About Freedom

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 139

 ‫א‬


 

   . : 



www.minbaralhurriyya.org

1
 ‫א‬


 

    . : 


www.minbaralhurriyya.org

2
On Liberty
Copyright© 2007 by Minbaralhurriyya.org
All rights reserved

‫عن الحرية‬
‫ جون ستيوارت ميل‬:‫تأليف‬
‫ھيثم كامل الزبيدي‬.‫ د‬:‫ترجمة‬
2007 ‫الطبعة األولى‬
‫حقوق الطبع محفوظة‬

‫منبر الحرية‬

'(‫*א) א‬+‫א‬,- .‫א‬/ "$%&"‫


 "! אא‬
@AB‫א) "א‬C &,"5D>?=56"!%>
 38.!;‫א‬/012‫א‬3+456 7 4‫
א‬89:‫א‬
،'(-H‫ א‬IJ!-B‫א‬J.،K4B‫!א‬%‫א‬C‫א‬LMDN‫א‬%0‫א‬،‫ א‬D‫א‬F1G6 D%+‫א‬C‫א‬5‫א‬
J!-BCZ >"" )‫א‬Y1 "'5D"،=5T‫אא‬U8VDWX . ‫א‬S‫ ) "א‬O1>P Q&R 2"&
J(Q/ .C D%+ [&، "D>،!%-K4&C‫א‬C:D \+4/ ،.]3 -
$_`+، ‫א‬aD%__H‫ ) "א‬V%+‫אא‬b @M‫א‬c+1‫א‬,"5D>?"" )‫א‬Y1 "O"، I3‫^א‬U8
. ‫א‬S‫א‬d_H‫א‬dB‫א‬O%-/!8bU‫א‬b30%‫א‬e1‫א‬b& ‫א‬G ‫א‬5+(("5 6M;3 6
www.minbaralhurriyya.org


All rights reserved. No part of this book may be reproduced in any form or by any
 means without the prior permission of Minbaralhurriyya Team.
0Qdij :،J@2B‫א‬/  @2b` ،k1 l .b&&m+@‫אא‬U8‫א‬5;-j n!":." )‫א‬Y1f3Mgh3D)‫א‬7Z
 " )‫א‬Y1 V" A/ V

3
‫א 
 ‬

‫ "! ‪ # :‬‬

‫ "! ‪ %&'(  )" *+ + :$‬‬

‫ "! ‪23  - .+/ 0"1 *" + :,‬‬

‫ "!  ‪" 56- 478 96 + + :4‬‬

‫ "! ; ‪
#<9 ::‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل األول‬

‫ ‪  5D‬‬

‫موض

وع ھ

ذا المق

ال ھ

و م

ا ي

سمى بحري

ة اإلرادة‪ ،‬الت

ي تع

ارض‪ ،‬ل

سوء‬ ‫‬

‫الح

ظ‪ ،‬م

ذھب ال

ضرورة الطبيعي

ة ذات الت

سمية المغلوط

ة‪ ،‬ب

ل إن موض

وعھا ھ

و‬
‫الحرية المدنية‪ ،‬أو االجتماعية‪ :‬طبيعة وحدود السلطة الت
ي يمك
ن أن تم
ارس ‪ ،‬ب
شكل‬
‫ش

رعي‪ ،‬عل

ى الف

رد م

ن قب

ل المجتم

ع‪ .‬وھ

ي ق

ضية ن

ادرا م

ا أف

صح عنھ

ا‪ ،‬وقلم

ا‬
‫نوقشت‪ ،‬بشكل ع
ام‪ ،‬ولكنھ
ا ت
ؤثر ب
شكل عمي
ق عل
ى الخالف
ات العملي
ة للع
صر‪ ،‬م
ن‬
‫خ

الل ح

ضورھا الم

ستتر‪ ،‬وم

ن المحتم

ل أن س

رعان م

ا تجع

ل م

ن نف

سھا ق

ضية‬
‫المستقبل الفاعلة‪ .‬إنھا لبعيدة جدا عن أن تكون جديدة‪ ،‬فقد ّ‬
‫قسمت‪ ،‬بطريقة أو ب
أخرى‪،‬‬
‫البشرية منذ أقدم العصور؛ ولك
ن ف
ي مراح
ل التط
ور الت
ي دخل
ت فيھ
ا اآلن األج
زاء‬
‫األكث

ر تح

ضرا م

ن الج

نس الب

شري‪ ،‬أص

بحت تق
ّ
دم نف

سھا تح

ت ظ

روف جدي

دة‪،‬‬
‫وتتطلب معالجة مختلفة وأكثر جوھرية‪.‬‬

‫إن الصراع بين الحرية والسلطة ھ


و اح
د ال
صفات األكث
ر وض
وحا ف
ي أج
زاء‬
‫الت

اريخ المألوف

ة ل

دينا من

ذ الق

دم‪ ،‬وال س

يما ف

ي اليون

ان وروم

ا وانجلت

را‪ .‬ولك

ن ف

ي‬
‫الع

صور القديم

ة‪ ،‬ك

ان ھ

ذا ال

صراع ب

ين الم

واطنين‪ ،‬أو بع

ض طبق

ات الم

واطنين‪،‬‬
‫والحكومة‪ .‬كان يقصد بالحرية )‪ (liberty‬الحماي
ة م
ن طغي
ان الق
ادة ال
سياسيين‪ .‬ك
ان‬
‫ينظر إليھم )ما عدا في بع
ض الحكوم
ات ال
شعبية ف
ي اليون
ان(‪ ،‬عل
ى أنھ
م ف
ي وض
ع‬

‫‪5‬‬
‫عدائي بالضرورة‪ ،‬أو في موضع الخصم من الناس ال
ذين يحكم
ونھم‪ .‬ك
انوا يتكون
ون‬
‫م

ن الح

اكم الواح

د‪ ،‬أو القبيل

ة أو الطائف

ة الحاكم

ة‪ ،‬مھم

ا كان

ت الت

دابير االحترازي

ة‬
‫المتخ

ذة ض

د ممارس

تھم القمعي

ة‪ .‬كان

ت ق

وتھم تعتب

ر ض

رورية‪ ،‬ولك

ن خطي

رة ج

دا‬
‫أي

ضا؛ بوص

فھا س

الحا يح

اولون اس

تخدامه ض

د أبن

اء ش

عبھم‪ ،‬كم

ا ي

ستخدمونه ض

د‬
‫األعداء الخارجيين‪ .‬وألجل حماية ال
ضعفاء م
ن ب
ين أع
ضاء المجتم
ع م
ن أن يكون
وا‬
‫فريسة لعدد ال حصر له من الكواسر‪ ،‬كان ال بد م
ن وج
ود حي
وان مفت
رس أق
وى م
ن‬
‫اآلخ

رين‪ ،‬مھمت

ه أن ي

سيطر عل

يھم‪ .‬ولك

ن بم

ا أن مل

ك الكواس

ر ل

يس بأق

ل نزع

ة‬
‫الفتراس القطيع من أي مفترس صغير آخر‪ ،‬ال مناص من اللجوء إل
ى موق
ف دف
اعي‬
‫دائمي ضد منقاره ومخالبه‪ .‬لذلك‪ ،‬كان ھدف ال
وطنيين ھ
و وض
ع ح
دود لل
سلطة الت
ي‬
‫سيعاني المجتمع من ممارسة القائد لھا‪ ،‬وھذا التحديد ھو ما قصدوه بكلمة الحرية‪ .‬وقد‬
‫ت

م ال

سعي إليھ

ا بط

ريقتين‪ .‬األول

ى‪ ،‬م

ن خ

الل الح

صول عل

ى اعت

راف ب

بعض‬
‫الحصانات‪ ،‬والتي يطلق عليھا اسم الحريات أو الحق
وق ال
سياسية‪ ،‬الت
ي ك
ان انتھاكھ
ا‬
‫من قبل الحاكم ّ‬
‫يعد خرقا للواجب‪ ،‬والتي إذا ما انتھكھا الحاكم‪ ،‬فإن المقاوم
ة المح
ددة‪،‬‬
‫أو التمرد أو العصيان العام‪ ،‬ستكون مبررة‪ .‬أم
ا الوس
يلة الثاني
ة‪ ،‬وھ
ي مت
أخرة ب
شكل‬
‫ع

ام‪ ،‬فھ

ي تأس

يس نق

اط المراقب

ة الدس

تورية‪ ،‬والت

ي م

ن خاللھ

ا أص

بحت موافق

ة‬
‫لزم
ا‬
‫المجتمع‪ ،‬أو الكيان أيا كان نوعه‪ ،‬والذي يفترض به أن يمثل م
صالحه‪ ،‬ش
رطا ُم ِ‬
‫لبعض أفعال السلطة الحاكمة األكثر أھمية‪ .‬بالنسبة للنمط األول من ھذين النمطين من‬
‫التحديد‪ ،‬كانت السلطة الحاكمة في معظم بلدان أوربا مجبرة على الخضوع لھا‪ ،‬بشكل‬
‫أو بآخر‪ .‬ولكن الحال لم يكن كذلك م
ع ال
نمط الث
اني؛ وأص
بح الھ
دف ال
رئيس لمحب
ي‬
‫الحرية في كل مكان ھو الحصول على ذلك‪ ،‬أو عندما يكون ھذا قد أنجز مسبقا ب
شكل‬
‫جزئي‪ ،‬فالحصول عليه بالكامل‪ .‬طالما كان البشر مقتنعين بمنازلة األعداء الواحد تل
و‬
‫اآلخر‪ ،‬وأن يخ
ضعوا لحك
م س
يد واح
د‪ ،‬ش
رط وج
ود م
ا ي
ضمن حم
ايتھم‪ ،‬عل
ى نح
و‬
‫فعال بشكل أو بآخر‪ ،‬من طغيانه وتسلطه‪ ،‬ف
إن تطلع
اتھم ل
م تك
ن ترم
ي إل
ى ابع
د م
ن‬
‫ھذه النقطة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ٌ‬
‫زمن في تطور الشؤون اإلنسانية أص
بح في
ه الن
اس ال‬ ‫وعلى كل حال‪ ،‬فقد جاء‬
‫يرون ضرورة طبيعية في وجوب أن يكون حكامھم س
لطة م
ستقلة‪ ،‬مناھ
ضة لھ
م ف
ي‬
‫الم

صالح‪ .‬وب

دا لھ

م م

ن األف

ضل بكثي

ر أن ي

صبح الحك

ام المتع

ددون للوالي

ة مج

رد‬
‫مستأجرين من قبلھم أو من
دوبين لھ
م‪ ،‬يمك
ن ع
زلھم وإلغ
اء ص
الحيتھم ف
ي أي وق
ت‪.‬‬
‫بھذه الطريقة فقط‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬كان بوسعھم امتالك ضمان كامل ب
أن س
لطات الحكوم
ة‬
‫لن تتعرض لسوء االستخدام بما ي
ضر بم
صالحھم‪ .‬أص
بح ھ
ذا المطل
ب الجدي
د بحك
ام‬
‫منتخبين ومؤقتين‪ ،‬وبدرجات متفاوتة‪ ،‬الھ
دف األب
رز لجھ
ود الح
زب ال
شعبي‪ ،‬حيثم
ا‬
‫وجد ھذا الحزب‪ ،‬وقد حل‪ ،‬إل
ى ح
د م
ا‪ ،‬مح
ل الجھ
ود ال
سابقة لتحدي
د س
لطة الحك
ام‪.‬‬
‫وباستمرار الصراع لجع
ل ال
سلطة الحاكم
ة تنبث
ق م
ن االختي
ار ال
دوري لل
شعب‪ ،‬ب
دأ‬
‫بعض األشخاص يعتقدون بأن أھمية كبيرة جدا قد ألحقت بتحديد ال
سلطة بال
ذات‪ .‬ك
ان‬
‫ذلك‪ ) ،‬كما قد يبدو( مصدرا ضد الحكام الذين اعتادت مصالحھم أن تع
ارض م
صالح‬
‫الشعب‪ .‬ما كان ناقصا آنذاك‪ ،‬ھو أن يتم تعريف الحكام مع الشعب‪ ،‬ووجوب أن تكون‬
‫م

صلحتھم وإرادتھ

م ھ

ي م

صلحة األم

ة وإرادتھ

ا‪ .‬ال تحت

اج األم

ة م

ا يحميھ

ا م

ن‬
‫إرادتھا‪ .‬وليس ھناك من خوف من طغيانھا على نفسھا‪ .‬دع الحك
ام يكون
ون م
سؤولين‬
‫بشكل فاعل عنھا‪ ،‬ق
ابلين للع
زل الف
وري م
ن قبلھ
ا‪ ،‬س
يكون بوس
عھا أن ت
أتمنھم عل
ى‬
‫السلطة التي يمكنھا أن تملي بنفسھا االستخدام الذي يجب القيام ب
ه‪ .‬لي
ست س
لطتھم إال‬
‫سلطة األمة‪ ،‬مركزة‪ ،‬وبشكل سھل الممارسة‪ .‬كان ھذا ال
نمط م
ن التفكي
ر‪ ،‬وربم
ا م
ن‬
‫الشعور‪ ،‬ش
ائعا ب
ين أوس
اط الجي
ل األخي
ر م
ن الليبرالي
ة األوربي
ة‪ ،‬ف
ي الق
سم الق
اري‬
‫الذي ال زالت ت
سيطر علي
ه ب
شكل واض
ح‪ .‬إن ھ
ؤالء ال
ذين ّ‬
‫يق
رون بوج
ود ح
دود لم
ا‬
‫يحق للحكومة أن تفعل‪ ،‬ما عدا في حالة تلك الحكومات التي ي
رون ب
أن ع
دم وجودھ
ا‬
‫س
يكون أف
ضل‪ ،‬يب

رزون عل
ى أنھ
م اس

تثناءات المع
ة ب
ين مفك

ري الق
ارة ال

سياسيين‪.‬‬
‫نغمة من العاطفة المشابھة ربما تكون قد سادت في بلدنا‪ ،‬لو أن الظروف ق
د اس
تمرت‬
‫دون تغيير‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ولكن‪ ،‬ف
ي حال
ة النظري
ات ال
سياسية والفل
سفية‪ ،‬وف
ي حال
ة األش
خاص ك
ذلك‪،‬‬
‫يقوم النجاح بالكشف عن األخطاء ونقاط الضعف التي يمكن أن يكون الفشل قد خبأھ
ا‬
‫عن األنظار‪ .‬إن النقطة القائل
ة ب
أن الن
اس لي
سوا بحاج
ة ألن يح
دوا م
ن س
لطتھم عل
ى‬
‫أنفسھم‪ ،‬قد تبدو فكرة بديھية‪ ،‬عندما كانت الحكومة الشعبية شيئا يحل
م ب
ه الن
اس فق
ط‪،‬‬
‫أو يق

رؤون ع

ن وج

وده ف

ي فت

رة م

ن فت

رات الماض

ي‪ .‬كم

ا أن ھ

ذه الفك

رة ل

م تقلقھ

ا‬
‫بالضرورة انحرافات مؤقتة كتلك التي جاءت بھا الثورة الفرنسية‪ ،‬والتي كان أسوأ م
ا‬
‫فيھا ھ
و م
ن فع
ل فئ
ة قليل
ة م
ن المغت
صبين‪ ،‬والت
ي كان
ت تع
ود‪ ،‬عل
ى ك
ل ح
ال‪ ،‬إل
ى‬
‫ان

دالع مف

اجئ مت

شنج ض

د االس

تبداد االرس

تقراطي الملك

ي‪ ،‬ول

يس للعم

ل ال

دائم‬
‫للمؤسسات الشعبية‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬عن
دما ج
اءت جمھوري
ة ديمقراطي
ة لتحت
ل ق
سما‬
‫كبيرا من وجه األرض‪ ،‬جعلت اآلخرين ي
شعرون بأنھ
ا واح
دة م
ن األع
ضاء األق
وى‬
‫م

ن مجتم

ع األم

م؛ وأص

بحت الحكوم

ة المنتخب

ة والم

سؤولة خاض

عة للمالحظ

ات‬
‫واالنتقادات التي تخدم حقيقة عظيمة متواجدة فعال‪ .‬أصبح من المدرك آنذاك أن بعض‬
‫العبارات ك
ـ"الحكوم
ة الذاتي
ة‪ "،‬و "س
لطة الن
اس عل
ى أنف
سھم" ال ّ‬
‫تعب
ر ع
ن الوض
ع‬
‫الحقيق

ي للق

ضية‪ .‬ف

ـ"الن

اس" ال

ذين يمارس

ون ال

سلطة لي

سوا دائم

ا نف

س الن

اس ال

ذين‬
‫تمارس السلطة عليھم؛ و"الحكومة الذاتي
ة" الت
ي يحك
ى عنھ
ا لي
ست حكوم
ة ك
ل ف
رد‬
‫بواسطة نفسه‪ ،‬بل كل فرد بواسطة اآلخرين‪ .‬إضافة إل
ى ذل
ك‪ ،‬ف
إن إرادة الن
اس تعن
ي‬
‫من الناحية العملية إرادة القسم األكبر ع
ددا أو األكث
ر ن
شاطا م
ن الن
اس؛ األغلبي
ة‪ ،‬أو‬
‫ھ

ؤالء ال

ذين ينجح

ون ف

ي جع

ل أنف

سھم مقب

ولين كأغلبي

ة؛ وبالت

الي ف
إن الن

اس ق

د‬
‫يرغبون في قمع جزء من أعدادھم؛ ھن
اك حاج
ة للت
دابير االحترازي
ة للوقاي
ة م
ن ھ
ذا‬
‫األمر بقدر الحاجة إليھ
ا للوقاي
ة م
ن إس
اءة اس
تخدام ال
سلطة‪ .‬ل
ذلك‪ ،‬ف
إن تحدي
د س
لطة‬
‫الحكومة على األفراد ال تفقد شيئا من أھميتھا عندما يعتبر أصحاب السلطة م
سؤولون‬
‫أمام المجتمع ‪ ،‬أي أمام الط
رف األق
وى ف
ي األم
ر‪ ،‬وب
شكل دوري من
تظم‪ .‬م
ا كان
ت‬
‫ھ

ذه النظ

رة لألش

ياء‪ ،‬الت

ي تناش

د‪ ،‬عل

ى ح

د س

واء‪ ،‬ذك

اء المفك

رين و مي

ل الطبق

ات‬

‫‪8‬‬
‫المھم

ة ف

ي المجتم

ع األورب

ي الت

ي تع

ارض الديمقراطي

ة م

صالحھم الحقيقي

ة أو‬
‫المفترضة‪ ،‬ما كانت تواجه صعوبة في تأسيس نفسھا؛ وفي التكھنات ال
سياسية أص
بح‬
‫"طغيان األغلبية" يندرج اآلن بشكل عام بين الشرور التي عل
ى المجتم
ع أن يحت
رس‬
‫منھا‪.‬‬

‫وكما ھو حال أش
كال الطغي
ان األخ
رى‪ ،‬ك
ان طغي
ان األغلبي
ة من
ذ البداي
ة‪ ،‬وال‬
‫يزال‪ ،‬مؤسسا على الرعب‪ ،‬بشكل رئيسي من خالل اشتغاله )أي الطغيان( في أعم
ال‬
‫ال
سلطات العام

ة‪ .‬ولك

ن المت

أملين م
ن الن

اس أدرك

وا أن

ه عن
دما يك

ون المجتم

ع نف

سه‬
‫طاغيا متسلطا—المجتمع بصورة جماعية‪ ،‬على األفراد المنفردين الذين يؤلف
ون ذل
ك‬
‫المجتمع—فإن وسائله في الطغيان والتسلط ليست مقتصرة على األعمال الت
ي يمكن
ه‬
‫فعلھا على يد موظفيه‪ .‬يستطيع المجتمع أن ينفذ تفويضاته‪ ،‬بل أنه يفعل ذلك حق
ا‪ :‬وإذا‬
‫ما أصدر تفويضات خاطئة بدال من التفويضات الصائبة‪ ،‬أو أية تفويضات كانت‪ ،‬ف
ي‬
‫األمور التي ال ينبغي له أن يتدخل فيھا‪ ،‬فإنه – أي المجتمع – يمارس طغيانا اجتماعيا‬
‫أكثر ھوال من العديد من أنواع القمع السياسي‪ ،‬طالما أنه‪ ،‬ب
الرغم م
ن ع
دم تأيي
ده م
ن‬
‫قبل مثل ھ
ذه العقوب
ات المتطرف
ة‪ ،‬إال ان
ه ل
م يت
رك إال القلي
ل م
ن مناف
ذ الھ
رب‪ ،‬ناف
ذا‬
‫بشكل عميق إلى تفاصيل الحي
اة‪ ،‬م
ستعبدا ال
روح نف
سھا‪ .‬ل
ذا ف
إن الحماي
ة م
ن طغي
ان‬
‫الملك أو الح
اكم ل
يس بال
شيء الك
افي‪ :‬ھنال
ك حاج
ة للحماي
ة أي
ضا م
ن طغي
ان ال
رأي‬
‫وال

شعور ال

سائدين‪ ،‬م

ن نزع

ة المجتم

ع نح

و ف

رض أفك

اره وممارس

اته الخاص

ة‪،‬‬
‫وبوسائل غي
ر العقوب
ات المدني
ة‪ ،‬عل
ى أنھ
ا قواع
د س
لوك عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين ين
شقون‬
‫عنھا؛ لتكبيل التطور‪ ،‬وإذا أمك
ن‪ ،‬فمن
ع ت
شكيل أي
ة فردي
ة ال تتن
اغم م
ع طرق
ه— أي‬
‫ط

رق المجتم

ع— وتجب

ر جمي

ع أشخاص

ه عل

ى أن يكيّف

وا أنف

سھم ح

سب نموذج

ه‬
‫الخاص‪ .‬ھنالك حد للتدخل الشرعي للرأي الجمعي باالستقالل الف
ردي‪ :‬إن إيج
اد ذل
ك‬
‫الح

د‪ ،‬وص

يانته م

ن االنتھ

اك‪ ،‬لھ

و ش

يء ال غن

ى عن

ه ألج

ل وض

ع جي

د لل

شؤون‬
‫اإلنسانية‪ ،‬شأنه شأن الحماية من االستبداد السياسي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ولكن على الرغم من أن ھذا المقترح ليس من المحتمل أن يك
ون موض
ع ن
زاع‬
‫ب

المنظور الع

ام‪ ،‬ف
إن ال

سؤال العمل

ي ح

ول أي

ن ن

ضع الح

د – كي

ف نق

وم بالموائم

ة‬
‫المناسبة بين استقالل الفرد والسيطرة االجتماعي
ة – ھ
و الموض
وع ال
ذي م
ا زال ك
ل‬
‫شيء فيه بحاجة إلى إكم
ال‪ .‬إن ك
ل م
ا يجع
ل الوج
ود ّ‬
‫قيم
ا ل
دى أي ف
رد‪ ،‬يعتم
د عل
ى‬
‫تفعيل وتنفيذ القيود على أفعال الناس اآلخرين‪ .‬ل
ذلك‪ ،‬ف
إن بع
ض القواع
د ال
سلوكية ال‬
‫بد أن ُ َ‬
‫تفرض‪ ،‬بالقانون في المقام األول‪ ،‬وبالرأي في العديد من األشياء الت
ي ال تك
ون‬
‫مواضيع مالئمة الشتغال القانون‪ .‬والسؤال الرئيس في الشؤون اإلنسانية ھو‪ :‬ما الذي‬
‫يجب أن تكون عليه تل
ك القواع
د‪ ،‬ولك
ن إذا م
ا اس
تثنينا بع
ضا م
ن الق
ضايا الواض
حة‬
‫جدا‪ ،‬فإن واحدة من بين تلك القضايا لم يشھد حلھ
ا إال الح
د األدن
ى م
ن التق
دم‪ .‬م
ا م
ن‬
‫عصرين على اإلطالق‪ ،‬وم
ن الن
ادر أن تج
د اثن
ين م
ن البل
دان‪ ،‬أي
ا كان
ا‪ ،‬ق
د ح
سماھا‬
‫على نفس الغ
رار؛ كم
ا أن ق
رار أي ع
صر أو بل
د يك
ون أعجوب
ة بالن
سبة لآلخ
ر‪ .‬م
ع‬
‫ذلك فإن الناس‪ ،‬في أي عصر أو بلد كان‪ ،‬ما عادوا يشككون بوجود أية صعوبة فيھ
ا‪،‬‬
‫أكث

ر مم

ا ل

و أنھ

ا ق

د كان

ت موض

وعا كثي

را م

ا اتفق

ت علي

ه الب

شرية‪ .‬فالقواع

د الت

ي‬
‫أسست ما بينھم تبدو لھم واضحة ومبررة للذات‪ .‬إن ھذا الوھم العالمي تقريبا ھ
و أح
د‬
‫األمثلة على التأثير السحري للع
ادة‪ ،‬الت
ي ھ
ي لي
ست طبيع
ة ثاني
ة فح
سب‪ ،‬كم
ا يق
ول‬
‫المثل‪ ،‬بل كثيرا م
ا يعتق
د خط
أ ً بأنھ
ا ]ال
سجية األول
ى[‪ .‬إن ت
أثير الع
ادة‪ ،‬ف
ي من
ع أي‬
‫تخوف أو شك يتعلّق بقواعد السلوك التي تفرضھا البشرية على بع
ضھا ال
بعض‪ ،‬لھ
و‬
‫ت

أثير كام

ل ألن الموض

وع ھ

و أح

د المواض

يع الت

ي ال ُ َ‬
‫يعتق

د في

ه عموم

ا ب

ضرورة‬
‫إعط
اء األس

باب‪ ،‬أم

ا م

ن ط

رف ش

خص واح
د لآلخ

رين‪ ،‬أو م

ن ط

رف ك

ل ش

خص‬
‫لنف
سه‪ .‬اعت

اد الن

اس عل

ى االعتق
اد‪ ،‬وھك

ذا ش

جعھم بع

ض م
ن ال

ذين يتطلع

ون ل

صفة‬
‫الفالسفة‪ ،‬ب
أن م
شاعرھم‪ ،‬ف
ي مواض
يع م
ن ھ
ذا الن
وع‪ ،‬أف
ضل م
ن عق
ولھم‪ ،‬وجعل
وا‬
‫العقول غير ضرورية‪ .‬إن المب
دأ العمل
ي ال
ذي يق
ودھم إل
ى أرائھ
م ف
ي تنظ
يم ال
سلوك‬
‫البشري ھو الشعور الذي في عقل كل شخص بأن الجميع يج
ب أن يُ َ‬
‫لزم
وا بالت
صرف‬

‫‪10‬‬
‫بالطريقة التي يحب ھو والذين يتعاطف معھم‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬ما من أحد يدعي لنفسه أن‬
‫معي

ار حكم

ه ھ

و تف

ضيله الخ

اص أو م

ا يح

ب؛ ولك

ن رأي

ا ف

ي نقط

ة س

لوكية‪ ،‬غي

ر‬
‫مدعوم باألسباب‪ ،‬ال يعد إال تفضيل ش
خص واح
د؛ وإذا م
ا كان
ت األس
باب‪ ،‬إذا م
ا ت
م‬
‫تقديمھا‪ ،‬مجرد مناشدة للتفضيالت المشابھة التي يشعر بھ
ا اآلخ
رون‪ ،‬فإنھ
ا م
ا زال
ت‬
‫مجرد تفضيالت لمجموعة من األشخاص‪ ،‬بدال من الشخص الواحد‪ .‬وعلى ك
ل ح
ال‪،‬‬
‫فبالن

سبة لإلن

سان الع

ادي‪ ،‬يك

ون ال

سبب‪ ،‬الم

دعوم عل

ى ھ

ذا النح

و‪ ،‬ل

يس س

ببا مقنع

ا‬
‫بشكل تام فحسب‪ ،‬بل أنه السبب الوحيد الذي يمتلكه عموما ألية فك
رة م
ن أفك
اره ع
ن‬
‫األخالق‪ ،‬أو الذوق‪ ،‬أو اللياق
ة االجتماعي
ة‪ ،‬والت
ي ل
م تكت
ب ب
شكل ص
ريح ف
ي مذھب
ه‬
‫الديني؛ كما أنه )أي السبب( مرشده الرئيس حتى في تفسير ذلك‪ .‬وبناءا عليه فإن آراء‬
‫الناس‪ ،‬فيما ھو جدير بالثناء أو جدير باللوم‪ ،‬تتأثر باألسباب المتعددة الت
ي ت
ؤثر عل
ى‬
‫رغباتھم فيما يتعلق بسلوك اآلخرين‪ ،‬والتي ھي متعددة كتل
ك الت
ي تح
دد رغب
اتھم ف
ي‬
‫أي موض

وع آخ

ر‪ .‬ف

ي بع

ض األحي

ان عق

ولھم – وف

ي أحي

ان أخ

رى عج

رفتھم أو‬
‫خراف
اتھم‪ :‬ع

ادة م

ا تك

ون ت
ّ‬

صنعاتھم االجتماعي
ة‪ ،‬لي

ست تل

ك ال

ال اجتماعي

ة فح

سب‪،‬‬
‫كحسدھم أو غي
رتھم‪ ،‬كبري
ائھم او اس
تخفافھم‪ :‬ب
ل عل
ى األغل
ب‪ ،‬رغب
اتھم ومخ
اوفھم‬
‫ألنفسھم – أنانيتھم الشرعية او غير الشرعية‪ .‬حيثما تكون ھناك طبقة راقية‪ ،‬فإن نسبة‬
‫كبيرة من األخالق في البلد تنبثق من م
صالح طبقتھ
ا‪ ،‬وش
عورھا باالس
تعالء الطبق
ي‪.‬‬
‫فاألخالقي

ات ب

ين اإلس

بارطيين والھيل

وت ]وھ

م طبق

ة م

ن العبي

د ال

ذين ك

انوا‬
‫ي

ستخدمونھم للعم

ل ف

ي الحق

ول[‪ ،‬ب

ين أص

حاب الم

زارع وزن

وجھم‪ ،‬ب

ين األم

راء‬
‫ومواطنيھم‪ ،‬بين النبالء والرعاع‪ ،‬بين الرجال والنساء‪ ،‬كانت إلى ح
د بعي
د م
ن ص
نع‬
‫تل

ك الم

صالح والم

شاعر الطبقي

ة‪ :‬وھك

ذا تول

دت العواط

ف‪ ،‬وردت ب

دورھا عل

ى‬
‫الم

شاعر األخالقي

ة ألع

ضاء الطبق

ة الفوقي

ة‪ ،‬وعل

ى عالق

اتھم فيم

ا بي

نھم‪ .‬أم

ا عن

دما‬
‫تكون طبقة عليا سابقا‪ ،‬قد فقدت فوقيتھا أو سموھا‪ ،‬أو عندما ال يك
ون ارتقاؤھ
ا يتمت
ع‬
‫لجوجة للفوقي
ة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كراھية‬
‫ٍ‬ ‫بشعبية‪ ،‬فإن العواطف األخالقية السائدة كثيرا ما ستحمل ختم‬
‫من المبادئ المحددة العظيمة للقواعد السلوكية‪ ،‬ف
ي العم
ل وف
ي التحم
ل‪ ،‬والت
ي كان
ت‬

‫‪11‬‬
‫قد تعززت من خالل القانون أو الرأي‪ ،‬ھي انصياع البشرية للتفضيالت المفترضة أو‬
‫الكراھية لسادتھم الدنيويين‪ ،‬أو كرھھم آللھتھم‪ .‬إن ھذا الخضوع‪ ،‬على ال
رغم م
ن أن
ه‬
‫أناني من حيث الجوھر‪ ،‬ليس نفاقا‪ ،‬فھو يتسبب في عواطف أصيلة م
ن البغ
ضاء؛ لق
د‬
‫جعل الناس يحرقون السحرة والھراطقة‪ .‬ومن ب
ين العدي
د م
ن الت
أثيرات الدنيئ
ة‪ ،‬ك
ان‬
‫للمصالح العامة والواضحة حصة منھا دون شك‪ ،‬وحصة كبي
رة‪ ،‬ف
ي اتج
اه العواط
ف‬
‫األخالقية‪ :‬ولكنھا على كل حال‪ ،‬بوصفھا قضية عقالنية‪ ،‬وعل
ى ح
سابھا الخ
اص )أي‬
‫العواط

ف(‪ ،‬أق

ل منھ

ا عل

ى اعتبارھ

ا نتيج

ة لم

شاعر التع

اطف و م

شاعر الع

داء‬
‫والكراھية التي نمت من ]تلك العواطف[‪ :‬ومشاعر التعاطف والبغضاء التي ل
يس لھ
ا‬
‫ش

أن كبي

ر أو ل

يس لھ

ا ش

أن مطلق

ا بم

صالح المجتم

ع‪ ،‬ق

د جعل

ت نف

سھا ُتست

شعر ف

ي‬
‫األخالقيات بقوة عظيمة مشابھة‪.‬‬
‫إن م

ا يحب

ذ المجتم

ع وم

ا يك

ره‪ ،‬أو ج

زء كبي

ر منھم
ا‪ ،‬ھ
و عل

ى ذل

ك ال

شيء‬
‫األساسي الذي حدد من الناحية العملية القواع
د الت
ي وض
عت للمراع
اة العام
ة‪ ،‬تح
ت‬
‫عقوبات القانون أو ال
رأي‪ .‬وب
شكل ع
ام‪ ،‬ف
إن ھ
ؤالء ال
ذين س
بقوا المجتم
ع ف
ي الفك
ر‬
‫وال

شعور ق

د ترك

وا ھ

ذه الح

ال لألش

ياء دون مھاجم

ة لمب

دئھا‪ ،‬مھم

ا ك

ان عل

يھم أن‬
‫يتنازعوا معھا في بعض تفاصيلھا‪ .‬فقد شغلوا أنفسھم في البحث في ما ينبغي للمجتم
ع‬
‫أن يحب أو ال يحب‪ ،‬أكثر م
ن الت
ساؤل ع
ن وج
وب أن ت
صبح تف
ضيالته أو منبوذات
ه‬
‫ّ‬
‫ف
ضلوا أن يب
ذلوا جھ
دا ف
ي تغيي
ر م
شاعر الب
شر ح
ول النق
اط الت
ي‬ ‫قانونا لألفراد‪ .‬لقد‬
‫ك
انوا أنف

سھم ف

ي ري

ب منھ
ا‪ ،‬ب

دال م

ن قي

امھم بق

ضية عام
ة ف

ي ال

دفاع ع

ن الحري

ة‪،‬‬
‫بتشكيك أو ھرطقة عامة‪ .‬إن القضية الوحيدة التي كانت أرضھا العلي
ا م
أخوذة بالمب
دأ‬
‫ومصانة باالتساق من قبل الجميع‪ ،‬عدا بعض األفراد ھن
ا وھن
اك‪ ،‬ھ
ي ق
ضية المعتق
د‬
‫الديني‪ :‬وھي قضية توجيھية في العديد من الطرق‪ ،‬ليس اقلھا ش
أنا تك
وين مث
ال أب
رز‬
‫عل
ى إمكاني
ة وق
وع م
ا ي
سمى بالحاس
ة األخالقي
ة بالخط
أ‪ :‬ألن الكراھي
ة الديني
ة‪ ،‬ف

ي‬
‫المتع

صب المخل

ص‪ ،‬ھ

ي واح

دة م

ن الق

ضايا ال

صريحة الت

ي ال ل

بس فيھ

ا لل

شعور‬
‫األخالقي‪ .‬إن ھؤالء الذين كسروا نير م
ا ي
سمي نف
سه بالكني
سة الكوني
ة‪ ،‬ك
انوا ب
شكل‬

‫‪12‬‬
‫عام قليلي الرغبة في السماح باالختالف في الرأي الديني شأنھم في ذلك ش
أن الكني
سة‬
‫نف

سھا‪ .‬ولك

ن عن

دما انتھ

ت س

خونة ال

صراع‪ ،‬دون م

نح الن

صر ألي م

ن الط

رفين‪،‬‬
‫وأجبرت كل كنيسة أو طائفة على تقلي
ل آمالھ
ا‪ ،‬وتحدي
دھا بمج
رد اس
تعادة األرض
ية‬
‫التي كانت تشغلھا منذ البداية؛ أما األقليات‪ ،‬فبعدما أدركوا أن ليس لديھم فرصة في أن‬
‫يكون

وا أغلبي

ات‪ ،‬ص

اروا بحاج

ة ماس

ة الن يت

ضرعوا لھ

ؤالء ال

ذين ل

م يتمكن

وا م

ن‬
‫تحويلھم عن دينھم‪ ،‬لكي يسمحوا لھم )أي لألقليات( باالختالف‪ .‬وبناءا على ذلك‪ ،‬ففي‬
‫ھذا الميدان‪ ،‬بمفرده تقريبا‪ ،‬تم تأكيد حقوق األفراد ضد المجتم
ع‪ ،‬وعل
ى أس
س مبدئي
ة‬
‫واس

عة‪ ،‬وتم

ت مخالف

ة ومجادل

ة م

زاعم المجتم

ع بح

ق ممارس

ة ال

سلطة عل

ى‬
‫المعارضين‪ .‬لقد أكد ّ‬
‫الكتاب العظام الذين يدين لھم العالم بالحرية الدينية الت
ي يمتلكھ
ا‪،‬‬
‫عل

ى أن حري

ة المعتق

د ھ

ي ح

ق ثاب

ت م

صان‪ ،‬واس

تنكروا ب

شكل مطل

ق أن يتع

رض‬
‫اإلن

سان لم

ساءلة اآلخ

رين ب

سبب معتق

ده ال

ديني‪ .‬وم

ع ذل

ك‪ ،‬ف

إن م

ن الطبيع

ي ج

دا‬
‫بالنسبة للبشر أن ال يتسامحوا في ما يھتمون لشأنه بشكل حقيقي‪ ،‬وان يكون من النادر‬
‫أن تتحقق الحرية الدينية بشكل عملي في أي مكان ك
ان‪ ،‬ع
دا ف
ي األم
اكن الت
ي يك
ون‬
‫فيھ

ا ع

دم االكت

راث ال

ديني‪ ،‬ال

ذي ال يح

ب أن يق

وم اح

د بإزع

اج س

المه م

ن خ

الل‬
‫المشاجرات الدينية‪ ،‬قد أضاف ثقله إلى الميزان‪ .‬في عقول جميع األش
خاص المت
دينين‬
‫تقريبا‪ ،‬حتى في أكثر البلدان تسامحا‪ّ ُ ،‬‬
‫يقر بواج
ب الت
سامح م
ع تحفظ
ات أو تحوط
ات‬
‫ﱠ‬
‫المنشق ويتسامح معه في شؤون حكومة الكنيسة‪ ،‬ولك
ن‬ ‫ضمنية‪ .‬فقد يتحمل شخص ما‬
‫ليس بشؤون المعتقد؛ بينما يمكن لشخص آخر أن يتسامح مع الجميع‪ ،‬م
ا ع
دا الب
ابوي‬
‫)الك

اثوليكي( والتوحي

دي؛ وي

ستطيع آخ

ر أن يت

سامح م

ع أي ش

خص ي

ؤمن ب

دين‬
‫سماوي؛ أما الذين يوسعون نطاق إحسانھم إلى ابعد من ذل
ك فھ
م قليل
ون ج
دا‪ ،‬ولك
نھم‬
‫يتوقفون عند اإليمان با• وبالحياة اآلخرة‪ .‬حيثما كانت عاطفة األغلبية أصيلة ومكثفة‪،‬‬
‫وجد أن عليھا أن تخفف قليال من مطالبھا بان تطاع‪.‬‬
‫ُ َ‬

‫‪13‬‬
‫في انجلترا‪ ،‬وبسبب الظروف المتف
ردة لتاريخن
ا ال
سياسي‪ ،‬عل
ى ال
رغم م
ن أن‬
‫نير الرأي ربما كان أثقل‪ ،‬ونير القانون أخف مما في معظم البلدان األوربية األخ
رى؛‬
‫ھناك غيرة معين
ة ض
د الت
دخل المباش
ر‪ ،‬م
ن قب
ل ال
سلطة الت
شريعية أو التنفيذي
ة‪ ،‬ف
ي‬
‫السلوك الخاص؛ إال انه ليس ھناك الكثير من االحترام العادل الستقالل الفرد‪ ،‬وال من‬
‫العادة التي ما زالت مستمرة والتي تنظر إلى الحكومة على أنھا تمثل م
صلحة م
ضادة‬
‫لمصلحة ال
شعب‪ .‬ل
م ت
تعلم األغلبي
ة بع
د أن ت
شعر ب
أن ق
وة الحكوم
ة ھ
ي ق
وتھم‪ ،‬وإن‬
‫آرائھا ھي آراؤھم‪ .‬عندما ي
شعرون ب
ذلك‪ ،‬ربم
ا ت
صبح الحري
ة الفردي
ة أكث
ر تعرض
ا‬
‫لالجتياح من قبل الحكومة‪ ،‬كم
ا كان
ت م
سبقا عرض
ة لالجتي
اح م
ن قب
ل ال
رأي الع
ام‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬لحد اآلن‪ ،‬ھنالك مقدار كبير من المشاعر الجاھزة للتأجج ضد أية محاولة يقوم‬
‫بھ

ا الق

انون لل

سيطرة عل

ى األف

راد ف

ي األش

ياء الت

ي ل

م يعت

ادوا لح

د اآلن عل

ى أن‬
‫يخضعوا لسيطرتھا؛ وھذا األمر‪ ،‬مع قليل جدا م
ن التميي
ز ح
ول م
ا إذا كان
ت الم
سألة‬
‫تقع‪ ،‬أو ال تقع ضمن مجال السيطرة القانونية؛ طالما إن الشعور مفيد جدا ب
شكل ع
ام‪،‬‬
‫لھو أمر عادة ما يكون موضوعا في المك
ان الخط
أ‪ ،‬عل
ى ق
در كون
ه راس
خ ف
ي أمثل
ة‬
‫تطبيقه‪ .‬ليس ھنالك‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬مبدأ ممي
ز تق
اس بموجب
ه لياق
ة أو ع
دم لياق
ة الت
دخل‬
‫الحكومي‪ .‬فالناس يقررون حسب تفضيالتھم الشخصية‪ .‬ھناك بع
ض م
نھم‪ ،‬كلم
ا رأوا‬

صنع‪ ،‬أو ش

را ُيع
َ‬

الج‪ّ ،‬‬
‫حرض

وا الحكوم

ة طوع

ا ألن تق

وم بھ

ذا العم

ل؛ بينم

ا‬ ‫خي

را يُ
َ‬
‫يفضل اآلخرون أن يحمل
وا أي مق
دار ك
ان م
ن ال
شر االجتم
اعي تقريب
ا‪ ،‬ب
دال م
ن أن‬
‫ي

ضيفوا ق

سما عل

ى أق

سام الم

صالح اإلن

سانية لتك

ون خاض

عة لل

سيطرة الحكومي

ة‪.‬‬
‫وي

صنف الن

اس أنف

سھم ف

ي أح

د ج

انبي أي

ة ق

ضية معين

ة‪ ،‬ح

سب ھ

ذا االتج

اه الع

ام‬
‫لعواطفھم؛ أو حسب درجة المنفعة التي يشعرون بھا في الشيء المع
ين ال
ذي يفت
رض‬
‫أن الحكومة ھي التي يجب أن تفعل
ه‪ ،‬أو ح
سب االعتق
اد ال
ذي يعتنقون
ه ب
أن الحكوم
ة‬
‫سوف‪ --‬أو سوف لن‪ --‬تفعله بالشكل ال
ذي يف
ضلونه؛ ولك
ن م
ن الن
ادر ج
دا أن يك
ون‬
‫ذلك بسبب أي رأي يلتزمون به على ال
دوام‪ ،‬فيم
ا يتعل
ق باألش
ياء الت
ي م
ن الالئ
ق أن‬
‫تفعلھا الحكومة‪ .‬ويبدو لي أنه نتيج
ة لھ
ذا الغي
اب لحك
م المب
دأ‪ ،‬ف
إن أح
د الجوان
ب ف
ي‬

‫‪14‬‬
‫الوق

ت الحاض

ر ع

ادة م

ا يك

ون عل

ى خط

أ‪ ،‬ش

أنه ش

أن الجان

ب اآلخ

ر؛ إن ت

دخل‬
‫الحكومة‪ ،‬وبحوالي نفس التكرار‪ ،‬قد استدعي على نحو غير مالئ
م‪ ،‬وأدي
ن عل
ى نح
و‬
‫غير مناسب أيضا‪.‬‬

‫إن الھدف من ھذا المق


ال ھ
و التأكي
د عل
ى مب
دأ واح
د ب
سيط ج
دا‪ ،‬تخ
ّول بحك
م‬
‫تع

امالت المجتم

ع م

ع الف

رد بطريق

ة اإلك

راه وال

سيطرة‪ ،‬س

واء أكان

ت الوس

يلة‬
‫المستخدمة القوة المادية عل
ى ش
كل عقوب
ات ش
رعية‪ ،‬أو إجب
ارا معنوي
ا لل
رأي الع
ام‪.‬‬
‫وذلك المبدأ‪ ،‬وھو الغاية الوحيدة المكفولة للبشر‪ ،‬ب
شكل ف
ردي أو جم
اعي‪ ،‬وبالت
داخل‬
‫مع حرية تصرف أي عدد منھم‪ ،‬وھو‪ :‬مبدأ حماية الذات‪ .‬وھو أن الغاية الوحيدة الت
ي‬
‫يمكن ممارسة القوة فيھا بشكل شرعي عل
ى أي ع
ضو ف
ي المجتم
ع المتح
ضر‪ ،‬ض
د‬
‫إرادته‪ ،‬ھي منع إلحاق األذى باآلخرين‪ .‬إن مصلحته‪ ،‬أي ع
ضو المجتم
ع‪ ،‬المادي
ة أو‬
‫المعنوية‪ ،‬ليست ض
مانا كافي
ا‪ .‬إذ ال يمك
ن إجب
اره ب
شكل ش
رعي عل
ى أن يفع
ل أو أن‬
‫يتحمل أو يتسامح ألنه سيكون من األفضل بالنسبة له أن يفعل ذل
ك‪ ،‬ألن ذل
ك س
يجعله‬
‫أكث

ر س

عادة‪ ،‬أو ألن فع

ل ذل

ك‪ ،‬ح

سب آراء اآلخ

رين‪ ،‬س

يكون ش

يئا حكيم

ا‪ ،‬أو حت

ى‬
‫صحيحا‪ .‬تل
ك ھ
ي أس
باب جي
دة للتج
ادل مع
ه‪ ،‬أو النق
اش مع
ه‪ ،‬أو إقناع
ه‪ ،‬أو التوس
ل‬
‫شر كان في ح
ال قيام
ه بخ
الف ذل
ك‪ .‬وألج
ل‬
‫إليه‪ ،‬ولكن ليس إلجباره‪ ،‬أو إيقاعه بأي ٍ‬
‫تبرير ذل
ك‪ ،‬ف
إن ال
سلوك ال
ذي نرغ
ب ف
ي منع
ه من
ه‪ ،‬يج
ب أن يعتب
ر منتج
ا لل
شر أو‬
‫مسببا للضرر ل
شخص آخ
ر‪ .‬إن الج
زء الوحي
د م
ن س
لوك أي ف
رد‪ ،‬وال
ذي يطي
ع في
ه‬
‫المجتمع‪ ،‬ھو ذل
ك ال
ذي يتعل
ق ب
اآلخرين‪ .‬أم
ا ف
ي الج
زء ال
ذي يخ
صه ھ
و فق
ط‪ ،‬ف
إن‬
‫استقالله مطلق بحق‪ .‬إن الفرد سيد على نفسه‪ ،‬وعلى جسده‪ ،‬وعقله‪.‬‬

‫ربما‪ّ ،‬قلما يكون من الضروري القول أن ھذا المذھب يرمي إلى أن يطبّق على‬
‫بن

ي الب

شر فق

ط ف

ي مرحل

ة ن

ضج قابلي

اتھم‪ .‬ف

نحن ال نتح

دث ع

ن األطف

ال‪ ،‬أو ع

ن‬
‫الشباب دون السن التي يحددھا القانون على أنھا سن بلوغ الرجال والنساء‪ .‬أما ھؤالء‬

‫‪15‬‬
‫الذين مازالوا في حالة تتطلب رعايتھم من قبل اآلخرين‪ ،‬فيجب حم
ايتھم م
ن أعم
الھم‬
‫الشخ

صية‪ ،‬ناھي

ك ع

ن حم

ايتھم م

ن األذى الخ

ارجي‪ .‬ولل

سبب نف

سه‪ ،‬فإنن

ا س

نترك‬
‫خارج اعتبارنا حاالت المجتمع الرجعية ھذه‪ ،‬التي قد تعتبر الجنس البشري برمته في‬
‫س

ن الق

صور‪ .‬إن ال

صعوبات المبك

رة الت

ي تواج

ه التط

ور التلق

ائي ھ

ي ص

عوبات‬
‫جسيمة‪ ،‬ولكن ن
ادرا م
ا توج
د طريق
ة للتغل
ب عليھ
ا؛ والح
اكم الممتل
ئ ب
روح التط
ور‬
‫مخول باستخدام أية وسيلة ستحقق ھذه الغاية‪ ،‬التي ربما ال تتحقق في خالف ذل
ك‪ .‬إن‬
‫ّ‬
‫االستبداد ھو نمط شرعي من أنماط الحكومة في التعامل مع البرابرة‪ ،‬شرط أن تك
ون‬
‫الغاية ھي تطويرھم‪ ،‬وتكون الوسيلة مبررة من خالل انجاز تلك الغاية بشكل فعلي‪.‬‬

‫ليس للحرية‪ ،‬كمبدأ‪ ،‬أي تطبيق عل


ى أي ح
ال لألش
ياء قب
ل ال
زمن ال
ذي ت
صبح‬
‫فيه البشرية قادرة على التط
ور عب
ر المناق
شة الح
رة المت
ساوية‪ .‬حت
ى ذل
ك الح
ين‪ ،‬ال‬
‫شيء لھا سوى الطاعة الضمنية لـ)أكبر( ]وھو لق
ب أب
اطرة المنغ
ول[‪ ،‬أو ل
شارلمان‪،‬‬
‫ھذا إذا كانوا محظوظين بم
ا في
ه الكفاي
ة ليج
دوا واح
دا‪ .‬ولك
ن م
ا أن تح
صل الب
شرية‬
‫على ھذه القدرة على أن تقاد نحو تطورھا من خالل االقتن
اع‪ ،‬أو اإلقن
اع )وھ
ي فت
رة‬
‫ت

ستغرق وقت

ا ط

ويال حت

ى الوص

ول إليھ

ا ف

ي جمي

ع األم

م الت

ي نحت

اج ھن

ا أن نھ

تم‬
‫لشأنھا(‪ ،‬أم
ا اإلك
راه‪ ،‬ب
شكله المباش
ر‪ ،‬أو ب
شكل اآلالم والعقوب
ات لع
دم االلت
زام‪ ،‬فل
م‬
‫يعد مسموح به بوصفه وسيلة لمصلحتھم‪ ،‬وھو غير مبرر إال من اجل حماية اآلخرين‬
‫وأمنھم‪.‬‬

‫من المناسب أن اذكر إنني أتخلى عن أية منفعة يمكن اشتقاقھا لجدلي م
ن فك
رة‬
‫الحق المحسوس أو المطلق‪ ،‬بوصفه شيئا مستقال ع
ن المنفع
ة‪ .‬أن
ا اعتب
ر المنفع
ة ھ
ي‬
‫النداء النھائي ف
ي كاف
ة الق
ضايا األخالقي
ة؛ ولك
ن ال ب
د أن تك
ون المنفع
ة ف
ي المفھ
وم‬
‫األوس

ع‪ ،‬مبني

ة عل

ى الم

صالح الدائم

ة لإلن

سان بوص

فه كائن

ا تق

دميا‪ .‬وازع

م أن ھ

ذه‬
‫خول إخضاع تلقائية الفرد للسيطرة الخارجية‪ ،‬فقط م
ا يتعل
ق بأعم
ال الف
رد‬
‫المصالح ت ّ‬

‫‪16‬‬
‫التي تتعلق بم
صالح الن
اس اآلخ
رين‪ .‬إذا م
ا ق
ام أي ف
رد بعم
ل م
ؤذ لآلخ
رين‪ ،‬فھن
اك‬
‫قضية واضحة لمعاقبته‪ ،‬من خالل القانون‪ ،‬أو من خ
الل ال
شجب أو االس
تنكار الع
ام‪،‬‬
‫عندما ال تكون العقوبات الشرعية قابل
ة للتطبي
ق ب
شكل س
ليم‪ .‬ھنال
ك أي
ضا العدي
د م
ن‬
‫األعمال االيجابية لمصلحة اآلخرين‪ ،‬والتي يمكن إجباره على تأديتھا؛ كأن يقدم األدلة‬
‫في محكمة ق
ضائية؛ أو أن يتحم
ل ح
صته المناس
بة ف
ي ال
دفاع الع
ام‪ ،‬أو ف
ي أي عم
ل‬
‫مشترك ضروري لم
صلحة المجتم
ع ال
ذي يتمت
ع بحمايت
ه؛ وأن ي
ؤدي بع
ض األفع
ال‬
‫ذات الفائدة الفردية‪ ،‬مثل إنق
اذ حي
اة إن
سان آخ
ر‪ ،‬أو الت
دخل لحماي
ة المست
ضعفين م
ن‬
‫اإلساءة‪ ،‬وھي أشياء كلما كان من الواضح أن واجب اإلنسان أن يفعلھا‪ ،‬ف
إن المجتم
ع‬
‫سيحمله‪ ،‬وبحق‪ ،‬مسؤولية عدم القيام بھا‪ .‬قد يتسبب ال
شخص بال
ضرر لآلخ
رين ل
يس‬
‫ّ‬
‫فقط من خالل فعله‪ ،‬بل م
ن خ
الل تقاع
سه أو ع
دم فعل
ه أي
ضا‪ ،‬وھ
و ف
ي ك
ال الح
الين‬
‫مسؤول أمامھم ع
ن ال
ضرر‪ .‬تتطل
ب الحال
ة الثاني
ة‪ ،‬فع
ال‪ ،‬ممارس
ة لإلك
راه أو الق
سر‬
‫بشكل أكثر حذرا مم
ا ف
ي الحال
ة األول
ى‪ .‬أن نجع
ل ك
ل ف
رد م
سؤوال ع
ن عم
ل ال
شر‬
‫لآلخرين‪ ،‬ھي القاعدة‪ ،‬وأن نجعل
ه م
سؤوال ع
ن ع
دم من
ع ال
شر‪ ،‬فھ
ي االس
تثناء‪ ،‬م
ن‬
‫الناحية النسبية‪ .‬ھن
اك العدي
د م
ن الق
ضايا الواض
حة بم
ا في
ه الكفاي
ة‪ ،‬والج
ادة بم
ا في
ه‬
‫الكفاية لتبرر ذلك االستثناء‪ .‬ففي كل األش
ياء الت
ي تخ
ص العالق
ات الخارجي
ة للف
رد‪،‬‬
‫يكون )الفرد( خاضعا بشكل قانوني لھؤالء الذين تتأثر مصالحھم‪ ،‬وان اقتضى األمر‪،‬‬
‫فيخ

ضع للمجتم

ع بوص

فه ح

اميھم‪ .‬ھنال

ك‪ ،‬ف

ي الع

ادة أس

باب جي

دة لع

دم تحميل

ه‬
‫المسؤولية؛ ولكن ھذه األسباب ينبغي أن تنبثق من الحجج الخاصة بالقضية‪ :‬أما بسبب‬
‫كونھا نوعا من القضايا التي من المحتمل أن يقوم بھا )الفرد( ‪ ،‬عندما تت
رك الجتھ
اده‬
‫الخاص‪ ،‬بشكل أفضل عموما مما لو كان مسيطرا علي
ه بأي
ة طريق
ة يمتلكھ
ا المجتم
ع‬
‫ف
ي س
لطته لل
سيطرة علي
ه؛ أو ألن محاول
ة ممارس
ة ال
سيطرة س
تنتج ش
رورا أخ

رى‪،‬‬
‫أكبر من تلك التي سوف تمنعھا‪ .‬عندما تقوم أسباب كھذي بمن
ع تنفي
ذ الم
سؤولية‪ ،‬ف
إن‬
‫معتق

د الوكي

ل نف

سه يج

ب أن ي

دخل ف

ي مقع

د الحك

م ال

شاغر‪ ،‬ويحم

ي تل

ك الم

صالح‬

‫‪17‬‬
‫لآلخرين‪ ،‬الت
ي ال تمتل
ك حماي
ة خارجي
ة؛ وأن يح
اكم نف
سه ب
صرامة‪ ،‬ألن الق
ضية ال‬
‫تسمح بتحميله مسؤولية الحكم على أبناء جلدته‪.‬‬

‫ولك

ن ھن

اك نط

اق م

ن العم

ل ال

ذي يمتل

ك في

ه المجتم

ع‪ ،‬بوص

فه متمي

زا ع

ن‬
‫الفرد‪ ،‬مصلحة غير مباشرة فق
ط‪ ،‬إن كان
ت ھن
اك م
صلحة أساس
ا؛ م
ستوعبا ك
ل ذل
ك‬
‫الجزء من حي
اة اإلن
سان وس
لوكه الل
ذين ال ي
ؤثران إال علي
ه فق
ط‪ ،‬أو إذا كان
ا ي
ؤثران‬
‫أيضا على اآلخرين‪ ،‬فقط بمساھماتھم وموافقتھم الح
رة‪ ،‬الطوعي
ة‪ ،‬وغي
ر المخدوع
ة‪.‬‬
‫عندما أقول نفسه فقط‪ ،‬فأنا أعني بشكل مباشر‪ ،‬ومنذ اللحظة األولى‪ :‬ألن كل م
ا ي
ؤثر‬
‫عليه قد يؤثر على اآلخرين من خالله؛ واالعتراض الذي ق
د يك
ون مؤس
س عل
ى ھ
ذا‬
‫اإلج

راء االحت

رازي‪ ،‬س

وف يتلق

ى اھتمام

ا ف

ي التت

ابع‪ .‬إذن‪ ،‬ھ

ذا ھ

و اإلقل

يم المالئ

م‬
‫للحري

ة اإلن

سانية‪ .‬وھ

ي تت

ضمن‪ ،‬أوال‪ ،‬المج

ال ال

داخلي لل

وعي؛ المطالب

ة بحري

ة‬
‫المعتقد‪ ،‬بالمعنى األش
مل للم
صطلح؛ حري
ة الفك
ر والم
شاعر؛ الحري
ة المطلق
ة لل
رأي‬
‫والعاطفة في كافة المواضيع‪ ،‬العملية منھ
ا أو التكھني
ة‪ ،‬العلمي
ة‪ ،‬المعنوي
ة‪ ،‬أو الديني
ة‪.‬‬
‫إن حرية التعبير ونشر اآلراء قد تبدو واقعة تحت مبدأ مختلف‪ ،‬طالما كانت تھم أناس
ا‬
‫آخرين؛ ولكن‪ ،‬كونھا ذات أھمية مساوية لحرية الفكر نفسھا‪ ،‬وألنھ
ا مرتك
زة إل
ى ح
د‬
‫بعيد على نفس األسباب‪ ،‬فإن ذل
ك غي
ر قاب
ل للف
صل عنھ
ا م
ن الناحي
ة العملي
ة‪ .‬ثاني
ا‪،‬‬
‫يتطل

ب المب

دأ حري

ة األذواق والم

ساعي؛ حري

ة ت

صميم خط

ة حياتن

ا لتتناس

ب م

ع‬
‫أشخاصنا؛ حرية فعل ما نحب‪ ،‬خاضعة إلى التبع
ات الت
ي يمك
ن أن تل
ي‪ :‬دون إعاق
ة‪،‬‬
‫أو عرقلة‪ ،‬من قبل أبناء جلدتنا‪ ،‬طالما كان ما نقوم به ال يلحق الضرر بھم‪ ،‬حتى وان‬
‫اعتقدوا بان سلوكنا أحمق‪ ،‬أو منحرف أو خاطئ‪ .‬ثالثا‪ ،‬تنبع من ھذه الحرية لكل فرد‪،‬‬
‫حرية التجمع بين األفراد؛ وحري
ة االرتب
اط‪ ،‬ألي
ة غاي
ة ال تنط
وي عل
ى ض
رر يلح
ق‬
‫ب

اآلخرين‪ :‬عل

ى افت

راض أن األش

خاص المتجمع

ين يبلغ

ون ال

سن القانوني

ة‪ ،‬ولي

سوا‬
‫مكرھين أو مخدوعين‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ما من مجتمع ال تحترم فيه ھذه الحريات‪ ،‬بكاملھا‪ ،‬ويعتب
ر مجتمع
ا ح
را‪ ،‬مھم
ا‬
‫كان شكل حكومته؛ وما من مجتمع حر بشكل ت
ام‪ ،‬إال إذا وج
دت في
ه )ھ
ذه الحري
ات(‬
‫مطلق

ة وغي

ر م

شروطة‪ .‬الحري

ة الوحي

دة الت

ي ت

ستحق االس

م ھ

ي تل

ك القائل

ة ب

سعينا‬
‫وراء مصلحتنا بطريقتنا الخاصة‪ ،‬طالما كنا ال نحاول أن نحرم اآلخرين من حق
وقھم‪،‬‬
‫أو نعرقل جھودھم في الحصول عليھا‪ .‬كل فرد ھو الح
ارس المناس
ب ل
صحته‪ ،‬س
واء‬
‫أكانت جسدية‪ ،‬أم عقلي
ة‪ ،‬أم روحي
ة‪ .‬يك
سب الب
شر م
ن خ
الل معان
اة بع
ضھم ال
بعض‬
‫للعيش كما يبدو جيدا بالنسبة لھم‪ ،‬أكثر مما يك
سبون م
ن خ
الل إجب
ار ك
ل واح
د م
نھم‬
‫بالعيش وفقا لما يبدو جيدا بالنسبة لآلخرين‪.‬‬

‫على الرغم من أن ھذا المذھب ليس بالجدي


د‪ ،‬وق
د يتحل
ى ب
صبغة البديھي
ة‪ ،‬ف
ي‬
‫نظ

ر بع

ض األش

خاص‪ ،‬إال أن

ه ل

يس ھن

اك م

ن م

ذھب يق

ف عل

ى ال

ضد الواض

ح‬
‫والمباشر من الميل العام للرأي والممارسة المتواجدين‪ .‬فقد انفق المجتمع ب
شكل كام
ل‬
‫ك

ل ق

در ممك

ن م

ن الجھ

د ف

ي المحاول

ة )وفق

ا آلرائ

ه( م

ن أج

ل إجب

ار الن

اس عل

ى‬
‫االلت

زام بأفك

اره ح

ول التف

وق الشخ

صي‪ ،‬ناھي

ك ع

ن التف

وق االجتم

اعي‪ .‬اعتق

د‬
‫مخولون بممارسة تنظيم كل‬
‫ّ‬ ‫الكومونويلثيون القدماء‪ ،‬ووافقھم الفالسفة القدماء‪ ،‬بأنھم‬
‫ج
زء م

ن ال
سلوك الخ

اص عب
ر ال

سلطة العام

ة‪ ،‬عل
ى أس

اس أن ل
دى الدول

ة م

صلحة‬
‫عميقة في التنظيمين الجسدي والعقلي لكل ف
رد م
ن مواطنيھ
ا؛ وھ
و نم
ط م
ن التفكي
ر‬
‫ربما كان مقبوال في الجمھوريات الصغيرة المحاطة باألع
داء األقوي
اء‪ ،‬والت
ي تواج
ه‬
‫الخطر الدائم في أن تتعرض للدمار من خ
الل ھج
وم خ
ارجي‪ ،‬أو اض
طراب داخل
ي‪،‬‬
‫والتي بالنسبة إليھا‪ ،‬حتى فترة قصيرة من االسترخاء ف
ي الطاق
ات‪ ،‬وال
سيطرة الذاتي
ة‬
‫قد تكون مھلكة بكل سھولة‪ ،‬حت
ى أنھ
م ال ي
ستطيعون تحم
ل انتظ
ار الت
أثيرات الدائم
ة‬
‫المفيدة للحرية‪ .‬في العالم الحديث‪ ،‬منع الحجم الكبي
ر للتجمع
ات ال
سياسية‪ ،‬واالھ
م م
ن‬
‫بأي
اد‬
‫ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬الفصل بين ال
سلطتين الروحي
ة والدنيوي
ة )ال
ذي وض
ع اتج
اه معتق
د الن
اس‬
‫غير تلك التي تسيطر على شؤونھم الدنيوية(‪ ،‬منعا التدخل الكبير للقانون ف
ي تفاص
يل‬

‫‪19‬‬
‫الحياة الخاصة؛ ولكن محركات القمع المعنوي كانت قد ُ َ‬
‫استخدمت‪ ،‬على نحو أكثر قوة‬
‫ونشاطا‪ ،‬ضد الخروج أو االنحراف عن الرأي الحاكم فيما يخص األھمية الذاتية‪ ،‬منه‬
‫في الشؤون االجتماعية؛ أما الدين‪ ،‬العامل األكثر قوة من بين العوامل التي دخل
ت ف
ي‬
‫تك
وين ال
شعور األخالق
ي‪ ،‬فلطالم

ا ك
ان محكوم
ا أم
ا بطم

وح الت
درج الطبق
ي‪ ،‬س

اعيا‬
‫لل

سيطرة عل

ى ك

ل ق

سم م

ن أق

سام ال

سلوك الب

شري‪ ،‬أو ب

روح الفل

سفة التطھري

ة‬
‫]البيوريتاني
ة[‪ .‬أم

ا بع

ض الم
صلحين الح

ديثين ال

ذين وض
عوا أنف

سھم ف

ي المعارض

ة‬
‫األقوى ألديان الماضي‪ ،‬فما كانوا يقفون وراء الكنائس وال الطوائف في تأكيدھم عل
ى‬
‫ح

ق ال

سيطرة الروحي

ة‪ :‬وال س

يما م‪ .‬كوم

ت‪ ،‬ال

ذي ك

ان نظام

ه االجتم

اعي‪ ،‬ال

ذي‬
‫أوض
حه ف
ي كتاب
ه الموس
وم )‪ ، (Systeme de Politique Positive‬يھ
دف إل
ى‬
‫تأسيس نظام استبدادي تسلطي للمجتم
ع عل
ى الف
رد )رغ
م أن ذل
ك م
ن خ
الل االلت
زام‬
‫األخالق

ي أكث

ر من

ه عب

ر االلت

زام ال

شرعي(‪ ،‬اس

تبدادا يف

وق أي ش

يء تأملن

اه ف

ي‬
‫النموذج السياسي للفيلسوف التنظيمي األكثر صرامة من بين الفالسفة القدماء‪.‬‬

‫بعيدا عن المعتقدات المتفردة لكل فرد من المفكرين‪ ،‬ھناك أيضا ميل متزايد في‬
‫عموم أنحاء العالم نحو بسط مفرط لسلطات المجتم
ع عل
ى الف
رد‪ ،‬بق
وة ال
رأي‪ ،‬وبق
وة‬
‫التشريع على حد سواء‪ :‬وبينما كانت نزعة جميع ھذه التغيرات التي تح
دث ف
ي الع
الم‬
‫ترمي إلى تقوية المجتمع‪ ،‬وتقليل قوة الفرد‪ ،‬فإن ھذا االنتھاك ليس واحدا م
ن ال
شرور‬
‫التي تميل ب
شكل تلق
ائي نح
و االختف
اء‪ ،‬ب
ل عل
ى العك
س‪ ،‬ھ
ي تمي
ل نح
و التن
امي ف
ي‬
‫جسامتھا‪ .‬إن ميل البشر‪ ،‬سواء أكانوا حكاما أم م
واطنين ع
اديين‪ ،‬نح
و ف
رض آرائھ
م‬
‫وقناعاتھم الخاصة على اآلخرين على أنھا قاعدة سلوكية‪ ،‬قد لق
ي دعم
ا قوي
ا م
ن قب
ل‬
‫بعض أفضل المشاعر‪ ،‬وبعض أسوأ المشاعر‪ ،‬التي عرفتھا الطبيعة اإلن
سانية‪ ،‬بحي
ث‬
‫ﱠ‬
‫إن من الصعب جدا إبقاؤھا تحت السيطرة بأي وسيلة كان
ت س
وى الحاج
ة إل
ى الق
وة‪،‬‬
‫وبما إن القوة ال تتدھور‪ ،‬بل تتنامى‪ ،‬علينا في الظروف الحالية للعالم أن نتوقع رؤي
ة‬
‫ھذه القوة وھي في ازدياد‪ ،‬ما لم يتم إنشاء حاجز قوي من القناعات األخالقية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫سيكون من المالئم للنقاش لو أننا‪ ،‬بدال من الدخول في األطروحة العام
ة ب
شكل‬
‫فوري‪ ،‬ح
ددنا أنف
سنا ف
ي البداي
ة بف
رع واح
د من
ه‪ ،‬يك
ون في
ه المب
دأ ال
ذي ذكرن
اه ھن
ا‬
‫مميزا‪ ،‬إن لم يكن بالكامل‪ ،‬فبدرجة معينة‪ ،‬من قبل اآلراء الجارية‪ .‬وھذا الفرع الواح
د‬
‫ھ

و ف

رع حري

ة الفك

ر‪ ،‬الت

ي ال يمكنن

ا أن نف

صل عنھ

ا حري

ة الك

الم وحري

ة الكتاب

ة‬
‫المترادفتين‪ .‬بالرغم من أن ھذه الحريات‪ ،‬إلى حجم معين‪ ،‬تشكل ج
زءا م
ن األخالقي
ة‬
‫السياسية لكافة البلدان التي تحترف التسامح الديني والمؤسسات الحرة‪ ،‬فإن األسس أو‬
‫القواعد الفل
سفية والعملي
ة‪ ،‬الت
ي ت
ستند عليھ
ا‪ ،‬ربم
ا ال تك
ون مألوف
ة للعق
ل الع
ام‪ ،‬وال‬
‫ّ‬
‫يقيمھا العديدون بشكل معمق‪ ،‬حتى قادة الرأي‪ ،‬كما ك
ان متوقع
ا‪ .‬ھ
ذه األس
س‪ ،‬عن
دما‬
‫يتم فھمھا بشكل صحيح‪ ،‬ھي ذات تطبي
ق أوس
ع بكثي
ر م
ن تطبيقھ
ا عل
ى مج
رد ق
سم‬
‫واحد من الموضوع‪ ،‬ويمكن أن يك
ون التأم
ل المعم
ق لھ
ذا الج
زء م
ن الم
سألة أف
ضل‬
‫مقدمة لألقسام األخرى‪ .‬أم
ا ھ
ؤالء ال
ذين ال ش
يء مم
ا س
أقوله س
يكون جدي
دا بالن
سبة‬
‫لھ
م‪ ،‬ف
أتمنى أنھ

