Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 261

‫في‬

‫تحقيق مواقف الصحابة‬


‫بعد وفاة النبي ‪‬‬
‫العواصم من‬
‫القواصم‬
‫تأليف‬
‫القاضي أبي بكر بن العربي‬
‫)‪543 - 468‬هـ(‬
‫العواصم من القواصم‬

‫رسالة التقدير‬
‫وقع هذا الكتاب مببن أوليبباء اللببه وأنصببار دينببه وأحببباب‬
‫محمد ‪ ‬وأصحابه من المهاجرين والنصار موقبع التقبدير‬
‫والرضا‪ ،‬كما وقع مببن مبغضببي الصببحابة وشببانئيهم موقببع‬
‫السخط والغيظ‪.‬‬
‫ومببن رسببائل التقببدير والتشببجيع الببتي تلقيناهببا رسببالة‬
‫كريمة يراها القارئ في الصفحة التالية‪ ،‬وهي صببادرة عببن‬
‫ركن من أركان بيت العلببم والهببدى فببي الرض المباركببة‪،‬‬
‫أدام الله النفع به‪.‬‬
‫المملكة العربية السعودية‬
‫مكة المكرمة‬
‫رئاسة هيئات المر بالمعروف بالحجاز‬
‫في ‪23/1/1374‬‬

‫‪2‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫حضرة صاحب الفضيلة الخ الكريم الشيخ محب الببدين‬
‫الخطيب سلمه الله‪ ،‬السلم عليكم ورحمببة اللببه وبركبباته‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد وصل إلببى أيببدينا كتبباب ]العواصببم مببن القواصببم[‬
‫للمام أبي بكر بن العربي‪ ،‬بتصحيح وتعليق فضيلتكم‪ .‬وقد‬
‫اطلعنا على هذا الكتاب العظيم فوجدناه مببن خيببر الكتببب‬
‫وأعظمها نفعا‪ ،‬إذ انبرى مؤلفه رحمه الله يدافع عن حملببة‬
‫السلم ومن قامت على كواهلهم دولتبه‪ ،‬أصبحاب رسبول‬
‫الله ‪ ‬وقد أوفى علببى الغايببة فببي تبببيين محاسببن أولئك‬
‫البببرار رضببي اللببه عنهببم وأرضبباهم‪ ،‬وإنببه لسببهم صببائب‬
‫أصاب من باطل أعدائهم ‪-‬أخزاهم الله‪ -‬مقتل‪ .‬فرحم اللببه‬
‫المؤلف وأجزل لبه الثببواب‪ ،‬وجزاكببم اللبه أحسببن الجببزاء‬
‫علببى تعليقبباتكم القيمببة الببتي دلببت علببى سببعة علمكببم‪،‬‬
‫وصدق نصحكم للسلم والمسلمين‪.‬‬
‫ونحن يسرنا بهذه المناسبة أن نقدم لكم عظيم شببكرنا‬
‫وتقديرنا لعملكم المجيد هذا بإخراجكم هذا الكتاب صببيحة‬
‫تنصر الحق وتخذل الباطل‪ .‬والباري يحفظكم‪.‬‬
‫أخ‬
‫وكم في الله‬
‫رئيس هيئات المر بالمعروف بالحجاز‬
‫عب‬
‫د الملك بن إبراهيم‬

‫‪3‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫تصدير‬
‫الحمد لله الذي أنعم علببى النسببانية برسببالة السببلم‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على النسان العلى‪ ،‬والمعلببم الكمببل‪،‬‬
‫محمد بن عبد الله صفوته من خلقه‪ .‬وأعلببى مقببام الببذين‬
‫قاموا بتحقيق رسببالته‪ ،‬ممببن تشببرفوا بصببحبته‪ ،‬وأحسببنوا‬
‫الخلفة على أمته‪ ،‬ومن واصلوا عملهببم بعببدهم‪ ،‬ملببتزمين‬
‫سنتهم‪ ،‬ومتحرين أهدافهم‪ ،‬إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد فإن هبذا العبالم السبلمي البذي نعبتز بالنتسباب‬
‫إليه‪ ،‬ونعيش لسعاده والسعادة بببه‪ ،‬قببد افتتببح أكببثره فببي‬
‫الدولة السببلمية الولببى بعببد الخلفبباء الراشببدين‪ ،‬ودخببل‬
‫معظببم شببعوبه فببي هدايببة السببلم علببى أيببدي الخلفبباء‬
‫المويين وولتهم وقواد جيوشهم‪ ،‬إتماما لما بدأ بببه صبباحبا‬
‫رسول الله ‪ ‬وخليفتاه الولن ‪ -‬أبببو بكببر وعمببر ‪ -‬سببلم‬
‫الله عليهما‪ ،‬ورضي عنهما وأرضاهما وأحسن جزاءهما عنا‬
‫وعن السلم نفسه وجميع أهله‪.‬‬
‫وإن حادثة انتشار السلم‪ ،‬ودخول المم فيببه‪ ،‬أصبببحت‬
‫في ذمة التاريخ‪ .‬والجيال التي أتت بعد ذلك إلى يومنا هذا‬
‫منهم من يفتخببر بببذلك‪ ،‬ويمتلببئ قلبببه سببرورا بببه‪ ،‬ويببدعو‬
‫بالخير لمن كببانوا سبببب هببذا الخيببر العظيببم‪ .‬ومنهببم مببن‬
‫ابتأس به‪ ،‬وامتل فؤاده حقدا على الذين عملوا فيه‪ ،‬وجعل‬
‫مببن دأبببه أن يصببمهم بكببل نقيصببة‪ .‬وقببد نعببذر الببذين لببم‬
‫يببذوقوا حلوة السببلم وحببالت البببيئة بينهببم وبيببن النببس‬

‫‪4‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بعظمته‪ ،‬وشببريف أغراضببه‪ ،‬وسببيرة الببذين قبباموا بببه‪ ،‬إذا‬


‫نظروا إلى تاريخ السلم نظببرة خبباطئة‪ ،‬واتخببذوا لببه فببي‬
‫أذهانهم صببورة غيببر صببورته الببتي كببانت لببه فببي الواقببع‪.‬‬
‫ولكني أعترف‪ -‬ول فائدة من النكار‪ -‬بأن فببي المنسببوبين‬
‫إلى السلم من يبغض حتى الخليفة الول لرسول الله ‪‬‬
‫ويقلببب جميببع حسببناته سببيئات‪ .‬وإن أحببد الببذين شبباهدوا‬
‫بأعينهم عدل عمر‪ ،‬وزهده في متع الدنيا‪ ،‬وإنصببافه لجميببع‬
‫الناس‪ ،‬لم يستطع أن يمنع الحقببد الببذي فببي فببؤاده علببى‬
‫السلم من أن يدفعه إلى طعنه بالسببكين دون أن يسببيء‬
‫إليببه‪ .‬وفببي قببوم طبباعن عمببر بالسببكين مببن يؤلفببون‬
‫المؤلفات إلى يومنا هذا فببي تشببويه حسببنات هببذا المثببل‬
‫العلى للعدل والنسانية والخير‪ .‬وفببي عصببر عثمببان مببن‬
‫ضاقت صدورهم بطيبة ذلك الخليفة الذي خلببق قلبببه مببن‬
‫رحمة الله‪ ،‬فاخترعوا لببه ذنوبببا ومببا زالببوا يكررونهببا علببى‬
‫قلوبهم حتى صدقوها‪ ،‬وتفننببوا فببي إذاعتهببا‪ ،‬ثببم اسببتحلوا‬
‫سفك دمه الحببرام‪ ،‬فببي الشببهر الحببرام‪ ،‬بجببوار قبببر أبببي‬
‫زوجتيه محمد عليه الصلة والسلم‪ .‬وما برحببت النسببانية‬
‫تشاهد المعجزات من رجالت السلم في نشببره وإدخببال‬
‫المم فيه وتوسيع النطاق في الفاق لكلمة " اللببه أكبببر‪...‬‬
‫حي على الفلح " حتى نودي بها على جبببال السببند‪ ،‬وفببي‬
‫ربوع الهند وعلى سواحل المحيط غربا‪ ،‬وفي أوديببة أوربببا‬
‫وجبالها‪ ،‬بما لم يملك أن يصفه حتى أعداء السلم إل بببأنه‬
‫معجزة‪ .‬كل هذا في زمببن هببذه الدولببة المويببة‪ ،‬الببتي لببو‬

‫‪5‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫صدر عن المجوس وعبدة الوثان عشر ما صدر عنهببا مببن‬


‫الخير‪ ،‬وجزء من مائة جزء مما أثر عن رجالها من إنصبباف‬
‫ومببروءة وكببرم وشببجاعة وإيثببار وفصبباحة ونبببل‪ ،‬لرفعببوا‬
‫لولئك المجوس والوثنيين ألوية الثناء والتقدير‪ ،‬لكنببه فببي‬
‫الخافقين‪ ،‬والتاريخ الصادق ل يريد من أحد أن يرفببع لحببد‬
‫لواء الثناء والتقدير‪ ،‬لكنه يريببد مببن كببل مببن يتحببدث عببن‬
‫رجاله أن يذكر لهم حسببناته علببى قببدرها‪ ،‬وأن يتقببي اللبه‬
‫فببي ذكببر سببيئاتهم فل يبببالغ فيهببا‪ ،‬ول ينخببدع بمببا افببتراه‬
‫المغرضون من أكاذيبها‪.‬‬
‫ونحن المسلمين ل نعتقد العصمة لحد بعد رسول اللببه‬
‫‪ ‬وكل من ادعى العصمة لحد بعد رسببول اللببه ‪ ‬فهببو‬
‫كاذب‪ .‬فالنسان إنسان يصدر عنه ما يصدر عببن النسببان‪،‬‬
‫فيكون منه الحق والخير‪ ،‬ويكون منه الباطل والشببر‪ .‬وقببد‬
‫يكون الحق والخير في إنسان بنطاق واسع فيعد من أهببل‬
‫الحق والخير ول يمنع هذا من أن تكببون لببه هفببوات‪ .‬وقببد‬
‫يكون الباطل والشر في إنسان آخببر بنطبباق واسببع‪ ،‬فيعببد‬
‫من أهل الباطببل والشببر‪ ،‬ول يمنببع هببذا مببن أن تبببدر منببه‬
‫بوادر صالحات في بعض الوقات‪.‬‬
‫يجب على من يتحدث عن أهببل الحببق والخيببر إذا علببم‬
‫لهم هفوات‪ ،‬أل ينسى ما غلب عليهم من الحق والخير فل‬
‫يكفر ذلك كله من أجببل تلببك الهفببوات‪ .‬ويجببب علببى مببن‬
‫يتحببدث عببن أهببل الباطببل والشببر إذا علببم لهببم بببوادر‬
‫صالحات‪ ،‬أل يوهم الناس أنهم من الصالحين من أجل تلك‬

‫‪6‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الشوارد الشاذة من أعمالهم الصالحات‪ .‬إن أحداث المائة‬


‫الولبى مبن عصبور السبلم كبانت مبن معجبزات التاريبخ‬
‫والعمل الذي عمله أهل المائة الولى من ماضببينا السببعيد‬
‫لم تعمل مثله أمة الرومان ول أمة اليونان قبلهببا‪ .‬ول أمببة‬
‫من أمم الرض بعدها‪.‬‬
‫وأما أبو بكر وعمر وسببائر الخلفبباء الربعببة الراشببدين‪،‬‬
‫وإخوانهم مببن العشببرة المبشببرين بالجنببة‪ ،‬وطبقتهببم مببن‬
‫أصحاب رسول اللببه ‪ ‬خصوصببا الببذين لزمببوه وراقبببوه‬
‫وتمتعوا بجميل صحبته ‪ -‬من أنفببق منهببم مببن قبببل الفتببح‬
‫وقاتل‪ ،‬والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ‪ -‬فإنهم جميعببا كببانوا‬
‫شموسببا طلعببت فببي سببماء النسببانية مببرة‪ ،‬ول تطمببع‬
‫النسانية بأن تطلع في سمائها شموس من طرازهم مببرة‬
‫أخرى إل إذا عزم المسلمون على أن يرجعوا إلببى فطببرة‬
‫السلم‪ ،‬ويتأدبوا بأدبه من جديد‪ ،‬فيخلببق اللببه منهببم خلقببا‬
‫آخر يعيش للحببق والخيببر‪ ،‬ويجاهببد الباطببل والشببر‪ ،‬حببتى‬
‫تعبرف النسبانية طريقهببا الحقيقببي إلبى السبعادة‪ .‬وهبذه‬
‫الشموس من أصببحاب رسببول اللببه ‪ ‬تتفبباوت أقببدارها‪،‬‬
‫وتتباين في أنواع فضائلها‪ ،‬إل أنها كلها كانت من الفضببائل‬
‫في مرتقى درجاتها‪ ،‬وإذ بدأ المشتغلون بتاريخ السلم من‬
‫أفاضل المسلمين في تمييز الصيل عن الدخيل من سيرة‬
‫هبؤلء الفاضبل العظمباء‪ ،‬فبإنهم سبتأخذهم الدهشبة لمبا‬
‫اخببترعه إخببوان أبببي لؤلببؤة‪ ،‬وتلميببذ عبببد اللببه بببن سبببأ‪،‬‬
‫والمجوس الذين عجزوا عن مقاومة السببلم وجهببا لببوجه‬

‫‪7‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫في قتال شريف‪ .‬فادعوا السلم كذبا‪ ،‬ودخلببوا قلعتببه مببع‬


‫جنببوده خلسببة‪ ،‬وقبباتلوهم بسببلح )التقيببة( بعببد أن حولببوا‬
‫مدلولها إلى النفاق‪ ،‬فبأدخلوا فبي السبلم مبا ليبس منبه‪،‬‬
‫وألصقوا بسيرة رجاله ما لم يكن فيها ول من سجية أهلها‪.‬‬
‫وبهذا تحولت أعظم رسالت الله وأكملها إلى طريقة مببن‬
‫الخمول والعطالة والجمود كان من حقها أن تقتل السلم‬
‫والمسببلمين قتل‪ ،‬لببول قببوة الحيويببة الخارقببة الببتي فببي‬
‫السلم‪ ،‬وهي التي ترجببى إذا رجعنببا إليهببا‪ ،‬وجردناهببا مببن‬
‫الطببوارئ عليهببا‪ ،‬وخلصببنا سببيرة رجالهببا ممببا شببيبت بببه‪،‬‬
‫وسرنا في طريقهم مخلصين‪ ،‬أن نعود مسلمين مببن ذلببك‬
‫الطببراز الول كمببا كببان فببي الواقببع‪ ،‬ل كمببا أراد مبغضببو‬
‫الصحابة والتابعين لهم بإحسان أن يعرضوه على الناس‪.‬‬
‫ونحن بتقديمنا هذه الحقائق من قلم المام ابن العربي‪،‬‬
‫أو من النصوص الصيلة التي علقنا عليها‪ ،‬إنما أردنا عكس‬
‫ما يريد المتعرضون لهذه البحوث من ترديببد خلفببات عفببا‬
‫عليها الزمن‪ .‬والصحابة كانوا أسمى أخلقا وأصدق إخلصا‬
‫لله وترفعا عن خسائس الدنيا من أن يختلفوا للببدنيا‪ ،‬لكببن‬
‫كان في عصببرهم مببن اليببدي الخبيثببة الببتي عملببت علببى‬
‫إيجاد الخلف وتوسببيعه مثببل اليببدي الخبيثببة الببتي جبباءت‬
‫فيما بعد فصورت الوقائع بغير صورتها‪ .‬ولما كبان أصبحاب‬
‫رسول الله ‪ ‬هببم قببدوتنا فببي ديننببا وهببم حملببة الكتبباب‬
‫اللهي والسنة المحمدية إلى الببذين حملببوا عنهببم أماناتهببا‬
‫حتى وصلت إلينا‪ ،‬فإن من حق هذه المانات علببى أمثالنببا‬

‫‪8‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫أن ندرأ عن سيرة حفظتها الولين كل ما ألصببق بهببم مببن‬


‫إفك ظلمببا وعببدوانا‪ ،‬لتكببون صببورتهم الببتي تعببرض علببى‬
‫أنظار الناس هي الصورة النقية الصادقة التي كانوا عليهببا‪،‬‬
‫فتحسن القببدوة بهببم وتطمئن النفببوس إلببى الخيببر الببذي‬
‫ساقه الله للبشر علببى أيببديهم‪ .‬وقببد اعتبببر فببي التشببريع‬
‫السلمي أن الطعن فيهم طعن في الدين الذي هم رواته‪،‬‬
‫وتشويه سيرتهم تشويه للمانة التي حملوها‪ ،‬وتشكيك في‬
‫جميع السس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة‬
‫الحنيفية السمحة‪ .‬وأول نتائجه حرمان شباب الجيل‪ ،‬وكببل‬
‫جيل بعده‪ ،‬من القدوة الصببالحة الببتي مببن اللببه بهببا علببى‬
‫المسلمين ليتأسببوا بهببا‪ ،‬ويواصببلوا حمببل أمانببات السببلم‬
‫على آثارها‪ ،‬ول يكون ذلك إل إذا ألموا بحسناتهم‪ ،‬وعرفببوا‬
‫كريم سجاياهم‪ ،‬وأدركوا أن الذين شببوهوا تلببك الحسببنات‬
‫وصوروا تلك السجايا بغير صبورتها‪ ،‬إنمببا أرادوا أن يسببيئوا‬
‫إلى السلم نفسه بالساءة إلى أهله الوليببن‪ .‬وقبد آن لنببا‬
‫أن ننتبه من هذه الغفلة فنعرف لسببلفنا أقببدارهم‪ ،‬لنسببير‬
‫فببي حاضببرنا علببى هببدى ونببور مببن سببيرتهم الصببحيحة‬
‫وسريرتهم النقية الطاهرة‪.‬‬
‫وهذا الكتاب الذي ألفه عالم من كبببار أئمببة المسببلمين‬
‫بيانا لما كببان عليببه أصببحاب رسببول اللببه ‪ ‬مببن صببفات‬
‫الكمال‪ ،‬وإدحاضا لما ألصق بهببم وبببأعوانهم مببن التببابعين‬
‫لهم بإحسببان‪ ،‬يصببلح علببى صببغره لن يكببون صببيحة مببن‬
‫صيحات الحق توقظ الشباب المسلم إلى هببذه الدسيسببة‬

‫‪9‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫التي دسببها عليهببم أعببداء الصببحابة ومبغضببوهم ليتخببذوها‬


‫نموذجا لمثالها من الدسائس فيتفرغ الموفقون إلى الخير‬
‫منهم لدراسة حقيقة التاريخ السلمي واكتشاف الصببفات‬
‫النبيلة في رجبباله فيعلمببوا أن اللببه ‪ ‬قببد كافببأهم عليهببا‬
‫بالمعجزات التي تمببت علببى أيببديهم وأيببدي أعببوانهم فببي‬
‫إحببداث أعظببم انقلب عرفببه تاريببخ النسببانية‪ .‬ولببو كببان‬
‫الصحابة والتببابعون بالصببورة الببتي صببورهم بهببا أعببداؤهم‬
‫ومبغضوهم لكان من غيببر المعقببول أن تتببم علببى أيببديهم‬
‫تلك الفتوح‪ ،‬وأن تسببتجيب لببدعوتهم المببم بالببدخول فببي‬
‫دين الله أفواجا‪.‬‬
‫والقاضببي أبببو بكببر بببن العربببي مؤلببف )العواصببم مببن‬
‫القواصببم ( إمببام مببن أئمببة المسببلمين‪ ،‬ويعتبببره فقهبباء‬
‫مذهب المام مالك أحد أئمتهم المقتببدى بأحكببامهم‪ ،‬وهببو‬
‫مببن شببيوخ القاضببي عيبباض مؤلببف كتبباب ) الشببفا فببي‬
‫التعريف بحقوق المصطفى (‪ ،‬ومن شيوخ ابن رشد العالم‬
‫الفقيه والد أبي الوليد الفيلسوف‪ ،‬ومببن تلميببذه عشببرات‬
‫من هذه الطبقة كما سترى من ترجمته التية بعببد‪ .‬وكتببابه‬
‫) العواصم من القواصم ( من خيرة كتبه‪ ،‬ألفببه سببنة ‪536‬‬
‫وهببو فببي دور النضببوج الكامببل‪ ،‬بعببد أن امتلت المصببار‬
‫بمؤلفاته وبتلميذه الذين صاروا في عصببرهم أئمببة يهتببدى‬
‫بهم‪ .‬وهذا الكتاب في جزأيببن متوسبطي الحجببم‪ ،‬ومبحببث‬
‫)الصحابة( الذي نقدمه لقرائنا هو أحد مباحث جزئه الثاني‬
‫) من ص ‪ 98‬إلى ص ‪ 193‬من طبعببة المطبعببة الجزائريببة‬

‫‪10‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫السببلمية فببي مدينببة قسببنطينة بببالجزائر سببنة ‪( 1347‬‬


‫وكبان قبد وقبف علبى تلبك الطبعبة شبيخ علمباء الجبزائر‬
‫الستاذ عبد الحميد بن باديس رحمه الله‪ .‬ومما يؤسف لببه‬
‫أن الصل الذي اعتمد عليه في تلببك الطبعببة كببان مكتوبببا‬
‫بقلبم ناسبخ غيبر متمكبن‪ ،‬فبوقعت فيبه تحريفبات لفظيبة‬
‫وإملئيببة حرصببنا علببى ردهببا إلببى أصبلها‪ ،‬بببل إن النسببخة‬
‫المخطوطة الببتي طبعببت عليهببا طبعببة الجببزائر يظهببر أن‬
‫المجلد وضع بعض ورقاتها فببي غيببر مواضببعها‪ ،‬فأرجعناهببا‬
‫إلببى مببا دل عليببه السببياق فببي القببول‪ ،‬والببترتيب فببي‬
‫المسائل‪ .‬وفيما عدا ذلك التزمنا المانة في عرض الكتاب‬
‫إلى أقصى غاية‪ .‬وعلقت علببى كببل بحببث منببه بمببا يزيببده‬
‫وضوحا‪ ،‬مقتبسا ذلك مببن أوثببق المراجببع وأمهببات الكتببب‬
‫السلمية المعتمدة‪ ،‬مبينا في كل نص مأخببذه بكببل أمانببة‬
‫ووضوح‪.‬‬
‫وأرجو اللببه أن يجببزل ثببواب المببام ابببن العربببي علببى‬
‫دفاعه هذا عن أصحاب رسول الله الببذين حملببوا معببه ‪‬‬
‫أعظم رسالت الله‪ ،‬وكانوا أصدق أعوانه على تبليغها فببي‬
‫حياته‪ ،‬وبعببد أن اختبباره اللببه إليببه‪ .‬بببل كببانوا سبببب كياننببا‬
‫السلمي‪ ،‬ولهببم ثببواب انتمائنببا إلببى هببذه الملببة الحنيفيببة‬
‫السمحة التي ل عيب لها غير تقصيرنا فببي التخلببق بآدابهببا‬
‫في أنفسنا‪ ،‬وتعميم سننها فببي بيوتنببا ومجتمعنببا وأسببواقنا‬
‫ومحاكمنا ودور حكمنببا‪ .‬وعسببى أن يكببون فببي قببراء هببذا‬

‫‪11‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الكتاب من يعاهد الله على أن يكون خيرا منا عمل‪ ،‬وأصح‬


‫منا علما‪ ،‬وعلى الله قصد السبيل‪.‬‬
‫جزيرة الروضة )تجاه الفسطاط (‪ 3 :‬رمضان ‪1371‬‬
‫محب الدين‬
‫الخطيب‬
‫) ‪- 1303‬‬
‫‪( 1389‬‬

‫‪12‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫القاضي أبو بكر بن العربي‬


‫مؤلف العواصم من القواصم‬
‫‪543 - 468‬‬
‫نشأته الولى‬
‫هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد اللببه بببن أحمببد‬
‫بن العربي المعافري‪.‬‬
‫ولد في إشبيلية ‪ -‬لما كببانت كبببرى عواصببم النببدلس ‪-‬‬
‫في يوم الخميس ‪ 22‬من شهر شعبان سنة ‪ 468‬في بيت‬
‫من أعظم بيوتها بعد بيت مليكها المعتمد بببن عببباد‪ .‬وكببان‬
‫أبوه عبد الله بن محمد بن العربي من وجوه علماء الدولة‬
‫وكبار أعيانها‪ ،‬كما كان خاله أبو القاسببم الحسببن بببن أبببي‬
‫حفص الهوزني في مكانة رفيعة مببن المجتمببع الندلسببي‪.‬‬
‫غير أن هذين البيتين كانا على طرفي نقيض في مشربهما‬
‫السياسي‪ :‬فوالد ابن العربي من أولياء الدولة‪ ،‬المتمتعيببن‬
‫بالمكانة والوجاهة عند ولي أمرها‪ ،‬وخاله من أهل التببوثب‬
‫والطموح‪ ،‬وله مشاركة التآمر على المعتمد لقتله والده أبا‬
‫حفببص الهببوزني‪ ،‬فكببان خببال ابببن العربببي علببى اتصببال‬
‫بيوسف بن تاشفين صاحب المغرب يواصل تحريضه علببى‬
‫ابن عباد " حتى أزال ملكبه‪ ،‬ونبثر سبلكه‪ ،‬وسببب هلكبه "‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫كما يقول الشهاب المقري في )نفح الطيب(‬

‫‪1‬‬

‫)‪ (1‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 13‬طبعة سنة ‪ . 1302‬وقد قبض ابن تاشفين على المعتمد‬
‫وسجنه بمدينة )أغمات( فبقي فيها سجينا إلى أن مات في شببوال سببنة‬
‫‪ . 488‬وكان هذا النقلب نكبة على بلد دولته ‪ ،‬ول سيما أهل عاصمته ‪،‬‬
‫وأشد ما كان ذلك على حاشيته وذوي مودته ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫في هذه البيئة الكريمة العزيزة بالعلم نشأ ابن العربي‪،‬‬


‫ومنها أطل على الببدنيا فببي السببنوات الولببى مببن حيبباته‪.‬‬
‫وعببن هببذين الرجليببن ‪-‬أبيببه وخبباله‪ -‬تلقببى ثقببافته الولببى‬
‫وأساليب تربيته‪ ،‬يساعدهما على ذلك أسببتاذه الخبباص أبببو‬
‫عبببد اللببه السرقسببطي‪ .‬وقببد أعببانت هببؤلء الثلثببة علببى‬
‫مهمتهم في تكوين صبفات المبروءة فيبه مببواهب ممتببازة‬
‫من الذكاء وسعة المدارك ودماثة الخلببق تحلببى منهببا هببذا‬
‫الناشئ الممتاز بكل ما يهيئ لببه نضببوج رجببولته المبكببرة‪،‬‬
‫حتى قال هو عن نفسببه ) حببذقت القببرآن وأنببا ابببن تسببع‬
‫سنين‪ ،‬ثم ثلثا لضبط القرآن والعربيببة والحسباب‪ ،‬فبلغببت‬
‫ستة عشر سنة وقد قرأت من الحرف ‪-‬أي من القراءات‪-‬‬
‫نحببو مببن عشببرة بمببا يتبعهببا مببن إظهببار وإدغببام ونحببوه‪.‬‬
‫وتمرنت في الغريب والشعر واللغة (‪.‬‬
‫رحلته عن إشبيلية‬
‫ولما بلغ السابعة عشر قضى الله بسقوط دولة آل عباد‬
‫فبي سبنة ‪ ،485‬فخببرج ببه أببوه مببن إشبببيلية يبوم الحبد‬
‫مسببتهل ربيببع الول قاصببدا شببمال إفريقيببة فكببان أول‬
‫نزولهم في ثغر أنشئ من سببنين قريبببة علببى سبباحل بلد‬
‫الجزائر‪ ،‬وهو ثغر )بجاية( الذي اكتشببف مكببانه محمببد بببن‬
‫البعبع من رجال تميم بن المعز بببن ببباديس‪ ،‬واتفببق علببى‬
‫إنشائه وتمصيره في سنة ‪ 457‬مع الناصر بن علناس ابببن‬
‫عم تميم المنافس لببه‪ ،‬وجعل هببذا المرفببأ ملتقببى الطببرق‬
‫علببى البحببر البيببض بيببن النببدلس والمغببرب والجببزائر‬

‫‪14‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وتونس‪ ،‬فنزل ابن العربي مع والده وأسرته في ثغر بجاية‬


‫ولبثوا فيه مدة تتلمذ فيها ابن العربي على كبير علماء هذا‬
‫البلد أبي عبد الله الكلعي‪ ،‬ثم ركبوا البحر مشببرقين إلببى‬
‫ثغر )المهدية(‪ ،‬وفيها أخذ فتانا عن عالمها أبي الحسن بببن‬
‫علي بن محمد بن ثابت الحداد الخولني المقرئ‪ ،‬قال ابن‬
‫العربببي ) فكنببت أحضببر عليببه كتببابه المسببمى بالشببارة‬
‫وشرحها وغيرهما من تآليفه‪ ،‬وكان في ذلك بالمهديببة فببي‬
‫شهور سنة ‪ (485‬وفي المهدية أيضا أخذ عببن المببام أبببي‬
‫عبد الله محمد بن علي المازري التميمي )‪.(536 - 453‬‬
‫تعرض سفينته للغرق‬
‫ولما أبحروا من المهديببة قاصببدين السببواحل المصببرية‬
‫تجددت لهم النكبة بهياج البحببر عليهببم‪ ،‬فوقعببوا مببن ذلببك‬
‫في حادث استحسنت أن يقببف القببارئ علببى وصببفه مببن‬
‫قلم ابن العربي نفسه عندما ألف تفسيره )قانون التأويل(‬
‫قال‪ " :‬وقد سبق في علبم اللبه أن يعظبم علينبا البحبر‬ ‫)‪(1‬‬

‫ويغرقنببا فببي هببوله‪ .‬فخرجنببا مببن البحببر‪ ،‬خببروج‬


‫ب َِزْوله‬ ‫)‪(2‬‬

‫الميت من القبر‪ .‬وانتهينا بعد خطب طويل‪ -‬إلى بيوت بني‬


‫سبليم‪ -‬ونحبن مبن السببغب‪ ،‬علبى عطبب‪ .‬ومببن‬
‫كعب بن ُ‬
‫العري‪ ،‬في أقبح زي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( نقببل ذلببك عببن )قببانون التأويببل( العلمببة ابببن غببازي فببي كتبباب‬
‫)التكميل( ‪ ،‬والرهوني في حاشيته على رسالة خليل ‪ ،‬والشببيخ مخلببوف‬
‫فببي طبقببات المالكيببة )‪ ، (137 : 1‬والمقببري فببي )نفببح الطيببب( ‪: 1‬‬
‫‪ ، 337‬و)أزهار الرياض( ‪ 89 : 3‬وغيرهم ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪ (2‬الزول ‪ :‬العجب ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫)‪(1‬‬
‫وقد قذف البحر زقاق زيت مزقببت الحجببارة منيئتهببا‬
‫سبببمت الدهبببان وبرهبببا وجلبببدتها‪ .‬فاحتزمناهبببا أ ُُزرا‪،‬‬
‫ود ّ‬
‫واشتملناها ُلفعا )‪ (2‬تمجنا البصار‪ ،‬وتخذلنا النصار‪ .‬فعطف‬
‫أميرهم علينا‪ ،‬فأوينا إليه فآوانا‪ ،‬وأطعمنببا اللببه علببى يببديه‬
‫حقيببر ضببعيف‪ ،‬وفببن‬ ‫)‪(3‬‬
‫وسقانا وأكرم مثوانا‪ ،‬وكسانا بأمر‬
‫من العلم ظريف‪ .‬وشرحه أنا لما وقفنا علببى بببابه ألفينبباه‬
‫فعل السببامد الله‪ .‬فببدنوت منببه فببي‬ ‫)‪(4‬‬
‫يدير أعواد الشاة‬
‫إذ كنت من الصغر فببي‬ ‫)‪(5‬‬
‫تلك الطمار‪ ،‬وسمح لي بياذقته‬
‫حد يسمح فيه للغمار‪ .‬ووقفت بإزائهم أنظر إلى تصرفهم‬
‫من ورائهم‪ ،‬إذ كببان علببق بنفسببي بعببض ذلببك مببن بعببض‬
‫خلس بطالة‪ ،‬مع غلبة الصبوة والجهالة‪ .‬فقلت‬
‫القرابة في ُ‬
‫للبياذقببة‪ :‬الميببر أعلببم مببن صبباحبه‪ .‬فلمحببوني شببزرا‪،‬‬
‫ت في عيونهم بعد أن كنت نزرا‪ .‬وتقدم إلببى الميببر‬
‫وعظم ُ‬
‫من نقل إليه الكلم‪ .‬فاستدناني‪ ،‬فدنوت منه‪ .‬وسألني‪ :‬هل‬
‫لي بما هم فيه بصر ؟ فقلت‪" :‬لي فيه بعض نظبر‪ ،‬سبيبدو‬
‫لك ويظهر‪ .‬حّرك تلك القطعببة" ففعببل‪ ،‬وعارضببه صبباحبه‪،‬‬
‫فأمرته أن يحرك أخرى‪ ،‬وما زالت الحركات بينهببم تببترى‪،‬‬
‫حببتى هزمهببم الميببر‪ ،‬وانقطببع التببدبير‪ .‬فقببالوا‪ :‬مببا أنببت‬
‫بصغير‪ .‬وكان في أثنبباء تلببك الحركببات قببد ترنببم ابببن عببم‬
‫المير منشدا‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫جلدها ‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪2‬‬
‫جمع لفاع ‪ :‬ما يتلفع به ‪ ،‬أي يلتحف به ‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫‪3‬‬
‫أي بسبب أمر ‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫‪4‬‬
‫أي يلعب بالشطرنج ‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫‪5‬‬
‫أتباعه وحراسه ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪16‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وفي الهجر‪ ،‬فهو‬ ‫وأحلى الهوى ما شك‬


‫الدهر يرجو ويتقي‬ ‫في الوصل ربه‬
‫الله أبا الطيب‪ ،‬أويش ّ‬
‫ك الرب ؟ ! فقلببت لببه‬ ‫فقال‪ :‬لعن‬
‫في الحال‪ :‬ليس كمببا ظببن صبباحبك أيهببا الميببر‪ ،‬إنمببا أراد‬
‫بالرب هنا الصاحب‪ .‬يقول‪ :‬ألذ الهوى ما كان المحببب فيببه‬
‫من الوصال‪ ،‬وبلوغ الغرض مببن المببال‪ ،‬علببى ريببب‪ .‬فهببو‬
‫في وقته كله على رجاء لما يببؤمله‪ ،‬وتقبباة لمببا يقطببع بببه‪،‬‬
‫كما قال‪:‬‬
‫فأين حلوات الرسائل‬ ‫إذا لم يكن في الحب‬
‫والكتب‬ ‫سخط ول رضا‬
‫وأخببذنا نضببيف إلببى ذلببك مببن الغببراض‪ ،‬فببي طرفببي‬
‫البببرام والنتقبباض‪ ،‬مببا حببّرك منهببم إلببى جهببتي داعببي‬
‫النتهاض‪ .‬وأقبلوا يتعجبون منببي‪ ،‬ويسببألونني كببم سببني ؟‬
‫ويكشفونني عني‪ .‬فبقرت لهم حديثي‪ ،‬وذكرت لهم نجيببثي‬
‫‪ .‬وأعلمت المير بأن أبي معي‪ ،‬فاستدعاه‪ ،‬وقمنا الثلثة‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪ .‬فخلع علينا خلعه‪ ،‬وأسبل علينا أدمعه‪ .‬وجاء‬ ‫)‪(2‬‬


‫إلى مثواه‬
‫كل خوان‪ ،‬بأفنان اللوان‪ .‬فانظر إلى هذا العلببم الببذي هببو‬
‫مع تلك الصببابة اليسببيرة مببن الدب‪،‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫إلى الجهل أقرب‬
‫كيف أنقذانا من العطب‪ .‬وهذا الذي يرشببدكم‪ -‬إن غفلتببم‪-‬‬
‫إلى الطلب‪ .‬وسرنا‪ ،‬حتى انتهينا إلبى ديبار مصبر‪ .‬وسبترى‬
‫عند كلمنا على مؤلفات اببن العرببي أن منهبا كتاببا كببيرا‬
‫سماه "ترتيب الرحلة‪ ،‬للترغيب في الملببة" وممببا يؤسببف‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (1‬نجيثي ‪ :‬أي سري الذي كنت أخفيه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪ (2‬منزله الخاص ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( يقول ابن العربي هذا من باب التواضع ‪ ،‬وإل فإن علمه كان أكبر مببن‬
‫سنه ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫له أن هذا الكتاب يعتبر الن مفقببودا‪ ،‬ولكببن الببذي اطلعنببا‬


‫عليه من نماذجه المنقولببة عنببه فببي تراجمببه وغيرهببا مببن‬
‫كتب العلماء يدل على أنه من الذخائر النفيسة التي تصف‬
‫الكثير من أحوال المجتمع السلمي وعمران أوطببانه فببي‬
‫النصف الثاني من القرن الخامس الهجري‪ ،‬وتنوه بببدخائل‬
‫أعلمه من العلماء والحكام بقدر ما اطلع عليه هذا العببالم‬
‫الرحالببة الببدقيق النظببر الببذكي الفطببرة الحريببص علببى‬
‫اللمام بجميع أبواب المعرفة‪ ،‬ولو وقببع لنببا كتبباب رحلتببه‪،‬‬
‫لنتفعنببا منببه كببثيرا فببي تببدوين ترجمتببه‪ ،‬ول سببيما فببي‬
‫السنوات التسببع )‪ (493 - 485‬الببتي قضبباها فببي خببارج‬
‫الندلس‪ ،‬بين حادثة سقوط دولببة آل عببباد والببوقت الببذي‬
‫شاء الله له أن يعود فيه إلى وطنه‪.‬‬
‫مروره بالديار المصرية‬
‫ومما ل شك فيه أن ابن العربي ووالده لم يطيل اللبببث‬
‫سببليم‪ ،‬فتوجهببا‬
‫في كرم مضيفهم أمير قبيلة بني كعب بن ُ‬
‫قاصدين ديار مصببر الببتي كببان طريقهببم عليهببا أيضببا عنببد‬
‫انتهاء الرحلة‪ .‬وكان الحكم في مصببر عنببد وصببولهما إليهببا‬
‫آخر سنة ‪ 485‬للمستنصر أبببي تميببم معببد حفيببد الحبباكم‪،‬‬
‫وكببان علمبباء أهببل السببنة قليلببي الظهببور‪ ،‬حببتى إن ابببن‬
‫العربي كان يذهب إلى القرافة الصببغرى‪ -‬قريبببا مببن قبببر‬
‫المام محمبد ببن إدريبس الشبافعي ‪ -‬ليلقبى فيهبا شبيخه‬
‫مسببند مصببر القاضببي أبببا الحسببن علببي بببن الحسببن بببن‬
‫الحسببين بببن محمببد الخلعببي الموصببلي الصببل المصببري‬

‫‪18‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫المولد الشافعي )‪ (492 - 405‬ولهذا العالم ترجمببة فببي‬


‫حرف العين من )وفيات العيان( وفي )طبقات الشافعية(‬
‫لبببن السبببكي )‪ ( 296 :3‬وفببي )شببذرات الببذهب( لبببن‬
‫العماد الحنبلي )‪ .( 398 :3‬وممن لقيهم في مصببر وأخببذ‬
‫عنهم أبو الحسن بن شرف‪ ،‬ومهدي الوراق‪ ،‬وأببو الحسببن‬
‫بن داود الفارسي‪.‬‬
‫وصوله إلى بيت المقدس‬
‫وواصل ابن العربي رحلته مع أبيه إلببى بيببت المقببدس‪،‬‬
‫وكان فيها المام أبو بكببر محمببد بببن الوليببد الطرطوشببي‬
‫الفهري )‪ (520-451‬من كبار علماء المالكية الندلسببيين‪،‬‬
‫وهو كابن العربي خرج من الندلس إلى المشببرق فببذهب‬
‫إلى العراق وجاء منها إلى دمشق وبيببت المقببدس‪ ،‬فلقيببه‬
‫فيهبببا اببببن العرببببي واسبببتفاد منبببه كبببثيرا قببببل مجيبببء‬
‫الطرطوشي إلببى السببكندرية‪ .‬ويقببول ابببن العربببي فيمببا‬
‫نقله عنه صاحب نفح الطيب )‪ :(341 :1‬تذاكرت بالمسجد‬
‫القصى مع شيخنا أبي بكببر الفهببري الطرطوشببي حببديث‬
‫المرفوع‪} :‬إن من ورائكم أياما للعامببل فيهببا‬ ‫)‪(1‬‬
‫أبي ثعلبة‬
‫‪ .‬فقببالوا‪ " :‬منهببم "‪ .‬فقببال‪ " :‬بببل‬ ‫)‪(2‬‬
‫أجر خمسين منكم{‬
‫منكم )أي من الصحابة( لنكم تجدون علببى الخيببر أعوانببا‪،‬‬
‫وهم ل يجدون عليه أعوانا "‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( هو أبو ثعلبة الخشني ‪ ،‬والحديث فببي ببباب المببر والنهببي مببن كتبباب‬
‫الملحم في سنن أبي داود )ك ‪ 36‬ب ‪ (17‬وفي كتاب الفتن مببن سببنن‬
‫ابن ماجه )ك ‪ 36‬ب ‪ (21‬وفي كتبباب التفسببير مبن جبامع الترمببذي )ك‬
‫‪ 44‬ب ‪. (18‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الترمذي تفسير القرآن )‪ ، (3058‬ابن ماجه الفتن )‪. (4014‬‬

‫‪19‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وتفاوضنا كيف يكون أجر من يببأتي مببن المببة أضببعاف‬


‫أجر الصحابة مع أنهم قد أسسوا السلم‪ ،‬وعضدوا الببدين‪،‬‬
‫وأقاموا المنار‪ ،‬واقتحموا المصار‪ ،‬وحموا البيضببة‪ ،‬ومهببدوا‬
‫الملة‪ ،‬وقد قال ‪ ‬في الصحيح‪} :‬لو أنفق أحدكم كل يوم‬
‫‪ ،‬فتراجعنببا‬ ‫)‪(1‬‬
‫مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول نصببيفه{‬
‫)‪(2‬‬
‫القببول‪ ،‬وتحصببل مببا أوضببحناه فببي شببرح الصببحيح‬
‫وخلصته‪ :‬أن الصحابة كانت لهم أعمببال كببثيرة ل يلحقهببم‬
‫فيها أحد ول يدانيهم فيها بشر‪ ،‬وأعمال سواها‪ -‬مببن فببروع‬
‫الببدين‪-‬يسبباويهم فيهببا فببي الجببر مببن أخلببص إخلصببهم‪،‬‬
‫وخلصببها مببن شببوائب البببدع والريبباء بعببدهم‪ .‬والمببر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتببداء الببدين‬
‫والسلم‪ ،‬وهو أيضا انتهبباؤه‪ ...‬حببتى إذا قببام بببه قببائم مببع‬
‫احتواشه بالمخاوف‪ ،‬وباع نفسه في الدعاء إليببه‪ ،‬كببان لببه‬
‫من الجر أضعاف ما كان لمن كان متمكنا منه معانا عليببه‬
‫بكثرة الدعاء إلى الله‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وفي بيت المقدس أيضا لقي ابن الكازروني وقال عنه‪:‬‬
‫إنه كان يأوي إلببى المسببجد القصببى‪ ،‬ثببم تمتعنببا بببه ثلث‬
‫سنوات‪ ،‬ولقد كان يقرأ في مهد عيسى فيسمع من الطور‬

‫‪1‬‬
‫)( البخببباري المنببباقب )‪ (3470‬مسبببلم فضبببائل الصبببحابة )‪، (2541‬‬
‫الترمببذي المنبباقب )‪ ، (3861‬أبببو داود السببنة )‪ ، (4658‬ابببن مبباجه‬
‫المقدمة )‪ ، (161‬أحمد )‪. (3/55‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي في )كتاب النيرين ‪ ،‬في الصحيحين( لبن العربي ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فل يقببدر أحببد أن يصببنع شببيئا دون قراءتببه إل الصببغاء‬ ‫)‪(3‬‬

‫إليه‪.‬‬
‫ونقل صاحب نفببح الطيببب )‪ (340-1‬قببوله‪ " :‬شبباهدت‬
‫المائدة بطور زيتا مرارا وأكلببت عليهببا ليل ونهببارا وذكببرت‬
‫‪ ....‬وكببانت صببخرة‬ ‫)‪(1‬‬
‫اللببه سبببحانه فيهببا سببرا وجهببارا "‬
‫صلداء ل تؤثر فيها المعاول‪ ،‬وكان الناس يقولون‪ :‬مسخت‬
‫صخرة والذي عندي أنها صخرة فبي الصبل وقطعبت مببن‬
‫الرض محل للمائدة النازلببة مببن السببماء وكببل مببا حولهببا‬
‫حجارة مثلها‪ .‬وكان ما حولهببا محفوفببا بقصببور نحتببت فببي‬
‫ذلك الحجر الصلد‪ ،‬بيوت أبوابها ومجالسها منهببا مقطوعببة‬
‫‪ .‬وقد كنت أخلو فيها كثيرا للدرس‪ ....‬إلخ‬ ‫)‪(2‬‬
‫فيها‬
‫مروره بدمشق‬
‫وتقدم ابن العربي في رحلته إلى الديار الشامية‪ ،‬فأقام‬
‫فببي دمشببق وأخببذ عببن علمائهببا‪ ،‬ومنهببم شببيخ الشببافعية‬
‫‪3‬‬
‫)( نبهنببي صببديقي السببتاذ الشببيخ محمببد صبببري عابببدين إلببى أن مهببد‬
‫عيسى في داخل ساحة المسجد القصببى بببالقرب مببن السببور المطببل‬
‫على مقبرة باب الرحمة ‪ ،‬ويشرف عليه طور زيتببا المعببروف بببالطور ‪،‬‬
‫وهو جبل يقع شرقي المسجد القصى وفيه قريببة تعببرف باسببم الطببور‬
‫)انظر النس الجليل ‪ 150 : 1‬و ‪ 226‬و ‪ 241‬و ‪. (262‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كتب إلي فضيلة الستاذ الشيخ محمببد صبببري عابببدين يقببول ‪ :‬وإلببى‬
‫هذا الزمان يوجد مكان في طور زيتببا ملحببق بمسببجد السببعدية بقببرب‬
‫الطور يقال له )مكان صعود المسيح عليه السببلم( وهببو بلطببة سببوداء‬
‫بركانية ‪ ،‬وربما كانت هي المائدة المشببار إليهببا فببي كلم القاضببي ابببن‬
‫العربي ‪ .‬وقد رأيتها حين زيارتي لمسجد السعدية ‪ ،‬وفي المسجد كهف‬
‫فيه قبور بعض العلماء والصالحين ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( قال الستاذ الشيخ محمد صبري عابببدين يصببف الكهببف الببذي ذكببره‬
‫في التعليقة السابقة ‪ :‬أنه منقوش نقشا بديعا ‪ ،‬وربما كببان هببذا الكهببف‬
‫بما احتوى عليه من فجوات ونقوش هو المكببان الببذي رآه ابببن العربببي‬
‫بجانب مائدة عيسى ‪ ،‬ول أستبعد أن الكهف وما فيببه مببن فجببوات كببان‬
‫محل لعتكاف بعض الزاهبدين ‪ ،‬وربمبا كبان هنالبك أيضبا بعبض الببيوت‬
‫المنحوتة طمست بإقامة أبنية جديدة في مكانها ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الحافظ المتبتل أبببو الفتبح نصببر ببن إبراهيببم المقدسببي )‬


‫‪ (490-409‬له ترجمة في حرف النون مببن تاريببخ دمشببق‬
‫للحببافظ ابببن عسبباكر‪ ،‬وفببي طبقببات الشببافعية )‪،(27-4‬‬
‫وشذرات الذهب )‪.(396-395-3‬‬
‫وعن الحافظ أبي محمببد هبببة اللببه بببن أحمببد الكفبباني‬
‫النصباري الدمشبقي )‪ (524-444‬المبترجم بحبرف الهباء‬
‫مببن تاريببخ دمشببق‪ ،‬وشببذرات الببذهب )‪ (73-4‬وعببن أبببي‬
‫الفضل أحمد بن علي بن الفرات المتوفى سنة ‪ 494‬وهببو‬
‫من علماء الشيعة‪ .‬ولقي في الديار الشببامية مببن علمائهببا‬
‫أبا سعيد الرهاوي وأبا القاسم بن أبببي الحسببن القدسببي‪،‬‬
‫وأبا سعيد الزنجاني‪.‬‬
‫ومن عجائب ما ذكببره عببن عمببران دمشببق فببي زمنببه‬
‫وتقدمها في أسباب الرفاهة والصيانة والنعيم ما نقله عنببه‬
‫صاحب نفح الطيب )‪ (338-1‬وهو أنه دعي لتناول الطعام‬
‫فببي بيببوت بعببض الكببابر‪ ،‬فببرأى نهببرا جاريببا إلببى موضببع‬
‫جلوسهم ثم يعود إلى ناحية أخرى‪ .‬قال " فلم أفهم معنببى‬
‫ذلك‪ ،‬حتى جاءت مببوائد الطعببام فببي النهببر المقبببل إلينببا‪،‬‬
‫فأخببذها الخببدم ووضببعوها بيببن أيببدينا‪ .‬فلمببا فرغنببا ألقببى‬
‫الخدم الواني وما معها في النهر الراجع‪ ،‬فذهب بها المبباء‬
‫إلببى ناحيببة الحريببم مببن غيببر أن يقببرب الخببدم مببن تلببك‬
‫الناحية‪ .‬فعلمت السر‪ ،‬وإن هذا لعجيب "‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وصوله إلى بغداد واشتغاله بطلب العلم‬


‫ورحل مع أبيه من دمشق قاصدا دار الخلفببة العباسببية‬
‫بغداد‪ ،‬وكان الخليفة في السنتين الوليين من هذه الرحلببة‬
‫المقتدي بالله‪ ،‬وكان دينا خيبرا قبوي النفبس عبالي الهمبة‬
‫من نجباء بني العباس‪ ،‬وظهرت فببي أيببامه خيببرات كببثيرة‬
‫وآثار حسنة‪ .‬ومن محاسنه أنه نفى المغنيببات والخببواطئ‪،‬‬
‫وأمر بالمحافظة على حرم الناس وصيانتها‪ ،‬وكانت قواعد‬
‫الخلفة باهرة وافرة الحرمببة‪ .‬ثببم بويببع بعببده للمسببتظهر‬
‫بببالله أحمببد وكببان مهببذبا مثقفببا ضببليعا فببي الدب بليببغ‬
‫إل أن زمنه كثر فيه الضببطراب‪ .‬وفببي ذلببك‬ ‫)‪(1‬‬
‫التوقيعات‬
‫الجو أخذ ابن العربي في توسيع ثقافته وتلقي العلوم عببن‬
‫أهلها‪ ،‬حتى برع في علوم السببنة وتراجببم الببرواة وأصببول‬
‫الدين وأصول الفقه وعلوم العربية والداب‪ .‬وممببن تتلمببذ‬
‫لهببم‪ :‬أبببو الحسببين المبببارك بببن عبببد الجبببار الصببيرفي‬
‫المعروف بابن الطيوري )‪ (500 - 411‬المحدث الصحيح‬
‫الصول الواسع العلم‪ .‬وأبو الحسن علي بببن الحسببين بببن‬
‫علي بن أيوب البزاز )‪ .(492 - 410‬وأبو المعالي ثابت بن‬
‫بنببدار البقببال المقببرئ )المتببوفى ‪ .(498‬والقاضببي أبببو‬
‫البركات طلحة بببن أحمببد بببن طلحبة العبباقولي الحنبلببي )‬
‫‪ (512 - 432‬وفخر السلم أبو بكر محمد بن أحمببد بببن‬
‫الحسين بن عمر الشاشي الشافعي )‪ (507 - 429‬وكان‬

‫‪1‬‬
‫)( التوقيعات ‪ :‬ما يكتبه الحكام على العرائض من الوامر الرسمية ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫يسببمى " الجنيببد " لببورعه ودينببه‪ ،‬وإليببه انتهببت رياسببة‬


‫الشافعية في بغداد فأنشد في أحد دروسه‪:‬‬
‫ومن العناء تفّردي‬ ‫ت‬‫خلت الديار فسد ُ‬
‫بالسؤدد‬ ‫غير مسود‬
‫ثم وضع المنديل على عينيه وجعل يبكي‪.‬‬
‫وتحدث ابن العربي عن إمام الشبافعية هبذا فبذكر مبن‬
‫محاسنه أنه سمعه ينتصر لمذهب أبي حنيفبة فبي مجلبس‬
‫النظر ويقول‪" :‬يقال في اللغة ل تقرب كببذا )بفتببح الببراء(‬
‫أي ل تتلبس بالفعل‪ .‬وإذا كان بضم الراء كان معناه ل تدن‬
‫من الموضع"‪ .‬قلببت وهببذا مببن دلئل صببحة العلببم وسببعة‬
‫الفببق‪ ،‬فببإن العببالم ل ينضببج حببتى يببترفع عببن العصبببية‬
‫المذهبية ويجنح إلى الحق والخيببر حيثمببا كانببا‪ ،‬ومببن كببان‬
‫الحق غرضه تحراه واحتج له وكان معه في كل حببال‪ .‬أمببا‬
‫التعصببب للطائفيببة والمببذهب وبنيببات الطريببق‪ ،‬وتمحببل‬
‫الحجج الواهية لذلك‪ ،‬فمن دلئل صغر النفس وزغل العلم‬
‫والنس بالباطل‪.‬‬
‫ومن الذين أخذ عنهم ابن العربي في بغداد الحافظ أبببو‬
‫عببامر محمببد بببن سببعدون بببن مرجببا الميببورقي العبببدري‬
‫المتوفى سنة ‪ 524‬وكان من فقهاء مذهب داود الظاهري‪،‬‬
‫قال القاضي ابن العربي‪ :‬وهو أنبل مببن لقيتببه‪ .‬وأخببذ عببن‬
‫أبي الحسين أحمد بن عبد القببادر اليوسببفي )‪،(492-411‬‬
‫وعببن شببيخ بغببداد فببي الدب أبببي ذكريببا يحيببى بببن علببي‬
‫التبريزي )‪ ،(502-421‬وأبببي محمببد جعفببر بببن أحمببد بببن‬

