جعهل"؛ فكأنهه قال :يخلقكهم ويكثركهم فهي الجعهل .ابهن قتيبهة:
"يذرؤكم فيه" أي في الزوج؛ أي يخلقكم في بطون الناث .وقال :ويكون "فيه" في الرحم ،وفيه
بعد؛ لن الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر" .ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" قيل :إن الكاف
زائدة للتوكيد؛ أي ليس مثله شيء .قال:
وصاليات ككما يؤثفين
فأدخههل على الكاف كافهها تأكيدا للتشههبيه .وقيههل :المثههل زائدة للتوكيههد؛ وهههو قول ثعلب :ليههس كهههو
شيء؛ نحو قوله تعالى" :فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"[ .البقرة .]137 :وفي حرف ابن
مسعود "فان آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا" قال أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع النخه هيل يغشاهم مطر منهمر
أي كجذوع .والذي يعتقهد فهي هذا الباب أن ال جهل اسهمه فهي عظمتهه وكهبريائه وملكوتهه وحسهنى
أسهمائه وعليّه صهفاته ،ل يشبهه شيئا مهن مخلوقاتهه ول يشبهه بهه ،وإنمها جاء ممها أطلقهه الشرع على
الخالق والمخلوق ،فل تشابه بينهما في المعنى الحقيقي؛ إذ صفات القديم جل وعز بخلف صفات
المخلوق؛ إذ صهفاتهم ل تنفهك عهن الغراض والعراض ،وههو تعالى منزه عهن ذلك؛ بهل لم يزل
بأسهمائه وبصهفاته على مها بيناه فهي (الكتاب السهنى فهي شرح أسهماء ال الحسهنى) ،وكفهى فهي هذا
قوله الحق" :ليس كمثله شيء" .وقد قال بعض العلماء المحققين :التوحيد إثبات ذات غير مشبهة
للذوات ول معطلة من الصفات .وزاد الواسطي رحمه ال بيانا فقال :ليس كذاته ذات ،ول كاسمه
اسهم ،ول كفعله فعهل ،ول كصهفته صهفة إل مهن جههة موافقهة اللفهظ؛ وجلت الذات القديمهة أن يكون
لهها صهفة حديثهة؛ كمها اسهتحال أن يكون للذات المحدثهة صهفة قديمهة .وهذا كله مذههب أههل الحهق
والسنة والجماعة .رضي ال عنهم !
**3اليهة{ 12 :له مقاليهد السهماوات والرض يبسهط الرزق لمهن يشاء ويقدر إنهه بكهل شيهء
عليم}
@قوله تعالى" :له مقاليهد السهماوات والرض" تقدم فهي "الزمهر" بيانهه .النحاس :والذي يملك
المفاتيهح يملك الخزائن؛ يقال للمفاتيهح :إقليهد ،وجمعهه على غيهر قياس؛ كمحاسهن والواحهد حسهن.
"يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم" تقدم.
**3الية{ 13 :شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم
وموسهى وعيسهى أن أقيموا الديهن ول تتفرقوا فيهه كهبر على المشركيهن مها تدعوههم إليهه ال يجتهبي
إليه مهن يشاء ويهدي إليه من ينيب ،ومها تفرقوا إل مهن بعد ما جاءههم العلم بغيها بينههم ولول كلمة
سهبقت مهن ربهك إلى أجهل مسهمى لقضهي بينههم وإن الذيهن أورثوا الكتاب مهن بعدههم لفهي شهك منهه
مريب}
@قوله تعالى" :شرع لكم من الدين" أي الذي له مقاليد السماوات والرض شرع لكم من الدين ما
شرع لقوم نوج وإبراهيم وموسى وعيسى؛ ثم بين ذلك بقوله تعالى" :أن أقيموا الدين" وهو توحيد
ال وطاعته ،واليمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء ،وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما .ولم يرد
الشرائع التهي ههي مصهالح المهم على حسهن أحوالهها ،فإنهها مختلفهة متفاوتهة؛ قال ال تعالى" :لكهل
جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة ]48 :وقد تقدم القول فيه .ومعنى "شرع" أي نهج وأوضح
وبين المسالك .وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن .والشارع :الطريق العظم .وقد شرع المنزل
إذا كان على طريق نافذ .وشرعت البل إذا أمكنتها من الشريعة .وشرعت الديم إذا سلخته .وقال
يعقوب :إذا شققت ما بين الرجلين ،قال :وسمعته من أم الحمارس البكرية .وشرعت في هذا المر
شروعها أي خضهت" .أن أقيموا الديهن" "أن" فهي محهل رفهع ،على تقديهر والذي وصهى بهه نوحها أن
أقيموا الديهن،ويوقهف على هذا الوجهه على "عيسهى" .وقيهل :ههو نصهب ،أي شرع لكهم إقامهة الديهن.
وقيهل :ههو جهر بدل مهن الهاء فهي "بهه"؛ كأنهه قال :بهه أقيموا الديهن .ول يوقهف على "عيسهى" على
هذين الوجهين .ويجوز أن تكون "أن" مفسرة؛ مثل :أن امشوا ،فل يكون لها محل من العراب.
@ قال القاضي أبو بكر بن العربي :ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال
فهي حديث الشفاعة الكهبير المشهور( :ولكهن ائتوا نوحها فإنهه أول رسهول بعثه ال إلى أهل الرض
فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض )...وهذا صحيح ل إشكال فيه،
كمههها أن آدم أول نهههبي بغيهههر إشكال؛ لن آدم لم يكهههن معهههه إل نبوة ،ولم تفرض له الفرائض ول
شرعههت له المحارم ،وإنمهها كان تنبيههها على بعههض المور واقتصههارا على ضرورات المعاش،
وأخذا بوظائف الحياة والبقاء؛ واسهههههتقر المدى إلى نوح فبعثهههههه ال بتحريهههههم المهات والبنات
والخوات ،ووظهف عليهه الواجبات وأوضهح له الداب فهي الديانات ،ولم يزل ذلك يتأكهد بالرسهل
يتناصهر بالنهبياء -صهلوات ال عليههم -واحدا بعهد واحهد وشريعهة إثهر شريعهة ،حتهى ختمهها ال
بخيهر الملل ملتنها على لسهان أكرم الرسهل نبينها محمهد صهلى صهلى ال عليهه وسهلم؛ فكان المعنهى
أوصهيناك يها محمهد ونوحها دينها واحدا؛ يعنهي فهي الصهول التهي ل تختلف فيهها الشريعهة ،وههى
التوحيد والصلة والزكاة والصيام والحج ،والتقرب إلى ال بصالح العمال ،والزلف إليه بما يرد
القلب والجارحة إليه ،والصدق والوفاء بالعهد ،وأداء المانة وصلة الرحم ،وتحريم الكفر والقتل
والزنهى والذيهة للخلق كيفمها تصهرفت ،والعتداء على الحيوان كيفمها دار ،واقتحام الدناءات ومها
يعود بخرم المروآت؛ فهذا كله مشروع دينها واحدا وملة متحدة ،لم تختلف على ألسهنة النهبياء وإن
اختلفت أعدادهم؛ وذلك قوله تعالى" :أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه" أي اجعلوه قائما؛ يريد دائما
مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلف فيه ول أضطراب؛ فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من
نكهث؛ "فمهن نكهث فإنمها ينكهث على نفسهه" [الفتهح .]10 :واختلفهت الشرائع وراء هذا فهي معان
حسبما أراده ال مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الزمنة على المم .وال أعلم.
قال مجاهد :لم يبعث ال نبيا قط إل وصاه بإقامة الصلة وإيتاء الزكاة والقرار ل بالطاعة ،فذلك
دينههه الذي شرع لهههم؛ وقال الوالبهي عهن ابههن عباس ،وههو قول الكلبهي .وقال قتادة :يعنههي تحليهل
الحلل وتحريم الحرام .وقال الحكم :تحريم المهات والخوات والبنات .وما ذكره القاضي يجمع
هذه القوال ويزيد عليها .وخصى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لنهم أرباب الشرائع.
@قوله تعالى" :كبر على المشركين" " كبر على المشركين" أي عظم عليهم" .ما تدعوهم إليه"
"ما تدعوهم إليه" من التوحيد ورفض الوثان .قال قتادة :كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة
أن ل إله إل ال ،وضاق بهها إبليهس وجنوده ،فأبهى ال عهز وجهل إل أن ينصهرها ويعليهها ويظهرهها
عههل مههن ناوأههها" .ال يجتههبي إليههه مههن يشاء" "ال يجتههبي إليههه مههن يشاء" أي يختار .والجتباء
الختبار؛ أي يختار للتوحيههد مههن يشاء" .ويهدي إليههه مههن ينيههب" ويهدي إليههه مههن ينيههب" أي
يستخلص لدينه من رجع إليه" .وما تفرقوا" قال ابن عباس :يعني قريشا" .إل من بعد ما جاءهم
العلم"محمهد صهلى ال عليهه وسهلم؛ وكانوا يتمنون أن يبعهث إليههم نهبي؛ دليله قوله تعالى فهي سهورة
فاطهر" :وأقسهموا بال جههد أيمانههم لئن جاءههم نذيهر" [فاطهر ]42 :يريهد نبيها .وقال فهي سهورة
البقرة" :فلمهها جاءههم مها عرفوا كفروا بهه" [البقرة ]89 :على مها تقدم بيانهه هناك .وقيهل :أمهم
النهبياء المتقدميهن؛ فإنههم فيمها بينههم اختلفوا لمها طال بههم المدى ،فأمهن قوم وكفهر قوم .وقال ابهن
عباس أيضها :يعنهي أههل الكتاب؛ دليله فهي سهورة المنفكيهن" :ومها تفرق الذيهن أوتوا الكتاب إل مهن
بعد ما جاءتهم البينة" [البينة .]4 :فالمشركون قالوا :لم خُص بالنبوة! واليهود حسدوه لما بعث؛
وكذا النصههارى" .بغيهههم بينهههم "أي بغيهها مههن بعضهههم على بعههض طلبهها للرياسههة ،فليههس تفرقهههم
لقصوره في البيان والحجج ،ولكن للبغي والظلم والشتغال بالدنيا" .ولول كلمة سبقت من ربك"
في تأخير العقاب عن هؤلء" .إلى أجل مسمى"قيل :القيامة؛ لقوله تعالى" :بل الساعة موعدهم"
[القمر .]46 :وقيل :إلى الجل الذي قضي فيه بعذابهم" .لقضي بينهم" أي بين من آمن وبين من
كفر بنزول العذاب" .وإن الذين أورثوا الكتاب" يريد اليهود والنصارى" .من بعدهم" أي من بعد
المختلفيهن فهي الحهق" .لقهي شهك منهه مريهب" مهن الذي أوصهى بهه النهبياء .والكتاب هنها التوراة
والنجيهل .وقيهل" :إن الذيهن أورثوا الكتاب" قريهش" .مهن بعدههم" مهن بعهد اليهود النصهارى" .لفهي
شك" من القرآن أو من محمد .وقال مجاهد :معنى "من بعدهم" من قبلهم؛ يعني من قبل مشركي
مكة ،وهم اليهود والنصارى.
**3اليهة{ 15 :فلذلك فادع واسهتقم كمها أمرت ول تتبهع أهواءههم وقهل آمنهت بمها أنزل ال مهن
كتاب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا وبينكم ال يجمع
بيننا وإليه المصير}
@قوله تعالى" :فلذلك فادع واسهتقم كمها أمرت" لمها أجاز أن يكون الشهك لليهود والنصهارى ،أو
لقريهش قيهل له" :فلذلك فادع" أي فتهبينت شكههم فادع إلى ال؛ أي إلى ذلك الديهن الذي شرعهه ال
للنهبياء ووصهاهم بهه .فاللم بمعنهى إلى؛ كقوله تعالى" :بأن ربهك أوحهى لهها" [الزلزلة ]5 :أي
إليههها .و"ذلك" بمعنههى هذا .وقههد تقدم أول "البقرة" .والمعنهى فلهذا القرآن فادع .وقيهل :فههي الكلم
تقديم وتأخير؛ والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع .وقيل :إن اللم على بابها؛
والمعنهى :فمهن أجهل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واسهتقم .قال ابهن عباس :أي إلى القرآن فادع الخلق.
"واستقم" خطاب له عليه السلم .قال قتادة :أي استقم على أمر ال .وقال سفيان :أي استقم على
القرآن .وقال الضحاك :استقم على تبليغ الرسالة" .ول تتبع أهواءهم" أي ل تنظر إلى خلف من
خالفههك" .وقههل آمنههت بمهها أنزل ال مههن كتاب وأمرت لعدل بينكههم" أي أن أعدل؛ كقوله تعالى:
"وأمرت أن أسلم لرب العالمين" [غافر .]66 :وقيل :هي لم كي ،أي لكي أعدل .قال ابن عباس
وأبهو العاليهة :لسهوي بينكهم فهي الديهن فأومهن بكهل كتاب وبكهل رسهول .وقال غيرهمها :لعدل فهي
جميههع الحوال وقيههل :هذا العدل هههو العدل فههي الحكام .وقيههل فههي التبليههغ" .ال ربنهها وربكههم لنهها
أعمالنها ولكهم أعمالكهم ل حجهة بيننها وبينكهم" قال ابهن عباس ومجاههد :الخطاب لليهود؛ أي لنها ديننها
ولكههم دينكههم .قال :نسههخت بقوله" :قاتلوا الذيههن ل يؤمنون بال ول باليوم الخههر" [التوبههة]29 :
الية .قال مجاهد :ومعنى "لحجة بيننا وبينكم" ل خصومة بيننا وبينكم .وقيل :ليس بمنسوخ ،لن
البراهيهن قهد ظهرت ،والحجهج قهد قامهت ،فلم يبهق إل العناد ،وبعهد العناد ل حجهة ول جدال .قال
النحاس :ويجوز أن يكون معنهى "لحجهة بيننها وبينكهم" على ذلك القول :لم يؤمهر أن يحتهج عليكهم
يقاتلكهم؛ ثهم نسهخ هذا .كمها أن قائل لو قال مهن قبهل أن تحول القبلة :ل تصهل إلى الكعبهة ،ثهم .حول
الناس بعهد؛ لجاز أن يقال نسهخ ذلك" .ال يجمهع بيننها" يريهد يوم القيامهة" .وإليهه المصهير" أي فههو
يحكهم بيننها إذا صهرنا إليهه ،ويجازي كل بمها كان عليهه .وقيهل :إن هذه اليهة نزلت فهي الوليهد بهن
المغيرة وشيبة بن ربيعة ،وقد سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يرجع عن دعوته ودينه إلى
دين قريش ،على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته.
**3الية{ 16 :والذين يحاجون في ال من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم
غضب ولهم عذاب شديد}
@قوله تعالى" :والذيهن يحاجون فهي ال"رجهع إلى المشركيهن" .مهن بعهد مها اسهتجيب له" قال
مجاهههد :مههن بعههد مهها أسههلم الناس .قال :وهؤلء قههد توهموا أن الجاهليههة تعود .وقال قتادة :الذيههن
يحاجون فهي ال اليهود والنصهارى ،ومحاجتههم قولههم نبينها قبهل نهبيكم وكتابنها قبهل كتابكهم؛ وكانوا
يرون لنفسهههم الفضيلة بأنهههم أهههل الكتاب وأنهههم أولد النههبياء .وكان المشركون يقولون" :أي
الفريقين خير مقاما وأحسن نديا" [مريم ]73 :فقال ال تعالى" :والذين يحاجون في ال من بعد
ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم" أي ل ثبات لها كالشيء الذي يزل عن موضعه .والهاء
في "له" يجوز أن يكون ل عز وجل؛ أي من بعد ما وحدوا ال وشهدوا له بالوحدانية .ويجوز أن
يكون للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم؛ أي مهن بعهد مها اسهتجيب محمهد صهلى ال عليهه وسهلم فهي دعوتهه
مهههن أههههل بدر ونصهههر ال المؤمنيهههن .يقال :دحضهههت حجتهههه دحوضههها بطلت .وأدحضهههها ال.
والدحاض :الزلق .ومكان َدحْ ضَ و َدحَض أيضا (بالتحريك) أي زلق .ودحضت رجله تدحض
دحضها زلقهت .ودحضهت الشمهس عهن كبهد السهماء زالت" .وعليههم غضهب" يريهد فهي الدنيها" .ولههم
عذاب شديد" يريد في الخرة عذاب دائم.
**3الية{ 17 :ال الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب}
@قوله تعالى" :ال الذي أنزل الكتاب" وما يريدك لعل الساعة قريب يعني القرآن وسائر الكتب
المنزلة" .بالحهق" أي بالصههدق" .والميزان" أي العدل؛ قال ابهن عباس وأكثهر المفسهرين .والعدل
يسمى ميزانا؛ لن الميزان آله النصاف والعدل .وقيل :الميزان ما بين في الكتب مما يجب على
النسهان أن يعمهل بهه .وقال قتاده :الميزان العدل فيمها أمهر بهه ونههي عنهه .وهذه القوال متقاربهة
المعنهى .وقيل :هو الجزاء على الطاعهة بالثواب وعلى المعصهية بالعقاب .وقيهل :إنه الميزان نفسه
الذي يوزن بهه ،أنزله مهن السهماء وعلم العباد الوزن بهه؛ لئل يكون بينههم تظالم وتباخهس؛ قال ال
تعالى" :لقهد أرسهلنا رسهلنا بالبينات وأنزلنها معههم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسهط" [الحديهد:
.]25قال مجاهد :هو الذي يوزن به .ومعنى أنزل الميزان .هو إلهامه للخلق أن يعملوه ويعملوا
بهه .وقيهل :الميزان محمهد صهلى ال عليهه وسهلم يقضهي بينكهم بكتاب ال" .ومها يدريهك لعهل السهاعة
قريههب" فلم يخههبره بههها .يحضههه على العمههل بالكتاب والعدل والسههوية ،والعمههل بالشرائع قبههل أن
يفاجهئ اليوم الذي يكون فيهه المحاسهبة ووزن العمال ،فيوفهى لمهن أوفهى ويطفهف لمهن طفهف .فهه
"لعهل السهاعة قريهب"أي منهك وأنهت ل تدري .وقال" :قريهب" ولم يقهل قريبهة؛ لن تأنيثهها غيهر
حقيقههي لنههها كالوقههت؛ قاله الزجاج .والمعنههى :لعههل البعههث أو لعههل مجيههء السههاعة قريههب .وقال
الكسائي" :قريب" نعت ينعت به المذكر والمؤنث والجمع بمعنى ولفظ واحد؛ قال ال تعالى" :إن
رحمة ال قريب من المحسنين" [العراف ]56 :قال الشاعر:
فلما وصلنا نصب أعينهم غبنا وكنا قريبا والديار بعيدة
**3الية{ 18 :يستعجل بها الذين ل يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق
أل إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلل بعيد}
@قوله تعالى" :يسهتعجل بهها الذيهن ل يؤمنون بهها" يعنهي على طريهق السهتهزاء ،ظنها منههم أنهها
غيههر آتيههة ،أو إيهامهها للضعفههة أنههها ل تكون" .والذيههن آمنوا مشفقون منههها" أي خائفون وجلون
لسهتقصارهم أنفسههم مهع الجههد فهي الطاعهة؛ كمها قال" :والذيهن يؤتون مها آتوا وقلوبههم وجلة أنههم
إلى ربهم راجعون" [المؤمنون" .]60 :ويعلمون أنها الحق" أي التي ل شك فيها" .أل إن الذين
يمارون فهي السهاعة" أي يشكون ويخاصهمون فهي قيام السهاعة" .لفهي ضلل بعيهد" أي عهن الحهق
وطريههق العتبار؛ إذ لو تذكروا لعلموا أن الذي أنشأهههم مههن تراب ثههم مههن نطفههة إلى أن بلغوا مهها
بلغوا ،قادر على أن يبعثهم.
**3الية{ 19 :ال لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز}
@قوله تعالى" :ال لطيف بعباده" قال ابن عباس :حفي بهم .وقال عكرمة :بار بهم .وقال السدي:
رفيهق بههم .وقال مقاتهل :لطيهف بالبر والفاجهر؛ حيهث لم يقتلههم جوعها بمعاصهيهم .وقال القرظهي:
لطيف ،بهم في العرض والمحاسبة .قال:
يسائلهم فيه الجليل ويلطف غدا عند مولى الخلق للخلق موقف
وقال جعفهر بهن محمهد بهن علي بهن الحسهين :يلطهف بههم فهي الرزق مهن وجهيهن :أحدهمها :أنهه جعهل
ورزقهك مهن الطيبات .والثانهي :أنهه لم يدفعهه إليهك مرة واحدة فتبذوه .وقال الحسهين بهن الفضهل:
لطيهف بههم فهي القرآن وتفصهيله وتفسهيره .وقال الجنيهد :لطيهف بأوليائه حتهى عرفوه ،ولو لطهف
بأعدائه لمها جحدوه .وقال محمهد بهن علي الكتانهي :اللطيهف بمهن لجهأ إليهه مهن عباده إذا يئس مهن
الخلق توكل ورجع إليه ،فحينئذ يقبله ويقبل عليه .وجاء في حديث النبي صلى ال عليه وسلم( :إن
ال تعالى يطلع على القبور الدوارس فيقول جهل وعهز امحهت آثارههم واضمحلت صهورهم وبقهي
عليهم العذاب وأنا اللطيف وأنا أرحم الراحمين خففوا عنهم العذاب فيخفف عنهم العذاب) .قال أبو
علي الثقفي رضي ال عنه:
أخو فطنة والثواب فيه نحيف أمر بأفناء القبور كأنني
وربي بمن يلجأ إليه لطيف ومن شق فاه ال قدر رزقه
وقيل :اللطيف الذي ينشر من عباده المناقب ويستر عليهم المثالب؛ وعلى هذا قال النبي صلى ال
عليه وسلم( :يا من أظهر الجميل وستر القبيح) .وقيل :هو الذي يقبل القليل ويبذل الجزيل .وقيل:
ههو الذي يجهبر الكسهير وييسهر العسهير .وقيهل :ههو الذي ل يخاف إل عدله ول يرجهى إل فضله.
وقيهل :ههو الذي يبذل لعبده النعمهة فوق الهمهة ويكفله الطاعهة فوق الطاقهة؛ قال تعالى" :وإن تعدوا
نعمهة ال ل تحصوها" [النحل" ]18 :وأسهبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" [لقمان ،]20 :وقال:
"وما جعل عليكهم فهي الدين من حرج" [الحهج" ،]78:يريد ال أن يخفف عنكهم" [النسهاء.]28 :
وقيهل :هو الذي يعيهن على الخدمة ويكثهر المدحهة .وقيل :هو الذي ل يعاجهل مهن عصاه ول يخيهب
مهن رجاه .وقيهل :ههو الذي ل يرد سهائله يوئس آمله .وقيهل :ههو الذي يعفهو عمهن يهفهو .وقيهل :ههو
الذي يرحهم مهن ل يرحهم نفسهه .وقيهل .ههو الذي أوقهد فهي أسهرار العارفيهن مهن المشاهدة سهراجا،
وجعهل الصهراط المسهتقيم لههم منهاجها ،وأجزل لههم مهن سهحائب بره ماء ثجاجها .وقهد مضهى فهي
"النعام" قول أبي العالية والجنيد أيضا .وقد ذكرنا جميع هذا في (الكتاب السنى في شرح أسماء
ال الحسنى) عند اسمه اللطيف ،والحمد ل" .يرزق من يشاء" ويحرم من يشاء .وفي تفضيل قوم
بالمال حكمهة؛ ليحتاج البعهض إلى البعهض؛ كمها قال" :ليتخهذ بعضههم بعضها سهخريا" [الزخرف:
،]32فكان هذا لطفها بالعباد .وأيضها ليمتحهن الغنهي بالفقيهر والفقيهر بالغنهي؛ كمها قال" :وجعلنها
بعضكم لبعض فتنة أتصبرون" [الفرقان ]20 :على ما تقدم بيانه" .وهو القوي العزيز"
**3الية{ 20 :من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته
منها وما له في الخرة من نصيب}
@قوله تعالى" :من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه" الحرث العمل والكسب .ومنه قول
عبدال بهن عمهر :واحرث لدنياك كأنهك تعيهش أبدا واعمهل لخرتهك كأنهك تموت غدا .ومنهه سهمي
الرجهل حارثها .والمعنهى أي مهن طلب بمها رزقناه حرثها لخرتهه ،فأدى حقوق ال وأنفهق فهي إعزاز
الدين؛ فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر" .ومن كان يريد حرث الدنيا" أي
طلب بالمال الذي آتاه ال رياسههة الدنيهها والصههل إلى المحظورات ،فإنهها ل نحرمههه الرزق أصههل،
ولكن ل حظ به في الخرة من ماله؛ قال ال تعالى" :من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء
لمهن نريهد ثهم جعلنها له جهنهم يصهلها مذمومها مدحورا ومهن أراد الخرة وسهعى لهها سهعيها وههو
مؤمهن فأولئك كان سهعيهم مشكورا" [السهراء .]18 :وقيهل" :نزد له فهي حرثهه" نوفقهه للعبادة
ونسهلها عليه .وقيل :حرث الخرة الطاعة؛ أي من أطاع فله الثواب .قيل" :نزد له في حرثه" أي
نعطه الدنيا مع الخرة .وقيل :الية في الغزو؛ أي من أراد بغزوه الخرة أوتى الثواب ،ومن أراد
بغزوه الغنيمهة أوتهي منهها .قال القشيري :والظاههر أن اليهة فهي الكافهر؛ يوسهع له فهي الدنيها؛ أي ل
ينبغهي له أن يغتهر بهذ لك لن الدنيها ل تبقهى .وقال قتادة :إن ال يعطهي على نيهة الخرة مها شاء مهن
أمهر الدنيها ،ول يعطهي على نيهة الدنيها إل الدنيها .وقال أيضها :يقول ال تعالى( :مهن عمهل لخرتهه
زدناه فهي عمله وأعطيناه مهن الدنيها مها كتبنها له ومهن أثهر دنياه على آخرتهه لم نجعهل له نصهيبا فهي
الخرة إل النار ولم يصهب مهن الدنيها إل رزقها قهد قسهمناه له ل بهد أن كان يؤتاه مهع إيثار أو غيهر
إيثار) .وروى جويهبر عهن الضحاك عهن ابهن عباس قال :وقوله عهز وجهل" :مهن كان يريهد حرث
الخرة" من كال من البرار يريد بعمله الصالح ثواب الخرة "نزد له في حرثه" أي في حسناته.
"ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الخرة من نصيب
"ومن كان يريد حرث الدنيا" أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا "نؤته منها" ثم نسخ
ذلك فههي السههراء" :مههن كان يريهد العاجلة عجلنها له فيههها مها نشاء لمهن نريههد" [السههراء.]18 .
والصواب أن هذا ليس بنسخ؛ لن هذا خبر الشياء كلها بإرادة ال عز وجل .أل ترى أنه قد صح
عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال( :ل يقهل أحدكهم اللههم اغفهر لي إن شئت اللههم ارحمنهي إن
شئت) .وقهد قال قتادة مها تقدم ذكره ،وههو يهبين لك أن ل نسهخ .وقهد ذكرنها فهي "هود" أن هذا مهن
باب المطلق والمقيد ،وأن النسخ ل يدخل في الخبار .وال المستعان.
مسألة :هذه الية تبطل مذهب أبي حنيفة في قوله:إنه من توضأ تبردا أنه يجزيه عن فريضة
الوضوء الموظههف عليههه؛ فإن فريضههة الوضوء مههن حرث الخرة والتههبرد مههن حرث الدنيهها ،فل
يدخل أحدهما على الخر ،ول تجزي نيته عنه بظاهر هذه الية؛ قاله ابن العربي.
**3الية{ 21 :أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به ال ولول كلمة الفصل لقضي
بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :أم لهم شركاء"والميم صلة والهمزة للتقريع .وهذا متصل بقوله" :شرع لكم من
الدين ما وصى به نوحا" [الشورى ،]13 :وقوله تعالى" :ال الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان"
[الشورى ]17 :كانوا ل يؤمنون به ،فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به ال! وإذا
اسهتحال هذا فال لم يشرع الشرك ،فمهن أيهن يدينون بهه" .ولول كلمهة الفصهل" القيامهة حيهث قال:
"بهل السهاعة موعدههم" [القمهر" .]46 :لقضهي بينههم" فهي الدنيها ،فعاجهل الظالم بالعقوبهة وأثاب
الطائع" .وإن الظالميهن" أي المشركيهن" .لههم عذاب أليهم" فهي الدنيها القتهل والسهر والقههر ،وفهي
الخرة عذاب النار .وقرأ ابهن هرمهز "وأن" بفتهح الهمزة على العطهف "ولول كلمهة" والفصهل بيهن
المعطوف عليهه بجواب "لول" جائز .ويجوز أن يكون موضهع "أن" رفعها على تقديهر :وجهب أن
الظالمين لهم عذاب أليم ،فيكون منقطعا مما قبله كقراءة الكسر؛ فاعلمه.
**3اليههة{ 22 :ترى الظالميههن مشفقيههن ممهها كسههبوا وهههو واقههع بهههم والذيههن آمنوا وعملوا
الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير}
@قوله تعالى" :ترى الظالميهن مشفقيهن" أي خائفيهن "ممها كسهبوا" أي مهن جزاء مها كسهبوا.
والظالمون هها هنها الكافرون؛ بدليهل التقسهيم بيهن المؤمهن والكافهر" .وههو واقهع بههم" أي نازل بههم.
"والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات" الروضة :الموضع النزه الكثير الخضرة.
وقهد مضهى فهي "الروم"" .لههم مها يشاؤون عنهد ربههم" أي مهن النعيهم والثواب الجزيهل" .ذلك ههو
الفضهل الكهبير" أي ل يوصهف ول تهتدي العقول إلى كنهه صهفته؛ لن الحهق إذا قال كهبير فمهن ذا
الذي يقدر قدره.
**3الية{ 23 :ذلك الذي يبشر ال عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل ل أسألكم عليه أجرا
إل المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن ال غفور شكور}
@قوله تعالى" :ذلك الذي يبشهر ال عباده الذيهن آمنوا" قرئ "يبشهر" مهن بشره" ،ويبشهر" مهن
أبشره" ،يبشر" من بشره ،وفيه حذف؛ أي يبشر ال به عباده المؤمنين ليتعجلوا السرور ويزدادوا
منه وجدا في الطاعة.
@قوله تعالى" :قل ل أسألكم عليه عليه أجرا" أي قل يا محمد ل أسألكم عل تبليغ الرسالة جعل.
"إل المودة فههي القربههى" قال الزجاج" :إل المودة" اسههتثناء ليههس مههن الول؛ أي إل أن تودونههي
لقرابتههي فتحفظونههي .والخطاب لقريههش خاصههة؛ قال ابههن عباس وعكرمههة ومجاهههد وأبههو مالك
والشعبي وغيرهم .قال الشعبي :أكثر الناس علينا في هذه الية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها؛
فكتب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان أوسط الناس في قريش ،فليس بطن من بطونهم إل
وقهد ولده؛ فقال ال له" :قهل ل أسهألكم عليه أجرا إل المودة فهي القربهى" إل أن تودونهي فهي قرابتهي
منكم؛ أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني .فه "القربى" ها هنا قرابة الرحم؛ كأنه قال :اتبعوني
للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة .قال عكرمة :وكانت قريش تصل أرحامها فلما بعث النبي صلى ال
عليهه وسهلم قطعتهه؛ فقال( :صهلوني كمها كنتهم تفعلون) .فالمعنهى على هذا :قهل ل أسهألكم عليهه أجرا
لكن أذكركم قرابتي؛ على استئناء ليس من أول؛ ذكره النحاس .وفي البخاري عن طاوس عن ابن
عباس أنه سئل عن قوله تعالى" :إل المودة في القربى" فقال سعيد بن جبير :قربى آل محمد؛ فقال
ابن عباس :عجت ! إن النبي صلى ال عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إل كان له فيهم قرابة،
فقال :إل أن تصهلوا مها بينكهم مهن القرابهة .فهذا قول .وقيهل :القربهى قرابهة الرسهول صهلى ال عليهه
وسلم ،أي ل أسألكم أجرا إل أن تودوا قرابتي وأهل بيتي ،كما أمر بإعظامهم ذوي القربى .وهذا
قول علي بهن حسهين وعمرو بهن شعيهب والسهدي .وفهي روايهة سهعيد بهن جهبير عهن ابهن عباس :لمها
أنزل ال عز وجل" :قل ل أسالكم عيه أجرا إل المودة في القربي" قالوا :يا رسول ال ،من هؤلء
الذين نودهم ؟ قال( :علي وفاطمة وأبناؤهما) .ويدل عليه أيضا ما روي عن علي رضي ال عنه
قال :شكوت إلى النههبي صههلى ال عليههه وسههلم حسههد الناس لي .فقال( :أمهها ترضههى أن تكون رابههع
أربعهة أول مهن يدخهل الجنهة أنها وأنهت والحسهن والحسهين وأزواجنها عهن أيماننها وشمائلنها وذريتنها
خلف أزواجنها) .وعهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :حرمهت الجنهة على مهن ظلم أههل وآذانهي فهي
عترتي ومن أصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبدالمطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا
إذا لقينهي يوم القيامهة) .وقال الحسهن وقتادة :المعنهى إل أن يتوددوا إلى ال عهز وجهل ويتقربوا إليهه
بطاعته .فه "القربى" على هذا بمعنى القربة .يقال :قربة وقربى بمعنى،؛ كالزلفة والزلفى .وروى
قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم( :قل
ل أسألكم على ما آتيتكم به أجرا إل أن توادوا وتقربوا إليه بالطاعة).
وروى منصههور وعوف عههن الحسههن "قههل ل أسههالكم عليههه أجرا إل المودة فههي القربههى" قال:
يتوددون إلى ال عهز وجهل ويتقربون منهه بطاعتهه .وقال قوم :اليهة منسهوخة وإنمها نزلت بمكهة؛
وكان المشركون يؤذون رسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه الية ،وأمرهم ال بمودة نبيه
صههلى ال عليههه وسههلم وصههلة رحمههه ،فلمهها هاجههر آوتههه النصههار ونصههروه ،وأراد ال أن يلحقهه
بإخوانهه مهن النهبياء حيهث قالوا" :ومها أسهئلكم عليهه مهن أجهر إن أجري إل على رب العالميهن"
[الشعراء ]109 :فأنزل ال تعالى" :قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إل على ال" [سبأ:
]47فنسخت بهذه الية وبقوله" :قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" [ص،]86 :
وقوله" .أم تسهألهم خرجها فخراج ربهك خيهر" [المؤمنون ،]72 :وقوله" :أم تسهألهم أجرا فههم مهن
مغرم مثقلون" [الطور ]40 :قال الضحاك والحسين بن الفضل .ورواه جويبر عن الضحاك عن
ابههن عباس .قال الثعلبههي :وليههس بالقوي ،وكفههى قبحهها بقول مههن يقول :إن التقرب إلى ال بطاعتههه
ومودة نبيه صلى ال عليه وسلم وأهل بيته منسوخ؛ وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم( :من مات
على حهب آل محمهد مات شهيدا .ومهن مات على حهب آل محمهد جعهل ال زوا فهي قهبره الملئكهة
والرحمة .ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه أيس اليوم من رحمة
ال .ومههن مات على بغههض آل محمههد لم يرح رائحههة الجنههة .ومههن مات على بغههض آل بيتههي فل
نصيب له في شفاعتي).
قلت :وذكهر هذا الخهبر الزمخشري فهي تفسهيره بأطول مهن هذا فقال :وقال رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم( :من مات على حب آل محمد مات شهيدا أل ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا
مسهتكمل اليمان .أل ومهن مات على حهب آل محمهد بشره ملك ،الموت بالجنهة ثهم منكهر ونكيهر .أل
ومهن مات على حهب آل محمهد يزف إلى الجنهة كمها تزف العروس إلى بيهت زوجهها أل ومهن مات
على حهب آل محمهد فتهح له قهبره بابان إلى الجنهة .أل ومهن مات على حهب آل محمهد جعهل ال قهبره
مزار ملئكة الرحمة .أل ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة .أل ومن مات
على بغهض آل محمهد جاء يوم القيامهة مكتوبها بيهن عينيهه آيهس مهن رحمهة ال .أل ومهن مات على
بغض آل محمد مات كافرا .أل ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة) .قال النحاس:
ومذهب عكرمة ليست بمنسوخة؛ قال :كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي صلى ال عليه وسلم
قطعوه فقال( :قل ل أسألكم عليه أجرا إل أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ول تكذبوني).
قلت :وهذا ههو معنهى قول ابهن عباس فهي البخاري والشعهبي عنهه بعينهه؛ وعليهه ل نسهخ .قال
النحاس :وقول الحسهن حسهن ،ويدل على صهحته الحديهث المسهند عهن رسهول ال صهلى ال عليهه
وسلم كما حدثنا أحمد بن محمد الزدي قال أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي قال أخبرنا أسد بن
موسى قال حدثنا قزعة -وهو ابن يزيه البصري -قال حدثنا عبدال بن أبي نجيع عن مجاهد عن
ابههن عباس أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم قال( :ل أسههألكم على مهها أنبئكههم بههه مههن البينات
والهدى أجرأ إل أن توادوا ال عهز وجهل وأن تتقربوا إليهه بطاعتهه) .فهذا المهبين عهن ال عهز وجهل
قد قال هذا ،وكذا قالت النبياء صلى ال عليه وسلم قبله" :إن أجري إل على ال" [سبأ.]47 :
@ واختلفوا فهي سبب نزولها؛ فقال ابن عباس :لما قدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة كانت
تنوبهه نوائب وحقوق ل يسهعها مها فهي يديهه؛ فقالت النصهار :إن هذا الرجهل هداكهم ال به وهو ابهن
أخيكهم ،وتنوبهه نوائب وحقوق ل يسهعها مها فهي يديهه فنجمهع له؛ ففعلوا ،ثهم أتوه بهه فنزلت .وقال
الحسهههن :نزلت حيهههن تفاخرت النصهههار والمهاجرون ،فقالت النصهههار نحهههن فعلنههها ،وفخرت
المهاجرون بقرابتههم مهن رسهول ال صهلى ال صهلى ال عليهه وسهلم .روى مقسهم عهن ابهن عباس
قال :سهمع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم شيئا فخطهب فقال للنصهار( :ألم تكونوا أذلء فأعزكهم
ال بههي .ألم تكونوا ضلل فهداكههم ال بههي .ألم تكونوا خائفيههن فأمنكههم ال بههي أل تردون علي) ؟
فقالوا :بههه نجيبههك؟ قال( .تقولون ألم يطردك قومههك فآويناك .ألم يكذبههك قومههك فصههدقناك )...فعدد
عليهههم .قال فجثوا على ركبهههم فقالوا :أنفسههنا وأموالنهها لك؛ فنزلت" :قههل ل أسههألكم عليههه أجرا إل
المودة فههي القربههى" وقال قتادة :قال المشركون لعههل محمههد فيمهها يتعاطاه يطلب أجرا؛ فنزلت هذه
الية؛ ليحثهم على مودته ومودة أقربائه .قال الثعلبي :وهذا أشبه بالية ،لن السورة مكية.
@قوله تعالى" :ومن يقترف حسنة" أي يكتسب .وأصل القرف الكسب ،يقال :فلن يقرف لعياله،
أي يكسهب .والقتراف الكتسهاب؛ وههو مأخوذ مهن قولههم رجهل قرفهة ،إذا كان محتال .وقهد مضهى
فهي "النعام" القول فيهه .وقال ابهن عباس" :ومهن يقترف حسهنة" قال المودة لل محمهد صهلى ال
عليه وسلم" .نزد له فيها حسنا" أي نضاعف له الحسنة بعشر فصاعدا" .إن ال غفور شكور" قال
قتادة" :غفور" للذنوب "شكور" للحسهنات .وقال السهدي" :غفور" لذنوب آل محمهد عليهه السهلم،
"شكور" لحسناتهم.
**3اليهة{ 24 :أم يقولون افترى على ال كذبها فإن يشهأ ال يختهم على قلبهك ويمهح ال الباطهل
ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور}
@قوله تعالى" :أم يقولون افترى على ال كذبها" الميهم صهلة ،والتقديهر أيقولون افترى .واتصهل
الكلم بمهها قبههل؛ لن ال تعالى لمهها قال" :وقههل آمنههت بمهها أنزل ال مههن كتاب" [الشورى،]15 :
وقال" :ال الذي أنزل الكتاب بالحهق" [الشورى ]17 :قال إتمامها للبيان" :أم يقولون افترى على
ال كذبها" يعنهي كفار قريهش قالوا :إن محمدا اختلق الكذب على ال" .فإن يشهأ ال" شرط وجوابهه
"يختم على قلبك" قال قتادة :يطبع على قلبك فينسيك القرآن؛ فأخبرهم ال أنه لو افترى عليه لفعل
بمحمهد ما أخبرهم به فهي هذه الية .وقال مجاهد ومقاتل" :إن يشاء ال" يربط على قلبك بالصبر
على أذاهم حتى ل يدخل قلبك مشقة من قولهم .وقيل :المعنى إن يشأ يزل تمييزك .وقيل :المعنى
لو حدثت نفسك أن تفتري على ال كذبا لطبع على قلبك؛ قال ابن عيسى .وقيل :فإن يشأ ال يختم
على قلوب الكفار وعلى ألسههنتهم وعاجلهههم بالعقاب .فالخطاب له والمراد الكفار؛ ذكره القشيري.
ثهم ابتدأ فقال" :ويمهح ال الباطهل" قال ابهن النباري" :يختهم على قلبهك" تام .وقال الكسهائي :فيهه
تقديم وتأخير؛ مجازه :وال يمحو الباطل؛ فحذف منه الواو في المصحف ،وهو في موضع رفع.
كمها حذفهت مهن قوله" :سهندع الزبانيهة"[ ،العلق" ،]18 :ويدع النسهان" [السهراء ]1 1 :ولنهه
عطهف على قوله" :يختهم على قلبهك" .وقال الزجاج :قوله":أم يقولون افترى على ال كذبها" تمام؛
وقوله" :ويمح ال الباطل" احتجاج على من أنكر ما أتى به النبي صلى ال عليه وسلم؛ أي لوكان
ما أتى به باطل لمحاه كما جرت به عادته في المفترين" .ويحق الحق" أي السلم فيثبته "بكلماته
إنه عليم بذات الصدور" أي بما أنزل من القرآن" .إنه عليم بذات الصدور" عام ،أي بما في قلوب
العباد .وقيل خاص .والمعنى أنك لو حدثت نفسك أن تفتري على ال كذبا لعلمه وطبع على قلبك.
**3الية{ 25 :وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}
@قوله تعالى" :وههو الذي يقبهل التوبهة عهن عباده" قال ابهن عباس :لمها نزل قوله تعالى "قهل ل
أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى" قال قوم في نفوسهم :ما يريد إل أن يحثنا على أقاربه من
بعده؛ فأخهبر جبريهل النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ،وأنههم قهد اتهموه فأنزل" :أم يقولون افترى على
ال كدبا" الية؛ فقال القوم :يا رسول ال ،فإنا نشهد أنك صادق ونتوب .فنزلت" :وهو الذي يقبل
التوبهة عهن عباده" .قال ابهن عباس :أي عهن أوليائه وأههل طاعتهه .واليهة عامهة .وقهد مضهى الكلم
في معنى التوبة وأحكامها؛ ومضى هذا اللفظ في "التوبة"" .ويعفو عن السيئات" أي عن الشرك
قبل السلم" .ويعلم ما تفعلون" أي من الخير والشر .وقرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف بالتاء
على الخطاب ،وههى قراءة ابهن مسهعود وأصهحابه .الباقون بالياء على الخهبر ،واختاره أبهو عبيهد
وأبو حاتهم؛ لنه بيهن خبرين :الول "وهو الذي يقبهل التوبة عن عبادة" والثانهي "ويستجيب الذيهن
آمنوا وعملوا الصالحات".
**3اليهة{ 26 :ويسهتجيب الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات ويزيدههم مهن فضله والكافرون لههم
عذاب شديد}
@قوله تعالى" :الذيهن" فهي موضهع نصهب؛ أي ويسهتجيب ال الذيهن آمنوا ،أي يقبهل عبادة مهن
أخلص له بقلبههه وأطاع ببدنههه .وقيههل :يعطيهههم مسههألتهم إذا دعوه .وقيههل :ويجيههب دعاء المؤمنيههن
بعضمهههم لبعههض؛ يقال :أجاب واسههتجاب بمعنههى ،وقههد مضههى فههي "البقرة" .وقال ابههن عباس:
"ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات" يشفعهم في إخوانهم" .ويزيد من فضله" قال :يشفعهم
في إخوان إخوانهم .وقال المبرد :معنى "يستجيب الذين آمنوا" وليستدع الذين آمنوا الجابة؛ هكذا
حقيقة معنى استفعل .فه "الذين" في موضع رفع" .والكافرون لهم عذاب شديد".
**3الية{ 27 :ولو بسط ال الرزق لعباده لبغوا في الرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده
خبير بصير}
@ قيل :إنها نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق .وقال خاب بن الرت :فينا نزلت؛
نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وبني قينقاع فتمناها فنزلت" .لو بسط" معناه وسع .وبسط
الشيهء نشره .وبالصهاد أيضها" .لبغوا فهي الرض" طغوا وعصهوا .وقال ابهن عباس :بغيههم طلبههم
منزلة بعهد منزلة ودابهة بعهد دابهة ومركبها بعهد مركهب وملبسها بعهد ملبهس .وقيهل :أراد لو أعطاههم
الكثيهر لطلبوا ما هو أكثر منه ،لقوله( :لوكان لبن آدم واديان من ذههب لبتغهى إليهما ثالثا) وهذا
هو البغي ،وهو معنى قول ابن عباس .وقيل :لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض،
ولتعطلت الصهنائع .وقيهل :أراد بالرزق المطهر الذي ههو سهبب الرزق؛ أي لو أدام المطهر لتشاغلوا
بههه عههن الدعاء ،فيقبههض تارة ليتضرعوا ويبسههط أخرى ليشكروا .وقيههل :كانوا إذا أخصههبوا أغار
بعضههم على بعهض؛ فل يبعهد حمهل البغهي على هذا .الزمخشري" :لبغوا" مهن البغهي وههو الظلم؛
أي لبغهى هذا على ذاك وذاك على هذا؛ لن الغنهى مبطرة مأشرة ،وكفهى بقارون عهبرة .ومنهه قول
عليه السلم( :أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها) .ولبعض العرب:
وبين بني دودان نبعا وشوحطا وقد جعل الوسمي ينبت بيننا
يعنهي أنههم أحيوا فحدثوا أنفسههم بالبغهي والتغابهن .أومهن البغهي وههو البذخ والكهبر؛ أي لتكهبروا فهي
الرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد" .ولكن ينزل بقدر ما يشاء" أي ينزل أرزاقهم
بقدر ما يشاء لكفايتهم وقال مقاتل" :ينزل بقدر ما يشاء" يجعل من يشاء غنيا ومن يشاء فقيرا.
@ قال علماؤنا :أفعال الرب سبحانه ل تخلو عن مصالح وإن لم يجب على ال الستصلح؛ فقد
يعلم من حال عبد أنه لو بسط عليه قاده ذلك إلى الفساد فيزوي عنه الدنيا مصلحة له .فليس ضيق
الرزق هوانها ول سهعة فضيلة؛ وههد أعطهى أقوامها مهع علمهه أنههم يسهتعملونه فهي الفسهاد ،ولو فعهل
بههم خلف مها فعهل لكانوا أقرب إلى الصهلح .والمهر على الجملة مفوض إلى مشيئتهه ،ول يمكهن
التزام مذهب السهتصلح في كل فعل من أفعال ال تعالى .وروى أنس عن النبي صلى ال عليه
وسهلم فيمها يرويهه عهن ربهه تبارك وتعالى قال( :مهن أهان لي وليها فقهد بارزنهي بالمحاربهة وإنهي
لسهرع شيهء إلى نصهرة أوليائي وإنهي لغضهب لههم كمها يغضهب الليهث الحرد .ومها ترددت فهي
شيء أنا فاعله ترددي في قبض روج عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته ول بد له منه.
ومها تقرب إلي عبدي المؤمهن بمثهل أداء مها افترضهت عليهه .ومها يزال عبدي المؤمهن يتقرب إلي
بالنوافهل حتهى أحبهه فاذا أحببتهه كنهت له سهمعا وبصهرا ولسهانا ويدا ومؤيدا فإن سهألني أعطيتهه وإن
دعاني أجبته .وإن من عبادي المؤمنين من يسألني الباب من العبادة وإني عليم أن لو أعطيته إياه
لدخله العجهب فأفسهده .وإن من عبادي المؤمنيهن من ل يصهلحه إل الغنهى ولو أفقرتهه لفسهده الفقهر.
وإن مهن عبادي المؤمنيهن مهن ل يصهلحه إل الفقهر ولو أغنيتهه لفسهده الغنهى .وإنهي لدبر عبادي
لعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير) .ثم قال أنس :اللهم إني من عبادك المؤمنين الذين ل يصلحهم إل
الغنى ،فل تفقرني برحمتك.
**3الية{ 28 :وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}
@ قرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وحميهد ومجاههد وأبهو عمرو ويعقوب وابهن وثاب والعمهش
وغيرهمها والكسهائي "ينزل" مخففها .الباقون بالتشديهد .وقرأ ابهن وثاب أيضها والعمهش وغيرهمها
"قنطوا" بكسر النون؛ وقد تقدم جميع هذا .والغيث المطر؛ وسمي الغيث غيثا لنه يغيث الخلق.
وقهد غاث الغيهث الرض أي أصهابها .وغاث ال البلد يغيثهها غيثها .وغيثهت الرض تغاث غيثها
فههي أرض مغيثهة ومغيوثة .وعن الصهمعي قال :مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا فسهألت
عجوزا منههم :أتاكهم المطهر؟ فقالت :غثنها مها شئنها غيثها ،أي مطرنها .وقال ذو الرمهة :قاتهل ال أمهة
بني فلن ما أفصحها ! قلت لها كيف كان المطر عندكم ؟ فقالت :غثنا ما شئنا .ذكر الول الثعلبي
والثانههي الجوهري .وربمهها سههمي السههحاب والنبات غيثهها .والقنوط الياس؛ قاله قتادة وغيره .قال
قتاده :ذكهر أن رجل قال لعمهر بهن الخطاب :يها أميهر المؤمنيهن ،قحهط المطهر وقهل الغيهث وقنهط
الناس؟ فقال :مطرتهم إن شاء ال ،ثهم قرأ" :وههو الذي ينزل الغيهث مهن بعهد مها قنطوا" .والغيهث مها
كان نافعا في وقته ،والمطر قد يكون نافعا وضارا في ،وقته وغير وقته؛ قال الماوردي" .وينشر
رحمتهه" قيهل المطهر؛ وههو قول السهدي .وقيهل ظهور الشمهس بعهد المطهر؛ ذكره المهدوي .وقال
مقاتهل :نزلت فهي حبهس المطهر عهن أههل مكهة سهبع سهنين حتهى قنطوا ،ثهم أنزل ال المطهر .وقيهل:
نزلت فههي العرابههي سههأل رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم عههن المطههر يوم الجمعههة فههي خههبر
السههههتسقاء؛ ذكره القشيري ،وال أعلم" .وهههههو الولي الحميههههد" "الولي" الذي ينصههههر أولياءه.
"الحميد" المحمود بكل لسان.
**3الية{ 29 :ومن آياته خلق السماوات والرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا
يشاء قدير}
@قوله تعالى" :ومهن آياتهه خلق السهماوات والرض" أي علماتهه الدالة على قدرتهه" .ومها بهث
فيهمهها مههن دابههة" قال مجاهههد :يدخههل فههي هذا الملئكههة والناس ،وقههد قال تعالى" :ويخلق مهها ل
تعلمون" [النحهل .]8 :وقال الفراء أراد مها بهث فهي الرض دون السهماء؛ كقوله" :يخرج منهمها
اللؤلؤ والمرجان" [الرحمهن ]22 :إنمها يخرج مهن الملح دون العذب .وقال أبهو علي :تقديره ومها
بهث فهي أحدهمها؛ فحذف المضاف .وقوله" :يخرج منهمها" أي مهن أحدهمها" .وههو على جمعههم إذا
يشاء قدير" أي يوم القيامة.
**3الية{ 30 :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ،وما أنتم بمعجزين
في الرض وما لكم من دون ال من ولي ول نصير}
@قوله تعالى" :ومها أصهابكم مهن مصهيبة فبمها كسهبت أيديكهم" قرأ نافهع وابهن عامهر "بمها كسهبت"
بغيههر فاء .الباقون "فبمهها" بالفاء ،واختاره أبههو عبيههد وأبههو حاتههم للزيادة فههي الحرف والجههر .قال
المهدوي :إن قدرت أن "مهها" الموصههولة جاز حذف الفاء وإثباتههها ،والثبات أحسههن .وإن قدرتههها
التهي للشرط لم يجهز الحذف عنهد سهيبويه ،وأجازه الخفهش واحتهج بقوله تعالى" :وإن أطعتموههم
إنكههم لمشركون" [النعام .]121 :والمصههيبة هنهها الحدود على المعاصههى؛ قاله الحسههن .وقال
الضحاك :مها تعلم رجهل القرآن ثهم نسهيه إل بذنهب؛ قال ال تعالى" :ومها أصهابكم مهن مصهيبة فبمها
كسبت أيديكم" ثم قال :وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن؛ ذكره ابن المبارك عن عبدالعزيز بن
أبي رواد .قال أبو عبيد :إنما هذا على الترك ،فأما الذي هو دائب في تلوته حريص على حفظه
إل أن النسهيان يغلبهه فليهس مهن ذلك فهي شيهء .وممها يحقهق ذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان
ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره؛ من ذلك حديث عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم :سمع
قراءة رجهل فهي المسهجد فقال( :مها له رحمهه ال ! لقهد أذكرنهي آيات كنهت أنسهيتها مهن سهورة كذا
وكذا) .وقيهل" :مها" بمعنهى الذي ،والمعنهى الذي أصهابكم فيمها مضهى بمها كسهبت أيديكهم .وقال علي
رضي ال عنه :هذه الية أرجى آية في كتاب ال عز وجل .وإذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو
عهن كثيهر فمها يبقهى بعهد كفارتهه وعفوه ! وقهد روي هذا المعنهى مرفوعها عنهه رضهي ال عنهه ،قال
على بن أبي طالب رضي ال عنه :أل أخبركم بأفضل آية في كتاب ال حدثنا بها النبي صلى ال
عليهه وسهلم" :ومها مهن مصهيبة فبمها كسهبت أيديكهم" اليهة( :يها علي مها أصهابكم مهن مرض أوعقوبهة
أوبلء في الدنيا فبما كسبت أيديكم .وال أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الخرة وما عفا عنه
في الدنيا فال أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه) .وقال الحسن :لما نزلت هذه الية قال النبي صلى
ال عليهه وسهلم( :مها مهن اختلج عرق ول خدش عود ول نكبهة حجهر إل بذنهب ولمها يعفهو ال عنهه
أكثهر) .وقال الحسهن :دخلنها على عمران بهن حصهين فقال رجهل :ل بهد أن أسهألك عمها أرى بهك مهن
الوجهع؛ فقال عمران :يها أخهي ل تفعهل ! فوال إنهي لحهب الوجهع ومهن أحبهه كان أحهب الناس إلى
ال ،قال ال تعالى" :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتم أيديكم ويعفو عن كثير" فهذا مما كسبت
يدي ،وعفو ربي عما بقي أكثر.
وقال ُمرّة الهمذاني :رأيت على ظهر كف شريح قرحه فقلت :يا أبا أمية ،ما هذا؟ قال :هذا بما
كسهبت أيديكهم ويعفهو عهن كثيهر .وقال ابهن عون :إن محمهد بهن سهيرين لمها ركبهه الديهن اغتهم لذلك
فقال :إني ل أعرف هذا الغم ،هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة .وقال أحمد بن أبي الحواري قيل
لبهى سهليمان الدارانهي :مها بال العقلء أزالوا اللوم عمهن أسهاء إليههم ؟ فقال :لنههم علموا أن ال
تعالى إنما ابتلهم بذنوبهم ،قال ال تعالى" :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن
كثير" .وقال عكرمة :ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إل بذنب لم يكن ال ليغفره له إل بها أو
لينال درجة لم يكن يوصله إليها إل بها .وروي أن رجل قال لموسى :يا موسى ،سل ال لي حاجة
يقضيهها لي ههو أعلم بهها؛ ففعهل موسهى؛ فلمها نزل إذ ههو بالرجهل قهد مزق السهبع لحمهه وقتله؛ فقال
موسهى :مها بال هذا يها رب؟ فقال ال تبارك وتعالى له( :يها موسهى انهه سهألني درجهة علمهت أنهه لم
يبلغهها بعمله فأصهبته بمها ترى لجعلهها وسهيلة له فهي نيهل تلك الدرجهة) .فكان أبهو سهليمان الدارانهي
إذا ذكر هذا الحديث يقول :سبحان من كان قادرا على أن ينيله تلك الدرجة بل بلوى ! ولكنه يفعل
ما يشاء.
قلت :ونظير هذه الية في المعنى قوله تعالى" :من يعمل سوءا يجز به" [النساء ]123 :وقد
مضهى القول فيهه .قال علماؤنها :وهذا فهي حهق المؤمنيهن ،فأمها الكافهر فعقوبتهه مؤخرة إلى الخرة.
وقيهل :هذا خطاب للكفار ،وكان إذا أصهابهم شهر قالوا :هذا بشؤم محمهد؛ فرد عليههم وقال بهل ذلك
بشؤم كفركم .والول اكثر وأظهر وأشهر .وقال ثابت البناني :إنه كان يقال ساعات الذى يذهبن
سهاعات الخطايها .ثهم فيهها قولن :احدهمها :أنهها خاصهة فهي البالغيهن أن تكون عقوبهة لههم ،وفهي
الطفال أن تكون مثوبة لهم .الثاني :أنها عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم والطفال في غيرهم من
والد ووالدة" .ويعفهو عهن كثيهر" أي عهن كثيهر مهن المعاصهي أل يكون عليهها حدود؛ وههو مقتضهى
قول الحسهن .وقيهل :أي يعفو عهن كثيهر مهن العصهاة أل يعجهل عليههم بالعقوبهة" .ومها أنتهم بمعجزيهن
فههي الرض" أي بفائتيههن ال؛ أي لن تعجزوه ولن تفوتوه "ومهها لكههم مههن دون ال مههن ولي ول
نصير" تقدم في غير موضع.
**3الية{ 32 :ومن آياته الجوار في البحر كالعلم ،إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على
ظهره إن في ذلك ليات لكل صبار شكور}
@قوله تعالى" :ومن آياته الجوار في البحر كالعلم" أي ومن علماته الدالة على قدرته السفن
الجاريهة فهي البحهر كأنهها مهن عظمهها أعلم .والعلم :الحبال ،وواحهد الجواري جاريهة ،قال ال
تعالى" :إنها لمها طغهى الماء حملناكهم فهي الجاريهة" [الحاقهة .]11 :سهميت جاريهة لنهها تجري فهي
الماء .والجاريههة :هههي المرأة الشابههة؛ سههميت بذلك لنههها يجري فيههها ماء الشباب .وقال مجاهههد:
العلم القصور ،واحدها علم؛ ذكره الثعلبهي .وذكر الماوردي عنه أنها الجبال .وقال الخليل :كل
شيء مرتفع عند العرب فهو علم .قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا:
كأنه علم في رأسه نار وإن صخرا لتأتم الهداة به
"إن يشهأ يسهكن الريهح" كذا قرأه أههل المدينهة "الرياح" بالجمهع" .فيظللن رواكهد على ظهره" أي
فتبقهى السهفن سهواكن على ظههر البحهر ل تجري .ركهد الماء ركودا سهكن .وكذلك الريهح والسهفينة،
والسهفينة ،والشمهس إذا قام قائم الظهيرة .وكهل ثابهت فهي مكان فههو راكهد .وركهد الميزان اسهتوى.
وركههد القوم هدؤوا .والمراكههد :المواضههع التههي يركههد فيههها النسههان وغيره .وقرأ قتادة "فيظللن"
بكسهر اللم الولى على أن يكون لغهة ،مثهل ضللت أضهل .وفتهح اللم وههي اللغهة المشهورة" .إن
فههي ذلك ليات" أي دللت وعلمات "لكههل صههبار شكور" أي صههبار على البلوى شكور على
النعماء .قال قطرب :نعهم العبهد الصهبار الشكور ،الذي إذا أعطهي شكهر وإذا أبتلي صهبر .قال عون
بن عبدال :فكم من منعم عليه غير شاكر ،وكم من مبتلى غير صابر.
**3الية{ 34 :أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ،ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من
محيص}
@قوله تعالى" :أو يوبقهههن بمهها كسههبوا" أي وإن يشههأ يجعههل الرياح عواصههف فيوبههق السههفن أي
يغرقههن بذنوب أهلهها .وقيهل :يوبهق أههل السهفن" .ويعهف عهن كثيهر" مهن أهلهها فل يغرقههم معهها؛
حكاه الماوردي .وقيهل" :ويعفهو عهن كثيهر" أي ويتجاوز عهن كثيههر مهن الذنوب فينجيهههم ال مهن
الهلك .قال القشري :والقراءة الفاشية "ويعف" بالجزم ،وفيها إشكال؛ لن المعنى :إن يشأ يسكن
الريهح فتبقهى تلك السهفن رواكهد ويهلكهها بذنوب أهلهها ،فل يحسهن عطهف "يعهف" على هذا لنهه
يصهير المعنهى :إن يشهأ يعهف ،وليهس المعنهى ذلك بهل المعنهى الخبار عهن العفهو مهن غيهر شرط
المشيئة فههو إذا عطهف على المجزوم مهن حيهث اللفهظ ل مهن حيهث المعنهى .وقهد قرأ قوم "ويعفهو"
بالرفع ،وهي جيدة في المعنى" .ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص" يعني الكفار؛
أي إذا توسهطوا البحهر وغشيتههم الرياح مهن كهل مكان أو بقيهت السهفن رواكهد علموا أنهه ل ملجهأ له
لههم سهوى ال ،ول دافهع لههم إن أراد ال إهلكههم فيخلصهون له العبادة وقهد مضهى هذا المعنهى فهي
غير موضع ومضى القول في ركوب البحر في "البقرة" وغيرها بما يغني عن إعادته .وقرأ نافع
وابن عامر "ويعلم" بالرفع ،الباقون بالنصب .فالرفع على الستئناف بعد الشرط والجزاء؛ كقوله
في سورة التوبة" :ويخزهم وينصركم عليهم" [التوبة ]14 :ثم قال" :ويتوب ال على من يشاء"
[التوبههة ]15 :رفعهها .ونظيره فههي الكلم :إن تأتنههي أتههك ومنطلق عبدال .أو على أنههه خههبر ابتداء
محذوف .والنصهههب على الصهههرف؛ كقوله تعالى" :ولمههها يعلم ال الذيهههن جاهدوا منكههههم ويعلم
الصههابرين" [آل عمران]142 :صههرف مههن حال الجزم إلى النصههب اسههتخفافا كراهيههة لتوالي
الجزم؛ كقول النابغة:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام
أجب الظهر ليس سنام ويمسك بعده بذناب عيش
وهذا معنى قول الفراء ،قال :ولو جزم "ويعلم" جاز .وقال الزجاج :نصب على إضمار "أن" لن
قبلها جزمها؛ تقول :مها تصهنع أصهنع مثله وإن شئت قلت .وأكرمك بالجزم .وفهي بعهض المصاحف
"وليعلم" .وهذا يدل على أن النصب بمعنى :وليعلم أو لن يعلم .وقال أبو علي والمبرد :النصب
بإضمار "أن" على أن يجعهل الول فهي تقديهر المصهدر؛ أي ويكون منهه عفهو وأن يعلم فلمها حمله.
على السهم أضمهر أن ،كمها تقول :إن تأتنهي وتعطينهي أكرمهك ،فتنصهب تعطينهي؛ أي إن يكهن منهك
إتيان وأن تعطينهي .ومعنهى "مهن محيهص" أي مهن فرار ومهرب؛ قاله قطرب السهدي :مهن ملجهأ
وهو مأخوذ من قولهم :خاص به البعير حيصة إذا رمى به .ومنه قولهم :فلن يحيص عن الحق
أي يميل عنه.
**3اليهة{ 36 :فمها أوتيتهم مهن شيهء فمتاع الحياة الدنيها ومها عنهد ال خيهر وأبقهى للذيهن آمنوا
وعلى ربهم يتوكلون}
@قوله تعالى" :فما أوتيتم من شيء" يريد من الغنى والسعة في الدنيا" .فمتاع الحياة الدنيا" أي
فإنمها ههو متاع فهي أيام قليلة تمضهى وتذههب؛ فل ينبغهي أن يتفاخهر بهه .والخطاب للمشركيهن" .ومها
عنهد ال خيهر وأبقهى" يريهد مهن الثواب على الطاعهة "للذيهن آمنوا" صهدقوا ووحدوا "وعلى ربههم
يتوكلون" نزلت فهي أبهي بكهر الصهديق حيهن أنفهق جميهع ماله فهي طاعة ال فلمهه الناس .وجاء فهي
الحديث أنه :أنفق ثمانين ألفا.
**3الية{ 37 :والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون}
@قوله تعالى" :والذيهن يجتنبون" الذيهن فهي موضهع جهر معطوف على قوله" :خيهر وأبقهى للذيهن
آمنوا" أي وهو للذين يجتنبون "كبائر الثم" قد مضى القول في الكبائر في "النساء" .وقرأ حمزة
والكسهائي "كبائر الثهم" والواحهد قهد يراد بهه الجمهع عنهد الضافهة؛ كقوله تعالى" :وإن تعدوا نعمهة
ال ل تحصوها" [النحل ،]18 :وكما جاء في الحديث( :منعت العراق درهمها وقفيزها) .الباقون
بالجمهع هنها وفهي "النجهم"" .والفواحهش" قال السهدي :يعنهي الزنهى .وقال ابهن عباس .وقال :كهبير
الثهم الشرك .وقال قوم :كبائر الثهم مها تقهع على الصهغائر مغفورة عنهد اجتنابهها .والفواحهش داخلة
فهي الكبائر ،ولكنهها تكون أفحهش وأشنهع كالقتهل بالنسهبة إلى الجرج ،والزنهى بالنسهبة إلى المراودة.
وقيههل :الفواحههش والكبائر بمعنههى واحههد ،فكرر لتعدد اللفههظ؛ أي يجتنبون المعاصههي لنههها كبائر
وفواحهش .وقال مقاتهل :الفواحهش موجبات الحدود" .وإذا مها غضبوا ههم يغفرون" أي يتجاوزون
ويحملون عمن ظلمهم .قيل :نزلت في عمر حين شتم بمكة .وقيل :فهي أبي بكر حين لمه الناس
على إنفاق مال كله وحيهن شتهم فحلم .وعهن علي رضهي ال عنهه قال :اجتمهع لبهي بكهر مال مرة،
فتصهدق بهه كله فهي سهبيل الخيهر؛ فلمهه المسهلمون وخطأه الكافرون فنزلت" :فمها أوتيتهم مهن شيهء
فمتاع الحياة الدنيها ومها عنهد ال خيهر وأبقهى للذيهن آمنوا وعلى ربههم يتوكلون -إلى قوله وإذا مها
غضبوا هم يغفرون" .وقال ابن عباس :شتم رجل من المشركين أبا بكر فلم يرد عليه شيئا؛ فنزلت
الية .وهذه من محاسن الخلق؛ يشفقون على ظالمهم ويصفحون لمن جهل عليهم؛ يطلبون بذلك
ثواب ال تعالى وعفوه؛ لقوله تعالى فهي آل عمران" :والكاظميهن الغيهظ والعافيهن عهن الناس" [آل
عمران .]134 :وهو أن يتناولك الرجل فتكظم غيظك عنه .وأنشد بعضهم:
ووهبت ذاك له على علمي إني عفوت لظالمي ظلمي
حتى بكيت له من الظلم مازال يظلمني وأحرمه
**3اليهة{ 38 :والذيهن اسهتجابوا لربههم وأقاموا الصهلة وأمرههم شورى بينههم وممها رزقناههم
ينفقون}
@قوله تعالى" :والذيهن اسهتجابوا لربههم وأقاموا الصهلة" قال عبدالرحمهن بهن زيهد :ههم النصهار
بالمدينة؛ استجابوا إلى اليمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثنى عشر نقيبا منهم قبل الهجرة" .وأقاموا
الصههلة" أي أدوههها لمواقيتههها بشروطههها وهيئاتههها" .وأمرهههم شورى بينهههم" أي يتشاورون فههي
المور .والشورى مصدر شاورته؛ مئل البشرى والذكرى ونحوه .فكانت النصار قبل قدوم النبي
صهلى إليههم إذا أرادوا أمرا تشاوروا فيهه ثهم عملوا عليهه؛ فمدحههم ال تعالى بهه؛ قاله النقاش .وقال
الحسهن :أي إنههم لنقيادههم إلى الرأي فهي أمورههم متفقون ل يختلفون؛ فمدحوا باتفاق كلمتههم .قال
الحسهن :مها تشاور قوم قهط إل هدوا لرشهد أمورههم .وقال الضحاك :ههو تشاورههم حيهن سهمعوا
بظهور رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،وورد النقباء إليههم حتهى اجتمهع رأيههم فهي دار أبهي أيوب
على اليمان بهه والنصهرة له .وقيهل تشاورههم فيمها يعرض لههم؛ فل يسهتأثر بعضههم بخهبر دون
بعض .وقال ابن العربي :الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب ،وما تشاور
قوم إل هدوا .وقد قال الحكيم:
برأي لبيب أومشورة حازم إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
فإن الخوافي قوة للقوادم ول تجعل الشورى عليك غضاضة
فمدح ال المشاورة فههي المور بمدح القوم الذيههن كانوا يمتثلون ذلك .وقههد كان النههبي صههلى ال
سهبحانه يشاور أصهحابه فهي الراء المتعلقهة بمصهالح الحروب؛ وذلك فهي الراء كثيهر .ولم يكهن
يشاورههم فهي الحكام؛ لنهها منزلة مهن عنهد ال على جميهع القسهام مهن الفرض والندب والمكروه
والمباح والحرام .فأمهها الصههحابة بعههد اسههتئثار ال تعالى بههه علينهها فكانوا يتشاورون فههي الحكام
ويستنبطونها من الكتاب والسنة .وأول مها تشاور فيه الصهحابة الخلفهة؛ فإن النبي صهلى ال عليه
وسهلم لم ينهص عليهها حتهى كان فيهها بيهن أبهي بكهر والنصهار مها سهبق بيانهه .وقال عمهر رضهي ال
عنهه :نرضهى لدنيانها مهن رضيهه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لديننها وتشاوروا فهي أههل الردة
فاستقر رأي أبي بكر على القتال .وتشاوروا في الجد وميراثه ،وفي حد الخمر وعدده .وتشاوروا
بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم في الحروب؛ حتى شاور عمر الهرمزان حين وفد عليه مسلما
فهي المغازي ،فقال له الهرمزان :مثلهها ومئل مهن فيهها مهن الناس مهن عدو المسهلمين مثهل طائر له
ريهش وله جناح فإن كسهر أحهد الجناحيهن نهضهت الرجلن بجناح والرأس وإن كسهر الجناح الخهر
نهضههت الرجلن والرأس وإن شدخ الرأس ذهههب الرجلن والجناحان .والرأس كسههرى والجناح
الواحهد قيصهر والخهر فارس؛؛ فمهر المسهلمين فلينفروا إلى كسهرى ...وذكهر الحديهث .وقال بعهض
العقلء :مهها أخطأت قههط ! إذا حزبنههي أمههر شاورت قومههي ففعلت الذي يرون؛ فإن أصههبت فيهههم
المصيبون ،وإن أخطأت فهم المخطئون.
قهد مضهى فهي "آل عمران"مها تضمنتهه الشورى مهن الحكام عنهد قوله تعالى" :وشاورههم فهي
المههر" [آل عمران ]159 :والمشورة بركههة .والمشورة :الشورى ،وكذلك المشورة (بضههم
الشين)؛ تقول منه :شاورته في المر واستشرته بمعنى .وروى الترمذي عن أبي هريرة قال :قال
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إذا كان أمراؤكهم خياركهم وأغنياؤكهم سهمحاءكم وأمركهم شورى
بينكم فظهر الرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلءكم وأموركم
إلى نسهائكم فبطهن الرض خيهر لكهم مهن ظهرهها) .قال حديهث غريهب" .وممها رزقناههم ينفقون" أي
ومما أعطيناهم يتصدقون .وقد تقدم في "البقرة".
**3اليهة{ 43 - 39 :والذيهن إذا أصهابهم البغهي ههم ينتصهرون ،وجزاء سهيئة سهيئة مثلهها فمهن
عفها وأصهلح فأجره على ال إنهه ل يحهب الظالميهن ،ولمهن انتصهر بعهد ظلمهه فأولئك مها عليههم مهن
سبيل ،إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم،
ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور}
@قوله تعالى" :والذين إذا أصابهم البغي" أي أصابهم بغي المشركين .قال ابن عباس :وذلك أن
المشركين بغوا على رسول ال صلى ال عيله وسلم وعلى أصحابه وآذوهم وأخرجوهم من مكة
فأذن ال لهم بالخروج ومكن لهم في الرض ونصرهم على من بغى عليهم؛ وذلك قوله في سورة
الحج" :أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير .الذين أخرجوا[ "...الحج39 :
]40 -اليات كلها .وقيل :هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره ،أي إذا نالهم ظلم .من ظالم
لم يستسلموا لظلمه .وهذه إشارة إلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود .قال ابن
العربي :ذكر ال النتصار في البغي في معرض المدح ،وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر
فههي معرض المدح؛ فاحتمههل أن يكون أحدهمهها رافعهها للخههر ،واحتمههل أن يكون ذلك راجعهها إلى
حالتيهن؛ إحداهمها أن يكون الباغهي معلنها بالفجور؛ وقحها فهي الجمهور ،مؤذيها للصهغير والكهبير؛
فيكون النتقام منهه أفضهل .وفهي مثله قال إبراهيهم النخعهي :كانوا يكوهون أن يذلوا أنفسههم فتجترئ
عليههم الفسهاق .الثانيهة :أن تكون الفلتهة ،أو يقهع ذلك ممهن يعترف بالزلة ويسهأل المغفرة؛ فالعفهو هها
هنا أفضل ،وفي مثله نزلت" :وأن تعفوا أقرب للتقوى" [البقرة .]237 :وقوله" :فمن تصهدق به
فههو كفارة له" [المائدة .]45 :وقوله" :وليعفوا وليصهفحوا أل تحبون أن يغفهر ال لكهم" [النور:
.]22
قلت :هذا حسهن ،وهكذا ذكهر الكيها الطهبري فهي أحكامهه قال :قوله تعالى" :والذيهن إذا أصهابهم
البغهي ينتصهرون" يدل ظاهره على أن النتصهار فهي هذا الموضهع أفضهل؛ أل ترى أنهه قرنهه إلى
ذكهر السهتجابة ل سهبحانه وتعالى وإقام الصهلة؛ وههو محمول على مها ذكهر إبراهيهم النخعهي أنههم
كانوا يكرهون للمؤمنيههن أن يذلوا أنفسهههم فتجترئ عليهههم الفسههاق؛ فهذا فيمههن تعدى وأصههر على
ذلك .والموضهع المأمور فيهه بالعفهو إذا كان الجانهي نادمها مقلعها .وقهد قال عقيهب هذه اليهة" :ولمهن
أنتصهر بعهد ظلمهه فأولئك مها عليههم مهن سهبيل" .ويقتضهي ذلك إباحهة النتصهار ل المهر بهه ،وقهد
عقبهه بقوله" :ولمهن صهبر وغفهر إن ذلك لمهن عزم المور" .وههو محمول على الغفران عهن غيهر
المصر ،فأما المصر على البغي والظلم فالفضل النتصار منه بدللة الية التي قبلها .وقيل :أي
إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه؛ قال ابن بحر .وهو راجع إلى العموم
على ما ذكرنا.
@قوله تعالى" :وجزاء سيئة سيئة مثلها" قال العلماء :جعل ال المؤمنين صنفين؛ صنف يعفون
عهههن الظالم فبدأ بذكرههههم فهههي قول "وإذا مههها غضبوا ههههم يغفرون" [الشورى .]37 :وصهههنف
ينتصرون من ظالمهم .ثم بين حد النتصار بقول" :وجزاء سيئة سيئة مثلها" فينتصر ممن ظلمه
مهن غيهر أن يعتدي .قال مقاتهل وهشام بهن حجيهر :هذا فهي المجروج ينتقهم مهن الجارج بالقصهاص
دون غيره من سب أوشتم .وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان .قال سفيان :وكان ابن شبرمة يقول:
ليس بمكة مثل هشام .وتأول الشافعي في هذه الية أن للنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما
خانهه مهن غيهر علمهه؛ واسهتشهد فهي ذلك بقول النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لهنهد زوج أبهي سهفيان:
(خذي من ماله ما يكفيك وولدك) فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه .وقد مضى الكلم في هذا مستوفى
فههي "البقرة" .وقال ابههن أبههي نجيههح :إنهه محمول على المقابلة فههي الجراح .وإذا قال :أخزاه ال أو
لعنههه ال أن يقول مثله .ول يقابههل القذف بقذف ول الكذب بكذب .وقال السههدي :إنمهها مدح ال مههن
انتصهر ممهن بغهى عليهه مهن غيهر اعتداء بالزيادة على مقدار مها فعهل بهه؛ يعنهي كمها كانهت العرب
تفعله .وسهمي الجزاء سهيئة لنهه فهي مقابلتهها؛ فالول سهاء هذا فهي مال أو بدن ،وهذا القتصهاص
يسوءه بمثل ذلك أيضا؛ وقد مضى هذا كله في "البقرة" مستوفى.
@قوله تعالى" :فمهن عفها وأصهلح" قال ابهن عباس :مهن ترك القصهاص وأصهلح بينهه وبيهن الظالم
بالعفهو "فأجره على ال" أي إن ال يأجره على ذلك .قال مقاتهل :فكان العفهو مهن العمال الصهالحة
وقد مضى في "آل عمران" في هذا ما فيه كفاية ،والحمد ل .وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن
الحسهين رضهي ال عنههم قال :إذا كان يوم القيامهة نادى مناد أيكههم أههل الفضهل ؟ فيقوم ناس مهن
الناس؛ فيقال :انطلقوا إلى الجنهة فتتلقاههم الملئكهة؛ فيقولون إلى أيهن ؟ فيقولن إلى الجنهة؛ قالوا قبهل
الحساب ؟ قالوا من أنتم ؟ قالوا أهل الفضل؛ قالوا وما كان فضلكم ؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا
وإذا ظلمنها صهبرنا وإذا سهيء إلينها عفونها؛ قالوا ادخلوا الجنهة فنعهم أجهر العامليهن .وذكهر الحديهث.
"إنهه ل يحهب الظالميهن" أي مهن بدأ بالظلم؛ قاله سهعيد بهن جهبير .وقيهل :ل يحهب مهن يتعدى فهي
القتصاص ويجاوز الحد؛ قاله ابن عيسى.
@قوله تعالى" :ولمن انتصر بعد ظلمه" أي المسلم إذا انتصر من الكافر فل سبيل إلى لومه ،بل
يحمد على ذلك مع الكافر .ول لوم إن أنتصر الظالم من المسلم؛ فالنتصار من الكافر حتم ،ومن
المسلم مباح ،والعفو مندوب "فأولئك ما عليهم من سبيل" دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه.
وهذا ينقسههم ثلثههة أقسههام :أحدههها :أن يكون قصههاصا فههي بدن يسههتحقه آدمههي ،فل حرج عليههه إن
استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام ،لكن يزجره المام في تفوته بالقصاص لما فيه من
الجرأة على سهفك الدم .وإن كان حقهه غيهر ثابهت عنهد الحاكهم فليهس عليهه فيمها بينهه وبيهن ال حرج؛
وهو الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب .القسم الثاني :أن يكون حد ال تعالى لحق لدمي فيه
كحد الزنى وقطع السرقة؛ فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه ،وإن ثبت عند حاكم
نظهر ،فإن كان قطعها فهي سهرقة سهقط بهه الحهد لزوال العضهو المسهتحق قطعهه ،ولم يجهب عليهه فهي
ذلك حههق لن التعزيههر أدب ،وإن كان جلدا لم يسههقط بههه الحههد لتعديههه مههع بقاء محله فكان مأخوذا
بحكمهه .القسهم الثالث :أن يكون حقها فهي مال؛ فيجوز لصهاحبه أن يغالب على حقهه حتهى يصهل إليهه
إن كان ممن هو عالم به ،لن كان غير عالم نظر ،فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له
الستسرار بأخذه .لن كان ل يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له ففي
جواز اسهتسراره بأخذه مذهبان :أحدهمها :جوازه؛ وههو قول مالك والشافعهي .الثانهي :المنهع؛ وههو
قول أبي حنيفة.
@قوله تعالى" :إنما السبيل على الذين يظلمون الناس" أي بعدوانهم عليهم؛ في قول أكثر العلماء.
وقال ابهن جريهج :أي يظلمونههم بالشرك المخالف لدينههم" .ويبغون فهي الرض بغيهر الحهق أولئك
لههههم عذاب أليهههم" أي فهههي النفوس والموال؛ فهههي قول الكثريهههن .وقال مقاتهههل :بغيههههم عملههههم
بالمعاصي .وقال أبو مالك :هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير السلم دينا .وعلى هذا
الحهد قال ابهن زيهد :إن هذا كله منسهوخ بالجهاد ،لن هذا للمشركيهن خاصهة .وقول قتادة :إنهه عام؛
وكذا يدل ظاهر الكلم .وقد بيناه والحمد ل.
@ قال ابهن العربهي :هذه اليهة :فهي مقابلة اليهة المتقدمهة فهي "براءة" وههي قوله" :مها على
المحسنين من سبيل" [التوبة]91 :؛ فكما نفى ال السبيل عمن أحسن فكذلك نفاها على من ظلم؛
واستوفى ببان القسمين.
@ واختلف علماؤنها فهي السهلطان يضهع على أههل بلد مال معلومها بأخذههم بهه ويؤدونهه على قدر
أموالههم؛ ههل لمهن قدر على الخلص مهن ذلك أن يفعهل ،وههو إذا تخلص أخهذ سهائر أههل البلد بتمام
ما جعل عليهم .فقيل ل؛ وهو قول سحنون من علمائنا .وقيل :نعم ،له ذلك إن قدر على الخلص؛
وإليهه ذههب أبهو جعفهر أحمهد بهن نصهر الداودي ثهم المالكهي .قال :ويدل عليهه قول مالك فهي السهاعي
يأخهذ مهن غنهم أحهد الخلطاء شاة وليهس فهي جميعهها نصهاب إنهها مظلمهة على من أحذت له ل يرجهع
على أصحابه بشيء .قال :ولست آخذ بما روي عن سحنون؛ لن الظلم ل أسوة فيه ،ول يلزم أحد
أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره ،وال سبحانه يقول" :إنما السبيل على
الذين يظلمون الناس".
@ واختلفهت العلماء فهي التحليهل؛ فكان ابهن المسهيب ل يحلل أحدا مهن عرض ول مال .وكان
سهليمان بهن يسهار ومحمهد بهن سهيرين يحللن مهن العرض والمال .ووأى مالك التحليهل مهن المال
دون العرض .روى ابهن القاسهم وابهن وههب عهن مالك وسهئل عهن قول سهعيد بهن المسهيب "ل أحلل
أحدا" فقال :ذلك يختلف؛ فقلت له يا أبا عبدال ،الرجل يسلف الرجل فيهلك ول وفاء له؟ قال :أرى
أن يحلله وههههو أفضهههل عندي؛ فان ال تعالى :يقول" :الذيهههن يسهههتمعون القول فيتبعون أحسهههنه"
[الزمر .]18 :فقيل له :الرجل يظلم الرجل؟ فقال :ل أرى ذلك ،هو عندي مخالف للول ،يقول
ال تعالى" :إنمها السهبيل على الذيهن يظلمون الناس" ويقول تعالى" :مها على المحسهنين مهن سهبيل"
التوبهة ]91 :فل أرى أن يجعله مهن ظلمهه فهي حهل .قال ابهن العربهي :فصهار فهي المسهألة ثلثهة
أقوال :أحدها :ل يحلله بحال؛ قال سعيد بن المسيب .الثاني :يحلله؛ قاله محمد بن سيرين .الثالث:
إن كان مال حلله وإن كان ظلمههها لم يحلله؛ وههههو قول مالك .وجهههه الول أل يحلل مههها حرم ال؛
فيكون كالتبديهل لحكهم ال .ووجهه الثانهي أنهه حقهه فله أن يسهقط كمها يسهقط دمهه وعرضهه .ووجهه
الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله ،وإن كان
ظالمها فمهن الحهق أل تتركهه لئل تغتهر الظلمهة ويسهترسلوا فهي أفعالههم القبيحهة .وفهي صهحيح مسهلم
حديث أبي اليسهر الطويل وفيه أنه قال لغريمه :اخرج إلي ،فقد علمت أين أنت؛ فخرج؛ فقال :ما
حملك على أن اختبأت مني؟ قال :أنا وال أحدثك ثم ل أكذبك ،خشيت وال أن أحدثك فأكذبك ،وأن
أعدك فأخلفهك ،وكنهت صهاحب رسهول ال صهلى صهلى ال عليهه وسهلم ،وكنهت وال معسهرا .قال
قلت :آل؟ قال ال؛ قال :فأتى بصحيفة فمحاها فقال :إن وجدت قضاء فأقض ،وإل فأنت في حل...
وذكههر الحديههث .قال ابههن العربههي :وهذا فههي الحههي الذي يرجههى له الداء لسههلمة الذمههة ورجاء
التمحهل ،فكيهف بالميهت الذي ل محاللة له ول ذمهة معهه .العاشرة :قال بعهض العلماء :إن مهن ظلم
وأخهذ له مال فإنمها له ثواب مها أحتبهس عنهه إلى موتهه ،ثهم يوجهع الثواب إلى ورثتهه ،ثهم كذلك إلى
آخرههم؛ لن المال يصهير بعده للوارث .قال أبهو جعفهر الداودي المالكهي :هذا صهحيح فهي النظهر؛
وعلى هذا القول إن مات الظالم قبل من ظلمه ولم يترك شيئا أو ترك ما لم يعلم وارثه فيه بظلم لم
تنتقل تباعة المظلوم إلى ورثة الظالم؛ لنه لم يبق للظالم ما يستوجبه ورثة المظلوم.
@قوله تعالى" :ولمهن صهبر وغفهر" أي صهبر على الذى و"غفهر" أي ترك النتصهار لوجهه ال
تعالى؛ وهذا فيمهن ظلمهه مسههلم .ويمكههى أن رجل سههب رجل فههي مجلس الحسههن رحمههه ال فكان
المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ،ثم قام فتل هذه الية؛ فقال الحسن :عقلها وال ! وفهمها إذ
ضيعها الجاهلون .وبالجملة العفو مندوب إليه ،ثم قد ينعكس المر في بعض الحوال فيرجع ترك
العفهو مندوبها إليهه كمها تقدم؛ وذلك إذا أحتيهج إلى كهف زيادة البغهي وقطهع مادة الذى ،وعهن النهبي
صلى ال عليه وسلم ما يدل عليه ،وهو أن زينب أسمعت عائشة رضي ال عنهما بحضرته فكان
ينهاها فل تنتهي ،فقال لعائشة( :دونك فانتصري) خرجه مسلم في صحيحه بمعناه .وقيل" :صبر"
عهن المعاصهي وسهتر على المسهاوئ" .إن ذلك لمهن عزم المور" أي مهن عزائم ال التهي أمهر بهها.
وقيهل :مهن عزائم الصهواب التهي وفهق لهها .وذكهر الكلبهي والفراء أن هذه اليهة نزلت فهي أبهي بكهر
الصديق رضي ال عنه مع ثلث آيات قبلها ،وقد شتمه بعض النصار فرد عليه ثم أمسك .وهي
المدنيات من هذه السورة .وقيل :هذه اليات في المشركين ،وكان هذا في ابتداء السلم قبل المر
بالقتال ثهم نسهختها آيهة القتال؛ وههو قول ابهن زيهد ،وقهد تقدم .وفهي تفسهير ابهن عباس "ولمهن انتصهر
بعههد ظلمههه" يريههد حمزة بههن عبدالمطلب ،وعهبيدة وعليهها وجميههع المهاجريههن رضوان ال عليهههم.
"فأولئك ما عليهم من سبيل" يريد حمزة بن عبدالمطلب وعبيدة وعليا رضوان ال عليهم أجمعين.
"إنمها السهبيل على ،الذيهن يظلمون الناس" يريهد عتبة بهن ربيعهة وشيبهة بن ربيعهة والوليد بن عتبة
وأبها جههل والسهود ،وكهل مهن قاتهل مهن المشركيهن يوم بدر" .ويبغون فهي الرض" يريهد بالظلم
والكفر" .أولئك لهم عذاب أليم" يريد وجيع" .ولمن صبر وغفر" يريد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة
بهن الجراح ومصهعب بهن عميهر وجميهع أههل بدر رضوان ال عليههم أجمعيهن" .إن ذلك مهن عزم
المور" حيث قبلوا الفداء وصبروا على الذى.
**3الية{ 44 :ومن يضلل ال فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون
هل إلى مرد من سبيل}
@قوله تعالى" :ومن يضلل ال" أي يخذله "فما له من ولي من بعده" هذا فيمن أعرض عن النبي
صلى ال عليه وسلم فيما دعاه إليه من اليمان بال والمودة في القربي ،ولم يصدقه في البعث وأن
متاع الدنيا قليل .أي من أضله ال عن هذه الشياء فل يهديه هاد" .وترى الظالمين" أي الكافرين.
"لما رأوا العذاب" يعني جهنم .وقيل رأوا العذاب عند الموت" .يقولون هل إلى مرد من سبيل"
يطلبون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة ال فل يجابون إلى ذلك.
**3الية{ 45 :وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين
آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل إن الظالمين في عذاب مقيم}
@قوله تعالى" :وتراهم يعرضون عليها" أي على النار لنها عذابهم؛ فكنى عن العذاب المذكور
بحرف التأنيهث لن ذلك العذاب ههو النار إن شئت جهنهم ،ولو راعهى اللفهظ لقال عليهه .ثهم قيهل :ههم
المشركون جميعهها يعرضون على جهنههم عنههد انطلقهههم إليههها؛ قال الكثرون .وقيههل :آل فرعون
خصهوصا ،تحبهس أرواحههم فهي أجواف طيهر سهود تغدو على جهنهم وتروح؛ فههو عرضههم عليهها؛
قاله ابن مسعود .وقيل :إنهم عامة المشركين ،تعرض عليهم ذنوبهم في قبورهم ،ويعرضون على
العذاب فهي قبورههم؛ وهذا معنهى قول أبهي الحجاج" .خاشعيهن مهن الذل" ذههب بعهض القراء إلى
الوقهف على "خاشعيهن" .وقوله" :مهن الذل" متعلق بهه "ينتظرون" .وقيهل :متعلق بهه "خاشعيهن".
والخشوع النكسار والتواضع .ومعنى "ينظرون من طرف خفي" أي ل يرفعون أبصارهم للنظر
رفعها تامها؛ لنههم ناكسهو الرؤوس .والعرب تصهف الذليهل بغهض الطرف ،كمها يسهتعملون فهي ضده
حديد النظر إذا لم يتهم بريبة فيكون عليه منها غضاضة .وقال مجاهد" :من رف خفي" أي ذليل،
قال :وإنمها ينظرون بقلوبههم لنههم يحشرون عميها ،وعيهن القلب طرف خفهي .وقال قتادة والسهدي
والقرظهي ومعيهد بهن جهبير :يسهارقون النظهر مهن شدة الخوف .وقيهل :المعنهى ينظرون مهن عيهن
ضعيفهة النظهر .وقال يونهس" :مهن" بمعنهى الباء؛ أي ينظرون بطرف خفهي ،أي ضعيهف مهن الذل
والخوف ،ونحوه عن الخفش .وقال ابن عباس :بطرف ذابل ذليل .وقيل :أي يفزعون أن ينظروا
إليها بجميع أبصارهم لما يرون من أصناف العذاب.
@قوله تعالى" :وقال الذيهن آمنوا إن الخاسهرين الذيهن خسهروا أنفسههم وأهليههم يوم القيامهة" أي
يقول المؤمنون فهي الجنهة لمها عاينوا مها حهل بالكفار إن الخسهران فهي الحقيقهة مها صهار إليهه هؤلء
فإنههم خسهروا أنفسههم لنههم فهي العذاب المخلد ،وخسهروا أهليههم لن الههل إن كانوا فهي النار فل
انتفاع بهم ،وإن كانوا في الجنة فقد حيل بينه وبينهم .وقيل :خسران الهل أنهم لو آمنوا لكان لهم
أههل فهي الجنهة مهن الحور العيهن .وفهي سهنن ابهن ماجهة عهن أبهي هريرة قال :قال رسهول ال صهلى
صهلى ال عليهه وسهلم( :مها منكهم مهن أحهد إل له منزلن منزل فهي الجنهة ومنزل فهي النار فإذا مات
فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى" :أولئك هم الوارثون" [المؤمنون .]10 :وقد
تقدم .وفهي مسهند الدارمهي عهن أبهي أمامهة قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :مها مهن أحهد
يدخله ال الجنة إل زوجه اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار
ومها منههن واحدة إل ولهها قبهل شههي وله ذكهر ل ينثنهي) .قال هشام بهن خالد( :مهن ميراثهه مهن أههل
النار) يعنههي رجال أدخلوا النار فورث أهههل الجنههة نسههاءهم كمهها ورثههت امرأة فرعون" .أل إن
الظالمين في عذاب مقيم" أي دائم ل ينقطع .ثم يجوز أن يكون هذا من قول المؤمنين ،ويجوز أن
يكون ابتداء من ال تعالى
**3اليهة{ 46 :ومها كان لههم مهن أولياء ينصهرونهم مهن دون ال ومهن يضلل ال فمها له مهن
سبيل}
@قوله تعالى" :وما كان لهم من أولياء" أي أعوانا ونصراء "ينصرونهم من دون ال" أي من
عذابه "ومن يضلل ال فما له من سبيل" أي طريق يصل به إلى الحق في الدنيا والجنة في الخرة
لنه قد سدت عليه طريق النجاة.
**3اليهة{ 47 :استجيبوا لربكهم من قبل أن يأتهي يوم ل مرد له مهن ال ما لكم من ملجأ يومئذ
وما لكم من نكير}
@قوله تعالى" :استجيبوا لربكم" أي أجيبوه إلى ما دعاكم إليه من اليمان به والطاعة .استجاب
وأجاب بمعنهى؛ وقهد تقدم" .مهن قبهل أن يأتهي يوم ل مرد له مهن ال" يريهد يوم القيامهة؛ أي ل يرده
أحهد بعهد مها حكهم ال بهه وجعله أجل ووقتها" .مها لكهم مهن ملجهأ يومئذ" أي مهن ملجهأ ينجيكهم مهن
العذاب" .ومها لكهم مهن نكيهر" أي مهن ناصهر ينصهركم؛ قال مجاههد .وقيهل :النكيهر بمعنهى المنكهر؛
كالليهم بمعنهى المؤلم؛ أي ل تجدون يومئذ منكرا لمها ينزل بكهم مهن العذاب؛ حكاه ابهن أبهى حاتهم؛
وقال الكلبههي .الزجاج :معناه أنهههم ل يقدرون أن ينكروا الذنوب التههي يوقفون عليههها .وقيههل" :مههن
نكير" أي إنكار ما ينزل بكم من العذاب ،والنكير والنكار تغيير المنكر.
**3اليهة{ 48 :فإن أعرضوا فمها أرسهلناك عليههم حفيظها إن عليهك إل البلغ وإنها إذا أذقنها
النسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن النسان كفور}
@قوله تعالى" :فإن أعرضوا" أي عن اليمان "فما أرسلناك عليهم حفيظا" أي حافظا لعمالهم
حتههى تحاسههبهم عليههها .وقيههل :موكل بهههم ل تفارقهههم دون أن يؤمنوا؛ أي ليههس لك إكراههههم على
اليمان" .إن عليهك إل البلغ" وقيهل :نسهخ هذا بآيهة القتال" .وإنها إذا أذقنها النسهان" الكافهر" .منها
رحمهة" رخاء وصهحة" .فرح بهها" بطهر بهها" .وإن تصهبهم سهيئة" بلء وشدة" .بمها قدمهت أيديههم
فإن النسان كفور" أي لما تقدم من النعمة فيعدد المصائب وينسى النعم.
**3الية{ 49 :ل ملك السماوات والرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء
الذكور ،أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير}
@قوله تعالى" :ل ملك السهماوات والرض" ابتداء وخهبر" .يخلق مها يشاء" مهن الخلق" .يههب
لمهن يشاء إناثها ويههب لمهن يشاء الذكور" قال أبهو عهبيدة وأبهو مالك ومجاههد والحسهن والضحاك:
يههب لمهن يشاء إناثها ل ذكور معههن ،ويههب لمهن يشاء ذكورا ل إناثها معههم؛ وأدخهل اللف واللم
على الذكور دون الناث لنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف .وقال واثلة بن السقع :إن من يمن
المرأة تبكيرهها بالنثهى قبهل الذكهر ،وذلك أن ال تعالى قال" :يههب لمهن يشاء إناثها ويههب لمهن يشاء
الذكور" فبدأ بالناث" .أو يزوجهههم ذكرانهها وإناثهها" قال مجاهههد :هههو أن تلد المرأة غلمهها ثههم تلد
جاريهة ثهم تلد غلمها ثهم تلد جاريهة .وقال محمهد ابهن الحنفيهة :ههو أن تلد توأمها ،غلمها وجاريهة ،أو
يزوجههم ذكرانها وإناثها .قال القتهبي :التزويهج هها هنها ههو الجمهع ببهن البنيهن والبنات؛ تقول العرب:
زوجت إبلي إذا جمعت بين الكبار والصغار" .ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير" أي ل يولد
له؛ يقال :رجل عقيم ،وامرأة عقيم .وعقمت المرأة تعقم عقما؛ مثل حمد يحمد .وعقمت تعقيم ،مثل
عظهم يعظهم .وأصهله القطهع ،ومنهه الملك العقيهم ،أي تقطهع فيهه الرحام بالقتهل والعقوق خوفها على
الملك .وريهح عقيهم؛ أي ل تلقهح سهحابا ول شجرا .ويوم القيامهة يوم عقيهم؛ لنهه ل يوم بعده .ويقال:
نساء عقم وعقم؛ قال الشاعر:
عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم
وحكهى النقاش أن هذه اليهة نزلت فهي النهبياء خصهوصا وإن عهم حكمهها .وههب للوط الناث ليهس
معهن ذكر ،ووهب لبراهيم الذكور ليس معهم أنثى ،ووهب لسماعيل وإسحاق الذكور والناث،
وجعهل عيسهى ويحيهى عقيميهن؛ ونحوه عهن ابهن عباس وإسهحاق بهن بشهر .قال إسهحاق :نزلت فهي
النهبياء ،ثهم عمهت" .يههب لمهن يشاء إناثها" يعنهي لوطها عليهه السهلم ،لم يولد له ذكهر وإنمها ولد له
ابنتان" .ويهههب لمههن يشاء الذكور" يعنههي إبراهيههم عليهه السههلم لم يولد له أنثههى بههل ولد له ثمانيههة
ذكور" .أو يزوجهم ذكرانا وإناثا" يعني رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولد له أربعة بنين وأربع
بنات" .ويجعههل مهن يشاء عقيمهها" يعنههي يحيههى بهن زكريهها عليهمها السهلم؛ لم يذكههر عيسههى .ابهن
العربي :قال علماؤنا "يهب لمن يشاء إناثا" يعني لوطا كان له بنات ولم يكن له ابن" .ويهب لمن
يشاء الذكور" يعنهي إبراهيهم ،كان له بنون ولم يكهن له بنهت .وقول" :أو يزوجههم ذكرانها وإناثها"
يعنهي آدم ،كانهت حواء تلد له فهي كهل بطهن توأميهن ذكرا وأنثهى .ويزوج الذكهر مهن هذا البطهن مهن
النثى من البطن الخر ،حتى أحكم ال التحريم في شرع نوح صلى ال عليه وسلم .وكذلك محمد
صهلى ال عليهه وسهلم كان له ذكور وإناث مهن الولد :القاسهم والطيهب والطاههر وعبدال وزينهب
وأم كلثوم ورقيهة وفاطمهة؛ وكلههم مهن خديجهة رضهي ال عنهها ،وإبراهيهم وههو مهن ماريهة القبطيهة.
وكذلك قسهم ال الخلق مهن لدن آدم إلى زماننها هذا ،إلى أن تقوم السهاعة ،على هذا التقديهر المحدود
بحكمته البالغهة ومشيئته النافذة؛ ليبقهى النسهل ،ويتمادى الخلق ،وينفهذ الوعهد ،ويحهق المهر ،وتعمهر
الدنيها ،وتأخهذ الجنهة وجهنهم كهل واحدة مها يملؤهها ويبقهى .ففهي الحديهث( :إن النار لن تمتلئ حتهى
يضع الجبار فيها قدمه ،فتقول قط قط .وأما الجنة فيبقى منها فينشئ ال لها خلقا آخر).
@ قال ابهن العربهي :إن ال تعالى لعموم قدرتهه وشديهد قوتهه يخلق الخلق ابتداء مهن غيهر شيهء،
وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء ل عن حاجة؛ فإنه قدوس عن الحاجات سلم عن
الفات ،كمهها قال القدوس السههلم؛ فخلق آدم مههن الرض وخلق حواء مههن آدم وخلق النشأة مههن
بينهما منهما مرتبا على الوطء كائنا عن الحمل موجودا في الجنين بالوضع؛ كما قال النبي صلى
ال عليههه وسههلم( :إذا سههبق ماء الرجههل ماء المرأة أذكرا وإذا .سههبق ماء المرأة ماء الرجههل آنثهها).
وكذلك فهي الصهحيح أيضها( :إذا عل ماء الرجهل ماء المرأة أشبهه الولد أعمامهه وإذا عل ماء المرأة
ماء الرجل أشبه الولد أخواله).