م س
يعذرونني‪ ،‬ألنن
ي غ

امرت بمناق
شة إض
افية أخ

رى ف
ي موض

وع‬
‫مازال يناقش منذ ثالثة قرون خلت‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫‪" J3‬א‪ @M‬א‪ 


]1‬‬

‫ذھب الوقت الذي كان في


ه م
ن ال
ضروري ال
دفاع ع
ن "حري
ة ال
صحافة"‬ ‫‬

‫بوصفھا واحدة من الضمانات ضد الفساد والحكومة المستبدة‪ ،‬أو لنأمل ھكذا‪.‬‬


‫يمك

ن لن

ا أن نفت

رض أن
ه ال يمك

ن إن تك

ون ھن

اك حاج

ة الي

وم للج

دل ض

د‬
‫ال

سماح لمجل

س ت

شريعي م

ا‪ ،‬أو لھيئ

ة تنفيذي

ة ال ت

رتبط م

صالحھا بم

صالح‬
‫الن

اس‪ ،‬ب

أن تمل

ي عل

يھم آراءھ

م‪ ،‬وتح

دد الم

ذاھب وال
رؤى الت

ي ي

سمح لھ

م‬
‫باالستماع إليھا أو تبنيھا‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن ھذا الجانب من الم


سألة كثي
را م
ا تع
زز عل
ى ي
د ّ‬
‫الكت
اب‬
‫السابقين‪ ،‬وبشكل غامر‪ ،‬بحيث إنﱠه ال يحتاج إلى المزيد من اإللحاح عليه ف
ي ھ
ذا‬
‫المقام‪ .‬على الرغم من قانون انجلترا‪ ،‬في م
ا يتعل
ق بموض
وع ال
صحافة‪ ،‬م
ا زال‬
‫ّ‬
‫متخضعا في يومنا ھذا كما كان في عھد آل تيودور‪ ،‬ليس ھناك سوى القلي
ل‬ ‫ذليال‬
‫م

ن الخط

ر ف

ي تفعي

ل ھ

ذا الق

انون ض

د المناق

شة ال

سياسية‪ ،‬م

ا ع

دا أثن

اء بع

ض‬
‫حاالت الرعب المؤقتة‪ ،‬عندما يقوم الخوف بإخراج الوزراء والحكام من لي
اقتھم؛‬
‫وإذا ما تحدثنا بشكل عام‪ ،‬فليست ھناك من خشية‪ ،‬في البل
دان الدس
تورية‪ ،‬م
ن أن‬
‫تحاول الحكومة‪ ،‬سواء أكانت م
سؤولة ب
شكل كام
ل ع
ن الن
اس أم ال‪ ،‬أن ت
سيطر‬
‫عل

ى التعبي

ر ع

ن ال

رأي‪ ،‬م

ا ع

دا حينم

ا يجعلھ

ا فع

ل ذل

ك أداة للتع

صب ال
شامل‬
‫العام‪ .‬لذا‪ ،‬دعونا نفترض أن الحكومة برمتھا في تناغم م
ع الن
اس‪ ،‬وأنھ
ا ال تفك
ر‬

‫‪22‬‬
‫مطلقا ببذل أية سلطة قسرية‪ ،‬م
ا ل
م يك
ن ذل
ك من
سجما م
ع م
ا ت
رى أن
ه ص
وتھم‪.‬‬
‫ولكن

ي أنك

ر ح

ق الن

اس ف

ي ممارس

ة مث

ل ھ

ذا الق

سر أو اإلك

راه‪ ،‬أم

ا م

ن ق

بلھم‬
‫أنفسھم أو من قبل حك
ومتھم‪ .‬إن ال
سلطة نف
سھا غي
ر ش
رعية‪ .‬فالحكوم
ة األف
ضل‬
‫ليست لديھا صالحية لفعل ذلك بأكثر مما لدى الحكومة األسوأ‪ .‬ان
ه لم
ن الم
ضر‪،‬‬
‫أو األكثر ضررا‪ ،‬عندما تمارس ھذه السلطة باالنسجام مع ال
رأي الع
ام‪ ،‬منھ
ا ل
و‬
‫مورست بما يتناقض معه‪ .‬فلو أن كل البشرية‪ ،‬ما عدا شخ
صا واح
دا فق
ط‪ ،‬ك
انوا‬
‫متفقين على رأي واح
د‪ ،‬وك
ان ذل
ك ال
شخص الواح
د ب
رأي مغ
اير‪ ،‬ف
إن الب
شرية‬
‫كلھا لن يكون لھا الحق في إسكات ذلك الشخص‪ ،‬أكثر من حقه ھو‪ ،‬لو أن
ه امتل
ك‬
‫السلطة وأقدم على إسكات البشرية‪ .‬ل
و ك
ان ال
رأي ملكي
ة شخ
صية ال قيم
ة ل
ه إال‬
‫بالن

سبة لمالك

ه؛ ول

و ك

ان إزعاج

ه‪ ،‬وإعاق

ة تمت

ع ص

احبه ب

ه‪ ،‬ض

ررا خاص

ا‪،‬‬
‫بب

ساطة‪ ،‬فإن
ه سي

شكل بع

ض الف

رق فيم

ا إذا ك

ان ال

ضرر ق

د ألح

ق بقلي

ل م

ن‬
‫األشخاص أم بالعديد منھم‪ .‬ولكن ال
شر المتف
رد ف
ي إس
كات التعبي
ر ع
ن رأي م
ا‪،‬‬
‫يفعل ذلك )أي يلحق الضرر(‪ ،‬وذلك ألنه سرقة الجنس البشري؛ األجيال المتتالية‬
‫والجيل الموجود حاليا على حد سواء؛ ھؤالء الذين ينشقون عن ال
رأي‪ ،‬أكث
ر م
ن‬
‫ال

ذين يعتق

دون ب

ه‪ .‬إن ك

ان ال

رأي ص

ائبا‪ ،‬ف

إنھم س

يحرمون م

ن اس

تبدال الخط

أ‬
‫بالصواب‪ :‬وإن كان خاطئا‪ ،‬فإنھم سيخسرون ما ھو فائدة عظيمة تقريبا‪ ،‬أال وھو‬
‫اإلدراك األكثر وضوحا واالنطب
اع األكث
ر حيوي
ة ع
ن الحقيق
ة‪ ،‬الت
ي أنتج
ت م
ن‬
‫خالل صراعھا مع الخطأ‪.‬‬

‫م

ن ال

ضروري أن نتأم

ل ھ

اتين الفرض

يتين عل

ى نح

و منف

صل‪ ،‬وك

ل واح

دة‬
‫منھما تمتل
ك فرع
ا متمي
زا م
ن الج
دل متوافق
ا معھ
ا‪ .‬ال يمكنن
ا مطلق
ا أن نتأك
د م
ن أن‬
‫الرأي ال
ذي نح
اول خنق
ه أو قمع
ه ھ
و رأي خ
اطئ؛ ول
و تأك
دنا‪ ،‬ف
إن الخن
ق أو القم
ع‬
‫سيكون عمال شريرا‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫أوال‪ :‬إن الرأي الذي تحاول السلطة قمعه من المحتم
ل أن يك
ون حقيقي
ا‪ .‬ھ
ؤالء‬
‫الذين يرغبون في قمعه ينكرون حقيقته بالطبع؛ ولكنھم لي
سوا مع
صومين م
ن الخط
أ‪.‬‬
‫كما أنھم ال يمتلكون السلطة للبت بالمسألة بالنيابة عن جميع بني البشر‪ ،‬ويستثنون كل‬
‫شخص آخر من وسيلة الحكم‪ .‬إن رفضھم االستماع إلى رأي معين‪ ،‬ألنھم متأكدين من‬
‫انه خاطئا‪ ،‬يعني االفتراض بأن ’تأكدھم‘ ھو أش
به م
ا يك
ون بالتأك
د’المطل
ق‪ ‘.‬إن ك
ل‬
‫إس

كات لمناق

شة ھ

ي افت

راض بالع

صمة )أي ع

دم القابلي

ة عل

ى الوق

وع بالخط

أ(‪ .‬ق

د‬
‫يسمح بشجبه أو اس
تنكاره ف
ي أن ي
ستقر ف
ي ھ
ذا الج
دل ال
شائع‪ ،‬ول
يس األس
وأ لكون
ه‬
‫ُ َ‬
‫شائعا‪.‬‬

‫ول

سوء ح

ظ حكم

ة الب

شرية‪ ،‬إن حقيق

ة ق

ابليتھم للخط

أ بعي

دة ج

دا ع

ن تحم

ل‬
‫الع
بء ف
ي حكمھ
م العمل

ي‪ ،‬ال
ذي ع
ادة م

ا ي
سمح لھ
ا ب
ه م

ن الناحي
ة النظري
ة؛ فبينم

ا‬
‫يعرف كل فرد جيدا أنه غير مع
صوم م
ن الخط
أ‪ ،‬ال يعتق
د إال القلي
ل م
نھم باتخ
اذ أي
ة‬
‫ت

دابير احترازي

ة ض

د ق

ابليتھم للخط

أ‪ ،‬أو يق

رون ب

االفتراض القائ

ل ب

أن أي رأي‬
‫يشعرون بأنه أكيد جدا‪ ،‬قد يكون واحدا من أمثل
ة الخط
أ الت
ي ّ‬
‫يق
رون ب
أنھم م
سؤولون‬
‫عنھا‪ .‬األم
راء المطلق
ون‪ ،‬أو اآلخ
رين ال
ذين اعت
ادوا عل
ى الطاع
ة المطلق
ة‪ ،‬ع
ادة م
ا‬
‫يشعرون بھذه الثقة التامة بآرائھم الخاصة وفي كل المواضيع تقريبا‪ .‬أم
ا الن
اس ال
ذين‬
‫في ھم وضع أفضل‪ ،‬الذين ي
سمعون ف
ي بع
ض األحي
ان آرائھ
م وھ
ي تخ
ضع للج
دل‪،‬‬
‫والذين لم يعتادوا على أن ي
صحح لھ
م أح
د عن
دما يخط
أون‪ ،‬في
ضعون االعتم
اد غي
ر‬
‫المحدود نفسه فقط على آرائھم التي يشاركون فيھا كل المحيطين بھم‪ ،‬أو الذين تعودوا‬
‫على الرضوخ لھم وطاعتھم‪ :‬حيث ﱠ‬
‫إن اإلنسان عادة ما يضع اعتقاده‪ ،‬مع ثقة ضمنية‪،‬‬
‫وبالتناسب مع حاجته للثقة بأحكامه الفردية‪ ،‬بقابلية "العالم" ب
شكل ع
ام‪ ،‬عل
ى الوق
وع‬
‫في الخطأ‪ .‬والعالم يعني‪ ،‬بالنسبة لك
ل ف
رد‪ ،‬ذل
ك الج
زء ال
ذي أص
بح عل
ى احتك
اك ب
ه‬
‫وتواصل معه؛ حزبه‪ ،‬طائفته‪ ،‬كنيسته‪ ،‬طبقته االجتماعية‪ :‬وبالمقارنة‪ ،‬فإن المرء الذي‬
‫يعني ]العالم بالنسبة له[ شيئا شامال كبلده‪ ،‬أو عصره‪ ،‬قد يسمى ليبرالي
ا تقريب
ا‪ ،‬واس
ع‬

‫‪24‬‬
‫العقل‪ .‬كما أن إيمانه بھذه السلطة الجمعية ال يھت
ز البت
ة‪ ،‬م
ن خ
الل إدراك
ه لحقيق
ة أن‬
‫ع

صورا وبل

دانا‪ ،‬وطوائ

ف‪ ،‬وكن

ائس‪ ،‬وطبق

ات‪ ،‬وأح

زاب أخ

رى‪ ،‬كان

ت وم

ا زال

ت‬
‫تعتقد على عك
س م
ا يعتق
ده ھ
و بال
ضبط‪ .‬كم
ا يق
وم بتحمي
ل عالم
ه الخ
اص م
سؤولية‬
‫كونه على صواب وحق‪ ،‬إزاء عوالم اآلخرين المعارضة أو المغايرة؛ وال يزعج
ه أن‬
‫محض م
صادفة ھ
ي الت
ي ح
ددت أي ھ
ذه الع
والم المتع
ددة ھ
و موض
ع اعتم
اده‪ ،‬وأن‬
‫نف

س األس

باب الت

ي جعل

ت من

ه كاھن

ا ف

ي لن

دن‪ ،‬ك

ان يمك

ن أن تجع

ل من

ه بوذي

ا أو‬
‫كونفوشيوس
يا ف
ي بك
ين‪ .‬وم
ع ذل

ك ف
إن م
ن الواض
ح ج

دا‪ ،‬كم
ا يمك
ن ألي مق
دار م

ن‬
‫الجدل أن يبرھن‪ ،‬أن العصور ليست بأكثر عصمة من الخطأ من األفراد؛ فكل ع
صر‬
‫قد تبن
ى آراء اعتبرتھ
ا الع
صور الالحق
ة لي
ست خاطئ
ة فح
سب‪ ،‬ب
ل س
خيفة؛ ل
ذا فم
ن‬
‫المؤكد أن العديد من اآلراء‪ ،‬الشائعة اآلن‪ ،‬سيتم رفضھا من قبل الع
صور الم
ستقبلية‪،‬‬
‫كما ھو حال العديد من اآلراء التي كانت شائعة وقد رفضھا الحاضر‪.‬‬

‫م

ن الممك

ن أن يأخ

ذ االعت

راض ال

ذي يمك

ن تقديم

ه عل

ى ھ

ذا الج

دل ش

كال‬
‫كالتالي‪ .‬ليس ھناك افتراض بالعصمة من الخطأ في تحريم نشر الخطأ‪ ،‬أكب
ر من
ه ف
ي‬
‫أي شيء آخر تقوم به السلطة العامة بحسب حكمھ
ا وم
سؤوليتھا‪ .‬إن الحك
م ق
د أعط
ي‬
‫لألف

راد ال

ذين ي

ستخدمونه‪ .‬وألن

ه يمك

ن أن ي

ستخدم عل

ى نح

و خ

اطئ‪ ،‬فھ

ل يج

ب أن‬
‫نخبر ھؤالء الذين يحكمون بأن ال يستخدمونه مطلقا؟ إن منع م
ا يعتق
دون بأن
ه ض
ار‪،‬‬
‫ھ

و ل

يس مطالب

ة باالس

تثناء م

ن الخط

أ‪ ،‬ولكن

ه انج

از للواج

ب المن

اط بھ

م ب

ضرورة‬
‫العمل وفق قناعاتھم الواعية‪ ،‬على الرغم من أنھ
م غي
ر مع
صومين م
ن الخط
أ‪ .‬ل
و ل
م‬
‫يكن علينا أن نعمل وفقا آلرائنا‪ ،‬ألن تلك اآلراء ق
د تك
ون عل
ى خط
أ‪ ،‬فعلين
ا أن نت
رك‬
‫كافة مصالحنا بدون اھتمام أو مراعاة‪ ،‬ونترك ك
ل واجباتن
ا ب
ال تأدي
ة‪ .‬إن االعت
راض‬
‫ال

ذي يمك

ن أن ينطب

ق عل

ى ك

ل س

لوك‪ ،‬ال يمك

ن أن يك

ون اعتراض

ا س

اريا عل

ى أي‬
‫سلوك بعينه‪ .‬إنه واجب الحكومات‪ ،‬واألفراد‪ ،‬أن يشكلوا أص
دق اآلراء الت
ي يتمكن
ون‬
‫منھا؛ أن يشكلونھا بعناي
ة‪ ،‬وأن ال يفرض
ونھا عل
ى اآلخ
رين م
ا ل
م يتأك
دوا تمام
ا م
ن‬

‫‪25‬‬
‫صحتھا‪ .‬ولكن عندما يتأكدون من ذلك )قد يقول بعض العقالنيين(‪ ،‬سيكون من الجبن‪،‬‬
‫ول

يس م

ن ال

وعي‪ ،‬الع

زوف ع

ن العم

ل ب

آرائھم‪ ،‬وال

سماح للم

ذاھب الت

ي يعتق

دون‬
‫مخلصين بأنھا خطيرة على رفاھية البشرية‪ ،‬أما في ھذه الحياة أو في الحياة األخ
رى‪،‬‬
‫بأن تنتشر )أي المذاھب( في الخارج بال قيد‪ ،‬الن الناس اآلخرين‪ ،‬في الع
صور األق
ل‬
‫تنويرا‪ ،‬قد قمعوا آراء يعتقد اآلن بصحتھا‪ .‬ربما يق
ال‪ :‬دعون
ا نت
وخى الح
ذر م
ن اج
ل‬
‫أن ال نرتك

ب نف

س الخط

أ‪ :‬ولك

ن الحكوم

ات واألم

م ق

د ارتكب

ت األخط

اء ف

ي أم

ور‬
‫أخ

رى‪ ،‬أم

ور ال ينك

ر أح

د بأنھ

ا مواض

يع مناس

بة لممارس

ة ال

سلطة‪ :‬لق

د فرض

ت‬
‫ض

رائب س

يئة‪ ،‬وش

نت حروب

ا غي

ر عادل

ة‪ .‬فھ

ل ينبغ

ي علين

ا‪ ،‬بن

اء عل

ى ذل

ك‪ ،‬أن ال‬
‫نف

رض أي

ة ض

رائب‪ ،‬وأن ال ن

شن حرب

ا مھم

ا كان

ت االس

تفزازات؟ عل

ى الن

اس‪،‬‬
‫والحكومات‪ ،‬أن يعملوا أفضل ما بوسعھم‪ .‬ليس ھن
اك ش
يء اس
مه التأك
د المطل
ق‪ ،‬ب
ل‬
‫ھناك تأكدا كافيا ألغراض الحياة اإلنسانية‪ .‬قد نفترض‪ ،‬بل علينا أن نفترض أن يكون‬
‫رأينا صحيحا في توجيه سلوكنا‪ :‬ونحن ال نفترض المزي
د عن
دما نمن
ع الن
اس ال
سيئين‬
‫من تقويض المجتمع عبر نشر اآلراء التي نعتبرھا خاطئة وضارة‪.‬‬

‫وأنا أجيب‪ ،‬إن ذلك يعني افتراض المزيد‪ .‬فھناك فرق عظيم جدا بين االفتراض‬
‫يدحض أو ﱠ‬
‫يفند في ك
ل فرص
ة للني
ل من
ه‪ ،‬وب
ين‬ ‫بأن رأيا معينا ھو رأي سديد‪ ،‬ألنه لم ُ َ‬
‫االفتراض بصحته ألجل عدم السماح بتفنيده ودحضه‪ .‬إن الحرية الكاملة ف
ي التن
اقض‬
‫مع رأينا ودحضه ھي بعينھا الحالة التي تبرر افتراضنا بحقيقته ألغراض العمل‪ :‬وم
ا‬
‫م

ن ش

روط أخ

رى يمك

ن بموجبھ

ا ألي مخل

وق ذو ق

درات إن

سانية أن يمتل

ك ض

مانا‬
‫عقليا من كونه على صواب‪.‬‬

‫عندما نتأمل في تأريخ الرأي‪ ،‬أو في السلوك االعتي


ادي للحي
اة اإلن
سانية‪ ،‬ف
إلى‬
‫أي شيء نعزو أن أيا منھما ليس بأسوأ من اآلخر؟ ليس من المؤكد أن ھ
ذا مع
زو إل
ى‬
‫القوة الكامنة للفھ
م اإلن
ساني؛ ألن
ه‪ ،‬ف
ي أي ق
ضية غي
ر واض
حة المع
الم‪ ،‬ھن
اك ت
سعة‬

‫‪26‬‬
‫وتسعون شخصا غير قادرين تماما على الحكم عليھا‪ ،‬إزاء واحد فقط قادر عل
ى ذل
ك؛‬
‫كما أن قدرة الشخص المائة ھي ق
درة ن
سبية فق
ط )أي بالمقارن
ة م
ع اآلخ
رين(؛ إذ إن‬
‫أغلبية الرجال البارزين من كل جيل س
ابق ق
د تبن
وا العدي
د م
ن اآلراء الت
ي ثب
ت اآلن‬
‫أنھ
ا كان

ت خاطئ

ة‪ ،‬وفعل

وا أو اثبت

وا أش
ياء عدي

دة ل

ن يبررھ

ا اآلن أح

د‪ .‬فلم

اذا‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫كانت ھناك ھيمنة كبيرة بين البشر لآلراء العقالنية والسلوك العقالني؟ إذا كانت ھناك‬
‫ھيمنة كھذه حقا— والتي ال بد من وجودھا ما لم تكن ال
شؤون الب
شرية‪ ،‬أو أنھ
ا ع
ادة‬
‫ما كانت‪ ،‬في حالة يائسة تقريبا— فإنھا تعزى إل
ى ص
فة م
ن ص
فات العق
ل الب
شري‪،‬‬
‫مصدر كل شيء محت
رم ف
ي اإلن
سان بوص
فه أم
ا كائن
ا عقالني
ا‪ ،‬أو كائن
ا أخالقي
ا‪ ،‬أال‬
‫وھي أن أخطاءه قابلة للتصويب‪ .‬فھو قادر على تصحيح أخطاءه‪ ،‬م
ن خ
الل المناق
شة‬
‫أو التجربة‪ .‬وليس من خالل التجربة فقط‪ .‬ال بد م
ن وج
ود المناق
شة‪ ،‬لك
ي تب
ين كيفي
ة‬
‫تف

سير التجرب

ة‪ .‬إن اآلراء والممارس

ات الخاطئ

ة ترض

خ بالت

دريج للحقيق

ة والج

دل‪:‬‬
‫ولكن الحقائق والجداالت‪ ،‬من أجل أن تنتج أي تأثير كان على العقل‪ ،‬فال بد من جلبھ
ا‬
‫أمام

ه‪ .‬قلي

ل ج

دا م

ن الحق

ائق يمكنھ

ا أن تخب

ر ق

صتھا بنف

سھا‪ ،‬دون تعليق

ات توض

ح‬
‫معناھا‪ .‬إذن‪ ،‬فكل قوة الحكم البشري وقيمت
ه يمك
ن أن توض
ع الثق
ة فيھ
ا عن
دما تك
ون‬
‫وسيلة تصويبھا دائما في متناول اليد‪ ،‬اعتمادا على السمة الوحيدة‪ ،‬أال وھي أنھ
ا قابل
ة‬
‫للتصويب عندما تكون على خطأ‪ .‬في حالة وجود شخص ذو أحكام تستحق الثقة فعال‪،‬‬
‫فكيف أصبح األمر كذلك؟ ألنه أبقى عقل
ه مفتوح
ا للنق
د الموج
ه ألرائ
ه وس
لوكه‪ .‬ألن
ه‬
‫دأب على االستماع لكل ما يمك
ن أن يق
ال ض
ده؛ لي
ستفيد من
ه ب
أكبر ق
در م
ا يستح
سن‬
‫ذل

ك‪ ،‬وي

صف أو يف
ّ‬

سر لنف

سه‪ ،‬ولآلخ

رين ف

ي بع

ض المناس

بات‪ ،‬مكم

ن الخط

أ ف

ي‬
‫األشياء المغلوطة‪ .‬ألنه كان قد ش
عر ب
أن الطريق
ة الوحي
دة الت
ي ي
ستطيع اإلن
سان م
ن‬
‫خاللھا أن يحرز بعض التقدم في معرفة موضوع معين بشكل ت
ام‪ ،‬ھ
ي االس
تماع لم
ا‬
‫يمكن أن يقال عنه م
ن قب
ل األش
خاص ال
ذين ينتم
ون إل
ى جمي
ع اآلراء عل
ى تنوعھ
ا‪،‬‬
‫ودراسة كل األساليب التي يمكن من خاللھ
ا النظ
ر إل
ى ذل
ك الموض
وع‪ ،‬م
ن قب
ل ك
ل‬
‫سمة من سمات العقل‪ .‬ل
م يح
صل رج
ل حك
يم ق
ط عل
ى حكمت
ه عب
ر أي أس
لوب غي
ر‬

‫‪27‬‬
‫ھذا؛ وال تسمح له طبيعة العقل البشري بأن يكون حكيما بغير ھذا األسلوب‪ .‬إن الع
ادة‬
‫الثابتة )لدى اإلنسان( في تصحيح وإكمال رأي
ه الخ
اص ع
ن طري
ق ترتيب
ه ومقارنت
ه‬
‫مع آراء اآلخرين‪ ،‬بعيدا عن الت
سبب ف
ي ال
شك والت
ردد ف
ي تنفي
ذه ب
شكل عمل
ي‪ ،‬ھ
ي‬
‫األساس الراسخ الوحيد لالعتماد الصائب على ذلك ال
رأي‪ .‬إذ إن إدراك الف
رد لك
ل م
ا‬
‫يمكن أن يقال ضده‪ ،‬على األق
ل ب
شكل معل
ن وص
ريح‪ ،‬واتخ
اذه لموض
عه ض
د جمي
ع‬
‫األدعياء والملفّقين – ومعرفته أنه كان قد بح
ث ع
ن االعتراض
ات والم
صاعب‪ ،‬ب
دال‬
‫عن تجنبھا‪ ،‬وأنه لم يحجب ضوءا كان يمكن أن ّ‬
‫ي
سلط عل
ى الموض
وع م
ن أي ناحي
ة‬
‫كانت – تجعله محقا في اعتقاده بأن حكمه )أي تقييمه( أفضل من حكم أي شخص‪ ،‬أو‬
‫مجموعة أشخاص‪ ،‬ممن لم ي ّ‬
‫مروا بعملية مشابھة‪.‬‬

‫ل

يس م

ن ب

اب المبالغ

ة أن نطال

ب ب
أن يخ

ضع ذل

ك الح

شد المتن

وع م

ن القل

ة‬
‫الحكيمة والكثرة الحمقاء من األف
راد‪ ،‬والت
ي ت
دعى الجمھ
ور‪ ،‬لم
ا يج
ده أحك
م حكم
اء‬
‫البشرية‪ ،‬أي ھؤالء المؤھلين على أفضل ما يكون ألن نثق بأحكامھم‪ ،‬ضروريا ليكفل‬
‫اعتمادھم عليه‪ .‬إن أكثر الكنائس تشددا‪ ،‬أال وھي الكنيسة الروماني
ة الكاثوليكي
ة‪ ،‬حت
ى‬
‫في مراسيم تنصيبھا لقديس ما‪ّ ُ ،‬‬
‫تقر وتستمع بصبر ل
ـ"أن
صار ال
شيطان‪ ".‬وكم
ا يب
دو‪،‬‬
‫فإن أق
دس الن
اس ال يمك
ن ال
سماح ل
ه بتلق
ي الت
شريفات األخي
رة‪ ،‬بعي
د وفات
ه‪ ،‬إال بع
د‬
‫معرفة وتقييم كل ما يكمن للشيطان أن يقول ض
ده‪ .‬ل
و أن فل
سفة ني
وتن ل
م يك
ن ي
سمح‬
‫بإخضاعھا للتساؤل والمناقشة‪ ،‬لما استطاعت البشرية أن تشعر بكمال صحتھا ودقتھ
ا‬
‫كما ھو الحال اآلن‪ .‬إن المعتقدات التي لدينا اكبر الضمانات لھا‪ ،‬ليس ھن
اك وقاي
ة ف
ي‬
‫االعتماد عليھا‪ ،‬بل تمتلك دعوة مفتوحة للعالم بأس
ره إلثب
ات أنھ
ا عديم
ة األس
اس‪ .‬إذا‬
‫م

ا ُرفِ

ض التح

دي‪ ،‬أو ان

ه ُقبِ
َ‬

ل ولك

ن المحاول

ة ق

د ف

شلت‪ ،‬فإنن

ا م

ا زلن

ا بعي

دين ع

ن‬
‫الحقيقة؛ ولكننا فعلنا أفضل ما تسمح به الحالة المتوافرة الت
ي ّ‬
‫يق
ر بھ
ا العق
ل الب
شري؛‬
‫ولم نھمل أو نغفل شيئا يمكن أن يعطي للحقيقة فرصة للوصول إلينا؛ لو أبقيت الق
وائم‬
‫مفتوح

ة‪ ،‬س

نأمل أن تك

ون ھن

اك حقيق

ة أف

ضل‪ ،‬وس

يتم إيجادھ

ا عن

دما يك

ون العق

ل‬

‫‪28‬‬
‫الب

شري ق

ادرا عل

ى تلقيھ

ا؛ وف

ي غ

ضون ذل

ك‪ ،‬يمكنن

ا االعتم

اد عل

ى ح

صولنا عل

ى‬
‫طريقة كھذه للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬كما ھو ممكن في يومنا ھ
ذا‪ .‬ھ
ذا ھ
و مق
دار التأك
د‬
‫الذي يمكن للمخل
وق غي
ر المع
صوم م
ن الخط
أ أن يح
صل علي
ه‪ ،‬وھ
ذه ھ
ي الطريق
ة‬
‫الوحيدة للحصول عليه‪.‬‬

‫قد يبدو غريبا‪ ،‬أن الن


اس يج
ب أن يق
روا ب
صالحية الج
داالت للمناق
شة الح
رة‪،‬‬
‫ولكنھم يعترضون عل
ى كونھ
ا "ت
دفع إل
ى نقط
ة متطرف
ة؛" وال ي
رون أن
ه م
ا ل
م تك
ن‬
‫األسباب وجيھة لقضية حدية متطرفة‪ ،‬فھي لي
ست وجيھ
ة ألي
ة ق
ضية عل
ى اإلط
الق‪.‬‬
‫ومن الغريب أيضا أن عليھم أن يتصوروا أنھم ال يفترضون العصمة من الخطأ‪ ،‬عن
د‬
‫اعترافھم بوجوب أن تكون ھناك مناقشة ح
رة لكاف
ة المواض
يع الت
ي يحتم
ل أن تك
ون‬
‫ّ‬
‫يح

رم‬ ‫مريب

ة أو م

شكوك فيھ

ا‪ ،‬ولك

نھم يعتق

دون أن مب

دأ أو م

ذھبا معين

ا‪ ،‬يج

ب أن‬
‫تعريضه للمسائلة ألنه أكيد جدا‪ ،‬أي‪ ،‬ألنھم متأكدون وواثقون من أن
ه أكي
د أو حقيق
ي‪.‬‬
‫إن تسمية أي افتراض كان باالفتراض الحقيقي‪ ،‬بينم
ا ال ي
زال ھن
اك م
ن ينك
ر تأكي
د‬
‫حقيقة ذلك االفت
راض إذا م
ا س
مح ل
ه ب
ذلك‪ --‬ولك
ن ال ي
سمح ل
ه‪ --‬ھ
و افت
راض بأنن
ا‬

ام عل

ى الحقيق

ة‪ّ ،‬‬
‫حك

ام دون االس

تماع إل

ى‬ ‫أنف

سنا‪ ،‬وھ

ؤالء ال

ذين يتفق

ون معن

ا‪ّ ،‬‬
‫حك
ٌ‬
‫الطرف اآلخر‪.‬‬

‫في العصر الحالي – الذي كثيرا ما وصف على أنه "مفرغ من اإليم
ان‪ ،‬ولكن
ه‬
‫مفزوع من الشك"— والذي يشعر فيه الناس بالتأكد‪ ،‬ليس بأن آراءھم صحيحة‪ ،‬أكث
ر‬
‫من تأكدھم بأنھم ال يعرفون ما الذي سيفعلونه بدون تلك اآلراء— وال ت
ستند المطالب
ة‬
‫بأن تتم حماية رأي معين من الھجمات العامة على حقيقة ھذا الرأي وم
دى تأك
ده ق
در‬
‫استنادھا على أھميته للمجتمع‪ُ .‬يزعم أن ھناك بعض المعتقدات المفيدة ج
دا‪ ،‬وال نق
ول‬
‫التي ال غنى عنھا للتطور أو االزدھار‪ ،‬إلى الحد الذي يجعل من واجب الحكومات أن‬
‫تسندھا وتدعمھا‪ ،‬ألجل حماية أي مصلحة أخرى من مصالح المجتم
ع‪ .‬ف
ي ح
ال مث
ل‬

‫‪29‬‬
‫ھذه الضرورة‪ ،‬وعلى توافق مباشر جدا م
ع واجباتھ
ا‪ ،‬ف
إن ش
يئا م
ا أق
ل م
ن الع
صمة‬
‫يلزم الحكومات بالتصرف وفقا لرأيھا الخاص‪ ،‬مؤي
دة‬
‫من الخطأ قد يضمن‪ ،‬بل وحتى ُ ُ‬
‫برأي البشرية العام‪ .‬كثيرا ما قيل أي
ضا‪ ،‬وم
ا زال ال
بعض يعتق
دون‪ ،‬بأن
ه م
ا م
ن أح
د‬
‫سوى الرجال السيئين يرغب في إضعاف تلك المعتقدات المفيدة؛ وانه ل
يس ھن
اك م
ن‬
‫خطأ‪ ،‬كما ُيعتقد‪ ،‬في تقييد الرجال السيئين‪ ،‬ومنع ما يود ھؤالء الرجال فقط ممارس
ته‪.‬‬
‫إن أسلوب التفكير ھذا يجعل من تبرير القيود المفروض
ة عل
ى المناق
شة لي
ست م
سألة‬
‫حقيقة المذاھب من عدمھا‪ ،‬بل مسألة منفعتھا م
ن ع
دمھا؛ ويمت
دح نف
سه بتل
ك الوس
يلة‬
‫مع
صوم‬
‫ٌ‬ ‫للتھرب من مسؤولية الزعم بأنه )أي األسلوب آنف الذكر( َ َ‬
‫حك
ٌم عل
ى اآلراء‬
‫م
ن الخط
أ‪ .‬ولك
ن ھ
ؤالء ال
ذين يب
ررون أنف
سھم عل
ى ھ
ذا النح
و‪ ،‬ال ي
دركون أن ھ
ذا‬
‫االفتراض بالعصمة من الخطأ قد ُ َ‬
‫نق
ل م
ن نقط
ة إل
ى نقط
ة أخ
رى‪ .‬إن فائ
دة رأي م
ا‪،‬‬
‫ھي بذاتھا مسألة رأي‪ :‬فھي قابلة للجدل‪ ،‬مفتوحة للمناقشة‪ ،‬وتتطلب من المناقشة بق
در‬
‫آراء معصوم من الخط
أ ليق
رر م
ا إذا‬
‫ٍ‬ ‫ما يتطلب الرأي‪ .‬ھنالك الحاجة نفسھا إلى َ َ‬
‫حكم‬
‫الم

ستنكر يمتل

ك‬
‫ك
ان ال

رأي ض

ارا‪ ،‬كم

ا يق
رر م

ا إذا ك

ان خاطئ

ا‪ ،‬م

ا ل
م يك

ن ال

رأي ُ‬
‫يف بالغرض أن نقول ب
أن ي
سمح للھرطق
ي‬
‫فرصة كاملة للدفاع عن نفسه‪ .‬وسوف لن ِ‬
‫بإدامة المنفعة أو عدم ضرر رأيه‪ ،‬على الرغم م
ن منع
ه م
ن إدام
ة حقيقت
ه‪ .‬إن حقيق
ة‬
‫ال

رأي ھ

ي ج

زء م

ن فائدت

ه‪ .‬ل

و كن

ا نع

رف م

ا إذا ك

ان م

ن المحب

ذ أن ي

تم ت

صديق‬
‫افتراض ما‪ ،‬أم ال‪ ،‬فھل يمكننا أن نستثني االعتب
ار القائ
ل بم
ا إذا ك
ان ذل
ك االفت
راض‬
‫ص

حيحا أم ال؟ ف

ي ال

رأي‪ ،‬ل

يس رأي الرج

ال ال

سيئين‪ ،‬ب

ل رأي أف

ضل الرج

ال‪ ،‬ال‬
‫يمك
ن ل
رأي من

اقض للحقيق
ة أن يك

ون مفي
دا حق
ا‪ :‬وھ

ل بوس
عك أن تمن

ع مث
ل ھ

ؤالء‬
‫الرجال من تشجيع ذلك االلتماس‪ ،‬عندما ُيتھمون بإثم إنكار مذھب معين قي
ل لھ
م بأن
ه‬
‫الم

ستلمة أو‬
‫مفي

د‪ ،‬ولك

نھم يعتق

دون بأن

ه خ

اطئ؟ إن ھ

ؤالء ال

ذين يؤي

دون اآلراء ُ‬
‫المتوارثة‪ ،‬ال يعجزون عن االستفادة من ھذا االلتماس بكل وس
يلة ممكن
ة؛ وال تج
دھم‬
‫يتناولون مسألة المنفعة كما لو أنھا يمك
ن ُ ّ‬
‫تج
رد بالكام
ل م
ن م
سألة الحقيق
ة‪ :‬ب
ل عل
ى‬
‫العكس‪ ،‬فألن مذھبھم ھو "الحقيقة" فوق كل ش
يء‪ ،‬نج
د أن معرفت
ه أو معتق
ده ينظ
ر‬

‫‪30‬‬
‫إليه على أن
ه ال غن
ى عن
ه‪ .‬ال يمك
ن أن تك
ون ھن
اك مناق
شة عادل
ة لم
سألة المنفع
ة أو‬
‫الفائدة‪ ،‬عندما ي
ستخدم ج
دل بھ
ذا الق
در م
ن الحيوي
ة م
ن قب
ل اح
د األط
راف‪ ،‬بينم
ا ال‬
‫يستخدمه الطرف اآلخر‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬عندما ال يسمح القانون أو الشعور العام لحقيقة‬
‫رأي ما بأن تخضع للجدل‪ ،‬فإنھما أقل تسامحا مع إنكار فائدته‪ .‬إن أقصى ما يسمحا به‬
‫ھو التخفيف من ضرورته المطلقة‪ ،‬أو من الذنب االيجابي لرفضه‪.‬‬

‫ومن أجل إيضاح األذى الذي يتسبب فيه إنكار االستماع لآلراء‪ ،‬وبشكل كام
ل‪،‬‬
‫ألنن

ا ش

جبناھا‪ ،‬بأحكامن

ا الخاص

ة‪ ،‬س

يكون م

ن المحب

ذ أن ن

ربط المناق

شة بق

ضية‬
‫ملموسة؛ وأنا اختار‪ ،‬من قبيل التف
ضيل‪ ،‬الق
ضايا األق
ل تف
ضيال بالن
سبة ل
ي— والت
ي‬
‫يعتبر فيھا الجدل ضد حرية الرأي‪ ،‬من حيث درج
ة الحقيق
ة وم
ن حي
ث المنفع
ة عل
ى‬
‫حد سواء‪ ،‬ھو األقوى‪ .‬دع اآلراء المفندة تكون اإليمان ب
ا• والحي
اة األخ
رى‪ ،‬أو ب
أي‬
‫مذھب م
ن الم
ذاھب األخالقي
ة المتوارث
ة والمتع
ارف عليھ
ا‪ .‬إن خ
وض معرك
ة عل
ى‬
‫مثل ھذه األرضية يعطي امتيازا كبيرا لخصم غير عادل؛ طالما ان
ه س
يقول دون ش
ك‬
‫)وكذلك العديد من الذين ليست لديھم أية رغبة ف
ي أن يكون
وا غي
ر ع
ادلين س
يقولونھا‬
‫بشكل ضمني(‪ :‬ھل ھذه المذاھب التي انتم ال تعتبرونھا صحيحة وأكيدة بما فيه الكفاية‬
‫ستندرج تحت حماية القانون؟ ھل إن اإليم
ان ب
ا• ھ
و أح
د اآلراء الت
ي تعتب
رون أنھ
ا‬
‫تفترض العصمة من الخطأ؟ ولكن يجب أن تسمحوا ل
ي ب
أن أالح
ظ ھن
ا أن م
ا ادع
وه‬
‫بافتراض العصمة من الخطأ ھو ليس الشعور بالتأكد من مذھب معين )مھما كان ذل
ك‬
‫المذھب(‪ .‬بل ھو ّ‬
‫تولي مھمة البت في ھذه المسألة بالنيابة عن اآلخرين‪ ،‬دون ال
سماح‬
‫لھم بأن يسمعوا ما يمكن أن يقال في الجانب اآلخر‪ .‬وأنا اشجب واستنكر ھ
ذا االدع
اء‬
‫كثيرا‪ ،‬حتى إذا ما ُ َ َ‬
‫بذل لصالح قناعاتي األكثر قداس
ة‪ .‬مھم
ا ك
ان إقن
اع الم
رء ايجابي
ا‪،‬‬
‫ليس المتعلق بالزيف فقط‪ ،‬بل المتعل
ق بالتبع
ات ال
ضارة—لي
ست التبع
ات ال
ضارة أو‬

تنكرھا‬
‫المؤذي
ة فح

سب‪ ،‬ب

ل ف

ساد ال

رأي وفج

وره وف

سقه )باس

تخدام التع

ابير الت

ي اس
ُ‬
‫بالكامل(؛ مع ذلك‪ ،‬إذا ما قام )ذلك المرء(‪ ،‬أثناء تنفيذ ذلك الحكم الخاص‪ ،‬على ال
رغم‬

‫‪31‬‬
‫من أنه مدعوم من قبل الحكم العام لبل
ده أو معاص
ريه‪ ،‬بمن
ع ال
رأي م
ن أن ي
دافع ع
ن‬
‫نفسه‪ ،‬فإنه ي
زعم الع
صمة م
ن الخط
أ‪ .‬وبعي
دا ع
ن ك
ون ال
زعم أق
ل خط
ورة أو إث
ارة‬
‫لالعتراض ألن الرأي قد وصف بالفاس
د أو العاص
ي أو الفاس
ق‪ ،‬فھ
ذه ھ
ي ح
ال كاف
ة‬
‫اآلراء األخرى التي يكون فيھا )ذلك الزعم( فتاكا للغاية‪ .‬تلك بال
ضبط ھ
ي المناس
بات‬
‫الت

ي يرتك

ب فيھ

ا أبن

اء الجي

ل الواح

د م

ن الرج

ال تل

ك األخط

اء المقيت

ة‪ ،‬الت

ي تثي
ر‬
‫اس

تغراب ورع

ب األجي

ال القادم

ة‪ .‬وم

ن ب

ين مث

ل ھ

ذه األخط

اء‪ ،‬نج

د أمثل

ة ي

ذكرھا‬
‫الت

اريخ‪ ،‬حي

ث اس

تخدمت ذراع الق

انون الق

تالع أف

ضل الرج

ال وأنب

ل الم

ذاھب؛ أم

ا‬
‫بنجاح بغيض تعيس بالنسبة للرجال‪ ،‬على الرغم من أن المذاھب قد عاشت وواص
لت‬
‫لكي ُ ّ‬
‫تستفز )كما لو في سخرية واستھزاء(‪ ،‬دفاعا عن سلوك مشابه تجاه ھ
ؤالء ال
ذين‬
‫ينشقون عنھا‪ ،‬أو عن مثيالتھا من التفسيرات المتوارثة‪.‬‬

‫ّقلما نحتاج إلى تذكير البشرية‪ ،‬في أغلب األحيان‪ ،‬ب


أن ك
ان ھن
اك رج
ل ي
دعى‬
‫سقراط‪ ،‬حدث بينه وبين السلطات الشرعية والرأي العام تصادم ال ينسى‪ .‬لقد تم تق
ديم‬
‫ھذا الرجل‪ ،‬الذي ولد في عصر وبلد غزي
رين بالعظم
ة الفردي
ة‪ ،‬إلين
ا م
ن قب
ل ھ
ؤالء‬
‫الذين عرفوه وعرفوا عصره بأفضل شكل‪ ،‬على أنه الرج
ل األكث
ر ف
ضيلة وخلق
ا ف
ي‬
‫عصره؛ بينما نعرفه نح
ن عل
ى أن
ه أنم
وذج ورأس معلم
ي الف
ضيلة الالحق
ين جميع
ا‪،‬‬
‫ومصدر اإللھام السامي ألفالط
ون والنفعي
ة المتعقل
ة ألرس
طو عل
ى ح
د س
واء‪ ،‬وھم
ا‬
‫المصدران الرئيسان للفلسفة األخالقية وجميع فروع الفلسفة األخ
رى‪ .‬ك
ان ھ
ذا ال
سيد‬
‫المعترف بسيادته من قبل جميع المفكرين البارزين الذين عاشوا منذ ذل
ك الح
ين— إذ‬
‫إن شھرته ما زالت تتسع بعد أكثر من ألف
ي عام
ا‪ ،‬وتف
وق ف
ي ثقلھ
ا ك
ل بقي
ة األس
ماء‬
‫التي جعلت مدينته األصلية مشھورة ج
دا— ق
د أع
دم م
ن قب
ل أبن
اء ش
عبه‪ ،‬بع
د اتھ
ام‬
‫قضائي‪ ،‬بالكفر والفسوق‪ .‬الكفر‪ ،‬في إنكار اآللھة التي كانت الدول
ة تعت
رف بھ
ا؛ وف
ي‬
‫الحقيق

ة‪ ،‬إن ال

ذي اتھم

ه أك

د ان

ه ل

م ي

ؤمن ب

أي آلھ

ة إطالق

ا )انظ

ر االبولوجيا(؛‬
‫والف
سوق‪ ،‬م

ن خ
الل كون

ه "مف
سدا لل

شباب"‪ ،‬عب
ر معتقدات

ه وتوجيھات
ه‪ .‬وق

د وجدت

ه‬

‫‪32‬‬
‫المحكم

ة م

ذنبا بھ

اتين التھمت

ين‪ ،‬وھنال

ك ك

ل األس

س الممكن

ة لالعتق

اد ب

ذلك‪ ،‬وبك

ل‬
‫نزاھة‪ ،‬وأدانت الرجل الذي استحق أفضل ما يستحق البشر‪ ،‬وحكمت عليه بالقتل كأي‬
‫مجرم‪.‬‬

‫للعبور من ھذا المثال إل


ى المث
ال اآلخ
ر الوحي
د عل
ى الظل
م الق
ضائي ال
ذي ل
ن‬
‫يكون ذكره‪ ،‬بعد إدانة سقراط‪ ،‬ذروة مغايرة‪ ،‬ھو‪ :‬الحدث الذي جرى في كالفاري )ت
ل‬
‫الجمجمة في أورشليم( قبل أكثر من ألف وثمانمائ
ة عام
ا‪ .‬ك
ان الرج
ل ال
ذي ت
رك ف
ي‬
‫ذاك

رة ال

ذين ش

ھدوا حيات

ه وحوارات

ه‪ ،‬انطباع

ا كبي

را ع

ن عظمت

ه األخالقي

ة‪ ،‬وجع

ل‬
‫ص
لب ب
شكل مخ
زي‪،‬‬ ‫القرون الثمانية عشر الالحق
ة ّ‬
‫تبجل
ه عل
ى أن
ه ﷲ بشخ
صه‪ ،‬ق
د ُ‬
‫مث

ل م

اذا؟ مث

ل ك

افر‪ .‬ل

م يخط

ئ الن

اس ب

شخص راع

يھم فق

ط‪ ،‬ب

ل أخط

أوا ب

ه عل

ى‬
‫النقيض تماما مما كان عليه‪ ،‬وعاملوه على أنه أنموذج للمع
صية اقترن
وا ب
ه ھ
م اآلن‪،‬‬
‫نظرا لمعاملتھم له على ذلك النحو‪ .‬إن المشاعر التي تنظر بھا البشرية الي
وم إل
ى ھ
ذه‬
‫المعاملتين المحزنتين‪ ،‬وال سيما األخير منھما‪ ،‬جع
ل م
نھم ظ
المين للغاي
ة ف
ي حكمھ
م‬
‫عل

ى الع

املين التعي

سين‪ .‬ك

ان ھ

ؤالء الرج

ال‪ ،‬ف

ي جمي

ع األنظ

ار‪ ،‬لي

سوا رج

اال‬

رف ع

ن الب

شر‪ ،‬ب

ل عل

ى العك

س؛ ك

انوا رج

اال‬
‫س

يئين— لي

سوا أس

وأ م

ن مم

ا ُيع
َ‬
‫يمتلك

ون كام

ل العواط

ف‪ ،‬أو أكث

ر م

ن المق

دار الكام

ل‪ ،‬م

ن العواط

ف الديني

ة‪،‬‬
‫واألخالقي

ة‪ ،‬والوطني

ة لع

صرھم وناس

ھم‪ :‬وھ

و نف

س ال

صنف م

ن الرج

ال ال

ذين‬
‫يمتلكون‪ ،‬في كل العصور‪ ،‬بما فيھ
ا ع
صرنا‪ ،‬ك
ل فرص
ة لع
يش الحي
اة ب
احترام وب
ال‬
‫الئمة‪ .‬إن الكاھن األعلى الذي ّ‬
‫مزق عباءته عندما كانت الكلم
ات ُتلف
ظ‪ ،‬الكلم
ات الت
ي‬
‫كان

ت‪ ،‬بح

سب أفك

ار ب

الده‪ ،‬ت

شكل اإلث

م األحل

ك‪ ،‬ك

ان بك

ل االحتم

االت مخل

صا ف

ي‬
‫مخاوفه وغضبه‪ ،‬شأنه بذلك شأن ما عليه عموم المحترمين والمتقين من الرج
ال اآلن‬
‫في العواطف الدينية واألخالقية التي يحترفونھا؛ ومعظم ھؤالء ال
ذين يرتع
دون الي
وم‬
‫لفظاعة ذلك الفعل‪ ،‬لو كانوا قد عاشوا في زمن
ه )أي زم
ن الك
اھن(‪ ،‬ول
و ك
انوا يھ
ودا‬
‫بالوالدة‪ ،‬لفعلوا كما فعل بالضبط‪ .‬على الم
سيحيين االورث
ودوكس‪ ،‬ال
ذين يميل
ون إل
ى‬

‫‪33‬‬
‫االعتقاد ب
أن ھ
ؤالء ال
ذين رجم
وا ال
شھداء األوائ
ل بالحج
ارة حت
ى الم
وت ال ب
د إنھ
م‬
‫المضطھدين كان القديس بول‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كانوا أسوأ منھم‪ ،‬أن يتذكروا أن احد أولئك‬

‫دعون
ا ن

ضيف مث

اال آخ

ر‪ ،‬وھ

و األكث

ر إث

ارة م

ن الجمي

ع‪ ،‬إذا م

ا قي

ست إث

ارة‬
‫الخطأ بحكمة وفضيلة من يقع فيه‪ .‬إذا كان ھناك شخص‪ ،‬يمتلك السلطة‪ ،‬ولدي
ه أس
اس‬
‫يجعله يعتقد أنه األفضل واألكثر استنارة ومعرفة من بين معاصريه‪ ،‬فھو اإلمبراطور‬
‫ماركوس اوريليوس‪ .‬بصفته الملك المطلق للعالم المتحضر بأسره‪َ ،‬حف
ظ خ
الل حيات
ه‬
‫ل

يس العدال

ة الت

ي ال ت

شوبھا ش

ائبة فح

سب‪ ،‬ب

ل م

ا ل

م يك

ن متوقع

ا كثي

را م

ن تربيت

ه‬
‫الرواقية‪ ،‬أال وھو قلبه الرقيق للغاية‪ .‬كانت جميع اإلخفاق
ات القليل
ة المن
سوبة إلي
ه م
ن‬
‫ناحية االنغماس‪ :‬بينما كانت كتاباته‪ ،‬وھي المنتج األخالقي األعلى للعقل القديم‪ ،‬ن
ادرا‬
‫م
ا كان
ت تختل
ف م
ن الناحي
ة المح
سوسة‪ ،‬ھ
ذا إن اختلف
ت عل
ى اإلط
الق‪ ،‬ع
ن تع
اليم‬
‫الم

سيح الممي

زة‪ .‬ك

ان ھ

ذا الرج

ل‪ ،‬ف

ي ك

ل ش

يء م

ا ع

دا المعن

ى ال

دوغماتي للكلم

ة‪،‬‬
‫مسيحيا أفضل من جميع الملوك والحكام الذين يزعمون أنھم مسيحيين‪ ،‬والذين منذ أن‬
‫حكموا اضطھدوا المسيحية‪ .‬كان متربع
ا عل
ى قم
ة كاف
ة االنج
ازات الب
شرية ال
سابقة‪،‬‬
‫بعقله المفتوح‪ ،‬وغير المقيد‪ ،‬وشخصه الذي قاده من نفسه ليجسد في كتاباته األخالقي
ة‬
‫المثال المسيحي‪ ،‬إال أنه رغم ذاك فشل ف
ي أن ي
رى أن الم
سيحية كان
ت لت
صبح خي
را‬
‫ول

يس ش

را للع

الم‪ ،‬م

ع واجبات

ه الت

ي ك

ان م

ستغرقا فيھ

ا بعم

ق‪ .‬لق

د ع

رف المجتم

ع‬
‫المتواجد على أنه في حالة يرثى لھا‪ .‬ولكنه بما كان عليه‪ ،‬رأى‪ ،‬أو اعتقد أنه رأى‪ ،‬أنه‬
‫– أي المجتم

ع‪ -‬متماس

ك م

ع بع

ضه‪ ،‬وممن

وع م

ن الت

دھور‪ ،‬ع

ن طري

ق اإليم

ان‬
‫واحترام المقدسات المتوارثة‪ .‬وبصفته حاكما للبشر‪ ،‬اعتبر أن من واجب
ه أن ال يجع
ل‬
‫المجتم

ع يع

اني م

ن االنق

سام إل

ى قط

ع ص

غيرة؛ ول

م ي

ر كي

ف يمك

ن ت

شكيل أواص

ر‬
‫يمكنھا أن تربط نسيج المجتمع ببعضه البعض‪ ،‬إذا ما أزيلت روابطه الحالية‪ .‬استھدف‬
‫الدين الجديد‪ ،‬وبشكل صريح‪ ،‬حل تل
ك ال
روابط‪ :‬ل
ذا‪ ،‬إن ل
م يك
ن واجب
ه ف
ي أن يتبن
ى‬
‫ذلك ال
دين‪ ،‬ك
ان يب
دو أن واجب
ه ھ
و أن يقمع
ه‪ .‬بم
ا إن الديان
ة الم
سيحية ل
م تك
ن تب
دو‬

‫‪34‬‬
‫حقيقي

ة ص

ادقة‪ ،‬ذات ج

ذور مقدس

ة‪ ،‬بالن

سبة ل

ه؛ وبم

ا إن ھ

ذا الت

اريخ الغري

ب إلل

ه‬
‫مصلوب لم يكن معقوال بالنسبة له‪ ،‬وان نظاما ّ‬
‫يدعي االستناد الكامل على أساس غي
ر‬
‫معقول تماما بالنسبة له‪ ،‬ولم يكن يتوقع منه أن ي
صبح وكال
ة اإلص
الح والتجدي
د الت
ي‬
‫ّ‬
‫والحكام األكثر‬ ‫خول الفالسفة‬
‫أثبتت نفسھا‪ ،‬بعد كل ذلك القمع‪ ،‬على أرض الواقع؛ فقد ّ‬
‫لياق

ة ولطف

ا‪ ،‬تح

ت إح

ساس مق

دس بالواج

ب‪ ،‬بقم

ع الم

سيحية‪ .‬ف

ي ت

صوري‪ ،‬إن ھ

ذا‬
‫لواحد من الحقائق األكثر مأساوية في التاريخ‪ .‬إنه لفكرة مريرة‪ ،‬لو أن الدين المسيحي‬
‫قد ﱡ ِ‬
‫اتخذ على أنه الدين الرسمي لإلمبراطورية في ظل رعاية ماركوس اوريليوس بدال‬
‫من رعاية قسطنطين‪ ،‬لصارت مسيحية العالم شيئا مختلفا‪ .‬ولكن سيكون من اإلجحاف‬
‫بحق
ه أي
ضا‪ ،‬وم
ن ت
شويه الحقيق
ة‪ ،‬إنك

ار حقيق
ة أن م
اركوس اوريلي
وس ك
ان ينق

صه‬
‫التماسا واحدا يحث على معاقبة التعليم المناھض للمسيحية‪ ،‬لكي يعاقب‪ ،‬كم
ا فع
ل ف
ي‬
‫الواقع‪ ،‬التبشير بالمسيحية‪ .‬ما من مسيحي ي
ؤمن بق
وة ب
بطالن الديان
ة الوثني
ة‪ ،‬وميلھ
ا‬
‫نحو تفكيك المجتمع‪ ،‬أكثر من إيم
ان م
اركوس اوريلي
وس ب
نفس األش
ياء تج
اه الديان
ة‬
‫المسيحية؛ وھو الذي كان يعتقد بأنه‪ ،‬من بين كافة الن
اس ال
ذين عاش
وا آن
ذاك‪ ،‬الرج
ل‬
‫األكثر قدرة تثمينھا‪ .‬إن كان ھناك أي ش
خص من
ا يؤي
د معاقب
ة ن
شر اآلراء‪ ،‬ول
م يق
دم‬
‫على امتداح نفسه‪ ،‬معتقدا بأنه رجال أكث
ر حكم
ة وأف
ضل م
ن م
اركوس اوريلي
وس –‬
‫وأكثر عمق
ا ف
ي ثقافت
ه ف
ي حكم
ة ع
صره‪ ،‬واالھ
م م
ن ذل
ك‪ ،‬أكث
ر ّ‬
‫رقي
ا ف
ي ذكائ
ه—‬
‫وأكث

ر حرص

ا ف

ي بحث

ه ع

ن الحقيق

ة‪ ،‬أو أكث

ر تف

ردا ب

الرأي ف

ي التزام

ه بھ

ا عن

دما‬
‫يج

دھا؛‪ --‬فعلي

ه أن يك

ف ع

ن ذل

ك االدع

اء بالع

صمة م
ن الخط

أ الم

شتركة لنف

سه‪،‬‬
‫وللجمھور‪ ،‬التي ادعى بھا انطونيوس العظيم فأدت إلى نتيجة بائسة‪.‬‬

‫بعد إدراكھم الستحالة الدفاع عن استخدام العقاب لمنع أية آراء غير ديني
ة‪ ،‬م
ن‬
‫خالل أي جدل لن يبرر ماركوس انطونيوس‪ّ ،‬‬
‫تقب
ل أع
داء الحري
ة الديني
ة‪ ،‬ف
ي بع
ض‬
‫األحيان‪ ،‬عندما يتعرضون لضغط شديد‪ ،‬ھ
ذه النتيج
ة وق
الوا‪ ،‬م
ع ال
دكتور جون
سون‪،‬‬
‫إن م

ضطھدي الم

سيحية ك

انوا عل

ى ح

ق؛ وإن االض

طھاد ھ

و مع

ضلة يج

ب عل

ى‬

‫‪35‬‬
‫الحقيقة أن تجتازھا‪ ،‬وعادة ما كانت تفعل ذلك بنجاح‪ ،‬وإن العقوبات القانونية ھي في‬
‫نھاية المط
اف‪ ،‬عديم
ة الق
وة إزاء الحقيق
ة‪ ،‬عل
ى ال
رغم م
ن أنھ
ا ف
ي بع
ض األحي
ان‪،‬‬
‫فاعل

ة ب

شكل مفي

د‪ ،‬ض

د األخط

اء المؤذي

ة‪ .‬ھ

ذا ھ

و ش

كل م

ن أش

كال الج

دل ل

صالح‬
‫التعصب الديني‪ ،‬البارز بدرجة تجعله ال يمر دونما نالحظه‪.‬‬

‫ال يمك

ن اتھ

ام النظري

ة الت

ي تؤك

د أن الحقيق

ة يمك

ن أن تُ

ضطھد‪ ،‬عل

ى نح

و‬
‫مب

رر‪ ،‬ألن االض

طھاد ال يمك

ن أن يلح

ق بھ

ا أي ض

رر‪ ،‬بأنھ

ا عدواني

ة‪ ،‬وب

شكل‬
‫قصدي‪ ،‬ضد استقبال الحقائق الجديدة؛ ولكننا ال نستطيع أن نوص
ي بك
رم تعاملھ
ا م
ع‬
‫األشخاص الذين تدين لھم البشرية‪ .‬أن تكتشف شيئا للعالم‪ ،‬شيئا يھمه بعم
ق‪ ،‬غي
ر أن
ه‬
‫ك

ان ج

اھال ب

ه ف

ي الماض

ي؛ وأن تب

رھن ل

ه أن

ه ك

ان مخطئ

ا ف

ي نقط

ة ح

ساسة م

ن‬
‫المصلحة الدنيوية أو الدينية‪ ،‬لھي أكبر خدمة مھمة يمكن لإلنسان أن ّ‬
‫يقدمھا إل
ى أبن
اء‬
‫جلدت

ه‪ ،‬وف

ي بع

ض الح

االت‪ ،‬مث

ل ح

االت الم

سيحيين األوائ

ل واإلص

الحيين‪ ،‬ف

إن‬
‫ھؤالء الذين يرون ما يراه الدكتور جونسون‪ ،‬يعتقدون أنھا أغل
ى ھب
ة يمك
ن أن يھبھ
ا‬
‫ﷲ للبشرية‪ .‬أما أن يجزى مؤلفو أو مؤسسو مثل ھ
ذه الفوائ
د العظيم
ة بال
شھادة؛ وأن‬
‫يكون جزاؤھم ھ
و أن يع
املوا معامل
ة أعت
ى المج
رمين‪ ،‬فل
يس خط
أ محزن
ا‪ ،‬أو س
وء‬
‫طالع يجب أن تحزن عليه اإلنسانية وتندبه بحالة من الحداد‪ ،‬حسب ھ
ذه النظري
ة‪ ،‬ب
ل‬
‫ھو الوضع الطبيعي والمبرر لألشياء‪ .‬إن من يكت
شف أو يقت
رح حقيق
ة جدي
دة‪ ،‬ح
سب‬
‫ھذا المذھب‪ ،‬يج
ب أن يق
ف‪ ،‬كم
ا وق
ف ف
ي الماض
ي‪ ،‬ح
سب ت
شريع )اللوكري
انيين(‪،‬‬
‫مقترح القانون الجديد‪ ،‬مع حبل بأش
نوطة يلت
ف ح
ول عنق
ه‪ ،‬لي
شد ف
ورا‪ ،‬إذا ل
م تتبن
ى‬
‫ِ‬
‫الجمعية العامة مقترحه‪ ،‬بع
د االس
تماع إل
ى أس
بابه‪ ،‬ف
ي ذل
ك الزم
ان والمك
ان‪ .‬الن
اس‬
‫الذين يدافعون عن مثل ھذا ال
نمط م
ن التعام
ل م
ع ال
واھبين أو المح
سنين ال يمك
ن أن‬
‫نفترض بأنھم يضعون قيمة كبيرة على الفائدة؛ واعتقد أن ھذه النظرة للموضوع مقيدة‬
‫على األغلب بنوع األشخاص الذين يعتقدون بأن الحقائق الجديدة قد كان
ت محبب
ة ذات‬
‫مرة‪ ،‬ولكننا اآلن تحملنا الكثير منھا‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ولكن في الواقع‪ ،‬إن المثل القائل بأن الحقيقة تنتصر دائما على االض
طھاد‪ ،‬ھ
و‬
‫واحد من األكاذيب المفرحة التي يكررھا الرجال‪ ،‬الواحد تلو اآلخر‪ ،‬حتى تتحول إل
ى‬
‫مالحظات بليدة‪ ،‬ولكن التجربة تفندھا جميعا‪ .‬التأريخ يع
ج باألمثل
ة ع
ن الحق
ائق الت
ي‬
‫قمعھا االضطھاد‪ .‬إن لم يتم قمعھ
ا إل
ى األب
د‪ ،‬فق
د تت
أخر قرون
ا‪ .‬ولنتح
دث ع
ن اآلراء‬
‫الدينية‪ :‬فقد اندلع اإلصالح عشرون مرة على األقل قبل لوثر‪ ،‬وقد اخمد في مكانه‪ .‬فقد‬

ع ارنول

د م

ن بري

شا‪ .‬وأس

كت ف

را دول

سينو‪ .‬وس

افوناروال ق

د ُقم

ع‪ .‬والبيجي

وز ق

د‬
‫ُقم
َ‬
‫ُقمعوا‪ .‬والفودوايين قمع
وا‪ ،‬والل
والرديين ُقمع
وا‪ ،‬والھوس
يين قمع
وا‪ .‬حت
ى ف
ي ع
صر‬
‫لوثر‪ ،‬حيثما كان ھناك إصرار على االضطھاد‪ ،‬ك
ان االض
طھاد ي
نجح‪ .‬فف
ي اس
بانيا‪،‬‬
‫وايطاليا‪ ،‬والفالندرز‪ ،‬واإلمبراطورية النمساوية‪ ،‬اقتلعت البروت
ستانتية؛ وربم
ا كان
ت‬
‫ستقتلع من انجلترا أيضا‪ ،‬لو أن الملكة ماري قد عاش
ت‪ ،‬أو كان
ت الملك
ة إليزابي
ث ق
د‬
‫ماتت‪ .‬عادة ما نجح االضطھاد‪ ،‬ما عدا عندما يكون الكافرون حزب
ا أق
وى م
ن أن ي
تم‬
‫قمعه واضطھاده بشكل فاعل‪ .‬ما من شخص عاقل يشكك في أن الديانة المسيحية ربما‬
‫تك

ون ق

د استأص

لت ومحي

ت ف

ي اإلمبراطوري

ة الروماني

ة‪ .‬لق

د انت

شرت‪ ،‬وأص

بحت‬
‫مھيمنة‪ ،‬ألن االضطھاد كان عرضيا فقط‪ ،‬لم يستمر س
وى لوق
ت ق
صير‪ ،‬تف
صل بين
ه‬
‫فواص

ل زمني

ة طويل

ة م

ن الت

رويج والدعاي

ة الت

ي ال يقاطعھ

ا أح

د‪ .‬إن

ه لم

ن وح

ي‬
‫العواطف الجياشة السمجة أن تمتلك الحقيق
ة‪ ،‬بوص
فھا حقيق
ة فق
ط ‪ ،‬أي
ة ق
وة كامن
ة ال‬
‫تقبل الخطأ‪ ،‬لتنتصر على الزنزانة والمشنقة‪ .‬ل
يس الرج
ال أكث
ر حماس
ا للحقيق
ة م
نھم‬
‫للخط

أ‪ ،‬كم

ا أن التطبي

ق المالئ

م للعقوب

ات القانوني

ة‪ ،‬ب

ل وحت

ى االجتماعي

ة س

ينجح‬
‫عموما في إيقاف انتشار كل منھما‪ .‬إن االمتياز الحقيقي الذي تمتلكه الحقيقة‪ ،‬مت
ضمن‬
‫في ھذا‪ ،‬ھو عندما يكون الرأي صحيحا‪ ،‬فإنه قد ينطفئ مرة‪ ،‬م
رتين‪ ،‬أو ع
دة م
رات‪،‬‬
‫ولك

ن بتت

ابع الع

صور‪ ،‬س

يكون ھن

اك عموم

ا بع

ض األش

خاص ال

ذين س

يعيدون‬
‫اكت

شافھا‪ ،‬حت

ى ت

صادف واح

دة م

ن مناس

بات ظھورھ

ا ثاني

ة ف

ي وق

ت تتف

ادى في

ه‬

‫‪37‬‬
‫االض

طھاد ف

ي ظ

روف محب

ذة‪ ،‬حت

ى تح

رز تق

دما كبي

را تجاب

ه في

ه ك

ل المح
اوالت‬
‫المتتالية لقمعھا‪.‬‬

‫س

يقال إنن

ا اآلن ال نحك

م باإلع

دام عل

ى ال
ذين يق

دمون آراء جدي

دة‪ :‬نح

ن ل

سنا‬
‫كأجدادنا الذين ذبحوا األنبياء‪ ،‬وبنوا المدافن لھم‪ .‬حقا‪ ،‬أننا لم نعد نعدم الكف
ار؛ ومق
دار‬
‫اإلصابة الجزائية التي ربما يتحملھا ال
شعور الح
ديث‪ ،‬حت
ى ض
د أكث
ر اآلراء بغ
ضا‪،‬‬
‫ليس مقدارا كافيا الستئصالھا‪ .‬ولكن دعونا ال نمتدح أنفسنا بأننا م
ا زلن
ا نظيف
ين حت
ى‬
‫من لطخات االضطھاد القانوني‪ .‬ما زالت العقوبات عل
ى اآلراء‪ ،‬أو عل
ى التعبي
ر ع
ن‬
‫اآلراء عل

ى أق

ل تق

دير‪ ،‬موج

ودة وبموج

ب الق

انون؛ وإن تنفي

ذھا‪ ،‬حت

ى ف

ي تل

ك‬
‫األوق

ات‪ ،‬ل

يس ن

ادرا إل

ى الح

د ال

ذي يجع

ل م

ن غي

ر المعق

ول أن ي

تم إحياؤھ

ا إل

ى‬
‫درجاتھ

ا الق

صوى‪ .‬ع

ام ‪ ،1857‬ف

ي الجل

سات ال

صيفية لمقاطع

ة كورن

وال‪ ،‬قي

ل ع

ن‬
‫رجل سيء الحظ كان س
لوكه اس
تثنائيا ف
ي جمي
ع عالقات
ه الحياتي
ة‪ ،‬إن
ه حك
م بال
سجن‬
‫واحد وعشرون ش
ھرا‪ ،‬لتلفظ
ه وكتابت
ه ل
بعض العب
ارات الت
ي ت
سيء لل
دين الم
سيحي‬
‫عل

