Professional Documents
Culture Documents
About Freedom
About Freedom
About Freedom
www.minbaralhurriyya.org
1
א
www.minbaralhurriyya.org
2
On Liberty
Copyright© 2007 by Minbaralhurriyya.org
All rights reserved
عن الحرية
جون ستيوارت ميل:تأليف
ھيثم كامل الزبيدي. د:ترجمة
2007 الطبعة األولى
حقوق الطبع محفوظة
منبر الحرية
All rights reserved. No part of this book may be reproduced in any form or by any
means without the prior permission of Minbaralhurriyya Team.
0Qdij:،J@2Bא/ @2b`،k1l
.b&&m+@אאU8א5;-jn!":." )אY1f3Mgh3D)א7Z
" )אY1V" A/V
3
א
"! ;
#<9 ::
4
الفصل األول
5D
موض
وع ھ
ذا المق
ال ھ
و م
ا ي
سمى بحري
ة اإلرادة ،الت
ي تع
ارض ،ل
سوء
الح
ظ ،م
ذھب ال
ضرورة الطبيعي
ة ذات الت
سمية المغلوط
ة ،ب
ل إن موض
وعھا ھ
و
الحرية المدنية ،أو االجتماعية :طبيعة وحدود السلطة الت
ي يمك
ن أن تم
ارس ،ب
شكل
ش
رعي ،عل
ى الف
رد م
ن قب
ل المجتم
ع .وھ
ي ق
ضية ن
ادرا م
ا أف
صح عنھ
ا ،وقلم
ا
نوقشت ،بشكل ع
ام ،ولكنھ
ا ت
ؤثر ب
شكل عمي
ق عل
ى الخالف
ات العملي
ة للع
صر ،م
ن
خ
الل ح
ضورھا الم
ستتر ،وم
ن المحتم
ل أن س
رعان م
ا تجع
ل م
ن نف
سھا ق
ضية
المستقبل الفاعلة .إنھا لبعيدة جدا عن أن تكون جديدة ،فقد ّ
قسمت ،بطريقة أو ب
أخرى،
البشرية منذ أقدم العصور؛ ولك
ن ف
ي مراح
ل التط
ور الت
ي دخل
ت فيھ
ا اآلن األج
زاء
األكث
ر تح
ضرا م
ن الج
نس الب
شري ،أص
بحت تق
ّ
دم نف
سھا تح
ت ظ
روف جدي
دة،
وتتطلب معالجة مختلفة وأكثر جوھرية.
اريخ المألوف
ة ل
دينا من
ذ الق
دم ،وال س
يما ف
ي اليون
ان وروم
ا وانجلت
را .ولك
ن ف
ي
الع
صور القديم
ة ،ك
ان ھ
ذا ال
صراع ب
ين الم
واطنين ،أو بع
ض طبق
ات الم
واطنين،
والحكومة .كان يقصد بالحرية ) (libertyالحماي
ة م
ن طغي
ان الق
ادة ال
سياسيين .ك
ان
ينظر إليھم )ما عدا في بع
ض الحكوم
ات ال
شعبية ف
ي اليون
ان( ،عل
ى أنھ
م ف
ي وض
ع
5
عدائي بالضرورة ،أو في موضع الخصم من الناس ال
ذين يحكم
ونھم .ك
انوا يتكون
ون
م
ن الح
اكم الواح
د ،أو القبيل
ة أو الطائف
ة الحاكم
ة ،مھم
ا كان
ت الت
دابير االحترازي
ة
المتخ
ذة ض
د ممارس
تھم القمعي
ة .كان
ت ق
وتھم تعتب
ر ض
رورية ،ولك
ن خطي
رة ج
دا
أي
ضا؛ بوص
فھا س
الحا يح
اولون اس
تخدامه ض
د أبن
اء ش
عبھم ،كم
ا ي
ستخدمونه ض
د
األعداء الخارجيين .وألجل حماية ال
ضعفاء م
ن ب
ين أع
ضاء المجتم
ع م
ن أن يكون
وا
فريسة لعدد ال حصر له من الكواسر ،كان ال بد م
ن وج
ود حي
وان مفت
رس أق
وى م
ن
اآلخ
رين ،مھمت
ه أن ي
سيطر عل
يھم .ولك
ن بم
ا أن مل
ك الكواس
ر ل
يس بأق
ل نزع
ة
الفتراس القطيع من أي مفترس صغير آخر ،ال مناص من اللجوء إل
ى موق
ف دف
اعي
دائمي ضد منقاره ومخالبه .لذلك ،كان ھدف ال
وطنيين ھ
و وض
ع ح
دود لل
سلطة الت
ي
سيعاني المجتمع من ممارسة القائد لھا ،وھذا التحديد ھو ما قصدوه بكلمة الحرية .وقد
ت
م ال
سعي إليھ
ا بط
ريقتين .األول
ى ،م
ن خ
الل الح
صول عل
ى اعت
راف ب
بعض
الحصانات ،والتي يطلق عليھا اسم الحريات أو الحق
وق ال
سياسية ،الت
ي ك
ان انتھاكھ
ا
من قبل الحاكم ّ
يعد خرقا للواجب ،والتي إذا ما انتھكھا الحاكم ،فإن المقاوم
ة المح
ددة،
أو التمرد أو العصيان العام ،ستكون مبررة .أم
ا الوس
يلة الثاني
ة ،وھ
ي مت
أخرة ب
شكل
ع
ام ،فھ
ي تأس
يس نق
اط المراقب
ة الدس
تورية ،والت
ي م
ن خاللھ
ا أص
بحت موافق
ة
لزم
ا
المجتمع ،أو الكيان أيا كان نوعه ،والذي يفترض به أن يمثل م
صالحه ،ش
رطا ُم ِ
لبعض أفعال السلطة الحاكمة األكثر أھمية .بالنسبة للنمط األول من ھذين النمطين من
التحديد ،كانت السلطة الحاكمة في معظم بلدان أوربا مجبرة على الخضوع لھا ،بشكل
أو بآخر .ولكن الحال لم يكن كذلك م
ع ال
نمط الث
اني؛ وأص
بح الھ
دف ال
رئيس لمحب
ي
الحرية في كل مكان ھو الحصول على ذلك ،أو عندما يكون ھذا قد أنجز مسبقا ب
شكل
جزئي ،فالحصول عليه بالكامل .طالما كان البشر مقتنعين بمنازلة األعداء الواحد تل
و
اآلخر ،وأن يخ
ضعوا لحك
م س
يد واح
د ،ش
رط وج
ود م
ا ي
ضمن حم
ايتھم ،عل
ى نح
و
فعال بشكل أو بآخر ،من طغيانه وتسلطه ،ف
إن تطلع
اتھم ل
م تك
ن ترم
ي إل
ى ابع
د م
ن
ھذه النقطة.
6
ٌ
زمن في تطور الشؤون اإلنسانية أص
بح في
ه الن
اس ال وعلى كل حال ،فقد جاء
يرون ضرورة طبيعية في وجوب أن يكون حكامھم س
لطة م
ستقلة ،مناھ
ضة لھ
م ف
ي
الم
صالح .وب
دا لھ
م م
ن األف
ضل بكثي
ر أن ي
صبح الحك
ام المتع
ددون للوالي
ة مج
رد
مستأجرين من قبلھم أو من
دوبين لھ
م ،يمك
ن ع
زلھم وإلغ
اء ص
الحيتھم ف
ي أي وق
ت.
بھذه الطريقة فقط ،كما يبدو ،كان بوسعھم امتالك ضمان كامل ب
أن س
لطات الحكوم
ة
لن تتعرض لسوء االستخدام بما ي
ضر بم
صالحھم .أص
بح ھ
ذا المطل
ب الجدي
د بحك
ام
منتخبين ومؤقتين ،وبدرجات متفاوتة ،الھ
دف األب
رز لجھ
ود الح
زب ال
شعبي ،حيثم
ا
وجد ھذا الحزب ،وقد حل ،إل
ى ح
د م
ا ،مح
ل الجھ
ود ال
سابقة لتحدي
د س
لطة الحك
ام.
وباستمرار الصراع لجع
ل ال
سلطة الحاكم
ة تنبث
ق م
ن االختي
ار ال
دوري لل
شعب ،ب
دأ
بعض األشخاص يعتقدون بأن أھمية كبيرة جدا قد ألحقت بتحديد ال
سلطة بال
ذات .ك
ان
ذلك ) ،كما قد يبدو( مصدرا ضد الحكام الذين اعتادت مصالحھم أن تع
ارض م
صالح
الشعب .ما كان ناقصا آنذاك ،ھو أن يتم تعريف الحكام مع الشعب ،ووجوب أن تكون
م
صلحتھم وإرادتھ
م ھ
ي م
صلحة األم
ة وإرادتھ
ا .ال تحت
اج األم
ة م
ا يحميھ
ا م
ن
إرادتھا .وليس ھناك من خوف من طغيانھا على نفسھا .دع الحك
ام يكون
ون م
سؤولين
بشكل فاعل عنھا ،ق
ابلين للع
زل الف
وري م
ن قبلھ
ا ،س
يكون بوس
عھا أن ت
أتمنھم عل
ى
السلطة التي يمكنھا أن تملي بنفسھا االستخدام الذي يجب القيام ب
ه .لي
ست س
لطتھم إال
سلطة األمة ،مركزة ،وبشكل سھل الممارسة .كان ھذا ال
نمط م
ن التفكي
ر ،وربم
ا م
ن
الشعور ،ش
ائعا ب
ين أوس
اط الجي
ل األخي
ر م
ن الليبرالي
ة األوربي
ة ،ف
ي الق
سم الق
اري
الذي ال زالت ت
سيطر علي
ه ب
شكل واض
ح .إن ھ
ؤالء ال
ذين ّ
يق
رون بوج
ود ح
دود لم
ا
يحق للحكومة أن تفعل ،ما عدا في حالة تلك الحكومات التي ي
رون ب
أن ع
دم وجودھ
ا
س
يكون أف
ضل ،يب
رزون عل
ى أنھ
م اس
تثناءات المع
ة ب
ين مفك
ري الق
ارة ال
سياسيين.
نغمة من العاطفة المشابھة ربما تكون قد سادت في بلدنا ،لو أن الظروف ق
د اس
تمرت
دون تغيير.
7
ولكن ،ف
ي حال
ة النظري
ات ال
سياسية والفل
سفية ،وف
ي حال
ة األش
خاص ك
ذلك،
يقوم النجاح بالكشف عن األخطاء ونقاط الضعف التي يمكن أن يكون الفشل قد خبأھ
ا
عن األنظار .إن النقطة القائل
ة ب
أن الن
اس لي
سوا بحاج
ة ألن يح
دوا م
ن س
لطتھم عل
ى
أنفسھم ،قد تبدو فكرة بديھية ،عندما كانت الحكومة الشعبية شيئا يحل
م ب
ه الن
اس فق
ط،
أو يق
رؤون ع
ن وج
وده ف
ي فت
رة م
ن فت
رات الماض
ي .كم
ا أن ھ
ذه الفك
رة ل
م تقلقھ
ا
بالضرورة انحرافات مؤقتة كتلك التي جاءت بھا الثورة الفرنسية ،والتي كان أسوأ م
ا
فيھا ھ
و م
ن فع
ل فئ
ة قليل
ة م
ن المغت
صبين ،والت
ي كان
ت تع
ود ،عل
ى ك
ل ح
ال ،إل
ى
ان
دالع مف
اجئ مت
شنج ض
د االس
تبداد االرس
تقراطي الملك
ي ،ول
يس للعم
ل ال
دائم
للمؤسسات الشعبية .وعلى كل حال ،عن
دما ج
اءت جمھوري
ة ديمقراطي
ة لتحت
ل ق
سما
كبيرا من وجه األرض ،جعلت اآلخرين ي
شعرون بأنھ
ا واح
دة م
ن األع
ضاء األق
وى
م
ن مجتم
ع األم
م؛ وأص
بحت الحكوم
ة المنتخب
ة والم
سؤولة خاض
عة للمالحظ
ات
واالنتقادات التي تخدم حقيقة عظيمة متواجدة فعال .أصبح من المدرك آنذاك أن بعض
العبارات ك
ـ"الحكوم
ة الذاتي
ة "،و "س
لطة الن
اس عل
ى أنف
سھم" ال ّ
تعب
ر ع
ن الوض
ع
الحقيق
ي للق
ضية .ف
ـ"الن
اس" ال
ذين يمارس
ون ال
سلطة لي
سوا دائم
ا نف
س الن
اس ال
ذين
تمارس السلطة عليھم؛ و"الحكومة الذاتي
ة" الت
ي يحك
ى عنھ
ا لي
ست حكوم
ة ك
ل ف
رد
بواسطة نفسه ،بل كل فرد بواسطة اآلخرين .إضافة إل
ى ذل
ك ،ف
إن إرادة الن
اس تعن
ي
من الناحية العملية إرادة القسم األكبر ع
ددا أو األكث
ر ن
شاطا م
ن الن
اس؛ األغلبي
ة ،أو
ھ
ؤالء ال
ذين ينجح
ون ف
ي جع
ل أنف
سھم مقب
ولين كأغلبي
ة؛ وبالت
الي ف
إن الن
اس ق
د
يرغبون في قمع جزء من أعدادھم؛ ھن
اك حاج
ة للت
دابير االحترازي
ة للوقاي
ة م
ن ھ
ذا
األمر بقدر الحاجة إليھ
ا للوقاي
ة م
ن إس
اءة اس
تخدام ال
سلطة .ل
ذلك ،ف
إن تحدي
د س
لطة
الحكومة على األفراد ال تفقد شيئا من أھميتھا عندما يعتبر أصحاب السلطة م
سؤولون
أمام المجتمع ،أي أمام الط
رف األق
وى ف
ي األم
ر ،وب
شكل دوري من
تظم .م
ا كان
ت
ھ
ذه النظ
رة لألش
ياء ،الت
ي تناش
د ،عل
ى ح
د س
واء ،ذك
اء المفك
رين و مي
ل الطبق
ات
8
المھم
ة ف
ي المجتم
ع األورب
ي الت
ي تع
ارض الديمقراطي
ة م
صالحھم الحقيقي
ة أو
المفترضة ،ما كانت تواجه صعوبة في تأسيس نفسھا؛ وفي التكھنات ال
سياسية أص
بح
"طغيان األغلبية" يندرج اآلن بشكل عام بين الشرور التي عل
ى المجتم
ع أن يحت
رس
منھا.
وكما ھو حال أش
كال الطغي
ان األخ
رى ،ك
ان طغي
ان األغلبي
ة من
ذ البداي
ة ،وال
يزال ،مؤسسا على الرعب ،بشكل رئيسي من خالل اشتغاله )أي الطغيان( في أعم
ال
ال
سلطات العام
ة .ولك
ن المت
أملين م
ن الن
اس أدرك
وا أن
ه عن
دما يك
ون المجتم
ع نف
سه
طاغيا متسلطا—المجتمع بصورة جماعية ،على األفراد المنفردين الذين يؤلف
ون ذل
ك
المجتمع—فإن وسائله في الطغيان والتسلط ليست مقتصرة على األعمال الت
ي يمكن
ه
فعلھا على يد موظفيه .يستطيع المجتمع أن ينفذ تفويضاته ،بل أنه يفعل ذلك حق
ا :وإذا
ما أصدر تفويضات خاطئة بدال من التفويضات الصائبة ،أو أية تفويضات كانت ،ف
ي
األمور التي ال ينبغي له أن يتدخل فيھا ،فإنه – أي المجتمع – يمارس طغيانا اجتماعيا
أكثر ھوال من العديد من أنواع القمع السياسي ،طالما أنه ،ب
الرغم م
ن ع
دم تأيي
ده م
ن
قبل مثل ھ
ذه العقوب
ات المتطرف
ة ،إال ان
ه ل
م يت
رك إال القلي
ل م
ن مناف
ذ الھ
رب ،ناف
ذا
بشكل عميق إلى تفاصيل الحي
اة ،م
ستعبدا ال
روح نف
سھا .ل
ذا ف
إن الحماي
ة م
ن طغي
ان
الملك أو الح
اكم ل
يس بال
شيء الك
افي :ھنال
ك حاج
ة للحماي
ة أي
ضا م
ن طغي
ان ال
رأي
وال
شعور ال
سائدين ،م
ن نزع
ة المجتم
ع نح
و ف
رض أفك
اره وممارس
اته الخاص
ة،
وبوسائل غي
ر العقوب
ات المدني
ة ،عل
ى أنھ
ا قواع
د س
لوك عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين ين
شقون
عنھا؛ لتكبيل التطور ،وإذا أمك
ن ،فمن
ع ت
شكيل أي
ة فردي
ة ال تتن
اغم م
ع طرق
ه— أي
ط
رق المجتم
ع— وتجب
ر جمي
ع أشخاص
ه عل
ى أن يكيّف
وا أنف
سھم ح
سب نموذج
ه
الخاص .ھنالك حد للتدخل الشرعي للرأي الجمعي باالستقالل الف
ردي :إن إيج
اد ذل
ك
الح
د ،وص
يانته م
ن االنتھ
اك ،لھ
و ش
يء ال غن
ى عن
ه ألج
ل وض
ع جي
د لل
شؤون
اإلنسانية ،شأنه شأن الحماية من االستبداد السياسي.
9
ولكن على الرغم من أن ھذا المقترح ليس من المحتمل أن يك
ون موض
ع ن
زاع
ب
المنظور الع
ام ،ف
إن ال
سؤال العمل
ي ح
ول أي
ن ن
ضع الح
د – كي
ف نق
وم بالموائم
ة
المناسبة بين استقالل الفرد والسيطرة االجتماعي
ة – ھ
و الموض
وع ال
ذي م
ا زال ك
ل
شيء فيه بحاجة إلى إكم
ال .إن ك
ل م
ا يجع
ل الوج
ود ّ
قيم
ا ل
دى أي ف
رد ،يعتم
د عل
ى
تفعيل وتنفيذ القيود على أفعال الناس اآلخرين .ل
ذلك ،ف
إن بع
ض القواع
د ال
سلوكية ال
بد أن ُ َ
تفرض ،بالقانون في المقام األول ،وبالرأي في العديد من األشياء الت
ي ال تك
ون
مواضيع مالئمة الشتغال القانون .والسؤال الرئيس في الشؤون اإلنسانية ھو :ما الذي
يجب أن تكون عليه تل
ك القواع
د ،ولك
ن إذا م
ا اس
تثنينا بع
ضا م
ن الق
ضايا الواض
حة
جدا ،فإن واحدة من بين تلك القضايا لم يشھد حلھ
ا إال الح
د األدن
ى م
ن التق
دم .م
ا م
ن
عصرين على اإلطالق ،وم
ن الن
ادر أن تج
د اثن
ين م
ن البل
دان ،أي
ا كان
ا ،ق
د ح
سماھا
على نفس الغ
رار؛ كم
ا أن ق
رار أي ع
صر أو بل
د يك
ون أعجوب
ة بالن
سبة لآلخ
ر .م
ع
ذلك فإن الناس ،في أي عصر أو بلد كان ،ما عادوا يشككون بوجود أية صعوبة فيھ
ا،
أكث
ر مم
ا ل
و أنھ
ا ق
د كان
ت موض
وعا كثي
را م
ا اتفق
ت علي
ه الب
شرية .فالقواع
د الت
ي
أسست ما بينھم تبدو لھم واضحة ومبررة للذات .إن ھذا الوھم العالمي تقريبا ھ
و أح
د
األمثلة على التأثير السحري للع
ادة ،الت
ي ھ
ي لي
ست طبيع
ة ثاني
ة فح
سب ،كم
ا يق
ول
المثل ،بل كثيرا م
ا يعتق
د خط
أ ً بأنھ
ا ]ال
سجية األول
ى[ .إن ت
أثير الع
ادة ،ف
ي من
ع أي
تخوف أو شك يتعلّق بقواعد السلوك التي تفرضھا البشرية على بع
ضھا ال
بعض ،لھ
و
ت
أثير كام
ل ألن الموض
وع ھ
و أح
د المواض
يع الت
ي ال ُ َ
يعتق
د في
ه عموم
ا ب
ضرورة
إعط
اء األس
باب ،أم
ا م
ن ط
رف ش
خص واح
د لآلخ
رين ،أو م
ن ط
رف ك
ل ش
خص
لنف
سه .اعت
اد الن
اس عل
ى االعتق
اد ،وھك
ذا ش
جعھم بع
ض م
ن ال
ذين يتطلع
ون ل
صفة
الفالسفة ،ب
أن م
شاعرھم ،ف
ي مواض
يع م
ن ھ
ذا الن
وع ،أف
ضل م
ن عق
ولھم ،وجعل
وا
العقول غير ضرورية .إن المب
دأ العمل
ي ال
ذي يق
ودھم إل
ى أرائھ
م ف
ي تنظ
يم ال
سلوك
البشري ھو الشعور الذي في عقل كل شخص بأن الجميع يج
ب أن يُ َ
لزم
وا بالت
صرف
10
بالطريقة التي يحب ھو والذين يتعاطف معھم .في الحقيقة ،ما من أحد يدعي لنفسه أن
معي
ار حكم
ه ھ
و تف
ضيله الخ
اص أو م
ا يح
ب؛ ولك
ن رأي
ا ف
ي نقط
ة س
لوكية ،غي
ر
مدعوم باألسباب ،ال يعد إال تفضيل ش
خص واح
د؛ وإذا م
ا كان
ت األس
باب ،إذا م
ا ت
م
تقديمھا ،مجرد مناشدة للتفضيالت المشابھة التي يشعر بھ
ا اآلخ
رون ،فإنھ
ا م
ا زال
ت
مجرد تفضيالت لمجموعة من األشخاص ،بدال من الشخص الواحد .وعلى ك
ل ح
ال،
فبالن
سبة لإلن
سان الع
ادي ،يك
ون ال
سبب ،الم
دعوم عل
ى ھ
ذا النح
و ،ل
يس س
ببا مقنع
ا
بشكل تام فحسب ،بل أنه السبب الوحيد الذي يمتلكه عموما ألية فك
رة م
ن أفك
اره ع
ن
األخالق ،أو الذوق ،أو اللياق
ة االجتماعي
ة ،والت
ي ل
م تكت
ب ب
شكل ص
ريح ف
ي مذھب
ه
الديني؛ كما أنه )أي السبب( مرشده الرئيس حتى في تفسير ذلك .وبناءا عليه فإن آراء
الناس ،فيما ھو جدير بالثناء أو جدير باللوم ،تتأثر باألسباب المتعددة الت
ي ت
ؤثر عل
ى
رغباتھم فيما يتعلق بسلوك اآلخرين ،والتي ھي متعددة كتل
ك الت
ي تح
دد رغب
اتھم ف
ي
أي موض
وع آخ
ر .ف
ي بع
ض األحي
ان عق
ولھم – وف
ي أحي
ان أخ
رى عج
رفتھم أو
خراف
اتھم :ع
ادة م
ا تك
ون ت
ّ
صنعاتھم االجتماعي
ة ،لي
ست تل
ك ال
ال اجتماعي
ة فح
سب،
كحسدھم أو غي
رتھم ،كبري
ائھم او اس
تخفافھم :ب
ل عل
ى األغل
ب ،رغب
اتھم ومخ
اوفھم
ألنفسھم – أنانيتھم الشرعية او غير الشرعية .حيثما تكون ھناك طبقة راقية ،فإن نسبة
كبيرة من األخالق في البلد تنبثق من م
صالح طبقتھ
ا ،وش
عورھا باالس
تعالء الطبق
ي.
فاألخالقي
ات ب
ين اإلس
بارطيين والھيل
وت ]وھ
م طبق
ة م
ن العبي
د ال
ذين ك
انوا
ي
ستخدمونھم للعم
ل ف
ي الحق
ول[ ،ب
ين أص
حاب الم
زارع وزن
وجھم ،ب
ين األم
راء
ومواطنيھم ،بين النبالء والرعاع ،بين الرجال والنساء ،كانت إلى ح
د بعي
د م
ن ص
نع
تل
ك الم
صالح والم
شاعر الطبقي
ة :وھك
ذا تول
دت العواط
ف ،وردت ب
دورھا عل
ى
الم
شاعر األخالقي
ة ألع
ضاء الطبق
ة الفوقي
ة ،وعل
ى عالق
اتھم فيم
ا بي
نھم .أم
ا عن
دما
تكون طبقة عليا سابقا ،قد فقدت فوقيتھا أو سموھا ،أو عندما ال يك
ون ارتقاؤھ
ا يتمت
ع
لجوجة للفوقي
ة.
ٍ كراھية
ٍ بشعبية ،فإن العواطف األخالقية السائدة كثيرا ما ستحمل ختم
من المبادئ المحددة العظيمة للقواعد السلوكية ،ف
ي العم
ل وف
ي التحم
ل ،والت
ي كان
ت
11
قد تعززت من خالل القانون أو الرأي ،ھي انصياع البشرية للتفضيالت المفترضة أو
الكراھية لسادتھم الدنيويين ،أو كرھھم آللھتھم .إن ھذا الخضوع ،على ال
رغم م
ن أن
ه
أناني من حيث الجوھر ،ليس نفاقا ،فھو يتسبب في عواطف أصيلة م
ن البغ
ضاء؛ لق
د
جعل الناس يحرقون السحرة والھراطقة .ومن ب
ين العدي
د م
ن الت
أثيرات الدنيئ
ة ،ك
ان
للمصالح العامة والواضحة حصة منھا دون شك ،وحصة كبي
رة ،ف
ي اتج
اه العواط
ف
األخالقية :ولكنھا على كل حال ،بوصفھا قضية عقالنية ،وعل
ى ح
سابھا الخ
اص )أي
العواط
ف( ،أق
ل منھ
ا عل
ى اعتبارھ
ا نتيج
ة لم
شاعر التع
اطف و م
شاعر الع
داء
والكراھية التي نمت من ]تلك العواطف[ :ومشاعر التعاطف والبغضاء التي ل
يس لھ
ا
ش
أن كبي
ر أو ل
يس لھ
ا ش
أن مطلق
ا بم
صالح المجتم
ع ،ق
د جعل
ت نف
سھا ُتست
شعر ف
ي
األخالقيات بقوة عظيمة مشابھة.
إن م
ا يحب
ذ المجتم
ع وم
ا يك
ره ،أو ج
زء كبي
ر منھم
ا ،ھ
و عل
ى ذل
ك ال
شيء
األساسي الذي حدد من الناحية العملية القواع
د الت
ي وض
عت للمراع
اة العام
ة ،تح
ت
عقوبات القانون أو ال
رأي .وب
شكل ع
ام ،ف
إن ھ
ؤالء ال
ذين س
بقوا المجتم
ع ف
ي الفك
ر
وال
شعور ق
د ترك
وا ھ
ذه الح
ال لألش
ة لمب
دئھا ،مھم
ا ك
ان عل
يھم أن
يتنازعوا معھا في بعض تفاصيلھا .فقد شغلوا أنفسھم في البحث في ما ينبغي للمجتم
ع
أن يحب أو ال يحب ،أكثر م
ن الت
ساؤل ع
ن وج
وب أن ت
صبح تف
ضيالته أو منبوذات
ه
ّ
ف
ضلوا أن يب
ذلوا جھ
دا ف
ي تغيي
ر م
شاعر الب
شر ح
ول النق
اط الت
ي قانونا لألفراد .لقد
ك
انوا أنف
سھم ف
ي ري
ب منھ
ا ،ب
دال م
ن قي
امھم بق
ضية عام
ة ف
ي ال
دفاع ع
ن الحري
ة،
بتشكيك أو ھرطقة عامة .إن القضية الوحيدة التي كانت أرضھا العلي
ا م
أخوذة بالمب
دأ
ومصانة باالتساق من قبل الجميع ،عدا بعض األفراد ھن
ا وھن
اك ،ھ
ي ق
ضية المعتق
د
الديني :وھي قضية توجيھية في العديد من الطرق ،ليس اقلھا ش
أنا تك
وين مث
ال أب
رز
عل
ى إمكاني
ة وق
وع م
ا ي
سمى بالحاس
ة األخالقي
ة بالخط
أ :ألن الكراھي
ة الديني
ة ،ف
ي
المتع
صب المخل
ص ،ھ
ي واح
دة م
ن الق
ضايا ال
صريحة الت
ي ال ل
بس فيھ
ا لل
شعور
األخالقي .إن ھؤالء الذين كسروا نير م
ا ي
سمي نف
سه بالكني
سة الكوني
ة ،ك
انوا ب
شكل
12
عام قليلي الرغبة في السماح باالختالف في الرأي الديني شأنھم في ذلك ش
أن الكني
سة
نف
سھا .ولك
ن عن
دما انتھ
ت س
خونة ال
صراع ،دون م
نح الن
صر ألي م
ن الط
رفين،
وأجبرت كل كنيسة أو طائفة على تقلي
ل آمالھ
ا ،وتحدي
دھا بمج
رد اس
تعادة األرض
ية
التي كانت تشغلھا منذ البداية؛ أما األقليات ،فبعدما أدركوا أن ليس لديھم فرصة في أن
يكون
وا أغلبي
ات ،ص
اروا بحاج
ة ماس
ة الن يت
ضرعوا لھ
ؤالء ال
ذين ل
م يتمكن
وا م
ن
تحويلھم عن دينھم ،لكي يسمحوا لھم )أي لألقليات( باالختالف .وبناءا على ذلك ،ففي
ھذا الميدان ،بمفرده تقريبا ،تم تأكيد حقوق األفراد ضد المجتم
ع ،وعل
ى أس
س مبدئي
ة
واس
عة ،وتم
ت مخالف
ة ومجادل
ة م
زاعم المجتم
ع بح
ق ممارس
ة ال
سلطة عل
ى
المعارضين .لقد أكد ّ
الكتاب العظام الذين يدين لھم العالم بالحرية الدينية الت
ي يمتلكھ
ا،
عل
ى أن حري
ة المعتق
د ھ
ي ح
ق ثاب
ت م
صان ،واس
تنكروا ب
شكل مطل
ق أن يتع
رض
اإلن
سان لم
ساءلة اآلخ
رين ب
سبب معتق
ده ال
ديني .وم
ع ذل
ك ،ف
إن م
ن الطبيع
ي ج
دا
بالنسبة للبشر أن ال يتسامحوا في ما يھتمون لشأنه بشكل حقيقي ،وان يكون من النادر
أن تتحقق الحرية الدينية بشكل عملي في أي مكان ك
ان ،ع
دا ف
ي األم
اكن الت
ي يك
ون
فيھ
ا ع
دم االكت
راث ال
ديني ،ال
ذي ال يح
ب أن يق
وم اح
د بإزع
اج س
المه م
ن خ
الل
المشاجرات الدينية ،قد أضاف ثقله إلى الميزان .في عقول جميع األش
خاص المت
دينين
تقريبا ،حتى في أكثر البلدان تسامحاّ ُ ،
يقر بواج
ب الت
سامح م
ع تحفظ
ات أو تحوط
ات
ﱠ
المنشق ويتسامح معه في شؤون حكومة الكنيسة ،ولك
ن ضمنية .فقد يتحمل شخص ما
ليس بشؤون المعتقد؛ بينما يمكن لشخص آخر أن يتسامح مع الجميع ،م
ا ع
دا الب
ابوي
)الك
اثوليكي( والتوحي
دي؛ وي
ستطيع آخ
ر أن يت
سامح م
ع أي ش
خص ي
ؤمن ب
دين
سماوي؛ أما الذين يوسعون نطاق إحسانھم إلى ابعد من ذل
ك فھ
م قليل
ون ج
دا ،ولك
نھم
يتوقفون عند اإليمان با وبالحياة اآلخرة .حيثما كانت عاطفة األغلبية أصيلة ومكثفة،
وجد أن عليھا أن تخفف قليال من مطالبھا بان تطاع.
ُ َ
13
في انجلترا ،وبسبب الظروف المتف
ردة لتاريخن
ا ال
سياسي ،عل
ى ال
رغم م
ن أن
نير الرأي ربما كان أثقل ،ونير القانون أخف مما في معظم البلدان األوربية األخ
رى؛
ھناك غيرة معين
ة ض
د الت
دخل المباش
ر ،م
ن قب
ل ال
سلطة الت
شريعية أو التنفيذي
ة ،ف
ي
السلوك الخاص؛ إال انه ليس ھناك الكثير من االحترام العادل الستقالل الفرد ،وال من
العادة التي ما زالت مستمرة والتي تنظر إلى الحكومة على أنھا تمثل م
صلحة م
ضادة
لمصلحة ال
شعب .ل
م ت
تعلم األغلبي
ة بع
د أن ت
شعر ب
أن ق
وة الحكوم
ة ھ
ي ق
وتھم ،وإن
آرائھا ھي آراؤھم .عندما ي
شعرون ب
ذلك ،ربم
ا ت
صبح الحري
ة الفردي
ة أكث
ر تعرض
ا
لالجتياح من قبل الحكومة ،كم
ا كان
ت م
سبقا عرض
ة لالجتي
اح م
ن قب
ل ال
رأي الع
ام.
ولكن ،لحد اآلن ،ھنالك مقدار كبير من المشاعر الجاھزة للتأجج ضد أية محاولة يقوم
بھ
ا الق
انون لل
سيطرة عل
ى األف
راد ف
ي األش
ياء الت
ي ل
م يعت
ادوا لح
د اآلن عل
ى أن
يخضعوا لسيطرتھا؛ وھذا األمر ،مع قليل جدا م
ن التميي
ز ح
ول م
ا إذا كان
ت الم
سألة
تقع ،أو ال تقع ضمن مجال السيطرة القانونية؛ طالما إن الشعور مفيد جدا ب
شكل ع
ام،
لھو أمر عادة ما يكون موضوعا في المك
ان الخط
أ ،عل
ى ق
در كون
ه راس
خ ف
ي أمثل
ة
تطبيقه .ليس ھنالك ،في الحقيقة ،مبدأ ممي
ز تق
اس بموجب
ه لياق
ة أو ع
دم لياق
ة الت
دخل
الحكومي .فالناس يقررون حسب تفضيالتھم الشخصية .ھناك بع
ض م
نھم ،كلم
ا رأوا
صنع ،أو ش
را ُيع
َ
الجّ ،
حرض
وا الحكوم
ة طوع
ا ألن تق
وم بھ
ذا العم
ل؛ بينم
ا خي
را يُ
َ
يفضل اآلخرون أن يحمل
وا أي مق
دار ك
ان م
ن ال
شر االجتم
اعي تقريب
ا ،ب
دال م
ن أن
ي
ضيفوا ق
سما عل
ى أق
سام الم
صالح اإلن
سانية لتك
ون خاض
عة لل
سيطرة الحكومي
ة.
وي
صنف الن
اس أنف
سھم ف
ي أح
د ج
انبي أي
ة ق
ضية معين
ة ،ح
سب ھ
ذا االتج
اه الع
ام
لعواطفھم؛ أو حسب درجة المنفعة التي يشعرون بھا في الشيء المع
ين ال
ذي يفت
رض
أن الحكومة ھي التي يجب أن تفعل
ه ،أو ح
سب االعتق
اد ال
ذي يعتنقون
ه ب
أن الحكوم
ة
سوف --أو سوف لن --تفعله بالشكل ال
ذي يف
ضلونه؛ ولك
ن م
ن الن
ادر ج
دا أن يك
ون
ذلك بسبب أي رأي يلتزمون به على ال
دوام ،فيم
ا يتعل
ق باألش
ياء الت
ي م
ن الالئ
ق أن
تفعلھا الحكومة .ويبدو لي أنه نتيج
ة لھ
ذا الغي
اب لحك
م المب
دأ ،ف
إن أح
د الجوان
ب ف
ي
14
الوق
ت الحاض
ر ع
ادة م
ا يك
ون عل
ى خط
أ ،ش
أنه ش
أن الجان
ب اآلخ
ر؛ إن ت
دخل
الحكومة ،وبحوالي نفس التكرار ،قد استدعي على نحو غير مالئ
م ،وأدي
ن عل
ى نح
و
غير مناسب أيضا.
امالت المجتم
ع م
ع الف
رد بطريق
ة اإلك
راه وال
سيطرة ،س
واء أكان
ت الوس
يلة
المستخدمة القوة المادية عل
ى ش
كل عقوب
ات ش
رعية ،أو إجب
ارا معنوي
ا لل
رأي الع
ام.
وذلك المبدأ ،وھو الغاية الوحيدة المكفولة للبشر ،ب
شكل ف
ردي أو جم
اعي ،وبالت
داخل
مع حرية تصرف أي عدد منھم ،وھو :مبدأ حماية الذات .وھو أن الغاية الوحيدة الت
ي
يمكن ممارسة القوة فيھا بشكل شرعي عل
ى أي ع
ضو ف
ي المجتم
ع المتح
ضر ،ض
د
إرادته ،ھي منع إلحاق األذى باآلخرين .إن مصلحته ،أي ع
ضو المجتم
ع ،المادي
ة أو
المعنوية ،ليست ض
مانا كافي
ا .إذ ال يمك
ن إجب
اره ب
شكل ش
رعي عل
ى أن يفع
ل أو أن
يتحمل أو يتسامح ألنه سيكون من األفضل بالنسبة له أن يفعل ذل
ك ،ألن ذل
ك س
يجعله
أكث
ر س
ل ذل
ك ،ح
سب آراء اآلخ
رين ،س
يكون ش
يئا حكيم
ا ،أو حت
ى
صحيحا .تل
ك ھ
ي أس
باب جي
دة للتج
ادل مع
ه ،أو النق
اش مع
ه ،أو إقناع
ه ،أو التوس
ل
شر كان في ح
ال قيام
ه بخ
الف ذل
ك .وألج
ل
إليه ،ولكن ليس إلجباره ،أو إيقاعه بأي ٍ
تبرير ذل
ك ،ف
إن ال
سلوك ال
ذي نرغ
ب ف
ي منع
ه من
ه ،يج
ب أن يعتب
ر منتج
ا لل
شر أو
مسببا للضرر ل
شخص آخ
ر .إن الج
زء الوحي
د م
ن س
لوك أي ف
رد ،وال
ذي يطي
ع في
ه
المجتمع ،ھو ذل
ك ال
ذي يتعل
ق ب
اآلخرين .أم
ا ف
ي الج
زء ال
ذي يخ
صه ھ
و فق
ط ،ف
إن
استقالله مطلق بحق .إن الفرد سيد على نفسه ،وعلى جسده ،وعقله.
ربماّ ،قلما يكون من الضروري القول أن ھذا المذھب يرمي إلى أن يطبّق على
بن
ي الب
شر فق
ط ف
ي مرحل
ة ن
ضج قابلي
اتھم .ف
نحن ال نتح
دث ع
ن األطف
ال ،أو ع
ن
الشباب دون السن التي يحددھا القانون على أنھا سن بلوغ الرجال والنساء .أما ھؤالء
15
الذين مازالوا في حالة تتطلب رعايتھم من قبل اآلخرين ،فيجب حم
ايتھم م
ن أعم
الھم
الشخ
صية ،ناھي
ك ع
ن حم
ايتھم م
ن األذى الخ
ارجي .ولل
سبب نف
سه ،فإنن
ا س
نترك
خارج اعتبارنا حاالت المجتمع الرجعية ھذه ،التي قد تعتبر الجنس البشري برمته في
س
ن الق
صور .إن ال
صعوبات المبك
رة الت
ي تواج
ه التط
ور التلق
ائي ھ
ي ص
عوبات
جسيمة ،ولكن ن
ادرا م
ا توج
د طريق
ة للتغل
ب عليھ
ا؛ والح
اكم الممتل
ئ ب
روح التط
ور
مخول باستخدام أية وسيلة ستحقق ھذه الغاية ،التي ربما ال تتحقق في خالف ذل
ك .إن
ّ
االستبداد ھو نمط شرعي من أنماط الحكومة في التعامل مع البرابرة ،شرط أن تك
ون
الغاية ھي تطويرھم ،وتكون الوسيلة مبررة من خالل انجاز تلك الغاية بشكل فعلي.
ستغرق وقت
ا ط
ويال حت
ى الوص
ول إليھ
ا ف
ي جمي
ع األم
م الت
ي نحت
اج ھن
ا أن نھ
تم
لشأنھا( ،أم
ا اإلك
راه ،ب
شكله المباش
ر ،أو ب
شكل اآلالم والعقوب
ات لع
دم االلت
زام ،فل
م
يعد مسموح به بوصفه وسيلة لمصلحتھم ،وھو غير مبرر إال من اجل حماية اآلخرين
وأمنھم.
من المناسب أن اذكر إنني أتخلى عن أية منفعة يمكن اشتقاقھا لجدلي م
ن فك
رة
الحق المحسوس أو المطلق ،بوصفه شيئا مستقال ع
ن المنفع
ة .أن
ا اعتب
ر المنفع
ة ھ
ي
النداء النھائي ف
ي كاف
ة الق
ضايا األخالقي
ة؛ ولك
ن ال ب
د أن تك
ون المنفع
ة ف
ي المفھ
وم
األوس
ع ،مبني
ة عل
ى الم
صالح الدائم
ة لإلن
سان بوص
فه كائن
ا تق
دميا .وازع
م أن ھ
ذه
خول إخضاع تلقائية الفرد للسيطرة الخارجية ،فقط م
ا يتعل
ق بأعم
ال الف
رد
المصالح ت ّ
16
التي تتعلق بم
صالح الن
اس اآلخ
رين .إذا م
ا ق
ام أي ف
رد بعم
ل م
ؤذ لآلخ
رين ،فھن
اك
قضية واضحة لمعاقبته ،من خالل القانون ،أو من خ
الل ال
شجب أو االس
تنكار الع
ام،
عندما ال تكون العقوبات الشرعية قابل
ة للتطبي
ق ب
شكل س
ليم .ھنال
ك أي
ضا العدي
د م
ن
األعمال االيجابية لمصلحة اآلخرين ،والتي يمكن إجباره على تأديتھا؛ كأن يقدم األدلة
في محكمة ق
ضائية؛ أو أن يتحم
ل ح
صته المناس
بة ف
ي ال
دفاع الع
ام ،أو ف
ي أي عم
ل
مشترك ضروري لم
صلحة المجتم
ع ال
ذي يتمت
ع بحمايت
ه؛ وأن ي
ؤدي بع
ض األفع
ال
ذات الفائدة الفردية ،مثل إنق
اذ حي
اة إن
سان آخ
ر ،أو الت
دخل لحماي
ة المست
ضعفين م
ن
اإلساءة ،وھي أشياء كلما كان من الواضح أن واجب اإلنسان أن يفعلھا ،ف
إن المجتم
ع
سيحمله ،وبحق ،مسؤولية عدم القيام بھا .قد يتسبب ال
شخص بال
ضرر لآلخ
رين ل
يس
ّ
فقط من خالل فعله ،بل م
ن خ
الل تقاع
سه أو ع
دم فعل
ه أي
ضا ،وھ
و ف
ي ك
ال الح
الين
مسؤول أمامھم ع
ن ال
ضرر .تتطل
ب الحال
ة الثاني
ة ،فع
ال ،ممارس
ة لإلك
راه أو الق
سر
بشكل أكثر حذرا مم
ا ف
ي الحال
ة األول
ى .أن نجع
ل ك
ل ف
رد م
سؤوال ع
ن عم
ل ال
شر
لآلخرين ،ھي القاعدة ،وأن نجعل
ه م
سؤوال ع
ن ع
دم من
ع ال
شر ،فھ
ي االس
تثناء ،م
ن
الناحية النسبية .ھن
اك العدي
د م
ن الق
ضايا الواض
حة بم
ا في
ه الكفاي
ة ،والج
ادة بم
ا في
ه
الكفاية لتبرر ذلك االستثناء .ففي كل األش
ياء الت
ي تخ
ص العالق
ات الخارجي
ة للف
رد،
يكون )الفرد( خاضعا بشكل قانوني لھؤالء الذين تتأثر مصالحھم ،وان اقتضى األمر،
فيخ
ضع للمجتم
ع بوص
فه ح
اميھم .ھنال
ك ،ف
ي الع
ادة أس
باب جي
دة لع
دم تحميل
ه
المسؤولية؛ ولكن ھذه األسباب ينبغي أن تنبثق من الحجج الخاصة بالقضية :أما بسبب
كونھا نوعا من القضايا التي من المحتمل أن يقوم بھا )الفرد( ،عندما تت
رك الجتھ
اده
الخاص ،بشكل أفضل عموما مما لو كان مسيطرا علي
ه بأي
ة طريق
ة يمتلكھ
ا المجتم
ع
ف
ي س
لطته لل
سيطرة علي
ه؛ أو ألن محاول
ة ممارس
ة ال
سيطرة س
تنتج ش
رورا أخ
رى،
أكبر من تلك التي سوف تمنعھا .عندما تقوم أسباب كھذي بمن
ع تنفي
ذ الم
سؤولية ،ف
إن
معتق
د الوكي
ل نف
سه يج
ب أن ي
دخل ف
ي مقع
د الحك
م ال
شاغر ،ويحم
ي تل
ك الم
صالح
17
لآلخرين ،الت
ي ال تمتل
ك حماي
ة خارجي
ة؛ وأن يح
اكم نف
سه ب
صرامة ،ألن الق
ضية ال
تسمح بتحميله مسؤولية الحكم على أبناء جلدته.
ولك
ن ھن
اك نط
اق م
ن العم
ل ال
ذي يمتل
ك في
ه المجتم
ع ،بوص
فه متمي
زا ع
ن
الفرد ،مصلحة غير مباشرة فق
ط ،إن كان
ت ھن
اك م
صلحة أساس
ا؛ م
ستوعبا ك
ل ذل
ك
الجزء من حي
اة اإلن
سان وس
لوكه الل
ذين ال ي
ؤثران إال علي
ه فق
ط ،أو إذا كان
ا ي
ؤثران
أيضا على اآلخرين ،فقط بمساھماتھم وموافقتھم الح
رة ،الطوعي
ة ،وغي
ر المخدوع
ة.
عندما أقول نفسه فقط ،فأنا أعني بشكل مباشر ،ومنذ اللحظة األولى :ألن كل م
ا ي
ؤثر
عليه قد يؤثر على اآلخرين من خالله؛ واالعتراض الذي ق
د يك
ون مؤس
س عل
ى ھ
ذا
اإلج
راء االحت
رازي ،س
وف يتلق
ى اھتمام
ا ف
ي التت
ذا ھ
و اإلقل
يم المالئ
م
للحري
ة اإلن
سانية .وھ
ي تت
ال ال
داخلي لل
وعي؛ المطالب
ة بحري
ة
المعتقد ،بالمعنى األش
مل للم
صطلح؛ حري
ة الفك
ر والم
شاعر؛ الحري
ة المطلق
ة لل
رأي
والعاطفة في كافة المواضيع ،العملية منھ
ا أو التكھني
ة ،العلمي
ة ،المعنوي
ة ،أو الديني
ة.
إن حرية التعبير ونشر اآلراء قد تبدو واقعة تحت مبدأ مختلف ،طالما كانت تھم أناس
ا
آخرين؛ ولكن ،كونھا ذات أھمية مساوية لحرية الفكر نفسھا ،وألنھ
ا مرتك
زة إل
ى ح
د
بعيد على نفس األسباب ،فإن ذل
ك غي
ر قاب
ل للف
صل عنھ
ا م
ن الناحي
ة العملي
ة .ثاني
ا،
يتطل
ب المب
دأ حري
ة األذواق والم
ساعي؛ حري
ة ت
صميم خط
ة حياتن
ا لتتناس
ب م
ع
أشخاصنا؛ حرية فعل ما نحب ،خاضعة إلى التبع
ات الت
ي يمك
ن أن تل
ي :دون إعاق
ة،
أو عرقلة ،من قبل أبناء جلدتنا ،طالما كان ما نقوم به ال يلحق الضرر بھم ،حتى وان
اعتقدوا بان سلوكنا أحمق ،أو منحرف أو خاطئ .ثالثا ،تنبع من ھذه الحرية لكل فرد،
حرية التجمع بين األفراد؛ وحري
ة االرتب
اط ،ألي
ة غاي
ة ال تنط
وي عل
ى ض
رر يلح
ق
ب
اآلخرين :عل
ى افت
راض أن األش
خاص المتجمع
ين يبلغ
ون ال
سن القانوني
ة ،ولي
سوا
مكرھين أو مخدوعين.
18
ما من مجتمع ال تحترم فيه ھذه الحريات ،بكاملھا ،ويعتب
ر مجتمع
ا ح
را ،مھم
ا
كان شكل حكومته؛ وما من مجتمع حر بشكل ت
ام ،إال إذا وج
دت في
ه )ھ
ذه الحري
ات(
مطلق
ة وغي
ر م
شروطة .الحري
ة الوحي
دة الت
ي ت
ستحق االس
م ھ
ي تل
ك القائل
ة ب
سعينا
وراء مصلحتنا بطريقتنا الخاصة ،طالما كنا ال نحاول أن نحرم اآلخرين من حق
وقھم،
أو نعرقل جھودھم في الحصول عليھا .كل فرد ھو الح
ارس المناس
ب ل
صحته ،س
واء
أكانت جسدية ،أم عقلي
ة ،أم روحي
ة .يك
سب الب
شر م
ن خ
الل معان
اة بع
ضھم ال
بعض
للعيش كما يبدو جيدا بالنسبة لھم ،أكثر مما يك
سبون م
ن خ
الل إجب
ار ك
ل واح
د م
نھم
بالعيش وفقا لما يبدو جيدا بالنسبة لآلخرين.
ر بع
ض األش
خاص ،إال أن
ه ل
يس ھن
اك م
ن م
ذھب يق
ف عل
ى ال
ضد الواض
ح
والمباشر من الميل العام للرأي والممارسة المتواجدين .فقد انفق المجتمع ب
شكل كام
ل
ك
ل ق
در ممك
ن م
ن الجھ
د ف
ي المحاول
ة )وفق
ا آلرائ
ه( م
ن أج
ل إجب
ار الن
اس عل
ى
االلت
زام بأفك
اره ح
ول التف
وق الشخ
صي ،ناھي
ك ع
ن التف
وق االجتم
اعي .اعتق
د
مخولون بممارسة تنظيم كل
ّ الكومونويلثيون القدماء ،ووافقھم الفالسفة القدماء ،بأنھم
ج
زء م
ن ال
سلوك الخ
اص عب
ر ال
سلطة العام
ة ،عل
ى أس
اس أن ل
دى الدول
ة م
صلحة
عميقة في التنظيمين الجسدي والعقلي لكل ف
رد م
ن مواطنيھ
ا؛ وھ
و نم
ط م
ن التفكي
ر
ربما كان مقبوال في الجمھوريات الصغيرة المحاطة باألع
داء األقوي
اء ،والت
ي تواج
ه
الخطر الدائم في أن تتعرض للدمار من خ
الل ھج
وم خ
ارجي ،أو اض
طراب داخل
ي،
والتي بالنسبة إليھا ،حتى فترة قصيرة من االسترخاء ف
ي الطاق
ات ،وال
سيطرة الذاتي
ة
قد تكون مھلكة بكل سھولة ،حت
ى أنھ
م ال ي
ستطيعون تحم
ل انتظ
ار الت
أثيرات الدائم
ة
المفيدة للحرية .في العالم الحديث ،منع الحجم الكبي
ر للتجمع
ات ال
سياسية ،واالھ
م م
ن
بأي
اد
ٍ ذلك ،الفصل بين ال
سلطتين الروحي
ة والدنيوي
ة )ال
ذي وض
ع اتج
اه معتق
د الن
اس
غير تلك التي تسيطر على شؤونھم الدنيوية( ،منعا التدخل الكبير للقانون ف
ي تفاص
يل
19
الحياة الخاصة؛ ولكن محركات القمع المعنوي كانت قد ُ َ
استخدمت ،على نحو أكثر قوة
ونشاطا ،ضد الخروج أو االنحراف عن الرأي الحاكم فيما يخص األھمية الذاتية ،منه
في الشؤون االجتماعية؛ أما الدين ،العامل األكثر قوة من بين العوامل التي دخل
ت ف
ي
تك
وين ال
شعور األخالق
ي ،فلطالم
ا ك
ان محكوم
ا أم
ا بطم
وح الت
درج الطبق
ي ،س
اعيا
لل
سيطرة عل
ى ك
ل ق
سم م
ن أق
سام ال
سلوك الب
شري ،أو ب
روح الفل
سفة التطھري
ة
]البيوريتاني
ة[ .أم
ا بع
ض الم
صلحين الح
ديثين ال
ذين وض
عوا أنف
سھم ف
ي المعارض
ة
األقوى ألديان الماضي ،فما كانوا يقفون وراء الكنائس وال الطوائف في تأكيدھم عل
ى
ح
ق ال
سيطرة الروحي
ة :وال س
يما م .كوم
ت ،ال
ذي ك
ان نظام
ه االجتم
اعي ،ال
ذي
أوض
حه ف
ي كتاب
ه الموس
وم ) ، (Systeme de Politique Positiveيھ
دف إل
ى
تأسيس نظام استبدادي تسلطي للمجتم
ع عل
ى الف
رد )رغ
م أن ذل
ك م
ن خ
الل االلت
زام
األخالق
ي أكث
ر من
ه عب
ر االلت
زام ال
شرعي( ،اس
تبدادا يف
وق أي ش
يء تأملن
اه ف
ي
النموذج السياسي للفيلسوف التنظيمي األكثر صرامة من بين الفالسفة القدماء.
بعيدا عن المعتقدات المتفردة لكل فرد من المفكرين ،ھناك أيضا ميل متزايد في
عموم أنحاء العالم نحو بسط مفرط لسلطات المجتم
ع عل
ى الف
رد ،بق
وة ال
رأي ،وبق
وة
التشريع على حد سواء :وبينما كانت نزعة جميع ھذه التغيرات التي تح
دث ف
ي الع
الم
ترمي إلى تقوية المجتمع ،وتقليل قوة الفرد ،فإن ھذا االنتھاك ليس واحدا م
ن ال
شرور
التي تميل ب
شكل تلق
ائي نح
و االختف
اء ،ب
ل عل
ى العك
س ،ھ
ي تمي
ل نح
و التن
امي ف
ي
جسامتھا .إن ميل البشر ،سواء أكانوا حكاما أم م
واطنين ع
اديين ،نح
و ف
رض آرائھ
م
وقناعاتھم الخاصة على اآلخرين على أنھا قاعدة سلوكية ،قد لق
ي دعم
ا قوي
ا م
ن قب
ل
بعض أفضل المشاعر ،وبعض أسوأ المشاعر ،التي عرفتھا الطبيعة اإلن
سانية ،بحي
ث
ﱠ
إن من الصعب جدا إبقاؤھا تحت السيطرة بأي وسيلة كان
ت س
وى الحاج
ة إل
ى الق
وة،
وبما إن القوة ال تتدھور ،بل تتنامى ،علينا في الظروف الحالية للعالم أن نتوقع رؤي
ة
ھذه القوة وھي في ازدياد ،ما لم يتم إنشاء حاجز قوي من القناعات األخالقية.