قلت :وهذا معنى حديث عائشة ل لفظه خرجه مسلم من حديث عروة بن الزبير عنها أن امرأة
قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم :هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال( :نعم)
فقالت لهها عائشهة :تربهت يداك وألت؛ فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :دعيهها وههل يكون
الشبهه إل مهن قبهل ذلك .إذا عل ماؤهها ماء الرجهل أشبهه الولد أخواله وإذا عل ماء الرجهل ماءهها
أشبه أعمامه) .قال علماؤنا :فعلى مقتضى هذا الحديث أن العلو يقتضي الشبه؛ وقد جاء في حديث
ثوبان خرجهه مسهلم أيضها أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال لليهودي( :ماء الرجهل أبيهض وماء
المرأة أصهفر ،فإذا اجتمعها فعل منهي الرجهل منهي المرأة أذكرا بإذن ال وإذا عل منهي المرأة منهي
الرجل آنثا بإذن ال )...الحديث .فجعل في هذا الحديث أيضا العلو يقتضي الذكورة والنوثة؛ فعلى
مقتضهى الحديثيهن يلزم اقتران الشبهه للعمال والذكورة إن عل منهي الرجهل ،وكذلك يلزم إن عل
منههي المرأة اقتران الشبههه للخوال والنوثههة؛ لنهمهها معلول علة واحدة ،وليههس المههر كذلك بههل
الوجود بخلف ذلك؛ لنا نجد الشبه للخوال والذكورة والشبه للعمام والنوثة فتعين تأويل أحد
الحديثيههن .والذي يتعيههن تأويله الذي فههي حديههث ثوبان فيقال :إن ذلك العلو معناه سههبق الماء إلى
الرحهم ،ووجهه أن العلو لمها كان معناه الغلبهة مهن قولههم سهابقني فلن فسهبقته أي غلبتهه؛ ومنهه قوله
تعالى" :وما نحن بمسبوقين" [الواقعة ]60 :أي بمغلوبين ،قيل عليه عل .ويؤيد هذا التأويل قوله
في الحديث( :إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا) .وقد بنى
القاضهي أبهو بكهر بهن العربهي على هذه الحاديهث بناء فقال :إن للماءيهن أربعهة أحوال :الول :أن
يخرج ماء الرجههههل أول ،الثانههههي :أن يخرج ماء المرأة أول ،الثالث :أن يخرج ماء الرجههههل أول
ويكون أكثهر ،الرابهع :أن يخرج ماء المرأة أول ويكون أكثهر .ويتهم التقسهيم بأن يخرج ماء الرجهل
أول ثم يخرج ماء المرأة بعده ويكون أكثر أو بالعكس؛ فإذا خرج ماء الرجل أول وكان أكثر جاء
الولد ذكرا بحكههم السههبق وأشبههه الولد أعمامهه بحكههم الكثرة .وإن خرج ماء المرأة أول وكان أكثههر
جاء الولد أنثهى بحكهم السهبق وأشبهه أخواله بحكهم الغلبهة .وإن خرج ماء الرجهل أول لكهن لمها خرج
ماء المرأة بعده كان أكثهر كان الولد ذكرا بحكهم السهبق وأشبهه أخواله بحكهم غلبهة ماء المرأة ،وإن
سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلى من ماء المرأة ،كان الولد أنثى بحكم سبق ماء
المرأة وأشبههه أعمامههه بحكههم غلبههة ماء الرجههل .قال :وبانتظام هذه القسههام يسههتتب الكلم ويرتفههع
التعارض عن الحاديث ،فسبحان الخالق العليم
@ قال علماؤنا :كانت الخلقة مستمرة ذكرا وأنثى إلى أن وقع في الجاهلية الولى الخنثى فأتي به
فريض العرب ومعمرها عامر بن الظرب فلم يدر ما يقول فيه وأرجأهم عنه؛ فلما جن عليه الليل
تنكهر موضعهه ،وأقهض عليهه مضجعهه ،وجعهل يتقلب ويتقلب ،وتجيهء بهه الفكار وتذههب ،إلى أن
أنكرت خادمهه حاله فقالت :مها بهك؟ قال لهها :سههرت لمهر قصهدت بهه فلم أدر مها أقول فيهه ؟ فقالت
ما هو؟ قال لها :رجل له ذكر وفرج كيف يكون حاله في الميراث ؟ قالت له المة :ورثه من حيث
يبول؛ فعقلهها وأصهبح فعرضهها عليههم وانقلبوا بهها راضيهن .وجاء السهلم على ذلك فلم تنزل إل
في عهد علي رضي ال عنه فقضى فيها .وقد روى الفرضيون عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث ؟ قال :من
حيث يبول .وروي أنه أتى بخنثى من النصار فقال( :ورثوه من أول ما يبول) .وكذا روى محمد
ابهن الحنفيهة عهن علي ،ونحوه عهن ابهن عباس ،وبهه قال ابهن المسهيب وأبهو حنيفهة وأبهو يوسهف
ومحمهد ،وحكاه المزنهي عهن الشافعهي .وقال قوم :ل دللة فهي البول؛ فإن خرج البول منهمها جميعها
قال أبو يوسف :يحكم بالكثر .وأنكره أبو حنيفة وقال :أتكيله ! ولم يجعل أصحاب الشافعي للكثرة
حكمها .وحكهي عهن علي والحسهن أنهمها قال :تعهد أضلعهه ،فإن المرأة تزيهد على الرجهل بضلع
واحد .وقد مضى ما للعلماء في هذا في آية المواريث في "النساء" مجودا والحمد ل.
@ قال القاضي أبو بكر بن العربي :وقد أنكر قوم من رؤوس العوام وجود الخنثى ،لن ال تعالى
قسهم الخلق إلى ذكهر وأنثهى .قلنها :هذا جههل باللغهة ،وغباوة عهن مقطهع الفصهاحة ،وقصهور عهن
معرفههة سههعة القدرة .أمهها قدرة ال سههبحانه فإنههه واسههع عليههم ،وأمهها ظاهههر القرآن فل ينفههي وجود
الخنثهههى؛ لن ال تعالى قال" :ل ملك السهههماوات والرض يخلق مههها يشاء" .فهذا عموم مدح فل
يجوز تحصهيصه؛ لن القدرة تقتضيهه .وأمها قوله" :يههب لمهن يشاء إناثها ويههب لمهن يشاء الذكور.
أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما" فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات ،وسكت
عن ذكر النادر لدخول تحت عموم الكلم الول ،والوجود يشهد له والعيان يكذب منكره ،وقد كان
يقرأ معنهها برباط أبههي سههعيد على المام الشهيههد مههن بلد المغرب خنثههى ليههس له لحيههة وله ثديان
وعنده جاريههة؛ فربههك أعلم بههه ،ومههع طول الصههحبة عقلنههي الحياء عههن سههؤال ،وبودي اليوم لو
كاشفته عن حاله.
**3اليهة{ 51 :ومها كان لبشهر أن يكلمهه ال إل وحيها أو مهن وراء حجاب أو يرسهل رسهول
فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}
@قوله تعالى" :وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا" سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى ال
عليه وسلم :أل تكلم ال وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه؛ فإنا لن نؤمن لك حتى
تفعل ذلك .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :إن موسى لن ينظر إليه) فنزل قوله" :وما كان لبشر
أن يكلمه ال إل وحيا"؛ ذكره النقاش والواحدي والثعلبي" .وحيا" قال مجاهد :نفث ينفث في قلبه
فيكون إلهاما؛ ومنه قوله صلى ال عليه وسلم( :إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت
حتى تستكمل ،رزقها وأجلها فاتقوا ال وأجملوا في الطلب .خذوا ما حل ودعوا ما حرم)" .أو من
وراء حجاب" كما كلم موسى" .أو يرسل رسول" كإرساله جبريل عليه السلم .وقيل" :إل وحيا"
رؤيها يراهها فهي منامهه؛ قال محمهد بهن زهيهر" .أو مهن وراء حجاب" كمها كلم موسهى" .أو يرسهل
رسول" قال زهير :هو جبريل عليه السلم" .فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم" وهذا الوحي
مهن الرسهل خطاب منههم للنهبياء يسهمعونه نطقها ويرونهه عيانها .وهكذا كانهت حال جبريهل عليهه
السلم إذا نزل بالوحي على النبي صلى ال عليه وسلم .قال ابن عباس :نزل جبريل عليه السلم
على كهل نهبي فلم يره منههم إل محمهد وعيسهى وموسهى وزكريها عليههم السهلم .فأمها غيرههم فكان
وحيا إلهاما في المنام .وقل" :إل وحيا" بإرسال جبريل "أومن وراء حجاب" كما كلم موسى" .أو
يرسههل رسههول" إلى الناس كافههة .وقرأ الزهري وشيبههة ونافههع "أو يرسههل رسههول فيوحههي" برفههع
الفعليهن .الباقون بنصهبهما .فالرفهع على السهتئناف؛ أي وههو يرسهل .وقيهل" :يرسهل" بالرفهع فهي
موضع الحال؛ والتقدير إل موحيا أومرسل .ومن نصب عطفوه على محل الوحي؛ لن معناه وما
كان لبشهر أن يكلمهه ال إل أن يوحهي أويرسهل .ويجوز أن يكون النصهب على تقديهر حذف الجار
مهن أن المضمرة .ويكون فهي موضهع الحال؛ التقديهر أو بأن يرسهل رسهول .ول يجوز أن يعطهف
"أو يرسل" بالنصب على "أن الكلمة" لفساد المعنى؛ لنه يصير :ما كان لبشر أن يرسله أو أن
يرسل إليه رسول ،وهو قد أرسل الرسل من البشر وأرسل إليهم.
@ احتج بهذه الية من رأى فيمن حلف أل يكلم رجل فأرسل إليه رسول أنه حانث ،لن المرسل
قههد سههمي فيههها مكلمهها للمرسههل إليههه؛ إل أن ينوي الحالف المواجهههة بالخطاب .قال ابههن المنذر:
واختلفوا فههي الرجههل يحلف أل يكلم فلنهها فكتههب إليههه كتابهها أوأرسههل إليههه رسههول؛ فقال الثوري:
الرسهول ليهس بكلم .وقال الشافعهي :ل يهبين أن يحنهث .وقال النخعهي :والحكهم فهي الكتاب يحنهث.
وقهل له مالك :يحنهث فهي الكتاب والرسهول .وقال مرة :الرسهول أسههل مهن الكتاب .وقال أبهو عبيهد:
الكلم سهوى الخهط والشارة .وقال أبهو ثور :ل يحنهث فهي الكتاب .قال ابهن المنذر :ل يحنهث فهي
الكتاب والرسول.
قلت :وههو قول مالك .قال أبهو عمهر :ومهن حلف أل يكلم رجل فسهلم عليهه عامدا أو سهاهيا ،أو
سلم على جماعة هو فيهم فقد حنث في ذلك كله عند مالك .وإن أرسل إليه رسول أو سلم عليه في
الصلة لم يحنث.
قلت :يحنهث فهي الرسهول إل أن ينوي المشافههة؛ لليهة ،وههو قول مالك وابهن الماجشون .وقهد
مضى في أول "سورة مريم" هذا المعنى عن علمائنا مستوفى ،والحمد ل.
**3الية{ 53 - 52 :وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان
ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ،صراط ال الذي
له ما في السماوات وما في الرض أل إلى ال تصير المور}
@قوله تعالى" :وكذلك أوحينا إليك" أي وكالذي أوحينا إلى النبياء من قبلك أوحينا إليك "روحا"
أي نبوة؛ قاله ابن عباس .الحسن وقتادة :رحمة من عندنا .السدي :وحيا .الكلبي :كتابا .الربيع :هو
جبريههل .الضحاك :هههو القرآن .وهههو قول مالك بههن دينار .وسههماه روحهها لن فيههه حياة مههن موت
الجهل .وجعله من أمره بمعنى أنزل كما شاء على من يشاء من النظم المعجز والتأليف المعجب.
ويمكن أن يحمل قوله" :ويسألونك عن الروح" [السراء ]85 :على القرآن أيضا "قل الروح من
أمهر ربهي" [السهراء ]85 :أي يسهألونك مهن أيهن لك هذا القرآن ،قهل إنهه مهن أمهر ال أنزل علي
معجزا؛ ذكره القشيري .وكان مالك بهن دينار يقول :يها أههل القرآن ،ماذا زرع القرآن فهي قلوبكهم ؟
فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الرض.
@قوله تعالى" :مها كنهت تدري مها الكتاب ول اليمان" أي لم تكهن تعرف الطريهق إلى اليمان.
وظاههر هذا يدل على أنهه مها كان قبهل اليحاء متصهفا باليمان .قال القشيري :وههو مهن مجوزات
العقول ،والذي صار إليه المعظم أن ال ما بعث نبيا إل كان مؤمنا به قبل البعثة .وفيه تحكم ،إل
أن يثبت ذلك بتوقيف مقطوع به .قال القاضي أبو الفضل عياض وأما عصمتهم من هذا الفن قبل
النبوة فللناس فيه خلف؛ والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بال وصفاته والتشكك
فهي شيهء مهن ذلك .وقهد تعاضدت الخبار والثار عهن النهبياء بتنزيهههم عهن هذه النقيصهة منهذ
ولدوا؛ ونشأتههم على التوحيهد واليمان ،بهل على إشراق أنوار المعارف ونفحات ألطاف السهعادة،
ومهن طالع سهيرهم منهذ صهباهم إلى مبعثههم حقهق ذلك؛ كمها عرف مهن حال موسهى وعيسهى ويحيهى
وسهههليمان وغيرههههم عليههههم السهههلم .قال ال تعالى" :وآتيناه الحكهههم صهههبيا" [مريهههم ]12 :قال
المفسرون :أعطي يحيى العلم بكتاب ال في حال صباه .قال معمر :كان ابن سنتين أوثلث؛ فقال
له الصههبيان :لم ل تلعههب ! فقال :أللعههب خلقههت ! وقيههل فههي قوله" :مصههدقا بكلمههة مههن ال" [آل
عمران ]39 :صهدق يحيهى بعيسهى وههو بهن ثلث سهنين ،فشههد له أنهه كلمهة ال وروحهه وقيهل:
صهدقه وهو فهي بطهن أمه؛ فكانهت أم يحيى تقول لمريهم إني أجد ما في بطنهي يسهجد لما فهي بطنهك
تحيهة له .وقهد نهص ال على كلم عيسهى لمهه عنهد ولدتهها إياه بقول" :أل تحزنهي" [مريهم]24 :
على قراءة مهن قرأ "مهن تحتهها" ،وعلى قول مهن قال :إن المنادى عيسهى ونهص على كلمهه فهي
مهده فقال" :إنهي عبهد ال آتانهي الكتاب وجعلنهي نبيها" [مريهم .]30 :وقال "ففهمناهها سهليمان وكل
آتينا حكما وعلما" [النبياء ]79 :وقد ذكر من حكم سليمان وهو صبي يلعب في قصة المرجومة
وفهي قصهة الصهبي مها اقتدى بهه أبوه داود .وحكهى الطهبري أن عمره كان حيهن أوتهي الملك اثنهي
عشر عاما .وكذلك قصة موسى عليه السلم مع فرعون وأخذه بلحيته وهو طفل .وقال المفسرون
في قوله تعالى" :ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل" [النبياء :]51 :أي هديناه صغيرا؛ قال مجاهد
وغيره .وقال ابن عطاء :اصطفاه قبل إبداء خلقه.
وقال بعضههم :لمها ولد إبراهيهم بعهث ال إليهه ملكها يأمره عهن ال تعالى أن يعرفهه بقلبهه ويذكره
بلسهانه فقال :قهد فعلت؛ ولم يقهل أفعهل؛ فذلك رشده .وقيهل :إن إلقاء إبراهيهم فهي النار ومحنتهه كانهت
وههو ابهن سهت عشره سهنة .وإن ابتلء إسهحاق بالذبهح وههو ابهن سهبع سهنين .وأن اسهتدلل إبراهيهم
بالكوكهب والقمهر والشمهس كان وههو ابهن خمهس عشرة سهنة .وقيهل أوحهي إلى يوسهف وههو صهبي
عند ما هم إخوته بإلقائه في الجب بقوله تعالى" :وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا" [يوسف]15 :
الية؛ إلى غير ذلك من أخبارهم .وقد حكى أهل السير أن أمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمدا
صهلى ال عليهه وسهلم ولد حيهن ولد باسهطا يديهه إلى الرض رافعها رأسهه إلى السهماء ،وقال فهي
حديثه صلى ال عليه وسلم( :لما نشأت بغضت إلي الوثان وبغض إلي الشعر ولم أهم بشيء مما
كانهت الجاهليهة تفعله إل مرتيهن فعصهمني ال منهمها ثهم لم أعهد) .ثهم يتمكهن المهر لههم ،وتترادف
نفحات ال تعالى عليههم ،وتشرق أنوار المعارف فهي قلوبههم حتهى يصهلوا الغايهة ويبلغوا باصهطفاء
ال تعالى لههم بالنبوة فهي تحصهيل الخصهال الشريفهة النهايهة دون ،ممارسهة ول رياضهة .قال ال
تعالى" :ولمها بلغ أشده آتيناه حكمها وعلمها" [يوسهف .]22 :قال القاضهي :ولم ينقهل أحهد مهن أههل
الخبار أن أحدا نبهئ واصهطفي ممهن عرف بكفهر وإشراك قبهل ذلك .ومسهتند هذا الباب النقهل .وقهد
استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله .فال القاضي :وأنا أقول إن قريشا قد رمت
نبينا عليه السلم بكل ما افترته ،وعير كفار المم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته ،مما نص ال
عليهه أو نقلتهه إلينها الرواة ،ولم نجهد فهي شيهء مهن ذلك تعييرا لواحهد منههم برفضهه آلهتههم وتقريعهه
بذمههه بترك مهها كان قههد جامعهههم عليههه .ولوكان هذا لكانوا بذلك مبادريههن ،وبتلونههه فههي معبوده
محتجيهن ،ولكان توبيخههم له بنهيههم عمها كان يعبهد قبهل أفظهع وأقطهع فهي الحجهة مهن توبيخهه بنهيههم
عن تركه آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل؛ ففي إطباقهم على العراض عنه دليل على أنهم لم
يجدوا سهبيل إليهه؛ إذ لو كان لنقهل ومها سهكتوا عنهه كمها لم يسهكتوا عهن تحويهل القبلة وقالوا" :مها
ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" [البقرة ]142 :كما حكاه ال عنهم.
@ وتكلم العلماء في نبينا صلى ال عليه وسلم؛ هل كان متعبدا بدين قبل الوحي أم ل؛ فمنهم من
منهع ذلك مطلقها وأحاله عقل .قالوا :لنهه مبعهد أن يكون متبوعها مهن عرف تابعها ،وبنوا هذا على
التحسين والتقبيح .وقالت فرقة أخرى :بالوقف في أمره عليه السلم وترك قطع الحكم عليه بشيء
في ذلك ،إذ لم يحل الوجهين منهما العقل ول استبان عندها في أحدهما طريق النقل ،وهذا مذهب
أبهي المعالي .وقالت فرقهة ثالثهة :إنهه كان متعبدا بشرع مهن قبله وعامل بهه؛ ثهم اختلف هؤلء فهي
التعييهن ،فذهبهت طائفهة إلى أنهه كان على ديهن عيسهى فإنهه ناسهخ لجميهع الديان والملل قبلهها؛ فل
يجوز أن يكون النهبي على ديهن منسهوخ .وذهبهت طائفهة إلى أنهه كان على ديهن إبراهيهم؛ لنهه مهن
ولده وههو أبهو النهبياء .وذهبهت طائفهة إلى أنهه كان على ديهن موسهى؛ لنهه أقدم الديان .وذهبهت
المعتزلة إلى أنهه ل بهد أن يكون على ديهن ولكهن عيهن الديهن غيهر معلومهة عندنها .وقهد أبطهل هذه
القوال كلها أئمتنا؛ إذ هي أقوال متعارضة وليس فيها دللة قاطعة،وإن كان العقل يجوز ذلك كله.
والذي يقطع به أنه عليه السلم لم يكن منسوبا إلى واحد من النبياء نسبة تقتضي أن يكون واحدا
مهن أمتهه ومخاطبها بكهل شريعتهه؛ بهل شريعتهه مسهتقلة بنفسهها مفتتحهة مهن عنهد ال الحاكهم جهل وعهز
وأنه صلى ال عليه وسلم كان مؤمنا بال عز وجل ،ول سجد لصنم ،ول أشرك بال ،ول زنى ول
شرب الخمهر ،ول شههد السهامر ول حضهر حلف المطهر ول حلف المطيهبين؛ بهل نزههه ال وصهانه
عهن ذلك .فإن قيهل :فقهد روى عثمان بهن أبهي شيبهة حديثها بسهنده عهن جابر أن النهبي صهلى ال عليهه
وسلم قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم ،فسمع ملكين خلفه أحدهما يقول لصاحبه :أذهب حتى
تقوم خلفه ،فقال الخر :كيف أقوم خلفه وعهده باستلم الصنام فلم يشهدهم بعد؟ فالجواب أن هذا
حديهث أنكره المام أحمهد بهن حنبهل جدا وقال :هذا موضوع أوشهبيه بالموضوع .وقال الدارقطنهي:
إن عثمان وهههم فههي إسههناده ،والحديههث بالجملة منكههر غيههر متفههق على إسههناده فل يلتفههت إليههه،
والمعروف عن النبي صلى ال عليه وسلم خلفه عند أهل العلم من قوله( :بغضت إلي الصنام)
وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي صلى ال عليه وسلم باللت والعزى إذ لقيه بالشام في
سهفرته مهع عمهه أبهي طالب وههو صهبي ،ورأى فيهه علمات النبوة فاختهبره بذلك؛ فقال له النهبي
صلى ال عليه وسلم( :ل تسألني بهما فوال ما أبغضت شيئا قط بغضهما) فقال له بحيرا :فبال إل
مها أخهبرتني عمها أسهألك عنهه ،فقال( :سهل عمها بدا لك) .وكذلك المعروف مهن سهيرته عليهه السهلم
وتوفيهق ال إياه له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركيهن فهي وقوفههم بمزدلفة فهي الحهج ،وكان يقف
هو بعرفة ،لنه كان موقف إبراهيم عليه السلم .فإن قيل :فقد قال ال تعالى" :قل بل ملة إبراهيم"
[البقرة ]135 :وقال" :أن اتبههع ملة إبراهيههم" [النحههل ]12 :وقال" :شرع لكههم مههن الديههن"
[الشورى ]13 :الية .وهذا يقتضي أن يكون متعبدا بشرع .فالجواب أن ذلك فيما ل تختلف فيه
الشرائع من التوحيد وإقامة الدين؛ على ما تقدم بيانه في غير موضع وفي هذه السورة عند قوله:
"شرع لكم من الدين" [الشورى ]13 :والجمد ل.
@ إذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا فهي تأويهل قوله تعالى" :مها كنهت تدري مها الكتاب ول
اليمان" .فقال جماعهة :معنهى اليمان فهي هذه اليهة شرائع اليمان ومعالمهه؛ ذكره الثعلبهي .وقيهل:
تفاصهيل هذا الفرع؛ أي كنهت غافل عهن هذه التفاصهيل .ويجوز إطلق لفهظ اليمان على تفاصهيل
الشرع؛ ذكره القشيري :وقيهل :مها كنهت تدري قبهل الوحهي أن تقرأ القرآن ،ول كيهف تدعهو الخلق
إلى اليمان؛ ونحوه عن أبي العالية .وقال بكر القاضي :ول اليمان الذي هو الفرائض والحكام.
قال :وكان قبهل مؤمنها بتوحيده ثهم نزلت الفرائض التهي لم يكهن يدريهها قبهل؛ فزاد بالتكليهف إيمانها.
وهذه القوال الربعهة متقاربهة .وقال ابهن خزيمهة :عنهى باليمان الصهلة؛ لقوله تعالى" :ومها كان
ال ليضيهع إيمانكهم" [البقرة ]143 :أي صهلتكم إلى بيهت المقدس؛ فيكون اللفهظ عامها والمراد
الخصهوصي .وقال الحسهين بهن الفضهل :أي مها كنهت تدري مها الكتاب ول أههل اليمان .وههو مهن
باب حذف المضاف؛ أي مهن الذي يؤمهن ؟ أبهو طالب أو العباس أوغيرهمها .وقيهل :مها كنهت تدري
شيئا إذ كنهت فهي المههد وقبهل البلوغ .وحكهى الماوردي نحوه عهن علي بهن عيسهى قال :مها كنهت
تدري ما الكتاب لول الرسالة ،ول اليمان لول البلوغ .وقيل :ما كنت تدري ما الكتاب لول إنعامنا
عليهك ،ول اليمان لول هدايتنها لك ،وههو محتمهل .وفهي هذا اليمان وجهان :أحدهمها :أنهه اليمان
بال ،وهذا يعرفه بعد بلوغه وقبل نبوته .والثاني :أنه دين السلم ،وهذا ل يعرفه إل بعد النبوة.
قلت :الصهحيح أنهه صهلى ال عليهه وسهلم كان مؤمنها بال عهز وجهل مهن حيهن نشهأ إلى حيهن
بلوغهه؛ على مها تقدم .وقيهل" :مها كنهت تدري مها الكتاب ول اليمان" أي كنهت مهن قوم أمييهن ل
يعرفون الكتاب ول اليمان ،حتهى تكون قهد أخذت مها جئتههم بهه عمهن كان يعلم ذلك منههم؛ وههو
كقوله تعالى" :ومههها كنهههت تتلو مهههن قبله مهههن كتاب ول تخطهههه بيمينهههك إذا لرتاب المبطلون"
[العنكبوت ]48 :روي معناه عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها" .ولكهن جعلناه" قال ابهن عباس
والضحاك :يعنهي اليمان .السهدي :القرآن وقيهل الوحهي؛ أي جعلنها هذا الوحهي "نورا نهدي بهه مهن
نشاء مهن عبادنها" أي مههن نختاره للنبوة؛ كقوله تعالى" :يختههص برحمتههه مهن يشاء" [آل عمران:
.]74ووحد الكتابة لن الفعل في كثرة أسمائه بمنزلة الفعل في السم الواحد؛ أل ترى أنك تقول:
إقبالك وإدبارك يعجبنههي؛ فتوحههد ،وهمهها اثنان" .وإنههك لتهدي" أي تدعههو وترشههد "إلى صههراط
مستقيم" دين قويم ل اعوجاج فيه .وقال علي :إلى كتاب مستقيم .وقرأ عاصم الجحدري وحوشب
"وإنهك لتهدى" غيهر مسهمى الفاعهل؛ أي لتدعهى .الباقون "لتهدي" مسهمى الفاعهل .وفهي قراءة أبهي
"وإنك لتدعو" .قال النحاس :وهذا ل يقرأ به؛ لنه مخالف للسواد ،وإنما يحمل ما كان مثله على
أنهه مهن قائله على جههة التفسهير؛ كمها قال" :وإنهك لتهدي" أي لتدعهو .وروى معمهر عهن قتادة فهي
قوله تعالى" :وإنهك لتهدي إلى صهراط مسهتقيم" قال" :ولكهل قوم هاد" [الرعهد" .]7 :صهراط ال"
بدل مهن الول بدل المعرفههة مههن النكرة .قال على :هههو القرآن .وقيههل السههلم .ورواه النواس بههن
سهمعان عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم" .الذي له مها فهي السهماوات ومها فهي الرض" ملكها وعبدا
وخلقهها" .أل إلى ال تصههير المور" وعيههد بالبعههث والجزاء .قال سهههل بههن أبههي الجعههد :احترق
مصهحف فلم يبهق إل قوله" :أل إلى ال تصهير المور" وغرق مصهحف فأمحهى كله إل قوله" :أل
إلى ال تصير المور" .والحمد ل وحده.
**2سورة الزخرف
**3مقدمة السورة
@ مكيهة بإجماع .وقال مقاتهل :إل قوله" :واسهأل مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن رسهلنا" [الزخرف:
.]45وهي تسع وثمانون آية.
**3الية{ 1 :حم ،والكتاب المبين ،إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}
@قوله تعالى" :حم ،والكتاب المبين" تقدم .وقيل" :حم" قسم" .والكتاب المبين" قسم ثان؛ ول أن
يقسم بما شاء .والجواب "إنا جعلناه" .وقال ابن النباري :من جعل جواب "والكتاب" "حم" -كما
تقول نزل وال وجهب وال -وقهف على "الكتاب المهبين" .ومهن جعهل جواب القسهم "إنها جعلناه" لم
يقهف على "الكتاب المهبين" .ومعنهى" :جعلناه" أي سهميناه ووصهفناه؛ ولذلك تعدى إلى مفعوليهن؛
كقوله تعالى" :مها جعهل ال مهن بحيرة" [المائدة .]103 :وقال السهدي :أي أنزلناه قرآنها .مجاههد:
قلناه الزجاج وسهفيان الثوري :بيناه" .عربيها" أي أنزلناه بلسهان العرب؛ لن كهل نهبي أنزل كتابهه
بلسهان قومهه؛ قال سهفيان الثوري وغيره .وقال مقاتهل :لن لسهان أههل السهماء عربهي .وقيهل :المراد
بالكتاب جميهع الكتهب المنزلة على النهبياء؛ لن الكتاب اسهم جنهس فكأنهه أقسهم بجميهع مها أنزل مهن
الكتب أنه جعل القرآن عربيا.
والكنايهة فهي قوله" :جعلناه" ترجهع إلى القرآن وإن لم يجهر له ذكهر فهي هذه السهورة؛ كقوله تعالى:
"إنها أنزلناه فهي ليلة القدر"[ .القدر" .]1 :لعلكهم تعقلون" أي تفهمون أحكامهه ومعانيهه .فعلى هذا
القول يكون خاصا للعرب دون العجم؛ قال ابن عيسى.
وقال ابن زيد :المعنى لعلكم تتفكرون؛ فعلى هذا يكون خطابا عاما للعرب والعجم .ونعت الكتاب
بالمبين لن ال بين فيه أحكامه وفرائضه؛ على ما تقدم في غير موضع.
**3الية{ 4 :وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم}
@قوله تعالى" :وإنه في أم الكتاب" يعني القرآن في اللوح المحفوظ "لدينا" عندنا
"لعلي حكيم" أي رفيع محكم ل يوجد فيه اختلف ول تناقض؛ قال ال تعالى" :إنه لقرآن كريم في
كتاب مكنون" [الواقعة ]78:وقال تعالى" :بل هو قرآن مجيد .في لوح محفوظ" [البروج.]22 :
وقال ابهن جريهج :المراد بقوله تعالى" :وإنهه" أي أعمال الخلق مهن إيمان وكفهر وطاعهة ومعصهية.
"لعلي" أي رفيع عن أن ينال فيبدل "حكيم" أي محفوظ من نقص أو تغيير .وقال ابن عباس :أول
ما خلق ال القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق؛ فالكتاب عنده؛ ثم قرأ "وإنه فهي أم الكتاب لدينا
لعلي حكيم" .وكسر الهمزة من "أم الكتاب" حمزة والكسائي .وضم الباقون ،وقد تقدم.
**3الية{ 5 :أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}
@قوله تعالى" :أفنضرب عنكم الذكر صفحا" يعني :القرآن؛ عن الضحاك وغيره .وقيل :المراد
بالذكهر العذاب؛ أي أفنضرب عنكهم العذاب ول نعاقبكهم على إسهرافكم وكفركهم؛ قال مجاههد وأبهو
صالح والسدي ،ورواه العوفي عن ابن عباس .وقال ابن عباس :المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم
العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به .وعنه أيضا أن المعنى أتكذبون بالقرآن ول تعاقبون .وقال السدي
أيضها :المعنى أفنترككهم سهدى فل نأمركهم ول ننهاكهم .وقال قتادة :المعنهى أفنهلككهم ول نأمركهم ول
ننهاكهم .وعنهه أيضها :أفنمسهك عهن إنزال القرآن مهن قبهل أنكهم ل تؤمنون بهه فل ننزله عليكهم .وقال
ابههن زيههد .قال قتادة :وال لو كان هذا القرآن رفههع حيههن رددتههه أوائل هذه المههة لهلكوا ،ولكهن ال
ردده وكرره عليههم برحمتهه .وقال الكسهائي :أفنطوي عنكهم الذكهر طيها فل توعظون ول تؤمرون.
وقيهل :الذكهر التذكهر؛ فكأنهه قال :أنترك تذكيركهم لن كنتهم قومها مسهرفين؛ فهي قراءة مهن فتهح .ومن
كسر جعلها للشرط وما قبلها جوابا لها؛ لنها لم تعمل في اللفظ .ونظيره" :وذروا ما بقي من الربا
إن كنتم مؤمنين" [البقرة ]278 :وقيل :الجواب محذوف دل عليه تقدم؛ كما تقول :أنت ظالم إن
فعلت .ومعنى الكسر عند الزجاج الحال؛ لن في الكلم معنى التقرير والتوبيخ .ومعنى "صفحا"
إعراضها؛ يقال صهفحت عهن فلن إذا أعرضهت عهن ذنبهه .وقهد ضربهت عنهه صهفحا إذا أعرضهت
عنههه وتركتههه .والصههل ،فيههه صههفحة العنههق؛ يقال :أعرضههت عنههه أي وليتههه صههفحه عنقههي .قال
الشاعر:
فمن مل منها ذلك الوصل ملت صفوحا فما تلقاك إل بخيلة
وانتصهب "صهفحا" على المصهدر لن معنهى أفنضرب" أفنصهفح .وقيهل :التقديهر أفنضرب عنكهم
الذكر صافحين ،كما يقال :جاء فلن مشيا .ومعنى" :مسرفين" مشركين .واختار أبو عبيدة الفتح
فهي "أن" وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامهر ،قال :لن ال تعالى عاتبهم على
ما كان منهم ،وعلمه قبل ذلك من فعلهم.
**3الية{ 8 - 6 :وكم أرسلنا من نبي في الولين ،وما يأتيهم من نبي إل كانوا به يستهزئون،
فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الولين}
@قوله تعالى" :وكم أرسلنا من نبي في الولين" "كم" هنا خبرية والمراد بها التكثير؛ والمعنى
ما أكثر ما أرسلنا من النبياء .كما قال" :كم تركوا من جنات وعيون" [الدخان ]25 :أي ما أكثر
ما تركوا" .وما يأتيهم من نبي" أي لم يكن يأتيهم نبي "إل كانوا به يستهزؤون" كاستهزاء قومك
بك .يعزي نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم ويسليه" .فأهلكنا أشد منهم بطشا" أي قوما أشد منهم
قوة .والكنايهة فهي "منههم" ترجهع إلى المشركيهن المخاطهبين بقوله" :أفنضرب عنكهم الذكهر صهفحا"
فكنى عنهم بعد أن خاطبهم .و"أشد" نصب على الحال .وقيل :هو مفعول؛ أي فقد أهلكنا أقوى من
هؤلء المشركيهن فهي أبدانههم وأتباعههم" .ومضهى مثهل الوليهن" أي عقوبتههم؛ عهن قتادة وقيهل:
صههفحة الوليههن؛ فخههبرهم بأنهههم أهلكوا على كفرهههم؛ حكاه النقاش والمهدوي .والمثههل :الوصههف
والخبر.
**3الية{ 9 :ولئن سألتهم من خلق السماوات والرض ليقولن خلقهن العزيز العليم}
@قوله تعالى" :ولئن سهألتهم" يعنهي المشركيهن" .مهن خلق السهماوات والرض ليقولن خلقههن
العزيز العليم" فأقروا له بالخلق واليجاد ،ثم عبدوا معه غيره جهل منهم.
**3الية{ 10 :الذي جعل لكم الرض مهدا وجعل لكم فيها سبل لعلكم تهتدون}
@قوله تعالى" :الذي جعهل لكهم الرض مهادا" وصهف نفسهه سهبحانه بكمال القدرة .وهذا ابتداء
إخبار منههه عههن نفسههه ،ولو كان هذا إخبارا عههن قول الكفار لقال الذي جعههل لنهها الرض "مهادا"
فراشا وبساطا .وقد تقدم .وقرأ الكوفيون "مهدا" "وجعل لكم فيها سبل" أي معايش .وقيل طرقا،
لتسلكوا منها إلى حيث أردتم.
@قوله تعالى" :لعلكهم تهتدون" فتسهتدلون بمقدوراتهه على قدرتهه .وقيهل" :لعلكهم تهتدون" فهي
أسفاركم؛ قال ابن عيسى .وقيل :لعلكم تعرفون نعمة ال عليكم؛ قاله سعيد بن جبير .وقيل :تهتدون
إلى معايشكم.
**3الية{ 11 :والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون}
@قوله تعالى" :والذي نزل من السماء ماء بقدر" قال ابن عباس :أي ل كما أنزل على قوم نوح
بغيهر قدر حتهى أغرقههم ،بهل ههو بقدر ل طوفان مغرق ول قاصهر عهن الحاجهة ،حتهى يكون معاشها
لكم ولنعامكم" .فأنشرنا" أي أحيينا" .به" أي بالماء.
"بلدة ميتها" أي مقفرة مهن النبات" .كذلك تخرجون" أي مهن قبوركهم؛ لن مهن قدر على هذا قدر
على ذلك .وقهد مضهى فهي "العراف" مجودا .وقرأ يحيهى بهن وثاب والعمهش وحمزة والكسهائي
وابن ذكوان عن ابن عامر "يخرجون" بفتح الياء وضم الراء .الباقون على الفعل المجهول.
**3اليهة{ 14 - 12 :والذي خلق الزواج كلهها وجعهل لكهم مهن الفلك والنعام مها تركبون،
لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما
كنا له مقرنين ،وإنا إلى ربنا لمنقلبون}
@قوله تعالى" :والذي خلق الزواج" أي وال الذي خلق الزواج .قال سهعيد بهن جهبير :أي
الصههناف كلههها .وقال الحسههن :الشتاء والصههيف والليههل والنهار والسههموات والرض والشمههس
والقمهر والجنهة والنار .وقيهل :أزواج الحيوان مهن ذكهر وأنثهى؛ قال ابهن عيسهى .وقيهل :أراد أزواج
النبات؛ كما قال تعالى" :وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج" [ق ]7 :و"من كل زوج كريم" [لقمان:
.]10وقيهل :مها يتقلب فيهه النسهان مهن خيهر وشهر ،وإيمان وكفهر ،ونفهع وضهر ،وفقهر وغنهى،
وصحة وسقم.
قلت :وهذا القول يعم القوال كلها ويجمعها بعمومه.
@قوله تعالى" :وجعهل لكهم مهن الفلك" السهفن "والنعام" البهل "مها تركبون" فهي البر والبحهر.
"لتستووا على ظهوره" ذكر الكناية لنه رده إلى ما في قوله" :ما تركبون"؛ قال أبو عبيد .وقال
الفراء :أضاف الظهور إلى واحهد لن المراد بهه الجنهس ،فصهار الواحهد فهي معنهى الجمهع بمنزلة
الجيش والجند؛ فلذلك ذكر ،وجمع الظهور ،أي على ظهور هذا الجنس.
@ قال سعيد بن جبير :النعام هنا البل والبقر .وقال أبو معاذ :البل وحدها؛ وهو الصحيح لقوله
عليهه السهلم :بينمها رجهل راكهب بقرة إذ قالت له لم أخلق لهذا إنمها خلقهت للحرث فقال النهبي صهلى
ال عليه وسلم( :آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر) .وما هما في القوم .وقد مضى هذا.
@قوله تعالى" :لتسهتووا على ظهوره" يعنهي بهه البهل خاصهة بدليهل مها ذكرنها .ولن الفلك إنمها
تركب بطونها ،ولكنه ذكرهما جميعا في أول الية وعطف أخرها على أحدهما .ويحتمل أن يجعل
ظاهرههها باطنههها؛ لن الماء غمره وسههتره وباطنههها ظاهرا؛ لنههه أنكشههف الظاهريههن وظهههر
للمبصرين.
@قوله تعالى" :ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه" أي ركبتم عليه وذكر النعمة هو الحمد ل
على تسهخير ذلك لنها فهي البر والبحهر" .وتقولوا سهبحان الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له مقرنيهن"
"وتقولوا سهبحان الذي سهخر لنها هذا" أي ذلل لنها هذا المركهب .وفهي قراءة علي بهن أبهي طالب
"سبحان من سخر لنا هذا"" .وما كنا له مقرنين" أي مطيقين؛ في قول ابن عباس والكلبي .وقال
الخفهش وأبهو عهبيدة" :مقرنيهن" ضابطيهن .وقيهل :مماثليهن فهي اليهد والقوة؛ مهن قولههم :ههو قرن
فلن إذا كان مثله في القوة .ويقال :فلن مقرن لفلن أي ضابط له .وأقرنت كذا أي أطقته .وأقرن
له أي أطاقهه وقوي عليهه؛ كأنهه صهار له قرنها .قال ال تعالى" :ومها كنها له مقرنيهن" أي مطيقيهن.
وأنشد قطرب قول عمرو بن معديكرب:
لنا في النائبات بمقرنينا لقد علم القبائل ما عقيل
وقال آخر:
وكبتم صعبتي أشرا وحيفا ولستم للصعاب بمقرنينا
والمقرن أيضها :الذي غلبتهه ضيعتهه؛ يكون له إبهل أو غنهم ول معيهن له عليهها ،أو يكون يسهقي إبله
ول ذائد له يذودهها .قال ابهن السهكيت :وفهي أصهله قولن :أحدهمها :أنهه مأخوذ مهن القران؛ يقال:
أقرن يقرن إقرانها إذا أطاق .وأقرنهت كذا إذا أطقتهه وحكمتهه؛ كأنهه جعله فهي قرن -وههو الحبهل -
فأوثقهه بهه وشده .والثانهي :أنهه مأخوذ مهن المقارنهة وههو أن يقرن بعضهها ببعهض فهي السهير؛ يقال:
قرنت كذا بكذا إذا ربطته به وجعلته قرينه.
@ علمنا ال سبحانه ما نقول إذا ركبنا الدواب ،وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح عليه السلم
ما نقول إذا ركبنا السفن؛ وهي قوله تعالى" :وقال اركبوا فيها بسم ال مجراها ومرساها إن ربي
لغفور رحيم" [هود ]41 :فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها
فهلك .وكهم مهن راكهبين فهي سهفينة أنكسهرت بههم فغرقوا .فلمها كان الركوب مباشرة أمهر محظور
واتصال بأسباب من أسباب التلف أمر أل ينسى عند أتصال به يومه ،وأنه هالك ل محالة فمنقلب
إلى ال عهز وجهل غيهر منفلت مهن قضائه .ول يدع ذكهر ذلك بقلبهه ولسهانه حتهى يكون مسهتعدا للقاء
ال بإصلحه من نفسه .والحذر من أن يكون وركوبه ذلك من أسباب موته في علم ال وهو غافل
عنهه .حكهى سهليمان بهن يسهار أن قومها فهي سهفر فكانوا إذا ركبوا قالوا" :سهبحان الذي سهخر لنها هذا
وما كنا له مقرنيهن" وكان فيههم رجهل على ناقهة له رازم -وهي التهي ل تتحرك هزال ،الرازم من
البهل :الثابهت على الرض ل يقوم مهن الهزال .أو قهد رزمهت الناقهة ترزم وترزم رزومها ورزامها:
قامت من العياء والهزال فلم تتحرك؛ فهي رازم .قال الجوهري في الصحاح .فقال :أما أنا فاني
لهذه لمقرن ،قال :فقمصهت بهه فدقهت عنقهه .وروي أن أعرابيها ركهب قعودا له وقال إنهي لمقرن له
فركضهت بهه القعود حتهى صهرعته فاندقهت عنقهه .ذكهر الول الماوردي والثانهي ابهن العربهي .قال:
وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا وليس بواجب ذكره باللسان؛ فيقول متى ركب وخاصة في السفر
إذا تذكهر" :سهبحان الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له بمقرنيهن .وإنها إلى ربنها لمنقلبون" اللههم أنهت
الصهاحب فهي السهفر ،والحليفهة فهي الههل والمال ،اللههم إنهي أعوذ بهك مهن وعثاء السهفر ،وكآبهة
المنقلب ،والجور بعد الكور ،وسوء المنظر في الهل والمال؛ يعني به "الجور بعد الكور" تشتت
أمهر الرجهل بعهد اجتماعهه .وقال عمرو بهن دينار :ركبهت مهع أبهي جعفهر إلى أرض له نحهو حائط
يقال لها مدركة ،فركب على جمل صعب فقلت له :أبا جعفر ! أما تخاف أن يصرعك ؟ فقال :إن
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال( :على سهنام كهل بعيهر شيطان إذا ركبتموهها فاذكروا اسهم ال
كما أمركم ثم أمتهنوها لنفسكم فإنما يحمل ال) .وقال علي بن ربيعة :شهدت علي بن أبي طالب
ركب دابة يوما فلما وضع رجله في الركاب قال :باسم ال ،فلما استوى على الدابة قال الحمد ل،
ثهم قال" :سهبحان الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له مقرنيهن .وإنها إلى ربنها لمنقلبون" ثهم قال :الحمهد ل
وال أكهبر -ثلثها -اللههم ل إله إل أنهت ظلمهت نفسهي فاغفهر لى إنهه ل يغفهر الذنوب إل أنهت؛ ثهم
ضحك فقلت له :ما أضحكك ؟ قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم صنع كما صنعت ،وقال
كما قلت؛ ثم ضحك فقلت له ما يضحكك يا رسول ال؟ قال( :العبد -أو قال -عجبا لعبد أن يقول
اللههم ل إله إل أنهت ظلمهت نفسهي فاغفهر لي فإنهه ل يغفهر الذنوب إل أنهت يعلم أنهه ل يغفهر الذنوب
غيره) .خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ،وأبو عبدال محمد بن خويزمنداد في أحكامه .وذكر
الثعلبهي له نحوه مختصهرا عهن علي رضهي ال عنهه ،ولفظهه عنهه :أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
كان إذا وضع رجله في الركاب قال( :باسم ال -فإذا استوى قال -الحمد ل على كل حال سبحان
الذي سهخر لنها هذا ومها كنها له مقرنيهن وإنها إلى ربنها لمنقلبون وإذا نزلتهم مهن الفلك والنعام فقولوا
اللههم أنزلنها منزل مباركها وأنهت خيهر المنزليهن) .وروى ابهن أبهي نجيهح عهن مجاههد قال :مهن ركهب
ولم يقل "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" قال له الشيطان تغنه؛ فإن لم يحسن قال له
تمنهه؛ ذكره النحاس .ويسهتعيذ بال مهن مقام مهن يقول لقرنائه :تعالوا نتنزه على الخيهل أوفهي بعهض
الزوارق؛ فيركبون حامليهن مهع أنفسههم أوانهي الخمهر والمعازف ،فل يزالون يسهتقون حتهى تمهل
طلههم وههم على ظهور الدواب أو فهي بطون السهفن وههي تجري بههم؛ ل يذكرون إل الشيطان،
ول يمتثلون إل أوامره .الزمخشري :ولقد بلغني أن بعض السلطين ركب وهو يشرب الخمر من
بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر ،فلم يصح إل بعد ما أطمأنت به الدار ،فلم يشعر بمسيره ول أحس
به؛ فكيف بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر به في هذه الية ! ؟
**3الية{ 15 :وجعلوا له من عباده جزء إن النسان لكفور مبين}
@قوله تعالى" :وجعلوا له من عباده جزءا" أي عدل؛ عن قتادة .يعني ما عبد من دون ال عز
وجههل .الزجاج والمههبرد :الجزء ههها هنهها البنات؛ عجههب المؤمنيههن مههن جهلهههم إذا أقروا بأن خالق
السموات والرض هو ال ثم جعلوا له شريكا أو ولدا ،ولم يعلموا أن من قدر على خلق السموات
والرض ل يحتاج إلى شيههء يعتضههد بههه أو :يسههتأنس بههه؛ لن هذا مههن صههفات النقههص .قال
الماوردي :والجزء عنههههد أهههههل العربيههههة البنات؛ يقال :قههههد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات؛ قال
الشاعر:
قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا إن أجزأت المرأة يوما فل عجب
الزمخشري :ومههن بدع التفاسههير تفسههير الجزء بالناث ،وادعاء أن الجزء فههي لغههة العرب اسههم
للناث ،وما هو إل كذب على العرب ووضع مستحدث متحول ،ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه:
أجزأت المرأة ،ثم صنعوا بيتا ،وبيتا:
إن أجزأت حرة يوما فل عجب
زوجتها من بنات الوس مجزئة
وإنما قوله" :وجعلوا له من عباده جزاء" متصل بقوله" :ولئن سألتهم" أي ولئن سألتهم عن خالق
السموات والرض ليعترفن به؛ وقد جعلوا له مع ذلك العتراف من عباده جزءا فوصفوه بصفات
المخلوقين .ومعنى "من عباده جزءا" أن قالوا الملئكة بنات ال؛ فجعلوهم جزءا له وبعضا ،كما
يكون الولد بضعههة مههن والده وجزءا له .وقرئ "جزؤا" بضمتيههن" .إن النسههان" يعنههي الكافههر.
"لكفور مبين" قال الحسن :يعد المصائب وينسى النعم" .مبين" مظهر الكفر.
**3الية{ 16 :أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين}
@قوله تعالى" :أم اتخذ مما يخلق بنات" الميم صلة؛ تقديره أتخذ مما يخلق بنات كما زعمتم أن
الملئكهة بنات ال؛ فلفظهه السهتفهام ومعناه التوبيهخ" .وأصهفاكم بالبنيهن" أي اختصهكم وأخلصهكم
بالبنين؛ يقال :أصفيته بكذا؛أي آثرته به .وأصفيته الود أخلصته له .وتصافينا تخالصنا .عجب من
إضافتههم إلى ال اختيار البنات مهع اختيارههم لنفسههم البنيهن ،وههو مقدس عهن أن يكون له ولد إن
توهم جاهل أنه اتخذ لنفسه ولدا فهل أضاف إليه أرفع الجنسين ! ولم جعل هؤلء لنفسهم أشرف
الجنسين وله الخس ؟ وهذا كما قال تعالى" :ألكم الذكر وله النثى تلك إذا قسمة ضيزى" [النجم:
.]22
**3الية{ 17 :وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثل ظل وجهه مسودا وهو كظيم}
@قوله تعالى" :وإذا بشهر أحدههم بمها ضرب للرحمهن مثل" أي بأنهه ولدت له بنهت "ظهل وجههه"
أي صهار وجههه "مسهودا" قيهل ببطلن مثله الذي ضربهه .وقيهل :بمها بشهر بهه مهن النثهى؛ دليله فهي
سورة النحل" :وإذا بشر أحدهم بالنثى"[النحل .]58 :ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت
له أنثهى اغتهم وأربهد وجههه غيظها وتأسهفا وههو مملوء مهن الكرب .وعهن بعهض العرب أن امرأتهه
وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت:
يظل في البيت الذي يلينا ما لبي حمزة ل يأتينا
وإنما نأخذ ما أعطينا غضبان أل نلد البنينا
وقرئ "مسهودٌ ،ومسهوادٌ" .وعلى قراءة الجماعة يكون وجههه اسهم "ظهل" و"مسهودا" خهبر "ظهل".
ويجوز أن يكون فههي "ظههل" ضميههر عائد على أحههد وهههو اسههمها ،و"وجهههه" بدل مههن الضميههر،
و"مسودا" خبر "ظل" .ويجوز أن يكون رفع "وجهه" بالبتداء ويرفع "مسودا" على أنه خبره،
وفي "ظل" اسمها والجملة خبرها" .وهو كظيم" أي حزين؛ قال قتادة .وقيل مكروب؛ قال عكرمة
وقيهل سهاكت؛ قال ابهن أبهي حاتهم؛ وذلك لفسهاد مثله وبطلن حجتهه .ومهن أجاز أن تكون الملئكهة
بنات ال فقهد جعهل الملئكهة شبهها ل؛ لن الولد مهن جنهس الوالد وشبههه .ومهن أسهود وجههه بمها
يضاف إليه مما ل يرضى ،أولى من أن يسود وجهه بإضافة مثل ذلك إلى من هو أجل منه؛ فكيف
إلى ال عز وجل ! وقد مضى في "النحل" في معنى هذه الية ما فيه كفاية.
**3الية{ 19 - 18 :أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ،وجعلوا الملئكة الذين
هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون}
@قوله تعالى" :أومهن ينشهأ" أي يربهى ويشهب .والنشوء :التربيهة؛ يقال :نشأت فهي بنهي فلن نشهأ
ونشوءا إذا شببهت فيههم .ونشهئ وأنشههئ بمعنههى .وقرأ ابهن عباس والضحاك وابهن وثاب وحفهص
وحمزة والكسائي وخلف "ينشأ" بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين؛ أي يربى ويكبر في الحلية.
واختاره أبو عبيد ،لن السناد أيها أعلى .وقرأ الباقون "ينشأ" بفتح الياء وإسكان النون ،واختاره
أبهو حاتهم ،أي يرسهخ وينبهت ،وأصهله مهن نشهأ أي ارتفهع ،قال الهروي .فهه "ينشهأ" متعهد ،و"ينشهأ"
لزم.
@قوله تعالى" :في الحلية" أي في الزينة .قال ابن عباس وغيره :هن الجواري زيهن غير زي
الرجال .قال مجاهد :رخص للنساء في الذهب والحرير؛ وقرأ هذه الية .قال الكيا :فيه دللة على
إباحة الحلي للنساء ،والجماع منعقد عليه والخبار فيه ل تحصى.
قلت :روي عهن أبهي هريرة أنهه كان يقول لبنتهه :يها بنيهة ،إياك والتحلي بالذههب ! فإنهي أخاف
عليك اللهب.
@قوله تعالى" :وههو فهي الخصهام غيهر مهبين" أي فهي المجادلة والدلء بالحجهة .قال قتادة ،مها
تكلمت امرأة ولها حجة إل جعلتها على نفسها .وفي مصحف عبدال "وهو في الكلم غير مبين".
ومعنى الية :أيضاف إلى ال من هذا وصفه! أي ل يجوز ذلك .وقيل :المنشأ في الحلية أصنامهم
التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها؛ قال ابن زيد والضحاك .ويكون معنى "وهو في الخصام
غيهر مهبين" على هذا القول :أي سهاكت عهن الجواب .و"مهن" فهي محهل نصهب ،أي اتخذوا ل مهن
ينشهأ فهي الحليهة .ويجوز أن يكون رفعها على البتداء والخهبر مضمهر؛ قال الفراء .وتقديره :أو مهن
كان على هذه الحالة يسههتحق العبادة .وإن شئت قلت خفههض ردا إلى أول الكلم وهههو قوله" :بمهها
ضرب" أو على "مهها" فههي قوله" :ممهها يخلق بنات" .وكون البدل فههي هذيههن الموضعيههن ضعيههف
لكون ألف الستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه" .وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا"
قرأ الكوفيون "عباد" بالجمههع .واختاره أبههو عبيههد؛ لن السههناد فيههها أعلى ،ولن ال تعالى إنمهها
كذبههم فهي قولههم إنههم بنات ال ،فأخهبرهم أنههم عبيهد وأنههم ليسهوا ببناتهه .وعهن ابهن عباس أنهه قرأ
"عباد الرحمن" ،فقال سعيد بن جبير :إن في مصحفي "عبدالرحمن" فقال :أمحها واكتبها "عباد
الرحمهن" .وتصهديق هذه القراءة قوله تعالى" :بهل عباد مكرمون" [النهبياء .]26 :وقوله تعالى:
"فحسهب الذيهن كفروا أن يتخذوا عبادي مهن دونهي أولياء" [الكههف .]102 :وقوله تعالى" :إن
الذيهن تدعون مهن دون ال عباد أمثالكهم" [العراف ]194 :وقرأ الباقون "عنهد الرحمهن" بنون
ساكنة واختاره أبو حاتم .وتصديق هذه القراءة قوله تعالى" :إن الذين عند ربك" وقوله" :وله من
فهي السهماوات والرض ومهن عنده" [النهبياء .]19 :والمقصهود إيضاح كذبههم وبيان جهلههم فهي
نسهبة الولد إلى ال سهبحانه ،ثهم فهي تحكمههم بأن الملئكهة إناث وههم بنات ال .وذكهر العباد مدج
لههم؛ أي كيهف عبدوا من هو نهايهة العبادة ،ثم كيهف حكموا بأنههم إناث من غير دليل .والجعهل هنا
بمعنههى القول والحكههم؛ تقول :جعلت زيدا أعلم الناس؛ أي حكمههت له بذلك" .أشهدوا خلقهههم" أي
أحضروا حالة خلقههم حتهى حكموا بأنههم إناث .وقيهل :إن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم سهألهم وقال:
[فما يدريكم أنهم إناث] ؟ فقالوا :سمعنا بذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا في أنهم إناث،
فقال ال تعالى" :سهتكتب شهادتهه ويسهألون" أي يسهألون عنهها فهي الخرة .وقرأ نافهع "أوشْهدوا"
بهمزة اسهتفهام داخلة على همزة مضمومهة مسههلة ،ول يمهد سهوى مها روى المسهيبي عنهه أنهه يمهد.
وروى المفضهههل عهههن عاصهههم مثهههل ذلك وتحقهههق الهمزتيهههن .والباقون "أشهدوا" بهمزة واحدة
للستفهام.
شهِدوا خلقههم" على الخهبر" ،سهتكتب" قراءة العامهة بضهم التاء على الفعهل وروي عهن الزهري "ُأ ْ
المجهول "شهادتهههم" رفعهها .وقرأ السههلمى وابههن السههميقع وهههبيرة عههن حفههص "سههنكتب" بنون،
"شهادتهم" نصبا بتسمية الفاعل .وعن أبي رجاء "ستكتب شهاداتهم" بالجمع.
**3الية{ 20 :وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إل يخرصون}
@قوله تعالى" :وقالوا لوشاء الرحمهن" يعنهي قال المشركون على طريهق السهتهزاء والسهخرية:
لوشاء الرحمهن على زعمكهم مها عبدنها هذه الملئكهة .وهذا منههم كلمهة حهق أريهد بهها باطهل .وكهل
شيههء بإرادة ال ،وإرادتههه تجههب وكذا علمههه فل يمكههن الحتجاج بههها؛ وخلف المعلوم والمراد
مقدور وإن لم يقع .ولو عبدوا ال بدل الصنام لعلمنا أن ال أراد منهم ما حصل منهم .وقد مضى
هذا المعنهى فهي النعام عنهد قوله" :سهيقول الذيهن أشركوا لو شاء ال مها أشركنها" [النعام]148 :
وفي "يس"" :أنطعم من لو يشاء ال أطعمه" [يس .]47 :وقوله" :ما لهم بذلك من علم" مردود
إلى قوله "وجعلوا الملئكهة الذيهن ههم عباد الرحمهن إناثها" [الزخرف ]19 :أي مها لههم بقولههم:
الملئكة بنات ال -من علم قال قتادة ومقاتل والكلبى .وقال مجاهد وابن جريج :يعني الوثان؛ أي
مها لههم بعبادة الوثان مهن علم" .مهن" صهلة" .إن ههم إل يخرصهون" أي يحدسهون ويكذبون؛ فل
عذر لههم فهي عبادة غيهر ال عهز وجهل .وكان مهن ،ضمهن كلمههم أن ال أمرنها لم بهذا أو أرضهى
ذلك منا ،ولهذا لم ينهنا ولم يعاجلنا بالعقوبة.
**3الية{ 21 :أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون}
@ هذا معادل لقوله" :أشهدوا خلقهم" .والمعنى :أحضروا خلقهم أم آتيناهم كتابا من قبله؛ أي من
قبل القرآن بما ادعوه؛ فهم به متمسكون يعملون بما فيه.
**3الية{ 22 :بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ،وكذلك ما أرسلنا
من قبلك في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}
@قوله تعالى" :بهل قالوا إنها وجدنها آباءنها على أمهة" أي على طريقهة ومذههب؛ قال عمهر بهن
عبدالعزيههز .وكان يقرأ هههو ومجاهههد وقتادة "على إمههة" بكسههر اللف .والمههة الطريقههة .وقال
الجوهري :والمة (بالكسر) .النعمة .والمة أيضا لغة في المة ،وهي الطريقة والدين؛ عن أبي
عبيدة .قال عدي بن زيد في النعمة:
مة وارتهم هناك القبور ثم بعد الفلح والملك وال
عن غير الجوهري .وقال قتادة وعطية" :على أمة" على دين؛ ومنه قول قيس بن الخطيم:
ويقتدي الخر بالول كنا على أمة أبائنا
قال الجوهري :والمة الطريقة والدين ،يقال :فلن ل أمة له؛ أي ل دين له ول نحلة .قال الشاعر:
وهل يستوي ذو أمة وكفور
وقال مجاهد وقطرب :على دين على ملة .وفي بعض المصاحف "قالوا إنا وجدنا أباءنا على ملة"
وهذه القوال متقاربهة .وحكهي عهن الفراء على ملة على قبلة .الخفهش :على اسهتقامة ،وأنشهد قول
النابغة:
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
@قوله تعالى" :وإنها على آثارههم مهتدون" أي نهتدي بههم .وفهي اليهة الخرى "مقتدون" أي
نقتدي بهههم ،والمعنههى واحههد .قال قتادة :مقتدون متبعون .وفههي هذا دليههل على إبطال التقليههد؛ لذمههه
إياههم على تقليهد آبائههم وتركههم النظهر فيمها دعاههم إليهه الرسهول صهلى ال عليهه وسهلم .وقهد مضهى
القول فهي هذا فهي "البقرة" مسهتوفى .وحكهى مقاتهل أن هذه اليهة نزلت فهي الوليهد بهن المغيرة وأبهي
سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة بني ربيعة من قريش؛ أي وكما قال هؤلء فقد قال من قبلهم أيضا.
يعزي نهبيه صهلى ال عليهه وسهلم؛ ونظيره" :مها يقال لك إل مها قهد قيهل للرسهل مهن قبلك" [فصهلت:
.]43والمترف :المنعم ،والمراد هنا الملوك والجبابرة.
**3الية{ 24 :قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون}
@قوله تعالى" :قهل أولو جئتكهم بأهدى" أي قهل يها محمهد لقومهك :أوليهس قهد جئتكهم مهن عنهد ال
بأهدى؛ يريد بأرشد" .مما وجدتم عليه آبائكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون" يعني بكل ما أرسل
به الرسل .فالخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم ولفظه لفظ الجمع؛ لن تكذيبه تكذيب لمن سواه.
وقرئ "قهل وقال وجئتكهم وجئناكهم" يعنهي أتتبعون آباءكهم ولو جئتكهم بديهن أهدى مهن ديهن آبائكهم ؟
قالوا :إنها ثابتون على ديهن آبائنها ل ننفهك عنهه وإن جئتنها بمها ههو أهدى .وقهد مضهى فهي "البقرة"
القول في التقليد وذمه فل معنى لعادته .وقراءة العامة "قل أو لو جئتكم" وقرأ ابن عامر وحفص
"قال أو لو" على الخبر عن النذير أنه قال لهم هذه المقالة .وقرأ أبو جعفر "قل أولو جئناكم" بنون
وألف؛ على أن المخاطبة من رسول ال صلى ال عليه وسلم عن جميع الرسل.
**3الية{ 25 :فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين}
@قوله تعالى" :فانتقمنا منهم" بالقحط والقتل والسبي "فانظر كيف كان عاقبه المكذبين" آخر أمر
من كذب الرسل.
**3اليهة{ 26 :وإذ قال إبراهيهم لبيهه وقومهه إننهي براء ممها تعبدون ،إل الذي فطرنهي فإنهه
سيهدين}
@قوله تعالى" :وإذ قال" أي ذكرهم إذ قال" .إبراهيم لبيه وقومه إنني براء مما تعبدون" البراء
يستعمل للواحد فما فوقه فل يثنى ول يجمع ول يؤنث؛ لنه مصدر وضع موضع النعت؛ ل يقال:
البراءان والبراؤون ،لن المعنى ذو البراء وذوو البراء .قال الجوهري :وتبرأت من كذا ،وأنا منه
براء ،وخلء منهه ل يثنهى ول يجمهع لنهه مصهدر فهي الصهل؛ مثهل :سهمع سهماعا .فإذا قلت :أنها
بريء منه وخلي ثنيت وجمعت وأنثت ،وقلت في الجمع :نحن منه براء مثل فقيه وفقهاء ،وبراء
أيضها مثهل كريهم وكرام ،وأبراء مثهل شريهف وأشراف ،وأبرياء مثهل نصهيب وأنصهباء ،وبريئون.
وامرأة بريئة بريئتان وهن بريئات وبرايا .ورجل بريء وبراء مثل عجيب وعجاب.
والبراء (بالفتهح) أول ليلة مهن الشههر ،سهميت بذلك لتهبرؤ القمهر مهن الشمهس" .إل الذي فطرنهي"
اسهتئناء متصهل ،لنههم عبدوا ال مهع آلهتههم .قال قتادة :كانوا يقولون ال ربنها؛ مهع عبادة الوثان.
ويجوز أن يكون منقطعها؛ أي لكهن الذي فطرنهي فههو يهديهن .قال ذلك ثقهة بال وتنبيهها لقومهه أن
الهداية من ربه.
**3الية{ 28 :وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}
@قوله تعالى" :وجعلهها كلمهة باقيهة" الضميهر فهي "جعلهها" عائد على قوله" :إل الذي فطرنهي".
وضمير الفاعل في "جعلها" ل عز وجل؛ أي وجعل ال هذه الكلمة والمقالة باقية في عقبه ،وهم
ولده وولد ولده؛ أي إنهههم توارثوا البراءة عههن عبادة غيههر ال ،وأوصههى بعضهههم بعضهها فههي ذلك.
والعقهب مهن يأتهي بعده .وقال السهدي :ههم آل محمهد صهلى ال عليهه وسهلم .وقال ابهن عباس :قوله:
"فهي عقبه" أي فهي خلقه .وفهي الكلم تقديهم وتأخيهر؛ المعنهى فإنهه سهيهدين لعلههم يرجعون وجعلهها
كلمهة باقيهة فهي عقبهه .أي قال لههم ذلك لعلههم يتوبون عهن عبادة غيهر ال .قال مجاههد وقتادة :الكلمهة
ل إله إل ال .قال قتادة :ل يزال مهن عقبهه مهن يعبهد ال إلى يوم القيامهة .وقال الضحاك :الكلمهة أن
ل تعبدوا إل ال .عكرمهة :السهلم؛ لقوله تعالى" :ههو سهماكم المسهلمين مهن قبهل" [الحهج.]78 :
القرظهي :وجعهل وصهية إبراهيهم التهي وصهى بهها بنيهه وههو قوله" :يها بنهي إن ال اصهطفى ،لكهم
الديهن"[ .البقرة ]132 :اليهة المذكورة فهي البقرة -كلمهة باقيهة فهي ذريتهه وبنيهه .وقال ابهن زيهد:
الكلمهة قوله" :أسهلمت لرب العالميهن" [البقرة ]131 :وقرأ "سهماكم المسهلمين مهن قبهل" .وقيهل:
الكلمة النبوة .قال ابن العربي :ولم تزل النبوة باقية في ذرية إبراهيم .والتوحيد هم أصله وغيرهم
فيه تبع لهم.
@ قال ابهن العربهي :إنمها كانهت لبراهيهم فهي العقاب موصهولة بالحقاب بدعوتيهه المجابتيهن؛
إحداهما في قوله" :إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال ل ينال عهدي الظالمين" [البقرة:
]124فقهد قال نعهم إل مهن ظلم منههم فل عههد .ثانيهمها قوله" :واجنبنهي وبنهي أن نعبهد الصهنام"
[إبراهيم .]35 :وقيل :بل الولى قوله" :واجعل لي لسان صدق في الخرين" [الشعراء]84 :
فكل أمة تعظمه ،بنوه وغيرهم ممن يجتمع معه في سام أو نوح.
@ قال ابن العربي :جرى ذكر العقب ها هنا موصول في المعنى ،وذلك مما يدخل في الحكام
وترتب عليه عقود العمرى والتحبيس .قال النبي صلى ال عليه وسلم( :أيما رجل أعمر عمرى له
واعقبهه فإنهها للذي أعطيهها ل ترجهع إلى الذي أعطاهها لنهه أعطهى عطاء وقعهت فيهه المواريهث).
وهي ترد على أحد عشر لفظا :اللفظ الول :الولد ،وهو عند الطلق عبارة عمن وجد من الرجل
وامرأته في الناث والذكور .وعن ولد الذكور دون الناث لغة وشرعا؛ ولذلك وقع الميراث على
الولد المعيهن وأولد الذكور مهن المعيهن دون ولد الناث لنهه مهن قوم آخريهن ،ولذلك لم يدخلوا فهي
الحبس بهذا اللفظ ،قاله مالك في المجموعة وغيرها.
قلت :هذا مذهب مالك وجميع أصحابه المتقدمين ،ومن حجتههم على ذلك الجماع على أن ولد
البنات ل ميراث لهم مع قوله تعالى" :يوصيكم ال في أولدكم" [النساء .]11 :وقد ذهب جماعة
مهن العلماء إلى أن ولد البنات مهن الولد والعقاب يدخلون فهي الحباس؛ يقول المحبهس :حبسهت
على ولدي أو على عقبي .وهذا اختيار أبي عمر بن عبدالبر وغيره؛ واحتجوا بقول ال جل وعز:
"حرمهت عليكهم أمهاتكهم وبناتكهم" [النسهاء .]23 :قالوا :فلمها حرم ال البنات فحرمهت بذلك بنهت
البنهت بإجماع علم أنهها بنهت ووجهب أن تدخهل فهي حبهس أبيهها إذا حبهس على ولده أوعقبهه .وقهد
مضى هذا المعنى في "النعام" مستوفى.
اللفهظ الثانهي :البنون؛ فإن قال :هذا حبهس عهل ابنهي؛ فل يتعدى الولد المعيهن ول يتعدد .ولو قال
ولدي ،لتعدى وتعدد فهي كهل مهن ولد .وإن قال على بنهي ،دخهل فيهه الذكور والناث .قال مالك :مهن
تصدق على بنيه وبني بنيه فإن بناته وبنات بناته يدخلن في ذلك .روى عيسى عن ابن القاسم فيمن
حبس على بناته فإن بنات بنته يدخلن في ذلك مع بنات صلبه .والذي عليه جماعة أصحابه أن ولد
البنات ل يدخلون في البنين .فإن قيل :فقد قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحسن ابن ابنته (إن
ابنهي هذا سهيد ولعهل ال أن يصهلح بهه بيهن فئتيهن عظيمتيهن مهن المسهلمين) .قلنها :هذا مجاز ،وإنمها
أشار بهه إلى تشريفهه وتقديمهه؛ أل ترى أنهه يجوز نفيهه عنهه فيقول الرجهل فهي ولد بنتهه ليهس بابنهي؛
ولو كان حقيقة ما جاز نفيه عنه؛ لن الحقائق ل تنفى عن منتسباتها .أل ترى أنه ينتسب إلى أبيه
دون أمه؛ ولذلك قيل في عبدال بن عباس :إنه هاشمي وليس بهللي وإن كانت أمه هللية.
قلت :هذا السهتدلل غيهر صهحيح ،بهل ههو ولد على الحقيقهة فهي اللغهة لوجود معنهى الولدة فيهه،
ولن أههل العلم قهد أجمعوا على تحريهم بنهت البنهت مهن قول ال تعالى" :حرمهت عليكهم أمهاتكهم
وبناتكهم" [النسهاء .]23 :وقال تعالى" :ومهن ذريتهه داود وسهليمان" إلى قوله "مهن الصهالحين"
[النعام ]85 - 84 :فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته على ما تقدم بيانه هناك .فإن قيل فقد
قال الشاعر:
بنوهن أبناء الرجال الباعد بنونا بنو أبنائنا ،وبناتنا
قيهل لههم :هذا ل دليهل فيهه؛ لن معنهى قوله :إنمها ههو ولد بنيهه الذكران ههم الذيهن لههم حكهم بنيهه فهي
الموارثههة والنسههب ،وإن ولد بناتههه ليههس لهههم حكههم بناتههه فههي ذلك؛ إذ ينتسههبون إلى غيره فأخههبر
بافتراقهم بالحكم مع اجتماعهم في التسمية ولم ينف عن ولد البنات اسم الولد لنه ابن؛ وقد يقول
الرجل في ولده ليس هو بابني إذ ل يطيعني ول يرى لي حقا ،ول يريد بذلك نفي اسم الولد عنه،
وإنمها يريهد أن ينفهي عنهه حكمهه .ومهن اسهتدل بهذا البيهت على أن ولد البنهت ل يسهمى ولدا فقهد أفسهد
معناه وأبطهل فائدتهه ،وتأول على قائله مها ل يصهح ،إذ ل يمكهن أن يسهمى ولد البهن فهي اللسهان
العربي ابنا ،ول يسمى ولد البنة ابنا؛ من اجل أن معنى الولدة التي اشتق منها اسم الولد فيه أبين
وأقوى لن ولد البنههة هههو ولدههها بحقيقههة الولدة ،وولد البههن إنمهها هههو ولده بمال ممهها كان سههببا
للولدة .ولم يخرج مالك رحمهه ال أولد البنات مهن حبهس على ولده مهن أجهل أن اسهم الولد غيهر
واقع عليه عنده في اللسان ،وإنما أخرجهم منه قياسا على الموارثة .وقد مضى هذا في "النعام"
والحمد ل.
اللفههظ الثالث :الذريههة؛ وهههي مأخوذة مههن ذرأ ال الخلق؛ فيدخههل فيههه ولد البنات لقوله" :ومههن
ذريته داود وسليمان" إلى أن قال "وزكريا ويحيى وعيسى" [النعام .]85 - 84 :وإنما كان من
ذريتههه مههن قبههل أمههه .وقههد مضههى فههي "البقرة" اشتقاق الذريههة وفههي "النعام" الكلم على "ومههن
ذريته" [النعام ]84 :الية؛ فل معنى للعادة.
اللفهظ الرابهع :العقهب؛ وههو فهي اللغهة عبارة عهن شيهء بعهد شيهء كان مهن جنسهه أو مهن غيهر
جنسهه؛ يقال :أعقهب ال بخيهر؛ أي جاء بعهد الشدة بالرخاء .وأعقهب الشيهب السهواد .وعقهب يعقهب
عقوبها وعقبها إذا جاء شيئا بعهد شيهء؛ ولهذا قيهل لولد الرجهل :عقبه .والمعقاب من النسهاء :التهي تلد
ذكرا بعهد أنثهى ،هكذا أبدا وعقهب الرجهل :ولده وولد ولده الباقون بعده .والعاقبهة الولد؛ قال يعقوب:
في القرآن"وجعلها كلمة باقية في عقبه" وقيل :بل الورثة كلهم عقب .والعاقبة الولد؛ ولذلك فسره
مجاههد هنها .وقال ابهن زيهد :هها هنها ههم الذريهة .وقال ابهن شهاب :ههم الولد وولد الولد .وقيهل غيره
على مها تقدم عهن السهدي .وفهي الصهحاح والعقهب (بكسهر القاف) مؤخهر القدم وههي مؤنثهة .وعقهب
الرجههل أيضهها ولده وولد ولده .وفيههه لغتان :عقههب وعقههب (بالتسههكين) وهههي أيضهها مؤنثههة ،عههن
الخفهش .وعقهب الرجهل أيضها ولده وولد ولده .وعقهب فلن مكان أبيهه عاقبهة أي خلفهه؛ وههو اسهم
جاء بمعنهى المصهدر كقوله تعالى" :ليهس لوقعتهها كاذبهة" [الواقعهة .]2 :ول فرق عنهد احهد مهن
العلماء بيهن لفهظ العقهب والولد فهي المعنهى .واختلف فهي الذريهة والنسهل فقيهل انهمها بمنزلة الولد
والعقب؛ ل يدخل ولد البنات فيهما على مذهب مالك .وقيل :إنهم يدخلون فيهما .وقد مضى الكلم
في الذرية هنا وفي "النعام".
اللفهظ الخامهس :نسهلي؛ وههو عنهد علمائنها كقول :ولدي وولد ولدي؛ فإنهه يدخهل فيهه ولد البنات.
ويجهب أن يدخلوا؛ لن نسهل بهه بمعنهى خرج ،وولد البنات قهد خرجوا منهه بوجهه ،ولم يقترن بهه مها
يخصهه كمها أقترن بقول عقهبي مها تناسهلوا .وقال بعهض علمائنها :إن النسهل بمنزلة الولد والعقهب ل
يدخهل فيهه والد البنات؛ إل أن يقول المحبهس نسهلي ونسهل نسهلي ،كمها إذا قال :عقهبي وعقهب عقهبي،
وأما إذا قال ولدي أوعقبي مفردا فل يدخل فيه البنات.
اللفظ السادس :الل؛ وهم الهل؛ وهو اللفظ السابع .قال ابن القاسهم :هما سواء ،وهم العصبة
والخوة والبنات والعمات؛ ول يدخهل فيهه الخالت .وأصهل أههل الجتماع يقال :مكان أههل إذا كان
فيه جماعة ،وذلك بالعصبة ومن دخل في القعدد من النساء والعصبة مشتقة منه وهي أخصى به.
وفهي حديهث الفهك :يها رسهول ال ،أهلك ! ول نعلم إل خيرا؛ يعنهي عائشهة .ولكهن ل تدخهل فيهه
الزوجة بإجماع وإن كانت أصل التأهل؛ لن ثبوتها ليس بيقين إذ قد يتبدل ربطها وينحل بالطلق.
وقد .قال مالك :آل محمد كل تقي؛ وليس من هذا الباب .وإنما أراد أن اليمان أخصى من القرابة
فاشتملت عليه الدعوة وقصد بالرحمة .وقد قال أبو إسحاق التونسي :يدخل في لهل كل من كان
مهن جههة البويهن ،فوفهى الشتقاق حقهه وغفهل عهن العرف ومطلق السهتعمال .وهذه المعانهي إنمها
تبغى على الحقيقة أو على العرف المستعمل عند الطلق ،فهذان لفظان.
اللفههظ الثامههن :قرابههة ،فيههه أربعههة أقوال :الول :قال مالك فههي كتاب محمههد بههن عبدوس :إنهههم
القرب فالقرب بالجتهاد؛ ول يدخهل فيهه ولد البنات ول ولد الخالت .الثانهي :يدخهل فيهه أقاربهه
من قبل أبيه وأمه؛ قال علي بن زياد .الثالث :قال أشهب :يدخل فيه كل رحم من الرجال والنساء.
الرابع :قال ابن كنانة :يدخل فيه العمام والعمات والخوال والخالت وبنات الخت .وقد قال ابن
عباس فهي تفسهير قوله تعالى" :قهل ل أسهألكم عليهه أجرا إل المودة فهي القربهى" [الشورى]23 :
قال :إل أن تصهلوا قرابهة مها بينهي وبينكهم .وقال :لم يكهن بطهن مهن قريهش إل كان بينهه وبيهن النهبي
صلى ال عليه وسلم قرابة؛ فهذا يضبطه وال أعلم.
اللفهظ التاسهع :العشيرة؛ ويضبطهه الحديهث الصهحيح :إن ال تعالى لمها أنزل" :وأنذر عشيرتهك
القربيهن" [الشعراء ]214 :دعها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بطون قريهش وسهماهم -كمها تقدم
ذكره -وهم العشيرة القربون؛ وسواهم عشيرة فهي الطلق .واللفظ يحمل على الخص القرب
بالجتهاد ،كما تقدم من قول علمائنا.
اللفهظ العاشهر :القوم؛ يحمهل ذلك على الرجال خاصهة مهن العصهبة دون النسهاء .والقول يشمهل
الرجال والنساء؛ وإن كان الشاعر قد قال:
أقوم آل حصن أم نساء وما أدري وسوف إخال أدري
ولكنهه أراد أن الرجهل إذا دعها قومهه للنصهرة عنهى الرجال ،وإذا دعاههم للحرمهة دخهل فيههم الرجال
والنساء؛ فتعممه الصفة وتخصصه القرينة.
اللفظ الحادي عشر :الموالي؛ قال مالك :يدخل فيه موالي أبيه وابنه مع مواليه .وقال ابن وهب:
يدخل فيه أولد مواليه .قال ابن العربي :والذي يتحصل منه أنه يدخل فيه من يرثه بالولء؛ قال:
وهذه فصهول الكلم وأصهول المرتبطهة بظاههر القرآن والسهنة المبينهة له؛ والتفريهع والتتميهم فهي
كتاب المسائل ،وال أعلم.
**3الية{ 32 - 29 :بل متعت هؤلء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ،ولما جاءهم
الحهق قالوا هذا سهحر وإنها بهه كافرون ،وقالوا لول نزل هذا القرآن على رجهل مهن القريتيهن عظيهم،
أههم يقسهمون رحمهة ربهك نحهن قسهمنا بينههم معيشتههم فهي الحياة الدنيها ورفعنها بعضههم فوق بعهض
درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون}
@قوله تعالى" :بهل متعهت" وقرئ "بهل متعنها"" .هؤلء وآبائههم" أي فهي الدنيها بالمهال" .حتهى
جاءهم الحق" أي محمد صلى ال عليه وسلم بالتوحيد والسلم الذي هو اصل دين إبراهيم؛ وهو
الكلمهة التهي بقاهها ال فهي عقبهه" .ورسهول مهبين" أي يهبين لههم مها بههم إليهه حاجهة" .ولمها جاءههم
الحهق" يعنهي القرآن" .قالوا هذا سهحر وإنها بهه كافرون" جاحدون" .وقالوا لول نزل" أي هل نزل
"هذا القرآن على رجل" وقرئ "على رجل" بسكون الجيم" .من القريتين عظيم" أي من إحدى
القريتين؛ كقوله تعالى" :يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" [الرحمن ]22 :أي من أحدهما .أو على
أحهد رجليهن مهن القريتيهن .القريتان :مكهة والطائف .والرجلن :الوليهد بهن المغيرة بهن عبدال بهن
عمر بن مخزوم عم أبي جهل .والذي من الطائف أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي؛ قاله قتادة.
وقيل :عمير بن عبد ياليل الثقفي من الطائف ،وعتبة بن ربيعة من مكة؛ وهو قول مجاهد .وعن
ابن عباس :أن عظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي .وقال السدي :كنانة بن عبد بن عمرو .روي
أن الوليد بن المغيرة -وكان يسمى ريحانة قريش كان يقول :لو كان ما يقول محمد حقا لنزل علي
أو على أبهي مسهعود؛ فقال ال تعالى" :أههم يقسهمون رحمهة ربهك" يعنهي النبوة فيضعونهها حيهث
شاؤوا" .نحن قسمنا ببنهم معيشتهم في الحياة الدنيا" أي أفقرنا قوما وأغنينا قوما؛ فإذا لم يكن أمر
الدنيها إليههم فكيهف يفوض أمهر النبوة إليههم .قال قتادة :تلقاه ضعيهف القوة قليهل الحيلة عيهي اللسهان
وههو مبسهوط له ،ونلقاه شديهد الحيلة بسهيط اللسهان وههو مقتهر عليهه .وقرأ ابهن عباس ومجاههد وابهن
محيصن في رواية عنه "معايشهم" .وقيل :أي نحن أعطينا عظيم القريتين ما أعطينا ل لكرامتهما
علي وأنهها قادر على نزع النعمههة عنهمهها؛ فأي فضههل وقدر لهمهها" .ورفعنهها بعضهههم فوق بعههض
درجات" أي فاضلنها بينههم فمهن فاضهل ومفضول ورئيهس ومرؤوس؛ قال مقاتهل .وقيهل :بالحريهة
والرق؛ فبعضهم مالك وبعضهم مملوك .وقيل :بالغنى والفقر؛ فبعضهم غني وبعضهم فقير .وقيل:
بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر" .ليتخذ بعضهم بعضا سخريا" قال السدي وابن زيد :خول
وخداما ،يسخر الغنياء الفقراء فيكون به بعضهم سببا لمعاش بعض .وقال قتادة والضحاك :يعني
ليملك بعضهم بعضا .وقيل :هو من السخرية التي بمعنى الستهزاء؛ أي ليستهزئ الغني بالفقير.
قال الخفش :سخرت به وسخرت منه ،وضحكت منه وضحكت به ،وهزئت منه وبه؛ كل يقال،
والسهم السهخرية (بالضهم) .والسهخري والسهخري (بالضهم والكسهر) .وكهل الناس ضموا "سهخريا"
إل ابهن محيصهن ومجاههد فإنهمها قرآ "سهخريا" "ورحمهة ربهك خيهر ممها يجمعون" أي أفضهل ممها
يجمعون من الدنيا .ثم قيل :الرحمة النبوة ،وقيل الجنة .وقيل :تمام الفرائض خير مم كثير النوافل.
وقيل :ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه من أعمالهم.
**3اليهة{ 33 :ولول أن يكون الناس أمهة واحدة لجعلنها لمهن يكفهر بالرحمهن لبيوتههم سهقفا مهن
فضة ومعارج عليها يظهرون}
@ قال العلماء :ذكهر حقارة الدنيها وقلة خطرهها ،وأنهها عنده مهن الهوان بحيهث كان يجعهل بيوت
الكفرة ودرجها ذهبا وفضة لول غلبة حب الدنيا على القلوب؛ فيحمل ذلك على الكفر .قال الحسن:
المعنهى لول أن يكفهر الناس جميعها بسهبب ميلههم إلى الدنيها وتركههم الخرة لعطيناههم فهي الدنيها مها
وصهفناه؛ لهوان الدنيها عنهد ال عهز وجهل .وعلى هذا أكثهر المفسهرين ابهن عباس والسهدي وغيرههم.
وقال ابن زيد" :ولول أن يكون الناس أمة واحدة" في طلب الدنيا واختيارها على الخرة "لجعلنا
لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة" .وقال الكسائي :المعنى لول أن يكون في الكفار غني
وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها.
@ قرأ ابهن كثيهر وأبهو عمرو "سهقفا" بفتهح السهين وإسهكان القاف على الواحهد ومعناه الجمهع؛
اعتبارا بقوله تعالى" :فخهر عليههم السهقف مهن فوقههم" [النحهل .]26 :وقرأ الباقون بضهم السهين
والقاف على الجمع؛ مثل رهن ورهن .قال أبو عبيد :ول ثالث لهما .وقيل :هو جمع سقيف؛ مثل
كثيهب وكثهب ،ورغيهف ورغهف؛ قاله الفراء .وقيهل :ههو جمهع سهقوف؛ فيصهير جمهع الجمهع :سهقف
وسقوف ،نحو فلس وفلوس .ثم جعلوا فعول كأنه اسم واحد فجمعوه على فعل .وروي عن مجاهد
"سهقفا" بإسهكان القاف .وقيهل :اللم فهي "لبيوتههم" بمعنهى على؛ أي على بيوتههم .وقيهل :بدل؛ كمها
تقول :فعلت هذا لزيهد لكرامتهه؛ قال ال تعالى" :ولبويهه لكهل واحهد منهمها السهدس" [النسهاء]11 :
كذلك قال هنا" :لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم".
@قوله تعالى" :ومعارج" يعنهي الدرج؛ قال ابهن عباس وههو قول الجمهور .واحدهها معراج،
والمعراج السههلم؛ ومنههه ليلة المعراج .والجمههع معارج ومعاريههج؛ مثههل مفاتههح ومفاتيههح؛ لغتان.
"ومعاريج" قرأ أبو رجاء العطاردي وطلحة بن مصرف؛ وهي المراقي والسلليم .قال الخفش:
إن شئت جعلت الواحههد معرج ومعرج؛ مثههل مرقاة ومرقاة" .عليههها يظهرون" أي على المعارج
يرتقون ويصهعدون؛ يقال :ظهرت على البيهت أي علوت سهطحه .وهذا لن مهن عل شيئا وارتفهع
عليه ظهر للناظرين .ويقال :ظهرت على الشيء أي علمته .وظهرت على العدو أي غلبته.
وأنشد نابغة بني جعدة رسول ال صلى ال عليه وسلم قوله:
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا علونا السماء عزة ومهابة
أي مصعدا؛ فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال[ :إلى أين] ؟ قال إلى الجنة؛ قال[ :أجل
إن شاء ال] .قال الحسن :وال لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك ! فكيف لو فعل ؟!
@ اسهتدل بعهض العلماء بهذه اليهة على أن السهقف ل حهق فيهه لرب العلو؛ لن ال تعالى جعهل
السقوف للبيوت كما جعل البواب لها .وهذا مذهب مالك رحمه ال.
قال ابن العربي :وذلك لن البيت عبارة عن قاعة وجدار وسقف وباب ،فمن له البيت فله أركانه.
ول خلف أن العلول إلى السماء .واختلفوا في السفل؛ فمنهم من قال هو له ،ومنهم من قال ليس له
في باطن الرض شيء .وفي مذهبنا القولن.
وقد بين حديث السرائيلي الصحيح فيما تقدم :أن رجل باع من رجل دارا فبناها فوجد فيها جرة
مهن ذههب ،فجاء بهها إلى البائع فقال :إنمها اشتريهت الدار دون الجرة ،وقال البائع :إنمها بعهت الدار
بمها فيهها؛ وكلههم تدافعهها فقضهى بينههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أن يزوج أحدهمها ولده مهن بنهت
الخههر ويكون المال لهمهها .والصههحيح أن العلو والسههفل له إل أن يخرج عنهمهها بالبيههع؛ فإذا باع
أحدهما أحد الموضعين فله منه ما ينتفع به وباقيه للمبتاع منه.
@ من أحكام العلو والسفل .إذا كان العلو والسفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه؛
فذكر سحنون عن أشهب أنه قال :إذا أراد صاحب السفل أن يهدم ،أو أراد صاحب العلو أن يبني
علوه فليهس لصهاحب السهفل أن يهدم إل مهن ضرورة ،ويكون هدمهه له أرفهق لصهاحب العلو؛ لئل
ينهدم بانهدامه العلو ،وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئا لم يكن قبل ذلك إل الشيء الخفيف
الذي ل يضر بصاحب السفل .ولو انكسرت خشبة من سقف العلو لدخل مكانها خشبة ما لم تكن
أثقل منها ويخاف ضررها على صاحب السفل .قال أشهب :وباب الدار على صاحب السفل .قال:
ولو أنهدم السههفل أجههبر صههاحبه على بنائه ،وليههس على صههاحب العلو أن يبنههي السههفل؛ فإن أبههى
صاحب السفل من البناء قيل له بع ممن يبني .وروى ابن القاسم عن مالك في السفل لرجل والعلو
لخهر فأعتهل السهفل ،فإن صهلحه على رب السهفل وعليه تعليهق العلو حتهى يصهلع سهفله؛ لن عليهه
إما أن يحمله على بنيان أو على تعليق ،وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو الثاني على صاحب
الوسهط .وقهد قيهل :إن تعليهق العلو الثانهي على رب العلو حتهى يبنهي السهفل .وحديهث النعمان بهن
بشيههر عههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم قال[ :مثههل القائم على حدود ال والواقههع فيههها كمثههل قوم
استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من
الماء مروا على من فوقهم فقالوا لوأنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما
أرادوا هلكوا جميعها وإن أخذوا على أيديههم نجوا ونجوا جميعها] -أصهل فهي هذا الباب .وههو حجهة
لمالك وأشهب .وفيه دليل على أن صاحب السفل ليس له أن يحدث على صاحب العلو ما يضربه،
وأنههه إن أحدث عليههه ضررا لزمههه إصههلحه دون صههاحب العلو ،وأن لصههاحب العلو منعههه مههن
الضرر؛ لقوله عليهه السهلم[ :فإن أخذوا على أيديههم نجوا ونجوا جميعها] ول يجوز الخهذ إل على
يد الظالم أو من هو ممنوع من إحداث ما ل يجوز له في السنة .وفيه دليل على استحقاق العقوبة
بترك المههر بالمعروف والنهههي عههن المنكههر؛ وقههد مضههى فههي "النفال" .وفيههه دليههل على جواز
القرعة واستعمالها ،وقد مضى في "آل عمران" فتأمل كل في موضعه تجده مبينا ،والحمد ل.
**3اليهة{ 34 :ولبيوتههم أبوابها وسهررا عليهها يتكئون ،وزخرفها وإن كهل ذلك لمها متاع الحياة
الدنيا والخرة عند ربك للمتقين}
@قوله تعالى" :ولبيوتهم أبوابا وسررا" "ولبيوتهم أبوابا" أي ولجعلنا لبيوتهم .وقيل" :لبيوتهم"
بدل اشتمال من قوله" :لمن يكفر بالرحمن"" .أبوابا" أي من فضة.
"وسهررا" كذلك؛ وههو جمهع السهرير .وقيهل :جمهع السهرة ،والسهرة جمهع السهرير؛ فيكون جمهع
الجمع" .عليها يتكئون" التكاء والتوكؤ :التحامل على الشيء؛ ومنه" ،أتوكأ عليها" .ورجل تكأة؛
مثال همزة؛ كثيهر التكاء .والتكأة أيضها :مها يتكهأ عليهه .وأتكهأ على الشيهء فههو متكهئ؛ والموضهع
متكأ .وطعنه حتى أتكأه (على أفعله) أي ألقاه على هيئة المتكئ .وتوكأت على العصا .وأصل التاء
في جميع ذلك واو ،ففعل به ما فعل باتزن واتعد" .وزخرفا" الزخرف هنا الذهب؛ عن ابن عباس
وغيره .نظيره" :أو يكون لك بيهت من زخرف" [السهراء ]93 :وقد تقدم .وقال ابهن زيد :هو ما
يتخذه الناس فههي منازلهههم مههن المتعههة والثاث .وقال الحسههن :النقوش؛ وأصههله الزينههة .يقال:
زخرفهت الدار؛ أي زينتهها .وتزخرف فلن؛ أي تزبهن .واتصهب "زخرفها" على معنهى وجعلنها لههم
مهع ذلك زخرفها .وقيهل :ينزع الخافهض؛ والمعنهى فجعلنها لههم سهقفا وأبوابها وسهررا مهن فضهة ومهن
ذهب؛ فلما حذف "من" قال" :وزخرفا" فنصب" .وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا" قرأ عاصم
وحمزة وهشام عهن ابهن عامهر "وإن كهل ذلك لمها متاع الحياة الدنيها" بالتشديهد .الباقون بالتخفيهف؛
وقهد ذكهر هذا .وروي عهن أبهي رجاء كسهر اللم مهن "لمها"؛ فهه "مها" عنده بمنزلة الذي ،والعائد
عليها محذوف؛ والتقدير :وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا ،وحذف الضمير ها هنا كحذفه
في قراءة من قرأ "مثل ما بعوضة فما فوقها" [البقرة ]26 :و"تماما على الذي أحسن" [النعام:
.]154أبو الفتح :ينبغي أن يكون "كل" على هذه القراءة منصوبة؛ لن "إن" مخففة من الثقيلة،
وهي إذا خففت وبطل عملها لزمتها اللم في آخر الكلم للفرق بينها وبين "إن" النافية التي بمعنى
ما؛ نحو إن زيد لقائم ،ول لم هنا سوى الجارة" .والخرة عند ربك للمتقين" يريد الجنة لمن اتقى
وخاف .وقال كعههب :إنههي لجههد فههي بعههض كتههب ال المنزلة :لول أن يحزن عبدي المؤمههن لكللت
رأس عبدي الكافهر بالكليهل ،ول يتصهدع ول ينبهض منهه عرق بوجهع .وفهي صهحيح الترمذي عهن
أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر].
وعهن سههل بهن سهعد قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :لو كانهت الدنيها تعدل عنهد ال
جناح بعوضهة مها سهقى كافرا منهها شربهة ماء) .وفهي الباب عهن أبهي هريرة ،وقال :حديهث حسهن
غريب .وأنشدوا:
إذاً لم يكن فيها معاش لظالم فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن
وقد شبعت فيها بطون البهائم لقد جاع فيها النبياء كرامة
وقال آخر:
فإنك فيها بين ناه وآمر تمتع من اليام إن كنت حازما
فما فاته منها فليس بضائر إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
ول وزن َرقّ من جناح لطائر فل تزن الدنيا جناح بعوضة
ول رضي الدنيا عقابا لكافر فلم يرض بالدنيا ثوابا لمحسن
**3اليهة{ 38 - 36 :ومهن يعهش عهن ذكهر الرحمهن نقيهض له شيطانها فههو له قريهن ،وإنههم
ليصههدونهم عههن السههبيل ويحسههبون أنهههم مهتدون ،حتههى إذا جاءنهها قال يهها ليههت بينههي وبينههك بعههد
المشرقين فبئس القرين}
@قوله تعالى" :ومهن يعهش عهن ذكهر الرحمهن نقيهض له شيطانها فههو له قريهن" وقرأ ابهن عباس
وعكرمهة "ومهن يعهش" بفتهح الشيهن ،ومعناه يعمهى؛ يقال منهه عشهي يعشهى عشها إذا عمهي .ورجهل
أعشى وامرأة عشواء إذا كان ل يبصر؛ ومنه قول العشى:
هن مختلفَ الخلق أعشى ضريرا رأت رجل غائب الوافدَيه
وقوله:
خبِلُ
ريب المنون ودهر مفند َ أن رأت رجل أعشى أضر به
الباقون بالضهم؛ مهن عشها يعشهو إذا لحقهه مها لحهق العشهى .وقال الخليهل :العشهو ههو النظهر ببصهر
ضعيف؛ وأنشد:
تجد خير نار عندها خير موقد متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
وقال آخر:
إذا الريح هبت والمكان جديب لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره
الجوهري :والعشا (مقصور) مصدر العشى وهو الذي ل يبصر بالليل ويبصر بالنهار .والمرأة
عشواء ،وامرأتان عشواوان .وأعشاه ال فعشهي (بالكسهر) يعشهى عشهي ،وهمها يعشيان ،ولم يقولوا
يعشوان؛ لن الواو لمهها صههارت فههي الواحههد ياء لكسههرة مهها قبلههها تركههت فههي التثنيههة على حالههها.
وتعاشههى إذا أرى مههن نفسههه أنههه أعشههى .والنسههبة إلى أعشههى أعشوي .وإلى العشيههة عشوى.
والعشواء :الناقة التي ل تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء .وركب فلن العشواء إذا خبط
أمره على غير بصيرة .وفلن خابط خبط عشواء.
وهذه اليههة تتصههل بقول أول السههورة" :أفنضرب عنكههم الذكههر صههفحا" [الزخرف ]5 :أي
نواصهل لكهم الذكهر؛ فمهن يعهش عهن ذلك الذكهر بالعراض عنهه إلى أقاويهل المضليهن وأباطيلههم
"نقيض له شيطانا" أي نسبب له شيطانا جزاء له على كفره "فهو له قرين" قيل في الدنيا ،يمنعه
يمنعهه مهن الحلل ،ويبعثهه على الحرام ،وينهاه عهن الطاعهة ،ويأمره بالمعصهية؛ وههو معنهى قول
ابن عباس .وقيل في الخرة إذا قام من قبره؛ قال سعيد الجريري .وفي الخبر :أن الكافر إذا خرج
من قبره يشفع بشيطان ل يزال معه حتى يدخل النار .وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي ال بين
خلقهه؛ ذكره المهدوي .وقال القشيري :والصهحيح فههو له قريهن فهي الدنيها والخرة .وقال أبهو الهيثهم
والزهري :عشوت إلى كذا أي قصهدته .وعشوت عهن كذا أي أعرضهت عنهه ،فتفرق بيهن "إلى"
و"عهن"؛ مثهل :ملت إليهه وملت عنهه .وكذا قال قتادة :يعهش ،يعرض؛ وههو قول الفراء .النحاس:
وهههو غيههر معروف فههي اللغههة .وقال القرظههي :يولي ظهره؛ والمعنههى واحههد .وقال أبههو عههبيدة
والخفههش :تظلم عينههه .وأنكههر العتههبي عشوت بمعنههى أعرضههت؛ قال :وإنمهها الصههواب تعاشيههت.
والقول قول أبي الهيثم والزهري .وكذلك قال جميع أهل المعرفة .وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق
ويعقوب وعصمة عن عاصم وعن العمش "يقيض" (بالياء) لذكر "الرحمن" أول؛ أي يقيض له
الرحمههن شيطانهها .الباقون بالنون .وعههن ابههن عباس "يقيههض له شيطان فهههو له قريههن" أي ملزم
ومصهاحب .قيهل" :فههو" كنايهة عهن الشيطان؛ على مها تقدم .وقيهل عهن العراض عهن القرآن؛ أي
هو قرين للشيطان" .وإنهم ليصدونهم عن السبيل" أي وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى؛
وذكهر بلفهظ الجمهع لن "مهن" فهي قوله" :ومهن يعهش" فهي معنهى الجمهع" .ويحسهبون" أي ويحسهب
الكفار "أنهم مهتدون" وقيل :ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم.
@قوله تعالى" :حتهى إذا جاءنها" على التوحيهد قرأ أبهو عمرو وحمزة والكسهائي وحفهص يعنهي
الكافر يوم القيامة .الباقون "جاءانا" على التثنية ،يعني الكافر وقرينه وقد جعل في سلسلة واحدة؛
فيقول الكافهر" :يها ليهت بينهي وبينهك بعهد المشرقيهن" أي مشرق الشتاء ومشرق الصهيف ،كمها قال
تعالى" :رب المشرقين ورب المغربين" [الرحمن ]17 :ونحوه قول مقاتل .وقراءة التوحيد وإن
كان ظاهرها الفراد فالمعنى لهما جميعا؛ لنه قد عرف ذلك بما بعده؛ كما قال:
شقت مآقيهما من أخر وعين لها حدرة بدرة
قال مقاتهل :يتمنهى الكافهر أن بينهمها بعهد المشرق أطول يوم فهي السهنة إلى مشرق أقصهر يوم فهي
السهنة ،ولذلك قال" :بعهد المشرقيهن" .وقال الفراء :أراد المشرق والمغرب فغلب اسهم أحدهما ،كما
يقال :القمران للشمههس والقمههر ،والعمران لبههي بكههر وعمههر ،والبصههرتان للكوفههة والبصههرة،
والعصران للغداة والعصر .وقال الشاعر:
لنا قمراها والنجوم الطوالع أخذنا بآفاق السماء عليكم
وأنشد أبو عبيدة لجرير:
والعمران أبو بكر ول عمر ما كان يرضى رسول ال فعلهم
وأنشد سيبويه:
قَدْنيَ من نصر الخُهبَيبين َقدِي
يريهد عبدال ومصهعبا ابنهي الزبيهر،وإنمها أبهو خهبيب عبدال" .فبئس القريهن" أي فبئس الصهاحب
أنهت؛ لنهه يورده إلى النار .قال أبهو سهعيد الخدري :إذا بعهث الكافهر زوج بقرينهه مهن الشياطيهن فل
يفارقه حتى يصير به إلى النار.
**3الية{ 39 :ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}
@قوله تعالى" :ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم" "إذ" بدل من اليوم؛ أي يقول ال للكافر :لن ينفعكم
اليوم إذ أشركتم في الدنيا هذا الكلم؛ وهو قول الكافر" :يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين" أي ل
تنفهع الندامهة اليوم "إنكهم" بالكسهر "فهي العذاب مشتركون" وههي قراءة ابهن عامهر باختلف عنهه.