ى البواب

ة‪ .‬وف

ي غ

ضون ش

ھر م

ن الوق

ت نف

سه‪ُ ،‬رفَ
َ‬

ضت ع

ضوية شخ

صين‪ ،‬ف

ي‬
‫مناس

بتين مختلفت

ين‪ ،‬ف

ي ھيئ

ة المحلف

ين‪ ،‬وق

د تع

رض اح

دھما لالھان

ة ال

شديدة م

ن‬
‫القاضي ومن أحد المستشارين‪ ،‬ألنھما أعلنا بصدق أن ليس لديھما معتق
دا ديني
ا؛ بينم
ا‬
‫حرم ثالث‪ ،‬وھو أجنبي‪ ،‬وللسبب نفسه‪ ،‬من حق العدال
ة ف
ي ش
كواه ض
د ل
ص‪ .‬إن ھ
ذا‬
‫ُ ِ‬
‫ال

رفض للتع

ويض ق

د ح

دث بف

ضل الم

ذھب الق

انوني القائ

ل ب
أن ال ي

سمح ألح

د ال‬
‫يحت

رف اإليم

ان بإل

ه‪) ،‬أي إل

ه يف

ي ب

الغرض( والحي

اة األخ

رى‪ ،‬ب

اإلدالء ب

شھادة أو‬
‫تقديم دليل ف
ي المحكم
ة؛ وھ
و ش
يء م
ساو ٍ العتب
ار ھ
ؤالء األش
خاص خ
ارجين ع
ن‬
‫الق

انون‪ ،‬م

ستثنين م

ن حماي

ة المح

اكم؛ كم

ا أنھ

م ق

د يتعرض

ون للمھاجم

ة أو ال

سرقة‬
‫ويفلت الفاعل من العق
اب‪ ،‬إذا ل
م يك
ن ھن
اك اح
د حاض
را س
واھم‪ ،‬أو س
وى أش
خاص‬
‫يحمل

ون نف

س اآلراء‪ ،‬ل

يس ھ

ذا فح

سب‪ ،‬ب

ل إن شخ

صا آخ

ر ق

د يتع

رض لل

سرقة أو‬
‫المھاجم

ة ويفل

ت الفاع

ل م

ن العق

اب‪ ،‬إذا اعتم

د إثب

ات الحقيق

ة عل

ى ش

ھادتھم ‪ .‬إن‬

‫‪38‬‬
‫القسم ش
يء ع
ديم القيم
ة‪ ،‬إذا ك
ان ال
شخص ال‬
‫االفتراض الذي استند عليه ھذا‪ ،‬ھو أن َ‬
‫يؤمن بحياة أخرى؛ وھو اقتراح ينم عن جھل كبير بالتأريخ لدى ھ
ؤالء ال
ذين يتفق
ون‬
‫مع

ه )بم

ا أن

ه ص

حيح تاريخي

ا إن ن

سبة كبي

رة م

ن الك

افرين ف

ي ك

ل الع

صور ك

انوا‬
‫أشخاصا يمتازون بالنزاھة والشرف(؛ وسوف لن يدعم
ه اح
د يمتل
ك أدن
ى ح
د ممك
ن‬
‫م

ن اإلدراك بع

دد األش

خاص ال

ذين يمتلك

ون ال

شھرة األعظ

م ف

ي الع

الم‪ ،‬لف

ضيلتھم‬
‫والنجازاتھم على حد سواء‪ ،‬ولكنھم معروفون‪ ،‬على األقل لدى المق
ربين م
نھم‪ ،‬ب
أنھم‬
‫غير مؤمنين‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬إن القاعدة انتحارية‪ ،‬وھي تقطع أساسھا بنفسھا‪ .‬فتح
ت‬
‫االفتراض بأن الوثنيين البد أن يكونوا كاذبين‪ ،‬تسمح بشھادة كل الوثنيين الراغبين في‬
‫الك

ذب‪ ،‬وال ت

رفض س

وى ھ

ؤالء ال

ذين يتح

دون التندي

د والل

وم ب

اعترافھم العلن

ي‬
‫باعتناقھم معتقدا بغيضا‪ ،‬بدال من تلفيقھم ألكذوبة‪ .‬إن قاعدة تدين ذاتھا بذاتھا على ھ
ذا‬
‫النحو‪ ،‬يمكن أن تبقى فاعلة‪ ،‬ولكن كشارة للبغضاء والكراھي
ة فق
ط‪ ،‬أو ك
أثر م
ن آث
ار‬
‫االضطھاد؛ اضطھاد يمتلك الفرادة أيضا‪ ،‬بحيث ﱠ‬
‫إن مؤھالت اجتيازه‪ ،‬ھ
ي أن ُيب
رھن‬
‫بالدليل القاطع على أن الفرد ال ي
ستحقه )أي االض
طھاد(‪ .‬إن القاع
دة‪ ،‬والنظري
ة الت
ي‬
‫تضمرھا‪ ،‬نادرا م
ا تكون
ان أق
ل إھان
ة للم
ؤمنين منھ
ا للك
افرين‪ .‬ألن
ه إذا ك
ان ال
ذي ال‬
‫يؤمن بالحياة األخ
رى‪ ،‬يك
ذب بال
ضرورة‪ ،‬ف
إن ذل
ك يعن
ي أن ال
ذين يؤمن
ون ھ
م فق
ط‬
‫الممنوعون من الكذب من خالل خوف النار‪ ،‬إذا كانوا ممنوعين حقا‪ .‬سوف ل
ن نلح
ق‬
‫األذى بمؤلفي ھذه القاعدة والمحرضين عليھا‪ ،‬من خالل االفتراض بأن المفھوم ال
ذي‬
‫قد شكلوه حول الفضيلة المسيحية مستمد من وعيھم الخاص‪.‬‬

‫تلك‪ ،‬حقا‪ ،‬ھي بقايا وآثار االضطھاد فقط‪ ،‬وقد ُ َ‬


‫يعتقد بأنھا لي
ست إش
ارة للرغب
ة‬
‫في االضطھاد‪ ،‬بقدر ما ھي مثال على ذلك الوھن المتكرر جدا في العقول االنجليزية‪،‬‬
‫الذي يجعلھم يجدون متعة غير معقولة ف
ي التأكي
د عل
ى مب
دأ س
يء‪ ،‬عن
دما ل
م يع
ودوا‬
‫سيئين بما فيه الكفاية ليرغبوا في جعله في حيز التنفيذ‪ .‬ولكن لألس
ف ل
يس ھن
اك أمن
ا‬
‫أو ض

مانا ف

ي حال

ة العق

ل الع

ام‪ ،‬ب
أن تعلي

ق أس

وأ أش

كال االض

طھاد الق

انوني‪ ،‬الت

ي‬

‫‪39‬‬
‫استمرت لقرابة جيل‪ ،‬سيستمر‪ .‬في ھذا الع
صر‪ ،‬كثي
را م
ا ي
تم إزع
اج ال
سطح الھ
ادئ‬
‫ﱠح‬
‫للروتين بمحاوالت إيقاظ الشرور القديمة‪ ،‬إلى حد تقديم فوائد جديدة‪ .‬إن ما يتم الت
بج َ‬
‫به في الوقت الحالي كإحياء الدين‪ ،‬عادة ما يكون‪ ،‬في العقول الضيقة وغير المتعلم
ة‪،‬‬
‫إحياء للتعصب؛ وحيثما تكون ھناك خميرة للتعصب في مشاعر أبناء شعب ما‪ ،‬وھي‬
‫ً‬
‫ت

ستوطن ف

ي الطبق

ة الوس

طى‪ ،‬ال يحت

اج األم

ر إال لل

شيء القلي

ل إلث

ارتھم )أي أبن

اء‬
‫الشعب( ليمارسوا االضطھاد الفعلي ضد ھؤالء الذين لم يكفّوا ق
ط ع
ن االعتق
اد ب
أنھم‬
‫األھداف المناسبة لالض
طھاد‪ .‬إن ھ
ذا ھ
و ال
سبب – إنھ
ا اآلراء الت
ي يتبناھ
ا الرج
ال‪،‬‬
‫والمشاعر التي يحملون‪ ،‬فيما يتعلق بھؤالء ال
ذين ينك
رون المعتق
دات الت
ي يعتبرونھ
ا‬
‫مھمة— الذي يجعل ھذا البلد‪ ،‬ليس مكانا للحرية العقلية‪.‬‬

‫لفت

رة طويل

ة خل

ت‪ ،‬ك

ان ال

ضرر ال

رئيس للعقوب

ات ال

شرعية ھ

ي أنھ

ا تع

زز‬
‫مشاعر العار االجتماعي‪ .‬إن وصمة العار ھذه ھ
ي الم
ؤثرة فع
ال‪ ،‬وھ
ي م
ؤثرة ج
دا‪،‬‬
‫بحي

ث ﱠ‬
‫إن احت

راف اآلراء الت

ي ھ

ي تح

ت حظ

ر المجتم

ع لھ

و ش

يء أق

ل ش

يوعا ف

ي‬
‫انجلت

را م

ن االعت

راف بتل

ك الت

ي ت

ستدعي عقوب

ة ق

ضائية ف

ي العدي

د م

ن البل

دان‬
‫األخ

رى‪ .‬فيم

ا يتعل

ق بك

ل األش

خاص‪ ،‬ع

دا ھ

ؤالء ال

ذين جعل

تھم ظ

روفھم المالي

ة‬
‫يعتم

دون عل

ى اإلرادة الح

سنة للن

اس اآلخ

رين‪ ،‬ف

إن ال

رأي‪ ،‬ف

ي ھ

ذا الموض

وع‪،‬‬
‫بمستوى فعالية القانون؛ قد يتعرض الرج
ال إل
ى ال
سجن أي
ضا‪ ،‬وك
ذلك يحرم
ون م
ن‬
‫ك

سب ق

وتھم‪ .‬أم

ا ھ

ؤالء ال

ذين ق

وتھم مكف

ول م

سبقا‪ ،‬وال

ذين لي

ست ل

ديھم رغب

ة ف

ي‬
‫أف

ضال م

ن رج

ال ال

سلطة‪ ،‬أو م

ن كيان

ات م

ن الرج

ال‪ ،‬أو م

ن العام

ة‪ ،‬ف

ال يخ

شون‬
‫االعتراف المباشر بأي
ة آراء‪ ،‬س
وى أن ي
ساء الظ
ن بھ
م‪ ،‬أو ي
ساء التح
دث ع
نھم‪ ،‬وال‬
‫ينبغي أن يتطل
ب ھ
ذا إل
ى قال
ب بط
ولي ّ‬
‫ليمك
نھم م
ن التحم
ل‪ .‬ل
يس ھن
اك مج
ال ألي‬
‫التماس بالنيابة ع
ن مث
ل ھ
ؤالء األش
خاص‪ .‬ولك
ن عل
ى ال
رغم م
ن أنن
ا اآلن ال نلح
ق‬
‫الكثير من الشر أو الضرر بھؤالء الذين يفكرون بشكل مختلف عن
ا‪ ،‬كم
ا اعت
دنا عل
ى‬
‫أع
دم‬
‫ذلك في الماضي‪ ،‬يمكن أننا نلحق بأنفسنا شرا كبيرا من خالل معاملتن
ا لھ
م‪ .‬لق
د ِ َ‬

‫‪40‬‬
‫سقراط‪ ،‬ولكن الفلسفة السقراطية بزغت كالشمس في ال
سماء‪ ،‬ون
شرت ض
ياءھا عل
ى‬
‫رمي المسيحيون لألسود‪ ،‬ولكن الكنيسة المسيحية نمت مثل‬
‫كل السماوات الفكرية‪ .‬لقد ُ َ‬
‫شجرة مھيبة وارفة الظالل‪ ،‬فارتفعت على النبات
ات القديم
ة األق
ل حيوي
ة‪ ،‬وخنقتھ
ا أو‬
‫حبستھا بظاللھا‪ .‬إن تعصبنا االجتم
اعي المج
رد ال يقت
ل أح
دا‪ ،‬وال يقتل
ع رأي
ا‪ ،‬ولكن
ه‬
‫ي

شجع الرج

ال عل

ى إخف

اء حقيق
ة تل

ك اآلراء‪ ،‬أو الع

زوف ع

ن أي جھ

د ّ‬
‫فع

ال ألج

ل‬
‫ن

شرھا‪ .‬أم

ا معن

ا‪ ،‬ف

إن اآلراء الك

افرة ل
م تك

سب ش

يئا ملموس

ا‪ ،‬أو حت

ى تخ

سر‪ ،‬أي
ة‬
‫أرضية في أي عقد من الزمن‪ ،‬أو جيل م
ن األجي
ال؛ فھ
ي ل
م تت
وھج وتن
شر ض
وءھا‬
‫ق

ط‪ ،‬ولكنھ

ا اس

تمرت ب

االحتراق البط

يء ف

ي دوائ

ر التفكي

ر ال

ضيقة واألش

خاص‬
‫الم

ولعين بالدراس

ة ال

ذين ن

شأت )ھ

ذه اآلراء( ب

ين أوس

اطھم‪ ،‬دون أن تني

ر ال

شؤون‬
‫العامة للبشرية مطلقا‪ ،‬ال بضوء حقيقي‪ ،‬وال بضوء زائف‪ .‬وھكذا بقيت حالة األش
ياء‪،‬‬
‫مقنع

ة ج

دا ل

بعض العق

ول‪ ،‬ألنھ

ا‪ ،‬وب

دون العملي

ة المزعج

ة ف

ي ف

رض الغرام

ات أو‬
‫السجن على أي احد‪ ،‬أبقت كافة اآلراء السائدة دون المساس بھا ظاھريا‪ ،‬بينما لم تمنع‬
‫أو ّ‬
‫تحرم إطالقا ممارس
ة العق
ل عل
ى المعارض
ين أو المن
شقين الم
صابين ب
داء الفك
ر‪.‬‬
‫وھي خطة مالئمة إلحالل السالم في العالم الفكري‪ ،‬وإبقاء جميع ش
ؤونه س
ائرة عل
ى‬
‫النحو الذي كانت علي
ه ف
ي ال
سابق‪ .‬ولك
ن ال
ثمن الم
دفوع ھ
ذا الن
وع م
ن التھدئ
ة‪ ،‬ھ
و‬
‫التضحية بالشجاعة األخالقية للعقل البشري برمتھا‪ .‬إن الحالة التي يجد فيھا قسم كبير‬
‫من العقول األكثر فعالية وبحثا‪ ،‬أن من الحكم
ة إبق
اء مب
ادئ قناع
اتھم وأس
سھا العام
ة‬
‫داخ

ل ص

دورھم‪ ،‬و أن يح

اولوا‪ ،‬ف

ي األم

ر ال

ذي يخ

اطبون ب

ه الجمھ

ور‪ ،‬أن يكيف

وا‬
‫أكب

ر ق

در م

ستطاع م

ن اس

تنتاجاتھم م

ع منطلق

ات رف

ضوھا داخلي

ا‪ ،‬ال ت
ستطيع )أي‬
‫الحالة( أن تن
تج أشخاص
ا ص
ريحين‪ ،‬ال يخ
افون‪ ،‬وعق
ول منطقي
ة مت
سقة‪ ،‬كان
ت ذات‬
‫مرة ّ‬
‫تقدس العالم المفكر‪ .‬إن نوع الرجال الذين يمكن البحث عنھم ف
ي ظ
ل تل
ك الح
ال‬
‫ھ

م أم

ا المتقبل

ين للرتاب

ة واألش

ياء ال

شائعة‪ ،‬أو االنتھ

ازيين المتقلب

ين ب

آرائھم ح

ول‬
‫الحقيقة‪ ،‬الذين يتوجھون بنقاشھم في جميع المواضيع الج
سيمة إل
ى م
ستمعيھم‪ ،‬ول
يس‬
‫إلقناعھم ھم‪ .‬ھؤالء الذين يتجنبون ھذا الخيار‪ ،‬يفعلون ذلك من خالل تضييق أفكارھم‬

‫‪41‬‬
‫واھتمام

اتھم وح

صرھا باألش

ياء الت

ي يمك

ن الك

الم عنھ

ا دون الخ

وض ف

ي منطق

ة‬
‫المبادئ‪ ،‬أي يحصرونھا بالقضايا التطبيقي
ة ال
صغيرة‪ ،‬الت
ي كان
ت س
تأتي م
ن أنف
سھم‬
‫مباشرة‪ ،‬فقط لو أن عقول البشرية قد توسعت وتعززت‪ ،‬وھو ما لن ي
صبح ّ‬
‫فع
اال حق
ا‬
‫ّ‬
‫ويوسعھا‪ ،‬وھو التأمل الح
ر والج
ريء ف
ي‬ ‫حتى ذلك الحين‪ :‬أما ما يعزز عقول البشر‬
‫ارفع المواضيع وأسماھا‪ ،‬فقد ُ ِ‬
‫ترك‪.‬‬

‫ش
را‪ ،‬أن يأخ
ذوا‬ ‫ّ‬
‫التكتم من قبل الكافرين ليس ّ‬ ‫على ھؤالء‪ ،‬الذين يرون بأن ھذا‬
‫بعين االعتبار‪ ،‬في المقام األول‪ ،‬أنه نتيجة له لم تكن ھن
اك أي
ة مناق
شة عادل
ة وعميق
ة‬
‫تحم

ل مث

ل ھ

ذه المناق

شة‪ ،‬وعل

ى‬
‫ل

آلراء الھرطقي

ة؛ وأن بع

ضا م

نھم ال ي

ستطيعون ّ‬
‫ال

رغم م

ن أنھ

م ق

د ُيمنع

ون م

ن االنت

شار‪ ،‬إال أنھ

م ال يختف

ون‪ .‬ولكنھ

ا لي

ست عق

ول‬
‫الكافرين ھي الت
ي ت
دھورت كثي
را ج
دا‪ ،‬ب
ل الحظ
ر المف
روض عل
ى ك
ل التحقي
ق‪ ،‬ال‬
‫ينتھي باالستنتاجات التقليدية‪ .‬إن األذى األعظم ال
ذي وق
ع ھ
و ذل
ك ال
ذي ح
ل بھ
ؤالء‬
‫الذين لم يكونوا كفارا‪ ،‬والذين تشنج كل تطورھم العقلي‪ ،‬واجبر عقلھم عل
ى اإلذع
ان‪،‬‬
‫من خوف الھرطقة‪ .‬من يستطيع أن يحسب ما يخسره العالم ف
ي ح
شد العق
ول الواع
دة‬

شيط‬

ستقل ن
ٍ‬
‫ٍ‬ ‫المقترن

ة بأش

خاص خ

ائفين‪ ،‬ال يج

رؤون عل

ى إتب

اع أي س

لك فك

ري م

‫واضح‪ ،‬خشية أن ينزلھم في شيء ُيعترف بكون
ه غي
ر دين
ي وغي
ر أخالق
ي؟ ق
د ن
رى‬
‫مط
ور‪ ،‬ينف
ق حيات
ه ف
ي‬
‫ّ‬ ‫بينھم‪ ،‬بين الحين واآلخر‪ ،‬رجال ذا وعي عميق‪ ،‬وفھم راس
خ‬
‫السفسطة مع عقل ال يستطيع إسكاته‪ ،‬واستھالك م
صادر اإلب
داع ف
ي محاول
ة التوفي
ق‬
‫بين دوافع ضميره وعقله‪ ،‬وبين التقليدية‪ ،‬وھ
و م
ا ل
م ي
نجح ف
ي فعل
ه إل
ى النھاي
ة لح
د‬
‫اآلن‪ .‬ال ي

ستطيع أح

د أن ي

صبح مفك

را عظيم

ا م

ا ل

م ي

درك‪ ،‬ان

ه كمفك

ر‪ ،‬ف

إن أول‬
‫واجباته ھو إتباع عقله نحو أية استنتاجات يقوده إليھا‪ .‬فالحقيقة تكسب الكثير حتى عن‬
‫طريق األخطاء التي يرتكبھا شخص يفكر لنف
سه‪ ،‬م
ع الدراس
ة والتح
ضير الالزم
ين‪،‬‬
‫أكث

ر مم

ا تك

سب م

ن اآلراء ال

صحيحة لھ

ؤالء ال

ذين يتم

سكون بھ

ا فق

ط ألنھ

م ال‬
‫يتجشمون عناء التفكير‪ .‬إن حرية التفكير مطلوبة ليس إلع
داد المفك
رين العظ
ام فق
ط‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫أو ب

شكل رئ

يس‪ .‬عل

ى العك

س‪ ،‬فھ

ي ض

رورية وال غن

ى عنھ

ا أي

ضا لتمك

ين الب

شر‬
‫االعتياديين م
ن الح
صول عل
ى الم
ستوى العقل
ي ال
ذي يتمكن
ون من
ه‪ .‬لق
د ك
ان ھن
اك‪،‬‬
‫وربما سيكون ثانية‪ ،‬أفرادا من المفكرين العظام‪ ،‬ف
ي من
اخ ع
ام م
ن العبودي
ة العقلي
ة‪.‬‬
‫ولك
ن ل

م يك
ن ھنال

ك ق
ط‪ ،‬ول

ن يك

ون إطالق
ا‪ ،‬ف

ي ذل
ك المن

اخ‪ ،‬أن
اس ناش

طين عقلي

ا‪.‬‬

زو إل

ى تعلي

ق‬
‫عن

دما يق

وم أي ش

عب ب

اقتراب مؤق

ت م

ن ش

خص كھ

ذا‪ ،‬ف

إن ذل

ك مع
ٌ‬
‫مؤقت لبغض التأمل المغاير‪ .‬حيثما تكون ھناك اتفاقية ضمنية بأن المبادئ يجب أن ال‬
‫تخ

ضع للنق

اش؛ وحيثم

ا تعتب

ر مناق

شة األس

ئلة العظم

ى مغلق

ة‪ ،‬ال ن

ستطيع أن نتأم

ل‬
‫إيجاد مقدار عال عموما من النشاط العقلي كان ق
د جع
ل بع
ض فت
رات الت
أريخ ب
ارزة‬
‫جدا‪ .‬لم يحدث قط‪ ،‬عندما كان الجدل يتجنب الخوض ف
ي المواض
يع الواس
عة والھام
ة‬
‫إلى حد يجعلھا تلھب الحماس‪ ،‬إن أثير عقل الن
اس وابتع
د ع
ن أس
سه‪ ،‬وأعط
ي ال
دافع‬
‫ال

ذي رف

ع حت

ى األش

خاص م

ن ذوي ال

ذكاء االعتي

ادي ج

دا إل

ى م
ستوى بع

ض م

ن‬
‫كبرياء الكائنات المفك
رة‪ .‬لق
د ك
ان ل
دينا مث
ال عل
ى ش
يء كھ
ذا ف
ي حال
ة أورب
ا خ
الل‬
‫الوقت الذي تبع اإلصالح مباشرة؛ ومثال آخر‪ ،‬على ال
رغم م
ن اقت
صاره عل
ى الق
ارة‬
‫وعلى الطبقة األكثر ثقافة‪ ،‬في الحركة التأملية للنصف األخير من القرن الثامن عشر؛‬
‫ومث

ال ثال

ث‪ ،‬اس

تغرق وقت

ا اق

ل‪ ،‬ف

ي االختم

ار الفك

ري أللماني

ا خ

الل فت

رة غوت

ه و‬
‫فيخته‪ .‬اختلفت تلك الفترات بشكل كبير في اآلراء المعينة التي طورتھا؛ ولكنھ
ا كان
ت‬
‫متشابھة في ھذا‪ ،‬وھو أن نير السلطة كان مكسورا‪ ،‬خالل جميع الفت
رات ال
ثالث‪ .‬ف
ي‬
‫كل فترة منھا‪ ،‬كان ھناك اس
تبداد عقل
ي ق
ديم ق
د أس
قط‪ ،‬ول
م يح
ل محل
ه اس
تبداد جدي
د‬
‫بعد‪ .‬لق
د جع
ل ال
دافع‪ ،‬ال
ذي أعط
ي ف
ي تل
ك الفت
رات‪ ،‬أورب
ا م
ا ھ
ي علي
ه اآلن‪ .‬وك
ل‬
‫تطور حدث في العقل البشري أو في المؤسسات‪ ،‬يمك
ن تتبع
ه إل
ى واح
دة‪ ،‬أو أخ
رى‪،‬‬
‫من تلك الفترات على وج
ه الدق
ة‪ .‬أش
ارت المظ
اھر ف
ي بع
ض األحي
ان إل
ى أن جمي
ع‬
‫الدفقات ال
ثالث ق
د اس
تھلكت ب
شكل جي
د؛ وال ن
ستطيع توق
ع بداي
ة جدي
دة‪ ،‬حت
ى نؤك
د‬
‫حريتنا العقلية مرة أخرى‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫دعونا نذھب اآلن إلى القسم الث
اني م
ن الج
دل‪ ،‬وبع
د رف
ضنا لالفت
راض القائ
ل‬
‫بأن أي من اآلراء المتوارثة قد يك
ون خاطئ
ا‪ ،‬دعون
ا نفت
رض أنھ
ا ص
حيحة‪ ،‬ون
ت ّ‬
‫معن‬
‫في قيمة األسلوب الذي يمكن أن يتم تبنيھا به‪ ،‬عندما ال تتم مناقشة حقيقتھ
ا ب
شكل ح
ر‬
‫وصريح‪ .‬ومھما كانت درجة عدم رغبة الشخص الذي يمتلك رأيا قويا في أن ّ‬
‫يقر ب
أن‬
‫رأيه خاطئا‪ ،‬ينبغي أن يحركه االعتب
ار القائ
ل بأن
ه مھم
ا كان
ت درج
ة حقيقت
ه‪ ،‬س
وف‬
‫تعتبر عقيدة أو مذھبا ميتا‪ ،‬وليس حقيقة حية‪ ،‬إن لم تتم مناقشتھا بشكل كام
ل ومتك
رر‬
‫وبال خوف‪.‬‬

‫دعونا اآلن ننتقل إلى الق


سم الث
اني م
ن الج
دل‪ ،‬وبع
د رف
ضنا لالفت
راض القائ
ل‬
‫المستلمة أو المتوارثة يمكن أن تكون خاطئ
ة‪ ،‬دعون
ا نفت
رض بأنھ
ا‬
‫بأن أيا من اآلراء ُ‬
‫ص

حيحة‪ ،‬ون

تفحص قيم

ة األس

لوب ال

ذي يمك

ن اعتناقھ

ا بموجب

ه‪ ،‬عن

دما ال يمك

ن‬
‫تفحص حقيقتھ
ا والتأك
د منھ
ا ب
شكل ص
ريح وح
ر‪ .‬ومھم
ا ك
ان ال
شخص ال
ذي يمتل
ك‬
‫رأيا قويا غير راغب في االعتراف بإمكانية أن يكون رأيه على خطأ‪ ،‬ينبغي أن يت
أثر‬
‫باالعتب

ار القائ

ل ب
أن ذل

ك ال

رأي‪ ،‬مھم

ا ك

ان حقيقي

ا ص

حيحا‪ ،‬إذا ل

م يخ

ضع لمناق

شة‬
‫كاملة‪ ،‬متكررة وشجاعة‪ ،‬فإنه سيعتبر معتقدا ميتا‪ ،‬وليس حقيقة حية‪.‬‬

‫ھنالك طبقة من األشخاص )وھ


ي لح
سن الح
ظ لي
ست ب
نفس الع
دد ال
ذي كان
ت‬
‫علي

ه ف

ي ال

سابق( مم

ن يعتق

دون أن

ه يكف

ي أن ي

وافقھم ش

خص واح

د فيم

ا يعتق

دون‬
‫بصحته وبال تشكيك‪ ،‬عل
ى ال
رغم م
ن ان
ه ال يمتل
ك أي
ة معرف
ة كان
ت ع
ن أس
س ذل
ك‬
‫الرأي‪ ،‬وال يستطيعون أن يقوموا بدفاع ممكن عنه ضد االعتراضات األكثر س
طحية‪.‬‬
‫إن مثل ھؤالء األشخاص‪ ،‬ل
و اس
تطاعوا م
رة أن يح
صلوا عل
ى ت
صريح م
ن ال
سلطة‬
‫بتدريس معتقدھم‪ ،‬فمن الطبيعي أن يعتقدوا بأن ال
سماح بتعري
ضه للت
شكيك س
وف ل
ن‬
‫يجدي نفعا‪ ،‬بل سيأتي بالضرر‪ .‬وحيثما يسود تأثيرھم‪ ،‬فإنھم سيجعلون م
ن الم
ستحيل‬
‫الم

ستلم أن يتع

رض لل

رفض عل

ى نح

و حك

يم‬
‫تقريب

ا بالن

سبة لل

رأي المت

وارث أو ُ‬

‫‪44‬‬
‫ومتعق

ل‪ ،‬عل

ى ال

رغم م

ن ان

ه م

ا زال عرض

ة لل

رفض ب

شكل جاھ

ل متعج

ل؛ إذ إن‬
‫إغالق الباب بوجه المناق
شة ب
شكل مطل
ق ھ
و ش
يء ن
ادر الح
دوث‪ ،‬ولك
ن بمج
رد أن‬
‫ي

سمح للمناق

شة بال

دخول‪ ،‬ف

إن االعتق

ادات غي

ر المؤس

سة عل

ى االقتن

اع تمي

ل إل

ى‬
‫االن

سحاب أم

ام اب

سط مظھ

ر م

ن مظ

اھر الج

دل‪ .‬وعل

ى ك

ل ح

ال‪ ،‬ف

إن إلغ

اء ھ

ذه‬
‫اإلمكانية – مفترضين بأن الرأي الحقيقي الصائب يستوطن في العقل‪ ،‬ولكنه يستوطن‬
‫بصفة غطرسة أو إجحاف‪ ،‬بصفة معتقد مستقل عن الجدل‪ ،‬محصن ض
ده – ل
يس ھ
و‬
‫الطريق ال
ذي ينبغ
ي للك
ائن المتعق
ل أن ي
سلكه للتم
سك بالحقيق
ة‪ .‬إن ھ
ذا ل
يس معرف
ة‬
‫للحقيقة‪ .‬فالحقيقة التي يتم تبنيھا على ھذا النحو‪ ،‬ليست سوى خراف
ة أخ
رى‪ ،‬تلج
أ إل
ى‬
‫ّ‬
‫عرضيا‪ ،‬عن حقيقة معينة‪.‬‬ ‫الكلمات التي ّ‬
‫تعبر‪،‬‬

‫ل

و ك

ان ينبغ

ي تھ

ذيب وتط

وير ذك

اء الب

شر وحكمھ

م‪ ،‬وھ

و ش

يء ال ينك

ره‬
‫البروتستانتيون على األقل‪ ،‬فعلى أي شيء يمكن للفرد أن يمارس ھذه القدرات‪ ،‬إن ل
م‬
‫يكن على األشياء التي تھمه إلى الحد الذي يجعل م
ن ال
ضروري بالن
سبة ل
ه أن يتبن
ى‬
‫آراء معينة حول تلك األشياء؟ إذا كان تھ
ذيب الفھ
م يتك
ون م
ن ش
يء واح
د أكث
ر مم
ا‬
‫يتكون من اآلخر‪ ،‬فال شك انه يتكون من معرفة أسس أو أرضيات آراء الفرد‪ .‬أيا كان‬
‫ما يؤمن به الناس‪ ،‬في المواض
يع الت
ي يك
ون فيھ
ا اإليم
ان ب
شكل ص
حيح ھ
و ال
شيء‬
‫األكث

ر أھمي

ة‪ ،‬فعل

يھم أن يكون

وا ق

ادرين عل

ى ال

دفاع عن

ه‪ ،‬عل

ى األق

ل ض

د‬
‫االعتراضات الشائعة‪ .‬ولكن‪ ،‬قد يقول احد ما‪" ،‬دعھم يتعلمون أسس آرائھم‪ .‬ف
إن ذل
ك‬
‫ال يعن

ي أن اآلراء يج

ب أن تُ
ّ‬

ردد ب

شكل ببغ

اوي ألن أح

دا ل

م ي

سمعھا وھ

ي تخ

ضع‬
‫للنق

اش‪ .‬ھ

ؤالء ال

ذين يتعلم

ون الھندس

ة‪ ،‬ال يقوم

ون بب

ساطة بحف

ظ النظري

ات ف

ي‬
‫ذاكرتھم‪ ،‬ولك
نھم يفھم
ون اإلي
ضاحات والب
راھين أي
ضا؛ وس
يكون م
ن غي
ر المعق
ول‬
‫القول بأنھم يظلون جاھلين بأسس الحقائق الھندسية‪ ،‬ألنھم لم يسمعوا قط أحدا ينكرھا‪،‬‬
‫أو يح

اول أن يفن

دھا‪ ".‬ب

ال ش

ك‪ ،‬إن مث

ل ھ

ذا التعل

يم يك

ون مالئم

ا ف

ي موض

وع‬
‫كالرياض

يات‪ ،‬حي

ث ل

يس ھن

اك م

ن ش

يء ق

ط يمك

ن قول

ه عل

ى الجان

ب الخط

أ م

ن‬

‫‪45‬‬
‫السؤال‪ .‬إن فرادة الدليل على الحقائق الرياضية تكمن في أن كل الجدل ھ
و ف
ي جان
ب‬
‫واح

د‪ .‬لي

ست ھن

اك اعتراض

ات‪ ،‬وال إجاب

ات عل

ى االعتراض

ات‪ .‬ولك

ن ف

ي ك

ل‬
‫موض

وع ي

سمح ب

اختالف اآلراء‪ ،‬تعتم

د الحقيق

ة عل

ى عق

د موازن

ة ب

ين منظ

ومتي‬
‫األسباب المتنازعة‪ .‬حتى في الفلسفة الطبيعية‪ ،‬ھنالك دائما بعض التف
سيرات األخ
رى‬
‫الممكن

ة ل

نفس الحق

ائق؛ فھن

اك بع

ض النظري

ات ت

رى بمركزي

ة األرض ب

دال م

ن‬
‫مركزية الشمس‪ ،‬وھن
اك نظري
ات لالھ
وب ب
دال م
ن األوك
سجين؛ وال ب
د م
ن إي
ضاح‬
‫السبب الذي يجع
ل النظري
ة األخ
رى ال يمك
ن أن تك
ون ص
حيحة‪ :‬وحت
ى يتب
ين ذل
ك‪،‬‬
‫وحتى نعرف كيفية بيانه‪ ،‬فنحن ال نفھم األس
س الت
ي ي
ستند عليھ
ا رأين
ا‪ .‬ولك
ن عن
دما‬
‫نتجه نحو المواض
يع األكث
ر تعقي
دا ب
شكل مطل
ق‪ ،‬نح
و األخ
الق‪ ،‬وال
دين‪ ،‬وال
سياسة‪،‬‬
‫والعالقات االجتماعية‪ ،‬وأعمال الحي
اة‪ ،‬ف
إن ثالث
ة أرب
اع الج
داالت لك
ل رأي متن
ازع‬
‫ّ‬
‫تفضل بعض اآلراء المختلفة عنھا‪ .‬ما من أحد من‬ ‫عليه تتكون من تبديد المظاھر التي‬
‫بين أعظم خطباء العصور القديمة‪ ،‬عدا واح
د فق
ط‪ ،‬ت
رك دل
يال م
سجال عل
ى ان
ه ك
ان‬
‫دائما ي
درس حال
ة خ
صمه بكثاف
ة ت
وازي ف
ي حجمھ
ا‪ ،‬إن ل
م تك
ن اكب
ر م
ن تل
ك الت
ي‬
‫يوليھا لحالته ھو‪ .‬إن ما مارسه سي
سرو كوس
يلة للنج
اح الج
دلي‪ ،‬ج
دير ب
أن يقل
ده ك
ل‬
‫الذين يدرسون أي موضوع‪ ،‬ألجل الوص
ول إل
ى الحقيق
ة‪ .‬إن ال
ذي يع
رف جانب
ه م
ن‬
‫القضية فقط‪ ،‬ال يعرف إال القليل عنھا‪ .‬قد تكون أس
بابه جي
دة‪ ،‬وق
د ال ي
ستطيع اح
د أن‬
‫يفندھا‪ .‬ولكن إن كان ليس بقادر على تفنيد األسباب في الجانب اآلخر من الق
ضية؛ إذا‬
‫كان ال يعرف الكثير عن ماھيتھ
ا؛ ل
ن يك
ون لدي
ه أس
اس لتف
ضيل أي م
ن ال
رأيين‪ .‬إن‬
‫الوضع المنطقي بالنسبة له سيكون تأجيل الحكم‪ ،‬وان لم ُيقنع نفسه بذلك‪ ،‬فإنه أما يق
اد‬
‫من قب
ل ال
سلطة‪ ،‬أو يتبن
ى‪ ،‬ش
أنه ش
أن عم
وم الع
الم‪ ،‬الجان
ب ال
ذي ي
شعر بالمي
ل إلي
ه‬
‫أكثر‪ .‬كما أنه ل
ن يك
ون كافي
ا إن ي
ستمع إل
ى ج
دل خ
صومه م
ن معلمي
ه‪ ،‬مقدم
ة عل
ى‬
‫النح

و ال

ذي يختارون

ه ھ

م‪ ،‬م

صحوبة بم

ا يقدمون

ه عل

ى أن

ه تفني

د‪ .‬لي

ست ھ
ذه ھ

ي‬
‫الطريقة التي نكون فيھا عادلين مع الجدل‪ ،‬أو التي نضعھا فيھا عل
ى تم
اس م
ع عقل
ه‪.‬‬
‫ال ب

د أن يك

ون ق

ادرا عل

ى س

ماعھا م

ن األش

خاص ال

ذين يؤمن

ون بھ

ا فع

ال‪ :‬ال

ذين‬

‫‪46‬‬
‫يدافعون عنھ
ا بح
رص‪ ،‬ويفعل
ون أق
صى م
ا باس
تطاعتھم م
ن أجلھ
ا‪ .‬ال ب
د أن يعرفھ
ا‬
‫بشكلھا األكثر قابلية للفھم واألكثر إقناعا؛ ال بد أن يشعر بالقوة الكامل
ة لل
صعوبة الت
ي‬
‫ينبغي على النظرة الحقيقية للموضوع أن تواجھھا وتتخلص منھ
ا؛ وإال فإن
ه نف
سه ل
ن‬
‫يمتلك من نسبة الحقيقة التي تواجه تلك الصعوبة وتزيلھا‪ .‬ت
سعة وت
سعون بالمائ
ة م
ن‬
‫الذين يطلق عليھم اسم المتعلمين ھم على ھذا الحال؛ بل حتى بعض ال
ذين ي
ستطيعون‬
‫الدفاع عن آرائھم بطالقة‪ ،‬ھم كذلك‪ .‬ربما يكون استنتاجاھم ص
حيحا‪ ،‬ولكن
ه ق
د يك
ون‬
‫خاطئا ألنھم رغم كل شيء قد عرفوه‪ :‬لم يضعوا أنفسھم قط في الوضع العقلي لھ
ؤالء‬
‫الذين يفكرون على نحو مختلف عنھم‪ ،‬ولم يتأملوا فيما يمك
ن لمث
ل ھ
ؤالء األش
خاص‬
‫أن يقولون؛ وبالتالي‪ ،‬فإنھم لم يعرفوا‪ ،‬بأي معنى مالئم للكلم
ة‪ ،‬الم
ذھب ال
ذي يتبنون
ه‬
‫ھ

م أنف

سھم‪ .‬وھ

م ال يعرف

ون أج

زاءه تل

ك الت

ي تف
ّ‬

سر المتبق

ي وتب

رره؛ أال وھ

و‬
‫االعتب

ارات الت

ي تب

ين أن الحقيق

ة الت

ي تتن

ازع ظاھري

ا م

ع حقيق

ة أخ

رى ھ

ي قابل

ة‬
‫للمصالحة والتوافق معھا‪ ،‬أو أنه ف
ي ال
سببين الل
ذين يب
دوان ق
ويين‪ ،‬واح
د فق
ط ول
يس‬
‫ّ‬
‫مفضال‪ .‬أما ك
ل ذل
ك الج
زء م
ن الحقيق
ة‪ ،‬ال
ذي يقل
ب المي
زان‪،‬‬ ‫اآلخر ينبغي أن يكون‬
‫عقل كامل االطالع والمعرفة‪ ،‬فھم ال يعرفونه؛ وال ھ
و‬
‫ويقرر الحكم الذي يصدر عن ٍ‬
‫معروف على اإلطالق‪ ،‬إال لھ
ؤالء ال
ذين ق
د تع
املوا م
ع ك
ال الط
رفين ب
شكل مت
ساو ٍ‬
‫وحيادي‪ ،‬وسعوا جاھدين ألن يروا أسباب كل منھما في النور الساطع‪ .‬إن ھذا التنظيم‬
‫أساسي جدا للفھم الجيد للمواضيع األخالقية واإلن
سانية‪ ،‬بحي
ث ل
و أن معارض
ي كاف
ة‬
‫الحقائق المھمة وخصومھا لم يكونوا موجودين‪ ،‬فإنه ال من
اص م
ن ّ‬
‫تخ
يلھم وتزوي
دھم‬
‫بالحجج القوية التي ال يستطيع استحضارھا إال امھر أنصار الشيطان‪.‬‬

‫ألجل الحد من قوة ھذه االعتبارات‪ ،‬يفترض بعد المناق


شة الح
رة أن يق
ول‪ ،‬إن
ه‬
‫ليست ھناك ضرورة للبشرية بشكل عام ألن تعرف وتفھم ك
ل م
ا يمك
ن أن يق
ال ض
د‬
‫آرائھا أو لصالحھا من قبل الفالسفة وعلماء الدين‪ .‬وإنه ليست ھن
اك ض
رورة بالن
سبة‬
‫للعوام بأن يكونوا قادرين عل
ى ك
شف جمي
ع مغالط
ات الخ
صم المب
دع وس
وء بيانات
ه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫وإنه يكفي أن كان ھناك دائما شخص ما ق
ادر عل
ى اإلجاب
ة عليھ
ا‪ ،‬بحي
ث ﱠإن
ه م
ا م
ن‬
‫شيء يحتمل أن يضلل األشخاص الموجھين توجيھا خاطئا ويبقى بال دحض أو تفني
د‪.‬‬
‫وان العقول البسيطة‪ ،‬التي ق
د تعلم
ت األس
س الواض
حة للحق
ائق المغروس
ة فيھ
ا‪ ،‬ق
د‬
‫تأتمن اآلخرين على السلطة‪ ،‬وألنھم يدركون بأنھم ال يمتلكون ال المعرفة وال الموھبة‬
‫لحل جميع المشكالت التي يمكن أن تظھر‪ ،‬فإنھم قد يتكئون على ضمان أن يك
ون ك
ل‬
‫وحلت‪ ،‬أو يمكن حلّھا من قبل ھؤالء الم
دربين‬
‫ما قد يظھر من المشكالت قد عولجت ُ ّ‬
‫بشكل خاص للقيام بھذه المھمة‪.‬‬


ل م

ا يمك

ن أن ّ‬
‫يدعي

ه ھ

ؤالء ال

ذين‬ ‫إن القب

ول بھ

ذه النظ

رة للموض

وع ھ

و ج
ّ‬
‫يقتنعون بسھولة كبيرة بمقدار تفھم الحقيقة الذي ينبغي أن يصاحب اإليم
ان بھ
ا‪ ،‬حت
ى‬
‫وأن كان األمر كذلك‪ ،‬فإن الجدل ألجل المناقشة الحرة ال يمكن أن ي
ضعف‪ .‬ألن حت
ى‬
‫ھ

ذا الم

ذھب يعت

رف ب

أن الب

شرية ينبغ

ي أن تمتل

ك ض

مانا عقالني

ا ب

أن جمي

ع‬
‫االعتراضات قد ُ ّ‬
‫حلت بشكل مقنع؛ ولكن كيف يمكن أن ُتحل إذا كان ذلك الشيء ال
ذي‬
‫يحتاج إلى حل لم يقال؟ أو كيف يمكن للحل أن ُيعرف على أنه مقن
ع‪ ،‬إذا ل
م تك
ن ل
دى‬
‫المعترضين فرصة إلثبات أنه غير مقنع؟ إذا لم يكن على الجمھور‪ ،‬فيجب على األقل‬
‫عل

ى الفالس

فة ورج

ال ال

دين ال

ذين س

يحلون الم

صاعب‪ ،‬أن يتعرف

وا عل

ى تل

ك‬
‫المصاعب بشكلھا األكثر غموضا وتعقيدا؛ وال يمكن تحقيق ھذا ما لم يتم التعبي
ر عن
ه‬
‫بشكل حر‪ ،‬ويوضع في النور األكثر فائدة والذي يسمح لھم به‪ .‬إن للكنيسة الكاثوليكي
ة‬
‫طريقتھا الخاصة في التعامل مع ھ
ذه الم
شكلة المحرج
ة‪ .‬فھ
ي تق
وم بف
صل كبي
ر ب
ين‬
‫ھؤالء الذين يمكن أن ُي
سمح لھ
م باس
تقبال م
ذاھبھا أو معتق
داتھا عل
ى أس
اس القناع
ة‪،‬‬
‫وھؤالء الذين يقبلونھا على أساس الثقة‪ .‬ولكن أيا من الف
ريقين‪ ،‬ف
ي الحقيق
ة‪ ،‬ال ي
سمح‬
‫له باالختيار لم
ا س
يقبله؛ ولك
ن رج
ال ال
دين‪ ،‬وھ
م عل
ى األق
ل م
ن يمك
ن الوث
وق بھ
م‬
‫بشكل كامل‪ ،‬قد يتعرف
ون ب
شكل مقب
ول وج
دير بالتق
دير عل
ى م
زاعم خ
صومھم‪ ،‬م
ن‬
‫أجل أن يجيبوا عليھا‪ ،‬لذلك‪ ،‬فھم يق
رؤون الكت
ب الك
افرة؛ أم
ا العام
ة‪ ،‬فم
ن ال
صعوبة‬

‫‪48‬‬
‫بمكان أن يح
صلوا عليھ
ا إال ب
أذن خ
اص‪ .‬إن ھ
ذا النظ
ام يعت
رف ب
أن المعرف
ة بحال
ة‬
‫العدو مفيدة للمعلمين‪ ،‬ولكنه يجد وسائال‪ ،‬منسجمة مع ھ
ذا‪ ،‬إلنك
ار ھ
ذه المعرف
ة عل
ى‬
‫سائر العالم‪ :‬وبھذا يعطي للنخبة ثقافة عقلية اكبر‪ ،‬ولكن ل
يس حري
ة عقلي
ة اكب
ر‪ ،‬مم
ا‬
‫تسمح به للعامة‪ .‬وبھذه الوسيلة‪ ،‬ينجح ھذا النظام في الحصول عل
ى ن
وع م
ن التف
وق‬
‫العقلي الذي تتطلبه غاياته؛ ألنه عل
ى ال
رغم م
ن أن الثقاف
ة ب
ال حري
ة ل
م ت
صنع عق
ال‬
‫واسعا وحرا‪ ،‬إال أنھا تستطيع أن تصنع نصيرا ذكي
ا للق
ضية‪ .‬ولك
ن ف
ي البل
دان الت
ي‬
‫تعتنق البروتستانتية‪ ،‬فإن ھذا المصدر قد ُمنع أو أنك
ر؛ بم
ا أن البروت
ستانت يؤمن
ون‪،‬‬
‫م
ن الناحي

ة النظري

ة عل

ى األق

ل‪ ،‬ب
أن م

سؤولية اختي

ار ال

دين يج

ب أن يتوالھ

ا ك

ل‬
‫شخص بمفرده‪ ،‬وال يمكن أن ترمى على عاتق المعلمين‪ ،‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬ففي الحال
ة‬
‫الراھن

ة للع

الم‪ ،‬م

ن الم

ستحيل م

ن الناحي

ة العملي

ة أن تبق

ى الكتاب

ات الت

ي يقرؤھ

ا‬
‫المتعلمون بعيدة عن متناول غير المتعلمين‪ .‬ل
و ك
ان معلم
و الب
شرية م
دركين لك
ل م
ا‬
‫ينبغي عليھم أن يعرفوا‪ ،‬فإن كل شيء سيكون حرا في الكتابة والنشر بال قيود‪.‬‬

‫وعلى كل حال‪ ،‬لو أن العملية الفوضوية الضارة لغياب المناقشة الح


رة‪ ،‬عن
دما‬
‫تكون اآلراء المستلمة أو المتوارثة صحيحة‪ ،‬كانت مقتصرة على ترك الن
اس ج
اھلين‬
‫بأسس تلك اآلراء‪ ،‬فقد ُيعتقد بأن ھذا‪ ،‬إن كان شرا ذھني
ا‪ ،‬فھ
و ل
يس ش
را أخالقي
ا‪ ،‬وال‬
‫يؤثر على قيمة اآلراء‪ ،‬إذا ما نظرنا إليھ
ا عل
ى أس
اس تأثيرھ
ا عل
ى ال
شخص‪ .‬وعل
ى‬
‫ك

ل ح

ال‪ ،‬ف

إن الحقيق

ة ھ

ي أن أس

س ال

رأي لي

ست ھ

ي فق

ط م

ن ُتن

سى ف

ي غي

اب‬
‫المناق
شة‪ ،‬ب
ل كثي
را م

ا ُين
سى معن
ى ال

رأي نف
سه‪ .‬والكلم
ات الت

ي توص
له‪ ،‬س
وف ل

ن‬
‫تقت

رح أفك

ارا‪ ،‬أو ال تقت

رح س

وى ج

زءا ص

غيرا م

ن تل

ك األفك

ار الت

ي كان

ت ق

د‬
‫استخدمت للتعبير عنھا في األصل‪ .‬وبدال من المفھوم الواض
ح للمعتق
د الح
ي‪ ،‬ل
م يب
ق‬
‫سوى بعض العبارات القليلة التي ُ ْ‬
‫حفظت بالتكرار؛ أو لم تبق سوى القشرة والقشة من‬
‫المعن

ى‪ ،‬أم

ا الج

وھر الح

سن فق

د يتع

رض لل

ضياع‪ .‬أم

ا الف

صل الكبي

ر م

ن الت

أريخ‪،‬‬
‫يدرس أو أن يتأمل فيه أحد‪.‬‬
‫والذي تشغله وتمأله ھذه الحقيقة‪ ،‬فال يمكن أن ُ َ ُ‬

‫‪49‬‬
‫لقد اتضح ھذا في تجربة كل المذاھب األخالقية والمعتقدات الديني
ة‪ .‬فھ
ي مليئ
ة‬
‫بالمع

اني والحيوي

ة بالن

سبة لھ

ؤالء ال

ذين أوج

دوھا‪ ،‬وبالن

سبة لت

ابعيھم المباش

رين‪.‬‬
‫ويستمر الشعور بمعناھا بقوة راس
خة متوق
دة‪ ،‬وربم
ا تظھ
ر ب
وعي مكتم
ل‪ ،‬طالم
ا أن‬
‫الصراع يستمر ليعطي المذھب أو المعتقد تفوق
ا و رفع
ة عل
ى س
ائر المعتق
دات‪ .‬وف
ي‬
‫النھاية‪ ،‬فإنه أما يسود‪ ،‬ويصبح الرأي العام‪ ،‬أو أن تقدمه يتوقف؛ ويبقى محافظ
ا عل
ى‬
‫األرضية التي حصل عليھا‪ ،‬ولكنه يتوقف عن المزيد م
ن االنت
شار‪ .‬عن
دما ت
صبح أي‬
‫من ھاتين النتيجتين واضحة‪ ،‬فإن الج
دل ف
ي الموض
وع سي
ضمحل ويم
وت ت
دريجيا‪.‬‬
‫لقد أخذ المذھب مكانه‪ ،‬إن لم يكن كرأي ُمستلم‪ ،‬فواحد م
ن الطوائ
ف الم
سموح بھ
ا أو‬
‫التح
ول م
ن‬
‫ّ‬ ‫أقسام الرأي‪ :‬وھؤالء الذين يعتنقونه عموما ق
د توارث
وه‪ ،‬ول
م يتبن
وه؛ أم
ا‬
‫مذھب إلى آخر من ھذه المذاھب‪ ،‬ألنه اآلن حقيقة استثنائية‪ ،‬فيشغل مكانا صغيرا ب
ين‬
‫أفكار أساتذتھم‪ .‬وبدال من أن يكونوا ف
ي حال
ة تأھ
ب دائ
م أم
ا لل
دفاع ع
ن أنف
سھم ض
د‬
‫العالم‪ ،‬أو إلخضاع العالم إلرادتھم‪ ،‬تراجعوا إلى حالة الرضوخ‪ ،‬فال يستمعون‪ ،‬عندما‬
‫يك

ون بمق

دورھم االس

تماع‪ ،‬وال يزعج

ون المعارض

ين )إن ك

ان ھن

اك بع

ضھم(‬
‫بالنقاشات لصالحه‪ .‬وق
د ي
ؤرخ من
ذ ھ
ذا الوق
ت ت
دھور الق
وة الحي
ة للم
ذھب‪ .‬ع
ادة م
ا‬
‫نسمع معلمي ك
ل الم
ذاھب وھ
م ين
دبون ص
عوبة إبق
اء االس
تيعاب الح
ي للحقيق
ة الت
ي‬
‫يدركونھا ب
شكل دقي
ق‪ ،‬ف
ي عق
ول الم
ؤمنين‪ ،‬لك
ي تتخل
ل الوج
دان‪ ،‬وتكت
سب س
يطرة‬
‫يشتك أحد من مثل ھ
ذه ال
صعوبة عن
دما ك
ان المعتق
د ال ي
زال‬
‫ِ‬ ‫حقيقية على السلوك‪ .‬لم‬
‫يصارع من أجل بقائه‪ :‬حتى المقاتلين الضعفاء كانوا يعرفون ويشعرون بالشيء الذي‬
‫يح

اربون ألجل

ه‪ ،‬والف

رق بين

ه وب

ين الم

ذاھب األخ

رى؛ وف

ي تل

ك الفت

رة م

ن فت

رات‬
‫وجود المعتق
د‪ ،‬يمك
ن أن نج
د ع
ددا ل
يس بالقلي
ل م
ن األش
خاص ال
ذين أدرك
وا مبادئ
ه‬
‫ّ‬
‫وجرب
وا‬ ‫األساسية في جميع أشكال الفكر‪ ،‬وقاس
وھا وتمعن
وا ف
ي ك
ل دالالتھ
ا الھام
ة‪،‬‬
‫التأثير الكامل على الشخص‪ ،‬الت
ي ينتج
ه اإليم
ان ب
ذلك المعتق
د ف
ي العق
ل الم
شبع ب
ه‪.‬‬
‫يقبل على نحو سلبي وليس ايجابي— عندما لم يعد‬
‫ولكن أصبح معتقدا وراثيا‪ ،‬وصار ُ َ‬

‫‪50‬‬
‫العقل ُيجبر‪ ،‬كما في أول األمر‪ ،‬على ممارسة قواه الفعالة في الق
ضايا الت
ي يق
دمھا ل
ه‬
‫معتق

ده‪ ،‬س

يكون ھن

اك م

يال تق

دميا نح

و ن

سيان المعتق

د برمت

ه م

ا ع

دا ال

شكليات‪ ،‬أو‬
‫إعطائه موافقة مملة وبليدة‪ ،‬كما ل
و أن قبول
ه عل
ى أس
اس الثق
ة اس
تغنى ع
ن ض
رورة‬
‫إدراكه في الوعي‪ ،‬أو اختباره م
ن خ
الل التجرب
ة الشخ
صية‪ ،‬إل
ى أن يك
ف ع
ن رب
ط‬
‫نفسه بالحياة الداخلية لإلنسان بشكل مطلق‪ .‬ومن ثم تظھ
ر الح
االت‪ ،‬متك
ررة ج
دا ف
ي‬
‫عصر عالمنا ھذا إلى الحد الذي تشكل فيه أغلبية تقريبا‪ ،‬أغلبية يبقى فيھ
ا المعتق
د كم
ا‬
‫ّ‬
‫وتحج

ره ض

د كاف

ة الت

أثيرات األخ

رى الت

ي تخاط

ب‬ ‫ل

و أن

ه خ

ارج العق

ل‪ ،‬فتغطي

ه‬
‫األجزاء العليا من طبيعتنا؛ م
ستعرضا قوت
ه م
ن خ
الل ع
دم تعرض
ه ألي
ة قناع
ة حي
ة‬
‫وطازجة للدخول‪ ،‬ولكنه نف
سه ال يفع
ل ش
يئا للعق
ل أو القل
ب‪ ،‬م
ا ع
دا وقوف
ه كح
ارس‬
‫عليھما ألجل إبقائھما فارغين‪.‬‬

‫إلى أي م
دى يمك
ن للم
ذاھب المالئم
ة م
ن الناحي
ة الجوھري
ة ل
صنع باالنطب
اع‬
‫األعمق على العقل أن تبقى في
ه كمعتق
دات ميت
ة‪ ،‬دون أن ي
تم إدراكھ
ا ف
ي الخي
ال‪ ،‬أو‬
‫الم

شاعر‪ ،‬أو الفھ

م‪ ،‬ھ

و م

ا يب

رھن علي

ه األس

لوب ال

ذي تعتن

ق في

ه أغلبي

ة الم

ؤمنين‬
‫م

ذاھب الم

سيحية‪ .‬واق

صد بالم

سيحية ھن

ا‪ ،‬م

ا يعتب

ر ھك

ذا م

ن قب

ل جمي

ع الكن

ائس‬
‫والطوائف—الحكم والتوجيھات الموجودة في العھد الجديد‪ .‬تعتبر ھذه األشياء مقدسة‪،‬‬
‫ومقبولة كقوانين‪ ،‬من قبل كل معتنقي المسيحية‪ .‬مع ذلك‪ ،‬انه لمن النادر ان نق
ول بأن
ه‬
‫م

ا م

ن م

سيحي واح

د ف

ي األل

ف يق

ود أو يختب

ر س
لوكه الف

ردي ب

الرجوع إل

ى تل

ك‬
‫الق

وانين‪ .‬فالمعي

ار ال

ذي يرج

ع إلي

ه ف

ي ذل

ك ھ

و ُع

رف أمت

ه‪ ،‬أو طبقت

ه‪ ،‬أو معتق

ده‬
‫الديني‪ .‬لذا‪ ،‬فھو يمتلك‪ ،‬من ناحية‪ ،‬مجموع
ة م
ن القواع
د األخالقي
ة‪ ،‬الت
ي يعتق
د بأنھ
ا‬
‫ممنوحة إليه من خالل الحكمة المعصومة من الخطأ‪ ،‬كقواعد لحكومت
ه؛ وم
ن الناحي
ة‬
‫األخرى‪ ،‬يمتلك منظومة من األحكام والممارسات اليومية‪ ،‬التي تتماشى إلى حد معين‬
‫مع بعض تلك القواعد‪ ،‬وال تتماشى مع بعضھا اآلخر‪ ،‬وتقف على النقيض من البعض‬
‫منھا‪ ،‬وھ
ي ب
شكل ع
ام ح
ل وس
ط ب
ين المعتق
د الم
سيحي وم
صالح ومقترح
ات الحي
اة‬

‫‪51‬‬
‫ال
دنيا‪ .‬فيعط
ي احترام
ه إل
ى المجموع
ة األول
ى م
ن تل
ك المع
ايير؛ بينم
ا يعط

ي والءه‬
‫للمجموعة الثانية‪ .‬يعتقد كل المسيحيين بأن المب
اركين ھ
م الفق
راء والب
سطاء‪ ،‬وھ
ؤالء‬
‫الذين أسيء استخدامھم من قبل العالم؛ إنه ألسھل للبعير أن يمر في خ
رم إب
رة م
ن أن‬
‫يحكموا لك
ي ال يُ َ‬
‫حكم
وا؛ وإن عل
يھم‬ ‫يدخل الغني في ملكوت السماء؛ وإن عليھم أن ال َ ِ‬
‫أن ال يحلف

وا إطالق

ا؛ وإن عل

يھم أن يحب

وا ج

ارھم كح

بھم أنف

سھم؛ وإن

ه إذا اخ

ذ اح

د‬
‫رداءھم‪ ،‬عليھم أن يعط
وه معطفھ
م أي
ضا؛ وإن عل
يھم أن ال يفك
روا بالغ
د؛ وإنھ
م م
ن‬
‫أج

ل بل

وغھم الكم

ال‪ ،‬عل

يھم أن يبيع

وا ك

ل م

ا يملك

ون ويعطون

ه للفق

راء‪ .‬أنھ

م لي

سو‬
‫ّ‬
‫ي
صدق‬ ‫بكاذبين عندما يقولون أنھ
م يؤمن
ون بك
ل ھ
ذه األش
ياء‪ .‬فھ
م يؤمن
ون بھ
ا‪ ،‬كم
ا‬
‫يمتدح دائما أمامھم وال ُ َ ُ‬
‫يناقش مطلقا‪ .‬أما بمعنى ذلك المعتق
د الح
ي‬ ‫الناس بما يسمعونه ُ َ‬
‫الذي ينظم ال
سلوك‪ ،‬ف
إنھم يؤمن
ون ب
أن ھ
ذه الم
ذاھب ھ
ي أعل
ى م
ن النقط
ة الت
ي م
ن‬
‫الطبيع

ي أن تعم

ل ف

وقھم‪ .‬إن الم

ذاھب ف

ي تماس

كھا مفي

دة لھزيم

ة خ

صومھم؛ وم

ن‬
‫المفھوم أنھا ال ب
د أن ُ ّ‬
‫تق
دم )عن
دما يك
ون ذل
ك ممكن
ا( عل
ى أنھ
ا أس
باب لك
ل م
ا يفعل
ه‬
‫الناس ويعتقدون أنه ج
دير ب
االحترام‪ .‬ولك
ن أي ش
خص ي
ذكرھم ب
أن القواع
د تتطل
ب‬
‫عددا ال حصر له من األشياء التي ال يفكرون بفعلھ
ا مج
رد تفكي
ر‪ ،‬س
وف ل
ن يح
صل‬
‫على شيء سوى أن ُ ّ‬
‫يصنف بين ھؤالء األشخاص المنبوذين جدا‪ ،‬ال
ذين ّ‬
‫ي
دعون ب
أنھم‬
‫أفضل من اآلخرين‪ .‬ليس للمذاھب سيطرة على المؤمنين العاديين— وھي لي
ست ق
وة‬
‫في عقولھم‪ .‬إن لديھم احترام اعتادوا عليه لصوتھم‪ ،‬ولك
ن ل
يس ل
ديھم إح
ساس ينت
شر‬
‫من الكلمات إلى األشياء التي تدل عليھا‪ ،‬ويجبر العقل على استقبالھا‪ ،‬ويجعلھ
ا تن
سجم‬
‫مع المعادلة‪ .‬كلما يتعلق األمر بالسلوك‪ ،‬ينظ
رون إل
ى ال
سيد )س( و )ص( ليوجھ
انھم‬
‫إلى أي مدى يريدون في طاعة المسيح‪.‬‬

‫اآلن بوسعنا أن نكون عل


ى يق
ين م
ن أن الحال
ة م
ع الم
سيحيين األوائ
ل ل
م تك
ن‬
‫ھكذا‪ ،‬ولكن بشكل مختلف كثيرا‪ .‬لو كانت ھكذا‪ ،‬لما اس
تطاعت الم
سيحية م
ن التوس
ع‬
‫من طائفة مجھولة من العبريين المحتق
رين إل
ى دي
ن اإلمبراطوري
ة الروماني
ة‪ .‬عن
دما‬

‫‪52‬‬
‫قال أعداؤھم‪" ،‬انظروا كيف يحب ھؤالء الم
سيحيون اح
دھم اآلخ
ر" )وھ
ي مالحظ
ة‬
‫ال يحتم

ل أن يقولھ

ا أي ش

خص ك

ان اآلن(‪ ،‬ك

انوا ب

ال ش

ك يمتلك

ون ش
عورا بمعن

ى‬
‫مذھبھم أكثر حيوية من أي وقت مضى‪ .‬وربما لھذا السبب بالذات‪ ،‬أصبحت المسيحية‬
‫الي

وم ال تح

رز تق

دما كبي

را ف

ي توس

يع نطاقھ

ا‪ ،‬وبع

د ثماني

ة ع

شر قرن

ا‪ ،‬م

ا زال

ت‬
‫مقت

صرة عل

ى األوربي

ين وأحف

اد األوربي

ين‪ .‬ب

ل حت

ى م

ع المت

دينين ب

شكل ص

ارم‪،‬‬
‫الجادين حول مذاھبھم بشكل كبير‪ ،‬والذين يعطون حجما من المعاني للعدي
د منھ
ا )أي‬
‫المذاھب( اكبر مما يفعل الناس عموما‪ ،‬عادة ما يحدث أن يكون الج
زء األكث
ر ن
شاطا‬
‫في عقولھم ھو ذلك الذي صنعه كالفين‪ ،‬أو نوكس‪ ،‬أو شخص آخر كھوالء يقترب ف
ي‬
‫شخصيته منھم‪ .‬مقوالت المسيح وتعاليمه تتجاور في عقولھم بشكل سلبي‪ ،‬دونما تن
تج‬
‫تأثيرا يذكر سوى ذلك الذي ينجم عن مجرد االستماع إلى كلم
ات ودودة وعادي
ة ج
دا‪.‬‬
‫ھنالك عدة أس
باب‪ ،‬ب
ال ش
ك‪ ،‬وراء احتف
اظ بع
ض الم
ذاھب‪ ،‬الت
ي ھ
ي عالم
ة ل
بعض‬
‫األدي

ان‪ ،‬بق

در م

ن فاعليتھ

ا اكب

ر م

ن األدي

ان ال

شائعة والت

ي يعرفھ

ا الجمي

ع‪ ،‬ولم

اذا‬
‫يتجشم المعلمون عناء كبيرا إلبقاء معانيھا على قيد الحياة؛ ولكن أحد ھذه األسباب ھو‬
‫بالتأكيد‪ ،‬أن المذاھب المتفردة ھي أكثر تعرضا للت
شكيك والم
ساءلة‪ ،‬وعليھ
ا أن ت
دافع‬
‫عن نفسھا بشكل متكرر ضد الجاحدين الواضحين‪ .‬وبمجرد أن ال يبقى ھناك عدو ف
ي‬
‫الميدان‪ ،‬يذھب كل من المعلمين والمتعلمين ليناموا في أماكنھم‪.‬‬

‫وينطبق الشيء ذاته على جميع المذاھب التقليدية‪ ،‬بشكل عام – تلك التي تمتل
ك‬
‫التعق

ل ومعرف

ة الحي

اة‪ ،‬إض

افة إل

ى األخ

الق أو ال

دين‪ .‬جمي

ع اللغ

ات واآلداب مليئ

ة‬
‫بالمالحظات العامة ح
ول الحي
اة‪ ،‬لم
ا يتعل
ق بماھيتھ
ا‪ ،‬كي
ف ّ‬
‫يكي
ف الم
رء نف
سه فيھ
ا‪،‬‬
‫عل

ى ح

د س

واء؛ مالحظ

ات يعرفھ

ا الجمي

ع‪ ،‬ويكررھ

ا الجمي

ع‪ ،‬أو ي

سمعھا برض

ا أو‬
‫رضوخ‪ُ ،‬تستقبل على أنھا بديھيات‪ ،‬ورغم ذلك يتعلم منھا معظم الناس المعنى‪ ،‬بشكل‬
‫صحيح‪ ،‬عندما جعلتھا التجربة‪ ،‬ذات النوع المؤلم عموما‪ ،‬حقيقة بالنسبة لھم‪ .‬كثيرا ما‬
‫يستحضر الشخص‪ ،‬عندما ُيحرج تحت وطأة خيبة أو مصيبة غي
ر متوقع
ة‪ ،‬حكم
ةً أو‬

‫‪53‬‬
‫مثال أو قوال مأثورا مألوفا لديه طوال حياته‪ ،‬كان معناه لينقذه من المصيبة لو أنه شعر‬
‫به من قبل كما يشعر به اآلن‪ .‬ھنالك ف
ي الحقيق
ة أس
باب أخ
رى وراء ذل
ك غي
ر س
بب‬
‫غياب المناقشة‪ :‬ھنالك العديد من الحقائق التي ال يمكن أن يتحقق معناھ
ا الكام
ل حت
ى‬
‫تجلبه التجربة الشخصية‪ .‬ولكن الكثير من معاني حتى ھذه كان يمك
ن أن ُيفھ
م‪ ،‬وك
ان‬
‫يمكن للمعاني المفھوم
ة م
سبقا أن تترس
خ ف
ي العق
ل‪ ،‬ل
و ك
ان اإلن
سان ق
د اعت
اد عل
ى‬
‫سماعھا وھي ُتناقش‪ ،‬من حيث ميزاتھا ومساوئھا على حد سواء‪ ،‬من قبل الناس الذين‬
‫فھموھا‪ .‬أن ميل البشرية القاتل نحو ترك األش
ياء المتعلق
ة ب
شيء م
ا‪ ،‬عن
دما ال يك
ون‬
‫ھناك أي شك بذلك الشيء‪ ،‬ھو السبب وراء نصف أخطائھم‪ .‬لقد تحدث كاتب معاصر‬
‫وأجاد التعبير عن "النوم العميق لآلراء المحسومة‪".‬‬

‫ولكن ماذا! )ربما يسأل احد(‪ .‬ھ


ل إن غي
اب اإلجم
اع ش
رط ال ب
د من
ه للمعرف
ة‬
‫الحقيقية؟ ھل من الضروري أن ي
ستمر ج
زء م
ن الب
شرية ف
ي الخط
أ‪ ،‬لك
ي يمك
ن أي
ا‬
‫كان من إدراك الخطأ؟ ھل ينبغ
ي أن ينتھ
ي معتق
د مع
ين ويك
ف ع
ن أن يك
ون حقيقي
ا‬
‫وفاعال فور استقباله أو استالمه من قبل الناس بشكل عام – وھل أن المقترح ل
ن ُيفھ
م‬
‫يشعر به ما لم يساوره بعض الشك؟ سرعان ما تتقبل البشرية باإلجم
اع حقيق
ة م
ا‪،‬‬
‫أو ُ َ‬
‫ھ

ل تم

وت تل

ك الحقيق

ة ف

ي داخلھ

م؟ إن الھ

دف األس

مى والنتيج

ة الف

ضلى لل

ذكاء‬
‫المتط

ور‪ ،‬كم

ا ش

اع االعتق

اد حت

ى اآلن‪ ،‬ھ

و توحي

د الب

شرية أكث

ر ف

أكثر م

ن خ

الل‬
‫االعتراف بكافة الحقائق المھمة‪ :‬وھل أن الذكاء يبقى فق
ط عن
دما ال يحق
ق ھدف
ه؟ ھ
ل‬
‫أن ثمار الفتح تموت وتنتھي فور إكمال النصر؟‬