20
سيكون من المالئم للنقاش لو أننا ،بدال من الدخول في األطروحة العام
ة ب
شكل
فوري ،ح
ددنا أنف
سنا ف
ي البداي
ة بف
رع واح
د من
ه ،يك
ون في
ه المب
دأ ال
ذي ذكرن
اه ھن
ا
مميزا ،إن لم يكن بالكامل ،فبدرجة معينة ،من قبل اآلراء الجارية .وھذا الفرع الواح
د
ھ
و ف
رع حري
ة الفك
ر ،الت
ي ال يمكنن
ا أن نف
صل عنھ
ا حري
ة الك
الم وحري
ة الكتاب
ة
المترادفتين .بالرغم من أن ھذه الحريات ،إلى حجم معين ،تشكل ج
زءا م
ن األخالقي
ة
السياسية لكافة البلدان التي تحترف التسامح الديني والمؤسسات الحرة ،فإن األسس أو
القواعد الفل
سفية والعملي
ة ،الت
ي ت
ستند عليھ
ا ،ربم
ا ال تك
ون مألوف
ة للعق
ل الع
ام ،وال
ّ
يقيمھا العديدون بشكل معمق ،حتى قادة الرأي ،كما ك
ان متوقع
ا .ھ
ذه األس
س ،عن
دما
يتم فھمھا بشكل صحيح ،ھي ذات تطبي
ق أوس
ع بكثي
ر م
ن تطبيقھ
ا عل
ى مج
رد ق
سم
واحد من الموضوع ،ويمكن أن يك
ون التأم
ل المعم
ق لھ
ذا الج
زء م
ن الم
سألة أف
ضل
مقدمة لألقسام األخرى .أم
ا ھ
ؤالء ال
ذين ال ش
يء مم
ا س
أقوله س
يكون جدي
دا بالن
سبة
لھ
م ،ف
أتمنى أنھ
م س
يعذرونني ،ألنن
ي غ
امرت بمناق
شة إض
افية أخ
رى ف
ي موض
وع
مازال يناقش منذ ثالثة قرون خلت.
21
الفصل الثاني
ن لن
ا أن نفت
رض أن
ه ال يمك
ن إن تك
ون ھن
اك حاج
ة الي
وم للج
دل ض
د
ال
سماح لمجل
س ت
شريعي م
ا ،أو لھيئ
ة تنفيذي
ة ال ت
رتبط م
صالحھا بم
صالح
الن
اس ،ب
أن تمل
ي عل
يھم آراءھ
م ،وتح
دد الم
ذاھب وال
رؤى الت
ي ي
سمح لھ
م
باالستماع إليھا أو تبنيھا.
ن الخط
ر ف
ي تفعي
ل ھ
ذا الق
انون ض
د المناق
شة ال
سياسية ،م
ا ع
دا أثن
اء بع
ض
حاالت الرعب المؤقتة ،عندما يقوم الخوف بإخراج الوزراء والحكام من لي
اقتھم؛
وإذا ما تحدثنا بشكل عام ،فليست ھناك من خشية ،في البل
دان الدس
تورية ،م
ن أن
تحاول الحكومة ،سواء أكانت م
سؤولة ب
شكل كام
ل ع
ن الن
اس أم ال ،أن ت
سيطر
عل
ى التعبي
ر ع
ن ال
رأي ،م
ا ع
دا حينم
ا يجعلھ
ا فع
ل ذل
ك أداة للتع
صب ال
شامل
العام .لذا ،دعونا نفترض أن الحكومة برمتھا في تناغم م
ع الن
اس ،وأنھ
ا ال تفك
ر
22
مطلقا ببذل أية سلطة قسرية ،م
ا ل
م يك
ن ذل
ك من
سجما م
ع م
ا ت
رى أن
ه ص
وتھم.
ولكن
ي أنك
ر ح
ق الن
اس ف
ي ممارس
ة مث
ل ھ
ذا الق
سر أو اإلك
راه ،أم
ا م
ن ق
بلھم
أنفسھم أو من قبل حك
ومتھم .إن ال
سلطة نف
سھا غي
ر ش
رعية .فالحكوم
ة األف
ضل
ليست لديھا صالحية لفعل ذلك بأكثر مما لدى الحكومة األسوأ .ان
ه لم
ن الم
ضر،
أو األكثر ضررا ،عندما تمارس ھذه السلطة باالنسجام مع ال
رأي الع
ام ،منھ
ا ل
و
مورست بما يتناقض معه .فلو أن كل البشرية ،ما عدا شخ
صا واح
دا فق
ط ،ك
انوا
متفقين على رأي واح
د ،وك
ان ذل
ك ال
شخص الواح
د ب
رأي مغ
اير ،ف
إن الب
شرية
كلھا لن يكون لھا الحق في إسكات ذلك الشخص ،أكثر من حقه ھو ،لو أن
ه امتل
ك
السلطة وأقدم على إسكات البشرية .ل
و ك
ان ال
رأي ملكي
ة شخ
صية ال قيم
ة ل
ه إال
بالن
سبة لمالك
ه؛ ول
و ك
ان إزعاج
ه ،وإعاق
ة تمت
ع ص
احبه ب
ه ،ض
ررا خاص
ا،
بب
ساطة ،فإن
ه سي
شكل بع
ض الف
رق فيم
ا إذا ك
ان ال
ضرر ق
د ألح
ق بقلي
ل م
ن
األشخاص أم بالعديد منھم .ولكن ال
شر المتف
رد ف
ي إس
كات التعبي
ر ع
ن رأي م
ا،
يفعل ذلك )أي يلحق الضرر( ،وذلك ألنه سرقة الجنس البشري؛ األجيال المتتالية
والجيل الموجود حاليا على حد سواء؛ ھؤالء الذين ينشقون عن ال
رأي ،أكث
ر م
ن
ال
ذين يعتق
دون ب
ه .إن ك
ان ال
رأي ص
ائبا ،ف
إنھم س
يحرمون م
ن اس
تبدال الخط
أ
بالصواب :وإن كان خاطئا ،فإنھم سيخسرون ما ھو فائدة عظيمة تقريبا ،أال وھو
اإلدراك األكثر وضوحا واالنطب
اع األكث
ر حيوي
ة ع
ن الحقيق
ة ،الت
ي أنتج
ت م
ن
خالل صراعھا مع الخطأ.
م
ن ال
ضروري أن نتأم
ل ھ
اتين الفرض
يتين عل
ى نح
و منف
صل ،وك
ل واح
دة
منھما تمتل
ك فرع
ا متمي
زا م
ن الج
دل متوافق
ا معھ
ا .ال يمكنن
ا مطلق
ا أن نتأك
د م
ن أن
الرأي ال
ذي نح
اول خنق
ه أو قمع
ه ھ
و رأي خ
اطئ؛ ول
و تأك
دنا ،ف
إن الخن
ق أو القم
ع
سيكون عمال شريرا.
23
أوال :إن الرأي الذي تحاول السلطة قمعه من المحتم
ل أن يك
ون حقيقي
ا .ھ
ؤالء
الذين يرغبون في قمعه ينكرون حقيقته بالطبع؛ ولكنھم لي
سوا مع
صومين م
ن الخط
أ.
كما أنھم ال يمتلكون السلطة للبت بالمسألة بالنيابة عن جميع بني البشر ،ويستثنون كل
شخص آخر من وسيلة الحكم .إن رفضھم االستماع إلى رأي معين ،ألنھم متأكدين من
انه خاطئا ،يعني االفتراض بأن ’تأكدھم‘ ھو أش
به م
ا يك
ون بالتأك
د’المطل
ق ‘.إن ك
ل
إس
كات لمناق
شة ھ
ي افت
راض بالع
صمة )أي ع
دم القابلي
ة عل
ى الوق
وع بالخط
أ( .ق
د
يسمح بشجبه أو اس
تنكاره ف
ي أن ي
ستقر ف
ي ھ
ذا الج
دل ال
شائع ،ول
يس األس
وأ لكون
ه
ُ َ
شائعا.
ول
سوء ح
ظ حكم
ة الب
ة ق
ابليتھم للخط
أ بعي
دة ج
دا ع
ن تحم
ل
الع
بء ف
ي حكمھ
م العمل
ي ،ال
ذي ع
ادة م
ا ي
سمح لھ
ا ب
ه م
ن الناحي
ة النظري
ة؛ فبينم
ا
يعرف كل فرد جيدا أنه غير مع
صوم م
ن الخط
أ ،ال يعتق
د إال القلي
ل م
نھم باتخ
اذ أي
ة
ت
دابير احترازي
ة ض
د ق
ابليتھم للخط
أ ،أو يق
رون ب
االفتراض القائ
ل ب
أن أي رأي
يشعرون بأنه أكيد جدا ،قد يكون واحدا من أمثل
ة الخط
أ الت
ي ّ
يق
رون ب
أنھم م
سؤولون
عنھا .األم
راء المطلق
ون ،أو اآلخ
رين ال
ذين اعت
ادوا عل
ى الطاع
ة المطلق
ة ،ع
ادة م
ا
يشعرون بھذه الثقة التامة بآرائھم الخاصة وفي كل المواضيع تقريبا .أم
ا الن
اس ال
ذين
في ھم وضع أفضل ،الذين ي
سمعون ف
ي بع
ض األحي
ان آرائھ
م وھ
ي تخ
ضع للج
دل،
والذين لم يعتادوا على أن ي
صحح لھ
م أح
د عن
دما يخط
أون ،في
ضعون االعتم
اد غي
ر
المحدود نفسه فقط على آرائھم التي يشاركون فيھا كل المحيطين بھم ،أو الذين تعودوا
على الرضوخ لھم وطاعتھم :حيث ﱠ
إن اإلنسان عادة ما يضع اعتقاده ،مع ثقة ضمنية،
وبالتناسب مع حاجته للثقة بأحكامه الفردية ،بقابلية "العالم" ب
شكل ع
ام ،عل
ى الوق
وع
في الخطأ .والعالم يعني ،بالنسبة لك
ل ف
رد ،ذل
ك الج
زء ال
ذي أص
بح عل
ى احتك
اك ب
ه
وتواصل معه؛ حزبه ،طائفته ،كنيسته ،طبقته االجتماعية :وبالمقارنة ،فإن المرء الذي
يعني ]العالم بالنسبة له[ شيئا شامال كبلده ،أو عصره ،قد يسمى ليبرالي
ا تقريب
ا ،واس
ع
24
العقل .كما أن إيمانه بھذه السلطة الجمعية ال يھت
ز البت
ة ،م
ن خ
الل إدراك
ه لحقيق
ة أن
ع
صورا وبل
دانا ،وطوائ
ف ،وكن
ائس ،وطبق
ات ،وأح
زاب أخ
رى ،كان
ت وم
ا زال
ت
تعتقد على عك
س م
ا يعتق
ده ھ
و بال
ضبط .كم
ا يق
وم بتحمي
ل عالم
ه الخ
اص م
سؤولية
كونه على صواب وحق ،إزاء عوالم اآلخرين المعارضة أو المغايرة؛ وال يزعج
ه أن
محض م
صادفة ھ
ي الت
ي ح
ددت أي ھ
ذه الع
والم المتع
ددة ھ
و موض
ع اعتم
اده ،وأن
نف
س األس
باب الت
ي جعل
ت من
ه كاھن
ا ف
ي لن
دن ،ك
ان يمك
ن أن تجع
ل من
ه بوذي
ا أو
كونفوشيوس
يا ف
ي بك
ين .وم
ع ذل
ك ف
إن م
ن الواض
ح ج
دا ،كم
ا يمك
ن ألي مق
دار م
ن
الجدل أن يبرھن ،أن العصور ليست بأكثر عصمة من الخطأ من األفراد؛ فكل ع
صر
قد تبن
ى آراء اعتبرتھ
ا الع
صور الالحق
ة لي
ست خاطئ
ة فح
سب ،ب
ل س
خيفة؛ ل
ذا فم
ن
المؤكد أن العديد من اآلراء ،الشائعة اآلن ،سيتم رفضھا من قبل الع
صور الم
ستقبلية،
كما ھو حال العديد من اآلراء التي كانت شائعة وقد رفضھا الحاضر.
م
ن الممك
ن أن يأخ
ذ االعت
راض ال
ذي يمك
ن تقديم
ه عل
ى ھ
ذا الج
دل ش
كال
كالتالي .ليس ھناك افتراض بالعصمة من الخطأ في تحريم نشر الخطأ ،أكب
ر من
ه ف
ي
أي شيء آخر تقوم به السلطة العامة بحسب حكمھ
ا وم
سؤوليتھا .إن الحك
م ق
د أعط
ي
لألف
راد ال
ذين ي
ستخدمونه .وألن
ه يمك
ن أن ي
ستخدم عل
ى نح
و خ
اطئ ،فھ
ل يج
ب أن
نخبر ھؤالء الذين يحكمون بأن ال يستخدمونه مطلقا؟ إن منع م
ا يعتق
دون بأن
ه ض
ار،
ھ
و ل
يس مطالب
ة باالس
تثناء م
ن الخط
أ ،ولكن
ه انج
از للواج
ب المن
اط بھ
م ب
ضرورة
العمل وفق قناعاتھم الواعية ،على الرغم من أنھ
م غي
ر مع
صومين م
ن الخط
أ .ل
و ل
م
يكن علينا أن نعمل وفقا آلرائنا ،ألن تلك اآلراء ق
د تك
ون عل
ى خط
أ ،فعلين
ا أن نت
رك
كافة مصالحنا بدون اھتمام أو مراعاة ،ونترك ك
ل واجباتن
ا ب
ال تأدي
ة .إن االعت
راض
ال
ذي يمك
ن أن ينطب
ق عل
ى ك
ل س
ن أن يك
ون اعتراض
ا س
اريا عل
ى أي
سلوك بعينه .إنه واجب الحكومات ،واألفراد ،أن يشكلوا أص
دق اآلراء الت
ي يتمكن
ون
منھا؛ أن يشكلونھا بعناي
ة ،وأن ال يفرض
ونھا عل
ى اآلخ
رين م
ا ل
م يتأك
دوا تمام
ا م
ن
25
صحتھا .ولكن عندما يتأكدون من ذلك )قد يقول بعض العقالنيين( ،سيكون من الجبن،
ول
يس م
ن ال
وعي ،الع
زوف ع
ن العم
ل ب
آرائھم ،وال
سماح للم
ذاھب الت
ي يعتق
دون
مخلصين بأنھا خطيرة على رفاھية البشرية ،أما في ھذه الحياة أو في الحياة األخ
رى،
بأن تنتشر )أي المذاھب( في الخارج بال قيد ،الن الناس اآلخرين ،في الع
صور األق
ل
تنويرا ،قد قمعوا آراء يعتقد اآلن بصحتھا .ربما يق
ال :دعون
ا نت
وخى الح
ذر م
ن اج
ل
أن ال نرتك
ب نف
س الخط
أ :ولك
ن الحكوم
ات واألم
م ق
د ارتكب
ت األخط
اء ف
ي أم
ور
أخ
رى ،أم
ور ال ينك
ر أح
د بأنھ
ا مواض
يع مناس
بة لممارس
ة ال
سلطة :لق
د فرض
ت
ض
رائب س
يئة ،وش
نت حروب
ا غي
ر عادل
ة .فھ
ل ينبغ
ي علين
ا ،بن
اء عل
ى ذل
ك ،أن ال
نف
رض أي
ة ض
رائب ،وأن ال ن
شن حرب
ا مھم
ا كان
ت االس
تفزازات؟ عل
ى الن
اس،
والحكومات ،أن يعملوا أفضل ما بوسعھم .ليس ھن
اك ش
يء اس
مه التأك
د المطل
ق ،ب
ل
ھناك تأكدا كافيا ألغراض الحياة اإلنسانية .قد نفترض ،بل علينا أن نفترض أن يكون
رأينا صحيحا في توجيه سلوكنا :ونحن ال نفترض المزي
د عن
دما نمن
ع الن
اس ال
سيئين
من تقويض المجتمع عبر نشر اآلراء التي نعتبرھا خاطئة وضارة.
وأنا أجيب ،إن ذلك يعني افتراض المزيد .فھناك فرق عظيم جدا بين االفتراض
يدحض أو ﱠ
يفند في ك
ل فرص
ة للني
ل من
ه ،وب
ين بأن رأيا معينا ھو رأي سديد ،ألنه لم ُ َ
االفتراض بصحته ألجل عدم السماح بتفنيده ودحضه .إن الحرية الكاملة ف
ي التن
اقض
مع رأينا ودحضه ھي بعينھا الحالة التي تبرر افتراضنا بحقيقته ألغراض العمل :وم
ا
م
ن ش
روط أخ
رى يمك
ن بموجبھ
ا ألي مخل
وق ذو ق
درات إن
سانية أن يمتل
ك ض
مانا
عقليا من كونه على صواب.
26
وتسعون شخصا غير قادرين تماما على الحكم عليھا ،إزاء واحد فقط قادر عل
ى ذل
ك؛
كما أن قدرة الشخص المائة ھي ق
درة ن
سبية فق
ط )أي بالمقارن
ة م
ع اآلخ
رين(؛ إذ إن
أغلبية الرجال البارزين من كل جيل س
ابق ق
د تبن
وا العدي
د م
ن اآلراء الت
ي ثب
ت اآلن
أنھ
ا كان
ت خاطئ
ة ،وفعل
وا أو اثبت
وا أش
ياء عدي
دة ل
ن يبررھ
ا اآلن أح
د .فلم
اذا ،إذن،
كانت ھناك ھيمنة كبيرة بين البشر لآلراء العقالنية والسلوك العقالني؟ إذا كانت ھناك
ھيمنة كھذه حقا— والتي ال بد من وجودھا ما لم تكن ال
شؤون الب
شرية ،أو أنھ
ا ع
ادة
ما كانت ،في حالة يائسة تقريبا— فإنھا تعزى إل
ى ص
فة م
ن ص
فات العق
ل الب
شري،
مصدر كل شيء محت
رم ف
ي اإلن
سان بوص
فه أم
ا كائن
ا عقالني
ا ،أو كائن
ا أخالقي
ا ،أال
وھي أن أخطاءه قابلة للتصويب .فھو قادر على تصحيح أخطاءه ،م
ن خ
الل المناق
شة
أو التجربة .وليس من خالل التجربة فقط .ال بد م
ن وج
ود المناق
شة ،لك
ي تب
ين كيفي
ة
تف
سير التجرب
ات الخاطئ
ة ترض
خ بالت
دريج للحقيق
ة والج
دل:
ولكن الحقائق والجداالت ،من أجل أن تنتج أي تأثير كان على العقل ،فال بد من جلبھ
ا
أمام
ه .قلي
ل ج
دا م
ن الحق
ائق يمكنھ
ا أن تخب
ر ق
صتھا بنف
ات توض
ح
معناھا .إذن ،فكل قوة الحكم البشري وقيمت
ه يمك
ن أن توض
ع الثق
ة فيھ
ا عن
دما تك
ون
وسيلة تصويبھا دائما في متناول اليد ،اعتمادا على السمة الوحيدة ،أال وھي أنھ
ا قابل
ة
للتصويب عندما تكون على خطأ .في حالة وجود شخص ذو أحكام تستحق الثقة فعال،
فكيف أصبح األمر كذلك؟ ألنه أبقى عقل
ه مفتوح
ا للنق
د الموج
ه ألرائ
ه وس
لوكه .ألن
ه
دأب على االستماع لكل ما يمك
ن أن يق
ال ض
ده؛ لي
ستفيد من
ه ب
أكبر ق
در م
ا يستح
سن
ذل
ك ،وي
صف أو يف
ّ
سر لنف
سه ،ولآلخ
رين ف
ي بع
ض المناس
بات ،مكم
ن الخط
أ ف
ي
األشياء المغلوطة .ألنه كان قد ش
عر ب
أن الطريق
ة الوحي
دة الت
ي ي
ستطيع اإلن
سان م
ن
خاللھا أن يحرز بعض التقدم في معرفة موضوع معين بشكل ت
ام ،ھ
ي االس
تماع لم
ا
يمكن أن يقال عنه م
ن قب
ل األش
خاص ال
ذين ينتم
ون إل
ى جمي
ع اآلراء عل
ى تنوعھ
ا،
ودراسة كل األساليب التي يمكن من خاللھ
ا النظ
ر إل
ى ذل
ك الموض
وع ،م
ن قب
ل ك
ل
سمة من سمات العقل .ل
م يح
صل رج
ل حك
يم ق
ط عل
ى حكمت
ه عب
ر أي أس
لوب غي
ر
27
ھذا؛ وال تسمح له طبيعة العقل البشري بأن يكون حكيما بغير ھذا األسلوب .إن الع
ادة
الثابتة )لدى اإلنسان( في تصحيح وإكمال رأي
ه الخ
اص ع
ن طري
ق ترتيب
ه ومقارنت
ه
مع آراء اآلخرين ،بعيدا عن الت
سبب ف
ي ال
شك والت
ردد ف
ي تنفي
ذه ب
شكل عمل
ي ،ھ
ي
األساس الراسخ الوحيد لالعتماد الصائب على ذلك ال
رأي .إذ إن إدراك الف
رد لك
ل م
ا
يمكن أن يقال ضده ،على األق
ل ب
شكل معل
ن وص
ريح ،واتخ
اذه لموض
عه ض
د جمي
ع
األدعياء والملفّقين – ومعرفته أنه كان قد بح
ث ع
ن االعتراض
ات والم
صاعب ،ب
دال
عن تجنبھا ،وأنه لم يحجب ضوءا كان يمكن أن ّ
ي
سلط عل
ى الموض
وع م
ن أي ناحي
ة
كانت – تجعله محقا في اعتقاده بأن حكمه )أي تقييمه( أفضل من حكم أي شخص ،أو
مجموعة أشخاص ،ممن لم ي ّ
مروا بعملية مشابھة.
ل
يس م
ن ب
اب المبالغ
ة أن نطال
ب ب
أن يخ
ضع ذل
ك الح
شد المتن
وع م
ن القل
ة
الحكيمة والكثرة الحمقاء من األف
راد ،والت
ي ت
دعى الجمھ
ور ،لم
ا يج
ده أحك
م حكم
اء
البشرية ،أي ھؤالء المؤھلين على أفضل ما يكون ألن نثق بأحكامھم ،ضروريا ليكفل
اعتمادھم عليه .إن أكثر الكنائس تشددا ،أال وھي الكنيسة الروماني
ة الكاثوليكي
ة ،حت
ى
في مراسيم تنصيبھا لقديس ماّ ُ ،
تقر وتستمع بصبر ل
ـ"أن
صار ال
شيطان ".وكم
ا يب
دو،
فإن أق
دس الن
اس ال يمك
ن ال
سماح ل
ه بتلق
ي الت
شريفات األخي
رة ،بعي
د وفات
ه ،إال بع
د
معرفة وتقييم كل ما يكمن للشيطان أن يقول ض
ده .ل
و أن فل
سفة ني
وتن ل
م يك
ن ي
سمح
بإخضاعھا للتساؤل والمناقشة ،لما استطاعت البشرية أن تشعر بكمال صحتھا ودقتھ
ا
كما ھو الحال اآلن .إن المعتقدات التي لدينا اكبر الضمانات لھا ،ليس ھن
اك وقاي
ة ف
ي
االعتماد عليھا ،بل تمتلك دعوة مفتوحة للعالم بأس
ره إلثب
ات أنھ
ا عديم
ة األس
اس .إذا
م
ا ُرفِ
ض التح
دي ،أو ان
ه ُقبِ
َ
ل ولك
ن المحاول
ة ق
د ف
شلت ،فإنن
ا م
ا زلن
ا بعي
دين ع
ن
الحقيقة؛ ولكننا فعلنا أفضل ما تسمح به الحالة المتوافرة الت
ي ّ
يق
ر بھ
ا العق
ل الب
شري؛
ولم نھمل أو نغفل شيئا يمكن أن يعطي للحقيقة فرصة للوصول إلينا؛ لو أبقيت الق
وائم
مفتوح
ة ،س
نأمل أن تك
ون ھن
اك حقيق
ة أف
ضل ،وس
يتم إيجادھ
ا عن
دما يك
ون العق
ل
28
الب
شري ق
ادرا عل
ى تلقيھ
ا؛ وف
ي غ
ضون ذل
ك ،يمكنن
ا االعتم
اد عل
ى ح
صولنا عل
ى
طريقة كھذه للوصول إلى الحقيقة ،كما ھو ممكن في يومنا ھ
ذا .ھ
ذا ھ
و مق
دار التأك
د
الذي يمكن للمخل
وق غي
ر المع
صوم م
ن الخط
أ أن يح
صل علي
ه ،وھ
ذه ھ
ي الطريق
ة
الوحيدة للحصول عليه.
رم مريب
ة أو م
شكوك فيھ
ا ،ولك
نھم يعتق
دون أن مب
دأ أو م
ذھبا معين
ا ،يج
ب أن
تعريضه للمسائلة ألنه أكيد جدا ،أي ،ألنھم متأكدون وواثقون من أن
ه أكي
د أو حقيق
ي.
إن تسمية أي افتراض كان باالفتراض الحقيقي ،بينم
ا ال ي
زال ھن
اك م
ن ينك
ر تأكي
د
حقيقة ذلك االفت
راض إذا م
ا س
مح ل
ه ب
ذلك --ولك
ن ال ي
سمح ل
ه --ھ
و افت
راض بأنن
ا
ام عل
ى الحقيق
ةّ ،
حك
ام دون االس
تماع إل
ى أنف
سنا ،وھ
ؤالء ال
ذين يتفق
ون معن
اّ ،
حك
ٌ
الطرف اآلخر.
في العصر الحالي – الذي كثيرا ما وصف على أنه "مفرغ من اإليم
ان ،ولكن
ه
مفزوع من الشك"— والذي يشعر فيه الناس بالتأكد ،ليس بأن آراءھم صحيحة ،أكث
ر
من تأكدھم بأنھم ال يعرفون ما الذي سيفعلونه بدون تلك اآلراء— وال ت
ستند المطالب
ة
بأن تتم حماية رأي معين من الھجمات العامة على حقيقة ھذا الرأي وم
دى تأك
ده ق
در
استنادھا على أھميته للمجتمعُ .يزعم أن ھناك بعض المعتقدات المفيدة ج
دا ،وال نق
ول
التي ال غنى عنھا للتطور أو االزدھار ،إلى الحد الذي يجعل من واجب الحكومات أن
تسندھا وتدعمھا ،ألجل حماية أي مصلحة أخرى من مصالح المجتم
ع .ف
ي ح
ال مث
ل
29
ھذه الضرورة ،وعلى توافق مباشر جدا م
ع واجباتھ
ا ،ف
إن ش
يئا م
ا أق
ل م
ن الع
صمة
يلزم الحكومات بالتصرف وفقا لرأيھا الخاص ،مؤي
دة
من الخطأ قد يضمن ،بل وحتى ُ ُ
برأي البشرية العام .كثيرا ما قيل أي
ضا ،وم
ا زال ال
بعض يعتق
دون ،بأن
ه م
ا م
ن أح
د
سوى الرجال السيئين يرغب في إضعاف تلك المعتقدات المفيدة؛ وانه ل
يس ھن
اك م
ن
خطأ ،كما ُيعتقد ،في تقييد الرجال السيئين ،ومنع ما يود ھؤالء الرجال فقط ممارس
ته.
إن أسلوب التفكير ھذا يجعل من تبرير القيود المفروض
ة عل
ى المناق
شة لي
ست م
سألة
حقيقة المذاھب من عدمھا ،بل مسألة منفعتھا م
ن ع
دمھا؛ ويمت
دح نف
سه بتل
ك الوس
يلة
مع
صوم
ٌ للتھرب من مسؤولية الزعم بأنه )أي األسلوب آنف الذكر( َ َ
حك
ٌم عل
ى اآلراء
م
ن الخط
أ .ولك
ن ھ
ؤالء ال
ذين يب
ررون أنف
سھم عل
ى ھ
ذا النح
و ،ال ي
دركون أن ھ
ذا
االفتراض بالعصمة من الخطأ قد ُ َ
نق
ل م
ن نقط
ة إل
ى نقط
ة أخ
رى .إن فائ
دة رأي م
ا،
ھي بذاتھا مسألة رأي :فھي قابلة للجدل ،مفتوحة للمناقشة ،وتتطلب من المناقشة بق
در
آراء معصوم من الخط
أ ليق
رر م
ا إذا
ٍ ما يتطلب الرأي .ھنالك الحاجة نفسھا إلى َ َ
حكم
الم
ستنكر يمتل
ك
ك
ان ال
رأي ض
ارا ،كم
ا يق
رر م
ا إذا ك
ان خاطئ
ا ،م
ا ل
م يك
ن ال
رأي ُ
يف بالغرض أن نقول ب
أن ي
سمح للھرطق
ي
فرصة كاملة للدفاع عن نفسه .وسوف لن ِ
بإدامة المنفعة أو عدم ضرر رأيه ،على الرغم م
ن منع
ه م
ن إدام
ة حقيقت
ه .إن حقيق
ة
ال
رأي ھ
ي ج
زء م
ن فائدت
ه .ل
و كن
ا نع
رف م
ا إذا ك
ان م
ن المحب
ذ أن ي
تم ت
صديق
افتراض ما ،أم ال ،فھل يمكننا أن نستثني االعتب
ار القائ
ل بم
ا إذا ك
ان ذل
ك االفت
راض
ص
حيحا أم ال؟ ف
ي ال
رأي ،ل
يس رأي الرج
ال ال
سيئين ،ب
ل رأي أف
ضل الرج
ال ،ال
يمك
ن ل
رأي من
اقض للحقيق
ة أن يك
ون مفي
دا حق
ا :وھ
ل بوس
عك أن تمن
ع مث
ل ھ
ؤالء
الرجال من تشجيع ذلك االلتماس ،عندما ُيتھمون بإثم إنكار مذھب معين قي
ل لھ
م بأن
ه
الم
ستلمة أو
مفي
د ،ولك
نھم يعتق
دون بأن
ه خ
اطئ؟ إن ھ
ؤالء ال
ذين يؤي
دون اآلراء ُ
المتوارثة ،ال يعجزون عن االستفادة من ھذا االلتماس بكل وس
يلة ممكن
ة؛ وال تج
دھم
يتناولون مسألة المنفعة كما لو أنھا يمك
ن ُ ّ
تج
رد بالكام
ل م
ن م
سألة الحقيق
ة :ب
ل عل
ى
العكس ،فألن مذھبھم ھو "الحقيقة" فوق كل ش
يء ،نج
د أن معرفت
ه أو معتق
ده ينظ
ر
30
إليه على أن
ه ال غن
ى عن
ه .ال يمك
ن أن تك
ون ھن
اك مناق
شة عادل
ة لم
سألة المنفع
ة أو
الفائدة ،عندما ي
ستخدم ج
دل بھ
ذا الق
در م
ن الحيوي
ة م
ن قب
ل اح
د األط
راف ،بينم
ا ال
يستخدمه الطرف اآلخر .وفي الحقيقة ،عندما ال يسمح القانون أو الشعور العام لحقيقة
رأي ما بأن تخضع للجدل ،فإنھما أقل تسامحا مع إنكار فائدته .إن أقصى ما يسمحا به
ھو التخفيف من ضرورته المطلقة ،أو من الذنب االيجابي لرفضه.
ومن أجل إيضاح األذى الذي يتسبب فيه إنكار االستماع لآلراء ،وبشكل كام
ل،
ألنن
ا ش
جبناھا ،بأحكامن
ا الخاص
ة ،س
يكون م
ن المحب
ذ أن ن
ربط المناق
شة بق
ضية
ملموسة؛ وأنا اختار ،من قبيل التف
ضيل ،الق
ضايا األق
ل تف
ضيال بالن
سبة ل
ي— والت
ي
يعتبر فيھا الجدل ضد حرية الرأي ،من حيث درج
ة الحقيق
ة وم
ن حي
ث المنفع
ة عل
ى
حد سواء ،ھو األقوى .دع اآلراء المفندة تكون اإليمان ب
ا والحي
اة األخ
رى ،أو ب
أي
مذھب م
ن الم
ذاھب األخالقي
ة المتوارث
ة والمتع
ارف عليھ
ا .إن خ
وض معرك
ة عل
ى
مثل ھذه األرضية يعطي امتيازا كبيرا لخصم غير عادل؛ طالما ان
ه س
يقول دون ش
ك
)وكذلك العديد من الذين ليست لديھم أية رغبة ف
ي أن يكون
وا غي
ر ع
ادلين س
يقولونھا
بشكل ضمني( :ھل ھذه المذاھب التي انتم ال تعتبرونھا صحيحة وأكيدة بما فيه الكفاية
ستندرج تحت حماية القانون؟ ھل إن اإليم
ان ب
ا ھ
و أح
د اآلراء الت
ي تعتب
رون أنھ
ا
تفترض العصمة من الخطأ؟ ولكن يجب أن تسمحوا ل
ي ب
أن أالح
ظ ھن
ا أن م
ا ادع
وه
بافتراض العصمة من الخطأ ھو ليس الشعور بالتأكد من مذھب معين )مھما كان ذل
ك
المذھب( .بل ھو ّ
تولي مھمة البت في ھذه المسألة بالنيابة عن اآلخرين ،دون ال
سماح
لھم بأن يسمعوا ما يمكن أن يقال في الجانب اآلخر .وأنا اشجب واستنكر ھ
ذا االدع
اء
كثيرا ،حتى إذا ما ُ َ َ
بذل لصالح قناعاتي األكثر قداس
ة .مھم
ا ك
ان إقن
اع الم
رء ايجابي
ا،
ليس المتعلق بالزيف فقط ،بل المتعل
ق بالتبع
ات ال
ضارة—لي
ست التبع
ات ال
ضارة أو
تنكرھا
المؤذي
ة فح
سب ،ب
ل ف
ساد ال
رأي وفج
وره وف
سقه )باس
تخدام التع
ابير الت
ي اس
ُ
بالكامل(؛ مع ذلك ،إذا ما قام )ذلك المرء( ،أثناء تنفيذ ذلك الحكم الخاص ،على ال
رغم
31
من أنه مدعوم من قبل الحكم العام لبل
ده أو معاص
ريه ،بمن
ع ال
رأي م
ن أن ي
دافع ع
ن
نفسه ،فإنه ي
زعم الع
صمة م
ن الخط
أ .وبعي
دا ع
ن ك
ون ال
زعم أق
ل خط
ورة أو إث
ارة
لالعتراض ألن الرأي قد وصف بالفاس
د أو العاص
ي أو الفاس
ق ،فھ
ذه ھ
ي ح
ال كاف
ة
اآلراء األخرى التي يكون فيھا )ذلك الزعم( فتاكا للغاية .تلك بال
ضبط ھ
ي المناس
بات
الت
ي يرتك
ب فيھ
ا أبن
اء الجي
ل الواح
د م
ن الرج
ال تل
ك األخط
اء المقيت
ة ،الت
ي تثي
ر
اس
تغراب ورع
ب األجي
ال القادم
ة .وم
ن ب
ين مث
ل ھ
ذه األخط
اء ،نج
د أمثل
ة ي
ذكرھا
الت
اريخ ،حي
ث اس
انون الق
تالع أف
ضل الرج
ال وأنب
ل الم
ذاھب؛ أم
ا
بنجاح بغيض تعيس بالنسبة للرجال ،على الرغم من أن المذاھب قد عاشت وواص
لت
لكي ُ ّ
تستفز )كما لو في سخرية واستھزاء( ،دفاعا عن سلوك مشابه تجاه ھ
ؤالء ال
ذين
ينشقون عنھا ،أو عن مثيالتھا من التفسيرات المتوارثة.
ة ،إن ال
ذي اتھم
ه أك
د ان
ه ل
م ي
ؤمن ب
أي آلھ
ة إطالق
ا )انظ
ر االبولوجيا(؛
والف
سوق ،م
ن خ
الل كون
ه "مف
سدا لل
شباب" ،عب
ر معتقدات
ه وتوجيھات
ه .وق
د وجدت
ه
32
المحكم
ة م
ذنبا بھ
اتين التھمت
ين ،وھنال
ك ك
ل األس
س الممكن
ة لالعتق
اد ب
ذلك ،وبك
ل
نزاھة ،وأدانت الرجل الذي استحق أفضل ما يستحق البشر ،وحكمت عليه بالقتل كأي
مجرم.
رة ال
ذين ش
ھدوا حيات
ه وحوارات
ه ،انطباع
ا كبي
را ع
ن عظمت
ه األخالقي
ة ،وجع
ل
ص
لب ب
شكل مخ
زي، القرون الثمانية عشر الالحق
ة ّ
تبجل
ه عل
ى أن
ه ﷲ بشخ
صه ،ق
د ُ
مث
ل م
اذا؟ مث
ل ك
افر .ل
م يخط
ئ الن
اس ب
شخص راع
يھم فق
ط ،ب
ل أخط
أوا ب
ه عل
ى
النقيض تماما مما كان عليه ،وعاملوه على أنه أنموذج للمع
صية اقترن
وا ب
ه ھ
م اآلن،
نظرا لمعاملتھم له على ذلك النحو .إن المشاعر التي تنظر بھا البشرية الي
وم إل
ى ھ
ذه
المعاملتين المحزنتين ،وال سيما األخير منھما ،جع
ل م
نھم ظ
المين للغاي
ة ف
ي حكمھ
م
عل
ى الع
املين التعي
سين .ك
ان ھ
ؤالء الرج
ال ،ف
ي جمي
ع األنظ
ار ،لي
سوا رج
اال
رف ع
ن الب
شر ،ب
ل عل
ى العك
س؛ ك
انوا رج
اال
س
يئين— لي
سوا أس
وأ م
ن مم
ا ُيع
َ
يمتلك
ون كام
ل العواط
ف ،أو أكث
ر م
ن المق
دار الكام
ل ،م
ن العواط
ف الديني
ة،
واألخالقي
ة ،والوطني
ة لع
صرھم وناس
ھم :وھ
و نف
س ال
صنف م
ن الرج
ال ال
ذين
يمتلكون ،في كل العصور ،بما فيھ
ا ع
صرنا ،ك
ل فرص
ة لع
يش الحي
اة ب
احترام وب
ال
الئمة .إن الكاھن األعلى الذي ّ
مزق عباءته عندما كانت الكلم
ات ُتلف
ظ ،الكلم
ات الت
ي
كان
ت ،بح
سب أفك
ار ب
الده ،ت
شكل اإلث
م األحل
ك ،ك
ان بك
ل االحتم
االت مخل
صا ف
ي
مخاوفه وغضبه ،شأنه بذلك شأن ما عليه عموم المحترمين والمتقين من الرج
ال اآلن
في العواطف الدينية واألخالقية التي يحترفونھا؛ ومعظم ھؤالء ال
ذين يرتع
دون الي
وم
لفظاعة ذلك الفعل ،لو كانوا قد عاشوا في زمن
ه )أي زم
ن الك
اھن( ،ول
و ك
انوا يھ
ودا
بالوالدة ،لفعلوا كما فعل بالضبط .على الم
سيحيين االورث
ودوكس ،ال
ذين يميل
ون إل
ى
33
االعتقاد ب
أن ھ
ؤالء ال
ذين رجم
وا ال
شھداء األوائ
ل بالحج
ارة حت
ى الم
وت ال ب
د إنھ
م
المضطھدين كان القديس بول.
ِ كانوا أسوأ منھم ،أن يتذكروا أن احد أولئك
دعون
ا ن
ضيف مث
اال آخ
ر ،وھ
و األكث
ر إث
ارة م
ن الجمي
ع ،إذا م
ا قي
ست إث
ارة
الخطأ بحكمة وفضيلة من يقع فيه .إذا كان ھناك شخص ،يمتلك السلطة ،ولدي
ه أس
اس
يجعله يعتقد أنه األفضل واألكثر استنارة ومعرفة من بين معاصريه ،فھو اإلمبراطور
ماركوس اوريليوس .بصفته الملك المطلق للعالم المتحضر بأسرهَ ،حف
ظ خ
الل حيات
ه
ل
يس العدال
ة الت
ي ال ت
شوبھا ش
ائبة فح
سب ،ب
ل م
ا ل
م يك
ن متوقع
ا كثي
را م
ن تربيت
ه
الرواقية ،أال وھو قلبه الرقيق للغاية .كانت جميع اإلخفاق
ات القليل
ة المن
سوبة إلي
ه م
ن
ناحية االنغماس :بينما كانت كتاباته ،وھي المنتج األخالقي األعلى للعقل القديم ،ن
ادرا
م
ا كان
ت تختل
ف م
ن الناحي
ة المح
سوسة ،ھ
ذا إن اختلف
ت عل
ى اإلط
الق ،ع
ن تع
اليم
الم
سيح الممي
زة .ك
ان ھ
ذا الرج
ل ،ف
ي ك
ل ش
يء م
ا ع
دا المعن
ى ال
دوغماتي للكلم
ة،
مسيحيا أفضل من جميع الملوك والحكام الذين يزعمون أنھم مسيحيين ،والذين منذ أن
حكموا اضطھدوا المسيحية .كان متربع
ا عل
ى قم
ة كاف
ة االنج
ازات الب
شرية ال
سابقة،
بعقله المفتوح ،وغير المقيد ،وشخصه الذي قاده من نفسه ليجسد في كتاباته األخالقي
ة
المثال المسيحي ،إال أنه رغم ذاك فشل ف
ي أن ي
رى أن الم
سيحية كان
ت لت
صبح خي
را
ول
يس ش
را للع
الم ،م
ع واجبات
ه الت
ي ك
ان م
ستغرقا فيھ
ا بعم
ق .لق
د ع
رف المجتم
ع
المتواجد على أنه في حالة يرثى لھا .ولكنه بما كان عليه ،رأى ،أو اعتقد أنه رأى ،أنه
– أي المجتم
ع -متماس
ك م
ع بع
ضه ،وممن
وع م
ن الت
دھور ،ع
ن طري
ق اإليم
ان
واحترام المقدسات المتوارثة .وبصفته حاكما للبشر ،اعتبر أن من واجب
ه أن ال يجع
ل
المجتم
ع يع
اني م
ن االنق
سام إل
ى قط
ع ص
غيرة؛ ول
م ي
ر كي
ف يمك
ن ت
شكيل أواص
ر
يمكنھا أن تربط نسيج المجتمع ببعضه البعض ،إذا ما أزيلت روابطه الحالية .استھدف
الدين الجديد ،وبشكل صريح ،حل تل
ك ال
روابط :ل
ذا ،إن ل
م يك
ن واجب
ه ف
ي أن يتبن
ى
ذلك ال
دين ،ك
ان يب
دو أن واجب
ه ھ
و أن يقمع
ه .بم
ا إن الديان
ة الم
سيحية ل
م تك
ن تب
دو
34
حقيقي
ة ص
ادقة ،ذات ج
ذور مقدس
ة ،بالن
سبة ل
ه؛ وبم
ا إن ھ
ذا الت
اريخ الغري
ب إلل
ه
مصلوب لم يكن معقوال بالنسبة له ،وان نظاما ّ
يدعي االستناد الكامل على أساس غي
ر
معقول تماما بالنسبة له ،ولم يكن يتوقع منه أن ي
صبح وكال
ة اإلص
الح والتجدي
د الت
ي
ّ
والحكام األكثر خول الفالسفة
أثبتت نفسھا ،بعد كل ذلك القمع ،على أرض الواقع؛ فقد ّ
لياق
ة ولطف
ا ،تح
ت إح
ساس مق
دس بالواج
ب ،بقم
ع الم
سيحية .ف
ي ت
صوري ،إن ھ
ذا
لواحد من الحقائق األكثر مأساوية في التاريخ .إنه لفكرة مريرة ،لو أن الدين المسيحي
قد ﱡ ِ
اتخذ على أنه الدين الرسمي لإلمبراطورية في ظل رعاية ماركوس اوريليوس بدال
من رعاية قسطنطين ،لصارت مسيحية العالم شيئا مختلفا .ولكن سيكون من اإلجحاف
بحق
ه أي
ضا ،وم
ن ت
شويه الحقيق
ة ،إنك
ار حقيق
ة أن م
اركوس اوريلي
وس ك
ان ينق
صه
التماسا واحدا يحث على معاقبة التعليم المناھض للمسيحية ،لكي يعاقب ،كم
ا فع
ل ف
ي
الواقع ،التبشير بالمسيحية .ما من مسيحي ي
ؤمن بق
وة ب
بطالن الديان
ة الوثني
ة ،وميلھ
ا
نحو تفكيك المجتمع ،أكثر من إيم
ان م
اركوس اوريلي
وس ب
نفس األش
ياء تج
اه الديان
ة
المسيحية؛ وھو الذي كان يعتقد بأنه ،من بين كافة الن
اس ال
ذين عاش
وا آن
ذاك ،الرج
ل
األكثر قدرة تثمينھا .إن كان ھناك أي ش
خص من
ا يؤي
د معاقب
ة ن
شر اآلراء ،ول
م يق
دم
على امتداح نفسه ،معتقدا بأنه رجال أكث
ر حكم
ة وأف
ضل م
ن م
اركوس اوريلي
وس –
وأكثر عمق
ا ف
ي ثقافت
ه ف
ي حكم
ة ع
صره ،واالھ
م م
ن ذل
ك ،أكث
ر ّ
رقي
ا ف
ي ذكائ
ه—
وأكث
ر حرص
ا ف
ي بحث
ه ع
ن الحقيق
ة ،أو أكث
ر تف
ردا ب
الرأي ف
ي التزام
ه بھ
ا عن
دما
يج
دھا؛ --فعلي
ه أن يك
ف ع
ن ذل
ك االدع
اء بالع
صمة م
ن الخط
أ الم
شتركة لنف
سه،
وللجمھور ،التي ادعى بھا انطونيوس العظيم فأدت إلى نتيجة بائسة.
بعد إدراكھم الستحالة الدفاع عن استخدام العقاب لمنع أية آراء غير ديني
ة ،م
ن
خالل أي جدل لن يبرر ماركوس انطونيوسّ ،
تقب
ل أع
داء الحري
ة الديني
ة ،ف
ي بع
ض
األحيان ،عندما يتعرضون لضغط شديد ،ھ
ذه النتيج
ة وق
الوا ،م
ع ال
دكتور جون
سون،
إن م
ضطھدي الم
سيحية ك
انوا عل
ى ح
ق؛ وإن االض
طھاد ھ
و مع
ضلة يج
ب عل
ى
35
الحقيقة أن تجتازھا ،وعادة ما كانت تفعل ذلك بنجاح ،وإن العقوبات القانونية ھي في
نھاية المط
اف ،عديم
ة الق
وة إزاء الحقيق
ة ،عل
ى ال
رغم م
ن أنھ
ا ف
ي بع
ض األحي
ان،
فاعل
ة ب
شكل مفي
د ،ض
د األخط
اء المؤذي
ة .ھ
ذا ھ
و ش
كل م
ن أش
كال الج
دل ل
صالح
التعصب الديني ،البارز بدرجة تجعله ال يمر دونما نالحظه.
ال يمك
ن اتھ
ام النظري
ة الت
ي تؤك
د أن الحقيق
ة يمك
ن أن تُ
ضطھد ،عل
ى نح
و
مب
طھاد ال يمك
ن أن يلح
ق بھ
ا أي ض
رر ،بأنھ
ا عدواني
ة ،وب
شكل
قصدي ،ضد استقبال الحقائق الجديدة؛ ولكننا ال نستطيع أن نوص
ي بك
رم تعاملھ
ا م
ع
األشخاص الذين تدين لھم البشرية .أن تكتشف شيئا للعالم ،شيئا يھمه بعم
ق ،غي
ر أن
ه
ك
ان ج
اھال ب
ه ف
ي الماض
ي؛ وأن تب
رھن ل
ه أن
ه ك
ان مخطئ
ا ف
ي نقط
ة ح
ساسة م
ن
المصلحة الدنيوية أو الدينية ،لھي أكبر خدمة مھمة يمكن لإلنسان أن ّ
يقدمھا إل
ى أبن
اء
جلدت
ه ،وف
ي بع
ض الح
االت ،مث
ل ح
االت الم
سيحيين األوائ
ل واإلص
الحيين ،ف
إن
ھؤالء الذين يرون ما يراه الدكتور جونسون ،يعتقدون أنھا أغل
ى ھب
ة يمك
ن أن يھبھ
ا
ﷲ للبشرية .أما أن يجزى مؤلفو أو مؤسسو مثل ھ
ذه الفوائ
د العظيم
ة بال
شھادة؛ وأن
يكون جزاؤھم ھ
و أن يع
املوا معامل
ة أعت
ى المج
رمين ،فل
يس خط
أ محزن
ا ،أو س
وء
طالع يجب أن تحزن عليه اإلنسانية وتندبه بحالة من الحداد ،حسب ھ
ذه النظري
ة ،ب
ل
ھو الوضع الطبيعي والمبرر لألشياء .إن من يكت
شف أو يقت
رح حقيق
ة جدي
دة ،ح
سب
ھذا المذھب ،يج
ب أن يق
ف ،كم
ا وق
ف ف
ي الماض
ي ،ح
سب ت
شريع )اللوكري
انيين(،
مقترح القانون الجديد ،مع حبل بأش
نوطة يلت
ف ح
ول عنق
ه ،لي
شد ف
ورا ،إذا ل
م تتبن
ى
ِ
الجمعية العامة مقترحه ،بع
د االس
تماع إل
ى أس
بابه ،ف
ي ذل
ك الزم
ان والمك
ان .الن
اس
الذين يدافعون عن مثل ھذا ال
نمط م
ن التعام
ل م
ع ال
واھبين أو المح
سنين ال يمك
ن أن
نفترض بأنھم يضعون قيمة كبيرة على الفائدة؛ واعتقد أن ھذه النظرة للموضوع مقيدة
على األغلب بنوع األشخاص الذين يعتقدون بأن الحقائق الجديدة قد كان
ت محبب
ة ذات
مرة ،ولكننا اآلن تحملنا الكثير منھا.
36
ولكن في الواقع ،إن المثل القائل بأن الحقيقة تنتصر دائما على االض
طھاد ،ھ
و
واحد من األكاذيب المفرحة التي يكررھا الرجال ،الواحد تلو اآلخر ،حتى تتحول إل
ى
مالحظات بليدة ،ولكن التجربة تفندھا جميعا .التأريخ يع
ج باألمثل
ة ع
ن الحق
ائق الت
ي
قمعھا االضطھاد .إن لم يتم قمعھ
ا إل
ى األب
د ،فق
د تت
أخر قرون
ا .ولنتح
دث ع
ن اآلراء
الدينية :فقد اندلع اإلصالح عشرون مرة على األقل قبل لوثر ،وقد اخمد في مكانه .فقد
ع ارنول
د م
ن بري
شا .وأس
كت ف
را دول
سينو .وس
افوناروال ق
د ُقم
ع .والبيجي
وز ق
د
ُقم
َ
ُقمعوا .والفودوايين قمع
وا ،والل
والرديين ُقمع
وا ،والھوس
يين قمع
وا .حت
ى ف
ي ع
صر
لوثر ،حيثما كان ھناك إصرار على االضطھاد ،ك
ان االض
طھاد ي
نجح .فف
ي اس
بانيا،
وايطاليا ،والفالندرز ،واإلمبراطورية النمساوية ،اقتلعت البروت
ستانتية؛ وربم
ا كان
ت
ستقتلع من انجلترا أيضا ،لو أن الملكة ماري قد عاش
ت ،أو كان
ت الملك
ة إليزابي
ث ق
د
ماتت .عادة ما نجح االضطھاد ،ما عدا عندما يكون الكافرون حزب
ا أق
وى م
ن أن ي
تم
قمعه واضطھاده بشكل فاعل .ما من شخص عاقل يشكك في أن الديانة المسيحية ربما
تك
ون ق
د استأص
لت ومحي
ت ف
ي اإلمبراطوري
ة الروماني
ة .لق
د انت
شرت ،وأص
بحت
مھيمنة ،ألن االضطھاد كان عرضيا فقط ،لم يستمر س
وى لوق
ت ق
صير ،تف
صل بين
ه
فواص
ل زمني
ة طويل
ة م
ن الت
رويج والدعاي
ة الت
ي ال يقاطعھ
ا أح
د .إن
ه لم
ن وح
ي
العواطف الجياشة السمجة أن تمتلك الحقيق
ة ،بوص
فھا حقيق
ة فق
ط ،أي
ة ق
وة كامن
ة ال
تقبل الخطأ ،لتنتصر على الزنزانة والمشنقة .ل
يس الرج
ال أكث
ر حماس
ا للحقيق
ة م
نھم
للخط
أ ،كم
ا أن التطبي
ق المالئ
م للعقوب
ات القانوني
ة ،ب
ل وحت
ى االجتماعي
ة س
ينجح
عموما في إيقاف انتشار كل منھما .إن االمتياز الحقيقي الذي تمتلكه الحقيقة ،مت
ضمن
في ھذا ،ھو عندما يكون الرأي صحيحا ،فإنه قد ينطفئ مرة ،م
رتين ،أو ع
دة م
رات،
ولك
ن بتت
ابع الع
صور ،س
يكون ھن
اك عموم
ا بع
ض األش
خاص ال
ذين س
يعيدون
اكت
شافھا ،حت
ى ت
صادف واح
دة م
ن مناس
بات ظھورھ
ا ثاني
ة ف
ي وق
ت تتف
ادى في
ه
37
االض
طھاد ف
ي ظ
روف محب
ذة ،حت
ى تح
رز تق
دما كبي
را تجاب
ه في
ه ك
ل المح
اوالت
المتتالية لقمعھا.