‫‪24‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫حسين السراج الحنبلي )‪ (500-416‬مؤلف كتاب مصببارع‬


‫العشبباق‪ .‬وعببن أبببي بكببر محمببد بببن طرخببان الببتركي‬
‫الشافعي )‪ (513-446‬تلميذ إمام الشببافعية أبببي إسببحاق‬
‫الشببيرازي صبباحب التنبببيه والمهببذب‪ .‬وأخببذ عببن مسببند‬
‫العراق نقيب النقباء أبببي الفببوارس طببراد بببن محمببد بببن‬
‫)‪ (491-398‬وكببان أعلببى النبباس‬ ‫)‪(1‬‬
‫علي العباس الزينبي‬
‫منزلة عند الخليفة‪.‬‬
‫وكان يتردد على مجالس العلم العامببة الببتي تعقببد فببي‬
‫دار وزير الخليفة عميد الدولة أبي منصور محمد بببن فخببر‬
‫الدولببة محمببد بببن محمببد بببن جهيببر المتببوفى سببنة ‪493‬‬
‫وسماه )الوزير العادل (‪ .‬قال ابن العربببي‪ :‬كنببت بمجلببس‬
‫‪ ‬‬ ‫الوزير‪ ،‬فقببرأ القببارئ ‪} :‬‬
‫وكنبببت فبببي‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫الصف الثاني من الحلقة بظهر أبي الوفاء بن عقيببل إمببام‬


‫الحنابلة بمدينة السلم )‪ (513-431‬وكان )مع إمامته فببي‬
‫فلمببا سببمعت‬ ‫)‪(3‬‬
‫مذهب المببام أحمببد ( معببتزلي الصببول‬
‫الية قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري‪ :‬هذه اليببة‬
‫دليل علببى رؤيببة اللببه فببي الخببرة‪ ،‬فببإن العببرب ل تقببول‬

‫‪1‬‬
‫)( نسبة إلى جدته الكبرى زينب بنت سليمان بن علي بن عبببد اللببه بببن‬
‫العباس ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة الحزاب آية ‪. 44 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تببأثر بببالعتزال مببن شببيخيه أبببي علببي محمببد بببن أحمببد بببن الوليببد‬
‫الكرخي ‪ ،‬وأبي القاسم بببن التبببان ‪ .‬ولكببن شببيوخه مببن أئمببة الحنابلببة‬
‫استتابوه بعد ذلك وصرفوه عن كثير مما تأثر به ‪ .‬وأبو الوفاء بببن عقيببل‬
‫من كبار أئمة السلم ‪ .‬ومن مؤلفبباته كتبباب الفنببون زاد علببى أربعمببائة‬
‫مجلد ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫) لقيت فلنا( إل إذا رأته‪ .‬فصرف أبو الوفاء وجهه مسبرعا‬


‫إلينا وقال ينتصر لمذهب العتزال في أن الله ل يببرى فببي‬
‫‪‬‬ ‫الخرة " فقد قال اللببه تعببالى‪} :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وعنبببببببدك أن‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪{‬‬ ‫‪‬‬

‫المنببافقين ل يببرون اللببه تعببالى فببي الخببرة " قببال ابببن‬


‫العربي‪ :‬وقد شرحنا وجه الية في )كتاب المشكلين(‪.‬‬
‫ويقول ابببن سببعيد أحببد مببترجمي ابببن العربببي أن ابببن‬
‫العرببببي أخبببذ عبببن اببببن النمببباطي فبببي السبببكندرية‪.‬‬
‫والمعرفون بابن النماطي من العلماء كببثيرون فببي مصببر‬
‫والعراق من أيام المزني تلميذ الشافعي في القرن الثالث‬
‫إلى أواخر القرن السابع‪ ،‬لكني لم أهتببد إلببى واحببد منهببم‬
‫في السكندرية زمن ابن العربي‪ .‬والعالم المعاصر له مببن‬
‫بني النماطي هو مفيد بغداد أبو البركات عبد الوهبباب بببن‬
‫المبارك بن أحمد النماطي الحنبلي )‪ (538-462‬من كببار‬
‫شيوخ الحافظ أبي الفرج بن الجوزي فلعله هو الببذي أخببذ‬
‫عنه ابن العربي في بغببداد والتبببس المببر علببى مببترجميه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫المغاربة فظنوه من بني النماطي المصريين‬
‫وفي بغداد لقبي اببن العربببي محمببد بببن عببد اللبه ببن‬
‫تومرت المصمودي )المتوفى سنة ‪ (524‬الذي ادعببى بعببد‬
‫ذلك المهدوية والنسب العلوي وقام بالتوطئة لعبد المؤمن‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة التوبة آية ‪. 77 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( النماطي ‪ :‬بائع النماط ‪ ،‬وهببي المفروشببات المنزليببة ‪ ،‬ومببا يسببمى‬
‫الن )الموبيليات( ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ببببن علبببي )‪ (558-490‬وكبببان المؤسبببس الول لدولبببة‬


‫الموحدين‪ .‬ويقول مببترجمو ابببن العربببي‪ :‬إنببه صببحب ابببن‬
‫ولببد أن‬ ‫)‪(1‬‬
‫تومرت بالمشرق‪ ،‬فأوصى عليه عبد المبؤمن‪،‬‬
‫تكون هذه الوصاة بعد عودتهما إلى المغرب بزمن طويبل‪،‬‬
‫ول شك عندنا أنه لم ينتفع بها‪ ،‬ولم يكن لها أثر في مجرى‬
‫حياته‪ .‬ولعل ذلك من نعم الله عليه‪ ،‬وفببي آخببر حيبباة ابببن‬
‫العربي أوذي بجيئته من الندلس إلى مراكش دار سببلطنة‬
‫عبد المؤمن كما سترى في آخر هذا الفصل‪.‬‬
‫اتصاله بأبي حامد الغزالي‬
‫وقد لقببي ابببن العربببي حجببة السببلم أبببا حامببد محمببد‬
‫الغزالي )‪ (505-450‬في بغداد‪ .‬وفي صحاري الشببام بعببد‬
‫ذلك‪ ،‬والذي يظهر لببي أنببه عنببد وصببول ابببن العربببي إلببى‬
‫بغداد في بداية رحلته ‪-‬وكان الغزالي يدرس في النظاميببة‬
‫وفي مجالسه العامة ‪-‬اكتفى ابن العربي بالسماع منه فببي‬
‫غمار الناس‪ :‬ثم حج الغزالببي ورحببل فببي سببنة ‪ 488‬إلببى‬
‫وعاد إلببى بغببداد‬ ‫)‪(2‬‬
‫دمشق متزهدا وألف فيها كتابه الحياء‬
‫‪1‬‬
‫)( نفح الطيب ‪. 335 : 1‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقل ابن العماد فببي شببذرات الببذهب )‪ (11 : 4‬قببول السببنوي فببي‬
‫طبقات الشافعية وهو يترجم الغزالي " وأقبببل علببى العبببادة والسببياحة‬
‫فخرج إلى الحجاز سنة ‪ 488‬فحج ورجع إلى دمشببق واسببتوطنها عشببر‬
‫سنين بمنارة دمشق ‪ ،‬وصنف فيها كتبا يقال إن )الحياء( منهببا ثببم سببار‬
‫إلى القدس والسكندرية ثم عبباد إلببى وطنببه طببوس " ونبهنببي السببتاذ‬
‫الشيخ محمد صبري عابدين إلى أن في ترجمببة الغزالببي بكتبباب النببس‬
‫الجليل )‪ (265 : 1‬ما نصببه ‪ " :‬وأخببذ فببي التصببانيف المشببهورة ببببيت‬
‫المقدس ‪ ،‬فيقبال إنببه صببنف فببي القببدس )إحيباء علبوم الببدين( وأقبام‬
‫بالزاوية التي على باب الرحمة المعروفببة قبببل ذلببك بالناصبرية شبرقي‬
‫بيت المقدس ‪ ،‬فسببميت بالغزاليببة نسبببة إليببه " ‪ .‬وقببد أصبباب الجمببال‬
‫السنوي في تحديد سنة مجيء الغزالي إلى دمشق ‪ ،‬ويوافقه في ذلببك‬
‫ابن العماد في الشذرات )‪ ، (383 : 3‬غير أن السنوي وهم في تقديره‬

‫‪27‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فنزل برباط أبي سعد بإزاء النظامية‪ ،‬وحينئذ اتصل به ابن‬


‫العربي ولزمه‪ .‬وبعد أن حج ابن العربي ‪-‬كما سنذكره في‬
‫الفقرة التالية ‪ -‬وعاد من العراق إلببى الشببام فببي طريقببه‬
‫إلى وطنه لقي الغزالي في صحاري الشام وهو فببي طببور‬
‫آخر‪ .‬وعندنا النصوص التالية عن اببن العرببي فيمبا يتعلبق‬
‫بالغزالي‪:‬‬
‫النص الول‪ :‬نقله المقري في نفح الطيب )‪(338 :2‬‬
‫وفي أزهار الريبباض )‪ (91 :3‬عببن )قببانون التأويببل( لبببن‬
‫العربي قال ) ورد علينببا دانشببمند‪-‬يعنببي الغزالببي ‪ -‬فنببزل‬
‫برببباط ابببن سببعد بببإزاء المدرسببة النظاميببة معرضببا عببن‬
‫الدنيا‪ ،‬مقبل على الله تعالى‪ .‬فمشينا إليه‪ ،‬وعرضنا أمنيتنببا‬
‫عليه‪ ،‬وقلت له‪ :‬أنت ضالتنا التي كنا ننشببد‪ ،‬وإمامنببا الببذي‬
‫به نسترشد‪ ،‬فلقينا لقاء المعرفببة‪ ،‬وشبباهدنا منببه مببا كببان‬
‫فوق الصفة‪ .....‬إلخ(‪.‬‬
‫والنص الثاني‪ :‬في نفح الطيببب )‪ (343 :1‬عببن ابببن‬
‫العربي أنه قال )وكان يقببرأ معنببا برببباط أبببي سببعد علببى‬
‫المام دانشمند من بلد المغرب خنثى له لحية ولببه ثببديان‬
‫وعنده جارية‪ ،‬فربك أعلم به‪ ،‬ومببع طببول الصببحبة عقلنببي‬
‫الحياء عن سؤاله‪ ،‬وبودي اليوم لو كاشفته حاله (‪.‬‬

‫إقامة الغزالي بعشر سنين ‪ ،‬والغالب أنه قام سنتين ثم حببج وعبباد إلببى‬
‫بغداد في المدة التي لزمه فيها ابن العربي في رباط أبي سعد ‪ .‬ثم بدا‬
‫له أن يكسر مغزله ويعود إلى دمشق وبيت المقدس سائحا فيما بينهمببا‬
‫وبين السببكندرية إن صببح تببردده إليهببا ‪ ،‬وبعببد هببذا الطببور انقلببب إلببى‬
‫طوس ودعي منها إلى نظامية نيسابور فلم يستقم له الحال فيها فرجع‬
‫إلى طوس ومات فيها سنة ‪. 505‬‬

‫‪28‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫والنص الثالث‪ :‬فببي شببذرات الببذهب )‪ (13 :4‬قببال‪:‬‬


‫وذكر الشيخ علء الدين علي بببن الصببيرفي فببي كتبابه زاد‬
‫السببالكين‪ :‬أن القاضببي أبببا بكببر بببن العربببي قببال‪ :‬رأيببت‬
‫الغزالي في البرية وبيده عكازة وعليه مرقعة وعلى عاتقه‬
‫ركوة‪ ،‬وقد كنت رأيتببه فببي بغببداد يحضببر درسببه أربعمببائة‬
‫عمامة مببن أكبابر النبباس وأفاضبلهم يأخببذون عنببه العلببم‪،‬‬
‫فدنوت منه فسلمت عليه وقلت له‪ :‬يا إمام أليس تببدريس‬
‫العلم ببغداد خيرا من هذا ؟ فنظر إلببي شببزرا وقببال‪ :‬لمببا‬
‫طلع بدر السعادة‪ ،‬فببي فلببك الرادة )أو قببال‪ :‬فببي سببماء‬
‫الرادة( وجنحت شمس الوصول‪ .‬في مغارب الصول‪:‬‬
‫وعدت إلى تصحيح أول‬ ‫تركت هوى ليلى‬
‫منزل‬ ‫وسعدى بمنزلي‬
‫منازل من تهوى‪،‬‬ ‫ونادت بي الشواق‪:‬‬

‫فانزل آخببر كببانوا‬ ‫رويدك‬


‫دانشببمند‬ ‫فهذه‬
‫شيوخ ابن العربي في بغببداد‬ ‫مهل‬
‫ومن‬
‫يسببمونه )دانشببمند الكبببر( وهببو إسببماعيل الطوسببي‪،‬‬
‫ويقولون للغزالببي )دانشببمند الصببغر( نقلببه المقببري فببي‬
‫أزهار الرياض )‪ (91-3‬عن أبي عبد الله محمببد بببن غببازي‬
‫من المغرب‪ .‬ومعنى دانشمند بالفارسية )العارف(‪.‬‬
‫ذهابه إلى الحج‪ ،‬وعودته إلى بغداد‬
‫وذهب اببن العربببي مببع أبيببه مببن بغببداد إلببى الحرميببن‬
‫الشريفين في موسم سنة ‪ 489‬فحببج بيببت اللببه الحببرام‪،‬‬
‫وأخذ في مكة عن محدثها ومفتيها أبي عبببد اللببه الحسببين‬
‫بن علي بن الحسين الطبري الشافعي )‪ .(498-418‬ومما‬

‫‪29‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تحدث به ابن العربي عن مكة قوله )كنت بمكة مقيما في‬


‫ذي الحجة سنة ‪ ،489‬وكنت أشرب من ماء زمببزم كببثيرا‪،‬‬
‫وكلما شربته نويت به العلم واليمان‪ ،‬ففتح الله لي ببركته‬
‫في المقدار الذي يسره لي من العلم‪ ،‬ونسيت أن أشببربه‬
‫للعمل‪ ،‬ويا ليتني شربته لهما حببتى يفتببح اللببه لببي فيهمببا‪،‬‬
‫ولم يقدر فكان صغوي للعلم أكثر منه للعمل‪ ،‬وأسأل اللببه‬
‫تعالى الحفظ والتوفيق برحمته(‪.‬‬
‫وعاد ابن العربي إلى بغداد مبع أبيبه‪ ،‬فلببث فيهبا قريببا‬
‫من سنتين قضاهما فببي صببحبة الغزالببي وهببو فببي طببوره‬
‫الوسط‪ ،‬بين حالة الظهور الولى وحالة العزلة والسببياحة‬
‫في النهاية‪.‬‬
‫العودة بطريق دمشق وفلسطين والسكندرية‬
‫وفي سنة ‪ 492‬كببان والببد ابببن العربببي قببد أثببرت فيببه‬
‫الشببيخوخة‪ ،‬فخرجببا مببن بغببداد متببوجهين إلببى الشببام‬
‫وفلسطين‪ ،‬فجدد ابن العربببي العهببد ‪ -‬فببي دمشببق وبيببت‬
‫المقدس وكثير من المدن الشامية ‪ -‬مع من كببان عرفهببم‬
‫وأخذ عنهم من شيوخ هذه البلد‪ ،‬وتعرف بببآخرين غيرهببم‪.‬‬
‫ثم جاء إلى السكندرية‪ ،‬وكانت فيهببا منيببة أبيببه فببي أوائل‬
‫سنة ‪ 493‬فدفن في الثغر السببكندري‪ .‬وكببان المببام أبببو‬
‫بكببر الطرطوشببي فببي تلببك المببدة قببد نببزل السببكندرية‬
‫واستوطنها وكثر فيهببا تلميببذه ومريببدوه مببن أهببل السببنة‬
‫حتى بلغوا المئات لما وجدوا فيببه مببن العببزم علببى إحيبباء‬
‫طريق أهل السنة بعد أن اعتراها الوهن وأصيبت بالهمال‬

‫‪30‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تحببت حكببم العبيببديين‪ ،‬فببأقلق نشبباط الطرطوشببي ولة‬


‫المور العبيديين في القاهرة‪ ،‬وكانت رئاستهم قد آلت من‬
‫سنة ‪ 487‬إلى المستعلي أحمد بببن المستنصببر أبببي تميببم‬
‫معد‪ ،‬وأخذ نجمهببم بببالفول فببي الشببام باسببتيلء التببراك‬
‫على بعض البلد‪ ،‬والفرنج علببى البعببض الخببر‪ .‬ولببم يكببن‬
‫للمسببتعلي حببل ول ربببط مببع وزيببره الفضببل‪ ،‬فاضببطهد‬
‫الفضل أبا بكر الطرطوشي فيما بعد بسبب كببثرة أتببباعه‬
‫ممببا ل محببل لببذكره هنببا‪ .‬فلمببا تببوفي والببد ابببن العربببي‬
‫بالسكندرية رحل عنببه عببائدا إلببى وطنببه فببي سببنة ‪،493‬‬
‫ويقول الحافظ ابن عساكر‪ :‬إن ابببن العربببي ابتببدأ بتببأليف‬
‫كتببابه )عارضببة الحببوذي ( عنببدما غببرب مببن السببكندرية‬
‫فكان أول مؤلفاته على ما نعلم‪.‬‬
‫وصوله إلى إشبيلية‬
‫ولما وصل ابن العربي إلى وطنببه إشبببيلية كببان الحكببم‬
‫فيها ل يزال ليوسف بن تاشفين‪ ،‬واستمر علببى ذلببك إلببى‬
‫أن مببات سببنة ‪ .500‬فاسببتقبل العلمبباء ورجببال الثقافببة‬
‫والدب في إشبيلية وما جاورها من عواصم النببدلس هببذا‬
‫الغائب القادم بعلوم المشرق استقبال ل نظير له‪ ،‬وقصده‬
‫طلب العلببم وأذكيبباء النببدلس مببن كببل حببدب وصببوب‪،‬‬
‫وتحول منزله إلى جامعة‪ ،‬وعقدت له حلقات الببدرس فببي‬
‫الجوامع‪ ،‬وكان ممن أخذ عنه وتلقى عليه طائفة مببن كبببار‬
‫علماء السبلم‪ :‬منهبم قاضبي المغبرب وحبافظه القاضبي‬
‫عياض بببن موسببى اليحصبببي مؤلببف )الشببفا( و )مشببارق‬

‫‪31‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫النوار(‪ ،‬وابنه القاضي محمد بن عياض‪ ،‬والحافظ المببؤرخ‬


‫أبو القاسبم خلببف بببن عبببد الملبك ببن بشببكوال‪ ،‬والمببام‬
‫الزاهد العابببد أبببو عبببد اللببه محمببد بببن أحمببد بببن مجاهببد‬
‫الشبيلي‪ ،‬وأبو جعفر بن الباذش‪ ،‬وأبو عبد الله محمببد بببن‬
‫عبد الرحيم الخزرجي‪ ،‬وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن‬
‫خليل القيسي‪ ،‬وأبو الحسن بن النعمة‪ ،‬وأبو بكر محمد بن‬
‫خير الموي الشبيلي‪ ،‬وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمببد‬
‫بن حبيش‪ ،‬والمبام عببد الرحمبن ببن عببد اللبه السبهيلي‬
‫شارح السيرة‪ ،‬وأبو العباس أحمد بن عبد الرحمبن الصبقر‬
‫النصاري‪ ،‬وأبببو الحسببن علببي بببن عببتيق القرطبببي‪ ،‬وأبببو‬
‫القاسم أحمد بن محمد بن خلف الحوفي‪ ،‬وأبو محمد عبببد‬
‫الحق بن عبد الرحمن الزدي الخراط‪ ،‬وأبو بكر محمد بببن‬
‫محمد اللخمي البلنقي‪ ،‬وأبو عبد الله محمد بببن عبببد اللببه‬
‫الغاسل الغرناطي‪ ،‬وأبو الحسن عبد الرحمن بن أحمد بببن‬
‫بقي‪ ،‬وأبو العببباس أحمببد بببن أبببي الوليببد بببن رشببد‪ ،‬وأبببو‬
‫محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد العبببدري شببارح صببحيح‬
‫مسببلم‪ ،‬وأبببو المحاسببن يوسببف بببن عبببد اللببه بببن عيبباد‪،‬‬
‫والحببافظ أبببو الحجبباج يوسببف بببن إبراهيببم العبببدري‪،‬‬
‫والقاضي أحمد بن عبد الرحمببن بببن مضبباء اللخمببي وأبببو‬
‫إسبحاق إبراهيببم بببن يوسببف بببن قرقبول شبارح مشببارق‬
‫النوار‪ ،‬وعالم ل يحصى من نمط هببؤلء الجلء منهببم مببن‬
‫ذكر مترجمو ابن العربي أسماءهم ومنهم من لم يسموهم‬
‫لكثرتهم أو لنهم من تلميذه المتأخرين في الزمببن عنببدما‬

‫‪32‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بلغ هذا المام سن الشيخوخة‪ .‬ولعل من هؤلء راوي كتابه‬


‫)العواصم من القواصم( صالح بببن عبببد الملببك بببن سببعيد‬
‫الذي ذكر في أول الكتاب أنه قرأه على ابن العربي‪ .‬وقببد‬
‫قلنا إن أبا بكر بن العربي كببان بعببد عببودته مببن المشببرق‬
‫إلى الندلس جامعة يصدر عنها العلم إلى كببل معاصببر لببه‬
‫ممن يستطيع لقاءه‪ ،‬فهو مربببي الجيببل الببذي عبباش معببه‬
‫في تلك الببديار‪ .‬قببال مببترجموه‪ :‬بقببي ابببن العربببي يفببتي‬
‫ويدرس أربعيببن سببنة‪ ،‬وقبببل أن يتببولى القضبباء صببدر لببه‬
‫التقليد من السلطات الرسمية بأن يتولى منصب المشاور‬
‫للقضاء‪ ،‬وهو منصب رفيببع يصببدر بببه مببا يسببمى الن فببي‬
‫الببديار المصببرية )مرسببوما( ومببا يسببمى فببي المغببرب‬
‫)ظهيرا( ومن نماذج مرسببوم هببذا المنصببب مببا تببراه فببي‬
‫هامش ص ‪ 89‬من كتاب )غابر الندلس وحاضرها( للستاذ‬
‫محمد كرد علببي وفببي هببامش )‪ ،01‬ب ‪ (162‬مببن )شببجرة‬
‫النور الزكية( لمخلوف‪ .‬وكان ل يباح للعببالم فببي النببدلس‬
‫أن يفتي إل إذا استظهر )الموطببأ( و )المدونببة( أو عشببرة‬
‫آلف حببديث‪ ،‬ويتميببز حينئذ بلبببس القلنسببوة ويقببال لببه‬
‫المقلس‪.‬‬
‫ولما كانت حلقة ابن العربي تخرج علماء الجيببل‪ ،‬كببانت‬
‫مملكببة علببي بببن يوسببف بببن تاشببفين تببزداد اتسبباعا‬
‫واستفحال بما كان يستحلفه من بلد ملوك الطوائف‪ ،‬وبما‬
‫استرده أو فتحه من السبانيين‪ .‬وكان البوالي علببى شببرق‬
‫الندلس وجنوبها لعلي بن يوسف بن تاشببفين أخببوه تميببم‬

‫‪33‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بن يوسف‪ ،‬وفي سنة ‪ 513‬انتعش السبانيون وأخذوا فببي‬


‫إزعاج البلد السلمية فجاز علي بببن يوسببف بببن تاشببفين‬
‫من المغرب إلببى النببدلس وقبباتلهم وانتصببر عليهببم وعبباد‬
‫سنة ‪ ،515‬فاستمرت الحال على ذلك إلى أن توفي تميببم‬
‫بن يوسف سنة ‪ ،520‬فولى علي بن يوسببف بببن تاشببفين‬
‫على الندلس ابنه تاشفين بن علي‪ ،‬وفي هببذا الببدور كببان‬
‫ابن العربي قد بلغ القمة في مكانته العلمية بما ظهببر مببن‬
‫مؤلفاته العظيمة‪ ،‬وما انتشر في ربوع النببدلس والمغببرب‬
‫من تلميذه ومريديه‪ ،‬فدعي فببي رجببب سببنة ‪ 528‬لتببولي‬
‫القضاء في إشبيلية‪ .‬وقد أجمعت كلمة الذين تحدثوا عنببه‪-‬‬
‫كالقاضببي عيبباض‪ ،‬وابببن بشببكوال‪ ،‬وابببن سببعيد وجميببع‬
‫مؤرخي الندلس‪-‬على أنببه كببان مثببال العببدل والسببتقامة‬
‫وحسن القيام بأمر القضاء‪ ،‬قال القاضي عياض‪ :‬فنفع الله‬
‫به أهل إشبيلية لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه‪ ،‬وكانت لببه‬
‫فببي الظببالمين سببورة مرهقببة‪ ،‬مببع الرفببق بالمسبباكين‪،‬‬
‫والتزم المر بالمعروف والنهي عن المنكببر‪ .‬واسببتمر فببي‬
‫هذه المببدة علببى إلقبباء دروسببه مببع القيببام بببأمر القضبباء‬
‫ومواصلة التببأليف‪ .‬إل أن وقتببه أصبببح ضببيقا حببتى اضببطر‬
‫تلميذه المام الزاهد العابد أبو عبد اللببه الشبببيلي إلببى أن‬
‫ينقطع عن درسه‪ .‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقببال‪) :‬كببان يببدرس‬
‫وبغلته عند الباب ينتظر الركوب إلى السلطان(‪.‬‬
‫إن المكانببة الببتي وصببل إليهببا ابببن العربببي فببي العلببم‬
‫وعزته وسيادته على القلوب‪-‬قبل وليته القضاء‪-‬كانت مثار‬

‫‪34‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الحسببد لببه والحنببة عليببه مببن العلمبباء الرسببميين الببذين‬


‫يتجببرون بقشببور العلببم ليبنببوا بهببا دنيبباهم‪ ،‬فلمببا ازدادت‬
‫مكانته رفعة بالقضاء مضى فيه مجاهدا في سبببيل العببدل‬
‫والصلح والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وكلهببا مببن‬
‫سبيل الله‪ ،‬يجمع إلى ذلببك كلببه آداب الخلق‪ ،‬مببع حسببن‬
‫المعاشرة‪ ،‬ولين الكنف‪ ،‬وكببثرة الحتمبال‪ ،‬وكببرم النفبس‪،‬‬
‫وحسن العهد‪ ،‬وثبات الببود‪ .‬فببازداد غيببظ حاسببديه‪ ،‬واشببتد‬
‫ضغن صغار النفوس عليه‪ ،‬ول سببيما أهببل الجببور والظلببم‬
‫والغصب الذين كببان شببديد الحكببام عليهببم والخببذ منهببم‬
‫للمظلومين‪ ،‬منضما إليهببم أهببل المجببون والفسببقة الببذين‬
‫تناولهم ابن العربي بطريقة المر بببالمعروف والنهببي عببن‬
‫المنكر‪ .‬وما كان أكببثر أهببل المجببون يببومئذ فببي إشبببيلية‪.‬‬
‫يدلك على ذلك حوار عن إشبيلية وقرطبة دار في مجلببس‬
‫منصور بن عبد المؤمن بين أبي الوليد بن رشد وأبببي بكببر‬
‫بن زهر‪ ،‬فقال ابن رشد لبن زهر‪ :‬ما أدري ما نقول‪ ،‬غيببر‬
‫أنه إذا مات عالم في إشبيلية فأريد بيببع كتبببه حملببت إلببى‬
‫قرطبة حتى تباع فيها‪ ،‬وإذا مات مطرب بقرطبة فأريد بيع‬
‫تركته حملت إلى إشبيلية‪.‬‬
‫وشعر ابن العربي في مدة قضائه بأن سببور إشبببيلية ل‬
‫يقاوم أحببداث الببدهر إذا ألمببت بالبلببد ملمببة‪ ،‬فعببزم علببى‬
‫ترميمه‪ ،‬وسد بعض الثلم الواقعة فيه‪ .‬واتفببق وقببوع ذلببك‬
‫في زمن انصرفت فيه الحكومة عن مثل هذا المببر‪ .‬أو أن‬
‫المببال اللزم لببذلك لببم يكببن متببوافرا لببديها‪ ،‬فخببرج ابببن‬

‫‪35‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫العربي عن كل مببا تحببت يببده مببن مبباله الخبباص ورصببده‬


‫لتحقيق هذا الواجب الملي العام‪ ،‬ودعببا المببة إلببى البببذل‬
‫فيه‪ ،‬وأقبلت فببي خلل ذلببك اليببام الولببى مببن شببهر ذي‬
‫الحجببة‪ ،‬فكببان ابببن العربببي أول مببن خطببر علببى ببباله‬
‫الستفادة من جلود الضاحي في المصالح العامببة‪ ،‬فحببض‬
‫الناس على أن يتبرعوا بجلود أضاحيهم لبنبباء هببذا السببور‪،‬‬
‫فكان فببي ذلببك موفقببا‪ ،‬إل أن أعببداءه ومبغضببي طريقتببه‬
‫أثاروا العامة عليه بأساليبهم الخبيثة حببتى نببابه بببداره فببي‬
‫أحد اليام مثل الذي ناب أمير المؤمنين عثمان بببن عفببان‬
‫لما تألب البغاة عليه وهاجموه في داره‪ .‬ول شببك أن هببذه‬
‫الحادثة وقعت له في آخر وليته للقضاء‪ ،‬وقببد أشببار إليهببا‬
‫في كتابنا هذا )العواصم من القواصم( الذي ألفه في سنة‬
‫‪ 536‬فهي إذن وقعت بعد سنة ‪ 530‬وقبل سنة ‪ 536‬وقببد‬
‫قال في كتابنا هذا ص ‪ 138-137‬يصفها )ولقد حكمت بين‬
‫الناس فببألزمتهم الصببلة‪ ،‬والمببر بببالمعروف والنهببي عببن‬
‫المنكر حتى لم يك في الرض منكر‪ .‬واشتد الخطب علببى‬
‫أهل الغصب‪ ،‬وعظم على الفسببقة الكببرب فتببألبوا وألبببوا‬
‫وثاروا إلي‪ ،‬فاستسلمت لمر الله‪ ،‬وأمرت كل مببن حببولي‬
‫أل يببدفعوا عببن داري‪ ،‬وخرجببت علببى السببطوح بنفسببي‬
‫فعاثوا علي‪ ،‬ولول ما سبق من حسن المقدار‪ ،‬لكنت قتيل‬
‫الدار‪ .‬وكبان البذي حملنبي علبى ذلبك ثلثبة أمبور‪ :‬أحبدها‬
‫وصاية النبي ‪) ‬أي بالكف عن القتال في الفتنة(‪ .‬الثبباني‬

‫‪36‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫القتببداء بعثمببان‪ .‬والثببالث سببوء الحدوثببة الببتي فببر منهببا‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫رسول الله ‪ ‬المؤيد بالوحي‬
‫فنكب ابن العربي في هببذه الثببورة ونهبببت كتبببه كلهببا‪.‬‬
‫وانصرف أو صرف عن القضاء‪ ،‬وتحول مؤقتا إلى قرطبة‪.‬‬
‫وكان له فيها تلميذ ومريدون‪ ،‬فازداد بهذه الرحلة تلميببذه‬
‫من أذكيائها ومريدوه‪.‬‬
‫وكان مببن حكمببة اللببه فببي هببذه النازلببة أن تفببرغ ابببن‬
‫العربي للعلم‪ ،‬وواصل إكمال مؤلفاته الكبيرة‪ ،‬وقببد آن لنببا‬
‫أن نشير إلى تراثه العلمي‪ .‬فمن مؤلفاته‪:‬‬
‫‪- 1‬أنوار الفجر في تفسير القببرآن‪ :‬ألفببه فببي عشببرين‬
‫سنة وبلغ ثمانين ألببف ورقببة )أي مببائة ألببف وسببتين ألببف‬
‫صفحة( ورآه يوسف الحزام المغربببي فببي القببرن الثببامن‬
‫في خزانببة أميببر المسببلمين السببلطان أبببي عنببان فببارس‬
‫بمدينببة مراكببش )وكبان يخببدم السبلطان فببي حببزم كتبببه‬
‫ورفعها( فعد أسببفاره فبلغبت ثمببانين سببفرا‪ ،‬وقببال بعبض‬
‫مترجمي ابن العربي إنه في تسعين مجلببدا‪ ،‬وكببان النبباس‬
‫يتداولون هذا التفسير أثناء تأليفه‪ ،‬فكلما انتهى من تببأليف‬
‫مقدار منه تناسخه الناس وتناقلوه‪.‬‬
‫‪- 2‬قانون التأويل في تفسير القرآن‪ :‬كتبباب كبببير‪ ،‬كببان‬
‫موجودا ومنتشرا إلى القرن الحادي عشر الهجببري‪ ،‬ونقببل‬

‫‪1‬‬
‫)( أي لما أراد عمر بن الخطاب أن يقتل ابن سلول عند عودة النبي من‬
‫غزوة بني المصطلق لقول ابن سلول " إذا رجعنا إلى المدينببة ليخرجببن‬
‫العز منها الزل " فمنع النبي عمر من قتله وقال " ل يتحدث الناس أن‬
‫محمدا يقتل أصحابه " ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عنه المقري في نفح الطيب‪ ،‬ونقلنا عنه شيئا منه في هذه‬


‫الترجمة‪.‬‬
‫‪- 3‬أحكام القرآن‪ :‬كتاب نفيس طبعه سببلطان المغببرب‬
‫مولي عبد الحفيظ في إحدى المطابع المصرية‪.‬‬
‫‪- 4‬الحكام الصغرى‪ ،‬منه مخطببوط بمكتبببة عبببد الحببي‬
‫الكتاني بالمغرب‪.‬‬
‫‪- 5‬الناسخ والمنسوخ في القرآن‪ :‬توجد منببه مخطوطببة‬
‫بخزانة القرويين‪.‬‬
‫‪- 6‬كتاب المشكلين‪ :‬مشكل الكتاب ومشكل السنة‪.‬‬
‫‪- 7‬كتاب النيرين‪ :‬في الصحيحين‪.‬‬
‫‪- 8‬القبس‪ :‬في شرح موطأ مالببك بببن أنببس‪ .‬وهببو مببن‬
‫أواخر مؤلفاته‪ .‬ذكر فيه تفسيره )أنوار الفجر( وفي مكتبة‬
‫الكتبباني بببالمغرب مخطوطببة مببن القبببس وفببي مكتبببة‬
‫الجلوي بمراكش مخطوطة‪.‬‬
‫‪- 9‬ترتيب المسالك في شرح موطأ مالببك‪ :‬فببي مكتبببة‬
‫طلعت )‪ 793‬حديث(‪.‬‬
‫‪- 10‬عارضة الحوذي‪ ،‬شرح جببامع الترمببذي‪ :‬وهببو مببن‬
‫أول مؤلفاته‪ ،‬ويقول الحافظ ابن عساكر‪ :‬إنببه بببدأ بتببأليفه‬
‫في منقلبه إلى المغببرب عببائدا مببن رحلتببه الكبببرى‪ .‬وقببد‬
‫اطلعنببا علببى مخطوطببة منببه فببي مكتبببة جمعيببة الهدايببة‬
‫السلمية جاء بها من تونس صديقنا العلمة الجليل السببيد‬
‫محمد الخضر حسين‪ .‬ثم طبع هذا الكتاب في مصببر سببنة‬
‫‪ 1350‬مع جامع الترمذي في ‪ 14‬جزءا‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪- 11‬شرح حديث جابر في الشفاعة‪.‬‬


‫‪ - 12‬حديث الفك‪.‬‬
‫‪ - 13‬العواصم من القواصم‪.‬‬
‫‪- 14‬شرح حديث أم زرع‪.‬‬
‫‪- 15‬الكلم على مشكل حديث السبحات والحجاب‪.‬‬
‫‪- 16‬السباعيات‪.‬‬
‫‪ - 17‬المسلسلت‪.‬‬
‫‪- 18‬المد القصى بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا‪.‬‬
‫‪- 19‬تفصيل التفضيل‪ ،‬بين التحميد والتهليل‪.‬‬
‫‪- 20‬التوسط في معرفة صحة العتقاد‪ ،‬والرد على من‬
‫خالف السنة وذوي البدع واللحبباد فببي مجمببوع مخطببوط‬
‫بمكتبببة عبببد الحببي الكتبباني فببي المغببرب )عقيببدة ابببن‬
‫العربي (‪.‬‬
‫‪- 21‬المحصول في علم الصول‪.‬‬
‫‪- 22‬النصاف‪ ،‬في مسائل الخلف‪ :‬عشرون مجلدا‪.‬‬
‫‪ - 23‬شرح غريب الرسالة لبن أبي زيد القيرواني‪.‬‬
‫‪- 24‬كتاب ستر العورة‪.‬‬
‫‪- 25‬الخلفيات‪.‬‬
‫‪ - 26‬مراقي الزلف‪.‬‬
‫‪ - 27‬سراج المريدين )وهو ينقل عنبه ويشبير إليبه فبي‬
‫العواصم من القواصم( ومنه مخطوطة بمكتبة عبببد الحببي‬
‫الكتاني وبأولها خط المؤلف‪.‬‬
‫‪ - 28‬نواهي الدواهي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ - 29‬العقل الكبر للقلب الصغر‪.‬‬


‫‪ - 30‬الكافي في أن ل دليل على النافي‪.‬‬
‫‪- 31‬سراج المهتدين‪.‬‬
‫‪ - 32‬تبيين الصحيح‪ ،‬في تعيين الذبيح‪.‬‬
‫‪ - 33‬ملجأة المتفقهين‪ ،‬إلى معرفة غوامض النحويين‪.‬‬
‫‪- 34‬أعيان العيان‪.‬‬
‫‪- 35‬تخليص التلخيص‪.‬‬
‫‪ - 36‬ترتيب الرحلة للترغيب في الملة‪ :‬منبه مخطوطبة‬
‫ناقصة في مكتبة عبد الحي الكتاني بالمغرب‪.‬‬
‫وفى خلل اشتغال ابن العربي بالتدريس والتببأليف فببي‬
‫العشر الواخر من سني حيبباته‪ ،‬كببان يببتردد علببى الدببباء‪،‬‬
‫ويساجلهم الدب والشعر بقريحة وقادة‪ ،‬وبيببان جببزل‪ ،‬ول‬
‫يتسع هذا المقببام لوصببف مقببامه الدبببي‪ ،‬ونكتفببي بببإيراد‬
‫المثل التي لهذه الناحيببة‪ :‬دخببل عليببه الديببب ابببن صببارة‬
‫الشنتريني وبين يدي القاضي أبي بكر نار علها رماد فقال‬
‫لبن صارة‪ :‬قل في هذه‪ .‬فقال‪:‬‬
‫وتسترت عنا بثوب‬ ‫شابت نواصي النار‬
‫رماد‬ ‫بعد سوادها‬
‫ثم قال لبن العربي‪ :‬أجز‪ .‬فقال‪:‬‬
‫فكأنما كنا على ميعاد‬ ‫شابت كما شبنا وزال‬
‫شبابنا‬
‫ونختببم هببذه الترجمببة قبببل ذكببر وفبباته‪ ،‬بفصببل عقببده‬
‫وصاف أدب أدباء الندلس الوزير أبو نصر الفتح بن خاقان‬

‫‪40‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫القيسي في كتابه )المطمببح( فقببال يصببف الفقيببه الجببل‬


‫الحافظ أبا بكر بن العربي‪:‬‬
‫)علببم العلم الطبباهر الثببواب‪ ،‬الببباهر اللببباب‪ ،‬الببذي‬
‫أنسى ذكاء إياس‪ .‬وترك التقليد للقياس‪ ،‬وانتجع الفرع من‬
‫الصل‪ ،‬وغدا في يد السلم أمضى من النصل‪ ،‬سقى اللببه‬
‫به الندلس بعدما أجبدبت مبن المعبارف‪ ،‬ومبد عليهبا مبن‬
‫الظل البوارف‪ .‬فكسباها رونبق نبلبه‪ ،‬وسبقاها ريبق وبلبه‪،‬‬
‫وكان أبوه أبو محمد بإشبيلية بدرا في فلكها‪ .‬وصببدرا فببي‬
‫مجلببس ملكهببا‪ .‬واصببطفاه معتمببد بنببي عببباد‪ ،‬اصببطفاء‬
‫المببأمون لبببن أبببي داود ووله الوليببات الشببريفة وبببوأه‬
‫)‪(1‬‬
‫المراتب المنيفة‪ .‬فلما أقفرت حمص من ملكهم وخلت‬
‫وألقتهم منها وتخلت‪ .‬رحببل بببه إلببى المشببرق‪ ،‬وحببل فيببه‬
‫محببل الخببائف الفببرق‪ .‬فجببال فببي أكنببافه‪ ،‬وأجببال قببداح‬
‫الرجاء في استقبال العز واستئنافه‪ .‬فلم يسترد ذاهبا‪ ،‬ولم‬
‫يجد كمعتمده باذل له وواهبا فعبباد إلببى الروايببة والسببماع‪.‬‬
‫وما استفاد من إجالة تلك الطماع‪ .‬وأبببو بكببر إذ ذاك فببي‬
‫ثرى الذكاء قضيب مبا دّوح‪ ،‬وفببي روض الشببباب زهببر مببا‬
‫وح‪ ،‬فألزمه مجالس العلم رائحببا وغاديببا‪ ،‬ولزمببه سببائقا‬
‫ص ّ‬
‫إليهببا وحاديببا‪ ،‬حببتى اسببتقرت بببه مجالسببه‪ ،‬واطببردت لببه‬
‫مقايسه‪ .‬فجد في طلبه‪ ،‬واستجد به أبوه منخرق أربببه ثببم‬
‫‪1‬‬
‫)( كانت إشبيلية في زمن الفتح السببلمي منببزل الفبباتحين مببن أبنبباء "‬
‫حمص " إحدى المدن الشامية ‪ ،‬فسموا إشبيلية باسببم بلببدهم ‪ ،‬ولببذلك‬
‫يقول فيها ابن عبدون ‪ :‬هل تذكر العهد الذي لم أنسه ومودتي مخدومببة‬
‫بصفاء ومبيتنا في أرض حمببص والحجببى قببد حببل عقببد صببباه بالصببهباء‬
‫ودموع طل الليل يخلق أعينا ترنو إلينا من عيون الماء ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫أدركه حمامه ووارته هناك رجامه‪ .‬وبقي أبببو بكببر متفببردا‪،‬‬


‫وللطلب متجردا‪ ،‬حتى أصبح فببي العلببم وحيببدا‪ ،‬ولببم تجببد‬
‫عنه الرياسة محيدا‪ ،‬فكببر إلببى النببدلس فحلهببا والنفببوس‬
‫إليه متطلعة‪ ،‬ولنبائه متسمعة‪ ،‬فناهيببك مببن حظببوة لقببي‪،‬‬
‫ومن عزة سقي‪ ،‬ومن رفعة سما إليها ورقي‪ ،‬وحسبك من‬
‫مفاخر قلدها‪ ،‬ومن محاسن أنس أنبتها فيها وخلدها‪.‬‬
‫وفي السنوات الخيرة من حياة ابن العربي مببات علببي‬
‫بن يوسف بن تاشفين صبباحب المغببرب والنببدلس‪ ،‬فقببام‬
‫بعده )سنة ‪ (537‬ابنه تاشفين الذي كببان واليببا لبيببه علببى‬
‫الندلس‪ .‬وفي زمنه استفحلت دعوة الموحدين الببتي كببان‬
‫دعا إليها ابن تومرت مدعي المهدوية فتولها بعده صنيعته‬
‫عبد المؤمن بببن علببي‪ ،‬وتغلببب عبببد المببؤمن علببى المعببز‬
‫تاشفين وشرده إلى وهران فببي غببرب الجببزائر‪ ،‬ثببم قتلببه‬
‫في وهران في رمضان سنة ‪ ،539‬وحاصببر أخبباه إسببحاق‬
‫بن علي بن يوسف بببن تاشببفين فببي مراكببش سببنة ‪540‬‬
‫مدة تسعة أشهر واستولى عليبه وعليهبا فبي شببوال سبنة‬
‫‪ ،541‬فانقرضببت دولببة المرابطيببن أو الملثميببن بعببد أن‬
‫حكمت ‪ 141‬سنة‪ .‬وهكذا شهد ابن العربببي سببقوط دولببة‬
‫آل عباد على يد يوسف بببن تاشببفين فببي أول شبببابه‪ .‬ثببم‬
‫شاهد سقوط دولة بني تاشفين على يد عبببد المببؤمن بببن‬
‫علي صاحب دولة الموحدين في أواخر شيخوخته‪ .‬وعقببب‬
‫ذلك أخذت وفود مدائن الندلس تفد على مراكببش طالبببة‬
‫مببن عبببد المببؤمن السببتيلء علببى بلدهببم مببن بقايببا‬

‫‪42‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫المرابطين‪ .‬وحضر في سنة ‪ 542‬وفببد )إشبببيلية( برئاسببة‬


‫عظيمها وكبير علمائها المام أبي بكر بن العربي‪ .‬ولسبببب‬
‫غامض ل نعرفه إلى الن حبس عبد المؤمن هذا الوفد في‬
‫مراكش نحو عام‪ ،‬ثم سرحوا‪ ،‬فأدركته منيته منصرفه مببن‬
‫مراكش في موضع يسمي )أغلن( على مسببيرة يببوم مببن‬
‫فاس غربا منها‪ ،‬فاحتمل ميتا إلى فاس فببي اليببوم الثبباني‬
‫من موته‪ ،‬وصلى عليه صاحبه أبو الحكم بن حجبباج‪ ،‬ودفببن‬
‫في يببوم الحببد ‪ 7‬ربيببع الول سببنة ‪ 543‬خببارج المحببروق‬
‫أعلى مدينة فاس بتربة القائد مظفببر‪ .‬رحمببه اللببه وأعلببى‬
‫مقامه في دار الخلود‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫أصحاب رسول الله ‪ ‬عدول‬


‫بتعديل الله ورسوله لهم‬
‫ول ينتقص أحدا منهم إل زنديق‬
‫عقد المام الحافظ المحدث أبو بكر أحمد بن علببي بببن‬
‫ثببابت الخطيببب البغببدادي )‪ (463-392‬فصببل نفيسببا فببي‬
‫كتابه ) الكفاية( الذي طبعه صاحب السمو نظام حيدر أباد‬
‫الببدكن بالهنببد سببنة ‪) 1357‬ص ‪ (49-46‬واعتمببده شببيخ‬
‫السلم المام الحافظ قاضي قضبباة مصببر شببهاب الببدين‬
‫أحمد بن حجر العسقلني )‪ (852-773‬فببي مقدمببة كتببابه‬
‫)الصابة( الذي طبعه في مصببر سببلطان المغببرب مببولي‬
‫عبد الحفيظ سنة ‪) 1328‬ج ‪1‬ص ‪ (11-10‬ونحببن نقتطببف‬
‫منه ما يلي‪:‬‬
‫عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهببم‪ ،‬وإخببباره‬
‫عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫فمببن ذلببك قبببوله تعبببالى‪} :‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪   ‬‬

‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وقبببوله‪} :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪    ‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪{ ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقببوله‪} :‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة آل عمران آية ‪. 110 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة البقرة آية ‪. 143 :‬‬

‫‪44‬‬
‫العواصم من القواصم‬

    

  

  

. (1)
{ 

  } :‫وقببببببببببوله تعببببببببببالى‬


   

 

    

. (2)
{  

 } :‫وقببببببببببببببببببببببببببببوله‬
  

   


(3)
{  

  } :‫وقببببببببوله‬


    

. (4)
{ 

 } :‫وقبببببببببببوله تعبببببببببببالى‬


 

  

  

1
. 18 : ‫الفتح آية‬ ‫سورة‬ ()
2
. 100 : ‫التوبة آية‬ ‫سورة‬ ()
3
. 12 ، 10 : ‫الواقعة آية‬ ‫سورة‬ ()
4
. 64 : ‫النفال آية‬ ‫سورة‬ ()

45
‫العواصم من القواصم‬

    

   

   

    

   

   

    

  

     

    

. (1)
{  

‫ وأطنب فببي‬،‫ الصحابة مثل ذلك‬ ‫ووصف رسول الله‬


‫ فمن الخبببار المستفيضببة‬.‫ وأحسن الثناء عليهم‬،‫تعظيمهم‬
:‫عنه في هذا المعنى‬
‫ }خيببر‬:‫ قببال‬ ‫حديث عبد اللببه بببن مسببعود أن النبببي‬
‫ ثببم يجيببء‬،‫ ثم الذين يلونهم‬،‫ ثم الذين يلونهم‬،‫أمتي قرني‬
‫ ويشبببهدون قببببل أن‬،‫قبببوم تسببببق أيمبببانهم شبببهادتهم‬
.‫ورواه أبو هريرة وعمران بن حصين أيضا‬ (2)
{‫يستشهدوا‬

1
. 9 ، 8 : ‫)( سورة الحشر آية‬
2
. (4/267) ‫)( أحمد‬

46
‫العواصم من القواصم‬

‫وحديث أبي سعيد الخببدري قببال‪ :‬قببال رسببول اللبه ‪‬‬


‫}ل تسبوا أصحابي‪ ،‬فوالذي نفسي بيببده لببو أنفببق أحببدكم‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ول نصيفه{‬
‫وحديث ابن عباس عببن رسببول اللبه ‪} ‬مهمبا أوتيتبم‬
‫من كتاب الله فالعمل به ل عذر لحدكم في تركه‪ .‬فإن لم‬
‫يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية فببإن لببم يكببن سببنة‬
‫مني ماضية فما قال أصحابي إن أصحابي بمنزلببة النجببوم‬
‫في السماء فأيها أخذتم به اهتديتم‪ ،‬واختلف أصحابي لكم‬
‫رحمة{ ‪.‬‬
‫وحديث سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطبباب قببال‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪} ‬سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي‬
‫من بعدي فأوحى الله إلي‪ :‬يببا محمببد‪ ،‬إن أصببحابك عنببدي‬
‫بمنزلة النجوم في السماء‪ :‬بعضها أضوأ مببن بعببض‪ ،‬فمببن‬
‫أخذ بشيء مما هم عليببه مببن اختلفهببم فهببو عنببدي علببى‬
‫هدى{ ‪.‬‬
‫وحديث المام الشافعي بسنده إلى أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫قال رسببول اللببه ‪} ‬إن اللببه اختببارني واختببار أصببحابي‬
‫فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري‪ .‬وإنه سيجيء فببي آخببر‬
‫الزمان قببوم ينتقصببونهم‪ ،‬أل فل تنبباكحوهم‪ ،‬أل فل تنكحببوا‬
‫إليهببم‪ ،‬أل فل تصببلوا معهببم‪ ،‬أل فل تصببلوا عليهببم‪ ،‬عليهببم‬
‫حلت اللعنة{ ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( البخبباري المنبباقب )‪ ، (3470‬مسببلم فضببائل الصببحابة )‪، (2541‬‬
‫الترمببذي المنبباقب )‪ ، (3861‬أبببو داود السببنة )‪ ، (4658‬ابببن مبباجه‬
‫المقدمة )‪ ، (161‬أحمد )‪. (3/55‬‬

‫‪47‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قببال الحببافظ الكبببير أبببو بكببر بببن الخطيببب البغببدادي‪:‬‬


‫والخبار في هذا المعنى تتسع‪ ،‬وكلها مطابقة لما في نببص‬
‫القرآن‪ ،‬وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة‪ ،‬والقطع على‬
‫تعديلهم ونزاهتهم‪ .‬فل يحتاج أحببد منهببم ‪ -‬مببع تعببديل اللببه‬
‫تعالى لهم‪ ،‬المطلع علببى بببواطنهم‪ ،‬إلببى تعببديل أحببد مببن‬
‫الخلق له‪ ....‬على أنه لو لم يرد من الله ‪ ‬ورسوله فيهم‬
‫شيء مما ذكرناه‪ ،‬لوجبت الحال الببتي كببانوا عليهببا ‪ -‬مببن‬
‫الهجرة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والنصرة‪ ،‬وبببذل المهببج والمببوال‪ ،‬وقتببل‬
‫الباء والولد‪ ،‬والمناصحة في الدين‪ ،‬وقوة اليمان واليقين‬
‫‪ -‬القطع على عدالتهم‪ ،‬والعتقاد لنزاهتهببم‪ ،‬وأنهببم أفضببل‬
‫من جميع المعدلين والمزكيببن‪ .‬الببذين يجيئون مببن بعببدهم‬
‫أبد البدين‪.‬‬
‫أخبرنا أبو منصببور محمببد بببن عيسببي الهمببذاني‪ ،‬حببدثنا‬
‫صالح بن أحمد الحافظ قال‪ :‬سمعت أبببا جعفببر أحمببد بببن‬
‫عبدل يقول‪ :‬سمعت أحمد بن محمد بن سليمان التستري‬
‫يقول‪ :‬سمعت أبا زرعة يقول‪ ) :‬إذا رأيببت الرجببل ينتقببص‬
‫أحدا من أصحاب رسببول اللببه ‪ ‬فبباعلم أنببه زنببديق‪ ،‬لن‬
‫الرسول ‪ ‬عندنا حق‪ ،‬والقرآن حق‪ ،‬وإنمببا أدى إلينببا هببذا‬
‫القرآن والسببنن أصببحاب رسببول اللببه‪ ،‬وإنمببا يريببدون أن‬
‫يجرحببوا شببهودنا ليبطلببوا الكتبباب والسببنة‪ ،‬والجببرح بهببم‬
‫أولى‪ ،‬وهم زنادقة(‪.‬‬
‫وأبببو زرعببة الببذي أعلببن زندقببة مببن ينتقببص أحببدا مببن‬
‫الصحابة‪ ،‬هو عبيد الله بن عبد الكريم الرازي‪ ،‬مببن مببوالي‬