‫أنا ال أؤكد على مثل ھذا الشيء‪ .‬فبتطور البشرية‪ ،‬سيزداد عدد المذاھب التي لم‬
‫تع

د تتع

رض للج

دل أو الت

شكيك‪ ،‬وب

شكل س

ريع‪ :‬وس

يقاس ازدھ

ار الب

شرية بع

دد‬
‫وجاذبية الحقائق التي وصلت إلى نقطة تجعلھا غير قابلة لالعتراض‪ .‬إن توقف الجدل‬
‫الجاد‪ ،‬عند نقط
ة تل
و أخ
رى‪ ،‬ھ
و اح
د المناس
بات ال
ضرورية لتعزي
ز ال
رأي؛ تعزي
زا‬

‫‪54‬‬
‫على قدر فائدته عن
دما تك
ون اآلراء ص
حيحة‪ ،‬عل
ى ق
در م
ا ھ
و خط
ر وض
ار عن
دما‬
‫تكون خاطئة مغلوطة‪ .‬ولكن على الرغم من أن ھذا التضييق التدريجي لح
دود التن
وع‬
‫في الرأي ھو ضروري بكل معنى من معنيي المصطلح‪ ،‬ألنه حتمي وال غنى عنه في‬
‫نفس الوقت‪ ،‬إال أننا لسنا مجبرين على أن نستنتج أن كل تبعاته يجب أن تك
ون مفي
دة‪.‬‬
‫إن خسارة دعم مھم كھذا لإلدراك الذكي والحي للحقيقة‪ ،‬مثلم
ا تحتم
ه الحاج
ة ل
شرحه‬
‫للخصوم‪ ،‬أو الدفاع عنه ضدھم‪ ،‬على الرغم من أنه ليس كافيا ليف
وق فائ
دة االعت
راف‬
‫العالمي به‪ ،‬إال أنه ليس مجرد عائق تاف
ه ف
ي طري
ق ھ
ذه الفائ
دة‪ .‬وعن
دما ال يع
د م
ن‬
‫معلم
ي الب
شرية وھ

م‬
‫ّ‬ ‫الممك
ن الح
صول عل
ى ھ
ذه الفائ
دة‪ ،‬اعت
رف ب
أنني أود م
شاھدة‬
‫يحاولون جاھدين أن يوفروا بديال له؛ اختراعا أو تدبيرا ما‪ ،‬يجع
ل ص
عوبات الم
سألة‬
‫حاضرة في وعي المتعلم‪ ،‬كما لو أنھا فرضت عليه بقوة من قبل بط
ل مع
ارض يت
وق‬
‫لتحويله )عن دينه(‪.‬‬

‫ما زال أمامنا أن نتكلم عن واحدة من األس


باب الرئي
سة الت
ي تجع
ل التن
وع ف
ي‬
‫اآلراء مفيدا‪ ،‬وسيبقى ھكذا حتى تدخل البشرية في مرحلة من التقدم الفك
ري يب
دو ف
ي‬
‫المرحلة الراھنة على مسافة يصعب حسابھا‪ .‬لقد نظرنا حت
ى اآلن ف
ي احتم
الين فق
ط‪:‬‬
‫لو كان ال
رأي الم
ستلم أو المت
وارث خ
اطئ‪ ،‬يك
ون ال
رأي اآلخ
ر ص
حيحا‪ ،‬بن
اء عل
ى‬
‫ذل

ك؛ أو إن ك

ان ال

رأي الم

ستلم ص

حيحا‪ ،‬مم

ا يجع

ل ال

صراع م

ع الخط

أ المع

ارض‬
‫أساس

يا م

ن أج

ل إدراك واض

ح لحقيقت

ه وش

عور عمي

ق ب

ه‪ .‬ولك

ن ھنال

ك حال

ة أكث

ر‬
‫شيوعا من كلت
ا الح
التين؛ عن
دما يت
شارك الم
ذھبين المتن
ازعين بالحقيق
ة فيم
ا بينھم
ا‪،‬‬
‫ب

دال م

ن أن يك

ون اح

دھما عل

ى ص

واب واآلخ

ر عل

ى خط

أ؛ ويك

ون ال

رأي غي

ر‬
‫التوافقي‪ ،‬أو غير المنسجم كليا مع أي منھما‪ ،‬مطلوبا لتوفير المتبقي من الحقيقة‪ ،‬الت
ي‬
‫ال يجسد المذھب المستلم أو المتوارث سوى جزء صغير منھا‪ .‬إن اآلراء الشعبية‪ ،‬ف
ي‬
‫المواض

يع غي

ر الواض

حة للعق

ل‪ ،‬ع

ادة م

ا تك

ون ص

حيحة‪ ،‬ولكنھ

ا ن

ادرا م

ا تك

ون‬
‫صحيحة بشكل تام‪ ،‬أو ال تكون كذلك قط‪ .‬ھي جزء من الحقيقة؛ جزء كبير ف
ي بع
ض‬

‫‪55‬‬

شوه‪ ،‬ومنف

صل ع

ن‬
‫األحي

ان‪ ،‬وص

غير ف

ي األحي

ان األخ

رى‪ ،‬ولكن

ه مب

الغ في

ه‪ ،‬وم
ّ‬
‫الحقائق الت
ي ينبغ
ي أن ت
صاحبه وتح
دده‪ .‬إن اآلراء الھرطقي
ة‪ ،‬م
ن الناحي
ة األخ
رى‪،‬‬
‫ھي بشكل عام بعض من تلك الحقائق المقموعة والمھملة‪ ،‬تكسر األغالل الت
ي لطالم
ا‬
‫كبلتھ

ا‪ ،‬وھ

ي أم

ا س

عت للتواف

ق م

ع الحق

ائق المت

ضمنة ف

ي ال

رأي ال

شائع‪ ،‬أو ت
تم‬
‫مواجھتھا كعدو‪ ،‬وتأسس نفسھا‪ ،‬بشكل حصري مشابه‪ ،‬عل
ى أنھ
ا الحقيق
ة الكامل
ة‪ .‬إن‬
‫الحال

ة األخي

رة ھ

ي األكث

ر تك

رارا لح

د اآلن‪ ،‬مثلم

ا كان

ت األحادي

ة ف

ي التفكي

ر‪ ،‬ف

ي‬
‫العق

ل الب

شري‪ ،‬ھ

ي القاع

دة عل

ى ال

دوام‪ ،‬والتفكي

ر المتع

دد األبع

اد والجوان

ب ھ

و‬
‫االستثناء‪ .‬لذا‪ ،‬فحت
ى ف
ي ث
ورات ال
رأي‪ ،‬يغ
رب ج
زء م
ن الحقيق
ة بينم
ا ي
شرق ج
زء‬
‫آخر‪ .‬حتى التقدم‪ ،‬الذي يفترض به أن يضيف حقيقة جزئية وناقصة عل
ى أخ
رى‪ ،‬ف
ي‬
‫اغلب األحيان ال يقوم إال باستبدال واحدة بأخرى‪ ،‬أما التط
ور فيتك
ون م
ن ھ
ذا ب
شكل‬
‫رئ

يس‪ ،‬أال وھ

و أن الج

زء الجدي

د م

ن الحقيق

ة مطل

وب أكث

ر‪ ،‬وھ

و أكث

ر تكيف

ا م

ع‬
‫حاج

ات الع

صر‪ ،‬م

ن ذل

ك الج

زء ال

ذي يح

ل محل

ه‪ .‬وإذا ك

ان ھ

ذا ھ

و ح

ال ال

صفة‬
‫الجزئية في اآلراء السائدة‪ ،‬حتى عندما تؤسس على أساس حقيقي‪ ،‬فإن كل رأي يجسد‬
‫جزءا من الحقيقة التي يحذفھا‪ ،‬ينبغي أن يعتبر رأيا ثمينا‪ ،‬ب
أي مق
دار ك
ان م
ن الخط
أ‬
‫واإلرباك الذي يمكن للحقيقة أن تختلط به‪ .‬ما من َ َ‬
‫حكم ٍ متعقل للشؤون اإلنسانية يشعر‬
‫أنه ملتزم ب
أن يك
ون حانق
ا الن ھ
ؤالء ال
ذين يفرض
ون بع
ض الحق
ائق عل
ى انتباھن
ا‪،‬‬
‫ربما كنا نغفلھا في خالف ذلك‪ ،‬ونغفل بعضا من الحق
ائق الت
ي نراھ
ا‪ .‬ب
ل ان
ه س
يعتقد‬
‫أنه طالم
ا أن الحقيق
ة ال
شائعة أو ال
شعبية ھ
ي حقيق
ة أحادي
ة الجان
ب‪ ،‬فإن
ه م
ن األكث
ر‬
‫تفضيال عل
ى خالف
ه‪ ،‬أن تمتل
ك الحقيق
ة مؤي
دين أح
اديي الجان
ب أي
ضا؛ وھك
ذا يك
ون‬
‫األكثر نشاطا واألكثر احتماال إلجبار االنتباه المتذبذب لجزء الحقيقة الذي يعلنون عنه‬
‫كما لو أنه الحقيقة كاملة‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬عندما كان كل المتعلمين‪ ،‬وك


ل غي
ر المتعلم
ين ال
ذين ي
سيرون بقي
ادتھم‪،‬‬
‫مأخوذين بإعجابھم بما يسمى بالحضارة‪ ،‬وبعجائب العلم الحديث‪ ،‬واألدب‪ ،‬والفل
سفة‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫وبينما يبالغون بمقدار االختالف بين رجال العصر الحديث ورجال الع
صور القديم
ة‪،‬‬
‫كانوا منغمسين باالعتقاد بأن االختالف برمته كان في مصلحتھم؛ بأي صدمة تفجرت‬
‫تناقضات روسو كالقنابل في المعترك‪ ،‬لتخل
ع ال
رأي األح
ادي الجان
ب برمت
ه‪ ،‬وتجب
ر‬
‫عوامله على التوحد مجددا بشكل أفضل‪ ،‬مع عناصر إضافية‪ .‬ليس ألن اآلراء الحالي
ة‬
‫بشكل عام أبعد عن الحقيقة مما كانت عليه آراء روسو؛ بل على العكس‪ ،‬كان
ت اق
رب‬
‫إليھا؛ فقد احتوت المزيد من الحقيقة االيجابية‪ ،‬والقليل م
ن الخط
أ‪ .‬وب
الرغم م
ن ذل
ك‪،‬‬
‫ھناك في مذھب روس
و‪ ،‬مق
دار معق
ول م
ن تل
ك الحق
ائق بال
ضبط الت
ي أرادھ
ا ال
رأي‬
‫الشائع‪ ،‬وقد فاض معه في تيار الرأي ؛ وتلك ھي الوديعة التي م
ا تبق
ى بع
دما انح
سر‬
‫الفي

ضان‪ .‬إن القيم

ة العلي

ا لب

ساطة الحي

اة‪ ،‬وت

أثير قي

ود المجتم

ع الم

صطنع ونفاق

ه‬
‫المضعف والمفسد لألخالق‪ ،‬ھي أفكار لم تكن غائبة تماما عن العقول المتعلمة منذ أن‬
‫ُ ِ‬
‫أكلُھ

ا ف

ي الوق

ت المناس

ب‪ ،‬عل

ى ال

رغم م

ن أنھ

ا‬
‫كت

ب روس

و؛ وس

تأتي ھ

ذه األفك

ار ُ‬
‫تحت

اج ف

ي الوق

ت الحاض

ر إل

ى أن ي

تم تأكي

دھا باألفع

ال‪ ،‬ألن الكلم

ات‪ ،‬ف

ي ھ

ذا‬
‫الموضوع‪ ،‬قد استنفذت قواھا تقريبا‪.‬‬

‫في السياسة‪ ،‬ثاني


ة‪ ،‬أص
بح م
ن الب
ديھيات تقريب
ا أن نق
ول‪ ،‬إن ح
زب النظ
ام أو‬
‫االس

تقرار‪ ،‬وح

زب التط

ور أو اإلص

الح‪ ،‬كالھم

ا عوام

ل ض

رورية للحال

ة ال

صحية‬
‫للحياة السياسية؛ حتى يقوم احدھما بتوسيع استيعابه العقلي ليكون عامال للنظام وللتقدم‬
‫في الوقت ذاته‪ ،‬ويعرف ويميز م
ا ھ
و مناس
ب للحف
اظ علي
ه م
ن ال
ذي يج
ب ال
تخلص‬
‫منه‪ .‬إن كل من نمطي التفكير ھذين ي
ستمد نفع
ه م
ن عي
وب اآلخ
ر‪ ،‬ولكنھ
ا معارض
ة‬
‫اآلخر‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬ھي الت
ي تبق
ي ك
ل منھم
ا ف
ي ح
دود العق
ل والمنط
ق‪ .‬م
ا ل
م ي
تم‬
‫التعبير عن اآلراء المحببة لدى الديمقراطية واالرستقراطية‪ ،‬ل
دى الملكي
ة والم
ساواة‪،‬‬
‫لدى التعاون والتنافس‪ ،‬لدى الترف والتعفف‪ ،‬ل
دى ال
روح االجتماعي
ة الفرداني
ة‪ ،‬ل
دى‬
‫الحري

ة والنظ

ام‪ ،‬ول

دى جمي

ع الخ

صومات الناش

ئة األخ

رى للحي

اة العملي

ة‪ ،‬بحري

ة‬
‫متساوية‪ ،‬ويتم تفعيلھا والدفاع عنھا بمھارة وبقوة متساويتين‪ ،‬ل
ن تك
ون ھن
اك فرص
ة‬

‫‪57‬‬
‫لكال العاملين في أن يحققا استحقاقاتھما؛ وستذھب إحدى كفتي الميزان إلى األعلى بال‬
‫ش

ك‪ ،‬بينم

ا تنح

در األخ

رى إل

ى األس

فل‪ .‬إن الحقيق

ة‪ ،‬ف

ي اھتمام

ات الحي

اة العملي

ة‬
‫الكبرى‪ ،‬ھي مسألة التوفيق بين المتناقضات والتجميع بينھا‪ ،‬بحيث ﱠ‬
‫إن القلي
ل ج
دا م
ن‬
‫الناس يمتلكون عقوال واسعة وحيادية ليقوموا بالتكيف مع المقاربة م
ن ال
صواب‪ ،‬وال‬
‫ّ‬
‫الفض بين المقاتلين الذين يحاربون تح
ت‬ ‫بد من القيام بذلك عن طريق عملية الصراع‬
‫رايات متناحرة‪ .‬في أي من المسائل المفتوحة الت
ي ذكرناھ
ا للت
و‪ ،‬إذا م
ا ك
ان ل
دى أي‬
‫تحمل

ه‪ ،‬ب
ل لك
ي يُ

شجﱠع‬
‫م
ن ال
رأيين حج
ة أق

وى م
ن اآلخ
ر‪ ،‬ل

يس فق
ط ف
ي أن يج
ري ّ‬
‫ويقبل‪ ،‬فإنه ذلك الرأي الذي صادف أنه في زمان ومكان معينين كان لدى أقلية‪ .‬وذلك‬
‫ُ َ‬
‫ھو الرأي الذي يمث
ل‪ ،‬ف
ي الفت
رة الحالي
ة‪ ،‬الم
صالح المھمل
ة‪ ،‬ذل
ك الجان
ب م
ن الحال
ة‬
‫البشرية المھددة بنيل أقل من حصتھا‪ .‬إنني م
درك بأن
ه ل
يس ھن
اك‪ ،‬ف
ي ھ
ذا البل
د‪ ،‬أي‬
‫تعصب ضد االختالفات في الرأي في معظم ھذه المواضيع‪ .‬لقد قُ ّ َ‬
‫دمت ألجل أن تب
ين‪،‬‬
‫عب

ر أمثل

ة متع

ددة ومقبول

ة‪ ،‬ش

مولية الحقيق

ة القائل

ة بأن

ه لي

ست ھن

اك فرص

ة للع

ب‬
‫النظي

ف لك

ل أط

راف الحقيق

ة إال م

ن خ

الل تن

وع اآلراء‪ .‬عن

دما يمكنن

ا إيج

اد بع

ض‬
‫استثناء لإلجماع الظاھري للع
الم ح
ول أي موض
وع‪ ،‬حت
ى‬
‫ً‬ ‫األشخاص‪ ،‬الذين يشكلون‬
‫لو كان العالم عل
ى ص
واب‪ ،‬فإن
ه م
ن المعق
ول دائم
ا أن يك
ون ل
دى المعارض
ين ش
يئا‬
‫يستحق االستماع إليه ليقولونه ألنفسھم‪ ،‬وان تفقد الحقيقة شيئا من خالل صمتھم‪.‬‬

‫ق

د يعت

رض ال

بعض‪" ،‬ولك

ن بع

ضا م

ن المب

ادئ الم

ستلمة‪ ،‬وال س

يما ف

ي‬
‫المواض

يع األس

مى واألكث

ر حيوي

ة‪ ،‬ھ

ي أكث

ر م

ن أن

صاف حق

ائق‪ .‬إن األخالقي

ات‬
‫المسيحية‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬ھي الحقيقة الكاملة ف
ي ذل
ك الموض
وع‪ ،‬وإذا م
ا ق
ام أي‬
‫شخص بتدريس أخالقيات تختلف عنھا‪ ،‬فھو مخطئ تماما‪ ".‬وألن ھذا ينطبق ب
صورة‬
‫عملية على كاف
ة الق
ضايا األكث
ر أھمي
ة‪ ،‬ف
ال يمك
ن ألي ق
ضية أن تك
ون أكث
ر مالئم
ة‬
‫الختبار القاعدة العامة‪ .‬ولكن قبل أن نقول ما ھ
ي األخالقي
ات الم
سيحية‪ ،‬س
يكون م
ن‬
‫المف

ضل أن نح

دد م

ا نعن

ي باألخالقي

ات الم

سيحية‪ .‬إن كان

ت تعن

ي أخالقي

ات العھ

د‬

‫‪58‬‬
‫الجدي

د‪ ،‬فعجب

ي م

ن أن ي

ستمد أي ف

رد معرفت

ه بھ

ذا م

ن الكت

اب ذات

ه‪ ،‬ي

ستطيع أن‬
‫أعل
ن‪ ،‬أو أري
د ب
ه أن يك
ون م
ذھبا أخالقي
ا ك
امال‪ .‬ع
ادة م
ا ي
شير‬
‫يفترض أنه ك
ان ق
د ِ َ‬
‫اإلنجيل إلى األخ
الق الموج
ودة م
سبقا‪ ،‬ويح
دد ن
صائحه أو إرش
اداته بالتفاص
يل الت
ي‬
‫تحتاج تلك األخ
الق فيھ
ا إل
ى بع
ض الت
صحيح‪ ،‬أو أن ت
ستبدل ب
أخالق اكب
ر وأس
مى؛‬
‫تعبر عن نفسھا‪ ،‬زيادة على ذل
ك‪ ،‬بعب
ارات عام
ة ج
دا‪ ،‬ع
ادة م
ا يك
ون م
ن الم
ستحيل‬
‫تف

سيرھا ب

شكل حرف

ي‪ ،‬وتمتل

ك ت

أثير ال

شعر أو البالغ

ة ول

يس دق

ة الت

شريع‪ .‬إن‬
‫استخراج مذھبا أخالقيا منھا لم يكن ممكنا دون تدبرھا من العھ
د الق
ديم‪ ،‬أي م
ن نظ
ام‬
‫واسع حقا‪ ،‬ولكن
ه ھمج
ي ف
ي العدي
د م
ن جوانب
ه‪ ،‬ك
ان ي
راد ب
ه ألن
اس ھمجي
ين فق
ط‪.‬‬
‫افت

رض الق

ديس ب

ول‪ ،‬وھ

و ع

دو معل

ن لھ

ذا ال

نمط اليھ

ودي لتف

سير الم

ذھب وتنفي

ذ‬
‫مخط

ط س

يده‪ ،‬وج

ود نظ

ام أخالق

ي س

ابق‪ ،‬وھ

و عل

ى وج

ه التحدي

د‪ ،‬نظ

ام اإلغري

ق‬
‫ّ‬
‫للتكي
ف م
ع ذل
ك‪،‬‬ ‫والرومان‪ :‬وما نصيحته للم
سيحيين‪ ،‬وإل
ى درج
ة كبي
رة‪ ،‬إال نظام
ا‬
‫حتى إلى درجة إعطاء تخويل أو تأييد للعبودية‪ .‬إن األخالقي
ات الت
ي ت
سمى م
سيحية‪،‬‬
‫واألجدر أن يطلق عليھا األخالقيات الدينية أو الثيولوجية‪ ،‬لم تكن من عمل الم
سيح أو‬
‫الحواريين‪ ،‬بل ھي من أصل متأخر جدا‪ ،‬فقد تم بناؤھا بشكل تدريجي على يد الكنيسة‬
‫الكاثوليكية في القرون الخمسة األولى‪ ،‬وعلى الرغم من عدم تبنيھا بشكل ضمني من‬
‫قب

ل البروت

ستانتيين الح

ديثين‪ ،‬إال أنھ

م ل

م يغيروھ

ا أو يع
ّ
دلوھا ب

شكل كبي

ر كم

ا ك

ان‬
‫ّ‬
‫متوقع‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬إنھم اقتنعوا‪ ،‬على األغل
ب‪ ،‬بقط
ع اإلض
افات الت
ي أجري
ت عل
ى‬
‫تلك األخالقيات في القرون الوسطى‪ ،‬فأقدمت كل طائفة على توفير المجال م
ن خ
الل‬
‫إض
افات جدي
دة‪ ،‬تن
سجم وميولھ
ا وس
ماتھا‪ .‬س

أكون آخ
ر م
ن ينك
ر حقيق
ة أن الب

شرية‬
‫ت

دين ب

دين كبي

ر لھ

ذه األخالقي

ات‪ ،‬ولمعلميھ

ا األوائ

ل؛ ولكن

ي ال أت

ردد ف

ي أن أق

ول‬
‫بحقھا أنھا‪ ،‬في العدي
د م
ن النق
اط المھم
ة‪ ،‬ناق
صة وأحادي
ة الجان
ب‪ ،‬وان
ه ل
و ل
م ت
سھم‬
‫األفك

ار والم

شاعر‪ ،‬الت

ي ال ت

دعمھا تل

ك األخالقي

ات وت

سندھا‪ ،‬ف

ي ت

شكيل الحي

اة‬
‫والشخصية األوربيتين‪ ،‬لكانت الشؤون اإلنسانية قد أص
بحت ف
ي حال
ة أس
وأ مم
ا ھ
ي‬
‫عليه اآلن‪ .‬إن )ما يسمى( باألخالق الم
سيحية تمتل
ك ك
ل س
مات رد الفع
ل؛ فھ
ي‪ ،‬إل
ى‬

‫‪59‬‬
‫حد بعيد‪ ،‬احتجاج على الوثنية‪ .‬كان مثالھا سلبيا أكثر من كونه ايجابيا‪ ،‬خامال أكثر من‬
‫كونه فاعال‪ ،‬بريئا أكثر من كونه نب
يال؛ امتن
اع ع
ن ال
شر‪ ،‬ول
يس س
عيا حيوي
ا للخي
ر‪:‬‬
‫وفي إرشاداتھا )كما قيل من قبل( تھيمن عبارة "عليك أن ال" بشكل كبير عل
ى عب
ارة‬
‫"علي

ك أن‪ ".‬وف

ي رعبھ

ا ال

شديد م

ن الح

سية‪ ،‬ش

يدت ص

نما للزھ

د‪ ،‬فأخ

ذ يتح

ول‬
‫بالتدريج إلى نوع من الشرعية‪ .‬فھ
و يم
سك بي
ده بأم
ل الجن
ة وتھدي
د الن
ار‪ ،‬بوص
فھما‬
‫الح

افزين المناس

بين المعين

ين للحي

اة الفاض

لة‪ :‬ف

ي ھ

ذا ال

سقوط إل

ى أدن

ى م

ن أف

ضل‬
‫القدماء‪ ،‬وفعل ما يكمن فيھا إلعط
اء األخ
الق الب
شرية س
مة أناني
ة ف
ي جوھرھ
ا‪ ،‬م
ن‬
‫خ

الل ف

صل م

شاعر الواج

ب ل

دى ك

ل إن

سان ع

ن م

صالح أبن

اء جلدت

ه‪ ،‬باس

تثناء م

ا‬
‫يتعلق بالحوافز األنانية التي ّ‬
‫تقدم له إذا م
ا است
شارھم‪ .‬إن
ه م
ذھب للطاع
ة ال
سلبية ف
ي‬
‫وجدت مؤسسة‪ ،‬وھ
م ف
ي الحقيق
ة ال‬
‫جوھره‪ ،‬فھو يغرس الرضوخ لكل السلطات التي ِ َ‬
‫يقاومون‪ ،‬وال‬
‫يطاعون بشكل فاعل إذا ما أمروا بما يحرمه الدين‪ ،‬ولكنھم ال ينبغي أن َ‬
‫يجب التمرد ضدھم‪ ،‬مھما كان حجم الضرر الذي قد يلحق بنا‪ .‬وبينم
ا يح
تفظ الواج
ب‬
‫تجاه الدولة‪ ،‬في أخالقي
ات أف
ضل األم
م الوثني
ة‪ ،‬بمكان
ة غي
ر متكافئ
ة‪ ،‬تنتھ
ك الحري
ة‬
‫الفردية العادلة؛ فإن ذلك القسم الكبير من الواجب‪ ،‬في األخالقيات المسيحية‪ ،‬نادرا م
ا‬
‫يالحظه أو يعترف به أحد‪ .‬إنه لفي القرآن‪ ،‬وليس ف
ي العھ
د الق
ديم‪ ،‬نق
رأ الحكم
ة الت
ي‬
‫تقول‪" :‬إن الحاكم الذي يعين رجال في منصب‪ ،‬وكان في أراضيه رجل أكفأ من
ه فإن
ه‬
‫يرتك
ب إثم
ا ض
د ﷲ وض
د الدول
ة‪ ".‬إن اإلدراك القلي
ل لفك
رة االلت
زام تج
اه الجمھ

ور‬
‫المؤسسة في األخالقيات الحديثة‪ ،‬م
شتقة م
ن م
صادر إغريقي
ة وروماني
ة‪ ،‬ول
يس م
ن‬
‫مصادر مسيحية؛ كما ھ
و الح
ال م
ع ك
ل م
ا ھ
و موج
ود م
ن ش
ھامة ومبدئي
ة وكرام
ة‬
‫شخصية‪ ،‬بل وحتى الشرف‪ ،‬المستمدة من الجزء اإلنساني المحض‪ ،‬وليس من الج
زء‬
‫الديني من التعليم‪ ،‬ول
م يك
ن بمق
دورھا أن تنم
و م
ن معي
ار م
ن األخالقي
ات تك
ون في
ه‬
‫القيمة الوحيدة‪ ،‬المعترف بھا بشكل علني‪ ،‬ھي قيمة الطاعة‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫أن

ا بعي

د‪ ،‬بمث

ل ابتع

اد اآلخ

رين‪ ،‬ع

ن االدع

اء ب
أن تل

ك العي

وب ھ

ي متأص

لة‬
‫بال

ضرورة ف

ي األخالقي

ات الم

سيحية‪ ،‬وبك

ل أس

لوب يمكنن

ا أن نت

صورھا ب

ه‪ ،‬أو أن‬
‫المتطلبات العديدة للمذھب األخالقي الكامل الذي ال تحت
وي علي
ه‪ ،‬ال ت
سمح بالت
صالح‬
‫معه‪ .‬قلما أتوقع ذلك من م
ذاھب وتوجيھ
ات الم
سيح نف
سه‪ .‬اعتق
د أن مق
والت الم
سيح‬
‫ھي كل ما استطيع أن أراه من األدلة على أنھا ما أريد لھا أن تك
ون؛ وأنھ
ا غي
ر قابل
ة‬
‫للتوافق مع أي شيء تستوجبه األخالقيات الشاملة؛ وان أي ش
يء ممت
از ف
ي األخ
الق‬
‫يمكن جلبه ف
ي ح
دودھا‪ ،‬ب
دون عن
ف ف
ي لغتھ
ا اكب
ر مم
ا ح
ل بھ
ا عل
ى ي
د ك
ل ال
ذين‬
‫حاولوا أن يستنتجوا منھا أي نظام عملي للسلوك‪ ،‬مھما كان نوعه‪ .‬ولكن من المتواف
ق‬
‫تماما مع ھذا أن نعتقد بأنھا ال تتضمن إال جزءا من الحقيقة‪ ،‬وقد أريد لھا ذل
ك؛ بحي
ث‬
‫إن العديد من العناصر األساسية لألخالقيات العليا ھي من بين األشياء الت
ي ل
م ُت
ذكر‪،‬‬
‫ﱠ‬
‫وال التي أريد لھا أن ُتذكر‪ ،‬في التصريحات المسجلة لمؤسس المسيحية‪ ،‬والتي ُترك
ت‬
‫جانبا في النظام األخالقي الذي تم نصبه على أساس تلك التصريحات من قبل الكني
سة‬
‫المسيحية‪ .‬ولما كان األمر على ھذا الح
ال‪ ،‬اعتق
د أن م
ن الخط
أ الكبي
ر أن ن
ستمر ف
ي‬
‫محاولة أن نجد في المذھب المسيحي قانونا يرشدنا‪ ،‬كان مؤلفه يريد له أن ُ َ‬
‫يقرﱡ ُ ّ‬
‫ويفعل‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويوفر ولكن بشكل جزئ
ي فق
ط‪ .‬واعتق
د أي
ضا أن ھ
ذه النظري
ة ال
ضيقة أخ
ذت ت
صبح‬
‫شرا عمليا جادا‪ ،‬فھي تقلل من قيم
ة الت
دريب والتوجي
ه األخالق
ي ال
ذي ّ‬
‫يك
رس العدي
د‬
‫من األشخاص الحسني النية أنفسھم اآلن وبشكل وس
ع لن
شره وتوس
يعه‪ .‬أخ
شى كثي
را‬
‫أن

ه م

ن خ

الل محاول

ة ت

شكيل العق

ل والم

شاعر عل

ى نم

ط دين

ي فق

ط‪ ،‬واس

تبعاد تل

ك‬
‫المعايير العلمانية الدنيوية )بالنسبة لغياب اسم أفضل يمكن أن نطلقه عليھا( التي كانت‬
‫إل

ى ذل

ك الح

ين متواج

دة م

ع األخالقي

ات الم

سيحية ومكمل

ة لھ

ا‪ ،‬م

ستقبلة بع

ضا م

ن‬
‫روحھ
ا ومازج
ة فيھ
ا بع
ضا م
ن روحھ

ا‪ ،‬س
ينتج‪ ،‬كم
ا ھ
و الح
ال اآلن‪ ،‬نوع
ا واطئ

ا‪،‬‬
‫متدنيا ومنحطا من الشخصيات‪ ،‬يخضع نفسه كم
ا يري
د لم
ا يعتب
ره اإلرادة العلي
ا‪ ،‬وال‬
‫يك

ون ق

ادرا عل

ى االرتق

اء إل

ى الخي

ر األس

مى‪ ،‬أو التع

اطف ف

ي مفھوم

ه‪ .‬اعتق

د أن‬
‫أخالقيات غير تلك التي يمكن أن تنبعث من المصادر المسيحية فقط‪ ،‬يج
ب أن تتواج
د‬

‫‪61‬‬
‫جنبا إلى جنب مع األخالقي
ات الم
سيحية ألج
ل إنت
اج التجدي
د األخالق
ي للب
شرية؛ وأن‬
‫النظ

ام الم

سيحي ل

يس اس

تثناءا للقاع

دة‪ ،‬وھ

و أن م

صالح الحقيق

ة‪ ،‬ف

ي الحال

ة غي

ر‬
‫المثالية للعقل البشري‪ ،‬تتطلب تنوعا في اآلراء‪ .‬ليس م
ن ال
ضروري ان
ه ف
ي التوق
ف‬
‫عن إھمال الحقائق األخالقية غير الموجودة في المسيحية‪ ،‬أن يتوج
ب عل
ى الن
اس أن‬
‫يھملوا أيا من تلك الحقائق التي تتضمنھا المسيحية‪ .‬إن تحامال‪ ،‬أو إھماال كھذا‪ ،‬عن
دما‬
‫يحدث‪ ،‬فھو شر برمته؛ ولكنه شر ال يمكننا أن نأمل أن ُنستثنى من
ه دائم
ا‪ ،‬وال ب
د م
ن‬
‫اعتباره ثمنا ُيدفع من أجل خير ال ّ‬
‫يقدر بثمن‪ .‬إن الزعم الحصري الذي يق
وم ب
ه ج
زء‬
‫يعت
رض علي
ه؛ وإذا م
ا ق
ام الح

افز‬
‫م
ن الحقيق
ة بأن
ه الحقيق
ة كامل
ة‪ ،‬يج
ب وينبغ
ي أن ُ َ‬
‫االنعكاسي بجعل المعترضين غي
ر ع
ادلين ب
دورھم‪ ،‬ف
إن أحادي
ة الجان
ب ھ
ذه‪ ،‬ش
أنھا‬
‫ش
أن األخ
رى‪ ،‬يمك
ن أن يؤس
ف عليھ
ا‪ ،‬ولك
ن ال ب
د م
ن تحملھ
ا‪ .‬ل
و ك
ان الم

سيحيون‬
‫يعلمون الكفار أن يكونوا عادلين مع المسيحية‪ ،‬فھم أنفسھم ال بد أن يكونوا عادلين مع‬
‫الكفر‪ .‬إن تجاھل الحقيقة المعروفة لدى كل الذين يمتلك
ون أي
ة معرف
ة عادي
ة بالت
أريخ‬
‫األدبي‪ ،‬والقائلة بأن ق
سما كبي
را م
ن التعل
يم األخالق
ي األكث
ر ن
بال وقيم
ة ق
د ك
ان م
ن‬
‫عمل الرجال الذين لم يكونوا يعرفون المعتقد الم
سيحي‪ ،‬ل
يس ھ
ذا فق
ط‪ ،‬ب
ل م
ن عم
ل‬
‫الذين عرفوا ذلك المعتقد ورفضوه‪ ،‬لن يخدم الحقيقة‪.‬‬

‫ال ّادعي أن االستخدام المطلق لحرية النط


ق بك
ل اآلراء الممكن
ة سي
ضع نھاي
ة‬
‫ل

شرور الطائفي

ة الديني

ة أو الفل

سفية‪ .‬إن ك

ل حقيق

ة يك

ون أص

حاب الق

درات ال

ضيقة‬
‫جادين بشأنھا‪ ،‬ال شك أنھ
ا س
تؤكد‪ُ ،‬‬
‫وتغ
رس‪ ،‬ب
ل حت
ى ُيعم
ل بموجبھ
ا بط
رق عدي
دة‪،‬‬
‫كما لو انه لم تتواجد حرية أخ
رى ف
ي الع
الم‪ ،‬أو أن
ه ف
ي ك
ل األح
وال ال توج
د واح
دة‬
‫يمكنھا أن تح
دد الحقيق
ة األول
ى أو تؤھلھ
ا‪ .‬اعت
رف ب
أن مي
ل كاف
ة اآلراء ألن ت
صبح‬
‫طائفي
ة ال َ ُ‬
‫يع
الج بالمناق

شات األكث
ر حري
ة‪ ،‬ولكن

ه ع
ادة م
ا يُ
ّ‬

صعد وي
ستثار ب

ذلك؛ إن‬
‫رف
ضت عل
ى‬
‫الحقيقة التي كان يجب أن تكون منظورة‪ ،‬ولكنھا لم تكن كذلك‪ ،‬ألنھا قد ُ َ‬
‫نحو عنيف جدا‪ ،‬ألنھا قد أعلنت من قبل األشخاص الذين يعتب
رون أن
دادا أو خ
صوما‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ولكن ھذا االصطدام في اآلراء يعمل ت
أثيره المفي
د ل
يس ف
ي المح
ارب الم
تحمس‪ ،‬ب
ل‬
‫في المتفرج الھادئ غير المكترث‪ .‬إن ال
شر ال
ذي ال ُيقھ
ر ل
يس ال
صراع العني
ف ب
ين‬
‫يجب
ر الن
اس عل
ى‬
‫أجزاء الحقيق
ة‪ ،‬ب
ل القم
ع الھ
ادئ لن
صفھا؛ ھن
اك دائم
ا أم
ل عن
دما ُ َ‬
‫اإلصغاء لكال الطرفين؛ وأن ال تتصلب تلك األخط
اء وتتح
ول إل
ى إجح
اف إال عن
دما‬
‫ُيصغى إلى ط
رف واح
د‪ ،‬والحقيق
ة نف
سھا س
وف ل
ن تمتل
ك ت
أثير الحقيق
ة‪ ،‬م
ن خ
الل‬
‫المبالغة فيھا وجعلھا أكذوبة‪ .‬وبما أنه ھناك بعض من السمات العقلية األكثر ن
درة م
ن‬
‫تلك القدرة القضائية التي يمكنھا أن تبت في حكم ذكي بين طرفي مسألة معينة‪ ،‬ق
ضية‬
‫ل
م يمث

ل فيھ

ا س

وى ط

رف واح

د بمؤي

د أم

ام المحكم

ة‪ ،‬ك

ل رأي يج

سد أي ج

زء م

ن‬
‫الحقيقة‪ ،‬ال يجد مؤيدين فحسب‪ ،‬بل أنه سيكون أكثر تأيي
دا م
ن أن يحت
اج لم
ن ي
صغي‬
‫إليه‪.‬‬

‫لق

د أدركن

ا اآلن الحاج

ة إل

ى حري

ة ال

رأي‪ ،‬وحري

ة التعبي

ر ع

ن ال

رأي‪ ،‬ألج

ل‬
‫االزدھار العقلي للبشرية )الذي يعتمد عليه ازدھارھم في األمور األخرى(‪ ،‬م
ن حي
ث‬
‫أربعة أسس متميزة؛ سنوجزھا اآلن باختصار‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬إذا م

ا اجب

ر أي رأي عل

ى ال

سكوت‪ ،‬ف

إن ذل

ك ال

رأي‪ ،‬لك

ل م

ا ن

ستطيع‬
‫معرفت

ه عل

ى نح

و مؤك

د‪ ،‬يمك

ن أن يك

ون ص

حيحا‪ .‬وإنك

ار ھ

ذا ھ

و افت

راض بأنن

ا‬
‫معصومون من الخطأ‪.‬‬

‫ثاني

ا‪ ،‬عل

ى ال

رغم م

ن ك

ون ال

رأي المقم

وع عل

ى خط

أ‪ ،‬فإن
ه ق

د يحت

وي عل

ى‬
‫بعض النسبة من ال
صواب أو الحقيق
ة‪ ،‬وغالب
ا م
ا يك
ون األم
ر ك
ذلك‪ ،‬وبم
ا أن ال
رأي‬
‫العام أو السائد في أي موضوع كان نادرا ما يكون ص
ائبا تمام
ا‪ ،‬وق
د ال يك
ون ص
ائبا‬
‫على اإلطالق‪ ،‬فإنه فقط م
ن خ
الل اص
طدام اآلراء المتعاك
سة‪ ،‬يمك
ن أن تك
ون ھن
اك‬
‫فرصة للمتبقي من الحقيقة لكي تتوفر‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫ثالثا‪ ،‬حتى لو لم يكن الرأي ُ َ َ‬
‫المستلم حقيقيا فحسب‪ ،‬بل ك
ان الحقيق
ة كامل
ة؛ ف
إن‬
‫لم تعاني من مواجھة المنافسة‪ ،‬وتخضع لھا فعال‪ ،‬على نحو فعال وجاد‪ ،‬فإنھ
ا س
تؤخذ‬
‫على نحو الغطرسة أو اإلجحاف من قبل كل ال
ذين ي
ستقبلونھا‪ ،‬م
ع اس
تيعاب قلي
ل لھ
ا‬
‫أو شعور قلي
ل بأس
سھا المنطقي
ة‪ .‬ل
يس ھ
ذا فح
سب‪ ،‬ولك
ن‪ ،‬رابع
ا‪ ،‬إن معن
ى الم
ذھب‬
‫نفسه سيعاني من خطر ال
ضياع‪ ،‬أو اإلض
عاف‪ ،‬وحرمان
ه م
ن ت
أثيره الحي
وي الفاع
ل‬
‫على الشخص وال
سلوك‪ :‬في
صبح المعتق
د مج
رد مھن
ة ش
كلية‪ ،‬غي
ر م
ؤثرة إل
ى األب
د‪،‬‬
‫ولكنھ

ا تثق

ل األرض

ية‪ ،‬وتمن

ع نم

و قناع

ة حقيقي

ة ص

ادقة‪ ،‬م

ن العق

ل أو التجرب

ة‬
‫الشخصية‪.‬‬

‫قب

ل أن نت

رك موض

وع حري

ة ال

رأي‪ ،‬م

ن المناس

ب أن ن

ولي بع

ض االنتب

اه‬
‫لھؤالء الذين يقولون أن التعبير الحر ع
ن ك
ل اآلراء يج
ب أن يك
ون م
سموحا‪ ،‬ش
رط‬
‫أن يك

ون األس

لوب معت

دال‪ ،‬وان ال تتج

اوز ح

دود المناق

شة العادل

ة‪ .‬كم

ا يمك

ن ق

ول‬
‫الكثير حول استحالة تحديد المكان الذي يجب أن توض
ع في
ه تل
ك الح
دود؛ ألن
ه إذا م
ا‬
‫كان االختبار إساءة لھؤالء الذين يتع
رض رأيھ
م للھج
وم‪ ،‬اعتق
د أن التجرب
ة تثب
ت أن‬
‫ّ‬
‫ومعبرا‪ ،‬وأن كل خصم ي
دفعھا )أي الح
دود(‬ ‫ھذه اإلساءة تحدث كلما كان الھجوم قويا‬
‫بشدة‪ ،‬والذي يجدون أن من الصعب اإلجابة عليه‪ ،‬يبدو لھم خصما غير معتدل‪ ،‬إذا ما‬
‫اظھر أي شعور قوي حول الموضوع‪ .‬ولكن ھذا‪ ،‬عل
ى ال
رغم م
ن كون
ه اعتب
ار مھ
م‬
‫يكون اعتراضا جوھريا‪ .‬ال شك أن أسلوب تأكيد رأي‬
‫من وجھة النظر العملية‪ ،‬إال أنه ّ‬
‫ما‪ ،‬حتى وإن كان رأيا حقيقيا صائبا‪ ،‬فقد يثي
ر االعتراض
ات‪ ،‬ويت
سبب ف
ي ل
وم ق
اس‪.‬‬
‫ولكن اإلساءات الرئيسية من ھذا النوع من االستحالة بمكان أن توضح القناعة‪ ،‬م
ا ل
م‬
‫يكن ذلك من خالل خيانة ذاتية عرضية‪ .‬وأكثرھا جدية‪ ،‬إذا ما جادلنا بشكل معقد‪ ،‬ھي‬
‫قم

ع الحق

ائق أو الج

داالت‪ ،‬أو إس

اءة التعبي

ر ع

ن عناص

ر الق

ضية‪ ،‬أو إس

اءة تف

سير‬
‫الرأي المضاد‪ .‬ولكن كل ھذا يحدث بشكل مستمر بإيمان جيد يصل إلى درجة الكمال‪،‬‬
‫وإلى أسوأ درجة ممكنة‪ ،‬إذ يفعله أشخاص ال ُ َ َ‬
‫يعتب
رون‪ ،‬وال ي
ستحقون م
ن العدي
د م
ن‬

‫‪64‬‬
‫يعتبَ

روا‪ ،‬ج

اھلين وع

اجزين‪ ،‬بحي

ث ﱠ‬
‫إن م

ن الن

ادر ج

دا عل

ى‬ ‫الن

واحي األخ

رى أن ُ َ‬
‫األسس المالئمة أن يختم على سوء التمثيل على أنه جدير باللوم من الناحية األخالقية؛‬
‫أما القانون فإنه ما زال بوسعه أن يتدخل بھذا النوع من سوء التصرف المثي
ر للج
دل‪.‬‬
‫أما بالنسبة لما ُ ُ‬
‫يقصد بالمناقشة غير المعتدلة‪ ،‬وھي على وج
ه الدق
ة‪ ،‬االھان
ة‪ ،‬ال
تھكم‪،‬‬
‫الشخصية‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬إن استنكار ھذه األسلحة سيستحق المزيد من التعاطف إذا ما‬
‫متساو‪ ،‬ولكنه مطلوب أيضا لتحديد اس
تخدامھا‬
‫ٍ‬ ‫ُ َ‬
‫اقترح تحريمھما على الطرفين وبشكل‬
‫ضد الرأي السائد‪ :‬أما ض
د ال
رأي غي
ر ال
سائد‪ ،‬فإنھ
ا ق
د ال ت
ستخدم دون رف
ض ع
ام‪،‬‬
‫ولك

ن س

يكون م

ن المحتم

ل أن يح

صل ال

ذي ي

ستخدمھا عل

ى م

ديح الحم

اس النبي

ل‬
‫والغضب التقي‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فأي أذى ينجم عن استخدامھا‪ ،‬فإنه س
يكون أكب
ر عن
دما ي
تم‬
‫استخدامھا ضد األشخاص ّ‬
‫العزل ن
سبيا‪ .‬ومھم
ا كان
ت الفائ
دة غي
ر العادل
ة الت
ي يمك
ن‬
‫ألي رأي أن يستمدھا أو يحصل عليھا من ھذا النمط من أنماط تأكيدھا‪ ،‬فإنھا ستتكدس‬
‫ل

دى اآلراء الم

ستلمة ب

شكل ح

صري‪ .‬إن أس

وأ إس

اءة ممكن

ة م

ن ھ

ذا الن

وع يمك

ن‬
‫ارتكابھا من قبل المجادل االنفعالي ھي أن ي
سم ال
ذين يحمل
ون رأي
ا مغ
ايرا عل
ى أنھ
م‬
‫سيئين وغير خل
وقين‪ .‬ھ
ؤالء ال
ذين يحمل
ون أي
ة آراء غي
ر ش
ائعة يكون
ون معرض
ين‬
‫الفتراءات م
ن ھ
ذا الن
وع‪ ،‬ألنھ
م قليل
ون وغي
ر م
ؤثرين ب
شكل ع
ام‪ ،‬وال ي
ستطيع أي‬
‫شخص سواھم أن يشعر بأنه مھتم كثيرا ب
رؤيتھم يع
املون بعدال
ة؛ ولك
ن ھ
ذا ال
سالح‬
‫ّ‬
‫محرم‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يھ
اجمون ال
رأي ال
سائد‪ :‬فھ
م ال ي
ستطيعون‬
‫استخدامه بأمان عل
ى أنف
سھم‪ ،‬وال ھ
و يفع
ل أي ش
يء لھ
م‪ ،‬ل
و اس
تطاعوا اس
تخدامه‪،‬‬
‫سوى االرتداد على قضيتھم‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬فإن اآلراء المعاكسة لآلراء المستلمة بشكل‬
‫شائع يمكنھا أن تح
صل عل
ى فرص
ة اس
تماع لھ
ا فق
ط م
ن خ
الل االعت
دال الم
دروس‬
‫للغة‪ ،‬والتجنب األكثر حذرا لإلساءة غير الضرورية‪ ،‬التي قلما ي
ستطيعون االنح
راف‬
‫عنھا‪ ،‬حتى بأقل درجة ممكنة دون فق
دان األرض
ية‪ :‬فبينم
ا يق
وم ال
سب أو ال
شتم غي
ر‬
‫المحسوب من جانب الرأي السائد بمن
ع الن
اس فع
ال م
ن إتب
اع اآلراء المعاك
سة‪ ،‬وم
ن‬
‫اإلصغاء لھؤالء الذين يحملونھا‪ .‬لذلك‪ ،‬فألجل مصلحة الحقيقة والعدالة‪ ،‬من المھم جدا‬

‫‪65‬‬
‫أن نقيّد ھذا االستخدام للغة الشتم أكثر من تقييدنا للغة األخرى؛ ولو ك
ان ض
روريا أن‬
‫نختار‪ ،‬على س
بيل المث
ال‪ ،‬س
تكون ھن
اك حاج
ة لتثب
يط الھجم
ات الم
سيئة عل
ى الكف
ر‬
‫اكب

ر بكثي

ر م

ن الھجم

ات عل

ى ال

دين‪ .‬عل

ى ك

ل ح

ال‪ ،‬ان

ه لم

ن الواض

ح أن الق

انون‬
‫والسلطة ليس لھم
ا عالق
ة بف
رض القي
ود عل
ى أي منھم
ا‪ ،‬بينم
ا عل
ى ال
رأي‪ ،‬ف
ي ك
ل‬
‫لحظة‪ ،‬أن يحدد قراره على أساس ظروف القضية المعينة؛ فيشجب كل شخص‪ ،‬وف
ي‬
‫أي جان

ب م

ن ج

انبي الج

دل وض

ع نف

سه‪ ،‬إذ تظھ

ر ف

ي نم

ط تأيي

ده ھ

ذا االفتق

ار إل

ى‬
‫الصدق‪ ،‬أو الخبث‪ ،‬أو التعصب أو عدم الت
سامح م
ع العواط
ف؛ ولك
ن ال ي
ستنتج تل
ك‬
‫الرذائ

ل م

ن الجان

ب ال

ذي يأخ

ذه ال

شخص‪ ،‬حت

ى ل

و ك

ان طرف

ا معاك

سا م

ن الق

ضية‬
‫بالنسبة لن
ا‪ :‬ويعط
ي احترام
ا م
ستحقا لك
ل ف
رد ‪ ،‬مھم
ا ك
ان ال
رأي ال
ذي يحمل
ه‪ ،‬ف
رد‬
‫ھدوء لكي يرى‪ ،‬وش
رفا ونزاھ
ة لي
ذكر ماھي
ة خ
صومه وآراءھ
م كم
ا ھ
ي ف
ي‬
‫ً‬ ‫يمتلك‬
‫الواقع‪ ،‬وال يبالغ بأي شيء ضد م
صلحتھم‪ ،‬وال يخف
ي ش
يئا يمك
ن أن يق
ول‪ ،‬أو يمك
ن‬
‫االفتراض بأنه يقول ما ھو لصالحھم‪ .‬ھ
ذه ھ
ي األخالقي
ات الحقيقي
ة للمناق
شة العام
ة‪:‬‬
‫وإذا ما انتھكت كثيرا‪ ،‬فيسعدني أن اعتقد بأنه ھناك العدي
د م
ن الج
دليين يراقبون
ه إل
ى‬
‫حد بعيد‪ ،‬وما زال ھناك العديد من الذين يناضلون ألجله بضمير‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫‪J3‬א‪ 
 ،‬א א
 ‬

‫"!
كان
ت األس
باب الت
ي تجع
ل م
ن أولوي
ة ال
ضرورات أن يك
ون الب
شر أح
رارا ف
ي تك
وين‬

‫اآلراء‪ ،‬وف

ي التعبي

ر ع

ن آرائھ

م دون تحفّ

ظ‪ ،‬عل

ى ھ

ذا النح

و؛ ولم

ا كان

ت التبع

ات‬
‫المدمرة للمثقف‪ ،‬ومن خالله للطبيعة األخالقية لإلنسان‪ ،‬ما لم ُيعترف بحريته‪ ،‬أو ي
تم‬
‫تأكي

دھا ب

الرغم م

ن المن

ع‪ ،‬عل

ى ھ

ذا النح

و أي

ضا؛ دعون

ا إذن ن

تفحص م

ا إذا كان

ت‬
‫األسباب نفسھا ال تتطلب أن يكون الناس أحرارا في أن يت
صرفوا وفق
ا آلرائھ
م—أي‬
‫أن ينفّ
ذوا ھ

ذه اآلراء ف

ي حي

اتھم‪ ،‬دون إعاق

ة‪ ،‬ج

سدية كان

ت أم أخالقي

ة‪ ،‬م

ن أبن

اء‬
‫جلدتھم‪ ،‬طالما كان ذلك على مسؤوليتھم الخاصة ومج
ازفتھم‪ .‬إن ھ
ذا ال
شرط األخي
ر‬
‫ھو بال شك شرط حتم
ي ال غن
ى عن
ه‪ .‬ال ي
زعم أح
د أن األفع
ال يج
ب أن تك
ون ح
رة‬
‫ش

أنھا ش

أن اآلراء الح

رة‪ .‬عل

ى العك

س‪ ،‬حت

ى اآلراء تفق

د ح

صانتھا‪ ،‬عن

دما تك

ون‬
‫ّ‬
‫ي
شكل في
ه التعبي
ر عنھ
ا تحري
ضا‬ ‫الظروف التي ّ‬
‫يعبر فيھا عن تل
ك اآلراء عل
ى نح
و‬
‫ايجابيا لبعض األعمال الفوضوية الضارة‪.‬‬

‫إن ال

رأي القائ

ل ب
أن تج

ار مح

صول ال

ذرة ھ

م مج
ّ
وعي الفق

راء‪ ،‬أو أن الملكي

ة الخاص

ة‬
‫سرقة‪ ،‬ال ينبغي أن يتدخل أحد بھا عندما يتم تداولھا ببساطة عبر الصحافة‪ ،‬ولكنھا تستدعي‬
‫ّ‬
‫يصرح بھا شفاھا على حشد من الجماھير المھتاجة المتجمع
ة أم
ام من
زل‬ ‫عقابا عادال عندما‬
‫تاجر من تجار الذرة‪ ،‬أو عندما ّ‬
‫توزع على نفس الحشد على ش
كل الفت
ات‪ .‬إن األفع
ال عل
ى‬

‫‪67‬‬
‫اختالف أنواعھا‪ ،‬والتي تلحق الضرر باآلخرين‪ ،‬دون سبب مبرر‪ ،‬قد تحتاج إلى إخ
ضاعھا‬
‫لسيطرة من قبل العواطف غير المحببة‪ ،‬أما في القضايا المھم
ة فتتوج
ب مث
ل ھ
ذه ال
سيطرة‬
‫بشكل ال مناص منه‪ ،‬أما عند الضرورة‪ ،‬فعن طريق التدخل البشري الفاعل‪ .‬إن حرية الف
رد‬
‫يجب أن تُحدد إلى تلك الدرجة؛ يجب أن ال يجعل نفسه مصدرا إلزعاج اآلخ
رين‪ .‬ولك
ن إذا‬
‫امتن

ع ع

ن إي

ذاء اآلخ

رين فيم

ا يخ

صھم‪ ،‬وت

صرف وفق

ا لميول

ه وأحكام

ه ف

ي األش

ياء الت

ي‬
‫تخصه‪ ،‬فإن نفس األسباب التي تبين أن الرأي ال بد أن يكون حرا‪ ،‬تثبت أيضا أنه ال ب
د م
ن‬
‫السماح له بتنفيذ آرائه بشكل عمل
ي عل
ى نفقت
ه الخاص
ة‪ .‬إن اآلراء القائل
ة ب
أن الب
شر لي
سوا‬
‫بمعصومين من الخطأ؛ وإن حقائقھم ھي على األغلب أنصاف حقائق فقط؛ وإن وحدة الرأي‬
‫ليست محبذة‪ ،‬ما لم تنجم عن المقارنة األكث
ر حري
ة واألكث
ر اكتم
اال ل
آلراء المت
ضادة‪ ،‬وإن‬
‫التنوع ليس شرا‪ ،‬بل خيرا‪ ،‬حتى تصبح البشرية أكثر قدرة على تمييز جميع جوانب الحقيقة‬
‫مما ھي عليه في الوقت الحاضر‪ ،‬ھ
ي مب
ادئ تنطب
ق عل
ى أنم
اط أفع
ال الب
شر‪ ،‬ناھي
ك ع
ن‬
‫آرائھم‪ .‬ومثلما كان من المفيد أن نعرف أن
ه طالم
ا أن الج
نس الب
شري غي
ر كام
ل‪ ،‬ال ب
د أن‬
‫تكون ھناك آراء مختلفة‪ ،‬فكذلك يج
ب أن تك
ون ھن
اك تج
ارب معي
شية مختلف
ة؛ وأن يعط
ى‬
‫ذل

ك المج

ال الح

ر لمختل

ف أن

واع الشخ

صيات الت

ي ال تلح

ق ال

ضرر ب

اآلخرين؛ وأن قيم

ة‬
‫األنماط الحياتية المختلفة يج
ب أن ُتب
رھن عل
ى نح
و عمل
ي‪ ،‬عن
دما يعتق
د ك
ل ف
رد ب
أن م
ن‬
‫المناسب له أن يجربھا‪ .‬إنه لمن المحبذ‪ ،‬باختصار‪ ،‬أن تؤكد الفردية نف
سھا ف
ي األش
ياء الت
ي‬
‫ال تخ

ص اآلخ

رين‪ .‬حيثم

ا تك

ون تقالي

د اآلخ

رين وع

اداتھم ھ

ي القاع

دة ال

سلوكية‪ ،‬ول

يس‬
‫ش

خص الف

رد نف

سه‪ ،‬يك

ون ھن

اك افتق

ار لواح

د م

ن المكون

ات الرئي

سة لل

سعادة اإلن

سانية‪،‬‬
‫والعنصر المكون الرئيس للتطور الفردي واالجتماعي‪.‬‬

‫ولدى إدامة ھذا المبدأ‪ ،‬فإن الصعوبة األكبر ال تكمن في تثمين الوسائل المؤدي
ة‬
‫إلى غاية معترف بھا‪ ،‬ولكن في ال مباالة األشخاص بصورة عامة بالغاية نف
سھا‪ .‬ف
إذا‬
‫ما شعروا بأن التطور الحر للفردية ھ
و أح
د المكون
ات األساس
ية لالزدھ
ار؛ ف
إن ذل
ك‬
‫ل

يس عن

صرا ثانوي

ا م

ع ك

ل م

ا ت

دل علي

ه م

صطلحات الح

ضارة‪ ،‬التعل

يم‪ ،‬التربي

ة‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫والثقافة من معان فحسب‪ ،‬ولكنه بحد ذاته ج
زءا وش
رطا لك
ل تل
ك األش
ياء؛ ل
ن يك
ون‬
‫ھن
اك خط

ر م

ن أن الحري

ة س

تتعرض إل

ى تقلي
ل ش

أنھا‪ ،‬كم

ا أن تع

ديل الح

دود بينھ

ا‬
‫وبين السيطرة االجتماعية لن ّ‬
‫يشكل صعوبة غي
ر اعتيادي
ة‪ .‬ولك
ن ال
شر ھ
و أن أنم
اط‬
‫التفكير العامة نادرا ما تعترف بالتلقائية الفردية‪ ،‬على أنھا تمتلك أية قيمة جوھرية‪ ،‬أو‬
‫تستحق أي اعتبار بح
د ذاتھ
ا‪ .‬أم
ا األغلبي
ة‪ ،‬فألنھ
م مقتنع
ين بط
رق الب
شرية كم
ا ھ
ي‬
‫علي

ه اآلن ) إذ أنھ

م ھ

م ال

ذين جعلوھ

ا عل

ى م

ا ھ

ي علي

ه(‪ ،‬ال ي

ستطيعون اس

تيعاب‬
‫السبب الذي جعل ھذه الطرق ليست جي
دة بم
ا في
ه الكفاي
ة ل
دى ك
ل ف
رد؛ واألكث
ر م
ن‬
‫ذل

ك‪ ،‬ھ

و أن التلقائي

ة ال ت

شكل ج

زءا م

ن النم

وذج المث

الي ل

دى أغلبي

ة الم

صلحين‬
‫األخالقي

ين واالجتم

اعيين‪ ،‬ب

ل كثي

را م

ا ينظ

ر إليھ

ا بغي

رة‪ ،‬بوص

فھا عائق

ا مثي

را‬
‫للمشاكل‪ ،‬وربما متمردا‪ ،‬بوجه القبول العام لما يعتقد ھؤالء المفكرون‪ ،‬وفقا ألحكامھم‬
‫الخاصة‪ ،‬انه األفضل للبشرية‪ .‬أشخاص قليلون‪ ،‬من خارج ألمانيا‪ ،‬ي
ستوعبون معن
ى‬
‫المذھب الذي جاء به فيلدھام فون ھومبولدت‪ ،‬البارز جدا كعالم وكسياسي‪ ،‬وجعل منه‬
‫نصا ألطروحة مفادھا – إن "غاية اإلنسان‪ ،‬أو تلك التي وصفتھا قواعد العقل األزلي
ة‬
‫أو الثابتة‪ ،‬ولم تقترحھا الرغبات الغامضة الزائلة‪ ،‬ھي التطور األعلى واألكثر تناغم
ا‬
‫لقواه لتصبح وحدة كاملة متسقة‪ "،‬لذلك‪ ،‬ف
إن الھ
دف ال
ذي "يج
ب عل
ى ك
ل إن
سان أن‬
‫يوج

ه جھ

وده نح

وه وب

ال ھ

وادة‪ ،‬ويج

ب عل

ى ال

ذين يخطط

ون للت

أثير عل

ى البن

اء‬
‫جلدتھم‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬أن يضعوه نصب أعينھم‪ ،‬ھو فردية القوة والتط
ور‪"،‬‬
‫وأن ھنال

ك ش

رطين لتحقي

ق ذل

ك‪" :‬الحري

ة‪ ،‬وتع

دد المواق

ف؛" وأن م

ن اتح

اد ھ

ذين‬
‫ال

شرطين ي

نجم "الن

شاط الف

ردي والتن

وع المتع

دد األوج

ه‪ "،‬والت

ي توح

د نف

سھا ف

ي‬
‫"األصالة‪".‬‬
‫على كل حال‪ ،‬مع قل
ة ال
ذين اعت
ادوا عل
ى م
ذھب كم
ذھب ف
ون ھومبول
دت‪،‬‬
‫بك

ل م

ا يب

دو ف

ي األم

ر م

ن دھ

شة لھ

م ب
أن يج

دوا مث

ل ھ

ذه القيم

ة العلي

ا مرتبط

ة‬
‫بالفردية‪ ،‬فإن القضية تبقى قضية درجة‪ ،‬كما ينبغي على المرء أن يعتق
د ب
الرغم م
ن‬
‫ذل

ك‪ .‬م

ا م

ن اح

د ي

رى ب
أن الرق

ي ال

سلوكي ھ

و أن ال يق

وم الن

اس ب

أي ش

يء عل

ى‬

‫‪69‬‬
‫اإلطالق سوى تقليد بعضھم البعض‪ .‬ما من احد سيؤكد أن الناس ينبغي أن ال ي
ضعوا‬
‫أي اث

ر ألحك

امھم‪ ،‬أو لشخ

صياتھم الفردي

ة‪ ،‬ف

ي نمطھ

م المعي

شي‪ ،‬وف

ي س

لوك‬
‫اھتماماتھم‪ .‬من الناحية األخرى‪ ،‬سيكون من غير المعقول أن نزعم بأن الن
اس ينبغ
ي‬
‫يعرف شيئا في العالم قبل أن يجيئوا إلي
ه؛ كم
ا ل
و أن التجرب
ة‬
‫أن يعيشوا كما لو انه لم ُ َ‬
‫ّ‬
‫مف
ضل عل
ى‬ ‫لم تفعل شيئا لحد اآلن حيال بيان أن نمطا معيشيا‪ ،‬أو سلوكيا‪ ،‬معين
ا ھ
و‬
‫اآلخ

ر‪ .‬ال اح

د ينك

ر أن الن

اس يج

ب أن ي

تم تعل

يمھم وت

دريبھم ف

ي مرحل

ة ال

شباب‪،‬‬
‫ليعرف

وا وي

ستفيدوا م

ن النت

ائج المؤك

دة للتجرب

ة اإلن

سانية‪ .‬ولك

ن االمتي

از والوض

ع‬
‫الطبيع

ي لإلن

سان‪ ،‬ال

ذي بل

غ مرحل

ة ن

ضج قدرات

ه‪ ،‬ھ

و أن ي

ستخدم تل

ك التجرب

ة‬
‫ويفسرھا بطريقته الخاصة‪ .‬ويبقى األمر متروك له ليكتشف أي األج
زاء م
ن التجرب
ة‬
‫اإلنسانية المسجلة ينطبق عل
ى ظروف
ه وشخ
صيته ب
شكل مناس
ب‪ .‬إن تقالي
د اآلخ
رين‬
‫وعاداتھم ھي‪ ،‬إلى ح
د م
ا‪ ،‬دلي
ل عل
ى م
ا علم
تھم تج
ربتھم؛ دلي
ل افتراض
ي‪ ،‬ولكون
ه‬
‫كذلك‪ ،‬فھو يمتلك حق المطالبة باحترامه‪ :‬ولكن‪ ،‬ف
ي المق
ام األول‪ ،‬ق
د تك
ون تج
ربتھم‬
‫ض

يقة ج

دا؛ أو ق

د ال يف

سرونھا ب

شكل ص

حيح‪ .‬ثاني

ا‪ ،‬ق

د يك

ون تف

سيرھم للتجرب

ة‬
‫ص

حيحا‪ ،‬ولكن

ه غي

ر مالئ

م بالن

سبة ل

ه‪ .‬إن األع

راف أو الع

ادات ُ َ‬
‫ت

صنع لظ

روف‬
‫تقليدية‪ ،‬وأشخاص تقليديين؛ وان ظروف
ه وشخ
صيته ق
د ال تك
ون تقليدي
ة‪ .‬ثالث
ا‪ ،‬حت
ى‬
‫تط
ور‬
‫ّ‬ ‫وإن كانت العادات جيدة ومالئمة بالنسبة له‪ ،‬فلمجرد إنھا عادات‪ ،‬ل
ن ّ‬
‫تعلم
ه أو‬
‫فيه أية صفات مميزة لديه بوصفھا الھبة اإللھية المميزة للب
شر‪ .‬إن الق
درات اإلن
سانية‬
‫في اإلدراك‪ ،‬وتكوين األحكام‪ ،‬والشعور التمييزي‪ ،‬والن
شاط العقل
ي‪ ،‬وحت
ى التف
ضيل‬
‫األخالقي‪ ،‬تمارس فقط عند القيام باختيار‪ .‬إن الشخص الذي يفعل أي شيء كان‪ ،‬فق
ط‬
‫ألن تلك ھي العادة‪ ،‬فھو ال يقوم بأي اختيار‪ .‬فھ
و ال يح
صل عل
ى أي
ة ممارس
ة ال ف
ي‬
‫معرفة الشيء األفضل واستبيانه‪ ،‬وال في الرغبة فيه‪ .‬فالقوة العقلية واألخالقية‪ ،‬شأنھا‬
‫ش

أن الق

وة الع

ضلية‪ ،‬ال تتط

ور إال م

ن خ

الل االس

تخدام‪ .‬وال ت

ستدعى الق

درات‬
‫للممارسة من خالل القيام بشيء معين فقط ألن اآلخرين درجوا على فعله‪ ،‬وھو ل
يس‬
‫بأكثر من االعتقاد بشيء فقط ألن اآلخرين يعتقدون ب
ه‪ .‬إن كان
ت األس
س الت
ي ي
ستند‬

‫‪70‬‬
‫عليھا ال
رأي غي
ر مح
سومة بالن
سبة لعق
ل ال
شخص‪ ،‬ف
إن عقل
ه ال يمك
ن أن يتع
زز أو‬
‫ّ‬
‫يضعف‪ ،‬من خ
الل تبني
ه ل
ذلك ال
رأي‪ :‬وإذا كان
ت ال
دوافع لفع
ل‬ ‫يتقوى‪ ،‬بل يحتمل أن‬
‫مع

ين لي

ست متوافق

ة م

ع م

شاعره وشخ

صيته )حي

ث ال تك

ون الم
ّ‬

ودة‪ ،‬أو حق

وق‬
‫اآلخ

رين‪ ،‬معني

ة(‪ ،‬ف

إن القي

ام ب

ذلك الفع

ل س

يؤدي ب

شكل كبي

ر إل

ى جع

ل م

شاعره‬
‫وشخصيته خاملة وبليدة‪ ،‬بدال من جعلھا فعالة نشيطة‪.‬‬

‫إن الذي يترك الع


الم‪ ،‬أو ذل
ك الج
زء ال
ذي ينتم
ي إلي
ه م
ن الع
الم‪ ،‬يخت
ار خط
ة‬
‫العيش بالنيابة عنه‪ ،‬ال يحتاج إلى أية قدرة سوى قدرة المحاكاة أو التقلي
د ك
القردة‪ .‬أم
ا‬
‫الذي يختار خط
ة لنف
سه‪ ،‬في
ستخدم ك
ل قدرات
ه‪ .‬إذ علي
ه أن ي
ستخدم المالحظ
ة لي
رى‪،‬‬
‫واالس

تدالل المنطق

ي والحك

م لي

ستقرأ الم

ستقبل‪ ،‬والن

شاط ليجم

ع الم

واد لق

راره‪،‬‬
‫والتمييز ليتخذ القرار‪ ،‬وبعدما يقرر‪ ،‬يحتاج إلى الثبات وضبط ال
نفس ليتم
سك بق
راره‬
‫القصدي‪ .‬ھذه الصفات يحتاجھا ويمارسھا بشكل متناس
ب تمام
ا‪ ،‬عن
دما يك
ون الج
زء‬
‫من سلوكه‪ ،‬الذي يحدده وفقا لحكمه ومشاعره‪ ،‬كبيرا‪ .‬قد يكون من الممكن أن يقاد في‬
‫ويبع

د ع

ن طري

ق األذى‪ ،‬ب

دون أي م

ن ھ

ذه األش

ياء‪ .‬ولك

ن م

ا ال

ذي‬
‫طري

ق ح

سن‪َ ُ ،‬‬
‫ستكون عليه قيمته النسبية كانسان؟ انه لمن المھم فعال‪ ،‬ليس فقط ما يفعله الرجال‪ ،‬بل‬
‫أي نوع من الرجال ھؤالء الذين يفعلونه‪ .‬من بين أعمال اإلنسان‪ ،‬الذي تستخدم الحياة‬
‫بشكل صحيح إلتمامه وتجميله‪ ،‬اإلنسان نف
سه ھ
و بالتأكي
د م
ن ي
أتي ف
ي المق
ام األول‬
‫م