س
يقال إنن
ا اآلن ال نحك
م باإلع
دام عل
ى ال
ذين يق
دة :نح
ن ل
سنا
كأجدادنا الذين ذبحوا األنبياء ،وبنوا المدافن لھم .حقا ،أننا لم نعد نعدم الكف
ار؛ ومق
دار
اإلصابة الجزائية التي ربما يتحملھا ال
شعور الح
ديث ،حت
ى ض
د أكث
ر اآلراء بغ
ضا،
ليس مقدارا كافيا الستئصالھا .ولكن دعونا ال نمتدح أنفسنا بأننا م
ا زلن
ا نظيف
ين حت
ى
من لطخات االضطھاد القانوني .ما زالت العقوبات عل
ى اآلراء ،أو عل
ى التعبي
ر ع
ن
اآلراء عل
ى أق
ل تق
دير ،موج
ودة وبموج
ب الق
ذھا ،حت
ى ف
ي تل
ك
األوق
ات ،ل
يس ن
ادرا إل
ى الح
د ال
ذي يجع
ل م
ن غي
ر المعق
ول أن ي
تم إحياؤھ
ا إل
ى
درجاتھ
ا الق
صوى .ع
ام ،1857ف
ي الجل
سات ال
صيفية لمقاطع
ة كورن
وال ،قي
ل ع
ن
رجل سيء الحظ كان س
لوكه اس
تثنائيا ف
ي جمي
ع عالقات
ه الحياتي
ة ،إن
ه حك
م بال
سجن
واحد وعشرون ش
ھرا ،لتلفظ
ه وكتابت
ه ل
بعض العب
ارات الت
ي ت
سيء لل
دين الم
سيحي
عل
ى البواب
ة .وف
ي غ
ضون ش
ھر م
ن الوق
ت نف
سهُ ،رفَ
َ
ضت ع
ضوية شخ
صين ،ف
ي
مناس
بتين مختلفت
ين ،ف
ي ھيئ
ة المحلف
ين ،وق
د تع
رض اح
دھما لالھان
ة ال
شديدة م
ن
القاضي ومن أحد المستشارين ،ألنھما أعلنا بصدق أن ليس لديھما معتق
دا ديني
ا؛ بينم
ا
حرم ثالث ،وھو أجنبي ،وللسبب نفسه ،من حق العدال
ة ف
ي ش
كواه ض
د ل
ص .إن ھ
ذا
ُ ِ
ال
رفض للتع
ويض ق
د ح
دث بف
ضل الم
ذھب الق
انوني القائ
ل ب
أن ال ي
سمح ألح
د ال
يحت
رف اإليم
ان بإل
ه) ،أي إل
ه يف
ي ب
الغرض( والحي
اة األخ
رى ،ب
اإلدالء ب
شھادة أو
تقديم دليل ف
ي المحكم
ة؛ وھ
و ش
يء م
ساو ٍ العتب
ار ھ
ؤالء األش
خاص خ
ارجين ع
ن
الق
انون ،م
ستثنين م
ن حماي
ة المح
اكم؛ كم
ا أنھ
م ق
د يتعرض
ون للمھاجم
ة أو ال
سرقة
ويفلت الفاعل من العق
اب ،إذا ل
م يك
ن ھن
اك اح
د حاض
را س
واھم ،أو س
وى أش
خاص
يحمل
ون نف
س اآلراء ،ل
يس ھ
ذا فح
سب ،ب
ل إن شخ
صا آخ
ر ق
د يتع
رض لل
سرقة أو
المھاجم
ة ويفل
ت الفاع
ل م
ن العق
د إثب
ات الحقيق
ة عل
ى ش
ھادتھم .إن
38
القسم ش
يء ع
ديم القيم
ة ،إذا ك
ان ال
شخص ال
االفتراض الذي استند عليه ھذا ،ھو أن َ
يؤمن بحياة أخرى؛ وھو اقتراح ينم عن جھل كبير بالتأريخ لدى ھ
ؤالء ال
ذين يتفق
ون
مع
ه )بم
ا أن
ه ص
حيح تاريخي
ا إن ن
سبة كبي
رة م
ن الك
افرين ف
ي ك
ل الع
صور ك
انوا
أشخاصا يمتازون بالنزاھة والشرف(؛ وسوف لن يدعم
ه اح
د يمتل
ك أدن
ى ح
د ممك
ن
م
ن اإلدراك بع
دد األش
خاص ال
ذين يمتلك
ون ال
شھرة األعظ
م ف
ي الع
الم ،لف
ضيلتھم
والنجازاتھم على حد سواء ،ولكنھم معروفون ،على األقل لدى المق
ربين م
نھم ،ب
أنھم
غير مؤمنين .إضافة إلى ذلك ،إن القاعدة انتحارية ،وھي تقطع أساسھا بنفسھا .فتح
ت
االفتراض بأن الوثنيين البد أن يكونوا كاذبين ،تسمح بشھادة كل الوثنيين الراغبين في
الك
ذب ،وال ت
رفض س
وى ھ
ؤالء ال
ذين يتح
دون التندي
د والل
وم ب
اعترافھم العلن
ي
باعتناقھم معتقدا بغيضا ،بدال من تلفيقھم ألكذوبة .إن قاعدة تدين ذاتھا بذاتھا على ھ
ذا
النحو ،يمكن أن تبقى فاعلة ،ولكن كشارة للبغضاء والكراھي
ة فق
ط ،أو ك
أثر م
ن آث
ار
االضطھاد؛ اضطھاد يمتلك الفرادة أيضا ،بحيث ﱠ
إن مؤھالت اجتيازه ،ھ
ي أن ُيب
رھن
بالدليل القاطع على أن الفرد ال ي
ستحقه )أي االض
طھاد( .إن القاع
دة ،والنظري
ة الت
ي
تضمرھا ،نادرا م
ا تكون
ان أق
ل إھان
ة للم
ؤمنين منھ
ا للك
افرين .ألن
ه إذا ك
ان ال
ذي ال
يؤمن بالحياة األخ
رى ،يك
ذب بال
ضرورة ،ف
إن ذل
ك يعن
ي أن ال
ذين يؤمن
ون ھ
م فق
ط
الممنوعون من الكذب من خالل خوف النار ،إذا كانوا ممنوعين حقا .سوف ل
ن نلح
ق
األذى بمؤلفي ھذه القاعدة والمحرضين عليھا ،من خالل االفتراض بأن المفھوم ال
ذي
قد شكلوه حول الفضيلة المسيحية مستمد من وعيھم الخاص.
مانا ف
ي حال
ة العق
ل الع
ام ،ب
أن تعلي
ق أس
وأ أش
كال االض
طھاد الق
انوني ،الت
ي
39
استمرت لقرابة جيل ،سيستمر .في ھذا الع
صر ،كثي
را م
ا ي
تم إزع
اج ال
سطح الھ
ادئ
ﱠح
للروتين بمحاوالت إيقاظ الشرور القديمة ،إلى حد تقديم فوائد جديدة .إن ما يتم الت
بج َ
به في الوقت الحالي كإحياء الدين ،عادة ما يكون ،في العقول الضيقة وغير المتعلم
ة،
إحياء للتعصب؛ وحيثما تكون ھناك خميرة للتعصب في مشاعر أبناء شعب ما ،وھي
ً
ت
ستوطن ف
ي الطبق
ة الوس
اج األم
ر إال لل
شيء القلي
ل إلث
اء
الشعب( ليمارسوا االضطھاد الفعلي ضد ھؤالء الذين لم يكفّوا ق
ط ع
ن االعتق
اد ب
أنھم
األھداف المناسبة لالض
طھاد .إن ھ
ذا ھ
و ال
سبب – إنھ
ا اآلراء الت
ي يتبناھ
ا الرج
ال،
والمشاعر التي يحملون ،فيما يتعلق بھؤالء ال
ذين ينك
رون المعتق
دات الت
ي يعتبرونھ
ا
مھمة— الذي يجعل ھذا البلد ،ليس مكانا للحرية العقلية.
لفت
رة طويل
ة خل
ت ،ك
ان ال
ضرر ال
رئيس للعقوب
ات ال
شرعية ھ
ي أنھ
ا تع
زز
مشاعر العار االجتماعي .إن وصمة العار ھذه ھ
ي الم
ؤثرة فع
ال ،وھ
ي م
ؤثرة ج
دا،
بحي
ث ﱠ
إن احت
ي ھ
ي تح
ت حظ
ر المجتم
ع لھ
و ش
يء أق
ل ش
يوعا ف
ي
انجلت
را م
ن االعت
راف بتل
ك الت
ي ت
ستدعي عقوب
ة ق
ضائية ف
ي العدي
د م
ن البل
دان
األخ
رى .فيم
ا يتعل
ق بك
ل األش
خاص ،ع
دا ھ
ؤالء ال
ذين جعل
تھم ظ
روفھم المالي
ة
يعتم
دون عل
ى اإلرادة الح
سنة للن
اس اآلخ
رين ،ف
إن ال
رأي ،ف
ي ھ
ذا الموض
وع،
بمستوى فعالية القانون؛ قد يتعرض الرج
ال إل
ى ال
سجن أي
ضا ،وك
ذلك يحرم
ون م
ن
ك
سب ق
وتھم .أم
ا ھ
ؤالء ال
ذين ق
وتھم مكف
ول م
سبقا ،وال
ذين لي
ست ل
ديھم رغب
ة ف
ي
أف
ضال م
ن رج
ال ال
سلطة ،أو م
ن كيان
ات م
ن الرج
ال ،أو م
ن العام
ة ،ف
ال يخ
شون
االعتراف المباشر بأي
ة آراء ،س
وى أن ي
ساء الظ
ن بھ
م ،أو ي
ساء التح
دث ع
نھم ،وال
ينبغي أن يتطل
ب ھ
ذا إل
ى قال
ب بط
ولي ّ
ليمك
نھم م
ن التحم
ل .ل
يس ھن
اك مج
ال ألي
التماس بالنيابة ع
ن مث
ل ھ
ؤالء األش
خاص .ولك
ن عل
ى ال
رغم م
ن أنن
ا اآلن ال نلح
ق
الكثير من الشر أو الضرر بھؤالء الذين يفكرون بشكل مختلف عن
ا ،كم
ا اعت
دنا عل
ى
أع
دم
ذلك في الماضي ،يمكن أننا نلحق بأنفسنا شرا كبيرا من خالل معاملتن
ا لھ
م .لق
د ِ َ
40
سقراط ،ولكن الفلسفة السقراطية بزغت كالشمس في ال
سماء ،ون
شرت ض
ياءھا عل
ى
رمي المسيحيون لألسود ،ولكن الكنيسة المسيحية نمت مثل
كل السماوات الفكرية .لقد ُ َ
شجرة مھيبة وارفة الظالل ،فارتفعت على النبات
ات القديم
ة األق
ل حيوي
ة ،وخنقتھ
ا أو
حبستھا بظاللھا .إن تعصبنا االجتم
اعي المج
رد ال يقت
ل أح
دا ،وال يقتل
ع رأي
ا ،ولكن
ه
ي
شجع الرج
ال عل
ى إخف
اء حقيق
ة تل
زوف ع
ن أي جھ
د ّ
فع
ال ألج
ل
ن
شرھا .أم
ا معن
ا ،ف
إن اآلراء الك
افرة ل
م تك
سب ش
يئا ملموس
ا ،أو حت
ى تخ
سر ،أي
ة
أرضية في أي عقد من الزمن ،أو جيل م
ن األجي
ال؛ فھ
ي ل
م تت
وھج وتن
شر ض
وءھا
ق
ط ،ولكنھ
ا اس
تمرت ب
االحتراق البط
يء ف
ي دوائ
ر التفكي
ر ال
ضيقة واألش
خاص
الم
ولعين بالدراس
ة ال
ذين ن
شأت )ھ
ذه اآلراء( ب
ين أوس
ر ال
شؤون
العامة للبشرية مطلقا ،ال بضوء حقيقي ،وال بضوء زائف .وھكذا بقيت حالة األش
ياء،
مقنع
ة ج
دا ل
بعض العق
ول ،ألنھ
ا ،وب
دون العملي
ة المزعج
ة ف
ي ف
رض الغرام
ات أو
السجن على أي احد ،أبقت كافة اآلراء السائدة دون المساس بھا ظاھريا ،بينما لم تمنع
أو ّ
تحرم إطالقا ممارس
ة العق
ل عل
ى المعارض
ين أو المن
شقين الم
صابين ب
داء الفك
ر.
وھي خطة مالئمة إلحالل السالم في العالم الفكري ،وإبقاء جميع ش
ؤونه س
ائرة عل
ى
النحو الذي كانت علي
ه ف
ي ال
سابق .ولك
ن ال
ثمن الم
دفوع ھ
ذا الن
وع م
ن التھدئ
ة ،ھ
و
التضحية بالشجاعة األخالقية للعقل البشري برمتھا .إن الحالة التي يجد فيھا قسم كبير
من العقول األكثر فعالية وبحثا ،أن من الحكم
ة إبق
اء مب
ادئ قناع
اتھم وأس
سھا العام
ة
داخ
ل ص
دورھم ،و أن يح
اولوا ،ف
ي األم
ر ال
ذي يخ
اطبون ب
ه الجمھ
وا
أكب
ر ق
در م
ستطاع م
ن اس
تنتاجاتھم م
ع منطلق
ات رف
ضوھا داخلي
ا ،ال ت
ستطيع )أي
الحالة( أن تن
تج أشخاص
ا ص
ريحين ،ال يخ
افون ،وعق
ول منطقي
ة مت
سقة ،كان
ت ذات
مرة ّ
تقدس العالم المفكر .إن نوع الرجال الذين يمكن البحث عنھم ف
ي ظ
ل تل
ك الح
ال
ھ
م أم
ا المتقبل
ين للرتاب
ة واألش
ياء ال
ازيين المتقلب
ين ب
آرائھم ح
ول
الحقيقة ،الذين يتوجھون بنقاشھم في جميع المواضيع الج
سيمة إل
ى م
ستمعيھم ،ول
يس
إلقناعھم ھم .ھؤالء الذين يتجنبون ھذا الخيار ،يفعلون ذلك من خالل تضييق أفكارھم
41
واھتمام
اتھم وح
صرھا باألش
ياء الت
ي يمك
ن الك
الم عنھ
ا دون الخ
وض ف
ي منطق
ة
المبادئ ،أي يحصرونھا بالقضايا التطبيقي
ة ال
صغيرة ،الت
ي كان
ت س
تأتي م
ن أنف
سھم
مباشرة ،فقط لو أن عقول البشرية قد توسعت وتعززت ،وھو ما لن ي
صبح ّ
فع
اال حق
ا
ّ
ويوسعھا ،وھو التأمل الح
ر والج
ريء ف
ي حتى ذلك الحين :أما ما يعزز عقول البشر
ارفع المواضيع وأسماھا ،فقد ُ ِ
ترك.
ش
را ،أن يأخ
ذوا ّ
التكتم من قبل الكافرين ليس ّ على ھؤالء ،الذين يرون بأن ھذا
بعين االعتبار ،في المقام األول ،أنه نتيجة له لم تكن ھن
اك أي
ة مناق
شة عادل
ة وعميق
ة
تحم
ل مث
ل ھ
ذه المناق
شة ،وعل
ى
ل
آلراء الھرطقي
ة؛ وأن بع
ضا م
نھم ال ي
ستطيعون ّ
ال
رغم م
ن أنھ
م ق
د ُيمنع
ون م
ن االنت
م ال يختف
ون .ولكنھ
ا لي
ست عق
ول
الكافرين ھي الت
ي ت
دھورت كثي
را ج
دا ،ب
ل الحظ
ر المف
روض عل
ى ك
ل التحقي
ق ،ال
ينتھي باالستنتاجات التقليدية .إن األذى األعظم ال
ذي وق
ع ھ
و ذل
ك ال
ذي ح
ل بھ
ؤالء
الذين لم يكونوا كفارا ،والذين تشنج كل تطورھم العقلي ،واجبر عقلھم عل
ى اإلذع
ان،
من خوف الھرطقة .من يستطيع أن يحسب ما يخسره العالم ف
ي ح
شد العق
ول الواع
دة
شيط
ستقل ن
ٍ
ٍ المقترن
ة بأش
خاص خ
ائفين ،ال يج
رؤون عل
ى إتب
اع أي س
لك فك
ري م
واضح ،خشية أن ينزلھم في شيء ُيعترف بكون
ه غي
ر دين
ي وغي
ر أخالق
ي؟ ق
د ن
رى
مط
ور ،ينف
ق حيات
ه ف
ي
ّ بينھم ،بين الحين واآلخر ،رجال ذا وعي عميق ،وفھم راس
خ
السفسطة مع عقل ال يستطيع إسكاته ،واستھالك م
صادر اإلب
داع ف
ي محاول
ة التوفي
ق
بين دوافع ضميره وعقله ،وبين التقليدية ،وھ
و م
ا ل
م ي
نجح ف
ي فعل
ه إل
ى النھاي
ة لح
د
اآلن .ال ي
ستطيع أح
د أن ي
صبح مفك
را عظيم
ا م
ا ل
م ي
درك ،ان
ه كمفك
ر ،ف
إن أول
واجباته ھو إتباع عقله نحو أية استنتاجات يقوده إليھا .فالحقيقة تكسب الكثير حتى عن
طريق األخطاء التي يرتكبھا شخص يفكر لنف
سه ،م
ع الدراس
ة والتح
ضير الالزم
ين،
أكث
ر مم
ا تك
سب م
ن اآلراء ال
صحيحة لھ
ؤالء ال
ذين يتم
سكون بھ
ا فق
ط ألنھ
م ال
يتجشمون عناء التفكير .إن حرية التفكير مطلوبة ليس إلع
داد المفك
رين العظ
ام فق
ط،
42
أو ب
شكل رئ
يس .عل
ى العك
س ،فھ
ي ض
رورية وال غن
ى عنھ
ا أي
ضا لتمك
ين الب
شر
االعتياديين م
ن الح
صول عل
ى الم
ستوى العقل
ي ال
ذي يتمكن
ون من
ه .لق
د ك
ان ھن
اك،
وربما سيكون ثانية ،أفرادا من المفكرين العظام ،ف
ي من
اخ ع
ام م
ن العبودي
ة العقلي
ة.
ولك
ن ل
م يك
ن ھنال
ك ق
ط ،ول
ن يك
ون إطالق
ا ،ف
ي ذل
ك المن
اخ ،أن
اس ناش
طين عقلي
ا.
زو إل
ى تعلي
ق
عن
دما يق
وم أي ش
عب ب
اقتراب مؤق
ت م
ن ش
خص كھ
ذا ،ف
إن ذل
ك مع
ٌ
مؤقت لبغض التأمل المغاير .حيثما تكون ھناك اتفاقية ضمنية بأن المبادئ يجب أن ال
تخ
ضع للنق
اش؛ وحيثم
ا تعتب
ر مناق
شة األس
ئلة العظم
ى مغلق
ة ،ال ن
ستطيع أن نتأم
ل
إيجاد مقدار عال عموما من النشاط العقلي كان ق
د جع
ل بع
ض فت
رات الت
أريخ ب
ارزة
جدا .لم يحدث قط ،عندما كان الجدل يتجنب الخوض ف
ي المواض
يع الواس
عة والھام
ة
إلى حد يجعلھا تلھب الحماس ،إن أثير عقل الن
اس وابتع
د ع
ن أس
سه ،وأعط
ي ال
دافع
ال
ذي رف
ع حت
ى األش
خاص م
ن ذوي ال
ذكاء االعتي
ادي ج
دا إل
ى م
ستوى بع
ض م
ن
كبرياء الكائنات المفك
رة .لق
د ك
ان ل
دينا مث
ال عل
ى ش
يء كھ
ذا ف
ي حال
ة أورب
ا خ
الل
الوقت الذي تبع اإلصالح مباشرة؛ ومثال آخر ،على ال
رغم م
ن اقت
صاره عل
ى الق
ارة
وعلى الطبقة األكثر ثقافة ،في الحركة التأملية للنصف األخير من القرن الثامن عشر؛
ومث
ال ثال
ث ،اس
تغرق وقت
ا اق
ل ،ف
ي االختم
ار الفك
ري أللماني
ا خ
الل فت
رة غوت
ه و
فيخته .اختلفت تلك الفترات بشكل كبير في اآلراء المعينة التي طورتھا؛ ولكنھ
ا كان
ت
متشابھة في ھذا ،وھو أن نير السلطة كان مكسورا ،خالل جميع الفت
رات ال
ثالث .ف
ي
كل فترة منھا ،كان ھناك اس
تبداد عقل
ي ق
ديم ق
د أس
قط ،ول
م يح
ل محل
ه اس
تبداد جدي
د
بعد .لق
د جع
ل ال
دافع ،ال
ذي أعط
ي ف
ي تل
ك الفت
رات ،أورب
ا م
ا ھ
ي علي
ه اآلن .وك
ل
تطور حدث في العقل البشري أو في المؤسسات ،يمك
ن تتبع
ه إل
ى واح
دة ،أو أخ
رى،
من تلك الفترات على وج
ه الدق
ة .أش
ارت المظ
اھر ف
ي بع
ض األحي
ان إل
ى أن جمي
ع
الدفقات ال
ثالث ق
د اس
تھلكت ب
شكل جي
د؛ وال ن
ستطيع توق
ع بداي
ة جدي
دة ،حت
ى نؤك
د
حريتنا العقلية مرة أخرى.
43
دعونا نذھب اآلن إلى القسم الث
اني م
ن الج
دل ،وبع
د رف
ضنا لالفت
راض القائ
ل
بأن أي من اآلراء المتوارثة قد يك
ون خاطئ
ا ،دعون
ا نفت
رض أنھ
ا ص
حيحة ،ون
ت ّ
معن
في قيمة األسلوب الذي يمكن أن يتم تبنيھا به ،عندما ال تتم مناقشة حقيقتھ
ا ب
شكل ح
ر
وصريح .ومھما كانت درجة عدم رغبة الشخص الذي يمتلك رأيا قويا في أن ّ
يقر ب
أن
رأيه خاطئا ،ينبغي أن يحركه االعتب
ار القائ
ل بأن
ه مھم
ا كان
ت درج
ة حقيقت
ه ،س
وف
تعتبر عقيدة أو مذھبا ميتا ،وليس حقيقة حية ،إن لم تتم مناقشتھا بشكل كام
ل ومتك
رر
وبال خوف.
حيحة ،ون
تفحص قيم
ة األس
لوب ال
ذي يمك
ن اعتناقھ
ا بموجب
ه ،عن
دما ال يمك
ن
تفحص حقيقتھ
ا والتأك
د منھ
ا ب
شكل ص
ريح وح
ر .ومھم
ا ك
ان ال
شخص ال
ذي يمتل
ك
رأيا قويا غير راغب في االعتراف بإمكانية أن يكون رأيه على خطأ ،ينبغي أن يت
أثر
باالعتب
ار القائ
ل ب
أن ذل
ك ال
رأي ،مھم
ا ك
ان حقيقي
ا ص
حيحا ،إذا ل
م يخ
ضع لمناق
شة
كاملة ،متكررة وشجاعة ،فإنه سيعتبر معتقدا ميتا ،وليس حقيقة حية.
ه ف
ي ال
سابق( مم
ن يعتق
دون أن
ه يكف
ي أن ي
وافقھم ش
خص واح
د فيم
ا يعتق
دون
بصحته وبال تشكيك ،عل
ى ال
رغم م
ن ان
ه ال يمتل
ك أي
ة معرف
ة كان
ت ع
ن أس
س ذل
ك
الرأي ،وال يستطيعون أن يقوموا بدفاع ممكن عنه ضد االعتراضات األكثر س
طحية.
إن مثل ھؤالء األشخاص ،ل
و اس
تطاعوا م
رة أن يح
صلوا عل
ى ت
صريح م
ن ال
سلطة
بتدريس معتقدھم ،فمن الطبيعي أن يعتقدوا بأن ال
سماح بتعري
ضه للت
شكيك س
وف ل
ن
يجدي نفعا ،بل سيأتي بالضرر .وحيثما يسود تأثيرھم ،فإنھم سيجعلون م
ن الم
ستحيل
الم
ستلم أن يتع
رض لل
رفض عل
ى نح
و حك
يم
تقريب
ا بالن
سبة لل
رأي المت
وارث أو ُ
44
ومتعق
ل ،عل
ى ال
رغم م
ن ان
ه م
ا زال عرض
ة لل
رفض ب
شكل جاھ
ل متعج
ل؛ إذ إن
إغالق الباب بوجه المناق
شة ب
شكل مطل
ق ھ
و ش
يء ن
ادر الح
دوث ،ولك
ن بمج
رد أن
ي
سمح للمناق
شة بال
دخول ،ف
إن االعتق
ادات غي
ر المؤس
سة عل
ى االقتن
اع تمي
ل إل
ى
االن
سحاب أم
ام اب
سط مظھ
ر م
ن مظ
اھر الج
دل .وعل
ى ك
ل ح
ال ،ف
إن إلغ
اء ھ
ذه
اإلمكانية – مفترضين بأن الرأي الحقيقي الصائب يستوطن في العقل ،ولكنه يستوطن
بصفة غطرسة أو إجحاف ،بصفة معتقد مستقل عن الجدل ،محصن ض
ده – ل
يس ھ
و
الطريق ال
ذي ينبغ
ي للك
ائن المتعق
ل أن ي
سلكه للتم
سك بالحقيق
ة .إن ھ
ذا ل
يس معرف
ة
للحقيقة .فالحقيقة التي يتم تبنيھا على ھذا النحو ،ليست سوى خراف
ة أخ
رى ،تلج
أ إل
ى
ّ
عرضيا ،عن حقيقة معينة. الكلمات التي ّ
تعبر،
ل
و ك
ان ينبغ
ي تھ
ذيب وتط
وير ذك
اء الب
شر وحكمھ
م ،وھ
و ش
يء ال ينك
ره
البروتستانتيون على األقل ،فعلى أي شيء يمكن للفرد أن يمارس ھذه القدرات ،إن ل
م
يكن على األشياء التي تھمه إلى الحد الذي يجعل م
ن ال
ضروري بالن
سبة ل
ه أن يتبن
ى
آراء معينة حول تلك األشياء؟ إذا كان تھ
ذيب الفھ
م يتك
ون م
ن ش
يء واح
د أكث
ر مم
ا
يتكون من اآلخر ،فال شك انه يتكون من معرفة أسس أو أرضيات آراء الفرد .أيا كان
ما يؤمن به الناس ،في المواض
يع الت
ي يك
ون فيھ
ا اإليم
ان ب
شكل ص
حيح ھ
و ال
شيء
األكث
ر أھمي
ة ،فعل
يھم أن يكون
وا ق
ادرين عل
ى ال
دفاع عن
ه ،عل
ى األق
ل ض
د
االعتراضات الشائعة .ولكن ،قد يقول احد ما" ،دعھم يتعلمون أسس آرائھم .ف
إن ذل
ك
ال يعن
ي أن اآلراء يج
ب أن تُ
ّ
ردد ب
شكل ببغ
اوي ألن أح
دا ل
م ي
سمعھا وھ
ي تخ
ضع
للنق
اش .ھ
ؤالء ال
ذين يتعلم
ون الھندس
ة ،ال يقوم
ون بب
ساطة بحف
ظ النظري
ات ف
ي
ذاكرتھم ،ولك
نھم يفھم
ون اإلي
ضاحات والب
راھين أي
ضا؛ وس
يكون م
ن غي
ر المعق
ول
القول بأنھم يظلون جاھلين بأسس الحقائق الھندسية ،ألنھم لم يسمعوا قط أحدا ينكرھا،
أو يح
اول أن يفن
دھا ".ب
ال ش
ك ،إن مث
ل ھ
ذا التعل
يم يك
ون مالئم
ا ف
ي موض
وع
كالرياض
يات ،حي
ث ل
يس ھن
اك م
ن ش
يء ق
ط يمك
ن قول
ه عل
ى الجان
ب الخط
أ م
ن
45
السؤال .إن فرادة الدليل على الحقائق الرياضية تكمن في أن كل الجدل ھ
و ف
ي جان
ب
واح
د .لي
ست ھن
اك اعتراض
ات عل
ى االعتراض
ات .ولك
ن ف
ي ك
ل
موض
وع ي
سمح ب
د الحقيق
ة عل
ى عق
د موازن
ة ب
ين منظ
ومتي
األسباب المتنازعة .حتى في الفلسفة الطبيعية ،ھنالك دائما بعض التف
سيرات األخ
رى
الممكن
ة ل
نفس الحق
ائق؛ فھن
اك بع
ض النظري
ات ت
رى بمركزي
ة األرض ب
دال م
ن
مركزية الشمس ،وھن
اك نظري
ات لالھ
وب ب
دال م
ن األوك
سجين؛ وال ب
د م
ن إي
ضاح
السبب الذي يجع
ل النظري
ة األخ
رى ال يمك
ن أن تك
ون ص
حيحة :وحت
ى يتب
ين ذل
ك،
وحتى نعرف كيفية بيانه ،فنحن ال نفھم األس
س الت
ي ي
ستند عليھ
ا رأين
ا .ولك
ن عن
دما
نتجه نحو المواض
يع األكث
ر تعقي
دا ب
شكل مطل
ق ،نح
و األخ
الق ،وال
دين ،وال
سياسة،
والعالقات االجتماعية ،وأعمال الحي
اة ،ف
إن ثالث
ة أرب
اع الج
داالت لك
ل رأي متن
ازع
ّ
تفضل بعض اآلراء المختلفة عنھا .ما من أحد من عليه تتكون من تبديد المظاھر التي
بين أعظم خطباء العصور القديمة ،عدا واح
د فق
ط ،ت
رك دل
يال م
سجال عل
ى ان
ه ك
ان
دائما ي
درس حال
ة خ
صمه بكثاف
ة ت
وازي ف
ي حجمھ
ا ،إن ل
م تك
ن اكب
ر م
ن تل
ك الت
ي
يوليھا لحالته ھو .إن ما مارسه سي
سرو كوس
يلة للنج
اح الج
دلي ،ج
دير ب
أن يقل
ده ك
ل
الذين يدرسون أي موضوع ،ألجل الوص
ول إل
ى الحقيق
ة .إن ال
ذي يع
رف جانب
ه م
ن
القضية فقط ،ال يعرف إال القليل عنھا .قد تكون أس
بابه جي
دة ،وق
د ال ي
ستطيع اح
د أن
يفندھا .ولكن إن كان ليس بقادر على تفنيد األسباب في الجانب اآلخر من الق
ضية؛ إذا
كان ال يعرف الكثير عن ماھيتھ
ا؛ ل
ن يك
ون لدي
ه أس
اس لتف
ضيل أي م
ن ال
رأيين .إن
الوضع المنطقي بالنسبة له سيكون تأجيل الحكم ،وان لم ُيقنع نفسه بذلك ،فإنه أما يق
اد
من قب
ل ال
سلطة ،أو يتبن
ى ،ش
أنه ش
أن عم
وم الع
الم ،الجان
ب ال
ذي ي
شعر بالمي
ل إلي
ه
أكثر .كما أنه ل
ن يك
ون كافي
ا إن ي
ستمع إل
ى ج
دل خ
صومه م
ن معلمي
ه ،مقدم
ة عل
ى
النح
و ال
ذي يختارون
ه ھ
م ،م
صحوبة بم
ا يقدمون
ه عل
ى أن
ه تفني
د .لي
ست ھ
ذه ھ
ي
الطريقة التي نكون فيھا عادلين مع الجدل ،أو التي نضعھا فيھا عل
ى تم
اس م
ع عقل
ه.
ال ب
د أن يك
ون ق
ادرا عل
ى س
ماعھا م
ن األش
خاص ال
ذين يؤمن
ون بھ
ا فع
ال :ال
ذين
46
يدافعون عنھ
ا بح
رص ،ويفعل
ون أق
صى م
ا باس
تطاعتھم م
ن أجلھ
ا .ال ب
د أن يعرفھ
ا
بشكلھا األكثر قابلية للفھم واألكثر إقناعا؛ ال بد أن يشعر بالقوة الكامل
ة لل
صعوبة الت
ي
ينبغي على النظرة الحقيقية للموضوع أن تواجھھا وتتخلص منھ
ا؛ وإال فإن
ه نف
سه ل
ن
يمتلك من نسبة الحقيقة التي تواجه تلك الصعوبة وتزيلھا .ت
سعة وت
سعون بالمائ
ة م
ن
الذين يطلق عليھم اسم المتعلمين ھم على ھذا الحال؛ بل حتى بعض ال
ذين ي
ستطيعون
الدفاع عن آرائھم بطالقة ،ھم كذلك .ربما يكون استنتاجاھم ص
حيحا ،ولكن
ه ق
د يك
ون
خاطئا ألنھم رغم كل شيء قد عرفوه :لم يضعوا أنفسھم قط في الوضع العقلي لھ
ؤالء
الذين يفكرون على نحو مختلف عنھم ،ولم يتأملوا فيما يمك
ن لمث
ل ھ
ؤالء األش
خاص
أن يقولون؛ وبالتالي ،فإنھم لم يعرفوا ،بأي معنى مالئم للكلم
ة ،الم
ذھب ال
ذي يتبنون
ه
ھ
م أنف
سھم .وھ
م ال يعرف
ون أج
زاءه تل
ك الت
ي تف
ّ
سر المتبق
ي وتب
رره؛ أال وھ
و
االعتب
ارات الت
ي تب
ين أن الحقيق
ة الت
ي تتن
ازع ظاھري
ا م
ع حقيق
ة أخ
رى ھ
ي قابل
ة
للمصالحة والتوافق معھا ،أو أنه ف
ي ال
سببين الل
ذين يب
دوان ق
ويين ،واح
د فق
ط ول
يس
ّ
مفضال .أما ك
ل ذل
ك الج
زء م
ن الحقيق
ة ،ال
ذي يقل
ب المي
زان، اآلخر ينبغي أن يكون
عقل كامل االطالع والمعرفة ،فھم ال يعرفونه؛ وال ھ
و
ويقرر الحكم الذي يصدر عن ٍ
معروف على اإلطالق ،إال لھ
ؤالء ال
ذين ق
د تع
املوا م
ع ك
ال الط
رفين ب
شكل مت
ساو ٍ
وحيادي ،وسعوا جاھدين ألن يروا أسباب كل منھما في النور الساطع .إن ھذا التنظيم
أساسي جدا للفھم الجيد للمواضيع األخالقية واإلن
سانية ،بحي
ث ل
و أن معارض
ي كاف
ة
الحقائق المھمة وخصومھا لم يكونوا موجودين ،فإنه ال من
اص م
ن ّ
تخ
يلھم وتزوي
دھم
بالحجج القوية التي ال يستطيع استحضارھا إال امھر أنصار الشيطان.
47
وإنه يكفي أن كان ھناك دائما شخص ما ق
ادر عل
ى اإلجاب
ة عليھ
ا ،بحي
ث ﱠإن
ه م
ا م
ن
شيء يحتمل أن يضلل األشخاص الموجھين توجيھا خاطئا ويبقى بال دحض أو تفني
د.
وان العقول البسيطة ،التي ق
د تعلم
ت األس
س الواض
حة للحق
ائق المغروس
ة فيھ
ا ،ق
د
تأتمن اآلخرين على السلطة ،وألنھم يدركون بأنھم ال يمتلكون ال المعرفة وال الموھبة
لحل جميع المشكالت التي يمكن أن تظھر ،فإنھم قد يتكئون على ضمان أن يك
ون ك
ل
وحلت ،أو يمكن حلّھا من قبل ھؤالء الم
دربين
ما قد يظھر من المشكالت قد عولجت ُ ّ
بشكل خاص للقيام بھذه المھمة.
ل م
ا يمك
ن أن ّ
يدعي
ه ھ
ؤالء ال
ول بھ
ذه النظ
رة للموض
وع ھ
و ج
ّ
يقتنعون بسھولة كبيرة بمقدار تفھم الحقيقة الذي ينبغي أن يصاحب اإليم
ان بھ
ا ،حت
ى
وأن كان األمر كذلك ،فإن الجدل ألجل المناقشة الحرة ال يمكن أن ي
ضعف .ألن حت
ى
ھ
ذا الم
ذھب يعت
رف ب
أن الب
شرية ينبغ
ي أن تمتل
ك ض
مانا عقالني
ا ب
أن جمي
ع
االعتراضات قد ُ ّ
حلت بشكل مقنع؛ ولكن كيف يمكن أن ُتحل إذا كان ذلك الشيء ال
ذي
يحتاج إلى حل لم يقال؟ أو كيف يمكن للحل أن ُيعرف على أنه مقن
ع ،إذا ل
م تك
ن ل
دى
المعترضين فرصة إلثبات أنه غير مقنع؟ إذا لم يكن على الجمھور ،فيجب على األقل
عل
ى الفالس
فة ورج
ال ال
دين ال
ذين س
يحلون الم
وا عل
ى تل
ك
المصاعب بشكلھا األكثر غموضا وتعقيدا؛ وال يمكن تحقيق ھذا ما لم يتم التعبي
ر عن
ه
بشكل حر ،ويوضع في النور األكثر فائدة والذي يسمح لھم به .إن للكنيسة الكاثوليكي
ة
طريقتھا الخاصة في التعامل مع ھ
ذه الم
شكلة المحرج
ة .فھ
ي تق
وم بف
صل كبي
ر ب
ين
ھؤالء الذين يمكن أن ُي
سمح لھ
م باس
تقبال م
ذاھبھا أو معتق
داتھا عل
ى أس
اس القناع
ة،
وھؤالء الذين يقبلونھا على أساس الثقة .ولكن أيا من الف
ريقين ،ف
ي الحقيق
ة ،ال ي
سمح
له باالختيار لم
ا س
يقبله؛ ولك
ن رج
ال ال
دين ،وھ
م عل
ى األق
ل م
ن يمك
ن الوث
وق بھ
م
بشكل كامل ،قد يتعرف
ون ب
شكل مقب
ول وج
دير بالتق
دير عل
ى م
زاعم خ
صومھم ،م
ن
أجل أن يجيبوا عليھا ،لذلك ،فھم يق
رؤون الكت
ب الك
افرة؛ أم
ا العام
ة ،فم
ن ال
صعوبة
48
بمكان أن يح
صلوا عليھ
ا إال ب
أذن خ
اص .إن ھ
ذا النظ
ام يعت
رف ب
أن المعرف
ة بحال
ة
العدو مفيدة للمعلمين ،ولكنه يجد وسائال ،منسجمة مع ھ
ذا ،إلنك
ار ھ
ذه المعرف
ة عل
ى
سائر العالم :وبھذا يعطي للنخبة ثقافة عقلية اكبر ،ولكن ل
يس حري
ة عقلي
ة اكب
ر ،مم
ا
تسمح به للعامة .وبھذه الوسيلة ،ينجح ھذا النظام في الحصول عل
ى ن
وع م
ن التف
وق
العقلي الذي تتطلبه غاياته؛ ألنه عل
ى ال
رغم م
ن أن الثقاف
ة ب
ال حري
ة ل
م ت
صنع عق
ال
واسعا وحرا ،إال أنھا تستطيع أن تصنع نصيرا ذكي
ا للق
ضية .ولك
ن ف
ي البل
دان الت
ي
تعتنق البروتستانتية ،فإن ھذا المصدر قد ُمنع أو أنك
ر؛ بم
ا أن البروت
ستانت يؤمن
ون،
م
ن الناحي
ة النظري
ة عل
ى األق
ل ،ب
أن م
سؤولية اختي
ار ال
دين يج
ب أن يتوالھ
ا ك
ل
شخص بمفرده ،وال يمكن أن ترمى على عاتق المعلمين ،إضافة إلى ذلك ،ففي الحال
ة
الراھن
ة للع
الم ،م
ن الم
ستحيل م
ن الناحي
ة العملي
ة أن تبق
ى الكتاب
ات الت
ي يقرؤھ
ا
المتعلمون بعيدة عن متناول غير المتعلمين .ل
و ك
ان معلم
و الب
شرية م
دركين لك
ل م
ا
ينبغي عليھم أن يعرفوا ،فإن كل شيء سيكون حرا في الكتابة والنشر بال قيود.
ل ح
ال ،ف
إن الحقيق
ة ھ
ي أن أس
س ال
رأي لي
ست ھ
ي فق
ط م
ن ُتن
سى ف
ي غي
اب
المناق
شة ،ب
ل كثي
را م
ا ُين
سى معن
ى ال
رأي نف
سه .والكلم
ات الت
ي توص
له ،س
وف ل
ن
تقت
رح أفك
رح س
وى ج
زءا ص
غيرا م
ن تل
ك األفك
ار الت
ي كان
ت ق
د
استخدمت للتعبير عنھا في األصل .وبدال من المفھوم الواض
ح للمعتق
د الح
ي ،ل
م يب
ق
سوى بعض العبارات القليلة التي ُ ْ
حفظت بالتكرار؛ أو لم تبق سوى القشرة والقشة من
المعن
ى ،أم
ا الج
وھر الح
سن فق
د يتع
رض لل
ضياع .أم
ا الف
صل الكبي
ر م
ن الت
أريخ،
يدرس أو أن يتأمل فيه أحد.
والذي تشغله وتمأله ھذه الحقيقة ،فال يمكن أن ُ َ ُ
49
لقد اتضح ھذا في تجربة كل المذاھب األخالقية والمعتقدات الديني
ة .فھ
ي مليئ
ة
بالمع
اني والحيوي
ة بالن
سبة لھ
ؤالء ال
ذين أوج
دوھا ،وبالن
سبة لت
ابعيھم المباش
رين.
ويستمر الشعور بمعناھا بقوة راس
خة متوق
دة ،وربم
ا تظھ
ر ب
وعي مكتم
ل ،طالم
ا أن
الصراع يستمر ليعطي المذھب أو المعتقد تفوق
ا و رفع
ة عل
ى س
ائر المعتق
دات .وف
ي
النھاية ،فإنه أما يسود ،ويصبح الرأي العام ،أو أن تقدمه يتوقف؛ ويبقى محافظ
ا عل
ى
األرضية التي حصل عليھا ،ولكنه يتوقف عن المزيد م
ن االنت
شار .عن
دما ت
صبح أي
من ھاتين النتيجتين واضحة ،فإن الج
دل ف
ي الموض
وع سي
ضمحل ويم
وت ت
دريجيا.
لقد أخذ المذھب مكانه ،إن لم يكن كرأي ُمستلم ،فواحد م
ن الطوائ
ف الم
سموح بھ
ا أو
التح
ول م
ن
ّ أقسام الرأي :وھؤالء الذين يعتنقونه عموما ق
د توارث
وه ،ول
م يتبن
وه؛ أم
ا
مذھب إلى آخر من ھذه المذاھب ،ألنه اآلن حقيقة استثنائية ،فيشغل مكانا صغيرا ب
ين
أفكار أساتذتھم .وبدال من أن يكونوا ف
ي حال
ة تأھ
ب دائ
م أم
ا لل
دفاع ع
ن أنف
سھم ض
د
العالم ،أو إلخضاع العالم إلرادتھم ،تراجعوا إلى حالة الرضوخ ،فال يستمعون ،عندما
يك
ون بمق
دورھم االس
ون المعارض
ين )إن ك
ان ھن
اك بع
ضھم(
بالنقاشات لصالحه .وق
د ي
ؤرخ من
ذ ھ
ذا الوق
ت ت
دھور الق
وة الحي
ة للم
ذھب .ع
ادة م
ا
نسمع معلمي ك
ل الم
ذاھب وھ
م ين
دبون ص
عوبة إبق
اء االس
تيعاب الح
ي للحقيق
ة الت
ي
يدركونھا ب
شكل دقي
ق ،ف
ي عق
ول الم
ؤمنين ،لك
ي تتخل
ل الوج
دان ،وتكت
سب س
يطرة
يشتك أحد من مثل ھ
ذه ال
صعوبة عن
دما ك
ان المعتق
د ال ي
زال
ِ حقيقية على السلوك .لم
يصارع من أجل بقائه :حتى المقاتلين الضعفاء كانوا يعرفون ويشعرون بالشيء الذي
يح
اربون ألجل
ه ،والف
رق بين
ه وب
ين الم
ذاھب األخ
رى؛ وف
ي تل
ك الفت
رة م
ن فت
رات
وجود المعتق
د ،يمك
ن أن نج
د ع
ددا ل
يس بالقلي
ل م
ن األش
خاص ال
ذين أدرك
وا مبادئ
ه
ّ
وجرب
وا األساسية في جميع أشكال الفكر ،وقاس
وھا وتمعن
وا ف
ي ك
ل دالالتھ
ا الھام
ة،
التأثير الكامل على الشخص ،الت
ي ينتج
ه اإليم
ان ب
ذلك المعتق
د ف
ي العق
ل الم
شبع ب
ه.
يقبل على نحو سلبي وليس ايجابي— عندما لم يعد
ولكن أصبح معتقدا وراثيا ،وصار ُ َ
50
العقل ُيجبر ،كما في أول األمر ،على ممارسة قواه الفعالة في الق
ضايا الت
ي يق
دمھا ل
ه
معتق
ده ،س
يكون ھن
اك م
يال تق
دميا نح
و ن
سيان المعتق
د برمت
ه م
ا ع
دا ال
شكليات ،أو
إعطائه موافقة مملة وبليدة ،كما ل
و أن قبول
ه عل
ى أس
اس الثق
ة اس
تغنى ع
ن ض
رورة
إدراكه في الوعي ،أو اختباره م
ن خ
الل التجرب
ة الشخ
صية ،إل
ى أن يك
ف ع
ن رب
ط
نفسه بالحياة الداخلية لإلنسان بشكل مطلق .ومن ثم تظھ
ر الح
االت ،متك
ررة ج
دا ف
ي
عصر عالمنا ھذا إلى الحد الذي تشكل فيه أغلبية تقريبا ،أغلبية يبقى فيھ
ا المعتق
د كم
ا
ّ
وتحج
ره ض
د كاف
ة الت
أثيرات األخ
رى الت
ي تخاط
ب ل
و أن
ه خ
ارج العق
ل ،فتغطي
ه
األجزاء العليا من طبيعتنا؛ م
ستعرضا قوت
ه م
ن خ
الل ع
دم تعرض
ه ألي
ة قناع
ة حي
ة
وطازجة للدخول ،ولكنه نف
سه ال يفع
ل ش
يئا للعق
ل أو القل
ب ،م
ا ع
دا وقوف
ه كح
ارس
عليھما ألجل إبقائھما فارغين.
إلى أي م
دى يمك
ن للم
ذاھب المالئم
ة م
ن الناحي
ة الجوھري
ة ل
صنع باالنطب
اع
األعمق على العقل أن تبقى في
ه كمعتق
دات ميت
ة ،دون أن ي
تم إدراكھ
ا ف
ي الخي
ال ،أو
الم
م ،ھ
و م
ا يب
رھن علي
ه األس
لوب ال
ذي تعتن
ق في
ه أغلبي
ة الم
ؤمنين
م
ذاھب الم
سيحية .واق
صد بالم
سيحية ھن
ا ،م
ا يعتب
ر ھك
ذا م
ن قب
ل جمي
ع الكن
ائس
والطوائف—الحكم والتوجيھات الموجودة في العھد الجديد .تعتبر ھذه األشياء مقدسة،
ومقبولة كقوانين ،من قبل كل معتنقي المسيحية .مع ذلك ،انه لمن النادر ان نق
ول بأن
ه
م
ا م
ن م
سيحي واح
د ف
ي األل
ف يق
ود أو يختب
ر س
لوكه الف
ردي ب
الرجوع إل
ى تل
ك
الق
وانين .فالمعي
ار ال
ذي يرج
ع إلي
ه ف
ي ذل
ك ھ
و ُع
رف أمت
ه ،أو طبقت
ه ،أو معتق
ده
الديني .لذا ،فھو يمتلك ،من ناحية ،مجموع
ة م
ن القواع
د األخالقي
ة ،الت
ي يعتق
د بأنھ
ا
ممنوحة إليه من خالل الحكمة المعصومة من الخطأ ،كقواعد لحكومت
ه؛ وم
ن الناحي
ة
األخرى ،يمتلك منظومة من األحكام والممارسات اليومية ،التي تتماشى إلى حد معين
مع بعض تلك القواعد ،وال تتماشى مع بعضھا اآلخر ،وتقف على النقيض من البعض
منھا ،وھ
ي ب
شكل ع
ام ح
ل وس
ط ب
ين المعتق
د الم
سيحي وم
صالح ومقترح
ات الحي
اة
51
ال
دنيا .فيعط
ي احترام
ه إل
ى المجموع
ة األول
ى م
ن تل
ك المع
ايير؛ بينم
ا يعط
ي والءه
للمجموعة الثانية .يعتقد كل المسيحيين بأن المب
اركين ھ
م الفق
راء والب
سطاء ،وھ
ؤالء
الذين أسيء استخدامھم من قبل العالم؛ إنه ألسھل للبعير أن يمر في خ
رم إب
رة م
ن أن
يحكموا لك
ي ال يُ َ
حكم
وا؛ وإن عل
يھم يدخل الغني في ملكوت السماء؛ وإن عليھم أن ال َ ِ
أن ال يحلف
وا إطالق
ا؛ وإن عل
يھم أن يحب
وا ج
ارھم كح
بھم أنف
سھم؛ وإن
ه إذا اخ
ذ اح
د
رداءھم ،عليھم أن يعط
وه معطفھ
م أي
ضا؛ وإن عل
يھم أن ال يفك
روا بالغ
د؛ وإنھ
م م
ن
أج
ل بل
وغھم الكم
ال ،عل
يھم أن يبيع
وا ك
ل م
ا يملك
ون ويعطون
ه للفق
راء .أنھ
م لي
سو
ّ
ي
صدق بكاذبين عندما يقولون أنھ
م يؤمن
ون بك
ل ھ
ذه األش
ياء .فھ
م يؤمن
ون بھ
ا ،كم
ا
يمتدح دائما أمامھم وال ُ َ ُ
يناقش مطلقا .أما بمعنى ذلك المعتق
د الح
ي الناس بما يسمعونه ُ َ
الذي ينظم ال
سلوك ،ف
إنھم يؤمن
ون ب
أن ھ
ذه الم
ذاھب ھ
ي أعل
ى م
ن النقط
ة الت
ي م
ن
الطبيع
ي أن تعم
ل ف
ذاھب ف
ي تماس
كھا مفي
دة لھزيم
ة خ
صومھم؛ وم
ن
المفھوم أنھا ال ب
د أن ُ ّ
تق
دم )عن
دما يك
ون ذل
ك ممكن
ا( عل
ى أنھ
ا أس
باب لك
ل م
ا يفعل
ه
الناس ويعتقدون أنه ج
دير ب
االحترام .ولك
ن أي ش
خص ي
ذكرھم ب
أن القواع
د تتطل
ب
عددا ال حصر له من األشياء التي ال يفكرون بفعلھ
ا مج
رد تفكي
ر ،س
وف ل
ن يح
صل
على شيء سوى أن ُ ّ
يصنف بين ھؤالء األشخاص المنبوذين جدا ،ال
ذين ّ
ي
دعون ب
أنھم
أفضل من اآلخرين .ليس للمذاھب سيطرة على المؤمنين العاديين— وھي لي
ست ق
وة
في عقولھم .إن لديھم احترام اعتادوا عليه لصوتھم ،ولك
ن ل
يس ل
ديھم إح
ساس ينت
شر
من الكلمات إلى األشياء التي تدل عليھا ،ويجبر العقل على استقبالھا ،ويجعلھ
ا تن
سجم
مع المعادلة .كلما يتعلق األمر بالسلوك ،ينظ
رون إل
ى ال
سيد )س( و )ص( ليوجھ
انھم
إلى أي مدى يريدون في طاعة المسيح.
52
قال أعداؤھم" ،انظروا كيف يحب ھؤالء الم
سيحيون اح
دھم اآلخ
ر" )وھ
ي مالحظ
ة
ال يحتم
ل أن يقولھ
ا أي ش
خص ك
ان اآلن( ،ك
انوا ب
ال ش
ك يمتلك
ون ش
عورا بمعن
ى
مذھبھم أكثر حيوية من أي وقت مضى .وربما لھذا السبب بالذات ،أصبحت المسيحية
الي
وم ال تح
رز تق
دما كبي
را ف
ي توس
يع نطاقھ
ا ،وبع
د ثماني
ة ع
شر قرن
ا ،م
ا زال
ت
مقت
صرة عل
ى األوربي
ين وأحف
اد األوربي
ين .ب
ل حت
ى م
ع المت
دينين ب
شكل ص
ارم،
الجادين حول مذاھبھم بشكل كبير ،والذين يعطون حجما من المعاني للعدي
د منھ
ا )أي
المذاھب( اكبر مما يفعل الناس عموما ،عادة ما يحدث أن يكون الج
زء األكث
ر ن
شاطا
في عقولھم ھو ذلك الذي صنعه كالفين ،أو نوكس ،أو شخص آخر كھوالء يقترب ف
ي
شخصيته منھم .مقوالت المسيح وتعاليمه تتجاور في عقولھم بشكل سلبي ،دونما تن
تج
تأثيرا يذكر سوى ذلك الذي ينجم عن مجرد االستماع إلى كلم
ات ودودة وعادي
ة ج
دا.
ھنالك عدة أس
باب ،ب
ال ش
ك ،وراء احتف
اظ بع
ض الم
ذاھب ،الت
ي ھ
ي عالم
ة ل
بعض
األدي
ان ،بق
در م
ن فاعليتھ
ا اكب
ر م
ن األدي
ان ال
شائعة والت
ي يعرفھ
ا الجمي
ع ،ولم
اذا
يتجشم المعلمون عناء كبيرا إلبقاء معانيھا على قيد الحياة؛ ولكن أحد ھذه األسباب ھو
بالتأكيد ،أن المذاھب المتفردة ھي أكثر تعرضا للت
شكيك والم
ساءلة ،وعليھ
ا أن ت
دافع
عن نفسھا بشكل متكرر ضد الجاحدين الواضحين .وبمجرد أن ال يبقى ھناك عدو ف
ي
الميدان ،يذھب كل من المعلمين والمتعلمين ليناموا في أماكنھم.
وينطبق الشيء ذاته على جميع المذاھب التقليدية ،بشكل عام – تلك التي تمتل
ك
التعق
ل ومعرف
ة الحي
اة ،إض
افة إل
ى األخ
الق أو ال
دين .جمي
ع اللغ
ات واآلداب مليئ
ة
بالمالحظات العامة ح
ول الحي
اة ،لم
ا يتعل
ق بماھيتھ
ا ،كي
ف ّ
يكي
ف الم
رء نف
سه فيھ
ا،
عل
ى ح
د س
واء؛ مالحظ
ات يعرفھ
ا الجمي
ع ،ويكررھ
ا الجمي
ع ،أو ي
سمعھا برض
ا أو
رضوخُ ،تستقبل على أنھا بديھيات ،ورغم ذلك يتعلم منھا معظم الناس المعنى ،بشكل
صحيح ،عندما جعلتھا التجربة ،ذات النوع المؤلم عموما ،حقيقة بالنسبة لھم .كثيرا ما
يستحضر الشخص ،عندما ُيحرج تحت وطأة خيبة أو مصيبة غي
ر متوقع
ة ،حكم
ةً أو
53
مثال أو قوال مأثورا مألوفا لديه طوال حياته ،كان معناه لينقذه من المصيبة لو أنه شعر
به من قبل كما يشعر به اآلن .ھنالك ف
ي الحقيق
ة أس
باب أخ
رى وراء ذل
ك غي
ر س
بب
غياب المناقشة :ھنالك العديد من الحقائق التي ال يمكن أن يتحقق معناھ
ا الكام
ل حت
ى
تجلبه التجربة الشخصية .ولكن الكثير من معاني حتى ھذه كان يمك
ن أن ُيفھ
م ،وك
ان
يمكن للمعاني المفھوم
ة م
سبقا أن تترس
خ ف
ي العق
ل ،ل
و ك
ان اإلن
سان ق
د اعت
اد عل
ى
سماعھا وھي ُتناقش ،من حيث ميزاتھا ومساوئھا على حد سواء ،من قبل الناس الذين
فھموھا .أن ميل البشرية القاتل نحو ترك األش
ياء المتعلق
ة ب
شيء م
ا ،عن
دما ال يك
ون
ھناك أي شك بذلك الشيء ،ھو السبب وراء نصف أخطائھم .لقد تحدث كاتب معاصر
وأجاد التعبير عن "النوم العميق لآلراء المحسومة".
ل تم
وت تل
ك الحقيق
ة ف
ي داخلھ
م؟ إن الھ
دف األس
مى والنتيج
ة الف
ضلى لل
ذكاء
المتط
ور ،كم
ا ش
اع االعتق
اد حت
ى اآلن ،ھ
و توحي
د الب
شرية أكث
ر ف
أكثر م
ن خ
الل
االعتراف بكافة الحقائق المھمة :وھل أن الذكاء يبقى فق
ط عن
دما ال يحق
ق ھدف
ه؟ ھ
ل
أن ثمار الفتح تموت وتنتھي فور إكمال النصر؟
أنا ال أؤكد على مثل ھذا الشيء .فبتطور البشرية ،سيزداد عدد المذاھب التي لم
تع
د تتع
رض للج
دل أو الت
شكيك ،وب
شكل س
ريع :وس
يقاس ازدھ
ار الب
شرية بع
دد
وجاذبية الحقائق التي وصلت إلى نقطة تجعلھا غير قابلة لالعتراض .إن توقف الجدل
الجاد ،عند نقط
ة تل
و أخ
رى ،ھ
و اح
د المناس
بات ال
ضرورية لتعزي
ز ال
رأي؛ تعزي
زا
54
على قدر فائدته عن
دما تك
ون اآلراء ص
حيحة ،عل
ى ق
در م
ا ھ
و خط
ر وض
ار عن
دما
تكون خاطئة مغلوطة .ولكن على الرغم من أن ھذا التضييق التدريجي لح
دود التن
وع
في الرأي ھو ضروري بكل معنى من معنيي المصطلح ،ألنه حتمي وال غنى عنه في
نفس الوقت ،إال أننا لسنا مجبرين على أن نستنتج أن كل تبعاته يجب أن تك
ون مفي
دة.