‫‪48‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بني مخزوم‪ ،‬كان أحد أعلم الئمة‪ .‬قال عنه المام أحمببد‪:‬‬
‫ما جاز الجسر أحفظ من أبي زرعة‪ .‬وقال المام أبو حبباتم‬
‫إن أبا زرعة ما خلف بعده مثله‪ .‬توفي سنة ‪.264‬‬

‫‪49‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫خطبة المؤلف‬
‫العواصم من القواصم في تحقيق مواقف‬
‫الصحابة بعد وفاة النبي ‪‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫وصلى الله على محمد وآله‬
‫قال صالح بن عبد الملك بن سعيد‪:‬‬
‫قرأت على المام محمد أبي بكر بن العربي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬اللهم صل علببى محمببد وعلببى‬
‫آل محمد‪ ،‬كما صليت علببى إبراهيببم وآل إبراهيببم‪ .‬وبببارك‬
‫على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيببم وآل‬
‫إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫اللهم إنا نستمد بك المنحة‪ ،‬كمببا نسببتدفع بببك المحنببة‪،‬‬
‫ونسألك العصمة‪ ،‬كما نستوهب منك الرحمة‪.‬‬
‫ربنا ل تزغ قلوبنا بعبد إذ هبديتنا‪ ،‬ويسبر لنبا العمبل كمبا‬
‫علمتنا‪ ،‬وأوزعنا شكر ما آتيتنا‪ ،‬وانهج لنا سبيل يهببدي إليببك‬
‫وافتح بيننا وبينك بابا نفد منه عليك‪ ،‬لك مقاليد السببماوات‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫والرض وأنت على كل شيء قدير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( بهذا التحميد والدعاء السديد ‪ ،‬افتتح المام ابببن العربببي الجببزء الول‬
‫من كتابه )العواصم من القواصم( ‪ .‬فافتتحنا به هببذا القسببم مببن جببزئه‬
‫الثاني )من ص ‪ 98‬إلى ص ‪ 193‬من مطبوعة الجزائر سنة ‪ (1347‬وهو‬
‫ما اخترنا إفراده بهذا السفر خاصا بتحقيق مواقف الصحابة رضوان الله‬
‫عليهم بعد وفاة النبي كما أشرنا إلى ذلك في تصدير الكتاب ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قاصمة الظهر‬
‫وفاة النبي ‪ ‬ووقعها في نفوس الصحابة‬
‫بعد أن استأثر الله بنبيه ‪ ‬ب وقد أكمببل لببه ولنببا دينببه‪،‬‬
‫‪       ‬‬ ‫وأتم عليه وعلينا نعمته‪ ،‬كما قال تعببالى‪} :‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪        ‬‬ ‫‪    ‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪   ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬

‫‪                 ‬‬

‫] المائدة‪ [ 3 :‬ومببا مببن شببيء فببي الببدنيا يكمببل إل‬ ‫(‬


‫}‪‬‬
‫‪(1‬‬

‫وجاءه النقصان‪ ،‬ليكون الكمببال الببذي يببراد بببه وجببه اللببه‬


‫خاصة‪ ،‬وذلك العمل الصالح والدار الخببرة‪ ،‬فهببي دار اللببه‬
‫الكاملة‪ .‬قال أنس‪ " :‬ما نفضنا أيدينا من تراب قبر رسببول‬
‫الله ‪ ‬حتى أنكرنا قلوبنا " )‪.(1‬‬
‫واضطربت الحال‪ ،‬ثببم تببدارك اللببه السببلم ببيعببة أبببي‬
‫بكببر‪ ،‬فكببان مببوت النبببي ‪ ) ‬قاصببمة الظهببر ( ومصببيبة‬
‫العمر‪:‬‬
‫استخفاء علي وإهجار عمر‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فأما علي فاستخفى في بيته مع فاطمة‬
‫‪1‬‬
‫)( في مطبوعة الجزائر " نفوسنا " والمروي في الحديث " قلوبنا " من‬
‫وجوه متعددة أشار إليها الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية )‪273 : 5‬‬
‫‪ (274-‬أحدها للمام أحمد عن أنس ‪) :‬لمببا كببان اليببوم الببذي قببدم فيببه‬
‫رسول الله المدينة أضاء منها كل شيء ‪ ،‬فلما كان اليوم الذي مات فيه‬
‫أظلم منها كل شيء ‪ :‬قال ‪ :‬وما نفضببنا عببن رسببول اللببه اليببدي حببتى‬
‫أنكرنا قلوبنا( وهكذا رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ .‬وقببال الترمببذي ‪ :‬هببذا‬
‫حبديث صببحيح غريببب ‪ .‬قبال اببن كبثير ‪ :‬وإسبناده صبحيح علبى شببرط‬
‫الصحيحين ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لن فاطمة وجدت على أبي بكر لما أصر على العمببل بقببول رسببول‬
‫الله )ل نورث ‪ ،‬ما تركناه صببدقة( وسببيأتي تفصببيل ذلببك فببي ص ‪ 48‬بب‬
‫‪ ، 50‬فعاشت فاطمة بعد موت النبي ستة أشهر معتزلة في بيتها ومعها‬
‫علي كرم الله وجهه قببال الحببافظ ابببن كببثير فببي البدايببة والنهايببة )‪: 6‬‬

‫‪51‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وأما عثمان فسكت‪.‬‬


‫وأما عمببر فببأهجر وقببال‪ " :‬مببا مببات رسببول اللببه ‪‬‬
‫وليرجعببن رسببول‬ ‫) ‪(1‬‬
‫وإنما واعده الله كما واعببد موسببى‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫الله ‪ ‬فليقطعن أيدي أناس وأرجلهم "‬

‫‪ : (333‬فلمببا مرضببت جاءهببا الصببديق فببدخل عليهببا فجعببل يترضبباها‬


‫فرضيت ‪ .‬رواه البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عببن الشببعبي‬
‫ثم قال ‪ .‬وهذا مرسل حسن بإسناد صببحيح ‪ .‬وقببال البخبباري )ك ‪ 64‬ب‬
‫‪ 38‬ج ‪ 5‬ص ‪ (83 - 82‬من حديث عروة عبن عائشبة ‪ " :‬فلمببا تببوفيت‬
‫دفنها زوجها علي ليل ولم يؤذن بها أبا بكببر وصببلى عليهببا ‪ ،‬وكببان لعلببي‬
‫مبن النباس وجبه فبي حيباة فاطمبة فلمبا تبوفيت اسبتنكر علبي وجبوه‬
‫الناس ‪ ،‬فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ‪ . . .‬إلخ " ‪ .‬وبيعة علي هذه‬
‫هي الثانية بعد بيعته الولى في سقيفة بنببي سبباعدة ‪ .‬وأضبباف الحببافظ‬
‫ابن كثير في البداية والنهاية )‪ (249 : 5‬أن عليا لم ينقطع عن صلة من‬
‫الصلوات خلف الصديق ‪ ،‬وخرج معه إلى ذي القصة لمببا خببرج الصببديق‬
‫شاهرا سيفه يريد قتال أهببل الببردة ‪ .‬ويحتمببل أن يكببون مببراد المؤلببف‬
‫باستخفاء علي ما كان منه ومن الزبير قبيل الجتمبباع فببي سببقيفة بنببي‬
‫ساعدة ‪ ،‬وقد أشار عمر بن الخطاب إلى ذلك في خطبته الكبببرى الببتي‬
‫خطبها في المدينة في عقب ذي الحجة بعد آخر حجة حجها عمر ‪ ،‬وهذه‬
‫الخطبة في مسند المام أحمد )‪ 55 : 1‬الطبعة الولى ‪ -‬ج ‪ 1‬رقم ‪391‬‬
‫الطبعة الثانية( من حديث ابن عباس ‪.‬‬
‫َ‬
‫)( إشارة إلى قول اللهفي سورة البقرة ‪ 51 :‬وَإ ِذ ْ َواعَد َْنا ُ‬
‫‪1‬‬
‫ن‬‫سى أْرب َِعي َ‬
‫مو َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫سببى ث َلِثيبب َ‬‫مو َ‬‫ة ‪ ،‬وقوله سبحانه في سورة العراف ‪ 142 :‬وََواعَد َْنا ُ‬ ‫ل َي ْل َ ً‬
‫ن ل َي ْل َ ً‬ ‫َ‬ ‫ل َيل َ ً َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ت َرب ّهِ أْرب َِعي َ‬
‫قا ُ‬
‫مي َ‬ ‫شرٍ فَت َ ّ‬
‫م ِ‬ ‫ها ب ِعَ ْ‬
‫مَنا َ‬
‫م ْ‬
‫ة وَأت ْ َ‬ ‫ْ‬
‫‪2‬‬
‫)( في مسند أحمد )‪ 196 : 3‬الطبعة الولى( حديث أنس بن مالك عن‬
‫يوم وفاة النبي وفيه ‪ " :‬ثم أرخى الستر ‪ ،‬فقبض في يببومه ذاك ‪ .‬فقببام‬
‫عمر فقال ‪ :‬إن رسول الله لم يمت ‪ ،‬ولكن ربه أرسل إليببه كمبا أرسببل‬
‫إلى موسى ‪ ،‬فمكبث عبن قبومه أربعيبن ليلبة ‪ .‬وإنبي لرجبو أن يعيببش‬
‫رسول الله حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون )أو‬
‫قال ‪ :‬يقولون( إن رسول الله قد مات " ‪ .‬وفي كتبباب فضببائل الصببحابة‬
‫من صحيح البخاري )ك ‪ 62‬ب ‪ (5‬عن عائشة ‪ . . . ) :‬فقام عمر يقول ‪:‬‬
‫والله ما مات رسول الله ‪ . . .‬والله مببا كببان يقببع فببي نفسببي إل ذاك ‪،‬‬
‫وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم( ‪ .‬ونقببل الحبافظ اببن كببثير‬
‫في البداية والنهاية )‪ (242-5‬ما رواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عببن‬
‫أبي السود عن عروة بن الزبير قبال ‪ :‬قبام عمبر ببن الخطباب يخطبب‬
‫الناس ويتوعد من قال " مببات " بالقتببل والقطببع ‪ ،‬ويقببول ‪ :‬إن رسببول‬
‫الله في غشية لو قبد قبام قتبل وقطبع ‪ .‬وفبي )‪ (241 : 5‬مبن البدايبة‬

‫‪52‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫حوار العباس وعلي في مرضه ‪‬‬


‫وتعلق بببال العببباس وعلببي بببأمر أنفسببهما فببي مببرض‬
‫النبي ‪ ‬فقال العباس لعلي‪ " :‬إني أرى الموت في وجوه‬
‫بني عبد المطلب‪ ،‬فتعال حتى نسأل رسول اللببه ‪ ‬فببإن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫كان هذا المر فينا علمناه‬
‫وتعلق بال العباس وعلي بميراثهما فيما تركه النبببي ‪‬‬
‫من فدك وبني النضير وخيبر )‪.(2‬‬
‫اضطراب أمر النصار واجتماع سقيفة بني‬
‫ساعدة‬
‫واضببطرب أمببر النصببار يطلبببون المببر لنفسببهم‪ ،‬أو‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫الشركة فيه مع المهاجرين‬
‫والنهاية من حديث عائشة وهي تذكر السباعة الببتي تببوفي فيهبا رسببول‬
‫الله فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاسببتأذنا فببأذنت لهمببا ‪ . .‬ثببم قامببا ‪،‬‬
‫فلما دنوا من الباب قال المغيرة ‪ :‬يبا عمبر ‪ ،‬مبات رسبول اللبه ‪ .‬فقبال‬
‫عمر ‪ :‬كذبت ‪ ،‬بل أنت رجببل تحوسببك )أي تخالطببك( فتنببة ‪ ،‬إن رسببول‬
‫الله ل يموت حتى يفني الله المنافقين ‪ .‬ثم جاء أبو بكر ‪ . . .‬وخرج إلببى‬
‫المسجد وعمر يخطب النبباس ويقببول ‪ :‬إن رسببول اللببه ل يمببوت حببتى‬
‫يفني الله المنافقين ‪ .‬ومعنببى أهجببر ‪ :‬خلبط فبي كلمبه وهببذى ‪ ،‬وأكببثر‬
‫الكلم فيما ل ينبغي ‪ .‬وذلك من هول ما وقع فببي نفببس عمببر مببن هببذا‬
‫الحدث العظيم ‪ ،‬فهو ل يكاد يصدقه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( فأجابه علي كرم اللببه وجهببه ‪ ) :‬إنببا واللببه لئن سببألناها رسببول اللببه‬
‫فمنعناها ل يعطيناها الناس بعده ‪ ،‬وإني والله ل أسألها رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم " رواه البخاري في كتاب المغازي من صببحيحه )ك ‪64‬‬
‫ب ‪ 83‬ج ‪ 5‬ص ‪ . (141 - 140‬ونقله ابن كثير في البداية والنهاية )‪: 5‬‬
‫‪ 227‬و ‪ (251‬من حديث الزهري عن عبد الله ببن كعبب ببن مالبك عبن‬
‫ابن عباس ‪ .‬ورواه المام أحمد فببي مسببنده )‪ 263 : 1‬و ‪ 325‬الطبعببة‬
‫الولى وج ‪ 4‬رقم ‪ 2374‬وج ‪ 5‬رقم ‪ 2999‬الطبعة الثانية( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سيأتي تفصببيله فببي ص ‪ 48‬عنببد الكلم علببى حببديث )ل نببورث ‪ ،‬مببا‬
‫تركناه صدقة( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ‪ ،‬وبين ظهرانيهم سعد بببن عبببادة ‪،‬‬
‫وهببم يببرون أن المببر لهببم ‪ ،‬لن البلببد بلببدهم وهببم أنصببار اللببه وكتيبببة‬
‫السلم ‪ ،‬أما قريش فإن دافة منهم دفببت ‪ ،‬فل ينبغببي أن تخببتزل المببر‬
‫من دون النصار ‪ .‬وقال خطيب منهببم ‪ -‬وهببو الحببباب بببن المنببذر ‪) -‬أنببا‬
‫جذيلها المحكك ‪ ،‬وعذيقها المرجب ‪ .‬منا أمير ومنكببم أميببر( ‪) .‬وجببذيلها‬

‫‪53‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وانقطعت قلوب الجيش الذي كان قببد بببرز مببع أسببامة‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫بن زيد بالجرف‬

‫المحكك ‪ :‬هو أصل شجرتها الذي تتحكك به البل ‪ .‬وعببذيقها المرجببب ‪:‬‬
‫نخلتها التي دعمت ببناء أو خشب لكثرة حملهببا( ‪ .‬ومببع ذلببك فقببد كببان‬
‫رجل من النصار ‪ -‬وهو بشير بن سعد الخزرجي والد النعمان بن بشببير‬
‫‪ -‬يسابق عمببر إلبى مبايعبة أببي بكبر ‪ .‬وقبيبل ذلببك كبان فببي السبقيفة‬
‫الرجلن الصالحان عببويم بببن سبباعدة الوسببي ومعببن بببن عببدي حليببف‬
‫النصار ولم تعجبهما هببذه النزعببة مببن النصببار فخرجببا وهمببا يريببان أن‬
‫يقضي المهاجرون أمرهم غير ملتفتين إلى أحد ‪ ،‬لكببن حكمببة أبببي بكببر‬
‫ونور اليمان الذي مل قلبه كانا أبعد مدى وأحكم تدبيرا لهذه الملببة فببي‬
‫أعظم نوازلها ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( كان هذا الجيش سبعمائة ‪ ،‬والمير عليهم إسامة بن زيببد ‪ ،‬وكببان قببد‬
‫ندبهم رسول الله للمسير إلى تخوم البلقبباء )شببرق الردن( حيببث قتببل‬
‫زيد بن حارثبة وجعفبر ببن أببي طبالب واببن رواحبة ‪ .‬ولمبا انتقبل إلبى‬
‫الرفيق العلى أشار كثير من الصحابة ‪ -‬ومنهم عمر ‪ -‬أل ينفببذ الصببديق‬
‫هذا الجيش لما وقع من الضطراب في الناس ول سببيما فببي القبببائل ‪.‬‬
‫نقل ابن كثير في البداية والنهاية )‪ (305 - 304 : 6‬حديث القاسم بن‬
‫محمد بن أبي بكر وعمرة بنت سعيد النصارية عن عائشببة قببالت ‪ :‬لمببا‬
‫قبض رسول الله ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق ‪ ،‬والله لقد نببزل‬
‫بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها ‪ ،‬وصببار أصببحاب محمببد كببأنهم‬
‫معزى مطيرة في حببش فببي ليلببة مطيببرة بببأرض مسبببعة ‪ .‬فببوالله مببا‬
‫اختلفوا في نقطة إل طار أبي بخطلها وعنانها وفصلها ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمة‬
‫تدارك الله السلم والنام بأبي بكر الصديق‬
‫فتدارك الله السلم والنام ب وانجابت ] الغمة [ انجياب‬
‫وإقامة دينببه‬ ‫)‪(1‬‬
‫الغمام‪ ،‬ونفذ وعد الله باستئثار رسول الله‬
‫على التمببام‪ ،‬وإن كببان قببد أصبباب مببا أصبباب مببن الرزيببة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫السلم ب بأبي بكر الصديق‪‬‬

‫‪1‬‬
‫)( استأثر الله فلنا ‪ ،‬وبفلن ‪ ،‬إذا مات ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي فتدارك الله السلم والنام بأبي بكر ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمة‬
‫رباط جأش أبي بكر في اليوم الرهيب‬
‫)‪(1‬‬
‫وكان ب إذ مات النبببي ‪ ‬ب ب غائبببا فببي مبباله بالسببنح‬
‫فجاء إلى منزل ابنته عائشة رضي الله عنها ب ب وفيببه مببات‬
‫النبي ‪ ‬ب فكشف عبن وجهبه‪ ،‬وأكبب عليببه يقبلبه وقببال‪:‬‬
‫بأبي أنت وأمي يا رسول الله‪ ،‬طبت حيببا وميتببا بب واللببه ل‬
‫يجمع الله عليك الموتتين‪ ،‬أما الموتة التي كتب الله عليببك‬
‫فقد متها‪ ،‬ثم خرج إلى المسجد ب والناس فيه‪ ،‬وعمر يببأتي‬
‫بهجر من القول كما قدمنا ب فرقي المنبر فحمد الله وأثنى‬
‫عليه ثم قال‪ " :‬أما بعد أيها الناس‪ ،‬من كببان يعبببد محمببدا‬
‫فإن محمدا قد مات ب ومن كان يعبد الله فإن اللببه حببي ل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫يمبببوت "‪ .‬ثبببم قبببرأ‪} :‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫)( في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير )‪ : (244 : 5‬كببان الصببديق قببد‬
‫صلى بالمسلمين صلة الصبح ‪ ،‬وكان إذا ذاك قد أفاق رسول الله إفاقة‬
‫من غمرة ما كان فيه من الوجببع ‪ ،‬وكشببف سببترة الحجببرة ونظببر إلببى‬
‫المسلمين وهم صفوف في الصلة خلف أبي بكر ‪ ،‬فأعجبه ذلك وتبسببم‬
‫حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلة لفرحهم به ‪ ،‬وحتى‬
‫أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف ‪ ،‬فأشار إليهم أن يمكثببوا كمببا هببم ‪،‬‬
‫وأرخى الستارة ‪ ،‬وكان آخر العهد به ‪ .‬فلما انصرف أبو بكر من الصببلة‬
‫دخل عليه وقال لعائشة مبا أرى رسبول اللببه إل قببد أقلببع عنبه الوجبع ‪،‬‬
‫وهذا يوم بنت خارجة ‪ -‬يعني إحدى زوجتيه وكانت ساكنة بالسنح شرقي‬
‫المدينة ‪ -‬فركببب علبى فببرس وذهببب إلببى منزلببه ‪ ،‬وتبوفي حيبن اشبتد‬
‫الضحى ‪ . . .‬فذهب سالم بن عبيد وراء الصببديق فببأعلمه بمببوت النبببي‬
‫فجاء الصديق حين بلغه الخبر ‪ ،‬وكان منه ما سيذكره المؤلف ‪ .‬والسنح‬
‫منازل بني الحارس بن الخزرج في عوالي المدينة ‪ ،‬بينهببا وبيببن مسببجد‬
‫رسول الله ميل واحد ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪    ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫)آل عمبببران‪(144 :‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪{ ‬‬ ‫‪‬‬

‫فخرج الناس يتلونها في سكك المدينة كأنهببا لببم تنببزل إل‬


‫ذلك اليوم )‪. (2‬‬
‫موقفه في سقيفة بني ساعدة‬
‫واجتمعت النصار في سقيفة بنببي سبباعدة يتشبباورون‪،‬‬
‫ول يدرون مببا يفعلببون‪ ] ،‬وبلببغ ذلببك المهبباجرين [ فقببالوا‪:‬‬
‫نرسل إليهم يأتوننا‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬بل نمشي إليهم‪ ،‬فسار‬
‫إليهببم المهبباجرون‪ ،‬منهببم أبببو بكببر وعمببر وأبببو عبيببدة‪،‬‬
‫فتراجعوا الكلم‪ ،‬فقال بعض النصار‪ :‬منا أمير ومنكم أمير‬
‫‪ .‬فقال أبو بكر كلما كثيرا مصببيبا‪ ،‬يكببثر ويصببيب‪ ،‬منببه‪:‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫نحببن المببراء وأنتببم الببوزراء‪ ،‬إن رسببول اللببه ‪ ‬قببال‪:‬‬


‫وقال‪} :‬أوصيكم بالنصار خيرا‪ :‬أن‬ ‫)‪(4‬‬
‫}الئمة من قريش{‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة آل عمران آية ‪. 144 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة من صببحيحه )ك ‪ 62‬ب ‪- 5‬‬
‫ج ‪ 4‬ص ‪ (194‬من حديث عائشة ‪ .‬وفببي سببنن الببدارقطني )‪(406 : 3‬‬
‫والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير )‪ (242 : 5‬من حديث أبي سلمة بببن‬
‫عبد الرحمن بن عوف الزهببري أحببد أعلم المسببلمين ‪ ،‬عببن عائشببة أم‬
‫المؤمنين التي وقعت هذه الحوادث في بيتها وفي المسجد النبوي الذي‬
‫يطل بيتها عليه ‪ .‬وجميع دواويببن السببنة سببجلت هببذا الموقببف العظيببم‬
‫للصديق الكبر بأصح الحاديث ‪ .‬وألفاظها قريب بعضها من بعض ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الذي قال ذلك من خطباء النصار الحباب بن المنذر ‪ ،‬وقد تقببدم فببي‬
‫هامش ‪ 3‬ص ‪. 40‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الحديث في مسببند الطيالسببي برقببم ‪ 926‬عببن أبببي بببرزة ‪ ،‬وبرقببم‬
‫‪ 2133‬منه عن أنس ‪ .‬وفي كتاب الحكام من صحيح البخاري ك ‪ 93‬ب‬
‫‪ - 2‬ج ‪ 8‬ص ‪ (105 - 104‬عن معاوية أنه سمع رسول الله يقول ‪ " :‬إن‬
‫هذا المر في قريش ل يعاديهم أحد إل كبة اللببه علببى وجهببه مببا أقبباموا‬
‫الدين " وعن عبد الله بن عمر قال رسول الله " ل يزال هذا المببر فببي‬

‫‪57‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫إن اللببه‬ ‫)‪(1‬‬


‫تقبلوا من محسنهم‪ ،‬وتتجاوزوا عببن مسببيئهم{‬
‫وقببد‬ ‫)‪(3‬‬
‫وسببماكم ) المفلحيببن (‬ ‫)‪(2‬‬
‫سببمانا ) الصببادقين (‬
‫‪‬‬ ‫}‬ ‫أمركم أن تكونوا معنا حيثما كنا فقال‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬

‫قريش ما بقي منهم اثنان " وفي مسند المام أحمد )‪ 129 : 3‬الطبعببة‬
‫الولى( عن أنس بن مالك أن رسول الله قببام علببى ببباب البببيت ونحببن‬
‫فيه فقال " الئمة مببن قريببش ‪ .‬إن لهببم عليكببم حقببا ‪ . . .‬إلببخ " ورواه‬
‫المام أحمد أيضا في المسند )‪ 183 : 3‬الطبعة الولى( عن أنس قال ‪:‬‬
‫كنا في بيت رجل من النصار فجاء النبي حتى وقف فأخذ بعضادة الباب‬
‫فقال " الئمة من قريش ‪ ،‬ولهم عليكم حق ‪ ،‬ولكم مثل ذلك ‪ . . .‬إلخ "‬
‫ورواه المام أحمد كذلك )‪ 421 : 4‬الطبعة الولى( عن أبي برزة يرفعه‬
‫إلى النبي قال " الئمة من قريش ‪ :‬إذا استرحموا رحموا ‪ ،‬وإذا عاهببدوا‬
‫وفوا ‪ ،‬وإذا حكموا عدلوا ‪ .‬فمن لببم يفعببل ذلببك منهببم فعليببه لعنببة اللببه‬
‫والملئكة والناس أجمعين " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب منبباقب النصببار مببن صببحيح البخبباري )ك ‪ 63‬ب ‪ (11‬مببن‬
‫حديث هشام بن زيد بن أنس قال ‪ :‬سمعت أنس بن مالببك يقببول ‪ :‬مببر‬
‫أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجببالس النصببار يبكببون‬
‫)والظاهر أن ذلببك كببان فببي مببرض النبببي الببذي مببات بببه( فقببال ‪ :‬مببا‬
‫يبكيكم ؟ قالوا ‪ :‬ذكرنا مجلس النبي فدخل علبى النببي فبأخبره ببذلك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فخرج النبي وقببد عصببب علببى رأسببه حاشببية بببرد ‪ .‬قببال فصببعد‬
‫المنبر ‪ -‬ولم يصعده بعد ذلك اليوم ‪ -‬فحمد الله وأسنى عليه ثم قال ‪" :‬‬
‫أوصيكم بالنصار فإنهم كرشي وعيبتي ‪ ،‬وقد قضوا الببذي عليهببم وبقببى‬
‫الذي لهم ‪ ،‬فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عبن مسبيئهم " ‪ .‬وبعببده فبي‬
‫صحيح البخاري حديث لعكرمة عن ابن عباس ‪ ،‬وحديث لقتادة عن أنس‬
‫بمعنببى ذلببك ‪ .‬وقريببب مببن ذلببك فببي صببحيح مسببلم عببن أبببي سببعيد‬
‫الخدري ‪ ،‬وفي سنن الترمذي عن ابن عباس ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫مب ْ‬ ‫جببوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّب ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مهَببا ِ‬ ‫قبَراِء ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫)( في سورة الحشر ‪ 9 - 8 :‬ل ِل ْ ُ‬ ‫‪2‬‬
‫َ‬
‫سببول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫واًنا وَي َن ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضًل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ِديارِهِ ْ‬
‫ن‬ ‫مب ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حب ّببو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن قب ْل ِهِ ْ‬‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫داَر َوا‬ ‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫صادِقو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن عَل َببى‬ ‫ُ‬
‫مببا أوت ُببوا وَي ُبؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫جب ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫صب ُ‬ ‫ن فِببي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وََل ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م‬ ‫س بهِ فَ بأولئ ِك هُ ب ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫شب ّ‬ ‫ن ي ُببوقَ ُ‬ ‫مب ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫صب ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ب ْ‬ ‫م وَل بوْ كببا َ‬ ‫س به ِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫مب ْ‬ ‫جببوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّب ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مهَببا ِ‬ ‫قبَراِء ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫)( في سورة الحشر ‪ 9 - 8 :‬ل ِل ْ ُ‬ ‫‪3‬‬
‫َ‬
‫ه‬‫سببول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫واًنا وَي َن ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضًل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ِديارِهِ ْ‬
‫ن‬ ‫مب ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حب ّببو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫داَر َوا‬ ‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن عَل َببى‬ ‫ُ‬
‫مببا أوت ُببوا وَي ُبؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫جب ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫صب ُ‬ ‫ن فِببي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وََل ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫َ‬

‫‪58‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫) التوبة‪ (119 :‬إلببى غيببر ذلببك مببن القببوال‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪{‬‬
‫المصيبة والدلبة القويبة‪ ،‬فتبذكرت النصبار ذلبك وانقبادت‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫إليه‪ ،‬وبايعوا أبا بكر الصديق ‪‬‬
‫وقال أبو بكر لسامة‪ :‬انفذ لمر رسببول اللببه ‪ ‬فقببال‬
‫عمر‪ :‬كيف ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك‬
‫! ؟ فقببال‪ :‬لببو لعبببت الكلب بخلخيببل نسبباء المدينببة‪ ،‬مببا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫رددت جيش أنفذه رسول الله ‪. ‬‬

‫م‬ ‫س بهِ فَ بُأول َئ ِ َ‬


‫ك هُ ب ُ‬ ‫ف ِ‬
‫ح نَ ْ‬ ‫ن ي ُببوقَ ُ‬
‫شب ّ‬ ‫مب ْ‬
‫ة وَ َ‬
‫صب ٌ‬
‫صا َ‬
‫خ َ‬‫م َ‬ ‫م وَل َبوْ ك َببا َ‬
‫ن ب ِهِ ب ْ‬ ‫س به ِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة التوبة آية ‪. 119 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقل الحافظ ابن كببثير فببي البدايببة والنهايببة )‪ (247 : 5‬مببن حببديث‬
‫المام أحمد عن حميد بن عبد الرحمببن بببن عببوف الزهببري )ابببن أخببت‬
‫أمير المؤمنين عثمان( خطبة أبي بكر في سقيفة بنببي سبباعدة ‪ ،‬ومنهببا‬
‫قوله ‪ :‬لقد علمتم أن رسول الله قال ‪ " :‬لو سلك الناس واديا وسببلكت‬
‫النصار واديا سلكت وادي النصار " ولقد علمت يا سعد أن رسول اللببه‬
‫قال وأنت قاعببد ‪ " :‬قريببش ولة هببذا المببر ‪ :‬فبببر النبباس تبببع لبببرهم ‪،‬‬
‫وفاجرهم تبع لفبباجرهم " ‪ ،‬فقببال لببه سببعد ‪ " :‬صببدقت ‪ ،‬نحببن الببوزراء‬
‫وأنتم المراء " ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نقل الحافظ ابن كثير في البدايببة والنهايببة )‪ (305 : 6‬عببن الحببافظ‬
‫أبببي بكببر البببيهقي حببديث محمببد بببن يوسببف الفريببابي الحببافظ )قببال‬
‫البخاري ‪ :‬كبان أفضبل أهببل زمبانه( ‪ ،‬عبن عيباد ببن كبثير الرملبي أحبد‬
‫شيوخه )قال ابن المديني ‪ :‬كان ثقة ل بأس بببه( عببن عبببد الرحمببن بببن‬
‫هرمز العرج )أحد التابعين ‪ ،‬توفي بالسكندرية( عن أبي هريرة قال ‪" :‬‬
‫والله الذي ل إله إل هو ‪ ،‬لول أبو بكر استخلف مببا عبببد اللببه " ثببم قببال‬
‫الثانية ‪ ،‬ثم قال الثالثة ‪ .‬فقيل له ‪ :‬مه يا أبا هريببرة ‪ .‬فقببال ‪ :‬إن رسببول‬
‫الله وجه إسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام ‪ ،‬فلما نزل بذي خشببب‬
‫قبض رسول الله وارتدت العرب حبول المدينبة ‪ .‬فباجتمع إليببه أصببحاب‬
‫رسول الله فقالوا ‪ :‬يا أبا بكر ‪ ،‬رد هؤلء ‪ ،‬توجه هببؤلء إلببى الببروم وقببد‬
‫ارتدت العرب حول المدينة ؟ ! فقال ‪ " :‬والذي ل إله غيببره ‪ ،‬لببو جببرت‬
‫الكلب بأرجل أزواج رسول الله ما رددت جيشا وجهه رسببول اللببه ‪ ،‬ول‬
‫حللت لواء عقده رسببول اللببه " ‪ .‬فببوجه إسببامة ‪ ،‬فجعببل ل يمببر بقبيببل‬
‫يريدون الرتداد إل قالوا ‪ :‬لول أن لهؤلء قوة مببا خببرج مثببل هببؤلء مببن‬
‫عنببدهم ‪ ،‬ولكببن نببدعهم حببتى يلقببوا الببروم ‪ ،‬فلقببوا الببروم فهزمببوهم‬
‫وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على السلم ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫موقفه من مانعي الزكاة‬


‫وقال له عمر وغيببره‪ :‬إذا منعببك العببرب الزكبباة فاصبببر‬
‫عليهم‪ .‬فقال‪ " :‬والله لو منعوني عقببال كببانوا يببؤدونه إلببى‬
‫رسول الله ‪ ‬لقاتلتهم عليه‪ .‬والله لقاتلن من فببرق بيببن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫الزكاة والصلة "‬
‫قيل‪ :‬ومببع مببن تقبباتلهم ؟ قببال‪ " :‬وحببدي‪ ،‬حببتى تنفببرد‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫سال َِفتي "‬

‫‪1‬‬
‫)( لما مضى جيش إسامة في طريقببه إلببى شببرق الردن جعلببت وفببود‬
‫القبائل تقدم المدينة ‪ ،‬يقرون بالصلة ويمتنعون عببن أداء الزكبباة ‪ .‬قببال‬
‫خذ ْ‬‫ابن كثير )‪ : (311 : 6‬ومنهم من احتج بقوله تعالى )التوبة ‪ُ : (103 :‬‬
‫صببَلت َ َ‬ ‫م َ‬
‫ن‬‫سببك َ ٌ‬
‫ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ص ّ‬
‫م ب َِها وَ َ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫ة ت ُط َهُّرهُ ْ‬
‫م وَت َُز ّ‬ ‫صد َقَ ً‬
‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬
‫م ‪ .‬قالوا ‪ :‬فلسنا ندفع زكاتنا إل إلى من صلته سكن لنببا ‪ .‬وقببد تكلببم‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫الصحابة مببع الصببديق فببي أن يببتركهم ومببا هببم عليببه مببن منببع الزكبباة‬
‫ويتألفهم حتى يتمكببن اليمببان فببي قلببوبهم ثببم هببم بعببد ذلببك يزكببون ‪،‬‬
‫فامتنع الصديق من ذلك وأباه ‪ .‬وقببد روى الجماعببة فببي كتبهببم ‪ -‬سببوى‬
‫ابن ماجه ‪ -‬عن أبي هريرة أن عمر بن الخطبباب قببال لبببي بكببر ‪ :‬علم‬
‫تقاتل الناس وقد قال رسول الله " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا‬
‫أل إله إل الله وأن محمد رسول الله ‪ ،‬فإذا قالوها عصموا مني دمبباءهم‬
‫وأمبوالهم إل بحقهبا " فقبال أببو بكبر ‪ :‬واللبه لبو منعبوني عناقبا )وفبي‬
‫رواية ‪ :‬عقال( كانوا يؤدونه إلى رسببول اللببه لقبباتلنهم علبى منعهببا ‪ .‬إن‬
‫الزكاة حق المال ‪ ،‬والله لقاتلن مببن فببرق بيببن الصببلة والزكبباة ‪ .‬قببال‬
‫عمر ‪ :‬فما هو إل أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ‪ ،‬فعرفببت‬
‫أنه الحق ‪ .‬وهذا الحببديث فبي مسببند أحمببد )‪، 11 : 1‬ب ‪، 19‬ب ‪36 -35‬‬
‫الطبعة الولى ‪ -‬ج ‪ 1‬رقم ‪ 67‬و ‪ 117‬و ‪ 239‬الطبعة الثانية( مببن حببديث‬
‫عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة ‪ .‬وفببي البدايببة والنهايببة )‬
‫‪ (312 : 6‬قال القاسم بن محمد )‪+‬ابن أبي بكببر الصببديق ‪ ،‬وهببو أحببد‬
‫الفقهاء السبعة( ‪ :‬اجتمعت أسد وغطفان وطيئ على طليحبة السبدي ‪،‬‬
‫وبعثببوا وفببودا إلببى المدينببة فنزلببوا علببى وجببوه النبباس ‪ ،‬فببأنزلوهم إل‬
‫العببباس ‪ ،‬فحملببوهم إلببى أبببي بكببر علببى أن يقيمببوا الصببلة ول يؤتببوا‬
‫الزكباة ‪ ،‬فعبزم اللبه لببي بكبر علبى الحبق وقبال " لبو منعبوني عقبال‬
‫لجاهدتهم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السببالفة ‪ :‬صببفحة العنببق ‪ ،‬وهمببا سببالفتان مببن جببانبيه ‪ ،‬ول تنفببرد‬
‫إحداهما عما يليها إل بالموت ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تنظيمه جيش الخلفة‬


‫دم المراء علببى الجنبباد والعمببال فببي البلد مختببارا‬
‫وق ّ‬
‫لهم‪ ،‬مرتئيا فيهم‪ ،‬فكان ذلك من أسببد عملببه‪ ،‬وأفضببل مببا‬
‫قدمه للسلم )‪. (1‬‬
‫حديث ل نورث ما تركناه صدقة‬
‫وقال لفاطمة وعلي والعباس‪ :‬إن رسول الله ‪ ‬قببال‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪ .‬فذكر الصحابة ذلك‬ ‫}ل نورث ما تركناه صدقة{‬
‫)‪(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( وفي طليعة هؤلء القواد ‪ :‬أبو عبيدة عامر بببن عبببد اللببه بببن الجببراح‬
‫الفهري ‪ ،‬وعمبرو ببن العبباص السبهمي ‪ ،‬وخالبد بببن الوليبد المخزومبي‬
‫وخالد بن سعيد بن العاص الموي ‪ ،‬ويزيد بن أبي سفيان ‪ ،‬وعكرمة بببن‬
‫أبببي جهببل ‪ ،‬والمهبباجر بببن أبببي أميببة شببقيق أم المببؤمنين أم سببلمة ‪،‬‬
‫وشرحبيل بببن حسببنة ‪ ،‬ومعاويببة بببن أبببي سببفيان ‪ ،‬وسببهيل بببن عمببرو‬
‫العامري خطيب قريش ‪ ،‬والقعقبباع بببن عمببرو التميمببي ‪ ،‬وعرفجببة بببن‬
‫هرثمة البارقي ‪ ،‬والعلء بن الحضرمي حليببف بنببي أميببة ‪ ،‬والمثنببى بببن‬
‫حارثة الشيباني ‪ ،‬وحذيفة بن محصببن الغطفبباني ‪ .‬وفببي طليعببة ولتببه ‪:‬‬
‫عتاب بن أسيد المبوي ‪ ،‬وعثمبان ببن العباص الثقفبي ‪ ،‬وزيباد ببن لبيببد‬
‫النصاري ‪ ،‬وأبو موسى الشعري ‪ ،‬ومعاذ بببن جبببل ‪ ،‬ويعلببى بببن منيببة ‪،‬‬
‫وجرير بن عبد الله البجلي ‪ ،‬وعياض بن غنم ‪ ،‬والوليد بن عقبة بببن أبببي‬
‫معيط ‪ ،‬وعبد الله بن ثور أحد بني غوث ‪ ،‬وسويد بن مقرن المزني ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( مسلم الجهاد والسير )‪ ، (1757‬الترمذي السببير )‪ ، (1610‬النسببائي‬
‫قسببم الفيببء )‪ ، (4148‬أبببو داود الخببراج والمببارة والفيببء )‪، (2963‬‬
‫أحمد )‪. (1/208‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخبباري )‪ 62‬ب ‪ - 12‬ج ‪ 4‬ص‬
‫‪ 209‬ب ‪ (210‬حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة‬
‫أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي فيما أفاء الله على رسوله‬
‫تطلب صدقة النبي التي بالمدينببة وفببدك ومببا بقببي مببن خمببس خيبببر ‪،‬‬
‫فقال أبو بكر إن رسول الله قال " ل نورث ‪ ،‬ما تركنا فهو صدقة ‪ .‬إنمببا‬
‫يأكل آل محمد من هذا المال ‪ -‬يعني مببال اللببه ‪ -‬ليببس لهببم أن يزيببدوا‬
‫على المأكل " وإني والله ل أغير شببيئا مبن صبدقات النببي البتي كبانت‬
‫عليها في عهد النبي ولعملن فيها بما عمل فيهببا رسببول اللببه ‪ .‬فتشببهد‬
‫علي ثم قال ‪ :‬إنا عرفنا يا أبا بكر فضببيلتك )وذكببر قرابتهببم مببن رسببول‬
‫الله وحقهم( فتكلم أبو بكر فقال ‪ :‬والذي نفسي بيببده ‪ ،‬لقرابببة رسببول‬
‫الله أحب إلي أن أصل مببن قرابببتي ‪ .‬وأوسببع منببه فببي كتبباب المغببازي‬
‫بباب غببزوة خيبببر مببن صببحيح البخبباري )ك ‪ 64‬ب ‪ - 28‬ج ‪ 5‬ص ‪. (82‬‬
‫وفي كتاب الوصايا من صببحيح البخبباري )ك ‪ 55‬ب ‪ - 32‬ج ‪ 3‬ص ‪(197‬‬
‫وكتاب فرض الخمس )ك ‪ 57‬ب ‪ 3‬ب ج ‪ 4‬ص ‪ (45‬حديث أبي الزناد عن‬
‫العرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال " ل يقتسم ورثتي دينارا ‪ ،‬مببا‬

‫‪61‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫حديث ل يدفن نبي إل حيث يموت‬


‫وقال سمعته ‪ ‬يقول‪} :‬ل يدفن نبي إل حيث يمببوت{‬
‫‪ .‬وهو في ذلك كله رابط الجببأش‪ ،‬ثببابت العلببم والقببدم‬ ‫)‪(1‬‬

‫في الدين‪.‬‬

‫تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة " ‪ .‬قال شيخ السببلم‬
‫ابن تيمية في مناهج السنة )‪ : (158 : 2‬قول النبي " ل نورث ‪ ،‬ما تركنا‬
‫صببدقة " رواه عنببه أبببو بكببر ‪ ،‬وعمببر ‪ ،‬وعثمببان ‪ ،‬وعلببي ‪ ،‬وطلحببة ‪،‬‬
‫والزبير ‪ ،‬وسعد ‪ ،‬وعبد الرحمببن عببوف ‪ ،‬والعببباس بببن عبببد المطلببب ‪،‬‬
‫وأزواج النبببي وأبببو هريببرة ‪ ،‬والروايببة عببن هببؤلء ثابتببة فببي الصببحاح‬
‫والمسانيد ‪ .‬وقال قبل ذلك )‪ : (167 : 2‬إن الله تعالى صان النبياء أن‬
‫يورثوا دنيا ‪ ،‬لئل يكون ذلك شبهة لمببن يقببدح فببي نبببوتهم بببأنهم طلبببوا‬
‫الدنيا وورثوها لورثتهم ‪ .‬ثم إن من ورثببة النبببي أزواجببه ومنهببن عائشببة‬
‫بنت أبي بكر وقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي ‪ ،‬ولو جرى أبو بكر‬
‫مع ميله الفطري لحب أن ترث ابنته ‪ .‬وفي كتبباب فببرض الخمببس مببن‬
‫صحيح البخاري )ك ‪ 57‬ب ‪1‬ب ج ‪ 4‬ص ‪ (42‬حديث ابن شهاب عن عروة‬
‫بن الزبير أن عائشة أم المبؤمنين أخببرت أن فاطمبة ابنبة رسبول اللبه‬
‫سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسببول اللببه أن يقسببم لهببا ميراثهببا مببا‬
‫ترك رسول الله مما أفاء الله عليه ‪ ،‬فقال لها أبو بكر ‪ :‬إن رسببول اللببه‬
‫قببال " ل نببورث ‪ ،‬مببا تركنببا صببدقة " ‪ ، . . .‬فببأبى أبببو بكببر عليهببا ذلببك‬
‫وقال ‪ " :‬لست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إل عملت به ‪ .‬فببإني‬
‫أخشى إن تركبت شببيئا مبن أمببره أن أزيبغ " ‪ .‬وفبي البباب نفسببه مبن‬
‫صحيح البخاري )ج ‪ 4‬ص ‪ (44 - 42‬من حديث المام مالك بن أنس عن‬
‫ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحببدثان النصببري أنببه قببال ‪ :‬بينببا أنببا‬
‫جالس في أهلي حين متع النهار ‪ ،‬إذا رسول عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقببال ‪:‬‬
‫أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه ‪ .‬فبين أنا جببالس عنببده أتبباه حبباجبه‬
‫يرفأ فقال ‪ :‬هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عببوف والزبيببر وسببعد‬
‫بن أبي وقاص يستأذنون ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فبأذن لهبم ‪ . . .‬ثبم جلبس يرفبأ‬
‫يسيرا ثم قال ‪ :‬هل لببك فببي علببي وعببباس ؟ قببال ‪ :‬نعببم ‪ .‬فببأذن لهمببا‬
‫فدخل فسلما فجلسا فقال عباس ‪ :‬يا أمير المببؤمنين اقببض بينببي وبيببن‬
‫هذا ‪ -‬وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير ‪ -‬فقال‬
‫الرهط ‪ ،‬عثمان وأصحابه ‪ :‬يا أمير المؤمنين اقببض بينهمببا وأرح أحببدهما‬
‫من الخر ‪ .‬قال عمر ‪ :‬تيدكم ‪ .‬أنشدكم بالله الببذي بببإذنه تقببوم السببماء‬
‫والرض ‪ ،‬هل تعلمون أن رسول الله قال " ل نورث ‪ ،‬ما تركنا صببدقة "‬
‫يريد رسول الله نفسه ؟ قال الرهط ‪ :‬قد قال ذلك ‪ .‬فأقبببل عمببر علببى‬
‫علي وعباس فقال ‪ :‬أنشدكما اللببه ‪ ،‬أتعلمببان أن رسببول اللببه قببد قببال‬
‫ذلك ؟ قال ‪ :‬قد قببال ذلببك ‪) .‬وبعببد أن ذكببر أنببه كببان ينفببق علببى أهلببه‬

‫‪62‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ثم استخلف عمر‪ ،‬فظهرت بركة السببلم‪ ،‬ونفببذ الوعببد‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫الصادق في الخليفتين‬

‫سنتهم من هذا المال ثم يجعل ما بقي مال الله ‪ ،‬واستشببهد علببى ذلببك‬
‫فشهدوا ‪ ،‬قال( ‪ :‬ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر ‪ :‬أنا ولي رسببول اللببه‬
‫فقبضها ‪ ،‬فعمل فيها بما عمل رسول الله والله يعلم أنه فيها لصادق بار‬
‫راشد تابع للحق ‪ .‬ثم تببوفى اللببه أبببا بكببر ‪ ،‬فكنببت أنببا ولببي أبببي بكببر ‪،‬‬
‫فقبضتها سنتين من إمارتي ‪ ،‬أعمل فيها بما عمل رسول الله وما عمببل‬
‫فيها أبو بكر واللببه يعلببم أنببي فيهببا لصببادق بببار راشببد تببابع للحببق ‪ .‬ثببم‬
‫جئتماني تكلمبباني وكلمتكمببا واحببدة وأمركمببا واحببد ‪ ،‬جئتنببي يببا عببباس‬
‫تسألني نصيبك من ابن أخيك ‪ ،‬وجاءني هببذا ‪ -‬يريببد عليببا ‪ -‬يريببد نصببيب‬
‫امرأته من أبيها ‪ ،‬فقلت لكما ‪ :‬إن رسول الله قال " ل نورث ‪ ،‬ما تركنببا‬
‫صدقة " ‪ .‬فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت ‪ :‬إن شببئتما دفعتهببا إليكمببا‬
‫على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملن فيها بما عمل فيها رسول الله‬
‫وبما عمل فيه أبو بكر ‪ ،‬وبما عملت فيهببا منببذ وليتهببا ‪ .‬فقلتمببا ‪ :‬ادفعهببا‬
‫إلينا ‪ :‬فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك ؟ قال‬
‫الرهط ‪ :‬نعم ‪ .‬ثم أقبل على علي وعباس فقال ‪ :‬أنشببدكما بببالله ‪ ،‬هببل‬
‫دفعتها إليكما بذلك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك!‬
‫فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والرض ‪ ،‬ل أقضي فيها قضاء غير ذلك ‪،‬‬
‫فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكماها ‪ .‬وأورد البخبباري حببديث‬
‫مالك بن أوس هذا في كتاب المغازي من صحيحه )ك ‪ 64‬ب ‪ - 14‬ج ‪5‬‬
‫ص ‪ (24 - 23‬من حديث شعيب عن الزهري عن مالك بن أوس وفببي‬
‫كتاب النفقات من صحيحه )ك ‪ 69‬ب ‪ 3‬ب ج ‪ 6‬ص ‪ 190‬ب ‪ ، (192‬وفببي‬
‫كتاب العتصام بالكتاب والسنة من صحيحه )ك ‪ 96‬ب ‪ 5‬ج ‪ 8‬ص ‪146‬‬
‫ب ‪ . (147‬وانظر كتاب الفرائض من صحيح البخبباري )ك ‪ 85‬ب ‪ - 3‬ج ‪8‬‬
‫ص ‪ 3‬ب ‪ . (5‬ومسند المام أحمد )‪ 13 : 1‬الطبعة الولببى ‪ -‬ورقببم ‪ 77‬و‬
‫‪ 78‬الطبعة الثانية( ‪ .‬وقد نبه شيخ السلم ابن تيمية في مناهج السببنة )‬
‫‪ (230 : 3‬إلببى أن أببا بكبر وعمبر أعطيبا مبن مبال اللبه أضبعاف هببذا‬
‫الميراث للذين كانوا سيرثونه قال ‪ :‬وإنما أخذ منهم قرية ليست كبيرة ‪،‬‬
‫لم يأخذ منهم مدينة ول قرية عظيمة ‪ .‬ثم قببال )‪ (231 - 3‬وقببد تببولى‬
‫علي بعد ذلك ‪ ،‬وصارت فدك وغيرهببا تحببت حكمببه ‪ ،‬ولببم يعطببي لولد‬
‫فاطمة ول زوجات النبي ول ولد العباس شيئا من ميراثه ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب الجنائز من موطأ مالك )ك ‪ 16‬ج ‪ 27‬بب ص ‪ (231‬أن مالكببا‬
‫بلغه أن رسول الله توفي يوم الثنين ودفن يوم الثلثاء ‪ .‬وصببلى النبباس‬
‫أفذاذا ل يؤمهم أحد ‪ .‬فقال ناس ‪ :‬يببدفن عنببد المنبببر ‪ .‬وقببال آخببرون ‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫جعل عمر شورى في اختيار الخليفة بعده‬


‫ثم جعلها عمر شورى‪ ،‬فأخرج عبببد الرحمببن بببن عببوف‬
‫فقببدم‬ ‫)‪(1‬‬
‫نفسه من المر حتى ينظر ويتحرى فيمببن يقببدم‬

‫يببدفن بببالبقيع ‪ .‬فجبباء أبببو بكببر الصببديق فقببال ‪ :‬سببمعت رسببول اللببه‬
‫يقول ‪ " :‬ما دفن نبي قط إل في مكانه الذي توفي فيببه " قببال الحببافظ‬
‫ابن عبد البر ‪ :‬صحيح من وجببوه مختلفببة وأحبباديث شببتى جمعهببا مالببك‬
‫وفي كتاب الجنائز من جامع الترمذي )ك ‪ 8‬ب ‪ (33‬حديث عائشة ‪ :‬لمببا‬
‫قبض رسول الله اختلفوا في دفنه فقال أبو بكببر ‪ :‬سببمعت مبن رسببول‬
‫الله شيئا ما نسيته ‪ :‬ما قبض اللببه نبيببا إل فببي الموضببع الببذي يجببب أن‬
‫يدفن فيه ‪ .‬ادفنوه في موضع فراشه ‪ .‬وفي كتاب الجنائز من سنن ابببن‬
‫ماجه )ك ‪ 6‬ب ‪ (65‬عن ابن عباس ‪ :‬لقد اختلف المسلمون في المكان‬
‫الذي يحفر له فقال قائلون ‪ :‬يدفن في مسجده وقال قائلون ‪ :‬يدفن مع‬
‫أصحابه فقال أبو بكر إني سمعت رسببول اللببه يقببول مببا قبببض نبببي إل‬
‫دفن حيث يقبض ‪ .‬ورواه ابن إسحاق )في السيرة لبن هاشم ‪103 : 3‬‬
‫بببولق( مبن حببديث عكرمببة عببن ابببن عبباس ‪ .‬وانظببر البدايببة والنهايببة‬
‫للحافظ ابن كثير )‪ 266 : 5‬ب ‪. (268‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫من ْكب ْ‬‫من ُببوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه الب ِ‬ ‫ّ‬
‫)( وهببو وعببد اللهفببي سببورة النببور ‪ 55 :‬وَعَبد َ اللب ُ‬
‫‪1‬‬

‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬


‫ن‬
‫مب ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ب ِ‬ ‫خل َ‬ ‫سبت َ ْ‬‫مببا ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫م ِفبي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬
‫خل ِ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫سبت َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صببال ِ َ‬ ‫مل ُببوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫م‬‫خ بوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْ بدِ َ‬ ‫مب ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ضى لهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫مكن َ ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُ َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَبأولئ ِ َ‬ ‫فبَر ب َعْبد َ ذ َل ِب َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ك هُب ُ‬ ‫نك َ‬ ‫مب ْ‬ ‫شبي ًْئا وَ َ‬
‫ن ب ِببي َ‬ ‫شبرِكو َ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫مًنا ي َعْب ُب ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ن ولقد كان المجتمع السلمي ب بتوجيه هذين الخليفتين ب أسعد‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مجتمبع إنسباني عرفبه التاريبخ ‪ ،‬لن النباس بب مبن ولة ورعيبة ‪ ،‬كبانوا‬
‫يتعاملون باليثار ‪ ،‬وكان الواحد منهم يكتفببي بمببا يفببي بحبباجته ‪ ،‬ويبببذل‬
‫من ذات نفسه أقصى مببا يسببتطيع أن يسببتخرج منهببا مببن جهببد لقامببة‬
‫الحق في الرض وتعميم الخير بين الناس ‪ .‬ويلقى الرجببل الخيببر منهببم‬
‫رجل ل تزال تنبزع به نزعات الشر ‪ ،‬فل يزال به حتى يخدر عناصر الشر‬
‫المتوثبة في نفسه ‪ ،‬ويبوقظ مبا كمبن فيهبا مبن عناصبر الخيبر إلبى أن‬
‫يكون من أهل الخير المنتسبين إلى السلم ‪ ،‬ول تزال حببتى يومنببا هببذا‬
‫طوائف امتلت قلوبهم بالضغن حتى على أبي بكر وعمببر ‪ ،‬فضببل عمببن‬
‫استعان بهم أبو بكر وعمر من أهل الفضل والحسان ‪ ،‬فصنعوا لهم من‬
‫الخبار الكاذبة شخصيات أخرى غير شخصببياتهم الببتي كببانوا عليهببا فببي‬
‫نفس المر ‪ ،‬ليقنعوا أنفسهم بأنهم إنما أبغضببوا أناسببا يسببتحقون منهببم‬
‫هببذه البغضبباء ‪ .‬ولهببذا امتل التاريببخ السببلمي بالكبباذيب ‪ ،‬ولببن تتجببدد‬
‫للمسلمين نهضة إل إذا عرفوا سلفهم على حقيقته واتخببذوا منببه قببدوة‬
‫لهم ولن يعرفوا سلفهم على حقيقته إل بتطهير التاريببخ السببلمي ممببا‬

‫‪64‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عثمان‪ ،‬فكان عند الظن به‪ :‬ما خببالف لببه عهببدا‪ ،‬ول نكببث‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫عقدا‪ ،‬ول اقتحم مكروها ول خالف سنة‬

‫لصق به ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري )ك ‪ 62‬ب ‪ 8‬ب ب ج ‪ 4‬ص‬
‫‪ 204‬ب ‪ (207‬حديث عمرو ببن ميمبون أحبد تلميبذ معباذ واببن مسبعود‬
‫ومببن شببيوخ الشببعبي وسببعيد بببن جبببير وطبقتهمببا ‪ ،‬وقببد اشببتمل هببذا‬
‫الحديث على خبر مقتل أمير المؤمنين عمر ‪ ،‬وكيف جعل عمببر الخلفببة‬
‫شورى بين الستة الببذين تببوفي رسببول اللببه وهببو عنهببم راض ‪ ،‬وكيببف‬
‫أخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه منها ‪ .‬ثم انتهى إلى تقببديم عثمببان ‪.‬‬
‫وهذا الحديث من أصح ما ثبت في هذا الموضوع وأجببوده ‪ . .‬واقببرأ بعببد‬
‫ذلك ما كتبه شيخ السلم ابن تيمية عن موقببف عمببر فببي جعلببه المببر‬
‫شورى في كتاب منهاج السنة )‪ 168 : 3‬ب ‪ ، (172‬وفيببه إرشبباد دقيببق‬
‫إلى ما كان عليه بنو هاشم وبنو أمية من التفاق والمحبة والتعبباون فببي‬
‫أيام النبي وأبي بكر وعمر ‪ ،‬وأن عثمان وعليا كببان أحببدهما أقببرب إلببى‬
‫صاحبه من سائر الربعة إليهما ‪ .‬ونقل ابن تيمية )في ‪233 : 3‬ب ب ‪(234‬‬
‫قول المام أحمد ‪ :‬لم يتفببق النبباس علببى بيعببة كمببا اتفقببوا علببى بيعببة‬
‫عثمببان ‪ :‬وله المسببلمون بعببد تشبباورهم ثلثببة أيببام ‪ ،‬وهببم مؤتلفببون‬
‫متفقون متحابون متوادون معتصمون بحبل الله جميعببا ‪ .‬وقببد أظهرهببم‬
‫الله ‪ ،‬وأظهر بهم ما بعث به نبيه من الهدى ودين الحق ‪ ،‬ونصرهم علببى‬
‫الكفار ففتح بهم بلد الشام والعراق وبعض خراسان ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وكيف ل يكون عثمان عند الظببن بببه وقببد شببهد لببه بطهببارة السببيرة‬
‫وحسن الخاتمة رسول الله الذي ل ينطببق عببن الهببوى إن هببو إل وحببي‬
‫يوحي ‪ .‬قال الحافظ ابن حجر في ترجمبة عثمبان مبن )الصبابة( ‪ :‬جباء‬
‫من أوجه متواترة أن رسول الله بشر عثمبان بالجنببة ‪ ،‬وعببده مبن أهببل‬
‫الجنة ‪ ،‬وشهد له بالشهادة ‪ .‬والحديث الذي يتواتر بذلك عن رسول اللببه‬
‫ل يرتاب فيه ول يجنح إلى غير مدلوله إل الذي يرضى لنفسه بأن يقتحم‬
‫أبواب الجحيم ‪ .‬وروى الترمذي من طريق الحببارث بببن عبببد الرحمببن ‪،‬‬
‫عن طلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة ‪ ،‬أن رسول الله قببال ‪ " :‬لكببل‬
‫نبي رفيق ‪ ،‬ورفيقي بالجنة عثمان " ‪ .‬وقال الحافظ ابببن عبببد البببر فببي‬
‫ترجمته عثمان من كتاب )الستيعاب( ثبت عن النبي أنه قال ‪ " :‬سببألت‬
‫ربيأن ل يدخل النار أحدا صاهر إلي أو صاهرت إليببه " ‪ .‬وشببهادة أخببرى‬
‫من رسول الله لهذا النسان الفضل يتمنى مثلها أبو بكر وعمر وعلببي ‪.‬‬
‫فقد روى المام مسلم في كتاب فضائل الصببحابة مببن صببحيحه )ك ‪44‬‬
‫ب ‪ 26‬بب ج ‪ 7‬ص ‪ 116‬بب ‪ (117‬عبن عائشببة أن رسببول اللبه قبال فبي‬

‫‪65‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫سجايا عثمان وصفاته الممتازة‬


‫وقد كان النبي ‪ ‬أخبر بأن عمببر شببهيد‪ ،‬وبببأن عثمببان‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫شهيد‪ ،‬وبأن له الجنة على بلوى تصيبه‬

‫عثمان ‪ " :‬أل أستحيي من رجل تستحيي منه الملئكة ؟ " وفببي صببحيح‬
‫البخاري )ك ‪ 62‬ب ‪ - 7‬ج ‪ 4‬ص ‪ (203‬عن نافع ‪ ،‬عن عبد الله بن عمببر‬
‫بن الخطاب قال ‪ :‬كنا في زمن النبي ل نعدل بأبي بكر أحببدا ثببم عمببر ‪،‬‬
‫ثم عثمان ‪ .‬ثم نترك أصحاب النبي ل نفاضل بينهم ‪ .‬وقيببل للمهلببب بببن‬
‫أبي صفرة ‪ :‬لم قيل لعثمان ذا النورين ؟ قبال ‪ :‬لنبه لبم يعلببم أن أحببدا‬
‫أرسل سترا على ابنتي نبي غيببره ‪ .‬وروى خيثمبة فبي فضبائل الصببحابة‬
‫عن النزال بن سبرة العامري )أحد الذين أخذوا عببن أبببي بكببر وعثمببان‬
‫وعلي ‪ ،‬وهو من شيوخ الشعبي والضحاك وطبقتهما( قببال ‪ :‬قلنببا لعلببي‬
‫حببدثنا عببن عثمببان ‪ ،‬فقببال ‪ " :‬ذاك امببرؤ يببدعى فببي المل العلببى ذا‬
‫النورين " ‪ .‬وقال ابن مسعود حين بويع عثمان بالخلفة ‪ " :‬بايعنببا خيرنببا‬
‫ولم نأل " ‪ .‬ووصفه علي بن أبي طالب بعد انقضاء أجله فقببال ‪ " :‬كببان‬
‫عثمان أوصلنا للرحم ‪ ،‬وكان من الذين آمنوا ‪ ،‬ثم اتقوا وأحسنوا ‪ ،‬واللببه‬
‫يحب المحسنين " ‪ .‬وروى سالم بن عبد الله بببن عمببر بببن الخطبباب أن‬
‫أباه قببال ‪ " :‬لقببد عتبببوا علببى عثمببان أشببياء لببو فعلهببا عمببر مببا عتبببوا‬
‫عليه " ‪ .‬وعبد الله بن عمر كان شاهد عيان لخلفة عثمان من أولها إلى‬
‫آخرها ‪ ،‬وكان أشد الناس في التزام السنة المحمديببة ‪ ،‬ومببع ذلببك فببإنه‬
‫يشهد لعثمان بأن كل ما عتبوا به عليه كان يحتمل أن يكون من عمببر ب ب‬
‫وهو أبوه ب ولو كان ذلك من عمر لما عتب أحد به عليببه ‪ .‬وقببال مبببارك‬
‫بن فضالة مولى زيد بن الخطاب سمعت عثمان يخطب وهو يقببول " يبا‬
‫أيهببا النبباس مببا تنقمببون علببي ‪ ،‬ومببا مببن يببوم إل وأنتببم تقسببمون فيببه‬
‫خيرا " ‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬شهدت منببادى عثمبان ينببادي ‪ :‬يببا أيهبا‬
‫الناس اغدوا على أعطياتكم ‪ ،‬فيغدون ويأخذونها وافية ‪ .‬يببا أيهببا النبباس‬
‫اغدوا على أرزاقكم فيغدون ويأخذونها وافيبة ‪ .‬حبتى بب واللبه بب سبمعته‬
‫أذناي يقببول ‪ :‬اغببدوا علببى كسببوتكم ‪ .‬فيأخببذون الحلببل ‪ .‬واغببدوا علببى‬
‫السمن والعسل ‪ .‬قببال الحسببن ‪ :‬أرزاق دارة ‪ ،‬وخيببر كببثير ‪ ،‬وذات بيببن‬
‫حسن ‪ .‬ما على الرض مؤمن يخاف مؤمنا إل يوده وينصره ويألفه ‪ .‬فلو‬
‫صبر النصار علببى الثببرة لوسببعهم مببا كببانوا فيببه مببن العطبباء والببرزق‬
‫ولكنهم لببم يصبببروا وسببلوا السببيف مببع مببن سببل ‪ ،‬فصببار عببن الكفببار‬
‫مغمدا ‪ ،‬وعلى المسلمين مسلول )روى ذلك عنه الحافظ ابن عبد البببر(‬
‫وقال ابن سيرين ب صنو الحسن البصري وزميله وهو أيضا كان معاصببرا‬
‫لعثمان ب ‪ " :‬كثر المببال فببي زمببان عثمببان حببتى بيعببت جاريببة بوزنهببا ‪،‬‬
‫وفرس بمائة ألف درهم ‪ ،‬ونخلة بألف درهم " ‪ .‬وسئل عبد الله بن عمر‬

‫‪66‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وهو وزوجه رقية ابنة رسببول اللببه ‪ ‬أول مهبباجر بعببد‬


‫" وهو‬ ‫)‪(1‬‬
‫إبراهيم الخليل ‪ ‬دخل به في باب " أول من‪...‬‬
‫علم كبير جمعه الناس‪.‬‬
‫وليقضببي اللببه أمببرا‬ ‫)‪(2‬‬
‫ولما صحت إمامته قتل مظلوما‬
‫كان مفعول‪.‬‬

‫بن الخطاب عن علي وعثمان ‪ .‬فقببال للسببائل ‪) :‬قبحببك اللببه! تسببألني‬


‫عن رجلين ب كلهما خير مني ب تريببد أن أغببض مببن أحببدهما وأرفببع مببن‬
‫الخر ؟ !( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصببحابة مببن صببحيح البخبباري )ك ‪ 62‬ب ‪ 7‬بب ج ‪4‬‬
‫ص ‪ (202‬حديث أبي موسى الشعري قال ‪ :‬إن النبي دخببل حائطببا )أي‬
‫بستانا( وأمرني بحفظ باب الحائط ‪ ،‬فجاء رجل يسببتأذن ‪ ،‬فقببال " ائذن‬
‫له وبشره بالجنة " فإذا أبو بكر ‪ .‬ثم جاء آخببر يسببتأذن ‪ ،‬فقببال ‪ " :‬ائذن‬
‫له وبشره بالجنة " فإذا عمر ‪ ،‬ثم جاء آخر يستأذن ‪ ،‬فسببكت هنيهببة ثببم‬
‫قال ‪ " :‬ائذن له وبشره بالجنة علببى بلببوى ستصببيبه " فببإذا عثمببان بببن‬
‫عفان ‪) .‬وانظر صحيح البخاري ك ‪ 62‬ب ‪ 5‬و ‪ 6‬ب ب ج ‪ 4‬ص ‪ 195‬ب ب ‪197‬‬
‫و ‪ 201‬ب ‪ (202‬ومثله في كتاب فضببل الصببحابة مببن صببحيح مسببلم )ك‬
‫‪ 44‬ح ‪ 28‬و ‪ 29‬بببب ج ‪ 7‬ص ‪ 117‬بببب ‪ (119‬مبببن حبببديث أببببي موسبببى‬
‫الشعري أيضا ‪ .‬وروى ابن ماجه في الببباب ‪ 11‬رقببم ‪ 111‬مببن مقدمببة‬
‫السنن )ج ‪ 1‬ص ‪ 41‬بتحقيق الستاذ فؤاد عبببد الببباقي( عببن محمببد بببن‬
‫سيرين من أئمة التابعين ‪ ،‬عن كعب بببن عجببرة البلببوي حليببف النصببار‬
‫وأحد الذين شهدوا عمرة الحديبية مع رسول الله ونزلت فيه آية الفديببة‬
‫‪ 195‬من سورة البقرة ‪ ،‬قال كعب بن عجببرة ‪ :‬ذكببر رسببول اللببه فتنببة‬
‫فقربها ‪ ،‬فمر رجل مقنع رأسه ‪ ،‬فقببال رسببول اللببه " هببذا يببومئذ علببى‬
‫الهببدى " فببوثبت فأخببذت بضبببعي عثمببان ‪ ،‬ثببم اسببتقبلت رسببول اللببه‬
‫فقلت ‪ :‬هذا ؟ قال ‪ :‬هذا ‪ .‬ومن مسند أحمد )‪ 58 : 1‬الطبعببة الولببى بب‬
‫رقم ‪ 407‬الطبعة الثانية( عن أبي سهلة مولى عثمان ب وهو تابعي ثقة ب‬
‫أن عثمان قال يوم الدار حين حصر ‪ " :‬إن رسول الله عهد إلببي عهببدا ‪،‬‬
‫فأنا صابر عليه " والحديث عند الترمذي )‪ (324 : 4‬من طريببق وكيببع ‪.‬‬
‫وقال حديث حسن صحيح ‪ .‬وعند ابن ماجه )‪ ، 41 : 1‬ب ‪ 42‬رقببم ‪، 112‬‬
‫‪ (113‬حببديثان أحببدهما لبببي سببهلة مببولى عثمببان والخببر لعائشببة ‪.‬‬
‫وأوردهما الحاكم في المستدرك على الصحيحين )‪ (99 : 1‬عن عائشة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( للجلل السيوطي وغيره مببن العلمبباء قبلببه وبعببده كتببب ألفوهبا فبي‬
‫تسمية الشخاص الذين سبقوا غيرهم إلى شيء من العمال المحمودة‬
‫وغيرها ‪ ،‬فيقولون )مثل( ‪ :‬كان عثمببان أول مببن هبباجر فببي سبببيل اللببه‬
‫الهجرة الولى إلى الحبشة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( روى المام أحمد في مسنده )‪ 115 : 2‬الطبعة الولببى ب ب ج ‪ 8‬رقببم‬
‫‪ 5953‬الطبعة الثانية( عن عبد الله بببن عمببر بببن الخطبباب قببال ‪ :‬ذكببر‬

‫‪67‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ول سببعى إلببى‬ ‫)‪(2‬‬


‫ول جيببش عسببكرا‬ ‫)‪(1‬‬
‫ما نصب حربببا‬
‫ول حاربه ول نازعه من هو من‬ ‫)‪(4‬‬
‫ول دعا إلى بيعة‬ ‫)‪(3‬‬
‫فتنة‬
‫ول كببان يرجوهببا لنفسببه‪ ،‬ول خلف‬ ‫)‪(5‬‬
‫أضرابه ول أشببكاله‬
‫أنه ليس لحد أن يفعل ذلك في غير عثمان‪ ،‬فكيف بعثمان‬
‫‪.! ‬‬

‫رسول الله فتنببة ‪ ،‬فمببر رجببل ‪ ،‬فقببال " يقتببل فيهببا هببذا المقنببع يببومئذ‬
‫مظلوما " قببال )عبببد اللببه بببن عمببر( ‪ :‬فنظببرت ‪ ،‬فببإذا هببو عثمببان بببن‬
‫عفان ‪ .‬قال الشيخ أحمببد شبباكر ‪ :‬والحببديث رواه الترمببذي )‪(323 : 4‬‬
‫ونقل شارحه عببن الحببافظ ابببن حجببر أنببه قببال إسببناده صببحيح ‪ .‬وروى‬
‫الحاكم فببي المسببتدرك )‪ (102 : 3‬نحببوه مببن حببديث مببرة بببن كعببب‬
‫وصححه على شرط الشيخين ‪ ،‬ووافقه الذهبي ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي لقتال أهل القبلة ‪ .‬أما حروبه لعلء كلمة الله ونشر دعببوة الحببق‬
‫فكانت من أنشط ما عرفه التاريخ السلمي ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي للدفاع عن نفسه ‪ ،‬وكبح جماح البغاة عليه ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( بل كان أشد خلق الله كرها لها وحرصا علببى تضببييق دائرتهببا ‪ ،‬حقنببا‬
‫لدماء المسلمين ‪ ،‬ولو أدى ذلك به إلى أن يكون هو ضحية لغيره ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( وإنما أتته منقادة على غير تشوف منه إليها ‪ .‬قال شببيخ السببلم ابببن‬
‫تيمية في منهاج السنة )‪ : (164 : 3‬إن الصحابة اجتمعببوا علببى عثمببان‬
‫لن وليته كانت أعظم مصلحة وأقل مفسدة من ولية غيببره ‪ .‬ثببم قببال‬
‫في الصفحة التالية ‪ :‬ول ريب أن الستة الببذين تببوفي رسببول اللببه وهببو‬
‫عنهم راض ب أي الذين عينهم عمر ب ل يوجد أفضل منهم ‪ ،‬وإن كان فببي‬
‫كل منهم ما كرهه فإن غيرهم يكون فيه من المكروه أعظم ‪ ،‬ولهذا لببم‬
‫يتول بعد عثمان خير منه ول أحسن سيرة ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أضراب أمير المؤمنين عثمبان وأشبكاله هبم إخبوانه البذين أشبركهم‬
‫أمير المؤمنين عمر في الشورى ‪ ،‬أما الذين استطاع عبد اللببه بببن سبببأ‬
‫وتلميببذه أن يوقعببوهم فببي حبببائل الفتنببة فبببينهم وبيببن مسببتوى أهببل‬
‫الشببورى أبعببد ممببا بيببن الحضببيض والقمببة ‪ ،‬بببل أبعببد ممببا بيببن الشببر‬
‫والخير ‪ .‬وإن الشر الذي أقحموه على تاريخ السببلم بحماقبباتهم وقصببر‬
‫أنظارهم لو لم يكن من نتائجه إل وقوف حركببة الجهبباد السببلمي فيمببا‬
‫وراء حببدود السببلم سببنين طويلببة لكفببى بببه إثمببا وجنايببة ‪ .‬قببال شببيخ‬
‫السلم ابن تيمية في منهاج السنة )‪ : (186 : 2‬إن خيار المسلمين لم‬
‫يدخل واحد منهم في دم عثمان ‪ .‬ل قتببل ‪ ،‬ول أمببر بقتلببه ‪ ،‬وإنمببا قتلببه‬
‫طائفة من المفسدين في الرض من أوباش القبائل وأهل الفتن ‪ .‬وكان‬
‫علي يقول " اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل " ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وصف إجمالي لدعاة الفتنة‬


‫وقد سموا من قام عليه‪ ،‬فوجدناهم أهل أغببراض سببوء‬
‫وأقبباموا عنببد عبببد‬ ‫)‪(2‬‬
‫فوعظوا وزجروا‬ ‫)‪(1‬‬
‫حيل بينهم وبينها‬
‫)‪(4‬‬
‫وتوعببدهم حببتى تببابوا‬ ‫)‪(3‬‬
‫الرحمن بببن خالببد ابببن الوليببد‬
‫‪ .‬وخيرهببم فاختبباروا‬ ‫)‪(5‬‬
‫فأرسببل بهببم إلببى عثمببان فتببابوا‬
‫التفرق في البلد‪ ،‬فأرسلهم‪ :‬فلما سار كببل إلببى مببا اختببار‬
‫‪1‬‬
‫)( الذين شبباركوا فببي الجنايببة علببى السببلم يببوم الببدار طببوائف علببى‬
‫مراتب ‪ :‬فيهم الذين غلب عليهببم الغلببو فببي الببدين ‪ ،‬فببأكبروا الهنببات ‪،‬‬
‫وارتكبوا في إنكارها الموبقات ‪ .‬وفيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنيببة‬
‫على شيوخ الصحابة من قريش ‪ ،‬ولم تكببن لهببم فببي السببلم سببابقة ‪.‬‬
‫فحسدوا أهل السابقة من قريش علببى مببا أصببابوا مببن مغببانم شببرعية‬
‫جببزاء جهببادهم وفتببوحهم ‪ ،‬فببأرادوا أن يكببون لهببم مثلهببا بل سببابقة ول‬
‫جهاد ‪ .‬وفيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت علببى بعببض ذويهببم ‪،‬‬
‫فاضبطغنوا فبي قلبوبهم الحنبة والغبل لجلهبا ‪ .‬وفيهبم الحمقبى البذين‬
‫استغل السبئيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة والفسبباد والعقببائد‬
‫الضالة ‪ .‬وفيهم مببن أثقببل كبباهله خيببر عثمببان ومعروفببه نحببوه ‪ ،‬فكفببر‬
‫معروف عثمان عندما طمع منببه بمببا ل يسببتحقه مببن الرئاسببة والتقببدم‬
‫بسبب نشأته في أحضانه ‪ .‬وفيهم مببن أصببابهم مببن عثمببان شببيء مببن‬
‫التعزيببر لبببوادر بببدرت منهببم تخببالف أدب السببلم ‪ ،‬فأغضبببهم التعزيببر‬
‫الشرعي من عثمان ‪ ،‬ولو أنهم قد نالهم من عمر أشببد منببه لرضببوا بببه‬
‫طائعين ‪ .‬وفيهم المتعجلون بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغترارا بما لهببم‬
‫من ذكاء خلب أو فصاحة ل تغذيها الحكمة ‪ ،‬فثاروا متعجلين بالمر قبببل‬
‫إبانه ‪ .‬وبالجمال ‪ ،‬فإن الرحمة التي جبل عليهببا عثمببان وامتل بهببا قلبببه‬
‫أطمعت الكبثير فيبه ‪ ،‬وأرادوا أن يتخبذوا مبن رحمتبه مطيبة لهبوائهم ‪.‬‬
‫ولعلي إذا اتسع لي الوقت أتفرغ لدراسة نفسيات هؤلء الخببوارج علببى‬
‫عثمان ‪ ،‬وتنظيم المعلومات الصحيحة التي بقيت لنا عنهم ‪ ،‬ليكببون مببن‬
‫ذلك درس عبرة لطلب التاريخ السلمي ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وقببد وعظهببم وزجرهببم أهببل العافيببة والحكمببة والرضببا مببن أعيببان‬
‫أمصببارهم وعلمائهببا فببي الكوفببة والبصببرة والفسببطاط ‪ ،‬ثببم وعظهببم‬
‫وزجرهم معاوية في مجالس له معهم عندما سيرهم عثمان إلى الشببام‬
‫كما سيجيء عند كلم المؤلف على سطوهم على المدينة ‪ -‬بحجة الحببج‬
‫‪ -‬فحولوا حجهم الكاذب إلى البغي علببى خليفتهببم وسببفك دمببه الحببرام‬
‫في الشهر الحرام بجوار قبر المصطفى عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد واليا لمعاوية علببى حمببص ومببا‬
‫يليها من شمال الشام إلى أطراف جزيرة ابن عمر ‪ ،‬وسببيأتي الحببديث‬
‫عن أحوالهم عندما قبض عليهم هببذا الشبببل المخزومببي بمثببل مخببالب‬
‫أبيه ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بجملتهببم‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫أنشأوا الفتنة‪ ،‬وألبببوا الجماعببة‪ ،‬وجبباءوا إليببه‬
‫فاطلع عليهم من حائط داره ووعظهم‪ ،‬وذكرهم‪ ،‬وورعهببم‬
‫وخرج طلحببة يبكببي ويببورع النببباس ‪ ،‬وأرسببل‬ ‫)‪(2‬‬
‫عن دمه‬
‫إنكببم أرسببلتم إلينببا "‬ ‫)‪(4‬‬
‫وقببال النبباس لهببم‬ ‫)‪(3‬‬
‫علي ولديه‬
‫"‪ ،‬فلما جئنا قعببد هببذا فببي‬ ‫)‪(5‬‬
‫أقبلوا إلى من غير سنة الله‬
‫تفيض عينيك‪ .‬واللببه ل‬ ‫)‪(6‬‬
‫بيته ‪ -‬يعنون عليا ‪ -‬وخرجت أنت‬
‫برحنا حتى نريبق دمببه‪ .‬وهبذا قهببر عظيببم‪ ،‬وافببتئات علببى‬
‫الصحابة‪ ،‬وكذب في وجوههم وبهت لهم‪ ،‬ولببو أراد عثمببان‬
‫وإنمببا‬ ‫)‪(7‬‬
‫لكان مستنصرا بالصببحابة‪ ،‬ولنصببروه فببي لحظببة‬
‫‪ .‬فببببوعظهم‪،‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫جبببباء القببببوم مسببببتجيرين متظلميببببن‬

‫م َقبباُلوا إ ِّنببا‬
‫طين ِهِ ْ‬ ‫وا إ َِلببى َ‬
‫شببَيا ِ‬ ‫خَلبب ْ‬ ‫)( بببل تظبباهروا بببأنهم تببابوا ‪ " ،‬وَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫‪4‬‬

‫م"‪.‬‬‫معَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫‪5‬‬
‫)( خيرهم عبد الرحمبن ببن خالببد فبي أن يببذهبوا إلبى عثمبان ‪ ،‬فبذهب‬
‫كبيرهم الشتر النخعي ‪ ،‬وله قصة نذكرها في موضعها من هذا الكتاب ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي إلى أمير المؤمنين عثمان ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ورعهم عن الشيء ‪ :‬كفهم ومنعهم بالحجة والحق المنير ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ليكونا في حراسة أمير المؤمنين عثمان ‪ ،‬ويدافعا عنه ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( أي قال البغاة يخاطبون عليا وطلحة والزبير ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( زعم البغاة أنهم تلقوا مببن علببي وطلحببة والزبيببر كتبببا يببدعونهم بهببا‬
‫للثورة علبى عثمبان ببدعوى أنبه غيبر سبنة اللبه ‪ .‬وسبيأتي إنكبار علبي‬
‫وطلحة والزبير أنهم كتبوا بببذلك ‪ ،‬والظبباهر أن الفريقيببن صببادقان ‪ ،‬أن‬
‫منظمببي الفتنببة مببن السبببئيين زوروا الرسببائل الببتي ذكرهببا البغبباة‬
‫الثائرون ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫)( الخطاب لطلحة بن عبيد الله ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫)( ولقببد راودوه فببي ذلببك مببرارا ‪ ،‬وعببرض عليببه معاويببة أن ينقببل دار‬
‫الخلفة إلى الشام ‪ ،‬أو يمده بجنببد مببن الشببام ل يعببرف لببه التاريببخ إل‬
‫التقدم والظفر ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫)( أي أن البغاة ظهببروا بمظهببر المتظلببم وهببو يببدعي أمببورا يشببكوها ‪،‬‬
‫فكان عثمان يرى لهم حقا عليه أن يبين لهم وللناس حجته فيما ادعوا ‪،‬‬
‫ووجهة نظره في المور التي زعموا أنهم جاءوا يتظلمون منها ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فببأوعز إليهببم عثمببان‬ ‫فاستشاطوا‪ .‬فأراد الصحابة أل ّهُ ْ‬


‫م‬ ‫)‪(9‬‬

‫أل يقاتل أحد بسببه أبدا‪ ،‬فاستسلم‪ ،‬وأسلموه برضاه‪.‬‬


‫وهي مسببألة مببن الفقببه كبببيرة‪ :‬هببل يجببوز للرجببل أن‬
‫يستسلم‪ ،‬أم يجب عليه أن يدافع عن نفسه ؟‬
‫وإذا استسلم وحّرم على أحد أن يدافع عنه بالقتل‪ ،‬هل‬
‫يجوز لغيره أن يدافع عنه ول يلتفت إلببى رضبباه ؟ اختلببف‬
‫العلماء فيها‪.‬‬
‫فلم يأت عثمان منكرا ل في أول المر‪ ،‬ول فببي آخببره‪،‬‬
‫ول جاء الصحابة بمنكر‪ .‬وكل مببا سببمعت مببن خبببر باطببل‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫إيا َ‬
‫ك أن تلتفت إليه‬

‫ه ‪ :‬طعنه بالّلة ‪ ،‬وهي الحربة العريضة النصل ‪.‬‬ ‫)( أل ّ ُ‬


‫‪9‬‬

‫‪1‬‬
‫)( ومعيار الخبار في تاريخ كل أمة الوثوق من مصببادرها ‪ ،‬والنظببر فببي‬
‫ملءمتها لسجايا الشخاص المنسوبة إليهببم ‪ .‬وأخبببار التاريببخ السببلمي‬
‫نقلت عن شهود عيان ذكروها لمن جاءوا بعببدهم ‪ .‬وهببؤلء رووهببا لمببن‬
‫بعدهم وقد اندس في هؤلء الرواة أنباس مبن أصببحاب الغبراض زوروا‬
‫أخبارا على لسان آخرين وروجوها فببي الكتببب ‪ ،‬إمببا تقربببا لبعببض أهببل‬
‫الببدنيا ‪ ،‬أو تعصبببا لنزعببة يحسبببونها مببن الببدين ‪ .‬ومببن مزايببا التاريببخ‬
‫السلمي ‪ -‬تبعا لما جرى عليه علماء الحديث ‪ -‬أنببه قببد تخصببص فريببق‬
‫من العلماء فببي نقببض الروايببة والببرواة ‪ ،‬وتمييببز الصببادقين منهببم عببن‬
‫الكذبة ‪ ،‬حتى صار ذلك علما محترما لببه قواعببد ‪ ،‬وألفببت فيببه الكتببب ‪،‬‬
‫ونظمت للرواة معاجم حافلة بالتراجم ‪ ،‬فيها التنبيه علببى مبلببغ كببل راو‬
‫من الصدق والتثبت والمانة في النقل ‪ ،‬وإذا كان لبعضهم نزعات حزبية‬
‫أو مذهبية قد يجنح معها علببى الهببوى ذكببروا ذلببك فببي ترجمتببه ليكببون‬
‫دارس أخبارهم ملما بنواحي القوة والضعف من هببذه الخبببار ‪ .‬والببذين‬
‫يتهجمون على الكتابة في تاريخ السببلم وتصببنيف الكتببب فيببه قبببل أن‬
‫يستكملوا العدة لببذلك ‪ -‬ول سببيما فببي نقببد الببرواة ومعرفببة مببا حققببه‬
‫العلماء في عدالتهم أو تجريحهم ‪ -‬يقعون في أخطاء كببان فببي إمكببانهم‬
‫أن ل يقعوا فيها لو أنهم استكملوا وسائل العلم بهذه النواحي ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قاصمة‬
‫المظالم والمناكير‬
‫قالوا متعدين‪ ،‬متعلقين برواية كذابين‪ :‬جاء عثمببان فببي‬
‫وليته بمظالم ومناكير‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬ضربه لعمار حتى فتق أمعاءه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ولبن مسعود حتى كسر أضلعه ومنعه عطاءه‪.‬‬
‫‪ - 3‬وابتببدع فببي جمببع القببرآن وتببأليفه‪ ،‬وفببي حببرق‬
‫المصاحف‪.‬‬
‫‪ - 4‬وحمى الحمى‪.‬‬
‫‪ - 5‬وأجلى أبا ذر إلى الربذة‪.‬‬
‫‪ - 6‬وأخرج من الشام أبا الدرداء‪.‬‬
‫‪ - 7‬ورد الحكم بعد أن نفاه رسول الله ‪. ‬‬
‫‪ - 8‬وأبطل سنة القصر في الصلوات في السفر‪.‬‬
‫‪ - 12 - 9‬وولى معاوية‪ ] ،‬وعبد الله بن عامر بن كريز [‬
‫ومروان‪ .‬وولى الوليد بن عقبببة وهببو فاسببق ليببس مببن‬ ‫)‪(1‬‬

‫أهل الولية‪.‬‬
‫‪ - 13‬وأعطى مروان خمس أفريقية‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪ - 14‬وكان عمر يضرب بالدرة وضرب هو بالعصا‬

‫‪1‬‬
‫)( سقط اسم ابن كريز من الصل سهوا من الناسخ أو من الطببابع فببي‬
‫مطبوعة الجزائر ‪ ،‬مع أنه ذكر في الدفاع التي بعد ‪ .‬ومطبوعة الجببزائر‬
‫طبعت على أصل سقيم بخط ناسخ غير متمكن ‪ .‬وقد وقع تقديم وتأخير‬
‫في ترتيب التهم وأجوبتها ‪ ،‬ويلوح لنا أن مجلد الصببل المخطببوط الببذي‬
‫طبعت عليهم مطبوعة الجزائر وضع بعض الورق في غير مواضببعه عنببد‬
‫التجليد ‪ ،‬فأعدنا ترتيب التهم وأجوبتها على نسق ‪ ،‬ولم نبزد عبن الصبل‬
‫كلمة ولم ننقص منه كلمة ‪ ،‬وبذلك تلفينببا الضببطراب الببذي كببان باديببا‬
‫للقارئ في المطبوعة الجزائرية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الدرة ‪ :‬عصا صغيرة يحملها السلطان يزع بها ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ - 15‬وعل على درجة رسول اللببه ‪ ‬وقببد انحببط عنهببا‬


‫أبو بكر وعمر‪.‬‬
‫‪ - 16‬ولم يحضر بدرا‪ ،‬وانهزم يوم أحد‪ ،‬وغاب عن بيعببة‬
‫الرضوان‪.‬‬
‫‪ - 17‬ولم يقتل عبيد اللببه بببن عمببر بببالهرمزان ) الببذي‬
‫أعطى السكين إلى أبي لؤلؤة‪ ،‬وحرضببه علببى عمببر حببتى‬
‫قتله (‪.‬‬
‫‪ - 18‬وكتب مع عبببده علببى جملببه كتابببا إلببى ابببن أبببي‬
‫سرح في قتل من ذكر فيه‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمة‬
‫موقف عثمان من عبد الله بن مسعود وعمار‬
‫هذا كله باطببل سببندا ومتنببا‪ ،‬أمببا قببولهم " جبباء عثمببان‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫بمظالم ومناكير " فباطل‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ - 2 - 1‬وأما ضربه لبن مسعود ومنعه عطاءه فزور‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫وضربه لعمار إفك مثله‪ ،‬ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدا‬
‫‪1‬‬
‫)( كما ترى مببن الدلببة الببتي سببيوردها المؤلببف فببي نقببض هببذه التهببم‬
‫واحدة بعد واحدة حتى يأتي على آخرها ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تقدم في هامش ص ‪ 54‬قول عبد الله بن مسعود لما بويببع عثمببان ‪:‬‬
‫) بايعنا خيرنا ولم نأل( ويروى ) ولينا أعلنا ذا فوق ولم نأل( وعند وليببة‬
‫عثمان كان ابن مسعود واليا لعمر على أموال الكوفة ‪ ،‬وسببعد بببن أبببي‬
‫وقاص واليا علببى صببلتها وحربهببا ‪ ،‬فبباختلف سببعد وابببن مسببعود علببى‬
‫قرض استقرضه سعد ‪ -‬كما سببيأتي ‪ -‬فعببزل عثمببان سببعدا وأبقببى اببن‬
‫مسعود ‪ .‬وإلى هنا ل يوجد بين ابببن مسببعود وخليفتببه إل الصببفو ‪ .‬فلمببا‬
‫عبزم عثمبان علبى تعميبم مصبحف واحبد فبي العبالم السبلمي يجمبع‬
‫أصحاب رسول الله على أنه هو المصحف الكامل الموافق لخر عرضببة‬
‫عرض بها كتاب الله على رسوله قبل وفاته ‪ ،‬كان ابببن مسببعود يببود لببو‬
‫أن كتابة المصحف نيطت به ‪ ،‬وكان يببود أيضببا لببو يبقببى مصببحفه الببذي‬
‫كان يكتبه لنفسه فيما مضى ‪ .‬فجاء عمببل عثمببان علببى خلف مببا كببان‬
‫يوده ابن مسعود في الحببالتين ‪ :‬أمببا فببي اختيببار عثمببان زيببد بببن ثببابت‬
‫لكتابة المصحف الموحد فلن أبا بكر وعمر اختاراه قبل ذلك لهذا العمل‬
‫في خلفة أبي بكر ‪ ،‬بل إن أبا بكر وعمر اختارا زيد بن ثابت في البدايببة‬
‫لنه هو الذي حفظ العرضة الخيرة لكتاب اللببه علببى الرسببول صببلوات‬
‫الله عليه قبيل وفاته ‪ ،‬فكان عثمان على حق في هذا ‪ ،‬وهو يعلم ‪ -‬كمببا‬
‫يعلم سائر الصحابة ‪ -‬مكانة ابن مسعود وعلمببه وصببدق إيمببانه ‪ .‬ثببم إن‬
‫عثمان كان على حبق أيضببا فببي غسببل المصباحف الخبرى كلهبا ومنهبا‬
‫مصحف ابن مسعود ‪ ،‬لن توحيد كتابة المصحف على أكمل ما كان فببي‬
‫استطاعة البشر هو من أعظم أعمال عثمببان بإجمبباع الصببحابة ‪ ،‬وكببان‬
‫جمهور الصحابة في كل ذلك مع عثمان على ابن مسعود ) انظر منهبباج‬
‫السنة لشيخ السلم ابن تيمية ‪ . (192 - 191 : 3‬وعلى كل حال فإن‬
‫عثمان لم يضرب ابن مسعود ولم يمنعه عطاءه ‪ ،‬وبقي يعرف له قببدره‬
‫كما بقي ابن مسعود على طاعته لمامه الذي بايع له وهو يعتقد أنه خير‬
‫المسلمين وقت البيعة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( روى الطبري ) ‪ (99 : 5‬عن سعيد بن المسيب أنببه كببان بيببن عمببار‬
‫وعباس بن عتبة بن أبي لهب خلف حمل عثمان على أن يؤدبهمببا عليببه‬
‫بالضرب ‪ .‬قلت ‪ :‬وهذا مما يفعله ولي المر في مثل هذه الحببوال قبببل‬
‫عثمان وبعده ‪ ،‬وكم فعل عمر مثل ذلك بأمثال عمار ومن هم خيببر مببن‬
‫عمار بما له من حق الولية على المسلمين ‪ .‬ولما نظم السبئيون حركة‬

‫‪74‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقد اعتذر عن ذلك العلماُء بوجوه ل ينبغببي أن ُيشببَتغل‬


‫ول ُيبنى حق علببى باطببل‪ ،‬ول‬ ‫)‪(1‬‬
‫بها لنها مبنية على باطل‬
‫ُنذهب الزمان في مماشاة الجهال‪ ،‬فإن ذلك ل آخر له‪.‬‬

‫الشاعات ‪ ،‬وصاروا يرسلون الكتب من كل مصر إلى المصببار الخببرى‬


‫بالخبار الكاذبة فأشار الصحابة على عثمان بأن يبعببث رجبال ممببن يثببق‬
‫بهم إلى المصار حتى يرجعوا إليه بحقيقة الحال ‪ ،‬تناسى عثمان ما كان‬
‫من عمار ‪ ،‬وأرسله إلى مصببر ليكببون موضببع ثقتببه فببي كشببف حالهببا ‪.‬‬
‫فأبطأ عمار في مصر ‪ ،‬والتف به السبئيون ليسببتميلوه إليهببم ‪ ،‬فتببدارك‬
‫عثمان وعامله على مصر هذا المر ‪ ،‬وجيء بعمار إلى المدينة مكرمببا ‪.‬‬
‫وعاتبه لما قدم عليه فقال له ‪ -‬على ما رواه الحببافظ ابببن عسبباكر فببي‬
‫تاريخ دمشق ) ‪ " : - (429 : 7‬يا أبا اليقظان قذفت ابن أبببي لهببب أن‬
‫قذفك ‪ . . .‬وغضبت علبي أن أخبذت لبك بحقبك ولببه بحقببه ‪ .‬اللهببم قببد‬
‫وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة ‪ ،‬اللهم إنبي متقبرب إليبك بإقامبة‬
‫حدودك في كل أحد ول أبالي ‪ .‬اخرج عني يا عمببار " فخببرج ‪ ،‬فكببان إذا‬
‫لقي العوام نضح عن نفسه وانتفى من ذلك ‪ ،‬وإذا لقي من يببأمنه بببذلك‬
‫أظهر الندم ‪ ،‬فلمه الناس وهجببروه وكرهببوه ‪ .‬قببال شببيخ السببلم ابببن‬
‫تيمية في منهاج السنة ) ‪ : (193 - 192 : 3‬وعثمان أفضل من كل من‬
‫تكلم فيه ‪ ،‬هو أفضل من ابن مسعود ‪ ،‬وعمار ‪ ،‬وأبي ذر ‪ ،‬ومببن غيرهببم‬
‫من وجوه كثيرة كما ثبببت ذلببك بالببدلئل ‪ ،‬فليببس جعببل كلم المفضببول‬
‫قادحا في الفاضل بأولى من العكس ‪ .‬وكذلك ما نقببل مببن تكلببم عمببار‬
‫في عثمان ‪ ،‬وقول الحسن فيه ) أي في عمار( ‪ .‬نقببل أن عمببارا قببال ‪:‬‬
‫لقد كفبر عثمبان كفبرة صبلعاء ‪ .‬فبأنكر الحسبن ببن علبي ذلبك عليبه ‪،‬‬
‫وكذلك علي وقال له ‪ :‬يا عمار ‪ ،‬أتكفر برب آمن به عثمببان ؟ قببال ابببن‬
‫تيمية ‪ :‬وقد تبين من ذلك أن الرجل المؤمن الذي هو ولي لله قد يعتقببد‬
‫كفر الرجل المؤمن الذي هو ولي لله ‪ ،‬ويكون مخطئا في هببذا العتقبباد‬
‫ول يقدح هذا في إيمان واحد منهما ووليته ‪ .‬كمبا ثببت فبي الصبحيح أن‬
‫أسيد بن حضير قال لسعد بن عبادة بحضببرة النبببي إنببك منببافق تجببادل‬
‫عن المنافقين ‪ .‬وكما قال عمر بببن الخطبباب لحبباطب بببن أبببي بلتعببة ‪:‬‬
‫دعني يا رسول الله أضرب عنببق هببذا المنبافق ‪ .‬فقبال " إنببه قببد شبهد‬
‫بدرا ‪ ،‬وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال ‪ :‬اعملببوا مببا شببئتم‬
‫فقد غفرت لكم " ‪ .‬فعمر أفضل من عمار ‪ ،‬وعثمان أفضل من حبباطب‬
‫بن أبي بلتعة بدرجات كثيرة ‪ ،‬وحجة عمر فيما قال لحبباطب أظهببر مببن‬
‫حجة عمار ‪ ،‬ومع هذا فكلهما من أهببل الجنببة ‪ ،‬فكيببف ل يكببون عثمببان‬
‫وعمار من أهل الجنة وإن قال أحدهما للخر ما قال ؟ مع أن طائفة من‬
‫العلماء أنكروا أن يكون عمار قال ذلك ‪ . . .‬ثم قال شيخ السلم ‪ :‬وفي‬

‫‪75‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫جمعه للقرآن‬
‫صببلُته‬
‫‪ - 3‬وأما جمع القرآن‪ ،‬فتلك حسنته العظمببى‪ ،‬وخ ْ‬
‫الكبرى‪ ،‬وإن كان َوجدها كاملة‪ ،‬لكنببه أظهرهببا ورد ّ النبباس‬
‫إليهببا‪ ،‬وحسببم مببادة الخلف فيهببا‪ .‬وكببان نفببوذ ُ وعببد اللببه‬
‫بحفظ القرآن على يببديه حسبببما بينبباه فببي كتببب القببرآن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫وغيرها‬
‫ي‬
‫روى الئمة بأجمعهم أن زيد بن ثابت قال‪:‬أرسل إل ّ‬
‫)‪(2‬‬

‫أبو بكر مقتل أهل اليمامة )‪ (3‬فإذا عمر بن الخطاب عنبده‪،‬‬


‫الجملة ‪ ،‬فإذا قيل إن عثمان ضرب ابن مسعود أو عمببارا فهببذا ل يقببدح‬
‫في أحد منهم ‪ .‬فإنا نشهد أن الثلثة في الجنة ‪ ،‬وأنهم مببن أكببابر أوليبباء‬
‫الله المتقين ‪ .‬وإن ولي الله قببد يصببدر عنببه مببا يسببتحق عليببه العقوبببة‬
‫ي بببن كعببب‬ ‫الشرعية ‪ ،‬فكيف بالتعزير ‪ .‬وقد ضرب عمر بن الخطاب أب ّ‬
‫بالدرة لما رأى النبباس يمشببون خلفببه وقببال ‪ " :‬هببذا ذلببة للتببابع وفتنببة‬
‫للمتبوع " فإن كان عثمان أدب هؤلء ‪ .‬فإما أن يكون عثمان مصيبا فببي‬
‫تعزيرهم لستحقاقهم ذلك ‪ ،‬ويكون ذلببك الببذي عببزروا عليببه تببابوا منببه‬
‫وكفر عنهم بالتعزير وغيره من المصائب أو بحسناتهم العظيمببة أو بغيببر‬
‫ذلك ‪ .‬وإما أن يقال كانوا مظلومين مطلقا ‪ .‬فالقول في عثمان كببالقول‬
‫فيهم وزيادة ‪ ،‬فإنه أفضل منهم ‪ ،‬وأحق بالمغفرة والرحمة ‪ . . . .‬إلخ ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي على ادعاء الكاذبين أعداء أصحاب رسول الله أن أميببر المببؤمنين‬
‫عثمان ضرب عمارا حتى فتق أمعاءه ‪ ،‬وضرب ابن مسبعود حبتى كسببر‬
‫أضلعه ومنعه عطاءه ! ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي في مؤلفات ابن العربي المتعلقة بعلوم القرآن ‪ ،‬وقببد ذكرنببا فببي‬
‫ترجمته ) ص ‪ (28 - 27‬أن منها ) أنوار الفجر( فببي ثمببانين أو تسببعين‬
‫مجلدا ‪ ،‬و ) قانون التأويبل( مبن مؤلفباته الكببرى ‪ ،‬و ) أحكبام القبرآن(‬
‫المطبوع في مصر ‪ ،‬و ) كتاب المشكلين( و ) الناسخ والمنسوخ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وفي مقدمتهم المام أحمد فببي مسببنده ) ‪ 13 : 1‬الطبعببة الولببى ‪-‬‬
‫رقم ‪ 76‬الطبعة الثانية ‪ .‬و ‪ 189 - 188 : 5‬الطبعة الولى( ‪ .‬والمببام‬
‫البخاري في صحيحه ) كتاب التفسببير ك ‪ 65‬السببورة ‪ 9‬ب ‪ 20‬ج ‪ 5‬ص‬
‫‪ . 211 - 210‬وكتبباب فضببائل القببرآن ك ‪ 66‬ب ‪ 3‬و ‪ 4‬ج ‪ 6‬ص ‪- 88‬‬
‫‪ ، 99‬وكتببباب الحكبببام ك ‪ 93‬ب ‪ 37‬ج ‪ 8‬ص ‪ . 119 - 118‬وكتببباب‬
‫التوحيد ك ‪ 97‬ب ‪ 22‬ج ‪ 8‬ص ‪. (177 - 176‬‬
‫‪3‬‬
‫)( وذلك لما ارتدت بنو حنيفة برئاسة مسبيلمة الكبذاب وبتحريبض عبدو‬
‫الله الّرجال ببن عنفبوة ببن نهشبل الحنفبي ‪ .‬وكبانت قيبادة المسبلمين‬
‫لسببيف اللببه خالببد بببن الوليببد ‪ ،‬واستشببهد فببي هببذه الملحمببة زيببد بببن‬
‫الخطاب أخو عمر ‪ .‬وكان حفظة القرآن مببن الصببحابة يتواصببون بينهببم‬
‫ويقولون ‪ :‬يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم ‪ .‬وتحنببط خطيببب‬

‫‪76‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فقال أبو بكر‪ " :‬إن عمر أتانا فقال‪ :‬إن القتببل قببد اسببتحّر‬
‫ل‬‫يوم اليمامة بقّراء القرآن‪ ،‬وإني أخشببى أن يسببتحّر القتب ُ‬
‫بالقّراء بالمواطن فيذهب كثير مبن القبرآن‪ ،‬وإنبي أرى أن‬
‫ت لعمببر‪ :‬كيببف نفعببل شببيئا لببم يفعلببه‬
‫تجمببع القببرآن‪ .‬قلب ُ‬
‫رسول اللببه ‪ ‬؟ قببال عمببر‪ :‬هببذا واللببه خيببر‪ .‬فلببم يببزل‬
‫ت فببي ذلببك‬
‫يراجعني حتى شرح الله صببدري لببذلك‪ ،‬ورأيب ُ‬
‫الذي رأى عمر "‪.‬‬
‫قببال زيببد‪ :‬قببال أبببو بكببر‪ " :‬إنببك رجببل شبباب عاقببل ل‬
‫مك‪ ،‬وقد كنببت تكتببب الببوحي لرسببول اللبه ‪ . ‬فتتب ّببع‬
‫نت ّهِ ُ‬
‫القرآن فاجمعه "‪ .‬فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبببال‬
‫ت‪:‬‬
‫ي مما أمروني به من جمع القببرآن‪ .‬قل ب ُ‬
‫ما كان أثقل عل ّ‬
‫كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله ‪ ‬؟ قال عمببر‪" :‬‬
‫هذا والله خير "‪ .‬فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري‬
‫النصار وحامل لوائهم ثابت بن قيببس ولبببس كفنببه وحفببر لقببدميه فببي‬
‫الرض إلى أنصاف ساقيه ولم يزل يقاتل وهو ثابت بالراية في موضببعه‬
‫حتى استشهد ‪ .‬وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة ‪ :‬أتخشببى أن‬
‫نؤتى من قبلببك ؟ فأجبباب ‪ :‬بئس حامببل القببرآن أنببا إذن ‪ .‬وقاتببل حببتى‬
‫استشهد ‪ .‬وقال أبو حذيفة ‪ :‬زينوا القرآن بالفعال ‪ ،‬وما زال يقاتل حببتى‬
‫أصيب ‪ ،‬وممن استشهد يومئذ حزن بن أبي وهب المخزومي جببد سببعيد‬
‫بن المسيب ‪ ،‬وكان شعار الصحابة يومئذ ‪ :‬وامحمببداه ! وصبببروا يببومئذ‬
‫صبرا لم يعهد مثله حتى ألجأوا المرتببدين إلببى حديقببة المببوت فاعتصببم‬
‫فيها مسيلمة ورجبباله ‪ .‬فقببال البببراء بببن مالببك ‪ :‬يببا معشببر المسببلمين‬
‫ألقببوني عليهببم فببي داخببل الحديقببة أفتببح لكببم بابهببا ‪ .‬فبباحتملوه فببوق‬
‫الجحف ورفعوه بالرماح وألقوه في الحديقة من فوق سورها ‪ ،‬فما زال‬
‫يقاتل المرتدين دون بابها حتى فتحبه ودخبل المسبلمون وكبان النصبر ‪،‬‬
‫وممن اقتحببم الحديقببة أبببو دجانببة مببن مجاهببدي بببدر حببتى وصببل إلببى‬
‫مسيلمة وعله بالسيف فقتله ‪ ،‬وكسرت رجله في تلك الوقعببة ثببم نببال‬
‫الشهادة ‪ .‬وفي البداية والنهاية ) ‪ (340 - 334 : 6‬أسماء كثيرين مبن‬
‫شبهداء هبذا اليبوم العظيبم فبي السبلم ‪ ،‬ومنهبم حفظبة كتباب اللبه ‪.‬‬
‫والشيعة يذمون موقببف الصببحابة مببن مسببيلمة وقببومه ويببدافعون عببن‬
‫المرتدين ‪ .‬انظر ) المنتقى من منهاج العتدال( ص ‪. 272 - 270‬‬

‫‪77‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ه‬
‫ن أجمع ُ‬‫ت القرآ َ‬
‫للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر‪ ،‬فتتبع ُ‬
‫سب والّلخاف وصدور الرجال حتى وجببد ُ‬
‫ت آخببر‬ ‫من العُ ُ‬
‫)‪(1‬‬