الباقون بالفتهح .وههي فهي موضهع رفهع تقديره :ولن ينفعكهم اليوم اشتراككهم فهي العذاب؛ لن لكهل
واحهد نصهيبه الوفهر منهه .أعلم ال تعالى أنهه منهع أههل النار التأسهي كمها يتأسهى أههل المصهائب فهي
الدنيها ،وذلك أن التأسهي يسهتروحه أههل الدنيها فيقول أحدههم :لي فهي البلء والمصهيبة أسهوة؛ فيسهكن
ذلك من حزنه؛ كما قالت الخنساء:
على إخوانهم لقتلت نفسي فلول كثرة الباكين حولي
أعزي النفس عنه بالتأسي وما يبكون مثل أخي ولكن
فإذا كان فههي الخرة لم ينفعهههم التأسههي ،شيئا لشغلهههم بالعذاب .وقال مقاتههل :لن ينفعكههم العتذار
والندم اليوم؛ لن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر.
**3الية{ 40 :أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلل مبين}
@قوله تعالى" :أفأنهت تسهمع الصهم أو تهدي العمهي" يها محمهد "ومهن كان فهي ضلل مهبين" أي
ليهس لك ذلك فل يضيهق صهدرك إن كفروا؛ ففيهه تسهلية للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم .وفيهه رد على
القدريهة وغيرههم ،وأن الهدى والرشهد والخذلن فهي القلب خلق ال تعالى ،يضهل مهن يشاء ويهدي
من يشاء.
**3اليههة{ 41 :فإمهها نذهبههن بههك فإنهها منهههم منتقمون ،أو نرينههك الذي وعدناهههم فإنهها عليهههم
مقتدرون}
@قوله تعالى" :فإما نذهبن بك" يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش" .فإنا منهم منتقمون .أو
نريك الذي وعدناهم" وهو النتقام منهم في حياتك" .فإنا عليهم مقتدرون" قال ابن عباس :قد أراه
ال ذلك يوم بدر؛ وهو قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة :هي في أهل السلم؛ يريد ما كان بعد النبي صلى ال عليه وسلم من الفتن.
و"نذهبن بك" على هذا نتوفينك .وقد كان بعد النبي صلى ال عليه وسلم نقمة شديدة فأكرم ال نبيه
صلى ال عليه وسلم وذهب به فلم يره في أمته إل التي تقر به عينه وأبقى النقمة بعده ،وليس من
نبي إل وقد أري النقمة في أمته .وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم أري ما لقيت أمته من بعده،
فما زال منقبضا ،ما انبسط ضاحكا حتى لقي ،ال عز وجل .وعن ابن مسعود :أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال( :إذا أراد ال بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعاه لها فرطا وسلفا .وإذا أراد ال بأمة
عذابا عذبها ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوا أمره).
**3اليهة{ 43 :فاسهتمسك بالذي أوحهي إليهك إنهك على صهراط مسهتقيم ،وإنهه لذكهر لك ولقومهك
وسوف تسألون}
@قوله تعالى" :فاستمسك بالذي أوحي إليك" يريد القرآن ،يريد القرآن ،وإن كذب به من كذب؛ فه
"إنك على صراط مستقيم" يوصلك إلى ال ورضاه وثوابه" .وإنه لذكر لك ولقومك" يعني القرآن
شرف لك ولقومك من قريش ،إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم؛ نظيره" :لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه
ذكركم" [النبياء ]10 :أي شرفكم .فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب؛ فاحتاج أهل اللغات
كلهها إلى لسهانهم كهل مهن آمهن بذك فصهاروا عيال عليههم؛ لن أههل كهل لغهة احتاجوا إلى أن يأخذوه
مهن لغتههم حتهى يقفوا على المعنهى الذي عنهى بهه مهن المهر .والنههي وجميهع مها فيهه مهن النباء،
فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا.
وقيل :بيان لك ولمتك فيما بكم إليه حاجة .وقيل :تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به .وقيل:
"وإنه لذكر لك ولقومك" يعني الخلفة فإنها في قريش ل تكون في غيرهم؛ قال النبي مصلى ال
عليهه وسهلم[ :الناس تبهع لقريهش فهي هذا الشأن مسهلمهم تبهع لمسهلمهم وكافرههم تبهع لكافرههم] .وقال
مالك :ههو قول الرجهل حدثنهي أبهي عهن أبيهه ،حكاه ابهن أبهي سهلمة عهن أبيهه عهن مالك بهن أنهس فيمها
ذكهر الماوردي والثعلبهي وغيرهمها .قال ابهن العربهي :ولم أجهد فهي السهلم هذه المرتبهة لحهد إل
ببغداد فإن بنهي التميمهي بهها يقولون :حدثنهي أبهي قال حدثنهي أبهي ،إلى رسهول ال صهلى ال عليهه
وسهلم؛ وبذلك شرفهت أقدارههم ،وعظهم الناس شأنههم ،وتهممهت الخلفهة بههم .ورأيهت بمدينهة السهلم
ابني أبي محمد رزق ال بن عبدالوهاب أبي الفرج بن عبدالعزيز بن الحارث بن السد بن الليث
آل سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبدال التميمي وكانا يقولن :سمعنا أبانا رزق
ال يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول سهمعت أبهي يقول
سههمعت علي بههن أبههي طالب يقول وقههد سههئل عههن الحنان المنان فقال :الحنان الذي يقبههل على مههن
أعرض عنهه ،والمنان الذي يبدأ بالنوال قبهل السهؤال .والقائل سهمعت عليها :أكينهة بهن عبدال جدههم
العلى .والقوى أن يكون المراد بقوله" :وإنه لذكر لك ولقومك" يعني القرآن؛ فعليه انبنى الكلم
وإليهه يرجهع المصهير ،وال أعلم .قال الماوردي" :ولقومهك" فيههم قولن :أحدهمها :مهن اتبعهك مهن
أمتك؛ قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن .الثاني :لقومك من قريش؛ فيقال ممن هذا ؟ فيقال من
العرب ،فيقال من أي العرب ؟ فيقال من قريش؛ قال مجاهد.
قلت :والصهحيح أنهه شرف لمهن عمهل بهه ،كان مهن قريهش أومهن غيرههم .روى ابهن عباس قال:
أقبهل نهبي ال صهلى ال عليهه وسهلم مهن سهرية أو غزاة فدعها فاطمهة فقال[ :يها فاطمهة اشتري نفسهك
من ال فإني ل أغني عنك من ال شيئا] وقال مثل ذلك لنسوته ،وقال مثل ذلك لعترته ،ثم قال نبي
ال صهلى ال عليهه وسهلم[ :مها بنهو هاشهم بأولى الناس بأمتهي إن أولى الناس بأمتهي المتقون ،ول
قريههش بأولى الناس بأمتههي إن أولى الناس بأمتههي المتقون ،ول النصههار بأولى الناس بأمتههي إن
أولى الناس بأمتههي المتقون ،ول الموالي بأولى الناس بأمتههي إن أولى الناس بأمتههي المتقون .إنمهها
أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ليس لحد على أحد فضل إل بالتقوى] .وعن أبي هريرة
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون
شرا عند ال من الجعلن التي تدفع النتن بأنفها ،كلكم بنو آدم وآدم من تراب ،إن ال أذهب عنكم
عيبهة الجاهليهة وفخرهها بالباء الناس مؤمهن تقهي وفاجهر شقهي] .خرجهمها الطهبري .وسهيأتي لهذا
مزيد بيان في الحجرات إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وسهوف تسهألون" أي عن الشكهر عليهه؛ قال مقاتهل والفراء .وقال ابهن جريهج :أي
تسألون أنت ومن معك على ما أتاك .وقيل :تسألون عما عملتم فيه؛ والمعنى متقارب.
**3الية{ 45 :واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}
@قوله تعالى" :واسهأل مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن رسهلنا" قال ابهن عباس وابهن زيهد :لمها أسهري
برسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مهن المسهجد الحرام إلى المسهجد القصهى -وههو مسهجد بيهت
المقدس -بعهث ال له آدم ومهن ولد مهن المرسهلين ،وجبريهل مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم؛ فأذن
جبريل صلى ال عليه وسلم ثم أقام الصلة ،ثم قال :يا محمد تقدم فصل بهم؛ فلما فرغ رسول ال
صهلى ال عليهه وسهلم؛ قال جبريهل صهلى ال عليهه وسهلم[ :سهل يها محمهد مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن
رسهلنا أجعلنها مهن دون الرحمهن آلههة يعبدون] .فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم[ :ل أسهأل قهد
اكتفيهت] .قال ابهن عباس :وكانوا سهبعين نبيها منههم إبراهيهم وموسهى وعيسهى عليههم السهلم؛ فلم
يسألهم لنه كان أعلم بال منهم .في غير رواية ابن عباس :فصلوا خلف رسول ال صلى ال عليه
وسهلم سهبعة صهفوف ،المرسهلون ثلثهة صهفوف والنهبيون أربعهة؛ وكان يلي ظههر رسهول ال صهلى
ال عليهه وسهلم إبراهيهم خليهل ال ،وعلى يمينهه إسهماعيل وعلى يسهاره إسهحاق ثهم موسهى ثهم سهائر
المرسلين فأمهم ركعتين؛ فلما انفتل قام فقال[ :إن ربي أوحى إلي أن أسألكم هل أرسل أحد منكم
يدعو إلى عبادة غير ال] ؟ فقالوا :يا محمد ،إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أن ل إله إل
ال وأن ما يعبدون من دونه باطل ،وأنك خاتم النبيين وسيد المرسلين ،قد استبان ذلك لنا بإمامتك
إيانا ،وأن ل نبي بعدك إلى يوم القيامة إل عيسى ابن مريم فإنه مأمور أن يتبع أثرك).
وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى" :واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا" قال :لقي الرسل ليلة
أسهري بهه .وقال الوليهد بهن مسهلم فهي قوله تعالى" :واسهأل مهن أرسهلنا مهن قبلك مهن رسهلنا" قال:
سهألت عهن ذلك وليهد بهن دعلج فحدثنهي عهن قتادة قال :سهألهم ليلة أسهري بهه ،لقهي النهبياء ولقهي آدم
ومالك خازن النار.
قلت :هذا ههو الصهحيح فهي تفسهير هذه اليهة .و"مهن" التهي قبهل "رسهلنا" على هذا القول غيهر
زائدة .وقال المبرد وجماعة من العلماء :إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا.
وروي أن في قراءة ابن مسعود" :واسال الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا" .وهذه قراءة مفسرة؛ فه
"مهن" على هذا زائدة ،وههو قول مجاههد والسهدي والضحاك وقتادة وعطاء والحسهن وابهن عباس
أيضا .أي واسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والنجيل .وقيل :المعنى سلنا يا محسد عن النبياء
الذيهن أرسهلنا قبلك؛ فحذفهت "عهن" ،والوقهف على "رسهلنا" على هذا تام ،ثهم ابتدأ بالسهتفهام على
طريههق النكار .وقيههل :المعنههى واسههأل تباع مههن أرسههلنا مههن قبلك مههن رسههلنا ،فحذف المضاف.
والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته.
@قوله تعالى" :أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" أخبر عن اللهة كما أخبر عمن يعقل فقال:
"يعبدون" ولم يقل تعبد ول يعبدن ،لن اللهة جرت عندهم مجرى من يعقل فأجرى الخبر عنهم
مجرى الخبر عمن يعقل.
وسبب هذا المر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم :إن ما جئت به
مخالف لمن كان قبلك؛ فأمره ال بسؤال النبياء على جهة التوقيف والتقرير؛ ل لنه كان في شك
منه.
واختلف أههل التأويهل فهي سهؤال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لههم على قوليهن :أحدهمها :أنهه سهألهم
فقالت الرسهل بعثنها بالتوحيهد؛ قاله الواقدي .الثانهي :أنهه لم يسهألهم ليقينهه بال عهز وجهل؛ حتهى حكهى
ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل( :هل سألك محمد عن ذلك ؟ فقال جبريل :هو أشد إيمانا وأعظم
يقينا من أن يسأل عن ذلك) .وقد تقدم هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه.
**3اليهة{ 52 - 46 :ولقهد أرسهلنا موسهى بآياتنها إلى فرعون وملئه فقال إنهي رسهول رب
العالميهن ،فلمها جاءههم بآياتنها إذا ههم منهها يضحكون ،ومها نريههم مهن آيهة إل ههي أكهبر مهن أختهها
وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ،وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون،
فلمها كشفنها عنههم العذاب إذا ههم ينكثون ،ونادى فرعون فهي قومهه قال يها قوم أليهس لي ملك مصهر
وهذه النهار تجري من تحتي أفل تبصرون ،أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ول يكاد يبين}
@قوله تعالى" :ولقهد أرسهلنا موسهى بآياتنها "لمها أعلم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه منتقهم له مهن
عدوه وأقام الحجة باستشهاد النبياء واتفاق الكل على التوحيد أكد ذلك قصة موسى وفرعون ،وما
كان مهن فرعون مهن التكذيهب ،ومها نزل بهه وبقومهه مهن الغراق والتعذيهب :أي أرسهلنا موسهى
بالمعجزات وهههههي التسههههع اليات فكذب؛ فجعلت العاقبههههة الجميلة له ،فكذلك أنههههت .ومعنههههى:
"يضحكون" اسهتهزاء وسهخرية؛ يوهمون أتباعههم أن تلك اليات سهحر وتخيهل ،وأنههم قادرون
عليها .وقوله" :وما نريهم من آية إل هي أكبر من أختها" أي كانت آيات موسى من أكبر اليات،
وكانهت كهل واحدة أعظهم ممها قبلهها .وقيهل" :إل وههي أكهبر مهن أختهها" لن الولى تقتضهي علمها
والثانيهههة تقتضهههي علمههها ،فتضهههم الثانيهههة إلى الولى فيزداد الوضوح ،ومعنهههى الخوة المشاكلة
المناسبة؛ كما يقال :هذه صاحبة هذه؛ أي قريبتان في المعنى" .وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون"
أي على تكذيبهههم بتلك اليات؛ وهههو كقوله تعالى" :ولقههد أخذنهها آل فرعون بالسههنين ونقههص مههن
الثمرات" [العراف .]130:والطوفان والجراد والقمهل والضفادع .وكانهت هذه اليات الخيرة
عذابا لهم وآيات لموسى" .لعلهم يرجعون" من كفرهم.
@قوله تعالى" :وقالوا يها أيهها السهاحر" لمها عاينوا العذاب قالوا يها أيهها السهاحر؛ نادوه بمها كانوا
ينادونهه بهه مهن قبهل ذلك على حسهب عادتههم .وقيهل :كانوا يسهمون العلماء سهحرة فنادوه بذلك على
سبيل التعظيم .قال ابن عباس" :يا أيها الساحر" يا أيها العالم ،وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه؛
ولم يكهن السهحر صهفة ذم .وقيهل :يها أيهها الذي غلبنها بسهحره؛ يقال :سهاحرته فسهحرته؛ أي غلبتهه
بالسههحر؛ كقول العرب :خاصههمته فخصههمته أي غلبتههه بالخصههومة ،وفاضلتههه ففضلتههه ،ونحوههها.
ويحتمهل أن يكون أرادوا بهه السهاحر على الحقيقهة على معنهى السهتفهام ،فلم يلمههم على ذلك رجاء
أن يؤمنوا .وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى بن ثابت "وأي ُه الساحر" بغير ألف والهاء مضمومة؛
وعلتها أن الهاء خلطت بما قبلها وألزمت ضم الياء الذي أوجبه النداء المفرد .وأنشد الفراء:
أفق عن البيض الحسان اللعس يأيه القلب اللجوج النفس
فضهم الهاء حمل على ضهم الياء؛ وقهد مضهى فهي "النور" معنهى هذا .ووقهف أبهو عمرو وابهن أبهي
إسهحاق ويحيهى والكسهائي "أيهها" باللف على الصهل .الباقون بغيهر ألف؛ لنهها كذلك وقعهت فهي
المصهحف" .ادع لنها ربهك بمها عههد عندك إننها لمهتدون" "ادع لنها ربهك بمها عههد عندك" أي بمها
أخبرنها عهن عهده إليهك إنها إن آمنها كشهف عنها؛ فسهله يكشهف عنها "إننها لمهتدون" أي فيمها يسهتقبل.
"فلما كشفنا عنهم العذاب" أي فدعا فكشفنا" .إذا هم ينكثون" أي ينقضون العهد على أنفسهم فلم
يؤمنوا .وقيهل:قولههم" :إننها لمهتدون" إخبار منههم عهن أنفسههم باليمان؛ فلمها كشهف عنههم العذاب
ارتدوا.
@قوله تعالى" :ونادى فرعون فهي قومهه" قيهل :لمها رأى تلك اليات خاف ميهل القوم إليهه فجمهع
قومه فقال :فنادى بمعنى قال؛ قاله أبو مالك .فيجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع صوته بذلك
فيما بينههم ثهم ينشهر عنه في جموع القبط؛ وكأنه نودي بينههم .وقيهل :إنه أمر من ينادي فهي قومه؛
قاله ابهن جريهج" .قال يها قوم أليهس لي ملك مصهر" أي ل ينازعنهي فيهه أحهد .قيهل :إنهه ملك منهها
أربعيهن فرسهخا فهي مثلهها؛ حكاه النقاش .وقيهل أراد بالملك هنها السهكندرية" .وهذه النهار تجري
من تحتي" يعني أنهار النيل ،ومعظمها أربعة :نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس.
وقال قتادة :كانهت جنانها وأنهارا تجري مهن تحهت قصهوره .وقيهل :مهن تحهت سهريره .وقيهل" :مهن
تحتهي" قال القشيري :ويجوز ظهور خوارق العادة على مدعهي الربوبيهة؛ إذ ل حاجهة فهي التمييهز
الله من غير الله إلى فعهل خارق للعادة .وقيهل معنهى "وهذه النهار تجري من تحتهي" أي القواد
والرؤساء والجبابرة يسيرون من تحت لوائي؛ قاله الضحاك .وقيل :أراد بالنهار الموال ،وعبر
عنهها بالنهار لكثرتههها وظهورهها .وقوله" :تجري مهن تحتهي" أي أفرقهها على مهن يتبعنههي؛ لن
الترغيههب والقدرة فههي الموال دون النهار" .أفل تبصههرون" عظمتههي وقوتههي وضعههف موسههى.
وقيهل :قدرتهي على نفقتكهم وعجهز موسهى .والواو فهي "وهذه" يجوز أن تكون عاطفهة للنهار على
"ملك مصهر" و"تجري" نصهب على الحال منهها .ويجوز أن تكون واو الحال ،واسهم الشارة
مبتدأ ،و"النهار" صفة لسم الشارة ،و"تجري" خبر للمبتدأ .وفتح الياء من "تحتي" أهل المدينة
والبزي وأبهو عمرو ،وأسهكن الباقون .وعهن الرشيهد أنهه لمها قرأهها قال :لولينهها أحسهن عهبيدي،
فولها الخصيب ،وكان على وضوئه .وعن عبدال بن طاهر أنه وليها فخرج إليها شارفها ووقع
عليهها بصهره قال :أهذه القريهة التهي افتخهر بهها فرعون حتهى قال" :أليهس لي ملك مصهر" ؟ ! وال
لههي عندي أقهل مهن أن أدخلهها ! فثنهى عنانهه .ثهم صهرح بحاله فقال" :أم أنها خيهر" قال أبهو عهبيدة
السدي" :أم" بمعنى "بل" وليست بحرف عطف؛ على قول أكثر المفسرين .والمعنى :قال فرعون
لقومهه بهل أنها خيهر"مهن هذا الذي ههو مهيهن" أي ل عزله فههو يمتههن نفسهه فهي حاجاتهه لحقارتهه
وضعفه "ول يكاد يبين" يعني ما كان في لسانه من العقدة؛ على ما تقدم في "طه" وقال الفراء:في
"أم" وجهان :إن شئت جعلتها من الستفهام الذي جعل بأم لتصاله بكلم قبله ،وإن شئت جعلتها
نسقا على قوله" :أليس لي ملك مصر" .وقيل :هي زائدة .وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون
"أم" زائدة؛ والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين .وقال الخفش :في الكلم حذف ،والمعنى:
أفل تبصرون أم تبصرون؛ كما قال:
وبين النقا آأنت أم أم سالم أيا ظبية الوعساء بين جلجل
أي أنههت أحسههن أم أم سههالم .ثههم ابتداء فقال( :أنهها خيههر) .وقال الخليههل وسههيبويه :المعنههى "أفل
تبصهرون" ،أم أنتهم بصهراء ،فعطهف بهه "أم" على "أفل تبصهرون" لن معنهى "أم أنها خيهر" أم أي
تبصرون؛ وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء.
وروي عههن عيسههى الثقفههي ويعقوب الحضرمههي أنهمهها وقفهها على "أم" على أن يكون التقديههر أفل
تبصهرون أم تبصهرون؛ فحذف تبصهرون الثانهي .وقيهل مهن وقهف على "أم" جعلهها زائدة ،وكأنهه
وقهف على "تبصهرون" مهن قوله" :أفل تبصهرون" .ول يتهم الكلم على "تبصهرون" عنهد الخليهل
وسهيبويه؛ لن "أم" تقتضهي التصهال بمها قبلهها .وقال قوم :الوقهف على قوله" :أفل تبصهرون" ثهم
ابتدأ "أم أنا خير" بمعنى بل أنا؛ وأنشد الفراء:
وصورتها أم أنت في العين أملح بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى
فمعناه :بهل أنهت أملح .وذكهر الفراء أن بعهض القراء قرأ "أمها أنها خيهر"؛ ومعنهى هذا ألسهت خيرا.
وروي عن مجاهد أنه وقف على "أم" ثم يبتدئ "أنا خير" وقد ذكر.
**3الية{ 53 :فلول ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين}
@قوله تعالى" :فلول" أي هل "ألقي عليه أساورة من ذهب" إنما قال ذلك لنه كان عادة الوقت
وزي أههل الشرف .وقرأ حفهص "أسهورة" جمهع سهوار ،كخمار وأخمرة .وقرأ أبهي "أسهاور" جمهع
إسهوار .وابهن مسهعود "أسهاوير" .الباقون "أسهاورة" جمهع السهورة فههو جمهع الجمهع .ويجوز أن
يكون "أسههاورة" جمههع "إسههوار" وألحقههت الهاء فههي الجمههع عوضهها مههن الياء؛ فهههو مثههل زناديههق
وزنادقههة ،وبطاريههق وبطارقههة ،وشبهههه .وقال أبههو عمرو بههن العلء :واحههد السههاورة والسههاور
والسهاوير إسهوار ،وههي لغهة فهي سهوار .قال مجاههد :كانوا إذا سهوروا رجل سهوروه بسهوارين
وطوقوه بطوق ذههب علمهة لسهيادته ،فقال فرعون :هل ألقهى رب موسهى عليهه أسهاورة مهن ذههب
إن كان صهادقا ! "أو جاء معهه الملئكهة مقترنيهن" يعنهي متتابعيهن؛ فهي قول قتادة .مجاههد :يمشون
معها .ابهن عباس :يعاونونهه على مهن خالفهه؛ والمعنهى :هل ضهم إليهه الملئكهة التهي يزعهم أنهها عنهد
ربهه حتهى يتكثهر بههم ويصهرفهم على أمره ونهيهه؛ فيكون ذلك أهيهب فهي القلوب .فأوههم قومهه أن
رسههل ال ينبغههي أن يكونوا كرسههل الملوك فههي الشاهههد ،ولم يعلم أن رسههل ال إنمهها أيدوا بالجنود
السهماوية؛ وكهل عاقهل يعلم أن حفهظ ال موسهى مهع تفرده ووحدتهه مهن فرعون مهع كثرة أتباعهه،
وإمداد موسههى بالعصهها واليههد البيضاء كان أبلغ مههن أن يكون له أسههورة أو ملئكههة يكونون معههه
أعوانها -فهي قول مقاتهل -أو دليل على صهدقه -فهي قول الكلبهي -وليهس يلزم هذا لن العجاز
كان ،وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجيء الملئكة كما كذب مع ظهور اليات .وذكر فرعون
الملئكة حكاية عن لفظ موسى؛ لنه ل يؤمن بالملئكة من ل يعرف خالقهم.
**3الية{ 54 :فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين}
@قوله تعالى" :فاسهتخف قومهه" قال ابهن العرابهي :المعنهى فاسهتجهل قومهه "فأطاعوه" لخفهة
أحلمههم وقلة عقولههم؛ يقال :اسهتخفه الفرح أي أزعجهه ،واسهتخفه أي حمله على الجههل؛ ومنهه:
"ول يسهتخفنك الذيهن ل يوقنون" [الروم .]60 :وقيهل :اسهتفزهم بالقول فأطاعوه على ،التكذيهب.
وقيهل :اسهتخف قومهه أي وجدههم خفاف الول .وهذا ل يدل على أنهه يجهب أن يطيعوه ،فل بهد مهن
إضمار بعيههد تقديره وجدهههم خفاف العقول فدعاهههم إلى الغوايههة فأطاعوه .وقيههل :اسههتخف قومههه
وقهرهم حتى أتبعوه؛ يقال :استخفه خلف استثقله ،واستخف به أهانه" .إنهم كانوا قوما فاسقين"
أي خارجين عن طاعة ال.
**3الية{ 55 :فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}
@قوله تعالى" :فلما آسفونا انتقمنا منهم" روى الضحاك عن ابن عباس :أي غاظونا وأغضبونا.
وروى عنه علي بن أبي طلحة :أي أسخطونا .قال الماوردي :ومعناها مختلف ،والفرق بينهما أن
السههخط إظهار الكراهههة .والغضههب إرادة النتقام .القشيري :والسههف ههها هنهها بمعنههى الغضههب؛
والغضب من ال إما إرادة العقوبة فيكون من صفات الذات ،وإما عين العقوبة فيكون من صفات
الفعل؛ وهو معنى قول الماوردي.
وقال عمهر بهن ذر :يها أههل معاصهي ال ،ل تغتروا بطول حلم ال عنكهم ،واحذروا أسهفه؛ فإنهه
قال" :فلمها آسهفونا انتقمنها منههم" .وقيهل" :آسهفونا" أي أغضبوا رسهلنا وأولياءنها المؤمنيهن؛ نحهو
السههحرة وبنههي إسههرائيل .وهههو كقوله تعالى" :يؤذون ال" [الحزاب ]57 :و"يحاربون ال"
[المائدة ]33 :أي أولياءه ورسله.
**3الية{ 56 :فجعلناهم سلفا ومثل للخرين}
@قوله تعالى" :فجعلناههم سهلفا" أي جعلنها قوم فرعون سهلفا .قال أبهو ِمجْلَز" :سهلفا" لمهن عمهل
عملهم ،و"مثل" لمن يعمل عملهم .وقال مجاهد" :سلفا" إخبارا لمة محمد صلى ال عليه وسلم،
"ومثل" أي عهبرة لههم .وعنهه أيضها "سهلفا" لكفار قومهك يتقدمونههم إلى النار .قتادة" :سهلفا" إلى
النار" ،ومثل" عظهة لمهن يأتهي بعدههم .والسهلف المتقدم؛ يقال :سهلف يسهلف سهلفا؛ مثهل طلب طلبها؛
أي تقدم ومضهى .وسهلف له عمهل صهالح أي تقدم .والقوم السهلف المتقدمون .وسهلف الرجهل :آباؤه
المتقدمون؛ والجمهع أسهلف وسهلف .وقراءة العامهة "سهلفا" (بفتهح السهين واللم) جمهع سهالف؛
كخادم وخدم ،وراصههد ورصههد ،وحارس وحرس .وقرأ حمزة والكسههائي "سههلفا" (بضههم السههين
واللم) .قال الفراء ههو جمهع سهليف ،نحهو سهرير وسهرر .وقال أبهو حاتهم :ههو جمهع سهلف؛ نحهو
خشب وخشب ،وثمر وثمر؛ ومعناهما واحد .وقرأ علي وابن مسعود وعلقمة وأبو وائل والنخعي
وحميههد بههن قيههس "سههلفا" (بضههم السههين وفتههح اللم) جمههع سههلفة ،أي فرقههة متقدمههة .قال المؤرج
والنضر بن شميل" :سلفا" جمع سلفة ،نحو غرفة وغرف ،وطرفة وطرف ،وظلمة وظلم.
**3الية{ 57 :ولما ضرب ابن مريم مثل إذا قومك منه يصدون}
@ لما قال تعالى" :وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون"
[الزخرف ]45 :تعلق المشركون بأمر عيسى وقالوا :ما يريد محمد إل أن نتخذه إلها كما اتخذت
النصارى عيسى ابن مريم الها؛ قال قتادة .ونحوه عن مجاهد قال :إن قريشا قالت إن محمدا يريد
أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى؛ فأنزل ال هذه الية .وقال ابن عباس :أراد به مناظرة عبدال
بهن الزبعرى مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي شأن عيسهى ،وأن الضارب لهذا المثهل ههو عبدال
بهن الزبعرى اسههمي حالة كفره لمها قالت له قريهش إن محمدا يتلو" :إنكهم ومها تعبدون مهن دون ال
حصهب جهنهم" [النهبياء ]98 :اليهة ،فقال :لو حضرته لرددت عليه؛ قالوا :ومها كنهت تقول له ؟
قال :كنهت أقول له هذا المسهيح تعبده النصهارى ،واليهود تعبهد عزيرا ،أفهمها مهن حصهب جهنهم ؟
فعجبهت قريهش مهن مقالتهه ورأوا أنهه قهد خصهم؛ وذلك معنهى قوله" :يصهدون" فمها نزل ال تعالى:
"إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" [النبياء .]101 :ولو تأمل ابن الزبعرى
اليههة مهها أعترض عليههها؛ لنههه قال" :ومهها تعبدون" ولم يقههل ومههن تعبدون وإنمهها أراد الصههنام
ونحوهها ممها ل يعقهل ،ولم يرد المسهيح ول الملئكهة وإن كانوا معبوديهن .وقهد مضهى هذا فهي آخهر
سورة "النبياء".
وروى ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لقريش[ :يا معشر قريش ل خير في أحد
يعبهد مهن دون ال] .قالوا :أليهس تزعهم أن عيسهى كان عبدا نبيها وعبدا صهالحا ،فإن كان كمها تزعهم
فقد كان يعبد من دون ال ! .فأنزل ال تعالى" :ولما ضرب ابن مريم مثل إذا قومك يصدون" أي
يضجون كضجيهج البهل عنهد حمهل الثقال .وقرأ نافهع وابهن عامهر والكسهائي "يصهدون" (بضهم
الصهاد) ومعناه يعرضون؛ قاله النخعهي ،وكسهر الباقون .قال الكسهائي :همها لغتان؛ مثهل يعرشون
ويعرشون وينمون وينمون ،ومعناه يضجون .قال الجوهري :وصد يصد صديدا؛ أي ضج .وقيل:
إنهه بالضهم مهن الصهدود وههو العراض ،وبالكسهر مهن الضجيهج؛ قال قطرب .قال أبهو عبيهد :لو
كانهت مهن الصهدود عهن الحهق لكانهت :إذا قومهك عنهه يصهدون .الفراء :همها سهواء؛ منهه وعنهه .ابهن
المسهيب :يصهدون يضجون .الضحاك يعجون .ابهن عباس :يضحكون .أبهو عهبيدة :مهن ضهم فمعناه
يعدلون؛ فيكون المعنههى :مههن أجههل الميههل يعدلون .ول يعدى "يصههدون" بمههن ،ومههن كسههر فمعناه
يضجون؛ فه "من" متصلة به "يصدون" والمعنى يضجون منه.
**3الية{ 58 :وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إل جدل بل هم قوم خصمون}
@قوله تعالى" :وقالوا أآلهتنا خير أم هو" أي ألهتنا خير أم عيسى ؟ قال السدي .وقال :خاصموه
وقالوا إن كهل مهن عبهد مهن دون ال فهي النار ،فنحهن نرضهى أن تكون آلهتنها مهع عيسهى والملئكهة
وعزيههر ،فأنزل ال تعالى" :إن الذيههن سههبقت لهههم منهها الحسههنى أولئك عنههها مبعدون" [النههبياء:
]101اليهة .وقال قتادة" :أم ههو" يعنون محمدا صهلى ال عليهه وسهلم .وفهي قراءة ابهن مسهعود
"ألهتنا خير أم هذا" .وهو يقوي قول قتادة ،فهو استفهام تقرير في أن آلهتهم خير .وقرأ الكوفيون
ويعقوب "أألهتنها" بتحقيهق الهمزتيهن ،وليهن الباقون .وقهد تقدم" .مها ضربوه لك إل جدل بهل ههم قوم
خصههمون" "مهها ضربوه لك إل جدل" حال؛ أي جدليههن .يعنههي مهها ضربوا لك هذا المثههل إل إرادة
الجدل؛ لنهههم علموا أن المراد بحصههب جهنههم مهها اتخذوه مههن الموت "بههل هههم قوم خصههمون"
مجادلون بالباطل .وفي صحيح الترمذي عن أبي أمامة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
[ما ضل قوم بعهد هدى كانوا عليه إل أوتوا الجدل -ثم تل رسهول ال صلى ال عليه وسهلم هذه
الية " -ما ضربوه لك إل جدل بل هم قوم خصمون"].
**3الية{ 60 - 59 :إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبني إسرائيل ،ولو نشاء لجعلنا
منكم ملئكة في الرض يخلفون}
@قوله تعالى" :إن هو إل عبهد أنعمنها عليه" أي مها عيسهى إل عبهد أنعهم ال عليه بالنبوة ،وجعله
مثل لبني إسرائيل؛ أي آية وعبرة يستدل بها .على قدرة ال تعالى؛ فإن عيسى كان من غير أب،
ثم جعل ال من إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص والسقام كلها ما لم يجعل لغيره في زمانه،
مع أن بني إسرائيل كانوا يومئذ خير الخلق وأحبه إلى ال عز وجل ،والناس دونهم ،ليس أحد عند
ال عز وجل مثلهم.
وقيهل المراد بالعبهد المنعهم عليهه محمهد صهلى ال عليهه وسهلم؛ والول أظههر" .ولو نشاء لجعلنها
منكهم" أي بدل منكهم "ملئكهة" يكونون خلفها عنكهم؛ قال السهدي .ونحوه عهن مجاههد قال :ملئكهة
يعمرون الرض بدل منكم .وقال الزهري :إن "من" قد تكون للبدل؛ بدليل هذه الية.
قلت :قدم تقدم هذا المعنهى فهي "التوبهة" وغيرهها .وقيهل :لو نشاء لجعلنها مهن النهس ملئكهة وإن
لم تجههر العادة بذلك ،والجواهههر جنههس واحههد والختلف بالوصههاف؛ والمعنههى :لو نشاء لسههكنا
الرض الملئكة ،وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا ،أو يقال لهم بنات ال .ومعنى
"يخلفون" يخلف بعضهم بعضا؛ قاله ابن عباس.
**3اليهة{ 61 :وإنهه لعلم للسهاعة فل تمترن بهها واتبعون هذا صهراط مسهتقيم ،ول يصهدنكم
الشيطان إنه لكم عدو مبين}
@قوله تعالى" :وإنه لعلم للساعة" قال الحسن وقتادة وسعيد بن جببر :يريد القرآن؛ لنه يدل على
قرب مجيء الساعة ،أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها.
وقال ابهن عباس ومجاههد والضحاك والسهدي وقتادة أيضها :إنهه خروج عيسهى عليهه السهلم ،وذلك
مهن أعلم السهاعة .لن ال ينزله مهن السهماء قبيهل قيام السهاعة ،كمها أن خروج الدجال مهن أعلم
الساعة .وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك "وإنه لعلم للساعة" (بفتح
العيهن واللم) أي أمارة .وقهد روي عهن عكرمهة "وإنهه للعلم" (بلميهن) وذلك خلف للمصهاحف.
وعهن عبدال بهن مسهعود .قال :لمها كان ليلة أسهري برسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لقهي إبراهيهم
وموسهى وعيسهى عليههم السهلم فتذاكروا السهاعة فبدؤوا بإبراهيهم فسهألوه عنهها فلم يكهن عنده منهها
علم ،ثهم سهألوا موسهى فلم يكن عنده منهها علم؛ فرد الحديهث إلى عيسهى ابن مريهم قال :قهد عههد إلي
فيمهها دون وجبتههها فأت وجبتههها فل يعلمههها إل ال عههز وجههل؛ فذكههر خروج الدجال -قال :فأنزل
فأقتله .وذكهر الحديهث ،خرجهه ابهن ماجهة فهي سهننه .وفهي صهحيح مسهلم [فبينمها ههو -يعنهي المسهيح
الدجال -إذ بعهث ال المسهيح بهن مريهم فينزل عنهد المنارة البيضاء شرقهي دمشهق بيهن مهرودتيهن
واضعها كفيه على أجنحهة ملكيهن إذا طأطهأ رأسهه قطهر وإذا رفعهه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فل يحهل
لكافههر يجههد ريههح نفسههه إل مات ونفسههه ينتهههي حيههث ينتهههي طرفههه فيطلبههه حتههى يدركههه بباب لد
فيقتله ]...الحديث...
وذكر الثعلبي والزمخشري وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
[ينزل عيسهى بهن مريهم عليهه السهلم مهن السهماء على ثنيهة مهن الرض المقدسهة يقال لهها أفيهق بيهن
ممصهرتين وشعهر رأسهه دهيهن وبيده حربهة يقتهل بهها الدجال فيأتهي بيهت المقدس والناس فهي صهلة
العصهر والمام يؤم بههم فيتأخهر المام فيقدمهه عيسهى ويصهلي خلفهه على شريعهة محمهد صهلى ال
عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إل من آمن
بههه] .وروى خالد عههن الحسههن قال :قال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم[ :النههبياء إخوة لعلت
أمهاتههم شتهى ودينههم واحهد وأنها أولى الناس بعيسهى ابهن مريهم إنهه ليهس بينهي وبينهه نهبي وإنهه أول
نازل فيكسههر الصههليب ويقتههل الخنزيههر ويقاتههل الناس على السههلم] .قال الماوردي :وحكههى ابههن
عيسهى عهن قوم أنههم قالوا إذا نزل عيسهى رفهع التكليهف لئل يكون رسهول إلى ذلك الزمان يأمرههم
عههن ال تعالى وينهاهههم .وهذا قول مردود لثلثههة أمور؛ منههها الحديههث ،ولن بقاء الدنيهها يقتضههي
التكليهف فيهها ،ولنه ينزل آمرا بمعروف وناهيها عهن منكهر .وليهس يسهتنكر أن يكون أمهر ال تعالى
له مقصورا على تأييد السلم والمر به والدعاء إليه.
قلت :ثبهت فهي صهحيح مسهلم وابهن ماجهة عهن أبهي هريرة قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه
وسهلم[ :لينزلن عيسهى بهن مريهم حكمها عادل فليكسهرن الصهليب وليقتلن الخنزيهر وليضعهن الجزيهة
ولتتركهن القلص فل يسهعى عليهها ولتذهبهن الشحناء والتباغهض والتحاسهد وليدعون إلى المال فل
يقبله أحهد] .وعنهه قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم[ :كيهف أنتهم إذا نزل،ابهن مريهم فيكهم
وإمامكم منكم] وفي رواية [فأمكم منكم] قال ابن أبي ذئب :تدري [ما أمكم منكم] ؟ قلت :تخبرني،
قال :فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى ال عليه وسلم .قال علماؤنا رحمة ال عليهم :فهذا نص
على أنهه ينزل مجددا لديهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم للذي درس منهه ،ل بشرع مبتدأ والتكليهف
باق؛ على ما بيناه هنا وفي كتاب التذكرة.
وقيل" :وإنه لعلم للساعة" أي وإن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى؛ قال ابن
إسحاق.
قلت :ويحتمهل أن يكون المعنهى "وإنهه" وإن محمدا صهلى ال عليهه وسهلم لعلم للسهاعة؛ بدليهل
قوله عليهه السهلم[ :بعثهت أنها والسهاعة كهاتيهن] وضهم السهبابة والوسهطى؛ خرجهه البخاري ومسهلم.
وقال الحسن :أول أشراطها محمد صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :فل تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم" "فل تمترون بها" فل تشكون فيها؛
يعني في الساعة؛ قاله يحيى بن سلم .وقال السدي :فل تكذبون بها ،ول تجادلون فيها فإنها كائنة
ل محالة" .واتبعون" أي فهي التوحيهد وفيمها أبلغكهم عهن ال" .هذا صهراط مسهتقيم" أي طريهق قويهم
إلى ال ،أي إلى جنتهه .وأثبهت الياء يعقوب فهي قوله" :واتبعون" فهي الحاليهن ،وكذلك "وأطيعون".
وأبههو عمرو وإسههماعيل عههن نافههع فههي الوصههل دون الوقههف ،وحذف الباقون فههي الحاليههن" .ول
يصهدنكم الشيطان" أي ل تغتروا بوسهاوسه وشبهه الكفار .المجادليهن؛ فإن شرائع النهبياء لم تختلف
في التوحيد ول فيما أخبروا به من علم الساعة وغيرها بما تضمنته من جنه أو نار" .إنه لكم عدو
مبين" تقدم.
**3الية{ 64 - 63 :ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولبين لكم بعض الذي
تختلفون فيه فاتقوا ال وأطيعون ،إن ال هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :ولمها جاء عيسهى بالبينات" قال ابهن عباس :يريهد إحياء الموتهى وإبراء السهقام،
وخلق الطيههر ،والمائدة وغيرههها ،والخبار بكثيههر مههن الغيوب .وقال قتادة :البينات هنهها النجيههل.
"قال قد جئتكم بالحكمة" أي النبوة؛ قاله السدي .ابن عباس :علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن
القبيههح .وقيههل النجيههل؛ ذكره القشيري والماوردي" .ولبيههن لكههم بعههض الذي تختلفون فيههه" قال
مجاههد :مهن تبديهل التوراة .الزجاج :المعنهى لبيهن لكهم فهي النجيهل بعهض الذي تختلفون فيهه مهن
تبديل التوراة.
قال مجاهد :وبين لهم في غير النجيل ما احتاجوا إليه .وقيل :بين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من
أحكام التوراة على قدر ما سألوه .ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها .وقيل :إن
بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم وأشياء من أمر دنياهم فبين لهم أمر
دينهم .ومذهب أبي عبيدة أن البعض بمعنى الكل؛ ومنه قوله تعالى" :يصبكم بعض الذي يعدكم"
[غافر .]28 :وأنشد الخفش قول لبيد:
وتعتلق بعض النفوس حمامها سراك أمكنة إذا لم أرضها
والموت ل يعتلق بعض النفوس دون بعض .ويقال للمنية :علوق وعلقة .قال المفضل البكري:
وقد علقت بثعلبة العلوق وسائلة بثعلبة بن سير
وقال مقاتل :هو كقول" :ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم" [آل عمران .]50 :يعني ما أحل في
النجيل مما كان محرما في التوراة؛ كلحم البل والشحم من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت.
"فاتقوا ال" أي اتقوا الشرك ول تعبدوا إل ال وحده؛ وإذا كان هذا قول عيسى فكيف يجوز أن
يكون إلهها أو ابهن إله" .وأطيعون" فيمها أدعوكهم إليهه مهن التوحيهد وغيره" .إن ال ههو ربهي وربكهم
فاعبدوه هذا صهراط مسهتقيم" أي عبادة ال صهراط مسهتقيم ،ومها سهواه معوج ل يؤدي سهالكه إلى
الحق.
**3الية{ 65 :فاختلف الحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ،هل ينظرون
إل الساعة أن تأتيهم بغتة وهم ل يشعرون}
@قوله تعالى" :فاختلف الحزاب من بينهم" قال قتادة :يعني ما بينهم ،وفيهم قولن :أحدهما :أنهم
أهههل الكتاب مههن اليهود والنصههارى ،خالف بعضهههم بعضهها ،قال مجاهههد والسههدي .الثانههي :فرق
النصهارى مهن النسهطورية والملكيهة واليعاقبهة ،اختلفوا فهي عيسهى؛ فقال النسهطورية :ههو ابهن ال.
وقالت اليعاقبة :هو ال .وقالت الملكية :ثالث ثلثة أحدهم ال؛ قال الكلبي ومقاتل ،وقد مضى هذا
في سورة "مريم"" .فويل للذين ظلموا" أي كفروا وأشركوا؛ كما في سورة "مريم"" .من عذاب
يوم أليهم" أي أليهم عذابهه؛ مثله :ليهل نائم؛ أي ينام فيهه" .ههل ينظرون" يريهد الحزاب ل ينتظرون.
"إل السهاعة أن تأتيههم بغتهة" "إل السهاعة" يريهد القيامهة" .أن تأتيههم بغتهة" أي فجأة" .وههم ل
يشعرون" يفطنون .وقههد مضههى فههي غيههر موضههع .وقيههل :المعنههى ل ينتظههر مشركههو العرب إل
السهاعة .ويكون "الحزاب" على هذا ،الذيهن تحزبوا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وكذبوه مهن
المشركين .ويتصل هذا بقوله تعالى" :ما ضربوه لك إل جدل" [الزخرف.]58 :
**3الية{ 67 :الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين}
@قوله تعالى" :الخلء يومئذ" يريهد يوم القيامهة" .بعضههم لبعهض عدو" أي أعداء ،يعادي
بعضههم بعضها ويلعهن بعضههم بعضها" .إل المتقيهن" فإنههم أخلء فهي الدنيها والخرة؛ قال معناه ابهن
عباس ومجاهد وغيرهما .وحكى النقاش أن هذه الية نزلت في أمية بن خلف الجمحي وعقبة بن
أبي معيط ،كانا خليلين؛ وكان عقبة يجالس النبي صلى ال عليه وسلم ،فقالت قريش :قد صبأ عقبة
بهن أبهي معيهط؛ فقال له أميهة :وجههي مهن وجههك حرام إن لقيهت محمدا ولم تتفهل فهي وجههه؛ ففعهل
عقبهة ذلك؛ فنذر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قتله فقتله يوم بدر صهبرا ،وقتهل أميهة فهي المعركهة؛
وفيهههم نزلت هذه اليههة .وذكههر الثعلبههي رضههي ال عنههه فههي هذه اليههة قال :كان خليلن مؤمنان
وخليلن كافران ،فمات أحههد المؤمنيههن فقال :يهها رب ،إن فلنهها كان يأمرنههي بطاعتههك ،وطاعههة
رسولك ،وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر .ويخبرني أني ملقيك ،يا رب فل تضله بعدي،
وأهده كمهها هديتنههي ،وأكرمههه كمهها أكرمتنههي .فإذا مات خليله المؤمههن جمههع ال ببنهمهها ،فيقول ال
تعالى :ليثههن كههل واحههد منكمهها على صههاحبه ،فيقول :يهها رب ،إنههه كان يأمرنههي بطاعتههك وطاعههة
رسولك ،ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ،ويخبرني أني ملقيك ،فيقول ال تعالى :نعم الخليل
ونعم الخ ونعم الصاحب كان .قال :ويموت أحد الكافرين فيقول :يا رب ،إن فلنا كان ينهاني عن
طاعتك وطاعة رسولك ،ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ،ويخبرني أني غير ملقيك ،فأسألك
يا رب أل تهده بعدي ،وأن تضله كما أضللتني ،وأن تهينه كما أهنتني؛ فإذا مات خليله الكافر قال
ال تعالى لهمها :لثيهن كهل واحهد منكمها على صهاحبه ،فيقول :يها رب ،إنهه كان يأمرنهي بمعصهيتك
ومعصهية رسهولك ،ويأمرنهي بالشهر وينهانهي عهن الخيهر ويخهبرني أنهي غيهر ملقيهك ،فأسهألك أن
تضاعههف عليههه العذاب؛ فيقول ال تعالى :بئس الصههاحب والخ والخليههل كنههت .فيلعههن كههل واحههد
منهما صاحبه.
قلت :والية عامة في كل مؤمن ومتق وكافر ومضل.
**3الية{ 68 :يا عباد ل خوف عليكم اليوم ول أنتم تحزنون}
@ قال مقاتل ورواه المعتمر بن سليمان عن أببه :ينادي مناد في العرصات "يا عبادي ل خوف
عيكهم اليوم" ،فيرفهع أههل العرصهة رؤوسههم ،فيقول المنادي" :الذيهن آمنوا بآياتنها وكانوا مسهلمين"
فينكس أهل الديان رؤوسهم غير المسلمين.
وذكر المحاسبي في الرعاية :وقد روي في هذا الحديث أن المنادي ينادي يوم القيامة" :يا عبادي
ل خوف عليكههم ول أنتههم تحزنون" فيرفههع الخلئق رؤوسهههم ،يقولون :نحههن عباد ال .ثههم ينادي
الثانيههة" :الذيههن آمنوا بآياتنهها وكانوا مسههلمين" فينكههس الكفار رؤوسهههم ويبقههى الموحدون رافعههي
رؤوسهههم .ثههم ينادي الثالث" :الذيههن آمنوا وكانوا يتقون" [يونههس ]63 :فينكههس أهههل الكبائر
رؤوسههم ،ويبقهى أههل التقوى رافعهي رؤوسههم ،قهد أزال عنههم الخوف والحزن كمها وعدههم؛ لنهه
أكرم الكرميهن ،ل يخذل وليهه ول يسهلمه عنهد الهلكهة .وقرئ "يها عباد" .وقرأ أبهو بكهر وزر بهن
حهبيش "يها عبادي" بفتهح الياء وإثباتهها فهي الحاليهن؛ ولذلك أثبتهها نافهع وابهن عامهر وأبهو عمرو
ورويهس سهاكنة فهي الحاليهن .وحذفهها الباقون فهي الحاليهن؛ لنهمها وقعهت مثبتهة فهي مصهاحف أههل
الشام والمدينة ل غير.
**3الية{ 69 :الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ،ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون}
@ قال الزجاج" :الذيهن" نصهب على النعهت لهه "عبادي" لن "عبادي" منادى مضاف .وقيهل:
"الذيهن آمنوا" خهبر لمبتدأ محذوف أو ابتداء وخهبره محذوف؛ تقديره ههم الذيهن آمنوا ،يقال لههم:
"ادخلوا الجنهة" أو يها عبادي الذيهن آمنوا ادخلوا الجنهة" .أنتهم وأزواجكهم" المسهلمات فهي الدنيها.
وقيهل :قرناؤكهم مهن المؤمنيهن .وقيهل :زوجاتكهم مهن الحور العيهن" .تحهبرون" تكرمون؛ قاله ابهن
عباس؛ والكرامههة فههي المنزلة .الحسههن :تفرحون .والفرح فههي القلب .قتادة :ينعمون؛ والنعيههم فههي
البدن .مجاههد؛ تسهرون؛ والسهرور فهي العيهن .ابهن أبهي نجيهح :تعجبون؛ والعجهب هها هنها درك مها
يستطرف يحي بن أبي كثير :هو التلذذ بالسماع .وقد مضى.
**3الية{ 71 :يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه النفس وتلذ العين
وأنتم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :يطاف عليههم بصهحاف مهن ذههب وأكواب" أي لههم فهي الجنهة أطعمهة وأشربهة
يطاف بهها عليههم فهي صهحاف مهن ذههب وأكواب .ولم يذكهر الطعمهة والشربهة؛ لنهه يعلم أنهه ل
معنههى للطافههة بالصههحاف والكواب عليهههم مههن غيههر أن يكون فيههها شيههء .وذكههر الذهههب فههي
الصهحاف واسهتغنى بهه عهن العادة فهي الكواب؛ كقوله تعالى" :والذاكريهن ال كثيرا والذاكرات"
[الحزاب .]35 :وفهي الصهحيحين عهن حذيفهة أنهه سهمع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقول[ :ل
تلبسوا الحرير ول الديباج ول تشربوا في آنية الذهب والفضة ول تأكلوا في صحافها فإنها لهم في
الدنيا ولكم في الخرة] .وقد مضى في سورة "الحج" أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير
فهي الدنيها ولم يتهب حرم ذلك فهي الخرة تحريمها مؤيدا .وال أعلم .وقال المفسهرون :يطوف على
أدناهم في الجنة منزلة سبعون ألف غلم بسبعين ألف صحفة من ذهب ،يغدى عليها بها ،في كل
واحدة منهها لون ليهس فهي صهاحبتها ،يأكهل مهن آخرهها كمها يأكهل مهن أولهها ،ويجهد طعهم آخرهها كمها
يجهد طعهم أولهها ،ل يشبهه بعضهه بعضها ،ويراح عليهه بمثلهها .ويطوف على أرفعههم درجهة كهل يوم
سبعمائة ألف غلم ،مع كل غلم صحفة من ذهب ،فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها ،يأكل
من آخرها كما يأكل من أولها ،ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها ،ل يشبه بعضه بعضا.
"وأكواب" أي ويطاف عليههم بأكواب؛ كمها قال تعالى" :ويطاف عليههم بآنيهة مهن فضهة وأكواب"
[النسان.]15 :
وذكهر ابن المبارك قال :أخبرنها معمر عن رجل عن أبهي قلبهة قال :يؤتون بالطعام والشراب،
فإذا كان فهي آخهر ذلك أوتوا بالشراب الطهور فتضمهر لذلك بطونههم ،ويفيهض عرقها مهن جلودههم
أطيب من ريح المسك؛ ثم قرأ "شرابا طهورا" [النسان .]21 :وفي صحيح مسلم عن جابر بن
عبدال قال :سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول[ :إن أههل الجنهة يأكلون فيهها ويشربون
ول يتفلون ول يبولون ول يتغوطون ول يمتخطون قالوا فمههههها بال الطعام ؟ قال :جشاء ورشهههههح
كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير -في رواية -كما يلهمون النفس].
@ روى الئمهة مهن حديهث أم سهلمة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :الذي يشرب فهي آنيهة
الذههب والفضهة إنمها يجرجهر فهي بطنهه نار جهنهم) وقال( :ل تشربوا فهي آنيهة الذههب والفضهة ول
تأكلوا فهي صهحافها) وهذا يقتضهي التحريهم ،ول خلف فهي ذلك .واختلف الناس فهي اسهتعمالها فهي
غير ذلك .قال ابن العربي :والصحيح أنه ل يجوز للرجال استعمالها في شي لقول النبي صلى ال
عليهه وسهلم الذههب والحريهر( :هذان حرام لذكور أمتهي حهل لناثهها) .والنههي عهن الكهل والشرب
فيهها يدل علن تحريهم اسهتعمالها؛ لنهه نوع مهن المتاع فلم يجهز .أصهله الكهل والشرب ،ولن العلة
فهي ذلك اسهتعجال أمهر الخرة ،وذلك يسهتوي فيهه الكهل والشرب وسهائر أجزاء النتفاع؛ ولنهه
صلى ال عليه وسلم قال( :هي لهم في الدنيا ولنا في الخرة) فلم يجعل لنا فيها حظا في الدنيا.
@ إذا كان الناء مضببها بهمها أو فيهه حلقة منهما؛ فقال مالك :ل يعجبنهي أن يشرب فيه ،وكذلك
المرأة تكون فيها الحلقة من الفضة ول يعجبني أن ينظر فيها وجهه.
وقهد كان عنهد أنهس إناء مضبهب بفضهة وقال :لقهد سهقيت فيهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم .قال ابهن
سهيرين :كانهت فيهه حلقهة حديهد فأراد أنهس أن يجعهل فيهه حلقهة فضهة؛ فقال أبهو طلحهة :ل أغيهر شيئا
مما صنعه رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فتركه.
@ إذا لم يجهز اسهتعمالها لم يجهز اقتناؤهها؛ لن مها ل يجوز اسهتعماله ل يجوز اقتناؤه كالصهنم
والطنبور .وفهي كتهب علمائنها أنهه يلزم الغرم فهي قيمتهها لمهن كسهرها ،وههو معنهى فاسهد ،فإن كسهره
واجب فل ثمن لقيمتها .ول يجوز تقويمها في الزكاة بحال .وغير هذا ل يلتفت إليه.
@قوله تعالى" :بصهحاف" قال الجوهري :الصهحفة كالقصهعة والجمهع صهحاف .قال الكسهائي:
أعظهم القصهاع الجفنهة ثهم القصهعة طيهها تشبهع العشرة ،ثهم الصهحفة تشبهع الخمسهة ،ثهم المئكلة تشبهع
الرجليههن والثلثههة ،ثههم الصههحيفة تشبههع الرجههل .والصههحيفة الكتاب والجمههع صههحف وصههحائف.
"وأكواب" قال الجوهري :الكوب كوز ل عروة له ،والجمع أكواب قال العشى يصف الخمر:
لها زبد بين كوب ودن صريفية طيب طعمها
وقال آخر:
يسعى عليه العبد بالكوب متكئا تصفق أبوابه
وقال قتادة :الكوب المدور القصههير العنههق القصههير العروة .والبريههق :المسههتطيل العنههق الطويههل
العروة .وقال الخفهش :الكواب الباريهق التهي ل خراطيهم لهها .وههي الباريهق التهي ليسهت لهها
عرى .وقال مجاهههد :إنههها النيههة المدورة الفواه .السههدي :هههي التههي ل آذان لههها .ابههن عزيههز:
"أكواب" أباريق ل عرى لها ول خراطيم؛ واحدها كوب.
قلت :وهو معنى قول مجاهد والسدي ،وهو مذهب أهل اللغة أنها التي ل آذان لها ول عرى.
@قوله تعالى" :وفيهها ما تشتهيه النفهس وتلذ العين" روى الترمذي عن سهليمان بهن بريدة عن
أبيه أن رجل سأل النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال،هل في الجنة من خيل ؟ قال[ :إن
ال أدخلك الجنهة فل تشاء أن تحمهل فيهها على فرس مهن ياقوتهة حمراء يطيهر بهك فهي الجنهة حيهث
شئت] .قال :وسهأله رجل فقال يها رسهول ال ،ههل فهي الجنهة مهن إبهل ؟ قال :فلم يقهل له مثهل مها قال
لصاحبه قال[ :إن أدخلك ال الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك] .وقرأ أهل المدينة،
ابهن عامهر وأههل الشام "وفيهها مها تشتهيهه النفهس" ،الباقون "تشتههي النفهس" أي تشتهيهه النفهس؛
تقول الذي ضربهت زيهد ،أي الذي ضربتهه زيهد" .وتلذ العيهن" تقول :لذ الشيهء يلذ لذاذا ،ولذاذة.
ولذذت .بالشيههء ألذ (بالكسههر فههي الماضههي والفتههح فههي المسههتقبل) لذاذا ولذاذة؛ أي وجدتههه لذيذا.
والتذذت بهه وتلذذت بهه بمعنهى .أي فهي الجنهة مها تسهتلذه العيهن فكان حسهن المنظهر .وقال سهعيد بهن
جهبير" :وتلذ العيهن" النظهر إلى ال عهز وجهل؛ كمها فهي الخهبر[ :أسهألك لذة النظهر إلى وجههك].
"وأنتم فيها خالدون" باقون دائمون؛ لنها لو انقطعت لتبغضت.
**3الية{ 72 :وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :وتلك الجنة" أي يقال لهم هذه تلك الجنة التي كانت توصف لكم في الدنيا .وقال
ابههن خالَويههه :أشار تعالى إلى الجنههة بتلك وإلى جهنههم بهذه؛ ليخوف بجهنههم ويؤكههد التحذيههر منههها.
وجعلها بالشارة القريبة كالحاضرة التي ينظهر إليها" .التي أورثتموها بما كنتم تعملون" قال ابن
عباس :خلق ال لكهل نفهس جنهة ونارا؛ فالكافهر يرث نار المسهلم ،والمسهلم يرث جنهة الكافهر؛ وقهد
تقدم هذا مرفوعههها فهههي "قهههد أفلح المؤمنون" [المؤمنون ]1 :مهههن حديهههث أبهههي هريرة ،وفهههي
"العراف" أيضا.
**3الية{ 73 :لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون}
@ الفاكهة معروفة ،وأجناسها الفواكه ،والفاكِهاني الذي يبيعها .وقال ابن عباس :هي الثمار كلها،
رطبها وطيبا؛ أي لهم في الجنة سوى الطعام والشراب فاكهة كثيرة يأكلون منها.
**3الية{ 76 - 74 :إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ،ل يفتر عنهم وهم فيه مبلسون،
وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين}
@قوله تعالى" :إن المجرميهن فهي عذاب جهنهم خالدون" لمها ذكهر أحوال أههل الجنهة ذكهر أحوال
أهل النار أيضا ليبين فضل المطيع على العاصي" .ل يفتر عنهم" أي ل يخفف عنهم ذلك العذاب.
"وههم فيهه ملبسهون" أي آيسهون مهن الرحمهة .وقيهل :سهاكتون سهكوت يأس؛ وقهد مضهى" .ومها
ظلمناهم" بالعذاب "ولكن كانوا هم الظالمين" أنفسهم بالشرك .ويجوز "ولكن كانوا هم الظالمون"
بالرفع على البتداء والخبر والجملة خبر كان.
**3الية{ 77 :ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون}
@قوله تعالى" :ونادوا يهها مالك" وهههو خازن جهنههم ،خلقههه لغضبههه؛ إذا زجههر النار زجرة أكههل
بعضها بعضا .وقرأ علي وابن مسعود رضي ال عنهما "ونادوا يا مالِ" وذلك خلف المصحف.
وقال أبهو الدرداء وابهن مسهعود :قرأ النهبي صهلى ال عليهه وسهلم "ونادوا يها مال "باللم خاصهة؛
يعنهي رخهم السهم وحذف الكاف .والترخيهم الحذف ،ومنهه ترخيهم السهم فهي النداء ،وههو أن يحذف
من آخره حرف أوكثر ،فتقول في مالك :يا مال ،وفي حارث :يا حار ،وفي فاطمة :يا فاطم ،وفي
عائشة يا عائش وفي مروان :يا مرو ،وهكذا .قال:
لم يلقها سوقة قبلي ول ملك يا حار ل أرمين منكم به بداهية
وقال امرؤ القيس:
كلمع اليدين في حبي مكلل أحار ترى برقا أريك وميضه
وقال أيضا:
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي أفاطم مهل بعض هذا التدليل
وقال آخر:
ترجو الحباء وربها لم ييأس يا مرو إن مطيتي محبوسة
وفي صحيح الحديث (أي فل ،هلم) .ولك في آخر السم المرخم وجهان :أحدهما :أن تبقيه على ما
كان عليهه قبهل الحذف .والخهر :أن تبقيهه على الضهم؛ مثهل :يها زيهد؛ كأنهك أنزلتهه منزلتهه ولم تراع
المحذوف .وذكهر أبهو بكهر النباري قال :حدثنها محمهد بهن يحيهى المروزي قال حدثنها محمهد -وههو
ابهن سهعدان -قال حدثنها حجاج عهن شعبهة عهن الحكهم بهن عيينهة عهن مجاههد قال :كنها ل ندري مها
الزخرف حتهى وجدناه فهي قراءة عبدال "بيهت مهن ذههب" ،وكنها ل ندري "ونادوا يها مالك" أو يها
ملك (بفتهح اللم وكسهرها) حتهى وجدناه فهي قراءة عبدال "ونادوا يها مال" على الترخيهم .قال أبهو
بكهر :ل يعمهل على هذا الحديهث لنهه مقطوع ل يقبهل مثله فهي الروايهة عهن الرسهول عليهه السهلم؛
وكتاب ال أحق بأن يحتاط له وينفى عنه الباطل.
قلت :وفهي صهحيح البخاري عنهه صهفوان بهن يعلى عهن أبيهه قال سهمعت النهبي صهلى ال عليهه
وسلم يقرأ على المنبر" :ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك" بإثبات الكاف.
وقال محمد بن كعب القرظي :بلغني -أو ذكر لي -أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال ال تعالى:
"وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب" [غافر ]49 :فسألوا
يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب؛ فردت عليهم" :قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى
قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إل في ضلل" [غافر ]50:قال :فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا
مالكها؛ وههو عليههم وله مجلس فهي وسهطها ،وجسهور تمهر عليهها ملئكهة العذاب؛ فههو يرى أقصهاها
كمها يرى أدناهها فقالوا" :يها مالك ليقهض علينها ربهك" سهألوا الموت ،قال :فسهكت عنههم ل يجيبههم
ثمانيههن سههنة ،قال :والسههنة سههتون وثلثمائة يوم ،والشهههر ثلثون يومهها ،واليوم كألف سههنة ممهها
تعدون ،ثهم لحهظ إليههم بعهد الثمانيهن فقال" :إنكهم ماكثون" وذكهر الحديهث؛ ذكره ابهن المبارك .وفهي
حديهث أبهي الدرداء عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال[ :فيقولون ادعوا مالكها فيقولون يها مالك
ليقهض علينها ربهك قال إنكهم ماكثون] .قال العمهش :نبئت أن بيهن دعائههم وبيهن إجابهة مالك إياههم
ألف عام؛ خرجههه الترمذي .وقال ابههن عباس :يقولون ذلك فل يجيبهههم ألف سههنة ،ثههم يقول إنكههم
ماكثون .وقال مجاههد ونوف البكالي :بيهن ندائههم وإجابتهه إياههم مائة سهنة .وقال عبدال بهن عمرو:
أربعون سنة؛ ذكره ابن المبارك.
**3الية{ 78 :لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون}
@ يحتمل أن يكون هذا من قول مالك لهم؛ أي إنكم ماكثون في النار لنا جئناكم في الدنيا بالحق
فلم تقبلوا .ويحتمل أن يكون من كلم ال لهم اليوم؛ أي بينا لكم الدلة وأرسلنا إليكم الرسل" .ولكن
أكثركههم" قال ابههن عباس" :ولكههن أكثركههم" أي ولكههن كلكههم .وقيههل :أراد بالكثرة الرؤسههاء والقادة
منهم؛ وأما التباع فما كان لهم أثر "للحق" أي للسلم ودين ال "كارهون".
**3الية{ 79 :أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون}
@ قال مقاتهل :نزلت فهي تدبيرههم المكهر بالنهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي دار الندوة ،حيهن اسهتقر
أمرههم على مها أشار بهه أبهو جههل عليههم أن يهبرز مهن كهل قهبيلة رجهل ليشتركوا فهي قتله فتضعهف
المطالبة بدمه؛ فنزلت هذه الية ،وقتل ال جميعهم ببدر.
"أبرموا" أحكموا .والبرام الحكام .أبرمهت الشيهء أحكمتهه .وأبرم القتال إذا أحكهم القتهل ،وههو
القتل الثاني ،والول سحيل؛ كما قال:
.. .من سحيل ومبرم
فالمعنههى :أم أحكموا كيدا فإنهها محكمون لهههم كيدا؛ قال ابههن زيههد ومجاهههد .قتادة :أم أجمعوا على
التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث .الكلبي :أم قضوا أمرا فإنا قاضون عليهم بالعذاب .وأم
بمعنههى بههل .وقيههل" :أم أبرموا" عطههف على قوله" :أجعلنهها مههن دون الرحمههن آلهههة يعبدون"
[الزخرف .]45 :وقيل :أي ولقد جئناكم بالحق فلم تسمعوا ،أم سمعوا فأعرضوا لنهم في أنفسهم
أبرموا أمرا أمنوا به العقاب.
**3الية{ 80 :أم يحسبون أنا ل نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}
@قوله تعالى" :أم يحسبون أنا ل نسمع سرهم ونجواهم" أي ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به
بينههم" .بلى" نسهمع ونعلم" .ورسهلنا لديههم يكتبون" أي الحفظهة عندههم يكتبون عليههم .وروي أن
هذا نزل في ثلثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها؛ فقال أحدهم :أترون أن ال يسمع كلمنا ؟ وقال
الثاني :إذا جهرتم سمع ،وإذا أسررتم لم يسمع .وقال الثالث :إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا
أسههررتم؛ قاله محمههد بههن كعههب القرظههي ،وقههد مضههى هذا المعنههى عههن ابههن مسههعود فههي سههورة
"فصلت".
**3الية{ 81 :قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ،سبحان رب السماوات والرض رب
العرش عما يصفون}
@قوله تعالى" :قهل إن كان للرحمهن ولد فأنها أول العابديهن" اختلف فهي معناه؛ فقال ابهن عباس
والحسن والسدي :المعنى ما كان للرحمن ولد ،فه "إن" بمعنى ما ،ويكون الكلم على هذا تاما ،ثم
تبتدئ" :فأنا أول العابدين" أي الموحدين من أهل مكة على أنه ل ولد له .والوقف على "العابدين"
تام .وقيهل :المعنهى قهل يها محمهد إن ثبهت ل ولد فأنها أول مهن يعبهد ولده ،ولكهن يسهتحيل أن يكون له
ولد؛ وههو كمها تقول لمهن تناظره :إن ثبهت بالدليهل فأنها أول مهن يعتقده؛ وهذا مبالغهة فهي السهتبعاد؛
أي ل سهبيل إلى اعتقاده .وهذا ترقيهق فهي الكلم؛ كقوله" :وإنها أو إياكهم لعلى هدى أو فهي ضلل
مبين" [سبأ .]24 :والمعنى على هذا :ترقيق في الكلم؛ كقول" :وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في
ضلل مهبين" [سهبأ .]24 :والمعنهى على هذا :فأنها أول العابديهن لذلك الولد ،لن تعظيهم الولد
تعظيهم للوالد .وقال مجاههد :المعنهى إن كان للرحمهن ولد فأنها أول مهن عبده وحده ،على أنهه ل ولد
له .وقال السهدي أيضها :المعنهى لو كان له ولد كنهت أول مهن عبده على أن له ولدا؛ ولكهن ل ينبغهي
ذلك .قال المهدوي :فههه "إن" على هذه القوال للشرط ،وهههو الجود ،وهههو اختيار الطههبري ،لن
كونها بمعنى ما يتوهم معه أن المعنى لم يكن له فيما مضى .وقيل :إن معنى "العابدين" النفين.
وقال بعهض العلماء :لو كان كذلك لكان العبديهن .وكذلك قرأ أبهو عبدالرحمهن واليمانهي "فأنها أول
العبديهن" بغيهر ألف ،يقال :عبهد يعبهد عبدا (بالتحريهك) إذا أنهف وغضهب فههو عبهد ،والسهم العبدة
مثل النفة ،عن أبي زيد .قال الفرزدق:
واعبد أن أهجو كلبا بدارم أولئك أجلسي فجئني بمثلهم
وينشد أيضا:
وأعبد أن يهجى كليب بدارم أولئك ناس إن هجوني هجوتهم
قال الجوهري :وقال أبههو عمرو وقوله تعالى" :فأنهها أول العابديههن" مههن النههف والغضههب ،وقال
الكسائي والقتبي ،حكاه الماوردي عنهما .وقال الهروي :وقوله تعالى" :فأنا أول العابدين" قيل هو
مهن عبهد يعبهد؛ أي مهن النفيهن .وقال ابهن عرفهة :إنمها يقال عبهد يعبهد فههو عبهد؛ وقلمها يقال عابهد،
والقرآن ل يأتي بالقليل من اللغة ول الشاذ ،ولكن المعنى فأنا أول من يعبد ال عز وجل على أنه
واحد ل ولد له.
وروي أن امرأة دخلت على زوجها فولدت منه لستة أشهر ،فذكر ذلك لعثمان رضي ال عنه فأمر
برجمهها؛ فقال له علي :قال ال تعالى" :وحمله وفصهاله ثلثون شهرا" [الحقاف ]15:وقال فهي
عبِد عثمان أن بعث إليها ُت َردّ .قال عبدال آية أخرى" :وفصاله في عامين" [لقمان ]14 :فوال ما َ
بن وهب :يعني ما استنكف ول أنف .وقال ابن العرابي "فأنا أول العابدين" أي الغضاب النفين
وقيههل" :فأنهها أول العابديههن" أي أنهها أول مههن يعبده على الوحدانيههة مخالفهها لكههم .أبههو عههبيدة :معناه
الجاحديههن؛ وحكههى :عبدنههي حقههي أي جحدنههي .وقرأ أهههل الكوفههة إل عاصههما "ولد" بضههم الواو
وإسهكان اللم .الباقون وعاصهم "ولد" وقهد تقدم" .سهبحان رب السهماوات والرض" أي تنزيهها له
وتقديسها .نزه نفسهه عهن كهل مها يقتضهي الحدوث ،وأمهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالتنزيهه" .رب
العرش عما يصفون" أي عما يقولون من ،الكذب.
**3الية{ 83 :فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون}
@قوله تعالى" :فذرهم يخوضوا ويلعبوا" يعني كفار مكة حين كذبوا بعذاب الخرة .أي اتركهم
يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم "حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون" إما العذاب في الدنيا أو
في الخرة .وقيل :إن هذا منسوخ بآية السيف .وقيل :هو محكم ،وإنما أخرج مخرج التهديد .وقرأ
ابن محيصن ومجاهد وحميد وابن القعقاع وابن السميقع "حتى يلقوا" بفتح الياء وإسكان اللم من
غير ألف؛ وفتح القاف هنا وفي"الطور" و"المعارج" .الباقون "يلقوا".
**3الية{ 84 :وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله وهو الحكيم العليم}
@قوله تعالى" :وههو الذي فهي السهماء إله وفهي الرض إله" هذا تكذيهب لههم فهي أن ل شريكها
وولدا؛ أي ههو المسهتحق للعبادة فهي السهماء والرض .وقال عمهر رضهي ال عنهه وغيره :المعنهى
وهو الذي في السماء إله في الرض؛ وكذلك قرأ .والمعنى أنه يعبد فيهما .وروي أنه قرأ هو وابن
مسهعود وغيرهمها "وههو الذي فهي السهماء ال وفهي الرض ال" وهذا خلف المصهحف .و"إله"
رفهع على أنهه خهبر مبتدأ محذوف؛ أي وههو الذي فهي السهماء ههو إله؛ قاله أبهو علي .وحسهن حذفهه
لطول الكلم .وقيهل" :فهي" بمعنهى على؛ كقوله تعالى" :ولصهلبنكم فهي جذوع النخهل" [طهه]71 :
أي على جذوع النخل؛ أي هو القادر على السماء والرض" .وهو الحكيم العليم" تقدم.
**3اليهة{ 85 :وتبارك الذي له ملك السهماوات والرض ومها بينهمها وعنده علم السهاعة وإليهه
ترجعون}
@قوله تعالى" :تبارك" تفاعل من البركة؛ وقد تقدم" .وعنده علم الساعة" أي وقت قيامها" .وإليه
ترجعون" قرأ ابهههن كثيهههر وحمزة والكسهههائي "وإليهههه يرجعون" بالياء .الباقون بالتاء .وكان ابهههن
محيصن وحميد ويعقوب وابن أبي إسحاق يفتحون أوله على أصولهم .وضم الباقون.
**3الية{ 86 :ول يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إل من شهد بالحق وهم يعلمون}
@قوله تعالى" :إل مهن شههد بالحهق" فهي موضهع الخفهض .وأراد بهه "الذيهن يدعون مهن دونهه"
عيسهى وعزيرا والملئكهة .والمعنهى ول يملك هؤلء الشفاعهة إل لمهن شههد بالحهق وآمهن على علم
وبصيرة؛ قال سعيد بن جبير وغيره .قال :وشهادة الحق ل إله إل ال .وقيل" :من" في محل رفع؛
أي ول يملك الذيههن يدعون مههن دونههه الشفاعههة؛ يعنههي اللهههة -فههي قول قتادة -أي ل يشفعون
لعابديهها إل من شههد بالحهق؛ يعنهي عزيرا وعيسهى والملئكة فإنههم يشهدون بالحهق والوحدانية ل.
"وهم يعلمون" حقيقة ما شهدوا به .قيل :إنها نزلت بسبب أن النضر بن الحارث ونفرا من قريش
قالوا :إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملئكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه؛ فأنزل ال" :ول
يملك الذين ،يدعون من دونه الشفاعة إل من شههد بالحهق" أي اعتقدوا أن الملئكة أو الصنام أو
الجن أو الشياطين تشفع لهم ول شفاعة لحد يوم القيامة.
"إل من شهد بالحق" يعني المؤمنين إذا أذن لهم .قال ابن عباس" :إن من شهد بالحق" أي شهد أن
ل إله إل ال وأن محمدا رسهول ال .وقيهل :أي ل يملك هؤلء العابدون مهن دون ال أن يشفهع لههم
أحد إل من شهد بالحق؛ فإن من شهد بالحق يشفع له ول يشفع لمشرك .و"إل" بمعنى لكن؛ أي ل
ينال المشركون الشفاعة لكن ينال الشفاعة من شههد بالحهق؛ فهو استئناء منقطع .ويجوز أن يكون
متصهل؛ لن فهي جملة "الذيهن يدعون مهن دونهه" الملئكهة .ويقال :شفعتهه وشفعهت له؛ مثهل كاتهه
وكلت له.
وقيهل" :إل مهن شههد بالحهق" إل مهن تشههد له الملئكهة بأنهه كان على الحهق فهي الدنيها ،مهع علمههم
بذلك منه بأن يكون ال أخبرهم به ،أو بأن شاهدوه على اليمان.
@قوله تعالى" :إل مهن شههد بالحهق وههم يعلمون" يدل على معنييهن :أحدهمها :أن الشفاعهة بالحهق
غيهر نافعهة إل مهع العلم ،وأن التقليهد ل يغنهي مهع عدم العلم بصهحة المقالة .والثانهي :أن شرط سهائر
الشهادات فهي الحقوق وغيرهها أن يكون الشاههد عالمها بهها .ونحوه مها روي عهن النهبي صهلى ال
عليه وسلم( :إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإل فدع) .وقد مضى.
**3الية{ 87 :ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن ال فأنى يؤفكون}
@قوله تعالى" :ولئن سهألتهم مهن خلقههم ليقولن ال" أي لقروا بأن ال خلقههم بعهد أن لم يكونوا
شيئا" .فأنههى يؤفكون" أي كيههف ينقلبون عههن عبادتههه وينصههرفون حتههى أشركوا بههه غيره رجاء
شفاعتههم له .يقال :أفكهه يأفكهه أفكها؛ أي قلبهه وصهرفه عهن الشيهء .ومنهه قوله تعالى" :قالوا أجئتنها
لتأفكنها عهن آلهتنها" [الحقاف .]22 :وقيهل :أي ولئن سهألت الملئكهة وعيسهى "مهن خلقههم" لقالوا
ال" .فأنى يؤفكون" أي فأنى يؤفك هؤلء في ادعائهم إياهم آلهة.
**3الية{ 88 :وقيله يا رب إن هؤلء قوم ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :وقيله" فيه ثلث قراءات :النصب ،والجر ،والرفع .فأما الجر فهي قراءة عاصم
وحمزة .وبقيهة السهبعة بالنصهب .وأمها الرفهع فههي قراءة العرج وقتادة وابهن هرمهز ومسهلم بهن
جندب .فمهن جهر حمله على معنهى :وعنده علم السهاعة وعلم قيله .ومهن نصهب فعلى معنهى :وعنده
علم الساعة ويعلم قيله؛ وهذا اختيار الزجاج.
وقال الفراء والخفههش :يجوز أن يكون "قيله" عطفهها على قوله" :أنهها ل نسههمع سههرهم ونجواهههم"
[الزخرف .]80 :قال ابهن النباري :سهألت أبها العباس محمهد بهن يزيهد المهبرد بأي شيهء تنصهب
القيهل ؟ فقال :أنصهبه على "وعنده علم السهاعة ويعلم قيله" .فمهن هذا الوجهه ل يحسهن الوقهف على
"ترجعون" ،ول على "يعلمون" .ويحسهن الوقهف على "يكتبون" .وأجاز الفراء والخفهش أن
ينصهب القيهل على معنهى :ل نسهمع سهرهم ونجواههم وقيله؛ كمها ذكرنها عنهمها فمهن هذا الوجهه ل
يحسهن الوقهف على "يكتبون" .وأجاز الفراء والخفهش أيضها :أن ينصهب على المصهدر؛ كأنهه قال:
وقال قيله ،وشكا شكواه إلى ال عز وجل ،كما قال كعب بن زهير:
إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم
أراد :ويقولون قيلهههم .ومههن رفههع "قيله" فالتقديههر :وعنده قيله ،أوقيله مسههموع ،أوقيله هذا القول.
الزمخشري :والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه
بمها ل يحسهن اعتراضها ومهع تنافهر النظهم .وأقوى مهن ذلك وأوجهه أن يكون الجهر والنصهب على
إضمار حرف القسهم وحذفهه .والرفهع على قولههم :ايمهن ال وأمانهة ال ويميهن ال ولعمرك ،ويكون
قوله" :إن هؤلء قوم ل يؤمنون" جواب القسههم؛ كأنههه قال :وأقسههم بقيله يهها رب ،أو قيله يهها رب
قسمي ،إن هؤلء قوم ل يؤمنون .وقال ابن النباري :ويجوز في العربية "وقيله" بالرفع ،على أن
ترفعهههه بإن هؤلء قوم ل يؤمنون .المهدوي :أويكون على تقديهههر وقيله قيله يههها رب؛ فحذف قيله
الثانهي الذي ههو خهبر ،وموضهع "يها رب" نصهب بالخهبر المضمهر ،ول يمتنهع ذلك مهن حيهث امتنهع
حذف بعض الموصول وبقي بعضه؛ لن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور .والهاء
فههي "قيله" لعيسههى ،وقيههل لمحمههد صههلى ال عليههه وسههلم ،وقههد جرى ذكره إذ قال" :قههل إن كان
للرحمن ولد" [الزخرف .]81 :وقرأ أبو قلبة "يا رب" بفتح الباء .والقيل مصدر كالقول؛ ومنه
الخبر (نهى عن قيل وقال) .ويقال :قلت قول وقيل وقال .وفي النساء "ومن أصدق من ال قيل"
[النساء.]122 :
**3الية{ 89 :فاصفح عنهم وقل سلم فسوف يعلمون}
@ قال قتادة :أمر بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم؛ فصار الصفح منسوخا بالسيف .ونحوه عن ابن
عباس قال" :فاصهفح عنههم" أعرض عنههم" .وقهل سهلم" أي معروفها؛ أي قهل المشركيهن أههل مكهة
"فسههوف تعلمون" ثههم نسههخ هذا فههي سههورة "التوبههة" بقوله تعالى" :فاقتلوا المشركيههن حيههث
وجدتموههم" [التوبهة ]5 :اليهة .وقيهل :ههي محكمهة لم تنسهخ .وقراءة العامهة "فسهوف يعملون"
(بالباء) على أنه خبر من ال تعالى لنبيه بالتهديد .وقرأ نافع وابن عامر "تعلمون" (بالتاء) على
أنه من خطاب النبي صلى ال عليه وسلم المشركين بالتهديد .و"سلم" رفع بإضمار عليكم؛ قاله
الفراء .ومعناه المههر بتوديعهههم بالسههلم ،ولم يجعله تحيههة لهههم؛ حكاه النقاش .وروى شعيههب بههن
الحبحاب أنه عرفه بذلك كيف السلم عليهم؛ وال أعلم.
**2سورة الدخان
* *3المقدمة
@ سهورة الدخان مكيهة باتفاق ،إل قوله تعالى" :إنها كاشفوا العذاب قليل" [الدخان .]15 :وههي
سهبع وخمسهون آيهة .وقيهل تسهع .وفهي مسهند الدارمهي عهن أبهي رافهع قال( :مهن قرأ الدخان فهي ليلة
الجمعهة أصهبح مغفورا له وزوج مهن الحور العيهن) رفعهه الثعلبهي مهن حديهث أبهي هريرة أن النهبي
صهلى ال عليهه وسهلم قال( :من قرأ الدخان فهي ليلة الجمعة أصهبح مغفورا له) .وفهي لفظ آخر عن
أبهي هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :مهن قرأ الدخان فهي ليلة أصهبح يسهتغفر له سهبعون
ألف ملك) .وعن أبي أمامة قال :سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول( :من قرأ حم الدخان ليلة
الجمعة أو يوم الجمعة بنى ال له بيتا في الجنة).
**3الية{ 1 :حم ،والكتاب المبين ،إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين}
@ إن جعلت "حم" جواب القسم تم الكلم عند قوله" :المبين" ثم تبتدئ "إنا أنزلناه" .وإن جعلت
"إنا كنا منذرين" جواب القسم الذي هو "الكتاب" وقفت على "منذرين" وابتدأت "فيها يفرق كل
أمر حكيم " .وقيل :الجواب "إنا أنزلناه" ،وأنكره بعض النحويين من حيث كان صفة للمقسم به،
ول تكون صهفة المقسم به جوابا للقسهم ،والهاء في "أنزلناه" للقرآن .ومن قال :أقسهم بسهائر الكتهب
فقوله" :إنهها أنزلناه" كنههى بههه عههن غيههر القرآن ،على مهها تقدم بيانههه فههي أول "الزخرف" والليلة
المباركههة ليلة القدر .ويقال :ليلة النصههف مههن شعبان ،ولههها أربعههة أسههماء الليلة المباركههة ،وليلة
البراءة ،وليلة الصههك ،وليلة القدر .ووصههفها بالبركههة لمهها ينزل ال فيههها على عباده مههن البركات
والخيرات والثواب .وروى قتادة عههن واثلة أن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم قال( :أنزلت صههحف
إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الزبور لثنتي
عشرة مهن رمضان وأنزل النجيهل لثمان عشرة خلت مهن رمضان وأنزل القرآن لربهع وعشريهن
مضت من رمضان) .ثم قيل :أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة .ثم أنزل نجما نجما
فهي سهائر اليام على حسهب اتفاق السهباب .وقيهل :كان ينزل فهي كهل ليلة القدر مها ينزل فهي سهائر
السهنة .وقيهل :كان ابتداء النزال فهي هذه الليلة .وقال عكرمهة :الليلة المباركهة هها هنها ليلة النصهف
من شعبان .والول أصح لقوله تعالى" :إنا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر .]1 :قال قتادة وابن زيد:
أنزل ال القرآن كله فهي ليلة القدر مهن أم الكتاب إلى بيهت العزة فهي سهماء الدنيها ،ثهم أنزل ال على
نهبيه صهلى ال عليهه وسهلم فهي الليالي واليام فهي ثلث وعشريهن سهنة .وهذا المعنهى قهد مضهى فهي
"البقرة" عند قوله تعالى" :شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" [البقرة ،]185 :ويأتي آنفا إن
شاء ال تعالى.
**3الية{ 4 :فيها يفرق كل أمر حكيم}
@ قال ابن عباس :يحكم ال أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أوموت أورزق.
وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم .وقيل :إل الشقاء والسعادة فإنهما ل يتغيران ،قاله ابن عمر.
قال المهدوي :ومعنهى هذا القول أمهر ال عهز وجهل الملئكهة بمها يكون فهي ذلك العام ولم يزل ذلك
في علمه عز وجل .وقال عكرمة :هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الحياء
مهن الموات ،ويكتهب الحاج فل يزاد فيههم أحهد ول ينقهص منههم أحهد .وروى عثمان بهن المغيرة
قال :قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :تقطهع الجال مهن شعبان إلى شعبان حتهى أن الرجهل لينكهح
ويولد له وقههد خرج اسههمه فههي الموتههى) .وعههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم قال( :إذا كانههت ليلة
النصهف مهن شعبان فقوموا ليلتهها وصهوموا نهارهها فإن ال ينزل لغروب الشمهس إلى سهماء الدنيها
يقول أل مستغفر فأغفر له أل مبتلى فأعافيه أل مسترزق فأرزقه أل كذا أل كذا حتى يطلع الفجر)
ذكره الثعلبي .وخرج الترمذي بمعناه عن عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن ال عز
وجهل ينزل ليلة النصهف مهن شعبان إلى سهماء الدنيها فيغفهر لكثهر مهن عدد شعهر غنهم كلب) .وفهي
الباب عن أبي بكر الصديق قال أبو عيسى :حديث عائشة ل نعرفه مرفوعا إل من حديث الحجاج
بهن أرطاة عهن يحيهى بهن أبهي كثيرة عهن عروة عهن عائشهة ،وسهمعت محمدا يضعهف هذا الحديهث،
وقال :يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة ،والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير.
قلت :وقهد ذكهر حديهث عائشهة مطول صهاحب كتاب العروس ،واختار أن الليلة التهي يفرق فيهها
كهل أمهر حكيهم ليلة النصهف مهن شعبان ،وأنهها تسهمى ليلة البراءة .وقهد ذكرنها قوله والرد عليهه فهي
غير هذا الموضع ،وأن الصحيح إنما هي ليلة القدر على ما بيناه .روى حماد بن سلمة قال أخبرنا
ربيعهة بهن كلثوم قال :سهأل رجهل الحسهن وأنها عنده فقال :يها أبها سهعيد ،أرأيهت ليلة القدر أفهي كهل
رمضان ههي ؟ قال :أي وال الذي ل إله إل ههو ،إنهها فهي كهل رمضان ،إنهها الليلة التهي يفرق فيهها
كل أمر حكيم ،فيها يقضي ال كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها .وقال ابن عباس :يكتب من
أم الكتاب فهي ليلة القدر مها يكون فهي السهنة مهن موت وحياة ورزق ومطهر حتهى الحهج؛ يقال :يحهج
فلن ويحهج فلن .وقال فهي هذه اليهة :إنهك لترى الرجهل يمشهي فهي السهواق وقهد وقهع اسهمه فهي
الموتهى .وهزه البانهة لحكام السهنة إنمها ههي للملئكهة الموكليهن بأسهباب الخلق .وقهد ذكرنها هذا
المعنهى آنفها .وقال القاضهي أبهو بكهر بهن العربهي :وجمهور العلماء على أنهها ليلة القدر .ومنههم مهن
قال :إنها ليلة النصف من شعبان؛ وهو باطل لن ال تعالى قال في كتابه الصادق القاطع" :شهر
رمضان الذي أنزل فيهه القرآن" [البقرة ]185 :فنهص على أن ميقات نزوله رمضان ،ثهم عيهن
من زمانه الليل ها هنا بقوله" :في ليلة مباركة" فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على ال،
وليهس فهي ليلة النصهف مهن شعبان حديهث يعول عليهه ل فهي فضلهها ول فهي نسهخ الجال فيهها فل
تلتفتوا إليهها .الزمخشري" :وقيهل يبدأ فهي اسهتنساخ ذلك مهن اللوح المحفوظ فهي ليلة البراءة ويقهع
الفراغ فههي ليلة القدر؛ فتدفههع نسههخة الرزاق إلى ميكائيههل ،ونسههخة الحروب إلى جبريههل ،وكذلك
الزلزل والصههواعق والخسههف؛ ونسههخة العمال إلى إسههماعيل صههاحب سههماء الدنيهها وهههو ملك
عظيهم؛ ونسهخة المصهائب إلى ملك الموت .وعهن بعضههم :يعطهى كهل عامهل بركات أعماله؛ فيلقهى
على ألسهنة الخلق مدحهه ،وعلى قلوبههم هيبتهه .وقرئ "نفرق" بالتشديهد ،و"يفرق" كهل على بنائه
للفاعهل ونصهب "كهل" ،والفارق ال عهز وجهل .وقرأ زيهد بهن علي رضهي ال عنهه "نفرق" بالنون.
"وكل أمر حكيم" كل شأن ذي حكمة؛ أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة ".
**3الية{ 5 :أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ،رحمة من ربك إنه هو السميع العليم}
@قوله تعالى" :أمرا مهن عندنها" قال النقاش :المهر ههو القرآن أنزله ال مهن عنده .وقال ابهن
عيسهى :ههو مها قضاه ال فهي الليلة المباركهة مهن أحوال عباده .وههو مصهدر فهي موضهع الحال.
وكذلك "رحمهة ربهك" وهمها عنهد الخفهش حالن؛ تقديرهمها :أنزلناه آمريهن بهه وراحميهن .المهبرد:
"أمرا" في موضع المصدر ،والتقدير :أنزلناه إنزال .الفراء والزجاج" :أمرا" نصب ن"يفرق"،
مثل قولك "يفرق فرقا" فأمر بمعنى فرق فهو مصدر ،مثل قولك :يضرب ضربا .وقيل" :يفرق"
يدل على يؤمهر ،فههو مصهدر عمهل فيهه مها قبله" .إنها كنها مرسهلين .رحمهة مهن ربهك" قال الفراء
"رحمهة" مفعول بهه "مرسهلين" .والرحمهة النهبي صهلى ال عليهه وسهلم .وقال الزجاج" :رحمهة"
مفعول مههن أجله؛ أي أرسههلناه للرحمههة .وقيههل :هههي بدل مههن قول" .أمرا" وقيههل :هههي مصههدر.
الزمخشري" :أمرا" نصهب على الختصهاص ،جعهل كهل أمهر جزل فخمها بأن وصهفه بالحكيهم ،ثهم
زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال :أعنى بهذا المر أمرا حاصهل من عندنا ،كائنا من لدنا ،وكما
اقتضاه علمنها وتدبيرنها .وفهي قراءة زيهد بهن علي "أمهر مهن عندنها" على ههو أمهر ،وههي تنصهر
انتصابه على الختصاص .وقرأ الحسن "رحمة" على تلك هي رحمة ،وهي تنصر انتصابها بأنه
مفعول له.
**3اليهة{ 9 - 7 :رب السهماوات والرض ومها بينهمها إن كنتهم موقنيهن ،ل إله إل ههو يحيهي
ويميت ربكم ورب آبائكم الولين ،بل هم في شك يلعبون}
@قوله تعالى" :رب السماوات والرض" قرأ الكوفيون "رب" بالجر .الباقون بالرفع؛ ردا على
قوله" :إنه هو السهميع العليهم" .وإن شئت على البتداء ،والخبر ل إله إل هو .أو يكون خبر ابتداء
محذوف؛ تقديره :هههو رب السههماوات والرض .والجههر على البدل مههن "ربههك" وكذلك" :ربكههم
ورب آبائكهم الوليهن" بالجهر فيهمها؛ رواه الشيزري عهن الكسهائي .الباقون بالرفهع على السهتئناف.
ثهههم يحتمهههل أن يكون هذا الخطاب مهههع المعترف بأن ال خلق السههماوات والرض؛ أي إن كنتهههم
موقنيهن بهه فاعلموا أن له أن يرسهل الرسهل ،ويجوز الكتهب .ويجوز أن يكون الخطاب مهع مهن ل
يعترف أنه الخالق؛ أي ينبغي أن يعرفوا أنه الخالق؛ وأنه الذي يحيي ويميت .وقيل :الموقن ها هنا
هو الذي يريد اليقين ويطلبه؛ كما تقول :فلن ينجد؛ أي يريد نجدا .ويتهم؛ أي يريد تهامة" .ل إله
إل ههو يحيهي ويميهت" أي ههو خالق العالم؛ فل يجوز أن يشرك بهه غيره ممهن ل يقدر على خلق
شيهء .و"ههو يحيهي ويميهت" أي يحيهي الموات ويميهت الحياء" .ربكهم ورب آبائكهم الوليهن" أي
مالككم ومالك من تقدم منكم .واتقوا تكذيب محمد لئل ينزل بكم العذاب" .بل هم في شك يلعبون"
أي ليسهوا على يقيهن فيمها يظهرونهه مهن اليمان والقرار فهي قولههم :إن ال خالقههم؛ وإنمها يقولونهه
لتقليد آبائهم من غير علم فهم في شك .وإن توهموا أنهم مؤمنون فهم يلعبون في دينهم بما يعن لهم
من غير حجة .وقيل" :يلعبون" يضيفون إلى النبي صلى ال عليه وسلم الفتراء استهزاء .ويقال
لمن أعرض عن المواعظ :لعب؛ وهو كالصبي الذي يلعب فيفعل ما ل يدري عاقبته.
**3الية{ 10 :فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ،يغشى الناس هذا عذاب أليم}
@قوله تعالى" :فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" ارتقب معناه انتظر يا محمد بهؤلء الكفار
يوم تأتههي السههماء بدخان مههبين؛ قال قتادة .وقيههل :معناه أحفههظ قولهههم هذا لتشهههد عليهههم يوم تأتههى
السهماء بدخان مهبين؛ ولذلك سهمي الحافهظ رقيبها .وفهي الدخان أقوال ثلثهة :الول :أنهه مهن أشراط
السهاعة لم يجيهء بعهد ،وأنهه يمكهث فهي الرض أربعيهن يومها يمل مها بيهن السهماء والرض؛ فأمها
المؤمهن فيصهيبه مثهل الزكام ،وأمها الكافهر والفاجهر فيدخهل فهي أنوفههم فيثقهب مسهامعهم ،ويضيهق
أنفاسهم؛ وهو من آثار جهنم يوم القيامة .وممن قال إن الدخان لم يأت بعد :علي وابن عباس وابن
عمرو وأبهو هريرة وزيهد بهن علي والحسهن وابهن أبهي مليكهة وغيرههم .وروى أبهو سهعيد الخدري
مرفوعا أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة؛ يأخذ المؤمن منه كالزكمة .ومنفخ الكافر حتى يخرج
مهن كهل مسهمع منهه؛ ذكره الماوردي .وفهي صهحيح مسهلم عهن أبهي الطفيهل عهن حذيفهة بهن أسهيد
الغفاري قال :أطلع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم علينها ونحهن نتذاكهر فقال( :مها تذكرون) ؟ قالوا:
نذكهر السهاعة؛ قال( :إنهها لن تقوم حتهى تروا قبلهها عشهر آيات -فذكهر -الدخان والدجال والدابهة
وطلوع الشمهس مهن مغربهها ونزول عيسهى ابهن مريهم وخروج يأجوج ومأجوج وثلثهة خسهوف
خسهههف بالمشرق وخسهههف بجزيرة العرب وآخهههر ذلك نار تخرج مهههن اليمهههن تطرد الناس إلى
محشرههم) .فهي روايهة عهن حذيفهة (إن السهاعة ل تكون حتهى تكون عشهر آيات :خسهف بالمشرق
وخسههف بالمغرب وخسههف فههي جزيرة العرب والدخان والدجال ودابههة الرض ويأجوج ومأجوج
وطلوع الشمهس مهن مغربهها ونار تخرج مهن قعهر عدن ترحهل الناس) .وخرجهه الثعلبهي أيضها عهن
حذيفهة قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :أول اليات خروجها الدجال ونزول عيسهى ابهن
مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم
إذا قالوا وتصهبح معههم إذا أصهبحوا وتمسهي معههم إذا أمسهوا) .قلت :يها نهبي ال ،ومها الدخان ؟ قال
هذه اليهة" :ارتقهب يوم تأتهي السهماء بدخان مهبين" يمل مها بيهن المشرق والمغرب يمكهث أربعيهن
يومها وليلة أمها المؤمهن فيصهيبه منهه شبهه الزكام والكافهر فيكون بمنزلة السهكران يخرج الدخان مهن
فمهه ومنخره وعينيهه وأذنهه ودبره) .فهذا قول .القول الثانهي :أن الدخان ههو مها أصهاب قريشها مهن
الجوع بدعاء النهبي صهلى ال عليهه وسهلم .حتهى كان الرجهل يرى بيهن السماء والرض دخانا؛ قاله
ابن مسعود .قال وقد كشفه ال عنهم ،ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم .والحديث عنه بهذا في
صههحيح البخاري ومسههلم والترمذي .قال البخاري :حدثنههي يحيههى قال حدثنهها أبههو معاويههة عههن
العمش عن مسلم عن مسروق قال :قال عبدال :إنما كان هذا لن قريشا لما استعصت على النبي
صهلى ال عليهه وسهلم دعها عليههم بسهنين كسهني يوسهف ،فأصهابهم قحهط وجههد حتهى أكلوا العظام،
فجعهل الرجهل ينظهر إلى السهماء فيرى مها بينهه وبينهها كهيئة الدخان مهن الجههد؛ فأنزل ال تعالى:
"فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين .يغشى الناس هذا عذاب أليم" .قال :فأتي رسول ال صلى
ال عليه وسلم فقيل :يا رسول ال ،استسق ال لمضر فإنها قد هلكت .قال( :لمضر! إنك لجريء)
فاسهتسقى فسهقوا؛ فنزلت "إنكهم عائدون" [الدخان .]15 :فلمها أصهابتهم الرفاهيهة عادوا إلى حالههم
حين أصابتهم الرفاهية؛ فأنزل ال عز وجل" :يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون" قال :يعني
يوم بدر .قال أبهو عهبيدة :والدخان الجدب .القتهبي سهمي دخانها ليبهس الرض منهه حيهن يرتفهع منهها
كالدخان .القول الثالث :إنه يوم .فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة؛ قاله عبدالرحمن العرج.
@قوله تعالى" :يغشهى الناس" فهي موضهع الصهفة للدخان ،فإن كان قهد مضهى على مها قال ابهن
مسهعود فههو خاص بالمشركيهن مهن أههل مكهة ،وإن كان مهن أشراط السهاعة فههو عام على مها تقدم.
"هذا عذاب أليم" أي يقول ال لهم" :هذا عذاب أليم" .فمن قال :إن الدخان قد مضى فقوله" :هذا
عذاب أليهم" حكايهة حال ماضيهة ،ومهن جعله مسهتقبل .فههو حكايهة حال آتيهة .وقيهل" :هذا" بمعنهى
ذلك .وقيهل :أي يقول الناس لذلك الدخان" :هذا عذاب أليهم" .وقيهل :ههو إخبار عهن دنهو المهر؛ كمها
تقول :هذا الشتاء فأعد له.
**3الية{ 12 :ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}
@ أي يقولون ذلك :اكشهف عنها العذاب فهه "إنها مؤمنون"؛ أي نؤمهن بهك إن كشفتهه عنها .قيهل :إن
قريشها أتوا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقالوا :إن كشهف ال عنها هذا العذاب أسهلمنا ،ثهم نقضوا هذا
القول .قال قتادة" :العذاب" هنا الدخان .وقيل :الجوع؛ حكاه النقاش.
قلت :ول تناقههض؛ فإن الدخان لم يكههن ،إل مههن الجوع الذي أصههابهم؛ على مهها تقدم .وقههد يقال
للجوع والقحهط :الدخان؛ ليبهس الرض فهي سهنة الجدب وارتفاع الغبار بسهبب قلة المطار؛ ولهذا
يقال لسهنة الجدب :الغهبراء .وقيهل :إن العذاب هنها الثلج .قال الماوردي :وهذا ل وجهه له؛ لن هذا
إنما يكون في الخرة أو في أهل مكة ،ولم تكن مكة من بلد الثلج؛ غير أنه مقول فحكيناه.
**3الية{ 13 :أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ،ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون}
@قوله تعالى" :أنى لهم الذكرى" أي من أين يكون لهم التذكر والتعاظ عند حلول العذاب" .وقد
جاءههم رسهول مهبين" يهبين لههم الحهق ،والذكرى والذكهر واحهد؛ قاله البخاري" .ثهم تولوا عنهه" أي
أعرضوا .قال ابن عباس :أي متى يتعظون وال أبعدهم من التعاظ والتذكر بعد توليهم عن محمد
صلى ال عليه وسلم وتكذيبهم إياه .وقيل :أي أنى ينفعهم قولهم" :إنا مؤمنون" بعد ظهور العذاب
غدا أو بعههد ظهور أعلم السههاعة ،فقههد صههارت المعارف ضروريههة .وهذا إذا جعلت الدخان آيههة
مرتقبهة" .وقالوا معلم مجنون" أي علمهه بشهر أو علمهه الكهنهة والشياطيهن ،ثهم ههو مجنون وليهس
برسول.