إن خسارة دعم مھم كھذا لإلدراك الذكي والحي للحقيقة ،مثلم
ا تحتم
ه الحاج
ة ل
شرحه
للخصوم ،أو الدفاع عنه ضدھم ،على الرغم من أنه ليس كافيا ليف
وق فائ
دة االعت
راف
العالمي به ،إال أنه ليس مجرد عائق تاف
ه ف
ي طري
ق ھ
ذه الفائ
دة .وعن
دما ال يع
د م
ن
معلم
ي الب
شرية وھ
م
ّ الممك
ن الح
صول عل
ى ھ
ذه الفائ
دة ،اعت
رف ب
أنني أود م
شاھدة
يحاولون جاھدين أن يوفروا بديال له؛ اختراعا أو تدبيرا ما ،يجع
ل ص
عوبات الم
سألة
حاضرة في وعي المتعلم ،كما لو أنھا فرضت عليه بقوة من قبل بط
ل مع
ارض يت
وق
لتحويله )عن دينه(.
ك؛ أو إن ك
ان ال
رأي الم
ستلم ص
حيحا ،مم
ا يجع
ل ال
صراع م
ع الخط
أ المع
ارض
أساس
يا م
ن أج
ل إدراك واض
ح لحقيقت
ه وش
عور عمي
ق ب
ه .ولك
ن ھنال
ك حال
ة أكث
ر
شيوعا من كلت
ا الح
التين؛ عن
دما يت
شارك الم
ذھبين المتن
ازعين بالحقيق
ة فيم
ا بينھم
ا،
ب
دال م
ن أن يك
ون اح
دھما عل
ى ص
واب واآلخ
ر عل
ى خط
أ؛ ويك
ون ال
رأي غي
ر
التوافقي ،أو غير المنسجم كليا مع أي منھما ،مطلوبا لتوفير المتبقي من الحقيقة ،الت
ي
ال يجسد المذھب المستلم أو المتوارث سوى جزء صغير منھا .إن اآلراء الشعبية ،ف
ي
المواض
يع غي
ر الواض
حة للعق
ل ،ع
ادة م
ا تك
ون ص
حيحة ،ولكنھ
ا ن
ادرا م
ا تك
ون
صحيحة بشكل تام ،أو ال تكون كذلك قط .ھي جزء من الحقيقة؛ جزء كبير ف
ي بع
ض
55
شوه ،ومنف
صل ع
ن
األحي
ان ،وص
غير ف
ي األحي
ان األخ
رى ،ولكن
ه مب
الغ في
ه ،وم
ّ
الحقائق الت
ي ينبغ
ي أن ت
صاحبه وتح
دده .إن اآلراء الھرطقي
ة ،م
ن الناحي
ة األخ
رى،
ھي بشكل عام بعض من تلك الحقائق المقموعة والمھملة ،تكسر األغالل الت
ي لطالم
ا
كبلتھ
ا ،وھ
ي أم
ا س
عت للتواف
ق م
ع الحق
ائق المت
ضمنة ف
ي ال
رأي ال
شائع ،أو ت
تم
مواجھتھا كعدو ،وتأسس نفسھا ،بشكل حصري مشابه ،عل
ى أنھ
ا الحقيق
ة الكامل
ة .إن
الحال
ة األخي
رة ھ
ي األكث
ر تك
رارا لح
د اآلن ،مثلم
ا كان
ت األحادي
ة ف
ي التفكي
ر ،ف
ي
العق
ل الب
شري ،ھ
ي القاع
دة عل
ى ال
دوام ،والتفكي
ر المتع
دد األبع
اد والجوان
ب ھ
و
االستثناء .لذا ،فحت
ى ف
ي ث
ورات ال
رأي ،يغ
رب ج
زء م
ن الحقيق
ة بينم
ا ي
شرق ج
زء
آخر .حتى التقدم ،الذي يفترض به أن يضيف حقيقة جزئية وناقصة عل
ى أخ
رى ،ف
ي
اغلب األحيان ال يقوم إال باستبدال واحدة بأخرى ،أما التط
ور فيتك
ون م
ن ھ
ذا ب
شكل
رئ
يس ،أال وھ
و أن الج
زء الجدي
د م
ن الحقيق
ة مطل
وب أكث
ر ،وھ
و أكث
ر تكيف
ا م
ع
حاج
ات الع
صر ،م
ن ذل
ك الج
زء ال
ذي يح
ل محل
ه .وإذا ك
ان ھ
ذا ھ
و ح
ال ال
صفة
الجزئية في اآلراء السائدة ،حتى عندما تؤسس على أساس حقيقي ،فإن كل رأي يجسد
جزءا من الحقيقة التي يحذفھا ،ينبغي أن يعتبر رأيا ثمينا ،ب
أي مق
دار ك
ان م
ن الخط
أ
واإلرباك الذي يمكن للحقيقة أن تختلط به .ما من َ َ
حكم ٍ متعقل للشؤون اإلنسانية يشعر
أنه ملتزم ب
أن يك
ون حانق
ا الن ھ
ؤالء ال
ذين يفرض
ون بع
ض الحق
ائق عل
ى انتباھن
ا،
ربما كنا نغفلھا في خالف ذلك ،ونغفل بعضا من الحق
ائق الت
ي نراھ
ا .ب
ل ان
ه س
يعتقد
أنه طالم
ا أن الحقيق
ة ال
شائعة أو ال
شعبية ھ
ي حقيق
ة أحادي
ة الجان
ب ،فإن
ه م
ن األكث
ر
تفضيال عل
ى خالف
ه ،أن تمتل
ك الحقيق
ة مؤي
دين أح
اديي الجان
ب أي
ضا؛ وھك
ذا يك
ون
األكثر نشاطا واألكثر احتماال إلجبار االنتباه المتذبذب لجزء الحقيقة الذي يعلنون عنه
كما لو أنه الحقيقة كاملة.
56
وبينما يبالغون بمقدار االختالف بين رجال العصر الحديث ورجال الع
صور القديم
ة،
كانوا منغمسين باالعتقاد بأن االختالف برمته كان في مصلحتھم؛ بأي صدمة تفجرت
تناقضات روسو كالقنابل في المعترك ،لتخل
ع ال
رأي األح
ادي الجان
ب برمت
ه ،وتجب
ر
عوامله على التوحد مجددا بشكل أفضل ،مع عناصر إضافية .ليس ألن اآلراء الحالي
ة
بشكل عام أبعد عن الحقيقة مما كانت عليه آراء روسو؛ بل على العكس ،كان
ت اق
رب
إليھا؛ فقد احتوت المزيد من الحقيقة االيجابية ،والقليل م
ن الخط
أ .وب
الرغم م
ن ذل
ك،
ھناك في مذھب روس
و ،مق
دار معق
ول م
ن تل
ك الحق
ائق بال
ضبط الت
ي أرادھ
ا ال
رأي
الشائع ،وقد فاض معه في تيار الرأي ؛ وتلك ھي الوديعة التي م
ا تبق
ى بع
دما انح
سر
الفي
ة العلي
ا لب
ساطة الحي
اة ،وت
أثير قي
ود المجتم
ع الم
صطنع ونفاق
ه
المضعف والمفسد لألخالق ،ھي أفكار لم تكن غائبة تماما عن العقول المتعلمة منذ أن
ُ ِ
أكلُھ
ا ف
ي الوق
ت المناس
ب ،عل
ى ال
رغم م
ن أنھ
ا
كت
ب روس
و؛ وس
تأتي ھ
ذه األفك
ار ُ
تحت
اج ف
ي الوق
ت الحاض
ر إل
ى أن ي
تم تأكي
دھا باألفع
ات ،ف
ي ھ
ذا
الموضوع ،قد استنفذت قواھا تقريبا.
تقرار ،وح
زب التط
ور أو اإلص
الح ،كالھم
ا عوام
ل ض
رورية للحال
ة ال
صحية
للحياة السياسية؛ حتى يقوم احدھما بتوسيع استيعابه العقلي ليكون عامال للنظام وللتقدم
في الوقت ذاته ،ويعرف ويميز م
ا ھ
و مناس
ب للحف
اظ علي
ه م
ن ال
ذي يج
ب ال
تخلص
منه .إن كل من نمطي التفكير ھذين ي
ستمد نفع
ه م
ن عي
وب اآلخ
ر ،ولكنھ
ا معارض
ة
اآلخر ،إلى حد كبير ،ھي الت
ي تبق
ي ك
ل منھم
ا ف
ي ح
دود العق
ل والمنط
ق .م
ا ل
م ي
تم
التعبير عن اآلراء المحببة لدى الديمقراطية واالرستقراطية ،ل
دى الملكي
ة والم
ساواة،
لدى التعاون والتنافس ،لدى الترف والتعفف ،ل
دى ال
روح االجتماعي
ة الفرداني
ة ،ل
دى
الحري
ة والنظ
ام ،ول
دى جمي
ع الخ
صومات الناش
ئة األخ
رى للحي
اة العملي
ة ،بحري
ة
متساوية ،ويتم تفعيلھا والدفاع عنھا بمھارة وبقوة متساويتين ،ل
ن تك
ون ھن
اك فرص
ة
57
لكال العاملين في أن يحققا استحقاقاتھما؛ وستذھب إحدى كفتي الميزان إلى األعلى بال
ش
ك ،بينم
ا تنح
در األخ
رى إل
ى األس
ة ،ف
ي اھتمام
ات الحي
اة العملي
ة
الكبرى ،ھي مسألة التوفيق بين المتناقضات والتجميع بينھا ،بحيث ﱠ
إن القلي
ل ج
دا م
ن
الناس يمتلكون عقوال واسعة وحيادية ليقوموا بالتكيف مع المقاربة م
ن ال
صواب ،وال
ّ
الفض بين المقاتلين الذين يحاربون تح
ت بد من القيام بذلك عن طريق عملية الصراع
رايات متناحرة .في أي من المسائل المفتوحة الت
ي ذكرناھ
ا للت
و ،إذا م
ا ك
ان ل
دى أي
تحمل
ه ،ب
ل لك
ي يُ
شجﱠع
م
ن ال
رأيين حج
ة أق
وى م
ن اآلخ
ر ،ل
يس فق
ط ف
ي أن يج
ري ّ
ويقبل ،فإنه ذلك الرأي الذي صادف أنه في زمان ومكان معينين كان لدى أقلية .وذلك
ُ َ
ھو الرأي الذي يمث
ل ،ف
ي الفت
رة الحالي
ة ،الم
صالح المھمل
ة ،ذل
ك الجان
ب م
ن الحال
ة
البشرية المھددة بنيل أقل من حصتھا .إنني م
درك بأن
ه ل
يس ھن
اك ،ف
ي ھ
ذا البل
د ،أي
تعصب ضد االختالفات في الرأي في معظم ھذه المواضيع .لقد قُ ّ َ
دمت ألجل أن تب
ين،
عب
ر أمثل
ة متع
ددة ومقبول
ة ،ش
مولية الحقيق
ة القائل
ة بأن
ه لي
ست ھن
اك فرص
ة للع
ب
النظي
ف لك
ل أط
راف الحقيق
ة إال م
ن خ
الل تن
وع اآلراء .عن
دما يمكنن
ا إيج
اد بع
ض
استثناء لإلجماع الظاھري للع
الم ح
ول أي موض
وع ،حت
ى
ً األشخاص ،الذين يشكلون
لو كان العالم عل
ى ص
واب ،فإن
ه م
ن المعق
ول دائم
ا أن يك
ون ل
دى المعارض
ين ش
يئا
يستحق االستماع إليه ليقولونه ألنفسھم ،وان تفقد الحقيقة شيئا من خالل صمتھم.
ق
د يعت
رض ال
بعض" ،ولك
ن بع
ضا م
ن المب
ادئ الم
ستلمة ،وال س
يما ف
ي
المواض
يع األس
مى واألكث
ر حيوي
ة ،ھ
ي أكث
ر م
ن أن
صاف حق
ات
المسيحية ،على سبيل المثال ،ھي الحقيقة الكاملة ف
ي ذل
ك الموض
وع ،وإذا م
ا ق
ام أي
شخص بتدريس أخالقيات تختلف عنھا ،فھو مخطئ تماما ".وألن ھذا ينطبق ب
صورة
عملية على كاف
ة الق
ضايا األكث
ر أھمي
ة ،ف
ال يمك
ن ألي ق
ضية أن تك
ون أكث
ر مالئم
ة
الختبار القاعدة العامة .ولكن قبل أن نقول ما ھ
ي األخالقي
ات الم
سيحية ،س
يكون م
ن
المف
ضل أن نح
دد م
ا نعن
ي باألخالقي
ات الم
ت تعن
ي أخالقي
ات العھ
د
58
الجدي
د ،فعجب
ي م
ن أن ي
ستمد أي ف
رد معرفت
ه بھ
ذا م
ن الكت
اب ذات
ه ،ي
ستطيع أن
أعل
ن ،أو أري
د ب
ه أن يك
ون م
ذھبا أخالقي
ا ك
امال .ع
ادة م
ا ي
شير
يفترض أنه ك
ان ق
د ِ َ
اإلنجيل إلى األخ
الق الموج
ودة م
سبقا ،ويح
دد ن
صائحه أو إرش
اداته بالتفاص
يل الت
ي
تحتاج تلك األخ
الق فيھ
ا إل
ى بع
ض الت
صحيح ،أو أن ت
ستبدل ب
أخالق اكب
ر وأس
مى؛
تعبر عن نفسھا ،زيادة على ذل
ك ،بعب
ارات عام
ة ج
دا ،ع
ادة م
ا يك
ون م
ن الم
ستحيل
تف
سيرھا ب
شكل حرف
ي ،وتمتل
ك ت
أثير ال
شعر أو البالغ
ة ول
يس دق
ة الت
شريع .إن
استخراج مذھبا أخالقيا منھا لم يكن ممكنا دون تدبرھا من العھ
د الق
ديم ،أي م
ن نظ
ام
واسع حقا ،ولكن
ه ھمج
ي ف
ي العدي
د م
ن جوانب
ه ،ك
ان ي
راد ب
ه ألن
اس ھمجي
ين فق
ط.
افت
رض الق
ديس ب
ول ،وھ
و ع
دو معل
ن لھ
ذا ال
نمط اليھ
ودي لتف
سير الم
ذھب وتنفي
ذ
مخط
ط س
يده ،وج
ود نظ
ام أخالق
ي س
ابق ،وھ
و عل
ى وج
ه التحدي
د ،نظ
ام اإلغري
ق
ّ
للتكي
ف م
ع ذل
ك، والرومان :وما نصيحته للم
سيحيين ،وإل
ى درج
ة كبي
رة ،إال نظام
ا
حتى إلى درجة إعطاء تخويل أو تأييد للعبودية .إن األخالقي
ات الت
ي ت
سمى م
سيحية،
واألجدر أن يطلق عليھا األخالقيات الدينية أو الثيولوجية ،لم تكن من عمل الم
سيح أو
الحواريين ،بل ھي من أصل متأخر جدا ،فقد تم بناؤھا بشكل تدريجي على يد الكنيسة
الكاثوليكية في القرون الخمسة األولى ،وعلى الرغم من عدم تبنيھا بشكل ضمني من
قب
ل البروت
ستانتيين الح
م ل
م يغيروھ
ا أو يع
ّ
دلوھا ب
شكل كبي
ر كم
ا ك
ان
ّ
متوقع .وفي الحقيقة ،إنھم اقتنعوا ،على األغل
ب ،بقط
ع اإلض
افات الت
ي أجري
ت عل
ى
تلك األخالقيات في القرون الوسطى ،فأقدمت كل طائفة على توفير المجال م
ن خ
الل
إض
افات جدي
دة ،تن
سجم وميولھ
ا وس
ماتھا .س
أكون آخ
ر م
ن ينك
ر حقيق
ة أن الب
شرية
ت
دين ب
دين كبي
ر لھ
ذه األخالقي
ات ،ولمعلميھ
ا األوائ
ل؛ ولكن
ي ال أت
ردد ف
ي أن أق
ول
بحقھا أنھا ،في العدي
د م
ن النق
اط المھم
ة ،ناق
صة وأحادي
ة الجان
ب ،وان
ه ل
و ل
م ت
سھم
األفك
ار والم
شاعر ،الت
ي ال ت
دعمھا تل
ك األخالقي
ات وت
سندھا ،ف
ي ت
شكيل الحي
اة
والشخصية األوربيتين ،لكانت الشؤون اإلنسانية قد أص
بحت ف
ي حال
ة أس
وأ مم
ا ھ
ي
عليه اآلن .إن )ما يسمى( باألخالق الم
سيحية تمتل
ك ك
ل س
مات رد الفع
ل؛ فھ
ي ،إل
ى
59
حد بعيد ،احتجاج على الوثنية .كان مثالھا سلبيا أكثر من كونه ايجابيا ،خامال أكثر من
كونه فاعال ،بريئا أكثر من كونه نب
يال؛ امتن
اع ع
ن ال
شر ،ول
يس س
عيا حيوي
ا للخي
ر:
وفي إرشاداتھا )كما قيل من قبل( تھيمن عبارة "عليك أن ال" بشكل كبير عل
ى عب
ارة
"علي
ك أن ".وف
ي رعبھ
ا ال
شديد م
ن الح
سية ،ش
يدت ص
نما للزھ
د ،فأخ
ذ يتح
ول
بالتدريج إلى نوع من الشرعية .فھ
و يم
سك بي
ده بأم
ل الجن
ة وتھدي
د الن
ار ،بوص
فھما
الح
افزين المناس
بين المعين
ين للحي
اة الفاض
لة :ف
ي ھ
ذا ال
سقوط إل
ى أدن
ى م
ن أف
ضل
القدماء ،وفعل ما يكمن فيھا إلعط
اء األخ
الق الب
شرية س
مة أناني
ة ف
ي جوھرھ
ا ،م
ن
خ
الل ف
صل م
شاعر الواج
ب ل
دى ك
ل إن
سان ع
ن م
صالح أبن
اء جلدت
ه ،باس
تثناء م
ا
يتعلق بالحوافز األنانية التي ّ
تقدم له إذا م
ا است
شارھم .إن
ه م
ذھب للطاع
ة ال
سلبية ف
ي
وجدت مؤسسة ،وھ
م ف
ي الحقيق
ة ال
جوھره ،فھو يغرس الرضوخ لكل السلطات التي ِ َ
يقاومون ،وال
يطاعون بشكل فاعل إذا ما أمروا بما يحرمه الدين ،ولكنھم ال ينبغي أن َ
يجب التمرد ضدھم ،مھما كان حجم الضرر الذي قد يلحق بنا .وبينم
ا يح
تفظ الواج
ب
تجاه الدولة ،في أخالقي
ات أف
ضل األم
م الوثني
ة ،بمكان
ة غي
ر متكافئ
ة ،تنتھ
ك الحري
ة
الفردية العادلة؛ فإن ذلك القسم الكبير من الواجب ،في األخالقيات المسيحية ،نادرا م
ا
يالحظه أو يعترف به أحد .إنه لفي القرآن ،وليس ف
ي العھ
د الق
ديم ،نق
رأ الحكم
ة الت
ي
تقول" :إن الحاكم الذي يعين رجال في منصب ،وكان في أراضيه رجل أكفأ من
ه فإن
ه
يرتك
ب إثم
ا ض
د ﷲ وض
د الدول
ة ".إن اإلدراك القلي
ل لفك
رة االلت
زام تج
اه الجمھ
ور
المؤسسة في األخالقيات الحديثة ،م
شتقة م
ن م
صادر إغريقي
ة وروماني
ة ،ول
يس م
ن
مصادر مسيحية؛ كما ھ
و الح
ال م
ع ك
ل م
ا ھ
و موج
ود م
ن ش
ھامة ومبدئي
ة وكرام
ة
شخصية ،بل وحتى الشرف ،المستمدة من الجزء اإلنساني المحض ،وليس من الج
زء
الديني من التعليم ،ول
م يك
ن بمق
دورھا أن تنم
و م
ن معي
ار م
ن األخالقي
ات تك
ون في
ه
القيمة الوحيدة ،المعترف بھا بشكل علني ،ھي قيمة الطاعة.
60
أن
ا بعي
د ،بمث
ل ابتع
اد اآلخ
رين ،ع
ن االدع
اء ب
أن تل
ك العي
وب ھ
ي متأص
لة
بال
ضرورة ف
ي األخالقي
ات الم
سيحية ،وبك
ل أس
لوب يمكنن
ا أن نت
صورھا ب
ه ،أو أن
المتطلبات العديدة للمذھب األخالقي الكامل الذي ال تحت
وي علي
ه ،ال ت
سمح بالت
صالح
معه .قلما أتوقع ذلك من م
ذاھب وتوجيھ
ات الم
سيح نف
سه .اعتق
د أن مق
والت الم
سيح
ھي كل ما استطيع أن أراه من األدلة على أنھا ما أريد لھا أن تك
ون؛ وأنھ
ا غي
ر قابل
ة
للتوافق مع أي شيء تستوجبه األخالقيات الشاملة؛ وان أي ش
يء ممت
از ف
ي األخ
الق
يمكن جلبه ف
ي ح
دودھا ،ب
دون عن
ف ف
ي لغتھ
ا اكب
ر مم
ا ح
ل بھ
ا عل
ى ي
د ك
ل ال
ذين
حاولوا أن يستنتجوا منھا أي نظام عملي للسلوك ،مھما كان نوعه .ولكن من المتواف
ق
تماما مع ھذا أن نعتقد بأنھا ال تتضمن إال جزءا من الحقيقة ،وقد أريد لھا ذل
ك؛ بحي
ث
إن العديد من العناصر األساسية لألخالقيات العليا ھي من بين األشياء الت
ي ل
م ُت
ذكر،
ﱠ
وال التي أريد لھا أن ُتذكر ،في التصريحات المسجلة لمؤسس المسيحية ،والتي ُترك
ت
جانبا في النظام األخالقي الذي تم نصبه على أساس تلك التصريحات من قبل الكني
سة
المسيحية .ولما كان األمر على ھذا الح
ال ،اعتق
د أن م
ن الخط
أ الكبي
ر أن ن
ستمر ف
ي
محاولة أن نجد في المذھب المسيحي قانونا يرشدنا ،كان مؤلفه يريد له أن ُ َ
يقرﱡ ُ ّ
ويفعل،
ّ
ويوفر ولكن بشكل جزئ
ي فق
ط .واعتق
د أي
ضا أن ھ
ذه النظري
ة ال
ضيقة أخ
ذت ت
صبح
شرا عمليا جادا ،فھي تقلل من قيم
ة الت
دريب والتوجي
ه األخالق
ي ال
ذي ّ
يك
رس العدي
د
من األشخاص الحسني النية أنفسھم اآلن وبشكل وس
ع لن
شره وتوس
يعه .أخ
شى كثي
را
أن
ه م
ن خ
الل محاول
ة ت
شكيل العق
ل والم
شاعر عل
ى نم
ط دين
ي فق
ط ،واس
تبعاد تل
ك
المعايير العلمانية الدنيوية )بالنسبة لغياب اسم أفضل يمكن أن نطلقه عليھا( التي كانت
إل
ى ذل
ك الح
ين متواج
دة م
ع األخالقي
ات الم
سيحية ومكمل
ة لھ
ا ،م
ستقبلة بع
ضا م
ن
روحھ
ا ومازج
ة فيھ
ا بع
ضا م
ن روحھ
ا ،س
ينتج ،كم
ا ھ
و الح
ال اآلن ،نوع
ا واطئ
ا،
متدنيا ومنحطا من الشخصيات ،يخضع نفسه كم
ا يري
د لم
ا يعتب
ره اإلرادة العلي
ا ،وال
يك
ون ق
ادرا عل
ى االرتق
اء إل
ى الخي
ر األس
اطف ف
ي مفھوم
ه .اعتق
د أن
أخالقيات غير تلك التي يمكن أن تنبعث من المصادر المسيحية فقط ،يج
ب أن تتواج
د
61
جنبا إلى جنب مع األخالقي
ات الم
سيحية ألج
ل إنت
اج التجدي
د األخالق
ي للب
شرية؛ وأن
النظ
ام الم
سيحي ل
يس اس
تثناءا للقاع
دة ،وھ
و أن م
صالح الحقيق
ة ،ف
ي الحال
ة غي
ر
المثالية للعقل البشري ،تتطلب تنوعا في اآلراء .ليس م
ن ال
ضروري ان
ه ف
ي التوق
ف
عن إھمال الحقائق األخالقية غير الموجودة في المسيحية ،أن يتوج
ب عل
ى الن
اس أن
يھملوا أيا من تلك الحقائق التي تتضمنھا المسيحية .إن تحامال ،أو إھماال كھذا ،عن
دما
يحدث ،فھو شر برمته؛ ولكنه شر ال يمكننا أن نأمل أن ُنستثنى من
ه دائم
ا ،وال ب
د م
ن
اعتباره ثمنا ُيدفع من أجل خير ال ّ
يقدر بثمن .إن الزعم الحصري الذي يق
وم ب
ه ج
زء
يعت
رض علي
ه؛ وإذا م
ا ق
ام الح
افز
م
ن الحقيق
ة بأن
ه الحقيق
ة كامل
ة ،يج
ب وينبغ
ي أن ُ َ
االنعكاسي بجعل المعترضين غي
ر ع
ادلين ب
دورھم ،ف
إن أحادي
ة الجان
ب ھ
ذه ،ش
أنھا
ش
أن األخ
رى ،يمك
ن أن يؤس
ف عليھ
ا ،ولك
ن ال ب
د م
ن تحملھ
ا .ل
و ك
ان الم
سيحيون
يعلمون الكفار أن يكونوا عادلين مع المسيحية ،فھم أنفسھم ال بد أن يكونوا عادلين مع
الكفر .إن تجاھل الحقيقة المعروفة لدى كل الذين يمتلك
ون أي
ة معرف
ة عادي
ة بالت
أريخ
األدبي ،والقائلة بأن ق
سما كبي
را م
ن التعل
يم األخالق
ي األكث
ر ن
بال وقيم
ة ق
د ك
ان م
ن
عمل الرجال الذين لم يكونوا يعرفون المعتقد الم
سيحي ،ل
يس ھ
ذا فق
ط ،ب
ل م
ن عم
ل
الذين عرفوا ذلك المعتقد ورفضوه ،لن يخدم الحقيقة.
شرور الطائفي
ة الديني
ة أو الفل
سفية .إن ك
ل حقيق
ة يك
ون أص
حاب الق
درات ال
ضيقة
جادين بشأنھا ،ال شك أنھ
ا س
تؤكدُ ،
وتغ
رس ،ب
ل حت
ى ُيعم
ل بموجبھ
ا بط
رق عدي
دة،
كما لو انه لم تتواجد حرية أخ
رى ف
ي الع
الم ،أو أن
ه ف
ي ك
ل األح
وال ال توج
د واح
دة
يمكنھا أن تح
دد الحقيق
ة األول
ى أو تؤھلھ
ا .اعت
رف ب
أن مي
ل كاف
ة اآلراء ألن ت
صبح
طائفي
ة ال َ ُ
يع
الج بالمناق
شات األكث
ر حري
ة ،ولكن
ه ع
ادة م
ا يُ
ّ
صعد وي
ستثار ب
ذلك؛ إن
رف
ضت عل
ى
الحقيقة التي كان يجب أن تكون منظورة ،ولكنھا لم تكن كذلك ،ألنھا قد ُ َ
نحو عنيف جدا ،ألنھا قد أعلنت من قبل األشخاص الذين يعتب
رون أن
دادا أو خ
صوما.
62
ولكن ھذا االصطدام في اآلراء يعمل ت
أثيره المفي
د ل
يس ف
ي المح
ارب الم
تحمس ،ب
ل
في المتفرج الھادئ غير المكترث .إن ال
شر ال
ذي ال ُيقھ
ر ل
يس ال
صراع العني
ف ب
ين
يجب
ر الن
اس عل
ى
أجزاء الحقيق
ة ،ب
ل القم
ع الھ
ادئ لن
صفھا؛ ھن
اك دائم
ا أم
ل عن
دما ُ َ
اإلصغاء لكال الطرفين؛ وأن ال تتصلب تلك األخط
اء وتتح
ول إل
ى إجح
اف إال عن
دما
ُيصغى إلى ط
رف واح
د ،والحقيق
ة نف
سھا س
وف ل
ن تمتل
ك ت
أثير الحقيق
ة ،م
ن خ
الل
المبالغة فيھا وجعلھا أكذوبة .وبما أنه ھناك بعض من السمات العقلية األكثر ن
درة م
ن
تلك القدرة القضائية التي يمكنھا أن تبت في حكم ذكي بين طرفي مسألة معينة ،ق
ضية
ل
م يمث
ل فيھ
ا س
وى ط
رف واح
د بمؤي
د أم
ام المحكم
ة ،ك
ل رأي يج
سد أي ج
زء م
ن
الحقيقة ،ال يجد مؤيدين فحسب ،بل أنه سيكون أكثر تأيي
دا م
ن أن يحت
اج لم
ن ي
صغي
إليه.
لق
د أدركن
ا اآلن الحاج
ة إل
ى حري
ة ال
رأي ،وحري
ة التعبي
ر ع
ن ال
رأي ،ألج
ل
االزدھار العقلي للبشرية )الذي يعتمد عليه ازدھارھم في األمور األخرى( ،م
ن حي
ث
أربعة أسس متميزة؛ سنوجزھا اآلن باختصار:
أوال ،إذا م
ا اجب
ر أي رأي عل
ى ال
سكوت ،ف
إن ذل
ك ال
رأي ،لك
ل م
ا ن
ستطيع
معرفت
ه عل
ى نح
و مؤك
د ،يمك
ن أن يك
ون ص
حيحا .وإنك
ار ھ
ذا ھ
و افت
راض بأنن
ا
معصومون من الخطأ.
ثاني
ا ،عل
ى ال
رغم م
ن ك
ون ال
رأي المقم
وع عل
ى خط
أ ،فإن
ه ق
د يحت
وي عل
ى
بعض النسبة من ال
صواب أو الحقيق
ة ،وغالب
ا م
ا يك
ون األم
ر ك
ذلك ،وبم
ا أن ال
رأي
العام أو السائد في أي موضوع كان نادرا ما يكون ص
ائبا تمام
ا ،وق
د ال يك
ون ص
ائبا
على اإلطالق ،فإنه فقط م
ن خ
الل اص
طدام اآلراء المتعاك
سة ،يمك
ن أن تك
ون ھن
اك
فرصة للمتبقي من الحقيقة لكي تتوفر.
63
ثالثا ،حتى لو لم يكن الرأي ُ َ َ
المستلم حقيقيا فحسب ،بل ك
ان الحقيق
ة كامل
ة؛ ف
إن
لم تعاني من مواجھة المنافسة ،وتخضع لھا فعال ،على نحو فعال وجاد ،فإنھ
ا س
تؤخذ
على نحو الغطرسة أو اإلجحاف من قبل كل ال
ذين ي
ستقبلونھا ،م
ع اس
تيعاب قلي
ل لھ
ا
أو شعور قلي
ل بأس
سھا المنطقي
ة .ل
يس ھ
ذا فح
سب ،ولك
ن ،رابع
ا ،إن معن
ى الم
ذھب
نفسه سيعاني من خطر ال
ضياع ،أو اإلض
عاف ،وحرمان
ه م
ن ت
أثيره الحي
وي الفاع
ل
على الشخص وال
سلوك :في
صبح المعتق
د مج
رد مھن
ة ش
كلية ،غي
ر م
ؤثرة إل
ى األب
د،
ولكنھ
ا تثق
ل األرض
ية ،وتمن
ع نم
و قناع
ة حقيقي
ة ص
ادقة ،م
ن العق
ل أو التجرب
ة
الشخصية.
قب
ل أن نت
رك موض
وع حري
ة ال
رأي ،م
ن المناس
ب أن ن
ولي بع
ض االنتب
اه
لھؤالء الذين يقولون أن التعبير الحر ع
ن ك
ل اآلراء يج
ب أن يك
ون م
سموحا ،ش
رط
أن يك
ون األس
لوب معت
اوز ح
دود المناق
شة العادل
ة .كم
ا يمك
ن ق
ول
الكثير حول استحالة تحديد المكان الذي يجب أن توض
ع في
ه تل
ك الح
دود؛ ألن
ه إذا م
ا
كان االختبار إساءة لھؤالء الذين يتع
رض رأيھ
م للھج
وم ،اعتق
د أن التجرب
ة تثب
ت أن
ّ
ومعبرا ،وأن كل خصم ي
دفعھا )أي الح
دود( ھذه اإلساءة تحدث كلما كان الھجوم قويا
بشدة ،والذي يجدون أن من الصعب اإلجابة عليه ،يبدو لھم خصما غير معتدل ،إذا ما
اظھر أي شعور قوي حول الموضوع .ولكن ھذا ،عل
ى ال
رغم م
ن كون
ه اعتب
ار مھ
م
يكون اعتراضا جوھريا .ال شك أن أسلوب تأكيد رأي
من وجھة النظر العملية ،إال أنه ّ
ما ،حتى وإن كان رأيا حقيقيا صائبا ،فقد يثي
ر االعتراض
ات ،ويت
سبب ف
ي ل
وم ق
اس.
ولكن اإلساءات الرئيسية من ھذا النوع من االستحالة بمكان أن توضح القناعة ،م
ا ل
م
يكن ذلك من خالل خيانة ذاتية عرضية .وأكثرھا جدية ،إذا ما جادلنا بشكل معقد ،ھي
قم
ع الحق
ائق أو الج
داالت ،أو إس
اءة التعبي
ر ع
ن عناص
ر الق
ضية ،أو إس
اءة تف
سير
الرأي المضاد .ولكن كل ھذا يحدث بشكل مستمر بإيمان جيد يصل إلى درجة الكمال،
وإلى أسوأ درجة ممكنة ،إذ يفعله أشخاص ال ُ َ َ
يعتب
رون ،وال ي
ستحقون م
ن العدي
د م
ن
64
يعتبَ
روا ،ج
اھلين وع
اجزين ،بحي
ث ﱠ
إن م
ن الن
ادر ج
دا عل
ى الن
واحي األخ
رى أن ُ َ
األسس المالئمة أن يختم على سوء التمثيل على أنه جدير باللوم من الناحية األخالقية؛
أما القانون فإنه ما زال بوسعه أن يتدخل بھذا النوع من سوء التصرف المثي
ر للج
دل.
أما بالنسبة لما ُ ُ
يقصد بالمناقشة غير المعتدلة ،وھي على وج
ه الدق
ة ،االھان
ة ،ال
تھكم،
الشخصية ،وما إلى ذلك ،إن استنكار ھذه األسلحة سيستحق المزيد من التعاطف إذا ما
متساو ،ولكنه مطلوب أيضا لتحديد اس
تخدامھا
ٍ ُ َ
اقترح تحريمھما على الطرفين وبشكل
ضد الرأي السائد :أما ض
د ال
رأي غي
ر ال
سائد ،فإنھ
ا ق
د ال ت
ستخدم دون رف
ض ع
ام،
ولك
ن س
يكون م
ن المحتم
ل أن يح
صل ال
ذي ي
ستخدمھا عل
ى م
ديح الحم
اس النبي
ل
والغضب التقي .مع ذلك ،فأي أذى ينجم عن استخدامھا ،فإنه س
يكون أكب
ر عن
دما ي
تم
استخدامھا ضد األشخاص ّ
العزل ن
سبيا .ومھم
ا كان
ت الفائ
دة غي
ر العادل
ة الت
ي يمك
ن
ألي رأي أن يستمدھا أو يحصل عليھا من ھذا النمط من أنماط تأكيدھا ،فإنھا ستتكدس
ل
دى اآلراء الم
ستلمة ب
شكل ح
صري .إن أس
وأ إس
اءة ممكن
ة م
ن ھ
ذا الن
وع يمك
ن
ارتكابھا من قبل المجادل االنفعالي ھي أن ي
سم ال
ذين يحمل
ون رأي
ا مغ
ايرا عل
ى أنھ
م
سيئين وغير خل
وقين .ھ
ؤالء ال
ذين يحمل
ون أي
ة آراء غي
ر ش
ائعة يكون
ون معرض
ين
الفتراءات م
ن ھ
ذا الن
وع ،ألنھ
م قليل
ون وغي
ر م
ؤثرين ب
شكل ع
ام ،وال ي
ستطيع أي
شخص سواھم أن يشعر بأنه مھتم كثيرا ب
رؤيتھم يع
املون بعدال
ة؛ ولك
ن ھ
ذا ال
سالح
ّ
محرم ،بطبيعة الحال ،عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يھ
اجمون ال
رأي ال
سائد :فھ
م ال ي
ستطيعون
استخدامه بأمان عل
ى أنف
سھم ،وال ھ
و يفع
ل أي ش
يء لھ
م ،ل
و اس
تطاعوا اس
تخدامه،
سوى االرتداد على قضيتھم .وبشكل عام ،فإن اآلراء المعاكسة لآلراء المستلمة بشكل
شائع يمكنھا أن تح
صل عل
ى فرص
ة اس
تماع لھ
ا فق
ط م
ن خ
الل االعت
دال الم
دروس
للغة ،والتجنب األكثر حذرا لإلساءة غير الضرورية ،التي قلما ي
ستطيعون االنح
راف
عنھا ،حتى بأقل درجة ممكنة دون فق
دان األرض
ية :فبينم
ا يق
وم ال
سب أو ال
شتم غي
ر
المحسوب من جانب الرأي السائد بمن
ع الن
اس فع
ال م
ن إتب
اع اآلراء المعاك
سة ،وم
ن
اإلصغاء لھؤالء الذين يحملونھا .لذلك ،فألجل مصلحة الحقيقة والعدالة ،من المھم جدا
65
أن نقيّد ھذا االستخدام للغة الشتم أكثر من تقييدنا للغة األخرى؛ ولو ك
ان ض
روريا أن
نختار ،على س
بيل المث
ال ،س
تكون ھن
اك حاج
ة لتثب
يط الھجم
ات الم
سيئة عل
ى الكف
ر
اكب
ر بكثي
ر م
ن الھجم
ات عل
ى ال
دين .عل
ى ك
ل ح
ال ،ان
ه لم
ن الواض
ح أن الق
انون
والسلطة ليس لھم
ا عالق
ة بف
رض القي
ود عل
ى أي منھم
ا ،بينم
ا عل
ى ال
رأي ،ف
ي ك
ل
لحظة ،أن يحدد قراره على أساس ظروف القضية المعينة؛ فيشجب كل شخص ،وف
ي
أي جان
ب م
ن ج
انبي الج
دل وض
ع نف
ر ف
ي نم
ط تأيي
ده ھ
ذا االفتق
ار إل
ى
الصدق ،أو الخبث ،أو التعصب أو عدم الت
سامح م
ع العواط
ف؛ ولك
ن ال ي
ستنتج تل
ك
الرذائ
ل م
ن الجان
ب ال
ذي يأخ
ذه ال
شخص ،حت
ى ل
و ك
ان طرف
ا معاك
سا م
ن الق
ضية
بالنسبة لن
ا :ويعط
ي احترام
ا م
ستحقا لك
ل ف
رد ،مھم
ا ك
ان ال
رأي ال
ذي يحمل
ه ،ف
رد
ھدوء لكي يرى ،وش
رفا ونزاھ
ة لي
ذكر ماھي
ة خ
صومه وآراءھ
م كم
ا ھ
ي ف
ي
ً يمتلك
الواقع ،وال يبالغ بأي شيء ضد م
صلحتھم ،وال يخف
ي ش
يئا يمك
ن أن يق
ول ،أو يمك
ن
االفتراض بأنه يقول ما ھو لصالحھم .ھ
ذه ھ
ي األخالقي
ات الحقيقي
ة للمناق
شة العام
ة:
وإذا ما انتھكت كثيرا ،فيسعدني أن اعتقد بأنه ھناك العدي
د م
ن الج
دليين يراقبون
ه إل
ى
حد بعيد ،وما زال ھناك العديد من الذين يناضلون ألجله بضمير.
66
الفصل الثالث
J3א
،א א
"!
كان
ت األس
باب الت
ي تجع
ل م
ن أولوي
ة ال
ضرورات أن يك
ون الب
شر أح
رارا ف
ي تك
وين
اآلراء ،وف
ي التعبي
ر ع
ن آرائھ
م دون تحفّ
ظ ،عل
ى ھ
ذا النح
و؛ ولم
ا كان
ت التبع
ات
المدمرة للمثقف ،ومن خالله للطبيعة األخالقية لإلنسان ،ما لم ُيعترف بحريته ،أو ي
تم
تأكي
دھا ب
الرغم م
ن المن
ع ،عل
ى ھ
ذا النح
و أي
ضا؛ دعون
ا إذن ن
تفحص م
ا إذا كان
ت
األسباب نفسھا ال تتطلب أن يكون الناس أحرارا في أن يت
صرفوا وفق
ا آلرائھ
م—أي
أن ينفّ
ذوا ھ
ذه اآلراء ف
ي حي
ة ،ج
سدية كان
ت أم أخالقي
ة ،م
ن أبن
اء
جلدتھم ،طالما كان ذلك على مسؤوليتھم الخاصة ومج
ازفتھم .إن ھ
ذا ال
شرط األخي
ر
ھو بال شك شرط حتم
ي ال غن
ى عن
ه .ال ي
زعم أح
د أن األفع
ال يج
ب أن تك
ون ح
رة
ش
أنھا ش
أن اآلراء الح
رة .عل
ى العك
س ،حت
ى اآلراء تفق
د ح
صانتھا ،عن
دما تك
ون
ّ
ي
شكل في
ه التعبي
ر عنھ
ا تحري
ضا الظروف التي ّ
يعبر فيھا عن تل
ك اآلراء عل
ى نح
و
ايجابيا لبعض األعمال الفوضوية الضارة.
إن ال
رأي القائ
ل ب
أن تج
ار مح
صول ال
ذرة ھ
م مج
ّ
وعي الفق
ة الخاص
ة
سرقة ،ال ينبغي أن يتدخل أحد بھا عندما يتم تداولھا ببساطة عبر الصحافة ،ولكنھا تستدعي
ّ
يصرح بھا شفاھا على حشد من الجماھير المھتاجة المتجمع
ة أم
ام من
زل عقابا عادال عندما
تاجر من تجار الذرة ،أو عندما ّ
توزع على نفس الحشد على ش
كل الفت
ات .إن األفع
ال عل
ى
67
اختالف أنواعھا ،والتي تلحق الضرر باآلخرين ،دون سبب مبرر ،قد تحتاج إلى إخ
ضاعھا
لسيطرة من قبل العواطف غير المحببة ،أما في القضايا المھم
ة فتتوج
ب مث
ل ھ
ذه ال
سيطرة
بشكل ال مناص منه ،أما عند الضرورة ،فعن طريق التدخل البشري الفاعل .إن حرية الف
رد
يجب أن تُحدد إلى تلك الدرجة؛ يجب أن ال يجعل نفسه مصدرا إلزعاج اآلخ
رين .ولك
ن إذا
امتن
ع ع
ن إي
ذاء اآلخ
رين فيم
ا يخ
صھم ،وت
صرف وفق
ا لميول
ه وأحكام
ه ف
ي األش
ياء الت
ي
تخصه ،فإن نفس األسباب التي تبين أن الرأي ال بد أن يكون حرا ،تثبت أيضا أنه ال ب
د م
ن
السماح له بتنفيذ آرائه بشكل عمل
ي عل
ى نفقت
ه الخاص
ة .إن اآلراء القائل
ة ب
أن الب
شر لي
سوا
بمعصومين من الخطأ؛ وإن حقائقھم ھي على األغلب أنصاف حقائق فقط؛ وإن وحدة الرأي
ليست محبذة ،ما لم تنجم عن المقارنة األكث
ر حري
ة واألكث
ر اكتم
اال ل
آلراء المت
ضادة ،وإن
التنوع ليس شرا ،بل خيرا ،حتى تصبح البشرية أكثر قدرة على تمييز جميع جوانب الحقيقة
مما ھي عليه في الوقت الحاضر ،ھ
ي مب
ادئ تنطب
ق عل
ى أنم
اط أفع
ال الب
شر ،ناھي
ك ع
ن
آرائھم .ومثلما كان من المفيد أن نعرف أن
ه طالم
ا أن الج
نس الب
شري غي
ر كام
ل ،ال ب
د أن
تكون ھناك آراء مختلفة ،فكذلك يج
ب أن تك
ون ھن
اك تج
ارب معي
شية مختلف
ة؛ وأن يعط
ى
ذل
ك المج
ال الح
ر لمختل
ف أن
واع الشخ
صيات الت
ي ال تلح
ق ال
ضرر ب
ة
األنماط الحياتية المختلفة يج
ب أن ُتب
رھن عل
ى نح
و عمل
ي ،عن
دما يعتق
د ك
ل ف
رد ب
أن م
ن
المناسب له أن يجربھا .إنه لمن المحبذ ،باختصار ،أن تؤكد الفردية نف
سھا ف
ي األش
ياء الت
ي
ال تخ
ص اآلخ
رين .حيثم
ا تك
ون تقالي
د اآلخ
رين وع
اداتھم ھ
ي القاع
دة ال
سلوكية ،ول
يس
ش
خص الف
رد نف
سه ،يك
ون ھن
اك افتق
ار لواح
د م
ن المكون
ات الرئي
سة لل
سعادة اإلن
سانية،
والعنصر المكون الرئيس للتطور الفردي واالجتماعي.
ولدى إدامة ھذا المبدأ ،فإن الصعوبة األكبر ال تكمن في تثمين الوسائل المؤدي
ة
إلى غاية معترف بھا ،ولكن في ال مباالة األشخاص بصورة عامة بالغاية نف
سھا .ف
إذا
ما شعروا بأن التطور الحر للفردية ھ
و أح
د المكون
ات األساس
ية لالزدھ
ار؛ ف
إن ذل
ك
ل
يس عن
صرا ثانوي
ا م
ع ك
ل م
ا ت
دل علي
ه م
صطلحات الح
ضارة ،التعل
يم ،التربي
ة،
68
والثقافة من معان فحسب ،ولكنه بحد ذاته ج
زءا وش
رطا لك
ل تل
ك األش
ياء؛ ل
ن يك
ون
ھن
اك خط
ر م
ن أن الحري
ة س
تتعرض إل
ى تقلي
ل ش
أنھا ،كم
ا أن تع
ديل الح
دود بينھ
ا
وبين السيطرة االجتماعية لن ّ
يشكل صعوبة غي
ر اعتيادي
ة .ولك
ن ال
شر ھ
و أن أنم
اط
التفكير العامة نادرا ما تعترف بالتلقائية الفردية ،على أنھا تمتلك أية قيمة جوھرية ،أو
تستحق أي اعتبار بح
د ذاتھ
ا .أم
ا األغلبي
ة ،فألنھ
م مقتنع
ين بط
رق الب
شرية كم
ا ھ
ي
علي
ه اآلن ) إذ أنھ
م ھ
م ال
ذين جعلوھ
ا عل
ى م
ا ھ
ي علي
ه( ،ال ي
ستطيعون اس
تيعاب
السبب الذي جعل ھذه الطرق ليست جي
دة بم
ا في
ه الكفاي
ة ل
دى ك
ل ف
رد؛ واألكث
ر م
ن
ذل
ك ،ھ
و أن التلقائي
ة ال ت
شكل ج
زءا م
ن النم
وذج المث
الي ل
دى أغلبي
ة الم
صلحين
األخالقي
ين واالجتم
اعيين ،ب
ل كثي
را م
ا ينظ
ر إليھ
ا بغي
رة ،بوص
فھا عائق
ا مثي
را
للمشاكل ،وربما متمردا ،بوجه القبول العام لما يعتقد ھؤالء المفكرون ،وفقا ألحكامھم
الخاصة ،انه األفضل للبشرية .أشخاص قليلون ،من خارج ألمانيا ،ي
ستوعبون معن
ى
المذھب الذي جاء به فيلدھام فون ھومبولدت ،البارز جدا كعالم وكسياسي ،وجعل منه
نصا ألطروحة مفادھا – إن "غاية اإلنسان ،أو تلك التي وصفتھا قواعد العقل األزلي
ة
أو الثابتة ،ولم تقترحھا الرغبات الغامضة الزائلة ،ھي التطور األعلى واألكثر تناغم
ا
لقواه لتصبح وحدة كاملة متسقة "،لذلك ،ف
إن الھ
دف ال
ذي "يج
ب عل
ى ك
ل إن
سان أن
يوج
ه جھ
وده نح
وه وب
ال ھ
وادة ،ويج
ب عل
ى ال
ذين يخطط
ون للت
أثير عل
ى البن
اء
جلدتھم ،على وجه الخصوص ،أن يضعوه نصب أعينھم ،ھو فردية القوة والتط
ور"،
وأن ھنال
ك ش
رطين لتحقي
ق ذل
ك" :الحري
ة ،وتع
دد المواق
ف؛" وأن م
ن اتح
اد ھ
ذين
ال
شرطين ي
نجم "الن
شاط الف
ردي والتن
وع المتع
دد األوج
ه "،والت
ي توح
د نف
سھا ف
ي
"األصالة".
على كل حال ،مع قل
ة ال
ذين اعت
ادوا عل
ى م
ذھب كم
ذھب ف
ون ھومبول
دت،
بك
ل م
ا يب
دو ف
ي األم
ر م
ن دھ
شة لھ
م ب
أن يج
دوا مث
ل ھ
ذه القيم
ة العلي
ا مرتبط
ة
بالفردية ،فإن القضية تبقى قضية درجة ،كما ينبغي على المرء أن يعتق
د ب
الرغم م
ن
ذل
ك .م
ا م
ن اح
د ي
رى ب
أن الرق
ي ال
سلوكي ھ
و أن ال يق
وم الن
اس ب
أي ش
يء عل
ى
69
اإلطالق سوى تقليد بعضھم البعض .ما من احد سيؤكد أن الناس ينبغي أن ال ي
ضعوا
أي اث
ر ألحك
صياتھم الفردي
ة ،ف
ي نمطھ
م المعي
شي ،وف
ي س
لوك
اھتماماتھم .من الناحية األخرى ،سيكون من غير المعقول أن نزعم بأن الن
اس ينبغ
ي
يعرف شيئا في العالم قبل أن يجيئوا إلي
ه؛ كم
ا ل
و أن التجرب
ة
أن يعيشوا كما لو انه لم ُ َ
ّ
مف
ضل عل
ى لم تفعل شيئا لحد اآلن حيال بيان أن نمطا معيشيا ،أو سلوكيا ،معين
ا ھ
و
اآلخ
ر .ال اح
د ينك
ر أن الن
اس يج
ب أن ي
تم تعل
يمھم وت
دريبھم ف
ي مرحل
ة ال
شباب،
ليعرف
وا وي
ستفيدوا م
ن النت
ائج المؤك
دة للتجرب
ة اإلن
سانية .ولك
ن االمتي
از والوض
ع
الطبيع
ي لإلن
سان ،ال
ذي بل
غ مرحل
ة ن
ضج قدرات
ه ،ھ
و أن ي
ستخدم تل
ك التجرب
ة
ويفسرھا بطريقته الخاصة .ويبقى األمر متروك له ليكتشف أي األج
زاء م
ن التجرب
ة
اإلنسانية المسجلة ينطبق عل
ى ظروف
ه وشخ
صيته ب
شكل مناس
ب .إن تقالي
د اآلخ
رين
وعاداتھم ھي ،إلى ح
د م
ا ،دلي
ل عل
ى م
ا علم
تھم تج
ربتھم؛ دلي
ل افتراض
ي ،ولكون
ه
كذلك ،فھو يمتلك حق المطالبة باحترامه :ولكن ،ف
ي المق
ام األول ،ق
د تك
ون تج
ربتھم
ض
يقة ج
دا؛ أو ق
د ال يف
سرونھا ب
شكل ص
حيح .ثاني
ا ،ق
د يك
ون تف
سيرھم للتجرب
ة
ص
حيحا ،ولكن
ه غي
ر مالئ
م بالن
سبة ل
ه .إن األع
راف أو الع
ادات ُ َ
ت
صنع لظ
روف
تقليدية ،وأشخاص تقليديين؛ وان ظروف
ه وشخ
صيته ق
د ال تك
ون تقليدي
ة .ثالث
ا ،حت
ى
تط
ور
ّ وإن كانت العادات جيدة ومالئمة بالنسبة له ،فلمجرد إنھا عادات ،ل
ن ّ
تعلم
ه أو
فيه أية صفات مميزة لديه بوصفھا الھبة اإللھية المميزة للب
شر .إن الق
درات اإلن
سانية
في اإلدراك ،وتكوين األحكام ،والشعور التمييزي ،والن
شاط العقل
ي ،وحت
ى التف
ضيل
األخالقي ،تمارس فقط عند القيام باختيار .إن الشخص الذي يفعل أي شيء كان ،فق
ط
ألن تلك ھي العادة ،فھو ال يقوم بأي اختيار .فھ
و ال يح
صل عل
ى أي
ة ممارس
ة ال ف
ي
معرفة الشيء األفضل واستبيانه ،وال في الرغبة فيه .فالقوة العقلية واألخالقية ،شأنھا
ش
أن الق
وة الع
ور إال م
ن خ
الل االس
تخدام .وال ت
ستدعى الق
درات
للممارسة من خالل القيام بشيء معين فقط ألن اآلخرين درجوا على فعله ،وھو ل
يس
بأكثر من االعتقاد بشيء فقط ألن اآلخرين يعتقدون ب
ه .إن كان
ت األس
س الت
ي ي
ستند
70
عليھا ال
رأي غي
ر مح
سومة بالن
سبة لعق
ل ال
شخص ،ف
إن عقل
ه ال يمك
ن أن يتع
زز أو
ّ
يضعف ،من خ
الل تبني
ه ل
ذلك ال
رأي :وإذا كان
ت ال
دوافع لفع
ل يتقوى ،بل يحتمل أن
مع
ين لي
ست متوافق
ة م
ع م
شاعره وشخ
صيته )حي
ث ال تك
ون الم
ّ
ودة ،أو حق
وق
اآلخ
رين ،معني
ة( ،ف
إن القي
ام ب
ذلك الفع
ل س
يؤدي ب
شكل كبي
ر إل
ى جع
ل م
شاعره
وشخصيته خاملة وبليدة ،بدال من جعلھا فعالة نشيطة.