‫سورة التوبة مع خزيمة النصاري لم أجدها مع أحببد غيببره‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫}‬
‫حتى خاتمة براءة‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪{‬‬
‫فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفبباه اللبه‪ ،‬ثببم عنببد‬
‫حذيفة بببن‬
‫عمر حياته‪ ،‬ثم عند حفصة بنت عمر‪ .‬حتى قدم ُ‬
‫وكان ُيغببازي أهببل الشببام فببي فتببح‬ ‫)‪(3‬‬
‫اليمان على عثمان‬
‫أرمينية وأذ ْرَِبيجببان مببع أهببل العببراق‪ ،‬فحببدثه حذيفببة عببن‬
‫اختلفهببم فببي القببراءة‪ ،‬فقببال حذيفببة لعثمببان‪ :‬يببا أميببر‬
‫المؤمنين‪ ،‬أدرك هذه المببة قبببل أن يختلفببوا فببي الكتبباب‬
‫اختلف اليهود والنصارى‪ :‬فأرسببل عثمببان إلببى حفصببة أن‬
‫أرسلي إلينا بالصحف ننسببخها فببي المصبباحف‪ ،‬ثببم نردهببا‬
‫إليك‪ ،‬فأرسلت بها حفصة إلى عثمان‪ ،‬فأمر زيد بن ثببابت‪،‬‬
‫وعبد الله بن الزبير‪ ،‬وسعيد بن العاص‪ ،‬وعبد الرحمببن بببن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف‬
‫‪1‬‬
‫)( العسب ) جمع عسيب( أي جريدة النخل ‪ ،‬وهي السعفة التي ل ينبت‬
‫عليها الخوص ‪ .‬واللخاف ) جمع لخفة( وهي حجارة بيببض رقبباق ‪ .‬كببانوا‬
‫يكتبون عليها إذا تعذر الورق ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة التوبة آية ‪. 128 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( وحديثه عن ذلك في صحيح البخاري ) ك ‪ 66‬ب ‪ - 3‬ج ‪ 6‬ص ‪ (99‬عن‬
‫ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( العناية التي بببذلها عظيمببا السببلم أبببو بكببر وعمببر ‪ ،‬وأتمهببا أخوهمببا‬
‫وصنوهما ذو النورين عثمان في جمببع القببرآن وتثبببيته وتوحيببد رسببمه ‪،‬‬
‫كان لهم بها أعظم المنة على المسببلمين ‪ ،‬وبهببا حقببق اللببه وعببده فببي‬
‫ن ‪ .‬وقببد تببولى الخلفببة‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ح ُ‬
‫قوله سبحانه إ ِّنا ن َ ْ‬
‫بعد هؤلء الشببيوخ الثلثببة أميببر المببؤمنين علببي فأمضببى عملهببم وأقببر‬
‫مصحف عثمان برسومه وتلوته ‪ ،‬في جميع أمصار وليته ‪ ،‬وبذلك انعقببد‬

‫‪78‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقال عثمببان للرهببط الُقرشببيين الثلثببة‪ " :‬إذا اختلفتببم‬


‫أنتم وزيد بن ثابت في شيء مببن القببرآن فبباكتبوه بلسببان‬
‫قريش‪ ،‬فإنما نزل بلسانهم " ففعلوا‪.‬‬
‫ن‬
‫حببتى إذا نسببخوا الصببحف فببي المصبباحف رد ّ عثمببا ُ‬
‫الصحف إلى حفصة‪ ،‬وأرسل إلى كببل ُأفببق بمصببحف ممببا‬

‫إجماع المسلمين في الصدر الول على أن مببا قببام بببه أبببو بكببر وعمببر‬
‫وعثمان هو أعظم حسناتهم ‪ ،‬بل نقل بعض علماء الشيعة هببذا الجمبباع‬
‫على لسان أمير المؤمنين علي بن أببي طببالب ‪ .‬جباء فببي كتبباب تاريببخ‬
‫القرآن لبي عبد الله الزنجاني ) ص ‪ (46‬من شيعة عصرنا أن علببي بببن‬
‫موسى المعروف بابن طاوس ) ‪ (664 - 589‬وهو مببن علمببائهم نقببل‬
‫في كتابه ) سعد السعود( عبن الشهرسبتاني فبي مقدمبة تفسبيره عبن‬
‫سويد بن غفلة ] هو أبو أمية الجعفي الكوفي ‪ .‬قدم المدينة حين نفضت‬
‫اليدي من دفنببه وشببهد اليرمببوك ‪ .‬يببروي عببن أبببي بكببر وعمببر وعلببي‬
‫وعثمان ‪ .‬ويروي عنه النخعي والشعبي وعبدة بن أبي لبابة ‪ .‬ثقة ‪ .‬مات‬
‫سنة ‪ 80‬وقيل ‪ 81‬عن مائة وثلثين سنة ‪ [ .‬قال ‪ :‬سمعت علي بن أبببي‬
‫طالب عليه السلم يقول ‪ " :‬أيها الناس ‪ ،‬الله ‪ ،‬الله ‪ ،‬إياكم والغلببو فببي‬
‫أمر عثمان وقولكم حّراق المصاحف ‪ ،‬فوالله ما حرقهببا إل عبن مل مببن‬
‫أصحاب رسول الله جمعنا وقببال ‪ :‬مببا تقولببون فببي هببذه القببراءة الببتي‬
‫اختلف الناس فيها ‪ .‬يلقى الرجل فيقببول ‪ :‬قراءتببي خيببر مببن قراءتببك ‪.‬‬
‫وهذا يجر إلى الكفر ؟ فقلنا ‪ :‬ما الببرأي ؟ قببال ‪ :‬أريببد أن أجمببع النبباس‬
‫على مصببحف واحببد ‪ ،‬فببإنكم إن اختلفتببم اليببوم كبان مبن بعببدكم أشببد‬
‫اختلفا ‪ .‬فقلنا ‪ِ :‬نعم ما رأيت " ‪ .‬وممببا ل ريببب فيببه أن البغبباة أنفسببهم‬
‫كانوا في خلفة علي يقببرءون فببي مصبباحف عثمببان الببتي أجمببع عليهببا‬
‫الصحابة وعلي فيهم ‪ .‬ولكن نجم لهم أذناب في العصور التالية فضببحوا‬
‫أنفسهم بسخفهم وكفرهم ‪ ،‬كشيطان الطاق محمد بن جعفر الرافضببي‬
‫صل( ‪ 181 : 4‬عبن الجباحظ قببال ‪:‬‬ ‫ف َ‬ ‫فيما رواه المام ابن حزم في ) ال ِ‬
‫أخبرني أبو إسحاق إبراهيم النظام وبشر بن خالد أنهما قال لمحمببد بببن‬
‫جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق ‪ :‬ويحك ‪ ،‬أمببا اسببتحييت مببن‬
‫الله أن تقول في كتابك في المامة ‪ :‬إن الله تعببالى لببم يقببل قببط فببي‬
‫ن الل ّب َ‬
‫ه‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حب ِهِ َل ت َ ْ‬
‫ح بَز ْ‬ ‫صببا ِ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫قو ُ‬ ‫ي اث ْن َي ْ ِ‬
‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫القرآن ) َثان ِ َ‬
‫معََنا( ؟ قال ‪ :‬فضحك والله شيطان الطاق ضحكا طويل حتى كأنببا نحببن‬ ‫َ‬
‫الذين أذنبنا ‪ .‬وشيطان الطاق هذا أكبر دعاة الشيعة في زمببن المببامين‬
‫زيد وابن أخيه جعفر الصادق ‪ ،‬وهو الذي ابتدع أكذوبة أن المامة معهود‬
‫بها إلى أشببخاص بأعيببانهم ‪ ،‬ولببم يكببن أحببد يقببول بببذلك قبببل شببيطان‬
‫الطبباق هببذا ‪ .‬وأنكرهببا عليببه المببام زيببد فببي مجلببس جعفببر ‪ .‬ودعببوى‬
‫الرافضة بتبديل القرآن ‪ ،‬مع تصريح علي بإجماع الصحابة علببى مببا قببام‬
‫به عثمان ‪ ،‬صارت مادة دسمة لدعاة النصارى يحتجون بها ‪ ،‬فقببال لهببم‬

‫‪79‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫نسببخوا‪ ،‬وأمببر بمببا سببواه مببن القببرآن فببي كببل صببحيفة‬


‫ومصحف أن ُيحرق‪.‬‬
‫ة بن زيببد بببن ثببابت‬
‫" وأخبرني خارج ُ‬ ‫)‪(1‬‬
‫قال ابن شهاب‬
‫ت آية من الحزاب حيببن‬ ‫أنه سمع زيد بن ثابت قال‪ " :‬فقد ُ‬
‫ت أسمع رسول اللببه ‪ ‬يقببرأ بهببا‪،‬‬ ‫نسخنا المصحف قد كن ُ‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫فالتمسببناها فوجببدناها مببع خزيمببة النصبباري }‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫فألحقناها في‬ ‫)‪(2‬‬


‫‪{‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬

‫سورتها من المصحف "‪.‬‬


‫وأما ما روي أنه حّرقهببا أو خّرقهببا ‪ -‬بالحبباء المهملببة أو‬
‫الخاء المعجمة‪ ،‬وكلهما جائز ‪ -‬إذا كان فببي بقائهببا فسبباد‪،‬‬
‫أو كان فيها ما ليس من القرآن‪ ،‬أو ما نسخ منببه‪ ،‬أو علببى‬
‫غير نظمه‪ ،‬فقد سّلم في ذلك الصحابة كلهم‪ :‬إل أنببه روي‬
‫عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة فقال‪ " :‬أما بعببد‪ ،‬فببإن‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫}‪‬‬ ‫اللببه قببال‬

‫المام ابببن حببزم فببي الفصببل ) ‪ " : (78 : 2‬إن الروافببض ليسببوا مببن‬
‫المسلمين ‪ . . .‬وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصببارى فببي الكببذب‬
‫والكفر " ‪ .‬قلت ‪ :‬وآخر من افتضح منهم بهذا المببر وفضببح بببه الشببيعة‬
‫جميعا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي بكتابه الذي اقببترفه فببي‬
‫المشهد المنسوب لمير المؤمنين علي فببي النجببف سببنة ‪ 1292‬وطبببع‬
‫في إيبران سبنة ‪ 1298‬وعنبدي نسبخة منبه ‪ .‬وإن مبن طبيعبة التحبزب‬
‫والتعصب والتشيع أن يذهب بعقول أصحابه وأخلقهم ثم يذهب بحيببائهم‬
‫ودينهببم ‪ ،‬كمببا برهببن علببى ذلببك علمبباء علببم النفببس الجتمبباعي وفببي‬
‫مقدمتهم الدكتور غوستاف لبون ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫) ( فيما رواه عن المام البخاري في صببحيحه ) ك ‪ 56‬ب ‪ 12‬ج ‪ 3‬ص‬
‫‪ ، 206 - 205‬وك ‪ 64‬ب ‪ 17‬ج ‪ 5‬ص ‪ ، 31‬وك ‪ 65‬السببورة ‪ 9‬ب‬
‫‪ 20‬والسبببورة ‪ 33‬ب ‪ ، 3‬وك ‪ 66‬ب ‪ 3‬و ‪ ، 4‬وك ‪ 93‬ب ‪ ، 27‬وك ‪97‬‬
‫ب ‪. (22‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة الحزاب آية ‪. 23 :‬‬

‫‪80‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وإني غا ّ‬
‫ل‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪  ‬‬

‫مصحفي‪ ،‬فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعببل "‪.‬‬


‫وأراد ابن مسعود أن يؤخذ بمصببحفه‪ ،‬وأن يثبببت مببا يعلببم‬
‫فيه‪ .‬فلما لم ُيفعل ذلك له قببال مببا قببال‪ ،‬فببأكرهه عثمببان‬
‫على رفع مصحفه‪ ،‬ومحا رسومه فلم تثبت له قراءة أبببدا‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫ونصر الله عثمان والحق بمحوها من الرض‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة آل عمران آية ‪. 161 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( عبد الله بن مسعود من كبببار علمبباء الصببحابة ومببن أجببودهم قببراءة‬
‫لكتاب الله ‪ ،‬وقد أثنى رسول الله مببرة علببى حسببن تلوة ابببن مسببعود‬
‫للقرآن ‪ ،‬فتسارع أبو بكر وعمر ليوصل إليه البشرى بهذا الثناء النبببوي ‪:‬‬
‫) انظر مسند أحمد ‪ 26 - 25 : 1‬الطبعة الولبى ‪ -‬رقبم ‪ 175‬الطبعبة‬
‫الثانية( ‪ .‬إل أن ابن مسعود كان يكتب ما يوحى من القرآن في مصحفه‬
‫كلما بلغه نزول آيات منببه ‪ ،‬فهببو يختلببف فببي ترتيببب هببذه اليببات عمببا‬
‫امتازت به مصاحف عثمبان مبن البترتيب بحسبب العبرض الخيببر علبى‬
‫رسول الله بقدر ما أدى إليه اجتهاد الصحابة المؤيد بإجماعهم ‪ .‬ويحتمل‬
‫أن يكون ابن مسعود فاته في مصحفه بعض ما استقصاه زيد بببن ثببابت‬
‫وزملؤه من اليات التي كانت عند آخرين من قببراء الصببحابة ‪ .‬زد علببى‬
‫ذلك أن ابن مسعود كانت تغلب عليبه لهجبة قبومه مبن هبذيل ‪ ،‬والنببي‬
‫رخص لمثل ابن مسعود أن يقرءوا بلهجاتهم ‪ ،‬ولكن ليس لبببن مسببعود‬
‫أن يحمل المة في زمنه والزمان بعده على لهجته الخاصة ‪ ،‬فكان مببن‬
‫الخير توحيد المة على قراءة كتبباب ربهببا باللهجببة المضببرية الببتي كببان‬
‫عليها رسول الله ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ما أوخذ به عثمان من حماية الحمى لبل الصدقة‬


‫فيقببال إن عثمببان زاد‬ ‫)‪(1‬‬
‫حمى‪ ،‬فكان قببديما‬
‫‪ - 4‬وأما ال ِ‬
‫فيه لما زادت الرعية‪ .‬وإذا جاز أصببله للحاجببة إليببه جببازت‬
‫الزيادة لزيادة الحاجة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( كان الشريف في الجاهليببة إذا نببزل أرضببا فببي حيببه اسببتعوى كلبببا ‪.‬‬
‫فحمى لخيله وإبله وسوائمه مببدى عببواء الكلببب ل يشببركه فيببه غيببره ‪.‬‬
‫فلما جاء السلم نهببى النبببي عببن ذلببك ‪ ،‬واختببص الحمببى بإبببل الزكبباة‬
‫المرصدة للجهاد والمصالح العامة ‪ ،‬فقببال " ل حمببى إل للببه ورسببوله "‬
‫رواه البخاري من حديث الصعب بن جثامة في كتاب المسبباقاة ) ك ‪42‬‬
‫ب ‪ (11‬وكتبباب الجهبباد ) ك ‪ 56‬ب ‪ (146‬مببن صببحيحه ‪ .‬ورواه المببام‬
‫أحمد في مسنده ) ‪ 71 : 4‬و ‪ 73‬الطبعة الولى( من حديث الصعب بن‬
‫جثامة أيضا ‪ .‬وقد حمى رسول الله مكانا يسببمى ) النقيببع( وهببو " نقيببع‬
‫الخضمات " كما في مسند المام أحمد ) ‪ 91 : 2‬و ‪ 155‬و ‪ 157‬الطبعة‬
‫الولى ‪ -‬رقم ‪ 5655‬و ‪ 6438‬و ‪ 6464‬الطبعة الثانيببة( مببن حببديث أبببي‬
‫عبد الرحمن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمببر أن النبببي‬
‫حمى النقيع للخيل قال حماد بن خالد راوي هذا الحببديث عببن عبببد اللببه‬
‫بن عمر العمري ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن خيله ؟ قال ‪ :‬خيل المسببلمين ) أي‬
‫المرصودة للجهاد ‪ ،‬أو ما يملكه بيت المال( ‪ .‬والنقيببع هببذا فببي المدينببة‬
‫على عشرين فرسخا منهبا ومسباحته ميبل فبي ثمانيبة أميبال كمبا فبي‬
‫موطأ مالك برواية ابن وهب ‪ .‬ومعلوم أن الحال استمر في خلفببة أبببي‬
‫بكر على ما كان عليه في زمن النبي لن أبا بكببر لببم يخببرج عببن شببيء‬
‫كان عليه الحال في زمن النبببي ل سببيما وأن حالببة الجهبباد إلببى الخيببل‬
‫والبل زادت عن قبل ‪ .‬وفي زمن عمر اتسع الحمى فشمل ) سبرف( و‬
‫) الربذة( ‪ ،‬وكان لعمر عامل على الحمى هو مولى له يدعى هنيا ‪ ،‬وفي‬
‫كتاب الجهاد من صحيح البخبباري ) ك ‪ 56‬ب ‪ (180‬مببن حببديث زيببد بببن‬
‫أسلم عن أبيه نص وصية أمير المؤمنين عمر لعببامله هببذا علببى الحمببى‬
‫بأن يمنع نعم الثرياء كعبد الرحمن بن عببوف وعثمببان بببن عفببان ‪ ،‬وأن‬
‫يتسامح مع رب الغنيمة ورب الصريمة لئل تهلك ماشيتهما ‪ .‬وكما اتسببع‬
‫عمر في الحمى عما كان عليه في زمن النبي وأبي بكر لزيببادة سببوائم‬
‫بيت المال في زمنببه ‪ ،‬اتسببع عثمببان بعببد ذلببك لتسبباع الدولببة وازديبباد‬
‫الفتوح ‪ .‬فالذي أجازه النبي لسوائم بيت المال ‪ ،‬ومضى علببى مثلببه أببو‬
‫بكر وعمر ‪ ،‬يجوز مثله لبيت المال في زمن عثمان ‪ ،‬ويكببون العببتراض‬
‫عليه اعتراضا على أمر داخل في التشريع السلمي ‪ .‬ولما أجاب عثمان‬
‫على مسألة الحمى عندما دافع عن نفسه على مل مببن الصببحابة أعلببن‬
‫أن الذين يلون له الحمى اقتصروا فيه على صدقات المسلمين يحمونها‬
‫لئل يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ‪ ،‬وأنهم مببا منعببوا ول نحببوا منهببا‬

‫‪82‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫أبو ذر ومسيره إلى الربذة‬


‫كان أبو ذر‬ ‫‪ - 5‬وأما نفُيه أبا ذّر إلى الّربذة فلم يفعل‬
‫)‪(1‬‬

‫‪‬‬ ‫زاهدا‪ ،‬وكان يقّرع عمال عثمان‪ ،‬ويتلو عليهم }‬


‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪    ‬‬

‫‪     ‬‬

‫]التوبة‪ ، [34 :‬ويراهببم يتسببعون‬ ‫)‪(2‬‬


‫‪{ ‬‬ ‫‪‬‬

‫في المراكب والملبس حين وجببدوا‪ ،‬فينكببر ذلببك عليهببم‪،‬‬


‫ويريد تفريق جميع ذلك مببن بيببن أيببديهم‪ ،‬وهببو غيببر لزم‪.‬‬
‫قال ابببن عمببر وغيببره مببن الصببحابة‪ :‬إن مببا أديببت زكبباته‬
‫)‪(4‬‬
‫فوقع بين أبببي ذر ومعاويببة كلم بالشببام‬ ‫)‪(3‬‬
‫فليس بكنز‬

‫أحدا ‪ . . .‬وذكر عن نفسه أنه قبل أن يلي الخلفة كان أكثر العرب بعيرا‬
‫وشاء ‪ ،‬ثم أمسى وليس له غير بعيرين لحجه ‪ .‬وسأل مببن يعببرف ذلببك‬
‫من الصحابة ‪ :‬أكذلك ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وإنما اختار أبو ذر أن يعتزل في الربببذة ‪ ،‬فببوافقه عثمببان علببى ذلببك‬
‫كما صح في حديث عبد الله بن الصامت عند ابن حبان ) ‪ : 1549‬موارد‬
‫الظمآن( ‪ ،‬وصح في ص ‪ ، 76‬فأكرمه عثمان وجهزه بما فيه راحته ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة التوبة آية ‪. 34 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر البيان الفقهي والتفصببيل الشببرعي لهببذه المسببألة فببي منهبباج‬
‫السنة لشيخ السلم ابن تيمية ) ‪ (199 - 198 : 3‬ومقالتنا في مجلببة‬
‫الزهر ) شوال ‪. (1374‬‬
‫‪4‬‬
‫)( نقل الطبري ) ‪ (66 : 5‬وأكثر المصببادر السببلمية أنببه لمببا ورد ابببن‬
‫السوداء ) عبد الله بن سبأ( الشام لقي أبا ذر فقال ‪ :‬يا أبا ذر أل تعجب‬
‫إلى معاوية يقول ‪ " :‬المال مال الله ‪ ،‬أل إن كل شيء للببه " كبأنه يريببد‬
‫أن يحتجنببه دون المسببلمين ‪ ،‬ويمحببو اسببم المسببلمين ‪ .‬فأتبباه أبببو ذر‬
‫فقال ‪ :‬ما يدعوك إلى أن تسمي مببال المسببلمين " مببال اللببه " ؟ قبال‬
‫معاوية ‪ :‬يرحمك الله يا أبا ذر ‪ ،‬ألسببنا عببباد اللببه والمببال مبباله والخلببق‬
‫والمر أمره ؟ قال أبو ذر ‪ :‬فل تقله ‪ .‬قببال معاويببة ‪ :‬فببإني ل أقببول أنببه‬
‫ليس لله ‪ ،‬ولكن سأقول " مال المسلمين " ‪ :‬وأتى ابن السببوداء ) عبببد‬
‫الله بن سبأ( أبا الدرداء ‪ ،‬فقال له ) أبو الدرداء( ‪ :‬من أنت أظنبك واللبه‬
‫يهوديا ‪ .‬فأتى ) ابن سبأ( عبادة بن الصامت ‪ ،‬فتعلق به ) ابن الصببامت(‬
‫فأتى به معاوية فقال ‪ :‬هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فخرج إلى المدينة‪ ،‬فاجتمع إليه الناس‪ ،‬فجعل يسلك تلببك‬


‫ت "‪ .‬معناه‪ :‬إنك علببى‬
‫الطرق‪ ،‬فقال له عثمان‪ " :‬لو اعتزل َ‬
‫مذهب ل يصببلح لمخالطببة النبباس‪ ،‬فببإن للخلطببة شببروطا‬
‫وللعزلة مثلهببا )‪ (1‬ومببن كببان علببى طريقببة أبببي ذّر فحبباله‬
‫يقتضي أن ينفرد بنفسه‪ ،‬أو يخالط ويسّلم لكل أحببد حبباله‬
‫مما ليس بحرام في الشببريعة‪ ،‬فخببرج إلببى الربببذة زاهببدا‬
‫فاضل‪ ،‬وترك جلة فضلء‪ ،‬وكل علببى خيببر وبركببة وفضببل‪،‬‬
‫وحال أبي ذر أفضل‪ ،‬ول تمكببن لجميببع الخلببق‪ ،‬فلببو كببانوا‬
‫فسبحان مرتب المنازل‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫عليها لهلكوا‬
‫‪1‬‬
‫)( وقببد أحسببن الكلم علببى ذلببك أبببو سببليمان الخطببابي فببي كتبباب‬
‫) العزلة( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الببذي تحصببل عنببدي مببن تتبببع نصببوص الشببريعة فببي أمببر المببال ‪،‬‬
‫ومراقبتي لتطبيق هذه النصوص فببي سببيرة السببلف وعملهببم بهببا ‪ ،‬أن‬
‫المسلم له في نفسه وذويه من المال الذي يملكببه مببا يكفيببه ويكفيهببم‬
‫بالمعروف كأمثاله وأمثالهم من أهل العفببة والقناعببة والببدين ‪ ،‬ومببا زاد‬
‫عن ذلك فعليه أول أن يؤدي زكاته الشرعية مباشرة بحسب اجتهاده إن‬
‫لم يكن أداها للحكومة السلمية العاملة بأحكام الشرع وبعد أداء زكبباته‬
‫يكون صاحب المال في امتحان من الله كيف يحسن التصبرف فيبه بمبا‬
‫يرضي الله ويزيد المسلمين قوة وسعادة وعزا ‪ ،‬فإن كببان تبباجرا فمببن‬
‫طريق التجارة أو مزارعا فمن طريق الزراعة ‪ ،‬أو صبباحب مصببنع فمببن‬
‫طريببق الصببناعة ‪ .‬والسببلم فببي دور قيببامه اسببتفاد مببن ثببروة أغنيبباء‬
‫الصحابة عونا ويسرا وقوة ‪ .‬وتجارة التاجر المسلم إذا أغنت المسببلمين‬
‫عن متاجر أعدائهم تعتبر قببوة لهببم بقببدر مببا يصببدق صبباحبها فببي هببذه‬
‫النية ‪ ،‬وكذلك مصنع الصانع المسلم ‪ ،‬وزراعببة الببزارع المسببلم ‪ .‬والنيببة‬
‫في هذه المور أمرها عظيم ‪ ،‬وميزانها العمل عندما تمس الحاجة إليه ‪.‬‬
‫وبالجملة فإن للمسلم أن يكون غنيا بل تحديببد ‪ .‬بشببرط أن يكببون ذلببك‬
‫من حله ‪ ،‬وأن يكتفي منه بما يكفيه بالمعروف ‪ ،‬محاول دائمببا أن يحببرر‬
‫نفسببه مببن العبوديببة والنقيبباد للكماليببات فضببل عببن تببوافه الحضببارة‬
‫وسفاسبفها ‪ .‬وبعبد أن يبؤدي زكباة مبا يملبك يعتببر مبا زاد عبن حباجته‬
‫كالمانة لله تحت يده ‪ .‬فيتصرف فيها بمبا يزيببد المسببلمين ثببروة وقببوة‬
‫ويسرا وعزا وسعادة ‪ ،‬أما طريقة أبي ذر في أن ل يبيت المسلم وعنده‬
‫مال فليست الن من مصببلحة المسببلمين ‪ ،‬وطريقببة أغنيبباء المسببلمين‬
‫الن ‪ -‬في أن يعيشوا لنفسهم ومتعهم غير مبالين بعببزة السببلم وقببوة‬
‫دولته وحاجة أهله ‪ -‬فليست من السببلم ‪ ،‬والسببلم ل يعببرف الببذين ل‬

‫‪84‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ومن العجب أن يؤخذ عليببه فببي أمببر فعلببه عمببر‪ ،‬فقببد‬


‫ُروي أن عمر بن الخطاب ‪ ‬سجن ابن مسبعود فببي نفببر‬
‫مببن الصببحابة سببنة بالمدينببة حببتى اسُتشببهد‪ ،‬فببأطلقهم‬
‫عثمببان‪ ،‬وكببان سببجنهم لن القببوم أكببثروا الحببديث عببن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫رسول الله ‪‬‬
‫ووقع بين أبي ذر ومعاوية كلم‪ ،‬وكان أبو ذر يطلق مببن‬
‫الكلم ما لم يكن يقببوله فببي زمببان عمببر‪ ،‬فببأعلم معاويببة‬
‫بذلك عثمان‪ ،‬وخشي من العامة أن تثور منهم فتنببة‪ ،‬فببإن‬
‫أبا ذر كان يحملهم علببى التزهببد وأمببور ل يحتملهببا النبباس‬
‫كلهم‪ ،‬وإنما هي مخصوصة ببعضهم‪ ،‬فكتببب إليببه عثمببان ‪-‬‬
‫كما قدمنا ‪ -‬أن َيقدم المدينة‪ ،‬فلما قدم اجتمع إليه الناس‪،‬‬
‫فقال لعثمان‪ :‬أريد الربذة‪ .‬فقال له‪ :‬افعببل‪ .‬فبباعتزل‪ .‬ولببم‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫يكن يصلح له إل ذلك لطريقته‬
‫يعرفونه ‪ .‬انظر مقالتنا ) المال في نظام السلم( في أول جببزء شببوال‬
‫‪ 1374‬من مجلة الزهر ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب الحكام فببي أصببول الحكببام لبببن حببزم ) ‪ (139 : 2‬خبببر‬
‫مرسل رواه شعبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عببوف عببن‬
‫أبيه ) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف( قال ‪ :‬قال عمببر لبببن مسببعود‬
‫ولبي الدرداء ولبي ذر " مببا هببذا الحببديث عببن رسببول اللببه " ‪ .‬قببال ‪:‬‬
‫وأحسبه لم يدعهم أن يخرجوا من المدينة حتى مات ‪ .‬وقد نبه ابن حزم‬
‫على أن هذا الخبر مرسل ول يجببوز الحتجبباج بببه ‪ ،‬وعلببق عليببه الشببيخ‬
‫أحمد شبباكر بببأن البببيهقي وافببق ابببن حببزم علببى أن إبراهيببم بببن عبببد‬
‫الرحمن بن عوف ) المتوفى سة ‪ 66‬أو ‪ 65‬عن ‪ 75‬سنة( لم يسمع من‬
‫عمر ‪ .‬ولست أدري هل اعتمد ابن العربي فببي هببذه الفقببرة علببى هببذا‬
‫الخبر المرسل أم على خبر آخر لم نطلع عليه ‪ .‬وليس في الخبر ‪ -‬على‬
‫ضعفه ‪ -‬ذكر السجن ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وقد صح من حديث عبد الله بببن الصببامت عنببد ابببن حبببان ) برقببم ‪:‬‬
‫‪ 1549‬موارد الظمآن( أن أبا ذر هو الذي استأذن عنببد عثمببان أن يقيببم‬
‫في الربذة ‪ .‬وذكر القاضي ولي الدين بن خلبدون فبي العببر ) بقيبة ‪: 2‬‬
‫‪ (139‬أن أبا ذر استأذن عثمان فببي الخببروج مببن المدينببة وقببال ‪ " :‬إن‬
‫رسول الله أمرني أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعا " فببأذن لببه ‪ ،‬ونببزل‬

‫‪85‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عثمان وأبو الدرداء‬


‫‪ - 6‬ووقببع بيببن أبببي الببدرداء ومعاويببة كلم وكببان أبببو‬
‫فلمببا اشببتد فببي الحببق‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫الدرداء زاهدا فاضل قاضيا لهم‬
‫فخرج‬ ‫)‪(2‬‬
‫وأخرج طريقة عمر في قوم لم يحتملوها عزلوه‬
‫إلى المدينة‪.‬‬
‫وهببذه كلهببا مصببالح ل تقببدح فببي الببدين‪ ،‬ول تببؤثر فببي‬
‫منزلة أحد من المسلمين بحال وأبو الدرداء وأبو ذر بريئان‬
‫من عاب‪ ،‬وعثمان بريء أعظم براءة وأكببثر نزاهببة‪ ،‬فمببن‬
‫روى أنه نفى وروى سببا فهو كله باطل‪.‬‬
‫رد الحكم‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫ح‬
‫‪ - 7‬وأما رد ّ الحكم فلم يص ّ‬
‫وقال علماؤنا في جوابه‪ :‬قببد كببان أذن لببه فيببه رسببول‬
‫الله ‪ . ‬وقال ] أي عثمان [ لبي بكر وعمر‪ ،‬فقال له‪ :‬إن‬
‫كان معك شهيد رددناه‪ ،‬فلما ولي قضببى بعلمببه فببي رده‪،‬‬

‫الربذة وبنى بها مسجدا ‪ ،‬وأقطعببه عثمبان صببرمة مبن البببل ‪ ،‬وأعطباه‬
‫مملوكين ‪ ،‬وأجببرى عليببه رزقببا ‪ .‬وكببان يتعاهببد المدينببة ‪ .‬وبيببن المدينببة‬
‫والربذة ثلثة أميال ‪ ،‬قال ياقوت ‪ :‬وكانت من أحسن منببزل فببي طريببق‬
‫مكة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي في دمشق ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( بل إن معاوية نفسه حاول السير على طريقة عمببر ‪ ،‬كمببا نقببل ذلببك‬
‫الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ) ‪ (131 : 8‬عبن محمبد ببن سبعد‬
‫قال ‪ :‬حدثنا عارم ‪ ،‬حدثنا حماد بن يزيد ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن الزهببري " أن‬
‫معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيه ثم إنه بُعد عن ذلك " ‪ .‬وقد‬
‫يظن من ل نظر له في حياة الشعوب وسياستها أن الحاكم يسببتطيع أن‬
‫يكون كما يريد أن يكون حيثما يكون ‪ ،‬وهببذا خطببأ ‪ .‬فللبببيئة مببن التببأثير‬
‫في الحاكم وفي نظام الحكم أكثر مما للحاكم ونظام الحكم من التببأثير‬
‫حت ّببى‬
‫ق بوْم ٍ َ‬ ‫ه َل ي ُغَي ّبُر َ‬
‫مببا ب ِ َ‬ ‫ن الل ّب َ‬
‫على البيئة ‪ .‬وهذا من معاني قول الله) إ ِ ّ‬
‫م( الرعد ‪. 11‬‬
‫سه ِ ْ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ي ُغَي ُّروا َ‬
‫‪3‬‬
‫)( أي لم يصح زعم البغاة على عثمان أن عثمان خالف بذلك ما يقتضيه‬
‫الشرع ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وما كان عثمان ليصل مهجور رسول الله ‪ ‬ولو كان أباه‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫ول لينقض حكمه‬
‫ترك القصر‬
‫‪ - 8‬وأما ترك القصر فاجتهاد‪ ،‬إذ سمع أن الناس افتتنوا‬
‫سبنة ربمببا‬
‫بالقصر‪ ،‬وفعلوا ذلك فبي منبازلهم‪ ،‬فبرأى أن ال ّ‬

‫‪1‬‬
‫)( قال شيخ السلم ابن تيمية فببي منهبباج السببنة ) ‪ " : (196 : 3‬وقببد‬
‫طعببن كببثير مببن أهببل العلببم فببي نفيببه ) أي فببي نفببي النبببي الحكببم(‬
‫وقالوا ‪ " :‬ذهب باختياره ‪ .‬وقصة نفي الحكم ليسببت فببي الصببحاح ‪ ،‬ول‬
‫لهببا إسببناد يعببرف بببه أمرهببا " ثببم قببال ‪ " :‬لببم تكببن الطلقبباء تسببكن‬
‫بالمدينة ‪ ،‬فإن كان طرده فإنمبا طبرده مبن مكببة ل مبن المدينببة ‪ ،‬ولببو‬
‫طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة ‪ .‬وقد طعن كثير من أهل العلم‬
‫في نفيه كما تقدم وقالوا ‪ :‬هو ذهببب باختيبباره ‪ . . .‬وإذا كببان النبببي قببد‬
‫عزر رجل بالنفي لبم يلبزم أن يبقبى منفيبا طبول الزمبان ‪ ،‬فبإن هبذا ل‬
‫يعرف في شيء من الذنوب ‪ ،‬ولببم تببأت الشببريعة بببذنب يبقببى صبباحبه‬
‫منفيا دائما ‪ . . .‬وقد كان عثمان شفع في عبببد اللببه بببن سببعد بببن أبببي‬
‫سرح فقبل شفاعته فيه وبايعه ‪ ،‬فكيببف ل يقبببل شببفاعته فببي الحكببم ‪،‬‬
‫وقد رووا أن عثمان سأله أن يرده فأذن لببه فببي ذلببك ‪ .‬ونحببن نعلببم أن‬
‫ذنبه دون ذنب عبد الله بن سعد بن أبي سببرح ‪ .‬وقصببة عبببد اللببه ثابتببة‬
‫معروفة بالسناد ‪ ،‬وأما قصة الحكم فإنما ذكببرت مرسببلة ‪ ،‬وقببد ذكرهببا‬
‫المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه ‪ ،‬فلببم يكببن هنبباك نقببل ثبابت‬
‫يوجب القدح فيمن هو دون عثمان ‪ .‬والمعلوم من فضائل عثمان ومحبة‬
‫النبي له وثنائه عليه وتخصيصه بابنتيه وشهادته له بالجنببة وإرسبباله إلببى‬
‫مكة ومبايعته له عنببه وتقببديم الصببحابة لببه فببي الخلفببة وشببهادة عمببر‬
‫وغيره له بأن رسول الله مات وهو عنه راض وأمثببال ذلببك ممببا يببوجب‬
‫العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين الذين رضببي اللببه عنهببم‬
‫ورضوا عنه ‪ .‬فل يدفع هببذا بنقببل ل يثببت إسبناده ول يعببرف كيببف وقبع‬
‫ويجعل لعثمان ذنب بأمر ل تعببرف حقيقتببه ‪ . . .‬إلببخ " وانظببر أيضببا ‪: 3‬‬
‫‪ 236 - 235‬من منهاج السنة ‪ .‬ونقل المام أبببو محمببد بببن حببزم فببي‬
‫كتبباب ) المامببة والمفاضببلة( المببدرج فببي الجببزء الرابببع مببن كتببابه "‬
‫صل " ص ‪ 154‬قول من احتج لعثمان على من أنكروا ذلك عليببه ‪" :‬‬ ‫ف َ‬‫ال ِ‬
‫ونفي رسول الله لم يكن حدا واجبا ‪ ،‬ول شريعة على التأبيد ‪ ،‬وإنما كان‬
‫عقوبببة علببى ذنببب اسببتحق بببه النفببي ‪ ،‬والتوبببة مبسببوطة ‪ ،‬فببإذا تبباب‬
‫سقطت عنه تلك العقوبة بل خلف من أحد من أهل السببلم ‪ ،‬وصببارت‬
‫الرض كلها مباحة " ‪ .‬ونقل مجتهببد الزيديببة السببيد محمببد بببن إبراهيببم‬
‫الوزير اليمني ) المتوفى سنة ‪ (840‬في كتابه الروض الباسم في الذب‬
‫عن سنة أبي القاسم ) ‪ (142 - 141 : 1‬قببول الحبباكم المحسببن بببن‬
‫كرامة المعتزلي المتشيع في كتابه سرح العيون أن رسول الله أذن في‬

‫‪87‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ .‬مببع‬ ‫)‪(1‬‬
‫أدت إلى إسقاط الفريضة‪ ،‬فتركها خوف الذريعببة‬
‫أن جماعة من العلماء قالوا‪ :‬إن المسافر مخّير بين القصر‬
‫والتمام‪ ،‬واختلف في ذلك الصحابة)‪.(2‬‬

‫ذلببك لعثمببان ‪ .‬قببال ابببن الببوزير ‪ :‬إن المعتزلببة والشببيعة مببن الزيديببة‬
‫يلزمهم قبول هببذا الحببديث وتببرك العببتراض علببى عثمببان بببذلك ‪ ،‬لن‬
‫راوي الحديث عندهم من المشاهير بالثقة والعلم وصببحة العقيببدة ‪ .‬ثببم‬
‫بسببط ابببن الببوزير الكلم علببى هببذا الموضببوع بحجببج واسببتدللت ‪-‬‬
‫استغرقت ثلث صفحات ‪ -‬دفاعببا عببن أميببر المببؤمنين عثمببان فببي رده‬
‫الحكم ‪ .‬وهذه الحجج من أئمببة الزيديببة ومجتهببديهم ‪ -‬بعببد روايتببه ذلببك‬
‫الحديث عن المام المعتزلي المتشيع ‪ -‬لها دللتهببا الخاصببة ‪ ،‬مببع الببذي‬
‫سمعته من إمامي أهل السنة شببيخ السببلم ابببن تيميببة والقاضببي ابببن‬
‫العربي ‪ ،‬ومن إمام أهل الظاهر أبي محمد بن حزم ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كببان ذلببك فببي منببى فببي موسببم الحببج سببنة ‪ . 29‬وقببد عبباتب عبببد‬
‫الرحمن بن عوف عثمان في إتمامه الصلة وهم في منببى ‪ ،‬فاعتببذر لببه‬
‫عثمان بأن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس قببالوا فببي العببام‬
‫الماضببي ‪ :‬إن الصببلة للمقيببم ركعتببان ‪ ،‬وهببذا إمببامكم عثمببان يصببلي‬
‫ركعتين ‪ :‬ثم قال عثمان لعبد الرحمن بن عوف ‪ :‬وقد اتخذت بمكببة أهل‬
‫) أي أنه صار في حكم المقيم ‪ ،‬ل المسببافر( ‪ ،‬فرأيببت أن أصببلي أربعببا‬
‫لخوف ما أخاف على الناس ‪ .‬ثم خرج عبد الرحمن بن عببوف مببن عنببد‬
‫عثمببان فلقببي عبببد اللببه بببن مسببعود وخبباطبه فببي ذلببك فقببال ابببن‬
‫مسعود ‪ " :‬الخلف شر ‪ ،‬قد بلغنببي أنببه صببلى أربعبا فصببليت بأصببحابي‬
‫أربعا " ‪ .‬فقال عبببد الرحمببن بببن عببوف ‪ " :‬قببد بلغنببي أنببه صببلى أربعببا‬
‫فصليت بأصحابي ركعتين ‪ .‬وأما الن فسوف يكون الذي تقول " يعني ‪:‬‬
‫نصلي معه أربعا ) الطبري ‪. (57 - 56 : 5‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقل محمد بن يحيى الشعري المالكي المعروف بببابن بكببر ) ‪- 674‬‬
‫‪ (741‬في كتابه ) التمهيد والبيان في مقتببل الشببهيد عثمببان( وهببو مببن‬
‫مخطوطات دار الكتب المصرية ) برقم ‪ 23‬تاريخ( أنه روى عن جماعببة‬
‫من الصحابة إتمام الصلة في السببفر ‪ ،‬منهببم عائشببة وسببلمان وأربعببة‬
‫عشر من الصحابة ‪ .‬وفي أبواب التقصير من صحيح البخاري ) ك ‪ 18‬ب‬
‫‪ - 5‬ج ‪ 2‬ص ‪ (36‬حديث الزهري عن عروة بببن الزبيببر عببن عائشببة أنهببا‬
‫قالت ‪ " :‬الصلة أول ما فرضت ركعتان ‪ -‬فأقّرت صلة السفر ‪ -‬وأتمببت‬
‫صلة الحضر " قال الزهري فقلت لعروة ‪ :‬ما بال عائشببة تتببم ؟ قببال ‪:‬‬
‫تأولت ما تأول عثمان ‪ .‬وفي مسند أحمد ) ‪ (94 : 4‬عن عببباد بببن عبببد‬
‫الله بن الزبير قال ‪ :‬لما قدم علينا معاوية حاجا قدمنا معه مكة؛ فصببلى‬
‫بنا الظهر ركعتين ‪ ،‬ثم انصرف إلى دار الندوة ‪ .‬وكبان عثمبان حيبن أتبم‬

‫‪88‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫معاوية ومكانته في خلفة أبي بكر وعمر‬


‫وعثمان‬
‫‪ - 9‬وأما معاوية فعمر وله‪ ،‬وجمببع لببه الشببامات كلهببا‪،‬‬
‫وأقّره عثمان بل إنما وله أبو بكببر الصببديق ‪ ‬لنببه ولببى‬
‫أخاه يزيد‪ ،‬واستخلفه يزيد‪ ،‬فأقره عمر لتعلقبه بوليببة أببي‬
‫بكر لجل استخلف واليه له‪ ،‬فتعلق عثمببان بعمببر وأق بّره‪.‬‬
‫فانظروا إلى هذه السلسلة ما أوثق عراها )‪ ... (1‬ولن يأتي‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫أحد مثلها أبدا بعدها‬

‫الصلة إذا قدم مكببة صببلى بهببا الظهببر والعصببر والعشبباء الخببرة أربعببا‬
‫أربعا ‪ ،‬فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلة ‪ ،‬فببإذا فببرغ مببن الحببج‬
‫وأقبام بمنبى أتبم الصبلة حبتى يخبرج مبن مكبة ‪ .‬فلمبا صبلى بنبا ) أي‬
‫معاوية( الظهر ركعتين نهض إليه مروان وعمرو بن عثمان فقال له ‪ :‬مببا‬
‫عاب أحد ابن عمك بأقبح مما عبته ‪ ،‬قال لهمببا ‪ :‬ومببا ذاك ؟ فقببال لببه ‪:‬‬
‫ألم تعلم أنه أتم الصلة بمكة ) فذكر لهما أنببه صببلهما مببع النبببي وأبببي‬
‫بكر وعمر( قال ‪ :‬فإن ابن عمك كان أتمها ) والظاهر أن معاوية رأى أن‬
‫القصر رخصة ‪ ،‬وأن المسافر على التخيير ‪ ،‬فصلى العصر أربعا( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( هنا في الصل كلمة " وأقدر " وبياض لكلمة أخرى ‪ ،‬ول يختل المعنى‬
‫بسقوطهما ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( إنما بلغت دولة السلم في خلفة أبي بكر وعمر الذروة في العببزة ‪،‬‬
‫وكانت مضرب المثال في الفلح النسبباني وسببعادة المجتمببع ‪ ،‬لن أبببا‬
‫بكر وعمر كانا يكتشفان بنور اللببه كببوامن السببجايا فببي أهلهببا وعناصببر‬
‫وئانهم مقاعببد السببيادة ‪،‬‬ ‫الرجولة في الرجال ‪ ،‬فيوليببانهم القيببادة ‪ ،‬ويب ب ّ‬
‫ويأتمنانهم على أمة محمد وهما يعلمان أنهمببا مسببئولن عببن ذلببك بيببن‬
‫يدي الله عببز وجببل ‪ .‬وقببد رأيببت فببي هببامش ص ‪ 47‬أن يزيببد بببن أبببي‬
‫سفيان وأخبباه معاويببة كانببا مببن رجببال دولببة أبببي بكببر الصببديق الببذين‬
‫اختببارهم لحمببل أعببباء المببة فببي حربهببا وسببلمها فأحسببن بببذلك كببل‬
‫الحسان ‪ .‬ولما ولي يزيد قيادة أحد جيوشه خرج معببه أبببو بكببر يشببيعه‬
‫ماشيا ) الطبري ‪ . (30 : 4‬ومعاوية مذكور في التاريبخ بعبد أخيبه يزيبد‬
‫لنه أصبغر منبه سببنا ‪ ،‬ل لنببه أقببل منببه فبي اسبتكمال صبفات القيبادة‬
‫والسيادة ‪ .‬وقبل أن يكون معاوية من رجال الدولتين البكريببة والعمريببة‬
‫كان أحد الذين استعملهم رسول الله واستعان بهم ‪ ،‬وكان يدعوه لببذلك‬
‫في بعض الحيان ‪ -‬ومعاوية يأكل ‪ -‬ويلح في دعوته ويرسببل إليببه المببرة‬
‫بعد المرة يستعجله المجيء إليه ‪ .‬فالنبي ولى معاويببة شببيئا مببن عملببه‬
‫قبل أن يوليه أبو بكر وعمر ‪ ،‬وولى يزيد بن أبي سببفيان أيضببا كمببا فببي‬
‫فتببوح البلببدان للبلذري ) ص ‪ 48‬طبببع مصببر سببنة ‪ . (1350‬والببذين‬
‫يضطغنون البغضاء والحقد لصحاب رسببول اللببه ‪ -‬ول سببيما بنببي أميببة‬

‫‪89‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تولية عثمان عبد الله بن عامر بن كريز‬


‫‪ - 10‬وأما عبد الله بن ] عامر بببن [ ُ‬
‫كريببز فببوله ‪ -‬كمببا‬
‫مات والخالت )‪. (1‬‬
‫قال ‪ -‬لنه كريم الع ّ‬
‫تولية عثمان الوليد بن عقبة‬
‫‪ - 11‬وأمبا توليبة الوليبد ببن عقببة فبإن النباس ‪ -‬علبى‬
‫فساد النيات ‪ -‬أسرعوا إلى السيئات قبل الحسنات‪ .‬فذكر‬
‫منهم ‪ -‬لم يستطيعوا أن ينكروا أن النبي استعمل معاوية في الكتابة لببه‬
‫فقالوا إنه كان يكتب له ولكنه لم يكن يكتب الوحي ‪ .‬وهم يقولببون هببذا‬
‫بوحي أوحي إليهم من الشيطان ‪ ،‬وليس في يدهم نص تاريخي أو دليببل‬
‫شرعي يرجعون إليه ‪ ،‬فميزوا بين أمور ل حجة لهم فببي التمييببز بينهببا ‪.‬‬
‫والنبي لو كان يميز بين كتبته في أمور دون أمور لتواتر ذلك عنه ولنقله‬
‫الناقلون كما وقع فيما هو أقل من هذا شأنا ‪ .‬سببألني مببرة أحببد شببباب‬
‫المسلمين ممن يحسن الظن برأيي في الرجال ‪ :‬ما تقول في معاوية ؟‬
‫فقلت لببه ‪ :‬ومبن أنبا حببتى أسببأل عبن عظيببم مبن عظمبباء هببذه المببة‬
‫وصاحب من خيرة أصحاب محمد ؟ إنه مصببباح مببن مصببابيح السببلم ‪،‬‬
‫لكن هذا المصباح سطع إلى جببانب أرببع شببموس ملت الببدنيا بأنوارهبا‬
‫فغلبت أنوارها على نوره ‪ .‬نقل الحافظ ابببن كببثير فببي البدايببة والنهايببة‬
‫) ‪ (133 : 8‬عن الليث ببن سببعد ) وهبو إمبام مصببر وعالمهبا ورئيسبها‬
‫المتوفى سنة ‪ (175‬قال ‪ :‬حدثنا بكير ) وهو ابن عبد الله الشج المدني‬
‫ثم المصري المتوفى سنة ‪ 127‬قال عنه المام النسائي ‪ :‬ثقة ثبت( عن‬
‫ُبسر بن سعيد المدني ) المتوفى سنة ‪ 100‬قال عنه ابن معيببن ‪ :‬ثقببة ‪،‬‬
‫وقال عنه الليث بن سعد ‪ :‬كان من العببباد المنقطعيببن أهببل الزهبد فبي‬
‫الدنيا والورع( أن سعد بن أبي وقاص ) أحد العشرة المبشببرين بالجنببة(‬
‫قال ‪ " :‬ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صبباحب هببذا الببباب "‬
‫يعني معاوية ‪ .‬وروى ابن كببثير أيضببا ) ‪ (135 : 8‬عبن عبببد الببرزاق ببن‬
‫همام الصنعاني أحد الئمة العلم الحفاظ ) وكان ينسب إلى التشببيع( ‪،‬‬
‫عن معمر بن راشد أبي عروة البصري ثببم اليمنببي وكببان أحببد العلم ‪،‬‬
‫عببن همببام بببن منبببه الصببنعاني وكببان ثقببة قببال ‪ :‬سببمعت ابببن عببباس‬
‫يقول ‪ " :‬ما رأيت رجل أخلق بالملك من معاوية " ‪ .‬وهبل يكبون الرجبل‬
‫أخلببق النبباس بالملببك إل أن يكببون عببادل حكيمببا ‪ ،‬يحسببن الببدفاع عببن‬
‫ملكه ‪ ،‬ويستعين الله في نشر دعوة الله في الممالك الخببرى ‪ ،‬ويقببوم‬
‫بالمانة في المة التي ائتمنه اللببه عليهببا ؟ والببذي يكببون أخلببق النبباس‬
‫بالملك هل يلم عثمان على توليته ؟ ويببا عجبببا كيببف يلم عثمببان علببى‬
‫توليته وقد وله من قبله عمر ‪ ،‬وتولى لبي بكر من قبببل عمببر ‪ ،‬وتببولى‬
‫بعبض عمبل رسبول اللبه قببل أن تصبير الخلفبة إلبى أببي بكبر وعمبر‬
‫ول لببه مثببل هببذه‬ ‫وعثمببان ‪ .‬إن المببخ الببذي يعبببث بببه الشببيطان فيس ب ّ‬
‫الوساوس ل شك أنه مخ فاسد ‪ ،‬يفسد على الناس عقببولهم ومنطقهببم‬
‫قبل أن يفسد عليهم دينهم وتاريخهم ‪ ،‬فمن الواجب على محبببي الحببق‬

‫‪90‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الفببترائيون أنببه إنمببا وله للمعنببى الببذي تكلببم بببه‪ .‬قببال‬


‫وإنما وليته لنه ابن أم‬ ‫)‪(1‬‬
‫عثمان‪ :‬ما وليت الوليد لنه أخي‬
‫حكيم البيضاء عمة رسول اللببه ‪ ‬وتوأمببة أبيببه‪ .‬وسببيأتي‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫بيانه إن شاء الله‬