**3الية{ 15 :إنا كاشفوا العذاب قليل إنكم عائدون}
@قوله تعالى" :إنا كاشفوا العذاب قليل" أي وقتا قليل ،وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليل؛
أي فهي زمان قليهل ليعلم أنههم ل يفون بقولههم ،بهل يعودون إلى الكفهر بعهد كشفهه؛ قال ابهن مسهعود.
فلمها كشهف ذلك عنههم باسهتسقاء النهبي صهلى لههم ال عليهه وسهلم عادوا إلى تكذيبهه .ومهن قال :إن
الدخان منتظر قال :أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية من آيات قيام الساعة .ثم من
قضهي عليهه بالكفهر يسهتمر على كفره .ومهن قال هذا فهي القيامهة قال :أي لو كشفنها عنكهم العذاب
لعدتهم إلى الكفر .وقيل :معنهى "إنكهم عائدون" إلينها؛ أي مبعوثون بعد الموت .وقيهل :المعنهى "إنكهم
عائدون" إلى نار جهنم إن لم تؤمنوا.
**3الية{ 16 :يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}
@قوله تعالى" :يوم" محمول على مها دل عليهه "منتقمون"؛ أي ننتقهم منههم يوم نبطهش .وأبعده
بعهض النحوييهن بسهبب أن مها بعهد "إن" ل يفسهر مها قبلهها .وقيهل :إن العامهل فيهه "منتقمون" .وههو
بعيد أيضا؛ لن ما بعد "إن" ل يعمل فيما قبلها .ول يحسن تعلقه بقوله" :عائدون" ول بقوله" :إنا
كاشفوا العذاب"؛ إذ ليهس المعنهى عليهه .ويجوز نصهبه بإضمار فعهل؛ كأنهه قال :ذكرههم أو أذكهر.
ويجوز أن يكون المعنهى فإنههم عائدون ،فإذا عدتهم أنتقهم منكهم يوم نبطهش البطشهة الكهبرى .ولهذا
وصهل هذا بقصهة فرعون ،فإنههم وعدوا موسهى اليمان إن كشهف عنههم العذاب ،ثهم لم يؤمنوا حتهى
غرقوا .وقيههل" :إنهها كاشفوا العذاب قليل إنكههم عائدون" كلم تام .ثههم ابتدأ" :يوم نبطههش البطشههة
الكههبرى إنهها منتقمون" أي ننتقههم مههن جميههع الكفار .وقيههل :المعنههى وارتقههب الدخان وارتقههب يوم
نبطهش ،فحذف واو العطهف؛ كمها تقول :اتهق النار اتهق العذاب .و"البطشهة الكهبرى" فهي قول ابهن
مسعود :يوم بدر .وهو قول ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد والضحاك .وقيل :عذاب جهنم يوم
القيامهة؛ قال الحسهن وعكرمهة وابهن عباس أيضها ،واختاره الزجاج .وقيهل :دخان يقهع فهي الدنيها،
أوجوع أو قحهط يقهع قبهل يوم القيامهة .الماوردي :ويحتمهل أنهها قيام السهاعة؛ لنهها خاتمهة :بطشاتهه
فهي الدنيها .ويقال :انتقهم ال منهه؛ أي عاقبهه .والسهم منهه النقمهة والجمهع النقمات .وقيهل بالفرق بيهن
النقمهة والعقوبهة؛ فالعقوبهة بعهد المعصهية لنهها مهن العاقبهة .والنقمهة قهد تكون قبلهها؛ قال ابهن عباس.
وقيل :العقوبة ما تقدرت والنتقام غير مقدر.
**3الية{ 17 :ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم}
@ أي ابتليناههم .ومعنهى هذه الفتنهة والبتلء المهر بالطاعهة .والمعنهى عاملناههم معاملة المختهبر
ببعثههة موسههى إليهههم فكذبوا فأهلكوا؛ فهكذا أفعههل بأعدائك يهها محمههد إن لم يؤمنوا .وقيههل :فتناهههم
عذبناههم بالغرق .وفهي الكلم تقديهم وتأخيهر؛ والتقديهر :ولقهد جاء آل فرعون رسهول كريهم وفتناههم،
أي أغرقناهم؛ لن الفتنة كانت بعد مجيء الرسول .والواو ل ترتب .ومعنى "كريم" أي كريم في
قومههه .وقيههل :كريههم الخلق بالتجاوز والصههفح .وقال الفراء :كريههم على ربههه إذ اختصههه بالنبوة
وإسماع الكلم.
**3اليهة{ 18 :أن أدوا إلي عباد ال إنهي لكهم رسهول أميهن ،وأن ل تعلوا على ال إنهي آتيكهم
بسلطان مبين}
@قوله تعالى" :أن أدوا إلي عباد ال" قال ابهن عباس :المعنهى جاءههم فقال :اتبعونهي .فهه "عباد
ال" منادى .وقال مجاهد :المعنى أرسلوا معي عباد ال وأطلقوهم من العذاب .فه "عباد ال" على
هذا مفعول .وقيهل :المعنهى أدوا إلي سهمعكم حتهى أبلغكهم رسهالة ربهي" .إنهي لكهم رسهول أميهن" أي
أميهن على الوحهي فأقبلوا نصهحي .وقيهل :أميهن على مها أسهتأديه منكهم فل أخون فيهه" .وأن ل تعلوا
على ال" أي ل تتكهبروا عليهه ول ترتفعوا عهن طاعتهه .وقال قتادة :ل تبغوا على ال .ابهن عباس:
ل تفتروا على ال .والفرق بيههن البغههي والفتراء :أن البغههي بالفعههل والفتراء بالقول .وقال ابههن
جريههج :ل تعظموا على ال .يحيههى بههن سههلم :ل تسههتكبروا على عبادة ال .والفرق بيههن التعظيههم
والسهتكبار :أن التعظيهم تطاول المقتدر ،والسهتكبار ترفهع المحقهر؛ ذكره الماوردي "إنهي آتيكهم
بسهلطان مهبين" قال قتادة :بعذر بيهن .وقال يحيهى بهن سهلم بحجهة بينهة .والمعنهى واحهد؛ أي برهان
بين.
**3الية{ 20 :وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون}
@ كأنهههم توعدوه بالقتههل فاسههتجار بال .قال قتادة" :ترجمون" بالحجارة .وقال ابههن عباس:
تشتمون؛ فتقولوا سهاحر كذاب .وأظههر الذال مهن "عذت" نافهع وابهن كثيهر وابهن عامهر وعاصهم
ويعقوب .وأدغهم الباقون .والدغام طلبها للتخفيهف ،والظهار على الصهل .ثهم قيهل :إنهي عذت بال
فيمها مضهى؛ لن ال وعده فقال" :فل يصهلون إليكمها" [القصهص .]35 :وقيهل :إنهي أعوذ؛ كمها
تقول نشدتك بال ،وأقسمت عليك بال؛ أي أقسم.
**3الية{ 21 :وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون}
@قوله تعالى" :وإن لم تؤمنوا لي" أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بال لجل برهاني؛ فاللم في
"لي" لم أجهل .وقيهل :أي وإن لم تؤمنوا بهي؛ كقوله" :فآمهن له لوط" [العنكبوت ]26 :أي بهه.
"فاعتزلون" أي دعونهي كفافها ل لي ول علي؛ قال مقاتهل .وقيهل :أي كونوا بمعزل منهي وأنها بهه
معزل منكهم إلى أن يحكهم ال بيننها .وقيهل :فخلوا سهبيلي وكفوا عهن أذاي .والمعنهى متقارب ،وال
أعلم.
**3الية{ 22 :فدعا ربه أن هؤلء قوم مجرمون}
@قوله تعالى" :فدعها ربهه" فيهه حذف؛ أي فكفروا فدعها ربهه" .أن هؤلء" بفتهح "أن" أي بأن
هؤلء" .قوم مجرمون" أي مشركون ،قد امتنعوا من إطلق بنى إسرائيل ومن اليمان.
**3الية{ 23 :فأسر بعبادي ليل إنكم متبعون}
@قوله تعالى" :فأسهر بعبادي ليل" أي فأجبنها دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي؛ أي بمن آمهن
بال مهن بنهي إسهرائيل" .ليل" أي قبهل الصهباح "إنكهم متبعون" وقرأ أههل الحجاز "فأسهر" بوصهل
اللف .وكذلك ابهن كثيهر؛ مهن سهرى .الباقون "فأسهر" بالقطهع؛ مهن أسهرى .وقهد تقدم .وتقدم خروج
فرعون وراء موسهى فهي "البقرة والعراف وطهه والشعراء ويونهس" وإغراقهه وإنجاء موسهى"؛
فل معنى للعادة.
@ أمر موسى عليه السلم بالخروج ليل .وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف ،والخوف
يكون بوجهيهن :إمها مهن العدو فيتخهذ الليهل سهترا مسهدل؛ فههو مهن أسهتار ال تعالى .وإمها مهن خوف
المشقة على الدواب والبدان بحر أو جدب ،فيتخذ السرى مصلحة من ذلك .وكان النبي صلى ال
عليه وسلم يسري ويدلج ومترفق ويستعجل ،بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة .وفي الصحيح
عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :إذا سهافرتم فهي الخصهب فأعطوا البهل حظهها مهن الرض وإذا
سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها) .وقد مضى في أول "النحل"؛ والحمد ل.
**3الية{ 24 :واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون}
@ قال ابهن عباس" :رهوا" أي طريقها .وقال كعهب والحسهن .وعهن ابهن عباس أيضها سهمتا.
الضحاك والربيههع :سهههل .عكرمههة :يبسهها ،لقوله" :فاضرب لهههم طريقهها فههي البحههر يبسهها" وقيههل:
مفترقا .مجاهد :منفرجا .وعنه يابسا .وعنه ساكنا ،وهو المعروف في اللغة .وقاله قتادة والهروي.
وقال غيرهما :منفرجا .وقال ابن عرفة :وهما يرجعان إلى معنى واحد وإن اختلف لفظاهما ،لنه
إذا سهكن جريهه انفرج .وكذلك كان البحهر يسهكن جريهه وانفرج لموسهى عليهه السهلم .والرههو عنهد
العرب :الساكن ،يقال :جاءت الخيل رهوا ،أي ساكنة .قال:
كالطير تنجو من الشؤبوب ذي البرد والخيل تنزع رهوا في أعنتها
الجوهري :ويقال أفعهل ذلك رهوا ،أي سهاكنا على هينتهك .وعيهش راه ،أي سهاكن رافهه .وخمهس
راه ،إذا كان سههل .ورهها البحهر أي سهكن .وقال أبهو عبيهد :رهها بيهن رجليهه يرههو رهوا أي فتهح،
ومنهههه قوله تعالى" :واترك البحهههر رهوا" :السهههير السههههل ،يقال :جاءت الخيهههل رهوا .قال ابهههن
العرابي :رها يرهو في السير أي رفق .قال القطامي في نعت الركاب:
ول الصدور على العجاز تتكل يمشين رهوا فل العجاز خاذلة
والرهو والرهوة :المكان المرتفع ،والمنخفض أيضا يجتمع فيه الماء ،وهو من الضداد .وقال أبو
عبيهد :الرههو :الجوبهة تكون فهي محلة القوم يسهيل فيهها ماء المطهر وغيره .وفهي الحديهث أنهه قضهى
أن (ل شفعهة فهي فناء ول طريهق ول منقبهة ول ركهح ول رههو) .والجمهع رهاء .والرههو :المرأة
الواسههعة الهههن .حكاه النضيههر بههن شميههل .والرهههو :ضرب مههن الطيههر ،ويقال :هههو الكركههي .قال
الهروي :ويجوز أن يكون "رهوا "من نعت موسى -وقال القشيري -أي سر ساكنا على هينتك؛
فالرههو مهن نعهت موسهى وقومهه ل مهن نعهت البحهر ،وعلى الول ههو مهن نعهت البحهر؛ أي اتركهه
سهاكنا كمها ههو قهد انفرق فل تأمره بالنضمام .حتهى يدخهل فرعون وقومهه .قال قتادة :أراد موسهى
أن يضرب البحهر لمها قطعهه بعصهاه حتهى يلتئم ،وخاف أن يتبعهه فرعون فقيهل له هذا .وقيهل :ليهس
الرهو من السكون بل هو الفرجة بين الشيئين؛ يقال :رها ما بين الرجلين أي فرج .فقوله" :رهوا"
أي منفرجها .وقال الليهث :الرههو ومشهي فهي سهكون ،يقال :رهها يرههو رهوا فههو راه .وعيهش راه:
وادع خافض .وافعل ذلك سهوا رهوا؛ أي ساكنا بغير شدة .وقد ذكرناه آنفا" .إنهم" أي إن فرعون
وقومه" .جند مغرقون" أخبر موسى بذلك ليسكن قلبه.
**3اليهة{ 27 - 25 :كهم تركوا مهن جنات وعيون ،وزروع ومقام كريهم ،ونعمهة كانوا فيهها
فاكهين}
@قوله تعالى" :كهم تركوا مهن جنات وعيون .وزروع ومقام كريهم" "كهم" للكثيهر .وقهد مضهى
الكلم فهي معنهى هذه اليهة" .ونعمهة كانوا فيهها فاكهيهن" النعمهة (بالفتهح) :التنعيهم ،يقال :نعمهه ال
وناعمه فتنعم .وامرأة منعمة ومناعمة ،بمعنى .والنعمة (بالكسر) :اليد والصنيعة والمنة وما أنعم
بههه عليههك .وكذلك النعمههى .فإن فتحههت النون مددت وقلت :النعماء .والنعيههم مثله .وفلن واسههع
النعمهة ،أي واسهع المال؛ جميعهه عهن الجوهري .وقال ابهن عمهر :المراد بالنعمهة نيهل مصهر .ابهن
لهيعهة :الفيوم .ابهن زياد :أرض مصهر لكثرة خيرهها .وقيهل :مها كانوا فيهه مهن السهعة والدعهة .وقهد
يقال :نعمههة ونعمههة (بفتههح النون وكسههرها) ،حكاه الماوردي .قال :وفههي الفرق بينهمهها وجهان:
أحدهما :أنها بكسر النون في الملك ،وبفتحها في البدن والدين ،قاله النضير بن شميل .الثاني :أنها
بالكسر من المنة وهو الفضال والعطية؛ وبالفتح من التنعيم وهو سعة العيش والراحة؛ قال ابن
زياد.
قلت :هذا الفرق هو الذي وقع في الصحاح وقد ذكرناه .وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو الشهب
والعرج وأبههو جعفههر وشيبههة "فكهيههن" بغيههر ألف ،ومعناه أشريههن بطريههن .قال الجوهري :فكههة
الرجهل (بالكسهر) فههو فكهه إذا كان طهب النفهس مزاحها .والفكهه أيضها الشهر البطهر .وقرئ "ونعمهة
كانوا فيههها فكهيههن" أي أشريههن بطريههن .و"فاكهيههن" أي ناعميههن .القشيري" :فاكهيههن" لهيههن
مازحيهن ،يقال :إنهه لفاكهه أي مزاج .وفيهه فكاههة أي مزح .الثعلبهي :وهمها لغتان كالحاذر والحذر،
والفاره والفره .وقيههل :إن الفاكههه هههو المسههتمتع بأنواع اللذة كمهها يتمتههع الكههل بأنواع الفاكهههة.
والفاكهة :فضل عن القوت الذي ل بد منه.
**3الية{ 28 :كذلك وأورثناها قوما آخرين}
@ قال الزجاج :أي المر كذلك؛ فيوقف على "كذلك" .وقيل :إن الكاف في موضع نصب ،على
تقدير نفعل فعل كذلك بمن نريد إهلكه .وقال الكلبي" :كذلك" أفعل بمن عصاني .وقيل" :كذلك"
كان أمرههم فأهلكوا" .وأورثناهها قومها آخريهن" يعنهي بنهى إسهرائيل ،ملكههم ال تعالى أرض مصهر
بعد أن كانوا فيها مستعبدين ،فصاروا لها وارثين؛ لوصول ذلك إليهم كوصول الميراث .ونظيره:
"وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الرض ومغاربها" [العراف.]137 :
**3الية{ 29 :فما بكت عليهم السماء والرض وما كانوا منظرين}
@قوله تعالى" :فما بكت عليهم السماء والرض" أي لكفرهم" .وما كانوا منظرين" أي مؤخرين
بالغرق .وكانهت العرب تقول عنهد موت السهيد منههم :بكهت له السهماء والرض؛ أي عمهت مصهيبته
الشياء حتى بكته السماء والرض والريح والبرق ،وبكته الليالي الشاتيات .قال الشاعر:
والبرق يلمع في الغمامة فالريح تبكي شجوها
وقال آخر:
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا والشمس طالعة ليست بكاسفة
وقالت الخارجية:
كأنك لم تجزع على ابن طريف أيا شجر الخابور مالك مورقا
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه .والمعنى أنهم هلكوا فلم
تعظههم مصههيبتهم ولم يوجههد لهههم فقههد .وقيههل :فههي الكلم إضمار ،أي مهها بكههى عليهههم أهههل السههماء
والرض مهن الملئكهة؛ كقوله تعالى" :واسهأل القريهة" [يوسهف ]82 :بهل سهروا بهلكههم ،قاله
الحسن .وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما من
مؤمهن إل وله فهي السهماء بابان باب ينزل منهه رزقهه وباب يدخهل منهه كلمهه وعمله فإذا مات فقداه
فبكيا عليه -ثم تل " -فما بكت عليهم السماء والرض" .يعني أنهم لم يعملوا على الرض عمل
صالحا تبكي عليهم لجله ،ول صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي فقد ذلك .وقال مجاهد :إن
السههماء والرض يبكيان على المؤمههن أربعيههن صههباحا .قال أبههو يحيههى :فعجبههت مههن قوله فقال:
أتعجهب ! ومها للرض ل تبكهي على عبهد يعمرهها بالركوع والسهجود ! ومها للسهماء ل تبكهي على
عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل ! .وقال علي وابن عباس رضي ال عنهما :إنه
يبكي عليه مصله من الرض ومصعد عمله من السماء .وتقدير الية على هذا :فما بكت عليهم
مصاعد عملهم من السماء ول مواضع عبادتهم من الرض .وهو معنى قول سعيد بن جبير .وفي
بكاء السهماء والرض ثلثهة أوجهه :أحدهها أنهه كالمعروف مهن بكاء الحيوان .ويشبهه أن يكون قول
مجاههد .وقال شريهح الحضرمهي قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :إن السهلم بدأ غريبها وسهيعود
غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يوم القيامة قيل :من هم يا رسول ال؟ قال -هم الذين إذا فسد الناس
صهلحوا -ثهم قال -أل ل غربهة على مؤمهن ومها مات مؤمهن فهي غربهة غائبها عنهه بواكيهه إل بكهت
عليههه السههماء والرض -ثههم قرأ رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم " -فمهها بكههت عليهههم السههماء
والرض" ثم قال :أل إنهما ل يبكيان على الكافر).
قلت :وذكر أبو نعيم محمد بن معمر قال :حدثنا أبو شعيب الحراني قال حدثنا يحيى بن عبدال
قال حدثنها الوزاعهي قال حدثنهي عطاء الخراسهاني قال :مها مهن عبهد يسهجد ل سهجدة فهي بقعهة مهن
بقاع الرض إل شهدت له يوم القيامهة وبكهت عليهه يوم يموت .وقيهل :بكاؤهمها حمرة أطرافهمها؛
قال علي بهن أبهي طالب -رضهي ال عنهه -وعطاء والسهدي والترمذي محمهد بهن علي وحكاه عهن
الحسههن .قال السههدي :لمهها قتههل الحسههين بههن علي رضههي ال عنهمهها بكههت عليههه السههماء؛ وبكاؤههها
حمرتها .وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال :لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي
ال عنهمهها احمههر له آفاق السههماء أربعههة أشهههر .قال يزيههد :واحمرارههها بكاؤههها .وقال محمههد بههن
سهيرين :أخبرونها أن الحمرة التهي تكون مهع الشفهق لم تكهن حتهى قتهل الحسهين بهن علي رضهي ال
عنهما .وقال سليمان القاضي :مطرنا دما يوم قتل الحسين.
قلت :روى الدارقطني من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال :قال النبي صلى ال
عليه وسلم( :الشفق الحمرة) .وعن عبادة بن الصامت وشداد بن أوس قال :الشفق شفقان :الحمرة
والبياض؛ فإذا غابههت الحمرة حلت الصههلة .وعههن أبههي هريرة قال :الشفههق الحمرة .وهذا يرد مهها
حكاه ابن سيرين .وقد تقدم في "السراء" عن قرة بن خالد قال :ما بكت السماء على أحد إل على
يحيى بن زكريا والحسين بن علي ،وحمرتها بكاؤها .وقال محمد بن علي الترمذي :البكاء إدرار
الشيههء فإذا أدرت العيههن بمائههها قيههل بكههت ،وإذا أدرت السههماء بحمرتههها قيههل بكههت ،وإذا أدرت
الرض بغبرتها قيل بكت؛ لن المؤمن نور ومعه نور ال؛ فالرض مضيئة بنوره وإن غاب عن
عينيههك ،فان فقدت نور المؤمههن اغههبرت فدرت باغبرارههها؛ لنههها كانههت غههبراء بخطايهها أهههل
الشرك،وإنما صارت مضيئة بنور المؤمن؛ فإذا قبض المؤمن منها درت بغبرتها .وقال أنس :لما
كان اليوم الذي دخهل فيهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم المدينهة أضاء كهل شيهء ،فلمها كان اليوم الذي
قبض فيه أظلم كل شيء ،وإنا لفي دفنه ما نفضنا اليدي منه حتى أنكرنا قلوبنا .وأما بكاء السماء
فحمرتهها كمها قال الحسهن .وقال نصهر بهن عاصهم :إن أول اليات حمرة تظههر ،وإنمها ذلك لدنهو
السهاعة ،فتدر بالبكاء لخلئهها مهن أنوار المؤمنيهن .وقيهل :بكاؤهها أمارة تظههر منهها تدل على أسهف
وحزن.
قلت :والقول الول أظهر؛ إذ ل استحالة في ذلك .وإذا كانت السماوات والرض تسبح وتسمع
وتتكلم كمها بيناه فهي "السهراء ومريهم وحهم فصهلت" فكذلك تبكهي ،مهع مها جاء مهن الخهبر فهي ذلك
وال أعلم بصواب هذه القوال.
**3الية{ 31 - 30 :ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ،من فرعون إنه كان عاليا من
المسرفين}
@ يعنهي مها كانهت القبهط تفعهل بههم بأمهر فرعون ،مهن قتهل البناء واسهتخدام النسهاء ،واسهتعبادهم
إياههم وتكلفههم العمال الشاقهة" .مهن فرعون" بدل مهن "العذاب المهيهن" فل تتعلق "مهن" بقوله:
"مهن العذاب" لنهه قهد وصهف ،وههو ل يعمهل بعهد الوصهف عمهل الفعهل .وقيهل :أي أنجيناههم مهن
العذاب ومن فرعون" .إنه كان عاليا من المسرفين" أي جبارا من المشركين .وليس هذا علو مدح
بل هو علو في السراف .كقوله" :إن فرعون عل في الرض" [القصص .]4 :وقيل :هذا العلو
هو الترفع عن عبادة ال.
**3الية{ 32 :ولقد اخترناهم على علم على العالمين}
@قوله تعالى" :ولقهد اخترناههم" يعنهي بنهي إسهرائيل" .على علم" أي على علم منها بههم لكثرة
النبياء منهم" .على العالمين" أي عالمي زمانهم ،بدليل قوله لهذه المة" :كنتم خير أمة أخرجت
للناس" [آل عمران .]110:وهذا قول قتادة وغيره .وقيهل :على كهل العالميهن بمها جعهل فيههم مهن
النهبياء .وهذا خاصهة لههم وليهس لغيرههم؛ حكاه ابهن عيسهى والزمخشري وغيرهمها .ويكون قوله:
"كنتهم خيهر أمهة" أي بعهد بنهي إسهرائيل .وال أعلم .وقيهل :يرجهع هذا الختيار إلى تخليصههم مهن
الغرق وإيراثهم الرض بعد فرعون.
**3الية{ 33 :وآتيناهم من اليات ما فيه بلء مبين}
@قوله تعالى" :وآتيناههم مهن اليات" أي من المعجزات لموسهى" .مها فيهه بلء مهبين" قال قتادة:
اليات إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر لهم ،وتظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى .ويكون
هذا الخطاب متوجههها إلى بنههي إسههرائيل .وقيههل :إنههها العصهها واليههد .ويشبههه أن يكون قول الفراء.
ويكون الخطاب متوجههها إلى قوم فرعون .وقول ثالث :إنههه الشههر الذي كفهههم عنههه والخههبر الذي
أمرههم بهه؛ قال عبدالرحمهن بهن زيهد .ويكون الخطاب متوجهها إلى الفريقيهن معها مهن قوم فرعون
وبني إسرائيل .وفي قوله" :بلء مبين" أربعة أوجه :أحدها :نعمة ظاهرة؛ قال الحسن وقتادة .كما
قال ال تعالى" :وليبلي المؤمنين منه بلء حسنا" [النفال .]17 :وقال زهير:
فأبلهما خير البلء الذي يبلو
الثانهي :عذاب شديهد؛ قاله الفراء .الثالث :اختبار يتميهز بهه المؤمهن مهن الكافهر؛ قاله عبدالرحمهن
بهن زيهد .وعنهه أيضها :ابتلؤههم بالرخاء والشدة؛ ثهم قرأ "ونبلوكهم بالشهر والخيهر فتنهة" [النهبياء:
.]35
**3الية{ 34 :إن هؤلء ليقولون ،إن هي إل موتتنا الولى وما نحن بمنشرين ،فأتوا بآبائنا إن
كنتم صادقين}
@قوله تعالى" :إن هؤلء ليقولون" يعني ،كفار قريش "إن هي إل موتتنا الولى" ابتداء وخبر؛
مثهل" :إن ههي إل فتنتهك" [العراف" ،]155 :إن ههي إل حياتنها الدنيها" [المؤمنون" ]37 :ومها
نحهن بمنشريهن" أي بمبعوثيهن .أنشهر ال الموتهى فنشروا .وقهد تقدم .والمنشورون المبعوثون .قيهل:
إن قائل هذا من كفار قريهش أبو جههل ،قال :يها محمهد ،إن كنت صهادقا فهي قولك فابعهث لنها رجليهن
مهن آبائنها :أحدهمها :قصهي بهن كلب فإنهه كان رجل صهادقا؛ لنسهأله عمها يكون بعهد الموت .وهذا
القول مهن أبي جهل مهن أضعهف الشبهات؛ لن العادة إنمها ههي للجزاء ل للتكليهف؛ فكأنه قال :إن
كنهت صهادقا فهي إعادتههم للجزاء فأعدههم للتكليهف .وههو كقول قائل :لو قال إن كان ينشهأ بعدنها قوم
مهن البناء؛ فلم ل يرجهع مهن مضهى مهن الباء؛ حكاه الماوردي .ثهم قيهل" :فأتوا بآبائنها" مخاطبهة
ولنهبي صهلى ال عليهه وسهلم وحده؛ كقوله" :رب ارجعون" [المؤمنون ]99:قاله الفراء .وقيهل:
مخاطبة له ولتباعه.
**3اليهة{ 37 :أههم خيهر أم قوم تبهع والذيهن مهن قبلههم أهلكناههم إنههم كانوا مجرميهن ،ومها خلقنها
السماوات والرض وما بينهما لعبين ،ما خلقناهما إل بالحق ولكن أكثرهم ل يعلمون}
@قوله تعالى" :أهم خير أم قوم تبع" هذا استفهام إنكار؛ أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب؛
إذ ليسوا خيرا من قوم تبع والمم المهلكة ،وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلء .وقيل :المعنى أهم أظهر
نعمهة وأكثهر أموال أم قوم تبهع .وقيهل :أههم أعهز وأشهد وأمنهع أم قوم تبهع .وليهس المراد بتبهع رجل
واحدا بهل المراد بهه ملوك اليمهن؛ فكانوا يسهمون ملوكههم التبابعهة .فتبهع لقهب للملك منههم كالخليفهة
للمسلمين ،وكسرى للفرس ،وقيصهر للروم .وقال أبو عبيدة :سمي كل واحد منههم تباعا لنه يتبع
صاحب .قال الجوهري :والتبابعة ملوك اليمن ،واحدهم تبع .والتبع أيضا الظل؛ وقال:
ورد القطاة إذا اسمأل التبع يرد المياه حضيرة ونفيضة
والتبع أيضا ضرب من الطير .وقال السهيلي :تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشحر وحضرموت.
وإن ملك اليمهن وحدهها لم يقهل له تبهع؛ قاله المسهعودي .فمهن التبابعهة :الحارث الرائش وههو ابهن
همال ذي سدد .وأبرهة ذو المنار .وعمرو ذو الذعار .وشمر بن مالك ،الذي تنسب إليه سمرقند.
وأفريقيس بن قيس ،الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان ،وبه سميت إفريقية .والظاهر
مهن اليات :أن ال سهبحانه إنمها أراد واحدا مهن هؤلء ،وكانهت العرب تعرفهه بهذا السهم أشهد مهن
معرفهة غيره؛ ولذلك قال عليهه السهلم( :ول أدري أتبهع لعيهن أم ل) .ثهم قهد روي عنهه أنهه قال( :ل
تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا) فهذا يدلك على أنه كان واحدا بعينه؛ وهو -وال أعلم -أبو كرب الذي
كسا البيت بعد ما أراد غزوه ،وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها ،ثم انصرف عنها لما أخبر أنها
مهاجهر نهبي اسهمه أحمهد .وقال شعرا أودعهه عنهد أهلهها؛ فكانوا يتوارثونهه كابرا عهن كابر إلى أن
هاجهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأدوه إليهه .ويقال :كان الكتاب والشعهر عنهد أبهي أيوب خالد بهن
زيد .وفيه:
رسول من ال باري النسم شهدت على أحمد أنه
لكنت وزيرا له وابن عم فلو مد عمري إلى عمره
وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له بصنعاء -ويقال بناحية حمير
-فهي السهلم ،فوجهد فيهه امرأتان صهحيحتان ،وعنهد رؤوسههما لوح مهن فضهة مكتوب فيهه بالذههب
حبّىه ولميهس" ويروى أيضها" :حهبي وتماضهر" ويروى أيضها" :هذا قهبر رضوي وقهبر "هذا قهبر ُ
حهههب ابنتههها تبهههع ،ماتتههها وهمههها يشهدان أن ل إله إل ال ول يشركان بهههه شيئا؛ وعلى ذلك مات
الصالحون قبلهما".
قلت :وروى ابههن إسههحاق وغيره أنههه كان فههي الكتاب الذي كتبههه( :أمهها بعههد ،فإنههي آمنههت بههك
وبكتابهك الذي أنزل عليك ،وأنا على دينك وسنتك ،وآمنت بربهك ورب كل شيء ،وآمنهت بكهل ما
جاء مهن ربهك مهن شرائع السهلم؛ فإن أدركتهك فبهها ونعمهت ،وإن لم أدركهك فاشفهع لي ول تنسهني
يوم القيامهة ،فإنهي مهن أمتهك الوليهن وبايعتهك قبهل مجيئك ،وأنها على ملتهك وملة أبيهك إبراهيهم عليهه
السلم" .ثم ختم الكتاب ونقش عليه" :ل المر من قبل ومن بعد" [الروم .]4 :وكتب على عنوانه
(إلى محمد بن عبدال نبي ال ورسوله ،خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى ال عليه وسلم.
من تبع الول .وقد ذكرنا بقية خبره وأوله في "اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية" للفارابي
رحمهه ال .وكان مهن اليوم الذي مات فيهه تبهع إلى اليوم الذي بعهث فيهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
ألف سنة ل يزيد ول ينقص.
واختلف ههل كان نبيها أو ملكها؛ فقال ابهن عباس :كان تبهع نبيها .وقال كعهب :كان تبهع ملكها مهن
الملوك ،وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من أهل الكتاب ،فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم
قربانها ففعلوا ،فتقبهل قربان أههل الكتاب فأسهلم ،وقالت عائشهة رضهي ال عنهها :ل تسهبوا تبعها فإنهه
كان رجل صالحا .وحكى قتادة أن تبعا كان رجل من حمير ،سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى
سهمرقند فهدمهها؛ حكاه الماوردي .وحكهى الثعلبهي عهن قتادة أنهه تبهع الحميري ،وكان سهار بالجنود
حتههى عههبر الحيرة .وبنههى سههمرقند وقتههل وهدم البلد .وقال الكلبههي :تبههع هههو أبهو كرب أسههعد بههن
ملكيكرب ،وإنما سمي تبعا لنه تبع من قبله .وقال سعيد بن جبير :هو الذي كسا البيت الحبرات.
وقال كعههب :ذم ال قومههه ولم يذمههه ،وضرب بهههم لقريههش مثل لقربهههم مههن دارهههم وعظمهههم فههي
نفوسهم؛ فلمها أهلكهم ال تعالى ومن قبلههم -لنهم كانوا مجرمين -كان من أجرم مع ضعف اليد
وقلة العدد أحرى بالهلك .وافتخهر أههل اليمهن بهذه اليهة ،إذ جعهل ال قوم تبهع خيرا مهن قريهش.
وقيل :سمي أولهم تبعا لنه أتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر.
@قوله تعالى" :والذيهن من قبلههم أهلكناهم إنههم كانوا مجرمين" "الذيهن" فهي موضهع رفع عطف
على "قوم تبهع"" .أهلكناههم" صهلته .ويكون "مهن قبلههم" متعلقها بهه .ويجوز أن يكون "مهن قبلههم"
صهلة "الذيهن" ويكون فهي الظرف عائد إلى الموصهول .وإذا كان كذلك كان "أهلكناههم" على أحهد
أمريهن :إمها أن يقدر معهه "قهد" فيكون فهي موضهع الحال .أو يقدر حذف موصهوف؛ كأنهه قال :قوم
أهلكناهههم .والتقديههر أفل تعتههبرون أنهها إذا قدرنهها على إهلك هؤلء المذكوريههن قدرنهها على إهلك
المشركيهههن .ويجوز أن يكون "والذيهههن مهههن قبلههههم" ابتداء خهههبره "أهلكناههههم" .ويجوز أن يكون
"الذين" في موضع جر عطفا على "تبع" كأنه قال :قوم تبع المهلكين من قبلهم .ويجوز أن يكون
"الذين" في موضع نصب بإضمار فعل دل عليه "أهلكناهم" .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبين" أي غافلين ،قاله مقاتل .وقيل:
لهيهن؛ وههو قول الكلبهي" .مها خلقناهمها إل بالحهق" أي إل بالمهر الحهق؛ قاله مقاتهل .وقيهل :إل
للحهق؛ قال الكلبهي والحسهن .وقيهل :إل لقامهة الحهق لظهاره مهن توحيهد ال والتزام طاعتهه .وقهد
مضى هذا المعنى في "النبياء"" .ولكن أكثرهم" يعني أكثر الناس "ل يعلمون" ذلك.
**3الية{ 40 :إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين}
@قوله تعالى" :يوم الفصل" هو يوم القيامة؛ وسمي بذلك لن ال تعالى يفصل فيه بين خلقه دليله
قوله "لن تنفعكهم أرحامكهم ول أولدكهم يوم القيامهة يفصهل بينكهم" [الممتحنهة .]3 :ونظيره قوله
تعالى" :ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون" [الروم .]14 :فه "يوم الفصل" ميقات الكل؛ كما قال
تعالى" :إن يوم الفصل كان ميقاتا" [النبأ ]17 :أي الوقت المجهول لتمييز المسيء من المحسن،
والفصهل بينهمها :فريهق فهي الجنهة وفريهق فهي السهعير .وهذا غايهة فهي التحذيهر والوعيهد .ول خلف
بين القراء في رفع "ميقاتهم" على أنه خبر "إن" واسمها "يوم الفصل" .وأجاز الكسائي ،والفراء
نصههب "ميقاتهههم" .به ه "إن" و"يوم الفصههل" ظرف فههي موضههع خههبر "إن"؛ أي إن ميقاتهههم يوم
الفصل.
**3الية{ 42 - 41 :يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ول هم ينصرون ،إل من رحم ال إنه
هو العزيز الرحيم}
@قوله تعالى" :يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا" "يوم" بدل من "يوم" الول .والمولى :الولي
وهو ابن العم والناصر .أي ل يدفع ابن عم عن ابن عمه ،ول قريب عن قريبه ،ول صديق عن
صديقه" .ول هم ينصرون" أي ل ينصر المؤمن الكافر لقرابته .ونظير هذه الية" :واتقوا يوما ل
تجزي نفهس عهن نفهس شيئا" [البقرة ]48 :اليهة" .إل مهن رحهم ال" "مهن "رفهع على البدل مهن
المضمر في "ينصرون"؛ كأنك قلت :ل يقوم أحد إل فلن .أو على البتداء والخبر مضمر؛ كأنه
قال :إل من رحم ال فمغفور له؛ أو فيغني عنه ويشفع وينصر .أو على البدل من "مولى" الول؛
كأنهه قال :ل يغنهي إل من رحهم ال .وهو عنهد الكسهائي والفراء نصهب على السهتثناء المنقطهع؛ أي
لكن من رحم ال ل ينالهم ما يحتاجون فيه إلى من يغنيهم من المخلوقين .ويجوز أن يكون استثناء
متصل؛ أي ل يغني قريب عن قريب إل المؤمنين فإنه يؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض" .إنه
ههو العزيهز الرحيهم" أي المنتقهم مهن أعدائه الرحيهم بأوليائه؛ كمها قال" :شديهد العقاب ذي الطول"
[غافر ]3 :فقرن الوعد بالوعيد.
**3الية{ 43 :إن شجرة الزقوم ،طعام الثيم ،كالمهل يغلي في البطون ،كغلي الحميم}
@قوله تعالى" :إن شجرة الزقوم" كهل مها فهي كتاب ال تعالى مهن ذكهر الشجرة فالوقهف عليهه
بالهاء؛ إل حرفهها واحدا فههي صههورة الدخان "إن شجرة الزقوم .طعام الثيههم"؛ قاله ابههن النباري.
"الثيهم" الفاجر؛ قاله أبو الدرداء .وكذلك قرأ هو وابن مسعود .وقال همام بن الحارث :كان أبو
الدرداء يقرئ رجل "إن شجرة الزقوم طعام الثيهم" والرجهل يقول :طعام اليتيهم ،فلمها لم يفههم قال
له" :طعام الفاجهر" .قال أبهو بكهر النباري :حدثنهي أبهي قال حدثنها نصهر قال حدثنها أبهو عبيهد قال
حدثنها نعيهم بهن حماد عهن عبدالعزيهز بهن محمهد عهن ابهن عجلن عهن عون بهن عبدال بهن عتبهة بهن
مسههعود قال :علم عبدال بههن مسههعود رجل "أن شجرة الزقوم .طعام الثيههم" فقال الرجههل :طعام
اليتيههم ،فأعاد عليههه عبدال الصههواب وأعاد الرجههل الخطههأ ،فلمهها رأى عبدال أن لسههان الرجههل ل
يستقيم على الصواب قال له :أما تحسن أن تقول طعام الفاجر ؟ قال بلى ،قال فافعل .ول حجة في
هذا للجهال من أهل الزيغ ،أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره ،لن ذلك إنما كان من عبدال
تقريبا للمتعلم ،وتوطئة منه له للرجوع إلى الصواب ،واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال
ال وحكايهة رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم .وقال الزمخشري" :وبهذا يسهتدل على أن إبدال كلمهة
مكان كلمهة جائز إذا كانهت مؤديهة معناهها .ومنهه أجاز أبهو حنيفهة القراءة بالفارسهية على شريطهة،
وهههي أن يؤدي القارئ المعانههي على كمالههها مههن غيههر أن يخرم منههها شيئا .قالوا :وهذه الشريطههة
تشههد أنهها إجازة كل إجازة؛ لن فهي كلم العرب خصهوصا فهي القرآن الذي ههو معجهز بفصهاحته
وغرابهة نظمهه وأسهاليبه ،مهن لطائف المعانهي والغراض مها ل يسهتقل بأدائه لسهان مهن فارسهية
وغيرهها ،ومها كان أبهو حنيفهة رحمهه ال يحسهن الفارسهية ،فلم يكهن ذلك منهه عهن تحقهق وتبصهر.
وروى علي بههن الجعههد عههن أبههي يوسههف عههن أبههي حنيفههة مثههل قول صههاحبيه فههي إنكار القراءة
بالفارسهية" .وشجرة الزقوم :الشجرة التهي خلقهها ال فهي جهنهم وسهماها الشجرة الملعونهة ،فإذا جاع
أهل النار التجؤوا إليها فأكلوا منها ،فغليت في بطونهم كما يغلي الماء الحار .وشبه ما يصير منها
إلى بطونههم بالمههل ،وههو النحاس المذاب .وقراءة العامهة "تغلي" بالتاء حمل على الشجرة .وقرأ
ابهن كثيهر وحفهص وابهن محيصهن ورويهس عهن يعقوب "يغلي" بالياء حمل على الطعام؛ وههو فهي
معنهى الشجرة .ول يحمهل على المههل لنهه ذكهر للتشهبيه .و"الثيهم" الثهم؛ مهن أثهم يأثهم إثمها؛ قال
القشيري وابهن عيسهى .وقيهل ههو المشرك المكتسهب للثهم؛ قاله يحيهى بهن سهلم .وفهي الصهحاح :قهد
أثم الرجل (بالكسر) إثما ومأثما إذا وقع في الثم ،فهو آثم وأثيم وأثوم أيضا .فمعنى "طعام الثيم"
أي ذي الثهم الفاجهر ،وههو أبهو جههل .وذلك أنهه قال :يعدنها محمهد أن فهي جهنهم الزقوم ،وإنمها ههو
الثريهد بالزبهد والتمهر ،فههبين ال خلف مها قاله .وحكهى النقاش عهن مجاههد أن شجرة الزقوم أبهو
جهل.
قلت :وهذا ل يصح عن مجاهد .وهو مردود بما ذكرناه فهي هذه الشجرة فهي سورة "الصافات
والسراء" أيضا
**3الية{ 48 - 47 :خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ،ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم}
@قوله تعالى" :خذوه" أي يقال للزبانيهة خذوه؛ يعنهي الثيهم" .فاعتلوه" أي جروه وسهوقوه.
والعتل :أن تأخذ بتلبيب الرجل فتعتله ،أي تجره إليك لتذهب به إلى حبس أو بلية .عتلت الرجل
أعتله وأعتله عتل إذا جذبته جذبا عنيفا .ورجل ،معتل (بالكسر) .وقال يصف فرسا:
نفرعه فرعا ولسانا نعتله
وفيههه لغتان؛ عتله وعتنههه (باللم والنون جميعهها) ،قاله ابههن السههكيت .وقرأ الكوفيون وأبههو عمرو
"فاعتلوه" بالكسهر .وضهم الباقون" .إلى سهواء الجحيهم" وسهط الجحيهم" .ثهم صهبوا فوق رأسهه مهن
عذاب الحميم" قال مقاتل :يضرب مالك خازن النار ضربة .على رأس أبي جهل بمقمع من حديد،
فيتفتت رأسه عن دماغه ،فيجري دماغه عل جسده ،ثم يصب الملك فيه ماء حميما قد انتهى حره
فيقههع فههي بطنههه؛ فيقول الملك :ذق العذاب .ونظيره "يصههب مههن فوق رؤوسهههم الحميههم" [الحههج:
.]19
**3الية{ 50 - 49 :ذق إنك أنت العزيز الكريم ،إن هذا ما كنتم به تمترون}
@قوله تعالى" :ذق إنهك أنهت العزيهز الكريم" قال ابن النباري :أجمعهت العوام على كسهر "إن"
وروي عن الحسن عن علي رحمه ال "ذق أنك" بفتح "أن" ،وبها قرأ الكسائي .فمن كسر "إن"
وقف على ذق" .ومن فتحها لم يقف على "ذق"؛ لن المعنى ذق لنك وبأنك أنت العزيز الكريم.
قال قتادة :نزلت فهي أبهي جههل وكان قهد قال :مها فيهها أعهز منهي ول أكرم؛ فلذلك قيهل له" :ذق إنهك
أنت العزيز الكريم" .وقال عكرمة :التقى النبي صلى ال عليه وسلم وأبو جهل فقال النبي صلى
ال عليههه وسههلم( :إن ال أمرنههي أن أقول لك أولى لك فأولى) فقال :بأي شيههء تهددنههي ! وال مهها
تسهتطيع أنهت ول ربهك أن تفعل بهي شيئا ،إنهي لمهن أعهز هذا الوادي وأكرمهه على قومهه؛ فقتله ال
يوم بدر وأذله ونزلت هذه الية .أي يقول له الملك :ذق إن أنت العزيز الكريم بزعمك .وقيل :هو
على معنههى السههتخفاف والتوبيههخ والسههتهزاء والهانههة والتنقيههص؛ أي قال له :إنههك أنههت الذليههل
المهان .وههو كمها قال قوم شعيهب لشعيهب" :إنهك لنهت الحليهم الرشيهد" [هود ]87 :يعنون السهفيه
الجاههل فهي أحهد التأويلت على مها تقدم .وهذا قول سهعيد بهن جهبير" .إن هذا مها كنتهم بهه تمترون"
أي تقول لهم الملئكة :إن هذا ما كنتم تشكون فيه في الدنيا.
**3اليهة{ 53 - 51 :إن المتقيهن فهي مقام أميهن ،فهي جنات وعيون ،يلبسهون مهن سهندس
وإستبرق متقابلين}
@قوله تعالى" :إن المتقين في مقام أمين" لما ذكر مستقر الكافرين وعذابهم ذكر نزل المؤمنين
ونعيمهم .وقرأ نافع وابن عامر "في مقام" بضم الميم .الباقون بالفتح .قال الكسائي :المقام المكان،
والمقام القامة ،كما قال:
عفت الديار محلها فمقامها
قال الجوهري :وأمها المقام والمقام فقهد يكون كهل واحهد منهمها بمعنهى القامهة ،وقهد يكون بمعنهى
موضهع القيام؛ لنهك إذا جعلتهه مهن قام يقوم فمفتوح ،وإن جعلتهه مهن أقام يقيهم فمضموم ،لن الفعهل
إذا جاوز الثلث فالموضهع مضموم الميهم ،لنهه مشبهه ببنات الربعهة ،نحهو دحرج وهذا مدحرجنها.
وقيههل :المقام (بالفتههح) المشهههد والمجلس ،و(بالضههم) يمكههن أن يراد بههه المكان ،ويمكههن أن يكون
مصهدرا ومقدر فيهه المضاف ،أي فهي موضهع إقامهة" .أميهن" يؤمهن فيهه مهن الفات "فهي جنات
وعيون" بدل "من مقام أمين"" .يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين" ل يرى بعضهم قفا بعض،
متواجهين يدور بهم مجلسهم حيث داروا .والسندس :ما رق من الديباج .والستبرق :ما غلظ منه.
وقد مضى في"الكهف".
**3الية{ 54 :كذلك وزوجناهم بحور عين}
@قوله تعالى" :كذلك" أي المهر كذلك الذي ذكرناه .فيوقههف على "كذلك" .وقيههل :أي كمهها
أدخلناهم الجنة وفعلنا بهم ما تقدم ذكره ،كذلك أكرمناهم بأن
@قوله تعالى" :وزوجناههم بحور عين" وقهد مضهى الكلم فهي العيهن فهي "والصهافات" .والحور:
البيههض؛ فههي قول قتادة والعامههة ،جمههع حوراء .والحوراء :البيضاء التههي يرى سههاقها مههن وراء
ثيابهها ،ويرى الناظهر وجههه فهي كعبهها؛ كالمرآة مهن دقهة الجلد وبضاضهة البشرة وصهفاء اللون.
ودليل ،هذا التأويل أنها في حرف ابن مسعود "بعيس عين" .وذكر أبو بكر النباري أخبرنا أحمد
بهن الحسهين قال حدثنها قال حدثنها عمار بهن محمهد قال :صهليت خلف منصهور بهن المعتمهر فقرأ فهي
"حهم" الدخان "بعيهس عيهن .ل يذوقون طعهم الموت إل الموتهة الولى " .والعيهس :البيهض؛ ومنهه
قيل للبل البيض :عيس ،واحدها بعير أعيس وناقة عيساء .قال امرؤ القيس:
كما ترعوي عيط إلى صوت أعيسا يرعن إلى صوتي إذا ما سمعنه
فمعنهى الحور هنها :الحسهان الثاقبات البياض بحسهن .وذكهر ابهن المبارك أخبرنها معمهر عهن أبهي
إسهحاق عهن عمرو بهن ميمون الودي عهن ابهن مسهعود قال :إن المرأة مهن الحور العيهن ليرى مهخ
سهاقها مهن وراء اللحهم والعظهم ،ومهن تحهت سهبعين حلة ،كمها يرى الشراب الحمهر فهي الزجاجهة
البيضاء .وقال مجاهههد :إنمهها سههميت الحور حورا لنهههن يحار الطرف فههي حسههنهن وبياضهههن
وصههفاء لونهههن .وقيههل :إنمهها قيههل لهههن حور لحور أعينهههن .والحور :شدة بياض العيههن فههي شدة
سههوادها .امرأة حوراء بينههة الحور .يقال :أحورت عينههه أحورارا .والحور الشيههء ابيههض .قال
الصمعي :ما أدري ما الحور في العين ؟ وقال أبو عمرو :الحور أن تسود العين كلها مثل أعين
الظباء والبقهر .قال :وليهس فهي بنهي آدم حور؛ وإنمها قيهل للنسهاء :حور العيهن لنههن يشبههن بالظباء
والبقر .وقال العجاج:
بأعين محورات حور
يعنهي العيهن النقيات البياض الشديدات سواد .الحدق .والعين جمهع عيناء؛ وهي الواسهعة العظيمهة
العينيهن .وعهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال( :مهور الحور
العيهن قبضات التمهر وفلق الخبهز) .وعهن أبهي قرصهافة سهمعت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقول:
(إخراج القمامهة من المسجد مهور الحور العين) .وعن أنس أن النبي صهلى ال عليه وسهلم قال:
(كنهس المسهاجد مهور الحور) ذكره الثعلبهي رحمهه ال .وقهد أفردنها لهذا المعنهى بابها مفردا فهي
(كتاب التذكرة) والحمد ل.
واختلف أيمهها أفضههل فههي الجنههة؛ نسههاء الدميات أم الحور ؟ فذكههر ابههن المبارك قال :وأخبرنهها
رشديهن عهن ابهن أنعهم عهن حبان بهن أبهي جبلة قال :إن نسهاء الدميات مهن دخهل منههن الجنهة فضلن
على الحور العيههن بمهها عملن فههي الدنيهها .وروي مرفوعهها إن (الدميات أفضههل مههن الحور العيههن
سهبعين ألف ضعهف) .وقيهل :إن الحور العيهن أفضهل؛ لقوله عليهه السهلم فهي دعائه( :وأبدله زوجها
خيرا مهن زوجهه) .وال أعلم .وقرأ عكرمهة (بحور عيهن" مضاف .والضافهة والتنويهن فهي "بحور
عين" سواء.
**3الية{ 55 :يدعون فيها بكل فاكهة آمنين}
@ قال قتادة" :آمنيهن" مهن الموت والوصهب والشيطان .وقيهل :آمنيهن مهن انقطاع مها ههم فيهه مهن
النعيم ،أو من أن ينالهم من أكلها أذى أو مكروه.
**3اليهة{ 57 - 56 :ل يذوقون فيهها الموت إل الموتهة الولى ووقاههم عذاب الجحيهم ،فضل
من ربك ذلك هو الفوز العظيم}
@قوله تعالى" :ل يذوقون فيها الموت إل الموتة الولى" أي ل يذوقون فيها الموت البتة لنهم
خالدون فيها .ثم قال" :إل الموتة الولى" على الستثناء المنقطع؛ أي لكن الموتة الولى قد ذاقوها
في الدنيا .وأنشد سيبويه:
فلبونه جربت معا وأغدت من كان أسرع في تفرق فالج
ثم استثنى بما ليس من الول فقال:
كالغصن في غلوائه المتنبت إل كناشرة الذي ضيعتم
وقيهل :إن "إل" بمعنهى بعهه؛ كقولك :مها كلمهت رجل اليوم إل رجل عندك ،أي بعهد رجهل عندك.
وقيهل" :إل" بمعنهى سهوى ،أي سهوى الموتهة التهي ماتوهها فهي الدنيها ،كقوله تعالى" :ول تنكحوا مها
نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف" [النساء .]22 :وهو كما تقول :ما ذقت اليوم طعاما سوى
مها أكلت أمهس .وقال القتهبي" :إل الموتهة الولى" معناه أن المؤمهن إذا أشرف على الموت اسهتقبلته
ملئكهة الرحمهة ويلقهى الروح والريحان ،وكان موتهه فهي الجنهة لتصهافه بأسهبابها ،فههو اسهتثناء
صهحيح .والموت عرض ل يذاق ،ولكهن جعهل كالطعام الذي يكره ذوقهه ،فاسهتعير فيهه لفهظ الذوق.
"ووقاهم عذاب الجحيم .فضل من ربك" أي فعل ذلك بهم تفضل منه عليهم .فه "فضل" مصدر
عمل فيه "يدعون" .وقيل :العامل فيه "ووقاهم" وقيل :فعل مضمر .وقيل :معنى الكلم الذي قبله،
لنهه تفضهل منهه عليههم ،إذ وفقههم فهي الدنيها إلى أعمال يدخلون بهها الجنة" .ذلك ههو الفوز العظيهم"
أي السعادة والربح العظيم والنجاة العظيمة .وقيل :هو من قولك فاز بكذا ،أي ناله وظفر به.
**3الية{ 58 :فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ،فارتقب إنهم مرتقبون}
@قوله تعالى" :فإنمها يسهرناه بلسهانك" يعنهي القرآن ،أي سههلناه بلغتهك عليهك وعلى مهن يقرؤه
(لعلههم يتذكرون) أي يتعظون وينزجرون .ونظيره" :ولقهد يسهرنا القرآن للذكهر فههل مهن مدكهر"
[القمهر ]17 :فختهم السهورة بالحهث على آتباع القرآن وإن لم يكهن مذكورا ،كمها قال فهي مفتتهح
السورة" :إنا أنزلناه في ليلة مباركة" [الدخان" ،]3 :إنا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر ]1 :على ما
تقدم" .فارتقب إنهم مرتقبون"
أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت؛ حكاه النقاش .وقيل :انتظر الفتح
من ربك إنهم منتظرون بزعمهم قهرك .وقيل :انتظر أن يحكم ال بينك وبينهم فإنهم ينتظرون بك
ريههب الحدثان .والمعنههى متقارب .وقيههل :ارتقههب مهها وعدتههك مههن الثواب فإنهههم كالمنتظريههن لمهها
وعدتهههم مههن العقاب .وقيههل :ارتقههب يوم القيامههة فإنههه يوم الفصههل ،وإن لم يعتقدوا وقوع القيامههة،
جعلوا كالمرتقبين لن عاقبتهم ذلك .وال تعالى أعلم.
**2سورة الجاثية
**3مقدمة السورة
@سهورة الجاثيهة مكيهة كلهها فهي قول الحسهن وجابر وعكرمهة .وقال ابهن عباس وقتادة :إل آيهة،
ههي"قهل للذيهن آمنوا يغفروا للذيهن ل يرجون أيام ال" [الجاثيهة ]14 :نزلت بالمدينهة فهي عمهر بهن
الخطاب رضي ال عنه؛ ذكره الماوردي .وقال المهدوي والنحاس عن ابن عباس :إنها نزلت في
عمر رضي ال عنه ،شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة .فأراد أن يبطش به ،فأنزل ال
عهز وجهل" :قهل للذيهن آمنوا يغفروا للذيهن ل يرجون أيام ال" [الجاثيهة ]14 :ثهم نسهخت بقوله:
"فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة .]5 :فالسورة كلها مكية على هذا من غير خلف.
وهي سبع وثلثون آية .وقيل ست.
**3الية{ 1 :حم ،تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :حم" مبتدأ و"تنزيل" خبره .وقال بعضهم" :حم" اسم السورة .و"تنزيل الكتاب"
مبتدأ .وخبره "من ال" .والكتاب القرآن" .العزيز" المنيع" .الحكيم" في فعله .وقد تقدم جميعه.
**3اليهة{ 5 - 3 :إن فهي السهماوات والرض ليات للمؤمنيهن ،وفهي خلقكهم ومها يبهث مهن دابهة
آيات لقوم يوقنون ،واختلف الليل والنهار وما أنزل ال من السماء من رزق فأحيا به الرض بعد
موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون}
@قوله تعالى" :إن فهي السهماوات والرض" أي فهي خلقهمها "ليات للمؤمنيهن ،وفهي خلقكهم ومها
يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ،واختلف الليل والنهار وما أنزل ال من السماء من رزق" يعني
المطهر" .فأحيها بهه الرض بعهد موتهها وتصهريف الرياح آيات لقوم يعقلون" تقدم جميعهه .وقراءة
العامهة ومها يبهث مهن دابهة آيات" "وتصهريف الرياح آيات" بالرفهع فيهمها .وقرأ حمزة والكسهائي
بكسهر التاء فيهمها .ول خلف فهي الول أنهه بالنصهب على اسهم "إن" وخبرهها "فهي السهموات".
ووجهه الكسهر فهي "آيات" الثانهي العطهف على مها عملت فيهه؛ التقديهر :إن فهي خلقكهم ومها يبهث مهن
دابة آيات .فأما الثالث فقيل :إن وجه النصب فيه تكرير "آيات" لما طال الكلم؛ كما تقول :ضرب
زيدا زيدا .وقيهل :إنهه على الحمهل على مها عملت فيهه "إن" على تقديهر حذف "فهي"؛ التقديهر :وفهي
اختلف الليل والنهار آيات .فحذفت "في" لتقدم ذكرها .وأنشد سيبويه في الحذف:
ونار توقد بالليل نارا كل امرئ تحسبين امرأ
فحذف "كهل" المضاف إلى نار المجرورة لتقدم ذكرهها .وقيهل :ههو مهن باب العطهف على عامليهن.
ولم يجزه سهيبوبه ،وأجازه الخفهش وجماعهة مهن الكوفييهن؛ فعطهف "واختلف" على قوله( :وفهي
خلقكم) ثم قال( :وتصريف الرياح آيات) فيحتاج إلى العطف على عاملين ،والعطف على عاملين
قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل ،فلم تقو أن تنوب مناب عاملين مختلفين؛ إذ
لو ناب مناب رافههع وناصههب لكان رافعهها ناصههبا فههي حال .وأمهها قراءة الرفههع فحمل على موضههع
"إن" مهع مها عملت فيهه .وقهد ألزم النحويون فهي ذلك أيضها العطهف على عامليهن؛ لنهه عطهف
"واختلف" على "وفهي خلقكهم" ،وعطهف "آيات" على موضهع "آيات" الول ،ولكنهه يقدر على
تكرير "في" .ويجوز أن يرفع على القطع مما قبله فيرفع بالبتداء ،وما قبله خبره ،ويكون عطف
جملة على جملة .وحكى الفراء رفع "واختلف" و"آيات" جميعا ،وجعل الختلف هو اليات.
**3الية{ 6 :تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد ال وآياته يؤمنون}
@قوله تعالى" :تلك آيات ال" أي هذه آيات ال أي حججه وبراهينه الدالة على وحدانيته وقدرته.
"نتلوهها عليهك بالحهق" أي بالصهدق الذي ل باطهل ول كذب فيهه .وقرئ "يتلوهها" بالياء" .فبأي
حديهث بعهد ال" أي بعهد حديهث ال وقيهل بعهد قرآنهه "وآياتهه يؤمنون" وقراءة العامهة بالياء على
الخبر .وقرأ ابن محيصن وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي "تؤمنون" بالتاء على الخطاب.
**3اليهة{ 8 - 7 :ويهل لكهل أفاك أثيهم ،يسهمع آيات ال تتلى عليهه ثهم يصهر مسهتكبرا كأن لم
يسمعها فبشره بعذاب أليم}
@قوله تعالى" :ويهل لكهل أفاك أثيهم" "ويهل" واد فهي جهنهم .توعهد مهن ترك السهتدلل بآياتهه.
والفاك :الكذاب .والفهك الكذب( .أثيهم) أي مرتكهب للثهم .والمراد فيمها روي :النضهر بهن الحارث
وعن ابن عباس أنه الحارث بن كلدة .وحكى الثعلبي أنه أبو جهل وأصحابه" .يسمع آيات ال تتلى
عليهه" يعنهي آيات القرآن" .ثهم يصهر مسهتكبرا كأن لم يسهمعها" أي يتمادى على كفره متعظمها فهي
نفسه عن النقياد مأخوذ من صر الصرة إذا شدها .قال معناه ابن عباس وغيره .وقيل :أصله من
إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه .و"أن" من "كان" مخففة من الثقيلة؛
كأنه لم يسمعها ،والضمير ضمير الشأن؛ كما في قوله:
كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم
ومحل الجملة النصب ،أي يصر مثل غير السامع .وقد تقدم في أول "لقمان" القول في هذه الية.
وتقدم معنى "فبشره بعذاب أليم" في "البقرة".
**3الية{ 10 - 9 :وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ،من ورائهم
جهنم ول يغني عنهم ما كسبوا شيئا ول ما اتخذوا من دون ال أولياء ولهم عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :وإذا علم مهن آياتنها شيئا اتخذهها هزوا" نحهو قوله فهي الزقوم :إنهه الزبهد والتمهر
وقوله فهي خزنهة جهنهم :إن كانوا تسهعة عشهر فأنها ألقاههم وحدي" .أولئك لههم عذاب مهيهن" مذل
مخهز" .من ورائهم جهنم" أي من وراء ما هم فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق جهنم.
وقال ابن عباس" :من ورائهم جهنم" أي أمامهم ،نظيره" :من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد"
[إبراهيم ]16 :أي من أمامه .قال:
أدب مع الولدان أزحف كالنسر أليس ورائي إن تراخت منيتي
"ول يغنهي عنههم مها كسهبوا شيئا" أي مهن المال والولد؛ نظيره" :لن تغنهي عنههم أموالههم ول
أولدهم من ال شيئا" [آل عمران ]10 :أي من المال والولد" .ول ما اتخذوا من دون ال أولياء"
يعني الصنام" .ولهم عذاب عظيم" أي دائم مؤلم.
**3الية{ 11 :هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم}
@قوله تعالى" :هذا هدى" ابتداء وخبر؛ يعني القرآن .وقال ابن عباس :يعني كل ما جاء به محمد
صهلى ال عليهه وسهلم" .والذيهن كفروا بآيات ربههم" أي جحدوا دلئله" .لههم عذاب مهن رجهز أليهم"
الرجهز العذاب؛ أي لههم عذاب مهن عذاب أليهم دليله قوله تعالى" :فأنزلنها على الذيهن ظلموا رجزا
من السماء" [البقرة ]59 :أي عذابا .وقيل :الرجز القذر مثل الرجس؛ وهو كقوله تعالى" :ويسقى
مهن ماء صهديد" [إبراهيهم ]16 :أي لههم عذاب مهن تجرع الشراب القذر .وضهم الراء من الرجهز
ابهن محيصهن حيهث وقهع .وقرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وحفهص "أليهم" بالرفهع؛ على معنهى لههم
عذاب أليم من رجز .الباقون بالخفض نعتا للرجز.
**3اليهة{ 13 - 12 :ال الذي سهخر لكهم البحهر لتجري الفلك فيهه بأمره ولتبتغوا مهن فضله
ولعلكم تشكرون ،وسخر لكم ما في السماوات وما في الرض جميعا منه إن في ذلك ليات لقوم
يتفكرون}
@قوله تعالى" :ال الذي سهخر لكهم البحهر لتجري الفلك فيهه بأمره ولتبتغوا مهن فضله ولعلكهم
تشكرون" ذكر كمال قدرته وتمام نعمته على عباده ،وبين أنه خلق ما خلق لمنافعهم" .وسخر لكم
ما في السماوات وما في الرض جميعا منه" يعني أن ذلك فعله وخلقه وإحسان منه وإنعام .وقرأ
ابهن عباس والجحدري وغيرهمها "جميعها منهه" بكسهر الميهم وتشديهد النون وتنويهن الهاء ،منصهوبا
على المصههدر .قال أبههو عمرو :وكذلك سههمعت مسههلمة يقرؤههها "منههه" أي تفضل وكرمهها .وعههن
مسلمة بن محارب أيضا "جميعا منه" على إضافة المن إلى هاء الكناية .وهو عند أبي حاتم خبر
ابتداء محذوف ،أي ذلك ،أو هو منه .وقراءة الجماعة ظاهرة" .إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون".
**3الية{ 14 :قل للذين آمنوا يغفروا للذين ل يرجون أيام ال ليجزي قوما بما كانوا يكسبون}
@قوله تعالى" :قل للذين آمنوا يغفروا" جزم على جواب "قل" تشبيها بالشرط والجزاء كقولك:
قم تصب خيرا .وقيل :هو على حذف اللم .وقيل :على معنى قل لهم اغفروا يغفروا؛ فهو جواب
أمهر محذوف دل الكلم عليهه؛ قال علي بهن عيسهى واختاره ابهن العربهي .ونزلت اليهة بسهبب أن
رجل مهن قريهش شتهم عمهر بهن الخطاب فههم أن يبطهش بهه .قال ابهن العربهي :وهذا لم يصهح .وذكهر
الواحدي والقشيري وغيرهما عن ابن عباس أن الية نزلت في عمر مع عبدال بن أبي في غزوة
بنهي المصهطلق ،فإنههم نزلوا على بئر يقال لهها "المريسهيع" فأرسهل عبدال غلمهه ليسهتقي ،وأبطهأ
عليهه فقال :مها حبسهك؟ قال :غلم عمهر بهن الخطاب قعهد على فهم البئر ،فمها ترك أحدا يسهتقي حتهى
مل قرب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقرب أبهي بكهر ،ومل لموله .فقال عبدال :مها مثلنها ومثهل
هؤلء إل كمها قيهل :سهمن كلبهك يأكلك .فبلغ عمهر رضهي ال عنهه قول ،فاشتمهل على سهيفه يريهد
التوجهه إليهه ليقتله؛ فأنزل ال هذه اليهة .هذه روايهة عطاء عهن ابهن عباس .وروى عنهه ميمون بهن
مهران قال :لما نزلت "من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا" [البقرة ]245 :قال يهودي بالمدينة
يقال له فنحاص :احتاج رب محمد! قال :فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه؛
فجاء جبريهل عليهه السهلم إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فقال( :إن ربهك يقول لك قهل للذيهن آمنوا
يغفروا للذيهن ل يرجون أيام ال) .وأعلم أن عمهر قهد أشتمهل عهل سهيفه وخرج فهي طلب اليهودي،
فبعهث رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فهي طلبهه ،فلمها جاء قال( :يها عمهر ،ضهع سهيفك) قال :يها
رسول ال ،صهدقت .أشههد أنك أرسلت بالحهق .قال( :فإن ربهك يقول :قل للذين آمنوا يغفروا للذين
ل يرجون أيام ال) قال :ل جرم! والذي بعثك بالحق ل ترى الغضب في وجهي.
قلت :ومهها ذكره المهدوي والنحاس فهههو روايههة الضحاك عههن ابههن عباس ،وهههو قول القرظههي
والسدي ،وعليه يتوجه النسخ في الية .وعلى أن الية نزلت بالمدينة أو في غزوة بني المصطلق
فليست بمنسوخة .ومعنى "يغفروا" يعفوا ويتجاوزوا .ومعنى" :ل يرجون أيام ال" أي ل يرجون
ثوابههه .وقيههل :أي ل يخافون بأس ال ونقمههه .وقيههل :الرجاء بمعنههى الخوف؛ كقوله" :مهها لكههم ل
ترجون ل وقارا" [نوح ]13 :أي ل تخافون له عظمهة .والمعنهى :ل تخشون مثهل عذاب المهم
الخاليهة .واليام يعهبر بهها عهن الوقائع .وقيهل :ل يأملون نصهر ال لوليائه وإيقاعهه بأعدائه .وقيهل:
المعنههى ل يخافون البعههث" .ليجزي قومهها بمهها كانوا يكسههبون" قراءة العامههة "ليجزي" بالياء على
معنههى ليجزي ال .وقرأ حمزة والكسههائي وابههن عامههر "لنجزي" بالنون على التعظيههم .وقرأ أبههو
جعفهههر والعرج وشيبههة "ليجزى" بياء مضمومههة وفتههح الزاي على الفعههل المجهول" ،قومههها"
بالنصههب .قال أبههو عمرو :وهذا لحههن ظاهههر .وقال الكسههائي :معناه ليجزي الجزاء قومهها ،نظيره:
"وكذلك نجي المؤمنين" على قراءة ابن عامر وأبي بكر في سورة "النبياء" .قال الشاعر:
ب بذلك الجر ِو الكلبا
َلسُ ّ ولو وَلَدت قُفيرة جرو كلب
أي َلسُبّ السب.
**3الية{ 15 :من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون}
@ تقدم.
**3اليهة{ 17 - 16 :ولقهد آتينها بنهي إسهرائيل الكتاب والحكهم والنبوة ورزقناههم مهن الطيبات
وفضلناههم على العالميهن ،وآتيناههم بينات مهن المهر فمها اختلفوا إل مهن بعهد مها جاءههم العلم بغيها
بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب" يعني التوراة" .والحكم والنبوة" الحكم :الفهم في
الكتاب .وقيهل :الحكهم على الناس والقضاء .و"النبوة" يعنهي النهبياء مهن وقهت يوسهف عليهه السهلم
إلى زمن عيسى عليه السلم" .ورزقناهم من الطيبات" أي الحلل من القوات والثمار والطعمة
التي كانت بالشام .وقيل :يعني المن والسلوى في التيه" .وفضلناهم على العالمين" أي على عالمي
زمانهههم" .وآتيناهههم بينات مههن المههر" قال ابههن عباس :يعنههي أمههر النههبي صههلى ال عليههه وسههلم،
وشواههد نبوتهه بأنهه يهاجهر مهن تهامهة إلى يثرب ،وينصهره أههل يثرب .وقيهل :بينات الم شرائع
واضحات في الحلل والحرام ومعجزات" .فما اختلفوا إل من بعد ما جاءهم العلم" يريد يوشع بن
نون؛ فآمهن بعضههم وكفهر بعضههم؛ حكاه النقاش .وقيهل" :إل مهن بعهد مها جاءههم العلم" نبوة النهبي
صهلى ال عليهه وسهلم فاختلفوا فيهها" .بغيها بينههم" أي حسهدا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم؛ قال
معناه الضحاك .قيهل :معنهى "بغيها" أي بغهى بعضههم على بعهض يطلب الفضهل والرياسهة ،وقتلوا
النهبياء؛ فكذا مشركهو عصهرك يها محمهد ،قهد جاءتههم البينات ولكهن أعرضوا عنهها للمنافسهة فهي
الرياسهة" .إن ربهك يقضهي بينههم" أي يحكهم ويفصهل" .يوم القيامهة فيمها كانوا فيهه يختلفون" فهي
الدنيا.
**3الية{ 18 :ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون}
@قوله تعالى" :ثهم جعلناك على شريعهة مهن المهر" الشريعهة فهي اللغهة :المذههب والملة .ويقال
لمشرعة الماء -وهي مورد الشاربة : -شريعة .ومنه الشارع لنه طريق إلى المقصد .فالشريعة:
مها شرع ال لعباده مهن الديهن؛ والجمهع الشرائع .والشرائع فهي الديهن :المذاههب التهي شرعهها ال
لخلقهه .فمعنهى" :جعلناك على شريعهة مهن المهر" أي على منهاج واضهح مهن أمهر الديهن يشرع بهك
إلى الحهق .وقال ابهن عباس" :على شريعهة" أي على هدى مهن المهر .قتادة :الشريعهة الم والنههي
والحدود والفرائض .مقاتهل :البينهة؛ لنهها طريهق إلى الحهق .الكلبهي :السهنة؛ لنهه يسهتن بطريقهة مهن
قبله مههن النههبياء .ابههن زيههد :الديههن؛ لنههه طريههق النجاة .قال ابههن العربههي :والمههر يرد فههي اللغههة
بمعنييههن :أحدهمهها :بمعنههى الشأن كقوله" :فاتبعوا أمههر فرعون ومهها أمههر فرعون برشيههد" [هود:
.]97والثانهي :أحهد أقسهام الكلم الذي يقابله الذي يقابله النههي .وكلهمها يصهح أن يكون مرادا
هاهنها؛ وتقديره :ثهم جعلناك على طريقهة مهن الديهن وههي ملة السهلم؛ كمها قال تعالى" :ثهم أوحينها
إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" [النحل.]123 :
ول خلف أن ال تعالى لم يغايهر بيهن الشرائع فهي التوحيهد والمكارم والمصهالح ،وإنمها خالف
بينهما في الفروع حسبما علمه سبحانه.
@ قال ابن العربي :ظن بعض من يتكلم في العلم أن هذه الية دليل على أن شرع من قبلنا ليس
بشرع لنا؛ لن ال تعالى أفرد النبي صلى ال عليه وسلم وأمته في هذه الية بشريعة ،ول ننكر أن
النبي صلى ال عليه وسلم وأمته منفردان بشريعة ،وإنما الخلف فيما أخبر النبي صلى ال عليه
وسهلم عنهه مهن شرع مهن قبلنها فهي معرض المدح والثناء ههل يلزم اتباعهه أم ل" .ول تتبهع أهواء
الذيهن ل يعلمون" يعنهي المشركيهن .وقال ابهن عباس :قريظهة والنضيهر .وعنهه :نزلت لمها دعتهه
قريش إلى دين آبائه.
**3اليهة{ 19 :إنههم لن يغنوا عنهك مهن ال شيئا وإن الظالميهن بعضههم أولياء بعهض وال ولي
المتقين}
@قوله تعالى" :إنههم لن يغنوا عنهك مهن ال شيئا" أي إن اتبعهت أهواءههم ل يدفعون عنهك مهن
عذاب ال شيئا" .وإن الظالميههن بعضهههم أولياء بعههض" أي أصههدقاء وأنصههار وأحباب .قال ابههن
عباس :يريهد أن المنافقيهن أولياء اليهود" .وال ولي المتقيهن" أي ناصهرهم ومعينههم .والمتقون هنها:
الذين أتقوا الشرك والمعاصي.
**3الية{ 20 :هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}
@قوله تعالى" :هذا بصهائر للناس" ابتداء وخهبر؛ أي هذا الذي أنزلت عليهك براهيهن ودلئل
ومعالم للناس فههههي الحدود والحكام .وقرئ "هذه بصههههائر" أي هذه اليات" .وهدى" أي رشههههد
وطريق يؤدي إلى الجنة لمن أخذ به" .ورحمة" في الخرة "لقوم يوقنون".
**3اليهة{ 21 :أم حسهب الذيهن اجترحوا السهيئات أن نجعلههم كالذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات
سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}
@قوله تعالى" :أم حسهب الذيهن اجترحوا السهيئات" أن اكتسهبوها .والجتراح :الكتسهاب؛ ومنهه
الجوارح ،وقهد تقدم" .أن نجعلههم كالذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات" قال الكلبهي" :الذيهن اجترحوا"
عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة .و"الذين آمنوا" علي وحمزة وعبيدة بن الحارث -رضي
ال عنهههم -حيههن برزوا إليهههم يوم بدر فقتلوهههم .وقيههل :نزلت فههي قوم مههن المشركيههن قالوا :إنهههم
يعطون فهي الخرة خيرا ممها يعطاه المؤمهن؛ كمها أخهبر الرب عنههم فهي قوله" :ولئن رجعهت إلى
ربهي إن لي عنده للحسهنى" [فصهلت .]50 :وقوله" :أم حسهب" اسهتفهام معطوف معناه النكار.
وأهل العربية يجوزون ذلك من غير عطف إذا كان متوسطا للخطاب .وقوم يقولون :فيه إضمار؛
أي وال ولي المتقيهن أفيعلم المشركون ذلك أم حسهبوا أنها نسهوي بينههم .وقيهل :ههي أم المنقطعهة،
ومعنهى الهمزة فيهها إنكار الحسهبان .وقراءة العامهة "سهواء" بالرفهع على أنهه خهبر ابتداء مقدم ،أي
محياهم ومماتهم سواء .والضمير في "محياهم ومماتهم" يعود على الكفار ،أي محياهم محيا سوء
ومماتههم كذلك .وقرأ حمزة والكسهائي والعمهش بالنصهب ،واختاره أبهو عبيهد قال :معناه نجعلههم
سهواء .وقرأ العمهش أيضها وعيسهى بهن عمهر "ومماتههم" بالنصهب؛ على معنهى سهواء فهي محياههم
ومماتهم؛ فلما أسقط الخافض انتصب .ويجوز أن يكون بد ل من الهاء والميم في نجعلهم؛ المعنى:
أن نجعههل محياهههم ومماتهههم سههواء كمحيهها الذيههن آمنوا ومماتهههم .ويجوز أن يكون الضميههر فههي
"محياههم ومماتههم" للكفار والمؤمنيهن جميعها .قال مجاههد :المؤمهن يموت مؤمنها ويبعهث مؤمنها،
والكافهر يموت كافرا ويبعهث كافرا .وذكهر ابهن المبارك أخبرنها شعبهة عهن عمرو بهن مرة عهن أبهي
الضحها عن مسهروق قال :قال رجل من أهل مكة :هذا مقام تميم الداري ،لقد رأيته ذات ليلة حتى
أصهبح أو قرب أن يصهبح يقرأ آيهة مهن كتاب ال ويركهع ويسهجد ويبكهي "أم حسهب الذيهن اجترحوا
السهيئات أن نجعلههم كالذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات" اليهة كلهها .وقال بشيهر :بهت عنهد الربيهع بهن
خيثههم ذات ليلة فقام يصههلي فمههر بهذه اليههة فمكههث ليله حتههى أصههبح لم يعدههها ببكاء شديههد .وقال
إبراهيهم بهن الشعهث :كثيرا مها رأيهت الفضيهل بهن عياض يردد مهن أول الليهل إلى آخره هذه اليهة
ونظيرهها ،ثهم يقول :ليهت ،شعري! مهن أي الفريقيهن أنهت؟ وكانهت هذه اليهة تسهمى مبكاة العابديهن
لنها محكمة.
**3اليهة{ 22 :وخلق ال السهماوات والرض بالحهق ولتجزى كهل نفهس بمها كسهبت وههم ل
يظلمون}
@قوله تعالى" :وخلق ال السهماوات والرض بالحهق" أي بالمهر الحهق" .ولتجزى" أي ولكهي
تجزى" .كل نفس بما كسبت" أي في الخرة" .وهم ل يظلمون".
**3الية{ 23 :أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله ال على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل
على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد ال أفل تذكرون}
@قوله تعالى" :أفرأيت من اتخذ إلهه هواه" قال ابن عباس والحسن وقتادة :ذلك الكافر اتخذ دينه
مها يهواه؛ فل يهوى شيئا إل ركبهه .وقال عكرمهة :أفرأيهت مهن جعهل إلههه الذي يعبده مها يهواه أو
يستحسنه؛ فإذا استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها .قال سعيد بن جبير :كان أحدهم يعبد الحجر؛ فإذا
رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الخر .وقال مقاتل :نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد
المسهتهزئين ،لنهه كان يعبهد مها تهواه نفسهه .وقال سهفيان بهن عيينهة :إنمها عبدوا الحجارة لن البيهت
حجارة .وقيهل :المعنهى أفرأيهت مهن ينقاد لهواه ومعبوده تعجيبها لذوي العقول مهن هذا الجههل .وقال
الحسن بن الفضل :في هذه الية تقديم وتأخير ،مجازه :أفرأيت من اتخذ هواه إلهه .وقال الشعبي:
إنما سمي الهوى هوى لنه يهوي بصاحبه في النار .وقال ابن عباس :ما ذكر ال هوى في القرآن
إل ذمهه ،قال ال تعالى" :واتبهع هواه فمثله كمثهل الكلب" [العراف .]176 :وقال تعالى" :واتبهع
هواه وكان أمره فرطا" [الكهف .]28 :وقال تعالى" :بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن
يهدي من أضل ال" [الروم .]29 :وقال تعالى" :ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال"
[القصص .]50 :وقال تعالى" :ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال" [ص .]26 :وقال عبدال
بهن عمرو بهن العاص عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم" :ل يؤمهن أحدكهم حتهى يكون هواه تبعها لمها
جئت بهه" .وقال أبهو أمامهة :سهمعت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقول" :مها عبهد تحهت السهماء إله
أبغهض إلى ال مهن الهوى" .وقال شداد بن أوس عن النهبي صهلى ال عليه وسلم" :الكيهس مهن دان
نفسهه وعمهل لمها بعهد الموت .والفاجهر مهن أتبهع نفسهه هواهها وتمنهى على ال" .وقال عليهه السهلم:
"إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك
ودع عنك أمر العامة" .وقال صلى ال عليه وسلم" :ثلث مهلكات وثلث منجيات فالمهلكات شح
مطاع وهوى متبهع وإعجاب المرء بنفسهه .والمنجيات خشيهة ال فهي السهر والعلنيهة والقصهد فهي
الغنهى والفقهر والعدل فهي الرضها والغضهب" .وقال أبهو الدرداء رضهي ال عنهه :إذا أصهبح الرجهل
اجتمهع هواه وعمله وعلمهه؛ فإن كان عمله تبعها لهواه فيومهه يوم سهوء ،وإن كان عمله تبعها لعلمهه
فيومه يوم صالح .وقال الصمعي سمعت رجل يقول:
فإذا هويت فقد لقيت هوانا إن الهوان هو الهوى قلب اسمه
وسئل ابن المقفع عن الهوى فقال :هوان سرقت نونه ،فأخذه شام فنظمه وقال:
فإذا هويت فقد لقيت هوانا نون الهوان من الهوى مسروقة
وقال آخر:
فإذا هويت فقد كسبت هوانا إن الهوى لهو الهوان بعينه
فاخضع لحبك كائنا من كانا وإذا هويت فقد تعبّدك الهوى
ولعبدال بن المبارك:
أل يرى لك عن هواك نزوع ومن البليا للبلء علمة
والحر يشبع تارة ويجوع العبد عبد النفس في شهواتها
ولبن دريد:
وكان إليها للخلف طريق إذا طالبتك النفس يوما بشهوه
هواك عدو والخلف صديق فدعها وخالف ما هويت فإنما
ولبي عبيد الطوسي:
فاغرة نحو هواها فاها والنفس إن أعطيتها مناها
وقال أحمد بن أبي الحوارى :مررت براهب فوجدته نحيفا فقلت له :أنت عليل .قال نعم .قلت :مذ
كهم؟ قال :مهذ عرفهت نفسهي! قلت فتداوى؟ قال :قهد أعيانهي الدواء وقهد عزمهت على الكهي .قلت ومها
الكهي؟ قال :مخالفهة الهوى .وقال سههل بهن عبدال التري :هواك داؤك .فان خالفتهه فدواؤك .وقال
وههب :إذا شككهت فهي أمريهن ولم تدر خيرهمها فانظهر أبعدهمها مهن هواك فأتهه .وللعلماء فهي هذا
الباب فهي ذم الهوى ومخالفتهه كتهب وأبواب أشرنها إلى مها فيهه كفايهة منهه؛ وحسهبك بقوله تعالى:
"وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى .فإن الجنة هي المأوى" [النازعات.]41:
@قوله تعالى" :وأضله ال على علم" أي على علم قد علمه منه .وقيل :أضله عن الثواب على
علم منه بأنه ل يستحقه .وقال ابن عباس :أي على علم قد سبق عنده أنه سيضل .مقاتل :على علم
منهه أنهه ضال؛ والمعنهى متقارب .وقيهل :على علم مهن عابهد الصهنم أنهه ل ينفهع ول يضهر .ثهم قيهل:
"على علم" يجوز أن يكون حال من الفاعل؛ المعنى :أضله على علم منه به ،أي أضله عالما بأنه
مهن أههل الضلل فهي سهابق علمهه .ويجوز أن يكون حال مهن المفعول؛ فيكون المعنهى :أضله فهي
حال علم الكافهر بأنهه ضال" .وختهم على سهمعه وقلبهه" أي طبهع على سهمعه حتهى ل يسهمع الوعهظ،
وطبع على قلبه حتى ل يفقه الهدى" .وجعل على بصره غشاوة" أي غطاء حتى ل يبصر الرشد.
وقرأ حمزه والكسائي "غشوة" بفتح الغين من غير ألف وقال الشاعر:
يمينا ومالك أبدى اليمينا أما والذي أنا عبد له
لقد كنت أصفيتك الود حينا لئن كنت ألبستني غشوة
"فمن يهديه من بعد ال" أي من بعد أن أضله" .أفل تتذكرون" تتعظون وتعرفون أنه قادر على
ما يشاء.
وهذه اليهة ترد على القدريهة والماميهة وسهلك سهبيلهم فهي العتقاد؛ إذ ههي مصهرحة بمنعههم مهن
الهداية .ثم قيل" :وختم على سمعه وقلبه" إنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم .وقيل :إنه خارج
مخرج الدعاء بذلك عليههم؛ كمها تقدم فهي أول "البقرة" .وحكهى ابهن جريهج أنهها نزلت فهي الحارث
بن قيس من الغياطلة .وحكى النقاش أنها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف .وقال مقاتل:
نزلت فهي أبهي جههل ،وذلك أنهه طاف بالبيهت ذات ليلة ومعهه الوليهد بهن المغيرة ،فتحدثها فهي شأن
النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال أبو جهل :وال إني لعلم إنه لصادق! فقال له مه! وما دلك على
ذلك!؟ قال :يها أبها عبهد شمهس ،كنها نسهميه فهي صهباه الصهادق الميهن؛ فلمها تهم عقله وكمهل رشده،
نسهميه الكذاب الخائن!! وال إنهي لعلم إنهه لصهادق! قال :فمها يمنعهك أن تصهدقه وتؤمهن بهه؟ قال:
تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة ،واللت والعزى إن اتبعته
أبدا .فنزلت" :وختم على سمعه وقلبه".
**3الية{ 24 :وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر وما لهم بذلك من
علم إن هم إل يظنون}
@قوله تعالى" :وقالوا مها ههي إل حياتنها الدنيها نموت ونحيها" هذا إنكار منههم للخرة وتكذيهب
للبعهث وإبطال للجزاء .ومعنهى" :نموت ونحيها" أي نموت نحهن وتحيها أولدنها؛ قال الكلبهي .وقرئ
"ونحيها" بضهم النون .وقيهل :يموت بعضنها ويحيها بعضنها .وقيهل :فيهه تقديهم وتأخيهر؛ أي نحيها
ونموت؛ وههي قراءة ابهن مسهعود" .ومها يهلكنها إل الدههر" قال مجاههد :يعنهي السهنين واليام .وقال
قتادة :إل العمههر ،والمعنههى واحههد .وقرئ "إل دهههر يمههر" .وقال ابههن عيينههة :كان أهههل الجاهليههة
يقولون :الدهههر هههو الذي يهلكنهها وهههو الذي يحيينهها ويميتنهها؛ فنزلت هذه اليههة .وقال قطرب :ومهها
يهلكنا إل الموت؛ وأنشد قول أبي ذؤيب:
والدهر ليس بمعتب من يجزع أمن المنون وريبها تتوجع
وقال عكرمة :أي وما يهلكنا إل ال .وروى أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :كان
أههل الجاهليهة يقولون مها يهلكنها إل الليهل والنهار وههو الذي يهلكنها ويميتنها ويحيينها فيسهبون الدههر
قال ال تعالى :يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي المر أقلب الليل والنهار".
قلت :قوله "قال ال" إلى آخره نههص البخاري ولفظههه .وخرجههه مسههلم أيضهها وأبههو داود .وفههي
الموطأ عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ل يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن
ال هو الدهر) .وقد استدل بهذا الحديث من قال :إن الدهر من أسماء ال .وقال :من لم يجعله من
العلماء اسهما إنمها خرج ردا على العرب فهي جاهليتهها؛ فإنههم كانوا يعتقدون أن الدههر ههو الفاعهل
كما أخبر ال عنهم في هذه الية؛ فكانوا إذا أصابهم ضر أو ضيم أو مكروه نسبوا ذلك إلى الدهر
فقيهل لههم على ذلك :ل تسهبوا الدههر فإن ال ههو الدههر؛ أي إن ال ههو الفاعهل لهذه المور التهي
تضيفونها إلى الدهر فيرجع السب إليه سبحانه؛ فنهوا عن ذلك .ودل على صحة هذا ما ذكره من
حديهث أبهي هريرة قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :قال ال تبارك وتعالى يؤذينهي ابهن
آدم )...الحديث .ولقد أحسن من قال ،وهو أبو علي الثقفي:
ل تلم الدهر على غدره يا عاتب الدهر إذا نابه
وينتهي الدهر إلى أمره الدهر مأمور ،له آمر
تزداد أضعافا على كفره كم كافر أمواله جمة
يزداد إيمانا على فقره ومؤمن ليس له درهم
وروي أن سالم بن عبدال بن عمر كان كثيرا ما يذكر الدهر فزجره أبوه وقال :إياك يا بني وذكر
الدهر! وأنشد:
ول جالب البلوى فل تشتم الدهرا فما الدهر بالجاني لشيء لحينة
على معشر يجعل مياسيرهم عسرا ولكن متى ما يبعث ال باعثا
وقال أبهو عبيهد :ناظرت بعهض الملحدة فقال :أل تراه يقول" :فإن ال ههو الدههر"؟ فقلت :وههل كان
أحد يسب ال في آباد الدهر ،بل كانوا يقولون كما قال العشى:
وإن في السفر إذ مضوا مهل إن محل وإن مرتحل
ل وولى الملمة الرجل استأثر ال بالوفاء وبالعد
قال أبههو عبيههد :ومههن شأن العرب أن يذموا الدهههر عنههد المصههائب والنوائب؛ حتههى ذكروه فههي
أشعارهم ،ونسبوا الحداث إليه .قال عمرو بن قميئة:
فكيف بمن يرمى وليس برام رمتني بنات الدهر من حيث ل أرى
ولكنني أرمى بغير سهام فلو أنها نبل إذًا لتقيتها
أنوء ثلثا بعدهن قيامي على الراحتين مرة وعلى العصا
ومثله كثير في الشعهر .ينسهبون ذلك إلى الدهر ويضيفونه إليه ،وال سبحانه الفاعل ل رب سواه.
"وما لهم بذلك من علم" أي علم .و"من" زائدة؛ أي قالوا ما قالوا شاكين" .إن هم إل يظنون" أي
مها ههم إل يتكلمون بالظهن .وكان المشركون أصهنافا ،منههم هؤلء ،ومنههم مهن كان يثبهت الصهانع
وينكهر البعهث ،ومنههم مهن كان يشهك فهي البعهث ول يقطهع بإنكاره .وحدث فهي السهلم أقوام ليهس
يمكنهههم إنكار البعههث خوفهها مههن المسههلمين؛ فيتأولون ويرون القيامههة موت البدن ،ويرون الثواب
والعقاب إلى خيالت تقهع للرواح بزعمههم؛ فشهر هؤلء أضهر مهن شهر جميهع الكفار؛ لن هؤلء
يلبسهون على الحهق ،ويغتهر بتلبيسههم الظاههر .والمشرك المجاههر بشركهه يحذره المسهلم .وقيهل:
نموت وتحيا آثارنا؛ فهذه حياة الذكر .وقيل :أشاروا إلى التناسخ؛ أي يموت الرجل فتجعل روحه.
في موات فتحيا به.
**3اليهة{ 26 - 25 :وإذا تتلى عليههم آياتنا بينات مها كان حجتههم إل أن قالوا ائتوا بآبائنها إن
كنتم صادقين ،قل ال يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ل ريب فيه ولكن أكثر الناس ل
يعلمون}
@قوله تعالى" :وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات" أي وإذ تقرأ على هؤلء المشركين آياتنا المنزلة في
جواز البعهث لم يكهن ثهم دفهع "مها كان حجتههم إل أن قالوا ائتوا بأبائنها إن كنتهم صهادقين" "حجتههم"
خهبر كان والسهم "إل أن قالوا ائتوا بآبائنها" الموتهى نسهألهم عهن صهدق مها تقولون ،فرد ال عليههم
بقوله "قل ال يحيكم" يعني بعد كونكم نطفا أمواتا "ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ل ريب
فيهه" كمها أحياكهم فهي الدنيها" .ولكهن أكثهر الناس ل يعلمون" أن ال يعيدههم كمها بدأههم .الزمخشري:
فإن قلت لم سمي قولهم حجة وليس بحجة؟ قلت :لنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته ،وساقوه
مسهاقها فسهميت حجهة على سهبيل التهكهم .أو لنهه فهي حسهبانهم وتقديرههم حجهة .أو لنهه فهي أسهلوب
قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
كأنه قيل :ما كان حجتهم إل ما ليس بحجة .والمراد نفي أن تكون لهم حجة البتة .فإن قلت :كيف
وقع قوله" :قل ال يحييكم" جواب "ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين"؟ قلت :لما أنكروا البعث وكذبوا
الرسهل ،وحسهبوا أن مها قالوه قول مبكهت ألزموا مها ههم مقرون بهه مهن أن ال عهز وجهل وههو الذي
يحييههم ثهم يميتههم ،وضهم إلى إلزام ذلك إلزام مها ههو واجهب القرار بهه إن أنصهفوا وأصهغوا إلى
داعهى الحهق وههو جمعههم يوم القيامهة ،ومهن كان قادرا على ذلك كان قادرا على التيان بآبائههم،
وكان أهون شيء عليه.
**3الية{ 27 :ول ملك السماوات والرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون}
@قوله تعالى" :ول ملك السهماوات والرض" خلقها وملكها" .ويوم تقوم السهاعة يومئذ يخسهر
المبطلون" "يوم" الول منصهوب بهه "يخسهر" و"يومئذ" تكريهر للتأكيهد أو بدل .وقيهل :إن التقديهر
وله الملك يوم تقوم السهاعة .والعامهل فهي "يومئذ" "يخسهر" ،ومفعول "يخسهر" محذوف ،والمعنهى
يخسرون منازلهم في الجنة.
**3الية{ 28 :وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :وترى كهل أمهة جاثيهة" أي مهن هول ذلك اليوم .والمهة هنها :أههل كهل ملة .وفهي
الجاثيههة تأويلت خمههس :الول :قال مجاهههد :مسههتوفزة .وقال سههفيان :المسههتوفز الذي ل يصههيب
الرض منههه إل ركبتاه وأطراف أنامله .الضحاك :ذلك عنههد الحسههاب .الثانههي :مجتمعههة قاله ابههن
عباس .الفراء :المعنههى وترى أهههل كههل ديههن مجتمعيههن .الثالث :متميزة ،قاله عكرمههة .الرابههع:
خاضعة بلغة قريش ،قال مؤرج .الخامس :باركة على الركب قاله الحسن .والجثو :الجلوس على
جثِيها ،على فعول؟؟ منهها ،وقهد مضهى فهي "مريهم": جثُوّا و ُ
الركهب .جثها على ركبتيهه يجثهو ويجثهي ُ
وأصل الجثوة :الجماعة من كل شيء .قال طرفه يصف قبرين:
صفائح صم من صفيح منضد ترى جثوتين من تراب عليهما
ثهم قيهل :ههو خاص بالكفار ،قاله يحهي بهن سهلم .وقيهل :إنهه عام للمؤمهن والكافهر انتظارا للحسهاب.
وقهد روى سهفيان بهن عيينهة عهن عمرو عهن عبدال بهن باباه أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال:
"كأنهي أراكهم بالكوم جاثيهن دون جهنهم" ذكره الماوردي .وقال سهلمان :إن فهي يوم القيامهة لسهاعة
ههي عشهر سهنين يخهر الناس فيهها جثاة على ركبههم حتهى إن إبراهيهم عليهه السهلم لينادي "ل أسهألك
اليوم إل نفسهي"" .كهل أمهة تدعهى إلى كتابهها" قال يحهي بهن سهلم :إلى حسهابها .وقيهل :إلى كتابهها
الذي كان يسهتنسخ لهها فيهه مها عملت مهن خيهر وشهر ،قال مقاتهل .وههو معنهى قول مجاههد .وقيهل:
"كتابهها" مها كتبهت الملئكهة عليهها .وقيهل كتابهها المنزل عليهها لينظهر ههل عملوا بمها فيهه .وقيهل:
الكتاب هها هنها اللوح المحفوظ .وقرأ يعقوب الحضرمهي "كهل أمهة" بالنصهب على البدل مهن "كهل"
الولى لمها فهي الثانية من اليضاح الذي ليس فهي الولى ،إذ ليس فهي جثوها شيهء من حال شرح
الجثهو كمها فهي الثانيهة مهن ذكهر السهبب الداعهي إليهه وههو اسهتدعاؤها إلى كتابهها .وقيهل :انتصهب
بإعمال "ترى" مضمرا .والرفع على البتداء" .اليوم تجزون ما كنتم تعملون" من خير أو شر.
**3الية{ 29 :هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :هذا كتابنها" قيهل مهن قول ال لههم .وقيهل مهن قول الملئكهة" .ينطهق عليكهم بالحهق"
أي يشههد .وههو اسهتعارة يقال :نطهق الكتاب بكذا أي بيهن .وقيهل :إنههم يقرؤونهه فيذكرههم الكتاب مها
عملوا ،فكأنهه ينطهق عليههم ،دليله قوله" :ويقولون يها ويلتنها مال هذا الكتاب ل يغادر صهغيرة ول
كهبيرة إل أحصهاها" [الكههف .]49 :وفهي المؤمنيهن" :ولدينها كتاب ينطهق بالحهق وههم ل يظلمون"
وقهد تقدم .و"ينطهق" فهي ،موضهع الحال مهن الكتاب ،أو مهن ذا ،أو خهبر ثان لذا ،أو يكون "كتابنها"
بدل من "هذا" و"ينطق" الخبر" .إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون.
قال علي رضي ال عنه :إن ل ملئكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم .وقال ابن
عباس :إن ال وكل ملئكة مطهرين فينسخون من أم الكتاب في رمضان كل ما يكون من أعمال
بني آدم فيعارضون حفظة ال على العباد كل خميس ،فيجدون ما جاء به الحفظة من أعمال العباد
موافقها لمها فهي كتابههم الذي اسهتنسخوا مهن ذلك الكتاب ل زيادة فيهه ول نقصهان .قال ابهن عباس:
وهل يكون النسخ إل من كتاب .الحسن :نستنسخ ما كتبته الحفظة على بني آدم ،لن الحفظة ترفع
إلى الخزنة صحائف العمال .وقيل :تحمل الحفظة كل يوم ما كتبوا على العبد ،ثم إذا عادوا إلى
مكانههم نسهخ منهه الحسهنات والسهيئات ،ول تحول المباحات إلى النسهخة الثانيهة .وقيهل :إن الملئكهة
إذا رفعت أعمال العباد إلى ال عز وجل أمر بأن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ،ويسقط من
جملتها ما ل ثواب فيه ول عقاب.
**3اليهة{ 31 - 30 :فأمها الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات فيدخلههم ربههم فهي رحمتهه ذلك ههو
الفوز المبين ،وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين}
@قوله تعالى" :فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته" أي الجنة "ذلك هو
الفوز المبين .وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم" أي فيقال لهم ذلك .وهو استفهام توبيخ.
"فاسهتكبرتم" عهن قبولهها" .وكنتهم قومها مجرميهن" أي مشركيهن تكسهبون المعاصهي .يقال :فلن
جريمهة أهله إذا كان كاسهبهم ،فالمجرم مهن أكسهب نفسهه المعاصهي .وقهد قال ال تعالى" :أفنجعهل
المسلمين كالمجرمين" [القلم ]35 :فالمجرم ضد المسلم فهو المذنب بالكفر إذا.
**3الية{ 32 :وإذا قيل إن وعد ال حق والساعة ل ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن
إل ظنا وما نحن بمستيقنين}
@قوله تعالى" :وإذا قيل إن وعد ال حق" أي البعث كائن" .والساعة ل ريب فيها" وقرأ حمزة
"والساعة" بالنصب عطفا على "وعد" .الباقون بالرفع على البتداء ،أو العطف على موضع "إن
وعهد ال" .ول يحسهن على الضميهر الذي فهي المصهدر ،لنهه غيهر مؤكهد ،والضميهر المرفوع إنمها
يعطف عليه بغير تأكيد في الشعر" .قلتم ما ندري ما الساعة" هل هي حق أم باطل" .إن نظن إل
ظنا" تقديره عند المبرد :إن نحن إل نظن ظنا .وقيل :التقدير :إن نظن إل أنكم تظنون ظنا .وقيل:
أي وقلتم إن نظن إل ظنا "وما نحن بمستيقنين" أن الساعة آتية.
**3الية{ 33 :وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}
@قوله تعالى" :وبدا لهم سيئات ما عملوا" أي ظهر لهم جزاء سيئات ما عملوا" .وحاق بهم" أي
نزل بهم وأحاط" .ما كانوا به يستهزئون" من عذاب ال.
**3اليههة{ 34 :وقيههل اليوم ننسههاكم كمهها نسههيتم لقاء يومكههم هذا ومأواكههم النار ومهها لكههم مهن
ناصرين}
@قوله تعالى" :وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا" أي نترككم في النار كما تركتم لقاء
يومكهم هذا أي تركتهم العمهل له" .ومأواكهم النار" أي مسهكنكم ومسهتقركم" .ومها لكهم مهن ناصهرين"
من ينصركم.
**3الية{ 35 :ذلكم بأنكم اتخذتم آيات ال هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم ل يخرجون منها
ول هم يستعتبون}
@قوله تعالى" :ذلكم بأنكم اتخذتم آيات ال" يعني القرآن" .هزوا" لعبا" .وغرتكم الحياة الدنيا"
أي خدعتكهم بأباطيلهها وزخارفهها ،فظننتهم أن ليهس ثهم غيرهها ،وأن ل بعهث" .فاليوم ل يخرجون
منهها" أي مهن النار" .ول ههم يسهتعتبون" يسهترضون .وقرأ حمزة والكسهائي "فاليوم ل يخرجون"
بفتهح الياء وضهم الراء لقوله تعالى" :كلمهها أرادوا أن يخرجوا منههها أعيدوا فيههها" [السههجدة]20 :
الباقون بضم الياء وفتح الراء ،لقوله تعالى" :ربنا أخرجنا" [فاطر ]37 :ونحوه.
**3اليههة{ 36 :فلله الحمههد رب السههماوات ورب الرض رب العالميههن ،وله الكههبرياء فههي
السماوات والرض وهو العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :فلله الحمد رب السماوات ورب الرض رب العالمين" قرأ مجاهد وحميد وابن
محيصن "رب السموات ورب الرض رب العالمين" بالرفع فيها كلها على معنى هو رب" .وله
الكهبرياء" أي العظمهة والجلل والبقاء والسهلطان والقدرة والكمال" .فهي السهموات والرض وههو
العزيز الحكيم" وال أعلم.