تدالل المنطق
ي والحك
م لي
ستقرأ الم
ستقبل ،والن
شاط ليجم
ع الم
واد لق
راره،
والتمييز ليتخذ القرار ،وبعدما يقرر ،يحتاج إلى الثبات وضبط ال
نفس ليتم
سك بق
راره
القصدي .ھذه الصفات يحتاجھا ويمارسھا بشكل متناس
ب تمام
ا ،عن
دما يك
ون الج
زء
من سلوكه ،الذي يحدده وفقا لحكمه ومشاعره ،كبيرا .قد يكون من الممكن أن يقاد في
ويبع
د ع
ن طري
ق األذى ،ب
دون أي م
ن ھ
ذه األش
ياء .ولك
ن م
ا ال
ذي
طري
ق ح
سنَ ُ ،
ستكون عليه قيمته النسبية كانسان؟ انه لمن المھم فعال ،ليس فقط ما يفعله الرجال ،بل
أي نوع من الرجال ھؤالء الذين يفعلونه .من بين أعمال اإلنسان ،الذي تستخدم الحياة
بشكل صحيح إلتمامه وتجميله ،اإلنسان نف
سه ھ
و بالتأكي
د م
ن ي
أتي ف
ي المق
ام األول
م
ن حي
ث األھمي
ة .ل
و افترض
نا ان
ه م
ن الممك
ن أن ُتبن
ى البي
وت ،وتُ
زرع الغ
الل،
ويبت في الق
ضايا ،ب
ل حت
ى ُتق
ام الكن
ائس ،وتتل
ى ال
صلوات ،م
ن
ُ ُ
وتخاض المعارك،
قبل المكائن – من قبل رجال آليين على ھيئة بشر – ستكون خسارة كبيرة أن ن
ستبدل
بھؤالء اآلليين حتى الذين يسكنون في الوقت الحالي األجزاء األكث
ر تط
ورا ح
ضاريا
من العالم ،من الرجال والنساء ،والذين ھم بال شك لي
سوا س
وى أجن
اس مت
ضورة لم
ا
تقدمه الطبيعة أو ما يمكنھا أن ﱢ
تقدم .إن الطبيعة البشرية لي
ست آل
ة يمك
ن بناؤھ
ا عل
ى
غرار نموذج معين ،وجعلھا تقوم العمل المناط بھا بشكل دقيق ،بل ھي ش
جرة تحت
اج
71
أن تنمو وتطور نفسھا على كافة النواحي ،وفقا لميل القوى الداخلية التي تجعلھ
ا ش
يئا
حيا.
اك الرغب
ة نف
سھا ف
ي ال
سماح ب
أن تك
ون رغباتن
ا ودوافعن
ا خاص
ة بن
ا عل
ى نف
س
المنوال؛ أو أن امتالكنا دوافع خاصة بنا ،أو أية قوة ،إنما ھي أي شيء س
وى الخط
ر
والف
خ .م
ع ذل
ك ،إن الرغب
ات وال
دوافع ھ
ي ج
زء م
ن اإلن
سان الكام
ل ،ش
أنھا ش
أن
المعتقدات والقيود :فال
دوافع القوي
ة تك
ون خطي
رة فق
ط عن
دما ال تك
ون متوازن
ة عل
ى
نحو مالئم؛ عندما تتطور منظومة معين
ة م
ن األھ
داف والنزع
ات لت
صبح ق
وة ،بينم
ا
تبقى أھداف ونزعات أخرى ،متواجدة معھا ،ضعيفة وخاملة .ليس ھناك رابط طبيعي
ب
ين ال
دوافع القوي
ة وب
ين ال
ضمير ال
ضعيف .ب
ل أن ال
رابط الطبيع
ي يك
ون ب
العكس.
فقولنا إن رغبات شخص ما ومشاعره أقوى وأكثر تنوع
ا م
ن تل
ك الت
ي ل
دى ش
خص
آخر ،إنما ھو قول بأنه يمتلك المزيد من المادة الخام للطبيعة البشرية ،لذلك فھ
و أكث
ر
مقدرة ،ربما على الشر ،ولكن على الخي
ر بك
ل تأكي
د .إنم
ا ال
دوافع القوي
ة ھ
ي مج
رد
اسم آخر للطاقة .فالطاقة يمكن تحويلھا إلى استخدامات سيئة؛ ولكن الخير الذي يمك
ن
ص
نعه دائم
ا م
ن الطبيع
ة الن
شطة ،أكث
ر م
ن ذل
ك ال
ذي ي
صنع م
ن الخامل
ة الك
سولة.
ھؤالء الذين يمتلكون المشاعر األكثر طبيعية ھ
م دائم
ا ھ
ؤالء ال
ذين يمك
ن أن ت
صبح
م
شاعرھم المھذب
ة ھ
ي األق
وى .الح
ساسية العاطفي
ة المفرط
ة الت
ي تجع
ل ال
دوافع
الشخ
صية واض
حة وقوي
ة ھ
ي نف
سھا أي
ضا الم
صدر ال
ذي يتول
د من
ه ح
ب الف
ضيلة
األكثر عاطفية ،وض
بط ال
نفس األكث
ر ص
رامة .إن
ه لم
ن خ
الل تھ
ذيب ھ
ذه األش
ياء،
يق
وم المجتم
ع ب
أداء واجب
ه ،ويحم
ي م
صالحه :ول
يس م
ن خ
الل رف
ض الم
ادة الت
ي
يصنع منھا األبطال ،ألنه يع
رف كي
ف ي
صنعھم .إن ال
شخص ال
ذي رغبات
ه ودوافع
ه
72
طورت ُ ّ ْ
وعدلت من قب
ل ثقافت
ه— ملكا له — إذ ھي تعبير عن طبيعته الخاصة ،كما ّ ْ
يق
ال عن
ه أن
ه يمتل
ك شخ
صية .أم
ا ال
ذي رغبات
ه ودوافع
ه لي
ست ملك
ه ،فلي
ست لدي
ه
شخصية ،ليس أكثر م
ن ام
تالك ماكن
ة بخاري
ة شخ
صية .أم
ا إذا كان
ت دوافع
ه قوي
ة،
باإلضافة إلى كونھا ملكه ،وھي تحت سيطرة إرادة قوية ،فإنه يمتلك شخصية نشيطة.
كل من يعتقد أن فردية الرغبات والدوافع ال يجب أن ُتشجﱠع على الك
شف ع
ن نف
سھا،
علي
ه أن ي
ستدرك أن المجتم
ع لي
ست ب
ه حاج
ة للطبيع
ات القوي
ة – إذ ل
يس األف
ضل
االحتواء على عدة أشخاص يمتلكون شخصيات كبيرة— وإن المعدل العام العالي من
الطاقة ليس شيئا محببا.
ف
ي بع
ض الح
االت المبك
رة للمجتم
ع ،يمك
ن أن تك
ون ھ
ذه الق
ت
بالفع
ل ،متقدم
ة كثي
را عل
ى الق
وة الت
ي امتلكھ
ا المجتم
ع ف
ي ذل
ك الح
ين لتنظيمھ
ا
والسيطرة عليھ
ا .فق
د م
ضى الوق
ت ال
ذي ك
ان في
ه عام
ل التلقائي
ة والفردي
ة متزاي
دا،
وكان المبدأ االجتماعي يخوض صراعا قاسيا مع
ه .كان
ت ال
صعوبة آن
ذاك تكم
ن ف
ي
حث الناس ذوي األجساد أو العقول القوية على طاعة أية قوانين تطلب منھم السيطرة
عل
ى دوافعھ
م .وللتغل
ب عل
ى ھ
ذه ال
صعوبة ،ف
رض الق
انون والنظ
ام س
لطة عل
ى
اإلنسان برمت
ه ،مثلم
ا فع
ل الباب
اوات ف
ي ص
راعھم ض
د األب
اطرةّ ،
م
دعين ال
سيطرة
على كل حياته من أج
ل ال
سيطرة عل
ى شخ
صيته—الت
ي ل
م يج
د المجتم
ع أي
ة وس
يلة
مالئم
ة أخ
رى لربطھ
ا وتقيي
دھا .ولك
ن المجتم
ع ح
صل اآلن عل
ى الفردي
ة ب
شكل
منصف؛ إن الخطر الذي يھدد الطبيعة اإلنسانية لم يعد تزايدا ،بل عج
زا ،ف
ي ال
دوافع
والتفضيالت الشخ
صية .لق
د تغي
رت الح
ال إل
ى ح
د كبي
ر ،طالم
ا أن عواط
ف ھ
ؤالء
ال
ذين ك
انوا أقوي
اء بالمن
ب الشخ
صية ،كان
ت ف
ي حال
ة م
ن التم
رد
المألوف ضد القوانين واألنظمة ،واخضعوا لقيود صارمة لكي يتمتع األشخاص الذين
في متناول يديھم بكل جزيئة من جزيئات األمن .في عصرنا الحالي ،م
ن أعل
ى طبق
ة
في ھرم المجتمع إلى أدنى طبقة ،يعيش كل فرد تحت عيون الرقابة العدائية البغيضة.
73
فأص
بح الف
رد ،والعائل
ة ،ال ي
سألون أنف
سھم— م
اذا نف
ّ
ضل؟ أو م
ا ال
ذي يناس
ب
شخصيتي وميولي؟ أو ما الذي سيساعد أرفع المواھب التي ّ
لدي عل
ى التمت
ع بفرص
ة
ّ
ويمكنھ
ا م
ن النم
و واالزدھ
ار؟ --ل
يس فق
ط فيم
ا يتعل
ق ب
اآلخرين ،ب
ل بم
ا للظھ
ور،
يتعلق بأنفسھم فقط .وأصبحوا يسألون أنفسھم ،ما الذي يناسب منصبي؟ ما الذي يفعله
في العادة األش
خاص مم
ن ھ
م ب
نفس م
وقعي وظروف
ي المالي
ة؟ أو )وھ
و األس
وأ( م
ا
الذي عادة ما يفعله األشخاص الذين لھم موقع وظروف مالية أعلى مني؟ أن
ا ال اعن
ي
أنھ
م ھ
م ال
ذين اخت
اروا م
ا ھ
و تقلي
دي متع
ارف علي
ه ،وف
ضلوه عل
ى م
ا يناس
ب
توجھاتھم .بل انه لم يخطر ببالھم أنھ
م يمتلك
ون أي
ة توجھ
ات ،م
ا ع
دا م
ا ھ
و تقلي
دي
شائع .وھكذا فإن العقل نفسه قد انحنى للني
ر :حت
ى فيم
ا يفعل
ه الن
اس لغ
رض المتع
ة،
ف
إن االلت
زام ھ
و أول ش
يء يفك
رون في
ه؛ فھ
م يحب
ون ب
شكل جم
اعي؛ وال يمارس
ون
االختي
ار إال م
ن ب
ين األش
ياء ال
شائعة :فخ
صوصية ال
ذوق ،والت
صرفات المتف
ردة
ممنوعة شأنھا شأن الج
رائم :وحت
ى بق
وة ع
دم إتب
اع طبيع
تھم الخاص
ة ،لي
ست ل
ديھم
طبيع
ة ليتبعوھ
ا :فق
دراتھم اإلن
سانية ق
د اض
محلت وتالش
ت :وأص
بحوا غي
ر ق
ادرين
على أية رغبات قوية ومت
ع أص
لية ،وص
اروا ب
شكل ع
ام ب
ال آراء وب
ال م
شاعر نم
و
للوطن ،وربما مشاعر نموھم ھم .اآلن ،ھل ذلك شرطا محببا للطبيعة البشرية ،أم ال؟
إن
ه ك
ذلك ،ح
سب النظري
ة الكالفيني
ة .فبموجبھ
ا ،إن الجريم
ة الوحي
دة ل
دى
اإلن
سان ھ
ي اإلرادة الذاتي
ة .وك
ل الخي
ر ال
ذي بمق
دور الب
شرية فعل
ه مخت
صر ف
ي
الطاعة .ليس لديك خيار؛ لذا عليك أن تفعل" :كل ما ھو ليس واجبا فھ
و إث
م "،ول
يس
سوى ذلك .فألن الطبيعة البشرية فاسدة جدا ،ل
يس ھن
اك خ
الص ألي ف
رد حت
ى ُ َ
تقت
ل
الطبيعة البشرية في داخله .بالنسبة لمن يحم
ل ھ
ذه النظري
ة الحياتي
ة ،ال يعتب
ر س
حق
أية قدرات ،أو قابليات ،أو عواطف إنسانية ،شرا :ال يحتاج اإلنسان إل
ى ق
درة ،س
وى
قدرته في الخضوع إلرادة ﷲ :وإذا ما استخدم أي م
ن قدرات
ه ألي
ة غاي
ة س
وى القي
ام
بتل
ك اإلرادة المفترض
ة ب
شكل أكث
ر فاعلي
ة ،س
يكون أف
ضل ح
اال ب
دونھا .ھ
ذه ھ
ي
74
النظرية الكالفينية؛ وھي متبناة ،ولو بشكل مخفف ،من قبل العديدين ممن ال يعتب
رون
أنف
سھم ك
الفينيين؛ ويتك
ون التخفي
ف م
ن إعط
اء تف
سير أق
ل ص
رامة ل
إلرادة اإللھي
ة
المزعومة؛ مؤكدين على أنھا إرادته التي جعل
ت م
ن الواج
ب عل
ى الب
شر أن ي
شبعوا
بعضا من ميولھم؛ ولك
ن ب
الطبع ل
يس باألس
لوب ال
ذي يف
ضلونه ھ
م ،ب
ل ع
ن طري
ق
الطاعة ،أي بطريقة توصف لھ
م م
ن قب
ل ال
سلطة ،أي م
ن قب
ل الظ
روف ال
ضرورية
للحالة ،وھي واحدة للجميع.
اك العدي
د م
ن الن
اس ،ب
ال ش
ك ،مم
ن يعتق
دون مخل
صين أن الب
شر المتق
زمين
والمحجمين على ھذا النحو ،إنما ھم على الشكل ال
ذي أراده لھ
م خ
القھم؛ مثلم
ا اعتق
د
الكثيرون بأن األشجار ،لو تم قصھا إلى أج
داث عديم
ة األغ
صان ،أو ل
و ت
م تقطيعھ
ا
على ھيئة حيوانات ،ستصبح أشياء أفضل بكثير من الشكل الذي خلقتھا عليه الطبيعة.
ولكن لو أن أي جزء من الدين يؤمن بأن اإلنسان قد ُ َ
خلق من قبل كائنا ّ
خيرا ،فإن م
ن
المتوافق جدا مع ذلك المعتقد أن ن
ؤمن أي
ضا ب
ان ذل
ك الك
ائن ق
د أعط
ى اإلن
سان ك
ل
الق
درات الب
شرية الت
ي ال ب
د م
ن تطويرھ
ا وك
شفھا ،ول
يس اقتالعھ
ا م
ن ج
ذورھا
واس
تھالكھا ،وإن
ه ي
ستمتع بك
ل طريق
ة تق
وم ب
ه مخلوقات
ه وتقت
رب بھ
ا م
ن المفھ
وم
المثالي المتجسد فيھم ،وبكل زيادة في أي من قدراتھم عل
ى االس
تيعاب ،أو العم
ل ،أو
االستمتاع .ھنالك نوع مختلف من البشر متفوق على النوع الكالفيني؛ مفھ
وم الب
شرية
على أنھا تمتلك طبيعتھا التي وھبت إليھا لغايات أخرى وليس لك
ي ُتلغ
ى أو تُنك
ر .إن
"تأكيد الذات الوثني" ھو أحد عوامل القيمة اإلنسانية ،وكذلك الحال مع "نكران الذات
المسيحي ".ھنالك أنموذج إغريق
ي لتط
وير ال
ذات ،وھ
و ال
ذي امت
زج مع
ه األنم
وذج
األفالطوني والمسيحي في حكم الذات ،ولكنه لم يبطله أو يلغيه .قد يكون من األف
ضل
للمرء أن يكون جون نوكس ،من أن يك
ون ال
سيبايديس ]سياس
ي أثين
ي ?404-?450
75
ق.م[ ،ولكنه من األفضل أن يكون المرء بيريكليس ] رجل دولة أثيني 429-495ق.
م [.على أن يكون أيا من السابقين؛ وال يمكن ألي بيريكليس ٍ لو ك
ان ل
دينا واح
د مثل
ه
في ھذه األيام ،أن يكون بال شيء جيد مأخوذ عن جون نوكس.
ي تفرض
ھا حق
وق اآلخ
رين وم
صالحھم؛ ومثلم
ا تأخ
ذ األعم
ال بع
ض س
مات
األشخاص الذين يفعلونھا ،فمن خالل نفس العملي
ة ت
صبح حي
اة اإلن
سان أي
ضا غني
ة،
ّ
وتقدم غذاء أكثر وفرة لألفكار السامية والم
شاعر الراقي
ة ،وتع
زز ومتنوعة وحيوية،
ال
صلة الت
ي ت
ربط ك
ل ف
رد بأبن
اء جن
سه ،م
ن خ
الل جع
ل الج
نس الب
شري ي
ستحق
االنتماء إليه بشكل ال متناه .وبالتناسب مع تطور فردية كل شخص ،فإن
ه ي
صبح أكث
ر
قيمة بنظر نفسه ،وبذلك يكون أكثر قدرة على أن يك
ون ع
الي القيم
ة بنظ
ر اآلخ
رين.
حياتي أكبر حول وجوده الخاص ،وعن
دما يك
ون ھن
اك مزي
د م
ن الحي
اة
ﱟ امتالء
ٍ ھناك
المتك
ون م
ن تل
ك الوح
دات .ال
ّ في الوح
دات ،يك
ون ھن
اك المزي
د منھ
ا ف
ي المجم
وع
يمكن االستغناء عن المقدار الضروري من ال
ضغط الك
افي لمن
ع األن
واع األق
وى م
ن
الطبيعة البشرية من التجاوز عل
ى حق
وق اآلخ
رين؛ ولك
ن ھن
اك تع
ويض ك
اف حت
ى
من وجھة نظر التطور البشري .إن سبل التطور التي يخسرھا الف
رد م
ن خ
الل منع
ه
من إشباع ميوله إللحاق األذى باآلخرين ،تستحصل بشكل رئيس عل
ى ح
ساب تط
ور
اآلخرين .وحتى بالنسبة له ،ھنالك مك
افئ ت
ام ف
ي التط
ور األف
ضل للق
سم االجتم
اعي
من طبيعته ،التي جعلھا القيد المفروض على الجزء األناني ممكنة .إن االلتزام بقواعد
يطور المشاعر والق
درات الت
ي تجع
ل خي
ر اآلخ
رين ھ
دفا
العدالة وقوانينھا الصارمة ّ
لھا .ولكن التقييد ف
ي األش
ياء الت
ي ال ت
ؤثر عل
ى م
صلحتھم ،ألج
ل إزع
اجھم فق
ط ،ال
يطور شيئا ذا قيمة ،ما عدا تطويره قوة الشخصية التي تك
شف ع
ن نف
سھا ف
ي رف
ض
ّ
القيد .أما إذا قَبَِل به ،فإنه سيصيب الطبيعة كلھ
ا ب
البالدة والخ
شونة .ألج
ل إعط
اء أي
76
إن
صاف لطبيع
ة ك
ل ف
رد ،ال ب
د م
ن ال
سماح لإلف
راد المختلف
ين ب
أن يعي
شوا حي
وات
مختلفة .وبالتناسب مع ممارسة ھ
ذا النط
اق ف
ي أي ع
صر ،فإن
ه )أي الع
صر( يك
ون
جديرا بانتباه األجيال المتالحقة .حتى االستبداد ال ينتج أس
وأ آث
اره ،طالم
ا إن الفردي
ة
موجودة تحته؛ وكل ما يسحق الفردية ھو استبداد ،مھما اختل
ف االس
م ال
ذي ق
د يطل
ق
عليه ،سواء أكان يزعم تنفيذ إرادة ﷲ أو أوامر البشر.
بع
د أن قلن
ا إن الفردي
ة ھ
ي والتط
ور ش
يء واح
د ،وإن تھ
ذيب الفردي
ة وح
ده
أفضل أو أكثر ھو الذي ين
تج ،أو ي
ستطيع إنت
اج ،الب
شر المط
ورين جي
دا ،ربم
ا أنھ
ي
الجدل ھنا :فأي شيء يمكن أن يقال عن أية حالة من الشؤون البشرية ،أفضل أو أكثر
من أنھ
ا تجع
ل الب
شر أنف
سھم أق
رب م
ن أف
ضل ش
يء يمك
نھم أن يكون
وه؟ وأي ش
يء
يمكن أن يقال بحق أية إعاقة للخير أسوأ من أنھا منََع ْ
ت ذلك؟ عل
ى ك
ل ح
ال ،ال ش
ك
أن تلك االعتبارات لن تكون كافية إلقناع ھؤالء الذين يحتاجون إلى اإلقناع أكث
ر م
ن
غيرھم ،ومن الضروري أيضا أن نبين أن ھؤالء البشر المتط
ورين ن
افعين ب
شكل م
ا
لغير المتطورين – لكي يشيروا لھؤالء الذين ال يرغبون بالحرية ،وال ينتفع
ون منھ
ا،
بأنھم يمكن أن ُ َ َ
يجزون ،وعلى نحو واضح ،ل
سماحھم لآلخ
رين باالس
تفادة منھ
ا دون
إعاقة.
ذوق والح
س األف
ضل ف
ي الحي
اة الب
شرية .إن ھ
ذا ال يمك
ن إنك
اره م
ن قب
ل أي
شخص ال يؤمن بأن العالم قد حصل مسبقا على الكمال في جميع طرائقه وممارس
اته.
والحق أن ھذه الفائدة ال يمكن أن يقدمھا كل فرد بشكل متساو ٍ ،فليس ھناك سوى عدد
77
قليل من األشخاص ،مقارن
ة ب
الجنس الب
شري بأس
ره ،يمك
ن لتج
اربھم ،إذا م
ا تبناھ
ا
اآلخرون ،يمكن أن تكون تطورا معينا في الممارسة المؤسسة .ولكن ھؤالء القلة ،ھم
ملح األرض؛ وبدونھم تصبح الحياة اإلنسانية مستنقعا راكدا ال غي
ر .ل
يس فق
ط ألنھ
م
ھم الذين يقدمون األشياء الجيدة التي لم تكن موجودة من قبل ،بل أنھم أيضا من يبقون
الحياة في تلك األشياء التي وجدت من قبل .إذا لم يكن ھناك شيء جديد للقيام به ،فھ
ل
أن العق
ل الب
شري س
يكف ع
ن كون
ه ض
روريا؟ ھ
ل س
يكون ذل
ك س
ببا وراء ن
سيان
ھؤالء ال
ذين يقوم
ون باألش
ياء القديم
ة ل
سببھا ،فيقوم
ون بھ
ا مث
ل قطي
ع م
ن األنع
ام،
وليس كالبشر؟ ھنالك فقط ميل كبير جدا لدى أفضل المعتقدات والممارسات لالنح
دار
إلى الميكانيكية؛ وما لم يكن ھنالك تتابع من األشخاص الذين تق
وم أص
التھم المتك
ررة
بمنع أسس ھذه المعتقدات والممارسات م
ن أن ت
صبح مج
رد أس
س تقليدي
ة ،ف
إن ھ
ذه
القضية الميتة سوف لن تقاوم أية صدمة ،مھما كانت صغيرة ،من أي شيء حي فعال،
وسوف لن يكون ھناك سبب وراء عدم موت الحضارة وانتھائھ
ا ،كم
ا ھ
و الح
ال م
ع
اإلمبراطورية البيزنطية .حقا ،إن األشخاص العباقرة ھم أقلية صغيرة ،وھك
ذا ي
رجح
أن يكون حالھم على الدوام ،ولكن من أجل الحصول عليھم ،من الضروري أن نحف
ظ
التربة التي ينمون فيھا .ال يستطيع العبقري أن يتنفس بحرية إال في فضاء الحرية.
ب ،وأن يترك
وا ك
ل ذل
ك الج
زء م
ن أنف
سھم ال
ذي ال ي
ستطيع التوس
ع تح
ت
الضغط ،ليبقى دون توسع ،فإن المجتمع سوف لن يك
ون جي
دا بالن
سبة لعبق
ريتھم .أم
ا
إذا كانت لديھم شخصيات قوية وكسروا قيودھم ،سيصبحون عالمة للمجتم
ع ال
ذي ل
م
يفلح في تحجيمھم وجعلھم شيئا مبذوال ،ليشار إليھم م
ع تح
ذير ج
اد ك
ـ"مج
ذوب" أو
78
"عنيف" وما إلى ذلك؛ أشبه ما يكون بشخص يشتكي م
ن نھ
ر ني
اغرا ألن
ه ال يج
ري
ھادئا بين ضفتيه كما يفعل القنال الھولندي.
ّ
أصر مؤكدا على أھمية العبقري
ة ،وض
رورة ال
سماح لھ
ا بالك
شف ع
ن لذا ،فإنا
نفسھا بحرية في الفكر والممارسة على حد سواء ،ألنني مدرك بأن
ه م
ا م
ن أح
د ينك
ر
الحالة ،من حيث النظرية ،ولكني أعرف أيضا أن كل فرد تقريبا ،ھو ف
ي الواق
ع غي
ر
مكترث بھا تماما .الناس يعتقدون بأن العبقرية شيء جيد إذا ما ّ
مكنت اإلن
سان م
ن أن
يكتب قصيدة مثيرة ،أو يرسم لوح
ة .ولك
ن العبقري
ة بمفھومھ
ا الحقيق
ي ،أي باألص
الة
في الفكر والعمل ،فعلى الرغم من أن أحدا ال يقول بأنھا ليست شيئا يستحق اإلعجاب،
إال أن الجميع تقريبا ،يعتقدون في ّ
سرھم ،أنھم يستطيعون أن يبلوا بالءا حسنا ب
دونھا.
ولألس
ف ف
إن ھ
ذا ال
شيء طبيع
ي ج
دا بحي
ث إنﱠ
ه ال يثي
ر االس
تغراب .األص
الة ھ
ي
ال
شيء ال
ذي ال ي
ستطيع أص
حاب العق
ول غي
ر األص
يلة أن ي
شعروا بفائدت
ه .فھ
م ال
يستطيعون رؤية ما بوسع األصالة أن تفعل لھم :كيف يفعلون ذلك؟ فإذا اس
تطاعوا أن
يروا ما يمكن لألصالة أن تفعل لھم ،سوف لن تكون أصالة .الخدمة األولى الت
ي عل
ى
األصالة أن تق
دمھا لھ
م ھ
ي ف
تح أعي
نھم :الت
ي م
ا أن تنف
تح ب
شكل ت
ام ،س
تكون ل
ديھم
الفرصة لكي يكونوا أنفسھم أصيلين .في غضون ذلك ،إن استذكار الحقيقة القائلة بأن
ه
ما من شيء تم فعله على اإلطالق إال وكان ھناك شخصا ما ھو أول م
ن ق
ام ب
ه ،وإن
كل األشياء الجيدة الموجودة حاليا ھي ثمار األصالة ،سيجعلھم معتدلين بما فيه الكفاية
ليؤمنوا بأن ھناك ثمة شيء ُ ِ
ترَك لألصالة لكي تنجزه ،وتؤكد لھ
م ب
أنھم بحاج
ة كبي
رة
لألصالة ،إال أنھم ّقلما يدركون ھذه الحاجة.
ة ل
دى الب
شر لمعي
ار المع
ّ
دل المتوس
ط .ف
ي الت
أريخ الق
ديم ،ف
ي الع
صور
79
الوس
طى ،وإل
ى درج
ة ض
ئيلة ،خ
الل االنتق
ال الطوي
ل م
ن النظ
ام اإلقط
اعي إل
ى
عصرنا الحالي ،كان لدى الفرد قوة في نفسه؛ وإذا كانت لديه مواھب كبيرة أو وض
عا
اجتماعيا مرموقا ،فإنه كان قوة كبيرة .أما في الوقت الحاض
ر ،فق
د ض
اع األف
راد ف
ي
الجمھور .في السياسة ،عادة ما يكون من السخف أن نقول أن ال
رأي الع
ام اآلن يحك
م
العالم .الق
وة الوحي
دة الت
ي ت
ستحق االس
م ھ
ي ق
وة الجم
اھير ،وق
وة الحكوم
ات عن
دما
تجعل أنفسھا لسانا معبرا أو أداة لميول الجماھير ونزعاتھم .وھ
ذا ال
شيء ي
صح عل
ى
العالق
ات األخالقي
ة واالجتماعي
ة والحي
اة الخاص
ة وعل
ى التع
امالت العام
ة عل
ى ح
د
سواء .أما ھؤالء الذين تذھب آراؤھم باسم الرأي الع
ام ،فلي
سوا دائم
ا م
ن نف
س الن
وع
م
ن الن
اس :ف
ي أمريك
ا ھ
م ال
سكان الب
يض جميع
ا؛ وف
ي انجلت
را ،ھ
م أبن
اء الطبق
ة
الوس
طى ب
شكل رئ
يس .ولك
نھم الجم
اھير دائم
ا ،بمعن
ى ،ھ
م المتوس
ط الجمع
ي.
واألغرب من ذل
ك ،أن الجمھ
ور ال يأخ
ذون آراءھ
م م
ن الوجھ
اء ف
ي الكني
سة أو ف
ي
الدولة ،أو من القادة المزعومين ،أو م
ن الكت
ب .فتفكي
رھم يق
وم ب
ه لھ
م رج
ال م
ثلھم،
يخ
اطبونھم أو يتح
دثون باس
مھم ،ب
شكل لحظ
ي ارتج
الي ،م
ن خ
الل ال
صحف .أن
ا ال
اشتكي من كل ھذا .وال أؤكد أن ھناك أي شيء أفضل توافقا ،كقاعدة عامة ،مع الحالة
الواطئة الحالية للعقل البشري .ولكن ھذا ال يعيق حكومة المتوسط الع
ام م
ن أن تك
ون
حكومة متوسطة .لم ت
ستطع حكوم
ة ،س
واء ج
اءت ع
ن طري
ق ديمقراطي
ة معين
ة ،أو
ارس
تقراطية متع
ددة ،ف
ي أفعالھ
ا ال
سياسية ،أو ف
ي اآلراء ،أو ال
ه
العقلي الذي تتبناه ،أن ترتفع عن مستوى التوسط ،ما عدا ما يتعلق بالمدى الذي تسمح
به القلة الحاكمة ألنفسھم بأن يخضعوا لتوجيه المستشارين وت
أثير ال
شخص أو النخب
ة
الموھوبة أو المتعلمة )وھو ما كانوا يفعلون
ه دائم
ا ف
ي أف
ضل أوق
اتھم( .إن ابت
داء ك
ل
األشياء الحكيمة والنبيلة ،تأتي ،أو ال بد لھا أن تأتي ،من األفراد؛ وع
ادة م
ا ت
أتي ف
ي
البداية من فرد واحد فقط .أما شرف الرجل المتوسط ومجده فھو في كون
ه ق
ادرا عل
ى
إتباع تلك المبادرة؛ وأنه يستطيع االستجابة داخليا لألشياء الحكيمة والنبيلة ،وأن ينق
اد
إليھا بعيون مفتوحة .أنا ھنا لست بصدد تأييد نھج "تقديس البطل" الذي يصفق للرجل
80
العبقري القوي الستيالئه على حكومة العالم بالقوة وإجبار العالم على أن تنفيذ أوام
ره
رغما عن انف
ه .ك
ل م
ا ي
ستطيع ادع
اؤه ھ
و الحري
ة لت
دل عل
ى الطري
ق .أم
ا اس
تخدام
القوة إلجبار اآلخرين عليه )أي الطريق( ،فھو ال يتنافى وحري
ة اآلخ
رين وتط
ويرھم
فحسب ،بل أنه يفسد الرجل القوي نف
سه .عل
ى ك
ل ح
ال ،يب
دو ان
ه عن
دما ت
صبح آراء
الجماھير المكونة من أناس متوسطين فقط ھي القوة المھيمنة في كل مكان ،ف
إن الق
وة
الموازية والمصححة لذلك التوج
ه س
تكون الفردي
ة المؤك
دة أكث
ر ف
أكثر لھ
ؤالء ال
ذين
يقف
ون ف
ي أعل
ى س
مو فك
ري .ف
ي تل
ك الظ
روف ،عل
ى وج
ه الخ
صوص ،ال ب
د م
ن
ت
شجيع األف
راد االس
تثنائيين ،ب
دال م
ن إع
اقتھم ،ليت
صرفوا عل
ى نح
و مختل
ف ع
ن
الجمھور .أما في األوقات األخرى ،فال فائدة من عمل ذلك ،إن لم يتصرفوا على نح
و
مختلف ،ليس ھذا فحسب ،بل وأفضل من اآلخ
رين .ف
ي ھ
ذا الع
صر ،إن مج
رد مث
ال
واحد على عدم االلتزام ،مجرد رف
ض الرض
وخ للع
ادات ،ھ
و خدم
ة بح
د ذات
ه .وألن
تسلط ال
رأي عل
ى نح
و يجع
ل الف
رادة إھان
ة ،عل
ى وج
ه الدق
ة ،فم
ن المحب
ذ أن يك
ون
الناس متف
ردين ،م
ن أج
ل اخت
راق ذل
ك الت
سلط .ع
ادة م
ا تكث
ر الف
رادة حيثم
ا وحينم
ا
تزداد قوة الشخصية؛ كما أن مقدار الفرادة في مجتمع ما يكون في الغالب متناس
با م
ع
مقدار العبقرية والحيوية العقلية ،والشجاعة األخالقية التي يحتوي ذلك المجتمع عليھا.
إن وجود عدد قليل جدا اليوم من الذين يجرؤون على التفرد إنما يدل على خطر كبي
ر
في زماننا.
خاص ال
ذين يمتلك
ون تفوق
ا عقلي
ا ھ
م فق
ط ال
ذين يح
ق لھ
م أن يعي
شوا حي
اتھم
بالطريقة التي يحبون .ليس ھناك من س
بب يجع
ل الوج
ود اإلن
ساني برمت
ه يبن
ى وفق
ا
81
لنمط واح
د بعين
ه أو وفق
ا لع
دد ص
غير م
ن األنم
اط .إذا م
ا امتل
ك ال
شخص أي مق
دار
معقول من الخبرة والق
درة العقلي
ة ،ف
إن نمط
ه ف
ي ت
صميم وج
وده ھ
و األف
ضل ،ل
يس
ألنه ھو األفضل بحد ذاته ،بل ألنه نمطه ھو كذلك .ليس البشر كاألغنام؛ حتى األغنام
لي
ست مت
شابھة إل
ى ح
د ال يمك
ن التميي
ز بينھ
ا .ال ي
ستطيع اإلن
سان أن يح
صل عل
ى
معط
ف أو زوج م
ن األحذي
ة تالئم
ه ،م
ا ل
م تك
ن م
صنوعة عل
ى مقاس
ه أو أن يك
ون
ھناك متجر كامل يختار منه :فھل أن إيجاد حياة تناس
به أس
ھل م
ن أن نج
د معطف
ا ،أو
ھل أن البشر يشبه احدھم اآلخر في توافقھم الجسدي والروحي أكث
ر م
ن ت
شابھھم ف
ي
شكل القدم؟ لو كان السبب الوحيد ھو أن الناس يمتلكون أذواقا مختلفة ،فھو سبب كاف
لعدم محاولة ص
ياغتھا وف
ق نم
وذج واح
د فق
ط .ولك
ن األش
خاص المختلف
ين يتطلب
ون
أيضا شروطا مختلفة لتطورھم الروحي؛ ولن يستطيعوا الع
يش ب
شكل س
ليم ف
ي من
اخ
أو جو أخالقي واحد ،مثلما ال يمكن لمجموعة متنوعة من النباتات أن تعيش في من
اخ
مادي واحد .إن األشياء التي تكون عوامل مساعدة لشخص م
ا ص
وب تط
وير وتنمي
ة
طبيعته العليا ،ھي ذاتھا عوائق بالنسبة لشخص آخر .إن نفس النمط الحياتي ھو إث
ارة
حسنة بالنسبة لشخص معين يبقي كل قدراته عل
ى الفع
ل واالس
تمتاع ف
ي أف
ضل نظ
ام
ممك
ن ،بينم
ا يك
ون عبئ
ا م
شتتا يؤج
ل الحي
اة الداخلي
ة أو ي
سحقھا بالكام
ل ،بالن
سبة
لشخص آخر .ھك
ذا ھ
ي الف
روق ب
ين الب
شر ف
ي م
صادر متع
تھم ،وقابلي
ات تعرض
ھم
لأللم ،واشتغال مختلف الوكاالت المعنوية والجسدية فيھم ،وإنه ما لم يكن ھن
اك تن
وع
في أنماطھم الحقيقية ،فإنھم لن يحصلوا على حصتھم العادلة من ال
سعادة ،ول
ن يبلغ
وا
الوضع العقلي والمعنوي والجمالي الذي تتمكن منه طبيعتھم .لم
اذا إذن عل
ى الت
سامح
أن يمتد إلى األذواق واألنماط الحياتية التي تف
رض اإلذع
ان والرض
وخ عل
ى ح
شود
مؤي
ديھا عن
دما يتعل
ق األم
ر بالعاطف
ة العام
ة ؟ ال يوج
د مك
ان )ع
دا المؤس
سات
الرھباني
ة( ال يعت
رف في
ه بتن
وع األذواق ب
شكل ت
ام؛ فال
شخص ق
د يح
ب أو ال يح
ب،
وب
دون أي ل
وم ،التج
ارين الرياض
ية ،أو
ال
شطرنج ،أو ال
ة ،ألن ك
ل م
ن ال
ذين يحب
ون تل
ك األش
ياء وال
ذين ال
82
يحبونھ
ا أكث
ر م
ن أن يُ
ذكروا .ولك
ن الرج
ل ،واألكث
ر م
ن ذل
ك الم
رأة ،ال
ذين يمك
ن
اتھ
امھم أم
ا بفع
ل "م
ا ل
م يفعل
ه اح
د" أو ع
دم فع
ل "م
ا يفعل
ه الجمي
ع" ھ
و موض
وع
لمالحظة تثبيطية كما لو انه ،أو لو أنھا ق
د اقترف
ت جنح
ة أخالقي
ة .يحت
اج األش
خاص
ألن يمتلكون ألقابا ،أو أي وسام أو عالمة للداللة على الطبقة ،أو االنغماس،إذا ما كان
بمقدورھم ،بعض الشيء ،بترف القيام بم
ا يري
دون دون الم
ساس بتقي
يمھم .االنغم
اس
بعض الشيء ،أك
رر :إذ إن ك
ل ال
ذين ي
سمحون ألنف
سھم ب
الكثير م
ن ذل
ك االنغم
اس،
يترتب عليھم خطر شيء ما أسوأ من الخطابات المھينة – فيكون
ون ف
ي خط
ر االتھ
ام
بالجنون ،فتؤخذ أمالكھم منھم لتعطى إلى أقاربھم.
ون ھ
ؤالء ال
ذين ل
ديھم مث
ل تل
ك الرغب
ات واألذواق ،وي
صنفون ك
ل ھ
ؤالء م
ع
المتوح
شين والع
صابيين ال
ذين اعت
ادوا عل
ى احتق
ارھم والتع
الي عل
يھم .اآلن،
وباإلض
افة إل
ى ھ
ذه الحقيق
ة العام
ة ،علين
ا فق
ط أن نفت
رض أن التح
رك الق
وي نح
و
تحسين األخالق قد بدأ ،وإنه لمن الواضح ما ينبغ
ي علين
ا أن نتوقع
ه .ف
ي أيامن
ا ھ
ذه،
ب
دأ مث
ل ھ
ذا التح
رك؛ فق
د ح
دث الكثي
ر عل
ى طري
ق انتظ
ام ال
سلوك ،وع
دم ت
شجيع
اإلفراط؛ وھناك روح محبة للخير في الخارج ،وألجل ممارستھا ليس ھناك حقل أكثر
إمتاعا من التطوير األخالقي والتعقلي ألبناء جنسنا .إن توجھات العصور ھذه جعلت
الناس أكثر ميال نحو توصيف قواعد عامة للسلوك من أي فترة من الفترات الماضية،
ونح
و ب
ذل الجھ
ود لجع
ل الجمي
ع يلتزم
ون بالمعي
ار الحاص
ل عل
ى التأيي
د .وذل
ك
المعيار ،س
واء أك
ان ظ
اھرا أم ض
منيا ،ھ
و أن ال ترغ
ب ب
أي ش
يء بق
وة .وأنموذج
ه
يعوق بالضغط ،مثل قدم س
يدة
للشخصية ھو أن تكون بدون أية شخصية مميزة؛ وان ﱢ َ
83
صينية ،أي جزء من الطبيعة البشرية يتميز بتفوق ،ويميل إل
ى جع
ل ال
شخص مختلف
ا
في تصميمه ،وعلى نحو مميز ،عن عامة البشرية.
المث
ل أو النم
اذج الت
ي ت
ستثني ن
صف م
ا ھ
و
وكم
ا ھ
و الح
ال ف
ي الغال
ب م
ع ُ
محبب ،فإن المعيار الح
الي للقب
ول أو االستح
سان ال ين
تج س
وى تقلي
د مت
دن ٍ للن
صف
اآلخر .وبدال من الطاقات الكبيرة الت
ي تق
اد م
ن قب
ل العق
ل الن
شيط ،والم
شاعر القوي
ة
التي تسيطر عليھا اإلرادة الواعية ،ستكون نتيجتھ
ا ھ
ي الم
شاعر ال
ضعيفة والطاق
ات
الضعيفة ،التي يمكن إبقاؤھا في اتساق ظاھري مع القاع
دة دون أي
ة ق
وة ،أم
ا ل
إلرادة
أو للعقل .إن الشخصيات التي كانت حيوي
ة إل
ى ح
د بعي
د ف
ي الماض
ي أخ
ذت ت
صبح
شخصيات تقليدية ليس إال .قلما يوجد اليوم أي متنفس للطاقة في ھذا البل
د م
ا ع
دا ف
ي
التجارة .فالطاقة التي تُنفَق فيھا ما زالت تعتبر كبي
رة .أم
ا القلي
ل المتبق
ي م
ن العمال
ة،
ُ
فتنفق على ھواية قد تكون مفيدة ،بل حتى ھواية خيرية ،ولكنھا دائما شيء واحد فقط،
وعادة م
ا يك
ون ش
يئا ذي أبع
اد ص
غيرة .إن عظم
ة انجلت
را ھ
ي جماعي
ة اآلن :فألنن
ا
صغار بالشكل الفردي ،نحن نبدو فقط قادرين على أي شيء عظيم ،عن طريق عادتنا
في التجمع؛ وھذا ما يجعل محسنينا األخالقي
ين وال
دينيين مقتنع
ين تمام
ا .ولك
ن ال
ذين
جعلوا انجلترا ما كان
ت علي
ه ك
انوا رج
اال م
ن ط
راز مختل
ف ع
ن ھ
ذا؛ ونحت
اج إل
ى
رجال من طراز مختلف لمنعھا من التدھور.
إن تسلط العادة ھو العائق الذي يقف في كل مكان بوجه التطور اإلنساني ،ألنھا
عداوة ال تنتھ
ي ل
ذلك التوج
ه نح
و اس
تھداف ش
يء أف
ضل م
ن التقلي
دي ،ي
سمى ،وفق
ا
للظروف ،روح الحرية ،أو روح التقدم أو التطور .إن روح التط
ور لي
ست دائم
ا ھ
ي
روح الحرية ،ألنھا قد تھدف إل
ى ف
رض التط
ورات عل
ى الن
اس غي
ر ال
راغبين فيھ
ا؛
وروح الحرية ،على قدر تعلق األمر برفضھا لمثل ھذه المحاوالت ،قد تتح
الف ،عل
ى
نطاق محلي ومؤقت ،مع أعداء التط
ور؛ ولك
ن الم
صدر األزل
ي والثاب
ت للتط
ور ھ
و
84
الحرية ،طالما أنه عن طريقھا وج
د ع
دد م
ن مراك
ز التط
وير الم
ستقلة ي
ضاھي ع
دد
األفراد .إن المبدأ التقدمي ،على كل ح
ال ،ھ
و مب
دأ ع
دائي م
ع حك
م الع
ادة أو التقلي
د،
مت
ضمنا عل
ى األق
ل التح
رر م
ن ذل
ك الني
ر؛ وي
شكل التن
اقض ب
ين االثن
ين االھتم
ام
ال
رئيس لت
أريخ الب
زء األعظ
م م
ن الع
الم ل
يس ل
ه ت
أريخ ،م
ن حي
ث
المنطق ،ألن استبداد العادة في ذلك الحين كان كامال .ھ
ذا ھ
و الح
ال ف
ي ال
شرق كل
ه.
فالع
ادة ھن
اك ،ف
ي ك
ل األش
ياء ،ھ
ي الخط
اب النھ
ائي؛ أم
ا العدال
ة والح
ق فيعني
ان
االلتزام بالعادة؛ وال يخطر ببال أحد أن يقاوم جدل العادة ،إال طاغية مفسد بقوته .وھ
ا
نحن نرى النتيجة .ال بد أن تلك األمم قد كانت تمتلك أصالة في يوم من األيام ،فھي ل
م
تب
دأ م
ن ال
صفر مأھول
ة بال
سكان ،متعلم
ة ،بارع
ة ف
ي العدي
د م
ن فن
ون الحي
اة؛ لق
د
صنعت لنفسھا كل ذلك؛ وكانت في ذلك الحين أعظم وق
وى األم
م ف
ي الع
الم .فم
ا ھ
ي
اآلن؟ ھم اآلن مواطنون أو ت
ابعون لقبائ
ل ك
ان أج
دادھا يجوب
ون الغاب
ات عن
دما ك
ان
أج
دادھم ھ
م يملك
ون ق
صورا فخم
ة ومعاب
د رائع
ة ،ولك
ن كان
ت الع
ادات ال تم
ارس
عليھم إال حكما مقسوما مع الحرية والتطور .يبدو أن أي شعب يمك
ن أن يك
ون تق
دميا
لفترة معينة من الزمن ،ومن ثم يتوقف عن ذلك :متى يتوقف؟ عندما يكف عن امتالك
الفردية .إذا ما طرأ تغيي
ر عل
ى أم
م أورب
ا ،فإنھ
ا ل
ن تك
ون ب
نفس ال
شكل تمام
ا :ل
يس
ّ
يح
رم التف
رد ،ولكن
ه ال استبداد العادة الذي يھدد ھ
ذه األم
م ھ
و الثب
ات ب
شكل ت
ام .إن
ه
يمنع التغيير ،على أن ال يكون تغييرا تاما .لقد رفضنا ع
ادات أج
دادنا الثابت
ة؛ م
ا زال
يتوجب على كل شخص أن يرت
دي المالب
س مث
ل اآلخ
رين ،ولك
ن الموض
ة ق
د تتغي
ر
مرة أو مرتين في السنة .علينا أن نتوخى الحذر من أنه عندما يكون ھناك تغيير ،فإن
ه
قد يكون ألجل التغيير ،وليس نابعا من أي
ة فك
رة للجم
ال أو اللياق
ة؛ ألن فك
رة الجم
ال
أو اللياقة نفسھا لن تطرق أذھان العالم كله في اللحظة ذاتھا ،ومن ث
م ُترم
ى جانب
ا م
ن
قب
ل الجمي
ع ،ب
شكل تزامن
ي أي
ضا ف
ي لحظ
ة أخ
رى .ولكنن
ا تق
دميون ق
ابلون للتغي
ر
أيضا :إذ إننا نصنع باستمرار اختراعات ميكانيكي
ة جدي
دة ،ونبق
ي عليھ
ا حت
ى تتف
وق
عليھا اختراع
ات أف
ضل؛ ونح
ن راغب
ون ف
ي التط
ورات ف
ي ال
سياسة ،وف
ي التربي
ة،
85
وحتى في األخالق ،على الرغم من أن فكرتنا للتطور في األخيرة تتكون من إقناع ،أو
إجبار اآلخرين على أن يكونوا جيدين مثلنا .إن ما نعترض علي
ه ھ
و ل
يس التق
دم ،ب
ل
على العكس ،فنحن نمتدح أنفسنا بأننا الشعب األكثر تقدمية على اإلط
الق .إن الفردي
ة
ھي ما نحارب ضده :ربما نعتقد بأننا كنا خلقنا المعجزات لو أننا كنا قد جعلنا أنف
سنا
متشابھين؛ متناسين أن اختالف شخص ما ع
ن اآلخ
ر ھ
و عموم
ا ال
شيء األول ال
ذي
يجلب االنتباه أي منھما للنقص الموجود في نوعه الخاص ،والرقي الموج
ود ف
ي ن
وع
آخر ،أو إمكانية إنتاج شيء أفضل من كال النوعين ،من خالل جمع ايجابيات االثن
ين.
لدينا مثال تحذيري في الصين – وھي أمة الكثير من المواھب ،وفي بعض الن
واحي،
الحكمة ،بفضل فرصتھم النادرة من الحظ الجيد التي سمحت لھ
م ف
ي فت
رة مبك
رة م
ن
الزمن بالحصول على مجموعة جيدة من العادات ،ھي في بعض القياسات ،م
ن عم
ل
رجال يجب أن يعط
يھم األوربي
ون األكث
ر تن
ويرا ،تح
ت بع
ض الح
دود ،لق
ب حكم
اء
وفالسفة .كما أنھم بارزين أيضا في تفوق نظامھم في التأثير ،بقدر المستطاع ،بأفضل
حكم
ة يمتلكونھ
ا عل
ى ك
ل عق
ل ف
ي المجتم
ع ،وض
مان أن ھ
ؤالء ال
ذين ي
ستخدمون
معظمھا سيحتلون مناصب القوة والمجد .ال شك أن الناس الذين فعلوا ذلك ق
د اكت
شفوا
سر التقدمية البشرية ،وال بد أنھم قد ابقوا أنفسھم بثبات على رأس حرك
ة الع
الم .عل
ى
العك
س ،فق
د أص
بحوا س
اكنين – لق
د بق
وا ھك
ذا آلالف ال
سنين؛ وإذا م
ا كت
ب لھ
م أن
يتط
وروا أكث
ر ،ف
ال ب
د أن يك
ون ذل
ك عل
ى ي
د أجان
ب .لق
د نجح
وا عل
ى نح
و يف
وق
الت
صور ف
ي م
ا يعم
ل ب
ه المح
سنون االنكلي
ز بجدي
ة اآلن—ف
ي جع
ل الن
اس جميع
ا
مت
شابھين ،جم
يعھم يحك
م أفك
اره وس
لوكه وفق
ا ل
نفس القواع
د واألحك
ام؛ وتل
ك ھ
ي
النتائج .إن النظام الحديث للرأي العام ،بشكله غير المنظم ،ھو ما كانت علي
ه األنظم
ة
التربوية الصينية ،بشكلھا المنظم ،وإْن لم تصبح الفردية قادرة على تأكيد نفسھا بنجاح
ضد ھذا النير ،فإن أوربا ،على الرغم من سوابقھا النبيلة ومسيحيتھا المعتنق
ة ،س
تميل
ألن لتكون صينا أخرى.
86
ما الذي أبقى أوربا لحد اآلن بعيدة عن ھذا المصير؟ ما الذي جع
ل عائل
ة األم
م
األوربية متطورة وليس أي جزء آخر من البشرية الساكنة؟ ليس بسبب أي تفوق فيھا،
وإن وجد فإنه يوجد كنتيج
ة ول
يس ك
سبب ،ولك
ن تن
وعھم الب
ارز ف
ي الشخ
صية وف
ي
الثقاف
ة .لق
د ك
ان األف
راد ،والطبق
ات ،واألم
م تختل
ف ع
ن بع
ضھا ال
بعض إل
ى أق
صى
جربوا طرقا متنوعة جدا ،كل واحد منھا يقود إلى شيء ّ
ق
يم؛ وعل
ى ال
رغم درجة :لقد ّ
من أنه في كل فت
رة ك
ان ھ
ؤالء ال
ذين س
افروا بط
رق مختلف
ة يتع
صبون م
ع بع
ضھم
البعض ،وكل منھم كان يعتقد أنه لشيء ممت
از ل
و أن اآلخ
رين ق
د اجب
روا عل
ى إتب
اع
طريق
ه ھ
و ،إال أن مح
اوالتھم لتحج
يم تط
ور بع
ضھم ال
بعض ن
ادرا م
ا كان
ت تح
رز
نجاح
ا ثابت
ا ،وك
ل واح
د م
نھم ق
د تحم
ل م
شقة تلقّ
ي اإلح
سان ال
ذي ك
ان اآلخ
رون
يقدمونه .إن أوربا بأسرھا ،حسب رأييَ ،مدينةٌ لھذا التنوع في الطرق لتحقيق تطورھا
التقدمي المتعدد الجوانب .ولكنھ
ا ب
دأت م
سبقا ف
ي ام
تالك ھ
ذه الفائ
دة ،بدرج
ة واطئ
ة
نسبيا .فھ
ي تتق
دم بإص
رار نح
و النم
وذج ال
صيني ف
ي جع
ل الن
اس جميع
ا مت
شابھين.
الحظ ام .دي توكيفيل ،في عمله المھ
م األخي
ر ،كي
ف أن ت
شابه الفرن
سيين ف
ي الوق
ت
الح
الي م
ع بع
ضھم ال
بعض ،ق
د ف
اق ھ
ؤالء ال
ذين عاش
وا ف
ي الجي
ل ال
سابق .ويمك
ن
مالحظة الشيء نفسه حول االنكليز ولكن بدرجة اكبر بكثي
ر .ف
ي فق
رة س
بق اقتباس
ھا
من فيلدھام فون ھومبولدت ،أشار إل
ى ش
يئين بوص
فھما ش
رطين ض
روريين للتط
ور
اإلنساني ،ألنھما ضروريان لجعل الناس ال يشبھون بعضھم البعض ،وھما على وج
ه
التحديد :الحرية وتنوع المواقف .لقد أخذ ال
شرط الث
اني م
ن ھ
ذين ال
شرطين يتالش
ى
ك
ل ي
وم م
ن ھ
ذا البل
د .والظ
روف الت
ي تح
يط بمختل
ف الطبق
ات واألف
راد ،وش
كل
شخ
صياتھم ،أخ
ذت تن
دمج أكث
ر ف
ي ك
ل ي
وم .ف
ي ال
سابق ،عاش
ت الفئ
ات المختلف
ة،
والمناطق السكنية المختلفة ،والمھ
ن والح
رف المختلف
ة ،بم
ا يمك
ن أن ي
سمى ب
العوالم
المختلفة؛ أما في الوقت الحاضر ،فما زال الحال نفسه ،إل
ى درج
ة بعي
دة .فعل
ى س
بيل
المقارنة ،ھم اآلن يقرؤون األشياء نفسھا ،ويستمعون لألشياء نف
سھا ،وي
رون األش
ياء
نفسھا ،ويذھبون إل
ى األم
اكن نف
سھا ،ويوجھ
ون آم
الھم وھواج
سھم لألھ
داف نف
سھا،
87
ولديھم نفس الحقوق والحريات ،ونفس السبل في تأكيدھا .ومھما كانت االختالفات في
المواق
ع عظيم
ة ،فھ
ي لي
ست ب
شيء مقارن
ة بتل
ك الت
ي ق
د تالش
ت .وم
ا زال ال
دمج
م
ستمرا .ك
ل التغي
رات ال
سياسية ف
ي الع
صر تزي
د من
ه ،طالم
ا أنھ
ا تمي
ل إل
ى رف
ع
الواطئ وتنزيل المرتفع .كل توسع في التعليم يزيد منه ،ألن التعليم يضع الن
اس تح
ت
تأثيرات عامة ،ويعطيھم فرصة وصول للخزين العام من الحقائق والعواطف .كم
ا أن
التط
ورات ف
ي وس
ائل االت
صال توس
عه ،م
ن خ
الل جع
ل س
كان المن
اطق البعي
دة ف
ي
تماس شخصي مباشر مع بعضھم البعض ،وإدامة حالة من التغير ال
سريع ف
ي اإلقام
ة
من مكان إل
ى آخ
ر .إن زي
ادة التج
ارة والت
صنيع يوس
عانه ،م
ن خ
الل ن
شر امتي
ازات
الظروف السھلة بشكل واسع ،وف
تح ك
ل مواض
يع الطم
وح ،حت
ى الرفيع
ة منھ
ا ،أم
ام
المنافسة العامة ،بينما لم تعد الرغبة في االرتقاء سمة مقتصرة عل
ى طبق
ة بعينھ
ا ،ب
ل
لكل الطبقات .والجھة األكثر قوة من كل ھذه ،في إح
داث ت
شابه ع
ام ب
ين الب
شر ،ھ
ي
التأس
يس الت
ام ،ف
ي ھ
ذا البل
د وف
ي البل
دان الح
رة األخ
رى ،الرتق
اء ال
رأي الع
ام ف
ي
الدول
ة .عن
دما ت
صبح الجھ
ات االجتماعي
ة العلي
ا المختلف
ة الت
ي مكن
ت األش
خاص
المتخندقين فيھا من عدم احت
رام رأي الجمھ
ور ،مت
ساوية عل
ى نح
و ت
دريجي؛ وبينم
ا
تب
دأ فك
رة مقاوم
ة إرادة الجمھ
ور ،عن
دما ُيع
رف ب
شكل مثب
ت أنھ
م يمتلك
ون إرادة،
باالختف
اء أكث
ر ف
أكثر م
ن عق
ول ال
سياسيين العملي
ين؛ س
وف ل
ن يب
ق ھن
اك أي دع
م
اجتم
اعي لع
دم االلت
زام أو االخ
تالف – أي
ة ق
وة جوھري
ة ف
ي المجتم
ع ،ھ
ي نف
سھا
معارضة الرتقاء اإلعداد ،مھتمة بتوفير الحماية لآلراء والميول التي تختلف م
ع آراء
الناس وميولھم.