‫والخير أن يتحاموا كل من يحمل في رأسه مثل هذا المخ كما يتحببامون‬


‫المجذوم ‪ .‬روى المبام الترمببذي عببن أببي إدريببس الخببولني مببن كبببار‬
‫علمبباء التببابعين ‪ -‬وأعلببم أهببل الشببام بعببد أبببي الببدرداء ‪ -‬أن عمببر بببن‬
‫الخطاب لما عزل عمير بن سعد النصبباري الوسببي عببن حمببص وولببى‬
‫معاوية ‪ .‬قال الناس ‪ :‬عزل عميرا وولى معاوية قال البغوي فببي معجببم‬
‫الصحابة ‪ :‬وكان عمير يقال له ) نسيج وحببده( ‪ .‬قببال ابببن سببيرين ) إن‬
‫عمر كبان يسبميه بببذلك لعجبابه ببه ‪ .‬وكبان عميببر مببن الزهباد( فقبال‬
‫عمير ‪ :‬ل تذكروا معاوية إل بخير فإني سمعت رسول الله يقول " اللهم‬
‫اهد به " ‪ .‬ويروى أن الذي شهد هذه الشببهادة لمعاويببة أميببر المببؤمنين‬
‫عمر ‪ ،‬فإن كان هو الذي شهدها له وروى دعاء رسول الله لمعاوية بببأن‬
‫يهدي الله به فذلك أمر عظيم لعظم مكانة عمر ‪ .‬وإن كبان البذي شبهد‬
‫بذلك عمير بن سعد النصاري ‪ -‬مع أنه هو المعزول بمعاويببة عببن وليببة‬
‫حمص ‪ -‬فإن ذلك ل يقل عظمببة عمببا لببو كببانت الشببهادة لمعاويببة مببن‬
‫عمر ‪ ،‬وقد علمت أن عميبرا مبن أصبحاب رسبول اللبه وأنبه مبن زهباد‬
‫النصار ‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيميببة فببي منهبباج السببنة ) ‪: (189 : 3‬‬
‫وكانت سيرة معاويببة مببع رعيتببه مببن خيببار سببير الببولة ‪ ،‬وكببان رعيتببه‬
‫يحبونه ‪ ،‬وقد ثبت في الصحيحين عببن النبببي أنببه قببال ‪ " :‬خيببار أئمتكببم‬
‫الذين تحببونهم ويحبببونكم ‪ ،‬وتصبلون عليهببم ويصبلون عليكبم ‪ .‬وشبرار‬
‫أئمتكببم الببذين تبغضببونهم ويبغضببونكم ‪ ،‬وتلعنببونهم ويلعنببونكم " ‪ .‬ولببم‬
‫يتسع المقام هنا لكثر من هذا ‪ ،‬وسنكمل الصورة الحقيقية لمعاوية عند‬
‫ذكر خلفته ‪ ،‬لتعلم إلببى أي حببد كنببا مخببدوعين بأكبباذيب أعببداء الصببدر‬
‫الول للسلم ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( هو عبشمي الباء ‪ ،‬هاشمي الخئولة ‪ .‬فإن ‪ . . .‬أروى بنت كريببز أمهببا‬
‫البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم عمة النبي ‪ .‬ولما ولببد أتببي بببه إلبى‬
‫رسول الله فقال لبني عبد شمس ‪ " :‬هذا أشبه بنا منه بكببم " ثببم تفببل‬
‫في فيه فازدرده ‪ ،‬فقال " أرجو أن يكون مسقيا " فكان ل يعالببج أرضببا‬
‫إل ظهببر منهببا المبباء ونشببأ سببخيا كريمببا شببجاعا ميمببون النقيبببة كببثير‬
‫المناقب ‪ .‬افتتح خراسان كلها ‪ ،‬وأطراف فارس ‪ ،‬وسجستان ‪ ،‬وكرمببان‬
‫حتى بلغ أعمال غزنببة ‪ ،‬وقضببى علببى يزدجببرد بببن شببهريار آخببر ملببوك‬
‫الفببرس ‪ .‬ويعتقببد اليرانيببون أن سلسببلة ملببوكهم بببدأت بببآدمهم الببذي‬
‫يسمونه ) جيومرث( فلم يزل ملك أولده منتظمببا علببى سببياق إلببى أن‬
‫كان القضاء الخير عليببه بسببلطان السببلم فببي خلفببة أميببر المببؤمنين‬

‫‪91‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقد عزل عمر سعد بببن أبببي وقبباص‬ ‫)‪(1‬‬


‫ة اجتهاد‬
‫والولي ُ‬
‫وقدم أقل منه درجة )‪. (2‬‬
‫عدالة مروان‬
‫‪ - 12‬وأمببا قببول القبائلين فببي مببروان والوليببد فشببديد‬
‫عليهم‪ ،‬وحكمهم عليهما بالفسق فسقٌ منهم‪.‬‬

‫عثمان بجهاد هذا العبشمي الباء الهاشمي الخئولة عبببد اللببه بببن عببامر‬
‫بن كريز ‪ .‬وهي حرقة في قلوب أهل النزعة المجوسية علببى السببلم ‪،‬‬
‫وعلى عثمان ‪ ،‬وابن كريز ‪ ،‬فهم يحقبدون علبى هبؤلء ويحباربونهم إلبى‬
‫اليوم بسلح الكذب ‪ ،‬والبغببض والدسببائس ‪ ،‬وسيسببتمر ذلببك إلببى يببوم‬
‫القيامة ‪ .‬أمبا صبادقو السبلم ممبن أنجببت إيبران أيبام كبانت شبافعية‬
‫المذهب ‪ ،‬ولما كان ينبغ منها علماء السنة المحمدية قبل ذلببك ‪ ،‬وفيهببم‬
‫كبار الئمة والمحدثون والفقهاء ‪ ،‬فقد نزهوا قلوبهم عن أن يكببون فيهببا‬
‫غل للذين آمنوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم حتى فتح الله القطار علببى‬
‫أيديهم ‪ ،‬وهدى المم بسببهم ‪ ،‬فهم يحبونهم ويجلونهم علببى أقببدارهم ‪.‬‬
‫ونحن ل ندعي العصمة لحببد بعببد رسببول اللببه ونتوقببع الخطببأ مببن كببل‬
‫إنسان ‪ ،‬صحابيا كان أو من التابعين أو الذين يتبعونهم بإحسببان ‪ .‬ولكببن‬
‫الذين ملوا الدنيا بالحسببنات كأنهببا كالجبببال ‪ ،‬فببإن الببذي يعمببى عنهببا ‪،‬‬
‫ويدس أنفه في مرمى القاذورات ليستخرج منها مببا يببذم العظمباء ببه ‪،‬‬
‫وإن لم يجد يختلق ويكذب ‪ ،‬فببإن مببن كرامببة المسببلم علببى نفسببه أن‬
‫يترفع عن الصغاء لمثال هؤلء والنخداع لهم ‪ .‬ودع عنك فتوح عبد الله‬
‫بن عامر بن كريز التي وصلت إلى أقصى المشارق ‪ ،‬وتقويضه آخر أمل‬
‫للمبراطوريبببة المجوسبببية ‪ ،‬فبببإن حسبببناته النسبببانية أيضبببا جبببديرة‬
‫بالتسجيل ‪ ،‬قال ابن كثير في البداية والنهاية ) ‪ : (88 : 8‬إنه " أول من‬
‫اتخببذ الحيبباض بعرفببة لحجبباج بيببت اللببه الحببرام وأجببرى إليهببا المبباء‬
‫المعين " ‪ .‬وقال عنه شيخ السببلم ابببن تيميببة فببي منهبباج السببنة ) ‪: 3‬‬
‫‪ " : (190 - 189‬إن له من الحسنات والمحبة في قلوب النبباس مببا ل‬
‫ينكر " ‪ .‬ومثل هؤلء الرجال لو كانوا مببن سببلف النكليببز أو الفرنيسببين‬
‫لخلببدوا عظمتهببم فببي كتببب الدراسببة والثقافببة والتهببذيب ‪ ،‬فتهببافتت‬
‫وزارات معارفنا على نقل ذلك من كتبهم إلى كتبنببا المدرسببية ‪ ،‬ليببؤمن‬
‫جيلنا بعظمة أسلف المستعمرين ‪ .‬أما عظمة أسلفنا نحببن فقببد سببلط‬
‫دق أكاذيبهببا الكببثرون‬ ‫الشيطان عليها قلوبا فاسدة تفيض بالسوء ‪ ،‬وص ب ّ‬
‫منا ‪ ،‬فأمسينا كالمة التي ل مجد لها ‪ ،‬بينما هي نائمببة علببى تببراث مببن‬
‫المجد ل تحلم النسانية بمثله ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( هو أخوه لمه أروى بنت كريز ‪ ،‬وأمها البيضاء بنت عبببد المطلببب بببن‬
‫هاشم ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( قد يظن من ل يعرف صدر هذه المة أن أمير المببؤمنين عثمببان جبباء‬
‫بالوليد بن عقبة من عرض الطريق فوله الكوفة ‪ .‬أما الببذين أنعببم اللببه‬

‫‪92‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫مببروان رجببل عببدل‪ ،‬مببن كبببار المببة عنببد الصببحابة‬


‫والتابعين وفقهاء المسلمين‪ .‬أما الصببحابة فببإن سببهل بببن‬
‫‪ .‬وأما التابعون فأصببحابه فببي‬ ‫)‪(1‬‬
‫سعد الساعدي روى عنه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫السن‪ ،‬وإن جازهم باسببم الصببحبة فببي أحببد القببولين‬
‫وأما فقهاء المصار فكلهم على تعظيمببه واعتبببار خلفتببه‪،‬‬

‫عليهم بنعمة النس بأحوال ذلك العصر وأهله فيعلمون أن دولة السبلم‬
‫ي‬
‫الولى في خلفة أبي بكر تلقفت هذا الشاب الماضبي العزيمبة الرضب ّ‬
‫الخلق الصادق اليمان فاستعملت مواهبه في سبيل الله إلببى أن تببوفي‬
‫أبو بكر ‪ ،‬وأول عمل له في خلفة أبي بكببر أنببه كببان موضببع السببر فببي‬
‫الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفببة وقببائده خالببد بببن الوليببد فببي‬
‫وقعة المذار مع الفرس سنة ‪ ) 12‬الطبري ‪ ، (7 : 4‬ثم وجهه مددا إلى‬
‫قائده عياض بن غنم الفهري ) الطبري ‪ . (22 : 4‬وفببي سببنة ‪ 13‬كببان‬
‫الوليد يلي لبي بكر صدقات قضاعة ‪ ،‬ثم لمببا عببزم الصببديق علببى فتببح‬
‫الشام كان الوليد عنده بمنزلببة عمببرو بببن العبباص فببي الحرمببة والثقببة‬
‫والكرامة ‪ ،‬فكتب إلى عمرو بن العاص وإلى الوليد بببن عقبببة يببدعوهما‬
‫لقيادة فيالق الجهاد ‪ ،‬فسار ابن العاص بلببواء السببلم نحببو فلسببطين ‪،‬‬
‫وسار الوليد بن عقبة قائدا إلى شرق الردن ) الطبري ‪، (30 - 29 : 4‬‬
‫ثم رأينا الوليد في سنة ‪ 15‬أميرا على بلد بنببي تغلببب وعببرب الجزيببرة‬
‫) الطبري ‪ (155 : 4‬يحمببي ظهببور المجاهببدين فببي شببمال الشبام لئل‬
‫يؤتوا من خلفهم ‪ ،‬فكانت تحت قيادته ربيعة وتنوخ مسلمهم وكببافرهم ‪.‬‬
‫وانتهز الوليد بن عقبة فرصة وليته وقيادته على هذه الجهة الببتي كببانت‬
‫ل تزال مليئة بنصارى القبائل العربية فكان ‪ -‬مع جهاده الحربببي وعملببه‬
‫الداري ‪ -‬داعيا إلببى اللببه يسببتعمل جميببع أسبباليب الحكمببة والموعظببة‬
‫الحسببنة لحمبل نصبارى إيباد وتغلببب علبى أن يكونبوا مسبلمين كسبائر‬
‫العرب ‪ .‬وهربت منه إيبباد إلببى النضببول وهببو تحببت حكببم البببيزنطيين ‪،‬‬
‫فحمببل الوليببد ُ خليفتببه عمببَر علببى كتابببة كتبباب تهديببد إلببى قيصببر‬
‫القسطنطينية بأن يردهم إلى حدود الدولة السلمية ‪ ،‬حاولت تغلببب أن‬
‫تتمرد على الوليد في نشره الببدعوة السببلمية بيببن شبببانها وأطفالهببا ‪،‬‬
‫فغضب غضبته المضرية المؤيدة باليمان السلمي ‪ ،‬وقال فيهببم كلمتببه‬
‫ك منببي تغلببب ابنببة‬ ‫س مني بمشببوذ فغي ّب ِ‬
‫ت الرأ َ‬
‫المشهورة ‪ :‬إذا ما عصب ُ‬
‫وائل وبلغت هذه الكلمة عمر ‪ ،‬فخاف أن يبطش قائده الشاب بنصببارى‬
‫تغلببب فيفلببت مببن يببده زمببامهم فببي الببوقت الببذي يحبباربون فيببه مببع‬
‫المسلمين حمية للعروبة ‪ ،‬فكف عنهم يد الوليد ونحبباه عببن منطقتهببم ‪.‬‬
‫وبهذا الماضي المجيد جاء الوليد في خلفة عثمببان فتببولى الكوفببة لببه ‪،‬‬
‫وكان من خير ولتها عدل ورفقا وإحسببانا ‪ ،‬وكببانت جيوشببه مببدة وليتببه‬
‫على الكوفة تسببير فببي آفبباق الشببرق فاتحببة ظببافرة موفقببة علببى مببا‬
‫سنذكره فيما بعد ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫والتلفت إلى فتواه‪ ،‬والنقياد إلى روايته وأما السفهاء مببن‬


‫المؤرخين والدباء فيقولون على أقدارهم‪.‬‬
‫وأما الوليد فقببد روى بعبض المفسببرين أن اللبه سببماه‬
‫‪  ‬‬ ‫فاسببقا فببي قببوله }‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫)( للمؤلف في أواخر هذا الكتاب ص ‪ 243‬فصببل عنببوانه ) نكتبة( أشبار‬
‫فيه إلى المعاني والحقائق التي يلحظها ولي المر عند " اجتهاده " في‬
‫تولية الببولة وعزلهببم ‪ ،‬وذلببك لفقببه عظيببم ومعبارف بديعببة بينهببا أئمببة‬
‫السلم وعلماؤه في الفصببول الببتي عقببدوها للمامببة وسياسببة الدولببة‬
‫وفببي كتبهببم المصببنفة فببي أصببول الببدين ‪ .‬وقببد زعببم طاغيببة الشببيعة‬
‫ومدلسهم الحسن بن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة أن عثمان‬
‫ولى أمور المسلمين مببن ل يصببلح للوليببة ‪ ،‬فأجببابه شببيخ السببلم ابببن‬
‫تيمية في ) منهاج السنة ‪ 176 - 173 : 3‬والمنتقى منه للذهبي ‪- 382‬‬
‫‪ (383‬أن عليا ولى زياد بببن أبببي سببفيان وولببى الشببتر النخعببي وولببى‬
‫محمد بن أبي بكر وأمثال هببؤلء ‪ ،‬ول يشببك عاقببل أن معاويببة بببن أبببي‬
‫سبفيان كبان خيبرا مبن هبؤلء كلهبم ‪ .‬قبال ‪ :‬ومبن العجبب أن الشبيعة‬
‫ينكرون على عثمان أنه ولى أقاربه من بني أمية ‪ ،‬ومعلوم أن عليا ولى‬
‫أقاربه من قبل أبيه وأمه ‪ ،‬فولى عبيد الله بن عباس على اليمن ‪ ،‬وولى‬
‫على مكة والطائف قثم بن العباس ‪ ،‬وأما المدينة فقيل إنببه ولببى عليهببا‬
‫سهل بن حنيف وقيل ثمامة بن العباس ‪ ،‬وأما البصرة فولى عليهببا عبببد‬
‫الله بن عباس ‪ ،‬وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في‬
‫حجره ) لنه تزوج أمه بعد وفاة أبي بكر وكببان محمببد صببغيرا( ‪ .‬ثببم إن‬
‫المامية تدعي أن عليا نص علببى أولده فببي الخلفببة ‪ -‬أو علببى ولببده ‪،‬‬
‫وولده على ولده الخر وهلم جرا ‪ -‬ومن المعلوم إن كان تولية القربيببن‬
‫منكرا ‪ ،‬فتولية الخلفة العظمى أولى من إمارة بعض العمببال ‪ . . .‬وإذا‬
‫ي حجة فيما فعله ‪ ،‬قيل له ‪ :‬وحجبة عثمبان فيمبا فعلبه‬ ‫قال القائل ‪ :‬لعل ّ‬
‫أعظببم ‪ .‬وإذا ادعببى لعلببي العصببمة ونحوهببا ممببا يقطببع عنببه ألسببنة‬
‫الطاعنين ‪ ،‬كان ما يدعى لعثمببان مببن " الجتهبباد " الببذي يقطببع ألسببنة‬
‫الطاعنين أقرب إلى المعقول والمنقول ‪ . . .‬ثم قال ‪ :‬إن بني أمية كان‬
‫رسول الله يستعملهم في حياته ‪ ،‬واستعملهم بعده مببن ل يتهببم بقرابببة‬
‫فيهم ‪ :‬أبو بكر وعمر ‪ ،‬ول تعرف قبيلببة مببن قبببائل قريببش فيهببا عمببال‬
‫لرسول الله أكثر من بني عبد شمس ‪ ،‬لنهم كانوا كثيرين ‪ ،‬وكان فيهببم‬
‫شرف وسؤدد ‪ ،‬فاستعمل النبي فبي عبزة السبلم علبى أفضبل الرض‬
‫مكة عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ‪ ،‬واستعمل على نجببران أبببا‬
‫سفيان بن حرب بن أمية ‪ ،‬واستعمل خالبد ببن سبعيد ببن العباص علبى‬
‫صببدقات بنببي مذحببج وعلببى صببنعاء واليمببن حببتى مببات رسببول اللببه‬
‫واستعمل عثمان بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبببر وقببرى عرينببة ‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫)‪(1‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫] الحجرات من الية ‪ [ 6‬فإنها ‪ -‬فببي قببولهم ‪ -‬نزلببت فيببه‪،‬‬


‫أرسله النبي ‪ ‬إلببى بنببي ال ُ‬
‫مصببطلق‪ ،‬فببأخبر عنهببم أنهببم‬
‫ارتدوا‪ ،‬فأرسل رسول الله ‪ ‬إليهم خالد بن الوليد فتثبت‬
‫في أمرهببم فبببين بطلن قببوله‪ .‬وقببد اخُتلببف فيببه‪ ،‬فقيببل‪:‬‬

‫واستعمل أبان بن سعيد بن العاص على بعض السرايا ثم استعمله على‬


‫البحرين فلم يزل عليها بعد العلء الحضببرمي ) حليببف بنببي أميببة( حببتى‬
‫توفي النبي فيقول عثمان ‪ :‬أنا لم أستعمل إل من استعمله النبببي ومببن‬
‫جنسهم ومن قبيلتهم ‪ ،‬وكذلك أبو بكر وعمر بعببده ‪ . . .‬فكببان الحتجبباج‬
‫على جواز الستعمال من بني أمية بالنص الثابت عن النبببي أظهببر عنببد‬
‫كل عاقل مببن دعببوى كببون الخلفببة فببي واحببد معيببن مببن بنببي هاشببم‬
‫بالنص ‪ ،‬لن هذا كذب باتفاق أهببل العلببم بالنقببل ‪ ،‬وذلببك صببدق باتفبباق‬
‫أهل العلم بالنقل ) وانظر أيضا منهاج السنة ‪ . (237 - 236 : 3‬والذي‬
‫يستعرض حياة عمببال عثمببان وجهببادهم وفضببائلهم يراهببم فببي الببذروة‬
‫العليا من رجال الدولة ‪ ،‬ول يتردد في أنهم من بناة الساس القوم مببن‬
‫مجد السلم الداري والعسكري ‪ ،‬ولهم ثواب نتائجه في الفتوح وانتشار‬
‫دعوة السلم بما يعده التاريخ من معجزاته الخارقة للعادات ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كان ذلك سنة ‪ ، 21‬والذين تولوا بعد سعد ‪ :‬عبد الله بن عبد الله بببن‬
‫عتبان ) وفي زمانه كانت وقعة نهاوند( ثم زيبباد بببن حنظلببة ) وألببح فببي‬
‫الستعفاء فأعفي( وولي بعدهما عمار بن ياسر ) الطبري ‪ 246 : 4‬وما‬
‫قبلها( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وروايته عنه في صحيح البخاري وغيره ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وفي طليعة من روى عنه من كبار التابعين زين العابدين بن علي بببن‬
‫الحسين السبط ‪ ،‬نص على ذلببك شببيخ السببلم ابببن تيميببة فببي منهبباج‬
‫السنة ) ‪ ، (123 : 2‬والحافظ ابن حجر في الصابة ‪ ،‬وترى تفصيله في‬
‫طبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي في ترجمة اللغوي الشببهير أبببي‬
‫منصور محمد بن أحمد بن الزهر صاحب تهذيب اللغة ) ‪. (370 - 282‬‬
‫وممن نص الحببافظ ابببن حجببر علببى روايتهببم عببن مببروان ‪ :‬سببعيد بببن‬
‫المسيب رأس علماء التابعين ‪ ،‬وإخوانه من الفقهاء السبعة أبو بكببر بببن‬
‫عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ‪ ،‬وعبيد الله بن عبببد اللببه‬
‫بن عتبة بن مسعود ‪ ،‬وعروة بببن الزبيببر ‪ ،‬وأضببرابهم كعببراك بببن مالببك‬
‫الغفاري المدني فقيه أهل دهلك وكببان يصببوم الببدهر ‪ ،‬وكعبببد اللببه بببن‬
‫شداد بن الهاد أحد الرواة عن عمر وعلي ومعاذ ‪ .‬وإن روايببة عببروة بببن‬
‫الزبير عن مروان في كتاب الوكالة من صحيح البخبباري ) ك ‪ 40‬ب ‪- 7‬‬
‫ج ‪ 3‬ص ‪ (62‬وفي مسند المام أحمد ) الطبعة الولى ‪ 321 : 4‬و ‪323‬‬
‫و ‪ 326‬و ‪ 328‬و ‪ . (189 : 5‬ورواية عراك عن مروان نقلهببا إمببام أهببل‬
‫مصر الليث بن سعد عببن يزيببد بببن أبببي حبببيب فببي مسببند أحمببد ) ‪: 4‬‬

‫‪95‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقيل‪ :‬في علي والوليد في قصة أخرى‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫نزلت في ذلك‬
‫وقيل‪ :‬إن الوليد سبق يوم الفتح فببي جملببة الصبببيان إلببى‬
‫رسول الله ‪ ‬فمسح رؤوسهم وبرك عليهم‪ ،‬إل هو فقال‪:‬‬
‫خُلوق‪ ،‬فامتنع ‪ ‬من مسه‪.‬‬
‫إنه كان على رأسي َ‬

‫‪ (328‬ورواية عبد الله بن شداد بن الهاد عبن مبروان فبي مسبند أحمبد‬
‫) ‪ 317 : 7‬و ‪ . (323‬والذي يتأمل الحاديث المرويببة عببن مببروان يجببد‬
‫جملتها من الئمة الثقات تتسلسل روايتهم عنه مدة جيلين وأكثر وكلهم‬
‫أعلى مرتبة فببي السببلم مببن الببذين يبببردون الغببل الببذي فببي قلببوبهم‬
‫بالطعن في مروان ومن هببو خيببر مببن مببروان ‪ ،‬بببل فببي رواة أحبباديث‬
‫مروان عبد الرزاق إمام أهل اليمن وكانت فيه نزعة تشيع ‪ .‬وفي مسند‬
‫أحمد ) ‪ (212 : 6‬حديث عبد الرحمن بن الحبارث ببن هشبام أنبه كبان‬
‫رسول مروان إلببى أم المببؤمنين أم سببلمة فببي تحقيببق بعببض الحكببام‬
‫الشرعية وفي ‪ 299 : 6‬من مسند أحمد نمببوذج لعظيببم عنايببة مببروان‬
‫بسببنة رسببول اللببه بأقصببى مببا يمكببن أن يصببدر عببن أئمببة المسببلمين‬
‫وأمرائهم ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة الحجرات آية ‪. 6 :‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كنت فيما مضى أعجب كيف تكون هببذه اليببة نزلببت فببي الوليببد بببن‬
‫عقبة ويسميه الله فاسقا ‪ ،‬ثم تبقى له في نفببس خليفببتي رسببول اللببه‬
‫أبي بكر وعمر المكانة التي سجلها له التاريخ وأوردنا المثلة عليهببا فببي‬
‫هامش ص ‪ 86‬عند استعراضنا ماضببيه فببي بضببعة عشببر عامببا قبببل أن‬
‫يوليه عثمان الكوفة ‪ ،‬إن هذا التناقض ‪ -‬بين ثقة أبي بكر وعمببر بالوليببد‬
‫بن عقبة ‪ ،‬وبين ما كان ينبغي أن يعامل بببه لببو أن اللببه سببماه فاسببقا ‪-‬‬
‫حملني على الشك في أن تكون الية نزلت فيه ‪ ،‬ل استبعادا لوقوع أمر‬
‫من الوليد يعد به فاسقا ‪ ،‬ولكن استبعادا لن يكببون الموصببوم بالفسببق‬
‫في صريح القرآن محل الثقة مببن رجليببن ل نعببرف فببي أوليبباء اللهبعببد‬
‫رسوله من هو أقبرب إلبى اللبه منهمبا ‪ .‬وبعبد أن سباورني هببذا الشببك‬
‫جبباَءك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬
‫أعدت النظر في الخبار التي وردت عن سبب نببزول اليببة " إ ِ ْ‬
‫َفا ِ‬
‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ ‪ ، " . . .‬فلمببا عكفببت علببى دراسببتها وجببدتها موقوفببة علببى‬
‫مجاهد ‪ ،‬أو قتادة أو ابن أبي ليلى ‪ ،‬أو يزيد بن رومان ‪ ،‬ولببم يببذكر أحببد‬
‫منهم أسماء رواة هذه الخببار فبي مبدة مبائة سبنة أو أكبثر مبرت بيبن‬
‫أيامهم وزمن الحببادث ‪ ،‬وهببذه المببائة مببن السببنين حافلببة بببالرواة مببن‬
‫مشارب مختلفة ‪ ،‬وإن الذين لهم هوى في تسببويء سببمعة مثببل الوليببد‬
‫ومن هم أعظم مقاما من الوليد قد ملوا الدنيا أخبببارا مريبببة ليببس لهببا‬
‫قيمة علمية ‪ .‬وما دام رواة تلك الخبار في سبب نببزول اليببة مجهببولين‬
‫من علماء الجرح والتعديل بعد الرجال الموقوفببة هببذه الخبببار عليهببم ‪،‬‬
‫وعلماء الجرح والتعديل ل يعرفون من أمرهم حتى ول أسمائهم ‪ ،‬فمببن‬

‫‪96‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فمن يكون في مثل هذه السن ُيرسل مصدقا ؟ !‬
‫وبهذا الختلف يسقط العلماء الحاديث القويببة‪ .‬وكيببف‬
‫يفسق رجل بمثل هذا الكلم ؟ فكيف برجل مببن أصببحاب‬
‫محمد ‪ ‬؟ !‪.‬‬

‫غير الجائز شرعا وتاريخا الحكم بصبحة هبذه الخببار المنقطعببة البتي ل‬
‫نسب لها وترتيب الحكام عليها ‪ .‬وهنالك خبران موصولن أحببدهما عببن‬
‫أم سلمة زعم موسى بن عبيدة أنه سمعه من ثببابت مببولى أم سببلمة ‪.‬‬
‫وموسى بن عبيدة ضعفه النسائي وابن المببديني واببن عبدي وجماعببة ‪.‬‬
‫وثابت المزعوم أنه مولى أم سلمة ليس له ذكر في كل ما رجعت إليببه‬
‫من كتب العلم ‪ ،‬فلم يذكر في تهذيب التهذيب ول في تقريببب التهببذيب‬
‫ول في خلصة تذهيب الكمال ‪ ،‬بل لم أجده ول في قفصي التهام أعني‬
‫) ميزان العتدال( و ) لسان الميزان( ‪ .‬وذهبببت إلببى مجموعببة أحباديث‬
‫أم سلمة في مسند المام أحمد فقرأتها واحدا واحدا فلم أجد فيهببا هببذا‬
‫الخبر ‪ ،‬بل لم أجد لم سلمة أي خبببر ذكببر فيببه اسببم مببولى لهبا يببدعى‬
‫ثابتا ‪ ،‬زد على كل هذا أن أم سلمة لببم تقببل فببي هببذا الخبببر ‪ -‬إن صببح‬
‫عنها ‪ ،‬ول سبيل إلى أن يصح عنهببا ‪ : -‬إن اليببة نزلببت فببي الوليببد ‪ ،‬بببل‬
‫قالت ‪ -‬أي قيل على لسانها ‪ " : -‬بعث رسول الله ) رجل( في صببدقات‬
‫بني المصطلق " ‪ .‬والخبر الثاني الموصببول رواه الطبببري فبي التفسببير‬
‫عن ابن سعد عن أبيه عببن عمببه عببن أبيببه عببن أبيببه عببن ابببن عببباس ‪:‬‬
‫والطبري لم يلق ابن سببعد ولببم يأخببذ عنببه ‪ ،‬لن ابببن سببعد لمببا تببوفي‬
‫ببغداد سنة ‪ 230‬كان الطبري طفل في نحو السادسببة مببن عمببره ولببم‬
‫يخرج إلببى ذلببك الحيببن مببن بلببد آمببل فببي طبرسببتان ل إلببى بغببداد ول‬
‫لغيرها ‪ .‬وابن سبعد وإن كبان فبي نفسبه مبن أهبل العدالبة فبي البدين‬
‫والجللة في العلم ‪ ،‬إل أن هذه السلسلة من سلفه يجهل علماء الجببرح‬
‫والتعديل أسماء أكثرهم فضل عن أن يعرفوا شيئا مببن أحببوالهم ) وبعببد‬
‫كتابة ما تقدم للطبعة الولى من كتابنا تبين لي أن ابن سعد الببذي روى‬
‫عنه الطبري هو محمد بن سعد العوفي ‪ .‬وقد وصف الشيخ أحمد شبباكر‬
‫سنده بأنه " سند مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة " ‪ .‬انظببر تفسببير‬
‫الطبري طبعة دار المعارف ‪ . (264 - 263 : 1‬فكل هذه الخبار مببن‬
‫مجاهِد ٌ كبان موضبع ثقبة أببي بكبر‬ ‫أولها إلى آخرها ل يجوز أن يؤاخذ بها ُ‬
‫وعمر ‪ ،‬وقام بخدمات للسلم يرجى له بها أعظم المثوبة إن شاء الله ‪.‬‬
‫أضف إلى كل ما تقدم أنه في الوقت الذي حدثت فيه لبنببي المصببطلق‬
‫الحادثة التي نزلت فيها الية كان الوليد صببغير السببن كمببا سببيأتي فببي‬
‫الفقرة التالية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هذا الخبر عن سن الوليد بن عقبة يوم فتببح مكببة رواه المببام أحمببد‬
‫في مسنده ) ‪ 32 : 4‬الطبعة الولى( عن شيخ له هو فياض بببن محمببد‬

‫‪97‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وأما حده في الخمر‪ ،‬فقد حد عمر قدامببة بببن مظعببون‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫على الخمر وهو أمير وعزله‪ ،‬وقيل إنه صالحه‬
‫وليست الذنوب مسقطة للعدالة إذا وقعت منهببا التوبببة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫الرقي عن جعفر بن برقان الرقي عن ثابت بن الحجاج الكلبببي الرقببي‬


‫عن عبد الله الهمداني وهو ) عبد الله بن مالك بن الحارث( عببن الوليببد‬
‫بن عقبة ‪ ،‬والظاهر أن الوليد بن عقبة تحدث بهذا الحديث عندما اعتزل‬
‫الناس في السنين الخيرة من حياته واختبار القامبة فبي قريبة لبه مبن‬
‫أعمال الرقة ‪ ،‬فتسلسلت رواية الخبر في الرواة الرقيين وأخذه المببام‬
‫أحمد عن شيخ له منهم ‪ .‬وعبد الله الهمداني ثقببة ‪ ،‬لكببن التبببس اسببمه‬
‫في غير هذه الرواية بهمداني آخر يكنببى أبببا موسببى واسببمه مالببك بببن‬
‫الحارث ) أي على اسم والد عبد الله الهمداني( وهو مجهببول عنببد أهببل‬
‫الجرح والتعديل ‪ ،‬أما عبد الله الهمداني الذي ينتهي إليه الخبر في رواية‬
‫المام أحمد فمعروف وموثوق به ‪ ،‬وعلى روايته وأمثالها اعتمد القاضي‬
‫ابن العربي في الحكم على سن الوليد بن عقبة بأنه كان صبيا عند فتببح‬
‫جاَءك ُ ْ‬
‫م َفا ِ‬
‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ " هو شخص آخببر ‪.‬‬ ‫مكة وأن الذي نزلت فيه آية " إ َِ ْ‬
‫ن َ‬
‫ومن عجيب أمر الذين كان لهم هوى في تشويه هببذا الصببحابي الشبباب‬
‫المجاهد الطيب النفس الحسن السيرة في الناس أنهم حباولوا إدحباض‬
‫حجة صغر سنه في ذلك الببوقت بخبببر آخببر روي عببن قببدومه مببع أخيببه‬
‫عمارة إلى المدينببة فببي السببنة السببابعة للهجببرة ليطلبببا مببن النبببي رد‬
‫دم فيه اسببم‬ ‫أختهما أم كلثوم إلى مكة ‪ .‬وأصل هذا الخبر ‪ -‬إن صح ‪ -‬مق ّ‬
‫عمارة على اسم الوليد ‪ ،‬وهذا مما يستأنس به في أن عمارة هو الصل‬
‫في هذه الرحلة وأن الوليد جاء في صحبته ‪ ،‬وأي مانع يمنع قدوم الوليد‬
‫صبيا بصحبة أخيه الكبير كما يقع مثل ذلك في كل زمان ومكان ؟ فقول‬
‫الوليد إنه كان في سنة الفتح صبيا ليس في خبر قدومه مع أخيه الكبببير‬
‫إلى المدينة في السنة السابعة ما يمنعه أو يناقضببه ‪ .‬فببإذا تقببرر عنببدك‬
‫أن جميع الخبار الواردة بشأن الوليد بن عقبة في سبب نزول آيببة " إ َِ ْ‬
‫ن‬
‫س بقٌ ب ِن َب َبإ ٍ " ل يجببوز علميببا أن يبنببى عليهببا حكببم شببرعي أو‬ ‫جبباَءك ُ ْ‬
‫م َفا ِ‬ ‫َ‬
‫تاريخي ‪ ،‬وإذا أضفت إلى ذلك حديث مسند المام أحمد عن سن الوليد‬
‫في سنة الفتح ‪ ،‬يتبين لببك بعببد ذلببك حكمببة اسببتعمال أبببي بكببر وعمببر‬
‫للوليد وثقتهما به واعتمادهما عليه مع أنه كان ل يزال في صدر شبابه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( قدامة بن مظعون الجمحي أحد السابقين الوليببن ‪ ،‬هبباجر الهجرتيببن‬
‫وشهد بدرا ‪ ،‬وكان صهر أمير المؤمنين عمر على أختببه ‪ ،‬وقيببل بببل هببو‬
‫خال أم المؤمنين حفصة بنت عمر وأخيها عبيد الله ‪ .‬وفي إمارة قدامببة‬
‫على البحرين في خلفة عمر قدم الجارود سيد بنببي عبببد القيببس علببى‬
‫عمر من البحرين وادعى أن قدامة شرب فسكر ‪ .‬فقال له عمببر ‪ :‬مببن‬

‫‪98‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقد قيل لعثمببان‪ :‬إنبك وليببت الوليبد لنبه أخببوك لمببك‬


‫كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أروى بنت ُ‬
‫بل لنه ابن عمة رسول الله ‪ ‬أم حكيببم البيضبباء‪ ،‬وجببدة‬
‫عثمان وجدة الوليد لمهما أروى المذكورة أم حكيم توأمببة‬

‫يشهد معك ؟ قال ‪ :‬أبببو هريببرة ‪ .‬فاستشببهد أببا هريببرة فقببال ‪ :‬لببم أره‬
‫شرب ‪ ،‬ولكني رأيته سكران يقيببء فقببال لببه عمببر ‪ :‬لقببد تنطعببت فببي‬
‫الشهادة ‪ .‬واستقدم قدامة من البحرين ‪ ،‬فقال الجارود لعمر ‪ :‬أقم على‬
‫هذا كتاب الله ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬أخصم أنت أم شببهيد ؟ فقببال ‪ :‬شببهيد ‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬قد أديت شهادتك ‪ .‬فصببمت الجببارود ‪ .‬ثببم غببدا علببى عمببر‬
‫فقببال ‪ :‬أقببم علببى هببذا حببد اللببه ‪ .‬فقببال عمببر ‪ :‬لتمسببكن لسببانك أو‬
‫لسوأنك ‪ .‬فقال ‪ :‬يا عمر ‪ ،‬ما ذلك بالحق أن يشببرب ابببن عمببك الخمببر‬
‫وتسوءني ‪ .‬ثم جيء بزوجة لقدامة فأقامت الشهادة على زوجها ‪ .‬وأراد‬
‫عمر أن يقيم عليه الحد ‪ .‬فقال لببه الصببحابة ‪ :‬ل نببرى أن تحببده مببا دام‬
‫مريضا ‪ ،‬ثم عاوده فقالوا له كما قالوا من قبببل فقببال عمببر ‪ :‬لن يلقببى‬
‫الله تحت السياط أحب إلببي مببن أن ألقبباه وهببو فببي عنقببي ‪ ،‬وجلببده ‪.‬‬
‫فغاضبه قدامة ‪ .‬وعند قفولهما من الحج جيء به إلى عمر فكلمببه عمببر‬
‫واستغفر له ‪ .‬ومن حسن حظ قدامة بن مظعون أنببه قرشببي مببن بنببي‬
‫جمح ‪ .‬ولو أنه كان قرشيا من بني عبد شمس لنطلقببت ألسببنة السببوء‬
‫بالبذاءة عليه واختراع الكاذيب فيه ما دام في الدنيا كذب ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هذا حق ‪ ،‬ولكن في مثل ما تقدم عن قدامة بن مظعون ‪ ،‬وفي مثببل‬
‫ما هو مشهور عند الناس عن أبي محجن الثقفي الشاعر الفارس الببذي‬
‫كان له يوم أغر في حرب القادسية ‪ .‬أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح‬
‫العادل المظلوم ) الببذي كببان منببه لمتببه كببل مببا اسببتطاعه مببن عمببل‬
‫طيب ‪ ،‬ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم‬
‫فيهم ‪ ،‬فاعتزل الناس بعببد مقتببل عثمببان فببي ضببيعة لببه منقطعببة عببن‬
‫صخب المجتمع ‪ ،‬وهي تبعد خمسة عشر ميل عن بلدة الرقببة مببن أرض‬
‫الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويبدعو نصبباراها إلبى السببلم فبي خلفببة‬
‫عمر( فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها عوارها ‪ .‬ول يضير‬
‫هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيبه ثلثببة عشبر قرنبا ‪ ،‬فببإن الحببق‬
‫قديم ول يؤثر في قدمه احتجابه ‪ .‬أراد الوليد بن عقبة ‪ -‬منذ ولي الكوفة‬
‫لمير المؤمنين عثمببان ‪ -‬أن يكببون الحبباكم المثببالي فببي العببدل والنبببل‬
‫والسيرة الطيبة مببع النبباس ‪ ،‬كمببا كببان المحببارب المثببالي فببي جهبباده‬
‫وقيببامه للسببلم بمببا يليببق بالببذائدين عببن دعببوته ‪ ،‬الحبباملين لرايتببه ‪،‬‬
‫الناشرين لرسالته ‪ .‬وقد لبث في إمببارته علببى الكوفببة خمببس سببنوات‬
‫وداره ‪ -‬إلى اليوم الذي زايل فيه الكوفة ‪ -‬ليس لها باب يحول بينه وبين‬
‫الناس ممن يعرف أو ل يعرف ‪ ،‬فكان يغشاها كل من شاء ‪ ،‬متى شاء ‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأي حببرج‬
‫على المرء أن يوّلي أخاه أو قريبه؟ )‪. (1‬‬
‫إعطاؤه خمس إفريقية لواحد‬
‫)‪(2‬‬
‫خمس إفريقية لواحببد فلببم يصببح‬
‫‪ - 13‬وأما إعطاؤه ُ‬
‫على أنه قد ذهب مالك وجماعة إلى أن المببام يببرى رأيببه‬

‫من ليل أو نهار ‪ ،‬ولم يكن بالوليد حاجة لن يستتر عن الناس ‪ :‬فالسببتر‬
‫دون الفاحشات ول يلقاك دون الخيببر مببن سببتر وكببان ينبغببي أن يكببون‬
‫الناس كلهم محبين لميرهم الطيب لنببه أقببام لغربببائهم دور الضببيافة ‪،‬‬
‫وأدخل على الناس خيرا حتى جعل يقسببم المببال للببولئد والعبيببد ‪ ،‬ورد‬
‫على كل مملوك من فضول الموال في كل شببهر مببا يتسببعون بببه مببن‬
‫غير أن ينقص مواليهم مبن أرزاقهببم ‪ .‬وبالفعببل كببانت جمبباهير الشبعب‬
‫متعلقة بحب هذا الميببر المثببالي طببول مبدة حكمبه ‪ .‬إل أن فريقبا مبن‬
‫الشرار وأهل الفساد أصبباب بنيهببم سببوط الشببريعة بالعقبباب علببى يببد‬
‫الوليد ‪ ،‬فوقفوا حياتهم على ترصد الذى له ‪ .‬ومن هببؤلء رجببال يسببمى‬
‫أحدهم أبا زينب بن عوف الزدي ‪ ،‬وآخر يسمى أبا مورع ‪ ،‬وثالث اسببمه‬
‫جندب أبو زهير ‪ ،‬قبضت السلطات على أبنائهم في ليلة نقبوا بهببا علببى‬
‫اببن الحيسببمان داره وقتلببوه ‪ ،‬وكببان نببازل بجببواره رجببل مببن أصببحاب‬
‫رسول الله ومن أهل السببابقة فببي السببلم وهببو أبببو شببريح الخزاعببي‬
‫حامل راية رسول الله على جيش خزاعة يوم فتح مكة فجبباء هببو وابنببه‬
‫من المدينة على الكوفة ليسيرا مع أحد جيببوش الوليببد بببن عقبببة الببتي‬
‫كان يواصل توجيهها نحو الشرق للفتوح ونشببر دعببوة السببلم ‪ ،‬فشببهد‬
‫هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلء الشرار علببى منببزل ابببن‬
‫الحيسمان ‪ ،‬وأدى شهادته هو وابنه على هؤلء القتلة السفاحين ‪ ،‬فأنفببذ‬
‫الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة ‪ ،‬فكتببب آببباؤهم‬
‫العهد على أنفسهم للشيطان بأن يكيدوا لهببذا الميببر الطيببب الرحيببم ‪.‬‬
‫وبثوا عليه العيببون والجواسببيس ليببترقبوا حركبباته ‪ ،‬وكببان بيتببه مفتوحببا‬
‫دائما ‪ .‬وبينما كان عنده ذات يببوم ضببيف لببه مببن شببعراء الشببمال كبان‬
‫نصرانيا في أخواله من تغلب ببأرض الجزيبرة وأسبلم علبى يبد الوليبد ‪،‬‬
‫فظن جواسيس الموتورين أن هذا الشاعر الذي كببان نصببرانيا ل بببد أن‬
‫يكون ممن يشرب الخمر ولعل الوليد أن يكرمه بذلك فنببادوا أبببا زينببب‬
‫وأبا المورع وأصحابهما ‪ ،‬فاقتحموا الدار على الوليد من ناحية المسجد ‪،‬‬
‫ولم يكن لداره باب ‪ ،‬فلما فوجئ بهم نحى شيئا أدخلببه تحببت السببرير ‪،‬‬
‫فأدخل بعضهم يده فأخرجه بل إذن من صاحب الدار ‪ ،‬فلمببا أخببرج ذلببك‬
‫الشيء من تحت السرير إذا هو طبق عليببه تفبباريق عنببب ‪ ،‬وإنمببا نحبباه‬
‫الوليد استحياء أن يروا طبقه ليس عليه إل تفاريق عنب ‪ ،‬فأقبل بعضهم‬
‫علببى بعببض يتلومببون مببن الخجببل ‪ ،‬وسببمع النبباس بالحكايببة فببأقبلوا‬
‫يسبونهم ويلعنونهم ‪ .‬وقد ستر الوليببد عليهببم ذلببك وطببواه عببن عثمببان‬

‫‪100‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫في الخمس‪ ،‬وينفذ فيه ما أداه إليه اجتهاده‪ ،‬وأن إعطبباءه‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫لواحد جائز‪ ،‬وقد بينا ذلك في مواضعه‬

‫وسكت عن ذلك وصبببر ‪ .‬ثببم تكببررت مكايببد جنببدب وأبببي زينببب وأبببي‬
‫المورع ‪ ،‬وكانوا يغتنمون كل حادث فيسيئون تببأويله ويفببترون الكببذب ‪.‬‬
‫وذهب بعض الذين كانوا عمال في الحكومة ونحاهم الوليد عن أعمببالهم‬
‫لسوء سيرتهم فقصدوا المدينة وجعلوا يشببكون الوليببد لميببر المببؤمنين‬
‫عثمان ويطلبون منه عزله عن الكوفة ‪ .‬وفيما كببان هببؤلء فببي المدينببة‬
‫دخل أبو زينب وأبو المورع دار المارة بالكوفة مع من يدخلها من غمببار‬
‫الناس وبقيا فيها إلى أن تنحببى الوليببد ليسببتريح ‪ ،‬فخببرج بقيببة القببوم ‪،‬‬
‫وثبت أبو زينب وأبو المورع إلى أن تمكنا مببن سببرقة خبباتم الوليببد مببن‬
‫داره وخرجا ‪ .‬فلما استيقظ الوليد لم يجد خاتمه ‪ ،‬فسأل عنببه زوجببتيه ‪-‬‬
‫وكانتا في مخدع تريان منه زوار الوليد من وراء ستر ‪ -‬فقالتببا ‪ :‬إن آخببر‬
‫من بقى فبي البدار رجلن ‪ ،‬وذكرتبا صبفتهما وحليتهمبا للوليبد ‪ ،‬فعبرف‬
‫أنهما أبو زينب وأبو المورع ‪ ،‬وأدرك أنهما لم يسببرقا الخبباتم إل لمكيببدة‬
‫بّيتاها ‪ ،‬فأرسل في طلبهما فلم يوجدا في الكوفة ‪ ،‬وكانا قد سببافرا تببوا‬
‫إلى المدينة ‪ ،‬وتقدما شاهدين على الوليد بشرب الخمببر ) وأكبببر ظنببي‬
‫أنهما استلهما شهادتهما المزورة من تفاصيل الحادث الذي سبق وقوعه‬
‫لقدامة بن مظعون في خلفة عمر( فقال كنا من غاشيته ‪ ،‬فدخلنا عليببه‬
‫وهو يقيء الخمر ‪ .‬فقال عثمان ‪ :‬مببا يقيببء الخمببر إل شبباربها ‪ .‬فجيببء‬
‫بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان وأخبره خبرهم ‪ ،‬فقال عثمان ‪ " :‬نقيم‬
‫الحدود ‪ .‬ويبوء شاهد الزور بالنار " ‪ .‬هذه قصة اتهام الوليد ببالخمر كمبا‬
‫فببي حببوادث سببنة ‪ 30‬مببن تاريببخ الطبببري ‪ ،‬وليببس فيهببا ‪ -‬علببى تعببدد‬
‫مصادرها القديمة ‪ -‬شبيء غيبر ذلبك ‪ .‬وعناصبر الخببر عنبد الطببري أن‬
‫الشهود على الوليد اثنان مببن الموتببورين الببذين تعببددت شببواهد غلهببم‬
‫عليه ‪ ،‬ولم يرد في الشهادة ذكر الصلة من أصلها فضببل عببن أن تكببون‬
‫اثنتين أو أربعا ‪ .‬وزيادة ذكر الصلة هي الخرى أمرها عجيب ‪ ،‬فقد نقببل‬
‫خبرها عن الحضين بن المنذر ) أحد أتباع علي( أنه كببان مببع علببي عنببد‬
‫عثمان ساعة أقيم الحببد علببى الوليببد ‪ ،‬وتناقببل النبباس عنببه هببذا الخبببر‬
‫فسجله مسلم في صحيحه ) كتبباب الحببدود ب ‪ 8‬ح ‪ - 38‬ج ‪ 5‬ص ‪(126‬‬
‫ت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ) ركعتين(‬ ‫بلفظ " شهد ُ‬
‫ثم قال ‪ :‬أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلن أحدهما حمران أنه شرب الخمر ‪،‬‬
‫وشهد آخر أنه رآه يتقيأ " ‪ .‬فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح‬
‫ركعتين وقال أزيدكم ‪ ،‬بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمببر وشببهد الخببر‬
‫بأنه تقيأ ‪ .‬أما صلة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلم حضين ‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عثمان لم يضرب أحدا بالعصا‬


‫‪ - 14‬وأما قولهم إنه ضرب بالعصبا‪ ،‬فمبا سبمعته ممبن‬
‫فيببا‬ ‫)‪(1‬‬
‫أطاع أو عصى‪ ،‬وإنما هو باطببل ُيحكببى‪ ،‬وُزور ُينببثى‬
‫لله وللنهى‪.‬‬

‫ولم يكن حضين من الشهود ‪ ،‬ول كببان فببي الكوفببة فببي وقببت الحببادث‬
‫المزعوم ‪ ،‬ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصببر التهببام إلببى إنسببان‬
‫معروف ‪ .‬ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في صحيح مسلم وارد في‬
‫ثلثة مواضع من مسببند أحمببد مرويببا عببن حضببين ‪ ،‬والببذي سببمعه مببن‬
‫حضين في صحيح مسلم هو الذي سمعه منه في مسند أحمد بمواضببعه‬
‫الثلثة ‪ ،‬فالموضعان الول والثاني ) ج ‪ 1‬ص ‪ 82‬و ‪ 140‬الطبعة الولى ‪-‬‬
‫ج ‪ 2‬رقم ‪ 642‬و ‪ 1184‬الطبعببة الثانيببة( ليببس فيهمببا ذكببر للصببلة عببن‬
‫لسان حضين فضل عببن غيببره ‪ ،‬فلعببل أحببد الببرواة مببن بعببده أدرك أن‬
‫الكلم عن الصلة ليس من كلم الشهود فاقتصر على ذكر الحببد ‪ .‬وأمببا‬
‫في الموضببع الثبالث مبن مسببند أحمببد ) ج ‪ 1‬ص ‪ 145 - 144‬الطبعببة‬
‫الولى ‪ -‬ج ‪ 2‬رقم ‪ (1229‬فقد جاء على لسان حضين " أن الوليد صببلى‬
‫بالناس الصبح أربعا " وهو يعارض ما جاء على لسان حضين نفسببه فببي‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬ففي إحدى الروايتين تحريف ‪ ،‬الله أعلببم بسببببه ‪ .‬وفببي‬
‫الحالتين ل يخرج ذكر الصببلة عببن أنببه مببن كلم حضببين وحضببين ليببس‬
‫بشاهد ‪ ،‬ولم يرو عن شاهد ‪ ،‬فل عبرة بهذا الجزء من كلمببه ‪ ،‬وبعببد أن‬
‫علمت بأمر الموتورين فيما نقله الطبري عن شيوخه ‪ ،‬أزيدك علما بأمر‬
‫حمران ‪ ،‬وهو عبد من عبيد عثمان كان قد عصى الله قبل شهادته علببى‬
‫الوليد فتزوج في مدينة الرسول امرأة مطلقة ودخل بها وهي في عدتها‬
‫من زوجها الول ‪ ،‬فغضب عليه عثمان لهذا ولمور أخببرى قبلببه فطببرده‬
‫من رحابه وأخرجه من المدينة ‪ .‬فجاء الكوفة يعيث فيها فسادا ‪ ،‬ودخببل‬
‫على العابد الصالح عامر بن عبد القيس فافترى عليه الكذب عند رجببال‬
‫الدولة وكان سببب تسبييره إلبى الشبام ‪ .‬وأنبا أتبرك أمبر هبذا الشباهد‬
‫والشاهدين الخرين قبله إلى ضمير القارئ يحكم به عليهم بمببا يشبباء ‪،‬‬
‫وفي اجتهادي أن مثل هؤلء الشهود ل يقام بهم حد الله على ظنين من‬
‫السوقة والرعاع ‪ ،‬فكيف بصحابي مجاهد وضع الخليفببة فببي يببده أمانببة‬
‫قطر وقيادة جيوش فكان عند الظن به من حسببن السببيرة فببي النبباس‬
‫وصدق الرعاية لمانات الله ‪ ،‬وكان موضببع الثقببة عنببد ثلثببة مببن أكمببل‬
‫خلفاء السلم أبي بكر وعمببر وعثمببان ‪ .‬وإن قرابببة الوليببد مببن عثمببان‬
‫التي يزعم الكذبة أنها سبب المحاباة منه لهم إنما كانت سبب التسببامح‬
‫من عثمان في عزلهم والقسوة عليهم لئل يقببول السببفهاء إن لببه هببوى‬
‫في ذوي قرابته ‪ .‬وقببد رأينببا الببذين يتسببلون بببأعراض النبباس يتفكهببون‬
‫بأبيات ستة منسوبة إلى ماجن خسيس النفببس وردت فببي ص ‪ 85‬مببن‬

‫‪102‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫علوه على منبر رسول الله ‪‬‬


‫‪ - 15‬وأما علوه على درجة رسول الله ‪ ‬فما سببمعته‬
‫ممن فيه تقيببة‪ .‬وإنمببا هببي إشبباعة منكببر‪ ،‬لي ُببروى وي ُببذكر‪،‬‬
‫فيتغّير قلب من يتغير‪ ،‬قال علماؤنا‪ :‬ولو صح ذلك فما فببي‬
‫هذا ما ُيحل دمه‪ .‬ول يخلو أن يكون ذلببك حقببا فلببم تنكببره‬