**2سورة الحقاف
**3الية{ 1 :حم ،تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم ،ما خلقنا السماوات والرض وما بينهما
إل بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون}
@قوله تعالى" :حهم ،تنزيهل الكتاب مهن ال العزيهز الحكيهم" تقدم" .مها خلقنها السهماوات والرض
ومها بينهمها إل بالحهق " تقدم أيضها" .وأجهل مسهمى" "وأجهل مسهمى" يعنهي القيامهة ،فهي قول ابهن
عباس وغيره .وهو الجل الذي تنتهي إليه السموات والرض .وقيل :إنه هو الجل المقدور لكل
مخلوق" .والذيهن كفروا عمها أنذروا معرضون" "والذيهن كفروا عمها أنذروا" خُوفوه "معرضون"
مولون ل هون غير مستعدين له .يجوز أن تكون "ما" مصدرية ،أي عن إنذارهم ذلك اليوم.
**3الية{ 4 :قل أرأيتم ما تدعون من دون ال أروني ماذا خلقوا من الرض أم لهم شرك في
السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}
@قوله تعالى" :قل أرأيتم ما تدعون من دون ال" أي ما تعبدون من الصنام والنداد من دون
ال" .أرونهي ماذا خلقوا مهن الرض" أي ههل خلقوا شيئا مهن الرض "أم لههم شرك" أي نصهيب
"فهي السهماوات" أي فهي خلق السهموات مهع ال" .ائتونهي بكتاب مهن قبهل هذا" أي مهن قبهل هذا
القرآن.
@قوله تعالى" :أو أثارة مهن علم" قراءة العامهة "أو أثارة" بألف بعهد الثاء .قال ابهن عباس عهن
النهبي صهلى ال عليه وسلم( :هو خهط كانهت تخطهه العرب فهي الرض) ،ذكره المهدوي والثعلبهي.
وقال ابن العربي :ولم يصح .وفي مشهور الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :كان نبي
من النبياء يخط فمن وافق خطه فذاك) ولم يصح أيضا.
قلت :هو ثابت من حديث معاوية بن الحكم السلمي ،خرجه مسلم .وأسند النحاس :حدثنا محمد
بهن أحمهد (يعرف بالجرايجهي) قال حدثنها محمهد بهن بندار قال حدثنها يحيهى بهن سهعيد عهن سهفيان
الثوري عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله
عهز وجهل" :أو أثارة مهن علم" قال[ :الخهط] وهذا صهحيح أيضها .قال ابهن العربهي :واختلفوا فهي
تأويله ،فمنههم مهن قال :جاء لباحهة الضرب ،لن بعهض النهبياء كان يفعهل .ومنههم مهن قال جاء
للنههي عنهه ،لنهه صهلى ال عليهه وسهلم قال[ :فمهن وافهق خطهه فذاك] .ول سهبيل إلى معرفهة طريهق
النهي المتقدم فيه ،فإذا ل سبيل إلى العمل به .قال:
ول زاجرات الطير ما ال صانع لعمرك ما تدري الضوارب بالحصا
وحقيقتههه عنههد أربابههه ترجههع إلى صههور الكواكههب ،فيدل مهها يخرج منههها على مهها تدل عليههه تلك
الكواكهب مهن سهعد أو نحهس يحهل بههم ،فصهار ظنها مبنيها على ظهن ،وتعلقها بأمهر غائب قهد درسهت
طريقهه وفات تحقيقهه ،وقهد نههت الشريعهة عنهه ،وأخهبرت أن ذلك ممها اختهص ال بهه ،وقطعهه عهن
الخلق ،وإن كانهت لههم قبهل ذلك أسهباب يتعلقون بهها فهي درك الشياء المغيبهة ،فإن ال قهد رفهع تلك
السباب وطمس تلك البواب وأفرد نفسه بعلم الغيب ،فل يجوز مزاحمته في ذلك ،ول يحل لحد
دعواه .وطلبهه عناء لو لم يكهن فيهه نههي .فإذ وقهد ورد النههي فطلبهه معصهية أو كفهر بحسهب قصهد
الطالب.
قلت :ما اختاره هو قول الخطابي .قال الخطابي :قوله عليه السلم[ :فمن وافق خطه فذاك] هذا
يحتمههل الزجههر إذ كان ذلك علمهها لنبوتههه وقههد انقطعههت ،فنهينهها عههن التعاطههي لذلك .قال القاضههي
عياض :الظهر من اللفظ خلف هذا ،وتصويب خط من يوافق خطه ،لكن من أين تعلم الموافقة
والشرع منع من التخرص وادعاء الغيب جملة -فإنما معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون
إصهابته ،ل أنهه يريهد إباحهة ذلك لفاعله على مها تأوله بعضههم .وحكهى مكهي فهي تفسهير قوله[ :كان
نهبي مهن النهبياء يخهط] أنهه كان يخهط بأصهبعه السهبابة والوسهطى فهي الرمهل ثهم يزجهر .وقال ابهن
عباس في تفسير قوله [ومنا رجال يخطون] :هو الخط الذي يخطه الحازي فيعطى حلوانا فيقول:
اقعهد حتهى أخهط لك ،وبيهن يدي الحازي غلم معهه ميهل ثهم يأتهي إلى أرض رخوة فيخهط السهتاذ
خطوطها معجلة لئل يلحقهها العدد ،ثهم يرجهع فيمحهو على مههل خطيهن خطيهن ،فإن بقهي خطان فههو
علمة النجح ،وإن بقي خط فهو علمة الخيبة .والعرب تسميه السحم وهو مشؤوم عندهم.
@ قال ابن العربي :إن ال تعالى لم يبق من السباب الدالة على الغيب التي أذن في التعلق بها
والسهتدلل منهها إل الرؤيها ،فإنهه أذن فيهها ،وأخهبر أنهها جزء مهن النبوة وكذلك الفأل ،وأمها الطيرة
والزجهر فإنهه نههى عنهمها .والفأل :ههو السهتدلل بمها يسهمع مهن الكلم على مها يريهد مهن المهر إذا
كان حسهههنا ،فإذا سهههمع مكروهههها فههههو تطيهههر ،أمره الشرع بأن يفرح بالفأل ويمضهههى على أمره
مسهرورا .وإذا سهمع المكروه أعرض عنهه ولم يرجهع لجله ،وقهد قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم:
[اللهم ل طير إل طيرك ول خير إل خيرك ول إله غيرك] .وقد روى بعض الدباء:
مضللون ودون الغيب أقفال الفأل والزجر والكهان كلهم
وهذا كلم صهحيح ،إل فهي الفأل فإن الشرع اسهتثناه وأمهر بهه ،فل يقبهل مهن هذا الشاعهر مها نظمهه
فيه ،فإنه تكلم بجهل ،وصاحب الشرع أصدق وأعلم وأحكم.
قلت :قد مضى في الطيرة والفأل وفي الفرق بينهما ما يكفي في (المائدة) وغيرها .ومضى في
(النعام) أن ال سبحانه منفرد بعلم الغيب ،وأن أحدا ل يعلم ذلك إل ما أعلمه ال ،أو يجعل على
ذلك دللة عاديهة يعلم بهها مها يكون على جري العادة ،وقهد يختلف .مثال إذا رأى نخلة قهد أطلعهت
فإنهه يعلم أنهها سهتثمر ،وإذا رآهها قهد تناثهر طلعهها علم أنهها ل تثمهر .وقهد يجوز أن يأتهي عليهها آفهة
تهلك ثمرهها فل تثمهر ،كمها أنهه جائز أن تكون النخلة التهي تناثهر طلعهها يطلع ال فيهها طلعها ثانيها
فتثمهر .وكمها أنهه جائز أيضها أل يلي شهره شههر ول يومهه يوم إذا أراد ال إفناء العالم ذلك الوقهت.
إلى غير ذلك مما تقدم في (النعام) بيانه.
@ قال ابهن خويهز منداد :قوله تعالى" :أو أثارة مهن علم" يريهد الخهط .وقهد كان مالك رحمهه ال
يحكهم بالخهط إذا عرف الشاههد خطهه .وإذا عرف الحاكهم خطهه أو خهط مهن كتهب إليهه حكهم بهه ،ثهم
رجع عن ذلك حين ظهر في الناس ما ظهر من الحيل والتزوير .وقد روي عنه أنه قال[ :يُحدِث
الناس فجورا فتحدث لهم أقضية] .فأما إذا شهد الشهود على الخط المحكوم به ،مثل أن يشهدوا أن
هذا الحاكم وكتابه ،أشهدنا على ما فيه وإن لم يعلموا ما في الكتاب .وكذلك الوصية أو خط الرجل
باعترافهه بمال لغيره يشهدون أنهه خطهه ونحهو ذلك -فل يختلف مذهبهه أن يحكهم بهه .وقيهل" :أو
أثارة مههن علم" أو بقيههة مههن علم ،قبههل ابههن عباس والكلبههي وأبههو بكههر بههن عياش وغيرهههم .وفههي
الصحاح "أو أثارة من علم" بقية منه .وكذلك الثرة (بالتحريك) .ويقال :سمنت البل على أثارة،
أي بقية شحم كان قبل ذلك .وأنشد الماوردي والثعلبي قول الراعي:
نباتا في أكمته ففارا وذات أثارة أكلت عليها
وقال الهروي :والثارة والثهر :البقيهة ،يقال :مها ثهم عيهن ول أثهر .وقال ميمون بهن مهران وأبهو
سهلمة بهن عبدالرحمهن وقتادة" :أو أثارة مهن علم" خاصهة مهن علم .وقال مجاههد :روايهة تأثرونهها
عمهن كان قبلكهم .وقال عكرمهة ومقاتهل :روايهة عهن النهبياء .وقال القرظهي :ههو السهناد .الحسهن:
المعنهى شيهء يثار أو يسهتخرج .وقال الزجاج" :أو أثارة" أي علمهة .والثارة مصهدر كالسهماحة
والشجاعة .وأصل الكلمة من الثر ،وهي الرواية ،يقال :أثرت الحديث آثره أثرا وأثارة وأثرة فأنا
آثر ،إذا ذكرته عن غيرك .ومنه قيل :حديث مأثور ،أي نقله خلف عن سلف .قال العشى:
ُبيّن للسامع والثر إن الذي فيه تماريتما
ويروى " َبيّنه" وقرئ "أو أثرة" بضهم الهمزة وسهكون الثاء .ويجوز أن يكون معناه بقيهة مهن علم.
ويجوز أن يكون معناه شيئا مأثورا من كتب الولين .والمأثور :ما يتحدث به مما صح سنده عمن
تحدث به عنه .وقرأ السلمي والحسن وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف ،أي خاصة من
علم أوتيتموها أو أوثرتم بها على غيركم .وروي عن الحسن أيضا وطائفة "أثرة" مفتوحة اللف
سهاكنة الثاء ،ذكهر الولى الثعلبهي والثانيهة الماوردي .وحكهى الثعلبهي عهن عكرمهة :أو ميراث علم.
"إن كنتم صادقين".
@قوله تعالى" :ائتونهي بكتاب مهن قبهل هذا أو أثارة مهن علم" فيهه بيان مسهالك الدلة بأسهرها،
فأولههها المعقول ،وهههو قوله تعالى" :قههل أرأيتههم مهها تدعون مههن دون ال أرونههي ماذا خلقوا مههن
الرض أم لهم شرك في السموات" وهو احتجاج بدليل العقل في أن الجماد ل يصح أن يدعى من
دون ال فإنه ل يضر ول ينفع .ثم قال" :ائتوني بكتاب من قبل هذا" فيه بيان أدلة السمع "أو أثارة
من علم".
**3اليهة{ 5 :ومهن أضهل ممهن يدعهو مهن دون ال مهن ل يسهتجيب له إلى يوم القيامهة وههم عهن
دعائهم غافلون}
@قوله تعالى" :ومن أضل" أي ل أحد أضل وأجهل "ممن يدعو من دون ال من ل يستجيب له
إلى يوم القيامههة" وهههي الوثان" .وهههم عههن دعائهههم غافلون" يعنههي ل يسههمعون ول يفهمون،
فأخرجها وهي جماد مخرج ذكور بني آدم ،إذ قد مثلتها عبدتها بالملوك والمراء التي تُخدم.
**3الية{ 6 :وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين}
@قوله تعالى" :وإذا حشهر الناس" يريهد يوم القيامهة" .كانوا لههم أعداء وكانوا بعبادتههم كافريهن"
أي هؤلء المعبودون أعداء الكفار يوم القيامههههة .فالملئكههههة أعداء الكفار ،والجههههن والشياطيههههن
يتبرؤون غدا من عبدتهم ،ويلعن بعضهم بعضا.
ويجوز أن تكون الصههنام للكفار الذيههن عبدوههها أعداء ،على تقديههر خلق الحياة لههها ،دليله قوله
تعالى" :تبرأنها إليهك مها كانوا إيانها يعبدون" [القصهص .]63 :وقيهل :عادوا معبوداتههم لنههم كانوا
سبب هلكهم ،وجحد المعبودون عبادتهم ،وهو قوله" :وكانوا بعبادتهم كافرين".
**3الية{ 7 :وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين}
@قوله تعالى" :وإذا تتلى عليهم آياتنا ببنات" يعني القرآن" .قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا
سحر مبين".
**3الية{ 8 :أم يقولون افتراه قل إن افتريته فل تملكون لي من ال شيئا هو أعلم بما تفيضون
فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم}
@قوله تعالى" :أم يقولون افتراه" الميهم صهلة ،التقديهر :أيقولون افتراه ،أي تقوله محمهد .وههو
إضراب عن ذكر تسميتهم اليات سحرا .ومعنى الهمزة في "أم" النكار والتعجب ،كأنه قال :دع
هذا واسهمع قولههم المسهتنكر المقضهي منهه العجهب .وذلك أن محمدا كان ل يقدر عليهه حتهى يقوله
ويفتريهه على ال ،ولو قدر عليهه دون أمهة العرب لكانهت قدرتهه عليهه معجزة لخرقهها العادة ،وإذا
كانهت معجزة كانهت تصهديقا مهن ال له ،والحكيهم ل يصهدق الكاذب فل يكون مفتريها ،والضميهر
للحهق ،والمراد بهه اليات" .قهل إن افتريتهه" على سهبيل الفرض" .فل تملكون لي مهن ال شيئا" أي
ل تقدرون على أن تردوا عنهي عذاب ال ،فكيهف أفتري على ال لجلكهم" .ههو أعلم بمها تفيضون
فيهه" أي تقولونهه ،عهن مجاههد .وقيهل :تخوضون فيهه مهن التكذيهب .والفاضهة فهي الشيهء :الخوض
فيههه والندفاع .أفاضوا فههي الحديههث أي أندفعوا فيههه .وأفاض البعيههر أي دفههع جرتههه مههن كرشههه
فأخرجها ،ومنه قول الشاعر:
وأفضن بعد كظومهن بجرة
وأفاض الناس مهن عرفات إلى منهى أي دفعوا ،وكهل دفعهة إفاضهة" .كفهى بهه شهيدا بينهي وبينكهم"
"كفهى بهه شهيدا" نصهب على التمييهز" .بينهي وبينكهم" أي ههو يعلم صهدقي وأنكهم مبطلون" .وههو
الغفور" لمن تاب "الرحيم" بعباده المؤمنين.
**3الية{ 9 :قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى
إلي وما أنا إل نذير مبين}
@قوله تعالى" :قهل مها كنهت بدعها مهن الرسهل" أي أول مهن أرسهل ،قهد كان قبلي رسهل ،عهن ابهن
عباس وغيره .والبدع :الول .وقرأ عكرمههههة وغيره "بدعهههها" بفتههههح الدال ،على تقديههههر حذف
المضاف ،والمعنى :ما كنت صاحب بدع .وقيل :بدع وبديع بمعنى ،مثل نصف ونصيف .وأبدع
الشاعهر :جاء بالبديهع .وشيهء بدع (بالكسهر) أي مبتدع .وفلن بدع فهي هذا المهر أي بديهع .وقوم
أبداع ،عن الخفش .وأنشد قطرب قول عدي بن زيد:
رجال غدت من بعد بؤسى بأسعد فل أنا بدع من حوادث تعتري
"وما أدري ما يفعل بي ول بكم" يريد يوم القيامة .ولما نزلت فرح المشركون واليهود والمنافقون
وقالوا :كيهف نتبهع نبيها ل يدري مها يفعهل بهه ول بنها ،وأنهه ل فضهل له علينها ،ولو ل أنهه ابتدع الذي
يقول مهن تلقاء نفسهه لخهبره الذي بعثهه بمها يفعهل بهه ،فنزلت" :ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها
تأخر" [الفتح ]2 :فنسخت هذه الية ،وأرغم ال أنف الكفار .وقالت الصحابة :هنيئا لك يا رسول
ال ،لقهد بيهن ال لك مها يفعهل بهك يها رسهول ال ،فليهت شعرنها مها ههو فاعهل بنها؟ فنزلت" :ليدخهل
المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار" [الفتح ]5 :الية .ونزلت" :وبشر المؤمنين
بأن لههم مهن ال فضل كهبيرا" [الحزاب .]47 :قاله أنهس وابهن عباس وقتادة والحسهن وعكرمهة
والضحاك .وقالت أم العلء امرأة مهن النصهار :اقتسهمنا المهاجريهن فصهار لنها عثمان بهن مظعون
بهن حذافهة بهن جمهح ،فأنزلناه أبياتنها فتوفهي ،فقلت :رحمهة ال عليهك أبها السهائب إن ال أكرمهك .فقال
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم[ :ومها يدريهك أن ال أكرمهه] ؟ فقلت :بأبهي وأمهي يها رسهول ال فمهن؟
قال[ :أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إل خيرا فوال إني لرجو له الجنة ووال إني لرسول ال
ومها أدري مها يفعهل بهي ول بكهم] .قالت :فوال ل أزكهي بعده أحدا أبدا .ذكره الثعلبهي ،وقال :وإنمها
قال هذا حين لم يعلم بغفران ذنبه ،وإنما غفر ال له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بأربع سنين.
قلت :حديهث أم العلء خرجهه البخاري ،وروايتهي فيهه" :ومها أدري مها يفعهل بهه" ليهس فيهه "بهي
ول بكهم" وههو الصهحيح إن شاء ال ،على مها يأتهي بيانهه .واليهة ليسهت منسهوخة ،لنهها خهبر .قال
النحاس :محال أن يكون فهي هذا ناسهخ ول منسهوخ مهن جهتيهن :أحدهمها أنهه خهبر ،والخهر أنهه مهن
أول السورة إلى هذا الموضع خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم ،فوجب أن يكون هذا
أيضهها خطابهها للمشركيههن كمهها كان قبله ومهها بعده ،ومحال أن يقول النههبي صههلى ال عليههه وسههلم
للمشركيهن "مها أدري مها يفعهل بهي ول بكهم" فهي الخرة ،ولم يزل صهلى ال عليهه وسهلم مهن أول
مبعثههه إلى مماتههه يخههبر أن مههن مات على الكفههر مخلد فههي النار ،ومههن مات على اليمان واتبعههه
وأطاعه فهو في الجنة ،فقد رأى صلى ال عليه وسلم ما يفعل به وبهم في الخرة .وليس يجوز أن
يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ول بكم في الخرة ،فيقولون كيف نتبعك وأنت ل تدري أتصير إلى
خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب.
والصحيح في الية قول الحسن ،كما قرأ علي بن محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى
قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن" :وما أدري ما يفعل بي ول بكم في الدنيا"
قال أبو جعفر :وهذا أصح قول وأحسنه ،ل يدري صلى ال عليه وسلم ما يلحقه وإياهم من مرض
وصهحة ورخهص وغلء وغنهى وفقهر .ومثله" :ولو كنهت أعلم الغيهب لسهتكثرت مهن الخيهر ومها
مسهني السهوء إن أنها إل نذيهر وبشيهر" [العراف .]188 :وذكهر الواحدي وغيره عن الكلبهي عن
أبهي صهالح عهن ابهن عباس :لمها اشتهد البلء بأصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم رأى فهي
المنام أنهه يهاجهر إلى أرض ذات نخهل وشجهر وماء ،فقصهها على أصهحابه بهه فاسهتبشروا بذلك،
ورأوا فيهها فرجها ممها ههم فيهه مهن أذى المشركيهن ،ثهم إنههم مكثوا برههة ل يرون ذلك فقالوا :يها
رسهول ال ،متهى نهاجهر إلى الرض التهي رأيهت؟ فسهكت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأنزل ال
تعالى" :وما أدري ما يفعل بي ول بكم" أي ل أدري أأخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم
ل .ثهم قال[ :إنمها هو شيهء رأيتهه فهي منامهي مها أتبهع إل مها يوحهى إلي] أي لم يوح إلي مها أخهبرتكم
بهه .قال القشيري :فعلى هذا ل نسهخ فهي اليهة .وقيهل :المعنهى ل أدري مها يفرض علي وعليكهم مهن
الفرائض .واختار الطهبري أن يكون المعنهى :مها أدري مها يصهير إليهه أمري وأمركهم فهي الدنيها،
أتؤمنون أم تكفرون ،أم تعاجلون بالعذاب أم تؤخرون.
قلت :وهو معنى قول الحسن والسدي وغيرهما .قال الحسن :ما أدري ما يفعل بي ول بكم في
الدنيها ،أمها فهي الخرة فمعاذ ال قهد علم أنهه فهي الجنهة حيهن أخهذ ميثاقهه فهي الرسهل ،ولكهن قال مها
أدري ما يفعل بي في الدنيا أأخرج كما أخرجت النبياء قبلي ،أو أقتل كما قتلت النبياء قبلي ،ول
أدري مها يفعهل بكهم ،أأمتهي المصهدقة أم المكذبهة ،أم أمتهى المرميهة بالحجارة مهن السهماء قذفها ،أو
مخسهوف بهها خسهفا ،ثهم نزلت" :ههو الذي أرسهل رسهوله بالهدى وديهن الحهق ليظهره على الديهن
كله" [التوبة .]33 :يقول :سيظهر دينه على الديان .ثم قال في أمته" :وما كان ال ليعذبهم وأنت
فيهم" [النفال ]33 :فأخبره تعالى بما يصنع به وبأمته ،ول نسخ على هذا كله ،والحمد ل .وقال
الضحاك أيضا" :ما أدري ما يفعل بي ول بكم" أي ما تؤمرون به وتنهون عنه .وقيل :أمر النبي
صلى ال عليه وسلم أن يقول للمؤمنين ما أدري ما يفعل بي ول بكم في القيامة ،ثم بين ال تعالى
ذلك فهي قوله" :ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر" [الفتهح ]2 :وبيهن فيمها بعهد ذلك حال
المؤمنين ثم بين حال الكافرين.
قلت :وهذا معنهى القول الول ،إل أنهه أطلق فيهه النسهخ بمعنهى البيان ،وأنهه أمهر أن يقول ذلك
للمؤمنيههن ،والصههحيح مهها ذكرناه عههن الحسههن وغيره .و"مهها" فههي "مهها يفعههل" يجوز أن تكون
موصولة ،وأن تكون استفهامية مرفوعة.
@قوله تعالى" :إن أتبع إل ما يوحى إلي وما أنا إل نذير مبين" وقرئ "يوحي" أي ال عز وجل.
تقدم في غير موضع.
**3الية{ 10 :قل أرأيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله
فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين}
@قوله تعالى" :قل أرأيتم إن كان من عند ال" يعني القرآن" .وكفرتم به" وقال الشعبي :المراد
محمهد صهلى ال عليهه وسهلم" .وشههد شاههد مهن بنهي إسهرائيل" قال ابهن عباس والحسهن وعكرمهة
وقتادة ومجاهد :هو عبدال بن سلم ،شهد على اليهود أن رسول ال صلى ال مذكور في التوراة،
وأنه نبي من عند ال .وفي الترمذي عنه :ونزلت في آيات من كتاب ال ،نزلت في" :وشهد شاهد
مهن بنهي إسهرائيل على مثله فآمهن واسهتكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالميهن" .وقهد تقدم فهي آخهر
سهورة "الرعهد" .وقال مسهروق :ههو موسهى والتوراة ،ل ابهن سهلم؛ لنهه أسهلم بالمدينهة والسهورة
مكية .وقال :وقول" :وكفرتم به" مخاطبة لقريش .الشعبي :هو من آمن من بني إسرائيل بموسى
والتوراة ،لن ابن سلم إنما أسلم قبل وفاة النبي صلى ال عليه وسلم بعامين ،والسورة مكية .قال
القشيري :ومهن قال الشاههد موسهى قال السهورة مكيهة ،وأسهلم ابهن سهلم قبهل موت النهبي صهلى ال
عليه وسلم بعامين .ويجوز أن تكون الية نزلت بالمدينة وتوضع في سورة مكية ،فإن الية كانت
تنزل فيقول النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ضعوهها فهي سهورة كذا .واليهة فهي محاجهة المشركيهن،
ووجه الحجة أنهم كانوا يراجعون اليهود في أشياء ،أي شهادتهم لهم وشهادة نبيهم لي من أوضح
الحجهج .ول يبعهد أن تكون السهورة فهي محاجهة اليهود ،ولمها جاء ابهن سهلم مسهلما مهن قبهل أن تعلم
اليهود بإسهلمه قال :يها رسهول ال ،اجعلنهي حكمها بينهك وبيهن اليهود ،فسهألهم عنهه[ :أي رجهل ههو
فيكم] قالوا :سيدنا وعالمنا .فقال[ :إنه قد آمن بي] فأساؤوا القول فيه ...الحديث ،وقد تقدم .قال ابن
عباس :رضيهت اليهود بحكهم ابهن سهلم ،وقالت للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم :إن يشههد لك آمنها بهك،
فسهئل فشههد ثهم أسهلم" .على مثله" أي على مثهل مها جئتكهم بهه ،فشههد موسهى على التوراة ومحمهد
على القرآن .وقال الجرجاني" .مثل" صلة ،أي وشهد شاهد عليه أنه من عند ال" .فآمن" أي هذا
الشاهههد" .واسههتكبرتم" أنتههم عههن اليمان .وجواب "إن كان" محذوف تقديره :فآمههن أتؤمنون ،قال
الزجاج .وقيهل" :فآمهن واسهتكبرتم" أليهس قهد ظلمتهم ،يهبينه "إن ال ل يهدي القوم الظالميهن" وقيهل:
"فآمهن واسهتكبرتم" أفتأمنون عذاب ال .و"أرأيتهم" لفهظ موضوع للسهؤال والسهتفهام ،ولذلك ل
يقتضي مفعول .وحكى النقاش وغيره :أن في الية تقديما وتأخيرا ،وتقديره :قل أرأيتم إن كان من
عند ال وشهد شاهد من بني إسرائيل فآمن هو وكفرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين.
**3اليهة{ 11 :وقال الذيهن كفروا للذيهن آمنوا لو كان خيرا مها سهبقونا إليهه وإذ لم يهتدوا بهه
فسيقولون هذا إفك قديم}
@قوله تعالى" :وقال الذيهن كفروا للذيهن آمنوا لو كان خيرا مها سهبقونا إليهه" اختلف فهي سهبب
نزولهها على سهتة أقوال :الول :أن أبها ذر الغفاري دعاه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إلى السهلم
بمكهة فأجاب ،واسهتجار بهه قومهه فأتاه زعيمههم فأسهلم ،ثهم دعاههم الزعيهم فأسهلموا ،فبلغ ذلك قريشها
فقالوا :غفار الحلفاء لو كان هذا خيرا مها سهبقونا إليهه ،فنزلت هذه اليهة ،قال أبهو المتوكهل .الثانهي:
أن زنيرة أسهلمت فأصهيب بصهرها فقالوا لهها :أصهابك اللت والعزى ،فرد ال عليهها بصهرها .فقال
عظماء قريش :لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة ،فأنزل ال تعالى هذه الية ،قاله
عروة بن الزبير .الثالث :أن الذين كفروا هم بنو عامر وغطفان وتميم وأسد وحنظلة وأشجع قالوا
لمهن أسلم من غفار وأسهلم وجهينهة ومزينة وخزاعة :لو كان مها جاء به محمهد خيرا مها سهبقتنا إليه
رعاة البهم إذ نحن أعز منهم ،قاله الكلبي والزجاج ،وحكاه القشيري عن ابن عباس .الرابع :وقال
قتادة :نزلت فههي مشركههي قريههش ،قالوا :لو كان مهها يدعونهها إليههه محمههد خيرا مهها سههبقنا إليههه بلل
وصهيب وعمار وفلن وفلن.
الخامس :أن الذين كفروا من اليهود قالوا للذين آمنوا يعني عبدال بن سلم وأصحابه :لو كان دين
محمد حقا ما سبقونا إليه ،قال أكثر المفسرين ،حكاه الثعلبي.
وقال مسهههروق :إن الكفار قالوا لو كان خيرا مههها سهههبقتنا إليهههه اليهود ،فنزلت هذه اليهههة .وهذه
المعارضة من الكفار في قولهم :لو كان خيرا ما سبقونا إليه من أكبر المعارضات بانقلبها عليهم
لكل من خالفهم ،حتى يقال لهم :لو كان ما أنتم عليه خيرا ما عدلنا عنه ،ولو كان تكذيبكم للرسول
خيرا مها سهبقتمونا إليهه ،ذكره الماوردي .ثهم قيهل :قوله" :مها سهبقونا إليهه" يجوز أن يكون مهن قول
الكفار لبعهههض المؤمنيهههن ،ويجوز أن يكون على الخروج مهههن الخطاب إلي الغبهههة ،كقوله تعالى:
"حتهى إذا كنتهم فهي الفلك وجريهن بههم" [يونهس" .]22 :وإذ لم يهتدوا بهه" يعنهي اليمان .وقيهل
القرآن .وقيهل محمهد صهلى ال عليهه وسهلم" .فسهيقولون هذا إفهك قديهم" أي لمها لم يصهيبوا الهدى
بالقرآن ول بمههن جاء بههه عادوه ونسههبوه إلى الكذب ،وقالوا هذا إفههك قديههم ،كمهها قالوا :أسههاطير
الوليهن وقيهل لبعضههم :ههل فهي القرآن :مهن جههل شيئا عاداه؟ فقال نعهم ،قال ال تعالى" :وإذ لم
يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" ومثله" :بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه" [يونس.]39 :
**3الية{ 12 :ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين
ظلموا وبشرى للمحسنين}
@قوله تعالى" :ومن قبله" أي ومن قبل القرآن "كتاب موسى" أي التوراة "إماما" يقتدى بما فيه.
و"إمامها" نصهب على الحال ،لن المعنهى :وتقدمهه كتاب موسهى إمامها" .ورحمهة" معطوف عليهه.
وقيههل :انتصههب بإضمار فعههل ،أي أنزلناه إمامهها ورحمههة .وقال الخفههش :على القطههع ،لن كتاب
موسههى معرفههة بالضافههة ،لن النكرة إذا أعيدت أو أضيفههت أو أدخههل عليههها ألف ولم صههارت
معرفهة" .ورحمهة" مهن ال .وفهي الكلم حذف ،أي فلم تهتدوا بهه .وذلك أنهه كان فهي التوراة نعهت
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم واليمان بهه فتركوا ذلك .و"إمامها" نصهب على الحال ،لن المعنهى:
وتقدمهه كتاب موسهى إمامها" .ورحمهة" معطوف عليهه .وقيهل :انتصهب بإضمار فعهل ،أي أنزلناه
إمامهها ورحمههة .وقال الخفههش :على القطههع ،لن كتاب موسههى معرفههة بالضافههة ،لن النكرة إذا
أعيدت أو أضيفت أو أدخل عليها ألف ولم صارت معرفة" .وهذا كتاب" يعني القرآن "مصدق"
يعنهي للتوراة ولمها قبله مهن الكتهب .وقيهل :مصهدق للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم" .لسهانا عربيها"
منصوب على الحال ،أي مصدق لما قبله عربيا ،و"لسانا" توطئة للحال أي تأكيد ،كقولهم :جاءني
زيد رجل صالحا ،فتذكر رجل توكيدا.
وقيهل :نصهب بإضمار فعهل تقديره :وهذا كتاب مصهدق أعنهي لسهانا عربيها .وقيهل :نصهب بإسهقاط
حرف الخفههض تقديره :بلسههان عربههي .وقيههل :إن لسههانا مفعول والمراد بههه النههبي صههلى ال عليههه
وسلم ،أي وهذا كتاب مصدق للنبي صلى ال عليه وسلم لنه معجزته ،والتقدير :مصدق ذا لسان
عربي .فاللسان منصوب بمصدق ،وهو النبي صلى ال عليه وسلم .ويبعد أن يكون اللسان القرآن،
لن المعنى يكون يصدق نفسه" .لينذر الذين ظلموا" قراءة العامة "لينذر" بالياء خبر عن الكتاب،
أي لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية .وقيل :هو خبر عن الرسول صلى ال عليه وسلم.
وقرأ نافهع وابهن عامهر والبزي بالتاء ،واختاره أبهو عبيهد وأبهو حاتهم ،على خطاب النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم ،قال ال تعالى" :إنمها أنهت منذر" [الرعهد" .]7 :وبشرى للمحسهنين" "بشرى" فهي
موضهع رفهع ،أي وههو بشرى .وقيهل :عطفها على الكتاب ،أي وهذا كتاب مصهدق وبشرى .ويجوز
أن يكون منصهوبا بإسهقاط حرف الخفهض ،أي لينذر الذيهن ظلموا وللبشرى ،فلمها حذف الخافهض
نصب .وقيل :على المصدر ،أي وتبشر المحسنين بشرى ،فلما جعل مكان وتبشر بشرى أو بشارة
نصهب ،كمها تقول :أتيتهك لزورك ،وكرامهة لك وقضاء لحقهك ،يعنهي لزورك وأكرمهك وأقضهي
حقك ،فنصب الكرامة بفعل مضمر.
**3اليهة{ 13 :إن الذيهن قالوا ربنها ال ثهم اسهتقاموا فل خوف عليههم ول ههم يحزنون ،أولئك
أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" الية تقدم معناها .وقال ابن عباس :نزلت في
أبي بكر الصديق .والية تعم" .جزاء" نصب على المصدر.
**3الية{ 15 :ووصينا النسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله
ثلثون شهرا حتهى إذا بلغ أشده وبلغ أربعيهن سهنة قال رب أوزعنهي أن أشكهر نعمتهك التهي أنعمهت
علي وعلى والدي وأن أعمههل صههالحا ترضاه وأصههلح لي فههي ذريتههي إنههي تبههت إليههك وإنههي مههن
المسلمين}
@قوله تعالى" :ووصينا النسان بوالديه" بين اختلف حال النسان مع أبويه ،فقد يطيعهما وقد
يخالفهما ،أي فل يبعد مثل هذا في حق النبي صلى ال عليه وسلم وقومه حتى يستجيب له البعض
ويكفههر البعههض .فهذا وجههه اتصههال الكلم بعضههه ببعههض ،قاله القشيري" .حسههنا" قراءة العامههة
"حُسهناً" وكذا ههو فهي مصهاحف أههل الحرميهن والبصهرة والشام .وقرأ ابهن عباس والكوفيون
"إحسهانا" وحجتههم قوله تعالى فهي سهورة (النعام وبنهي إسهرائيل)" :وبالوالديهن إحسهانا" [النعام:
]151وكذا ههو فهي مصهاحف الكوفهة .وحجهة القراءة الولى قوله تعالى فهي سهورة العنكبوت:
"ووصههينا النسههان بوالديههه حسههنا" [العنكبوت ]8 :ولم يختلفوا فيههها .والحسههن خلف القبههح.
والحسان خلف الساءة .والتوصية المر .وقد مضى القول في هذا وفيمن نزلت.
@قوله تعالى" :حملتهه أمهه كرهها ووضعتهه كرهها" أي بكره ومشقهة .وقراءة العامهة بفتهح الكاف.
واختاره أبهو عبيهد ،قال :وكذلك لفهظ الكره فهي كهل القرآن بالفتهح إل التهي فهي سهورة البقرة" :كتهب
عليكهم القتال وههو كره لكهم" [البقرة ]216 :لن ذلك اسهم وهذه كلهها مصهادر .وقرأ الكوفيون
"كرها" بالضم .قيل :هما لغتان مثل الضعف والضعف والشهد والشهد ،قاله الكسائي ،وكذلك هو
عنهد جميهع البصهريين .وقال الكسهائي أيضها والفراء فهي الفرق بينهمها :إن الكره (بالضهم) مها حمهل
النسهان على نفسهه ،وبالفتهح مها حمهل على غيره ،أي قهرا وغضبها ،ولهذا قال بعهض أههل العربيهة
إن كرها (بفتح الكاف) لحن.
@قوله تعالى" :وحمله وفصهاله ثلثون شهرا" قال ابهن عباس :إذا حملت تسهعة أشههر أرضعهت
إحدى وعشريهن شهرا ،وإن حملت سهتة أشههر أرضعهت أربعهة وعشريهن شهرا .وروي أن عثمان
قهد أتهي بامرأة قهد ولدت لسهتة أشههر ،فأراد أن يقضهي عليهها بالحهد ،فقال له علي رضهي ال عنهه:
ليهس ذلك عليهها ،قال ال تعالى" :وحمله وفصهاله ثلثون شهرا" وقال تعالى" :والوالدات يرضعهن
أولدههن حوليهن كامليهن" [البقرة ]233 :فالرضاع أربعهة وعشرون شهرا والحمهل سهتة أشههر،
فرجهع عثمان عهن قول ولم يحدهها .وقهد مضهى فهي "البقرة" .وقيهل :لم يعهد ثلثهة أشههر فهي ابتداء
الحمهل ،لن الولد فيهها نطفهة وعلقهة ومضغهة فل يكون له ثقهل يحهس بهه ،وههو معنهى قوله تعالى:
"فلمها تغشاهها حملت حمل خفيفها فمرت بهه" [العراف .]189 :والفصهال الفطام .وقهد تقدم فهي
"لقمان" الكلم فيه .وقرأ الحسن ويعقوب وغيرهما "وفصله" بفتح الفاء وسكون الصاد .وروي
أن الية نزلت في أبي بكر الصديق؛ وكان حمله وفصاله في ثلثين شهرا ،حملته أمه تسعة أشهر
وأرضعتهه إحدى وعشريهن شهرا .وفهي الكلم إضمار ،أي ومدة حمله ومدة فصهاله ثلثون شهرا،
ولو ل هذا الضمار لنصب ثلثون على الظرف وتغير المعنى.
@قوله تعالى" :حتهى إذا بلغ أشده" قال ابهن عباس" :أشده" ثمانهي عشرة سهنة .وقال فهي روايهة
عطاء عنه :إن أبا بكر صحب النبي صلى ال عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبي صلى
ال عليهه وسهلم ابهن عشريهن سهنة ،وههم يريدون الشام للتجارة ،فنزلوا منزل فيهه سهدرة ،فقعهد النهبي
صلى ال عليه وسلم في ظلها ،ومضى أبو بكر إلى راهب هناك فسهأله عن الدين .فقال الراهب:
من الرجل الذي في ظل الشجرة؟ فقال :ذاك محمد بن عبدال بن عبدالمطلب .فقال :هذا وال نبي،
وما استظل أحد تحتهها بعهد عيسهى .فوقهع فهي قلب أبي بكهر اليقين والتصهديق ،وكان ل يكاد يفارق
رسول ال صلى ال عليه وسلم في أسفاره وحضره .فلما نبئ رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو
ابهن أربعين سنة ،صدق أبهو بكر رضهى ال عنه رسول ال صهلى ال عليه وسلم وهو ابن ثمانية
وثلثيهن سهنة .فلمها بلغ أربعيهن سهنة قال" :رب أوزعنهي أن أشكهر نعمتهك التهي أنعمهت علي وعلى
والدي" اليهة .وقال الشعهبي وابهن زيهد :الشهد الحلم .وقال الحسهن :ههو بلوغ الربعيهن .وعنهه قيام
الحجة عليه .وقد مضى في "النعام" الكلم في الية .وقال السدي والضحاك :نزلت في سعد بن
أبي وقاص .وقد تقدم .وقال الحسن :هي مرسلة نزلت على العموم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :قال رب أوزعنهي" أي ألهمنهي" .أن أشكهر نعمتهك" فهي موضهع نصهب على
المصههدر ،أي شكههر نعمتههك "علي" أي مهها أنعمههت بههه علي مههن الهدايههة "وعلى والدي" بالتحنههن
والشفقهة حتهى ربيانهي صهغيرا .وقيهل :أنعمهت علي بالصهحة والعافيهة وعلى والدي بالغنهى والثروة.
وقال علي رضي ال عنه :هذه الية نزلت في أبي بكر الصديق رضي ال عنه ،أسلم أبواه جميعا
ولم يجتمهع لحهد مهن المهاجريهن أن أسهلم أبواه غيره ،فأوصهاه ال بهمها ولزم ذلك مهن بعده .ووالده
هو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم .وأمه أم الخير ،واسمها سلمى بنت
صخر بن عامر بن كعب بن سعد .وأم أبيه أبي قحافة "قيلة" "بالياء المعجمة باثنتين من تحتها".
وامرأة أبي بكر الصديق اسمها "قتيلة" "بالتاء المعجمة باثنتين من فوقها" بنت عبد العزى" .وأن
أعمهل صهالحا ترضاه" قال ابهن عباس :فأجابهه ال فأعتهق تسهعة مهن المؤمنيهن يعذبون فهي ال منههم
بلل وعامر بن فهيرة ،ولم يدع شيئا من الخير إل أعانه ال عليه .وفي الصحيح عن أبي هريرة
قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم[ :مهن أصهبح منكهم اليوم صهائما]؟ قال أبهو بكهر أنها .قال:
[فمن تبع منكم اليوم جنازة]؟ قال أبو بكر أنا .قال[ :فمن أطعم منكم اليوم مسكينا]؟ قال أبو بكر
أنا .قال[ :فمن عاد منكم اليوم مريضا]؟ قال أبو بكر أنا .قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :ما
اجتمعن في امرئ إل دخل الجنة].
@قوله تعالى" :وأصلح لي في ذريتي" أي اجعل ذريتي صالحين .قال ابن عباس :فلم يبق له ولد
ول والد ول والدة إل امنوا بال وحده .ولم يكههن أحههد مههن أصههحاب رسههول ال أسههلم هههو وأبواه
وأولده وبناته كلهم إل أبو بكر .وقال سهل بن عبدال :المعنى اجعلهم لي خلف صدق ،ولك عبيد
حههق .وقال أبههو عثمان :اجعلهههم أبرارا لي مطيعيههن لك .وقال ابههن عطاء :وفقهههم لصههالح أعمال
ترضهى بهها عنههم .وقال محمهد بهن علي :ل تجعهل للشيطان والنفهس والهوى عليههم سهبيل .وقال
مالك بن مقول :اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف ،فقال :استعن عليه بهذه الية ،وتل:
"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح
لي فهي ذريتهي إنهي تبهت إليهك وإنهي مهن المسهلمين"" .إنهي تبهت إليهك" قال ابهن عباس :رجعهت عهن
المر الذي كنت عليه" .وإني من المسلمين" أي المخلصين بالتوحيد.
**3اليهة{ 16 :أولئك الذيهن نتقبهل عنههم أحسهن مها عملوا ونتجاوز عهن سهيئاتهم فهي أصهحاب
الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}
@قوله تعالى" :أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم" قراءة العامة بضم
الياء فيهما .وقرئ "يتقبل ،ويتجاوز" بفتح الياء ،والضمير فيهما يرجع ل عز وجل .وقرأ حفص
وحمزة والكسهائي "نتقهل ،ونتجاوز" النون فيهمها ،أي نغفرهها ونصهفح عنهها .والتجاوز أصهله مهن
جزت الشيهء إذا لم تقهف عليهه .وهذه اليهة تدل على أن اليهة التهي قبلهها "ووصهينا النسهان" إلى
آخرها مرسلة نزلت على العموم .وهو قول الحسن .ومعنى "نتقبل عنهم" أي نتقبل منهم الحسنات
ونتجاوز عهن السهيئات .قال زيهد بهن أسهلم -ويحكيهه مرفوعها : -إنههم إذا أسهلموا قبلت حسهناتهم
وغفرت سهيئاتهم .وقيهل :الحسهن مها يقتضهى الثواب مهن الطاعات ،وليهس فهي الحسهن المباح ثواب
ول عقاب ،حكاه ابن عيسى" .في أصحاب الجنة" "في" بمعنى مع ،أي مع أصحاب الجنة ،تقول:
أكرمك وأحسن إليك في جميع أهل البلد ،أي مع جميعهم" .وعد الصدق" نصب لنه مصدر مؤكد
لما قبله ،أي وعد ال أهل اليمان أن يتقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وعد الصهدق .وهو
مهن باب إضافهة الشيهء إلى نفسهه ،لن الصهدق ههو ذلك الوعهد الذي وعده ال ،وههو كقوله تعالى:
"حهق اليقيهن" [الواقعهة .]95 :وهذا عنهد الكوفييهن ،فأمها عنهد البصهريين فتقديره :وعهد الكلم
الصههدق أو الكتاب الصههدق ،فحذف الموصههوف .وقههد مضههى هذا فههي غيههر موضههع" .الذي كانوا
يوعدون" في الدنيا على ألسنة الرسل ،وذلك الجنة.
**3الية{ 18 - 17 :والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي
وهما يستغيثان ال ويلك آمن إن وعهد ال حهق فيقول ما هذا إل أسهاطير الولين ،أولئك الذين حهق
عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والنس إنهم كانوا خاسرين}
@قوله تعالى" :والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن اخرج" أي أن أبعث" .وقد خلت القرون
من قبلي" قراءة نافع وحفص وغيرهما "أف" مكسور منون .وقرأ ابن كثير وابن محيصن وابن
عامر والمفضل عن عاصم "أف" بالفتح من غير تنوين .الباقون بالكسر غير منون ،وكلها لغات،
وقد مضى في "بني إسرائيل" .وقراءة العامة "أتعدانني" بنونين مخففتين .وفتح ياءه أهل المدينة
ومكة .وأسكن الباقون .وقرأ أبو حيوة والمغيرة وهشام "أتعداني" بنون واحدة مشددة ،وكذلك هي
فههي مصههاحف أهههل الشام .والعامههة على ضههم اللف وفتههح الراء مههن "أن أخرج" .وقرأ الحسههن
ونصهر وأبهو العاليهة والعمهش وأبهو معمهر بفتهح اللف وضهم الراء .قال ابهن عباس والسهدي وأبهو
العاليهة ومجاههد :نزلت فهي عبدال بهن أبهي بكهر رضهي ال عنهمها ،وكان يدعوه أبواه إلى السهلم
فيجيبهما بما أخبر ال عز وجل.
وقال قتادة والسهدي أيضها :ههو عبدالرحمهن بهن أبهي بكهر قبهل إسهلمه ،وكان أبوه وأمهه أم رومان
يدعوانه إلى السلم ويعدانه بالبعث ،فيرد عليهما بما حكاه ال عز وجل عنه ،وكان هذا منه قبل
إسهلمه .وروي أن عائشهة رضهي ال عنهها أنكرت أن تكون نزلت فهي عبدالرحمهن .وقال الحسهن
وقتادة أيضا :هي نعت عبد كافر عاق لوالديه .وقال الزجاج :كيف يقال نزلت في عبدالرحمن قبل
إسلمه وال عز وجل يقول" :أولئك الذين حق عليهم القول في أمم" أي العذاب ،ومن ضرورته
عدم اليمان ،وعبدالرحمن من أفاضل المؤمنين ،فالصحيح أنها نزلت في عبد كافر عاق لوالديه.
وقال محمد بن زياد :كتب معاوية إلى مروان بن الحكم حتى يبايع الناس ليزيد ،فقال عبدالرحمن
بهن أبهي بكهر :لقهد جئتهم بهها هرقليهة ،أتبايعون لبنائكهم فقال مروان :ههو الذي يقول ال فيهه" :والذي
قال لوالديه أف لكما" الية .فقال :وال ما هو به .ولو شئت لسميت ،ولكن ال لعن أباك وأنت في
صهلبه ،فأنهت فضهض مهن لعنهة ال .قال المهدوي :ومهن جعهل اليهة فهي عبدالرحمهن كان قوله بعهد
ذلك "أولئك الذيهن حهق عليههم القول" يراد بهه مهن اعتقهد مها تقدم ذكره ،فأول اليهة خاص وآخرهها
عام .وقيهل إن عبدالرحمهن لمها قال" :وقهد خلت القرون مهن قبلي" قال مهع ذلك :فأيهن عبدال بهن
جدعان ،وأيهن عثمان بهن عمرو ،وأيهن عامهر بهن كعهب ومشايهخ قريهش حتهى أسهألهم عمها يقولون.
فقول" :أولئك الذين حق عليهم القول" يرجع إلى أولئك القوام.
قلت :قهد مضهى مهن خهبر عبدالرحمهن بهن أبهي بكهر فهي سهورة (النعام) عنهد قوله" :له أصهحاب
يدعونه إلى الهدى" [النعام ]71 :ما يدل على نزول هذه الية فيه ،إذ كان كافرا وعند إسلمه
وفضله تعيههن أنههه ليههس المراد بقوله" :أولئك الذيههن حههق عليهههم القول"" .وهمهها" يعنههي والديههه.
"يسهتغيثان ال" أي يدعوان ال له بالهدايهة .أو يسهتغيثان بال مهن كفره ،فلمها حذف الجار وصهل
الفعهل فنصهب .وقيهل :السهتغاثة الدعاء ،فل حاجهة إلى الباء .قال الفراء :أجاب ال دعاءه وغواثهه.
"ويلك آمن" أي صدق بالبعث" .إن وعد ال حق" أي صدق ل خلف فيه" .فيقول ما هذا" أي ما
يقوله والداه" .إل أسهاطير الوليهن" أي أحاديثههم ومها سهطروه ممها ل أصهل له" .أولئك الذيهن حهق
عليهم القول" يعني الذين أشار إليهم ابن أبي بكر في قوله أحيوا لي مشايخ قريش ،وهم المعنيون
بقوله" :وقهد خلت القرون مهن قبلي" .فأمها ابهن أبهي بكهر عبدال أو عبدالرحمهن فقهد أجاب ال فيهه
دعاء أبيه في قوله" :وأصلح لي في ذريتي" [الحقاف ]15 :على ما تقدم .ومعنى" :حق عليهم
القول" أي وجهب عليههم العذاب ،وههي كلمهة ال( :هؤلء فهي الجنهة ول أبالي وهؤلء فهي النار ول
أبالي)" .في أمم" أي مع أمم "قد خلت من قبلهم" تقدمت ومضت" .من الجن والنس" الكافرين
"إنهم" أي تلك المم الكافرة "كانوا خاسرين" لعمالهم ،أي ضاع سعيهم وخسروا الجنة.
**3الية{ 19 :ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم ل يظلمون}
@قوله تعالى" :ولكهل درجات ممها عملوا" أي ولكهل واحهد مهن الفريقيهن المؤمنيهن والكافريهن مهن
الجهن والنهس مراتهب عند ال يوم القيامهة بأعمالههم .قال ابن زيهد :درجات أههل النار فهي هذه اليهة
تذههب سهفال ،ودرج أههل الجنهة علوا" .وليوفيههم أعمالههم" قرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وعاصهم
وأبهو عمرو ويعقوب بالياء لذكهر ال قبله ،وههو قوله تعالى" :إن وعهد ال حهق" واختاره أبهو حاتهم.
الباقون بالنون ردا على قوله تعالى" :ووصهينا النسهان بوالديهه" وههو اختيار أبهي عبيهد" .وههم ل
يظلمون" أي ل يزاد على مسيء ول ينقص من محسن.
**3الية{ 20 :ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم
بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون}
@قوله تعالى" :ويوم يعرض" أي ذكرهم يا محمد يوم يعرض" .على النار" أي يكشف الغطاء
فيقربون مهن النار وينظرون إليهها" .أذهبتهم طيباتكهم فهي حياتكهم الدنيها واسهتمتعتم بهها" أي يقال لههم
أذهبتهم ،فالقول مضمهر .وقرأ الحسهن ونصهر وأبهو العال ويعقوب وابهن كثيهر "أأذهبتهم" بهمزتيهن
مخففتيهن ،واختاره أبهو حاتهم .وقرأ أبهو حيوة وهشام "آذهبتهم" بهمزة واحدة مطولة على السهتفهام.
الباقون بهمزة واحدة من غير مد على الخبر ،وكلها لغات فصيحة ومعناها التوبيخ ،والعرب توبخ
بالستفهام وبغير الستفهام ،وقد تقدم .واختار أبو عبيد ترك الستفهام لنه قراءة أكثر أئمة السبعة
نافههع وعاصههم وأبههي عمرو وحمزة والكسههائي ،مههع مههن وافقهههم شيبههة والزهري وابههن محيصههن
والمغيرة بن أبي شهاب ويحيى بن الحارث والعمش ويحيى بن وثاب وغيرهم ،فهذه عليها جلة
الناس .وترك الستفهام أحسن ،لن إثباته يوهم أنهم لم يفعلوا ذلك ،كما تقول :أنا ظلمتك؟ تريد أنا
لم أظلمهك .وإثباتهه حسهن أيضها ،يقول القائل :ذهبهت فعلت كذا ،يوبهخ ويقول :أذهبهت فعلت كهل ذلك
جائز .ومعنهى "أذهبتهم طيباتكهم" أي تمتعتهم بالطيبات فهي الدنيها واتبعتهم الشهوات واللذات ،يعنهي
المعاصههههي" .فاليوم تجزون عذاب الهون" أي عذاب الخزي والفضيحههههة .قال مجاهههههد :الهون
الهوان .قتادة :بلغة قريش" .بمها كنتهم تسهتكبرون فهي الرض بغيهر الحق" أي تسهتعلون على أهلهها
بغيهر اسهتحقاق" .وبمها كنتهم تفسهقون" فهي أفعالكهم بغيها وظلمها .وقيهل" :أذهبتهم طيباتكهم" أي أفنيتهم
شبابكههم فههي الكفههر والمعاصههي .قال ابههن بحههر :الطيبات الشباب والقوة ،مأخوذ مههن قولهههم :ذهههب
أطيباه ،أي شبابه وقوته .قال الماوردي :ووجدت الضحاك قاله أيضا.
قلت :القول الول أظهر ،روى الحسن عن الحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب رضي
ال عنه يقول :لنا أعلم بخفض العيش ،ولو شئت لجعلت أكبادا وصلء وصنابا وصلئق ،ولكني
أستبقي حسناتي ،فإن ال عز وجل وصف أقواما فقال" :أذهبتم طباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم
بهها" وقال أبهو عبيهد فهي حديهث عمهر :لو شئت لدعوت بصهلئق وصهناب وكراكهر وأسهنمة .وفهي
بعهض الحديهث :وأفلذ .قال أبهو عمرو وغيره :الصهلء (بالمهد والكسهر) :الشواء ،سهمي بذلك لنهه
يصههلى بالنار .والصههلء أيضهها :صههلء النار ،فإن فتحههت الصههاد قصههرت وقلت :صههلى النار.
والصهناب :الصهبغة المتخذة مهن الخردل والزبيهب .قال أبهو عمرو :ولهذا قيهل للبرذون :صهنابي،
وإنمها شبهه لونهه بذلك .قال :والسهلئق (بالسهين) ههو مها يسهلق مهن البقول وغيرهها .وقال غيره :ههي
الصلئق بالصاد ،قال جرير:
ومن لي بالصلئق والصناب تكلفني معيشة آل زيد
والصلئق :الخبز الرقاق العريض .وقد مضى هذا المعنى في (العراف) .وأما الكراكر فكراكر
البل ،واحدتها كركرة وهي معروفة ،هذا قول أبي عبيد.
وفههي الصههحاح :والكركرة رحههى زور البعيههر ،وهههي إحدى النفثات الخمههس .والكركرة أيضهها
الجماعة من الناس .وأبو مالك عمرو بن كركرة رجل من علماء اللغة .قال أبو عبيد :وأما الفلذ
فإن واحدها فلذ ،وهي القطعة من الكبد .قال أعشى باهلة:
من الشواء ويروي شربه الغمر تكفيه حزة فلذ إن ألم بها
وقال قتادة :ذكهر لنها أن عمهر رضهي ال عنهه قال :لو شئت كنهت أطيبكهم طعامها ،وألينكهم لباسها،
ولكني أستبقي طيباتي للخرة .ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله قال :هذا لنا! فما
لفقراء المسههلمين الذيههن ماتوا ومهها شبعوا مههن خبههز الشعيههر فقال خالد بههن الوليههد :لهههم الجنههة،
فاغرورقهت عينها عمهر بالدموع وقال :لئن كان حظنها مهن الدنيها هذا الحطام ،وذهبوا ههم فهي حظههم
بالجنة فلقد باينونا بونا بعيدا.
وفي صحيح مسلم وغيره أن عمر رضي ال عنه دخل على النبي صلى ال عليه وسلم وهو في
مشربتهه حيهن هجهر نسهاءه قال :فالتفهت فلم أر شيئا يرد البصهر إل أهبها جلودا معطونهة قهد سهطع
ريحها ،فقلت :يا رسول ال ،أنت رسول ال وخيرته ،وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟
قال :فاسههتوى جالسهها وقال( :أفههي شههك أنههت يهها ابههن الخطاب .أولئك قوم عجلت لهههم طيباتهههم فههي
حياتههم الدنيها) فقلت :اسهتغفر لي فقال( :اللههم اغفهر له) .وقال حفهص بهن أبهي العاص :كنهت أتغدى
عنهد عمهر بهن الخطاب رضهي ال عنهه الخبهز والزيهت ،والخبهز والخهل ،والخبهز واللبهن ،والخبهز
والقديد ،وأقل ذلك اللحم الغريض .وكان يقول :ل تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله ،فجيء بخبز متفلع
غليههظ ،فجعههل يأكههل ويقول :كلوا ،فجعلنهها ل نأكههل ،فقال :مهها لكههم ل تأكلون؟ فقلنهها :وال يهها أميههر
المؤمنين نرجع إلى طعام ألين من طعامك هذا ،فقال :يا بن أبي العاص أما ترى بأني عالم أن لو
أمرت بعناق سمينة فيلقى عنها شعرها ثم تخرج مصلية كأنها كذا وكذا ،أما ترى بأني عالم أن لو
أمرت بصاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء ثم أشن عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال،
فقلت :يها أميهر المؤمنيهن ،أجهل مها تنعهت العيهش ،قال :أجهل وال الذي ل إله إل ههو لول أنهي أخاف
أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركناكم في العيش ولكني سمعت ال تعالى يقول لقوام" :أذهبتم
طيباتكهم فهي حياتكهم الدنيها واسهتمتعتم بهها"" .فاليوم تجزون عذاب الهون" أي الهوان" .بمها كنتهم
تسههتكبرون فههي الرض بغيههر الحههق" أي تتعظمون عههن طاعههة ال وعلى عباد ال" .وبمهها كنتههم
تفسهقون" تخرجون عهن طاعهة ال .وقال جابر :اشتههى أهلي لحمها فاشتريتهه لههم فمررت بعمهر بهن
الخطاب رضي ال عنه فقال :ما هذا يا جابر؟ فأخبرته ،فقال :أو كلما اشتهى أحدكم شيئا جعله في
بطنه أما يخشى أن يكون من أهل هذه الية" :أذهبتم طيباتكم" الية.
قال ابههن العربههي :وهذا عتاب منههه له على التوسههع بابتياع اللحههم والخروج عههن جلف الخبههز
والماء ،فإن تعاطي الطيبات من الحلل تستشره لها الطباع وتستمرئها العادة فإذا فقدتها استسهلت
فهي تحصهيلها بالشبهات حتهى تقهع فهي الحرام المحهض بغلبهة العادة واسهتشراه الهوى على النفهس
المارة بالسهوء .فأخهذ عمهر المهر مهن أوله وحماه مهن ابتدائه كمها يفعله مثله .والذي يضبهط هذا
الباب ويحفهظ قانونهه :على المرء أن يأكهل مها وجهد ،طيبها كان أو قفارا ،ول يتكلف الطيهب ويتخذه
عادة ،وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يشبع إذا وجد ،ويصبر إذا عدم ،ويأكل الحلوى إذا قدر
عليههها ،ويشرب العسههل إذا اتفههق له ،ويأكههل اللحههم إذا تيسههر ،ول يعتمههد أصههل ،ول يجعله ديدنهها.
ومعيشهة النهبي صهلى ال عليهه وسهلم معلومهة ،وطريقهة الصهحابة منقولة ،فأمها اليوم عنهد اسهتيلء
الحرام وفسههاد الحطام فالخلص عسههير ،وال يهههب الخلص ،ويعيههن على الخلص برحمتههه.
وقيهل :إن التوبيهخ واقهع على ترك الشكهر ل على تناول الطيبات المحللة ،وههو حسهن ،فإن تناول
الطيهب الحلل مأذون فيهه ،فإذا ترك الشكهر عليهه واسهتعان بهه على مها ل يحهل له فقهد أذهبهه .وال
أعلم.
**3الية{ 21 :واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه
أل تعبدوا إل ال إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}
@قوله تعالى" :واذكر أخا عاد" هو هود بن عبدال بن رباح عليه السلم ،كان أخاهم في النسب
ل فهي الديهن" .إذ أنذر قومه بالحقاف" أي اذكهر لهؤلء المشركيهن قصهة عاد ليعتهبروا بهها .وقيهل:
أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به ،ويهون عليه تكذيب قومه له .والحقاف :ديار عاد.
وههي الرمال العظام ،فهي قول الخليهل وغيره .وكانوا قهروا أههل الرض بفضهل قوتههم .والحقاف
جمهع حقهف ،وههو مها اسهتطال مهن الرمهل العظيهم وأعوج ولم يبلغ أن يكون جبل ،والجمهع حقاف
وأحقاف وحقوف .واحقوقف الرمل والهلل أي اعوج .وقيل :الحقف جمع حقاف .والحقاف جمع
الجمع .ويقال :حِقف أحقف .قال العشى:
بات إلى أرطاة حقف أحقفا
أي رمل مستطيل مشرف .والفعل منه احقوقف .قال العجاج:
سماوة الهلل حتى احقوقفا طي الليالي زلفا فزلفا
أي انحنى واستدار .وقال امرؤ القيس:
بما احتسبا من لين مس وتسهال كحقف النقا يمشي الوليدان فوقه
وفيما أريد بالحقاف ها هنا مختلف فيه .فقال ابن زيد :هي رمال مشرفة مستطيلة كهيئة الجبال،
ولم تبلغ أن تكون جبال ،وشاهده ما ذكرناه .وقال قتادة :هي جبال مشرفة بالشحر ،والشحر قريب
من عدن ،يقال :شحر عمان وشحر عمان ،وهو ساحل البحر بين عمان وعدن .وعنه أيضا :ذكر
لنهها أن عادا كانوا أحياء باليمههن ،أهههل رمههل مشرفيههن على البحههر بأرض يقال لههها :الشحههر .وقال
مجاههد :ههي أرض مهن حسهمى تسهمى بالحقاف .وحسهمى (بكسهر الحاء) اسهم أرض بالباديهة فيهها
جبال شواهق ملس الجوانب ل يكاد القتام يفارقها .قال النابغة:
دقاق الترب محتزم القتام فأصبح عاقل بجبال حسمى
قاله الجوهري .وقال ابن عباس والضحاك :الحقاف جبل بالشام .وعن ابن عباس أيضا :واد بين
عمان ومهرة .وقال مقاتههل :كانههت منازل عاد باليمههن فههي حضههر موت بواد يقال له مهرة ،وإليههه
تنسهب البهل المهريهة ،فيقال :إبهل مهريهة ومهاري .وكانوا أههل عمهد سهيارة فهي الربيهع فإذا هاج
العود رجعوا إلى منازلههم ،وكانوا مهن قهبيلة إرم .وقال الكلبهي :أحقاف الجبهل مها نضهب عنهه الماء
زمان الغرف ،كان ينضهب الماء مهن الرض ويبقهى أثره .وروى الطفيهل عهن علي بهن أبهي طالب
رضهي ال عنهه أنهه فال :خيهر وادييهن فهي الناس واد بمكهة وواد نزل بهه آدم بأرض الهنهد .وشهر
وادييهن فهي الناس واد بالحقاف وواد بحضهر موت يدعهى برهوت تلقهى فيهه أرواح الكفار .وخيهر
بئر فههي الناس بئر زمزم .وشههر بئر فههي الناس بئر برهوت ،وهههو فههي ذلك الوادي الذي بحضههر
موت" .وقهد خلت النذر" أي مضهت الرسهل" .مهن بيهن يديهه" أي مهن قبهل هود" .ومهن خلفهه" أي
ومهن بعده ،قال الفراء .وفهي قراءة ابهن مسهعود "مهن بيهن يديهه ومهن بعده"" .أل تعبدوا إل ال" هذا
مهن قول المرسهل ،فههو كلم معترض .ثهم قال هود" :إنهي أخاف عليكهم عذاب يوم عظيهم" وقيهل:
"أل تعبدوا إل ال" من كلم هود ،وال أعلم.
**3الية{ 25 - 22 :قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ،قال
إنمها العلم عنهد ال وأبلغكهم مها أرسهلت بهه ولكنهي أراكهم قومها تجهلون ،فلمها رأوه عارضها مسهتقبل
أوديتههم قالوا هذا عارض ممطرنها بهل ههو مها اسهتعجلتم بهه ريهح فيهها عذاب أليهم ،تدمهر كهل شيهء
بأمر ربها فأصبحوا ل يرى إل مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين}
@قوله تعالى" :قالوا أجئتنها لتأفكنها عهن آلهتنها" فيهه وجهان :أحدهمها :لتزيلنها عهن عبادتهها بالفهك.
الثاني :لتصرفنا عن آلهتنا بالمنع ،قال الضحاك .قال عروة بن أذينة:
فوكا ففي آخرين قد أفكوا إن تك عن أحسن الصنيعة مأ
يقول :إن لم توفهق للحسان فأنت في قوم قهد صهرفوا" .فأتنا بما تعدنها" هذا يدل على أن الوعهد قهد
يوضهع موضهع الوعيهد" .إن كنهت مهن الصهادقين" أنهك نهبي "قال إنمها العلم" بوقهت مجيهء العذاب.
"عند ال" ل عندي "وأبلغكم ما أرسلت به" عن ربكم" .ولكني أراكم قوما تجهلون" في سؤالكم
اسهتعجال العذاب" .فلمها رأوه عارضها" قال المهبرد :الضميهر فهي "رأوه" يعود إلى غيهر مذكور،
وبينه قوله" :عارضا" فالضمير يعود إلى السحاب ،أي فلما رأوا السحاب عارضا .فه "عارضا"
نصهب على التكريهر ،سهمي بذلك لنهه يبدو فهي عرض السهماء .وقيهل :نصهب على الحال .وقيهل:
يرجع الضمير إلى قوله" :فأتنا بما تعدنا" فلما رأوه حسبوه سحابا يمطرهم ،وكان المطر قد أبطأ
عنهم ،فلما رأوه "مستقبل أوديتهم" استبشروا .وكان قد جاءهم من واد جرت العادة أن ما جاء منه
يكون غيثهههها ،قال ابههههن عباس وغيره" .قالوا هذا عارض ممطرنهههها" قال الجوهري :والعارض
السحاب يعترض في الفق ،ومنه قوله تعالى" :هذا عارض ممطرنا" أي ممطر لنا ،لنه معرفة
ل يجوز أن يكون صهفة لعارض وههو نكرة .والعرب إنمها تفعهل مثهل هذا فهي السهماء المشتقهة مهن
الفعال دون غيرها .قال جرير:
لقى مباعدة منكم وحرمانا يا رب غابطنا لو كان يطلبكم
ول يجوز أن يقال :هذا رجهل غلمنها .وقال أعرابهي بعهد الفطهر :رب صهائمة لن تصهومه ،وقائمهة
لن تقومه ،فجعله نعتا للنكرة وأضافه إلى المعرفة.
قلت :قوله( :ل يجوز أن يكون صههفة لعارض) خلف قول النحوييههن ،والضافهههة فههي تقديهههر
النفصهال ،فههي إضافهة لفظيهة ل حقيقيهة ،لنهها لم تفهد الول تعريفها ،بهل السهم نكرة على حاله،
فلذلك جرى نعتها على النكرة .هذا قول النحوييهن فهي اليهة والبيهت .ونعهت النكرة نكرة .و"رب" ل
تدخهل إل على النكرة" .بهل ههو" أي قال هود لههم .والدليهل عليهه قراءة مهن قرأ "قال هود بهل ههو"
وقرئ "قهل بهل مها اسهتعجلتم بهه ههي ريهح" أي قال ال :قهل بهل ههو مها اسهتعجلتم بهه ،ويعنهي قولههم:
"فأتنا بما تعدنا" ثم بين ما هو فقال" :ريح فيها عذاب أليم" والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك
السههحاب الذي رأوه ،وخرج هود مههن بيههن أظهرهههم ،فجعلت تحمههل الفسههاطيط وتحمههل الظعينههة
فترفعها كأنها جرادة ،ثم تضرب بها الصخور .قال ابن عباس :أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا
أيديهم ،فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم
الريح ما بين السماء والرض مثل الريش ،فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم ،فقلعت الريح البواب
وصههرعتهم ،وأمههر ال الريههح فأمالت عليهههم الرمال ،فكانوا تحههت الرمال سههبع ليال وثمانيههة أيام
حسوما ،ولهم أنين ،ثم أمر ال الريح فكشف عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر ،فهي التي
قال ال تعالى فيها" :تدمر كل شيء بأمر ربها" أي كل شيء مرت عليه من رجال عاد وأموالها.
قال ابن عباس :أي كل شيء بعثت إليه.
@قوله تعالى" :تدمهر كهل شيهء بأمهر ربهها" والتدميهر :الهلك .وكذلك الدمار .وقرئ "يدمهر كهل
شيء" من دمر دمارا .يقال :دمره تدميرا ودمارا ودمر عليه بمعنى .ودمر يدمر دمورا دخل بغير
إذن .وفهي الحديهث( :مهن سهبق طرفهه اسهتئذانه فقهد دمهر) مخفهف الميهم .وتدمهر :بلد بالشام .ويربوع
تدمري إذا كان صغيرا قصيرا" .بأمر ربها" بإذن ربها .وفي البخاري عن عائشة رضي ال عنها
زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت :ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ضاحكا حتى أرى
منهه لهواتهه إنمها كان يتبسهم .قالت :وكان إذا رأى غيمها أو ريحها عرف فهي وجههه .قالت :يها رسهول
ال ،الناس إذا رأوا الغيههم فرحوا رجاء أن يكون فيههه المطههر ،وأراك إذا رأيتههه عرف فههي وجهههك
الكراهيهة؟ فقال[ :يها عائشهة مها يؤمننهي أن يكون فيهه عذاب عذب قوم بالريهح وقهد رأى قوم العذاب
فقالوا هذا عارض ممطرنها] خرجهه مسهلم والترمذي ،وقال فيهه :حديهث حسهن .وفهي صهحيح مسهلم
عهن ابهن عباس عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال[ :نصهرت بالصهبا وأهلكهت عاد بالدبور].
وذكههر الماوردي أن القائل "هذا عارض ممطرنهها" مههن قوم عاد :بكههر بههن معاويههة ،ولمهها رأى
السهحاب قال :إنهي لرى سهحابا مرمدا ،ل تدع مهن عاد أحدا .فذكهر عمرو بهن ميمون أنهها كانهت
تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم .قال ابن إسحاق :واعتزل هود ومن معه من المؤمنين
في حظيرة ،ما يصيبه ومن معه منها إل ما يلين أعلى ثيابهم .وتلتذ النفس به ،لنها لتمر من عاد
بالظعهن بيهن السهماء والرض وتدمغههم بالحجارة حتهى هلكوا .وحكهى الكلبهي أن شاعرههم قال فهي
ذلك:
دعوة أضحوا همودا فدعا هود عليهم
تركت عادا خمودا عصفت ريح عليهم
لم تدع في الرض عودا سخرت سبع ليال
وعمر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة" .فأصبحوا ل يرى إل مساكنهم
قرأ عاصهم وحمزة "ل يرى إل مسهاكنهم" بالياء غيهر مسهمى الفاعهل .وكذلك روى حماد بهن سهلمة
عهن ابهن كثيهر إل أنهه قرأ "ترى" بالتاء .وقهد روى ذلك عهن أبهي بكهر عهن عاصهم .الباقون "ترى"
بتاء مفتوحههة" .مسههاكنهم" بالنصههب ،أي ل ترى يهها محمههد إل مسههاكنهم .قال المهدوي :ومههن قرأ
بالتاء غير مسمى الفاعل فعلى لفظ الظاهر الذي هو المساكن المؤنثة ،وهو قليل ل يستعمل إل في
الشعهر .وقال أبهو حاتهم :ل يسهتقيم هذا فهي اللغهة إل أن يكون فيهها إضمار ،كمها تقول فهي الكلم أل
ترى النسههاء إل زينههب .ول يجوز ل ترى إل زينههب .وقال سههيبويه :معناه ل ترى أشخاصهههم إل
مسهاكنهم .واختار أبهو عبيهد وأبهو حاتهم قراءة عاصهم وحمزة .قال الكسهائي :معناه ل يرى شيهء إل
مسهاكنهم ،فههو محمول على المعنهى ،كمها تقول :مها قام إل هنهد ،والمعنهى مها قام أحهد إل هنهد .وقال
الفراء :ل يرى الناس لنههم كانوا تحهت الرمهل ،وإنمها ترى مسهاكنهم لنهها قائمهة" .كذلك نجزي
القوم المجرمين" أي مثل هذه العقوبة نعاقب بها المشركين.
**3اليهة{ 26 :ولقهد مكناههم فيمها إن مكناكهم فيهه وجعلنها لههم سهمعا وأبصهارا وأفئدة فمها أغنهى
عنههم سهمعهم ول أبصهارهم ول أفئدتههم مهن شيهء إذ كانوا يجحدون بآيات ال وحاق بههم مها كانوا
به يستهزئون}
@قوله تعالى" :ولقهد مكناههم فيمها إن مكناكهم فيهه" قيهل :إن "إن" زائدة ،تقديره ولقهد مكناكهم فيمها
مكناكم فيه .وهذا قول القتبي .وأنشد الخفش:
وتعرض دون أدناه الخطوب يرجي المرء ما إن ل يراه
وقال آخر:
منايانا ودولة آخرينا فما إن طبنا جبن ولكن
وقيل :إن "ما" بمعنى الذي .و"إن" بمعنى ما ،والتقدير ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه ،قاله
المبرد .وقيل :شرطية وجوابها مضمر محذوف ،والتقدير ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه كان
بغيكم أكثر وعنادكم أشد ،وتم الكلم.
@قوله تعالى" :وجعلنها لههم سهمعا وأبصهارا وأفئدة" يعنهي قلوبها يفقهون بهها" .فمها أغنهى عنههم
سهمعهم ول أبصهارهم ول أفئدتههم مهن شيهء" مها أغنهت عنههم مهن عذاب ال" .إذ كانوا يجحدون"
يكفرون "بآيات ال وحاق بهم" أحاط بهم "ما كانوا به يستهزئون".
**3الية{ 27 :ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا اليات لعلهم يرجعون}
@قوله تعالى" :ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى" يريد حجر ثمود وقرى لوط ونحوهما مما كان
يجاور بلد الحجاز ،وكانهت أخبارههم متواترة عندههم" .وصهرفنا اليات" يعنهي الحجهج والدللت
وأنواع البينات والعظات ،أي بيناههها لهههل تلك القرى" .لعلهههم يرجعون" فلم يرجعوا .وقيههل :أي
صرفنا آيات القرآن في الوعد والوعيد والقصص والعجاز لعل هؤلء المشركين يرجعون.
**3الية{ 28 :فلول نصرهم الذين اتخذوا من دون ال قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم
وما كانوا يفترون}
@قوله تعالى" :فلول نصهرهم" "لول" بمعنهى هل ،أي هل نصهرهم آلهتههم التهي تقربوا بهها
بزعمهههم إلى ال لتشفههع لهههم حيههث قالوا" :هؤلء شفعاؤنهها عنههد ال" [يونههس ]18 :ومنعتهههم مههن
الهلك الواقههع بهههم .قال الكسههائي :القربان كههل مهها يتقرب بههه إلى ال تعالى مههن طاعههة ونسههيكة،
والجمهع قرابيهن ،كالرهبان والرهابيهن .وأحهد مفعولي اتخهذ الراجهع إلى الذيهن المحذوف ،والثانهي
"آلهة" .و"قربانا" حال ،ول يصح أن يكون "قربانا" مفعول ثانيا .و"آلهة" بدل منه لفساد المعنى،
قال الزمخشري .وقرئ "قربانا" بضم الراء" .بل ضلوا عنهم" أي هلكوا عنهم .وقيل" :بل ضلوا
عنهم" أي ضلت عنهم آلهتهم لنها لم يصبها ما أصابهم ،إذ هي جماد .وقيل" :ضلوا عنهم" ،أي
تركوا الصهنام وتهبرؤوا منهها" .وذلك إفكههم" أي واللههة التهي ضلت عنههم ههي إفكههم فهي قولههم:
إنها تقربهم إلى ال زلفى .وقراءة العامة "إفكهم" بكسر الهمزة وسكون الفاء ،أي كذبهم .والفك:
الكذب ،وكذلك الفيكههة ،والجمههع الفائك .ورجههل أفاك أي كذاب .وقرأ ابههن عباس ومجاهههد وابههن
الزبير "وذلك أفكهم" بفتح الهمزة والفاء والكاف ،على الفعل ،أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد.
والفههك "بالفتههح" مصههدر قولك :أفكههه يأفكههه أفكهها ،أي قلبههه وصههرفه عههن الشيههء .وقرأ عكرمههة
"أفكههم" بتشديهد الفاء على التأكيهد والتكثيهر .قال أبو حاتهم :يعنهي قلبههم عمها كانوا عليه مهن النعيهم.
وذكر المهدوي عن ابن عباس أيضا "آفكهم" بالمد وكسر الفاء ،بمعنى صارفهم .وعن عبدال بن
الزبيههر باختلف عنههه "آفكهههم" بالمههد ،فجاز أن يكون أفعلهههم ،أي أصههارهم إلى الفههك .وجاز أن
يكون فاعلهم كخادعهم .ودليل قراءة العامة "إفكهم" قوله" :وما كانوا يفترون" أي يكذبون .وقيل
"أفكهم" مثل "أفكهم" .الفك والفك كالحذر والحذر ،قاله المهدوي.
**3الية{ 29 :وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما
قضي ولوا إلى قومهم منذرين}
@قوله تعالى" :وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن" هذا توبيخ لمشركي قريش ،أي إن الجن سمعوا
القرآن فآمنوا به وعلموا أنه من عند ال وأنتم معرضون مصرون على الكفر .ومعنى" :صرفنا"
وجهنها إليهك وبعثنها .وذلك أنههم صهرفوا عهن اسهتراق السهمع مهن السهماء برجوم الشههب -على مها
يأتهي -ولم يكونوا بعهد عيسهى قهد صهرفوا عنهه إل عنهد مبعهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم .قال
المفسرون ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم :لما مات أبو طالب خرج النبي صلى ال
عليهه وسهلم وحده إلى الطائف يلتمهس مهن ثقيهف النصهرة فقصهد عبهد ياليهل ومسهعودا وحبيبها وههم
إخوة -بنو عمرو بن عمير -وعندهم امرأة من قريش من بني جمح ،فدعاهم إلى اليمان وسألهم
أن ينصهروه على قومهه فقال أحدههم :ههو يمرط ثياب الكعبهة إن كان ال أرسهلك وقال الخهر :مها
وجههد ال أحدا يرسههله غيرك وقال الثالث :وال ل أكلمههك كلمههة أبدا ،إن كان ال أرسههلك كمهها تقول
فأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلم ،وإن كنت تكذب فما ينبغي لي أن أكلمك .ثم أغروا به
سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويضحكون به ،حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة
ابنهي ربيعهة .فقال للجمحيهة( :ماذا لقينها مهن أحمائك)؟ ثهم قال( :اللههم إنهي أشكهو إليهك ضعهف قوتهي
وقلة حيلتهي وهوانهي على الناس ،يها أرحهم الراحميهن ،أنهت رب المسهتضعفين ،وأنهت ربهي ،لمهن
تكلنهي إلى عبهد يتجهمنهي ،أو إلى عدو ملكتهه أمري إن لم يكهن بهك غضهب علي فل أبالي ،ولكهن
عافيتهك ههي أوسهع لي ،أعوذ بنور وجههك مهن أن ينزل بهي غضبهك ،أو يحهل علي سهخطك ،لك
العتبى حتى ترضى ،ول حول ول قوة إل بك) .فرحمه ابنا ربيعة وقال لغلم لهما نصراني يقال
له عداس :خهذ قطفها مهن العنهب وضعهه فهي هذا الطبهق ثهم ضعهه بيهن يدي هذا الرجهل ،فلمها وضعهه
بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم قال النبي صلى ال عليه وسلم (باسم ال) ثم أكل ،فنظر
عداس إلى وجهههه ثههم قال :وال إن هذا الكلم مهها يقوله أهههل هذه البلدة فقال النههبي صههلى ال عليههه
وسهلم( :مهن أي البلد أنهت يها عداس ومها دينهك) قال :أنها نصهراني مهن أههل نينوى .فقال له النهبي
صلى ال عليه وسلم( :أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى)؟ فقال :وما يدريك ما يونس بن
متى؟ قال( :ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي) فانكب عداس حتى قبل رأس النبي صلى ال عليه وسلم
ويديهه ورجليهه .فقال له ابنها ربيعهة :لم فعلت هكذا؟ فقال :يها سهيدي مها فهي الرض خيهر مهن هذا،
أخبرني بأمر ما يعلمه إل نبي.
ثهم انصهرف النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حيهن يئس مهن خيهر ثقيهف ،حتهى إذا كان ببطهن نخلة قام
مهن الليهل يصهلي فمهر بهه نفهر مهن جهن أههل نصهيبين .وكان سهبب ذلك أن الجهن كانوا يسهترقون
السمع ،فلما حرست السماء ورموا بالشهب قال إبليس :إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث
في الرض ،فبعث سراياه ليعرف الخبر ،أولهم ركب نصيبين وهم أشراف الجن إلى تهامة ،فلما
بلغوا بطهن نخلة سهمعوا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يصهلي صهلة الغداة ببطهن نخلة ويتلو القرآن،
فاسههتمعوا له وقالوا :أنصههتوا .وقالت طائفههة :بههل أمههر النههبي صههلى ال عليهه وسههلم أن ينذر الجههن
ويدعوههم إلى ال تعالى ويقرأ عليههم القرآن ،فصهرف ال عهز عهز وجهل إليهه نفرا مهن الجهن مهن
نينوى وجمعههم له ،فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :إنهي أريهد أن أقرأ القرآن على الجهن الليلة
فأيكهم يتبعنهي)؟ فأطرقوا ،ثهم قال الثانيهة فأطرقوا ،ثهم قال الثالثهة فأطرقوا ،فقال ابهن مسهعود :أنها يها
رسهول ال ،قال ابهن مسهعود :ولم يحضهر معهه أحهد غيري ،فانطلقنها حتهى إذا كنها بأعلى مكهة دخهل
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم شعبها يقال له (شعهب الحجون) وخهط لي خطها وأمرنهي أن أجلس فيهه
وقال( :ل تخرج منههه حتههى أعود إليههك) .ثههم انطلق حتههى قام فافتتههح القرآن ،فجعلت أرى أمثال
النسهور تهوي وتمشهي فهي رفرفهها ،وسهمعت لغطها وغمغمهة حتهى خفهت على النهبي صهلى ال عليهه
وسلم ،وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ،ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع
السهحاب ذاههبين ،ففرغ النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهع الفجهر فقال( :أنمهت)؟ قلت :ل وال ،ولقهد
هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول اجلسوا ،فقال( :لو خرجت لم
آمهن عليهك أن يخطفهك بعضههم) ثهم قال( :ههل رأيهت شيئا)؟ قلت :نعهم يها رسهول ال ،رأيهت رجال
سهودا مسهتثفري ثيابها بيضها ،فقال( :أولئك جهن نصهيبين سهألوني المتاع والزاد فمتعتههم بكهل عظهم
حائل وروثهة وبعرة) .فقالوا :يها رسهول ال يقذرهها الناس علينها .فنههى رسهول ال صهلى ال عليهه
وسهلم أن يسهتنجى بالعظهم والروث .قلت :يها نهبي ال ،ومها يغنهي ذلك عنههم قال( :إنههم ل يجدون
عظمها إل وجدوا عليهه لحمهه يوم أكهل ،ول روثهة إل وجدوا فيهها حبهها يوم أكهل) فقلت :يها رسهول
ال ،لقهد سهمعت لغطها شديدا؟ فقال( :إن الجهن تدارأت فهي قتيهل بينههم فتحاكموا إلي فقضيهت بينههم
بالحق) .ثم تبرز النبي صلى ال عليه وسلم ثم أتاني فقال( :هل معك ماء)؟ فقلت يا نبي ال ،معي
إداوة فيهها شيهء مهن نهبيذ التمهر فصهببت على يديهه فتوضهأ فقال( :تمرة طيبهة وماء طهور) .روى
معناه معمر عن قتادة وشعبة أيضا عن ابن مسعود .وليس في حديث معمر ذكر نبيذ التمر.
روي عهن أبهي عثمان النهدي أن ابهن مسهعود أبصهر زطها فقال :مها هؤلء؟ قال :هؤلء الزط.
قال :ما رأيت شبههم إل الجن ليلة الجن فكانوا مستفزين يتبع بعضهم بعضا .وذكر الدارقطني عن
عبدال بن لهيعة حدثني قيس بن الحجاج عن حنش عن ابن عباس عن ابن مسعود أنه وضأ النبي
صهلى ال عليهه وسهلم ليلة الجهن بنهبيذ فتوضهأ بهه وقال( :شراب وطهور) .ابهن لهيعهة ل يحتهج بهه.
وبهذا السند عن ابن مسعود :أنه خرج مع النبي صلى ال عليه وسلم ليلة الجن ،فقال له رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :أمعك ماء يا ابن مسعود)؟ فقال :معي نبيذ في إداوة ،فقال رسول ال صلى
ال عليهه وسهلم( :صهب علي منهه) .فتوضهأ وقال( :ههو شراب وطهور) تفرد بهه ابهن لهيعهة وههو
ضعيف الحديث .قال الدارقطني :وقيل إن ابن مسعود لم يشهد مع النبي صلى ال عليه وسلم ليلة
الجهن .كذلك رواه علقمهة بهن قيهس وأبهو عهبيدة بهن عبدال وغيرهمها عنهه أنهه قال :مها شهدت ليلة
الجن .حدثنا أبو محمد بن صاعد حدثنا أبو الشعث حدثنا بشر بن المفضل حدثنا داود بن أبي هند
عن عامر عن علقمة بن قيهس قال قلت لعبدال بن مسهعود :أشههد رسول ال صهلى ال عليه وسلم
أحههد منكههم ليلة أتاه داعههى الجههن؟ قال ل .قال الدارقطنههي :هذا إسههناد صههحيح ل يختلف فههي عدالة
راويه .وعن عمرو بن مرة قال قلت لبي عبيدة :حضر عبدال بن مسعود ليلة الجن؟ فقال ل .قال
ابهن عباس :كان الجهن سهبعة نفهر مهن جهن نصهيبين فجعلههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم رسهل إلى
قومههم .وقال زر بهن حهبيش :كانوا تسهعة أحدههم زوبعهة .وقال قتادة :إنههم مهن أههل نينوى .وقال
مجاهد :من أهل حران .وقال عكرمة :من جزيرة الموصل .وقيل :إنهم كانوا سبعة ،ثلثة من أهل
نجران وأربعة من أهل نصيبين .وروى ابن أبي الدنيا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال في هذا
الحديهث وذكهر فيهه نصهيبين فقال( :رفعهت إلي حتهى رأيتهها فدعوت ال أن يكثهر مطرهها وينضهر
شجرهها وأن يغزو نهرهها) .وقال السههيلي :ويقال كانوا سهبعة ،وكانوا يهودا فأسهلموا ،ولذلك قالوا:
"أنزل من بعد موسى" .وقيل في أسمائهم :شاصر وماصر ومنشي وماشي والحقب ،ذكر هؤلء
الخمسهة ابهن دريهد .ومنههم عمرو بهن جابر ،ذكره ابهن سهلم مهن طريهق أبهي إسهحاق السهبيعي عهن
أشياخه عن ابن مسعود أنه كان في نفر من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم يمشون فرفع لهم
إعصهار ثهم جاء إعصهار أعظهم منهه فإذا حيهة قتيهل ،فعمهد رجهل منها إلى ردائه فشقهه وكفهن الحيهة
ببعضهه ودفنهها ،فلمها جهن الليهل إذا امرأتان تسهألن :أيكهم دفهن عمرو بن جابر؟ فقلنها :مها ندري مهن
عمرو بن جابر فقالتا :إن كنتم ابتغيتم الجر فقد وجدتموه ،إن فسقة الجن اقتتلوا مع المؤمنين فقتل
عمرو ،وهو الحية التي رأيتم ،وهو من النفر الذين استمعوا القرآن من محمد صلى ال عليه وسلم
ثم ولوا إلى قومهم منذرين .وذكر ابن سلم رواية أخرى :أن الذي كفنه هو صفوان بن المعطل.
قلت :وذكههر هذا الخههبر الثعلبههي بنحوه فقال :وقال ثابههت بههن قطبههة جاء أناس إلى ابههن مسههعود
فقالوا :إنها كنها فهي سهقر فرأينها حيهة متشحطهة فهي دمائهها ،فأخذهها رجهل منها فواريناهها ،فجاء أناس
فقالوا :أيكم دفن عمرا؟ قلنا وما عمرو؟ قالوا الحية التي دفنتم في مكان كذا ،أما إنه كان من النفر
الذيهن سهمعوا القرآن مهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وكان بيهن حييهن مهن الجهن مسهلمين وكافريهن
قتال فقتهل .ففي هذا الخهبر أن ابن مسهعود لم يكن فهي سهفر ول حضهر الدفن ،وال أعلم .وذكهر ابن
أبي الدنيا عن رجل من التابعين سماه :أن حية دخلت عليه في خبائه تلهث عطشا فسقاها ثم أنها
ماتت فدفنها ،فأتي من الليل فسلم عليه وشكر ،وأخبر أن تلك الحية كانت رجل عن جن نصيبين
اسمه زوبعة .قال السهيلي :وبلغنا في فضائل عمر بن عبدالعزيز رضي ال عنه مما حدثنا به أبو
بكهر بهن طاههر الشهبيلي أن عمهر بهن عبدالعزيهز كان يمشهي بأرض فلة ،فإذا حيهة ميتهة فكفنهها
بفضلة من ردائه ودفنهها ،فإذا قائل يقول :يا سهرق ،أشههد لسهمعت رسهول ال صلى ال عليه وسهلم
يقول[ :سهتموت بأرض فلة فيكفنهك رجهل صهالح] .فقال :ومهن أنهت يرحمهك ال؟ فقال :رجهل مهن
الجهن الذيهن اسهتمعوا القرآن مهن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لم يبهق منههم إل أنها وسهرق ،وهذا
سهرق قهد مات .وقهد قتلت عائشهة رضهي ال عنهها حيهة رأتهها فهي حجرتهها تسهتمع وعائشهة تقرأ،
فأتيهت فهي المنام فقيهل لهها :إنهك قتلت رجل مؤمنها مهن الجهن الذيهن قدموا على رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم ،فقالت :لو كان مؤمنا ما دخل على حرم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقيل لها :ما
دخهل عليهك إل وأنهت متقنعهة ،ومها جاء إل ليسهتمع الذكهر .فأصهبحت عائشهة فزعهة ،واشترت رقابها
فأعتقتههم .قال السههيلي :وقهد ذكرنها مهن أسهماء هؤلء الجهن مها حضرنها ،فإن كانوا سهبعة فالحقهب
منهم وصف لحدهم ،وليس باسم علم ،فإن السماء التي ذكرناها آنفا ثمانية بالحقب .وال أعلم.
قلت :وقد ذكهر الحافهظ ابهن عساكر فهي تاريخه :هامة بهن الهيم بن القيهس بهن إبليس ،قيهل :إنه
من مؤمني الجن وممن لقي النبي صلى ال عليه وسلم وعلمه سورة "إذا وقعت الواقعة" [الواقعة:
]1و"المرسلت" [المرسلت ]1 :و"عم يتساءلون" [النبأ ]1 :و"إذا الشمس كورت" [التكوير:
]1و"الحمد" [الفاتحة ]1 :و"المعوذتين" [الفلق ، 1 :والناس .]1 :وذكر أنه حضر قتل هابيل
وشرك فهي دمهه وههو غلم ابهن أعوام ،وأنهه لقهي نوحها وتاب على يديهه ،وهودا وصهالحا ويعقوب
ويوسف وإلياس وموسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهم السلم .وقد ذكر الماوردي أسماءهم
عهن مجاههد فقال :حسهى ومسهى ومنشهى وشاصهر وماصهر والرد وأنيان والحقهم .وذكرهها أبهو
عمرو عثمان بهن أحمهد المعروف بابهن السهماك قال :حدثنها محمهد بهن البراء قال حدثنها الزبيهر بهن
بكار قال :كان حمزة بن عتبة بن أبي لهب يسمي جن نصيبين الذين قدموا على رسول ال صلى
ال عليه وسلم فيقول :حسى ومسى وشاصر وماصر والفخر والرد وأنيال.
@قوله تعالى" :فلمها حضروه" أي حضروا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ،وههو مهن باب تلويهن
الخطاب .وقيهل :لمها حضروا القرآن واسهتماعه" .قالوا أنصهتوا" أي قال بعضههم لبعهض اسهكتوا
لسهتماع القرآن .قال ابهن مسهعود :هبطوا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وههو يقرأ القرآن ببطهن
نخلة ،فلما سمعوه "قالوا أنصتوا" قالوا صه .وكانوا سبعة :أحدهم زوبعة ،فأنزل ال تعالى" :وإذ
صهرفنا إليهك نفرا مهن الجهن يسهتمعون القرآن فلمها حضروه قالوا أنصهتوا" اليهة إلى قوله" :فهي
ضلل مهبين" [الحقاف .]32 :وقيهل" :أنصهوا" لسهماع قول رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم،
والمعنهى متقارب" .فلمها قضهي ولوا إلى قومههم منذريهن" وقرأ لحهق بهن حميهد وخهبيب بهن عبدال
بهن الزبيهر "فلما قضهى" بفتح القاف والضاد ،يعنهي النبي صلى ال عليه وسلم قبل الصلة .وذلك
أنهم خرجوا حين حرست السماء من استراق السمع ليستخبروا ما أوجب ذلك؟ فجاؤوا وادي نخلة
والنهبي صهلى ال عليهه وسهلم يقرأ فهي صهلة الفجهر ،وكانوا سهبعة ،فسهمعوه وانصهرفوا إلى قومههم
منذريهن ،ولم يعلم بههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم .وقيهل :بهل أمهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أن
ينذر الجن ويقرأ عليهم القرآن ،فصرف ال إليه نفرا من الجن ليستمعوا منه وينذروا قومهم ،فلما
تل عليههم القرآن وفرغ انصهرفوا بأمره قاصهدين مهن وراءههم مهن قومههم مهن الجهن ،منذريهن لههم
مخالفهة القرآن ومحذريهن إياههم بأس ال إن لم يؤمنوا .وهذا يدل على أنههم آمنوا بالنهبي صهلى ال
عليه وسلم ،وأنه أرسلهم .ويدل على هذا قولهم" :يا قومنا أجيبوا داعي ال وآمنوا به" [الحقاف:
]31ولول ذلك لما أنذروا قومهم .وقد تقدم عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم جعلهم
رسل إلى قومهم ،فعلى هذا ليلة الجن ليلتان ،وقد تقدم هذا المعنى مستوفى .وفي صحيح مسلم ما
يدل على ذلك على مها يأتهي بيانهه فهي "قهل أوحهي إلي" [الجهن .]1 :وفهي صهحيح مسهلم عهن معهن
قال :سهمعت أبهي قال سهألت مسهروقا :مهن آذن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالجهن ليلة اسهتمعوا
القرآن؟ فقال :حدثني أبوك -يعني ابن مسعود -أنه آذنته بهم شجرة.
**3الية{ 30 :قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى
الحهق وإلى طريهق مسهتقيم ،يها قومنها أجيبوا داعهي ال وآمنوا بهه يغفهر لكهم مهن ذنوبكهم ويجركهم مهن
عذاب أليم}
@قوله تعالى" :قالوا ياقومنها إنها سهمعنا كتابها أنزل مهن بعهد موسهى" أي القرآن ،وكانوا مؤمنيهن
بموسهى .قال عطاء :كانوا يهودا فأسهلموا ،ولذلك قالوا" :أنزل مهن بعهد موسهى" .وعهن ابهن عباس:
أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى ،فلذلك قالت" :أنزل من بعد موسى"" .مصدقا لما بين يديه"
يعني ما قبله من التوراة" .يهدي إلى الحق" دين الحق" .وإلى طريق مستقيم" دين ال القويم" .يا
قومنها أجيبوا داعهي ال" يعنهي محمدا صهلى ال عليهه وسهلم ،وهذا يدل على أنهه كان مبعوثها إلى
الجن والنس .قال مقاتل :ولم يبعث ال نبيا إلى الجن والنس قبل محمد صلى ال عليه وسلم.
قلت :يدل على قوله مها فهي صهحيح مسهلم عهن جابر بهن عبدال النصهاري قال :قال رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم[ :أعطيهت خمسها لم يعطههن أحهد قبلي كان كهل نهبي يبعهث إلى قومهه خاصهة
وبعثههت إلى كههل أحمههر وأسههود وأحلت لي الغنائم ولم تحههل لحههد قبلي وجعلت لي الرض طيبههة
طهورا ومسهجدا فأيمها رجهل أدركتهه الصهلة صهلى حيهث كان ونصهرت بالرعهب بيهن يدي مسهيرة
شهر وأعطيت الشفاعة] .قال مجاهد :الحمر والسود :الجن والنس .وفي رواية من حديث أبي
هريرة "وبعثت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون".
@قوله تعالى" :وآمنوا به" أي بالداعي ،وهو محمد صلى ال عليه وسلم .وقيل" :به" أي بال،
لقوله" :يغفهر لكهم مهن ذنوبكهم" .قال ابهن عباس :فاسهتجاب لههم مهن قومههم سهبعون رجل ،فرجعوا
إلى النبي صلى ال عليه وسلم فوافقوه بالبطحاء ،فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم.
مسألة :هذه الي تدل على أن الجن كالنس في المر والنهي والثواب والعقاب .وقال الحسن:
ليهس لمؤمنهي الجهن ثواب غيهر نجاتههم مهن النار ،يدل عليهه قوله تعالى" :يغفهر لكهم مهن ذنوبكهم
ويجركم من عذاب أليم" .وبه قال أبو حنيفة قال :ليس ثواب الجن إل أن يجاروا من النار ،ثم يقال
لههم :كونوا ترابها مثهل البهائم .وقال آخرون :إنههم كمها يعاقبون فهي السهاءة يجازون فهي الحسهان
مثهل النهس .وإليهه ذههب مالك والشافعهي وابهن أبهي ليلي .وقهد قال الضحاك :الجهن يدخلون الجنهة
ويأكلون ويشربون .قال القشيري :والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشيء ،والعلم عند ال.
قلت :قوله تعالى" :ولكل درجات مما عملوا" [النعام ]132 :يدل على أنهم يثابون ويدخلون
الجنة ،لنه قال في أول الية" :يا معشر الجن والنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي"
إلى أن قال "ولكههل درجات ممهها عملوا" [النعام .]130:وال أعلم ،وسههيأتي لهذا فههي سههورة
"الرحمن" مزيد بيان إن شاء ال تعالى.
**3اليهة{ 32 :ومهن ل يجهب داعهي ال فليهس بمعجهز فهي الرض وليهس له مهن دونهه أولياء
أولئك في ضلل مبين}
@قوله تعالى" :ومهن ل يجهب داعهي ال فليهس بمعجهز فهي الرض" أي ل يفوت ال ول يسهبقه
"وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلل مبين" أي أنصار يمنعونه من عذاب ال" .أولئك في
ضلل مبين".
**3الية{ 33 :أولم يروا أن ال الذي خلق السماوات والرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن
يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :أولم يروا أن ال الذي خلق السماوات والرض" الرؤية هنا بمعنى العلم .و"أن"
واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي الرؤية" .ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه
على كل شيء قدير" احتجاج على منكري البعث .ومعنى "لم يعي" يعجز ويضعف عن إبداعهن.
يقال :عهي بأمره وعيهي إذا لم يهتهد لوجههه ،والدغام أكثهر .وتقول فهي الجمهع عيوا ،مخففها ،وعيوا
أيضا بالتشديد .قال
عيت ببيضتها الحمامة عيوا بأمرهم كما
وعييهت بأمري إذا لم تهتهد لوجههه .وأعيانهي ههو .وقرأ الحسهن "ولم يعهي" بكسهر العيهن وإسهكان
الياء ،وهو قليل شاذ ،لم يأت إعلل العين وتصحيح اللم إل في أسماء قليلة ،نحو غاية وآية .ولم
يأت في الفعل سوى بيت أنشده الفراء ،وهو قول الشاعر:
تمشى بسدة بيتها فتعي فكأنها بين النساء سبيكة
"بقادر" قال أبو عبيدة والخفش :الباء زائدة للتوكيد كالباء في قوله" :وكفى بال شهيدا" [النساء:
،]166وقوله" :تنبهت بالدههن" [المؤمنون .]20 :وقال الكسهائي والفراء والزجاج :الباء فيهه
خلف السهتفهام والجحهد فهي أول الكلم .قال الزجاج :والعرب تدخلهها مهع الجحهد تقول :مها ظننهت
أن زيدا بقائم .ول تقول :ظننهت أن زيدا بقائم .وههو لدخول "مها" ودخول "أن" للتوكيهد .والتقديهر:
أليهس ال بقادر ،كقوله تعالى" :أوليهس الذي خلق السهماوات والرض بقادر" [يهس .]81 :وقرأ
ابن مسعود والعرج والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب "يقدر" واختاره أبو حاتم ،لن دخول
الباء فهي خهبر "أن" قبيهح .واختار أبهو عبيهد قراءة العامهة ،لنهها فهي قراءة عبدال "خلق السهموات
والرض قادر" بغير باء .وال أعلم.
**3اليهة{ 34 :ويوم يعرض الذيهن كفروا على النار أليهس هذا بالحهق قالوا بلى وربنها قال
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}
@قوله تعالى" :ويوم يعرض الذين كفروا على النار" أي ذكرهم يوم يعرضون فيقال لهم" :أليس
هذا بالحق قالوا بلى وربنا" فيقول لهم المقرر" :فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" أي بكفركم.