إن دمج كل ھذه األسباب يشكل حشدا كبيرا جدا من التأثيرات المعادية للفردية،
تحم
ل أس
سھا .س
تفعل ذل
ك ب
صعوبة بحي
ث إنﱠ
ه ل
يس م
ن ال
سھل أن ن
َ
ر كي
ف يمكنھ
ا ّ
لي
ر أن م
ن الجي
د ْ
أن متزايدة ،ما لم نجعل القسم الذكي م
ن الجمھ
ور ي
شعر بقيمت
ه— َ
تكون ھناك اختالفات ،حتى وإن لم تكن نحو األفضل ،رغ
م ذاك ،وكم
ا س
يظھر لھ
م،
88
إن بعضھا سيكون نحو األسوأ .إذا ما كان لمزاعم الفردية أن تؤك
د يوم
ا ،فالوق
ت ھ
و
اآلن ،بينما ما زلنا نحتاج إلى الكثير إلكم
ال ال
دمج الناف
ذ .ف
ي المراح
ل المبك
رة فق
ط،
ن
ستطيع اتخ
اذ موق
ف بنج
اح ض
د االنتھ
ب القائ
ل ب
أن جمي
ع اآلخ
رين
سي
صبحون م
شابھين لن
ا ،ينم
و بم
ا يقت
ات علي
ه .إذا م
ا انتظ
رت المقاوم
ة حت
ى تقل
ل
الحياة إلى نوع موحد واحد تقريبا ،فإن كل االختالفات عن ذلك النوع ستعتبر متم
ردة
أو آثم
ة ،وال أخالقي
ة ،ب
ل وحت
ى وح
شية ومعاك
سة للطبيع
ة .ي
صبح الج
نس الب
شري
بسرعة غير قادر على استيعاب التنوع ،عندما ال يك
ون ق
د اعت
اد عل
ى رؤيت
ه ل
بعض
الوقت.
89
الفصل الرابع
&'()J3א*'#$%א
+إذن الحد الصحيح لسيادة الفرد على نفسه؟ أين تبدأ سلطة المجتمع؟ كم م
ن
ك ٌل س
يتلقى ح
صته المناس
بة ،إذا م
ا ح
صل ك
ل واح
د عل
ى م
ا يخ
صه ب
شكل خ
اص.
يجب أن يعود ذلك الجزء من الحي
اة ال
ذي يھ
تم ب
ه الف
رد للفردي
ة ب
شكل رئ
يس ،بينم
ا
يعود الجزء الذي يھم المجتمع بشكل رئيس للمجتمع.
على الرغم من أن المجتمع لم يتأسس على عقد ما ،وعلى الرغم من أن
ه لي
ست
ھناك غاية حسنة تقابل من خ
الل اخت
راع عق
د م
ن أج
ل اس
تنباط التزام
ات اجتماعي
ة
معين
ة من
ه ،ف
إن ك
ل م
ن يتلق
ى حماي
ة م
ن المجتم
ع ي
دين ب
شيء مقاب
ل تل
ك المنفع
ة،
وحقيقة الع
يش ف
ي مجتم
ع تجع
ل م
ن الواج
ب أن يلت
زم الك
ل ب
احترام أو معاين
ة خ
ط
معين من السلوك تجاه اآلخرين .يتك
ون ھ
ذا ال
سلوك ،بداي
ة ،م
ن ع
دم إلح
اق ال
ضرر
بم
صالح بع
ضنا ال
بعض اآلخ
ر؛ أو ب
األحرى إلح
اق ال
ضرر ب
بعض الم
صالح الت
ي
ينبغ
ي اعتبارھ
ا حقوق
ا ،أم
ا ب
النص ال
صريح ،أو م
ن خ
الل الفھ
م ال
ضمني؛ ويتك
ّ
ون
ثانيا ،من تحمل كل شخص لحصته )التي يتم تحديدھا وف
ق مب
دأ مت
ساو( م
ن الجھ
ود
والت
ضحيات المترتب
ة ألج
ل حماي
ة المجتم
ع أو أع
ضاءه م
ن األذى أو التح
رش .إن
90
المجتمع مبرر في تفعيل ھذه ال
شروط ،ب
أي كلف
ة كان
ت ،عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يح
اولون
التملص منھا .كما أنه ليس ھذا فقط كل ما يستطيع المجتمع فعله .إن أفع
ال ف
رد مع
ين
يمك
ن أن تك
ون مؤذي
ة لآلخ
رين ،أو ھ
ي ناق
صة ف
ي بع
ض االعتب
ارات المتعلق
ة
برف
وض ف
ي تفاص
يل انتھ
اك أي م
ن حق
وقھم الدس
تورية .ق
د يعاق
ب
المسيء حينھا على نحو عادل ،من قبل الرأي ،وإن لم يعاقبه القانون .م
ا أن ي
ؤثر أي
ج
زء م
ن س
لوك ال
شخص عل
ى م
صالح اآلخ
رين ،عل
ى نح
و ض
ار ،يمتل
ك المجتم
ع
سلطة قضائية عليه ،وتصبح قضية ما إذا كانت المصلحة العامة سترتقي وتتوسع م
ن
خالل التدخل به أو ال ،قضية مفتوحة للنقاش .ولكن ال مجال للترحيب بأي ق
ضية م
ن
ھذا النوع عندما ال ي
ؤثر س
لوك ال
شخص عل
ى م
صالح أي ش
خص آخ
ر س
واه ،أو ال
يؤثر بالضرورة عليھم ْ
إن لم يرغبوا ھم في ذلك )إذا ما ك
ان ك
ل األش
خاص المعني
ين
بالغين لسن الرشد ،ويتمتعون بمقدار طبيعي من الفھم( .في كل ھذه الحاالت ،ال بد أن
تكون ھناك حرية تامة ،قانونية واجتماعية ،للقيام بالفعل وتحمل التبعات.
سيكون من سوء الفھم الكبير لھذا الم
ذھب أن نفت
رض أن
ه يتمت
ع بع
دم اكت
راث
أناني ،يزعم أن البشر ال شأن لھم بسلوك بعضھم البعض في الحياة ،وأن عل
يھم أن ال
يھتم
وا بح
سن س
لوك وح
سن ح
ال بع
ضھم ال
بعض ،م
ا ل
م تك
ن م
صلحتھم الخاص
ة
مشتركة أو داخلة ف
ي األم
ر .وب
دال م
ن أي تنق
يص ،ھن
اك حاج
ة كبي
رة للجھ
ود غي
ر
المنحازة الرامية لتوسيع مصلحة اآلخرين .ولكن اإلحسان غير المنحاز يمكن أن يج
د
أدوات إلقناع الناس من اجل مصلحتھم ،غير السياط والجالدي
ن ،بنوعيھ
ا الحرف
ي أو
المجازي .أنا آخر من يقلل م
ن ش
أن ف
ضائل احت
رام ال
ذات؛ ولكنھ
ا ت
أتي ف
ي المرتب
ة
الثانية من حيث األھمية ،إذا ما كانت ثانية أيضا بع
د الف
ضائل االجتماعي
ة .إن وظيف
ة
التربي
ة ھ
ي تط
وير وتنمي
ة االثن
ين .ولك
ن حت
ى التربي
ة تعم
ل م
ن خ
الل اإلقن
اع
والترغيب إضافة إلى اإلجبار ،وم
ن خ
الل اإلقن
اع فق
ط يمك
ن غ
رس ف
ضائل احت
رام
ال
ذات ،بع
د انتھ
اء مرحل
ة الدراس
ة .ي
دين الن
اس لم
ساعدة بع
ضھم ال
بعض ف
ي تميي
ز
األفضل من األسوأ ،وت
شجيع اختي
ار األول واجتن
اب األخي
ر .ال ب
د أن ّ
يحف
ز بع
ضھم
91
البعض دائما ألج
ل المزي
د م
ن ممارس
ة ق
دراتھم العلي
ا ،وتوجي
ه م
شاعرھم وأھ
دافھم
صوب أشياء وتأمالت حكيمة وليست حمقاء ،سامية وليست متدنية .ولكن ال ال
شخص
الواحد وال أي عدد من األش
خاص مكف
ول الح
ق ف
ي قول
ه لمخل
وق ب
شري آخ
ر ،ب
الغ
ل
سن الرش
د ،إن
ه ال ي
ستطيع أن يفع
ل بحيات
ه ،وم
ن أج
ل م
صلحته ،م
ا ي
شاء .فھ
و
الشخص األكثر اھتماما بم
صلحته الخاص
ة :الم
صلحة الت
ي ق
د يعب
ث بھ
ا أي ش
خص
آخ
ر ،م
ا ع
دا ف
ي ح
االت وج
ود ال
صلة أو الرابط
ة الشخ
صية القوي
ة ،بالمقارن
ة م
ع
المصلحة الشخصية لدى صاحب الشأن نفسه؛ إن الم
صلحة الت
ي يمتلكھ
ا المجتم
ع ب
ه
كفرد ھي مصلحة جزئية وغير مباشرة تماما) ،باستثناء سلوكه تجاه اآلخرين( :أما ما
يتعلق بمشاعره وظروفه ،فإن الرجل أو الم
رأة الع
اديين ج
دا يمتلك
ان وس
يلة للمعرف
ة
تف
وق إل
ى ح
د بعي
د تل
ك الت
ي يمك
ن ألي ش
خص آخ
ر أن يمتلكھ
ا .إن ت
ّ
دخل المجتم
ع
ألجل نقض أحكامه وغاياته فيما يتعلق به فقط ،يجب أن يبنى على افتراضات عامة،
يمكن أن تكون خاطئة تماما ،وإْن كانت صحيحة ،فمن الممكن ،أو غير الممكن أيضا،
أن يساء تطبيقھا على بعض الحاالت الفردية ،من قبل أش
خاص لي
سوا أف
ضل اطالع
ا
على ظروف مثل تلك الحاالت من ھؤالء الذين ينظرون إليھا من الخارج فق
ط .ل
ذلك،
تتمت
ع الفردي
ة بالمج
ال المناس
ب لعملھ
ا ف
ي ھ
ذا الق
سم م
ن ال
شؤون اإلن
سانية .م
ن
ال
ضروري عل
ى األغل
ب أن تحت
رم بع
ض القواع
د العام
ة ،ف
ي س
لوك الب
شر تج
اه
بعضھم ال
بعض ،م
ن أج
ل أن يع
رف الن
اس م
ا يج
ب عل
يھم أن يتوقع
وا؛ ولك
ن فيم
ا
يخص اھتمامات كل شخص ،فإن تلقائيته الفردية تتمت
ع بحري
ة الت
صرف .ق
د ُتق
ّدم ل
ه
بع
ض االعتب
ارات لت
دعم حكم
ه ،ومحف
زات لت
دعم إرادت
ه ،أو ُ َ
تقح
م علي
ه م
ن قب
ل
اآلخرين ،ولكنه ھو الحاكم األخير .إن شر السماح لآلخرين بفرض القيود عليه ألج
ل
ما يعتبرونه مفيدا لمصلحته يفوق في وزنه كل األخطاء التي من المحتمل أن يرتكبھ
ا
بالرغم من النصح والتحذير.
92
ال اعني أن المشاعر التي ينظر فيھا اآلخرون للشخص ينبغ
ي أن ال تت
أثر ب
أي
شكل من األشكال بسمات احترامه للذات ،أو بالعيوب .فھ
ذا ل
يس بال
شيء الممك
ن وال
المحبذ .إذا كان ساميا ب
أي م
ن ال
صفات الت
ي ت
ؤدي إل
ى م
صلحته الخاص
ة ،إذن فھ
و
موضع مناسب لإلعجاب .فھو قريب جدا من الكمال المث
الي للطبيع
ة الب
شرية .أم
ا إذا
كان لديه نقص كبير في تلك السمات ،فإن عاطفة معاكسة لإلعجاب س
تنجم ع
ن ذل
ك.
ھناك درجة من الحماقة ،ودرجة مما قد يطلق علي
ه الوض
اعة أو انع
دام ال
ذوق )عل
ى
الرغم من أن العبارة ق
د تثي
ر االعتراض
ات( ،والت
ي عل
ى ال
رغم م
ن أنھ
ا ال ت
ستطيع
تبرير إلحاق الضرر بالشخص الذي يظھرھا ،إال أنھا ال بد أن تجعله موضع كراھية،
أو موض
ع اس
تياء ف
ي الح
االت الق
صوى :فال
شخص ال ي
ستطيع أن يمتل
ك واح
دة م
ن
ھاتين السمتين المتعاكستين وال يحظى بواحدة من ھذه المشاعر .وعلى الرغم من أن
ه
ال يعمل أي شيء س
يء ألي ش
خص ك
ان ،إال أن ال
شخص ال
ذي يت
صرف عل
ى نح
و
يجبرنا على أن نحكم عليه ،أو أن نشعر أنه ،أحمق ،أو أنه من نظ
ام مت
دن ٍ :وبم
ا أن
ّ
يفضل تجنبھا ،ولو تم تحذيره بشكل مسبق منھا ،وم
ن أي
ة الحكم والشعور ھما حقيقة
ُ َ
تبع
ات غي
ر مقبول
ة ق
د يع
رض نف
سه إليھ
ا ،فإنھ
ا خدم
ة جي
دة ت
سدى ل
ه ،س
يكون م
ن
الحسن حقا لو كان ھذا المنصب الجيد قد ُ ﱢ
قدم بشكل أكث
ر حري
ة مم
ا ت
سمح ب
ه ألفك
ار
العام
ة ح
ول دماث
ة الخل
ق ف
ي الوق
ت الحاض
ر ،وإذا م
ا اس
تطاع ش
خص أن ي
شير
بنزاھة لشخص آخر قائال انه يعتقد انه على خطأ ،دون أن يعتبر ذلك ش
يئا يتن
افى م
ع
األخالق ،أو شيئا متغطرسا .نمتل
ك الح
ق أي
ضا ،وبمختل
ف الط
رق ،ف
ي أن نت
صرف
وفقا لرأينا غير المحبب بأي شخص ،ليس في قمع فرديته ،ولكن ف
ي ممارس
ة فرديتن
ا
لسنا ملزمين ،على سبيل المثال ،بالسعي لمجتمعه؛ لدينا الحق في تجنب
ه )ولك
ن ل
يس
في استعراض التجنب( ،ألننا نملك الحق في اختيار المجتمع األكثر قبوال بالن
سبة لن
ا.
نمتلك الحق ،وربما يكون واجبا علين
ا ،ف
ي أن ّ
نح
ذر اآلخ
رين من
ه ،إذا م
ا اعتق
دنا أن
مثاله ،أو ح
واره ق
د يمتل
ك ت
أثيرا م
ضرا عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين ي
رتبط بھ
م .ربم
ا نعط
ي
لآلخ
رين خي
ارا أف
ضل من
ه ف
ي م
ساع حمي
دة اختياري
ة ،م
ا ع
دا تل
ك الت
ي تمي
ل نح
و
93
تطويره .في تلك األنماط المتنوعة ،قد يعاني الشخص من عقوبات قاسية جدا عل
ى ي
د
اآلخ
رين ،نتيج
ة ألخط
اء ال تخ
ص أح
د س
واه ب
شكل مباش
ر؛ ولكن
ه يع
اني م
ن تل
ك
العقوب
ات فق
ط عن
دما تك
ون التبع
ات الطبيعي
ة لألخط
اء نف
سھا ،ول
يس ألنھ
ا ُتن
زل ب
ه
بق
صدية م
ن أج
ل العقوب
ة ،ل
يس إال .فال
شخص ال
ذي يب
دو علي
ه الت
سرع ،والعن
اد،
والغرور—الذي ال يستطيع العيش ضمن الحدود المعتدلة—الذي ال ي
ستطيع أن يلج
م
نفسه عن االنغماسات المؤذية— وال
ذي ي
سعى خل
ف المل
ذات الحيواني
ة عل
ى ح
ساب
العقل والعواطف—عليه أن يتوق
ع أن يك
ون واطئ
ا ف
ي رأي اآلخ
رين ،وأن تك
ون ل
ه
حصة أقل من عواطفھم المحبذة؛ ولكن ليس له ح
ق ال
شكوى م
ن ھ
ذه األش
ياء ،م
ا ل
م
ي
ستحق استح
سانھم م
ن خ
الل تمي
ز مع
ين ف
ي عالقات
ه االجتماعي
ة ،ويك
ون ب
ذلك ق
د
أسس استحقاقا لمساعيھم الحميدة ،التي ال تتأثر بعيوبه أو مساوئه تجاه نفسه.
ما أؤكد عليه ھو أن اإلزعاجات التي ال يمكن فصلھا عن األحكام غير المحبب
ة
لآلخرين ،ھي الوحيدة التي يجب على الشخص أن يتعرض لھا بسبب ذلك الج
زء م
ن
س
لوكه وشخ
صيته ال
ذي يتعل
ق بم
صلحته الخاص
ة ،ولكن
ه ال ي
ؤثر عل
ى م
صالح
اآلخرين في عالقاتھم معه .إن األفعال المؤذية لآلخرين تتطلب معالجة مختلف
ة تمام
ا.
فانتھ
اك حق
وقھم ،وإلح
اق أي
ة خ
سارة أو ض
رر ال تب
رره حقوق
ه الخاص
ة؛ والزي
ف
واالزدواجية في التعامل معھم؛ واالستخدام غير العادل واللئيم لالمتيازات عل
يھم؛ ب
ل
حتى االمتناع األناني عن الدفاع عنھم ضد األذى— تلك ھي األمور المناسبة للرفض
أو االستنكار األخالقي ،وفي الحاالت الجدية ،لالنتق
ام األخالق
ي والعق
اب .لي
ست تل
ك
األفعال فقط ،بل االتجاھات التي أدت إليھا أيضا ،ھي ال أخالقية تماما ،وھي مواضيع
مناس
بة لل
رفض ال
ذي ق
د يرتف
ع إل
ى م
ستوى الكراھي
ة ال
شديدة .إن ق
سوة المي
ل أو
االتجاه؛ والطبيعة الحاق
دة والمري
ضة؛ والح
سد ،تل
ك العاطف
ة األكث
ر عدائي
ة للمجتم
ع
واألكثر قرفا؛ والنفاق وعدم اإلخالص ،واالھتياج في موضوع ال يستحق ،واالس
تياء
غير المتناسب مع االستفزاز؛ وحب السيطرة على اآلخرين؛ والرغبة في الھيمنة على
94
امتيازات أكثر من حصة الفرد الخاصة )ما يسمى بال
ـطمع عن
د اإلغري
ق(؛ والغ
رور
الذي ي
ستمد اإلش
باع م
ن إھان
ة اآلخ
رين؛ واألناني
ة الت
ي تعتق
د أن ال
نفس واھتماماتھ
ا
أكثر أھمية من كل شيء آخر ،وتقرر كل القضايا المشكوك فيھا لمصلحتھا الخاصة؛-
-ھما رذائل أخالقية ،وتشكل شخصية أخالقية سيئة ومقرف
ة :وعل
ى خ
الف األخط
اء
مر ذكرھا ،وھي ليست بالال أخالقي
ات ،وال ت
شكل ّ
ش
را ،ب
صرف النظ
ر األنانية التي ّ
عن الدرجة التي ٌ ّ
تنفذ بھا .يمك
ن أن تك
ون أدل
ة عل
ى أي مق
دار م
ن الحماق
ة ،أو نق
ص
ف
ي الكرام
ة الشخ
صية واحت
رام ال
ذات؛ ولكنھ
ا ت
صبح موض
وع رف
ض أخالق
ي فق
ط
عن
دما تت
ضمن خرق
ا للواج
ب تج
اه لآلخ
رين ،وألجل
ه يك
ون الف
رد ملزم
ا ب
ضرورة
االعتن
اء بنف
سه .إن م
ا ي
سمى بالواجب
ات تج
اه أنف
سنا لي
ست إجباري
ة م
ن الناحي
ة
االجتماعية ،ما لم تجعلھا الظروف واجبات تجاه اآلخرين .إن م
صطلح الواج
ب تج
اه
الذات ،عندما يعني أي شيء أكثر من مجرد التعقل ،إنما يعني احترام الذات ،وتطوير
الذات؛ وليس الفرد مسؤوال عن أي من ھذه األشياء تجاه أبناء جلدته ،ألن
ه ال تقت
ضي
مصلحة البشرية أن يعتبر مسؤوال عنھا.
ا أزعجن
ا ،فإنن
ا ق
د نعبّ
ر ع
ن كرھن
ا ،وق
د نق
ف بعي
دا ع
ن ال
شخص وك
ذلك م
ن
الشيء الذي يزعجنا؛ ولكننا يجب أن ال نشعر بأننا مدعوين لجعل حياته متعبة .سوف
نتأمل أنه يحمل مسبقا ،أو سوف يحمل ،العقوبة الكاملة لخطأه؛ أما إذا افسد حيات
ه م
ن
خالل سوء اإلدارة ،فإننا ،لذلك السبب ،سوف لن نرغب ف
ي زي
ادة ف
سادھا :فب
دال م
ن
الرغب
ة ف
ي معاقبت
ه ،س
نحاول جاھ
دين أن نخف
ف عقوبت
ه ،ع
ن طري
ق اطالع
ه عل
ى
95
كيفية تجنب أو شفاء الشرور التي يميل س
لوكه نح
و جلبھ
ا علي
ه .ربم
ا يك
ون موض
ع
شفقة بالنسبة لنا ،وربما موضع عدم محبة ،ولكن ليس موضع غضبنا أو كراھيتن
ا؛ إذ
أننا سوف لن نعامله على أنه عدو للمجتمع :إن أسوأ م
ا نعتق
د أنن
ا مب
ررون لفعل
ه ھ
و
أن نتركه لنفسه ،إن لم نتدخل بشكل مفيد من خالل إظھار االھتمام به والقلق عليه .أما
إذا انتھ
ك القواع
د ال
ضرورية لحماي
ة أبن
اء جلدت
ه ،ب
شكل منف
رد أو جم
اعي ،ف
األمر
على خالف ذلك بشكل كبير .إن التبعات السيئة ألفعاله سوف لن تقع حينھ
ا علي
ه ،ب
ل
على اآلخرين؛ ويجب على المجتمع ،بوصفه المدافع عن كل أع
ضائه ،أن ي
رد علي
ه؛
وال بد من إلحاق األلم به لغرض التعبير الواضح عن العقوبة ،ولكن على المجتم
ع أن
ينتب
ه إل
ى أن تك
ون العقوب
ة قاس
ية بم
ا في
ه الكفاي
ة .فم
ن الناحي
ة األول
ى ،ھ
و م
سيء
واقف في محكمتنا ،وقد دعينا ليس لكي نجلس لنحكم عليه فقط ،بل لتنفيذ حكمنا بشكل
أو بآخر :ومن الناحية األخرى ،إنه ليس من مسؤوليتنا أن تلحق أية معاناة به ،ما ع
دا
فيما قد ينجم ب
شكل عرض
ي م
ن اس
تخدام الحري
ة نف
سھا ف
ي تنظ
يم ش
ؤوننا الخاص
ة،
والتي نسمح له بھا فيما يتعلق بشؤونه.
ع أن
يكون قضية عدم اكتراث لدى الع
ضو اآلخ
ر؟ م
ا م
ن اح
د يع
يش كك
ائن منع
زل؛ م
ن
الم
ستحيل بالن
سبة لل
شخص أن يفع
ل ش
يئا مؤذي
ا لنف
سه ب
شكل ج
دي أو ثاب
ت ،دون
إزعاج يصل في العادة إلى صالته القريبة عل
ى األق
ل ،وكثي
را م
ا ي
صل إل
ى م
ن ھ
و
أبع
د م
ن ذل
ك .إذا م
ا الح
ق ال
ضرر بملكيت
ه ،فإنم
ا ھ
و يلح
ق ال
ضرر بھ
ؤالء ال
ذين
يتلق
ون م
ساندة منھ
ا ب
صورة مباش
رة أو غي
ر مباش
رة ،وع
ادة م
ا يت
سبب ف
ي تالش
ي
الم
وارد العام
ة للمجتم
ع ،بمق
دار كبي
ر أو ص
غير .إذا م
ا ت
سبب ف
ي ت
دھور قدرات
ه
الجسدية أو العقلية ،فإنه ال يجلب الضرر أو الشر على كل المعتم
دين علي
ه ألي ج
زء
96
كان من سعادتھم ،بل أنه يعيق نفسه ويصبح غير مؤھل لتقديم الخدمات التي يدين بھا
ألبناء جلدته بصورة عامة؛ وربما يصبح عبئا على عواطفھم وإحسانھم؛ وإذا م
ا ك
ان
ھذا السلوك متكرر جدا ،فم
ن الن
ادر أن ت
نقص أي
ة إس
اءة مرتكب
ة الكثي
ر م
ن المق
دار
الع
ام للخي
ر .أخي
را ،إذا ل
م يلح
ق ال
شخص ،م
ن خ
الل رذائل
ه وحماقات
ه ،أي ض
رر
م
ؤذ عل
ى غ
راره )وھك
ذا ربم
ا يق
ال(؛ وينبغ
ي أن
مباش
ر ب
اآلخرين ،فإن
ه رغ
م ذل
ك ٍ
يجب
ر عل
ى ال
سيطرة عل
ى نف
سه ،م
ن اج
ل ھ
ؤالء ال
ذين ق
د يت
سبب منظ
ر س
لوكه أو
المعرفة به ،في إفسادھم وتضليلھم.
وحت
ى ل
و كان
ت تبع
ات س
وء ال
سلوك) ،وھك
ذا س
يقال( ،يمك
ن تحدي
دھا ب
الفرد
الشرير أو الطائش ،ھل ينبغي على المجتمع أن يترك قيادته وتوجيه بي
د ھ
ؤالء ال
ذين
يظھ
رون غي
ر مالئم
ين لھ
ا؟ إذا م
ا كان
ت الحماي
ة م
نھم شخ
صيا م
ستحقة لألطف
ال
واألش
خاص غي
ر الب
الغين ل
سن الرش
د ،أل
يس المجتم
ع ملزم
ا ب
شكل م
ساو ٍ بتقديم
ه
لألشخاص البالغين م
ن غي
ر الق
ادرين عل
ى حك
م أنف
سھم؟ إذا ك
ان اإلدم
ان ،أو فق
دان
ال
ذارة ،مؤذي
ة لل
سعادة ،وھ
ي ع
ائق للتط
ور ،ش
أنھا ب
ذلك
ش
أن العدي
د م
ن األفع
ب األفع
ال ،الت
ي يمنعھ
ا الق
انون ،فلم
اذا )وھك
ذا ق
د
ُيسأل( ال يقوم القانون بجھد لمنع ھ
ذه األش
ياء أي
ضا ،طالم
ا أنھ
ا من
سجمة م
ع القابلي
ة
العملية واللياقة االجتماعية؟ وكملح
ق تكميل
ي ل
بعض ن
واقص الق
انون الت
ي ال من
اص
منھ
ا ،أال ينبغ
ي عل
ى ال
رأي أن ي
نظم ،عل
ى األق
ل ،جھ
از ش
رطة ق
وي ض
د ھ
ذه
الموبق
ات ،وين
زل العقوب
ات االجتماعي
ة ،وب
شكل ص
ارم ،بھ
ؤالء ال
ذين ي
شتھرون
بممارس
تھا؟ م
ا م
ن ش
ك ھن
ا )وھك
ذا ق
د يق
ال( ح
ول تقيي
د الفردي
ة ،أو من
ع تجري
ب
تجارب جديدة وأصيلة في العيش .األشياء الوحيدة التي تسعى لمنعھا ھي األشياء التي
ت
م تجريبھ
ا وش
جبھا من
ذ بداي
ة الع
الم حت
ى اآلن؛ األش
ياء الت
ي أظھ
رت التجرب
ة أنھ
ا
لي
ست مفي
دة أو مناس
بة لفردي
ة أي ش
خص .ال ب
د أن تك
ون ھن
اك م
سافة م
ن ال
زمن
97
ومقدار من التجربة تعتبر بعدھا الحقيقة األخالقي
ة أو العقالني
ة حقيق
ة مؤس
سة :وي
راد
منھا أن تمنع الجيل تلو الجيل من الوقوع في نفس المنحدر الذي فتك بإسالفھم.
أنا أق
ر تمام
ا أن األذى ال
ذي يلحق
ه ال
شخص بنف
سه ق
د ي
ؤثر ب
شكل ج
دي ،م
ن
خالل عواطفھم ،ومن خالل مصالحھم على حد سواء ،على ھؤالء المرتبطين ب
ه ع
ن
قرب ،وعل
ى المجتم
ع عموم
ا ،ولك
ن بدرج
ة اق
ل .عن
دما يق
اد ال
شخص ،عب
ر س
لوك
كھذا ،إلى انتھاك الت
زام ممي
ز ومح
دد ألي ش
خص أو أش
خاص آخ
رين ،ف
إن الق
ضية
تخ
رج م
ن فئ
ة األناني
ة ،وت
صبح خاض
عة لل
رفض األخالق
ي ف
ي المفھ
وم المناس
ب
للمصطلح .إذا أصبح رجل ،على س
بيل المث
ال ،م
ن خ
الل اإلس
راف أو التب
ذير ،غي
ر
قادر على سداد ديونه ،أو أنه ،بعد توليه المسؤولية األخالقي
ة ألس
رة ،أص
بح ولل
سبب
ذاته غير قادر على دعمھم أو تعليمھم ،صار ُمستھجنا باستحقاق ،وقد يتعرض للعقاب
العادل؛ ولكن نتيجة إلخالله بالواجب تجاه عائلته أو تجاه دائنيه ،وليس لإلس
راف .ل
و
أن الموارد ،التي كان يفترض أن ّ
تكرس لھم ،قد انحرفت عنھم نحو االستثمار األكث
ر
تعقال ،فإن النبذ األخالقي سيكون نفسه .قتل جورج بارنويل عمه للحصول على المال
ألجل عشيقته ،ولكن حتى لو أنه قد فعلھا ألجل تحسين وضعه ف
ي التج
ارة ،فإن
ه ك
ان
ي
ستحق اإلع
دام ب
شكل م
ساو .م
رة أخ
رى ،ف
ي الحال
ة المتك
ررة للرج
ل ال
ذي ي
سبب
الحزن لعائلته من خالل اإلدمان على العادات السيئة ،فإن
ه ي
ستحق التأني
ب لق
سوته أو
لجحوده؛ ولكنه يستحقه أيضا لقيامه ب
بعض الع
ادات الت
ي ال تك
ون مؤذي
ة بح
د ذاتھ
ا،
ولكنھا مؤلمة لھؤالء الذين يمضي حياته معھم ،أو ال
ذين يعتم
دون علي
ه ف
ي راح
تھم،
من ناحية العالقات الشخصية .كل من يفشل ف
ي االعتب
ار الع
ام ال
ذي ت
ستحقه م
شاعر
اآلخرين ومصالحھم ،دون أن يكون مضطرا لذلك من خ
الل واج
ب أكث
ر إلحاح
ا ،أو
مبررا من قبل تفضيل ذاتي مسموح ،فإن
ه موض
ع رف
ض أخالق
ي ل
ذلك الف
شل ،ولك
ن
ليس للسبب الذي أدى إليه ،وال لألخطاء ،الشخ
صية فق
ط ،والت
ي ق
د تك
ون ق
ادت إلي
ه
من بعيد .وعلى نفس المنوال ،عندما يقوم شخص بإعاقة نفسه ،من خالل سلوك أناني
98
خالص ،عن تأدية بعض الواجب
ات المح
ددة الملق
اة عل
ى عاتق
ه للجمھ
ور ،فإن
ه م
ذنب
بإساءة اجتماعية .ال ينبغي أن يعاقب أي شخص فقط ألن
ه مخم
ورا؛ ولك
ن الجن
دي أو
الشرطي يجب أن يعاقب لو تعاطى الخمر في الواجب .وباخت
صار ،كلم
ا يك
ون ھن
اك
ضرر محدد ،أو خطر محدد بوق
وع ال
ضرر ،ف
إن الق
ضية تخ
رج م
ن مج
ال الحري
ة،
وتدخل في مجال األخالق أو القانون.
ور ،وال ي
سبب أي أذى مح
سوسا ألي ف
رد مع
ين م
ا ع
دا ال
شخص نف
سه؛ إن
اإلزعاج ھو واحد من األشياء التي يستطيع المجتمع تحملھا ،من أجل المنفعة الكب
رى
للحرية اإلنسانية .إذا م
ا عوق
ب األش
خاص الب
الغين ألنھ
م ل
م يھتم
وا بأنف
سھم بال
شكل
الكافيُ ،
كنت سأتمنى ل
و أن ذل
ك ك
ان م
ن اجلھ
م ول
يس م
ن أج
ل م
نعھم م
ن إض
عاف
قابلياتھم وقدراتھم عل
ى تزوي
د المجتم
ع ب
بعض الفوائ
د الت
ي ال ّ
ي
دعي المجتم
ع أن ل
ه
الحق في فرضھا .ولكنني ال استطيع قبول مناقشة النقطة كما لو أن المجتم
ع ال يمتل
ك
أية وسيلة لرفع الضعفاء من أعضائه إلى معياره االعتيادي للسلوك العقالني ،م
ا ع
دا
االنتظ
ار حت
ى يفعل
وا ش
يئا طائ
شا ،وم
ن ث
م يع
اقبھم علي
ه ،قانوني
ا أو أخالقي
ا .يمتل
ك
المجتمع سلطة مطلقة عليھم خالل ك
ل الج
زء المبك
ر م
ن وج
ودھم :إذ أن
ه يمتل
ك ك
ل
فت
رة الطفول
ة والمراھق
ة الت
ي يح
اول فيھ
ا أن ي
رى فيم
ا إذا ك
ان بإمكان
ه أن يجعلھ
م
قادرين على السلوك العقالني في الحياة .إن الجيل الموجود ھو ٌ
سيد لكل من الت
دريب
و ظ
روف الجي
ل القادم
ة برمتھ
ا؛ ل
يس بإمكان
ه )أي المجتم
ع( أن يجعلھ
م حكم
اء
وخيرين بشكل مثالي؛ ألنھا ھي نفسھا ناقصة بشكل مؤس
ف ف
ي الخي
ر والحكم
ة؛ وال
تك
ون أف
ضل جھودھ
ا ،ف
ي بع
ض الح
االت ،ھ
ي األكث
ر نجاح
ا؛ ولكنھ
ا ق
ادرة ب
شكل
مث
الي عل
ى جع
ل الجي
ل الق
ادم ،كك
ل ،ب
نفس م
ستواه ،أو أف
ضل بقلي
ل .إذا م
ا ت
رك
المجتمع أي عدد كبير من أعضائه يربي أطفاال غير قادرين عل
ى الخ
ضوع لالعتب
ار
99
العقلي للدوافع البعيدة ،فعلى المجتمع أن يلوم نفسه على النتائج .وألنه مسلح ليس فق
ط
بكافة سلطات التعليم ،بل بسمو السلطة الت
ي ع
ادة م
ا يمارس
ھا ال
رأي المت
وارث عل
ى
العق
ول األق
ل أھلي
ة عل
ى إط
الق اإلحك
ام بنف
سھا ،وألن
ه م
دعوم م
ن قب
ل العقوب
ات
الطبيعية التي ال يمكن منعھ
ا م
ن ال
سقوط عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يثي
رون س
خط وكراھي
ة
ھؤالء الذين يعرفونھم؛ فال ينبغي للمجتمع أن ّ
يدعي بأنه يحتاج ،إضافة إل
ى ك
ل ھ
ذا،
إلى سلطة إلصدار األوامر وتنفي
ذ الطاع
ة ف
ي ھم
وم األف
راد أو مخ
اوفھم الشخ
صية،
التي ينبغي أن يكون القرار فيھا منسجما ،في كافة مبادئ العدالة والسياسة ،مع ھ
ؤالء
ال
ذين يلتزم
ون بالتبع
ات .ول
يس ھن
اك م
ن ش
يء يمي
ل إل
ى إف
شال و إحب
اط وس
ائل
التأثير على السلوك أفضل من اللجوء إلى األسوأ .إذا كانت ھناك أي
ة م
ادة م
ن الم
واد
التي ُ َ
يصنع منھا األش
خاص الن
شطين والم
ستقلين ،ب
ين ھ
ؤالء ال
ذين نح
اول إجب
ارھم
على التعقل أو االعتدال ،فإنھم سيثورون ب
ال ھ
وادة عل
ى الني
ر .م
ا م
ن ش
خص كھ
ذا
يمكن أن يشعر أن اآلخرين يملكون الحق ف
ي ال
سيطرة علي
ه ف
ي خ
صوصياته ،مثلم
ا
يتوجب عليھا أن تمنعه من إلحاق الضرر بھم في خصوصياتھم؛ وق
د أص
بحت تعتب
ر
عالم
ة م
ن عالم
ات الحم
اس وال
شجاعة للوق
وف بوج
ه مث
ل ھ
ذه ال
سلطة الغاص
بة،
وفع
ل العك
س تمام
ا وب
شيء م
ن الفخ
ر ،عك
س م
ا تفرض
ه أو تمنع
ه؛ كم
ا ف
ي نم
ط
الف
ضاضة ال
ذي َخل
َ
ف ،ف
ي ع
صر المل
ك ت
شارلز الث
اني ،زم
ن التع
صب األخالق
ي
المتشدد للبيوريتانيين .أما بخصوص ما يقال عن ضرورة حماي
ة المجتم
ع م
ن المث
ال
السيئ الذي يوضع لآلخرين من قبل ال
شريرين أو المنغم
سين ف
ي مل
ذاتھم؛ ال ش
ك أن
المثال السيئ يمتلك ت
أثيرا ض
ارا ،وب
األخص مث
ال فع
ل الخط
أ لآلخ
رين م
ع ح
صانة
الشخص المسيء .ولكننا نتح
دث اآلن ع
ن ال
سلوك ال
ذي يفت
رض بأن
ه يح
دث ض
ررا
كبيرا للعميل نفسه ،بينما ال تلح
ق ال
ضرر ب
اآلخرين :وال أرى كي
ف أن ھ
ؤالء ال
ذين
يؤمنون بذلك ،يستطيعون التفكير ب
أي ش
يء س
وى أن ذل
ك المث
ال ،عموم
ا ،يج
ب أن
يكون نافعا أكثر من كونه مؤذيا ،طالما انه لو كان يبين سوء السلوك ،فإنه يب
ين أي
ضا
التبعات المؤلمة أو المھينة التي ُ َ
يفترض بأنھا مرافقة له في كافة القضايا.
100
ولك
ن الج
دل األق
وى ب
ين الج
داالت المناھ
ضة لت
دخل الجمھ
ور بال
سلوك
الشخصي ،ھ
و أن
ه عن
دما يت
دخل ،ف
إن االحتم
االت ھ
و أن يت
دخل عل
ى نح
و خ
اطئ،
وف
ي المك
ان الخ
اطئ .ف
ي ق
ضايا األخ
الق االجتماعي
ة ،وق
ضايا واجب
ات اآلخ
رين،
يحتمل أن يكون رأي الجمھور ،أي رأي األغلبية ال
سائدة ،ھ
و ال
رأي ال
صحيح ،رغ
م
أنه عادة ما يكون خاطئا؛ ألنھم في مثل ھذه القضايا يكونون ملزمين بالحكم من خالل
مصالحھم الخاصة؛ من خالل األسلوب يكون فيه لنمط سلوكي معين فيه تأثيرا عليھم،
إذا ما ُسمح بممارسته .ولكن رأي األغلبية المشابھة ،إذا ما فرض على األقلية بوصفه
قانونا ،في القضايا السلوك األناني ،فإنه من المحتمل تكون خاطئة كما يمكن أن تكون
صائبة؛ ألن رأي الجمھور ،ف
ي ھ
ذه الق
ضايا ،يعن
ي – ف
ي أح
سن حاالت
ه—ھ
و رأي
بعض الناس حول ما ھو جيد وما ھو سيء للناس اآلخ
رين؛ وكثي
را م
ا ال يعن
ي حت
ى
ذلك؛ فالجمھور ،مع الالمباالة األكثر كماال ،يتجاوز متع
ة ومالئم
ة اآلخ
رين ال
ذين ال
يروق لھم سلوكھم ،وال ينظرون إال لتفضيالتھم الخاصة .ھنالك العديد مم
ن يعتب
رون
أي سلوك ال يحبونه أو ال يف
ضلونه بمثاب
ة أذى لھ
م ،ويبغ
ضونه كم
ا ل
و أن
ه اس
تفزاز
لم
شاعرھم؛ كالمتع
صب ال
ديني ال
ذي ،عن
دما ُ ّ
ي
تھم بع
دم احت
رام الم
شاعر الديني
ة
لآلخرين ،فإنه يبادر إلى اإلجاب
ة ب
أنھم ال يحترم
ون م
شاعره ،م
ن خ
الل اس
تمرارھم
عل
ى معتق
دھم أو م
ذھبھم البغ
يض .ولك
ن ل
يس ھنال
ك تع
ادل أو ت
شابه ب
ين م
شاعر
الشخص نحو رأيه الخاص ،ومشاعر شخص آخر منزعج من تبنيه لذلك الرأي؛ ل
يس
ب
أكثر م
ن التع
ادل ب
ين رغب
ة الل
ص ف
ي أن ي
سرق محفظ
ة ،وب
ين رغب
ة ص
احبھا
األصلي في الحفاظ عليھا .إن ذوق الفرد ھو شأن خاص به ،كما ھو الحال مع رأيه أو
محفظت
ه .م
ن ال
سھل عل
ى أي ف
رد أن يتخي
ل جمھ
ورا مثالي
ا ،يت
رك حري
ة األف
راد
واختي
اراتھم ،ف
ي كاف
ة الق
ضايا غي
ر المؤك
دة ،ب
ال ت
ّ
دخل ،وال يتطل
ب م
نھم س
وى
االمتناع عن األنماط السلوكية التي تستنكرھا التجربة العالمي
ة .ولك
ن أي
ن ش
وھد مث
ل
ھذا الجمھور الذي يضع حدا ما لرقابته؟ أو متى اكترث الجمھور بالتجربة العالمية أو
اھتم لشأنھا؟ ففي تدخالته بالسلوك الشخصي ،نادرا ما يفكر بأي شيء سوى فداحة أو
101
ش
رور الت
صرف أو ال
شعور ب
شكل مختل
ف عن
ه؛ وھ
ذا المعي
ار ف
ي الحك
م ،المتخف
ي
ب
شكل خفي
ف ،يحمل
ه ت
سعة أع
شار الفالس
فة األخالقي
ين والكتّ
اب الت
أمليين ،بوص
فه
ّ
في
درس ھ
ؤالء األش
ياء ال
صحيحة ألنھ
ا قاع
دة لل
دين والفل
سفة ،عل
ى بن
ي الب
شر.
صحيحة؛ ألننا نشعر بأنھا كذلك .ويخبروننا بأن نبحث في قلوبنا وعقولن
ا ع
ن ق
وانين
للسلوك تكون ملزمة لنا ولغيرنا .ما الذي يستطيع الجمھور المسكين أن يفعل سوى أن
يطبق ھذه التوجيھ
ات ،وأن يجعل
وا م
شاعرھم الخاص
ة نح
و الخي
ر وال
شر ،إن ك
انوا
متفقين عليھا باإلجماع ،إلزامية على العالم اجمع؟
ائق ض
د ش
رور وھمي
ة .ول
يس م
ن ال
صعب أن أب
ين ،م
ن خ
الل أمثل
ة كثي
رة ،أن
توسيع حدود ما يمكن أن نسميه شرطة أخالقية ،حتى تنتھك حرية الف
رد األكث
ر تأك
دا
في شرعيتھا ،ھي واحدة من النزعات األكثر شمولية من بين جميع نزعات البشر.
وكمث
ال أول ،تأم
ل ف
ي عواط
ف الكراھي
ة الت
ي يحي
ا عليھ
ا الب
شر ،ل
يس عل
ى
آراء ديني
ة مختلف
ة ع
ن أرائھ
م ،ال
أس
س جي
دة س
وى أن األش
خاص ال
ذين يعتنق
ون ً
يمارسون التعاليم أو القواعد الدينية الخاص
ة بھ
م ،وال س
يما ممنوع
اتھم أو محرم
اتھم
الدينية .ولنقتبس مثاال تافھا ،ليس ھناك ش
يء ف
ي دي
ن الم
سيحيين وال ف
ي ممارس
اتھم
ي
ستثير كراھي
ة الم
سلمين ض
دھم ،س
وى الحقيق
ة المتعلق
ة بأك
ل لح
م الخنزي
ر .لي
ست
ھناك سوى بعض الحقائق القليلة الت
ي ينظ
ر إليھ
ا األوربي
ون والم
سيحيون بن
وع م
ن
102
االشمئزاز غير المتأثر على نح
و يف
وق اش
مئزاز الم
سلمين م
ن ھ
ذه الطريق
ة إلش
باع
الجوع .فھي ،في المقام األول ،إساءة لدينھم؛ ولكن ھذا الظرف ال يفسر بأي حال من
ّ
محرم أيضا في دينھم ،ويعتب
ر تعاطي
ه األحوال درجة ونوع اشمئزازھم؛ إذ أن الخمر
شيئا خاطئا من قب
ل جمي
ع الم
سلمين ،ولك
ن ل
يس مثي
را لالش
مئزاز .أم
ا ك
رھھم للح
م
"الوحش القذر" فھو على العكس ،يحمل ھذه الصفة المعينة ،ويمثل كراھي
ة غريزي
ة،
يبدو أن فكرة عدم النظافة ،عندما تغرق تماما في المشاعر ،عادة ما تثيرھا حت
ى ل
دى
ھ
ؤالء ال
ذين لي
ست ع
اداتھم الشخ
صية تكت
رث بالنظاف
ة عل
ى اإلط
الق ،وال
ذين
يضربون مثال بارزا في عدم الصفاء ال
ديني الموج
ود بكثاف
ة ل
دى الھن
دوس .افت
رض
ّ
تصر تلك األغلبية على عدم ال
سماح اآلن انه في شعب أغلبيته من المسلمين ،ال بد أن
بتن
اول لح
م الخنزي
ر ض
من ح
دود بل
دھم .ل
ن يك
ون ھ
ذا بال
شيء الجدي
د ف
ي البل
دان
اإلسالمية .ھل س
يكون ذل
ك ممارس
ة ش
رعية لل
سلطة األخالقي
ة لل
رأي الع
ام؟ وإْن ل
م
تكن كذلك ،فلماذا؟ إن الممارسة ثائرة حق
ا ف
ي مث
ل ھ
ذا الجمھ
ور .كم
ا أنھ
م يعتق
دون
بإخالص أي
ضا ،أن
ه ش
يء يبغ
ضه ويحرم
ه ﷲ .وال يمك
ن إلق
اء الل
وم عل
ى التح
ريم
بوصفه اضطھادا دينيا .ربما يكون دينيا في أص
له ،ولكن
ه ل
ن يك
ون اض
طھادا لل
دين،
طالما أن دين أي شخص كان ،لن يجعل من الواج
ب تأك
ل لح
م الخنزي
ر .إن األس
اس
المعقول الوحيد لالستنكار سيكون ذلك القائل بان الجمھ
ور ل
يس ل
ه ش
أن بالت
دخل ف
ي
الشؤون األنانية واألذواق الشخصية لألفراد.
وقريبا من الشأن ذاته :فإن أغلبية األسبان يعتبرون من كبار المعاصي الم
سيئة
إل
ى أق
صى درج
ة للخ
الق األعظ
م أن يعب
ده اح
د ب
أي أس
لوب س
وى الروم
اني
الك
ر أي دي
ن ع
ام س
واه دين
ا ش
رعيا أو قانوني
ا عل
ى األراض
ي
االسبانية .أما شعوب جنوب أورب
ا فينظ
رون إل
ى رج
ل ال
دين المت
زوج ،ل
يس كرج
ل
غير متدين فحسب ،بل يعتبرونه غير طاھر ،وال أخالق له ،وفضا مثي
را لالش
مئزاز.
ما الذي يعتقده البروتستانت بخصوص ھذه المشاعر الصادقة بشكل ت
ام ،وبخ
صوص
103
محاولة تفعيلھا ضد غير الكاثوليكيين؟ ومع ذل
ك ،ل
و ك
ان الب
شر مب
ررين ف
ي الت
دخل
بحري
ة بع
ضھم ال
بعض ف
ي األش
ياء الت
ي ال تخ
ص م
صالح اآلخ
رين ،فعل
ى أي مب
دأ
يمكن استثناء ھذه القضايا بشكل مستمر؟ أو َم
ن ي
ستطيع أن يل
وم الن
اس ل
رغبتھم ف
ي
قمع ما يرونه فضيحة بمرأى ﷲ واإلنسان؟ ما من قضية يمكن إيضاحھا حول منع أي
شيء يعتبر ال أخالقيات شخصية ،أقوى من القضية المتكونة من قمع تلك الممارسات
بم
رأى ھ
ؤالء ال
ذين يعتبرونھ
ا معاص
ي ،وم
ا ل
م نك
ن راغب
ين ف
ي تبن
ي منط
ق
المضطھدين ،وأن نقول بأن من حقنا أن نضطھد اآلخرين ألننا على صواب ،بينم
ا ال
يحق لھم اضطھادنا ألنھم على خطأ ،علينا أن نحذر من االعت
راف بمب
دأ ينبغ
ي علين
ا
أن نكرھه ألن تطبيقه علينا ھو الظلم بعينه.
ق
د تواج
ه األمثل
ة ال
سابقة االعتراض
ات ،عل
ى ال
رغم م
ن ع
دم معقوليتھ
ا ،إذ
تُ
ستمد م
ن احتم
االت م
ستحيلة الح
دوث بينن
ا :ف
الرأي ،ف
ي ھ
ذا البل
د ،ال يحتم
ل أن
يفرض امتناعا عن اللحوم ،أو أن يتدخل بشؤون الناس في العبادة ،أو الزواج أو ع
دم
ال
زواج ،ح
سب م
ذھبھم أو ت
وجھھم .أم
ا المث
ال الث
اني ،ف
سيأخذ ،عل
ى ك
ل ح
ال ،م
ن
التدخل بالحرية التي لم نتجاوز كل مخاطرھا بعد .حيثما كان البيوريتانيين أقوياء ،كما
في نيو انجيالن
د ،وف
ي بريطاني
ا العظم
ى ف
ي ع
صر الكومونوول
ث ،ك
انوا يح
اولون،
بنجاح كبير ،أن يخضعوا كل وس
ائل الترفي
ه العام
ة ،وك
ل الخاص
ة تقريب
ا :وال س
يما
الموس
يقى ،وال
رقص ،واأللع
اب العام
ة ،والم
سرح والتجمع
ات األخ
رى إلغ
راض
االنحراف .ما زالت ھناك في ھذا البلد كيان
ات واس
عة م
ن األش
خاص ال
ذين ت
تم إدان
ة
وس
ائل الترفي
ه ھ
ذه عب
ر أفك
ارھم ح
ول ال
دين واألخ
الق ،وينتم
ي ھ
ؤالء األش
خاص
بشكل رئيس للطبقة الوس
طى ،وھ
م الق
وة ال
صاعدة ف
ي الحال
ة االجتماعي
ة وال
سياسية
الراھن
ة ف
ي المملك
ة ،ول
يس م
ن االس
تحالة بمك
ان أن يت
رأس ھ
ؤالء ،ف
ي وق
ت م
ا،
األغلبية البرلمانية .كيف سيرغب القسم المتبقي من المجتمع ف
ي أن ي
تم تنظ
يم وس
ائل
يسمح لھم بھا ،من خ
الل العواط
ف األخالقي
ة ألش
خاص ’’ك
الفينيين‘‘
ترفيه ،التي قد ُ َ
104
او نظ
اميين مت
شددين؟ أل
ن يرغب
وا ،وب
شيء م
ن الدكتاتوري
ة ،ف
ي أن يھ
تم ھ
ؤالء
األعضاء األتقياء على نحو تدخلي ،بشؤونھم الخاصة؟ ھذا بالضبط م
ا يج
ب أن يق
ال
لكل حكومة ولكل جمھور ،الذين ّ
يدعون أنه ما من شخص سيتمتع بأية متعة يعتق
دون
بأنھا خاطئة .ولكن إذا ما أق ﱠر مبدأ االدعاء ،ال يستطيع أحد االعت
راض ب
شكل عقالن
ي
على تنفيذه م
ن حي
ث األغلبي
ة ،أو الق
وة ال
ساحقة األخ
رى ف
ي البل
د ،ويج
ب عل
ى ك
ل
األش
خاص أن يكون
وا م
ستعدين لاللت
زام بفك
رة كومونويلث
ا م
سيحيا ،ح
سبما فھم
ه
السكان األوائ
ل لني
و انجالن
د ،إذا م
ا نج
ح احت
راف أو معتق
د دين
ي م
شابه ل
دينھم ف
ي
استعادة أرضه المسلوبة ،ألن األديان المفترض بأنھا في تدھور كثيرا ما ع
رف عنھ
ا
مثل ھذا النجاح.