‫ديوانه ‪ ،‬ول تحملهم سليقة النقد على الشعور بما في هذه البيببات مببن‬
‫التضارب والتعارض ‪ ،‬فأين مدحه فيها للوليد بقوله ‪ :‬ورأوا شمائل ماجد‬
‫ت مكذوبا عليك ولببم تببردد إلببى‬ ‫أنف يعطي على الميسور والعسر فنزع َ‬
‫عبوز ول فقبر مبن بقيبة البيبات البتي فيهبا ‪ :‬نببادى وقبد تمبت صبلتهم‬
‫أأزيدكم ثمل وما يدري فالذي يقول البيت الخير ل يعقل أن يقببول معببه‬
‫البيتين الولين فيكون مادحا وذاما في قطعة واحبدة ل تزيبد علببى سببتة‬
‫أبيات ‪ .‬وقد كانت لي مقالة مطولة عن ) التخليط فببي الشببعر( ضببربت‬
‫فيها المثلة على دس أبيات غريبة فببي قصببائد مببن وزنهببا ورويهببا لغيببر‬
‫ناظمها ‪ .‬وعلى كل حال فالشببهود الببذين شببهدوا بيببن يببدي عثمببان لببم‬
‫دعوا حكاية الصلة ‪ ،‬مع أنهم لم يكونوا ممن يخاف الله واليوم الخببر ‪.‬‬ ‫ي ّ‬
‫والن أقولها لوجه الله صببريحة مدويببة ‪ :‬إن الوليببد لببو كببان مببن رجببال‬
‫التاريببخ الوربببي كالقببديس لببويس الببذي أسببرناه فببي دار ابببن لقمببان‬
‫دوه قديسببا ‪ ،‬لن لببويس التاسببع لببم يحسببن إلببى فرنسببا‬ ‫بالمنصورة لع ّ‬
‫كإحسان الوليد بن عقبة إلى أمتببه ‪ ،‬ولببم يفتببح للنصببرانية كفتببح الوليببد‬
‫للسلم ‪ ،‬والعجب لمة تسببيء إلببى أبطالهببا ‪ ،‬وتشببوه جمببال تاريخهببا ‪،‬‬
‫وتهدم أمجادها كما يفعل الشبرار منبا ‪ ،‬ثبم ينتشبر كيبد هبؤلء الشبرار‬
‫حتى يظن الخيار أنه هو الحق ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وقد تقدم في هامش ص ‪ 87‬أن أمير المؤمنين علي بببن أبببي طببالب‬
‫جعل المراء في مدة خلفته على أكثر أمصار حكمه مببن ذوي قرابتببه ‪.‬‬
‫وأن رسول الله ولى رجال بني أميببة وشبببابهم ‪ .‬وكببذلك فعببل أبببو بكببر‬
‫وعمر ‪ ،‬فلم يفعل عثمببان إل الببذي سبببقه إليببه النبببي وصبباحباه بببل إن‬
‫عثمان لما أقام الحد على أخيه لمه فعل ما ل نظن أحدا يفعله بشببهادة‬
‫الشهود المغرضين الذين لم يريدوا الله بشببهاداتهم ‪ .‬وإذا كببان الشببهود‬
‫على الوليد من هذه الطبقة المغرضة ‪ ،‬فقد شهد له بظهر الغيب قبباض‬
‫من أعظم قضاة السلم في التاريخ علمببا وفضببل وإنصببافا وهببو المببام‬
‫عامر بن شراحيل الشعبي ‪ ،‬روى الطبري ) ‪ (60 : 5‬أن الشعبي سببمع‬
‫في أوائل بطولة مسلمة بن عبد الملك حفيدا للوليببد بببن عقبببة يتحببدث‬
‫عن جهبباد مسببلمة ‪ ،‬فقببال الشببعبي ‪ " :‬كيببف لببو أدركتببم الوليببد غببزوه‬
‫وإمارته ؟ إن كان ليغزو فينتهي إلى كذا وكذا ‪ . . .‬ما قصر ‪ ،‬ول انتقببض‬
‫عليه أحد ‪ .‬حتى عزل عن عمله وعلببى الببباب ) أي الدربنببد ‪ ،‬وراء بحببر‬
‫الخزر في روسيا ‪ ،‬وكان من أمنع معاقل الببدنيا( عبببد الرحمببن الببباهلي‬
‫) وهو من أعظم قواد الوليد( وإن كان مما زاد عثمان الناس علببى يببده‬

‫‪103‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الصحابة عليه‪ ،‬إذ رأت جوازه ابتداء أو لسبب اقتضى ذلك‪.‬‬


‫وإن كان لم يكن فقد انقطع الكلم )‪. (1‬‬
‫انهزامه يوم حنين وفراره يوم أحد‬
‫‪ - 16‬وأما انهزامه يوم حنين‪ ،‬وفراره يوم أحببد‪ ،‬ومغيبببه‬
‫عن بدر وبيعة الرضوان‪ ،‬فقد بين عبد اللببه بببن عمببر وجببه‬

‫) أي على يد الوليد( أن رد على كل مملوك بالكوفة من فضول الموال‬


‫ثلثببة فببي كببل شببهر يتسببعون بهببا مببن غيببر أن ينقببص مببواليهم مببن‬
‫أرزاقهم " ‪ .‬فهذه الشهادة من المام الشعبي للوليد في جهاده الحربببي‬
‫الظافر ‪ ،‬وفي إحسانه لرعيته فببي معايشببهم ‪ ،‬تفقببأ عيببون المبطليببن ‪،‬‬
‫وتقر أعين الصالحين ‪ ،‬وصدق أميبر المبؤمنين عثمبان يبوم طيبب قلبب‬
‫أخيه المظلوم بقوله ‪ " :‬نقيم الحببدود ‪ ،‬ويبببوء شبباهد الببزور بالنببار " ‪" .‬‬
‫ل فِببي قُُلوب ِن َببا ِغّل‬ ‫ن وََل ت َ ْ‬
‫جع َ ب ْ‬ ‫مببا ِ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫س بب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬‫َرب َّنا اغْ ِ‬
‫م"‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬‫ك َرُءو ٌ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪2‬‬
‫)( والذي صح هو إعطاؤه خمس الخمس لعبد الله بن أبببي سببرح جببزاء‬
‫جهاده المشكور ‪ ،‬ثم عاد فاسترده منه ‪ .‬جاء في حبوادث سبنة ‪ 27‬مبن‬
‫تاريخ الطبببري ) ‪ 49 : 5‬مصببر ‪ 2815 - 2814 : 1 ،‬طبببع أوربببا( أن‬
‫عثمان لما أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالزحف مببن مصببر علببى‬
‫ح الله عليك غدا إفريقيبة فلبك ممبا أفباء‬ ‫تونس لفتحها قال له ‪ " :‬إن فت َ‬
‫الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمببة نفل " ‪ .‬فخببرج بجيشببه‬
‫حببتى قطعببوا أرض مصببر وأوغلببوا فببي أرض إفريقيببة وفتحوهببا سببهلها‬
‫وجبلها ‪ ،‬وقسم عبد الله على الجنبد مبا أفبباء اللبه عليهبم وأخبذ خمبس‬
‫الخمس وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمببان مببع وثيمببة النصببري ‪ .‬فشببكا‬
‫وفد ممن معه إلببى عثمببان مببا أخببذه عبببد اللببه بببن سببعد ‪ ،‬فقببال لهببم‬
‫عثمان ‪ :‬أنا أمرت له بذلك ‪ ،‬فإن سخطتم فهو رد ‪ .‬قالوا ‪ :‬إنا نسخطه ‪.‬‬
‫فأمر عثمان عبد الله بن سعد بأن يرده فرده ‪ .‬ورجع عبد الله بن سببعد‬
‫إلى مصر وقد فتح إفريقيببة ‪ .‬وقببد ثبببت فببي السببنة تنفيببل أهببل الغنبباء‬
‫والبأس في الجهاد ‪ ،‬كما فعل النبي في مكافببأة سببلمة ببن الكببوع فببي‬
‫إغارة عبد الرحمن الفزاري على سرح النبي ) انظر المنتقى للمجد ابن‬
‫تيمية ‪ 4314‬وفي غزوات أخرى ‪. (4321 ، 4320 ، 4319‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي في مؤلفاته الخرى عند بسطه هببذه المسببألة مبن أحكببام الفقببه‬
‫السلمي قال المام عامر بن شراحيل الشعبي ‪ " :‬إنمببا القطببائع علببى‬
‫وجه النفل من خمس ما أفاء الله " قال ‪ " :‬وأقطع عمر طلحببة وجريببر‬
‫بببن عبببد اللببه والربي ّببل بببن عمببرو ‪ .‬وأقطببع ) أي عمببر( أبببا مف بّزر دار‬
‫الفيل " ‪ .‬وممن أقطعهم عمر بن الخطبباب نببافع أخببو زيبباد وأبببي بكببرة‬
‫لمهما ‪ ،‬أقطعه أرضا في البصرة لخيلببه وإبلببه مسبباحتها عشببرة أجربببة‬
‫) انظر ترجمة نافع في الصببابة( قببال القاضببي أبببو يوسببف فببي كتبباب‬
‫الخراج ) ص ‪ (61‬وقد أقطع رسول الله وتببألف علببى السببلم أقوامببا ‪،‬‬

‫‪104‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الحكم في شأن البيعة وبدر وأحد‪ .‬وأما يوم حنين فلم يبق‬
‫إل نفر يسير مع رسول الله ‪ . ‬ولكن لم يجر فببي المببر‬
‫تفسير من بقي ممن مضى في الصحيح‪ ،‬وإنما هي أقوال‪:‬‬
‫منها أنه ما بقببي معببه إل العببباس وابنبباه عبببد اللببه وقُث َببم‪،‬‬
‫فناهيك بهذا الختلف‪ ،‬وهو أمر قد اشببترك فيببه الصببحابة‪،‬‬

‫وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا أن في إقطبباعه صببلحا ) وضببرب أبببو‬


‫يوسف المثلة على ذلك( ‪ .‬وانظر باب القطبائع فبي ص ‪ 78 - 77‬مبن‬
‫كتبباب الخببراج ليحيببى بببن آدم القرشببي طبببع السببلفية ‪ .‬وذكببر المببام‬
‫الشعبي بعض الذين أقطعهم عثمان فقال ‪ " :‬وأقطع الزبيببر ‪ ،‬وخببباب ‪،‬‬
‫وعبد الله بن مسعود ‪ ،‬وعمار بن ياسر ‪ ،‬وابن هّبار أزمان عثمان ‪ ،‬فببإن‬
‫يكن عثمان أخطأ فالذين قبلوا منه الخطببأ أخطببأوا ‪ ،‬وهببم الببذين أخببذنا‬
‫عنهم ديننا " ) الطبري ‪ . (148 : 4‬وأقطع علي بن أبي طالب كردوس‬
‫بن هانئ الكردوسية ‪ ،‬وأقطببع سببويد بببن غفلببة أرضببا لببداذويه ‪ .‬فكيببف‬
‫ينكرون على عثمان ويسكتون عن عمر وعلي ‪ .‬وللقاضببي أبببي يوسببف‬
‫كلم سديد في هذا الموضوع في كتاب الخراج ) ص ‪ 62 - 60‬السلفية‬
‫سنة ‪ ، (1352‬وما زعمه الزاعمون من أن عثمان كان يببود ذوي قرابتببه‬
‫ويعطيهم ‪ ،‬فمودته ذوي قرابته من فضببائله ‪ ،‬وعلببي أثنببى علببى عثمببان‬
‫بأنه أوصل الصحابة للرحم ‪ ،‬وعثمان أجبباب عببن مببوقفه هببذا بقببوله ‪" :‬‬
‫وقالوا إني أحب أهل بيتي وأعطيهم ‪ .‬فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهببم‬
‫على جور ‪ ،‬بل أحمل الحقوق عليهم ‪ .‬وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم‬
‫من مالي ‪ ،‬ول أستحل أموال المسلمين لنفسي ‪ ،‬ول لحد من النبباس ‪،‬‬
‫وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمببان رسببول‬
‫الله وأبي بكببر وعمببر ‪ ،‬وأنببا يببومئذ شببحيح حريبص ‪ ،‬أفحيببن أتببت علببي‬
‫أسببنان أهببل بيببتي وفنببي عمببري وودعببت الببذي لببي فببي أهلببي قببال‬
‫الملحدون ما قالوا ! ؟ " قال الطبببري ) ‪ : (103 : 5‬وكببان عثمببان قببد‬
‫قسم ماله وأرضه في بني أمية ‪ ،‬وجعل ولده كبعض مببن يعطببي ‪ ،‬فبببدأ‬
‫ببني أبي العاص فأعطى آل الحكببم رجببالهم عشببرة آلف عشببرة آلف‬
‫فأخذوا مائة ألببف ‪ ،‬وأعطبى بنببي عثمبان مثبل ذلبك ‪ ،‬وقسببم فبي بنببي‬
‫العاص وبني العيص وفي بني حرب ‪ .‬بل تمادى شيخ السلم ابن تيميببة‬
‫مع أوسع الحتمالت فببذكر فببي منهبباج السببنة ) ‪ (188 - 187 : 3‬أن‬
‫سهم ذوي القربى ذهب بعض الفقهاء إلى أنببه لقرابببة المببام كمببا قبباله‬
‫الحسن أبو ثور ‪ ،‬وأن النبي كان يعطي أقاربه بحكببم الوليببة ‪ . . .‬وقيببل‬
‫هو لمن ولي المر بعده ‪ . . .‬قال ‪ :‬وبالجملة فعامة من تولى المببر بعببد‬
‫عمر كان يخص بعببض أقبباربه إمببا بوليببة أو بمببال ‪ .‬ثببم قببال ) فببي ‪: 3‬‬
‫‪ " : (237‬إن ما فعله عثمان في المال له ثلثة مآخذ ‪ :‬أحدها أنه عامببل‬
‫عليه ‪ ،‬والعامل يستحق مع الغنى ‪ .‬الثاني أن ذوي القربى هم ذوو قربى‬
‫المام ‪ .‬الثالث أنهم ) أي ذوو قربى عثمببان( كببانوا قبيلببة كببثيرة ليسببوا‬

‫‪105‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقد عفا الله عنه ورسوله‪ ،‬فل يحل ذكُر مببا أسببقطه اللببه‬
‫ورسوله والمؤمنون‪ ،‬أخرج البخاري )‪ (1‬جاء رجل إلببى ابببن‬
‫عمر فسأله عن عثمان‪ ،‬فذكر عببن محاسببن عملببه وقببال‪:‬‬
‫لعل ذلك يسوؤك ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأرغم الله بأنفك ! ثم‬
‫سأله عن علي‪ ،‬فذكر محاسن عملببه وقببال‪ :‬هببو ذاك بيتببه‬
‫أوسط بيوت النبي ‪ . ‬ثم قال‪ :‬لعل ذلك يسوؤك ؟ قال‪:‬‬
‫دك‪.‬‬
‫ي جهبب َ‬‫أجل‪ .‬قال‪ :‬فأرغم الله بأنفك ! انطلق فاجهد عل ّ‬
‫وقد تقدم في حديث‪ُ} :‬بني السلم على خمس{ )‪ (2‬زيادة‬
‫‪ .‬وقببد أخببرج البخبباري‬ ‫)‪(3‬‬
‫فيه للبخاري فببي علببي وعثمببان‬
‫من حديث عثمان بن عبد الله بن موهب قال‪ :‬جاء‬ ‫)‪(4‬‬
‫أيضا‬
‫رجل من أهل مصر يريد حج البببيت‪ ،‬فببرأى قومببا جلوسببا‪،‬‬

‫مثل قبيلة أبي بكر وعمر ‪ ،‬فكان يحتاج إلى إعطائهم ووليتهم أكبثر مبن‬
‫حاجة أبي بكر وعمر إلى تولية أقاربهما وإعطائهم ‪ .‬وهذا مما نقببل عببن‬
‫عثمان الحتجاج به " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( نثى الخبر والحديث ‪ :‬أذاعه وأظهره ‪ ،‬والنثا مثببل الثنبباء ‪ ،‬إل أنببه فببي‬
‫الخير والشر ‪ ،‬والثناء في الخير خاصة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كان مسجد رسول الله ضيق المساحة في عصر النبببوة وخلفببة أبببي‬
‫بكر ‪ ،‬وكان من مناقب عثمان في زمن النببي عنبدما زاد عبدد الصبحابة‬
‫أن اشترى من ماله مساحة من الرض وسع بهببا المسببجد النبببوي ‪ ،‬ثببم‬
‫وسعه أمير المؤمنين عمر فأدخل فيه دار العباس بن عبد المطلب ‪ .‬ثببم‬
‫ازداد عدد المصلين بازدياد عدد سكان المدينة وقاصببديها فوسببعه أميببر‬
‫المؤمنين عثمان مرة أخببرى وجعببل طببوله سببتين ومببائة ذراع وعرضببه‬
‫خمسين ومائة ذراع وجدد بناءه ‪ .‬فاتساع المسجد وازدياد غاشيته وبعببد‬
‫أمكنة بعضهم عن منبر الخطاببة يجبوز أن يكبون مبن ضبرورات ارتفباع‬
‫الخطيب ليراهم ويروه ويسمعوه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصببحابة ) ك ‪ 62‬ب ‪ - 9‬ج ‪ 4‬ص ‪ (208‬مببن حببديث‬
‫سعد بن عبيدة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخبباري اليمببان )‪ ، (8‬مسببلم اليمببان )‪ ، (16‬الترمببذي اليمببان )‬
‫‪ ، (2609‬النسائي اليمان وشرائعه )‪ ، (5001‬أحمد )‪. (2/93‬‬
‫‪3‬‬
‫)( لعل المؤلف يشير إلى حديث ابن عمر في كتاب التفسير من صحيح‬
‫البخاري ) ك ‪ 65‬ب ‪ 2‬تفسير البقرة الحديث ‪ 30‬ج ‪ 5‬ص ‪. (157‬‬
‫‪4‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصحابة ) ك ‪ 62‬ب ‪ - 7‬ج ‪ 4‬ص ‪. (204 - 203‬‬

‫‪106‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فقال‪ :‬من هؤلء القوم ؟ قالوا‪ :‬هؤلء قريش‪ .‬قببال‪ :‬فمببن‬


‫الشيخ فيهم ؟ قالوا‪ :‬عبد الله بن عمر‪ .‬قال‪ :‬يا ابببن عمببر‪،‬‬
‫إني سائلك عن شيء فحدثني عنه‪ .‬هل تعلم أن عثمان فر‬
‫يوم أحد ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬تعلم أنه تغيببب عببن بببدر ولببم‬
‫يشهد‪ :‬قبال ؟ نعبم‪ .‬قبال‪ :‬هبل تعلبم أنبه تغيبب عبن بيعبة‬
‫الرضوان فلم يشهدها ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬اللببه أكبببر ! قببال‬
‫ابن عمر‪ ،‬تعال أبين لك‪ .‬أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله‬
‫عفا عنه وغفر له‪ .‬وأما تغيبه عن بدر فإنه كببان تحتببه بنببت‬
‫رسول الله ‪ ‬وكانت مريضة فقال له رسببول اللببه صببلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسببهمه‬
‫‪ .‬وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعببز ببطببن‬ ‫)‪(1‬‬

‫مكة من عثمان لبعثه مكانه‪ ،‬فبعث رسول الله ‪ ‬عثمببان‬


‫)‪(3‬‬
‫وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهببب عثمببان إلببى مكببة‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( وبعث النبي ببشرى النصر في بدر مع زيد بن حارثة إلى عثمببان فببي‬
‫المدينة ‪ .‬قال أسامة بن زيد ‪ -‬فيما رواه الطبببري ‪ " : - 286 : 2‬فأتانببا‬
‫الخبر حين سوينا التراب على رقية بنببت رسببول اللببه الببتي كببانت عنببد‬
‫عثمان بن عفان ‪ ،‬وكان رسول الله خلفني عليها مببع عثمببان " ثببم فببي‬
‫ربيع الول من السببنة التاليببة لغببزوة بببدر تببزوج عثمببان أم كلثببوم بنببت‬
‫رسول الله وأدخلت عليه في جمادى الخرة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وقبل أن يبعث عثمان دعا عمر بن الخطبباب ليبعثببه إلببى مكببة فيبلببغ‬
‫عنه أشراف قريش ما جاء له ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬يا رسببول اللببه إنببي أخبباف‬
‫قريشا على نفسي وليس في مكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ‪.‬‬
‫ولكني أدلك على رجل هو أعز منببي فيهببا ‪ :‬عثمببان بببن عفببان ‪ .‬فببدعاه‬
‫رسول الله فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ‪ .‬ويوم تببدّون الببدول‬
‫السببلمية تاريببخ السببفارات فببي السببلم ‪ ،‬سببيكون اسببم عثمببان أول‬
‫سفراء السلم في التاريخ ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( لن عثمان لما أدى رسالته في السفارة التي بعث بها احتبس أيامببا ‪.‬‬
‫فلم يعد إلى النبي في الموعد الذي كان يقدر له أن يعود فيببه ‪ ،‬فوصببل‬
‫الخبببر إلببى النبببي بببأن سببفيره قتببل ‪ ،‬فببدعا النبببي الصببحابة إلببى بيعببة‬
‫الرضوان ‪ ،‬انتصببارا لعثمببان ‪ ،‬علببى نيببة أن يببذهب بالصببحابة إلببى مكببة‬
‫فيناجز المشركين لما بلغه عن قتلهببم عثمببان ‪ .‬فبيعببة الرضببوان كببانت‬

‫‪107‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فقبال رسببول اللبه ‪ ‬بيببده اليمنبى‪ " :‬هببذه يبد عثمبان "‬
‫فضرب بها على يده فقال‪ " :‬هذه لعثمببان "‪ .‬ثببم قببال لببه‬
‫ابن عمر‪ :‬اذهب بها الن معك )‪. (1‬‬
‫مؤاخذتهم عثمان بأنه لم يقتل عبيد الله بن عمر‬
‫بن الخطاب بالهرمزان‬
‫‪ - 17‬وأمببا امتنبباعه عببن قتببل عبيببد اللببه بببن عمببر بببن‬
‫‪ .‬فببإن كببان لببم‬ ‫)‪(2‬‬
‫الخطاب بالهرمزان ‪ ،‬فببإن ذلببك باطببل‬
‫رمزا من رموز الشرف لعثمان ‪ ،‬وأي شببرف أعظببم مببن اجتمبباع قببوى‬
‫السلم بقيببادة الرسببول العظببم للخببذ بثببأر هببذا الرجببل الحبببيب إلببى‬
‫المسلمين ‪ ،‬والرفيع المنزلة عند سيد الولين والخريببن ؟ ثببم لمببا علببم‬
‫النبي ‪ -‬في اللحظة الخيرة التي اجتمع فيها الصببحابة لعقببد البيعببة ‪ -‬أن‬
‫عثمان حي ‪ ،‬مضى في إتمام البيعببة علببى سببنته فببي أنببه إذا بببدأ بخيببر‬
‫يمضببي فببي إكمبباله ولببو زال سببببه ‪ .‬وحينئذ كببان لعثمببان الشببرف‬
‫المضاعف بأن يد رسول الله نابت عن يده في عقد البيعة عنببه ‪ .‬فبيعببة‬
‫الرضوان كانت انتصارا لعثمان ‪ ،‬وجميع الصحابة بببايعوا بأيببدي أنفسببهم‬
‫إل عثمان فإن أشرف يد بالوجود نابت عن يده في إعطبباء بيعتببه ‪ .‬ولببو‬
‫لم يكن لعثمان من الشرف في حياته كلها إل هذا لكفاه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( لو أن أمير المؤمنين عثمان كان من حواري المسببيح عليببه السببلم ‪،‬‬
‫وكانت له من سيدنا عيسى ابن مريم مثل هذه المنقبة التي كرمه اللببه‬
‫بها من نبي الرحمة محمد لعبدته النصارى لجلها ‪ .‬فالعجب لمببة يكببون‬
‫فيها جهلة يعيبون على عثمان ‪ -‬في زمانه ‪ -‬غيبته عببن بيعببة الرضببوان ‪،‬‬
‫ويكون فيهم من يستشعر الشجاعة في نفسه عند القببدام علببى سببفك‬
‫دم هذا الخليفة الرحيم لمور هذا منها ‪ ،‬ثم يحمل مثل هببذا الجهببل فببي‬
‫دماغه رجل جاء يعبد الله بأداء فريضة الحج فيواجه به جماعبة الصبحابة‬
‫من قريش ورئيسهم عبد الله بن عمر ‪ .‬ثم تمس الحاجببة إلببى التعببرض‬
‫لبيان هذه الحقائق في عصر القاضي أبي بكببر بببن العربببي ‪ ،‬ثببم يشببعر‬
‫أمثالنا في عصرنا بأن عثمان ل يزال من بعض أمتببه فبي موقبف يحتبباج‬
‫فيه إلى إنصافه ودفع قالة السوء عنه ‪ .‬حقا إننا أمة مسكينة ‪ . . .‬ولمببر‬
‫ما بلغ بنا الحال بين المم إلى مببا كنببا فيببه ‪ ،‬وإلببى مببا ل نببزال غببارقين‬
‫م"‪.‬‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬
‫قوْم ٍ َ‬ ‫ه َل ي ُغَي ُّر َ‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫فيه " إ ِ ّ‬
‫‪2‬‬
‫)( بشهادة ابنه القماذبببان ‪ .‬روى الطبببري ) ‪ 44 - 43 : 5‬مصببر و ‪: 1‬‬
‫‪ 2801‬طبعة أوروبا( عن سيف بن عمر بسنده إلى أبببي منصببور قببال ‪:‬‬
‫سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيببه ‪ . . .‬قببال ‪ " :‬فلمببا ولببي عثمببان‬
‫دعاني فأمكنني منه " ) أي مبن عبيببد اللببه ببن عمبر ببن الخطبباب( ثبم‬
‫قال ‪ " :‬يا بني هذا قاتل أبيك ‪ ،‬وأنت أولى به منا ‪ ،‬فبباذهب ‪ ،‬فبباقتله " ‪.‬‬
‫فخرجت به وما في الرض أحد إل معببي ‪ ،‬إل أنهببم يطلبببون إلببي فيببه ‪.‬‬
‫فقلت لهم ‪ :‬ألي قتله ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ .‬وسبوا عبيد اللببه ‪ .‬فقلببت ‪ :‬أفلكببم‬

‫‪108‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقببد قيببل‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫يفعل فالصحابة متوافرون‪ ،‬والمر في أولببه‬
‫إن الهرمزان سعى في قتل عمببر‪ ،‬وحمببل الخنجببر وظهببر‬
‫وكان قتل عبيد الله له وعثمان لببم يببل بعببد‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫تحت ثيابه‬
‫ولعل عثمان كان ل يببرى علببى عبيببد اللببه حقببا‪ ،‬لمببا ثبببت‬
‫وأيضا فإن أحدا لم يقببم‬ ‫)‪(3‬‬
‫عنده من حال الهرمزان وفعله‬

‫أن تمنعوه ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬وسبوه ‪ .‬فتركته لله ولهم ‪ .‬فاحتملوني ‪ .‬فببوالله‬
‫مببا بلغببت المنببزل إل علببى رءوس الرجببال وأكفهببم " ‪ .‬هببذا كلم ابببن‬
‫الهرمزان وإن كل منصف يعتقد ) ولعل ابن الهرمزان أيضا كان يعتقببد(‬
‫أن دم أمير المؤمنين عمر في عنق الهرمزان ‪ ،‬وأن أبا لؤلببؤة لببم يكببن‬
‫إل آلة فبي يبد هببذا السياسبي الفارسبي ‪ .‬وإن موقببف عثمبان وإخبوانه‬
‫أصحاب رسول من هذا الحادث ل نظير له في تاريخ العدالة النسانية ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وقد تصرف عثمان في هذا المببر بعببد أن ذاكببر الصببحابة فيببه ‪ .‬قببال‬
‫الطبري ) ‪ (41 : 5‬جلس عثمان فببي جببانب المسببجد ودعببا عبيببد اللببه‬
‫وكان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬وهو الذي نزع السببيف مببن‬
‫يده ‪ . . .‬فقال عثمان لجماعة من المهبباجرين والنصببار ‪ :‬أشببيروا علببي‬
‫في هذا الذي فتق في السلم مببا فتببق ‪ .‬فقببال علببي ‪ :‬أرى أن تقتلببه ‪.‬‬
‫فقال بعض المهاجرين ‪ :‬قتببل عمببر أمببس ‪ ،‬ويقتببل ابنببه اليببوم ؟ فقببال‬
‫عمرو بن العبباص ‪ :‬يببا أميببر المببؤمنين ‪ ،‬إن اللببه أعفبباك أن يكببون هببذا‬
‫الحدث كان ولك على المسببلمين سببلطان ‪ ،‬إنمببا كببان هببذا الحببدث ول‬
‫سلطان لك ‪ .‬قال عثمان ‪ :‬أنا وليهم ‪ ،‬وقد جعلتهببا ديببة ‪ ،‬واحتملتهببا فببي‬
‫مالي ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وفي تاريخ الطبري ‪ (42 : 5 ) :‬حديث سببعيد بببن المسببيب أن عبببد‬
‫الرحمن بن أبي بكر الصديق قال غداة طعن عمر ‪ " :‬مررت علببى أبببي‬
‫لؤلؤة عشي أمس ‪ ،‬ومعه جفينة ) وكان نصرانيا من أهببل الحيببرة ظئرا‬
‫لسعد بن أبي وقباص( والهرمببزان ‪ ،‬وهببم نجببي ‪ ،‬فلمببا رهقتهببم ثبباروا ‪،‬‬
‫وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه في وسببطه ‪ .‬فببانظروا بببأي شببيء‬
‫قتل " وخرج في طلبه رجل من بني تميم ‪ ،‬فرجبع إليهببم التميمببي وقببد‬
‫كان ألظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه ‪ .‬وجاء بالخنجر الببذي‬
‫وصف عبد الرحمن بن أبببي بكببر ‪ .‬فسببمع بببذلك عبيببد اللببه بببن عمببر ‪،‬‬
‫فأمسك حببتى مببات عمببر ‪ ،‬ثببم اشببتمل علببى السببيف فببأتى الهرمببزان‬
‫فقتله ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( وكذلك حبر المة عبد الله بن عببباس رأى جببواز قتببل علببوج الفببرس‬
‫الذين في المدينة بل استثناء ‪ .‬قال شيخ السلم ابببن تيميببة فببي منهبباج‬
‫السنة ) ‪ : (200 : 3‬وقد قال عبد الله بن عباس لما طعن عمر ‪ -‬وقال‬
‫له عمر ‪ :‬كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلببوج بالمدينببة ‪ -‬فقببال ) أي‬
‫ابن عباس( ‪ " :‬إن شئت أن نقتلهم " فقال عمببر ‪ " :‬كببذبت ‪ ،‬أفبعببد أن‬
‫تكلموا بلسانكم ‪ ،‬وصلوا إلى قبلتكببم ؟ " ‪ .‬قببال ابببن تيميببة ‪ :‬فهببذا ابببن‬

‫‪109‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بطلبه‪ .‬وكيف يصح مع هذه الحتمالت كلهبا أن ينظبر فبي‬


‫أمر لم يصح ؟‪.‬‬
‫تحقيق علمي عن الكتاب المنسوب لعثمان‬
‫‪ - 18‬وأما تعلقهم ببأن الكتباب وجبد مبع راكبب‪ ،‬أو مبع‬
‫‪ -‬إلى عبد اللبه‬ ‫)‪(1‬‬
‫غلمه ‪ -‬ولم يقل أحد قط إنه كان غلمه‬

‫عباس ‪ -‬وهو أفقه من عبيد الله بن عمر وأدين وأفضل بكثير ‪ -‬يسببتأذن‬
‫عمر في قتل علوج الفرس مطلقا الذين كانوا بالمدينببة ‪ ،‬لمببا اتهمببوهم‬
‫بالفساد ‪ ،‬اعتقد جواز مثل هذا ‪ . . .‬وإذا كان الهرمزان ممن أعان علببى‬
‫قتل عمر كان من المفسدين في الرض المحاربين فيجب قتلببه لببذلك ‪.‬‬
‫ولو قدر أن المقتول معصوم الدم يحرم قتله ‪ ،‬لكن كببان القاتببل متببأول‬
‫ويعتقد حل قتله لشبهة ظاهرة ‪ ،‬صار ذلك شبهة تدرأ عن القاتل ) يعني‬
‫عن عبيد الله بن عمر( قلت ‪ :‬وإلى هذا ذهب عثمان في اكتفببائه بالديببة‬
‫واحتملها من ماله الخاص ‪ .‬ولو أن حادث مقتل أمير المؤمنين عمر بببن‬
‫الخطاب ‪ -‬بجميع ظروفه ‪ -‬وقع مثله في أي بلد آخر مهما بلغ فببي ذروة‬
‫الحضارة لما كان منهم مثل الذي كان من الصحابة فبي تسبامحهم إلبى‬
‫حد المطالبة حتى بقتل ابن أمير المؤمنين المقتول بيببد الغببدر والنذالببة‬
‫والبغي الذميم ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وإنمببا قببالوا إنببه غلم الصببدقة ‪ ،‬أي أحببد رعبباة إبببل الصببدقة ‪ .‬وإبببل‬
‫الصدقة ألوف كثيرة لها مئات من الرعاة ‪ .‬وإن صح أنه مببن رعبباة إبببل‬
‫الصدقة فهؤلء لكثرتهم وتبدلهم دائما بغيرهم ل يكاد يعرفهم رؤسبباؤهم‬
‫فضل عن أن يعرفهم أمير المؤمنين وكبار عماله وأعوانه ‪ .‬ومع افتراض‬
‫أنه من رعاة إبل الصدقة فما أيسر أن يستأجره هؤلء البغاة لغرض من‬
‫أغراضهم ‪ ،‬وقد ثبت أن الشتر وحكيم بن جبلة تخلفا فببي المدينببة عنببد‬
‫رحيل الثوار عنها مقتنعيببن بأجوبببة عثمببان وحججببه ‪ .‬وفببي مببدة تخلببف‬
‫الشتر وحكيم بن جبلة تم تدبير الكتاب وحامله للتذرع بهمبا فبي تجديبد‬
‫الفتنة ورد الثوار ‪ ،‬ولم يكن لحد غير الشتر وأصحابه مصلحة في تجديد‬
‫الفتنة ‪ .‬وكبم لهبم مبن حيبل أكبثر التبواء مبن اسبتئجار راع يرعبى إببل‬
‫الصدقة ‪ .‬بل لقد ذكروا عن محمد بن أبي حذيفة ربيب عثمان البق من‬
‫نعمته أنه كان في نفس ذلك الببوقت موجببودا فببي مصببر يببؤلب النبباس‬
‫علببى أميببر المببؤمنين ويببزور الكتببب علببى لسببان أزواج النبببي ويأخببذ‬
‫الرواحل فيضببمرها ويجعببل رجببال علببى ظهببور البببيوت فببي الفسبطاط‬
‫ووجوههم إلى وجه الشمس لتلوح وجوههم تلويح المسافر ثببم يببأمرهم‬
‫أن يخرجوا إلى طريق الحجاز بمصببر ثببم يرسببلوا رسببل يخبببرون عنهببم‬
‫الناس ليستقبلوهم ‪ . . .‬فإذا لقوهم قالوا إنهم يحملببون كتبببا مببن أزواج‬
‫النبي في الشكوى من حكم عثمان ‪ ،‬وتتلى هذه الكتب في جامع عمبرو‬
‫بالفسطاط على مل الناس وهي مكذوبة مزورة وحملتها كانوا في مصر‬
‫ولم يذهبوا إلى الحجبباز ) انظببر كتبباب السببتاذ المحقببق الشببيخ صببادق‬

‫‪110‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فقد قال لهببم‬ ‫)‪(1‬‬


‫بن سعد بن أبي سرح يأمره بقتل حامليه‬
‫عثمان‪ :‬إما أن تقيموا شاهدين على ذلك‪ ،‬وإل فيميني أنببي‬
‫‪ .‬وقبد يكتبب علببى لسببان الرجبل‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫ما كتبببت ول أمبرت‬
‫‪ .‬فقالوا لتسلم‬ ‫)‪(3‬‬
‫ويضرب على خطه‪ ،‬وينقش على خاتمه‬
‫وإنمببا‬ ‫)‪(4‬‬
‫لنا مروان‪ .‬فقال‪ :‬ل أفعل‪ .‬ولو سلمه لكان ظالما‬
‫عليهم أن يطلبوا حقهبم عنببده علبى مبروان وسبواه‪ ،‬فمببا‬
‫ثبت كان هو منفذه وآخببذه والممكبن لمبن يأخبذه بببالحق‪.‬‬
‫عرجون عن " عثمان بن عفان " ص ‪ (133 - 122‬فتزوير الكتببب فببي‬
‫مأسبباة البغببي علببى أميببر المببؤمنين عثمببان كببان مببن أسببلحة البغبباة‬
‫استعملوه من كل وجه وفي كل الحوال وقد تقدم المثال على ذلك في‬
‫صفحة ‪ ، 59‬وسيأتي طرف منه فيما بعد ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وكيببف يكتببب إلببى عبببد اللببه بببن سببعد بببن أبببي سببرح وقببد أذن لببه‬
‫بالمجيء إلى المدينة ويعلم أنببه خببرج مببن مصببر ) الطبببري ‪(122 : 5‬‬
‫وكان المتسلط على الحكم في الفسطاط محمد بن أبي حذيفبة رئيببس‬
‫البغاة وعميدهم في هذه الجهة ‪ .‬ومضمون الكتاب المزور قد اضببطرب‬
‫رواة أخباره في تعيين مضببمونه ‪ .‬وسببيأتي الكلم علببى ذلببك كلببه فيمببا‬
‫بعد ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( قال شيخ السلم ابن تيمية في منهاج السببنة ) ‪ : (188 : 3‬كببل ذي‬
‫علم بحال عثمان يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ول‬
‫أمثاله ‪ ،‬ول عرف منه قط أنه قتل أحدا مببن هببذا الضببرب ‪ .‬وقببد سببعوا‬
‫في قتله ) أي في قتل أمير المؤمنين عثمان( ودخل عليه محمببد فيمببن‬
‫دخل ‪ ،‬وهو ل يأمر بقتالهم دفعا عن نفسه ‪ ،‬فكيف يبتدئ بقتل معصببوم‬
‫الدم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( وقد حدث مثل ذلببك فبي زمبن عمببر ‪ ،‬كمبا رواه البلذري فببي فتببوح‬
‫البلدان ) ص ‪ 448‬طبع سببنة ‪ (1350‬والحببافظ ابببن حجببر فببي الصببابة‬
‫) ‪ 528 : 3‬طبع سنة ‪. (1328‬‬
‫‪4‬‬
‫)( قال شيخ السلم ابن تيمية في منهاج السنة ) ‪ (189 : 3‬بل عثمببان‬
‫إن كان أمر بقتل محمد بن أبي بكر هو أولى بالطاعة ممبن طلبب قتببل‬
‫مروان ‪ .‬لن عثمان إمام هدى وخليفة راشد يجب عليببه سياسببة رعيتببه‬
‫وقتل من ل يدفع شره إل بقتله ‪ .‬وأما الذين طلبببوا قتببل مببروان فقببوم‬
‫خوارج مفسدون في الرض ليس لهم قتل أحببد ول إقامببة حببد ‪ .‬وليببس‬
‫مروان أولى بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر ‪ ،‬ول هو ) أي ابن أبي‬
‫بكر( أشهر بالعلم والدين منه ) أي من مروان( ‪ .‬بل أخرج أهل الصبحاح‬
‫عببدة أحبباديث عببن مببروان ‪ ،‬ولببه قببول مببع أهببل الفتيببا ‪ ،‬واختلببف فببي‬
‫صحبته ‪ .‬ومحمد بن أبي بكر ليس بهذه المنزلة عند الناس ‪ . . .‬ومروان‬
‫من أقران ابن الزبير ‪ . . .‬الخ ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ومع سابقته وفضببيلته ومكببانته لببم يثبببت عليبه مببا يببوجب‬


‫خلعه فضل عن قتله‪.‬‬
‫قول علي إن الخارجين على عثمان حساد طلب‬
‫دنيا‬
‫وأمثل ما روي في قصته أنه ‪ -‬بالقضاء السببابق ‪ -‬تببألب‬
‫عليه قوم لحقاد اعتقببدوها‪ :‬ممببن طلببب أمببرا فلببم يصببل‬
‫إليه‪ ،‬وحسد حسادة أظهر داءها‪ ،‬وحمله على ذلك قلة دين‬
‫‪ .‬وإذا نظببرت‬ ‫)‪(1‬‬
‫وضعف يقين‪ ،‬وإيثار العاجلة علببى الجلببة‬
‫إليهببم دلببك صببريح ذكرهببم علببى دنبباءة قلببوبهم وبطلن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫أمرهم‬

‫‪1‬‬
‫)( بمثل هذه الوصاف وصفهم أمير المؤمنين علي بن أبببي طببالب فببي‬
‫الخطبة التي خطبهبا علبى الغببرائر فبي معسببكره بالكوفببة عنببدما كبان‬
‫الصحابي الفارس المجاهد القعقبباع بببن عمببرو التميمببي يسببعى بإتمببام‬
‫المهمة التي جاءت عائشببة وطلحببة والزبيببر لتمامهببا ‪ ،‬فببروى الطبببري‬
‫) ‪ (194 : 5‬أن عليا ذكر إنعام الله على المببة بالجماعببة بالخليفببة بعببد‬
‫رسول الله ثم الذي يليه ‪ ،‬ثم الذي يليه ‪ .‬وقببال علببى مسببمع مببن قتلببة‬
‫عثمان ‪ " :‬ثم حدث هذا الحادث الذي جره على المة أقوام طلبوا هببذه‬
‫الدنيا ‪ ،‬حسدوا من أفبباء اللببه عليببه علببى الفضببيلة ‪ ،‬وأرادوا رد الشببياء‬
‫على أدبارها " ثم ذكر أنه راحل غدا إلى البصرة ليجتمببع بببأم المببؤمنين‬
‫وأخويه طلحة والزبير وقال ‪ " :‬أل ول يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان‬
‫بشيء في شيء من أمور الناس ‪ ،‬وليغن السفهاء عني أنفسهم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أجملنا في هامش ص ‪ 58‬أوصاف البارزين ممن خرج علببى عثمببان ‪.‬‬
‫أول مبن اكتشبف سبريرتهم ‪ ،‬ونظبر إلبى وجبوههم بنبور اللبه فتشباءم‬
‫منهم ‪ ،‬رجل السلم المحدث أمير المؤمنين عمر بببن الخطبباب صبباحب‬
‫الفراسة التي ل تخطئ ‪ .‬روى الطبري ) ‪ (86 : 4‬أن عمر لما استعرض‬
‫الجيوش للجهاد سنة ‪ 14‬مببرت أمببامه قببائل السببكون اليمنيببة مببع أول‬
‫كندة يتقدمهم حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج أحد الصببحابة‬
‫الذين فتحوا مصر ثم كان أحد ولتها ‪ ،‬فاعترضهم عمر ‪ ،‬فإذا فيهم فتيببة‬
‫دلم سباط ‪ ،‬فأعرض عنهم ثم أعرض ثم أعرض ‪ ،‬حتى قيل له ‪ :‬ما لببك‬
‫ولهؤلء ؟ فقال ‪ :‬إني عنهم لمتردد ‪ ،‬وما مر بي قوم مببن العببرب أكببره‬
‫إلي منهم ‪ .‬فكان منهم سودان بن حمران وخالد بن ملجم وكلهمببا مببن‬
‫البغاة على عثمان ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫التعريف بالغافقي المصري وكنانة بن بشر‬


‫وسودان بن حمران‬
‫وكنانببة بببن بشببر‬ ‫)‪(1‬‬
‫كان الغافقي المصري أميببر القببوم‬
‫)‪(3‬‬
‫وسودان بن حمران‬ ‫)‪(2‬‬
‫التجيبي‬

‫‪1‬‬
‫)( هو الغافقي بن حرب العكببي مببن أبنبباء وجببوه القبببائل اليمنيببة الببتي‬
‫نزلت مصر عند الفتح ‪ .‬فلما تظاهر ابن سببأ بالتشبيع لعلبي ‪ .‬ولبم يجبد‬
‫مرتفعببا لفسبباده فببي الحجبباز ول فببي الشببام ‪ ،‬اكتفببى باصببطناع بعببض‬
‫العوان في البصرة والكوفببة ‪ ،‬واختببار القامببة فببي الفسببطاط ‪ ،‬فكببان‬
‫الغافقي هذا من قنائصه ‪ ،‬وقد استمالوه من ناحية تهافته على الرئاسببة‬
‫والجاه ‪ .‬وكان محمد بن أبي حذيفة بببن عتبببة المببوي ربيببب البببق مببن‬
‫نعمته هببو اليببد اليمنببى لتنفيببذ خطببط السبببئيين فببي مصببر ‪ ،‬والغببافقي‬
‫للتصدر والظهور ‪ .‬وفي شوال سنة ‪ 35‬أعدوا عدتهم للزحف مببن مصببر‬
‫على المدينة بأربع فرق مجموع رجالها نحو سببتمائة ‪ ،‬وعلببى كببل فرقببة‬
‫رئيس ورئيسهم العام الغافقي هذا ‪ .‬وتظبباهروا بببأنهم يقصببدون الحببج ‪،‬‬
‫وفي المدينة تطورت حركاتهم إلى أن استفحل المر ومنعوا عثمان من‬
‫الصلة بالنبباس فببي المسببجد النبببوي فصببار الغببافقي هببو الببذي يصببلي‬
‫بالناس ) الطبري ‪ . (107 : 5‬ثم لمببا أقنعهببم الشببيطان بببالجرأة علببى‬
‫الجناية الكبرى كان الغافقي أحد المجترئين عليببه وضببربه بحديببدة معببه‬
‫وضرب المصحف برجله فاستدار ) الطبري ‪ (130 : 5‬وبعد قتل عثمان‬
‫بقيت المدينة خمسة أيام وأميرهببا الغببافقي بببن حببرب ‪ ) .‬الطبببري ‪: 5‬‬
‫‪. (155‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وهذا أيضا من قنائص ابن سبأ في مصر ‪ .‬ولما أرسببل عثمببان عمببارا‬
‫إلببى مصببر ليكتشببف لببه أمببر الشبباعات وحقيقببة الحببال ‪ ،‬اسببتماله‬
‫السبئيون ‪ ،‬وكان كنانة بن بشر هببذا واحببدا منهببم ) الطبببري ‪. (99 : 5‬‬
‫وعندما جمعوا أوشاب القبببائل للزحببف علببى المدينببة بحيلببة الحببج فببي‬
‫شوال سنة ‪ 35‬انقسموا في مصر إلى أربع فرق على كل فرقببة أميببر ‪،‬‬
‫وكان كنانة بن بشر أميرا على إحدى هذه الفببرق ) الطبببري ‪(103 : 5‬‬
‫ثم كان في طليعة من اقتحم الدار علببى عثمببان وبيببده شببعلة مببن نببار‬
‫تنضح بالنفط ‪ ،‬فدخل من دار عمرو بن حزم ودخلت الشعل علببى أثببره‬
‫) الطبببري ‪ . (123 : 5‬ووصببل كنانببة التجيبببي إلببى عثمببان فأشببعره‬
‫فيك َهُ ُ‬
‫م‬ ‫س بي َك ْ ِ‬
‫مشقصا ) أي نصل طويل عريضا( فانتضببح الببدم علببى آيببة فَ َ‬
‫ه ‪ ) ،‬الطبري ‪ (126 : 5‬وقطع يد نائلة زوجة عثمان ‪ ،‬واتكأ بالسببيف‬ ‫الل ّ ُ‬
‫على صدر عثمببان وقتلببه ) الطبببري ‪ ، (131 : 5‬قببال محمببد بببن عمببر‬
‫الواقدي ‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني ‪ ،‬عن عبد الرحمببن‬
‫بن الحارث بن هاشم المخزومي المدني المتوفى سنة ‪ 43‬قببال ‪ :‬الببذي‬
‫قتل أمير المؤمنين عثمان هو كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي ) الطبري‬

‫‪113‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫التعريف بعبد الله بن بديل وحكيم بن جبلة‬


‫والشتر‬
‫حكي ْببم بببن‬
‫و ُ‬ ‫خزاعببي‬
‫)‪(1‬‬
‫وعبد الله بن ُبديل بببن َورقبباء ال ُ‬
‫فببي‬ ‫)‪(3‬‬
‫جبلة من أهل البصرة )‪ (2‬ومالك بن الحارث الشتر‬
‫طائفة هؤلء رؤوسهم‪ ،‬فناهيك بغيرهم‪.......‬‬

‫‪ . (123 : 5‬وفيه يقببول الوليببد ببن عقبببة بببن أبببي معيببط ‪ :‬أل إن خيببر‬
‫الخلق بعد ثلثة قتيل التجيبي الذي جاء مببن مصببر وكببانت عاقبببة كنانببة‬
‫هذا وقوعه قتيل في الحرب التي نشبت سنة ‪ 38‬في مصببر بيببن محمببد‬
‫بن أبي بكر الصديق نائب علي وبين عمببرو بببن العبباص ومببن معببه مببن‬
‫جيش معاوية بن حديج السكوني ) الطبري ‪ 59 - 58 : 6‬و ‪. (60‬‬
‫‪3‬‬
‫)( السكوني ‪ ،‬من قبائل مراد اليمنية النازلة في مصر ‪ ،‬وقببد تقببدم فببي‬
‫هامش ص ‪ 112‬أنه كان ‪ -‬في سنة ‪ - 14‬أحد الببذين قببدموا فببي خلفببة‬
‫عمر للجهاد مع جيوش اليمن بقيادة حصين بن نمير ومعاوية بن حديببج ‪،‬‬
‫فلما استعرضهم أمير المؤمنين عمر وقع نظره على سودان بن حمران‬
‫هذا وعلى زميله خالد بن ملجم فتشاءم منهمببا وكرههمببا ‪ .‬ولمببا أرسببل‬
‫أمير المؤمنين عثمان عمارا إلبى مصبر ليكتشبف لبه مصبدر الشباعات‬
‫الكاذبة وحقيقة الحال التف السبئيون بعمار وكببان سببودان بببن حمببران‬
‫منهم ) الطبببري ‪ . (99 : 5‬ولمببا سببير السبببئيون متطوعببة الفتنببة مببن‬
‫أوشاب القبائل اليمنية التي في مصر في شوال سببنة ‪ 35‬نحببو المدينببة‬
‫وجعلوهم أربع فرق كان سودان قائد إحدى هببذه الفببرق ) الطبببري ‪: 5‬‬
‫‪ ، (103‬ولما وصل متطوعة الفتنة إلبى المدينببة وخببرج لهبم محمبد ببن‬
‫مسلمة ليعظم لهم حق عثمببان ومببا فببي رقببابهم مببن البيعببة لببه رآهببم‬
‫ينقادون لربعة هذا واحد منهم ) الطبري ‪ . (118 : 5‬وفي ‪ 131 : 5‬من‬
‫ور سودان ومعه آخرون من دار عمببرو بببن‬ ‫تاريخ الطبري في وصف تس ّ‬
‫حزم إلى دار عثمان ‪ .‬وفي ‪ 130 : 5‬بعض تفاصيل ما وقع من سببودان‬
‫عند ارتكابهم الجناية العظمى ‪ .‬ولما انتهوا من قتل أمير المؤمنين خببرج‬
‫سودان من الدار وهو ينادي ‪ :‬قد قتلنا عثمببان بببن عفببان ) الطبببري ‪: 5‬‬
‫‪. (123‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كان أبوه رجل مسنا من مسلمة الفتح ‪ .‬وورد ذكر عبد الله بببن بببديل‬
‫في الفتنة العظمى على أميببر المببؤمنين عثمببان ‪ ،‬فببذكر الطبببري ) ‪: 5‬‬
‫‪ (125 - 124‬أن المغيرة بن الخنس بببن شببريق الثقفببي حليببف بنببي‬
‫زهرة خرج هو وعبد الله بن الزبير ومروان وغيرهم يببدافعون عببن أميببر‬
‫المؤمنين على باب الدار ‪ ،‬فحمل عبد الله بببن بببديل علببى الخنببس بببن‬
‫شريق وقتله ‪ .‬ونقل الحافظ ابن حجببر فببي ترجمتببه فببي الصببابة ) ‪: 2‬‬
‫‪ (280‬عن ابن الكلبي أن عبد الله بن بببديل وأخباه عببد الرحمبن شبهدا‬
‫صفين مع علي وقتل بها ‪ .‬والظاهر أن أخاه قتببل قبلببه ‪ ،‬فقببد نقببل ابببن‬
‫حجر ) في الصابة ‪ (281 : 2‬عن ابن إسحاق في كتبباب الفببردوس أن‬

‫‪114‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تسيير عثمان مثيري الفتنة إلى معاوية بالشام‬


‫وقد كانوا أثاروا فتنة‪ ،‬فأخرجهم عثمان بالجتهاد‪ ،‬وصاروا‬
‫فببذكرهم بببالله وبببالتقوى‬ ‫)‪(1‬‬
‫فببي جمبباعتهم عنببد معاويببة‬
‫حببتى قببال لببه زيببد‬ ‫)‪(2‬‬
‫لفسبباد الحببال وهتببك حرمببة المببة‬