**3الية{ 35 :فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ول تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما
يوعدون لم يلبثوا إل ساعة من نهار بلغ فهل يهلك إل القوم الفاسقون}
@قوله تعالى" :فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل" وقال ابن عباس :ذوو الحزم والصبر،
قال مجاههد :ههم خمسهة :نوح ،وإبراهيهم ،وموسهى ،وعيسهى ،ومحمهد عليههم الصهلة والسهلم .وههم
أصحاب الشرائع .وقال أبو العالية :إن أولي العزم :نوح ،وهود ،وإبراهيم .فأمر ال عز وجل نبيه
عليههه الصههلة والسههلم أن يكون رابعهههم .وقال السههدي :هههم سههتة :إبراهيههم ،وموسههى ،وداود،
وسهليمان ،وعيسهى ،ومحمهد ،صهلوات ال عليههم أجمعيهن .وقيهل :نوح ،وهود ،وصهالح ،وشعيهب،
ولوط ،وموسهى ،وههم المذكورون على النسهق فهي سهورة "العراف والشعراء" .وقال مقاتهل :ههم
سههتة :نوح صههبر على أذى قومههه مدة .وإبراهيههم صههبر على النار .وإسههحاق صههبر على الذبههح.
ويعقوب صهبر على فقهد الولد وذهاب البصهر .ويوسهف صهبر على البئر والسهجن .وأيوب صهبر
على الضهر .وقال ابهن جريهج :إن منههم إسهماعيل ويعقوب وأيوب ،وليهس منههم يونهس ول سهليمان
ول آدم .وقال الشعبي والكلبي ومجاههد أيضا :هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا
الكفرة .وقيههل :هههم نجباء الرسههل المذكورون فههي سههورة "النعام" وهههم ثمانيههة عشههر :إبراهيههم،
وإسههحاق ،ويعقوب ،ونوح ،وداود ،وسههليمان ،وأيوب ،ويوسههف ،وموسههى ،وهرون ،وزكرياء،
ويحيهى ،وعيسهى ،وإلياس ،وإسهماعيل ،واليسهع ،ويونهس ،ولوط .واختاره الحسهن بهن الفضهل لقوله
في عقبه" :أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده" [النعام ]90 :وقال ابن عباس أيضا :كل الرسل
كانوا أولي عزم .واختاره علي بن مهدي الطبري ،قال :وإنما دخلت "من" للتجنيس ل للتبعيض،
كمها تقول :اشتريهت أرديهة مهن البهز وأكسهية مهن الخهز .أي اصهبر كمها صهبر الرسهل .وقيهل :كهل
النهبياء أولو عزم إل يونهس بهن متهى ،أل ترى أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم نههي أن يكون مثله،
لخفهة وعجلة ظهرت منهه حيهن ولى مغاضبها لقومهه ،فابتله ال بثلث :سهلط عليهه العمالقهة حتهى
أغاروا على أهله وماله ،وسلط الذئب على ولده فأكله ،وسلط عليه الحوت فابتلعه ،قال أبو القاسم
الحكيم.
وقال بعض العلماء :أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ،فأوحى
ال إليهم النبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل؛ فشق ذلك على المرسلين فأوحى ال
إليهههم اختاروا لنفسههكم ،إن شئتههم أنزلت بكههم العذاب وأنجيههت بنههي إسههرائيل ،لن شئتههم نجيتكههم
وأنزلت العذاب ببني إسرائيل ،فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي ال
بني إسرائيل ،فأنجى ال بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب .وذلك أنه سلط عليهم ملوك الرض،
فمنهم من نشر بالمناشير ،ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ،ومنهم من صلب على الخشب حتى
مات ،ومنهههم مههن حرق بالنار .وال أعلم .وقال الحسههن :أولو العزم أربعههة :إبراهيههم ،وموسههى،
وداود ،وعيسى ،فأما إبراهيم فقيل له" :أسلم قال أسلمت لرب العالمين" [البقرة ]131 :ثم ابتلي
فهي ماله وولده ووطنه ونفسه ،فوجد صادقا وافيها في جميع ما ابتلي به .وأما موسى فعزمه حين
قال له قومهه" :إنها لمدركون .قال كل إن معهي ربهي سهيهدين" [الشعراء .]61 :وأمها داود فأخطهأ
خطيئته فنبه عليها ،فأقام يبكهي أربعين سهنة حتهى نبتهت من دموعه شجرة ،فقعد تحت ظلها .وأمها
عيسهى فعزمهه أنهه لم يضهع لبنهة على لبنهة وقال" :إنهها معهبرة فاعبروهها ول تعمروهها" .فكأن ال
تعالى يقول لرسههوله صههلى ال عليههه وسههلم :اصههبر ،أي كههن صههادقا فيمهها ابتليههت بههه مثههل صههدق
إبراهيم ،واثقا بنصرة مولك مثل ثقة موسى ،مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود ،زاهدا
فهي الدنيها مثهل زههد عيسهى .ثهم قيهل ههي :منسهوخة بآيهة السهيف .وقيهل :محكمهة ،والظههر أنهها
منسوخة ،لن السورة مكية .وذكر مقاتل :أن هذه الية نزلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم
يوم أحهد ،فأمره ال عهز وجهل أن يصهبر على مها أصهابه كمها صهبر أولو العزم مهن الرسهل ،تسههيل
عليه وتثبيتا له .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ول تسهتعجل لهم" قال مقاتهل :بالدعاء عليهم .وقيل :فهي إحلل العذاب بههم ،فإن
أبعههد غاياتهههم يوم القيامههة .ومفعول السههتعجال محذوف ،وهههو العذاب" .كأنهههم يوم يرون مهها
يوعدون" قال يحيههى :مههن العذاب .النقاش :مههن الخرة" .لم يلبثوا" أي فههي الدنيهها حتههى جاءهههم
العذاب ،وههو مقتضهى قول يحيهى .وقال النقاش :فهي قبورههم حتهى بعثوا للحسهاب" .إل سهاعة مهن
نهار" يعنهي فهي جنهب يوم القيامهة .وقيهل :نسهاهم هول مها عاينوا مهن العذاب طول لبثههم فهي الدنيها.
"بلغ" أي هذا القرآن بلغ ،قاله الحسهن .فهه "بلغ" رفهع على إضمار مبتدأ ،دليله قوله تعالى:
"هذا بلغ للناس ولينذروا به" [إبراهيم ،]52 :وقوله" :إن في هذا لبلغا لقوم عابدين" [النبياء:
.]106والبلغ بمعنى التبليغ .وقيل :أي إن ذلك اللبث بلغ ،قاله ابن عيسى ،فيوقف على هذا
على "بلغ" وعلى "نهار" .وذكهر أبهو حاتهم أن بعضههم وقهف على "ول تسهتعجل" ثهم ابتدأ "لههم"
على معنى لهم بلغ .قال ابن النباري :وهذا خطأ ،لنك قد فصلت بين البلغ وبين اللم - ،وهي
رافعة -بشيء ليس منهما .ويجوز في العربية :بلغا وبلغ ،النصب على معنى إل ساعة بلغا،
على المصهدر أو على النعهت للسهاعة .والخفهض على معنهى مهن نهار بلغ .وبالنصهب قرأ عيسهى
بن عمو والحسن .وروي عن بعض القراء "بلغ" على المر ،فعلى هذه القراءة يكون الوقف على
"من نهار" ثم يبتدئ "بلغ"" .فهل يهلك إل القوم الفاسقون" أي الخارجون عن أمر ال ،قاله ابن
عباس وغيره .وقرأ ابههن محيصههن "فهههل يهلك إل القوم" على إسههناد الفعههل إلى القوم .وقال ابههن
عباس :إذا عسهر على المرأة ولدهها تكتهب هاتيهن اليتيهن والكلمتيهن فهي صهحيفة ثهم تغسهل وتسهقى
منها ،وهي :بسم ال الرحمن الرحيم ل إله إل ال العظيم الحليم الكريم ،سبحان ال رب السموات
ورب الرض ورب العرش العظيم" كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إل عشية أو ضحاها" [النازعات:
" .]46كأنههم يوم يرون مها يوعدون لم يلبثوا إل سهاعة مهن نهار بلغ فههل يهلك إل القوم
الفاسهقون" صهدق ال العظيهم .وعهن قتادة :ل يهلك ال إل هالكها مشركها .وقيهل :هذه أقوى آيهة فهي
الرجاء .وال أعلم.
**2سورة محمد
**3مقدمة السورة
@ مدنيهة فهي قول ابهن عباس ،ذكره النحاس .وقال الماوردي :فهي قول الجميهع إل ابهن عباس
وقتادة فإنهما قال :إل آية منها نزلت عليه بعد حجة الوداع حين خرج من مكة ،وجعل ينظر إلى
البيت وهو يبكي حزنا عليه ،فنزل عليه "وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك" [محمد.]13 :
وقال الثعلبهي :إنهها مكيهة ،وحكاه ابهن هبهة ال عهن الضحاك وسهعيد بهن جهبير .وههي تسهع وثلثون
آية .وقيل ثمان.
**3الية{ 1 :الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال أضل أعمالهم}
@ قال ابن عباس ومجاهد :هم أهل مكة كفروا بتوحيد ال ،وصدوا أنفسهم والمؤمنين عن دين
ال وههو السهلم بنهيههم عهن الدخول فيهه ،وقال السهدي .وقال الضحاك" :عهن سهبيل ال" عهن بيهت
ال بمنهع قاصهديه .ومعنهى "أضهل أعمالههم" :أبطهل كيدههم ومكرههم بالنهبي صهلى ال عليهه وسهلم،
وجعهل الدائرة عليههم ،قال الضحاك .وقيهل :أبطهل مها عملوه فهي كفرههم بمها كانوا يسهمونه مكارم،
مههن صههلة الرحام وفههك السههارى وقرى الضياف وحفههظ الجوار .وقال ابههن عباس :نزلت فههي
المطعميهن ببدر ،وههم اثنها عشهر رجل :أبهو جههل ،والحارث بهن هشام ،وعتبهة وشيبهة ابنها ربيعهة،
وأبهي وأميهة ابنها خلف ،ومنبهه ونهبيه ابنها الحجاج ،وأبهو البختري بهن هشام ،وزمعهة بهن السهود،
وحكيم بن حزام ،والحارث بن عامر بن نوفل.
**3الية{ 2 :والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم
كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم}
@قوله تعالى" :والذيهن آمنوا" قال ابهن عباس ومجاههد :ههم النصهار .وقال مقاتهل :إنهها نزلت
خاصهة فهي ناس مهن قريهش .وقيهل :همها عامتان فيمهن كفروا وآمهن .ومعنهى "أضهل أعمالههم":
أبطلها .وقيل :أضلهم عن الهدى بما صرفهم عنه من التوفيق" .وعملوا الصالحات" من قال إنهم
النصهار فههي المواسهاة فهي مسهاكنهم وأموالههم .ومهن قال إنههم مهن قريهش فههي الهجرة .ومهن قال
بالعموم فالصههالحات جميههع العمال التههي ترضههي ال تعالى" .وآمنوا بمهها نزل على محمههد" لم
يخالفوه فهي شيهء ،قال سهفيان الثوري .وقيهل :صهدقوا محمدا صهلى ال عليهه وسهلم فيمها جاء بهه.
"وههو الحهق مهن ربههم" يريهد أن إيمانههم ههو الحهق مهن ربههم .وقيهل :أي إن القرآن ههو الحهق مهن
ربهم ،نسخ به ما قبله "كفر عنهم سيئاتهم" أي ما مضى من سيئاتهم قبل اليمان" .وأصلح بالهم"
أي شأنههم ،عهن مجاههد وغيره .وقال قتادة :حالههم .ابهن عباس :أمورههم .والثلثهة متقاربهة وههي
متأولة على إصلح ما تعلق بدنياهم .وحكى النقاش أن المعنى أصلح نياتهم ،ومنه قول الشاعر:
وإن تدبري أذهب إلى حال باليا فإن تقبلي بالود أقبل بمثله
وههو على هذا التأول محمول على صهلح دينههم" .والبال" كالمصهدر ،ول يعرف منهه فعهل ،ول
تجمعه العرب إل في ضرورة الشعر فيقولون فيه :بالت .المبرد :قد يكون البال في موضع آخر
بمعنى القلب ،يقال :ما يخطر فلن على بالي ،أي على قلبي .الجوهري :والبال رخاء النفس ،يقال
فلن رخهي البال .والبال :الحال؛ يقال مها بالك .وقولههم :ليهس هذا مهن بالي ،أي ممها أباليهه .والبال:
الحوت العظيهم مهن حيتان البحهر ،وليهس بعربهي .والبالة :وعاء الطيهب ،فارسهي معرب ،وأصهله
بالفارسية بيلة .قال أبو ذؤيب:
لها من خلل الدأيتين أريج كأن عليها بالة لطمية
**3الية{ 3 :ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك
يضرب ال للناس أمثالهم}
@قوله تعالى" :ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم" "ذلك"
فهي موضهع رفهع ،أي الم ذلك ،أو ذلك الضلل والهدى المتقدم ذكرهمها سهببه هذا .فالكافهر اتبهع
الباطههل ،والمؤمههن اتبههع الحههق .والباطههل :الشرك .والحههق :التوحيههد واليمان" .كذلك يضرب ال
للناس أمثالههم" أي كهذا البيان الذي بيهن يهبين ال للناس أمهر الحسهنات والسهيئات .والضميهر فهي
"أمثالهم" يرجع إلى الذين كفروا والذين آمنوا.
**3الية{ 4 :فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا
بعهد وإمها فداء حتهى تضهع الحرب أوزارهها ذلك ولو يشاء ال لنتصهر منههم ولكهن ليبلو بعضكهم
ببعض والذين قتلوا في سبيل ال فلن يضل أعمالهم}
@قوله تعالى" :فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" لما ميز بين الفريقين أمر بجهاد الكفار.
قال ابهن عباس :الكفار المشركون عبدة الوثان .وقيهل :كهل مهن خالف ديهن السهلم مهن مشرك أو
كتابههي إذا لم يكههن صههاحب عهههد ول ذمههة ،ذكره الماوردي .واختاره ابههن العربههي وقال :وهههو
الصهحيح لعموم اليهة فيهه" .فضرب الرقاب" مصهدر .قال الزجاج :أي فاضربوا الرقاب ضربها.
وخص الرقاب بالذكر لن القتل أكثر ما يكون بها .وقيل :نصب على الغراء .قال أبو عبيدة :هو
كقولك يها نفهس صهبرا .وقيهل :التقديهر اقصهدوا ضرب الرقاب .وقال" :فضرب الرقاب" ولم يقهل
فاقتلوههم ،لن فهي العبارة بضرب الرقاب مهن الغلظهة والشدة مها ليهس فهي لفهظ القتهل ،لمها فيهه مهن
تصهوير القتهل بأشنهع صهوره ،وههو حهز العنهق وإطارة العضهو الذي ههو رأس البدن وعلوه وأوجهه
أعضائه.
@قوله تعالى" :حتى إذا أثخنتموهم" أي أكثرتم القتل .وقد مضى في "النفال" عند قوله تعالى:
"حتهى يثخهن فهي الرض" [النفال" .]67 :فشدوا الوثاق" أي إذا أسهرتموهم .والوثاق اسهم مهن
اليثاق ،وقد يكون مصدرا ،يقال :أوثقته إيثاقا ووثاقا .وأما الوثاق (بالكسر) فهو اسم الشيء الذي
يوثق به كالرباط؛ قاله القشيري .وقال الجوهري :وأوثقه في الوثاق أي شده ،وقال تعالى" :فشدوا
الوثاق" .والوثاق (بكسر الواو) لغة فيه .وإنما أمر بشد الوثاق لئل يفلتوا" .فإما منا بعد وإما فداء"
"فإما منا" عليهم بالطلق من غير فدية "وإما فداء" .ولم يذكر القتل ها هنا اكتفاء بما تقدم من
القتل في صدر الكلم ،و"منا" و"فداء" نصب بإضمار فعل .وقرئ "فدى" بالقصر مع فتح الفاء،
أي فإما أن تمنوا عليهم منا ،وإما أن تفادوهم فداء.
روي عههن بعضهههم أنههه قال :كنههت واقفهها على رأس الحجاج حيههن أتههي بالسههرى مههن أصههحاب
عبدالرحمهن بهن الشعهث وههم أربعهة آلف وثمانمائة فقتهل منههم نحهو مهن ثلثهة آلف حتهى قدم إليهه
رجهل مهن كندة فقال :يها حجاج ،ل جازاك ال عهن السهنة والكرم خيرا قال :ولم ذلك؟ قال :لن ال
تعالى قال" :فإذا لقيتهم الذيهن كفروا فضرب الرقاب حتهى إذا أثخنتموههم فشدوا الوثاق فإمها منها بعهد
وإما فداء" في حق الذين كفروا ،فوال ما مننت ول فديت؟ وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه
من مكارم الخلق:
إذا أثقل العناق حمل المغارم ول نقتل السرى ولكن نفكهم
فقال الحجاج :أف لهذه الجيف أما كان فيهم من يحسن مثل هذا الكلم؟ خلوا سبيل من بقي .فخلي
يومئذ عن بقية السرى ،وهم زهاء ألفين ،بقول ذلك الرجل.
@ واختلف العلماء فهي تأويهل هذه اليهة على خمسهة أقوال :الول :أنهها منسهوخة ،وههي فهي أههل
الوثان ،ل يجوز أن يفادوا ول يمههن عليهههم .والناسههخ لههها عندهههم قوله تعالى" :فاقتلوا المشركيههن
حيهث وجدتموه" [التوبهة ]5 :وقوله" :فإمها تثقفنههم فهي الحرب فشرد بههم مهن خلفههم" [النفال:
]57وقوله" :وقاتلوا المشركيهن كافهة" [التوبهة ]36 :اليهة ،قال قتادة والضحاك والسهدي وابهن
جريج والعوفي عن ابن عباس ،وقاله كثير من الكوفيين .وقال عبدالكريم الجوزي :كتب إلى أبي
بكهر فهي أسهير أسهر ،فذكروا أنههم التمسهوه بفداء كذا وكذا ،فقال اقتلوه ،لقتهل رجهل مهن المشركيهن
أحب إلي من كذا وكذا .الثاني :أنها في الكفار جميعا .وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء
وأههل النظهر ،منههم قتادة ومجاههد .قالوا :إذ أسهر المشرك لم يجهز أن يمهن عليهه ،ول أن يفادى بهه
فيرد إلى المشركيهن ،ول يجوز أن يفادى عندههم إل بالمرأة ،لنهها ل تقتهل .والناسهخ لهها" :فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة ]5 :إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف ،فوجب أن يقتل
كهل مشرك إل مهن قامهت الدللة على تركهه مهن النسهاء والصهبيان ومهن يؤخهذ منهه الجزيهة .وههو
المشهور مهن مذههب أبهي حنيفهة ،خيفهة أن يعودوا حربها للمسهلمين .ذكهر عبدالرزاق أخبرنها معمهر
عهن قتادة "فإمها منها بعهد وإمها فداء" قال :نسهخها "فشرد بههم مهن خلفههم" .وقال مجاههد :نسهخها
"فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة .]5 :وهو قول الحكم.
الثالث :أنهههها ناسهههخة ،قال الضحاك وغيره .روى الثوري عهههن جويهههبر عهههن الضحاك" :فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة ]5 :قال :نسخها "فإما منا بعد وإما فداء" .وقال ابن المبارك
عن ابن جريج عن عطاء" :فإما منا بعد وإما فداء فل يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى ،كما
قال ال عز وجل .وقال أشعث :كان الحسن يكره أن يقتل السير ،ويتلو "فإما منا بعد وإما فداء".
وقال الحسههن أيضهها :فههي اليههة تقديههم وتأخيههر ،فكأنههه قال :فضرب الرقاب حتههى تضههع الحرب
أوزارها .ثم قال" :حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق" .وزعم أنه ليس للمام إذا حصل السير في
يديه أن يقتله ،لكنه بالخيار في ثلثة منازل :إما أن يمن ،أو يفادي ،أو يسترق .الرابع :قول سعيد
بهن جهبير :ل يكون فداء ول أسهر إل بعهد الثخان والقتهل بالسهيف ،لقوله تعالى" :مها كان لنهبي أن
يكون له أسهرى حتهى يثخهن فهي الرض" [النفال .]67 :فإذا أسهر بعهد ذلك فللمام أن يحكهم بمها
رآه مهن قتهل أو غيره .الخامهس :أن اليهة محكمهة ،والمام مخيهر فهي كهل حال ،رواه علي بهن أبهي
طلحهة عهن ابهن عباس ،وقال كثيهر مهن العلماء منههم ابهن عمهر والحسهن وعطاء ،وههو مذههب مالك
والشافعهي والثوري والوزاعهي وأبهي عبيهد وغيرههم .وههو الختيار ،لن النهبي صهلى ال عليهه
وسههلم والخلفاء الراشديههن فعلوا كههل ذلك ،قتههل النههبي صههلى ال عليههه وسههلم عقبههة بههن أبههي معيههط
والنضهر بهن الحارث يوم بدر صهبرا ،وفادى سهائر أسهارى بدر ،ومهن على ثمامهة بهن أثال الحنفهي
وههو أسهير فهي يده ،وأخهذ مهن سهلمة بهن الكوع جاريهة ففدى بهها أناسها مهن المسهلمين ،وهبهط عليهه
عليه السلم قوم من أهل مكة فأخذهم النبي صلى ال عليه وسلم ومن عليهم ،وقد من على سبي
هوازن .وهذا كله ثابت في الصحيح ،وقد مضى جميعه في (النفال) وغيرها.
قال النحاس :وهذا على أن اليتيههن محكمتان معمول بهمهها ،وهههو قول حسههن ،لن النسههخ إنمهها
يكون لشيء قاطهع ،فإذا أمكن العمهل باليتيهن فل معنى للقول بالنسهخ ،إذا كان يجوز أن يقع التعبهد
إذا لقينها الذيهن كفروا قتلناههم ،فإذا كان السهر جاز القتهل والسهترقاق والمفاداة والمهن ،على مها فيهه
الصهلح للمسهلمين .وهذا القول يروى عهن أههل المدينهة والشافعهي وأبهي عبيهد ،وحكاه الطحاوي
مذهبا عن أبي حنيفة ،والمشهور عنه ما قدمناه ،وبال عز وجل التوفيق.
@قوله تعالى" :حتهى تضهع الحرب أوزارهها" قال ،مجاههد وابهن جهبير :ههو خروج عيسهى عليهه
السهلم .وعهن مجاههد أيضها :أن المعنهى حتهى ل يكون ديهن إل ديهن السهلم ،فيسهلم كهل يهودي
ونصهراني وصهاحب ملة ،وتأمهن الشاة مهن الذئب .ونحوه عهن الحسهن والكلبهي والفراء والكسهائي.
قال الكسائي :حتى يسلم الخلق .وقال الفراء :حتى يؤمنوا ويذهب الكفر .وقال الكلبي :حتى يظهر
السههلم على الديههن كله .وقال الحسههن :حتههى ل يعبدوا إل ال .وقيههل :معنههى الوزار السههلح،
فالمعنهى شدوا الوثاق حتهى تأمنوا وتضعوا السهلح .وقيهل :معناه حتهى تضهع الحرب ،أي العداء
المحاربون أوزارهم ،وهو سلحهم بالهزيمة أو الموادعة .ويقال للكراع أوزار .قال العشى:
رماحا طوال وخيل ذكورا وأعددت للحرب أوزارها
على أثر الحي عيرا فعيرا ومن نسج داود يحدى بها
وقيل" :حتى تضع الحرب أوزارها" أي أثقالها .والوزر الثقل ،ومنه وزير الملك لنه يتحمل عنه
الثقال .وأثقالها السلح لثقل حملها .قال ابن العربي :قال الحسن وعطاء :في الية تقديم وتأخير،
المعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ،وليس للمام أن
يقتل السير .وقد روي عن الحجاج أنه دفع أسيرا إلى عبدال بن عمر ليقتله فأبى وقال :ليس بهذا
أمرنا ال ،وقرأ "حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق" .قلنا :قد قاله رسول ال :صلى ال عليه وسلم
وفعله ،وليهس فهي تفسهير ال للمهن والفداء منهع مهن غيره ،فقهد بيهن ال فهي الزنهى حكهم الجلد ،وبيهن
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حكهم الرجهم ،ولعهل ابهن عمهر كره ذلك مهن يهد الحجاج فاعتذر بمها قال،
وربك أعلم.
@قوله تعالى" :ذلك ولو يشاء ال لنتصر منهم" "ذلك" في موضع رفع على ما تقدم ،أي المر
ذلك الذي ذكرت وبينههت .وقيههل :هههو منصههوب على معنهههى افعلوا ذلك .ويجوز أن يكون مبتدأ،
المعنهى ذلك حكهم الكفار .وههي كلمهة يسهتعملها الفصهيح عنهد الخروج مهن كلم إلى كلم ،وههو كمها
قال تعالى" :هذا وإن للطاغين لشر مآب" [ص .]55 :أي هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا.
ومعنهى" :ل انتصهر منههم" أي أهلكههم بغيهر قتال .وقال ابهن عباس :لهلكههم بجنهد مهن الملئكهة.
"ولكهن ليبلو بعضكهم ببعهض" أي أمركهم بالحرب ليبلو ويختهبر بعضكهم ببعهض فيعلم المجاهديهن
والصابرين ،كما في السورة نفسها" .والذين قتلوا في سبيل ال" يريد قتلى أحد من المؤمنين "فلن
يضهل أعمالههم" قراءة العامهة "قاتلوا" وههي اختيار أبهي عبيهد .وقرأ أبهو عمرو وحفهص "قتلوا"
بضم القاف وكسر التاء ،وكذلك قرأ الحسن إل أنه شدد التاء على التكثير .وقرأ الجحدري وعيسى
بهن عمهر وأبهو حيوة "قتلوا" بفتهح القاف والتاء مهن غيهر ألف ،يعنهي الذيهن قتلوا المشركيهن .قال
قتادة :ذكر لنا أن هذه الية نزلت يوم أحد ورسول ال صلى ال عليه وسلم في الشعب ،وقد فشت
فيهم الجراحات والقتل ،وقهد نادى المشركون :اعل هبل .ونادى المسلمون :ال أعلى وأجل .وقال
المشركون :يوم بيوم بدر والحرب سجال .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :قولوا ل سواء .قتلنا
أحياء عند ربهم يرزقون وقتلكم في النار يعذبون) .فقال المشركون :إن لنا العزى ول عزى لكم.
فقال المسلمون :ال مولنا ول مولى لكم .وقد تقدم ذكر ذلك في (آل عمران).
**3الية{ 5 :سيهديهم ويصلح بالهم}
@ قال القشيري :قراءة أبي عمرو "قتلوا" بعيدة ،لقوله تعالى" :سيهديهم ويصلح بالهم" والمقتول
ل يوصهف بهذا .قال غيره :يكون المعنهى سيهديهم إلى الجنة ،أو سيهدي من بقي منههم ،أي يحقق
لهم الهداية .وقال ابن زياد :سيهديهم إلى محاجة منكر ونكير في القبر .قال أبو المعالي :وقد ترد
الهدايههة والمراد بههها إرشاد المؤمنيههن إلى مسههالك الجنان والطرق المفضيههة إليههها ،ومههن ذلك قوله
تعالى فههي صههفة المجاهديههن" :فلن يضههل أعمالهههم .سههيهديهم" ومنههه قوله تعالى" :فاهدوهههم إلى
صراط الجحيم" [الصافات ]23 :معناه فاسلكوا بهم إليها.
**3الية{ 6 :ويدخلهم الجنة عرفها لهم}
@ أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم؛ فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا
إلى منازلههم .قال معناه مجاههد وأكثهر المفسهدين .وفهي البخاري مها يدل على صهحة هذا القول عهن
أبههي سههعيد الخدري ،قال :قال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم( :يخلص المؤمنون مههن النار
فحبسهون على قنطرة بيهن الجنهة والنار فيقهص لبعضههم مهن بعهض مظالم كان بينههم فهي الدنيها حتهى
إذا هذبوا ونقوا أذن لههم فهي دخول الجنهة فوالذي نفهس محمهد بيده لحدههم أهدى بمنزله فهي الجنهة
منهه بمنزله فهي الدنيها) .وقيهل" :عرفهها لههم" أي بينهها لههم حتهى عرفوهها مهن غيهر اسهتدلل .قال
الحسن :وصف ال تعالى لهم الجنة في الدنيا ،فلما دخلوها عرفوها بصفتها .وقيل :فيه حذف؛ أي
عرف طرقهها ومسهاكنها وبيوتهها لههم؛ فحذف المضاف .وقيهل :هذا التعريهف ،بدليهل ،وههو الملك
الموكهل بعمهل العبهد يمشهي بيهن يديهه ويتبعهه العبهد حتهى يأتهي العبهد منزله ،ويعرفهه الملك جميهع مها
جعل له في الجنة .وحديث أبي سعيد الخدري يرده .وقال ابن عباس" :عرفها لهم" أي طيبها لهم
بأنواع الملذ؛ مأخوذ مهن العرف ،وههو الرائحهة الطيبهة .وطعام معرف أي مطيهب؛ تقول العرب:
عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والبزار .وقال الشاعر يخاطب رجل ويمدحه:
عرفت كإتب عرفته اللطائم
يقول :كما عرف التب ،وهو البقير والبقيرة ،وهو قميص ل كمين له تلبسه النساء .وقيل :هو من
وضع الطعام بعضه على بعض من كثرته ،يقال حرير معرف ،أي بعضه على بعض ،وهو من
العرف المتتابع كعرف الفرس .وقيل" :عرفها لهم" أي وفقهم للطاعة حتى استوجبوا الجنة .وقيل:
عرف أهل السماء أنها لهم إظهارا لكرامتهم فيها .وقيل :عرف المطيعين أنها لهم.
**3الية{ 7 :يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا ال ينصركم ويثبت أقدامكم}
@قوله تعالى" :يها أيهها الذيهن آمنوا إن تنصهروا ال ينصهركم" أي إن تنصهروا ديهن ال ينصهركم
على الكفار .نظيره" :ولينصههرن ال مههن ينصههره" [الحههج ]40 :وقههد تقدم .وقال قطرب :إن
تنصههروا نههبي ال ينصههركم ال ،والمعنههى واحههد" .ويثبههت أقدامكههم" أي عنههد القتال .وقيههل على
السهلم .وقيل على الصهراط .وقيهل :المراد تثهبيت القلوب بالمهن ،فيكون تثبيت القدام عبارة عن
النصر والمعونة في موطن الحرب .وقد مضى في "النفال" هذا المعنى .وقال هناك" :إذ يوحي
ربهك إلى الملئكهة أنهي معكهم فثبتوا الذيهن آمنوا" [النفال ]12 :فأثبهت هناك واسهطة ونفاهها هنها،
كقوله تعالى" :قل يتوفاكم ملك الموت" [السجدة ]11 :ثم نفاها بقوله" :ال الذي خلقكم ثم رزقكم
ثم يميتكم" [الروم" .]40 :الذي خلق الموت والحياة" [الملك ]2 :ومثله كثير ،فل فاعل إل ال
وحده.
**3الية{ 8 :والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم}
@قوله تعالى" :والذين كفروا فتعسا لهم" يحتمل ،الرفع على البتداء ،والنصب بما يفسره "فتعسا
لههم" كأنهه قال :أتعهس الذيهن كفروا .و"تعسها لههم" نصهب على المصهدر بسهبيل الدعاء ،قاله الفراء،
مثل سقيا له ورعيا .وهو نقيض لعا له .قال العشى:
فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
وفيهه عشرة أقوال :الول :بعدا لههم ،قاله ابهن عباس وابهن جريهج .الثانهي :حزنها لههم ،قاله السهدي.
الثالث :شقاء لههم ،قال ابهن زيهد .الرابهع :شتمها لههم مهن ال ،قاله الحسهن .الخامهس :هلكها لههم ،قال
ثعلب .السادس :خيبة لهم ،قاله الضحاك وابن زيد .السابع :قبحا لهم ،حكاه النقاش .الثامن :رغما
لههم ،قاله الضحاك أيضها .التاسهع :شرا لههم ،قاله ثعلب أيضها .العاشهر :شقوة لههم ،قال أبهو العاليهة.
وقيل :إن التعس النحطاط والعثار .قال ابن السكيت :التعس أن يخر على وجهه .والنكس أن يخر
على رأسهه .قال :والتعهس أيضها الهلك .قال الجوهري :وأصهله الكهب ،وههو ضهد النتعاش .وقهد
تعس (بفتح العين) يتعس تعسا ،وأتعسه ال .قال مجمع بن هلل:
تعست كما أتعستني يا مجمع تقول وقد أفردتها من خليلها
يقال :تعسها لفلن ،أي ألزمهه ال هلكها .قال القشيري :وجوز قوم تعهس (بكسهر العيهن) .قلت :ومنهه
حديث أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة
والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض" خرجه البخاري .في بعض طرق هذا الحديث
"تعس وانتكس وإذا شيك فل انتقش" خرجه ابن ماجة.
@قوله تعالى" :وأضهل أعمالههم" أي أبطلهها لنهها كانهت فهي طاعهة الشيطان .ودخلت الفاء فهي
قوله" :فتعسا" لجل البهام الذي في "الذين" ،وجاء "وأضل أعمالهم" على الخبر حمل على لفظ
الذين ،لنه خبر في اللفظ ،فدخول الفاء حمل على المعنى" ،وأضل" حمل على اللفظ.
**3الية{ 9 :ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل ال فأحبط أعمالهم}
@ أي ذلك الضلل والتعاس ،لنههم "كرهوا مها أنزل ال" مهن الكتهب والشرائع" .فأحبهط
أعمالههم" أي مها لههم مهن صهور الخيرات ،كعمارة المسهجد وقرى الضيهف وأصهناف القرب ،ول
يقبل ال العمل إل من مؤمن .وقيل :أحبط أعمالهم أي عبادة الصنم.
**3الية{ 10 :أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر ال عليهم
وللكافرين أمثالها}
@ بيهن أحوال المؤمهن والكافهر تنبيهها على وجوب اليمان ،ثهم وصهل هذا بالنظهر ،أي ألم يسهر
هؤلء في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا بهم "فينظروا" بقلوبهم "كيف كان" آخر
أمهر الكافريهن قبلههم" .دمهر ال عليههم" أي أهلكههم واسهتأصلهم .يقال :دمره تدميرا ،ودمهر عليهه
بمعنههى" .وللكافريههن أمثالههها" ثههم تواعههد مشركههي مكههة فقال" :وللكافريههن أمثالههها" أي أمثال هذه
الفعلة ،يعنهي التدميهر .وقال الزجاج والطهبري :الهاء تعود على العاقبهة ،أي وللكافريهن مهن قريهش
أمثال عاقبة تكذيب المم السالفة إن لم يؤمنوا.
**3الية{ 11 :ذلك بأن ال مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ل مولى لهم}
@قوله تعالى" :ذلك بأن ال مولى الذيهن آمنوا" أي وليههم وناصهرهم .وفهي حرف ابهن مسهعود
"ذلك بأن ال ولي الذين آمنوا" .فالمولى :الناصر ها هنا ،قاله ابن عباس وغيره .قال:
مولى المخافة خلفها وأمامها فغدت كل الفرجين تحسب أنه
قال قتادة :نزلت يوم أحهد والنهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي الشعهب ،إذ صهاح المشركون :يوم بيوم،
لنها العزى ول عزى لكهم ،قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم[ :قولوا ال مولنها ول مولى لكهم] وقهد
تقدم" .وأن الكافرين ل مولى لهم" أي ل ينصرهم أحد من ال.
**3اليهة{ 12 :إن ال يدخهل الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات جنات تجري مهن تحتهها النهار
والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام والنار مثوى لهم}
@قوله تعالى" :إن ال يدخهل الذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات جنات تجري مهن تحتهها النهار"
تقدم" .والذين كفروا يتمتعون" في الدنيا كأنهم أنعام ،ليس لهم همة إل بطونهم وفروجهم ،ساهون
عما في غدهم .وقيل :المؤمن في الدنيا يتزود ،والمنافق يتزين ،والكافر يتمتع" .والنار مثوى لهم"
أي مقام ومنزل.
**3الية{ 13 :وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فل ناصر لهم}
@قوله تعالى" :وكأيهن مهن قريهة" تقدم الكلم فهي "كأيهن" فهي (آل عمران) .وههي هها هنها بمعنهى
كم ،أي وكم من قرية .وأنشد الخفش قول لبيد:
ومفتاح قيد للسير المكبل وكائن رأينا من ملوك وسوقة
فيكون معناه :وكم من أهل قرية" .قريتك التي" أي أخرجك أهلها" .أهلكناهم فل ناصر لهم" قال
قتادة وابهن عباس :لمها خرج النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن مكهة إلى الغار التفهت إلى مكهة وقال:
[اللهم أنت أحب البلد إلى ال وأنت أحب البلد إلي ولول المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت
منك] .فنزلت الية ،ذكره الثعلبي ،وهو حديث صحيح.
**3الية{ 14 :أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم}
@قوله تعالى" :أفمهن كان على بينهة مهن ربهه" اللف ألف تقريهر .ومعنهى "على بينهة" أي على
ثبات ويقين ،قال ابن عباس .أبو العالية :وهو محمد صلى ال عليه وسلم .والبينة :الوحي" .كمن
زين له سوء عمله" أي عبادة الصنام ،وهو أبو جهل والكفار" .واتبعوا أهواءهم" أي ما اشتهوا.
وهذا التزييهن مهن جههة ال خلقها .ويجوز أن يكون مهن الشيطان دعاء ووسهوسة .ويجوز أن يكون
من الكافر ،أي زين لنفسه سوء عمله وأصر على الكفر .وقال" :سوء" على لفظ "من" "واتبعوا"
على معناه.
**3اليهة{ 15 :مثهل الجنهة التهي وعهد المتقون فيهها أنهار مهن ماء غيهر آسهن وأنهار مهن لبهن لم
يتغيهر طعمهه وأنهار مهن خمهر لذة للشاربيهن وأنهار مهن عسهل مصهفى ولههم فيهها مهن كهل الثمرات
ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}
@قوله تعالى" :مثهل الجنهة التهي وعهد المتقون" لمها قال عهز وجهل" :إن ال يدخهل الذيهن آمنوا
وعملوا الصالحات جنات" [الحج ]14 :وصف تلك الجنات ،أي صفة الجنة المعدة للمتقين .وقد
مضهى الكلم فهي هذا فهي "الرعهد" .وقرأ علي بهن أبهي طالب "مثال الجنهة التهي وعهد المتقون".
"فيهها أنهار مهن ماء غيهر آسهن" أي غيهر متغيهر الرائحهة .والسهن مهن الماء مثهل الجهن .وقهد أسهن
الماء يأسهن ويأسهن أسهنا وأسهونا إذا تغيرت رائحتهه .وكذلك أجهن الماء يأجهن ويأجهن أجنها وأجونها.
ويقال بالكسر فيهما :أجن وأسن يأسن ويأجن أسنا وأجنا ،قاله اليزيدي .وأسن الرجل أيضا يأسن
(بالكسر ل غير) إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار
رأسه ،قال زهير:
يميد في الرمح ميد المائح السن قد أترك القِرن مصفرا أنامله
ويروى "الوسهن" .وتأسهن الماء تغيهر .أبهو زيهد :تأسهن علي تأسهنا اعتهل وأبطهأ .أبهو عمرو :تأسهن
الرجهل أباه أخهذ أخلقهه .وقال اللحيانهي :إذا نزع إليه فهي الشبه ،وقراءة العامة "آسهن" بالمهد .وقرأ
ابههن كثيهر وحميهد "أسهن" بالقصهر ،وهمهها لغتان ،مثهل حاذر وحذر .وقال الخفهش :أسههن للحال،
وآسن (مثل فاعل) يراد به الستقبال.
@قوله تعالى" :وأنهار من لبن لم يتغير طعمه" أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا
إلى الحموضهة" .وأنهار مهن خمهر لذة للشاربيهن" أي لم تدنسهها الرجهل ولم ترنقهها اليدي كخمهر
الدنيا ،فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب ل يتكرهها الشاربون .يقال :شراب لذ ولذيذ بمعنى .واستلذه
عده لذيذا" .وأنهار مهن عسهل مصهفى" العسهل مها يسهيل مهن لعاب النحهل" .مصهفى" أي مهن الشمهع
والقذى ،خلقه ال كذلك لم يطبخ على نار ول دنسه النحل .وفي الترمذي عن حكيم بن معاومة عن
أبيه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر
الخمر ثم تشقق النهار بعد] .قال :حديث حسن صحيح .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي
ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار
الجنهة] .وقال كعهب :نههر دجلة نههر ماء أههل الجنهة ،ونههر الفرات نههر لبنههم ،ونههر مصهر نههر
خمرههم ،ونههر سهيحان نههر عسهلهم .وهذه النهار الربعهة تخرج مهن نههر الكوثهر .والعسهل :يذكهر
ويؤنهث .وقال ابهن عباس" :مهن عسهل مصهفى" أي لم يخرج مهن بطون النحهل" .ولههم فيهها مهن كهل
الثمرات" "مهن" زائدة للتأكيهد" .ومغفرة مهن ربههم" أي لذنوبههم" .كمهن ههو خالد فهي النار" قال
الفراء :المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار .وقال الزجاج :أي أفمن كان على بينة
مهن ربهه وأعطهى هذه الشياء كمهن زيهن له سهوء عمله وههو خالد فهي النار .فقوله" :كمهن" بدل من
قوله" :أفمهن زيهن له سهوء عمله" [فاطهر .]8 :وقال ابهن كيسهان :مثهل هذه الجنهة التهي فيهها الثمار
والنهار كمثهل النار التهي فيهها الحميهم والزقوم .ومثهل أههل الجنهة فهي النعيهم المقيهم كمئل أههل النار
فههي العذاب المقيههم" .وسههقوا ماء حميمهها" أي حارا شديههد الغليان ،إذا أدنههى منهههم شوى وجوههههم،
ووقعهت فروة رؤوسههم ،فإذا شربوه قطهع أمعاءههم وأخرجهها مهن دبورههم .والمعاء :جمهع معهى،
والتثنية معيان ،وهو جميع ما في البطن من الحوايا.
**3اليهة{ 16 :ومنههم مهن يسهتمع إليهك حتهى إذا خرجوا مهن عندك قالوا للذيهن أوتوا العلم ماذا
قال آنفهها أولئك الذيههن طبههع ال على قلوبهههم واتبعوا أهواءهههم ،والذيههن اهتدوا زادهههم هدى وآتاهههم
تقواهم}
@قوله تعالى" :ومنهم من يستمع إليك" أي من هؤلء الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام،
وزيهن لههم سهوء عملههم قوم يسهتمعون إليهك وههم المنافقون :عبدال بهن أبهي ابهن سهلول ورفاعهة بهن
التابوت وزيههد بههن الصههليت والحارث بههن عمرو ومالك بههن دخشههم ،كانوا يحضرون الخطبههة يوم
الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه ،فإذا خرجوا سألوا عنه ،قاله الكلبي ومقاتل.
وقيل :كانوا يحضرون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم مع المؤمنين ،فيستمعون منه ما يقول،
فيعيهه المؤمهن ول يعيهه الكافهر" .حتهى إذا خرجوا مهن عندك" أي إذا فارقوا مجلسهك" .قالوا للذيهن
أوتوا العلم" قال عكرمهة :ههو عبدال بهن العباس .قال ابهن عباس :كنهت ممهن يُسهأل ،أي كنهت مهن
الذيهن أوتوا العلم .وفهي روايهة عهن ابهن عباس :أنهه يريهد عبدال بهن مسهعود .وكذا قال عبدال بهن
بريدة :ههو عبدال بهن مسهعود .وقال القاسهم بهن عبدالرحمهن :ههو أبهو الدرداء .وقال ابهن زيهد :إنههم
الصهحابة" .ماذا قال آنفها" أي الن ،على جههة السهتهزاء .أي أنها لم ألتفهت إلى قوله .و"آنفها" يراد
به الساعة التي هي أقرب الوقات إليك ،من قولك :استأنفت الشيء إذا ابتدأت به .ومنه أمر أنف،
وروضة أنف ،أي لم يرعها أحد .وكأس أنف :إذا لم يشرب منها شيء ،كأنه استؤنف شربها مثل
روضة أنف .قال الشاعر:
ويأكل جارهم أنف القصاع ويحرم سر جارتهم عليهم
وقال آخر:
والقينة الحسناء والكأس النف إن الشواء والنشيل والرغف
للطاعنين الخيل والخيل قطف
وقال امرؤ القيس:
قد غدا يحملني في أنفه
أي في أوله .وأنف كل شيء أوله .وقال قتادة في هؤلء المنافقين :الناس رجلن :رجل عقل عن
ال فانتفهع بمها سهمع ،ورجهل لم يعقهل ولم ينتفهع بمها سهمع .وكان يقال :الناس ثلثهة :فسهامع عامهل،
وسامع عاقل ،وسامع غافل تارك.
@قوله تعالى" :أولئك الذيهن طبهع ال على قلوبههم" فلم يؤمنوا" .واتبعوا أهواءههم" فهي الكفهر.
"والذين اهتدوا" أي لليمان زادهم ال هدى .وقيل :زادهم النبي صلى ال عليه وسلم هدى .وقيل:
مهها يسههتمعونه مههن القرآن هدى ،أي يتضاعههف يقينهههم .وقال الفراء :زادهههم إعراض المنافقيههن
واسههتهزاؤهم هدى .وقيههل :زادهههم نزول الناسههخ هدى .وفههي الهدى الذي زادهههم أربعههة أقاويههل:
أحدهها :زادههم علمها ،قاله الربيهع بهن أنهس .الثانهي :أنههم علموا مها سهمعوا وعملوا بمها علموا ،قاله
الضحاك .الثالث :زادههم بصهيرة فهي دينههم وتصهديقا لنهبيهم ،قاله الكلبهي .الرابهع :شرح صهدورهم
بما هم عليه من اليمان.
@قوله تعالى" :وآتاههم تقواههم" أي ألهمههم إياهها .وقيهل :فيهه خمسهة أوجهه :أحدهها :آتاههم الخشيهة،
قاله الربيع .الثاني :ثواب تقواهم في الخرة ،قاله السدي .الثالث :وفقهم للعمل الذي فرض عليهم،
قاله مقاتهل .الرابهع :بيهن لههم مها يتقون ،قاله ابهن زياد والسهدي أيضها .الخامهس :أنهه ترك المنسهوخ
والعمههل بالناسههخ ،قاله عطيههة .الماوردي :ويحتمههل .سههادسا :أنههه ترك الرخههص والخههذ بالعزائم.
وقرئ "وأعطاهم" بدل "وآتاهم" .وقال عكرمة :هذه نزلت فيمن آمن من أهل الكتاب.
**3الية{ 18 :فهل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم
ذكراهم}
@قوله تعالى" :فهل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم بغتة" أي فجأة .وهذا وعيد للكفار" .فقد جاء
أشراطها" أي أماراتها وعلماتها .وكانوا قد قرؤوا في كتبهم أن محمدا صلى ال عليه وسلم آخر
النهبياء ،فبعثهه مهن أشراطهها وأدلتهها ،قاله الضحاك والحسهن .وفهي الصهحيح عهن أنهس قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :بعثت أنا والساعة كهاتين] وضم السبابة والوسطى ،لفظ مسلم:
وخرجهه البخاري والترمذي وابهن ماجهه .ويروى [بعثهت والسهاعة كفرسهي رهان] .وقيهل :أشراط
الساعة أسبابها التي هي دون معظمها .ومنه يقال للدون من الناس :الشرط .وقيل :يعني علمات
السههاعة انشقاق القمههر والدخان ،قال الحسههن أيضهها .وعههن الكلبههي :كثرة المال والتجارة وشهادة
الزور وقطهههع الرحام ،وقلة الكرام وكثرة اللئام .وقهههد أتينههها على هذا الباب فهههي كتاب "التذكرة"
مسههتوفى والحمههد ل .وواحههد الشراط شرط ،وأصههله العلم .ومنههه قيههل الشرط ،لنهههم جعلوا
لنفسهم علمة يعرفون بها .ومنه الشرط في البيع وغيره .قال أبو السود:
فقد جعلت أشراط أوله تبدو فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا
ويقال :أشرط فلن نفسه في عمل كذا أي أعلمها وجعلها له .قال أوس بن حجر يصف رجل تدلى
بحبل من رأس جبل إلى نبعة يقطعها ليتخذ منها قوسا:
وألقى بأسباب له وتوكل فأشرط نفسه فيها وهو معصم
"أن تأتيههم بغتهة" "أن" بدل اشتمال مهن "السهاعة" ،نحهو قوله" :أن تطؤوههم" [الفتهح ]25 :مهن
قوله" :رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" [الفتح .]25 :وقرئ "بغتة" بوزن جربة ،وهي غريبة لم
ترد فهي المصهادر أختهها ،وههي مرويهة عهن أبهي عمرو .الزمخشري :ومها أخوفنهي أن تكون غلطهة
مههن الراوي عههن أبههي عمرو ،وأن يكون الصههواب "بغتههة" بفتههح الغيههن مههن غيههر تشديههد ،كقراءة
الحسن .وروى أبو جعفر الرؤاسي وغيره من أهل مكة "إن تأتهم بغتة" .قال المهدوي :ومن قرأ
"إن تأتهم بغتة" كان الوقف على "الساعة" ثم استأنف الشرط .وما يحتمله الكلم من الشك مردود
إلى الخلق ،كأنه قال :إن شكوا في مجيئها "فقد جاء أشراطها".
@قوله تعالى" :فأنهى لههم إذا جاءتههم ذكراههم" "ذكراههم" ابتداء و"أنهى لههم" الخهبر .والضميهر
المرفوع فهي "جاءتههم" للسهاعة ،التقديهر :فمهن أيهن لههم التذكهر إذا جاءتههم السهاعة ،قال معناه قتادة
وغيره .وقيههل :فكيههف لهههم بالنجاة إذا جاءتهههم الذكرى عنههد مجيههء السههاعة ،قاله ابههن زيههد .وفههي
الذكرى وجهان :أحدهما :تذكيرهم بما عملوه من خير أو شر .الثاني :هو دعاؤهم بأسمائهم تبشيرا
وتخويفا ،روى أبان عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :أحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون
بها يوم القيامة يا فلن قم إلى نورك يا فلن قم ل نور لك] ذكره الماوردي.
**3الية{ 19 :فاعلم أنه ل إله إل ال واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وال يعلم متقلبكم
ومثواكم}
@قوله تعالى" :فاعلم أنهه ل إله إل ال" قال الماوردي :وفيهه -وإن كان الرسهول عالمها بال -
ثلثة أوجه :يعني اعلم أن ال أعلمك أن ل إله إل ال .الثاني :ما علمته استدلل فاعلمه خبرا يقينا.
الثالث :يعني فاذكر أن ل إله إل ال ،فعبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه .وعن سفيان بن عيينة أنه
سئل عن فضل العلم فقال :ألم تسمع قوله حين بدأ به "فاعلم أنه ل إله إل ال واستغفر لذنبك" فأمر
بالعمههل بعههد العلم وقال" :اعلموا أنمهها الحياة الدنيهها لعههب ولهههو" إلى قوله "سههابقوا إلى مغفرة مههن
ربكم" [الحديد ]21 - 20 :وقال" :واعلموا أنما أموالكم وأولدكم فتنة" [النفال .]28 :ثم قال
بعهد" :فاحذروههم" [التغابهن .]14 :وقال تعالى" :واعلموا أنمها غنمتهم مهن شيهء فأن ل خمسهة"
[النفال .]41 :ثم أمر بالعمل بعد.
@قوله تعالى" :واسهتغفر لذنبهك" يحتمهل وجهيهن :أحدهمها :يعنهي اسهتغفر ال أن يقهع منهك ذنهب.
الثاني :استغفر ال ليعصمك من الذنوب .وقيل :لما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات
على اليمان ،أي اثبهت على مها أنهت عليهه مهن التوحيهد والخلص والحذر عمها تحتاج معهه إلى
اسههتغفار .وقيههل :الخطاب له والمراد بههه المههة ،وعلى هذا القول توجههب اليههة اسههتغفار النسههان
لجميهع المسهلمين .وقيهل :كان عليهه السهلم يضيهق صهدره مهن كفهر الكفار والمنافقيهن ،فنزلت اليهة.
أي فاعلم أنهه ل كاشهف يكشهف مها بهك إل ال ،فل تعلق قلبهك بأحهد سهواه .وقيهل :أمهر بالسهتغفار
لتقتدي بهه المهة" .وللمؤمنيهن والمؤمنات" أي ولذنوبههم .وهذا أمهر بالشفاعهة .وروى مسهلم عهن
عاصم الحول عن عبدال بن سرجس المخزومي قال :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وأكلت من
طعامهه فقلت :يها رسهول ال ،غفهر ال لك فقال له صهاحبي :ههل اسهتغفر لك النهبي صهلى ال عليهه
وسههلم؟ قال :نعههم ،ولك .ثههم تل هذه اليههة" :واسههتغفر لذنبههك وللمؤمنيههن والمؤمنات" ثههم تحولت
فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ،جمعا عليه خيلن كأنه الثآليل.
@قوله تعالى" :وال يعلم متقلبكهم ومثواكهم" فيهه خمسهة أقوال :أحدهها :يعلم أعمالكهم فهي تصهرفكم
وإقامتكم .الثاني" :متقلبكم" في أعمالكم نهارا "ومثواكم" في ليلكم نياما .وقيل "متقلبكم" في الدنيا.
"ومثواكهم" فهي الدنيها والخرة ،قال ابهن عباس والضحاك .وقال عكرمهة" :متقلبكهم" فهي أصهلب
الباء إلى أرحام المهات" .ومثواكهم" مقامكهم فهي الرض .وقال ابهن كيسهان" :متقلبكهم" مهن ظههر
إلى بطن الدنيا" .ومثواكم" في القبور.
قلت :والعموم يأتي على هذا كله ،فل يخفى عليه سبحانه شيء من حركات بني آدم وسكناتهم،
وكذا جميع خلقه .فهو عالم بجميع ذلك قبل كونه جملة وتفصيل أولى وأخرى .سبحانه! ل إله إل
هو.
**3الية{ 21 - 20 :ويقول الذين آمنوا لول نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها
القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم ،طاعة
وقول معروف فإذا عزم المر فلو صدقوا ال لكان خيرا لهم}
@قوله تعالى" :ويقول الذين آمنوا" أي المؤمنون المخلصون" .لول نزلت سورة" اشتياقا للوحي
وحرصها على الجهاد وثوابهه .ومعنهى "لول" هل" .فإذا أنزلت سهورة محكمهة" ل نسهخ فيهها .قال
قتادة :كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة ،وهي أشد القرآن على المنافقين .وفي قراءة عبدال
"فإذا أنزلت سورة محدثة" أي محدثة النزول" .وذكر فيها القتال" أي فرض فيها الجهاد .وقرئ
"فإذا أنزلت سورة وذكر فيهها القتال" على البناء للفاعهل ونصهب القتال" .رأيهت الذيهن فهي قلوبههم
مرض" أي شههك ونفاق" .ينظرون إليههك نظههر المغشههي عليههه مههن الموت" أي نظههر مغموصههين
مغتاظين بتحديد وتحديق ،كمن يشخص بصره عند الموت ،وذلك لجبنهم عن القتال جزعا وهلعا،
ولميلهم في السر إلى الكفار.
@قوله تعالى" :فأولى لهم" قال الجوهري :وقولهم :أولى لك ،تهديد ووعيد .قال الشاعر:
وهل للدر يحلب من مرد فأولى ثم أولى ثم أولى
قال الصمعي :معناه قاربه ما يهلكه ،أي نزل به .وأنشد:
وأولى أن يزيد على الثلث فعادى بين هاديتين منها
أي قارب أن يزيهد .قال ثعلب :ولم يقهل أحهد فهي "أولى" أحسهن ممها قال الصهمعي .وقال المهبرد:
يقال لمن هم بالعطب ثم أفلت :أولى لك ،أي قاربت العطب .كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي
الصيد فيفلت منه ليقول :أولى لك .ثم رمى صيدا فقاربه ثم أفلت منه فقال:
ولكن أولى يترك القوم جوعا فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم
وقيههل :هههو كقول الرجههل لصههاحبه :يهها محروم ،أي شيههء فاتههك وقال الجرجانههي :ههو مأخوذ مهن
الويهل ،فههو أفعهل ،ولكهن فيهه قلب ،وههو أن عيهن الفعهل وقهع موقهع اللم .وقهد تهم الكلم على قوله:
"فأولى لههم" .قال قتادة :كأنهه قال العقاب أولى لههم .وقيهل :أي وليههم المكروه .ثهم قال" :طاعهة
وقول معروف" أي طاعهة وقول معروف أمثهل وأحسهن ،وههو مذههب سهيبويه والخليهل .وقيهل :إن
التقدير أمرنا طاعة وقول معروف ،فحذف المبتدأ فيوقف على "فأولى لهم" .وكذا من قدر يقولون
منا طاعة .وقيل :إن الية الثانية متصلة بالولى .واللم في قوله" :لهم" بمعنى الباء ،أي الطاعة
أولى وأليهق بههم ،وأحهق لههم مهن ترك أمتثال أمهر ال .وههي قراءة أبهي "يقولون طاعهة" .وقيهل إن:
"طاعهة" نعهت لهه "سهورة" ،على تقديهر :فإذا أنزلت سهورة ذات طاعهة ،فل يوقهف على هذا على
"فأولى لهم" .قال ابن عباس :إن قولهم "طاعة" إخبار من ال عز وجل عن المنافقين .والمعنى
لههم طاعة وقول معروف ،قيهل :وجوب الفرائض عليههم ،فإذا أنزلت الفرائض شهق عليههم نزولهها.
فيوقهف على هذا على "فأولى"" .فإذا عزم المهر" أي جهد القتال ،أو وجهب فرض القتال ،كرهوه.
فكرهوه جواب "إذا" وهو محذوف .وقيل :المعنى فإذا عزم أصحاب المر" .فلو صدقوا ال" أي
في اليمان والجهاد" .لكان خيرا لهم" من المعصية والمخالفة.
**3الية{ 24 - 22 :فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكهم ،أولئك
الذين لعنهم ال فأصمهم وأعمى أبصارهم ،أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}
@قوله تعالى" :فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض" اختلف في معنى "إن توليتم" فقيل:
جعِلتهم حكامها أن تفسهدوا فهي
ههو مهن الوليهة .قال أبهو العاليهة :المعنهى فههل عسهيتم إن توليتهم الحكهم ف ُ
الرض بأخهذ الرشها .وقال الكلبهي :أي فههل عسهيتم إن توليتهم أمهر المهة أن تفسهدوا فهي الرض
بالظلم .وقال ابههن جريههج :المعنههى فهههل عسههيتم إن توليتههم عههن الطاعههة أن تفسههدوا فههي الرض
بالمعاصي وقطع الرحام .وقال كعب :المعنى فهل عسيتم إن توليتم المر أن يقتل بعضكم بعضا.
وقيل :من العراض عن الشيء .قال قتادة :أي فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب ال أن تفسدوا في
الرض بسفك الدماء الحرام ،وتقطعوا أرحامكم .وقيل" :فهل عسيتم" أي فلعلكم إن أعرضتم عن
القرآن وفارقتم أحكامه أن تفسدوا في الرض فتعودوا إلى جاهليتكم .وقرئ بفتح السين وكسرها.
وقههد مضههى فههي "البقرة" القول فيههه مسههتوفى .وقال بكههر المزنههي :إنههها نزلت فههي الحروريههة
والخوارج ،وفيهه بعهد .والظههر أنهه إنمها عنهي بهها المنافقون .وقال ابهن حيان :قريهش .ونحوه قال
المسهيب بهن شريهك والفراء ،قال :نزلت فهي بنهي أميهة وبنهي هاشهم ،ودليهل هذا التأويهل مها روى
عبدال بن مغفل قال سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول( :فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في
الرض -ثهم قال -ههم هذا الحهي مهن قريهش أخهذ ال عليههم إن ولوا الناس أل يفسهدوا فهي الرض
ول يقطعوا أرحامههم) .وقرأ علي بهن أبهي طالب "إن توليتههم أن تفسهدوا فهي الرض" بضهم التاء
والواو وكسهر اللم .وههي قراءة ابهن أبهي إسهحاق ،ورواهها رويهس عهن يعقوب .يقول :إن وليتكهم
ولة جائرة خرجتم معهم في الفتنة وحاربتموهم.
@قوله تعالى" :وتقطعوا أرحامكم" بالبغي والظلم والقتل .وقرأ يعقوب وسلم وعيسى وأبو حاتم
"وتقطعوا" بفتح التاء وتخفيف القاف ،من القطع ،اعتبارا بقوله تعالى" :ويقطعون ما أمر ال به
أن يوصهل" [البقرة .]27 :وروى هذه القراءة هارون عهن أبهى عمرو .وقرأ الحسهن "وتقطعوا"
مفتوحهة الحروف مشددة ،أعتبارا بقوله تعالى" :وتقطعوا أمرههم بينههم" [النهبياء .]93 :الباقون
"وتقطعوا" بضم التاء مشددة الطاء ،من التقطيع على التكثير ،وهو اختيار أبي عبيد .وتقدم ذكر
"عسيتم" [البقرة ]246 :في (البقرة) .وقال الزجاج في قراءة نافع :لو جاز هذا لجاز "عيسى"
بالكسههر .قال الجوهري :ويقال عسههيت أن أفعههل ذلك ،وعسههيت بالكسههر .وقرئ "فهههل عسههيتم"
بالكسر.
قلت :ويدل قوله هذا على أنهما لغتان .وقد مضى القول فيه في "البقرة" مستوفى.
@قوله تعالى" :أولئك الذيهن لعنههم ال" أي طردههم وأبعدههم مهن رحمتهه" .فأصهمهم" عهن الحهق.
"وأعمى أبصارهم" أي قلوبهم عن الخير .فأتبع الخبار بأن من فعل ذلك حقت عليه لعنته ،وسلبه
النتفاع بسمعه وبصره حتى ل ينقاد للحق وإن سمعه ،فجعله كالبهيمة التي ل تعقل .وقال" :فهل
عسيتم" ثم قال" :أولئك الذين لعنهم ال" فرجع من الخطاب إلى الغيبة على عادة العرب في ذلك.
"أفل يتدبرون القرآن" أي يتفهمونهه فيعلمون مها أعهد ال للذيهن لم يتولوا عهن السهلم" .أم على
قلوب أقفالهها" أي بهل على قلوب أقفال أقفلهها ال عهز وجهل عليههم فههم ل يعقلون .وهذا يرد على
القدرية والمامية مذهبهم .وفي حديث مرفوع أن النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :إن عليها أقفال
كأقفال الحديهد حتهى يكون ال يفتحهها] .وأصهل القفهل اليبهس والصهلبة .ويقال لمها يبهس مهن الشجهر:
القفل .والقفيل مثله .والقفيل أيضا نبت .والقفيل :الصوت .قال الراجز:
قمت إليه بالقفيل ضربا لما أتاك يابسا قرشبا
كيف قريت شيخك الزبا
ال ِق ْرشَبّهه (بكسهههر القاف) المسهههن ،عهههن الصهههمعي .وأقفله الصهههوم أي أيبسهههه ،قاله القشيري
والجوهري .فالقفال ههها هنهها إشارة إلى ارتجاج القلب وخلوه عههن اليمان .أي ل يدخههل قلوبهههم
اليمان ول يخرج منههها الكفههر ،لن ال تعالى طبههع على قلوبهههم وقال" :على قلوب" لنههه لو قال
على قلوبههم لم يدخهل قلب غيرههم فهي هذه الجملة .والمراد أم على قلوب هؤلء وقلوب مهن كانوا
بهذه الصفة أقفالها.
@ في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :إن ال خلق الخلق
حتهى إذا فرغ منههم قامهت الرحهم فقالت هذا مقام العائذ مهن القطيعهة قال نعهم أمها ترضيهن أن أصهل
مهن وصهلك وأقطهع مهن قطعهك قالت بلى قال فذاك لك -ثهم قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم -
اقرؤوا إن شئتهم "فههل عسهيتم إن توليتهم أن تفسهدوا فهي الرض وتقطعوا أرحامكهم .أولئك الذيهن
لعنههم ال فأصهمهم وأعمهى أبصهارهم .أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالهها"] .وظاههر اليهة
أنهها خطاب لجميهع الكفار .وقال قتادة وغيره :معنهى اليهة فلعلكهم ،أو يخاف عليكهم ،إن أعرضتهم
عن اليمان أن تعودوا إلى الفساد في الرض لسفك الدماء .قال قتادة :كيف رأيتم القوم حين تولوا
عن كتاب ال تعالى ألم يسفكوا الدماء الحرام ويقطعوا الرحام وعصوا الرحمن .فالرحم على هذا
رحهههم ديهههن السهههلم واليمان ،التهههي قهههد سهههماها ال إخوة بقوله تعالى" :إنمههها المؤمنون إخوة"
[الحجرات .]10 :وعلى قول الفراء أن الية نزلت في بني هاشم وبني أمية ،والمراد من أضمر
منههم نفاقها ،فأشار بقطهع الرحهم إلى مها كان بينههم وبيهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن القرابهة
بتكذيبههم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم .وذلك يوجهب القتال .وبالجملة فالرحهم على وجهيهن :عامهة
وخاصههة ،فالعامهة رحهم الديهن ،ويوجههب مواصههلتها بملزمههة اليمان والمحبهة لهله ونصههرتهم،
والنصههيحة وترك مضارتهههم والعدل بينهههم ،والنصههفة فههي معاملتهههم والقيام بحقوقهههم الواجبههة،
كتمريهض المرضهى وحقوق الموتهى مهن غسهلهم والصهلة عليههم ودفنههم ،وغيهر ذلك مهن الحقوق
المترتبهة لههم .وأمها الرحهم الخاصهة وههي رحهم القرابهة مهن طرفهي الرجهل أبيهه وأمهه ،فتجهب لههم
الحقوق الخاصهههة وزيادة ،كالنفقهههة وتفقهههد أحوالههههم ،وترك التغافهههل عهههن تعاهدههههم فهههي أوقات
ضروراتهههم ،وتتأكههد فههي حقهههم حقوق الرحههم العامههة ،حتههى إذا تزاحمههت الحقوق بدئ بالقرب
فالقرب .وقال بعض أهل العلم :إن الرحم التي تجب صلتها هي كل رحم محرم وعليه فل تجب
في بني العمام وبني الخوال .وقيل :بل هذا في كل رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الرحام
فهي المواريهث ،محرمها كان أو غيهر محرم .فيخرج مهن هذا أن رحهم الم التهي ل يتوارث بهها ل
تجب صلتهم ول يحرم قطعهم .وهذا ليس بصحيح ،والصواب أن كل ما يشمله ويعمه الرحم تجب
صلته على كل حال ،قربة ودينية ،على ما ذكرناه أول وال أعلم .قد روى أبو داود الطيالسي في
مسهنده قال :حدثنها شعبهة قال أخهبرني محمهد بهن عبدالجبار قال سهمعت محمهد بهن كعهب القرظهي
يحدث عهن أبهي هريرة قال :سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول( :إن للرحهم لسهانا يوم
القيامة تحت العرش يقول يا رب قطعت يا رب ظلمت يا رب أسيء إلي فيجيبها ربها أل ترضين
أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك) .وفي صحيح مسلم عن جبير بن مطعم عن النبي صلى
ال عليه وسلم قال( :ل يدخل الجنة قاطع) .قال ابن أبي عمر قال سفيان :يعني قاطع رحم .ورواه
البخاري.
@ قوله عليهه السهلم( :إن ال تعالى خلق الخلق حتهى إذا فرغ منههم " )...خلق" بمعنهى اخترع
وأصهله التقديهر ،كمها تقدم .والخلق هنها بمعنهى المخلوق .ومنهه قوله تعالى" :هذا خلق ال" [لقمان:
]11أي مخلوقهه .ومعنهى [فرغ منههم] كمهل خلقههم .ل أنهه اشتغهل بههم ثهم فرغ مهن شغله بههم ،إذ
ليههس فعله بمباشرة ول مناولة ،ول خلقههه بآلة ول محاولة ،تعالى عههن ذلك .وقوله[ :قامههت الرحههم
فقالت] يحمل على أحد وجهين :أحدهما :أن يكون ال تعالى أقام من يتكلم عن الرحم من الملئكة
فيقول ذلك ،وكأنه وكل بهذه العبادة من يناضل عنها ويكتب ثواب من وصلها ووزر من قطعها،
كما وكل ال بسائر العمال كراما كاتبين ،وبمشاهدة أوقات الصلوات ملئكة متعاقبين .وثانيهما:
أن ذلك على جههة التقديهر والتمثيهل المفههم للعياء وشدة العتناء .فكأنهه قال :لو كانهت الرحهم ممهن
يعقههل ويتكلم لقالت هذا الكلم ،كمهها قال تعالى" :لو أنزلنهها هذا القرآن على جبههل لرأيتههه خاشعهها
متصهدعا مهن خشيهة ال" ثهم قال "وتلك المثال نضربهها للناس لعلههم يتفكرون" [الحشهر.]21 :
وقوله( :فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة) مقصود هذا الكلم الخبار بتأكد أمر صلة الرحم،
وأن ال سبحانه قد نزلها بمنزلة من استجار به فأجاره ،وأدخله في ذمته وخفارته .وإذا كان كذلك
فجار ال غير مخذول وعهده غير منقوض .ولذلك قال مخاطبا للرحم( :أما ترضين أن أصل من
وصلك وأقطع من قطعك) .وهذا كما قال عليه السلم[ :ومن صلى الصبح فهو في ذمة ال تعالى
فل يطلبنكم ال من ذمته بشيء فإنه من يطلبه بذمته بشيء يدركه ثم يكبه في النار على وجهه].
**3اليهة{ 25 :إن الذيهن ارتدوا على أدبارههم مهن بعهد مها تهبين لههم الهدى الشيطان سهول لههم
وأملى لهم}
@قوله تعالى" :إن الذيهن ارتدوا على أدبارههم" قال قتادة :ههم كفار أههل الكتاب ،كفروا بالنهبي
صههلى ال عليههه وسههلم بعههد مهها عرفوا نعتههه عندهههم ،قاله ابههن جريههج .وقال ابههن عباس والضحاك
والسهدي :ههم المنافقون ،قعدوا عهن القتال بعهد مها علموه فهي القرآن" .الشيطان سهول لههم" أي زيهن
لهم خطاياهم ،قاله الحسن" .وأملى لهم" أي مد لهم الشيطان في المل ووعدهم طول العمر ،عن
الحسهن أيضها .وقال :إن الذي أملى لههم فهي المهل ومهد فهي آجالههم ههو ال عهز وجهل ،قاله الفراء
والمفضهل .وقال الكلبهي ومقاتهل :إن معنهى "أملى لههم" أمهلههم ،فعلى هذا يكون ال تعالى أملى لههم
بالمهال فهي عذابههم .وقرأ أبهو عمرو وابهن إسهحاق وعيسهى بهن عمرو أبهو جعفهر وشيبهة "وأملي
لههم" بضهم الهمزة وكسهر اللم وفتهح الياء ،على مها لم يسهم فاعله .وكذلك قرأ ابهن هرمهز ومجاههد
والجحدري ويعقوب ،إل أنههم سهكنوا الياء على وجهه الخهبر مهن ال تعالى عهن نفسهه أنهه يفعهل ذلك
بهم ،كأنه قال :وأنا أملي لهم .واختاره أبو حاتم ،قال :لن فتح الهمزة يوهم أن الشيطان يملي لهم،
وليهس كذلك ،فلهذا عدل إلى الضهم .قال المهدوي :ومهن قرأ "وأملى لههم" فالفاعهل اسهم ال تعالى.
وقيهههل الشيطان .واختار أبهههو عبيهههد قراءة العامهههة ،قال :لن المعنهههى معلوم ،لقوله" :لتؤمنوا بال
ورسهوله وتعزروه وتوقروه وتسهبحوه" [الفتهح ]9 :رد التسهبيح على اسهم ال ،والتوقيهر والتعزيهر
على اسم الرسول.
**3اليهة{ 26 :ذلك بأنههم قالوا للذيهن كرهوا مها نزل ال سهنطيعكم فهي بعهض المهر وال يعلم
إسرارهم}
@قوله تعالى" :ذلك بأنههم قالوا" أي ذلك الملء لههم حتهى يتمادوا فهي الكفهر بأنههم قالوا ،يعنهي
المنافقيهن واليهود" .للذيهن كرهوا مها نزل ال" وههم المشركون" .سهنطيعكم فهي بعهض المهر وال
يعلم إسهرارهم" أي فهي مخالفهة محمهد والتظاههر على عداوتهه ،والقعود عهن الجهاد معهه وتوهيهن
أمره فهي السهر .وههم إنمها قالوا ذلك سهرا فأخهبر ال نهبيه .وقراءة العامهة "أسهرارهم" بفتهح الهمزة
جمههع سههر ،وهههي اختيار أبههي عبيههد وأبههي حاتههم .وقرأ الكوفيون وابههن وثاب والعمههش وحمزة
والكسههائي وحفههص عههن عاصههم "إسههرارهم" بكسههر الهمزة على المصههدر ،نحههو قوله تعالى:
"وأسررت لهم إسرارا" [نوح ]9 :جمع لختلف ضروب السر.
**3الية{ 27 :فكيف إذا توفتهم الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم}
@قوله تعالى" :فكيههف" أي فكيههف تكون حالهههم" .إذا توفتهههم الملئكههة يضربون وجوههههم
وأدبارههم" أي ضاربيهن ،فههو فهي موضهع الحال .ومعنهى الكلم التخويهف والتهديهد ،أي إن تأخهر
عنهم العذاب فإلى انقضاء العمر .وقد مضى في "النفال والنحل" .وقال ابن عباس :ل يتوفى أحد
على معصهية إل بضرب شديهد لوجههه وقفاه .وقيهل :ذلك عنهد القتال نصهرة لرسهول ال صهلى ال
عليهه وسهلم ،بضرب الملئكهة وجوهههم عنهد الطلب وأدبارههم عنهد الهرب .وقيهل :ذلك فهي القيامهة
عند سوقهم إلى النار.
**3الية{ 28 :ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}
@قوله تعالى" :ذلك" أي ذلك جزاؤهم" .بأنهم اتبعوا ما أسخط ال" قال ابن عباس :هو كتمانهم
مها فهي التوراة مهن نعهت محمهد صهلى ال عليهه وسهلم .وإن حملت على المنافقيهن فههو إشارة إلى مها
أضمروا عليهه مهن الكفهر" .وكرهوا رضوانهه" يعنهي اليمان" .فأحبهط أعمالههم" أي مها عملوه مهن
صدقة وصلة رحم وغير ذلك ،على ما تقدم.
**3الية{ 30 - 29 :أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج ال أضغانهم ،ولو نشاء
لريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول وال يعلم أعمالكم}
@قوله تعالى" :أم حسب الذين في قلوبهم مرض" نفاق وشك ،يعني المنافقين" .أن لن يخرج ال
أضغانههم" الضغان مها يضمهر مهن المكروه .واختلف فهي معناه ،فقال السهدي :غشههم .وقال ابهن
عباس :حسدهم .وقال قطرب :عداوتهم ،وأنشد قول الشاعر:
ساء الصديق وشيد الضغانا قل لبن هند ما أردت بمنطق
وقيل :أحقادهم .واحدها ضغن .قال:
وذي ضغن كففت النفس عنه
وقد تقدم .وقال عمرو بن كلثوم:
عليك ويخرج الداء الدفينا وإن الضغن بعد الضغن يفشو
قال الجوهري :الضغههن والضغينههة :الحقههد .وقههد ضغههن عليههه (بالكسههر) ضغنهها .وتضاغههن القوم
واضطغنوا :أبطنوا على الحقاد .واضطغنت الصبي إذا أخذته تحت حضنك .وأنشد الحمر:
كأنه مضطغن صبيا
أي حامله في حجره .وقال ابن مقبل:
ومرفق كرئاس السيف إذ شسفا إذا اضطغنت سلحي عند مغرضها
وفرس ضاغهن :ل يعطهي مها عنده مهن الجري إل بالضرب .والمعنهى :أم حسهبوا أن لن يظههر ال
عداوتهم وحقدهم لهل السلم" .ولو نشاء لريناكهم" أي لعرفناكههم .قال ابن عباس :وقد عرفه
إياههم فهي سهورة "التوبهة" .تقول العرب :سهأريك مها أصهنع ،أي سهأعلمك ،ومنهه قوله تعالى" :بمها
أراك ال" [النساء ]105 :أي بما أعلمك" .فلعرفتهم بسيماهم" أي بعلماتهم .قال أنس .ما خفي
على النبي صلى ال عليه وسلم بعد هذه الية أحد من المنافقين ،كان يعرفهم بسيماهم .وقد كنا في
غزاة وفيهها سهبعة مهن المنافقيهن يشهك فيههم الناس ،فأصهبحوا ذات ليلة وعلى جبههة كهل واحهد منههم
مكتوب (هذا منافق) فذلك سيماهم .وقال ابن زيد :قدر ال إظهارهم وأمر أن يخرجوا من المسجد
فأبوا إل أن يتمسههكوا بل إله إل ال ،فحقنههت دماؤهههم ونكحوا وأنكحوا بههها" .ولتعرفنهههم فههي لحههن
القول" أي في فحواه ومعناه .ومنه قول الشاعر:
وخير الكلم ما كان لحنا
أي ما عرف بالمعنى ولم يصرح به .مأخوذ من اللحن في العراب ،وهو الذهاب عن الصواب،
ومنهه قول النهبي صهلى ال عليهه وسهلم[ :إنكهم تختصهمون إلي ولعهل بعضكهم أن يكون ألحهن بحجتهه
من بعض] أي أذهب بها في الجواب لقوته على تصريف الكلم .أبو زيد :لحنت له (بالفتح) ألحن
لحنا إذا قلت له قول يفهمه عنك ويخفى على غيره .ولحنه هو عني (بالكسر) يلحنه لحنا أي فهمه.
وألحنته أنا إياه ،ولحنت الناس فاطنتهم ،قال الفزاري:
ينعت الناعتون يوزن وزنا وحديث ألذه هو مما
وخير الحديث ما كان لحنا منطق رائع وتلحن أحيانا
يريد أنها تتكلم بشيء وهي تريد غيره ،وتعرض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها وذكائها.
وقد قال تعالى" :ولتعرفنهم في لحن القول" .وقال القتال الكلبي:
ولحنت لحنا ليس بالمرتاب ولقد وحيت لكم لكيما تفهموا
وقال مرار السدي:
صدودك ترضين الوشاة العاديا ولحنت لحنا فيه غش ورابني
قال الكلبهي :فلم يتكلم بعهد نزولهها عنهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم منافهق إل عرفهه .وقيهل :كان
المنافقون يخاطبون النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بكلم تواضعوه فيمها بينههم ،والنهبي صهلى ال عليهه
وسهلم يسهمع ذلك ويأخهذ بالظاههر المعتاد ،فنبههه ال تعالى عليهه ،فكان بعهد هذا يعرف المنافقيهن إذا
سمع كلمهم .قال أنس :فلم يخف منافق بعد هذه الية على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،عرفه
ال ذلك بوحهي أو علمهة عرفهها بتعريهف ال إياه" .وال يعلم أعمالكهم" أي ل يخفهى عليهه شيهء
منها.
**3الية{ 31 :ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}
@قوله تعالى" :ولنبلونكهم" أي نتعبدكهم بالشرائع لن علمنها عواقهب المور .وقيهل :لنعاملنكهم
معاملة المختهبرين" .حتهى نعلم المجاهديهن منكهم والصهابرين" عليهه .قال ابهن عباس" :حتهى نعلم"
حتهى نميهز .وقال على رضهي ال عنهه" .حتهى نعلم" حتهى نرى .وقهد مضهى فهي "البقرة" .وقراءة
العامة بالنون في "نبلونكم" و"نعلم" "ونبلو" .وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء فيهن .وروى رويس
عهن يعقوب إسهكان الواو مهن "نبلو" على القطهع ممها قبهل .ونصهب الباقون ردا على قوله" :حتهى
نعلم" .وهذا العلم هو العلم الذي يقع به الجزاء ،لنه إنما يجازيهم بأعمالهم ل بعلمه القديم عليهم.
فتأويله :حتهى نعلم المجاهديهن علم شهادة ،لنههم إذا أمروا بالعمهل يشههد منههم مها عملوا ،فالجزاء
بالثواب والعقاب يقههع على علم الشهادة" .ونبلو أخباركههم" نختبرههها ونظهرههها .قال إبراهيههم بههن
الشعههث :كان الفضيههل بههن عياض إذا قرأ هذه اليههة بكههى وقال :اللهههم ل تبتلنهها فإنههك إذا بلوتنهها
فضحتنا وهتكت أستارنا.
**3اليهة{ 32 :إن الذيهن كفروا وصهدوا عهن سهبيل ال وشاقوا الرسهول مهن بعهد مها تهبين لههم
الهدى لن يضروا ال شيئا وسيحبط أعمالهم}
@قوله تعالى" :إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال" يرجع إلى المنافقين أو إلى اليهود .وقال
ابهن عباس :ههم المطعمون يوم بدر .نظيرهها" :إن الذيهن كفروا ينفقون أموالههم ليصهدوا عهن سهبيل
ال" [النفال ]36 :الية" .وشاقوا الرسول" أي عادوه وخالفوه" .من بعد ما تبين لهم الهدى" أي
علموا أنهه نهبي بالحجهج واليات" .لن يضروا ال شيئا" بكفرههم" .وسهيحبط أعمالههم" أي ثواب مها
عملوه.
**3الية{ 33 :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول ول تبطلوا أعمالكم}
@قوله تعالى" :يها أيهها الذيهن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسهول" لمها بيهن حال الكفار أمهر
المؤمنيههن بلزوم الطاعههة فههي أوامره والرسههول فههي سههننه" .ول تبطلوا أعمالكههم" أي حسههناتكم
بالمعاصهههي ،قال الحسههن .وقال الزهري :بالكبائر .ابههن جريهههج :بالرياء والسهههمعة .وقال مقاتههل
والثمالي :بالمههن ،وهههو خطاب لمههن كان يمههن على النههبي صههلى ال عليههه وسههلم بإسههلمه .وكله
متقارب ،وقول الحسن يجمعه .وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات ،والمعاصي تخرج عن
اليمان.
@ احتهج علماؤنها وغيرههم بهذه اليهة على أن التحلل مهن التطوع -صهلة كان أو صهوما -بعهد
التلبهس بهه ل يجوز ،لن فيهه إبطال العمهل وقهد نههى ال عنهه .وقال مهن أجاز ذلك -وههو المام
الشافعي وغيره : -المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض ،فنهى الرجل عن إحباط ثوابه .فأما
مها كان نفل فل ،لنهه ليهس واجبها عليهه .فان زعموا أن اللفهظ عام فالعام يجوز تخصهيصه أن النفهل
تطوع ،والتطوع يقتضي تخبيرا .وعن أبي العالية كانوا يرون أنه ل يضر مع السلم ذنب ،حتى
نزلت هذه الية فخافوا الكبائر أن تحبط العمال .وقال مقاتل :يقول ال تعالى إذا عصيتم الرسول
فقد أبطلتم أعمالكم.
**3الية{ 34 :إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر ال لهم}
@ بين أن العتبار بالوفاة على الكفر يوجب الخلود في النار .وقد مضى في "البقرة" الكلم فيه.
وقيل :إن المراد بالية أصحابة القليب .وحكمها عام.
**3الية{ 35 :فل تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم العلون وال معكم ولن يتركم أعمالكم}
@قوله تعالى" :فل تهنوا" أي تضعفوا عهن القتال .والوههن :الضعهف وقهد وههن النسهان ووهنهه
غيره ،يتعدى ول يتعدى .قال:
إنني لست بموهون فقر
ووههن أيضها (بالكسهر) وهنها أي ضعهف ،وقرئ "فمها وهنوا" بضهم الهاء وكسهرها .وقهد مضهى فهي
(آل عمران).
@قوله تعالى" :وتدعوا إلى السلم" أي الصلح" .وأنتم العلون" أي وأنتم أعلم بال منهم .وقيل:
وأنتم العلون في الحجة .وقيل :المعنى وأنتم الغالبون لنكم مؤمنون وإن غلبوكم في الظاهر في
بعض الحوال .وقال قتادة :ل تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها.
@ واختلف العلماء فهي حكمهها ،فقيهل :إنهها ناسهخة لقوله تعالى" :وإن جنحوا للسهلم فاجنهح لهها"
[النفال ،]61 :لن ال تعالى منع من الميل إلى الصلح إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الصلح.
وقيل :منسوخة بقوله تعالى" :وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" .وقيل :هي محكمة .واليتان نزلتا في
وقتين مختلفي الحال .وقيل :إن قوله" :وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" مخصوص في قوم بأعيانهم،
والخرى عامههة .فل يجوز مهادنههة الكفار إل عنههد الضرورة ،وذلك إذا عجزنهها عههن مقاومتهههم
لضعهف المسهلمين .وقهد مضهى هذا المعنهى مسهتوفى" .وال معكهم" أي بالنصهر والمعونهة ،مثهل:
"وإن ال لمع المحسنين" [العنكبوت" :]69 :ولن يتركم أعمالكم" أي لن ينقصكم ،عن ابن عباس
وغيره .ومنهه الموتور الذي قتهل له قتيهل فلم يدرك بدمهه ،تقول منهه :وتره يتره وترا وترة .ومنهه
قوله عليهه السهلم[ :مهن فاتتهه صهلة العصهر فكأنمها وتهر أهله وماله] أي ذههب بهمها .وكذلك وتره
حقه أي نقصه .وقوله تعالى" :ولن يتركم أعمالكم" أي لن ينتقصكم في أعمالكم ،كما تقول :دخلت
البيهت ،وأنهت تريهد فهي البيهت ،قاله الجوهري .الفراء" :ولن يتركهم" ههو مشتهق مهن الوتهر وههو
الفرد ،فكان المعنى :ولن يفردكم بغير ثواب.
**3الية{ 37 - 36 :إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ول يسألكم
أموالكم ،إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم}
@قوله تعالى" :إنمهها الحياة الدنيها لعهب ولههو" تقدم فههي "النعام" .وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكهم
أجوركهم" شرط وجوابه" .ول يسهألكم أموالكهم" أي ل يأمركهم بإخراج جميعهها فهي الزكاة ،بهل أمر
بإخراج البعض ،قاله أين عيينة وغيره .وقيل" :ل يسألكم أموالكم" لنفسه أو لحاجة منه إليها ،إنما
يأمركم بالنفاق في سبيله ليرجع ثوابه إليكم .وقيل" :ل يسألكم أموالكم" إنما يسألكم أمواله ،لنه
المالك لها وهو المنعم بإعطائها .وقيل :ول يسألكم محمد أموالكم أجرا على تبليغ الرسالة .نظيره:
"قل ما أسألكم عليه من أجر" [الفرقان ]57 :الية.
@قوله تعالى" :إن يسهألكموها فيحفكهم" يلح عليكهم ،يقال :أحفهى بالمسهألة وألحهف وألح بمعنهى
واحهد .والحفهي المسهتقصي فهي السهؤال ،وكذلك الحفاء السهتقصاء فهي الكلم والمنازعهة .ومنهه
أحفهى شاربهه أي اسهتقصى فهي أخذه" .تبخلوا ويخرج أضغانكهم" أي يخرج البخهل أضغانكهم .قال
قتادة :قهد علم ال أن فهي سهؤال المال خروج الضغان .وقرأ ابهن عباس ومجاههد وابهن محيصهن
وحميهد "وتخرج" بتاء مفتوحهة وراء مضمومهة" .أضغانكهم" بالرفهع لكونهه الفاعهل .وروى الوليهد
عهن يعقوب الحضرمهي "ونخرج" بالنون .وأبهو معمهر عهن عبدالوارث عهن أبهي عمرو "ومخرج"
بالرفع في الجيم على القطع والستئناف والمشهور عنه "ويخرج" كسائر القراء ،عطف على ما
تقدم.
**3الية{ 38 :ها أنتم هؤلء تدعون لتنفقوا في سبيل ال فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل
عن نفسه وال الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم}
@قوله تعالى" :ها أنتم هؤلء تدعون" أي ها أنتم هؤلء أيها المؤمنون تدعون "لتنفقوا في سبيل
ال" أي فهي الجهاد وطريهق الخيهر" .فمنكهم مهن يبخهل ومهن يبخهل فإنمها يبخهل عهن نفسهه" أي على
نفسهه ،أي يمنعهها الجهر والثواب" .وال الغنهي" أي إنهه ليهس بمحتاج إلى أموالكهم" .وأنتهم الفقراء"
إليهها" .وإن تتولوا يسهتبدل قومها غيركهم ثهم ل يكونوا أمثالكهم" أي أطوع ل منكهم .روى الترمذي
عههن أبههى هريرة قال :تل رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم هذه اليههة "وإن تتولوا يسههتبدل قومهها
غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم" قالوا :ومن يستبدل بنا؟ قال :فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم
على منكب سلمان ثم قال[ :هذا وقومه .هذا وقومه] قال :حديث غريب في إسناده مقال .وقد روى
عبدال بن جعفر بن نجيح والد على بن المديني أيضا هذا الحديث عن العلء بن عبدالرحمن عن
أبيه عن أبي هريرة قال :قال أنس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يا رسول ال ،من
هؤلء الذيهن ذكهر ال إن تولينها اسهتبدلوا ثهم ل يكونوا أمثالنها؟ قال :وكان سهلمان جنهب رسهول ال
صههلى ال عليههه وسههلم قال :فضرب رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فخههذ سههلمان ،قال[ :هذا
وأصحابه .والذي نفسي بيده لو كان اليمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس] .وقال الحسن:
هم العجم .وقال عكرمة :هم فارس والروم .قال المحاسبي :فل أحد بعد العربي من جميع أجناس
العاجهم أحسهن دينها ،ول كانهت العلماء منههم إل الفرس .وقيهل :إنههم اليمهن ،وههم النصهار ،قال
شريح بن عبيد .وكذا قال ابن عباس :هم النصهار .وعنه أنهم الملئكة .وعنه هم التابعون .وقال
مجاههد :إنههم مهن شاء مهن سهائر الناس .قال الطهبري :أي فهي البخهل بالنفاق فهي سهبيل ال .وحكهي
عهن أبهي موسهى الشعري أنه لمها نزلت هذه اليهة فرح بهها رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وقال:
[هي أحب إلي من الدنيا] .وال أعلم.
ختمت السورة بحمد ال وعونه ،وصلى ال على سيدنا محمد ،وعلى آله وصحبه الطهار.
**2سورة الفتح
**3مقدمة السورة
@ مدنية بإجماع ،وهي تسع وعشرون آية .ونزلت ليل بين مكة والمدينة في شأن الحديبية .روى
محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ،قال :نزلت
سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها .وفي الصحيحين عن زيد بن
أسلم عن أبيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يسهير فهي بعض أسفاره وعمر بن الخطاب
يسير معه ليل فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ثم سأله فلم يجبه،
ثهم سهأله فلم يجبهه ،فقال عمهر بهن الخطاب :ثكلت أم عمهر ،نزرت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
ثلث مرات كل ذلك لم يجبك ،فقال عمر :فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل
فهي قرآن ،فمها نشبهت أن سهمعت صهارخا يصهرخ بهي ،فقلت :لقهد خشيهت أن يكون نزل فهي قرآن،
فجئت رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلمت عليه ،فقال[ :لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب
إلي ممها طلعهت عليهه الشمهس -ثهم قرأ " -إنها فتحنها لك فتحها مبينها"] لفهظ البخاري .وقال الترمذي:
حديث حسن غريب صحيح .وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال :لما نزلت:
"إنها فتحنها لك فتحها مبينها .ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر ويتهم نعمتهه عليهك ويهديهك
صهراطا مسهتقيما -إلى قوله -فوزا عظيمها" مرجعهه مهن الحديبيهة وههم يخالطههم الحزن والكآبهة،
وقد نحر الهدي بالحديبية ،فقال[ :لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا] .وقال عطاء
عن ابن عباس :إن اليهود شتموا النبي صلى ال عليه وسلم والمسلمين لما نزل قوله تعالى" :وما
أدري ما يفعل بي ول بكم" [الحقاف ]9 :وقالوا :كيف نتبع رجل ل يدري ما يفعل به فاشتد ذلك
على النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى" :إنا فتحنا لك فتحا مبينا .ليغفر لك ال ما تقدم من
ذنبهك ومها تأخهر" .ونحوه قال مقاتل بن سليمان :لما نزل قوله تعالى" :وما أدري ما يفعهل بهي ول
بكم" [الحقاف ]9 :فرح المشركون والمنافقون وقالوا :كيف نتبع رجل ل يدري ما يفعل به ول
بأصههحابه ،فنزلت بعههد مهها رجههع مههن الحديبيههة" :إنهها فتحنهها لك فتحهها مبينهها" أي قضينهها لك قضاء.
فنسهخت هذه اليهة تلك .فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم[ :لقهد أنزلت علي سهورة مها يسهرني بهها
حمهر النعم] .وقال المسهعودي :بلغني أنه من قرأ سهورة الفتهح في أول ليلة من رمضان فهي صهلة
التطوع حفظه ال ذلك العام.
**3الية{ 1 :إنا فتحنا لك فتحا مبينا}
@ اختلف في هذا الفتح ما هو؟ ففي البخاري حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا
شعبهة قال سهمعت قتادة عهن أنهس "إنها فتحنها لك فتحها مبينها" قال :الحديبيهة .وقال جابر :مها كنها نعهد
فتح مكة إل يوم الحديبية .وقال الفراء :تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد
الفتهح بيعهة الرضوان يوم الحديبيهة ،كنها نعهد مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أربهع عشرة مائة،
والحديبية بئر .وقال الضحاك" :إنا فتحنا لك فتحا مبينا" بغير قتال .وكان الصلح من الفتح .وقال
مجاههد :ههو منحره بالحديبيهة وحلقهه رأسهه .وقال :كان فتهح الحديبيهة آيهة عظيمهة ،نزح ماؤهها فمهج
فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه .وقال موسى بن عقبة :قال رجل عند منصرفهم
من الحديبية :ما هذا بفتح ،لقد صدونا عن البيت .فقال النبي صلى ال عليه وسلم[ :بل هو أعظم
الفتوح قهد رضهي المشركون أن يدفعوكهم عهن بلدههم بالراح ويسهألكم القضيهة ويرغبوا إليكهم فهي
المان وقد رأوا منكم ما كرهوا] .وقال الشعبي في قوله تعالى" :إنا فتحنا لك فتحا مبينا" قال :هو
فتح الحديبية ،لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة ،غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،وبويع
بيعههههة الرضوان ،وأطعموا نخههههل خيههههبر ،وبلغ الهدي محله ،وظهرت الروم على فارس ،ففرح
المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس .وقال الزهري :لقد كان الحديبية أعظم الفتوح ،وذلك
أن النبي صلى ال عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة ،فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم
في بعض وعلموا وسمعوا عن ال ،فما أراد أحد السلم إل تمكن منه ،فما مضت تلك السنتان إل
والمسههلمون قههد جاؤوا إلى مكههة فههي عشرة آلف .وقال مجاهههد أيضهها والعوفههي :هههو فتههح خههبير.
والول أكثههر ،وخيههبر إنمهها كانههت وعدا وعدوه ،على مهها يأتههي بيانههه فههي قوله تعالى" :سههيقول
المخلفون إذا انطلقتهم" [الفتهح ]10 :وقوله" :وعدكهم ال مغانهم كثيرة تأخذونهها فعجهل لكهم هذه"
[الفتح .]20 :وقال مجمع بن جارية -وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن : -شهدنا الحديبية مع
النههبي صههلى ال عليههه وسههلم ،فلمهها انصههرفنا عنههها إذا الناس يهزون الباعههر ،فقال بعههض الناس
لبعههض :مهها بال الناس؟ قالوا :أوحههى ال إلى النههبي صههلى ال عليههه وسههلم .قال :فخرجنهها نوجههف
فوجدنا نبي ال صلى ال عليه وسلم عند كراع الغميم ،فلما اجتمع الناس قرأ النبي صلى ال عليه
وسلم "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" فقال عمر بن الخطاب :أو فتح هو يا رسول ال؟ قال[ :نعم ،والذي
نفسي بيده إنه لفتح] .فقسمت خيبر على أهل الحديبية ،لم يدخل أحد إل من شههد الحديبية .وقيل:
إن قوله تعالى" :فتحا" يدل على أن مكة فتحت عنوة ،لن اسم الفتح ل يقع مطلقا إل على ما فتح
عنوة .هذا هو حقيقة السم .وقد يقال :فتح البلد صلحا ،فل يفهم الصلح إل بأن يقرن بالفتح ،فصار
الفتح في الصلح مجازا .والخبار دالة على أنها فتحت عنوة ،وقد مضى القول فيها ،ويأتي.
**3اليهة{ 2 :ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر ويتهم نعمتهه عليهك ويهديهك صهراطا
مستقيما ،وينصرك ال نصرا عزيزا}
@ قال ابن النباري" :فتحا مبينا" غير تام ،لن قوله" :ليغفر لك ال ما تقدم" متعلق بالفتح .كأنه
قال :إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجمع ال لك مع الفتح المغفرة ،فيجمع ال لك به ما تقر به عينك
فهي الدنيها والخرة .وقال أبهو حاتهم السهجستاني :ههي لم القسهم .وهذا خطهأ ،لن لم القسهم ل تكسهر
ول ينصهب بهها ،ولو جاز هذا لجاز :ليقوم زيهد ،بتأويهل ليقومهن زيهد .الزمخشري :فإن قلت كيهف
جعههل فتههح مكههة علة للمغفرة؟ قلت :لم يجعههل علة للمغفرة ،ولكههن لجتماع مهها عدد مههن المور
الربعهة ،وههي :المغفرة ،وإتمام النعمهة ،وهدايهة الصهراط المسهتقيم ،والنصهر العزيهز .كأنهه قال
يسههرنا لك فتههح مكههة ونصههرناك على عدوك ليجمههع لك عههز الداريههن وأعراض العاجههل والجههل.
ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب .وفي الترمذي عن أنس
قال :أنزلت على النبي صلى ال عليه وسلم "ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" مرجعه من
الحديبية ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم[ :لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الرض].
ثهم قرأهها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عليههم ،فقالوا :هنيئا مريئا يها وسهول ال ،لقهد بيهن ال لك ماذا
يفعههل بههك ،فماذا يفعههل بنهها ،فنزلت عليههه" :ليدخههل المؤمنيههن والمؤمنات جنات تجري مههن تحتههها
النهار -حتى بلغ -فوزا عظيما" قال حديث حسن صحيح .وفيه عن مجمع بن جارية .واختلف
أههل التأويهل فهي معنهى "ليغفهر لك ال مها تقدم مهن ذنبهك ومها تأخهر" فقيهل" :مها تقدم مهن ذنبهك" قبهل
الرسهالة" .ومها تأخهر" بعدهها ،قال مجاههد .ونحوه قال الطهبري وسهفيان الثوري ،قال الطهبري :ههو
راجع إلى قوله تعالى" :إذا جاء نصر ال والفتح" إلى قول "توابا" [النصر" .]3 - 1 :ليغفر لك
ال مها تقدم مهن ذنبهك" قبهل الرسهالة "ومها تأخهر" إلى وقهت نزول هذه اليهة .وقال سهفيان الثوري:
"ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك" ذنبك" ما عملته في الجاهلية من قبل أن يوحى إليك" .وما تأخر"
كل شيء لم تعمله ،وقاله الواحدي .وقد مضى الكلم في جريان الصغائر على النبياء في سورة
"البقرة" ،فهذا قول .وقيل" :ما تقدم" قبل الفتح" .وما تأخر" بعد الفتح .وقيل" :ما تقدم" قبل نزول
هذه اليهة" .ومها تأخهر" بعدهها .وقال عطاء الخرسهاني" :مها تقدم مهن ذنبهك" يعنهي مهن ذنهب أبويهك
آدم وحواء" .ومها تأخهر" مهن ذنوب أمتهك .وقيهل :مهن ذنهب أبيهك إبراهيهم" .ومها تأخهر" مهن ذنوب
النهبيين .وقيهل" :مها تقدم" مهن ذنهب يوم بدر" .ومها تأخهر" مهن ذنهب يوم حنيهن .وذلك أن الذنهب
المتقدم يوم بدر ،أنهه جعهل يدعهو ويقول" :اللههم إن تهلك هذه العصهابة ل تعبهد فهي الرض أبدا"
وجعهل يردد هذا القول دفعات ،فأوحهى ال إليهه :مهن أيهن تعلم أنهي لو أهلكهت هذه العصهابة ل أعبهد
أبدا ،فكان هذا الذنهب المتقدم .وأمها الذنهب المتأخهر فيوم حنيهن ،لمها انهزم الناس قال لعمهه العباس
ولبهن عمهه أبهي سهفيان[ :ناولنهي كفها مهن حصهباء الوادي] فناوله فأخذه بيده ورمهى بهه فهي وجوه
المشركيهن وقال[ :شاههت الوجوه .حهم .ل ينصهرون] فانهزم القوم عهن آخرههم ،فلم يبهق أحهد إل
امتلت عيناه رمل وحصهباء .ثم نادى فهي أصحابه فرجعوا فقال لهم عند رجوعهم[ :لو لم أرمههم
لم ينهزموا] فأنزل ال عز وجل" :وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى" [النفال ]17 :فكان هذا
هو الذنب المتأخر .وقال أبو علي الروذباري :يقول لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك.
@قوله تعالى" :ويتم نعمته عليك" قال ابن عباس :في الجنة .وقيل :بالنبوة والحكمة .وقيل :بفتح
مكة والطائف وخيبر .وقيل :بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر" .ويهديهك صهراطا مستقيما"
أي يثبتهك على الهدى إلى أن يقبضهك إليهه" .وينصهرك ال نصهرا عزيزا" أي غالبها منيعها ل يتبعهه
ذل.
**3اليهة{ 4 :ههو الذي أنزل السهكينة فهي قلوب المؤمنيهن ليزدادوا إيمانها مهع إيمانههم ول جنود
السماوات والرض وكان ال عليما حكيما}
@قوله تعالى" :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين" "السكينة" :السكون والطمأنينة .قال
ابن عباس :كل سكينة في القرآن هي الطمأنينة إل التي في "البقرة"" .ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم"
قال ابهن عباس :بعهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بشهادة أن ل إله إل ال ،فلمها صهدقوه فيهها زادههم
الصلة ،فلما صدقوه زادهم الزكاة ،فلما صدقوه زادهم الصيام ،فلما صدقوه زادهم الحج ،ثم أكمل
لهههم دينهههم ،فذلك قوله" :ليزدادوا إيمانهها مههع إيمانهههم" أي تصههديقا بشرائع اليمان مههع تصههديقهم
باليمان .وقال الربيهع بهن أنهس :خشيهة مهع خشيتههم .وقال الضحاك :يقينها مهع يقينههم" .ول جنود
السهماوات والرض" قال ابهن عباس :يريهد الملئكهة والجهن والشياطيهن والنهس "وكان ال عليمها"
بأحوال خلقه "حكيما" فيما يريده.