ن حي

ث األھمي

ة‪ .‬ل

و افترض

نا ان

ه م

ن الممك

ن أن ُتبن

ى البي

وت‪ ،‬وتُ

زرع الغ

الل‪،‬‬
‫ويبت في الق
ضايا‪ ،‬ب
ل حت
ى ُتق
ام الكن
ائس‪ ،‬وتتل
ى ال
صلوات‪ ،‬م
ن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتخاض المعارك‪،‬‬
‫قبل المكائن – من قبل رجال آليين على ھيئة بشر – ستكون خسارة كبيرة أن ن
ستبدل‬
‫بھؤالء اآلليين حتى الذين يسكنون في الوقت الحالي األجزاء األكث
ر تط
ورا ح
ضاريا‬
‫من العالم‪ ،‬من الرجال والنساء‪ ،‬والذين ھم بال شك لي
سوا س
وى أجن
اس مت
ضورة لم
ا‬
‫تقدمه الطبيعة أو ما يمكنھا أن ﱢ‬
‫تقدم‪ .‬إن الطبيعة البشرية لي
ست آل
ة يمك
ن بناؤھ
ا عل
ى‬
‫غرار نموذج معين‪ ،‬وجعلھا تقوم العمل المناط بھا بشكل دقيق‪ ،‬بل ھي ش
جرة تحت
اج‬

‫‪71‬‬
‫أن تنمو وتطور نفسھا على كافة النواحي‪ ،‬وفقا لميل القوى الداخلية التي تجعلھ
ا ش
يئا‬
‫حيا‪.‬‬

‫من المحتمل أن ُيعترف بأنه م


ن المحب
ذ أن يم
ارس الن
اس فھمھ
م‪ ،‬وان اإلتب
اع‬
‫الذكي للع
ادة‪ ،‬ب
ل حت
ى االبتع
اد ال
ذكي عنھ
ا ف
ي بع
ض األحي
ان‪ ،‬أف
ضل م
ن االلت
زام‬
‫اآللي بھا‪ .‬إلى حد م
ا‪ ،‬ان
ه لم
ن الم
سموح ب
ه أن يك
ون فھمن
ا خاص
ا بن
ا‪ :‬ولك
ن لي
ست‬
‫ھن

اك الرغب

ة نف

سھا ف

ي ال

سماح ب
أن تك

ون رغباتن

ا ودوافعن

ا خاص

ة بن

ا عل

ى نف

س‬
‫المنوال؛ أو أن امتالكنا دوافع خاصة بنا‪ ،‬أو أية قوة‪ ،‬إنما ھي أي شيء س
وى الخط
ر‬
‫والف

خ‪ .‬م

ع ذل

ك‪ ،‬إن الرغب

ات وال

دوافع ھ

ي ج

زء م

ن اإلن

سان الكام

ل‪ ،‬ش

أنھا ش

أن‬
‫المعتقدات والقيود‪ :‬فال
دوافع القوي
ة تك
ون خطي
رة فق
ط عن
دما ال تك
ون متوازن
ة عل
ى‬
‫نحو مالئم؛ عندما تتطور منظومة معين
ة م
ن األھ
داف والنزع
ات لت
صبح ق
وة‪ ،‬بينم
ا‬
‫تبقى أھداف ونزعات أخرى‪ ،‬متواجدة معھا‪ ،‬ضعيفة وخاملة‪ .‬ليس ھناك رابط طبيعي‬
‫ب
ين ال

دوافع القوي

ة وب

ين ال

ضمير ال

ضعيف‪ .‬ب

ل أن ال

رابط الطبيع

ي يك

ون ب

العكس‪.‬‬
‫فقولنا إن رغبات شخص ما ومشاعره أقوى وأكثر تنوع
ا م
ن تل
ك الت
ي ل
دى ش
خص‬
‫آخر‪ ،‬إنما ھو قول بأنه يمتلك المزيد من المادة الخام للطبيعة البشرية‪ ،‬لذلك فھ
و أكث
ر‬
‫مقدرة‪ ،‬ربما على الشر‪ ،‬ولكن على الخي
ر بك
ل تأكي
د‪ .‬إنم
ا ال
دوافع القوي
ة ھ
ي مج
رد‬
‫اسم آخر للطاقة‪ .‬فالطاقة يمكن تحويلھا إلى استخدامات سيئة؛ ولكن الخير الذي يمك
ن‬
‫ص
نعه دائم

ا م

ن الطبيع

ة الن

شطة‪ ،‬أكث

ر م

ن ذل

ك ال

ذي ي

صنع م

ن الخامل

ة الك

سولة‪.‬‬
‫ھؤالء الذين يمتلكون المشاعر األكثر طبيعية ھ
م دائم
ا ھ
ؤالء ال
ذين يمك
ن أن ت
صبح‬
‫م

شاعرھم المھذب

ة ھ

ي األق

وى‪ .‬الح

ساسية العاطفي

ة المفرط

ة الت

ي تجع

ل ال

دوافع‬
‫الشخ

صية واض

حة وقوي

ة ھ

ي نف

سھا أي

ضا الم

صدر ال

ذي يتول

د من

ه ح

ب الف

ضيلة‬
‫األكثر عاطفية‪ ،‬وض
بط ال
نفس األكث
ر ص
رامة‪ .‬إن
ه لم
ن خ
الل تھ
ذيب ھ
ذه األش
ياء‪،‬‬
‫يق

وم المجتم

ع ب

أداء واجب

ه‪ ،‬ويحم

ي م

صالحه‪ :‬ول

يس م

ن خ

الل رف

ض الم

ادة الت

ي‬
‫يصنع منھا األبطال‪ ،‬ألنه يع
رف كي
ف ي
صنعھم‪ .‬إن ال
شخص ال
ذي رغبات
ه ودوافع
ه‬

‫‪72‬‬
‫طورت ُ ّ ْ‬
‫وعدلت من قب
ل ثقافت
ه—‬ ‫ملكا له — إذ ھي تعبير عن طبيعته الخاصة‪ ،‬كما ّ ْ‬
‫يق

ال عن

ه أن

ه يمتل

ك شخ

صية‪ .‬أم

ا ال

ذي رغبات

ه ودوافع

ه لي

ست ملك

ه‪ ،‬فلي

ست لدي

ه‬
‫شخصية‪ ،‬ليس أكثر م
ن ام
تالك ماكن
ة بخاري
ة شخ
صية‪ .‬أم
ا إذا كان
ت دوافع
ه قوي
ة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى كونھا ملكه‪ ،‬وھي تحت سيطرة إرادة قوية‪ ،‬فإنه يمتلك شخصية نشيطة‪.‬‬
‫كل من يعتقد أن فردية الرغبات والدوافع ال يجب أن ُتشجﱠع على الك
شف ع
ن نف
سھا‪،‬‬
‫علي

ه أن ي

ستدرك أن المجتم

ع لي

ست ب

ه حاج

ة للطبيع

ات القوي

ة – إذ ل

يس األف

ضل‬
‫االحتواء على عدة أشخاص يمتلكون شخصيات كبيرة— وإن المعدل العام العالي من‬
‫الطاقة ليس شيئا محببا‪.‬‬

‫ف

ي بع

ض الح

االت المبك

رة للمجتم

ع‪ ،‬يمك

ن أن تك

ون ھ

ذه الق

وى‪ ،‬أو كان

ت‬
‫بالفع

ل‪ ،‬متقدم

ة كثي

را عل

ى الق

وة الت

ي امتلكھ

ا المجتم

ع ف

ي ذل

ك الح

ين لتنظيمھ

ا‬
‫والسيطرة عليھ
ا‪ .‬فق
د م
ضى الوق
ت ال
ذي ك
ان في
ه عام
ل التلقائي
ة والفردي
ة متزاي
دا‪،‬‬
‫وكان المبدأ االجتماعي يخوض صراعا قاسيا مع
ه‪ .‬كان
ت ال
صعوبة آن
ذاك تكم
ن ف
ي‬
‫حث الناس ذوي األجساد أو العقول القوية على طاعة أية قوانين تطلب منھم السيطرة‬
‫عل

ى دوافعھ

م‪ .‬وللتغل

ب عل

ى ھ

ذه ال

صعوبة‪ ،‬ف

رض الق

انون والنظ

ام س

لطة عل

ى‬
‫اإلنسان برمت
ه‪ ،‬مثلم
ا فع
ل الباب
اوات ف
ي ص
راعھم ض
د األب
اطرة‪ّ ،‬‬
‫م
دعين ال
سيطرة‬
‫على كل حياته من أج
ل ال
سيطرة عل
ى شخ
صيته—الت
ي ل
م يج
د المجتم
ع أي
ة وس
يلة‬
‫مالئم

ة أخ

رى لربطھ

ا وتقيي

دھا‪ .‬ولك

ن المجتم

ع ح

صل اآلن عل

ى الفردي

ة ب

شكل‬
‫منصف؛ إن الخطر الذي يھدد الطبيعة اإلنسانية لم يعد تزايدا‪ ،‬بل عج
زا‪ ،‬ف
ي ال
دوافع‬
‫والتفضيالت الشخ
صية‪ .‬لق
د تغي
رت الح
ال إل
ى ح
د كبي
ر‪ ،‬طالم
ا أن عواط
ف ھ
ؤالء‬
‫ال

ذين ك

انوا أقوي

اء بالمن

صب‪ ،‬أو بالمواھ

ب الشخ

صية‪ ،‬كان

ت ف

ي حال

ة م

ن التم

رد‬
‫المألوف ضد القوانين واألنظمة‪ ،‬واخضعوا لقيود صارمة لكي يتمتع األشخاص الذين‬
‫في متناول يديھم بكل جزيئة من جزيئات األمن‪ .‬في عصرنا الحالي‪ ،‬م
ن أعل
ى طبق
ة‬
‫في ھرم المجتمع إلى أدنى طبقة‪ ،‬يعيش كل فرد تحت عيون الرقابة العدائية البغيضة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فأص

بح الف

رد‪ ،‬والعائل

ة‪ ،‬ال ي

سألون أنف

سھم— م

اذا نف
ّ‬

ضل؟ أو م

ا ال

ذي يناس

ب‬
‫شخصيتي وميولي؟ أو ما الذي سيساعد أرفع المواھب التي ّ‬
‫لدي عل
ى التمت
ع بفرص
ة‬
‫ّ‬
‫ويمكنھ

ا م

ن النم

و واالزدھ

ار؟‪ --‬ل

يس فق

ط فيم

ا يتعل

ق ب

اآلخرين‪ ،‬ب

ل بم

ا‬ ‫للظھ
ور‪،‬‬
‫يتعلق بأنفسھم فقط‪ .‬وأصبحوا يسألون أنفسھم‪ ،‬ما الذي يناسب منصبي؟ ما الذي يفعله‬
‫في العادة األش
خاص مم
ن ھ
م ب
نفس م
وقعي وظروف
ي المالي
ة؟ أو )وھ
و األس
وأ( م
ا‬
‫الذي عادة ما يفعله األشخاص الذين لھم موقع وظروف مالية أعلى مني؟ أن
ا ال اعن
ي‬
‫أنھ

م ھ

م ال

ذين اخت

اروا م

ا ھ

و تقلي

دي متع

ارف علي

ه‪ ،‬وف

ضلوه عل

ى م

ا يناس

ب‬
‫توجھاتھم‪ .‬بل انه لم يخطر ببالھم أنھ
م يمتلك
ون أي
ة توجھ
ات‪ ،‬م
ا ع
دا م
ا ھ
و تقلي
دي‬
‫شائع‪ .‬وھكذا فإن العقل نفسه قد انحنى للني
ر‪ :‬حت
ى فيم
ا يفعل
ه الن
اس لغ
رض المتع
ة‪،‬‬
‫ف
إن االلت
زام ھ
و أول ش

يء يفك
رون في
ه؛ فھ
م يحب

ون ب
شكل جم
اعي؛ وال يمارس

ون‬
‫االختي

ار إال م

ن ب

ين األش

ياء ال

شائعة‪ :‬فخ

صوصية ال

ذوق‪ ،‬والت

صرفات المتف

ردة‬
‫ممنوعة شأنھا شأن الج
رائم‪ :‬وحت
ى بق
وة ع
دم إتب
اع طبيع
تھم الخاص
ة‪ ،‬لي
ست ل
ديھم‬
‫طبيع
ة ليتبعوھ

ا‪ :‬فق

دراتھم اإلن

سانية ق

د اض
محلت وتالش

ت‪ :‬وأص

بحوا غي

ر ق

ادرين‬
‫على أية رغبات قوية ومت
ع أص
لية‪ ،‬وص
اروا ب
شكل ع
ام ب
ال آراء وب
ال م
شاعر نم
و‬
‫للوطن‪ ،‬وربما مشاعر نموھم ھم‪ .‬اآلن‪ ،‬ھل ذلك شرطا محببا للطبيعة البشرية‪ ،‬أم ال؟‬

‫إن

ه ك

ذلك‪ ،‬ح

سب النظري

ة الكالفيني

ة‪ .‬فبموجبھ

ا‪ ،‬إن الجريم

ة الوحي

دة ل

دى‬
‫اإلن

سان ھ

ي اإلرادة الذاتي

ة‪ .‬وك

ل الخي

ر ال

ذي بمق

دور الب

شرية فعل

ه مخت

صر ف

ي‬
‫الطاعة‪ .‬ليس لديك خيار؛ لذا عليك أن تفعل‪" :‬كل ما ھو ليس واجبا فھ
و إث
م‪ "،‬ول
يس‬
‫سوى ذلك‪ .‬فألن الطبيعة البشرية فاسدة جدا‪ ،‬ل
يس ھن
اك خ
الص ألي ف
رد حت
ى ُ َ‬
‫تقت
ل‬
‫الطبيعة البشرية في داخله‪ .‬بالنسبة لمن يحم
ل ھ
ذه النظري
ة الحياتي
ة‪ ،‬ال يعتب
ر س
حق‬
‫أية قدرات‪ ،‬أو قابليات‪ ،‬أو عواطف إنسانية‪ ،‬شرا‪ :‬ال يحتاج اإلنسان إل
ى ق
درة‪ ،‬س
وى‬
‫قدرته في الخضوع إلرادة ﷲ‪ :‬وإذا ما استخدم أي م
ن قدرات
ه ألي
ة غاي
ة س
وى القي
ام‬
‫بتل

ك اإلرادة المفترض

ة ب

شكل أكث

ر فاعلي

ة‪ ،‬س

يكون أف

ضل ح

اال ب

دونھا‪ .‬ھ

ذه ھ

ي‬

‫‪74‬‬
‫النظرية الكالفينية؛ وھي متبناة‪ ،‬ولو بشكل مخفف‪ ،‬من قبل العديدين ممن ال يعتب
رون‬
‫أنف

سھم ك

الفينيين؛ ويتك

ون التخفي

ف م

ن إعط

اء تف

سير أق

ل ص

رامة ل

إلرادة اإللھي

ة‬
‫المزعومة؛ مؤكدين على أنھا إرادته التي جعل
ت م
ن الواج
ب عل
ى الب
شر أن ي
شبعوا‬
‫بعضا من ميولھم؛ ولك
ن ب
الطبع ل
يس باألس
لوب ال
ذي يف
ضلونه ھ
م‪ ،‬ب
ل ع
ن طري
ق‬
‫الطاعة‪ ،‬أي بطريقة توصف لھ
م م
ن قب
ل ال
سلطة‪ ،‬أي م
ن قب
ل الظ
روف ال
ضرورية‬
‫للحالة‪ ،‬وھي واحدة للجميع‪.‬‬

‫في ظل بعض من مثل ھذا الشكل الماكر‪ ،‬ھنالك في الوق


ت الحاض
ر مي
ل ق
وي‬
‫لھذه النظرية الحياتية الضيقة‪ ،‬وللنوع الضحل والضيق األفق من الناس ال
ذي ترع
اه‪.‬‬
‫ھن

اك العدي

د م

ن الن

اس‪ ،‬ب

ال ش

ك‪ ،‬مم

ن يعتق

دون مخل

صين أن الب

شر المتق

زمين‬
‫والمحجمين على ھذا النحو‪ ،‬إنما ھم على الشكل ال
ذي أراده لھ
م خ
القھم؛ مثلم
ا اعتق
د‬
‫الكثيرون بأن األشجار‪ ،‬لو تم قصھا إلى أج
داث عديم
ة األغ
صان‪ ،‬أو ل
و ت
م تقطيعھ
ا‬
‫على ھيئة حيوانات‪ ،‬ستصبح أشياء أفضل بكثير من الشكل الذي خلقتھا عليه الطبيعة‪.‬‬
‫ولكن لو أن أي جزء من الدين يؤمن بأن اإلنسان قد ُ َ‬
‫خلق من قبل كائنا ّ‬
‫خيرا‪ ،‬فإن م
ن‬
‫المتوافق جدا مع ذلك المعتقد أن ن
ؤمن أي
ضا ب
ان ذل
ك الك
ائن ق
د أعط
ى اإلن
سان ك
ل‬
‫الق

درات الب

شرية الت

ي ال ب

د م

ن تطويرھ

ا وك

شفھا‪ ،‬ول

يس اقتالعھ

ا م

ن ج

ذورھا‬
‫واس

تھالكھا‪ ،‬وإن

ه ي

ستمتع بك

ل طريق

ة تق

وم ب

ه مخلوقات

ه وتقت

رب بھ

ا م

ن المفھ

وم‬
‫المثالي المتجسد فيھم‪ ،‬وبكل زيادة في أي من قدراتھم عل
ى االس
تيعاب‪ ،‬أو العم
ل‪ ،‬أو‬
‫االستمتاع‪ .‬ھنالك نوع مختلف من البشر متفوق على النوع الكالفيني؛ مفھ
وم الب
شرية‬
‫على أنھا تمتلك طبيعتھا التي وھبت إليھا لغايات أخرى وليس لك
ي ُتلغ
ى أو تُنك
ر‪ .‬إن‬
‫"تأكيد الذات الوثني" ھو أحد عوامل القيمة اإلنسانية‪ ،‬وكذلك الحال مع "نكران الذات‬
‫المسيحي‪ ".‬ھنالك أنموذج إغريق
ي لتط
وير ال
ذات‪ ،‬وھ
و ال
ذي امت
زج مع
ه األنم
وذج‬
‫األفالطوني والمسيحي في حكم الذات‪ ،‬ولكنه لم يبطله أو يلغيه‪ .‬قد يكون من األف
ضل‬
‫للمرء أن يكون جون نوكس‪ ،‬من أن يك
ون ال
سيبايديس ]سياس
ي أثين
ي ‪?404-?450‬‬

‫‪75‬‬
‫ق‪.‬م[‪ ،‬ولكنه من األفضل أن يكون المرء بيريكليس ] رجل دولة أثيني ‪ 429-495‬ق‪.‬‬
‫م‪ [.‬على أن يكون أيا من السابقين؛ وال يمكن ألي بيريكليس ٍ لو ك
ان ل
دينا واح
د مثل
ه‬
‫في ھذه األيام‪ ،‬أن يكون بال شيء جيد مأخوذ عن جون نوكس‪.‬‬

‫ال يصبح البشر أھدافا نبيلة وجميلة للتأمل من خالل إضعاف كل ما ھ


و ف
ردي‬
‫في أنفسھم وإخضاعه لألنساق العامة‪ ،‬بل من خالل تھذيبه وتشجيعه‪ ،‬ض
من الح
دود‬
‫الت

ي تفرض

ھا حق

وق اآلخ

رين وم

صالحھم؛ ومثلم

ا تأخ

ذ األعم

ال بع

ض س

مات‬
‫األشخاص الذين يفعلونھا‪ ،‬فمن خالل نفس العملي
ة ت
صبح حي
اة اإلن
سان أي
ضا غني
ة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتقدم غذاء أكثر وفرة لألفكار السامية والم
شاعر الراقي
ة‪ ،‬وتع
زز‬ ‫ومتنوعة وحيوية‪،‬‬
‫ال

صلة الت

ي ت

ربط ك

ل ف

رد بأبن

اء جن

سه‪ ،‬م

ن خ

الل جع

ل الج

نس الب

شري ي

ستحق‬
‫االنتماء إليه بشكل ال متناه‪ .‬وبالتناسب مع تطور فردية كل شخص‪ ،‬فإن
ه ي
صبح أكث
ر‬
‫قيمة بنظر نفسه‪ ،‬وبذلك يكون أكثر قدرة على أن يك
ون ع
الي القيم
ة بنظ
ر اآلخ
رين‪.‬‬
‫حياتي أكبر حول وجوده الخاص‪ ،‬وعن
دما يك
ون ھن
اك مزي
د م
ن الحي
اة‬
‫ﱟ‬ ‫امتالء‬
‫ٍ‬ ‫ھناك‬
‫المتك
ون م
ن تل
ك الوح
دات‪ .‬ال‬
‫ّ‬ ‫في الوح
دات‪ ،‬يك
ون ھن
اك المزي
د منھ
ا ف
ي المجم
وع‬
‫يمكن االستغناء عن المقدار الضروري من ال
ضغط الك
افي لمن
ع األن
واع األق
وى م
ن‬
‫الطبيعة البشرية من التجاوز عل
ى حق
وق اآلخ
رين؛ ولك
ن ھن
اك تع
ويض ك
اف حت
ى‬
‫من وجھة نظر التطور البشري‪ .‬إن سبل التطور التي يخسرھا الف
رد م
ن خ
الل منع
ه‬
‫من إشباع ميوله إللحاق األذى باآلخرين‪ ،‬تستحصل بشكل رئيس عل
ى ح
ساب تط
ور‬
‫اآلخرين‪ .‬وحتى بالنسبة له‪ ،‬ھنالك مك
افئ ت
ام ف
ي التط
ور األف
ضل للق
سم االجتم
اعي‬
‫من طبيعته‪ ،‬التي جعلھا القيد المفروض على الجزء األناني ممكنة‪ .‬إن االلتزام بقواعد‬
‫يطور المشاعر والق
درات الت
ي تجع
ل خي
ر اآلخ
رين ھ
دفا‬
‫العدالة وقوانينھا الصارمة ّ‬
‫لھا‪ .‬ولكن التقييد ف
ي األش
ياء الت
ي ال ت
ؤثر عل
ى م
صلحتھم‪ ،‬ألج
ل إزع
اجھم فق
ط‪ ،‬ال‬
‫يطور شيئا ذا قيمة‪ ،‬ما عدا تطويره قوة الشخصية التي تك
شف ع
ن نف
سھا ف
ي رف
ض‬
‫ّ‬
‫القيد‪ .‬أما إذا قَبَِل به‪ ،‬فإنه سيصيب الطبيعة كلھ
ا ب
البالدة والخ
شونة‪ .‬ألج
ل إعط
اء أي‬

‫‪76‬‬
‫إن

صاف لطبيع

ة ك

ل ف

رد‪ ،‬ال ب

د م

ن ال

سماح لإلف

راد المختلف

ين ب
أن يعي

شوا حي

وات‬
‫مختلفة‪ .‬وبالتناسب مع ممارسة ھ
ذا النط
اق ف
ي أي ع
صر‪ ،‬فإن
ه )أي الع
صر( يك
ون‬
‫جديرا بانتباه األجيال المتالحقة‪ .‬حتى االستبداد ال ينتج أس
وأ آث
اره‪ ،‬طالم
ا إن الفردي
ة‬
‫موجودة تحته؛ وكل ما يسحق الفردية ھو استبداد‪ ،‬مھما اختل
ف االس
م ال
ذي ق
د يطل
ق‬
‫عليه‪ ،‬سواء أكان يزعم تنفيذ إرادة ﷲ أو أوامر البشر‪.‬‬

‫بع

د أن قلن

ا إن الفردي

ة ھ

ي والتط

ور ش

يء واح

د‪ ،‬وإن تھ

ذيب الفردي

ة وح

ده‬
‫أفضل أو أكثر ھو الذي ين
تج‪ ،‬أو ي
ستطيع إنت
اج‪ ،‬الب
شر المط
ورين جي
دا‪ ،‬ربم
ا أنھ
ي‬
‫الجدل ھنا‪ :‬فأي شيء يمكن أن يقال عن أية حالة من الشؤون البشرية‪ ،‬أفضل أو أكثر‬
‫من أنھ
ا تجع
ل الب
شر أنف
سھم أق
رب م
ن أف
ضل ش
يء يمك
نھم أن يكون
وه؟ وأي ش
يء‬
‫يمكن أن يقال بحق أية إعاقة للخير أسوأ من أنھا منََع ْ‬
‫ت ذلك؟ عل
ى ك
ل ح
ال‪ ،‬ال ش
ك‬
‫أن تلك االعتبارات لن تكون كافية إلقناع ھؤالء الذين يحتاجون إلى اإلقناع أكث
ر م
ن‬
‫غيرھم‪ ،‬ومن الضروري أيضا أن نبين أن ھؤالء البشر المتط
ورين ن
افعين ب
شكل م
ا‬
‫لغير المتطورين – لكي يشيروا لھؤالء الذين ال يرغبون بالحرية‪ ،‬وال ينتفع
ون منھ
ا‪،‬‬
‫بأنھم يمكن أن ُ َ َ‬
‫يجزون ‪ ،‬وعلى نحو واضح‪ ،‬ل
سماحھم لآلخ
رين باالس
تفادة منھ
ا دون‬
‫إعاقة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬بادئ ذي بدأ‪ ،‬سأقترح بأنھم ربم


ا تعلم
وا ش
يئا م
نھم‪ .‬ل
ن ينك
ر اح
د م
ا أن‬
‫األصالة عام
ل ّ‬
‫ق
يم ف
ي ال
شؤون اإلن
سانية‪ .‬ھن
اك دائم
ا حاج
ة باألش
خاص‪ ،‬ل
يس فق
ط‬
‫الكتشاف الحقائق‪ ،‬واإلشارة عندما تكف الحقائق‪ ،‬التي كانت حقائق في زمن ما‪ ،‬ع
ن‬
‫كونھا حقائق‪ ،‬بل للشروع في ممارسات جديدة‪ ،‬ووضع مثاال لل
سلوك األكث
ر تن
ويرا‪،‬‬
‫ولل

ذوق والح

س األف

ضل ف

ي الحي

اة الب

شرية‪ .‬إن ھ

ذا ال يمك

ن إنك

اره م

ن قب

ل أي‬
‫شخص ال يؤمن بأن العالم قد حصل مسبقا على الكمال في جميع طرائقه وممارس
اته‪.‬‬
‫والحق أن ھذه الفائدة ال يمكن أن يقدمھا كل فرد بشكل متساو ٍ‪ ،‬فليس ھناك سوى عدد‬

‫‪77‬‬
‫قليل من األشخاص ‪ ،‬مقارن
ة ب
الجنس الب
شري بأس
ره‪ ،‬يمك
ن لتج
اربھم‪ ،‬إذا م
ا تبناھ
ا‬
‫اآلخرون‪ ،‬يمكن أن تكون تطورا معينا في الممارسة المؤسسة‪ .‬ولكن ھؤالء القلة‪ ،‬ھم‬
‫ملح األرض؛ وبدونھم تصبح الحياة اإلنسانية مستنقعا راكدا ال غي
ر‪ .‬ل
يس فق
ط ألنھ
م‬
‫ھم الذين يقدمون األشياء الجيدة التي لم تكن موجودة من قبل‪ ،‬بل أنھم أيضا من يبقون‬
‫الحياة في تلك األشياء التي وجدت من قبل‪ .‬إذا لم يكن ھناك شيء جديد للقيام به‪ ،‬فھ
ل‬
‫أن العق

ل الب

شري س

يكف ع

ن كون

ه ض

روريا؟ ھ

ل س

يكون ذل

ك س

ببا وراء ن

سيان‬
‫ھؤالء ال
ذين يقوم
ون باألش
ياء القديم
ة ل
سببھا‪ ،‬فيقوم
ون بھ
ا مث
ل قطي
ع م
ن األنع
ام‪،‬‬
‫وليس كالبشر؟ ھنالك فقط ميل كبير جدا لدى أفضل المعتقدات والممارسات لالنح
دار‬
‫إلى الميكانيكية؛ وما لم يكن ھنالك تتابع من األشخاص الذين تق
وم أص
التھم المتك
ررة‬
‫بمنع أسس ھذه المعتقدات والممارسات م
ن أن ت
صبح مج
رد أس
س تقليدي
ة‪ ،‬ف
إن ھ
ذه‬
‫القضية الميتة سوف لن تقاوم أية صدمة‪ ،‬مھما كانت صغيرة‪ ،‬من أي شيء حي فعال‪،‬‬
‫وسوف لن يكون ھناك سبب وراء عدم موت الحضارة وانتھائھ
ا‪ ،‬كم
ا ھ
و الح
ال م
ع‬
‫اإلمبراطورية البيزنطية‪ .‬حقا‪ ،‬إن األشخاص العباقرة ھم أقلية صغيرة‪ ،‬وھك
ذا ي
رجح‬
‫أن يكون حالھم على الدوام‪ ،‬ولكن من أجل الحصول عليھم‪ ،‬من الضروري أن نحف
ظ‬
‫التربة التي ينمون فيھا‪ .‬ال يستطيع العبقري أن يتنفس بحرية إال في فضاء الحرية‪.‬‬

‫إن األشخاص العباقرة‪ ،‬ھم أكثر فردية من األش


خاص اآلخ
رين—وھ
م بالت
الي‬
‫أقل قدرة على تكييف أنفسھم‪ ،‬دون ض
غط م
ؤذ‪ ،‬ف
ي أي م
ن الع
دد القلي
ل م
ن القوال
ب‬
‫التي يوفرھا المجتمع ألجل أن يوفر على أعضائه مشقة تشكيل شخصياتھم بأنف
سھم‪.‬‬
‫إذا وافقوا م
ن قبي
ل الخ
وف أو الج
بن‪ ،‬عل
ى أن يجب
روا عل
ى ال
دخول ف
ي أح
دى ھ
ذه‬
‫القوال

ب‪ ،‬وأن يترك

وا ك

ل ذل

ك الج

زء م

ن أنف

سھم ال

ذي ال ي

ستطيع التوس

ع تح

ت‬
‫الضغط‪ ،‬ليبقى دون توسع‪ ،‬فإن المجتمع سوف لن يك
ون جي
دا بالن
سبة لعبق
ريتھم‪ .‬أم
ا‬
‫إذا كانت لديھم شخصيات قوية وكسروا قيودھم‪ ،‬سيصبحون عالمة للمجتم
ع ال
ذي ل
م‬
‫يفلح في تحجيمھم وجعلھم شيئا مبذوال‪ ،‬ليشار إليھم م
ع تح
ذير ج
اد ك
ـ"مج
ذوب" أو‬

‫‪78‬‬
‫"عنيف" وما إلى ذلك؛ أشبه ما يكون بشخص يشتكي م
ن نھ
ر ني
اغرا ألن
ه ال يج
ري‬
‫ھادئا بين ضفتيه كما يفعل القنال الھولندي‪.‬‬

‫ّ‬
‫أصر مؤكدا على أھمية العبقري
ة‪ ،‬وض
رورة ال
سماح لھ
ا بالك
شف ع
ن‬ ‫لذا‪ ،‬فإنا‬
‫نفسھا بحرية في الفكر والممارسة على حد سواء‪ ،‬ألنني مدرك بأن
ه م
ا م
ن أح
د ينك
ر‬
‫الحالة‪ ،‬من حيث النظرية‪ ،‬ولكني أعرف أيضا أن كل فرد تقريبا‪ ،‬ھو ف
ي الواق
ع غي
ر‬
‫مكترث بھا تماما‪ .‬الناس يعتقدون بأن العبقرية شيء جيد إذا ما ّ‬
‫مكنت اإلن
سان م
ن أن‬
‫يكتب قصيدة مثيرة‪ ،‬أو يرسم لوح
ة‪ .‬ولك
ن العبقري
ة بمفھومھ
ا الحقيق
ي‪ ،‬أي باألص
الة‬
‫في الفكر والعمل‪ ،‬فعلى الرغم من أن أحدا ال يقول بأنھا ليست شيئا يستحق اإلعجاب‪،‬‬
‫إال أن الجميع تقريبا‪ ،‬يعتقدون في ّ‬
‫سرھم‪ ،‬أنھم يستطيعون أن يبلوا بالءا حسنا ب
دونھا‪.‬‬
‫ولألس

ف ف

إن ھ

ذا ال

شيء طبيع

ي ج

دا بحي

ث إنﱠ
ه ال يثي

ر االس

تغراب‪ .‬األص

الة ھ

ي‬
‫ال

شيء ال

ذي ال ي

ستطيع أص

حاب العق

ول غي

ر األص

يلة أن ي

شعروا بفائدت

ه‪ .‬فھ

م ال‬
‫يستطيعون رؤية ما بوسع األصالة أن تفعل لھم ‪:‬كيف يفعلون ذلك؟ فإذا اس
تطاعوا أن‬
‫يروا ما يمكن لألصالة أن تفعل لھم‪ ،‬سوف لن تكون أصالة‪ .‬الخدمة األولى الت
ي عل
ى‬
‫األصالة أن تق
دمھا لھ
م ھ
ي ف
تح أعي
نھم‪ :‬الت
ي م
ا أن تنف
تح ب
شكل ت
ام‪ ،‬س
تكون ل
ديھم‬
‫الفرصة لكي يكونوا أنفسھم أصيلين‪ .‬في غضون ذلك‪ ،‬إن استذكار الحقيقة القائلة بأن
ه‬
‫ما من شيء تم فعله على اإلطالق إال وكان ھناك شخصا ما ھو أول م
ن ق
ام ب
ه‪ ،‬وإن‬
‫كل األشياء الجيدة الموجودة حاليا ھي ثمار األصالة‪ ،‬سيجعلھم معتدلين بما فيه الكفاية‬
‫ليؤمنوا بأن ھناك ثمة شيء ُ ِ‬
‫ترَك لألصالة لكي تنجزه‪ ،‬وتؤكد لھ
م ب
أنھم بحاج
ة كبي
رة‬
‫لألصالة‪ ،‬إال أنھم ّقلما يدركون ھذه الحاجة‪.‬‬

‫في الحقيقة المجردة‪ ،‬مھما كان الوالء الممن


وح‪ ،‬أو الم
دفوع إل
ى ال
سمو العقل
ي‬
‫الحقيقي أو المزعوم‪ ،‬فإن الميل العام لألشياء في شتى إرجاء العالم ھو إلخضاع القوة‬
‫المتطلع

ة ل

دى الب

شر لمعي

ار المع
ّ‬

دل المتوس

ط‪ .‬ف

ي الت

أريخ الق

ديم‪ ،‬ف

ي الع

صور‬

‫‪79‬‬
‫الوس

طى‪ ،‬وإل

ى درج

ة ض

ئيلة‪ ،‬خ

الل االنتق

ال الطوي

ل م

ن النظ

ام اإلقط

اعي إل

ى‬
‫عصرنا الحالي‪ ،‬كان لدى الفرد قوة في نفسه؛ وإذا كانت لديه مواھب كبيرة أو وض
عا‬
‫اجتماعيا مرموقا‪ ،‬فإنه كان قوة كبيرة‪ .‬أما في الوقت الحاض
ر‪ ،‬فق
د ض
اع األف
راد ف
ي‬
‫الجمھور‪ .‬في السياسة‪ ،‬عادة ما يكون من السخف أن نقول أن ال
رأي الع
ام اآلن يحك
م‬
‫العالم‪ .‬الق
وة الوحي
دة الت
ي ت
ستحق االس
م ھ
ي ق
وة الجم
اھير‪ ،‬وق
وة الحكوم
ات عن
دما‬
‫تجعل أنفسھا لسانا معبرا أو أداة لميول الجماھير ونزعاتھم‪ .‬وھ
ذا ال
شيء ي
صح عل
ى‬
‫العالق

ات األخالقي

ة واالجتماعي

ة والحي

اة الخاص

ة وعل

ى التع

امالت العام

ة عل

ى ح

د‬
‫سواء‪ .‬أما ھؤالء الذين تذھب آراؤھم باسم الرأي الع
ام‪ ،‬فلي
سوا دائم
ا م
ن نف
س الن
وع‬
‫م

ن الن

اس‪ :‬ف

ي أمريك

ا ھ

م ال

سكان الب

يض جميع

ا؛ وف

ي انجلت

را‪ ،‬ھ

م أبن

اء الطبق

ة‬
‫الوس

طى ب

شكل رئ

يس‪ .‬ولك

نھم الجم

اھير دائم

ا‪ ،‬بمعن

ى‪ ،‬ھ

م المتوس

ط الجمع

ي‪.‬‬
‫واألغرب من ذل
ك‪ ،‬أن الجمھ
ور ال يأخ
ذون آراءھ
م م
ن الوجھ
اء ف
ي الكني
سة أو ف
ي‬
‫الدولة‪ ،‬أو من القادة المزعومين‪ ،‬أو م
ن الكت
ب‪ .‬فتفكي
رھم يق
وم ب
ه لھ
م رج
ال م
ثلھم‪،‬‬
‫يخ
اطبونھم أو يتح

دثون باس

مھم‪ ،‬ب
شكل لحظ

ي ارتج

الي‪ ،‬م
ن خ

الل ال

صحف‪ .‬أن

ا ال‬
‫اشتكي من كل ھذا‪ .‬وال أؤكد أن ھناك أي شيء أفضل توافقا‪ ،‬كقاعدة عامة‪ ،‬مع الحالة‬
‫الواطئة الحالية للعقل البشري‪ .‬ولكن ھذا ال يعيق حكومة المتوسط الع
ام م
ن أن تك
ون‬
‫حكومة متوسطة‪ .‬لم ت
ستطع حكوم
ة‪ ،‬س
واء ج
اءت ع
ن طري
ق ديمقراطي
ة معين
ة‪ ،‬أو‬
‫ارس

تقراطية متع

ددة‪ ،‬ف

ي أفعالھ

ا ال

سياسية‪ ،‬أو ف

ي اآلراء‪ ،‬أو ال

صفات‪ ،‬أو التوج

ه‬
‫العقلي الذي تتبناه‪ ،‬أن ترتفع عن مستوى التوسط‪ ،‬ما عدا ما يتعلق بالمدى الذي تسمح‬
‫به القلة الحاكمة ألنفسھم بأن يخضعوا لتوجيه المستشارين وت
أثير ال
شخص أو النخب
ة‬
‫الموھوبة أو المتعلمة )وھو ما كانوا يفعلون
ه دائم
ا ف
ي أف
ضل أوق
اتھم(‪ .‬إن ابت
داء ك
ل‬
‫األشياء الحكيمة والنبيلة‪ ،‬تأتي ‪ ،‬أو ال بد لھا أن تأتي‪ ،‬من األفراد؛ وع
ادة م
ا ت
أتي ف
ي‬
‫البداية من فرد واحد فقط‪ .‬أما شرف الرجل المتوسط ومجده فھو في كون
ه ق
ادرا عل
ى‬
‫إتباع تلك المبادرة؛ وأنه يستطيع االستجابة داخليا لألشياء الحكيمة والنبيلة‪ ،‬وأن ينق
اد‬
‫إليھا بعيون مفتوحة‪ .‬أنا ھنا لست بصدد تأييد نھج "تقديس البطل" الذي يصفق للرجل‬

‫‪80‬‬
‫العبقري القوي الستيالئه على حكومة العالم بالقوة وإجبار العالم على أن تنفيذ أوام
ره‬
‫رغما عن انف
ه‪ .‬ك
ل م
ا ي
ستطيع ادع
اؤه ھ
و الحري
ة لت
دل عل
ى الطري
ق‪ .‬أم
ا اس
تخدام‬
‫القوة إلجبار اآلخرين عليه )أي الطريق(‪ ،‬فھو ال يتنافى وحري
ة اآلخ
رين وتط
ويرھم‬
‫فحسب‪ ،‬بل أنه يفسد الرجل القوي نف
سه‪ .‬عل
ى ك
ل ح
ال‪ ،‬يب
دو ان
ه عن
دما ت
صبح آراء‬
‫الجماھير المكونة من أناس متوسطين فقط ھي القوة المھيمنة في كل مكان‪ ،‬ف
إن الق
وة‬
‫الموازية والمصححة لذلك التوج
ه س
تكون الفردي
ة المؤك
دة أكث
ر ف
أكثر لھ
ؤالء ال
ذين‬
‫يقف

ون ف

ي أعل

ى س

مو فك

ري‪ .‬ف

ي تل

ك الظ

روف‪ ،‬عل

ى وج

ه الخ

صوص‪ ،‬ال ب

د م

ن‬
‫ت

شجيع األف

راد االس

تثنائيين‪ ،‬ب

دال م

ن إع

اقتھم‪ ،‬ليت

صرفوا عل

ى نح

و مختل

ف ع

ن‬
‫الجمھور‪ .‬أما في األوقات األخرى‪ ،‬فال فائدة من عمل ذلك‪ ،‬إن لم يتصرفوا على نح
و‬
‫مختلف‪ ،‬ليس ھذا فحسب‪ ،‬بل وأفضل من اآلخ
رين‪ .‬ف
ي ھ
ذا الع
صر‪ ،‬إن مج
رد مث
ال‬
‫واحد على عدم االلتزام‪ ،‬مجرد رف
ض الرض
وخ للع
ادات‪ ،‬ھ
و خدم
ة بح
د ذات
ه‪ .‬وألن‬
‫تسلط ال
رأي عل
ى نح
و يجع
ل الف
رادة إھان
ة‪ ،‬عل
ى وج
ه الدق
ة‪ ،‬فم
ن المحب
ذ أن يك
ون‬
‫الناس متف
ردين‪ ،‬م
ن أج
ل اخت
راق ذل
ك الت
سلط‪ .‬ع
ادة م
ا تكث
ر الف
رادة حيثم
ا وحينم
ا‬
‫تزداد قوة الشخصية؛ كما أن مقدار الفرادة في مجتمع ما يكون في الغالب متناس
با م
ع‬
‫مقدار العبقرية والحيوية العقلية‪ ،‬والشجاعة األخالقية التي يحتوي ذلك المجتمع عليھا‪.‬‬
‫إن وجود عدد قليل جدا اليوم من الذين يجرؤون على التفرد إنما يدل على خطر كبي
ر‬
‫في زماننا‪.‬‬

‫لقد قلت إن لمن المھم أن تعطى األشياء غي


ر التقليدي
ة أكث
ر حري
ة ممكن
ة ‪ ،‬م
ن‬
‫يحول إلى ع
ادات أو تقالي
د‪ .‬ولك
ن اس
تقالل‬
‫أجل أن يظھر خالل الوقت أيھا يناسب أن ُ ّ‬
‫الفعل‪ ،‬وعدم احترام العادات‪ ،‬ال تستحق فقط التشجيع للفرصة التي تتمكن منھا بحي
ث‬
‫إن أنماط الفع
ل األف
ضل‪ ،‬والع
ادات األكث
ر اس
تحقاقا للتبن
ي الع
ام‪ ،‬ق
د ُ َ‬
‫ت
شطب‪ ،‬ول
يس‬ ‫ﱠ‬
‫األش

خاص ال

ذين يمتلك

ون تفوق

ا عقلي

ا ھ

م فق

ط ال

ذين يح

ق لھ

م أن يعي

شوا حي

اتھم‬
‫بالطريقة التي يحبون‪ .‬ليس ھناك من س
بب يجع
ل الوج
ود اإلن
ساني برمت
ه يبن
ى وفق
ا‬

‫‪81‬‬
‫لنمط واح
د بعين
ه أو وفق
ا لع
دد ص
غير م
ن األنم
اط‪ .‬إذا م
ا امتل
ك ال
شخص أي مق
دار‬
‫معقول من الخبرة والق
درة العقلي
ة‪ ،‬ف
إن نمط
ه ف
ي ت
صميم وج
وده ھ
و األف
ضل‪ ،‬ل
يس‬
‫ألنه ھو األفضل بحد ذاته‪ ،‬بل ألنه نمطه ھو كذلك‪ .‬ليس البشر كاألغنام؛ حتى األغنام‬
‫لي

ست مت

شابھة إل

ى ح

د ال يمك

ن التميي

ز بينھ

ا‪ .‬ال ي

ستطيع اإلن

سان أن يح

صل عل

ى‬
‫معط

ف أو زوج م

ن األحذي

ة تالئم

ه‪ ،‬م

ا ل

م تك

ن م

صنوعة عل

ى مقاس

ه أو أن يك

ون‬
‫ھناك متجر كامل يختار منه‪ :‬فھل أن إيجاد حياة تناس
به أس
ھل م
ن أن نج
د معطف
ا‪ ،‬أو‬
‫ھل أن البشر يشبه احدھم اآلخر في توافقھم الجسدي والروحي أكث
ر م
ن ت
شابھھم ف
ي‬
‫شكل القدم؟ لو كان السبب الوحيد ھو أن الناس يمتلكون أذواقا مختلفة‪ ،‬فھو سبب كاف‬
‫لعدم محاولة ص
ياغتھا وف
ق نم
وذج واح
د فق
ط‪ .‬ولك
ن األش
خاص المختلف
ين يتطلب
ون‬
‫أيضا شروطا مختلفة لتطورھم الروحي؛ ولن يستطيعوا الع
يش ب
شكل س
ليم ف
ي من
اخ‬
‫أو جو أخالقي واحد‪ ،‬مثلما ال يمكن لمجموعة متنوعة من النباتات أن تعيش في من
اخ‬
‫مادي واحد‪ .‬إن األشياء التي تكون عوامل مساعدة لشخص م
ا ص
وب تط
وير وتنمي
ة‬
‫طبيعته العليا‪ ،‬ھي ذاتھا عوائق بالنسبة لشخص آخر‪ .‬إن نفس النمط الحياتي ھو إث
ارة‬
‫حسنة بالنسبة لشخص معين يبقي كل قدراته عل
ى الفع
ل واالس
تمتاع ف
ي أف
ضل نظ
ام‬
‫ممك

ن‪ ،‬بينم

ا يك

ون عبئ

ا م

شتتا يؤج

ل الحي

اة الداخلي

ة أو ي

سحقھا بالكام

ل‪ ،‬بالن

سبة‬
‫لشخص آخر‪ .‬ھك
ذا ھ
ي الف
روق ب
ين الب
شر ف
ي م
صادر متع
تھم‪ ،‬وقابلي
ات تعرض
ھم‬
‫لأللم‪ ،‬واشتغال مختلف الوكاالت المعنوية والجسدية فيھم‪ ،‬وإنه ما لم يكن ھن
اك تن
وع‬
‫في أنماطھم الحقيقية‪ ،‬فإنھم لن يحصلوا على حصتھم العادلة من ال
سعادة‪ ،‬ول
ن يبلغ
وا‬
‫الوضع العقلي والمعنوي والجمالي الذي تتمكن منه طبيعتھم‪ .‬لم
اذا إذن عل
ى الت
سامح‬
‫أن يمتد إلى األذواق واألنماط الحياتية التي تف
رض اإلذع
ان والرض
وخ عل
ى ح
شود‬
‫مؤي

ديھا عن

دما يتعل

ق األم

ر بالعاطف

ة العام

ة ؟ ال يوج

د مك

ان )ع

دا المؤس

سات‬
‫الرھباني
ة( ال يعت

رف في

ه بتن

وع األذواق ب

شكل ت

ام؛ فال

شخص ق

د يح

ب أو ال يح

ب‪،‬‬
‫وب

دون أي ل

وم‪ ،‬التج

ديف‪ ،‬أو الت

دخين‪ ،‬أو الموس

يقى‪ ،‬أو التم

ارين الرياض

ية‪ ،‬أو‬
‫ال
شطرنج‪ ،‬أو ال

ورق‪ ،‬أو الدراس

ة‪ ،‬ألن ك

ل م

ن ال

ذين يحب

ون تل

ك األش

ياء وال

ذين ال‬

‫‪82‬‬
‫يحبونھ

ا أكث

ر م

ن أن يُ

ذكروا‪ .‬ولك

ن الرج

ل‪ ،‬واألكث

ر م

ن ذل

ك الم

رأة‪ ،‬ال

ذين يمك

ن‬
‫اتھ

امھم أم

ا بفع

ل "م

ا ل

م يفعل

ه اح

د" أو ع

دم فع

ل "م

ا يفعل

ه الجمي

ع" ھ

و موض

وع‬
‫لمالحظة تثبيطية كما لو انه‪ ،‬أو لو أنھا ق
د اقترف
ت جنح
ة أخالقي
ة‪ .‬يحت
اج األش
خاص‬
‫ألن يمتلكون ألقابا‪ ،‬أو أي وسام أو عالمة للداللة على الطبقة‪ ،‬أو االنغماس‪،‬إذا ما كان‬
‫بمقدورھم‪ ،‬بعض الشيء‪ ،‬بترف القيام بم
ا يري
دون دون الم
ساس بتقي
يمھم‪ .‬االنغم
اس‬
‫بعض الشيء‪ ،‬أك
رر‪ :‬إذ إن ك
ل ال
ذين ي
سمحون ألنف
سھم ب
الكثير م
ن ذل
ك االنغم
اس‪،‬‬
‫يترتب عليھم خطر شيء ما أسوأ من الخطابات المھينة – فيكون
ون ف
ي خط
ر االتھ
ام‬
‫بالجنون‪ ،‬فتؤخذ أمالكھم منھم لتعطى إلى أقاربھم‪.‬‬

‫ھنالك سمة واحدة لالتجاه الح


الي لل
رأي الع
ام‪ ،‬مح
سوب ب
شكل متف
رد ليجعلھ
ا‬
‫متشددة مع أي مظھر واضح م
ن مظ
اھر الفردي
ة‪ .‬إن المع
دل الع
ام للب
شرية ھ
و ل
يس‬
‫فقط االعتدال في الذكاء‪ ،‬بل االعتدال في النزعات أي
ضا‪ :‬إذا ل
م تك
ن ل
ديھم أي
ة أذواق‬
‫أو رغبات قوية بما يكفي لتوجھھم نحو القيام بأي شيء غير اعتيادي‪ ،‬وھ
م بالت
الي ال‬
‫يفھم

ون ھ

ؤالء ال

ذين ل

ديھم مث

ل تل

ك الرغب

ات واألذواق‪ ،‬وي

صنفون ك

ل ھ

ؤالء م

ع‬
‫المتوح

شين والع

صابيين ال

ذين اعت

ادوا عل

ى احتق

ارھم والتع

الي عل

يھم‪ .‬اآلن‪،‬‬
‫وباإلض

افة إل

ى ھ

ذه الحقيق

ة العام

ة‪ ،‬علين

ا فق

ط أن نفت

رض أن التح

رك الق

وي نح

و‬
‫تحسين األخالق قد بدأ‪ ،‬وإنه لمن الواضح ما ينبغ
ي علين
ا أن نتوقع
ه‪ .‬ف
ي أيامن
ا ھ
ذه‪،‬‬
‫ب

دأ مث

ل ھ

ذا التح

رك؛ فق

د ح

دث الكثي

ر عل

ى طري

ق انتظ
ام ال

سلوك‪ ،‬وع

دم ت

شجيع‬
‫اإلفراط؛ وھناك روح محبة للخير في الخارج‪ ،‬وألجل ممارستھا ليس ھناك حقل أكثر‬
‫إمتاعا من التطوير األخالقي والتعقلي ألبناء جنسنا‪ .‬إن توجھات العصور ھذه جعلت‬
‫الناس أكثر ميال نحو توصيف قواعد عامة للسلوك من أي فترة من الفترات الماضية‪،‬‬
‫ونح

و ب

ذل الجھ

ود لجع

ل الجمي

ع يلتزم

ون بالمعي

ار الحاص

ل عل

ى التأيي

د‪ .‬وذل

ك‬
‫المعيار‪ ،‬س
واء أك
ان ظ
اھرا أم ض
منيا‪ ،‬ھ
و أن ال ترغ
ب ب
أي ش
يء بق
وة‪ .‬وأنموذج
ه‬
‫يعوق بالضغط ‪ ،‬مثل قدم س
يدة‬
‫للشخصية ھو أن تكون بدون أية شخصية مميزة؛ وان ﱢ َ‬

‫‪83‬‬
‫صينية‪ ،‬أي جزء من الطبيعة البشرية يتميز بتفوق‪ ،‬ويميل إل
ى جع
ل ال
شخص مختلف
ا‬
‫في تصميمه‪ ،‬وعلى نحو مميز‪ ،‬عن عامة البشرية‪.‬‬

‫المث

ل أو النم

اذج الت

ي ت

ستثني ن

صف م

ا ھ

و‬
‫وكم

ا ھ

و الح

ال ف

ي الغال

ب م

ع ُ‬
‫محبب‪ ،‬فإن المعيار الح
الي للقب
ول أو االستح
سان ال ين
تج س
وى تقلي
د مت
دن ٍ للن
صف‬
‫اآلخر‪ .‬وبدال من الطاقات الكبيرة الت
ي تق
اد م
ن قب
ل العق
ل الن
شيط‪ ،‬والم
شاعر القوي
ة‬
‫التي تسيطر عليھا اإلرادة الواعية‪ ،‬ستكون نتيجتھ
ا ھ
ي الم
شاعر ال
ضعيفة والطاق
ات‬
‫الضعيفة‪ ،‬التي يمكن إبقاؤھا في اتساق ظاھري مع القاع
دة دون أي
ة ق
وة‪ ،‬أم
ا ل
إلرادة‬
‫أو للعقل‪ .‬إن الشخصيات التي كانت حيوي
ة إل
ى ح
د بعي
د ف
ي الماض
ي أخ
ذت ت
صبح‬
‫شخصيات تقليدية ليس إال‪ .‬قلما يوجد اليوم أي متنفس للطاقة في ھذا البل
د م
ا ع
دا ف
ي‬
‫التجارة‪ .‬فالطاقة التي تُنفَق فيھا ما زالت تعتبر كبي
رة‪ .‬أم
ا القلي
ل المتبق
ي م
ن العمال
ة‪،‬‬
‫ُ‬
‫فتنفق على ھواية قد تكون مفيدة‪ ،‬بل حتى ھواية خيرية‪ ،‬ولكنھا دائما شيء واحد فقط‪،‬‬
‫وعادة م
ا يك
ون ش
يئا ذي أبع
اد ص
غيرة‪ .‬إن عظم
ة انجلت
را ھ
ي جماعي
ة اآلن‪ :‬فألنن
ا‬
‫صغار بالشكل الفردي‪ ،‬نحن نبدو فقط قادرين على أي شيء عظيم‪ ،‬عن طريق عادتنا‬
‫في التجمع؛ وھذا ما يجعل محسنينا األخالقي
ين وال
دينيين مقتنع
ين تمام
ا‪ .‬ولك
ن ال
ذين‬
‫جعلوا انجلترا ما كان
ت علي
ه ك
انوا رج
اال م
ن ط
راز مختل
ف ع
ن ھ
ذا؛ ونحت
اج إل
ى‬
‫رجال من طراز مختلف لمنعھا من التدھور‪.‬‬

‫إن تسلط العادة ھو العائق الذي يقف في كل مكان بوجه التطور اإلنساني‪ ،‬ألنھا‬
‫عداوة ال تنتھ
ي ل
ذلك التوج
ه نح
و اس
تھداف ش
يء أف
ضل م
ن التقلي
دي‪ ،‬ي
سمى‪ ،‬وفق
ا‬
‫للظروف‪ ،‬روح الحرية‪ ،‬أو روح التقدم أو التطور‪ .‬إن روح التط
ور لي
ست دائم
ا ھ
ي‬
‫روح الحرية‪ ،‬ألنھا قد تھدف إل
ى ف
رض التط
ورات عل
ى الن
اس غي
ر ال
راغبين فيھ
ا؛‬
‫وروح الحرية‪ ،‬على قدر تعلق األمر برفضھا لمثل ھذه المحاوالت‪ ،‬قد تتح
الف‪ ،‬عل
ى‬
‫نطاق محلي ومؤقت‪ ،‬مع أعداء التط
ور؛ ولك
ن الم
صدر األزل
ي والثاب
ت للتط
ور ھ
و‬

‫‪84‬‬
‫الحرية‪ ،‬طالما أنه عن طريقھا وج
د ع
دد م
ن مراك
ز التط
وير الم
ستقلة ي
ضاھي ع
دد‬
‫األفراد‪ .‬إن المبدأ التقدمي‪ ،‬على كل ح
ال‪ ،‬ھ
و مب
دأ ع
دائي م
ع حك
م الع
ادة أو التقلي
د‪،‬‬
‫مت

ضمنا عل

ى األق

ل التح

رر م

ن ذل

ك الني

ر؛ وي

شكل التن

اقض ب

ين االثن

ين االھتم

ام‬
‫ال

رئيس لت

أريخ الب

شرية‪ .‬إن الج

زء األعظ

م م

ن الع

الم ل

يس ل

ه ت

أريخ‪ ،‬م

ن حي

ث‬
‫المنطق‪ ،‬ألن استبداد العادة في ذلك الحين كان كامال‪ .‬ھ
ذا ھ
و الح
ال ف
ي ال
شرق كل
ه‪.‬‬
‫فالع

ادة ھن

اك‪ ،‬ف

ي ك

ل األش

ياء‪ ،‬ھ

ي الخط

اب النھ

ائي؛ أم

ا العدال

ة والح

ق فيعني

ان‬
‫االلتزام بالعادة؛ وال يخطر ببال أحد أن يقاوم جدل العادة‪ ،‬إال طاغية مفسد بقوته‪ .‬وھ
ا‬
‫نحن نرى النتيجة‪ .‬ال بد أن تلك األمم قد كانت تمتلك أصالة في يوم من األيام‪ ،‬فھي ل
م‬
‫تب

دأ م

ن ال

صفر مأھول

ة بال

سكان‪ ،‬متعلم

ة‪ ،‬بارع

ة ف

ي العدي

د م

ن فن

ون الحي

اة؛ لق

د‬
‫صنعت لنفسھا كل ذلك؛ وكانت في ذلك الحين أعظم وق
وى األم
م ف
ي الع
الم‪ .‬فم
ا ھ
ي‬
‫اآلن؟ ھم اآلن مواطنون أو ت
ابعون لقبائ
ل ك
ان أج
دادھا يجوب
ون الغاب
ات عن
دما ك
ان‬
‫أج

دادھم ھ

م يملك

ون ق

صورا فخم

ة ومعاب

د رائع

ة‪ ،‬ولك

ن كان

ت الع

ادات ال تم

ارس‬
‫عليھم إال حكما مقسوما مع الحرية والتطور‪ .‬يبدو أن أي شعب يمك
ن أن يك
ون تق
دميا‬
‫لفترة معينة من الزمن‪ ،‬ومن ثم يتوقف عن ذلك‪ :‬متى يتوقف؟ عندما يكف عن امتالك‬
‫الفردية‪ .‬إذا ما طرأ تغيي
ر عل
ى أم
م أورب
ا‪ ،‬فإنھ
ا ل
ن تك
ون ب
نفس ال
شكل تمام
ا‪ :‬ل
يس‬
‫ّ‬
‫يح
رم التف
رد‪ ،‬ولكن
ه ال‬ ‫استبداد العادة الذي يھدد ھ
ذه األم
م ھ
و الثب
ات ب
شكل ت
ام‪ .‬إن
ه‬
‫يمنع التغيير‪ ،‬على أن ال يكون تغييرا تاما‪ .‬لقد رفضنا ع
ادات أج
دادنا الثابت
ة؛ م
ا زال‬
‫يتوجب على كل شخص أن يرت
دي المالب
س مث
ل اآلخ
رين‪ ،‬ولك
ن الموض
ة ق
د تتغي
ر‬
‫مرة أو مرتين في السنة‪ .‬علينا أن نتوخى الحذر من أنه عندما يكون ھناك تغيير‪ ،‬فإن
ه‬
‫قد يكون ألجل التغيير‪ ،‬وليس نابعا من أي
ة فك
رة للجم
ال أو اللياق
ة؛ ألن فك
رة الجم
ال‬
‫أو اللياقة نفسھا لن تطرق أذھان العالم كله في اللحظة ذاتھا‪ ،‬ومن ث
م ُترم
ى جانب
ا م
ن‬
‫قب

ل الجمي

ع‪ ،‬ب

شكل تزامن

ي أي

ضا ف

ي لحظ

ة أخ

رى‪ .‬ولكنن

ا تق

دميون ق

ابلون للتغي

ر‬
‫أيضا‪ :‬إذ إننا نصنع باستمرار اختراعات ميكانيكي
ة جدي
دة‪ ،‬ونبق
ي عليھ
ا حت
ى تتف
وق‬
‫عليھا اختراع
ات أف
ضل؛ ونح
ن راغب
ون ف
ي التط
ورات ف
ي ال
سياسة‪ ،‬وف
ي التربي
ة‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫وحتى في األخالق‪ ،‬على الرغم من أن فكرتنا للتطور في األخيرة تتكون من إقناع‪ ،‬أو‬
‫إجبار اآلخرين على أن يكونوا جيدين مثلنا‪ .‬إن ما نعترض علي
ه ھ
و ل
يس التق
دم‪ ،‬ب
ل‬
‫على العكس‪ ،‬فنحن نمتدح أنفسنا بأننا الشعب األكثر تقدمية على اإلط
الق‪ .‬إن الفردي
ة‬
‫ھي ما نحارب ضده ‪ :‬ربما نعتقد بأننا كنا خلقنا المعجزات لو أننا كنا قد جعلنا أنف
سنا‬
‫متشابھين؛ متناسين أن اختالف شخص ما ع
ن اآلخ
ر ھ
و عموم
ا ال
شيء األول ال
ذي‬
‫يجلب االنتباه أي منھما للنقص الموجود في نوعه الخاص‪ ،‬والرقي الموج
ود ف
ي ن
وع‬
‫آخر‪ ،‬أو إمكانية إنتاج شيء أفضل من كال النوعين‪ ،‬من خالل جمع ايجابيات االثن
ين‪.‬‬
‫لدينا مثال تحذيري في الصين – وھي أمة الكثير من المواھب‪ ،‬وفي بعض الن
واحي‪،‬‬
‫الحكمة‪ ،‬بفضل فرصتھم النادرة من الحظ الجيد التي سمحت لھ
م ف
ي فت
رة مبك
رة م
ن‬
‫الزمن بالحصول على مجموعة جيدة من العادات‪ ،‬ھي في بعض القياسات‪ ،‬م
ن عم
ل‬
‫رجال يجب أن يعط
يھم األوربي
ون األكث
ر تن
ويرا‪ ،‬تح
ت بع
ض الح
دود‪ ،‬لق
ب حكم
اء‬
‫وفالسفة‪ .‬كما أنھم بارزين أيضا في تفوق نظامھم في التأثير‪ ،‬بقدر المستطاع‪ ،‬بأفضل‬
‫حكم

ة يمتلكونھ

ا عل

ى ك

ل عق

ل ف

ي المجتم

ع‪ ،‬وض

مان أن ھ

ؤالء ال

ذين ي

ستخدمون‬
‫معظمھا سيحتلون مناصب القوة والمجد‪ .‬ال شك أن الناس الذين فعلوا ذلك ق
د اكت
شفوا‬
‫سر التقدمية البشرية‪ ،‬وال بد أنھم قد ابقوا أنفسھم بثبات على رأس حرك
ة الع
الم‪ .‬عل
ى‬
‫العك

س‪ ،‬فق

د أص

بحوا س

اكنين – لق

د بق

وا ھك

ذا آلالف ال

سنين؛ وإذا م

ا كت

ب لھ

م أن‬
‫يتط

وروا أكث

ر‪ ،‬ف

ال ب

د أن يك

ون ذل

ك عل

ى ي

د أجان

ب‪ .‬لق

د نجح
وا عل

ى نح

و يف

وق‬
‫الت

صور ف

ي م

ا يعم

ل ب

ه المح

سنون االنكلي

ز بجدي

ة اآلن—ف

ي جع

ل الن

اس جميع

ا‬
‫مت

شابھين‪ ،‬جم

يعھم يحك

م أفك

اره وس

لوكه وفق

ا ل

نفس القواع

د واألحك

ام؛ وتل

ك ھ

ي‬
‫النتائج‪ .‬إن النظام الحديث للرأي العام‪ ،‬بشكله غير المنظم‪ ،‬ھو ما كانت علي
ه األنظم
ة‬
‫التربوية الصينية‪ ،‬بشكلھا المنظم‪ ،‬وإْن لم تصبح الفردية قادرة على تأكيد نفسھا بنجاح‬
‫ضد ھذا النير‪ ،‬فإن أوربا‪ ،‬على الرغم من سوابقھا النبيلة ومسيحيتھا المعتنق
ة‪ ،‬س
تميل‬
‫ألن لتكون صينا أخرى‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫ما الذي أبقى أوربا لحد اآلن بعيدة عن ھذا المصير؟ ما الذي جع
ل عائل
ة األم
م‬
‫األوربية متطورة وليس أي جزء آخر من البشرية الساكنة؟ ليس بسبب أي تفوق فيھا‪،‬‬
‫وإن وجد فإنه يوجد كنتيج
ة ول
يس ك
سبب‪ ،‬ولك
ن تن
وعھم الب
ارز ف
ي الشخ
صية وف
ي‬
‫الثقاف
ة‪ .‬لق
د ك
ان األف
راد‪ ،‬والطبق
ات‪ ،‬واألم
م تختل
ف ع
ن بع
ضھا ال
بعض إل
ى أق

صى‬
‫جربوا طرقا متنوعة جدا‪ ،‬كل واحد منھا يقود إلى شيء ّ‬
‫ق
يم؛ وعل
ى ال
رغم‬ ‫درجة‪ :‬لقد ّ‬
‫من أنه في كل فت
رة ك
ان ھ
ؤالء ال
ذين س
افروا بط
رق مختلف
ة يتع
صبون م
ع بع
ضھم‬
‫البعض‪ ،‬وكل منھم كان يعتقد أنه لشيء ممت
از ل
و أن اآلخ
رين ق
د اجب
روا عل
ى إتب
اع‬
‫طريق

ه ھ

و‪ ،‬إال أن مح

اوالتھم لتحج

يم تط

ور بع

ضھم ال

بعض ن

ادرا م

ا كان

ت تح

رز‬
‫نجاح

ا ثابت

ا‪ ،‬وك

ل واح

د م

نھم ق

د تحم

ل م

شقة تلقّ

ي اإلح

سان ال

ذي ك

ان اآلخ

رون‬
‫يقدمونه‪ .‬إن أوربا بأسرھا‪ ،‬حسب رأيي‪َ ،‬مدينةٌ لھذا التنوع في الطرق لتحقيق تطورھا‬
‫التقدمي المتعدد الجوانب‪ .‬ولكنھ
ا ب
دأت م
سبقا ف
ي ام
تالك ھ
ذه الفائ
دة‪ ،‬بدرج
ة واطئ
ة‬
‫نسبيا‪ .‬فھ
ي تتق
دم بإص
رار نح
و النم
وذج ال
صيني ف
ي جع
ل الن
اس جميع
ا مت
شابھين‪.‬‬
‫الحظ ام‪ .‬دي توكيفيل‪ ،‬في عمله المھ
م األخي
ر‪ ،‬كي
ف أن ت
شابه الفرن
سيين ف
ي الوق
ت‬
‫الح
الي م

ع بع

ضھم ال

بعض‪ ،‬ق
د ف

اق ھ

ؤالء ال

ذين عاش
وا ف

ي الجي

ل ال

سابق‪ .‬ويمك

ن‬
‫مالحظة الشيء نفسه حول االنكليز ولكن بدرجة اكبر بكثي
ر‪ .‬ف
ي فق
رة س
بق اقتباس
ھا‬
‫من فيلدھام فون ھومبولدت‪ ،‬أشار إل
ى ش
يئين بوص
فھما ش
رطين ض
روريين للتط
ور‬
‫اإلنساني‪ ،‬ألنھما ضروريان لجعل الناس ال يشبھون بعضھم البعض‪ ،‬وھما على وج
ه‬
‫التحديد‪ :‬الحرية وتنوع المواقف‪ .‬لقد أخذ ال
شرط الث
اني م
ن ھ
ذين ال
شرطين يتالش
ى‬
‫ك

ل ي

وم م

ن ھ

ذا البل

د‪ .‬والظ

روف الت

ي تح

يط بمختل

ف الطبق

ات واألف

راد‪ ،‬وش

كل‬
‫شخ

صياتھم‪ ،‬أخ

ذت تن

دمج أكث

ر ف

ي ك

ل ي

وم‪ .‬ف

ي ال

سابق‪ ،‬عاش

ت الفئ

ات المختلف

ة‪،‬‬
‫والمناطق السكنية المختلفة‪ ،‬والمھ
ن والح
رف المختلف
ة‪ ،‬بم
ا يمك
ن أن ي
سمى ب
العوالم‬
‫المختلفة؛ أما في الوقت الحاضر‪ ،‬فما زال الحال نفسه‪ ،‬إل
ى درج
ة بعي
دة‪ .‬فعل
ى س
بيل‬
‫المقارنة‪ ،‬ھم اآلن يقرؤون األشياء نفسھا‪ ،‬ويستمعون لألشياء نف
سھا‪ ،‬وي
رون األش
ياء‬
‫نفسھا‪ ،‬ويذھبون إل
ى األم
اكن نف
سھا‪ ،‬ويوجھ
ون آم
الھم وھواج
سھم لألھ
داف نف
سھا‪،‬‬

‫‪87‬‬
‫ولديھم نفس الحقوق والحريات‪ ،‬ونفس السبل في تأكيدھا‪ .‬ومھما كانت االختالفات في‬
‫المواق

ع عظيم

ة‪ ،‬فھ

ي لي

ست ب

شيء مقارن

ة بتل
ك الت

ي ق

د تالش

ت‪ .‬وم

ا زال ال

دمج‬
‫م

ستمرا‪ .‬ك

ل التغي

رات ال

سياسية ف

ي الع

صر تزي

د من

ه‪ ،‬طالم

ا أنھ

ا تمي

ل إل

ى رف

ع‬
‫الواطئ وتنزيل المرتفع‪ .‬كل توسع في التعليم يزيد منه‪ ،‬ألن التعليم يضع الن
اس تح
ت‬
‫تأثيرات عامة‪ ،‬ويعطيھم فرصة وصول للخزين العام من الحقائق والعواطف‪ .‬كم
ا أن‬
‫التط
ورات ف