إن تخيل احتمالية أخرى ،ربما أكثر قابلية للتحقيق من التي ذكرتھا آنف
ا .ھنال
ك
بال شك ميال قويا في العالم الحديث صوب تشكيل ديمقراطي للمجتم
ع ،ت
صاحبه أو ال
تصاحبه مؤس
سات سياس
ية ش
عبية .لق
د تأك
د أن
ه ف
ي البل
د ال
ذي يتحق
ق في
ه ھ
ذا المي
ل
بشكل كامل— حيث يكون المجتمع والحكومة ديمقراطيين جدا ،كالواليات المتحدة—
فإن ش
عور األغلبي
ة ،ال
ذين يعتب
رون أي ظھ
ور ألس
لوب معي
شي أكث
ر استعراض
ا أو
أكثر كلفة مما يستطيعون مجاراته شيئا غير مقبول بالنسبة لھ
م ،يعم
ل )أي ال
شعور(
كقانون تنظيمي فعال إلى حد معقول ،وإنه في أجزاء عديدة من االتح
اد ،م
ن ال
صعب
فعال على الشخص أن يمتلك دخال كبيرا جدا ،أو أن يجد أية طريق
ة إلنفاق
ه ،ال ت
سبب
رفضا شعبيا .على الرغم من أن تصريحات كھذي ھي بال شك تمثيل مبالغ في
ه كثي
را
للحقائق الموجودة ،إال أن الحالة العامة التي تصفھا ليست معقولة وممكنة فحسب ،ب
ل
أنھا نتيجة محتملة للشعور الديمقراطي ،مصحوبة بالفكرة القائلة بأن الجمھور ل
ه ح
ق
ال
نقض )الفيت
و( عل
ى األس
لوب ال
ذي ينف
ق في
ه األف
راد دخ
ولھم .ل
يس لن
ا س
وى أن
نفترض انتشار اآلراء االشتراكية ،وقد يصبح شيئا سيئ الصيت في نظ
ر األغلبي
ة أن
تمتلك ملكية أكثر من مقدار ضئيل جدا ،أو أي دخل ال يتم اكتسابه بالجھد الي
دوي .لق
د
105
انتشرت آراء مشابھة لتلك من حيث المب
دأ ،وب
شكل واس
ع ب
ين أوس
اط الطبق
ة العامل
ة
ّ
الصناع( ،وأصبحت تشكل ثقال مستبدا على ھؤالء الخاضعين لرأي تلك الطبقة )طبقة
بشكل رئيس ،وھ
م أع
ضاؤھا ،عل
ى وج
ه التحدي
د .م
ن المع
روف أن العم
ال ال
سيئين
الذين يشكلون أغلبية المشاركين في العديد من فروع الصناعة ،مصممون على الرأي
القائل ب
أن العم
ال ال
سيئين ينبغ
ي أن ي
سمح لھ
م ب
أن يتلق
وا نف
س األج
ور الت
ي يتلقاھ
ا
العم
ال الجي
دين ،وإن
ه ال ينبغ
ي أن يُ
سمح ألح
د ،س
واء م
ن خ
الل العم
ل بالقطع
ة أو
بخالف ذلك ،بأن يك
سب ،م
ن خ
الل مھارت
ه أو ص
نعته المتفوق
ة ،أكث
ر م
ن اآلخ
رين
الذين ال يمتلكونھا .وھم يستخدمون جھاز شرطة أخالقي
ة ،ت
صبح ف
ي بع
ض األحي
ان
شرطة مادية ،لمنع العمال المھرة من استالم أج
ور أو مكاف
أة أكب
ر لخدم
ة أكث
ر نفع
ا،
ومنع أرباب العمل من إعطائھا .إذا ما امتلك الجمھور أية سلطة قضائية على الشؤون
الخاصة ،ال استطيع أن أرى أن ھؤالء الناس على خطأ ،أو أن جمھور أي ف
رد مع
ين
يمك
ن أن ي
الم ألن
ه ف
رض س
لطة عل
ى س
لوكه الف
ردي ،ھ
ي نف
سھا الت
ي يفرض
ھا
الجمھور العام على الناس بشكل عام.
ولكن ،دون اإلسھاب ف
ي الح
االت االحتيالي
ة ،ھنال
ك ف
ي يومن
ا ھ
ذا ،انتھاك
ات
سافرة لحرية الحياة الخاصة تمارس فعال ،وما زال
ت ھن
اك حري
ات أكب
ر مھ
ددة ،م
ع
توقعات بالنجاح ،وآراء مقترحة تصر على حق غير محدود للجمھ
ور ،ل
يس فق
ط ف
ي
ّ
التوص
ل إل
ى م
ا يعتق
د منع كل شيء يعتقد أنه خاطئ ،وبواسطة القانون ،بل من أج
ل
أنه خاطئ ،ألجل منع أي عدد من األشياء التي يقر ببراءتھا.
وباس
م من
ع الع
صبية ،ف
إن ش
عب إح
دى الم
ستعمرات االنكليزي
ة ،ون
صف
الواليات المتحدة تقريبا ،ق
د ُمنع
وا بالق
انون م
ن القي
ام ب
أي اس
تخدام ك
ان للم
شروبات
المتخمرة ،ما عدا لألغراض الطبية :ألن منع بيعھ
ا ھ
و ف
ي حقيق
ة األم
ر ،وكم
ا أري
د
ّ
ل
ه ،من
ٌع الس
تخدامھا .وعل
ى ال
رغم م
ن أن ال
ال عملي
ة الناجم
ة ع
ن تنفي
ذ الق
انون ق
د
تسببت في رفضه في العديد من الوالي
ات الت
ي كان
ت ق
د تبنت
ه ،بم
ا فيھ
ا الوالي
ة الت
ي
106
اشتق القانون اسمه منھا ،فإن محاولة قد بدأت رغم ذاك ،وقد ُ ّ
نف
ذت بحم
اس كبي
ر م
ن
قبل العديد من المحسنين المحترفين ،للحث على قانون مشابه في ھذا البلد .لق
د ح
صل
ھ
ذا االرتب
الف" كم
ا يطل
ق عل
ى نف
سه ،وال
ذي ت
م ت
شكيله ألج
ل ھ
ذا
الغ
رض ،عل
ى بع
ض ال
سمعة ال
سيئة م
ن خ
الل ن
شر أو انت
شار المراس
الت ب
ين
سكرتيره وواحد من رجال الجمھ
ور االنكلي
زي القالئ
ل ج
دا ال
ذين يعتق
دون ب
أن آراء
ال
سياسي ينبغ
ي أن تك
ون مؤس
سة عل
ى مب
ادئ .إن ح
صة الل
ورد س
تانلي ف
ي ھ
ذه
المراسالت قد ُ َ
اعتبرت مع
ززة لآلم
ال الت
ي ك
ان ق
د علقھ
ا علي
ه ھ
ؤالء ال
ذين عرف
وا
م
دى ن
درة ظھ
ور ھ
ذه ال
صفات أو تجليھ
ا ف
ي بع
ض م
ن مناس
بات ظھ
وره العلني
ة،
ولألس
ف ب
ين أولئ
ك ال
داخلين ف
ي الحي
اة ال
سياسية .فالن
اطق باس
م التح
الف ،ال
ذي
"ي
ستھجن ب
شدة االعت
راف ب
أي مب
دأ يمك
ن أن يفھ
م عل
ى أن
ه تبري
ر للتع
صب
واالضطھاد "،بادر إلى اإلش
ارة إل
ى "الح
اجز الواس
ع ال
ذي ال يمك
ن عب
وره" وال
ذي
يفصل ھذه المبادئ عن مبادئ االرتباط أو التجم
ع" .ك
ل الق
ضايا الت
ي تتعل
ق ب
الفكر،
والرأي ،والمعتقد ،تبدو لي) ،والقول له( ،بدون فضاء تشريعي :كل واحد منھا ي
رتبط
بالفعل االجتماعي ،والعادة ،والعالقة ،وال تخضع س
وى لل
سلطة الت
شريعية الممنوح
ة
للدول
ة نف
سھا ،ول
يس للف
رد الموج
ود ف
ي داخلھ
ا ".ل
يس ھن
اك ذك
ر للطبق
ة الثالث
ة،
المختلفة عن كل من ھذين ،أي األفعال والعادات التي ھي ليست اجتماعية ،بل فردية؛
عل
ى ال
رغم م
ن أن فع
ل ش
رب الم
شروبات المتخم
رة يع
ود ،بالتأكي
د ،لھ
ذه الطبق
ة
بال
ذات .إن بي
ع الم
شروبات المتخم
رة ھ
و ،عل
ى أي
ة ح
ال ،تج
ارة ،والتج
ارة فع
ل
اجتماعي .ولكن االنتھاك المشتكى منه ليس انتھاك لحرية البائع ،ب
ل لحري
ة الم
شتري
والمستھلك؛ طالما أن الدولة قد تمنع
ه أي
ضا م
ن ش
رب الخم
ر ،ألنھ
ا تتعم
د أن تجع
ل
م
ن الم
ستحيل بالن
سبة ل
ه أن يح
صل علي
ه .أم
ا ال
سكرتير ،عل
ى أي
ة ح
ال ،فق
د ق
ال:
"ّادعي ،بصفتي مواطن ،الحق في التشريع ،كلما تعرضت حقوقي االجتماعي
ة للغ
زو
من قبل ھذا الفعل االجتماعي أو ذاك".
107
اآلن نحو تعريف ھ
ذه "الحق
وق االجتماعي
ة" ".إذا م
ا غ
زا أي ش
يء حق
وقي
االجتماعية ،وال شك أن المرور في حال تناول مشروبات قوية يفع
ل ذل
ك .فھ
و ي
دمر
حقي األساسي في األمن ،م
ن خ
الل الخل
ق الم
ستمر للفوض
ى االجتماعي
ة وتحفيزھ
ا.
كما أنه يجتاح حقي في المساواة ،من خالل استخراج فائدة من خلق المعاناة التي أجبَُر
على دفع الضرائب ل
دعمھا .كم
ا أن
ه يعي
ق حق
ي ف
ي التط
ور األخالق
ي والعقل
ي ،م
ن
خالل إحاطة طريقي بالمخاطر ،ومن خالل إضعاف المجتمع وتجري
ده م
ن األخ
الق،
المجتمع الذي لي الحق في أن أطالبه بالدعم المتب
ادل والتفاع
ل ".إن نظري
ة "الحق
وق
االجتماعية" التي ربما لم تجد نظيراتھا من قبل طريقا للتعبير بلغ
ة واض
حة :ألنھ
ا ال
شيء بدون ھذا – حيث إنﱠھا الحق المطلق لكل فرد ،وإن كل فرد آخر سيتصرف ،ف
ي
كل جانب ،كما ينبغي عليه بالضبط؛ وإن ك
ل م
ن يف
شل ف
ي ذل
ك ،ف
ي اص
غر األم
ور
ينتھ
ك حق
ي االجتم
اعي ،مم
ا يمكنن
ي م
ن أن اطل
ب م
ن الھيئ
ة الت
شريعية أن تزي
ل
الحيف عني .إن مبدأ بھذه الب
شاعة ،اخط
ر بكثي
ر م
ن أي ت
دخل بالحري
ة؛ ل
يس ھن
اك
انتھاك للحرية ال يقوم )ھذا المبدأ( بتبريره؛ فھو ال يعترف بأي حق ألية حرية كان
ت،
ربما باس
تثناء اعتن
اق اآلراء بال
سر ،دون الك
شف عنھ
ا مطلق
ا :ألن
ه م
ا أن يعب
ر أح
د
اآلراء الت
ي اعتبرھ
ا مؤذي
ة م
ن ش
فاه أي ش
خص ك
ان ،فإنھ
ا س
تجتاح ك
ل "الحق
وق
االجتماعية" المنسوبة لي من قبل التحالف .إن ھذا المذھب يع
زو لك
ل الب
شر م
صلحة
موجودة في الكمال األخالق
ي ،والعقل
ي ،وحت
ى الج
سدي لبع
ضھم ال
بعض ،وق
د ت
رك
تعريفھا )أي المصلحة( لكل ّ
مدع حسب معياره.
اع لي
وم واح
د ف
ي األس
بوع م
ن األعم
ال اليومي
ة االعتيادي
ة ،بق
در م
ا
ت
سمح ب
ه ض
رورات الحي
اة ،وعل
ى ال
رغم م
ن أنھ
ا لي
ست ملزم
ة ب
شكل ص
ارم م
ن
الناحية الدينية ألي شخص سوى اليھ
ود ،ھ
و ع
ادة مفي
دة ج
دا .وبم
ا أن ھ
ذه الع
ادة ال
108
يمكن االلتزام بھا بدون موافق
ة عام
ة ل
ذلك الغ
رض م
ن قب
ل الطبق
ات العامل
ة ،ل
ذلك،
فبقدر ما قد يفرض بعض األش
خاص م
ن خ
الل العم
ل الحاج
ة نف
سھا عل
ى اآلخ
رين،
سيكون من المسموح به والصواب أن يكفل القانون للجميع المحافظ
ة عل
ى الع
ادة م
ن
قبل اآلخرين ،من خالل تعليق العمليات ال
صناعية الكب
رى ف
ي ي
وم مع
ين .ولك
ن ھ
ذا
التبرير ،المستند عل
ى الم
صلحة المباش
رة الت
ي يمتلكھ
ا اآلخ
رون ف
ي الت
زام ك
ل ف
رد
منھم بالممارسة ،ال ينطبق على الوظائف المختارة ب
شكل ذات
ي والت
ي يعتق
د الف
رد أن
من المناسب أن يستغل وقت فراغه فيھا ،وال يعتب
ر جي
دا ،ول
و بأص
غر درج
ة كان
ت،
للقيود القانونية المفروضة على وس
ائل الترفي
ه .مم
ا ال ل
بس في
ه أن اس
تراحة ال
بعض
وترفيھھم ھو يوم عمل بالنسبة لآلخرين؛ ولكن متعة العديدين ،ناھيك عن اس
تجمامھم
المفي
د ،ي
ستحق جھ
د القليل
ين ،ش
رط أن تك
ون المھن
ة ق
د اختي
رت بحري
ة ،ويمك
ن
االستقالة منھ
ا بحري
ة أي
ضا .ك
ان الم
شغلون عل
ى ح
ق تمام
ا ف
ي اعتق
ادھم أن
ه إذا م
ا
عمل الجميع في أيام األح
د ،ف
إن عم
ل س
بعة أي
ام س
يعطى لق
اء أج
ور س
تة أي
ام فق
ط:
ولكن طالما أن الكم الھائل من األشغال ّ
يؤجل ،فإن القلة الذين يستمرون في العمل من
أجل أن يستمتع اآلخرون سيحصلون عل
ى زي
ادة ن
سبية ف
ي األج
ور؛ كم
ا أنھ
م لي
سوا
مجبرين على االستمرار في ھذه الوظائف إذا ما ّ
ف
ضلوا االس
تراحة عل
ى العم
ل .وإذا
م
ا بحثن
ا ع
ن ع
الج آخ
ر ،فربم
ا يمك
ن إيج
اده ف
ي تأس
يس عطل
ة ف
ي ي
وم آخ
ر م
ن
األس
بوع ،م
ن خ
الل ع
ادة معين
ة ،لتل
ك الطبق
ات المعين
ة م
ن األش
خاص .ل
ذلك ،ف
إن
األساس الوحيد ال
ذي يمك
ن في
ه ال
دفاع ع
ن القي
ود عل
ى وس
ائل ترفي
ه أي
ام األح
د ،ق
د
يكون ھو أنھا خاطئة من الناحية الدينية ،وھو دافع للتشريع ال يمكن االعت
راض علي
ه
ب
شكل ج
اد .بق
ي أن ت
تم برھن
ة أن المجتم
ع ،أو أي م
ن م
سؤوليه ،يحم
ل تخ
ويال م
ن
األعلى لالنتقام م
ن أي
ة إس
اءة مفترض
ة للق
درة الكلي
ة ،والت
ي لي
ست أي
ضا خط
أ بح
ق
أبناء جلدتنا .إن الفكرة القائل
ة ب
أن م
ن واج
ب اإلن
سان أن يك
ون اآلخ
ر مت
دينا ،كان
ت
األس
اس لكاف
ة االض
طھادات الديني
ة الت
ي ارتكب
ت ،ول
و اق
ّ
رت ،فإنھ
ا )أي الفك
رة(
س
تبررھا جميع
ا .عل
ى ال
رغم م
ن أن ال
شعور ال
ذي ينبث
ق م
ن المح
اوالت المتك
ررة
109
إليقاف القطار الذي يسافر ي
وم األح
د ،وف
ي مقاوم
ة ف
تح المت
احف ،وم
ا إل
ى ذل
ك ،ال
يمتلك نفس قسوة الم
ضطھدين الق
دامى ،إال أن الحال
ة العقلي
ة الت
ي تؤش
رھا ھ
ي نف
س
تحمل اآلخرين والتسامح معھم في فعل
الحالة من حيث الجوھر .إنه لتصميم نحو عدم ّ
ما يسمح به دينھم ،ألنه غير مسموح به من قبل دين القائم باالضطھاد .إنه اعتقاد ب
ان
ﷲ ال يكره فعل الكافر فحسب ،بل انه سيعتبرنا مذنبين لو أننا تركناه بال تدخل.
دد الزوج
ات؛ األم
ر ال
ذي ،رغ
م ممارس
ته م
ن قب
ل الم
سلمين ،والھن
دوس،
وال
صينيين ،ب
دا يثي
ر ع
داوة ال ھ
وادة فيھ
ا عن
دما يمارس
ه الن
اطقون باالنكليزي
ة،
ويعتنقون نوعا م
ن الم
سيحية .م
ا م
ن اح
د لدي
ه رف
ض عمي
ق للمؤس
سة المورمونتي
ة
أكثر مني أنا؛ نتيجة ألسباب أخرى ،وألنھا ،بعيدا عن قبوله م
ن مب
دأ الحري
ة ،إخ
الل
110
مباش
ر ب
ذلك المب
دأ ،لكونھ
ا مج
رد تثبي
ت ألغ
الل أو قي
ود ن
صف المجتم
ع ،وتحري
ر
للنصف اآلخر من تبادل االلتزامات تجاھھم .مع ذلك ،ال بد أن نتذكر أن ھ
ذه العالق
ة،
بق
در م
ا ھ
ي طوعي
ة كثي
را م
ن ناحي
ة الن
ساء المعني
ات بھ
ا ،والل
واتي ق
د يعتب
رن
المكابدات من ّ
جرائه ،بقدر ما ھو الحال مع أي شكل آخر من أشكال مؤسسة ال
زواج؛
ومھما بدت ھذه الحقيقة مدھشة ،فإنھا تمتلك تفسيرھا في أفكار العالم وعادات
ه العام
ة،
ّ
تف
ضل ّ
فتعلم النساء أن الزواج ھو الشيء الضروري الوحيد ،وتجعل م
ن المعق
ول أن
العديد من النساء أن تصبح أح
داھن زوج
ة م
ن ب
ين ع
دة زوج
ات ،عل
ى أن ال ت
صبح
زوجة على اإلطالق .لم يطلب من البلدان األخرى أن تعترف بمثل ھ
ذه االرتباط
ات،
أو أن تطلق أي قسم من س
كانھا م
ن قوانينھ
ا نتيج
ة ل
آلراء المورموني
ة .ولك
ن عن
دما
اعترف المعارضون بالم
شاعر المعادي
ة لآلخ
رين ،بدرج
ة اكب
ر بكثي
ر مم
ا مطل
وب؛
وعندما تركوا البلدان التي كانت مذاھبھم غير مقبولة فيھا ،وأسسوا أنفسھم ف
ي زاوي
ة
نائية م
ن األرض ،ليكون
وا أول م
ن ي
سكنھا ويجعلھ
ا ص
الحة للب
شر؛ م
ن ال
صعب أن
نرى أي مبادئ سوى مبادئ الطغي
ان والت
سلط ،ھ
ي الت
ي منع
وا بموجبھ
ا م
ن الع
يش
ھن
اك ف
ي ظ
ل الق
وانين الت
ي يف
ضلونھا ،ش
رط أن ال يرتكب
وا أي ع
دوان ض
د األم
م
األخرى ،وأن يسمحوا بالحرية الكاملة للمغادرة لغير المقتنعين بط
رقھم .اقت
رح كات
بٌ
حديث ،في بعض الجوانب ذات القيمة الكبيرة ،القي
ام بحمل
ة تح
ضرية )(civilizade
وليس حملة ص
ليبية ) -- (crusadeباس
تخدام عبارات
ه الخاص
ة—ض
د ھ
ذا المجتم
ع
المتع
دد الزوج
ات ،لوض
ع نھاي
ة لم
ا ب
دا بالن
سبة إلي
ه خط
وة تراجعي
ة ف
ي الح
ضارة.
ويبدو لي أيضا ،غير أني لست على علم بـأن أي مجتمع كان يحق له أن يجبر مجتمع
آخر عل
ى أن يك
ون متح
ضرا .طالم
ا أن ال
ذين يع
انون م
ن الق
انون ال
سيئ ال يطلب
ون
الدعم من المجتمعات األخرى ،ال استطيع اإلق
رار ب
أن األش
خاص ال
ذين ال يرتبط
ون
معھ
م نھائي
ا يج
ب أن يت
دخلوا ويطلب
وا وض
ع نھاي
ة لوض
ع يب
دو أن ك
ل األش
خاص
المتعلقين به بشكل مباشر مقنعين به ،ال لشيء سوى أن
ه يع
د ف
ضيحة بنظ
ر أش
خاص
آخ
رين يعي
شون عل
ى بع
د آالف األمي
ال ،ال
ذين ال ش
أن لھ
م فيھ
م
111
يرس
لون تب
شيريين إل
يھم ،إذا ش
اؤوا ،ليعظ
وا ض
م ،م
ن خ
الل أي
ة وس
يلة
عادلة )ال يكون من بينھا إسكات المعلم
ين( ،يعارض
وا تط
ور الم
ذاھب الم
شابھة ب
ين
أوساط شعوبھم .إذا تفوقت الحضارة على الھمجية حين كان
ت البربري
ة تمتل
ك الع
الم،
سيكون من المبالغ فيه أن نخشى من أن البربرية ستنبعث ثانية وتھزم الح
ضارة ،بع
د
أن ت
دھورت لفت
رة زمني
ة طويل
ة .إن الح
ضارة الت
ي تست
سلم عل
ى ھ
ذا النح
و لع
دوھا
المغلوب ،ال بد أوال أن تكون منحطة جدا ،بحيث ال رجال دينھ
ا وال معلميھ
ا ،وال أي
شخص آخ
ر ،بق
ادرين عل
ى النھ
وض بھ
ا ،أو أن يتج
شموا عن
اء ذل
كْ .
إن ك
ان األم
ر
ك
ذلك ،فكلم
ا تتلق
ى الح
ضارة إخط
ارا بالمغ
ادرة ب
سرعة ،كلم
ا ك
ان ذل
ك أف
ضل .ل
ن
أن تم
ضي م
ن س
يء إل
ى أس
وأ ،حت
ى تُ
ّ
دمر وتتج
دد يك
ون بإمكانھ
ا س
وى ْ
)كاإلمبراطورية الغربية( على يد البرابرة النشطين.
112
الفصل الخامس
,&-
اني وح
دود القاع
دتين اللت
ين ت
شكالن س
وية م
ذھب ھ
ذه المقال
ة إي
ضاحا
الحكم بإمساك الميزان بينھم
ا ،ف
ي الق
ضايا الت
ي يظھ
ر فيھ
ا
كبيرا ،وفي دعم ُ
شك حول أيھما ينطبق على القضية.
القاعدتين ھما ،أوال ،إن الفرد ليس مسؤوال أمام المجتمع عن أفعاله ،طالما أنھا
ال تخ
ص أي ش
خص س
واه .فالن
صيحة ،والتوجي
ه ،واإلقن
اع ،واالجتن
اب م
ن قب
ل
اآلخرين ْ
إن اعتقدوا ّ
أن ذلك ضروري ألجل مصلحتھم ،ھي اإلجراءات الوحي
دة الت
ي
يستطيع المجتمع أن يعبر من خاللھا عن كرھ
ه المب
رر أو رف
ضه ل
سلوكه .ثاني
ا ،أم
ا
بخصوص األفع
ال الت
ي تلح
ق ال
ضرر بم
صالح اآلخ
رين ،ف
إن الف
رد م
سؤول عنھ
ا،
113
وربما يخضع للعقاب االجتماعي أو الق
انوني ،إذا م
ا رأى المجتم
ع أن ھ
ذا العق
اب أو
ذاك ضروري ألجل حمايته.
ف
ي المق
ام األول ،ال يج
ب ب
أي ح
ال م
ن األح
وال االفت
راض ،أن ال
ضرر ،أو
احتمالية وقوع الضرر بمصالح اآلخرين ،يمكنه لوحده أن يبرر ت
دخل المجتم
ع ،لھ
ذا
فھو دائما يبرر مثل ھذا التدخل .في العديد من الح
االت ،وأثن
اء س
عيه لھ
دف ش
رعي،
يتسبب الفرد بالضرورة ،وعلى نحو شرعي ،بإلح
اق األل
م أو الخ
سارة ب
اآلخرين ،أو
يعرق
ل م
صلحة ل
ديھم س
بب معق
ول ف
ي الح
صول عليھ
ا .إن مث
ل ھ
ذا التع
ارض ف
ي
المصالح بين األفراد عادة ما ينجم من المؤس
سات االجتماعي
ة ال
سيئة ،ولك
ن ال يمك
ن
تجنبھا عندما تكون تلك المؤسسات قائمة؛ بينما يبقى بعضھا حتميا ال مناص منه تحت
أية مؤسسات كانت .كل من ينجح في مھنة مزدحمة ،أو ف
ي امتح
ان تناف
سي؛ ك
ل م
ن
يتم تفضيله على آخر في أية منافسة من أج
ل ھ
دف يرغ
ب في
ه االثن
ان ،يجن
ي ال
ربح
من خسارة اآلخرين ،من جھدھم الضائع وخيبتھم .ولكن من األفضل للمصلحة العام
ة
لإلنسانية ،وبإقرار الجمي
ع ،أن ي
سعى األش
خاص خل
ف أھ
دافھم ،دون إعاق
ة م
ن ھ
ذا
النوع من التبعات .بعبارة أخرى ،إن المجتمع ال يقر بأية حقوق ،سواء أكانت ش
رعية
أو أخالقية ،للمتنافسين الخائبين ،في الحصانة من ھذا النوع من المعاناة؛ وي
شعر بأن
ه
مدعو للتدخل ،فقط عندما يتم استخدام وسائل نجاح تتنافى م
ع م
ا ت
سمح ب
ه الم
صلحة
العامة—أي االحتيال ،والخيانة ،والقوة.
114
اآلن ،رغم أن ذلك لم يحدث إال بع
د ص
راع طوي
ل ،أن ك
ال م
ن الن
وعيتين الرخي
صة
والجي
دة لل
سلع تت
وفر بال
شكل األكث
ر ت
أثيرا م
ن خ
الل ت
رك المنتج
ين والب
ائعين ف
ي
حرية تامة ،تحت الرقابة الوحي
دة لحري
ة الم
شترين ،التام
ة أي
ضا ،ب
التزود م
ن مك
ان
آخر .ھذا ھو ما يسمى بمذھب التج
ارة الح
رة ،وال
ذي ي
ستقر عل
ى أس
س مختلف
ة ع
ن
مبدأ الحرية الفردية التي تم التأكيد عليھا في ھذا المقال ،على الرغم من كونھا تساويه
في الرص
انة .إن القي
ود عل
ى التج
ارة ،أو عل
ى اإلنت
اج إلغ
راض التج
ارة ،ھ
ي قي
ود
فع
ال؛ وك
ل قي
د ،ألن
ه قي
د ،إنم
ا ھ
و ش
ر :ولك
ن القي
ود المعني
ة ال ت
ؤثر إال عل
ى ذل
ك
الج
زء م
ن ال
سلوك ال
ذي ي
تمكن المجتم
ع م
ن تقيي
ده ،وال تك
ون خاطئ
ة إال عن
دما ال
تصنع حقا النتائج التي ُيحبذ أن تصنعھا .وكما أن مبدأ الحرية الفردية ل
يس داخ
ال ف
ي
مذھب التجارة الحرة ،فإن
ه ال ي
دخل أي
ضا ف
ي معظ
م األس
ئلة الت
ي تظھ
ر فيم
ا يتعل
ق
بحدود ذلك المذھب؛ عل
ى س
بيل المث
ال ،م
ا ھ
و مق
دار ال
سيطرة العام
ة الم
سموح بھ
ا
لمنع االحتيال عن طريق الغش؛ وإلى أي مدى يجب أن يصل فرض الت
دابير الوقائي
ة
الصحية ،أو اإلجراءات الالزم
ة لحماي
ة الع
املين الم
ستخدمين ف
ي األعم
ال الخط
رة،
على أرباب العمل .تتضمن مثل ھذه األسئلة اعتبارات الحرية ،فق
ط إذا م
ا ك
ان ت
رك
الناس ليتدبروا أمورھم بأنفسھم )مع بقاء بقي
ة العوام
ل ج
ون تغيي
ر( أف
ضل دائم
ا م
ن
السيطرة عليھم :ولكن إمكانية أن يتعرضوا دائما للسيطرة بشكل شرعي لھذه الغايات،
ھي شيء ال يمكن إنكاره من حيث المبدأ ،ھنالك مسائل تتعلق بالت
دخل بالتج
ارة ،ھ
ي
في األساس مسائل حرية؛ كما في قانون )ماين( ،الذي عرجنا عليه سابقا؛ من
ع توري
د
المخدرات إلى الصين :القي
ود عل
ى بي
ع ال
سموم؛ وباخت
صار ك
ل الق
ضايا الت
ي يك
ون
ھدف التدخل فيھا ھو جعل الحصول على سلعة معينة شيئا مستحيال أو صعبا .إن تلك
الت
دخالت مثي
رة لالعتراض
ات ،ل
يس بوص
فھا انتھاك
ات لحري
ة المن
تج أو الب
ائع ،ب
ل
لحرية المشتري.
115
أح
د ھ
ذه األمثل
ة ،وھ
و ذل
ك المتعل
ق ببي
ع ال
سموم ،يف
تح الب
اب ل
سؤال جدي
د؛
الحدود المناسبة لم
ا يمك
ن أن ي
سمى وظ
ائف ال
شرطة؛ إل
ى أي م
دى يمك
ن أن تُنتھ
ك
الحرية من أجل منع الجريمة ،أو منع الحوادث .إنھا لم
ن الوظ
ائف الحكومي
ة الت
ي ال
جدال فيھا أن تتخذ التدابير ضد الجريمة قبل ارتكابھا ،إضافة إلى مالحقتھا ومعاقبتھ
ا
بع
د وقوعھ
ا .إن الوظيف
ة الرادع
ة للحكوم
ة ،عل
ى ك
ل ح
ال ،معرض
ة إل
ى اإلس
اءة ،
انحيازا للحرية ،بشكل اكبر من الوظيفة التأديبية؛ إذ إن من الن
ادر أن يك
ون ھن
اك أي
ق
سم م
ن حري
ة الت
صرف ال
شرعية ل
دى اإلن
سان ،ال ي
سمح ب
أن ي
تم تمثيل
ه ،وب
شكل
مناسب أيضا ،بوصفه يزيد من التسھيالت لنوع أو آلخر من أن
واع الجن
وح .وب
الرغم
م
ن ذل
ك ،إذا م
ا ال
سلطة العام
ة ،أو حت
ى ال
شخص االعتي
ادي ،رأوا شخ
صا يح
ّ
ضر
الرتكاب جريمة ،وبشكل واضح ،فھم ليسوا ملزمين بالنظر إلي
ه ب
سلبية حت
ى ترتك
ب
الجريمة ،بل يحق لھم التدخل لمنعھا .لو كانت السموم ال تشترى أو تستعمل ألية غاية
ع
دا ارتك
اب الجريم
ة ،س
يكون م
ن ال
صواب من
ع ت
صنيعھا وبيعھ
ا .ولك
ن ،عل
ى أي
ة
حال ،ستكون ھن
اك حاج
ة إليھ
ا ل
يس لإلغ
راض البريئ
ة فح
سب ،ب
ل للغاي
ات المفي
دة
أي
ن للقي
ود أن تُف
رض ف
ي أي م
ن الح
الين دون أن ت
سري عل
ى الثاني
ة.
ومرة أخرى ،إن الوظيفة الطبيعية للسلطة العامة ھي أن تحمي م
ن الح
وادث .ف
إذا م
ا
م
ؤمن ،أو
ّ رأى مسؤول حكومي أو أي فرد آخر شخ
صا يح
اول أن يعب
ر ج
سرا غي
ر
غير آمن ،ولم يك
ن ھن
اك وق
ت لتح
ذيره م
ن الخط
ر المح
دق ب
ه ،فلھ
م أن يم
سكوا ب
ه
ويوقفونه ،دون أي انتھاك حقيقي لحريته؛ ألن الحرية تتكون من قيامه بما يريد ،وھو
بال شك ال يريد السقوط ف
ي النھ
ر .وب
الرغم م
ن ذل
ك ،إذا ل
م يك
ن ھن
اك تأكي
د ،س
وى
خطر ال
ضرر فق
ط ،ال أح
د س
وى ال
شخص نف
سه ي
ستطيع أن يحك
م عل
ى م
دى كف
اءة
الدافع الذي قد يحفزه على تحمل الخطر :لذلك ينبغي ،ف
ي ھ
ذه الحال
ة ،كم
ا اعتق
د ) ْ
إن
لم يكن طفال ،أو مختال عقليا ،أو في حالة من االھتياج أو عدم التركيز التي ال تتواف
ق
مع االستخدام الكامل للقدرة على التفكير( ،أن يتم تحذيره من الخطر بشكل كامل؛ وال
ُيمنع بالقوة من تعريض نفسه ل
ه .وق
د تمكنن
ا اعتب
ارات م
شابھة ،تنطب
ق عل
ى م
سائل
116
كبيع السموم ،من أن نحدد أنماط التنظيم الممكنة م
ضادة للمب
دأ ،وأيھ
ا ل
يس ك
ذلك .إن
اإلج
راء االحت
رازي ،كوض
ع عالم
ة عل
ى العق
اقير تحت
وي عل
ى كلم
ة ّ
تعب
ر ع
ن
خصائصه الخطيرة ،على سبيل المثال ،قد يجري تنفيذه دون انتھاك للحرية :فال يمكن
للمشتري أن يرغب في أن يكون للشيء الذي يمتلكه مواصفات سامة .ولكن أن تطلب
في كل الحاالت ترخيصا م
ن المم
ارس الطب
ي )او المع
الج( ،س
يجعل الح
صول عل
ى
أية أداة لغرض االستخدام الشرعي شيئا مستحيال أحيانا ،وعادة ما تكون ب
اھظ ال
ثمن.
أما النمط الوحيد الواضح بالنسبة ل
ي ،وال
ذي يمك
ن في
ه وض
ع الم
صاعب ف
ي طري
ق
الجرائم الت
ي ترتك
ب م
ن خ
الل ھ
ذه الوس
يلة ،دون أي انتھ
اك ي
ستحق ال
ذكر ،لحري
ة
ھؤالء الذين يرغبون في الحصول على المواد السامة ألجل أغ
راض أخ
رى ،فيتك
ون
من توفير ما يسمى بعبارة بينثام الوافية بـ"الدليل المحدد سلفا ".إن ھذا التدبير م
ألوف
لدى الجميع في العقود .من االعتي
ادي وم
ن ال
صواب ،أن يتطل
ب الق
انون ،عن
دما ي
تم
الدخول في عقد ،ك
شرط الحت
رام العق
د وتنفي
ذه ،أن تج
ري مالحظ
ة بع
ض ال
شكليات
المحددة ،كالتواقيع ،وشھادة ال
شھود ،وم
ا إل
ى ذل
ك ،وم
ن أج
ل أن يك
ون ھن
اك إثب
ات
يبرھن ،في حال وقعت نزاعات الحقة ،أن العقد كان قد تم الدخول في
ه فع
ال ،وأن
ه م
ا
م
ن ظ
رف يجعل
ه )أي العق
د( غي
ر ناف
ذ م
ن الناحي
ة القانوني
ة :والغاي
ة ھ
ي وض
ع
العراقيل في طريق العقود الوھمية ،أو العقود التي تتم في ظروف ،إذا ما ُ ْ
عرفت فإنھا
س
تدمر م
صداقيتھا أو ص
راءات االحترازي
ة م
ن ھ
ذا الن
وع ،يمك
ن
تنفيذھا في بيع األدوات التي ينظر إليھا كأدوات للجريمة .على سبيل المثال ،يمك
ن أن
يقوم البائع بكتابة وقت الصفقة أو البي
ع ،واس
م الم
شتري وعنوان
ه ،والنوعي
ة والكمي
ة
المباعة وبمنتھى الدقة ،في سجل خاص ،وان ي
سأل ع
ن الغاي
ة الت
ي أراد المستح
ضر
أو العقار من اجلھا ،ويسجل الجواب الذي يتلق
اه .عن
دما ال تك
ون ھن
اك وص
فة طبي
ة،
فإن حضور شخص ثالث يكون مطلوبا ،ليثبت الحقيقة على المشتري ،في حال أصبح
ھناك سبب لالعتقاد بأن األداة أو المادة قد استخدمت ألغراض إجرامية .إن إجراءات
117
كھذي لن تكون عموما عوائق مادية للحصول على المادة ،بل أنھا ستكون عائقا كبيرا
إلساءة استخدامھا واإلفالت من المالحقة.
أي فع
ل م
ن أفع
ال العن
ف ض
د اآلخ
رين تح
ت ت
أثير الكح
ول ،تح
ت قي
ود ش
رعية
خاصة ،خاصة به فق
ط؛ بحي
ث ﱠإن
ه إذا م
ا ِ َ
وج
د مخم
ورا ،س
يتعرض للعقوب
ة ،وإذا م
ا
ارتكب بتلك الحالة إساءة أخرى ،فال بد أن تزداد العقوبة في قسوتھا .إن شرب الخم
ر
حتى السكر ،بالنسبة لشخص يثيره ال
سكر بحي
ث يلح
ق األذى ب
اآلخرين ،ھ
و جريم
ة
بح
ق اآلخ
رين .ل
ذا ،ف
إن الت
ّ
سيب ،م
ا ع
دا ف
ي حال
ة ال
شخص ال
ذي يتلق
ى ال
دعم م
ن
الجمھ
ور ،أو عن
دما ي
شكل خرق
ا للعق
د ،ال يمك
ن أن ي
صبح ،ب
ال ت
سلط أو طغي
ان،
موضعا للعقوبة الشرعية؛ ولكن إذا ما اخف
ق ش
خص ف
ي أداء واجبات
ه ال
شرعية تج
اه
اآلخرين ،نتيجة للتسيب أو التكاسل أو أي سبب آخر يمكن تجنبه ،كأن يخفق ف
ي دع
م
أطفال
ه ،عل
ى س
بيل المث
ال ،فإن
ه ل
يس م
ن الت
سلط أن ي
تم إجب
اره عل
ى اإليف
اء ب
ذلك
االلتزام ،من خالل العمل اإلجباري ،إن لم تتوفر سبل أخرى.
ا ،والت
ي ال ت
رتبط بموض
وعنا إال ب
شكل عرض
ي ،واالعت
راض عل
ى عالنيتھ
ا
118
مساو في قوته لحالة العديد من األفع
ال الت
ي ال تع
د م
ستنكرة بح
د ذاتھ
ا ،وال يفت
رض
بأن تكون على ھذا النحو.
ھناك سؤال آخر ال بد من إيجاد جواب له ،يتماشى مع المبادئ التي تم وضعھا.
في حاالت السلوك الشخصي الذي يفترض أن يستحق اللوم ،ولك
ن احت
رام الحري
ة ق
د
منع المجتمع من حظره أو معاقبته ،ألن الشر الناجم بشكل مباشر يقع ب
شكل ت
ام عل
ى
عاتق العميل؛ ما الذي للعميل أن يفعل ،ھل ينبغي على األشخاص اآلخرين أن يكونوا
بخ
ال م
ن ال
صعوبة.
ٍ أحرارا بشكل مواز ٍ في النصح أو التحريض؟ ل
يس ھ
ذا ال
سؤال
إن حالة الشخص الذي يلتمس من شخص آخ
ر أن يفع
ل ل
ه عم
ال ،لي
ست حال
ة س
لوك
أناني محض .فتقديم النصح ،أو عرض الحوافز ألي شخص ،ھو عمل اجتم
اعي ،ل
ذا
فمن المفترض أن يخضع للسيطرة االجتماعية ،مثل سائر األفعال األخرى الت
ي ت
ؤثر
على اآلخرين .ولكن القليل من التأمل يصحح االنطباع األول ،م
ن خ
الل بي
ان أن
ه إذا
كانت القضية لي
ست ض
من تعري
ف الحري
ة الفردي
ة ب
شكل ح
صري ،ولك
ن األس
باب
التي أسس عليھا مبدأ الحرية الفردية تنطبق عليه .إذا ما سمح للناس ،ف
ي أي ش
يء ال
يخ
ص أح
دا س
واھم ،ب
أن يت
صرفوا بم
ا يعتق
دون أن
ه األف
ضل بالن
سبة لھ
م وعل
ى
مسؤوليتھم الخاصة ،فال بد أن يكونوا أحرارا أيضا في استشارة بعضھم البعض حول
ما يناسب فعله على ھذا النحو؛ وأن يتبادلوا اآلراء ،ويعط
وا ويأخ
ذوا المقترح
ات .إن
كل ما ھو مسموح بفعله ،ال بد أن يكون منصوحا بفعله .وال يكون األم
ر م
شكوك في
ه
ّ
المحرض منفعة شخصية من نصيحته؛ عن
دما يجع
ل األم
ر وظيف
ة أو إال عندما يتلقى
حرفة له ،ألجل البقاء أو ألجل تحقيق مكسب مالي ،لنشر م
ا تعتب
ره الدول
ة والمجتم
ع
شرا .ومن ثم ُ ّ
يقدم عن
صرا جدي
دا م
ن عناص
ر التعقي
د؛ وھ
و عل
ى وج
ه الدق
ة ،وج
ود
طبقات من الناس من ذوي المصالح المعارضة لما يعتبر رخاء عام
ا ،وي
ستند نمطھ
م
المعيشي على الفعل المضاد له )أي للرخاء العام( .أينبغي التدخل بھذا أم ال؟ ال بد م
ن
الت
سامح م
ع الزن
ا ،عل
ى س
بيل المث
ال ،وك
ذلك الح
ال م
ع المق
امرة؛ ولك
ن ھ
ل عل
ى
119
ق
وادا ،أو أن يف
تح دارا للقم
ار؟ إن الق
ضية ھ
ي
الشخص أن يكون حرا ف
ي أن ي
صبح ّ
تلك التي تقع على الخط الفاصل بين مبدأين تماما ،وال يع
رف ف
ي الوھل
ة األول
ى إل
ى
أي منھما تنتم
ي .ھنال
ك حج
ج عل
ى ك
ال الط
رفين .فعل
ى جان
ب الت
سامح ،ق
د يق
ال إن
حقيقة إتباع أي شيء بوصفه حرفة أو مھنة ،والعيش واالنتفاع من ممارسته ،ال يمكن
أن تجعالن من األمر إجراميا وھ
و أم
ر م
سموح ب
ه ف
ي خ
الف ذل
ك؛ وإن الفع
ل ،أم
ا
ّ
محرم
ا عل
ى ال
دوام؛ وإن
ه ل
و كان
ت المب
ادئ الت
ي يكون م
سموحا ب
ه عل
ى ال
دوام ،أو
ٌ
ش
أن بتحدي
د م
ا إذا ك
ان أي ندافع عنھا ھنا صحيحة ،ليس للمجتمع ،بوص
فه مجتمع
ا،
شيء خاطئا إذا كان يخص الفرد فقط؛ وإنه ليس ل
ه أن يتج
اوز ثني
ه أو إقناع
ه ب
الكف
عن ذلك .وعلى عكس ھذا ،قد يقال بأنه على الرغم م
ن أن ال
شعب ،أو الدول
ة ،لي
سوا
مخ
ولين ب
أن يق
رروا ب
شكل رس
مي ،ألغ
راض القم
ع أو العقوب
ة ،إن ھ
ذا ال
سلوك أو
ّ
ذاك ،وال
ذي ي
ؤثر عل
ى م
صالح الف
رد فق
ط ،ھ
و س
لوك جي
د أم س
يء ،وھ
م مب
ررون
تماما في االفتراض ،إذا ما اعتبروه سيئا ،بأن كونه سيئا أو ال ھي م
سألة قابل
ة للج
دل
على أقل تقدير :وإنھم ،إذا م
ا افترض
وا ذل
ك ،ال ي
ستطيعون الت
صرف بخط
أ ف
ي ب
ذل
الجھود الستثناء تأثير االلتماس
ات المنح
ازة للمحرض
ين ال
ذين ربم
ا ال ي
ستطيعون أن
يكون
وا حي
اديين – ال
ذين ل
ديھم م
صلحة شخ
صية مباش
رة ف
ي أح
د األط
راف ،وذل
ك
الطرف الذي تعتبره الدولة خاطئا ،والذين ّ
يقرون بنشره أو توسيعه ألھ
داف شخ
صية
فق
ط .يمك
ن بالتأكي
د أن ال يفق
د ش
يئا ،ال ت
ضحية بم
صلحة ،م
ن خ
الل تنظ
يم الق
ضايا
بحيث ﱠ
إن األشخاص ،بحكمة منھم أو بحماقة ،يجعل
ون انتخ
ابھم قائم
ا عل
ى توس
يعھا،
ب
أكبر درج
ة ممكن
ة م
ن االبتع
اد ع
ن فن
ون األش
خاص ال
ذين يحف
زون مي
ولھم نح
و
أھ
دافھم المغرض
ة .ل
ذا )وھك
ذا ق
د يق
ال( ،عل
ى ال
رغم م
ن أن الت
شريعات المتعلق
ة
باأللع
اب غي
ر القانوني
ة غي
ر قاب
ل لل
دفاع ب
شكل مطل
ق— عل
ى ال
رغم م
ن أن كاف
ة
األش
خاص يج
ب أن يكون
وا أح
رارا ف
ي المق
امرة ف
ي بي
وتھم ،أو ف
ي بي
وت بع
ضھم
ال
بعض ،أو ف
ي أي مك
ان اجتماع
ات يؤس
س ع
ن طري
ق إس
ھاماتھم ،وال يف
تح إال
لألعضاء ولضيوفھم – مع ذلك ،فإن بيوت القمار العامة ال يجب ال
سماح بھ
ا .ال ش
ك
120
أن المنع ليس مؤثرا البتة ،وأن بي
وت القم
ار يمك
ن ْ
أن ت
دار تح
ت أي م
زاعم أخ
رى،
مھما كان مق
دار ال
سلطة االس
تبدادية الت
ي يمك
ن إعطاؤھ
ا إل
ى ال
شرطة ،ولك
ن يمك
ن
إجبارھا على إجراء عملياتھا بدرجة معينة من السرية والغموض ،لكي ال يعرف اح
د
أي شيء عنھا ما عدا ھؤالء الذين يسعون إليھا؛ واألكثر م
ن ذل
ك ،ال ينبغ
ي للمجتم
ع
أن يسعى إليھا .ھناك قوة كبيرة في ھذه الجداالت .وسوف لن أغامر في الب
ت فيم
ا إذا
كانت كافية لتبرير الشذوذ األخالقي في معاقبة الملحق )الذي ساعد على الجريمة( في
حين يسمح )بل يجب أن يسمح( للفاعل الرئيس بأن يبقى حرا؛ أو ف
ي تغ
ريم أو ح
بس
القواد ،وليس الزاني؛ وصاحب بيت القمار ،وليس المقامر .أم
ا العملي
ات العام
ة للبي
ع
ّ
والشراء ،فينبغي أن ال يجري التدخل بھا ب
شكل كبي
ر ،اس
تنادا إل
ى أس
س م
شابھة .إن
ك
ل أداة أو حاج
ة يمك
ن بيعھ
ا وش
راؤھا ،تقريب
ا ،يمك
ن أن ت
ستخدم ب
إفراط ،وللمال
ك
مصلحة مالي
ة ف
ي الت
شجيع عل
ى ھ
ذا اإلف
راط؛ ولك
ن ال يمك
ن تأس
يس أي ج
دل عل
ى
ھذا ،لصالح قانون )ماين( ،عل
ى س
بيل المث
ال ،ألن طبق
ة المت
اجرين ف
ي الم
شروبات
القوية ،على الرغم من اھتم
امھم ب
سوء اس
تخدامھا ،إال أنھ
ا ض
رورية ب
شكل ال غن
ى
عنه لغرض االستخدام الشرعي .وعلى كل حال ،فإن مصلحة ھؤالء التج
ار ف
ي ن
شر
التعصب وتوسيعه ھو شر حقيقي ،ويبرر قيام الدولة بفرض القيود وطل
ب ال
ضمانات
التي يمكن أن تعتبر انتھاكات للحرية الشرعية ،لوال ذلك التبرير.
من األس
ئلة اإلض
افية األخ
رى ھ
و م
ا إذا ك
ان عل
ى الدول
ة ،عن
دما ت
سمح ،أن
تثبط ،رغ
م ذل
ك وب
شكل غي
ر مباش
ر ،ال
سلوك ال
ذي تعتب
ره مناق
ضا ألف
ضل م
صالح
العميل؛ سواء أكان عليھا اتخاذ بعض التدابير التي تجعل تعاطي الخمور ،عل
ى س
بيل
المثال ،أكثر كلفة ،أو إضافة المزيد من ال
صعوبة ف
ي توفيرھ
ا ،م
ن خ
الل تقلي
ل ع
دد
أم
اكن بيعھ
ا .يج
ب التميي
ز ب
ين أش
ياء عدي
دة ،ف
ي ھ
ذه الم
سألة كم
ا ف
ي العدي
د م
ن
الم
سائل العملي
ة .إن ف
رض ال
ضرائب عل
ى المحف
زات لغ
رض جعلھ
ا ص
عبة المن
ال
فق
ط ،ھ
و ت
دبير يختل
ف ع
ن منعھ
ا الت
ام ف
ي الدرج
ة فق
ط؛ ويك
ون مب
ررا عن
د تبري
ر
121
األخير فقط .إن كل زيادة في الكلفة ھي منع بالنسبة لھؤالء الذين ال ترتقي س
بلھم إل
ى
السعر المرتفع؛ أما بالنسبة للذين يستطيعون ،فإنھا عقوبة جزائية فرضت عليھم نتيجة
إلرضائھم لذوق معين .إن اختيارھم للمتع ،ونمطھم ف
ي إنف
اق دخلھ
م ،م
ن أج
ل تلبي
ة
التزاماتھم الشرعية واألخالقية للدولة ولألف
راد ،ھ
ي م
ن اھتمام
اتھم الخاص
ة ،وال ب
د
أن تترك لحكمھم الخ
اص .ق
د تب
دو ھ
ذه االعتب
ارات ،للوھل
ة األول
ى ،وكأنھ
ا ت
ستنكر
انتقاء المحفزات بوصفھا مواضيع خاصة لفرض الضرائب ألغ
راض اإلي
راد .ولك
ن
ال بد أن ّ
نتذكر أن فرض الضرائب لألغراض المالي
ة ھ
و ش
يء حتم
ي للغاي
ة؛ بحي
ث
إنﱠه في العديد من البلدان ،يصبح من ال
ضروري وج
وب أن ي
تم ج
زءا كبي
را م
ن تل
ك
العملي
ة ال
ضريبية ب
شكل غي
ر مباش
ر؛ وإن الدول
ة ،ل
ذلك ،ال ت
ستطيع إال أن تف
رض
العقوب
ات ،الت
ي يمك
ن أن تك
ون بالن
سبة ل
بعض األش
خاص ،تحريمي
ة عل
ى اس
تخدام
بع
ض األدوات ،أو ال
سلع االس
تھالكية .ل
ذا ف
إن م
ن واج
ب الدول
ة أن تنظ
ر ،ل
دى
فرض
ھا لل
ضرائب ،إل
ى ال
سلع الت
ي ي
ستطيع الم
ستھلك أن ي
ستغني عنھ
ا ب
سھولة؛
واألحرى بھا أن تختار ،على نحو تفضيلي ،تل
ك الب
ضائع الت
ي تعتب
ر اس
تخدامھا ،إذا
مؤذ عل
ى نح
و ايج
ابي .وعلي
ه ،ف
إن ف
رض ال
ضرائب عل
ى
ما تجاوز مقدارا معتدالٍ ،
المحفزين ،حتى النقط
ة الت
ي تن
تج اكب
ر ق
در م
ن اإلي
راد )إذا م
ا افترض
نا ب
أن الدول
ة
تحتاج إلى كل اإليراد الذي تقدمه( ،ليس مسموحا فقط ،بل سيتم اإلقرار به.
أما مسألة جعل بيع ھذه البضائع امتيازا حصريا نوعا ما ،فال بد أن تتم اإلجاب
ة
عليھا بشكل مختلف ،وفقا لألغراض التي أريد من اجلھ
ا للقي
د أن يك
ون خاض
عا .ك
ل
أم
اكن االس
تجمام العام
ة تتطل
ب قي
ودا م
ن ال
شرطة ،وھ
ذا الن
وع م
ن األم
اكن ب
شكل
خاص ،ألن اإلساءات ضد المجتمع تميل إلى أن تتأص
ل ھن
اك .ل
ذا ف
إن م
ن المناس
ب
أن ي
تم تقيي
د ق
وة بي
ع ھ
ذه ال
سلع ھن
اك )عل
ى األق
ل بالن
سبة لالس
تھالك ف
ي الموق
ع(
لألشخاص م
ن ذوي االحت
رام ال
سلوكي المع
روف أو الم
ضمون؛ إن القي
ام بمث
ل ھ
ذه
التنظيمات فيم
ا يخ
ص س
اعات الف
تح والغل
ق ،بم
ا تتطلب
ه إج
راءات المراقب
ة العام
ة،
122
وسحب الترخيص إذا ما حدثت خروقات متكررة للسالم عن طري
ق تغاض
ي ص
احب
البيت ،أو ع
دم قدرت
ه ،أو إذا أص
بح ملتق
ى إلع
داد الج
رائم ض
د الق
انون أو التح
ضير
لھا .ال اعتبر أي قيد إضافي آخر مبررا من حي
ث المب
دأ .فتحدي
د ع
دد أم
اكن الخم
ور
والم
شروبات الكحولي
ة ،عل
ى س
بيل المث
ال ،ألج
ل الغاي
ة الواض
حة لجعلھ
ا ص
عبة
ّ
يع
رض الجمي
ع إل
ى إزع
اج أو ع
دم مالئم
ة المن
ال ،وتقلي
ل مناس
بات اإلغ
راء ،ال
فحسب ،ألن ھناك بع
ض م
ن ال
ذين ي
سيئون اس
تخدام الوس
يلة ،ب
ل أنھ
ا تناس
ب أي
ضا
عامل فيه أبناء الطبقات العاملة ،وبشكل علني ص
ريح ،عل
ى إنھ
م
حالة المجتمع الذي يُ َ
أطفال أو ھمجيين ،ويوضعون تحت تعليم قسري ،لكي ي
صبحوا م
ؤھلين وي
سمح لھ
م
بالم
ستقبل ب
التمتع بامتي
از الحري
ة .ل
يس ھ
ذا ھ
و المب
دأ ال
ذي ي
تم في
ه حك
م الطبق
ات
العاملة عالنية في أي بلد حر؛ ما من ش
خص يعط
ي قيم
ة م
ستحقة للحري
ة يق
دم عل
ى
تأيي
د ال
سيطرة عل
يھم عل
ى ھ
ذا النح
و ،م
ا ل
م ي
تم اس
تنفاذ ك
ل الط
رق لتعل
يمھم ألج
ل
الحرية ومن ثم حكمھم كأحرار ،وقد اثب
ت ب
شكل حاس
م أنھ
م ال ُيحَكم
ون إال كأطف
ال.
إن مجرد ذكر البديل يبين سخف االفتراض بأن ھذه الجھود قد ت
م القي
ام بھ
ا ف
ي حال
ة
تحت
اج إل
ى أن نأخ
سبان .فق
ط ألن مؤس
سات ھ
ذا البل
د ھ
ي مح
ض
تضاربات ،نرى أن األشياء تجد قب
وال ف
ي ممارس
اتنا الت
ي تنتم
ي إل
ى نظ
ام الحكوم
ة
االستبدادية ،أو التي تسمى بالحكومة األبوية ،بينما تقوم الحرية العامة لمؤسساتنا بمنع
ممارس
ة مق
دار ال
سيطرة ال
ضروري ل
دعم س
يطرة أي كف
اءة حقيقي
ة بوص
فھا تعليم
ا
أخالقيا.