**3اليهة{ 5 :ليدخهل المؤمنيهن والمؤمنات جنات تجري مهن تحتهها النهار خالديهن فيهها ويكفهر
عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند ال فوزا عظيما}
@ أي أنزل السكينة ليزدادوا إيمانا .ثم تلك الزيادة بسبب إدخالهم الجنة .وقيل :اللم في "ليدخل"
يتعلق بمهها يتعلق بههه اللم فههي قوله" :ليغفههر لك ال" "وكان ذلك" أي ذلك الوعههد مههن دخول مكههة
وغفران الذنوب" .عند ال فوزا عظيما" أي نجاة من كل غم ،وظفرا بكل مطلوب .وقيل :لما قرأ
النبي صلى ال عليه وسلم على أصحابه "ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" قالوا :هنيئا لك
يا رسول ال ،فماذا لنا؟ فنزل" :ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات" ولما قرأ "ويتم نعمته عليك"
قالوا :هنيئا لك ،فنزلت" :وأتممت عليكم نعمتي" [المائدة ]3 :فلما قرأ "ويهديك صراطا مستقيما"
نزل فهي حهق المهة" :ويهديهك صهراطا مسهتقيما" [الفتهح .]2 :ولمها قال" :وينصهرك ال نصهرا
عزيزا" [الفتهح ]3 :نزل" :وكان حقها علينها نصهر المؤمنيهن" [الروم .]47 :وههو كقوله تعالى:
"إن ال وملئكتهه يصهلون على النهبي يها أيهها الذيهن آمنوا صهلوا عليهه وسهلموا تسهليما" [الحزاب:
.]56ثم قال" :هو الذي يصلي عليكم" [الحزاب ]43 :ذكره القشيري.
**3الية{7 - 6 :ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بال ظن السوء
عليهههم دائرة السههوء وغضههب ال عليهههم ولعنهههم وأعههد لهههم جهنههم وسههاءت مصههيرا ،ول جنود
السماوات والرض وكان ال عزيزا حكيما}
@قوله تعالى" :ويعذب المنافقيهن والمنافقات والمشركيهن والمشركات" أي بإيصهال الهموم إليههم
بسبب علو كلمة المسلمين ،وبأن يسلط النبي عليه السلم قتل وأسرا واسترقاقا" .الظانين بال ظن
السوء" يعني ظنهم أن النبي صلى ال عليه وسلم ل يرجع إلى المدينة ،ول أحد من أصحابه حين
خرج إلى الحديبيههة ،وأن المشركيههن يسههتأصلونهم .كمهها قال" :بههل ظننتههم أن لن ينقلب الرسههول
والمؤمنون إلى أهليههم أبدا" [الفتهح .]12 :وقال الخليهل وسهيبويه" :السهوء" هنها الفسهاد" .عليههم
دائرة السهوء" فهي الدنيها بالقتهل والسهبي والسهر ،وفهي الخرة جهنهم .وقرأ ابهن كثيهر وأبهو عمرو
"دائرة السوء" بالضم .وفتح الباقون .قال الجوهري :ساءه يسوءه سوءا (بالفتح) ومساءة ومساية،
نقيض سره ،والسم السوء (بالضم) .وقرئ "عليهم دائرة السوء" يعني الهزيمة والشر .ومن فتح
فهههو مههن المسههاءة" .وغضههب ال عليهههم ولعنهههم وأعههد لهههم جهنههم وسههاءت مصههيرا .ول جنود
السهماوات والرض وكان ال عزيزا حكيمها" تقدم فهي غيهر موضهع جميعهه .والحمهد ل .وقيهل :لمها
جرى صهلح الحديبيهة قال ابهن أُبهي :أيظهن محمهد أنهه إذا صهالح أههل مكهة أو فتحهها ل يبقهى له عدو،
فأين فارس والروم فبين ال عز وجل أن جنود السموات والرض أكثر من فارس والروم .وقيل:
يدخههل فيههه جميههع المخلوقات .وقال ابههن عباس" :ول جنود السههموات" الملئكههة .وجنود الرض
المؤمنون .وأعاد لن الذي سهبق عقيهب ذكهر المشركيهن مهن قريهش ،وهذا عقيهب ذكهر المنافقيهن
وسائر المشركين .والمراد في الموضعين التخويف والتهديد .فلو أراد إهلك المنافقين والمشركين
لم يعجزه ذلك ،ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى.
**3الية{ 9 - 8 :إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ،لتؤمنوا بال ورسوله وتعزروه وتوقروه
وتسبحوه بكرة وأصيل}
@قوله تعالى" :إنها أرسهلناك شاهدا" قال قتادة :على أمتهك بالبلغ .وقيهل :شاهدا عليههم بأعمالههم
مهن طاعهة أو معصهية .وقيهل :مبينها لههم مها أرسهلناك به إليههم .وقيهل :شاهدا عليههم يوم القيامهة .فههو
شاههد أفعالههم اليوم ،والشهيهد عليههم يوم القيامهة .وقهد مضهى فهي "النسهاء" عهن سهعيد بهن جهبير هذا
المعنى مبينا" .ومبشرا" لمن أطاعه بالجنة" .ونذيرا" من النار لمن عصى ،قاله قتادة وغيره .وقد
مضههى فههي "البقرة" اشتقاق البشارة والنذارة ومعناهمهها .وانتصههب "شاهدا ومبشرا ونذيرا" على
الحال المقدرة .حكههى سههيبويه :مررت برجههل معهه صههقر صههائدا بههه غدا ،فالمعنههى :إنهها أرسههلناك
مقدرين بشهادتك يوم القيامة .وعلى هذا تقول :رأيت عمرا قائما غدا.
@قوله تعالى" :لتؤمنوا بال ورسوله" قرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو "ليؤمنوا" بالياء،
وكذلك "يعزروه ويوقروه ويسهبحوه" كله بالياء على الخبر .واختاره أبو عبيد لذكهر المؤمنين قبله
وبعده ،فأما قبله فقوله" :ليدخل" وأما بعده فقوله" :إن الذين يبايعونك" [الفتح ]10 :الباقون بالتاء
على الخطاب ،واختاره أبههههو حاتههههم" .وتعزروه" أي تعظموه وتفخموه ،قاله الحسههههن والكلبههههي،
والتعزيز :التعظيم والتوقير .وقال قتادة :تنصروه وتمنعوا منه .ومنه التعزير في الحد .لنه مانع.
قال القطامي:
تعاتب والمودود ينفعه العزر أل بكرت مي بغير سفاهة
وقال ابهن عباس وعكرمهة :تقاتلون معهه بالسهيف .وقال بعهض أههل اللغهة :تطيعوه" .وتوقروه" أي
تسودوه ،قاله السدي .وقيل تعظموه .والتوقير :التعظيم والترزين أيضا .والهاء فيهما للنبي صلى
ال عليهه وسهلم .وهنها وقهف تام ،ثهم تبتدئ "وتسهبحوه" أي تسهبحوا ال "بكرة وأصهيل" أي عشيها.
وقيهههل :الضمائر كلهههها ل تعالى ،فعلى هذا يكون تأويهههل "تعزروه وتوقروه" أي تثبتوا له صهههحة
الربوبية وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك .واختار هذا القول القشيري .والول قول الضحاك،
وعليههه يكون بعههض الكلم راجعهها إلى ال سههبحانه وتعالى وهههو "وتسههبحوه" مههن غيههر خلف.
وبعضهه راجعها إلى رسهول صهلى ال عليهه وسهلم وههو "وتعزروه وتوقروه" أي تدعوه بالرسهالة
والنبوة ل بالسههم والكنيههة .وفههي "تسههبحوه" وجهان :تسههبيحه بالتنزيههه له سههبحانه مههن كههل قبيههح.
والثانهي :ههو فعهل الصهلة التهي فيهها التسهبيح" .بكرة وأصهيل" أي غدوة وعشيها .وقهد مضهى القول
فيه .وقال الشاعر:
وأجلس في أفيائه بالصائل لعمري لنت البيت أكرم أهله
**3الية{ 10 :إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال يد ال فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على
نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه ال فسيؤتيه أجرا عظيما}
@قوله تعالى" :إن الذين يبايعونك" بالحديبية يا محمد" .إنما يبايعون ال" بين أن بيعتهم لنبيه إنما
هي بيعة ال ،كما قال تعالى" :من يطع الرسول فقد أطاع ال" [النساء .]80 :وهذه المبايعة هي
بيعهة الرضوان ،على مها يأتهي بيانهها فهي هذه السهورة إن شاء ال تعالى" .يهد ال فوق أيديههم" قيهل:
يده فهي الثواب فوق أيديههم فهي الوفاء ،ويده فهي المنهة عليههم بالهدايهة فوق أيديههم فهي الطاعة .وقال
الكلبهي :معناه نعمهة ال عليههم فوق مها صهنعوا مهن البيعهة .وقال ابهن كيسهان :قوه ال ونصهرته فوق
قوتهم ونصرتهم" .فمن نكث" بعد البيعة" .فإنما ينكث على نفسه" أي يرجع ضرر النكث عليه،
لنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب" .ومن أوفى بما عاهد عليه ال" قيل في البيعة .وقيل في
إيمانهه .وقرأ حفهص والزهري "عليهه" بضهم الهاء .وجرهها الباقون" .فسهيؤتيه أجرا عظيمها" يعنهي
فهي الجنهة .وقرأ نافهع وابهن كثيهر وابهن عامهر "فسهنؤتيه" بالنون .واختاره الفراء وأبهو معاذ .وقرأ
الباقون بالياء .وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ،لقرب اسم ال منه.
**3اليهة{ 11 :سهيقول لك المخلفون مهن العراب شغلتنها أموالنها وأهلونها فاسهتغفر لنها يقولون
بألسهنتهم مها ليهس فهي قلوبههم قهل فمهن يملك لكهم مهن ال شيئا إن أراد بكهم ضرا أو أراد بكهم نفعها بهل
كان ال بما تعملون خبيرا}
@قوله تعالى" :سيقول لك المخلفون من العراب" قال مجاهد وابن عباس :يعني أعراب غفار
ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والديل ،وهم العراب الذين كانوا حول المدينة ،تخلفوا عن رسول
ال صلى ال عليه وسلم حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح ،بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه
حذرا مههن قريههش ،وأحرم بعمرة وسههاق معههه الهدي ،ليعلم الناس أنههه ل يريههد حربهها فتثاقلوا عنههه
واعتلوا بالشغهههل ،فنزلت .وإنمههها قال" :المخلفون" لن ال خلفههههم عهههن صهههحبة نهههبيه .والمخلف
المتروك .وقد مضى في "التوبة"" .شغلتنا أموالنا وأهلونا" أي ليس لنا من يقوم بهما" .فاستغفر
لنهها" جاؤوا يطلبون السههتغفار واعتقادهههم بخلف ظاهرهههم ،ففضحهههم ال تعالى بقوله" :يقولون
بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" وهذا هو النفاق المحض.
@قوله تعالى" :قل فمن يملك لكم من ال شيئا إن أراد بكم ضرا" قرأ حمزة والكسائي "ضرا"
بضهم الضاد هنها فقهط ،أي أمرا يضركهم .وقال ابهن عباس :الهزيمهة .الباقون بالفتهح ،وههو مصهدر
ضررته ضرا .وبالضم اسم لما ينال النسان من الهزال وسوء الحال .والمصدر يؤدي عن المرة
وأكثهر .واختاره أبهو عبيهد وأبهو حاتهم ،قال :لنهه قابله بالنفهع وههو ضهد الضهر .وقيهل :همها لغتان
بمعنى ،كالفقر والفقر والضعف والضعف" .أو أراد بكم نفعا" أي نصرا وغنيمة .وهذا رد عليهم
حين ظنوا أن التخلف عن الرسول يدفع عنهم الضر ويعجل لهم النفع.
**3الية{ 12 :بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم
وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا}
@قوله تعالى" :بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا" وذلك أنهم قالوا :إن
محمدا وأصهحابه أكلة رأس ل يرجعون" .وزيهن ذلك" أي النفاق" .فهي قلوبكهم" وهذا التزييهن مهن
الشيطان ،أو يخلق ال ذلك في قلوبهم" .وظننتم ظن السوء" أن ال ل ينصر رسوله" .وكنتم قوما
بورا" أي هلكهى ،قاله مجاههد .وقال قتادة :فاسهدين ل يصهلحون لشيهء مهن الخيهر .قال الجوهري:
البور :الرجل الفاسد الهالك الذي ل خير فيه .قال عبدال بن الزبعرى السهمي:
راتق ما فتقت إذ أنا بور يا رسول المليك إن لساني
وامرأة بور أيضها ،حكاه أبهو عبيهد .وقوم بور هلكهى .قال تعالى" :وكنتهم قومها بورا" وههو جمهع
بائر ،مثهل حائل وحول .وقهد بار فلن أي هلك .وأباره ال أي أهلكهه .وقيهل" :بورا" أشرارا ،قاله
ابن بحر .وقال حسان بن ثابت:
يهدي الله سبيل المعشر البور ل ينفع الطول من نوك الرجال وقد
أي الهالك.
**3الية{ 13 :ومن لم يؤمن بال ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا}
@ وعيد لهم ،وبيان أنهم كفروا بالنفاق.
**3الية{ 14 :ول ملك السماوات والرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان ال غفورا
رحيما}
@ أي هو غني عن عباده ،وإنما ابتلهم بالتكليف ليثيب من آمن ويعاقب من كفر وعصى.
**3الية{ 15 :سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا
كلم ال قل لن تتبعونا كذلكم قال ال من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا ل يفقهون إل قليل}
@قوله تعالى" :سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها" يعني مغانم خيبر ،لن ال عز
وجهل وعهد أههل الحديبيهة فتهح خيهبر ،وأنهها لههم خاصهة مهن غاب منههم ومهن حضهر .ولم يغهب منههم
عنهها غيهر جابر بهن عبدال فقسهم له رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم كسههم مهن حضهر .قال ابهن
إسحاق :وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار بن صخر النصاري من بني سلمة ،وزيد بن ثابت من
بني النجار ،كانا حاسبين قاسمين" .ذرونا نتبعكم" أي دعونا .تقول :ذره ،أي دعه .وهو يذره ،أي
يدعهه .وأصهله وذره يذره مثال وسهعه يسهعه .وقهد أميهت صهدره ،ل يقال :وذره ول واذر ،ولكهن
تركه وهو تارك .قال مجاهد :تخلفوا عن الخروج إلى مكة ،فلما خرج النبي صلى ال عليه وسلم
وأخهذ قومها ووجهه بههم قالوا ذرونها نتبعكهم فنقاتهل معكهم" .يريدون أن يبدلوا كلم ال" أي يغيروا.
قال ابههن زيههد :هههو قوله تعالى" :فاسههتأذنوك للخروج فقههل لن تخرجوا معههي أبدا ولن تقاتلوا معههي
عدوا" [التوبة ]83 :الية .وأنكر هذا القول الطبري وغيره ،بسبب أن غزوة تبوك كانت بعد فتح
خيبر وبعد فتح مكة .وقيل :المعنى يريدون أن يغيروا وعد ال الذي وعد لهل الحديبية ،وذلك أن
ال تعالى جعل لهم غنائم خيبر عوضا عن فتح مكة إذ رجعوا من الحديبية على صلح ،قاله مجاهد
وقتادة ،واختاره الطهبري وعليهه عامهة أههل التأويهل .وقرأ حمزة والكسههائي "كلم" بإسهقاط اللف
وكسهر اللم جمهع كلمهة ،نحهو سهلمة وسهلم .الباقون "كلم" على المصهدر .واختاره أبهو عبيهد وأبهو
حاتهههم ،اعتبارا بقوله" :إنهههي اصهههطفيتك على الناس برسهههالتي وبكلمهههي" [العراف.]144 :
والكلم :مها اسهتقل بنفسهه مهن الجمهل .قال الجوهري :الكلم اسهم جنهس يقهع على القليهل والكثيهر.
والكلم ل يكون أقل من ثلث كلمات لنه جمع كلمة ،مثل نبقة ونبق .ولهذا قال سيبويه( :هذا باب
علم مها الكلم مهن العربيهة) ولم يقهل مها الكلم ،لنهه أراد نفهس ثلثهة أشياء :السهم والفعهل والحرف،
فجاء بما ل يكون إل جمعا ،وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة .وتميم تقول :هي كلمة،
بكسر الكاف ،وقد مضى في "التوبة" القول فيها.
@قوله تعالى" :كذلكم قال ال من قبل" أي من قبل رجوعنا من الحديبية إن غنيمة خيبر لمن شهد
الحديبيهة خاصهة" .فسهيقولون بهل تحسهدوننا" أن نصهيب معكهم مهن الغنائم .وقيهل :قال رسهول ال
صلى ال عليه وسلم[ ،إن خرجتم لم أمنعكم إل أنه ل سهم لكم] .فقالوا :هذا حسد .فقال المسلمون:
قهد أخبرنها ال فهي الحديبيهة بمها سهيقولونه وههو قوله تعالى" :فسهيقولون بهل تحسهدوننا" فقال ال
تعالى" :بههل كانوا ل يفقهون إل قليل" يعنههي ل يعلمون إل أمههر الدنيهها .وقيهل :ل يفقهون مهن أمههر
الدين إل قليل ،وهو ترك القتال.
**3اليهة{ 16 :قهل للمخلفيهن مهن العراب سهتدعون إلى قوم أولي بأس شديهد تقاتلونههم أو
يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم ال أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}
@قوله تعالى" :قل للمخلفين من العراب" أي قل لهؤلء الذين تخلفوا عن الحديبية" .ستدعون
إلى قوم أولي بأس شديههد" قال ابهن عباس وعطاء بهن أبهي رباح ومجاهههد وابهن أبهي ليلى وعطاء
الخراساني :هم فارس .وقال كعب والحسن وعبدالرحمن بن أبي ليلى :الروم .وعن الحسن أيضا:
فارس والروم .وقال ابههههن جههههبير :هوازن وثقيههههف .وقال عكرمههههة :هوازن .وقال قتادة :هوازن
وغطفان يوم حنين .وقال الزهري ومقاتل :بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة .وقال رافع بن
خديج :وال لقد كنا نقرأ هذه الية فيما مضى "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد" فل نعلم من هم
حتهى دعانها أبهو بكهر إلى قتال بنهي حنيفهة فعلمنها أنههم ههم .وقال أبهو هريرة :لم تأت هذه اليهة بعهد.
وظاهر الية يرده.
@ في هذه الية دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي ال عنهما ،لن أبا بكر دعاهم إلى
قتال بنههي حنيفههة ،وعمههر دعاهههم إلى قتال فارس والروم .وأمهها قول عكرمههة وقتادة إن ذلك فههي
هوازن وغطفان يوم حنيهن فل ،لنهه يمتنهع أن يكون الداعهي لههم الرسهول عليهه السهلم ،لنهه قال:
"لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا" فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى ال
عليهه وسهلم .ومعلوم أنهه لم يدع هؤلء القوم بعهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إل أبهو بكهر وعمهر
رضي ال عنهما .الزمخشري :فإن صح ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبدا ما دمتم على
مها أنتهم عليهه مهن مرض القلوب والضطراب فهي الديهن .أو على قول مجاههد كان الموعهد أنههم ل
يتبعون رسول ال صلى ال عليه وسلم إل متطوعين ل نصيب لهم في المغنم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :تقاتلونههم أو يسهلمون" هذا حكهم مهن ل تؤخهذ منههم الجزيهة ،وههو معطوف على
"تقاتلونهم" أي يكون أحد المرين :إما المقاتلة وإما السلم ،ل ثالث لهما .وفي حرف أُبي "أو
يسلموا" بمعنى حتى يسلموا ،كما تقول :كل أو تشبع ،أي حتى تشبع .قال:
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا فقلت له ل تبك عينك إنما
وقال الزجاج :قال "أو يسهههلمون" لن المعنهههى أو ههههم يسهههلمون مهههن غيهههر قتال .وهذا فهههي قتال
المشركيهن ل فهي أههل الكتاب" .فإن تطيعوا يؤتكهم ال أجرا حسهنا" الغنيمهة والنصهر فهي الدنيها،
والجنهة فهي الخرة" .وإن تتولوا كمها توليتهم مهن قبهل" عام الحديبيهة" .يعذبكهم عذابها أليمها" وههو
عذاب النار.
**3الية{ 17 :ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على المريض حرج ومن
يطع ال ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما}
@ قال ابهن عباس :لمها نزلت" :وإن تتولوا كمها توليتهم مهن قبهل يعذبكهم عذابها أليمها" قال أههل
الزمانة :كيف بنا يا رسول ال؟ فنزلت "ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على
المريهض حرج" أي ل إثهم عليههم فهي التخلف عهن الجهاد لعماههم وزمانتههم وضعفههم .وقهد مضهى
فهي "التوبهة" وغيرهها الكلم فيهه مبينها .والعرج :آفهة تعرض لرجهل واحدة ،وإذا كان ذلك مؤثرا
فخلل الرجلين أولى أن يؤثر .وقال مقاتل :هم أهل الزمانة الذين تخلفوا عن الحديبية وقد عذرهم.
أي مهن شاء أن يسهير منههم معكهم إلى خيهبر فليفعهل" .ومهن يطهع ال ورسهوله" فيمها أمره" .يدخله
جنات تجري من تحتها النهار" قرأ نافع وابن عامر "ندخله" بالنون على التعظيم .الباقون بالياء،
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لتقدم اسم ال أول" .ومن يتول يعذبه عذابا أليما".
**3الية{ 18 :لقد رضي ال عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل
السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ،ومغانم كثيرة يأخذونها وكان ال عزيزا حكيما}
@قوله تعالى" :لقهد رضهي ال عهن المؤمنيهن إذ يبايعونهك تحهت الشجرة" هذه بيعهة الرضوان،
وكانهت بالحديبيهة ،وهذا خهبر الحديبيهة على اختصهار :وذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أقام
منصهرفه مهن غزوة بنهي المصهطلق فهي شوال ،وخرج فهي ذي القعدة معتمرا ،واسهتنفر العراب
الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم ،وخرج النبي صلى ال عليه وسلم بمن معه من المهاجرين
والنصهار ومهن اتبعهه مهن العرب ،وجميعههم نحهو ألف وأربعمائة .وقيهل :ألف وخمسهمائة .وقيهل
غير هذا ،على ما يأتي .وساق معه الهدي ،فأحرم رسول ال صلى ال عليه وسلم ليعلم الناس أنه
لم يخرج لحرب ،فلمها بلغ خروجهه قريشها خرج جمعههم صهادين لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
عهن المسهجد الحرام ودخول مكهة ،وإنهه إن قاتلههم قاتلوه دون ذلك ،وقدموا خالد بهن الوليهد فهي خيهل
إلى (كراع الغميهم) فورد الخهبر بذلك على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وههو (بعسهفان) وكان
المخهبر له بشهر بهن سهفيان الكعهبي ،فسهلك طريقها يخرج بهه فهي ظهورههم ،وخرج إلى الحديبيهة مهن
أسهفل مكهة ،وكان دليله فيههم رجهل مهن أسهلم ،فلمها بلغ ذلك خيهل قريهش التهي مهع خالد جرت إلى
قريش تعلمهم بذلك ،فلما وصل رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الحديبية بركت ناقته صلى ال
عليه وسلم فقال الناس :خلت خلت فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :ما خلت وما هو لها بخلق
ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ،ل تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة رحم إل
أعطيتههم إياهها) .ثهم نزل صهلى ال عليهه وسهلم هناك ،فقيهل :يها رسهول ال ،ليهس بهذا الوادي ماء
فأخرج عليه الصلة والسلم سهما من كنانته فأعطاه رجل من أصحابه ،فنزل في قليب من تلك
القلب فغرزه فهي جوفهه فجاش بالماء الرواء حتهى كفهى جميهع الجيهش .وقيهل :إن الذي نزل بالسههم
فهي القليهب ناجيهة بهن جندب بهن عميهر السهلمي وههو سهائق بدن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يومئذ.
وقيهل :نزل بالسههم فهي القليهب البراء بهن عازب ،ثهم جرت السهفراء بيهن رسهول ال صهلى ال عليهه
وسهلم وبيهن كفار قريهش ،وطال التراجهع والتنازع إلى أن جاء سههيل بهن عمرو العامري ،فقاضاه
ل أتههى معتمِرا ودخههل هههوعههل أن ينصههرف عليههه الصههلة والسههلم عامههه ذلك ،فإذا كان مههن قابِ ٍ
وأصحابه مكة بغيهر سلح ،حاشا السيوف فهي قِربها فيقيم بها ثلثا ويخرج ،وعلى أن يكون بينه
وبينهم صلح عشرة أعوام ،يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا ،وعلى أن من جاء من الكفار
إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار ،ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم
يردوه إلى المسههلمين ،فعظههم ذلك على المسههلمين حتههى كان لبعضهههم فيههه كلم ،وكان رسههول ال
صهلى ال عليهه وسهلم أعلم بمها علمه ال من أنهه سيجعل للمسلمين فرجها ،فقال لصحابه (اصهبروا
فإن ال يجعهل هذا الصهلح سهببا إلى ظهور دينهه) فأنهس الناس إلى قوله هذا بعهد نفار منههم ،وأبهى
سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح :من محمد رسول ال ،وقالوا له :لو صدقناك
بذلك مها دفعناك عمها تريهد فل بهد أن تكتهب :باسهمك اللههم .فقال لعلي وكان يكتهب صهحيفة الصهلح:
(امح يا علي ،واكتب باسمك اللهم) فأبى علي أن يمحو بيده "محمد رسول ال" .فقال له رسول
ال صهلى ال عليهه وسهلم( :اعرضهه علي) فأشار إليهه فمحاه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بيده،
وأمره أن يكتهب (من محمهد بهن عبدال) .وأتى أبو جندل بن سهيل يومئذ بأكثهر كتاب الصهلح وهو
يرسههف فههي قيوده ،فرده رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم إلى أبيههه ،فعظههم ذلك على المسههلمين،
فأخهبرهم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وأخهبر أبها جندل (أن ال سهيجعل له فرجها ومخرجها).
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل الصلح قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسول ،فجاء
خبر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوه ،فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم
حينئذ إلى المبايعهة له على الحرب والقتال لههل مكهة ،فروي أنهه بايعههم على الموت .وروي أنهه
بايعههم على أل يفروا .وههي بيعهة الرضوان تحهت الشجرة ،التهي أخهبر ال تعالى أنهه رضهي عهن
المبايعيهن لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم تحتهها .وأخهبر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أنههم ل
يدخلون النار .وضرب رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم بيمينههه على شماله لعثمان ،فهههو كمههن
شهدها.
وذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال :أول من بايع رسول ال صلى ال عليه
وسهلم يوم الحديبيهة أبهو سهفيان السهدي .وفهي صهحيح مسهلم عهن أبهي الزبيهر عهن جابر قال :كنها يوم
الحديبيهة ألفها وأربعمائة ،فبايعناه وعمهر آخهذ بيده تحهت الشجرة وههي سهمرة ،وقال :بايعناه على أل
نفهر ولم نبايعهه على الموت وعنهه أنهه سهمع جابرا يسهأل :كهم كانوا يوم الحديبيهة؟ قال :كنها أربهع
عشرة مائة ،فبايعناه وعمههر آخههذ بيده تحههت الشجرة وهههي سههمرة ،فبايعناه ،غيههر جههد بههن قيههس
النصهاري اختبهأ تحهت بطهن بعيره .وعهن سهالم بهن أبهي الجعهد قال :سهألت جابر بهن عبدال عهن
أصحاب الشجرة .فقال :لو كنا مائة ألف لكفانا ،كنا ألفا وخمسمائة .وفي رواية :كنا خمس عشرة
مائة.
وعههن عبدال بههن أبههي أوفههى قال :كان أصههحاب الشجرة ألفهها وثلثمائة ،وكانههت أسههلم ثمههن
المهاجريهن .وعهن يزيهد بهن أبهي عبيهد قال :قلت لسهلمة :على أي شيهء بايعتهم رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال :على الموت .وعن البراء بن عازب قال :كتب علي رضي ال عنه
الصهلح بيهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وبيهن المشركيهن يوم الحديبيهة ،فكتهب :هذا مها كاتهب عليهه
محمههد رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فقالوا :ل تكتههب رسههول ال ،فلو نعلم أنههك رسههول ال لم
نقاتلك .فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي( :امحه) .فقال :ما أنا بالذي أمحاه ،فمحاه النبي صلى
ال عليهه وسهلم بيده .وكان فيمها اشترطوا :أن يدخلوا مكهة فيقيموا فيهها ثلثها ،ول يدخلهها بسهلح إل
جلبان السهلح .قلت لبهي إسهحاق ومها جلبان السهلح؟ قال :القراب ومها فيهه .وعهن أنهس :أن قريشها
صالحوا النبي صلى ال عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي:
(اكتب بسم ال الرحمن الرحيم) فقال سهيل بن عمرو :أما باسم ال ،فما ندري ما بسم ال الرحمن
الرحيم ولكن اكتب ما نعرف :باسمك اللهم .فقال( :اكتب من محمد رسول ال) قالوا :لو علمنا أنك
رسوله لتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :اكتب من محمد
بهن عبدال) فاشترطوا على النهبي صهلى ال عليهه وسهلم :أن مهن جاء منكهم لم نرده عليكهم ،ومهن
جاءكم منا رددتموه علينا .فقالوا :يا رسول ال ،أنكتب هذا قال( :نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده
ال ومن جاءنا منهم فسيجعل ال له فرجا ومخرجا) .وعن أبي وائل قال :قام سهل بن حنيف يوم
صفين فقال يا أيها الناس ،اتهموا أنفسكم ،لقد كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الحديبية
ولو نرى قتال لقاتلنهها ،وذلك فههي الصههلح الذي كان ببههن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم وبيههن
المشركين .فجاء عمر بن الخطاب -رضي ال عنه -فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
يها رسهول ال ،ألسهنا على حهق وههم على باطهل؟ قال (بلى) قال :أليهس قتلنها فهي الجنهة وقتلههم فهي
النار؟ قال (بلى) قال ففيهم نعطهي الدنيهة فهي ديننها ونرجهع ولمها يحكهم ال بيننها وبينههم؟ فقال (يها ابهن
الخطاب إني رسول ال ولن يضيعني ال أبدا) قال :فانطلق عمر ،فلم يصبر متغيظا فأتى أبا بكر
فقال :يا أبا بكر ،ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال بلى ،قال :أليس قتلنا في الجنة وقتلهم في
النار؟ قال بلى .قال :فعلم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم ال بيننا وبينههم؟ فقال :يا ابن
الخطاب ،إنههه رسههول ال ولن يضيعههه ال أبدا .قال :فنزل القرآن على رسههول ال صههلى ال عليههه
وسلم بالفتح ،فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ،فقال :يا رسول ال ،أو فتح هو؟ قال (نعم) .فطابت نفسه
ورجع.
@قوله تعالى" :فعلم ما في قلوبهم" من الصدق والوفاء ،قاله الفراء .وقال ابن جريج وقتادة :من
الرضا بأمهر البيعة على أل يفروا .وقال مقاتل :من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت
"فأنزل السكينة عليهم" حتى بايعوا .وقيل" :فعلم ما في قلوبهم" من الكآبة بصد المشركين إياهم
وتخلف رؤيها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عنههم ،إذا رأى أنهه يدخهل الكعبهة ،حتهى قال رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم( :إنمها ذلك رؤيها منام) .وقال الصهديق :لم يكهن فيهها الدخول فهي هذا العام.
والسكينة :الطمأنينة وسكون النفس إلى صدق الوعد .وقيل الصبر" .وأثابهم فتحا قريبا" قال قتادة
وابن أبي ليلى :فتح خيبر .وقيل فتح مكة .وقرئ "وآتاهم" "ومغانم كثيرة يأخذونها" يعني أموال
خيهبر ،وكانهت خيهبر ذات عقار وأموال ،وكانهت بيهن الحديبيهة ومكهة .فهه "مغانهم" على هذا بدل مهن
"فتحا قريبا" والواو مقحمة .وقيل "ومغانم" فارس والروم.
**3الية{ 20 :وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون
آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما}
@قوله تعالى" :وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها" قال ابن عباس ومجاهد .إنها المغانم التي تكون
إلى يوم القيامة .وقال ابن زيد :هي مغانم خيبر" .فعجل لكم هذه" أي خيبر ،قاله مجاهد .وقال ابن
عباس :عجل لكم صلح الحديبية" .وكف أيدي الناس عنكم" يعني أهل مكة ،كفهم عنكم بالصلح.
وقال قتادة :كههف أيدي اليهود عههن المدينههة بعههد خروج النههبي صههلى ال عليههه وسههلم إلى الحديبيههة
وخيهبر .وههو اختيار الطهبري ،لن كهف أيدي المشركيهن بالحديبيهة مذكور فهي قوله" :وههو الذي
كهف أيديههم عنكهم" [الفتهح .]24 :وقال ابهن عباس :فهي "كهف أيدي الناس عنكهم" يعنهي عيينهة بهن
حصن الفزاري وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما ،إذ جاؤوا لينصروا أهل خيبر والنبي
صهلى ال عليهه وسهلم محاصهر لههم ،فألقهى ال عهز وجهل فهي قلوبههم الرعهب وكفههم عهن المسهلمين
"ولتكون آية للمؤمنين" أي ولتكون هزيمتهم وسلمتكم آية للمؤمنين ،فيعلموا أن ال يحرسهم في
مشهدههم ومغيبههم .وقيهل :أي لتكون كهف أيديههم عنكهم آيهة للمؤمنيهن .وقيهل :أي ولتكون هذه التهي
عجلها لكم آية للمؤمنين على صدقك حيث وعدتهم أن يصيبوها .والواو في "ولتكون" مقحمة عند
الكوفيين .وقال البصريون :عاطفة على مضمر ،أي وكف أيدي الناس عنكم لتشكروه ولتكون آية
للمؤمنين" .ويهديكم صراطا مستقيما" أي يزيدكم هدى ،أو يثبتكم على الهداية.
**3الية{ 21 :وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط ال بها وكان ال على كل شيء قديرا}
@قوله تعالى" :وأخرى" "أخرى" معطوفهة على "هذه" ،أي فعجهل لكهم هذه المغانهم ومغانهم
أخرى" .لم تقدروا عليها قد أحاط ال بها" قال ابن عباس :هي الفتوح التي فتحت على المسلمين،
كأرض فارس والروم ،وجميع ما فتحه المسلمون .وهو قول الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى .وعن
ابن عباس أيضا والضحاك وابن زيد وابن إسحاق :هي خيبر ،وعدها ال نبيه قبل أن يفتحها ،ولم
يكونوا يرجونهها حتهى أخهبرهم ال بهها .وعهن الحسهن أيضها وقتادة :ههو فتهح مكهة .وقال عكرمهة:
حنيههن ،لنههه قال" :لم تقدروا عليههها" .وهذا يدل على تقدم محاولة لههها وفوات درك المطلوب فههي
الحال كمها كان فهي مكهة ،قال القشيري .وقال مجاههد :ههي مها يكون إلى يوم القيامهة .ومعنهى "قهد
أحاط ال بها" :أي أعدها لكم .فهي كالشيء الذي قد أحيط به من جوانبه ،فهو محصور ل يفوت،
فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم ل تفوتكم .وقيل" :أحاط ال بها" علم أنها
سهتكون لكهم ،كسها قال" :وأن ال قهد أحاط بكهل شيهء علمها" [الطلق .]12 :وقيهل :حفظهها ال
عليكم .ليكون فتحها لكم" .وكان ال على كل شيء قديرا".
**3الية{ 22 :ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ل يجدون وليا ول نصيرا ،سنة ال التي
قد خلت من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل}
@قوله تعالى" :ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار" قال قتادة :يعني كفار قريش في الحديبية.
وقيهل" :ولو قاتلكهم" غطفان وأسهد والذيهن أرادوا نصهرة أههل خيهبر ،لكانهت الدائرة عليههم" .ثهم ل
يجدون وليها ول نصهيرا .سهنة ال التهي قهد خلت مهن قبهل" يعنهي طريقهة ال وعاداتهه السهالفة نصهر
أوليائه على أعدائه .وانتصههب "سههنة" على المصههدر .وقيههل" :سههنة ال" أي كسههنة ال .والسههنة
الطريقة والسيرة .قال:
فأول راض سنة من يسيرها فل تجزعن من سيرة أنت سرتها
والسنة أيضا :ضرب من تمر المدينة" .ولن تجد لسنة ال تبديل".
**3الية{ 24 :وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم
وكان ال بما تعملون بصيرا}
@قوله تعالى" :وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة" وهي الحديبية" .من بعد أن
أظفركهم عليههم" روى يزيهد بهن هارون قال :أخبرنها حماد بهن سهلمة عهن ثابهت عهن أنهس أن ثمانيهن
رجل من أهل مكة هبطوا على النبي صلى ال عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه ،فأخذناههم سهلما فاسهتحييناهم ،فأنزل ال تعالى" :وههو الذي
كهف أيديههم عنكهم وأيديكهم عنههم ببطهن مكهة مهن بعهد أن أظفركهم عليههم" .وقال عبدال بهن مغفهل
المزنهي :كنها مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالحديبيهة فهي أصهل الشجرة التهي قال ال فهي القرآن،
فبينها نحهن كذلك إذ خرج علينها ثلثون شابها عليههم السهلح فثاروا فهي وجوهنها فدعها عليههم النهبي
صلى ال عليه وسلم فأخذ ال بأبصارهم ،فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :هل جئتم في
عههد أحهد أو ههل جعهل لكهم أحهد أمانها] .قالوا :اللههم ل ،فخلى سهبيلهم .فأنزل ال تعالى" :وههو الذي
كف أيدهم عنكم" الية .وذكر ابن هشام عن وكيع :وكانت قريش قد جاء منهم نحو سبعين رجل
أو ثمانيهن رجل لليقاع بالمسهلمين وانتهاز الفرصهة فهي أطرافههم ،ففطهن المسهلمون لههم فأخذوههم
أسهرى ،وكان ذلك والسهفراء يمشون بينههم فهي الصهلح ،فأطلقههم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم،
فههم الذيهن يسهمون العتقاء ،ومنههم معاويهة وأبوه .وقال مجاههد :أقبهل النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
معتمرا ،إذ أخذ أصحابه ناسا من الحرم غافلين فأرسلهم النبي صلى ال عليه وسلم ،فذلك الظفار
ببطهن مكهة .وقال قتادة :ذكهر لنها أن رجل مهن أصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقال له
زنيهم ،اطلع الثنيهة مهن الحديبيهة فرماه المشركون بسههم فقتلوه ،فبعهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
خيل فأتوا باثني عشر فارسا من الكفار ،فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم[ :هل لكم علي ذمة]
قالوا ل؟ فأرسلهم فنزلت .وقال ابن أبزى والكلبي :هم أهل الحديبية ،كف ال أيديهم عن المسلمين
حتهى وقهع الصهلح ،وكانوا خرجوا بأجمعههم وقصهدوا المسهلمين ،وكهف أيدي المسهلمين عنههم .وقهد
تقدم أن خالد بن الوليد كان في خيل المشركين .قال القشيري :فهذه رواية ،والصحيح أنه كان مع
النبي صلى ال عليه وسلم في ذلك الوقت .وقد قال سلمة بن الكوع :كانوا في أمر الصلح إذ أقبل
أبو سفيان ،فإذا الوادي يسير بالرجال والسلح ،قال :فجئت بستة من المشركين أسوقهم متسلحين
ل يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا ،فأتيت بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم .وكان عمر قال في
الطريهق :يها رسهول ال ،نأتهي قومها حربها وليهس معنها سهلح ول كراع؟ فبعهث رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم إلى المدينة من الطريق فأتوه بكل سلح وكراع كان فيها ،وأُخبر رسول ال صلى ال
عليه وسلم أن عكرمة بن أبي جهل خرج إليك في خمسمائة فارس ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم لخالد بن الوليد[ :هذا ابن عمك أتاك في خمسمائة] .فقال خالد :أنا سيف ال وسيف رسوله،
فيومئذ سهمي بسهيف ال ،فخرج ومعهه خيهل وهزم الكفار ودفعههم إلى حوائط مكهة .وهذه الروايهة
أصح ،وكان بينهم قتال بالحجارة ،وقيل بالنبل والظفر .وقيل :أراد بكف اليد أنه شرط في الكتاب
أن من جاءنها منههم فهو رد عليههم ،فخرج أقوام مهن مكة مسلمون وخافوا أن يردههم الرسول عليه
السهلم إلى المشركيهن لحقوا بالسهاحل ،ومنههم أبهو بصهير ،وجعلوا يغيرون على الكفار ويأخذون
عيرههم ،حتهى جاء كبار قريهش إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقالوا :اضممههم إليهك حتهى نأمهن،
ففعهل .وقيهل :همهت غطفان وأسهد منهع المسهلمين مهن يهود خيهبر ،لنههم كانوا حلفاءههم فمنعههم ال
عهن ذلك ،فههو كهف اليهد" .ببطهن مكهة" فيهه قولن :أحدهمها :يريهد بهه مكهة .الثانهي :الحديبيهة ،لن
بعضهها مضاف إلى الحرم .قال الماوردي :وفهي قوله" :مهن بعهد أن أظفركهم عليههم" بفتهح مكهة.
تكون هذه نزلت بعد فتح مكة ،وفيها دليل على أن مكة فتحت صلحا ،لقوله عز وجل" :كف أيديهم
عنكم وأيديكم عنهم".
قلت :الصحيح أن هذه الية نزلت في الحديبية قبل فتح مكة ،حسب ما قدمناه عن أهل التأويل
من الصحابة والتابعين .وروى الترمذي قال :حدثنا عبد بن حميد قال حدثني سليمان بن حرب قال
حدثنها حماد بهن سهلمة عهن ثابهت عهن أنهس :أن ثمانيهن هبطوا على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
وأصحابه من جبل التنعيم عند صلة الصبح وهم يريدون أن يقتلوه ،فأخذوا أخذا فأعتقهم رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،فأنزل ال تعالى" :وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الية .قال
أبهو عيسهى :هذا حديهث حسهن صهحيح ،وقهد تقدم .وأمها فتهح مكهة فالذي تدل عليهه الخبار أنهها إنمها
فتحت عنوة ،وقد مضى القول في ذلك في "الحج" وغيرها" .وكان ال بما تعملون بصيرا".
**3اليهة{ 25 :ههم الذيهن كفروا وصهدوكم عهن المسهجد الحرام والهدي معكوفها أن يبلغ محله
ولول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل
ال في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}
@قوله تعالى" :هم الذين كفروا" يعني قريشا ،منعوكم دخول المسهجد الحرام عام الحديبية حين
أحرم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهع أصهحابه بعمرة ،ومنعوا الهدي وحبسهوه عهن أن يبلغ محله.
وهذا كانوا ل يعتقدونهه ،ولكنهه حملتههم النفهة ودعتههم حميهة الجاهليهة إلى أن يفعلوا مها ل يعتقدونهه
دينها ،فوبخههم ال على ذلك وتوعدههم عليهه ،وأدخهل النهس على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
ببيانه ووعده" .والهدي معكوفا" أي محبوسا .وقيل موقوفا .وقال أبو عمرو بن العلء :مجموعا.
الجوهري :عكفه أي حبسه ووقفه ،يعكفه ويعكفه عكفا ،ومنه قوله تعالى" :والهدي معكوفا" ،يقال
مها عكفهك عهن كذا .ومنهه العتكاف فهي المسهجد وههو الحتباس" .أن يبلغ محله" أي منحره ،قاله
الفراء .وقال الشافعي رضهي ال عنه :الحرم .وكذا قال أبو حنيفة رضي ال عنه ،المحصر محل
هديه الحرم .والمحل (بكسر الحاء) :غاية الشيء( .وبالفتح) :هو الموضع الذي يحله الناس .وكان
الهدي سبعين بدنة ،ولكن ال بفضله جعل ذلك الموضع له محل .وقد اختلف العلماء في هذا على
مها تقدم بيانهه فهي "البقرة" عنهد قوله تعالى" :فإن أحصهرتم" والصهحيح مها ذكرناه .وفهي صهحيح
مسهلم عهن أبهي الزبيهر عهن جابر بهن عبدال قال :نحرنها مهع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم عام
الحديبيهة البدنهة عهن سهبعة ،والبقرة عهن سهبعة .وعنهه قال :اشتركنها مهع رسهول ال صهلى ال عليهه
وسهلم فهي الحهج والعمرة كهل سهبعة فهي بدنهة .فقال رجهل لجابر :أيشترك فهي البدنهة مها يشترك فهي
الجزور؟ قال :مهها هههي إل مههن البدن .وحضههر جابر الحديبيههة قال :ونحرنهها يومئذ سههبعين بدنههة،
اشتركنا كل سبعة في بدنة .وفي البخاري عن ابن عمر قال :خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه
وسهلم معتمريهن ،فحال كفار قريهش دون البيهت ،فنحهر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بدنهة وحلق
رأسه .قيل :إن الذي حلق رأسه يومئذ خراش بن أمية بن أبي العيص الخزاعي ،وأمر رسول ال
صلى ال عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلوا ،ففعلوا بعد توقف كان منهم أغضب رسول ال
صلى ال عليه وسلم .فقالت له أم سلمة :لو نحرت لنحروا ،فنحر رسول ال صلى ال عليه وسلم
هديههه ونحروا بنحره ،وحلق رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم رأسههه ودعهها للمحلقيههن ثلثهها
وللمقصهرين مرة .ورأى كعهب بهن عجرة والقمهل يسهقط على وجههه ،فقال[ :أيؤذيهك هوامهك]؟ قال
نعم ،فأمره أن يحلق وهو بالحديبية .خرجه البخاري والدارقطني .وقد مضى في "البقرة".
ي محله" [البقرة]196 : @قوله تعالى" :والهدي" والهَديُ وال َهدِيّ لغتان .وقرئ "حتى يبلغ ال َهدْ ُ
بالتخفيف والتشديد ،الواحدة هدية .وقد مضى في "البقرة" أيضا .وهو معطوف على الكاف والميم
مههن "صههدوكم" .و"معكوفهها" حال ،وموضههع "أن" مههن قوله" :أن يبلغ محله" نصههب على تقديههر
الحمهل على "صهدوكم" أي صهدوكم وصهدوا الهدي عهن أن يبلغ .ويجوز أن يكون مفعول له ،كأنهه
قال :وصههدوا الهدي كراهيههة أن يبلغ محله .أبههو علي :ل يصههح حمله على العكههف ،لنهها ل نعلم
"عكف" جاء متعديا ،ومجيء "معكوفا" في الية يجوز أن يكون محمول على المعنى ،كأنه لما
كان حبسها حمهل المعنهى على ذلك ،كمها حمهل الرفهث على معنهى الفضاء فعدي بإلى ،فإن حمهل
على ذلك كان موضعهههه نصهههبا على قياس قول سهههيبويه ،وجرا على قياس قول الخليههل .أو يكون
مفعول له ،كأنه قال :محبوسا كراهية أن يبلغ محله .ويجوز تقدير الجر في "أن" لن عن تقدمت،
فكأنههه قال :وصههدوكم عههن المسههجد الحرام ،وصههدوا الهدي "عههن" أن يبلغ محله .ومثله مهها حكاه
سيبويه عن يونس :مررت برجل إن زيد وإن عمرو ،فأضمر الجار لتقدم ذكره.
@قوله تعالى" :ولول رجال مؤمنون" يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة وسط الكفار ،كسلمه
بهن هشام وعياش بهن أبهي ربيعهة وأبهي جندل بهن سههيل ،وأشباهههم" .لم تعلموههم" أي تعرفوههم.
وقيل لم تعلموهم أنهم مؤمنون" .أن تطؤوهم" بالقتل واليقاع بهم ،يقال :وطئت القوم ،أي أوقعت
بهههم .و"أن" يجوز أن يكون رفعهها على البدل مههن رجال ،ونسههاء كأنههه قال ولول وطؤكههم رجال
مؤمنين ونساء مؤمنات .ويجوز أن يكون نصبا على البدل من الهاء والميم في "تعلموهم" ،فيكون
التقديههر :لم تعلموا وطأهههم ،وهههو فههي الوجهيههن بدل الشتمال" .لم تعلموهههم" نعههت له ه "رجال"
و"نسههاء" .وجواب "لول" محذوف ،والتقديههر :ولو أن تطؤوا رجال مؤمنيههن ونسههاء مؤمنات لم
تعلموهم لذن ال لكم في دخول مكة ،ولسلطكم عليهم ،ولكنا صنا من كان فيها يكثم إيمانه .وقال
الضحاك :لول من في أصلب الكفار وأرحام نسائهم من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموا
أن تطؤوا آباءهم فتهلك أبناؤهم.
@قوله تعالى" :فتصيبكم منهم معرة" المعرة العيب ،وهي مفعلة من العر وهو الجرب ،أي يقول
المشركون :قهد قتلوا أههل دينههم .وقيهل :المعنهى يصهيبكم مهن قتلههم مها يلزمكهم مهن أجله كفارة قتهل
الخطأ ،لن ال تعالى إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ولم يعلم
بإيمانهه الكفارة دون الديهة فهي قوله" :فإن كان مهن قوم عدو لكهم وههو مؤمهن فتحريهر رقبهة مؤمنهة"
[النسهاء ]92 :قاله الكلبهي ومقاتهل وغيرهمها .وقهد مضهى فهي "النسهاء" القول فيهه .وقال ابهن زيهد:
"معرة" إثهم .وقال الجوهري وابهن إسهحاق :غرم الديهة .قطرب :شدة .وقيهل غهم" .بغيهر علم"
تفضيل للصحابة وإخبار عن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والعصمة عن التعدي ،حتى
لو أنهم أصابوا من ذلك أحدا لكان عن غير قصد .وهذا كما وصفت النملة عن جنه سليمان عليه
السلم في قولها" :ل يحطمنكم سليمان وجنوده وهم ل يشعرون" [النمل.]18 :
@قوله تعالى" :ليدخهل ال فهي رحمتهه مهن يشاء" اللم فهي "ليدخهل" متعلقهة بمحذوف ،أي لو
قتلتموهم لدخلهم ال في رحمته .ويجوز أن تتعلق باليمان .ول تحمل على مؤمنين دون مؤمنات
ول على مؤمنات دون مؤمنين لن الجميع يدخلون في الرحمة .وقيل :المعنى لم يأذن ال لكم في
قتال المشركيهن ليسهلم بعهد الصهلح مهن قضهى أن يسهلم مهن أههل مكهة ،وكذلك كان أسهلم الكثيهر منههم
وحسن إسلمه ،ودخلوا في رحمته ،أي جنته.
@قوله تعالى" :لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما" أي تميزوا ،قاله القتبي .وقيل :لو
تفرقوا ،قاله الكلبههي .وقيههل :لو زال المؤمنون مههن بيههن أظهههر الكفار لعذب الكفار بالسههيف ،قاله
الضحاك .ولكهن ال يدفهع بالمؤمنيهن عهن الكفار .وقال علي رضهي ال عنهه :سهألت النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم عهن هذه اليهة "لو تزيلوا لعذبنها الذيهن كفروا" فقال[ :ههم المشركون مهن أجداد نهبي ال
ومهن كان بعدههم وفهي عصهرهم كان فهي أصهلبهم قوم مؤمنون فلو تزيهل المؤمنون عهن أصهلب
الكافرين لعذب ال تعالى الكافرين عذابا أليما].
@ هذه الية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن ،إذ ل يمكن أذية الكافر إل بأذية المؤمن.
قال أبو زيد قلت لبن القاسم :أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم ،حصرهم
أههل السهلم وفيههم قوم مهن المسهلمين أسهارى فهي أيديههم ،أيحرق هذا الحصهن أم ل؟ قال :سهمعت
مالكها وسهئل عهن قوم مهن المشركيهن فهي مراكبههم :أنرمهي فهي مراكبههم بالنار ومعههم السهارى فهي
مراكبهم؟ قال :فقال مالك ل أرى ذلك ،لقوله تعالى لهل مكة" :لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم
عذابهها أليمهها" .وكذلك لو تترس كافههر بمسههلم لم يجههز رميههه .وإن فعههل ذلك فاعههل فأتلف أحدا مههن
المسلمين فعليه الدية والكفارة .فإن لم يعلموا فل دية ول كفارة ،وذلك أنهم إذا علموا فليس لهم أن
يرموا ،فإذا فعلوه صاروا قتلة خطأ والدية على عواقلهم .فإن لم يعلموا فلهم أن يرموا .وإذا أبيحوا
الفعل لم يجهز أن يبقى عليهم فيها تباعة .قال ابن العربي :وقد قال جماعة إن معناه لو تزيلوا عن
بطون النسهاء وأصهلب الرجال .وهذا ضعيهف ،لن مهن فهي الصهلب أو فهي البطهن ل يوطهأ ول
تصيب منه معرة .وهو سبحانه قد صرح فقال" :ولول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم
أن تطؤوهههم" وذلك ل ينطلق على مههن فههي بطههن المرأة وصههلب الرجال ،وإنمهها ينطلق على مثههل
الوليد بن الوليد ،وسلمة بن هشام ،وعياش بن أبي ربيعة ،وأبي جندل بن سهيل .وكذلك قال مالك:
وقد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنهم الماء ،فكانوا ينزلون السارى يستقون لهم الماء ،فل يقدر
أحد على رميهم بالنبل ،فيحصل لهم الماء بغير اختيارنا .وقد جوز أبو حنيفة وأصحابه والثوري
الرمي في حصون المشركين وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفالهم .ولو تترس كافر بولد
مسههلم رمههي المشرك ،وإن أصههيب أحههد مههن المسههلمين فل ديهة فيههه ول كفارة .وقال الثوري :فيههه
الكفارة ول ديهة .وقال الشافعهي بقولنها .وهذا ظاههر ،فإن التوصهل إلى المباح بالمحظور ل يجوز،
سيما بروح المسلم ،فل قول إل ما قاله مالك رضي ال عنه .وال أعلم.
قلت :قهههد يجوز قتهههل الترس ،ول يكون فيهههه اختلف إن شاء ال ،وذلك إذا كانهههت المصهههلحة
ضروريههة كليههة قطعيههة .فمعنههى كونههها ضروريههة :أنههها ل يحصههل الوصههول إلى الكفار إل بقتههل
الترس .ومعنههى أنههها كليههة :أنههها قاطعههة لكههل المههة ،حتههى يحصههل مهن قتههل الترس مصههلحة كههل
المسهلمين ،فإن لم يفعهل قتهل الكفار الترس واسهتولوا على كهل المهة .ومعنهى كونهها قطعيهة :أن تلك
المصههلحة حاصههلة مههن قتههل الترس قطعهها .قال علماؤنهها :وهذه المصههلحة بهذه القيود ل ينبغههي أن
يختلف فههي اعتبارههها ،لن الفرض أن الترس مقتول قطعهها ،فإمهها بأيدي العدو فتحصههل المفسههدة
العظيمهة التهي ههي اسهتيلء العدو على كهل المسهلمين .وإمها بأيدي المسهلمين فيهلك العدو وينجهو
المسهلمون أجمعون .ول يتأتهى لعاقهل أن يقول :ل يقتهل الترس فهي هذه الصهورة بوجهه ،لنهه يلزم
منهه ذهاب الترس والسهلم والمسهلمين ،لكهن لمها كانهت هذه المصهلحة غيهر خاليهة مهن المفسهدة،
نفرت منهها نفهس مهن لم يمعهن النظهر فيهها ،فإن تلك المفسهدة بالنسهبة إلى مها حصهل منهها عدم أو
كالعدم .وال أعلم.
@ قراءة العامهة "لو تزيلوا" إل أبها حيوة فإنهه قرأ "تزايلوا" وههو مثهل "تزيلوا" فهي المعنهى.
والتزايل :التباين .و"تزيلوا" تفعلوا ،من زلت .وقيل :هي تفيعلوا" .لعذبنا الذين كفروا" قيل :اللم
جواب لكلميهن ،أحدهمها" :لول رجال" والثانهي" :لو تزيلوا" .وقيهل جواب "لول" محذوف ،وقهد
تقدم" .ولو تزيلوا" ابتداء كلم.
**3اليهة{ 26 :إذ جعهل الذيهن كفروا فهي قلوبههم الحميهة حميهة الجاهليهة فأنزل ال سهكينته على
رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان ال بكل شيء عليما}
@قوله تعالى" :إذ جعهل الذيهن كفروا فهي قلوبههم الحميهة حميهة الجاهليهة" العامهل فهي "إذ" قوله
تعالى" :لعذبنها" أي لعذبناههم إذ جعلوا هذا .أو فعهل مضمهر تقديره واذكروا" .الحميهة" فعيلة وههي
النفهة .يقال :حميهت عهن كذا حميهة (بالتشديهد) ومحميهة إذا أنفهت منهه وداخلك عار وأنفهة أن تفعله.
ومنه قول المتلمس:
كذي النف يحمي أنفه أن يكشما أل إنني منهم وعرضي عرضهم
أي يمنع .قال الزهري :حميتهم أنفتهم من القرار للنبي صلى ال عليه وسلم بالرسالة والستفتاح
ببسهم ال الرحمهن الرحيهم ،ومنعههم مهن دخول مكهة .وكان الذي امتنهع مهن كتابهة بسهم ال الرحمهن
الرحيهم ومحمهد رسهول ال :سههيل بهن عمرو ،على مها تقدم .وقال ابهن بحهر :حميتهههم عصهبيتهم
للهتهههم التههي كانوا يعبدونههها مههن دون ال تعالى ،والنفههة مههن أن يعبدوا غيرههها .وقيههل" :حميههة
الجاهلية" إنهم قالوا :قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا ،واللت والعزى ل يدخلها
أبدا" .فأنزل ال سهكينته" أي الطمأنينهة والوقار" .على رسهوله وعلى المؤمنيهن" وقيهل :ثبتههم على
الرضا والتسليم ،ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية.
@قوله تعالى" :وألزمهم كلمة التقوى" قيل :ل إله إل ال .روي مرفوعا من حديث أبي بن كعب
عههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم .وهههو قول علي وابههن عمههر وابههن عباس ،وعمرو بههن ميمون
ومجاهههد وقتادة وعكرمههة والضحاك ،وسهلمة بهن كهيههل وعبيهد بههن عميههر وطلحههة بهن مصههرف،
والربيهع والسهدي وابهن زيهد .وقال عطاء الخرسهاني ،وزاد "محمهد رسهول ال" .وعهن علي وابهن
عمر أيضا هي ل إله إل ال وال أكبر .وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضا :هي ل إله إل ال
وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .وقال الزهري :بسم ال الرحمن
الرحيهم .يعنهي أن المشركيهن لم يقروا بهذه الكلمهة ،فخهص ال بهها المؤمنيهن .و"كلمهة التقوى" ههي
التهي يتقهى بهها مهن الشرك .وعهن مجاههد أيضها أن "كلمهة التقوى" الخلص" .وكانوا أحهق بهها
وأهلهها" أي أحهق بهها مهن كفار مكهة ،لن ال تعالى اختارههم لدينهه وصهحبة نهبيه" .وكان ال بكهل
شيء عليما".
**3اليهة{ 27 :لقهد صهدق ال رسهوله الرؤيها بالحهق لتدخلن المسهجد الحرام إن شاء ال آمنيهن
محلقين رؤوسكم ومقصرين ل تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا}
@قوله تعالى" :لقهد صهدق ال رسهوله الرؤيها بالحهق" قال قتادة :كان رسهول ال صهلى ال عليهه
وسلم رأى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة ،فلما صالح قريشا بالحديبية ارتاب المنافقون
حتى قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه يدخل مكة ،فأنزل ال تعالى" :لقد صدق ال رسوله
الرؤيها بالحهق" فأعلمههم أنههم سهيدخلون فهي غيهر ذلك العام ،وأن رؤياه صهلى ال عليهه وسهلم حهق.
وقيل :إن أبا بكر هو الذي قال إن المنام لم يكن مؤقتا بوقت ،وأنه سيدخل .وروي أن الرؤيا كانت
بالحديبيهة ،وأن رؤيها النهبياء حهق .والرؤيها أحهد وجوه الوحهي إلى النهبياء" .لتدخلن" أي فهي العام
القابل "المسهجد الحرام إن شاء ال" قال ابن كيسان :إنه حكاية ما قيل للنبي صلى ال عليه وسلم
في منامه ،خوطب في منامه بما جرت به العادة ،فأخبر ال عن رسول أنه قال ذلك ولهذا استثنى،
تأدب بأدب ال تعالى حيهههث قال تعالى" :ول تقولن لشيهههء إنهههي فاعهههل ذلك غدا إل أن يشاء ال"
[الكهف .]23 :وقيل :خاطب ال العباد بما يحب أن يقولوه ،كما قال" :ول تقولن لشيء إني فاعل
ذلك غدا إل أن يشاء ال" .وقيههل :اسههتثنى فيمهها يعلم ليسههتثني الخلق فيمهها ل يعلمون ،قاله ثعلب.
وقيهل :كان ال علم أنهه يميهت بعهض هؤلء الذيهن كانوا معهه بالحديبيهة فوقهع السهتثناء لهذا المعنهى،
قال الحسهين بهن الفضهل .وقيهل :السهتثناء مهن "آمنيهن" ،وذلك راجهع إلى مخاطبهة العباد على مها
جرت بهه العادة .وقيهل :معنهى "إن شاء ال" إن أمركهم ال بالدخول .وقيهل :أي إن سههل ال .وقيهل:
"إن شاء ال" أي كما شاء ال .وقال أبو عبيدة" :إن" بمعنى "إذ" ،أي إذ شاء ال ،كقوله تعالى:
"اتقوا ال وذروا مها بقهي مهن الربها إن كنتهم مؤمنيهن" [البقرة ]278 :أي إذ كنتهم .وفيهه بعهد ،لن
"إذ" فهي الماضهي مهن الفعهل ،و"إذا" فهي المسهتقبل ،وهذا الدخول فهي المسهتقبل ،فوعدههم دخول
المسهجد الحرام وعلقهه بشرط المشيئة ،وذلك عام الحديبيهة ،فأخهبر أصهحابه بذلك فاسهتبشروا ،ثهم
تأخهر ذلك عهن العام الذي طمعوا فيهه فسهاءهم ذلك واشتهد عليههم وصهالحهم ورجهع ،ثهم أذن ال فهي
العام المقبهل فأنزل ال" :لقهد صهدق ال رسهوله الرؤيها بالحهق" .وإنمها قيهل له فهي المنام" :لتدخلن
المسهجد الحرام إن شاء ال" فحكهى فهي التنزيهل مها قيهل له فهي المنام ،فليهس هنها شهك كمها زعهم
بعضههم أن الستثناء يدل على الشهك ،وال تعالى ل يشك ،و"لتدخلن" تحقيق فكيهف يكون شك .فهه
"إن" بمعنهى "إذا"" .آمنيهن" أي مهن العدو" .محلقيهن رؤوسهكم ومقصهرين" والتحليهق والتقصهير
جميعها للرجال ،ولذلك غلب المذكهر على المؤنهث .والحلق أفضهل ،وليهس للنسهاء إل التقصهير .وقهد
مضهى القول فهي هذا فهي "البقرة" .وفهي الصهحيح أن معاويهة أخهذ مهن شعهر النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم على المروة بمشقهص .وهذا كان فهي العمرة ل فهي الحهج ،لن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
حلق فهي حجتهه" .ل تخافون" حال مهن المحلقيهن والمقصهرين ،والتقديهر :غيهر خائفيهن" .فعلم مها لم
تعلموا" أي علم ما في تأخير الدخول من الخير والصلح ما لم تعلموه أنتم .وذلك أنه عليه السلم
لمها رجهع مضهى منهها إلى خيهبر فافتتحهها ،ورجهع بأموال خيهبر وأخهذ مهن العدة والقوة أضعاف مها
كان فيهه فهي ذلك العام ،وأقبهل إلى مكهة على أهبهة وقوة وعدة بأضعاف ذلك .وقال الكلبهي :أي علم
أن دخولههها إلى سههنة ولم تعلموه أنتههم .وقيههل :علم أن بمكههة رجال مؤمنيههن ونسههاء مؤمنات لم
تعلموهم.
@قوله تعالى" :فجعل من دون ذلك فتحا قريبا" أي من دون رؤيا النبي صلى ال عليه وسلم فتح
خيههبر ،قال ابههن زيههد والضحاك .وقيههل فتههح مكههة .وقال مجاهههد :هههو صههلح الحديبيههة ،وقاله أكثههر
المفسرين .قال الزهري :ما فتح ال في السلم أعظم من صلح الحديبية ،لنه إنما كان القتال حين
تلتقههي الناس ،فلمهها كانههت الهدنههة وضعههت الحرب أوزارههها وأمههن الناس بعضهههم بعضهها ،فالتقوا
وتفاوضوا الحديههث والمناظرة .فلم يكلم أحههد بالسههلم يعقههل شيئا إل دخههل فيههه ،فلقههد دخههل تينههك
السهنتين فهي السهلم مثهل مها كان فهي السهلم قبهل ذلك وأكثهر .يدلك على ذلك أنههم كانوا سهنة سهت
يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ،وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان في عشرة آلف.
**3اليهة{ 28 :ههو الذي أرسهل رسهوله بالهدى وديهن الحهق ليظهره على الديهن كله وكفهى بال
شهيدا}
@قوله تعالى" :ههو الذي أرسهل رسهوله" يعنهي محمدا صهلى ال عليهه وسهلم "ليظهره على الديهن
كله" أي يعليهه على كهل الديان .فالديهن اسهم بمعنهى المصهدر ،ويسهتوي لفهظ الواحهد والجمهع فيهه.
وقيل :أي ليظهر رسول على الدين كله ،أي على الدين الذي هو شرعه بالحجة ثم باليد والسيف،
ونسخ ما عداه" .وكفى بال شهيدا" "شهيدا" نصب على التفسير ،والباء زائدة ،أي كفى ال شهيدا
لنهبيه صهلى ال عليهه وسهلم ،وشهادتهه له تهبين صهحة نبوتهه بالمعجزات .وقيهل" :شهيدا" على مها
أرسل به ،لن الكفار أبوا أن يكتبوا :هذا ما صالح عليه محمد رسول ال.
**3الية{ 29 :محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا
يبتغون فضل من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم
فههي النجيههل كزرع أخرج شطأه فآزره فاسههتغلظ فاسههتوى على سههوقه يعجههب الزراع ليغيههظ بهههم
الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}
@قوله تعالى" :محمههد رسههول ال" "محمههد" مبتدأ و"رسههول" خههبره .وقيههل" :محمههد" ابتداء
و"رسهول ال" نعتهه" .والذيهن معهه" عطهف على المبتدأ ،والخهبر فيمها بعده؛ فل يوقهف على هذا
التقديهر على "رسهول ال" .وعلى الول يوقهف على "رسهول ال"؛ لن صهفاته عليهه السهلم تزيهد
على مها وصهف أصهحابه؛ فيكون "محمهد" ابتداء و"رسهول ال" الخهبر "والذيهن معهه" ابتداء ثان.
و"أشداء" خهبره و"رحماء" خهبر ثان .وكون الصهفات فهي جملة أصهحاب النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم ههو الشبهه .وقيهل :المراد بهه "الذيهن معهه" جميهع المؤمنيهن" .أشداء على الكفار" قال ابهن
عباس :أهل الحديبية أشداء على الكفار؛ أي غلظ عليهم كالسد على فريسته" .رحماء بينهم" أي
يرحهم بعضههم بعضها .وقيهل :متعاطفون متوادون .وقرأ الحسهن "أشداء على الكفار رحماء بينههم"
بالنصهب على الحال ،كأنهه قال :والذيهن معهه فهي حال شدتههم على الكفار وتراحمههم بينههم" .تراههم
ركعهها سههجدا" إخبار عههن كثرة صههلتهم" .يبتغون فضل مههن ال ورضوانهها" أي يطلبون الجنههة
ورضا ال تعالى.
@قوله تعالى" :سيماهم في وجوههم من أثر السجود" السيما العلمة ،وفيها لغتان :المد والقصر،
أي لحهت علمات التهجهد بالليهل وأمارات السههر .وفهي سهنن ابهن ماجهة قال :حدثنها إسهماعيل بهن
محمهد الطلحهي قال حدثنها ثابهت بهن موسهى أبهو يزيهد عهن شريهك عهن العمهش عهن أبهي سهفيان عهن
جابر قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم[ :مهن كثرت صهلته بالليهل حسهن وجههه بالنهار].
وقال ابهن العربهي :ودسهه قوم فهي حديهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم على وجهه الغلط ،وليهس عهن
النبي صلى ال عليه وسلم فيه ذكر بحرف .وقد روى ابن وهب عن مالك "سيماهم في وجوههم
من أثر السجود" ذلك مما يتعلق بجباههم من الرض عند السجود ،وبه قال سعيد بن جبير .وفي
الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم :صلى صبيحة إحدى وعشرين من رمضان وقد
وكهف المسهجد وكان على عريهش ،فانصهرف النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن صهلته وعلى جبهتهه
وأرنبتهه أثهر الماء والطيهن .وقال الحسهن :ههو بياض يكون فهي الوجهه يوم القيامهة .وقاله سهعيد بهن
جبير أيضا ،ورواه العوفي عن ابن عباس؛ قاله الزهري .وفي الصحيح عن رسول ال صلى ال
عليه وسلم من حديث أبي هريرة ،وفيه[ :حتى إذا فرغ ال من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج
برحمته من أراد من أهل النار أمر الملئكة أن يخرجوا من النار من كان ل يشرك بال شيئا ممن
أراد ال أن يرحمه ممن يقول ل إله إل ال فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إل
أثههر السههجود حرم ال على النار أن تأكههل أثههر السههجود] .وقال شهههر بههن حوشههب :يكون موضههع
السهجود مهن وجوهههم كالقمهر ليلة البدر .وقال ابهن عباس ومجاههد :السهيما فهي الدنيها وههو السهمت
الحسن .وعن مجاهد أيضا :هو الخشوع والتواضع .قال منصور :سألت مجاهدا عن قوله تعالى:
"سيماهم في وجوههم" أهو أثر يكون بين عيني الرجل؟ قال ل ،ربما يكون بين عيني الرجل مثل
ركبة العنز وهو أقسى قلبا من الحجارة ولكنه نور في وجوههم من الخشوع .وقال ابن جريج :هو
الوقار والبهاء .وقال شمهر بهن عطيهة :ههو صهفرة الوجهه مهن قيام الليهل .قال الحسهن :إذا رأيتههم
حسبتهم مرضى وما هم بمرضى .وقال الضحاك :أما إنه ليس بالندب في وجوههم ولكنه الصفرة.
وقال سفيان الثوري :يصلون بالليل فإذا أصبحوا رئي ذلك في وجوههم ،بيانه قوله صلى ال عليه
وسهلم[ :مهن كثرت صهلته بالليهل حسهن وجههه بالنهار] .وقهد مضهى القول فيهه آنفها .وقال عطاء
الخراساني :دخل في هذه الية كل من حافظ على الصلوات الخمس.
@قوله تعالى" :ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في النجيل" قال الفراء :فيه وجهان ،إن شئت قلت
المعنههى ذلك مثلهههم فههي التوراة وفههي النجيههل أيضهها ،كمثلهههم فههي القرآن ،فيكون الوقههف على
"النجيل" وإن شئت قلت :تمام الكلم ذلك مثلهم في التوراة ،ثم ابتداء فقال :ومثلهم في النجيل.
وكذا قال ابن عباس وغيره :هما مثلن ،أحدهما في التوراة والخر في النجيل ،فيوقف على هذا
على "التوراة" .وقال مجاهد :هو مثل واحد ،يعني أن هذه صفتهم في التوراة والنجيل ،فل يوقف
على "التوراة" على هذا ،ويوقهههف على "النجيهههل" ،ويبتدئ" :كزرع أخرج شطأه" على معنهههى
وهم كزرع .و"شطأه" يعني فراخه وأولده ،قاله ابن زيد وغيره .وقال مقاتل :هو نبت واحد ،فإذا
خرج مها بعده فقهد شطأه .قال الجوهري :شطهء الزرع والنبات فراخهه ،والجمهع أشطاء .وقهد أشطهأ
الزرع خرج شطؤه .قال الخفش في قوله" :أخرج شطأه" أي طرفه .وحكاه الثعلبي عن الكسائي.
وقال الفراء :أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج .قال الشاعر:
ومن الشجار أفنان الثمر أخرج الشطء على وجه الثرى
الزجاج :أخرج شطأه أي نباته .وقيل :إن الشطء شوك السنبل ،والعرب أيضا تسميه :السفا ،وهو
شوك البهمهى ،قاله قطرب .وقيهل :إنهه السهنبل ،فيخرج مهن الحبهة عشهر سهنبلت وتسهع وثمان ،قال
الفراء ،حكاه الماوردي .وقرأ ابههن كثيههر وابههن ذكوان "شطأه" بفتههح الطاء ،وأسههكن الباقون .وقرأ
أنس ونصر بن عاصم وابن وثاب "شطاه" مثل عصاه .وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق "شطه"
بغير همز ،وكلها لغات فيها.
وهذا مثهل ضربهه ال تعالى لصهحاب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ،يعنهي أنههم يكونون قليل ثهم
يزدادون ويكثرون ،فكان النههبي صههلى ال عليههه وسههلم حيههن بدأ بالدعاء إلى دينههه ضعيفهها فأجابههه
الواحد بعد الواحد حتى قوي أمره ،كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفا فيقوى حال بعد حال حتى يغلظ
نباتهه وأفراخهه .فكان هذا مهن أصهح مثهل وأقوى بيان .وقال قتادة :مثهل أصهحاب محمهد صهلى ال
عليههه وسههلم فههي النجيههل مكتوب أنههه سههيخرج مههن قوم ينبتون نبات الزرع ،يأمرون بالمعروف
وينهون عهن المنكهر" .فآزره" أي قواه وأعانهه وشده ،أي قوى الشطهء الزرع .وقيهل بالعكهس ،أي
قوى الزرع الشطههء .وقراءة العامههة "آزره" بالمههد .وقرأ ابههن ذكوان وأبههو حيوة وحميههد بههن قيههس
"فأزره" مقصورة ،مثل فعله .والمعروف المد .قال امرؤ القيس:
مجر جيوش غانمين وخيب بمحنية قد آزر الضال نبتها
"فاستغلظ فاستوى على سوقه" على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقا له .والسوق :جمع الساق.
"يعجب الزراع" أي يعجب هذا الزرع زراعه .وهو مثل كما بينا ،فالزرع محمد صلى ال عليه
وسههلم ،والشطههء أصههحابه ،كانوا قليل فكثروا ،وضعفاء فقووا ،قال الضحاك وغيره" .ليغيههظ بهههم
الكفار" اللم متعلقهة بمحذوف ،أي فعهل ال هذا لمحمهد صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه ليغيهظ بههم
الكفار.
@قوله تعالى" :وعهد ال الذيهن آمنوا" أي وعهد ال هؤلء الذيهن مهع محمهد ،وههم المؤمنون الذيهن
أعمالههم صهالحة .و"مهن" فهي قوله" :منههم" مبعضهة لقوم مهن الصهحابة دون قوم ،ولكنهها عامهة
مجنسهة ،مثهل قوله تعالى" :فاجتنبوا الرجهس مهن الوثان" [الحهج ]30 :ل يقصهد للتبعيهض لكنهه
يذههب إلى الجنهس ،أي فاجتنبوا الرجهس مهن جنهس الوثان ،إذ كان الرجهس يقهع مهن أجناس شتهى،
منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب ،فأدخل "من" يفيد بها الجنس وكذا "منهم" ،أي من هذا
الجنهس ،يعنهي جنهس الصهحابة .ويقال :أنفهق نفقتهك مهن الدراههم ،أي اجعهل نفقتهك هذا الجنهس .وقهد
يخصهص أصهحاب محمهد صهلى ال عليهه وسهلم بوعهد المغفرة تفضيل لههم ،وإن وعهد ال جميهع
المؤمنين المغفرة .وفي الية جواب آخر :وهو أن "من" مؤكدة للكلم ،والمعنهى وعدهم ال كلهم
مغفرة وأجرا عظيمها .فجرى مجرى قول العربهي :قطعهت مهن الثوب قميصها ،يريهد قطعهت الثوب
كله قميصهها .و"مههن" لم يبعههض شيئا .وشاهههد هذا مههن القرآن "وننزل مههن القرآن مهها هههو شفاء"
[السهراء ]82 :معناه وننزل القرآن شفاء ،لن كهل حرف منهه يشفهي ،وليهس الشفاء مختصها بهه
بعضه دون بعض .على أن من اللغويين من يقول" :من" مجنسة ،تقديرها ننزل الشفاء من جنس
القرآن ،ومن جهة القرآن ،ومن ناحية القرآن .قال زهير:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
أراد من ناحية أم أوفى دمنة ،أم من منازلها دمنة .وقال الخر:
يأبى الظلمة منه النوفل الزفر أخو رغائب يعطيها ويسألها
فهه "مهن" لم تبعهض شيئا ،إذ كان المقصهد يأبهى الظلمهة لنهه نوفهل زفهر .والنوفهل :الكثيهر العطاء.
والزفر :حامل الثقال والمؤن عن الناس.
@ روى أبهو عروة الزبيري مهن ولد الزبيهر :كنها عنهد مالك بهن أنهس ،فذكروا رجل ينتقهص
أصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،فقرأ مالك هذه اليهة "محمهد رسهول ال والذيهن معهه"
حتهى بلغ "يعجهب الزراع ليغيهظ بههم الكفار" .فقال مالك :مهن أصهبح مهن الناس فهي قلبهه غيهظ على
أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد أصابته هذه الية ،ذكره الخطيب أبو بكر.
قلت :لقهد أحسهن مالك فهي مقالتهه وأصهاب فهي تأويله .فمهن نقهص واحدا منههم أو طعهن عليهه فهي
روايتهه فقهد رد على ال رب العالميهن ،وأبطهل شرائع المسهلمين ،قال ال تعالى" :محمهد رسهول ال
والذيههن معههه أشداء على الكفار" اليههة .وقال" :لقههد رضههي ال عههن المؤمنيههن إذ يبايعونههك تحههت
الشجرة" [الفتح ]18 :إلى غير ذلك من الي التي تضمنت الثناء عليهم ،والشهادة لهم بالصدق
والفلح ،قال ال تعالى" :رجال صههدقوا مهها عاهدوا ال عليههه" [الحزاب .]23 :وقال" :للفقراء
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضل من ال ورضوانا" إلى قوله "أولئك
هم الصادقون" [الحشر ،]8 :ثم قال عز من قائل" :والذين تبوؤوا الدار واليمان من قبلهم" إلى
قوله "فأولئك هم المفلحون" [الحشر .]9 :وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى بحالهم ومآل أمرهم،
وقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم( :خيههر الناس قرنههي ثههم الذيههن يلونهههم) وقال( :ل تسههبوا
أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ول نصيفه) خرجهما البخاري .وفي
حديهث آخهر( :فلو أن أحدكهم أنفهق مها فهي الرض لم يدرك مهد أحدههم ول نصهيفه) .قال أبهو عبيهد:
معناه لم يدرك مهد أحدههم إذا تصهدق بهه ول نصهف المهد ،فالنصهيف ههو النصهف هنها .وكذلك يقال
للعشهر عشيهر ،وللخمهس خميهس ،وللتسهع تسهيع ،وللثمهن ثميهن ،وللسهبع سهبيع ،وللسهدس سهديس،
وللربع ربيع .ولم تقل العرب للثلث ثليث.
وفهي البزار عهن جابر مرفوعها صهحيحا( :إن ال اختار أصهحابي على العالميهن سهوى النهبيين
والمرسههلين واختار لي مههن أصههحابي أربعههة -يعنههي أبهها بكههر وعمههر وعثمان وعليهها -فجعلهههم
أصحابي) .وقال( :في أصحابي كلهم خير) .وروى عويم بن ساعدة قال :قال رسول ال صلى ال
عليههه وسههلم( :إن ال عههز وجههل اختارنههي واختار لي أصههحابي فجعههل لي منهههم وزراء وأختانهها
وأصهارا فمن سهبهم فعليهه لعنة ال والملئكة والناس أجمعيهن ول يقبهل ال منهه يوم القيامهة صهرفا
ول عدل) .والحاديث بهذا المعنى كثيرة ،فحذار من الوقوع في أحد منهم ،كما فعل من طعن في
الديهن فقال :إن المعوذتيهن ليسهتا مهن القرآن ،ومها صهح حديهث عهن رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم
في تثبيتهما ودخولهما في جملة التنزيل إل عن عقبة بن عامر ،وعقبة بن عامر ضعيف لم يوافقه
غيره عليههها ،فروايتههه مطروحههة .وهذا رد لمهها ذكرناه مههن الكتاب والسههنة ،وإبطال لمهها نقلتههه لنهها
الصحابة من الملة .فإن عقبة بن عامر بن عيسى الجهني ممن روى لنا الشريعة في الصهحيحين
البخاري ومسهلم وغيرهمها ،فههو ممهن مدحههم ال ووصهفهم وأثنهى عليههم ووعدههم مغفرة وأجرا
عظيما .فمن نسبه أو واحدا من الصحابة إلى كذب فهو خارج عن الشريعة ،مبطل للقرآن طاعن
على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم .ومتهى ألحهق واحهد منههم تكذيبها فقهد سهب ،لنهه ل عار ول
عيب بعد الكفر بال أعظم من الكذب ،وقد لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم من سب أصحابه،
فالمكذب لصغرهم -ول صغير فيهم -داخل في لعنة ال التي شهد بها رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،وألزمها كل من سب واحدا من أصحابه أو طعن عليه .وعن عمر بن حبيب قال :حضرت
مجلس هارون الرشيهد فجرت مسهألة تنازعهها الحضور وعلت أصهواتهم ،فاحتهج بعضههم بحديهث
يرويهه أبهو هريرة عهن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،فرفهع بعضههم الحديهث وزادت المدافعهة
والخصام حتى قال قائلون منهم :ل يقبل هذا الحديث على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،لن أبا
هريرة متهم فيما يرويه ،وصرحوا بتكذيبه ،ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم فقلت أنا:
الحديث صحيح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأبو هريرة صحيح النقل صدوق فيما يرويه
عهن النهبي صههلى ال عليهه وسههلم وغيره ،فنظهر إلي الرشيهد نظههر مغضهب ،وقمههت مهن المجلس
فانصههرفت إلى منزلي ،فلم ألبههث حتههى قيههل :صههاحب البريههد بالباب ،فدخههل فقال لي :أجههب أميههر
المؤمنين إجابة مقتول ،وتحنط وتكفن فقلت :اللهم إنك تعلم أني دافعت عن صاحب نبيك ،وأجللت
نبيهك أن يطعهن على أصهحابه ،فسهلمني منهه .فأدخلت على الرشيهد وههو جالس على كرسهي مهن
ذهب ،حاسر عن ذراعيه ،بيده السيف وبين يديه النطع ،فلما بصر بي قال لي :يا عمر بن حبيب
مها تلقانهي أحهد مهن الرد والدفهع لقولي بمثهل مها تلقيتنهي بهه فقلت :يها أميهر المؤمنيهن ،إن الذي قلتهه
وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى ما جاء به ،إذا كان أصحابه
كذابيهن فالشريعهة باطلة ،والفرائض والحكام فهي الصهيام والصهلة والطلق والنكاح والحدود كله
مردود غير مقبول فرجع إلى نفسه ثم قال :أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك ال ،وأمر لي بعشرة
آلف درهم.
قلت :فالصحابة كلهم عدول ،أولياء ال تعالى وأصفياؤه ،وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله.
هذا مذههب أههل السهنة ،والذي عليهه الجماعهة مهن أئمهة هذه المهة .وقهد ذهبهت شرذمهة ل مبالة بههم
إلى أن حال الصهحابة كحال غيرههم ،فيلزم البحهث عهن عدالتههم .ومنههم مهن فرق بيهن حالههم فهي
بداءة المهر فقال :إنههم كانوا على العدالة إذ ذاك ،ثهم تغيرت بههم الحوال فظهرت فيههم الحروب
وسههفك الدماء ،فل بههد مههن البحههث .وهذا مردود ،فإن خيار الصههحابة وفضلءهههم كعلي وطلحههة
والزبير وغيرهم رضي ال عنهم ممن أثنى ال عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم ووعدهم
الجنهة بقوله تعالى" :مغفرة وأجرا عظيمها" .وخاصهة العشرة المقطوع لههم بالجنهة بإخبار الرسهول
ههم القدوة مهع علمههم بكثيهر مهن الفتهن والمور الجاريهة عليههم بعهد نهبيهم بإخباره لههم بذلك .وذلك
غير مُسقط من مرتبتهم وفضلهم ،إذ كانت تلك المور مبنية على الجتهاد ،وكل مجتهد مصيب.
وسيأتي الكلم في تلك المور في سورة "الحجرات" مبينة إن شاء ال تعالى.
**2سورة الحجرات
**3الية{ 1 :يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ال ورسوله واتقوا ال إن ال سميع عليم}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ال ورسوله" قال العلماء :كان في العربي
جفاء وسوء أدب في خطاب النبي صلى ال عليه وسلم وتلقيب الناس .فالسورة في المر بمكارم
الخلق ورعايههة الداب .وقرأ الضحاك ويعقوب الحضرمههي" :ل تَ َقدّموا" بفتههح التاء والدال مههن
التقدم .الباقون "تُقدِموا" بضهم التاء وكسهر الدال مهن التقديهم .ومعناهمها ظاههر ،أي ل تقدموا قول
ول فعل بيهن يدي ال وقول رسهوله وفعله فيمها سهبيله أن تأخذوه عنهه مهن أمهر الديهن والدنيها .ومهن
قدم قوله أو فعله على الرسهول صهلى ال عليهه وسهلم فقهد قدمهه على ال تعالى ،لن الرسهول صهلى
ال عليه وسلم إنما يأمر عن أمر ال عز وجل.
@ واختلف في سبب نزولها على أقوال ستة :الول :ما ذكره الواحدي من حديث ابن جريج قال:
حدثني ابن أبي مليكة أن عبدال بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول ال صلى
ال عليهه وسهلم ،فقال أبهو بكهر :أمهر القعقاع بهن معبهد .وقال عمهر :أمهر القرع بهن حابهس .فقال أبهو
بكر :ما أردت إل خلفي .وقال عمر :ما أردت خلفك .فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما ،فنزل في
ذلك" :يهها أيههها الذيههن آمنوا ل تقدموا بيههن يدي ال ورسههوله -إلى قوله -ولو أنهههم صههبروا حتههى
تخرج إليهم" .رواه البخاري عن الحسن بن محمد بن الصباح ،ذكره المهدوي أيضا.
الثانهي :مها روي أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أراد أن يسهتخلف على المدينهة رجل إذا مضهى
إلى خيههبر ،فأشار عليههه عمههر برجههل آخههر ،فنزل" :يهها أيههها الذيههن آمنوا ل تقدموا بيههن يدي ال
ورسوله" .ذكره المهدوي أيضا.
الثالث :مها ذكره الماوردي عهن الضحاك عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها :أن النهبي صهلى ال
عليه وسلم أنفذ أربعة وعشرين رجل من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم ،إل ثلثة تأخروا عنهم
فسهلموا وانكفؤوا إلى المدينهة ،فلقوا رجليهن مهن بنهي سهليم فسهألوهما عهن نسهبهما فقال :مهن بنهي
عامر ،لنهم أعز من بني سليم فقتلوهما ،فجاء نفر من بني سليم إلى رسول ال صلى فقالوا :ان
بيننها وبينهك عهدا ،وقهد قتهل منها رجلن ،فوداهمها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بمائة بعيهر ،ونزلت
عليهه هذه اليهة فهي قتلههم الرجليهن .وقال قتادة :إن ناسها كانوا يقولون لو أنزل فهي كذا ،لو أنزل فيّه
كذا؟ فنزلت هذه اليههة .ابههن عباس :نهوا أن يتكلموا بيههن يدي كلمههه .مجاهههد :ل تفتاتوا على ال
ورسول حتى يقضي ال على لسان رسوله ،ذكره البخاري أيضا.
الحسهن :نزلت فهي قوم ذبحوا قبهل أن يصهلي رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،فأمرههم أن يعيدوا
الذبهح .ابهن جريهج :ل تقدموا أعمال الطاعات قبهل وقتهها الذي أمهر ال تعالى بهه ورسهوله صهلى ال
عليه وسلم.
قلت :هذه القوال الخمسههة المتأخرة ذكرههها القاضههي أبههو بكههر بههن العربههي ،وسههردها قبله
الماوردي .قال القاضهي :وههي كلهها صهحيحة تدخهل تحهت العموم ،فال أعلم مها كان السهبب المثيهر
للية منها ،ولعلها نزلت دون سبب ،وال أعلم .قال القاضي :إذا قلنا إنها نزلت في تقديم الطاعات
على أوقاتهها فههو صهحيح ،لن كهل عبادة مؤقتهة بميقات ل يجوز تقديمهها عليهه كالصهلة والصهوم
والحهج ،وذلك بيهن .إل أن العلماء اختلفوا فهي الزكاة ،لمها كانهت عبادة ماليهة وكانهت مطلوبهة لمعنهى
مفهوم ،وهو سد خلة الفقير ،ولن النبي صلى ال عليه وسلم استعجل من العباس صدقة عامين،
ولمها جاء مهن جمهع صهدقة الفطهر قبهل يوم الفطهر حتهى تعطهى لمسهتحقيها يوم الوجوب وههو يوم
الفطر ،فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والثنين .فإن جاء رأس العام والنصاب بحاله وقعت
موقعهها .وإن جاء رأس العام وقهد تغيهر النصهاب تهبين أنهها صهدقة تطوع .وقال أشههب :ل يجوز
تقديمههها على الحول لحظههة كالصههلة ،وكأنههه طرد الصههل فههي العبادات فرأى أنههها إحدى دعائم
السلم فوفاها حقها في النظام وحسن الترتيب .ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز،
لنهه معفهو عنهه فهي الشرع بخلف الكثيهر .ومها قاله أشههب أصهح ،فإن مفارقهة اليسهير الكثيهر فهي
أصهول الشريعهة صهحيح ،ولكنهه لمعان تختهص باليسهير دون الكثيهر .فأمها فهي مسهألتنا فاليوم فيهه
كالشههر ،والشههر كالسهنة .فإمها تقديهم كلي كمها قال أبهو حنيفهة والشافعهي ،وإمها حفهظ العبادة على
ميقاتها كما قال أشهب.
@قوله تعالى" :ل تقدموا بيهن يدي ال" أصهل فهي ترك التعرض لقوال النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم ،وإيجاب اتباعهه والقتداء بهه ،وكذلك قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي مرضهه[ :مروا أبها
بكر فليصل بالناس] .فقالت عائشة لحفصة رضي ال عنهما :قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه
متهى يقهم مقامهك ل يُسهْمع الناس مهن البكاءَ ،فمُرْ عمهر فليصهل بالناس .فقال صهلى ال عليهه وسهلم:
[إنكن لنتن صواحب يوسف .مروا أبا بكر فليصل بالناس] .فمعنى قول [صواحب يوسف] الفتنة
بالرد عهن الجائز إلى غيهر الجائز .وربمها احتهج ُبغَاةُ القياس بهذه اليهة .وههو باطهل منههم ،فإن مها
قامهت دللتهه فليهس فهي فعله تقديهم بيهن يديهه .وقهد قامهت دللة الكتاب والسهنة على وجوب القول
بالقياس فهي فروع الشرع ،فليهس إذاً تقدمٌه بيهن يديهه" .واتقوا ال" يعنهي فهي التقدم المنههي عنهه" .إن
ال سميع" لقولكم "عليم" بفعلكم.
**3اليهة{ 2 :يها أيهها الذيهن آمنوا ل ترفعوا أصهواتكم فوق صهوت النهبي ول تجهروا له بالقول
كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون}
@قوله تعالى" :يهها أيههها الذيههن آمنوا ل ترفعوا أصههواتكم فوق صههوت النههبي" روى البخاري
والترمذي عهن ابهن أبهي مليكهة قال :حدثنهي عبدال بهن الزبيهر أن القرع بهن حابهس قدم على النهبي
صهلى ال عليهه وسهلم ،فقال أبهو بكهر :يها رسهول ال اسهتعمله على قومهه ،فقال عمهر :ل تسهتعمله يها
رسول ال ،فتكلما عند النبي صلى ال عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما ،فقال أبو بكر لعمر :ما
أردت إل خلفههي .فقال عمههر :مهها أردت خلفههك ،قال :فنزلت هذه اليههة" :يهها أيههها لذيههن آمنوا ل
ترفعوا أصهواتكم فوق صهوت النهبي" قال :فكان عمهر بعهد ذلك إذا تكلم عنهد النهبي صهلى ال عليهه
وسلم لم يسمع كلمه حتى يستفهمه .قال :وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر .قال :هذا حديث
غريب حسن .وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسل ،لم يذكر فيه عن عبدال بن الزبير.
قلت :هههو البخاري ،قال :عههن ابههن أبههي مليكههة كاد الخيران أن يهلكهها أبههو بكههر وعمههر ،رفعهها
أصهواتهما عنهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حيهن قدم عليهه ركهب بنهي تميهم ،فأشار أحدهمها بالقرع
بهن حابهس أخهي بنهي مجاشهع ،وأشار الخهر برجهل آخهر ،فقال نافهع :ل أحفهظ اسهمه ،فقال أبهو بكهر
لعمهر :مها أردت إل خلفهي .فقال :مها أردت خلفهك .فارتفعهت أصهواتهما فهي ذلك ،فأنزل ال عهز
وجل" :يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" الية .فقال ابن الزبير :فما كان
عمر يسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد هذه الية حتى يستفهمه .ولم يذكر ذلك عن أبيه،
يعنهي أبها بكهر الصهديق .وذكهر المهدوي عهن علي رضهي ال عنهه :نزل قوله" :ل ترفعوا أصهواتكم
فوق صهوت النهبي" فينها لمها ارتفعهت أصهواتنا أنها وجعفهر وزيهد بهن حارثهة ،نتنازع ابنهة حمزة لمها
جاء بهها زيهد مهن مكهة ،فقضهى بهها رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لجعفهر ،لن خالتهها عنده .وقهد
تقدم هذا الحديث في "آل عمران".
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل :يا
رسهول ال ،أنها أعلم لك علمهه ،فأتاه فوجده جالسها فهي بيتهه منكسها رأسهه ،فقال له :مها شأنهك؟ فقال:
شهر كان يرفهع صهوته فوق صهوت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فقهد حبهط عمله وههو مهن أههل النار.
فأتهى الرجهل النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأخهبره أنهه قال كذا وكذا .فقال موسهى :فرجهع إليهه المرة
الخرة ببشارة عظيمهة ،فقال( :اذههب إليهه فقهل له إنهك لسهت مهن أههل النار ولكنهك مهن أههل الجنهة)
(لفهظ البخاري) وثابهت هذا ههو ثابهت بهن قيهس بهن شماس الخزرجهي يكنهى أبها محمهد بابنهه محمهد.
وقيهل :أبها عبدالرحمهن .قتهل له يوم الحرة ثلثهة مهن الولد :محمهد ،ويحيهى ،وعبدال .وكان خطيبها
بليغها معروفها بذلك ،كان يقال له خطيهب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،كمها يقال لحسهان شاعهر
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم .ولمها قدم وفهد تميهم على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وطلبوا
المفاخرة قام خطيبهههم فافتخههر ،ثههم قام ثابههت بههن قيههس فخطههب خطبههة بليغههة جزلة فغلبهههم ،وقام
شاعرهم وهوالقرع بن حابس فأنشد:
إذا خلفونا عند ذكر المكارم أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا
وأن ليس في أرض الحجاز كدارم وإنا رؤوس الناس من كل معشر
تكون بنجد أو بأرض التهائم وإن لنا المرباع في كل غارة
فقام حسان فقال:
يعود وبال عند ذكر المكارم بني دارم ل تفخروا إن فخركم
لنا خول من بين ظئر وخادم هبلتم علينا تفخرون وأنتم
في أبيات لهما.
فقالوا :خطيبهم أخطب من خطيبنا ،وشاعرهم أشعر من شاعرنا ،فارتفعت أصواتهم فأنزل ال
تعالى" :ل ترفعوا أصههواتكم فوق صههوت النههبي ول تجهروا له بالقول" .وقال عطاء الخراسههاني:
حدثتنهي ابنهة ثابهت بهن قيهس قالت :لمها نزلت" :يها أيهها الذيهن آمنوا ل ترفعوا أصهواتكم فوق صهوت
النبي" الية ،دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه ،ففقده النبي صلى ال عليه وسلم فأرسل إليه يسأله
مها خهبره ،فقال :أنها رجهل شديهد الصهوت ،أخاف أن يكون حبهط عملي .فقال عليهه السهلم( :لسهت
منهم بل تعيش بخير وتموت بخير) .قال :ثم أنزل ال" :إن ال ل يحب كل مختال فخور" [لقمان:
]18فأغلق بابهه وطفهق يبكهي ،ففقده النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأرسهل إليهه فأخهبره ،فقال :يها
رسهول ال ،إنهي أحهب الجمال وأحهب أن أسهود قومهي .فقال[ :لسهت منههم بهل تعيهش حميدا وتقتهل
شهيدا وتدخهل الجنهة] .قالت :فلمها كان يوم اليمامهة خرج مهع خالد بهن الوليهد إلى مسهيلمة فلمها التقوا
انكشفوا ،فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيقة :ما هكذا كنا نقاتل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم،
ثهم حفهر كهل واحهد منهمها له حفرة فثبتها وقاتل حتهى قتل ،وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسهة ،فمر به
رجهل مهن المسهلمين فأخذهها ،فبينها رجهل مهن المسهلمين نائم أتاه ثابهت فهي منامهه فقال له :أوصهيك
بوصهية ،فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعهه ،إنهي لمها قتلت أمهس مهر بهي رجهل مهن المسهلمين فأخهذ
درعهي ومنزله فهي أقصهى الناس ،وعنهد خبائه فرس يسهتن فهي طوله ،وقهد كفهأ على الدرع برمهة،
وفوق البرمهة رحهل ،فأت خالدا فمره أن يبعث إلى درعهي فيأخذهها ،وإذا قدمت المدينة على خليفة
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم -يعنهي أبها بكهر -فقهل له :إن علي مهن الديهن كذا وكذا ،وفلن مهن
رقيقهي عتيهق وفلن ،فأتهى الرجهل خالدا فأخهبره ،فبعهث إلى الدرع فأتهى بهها وحدث أبها بكهر برؤياه
فأجاز وصيته .قال :ول نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت ،رحمه ال ،ذكره أبو عمر
في الستيعاب.
@قوله تعالى" :ول تجهروا له بالقول" أي ل تخاطبوه :يها محمهد ،ويها أحمهد .ولكهن :يها نهبي ال،
ويا رسول ال ،توقيرا له .وقيل :كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبي صلى ال عليه وسلم،
ليقتدي بهم ضعفة المسلمين فنهي المسلمون عن ذلك .وقيل" :ل تجهروا له" أي ل تجهروا عليه،
كما يقال :سقط لفيه ،أي على فيه " -كجهر بعضكم لبعض" الكاف كاف التشبيه في محل النصب،
أي ل تجهروا له جهرا مثهل جههر بعضكهم لبعهض .وفهي هذا دليهل على أنههم لم ينهوا عهن الجههر
مطلقها حتهى ل يسهوغ لههم إل أن يكلموه بالهمهس والمخافتهة ،وإنمها نهوا عهن جههر مخصهوص مقيهد
بصهفة ،أعنهي الجههر المنعوت بمماثلة مها قهد اعتادوه منههم فيمها بينههم ،وههو الخلو مهن مراعاة أبههة
النبوة وجللة مقدارهها وانحطاط سهائر الرتهب وإن جلت عهن رتبتهها" .لبعهض أن تحبهط أعمالكهم
وأنتهم ل تشعرون" أي مهن أجهل أن تحبهط ،أي تبطهل ،هذا قول البصهريين .وقال الكوفيون :أي لئل
تحبط أعمالكم.
@ معنى الية المر بتعظيم رسول ال صلى ال عليه وسلم وتوقيره ،وخفض الصوت بحضرته
وعنهد مخاطبتهه ،أي إذا نطهق ونطقتهم فعليكهم أل تبلغوا بأصهواتكم وراء الحهد الذي يبلغهه بصهوته،
وأن تغضوا منهها بحيهث يكون كلمهه غالبها لكلمكهم ،وجهره باهرا لجهركهم ،حتهى تكون مزيتهه
عليكههم لئحههة ،وسههابقته واضحههة ،وامتيازه عههن جمهوركههم كشيههة البلق .ل أن تغمروا صههوته
بلغطكم ،وتبهروا منطقه بصخبكم .وفي قراءة ابن مسعود "ل ترفعوا بأصواتكم" .وقد كره بعض
العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلم .وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء
تشريفا لهم ،إذ هم ورثة النبياء.
@ قال القاضي أبو بكر بن العربي :حرمة النبي صلى ال عليه وسلم ميتا كحرمته حيا ،وكلمه
المأثور بعهد موتهه فهي الرفعهة مثال كلمهه المسهموع مهن لفظهه ،فإذا قرئ كلمهه ،وجهب على كهل
حاضر أل يرفع صوته عليه ،ول يعرض عنه ،كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به .وقد
نبههه ال سههبحانه على دوام الحرمههة المذكورة على مرور الزمنههة بقوله تعالى" :وإذا قرئ القرآن
فاسهتمعوا له وأنصهتوا" [العراف .]204 :وكلمهه صهلى ال عليهه وسهلم مهن الوحهي ،وله مهن
الحكمة مثل ما للقرآن ،إل معاني مستثناة ،بيانها في كتب الفقه.
@ ليهس الغرض برفهع الصهوت ول الجههر مها يقصهد بهه السهتخفاف والسهتهانة ،لن ذلك كفهر
جرْ سِه غير مناسب لما والمخاطبون مؤمنون .وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من َ
يهاب بهه العظماء ويوقهر الكهبراء ،فيتكلف الغهض منهه ورده إلى حهد يميهل بهه إلى مها يسهتبين فيهه
المأمور بهه مهن التعزيهر والتوقيهر .ولم يتناول النههي أيضها رفهع الصهوت الذي يتأذى بهه رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم ،وههو مها كان منههم فهي حرب أو مجادلة معانهد أو إرهاب عدو أو مها أشبهه
ذلك ،ففي الحديث أنه قال عليه السلم للعباس بن عبدالمطلب لما انهزم الناس يوم حنين( :اصرخ
بالناس) ،وكان العباس أجههر الناس صهوتا .يروى أن غارة أتتههم يومها فصهاح العباس :يها صهاحباه
فأسقطت الحوامل لشدة صوته ،وفيه يقول نابغة بني جعدة:
أشفق أن يختلطن بالغنم زجر أبي عروة السباع إذا
زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه.