ي وس

ائل االت

صال توس

عه‪ ،‬م

ن خ
الل جع

ل س

كان المن

اطق البعي

دة ف

ي‬
‫تماس شخصي مباشر مع بعضھم البعض‪ ،‬وإدامة حالة من التغير ال
سريع ف
ي اإلقام
ة‬
‫من مكان إل
ى آخ
ر‪ .‬إن زي
ادة التج
ارة والت
صنيع يوس
عانه‪ ،‬م
ن خ
الل ن
شر امتي
ازات‬
‫الظروف السھلة بشكل واسع‪ ،‬وف
تح ك
ل مواض
يع الطم
وح‪ ،‬حت
ى الرفيع
ة منھ
ا‪ ،‬أم
ام‬
‫المنافسة العامة‪ ،‬بينما لم تعد الرغبة في االرتقاء سمة مقتصرة عل
ى طبق
ة بعينھ
ا‪ ،‬ب
ل‬
‫لكل الطبقات‪ .‬والجھة األكثر قوة من كل ھذه‪ ،‬في إح
داث ت
شابه ع
ام ب
ين الب
شر‪ ،‬ھ
ي‬
‫التأس

يس الت

ام‪ ،‬ف

ي ھ

ذا البل

د وف

ي البل

دان الح

رة األخ

رى‪ ،‬الرتق

اء ال

رأي الع

ام ف

ي‬
‫الدول

ة‪ .‬عن

دما ت

صبح الجھ

ات االجتماعي

ة العلي

ا المختلف

ة الت

ي مكن

ت األش

خاص‬
‫المتخندقين فيھا من عدم احت
رام رأي الجمھ
ور‪ ،‬مت
ساوية عل
ى نح
و ت
دريجي؛ وبينم
ا‬
‫تب

دأ فك

رة مقاوم

ة إرادة الجمھ

ور‪ ،‬عن

دما ُيع

رف ب

شكل مثب

ت أنھ

م يمتلك

ون إرادة‪،‬‬
‫باالختف
اء أكث
ر ف

أكثر م
ن عق

ول ال
سياسيين العملي
ين؛ س

وف ل
ن يب

ق ھن
اك أي دع

م‬
‫اجتم

اعي لع

دم االلت

زام أو االخ

تالف – أي

ة ق

وة جوھري

ة ف

ي المجتم

ع‪ ،‬ھ

ي نف

سھا‬
‫معارضة الرتقاء اإلعداد‪ ،‬مھتمة بتوفير الحماية لآلراء والميول التي تختلف م
ع آراء‬
‫الناس وميولھم‪.‬‬

‫إن دمج كل ھذه األسباب يشكل حشدا كبيرا جدا من التأثيرات المعادية للفردية‪،‬‬
‫تحم

ل أس

سھا‪ .‬س

تفعل ذل

ك ب

صعوبة‬ ‫بحي

ث إنﱠ
ه ل

يس م

ن ال

سھل أن ن
َ‬

ر كي

ف يمكنھ

ا ّ‬
‫لي
ر أن م
ن الجي
د ْ‬
‫أن‬ ‫متزايدة‪ ،‬ما لم نجعل القسم الذكي م
ن الجمھ
ور ي
شعر بقيمت
ه— َ‬
‫تكون ھناك اختالفات‪ ،‬حتى وإن لم تكن نحو األفضل‪ ،‬رغ
م ذاك‪ ،‬وكم
ا س
يظھر لھ
م‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫إن بعضھا سيكون نحو األسوأ‪ .‬إذا ما كان لمزاعم الفردية أن تؤك
د يوم
ا‪ ،‬فالوق
ت ھ
و‬
‫اآلن‪ ،‬بينما ما زلنا نحتاج إلى الكثير إلكم
ال ال
دمج الناف
ذ‪ .‬ف
ي المراح
ل المبك
رة فق
ط‪،‬‬
‫ن

ستطيع اتخ

اذ موق

ف بنج

اح ض

د االنتھ

اك‪ .‬إن المطل

ب القائ

ل ب
أن جمي

ع اآلخ

رين‬
‫سي
صبحون م

شابھين لن

ا‪ ،‬ينم

و بم

ا يقت

ات علي

ه‪ .‬إذا م

ا انتظ

رت المقاوم

ة حت

ى تقل

ل‬
‫الحياة إلى نوع موحد واحد تقريبا‪ ،‬فإن كل االختالفات عن ذلك النوع ستعتبر متم
ردة‬
‫أو آثم

ة‪ ،‬وال أخالقي

ة‪ ،‬ب

ل وحت

ى وح

شية ومعاك

سة للطبيع

ة‪ .‬ي

صبح الج

نس الب

شري‬
‫بسرعة غير قادر على استيعاب التنوع‪ ،‬عندما ال يك
ون ق
د اعت
اد عل
ى رؤيت
ه ل
بعض‬
‫الوقت‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الرابع  ‬
‫‪&'()J3‬א‪*'#$ %‬א ‬


‪  +‬إذن الحد الصحيح لسيادة الفرد على نفسه؟ أين تبدأ سلطة المجتمع؟ كم م
ن‬

‫الحياة اإلنسانية يجب أن ُ ّ‬


‫تحدد للفردية‪ ،‬وكم منھا للمجتمع؟‬

‫ك ٌل س
يتلقى ح
صته المناس
بة‪ ،‬إذا م
ا ح
صل ك
ل واح
د عل
ى م
ا يخ
صه ب
شكل خ
اص‪.‬‬
‫يجب أن يعود ذلك الجزء من الحي
اة ال
ذي يھ
تم ب
ه الف
رد للفردي
ة ب
شكل رئ
يس‪ ،‬بينم
ا‬
‫يعود الجزء الذي يھم المجتمع بشكل رئيس للمجتمع‪.‬‬
‫على الرغم من أن المجتمع لم يتأسس على عقد ما‪ ،‬وعلى الرغم من أن
ه لي
ست‬
‫ھناك غاية حسنة تقابل من خ
الل اخت
راع عق
د م
ن أج
ل اس
تنباط التزام
ات اجتماعي
ة‬
‫معين

ة من

ه‪ ،‬ف

إن ك

ل م

ن يتلق

ى حماي

ة م

ن المجتم

ع ي

دين ب

شيء مقاب

ل تل

ك المنفع

ة‪،‬‬
‫وحقيقة الع
يش ف
ي مجتم
ع تجع
ل م
ن الواج
ب أن يلت
زم الك
ل ب
احترام أو معاين
ة خ
ط‬
‫معين من السلوك تجاه اآلخرين‪ .‬يتك
ون ھ
ذا ال
سلوك‪ ،‬بداي
ة‪ ،‬م
ن ع
دم إلح
اق ال
ضرر‬
‫بم

صالح بع

ضنا ال

بعض اآلخ

ر؛ أو ب

األحرى إلح

اق ال

ضرر ب

بعض الم

صالح الت

ي‬
‫ينبغ
ي اعتبارھ

ا حقوق
ا‪ ،‬أم

ا ب

النص ال
صريح‪ ،‬أو م

ن خ

الل الفھ
م ال

ضمني؛ ويتك
ّ
ون‬
‫ثانيا‪ ،‬من تحمل كل شخص لحصته )التي يتم تحديدھا وف
ق مب
دأ مت
ساو( م
ن الجھ
ود‬
‫والت

ضحيات المترتب

ة ألج

ل حماي

ة المجتم

ع أو أع

ضاءه م

ن األذى أو التح

رش‪ .‬إن‬

‫‪90‬‬
‫المجتمع مبرر في تفعيل ھذه ال
شروط‪ ،‬ب
أي كلف
ة كان
ت‪ ،‬عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يح
اولون‬
‫التملص منھا‪ .‬كما أنه ليس ھذا فقط كل ما يستطيع المجتمع فعله‪ .‬إن أفع
ال ف
رد مع
ين‬
‫يمك

ن أن تك

ون مؤذي

ة لآلخ

رين‪ ،‬أو ھ

ي ناق

صة ف

ي بع

ض االعتب

ارات المتعلق

ة‬
‫برف

اھيتھم‪ ،‬دون الخ

وض ف

ي تفاص

يل انتھ

اك أي م

ن حق

وقھم الدس

تورية‪ .‬ق

د يعاق

ب‬
‫المسيء حينھا على نحو عادل‪ ،‬من قبل الرأي‪ ،‬وإن لم يعاقبه القانون‪ .‬م
ا أن ي
ؤثر أي‬
‫ج

زء م

ن س

لوك ال

شخص عل

ى م

صالح اآلخ

رين‪ ،‬عل

ى نح

و ض

ار‪ ،‬يمتل

ك المجتم

ع‬
‫سلطة قضائية عليه‪ ،‬وتصبح قضية ما إذا كانت المصلحة العامة سترتقي وتتوسع م
ن‬
‫خالل التدخل به أو ال‪ ،‬قضية مفتوحة للنقاش‪ .‬ولكن ال مجال للترحيب بأي ق
ضية م
ن‬
‫ھذا النوع عندما ال ي
ؤثر س
لوك ال
شخص عل
ى م
صالح أي ش
خص آخ
ر س
واه‪ ،‬أو ال‬
‫يؤثر بالضرورة عليھم ْ‬
‫إن لم يرغبوا ھم في ذلك )إذا ما ك
ان ك
ل األش
خاص المعني
ين‬
‫بالغين لسن الرشد‪ ،‬ويتمتعون بمقدار طبيعي من الفھم(‪ .‬في كل ھذه الحاالت‪ ،‬ال بد أن‬
‫تكون ھناك حرية تامة‪ ،‬قانونية واجتماعية‪ ،‬للقيام بالفعل وتحمل التبعات‪.‬‬
‫سيكون من سوء الفھم الكبير لھذا الم
ذھب أن نفت
رض أن
ه يتمت
ع بع
دم اكت
راث‬
‫أناني‪ ،‬يزعم أن البشر ال شأن لھم بسلوك بعضھم البعض في الحياة‪ ،‬وأن عل
يھم أن ال‬
‫يھتم

وا بح

سن س

لوك وح

سن ح

ال بع

ضھم ال

بعض‪ ،‬م

ا ل

م تك

ن م

صلحتھم الخاص

ة‬
‫مشتركة أو داخلة ف
ي األم
ر‪ .‬وب
دال م
ن أي تنق
يص‪ ،‬ھن
اك حاج
ة كبي
رة للجھ
ود غي
ر‬
‫المنحازة الرامية لتوسيع مصلحة اآلخرين‪ .‬ولكن اإلحسان غير المنحاز يمكن أن يج
د‬
‫أدوات إلقناع الناس من اجل مصلحتھم‪ ،‬غير السياط والجالدي
ن‪ ،‬بنوعيھ
ا الحرف
ي أو‬
‫المجازي‪ .‬أنا آخر من يقلل م
ن ش
أن ف
ضائل احت
رام ال
ذات؛ ولكنھ
ا ت
أتي ف
ي المرتب
ة‬
‫الثانية من حيث األھمية‪ ،‬إذا ما كانت ثانية أيضا بع
د الف
ضائل االجتماعي
ة‪ .‬إن وظيف
ة‬
‫التربي

ة ھ

ي تط

وير وتنمي

ة االثن

ين‪ .‬ولك

ن حت

ى التربي

ة تعم

ل م

ن خ

الل اإلقن

اع‬
‫والترغيب إضافة إلى اإلجبار‪ ،‬وم
ن خ
الل اإلقن
اع فق
ط يمك
ن غ
رس ف
ضائل احت
رام‬
‫ال
ذات‪ ،‬بع
د انتھ

اء مرحل
ة الدراس

ة‪ .‬ي
دين الن
اس لم

ساعدة بع
ضھم ال

بعض ف
ي تميي

ز‬
‫األفضل من األسوأ‪ ،‬وت
شجيع اختي
ار األول واجتن
اب األخي
ر‪ .‬ال ب
د أن ّ‬
‫يحف
ز بع
ضھم‬

‫‪91‬‬
‫البعض دائما ألج
ل المزي
د م
ن ممارس
ة ق
دراتھم العلي
ا‪ ،‬وتوجي
ه م
شاعرھم وأھ
دافھم‬
‫صوب أشياء وتأمالت حكيمة وليست حمقاء‪ ،‬سامية وليست متدنية‪ .‬ولكن ال ال
شخص‬
‫الواحد وال أي عدد من األش
خاص مكف
ول الح
ق ف
ي قول
ه لمخل
وق ب
شري آخ
ر‪ ،‬ب
الغ‬
‫ل

سن الرش

د‪ ،‬إن

ه ال ي

ستطيع أن يفع

ل بحيات

ه‪ ،‬وم

ن أج

ل م

صلحته‪ ،‬م

ا ي

شاء‪ .‬فھ

و‬
‫الشخص األكثر اھتماما بم
صلحته الخاص
ة‪ :‬الم
صلحة الت
ي ق
د يعب
ث بھ
ا أي ش
خص‬
‫آخ

ر‪ ،‬م

ا ع

دا ف

ي ح

االت وج

ود ال

صلة أو الرابط

ة الشخ

صية القوي

ة‪ ،‬بالمقارن

ة م

ع‬
‫المصلحة الشخصية لدى صاحب الشأن نفسه؛ إن الم
صلحة الت
ي يمتلكھ
ا المجتم
ع ب
ه‬
‫كفرد ھي مصلحة جزئية وغير مباشرة تماما‪) ،‬باستثناء سلوكه تجاه اآلخرين(‪ :‬أما ما‬
‫يتعلق بمشاعره وظروفه‪ ،‬فإن الرجل أو الم
رأة الع
اديين ج
دا يمتلك
ان وس
يلة للمعرف
ة‬
‫تف
وق إل

ى ح

د بعي
د تل

ك الت

ي يمك
ن ألي ش

خص آخ

ر أن يمتلكھ
ا‪ .‬إن ت
ّ‬

دخل المجتم

ع‬
‫ألجل نقض أحكامه وغاياته فيما يتعلق به فقط ‪ ،‬يجب أن يبنى على افتراضات عامة‪،‬‬
‫يمكن أن تكون خاطئة تماما‪ ،‬وإْن كانت صحيحة‪ ،‬فمن الممكن‪ ،‬أو غير الممكن أيضا‪،‬‬
‫أن يساء تطبيقھا على بعض الحاالت الفردية‪ ،‬من قبل أش
خاص لي
سوا أف
ضل اطالع
ا‬
‫على ظروف مثل تلك الحاالت من ھؤالء الذين ينظرون إليھا من الخارج فق
ط‪ .‬ل
ذلك‪،‬‬
‫تتمت

ع الفردي

ة بالمج

ال المناس

ب لعملھ

ا ف

ي ھ

ذا الق

سم م

ن ال

شؤون اإلن

سانية‪ .‬م

ن‬
‫ال

ضروري عل

ى األغل

ب أن تحت

رم بع

ض القواع

د العام

ة‪ ،‬ف

ي س

لوك الب

شر تج

اه‬
‫بعضھم ال
بعض‪ ،‬م
ن أج
ل أن يع
رف الن
اس م
ا يج
ب عل
يھم أن يتوقع
وا؛ ولك
ن فيم
ا‬
‫يخص اھتمامات كل شخص‪ ،‬فإن تلقائيته الفردية تتمت
ع بحري
ة الت
صرف‪ .‬ق
د ُتق
ّدم ل
ه‬
‫بع

ض االعتب

ارات لت

دعم حكم

ه‪ ،‬ومحف

زات لت

دعم إرادت

ه‪ ،‬أو ُ َ‬
‫تقح

م علي

ه م

ن قب

ل‬
‫اآلخرين‪ ،‬ولكنه ھو الحاكم األخير‪ .‬إن شر السماح لآلخرين بفرض القيود عليه ألج
ل‬
‫ما يعتبرونه مفيدا لمصلحته يفوق في وزنه كل األخطاء التي من المحتمل أن يرتكبھ
ا‬
‫بالرغم من النصح والتحذير‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ال اعني أن المشاعر التي ينظر فيھا اآلخرون للشخص ينبغ
ي أن ال تت
أثر ب
أي‬
‫شكل من األشكال بسمات احترامه للذات‪ ،‬أو بالعيوب‪ .‬فھ
ذا ل
يس بال
شيء الممك
ن وال‬
‫المحبذ‪ .‬إذا كان ساميا ب
أي م
ن ال
صفات الت
ي ت
ؤدي إل
ى م
صلحته الخاص
ة‪ ،‬إذن فھ
و‬
‫موضع مناسب لإلعجاب‪ .‬فھو قريب جدا من الكمال المث
الي للطبيع
ة الب
شرية‪ .‬أم
ا إذا‬
‫كان لديه نقص كبير في تلك السمات‪ ،‬فإن عاطفة معاكسة لإلعجاب س
تنجم ع
ن ذل
ك‪.‬‬
‫ھناك درجة من الحماقة‪ ،‬ودرجة مما قد يطلق علي
ه الوض
اعة أو انع
دام ال
ذوق )عل
ى‬
‫الرغم من أن العبارة ق
د تثي
ر االعتراض
ات(‪ ،‬والت
ي عل
ى ال
رغم م
ن أنھ
ا ال ت
ستطيع‬
‫تبرير إلحاق الضرر بالشخص الذي يظھرھا‪ ،‬إال أنھا ال بد أن تجعله موضع كراھية‪،‬‬
‫أو موض

ع اس

تياء ف

ي الح

االت الق

صوى‪ :‬فال

شخص ال ي

ستطيع أن يمتل

ك واح

دة م

ن‬
‫ھاتين السمتين المتعاكستين وال يحظى بواحدة من ھذه المشاعر‪ .‬وعلى الرغم من أن
ه‬
‫ال يعمل أي شيء س
يء ألي ش
خص ك
ان‪ ،‬إال أن ال
شخص ال
ذي يت
صرف عل
ى نح
و‬
‫يجبرنا على أن نحكم عليه‪ ،‬أو أن نشعر أنه‪ ،‬أحمق‪ ،‬أو أنه من نظ
ام مت
دن ٍ ‪ :‬وبم
ا أن‬
‫ّ‬
‫يفضل تجنبھا‪ ،‬ولو تم تحذيره بشكل مسبق منھا ‪ ،‬وم
ن أي
ة‬ ‫الحكم والشعور ھما حقيقة‬
‫ُ َ‬
‫تبع
ات غي
ر مقبول
ة ق
د يع
رض نف
سه إليھ

ا‪ ،‬فإنھ
ا خدم
ة جي
دة ت
سدى ل
ه‪ ،‬س
يكون م

ن‬
‫الحسن حقا لو كان ھذا المنصب الجيد قد ُ ﱢ‬
‫قدم بشكل أكث
ر حري
ة مم
ا ت
سمح ب
ه ألفك
ار‬
‫العام

ة ح

ول دماث

ة الخل

ق ف

ي الوق

ت الحاض

ر‪ ،‬وإذا م

ا اس

تطاع ش

خص أن ي

شير‬
‫بنزاھة لشخص آخر قائال انه يعتقد انه على خطأ‪ ،‬دون أن يعتبر ذلك ش
يئا يتن
افى م
ع‬
‫األخالق‪ ،‬أو شيئا متغطرسا‪ .‬نمتل
ك الح
ق أي
ضا‪ ،‬وبمختل
ف الط
رق‪ ،‬ف
ي أن نت
صرف‬
‫وفقا لرأينا غير المحبب بأي شخص‪ ،‬ليس في قمع فرديته‪ ،‬ولكن ف
ي ممارس
ة فرديتن
ا‬
‫لسنا ملزمين‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬بالسعي لمجتمعه؛ لدينا الحق في تجنب
ه )ولك
ن ل
يس‬
‫في استعراض التجنب(‪ ،‬ألننا نملك الحق في اختيار المجتمع األكثر قبوال بالن
سبة لن
ا‪.‬‬
‫نمتلك الحق‪ ،‬وربما يكون واجبا علين
ا‪ ،‬ف
ي أن ّ‬
‫نح
ذر اآلخ
رين من
ه‪ ،‬إذا م
ا اعتق
دنا أن‬
‫مثاله‪ ،‬أو ح
واره ق
د يمتل
ك ت
أثيرا م
ضرا عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين ي
رتبط بھ
م‪ .‬ربم
ا نعط
ي‬
‫لآلخ
رين خي
ارا أف
ضل من
ه ف
ي م
ساع حمي
دة اختياري
ة‪ ،‬م
ا ع
دا تل
ك الت
ي تمي
ل نح

و‬

‫‪93‬‬
‫تطويره‪ .‬في تلك األنماط المتنوعة‪ ،‬قد يعاني الشخص من عقوبات قاسية جدا عل
ى ي
د‬
‫اآلخ

رين‪ ،‬نتيج

ة ألخط

اء ال تخ

ص أح

د س

واه ب

شكل مباش

ر؛ ولكن

ه يع

اني م

ن تل

ك‬
‫العقوب
ات فق

ط عن
دما تك

ون التبع
ات الطبيعي

ة لألخط

اء نف
سھا‪ ،‬ول

يس ألنھ
ا ُتن

زل ب

ه‬
‫بق

صدية م

ن أج

ل العقوب

ة‪ ،‬ل

يس إال‪ .‬فال

شخص ال

ذي يب

دو علي

ه الت

سرع‪ ،‬والعن

اد‪،‬‬
‫والغرور—الذي ال يستطيع العيش ضمن الحدود المعتدلة—الذي ال ي
ستطيع أن يلج
م‬
‫نفسه عن االنغماسات المؤذية— وال
ذي ي
سعى خل
ف المل
ذات الحيواني
ة عل
ى ح
ساب‬
‫العقل والعواطف—عليه أن يتوق
ع أن يك
ون واطئ
ا ف
ي رأي اآلخ
رين‪ ،‬وأن تك
ون ل
ه‬
‫حصة أقل من عواطفھم المحبذة؛ ولكن ليس له ح
ق ال
شكوى م
ن ھ
ذه األش
ياء‪ ،‬م
ا ل
م‬
‫ي
ستحق استح

سانھم م

ن خ

الل تمي

ز مع

ين ف
ي عالقات

ه االجتماعي

ة‪ ،‬ويك

ون ب

ذلك ق

د‬
‫أسس استحقاقا لمساعيھم الحميدة‪ ،‬التي ال تتأثر بعيوبه أو مساوئه تجاه نفسه‪.‬‬

‫ما أؤكد عليه ھو أن اإلزعاجات التي ال يمكن فصلھا عن األحكام غير المحبب
ة‬
‫لآلخرين‪ ،‬ھي الوحيدة التي يجب على الشخص أن يتعرض لھا بسبب ذلك الج
زء م
ن‬
‫س

لوكه وشخ

صيته ال

ذي يتعل

ق بم

صلحته الخاص

ة‪ ،‬ولكن

ه ال ي

ؤثر عل

ى م

صالح‬
‫اآلخرين في عالقاتھم معه‪ .‬إن األفعال المؤذية لآلخرين تتطلب معالجة مختلف
ة تمام
ا‪.‬‬
‫فانتھ

اك حق

وقھم‪ ،‬وإلح

اق أي

ة خ
سارة أو ض

رر ال تب

رره حقوق

ه الخاص

ة؛ والزي

ف‬
‫واالزدواجية في التعامل معھم؛ واالستخدام غير العادل واللئيم لالمتيازات عل
يھم؛ ب
ل‬
‫حتى االمتناع األناني عن الدفاع عنھم ضد األذى— تلك ھي األمور المناسبة للرفض‬
‫أو االستنكار األخالقي‪ ،‬وفي الحاالت الجدية‪ ،‬لالنتق
ام األخالق
ي والعق
اب‪ .‬لي
ست تل
ك‬
‫األفعال فقط‪ ،‬بل االتجاھات التي أدت إليھا أيضا‪ ،‬ھي ال أخالقية تماما‪ ،‬وھي مواضيع‬
‫مناس

بة لل

رفض ال

ذي ق

د يرتف

ع إل

ى م

ستوى الكراھي

ة ال

شديدة‪ .‬إن ق

سوة المي

ل أو‬
‫االتجاه؛ والطبيعة الحاق
دة والمري
ضة؛ والح
سد‪ ،‬تل
ك العاطف
ة األكث
ر عدائي
ة للمجتم
ع‬
‫واألكثر قرفا؛ والنفاق وعدم اإلخالص‪ ،‬واالھتياج في موضوع ال يستحق‪ ،‬واالس
تياء‬
‫غير المتناسب مع االستفزاز؛ وحب السيطرة على اآلخرين؛ والرغبة في الھيمنة على‬

‫‪94‬‬
‫امتيازات أكثر من حصة الفرد الخاصة )ما يسمى بال
ـطمع عن
د اإلغري
ق(؛ والغ
رور‬
‫الذي ي
ستمد اإلش
باع م
ن إھان
ة اآلخ
رين؛ واألناني
ة الت
ي تعتق
د أن ال
نفس واھتماماتھ
ا‬
‫أكثر أھمية من كل شيء آخر‪ ،‬وتقرر كل القضايا المشكوك فيھا لمصلحتھا الخاصة؛‪-‬‬
‫‪ -‬ھما رذائل أخالقية‪ ،‬وتشكل شخصية أخالقية سيئة ومقرف
ة‪ :‬وعل
ى خ
الف األخط
اء‬
‫مر ذكرھا‪ ،‬وھي ليست بالال أخالقي
ات‪ ،‬وال ت
شكل ّ‬
‫ش
را‪ ،‬ب
صرف النظ
ر‬ ‫األنانية التي ّ‬
‫عن الدرجة التي ٌ ّ‬
‫تنفذ بھا‪ .‬يمك
ن أن تك
ون أدل
ة عل
ى أي مق
دار م
ن الحماق
ة‪ ،‬أو نق
ص‬
‫ف
ي الكرام
ة الشخ

صية واحت
رام ال
ذات؛ ولكنھ

ا ت
صبح موض
وع رف

ض أخالق
ي فق

ط‬
‫عن

دما تت

ضمن خرق

ا للواج

ب تج

اه لآلخ

رين‪ ،‬وألجل

ه يك

ون الف

رد ملزم

ا ب

ضرورة‬
‫االعتن

اء بنف

سه‪ .‬إن م

ا ي

سمى بالواجب

ات تج

اه أنف

سنا لي

ست إجباري

ة م

ن الناحي

ة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ما لم تجعلھا الظروف واجبات تجاه اآلخرين‪ .‬إن م
صطلح الواج
ب تج
اه‬
‫الذات‪ ،‬عندما يعني أي شيء أكثر من مجرد التعقل‪ ،‬إنما يعني احترام الذات‪ ،‬وتطوير‬
‫الذات؛ وليس الفرد مسؤوال عن أي من ھذه األشياء تجاه أبناء جلدته‪ ،‬ألن
ه ال تقت
ضي‬
‫مصلحة البشرية أن يعتبر مسؤوال عنھا‪.‬‬

‫إن التمييز بين فقدان االعتب


ار ال
ذي ق
د يجني
ه ال
شخص ب
شكل مح
ق م
ن خ
الل‬
‫خلل في التعقل أو الكرامة الشخصية‪ ،‬وبين الرفض وع
دم التأيي
د ال
ذي ينتظ
ره نتيج
ة‬
‫لإلساءة ضد حقوق اآلخرين‪ ،‬ليس مجرد تمييز اس
مي‪ .‬إذ إن األم
ر يخل
ق فرق
ا كبي
را‬
‫جدا في مشاعرنا وفي سلوكنا تجاھه‪ ،‬فيما إذا كان ق
د أزعجن
ا ف
ي األش
ياء الت
ي نعتق
د‬
‫أننا نمتلك فيھا حق السيطرة عليه‪ ،‬أو في األشياء التي نع
رف إنن
ا ال نمتل
ك فيھ
ا ذل
ك‪.‬‬
‫إذا م

ا أزعجن

ا‪ ،‬فإنن

ا ق

د نعبّ

ر ع

ن كرھن

ا‪ ،‬وق

د نق

ف بعي

دا ع

ن ال

شخص وك

ذلك م

ن‬
‫الشيء الذي يزعجنا؛ ولكننا يجب أن ال نشعر بأننا مدعوين لجعل حياته متعبة‪ .‬سوف‬
‫نتأمل أنه يحمل مسبقا‪ ،‬أو سوف يحمل‪ ،‬العقوبة الكاملة لخطأه؛ أما إذا افسد حيات
ه م
ن‬
‫خالل سوء اإلدارة‪ ،‬فإننا‪ ،‬لذلك السبب‪ ،‬سوف لن نرغب ف
ي زي
ادة ف
سادھا‪ :‬فب
دال م
ن‬
‫الرغب

ة ف

ي معاقبت

ه‪ ،‬س

نحاول جاھ

دين أن نخف

ف عقوبت

ه‪ ،‬ع

ن طري

ق اطالع

ه عل

ى‬

‫‪95‬‬
‫كيفية تجنب أو شفاء الشرور التي يميل س
لوكه نح
و جلبھ
ا علي
ه‪ .‬ربم
ا يك
ون موض
ع‬
‫شفقة بالنسبة لنا‪ ،‬وربما موضع عدم محبة‪ ،‬ولكن ليس موضع غضبنا أو كراھيتن
ا؛ إذ‬
‫أننا سوف لن نعامله على أنه عدو للمجتمع‪ :‬إن أسوأ م
ا نعتق
د أنن
ا مب
ررون لفعل
ه ھ
و‬
‫أن نتركه لنفسه‪ ،‬إن لم نتدخل بشكل مفيد من خالل إظھار االھتمام به والقلق عليه‪ .‬أما‬
‫إذا انتھ

ك القواع

د ال

ضرورية لحماي

ة أبن

اء جلدت

ه‪ ،‬ب

شكل منف

رد أو جم

اعي‪ ،‬ف

األمر‬
‫على خالف ذلك بشكل كبير‪ .‬إن التبعات السيئة ألفعاله سوف لن تقع حينھ
ا علي
ه‪ ،‬ب
ل‬
‫على اآلخرين؛ ويجب على المجتمع‪ ،‬بوصفه المدافع عن كل أع
ضائه‪ ،‬أن ي
رد علي
ه؛‬
‫وال بد من إلحاق األلم به لغرض التعبير الواضح عن العقوبة‪ ،‬ولكن على المجتم
ع أن‬
‫ينتب
ه إل

ى أن تك

ون العقوب

ة قاس

ية بم

ا في
ه الكفاي

ة‪ .‬فم

ن الناحي

ة األول

ى‪ ،‬ھ

و م

سيء‬
‫واقف في محكمتنا‪ ،‬وقد دعينا ليس لكي نجلس لنحكم عليه فقط‪ ،‬بل لتنفيذ حكمنا بشكل‬
‫أو بآخر‪ :‬ومن الناحية األخرى‪ ،‬إنه ليس من مسؤوليتنا أن تلحق أية معاناة به‪ ،‬ما ع
دا‬
‫فيما قد ينجم ب
شكل عرض
ي م
ن اس
تخدام الحري
ة نف
سھا ف
ي تنظ
يم ش
ؤوننا الخاص
ة‪،‬‬
‫والتي نسمح له بھا فيما يتعلق بشؤونه‪.‬‬

‫يميل العديد من الناس إلى عدم االعتراف ب


التمييز الم
شار إلي
ه ھن
ا ب
ين الج
زء‬
‫من حياة الشخص‪ ،‬الذي يخصه لوحده‪ ،‬والج
زء ال
ذي يخ
ص اآلخ
رين‪) .‬ربم
ا ُيط
رح‬
‫الت
ساؤل الت
الي( كي
ف يمك
ن ألي ق
سم م
ن س
لوك أي ع
ضو م
ن أع
ضاء المجتم

ع أن‬
‫يكون قضية عدم اكتراث لدى الع
ضو اآلخ
ر؟ م
ا م
ن اح
د يع
يش كك
ائن منع
زل؛ م
ن‬
‫الم

ستحيل بالن

سبة لل

شخص أن يفع

ل ش

يئا مؤذي

ا لنف

سه ب

شكل ج

دي أو ثاب

ت‪ ،‬دون‬
‫إزعاج يصل في العادة إلى صالته القريبة عل
ى األق
ل‪ ،‬وكثي
را م
ا ي
صل إل
ى م
ن ھ
و‬
‫أبع

د م

ن ذل

ك‪ .‬إذا م

ا الح

ق ال

ضرر بملكيت

ه‪ ،‬فإنم

ا ھ

و يلح

ق ال

ضرر بھ

ؤالء ال

ذين‬
‫يتلق

ون م

ساندة منھ

ا ب

صورة مباش

رة أو غي

ر مباش

رة‪ ،‬وع

ادة م

ا يت

سبب ف
ي تالش

ي‬
‫الم

وارد العام

ة للمجتم

ع‪ ،‬بمق

دار كبي

ر أو ص

غير‪ .‬إذا م

ا ت

سبب ف

ي ت

دھور قدرات

ه‬
‫الجسدية أو العقلية‪ ،‬فإنه ال يجلب الضرر أو الشر على كل المعتم
دين علي
ه ألي ج
زء‬

‫‪96‬‬
‫كان من سعادتھم‪ ،‬بل أنه يعيق نفسه ويصبح غير مؤھل لتقديم الخدمات التي يدين بھا‬
‫ألبناء جلدته بصورة عامة؛ وربما يصبح عبئا على عواطفھم وإحسانھم؛ وإذا م
ا ك
ان‬
‫ھذا السلوك متكرر جدا‪ ،‬فم
ن الن
ادر أن ت
نقص أي
ة إس
اءة مرتكب
ة الكثي
ر م
ن المق
دار‬
‫الع

ام للخي

ر‪ .‬أخي

را ‪ ،‬إذا ل

م يلح

ق ال

شخص‪ ،‬م

ن خ

الل رذائل

ه وحماقات

ه‪ ،‬أي ض

رر‬
‫م
ؤذ عل
ى غ
راره )وھك
ذا ربم
ا يق
ال(؛ وينبغ
ي أن‬
‫مباش
ر ب
اآلخرين‪ ،‬فإن
ه رغ
م ذل
ك ٍ‬
‫يجب

ر عل

ى ال

سيطرة عل

ى نف

سه‪ ،‬م

ن اج

ل ھ

ؤالء ال

ذين ق

د يت

سبب منظ

ر س

لوكه أو‬
‫المعرفة به‪ ،‬في إفسادھم وتضليلھم‪.‬‬

‫وحت
ى ل

و كان

ت تبع
ات س

وء ال

سلوك‪) ،‬وھك

ذا س
يقال(‪ ،‬يمك

ن تحدي

دھا ب

الفرد‬
‫الشرير أو الطائش‪ ،‬ھل ينبغي على المجتمع أن يترك قيادته وتوجيه بي
د ھ
ؤالء ال
ذين‬
‫يظھ

رون غي

ر مالئم

ين لھ

ا؟ إذا م

ا كان

ت الحماي

ة م

نھم شخ

صيا م

ستحقة لألطف

ال‬
‫واألش

خاص غي

ر الب

الغين ل

سن الرش

د‪ ،‬أل

يس المجتم

ع ملزم

ا ب

شكل م

ساو ٍ بتقديم

ه‬
‫لألشخاص البالغين م
ن غي
ر الق
ادرين عل
ى حك
م أنف
سھم؟ إذا ك
ان اإلدم
ان‪ ،‬أو فق
دان‬
‫ال

سيطرة‪ ،‬أو الخم

ول‪ ،‬أو الق

ذارة‪ ،‬مؤذي

ة لل

سعادة‪ ،‬وھ

ي ع

ائق للتط

ور‪ ،‬ش

أنھا ب

ذلك‬
‫ش

أن العدي

د م

ن األفع

ال‪ ،‬أو اغل

ب األفع

ال‪ ،‬الت

ي يمنعھ

ا الق

انون‪ ،‬فلم

اذا )وھك

ذا ق

د‬
‫ُيسأل( ال يقوم القانون بجھد لمنع ھ
ذه األش
ياء أي
ضا‪ ،‬طالم
ا أنھ
ا من
سجمة م
ع القابلي
ة‬
‫العملية واللياقة االجتماعية؟ وكملح
ق تكميل
ي ل
بعض ن
واقص الق
انون الت
ي ال من
اص‬
‫منھ

ا‪ ،‬أال ينبغ

ي عل

ى ال

رأي أن ي

نظم‪ ،‬عل

ى األق

ل‪ ،‬جھ

از ش

رطة ق

وي ض

د ھ

ذه‬
‫الموبق

ات‪ ،‬وين

زل العقوب

ات االجتماعي

ة‪ ،‬وب

شكل ص

ارم‪ ،‬بھ

ؤالء ال

ذين ي

شتھرون‬
‫بممارس

تھا؟ م

ا م

ن ش

ك ھن

ا )وھك

ذا ق

د يق

ال( ح

ول تقيي

د الفردي

ة‪ ،‬أو من

ع تجري

ب‬
‫تجارب جديدة وأصيلة في العيش‪ .‬األشياء الوحيدة التي تسعى لمنعھا ھي األشياء التي‬
‫ت
م تجريبھ
ا وش

جبھا من
ذ بداي
ة الع

الم حت
ى اآلن؛ األش
ياء الت

ي أظھ
رت التجرب
ة أنھ

ا‬
‫لي

ست مفي

دة أو مناس

بة لفردي

ة أي ش

خص‪ .‬ال ب

د أن تك

ون ھن

اك م

سافة م

ن ال

زمن‬

‫‪97‬‬
‫ومقدار من التجربة تعتبر بعدھا الحقيقة األخالقي
ة أو العقالني
ة حقيق
ة مؤس
سة‪ :‬وي
راد‬
‫منھا أن تمنع الجيل تلو الجيل من الوقوع في نفس المنحدر الذي فتك بإسالفھم‪.‬‬

‫أنا أق
ر تمام
ا أن األذى ال
ذي يلحق
ه ال
شخص بنف
سه ق
د ي
ؤثر ب
شكل ج
دي‪ ،‬م
ن‬
‫خالل عواطفھم‪ ،‬ومن خالل مصالحھم على حد سواء‪ ،‬على ھؤالء المرتبطين ب
ه ع
ن‬
‫قرب‪ ،‬وعل
ى المجتم
ع عموم
ا‪ ،‬ولك
ن بدرج
ة اق
ل‪ .‬عن
دما يق
اد ال
شخص‪ ،‬عب
ر س
لوك‬
‫كھذا‪ ،‬إلى انتھاك الت
زام ممي
ز ومح
دد ألي ش
خص أو أش
خاص آخ
رين‪ ،‬ف
إن الق
ضية‬
‫تخ

رج م

ن فئ

ة األناني

ة‪ ،‬وت

صبح خاض

عة لل

رفض األخالق

ي ف

ي المفھ

وم المناس

ب‬
‫للمصطلح‪ .‬إذا أصبح رجل‪ ،‬على س
بيل المث
ال‪ ،‬م
ن خ
الل اإلس
راف أو التب
ذير‪ ،‬غي
ر‬
‫قادر على سداد ديونه‪ ،‬أو أنه‪ ،‬بعد توليه المسؤولية األخالقي
ة ألس
رة‪ ،‬أص
بح ولل
سبب‬
‫ذاته غير قادر على دعمھم أو تعليمھم‪ ،‬صار ُمستھجنا باستحقاق‪ ،‬وقد يتعرض للعقاب‬
‫العادل؛ ولكن نتيجة إلخالله بالواجب تجاه عائلته أو تجاه دائنيه‪ ،‬وليس لإلس
راف‪ .‬ل
و‬
‫أن الموارد‪ ،‬التي كان يفترض أن ّ‬
‫تكرس لھم‪ ،‬قد انحرفت عنھم نحو االستثمار األكث
ر‬
‫تعقال‪ ،‬فإن النبذ األخالقي سيكون نفسه‪ .‬قتل جورج بارنويل عمه للحصول على المال‬
‫ألجل عشيقته‪ ،‬ولكن حتى لو أنه قد فعلھا ألجل تحسين وضعه ف
ي التج
ارة‪ ،‬فإن
ه ك
ان‬
‫ي

ستحق اإلع

دام ب

شكل م

ساو‪ .‬م

رة أخ

رى‪ ،‬ف

ي الحال

ة المتك

ررة للرج

ل ال

ذي ي

سبب‬
‫الحزن لعائلته من خالل اإلدمان على العادات السيئة‪ ،‬فإن
ه ي
ستحق التأني
ب لق
سوته أو‬
‫لجحوده؛ ولكنه يستحقه أيضا لقيامه ب
بعض الع
ادات الت
ي ال تك
ون مؤذي
ة بح
د ذاتھ
ا‪،‬‬
‫ولكنھا مؤلمة لھؤالء الذين يمضي حياته معھم‪ ،‬أو ال
ذين يعتم
دون علي
ه ف
ي راح
تھم‪،‬‬
‫من ناحية العالقات الشخصية‪ .‬كل من يفشل ف
ي االعتب
ار الع
ام ال
ذي ت
ستحقه م
شاعر‬
‫اآلخرين ومصالحھم‪ ،‬دون أن يكون مضطرا لذلك من خ
الل واج
ب أكث
ر إلحاح
ا‪ ،‬أو‬
‫مبررا من قبل تفضيل ذاتي مسموح‪ ،‬فإن
ه موض
ع رف
ض أخالق
ي ل
ذلك الف
شل‪ ،‬ولك
ن‬
‫ليس للسبب الذي أدى إليه‪ ،‬وال لألخطاء‪ ،‬الشخ
صية فق
ط‪ ،‬والت
ي ق
د تك
ون ق
ادت إلي
ه‬
‫من بعيد‪ .‬وعلى نفس المنوال‪ ،‬عندما يقوم شخص بإعاقة نفسه‪ ،‬من خالل سلوك أناني‬

‫‪98‬‬
‫خالص‪ ،‬عن تأدية بعض الواجب
ات المح
ددة الملق
اة عل
ى عاتق
ه للجمھ
ور‪ ،‬فإن
ه م
ذنب‬
‫بإساءة اجتماعية‪ .‬ال ينبغي أن يعاقب أي شخص فقط ألن
ه مخم
ورا؛ ولك
ن الجن
دي أو‬
‫الشرطي يجب أن يعاقب لو تعاطى الخمر في الواجب‪ .‬وباخت
صار‪ ،‬كلم
ا يك
ون ھن
اك‬
‫ضرر محدد‪ ،‬أو خطر محدد بوق
وع ال
ضرر‪ ،‬ف
إن الق
ضية تخ
رج م
ن مج
ال الحري
ة‪،‬‬
‫وتدخل في مجال األخالق أو القانون‪.‬‬

‫ولكن فيما يتعلق بالممكن أو المحتم


ل فق
ط‪ ،‬أو كم
ا يطل
ق علي
ه‪ ،‬ال
ضرر ّ‬
‫البن
اء‬
‫الذي يسببه الشخص للمجتمع‪ ،‬من خالل السلوك الذي ال ينتھك أي واج
ب مح
دد تج
اه‬
‫الجمھ

ور‪ ،‬وال ي

سبب أي أذى مح

سوسا ألي ف

رد مع

ين م

ا ع

دا ال

شخص نف

سه؛ إن‬
‫اإلزعاج ھو واحد من األشياء التي يستطيع المجتمع تحملھا‪ ،‬من أجل المنفعة الكب
رى‬
‫للحرية اإلنسانية‪ .‬إذا م
ا عوق
ب األش
خاص الب
الغين ألنھ
م ل
م يھتم
وا بأنف
سھم بال
شكل‬
‫الكافي‪ُ ،‬‬
‫كنت سأتمنى ل
و أن ذل
ك ك
ان م
ن اجلھ
م ول
يس م
ن أج
ل م
نعھم م
ن إض
عاف‬
‫قابلياتھم وقدراتھم عل
ى تزوي
د المجتم
ع ب
بعض الفوائ
د الت
ي ال ّ‬
‫ي
دعي المجتم
ع أن ل
ه‬
‫الحق في فرضھا‪ .‬ولكنني ال استطيع قبول مناقشة النقطة كما لو أن المجتم
ع ال يمتل
ك‬
‫أية وسيلة لرفع الضعفاء من أعضائه إلى معياره االعتيادي للسلوك العقالني‪ ،‬م
ا ع
دا‬
‫االنتظ

ار حت

ى يفعل

وا ش

يئا طائ

شا‪ ،‬وم

ن ث

م يع

اقبھم علي

ه‪ ،‬قانوني

ا أو أخالقي

ا‪ .‬يمتل

ك‬
‫المجتمع سلطة مطلقة عليھم خالل ك
ل الج
زء المبك
ر م
ن وج
ودھم‪ :‬إذ أن
ه يمتل
ك ك
ل‬
‫فت

رة الطفول

ة والمراھق

ة الت

ي يح

اول فيھ

ا أن ي

رى فيم

ا إذا ك

ان بإمكان

ه أن يجعلھ

م‬
‫قادرين على السلوك العقالني في الحياة‪ .‬إن الجيل الموجود ھو ٌ‬
‫سيد لكل من الت
دريب‬
‫و ظ

روف الجي

ل القادم

ة برمتھ

ا؛ ل

يس بإمكان

ه )أي المجتم

ع( أن يجعلھ

م حكم

اء‬
‫وخيرين بشكل مثالي؛ ألنھا ھي نفسھا ناقصة بشكل مؤس
ف ف
ي الخي
ر والحكم
ة؛ وال‬
‫تك
ون أف

ضل جھودھ

ا‪ ،‬ف

ي بع

ض الح

االت‪ ،‬ھ
ي األكث

ر نجاح

ا؛ ولكنھ

ا ق

ادرة ب

شكل‬
‫مث

الي عل

ى جع

ل الجي

ل الق

ادم‪ ،‬كك

ل‪ ،‬ب

نفس م

ستواه‪ ،‬أو أف

ضل بقلي

ل‪ .‬إذا م

ا ت

رك‬
‫المجتمع أي عدد كبير من أعضائه يربي أطفاال غير قادرين عل
ى الخ
ضوع لالعتب
ار‬

‫‪99‬‬
‫العقلي للدوافع البعيدة‪ ،‬فعلى المجتمع أن يلوم نفسه على النتائج‪ .‬وألنه مسلح ليس فق
ط‬
‫بكافة سلطات التعليم‪ ،‬بل بسمو السلطة الت
ي ع
ادة م
ا يمارس
ھا ال
رأي المت
وارث عل
ى‬
‫العق

ول األق

ل أھلي

ة عل

ى إط

الق اإلحك

ام بنف

سھا‪ ،‬وألن

ه م

دعوم م

ن قب

ل العقوب

ات‬
‫الطبيعية التي ال يمكن منعھ
ا م
ن ال
سقوط عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يثي
رون س
خط وكراھي
ة‬
‫ھؤالء الذين يعرفونھم؛ فال ينبغي للمجتمع أن ّ‬
‫يدعي بأنه يحتاج‪ ،‬إضافة إل
ى ك
ل ھ
ذا‪،‬‬
‫إلى سلطة إلصدار األوامر وتنفي
ذ الطاع
ة ف
ي ھم
وم األف
راد أو مخ
اوفھم الشخ
صية‪،‬‬
‫التي ينبغي أن يكون القرار فيھا منسجما‪ ،‬في كافة مبادئ العدالة والسياسة‪ ،‬مع ھ
ؤالء‬
‫ال

ذين يلتزم

ون بالتبع

ات‪ .‬ول

يس ھن

اك م

ن ش

يء يمي

ل إل

ى إف

شال و إحب

اط وس

ائل‬
‫التأثير على السلوك أفضل من اللجوء إلى األسوأ‪ .‬إذا كانت ھناك أي
ة م
ادة م
ن الم
واد‬
‫التي ُ َ‬
‫يصنع منھا األش
خاص الن
شطين والم
ستقلين‪ ،‬ب
ين ھ
ؤالء ال
ذين نح
اول إجب
ارھم‬
‫على التعقل أو االعتدال‪ ،‬فإنھم سيثورون ب
ال ھ
وادة عل
ى الني
ر‪ .‬م
ا م
ن ش
خص كھ
ذا‬
‫يمكن أن يشعر أن اآلخرين يملكون الحق ف
ي ال
سيطرة علي
ه ف
ي خ
صوصياته‪ ،‬مثلم
ا‬
‫يتوجب عليھا أن تمنعه من إلحاق الضرر بھم في خصوصياتھم؛ وق
د أص
بحت تعتب
ر‬
‫عالم

ة م

ن عالم

ات الحم

اس وال

شجاعة للوق

وف بوج

ه مث

ل ھ

ذه ال

سلطة الغاص

بة‪،‬‬
‫وفع

ل العك

س تمام

ا وب

شيء م

ن الفخ

ر‪ ،‬عك

س م

ا تفرض

ه أو تمنع

ه؛ كم

ا ف

ي نم

ط‬
‫الف

ضاضة ال

ذي َخل
َ‬

ف ‪ ،‬ف

ي ع

صر المل

ك ت

شارلز الث

اني‪ ،‬زم

ن التع

صب األخالق

ي‬
‫المتشدد للبيوريتانيين‪ .‬أما بخصوص ما يقال عن ضرورة حماي
ة المجتم
ع م
ن المث
ال‬
‫السيئ الذي يوضع لآلخرين من قبل ال
شريرين أو المنغم
سين ف
ي مل
ذاتھم؛ ال ش
ك أن‬
‫المثال السيئ يمتلك ت
أثيرا ض
ارا‪ ،‬وب
األخص مث
ال فع
ل الخط
أ لآلخ
رين م
ع ح
صانة‬
‫الشخص المسيء‪ .‬ولكننا نتح
دث اآلن ع
ن ال
سلوك ال
ذي يفت
رض بأن
ه يح
دث ض
ررا‬
‫كبيرا للعميل نفسه‪ ،‬بينما ال تلح
ق ال
ضرر ب
اآلخرين‪ :‬وال أرى كي
ف أن ھ
ؤالء ال
ذين‬
‫يؤمنون بذلك‪ ،‬يستطيعون التفكير ب
أي ش
يء س
وى أن ذل
ك المث
ال‪ ،‬عموم
ا‪ ،‬يج
ب أن‬
‫يكون نافعا أكثر من كونه مؤذيا‪ ،‬طالما انه لو كان يبين سوء السلوك‪ ،‬فإنه يب
ين أي
ضا‬
‫التبعات المؤلمة أو المھينة التي ُ َ‬
‫يفترض بأنھا مرافقة له في كافة القضايا‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ولك

ن الج

دل األق

وى ب

ين الج

داالت المناھ

ضة لت

دخل الجمھ

ور بال

سلوك‬
‫الشخصي‪ ،‬ھ
و أن
ه عن
دما يت
دخل‪ ،‬ف
إن االحتم
االت ھ
و أن يت
دخل عل
ى نح
و خ
اطئ‪،‬‬
‫وف

ي المك

ان الخ

اطئ‪ .‬ف

ي ق

ضايا األخ

الق االجتماعي

ة‪ ،‬وق

ضايا واجب

ات اآلخ

رين‪،‬‬
‫يحتمل أن يكون رأي الجمھور‪ ،‬أي رأي األغلبية ال
سائدة‪ ،‬ھ
و ال
رأي ال
صحيح‪ ،‬رغ
م‬
‫أنه عادة ما يكون خاطئا؛ ألنھم في مثل ھذه القضايا يكونون ملزمين بالحكم من خالل‬
‫مصالحھم الخاصة؛ من خالل األسلوب يكون فيه لنمط سلوكي معين فيه تأثيرا عليھم‪،‬‬
‫إذا ما ُسمح بممارسته‪ .‬ولكن رأي األغلبية المشابھة‪ ،‬إذا ما فرض على األقلية بوصفه‬
‫قانونا‪ ،‬في القضايا السلوك األناني‪ ،‬فإنه من المحتمل تكون خاطئة كما يمكن أن تكون‬
‫صائبة؛ ألن رأي الجمھور‪ ،‬ف
ي ھ
ذه الق
ضايا‪ ،‬يعن
ي – ف
ي أح
سن حاالت
ه—ھ
و رأي‬
‫بعض الناس حول ما ھو جيد وما ھو سيء للناس اآلخ
رين؛ وكثي
را م
ا ال يعن
ي حت
ى‬
‫ذلك؛ فالجمھور‪ ،‬مع الالمباالة األكثر كماال‪ ،‬يتجاوز متع
ة ومالئم
ة اآلخ
رين ال
ذين ال‬
‫يروق لھم سلوكھم‪ ،‬وال ينظرون إال لتفضيالتھم الخاصة‪ .‬ھنالك العديد مم
ن يعتب
رون‬
‫أي سلوك ال يحبونه أو ال يف
ضلونه بمثاب
ة أذى لھ
م‪ ،‬ويبغ
ضونه كم
ا ل
و أن
ه اس
تفزاز‬
‫لم

شاعرھم؛ كالمتع

صب ال

ديني ال

ذي‪ ،‬عن

دما ُ ّ‬
‫ي

تھم بع

دم احت

رام الم

شاعر الديني

ة‬
‫لآلخرين‪ ،‬فإنه يبادر إلى اإلجاب
ة ب
أنھم ال يحترم
ون م
شاعره‪ ،‬م
ن خ
الل اس
تمرارھم‬
‫عل

ى معتق

دھم أو م

ذھبھم البغ

يض‪ .‬ولك

ن ل

يس ھنال

ك تع

ادل أو ت

شابه ب

ين م

شاعر‬
‫الشخص نحو رأيه الخاص‪ ،‬ومشاعر شخص آخر منزعج من تبنيه لذلك الرأي؛ ل
يس‬
‫ب

أكثر م

ن التع

ادل ب

ين رغب

ة الل

ص ف

ي أن ي

سرق محفظ

ة‪ ،‬وب

ين رغب

ة ص

احبھا‬
‫األصلي في الحفاظ عليھا‪ .‬إن ذوق الفرد ھو شأن خاص به‪ ،‬كما ھو الحال مع رأيه أو‬
‫محفظت

ه‪ .‬م

ن ال

سھل عل

ى أي ف

رد أن يتخي

ل جمھ

ورا مثالي
ا‪ ،‬يت

رك حري

ة األف

راد‬
‫واختي

اراتھم‪ ،‬ف

ي كاف

ة الق

ضايا غي

ر المؤك

دة‪ ،‬ب

ال ت
ّ‬

دخل‪ ،‬وال يتطل

ب م

نھم س

وى‬
‫االمتناع عن األنماط السلوكية التي تستنكرھا التجربة العالمي
ة‪ .‬ولك
ن أي
ن ش
وھد مث
ل‬
‫ھذا الجمھور الذي يضع حدا ما لرقابته؟ أو متى اكترث الجمھور بالتجربة العالمية أو‬
‫اھتم لشأنھا؟ ففي تدخالته بالسلوك الشخصي‪ ،‬نادرا ما يفكر بأي شيء سوى فداحة أو‬

‫‪101‬‬
‫ش
رور الت

صرف أو ال
شعور ب

شكل مختل

ف عن
ه؛ وھ

ذا المعي

ار ف
ي الحك

م‪ ،‬المتخف

ي‬
‫ب

شكل خفي

ف‪ ،‬يحمل

ه ت

سعة أع

شار الفالس

فة األخالقي

ين والكتّ

اب الت

أمليين‪ ،‬بوص

فه‬
‫ّ‬
‫في

درس ھ

ؤالء األش

ياء ال

صحيحة ألنھ

ا‬ ‫قاع

دة لل

دين والفل

سفة‪ ،‬عل

ى بن

ي الب

شر‪.‬‬
‫صحيحة؛ ألننا نشعر بأنھا كذلك‪ .‬ويخبروننا بأن نبحث في قلوبنا وعقولن
ا ع
ن ق
وانين‬
‫للسلوك تكون ملزمة لنا ولغيرنا‪ .‬ما الذي يستطيع الجمھور المسكين أن يفعل سوى أن‬
‫يطبق ھذه التوجيھ
ات‪ ،‬وأن يجعل
وا م
شاعرھم الخاص
ة نح
و الخي
ر وال
شر‪ ،‬إن ك
انوا‬
‫متفقين عليھا باإلجماع‪ ،‬إلزامية على العالم اجمع؟‬

‫ليس الشر المشار إليه ھنا ھو ذلك الموجود ف


ي النظري
ة فق
ط؛ وربم
ا يتوق
ع أن‬
‫علي أن احدد األمثلة التي يقوم فيھا جمھ
ور ھ
ذا الع
صر وھ
ذا البل
د بإقح
ام تف
ضيالته‬
‫ّ‬
‫الخاصة مع شخصية القوانين األخالقية‪ ،‬وعل
ى نح
و غي
ر مناس
ب‪ .‬إنن
ي ل
ست ب
صدد‬
‫كتابة مقال عن االنحراف
ات الموج
ودة ف
ي الق
وانين األخالقي
ة الحالي
ة‪ .‬ف
ذلك موض
وع‬
‫أثقل من أن يناقش بشكل اعتراضي‪ ،‬ومن خالل األمثلة التوضيحية‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فاألمثلة‬
‫ضرورية‪ ،‬ألبين أن المبدأ الذي أصونه له لحظة جدية وحرجة‪ ،‬وإنني ال أسعى إلقامة‬
‫ع

ائق ض

د ش

رور وھمي

ة‪ .‬ول

يس م

ن ال

صعب أن أب

ين‪ ،‬م

ن خ

الل أمثل

ة كثي

رة‪ ،‬أن‬
‫توسيع حدود ما يمكن أن نسميه شرطة أخالقية‪ ،‬حتى تنتھك حرية الف
رد األكث
ر تأك
دا‬
‫في شرعيتھا‪ ،‬ھي واحدة من النزعات األكثر شمولية من بين جميع نزعات البشر‪.‬‬

‫وكمث

ال أول‪ ،‬تأم

ل ف

ي عواط

ف الكراھي

ة الت

ي يحي

ا عليھ

ا الب

شر‪ ،‬ل

يس عل

ى‬
‫آراء ديني

ة مختلف

ة ع

ن أرائھ

م‪ ،‬ال‬
‫أس

س جي

دة س

وى أن األش

خاص ال

ذين يعتنق

ون ً‬
‫يمارسون التعاليم أو القواعد الدينية الخاص
ة بھ
م‪ ،‬وال س
يما ممنوع
اتھم أو محرم
اتھم‬
‫الدينية‪ .‬ولنقتبس مثاال تافھا‪ ،‬ليس ھناك ش
يء ف
ي دي
ن الم
سيحيين وال ف
ي ممارس
اتھم‬
‫ي

ستثير كراھي

ة الم

سلمين ض

دھم‪ ،‬س

وى الحقيق

ة المتعلق

ة بأك

ل لح

م الخنزي

ر‪ .‬لي

ست‬
‫ھناك سوى بعض الحقائق القليلة الت
ي ينظ
ر إليھ
ا األوربي
ون والم
سيحيون بن
وع م
ن‬

‫‪102‬‬
‫االشمئزاز غير المتأثر على نح
و يف
وق اش
مئزاز الم
سلمين م
ن ھ
ذه الطريق
ة إلش
باع‬
‫الجوع‪ .‬فھي‪ ،‬في المقام األول‪ ،‬إساءة لدينھم؛ ولكن ھذا الظرف ال يفسر بأي حال من‬
‫ّ‬
‫محرم أيضا في دينھم‪ ،‬ويعتب
ر تعاطي
ه‬ ‫األحوال درجة ونوع اشمئزازھم؛ إذ أن الخمر‬
‫شيئا خاطئا من قب
ل جمي
ع الم
سلمين‪ ،‬ولك
ن ل
يس مثي
را لالش
مئزاز‪ .‬أم
ا ك
رھھم للح
م‬
‫"الوحش القذر" فھو على العكس‪ ،‬يحمل ھذه الصفة المعينة‪ ،‬ويمثل كراھي
ة غريزي
ة‪،‬‬
‫يبدو أن فكرة عدم النظافة‪ ،‬عندما تغرق تماما في المشاعر‪ ،‬عادة ما تثيرھا حت
ى ل
دى‬
‫ھ

ؤالء ال

ذين لي

ست ع

اداتھم الشخ

صية تكت

رث بالنظاف

ة عل

ى اإلط

الق‪ ،‬وال

ذين‬
‫يضربون مثال بارزا في عدم الصفاء ال
ديني الموج
ود بكثاف
ة ل
دى الھن
دوس‪ .‬افت
رض‬
‫ّ‬
‫تصر تلك األغلبية على عدم ال
سماح‬ ‫اآلن انه في شعب أغلبيته من المسلمين‪ ،‬ال بد أن‬
‫بتن

اول لح

م الخنزي

ر ض

من ح

دود بل

دھم‪ .‬ل

ن يك

ون ھ

ذا بال

شيء الجدي

د ف

ي البل

دان‬
‫اإلسالمية‪ .‬ھل س
يكون ذل
ك ممارس
ة ش
رعية لل
سلطة األخالقي
ة لل
رأي الع
ام؟ وإْن ل
م‬
‫تكن كذلك‪ ،‬فلماذا؟ إن الممارسة ثائرة حق
ا ف
ي مث
ل ھ
ذا الجمھ
ور‪ .‬كم
ا أنھ
م يعتق
دون‬
‫بإخالص أي
ضا‪ ،‬أن
ه ش
يء يبغ
ضه ويحرم
ه ﷲ‪ .‬وال يمك
ن إلق
اء الل
وم عل
ى التح
ريم‬
‫بوصفه اضطھادا دينيا‪ .‬ربما يكون دينيا في أص
له‪ ،‬ولكن
ه ل
ن يك
ون اض
طھادا لل
دين‪،‬‬
‫طالما أن دين أي شخص كان‪ ،‬لن يجعل من الواج
ب تأك
ل لح
م الخنزي
ر‪ .‬إن األس
اس‬
‫المعقول الوحيد لالستنكار سيكون ذلك القائل بان الجمھ
ور ل
يس ل
ه ش
أن بالت
دخل ف
ي‬
‫الشؤون األنانية واألذواق الشخصية لألفراد‪.‬‬

‫وقريبا من الشأن ذاته‪ :‬فإن أغلبية األسبان يعتبرون من كبار المعاصي الم
سيئة‬
‫إل

ى أق

صى درج

ة للخ

الق األعظ

م أن يعب

ده اح

د ب

أي أس

لوب س

وى الروم

اني‬
‫الك

اثوليكي؛ وال يعتب

ر أي دي

ن ع

ام س

واه دين

ا ش

رعيا أو قانوني

ا عل

ى األراض

ي‬
‫االسبانية‪ .‬أما شعوب جنوب أورب
ا فينظ
رون إل
ى رج
ل ال
دين المت
زوج‪ ،‬ل
يس كرج
ل‬
‫غير متدين فحسب‪ ،‬بل يعتبرونه غير طاھر‪ ،‬وال أخالق له‪ ،‬وفضا مثي
را لالش
مئزاز‪.‬‬
‫ما الذي يعتقده البروتستانت بخصوص ھذه المشاعر الصادقة بشكل ت
ام‪ ،‬وبخ
صوص‬

‫‪103‬‬
‫محاولة تفعيلھا ضد غير الكاثوليكيين؟ ومع ذل
ك‪ ،‬ل
و ك
ان الب
شر مب
ررين ف
ي الت
دخل‬
‫بحري

ة بع

ضھم ال

بعض ف

ي األش

ياء الت

ي ال تخ

ص م

صالح اآلخ

رين‪ ،‬فعل

ى أي مب

دأ‬
‫يمكن استثناء ھذه القضايا بشكل مستمر؟ أو َم
ن ي
ستطيع أن يل
وم الن
اس ل
رغبتھم ف
ي‬
‫قمع ما يرونه فضيحة بمرأى ﷲ واإلنسان؟ ما من قضية يمكن إيضاحھا حول منع أي‬
‫شيء يعتبر ال أخالقيات شخصية‪ ،‬أقوى من القضية المتكونة من قمع تلك الممارسات‬
‫بم

رأى ھ

ؤالء ال

ذين يعتبرونھ

ا معاص

ي‪ ،‬وم

ا ل

م نك

ن راغب

ين ف

ي تبن

ي منط

ق‬
‫المضطھدين‪ ،‬وأن نقول بأن من حقنا أن نضطھد اآلخرين ألننا على صواب‪ ،‬بينم
ا ال‬
‫يحق لھم اضطھادنا ألنھم على خطأ‪ ،‬علينا أن نحذر من االعت
راف بمب
دأ ينبغ
ي علين
ا‬
‫أن نكرھه ألن تطبيقه علينا ھو الظلم بعينه‪.‬‬

‫ق

د تواج

ه األمثل

ة ال

سابقة االعتراض
ات‪ ،‬عل

ى ال

رغم م

ن ع

دم معقوليتھ

ا‪ ،‬إذ‬
‫تُ

ستمد م

ن احتم

االت م

ستحيلة الح

دوث بينن

ا‪ :‬ف

الرأي‪ ،‬ف

ي ھ

ذا البل

د‪ ،‬ال يحتم

ل أن‬
‫يفرض امتناعا عن اللحوم‪ ،‬أو أن يتدخل بشؤون الناس في العبادة‪ ،‬أو الزواج أو ع
دم‬
‫ال
زواج‪ ،‬ح

سب م
ذھبھم أو ت

وجھھم‪ .‬أم
ا المث

ال الث

اني‪ ،‬ف
سيأخذ‪ ،‬عل

ى ك
ل ح

ال‪ ،‬م

ن‬
‫التدخل بالحرية التي لم نتجاوز كل مخاطرھا بعد‪ .‬حيثما كان البيوريتانيين أقوياء‪ ،‬كما‬
‫في نيو انجيالن
د‪ ،‬وف
ي بريطاني
ا العظم
ى ف
ي ع
صر الكومونوول
ث‪ ،‬ك
انوا يح
اولون‪،‬‬
‫بنجاح كبير‪ ،‬أن يخضعوا كل وس
ائل الترفي
ه العام
ة‪ ،‬وك
ل الخاص
ة تقريب
ا‪ :‬وال س
يما‬
‫الموس

يقى‪ ،‬وال

رقص‪ ،‬واأللع
اب العام

ة‪ ،‬والم

سرح والتجمع

ات األخ

رى إلغ

راض‬
‫االنحراف‪ .‬ما زالت ھناك في ھذا البلد كيان
ات واس
عة م
ن األش
خاص ال
ذين ت
تم إدان
ة‬
‫وس
ائل الترفي

ه ھ
ذه عب

ر أفك

ارھم ح
ول ال

دين واألخ

الق‪ ،‬وينتم
ي ھ

ؤالء األش

خاص‬
‫بشكل رئيس للطبقة الوس
طى‪ ،‬وھ
م الق
وة ال
صاعدة ف
ي الحال
ة االجتماعي
ة وال
سياسية‬
‫الراھن

ة ف

ي المملك

ة‪ ،‬ول

يس م

ن االس

تحالة بمك

ان أن يت

رأس ھ

ؤالء‪ ،‬ف

ي وق

ت م

ا‪،‬‬
‫األغلبية البرلمانية‪ .‬كيف سيرغب القسم المتبقي من المجتمع ف
ي أن ي
تم تنظ
يم وس
ائل‬
‫يسمح لھم بھا‪ ،‬من خ
الل العواط
ف األخالقي
ة ألش
خاص ’’ك
الفينيين‘‘‬
‫ترفيه‪ ،‬التي قد ُ َ‬

‫‪104‬‬
‫او نظ

اميين مت

شددين؟ أل

ن يرغب

وا‪ ،‬وب

شيء م

ن الدكتاتوري

ة‪ ،‬ف

ي أن يھ

تم ھ

ؤالء‬
‫األعضاء األتقياء على نحو تدخلي‪ ،‬بشؤونھم الخاصة؟ ھذا بالضبط م
ا يج
ب أن يق
ال‬
‫لكل حكومة ولكل جمھور‪ ،‬الذين ّ‬
‫يدعون أنه ما من شخص سيتمتع بأية متعة يعتق
دون‬
‫بأنھا خاطئة‪ .‬ولكن إذا ما أق ﱠر مبدأ االدعاء‪ ،‬ال يستطيع أحد االعت
راض ب
شكل عقالن
ي‬
‫على تنفيذه م
ن حي
ث األغلبي
ة‪ ،‬أو الق
وة ال
ساحقة األخ
رى ف
ي البل
د‪ ،‬ويج
ب عل
ى ك
ل‬
‫األش

خاص أن يكون

وا م

ستعدين لاللت

زام بفك

رة كومونويلث

ا م

سيحيا‪ ،‬ح

سبما فھم

ه‬
‫السكان األوائ
ل لني
و انجالن
د‪ ،‬إذا م
ا نج
ح احت
راف أو معتق
د دين
ي م
شابه ل
دينھم ف
ي‬
‫استعادة أرضه المسلوبة‪ ،‬ألن األديان المفترض بأنھا في تدھور كثيرا ما ع
رف عنھ
ا‬
‫مثل ھذا النجاح‪.‬‬

‫إن تخيل احتمالية أخرى‪ ،‬ربما أكثر قابلية للتحقيق من التي ذكرتھا آنف
ا‪ .‬ھنال
ك‬
‫بال شك ميال قويا في العالم الحديث صوب تشكيل ديمقراطي للمجتم
ع‪ ،‬ت
صاحبه أو ال‬
‫تصاحبه مؤس
سات سياس
ية ش
عبية‪ .‬لق
د تأك
د أن
ه ف
ي البل
د ال
ذي يتحق
ق في
ه ھ
ذا المي
ل‬
‫بشكل كامل— حيث يكون المجتمع والحكومة ديمقراطيين جدا‪ ،‬كالواليات المتحدة—‬
‫فإن ش
عور األغلبي
ة‪ ،‬ال
ذين يعتب
رون أي ظھ
ور ألس
لوب معي
شي أكث
ر استعراض
ا أو‬
‫أكثر كلفة مما يستطيعون مجاراته شيئا غير مقبول بالنسبة لھ
م‪ ،‬يعم
ل )أي ال
شعور(‬
‫كقانون تنظيمي فعال إلى حد معقول‪ ،‬وإنه في أجزاء عديدة من االتح
اد‪ ،‬م
ن ال
صعب‬
‫فعال على الشخص أن يمتلك دخال كبيرا جدا‪ ،‬أو أن يجد أية طريق
ة إلنفاق
ه‪ ،‬ال ت
سبب‬
‫رفضا شعبيا‪ .‬على الرغم من أن تصريحات كھذي ھي بال شك تمثيل مبالغ في
ه كثي
را‬
‫للحقائق الموجودة‪ ،‬إال أن الحالة العامة التي تصفھا ليست معقولة وممكنة فحسب‪ ،‬ب
ل‬
‫أنھا نتيجة محتملة للشعور الديمقراطي‪ ،‬مصحوبة بالفكرة القائلة بأن الجمھور ل
ه ح
ق‬
‫ال

نقض )الفيت

و( عل

ى األس

لوب ال

ذي ينف

ق في

ه األف

راد دخ

ولھم‪ .‬ل

يس لن

ا س

وى أن‬
‫نفترض انتشار اآلراء االشتراكية‪ ،‬وقد يصبح شيئا سيئ الصيت في نظ
ر األغلبي
ة أن‬
‫تمتلك ملكية أكثر من مقدار ضئيل جدا‪ ،‬أو أي دخل ال يتم اكتسابه بالجھد الي
دوي‪ .‬لق
د‬