اشرنا في جزء سابق من ھذه المقالة ،إن حرية الفرد ،في األشياء التي ال تتعلق
إال بالفرد لوحده ،تدل بشكل ضمني على حرية مطابقة ألي عدد كان من األف
راد لك
ي
يتم تنظيم األشياء التي تخصھم بشكل مشترك ،وال تخص أي ش
خص آخ
ر س
واھم .ال
تقدم ھذه المسألة أي صعوبة ُتذكر ،طالما أن إرادة ك
ل األش
خاص المعني
ين بقي
ت ب
ال
تغيير؛ وطالما أن ھذه اإلرادة قد تتغير ،كثيرا ما يكون من ال
ضروري أن ي
دخلوا ف
ي
123
التزام
ات فيم
ا بي
نھم ،حت
ى ف
ي األش
ياء الت
ي ال تخ
ص أح
دا س
واھم؛ وعن
دما يفعل
ون
ذلك ،فمن المناسب ،كقاعدة عام
ة ،أن ت
تم المحافظ
ة عل
ى ھ
ذه االلتزام
ات .م
ع ذل
ك،
ف
إن لھ
ذه القاع
دة بع
ض االس
تثناءات ،ف
ي ق
وانين ك
ل بل
د تقريب
ا .األش
خاص لي
سوا
مل
زمين باالتفاقي
ات الت
ي تخ
رق حق
وق األط
راف الثالث
ة ،ل
يس ھ
ذا فح
سب ،ب
ل ف
ي
بعض األحيان تعتبر سببا كافيا إلعفائھم من االتفاق برمته ،إذ أنه ي
ضر بھ
م .ف
ي ھ
ذا
البلد وفي معظم البلدان المتحضرة األخ
رى ،عل
ى س
بيل المث
ال ،يك
ون االلت
زام ال
ذي
يجعل الشخص يبيع نفسه ،أو يسمح لنفسه بأن يباع ،كعب
د ،يك
ون ب
اطال و الغي
ا؛ وال
ينفّ
ذ م
ن قب
ل الق
انون وال م
ن قب
ل ال
اس لتحدي
د س
لطته ف
ي الت
صرف
بنصيبه من الحياة بشكل طوعي ،على ھ
ذا النح
و ،ھ
و أس
اس واض
ح ،ويمك
ن رؤيت
ه
بوض
وح ف
ي ھ
ذه الحال
ة المتطرف
ة .إن ال
سبب وراء ع
دم الت
دخل بأعم
ال ال
شخص
الطوعية ،ما لم يكن ذل
ك ألج
ل اآلخ
رين ،ھ
و اعتب
ار أو احت
رام لحريت
ه .إن اختي
اره
الط
وعي دلي
ل عل
ى أن م
ا اخت
اره ھ
و ش
يء محب
ب لدي
ه ،أو أن
ه عل
ى األق
ل ممك
ن
االحتم
ال بالن
سبة إلي
ه ،وأن م
صلحته عموم
ا م
صانة م
ن خ
الل ال
سماح ل
ه ب
أن يتب
ع
وسائله الخاصة ف
ي ال
سعي لتحقيقھ
ا .وب
ذلك فھ
و يھ
زم الغاي
ة نف
سھا الت
ي ھ
ي تبري
ر
السماح له بأن يتصرف بنفسه ،أو يتخلص منھا .ھو لم يعد حرا ،ولكنه منذ ذلك الحين
صار في وضع لم يعد فيه االفتراض في مصلحته الخاصة ،بأن ذلك يمكن تحمل
ه م
ن
خالل بقائه فيه بشكل طوعي .ال يستطيع مبدأ الحرية أن يتطلب منه أن يكون حرا في
أن ّ
يتخلى ع
ن حريت
ه )أي ف
ي أن ال يك
ون ّ
ح
را( .إن ال
سماح ل
ه ب
التخلي ع
ن حريت
ه
ليس حرية .ھذه األسباب ،التي تبرز قوتھا ف
ي ھ
ذه الق
ضية الغريب
ة ،تمتل
ك ب
ال ش
ك
تطبيقات واسعة جدا؛ وم
ع ذل
ك فق
د وض
ع لھ
ا ٌ
ح
د ف
ي ك
ل مك
ان م
ن قب
ل ض
رورات
الحياة ،التي ال تتطلب باس
تمرار أن نتخل
ى ع
ن حريتن
ا فع
ال ،ب
ل أن نواف
ق عل
ى ھ
ذا
القيد المفروض عليھا أو ذاك .وعلى كل حال ،فإن المبدأ الذي يطلب حري
ة فع
ل غي
ر
مقيدة ،في كل ما يخص العمالء أنفسھم فقط ،يتطلب أن يك
ون ھ
ؤالء ،ال
ذين أص
بحوا
م
رتبطين ببع
ضھم ال
بعض ،ف
ي األش
ياء الت
ي ال تخ
ص طرف
ا ثالث
ا ،ق
ادرين عل
ى أن
124
يعفي احدھم اآلخر من االلتزام :وحتى بدون إعفاء طوعي كھذا ،ربم
ا ل
م تك
ن ھنال
ك
عقود أو اتفاقيات ،عدا تلك التي ترتبط بالم
ال ،أو بقيم
ة الم
ال ،والت
ي ي
ستطيع الم
رء
أن يغامر قائال أنه ال ينبغي أن تكون ھناك أية حرية في االنسحاب منھا.
ذك
ر الب
ارون ويلھ
يلم ف
ون ھومبول
دت ،ف
ي المق
ال الممت
از ال
ذي س
بق وأن
اقتبست منه ،كما ل
و أن قناع
ة لدي
ه ،أن االلتزام
ات الت
ي تت
ضمن عالق
ات أو خ
دمات
شخصية ،يجب أن ال تكون ملزمة من الناحية القانونية إلى ما بعد فترة زمنية مح
ددة؛
وأن أھم ھذه االلتزامات ،وھو الزواج ،الذي يتمتع بالخصوصية التي تفيد ب
ان أھداف
ه
ستحبط ما لم تكن مشاعر الط
رفين من
سجمة مع
ه ،يج
ب أن ال يتطل
ب ش
يئا أكث
ر م
ن
مج
رد الرغب
ة المعلن
ة ل
دى أي م
ن الط
رفين م
ن أج
ل حلّ
ه .إن ھ
ذا الموض
وع أكث
ر
ّ
س
أعرج علي
ه عل
ى أھمية ،وأكثر تعقيدا من أن ُ َ
يناقش ف
ي اس
تطراد عرض
ي ،ولكن
ي
ق
در ض
رورته ألغ
راض اإلي
ضاح .إذا ك
ان إيج
از أطروح
ة الب
ارون ھومبول
دت
وتعميمھ
ا ،ل
م تجبران
ه ف
ي ھ
ذا المث
ال عل
ى أن يُقن
ع نف
سه بالت
صريح باس
تنتاجه دون
مناقشة المنطلقات ،فإن
ه ق
د أدرك دون ش
ك أن الم
سألة ال يمك
ن أن تح
سم عل
ى أس
س
بسيطة جدا كتلك التي حدد نفسه بھا .عندما يقوم شخص بت
شجيع آخ
ر ،أم
ا م
ن خ
الل
وعد صريح أو من خالل السلوك ،على أن يعتمد على اس
تمراره بالعم
ل أو الت
صرف
بطريقة معينة – أن يبن
ي توقع
ات وح
سابات ،وأن ي
سند أي ج
زء م
ن خطت
ه الحياتي
ة
على ذلك االفتراض – فإن سل
سلة جدي
دة م
ن االلتزام
ات األخالقي
ة تنبث
ق م
ن ناحيت
ه
نقض ،ولك
ن ال يمك
ن أن ُ َ
تھم
ل .وم
رة أخ
و ذل
ك ال
شخص ،والت
ي ربم
ا تُ
ْ
وض
عت طرف
ا
كانت العالقة بين الطرفين المتعاقدين لم تلحقھ
ا تبع
ات لآلخ
رين؛ وإذا َ َ
ثالثا في أي وضع خاص ،أو كما في حالة الزواج ،طالبت بوج
ود أط
راف ثالث
ة ،ف
إن
االلتزامات تنبثق م
ن ناحي
ة ك
ل م
ن الط
رفين المتعاق
دين تج
اه ھ
ؤالء األش
خاص ف
ي
الط
رف الثال
ث ،والت
ي يج
ب أن يك
ون انجازھ
ا ،أو نم
ط االنج
از ف
ي ك
ل األح
داث،
متأثرا بدرجة كبيرة باس
تمرارية العالق
ة ب
ين األط
راف األص
لية للعق
د ،أو انقطاعھ
ا.
ولكن ھذا لن يترتب عليه ،وال أنا استطيع اإلق
رار ،أن تت
سع ھ
ذه االلتزام
ات لتتطل
ب
125
انج
از العق
د بأي
ة تك
اليف م
ن س
عادة الط
رف المت
ردد؛ ولكنھ
ا عام
ل ض
روري ف
ي
الم
سألة؛ وحت
ى ل
و أنھ
ا ،كم
ا افت
رض ف
ون ھومبول
دت ،ل
م ت
ّ
شكل فرق
ا ف
ي الحري
ة
الشرعية لألطراف لكي تسحب نفسھا من االلتزام )واعتقد أيضا أنه ال ينبغي عليھا أن
تشكل فرقا كبيرا( ،فإنھا تشكل بالضرورة فرقا كبيرا ف
ي الحري
ة األخالقي
ة .ال
شخص
ملزم بأن يأخذ كل ھذه الظروف بعين االعتبار ،قبل أن يلجأ إلى خطوة ق
د ت
ؤثر عل
ى
مث
ل ھ
ذه الم
صالح المھم
ة لآلخ
رين؛ وإذا ل
م يق
م وزن
ا مناس
با لتل
ك الم
صالح ،فھ
و
مسؤول من الناحية األخالقية عن الخطأ .لقد قمت بھذه المالحظات الواضحة من أجل
توضيح أفضل للمب
دأ الع
ام للحري
ة ،ول
يس ألنھ
ا جميع
ا مطلوب
ة ف
ي الم
سألة المح
ددة
الت
ي ع
ادة م
ا تن
اقش ،وعل
ى العك
س م
ن ذل
ك ،كم
ا ل
و أن م
صلحة األطف
ال ھ
ي ك
ل
شيء ،وأن مصلحة البالغين ال تساوي شيئا.
الحظت سابقا أن الحرية ،ونتيجة لغياب أي مبادئ عامة معترف بھا ،كثيرا م
ا
وتحجب حيث ينبغي أن ُتمنح؛ ومن الحاالت الت
ي تك
ون
تمنح حيث ينبغي أن ُتحجبُ ،
ُ َ
فيھا عاطفة الحرية ،في العالم األوربي الحديث ،ھي العاطفة األقوى ،ھي الحال
ة الت
ي
توضع فيھا بالمكان الخطأ تماما ،حسب رأي
ي .ينبغ
ي أن يك
ون ال
شخص ح
را ف
ي أن
يفعل ما يحب في متعلقاته الخاصة؛ ولكن ال ينبغي له أن يكون حرا في فع
ل م
ا يح
ب
لآلخرين ،تحت ذريعة أن شؤون اآلخر ھي شؤونه ھو .بينما تحترم الدولة حري
ة ك
ل
فرد فيما يتعلق بذاته بشكل خاص ،ھ
ي ملزم
ة بإدام
ة س
يطرة متيقظ
ة عل
ى ممارس
ته
يحت
رم مطلق
ا تقريب
ا ف
ي
ألية قوة تسمح له بأن يسيطر اآلخرين .ولكن ھذا االلت
زام ال ُ َ
حال
ة العالق
ات العائلي
ة ،وھ
ي حال
ة أكث
ر أھمي
ة ،ف
ي تأثيرھ
ا المباش
ر عل
ى س
عادة
اإلن
سان ،م
ن كاف
ة الح
االت األخ
رى مجتمع
ة .ال تحت
اج س
تبدادية
تقريبا على زوجاتھم إلى أن نخوض فيھا بإسھاب ھنا ،ألنه ليس ھناك شيء مطل
وب
إلكمال إزالة الشر أكثر من أن تمتلك الزوج
ات نف
س الحق
وق ،وأن يتلق
ين حماي
ة م
ن
القانون وبنفس األسلوب ،شأنھن بذلك ش
أن ك
ل األش
خاص اآلخ
رين .وألن الم
دافعين
126
عن العدالة المؤسسة ال ينتفع
ون م
ن التم
اس الحري
ة ،ولك
نھم يب
رزون ب
شكل واض
ح
كأبطال للسلطة.
في حالة األطفال ،تكون األفكار المطبقة بشكل خاطئ عل
ى أفك
ار الحري
ة ھ
ي
العائق الحقيقي على انجاز الدولة لواجباتھا .يميل الفرد إلى االعتقاد بأن أطفال الرجل
ُيفت
رض أنھ
م ج
زء من
ه ،حرفي
ا ول
يس مج
دخل الق
انون ب
سيطرته
الح
صرية والمطلق
ة عل
يھم ھ
و رأي غي
ور ج
دا؛ أكث
ر غي
رة م
ن أي ت
دخل بحريت
ه
الخاص
ة ف
ي الت
صرف :ل
ذا ف
إن عام
ة الب
شر يقيّم
ون الحري
ة أق
ل بكثي
ر مم
ا يقيم
ون
السلطة .تأم
ل ف
ي حال
ة التعل
يم ،عل
ى س
بيل المث
ال ،ألي
ست حقيق
ة بديھي
ة واض
حة أن
على الدولة أن توجب التعليم ،حتى مستوى معينا ،وتجعله إلزاميا على ك
ل م
ن يعتب
ر
مواطنھا بالوالدة؟ ومع ذلك فم
ن ال
ذي يخ
شى م
ن االعت
راف بھ
ذه الحقيق
ة وتأكي
دھا؟
من الن
ادر أن ينك
ر أح
د أن م
ن ب
ين أھ
م وأق
دس واجب
ات الوال
دين )أو الوال
د ،ح
سبما
يق
ول الق
انون واالس
د أن ينجب
ا إن
سانا ويجلبان
ه إل
ى الوج
ود ،ھ
و أن
ي
وفرا لھ
ذا اإلن
سان تعليم
ا يؤھل
ه لتأدي
ة دوره جي
دا ف
ي الحي
اة ،تج
اه اآلخ
رين وتج
اه
نفسه .ولكن بينما أعلن ذلك باإلجماع على أنه واجب األب ،من النادر في ھذا البلد أن
يحتمل أي احد أن يسمع بأنه مجبر على تأدية ذل
ك الواج
ب .وب
دال م
ن أن يطل
ب من
ه
القيام بأي جھد أو تضحية ألجل تأمين تعليم الطفل ،ترك األم
ر الختي
اره ف
ي ّ
تقبل
ه أو
ال ،عندما يتم توفيره بالمجان! ما زال من غير المدرك أن جلب طفل إلى الوجود دون
فرص
ة مناس
بة ف
ي الق
درة ،ل
يس فق
ط عل
ى ت
وفير الطع
ام لج
سده ،ب
ل ت
وفير التعل
يم
والت
دريب لعقل
ه أي
ضا ،إنم
ا ھ
و جريم
ة أخالقي
ة ،ض
د ذل
ك الن
سل التع
يس ،وض
د
المجتمع أيضا؛ والوالدين إذا ما أخفقوا في انجاز ھذا االلتزام ،فعلى الدولة أن تحرص
على رؤيته منجزا ،وعلى نفقة الوالد ،على قدر المستطاع.
127
إلى محض ساحة حرب للطوائف واألحزاب ،متسببة ف
ي ھ
در الوق
ت والجھ
د ،الل
ذان
يفترض بھما أن ينفقا في التعل
يم ،في
ضيعان ف
ي المع
ارك ح
ول التعل
يم .إذا م
ا ق
ررت
الحكومة أن توجب لك
ل طف
ل تعليم
ا جي
دا ،فإنھ
ا ق
د تجن
ب نف
سھا م
شكلة ت
وفيره .فق
د
تترك اآلباء يحصلون على التعليم ف
ي المك
ان وبالطريق
ة الت
ي يرغب
ون ،وتكتف
ي )أي
الحكومة( بمساعدة الطبقة الفقيرة من األطفال على دفع رسوم المدارس ،ودفع النفقات
الدراسية بالكامل لھؤالء الذين ليس لديھم احد ليدفع ألجلھم.
إن االعتراضات التي أثيرت ،ألسباب معينة ،ض
د تعل
يم الدول
ة ال تنطب
ق عل
ى
تنفيذ التعليم من قبل الدولة ،بل على قيام الدولة بتولي مھم
ة توجي
ه ذل
ك التعل
يم :وھ
و
شيء مختلف تماما .أن يكون كل تعليم الناس أو جزء كبير منه في يد الدولة ،ھو أم
ر
أرف
ضه إل
ى ابع
د م
دى .ك
ل م
ا قي
ل ع
ن أھمي
ة فردي
ة ال
شخص ،والتن
وع ف
ي اآلراء
وأنماط السلوك ،يتضمن تنوع
ا ف
ي التعل
يم ال يق
ل ش
أنا ف
ي أھميت
ه البالغ
ة .إن التعل
يم
الع
ام للدول
ة ھ
و مج
رد مخط
ط لقولب
ة الن
اس ليكون
وا مت
شابھين تمام
ا م
ع بع
ضھم
ال
ب ال
ذي ت
رميھم في
ه ھ
و ذل
ك ال
ذي تري
ده الق
وة المھيمن
ة ف
ي
الحكومة ،سواء أكان ملكا ،أو كھنة ،أو طبقة ارستقراطية ،أو غالبية الجيل الموج
ود،
بالن
سبة الكافي
ة والناجح
ة ،فإن
ه سيؤس
س اس
تبدادا وت
سلطا عل
ى العق
ل ،يق
ود بطبيع
ة
الحال إلى تسلط على الجسد.
إن التعل
يم ال
ذي تؤس
سه الدول
ة وت
سيطر علي
ه يج
ب أن يتواج
د ،إن وج
د عل
ى
اإلطالق ،كواحد من بين العديد م
ن التج
ارب المتناف
سة ،وت
تم مواص
لته ألج
ل المث
ال
والحافز ،إلبقاء اآلخرين عل
ى م
ستوى معي
ار مع
ين م
ن التف
وق .م
ا ل
م يك
ن المجتم
ع
ب
شكل ع
ام ف
ي حال
ة م
ن التراج
ع الفعل
ي بحي
ث ال ي
ستطيع ،أو ال ي
وفر لنف
سه أي
ة
مؤسسات تعليمي
ة مناس
بة ،وم
ا ل
م تك
ن الحكوم
ة ق
د تول
ت ھ
ذه المھم
ة؛ حينھ
ا يمك
ن
للحكوم
ة ،وك
أھون ال
ّ
شرين الج
سيمين ،أن تت
ولى عل
ى عاتقھ
ا مھم
ة الم
دارس
والجامعات ،مثلما تقوم بعمل الشركات التعاوني
ة أو الم
ساھمة ،عن
دما ال يوج
د قط
اع
128
خاص على نحو يؤھله لتولي أعماال صناعية ضخمة ف
ي البل
د .ولك
ن ب
شكل ع
ام ،إذا
كان البلد يحتوي على عدد مناسب من األشخاص الم
ؤھلين لت
وفير التعل
يم تح
ت دع
م
الحكومة ،فإن األشخاص نفسھم سيكونون قادرين وراغبين في إعطاء تعليم مساو ٍ في
الجودة ،على مبدأ طوعي ،ف
ي ظ
ل ت
أمين األج
ور الت
ي يتحملھ
ا ق
انون يجع
ل التعل
يم
إلزاميا ،مصحوبا بدعم من الدولة لھؤالء الذين ال يستطيعون تحمل النفقات.
أما أداة تفعيل القانون فال يمكن أن تكون إال امتحانات عامة ،تمتد لكل األطفال،
وتبدأ في عمر مبكر .يمكن تحديد عمر يجب فيه اختبار كل طفل ،للتأكد من قدرته )أو
قدرتھا( على القراءة .إذا اثبت الطفل أنه غير قادر ،فإن والده قد يتع
رض إل
ى غرام
ة
معقولة ،يتم استيفاؤھا من عمله إن اقت
ضى األم
ر ،م
ا ل
م يك
ن لدي
ه ع
ذر م
ستند عل
ى
أساس مالئم ،ويتم وضع الطفل في المدرسة على نفقته .يجب تجديد االمتحان مرة في
كل ع
ام ،بنط
اق يت
سع بالت
دريج ،ألج
ل أن ي
صنع اكت
سابا ش
امال ،واألكث
ر م
ن ذل
ك،
احتفاظا بحد أدنى م
ن المعرف
ة العام
ة ،اإلجباري
ة تقريب
ا .وم
ا بع
د ذل
ك الح
د األدن
ى،
يجب أن تكون ھناك امتحانات طوعية في كاف
ة المواض
يع ،وك
ل م
ن ي
صل فيھ
ا إل
ى
معيار معين من الكفاءة يحق لھم المطالبة بشھادة.
ومن أجل منع الدولة من ممارسة تأثير غير الئق على ال
رأي ،م
ن خ
الل ھ
ذه
الترتيب
ات ،ف
إن المعرف
ة المطلوب
ة ألج
ل اجتي
از امتح
ان مع
ين )فيم
ا وراء األج
زاء
اإلجرائي
ة أو األساس
ية م
ن المعرف
ة ،كاللغ
ات واس
تخدامھا( ،يج
ب أن تك
ون مح
ددة
بالحقائق والعلوم االيجابي
ة ح
صرا ،حت
ى ف
ي األص
ناف العلي
ا م
ن االمتحان
ات .يج
ب
على االمتحانات في الدين ،والسياسة ،أو في المواضيع المثيرة للجدل األخ
رى ،أن ال
تتبنى ردود أفعال معينة حول صحة اآلراء أو خطأھا ،بل تعتم
د عل
ى الحق
ائق القائل
ة
بأن الرأي كذا ،يعتقد به كذا من المؤلفين ،أو المدارس ،أو الكنائس ،على األسس ك
ذا.
ف
ي ظ
ل ھ
ذا النظ
ام ،ال يك
ون الجي
ل الق
ادم أس
وأ ح
اال فيم
ا يتعل
ق بالحق
ائق المتن
ازع
عليھا مما ھم عليه في الوقت الحاضر؛ سينشئون أما كرجال دين ،أو كمن
شقين ،مثلم
ا
129
ھم اآلن ،أما الدولة فستھتم فقط بأنھم يجب أن يكونوا رجال دين متعلم
ين ،أو من
شقين
متعلمين .لن يكون ھناك شيء يعيقھم من ّ
تعلم ال
دين ،إن اخت
ار آب
ائھم ذل
ك ،ف
ي نف
س
المدارس التي كانوا يتعلمون فيھا أشياء أخرى.
إن كل محاوالت الحكومة الستمالة اس
تنتاجات مواطنيھ
ا ف
ي بع
ض المواض
يع
الجدلية ،ھي مح
اوالت ش
ريرة؛ ولكنھ
ا ق
د تع
رض ،عل
ى نح
و الئ
ق ج
دا ،أن تتحق
ق
وتؤكد أن شخصا معينا يمتلك المعرفة الضرورية للقيام باستنتاجاته ،في أي موض
وع
معين ،وھي معرفة تستحق التعامل معھا .فيكون طالب الفلسفة ھ
و األف
ضل ف
ي كون
ه
قادرا على اجتياز امتحان في كل من ]جون[ لوك و]عمانوئي
ل[ كان
ت ،أي
ا ك
ان ال
ذي
يتفق معه من ھذين ،أو حتى وان لم يتفق مع احد :وليس ھناك اعتراض معق
ول عل
ى
امتحان الملحد ببراھين الديانة المسيحية ،شرط أن ال يطلب منه أن يعتنق اعتقادا بھ
ا.
وعلى كل حال ،فإن االمتحانات في الفروع العليا من المعرفة يج
ب أن تك
ون طوعي
ة
بشكل كامل حسب ما اعتق
د .ل
و س
مح للحكوم
ات باس
تثناء أي ش
خص م
ن الوظ
ائف،
حتى من وظيفة المعلم ،بسبب نقص مزعوم في المؤھالت ،فإنه سيكون بمثابة إعطاء
سلطة خطيرة جدا للحكومات :وأنا اعتقد ،مع ويلھيلم فون ھومبولدت ،ب
أن ال
درجات،
أو الشھادات العامة األخ
رى للمكت
سبات العلمي
ة او المھني
ة ،يج
ب أن تعط
ى لك
ل م
ن
يق
دمون أنف
سھم لالمتحان
ات ،ويجت
ازون االختب
ار؛ ولك
ن ھ
ذه ال
شھادات يج
ب أن ال
تخول أي امتياز عل
ى المتناف
سين ،غي
ر ال
وزن ال
ذي يمك
ن أن ي
سنده أو يلحق
ه ال
رأي
ّ
العام بشھادتھم.
ليس األم
ر ف
ي التعل
يم فق
ط ،أن تج
د أن أفك
ار الحري
ة الت
ي ف
ي غي
ر موض
عھا
تمنع االلتزامات األخالقية من جانب اآلباء م
ن أن ُيعت
رف بھ
ا ،كم
ا تمن
ع االلتزام
ات
الشرعية من أن ُ َ
تفرض ،حيث ھناك دائما أقوى األسس بالنسبة لألول ،وف
ي مناس
بات
عديدة لألخير أيضا .إن حقيقة التسبب في وجود إنسان بنفسھا ،ھي واحدة من األفع
ال
األكثر مسؤولية في نطاق الحياة اإلنسانية .إن تولي ھذه المسؤولية – أن تمنح حياة قد
130
تكون لعنة أو تكون بركة – ھي جريم
ة بح
ق ذل
ك اإلن
سان ،م
ا ل
م يك
ن ل
دى اإلن
سان
حياة محببة .وفي بلد م
زدحم
ٍ وجود أو
ٍ الذي ُ َ ْ
منحت له فرص اعتيادية ،على األقل ،في
بالسكان ،أو مھدد بأن يكون كذلك ،يكون إنجاب األطفال ،إلى حد يفوق العدد الصغير
جدا ،بتأثير تقليل مكافأة الجھد أو العمل م
ن قب
ل مناف
ستھم ،ھ
ي إس
اءة ج
ادة ض
د ك
ل
الذين يعيشون من خالل أجور أو مكافآت أعمالھم .إن القوانين التي ّ
تحرم الزواج ،في
العديد من بلدان الق
ارة ،م
ا ل
م ي
تمكن الطرف
ان م
ن أثب
ات أنھم
ا يمتلك
ان س
بل تأس
يس
األس
رة ودعمھ
ا ،ال تتخط
ى ال
سلطات ال
شرعية للدول
ة :وس
واء أكان
ت ھ
ذه الق
وانين
مناسبة أم ال )فھذه مسألة تعتمد بشكل رئيس على الظروف والعواطف المحلية( ،فھي
لي
ست مثي
رة لالعتراض
ات بوص
فھا انتھاك
ات للحري
ة .إن مث
ل ھ
ذه الق
وانين ھ
ي
تدخالت م
ن قب
ل الدول
ة لمن
ع الفع
ل الم
ؤذي – الفع
ل ال
ذي يلح
ق ال
ضرر ب
اآلخرين،
والذي ينبغي أن يك
ون موض
عا لل
رفض ،والع
ار االجتم
اعي ،حت
ى عن
دما ال ُ ّ
يع
د م
ن
المناسب اإلفراط في العقاب الشرعي .مع ذلك ،فإن أفكار الحرية الحالية ،التي تنحن
ي
بسھولة لالنتھاكات الحقيقية لحرية الفرد في األشياء التي ال تخص سوى الف
رد نف
سه،
ستصد محاولة وضع أية قيود على ميول
ه عن
دما تك
ون تبع
ات انغماس
ھم ھ
ي حي
اة أو
حيوات من البؤس والحرمان لألبناء ،مع ش
رور م
ضاعفة عل
ى ھ
ؤالء ال
ذين يقع
ون
ف
ي متناولھ
ا ف
ي أن يت
أثروا بأفع
الھم ب
أي طريق
ة كان
ت .عن
دما نق
ارن احت
رام الب
شر
الغريب للحرية ،مع حاجتھم الغريبة الحترامھم لھا ،ق
د نت
صور أن ل
دى اإلن
سان ح
ق
ال غنى عنه في إيذاء اآلخرين ،وليس لديه حق مطلق
ا ف
ي أن يمت
ع نف
سه ب
دون إلح
اق
األلم بأي شخص آخر.
لق
د أبقي
ت للج
زء األخي
ر فئ
ة كبي
رة م
ن الم
سائل فيم
ا يتعل
ق بح
دود الت
دخل
الحك
ومي ،والت
ي ال تنتم
ي للمق
ال ،ب
شكل متزم
ت ،عل
ى ال
رغم م
ن ارتباطھ
ا
بموضوعه .وتلك ھي الحاالت التي ال تق
وم فيھ
ا األس
باب ض
د الت
دخل بمھاجم
ة مب
دأ
الحرية :السؤال ليس ح
ول تقيي
د أفع
ال األف
راد ،ب
ل ح
ول م
ساعدتھم :كثي
را م
ا ُي
سأل
131
حول ما إذا كان ينبغي على الحكومة أن تفع
ل ،أو تت
سبب ف
ي فع
ل ش
يء لم
صلحتھم،
بدال من أن تترك األمر ليفعلونه بأنفسھم ،بشكل فردي ،أو في تجمع طوعي.
إن االعتراض
ات ض
د الت
دخل الحك
ومي ،عن
دما ال يحت
وي عل
ى انتھاك
ات
للحرية ،يمكن أن تكون على ثالثة أنواع:
النوع األول ،عندما يمكن للشيء المراد فعله أن يتم فعله ب
شكل أف
ضل عل
ى ي
د
األف
راد من
ه عل
ى ي
د الحكوم
ة .وب
صورة عام
ة ،ل
يس ھن
اك م
ن ش
خص مالئ
م ج
دا
إلجراء أي تجارة أو عمل ،أو تحديد كيفية إجراؤھا أو الشخص الذي يجريھا ،كھؤالء
المھتم
ين بھ
ا ب
شكل شخ
صي .ھ
ذا المب
دأ ي
دين الت
دخالت ،الت
ي كان
ت ش
ائعة ج
دا،
للمجلس التشريعي ،أو للمسؤولين الحكوميين ،في العمليات االعتيادية للصناعة .ولكن
ھذا الجزء من الموضوع توسع فيه العديد من االقت
صاديين ال
سياسيين م
ن قب
ل ،وھ
و
ليس مرتبطا بشكل خاص بمبادئ ھذا المقال.
أم
ا االعت
راض الث
اني ،فھ
و تقريب
ا أكث
ر ص
لة بموض
وعنا .ف
ي العدي
د م
ن
القضايا ،على الرغم من أن األفراد قد ال يفعل
ون ال
شيء المح
دد ب
شكل جي
د ،عموم
ا،
ّ
المف
ضل أن ي
تم فع
ل ذل
ك ال
شيء م
ن كم
ا يفعل
ه الم
سؤولون الحكومي
ون ،إال أن
ه م
ن
قبلھم أنفسھم ،وليس من قبل الحكومة ،كوسيلة لتعلمھم العقلي – نمط من أنماط تعزيز
يترك
ون
قدراتھم الفاعلة ،وممارسة أحكامھم ،وإعطائھم معرفة مألوفة للمواضيع التي ُ َ
للتعامل معھا .ھذه ھي توص
ية رئي
سية ،رغ
م أنھ
ا لي
ست الوحي
دة ،لمحكم
ة المحلف
ين
)في القضايا غير السياسية(؛ والمؤس
سات البلدي
ة والمحلي
ة الح
رة وال
شعبية؛ وإج
راء
مشاريع صناعية وخيرية من قبل الجمعيات الطوعية.
لي
ست ھ
ذه بق
ضايا حري
ة ،وال ت
رتبط ب
ذلك الموض
وع إال م
ن خ
الل المي
ول
البعيدة؛ ولكنھا قضايا تطور .وھي تعود لمناسبة مختلفة عن الحاض
ر لتع
يش ف
ي تل
ك
132
األشياء كأجزاء من التعليم القومي؛ بوص
فھا ،ف
ي الواق
ع ،الت
دريب المتف
رد للم
واطن،
الجزء العملي من التعليم السياسي للشعب الحر ،إلخراجھم من الدائرة الضيقة لألنانية
الشخصية والعائلية ،وتعويدھم على استيعاب المصالح الم
شتركة ،وإدارة االھتمام
ات
المشتركة – تعويدھم على العمل من دوافع عامة أو ش
به عام
ة ،وتوجي
ه س
لوكھم م
ن
خالل أھداف توحدھم وال تفصل احدھم عن اآلخر.
بدون ھذه العادات والسلطات ،ال يمكن تفعيل الدستور الحر ،وال الحف
اظ علي
ه؛
وكما يتبين في طبيعة الحرية السياسية ،التي كثيرا ما تكون مؤقتة ،في البلدان الت
ي ال
تستند على أساس متين من الحريات المحلية .إن إدارة التجارة المحلية الخالصة ،على
ي
د اإلدارات المحلي
ة ،والم
شاريع ال
صناعية ال
ضخمة عل
ى ي
د نقاب
ات ھ
ؤالء ال
ذين
يوفرون الوسائل المالية ،أوصي به أيضا من قبل كل االمتي
ازات الت
ي ت
م تق
ديمھا ف
ي
ھذا المقال على أنھ
ا ترج
ع إل
ى فردي
ة التط
ور ،وتن
وع أنم
اط الفع
ل .تن
زع العملي
ات
الحكومية إلى أن تكون متشابھة في كل مكان .أما م
ع األف
راد والجمعي
ات أو ال
روابط
الطوعية ،فعلى العكس ،ھنالك تجارب متباينة وتنوع ال ح
صر ل
ه م
ن الخب
رة .إن م
ا
تستطيع الدولة أن تفعله بشكل مفيد ،ھ
و أن تجع
ل نف
سھا م
ستودعا مركزي
ا ،ومحرك
ا
وموزع
ا ن
شيطا ،للخب
رة المتأتي
ة م
ن العدي
د م
ن التج
ارب .وعملھ
ا ھ
و أن ّ
تمك
ن ك
ل
ّ
مجرب من االستفادة من تجارب اآلخرين؛ بدال من عدم تقبل أي تجرب
ة غي
ر تجارب
ه
الخاصة.
أما ال
سبب الثال
ث ،واألكث
ر إقناع
ا ،لتحدي
د الت
دخل الحك
ومي فھ
و ال
شر الكبي
ر
لإلضافة غير الضرورية لقوتھا .إذ أن ك
ل وظيف
ة م
ضافة ب
إفراط إل
ى تل
ك الوظ
ائف
التي كان
ت تم
ارس ف
ي ال
سابق م
ن قب
ل الحكوم
ة تت
سبب ف
ي أن ينت
شر تأثيرھ
ا عل
ى
اآلم
ال والمخ
اوف ،عل
ى نح
و أكث
ر ات
ساعا ،وتُ ّ ُ
ح
ول الق
سم الفاع
ل والطم
وح م
ن
الجمھور ،وبشكل متزايد ،إل
ى متطفل
ين عل
ى الحكوم
ة ،أو عل
ى ح
زب مع
ين يھ
دف
إل
ى أن يك
ون ھ
و الحكوم
ة .إذا كان
ت الط
رق ،وال
سكك الحديدي
ة ،والبن
وك ،ودوائ
ر
التأمين ،وشركات الم
ساھمة الكب
رى ،والجامع
ات ،والجمعي
ات الخيري
ة العام
ة ،كلھ
ا
133
فروع من الحكومة؛ وإذا أصبحت المؤسسات البلدية والمجالس المحلية ،بك
ل م
ا ينق
ل
إليھا اليوم ]من مسؤوليات[ ،أقساما م
ن اإلدارة المركزي
ة؛ وإذا ك
ان موظف
و ك
ل ھ
ذه
المؤسسات يعينون من قبل الحكومة ،ويتلقون أجورھم منھا ،وينظ
رون إل
ى الحكوم
ة
لك
ل ارتف
اع ف
ي المعي
شة؛ ف
ال حري
ة ال
وين ال
شعبي الع
ام للمجل
س
التشريعي يستطيعان جعل ھذا البلد أو ذاك ،بلدا حرا ،إال باالس
م فق
ط .وس
يكون ال
شر
اكبر ،فكلما كان بناء اآللية اإلدارية بشكل أكث
ر كف
اءة وعلمي
ة ،كلم
ا كان
ت الترتيب
ات
للحصول على األيادي والعقول األكثر كفاءة وأھلية للعمل فيه ،أكثر مھارة.
ُ
اقترح في انجلترا مؤخرا أن يتم اختيار كل أعضاء الخدمة المدنية للحكومة من
خالل اختبار تنافسي ،ألجل الح
صول عل
ى األش
خاص األكث
ر ذك
اء واألح
سن تعليم
ا
لشغل تلك الوظائف؛ وقد قيل الكثير وكتب الكثي
ر ل
صالح ھ
ذا االقت
راح أو ض
ده .م
ن
الحجج التي ألح عليھا معارض
وه ،ھ
ي أن وظيف
ة الموظ
ف الرس
مي الثاب
ت للدول
ة ال
تتضمن فرصا مالئمة من المكافأة واألھمية لتجذب المواھب أو الكف
اءات العلي
ا ،الت
ي
س
تكون دائم
ا ق
ادرة عل
ى إيج
اد حي
اة عم
ل أكث
ر ج
ذبا ف
ي الوظ
ائف ،أو ف
ي خدم
ة
الشركات واألجھزة العامة األخرى .لن ي
ستغرب الم
رء ل
و أن ھ
ذا الج
دل ق
د اس
تخدم
م
ن قب
ل أص
دقاء ھ
ذا المقت
رح ،كج
واب عل
ى ص
عوبته الرئي
سة .ولك
ن قدوم
ه م
ن
المعارضين ينضوي على ما يكفي من الغرابة .إن ما أثير على أن
ه اعت
راض ھ
و ف
ي
الواقع صمام األمان للنظام المقترح .فإذا أمكن سحب كل المواھب العليا ف
ي البل
د إل
ى
خدمة الحكومة ،فإن المقترح الذي يميل إلى تحقيق تلك النتيجة ق
د يثي
ر ع
دم االرتي
اح
أيضا .لو أن كل قسم من تجارة المجتمع أو أعماله التي تتطلب تناغما منظم
ا ،أو آراء
واسعة وشاملة ،كان في أيادي الحكومة ،ولو أن كل المناصب الحكومية قد شغلت من
قبل الرجال األكثر قدرة ،فإن كل الثقافة الموسعة والذكاء المم
ارس ف
ي البل
د ،م
ا ع
دا
التخمين
ي ال
صرف ،س
يتركز ف
ي بيروقراطي
ة متع
ددة ،وس
ينتظر بقي
ة أف
راد المجتم
ع
منھا فقط ،القيام بكل األشياء :كلما تعددت االتجاھات واالمالءات ف
ي ك
ل م
ا يتوج
ب
عل
يھم فعل
ه؛ كلم
ا أص
بحوا أكث
ر ق
درة وتطلع
ا نح
و التق
دم الشخ
صي .إن ال
سماح
134
بالدخول في طبقات ھذه البيروقراطية ،والتدرج فيھ
ا واالرتق
اء بع
د ال
سماح ،س
يكون
الھدف الوحيد للطم
وح .ف
ي ظ
ل ھ
ذا النظ
ام ،ل
يس الجمھ
ور ال
ذي ف
ي الخ
ارج س
يء
التأھيل فحسب ،الفتقاره إلى الخبرة العملية ،لينتقد أو يدقق نمط العملية البيروقراطية،
بل حتى ْ
إن رفعت حوادث االش
تغال االس
تبدادي أو الطبيع
ي للمؤس
سات ال
شعبية ب
ين
حين وآخر ،قائد أو قادة المي
ول اإلص
الحية إل
ى القم
ة ،ف
إن أي إص
الح يتن
اقض م
ع
مصلحة البيروقراطية لن يتم تفعيله.
ھذه ھي الحالة الكئيبة لإلمبراطورية الروسية ،كما ظھرت ف
ي رواي
ات ھ
ؤالء
ال
ذين أتيح
ت لھ
م الفرص
ة الكافي
ة للمالحظ
ة .فالقي
صر نف
سه ض
عيف أم
ام الكي
ان
البيروقراطي؛ فھو يستطيع إرسال أي منھم إل
ى س
يبيريا ولكن
ه ال ي
ستطيع الحك
م م
ن
دونھم ،أو بالضد من إرادتھم .ففي كل مرسوم يصدر عنه ،كان لديھم حق نق
ض ،م
ن
خالل مج
رد االمتن
اع ع
ن تنفي
ذه .أم
ا ف
ي البل
دان ذات الح
ضارة األكث
ر تق
دما ،وذات
الروحية االنبعاثية ،فإن الجماھير التي اعت
ادت عل
ى توق
ع أن تعم
ل الدول
ة ك
ل ش
يء
لھم ،أو على األقل أن ال يفعلوا ش
يئا ألنف
سھم دون أن ي
سألوا الدول
ة ،ل
يس أن تم
نحھم
إذنا بذلك فح
سب ،ب
ل ي
سألونھا حت
ى ع
ن كيفي
ة القي
ام ب
ذلك ال
شيء ،م
ن الطبيع
ي أن
تعتب
ر الدول
ة م
سؤولة ع
ن ك
ل ال
شر ال
ذي ق
د ين
زل بھ
م ،وعن
دما يف
وق ال
شر ح
دود
صبرھم ،فإنھم يثبون على الحكومة ويقومون بم
ا ي
سمى ب
الثورة؛ حي
ث يقف
ز ش
خص
آخ
ر ،ب
سلطة ش
رعية م
ن األم
ة ،أو ب
دونھا ،إل
ى كرس
ي الحك
م ،وي
صدر أوام
ره
للبيروقراطية ،فيمضي كل شيء على ما كان عليه في السابق ،وال ن البيروقراطية ال
تتغير ،فإن أي شخص يستطيع أن يحل محلھم.
135
في الشؤون العسكرية ،ھو حال األمريكيين ف
ي ك
ل ن
وع م
ن أن
واع األعم
ال المدني
ة؛
دعھم يصبحوا بال حكومة ،وسيكون كل فرد من األمريكان قادرا على ارتجال واحدة،
ومواصلة ذلك العمل ،أو أي عمل عام آخر بمقدار كاف من الذكاء ،والنظام ،والقرار.
ھذا ما ينبغي أن يكون عليه كل شعب :والشعب القادر على ھ
ذا األم
ر ھ
و ش
عب ح
ر
بال شك؛ لن يترك نفسه ليستعبد من قب
ل أي رج
ل أو كي
ان م
ن الرج
ال ألنھ
م ق
ادرين
على اإلمساك بلجام اإلدارة المركزية ،وسحبه.
ال ت
ستطيع أي بيروقراطي
ة أن تمن
ي نف
سھا بجع
ل مث
ل ھ
ذا ال
شعب يفع
ل أو
يتحمل أي شيء ھو ال يريده .ولكن عندما يتم فعل كل شيء من خ
الل البيروقراطي
ة،
فإن أي شيء تعاكسه البيروقراطية وتعاديه ال يمكن أن ي
تم عل
ى اإلط
الق .إن تك
وين
مثل ھذه البلدان ھو تنظيم للخبرة والقدرة العملية لألمة ،في كيان منظم م
ن اج
ل حك
م
اآلخرين؛ وكلما كانت تلك المنظمة أكثر كماال ،كلما كان
ت أكث
ر نجاح
ا ف
ي أن تج
ذب
ّ
وتعلمھ
م إليھ
ا األش
خاص ال
ذين يمتلك
ون الق
درة األكب
ر وم
ن ك
ل طبق
ات المجتم
ع،
ل
صالحھا ،وكلم
ا أص
بح القي
د عل
ى الجمي
ع ،بم
ا ف
يھم أع
ضاء البيروقراطي
ة ،أكث
ر
ّ
الحك
ام ھ
م عبي
د لمنظم
تھم ونظ
امھم ،مثلم
ا المحكوم
ون عبي
د للحك
ام. اكتم
ي أن نن
سى أي
ضا أن امت
صاص ك
ل الق
درة الرئي
سية للبل
د ف
ي الكي
ان
الحاكم ھو شيء مھلك ،عاجال أم آجال ،للن
شاط العقل
ي والتقدمي
ة ف
ي الكي
ان نف
سه .إن
الكي
ان الرس
مي ،المتوح
د م
ع بع
ضه كم
ا ھ
و علي
ه – م
شكال نظام
ا ،ك
سائر أن
واع
األنظمة ،يمضي بالضرورة ،وإلى درجة كبيرة ،بواسطة القواعد الثابت
ة— ھ
و تح
ت
االنجذاب المستمر نح
و تغ
رق ف
ي ال
روتين الك
سول ،أو إذا م
ا ھج
روا دائ
رة ح
صان
الطاحونة تلك بين الحين واآلخر ،فاإلس
راع نح
و ف
ضاضة ن
صف مفحوص
ة ض
ربت
خي
ال أح
د األع
ضاء القي
اديين ف
ي الھيئ
ة :وكان
ت الرقاب
ة الوحي
دة عل
ى ھ
ذه المي
ول
136
المتحالفة بشكل مباشر ،على الرغم من أنھا تبدو متعاكسة ،والحافز الوحيد الذي يمكن
أن يبقي إمكاني
ة الكي
ان نف
سه عن
د معي
ار مرتف
ع ،ھ
ي الم
سؤولية القانوني
ة تج
اه النق
د
المت
يقظ ذي الق
درة الم
ساوية خ
ارج الكي
ان .ل
ذلك ،ال غن
ى ع
ن وج
ود تل
ك الوس
يلة،
ب
شكل م
ستقل ع
ن الحكوم
ة ،لتك
وين مث
ل ھ
ذه الق
درة ،وتأثيثھ
ا ب
الفرص والخب
رات
الضرورية للحكم الصحيح على الشؤون العملية.
وكفوء من الم
وظفين ،وعل
ى نح
و دائ
م – وف
وق ك
ل
ً إذا ما امتلكنا كيانا ماھرا
ش
يء ،كي
ان ق
ادر عل
ى التأس
يس وراغ
ب ف
ي تبن
ي التط
ويرات؛ إذا ل
م تنح
در
بيروقراطيتنا إلى مجرد حذلقة ،فعلى ھذا الكيان أن ال يجتذب إلي
ه ك
ل الوظ
ائف الت
ي
ّ
تشكل وتنمي القدرات الالزمة لحكومة البشرية.
إن تحدي
د النقط
ة الت
ي تب
دأ عن
دھا ال
شرور المرعب
ة ج
دا للحري
ة الب
شرية
والتط
ور ،أو ب
األحرى الت
ي يب
دأون عن
دھا بال
سيطرة عل
ى الم
صالح الت
ي تراف
ق
التطبيق الجمعي لقوة المجتمع ،تحت ظل رؤسائه المعترف بھم ،ألج
ل إزال
ة العوائ
ق
التي تقف في طريق رفاھيت
ه؛ وض
مان اكب
ر ق
در ممك
ن م
ن امتي
ازات الق
وة وال
ذكاء
المركزيين ،كما يمكن الح
صول علي
ه دون تحوي
ل ق
سما كبي
را م
ن الن
شاط الع
ام إل
ى
القنوات الحكومية—ھي واحدة من أصعب المسائل وأكثرھ
ا تعقي
دا ف
ي ف
ن الحكوم
ة.
إنھ
ا م
سألة تفاص
يل ،إل
ى ح
د كبي
ر ،ال ب
د فيھ
ا م
ن اخ
ذ اعتب
ارات عدي
دة ومتنوع
ة
بالح
ن فيھ
ا وض
ع قاع
دة مطلق
ة .ولكن
ي اعتق
د أن المب
دأ العمل
ي ال
ذي
يستقر فيه األمن ،المثال ال
ذي ال ب
د م
ن أن يبق
ى ف
ي الح
سبان ،والمعي
ار ال
ذي تختب
ر
بموجب
ه ك
ل الت
دابير الم
راد بھ
ا التغل
ب عل
ى ال
صعوبة ،يمك
ن التعبي
ر عن
ه ف
ي ھ
ذه
الكلمات :إن اكبر نشر للقوة يتسق مع الكفاءة مع اكبر مركزية ممكنة للمعلوم
ات ،ث
م
يتم نشرھا من المركز .وھك
ذا ،س
يكون ف
ي اإلدارة البلدي
ة ،كم
ا ف
ي والي
ات انجلت
را
الجديدة ،تقسيم دقيق جدا بين الموظفين المنف
صلين ،المخت
ارين م
ن قب
ل ال
ضواحي أو
ّ
يفضل تركھا إلى األشخاص المنتفعين منھا ب
صورة المناطق ،في كل األعمال التي ال
137
مباشرة؛ ولكن باإلضافة إلى ھذا ،ستكون ھناك السلطة مركزية عليا ،في كل قسم م
ن
الشؤون المحلية ،تشكل ق
سما م
ن الحكوم
ة العام
ة .ويرك
ز جھ
از ھ
ذه ال
سلطة العلي
ا،
كم
ا ف
ي ب
ؤرة ،المعلوم
ات والخب
رات المتنوع
ة الم
ستقاة م
ن س
لوك ذل
ك الف
رع م
ن
األعمال العامة ف
ي ك
ل المن
اطق المحلي
ة ،م
ن ك
ل ش
يء م
شابه أو من
اظر يح
دث ف
ي
البل
دان األجنبي
ة ،وم
ن المب
ادئ العام
ة للعل
وم ال
سياسية .يج
ب أن يمتل
ك ھ
ذا الجھ
از
المركزي الحق في معرفة كل ما ت
م فعل
ه ،ويج
ب أن يك
ون واجب
ه الخ
اص ھ
و جع
ل
المعرف
ة الت
ي ت
م لح
صول عليھ
ا ف
ي مك
ان م
ا ،مت
وفرة لآلخ
رين .وألن
ه متح
رر م
ن
االنحيازات الوضيعة واآلراء الضيقة للمنطقة المحلية من خالل وضعيته السامية وفق
مالحظته الشاملة ،فإن نصيحته ستحمل بشكل طبيعي المزيد من ال
سلطة؛ ولك
ن قوت
ه
الحقيقي
ة ،كمؤس
سة دائمي
ة ،يج
ب أن تك
ون مح
ددة ،كم
ا اعتق
د ،بإجب
ار الم
سؤولين
المحلي
ين عل
ى طاع
ة الق
وانين الت
ي وض
عت إلرش
ادھم .ف
ي ك
ل األش
ياء غي
ر
المن
صوص عليھ
ا ف
ي تل
ك الق
وانين العام
ة ،يج
ب أن يت
رك الم
سؤولين ألحك
امھم
الخاص
ة ،ف
ي ظ
ل م
سؤوليتھم نح
و ن
اخبيھم .أم
ا بالن
سبة النتھ
اك القواع
د ،فيكون
ون
مسؤولين أمام القانون ،والقواعد نفسھا يج
ب أن توض
ع م
ن قب
ل المجل
س الت
شريعي؛
أما السلطة اإلدارية المركزية فتراقب تنفيذھا ،وإذا لم يتم وضعھا حيز التنفيذ ،فتلتمس
المحاكم لتنفيذ القانون ،بحسب طبيعة القضية ،أو ال
دوائر االنتخابي
ة لف
صل الم
وظفين
الذين لم ينفذوه حسب روحيته .ھكذا ھي السلطة العليا ،من حي
ث المفھ
وم الع
ام ،الت
ي
ينوي مكتب قانون الفقراء تنفيذھا على مديري نسبة الفقراء في عموم البلد .كل س
لطة
يمارس
ھا المكت
ب بع
د ھ
ذا الح
د ،ھ
ي س
لطات ص
حيحة وض
رورية ف
ي تل
ك الق
ضية
بالذات ،م
ن أج
ل معالج
ة الع
ادات المتج
ذرة ف
ي س
وء اإلدارة ف
ي الق
ضايا الت
ي ت
ؤثر
بعمق ليس فقط على النواحي أو الدوائر المحلية ،بل عل
ى المجتم
ع بأس
ره؛ طالم
ا أن
ه
ما من دائرة محلي
ة تمتل
ك حق
ا أخالقي
ا ف
ي أن تجع
ل نف
سھا ُع
شا للفق
ر الم
ستديم ،م
ن
خالل سوء اإلدارة ،ليتدفق بال
ضرورة إل
ى ال
دوائر األخ
رى ،وت
ضعف ب
ذلك الوض
ع
األخالقي والمادي للمجتمع العامل برمته .على ال
رغم م
ن أن س
لطات الق
سر اإلداري
138
والتشريع الم
ساند ال
ذي يمتلك
ه مكت
ب ق
انون الفق
ر )ولكنھ
ا نتيج
ة لحال
ة ال
رأي ح
ول
الموض
وع ،تم
ارس ب
شكل ض
ئيل ج
دا م
ن ق
بلھم( ،مب
ررة ب
شكل كام
ل ف
ي حال
ة
المصلحة القومي
ة العلي
ا ،إال أنھ
ا س
تكون ف
ي غي
ر موض
عھا تمام
ا ف
ي س
لطة الرقاب
ة
العليا على المصالح المحلي
ة المح
ضة .ولك
ن الجھ
از المرك
زي للمعلوم
ات واإلرش
اد
لكل الدوائر المحلية ،سيكون قيما بشكل مساو في كل أقسام اإلدارة .ال يمكن للحكوم
ة
أن تمتل
ك الكثي
ر م
ن أن
واع األن
شطة الت
ي ال تعرق
ل جھ
د الف
رد وتط
وره ،ب
ل تدعم
ه
وتحفزه .يبدأ الضرر عندما تستبدل )الحكوم
ة( ن
شاطھا بن
شاطھم ،ب
دال م
ن اس
تدعاء
أنشطة وقوى األفراد واألجھزة؛ عندما تجعلھم يعملون تحت القيود ،بدال من اإلع
الم،
والنصح ،واالستنكار في بعض األحي
ان ،أو ت
أمرھم ب
أن يتنح
وا جانب
ا ،فتق
وم بعملھ
م
ب
دال ع
ة الدول
ة ،عل
ى الم
دى البعي
د ،ھ
ي قيم
ة األف
راد ال
ذين يؤلفونھ
ا؛
والدولة التي تؤجل مصالح توسعھم ورقيھم العقلي ،ألجل قلي
ل م
ن المھ
ارة اإلداري
ة،
أو شبيھتھا التي توفرھا الممارسة ،في تفاصيل األعم
ال ،والدول
ة الت
ي ّ
تق
زم رجالھ
ا،
من أجل أن يصبحوا أدوات طيعة بيديھا حتى ْ
وإن كان ذلك من اجل الغايات المفيدة –
ستجد أنھا بالرجال الصغار ال يمكن إنجاز شيئا كبيرا؛ وإن كمال المكننة التي ضحت
بكل شيء ألجلھا ،س
وف ل
ن يج
ديھا نفع
ا ف
ي آخ
ر المط
اف ،الفتقارھ
ا للق
وة الحيوي
ة
التي ّ
فضلت أن تبعدھا ،ألجل أن تتمكن اآللة من العمل بسھولة ويسر.
139