@ قال الزجاج" :أن تحبهط أعمالكهم" التقديهر لن تحبهط ،أي فتحبهط أعمالكهم ،فاللم المقدرة لم
الصهيرورة وليهس قوله" :أن تحبهط أعمالكهم وأنتهم ل تشعرون" بموجهب أن يكفهر النسهان وههو ل
يعلم ،فكما ل يكون الكافر مؤمنا إل باختياره اليمان على الكفر ،كذلك ل يكون المؤمن كافرا من
حيث ل يقصد إلى الكفر ول يختاره بإجماع .كذلك ل يكون الكافر كافرا من حيث ل يعلم.
**3الية{ 3 :إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول ال أولئك الذين امتحن ال قلوبهم للتقوى
لهم مغفرة وأجر عظيم}
@قوله تعالى" :إن الذيهن يغضون أصهواتهم عنهد رسهول ال" أي يخفضون أصهواتهم عنده إذا
تكلموا إجلل له ،أو كلموا غيره بيههههن يديههههه إجلل له .قال أبههههو هريرة :لمهههها نزلت "ل ترفعوا
أصهواتكم" قال أبهو بكهر رضهي ال عنهه :وال ل أرفهع صهوتي إل كأخهي السهرار .وذكهر سهنيد قال:
حدثنها عباد بهن العوام عهن محمهد بهن عمرو عهن أبهي سهلمة قال :لمها نزلت" :ل تقدموا بيهن يدي ال
ورسهوله" [الحجرات ]1 :قال أبو بكر :والذي بعثهك بالحهق ل أكلمك بعد هذا إل كأخهي السرار.
وقال عبدال بن الزبير :لما نزلت" :ل ترفعوا أصواتكم" ما حدث عمر عند النبي صلى ال عليه
وسهلم بعهد ذلك فسمع كلمه حتهى يستفهمه ممها يخفهض ،فنزلت" :إن الذين يغضون أصهواتهم عنهد
رسول ال أولئك الذين امتحن ال قلوبهم للتقوى" .قال الفراء :أي أخلصها للتقوى .وقال الخفش:
أي اختصها للتقوى .وقال ابن عباس" :امتحن ال قلوبهم للتقوى" طهرهم من كل قبيح ،وجعل في
قلوبههههم الخوف مههن ال والتقوى .وقال عمهههر رضهههي ال عنههه :أذهههب عههن قلوبههههم الشهوات.
والمتحان افتعال مهن محنهت الديهم محنها حتهى أوسهعته .فمعنهى أمتحهن ال قلوبههم للتقوى وسهعها
وشرحهها للتقوى .وعلى القوال المتقدمهه :امتحهن قلوبههم فأخلصهها ،كقولك :امتحنهت الفضهة أي
اختبرتهها حتهى خلصهت .ففهي الكلم حذف يدل عليهه الكلم ،وههو الخلص .وقال أبهو عمرو :كهل
شيء جهدته فقد محنته .وأنشد:
قد محنت واضطربت آطالها أتت رذايا باديا كللها
"لهم مغفرة وأجر عظيم".
**3الية{ 4 :إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ل يعقلون}
@قوله تعالى" :إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" قال مجاهد وغيره :نزلت في أعراب بني
تميم ،قدم الوفد منهم على النبي صلى ال عليه وسلم ،فدخلوا المسجد ونادوا النبي صلى ال عليه
وسهلم مهن وراء حجرتهه أن اخرج إلينها ،فإن مدحنها زيهن وذمنها شيهن .وكانوا سهبعين رجل قدموا
الفداء ذراري لههم ،وكان النهبي صهلى ال عليهه وسهلم نام للقائلة .وروي أن الذي نادي القرع بهن
حابهس ،وأنهه القائل :إن مدحهي زيهن وإن ذمهي شيهن ،فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم[ :ذاك ال].
ذكره الترمذي عهن البراء بهن عازب أيضها .وروى زيهد بهن أرقهم فقال :أتهى أناس النهبي صهلى ال
عليههه وسههلم فقال بعضهههم لبعههض :انطلقوا بنهها إلى هذا الرجههل ،فإن يكههن نبيهها فنحههن أسههعد الناس
باتباعهه ،وإن يكهن ملكها نعهش فهي جنابهه .فأتوا النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فجعلوا ينادونهه وههو فهي
حجرتهه :يها محمهد ،يها محمهد ،فأنزل ال تعالى هذه اليهة .قيهل :إنههم كانوا مهن بنهي تميهم .قال مقاتهل
كانوا تسهعة عشهر :قيهس بهن عاصهم ،والزبرقان بهن بدر ،والقرع بهن حابهس ،وسهويد بهن هاشهم،
وخالد بهن مالك ،وعطاء بهن حابهس ،والقعقاع بهن معبهد ،ووكيهع بهن وكيهع ،وعيينهة بهن حصهن وههو
الحمهق المطاع ،وكان مهن الجراريهن يجهر عشرة آلف قناة ،أي يتبعهه ،وكان اسهمه حذيفهة وسهمي
عيينهة لشتركان فهي عينيهه ذكهر عبدالرزاق فهي عيينهة هذا :أنهه الذي نزل فيهه "ول تطهع مهن أغفلنها
قلبه عن ذكرنا" [الكهف .]28 :وقد مضى في آخر "العراف" من قول لعمر رضي ال عنه ما
فيه كفاية ،ذكره البخاري .وروي أنهم وفدوا وقت الظهيرة ورسول ال صلى ال عليه وسلم راقد،
فجعلوا ينادونهه :يها محمهد يها محمهد ،أخرج إلينها ،فاسهتيقظ وخرج ،ونزلت .وسهئل رسهول ال صهلى
ال عليهه وسهلم فقال[ :ههم جفاة بنهي تميهم لول أنههم مهن أشهد الناس قتال للعور الدجال لدعوت ال
عليهم أن يهلكهم] .والحجرات جمع الحجرة ،كالغرفات جمع غرفة ،والظلمات جمع ظلمة .وقيل:
الحجرات جمهع الحجهر ،والحجهر جمهع حجرة ،فههو جمهع الجمهع .وفيهه لغتان :ضهم الجيهم وفتحهها.
قال:
على موطن ل نخلط الجد بالهزل ولما رأونا باديا ركباتنا
والحجرة :الرقعة من الرض المحجورة بحائط يحوط عليها .وحظيرة البل تسمى الحجرة ،وهي
فعلة بمعنهى مفعولة .وقرأ أبهو جعفهر بهن القعقاع "الحجرات" بفتهح الجيهم اسهتثقال للضمتيهن .وقرئ
"الحجرات" بسكون الجيم تخفيفا .وأصل الكلمة المنع .وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت
عليهه .ثهم يحتمهل أن يكون المنادي بعضها مهن الجملة فلهذا قال" :أكثرههم ل يعقلون" أي إن الذيهن
ينادونك من جملة قوم الغالب عليهم الجهل.
**3الية{ 5 :ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم وال غفور رحيم}
@ أي لو انتظروا خروجك لكان أصلح في دينهم ودنياهم .وكان صلى ال عليه وسلم ل يحتجب
عن الناس إل في أوقات يشتغل فيهما بمهمات نفسه ،فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الدب
وقيهل :كانوا جاؤوا شفعاء فهي أسهاري بنهي عنهبر فأعتهق رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم نصهفهم،
وفادي على النصف .ولو صبروا لعتق جميعهم بغير فداء" .وال غفور رحيم".
**3الية{ 6 :يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا
على ما فعلتم نادمين}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" قيل :إن هذه الية نزلت في الوليد
بهن عقبهة بهن أبهي معيهط .وسهبب ذلك مها رواه سهعيد عهن قتادة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بعهث
الوليهد بهن عقبهة مصهدقا إلى بنهي المصهطلق ،فلمها أبصهروه أقبلوا نحوه فهابههم -فهي روايهة :لحنهة
كانهت بينهه وبينههم ، -فرجهع إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فأخهبره أنههم قهد ارتدوا عهن السهلم.
فبعهث نهبي ال صهلى ال عليهه وسهلم خالد بهن الوليهد وأمره أن يتثبهت ول يعجهل ،فانطلق خالد حتهى
أتاهههم ليل ،فبعههث عيونههه فلمهها جاؤوا أخههبروا خالدا أنهههم متمسههكون بالسههلم ،وسههمعوا أذانهههم
وصلتهم ،فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه ،فعاد إلى نبي ال صلى ال عليه وسلم
فأخهبره ،فنزلت هذه اليهة ،فكان يقول نهبي ال صهلى ال عليهه وسهلم[ :التأنهي مهن ال والعجلة مهن
الشيطان] .وفي رواية :أن النبي صلى ال عليه وسلم بعثه إلى بني المصطلق بعد إسلمهم ،فلما
سمعوا به ركبوا إليه ،فلما سمع بهم خافهم ،فرجع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبره أن
القوم قهد هموا بقتله ،ومنعوا صهدقاتهم .فههم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بغزوههم ،فبينمها ههم
كذلك إذ قدم وفدههم على رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فقالوا :يها رسهول ال ،سهمعنا برسهولك
فخرجنا إليه لنكرمه ،ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة ،فاستمر راجعا ،وبلغنا أنه يزعم لرسول ال
أنها خرجنها لنقاتله ،وال مها خرجنها لذلك ،فأنزل ال تعالى هذه اليهة .وسهمي الوليهد فاسهقا أي كاذبها.
قال ابههن زيههد ومقاتههل وسهههل بههن عبدال :الفاسههق الكذاب .وقال أبههو الحسههن الوراق :هههو المعلن
بالذنههب .وقال ابههن طاهههر :الذي ل يسههتحي مههن ال .وقرأ حمزة والكسههائي "فتثبتوا" مههن التثبههت.
الباقون "فتبينوا" من التبيين "أن تصيبوا قوما" أي لئل تصيبوا ،فه "أن" في محل نصب بإسقاط
الخافض" .بجهالة" أي بخطأ" .فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" على العجلة وترك التأني.
@ فهي هذه اليهة دليهل على قبول خهبر الواحهد إذا كان عدل ،لنهه إنمها أمهر فيهها بالتثبهت عنهد نقهل
خبر الفاسق .ومن ثبت فسقه بطل قوله في الخبار إجماعا ،لن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها.
وقهد اسهتئنى الجماع من جملة ذلك مها يتعلق بالدعوى والجحود ،وإثبات حهق مقصهود على الغيهر،
مثههل أن يقول :هذا عبدي ،فإنههه يقبههل قوله .وإذا قال :قههد أنفههذ فلن هذا لك هديههة ،فإنههه يقبههل ذلك.
وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر .وكذلك إذا أقر لغيره بحق على نفسه فل يبطل إجماعا .وأما في
النشاء على غيره فقال الشافعهي وغيره :ل يكون وليها فهي النكاج .وقال أبهو حنيفهة ومالك :يكون
وليا ،لنه يلي مالها فيلي بضعها .كالعدل ،وهو وإن كان فاسقا في دينه إل أن غيرته موفرة وبها
يحمي الحريم ،وقد يبذل المال ويصون الحرمة ،وإذا ولي المال فالنكاج أولى.
@ قال ابن العربي :ومن العجب أن يجوز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق .ومن ل يؤتمن على
حبة مال كيف يصح أن يؤتمن على قنطار دين .وهذا إنما كان أصله أن الولة الذين كانوا يصلون
بالناس لمها فسهدت أديانههم ولم يمكهن ترك الصهلة وراءههم ،ول اسهتطيعت إزالتههم صهلي معههم
ووراءهههم ،كمهها قال عثمان :الصههلة أحسههن مهها يفعههل الناس ،فإذا أحسههنوا فأحسههن ،وإذا أسههاؤوا
فآجتنهب إسهاءتهم .ثهم كان مهن الناس مهن إذا صهلى معههم تقيهة أعادوا الصهلة ل ،ومنههم مهن كان
يجعلههها صههلته .ويوجوب العادة أقول ،فل ينبغههي لحههد أن يترك الصههلة مههن ل يرضههى مههن
الئمة ،ولكن يعيد سرا في نفسه ،ول يؤثر ذلك عند غيره.
@ وأمها أحكامهه إن كان واليها فينفهذ منهها مها وافهق الحهق ويرد مها خالفهه ،ول ينقهض حكمهه الذي
أمضاه بحال ،ول تلتفتوا إلى غيههر هذا القول مههن روايههة تؤثههر أو قول يحكههى ،فإن الكلم كثيههر
والحق ظاهر.
ل خلف فههي أنههه يصههح أن يكون رسههول عههن غيره فههي قول يبلغههه أو شيههء يوصههله ،أو إذن
يعلمه ،إذا لم يخرج عن حق المرسل ،والمبلغ ،فإن تعلق به حق لغيرهما لم يقبل قوله .وهذا جائز
للضرورة الداعيهة اليه ،فإنه لو لم يتصهرف بيهن الخلق فهي هذه المعاني إل العدول لم يحصل منهها
شيء لعدمهم في ذلك .وال أعلم.
وفي الية دليل على فساد .من قال :إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة ،لن ال تعالى
أمر بالتثبت قبل القبول ،ول معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم ،فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب
المحكوم عليه بجهالة.
فإن قضهى بمها يغلب على الظهن لم يكهن ذلك عمل بجهالة ،كالقضاء بالشاهديهن العدلييهن ،وقبول
قول العالم المجتههد .وإنمها العمهل بالجهالة قبول قول مهن ل يحصهل غلبهة الظهن بقبوله .ذكهر هذه
المسألة القشيري ،والذي قبلها المهدوي.
**3اليهة{ 8 - 7 :واعلموا أن فيكهم رسهول ال لو يطيعكهم فهي كثيهر مهن المهر لعنتهم ولكهن ال
حبهب إليكهم اليمان وزينهه فهي قلوبكهم وكره إليكهم الكفهر والفسهوق والعصهيان أولئك ههم الراشدون،
فضل من ال ونعمة وال عليم حكيم}
@قوله تعالى" :واعلموا أن فيكم رسول ال" فل تكذبوا ،فإن ال يعلمه أنباءكم فتفتضحون" .لو
يطيعكم في كثير من المر لعنتم" أي لو تسارع إلى ما أردتم قبل وضوح المر لنالكم مشقة وإثم،
فإنهه لو قتهل القوم الذيهن سهعى بههم الوليهد بهن عقبهة إليهه لكان خطهأ ،ولعنهت مهن أراد إيقاع الهلك
بأولئك القوم لعداوة كانههت بينههه وبينهههم .ومعنههى طاعهة الرسههول لهههم :الئتمار بمهها يأمههر بهه فيمهها
يبلغونههه عههن الناس والسههماع منهههم .والعنههت الثههم ،يقال :عنههت الرجههل .والعنههت أيضهها الفجور
والزني ،كما في سورة "النساء" .والعنت أيضا الوقوع في أمر شاق ،وقد مضى في آخر "التوبة"
القول فهي "عنتهم" [التوبهة ]128 :بأكثهر مهن هذا" .ولكهن ال حبهب إليكهم اليمان" هذا خطاب
للمؤمنيهن المخلصهين الذيهن ل يكذبون النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ول يخهبرون بالباطهل ،أي جعهل
اليمان أحهب الديان إليكهم" .وزينهه فهي قلوبكهم" "وزينهه" بتوفيقهه" .فهي قلوبكهم" أي حسهنه إليكهم
حتى اخترتموه .وفي هذا رد على القدرية والمامية وغيرهم ،حسب ما تقدم في غير موضع .فهو
سهبحانه المنفرد بخلق ذوات الخلق وخلق أفعالههم وصهفاتهم واختلف ألسهنتهم وألوانههم ،ل شريهك
له" .وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان" قال ابن عباس :يريد به الكذب خاصة .وقاله ابن زيد.
وقيل :كل ما خرج عن الطاعة ،مشتق من فسقت الرطبة خرجت من قشرها .والفأرة من جحرها.
وقد مضى في "البقرة" القول فيه مستوفى .والعصيان جمع المعاصي .ثم انتقل من الخطاب إلى
الخهبر فقال" :أولئك" يعنهي ههم الذيهن وفقههم ال فحبهب إليههم اليمان وكره إليههم الكفهر أي قبحهه
عندههم "الراشدون" كقوله تعالى" :ومها آتيتهم مهن زكاة تريدون وجهه ال فأولئك ههم المضعفون"
[الروم .]39 :قال النابغة:
أقوَتْ وطال عليها سالف المد يا دا َر َميّ َة بالعلياء فالسند
والرشهد السهتقامة على طريهق الحهق مهع تصهلب فيهه ،مهن الرشاد وههي الصهخرة .قال أبهو الوازع:
كل صخرة رشادة .وأنشد:
صلين الضوء من صم الرشاد وغير مقلد وموشمات
"فضل مهن ال ونعمهة" أي فعهل ال ذلك بكهم فضل ،أي الفضهل والنعمهة ،فههو مفعول له" .وال
عليم حكيم" "عليم" بما يصلحكم "حكيم" في تدبيركم.
**3الية{ 9 :وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال يحب
المقسطين}
@قوله تعالى" :وإن طائفتان مهن المؤمنيهن اقتتلوا" روى المعتمهر بهن سهليمان عن أنهس بهن مالك
قال :قلت :يها نهبي ال ،لو أتيهت عبدال بهن أبهي؟ فانطلق إليهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ،فركهب
حمار وانطلق المسهلمون يمشون ،وههي أرض سهبخة ،فلمها أتاه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال:
إليهك عنهي فوال لقهد أذانهي نتهن حمارك .فقال رجهل من النصهار :وال لحمار رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم أطيب ريحا منك .فغضب لعبدال رجل من قومه ،وغضب لكل واحد منهما أصحابه،
فكان بينهم حرب بالجريد واليدي والنعال ،فبلغنا أنه أنزل فيهم هذه الية .وقال مجاهد :نزلت في
الوس والخزرج .قال مجاههد :تقاتهل حيان مهن النصهار بالعصهي والنعال فنزلت اليهة .ومثله عهن
سهعيد بهن جهبير :أن الوس والخزرج كان بينههم على عههد رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قتال
بالسههعف والنعال ونحوه ،فأنزل ال هذه اليههة فيهههم .وقال قتادة :نزلت فههي رجليههن مههن النصههار
كانت بينهما مداراة في حق بينهما فقال أحدهما :لخذن حقي عنوة ،لكثرة عشيرته .ودعاه الخر
إلى أن يحاكمهه إلى رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فأبهي أن يتبعهه ،فلم يزل المهر بينهمها حتهى
تواقعا وتناول بعضهم بعضا باليدي والنعال والسيوف ،فنزلت هذه الية .وقال الكلبي :نزلت في
حرب سُمير وحاطب ،وكان سمير قتل حاطبا ،فاقتتل الوس والخزرج حتى أتاهم النبي صلى ال
عليههه وسههلم ،فنزلت .وأمههر ال نههبيه صههلى ال عليههه وسههلم والمؤمنيههن أن يصههلحوا بينهمهها .وقال
السهدي :كانهت امرأة من النصهار يقال لهها :أم زيهد تحهت رجهل مهن غيهر النصهار ،فتخاصهمت مهع
زوجهها ،أرادت أن تزور قومهها فحبسهها زوجهها وجعلهها فهي عليهة ل يدخهل عليهها أحهد مهن أهلهها،
وأن المرأة بعثههت إلى قومههها ،فجاء قومههها فأنزلوههها لينطلقوا بههها ،فخرج الرجههل فاسههتغاث أهله
فخرج بنههو عمههه ليحولوا بيههن المرأة وأهلههها ،فتدافعوا وتجالدوا بالنعال ،فنزلت اليههة .والطائفههة
تتناول الرجهل الواحد والجمهع والثنين ،فههو مما حمل على المعنهى دون اللفظ ،لن الطائفتيهن فهي
معنهى القوم والناس .وفهي قراءة عبدال "حتهى يفيؤوا إلى أمهر ال فإن فاؤوا فخذوا بينههم بالقسهط".
وقرأ ابن أبي عبلة "اقتتلتا" على لفظ الطائفتين .وقد مضى في آخر "التوبة" القول فيه .وقال ابن
عباس فهي قوله عهز وجهل" :وليشههد عذابهمها طائفهة مهن المؤمنيهن" [الروم ]2 :قال :الواحهد فمها
فوقهه ،والطائفهة مهن الشيهء القطعهة منهه" .فأصهلحوا بينهمها" بالدعاء إلى كتاب ال لهمها أو عليهمها.
"فإن بغت إحداهما على الخرى" تعدت ولم تجب إلى حكم ال وكتابه .والبغي :التطاول والفساد.
"حتهى تفيهء إلى أمهر ال" أي ترجهع إلى كتابهه" .فإن فاءت" أي فإن رجعهت "فأصهلحوا بينهمها
بالعدل" أي احملوهمها على النصهاف" .وأقسهطوا" أقسهطوا أيهها الناس فل تقتتلوا .وقيهل :أقسهطوا
أي اعدلوا" .إن ال يحب المقسطين" أي العادلين المحقين.
@ قال العلماء :ل تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما ،إما أن يقتتل على سبيل البغي منهما
جميعا أو ل .فإن كان الول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة
والموادعههة .فإن لم يتحاجزا ولم يصههطلحا وأقامتهها على البغههي صههير إلى مقاتلتهمهها .وأمهها إن كان
الثانههي وهههو أن تكون إحداهمهها باغيههة على الخرى ،فالواجههب أن تقاتههل فئة البغههي إلى أن تكههف
وتتوب ،فإن فعلت أصهلح بينهها وبيهن المبغهي عليهها بالقسهط والعدل .فإن التحهم القتال بينهمها لشبههة
دخلت عليهمهها وكلتاهمهها عنههد أنفسهههما محقههة ،فالواجههب إزالة الشبهههة بالحجههة النيرة والبراهيههن
القاطعة على مراشد الحق .فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعمل على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به
من اتباع الحق بعد وضرحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين .وال أعلم.
@ فهي هذه اليهة دليهل على وجوب قتال الفئة الباغيهة المعلوم بغيهها على المام أو على أحهد مهن
المسهلمين .وعلى فسهاد قول مهن منهع مهن قتال المؤمنيهن ،واحتهج بقوله عليهه السهلم[ :قتال المؤمهن
كفهر] .ولو كان قتال المؤمهن الباغهي كفرا لكان ال تعالى قهد أمهر بالكفهر ،تعالى ال عهن ذلك وقهد
قاتهل الصهديق رضهي ال عنهه :مهن تمسهك بالسهلم وامتنهع مهن الزكاة ،وأمهر أل يتبهع مُولّ ،ول
يجههز على جريهح ،ولم تحهل أموالههم ،بخلف الواجهب فهي الكفار .وقال الطهبري :لو كان الواجهب
في كل اختلف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ول أبطل باطل ،ولوجد
أهل النفاق والفجور سبيل إلى استحلل كل ما حرم ال عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم
وسههفك دمائهههم ،بأن يتحزبوا عليهههم ،ويكههف المسههلمون أيديهههم عنهههم ،وذلك مخالف لقوله عليههه
السلم[ :خذوا على أيدي سفهائكم].
@ قال القاضهي أبهو بكهر بهن العربهي :هذه اليهة أصهل فهي قتال المسهلمين ،والعمدة فهي حرب
المتأوليهن ،وعليهها عول الصهحابة ،وإليهها لجهأ العيان مهن أههل الملة ،وإياهها عنهي النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم بقوله[ :تقتهل عمارا الفئة الباغيهة] .وقوله عليهه السهلم فهي شأن الخوارج[ :يخرجون
على خيهر فرقهة أو على حسهين فرقهة] ،والروايهة الولى أصهح ،لقوله عليهه السهلم[ :تقتلههم أولى
الطائفتيههن إلى الحههق] .وكان الذي قتلهههم علي بههن أبههي طالب ومههن كان معههه .فتقرر عنههد علماء
المسهلمين وثبهت بدليهل الديهن أن عليها رضهي ال عنهه كان إمامها ،وأن كهل مهن خرج عليهه باغ وأن
قتال واجهب حتهى يفيهء إلى الحهق وينقاد إلى الصهلح ،لن عثمان رضهي ال عنهه قتهل والصهحابة
برآء مهن دمهه ،لنهه منهع مهن قتال مهن ثار عليهه وقال :ل أكون أول مهن خلف رسهول ال صهلى ال
عليهه وسهلم فهي أمتهه بالقتهل ،فصهبر على البلء ،واسهتسلم للمحنهة وفدى بنفسهه المهة .ثهم لم يمكهن
ترك الناس سدي ،فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشوري ،وتدافعوها ،وكان
علي كرم ال وجهه أحق بها وأهلها ،فقبلها حوطة على المة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل،
أو يتخرق أمرهها إلى مها ل يتحصهل .فربمها تغيهر الديهن وانقهض عمود السهلم .فلمها بويهع له طلب
أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم ،فقال لهم علي رضي ال عنه:
ادخلوا فههي البيعههة واطلبوا الحههق تصههلوا إليههه .فقالوا :ل تسههتحق بيعههة وقتلة عثمان معههك تراهههم
صههباحاً ومسههاءً .فكان علي فههي ذلك أشههد رأيهها وأصههوب قيل ،لن عليهها لو تعاطههى القود منهههم
لتعصبت لهم قبائل وصارت حربا ثالثة ،فانتظر بهم أن يستوثق المر وتنعقد البيعة ،ويقع الطلب
من الولياء في مجلس الحكم ،فيجري القضاء بالحق.
ول خلف بيهن المهة أنهه يجوز للمام تأخيهر القصهاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنهة أو تشتيهت
الكلمة .وكذلك جرى لطلحة والزبير ،فإنهما ما خلعا عليا من ولية ول اعترضا عليه في ديانة،
وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى.
قلت :فهذا قول فهي سهبب الحرب الواقهع بينههم .وقال جلة مهن أههل العلم :إن الوقعهة بالبصهرة
بينهم كانت على غير عزيمة منهم على الحرب بل فجأة ،وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين
عن أنفسهم لظنه أن الفريق الخر قد غدر به ،لن المر كان قد انتظم بينهم ،وتم الصلح والتفرق
على الرضهها .فخاف قتلة عثمان رضههي ال عنههه مههن التمكيههن منهههم والحاطههة بهههم ،فاجتمعوا
وتشاوروا واختلفوا ،ثهههم أتفقهههت آراوههههم على أن يفترقوا فريقيهههن ،ويبدأوا بالحرب سهههحرة فهههي
العسهكرين ،وتختلف السههام بينههم ،ويصهيح الفريهق الذي فهي عسهكر علي :غدر طلحهة والزبيهر.
والفريق الذي في عسكر طلحة والزبير :غدر علي .فتم لهم ذلك على ما دبروه ،ونشبت الحرب،
فكان كهل فريهق دافعها لمكرتهه عنهد نفسهه ،ومانعها مهن الشاطهة بدمهه .وهذا صهواب مهن الفريقيهن
وطاعههة ل تعالى ،إذ وقههع القتال والمتناع منهمهها على هذه السههبيل .وهذا هوالصههحيح المشهور.
وال أعلم.
@قوله تعالى" :فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال" أمر بالقتال .وهو فرض على الكفاية
إذا قام بهه البعهض سههقط عهن الباقيههن ،ولذلك تخلف قوم مهن الصههحابة رضههي ال عنههم عهن هذه
المقامات ،كسعد بن أبي وقاص وعبدال بن عمرو ومحمد بن مسلمة وغيرهم .وصوب ذلك علي
بهن أبهي طالب لههم ،واعتذر إليهه كهل واحهد منههم بعذر قبله منهه .ويروي أن معاويهة رضهي ال عنه
لمها أفضهى إليهه المهر ،عاتهب سهعدا على مها فعهل ،وقال له :لم تكهن ممهن أصهلح بيهن الفئتيهن حيهن
أقتتل ،ول ممهن قاتهل الفئة الباغيهة .فقال له سهعد :ندمهت على تركهي قتال الفئة الباغيهة .فتهبين أنهه
ليهس على الكهل درك فيمها فعهل ،وإنمها كان تصهرفا بحكهم الجتهاد وإعمال بمقتضهى الشرع .وال
أعلم.
@قوله تعالى" :فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل" ومن العدل في صلحهم أل يطالبوا بما جرى
بينهم من دم ول مال ،فإنه تلف على تأويل .وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي.
وهذا أصهل فهي المصهلحة .وقهد قال لسهان المهة :إن حكمهة ال تعالى فهي حرب الصهحابة التعريهف
منهم لحكام قتال أهل التأويل ،إذ كان أحكام قتال أهل الشرك قد عرفت على لسان الرسول صلى
ال عليه وسلم وفعله.
@ إذا خرجت على المام العدل خارجة باغية ول حجة لها ،قاتلهم المام بالمسلمين كافة أو من
فيهه كفايهة ،ويدعوههم قبهل ذلك إلى الطاعهة والدخول فهي الجماعهة ،فإن أبوا مهن الرجوع والصهلح
قوتلوا .ول يقتههل أسههيرهم ول يتبههع مدبرهههم ول يذفههف على جريحهههم ،ول تسههبي ذراريهههم ول
أموالهم .وإذا قتل العادل الباغي ،أو الباغي العادل وهو وليه لم يتوارثا .ول يرث قاتل عمدا على
حال .وقيل :إن العادل يرث الباغي ،قياسا على القصاص.
@ وما استهلكه البغاة والخوارج من دم أو مال ثم تابوا لم يؤاخذوا به .وقال أبو حنيفة :يضمنون.
وللشافعهي قولن .وجهه قول أبهي حنيفهة أنهه إتلف بعدوان فيلزم الضمان .والمعول فهي ذلك عندنها
أن الصهحابة رضهي ال عنههم فهي حروبههم لم يتبعوا مدبرا ول ذففوا على جريهح ول قتلوا أسهيرا
ول ضمنوا نفسا ول مال ،وهم القدوة.
وقال ابن عمر :قال النبي صلى ال عليه وسلم[ :يا عبدال أتدري كيف حكم ال فيمن بغى من هذه
المهة]؟ قال :ال ورسهوله أعلم .فقال[ :ل يجههز على جريحهها ول يقتهل أسهيرها ول يطلب طلب
هاربها ول يقسم فيئها] .فأما ما كان قائما رد بعينه.
هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له .وذكر الزمخشري في تفسيره :إن كانت الباغية من قلة العدد
بحيهث ل منعهة لهها ضمنهت بعهد الفيئة مها جنهت ،وإن كانهت كثيرة ذات منعهة وشوكهة لم تضمهن ،إل
عنهد محمهد بهن الحسهن رحمهه ال فإنهه كان يفتهي بأن الضمان يلزمهها إذا فاءت .وأمها قبهل التجمهع
والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها ،فما جنته ضمنته عند الجميع .فحمل الصلح
بالعدل فهي قوله" :فأصهلحوا بينهمها بالعدل" على مذههب محمهد واضهح منطبهق على لفهظ التنزيهل.
وعلى قول غيره وجههههه أن يحمهههل على كون الفئة الباغيهههة قليلة العدد .والذي ذكروا أن الغرض
إماتههة الضغائن وسههل الحقاد دون ضمان الجنايات ،ليههس بحسههن الطباق المأمور بههه مههن أعمال
العدل ومراعاة القسهههط .قال الزمخشري :فإن قلت :لم قرن بالصهههلح الثانهههي العدل دون الول؟
قلت :لن المراد بالقتتال فهي أول اليهة أن يقتتل باغيتيهن أو راكبتهي شبههة ،وأيتهمها كانهت فالذي
يجهب على المسهلمين أن يأخذوا بهه فهي شأنهمها إصهلح ذات البيهن وتسهكين الدهماء بإراءة الحهق
والمواعظ الشافية ونفي الشبهة ،إل إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة ،وأما الضمان فل يتجه .وليس
كذلك إذا بغت إحداهما ،فإن الضمان متجه على الوجهين المذكورين.
@ ولو تغلبوا (أي البغاة) على بلد فأخذوا الصهدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيههم بالحكام ،لم
تثهن عليههم الصهدقات ول الحدود ،ول ينقهض مهن أحكامههم إل مها كان خلفها للكتاب أو السهنة أو
الجماع ،كمها تنقهض أحكام أههل العدل والسهنة ،قال مطرف وابهن الماجشون .وقال ابهن القاسهم :ل
تجوز بحال .وروي عن أصبغ أنه جائز .وروي عنه أيضا أنه ل يجوز كقول ابن القاسم .وبه قال
أبو حنيفة ،لنه عمل بغير حق ممن ل تجوز توليته .فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة .والعمدة لنا ما
قدمناه مهن أن الصهحابة رضهي ال عنههم ،لمها أنجلت الفتنهة وارتفهع الخلف بالهدنهة والصهلح ،لم
يعرضوا لحد منهم في حكم .قال ابن العربي :الذي عندي أن ذلك ل يصلح ،لن الفتنة لما انجلت
كان المام هو الباغي ،ولم يكن هناك من يعترضه وال أعلم.
@ ل يجوز أن ينسهب إلى أحد مهن الصحابة خطأ مقطوع به ،إذ كانوا كلههم اجتهدوا فيما فعلوه
وأرادوا ال عهز وجهل ،وههم كلههم لنها أئمهة ،وقهد تعبدنها بالكهف عمها شجهر بينههم ،وأل نذكرههم إل
بأحسهن الذكهر ،لحرمهة الصهحبة ولنههي النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن سهبهم ،وأن ال غفهر لههم،
وأخهبر بالرضها عنههم .هذا مهع مها قهد ورد مهن الخبار مهن طرق مختلفهة عهن النهبي صهلى ال عليهه
وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الرض ،فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن
بالقتهل فيهه شهيدا .وكذلك لو كان مها خرج إليهه خطهأ فهي التأويهل وتقصهيرا فهي الواجهب عليهه ،لن
الشهادة ل تكون إل بقتهل فهي طاعهة ،فوجهب حمهل أمرههم على مها بيناه .وممها يدل على ذلك مها قهد
صهح وانتشهر مهن أخبار علي بأن قاتهل الزبيهر فهي النار .وقول :سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه
وسلم يقول[ :بشر قاتل ابن صفية بالنار] .وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين
ول أثمين بالقتال ،لن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى ال عليه وسلم في طلحة[ :شهيد] .ولم
يخهبر أن قاتهل الزبيهر فهي النار .وكذلك مهن قعهد غيهر مخطهئ فهي التأويهل .بهل صهواب أراههم ال
الجتهاد .وإذا كان كذلك لم يوجههههب ذلك لعنهههههم والبراءة منهههههم وتفسههههيقهم ،وإبطال فضائلهههههم
وجهادههم ،وعظيهم غنائههم فهي الديهن ،رضهي ال عنههم .وقهد سهئل بعضههم عهن الدماء التهي أريقهت
فيمها بينههم فقال" :تلك أمهة قهد خلت لهها مها كسهبت ولكهم مها كسهبتم ول تسهألون عمها كانوا يعملون"
[البقرة .]141 :وسهئل بعضههم عنهها أيضها فقال :تلك دماء طههر ال منهها يدي ،فل أخضهب بهها
لسهاني .يعنهي فهي التحرز مهن الوقوع فهي خطهأ ،والحكهم على بعضههم بمها ل يكون مصهيبا فيهه .قال
ابهن فورك :ومهن أصهحابنا مهن قال :إن سهبيل مها جرت بيهن الصهحابة مهن المنازعات كسهبيل مها
جرى بين إخوة يوسف مع يوسف ،ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولية والنبوة ،فكذلك المر
فيمها جرى بيهن الصهحابة .وقال المحاسهبي :فأمها الدماء فقهد أشكهل علينها القول فيهها باختلفههم .وقهد
سهئل الحسهن البصهري عهن قتالههم فقال :قتال شهده أصهحاب محمهد صهلى ال عليهه وسهلم وغبنها،
وعلموا وجهلنها ،واجتمعوا فاتبعنها ،واختلفوا فوقفنها .قال المحاسهبي :فنحهن نقول كمها قال الحسهن،
ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا ،ونتبع ما اجتمعوا عليه ،ونقف عند ما اختلفوا فيه ول
نبتدع رأيا منا ،ونعلم أنهم أجتهدوا وأرادوا ال عز وجل ،إذ كانوا غير متهمين في الدين ،ونسأل
ال التوفيق.
**3الية{ 10 :إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا ال لعلكم ترحمون}
@قوله تعالى" :إنما المؤمنون إخوة" أي في الدين والحرمة ل في النسب ،ولهذا قيل :أخوة الدين
أثبهت مهن أخوة النسهب ،فإن أخوة النسهب تنقطهع بمخالفهة الديهن ،وأخوة الديهن ل تنقطهع بمخالفهة
النسب .وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(ل تحاسدوا ول تباغضوا ول تجسسوا ول تحسسوا ول تناجشوا وكونوا عباد ال إخوانا) .وفي
روايههة( :ل تحاسههدوا ول تناجشوا ول تباغضوا ول تدابروا ول يبههع بعضكههم على بيههع بعههض
وكونوا عباد ال إخوانا ،المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله ول يحقره ،التقوى ها هنا -ويشير
إلى صهدره ثلث مرات -بحسهب أمريهء مهن الشهر أن يحقهر أخاه المسهلم ،كهل المسهلم على المسهلم
حرام دمهه وماله وعرضهه) لفهظ مسهلم .وفهي غيهر الصهحيحين عهن أبهي هريرة قال النهبي صهلى ال
عليه وسلم[ :المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يعيبه ول يخذله ول يتطاول عليه في البنيان فيسهتر
عليههه الريههح إل بإذنههه ول يؤذيههه بقتار قدره إل أن يغرف له غرفههة ول يشتري لبنيههه الفاكهههة
فيخرجون بها إلى صبيان جاره ول يطعمونهم منها] .ثم قال النبي صلى ال عليه وسلم[ :احفظوا
ولبحفظ منكم إل قليل].
@قوله تعالى" :فأصههلحوا بيههن أخويكههم" أي بيههن كههل مسههلمين تخاصههما .وقيههل :بيههن الوس
والخزرج ،على مها تقدم .وقال أبو علي :أراد بالخويهن الطائفتيهن ،لن لفظ التثنية يرد والمراد به
الكثرة ،كقوله تعالى" :بهل يداه مبسهوطتان" [المائدة .]64 :وقال أبهو عهبيدة :أي أصهلحوا بيهن كهل
أخوين ،فهو آت على الجميع .وقرأ ابن سيرين ونصر بن عاصم وأبو العالية والجحدري ويعقوب
"بين إخوتكم" بالتاء على الجمع .وقرأ الحسن "إخوانكم" .الباقون" :أخويكم" بالياء على التثنية.
@ في هذه الية والتي قبلها دليل على أن البغي ل يزيل اسم اليمان ،لن ال تعالى سماهم إخوة
مؤمنيهن مهع كونههم باغيهن .قال الحارث العور :سهئل علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه وههو
القدوة عهن قتال أههل البغهي مهن أههل الجمهل وصهفين :أمشركون ههم؟ قال :ل ،مهن الشرك فروا.
فقيههل :أمنافقون؟ قال :ل ،لن المنافقيههن ل يذكرون ال إل قليل .قيههل له :فمهها حالهههم؟ قال إخواننهها
بغوا علينا.
**3الية{ 11 :يا أيها الذين آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ول نساء
من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ول تلمزوا أنفسكم ول تنابزوا باللقاب بئس السم الفسوق بعد
اليمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}
@قوله تعالى" :يها أيهها الذيهن آمنوا ل يسهخر قوم مهن قوم عسهى أن يكونوا خيرا منههم" قيهل عنهد
ال .وقيهل "خيرا منههم" أي معتقدا وأسهلم باطنها .والسهخرية السهتهزاء .سهخرت منهه أسهخر سهخرا
(بالتحريهك) ومسهخرا وسهخرا (بالضهم) .وحكهى أبهو زيهد سهخرت بهه ،وههو أردأ اللغتيهن .وقال
الخفهش :سهخرت منهه وسهخرت بهه ،وضحكهت منهه وضحكهت بهه ،وهزئت منهه وهزئت بهه ،كهل
يقال .والسههم السههخرية والسههخري ،وقرئ بهمهها قوله تعالى" :ليتخههذ بعضهههم بعضهها سههخريا"
[الزخرف ]32 :وقهد تقدم .وفلن سهخرة ،يتسهخر فهي العمهل .يقال :خادم سهخرة .ورجهل سهخرة
أيضا يسخر منه .وسخرة (بفتح الخاء) يسخرمن الناس.
@ واختلف فهي سبب نزولها ،فقال ابن عباس :نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه
وقهر ،فإذا سهبقوه الى مجلس النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أوسهعوا له إذا أتهى حتهى يجلس إلى جنبهه
ليسهمع مها يقول ،فأقبهل ذات يوم وقهد فاتتهه مهن صهلة الفجهر ركعهة مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم،
فلمها انصهرف النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أخهذ أصهحابه مجالسههم منهه ،فربهض كهل رجهل منههم
بمجلسهه ،وعضوا فيهه فل يكاد يوسهع أحهد لحهد حتهى يظهل الرجهل ل يجهد مجلسها فيظهل قائمها ،فلمها
انصهرف ثابهت مهن الصهلة تخطهي رقاب الناس ويقول :تفسهحوا تفسهحوا ،ففسهحوا له حتهى انتههى
إلى النبي صلى ال عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له :تفسح .فقال له الرجل :قد وجدت مجلسا
فأجلس فجلس ثابهت مهن خلفهه مغضبها ،ثهم قال :مهن هذا؟ قالوا فلن ،فقال ثابهت :ابهن فلنهة يعيره
بهها ،يعنهي أمها له فهي الجاهليهة ،فاسهتحيا الرجهل ،فنزلت .وقال الضحاك :نزلت فهي وفهد بنهي تميهم
الذي تقدم ذكرههم فهي أول "السهورة" اسهتهزؤوا بفقراء الصهحابة ،مثهل عمار وخباب وابهن فهيرة
وبلل وصههيب وسهلمان وسهالم مولى أبهي حذيفهة وغيرههم ،لمها رأوا مهن رثاثهة حالههم ،فنزلت فهي
الذين آمنوا منهم .وقال مجاهد :هو سخرية الغني من الفقير .وقال ابن زيد :ل يسخر من ستر ال
عليهه ذنوبهه ممهن كشفهه ال ،فلعهل إظهار ذنوبهه فهي الدنيها خيهر له فهي الخرة .وقيهل :نزلت فهي
عكرمههة بهن أبهي جههل حيهن قدم المدينههة مسهلما ،وكان المسههلمون إذا رأوه قالوا ابههن فرعون هذه
المة .فشكا ذلك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت.
وبالجملة فينبغههي أل يجتريههء أحههد على السههتهزاء بمههن يقتحمههه بعينههه إذا رءاه رث الحال أو ذا
عاههة فهي بدنهه أو غيهر لبيهق فهي محادثتهه ،فلعله أخلص ضميرا وأنقهى قلبها ممهن ههو على ضهد
صهفته ،فيظلم نفسهه بتحقيهر مهن وقره ال ،والسهتهزاء بمهن عظمهه ال .ولقهد بلغ بالسهلف إفراط
توقيههم وتصهونهم مهن ذلك أن قال عمرو بهن شرحبيهل :لو رأيهت رجل يرضهع عنزا فضحكهت منهه
لخشيهت أن أصهنع مثهل الذي صهنع .وعهن عبدال بهن مسهعود :البلء موكهل بالقول ،لو سهخرت مهن
كلب لخشيت أن أحول كلبا .و"قوم" في اللغة للمذكرين خاصة .قال زهير:
أقوم آل حصن أم نساء وما أدري وسوف إخال أدري
وسموا قوما لنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد .وقيل :إنه جمع قائم ،ثم استعمل في كل جماعة
وإن لم يكونوا قائمين .وقد يدخل في القوم النساء مجازا ،وقد مضى في "البقرة" بيانه.
@قوله تعالى" :ول نساء من نسهاء عسى أن يكن خيرا منهن" أفرد النساء بالذكهر لن السخرية
منهههن أكثههر .وقههد قال ال تعالى" :إنهها أرسههلنا نوحهها إلى قومههه" [نوج ]1 :فشمههل الجميههع .قال
المفسهرون :نزلت فهي امرأتيهن مهن أزواج النهبي صهلى ال عليهه وسهلم سهخرتا مهن أم سهلمة ،وذلك
أنهها ربطهت خصهريها بسهبيبة -وههو ثوب أبيهض ،ومثلهها السهب -وسهدلت طرفيهها خلفهها فكانهت
تجرها ،فقالت عائشة لحفصة رضي ال عنهما :انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب ،فهذه كانت
سهخريتهما .وقال أنهس وابهن زيهد :نزلت فهي نسهاء النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ،عيرن أم سهلمة
بالقصههر .وقيههل :نزلت فههي عائشههة ،أشارت بيدههها إلى أم سههلمة ،يهها نههبي ال إنههها لقصههيرة .وقال
عكرمة عن ابن عباس :إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت:
يا رسول ال ،إن النساء يعيرنني ،ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم( :هل قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد) .فأنزل ال هذه الية.
@ فهي صهحيح الترمذي عهن عائشهة قالت :حكيهت للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم رجل ،فقال[ :مها
يسهرني أنهي حكيهت رجل وأن لي كذا وكذا] .قالت فقلت :يها رسهول ال ،إن صهفية امرأة -وقالت
بيدها -هكذا ،يعني أنها قصيرة .فقال[ :لقد مزجت بكلمة لو مزج بها البحر لمزج] .وفي البخاري
عهن عبدال بهن زمعهة قال :نههى النهبى صهلى ال عليهه وسهلم أن يضحهك الرجهل ممها يخرج مهن
النفهس .وقال[ :لم يضرب أحدكهم امرأتهه ضرب الفحهل ثهم لعله يعانقهها] .وفهي صهحيح مسهلم عهن
أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :إن ال ل ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن
ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم] .وهذا حديث عظيم يترتب عليه أل يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من
صهور أعمال الطاعة أو المخالفة ،فلعهل من يحافهظ على العمال الظاهرة يعلم ال مهن قلبهه وصهفا
مذموما ل تصح معه تلك العمال .ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم ال من قلبه وصفا
محمودا يغفر له بسببه .فالعمال أمارات ظنية ل أدلة قطعية .ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم
مهن رأينها عليهه أفعال صهالحة ،وعدم الحتقار لمسهلم رأينها عليهه أفعال سهيئة .بهل تحتقهر وتذم تلك
الحالة السيئة ،ل تلك الذات المسيئة .فتدبر هذا ،فإنه نظر دقيق ،وبال التوفيق.
@قوله تعالى" :ول تلمزوا أنفسهكم" اللمهز :العيهب ،وقهد مضهى فهي "التوبهة" عنهد قوله تعالى:
"ومنههم مهن يلمزك فهي الصهدقات" [التوبهة .]58 :وقال الطهبري :اللمهز باليهد والعيهن واللسهان
والشارة .والهمهز ل يكون إل باللسهان .وهذه اليهة مثهل قوله تعالى" :ول تقتلوا أنفسهكم" [النسهاء:
]29أي ل يقتل بعضكم بعضا ،لن المؤمنين كنفس واحدة ،فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه .وكقوله
تعالى" :فسهلموا على أنفسهكم" [النور ]61 :يعنهي يسهلم بعضكهم على بعهض .والمعنهى :ل يعهب
بعضكهم بعضها .وقال ابهن عباس ومجاههد وقتادة وسهعيد بهن جهبير :ل يطعهن بعضكهم على بعهض.
وقال الضحاك :ل يلعهن بعضكهم بعضها .وقرئ" :ول تُلمزوا" بالضهم .وفهي قوله" :أنفسهكم" تنهبيه
على أن العاقهل ل يعيهب نفسهه ،فل ينبغهي أن يعيهب غيره لنهه كنفسهه ،قال صهلى ال عليهه وسهلم:
[المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى] .وقال بكر
بهن عبدال المزنهي :إذا أردت أن تنظهر العيوب جمهة فتأمهل عيابها ،فإنهه إنمها يعيهب الناس بفضهل مها
فيهه مهن العيهب .وقال صهلى ال عليهه وسهلم[ :يبصهر أحدكهم القذاة فهي عيهن أخيهه ويدع الجذع فهي
عينه] وقيل :من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره .قال الشاعر:
أشغله عن عيوبه ورعه المرء إن كان عاقل ورعا
عن وجع الناس كلهم وجعه كما السقيم المريض يشغله
وقال آخر:
فيهتك ال سترا عن مساويكا ل تكشفن مساوي الناس ما ستروا
ول تعب أحدا منهم بما فيكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
@قوله تعالى" :ول تنابزوا باللقاب" النبز (بالتحريك) اللقب ،والجمع النباز .والنبز (بالتسكين)
المصههدر ،تقول :نبزه ينبزه نبزا ،أي لقبههه .وفلن ينبههز بالصههبيان أي يلقبهههم ،شدد للكثرة .ويقال
النبز والنزب لقب السوء .وتنابزوا باللقاب :أي لقب بعضهم بعضا .وفي الترمذي عن أبي جبيرة
بههن الضحاك قال :كان الرجههل منهها يكون له السههمين والثلثههة فيدعههي ببعضههها فعسههى أن يكره،
فنزلت هذه الية" :ول تنابزوا باللقاب" .قال هذا حديث حسن .وأبو جبيرة هذا هو أخو ثابت بن
الضحاك بن خليفة النصاري .وأبو زيد سعيد بن الربيع صاحب الهروي ثقة .وفي مصنف أبي
داود عنهه قال :فينها نزلت هذه اليهة ،فهي بنهي سهلمة "ول تنابزوا باللقاب بئس السهم الفسهوق بعهد
اليمان" قال :قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم وليس منا رجل إل وله اسمان أو ثلثة ،فجعل
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول يا فلن فيقولون مه يا رسول ال ،إنه يغضب من هذا السم،
فنزلت هذه اليهة" :ول تنابزوا باللقاب" .فهذا قول .وقول ثان -قال الحسهن ومجاههد :كان الرجهل
يعيهر بعهد إسهلمه بكفره يها يهودي يها نصهراني ،فنزلت .وروي عهن قتادة وأبهي العاليهة وعكرمهة.
وقال قتادة :ههو قول الرجهل للرجهل يها فاسهق يها منافهق ،وقاله مجاههد والحسهن أيضها" .بئس السهم
الفسهوق بعهد اليمان" أي بئس أن يسهمى الرجهل كافرا أو زانيها بعهد إسهلمه وتوبتهه ،قال ابهن زيهد.
وقيل :المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق .وفي الصحيح [من قال لخيه يا كافر فقد
باء بها أحدهما إن كان كما قال وإل رجعت عليه] .فمن فعل ما نهى ال عنه من السخرية والهمز
والنبهز فذلك فسهوق وذلك ل يجوز .وقهد روي أن أبها ذر رضهي ال عنهه كان عنهد النهبي صهلى ال
عليه وسلم فنازعه رجل فقال له أبو ذر :يا ابن اليهودية فقال النبي صلى ال عليه وسلم[ :ما ترى
ها هنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه] يعني بالتقوى ،ونزلت" :ول تنابزوا باللقاب" .وقال ابن
عباس :التنابز باللقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب ،فنهى ال أن يعير بما سلف .يدل
عليه ما روي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال[ :من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على ال
أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والخرة].
@ وقع من ذلك مستثني من غلب عليه الستعمال كالعرج والحدب ولم يكن له فيه كسب يجد
في نفسه منه عليه ،فجوزته المة وأتفق على قول أهل الملة .قال ابن العربي :وقد ورد لعمر ال
مهن ذلك فهي كتبههم مها ل أرضاه فهي صهالح جزرة ،لنهه صهحف "خرزة" فلقهب بهها .وكذلك قولههم
في محمد بن سليمان الحضرمي :مطين ،لنه وقع في طين ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين،
ول أراه سهائغا فهي الديهن .وقهد كان موسهى بهن علي بهن رباح المصهري يقول :ل أجعهل أحدا صهغر
اسم أبي في حل ،وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين .والذي يضبط هذا كله :أن كل ما
يكره النسان إذا نودي به فل يجوز لجل الذية .وال أعلم.
قلت :وعلى هذا المعنهى ترجهم البخاري رحمهه ال فهي (كتاب الدب) مهن الجامهع الصهحيح .فهي
(باب مها يجوز مهن ذكهر الناس نحهو قولههم الطويهل والقصهير ل يراد بهه شيهن الرجهل) قال :وقال
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم[ :مها يقول ذو اليديهن] قال أبهو عبدال بهن خويهز منداد :تضمنهت اليهة
المنع من تلقيب النسان بما يكره ،ويجوز تلقيبه بما يحب ،أل ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم
لقهب عمهر بالفاروق ،وأبها بكهر بالصهديق ،وعثمان بذي النوريهن ،وخزيمهة بذي الشهادتيهن ،وأبها
هريرة بذي الشماليهن وبذي اليديهن ،فهي أشباه ذلك .الزمخشري :روي عهن النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم [مهن حهق المؤمهن على المؤمهن أن يسهميه بأحهب أسهمائه إليهه] .ولهذا كانهت التكنيهة مهن السهنة
والدب الحسهن ،قال عمهر رضهي ال عنهه :أشيعوا الكنهي فإنهها منبههة .ولقهد لقهب أبهو بكهر بالعتيهق
والصهديق ،وعمهر بالفاروق ،وحمزة بأسهد ال ،وخالد بسهيف ال .وقهل مهن المشاهيهر فهي الجاهليهة
والسهلم مهن ليهس له لقهب .ولم تزل هذه اللقاب الحسهنة فهي المهم كلهها -مهن العرب والعجهم -
تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير .قال الماوردي :فأما مستحب اللقاب ومستحسنها
فل يكره .وقد وصف رسول ال صلى ال عليه وسلم عددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من
أجل اللقاب.
قلت :فأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة ل العيب فذلك كثيهر .وقد سئل عبدال
بههن المبارك عههن الرجههل يقول :حُميههد الطويههل ،وسههليمان العمههش ،وحُميههد العرج ،ومروان
الصههغر ،فقال :إذا أردت صههفته ولم ترد عيبههه فل بأس بههه .وفههي صههحيح مسههلم عههن عبدال بههن
سرجس قال :رأيت الصلع -يعني عمر -يقبل الحجر .في رواية الصيلع.
@قوله تعالى" :ومهن لم يتهب" أي عهن هذه اللقاب التهي يتأذى بهها السهامعون" .فأولئك ههم
الظالمون" لنفسهم بارتكاب هذه المناهي.
**3الية{ 12 :يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ول تجسسوا ول
يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا ال إن ال تواب رحيم}
@قوله تعالى" :يها أيهها الذيهن آمنوا اجتنبوا كثيرا مهن الظهن" قيهل :إنهها نزلت فهي رجليهن مهن
أصهحاب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم اغتابها رفيقهمها .وذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان إذا
سههافر ضههم الرجههل المحتاج إلى الرجليههن الموسههرين فيخدمهمهها .فضههم سههلمان إلى رجليههن ،فتقدم
سهلمان إلى المنزل فغلبتهه عيناه فنام ولم يهيهئ لهمها شيئا ،فجاءا فلم يجدا طعامها وإدامها ،فقال له:
انطلق فاطلب لنا من النبي صلى ال عليه وسلم طعاما وإداما ،فذهب فقال له النبي صلى ال عليه
وسهلم( :اذههب إلى أسهامة بهن زيهد فقهل له إن كان عندك فضهل مهن طعام فليعطهك) وكان أسهامة
خازن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم ،فذهههب إليههه ،فقال أسههامة :مهها عندي شيههء ،فرجههع إليهمهها
فأخبرهمها ،فقال :قهد كان عنده ولكنهه بخهل .ثهم بعثها سهلمان إلى طائفهة مهن الصهحابة فلم يجهد عندههم
سمَيحة لغار ماؤها .ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء، شيئا ،فقال :لو بعثنا سلمان إلى بئر ُ
فرآهما النبي صلى ال عليه وسلم فقال( :مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما) فقال :يا نبي ال،
وال مها أكلنها فهي يومنها هذا لحمها ول غيره .فقال( :ولكنكمها ظلتمها تأكلن لحهم سهلمان وأسهامة)
فنزلت" :يهها أيههها الذيههن آمنوا اجتنبوا كثيرا مههن الظههن إن بعههض الظههن إثههم" ذكره الثعلبههي .أي ل
تظنوا بأهل الخير سوءا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير.
@ ثبهت فهي الصهحيحين عهن أبهي هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :إياكهم والظهن فإن
الظن أكذب الحديث ول تحسسوا ول تجسسوا ول تناجشوا ول تحاسدوا ول تباغضوا ول تدابروا
وكونوا عباد ال إخوانها) لفهظ البخاري .قال علماؤنها :فالظهن هنها وفهي اليهة ههو التهمهة .ومحهل
التحذيهر والنههي إنمها ههو تهمهة ل سهبب لهها يوجبهها ،كمهن يتههم بالفاحشهة أو بشرب الخمهر مثل ولم
يظهر عليه ما يقتضي ذلك .ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى" :ول تجسسوا" وذلك
أنهه قهد يقهع له خاطهر التهمهة ابتداء ويريهد أن يتجسهس خهبر ذلك ويبحهث عنهه ،ويتبصهر ويسهتمع
لتحقيهق مها وقهع له مهن تلك التهمهة .فنههى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن ذلك .وإن شئت قلت:
والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها ،أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب
ظاههر كان حرامها واجهب الجتناب .وذلك إذا كان المظنون بهه ممهن شوههد منهه السهتر والعلج،
وأونسههت منههه المانههة فههي الظاهههر ،فظههن الفسههاد بههه والخيانههة محرم ،بخلف مههن أشتهره الناس
بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث .وعن النبي صلى ال عليه وسلم (إن ال حرم من المسلم دمه
وعرضه وأن يظن به ظن السوء) .وعن الحسن :كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام ،وأنت اليوم
في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت.
@ وللظهن حالتان :حالة تعرف وتقوى بوجهه مهن وجوه الدلة فيجوز الحكهم بهها ،وأكثهر أحكام
الشريعههة مبنيههة على غلبههة الظههن ،كالقياس وخههبر الواحههد وغيههر ذلك مههن قيههم المتلفات وأروش
الجنايات .والحالة الثانيهه :أن يقهع فهي النفهس شيهء مهن غيهر دللة فل يكون ذلك أولى مهن ضده،
فهذا هو الشك ،فل يجوز الحكم به ،وهو المنهي عنه على ما قررناه آنفا .وقد أنكرت جماعة من
المبتدعهة تعبدال بالظهن وجواز العمهل بهه ،تحكمها فهي الديهن ودعوى فهي المعقول .وليهس فهي ذلك
أصههل يعول عليههه ،فإن البارئ تعالى لم يذم جميعههه ،وإنمهها أورد الذم فههي بعضههه .وربمهها تعلقوا
بحديهث أبهي هريرة (إياكهم والظهن) فإن هذا ل حجهة فيهه ،لن الظهن فهي الشريعهة قسهمان :محمود
ومذموم ،فالمحمود منهه مها سهلم معهه ديهن الظان والمظنون بهه عنهد بلوغهه .والمذموم ضده ،بدللة
قوله تعالى" :إن بعهض الظهن إثهم" ،وقوله" :لول إذ سهمعتموه ظهن المؤمنون والمؤمنات بأنفسههم
خيرا" [النور ،]12 :وقوله" :وظننتهم ظهن السهوء وكنتهم قومها بورا" [الفتهح ]12 :وقال النهبي
صلى ال عليه وسلم( :إذا كان أحدكم مادحا أخاه فليقل أحسب كذا ول أزكي على ال أحدا) .وقال:
(إذا ظننهت فل تحقهق وإذا حسهدت فل تبهغ وإذا تطيرت فامهض) خرجهه أبهو داود .وأكثهر العلماء
على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير ل يجوز ،وأنه ل حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح،
قاله المهدوي.
@قوله تعالى" :ول تجسسوا" قرأ أبو رجاء والحسن باختلف وغيرهما "ول تحسسوا" بالحاء.
واختلف ههل همها بمعنهى واحهد أو بمعنييهن ،فقال الخفهش :ليهس تبعهد إحداهمها مهن الخرى ،لن
التجسههس البحههث عمهها يكتههم عنههك .والتحسههس (بالحاء) طلب الخبار والبحههث عنههها .وقيههل :إن
التجسهس (بالجيهم) ههو البحهث ،ومنهه قيهل :رجهل جاسهوس إذا كان يبحهث عهن المور .وبالحاء :هو
ما أدركه النسان ببعض حواسه .وقول ثان في الفرق :أنه بالحاء تطلبه لنفسه ،وبالجيم أن يكون
رسهول لغيره ،قال ثعلب .والول أعرف .جسهست الخبار وتجسههستها أي تفحصهت عنهها ،ومنهه
الجاسهوس .ومعنهى اليهة :خذوا مها ظههر ول تتبعوا عورات المسهلمين ،أي ل يبحهث أحدكهم عهن
عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره ال .وفي كتاب أبى داود عن معاوية قال سمعت رسول
ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول( :إنهك إن اتبعهت عورات الناس أفسهدتهم أو كدت تفسهدهم) فقال أبهو
الدرداء :كلمة سمعها معاوية من رسول ال صلى ال عليه وسلم نفعه ال تعالى بها .وعن المقدام
بن معد يكرب عن أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن المير إذا ابتغى الريبة في
الناس أفسدهم) .وعن زيد بن وهب قال :أتي ابن مسعود فقيل :هذا فلن تقطر لحيته خمرا .فقال
عبدال :إنا قد نهينا عن التجسس ،ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .وعن أبي برزة السلمي قال:
قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :يها معشهر مهن آمهن بلسهانه ولم يدخهل اليمان قلبهه ل تغتابوا
المسلمين ول تتبعوا عوراتهم ،فإن من اتبع عوراتهم يتبع ال عورته ومن يتبع ال عورته يفضحه
فهي بيته) .وقال عبدالرحمن بن عوف :حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي ال عنه بالمدينة
إذ تهبين لنها سهراج فهي بيهت بابهه مجاف على قوم لههم أصهوات مرتفعهة ولغهط ،فقال عمهر :هذا بيهت
ربيعة بن أمية بن خلف ،وهم الن شرب فما ترى !؟ قلت :أرى أنا قد أتينا ما نهى ال عنه ،قال
ال تعالى" :ول تجسهسوا" وقهد تجسهسنا ،فانصهرف عمهر وتركههم .وقال أبهو قلبهة :حدث عمهر بهن
الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته ،فانطلق عمر حتى دخل عليه،
فإذا ليهس عنده إل رجهل ،فقال أبهو محجهن :إن هذا ل يحهل لك قهد نهاك ال عهن التجسهس ،فخرج
عمر وتركه .وقال زيد بن أسلم :خرج عمر وعبدالرحمن يعسان ،إذ تبينت لهما نار فاستأذنا ففتح
الباب ،فإذا رجهل وامرأة تغنهي وعلى يهد الرجهل قدح ،فقال عمهر :وأنهت بهذا يها فلن؟ فقال :وأنهت
بهذا يها أميهر المؤمنيهن! قال عمهر :فمهن هذه منهك؟ قال امرأتهي ،قال فمها فهي هذا القدح؟ قال ماء
زلل ،فقال للمرأة :وما الذي تغنين؟ فقالت:
وأرقني أن ل خليل ألعبه تطاول هذا الليل واسود جانبه
لزعزع من هذا السرير جوانبه فوال لول ال أني أراقبه
وأ كرم بعلي أن تنال مراكبه ولكن عقلي والحياء يكفني
ثم قال الرجل :ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين قال ال تعالى" :ول تجسسوا" .قال صدقت.
قلت :ل يفههم مهن هذا الخهبر أن المرأة كانهت غيهر زوجهة الرجهل ،لن عمهر ل يقهر على الزنهى،
وإنمها غنهت بتلك البيات تذكارا لزوجهها ،وأنهها قالتهها فهي مغيبهه عنهها .وال أعلم .وقال عمرو بهن
دينار :كان رجل من أهل المدينة له أخت فاشتكت ،فكان يعودها فماتت فدفنها .فكان هو الذي نزل
في قبرها ،فسقط من كمه كيس فيه دنانير ،فاستعان ببعض أهله فنبشوا قبرها فأخذ الكيس ثم قال:
لكشفن حتى أنظر ما آل حال أختي إليه ،فكشف عنها فإذا القبر مشتعل نارا ،فجاء إلى أمه فقال:
أخبريني ما كان عمل أختي؟ فقالت :قد ماتت أختك فما سؤالك عن عملها فلم يزل بها حتى قالت
له :كان من عملها أنها كانت تؤخر الصلة عن مواقيتها ،وكانت إذا نام الجيران قامت إلى بيوتهم
فألقمت أذنها أبوابهم ،فتجسس عليهم وتخرج أسرارهم ،فقال :بهذا هلكت
@قوله تعالى" :ول يغتهب بعضكهم بعضها" نههى عهز وجهل عهن الغيبهة ،وههي أن تذكهر الرجهل بمها
فيهه ،فإن ذكرتهه بمها ليهس فيهه فههو البهتان .ثبهت معناه فهي صهحيح مسهلم عن أبهي هريرة أن رسهول
ال صلى ال عليه وسلم قال( :أتدرون ما الغيبة)؟ قالوا :ال ورسول أعلم .قال( :ذكرك أخاك بما
يكره) قيل :أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال( :إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه
فقهد بهتهه) .يقال :اغتابهه اغتيابها إذا وقهع فيهه ،والسهم الغيبهة ،وههي ذكهر العيهب بظههر الغيهب .قال
الحسهن :الغيبهة ثلثهة أوجهه كلهها فهي كتاب ال تعالى :الغيبهة والفهك والبهتان .فأمها الغيبهة فههو أن
تقول فهي أخيهك مها ههو فيهه .وأمها الفهك فأن تقول فيهه مها بلغهك عنهه .وأمها البهتان فأن تقول فيهه مها
ليهس فيهه .وعهن شعبهة قال :قال لي معاومهة -يعنهي ابهن قرة : -لو مهر بهك رجهل أقطهع ،فقلت هذا
أقطهع كان غيبهة .قال شعبهة :فذكرتهه لبهي إسهحاق فقال صهدق .وروى أبهو هريرة أن السهلمي مها
عزا جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فشهد على نفسه بالزنى فرجمه رسول ال صلى ال عليه
وسلم .فسمع نبي ال صلى ال عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما للخر :انظر إلى هذا
الذي سهتر ال عليهه فلم تدعهه نفسهه حتهى رجهم رجهم الكلب ،فسهكت عنهمها .ثهم سهار سهاعة حتهى مهر
بجيفهة حمار شائل برجله فقال( :أيهن فلن وفلن)؟ فقال :نحهن ذا يها رسهول ال ،قال( :انزل فكل
من جيفة هذا الحمار) فقال :يا نبي ال ومن يأكل من هذا ! قال( :فما نلتما من عرض أخيكما أشد
من الكل منه والذي نفسي بيده إنه الن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها).
@قوله تعالى" :أيحهب أحدكهم أن يأكهل لحهم أخيهه ميتها" مثهل ال الغيبهة بأكهل الميتهة ،لن الميهت ل
يعلم بأكل لحمه كما أن الحي ل يعلم بغيبة من اغتابه .وقال ابن عباس :إنما ضرب ال هذا المثل
للغيبهة لن أكهل لحهم الميهت حرام مسهتقذر ،وكذا الغيبهة حرام فهي الديهن وقبيهح فهي النفوس .وقال
قتادة :كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا .واستعمل أكل
اللحم مكان الغيبة لن عادة العرب بذلك جارية .قال الشاعر:
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وقال صهلى ال عليهه وسهلم( :مها صهام مهن ظهل يأكهل لحوم الناس) .فشبهه الوقيعهة فهي الناس بأكهل
لحومههم .فمهن تنقهص مسهلما أو ثلم عرضهه فههو كالكهل لحمهه حيها ،ومهن اغتابهه فههو كالكهل لحمهه
ميتا .وفي كتاب أبي داود عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :لما عرج
بهي مررت بقوم لههم أظفار مهن نحاس يخمشون وجوهههم وصهدورهم فقلت مهن هؤلء يها جبريهل؟
قال هؤلء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) .وعن المستورد أن رسول ال صلى
ال عليهه وسهلم قال( :مهن أكهل برجهل مسهلم أكلة فإن ال يطعمهه مثلهها مهن جهنهم ومهن كسهي ثوبها
برجهل مسهلم فإن ال يكسهوه مثله مهن جهنهم ومهن أقام برجهل مقام سهمعة ورياء فإن ال يقوم بهه مقام
سمعة ورياء يوم القيامة) .وقد تقدم قوله صلى ال عليه وسلم( :يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل
اليمان قلبهه ل تغتابوا المسهلمين) .وقوله للرجليهن( :مها لي أرى خضرة اللحهم فهي أفواهكمها) .وقال
أبو قلبة الرقاشي :سمعت أبا عاصم يقول :ما اغتبت أحدا مذ عرفت ما في الغيبة .وكان ميمون
بههن سههياه ل يغتاب أحدا ،ول يدع أحدا يغتاب أحدا عنده ،ينهاه فإن انتهههى وإل قام .وذكههر الثعلبههي
مهن حديهث أبهي هريرة قال :قام رجهل مهن عنهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فرأوا فهي قيامهه عجزا
فقالوا :يا رسول ال ما أعجز فلنا فقال( :أكلتم لحم أخيكم وأغتبتموه) .وعن سفيان الثوري قال:
أدني الغيبة أن تقول إن فلنا جعد قطط ،إل أنه يكره ذلك .وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه:
إياكم وذكر الناس فإنه داء ،وعليكم بذكر ال فإنه شفاء .وسمع علي بن الحسين رضي ال عنهما
رجل يغتاب آخهر ،فقال :إياك والغيبهة فإنهها إدام كلب الناس .وقيهل لعمرو بهن عبيهد :لقهد وقهع فيهك
فلن حتى رحمناك ،قال :إياه فارحموا .وقال رجل للحسن :بلغني أنك تغتابني فقال :لم يبلغ قدرك
عندي أن أحكمك في حسناتي.
@ ذهب قوم إلى أن الغيبة ل تكون إل في الدين ول تكون في الخلقة والحسب .وقالوا :ذلك فعل
ال بههه .وذهههب آخرون إلى عكههس هذا فقالوا :ل تكون الغيبههة إل فههي الخَلْق والخُلُق والحسههب.
والغيبة في الخلق أشد ،لن من عيب صنعة فإنما عيب صانعها .وهذا كله مردود .أما الول فيرده
حديهث عائشة حيهن قالت فهي صفية :إنهها امرأة قصيرة ،فقال لها النبي صلى ال عليه وسلم( :لقد
قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته) .خرجه أبو داود .وقال فيه الترمذي :حديث حسن صحيح،
وما كان في معناه حسب ما تقدم .وإجماع العلماء قديما على أن ذلك غيبة إذا أريد به العيب .وأما
الثاني فمردود أيضا عند جميع العلماء ،لن العلماء من أول الدهر من أصحاب رسول ال صلى
ال عليه وسلم والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدين ،لن عيب
الدين أعظم العيب ،فكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه .وكفى ردا لمن قال
هذا القول قول عليه السلم( :إذا قلت في أخيك ما يكره فقد أغتبته )...الحديث .فمن زعم أن ذلك
ليس بغيبة فقد رد ما قال النبي صلى ال عليه وسلم نصا .وكفى بعموم قول النبي صلى ال عليه
وسهلم( :دماؤكهم وأموالكهم وأعراضكهم عليكهم حرام) وذلك عام للديهن والدنيها .وقول النهبي( :مهن
كانهت عنده لخيهه مظلمهة فهي عرضهه أو ماله فليتحلله منهه) .فعهم كهل عرض ،فمهن خهص مهن ذلك
شيئا دون شيء فقد عارض ما قال النبي صلى ال عليه وسلم.
@ ل خلف أن الغيبة من الكبائر ،وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى ال عز وجل .وهل
يسهتحل المغتاب؟ اختلف فيه ،فقالت فرقهة :ليس عليه اسهتحلله ،وإنما هي خطيئة بينهه وبيهن ربه.
واحتجهت بأنهه لم يأخهذ مهن ماله ول أصهاب مهن بدنهه مها ينقصهه ،فليهس ذلك بمظلمهة يسهتحلها منهه،
وإنمها المظلمهة مها يكون منهه البدل والعوض فهي المال والبدن .وقال فرقهة :ههي مظلمهة ،وكفارتهها
الستغفار لصاحبها الذي اغتابه .واحتجت بحديث يروي عن الحسن قال :كفارة الغيبة أن تستغفر
لمن اغتبته .وقالت فرقة :هي مظلمة وعليه الستحلل منها .واحتجت بقول النبي صلى ال عليه
وسهلم( :مهن كانهت لخيهه عنده مظلمهة فهي عرض أو مال فليتحلله منهه مهن قبهل أن يأتهي يوم ليهس
هناك دينار ول درهم يؤخذ من حسهناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صهاحبه فزيد على
سيئاته) .خرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال وسول ال صلى ال عليه
وسهلم( :مهن كانهت له مظلمهة لخيهه مهن عرضهه أو شيهء فليتحلله منهه اليوم قبهل أل يكون له دينار
ول درههم إن كان له عمهل صهالح أخهذ منهه بقدر مظلمتهه وإن لم يكهن له حسهنات أخهذ مهن سهيئات
صهاحبه فحمهل عليهه) .وقهد تقدم هذا المعنهى فهي سهورة "آل عمران" عنهد قوله تعالى" :ول تحسهبن
الذيهن قتلوا فهي سهبيل ال أمواتها بهل أحياء" [آل عمران .]169 :وقهد روي مهن حديهث عائشهة أن
امرأة دخلت عليها فلما قامت قالت امرأة :ما أطول ذيلها فقالت لها عائشة :لقد اغتبتيها فاستحليها.
فدلت الثار عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهها مظلمهة يجهب على المغتاب اسهتحللها .وأمها قول
مهن قال :إنمها الغيبهة فهي المال والبدن ،فقهد أجمعهت العلماء على أن على القاذف للمقذوف مظلمهة
يأخذه بالحد حتى يقيمه عليه ،وذلك ليس في البدن ول في المال ،ففي ذلك دليل على أن الظلم في
العرض والبدن والمال ،وقههد قال ال تعالى فههي القاذف" :فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عنههد ال هههم
الكاذبون" [النور .]13 :وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :من بهت مؤمنا بما ليس فيه
حبسهه ال فهي طينهة الخبال] .وذلك كله فهي غيهر المال والبدن .وأمها مهن قال :إنهها مظلمهة ،وكفارة
المظلمهة أن يسهتغفر لصهاحبها ،فقهد ناقهض إذ سهماها مظلمهة ثهم قال :كفارتهها أن يسهتغفر لصهاحبها،
لن قول مظلمهة تثبهت ظلمهة المظلوم ،فإذا ثبتهت الظلمهة لم يزلهها عهن الظالم إل إحلل المظلوم
له .وأمها قول الحسهن فليهس بحجهة ،وقهد قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم[ :مهن كانهت له عنهد أخيهه
مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه] .وقد ذهب بعضهم إلى ترك التحليل لمن سأله ،ورأى أنه
ل يحهل مها حرم ال عليه ،منهم سعيد بهن المسيب قال :ل أحلل مهن ظلمنهي .وقيهل لبن سهيرين :يها
أبا بكر ،هذا رجل سألك أن تحلله من مظلمة هي لك عنده ،فقال :إني لم أحرمها عليه فأحلها ،إن
ال حرم الغيبهة عليهه ،وماكنهت لحهل مها حرم ال عليهه أبدا .وخهبر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يدل
على التحليهل ،وههو الحجهة والمهبين .والتحليهل يدل على الرحمهة وههو مهن وجهه العفهو ،وقهد قال
تعالى" :فمن عفا وأصلح فأجره على ال" [الشوري.]40 :
@ ليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر ،فإن في الخبر [من ألقى جلباب الحياء فل
غيبهة له] .وقال صهلى ال عليهه وسهلم[ :اذكروا الفاجهر بمها فيهه كهي يحذره الناس] .فالغيبهة إذا فهي
المرء الذي يسههتر نفسههه .وروي عههن الحسههن أنههه قال :ثلثههة ليههس لهههم حرمههة :صههاحب الهوي،
والفاسق المعان ،والمام الجائر .وقال الحسن لما مات الحجاج :اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته -
وفهي رواية شينهه -فإنهه أتانها أخيفهش أعيمهش ،يمهد بيهد قصهيرة البنان ،وال مها عرق فيهها غبار فهي
سهبيل ال ،يرجهل جمتهه ويخطهر فهي مشيتهه ،ويصهعد المنهبر فيهدر حتهى تفوتهه الصهلة .ل مهن ال
يتقهي ،ول مهن الناس يسهتحي ،فوقهه ال وتحتهه مائة ألف أو يزيدون ،ل يقول له قائل :الصهلة أيهها
الرجهل .ثهم يقول الحسهن :هيهات ! حال دون ذلك السهيف والسهوط .وروى الربيهع بهن صهبيح عهن
الحسهن قال :ليهس لههل البدع غيبهة .وكذلك قولك للقاضهي تسهتعين بهه على أخهذ حقهك ممهن ظلمهك
فتقول فلن ظلمنهي أو غضبنهي أو خاننهي أو ضربنهي أو قذفنهي أو أسهاء إلي ،ليهس بغيبهة .وعلماء
المهة على ذلك مجمعهة .وقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي ذلك[ :لصهاحب الحهق مقال] .وقال:
[مطل الغني ظلم] وقال] [لي الواجد يحل عرضه وعقوبته] .ومن ذلك الستفتاء ،كقول هند للنبي
صهلى ال عليهه وسهلم :إن أبها سهفيان رجهل شحيهح ل يعطينهي مها يكفينهي أنها وولدي ،فآخهذ مهن غيهر
علمه؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم[ :نعم فخذي] .فذكرته بالشح والظلم لها ولولدها ،ولم يرها
مغتابهة ،لنهه لم يغيهر عليهها ،بهل أجابهها عليهه الصهلة والسهلم بالفتيها لهها .وكذلك إذا كان فهي ذكره
بالسوء فائدة ،كقوله صلى ال عليه وسلم[ :أما معاوية فصعلوك ل مال له وأما أبو جهم فل يضع
عصههاه عههن عاتقههه] .فهذا جائز ،وكان مقصههوده أل تغتههر فاطمههة بنههت قيههس بهمهها .قال جميعههه
المحاسبي رحمه ال.
@قوله تعالى" :ميتا" وقريء "ميتا" وهو نصب على الحال من اللحم .ويجوز أن ينصب على
الخ ،ولمهها قررهههم عههز وجههل بأن أحدا منهههم ل يجههب أكههل جيفههة أخيههه عقههب ذلك بقوله تعالى:
"فكرهتموه" وفيهه وجهان :أحدهمها :فكرهتهم أكهل الميتهة فكذلك فاكرهوا الغيبهة ،روي معناه عهن
مجاههد .الثانهي :فكرهتهم أن يغتابكهم الناس فاكرهوا غيبهة الناس .وقال الفراء :أي فقهد كرهتموه فل
تفعلوه .وقيهل :لفظهه خهبر ومعناه أمهر ،أي اكرهوه" .واتقوا ال" عطهف عليهه .وقيهل :عطهف على
قوله" :اجتنبوا .ول تجسسوا"" .إن ال تواب رحيم".
**3اليهة{ 13 :يها أيهها الناس إنها خلقناكهم مهن ذكهر وأنثهى وجعلناكهم شعوبها وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند ال أتقاكم إن ال عليم خبير}
@قوله تعالى" :يا أيها الناس إنا خلقناكم بن ذكر وأنثى" يعني آدم وحواء .ونزلت الية في أبي
هنهد ،ذكره أبهو داود فهي (المراسهيل) ،حدثنها عمرو بهن عثمان وكثيهر بهن عبيهد قال حدثنها بقيهة بهن
الوليد قال حدثني الزهري قال :أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند
امرأة منهم ،فقالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم :نزوج بناتنا موالينا؟ فأنزل ال عز وجل" :إنا
خلقناكهم مهن ذكهر وأنثهى وجعلناكهم شعوبها" اليهة .قال الزهري :نزلت فهي أبهي هنهد خاصهة .وقيهل:
إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس .وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له :ابن فلنة ،فقال النبي
صهلى ال عليهه وسهلم[ :مهن الذاكهر فلنهة]؟ قال ثابهت :أنها يها رسهول ال ،فقال النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم[ :انظهر فهي وجوه القوم] فنظهر ،فقال[ :مها رأيهت]؟ قال رأيهت أبيهض وأسهود وأحمهر ،فقال:
[فإنك ل تفضلهم إل بالتقوى] فنزلت في ثابت هذه الية .ونزلت في الرجل الذي لم يتفسح له" :يا
أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس" [المجادلة ]11 :الية .قال ابن عباس :لما كان
يوم فتح مكة أمر النبي صلى ال عليه وسلم بلل حتى عل على ظهر الكعبة فأذن ،فقال عتاب بن
أسهيد بهن أبهي العيهص :الحمهد ل الذي قبهض أبهي حتهى ل يرى هذا اليوم .قال الحارث بهن هشام :مها
وجهد محمهد غيهر هذا الغراب السهود مؤذنها .وقال سههيل بهن عمرو :إن يرد ال شيئا يغيره .وقال
أبهو سهفيان :إنهي ل أقول شيئا أخاف أن يخهبر بهه رب السهماء ،فأتهى جبريهل النهبي صهلى ال عليهه
وسلم وأخبره بما قالوا ،فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا ،فأنزل ال تعالى هذه الية .زجرهم عن
التفاخر بالنساب ،والتكاثر بالموال ،والزدراء بالفقراء ،فإن المدار على التقوى .أي الجميع من
آدم وحواء ،إنمها الفضهل بالتقوى .وفهي الترمذي عهن ابهن عمهر أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
خطهب بمكهة فقال( :يها أيهها الناس إن ال قهد أذههب عنكهم عيبهة الجاهليهة وتعاظمهها بآبائهها .فالناس
رجلن :رجل بر تقي كريم على ال ،وفاجر شقي هين على ال .والناس بنو آدم وخلق ال آدم من
تراب قال ال تعالى" :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكهم عنهد ال أتقاكهم إن ال عليهم خهبير") .خرجهه مهن حديهث عبدال بهن جعفهر والد علي بهن
المديني وهو ضعيف ،ضعفه يحيى بن معين وغيره .وقد خرج الطبري في كتاب (آداب النفوس)
وحدثنهي يعقوب بهن إبراهيهم قال حدثنها إسهماعيل قال حدثنها سهعيد الجريري عهن أبهي نضرة قال:
حدثني أو حدثنا من شهد خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم بمنى في وسط أيام التشريق وهو
على بعير فقال[ :أيها الناس أل إن ربكم واحد وإن أباكم واحد أل ل فضل لعربي على عجمي ول
عجمي على عربي ول لسود على أحمر ول لحمر على أسود إل بالتقوى أل هل بلغت؟ -قالوا
نعهم قال -ليبلغ الشاههد الغائب] .وفيهه عهن أبهو مالك الشعري قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه
وسلم[ :إن ال ل ينظر إلى أحسابكم ول إلى أنسابكم ول إلى أجسامكم ول إلى أموالكم ولكن ينظر
إلى قلوبكهم فمهن كان له قلب صهالح تحنهن ال عليهه وإنمها أنتهم بنهو آدم وأحبكهم إليهه أتقاكهم] .ولعلي
رضي ال عنه في هذا المعنى وهو مشهور من شعره:
أبوهم آدم والم حواء الناس من جهة التمثيل أكفاء
وأعظم خلقت فيهم وأعضاء نفس كنفس وأرواح مشاكلة
يفاخرون به فالطين والماء فإن يكن لهم من أصلهم حسب
على الهدى لمن استهدىأدلء ما الفضل إل لهل العلم إنهم
وللرجال على الفعال سيماء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لهل العلم أعداء وضد كل امرئ ما كان يجهله
@ بين ال تعالى في هذه الية أنه خلق الخلق من الذكر والنثى ،وكذلك في أول سورة "النساء".
ولو شاء لخلقهه دونهمها كخلقهه لدم ،أو دون ذكهر كخلقهه لعيسهى عليهه السهلم ،أو دون أنثهى كخلقهه
حواء مهن إحدى الجهتيهن .وهذا الجائز فهي القدرة لم يرد بهه الوجود .وقهد جاء أن آدم خلق ال منهه
حواء من ضلع انتزعها من أضلعه ،فلعله هذا القسم ،قاله ابن العربي.
@ خلق ال الخلق بين الذكر والنثى أنسابا وأصهارا وقبائل وشعوبا ،وخلق لهم منها التعارف،
وجعهل لههم بهها التواصهل للحكمهة التهي قدرهها وههو أعلم بهها ،فصهار كهل أحهد يحوز نسهبه ،فإذا نفاه
رجهل عنهه اسهتوجب الحهد بقذفهه ،مثهل أن ينفيهه عهن رهطهه وحسهبه ،بقول للعربهي :يها عجمهي،
وللعجمي :يا عربي ،ونحو ذلك مما يقع به النفي حقيقة .انتهى.
@ ذهب قوم من الوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده ،ويتربى في رحم الم،
ويسههتمد مههن الدم الذي يكون فيههه .واحتجوا بقوله تعالى" :ألم نخلقكههم مههن ماء مهيههن .فجعلناه فههي
قرار مكين" [المرسلت .]21 :وقوله تعالى" :ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين" [السجدة:
.]8وقوله" :ألم يهك نطفهة مهن منهي يمنهى" [القيامهة .]37 :فدل على أن الخلق مهن ماء واحهد.
والصهحيح أن الخلق إنمها يكون مهن ماء الرجهل والمرأة لهذه اليهة ،فإنهها نهص ل يحتمهل التأويهل.
وقوله تعال" :خلق مهن ماء دافهق .يخرج مهن بيهن الصهلب والترائب" [الطارق ]6 :والمراد منهه
أصلب الرجال وترائب النساء ،على ما يأتي بيانه .وأما ما احتجوا به فليس فيه أكثر من أن ال
تعالى ذكر خلق النسان من الماء والسللة والنطفة ولم يضفها إلى أحد البوين دون الخر .فدل
على أن الماء والسهللة لهمها والنطفهة منهمها بدللة مها ذكرنها .وبأن المرأة تمنهي كمها يمنهي الرجهل،
وعهن ذلك يكون الشبهه ،حسهب مها تقدم بيانهه فهي آخهر "الشورى" .وقهد قال فهي قصهة نوج" :فالتقهى
الماء على أمر قد قدر" [القمر ]12 :وإنما أراد ماء السماء وماء الرض ،لن اللتقاء ل يكون
إل مهن أثنيهن ،فل ينكهر أن يكون "ثهم جعهل نسهله مهن سهللة مهن ماء مهيهن" [السهجدة .]8:وقوله
تعالى" :ألم نخلقكم من ماء مهين" [المرسلت ]21 :ويريد ماءين .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وجعلناكهم شعوبها وقبائل لتعارفوا" الشعوب رؤوس القبائل ،مثهل ربيعهة ومضهر
والوس والخزرج ،وأحدهها شَعْب بفتهح الشيهن ،سهموا بهه لتشعبههم واجتماعههم كشعهب أغصهان
الشجرة .والشعب من الضداد ،يقال شعبته إذا جمعته ،ومنه المشعب (بكسر الميم) وهو الشفي،
لنه يجمع به ويشعب .قال:
بمدرية كأنه ذلق مشعب فكاب على حر الجبين ومتق
وشعبته إذا فرقته ،ومنه سميت المنية شعوبا لنها مفرقة .فأما الشعب (بالكسر) فهو الطريق في
الجبههل ،والجمههع الشعاب .قال الجوهري :الشعههب :مهها تشعههب مههن قبائل العرب والعجههم ،والجمههع
الشعوب .والشعوبيهة :فرقههة ل تفضههل العرب على العجههم .وأمهها الذي فههي الحديههث :أن رجل مهن
الشعوب أسلم ،فإنه يعني من العجم .والشعب :القبيلة العظيمة ،وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه،
أي يجمعهههم ويضمهههم .قال ابههن عباس :الشعوب الجمهور ،مثههل مضههر .والقبائل الفخاذ .وقال
مجاههد :الشعوب البعيهد مهن النسهب ،والقبائل دون ذلك .وعنهه أيضها أن الشعوب النسهب القرب.
وقال قتادة .ذكر الول عنه المهدوي ،والثاني الماوردي .قال الشاعر:
فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك رأيت سعودا من شعوب كثيرة
وقال آخر:
كريم قد يعد ول نجيب قبائل من شعوب ليس فيهم
وقيهل :إن الشعوب عرب اليمهن مهن قحطان ،والقبائل مهن ربيعهة ومضهر وسهائر عدنان .وقيهل :إن
الشعوب بطون العجههم ،والقبائل بطون العرب .وقال ابههن عباس فههي روايههة :إن الشعوب الموالي،
والقبائل العرب .قال القشيري :وعلى هذا فالشعوب مهن ل يعرف لههم أصهل نسهب كالهنهد والجبهل
والترك ،والقبائل مههههن العرب .الماوردي :ويحتمههههل أن الشعوب هههههم المضافون إلى النواحههههي
والشعاب ،والقبائل هم المشركون في النساب .قال الشاعر:
فيها أمير المؤمنين ومنبر وتفرقوا شعبا فكل جزيرة
وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه :الشعب أكبر من القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم
الفخهذ .وقيهل :الشعهب ثهم القهبيلة ثهم العمارة ثهم البطهن ثهم الفخهذ ثهم الفصهيلة ثهم العشيرة ،وقهد نظمهها
بعض الدباء فقال:
عددا في الحواء ثم القبيله اقصد الشعب فهو أكثر حي
هبطن والفخذ بعدها والفصيله ثم تتلوها العمارة ثم اله
هي في جنب ما ذكرناه قليله ثم من بعدها العشيرة لكن
وقال آخر:
عمارة ثم بطن تلوه فجذ قبيلة قبلها شعب وبعدهما
ول سداد لسهم ماله قذذ وليس يؤوي الفتى إل فصيلته
@قوله تعالى" :إن أكرمكم عند ال أتقاكم" وقد تقدم في سورة "الزخرف" عند قوله تعالى" :وإنه
لذكر لك ولقومك" [الزخرف .]44 :وفي هذه الية ما يدلك على أن التقوى هي المراعى عند ال
تعالى وعنهد رسهوله دون الحسهب والنسهب .وقريهء "أن" بالفتهح .كأنهه قيهل :لم يتفاخهر بالنسهاب؟
قيل :لن أكرمكم عند ال أتقاكم ل أنسبكم .وفي الترمذي عن سمرة عن النبي صلى ال عليه وسلم
قال( :الحسهب المال والكرم التقوى) .قال :هذا حديهث حسهن غريهب صهحيح .وذلك يرجهع إلى قوله
تعالى" :إن أكرمكهم عنهد ال أتقاكهم" ،وقهد جاء منصهوصا عنهه عليهه السهلم( :مهن أحهب أن يكون
أكرم الناس فليتههق ال) .والتقوى معناه مراعاة حدود ال تعالى أمرا ونهيها ،والتصههاف بمها أمرك
أن تتصف به ،والتنزه عما نهاك عنه .وقد مضى هذا في غير موضع .وفي الخبر من رواية أبي
هريرة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :إن ال تعالى يقول يوم القيامهة إنهي جعلت نسهبا وجعلتهم
نسههبا فجعلت أكرمكههم أتقاكههم وأبيتههم إل أن تقولوا فلن ابههن فلن وأنهها اليوم أرفههع نسههبي وأضههع
أنسابكم أين المتقون أين المتقون) .وروى الطبري من حديث أبي هريرة أن رسول ال صلى ال
عليههه وسههلم قال( :إن أوليائي المتقون يوم القيامههة وإن كان نسههب أقرب مههن نسههب .يأتههي الناس
بالعمال وتأتون بالدنيها تحملونهها على رقابكهم تقولون يها محمهد فأقول هكذا وهكذا) .وأعرض فهي
كل عطفيه .وفي صحيح مسلم من حديث عبدال بن عمرو قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه
وسهلم جهارا غيهر سهر يقول( :إن آل أبهي ليسهوا لي بأولياء إنمها وليهي ال وصهالح المؤمنيهن) .وعن
أبهي هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم سهئل :مهن أكرم الناس؟ فقال( :يوسهف بهن يعقوب بهن
إسهحاق بهن إبراهيهم) قالوا :ليهس عهن هذا نسهألك ،قال( :فأكرمههم عنهد ال أتقاههم) فقالوا :ليهس عهن
هذا نسههألك ،فقال( :عههن معادن العرب؟ خيارهههم فههي الجاهليههة خيارهههم فههي السههلم إذا فقهوا)
وأنشدوا في ذلك:
والعز كل العز للمتقي ما يصنع العبد بعز الغني
معرفة ال فذاك الشقي من عرف ال فلم تغنه
@ ذكر الطبري حدثني عمر بن محمد قال حدثنا عبيد بن إسحاق العطار قال حدثنا مندل بن علي
عهن ثور بهن يزيهد عهن سهالم بهن أبهي الجعهد قال :تزوج رجهل مهن النصهار امرأة فطُعِن عليهها فهي
حسهبها ،فقال الرجهل :إنهي لم أتزوجهها لحسهبها إنمها تزوجتهها لدينهها وخلقهها ،فقال النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم( :مها يضرك أل تكون مهن آل حاجهب بهن زرارة) .ثهم قال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم:
(إن ال تبارك وتعالى جاء بالسهلم فرفهع بهه الخسهيسة وأتهم بهه الناقصهة وأذههب بهه اللوم فل لوم
على مسههلم إنمهها اللوم لوم الجاهليههة) .وقال النههبي صههلى ال عليههه وسههلم( :إنههي لرجههو أن أكون
أخشاكهم ل وأعلمكهم بمها أتقهي) ولذلك كان أكرم البشهر على ال تعالى .قال ابهن العربهي :وهذا الذي
لحههظ مالك فههي الكفاءة فههي النكاح .روى عبدال عههن مالك :يتزوج المولى العربيههة ،واحتههج بهذه
اليهة .وقال أبهو حنيفهة والشافعهي :يراعهى الحسهب والمال .وفهي الصهحيح عهن عائشهة أن أبها حذيفهة
بن عتبة بن ربيعة -وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى ال عليه وسلم -تبني سالما وأنكحه هندا
بنت أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة ،وهو مولى لمرأة من النصار .وضباعة بنت الزبير كانت
تحت المقداد بن السود.
قلت :وأخهت عبدالرحمهن بهن عوف كانهت تحهت بلل .وزينهب بنهت جحهش كانهت تحهت زيهد بهن
حارثة .فدل على جواز نكاح الموالي العربية ،وإنما تراعى الكفاءة في الدين .والدليل عليه أيضا
ما روى سهل بن سعد في صحيح البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم مر عليه رجل فقال( :ما
تقولون فهي هذا)؟ فقالوا :حَري إن خطهب أن يُنكَح ،وإن شفهع أن ُيشْفّعه وإن قال أن يُسْهمَع .قال :ثهم
سهكت ،فمهر رجهل مهن فقراء المسهلمين فقال( :مها تقولون فهي هذا) قالوا :حري إن خطهب أل ُي ْنكَح،
وإن شفهع أل ُيشَفّع ،وإن قال أل يُسهمَع .فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :هذا خيهر مهن ملء
الرض مثل هذا) .وقال صلى ال عليه وسلم( :تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها -وفي رواية -
ولحسبها فعليك بذات الدين تربت يداك) .وقد خطب سلمان إلى أبي بكر ابنته فأجابه ،وخطب إلى
عمهر ابنتهه فالتوى عليهه ،ثهم سهأله أن ينكحههها فلم يفعهل سهلمان .وخطهب بلل بنهت البكيههر فأبهى
إخوتها ،قال بلل :يا رسول ال ،ماذا لقيت من بني البكير خطبت إليهم أختهم فمنعوني وآذوني،
فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم من أجل بلل ،فبلغهم الخبر فأتوا أختهم فقالوا :ماذا لقينا
من سببك؟ فقالت أختهم :أمري بيد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فزوجوها .وقال النبي صلى
ال عليهه وسهلم فهي أبهي هنهد حيهن حجمهه( :أنكحوا أبها هنهد وأنكحوا إليهه) .وههو مولى بنهي بياضهة.
وروى الدارقطنهي مهن حديهث الزهري عهن عروة عهن عائشهة أن أبها هنهد مولى بنهي بياضهة كان
حجاما فحجم النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :من سره أن ينظر إلى
مههن صههور ال اليمان فههي قلبههه فلينظههر إلى أبههي هنههد) .وقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم:
(أنكحوه وأنكحوا إليهه) .قال القشيري أبهو نصهر :وقهد يعتهبر النسهب فهي الكفاءة فهي النكاح وههو
التصهال بشجرة النبوة أو بالعلماء الذيهن ههم ورثهة النهبياء ،أو بالمرموقيهن فهي الزههد والصهلح.
والتقهي المؤمهن أفضهل مهن الفاجهر النسهيب ،فإن كانها تقييهن فحينئذ يقدم النسهيب منهمها ،كمها تقدم
الشاب على الشيخ في الصلة إذا استويا في التقوى.
**3اليهة{ 14 :قالت العراب آمنها قهل لم تؤمنوا ولكهن قولوا أسهلمنا ولمها يدخهل اليمان فهي
قلوبكم وإن تطيعوا ال ورسوله ل يلتكم من أعمالكم شيئا إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :قالت العراب آمنها قهل لم تؤمنوا ولكهن قولوا أسهلمنا ولمها يدخهل اليمان فهي
قلوبكهم" نزلت فهي أعرب مهن بنهي أسهد بهن خزيمهة قدموا على رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم فهي
سههنة جدبههة وأظهروا الشهادتيههن ولم يكونوا مؤمنيههن فههي السههر .وأفسههدوا طرق المدينههة بالعذرات
وأغلوا أسههعاوها ،وكانوا يقولون لرسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم :أتينال بالثقال والعيال ولم
نقاتلك كمهها قاتلك بنههو فلن فأعطنهها مههن الصههدقة ،وجعلوا يمنون عليههه فأنزل ال تعالى فيهههم هذه
اليهة .وقال ابهن عباس :نزلت فهي أعراب أرادوا أن يتسهموا باسهم الهجرة قبهل أن يهاجروا ،فأعلم
ال أن لهم أسماء العراب ل أسماء المهاجرين .وقال السدي :نزلت في العراب المذكورين في
سهورة الفتهح :أعراب مزينهة وجهينهة وأسهلم وغفار والديهل وأشجهع ،قالوا آمنها ليأمنوا على أنفسههم
وأموالهم ،فلما استنفروا إلى المدينة تخلفوا ،فنزلت .وبالجملة فالية خاصة لبعض العراب ،لن
منهم من يؤمن بال واليوم الخر كما وصف ال تعالى .ومعنى "ولكن قولوا أسلمنا" أي استسلمنا
خوف القتهل والسهبي ،وهذه صهفة المنافقيهن ،لنههم أسهلموا فهي ظاههر إيمانههم ولم تؤمهن قلوبههم،
وحقيقهة اليمان التصهديق بالقلب .وأمها السهلم فقبول مها أتهى بهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي
الظاههر ،وذلك يحقهن الدم" .وإن تطيعوا ال ورسهوله" يعنهي إن تخلصهوا اليمان "ل يلتكهم" أي ل
ينقصهكم" .مهن أعمالكهم شيئا" لتهه يليتهه ويلوتهه :نقصهه .وقرأ أبهو عمرو "ل يألتكهم" بالهمزة ،مهن
ألت يألت ألتها ،وههو اختيار أبهي حاتهم ،اعتبارا بقوله تعالى" :ومها ألتناههم مهن عملههم مهن شيهء"
[الطور ]21 :قال الشاعر:
جهد الرسالة ل ألتا ول كذبا أبلغ بني ثعل عني مغلغلة
واختاو الولى أبو عبيد .قال رؤبة:
ولم يلتني عن سراها ليت وليلة ذات ندى سريت
أي لم يمنعنهي عن سهراها مانع ،وكذلك ألتهه عن وجهه ،فعل وأفعل بمعنى .ويقال أيضا :ما ألته
من عمله شيئا ،أي ما نقصه ،مثل ألته ،قال الفراء .وأنشد:
كأن بحافات النهاء المزارعا ويأكلن ما أعني الولي فلم يلت
قوله :فلم "يلت" أي لم ينقهص منهه شيئا .و"أعنهي" بمعنهى أنبهت ،يقال :مها أعنهت الرض شيئا ،أي
مها أنبتهت .و"الولي" المطهر بعهد الوسهمي ،سهمي وليها لنهه يلي الوسهمي .ولم يقهل :ل يألتاكهم ،لن
طاعة ال تعالى طاعة الرسول.
**3الية{ 16 - 15 :إنما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل ال أولئك هم الصادقون ،قل أتعلمون ال بدينكم وال يعلم ما في السماوات وما
في الرض وال بكل شيء عليم}
@قوله تعالى" :إنمها المؤمنون الذيهن آمنوا بال ورسهوله ثهم لم يرتابوا" أي صهدقوا ولم يشكوا
وحققوا ذلك بالجهاد والعمال الصهالحة" .أولئك ههم الصهادقون" فهي إيمانههم ،ل مهن أسهلم خوف
القتهل ورجاء الكسب .فلما نزلت حلف العراب أنهم مؤمنون فهي السهر والعلنيهة وكذبوا ،فنزلت.
"قهل أتعلمون ال بدينكم" الذي أنتم عليهه" .وال يعلم مها فهي السهماوات وما فهي الرض وال بكل
شيء عليم".
**3الية{ 18 - 17 :يمنون عليك أن أسلموا قل ل تمنوا علي إسلمكم بل ال يمن عليكم أن
هداكم لليمان إن كنتم صادقين ،إن ال يعلم غيب السماوات والرض وال بصير بما تعملون}
@قوله تعالى" :يمنون عليههك أن أسههلموا" إشارة إلى قولهههم :جئناك بالثقال والعيال .و"أن" فههي
موضهع نصهب على تقديهر لن أسهلموا" .قهل ل تمنوا علي إسهلمكم" أي بإسهلمكم" .بهل ال يمهن
عليكهم أن هداكهم لليمان" "أن" موضهع نصهب ،تقديره بأن .وقيهل :لن .وفهي مصهحف عبدال "إذ
هداكهم"" .إن كنتهم صهادقين" صهادقين أنكهم مؤمنون .وقرأ عاصهم "إن هداكهم" بالكسهر؛ وفيهه بعهد؛
لقوله" :إن كنتههم صههادقين" .ول يقال يمههن عليكههم أن يهديكههم إن صههدقتم .والقراءة الظاهرة "أن
هداكم" .وهذا ل يدل على أنهم كانوا مؤمنين ،لن تقدير الكلم :إن آمنتم فذلك منة ال عليكم" .إن
ال يعلم غيهب السهماوات والرض وال بصهير بمها تعملون" .قرأ ابهن كثيهر وابهن محيصهن وأبهو
عمرو بالياء على الخبر ،ردا على قوله" :قالت العراب" .الباقون بالتاء على الخطاب.