‫‪105‬‬
‫انتشرت آراء مشابھة لتلك من حيث المب
دأ‪ ،‬وب
شكل واس
ع ب
ين أوس
اط الطبق
ة العامل
ة‬
‫ّ‬
‫الصناع(‪ ،‬وأصبحت تشكل ثقال مستبدا على ھؤالء الخاضعين لرأي تلك الطبقة‬ ‫)طبقة‬
‫بشكل رئيس‪ ،‬وھ
م أع
ضاؤھا‪ ،‬عل
ى وج
ه التحدي
د‪ .‬م
ن المع
روف أن العم
ال ال
سيئين‬
‫الذين يشكلون أغلبية المشاركين في العديد من فروع الصناعة‪ ،‬مصممون على الرأي‬
‫القائل ب
أن العم
ال ال
سيئين ينبغ
ي أن ي
سمح لھ
م ب
أن يتلق
وا نف
س األج
ور الت
ي يتلقاھ
ا‬
‫العم

ال الجي

دين‪ ،‬وإن

ه ال ينبغ
ي أن يُ

سمح ألح

د‪ ،‬س

واء م

ن خ

الل العم

ل بالقطع

ة أو‬
‫بخالف ذلك‪ ،‬بأن يك
سب‪ ،‬م
ن خ
الل مھارت
ه أو ص
نعته المتفوق
ة‪ ،‬أكث
ر م
ن اآلخ
رين‬
‫الذين ال يمتلكونھا‪ .‬وھم يستخدمون جھاز شرطة أخالقي
ة‪ ،‬ت
صبح ف
ي بع
ض األحي
ان‬
‫شرطة مادية‪ ،‬لمنع العمال المھرة من استالم أج
ور أو مكاف
أة أكب
ر لخدم
ة أكث
ر نفع
ا‪،‬‬
‫ومنع أرباب العمل من إعطائھا‪ .‬إذا ما امتلك الجمھور أية سلطة قضائية على الشؤون‬
‫الخاصة‪ ،‬ال استطيع أن أرى أن ھؤالء الناس على خطأ‪ ،‬أو أن جمھور أي ف
رد مع
ين‬
‫يمك

ن أن ي

الم ألن

ه ف

رض س

لطة عل

ى س

لوكه الف

ردي‪ ،‬ھ

ي نف

سھا الت

ي يفرض

ھا‬
‫الجمھور العام على الناس بشكل عام‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬دون اإلسھاب ف
ي الح
االت االحتيالي
ة‪ ،‬ھنال
ك ف
ي يومن
ا ھ
ذا‪ ،‬انتھاك
ات‬
‫سافرة لحرية الحياة الخاصة تمارس فعال‪ ،‬وما زال
ت ھن
اك حري
ات أكب
ر مھ
ددة‪ ،‬م
ع‬
‫توقعات بالنجاح‪ ،‬وآراء مقترحة تصر على حق غير محدود للجمھ
ور‪ ،‬ل
يس فق
ط ف
ي‬
‫ّ‬
‫التوص
ل إل
ى م
ا يعتق
د‬ ‫منع كل شيء يعتقد أنه خاطئ‪ ،‬وبواسطة القانون‪ ،‬بل من أج
ل‬
‫أنه خاطئ‪ ،‬ألجل منع أي عدد من األشياء التي يقر ببراءتھا‪.‬‬

‫وباس

م من

ع الع

صبية‪ ،‬ف

إن ش

عب إح

دى الم

ستعمرات االنكليزي

ة‪ ،‬ون

صف‬
‫الواليات المتحدة تقريبا‪ ،‬ق
د ُمنع
وا بالق
انون م
ن القي
ام ب
أي اس
تخدام ك
ان للم
شروبات‬
‫المتخمرة‪ ،‬ما عدا لألغراض الطبية‪ :‬ألن منع بيعھ
ا ھ
و ف
ي حقيق
ة األم
ر‪ ،‬وكم
ا أري
د‬
‫ّ‬
‫ل

ه‪ ،‬من
ٌع الس

تخدامھا‪ .‬وعل

ى ال

رغم م

ن أن ال

ال عملي

ة الناجم

ة ع

ن تنفي

ذ الق

انون ق

د‬
‫تسببت في رفضه في العديد من الوالي
ات الت
ي كان
ت ق
د تبنت
ه‪ ،‬بم
ا فيھ
ا الوالي
ة الت
ي‬

‫‪106‬‬
‫اشتق القانون اسمه منھا‪ ،‬فإن محاولة قد بدأت رغم ذاك‪ ،‬وقد ُ ّ‬
‫نف
ذت بحم
اس كبي
ر م
ن‬
‫قبل العديد من المحسنين المحترفين‪ ،‬للحث على قانون مشابه في ھذا البلد‪ .‬لق
د ح
صل‬
‫ھ

ذا االرتب

اط‪ ،‬أو "التح

الف" كم

ا يطل

ق عل

ى نف

سه‪ ،‬وال

ذي ت

م ت

شكيله ألج

ل ھ

ذا‬
‫الغ

رض‪ ،‬عل

ى بع

ض ال

سمعة ال

سيئة م

ن خ

الل ن

شر أو انت

شار المراس

الت ب

ين‬
‫سكرتيره وواحد من رجال الجمھ
ور االنكلي
زي القالئ
ل ج
دا ال
ذين يعتق
دون ب
أن آراء‬
‫ال

سياسي ينبغ

ي أن تك

ون مؤس

سة عل

ى مب

ادئ‪ .‬إن ح

صة الل

ورد س

تانلي ف

ي ھ

ذه‬
‫المراسالت قد ُ َ‬
‫اعتبرت مع
ززة لآلم
ال الت
ي ك
ان ق
د علقھ
ا علي
ه ھ
ؤالء ال
ذين عرف
وا‬
‫م

دى ن

درة ظھ

ور ھ

ذه ال

صفات أو تجليھ

ا ف

ي بع

ض م

ن مناس

بات ظھ

وره العلني

ة‪،‬‬
‫ولألس

ف ب

ين أولئ

ك ال

داخلين ف

ي الحي

اة ال

سياسية‪ .‬فالن

اطق باس

م التح

الف‪ ،‬ال

ذي‬
‫"ي

ستھجن ب

شدة االعت

راف ب

أي مب

دأ يمك

ن أن يفھ

م عل

ى أن

ه تبري

ر للتع

صب‬
‫واالضطھاد‪ "،‬بادر إلى اإلش
ارة إل
ى "الح
اجز الواس
ع ال
ذي ال يمك
ن عب
وره" وال
ذي‬
‫يفصل ھذه المبادئ عن مبادئ االرتباط أو التجم
ع‪" .‬ك
ل الق
ضايا الت
ي تتعل
ق ب
الفكر‪،‬‬
‫والرأي‪ ،‬والمعتقد‪ ،‬تبدو لي‪) ،‬والقول له(‪ ،‬بدون فضاء تشريعي‪ :‬كل واحد منھا ي
رتبط‬
‫بالفعل االجتماعي‪ ،‬والعادة‪ ،‬والعالقة‪ ،‬وال تخضع س
وى لل
سلطة الت
شريعية الممنوح
ة‬
‫للدول

ة نف

سھا‪ ،‬ول

يس للف

رد الموج

ود ف

ي داخلھ

ا‪ ".‬ل

يس ھن

اك ذك

ر للطبق

ة الثالث

ة‪،‬‬
‫المختلفة عن كل من ھذين‪ ،‬أي األفعال والعادات التي ھي ليست اجتماعية‪ ،‬بل فردية؛‬
‫عل

ى ال

رغم م

ن أن فع

ل ش

رب الم

شروبات المتخم

رة يع

ود‪ ،‬بالتأكي

د‪ ،‬لھ

ذه الطبق

ة‬
‫بال

ذات‪ .‬إن بي

ع الم

شروبات المتخم

رة ھ

و‪ ،‬عل

ى أي

ة ح

ال‪ ،‬تج

ارة‪ ،‬والتج

ارة فع

ل‬
‫اجتماعي‪ .‬ولكن االنتھاك المشتكى منه ليس انتھاك لحرية البائع‪ ،‬ب
ل لحري
ة الم
شتري‬
‫والمستھلك؛ طالما أن الدولة قد تمنع
ه أي
ضا م
ن ش
رب الخم
ر‪ ،‬ألنھ
ا تتعم
د أن تجع
ل‬
‫م

ن الم

ستحيل بالن

سبة ل

ه أن يح

صل علي

ه‪ .‬أم

ا ال

سكرتير‪ ،‬عل

ى أي

ة ح

ال‪ ،‬فق

د ق

ال‪:‬‬
‫"ّادعي‪ ،‬بصفتي مواطن‪ ،‬الحق في التشريع‪ ،‬كلما تعرضت حقوقي االجتماعي
ة للغ
زو‬
‫من قبل ھذا الفعل االجتماعي أو ذاك‪".‬‬

‫‪107‬‬
‫اآلن نحو تعريف ھ
ذه "الحق
وق االجتماعي
ة‪" ".‬إذا م
ا غ
زا أي ش
يء حق
وقي‬
‫االجتماعية‪ ،‬وال شك أن المرور في حال تناول مشروبات قوية يفع
ل ذل
ك‪ .‬فھ
و ي
دمر‬
‫حقي األساسي في األمن‪ ،‬م
ن خ
الل الخل
ق الم
ستمر للفوض
ى االجتماعي
ة وتحفيزھ
ا‪.‬‬
‫كما أنه يجتاح حقي في المساواة‪ ،‬من خالل استخراج فائدة من خلق المعاناة التي أجبَُر‬
‫على دفع الضرائب ل
دعمھا‪ .‬كم
ا أن
ه يعي
ق حق
ي ف
ي التط
ور األخالق
ي والعقل
ي‪ ،‬م
ن‬
‫خالل إحاطة طريقي بالمخاطر‪ ،‬ومن خالل إضعاف المجتمع وتجري
ده م
ن األخ
الق‪،‬‬
‫المجتمع الذي لي الحق في أن أطالبه بالدعم المتب
ادل والتفاع
ل‪ ".‬إن نظري
ة "الحق
وق‬
‫االجتماعية" التي ربما لم تجد نظيراتھا من قبل طريقا للتعبير بلغ
ة واض
حة‪ :‬ألنھ
ا ال‬
‫شيء بدون ھذا – حيث إنﱠھا الحق المطلق لكل فرد‪ ،‬وإن كل فرد آخر سيتصرف‪ ،‬ف
ي‬
‫كل جانب‪ ،‬كما ينبغي عليه بالضبط؛ وإن ك
ل م
ن يف
شل ف
ي ذل
ك‪ ،‬ف
ي اص
غر األم
ور‬
‫ينتھ

ك حق

ي االجتم

اعي‪ ،‬مم

ا يمكنن

ي م

ن أن اطل

ب م

ن الھيئ

ة الت

شريعية أن تزي

ل‬
‫الحيف عني‪ .‬إن مبدأ بھذه الب
شاعة‪ ،‬اخط
ر بكثي
ر م
ن أي ت
دخل بالحري
ة؛ ل
يس ھن
اك‬
‫انتھاك للحرية ال يقوم )ھذا المبدأ( بتبريره؛ فھو ال يعترف بأي حق ألية حرية كان
ت‪،‬‬
‫ربما باس
تثناء اعتن
اق اآلراء بال
سر‪ ،‬دون الك
شف عنھ
ا مطلق
ا‪ :‬ألن
ه م
ا أن يعب
ر أح
د‬
‫اآلراء الت

ي اعتبرھ

ا مؤذي

ة م

ن ش

فاه أي ش

خص ك

ان‪ ،‬فإنھ

ا س

تجتاح ك

ل "الحق

وق‬
‫االجتماعية" المنسوبة لي من قبل التحالف‪ .‬إن ھذا المذھب يع
زو لك
ل الب
شر م
صلحة‬
‫موجودة في الكمال األخالق
ي‪ ،‬والعقل
ي‪ ،‬وحت
ى الج
سدي لبع
ضھم ال
بعض‪ ،‬وق
د ت
رك‬
‫تعريفھا )أي المصلحة( لكل ّ‬
‫مدع حسب معياره‪.‬‬

‫من األمثلة األخرى على التدخل غي


ر ال
شرعي بحري
ة الف
رد الم
شروعة‪ ،‬إذ ل
م‬
‫يھدد فقط‪ ،‬بل أنه نُفَّذ تنفيذا بالغ األثر منذ زم
ن طوي
ل‪ ،‬أال وھ
و ت
شريع ال
سبتيين‪ .‬ب
ال‬
‫ش
ك‪ ،‬أن االمتن

اع لي

وم واح

د ف

ي األس

بوع م

ن األعم

ال اليومي

ة االعتيادي

ة‪ ،‬بق

در م

ا‬
‫ت

سمح ب

ه ض

رورات الحي

اة‪ ،‬وعل

ى ال

رغم م

ن أنھ

ا لي

ست ملزم

ة ب

شكل ص

ارم م

ن‬
‫الناحية الدينية ألي شخص سوى اليھ
ود‪ ،‬ھ
و ع
ادة مفي
دة ج
دا‪ .‬وبم
ا أن ھ
ذه الع
ادة ال‬

‫‪108‬‬
‫يمكن االلتزام بھا بدون موافق
ة عام
ة ل
ذلك الغ
رض م
ن قب
ل الطبق
ات العامل
ة‪ ،‬ل
ذلك‪،‬‬
‫فبقدر ما قد يفرض بعض األش
خاص م
ن خ
الل العم
ل الحاج
ة نف
سھا عل
ى اآلخ
رين‪،‬‬
‫سيكون من المسموح به والصواب أن يكفل القانون للجميع المحافظ
ة عل
ى الع
ادة م
ن‬
‫قبل اآلخرين‪ ،‬من خالل تعليق العمليات ال
صناعية الكب
رى ف
ي ي
وم مع
ين‪ .‬ولك
ن ھ
ذا‬
‫التبرير‪ ،‬المستند عل
ى الم
صلحة المباش
رة الت
ي يمتلكھ
ا اآلخ
رون ف
ي الت
زام ك
ل ف
رد‬
‫منھم بالممارسة‪ ،‬ال ينطبق على الوظائف المختارة ب
شكل ذات
ي والت
ي يعتق
د الف
رد أن‬
‫من المناسب أن يستغل وقت فراغه فيھا‪ ،‬وال يعتب
ر جي
دا‪ ،‬ول
و بأص
غر درج
ة كان
ت‪،‬‬
‫للقيود القانونية المفروضة على وس
ائل الترفي
ه‪ .‬مم
ا ال ل
بس في
ه أن اس
تراحة ال
بعض‬
‫وترفيھھم ھو يوم عمل بالنسبة لآلخرين؛ ولكن متعة العديدين‪ ،‬ناھيك عن اس
تجمامھم‬
‫المفي

د‪ ،‬ي

ستحق جھ

د القليل

ين‪ ،‬ش

رط أن تك

ون المھن

ة ق

د اختي

رت بحري

ة‪ ،‬ويمك

ن‬
‫االستقالة منھ
ا بحري
ة أي
ضا‪ .‬ك
ان الم
شغلون عل
ى ح
ق تمام
ا ف
ي اعتق
ادھم أن
ه إذا م
ا‬
‫عمل الجميع في أيام األح
د‪ ،‬ف
إن عم
ل س
بعة أي
ام س
يعطى لق
اء أج
ور س
تة أي
ام فق
ط‪:‬‬
‫ولكن طالما أن الكم الھائل من األشغال ّ‬
‫يؤجل‪ ،‬فإن القلة الذين يستمرون في العمل من‬
‫أجل أن يستمتع اآلخرون سيحصلون عل
ى زي
ادة ن
سبية ف
ي األج
ور؛ كم
ا أنھ
م لي
سوا‬
‫مجبرين على االستمرار في ھذه الوظائف إذا ما ّ‬
‫ف
ضلوا االس
تراحة عل
ى العم
ل‪ .‬وإذا‬
‫م

ا بحثن

ا ع

ن ع

الج آخ

ر‪ ،‬فربم

ا يمك

ن إيج

اده ف

ي تأس

يس عطل

ة ف

ي ي

وم آخ

ر م

ن‬
‫األس

بوع‪ ،‬م

ن خ

الل ع

ادة معين

ة‪ ،‬لتل

ك الطبق

ات المعين

ة م

ن األش

خاص‪ .‬ل

ذلك‪ ،‬ف

إن‬
‫األساس الوحيد ال
ذي يمك
ن في
ه ال
دفاع ع
ن القي
ود عل
ى وس
ائل ترفي
ه أي
ام األح
د‪ ،‬ق
د‬
‫يكون ھو أنھا خاطئة من الناحية الدينية‪ ،‬وھو دافع للتشريع ال يمكن االعت
راض علي
ه‬
‫ب

شكل ج

اد‪ .‬بق

ي أن ت

تم برھن

ة أن المجتم

ع‪ ،‬أو أي م

ن م

سؤوليه‪ ،‬يحم

ل تخ

ويال م

ن‬
‫األعلى لالنتقام م
ن أي
ة إس
اءة مفترض
ة للق
درة الكلي
ة‪ ،‬والت
ي لي
ست أي
ضا خط
أ بح
ق‬
‫أبناء جلدتنا‪ .‬إن الفكرة القائل
ة ب
أن م
ن واج
ب اإلن
سان أن يك
ون اآلخ
ر مت
دينا‪ ،‬كان
ت‬
‫األس

اس لكاف

ة االض

طھادات الديني

ة الت

ي ارتكب

ت‪ ،‬ول

و اق
ّ‬

رت‪ ،‬فإنھ

ا )أي الفك

رة(‬
‫س

تبررھا جميع

ا‪ .‬عل

ى ال

رغم م

ن أن ال

شعور ال

ذي ينبث

ق م

ن المح

اوالت المتك

ررة‬

‫‪109‬‬
‫إليقاف القطار الذي يسافر ي
وم األح
د‪ ،‬وف
ي مقاوم
ة ف
تح المت
احف‪ ،‬وم
ا إل
ى ذل
ك‪ ،‬ال‬
‫يمتلك نفس قسوة الم
ضطھدين الق
دامى‪ ،‬إال أن الحال
ة العقلي
ة الت
ي تؤش
رھا ھ
ي نف
س‬
‫تحمل اآلخرين والتسامح معھم في فعل‬
‫الحالة من حيث الجوھر‪ .‬إنه لتصميم نحو عدم ّ‬
‫ما يسمح به دينھم‪ ،‬ألنه غير مسموح به من قبل دين القائم باالضطھاد‪ .‬إنه اعتقاد ب
ان‬
‫ﷲ ال يكره فعل الكافر فحسب‪ ،‬بل انه سيعتبرنا مذنبين لو أننا تركناه بال تدخل‪.‬‬

‫ليس بوسعي إال أن أض


يف إل
ى ھ
ذه األمثل
ة ذات الح
ساب القلي
ل ال
ذي ح
صل‬
‫للحرية البشرية‪ ،‬لغة االضطھاد األكي
د ال
ذي ي
نجم م
ن ص
حافة ھ
ذا البل
د‪ ،‬كلم
ا ت
شعر‬
‫أنھا مدعوة لمالحظة ظاھرة بارزة من ظواھر المورمونية‪ .‬يمكن أن يقال الكثي
ر ع
ن‬
‫الحقيقة غي
ر المتوقع
ة والتوجيھي
ة‪ ،‬والقائل
ة ب
أن وحي
ا مزعوم
ا جدي
دا‪ ،‬ودين
ا مؤس
سا‬
‫عليه‪ ،‬ناتجا لخدع
ة واض
حة‪ ،‬تفتق
ر حت
ى إل
ى دع
م ھيب
ة أو مق
ام ال
صفات االس
تثنائية‬
‫جع
ل أساس
ا لجمعي
ة‪ ،‬ف
ي ع
صر‬
‫لدى مؤسسھا‪ ،‬قد اعتنق من قب
ل مئ
ات اآلالف‪ ،‬وق
د ُ َ‬
‫الصحافة‪ ،‬والقطارات‪ ،‬والتلغراف االلكتروني‪ .‬م
ا يھمن
ا ھن
ا اآلن ھ
و‪ :‬إن ھ
ذا ال
دين‪،‬‬
‫شأنه ش
أن األدي
ان األخ
رى األف
ضل‪ ،‬ل
ه ش
ھداؤه؛ و نبي
ه ومؤس
سه ق
د أع
دم م
ن قب
ل‬
‫الغوغاء‪ ،‬بسبب تعاليمه؛ وإن اآلخرين من أنصاره فقدوا حياتھم من خالل نفس العنف‬
‫غير القانوني؛ وإنھم قد ُ‬
‫طردوا عن
وة م
ن البل
د ال
ذي ن
شأوا في
ه أول م
رة؛ بينم
ا اآلن‪،‬‬
‫وقد لوحقوا في منفى منعزل في وسط الصحراء‪ ،‬أعلن الكثيرون في ھذا البلد‪ ،‬وبشكل‬
‫صريح‪ ،‬أن
ه س
يكون م
ن ال
صواب أن ترس
ل حمل
ة ض
دھم‪ ،‬وان تجب
رھم ب
القوة عل
ى‬
‫االلتزام بآراء الشعب اآلخر‪ .‬إن فقرة الم
ذھب المورم
ونتي ال
ذي ك
ان المثي
ر ال
رئيس‬
‫لمشاعر الكراھية التي اقتحمت القيود االعتيادية للت
سامح ال
ديني‪ ،‬ھ
ي م
صادقته عل
ى‬
‫تع

دد الزوج

ات؛ األم

ر ال

ذي‪ ،‬رغ

م ممارس

ته م

ن قب

ل الم

سلمين‪ ،‬والھن

دوس‪،‬‬
‫وال

صينيين‪ ،‬ب

دا يثي

ر ع

داوة ال ھ

وادة فيھ

ا عن

دما يمارس

ه الن

اطقون باالنكليزي

ة‪،‬‬
‫ويعتنقون نوعا م
ن الم
سيحية‪ .‬م
ا م
ن اح
د لدي
ه رف
ض عمي
ق للمؤس
سة المورمونتي
ة‬
‫أكثر مني أنا؛ نتيجة ألسباب أخرى‪ ،‬وألنھا‪ ،‬بعيدا عن قبوله م
ن مب
دأ الحري
ة‪ ،‬إخ
الل‬

‫‪110‬‬
‫مباش

ر ب

ذلك المب

دأ‪ ،‬لكونھ

ا مج

رد تثبي

ت ألغ

الل أو قي

ود ن

صف المجتم

ع‪ ،‬وتحري

ر‬
‫للنصف اآلخر من تبادل االلتزامات تجاھھم‪ .‬مع ذلك‪ ،‬ال بد أن نتذكر أن ھ
ذه العالق
ة‪،‬‬
‫بق

در م

ا ھ

ي طوعي

ة كثي

را م

ن ناحي

ة الن

ساء المعني

ات بھ

ا‪ ،‬والل

واتي ق

د يعتب

رن‬
‫المكابدات من ّ‬
‫جرائه‪ ،‬بقدر ما ھو الحال مع أي شكل آخر من أشكال مؤسسة ال
زواج؛‬
‫ومھما بدت ھذه الحقيقة مدھشة‪ ،‬فإنھا تمتلك تفسيرھا في أفكار العالم وعادات
ه العام
ة‪،‬‬
‫ّ‬
‫تف
ضل‬ ‫ّ‬
‫فتعلم النساء أن الزواج ھو الشيء الضروري الوحيد‪ ،‬وتجعل م
ن المعق
ول أن‬
‫العديد من النساء أن تصبح أح
داھن زوج
ة م
ن ب
ين ع
دة زوج
ات‪ ،‬عل
ى أن ال ت
صبح‬
‫زوجة على اإلطالق‪ .‬لم يطلب من البلدان األخرى أن تعترف بمثل ھ
ذه االرتباط
ات‪،‬‬
‫أو أن تطلق أي قسم من س
كانھا م
ن قوانينھ
ا نتيج
ة ل
آلراء المورموني
ة‪ .‬ولك
ن عن
دما‬
‫اعترف المعارضون بالم
شاعر المعادي
ة لآلخ
رين‪ ،‬بدرج
ة اكب
ر بكثي
ر مم
ا مطل
وب؛‬
‫وعندما تركوا البلدان التي كانت مذاھبھم غير مقبولة فيھا‪ ،‬وأسسوا أنفسھم ف
ي زاوي
ة‬
‫نائية م
ن األرض‪ ،‬ليكون
وا أول م
ن ي
سكنھا ويجعلھ
ا ص
الحة للب
شر؛ م
ن ال
صعب أن‬
‫نرى أي مبادئ سوى مبادئ الطغي
ان والت
سلط‪ ،‬ھ
ي الت
ي منع
وا بموجبھ
ا م
ن الع
يش‬
‫ھن

اك ف

ي ظ

ل الق

وانين الت

ي يف

ضلونھا‪ ،‬ش

رط أن ال يرتكب

وا أي ع

دوان ض

د األم

م‬
‫األخرى‪ ،‬وأن يسمحوا بالحرية الكاملة للمغادرة لغير المقتنعين بط
رقھم‪ .‬اقت
رح كات
بٌ‬
‫حديث‪ ،‬في بعض الجوانب ذات القيمة الكبيرة‪ ،‬القي
ام بحمل
ة تح
ضرية )‪(civilizade‬‬
‫وليس حملة ص
ليبية )‪ -- (crusade‬باس
تخدام عبارات
ه الخاص
ة—ض
د ھ
ذا المجتم
ع‬
‫المتع

دد الزوج

ات‪ ،‬لوض

ع نھاي

ة لم

ا ب

دا بالن

سبة إلي

ه خط

وة تراجعي

ة ف

ي الح

ضارة‪.‬‬
‫ويبدو لي أيضا‪ ،‬غير أني لست على علم بـأن أي مجتمع كان يحق له أن يجبر مجتمع‬
‫آخر عل
ى أن يك
ون متح
ضرا‪ .‬طالم
ا أن ال
ذين يع
انون م
ن الق
انون ال
سيئ ال يطلب
ون‬
‫الدعم من المجتمعات األخرى‪ ،‬ال استطيع اإلق
رار ب
أن األش
خاص ال
ذين ال يرتبط
ون‬
‫معھ

م نھائي

ا يج

ب أن يت

دخلوا ويطلب

وا وض

ع نھاي

ة لوض

ع يب

دو أن ك

ل األش

خاص‬
‫المتعلقين به بشكل مباشر مقنعين به‪ ،‬ال لشيء سوى أن
ه يع
د ف
ضيحة بنظ
ر أش
خاص‬
‫آخ

رين يعي

شون عل

ى بع

د آالف األمي

ال‪ ،‬ال

ذين ال ش

أن لھ

م فيھ

ا وال دور‪ .‬دعھ

م‬

‫‪111‬‬
‫يرس

لون تب

شيريين إل

يھم‪ ،‬إذا ش

اؤوا‪ ،‬ليعظ

وا ض

ده‪ ،‬أو دعھ

م‪ ،‬م

ن خ

الل أي

ة وس

يلة‬
‫عادلة )ال يكون من بينھا إسكات المعلم
ين(‪ ،‬يعارض
وا تط
ور الم
ذاھب الم
شابھة ب
ين‬
‫أوساط شعوبھم‪ .‬إذا تفوقت الحضارة على الھمجية حين كان
ت البربري
ة تمتل
ك الع
الم‪،‬‬
‫سيكون من المبالغ فيه أن نخشى من أن البربرية ستنبعث ثانية وتھزم الح
ضارة‪ ،‬بع
د‬
‫أن ت
دھورت لفت
رة زمني
ة طويل
ة‪ .‬إن الح
ضارة الت
ي تست
سلم عل
ى ھ
ذا النح
و لع

دوھا‬
‫المغلوب‪ ،‬ال بد أوال أن تكون منحطة جدا‪ ،‬بحيث ال رجال دينھ
ا وال معلميھ
ا‪ ،‬وال أي‬
‫شخص آخ
ر‪ ،‬بق
ادرين عل
ى النھ
وض بھ
ا‪ ،‬أو أن يتج
شموا عن
اء ذل
ك‪ْ .‬‬
‫إن ك
ان األم
ر‬
‫ك

ذلك‪ ،‬فكلم

ا تتلق

ى الح

ضارة إخط

ارا بالمغ

ادرة ب

سرعة‪ ،‬كلم

ا ك

ان ذل

ك أف

ضل‪ .‬ل

ن‬
‫أن تم

ضي م

ن س

يء إل

ى أس

وأ‪ ،‬حت

ى تُ
ّ‬

دمر وتتج

دد‬ ‫يك

ون بإمكانھ

ا س

وى ْ‬
‫)كاإلمبراطورية الغربية( على يد البرابرة النشطين‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫‪ 
,&-‬‬

‫من االعتراف بالمبادئ التي تم تأكيدھا في ھذه الصفحات ب


شكل ع
ام بوص
فھا‬ ‫‪ .‬‬

‫أساسا لمناقشة التفاصيل‪ ،‬قبل أن يكون تطبيقھا بشكل متسق عل


ى كاف
ة أق
سام‬
‫الحكومة المتنوعة‪ ،‬وعلى األخالق‪ ،‬ممكنا م
ع أي
ة فرص
ة لتحقي
ق الفائ
دة‪ .‬إن‬
‫المالحظات القليلة الت
ي أ َ‬
‫قت
ِرُح تق
ديمھا ف
ي الق
ضايا ذات التفاص
يل‪ ،‬م
صممة‬
‫لتوضيح المبادئ‪ ،‬ول
يس إلتباعھ
ا حت
ى نتائجھ
ا أو تبعاتھ
ا‪ .‬إن م
ا أقدم
ه ھن
ا‬
‫ليس بالتطبيقات الكبيرة‪ ،‬بل ھي عينات من التطبي
ق؛ ربم
ا تخ
دم ف
ي إي
ضاح‬
‫مع

اني وح

دود القاع

دتين اللت

ين ت

شكالن س

وية م

ذھب ھ

ذه المقال

ة إي

ضاحا‬
‫الحكم بإمساك الميزان بينھم
ا‪ ،‬ف
ي الق
ضايا الت
ي يظھ
ر فيھ
ا‬
‫كبيرا‪ ،‬وفي دعم ُ‬
‫شك حول أيھما ينطبق على القضية‪.‬‬

‫القاعدتين ھما‪ ،‬أوال‪ ،‬إن الفرد ليس مسؤوال أمام المجتمع عن أفعاله‪ ،‬طالما أنھا‬
‫ال تخ

ص أي ش

خص س

واه‪ .‬فالن

صيحة‪ ،‬والتوجي

ه‪ ،‬واإلقن

اع‪ ،‬واالجتن

اب م

ن قب

ل‬
‫اآلخرين ْ‬
‫إن اعتقدوا ّ‬
‫أن ذلك ضروري ألجل مصلحتھم‪ ،‬ھي اإلجراءات الوحي
دة الت
ي‬
‫يستطيع المجتمع أن يعبر من خاللھا عن كرھ
ه المب
رر أو رف
ضه ل
سلوكه‪ .‬ثاني
ا‪ ،‬أم
ا‬
‫بخصوص األفع
ال الت
ي تلح
ق ال
ضرر بم
صالح اآلخ
رين‪ ،‬ف
إن الف
رد م
سؤول عنھ
ا‪،‬‬

‫‪113‬‬
‫وربما يخضع للعقاب االجتماعي أو الق
انوني‪ ،‬إذا م
ا رأى المجتم
ع أن ھ
ذا العق
اب أو‬
‫ذاك ضروري ألجل حمايته‪.‬‬

‫ف

ي المق

ام األول‪ ،‬ال يج

ب ب

أي ح

ال م

ن األح

وال االفت

راض‪ ،‬أن ال

ضرر‪ ،‬أو‬
‫احتمالية وقوع الضرر بمصالح اآلخرين‪ ،‬يمكنه لوحده أن يبرر ت
دخل المجتم
ع‪ ،‬لھ
ذا‬
‫فھو دائما يبرر مثل ھذا التدخل‪ .‬في العديد من الح
االت‪ ،‬وأثن
اء س
عيه لھ
دف ش
رعي‪،‬‬
‫يتسبب الفرد بالضرورة‪ ،‬وعلى نحو شرعي‪ ،‬بإلح
اق األل
م أو الخ
سارة ب
اآلخرين‪ ،‬أو‬
‫يعرق

ل م

صلحة ل

ديھم س

بب معق

ول ف

ي الح

صول عليھ

ا‪ .‬إن مث

ل ھ

ذا التع

ارض ف

ي‬
‫المصالح بين األفراد عادة ما ينجم من المؤس
سات االجتماعي
ة ال
سيئة‪ ،‬ولك
ن ال يمك
ن‬
‫تجنبھا عندما تكون تلك المؤسسات قائمة؛ بينما يبقى بعضھا حتميا ال مناص منه تحت‬
‫أية مؤسسات كانت‪ .‬كل من ينجح في مھنة مزدحمة‪ ،‬أو ف
ي امتح
ان تناف
سي؛ ك
ل م
ن‬
‫يتم تفضيله على آخر في أية منافسة من أج
ل ھ
دف يرغ
ب في
ه االثن
ان‪ ،‬يجن
ي ال
ربح‬
‫من خسارة اآلخرين‪ ،‬من جھدھم الضائع وخيبتھم‪ .‬ولكن من األفضل للمصلحة العام
ة‬
‫لإلنسانية‪ ،‬وبإقرار الجمي
ع‪ ،‬أن ي
سعى األش
خاص خل
ف أھ
دافھم‪ ،‬دون إعاق
ة م
ن ھ
ذا‬
‫النوع من التبعات‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬إن المجتمع ال يقر بأية حقوق‪ ،‬سواء أكانت ش
رعية‬
‫أو أخالقية‪ ،‬للمتنافسين الخائبين‪ ،‬في الحصانة من ھذا النوع من المعاناة؛ وي
شعر بأن
ه‬
‫مدعو للتدخل‪ ،‬فقط عندما يتم استخدام وسائل نجاح تتنافى م
ع م
ا ت
سمح ب
ه الم
صلحة‬
‫العامة—أي االحتيال‪ ،‬والخيانة‪ ،‬والقوة‪.‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬إن التجارة ھي فعل اجتماعي‪ .‬كل م


ن يت
ولى بي
ع وص
ف ب
ضاعة‬
‫للجمھور‪ ،‬فھو يفعل ما يؤثر على مصالح الناس اآلخرين‪ ،‬ومصالح المجتم
ع ب
صورة‬
‫عامة؛ وبذلك فإن س
لوكه ي
أتي‪ ،‬م
ن حي
ث المب
دأ‪ ،‬ض
من ال
سلطة الت
شريعية للمجتم
ع‪:‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬كان يعتقد في السابق أن من واجب الحكومات‪ ،‬في كل القضايا التي تعتبر‬
‫ً‬
‫ذات أھمية‪ ،‬أن تحدد األسعار‪ ،‬وأن تنظم عمليات التصنيع‪ .‬ولكن أصبح من المعروف‬

‫‪114‬‬
‫اآلن‪ ،‬رغم أن ذلك لم يحدث إال بع
د ص
راع طوي
ل‪ ،‬أن ك
ال م
ن الن
وعيتين الرخي
صة‬
‫والجي

دة لل

سلع تت

وفر بال

شكل األكث

ر ت

أثيرا م

ن خ

الل ت

رك المنتج

ين والب

ائعين ف

ي‬
‫حرية تامة‪ ،‬تحت الرقابة الوحي
دة لحري
ة الم
شترين‪ ،‬التام
ة أي
ضا‪ ،‬ب
التزود م
ن مك
ان‬
‫آخر‪ .‬ھذا ھو ما يسمى بمذھب التج
ارة الح
رة‪ ،‬وال
ذي ي
ستقر عل
ى أس
س مختلف
ة ع
ن‬
‫مبدأ الحرية الفردية التي تم التأكيد عليھا في ھذا المقال‪ ،‬على الرغم من كونھا تساويه‬
‫في الرص
انة‪ .‬إن القي
ود عل
ى التج
ارة‪ ،‬أو عل
ى اإلنت
اج إلغ
راض التج
ارة‪ ،‬ھ
ي قي
ود‬
‫فع
ال؛ وك

ل قي
د‪ ،‬ألن

ه قي
د‪ ،‬إنم

ا ھ
و ش

ر‪ :‬ولك
ن القي

ود المعني
ة ال ت

ؤثر إال عل
ى ذل

ك‬
‫الج

زء م

ن ال

سلوك ال

ذي ي

تمكن المجتم

ع م

ن تقيي

ده‪ ،‬وال تك

ون خاطئ

ة إال عن

دما ال‬
‫تصنع حقا النتائج التي ُيحبذ أن تصنعھا‪ .‬وكما أن مبدأ الحرية الفردية ل
يس داخ
ال ف
ي‬
‫مذھب التجارة الحرة‪ ،‬فإن
ه ال ي
دخل أي
ضا ف
ي معظ
م األس
ئلة الت
ي تظھ
ر فيم
ا يتعل
ق‬
‫بحدود ذلك المذھب؛ عل
ى س
بيل المث
ال‪ ،‬م
ا ھ
و مق
دار ال
سيطرة العام
ة الم
سموح بھ
ا‬
‫لمنع االحتيال عن طريق الغش؛ وإلى أي مدى يجب أن يصل فرض الت
دابير الوقائي
ة‬
‫الصحية‪ ،‬أو اإلجراءات الالزم
ة لحماي
ة الع
املين الم
ستخدمين ف
ي األعم
ال الخط
رة‪،‬‬
‫على أرباب العمل‪ .‬تتضمن مثل ھذه األسئلة اعتبارات الحرية‪ ،‬فق
ط إذا م
ا ك
ان ت
رك‬
‫الناس ليتدبروا أمورھم بأنفسھم )مع بقاء بقي
ة العوام
ل ج
ون تغيي
ر( أف
ضل دائم
ا م
ن‬
‫السيطرة عليھم‪ :‬ولكن إمكانية أن يتعرضوا دائما للسيطرة بشكل شرعي لھذه الغايات‪،‬‬
‫ھي شيء ال يمكن إنكاره من حيث المبدأ‪ ،‬ھنالك مسائل تتعلق بالت
دخل بالتج
ارة‪ ،‬ھ
ي‬
‫في األساس مسائل حرية؛ كما في قانون )ماين(‪ ،‬الذي عرجنا عليه سابقا؛ من
ع توري
د‬
‫المخدرات إلى الصين‪ :‬القي
ود عل
ى بي
ع ال
سموم؛ وباخت
صار ك
ل الق
ضايا الت
ي يك
ون‬
‫ھدف التدخل فيھا ھو جعل الحصول على سلعة معينة شيئا مستحيال أو صعبا‪ .‬إن تلك‬
‫الت
دخالت مثي

رة لالعتراض
ات‪ ،‬ل

يس بوص
فھا انتھاك

ات لحري
ة المن

تج أو الب
ائع‪ ،‬ب

ل‬
‫لحرية المشتري‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫أح

د ھ

ذه األمثل

ة‪ ،‬وھ

و ذل

ك المتعل

ق ببي

ع ال

سموم‪ ،‬يف

تح الب

اب ل

سؤال جدي

د؛‬
‫الحدود المناسبة لم
ا يمك
ن أن ي
سمى وظ
ائف ال
شرطة؛ إل
ى أي م
دى يمك
ن أن تُنتھ
ك‬
‫الحرية من أجل منع الجريمة‪ ،‬أو منع الحوادث‪ .‬إنھا لم
ن الوظ
ائف الحكومي
ة الت
ي ال‬
‫جدال فيھا أن تتخذ التدابير ضد الجريمة قبل ارتكابھا‪ ،‬إضافة إلى مالحقتھا ومعاقبتھ
ا‬
‫بع
د وقوعھ
ا‪ .‬إن الوظيف
ة الرادع

ة للحكوم
ة‪ ،‬عل
ى ك
ل ح

ال‪ ،‬معرض
ة إل
ى اإلس

اءة ‪،‬‬
‫انحيازا للحرية‪ ،‬بشكل اكبر من الوظيفة التأديبية؛ إذ إن من الن
ادر أن يك
ون ھن
اك أي‬
‫ق

سم م

ن حري

ة الت

صرف ال

شرعية ل

دى اإلن

سان‪ ،‬ال ي

سمح ب
أن ي

تم تمثيل

ه‪ ،‬وب

شكل‬
‫مناسب أيضا‪ ،‬بوصفه يزيد من التسھيالت لنوع أو آلخر من أن
واع الجن
وح‪ .‬وب
الرغم‬
‫م

ن ذل

ك‪ ،‬إذا م

ا ال

سلطة العام

ة‪ ،‬أو حت

ى ال

شخص االعتي

ادي‪ ،‬رأوا شخ

صا يح
ّ‬

ضر‬
‫الرتكاب جريمة‪ ،‬وبشكل واضح‪ ،‬فھم ليسوا ملزمين بالنظر إلي
ه ب
سلبية حت
ى ترتك
ب‬
‫الجريمة‪ ،‬بل يحق لھم التدخل لمنعھا‪ .‬لو كانت السموم ال تشترى أو تستعمل ألية غاية‬
‫ع
دا ارتك
اب الجريم
ة‪ ،‬س

يكون م
ن ال
صواب من
ع ت

صنيعھا وبيعھ
ا‪ .‬ولك
ن‪ ،‬عل
ى أي

ة‬
‫حال‪ ،‬ستكون ھن
اك حاج
ة إليھ
ا ل
يس لإلغ
راض البريئ
ة فح
سب‪ ،‬ب
ل للغاي
ات المفي
دة‬
‫أي

ضا‪ ،‬وال يمك

ن للقي

ود أن تُف

رض ف

ي أي م

ن الح

الين دون أن ت

سري عل

ى الثاني

ة‪.‬‬
‫ومرة أخرى‪ ،‬إن الوظيفة الطبيعية للسلطة العامة ھي أن تحمي م
ن الح
وادث‪ .‬ف
إذا م
ا‬
‫م
ؤمن‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫رأى مسؤول حكومي أو أي فرد آخر شخ
صا يح
اول أن يعب
ر ج
سرا غي
ر‬
‫غير آمن‪ ،‬ولم يك
ن ھن
اك وق
ت لتح
ذيره م
ن الخط
ر المح
دق ب
ه‪ ،‬فلھ
م أن يم
سكوا ب
ه‬
‫ويوقفونه‪ ،‬دون أي انتھاك حقيقي لحريته؛ ألن الحرية تتكون من قيامه بما يريد‪ ،‬وھو‬
‫بال شك ال يريد السقوط ف
ي النھ
ر‪ .‬وب
الرغم م
ن ذل
ك‪ ،‬إذا ل
م يك
ن ھن
اك تأكي
د‪ ،‬س
وى‬
‫خطر ال
ضرر فق
ط‪ ،‬ال أح
د س
وى ال
شخص نف
سه ي
ستطيع أن يحك
م عل
ى م
دى كف
اءة‬
‫الدافع الذي قد يحفزه على تحمل الخطر‪ :‬لذلك ينبغي‪ ،‬ف
ي ھ
ذه الحال
ة‪ ،‬كم
ا اعتق
د ) ْ‬
‫إن‬
‫لم يكن طفال‪ ،‬أو مختال عقليا‪ ،‬أو في حالة من االھتياج أو عدم التركيز التي ال تتواف
ق‬
‫مع االستخدام الكامل للقدرة على التفكير(‪ ،‬أن يتم تحذيره من الخطر بشكل كامل؛ وال‬
‫ُيمنع بالقوة من تعريض نفسه ل
ه‪ .‬وق
د تمكنن
ا اعتب
ارات م
شابھة‪ ،‬تنطب
ق عل
ى م
سائل‬

‫‪116‬‬
‫كبيع السموم‪ ،‬من أن نحدد أنماط التنظيم الممكنة م
ضادة للمب
دأ‪ ،‬وأيھ
ا ل
يس ك
ذلك‪ .‬إن‬
‫اإلج

راء االحت

رازي‪ ،‬كوض

ع عالم

ة عل

ى العق

اقير تحت

وي عل

ى كلم

ة ّ‬
‫تعب

ر ع

ن‬
‫خصائصه الخطيرة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬قد يجري تنفيذه دون انتھاك للحرية‪ :‬فال يمكن‬
‫للمشتري أن يرغب في أن يكون للشيء الذي يمتلكه مواصفات سامة‪ .‬ولكن أن تطلب‬
‫في كل الحاالت ترخيصا م
ن المم
ارس الطب
ي )او المع
الج(‪ ،‬س
يجعل الح
صول عل
ى‬
‫أية أداة لغرض االستخدام الشرعي شيئا مستحيال أحيانا‪ ،‬وعادة ما تكون ب
اھظ ال
ثمن‪.‬‬
‫أما النمط الوحيد الواضح بالنسبة ل
ي‪ ،‬وال
ذي يمك
ن في
ه وض
ع الم
صاعب ف
ي طري
ق‬
‫الجرائم الت
ي ترتك
ب م
ن خ
الل ھ
ذه الوس
يلة‪ ،‬دون أي انتھ
اك ي
ستحق ال
ذكر‪ ،‬لحري
ة‬
‫ھؤالء الذين يرغبون في الحصول على المواد السامة ألجل أغ
راض أخ
رى‪ ،‬فيتك
ون‬
‫من توفير ما يسمى بعبارة بينثام الوافية بـ"الدليل المحدد سلفا‪ ".‬إن ھذا التدبير م
ألوف‬
‫لدى الجميع في العقود‪ .‬من االعتي
ادي وم
ن ال
صواب‪ ،‬أن يتطل
ب الق
انون‪ ،‬عن
دما ي
تم‬
‫الدخول في عقد‪ ،‬ك
شرط الحت
رام العق
د وتنفي
ذه‪ ،‬أن تج
ري مالحظ
ة بع
ض ال
شكليات‬
‫المحددة‪ ،‬كالتواقيع‪ ،‬وشھادة ال
شھود‪ ،‬وم
ا إل
ى ذل
ك‪ ،‬وم
ن أج
ل أن يك
ون ھن
اك إثب
ات‬
‫يبرھن‪ ،‬في حال وقعت نزاعات الحقة‪ ،‬أن العقد كان قد تم الدخول في
ه فع
ال‪ ،‬وأن
ه م
ا‬
‫م

ن ظ

رف يجعل

ه )أي العق

د( غي

ر ناف

ذ م

ن الناحي

ة القانوني

ة‪ :‬والغاي

ة ھ

ي وض

ع‬
‫العراقيل في طريق العقود الوھمية‪ ،‬أو العقود التي تتم في ظروف‪ ،‬إذا ما ُ ْ‬
‫عرفت فإنھا‬
‫س

تدمر م

صداقيتھا أو ص

الحيتھا‪ .‬إن اإلج

راءات االحترازي

ة م

ن ھ

ذا الن

وع‪ ،‬يمك

ن‬
‫تنفيذھا في بيع األدوات التي ينظر إليھا كأدوات للجريمة‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬يمك
ن أن‬
‫يقوم البائع بكتابة وقت الصفقة أو البي
ع‪ ،‬واس
م الم
شتري وعنوان
ه‪ ،‬والنوعي
ة والكمي
ة‬
‫المباعة وبمنتھى الدقة‪ ،‬في سجل خاص‪ ،‬وان ي
سأل ع
ن الغاي
ة الت
ي أراد المستح
ضر‬
‫أو العقار من اجلھا‪ ،‬ويسجل الجواب الذي يتلق
اه‪ .‬عن
دما ال تك
ون ھن
اك وص
فة طبي
ة‪،‬‬
‫فإن حضور شخص ثالث يكون مطلوبا‪ ،‬ليثبت الحقيقة على المشتري‪ ،‬في حال أصبح‬
‫ھناك سبب لالعتقاد بأن األداة أو المادة قد استخدمت ألغراض إجرامية‪ .‬إن إجراءات‬

‫‪117‬‬
‫كھذي لن تكون عموما عوائق مادية للحصول على المادة‪ ،‬بل أنھا ستكون عائقا كبيرا‬
‫إلساءة استخدامھا واإلفالت من المالحقة‪.‬‬

‫إن الصواب المتجذر في المجتمع‪ ،‬لتجنب وقوع الجرائم ضده من خ


الل بع
ض‬
‫التدابير االحترازية المسبقة‪ ،‬ي
دل عل
ى التحدي
دات الواض
حة للقاع
دة‪ ،‬بحي
ث ﱠ‬
‫إن س
وء‬
‫السلوك األناني ال يمكن التدخل فيھا عن طريق المنع أو العقاب‪ .‬ف
شرب الخم
ر‪ ،‬عل
ى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬في الحاالت االعتيادية‪ ،‬ليس موضوعا مناسبا للت
دخل الت
شريعي؛ ولك
ن‬
‫علي أن اعتبر أن من الشرعي جدا أن يوضع الشخص‪ ،‬ال
ذي ك
ان ف
ي وق
ت م
ا ُم
دانا‬
‫ّ‬
‫ب

أي فع

ل م

ن أفع

ال العن

ف ض

د اآلخ

رين تح

ت ت

أثير الكح

ول‪ ،‬تح

ت قي

ود ش

رعية‬
‫خاصة‪ ،‬خاصة به فق
ط؛ بحي
ث ﱠإن
ه إذا م
ا ِ َ‬
‫وج
د مخم
ورا‪ ،‬س
يتعرض للعقوب
ة‪ ،‬وإذا م
ا‬
‫ارتكب بتلك الحالة إساءة أخرى‪ ،‬فال بد أن تزداد العقوبة في قسوتھا‪ .‬إن شرب الخم
ر‬
‫حتى السكر‪ ،‬بالنسبة لشخص يثيره ال
سكر بحي
ث يلح
ق األذى ب
اآلخرين‪ ،‬ھ
و جريم
ة‬
‫بح

ق اآلخ

رين‪ .‬ل

ذا‪ ،‬ف

إن الت
ّ‬

سيب‪ ،‬م

ا ع

دا ف

ي حال

ة ال

شخص ال

ذي يتلق

ى ال

دعم م

ن‬
‫الجمھ

ور‪ ،‬أو عن

دما ي

شكل خرق

ا للعق

د‪ ،‬ال يمك

ن أن ي

صبح‪ ،‬ب

ال ت

سلط أو طغي

ان‪،‬‬
‫موضعا للعقوبة الشرعية؛ ولكن إذا ما اخف
ق ش
خص ف
ي أداء واجبات
ه ال
شرعية تج
اه‬
‫اآلخرين‪ ،‬نتيجة للتسيب أو التكاسل أو أي سبب آخر يمكن تجنبه‪ ،‬كأن يخفق ف
ي دع
م‬
‫أطفال

ه‪ ،‬عل

ى س

بيل المث

ال‪ ،‬فإن
ه ل

يس م

ن الت

سلط أن ي

تم إجب

اره عل

ى اإليف

اء ب

ذلك‬
‫االلتزام‪ ،‬من خالل العمل اإلجباري‪ ،‬إن لم تتوفر سبل أخرى‪.‬‬

‫ومرة أخرى‪ ،‬ھنالك العديد من األفعال التي ألنھ


ا مؤذي
ة ب
شكل مباش
ر للعم
الء‬
‫أنفسھم فقط‪ ،‬ال ينبغي أن ُ ّ‬
‫تحرم بشكل قانوني‪ ،‬ولكنھا‪ ،‬إذا ما تم فعلھا بشكل علني‪ ،‬تعد‬
‫خرقا لألخالق الحسنة‪ ،‬لذا فھي تأتي ضمن صنف اإلساءات لآلخرين‪ ،‬وھذه يج
ب أن‬
‫تمنع وباستحقاق‪ .‬ومن ھذا الن
وع اإلس
اءات للياق
ة؛ الت
ي ل
يس م
ن ال
ضروري الع
يش‬
‫عليھ

ا‪ ،‬والت

ي ال ت

رتبط بموض

وعنا إال ب

شكل عرض

ي‪ ،‬واالعت

راض عل

ى عالنيتھ
ا‬

‫‪118‬‬
‫مساو في قوته لحالة العديد من األفع
ال الت
ي ال تع
د م
ستنكرة بح
د ذاتھ
ا‪ ،‬وال يفت
رض‬
‫بأن تكون على ھذا النحو‪.‬‬

‫ھناك سؤال آخر ال بد من إيجاد جواب له‪ ،‬يتماشى مع المبادئ التي تم وضعھا‪.‬‬
‫في حاالت السلوك الشخصي الذي يفترض أن يستحق اللوم‪ ،‬ولك
ن احت
رام الحري
ة ق
د‬
‫منع المجتمع من حظره أو معاقبته‪ ،‬ألن الشر الناجم بشكل مباشر يقع ب
شكل ت
ام عل
ى‬
‫عاتق العميل؛ ما الذي للعميل أن يفعل‪ ،‬ھل ينبغي على األشخاص اآلخرين أن يكونوا‬
‫بخ
ال م
ن ال
صعوبة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أحرارا بشكل مواز ٍ في النصح أو التحريض؟ ل
يس ھ
ذا ال
سؤال‬
‫إن حالة الشخص الذي يلتمس من شخص آخ
ر أن يفع
ل ل
ه عم
ال‪ ،‬لي
ست حال
ة س
لوك‬
‫أناني محض‪ .‬فتقديم النصح‪ ،‬أو عرض الحوافز ألي شخص‪ ،‬ھو عمل اجتم
اعي‪ ،‬ل
ذا‬
‫فمن المفترض أن يخضع للسيطرة االجتماعية‪ ،‬مثل سائر األفعال األخرى الت
ي ت
ؤثر‬
‫على اآلخرين‪ .‬ولكن القليل من التأمل يصحح االنطباع األول‪ ،‬م
ن خ
الل بي
ان أن
ه إذا‬
‫كانت القضية لي
ست ض
من تعري
ف الحري
ة الفردي
ة ب
شكل ح
صري‪ ،‬ولك
ن األس
باب‬
‫التي أسس عليھا مبدأ الحرية الفردية تنطبق عليه‪ .‬إذا ما سمح للناس‪ ،‬ف
ي أي ش
يء ال‬
‫يخ

ص أح

دا س

واھم‪ ،‬ب

أن يت

صرفوا بم

ا يعتق

دون أن

ه األف

ضل بالن

سبة لھ

م وعل

ى‬
‫مسؤوليتھم الخاصة‪ ،‬فال بد أن يكونوا أحرارا أيضا في استشارة بعضھم البعض حول‬
‫ما يناسب فعله على ھذا النحو؛ وأن يتبادلوا اآلراء‪ ،‬ويعط
وا ويأخ
ذوا المقترح
ات‪ .‬إن‬
‫كل ما ھو مسموح بفعله‪ ،‬ال بد أن يكون منصوحا بفعله‪ .‬وال يكون األم
ر م
شكوك في
ه‬
‫ّ‬
‫المحرض منفعة شخصية من نصيحته؛ عن
دما يجع
ل األم
ر وظيف
ة أو‬ ‫إال عندما يتلقى‬
‫حرفة له‪ ،‬ألجل البقاء أو ألجل تحقيق مكسب مالي‪ ،‬لنشر م
ا تعتب
ره الدول
ة والمجتم
ع‬
‫شرا‪ .‬ومن ثم ُ ّ‬
‫يقدم عن
صرا جدي
دا م
ن عناص
ر التعقي
د؛ وھ
و عل
ى وج
ه الدق
ة‪ ،‬وج
ود‬
‫طبقات من الناس من ذوي المصالح المعارضة لما يعتبر رخاء عام
ا‪ ،‬وي
ستند نمطھ
م‬
‫المعيشي على الفعل المضاد له )أي للرخاء العام(‪ .‬أينبغي التدخل بھذا أم ال؟ ال بد م
ن‬
‫الت

سامح م

ع الزن

ا‪ ،‬عل

ى س

بيل المث

ال‪ ،‬وك

ذلك الح

ال م

ع المق

امرة؛ ولك

ن ھ

ل عل

ى‬

‫‪119‬‬
‫ق
وادا‪ ،‬أو أن يف
تح دارا للقم
ار؟ إن الق
ضية ھ
ي‬
‫الشخص أن يكون حرا ف
ي أن ي
صبح ّ‬
‫تلك التي تقع على الخط الفاصل بين مبدأين تماما‪ ،‬وال يع
رف ف
ي الوھل
ة األول
ى إل
ى‬
‫أي منھما تنتم
ي‪ .‬ھنال
ك حج
ج عل
ى ك
ال الط
رفين‪ .‬فعل
ى جان
ب الت
سامح‪ ،‬ق
د يق
ال إن‬
‫حقيقة إتباع أي شيء بوصفه حرفة أو مھنة‪ ،‬والعيش واالنتفاع من ممارسته‪ ،‬ال يمكن‬
‫أن تجعالن من األمر إجراميا وھ
و أم
ر م
سموح ب
ه ف
ي خ
الف ذل
ك؛ وإن الفع
ل‪ ،‬أم
ا‬
‫ّ‬
‫محرم
ا عل
ى ال
دوام؛ وإن
ه ل
و كان
ت المب
ادئ الت
ي‬ ‫يكون م
سموحا ب
ه عل
ى ال
دوام‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬
‫ش
أن بتحدي
د م
ا إذا ك
ان أي‬ ‫ندافع عنھا ھنا صحيحة‪ ،‬ليس للمجتمع‪ ،‬بوص
فه مجتمع
ا‪،‬‬
‫شيء خاطئا إذا كان يخص الفرد فقط؛ وإنه ليس ل
ه أن يتج
اوز ثني
ه أو إقناع
ه ب
الكف‬
‫عن ذلك‪ .‬وعلى عكس ھذا‪ ،‬قد يقال بأنه على الرغم م
ن أن ال
شعب‪ ،‬أو الدول
ة‪ ،‬لي
سوا‬
‫مخ
ولين ب
أن يق
رروا ب
شكل رس
مي‪ ،‬ألغ
راض القم
ع أو العقوب
ة‪ ،‬إن ھ
ذا ال
سلوك أو‬
‫ّ‬
‫ذاك‪ ،‬وال

ذي ي

ؤثر عل

ى م

صالح الف

رد فق

ط‪ ،‬ھ

و س

لوك جي

د أم س

يء‪ ،‬وھ

م مب

ررون‬
‫تماما في االفتراض‪ ،‬إذا ما اعتبروه سيئا‪ ،‬بأن كونه سيئا أو ال ھي م
سألة قابل
ة للج
دل‬
‫على أقل تقدير‪ :‬وإنھم‪ ،‬إذا م
ا افترض
وا ذل
ك‪ ،‬ال ي
ستطيعون الت
صرف بخط
أ ف
ي ب
ذل‬
‫الجھود الستثناء تأثير االلتماس
ات المنح
ازة للمحرض
ين ال
ذين ربم
ا ال ي
ستطيعون أن‬
‫يكون

وا حي

اديين – ال

ذين ل

ديھم م

صلحة شخ

صية مباش

رة ف

ي أح

د األط

راف‪ ،‬وذل

ك‬
‫الطرف الذي تعتبره الدولة خاطئا‪ ،‬والذين ّ‬
‫يقرون بنشره أو توسيعه ألھ
داف شخ
صية‬
‫فق

ط‪ .‬يمك

ن بالتأكي

د أن ال يفق

د ش

يئا‪ ،‬ال ت

ضحية بم

صلحة‪ ،‬م

ن خ

الل تنظ

يم الق

ضايا‬
‫بحيث ﱠ‬
‫إن األشخاص‪ ،‬بحكمة منھم أو بحماقة‪ ،‬يجعل
ون انتخ
ابھم قائم
ا عل
ى توس
يعھا‪،‬‬
‫ب

أكبر درج

ة ممكن

ة م

ن االبتع

اد ع

ن فن

ون األش

خاص ال

ذين يحف

زون مي

ولھم نح
و‬
‫أھ

دافھم المغرض

ة‪ .‬ل

ذا )وھك

ذا ق

د يق

ال(‪ ،‬عل

ى ال

رغم م

ن أن الت

شريعات المتعلق

ة‬
‫باأللع

اب غي

ر القانوني

ة غي

ر قاب

ل لل

دفاع ب

شكل مطل

ق— عل

ى ال

رغم م

ن أن كاف

ة‬
‫األش

خاص يج

ب أن يكون

وا أح

رارا ف

ي المق

امرة ف

ي بي

وتھم‪ ،‬أو ف

ي بي

وت بع

ضھم‬
‫ال

بعض‪ ،‬أو ف

ي أي مك

ان اجتماع

ات يؤس

س ع

ن طري

ق إس

ھاماتھم‪ ،‬وال يف

تح إال‬
‫لألعضاء ولضيوفھم – مع ذلك‪ ،‬فإن بيوت القمار العامة ال يجب ال
سماح بھ
ا‪ .‬ال ش
ك‬

‫‪120‬‬
‫أن المنع ليس مؤثرا البتة‪ ،‬وأن بي
وت القم
ار يمك
ن ْ‬
‫أن ت
دار تح
ت أي م
زاعم أخ
رى‪،‬‬
‫مھما كان مق
دار ال
سلطة االس
تبدادية الت
ي يمك
ن إعطاؤھ
ا إل
ى ال
شرطة‪ ،‬ولك
ن يمك
ن‬
‫إجبارھا على إجراء عملياتھا بدرجة معينة من السرية والغموض‪ ،‬لكي ال يعرف اح
د‬
‫أي شيء عنھا ما عدا ھؤالء الذين يسعون إليھا؛ واألكثر م
ن ذل
ك‪ ،‬ال ينبغ
ي للمجتم
ع‬
‫أن يسعى إليھا‪ .‬ھناك قوة كبيرة في ھذه الجداالت‪ .‬وسوف لن أغامر في الب
ت فيم
ا إذا‬
‫كانت كافية لتبرير الشذوذ األخالقي في معاقبة الملحق )الذي ساعد على الجريمة( في‬
‫حين يسمح )بل يجب أن يسمح( للفاعل الرئيس بأن يبقى حرا؛ أو ف
ي تغ
ريم أو ح
بس‬
‫القواد‪ ،‬وليس الزاني؛ وصاحب بيت القمار‪ ،‬وليس المقامر‪ .‬أم
ا العملي
ات العام
ة للبي
ع‬
‫ّ‬
‫والشراء‪ ،‬فينبغي أن ال يجري التدخل بھا ب
شكل كبي
ر‪ ،‬اس
تنادا إل
ى أس
س م
شابھة‪ .‬إن‬
‫ك

ل أداة أو حاج

ة يمك

ن بيعھ

ا وش

راؤھا‪ ،‬تقريب

ا‪ ،‬يمك

ن أن ت

ستخدم ب

إفراط‪ ،‬وللمال

ك‬
‫مصلحة مالي
ة ف
ي الت
شجيع عل
ى ھ
ذا اإلف
راط؛ ولك
ن ال يمك
ن تأس
يس أي ج
دل عل
ى‬
‫ھذا‪ ،‬لصالح قانون )ماين(‪ ،‬عل
ى س
بيل المث
ال‪ ،‬ألن طبق
ة المت
اجرين ف
ي الم
شروبات‬
‫القوية‪ ،‬على الرغم من اھتم
امھم ب
سوء اس
تخدامھا‪ ،‬إال أنھ
ا ض
رورية ب
شكل ال غن
ى‬
‫عنه لغرض االستخدام الشرعي‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬فإن مصلحة ھؤالء التج
ار ف
ي ن
شر‬
‫التعصب وتوسيعه ھو شر حقيقي‪ ،‬ويبرر قيام الدولة بفرض القيود وطل
ب ال
ضمانات‬
‫التي يمكن أن تعتبر انتھاكات للحرية الشرعية‪ ،‬لوال ذلك التبرير‪.‬‬

‫من األس
ئلة اإلض
افية األخ
رى ھ
و م
ا إذا ك
ان عل
ى الدول
ة‪ ،‬عن
دما ت
سمح‪ ،‬أن‬
‫تثبط‪ ،‬رغ
م ذل
ك وب
شكل غي
ر مباش
ر‪ ،‬ال
سلوك ال
ذي تعتب
ره مناق
ضا ألف
ضل م
صالح‬
‫العميل؛ سواء أكان عليھا اتخاذ بعض التدابير التي تجعل تعاطي الخمور‪ ،‬عل
ى س
بيل‬
‫المثال‪ ،‬أكثر كلفة‪ ،‬أو إضافة المزيد من ال
صعوبة ف
ي توفيرھ
ا‪ ،‬م
ن خ
الل تقلي
ل ع
دد‬
‫أم

اكن بيعھ

ا‪ .‬يج

ب التميي

ز ب

ين أش

ياء عدي

دة‪ ،‬ف

ي ھ

ذه الم

سألة كم

ا ف

ي العدي

د م

ن‬
‫الم

سائل العملي

ة‪ .‬إن ف

رض ال

ضرائب عل

ى المحف

زات لغ

رض جعلھ

ا ص

عبة المن

ال‬
‫فق
ط‪ ،‬ھ
و ت
دبير يختل
ف ع
ن منعھ
ا الت

ام ف
ي الدرج
ة فق
ط؛ ويك
ون مب
ررا عن
د تبري

ر‬

‫‪121‬‬
‫األخير فقط‪ .‬إن كل زيادة في الكلفة ھي منع بالنسبة لھؤالء الذين ال ترتقي س
بلھم إل
ى‬
‫السعر المرتفع؛ أما بالنسبة للذين يستطيعون‪ ،‬فإنھا عقوبة جزائية فرضت عليھم نتيجة‬
‫إلرضائھم لذوق معين‪ .‬إن اختيارھم للمتع‪ ،‬ونمطھم ف
ي إنف
اق دخلھ
م‪ ،‬م
ن أج
ل تلبي
ة‬
‫التزاماتھم الشرعية واألخالقية للدولة ولألف
راد‪ ،‬ھ
ي م
ن اھتمام
اتھم الخاص
ة‪ ،‬وال ب
د‬
‫أن تترك لحكمھم الخ
اص‪ .‬ق
د تب
دو ھ
ذه االعتب
ارات‪ ،‬للوھل
ة األول
ى‪ ،‬وكأنھ
ا ت
ستنكر‬
‫انتقاء المحفزات بوصفھا مواضيع خاصة لفرض الضرائب ألغ
راض اإلي
راد‪ .‬ولك
ن‬
‫ال بد أن ّ‬
‫نتذكر أن فرض الضرائب لألغراض المالي
ة ھ
و ش
يء حتم
ي للغاي
ة؛ بحي
ث‬
‫إنﱠه في العديد من البلدان‪ ،‬يصبح من ال
ضروري وج
وب أن ي
تم ج
زءا كبي
را م
ن تل
ك‬
‫العملي

ة ال

ضريبية ب

شكل غي

ر مباش

ر؛ وإن الدول

ة‪ ،‬ل

ذلك‪ ،‬ال ت

ستطيع إال أن تف

رض‬
‫العقوب

ات‪ ،‬الت

ي يمك

ن أن تك

ون بالن

سبة ل

بعض األش

خاص‪ ،‬تحريمي

ة عل

ى اس

تخدام‬
‫بع

ض األدوات‪ ،‬أو ال

سلع االس

تھالكية‪ .‬ل

ذا ف

إن م

ن واج

ب الدول

ة أن تنظ

ر‪ ،‬ل

دى‬
‫فرض

ھا لل

ضرائب‪ ،‬إل

ى ال

سلع الت

ي ي

ستطيع الم

ستھلك أن ي

ستغني عنھ

ا ب

سھولة؛‬
‫واألحرى بھا أن تختار‪ ،‬على نحو تفضيلي‪ ،‬تل
ك الب
ضائع الت
ي تعتب
ر اس
تخدامھا‪ ،‬إذا‬
‫مؤذ عل
ى نح
و ايج
ابي‪ .‬وعلي
ه‪ ،‬ف
إن ف
رض ال
ضرائب عل
ى‬
‫ما تجاوز مقدارا معتدال‪ٍ ،‬‬
‫المحفزين‪ ،‬حتى النقط
ة الت
ي تن
تج اكب
ر ق
در م
ن اإلي
راد )إذا م
ا افترض
نا ب
أن الدول
ة‬
‫تحتاج إلى كل اإليراد الذي تقدمه(‪ ،‬ليس مسموحا فقط‪ ،‬بل سيتم اإلقرار به‪.‬‬

‫أما مسألة جعل بيع ھذه البضائع امتيازا حصريا نوعا ما‪ ،‬فال بد أن تتم اإلجاب
ة‬
‫عليھا بشكل مختلف‪ ،‬وفقا لألغراض التي أريد من اجلھ
ا للقي
د أن يك
ون خاض
عا‪ .‬ك
ل‬
‫أم
اكن االس

تجمام العام

ة تتطل

ب قي
ودا م

ن ال

شرطة‪ ،‬وھ

ذا الن
وع م

ن األم

اكن ب

شكل‬
‫خاص‪ ،‬ألن اإلساءات ضد المجتمع تميل إلى أن تتأص
ل ھن
اك‪ .‬ل
ذا ف
إن م
ن المناس
ب‬
‫أن ي

تم تقيي

د ق

وة بي

ع ھ

ذه ال

سلع ھن

اك )عل

ى األق

ل بالن

سبة لالس
تھالك ف

ي الموق

ع(‬
‫لألشخاص م
ن ذوي االحت
رام ال
سلوكي المع
روف أو الم
ضمون؛ إن القي
ام بمث
ل ھ
ذه‬
‫التنظيمات فيم
ا يخ
ص س
اعات الف
تح والغل
ق‪ ،‬بم
ا تتطلب
ه إج
راءات المراقب
ة العام
ة‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫وسحب الترخيص إذا ما حدثت خروقات متكررة للسالم عن طري
ق تغاض
ي ص
احب‬
‫البيت‪ ،‬أو ع
دم قدرت
ه‪ ،‬أو إذا أص
بح ملتق
ى إلع
داد الج
رائم ض
د الق
انون أو التح
ضير‬
‫لھا‪ .‬ال اعتبر أي قيد إضافي آخر مبررا من حي
ث المب
دأ‪ .‬فتحدي
د ع
دد أم
اكن الخم
ور‬
‫والم

شروبات الكحولي

ة‪ ،‬عل

ى س

بيل المث

ال‪ ،‬ألج

ل الغاي

ة الواض

حة لجعلھ

ا ص

عبة‬
‫ّ‬
‫يع

رض الجمي

ع إل

ى إزع

اج أو ع

دم مالئم

ة‬ ‫المن

ال‪ ،‬وتقلي

ل مناس

بات اإلغ

راء‪ ،‬ال‬
‫فحسب‪ ،‬ألن ھناك بع
ض م
ن ال
ذين ي
سيئون اس
تخدام الوس
يلة‪ ،‬ب
ل أنھ
ا تناس
ب أي
ضا‬
‫عامل فيه أبناء الطبقات العاملة‪ ،‬وبشكل علني ص
ريح‪ ،‬عل
ى إنھ
م‬
‫حالة المجتمع الذي يُ َ‬
‫أطفال أو ھمجيين‪ ،‬ويوضعون تحت تعليم قسري‪ ،‬لكي ي
صبحوا م
ؤھلين وي
سمح لھ
م‬
‫بالم

ستقبل ب

التمتع بامتي

از الحري

ة‪ .‬ل

يس ھ

ذا ھ

و المب

دأ ال

ذي ي

تم في

ه حك

م الطبق

ات‬
‫العاملة عالنية في أي بلد حر؛ ما من ش
خص يعط
ي قيم
ة م
ستحقة للحري
ة يق
دم عل
ى‬
‫تأيي

د ال

سيطرة عل

يھم عل

ى ھ

ذا النح

و‪ ،‬م

ا ل

م ي

تم اس

تنفاذ ك

ل الط

رق لتعل

يمھم ألج

ل‬
‫الحرية ومن ثم حكمھم كأحرار‪ ،‬وقد اثب
ت ب
شكل حاس
م أنھ
م ال ُيحَكم
ون إال كأطف
ال‪.‬‬
‫إن مجرد ذكر البديل يبين سخف االفتراض بأن ھذه الجھود قد ت
م القي
ام بھ
ا ف
ي حال
ة‬
‫تحت

اج إل

ى أن نأخ

ذھا اآلن بالح

سبان‪ .‬فق

ط ألن مؤس

سات ھ

ذا البل

د ھ

ي مح

ض‬
‫تضاربات‪ ،‬نرى أن األشياء تجد قب
وال ف
ي ممارس
اتنا الت
ي تنتم
ي إل
ى نظ
ام الحكوم
ة‬
‫االستبدادية‪ ،‬أو التي تسمى بالحكومة األبوية‪ ،‬بينما تقوم الحرية العامة لمؤسساتنا بمنع‬
‫ممارس

ة مق

دار ال

سيطرة ال

ضروري ل

دعم س

يطرة أي كف

اءة حقيقي

ة بوص

فھا تعليم

ا‬
‫أخالقيا‪.‬‬

‫اشرنا في جزء سابق من ھذه المقالة‪ ،‬إن حرية الفرد‪ ،‬في األشياء التي ال تتعلق‬
‫إال بالفرد لوحده‪ ،‬تدل بشكل ضمني على حرية مطابقة ألي عدد كان من األف
راد لك
ي‬
‫يتم تنظيم األشياء التي تخصھم بشكل مشترك‪ ،‬وال تخص أي ش
خص آخ
ر س
واھم‪ .‬ال‬
‫تقدم ھذه المسألة أي صعوبة ُتذكر‪ ،‬طالما أن إرادة ك
ل األش
خاص المعني
ين بقي
ت ب
ال‬
‫تغيير؛ وطالما أن ھذه اإلرادة قد تتغير‪ ،‬كثيرا ما يكون من ال
ضروري أن ي
دخلوا ف
ي‬

‫‪123‬‬
‫التزام
ات فيم
ا بي
نھم‪ ،‬حت
ى ف
ي األش
ياء الت
ي ال تخ
ص أح
دا س
واھم؛ وعن
دما يفعل
ون‬
‫ذلك‪ ،‬فمن المناسب‪ ،‬كقاعدة عام
ة‪ ،‬أن ت
تم المحافظ
ة عل
ى ھ
ذه االلتزام
ات‪ .‬م
ع ذل
ك‪،‬‬
‫ف

إن لھ

ذه القاع

دة بع

ض االس

تثناءات‪ ،‬ف

ي ق

وانين ك

ل بل

د تقريب

ا‪ .‬األش

خاص لي

سوا‬
‫مل

زمين باالتفاقي

ات الت

ي تخ

رق حق

وق األط

راف الثالث

ة‪ ،‬ل

يس ھ

ذا فح

سب‪ ،‬ب

ل ف

ي‬
‫بعض األحيان تعتبر سببا كافيا إلعفائھم من االتفاق برمته‪ ،‬إذ أنه ي
ضر بھ
م‪ .‬ف
ي ھ
ذا‬
‫البلد وفي معظم البلدان المتحضرة األخ
رى‪ ،‬عل
ى س
بيل المث
ال‪ ،‬يك
ون االلت
زام ال
ذي‬
‫يجعل الشخص يبيع نفسه‪ ،‬أو يسمح لنفسه بأن يباع‪ ،‬كعب
د‪ ،‬يك
ون ب
اطال و الغي
ا؛ وال‬
‫ينفّ

ذ م

ن قب

ل الق

انون وال م

ن قب

ل ال

رأي‪ .‬إن األس

اس لتحدي

د س

لطته ف

ي الت

صرف‬
‫بنصيبه من الحياة بشكل طوعي‪ ،‬على ھ
ذا النح
و‪ ،‬ھ
و أس
اس واض
ح‪ ،‬ويمك
ن رؤيت
ه‬
‫بوض

وح ف

ي ھ

ذه الحال

ة المتطرف

ة‪ .‬إن ال

سبب وراء ع

دم الت

دخل بأعم

ال ال

شخص‬
‫الطوعية‪ ،‬ما لم يكن ذل
ك ألج
ل اآلخ
رين‪ ،‬ھ
و اعتب
ار أو احت
رام لحريت
ه‪ .‬إن اختي
اره‬
‫الط

وعي دلي

ل عل

ى أن م

ا اخت

اره ھ

و ش

يء محب

ب لدي

ه‪ ،‬أو أن

ه عل

ى األق

ل ممك

ن‬
‫االحتم
ال بالن

سبة إلي

ه‪ ،‬وأن م
صلحته عموم

ا م

صانة م
ن خ

الل ال

سماح ل
ه ب

أن يتب

ع‬
‫وسائله الخاصة ف
ي ال
سعي لتحقيقھ
ا‪ .‬وب
ذلك فھ
و يھ
زم الغاي
ة نف
سھا الت
ي ھ
ي تبري
ر‬
‫السماح له بأن يتصرف بنفسه‪ ،‬أو يتخلص منھا‪ .‬ھو لم يعد حرا‪ ،‬ولكنه منذ ذلك الحين‬
‫صار في وضع لم يعد فيه االفتراض في مصلحته الخاصة‪ ،‬بأن ذلك يمكن تحمل
ه م
ن‬
‫خالل بقائه فيه بشكل طوعي‪ .‬ال يستطيع مبدأ الحرية أن يتطلب منه أن يكون حرا في‬
‫أن ّ‬
‫يتخلى ع
ن حريت
ه )أي ف
ي أن ال يك
ون ّ‬
‫ح
را(‪ .‬إن ال
سماح ل
ه ب
التخلي ع
ن حريت
ه‬
‫ليس حرية‪ .‬ھذه األسباب‪ ،‬التي تبرز قوتھا ف
ي ھ
ذه الق
ضية الغريب
ة‪ ،‬تمتل
ك ب
ال ش
ك‬
‫تطبيقات واسعة جدا؛ وم
ع ذل
ك فق
د وض
ع لھ
ا ٌ‬
‫ح
د ف
ي ك
ل مك
ان م
ن قب
ل ض
رورات‬
‫الحياة‪ ،‬التي ال تتطلب باس
تمرار أن نتخل
ى ع
ن حريتن
ا فع
ال‪ ،‬ب
ل أن نواف
ق عل
ى ھ
ذا‬
‫القيد المفروض عليھا أو ذاك‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬فإن المبدأ الذي يطلب حري
ة فع
ل غي
ر‬
‫مقيدة‪ ،‬في كل ما يخص العمالء أنفسھم فقط‪ ،‬يتطلب أن يك
ون ھ
ؤالء‪ ،‬ال
ذين أص
بحوا‬
‫م
رتبطين ببع

ضھم ال
بعض‪ ،‬ف

ي األش
ياء الت

ي ال تخ
ص طرف

ا ثالث
ا‪ ،‬ق

ادرين عل

ى أن‬

‫‪124‬‬
‫يعفي احدھم اآلخر من االلتزام‪ :‬وحتى بدون إعفاء طوعي كھذا‪ ،‬ربم
ا ل
م تك
ن ھنال
ك‬
‫عقود أو اتفاقيات‪ ،‬عدا تلك التي ترتبط بالم
ال‪ ،‬أو بقيم
ة الم
ال‪ ،‬والت
ي ي
ستطيع الم
رء‬
‫أن يغامر قائال أنه ال ينبغي أن تكون ھناك أية حرية في االنسحاب منھا‪.‬‬
‫ذك

ر الب

ارون ويلھ

يلم ف

ون ھومبول

دت‪ ،‬ف

ي المق

ال الممت

از ال

ذي س

بق وأن‬
‫اقتبست منه‪ ،‬كما ل
و أن قناع
ة لدي
ه‪ ،‬أن االلتزام
ات الت
ي تت
ضمن عالق
ات أو خ
دمات‬
‫شخصية‪ ،‬يجب أن ال تكون ملزمة من الناحية القانونية إلى ما بعد فترة زمنية مح
ددة؛‬
‫وأن أھم ھذه االلتزامات‪ ،‬وھو الزواج‪ ،‬الذي يتمتع بالخصوصية التي تفيد ب
ان أھداف
ه‬
‫ستحبط ما لم تكن مشاعر الط
رفين من
سجمة مع
ه‪ ،‬يج
ب أن ال يتطل
ب ش
يئا أكث
ر م
ن‬
‫مج

رد الرغب

ة المعلن

ة ل

دى أي م

ن الط

رفين م

ن أج

ل حلّ

ه‪ .‬إن ھ

ذا الموض

وع أكث

ر‬
‫ّ‬
‫س
أعرج علي
ه عل
ى‬ ‫أھمية‪ ،‬وأكثر تعقيدا من أن ُ َ‬
‫يناقش ف
ي اس
تطراد عرض
ي‪ ،‬ولكن
ي‬
‫ق

در ض

رورته ألغ

راض اإلي

ضاح‪ .‬إذا ك

ان إيج

از أطروح

ة الب

ارون ھومبول

دت‬
‫وتعميمھ

ا‪ ،‬ل

م تجبران

ه ف

ي ھ

ذا المث

ال عل

ى أن يُقن

ع نف

سه بالت

صريح باس

تنتاجه دون‬
‫مناقشة المنطلقات‪ ،‬فإن
ه ق
د أدرك دون ش
ك أن الم
سألة ال يمك
ن أن تح
سم عل
ى أس
س‬
‫بسيطة جدا كتلك التي حدد نفسه بھا‪ .‬عندما يقوم شخص بت
شجيع آخ
ر‪ ،‬أم
ا م
ن خ
الل‬
‫وعد صريح أو من خالل السلوك‪ ،‬على أن يعتمد على اس
تمراره بالعم
ل أو الت
صرف‬
‫بطريقة معينة – أن يبن
ي توقع
ات وح
سابات‪ ،‬وأن ي
سند أي ج
زء م
ن خطت
ه الحياتي
ة‬
‫على ذلك االفتراض – فإن سل
سلة جدي
دة م
ن االلتزام
ات األخالقي
ة تنبث
ق م
ن ناحيت
ه‬

نقض‪ ،‬ولك

ن ال يمك

ن أن ُ َ‬
‫تھم

ل‪ .‬وم

رة أخ

رى‪ ،‬إذا‬ ‫نح

و ذل

ك ال

شخص‪ ،‬والت

ي ربم

ا تُ
ْ‬
‫وض
عت طرف
ا‬
‫كانت العالقة بين الطرفين المتعاقدين لم تلحقھ
ا تبع
ات لآلخ
رين؛ وإذا َ َ‬
‫ثالثا في أي وضع خاص‪ ،‬أو كما في حالة الزواج‪ ،‬طالبت بوج
ود أط
راف ثالث
ة‪ ،‬ف
إن‬
‫االلتزامات تنبثق م
ن ناحي
ة ك
ل م
ن الط
رفين المتعاق
دين تج
اه ھ
ؤالء األش
خاص ف
ي‬
‫الط

رف الثال

ث‪ ،‬والت

ي يج

ب أن يك

ون انجازھ

ا‪ ،‬أو نم

ط االنج

از ف

ي ك

ل األح

داث‪،‬‬
‫متأثرا بدرجة كبيرة باس
تمرارية العالق
ة ب
ين األط
راف األص
لية للعق
د‪ ،‬أو انقطاعھ
ا‪.‬‬
‫ولكن ھذا لن يترتب عليه‪ ،‬وال أنا استطيع اإلق
رار‪ ،‬أن تت
سع ھ
ذه االلتزام
ات لتتطل
ب‬

‫‪125‬‬
‫انج

از العق

د بأي
ة تك

اليف م

ن س

عادة الط

رف المت

ردد؛ ولكنھ

ا عام

ل ض

روري ف

ي‬
‫الم

سألة؛ وحت

ى ل

و أنھ

ا‪ ،‬كم

ا افت

رض ف

ون ھومبول

دت‪ ،‬ل

م ت
ّ‬

شكل فرق

ا ف

ي الحري

ة‬
‫الشرعية لألطراف لكي تسحب نفسھا من االلتزام )واعتقد أيضا أنه ال ينبغي عليھا أن‬
‫تشكل فرقا كبيرا(‪ ،‬فإنھا تشكل بالضرورة فرقا كبيرا ف
ي الحري
ة األخالقي
ة‪ .‬ال
شخص‬
‫ملزم بأن يأخذ كل ھذه الظروف بعين االعتبار‪ ،‬قبل أن يلجأ إلى خطوة ق
د ت
ؤثر عل
ى‬
‫مث

ل ھ

ذه الم

صالح المھم

ة لآلخ

رين؛ وإذا ل

م يق

م وزن

ا مناس

با لتل

ك الم

صالح‪ ،‬فھ

و‬
‫مسؤول من الناحية األخالقية عن الخطأ‪ .‬لقد قمت بھذه المالحظات الواضحة من أجل‬
‫توضيح أفضل للمب
دأ الع
ام للحري
ة‪ ،‬ول
يس ألنھ
ا جميع
ا مطلوب
ة ف
ي الم
سألة المح
ددة‬
‫الت

ي ع

ادة م

ا تن

اقش‪ ،‬وعل

ى العك

س م

ن ذل

ك‪ ،‬كم

ا ل

و أن م

صلحة األطف

ال ھ

ي ك

ل‬
‫شيء‪ ،‬وأن مصلحة البالغين ال تساوي شيئا‪.‬‬

‫الحظت سابقا أن الحرية‪ ،‬ونتيجة لغياب أي مبادئ عامة معترف بھا‪ ،‬كثيرا م
ا‬
‫وتحجب حيث ينبغي أن ُتمنح؛ ومن الحاالت الت
ي تك
ون‬
‫تمنح حيث ينبغي أن ُتحجب‪ُ ،‬‬
‫ُ َ‬
‫فيھا عاطفة الحرية‪ ،‬في العالم األوربي الحديث‪ ،‬ھي العاطفة األقوى‪ ،‬ھي الحال
ة الت
ي‬
‫توضع فيھا بالمكان الخطأ تماما‪ ،‬حسب رأي
ي‪ .‬ينبغ
ي أن يك
ون ال
شخص ح
را ف
ي أن‬
‫يفعل ما يحب في متعلقاته الخاصة؛ ولكن ال ينبغي له أن يكون حرا في فع
ل م
ا يح
ب‬
‫لآلخرين‪ ،‬تحت ذريعة أن شؤون اآلخر ھي شؤونه ھو‪ .‬بينما تحترم الدولة حري
ة ك
ل‬
‫فرد فيما يتعلق بذاته بشكل خاص‪ ،‬ھ
ي ملزم
ة بإدام
ة س
يطرة متيقظ
ة عل
ى ممارس
ته‬
‫يحت
رم مطلق
ا تقريب
ا ف
ي‬
‫ألية قوة تسمح له بأن يسيطر اآلخرين‪ .‬ولكن ھذا االلت
زام ال ُ َ‬
‫حال

ة العالق

ات العائلي

ة‪ ،‬وھ

ي حال

ة أكث

ر أھمي

ة‪ ،‬ف

ي تأثيرھ

ا المباش

ر عل

ى س

عادة‬
‫اإلن

سان‪ ،‬م

ن كاف

ة الح

االت األخ

رى مجتمع

ة‪ .‬ال تحت

اج س

لطة األزواج االس

تبدادية‬
‫تقريبا على زوجاتھم إلى أن نخوض فيھا بإسھاب ھنا‪ ،‬ألنه ليس ھناك شيء مطل
وب‬
‫إلكمال إزالة الشر أكثر من أن تمتلك الزوج
ات نف
س الحق
وق‪ ،‬وأن يتلق
ين حماي
ة م
ن‬
‫القانون وبنفس األسلوب‪ ،‬شأنھن بذلك ش
أن ك
ل األش
خاص اآلخ
رين‪ .‬وألن الم
دافعين‬

‫‪126‬‬
‫عن العدالة المؤسسة ال ينتفع
ون م
ن التم
اس الحري
ة‪ ،‬ولك
نھم يب
رزون ب
شكل واض
ح‬
‫كأبطال للسلطة‪.‬‬
‫في حالة األطفال‪ ،‬تكون األفكار المطبقة بشكل خاطئ عل
ى أفك
ار الحري
ة ھ
ي‬
‫العائق الحقيقي على انجاز الدولة لواجباتھا‪ .‬يميل الفرد إلى االعتقاد بأن أطفال الرجل‬
‫ُيفت

رض أنھ

م ج

زء من

ه‪ ،‬حرفي

ا ول

يس مج

ازا‪ ،‬وأن رأي ت

دخل الق

انون ب

سيطرته‬
‫الح

صرية والمطلق

ة عل

يھم ھ

و رأي غي

ور ج

دا؛ أكث

ر غي

رة م

ن أي ت

دخل بحريت

ه‬
‫الخاص

ة ف

ي الت

صرف‪ :‬ل

ذا ف

إن عام

ة الب

شر يقيّم

ون الحري

ة أق

ل بكثي

ر مم

ا يقيم

ون‬
‫السلطة‪ .‬تأم
ل ف
ي حال
ة التعل
يم‪ ،‬عل
ى س
بيل المث
ال‪ ،‬ألي
ست حقيق
ة بديھي
ة واض
حة أن‬
‫على الدولة أن توجب التعليم‪ ،‬حتى مستوى معينا‪ ،‬وتجعله إلزاميا على ك
ل م
ن يعتب
ر‬
‫مواطنھا بالوالدة؟ ومع ذلك فم
ن ال
ذي يخ
شى م
ن االعت
راف بھ
ذه الحقيق
ة وتأكي
دھا؟‬
‫من الن
ادر أن ينك
ر أح
د أن م
ن ب
ين أھ
م وأق
دس واجب
ات الوال
دين )أو الوال
د‪ ،‬ح
سبما‬
‫يق

ول الق

انون واالس

تخدام اآلن(‪ ،‬بع

د أن ينجب

ا إن

سانا ويجلبان

ه إل

ى الوج

ود‪ ،‬ھ

و أن‬
‫ي
وفرا لھ
ذا اإلن

سان تعليم
ا يؤھل

ه لتأدي
ة دوره جي
دا ف

ي الحي
اة‪ ،‬تج

اه اآلخ
رين وتج

اه‬
‫نفسه‪ .‬ولكن بينما أعلن ذلك باإلجماع على أنه واجب األب‪ ،‬من النادر في ھذا البلد أن‬
‫يحتمل أي احد أن يسمع بأنه مجبر على تأدية ذل
ك الواج
ب‪ .‬وب
دال م
ن أن يطل
ب من
ه‬
‫القيام بأي جھد أو تضحية ألجل تأمين تعليم الطفل‪ ،‬ترك األم
ر الختي
اره ف
ي ّ‬
‫تقبل
ه أو‬
‫ال‪ ،‬عندما يتم توفيره بالمجان! ما زال من غير المدرك أن جلب طفل إلى الوجود دون‬
‫فرص

ة مناس

بة ف

ي الق

درة‪ ،‬ل

يس فق

ط عل

ى ت

وفير الطع

ام لج

سده‪ ،‬ب

ل ت

وفير التعل

يم‬
‫والت

دريب لعقل

ه أي

ضا‪ ،‬إنم

ا ھ

و جريم

ة أخالقي

ة‪ ،‬ض

د ذل

ك الن

سل التع

يس‪ ،‬وض

د‬
‫المجتمع أيضا؛ والوالدين إذا ما أخفقوا في انجاز ھذا االلتزام‪ ،‬فعلى الدولة أن تحرص‬
‫على رؤيته منجزا‪ ،‬وعلى نفقة الوالد‪ ،‬على قدر المستطاع‪.‬‬

‫لو أن واجب تنفيذ التعليم الشامل قد سمح به‪ ،‬لما كان


ت ھن
اك نھاي
ة لل
صعوبات‬
‫ّ‬
‫ستحول الموضوع حينھ
ا‬ ‫حول ما يجب على الدولة أن تُ ّ‬
‫درس‪ ،‬وكيفية تدريسه‪ ،‬والتي‬

‫‪127‬‬
‫إلى محض ساحة حرب للطوائف واألحزاب‪ ،‬متسببة ف
ي ھ
در الوق
ت والجھ
د‪ ،‬الل
ذان‬
‫يفترض بھما أن ينفقا في التعل
يم‪ ،‬في
ضيعان ف
ي المع
ارك ح
ول التعل
يم‪ .‬إذا م
ا ق
ررت‬
‫الحكومة أن توجب لك
ل طف
ل تعليم
ا جي
دا‪ ،‬فإنھ
ا ق
د تجن
ب نف
سھا م
شكلة ت
وفيره‪ .‬فق
د‬
‫تترك اآلباء يحصلون على التعليم ف
ي المك
ان وبالطريق
ة الت
ي يرغب
ون‪ ،‬وتكتف
ي )أي‬
‫الحكومة( بمساعدة الطبقة الفقيرة من األطفال على دفع رسوم المدارس‪ ،‬ودفع النفقات‬
‫الدراسية بالكامل لھؤالء الذين ليس لديھم احد ليدفع ألجلھم‪.‬‬
‫إن االعتراضات التي أثيرت‪ ،‬ألسباب معينة‪ ،‬ض
د تعل
يم الدول
ة ال تنطب
ق عل
ى‬
‫تنفيذ التعليم من قبل الدولة‪ ،‬بل على قيام الدولة بتولي مھم
ة توجي
ه ذل
ك التعل
يم‪ :‬وھ
و‬
‫شيء مختلف تماما‪ .‬أن يكون كل تعليم الناس أو جزء كبير منه في يد الدولة‪ ،‬ھو أم
ر‬
‫أرف

ضه إل

ى ابع

د م

دى‪ .‬ك

ل م

ا قي

ل ع

ن أھمي

ة فردي

ة ال

شخص‪ ،‬والتن

وع ف

ي اآلراء‬
‫وأنماط السلوك‪ ،‬يتضمن تنوع
ا ف
ي التعل
يم ال يق
ل ش
أنا ف
ي أھميت
ه البالغ
ة‪ .‬إن التعل
يم‬
‫الع

ام للدول

ة ھ

و مج

رد مخط

ط لقولب

ة الن

اس ليكون

وا مت

شابھين تمام

ا م

ع بع

ضھم‬
‫ال

بعض‪ :‬وألن القال

ب ال

ذي ت

رميھم في

ه ھ

و ذل

ك ال

ذي تري

ده الق

وة المھيمن

ة ف

ي‬
‫الحكومة‪ ،‬سواء أكان ملكا‪ ،‬أو كھنة‪ ،‬أو طبقة ارستقراطية‪ ،‬أو غالبية الجيل الموج
ود‪،‬‬
‫بالن

سبة الكافي

ة والناجح

ة‪ ،‬فإن
ه سيؤس

س اس

تبدادا وت

سلطا عل

ى العق

ل‪ ،‬يق

ود بطبيع

ة‬
‫الحال إلى تسلط على الجسد‪.‬‬

‫إن التعل

يم ال

ذي تؤس

سه الدول

ة وت

سيطر علي

ه يج

ب أن يتواج

د‪ ،‬إن وج

د عل

ى‬
‫اإلطالق‪ ،‬كواحد من بين العديد م
ن التج
ارب المتناف
سة‪ ،‬وت
تم مواص
لته ألج
ل المث
ال‬
‫والحافز‪ ،‬إلبقاء اآلخرين عل
ى م
ستوى معي
ار مع
ين م
ن التف
وق‪ .‬م
ا ل
م يك
ن المجتم
ع‬
‫ب

شكل ع

ام ف

ي حال

ة م

ن التراج

ع الفعل

ي بحي

ث ال ي

ستطيع‪ ،‬أو ال ي

وفر لنف

سه أي

ة‬
‫مؤسسات تعليمي
ة مناس
بة‪ ،‬وم
ا ل
م تك
ن الحكوم
ة ق
د تول
ت ھ
ذه المھم
ة؛ حينھ
ا يمك
ن‬
‫للحكوم

ة‪ ،‬وك

أھون ال
ّ‬

شرين الج

سيمين‪ ،‬أن تت

ولى عل

ى عاتقھ

ا مھم

ة الم

دارس‬
‫والجامعات‪ ،‬مثلما تقوم بعمل الشركات التعاوني
ة أو الم
ساھمة‪ ،‬عن
دما ال يوج
د قط
اع‬

‫‪128‬‬
‫خاص على نحو يؤھله لتولي أعماال صناعية ضخمة ف
ي البل
د‪ .‬ولك
ن ب
شكل ع
ام‪ ،‬إذا‬
‫كان البلد يحتوي على عدد مناسب من األشخاص الم
ؤھلين لت
وفير التعل
يم تح
ت دع
م‬
‫الحكومة‪ ،‬فإن األشخاص نفسھم سيكونون قادرين وراغبين في إعطاء تعليم مساو ٍ في‬
‫الجودة‪ ،‬على مبدأ طوعي‪ ،‬ف
ي ظ
ل ت
أمين األج
ور الت
ي يتحملھ
ا ق
انون يجع
ل التعل
يم‬
‫إلزاميا‪ ،‬مصحوبا بدعم من الدولة لھؤالء الذين ال يستطيعون تحمل النفقات‪.‬‬

‫أما أداة تفعيل القانون فال يمكن أن تكون إال امتحانات عامة‪ ،‬تمتد لكل األطفال‪،‬‬
‫وتبدأ في عمر مبكر‪ .‬يمكن تحديد عمر يجب فيه اختبار كل طفل‪ ،‬للتأكد من قدرته )أو‬
‫قدرتھا( على القراءة‪ .‬إذا اثبت الطفل أنه غير قادر‪ ،‬فإن والده قد يتع
رض إل
ى غرام
ة‬
‫معقولة‪ ،‬يتم استيفاؤھا من عمله إن اقت
ضى األم
ر‪ ،‬م
ا ل
م يك
ن لدي
ه ع
ذر م
ستند عل
ى‬
‫أساس مالئم‪ ،‬ويتم وضع الطفل في المدرسة على نفقته‪ .‬يجب تجديد االمتحان مرة في‬
‫كل ع
ام‪ ،‬بنط
اق يت
سع بالت
دريج‪ ،‬ألج
ل أن ي
صنع اكت
سابا ش
امال‪ ،‬واألكث
ر م
ن ذل
ك‪،‬‬
‫احتفاظا بحد أدنى م
ن المعرف
ة العام
ة‪ ،‬اإلجباري
ة تقريب
ا‪ .‬وم
ا بع
د ذل
ك الح
د األدن
ى‪،‬‬
‫يجب أن تكون ھناك امتحانات طوعية في كاف
ة المواض
يع‪ ،‬وك
ل م
ن ي
صل فيھ
ا إل
ى‬
‫معيار معين من الكفاءة يحق لھم المطالبة بشھادة‪.‬‬
‫ومن أجل منع الدولة من ممارسة تأثير غير الئق على ال
رأي‪ ،‬م
ن خ
الل ھ
ذه‬
‫الترتيب

ات‪ ،‬ف

إن المعرف

ة المطلوب

ة ألج

ل اجتي

از امتح

ان مع

ين )فيم

ا وراء األج

زاء‬
‫اإلجرائي

ة أو األساس

ية م

ن المعرف

ة‪ ،‬كاللغ

ات واس

تخدامھا(‪ ،‬يج

ب أن تك

ون مح

ددة‬
‫بالحقائق والعلوم االيجابي
ة ح
صرا‪ ،‬حت
ى ف
ي األص
ناف العلي
ا م
ن االمتحان
ات‪ .‬يج
ب‬
‫على االمتحانات في الدين‪ ،‬والسياسة‪ ،‬أو في المواضيع المثيرة للجدل األخ
رى‪ ،‬أن ال‬
‫تتبنى ردود أفعال معينة حول صحة اآلراء أو خطأھا‪ ،‬بل تعتم
د عل
ى الحق
ائق القائل
ة‬
‫بأن الرأي كذا‪ ،‬يعتقد به كذا من المؤلفين‪ ،‬أو المدارس‪ ،‬أو الكنائس‪ ،‬على األسس ك
ذا‪.‬‬
‫ف
ي ظ
ل ھ
ذا النظ
ام‪ ،‬ال يك
ون الجي
ل الق

ادم أس
وأ ح
اال فيم
ا يتعل
ق بالحق
ائق المتن

ازع‬
‫عليھا مما ھم عليه في الوقت الحاضر؛ سينشئون أما كرجال دين‪ ،‬أو كمن
شقين‪ ،‬مثلم
ا‬

‫‪129‬‬
‫ھم اآلن‪ ،‬أما الدولة فستھتم فقط بأنھم يجب أن يكونوا رجال دين متعلم
ين‪ ،‬أو من
شقين‬
‫متعلمين‪ .‬لن يكون ھناك شيء يعيقھم من ّ‬
‫تعلم ال
دين‪ ،‬إن اخت
ار آب
ائھم ذل
ك‪ ،‬ف
ي نف
س‬
‫المدارس التي كانوا يتعلمون فيھا أشياء أخرى‪.‬‬
‫إن كل محاوالت الحكومة الستمالة اس
تنتاجات مواطنيھ
ا ف
ي بع
ض المواض
يع‬
‫الجدلية‪ ،‬ھي مح
اوالت ش
ريرة؛ ولكنھ
ا ق
د تع
رض‪ ،‬عل
ى نح
و الئ
ق ج
دا‪ ،‬أن تتحق
ق‬
‫وتؤكد أن شخصا معينا يمتلك المعرفة الضرورية للقيام باستنتاجاته‪ ،‬في أي موض
وع‬
‫معين‪ ،‬وھي معرفة تستحق التعامل معھا‪ .‬فيكون طالب الفلسفة ھ
و األف
ضل ف
ي كون
ه‬
‫قادرا على اجتياز امتحان في كل من ]جون[ لوك و]عمانوئي
ل[ كان
ت‪ ،‬أي
ا ك
ان ال
ذي‬
‫يتفق معه من ھذين‪ ،‬أو حتى وان لم يتفق مع احد‪ :‬وليس ھناك اعتراض معق
ول عل
ى‬
‫امتحان الملحد ببراھين الديانة المسيحية‪ ،‬شرط أن ال يطلب منه أن يعتنق اعتقادا بھ
ا‪.‬‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬فإن االمتحانات في الفروع العليا من المعرفة يج
ب أن تك
ون طوعي
ة‬
‫بشكل كامل حسب ما اعتق
د‪ .‬ل
و س
مح للحكوم
ات باس
تثناء أي ش
خص م
ن الوظ
ائف‪،‬‬
‫حتى من وظيفة المعلم‪ ،‬بسبب نقص مزعوم في المؤھالت‪ ،‬فإنه سيكون بمثابة إعطاء‬
‫سلطة خطيرة جدا للحكومات‪ :‬وأنا اعتقد‪ ،‬مع ويلھيلم فون ھومبولدت‪ ،‬ب
أن ال
درجات‪،‬‬
‫أو الشھادات العامة األخ
رى للمكت
سبات العلمي
ة او المھني
ة‪ ،‬يج
ب أن تعط
ى لك
ل م
ن‬
‫يق

دمون أنف

سھم لالمتحان

ات‪ ،‬ويجت

ازون االختب

ار؛ ولك

ن ھ

ذه ال

شھادات يج

ب أن ال‬
‫تخول أي امتياز عل
ى المتناف
سين‪ ،‬غي
ر ال
وزن ال
ذي يمك
ن أن ي
سنده أو يلحق
ه ال
رأي‬
‫ّ‬
‫العام بشھادتھم‪.‬‬

‫ليس األم
ر ف
ي التعل
يم فق
ط‪ ،‬أن تج
د أن أفك
ار الحري
ة الت
ي ف
ي غي
ر موض
عھا‬
‫تمنع االلتزامات األخالقية من جانب اآلباء م
ن أن ُيعت
رف بھ
ا‪ ،‬كم
ا تمن
ع االلتزام
ات‬
‫الشرعية من أن ُ َ‬
‫تفرض‪ ،‬حيث ھناك دائما أقوى األسس بالنسبة لألول‪ ،‬وف
ي مناس
بات‬
‫عديدة لألخير أيضا‪ .‬إن حقيقة التسبب في وجود إنسان بنفسھا‪ ،‬ھي واحدة من األفع
ال‬
‫األكثر مسؤولية في نطاق الحياة اإلنسانية‪ .‬إن تولي ھذه المسؤولية – أن تمنح حياة قد‬

‫‪130‬‬
‫تكون لعنة أو تكون بركة – ھي جريم
ة بح
ق ذل
ك اإلن
سان‪ ،‬م
ا ل
م يك
ن ل
دى اإلن
سان‬
‫حياة محببة‪ .‬وفي بلد م
زدحم‬
‫ٍ‬ ‫وجود أو‬
‫ٍ‬ ‫الذي ُ َ ْ‬
‫منحت له فرص اعتيادية‪ ،‬على األقل‪ ،‬في‬
‫بالسكان‪ ،‬أو مھدد بأن يكون كذلك‪ ،‬يكون إنجاب األطفال‪ ،‬إلى حد يفوق العدد الصغير‬
‫جدا‪ ،‬بتأثير تقليل مكافأة الجھد أو العمل م
ن قب
ل مناف
ستھم‪ ،‬ھ
ي إس
اءة ج
ادة ض
د ك
ل‬
‫الذين يعيشون من خالل أجور أو مكافآت أعمالھم‪ .‬إن القوانين التي ّ‬
‫تحرم الزواج‪ ،‬في‬
‫العديد من بلدان الق
ارة‪ ،‬م
ا ل
م ي
تمكن الطرف
ان م
ن أثب
ات أنھم
ا يمتلك
ان س
بل تأس
يس‬
‫األس

رة ودعمھ

ا‪ ،‬ال تتخط

ى ال

سلطات ال

شرعية للدول

ة‪ :‬وس

واء أكان

ت ھ

ذه الق

وانين‬
‫مناسبة أم ال )فھذه مسألة تعتمد بشكل رئيس على الظروف والعواطف المحلية(‪ ،‬فھي‬
‫لي

ست مثي

رة لالعتراض

ات بوص

فھا انتھاك

ات للحري

ة‪ .‬إن مث

ل ھ

ذه الق

وانين ھ

ي‬
‫تدخالت م
ن قب
ل الدول
ة لمن
ع الفع
ل الم
ؤذي – الفع
ل ال
ذي يلح
ق ال
ضرر ب
اآلخرين‪،‬‬
‫والذي ينبغي أن يك
ون موض
عا لل
رفض‪ ،‬والع
ار االجتم
اعي‪ ،‬حت
ى عن
دما ال ُ ّ‬
‫يع
د م
ن‬
‫المناسب اإلفراط في العقاب الشرعي‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فإن أفكار الحرية الحالية‪ ،‬التي تنحن
ي‬
‫بسھولة لالنتھاكات الحقيقية لحرية الفرد في األشياء التي ال تخص سوى الف
رد نف
سه‪،‬‬
‫ستصد محاولة وضع أية قيود على ميول
ه عن
دما تك
ون تبع
ات انغماس
ھم ھ
ي حي
اة أو‬
‫حيوات من البؤس والحرمان لألبناء‪ ،‬مع ش
رور م
ضاعفة عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يقع
ون‬
‫ف

ي متناولھ

ا ف

ي أن يت

أثروا بأفع

الھم ب

أي طريق

ة كان

ت‪ .‬عن

دما نق

ارن احت

رام الب

شر‬
‫الغريب للحرية‪ ،‬مع حاجتھم الغريبة الحترامھم لھا‪ ،‬ق
د نت
صور أن ل
دى اإلن
سان ح
ق‬
‫ال غنى عنه في إيذاء اآلخرين‪ ،‬وليس لديه حق مطلق
ا ف
ي أن يمت
ع نف
سه ب
دون إلح
اق‬
‫األلم بأي شخص آخر‪.‬‬

‫لق

د أبقي

ت للج

زء األخي

ر فئ

ة كبي

رة م

ن الم

سائل فيم

ا يتعل

ق بح

دود الت

دخل‬
‫الحك

ومي‪ ،‬والت

ي ال تنتم

ي للمق

ال‪ ،‬ب

شكل متزم

ت‪ ،‬عل

ى ال

رغم م

ن ارتباطھ

ا‬
‫بموضوعه‪ .‬وتلك ھي الحاالت التي ال تق
وم فيھ
ا األس
باب ض
د الت
دخل بمھاجم
ة مب
دأ‬
‫الحرية‪ :‬السؤال ليس ح
ول تقيي
د أفع
ال األف
راد‪ ،‬ب
ل ح
ول م
ساعدتھم‪ :‬كثي
را م
ا ُي
سأل‬

‫‪131‬‬
‫حول ما إذا كان ينبغي على الحكومة أن تفع
ل‪ ،‬أو تت
سبب ف
ي فع
ل ش
يء لم
صلحتھم‪،‬‬
‫بدال من أن تترك األمر ليفعلونه بأنفسھم‪ ،‬بشكل فردي‪ ،‬أو في تجمع طوعي‪.‬‬

‫إن االعتراض

ات ض

د الت

دخل الحك

ومي‪ ،‬عن

دما ال يحت

وي عل

ى انتھاك

ات‬
‫للحرية‪ ،‬يمكن أن تكون على ثالثة أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ ،‬عندما يمكن للشيء المراد فعله أن يتم فعله ب
شكل أف
ضل عل
ى ي
د‬
‫األف

راد من

ه عل

ى ي

د الحكوم

ة‪ .‬وب

صورة عام

ة‪ ،‬ل
يس ھن

اك م

ن ش

خص مالئ

م ج

دا‬
‫إلجراء أي تجارة أو عمل‪ ،‬أو تحديد كيفية إجراؤھا أو الشخص الذي يجريھا‪ ،‬كھؤالء‬
‫المھتم

ين بھ

ا ب

شكل شخ

صي‪ .‬ھ

ذا المب

دأ ي

دين الت

دخالت‪ ،‬الت

ي كان

ت ش

ائعة ج

دا‪،‬‬
‫للمجلس التشريعي‪ ،‬أو للمسؤولين الحكوميين‪ ،‬في العمليات االعتيادية للصناعة‪ .‬ولكن‬
‫ھذا الجزء من الموضوع توسع فيه العديد من االقت
صاديين ال
سياسيين م
ن قب
ل‪ ،‬وھ
و‬
‫ليس مرتبطا بشكل خاص بمبادئ ھذا المقال‪.‬‬

‫أم

ا االعت

راض الث

اني‪ ،‬فھ

و تقريب

ا أكث

ر ص

لة بموض

وعنا‪ .‬ف

ي العدي

د م

ن‬
‫القضايا‪ ،‬على الرغم من أن األفراد قد ال يفعل
ون ال
شيء المح
دد ب
شكل جي
د‪ ،‬عموم
ا‪،‬‬
‫ّ‬
‫المف
ضل أن ي
تم فع
ل ذل
ك ال
شيء م
ن‬ ‫كم
ا يفعل
ه الم
سؤولون الحكومي
ون‪ ،‬إال أن
ه م
ن‬
‫قبلھم أنفسھم‪ ،‬وليس من قبل الحكومة‪ ،‬كوسيلة لتعلمھم العقلي – نمط من أنماط تعزيز‬
‫يترك
ون‬
‫قدراتھم الفاعلة‪ ،‬وممارسة أحكامھم‪ ،‬وإعطائھم معرفة مألوفة للمواضيع التي ُ َ‬
‫للتعامل معھا‪ .‬ھذه ھي توص
ية رئي
سية‪ ،‬رغ
م أنھ
ا لي
ست الوحي
دة‪ ،‬لمحكم
ة المحلف
ين‬
‫)في القضايا غير السياسية(؛ والمؤس
سات البلدي
ة والمحلي
ة الح
رة وال
شعبية؛ وإج
راء‬
‫مشاريع صناعية وخيرية من قبل الجمعيات الطوعية‪.‬‬

‫لي

ست ھ

ذه بق

ضايا حري

ة‪ ،‬وال ت

رتبط ب

ذلك الموض

وع إال م

ن خ

الل المي

ول‬
‫البعيدة؛ ولكنھا قضايا تطور‪ .‬وھي تعود لمناسبة مختلفة عن الحاض
ر لتع
يش ف
ي تل
ك‬

‫‪132‬‬
‫األشياء كأجزاء من التعليم القومي؛ بوص
فھا‪ ،‬ف
ي الواق
ع‪ ،‬الت
دريب المتف
رد للم
واطن‪،‬‬
‫الجزء العملي من التعليم السياسي للشعب الحر‪ ،‬إلخراجھم من الدائرة الضيقة لألنانية‬
‫الشخصية والعائلية‪ ،‬وتعويدھم على استيعاب المصالح الم
شتركة‪ ،‬وإدارة االھتمام
ات‬
‫المشتركة – تعويدھم على العمل من دوافع عامة أو ش
به عام
ة‪ ،‬وتوجي
ه س
لوكھم م
ن‬
‫خالل أھداف توحدھم وال تفصل احدھم عن اآلخر‪.‬‬
‫بدون ھذه العادات والسلطات‪ ،‬ال يمكن تفعيل الدستور الحر‪ ،‬وال الحف
اظ علي
ه؛‬
‫وكما يتبين في طبيعة الحرية السياسية‪ ،‬التي كثيرا ما تكون مؤقتة‪ ،‬في البلدان الت
ي ال‬
‫تستند على أساس متين من الحريات المحلية‪ .‬إن إدارة التجارة المحلية الخالصة‪ ،‬على‬
‫ي

د اإلدارات المحلي

ة‪ ،‬والم

شاريع ال

صناعية ال

ضخمة عل

ى ي

د نقاب

ات ھ

ؤالء ال

ذين‬
‫يوفرون الوسائل المالية‪ ،‬أوصي به أيضا من قبل كل االمتي
ازات الت
ي ت
م تق
ديمھا ف
ي‬
‫ھذا المقال على أنھ
ا ترج
ع إل
ى فردي
ة التط
ور‪ ،‬وتن
وع أنم
اط الفع
ل‪ .‬تن
زع العملي
ات‬
‫الحكومية إلى أن تكون متشابھة في كل مكان‪ .‬أما م
ع األف
راد والجمعي
ات أو ال
روابط‬
‫الطوعية‪ ،‬فعلى العكس‪ ،‬ھنالك تجارب متباينة وتنوع ال ح
صر ل
ه م
ن الخب
رة‪ .‬إن م
ا‬
‫تستطيع الدولة أن تفعله بشكل مفيد‪ ،‬ھ
و أن تجع
ل نف
سھا م
ستودعا مركزي
ا‪ ،‬ومحرك
ا‬
‫وموزع
ا ن
شيطا‪ ،‬للخب
رة المتأتي
ة م
ن العدي
د م
ن التج
ارب‪ .‬وعملھ
ا ھ
و أن ّ‬
‫تمك
ن ك
ل‬
‫ّ‬
‫مجرب من االستفادة من تجارب اآلخرين؛ بدال من عدم تقبل أي تجرب
ة غي
ر تجارب
ه‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫أما ال
سبب الثال
ث‪ ،‬واألكث
ر إقناع
ا‪ ،‬لتحدي
د الت
دخل الحك
ومي فھ
و ال
شر الكبي
ر‬
‫لإلضافة غير الضرورية لقوتھا‪ .‬إذ أن ك
ل وظيف
ة م
ضافة ب
إفراط إل
ى تل
ك الوظ
ائف‬
‫التي كان
ت تم
ارس ف
ي ال
سابق م
ن قب
ل الحكوم
ة تت
سبب ف
ي أن ينت
شر تأثيرھ
ا عل
ى‬
‫اآلم

ال والمخ

اوف‪ ،‬عل

ى نح

و أكث

ر ات

ساعا‪ ،‬وتُ ّ ُ‬
‫ح

ول الق

سم الفاع

ل والطم

وح م

ن‬
‫الجمھور‪ ،‬وبشكل متزايد‪ ،‬إل
ى متطفل
ين عل
ى الحكوم
ة‪ ،‬أو عل
ى ح
زب مع
ين يھ
دف‬
‫إل

ى أن يك

ون ھ

و الحكوم

ة‪ .‬إذا كان

ت الط

رق‪ ،‬وال

سكك الحديدي

ة‪ ،‬والبن

وك‪ ،‬ودوائ

ر‬
‫التأمين‪ ،‬وشركات الم
ساھمة الكب
رى‪ ،‬والجامع
ات‪ ،‬والجمعي
ات الخيري
ة العام
ة‪ ،‬كلھ
ا‬

‫‪133‬‬
‫فروع من الحكومة؛ وإذا أصبحت المؤسسات البلدية والمجالس المحلية‪ ،‬بك
ل م
ا ينق
ل‬
‫إليھا اليوم ]من مسؤوليات[‪ ،‬أقساما م
ن اإلدارة المركزي
ة؛ وإذا ك
ان موظف
و ك
ل ھ
ذه‬
‫المؤسسات يعينون من قبل الحكومة‪ ،‬ويتلقون أجورھم منھا‪ ،‬وينظ
رون إل
ى الحكوم
ة‬
‫لك

ل ارتف

اع ف

ي المعي

شة؛ ف

ال حري

ة ال

صحافة وال التك

وين ال

شعبي الع

ام للمجل

س‬
‫التشريعي يستطيعان جعل ھذا البلد أو ذاك‪ ،‬بلدا حرا‪ ،‬إال باالس
م فق
ط‪ .‬وس
يكون ال
شر‬
‫اكبر‪ ،‬فكلما كان بناء اآللية اإلدارية بشكل أكث
ر كف
اءة وعلمي
ة‪ ،‬كلم
ا كان
ت الترتيب
ات‬
‫للحصول على األيادي والعقول األكثر كفاءة وأھلية للعمل فيه‪ ،‬أكثر مھارة‪.‬‬
‫ُ‬
‫اقترح في انجلترا مؤخرا أن يتم اختيار كل أعضاء الخدمة المدنية للحكومة من‬
‫خالل اختبار تنافسي‪ ،‬ألجل الح
صول عل
ى األش
خاص األكث
ر ذك
اء واألح
سن تعليم
ا‬
‫لشغل تلك الوظائف؛ وقد قيل الكثير وكتب الكثي
ر ل
صالح ھ
ذا االقت
راح أو ض
ده‪ .‬م
ن‬
‫الحجج التي ألح عليھا معارض
وه‪ ،‬ھ
ي أن وظيف
ة الموظ
ف الرس
مي الثاب
ت للدول
ة ال‬
‫تتضمن فرصا مالئمة من المكافأة واألھمية لتجذب المواھب أو الكف
اءات العلي
ا‪ ،‬الت
ي‬
‫س

تكون دائم

ا ق

ادرة عل

ى إيج

اد حي

اة عم

ل أكث

ر ج

ذبا ف

ي الوظ

ائف‪ ،‬أو ف

ي خدم

ة‬
‫الشركات واألجھزة العامة األخرى‪ .‬لن ي
ستغرب الم
رء ل
و أن ھ
ذا الج
دل ق
د اس
تخدم‬
‫م

ن قب

ل أص

دقاء ھ

ذا المقت

رح‪ ،‬كج

واب عل

ى ص

عوبته الرئي

سة‪ .‬ولك

ن قدوم

ه م

ن‬
‫المعارضين ينضوي على ما يكفي من الغرابة‪ .‬إن ما أثير على أن
ه اعت
راض ھ
و ف
ي‬
‫الواقع صمام األمان للنظام المقترح‪ .‬فإذا أمكن سحب كل المواھب العليا ف
ي البل
د إل
ى‬
‫خدمة الحكومة‪ ،‬فإن المقترح الذي يميل إلى تحقيق تلك النتيجة ق
د يثي
ر ع
دم االرتي
اح‬
‫أيضا‪ .‬لو أن كل قسم من تجارة المجتمع أو أعماله التي تتطلب تناغما منظم
ا‪ ،‬أو آراء‬
‫واسعة وشاملة‪ ،‬كان في أيادي الحكومة‪ ،‬ولو أن كل المناصب الحكومية قد شغلت من‬
‫قبل الرجال األكثر قدرة‪ ،‬فإن كل الثقافة الموسعة والذكاء المم
ارس ف
ي البل
د‪ ،‬م
ا ع
دا‬
‫التخمين
ي ال
صرف‪ ،‬س
يتركز ف
ي بيروقراطي
ة متع
ددة‪ ،‬وس
ينتظر بقي
ة أف
راد المجتم
ع‬
‫منھا فقط‪ ،‬القيام بكل األشياء‪ :‬كلما تعددت االتجاھات واالمالءات ف
ي ك
ل م
ا يتوج
ب‬
‫عل

يھم فعل

ه؛ كلم

ا أص

بحوا أكث

ر ق

درة وتطلع

ا نح

و التق

دم الشخ

صي‪ .‬إن ال

سماح‬

‫‪134‬‬
‫بالدخول في طبقات ھذه البيروقراطية‪ ،‬والتدرج فيھ
ا واالرتق
اء بع
د ال
سماح‪ ،‬س
يكون‬
‫الھدف الوحيد للطم
وح‪ .‬ف
ي ظ
ل ھ
ذا النظ
ام‪ ،‬ل
يس الجمھ
ور ال
ذي ف
ي الخ
ارج س
يء‬
‫التأھيل فحسب‪ ،‬الفتقاره إلى الخبرة العملية‪ ،‬لينتقد أو يدقق نمط العملية البيروقراطية‪،‬‬
‫بل حتى ْ‬
‫إن رفعت حوادث االش
تغال االس
تبدادي أو الطبيع
ي للمؤس
سات ال
شعبية ب
ين‬
‫حين وآخر‪ ،‬قائد أو قادة المي
ول اإلص
الحية إل
ى القم
ة‪ ،‬ف
إن أي إص
الح يتن
اقض م
ع‬
‫مصلحة البيروقراطية لن يتم تفعيله‪.‬‬
‫ھذه ھي الحالة الكئيبة لإلمبراطورية الروسية‪ ،‬كما ظھرت ف
ي رواي
ات ھ
ؤالء‬
‫ال

ذين أتيح

ت لھ

م الفرص

ة الكافي

ة للمالحظ

ة‪ .‬فالقي

صر نف

سه ض

عيف أم

ام الكي

ان‬
‫البيروقراطي؛ فھو يستطيع إرسال أي منھم إل
ى س
يبيريا ولكن
ه ال ي
ستطيع الحك
م م
ن‬
‫دونھم‪ ،‬أو بالضد من إرادتھم‪ .‬ففي كل مرسوم يصدر عنه‪ ،‬كان لديھم حق نق
ض‪ ،‬م
ن‬
‫خالل مج
رد االمتن
اع ع
ن تنفي
ذه‪ .‬أم
ا ف
ي البل
دان ذات الح
ضارة األكث
ر تق
دما‪ ،‬وذات‬
‫الروحية االنبعاثية‪ ،‬فإن الجماھير التي اعت
ادت عل
ى توق
ع أن تعم
ل الدول
ة ك
ل ش
يء‬
‫لھم‪ ،‬أو على األقل أن ال يفعلوا ش
يئا ألنف
سھم دون أن ي
سألوا الدول
ة‪ ،‬ل
يس أن تم
نحھم‬
‫إذنا بذلك فح
سب‪ ،‬ب
ل ي
سألونھا حت
ى ع
ن كيفي
ة القي
ام ب
ذلك ال
شيء‪ ،‬م
ن الطبيع
ي أن‬
‫تعتب

ر الدول

ة م

سؤولة ع

ن ك

ل ال

شر ال

ذي ق

د ين

زل بھ

م‪ ،‬وعن

دما يف

وق ال

شر ح

دود‬
‫صبرھم‪ ،‬فإنھم يثبون على الحكومة ويقومون بم
ا ي
سمى ب
الثورة؛ حي
ث يقف
ز ش
خص‬
‫آخ

ر‪ ،‬ب

سلطة ش

رعية م

ن األم

ة‪ ،‬أو ب

دونھا‪ ،‬إل

ى كرس

ي الحك

م‪ ،‬وي

صدر أوام

ره‬
‫للبيروقراطية‪ ،‬فيمضي كل شيء على ما كان عليه في السابق‪ ،‬وال ن البيروقراطية ال‬
‫تتغير‪ ،‬فإن أي شخص يستطيع أن يحل محلھم‪.‬‬

‫مشھد آخر مختلف جدا‪ُ ،‬يعرض بين الن


اس ال
ذين اعت
ادوا عل
ى ت
داول أعم
الھم‬
‫بأنفسھم‪ .‬في فرنسا‪ ،‬قسم كبي
ر م
ن ال
شعب ك
ان داخ
ل ف
ي الخدم
ة الع
سكرية‪ ،‬والعدي
د‬
‫مفوض‪ ،‬ھنالك في كل تم
رد ع
دة أش
خاص‬
‫منھم يشغلون على األقل رتبة ضابط غير ّ‬
‫مؤھلين لتولي القيادة وارتجال خطة عمل ممكنة التحم
ل‪ .‬إن م
ا علي
ه ح
ال الفرن
سيين‬

‫‪135‬‬
‫في الشؤون العسكرية‪ ،‬ھو حال األمريكيين ف
ي ك
ل ن
وع م
ن أن
واع األعم
ال المدني
ة؛‬
‫دعھم يصبحوا بال حكومة‪ ،‬وسيكون كل فرد من األمريكان قادرا على ارتجال واحدة‪،‬‬
‫ومواصلة ذلك العمل‪ ،‬أو أي عمل عام آخر بمقدار كاف من الذكاء‪ ،‬والنظام‪ ،‬والقرار‪.‬‬
‫ھذا ما ينبغي أن يكون عليه كل شعب‪ :‬والشعب القادر على ھ
ذا األم
ر ھ
و ش
عب ح
ر‬
‫بال شك؛ لن يترك نفسه ليستعبد من قب
ل أي رج
ل أو كي
ان م
ن الرج
ال ألنھ
م ق
ادرين‬
‫على اإلمساك بلجام اإلدارة المركزية‪ ،‬وسحبه‪.‬‬
‫ال ت

ستطيع أي بيروقراطي

ة أن تمن

ي نف

سھا بجع

ل مث

ل ھ

ذا ال

شعب يفع

ل أو‬
‫يتحمل أي شيء ھو ال يريده‪ .‬ولكن عندما يتم فعل كل شيء من خ
الل البيروقراطي
ة‪،‬‬
‫فإن أي شيء تعاكسه البيروقراطية وتعاديه ال يمكن أن ي
تم عل
ى اإلط
الق‪ .‬إن تك
وين‬
‫مثل ھذه البلدان ھو تنظيم للخبرة والقدرة العملية لألمة‪ ،‬في كيان منظم م
ن اج
ل حك
م‬
‫اآلخرين؛ وكلما كانت تلك المنظمة أكثر كماال‪ ،‬كلما كان
ت أكث
ر نجاح
ا ف
ي أن تج
ذب‬
‫ّ‬
‫وتعلمھ

م‬ ‫إليھ

ا األش

خاص ال

ذين يمتلك

ون الق

درة األكب

ر وم

ن ك

ل طبق

ات المجتم

ع‪،‬‬
‫ل

صالحھا‪ ،‬وكلم

ا أص

بح القي

د عل

ى الجمي

ع‪ ،‬بم

ا ف

يھم أع

ضاء البيروقراطي

ة‪ ،‬أكث

ر‬
‫ّ‬
‫الحك

ام ھ

م عبي

د لمنظم

تھم ونظ

امھم‪ ،‬مثلم

ا المحكوم

ون عبي

د للحك

ام‪.‬‬ ‫اكتم

اال‪ .‬إذ أن‬


‫فالمسؤول الصيني ھو مجرد أداة ومخل
وق م
ن مخلوق
ات االس
تبداد‪ ،‬ش
أنه ب
ذلك ش
أن‬
‫ابسط الفالحين‪ .‬و الفرد اليسوعي ھو عب
د لنظام
ه إل
ى أق
صى درج
ات االھان
ة‪ ،‬عل
ى‬
‫الرغم من أن النظام نفسه موجود ألجل القوة الجمعية وأھمية أعضائه‪.‬‬
‫ال ينبغ

ي أن نن

سى أي

ضا أن امت

صاص ك

ل الق

درة الرئي

سية للبل

د ف

ي الكي

ان‬
‫الحاكم ھو شيء مھلك‪ ،‬عاجال أم آجال‪ ،‬للن
شاط العقل
ي والتقدمي
ة ف
ي الكي
ان نف
سه‪ .‬إن‬
‫الكي

ان الرس

مي‪ ،‬المتوح

د م

ع بع

ضه كم

ا ھ

و علي

ه – م

شكال نظام

ا‪ ،‬ك

سائر أن

واع‬
‫األنظمة‪ ،‬يمضي بالضرورة‪ ،‬وإلى درجة كبيرة‪ ،‬بواسطة القواعد الثابت
ة— ھ
و تح
ت‬
‫االنجذاب المستمر نح
و تغ
رق ف
ي ال
روتين الك
سول‪ ،‬أو إذا م
ا ھج
روا دائ
رة ح
صان‬
‫الطاحونة تلك بين الحين واآلخر‪ ،‬فاإلس
راع نح
و ف
ضاضة ن
صف مفحوص
ة ض
ربت‬
‫خي

ال أح

د األع

ضاء القي

اديين ف

ي الھيئ

ة‪ :‬وكان

ت الرقاب

ة الوحي

دة عل

ى ھ

ذه المي

ول‬

‫‪136‬‬
‫المتحالفة بشكل مباشر‪ ،‬على الرغم من أنھا تبدو متعاكسة‪ ،‬والحافز الوحيد الذي يمكن‬
‫أن يبقي إمكاني
ة الكي
ان نف
سه عن
د معي
ار مرتف
ع‪ ،‬ھ
ي الم
سؤولية القانوني
ة تج
اه النق
د‬
‫المت

يقظ ذي الق

درة الم

ساوية خ

ارج الكي

ان‪ .‬ل

ذلك‪ ،‬ال غن

ى ع

ن وج

ود تل

ك الوس

يلة‪،‬‬
‫ب

شكل م

ستقل ع

ن الحكوم

ة‪ ،‬لتك

وين مث

ل ھ

ذه الق

درة‪ ،‬وتأثيثھ

ا ب

الفرص والخب

رات‬
‫الضرورية للحكم الصحيح على الشؤون العملية‪.‬‬
‫وكفوء من الم
وظفين‪ ،‬وعل
ى نح
و دائ
م – وف
وق ك
ل‬
‫ً‬ ‫إذا ما امتلكنا كيانا ماھرا‬
‫ش

يء‪ ،‬كي

ان ق

ادر عل

ى التأس

يس وراغ

ب ف

ي تبن

ي التط

ويرات؛ إذا ل

م تنح

در‬
‫بيروقراطيتنا إلى مجرد حذلقة‪ ،‬فعلى ھذا الكيان أن ال يجتذب إلي
ه ك
ل الوظ
ائف الت
ي‬
‫ّ‬
‫تشكل وتنمي القدرات الالزمة لحكومة البشرية‪.‬‬

‫إن تحدي

د النقط

ة الت

ي تب

دأ عن

دھا ال

شرور المرعب

ة ج

دا للحري

ة الب

شرية‬
‫والتط

ور‪ ،‬أو ب

األحرى الت

ي يب

دأون عن

دھا بال

سيطرة عل

ى الم

صالح الت

ي تراف

ق‬
‫التطبيق الجمعي لقوة المجتمع‪ ،‬تحت ظل رؤسائه المعترف بھم‪ ،‬ألج
ل إزال
ة العوائ
ق‬
‫التي تقف في طريق رفاھيت
ه؛ وض
مان اكب
ر ق
در ممك
ن م
ن امتي
ازات الق
وة وال
ذكاء‬
‫المركزيين‪ ،‬كما يمكن الح
صول علي
ه دون تحوي
ل ق
سما كبي
را م
ن الن
شاط الع
ام إل
ى‬
‫القنوات الحكومية—ھي واحدة من أصعب المسائل وأكثرھ
ا تعقي
دا ف
ي ف
ن الحكوم
ة‪.‬‬
‫إنھ

ا م

سألة تفاص

يل‪ ،‬إل

ى ح

د كبي

ر‪ ،‬ال ب

د فيھ

ا م

ن اخ

ذ اعتب

ارات عدي

دة ومتنوع

ة‬
‫بالح

سبان‪ ،‬وال يمك

ن فيھ

ا وض

ع قاع

دة مطلق

ة‪ .‬ولكن

ي اعتق

د أن المب

دأ العمل

ي ال

ذي‬
‫يستقر فيه األمن‪ ،‬المثال ال
ذي ال ب
د م
ن أن يبق
ى ف
ي الح
سبان‪ ،‬والمعي
ار ال
ذي تختب
ر‬
‫بموجب

ه ك

ل الت

دابير الم

راد بھ

ا التغل

ب عل

ى ال

صعوبة‪ ،‬يمك

ن التعبي

ر عن

ه ف

ي ھ

ذه‬
‫الكلمات‪ :‬إن اكبر نشر للقوة يتسق مع الكفاءة مع اكبر مركزية ممكنة للمعلوم
ات‪ ،‬ث
م‬
‫يتم نشرھا من المركز‪ .‬وھك
ذا‪ ،‬س
يكون ف
ي اإلدارة البلدي
ة ‪ ،‬كم
ا ف
ي والي
ات انجلت
را‬
‫الجديدة‪ ،‬تقسيم دقيق جدا بين الموظفين المنف
صلين‪ ،‬المخت
ارين م
ن قب
ل ال
ضواحي أو‬
‫ّ‬
‫يفضل تركھا إلى األشخاص المنتفعين منھا ب
صورة‬ ‫المناطق‪ ،‬في كل األعمال التي ال‬

‫‪137‬‬
‫مباشرة؛ ولكن باإلضافة إلى ھذا‪ ،‬ستكون ھناك السلطة مركزية عليا‪ ،‬في كل قسم م
ن‬
‫الشؤون المحلية‪ ،‬تشكل ق
سما م
ن الحكوم
ة العام
ة‪ .‬ويرك
ز جھ
از ھ
ذه ال
سلطة العلي
ا‪،‬‬
‫كم

ا ف

ي ب

ؤرة‪ ،‬المعلوم

ات والخب

رات المتنوع

ة الم

ستقاة م

ن س

لوك ذل

ك الف

رع م

ن‬
‫األعمال العامة ف
ي ك
ل المن
اطق المحلي
ة‪ ،‬م
ن ك
ل ش
يء م
شابه أو من
اظر يح
دث ف
ي‬
‫البل

دان األجنبي

ة‪ ،‬وم

ن المب

ادئ العام

ة للعل

وم ال

سياسية‪ .‬يج

ب أن يمتل

ك ھ

ذا الجھ

از‬
‫المركزي الحق في معرفة كل ما ت
م فعل
ه‪ ،‬ويج
ب أن يك
ون واجب
ه الخ
اص ھ
و جع
ل‬
‫المعرف
ة الت

ي ت

م لح

صول عليھ
ا ف

ي مك

ان م

ا‪ ،‬مت
وفرة لآلخ

رين‪ .‬وألن

ه متح

رر م

ن‬
‫االنحيازات الوضيعة واآلراء الضيقة للمنطقة المحلية من خالل وضعيته السامية وفق‬
‫مالحظته الشاملة‪ ،‬فإن نصيحته ستحمل بشكل طبيعي المزيد من ال
سلطة؛ ولك
ن قوت
ه‬
‫الحقيقي

ة‪ ،‬كمؤس

سة دائمي

ة‪ ،‬يج

ب أن تك

ون مح

ددة‪ ،‬كم

ا اعتق

د‪ ،‬بإجب

ار الم

سؤولين‬
‫المحلي

ين عل

ى طاع

ة الق

وانين الت

ي وض

عت إلرش

ادھم‪ .‬ف

ي ك

ل األش

ياء غي

ر‬
‫المن

صوص عليھ

ا ف

ي تل

ك الق

وانين العام

ة‪ ،‬يج

ب أن يت

رك الم

سؤولين ألحك

امھم‬
‫الخاص

ة‪ ،‬ف

ي ظ

ل م

سؤوليتھم نح

و ن

اخبيھم‪ .‬أم

ا بالن

سبة النتھ

اك القواع

د‪ ،‬فيكون

ون‬
‫مسؤولين أمام القانون‪ ،‬والقواعد نفسھا يج
ب أن توض
ع م
ن قب
ل المجل
س الت
شريعي؛‬
‫أما السلطة اإلدارية المركزية فتراقب تنفيذھا‪ ،‬وإذا لم يتم وضعھا حيز التنفيذ‪ ،‬فتلتمس‬
‫المحاكم لتنفيذ القانون‪ ،‬بحسب طبيعة القضية‪ ،‬أو ال
دوائر االنتخابي
ة لف
صل الم
وظفين‬
‫الذين لم ينفذوه حسب روحيته‪ .‬ھكذا ھي السلطة العليا‪ ،‬من حي
ث المفھ
وم الع
ام‪ ،‬الت
ي‬
‫ينوي مكتب قانون الفقراء تنفيذھا على مديري نسبة الفقراء في عموم البلد‪ .‬كل س
لطة‬
‫يمارس

ھا المكت

ب بع

د ھ

ذا الح

د‪ ،‬ھ

ي س

لطات ص

حيحة وض

رورية ف

ي تل

ك الق

ضية‬
‫بالذات‪ ،‬م
ن أج
ل معالج
ة الع
ادات المتج
ذرة ف
ي س
وء اإلدارة ف
ي الق
ضايا الت
ي ت
ؤثر‬
‫بعمق ليس فقط على النواحي أو الدوائر المحلية‪ ،‬بل عل
ى المجتم
ع بأس
ره؛ طالم
ا أن
ه‬
‫ما من دائرة محلي
ة تمتل
ك حق
ا أخالقي
ا ف
ي أن تجع
ل نف
سھا ُع
شا للفق
ر الم
ستديم‪ ،‬م
ن‬
‫خالل سوء اإلدارة‪ ،‬ليتدفق بال
ضرورة إل
ى ال
دوائر األخ
رى‪ ،‬وت
ضعف ب
ذلك الوض
ع‬
‫األخالقي والمادي للمجتمع العامل برمته‪ .‬على ال
رغم م
ن أن س
لطات الق
سر اإلداري‬

‫‪138‬‬
‫والتشريع الم
ساند ال
ذي يمتلك
ه مكت
ب ق
انون الفق
ر )ولكنھ
ا نتيج
ة لحال
ة ال
رأي ح
ول‬
‫الموض

وع‪ ،‬تم

ارس ب

شكل ض

ئيل ج

دا م

ن ق

بلھم(‪ ،‬مب

ررة ب

شكل كام

ل ف

ي حال

ة‬
‫المصلحة القومي
ة العلي
ا‪ ،‬إال أنھ
ا س
تكون ف
ي غي
ر موض
عھا تمام
ا ف
ي س
لطة الرقاب
ة‬
‫العليا على المصالح المحلي
ة المح
ضة‪ .‬ولك
ن الجھ
از المرك
زي للمعلوم
ات واإلرش
اد‬
‫لكل الدوائر المحلية‪ ،‬سيكون قيما بشكل مساو في كل أقسام اإلدارة‪ .‬ال يمكن للحكوم
ة‬
‫أن تمتل

ك الكثي

ر م

ن أن

واع األن

شطة الت

ي ال تعرق

ل جھ

د الف

رد وتط

وره‪ ،‬ب

ل تدعم

ه‬
‫وتحفزه‪ .‬يبدأ الضرر عندما تستبدل )الحكوم
ة( ن
شاطھا بن
شاطھم‪ ،‬ب
دال م
ن اس
تدعاء‬
‫أنشطة وقوى األفراد واألجھزة؛ عندما تجعلھم يعملون تحت القيود‪ ،‬بدال من اإلع
الم‪،‬‬
‫والنصح‪ ،‬واالستنكار في بعض األحي
ان‪ ،‬أو ت
أمرھم ب
أن يتنح
وا جانب
ا‪ ،‬فتق
وم بعملھ
م‬
‫ب

دال ع

نھم‪ .‬إن قيم

ة الدول

ة‪ ،‬عل

ى الم

دى البعي

د‪ ،‬ھ
ي قيم

ة األف

راد ال

ذين يؤلفونھ

ا؛‬
‫والدولة التي تؤجل مصالح توسعھم ورقيھم العقلي‪ ،‬ألجل قلي
ل م
ن المھ
ارة اإلداري
ة‪،‬‬
‫أو شبيھتھا التي توفرھا الممارسة‪ ،‬في تفاصيل األعم
ال‪ ،‬والدول
ة الت
ي ّ‬
‫تق
زم رجالھ
ا‪،‬‬
‫من أجل أن يصبحوا أدوات طيعة بيديھا حتى ْ‬
‫وإن كان ذلك من اجل الغايات المفيدة –‬
‫ستجد أنھا بالرجال الصغار ال يمكن إنجاز شيئا كبيرا؛ وإن كمال المكننة التي ضحت‬
‫بكل شيء ألجلھا‪ ،‬س
وف ل
ن يج
ديھا نفع
ا ف
ي آخ
ر المط
اف‪ ،‬الفتقارھ
ا للق
وة الحيوي
ة‬
‫التي ّ‬
‫فضلت أن تبعدھا‪ ،‬ألجل أن تتمكن اآللة من العمل بسھولة ويسر‪.‬‬

‫‪139‬‬

You might also like