‫عبيد الله بن عمر بن الخطبباب لمببا قببدم الكوفببة ‪ -‬أي مببع جيببش أهببل‬
‫الشام ‪ -‬لقي عبد الله بن بديل ‪ ،‬فنصح له ابن بببديل بببأن ل يهببرق دمببه‬
‫فببي هببذه الفتنببة ‪ ،‬فاعتببذر عبيببد اللببه بببن عمببر بببأنه يطلببب بببدم أميببر‬
‫المؤمنين عثمان الذي قتل ظلما ‪ .‬واعتذر ابن بديل بأنه يطلب بدم أخيه‬
‫الذي قتل ظلما ‪ .‬وكيف يكون أخوه قتل ظلما وقد قتل في فتنة تطببوع‬
‫للمساهمة فيها مختارا ‪ ،‬بينما عثمان وهو أمير المببؤمنين الببذي لببه حببق‬
‫الولية عليهم كان مبغيا عليه من ابن بديل وأمثبباله ومببن هببم أقببل منببه‬
‫شأنا ‪ ،‬ومع ذلك لم يقاتل أحدا ‪ ،‬ولم يدافع عن نفسه ‪ ،‬ونهى النبباس أن‬
‫يدافعوا عنه أوباشا قدموا إلى مدينة الرسول من مختلف البلد ليرتكبوا‬
‫الشر والثم ‪ .‬وأين عثمان الذي ملت حسناته الرض وتعطببرت بأريجهببا‬
‫السماء من عبد الرحمن بن بديل الذي ل يكاد يعرف له التاريخ عمل ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عمببان‬ ‫حكيم بن جبلة العبدي مببن قبببائل عبببد القيببس ‪ ،‬أصببلهم مببن ُ‬ ‫)( ُ‬
‫وسواحل الخليج الفارسي ‪ ،‬وتوطن بالبصرة بعد تمصيرها ‪ .‬وكان حكيببم‬
‫هذا شابا جريئا ‪ ،‬وكانت الجيببوش السببلمية الببتي تزحببف نحببو الشببرق‬
‫لنشر الدعوة والفتوح تصدر عن البصرة والكوفة ‪ ،‬فكان حكيم بن جبلببة‬
‫يرافق هذه الجيوش ‪ ،‬ويجببازف فبي بعببض حملت الخطببر ‪ ،‬كمببا تفعببل‬
‫كتائب ) الكوماندوس( فببي هببذا العصببر ‪ .‬وقببد اسببتعملته جيببوش أميببر‬
‫المؤمنين عثمان في إحدى هذه المهمات عند محاولتها استكشاف الهند‬
‫ت بذلك في مقالة ) طلئع السببلم فببي الهنببد( ‪ .‬ويؤكببد شببيوخ‬ ‫كما نوه ُ‬
‫سيف بن عمر التميمي ) وهو أعرف المؤرخين بتاريخ العراق( علببى مببا‬
‫نقله عنه الطبري ) ‪ (90 : 5‬أن حكيم بن جبلة كان إذا قفلت الجيببوش‬
‫خنس عنهم فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ويتنكببر لهببم‬
‫ويفسد في الرض ويصيب ما شاء ثم يرجع ‪ .‬فشكاه أهببل الذمببة وأهببل‬
‫القبلة إلى عثمان ‪ ،‬فكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر أن احبسه ومن‬
‫كان مثله فل يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشببدا ‪ ،‬فحبسببه ) أي‬
‫منعه من مبارحة البصرة( ‪ .‬فلما قدم عبد الله بن سبأ البصرة نزل على‬
‫حكيم بن جبلة ‪ ،‬واجتمع إليه نفبر ‪ ،‬فنفبث فيهبم سبمومه ‪ .‬فبأخرج اببن‬
‫عامر عبد الله بن سبأ من البصرة ‪ ،‬فببأتى الكوفببة فببأخرج منهببا ‪ ،‬ومببن‬
‫هناك رحل ابن سبأ إلى الفسطاط ولبث فيه وجعببل يكبباتبهم ويكبباتبونه‬
‫ويختلف الرجال بينهم ‪ .‬وذكر الطبري ) ‪ (104 : 5‬أن السبئية لما قرروا‬
‫الزحف من المصار على مدينة الرسول كان عدد مببن خببرج منهببم مببن‬
‫البصرة كعدد من خرج من مصر ‪ ،‬وهم مقسمون كذلك إلى أربع فرق ‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫" كما تكثر علينا بالمرة وبقريش‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫صوحان ‪ -‬فيما ُيروى‬
‫فما زالت العرب تأكل من قوائم سيوفها وقريببش تجببار "‬
‫‪ .‬فقال له معاوية‪ " :‬ل أم لك‪ .‬أذكرك بالسلم وتذكرني‬ ‫)‪(2‬‬

‫والمير على إحدى هذه الفرق حكيم بن جبلة ‪ ،‬ونزلوا في المدينببة فببي‬
‫مكان يسمى ذا خشب ‪ .‬ولما حصبوا أمير المؤمنين عثمان وهو يخطببب‬
‫على المنبر النبوي كان حكيم بن جبلة واحدا منهم ) الطبري ‪(106 : 5‬‬
‫ولما رحل الثوار عن المدينة في المبرة الولبى بعبد مناقشبتهم لعثمبان‬
‫وسماعهم دفاعه واقتناعهم ‪ ،‬تخلف في المدينة الشتر وحكيم بن جبلببة‬
‫) الطبري ‪ (120 : 5‬وفي ذلك شبهة قويببة بببأن لهببم دخل فببي افتعببال‬
‫الكتاب المزور على أمير المؤمنين ‪ .‬ولما جاءت عائشة وطلحة والزبيببر‬
‫ي علببى رد‬ ‫إلى البصببرة وأوشببكوا أن يتفبباهموا مببع أميببر المببؤمنين علب ّ‬
‫المور إلى نصابها كان حكيم بن جبلة هببو الببذي أنشببب القتببال لئل يتببم‬
‫التفاهم والتفاق ) الطبري ‪ 176 : 5‬وما بعبدها( ‪ .‬وارتكببب دنبباءة قتببل‬
‫امرأة من قومه سمعته يشتم أم المؤمنين عائشببة فقببالت لببه ‪ :‬يببا ابببن‬
‫الخبيثة أنت أولى بذلك ‪ .‬فطعنهبا فقتلهبا ) الطببري ‪ ، (176 : 5‬وحينئذ‬
‫تخلى قومه عن نصرته إل الغمار منهم ‪ ،‬ومببا زال يقاتببل حببتى قطعببت‬
‫رجله ‪ ،‬ثم قتل وقتل معببه كببل مببن كببان فببي الوقعببة مببن البغبباة علببى‬
‫عثمان ‪ ،‬ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة ‪ " :‬أل من كبان فيكببم مبن‬
‫قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم " فجيء بهم كما يجاء بالكلب‬
‫فقتلوا ‪ .‬فما أفلت منهم إل حرقوص بن زهيببر السببعدي مببن بنببي تميببم‬
‫) الطبري ‪ . (180 : 5‬روى عامر بن حفص عن أشببياخه قببال ‪ :‬ضببرب‬
‫دان يقال له ضخيم فمال رأسببه فتعلببق بجلببده‬ ‫عنق حكيم رجل من الح ّ‬
‫فصار وجهه في قفاه ‪ ،‬الطبري ) ‪. (182 : 5‬‬
‫ذحببج ‪ ،‬بطببل شببجاع مببن‬ ‫م ْ‬
‫خع ‪ ،‬وهي قبيلببة يمنيببة مببن قبببائل َ‬
‫)( من الن َ‬ ‫‪3‬‬

‫أبطال العرب ‪ ،‬كان أول مشبباهده الحربيببة فببي اليرمببوك ‪ ،‬وفيهببا فقببد‬
‫إحببدى عينيببه ‪ ،‬ثببم شبباء اللببه أن يكببون سببيفه مسببلول علببى إخببوانه‬
‫المسلمين في مواقف الفتنة ‪ .‬ولو أنببه لببم يكببن ممببن ألببب علبى أميببر‬
‫المؤمنين عثمان ‪ ،‬وكتب الله أن تكون وقائعه الحربيبة فببي نشبر دعببوة‬
‫السلم وتوسيع الفتوح ‪ ،‬لكان له في التاريخ شببأن آخببر ‪ .‬والببذي دفعببه‬
‫في هذا الطريق غلوه في الدين وحبببه للرئاسببة والجبباه ‪ ،‬ولسببت أدري‬
‫كيف اجتمعتا فيه ‪ .‬والشتر أحد الببذين اتخببذوا الكوفببة دار إقامببة لهببم ‪،‬‬
‫فلما كانت إمارة الوليد بن عقبة علببى الكوفببة كببان الشببتر يشببعر فببي‬
‫نفسه ببأنه أهبل للوليبة والرئاسبة ‪ ،‬فبانزلق مبع العبائبين علبى الدولبة‬
‫ورجالها ‪ ،‬من الخليفة العلى في المدينة إلى عامله على الكوفة الوليببد‬
‫بن عقبة ‪ .‬ولما سرق أبو زينب وأبو مورع خاتم الوليد من منزلببه وذهبببا‬

‫‪116‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بالجاهلية ! قبح الله من كثر على أمير المؤمنين بكم‪ ،‬فما‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫أنتم ممن ينفع أو يضر‪ .‬اخرجوا عني‬

‫به إلى المدينة فشهدا على الوليد بشرب الخمر كمببا تقببدم فببي ص ‪96‬‬
‫أسرع الشتر وآخرون معه بالذهاب إلى المدينببة لتوسببيع دائرة الفتنببة ‪،‬‬
‫حتى إذا عزل عثمان الوليد بسعيد بن العاص عاد الشتر مع سببعيد إلببى‬
‫الكوفببة ‪ ) ،‬الطبببري ‪ . (63 : 5‬وكببان عثمببان قببد سببن نظببام مبادلببة‬
‫الراضي ‪ ،‬فمن كانت له أرض مببن الفيببء فببي مكببان بعيببد عنببه يبببادل‬
‫عليها بأرض قريبة منه بالتراضي بين المتبادلين ‪ .‬وبهذه الطريقببة تخلببى‬
‫طلحة بن عبيد الله عن أسهمه فبي خيبببر واشببترى بهبا مبن فيبء أهبل‬
‫المدينة بالعراق أرضا يقال لهببا النشاسببتج ) الطبببري ‪ . (64 : 5‬وبينمببا‬
‫كان سعيد بن العاص في دار المارة بالكوفة والناس عنببده أثنببى رجببل‬
‫على طلحة بن عبيد الله بالجود ‪ ،‬فقال سعيد بن العبباص ‪ :‬لببو كببان لببي‬
‫مثل أرض النشاستج لعاشكم الله عيشا رغدا ‪ .‬فقال لببه عبببد الرحمببن‬
‫بن خنيس السدي ‪ :‬وودت لو كان هذا الملطاط لببك ‪ .‬والملطبباط أرض‬
‫على جانب الفرات كانت لل كسرى ‪ .‬فغضب الشببتر وأصببحابه وقببالوا‬
‫للسدي ‪ :‬تتمنى له من سوادنا ؟ فقال والببده ‪ :‬ويتمنببى لكببم أضببعافه ‪.‬‬
‫فثار الشتر وصحبه على السدي وأبيه وضبربوهما فبي مجلبس المبارة‬
‫حتى غشي عليهما ‪ .‬وسمعت بذلك بنببو أسببد فجبباءوا وأحبباطوا بالقصببر‬
‫ليدافعوا عن رجليهما ‪ ،‬فتلفى سعيد بببن العبباص هببذه الفتنببة بحكمتببه ‪،‬‬
‫ورد بني أسد عن الشتر وجماعته ‪ .‬وكتببب أشببراف الكوفببة وصببلحاؤها‬
‫إلى عثمان فببي إخببراج هببؤلء المشباغبين مببن بلببدهم ‪ ،‬فأرسببلهم إلببى‬
‫معاوية في الشام ) الطبري ‪ (86 - 85 : 5‬ثم أخرجهم معاوية فنزلوا‬
‫جزيرة ابن عمر تحت حكم عبد الرحمن بببن خالببد بببن الوليببد ‪ ،‬إلببى أن‬
‫تظاهروا بالتوبة ‪ ،‬فذهب الشتر إلى المدينة ليرفع إلى عثمببان تببوبتهم ‪،‬‬
‫فرضي عنه عثمان وأباح لببه الببذهاب حيببث شبباء ‪ ،‬فاختببار العببودة إلببى‬
‫زملئه الذين عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في الجزيرة ) الطبري‬
‫‪ . (88 - 87 : 5‬وفي الوقت الذي كان فيه الشتر يعرض على عثمان‬
‫توبته وتوبة زملئه وذلك في سنة ‪ 34‬كان السبئيون في مصببر يكبباتبون‬
‫أشياعهم في الكوفة والبصرة بأن يثوروا علببى أمرائهببم واتعببدوا يومببا ‪،‬‬
‫فلم يستقم ذلك إل لجماعة الكوفة ‪ ،‬فثار بهم يزيببد بببن قيببس الرحبببي‬
‫) الطبري ‪ . (101 : 5‬ولما وصل الشتر من المدينة إلى إخوانه الببذين‬
‫عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وجد بين أيديهم كتابببا مببن يزيببد بببن‬
‫قيس الرحبي يقول لهم فيه ‪ :‬ل تضعوا كتابي من أيببديكم حببتى تجيئوا ‪.‬‬
‫فتشاءموا من هذه الدعوة وآثروا البقاء ‪ ،‬وخالفهم الشتر فرجببع عاصببيا‬

‫‪117‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫انتقال مثيري الفتنة إلى منطقة عبد الرحمن بن‬


‫خالد ومعاملته لهم بالحزم‬
‫وأخبره ابن الكواء بأهل الفتنة في كل بلببد ومببؤامرتهم‬
‫فكتب إلى عثمان يخبره بذلك‪ ،‬فأرسل إليه بإشخاصهم‬ ‫)‪(1‬‬

‫فمروا بعبد الرحمن بن خالد بببن‬ ‫)‪(2‬‬


‫إليه‪ .‬فأخرجهم معاوية‬

‫بعد توبته ‪ ،‬والتحق بثوار الكوفة وقد نزلوا في الجرعة ‪ -‬مكببان مشببرف‬
‫على القادسية ‪ -‬وهناك تلقوا سعيد بن العاص أميببرا علببى الكوفببة وهببو‬
‫عائد من المدينة فردوه ‪ ،‬ولقي الشتر مولى لسعيد بن العاص فضببرب‬
‫الشببتر عنقببه ‪ .‬وبلببغ عثمببان أنهببم يريببدون إقالببة سببعيد بببأبي موسببى‬
‫الشعري فأجابهم إلى ما طلبوا ) الطبري ‪ . (94 - 93 : 5‬ولما فشل‬
‫موعببد سببنة ‪ 34‬واقتصببرت الفتنببة علببى مببا كببان فببي الجرعببة ‪ ،‬اتعببد‬
‫السبئيون للسنة التي بعدها ) سنة ‪ (35‬ورتبوا أمرهم على التببوجه إلببى‬
‫المدينة مع الحجاج كالحجاج ‪ ،‬وكببان الشببتر مببع خببوارج الكوفببة رئيسببا‬
‫على فرقة من فرقهم الربع ) الطبري ‪ . (104 : 5‬وبعد وصببولهم إلببى‬
‫المدينة ناقشهم أمير المؤمنين عثمان وبين لهم حجته في كل مببا كببانوا‬
‫يظنونه فيه ‪ ،‬فاقتنع جمهورهم بذلك وحملوا رؤساء الفتنببة علببى الرضببا‬
‫بأجوبة عثمان وارتحلوا من المدينة للمرة الولى ‪ .‬إل أن الشتر وحكيببم‬
‫بن جبلة تخلفا في المدينة ولم يرتحل معهم ) الطبري ‪ . (120 : 5‬ولما‬
‫وصل المصريون إلى مكان يسمى البببويب اعترضببهم راكببب مثببل لهببم‬
‫دور حامل الكتاب المزعوم ‪ ،‬وسيأتي الحديث عن ذلببك فببي ص ‪. 126‬‬
‫ونقل الطبري ) ‪ (194 : 5‬أن الشتر كبان فبي مبؤتمر السببئيين البذي‬
‫عقدوه قبيل ارتحال علي من الكوفببة إلببى البصببرة للتفباهم مبع طلحببة‬
‫والزبير وعائشة ‪ .‬فقرر السبئيون في مؤتمرهم هبذا أن ينشببوا الحبرب‬
‫بين الفريقين قبل أن يصطلحا عليهم ‪ .‬وفي وقعة الجمل اصببطرع عبببد‬
‫الله بن الزبير والشتر واختلفا ضربتين وقال عبد الله بببن الزبيببر كلمتببه‬
‫المشهورة ‪ " :‬اقتلوني ومالكا " فأفلت منه مالك الشتر ‪ ،‬روى الطبري‬
‫) ‪ (217 : 5‬عن الشعبي أن الناس كانوا ل يعرفون الشتر باسم مالك ‪،‬‬
‫ولو قال ابن الزبير " اقتلوني والشتر " وكان للشتر ألف ألف نفس ما‬
‫نجا منها شيء ‪ ،‬وما زال يضببطرب فببي يببدي ابببن الزبيببر حببتى أفلببت ‪.‬‬
‫وروى الطبري ) ‪ (194 : 5‬أن عليا لما فرغ من البيعة بعد وقعة الجمل‬
‫واستعمل عبد الله بن عباس على البصرة بلغ الشببتر الخبببر باسببتعمال‬
‫علي ابن عباس فغضب وقال ‪ " :‬علم قتلنا الشيخ إذن ؟ ! اليمن لعبيببد‬
‫الله ‪ ،‬والحجاز لقثم ‪ ،‬والبصبرة لعببد اللبه ‪ ،‬والكوفبة لعلبي ! " ثبم دعبا‬
‫بدابته فركب راجعا ‪ .‬وبلغ ذلك عليببا فنببادى ‪ :‬الرحيببل ! ثببم أجببد السببير‬
‫فلحق به فلم يره أنه بلغه عنه وقال ‪ " :‬مببا هببذا السببير ؟ سبببقتنا ! " ‪.‬‬
‫وخشي إن ُترك والخروج أن يوقع في نفس النبباس شببرا ‪ .‬ثببم اشببترك‬
‫الشتر في حرب صفين ‪ .‬ووله علي إمارة مصر بعببد صببرف قيببس بببن‬

‫‪118‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فحبسهم‪ ،‬ووبخهم‪ ،‬وقال لهم‪ " :‬اذكروا مببا كنتببم‬ ‫)‪(1‬‬


‫الوليد‬
‫‪ .‬وحصرهم‪ ،‬وأمشاهم بين يديه أذلء‬ ‫)‪(2‬‬
‫تذكرون لمعاوية "‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫حتى تابوا بعد حول‬
‫وكتب إلى عثمان بخبرهم‪ ،‬فكتب إليه أن سرحهم إلببي‪.‬‬
‫فلما مثلوا بين يديه جددوا التوبببة‪ ،‬وحلفببوا علببى صببدقهم‪،‬‬

‫سعد بن عبادة عنها ‪ .‬فلما وصل القلزم ) السويس( شرب شربة عسل‬
‫فمات ‪ ،‬فقيل إنها كانت مسمومة ‪ ،‬وكان ذلببك سببنة ‪ ) 38‬الصببابة ‪: 3‬‬
‫‪. (482‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أثاروا الفتنة يوم ضربوا عبد الرحمن بن خنيببس السببدي وأببباه وهببم‬
‫في دار المارة بالكوفة ‪ ،‬فكتب أشراف الكوفة وصببلحاؤها إلببى عثمببان‬
‫بإخراجهم إلببى بلببد آخببر ‪ ،‬فسببيرهم إلببى معاويببة فببي الشببام ‪ .‬والببذين‬
‫سببيروا إلببى معاويببة ‪ :‬هببم الشببتر النخعببي ‪ ،‬وابببن الكببواء اليشببكري ‪،‬‬
‫وصعصعة بن صوحان العبدي ‪ ،‬وأخوه زيببد ‪ ،‬وكميببل بببن زيبباد النخعببي ‪،‬‬
‫وجندب بن زهير الغامدي ‪ .‬وجندب بن كعب الزدي ‪ ،‬وثببابت بببت قيببس‬
‫بن منقع ‪ ،‬وعروة بن الجعد البارقي ‪ ،‬وعمرو بن الحمق الخزاعي ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نببص كلم معاويببة كمببا رواه الطبببري ) ‪ " : (86 : 5‬إنكببم قببوم مببن‬
‫العرب ‪ ،‬لكببم أسببنان وألسببنة ‪ ،‬وقببد أدركتببم بالسببلم شببرفا ‪ ،‬وغلبتببم‬
‫المم ‪ ،‬حويتم مراتبهم ومواريثهم ‪ .‬وقد بلغني أنكم نقمتم قريشببا ‪ ،‬وإن‬
‫قريشا لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم ‪ .‬إن أئمتكم لكم إلى اليوم جنببة ‪،‬‬
‫فل تسدوا عن جنتكم ‪ .‬وإن أئمتكببم اليبوم يصبببرون لكببم علببى الجبور ‪،‬‬
‫ويحتملون منكم المؤونة ‪ ،‬والله لتنتهن أو ليبتلينكم اللببه بمببن يسببومكم‬
‫ثم ل يحمدكم على الصبببر ‪ ،‬ثببم تكونببون شببركاءهم فيمببا جررتببم علببى‬
‫الرعية في حياتكم وبعد موتكم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( بل القائل أخوه صعصعة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وقال أيضا لمعاويببة ‪ " :‬وأمببا مببا ذكببرت مببن الجنببة ‪ ،‬فببإن الجنببة إذا‬
‫اخترقت خلص إلينا " أي إذا قتلنا ولتنا صارت الولية إلينا ‪ .‬ولو أن هذه‬
‫الكلمة قالها ثائر وهو في قبضة حاكمه ‪ -‬منذ بببدأت الحكومببات إلببى أن‬
‫تقوم السباعة ‪ -‬مبا وجبد مبن حباكمه حلمبا وسبعة صبدر كالبذي وجبده‬
‫صعصعة من معاوية مع قدرته عليه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وجواب معاوية على كلم صعصعة في وصف قريش ومكانتها طويببل‬
‫ونفيس‪ ،‬وقد أورده الطبري )‪. (86 : 5‬‬
‫‪1‬‬
‫)( قال ابن الكواء فيما نقله الحافظ ابن عساكر في ترجمته مببن تاريببخ‬
‫دمشق ) ‪ (299 : 7‬وأبو جعفر الطبببري فببي تبباريخه ) ‪ (92 : 5‬يصببف‬
‫لمعاوية أهل الحداث من أهل المصار ‪ " :‬أمبا أهبل الحبداث مبن أهبل‬
‫المدينببة فهببم أحببرص المببة علببى الشببر ‪ ،‬وأعجزهببم عنببه ‪ .‬وأمببا أهببل‬
‫الحداث من أهل الكوفة فإنهم أنظر الناس في صغير ‪ ،‬وأركبببه لكبببير ‪.‬‬
‫وأما أهببل الحببداث مبن أهببل البصببرة فببإنهم يببردون جميعببا ويصببدرون‬

‫‪119‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وخيرهم حيث يسيرون‪ ،‬فاختببار‬ ‫)‪(1‬‬


‫وتبرأوا مما نسب إليهم‬
‫كببل واحببد مببا أراد مببن البلد‪ :‬كوفببة‪ ،‬وبصببرة‪ ،‬ومصببر‪،‬‬
‫فأخرجهم‪ .‬فما استقروا فببي حيببث مببا سبباروا حببتى ثبباروا‬
‫)‪(2‬‬
‫وألبوا‪ ،‬حتى انضاف إليهم جمع‬

‫شتى ‪ .‬وأمببا أهببل الحببداث مببن أهببل مصببر فهببم أوفببى النبباس بشببر ‪،‬‬
‫وأسرعه ندامببة ‪ .‬وأمببا أهببل الحببداث مببن أهببل الشببام فببأطوع النبباس‬
‫لمرشدهم ‪ ،‬وأعصاه لمغويهم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وكتب فيهم إلى عثمان ‪ " :‬إنه قدم على أقوام ليست لهم عقببول ول‬
‫أديان ‪ .‬أثقلهم السلم ‪ ،‬وأضجرهم العدل ‪ .‬ل يريبدون اللبه بشبيء ‪ ،‬ول‬
‫يتكلمون بحجة ‪ .‬إنما همهم الفتنة ‪ ،‬وأموال أهل الذمببة ‪ .‬واللببه مبتليهببم‬
‫ومختبرهم ‪ ،‬ثم فاضحهم ومخزيهم ‪ .‬وليسوا بالذين ينكببون أحببدا إل مببع‬
‫غيرهم ‪ .‬فانه سعيدا ومن قبله عنهم ‪ ،‬فإنهم ليسوا لكببثر مببن شببغب أو‬
‫نكير " ) الطبري ‪. (87 : 5‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وكان يلي حمص لمعاوية ‪ .‬ويتبعه منطقة الجزيرة ‪ -‬حران والرقة ‪. -‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وذلك بعد قوله لهم ‪ " :‬يا ألة الشيطان ‪ ،‬ل مرحبا بكم ول أهل ‪ .‬وقببد‬
‫رجع الشيطان محسورا وأنتم بعد نشاط ‪ .‬خسر الله عبد الرحمن إن لم‬
‫يؤدبكم حتى يحسركم ‪ .‬يا معشر من ل أدري أعببرب أم عجببم ‪ ،‬لكببي ل‬
‫تقولوا لي ما يبلغني أنكم تقولون لمعاوية ‪ .‬أنا ابن خالد بن الوليببد ‪ ،‬أنببا‬
‫ابن من عجمته العاجمات ‪ ،‬أنببا ابببن فبباقئ الببردة ‪ .‬واللببه لئن بلغنببي يببا‬
‫صعصعة بن ذل أن أحدا ممببن معبي دق أنفببك ثببم أمصببك لطيببرن بببك‬
‫طيرة بعيدة المهوى " ) الطبري ‪. (87 : 5‬‬
‫‪3‬‬
‫)( كببان كلمببا ركببب أمشبباهم ‪ ،‬فببإذا مببر بببه ) صعصببعة( قببال ‪ :‬يببا ابببن‬
‫الحطيئة ‪ ،‬أعلمت أن من لببم يصببلحه الخيببر أصببلحه الشببر ؟ مببا لببك ل‬
‫تقول كما كان بلغني أنك تقول لسببعيد ومعاويببة ؟ فيقببول ‪ ،‬ويقولببون ‪:‬‬
‫نتوب إلى الله ‪ ،‬أقلنا أقالك الله ) الطبري ‪. (88 - 87 : 5‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الذي قدم إلى أمير المؤمنين عثمان في المدينة هببو الشببتر النخعببي‬
‫وحده ‪ ،‬وهو الذي نبباب عببن ابنببي صببوحان وابببن الكببواء والخريببن فببي‬
‫تجديد التوبة التي أعلنوها من قبل لعبد الرحمببن بببن خالببد بببن الوليببد ‪:‬‬
‫غير أن الفتنة لم تكن مقتصرة على هؤلء ‪ ،‬بل كانت جرثومتهببا فببي يببد‬
‫ابببن سبببأ الببذي اختببار القامببة فببي الفسببطاط ‪ ،‬وكببان لهببا جنبباح فببي‬
‫البصرة ‪ ،‬وللشتر وإخوانه بقية في الكوفببة ‪ .‬وبينمببا كببان الشببتر يجببدد‬
‫توبته وتوبة إخوانه في المدينببة كببان أعببوان ابببن سبببأ يكبباتبون البصببرة‬
‫والكوفة في موعد يثبون فيه على ولتهم ‪ ،‬فما رجع الشتر بتببوبته إلببى‬
‫إخوانه الذين كانوا عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد حتى وجد عندهم‬
‫كتابا من إخوانهم في الكوفة يدعونهم للشتراك فيمببا اتعببدوا لببه ‪ ،‬فلببم‬
‫يبتهج بهذه الدعوة إلى الفتنة والشر إل الشتر الذي لم يكببن قببد نسببي‬

‫‪120‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫مسير فرق الثوار إلى المدينة‬


‫على أهل مصر عبد الرحمن بن عببديس‬ ‫)‪(1‬‬
‫وساروا إليه‬
‫وعلى أهببل‬ ‫)‪(3‬‬
‫وعلى أهل البصرة حكيم بن جبلة‬ ‫)‪(2‬‬
‫البلوي‬
‫‪ .‬فببدخلوا‬ ‫)‪(4‬‬
‫الكوفببة الشببتر مالببك بببن الحببارث النخعببي‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫المدينبببة هلل ذي القعبببدة سبببنة خمبببس وثلثيبببن‬
‫فاسببتقبلهم عثمببان‪ .‬فقببالوا‪ :‬ادع بالمصببحف‪ .‬فببدعا بببه‪،‬‬

‫توبته بعد ‪ ،‬فأسببرع إلببى الكوفببة وانضببم إلببى الفتنببة الببتي تسببمى فببي‬
‫التاريخ ) يوم الجرعة( وكان ذلك سنة ‪. 34‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لما أخفق السبئيون في الوثوب علببى ولتهببم سببنة ‪ 34‬فببي الموعببد‬
‫الذي وقعت فيه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي إلى أمير المؤمنين عثمان في مدينة الرسول ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( فارس شاعر ‪ ،‬نزل مصر مع جيش الفتح ‪ ،‬ولم يعرف له في سببيرته‬
‫شيء انفراد بالمتياز به غير اشتراكه في هببذه الفتنببة ‪ ،‬مببع دعببواه أنببه‬
‫كان من الببذين بببايعوا تحببت الشببجرة ‪ .‬وأظنببه لببم يكببن مببن الببرءوس‬
‫المدبرين للفتنة ‪ ،‬ولكن مدبريها استغلوا ميله إلى الرئاسبة ‪ ،‬فاسببتفادوا‬
‫من سنه ووجاهته بين فرسببان القببائل العربيبة بمصببر ‪ ،‬وولبوه القيبادة‬
‫على إحدى الفرق الربع التي خرجببت مببن مصببر إلببى المدينببة ) وقببادة‬
‫الفرق الثلث الخرى ‪ :‬كنانة بببن بشببر التجيبببي ‪ ،‬وسببودان بببن حمببران‬
‫السببكوني ‪ ،‬وقببتيرة السببكوني ‪ .‬ورئيسببهم العلببى الغببافقي بببن حببرب‬
‫العكي( ‪ .‬وكان عبد الرحمن بن عديس في مدة الحصببار شببديد الوطببأة‬
‫على أمير المؤمنين عثمان وأهل بيته ‪ .‬ثم كانت عاقبته القتل فببي جبببل‬
‫الجليل بالقرب من حمص ‪ ،‬لقيه أحد العراب ‪ ،‬فلما اعترف له أنه مببن‬
‫قتلة عثمان بادر بقتله )معجم البلببدان ليبباقوت ‪ :‬الجليببل( ‪ .‬وأخطببأ مببن‬
‫نسب ابن عديس إلى تجيب ‪ ،‬فإنه بلوي من قضبباعة ‪ .‬أمببا تجيببب بنببت‬
‫ثوبان المذحجية فل ينسب إليها إل بنو ولديها سعد وعدي بن أشرس بن‬
‫شبيب بن السكون من كندة ‪ ،‬وأين كندة من قضاعة! ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تقدم التعريف به في ص ‪115‬ب ‪ . 116‬وهو أمير إحدى الفببرق الربببع‬
‫البصرية ) والثلثة الخرون ‪ :‬ذريح بن عباد العبدي ‪ ،‬وبشببر بببن شببريح "‬
‫الحطم " ‪ ،‬وابن المحرش الحنفي ‪ .‬ورئيسهم العلى حرقوص بن زهيببر‬
‫السعدي( ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( تقدم التعريف به في ص ‪116‬ب ‪ . 119‬وهو أمير إحدى الفببرق الربببع‬
‫الكوفية ) والثلثة الخرون ‪ :‬زيد بن صوحان العبببدي ‪ ،‬وزيبباد بببن النضببر‬
‫الحارثي ‪ ،‬وعبد الله بن الصم ‪ .‬ورئيسهم العلى عمرو بن الصم( ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( نزلوا خارج المدينة على ثلث مراحل منهببا ‪ ،‬ثببم تقببدم ثببوار البصببرة‬
‫فنزلوا في ذي خشب ‪ ،‬ونزل ثوار الكوفة العوص ‪ ،‬ونزل عببامتهم بببذي‬
‫المروة ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ -‬يعني يونس ‪ -‬فقالوا‪ :‬اقرأ‪ .‬فقرأ‬ ‫)‪(1‬‬


‫فقالوا‪ :‬افتح التاسعة‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫حتى انتهى إلى قوله‪} :‬‬
‫قالوا‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫له‪ :‬قف‪ .‬قالوا له‪ :‬أرأيت ما حميت مببن الحمببى‪ ،‬أذن اللببه‬
‫ه‪ ،‬إنما نزلت في كببذا‪.‬‬
‫ض ْ‬
‫لك أم على الله افتريت؟ قال‪ :‬ام ِ‬
‫وقد حمى عمر‪ ،‬وزادت البل فزدت )‪. (3‬‬
‫فجعلوا يتبعونه هكذا‪ ،‬وهو ظاهر عليهم‪ .‬حتى قال لهببم‪:‬‬
‫ماذا تريدون؟‬
‫أن المنفبي‬ ‫)‪(4‬‬
‫فأخذوا ميثاقه‪ ،‬وكتبوا عليه ستا أو خمسا‬
‫يعاد والمحروم يعطى‪ ،‬ويوفر الفيء‪ ،‬ويعدل فببي القسببم‪،‬‬
‫ويستعمل ذوو المانة والقوة‪ .‬فكتبوا ذلك في كتاب‪ .‬وأخببذ‬
‫صا ول يفرقوا جماعة‪ .‬ثم رجعوا راضين‬
‫عليهم أل يشقوا ع ً‬
‫)‪. (5‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كببذا فببي المطبوعببة الجزائريببة )‪ (117 : 2‬ولعلببه خطببأ صببوابه "‬
‫السابعة " كما في تاريخ الطبري )‪ ، (107 : 5‬ويقال ‪ :‬إن ذلببك ترتيببب‬
‫سورة يونس في مصببحف ابببن مسببعود علببى مببا فببي الفهرسببت لبببن‬
‫النديم ص ‪ 39‬طبع مصر ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة يونس آية ‪. 59 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تقببدم الكلم علببى الحمببى فببي ص ‪ 72‬ب ب ‪ 73‬بقببدر مببا يحتمببل هببذا‬
‫المختصر ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( أي اشترطوا عليه ستة شروط أو خمسة في المعاني التية ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( كان الزاحفون من أمصارهم على مدينببة الرسببول فريقيببن ‪ :‬رؤسبباء‬
‫خادعين على درجببات متفاوتببة ‪ ،‬ومرءوسببين مخببدوعين ‪ ،‬وهببم الكببثرة‬
‫التي بثت فيها دعايات مغرضة حتى ظنت أن هنالببك منفييببن مظلببومين‬
‫ومحرومين سلبوا حقهم ‪ . . .‬الخ ‪ .‬وقد رأيببت فببي ص ‪54‬ب ب ‪ 55‬شببهادة‬
‫أصدق شاهدين فبي العبراق حينئذ وهمبا الحسبن البصبري وصبنوه اببن‬
‫سيرين عن وفرة العطيات والرزاق وأنواع الخيرات ‪ .‬حتى كان منببادي‬
‫عثمان ينادي بدعوة الناس لها فل يمنع عنها أحد ‪ .‬ورأيببت فببي ص ‪100‬‬
‫شهادة المام الشعبي عن تعميم الرزق والخير حتى إلى الماء والعبيد ‪.‬‬
‫ولما أصغى عامة الثائرين إلى أجوبببة عثمببان وعرفببوا الحقيقببة اقتنعببوا‬
‫ورجعوا ‪ ،‬وكان رجوعهم من طريقين مختلفين باختلف اتجاه أمصببارهم‬

‫‪122‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقيل أرسل إليهم علًيا فاتفقوا على الخمس المذكورة‪،‬‬


‫إذا راكب يتعرض لهببم‬ ‫)‪(1‬‬
‫ورجعوا راضين‪ .‬فبينما هم كذلك‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫قالوا‪ :‬مببا لببك؟ قببال‪ :‬أنببا رسببول‬ ‫ثم يفارقهم‪ ،‬مراًرا‬


‫)‪(3‬‬

‫‪ .‬ففتشببوه‪ ،‬فببإذا هببم‬ ‫)‪(4‬‬


‫أمير المؤمنين إلى عببامله بمصببر‬
‫بالكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه إلى عامل مصر أن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫يصلبهم ويقطع أيديهم وأرجلهم‬
‫فالمصريين اتجهببوا شببمال لغببرب ليسببايروا سبباحل البحببر الحمببر إلببى‬
‫السببويس ومصببر ‪ ،‬والعراقيببون مببن بصببريين وكببوفيين اتجهببوا شببمال‬
‫لشرق منجدين ليبلغوا البصرة والكوفة من أرض العراق ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي فبينما العراقيون من بصريين وكوفيين في طريقهم نحببو الشببرق‬
‫إلى الشمال ‪ ،‬والمصريون في طريقهم نحو الغرب إلى الشمال ‪ ،‬وبيببن‬
‫الفريقين مراحل بعيدة؛ لنهما تقدما فببي السببير والمسببافة تببزداد بعببدا‬
‫بينهما ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي للمصرين وحدهم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ول يتعرض لهم ثببم يفببارقهم ويكببرر ذلببك إل ليلفببت أنظببارهم إليببه ‪.‬‬
‫ويثير شكوكهم فيه ‪ .‬وهذا مببا أرداه مسببتأجرو هببذا الرجببل لتمثيببل هببذا‬
‫الدور ‪ ،‬ومدبرو هذه المكيدة لتجديببد الفتنببة بعببد أن صببرفها اللببه وأراح‬
‫المسلمين من شرورها ‪ .‬ول يعقل أن يكون تببدبير هببذا الببدور التمببثيلي‬
‫صادرا عن عثمان أو مروان أو أي إنسان يتصببل بهمببا ‪ ،‬لنببه ل مصببلحة‬
‫لهما في تجديد الفتنة بعببد أن صببرفها اللببه ‪ ،‬وإنمببا المصببلحة فببي ذلببك‬
‫للدعاة الولين إلى إحداث هذا الشغب ‪ ،‬ومنهم الشتر وحكيم بببن جبلببة‬
‫اللذان لم يسافرا مع جماعتهمببا إلببى بلببديهما ‪ ،‬بببل تخلفببا فببي المدينببة‬
‫)الطبري ‪ (120 : 5‬ولم يكن لهما أي عمل يتخلفان في المدينببة لجلببه‬
‫إل مثل هذه الخطط والتدابير التي ل يفكران يومئذ في غيرها ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( وقد صرحوا بأنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح )الطبببري ‪(120 : 5‬‬
‫ول يعقل أن يكتب إليه عثمان أو مروان؛ لنببه كببان عقببب حركببة الثببوار‬
‫من مصر متوجهين إلى المدينة كتب إلى عثمان يستأذنه بالقببدوم عليببه‬
‫)الطبري ‪ ، (122 : 5‬وخرج بالفعل من مصر نحو العريببش وفلسببطين‬
‫وأيلة )العقبة( وتغلب محمد بن أبي حذيفة على الحكم في مصر ‪ ،‬وهببو‬
‫عدو الله ورسوله ‪ ،‬وخارج على خليفة المسلمين ‪ .‬فكيف يكتب عثمببان‬
‫أو مروان إلى عبد الله بن سعد وعنببدهما كتببابه الببذي يسببتأذن بببه فببي‬
‫القدوم إلى المدينة ؟ ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الخبار الببتي جبباء فيهببا أن الراكببب غلم عثمببان ‪ ،‬وأن الجمببل جمببل‬
‫الصدقة ‪ ،‬وأن عثمان اعترف بذلك ‪ ،‬كلها أخبار مرسلة ل يعرف قائلها ‪.‬‬
‫أو مكذوبة أذاعها رواة مطعون في صدقهم وأمانتهم ‪ .‬ومضمون الكتاب‬

‫‪123‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فأتوا علّيا فقالوا له‪ :‬ألببم‬ ‫)‪(1‬‬


‫فأقبلوا حتى قدموا المدينة‬
‫تر إلى عدو الله‪.‬‬
‫كتب فينا بكذا؟ وقد أحل الله دمه‪ ،‬قالوا له‪ :‬فقببم معنببا‬
‫إليه‪ ،‬قال‪ :‬والله ل أقببوم معكببم‪ ،‬قببالوا‪ :‬فلببم كتبببت إلينببا؟‬

‫اضطربت الروايات فيه ‪ ،‬ففي بعببض الروايببات ‪ " :‬إذا قببدم عليببك عبببد‬
‫الرحمن بن عديس فاجلده مائة واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حببتى‬
‫يأتيك أمري ‪ .‬وعمبرو ببن الحمبق فافعبل ببه مثبل ذلبك ‪ .‬وسبودان ببن‬
‫حمران مثل ذلك ‪ ،‬وعروة بن التباع الليثي مثل ذلك " ‪ .‬وفببي روايببة ‪" :‬‬
‫إذا أتاك محمد بن أبي بكببر الصببديق ب ب وفلن وفلن ب ب فبباقتلهم وأبطببل‬
‫كتببابهم وقببر علببى عملببك حببتى يأتيببك رأيببي " ‪ .‬وفببي روايببة ثالثببة أن‬
‫مضمون الكتاب أمر عامله بالقتل والقطع والصلب على هببؤلء الثببوار ‪.‬‬
‫وهذا الختلف في مضمون كتاب واحد مما يزيد الريبة في أمره ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وأعجب العجب أن قوافل الثوار العراقيين الببتي كببانت متباعببدة فببي‬
‫الشرق عن قوافل الثوار المصريين في الغرب عادتبا معًببا إلببى المدينببة‬
‫في آن واحد ‪ ،‬أي أن قوافل العراقيين التي كانت بعيدة مراحل متعببددة‬
‫عن قوافل المصريين ول علم لها بالروايببة المسببرحية الببتي مثلببت فببي‬
‫البويب رجعبت إلبى المدينبة مبن الشبرق وقببت رجببوع المصببريين مبن‬
‫الغرب ووصلتا إلى المدينة مًعا كأنما كانوا على ميعبباد! ومعنببى هببذا أن‬
‫اللببذين اسببتأجروا الراكببب ليمثببل دور حامببل الكتبباب أمببام قوافببل‬
‫دا قوافببل‬ ‫المصريين استأجروا راكًبا آخببر خببرج مببن المدينببة معببه قاص ب ً‬
‫العراقيين ليخبرهم بأن المصريين اكتشفوا كتاًبا بعث به عثمان إلى عبد‬
‫الله بن سعد في مصر بقتببل محمببد بببن أبببي بكببر ‪ .‬قببال الطبببري )‪: 5‬‬
‫‪ : (105‬فقال لهم علي ‪)) :‬كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهببل البصببرة‬
‫بما لقي أهل مصر ‪ ،‬وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا ؟ هذا والله أمر‬
‫أبرم بالمدينة!(( )يشير كرم الله وجهه إلبى تخلبف الشبتر وحكيببم فبي‬
‫المدينة ‪ ،‬وأنهما هما اللذان دبرا هذه المسرحية ‪ .‬قال الثوار العراقيببون‬
‫بلسببان رؤسببائهم ‪)) :‬فضببعوه علببى مببا شببئتم ‪ .‬ل حاجببة لنببا إلببى هببذا‬
‫الرجل ‪ .‬ليعتزلنا(( وهذا تسببليم منهببم بببأن قصببة الكتبباب مفتعلببة ‪ ،‬وأن‬
‫الغرض الول والخير هو خلع أمير المؤمنين عثمببان وسببفك دمببه الببذي‬
‫عصمه الله بشريعة رسوله ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫)‪(2‬‬
‫قال‪ :‬والله ما كتبببت إليكببم‪ ،‬فنظببر بعضببهم إلببى بعببض‬
‫وخرج علي من المدينة‪.‬‬
‫فانطلقوا إلى عثمان فقالوا له‪ :‬كتبت فينا كذا‪ .‬قال لهم‬
‫إما أن تقيموا اثنين من المسلمين‪ ،‬أو يمينببي ‪ -‬كمببا تقببدم‬

‫‪2‬‬
‫)( الطبري )‪ . (108 : 5‬وهذا الحوار بين علي والثوار مجمع عليببه فببي‬
‫كل الروايات وهببو نببص قبباطع علببى أن اليببد الببتي زورت الكتبباب علببى‬
‫عثمان وبعثت إلى العراقيين تخبرهم بذلك وتطلب منهم أن يعودوا إلببى‬
‫المدينة ‪ ،‬هي اليد التي زورت على علي كتاًبا إلى الثوار العراقييببن بببأن‬
‫يعودوا ‪ .‬وقببد قلنببا فببي ص ‪ 125‬أن الثببوار فريقببان ‪ -‬خببادع ومخببدوع ‪-‬‬
‫فالذين نظر بعضهم إلى بعض عندما حلف علي بأنه لم يكتب إليهم هببم‬
‫من الفريق المخدوع يتعجببب كيببف لببم يكتببب علببي إليهببم وقببد جباءهم‬
‫كتابه ‪ .‬ومن ذا الذي يكون قد كتب الكتاب على لسببانه إذا لببم يكببن هببو‬
‫الذي كتبه ؟ وسيأتي في ص ‪ 136‬أن مسببروق بببن الجببدع الهمببداني ‪-‬‬
‫وهو من الئمة العلم المقتدى بهم ‪ -‬عبباتب أم المببؤمنين عائشببة بأنهببا‬
‫كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان ‪ ،‬فأقسمت له بالذي آمن‬
‫دا فببي بيبباض ‪.‬‬ ‫به المؤمنون وكفر به الكافرون أنها ما كتبت إليهببم سببوا ً‬
‫قببال سببليمان بببن مهببران العمببش ‪ -‬أحببد الئمببة العلم الحفبباظ ‪: -‬‬
‫))فكانوا يرون أنه كتب على لسانها(( ‪ .‬أيها المسلمون في هببذا العصببر‬
‫وفي كل عصر ‪ ،‬إن اليدي المجرمة التي زورت الرسائل الكاذبببة علببى‬
‫لسان عائشة وعلي وطلحة والزبير هي البتي رتبببت هببذا الفسباد كلبه ‪،‬‬
‫وهببي الببتي طبخببت الفتنببة مببن أولهببا إلببى آخرهببا ‪ ،‬وهببي الببتي زورت‬
‫الرسالة المزعومة على لسان أميببر المببؤمنين عثمبان إلببى عببامله فببي‬
‫مصر في الوقت الذي كان يعلم فيه أنه لم يكن لببه عامببل فببي مصببر ‪،‬‬
‫وقببد زورت هببذه الرسببالة علببى لسببان عثمببان بببالقلم الببذي زورت بببه‬
‫رسالة أخرى على لسان علي ‪ ،‬كل ذلك ليرتد الثوار إلى المدينة بعد أن‬
‫اقتنعوا بسلمة موقف خليفتهم ‪ ،‬وأن ما كان قد أشيع عنببه كببذب كلببه ‪،‬‬
‫قا وخيًرا ‪ .‬ولم يكببن صببهر‬ ‫وأنه كان يتصرف في كل أمر بما كان يراه ح ً‬
‫رسول الله المبشر منه بالشهادة والجنة هو المجنببي عليببه وحببده بهببذه‬
‫المؤامرة السبئية الفاجرة ‪ ،‬بببل السببلم نفسببه كببان مجني ًببا عليببه قبببل‬
‫ذلببك ‪ .‬والجيببال السببلمية الببتي تلقببت تاريببخ ماضببيها الطبباهر الناصببع‬
‫ها ومحرًفا هي كببذلك ممببن جنببى عليهببم ذلببك اليهببودي الخبببيث ‪،‬‬ ‫مشو ً‬
‫والمنقادون له بخطام الهواء والشهوات ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫)‪(2‬‬
‫‪ .‬ونقضببوا عهببده‬ ‫)‪(1‬‬
‫ذكببره ‪ -‬فلببم يقبلببوا ذلببك منببه‬
‫وحصروه‪.‬‬
‫وقائع ومحاورات بين عثمان والبغاة عليه‬
‫وقد روي أن عثمان جيء إليه بالشتر‪ ،‬فقببال لببه‪ :‬يريببد‬
‫القوم منك إما أن تخلع نفسك‪ ،‬أو تقص منهببا‪ ،‬أو يقتلببوك!‬
‫فقال‪ :‬أما خلعي فل أترك أمة محمببد بعضببها علببى بعببض‪.‬‬
‫وأما القصاص‪ ،‬فصاحباي قبلي لم يقصا مببن أنفسببهما‪ ،‬ول‬
‫‪.‬‬
‫يحتمل ذلك بدني‬‫)‪(3‬‬

‫وروي أن رجًل قال له‪ :‬نببذرت دمببك‪ .‬قببال‪ :‬خببذ جبببتي‪.‬‬


‫فشببرط فيهببا شببرطة بالسببيف أراق منببه دمببه‪ ،‬ثببم خببرج‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫الرجل وركب راحلته وانصرف في الحين‬
‫‪1‬‬
‫قا أو يرجعوا إلى شرع ‪ ،‬وإنما جاءوا ليخلعوه‬ ‫)( لنهم ما جاءوا ليقبلوا ح ً‬
‫أو يسفكوه دمه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الذي تقدم في ص ‪ 125‬أنهببم قطعببوه علببى أنفسببهم بببأن ل يشببقوا‬
‫صا ول يفرقوا جماعة ‪.‬‬ ‫ع ً‬
‫‪3‬‬
‫)( هببذا الخبببر فببي تاريببخ الطبببري )‪ ، (118 - 117 : 5‬وفببي البدايببة‬
‫والنهاية )‪ ، (184 : 7‬وفي أنساب الشراف للبلذري )‪. (92 : 5‬‬
‫‪4‬‬
‫)( هذا الخبر في كتاب )التمهيببد( للمببام أبببي بكببر الببباقلني ص ‪. 216‬‬
‫وأعجب من ذلك ما رواه الطبري )‪ (138 - 137 : 5‬أن عمير بن ضابئ‬
‫البرجمي وكميل بن زياد النخعي حضرا إلى المدينة ليغتال عثمان تنفيببذا‬
‫لقرار اتخذوه في الكوفة مع بقيببة عصببابتهم ‪ ،‬فلمببا وصببل إلببى المدينببة‬
‫نكل عمير ‪ ،‬وترصد كميل للخليفة حتى مر به ‪ ،‬فلمببا التقيببا ارتبباب منببه‬
‫عثمان ‪ ،‬ووجأ وجهه فوقع على استه ‪ ،‬فقال لعثمان ‪ :‬أوجعتنى يببا أميببر‬
‫المؤمنين ‪ ،‬قال عثمان ‪ :‬أولست بفاتك ؟ ! قال ‪ :‬ل والله الذي ل إله إل‬
‫هو ‪ .‬فاجتمع الناس وقالوا ‪ :‬نفتشه يا أمير المؤمنين فقال ‪ :‬ل ‪ .‬قد رزق‬
‫الله العافيببة ‪ ،‬ول أشببتهي أن أطلببع منببه علببى غيببر مببا قببال ‪ .‬ثببم قببال‬
‫لكميل ‪)) :‬إن كان كما قلت فاقتببد منببي )وجث َببا( فببوالله مببا حسبببتك إل‬
‫تريدني(( وقال ‪)) :‬إن كنت صادًقا فأجزل اللببه ‪ ،‬وإن كنببت كاذب ًببا فببأذل‬
‫الله(( وقعد له على قدميه وقال ))دونك!(( فقببال كميببل ‪)) :‬تركببت(( ‪.‬‬
‫أيها القارئ الكريم ‪ ،‬إن هذا الموقببف ليببس موقببف خليفببة فضبًل عمببن‬
‫دونه ‪ ،‬بل هو موقف المتخلقين بأخلق النبياء ‪ .‬على أن اللببه يمهببل ول‬
‫يهمل ‪ .‬فقد جاء الحجاج بعد أربعيبن سبنة فقتبل ضبابًئا وقتبل كميل بمبا‬
‫أراداه في هذا الحادث من الفتك برجل خلق قلبه من رحمة الله ‪ ،‬و)إن‬

‫‪126‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فتوى ابن عمر لعثمان بأل يخلع نفسه لئل تتخذ‬


‫عادة‬
‫ولقد دخل عليه ابن عمر‪ ،‬فقال ] له عثمان [‪ :‬انظر مببا‬
‫يقول هؤلء‪ ،‬يقولون‪ :‬اخلع نفسك أو نقتلك‪ ،‬قال لببه ] ابببن‬
‫عمر [‪ :‬أمخلد أنت في الدنيا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قببال‪ :‬هببل يزيببدون‬
‫على أن يقتلوك؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قببال‪ :‬هببل يملكببون لببك جنببة أو‬
‫ناًرا؟ قببال‪ :‬ل‪ .‬قببال‪ :‬فل تخلببع قميببص اللببه عنببك‪ ،‬فتكببون‬
‫سنة‪ ،‬كلما كره قوم خليفتهم خلعوه أو قتلوه )‪. (1‬‬
‫إشراف عثمان على الناس واستشهاده إياهم‬
‫بسوابقه‬
‫وقببد أشببرف عليهببم عثمببان‪ ،‬واحتببج عليهببم بالحببديث‬
‫الصحيح في بنيان المسجد وحفر بئر رومببة‪ ،‬وقببول النبببي‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪ ‬حين رجف بهم أحد‪ .‬وأقروا له به في أشياء ذكرها‬

‫الله ليملي للظالم ‪ ،‬حتى إذا أخذه لم يفلته( ‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫)( أورد البلذري هذا الخبر في أنساب الشببراف )‪ (76 : 5‬مببن حببديث‬
‫نافع عن ابن عمر ‪ .‬وقبل أن يفتي ابن عمر لخليفته بذلك ويببدعوه إلببى‬
‫هذه التضحية النبيلة كان عثمان على بينة من ذلك ونور من اللببه ‪ ،‬فقببد‬
‫أخرج ابن ماجه في مقدمة سننه )رقم ‪ 112‬الببباب ‪ 11‬ج ص ‪ (41‬مببن‬
‫حديث النعمان بن بشير عن أم المببؤمنين عائشببة أن رسببول اللببه قببال‬
‫ما فببأرادك المنببافقون أن‬‫لعثمان ‪)) :‬يا عثمان إن ولك الله هذا المر يو ً‬
‫تخلع قميصك الذي قمصببك اللببه فل تخلعببه(( يقببول ذلببك ثلث مببرات ‪.‬‬
‫وفي مسند المام أحمببد )ج ‪ 6‬الطبعببة الولببى ‪ :‬ص ‪ 75‬و ‪ 86‬و ‪ 114‬و‬
‫‪ (149‬حديث عائشة هذا بألفاظ مختلفة يرويه عنها ابن أختها عروة بببن‬
‫الزبير والنعمان بن بشير وغيرهما ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظببر فبي مسببند المببام أحمببد )‪ 59 : 1‬الطبعببة الولببى رقببم ‪420‬‬
‫الطبعة الثانية( حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ‪ .‬وسنن النسببائي )‪: 2‬‬
‫‪ (125 - 124‬وجامع الترمذي )‪ * (320 - 319 : 4‬وفي مسند أحمد )‬
‫‪ 70 : 1‬الطبعة الولى رقم ‪ 511‬الطبعة الثانية من حديث الحنببف بببن‬
‫قيس التميمي ‪ .‬وسنن النسائي مطوًل ومختصًرا )‪ 66 - 65 : 2‬و ‪123‬‬
‫‪ * (124 -‬وفي تاريخ الطبري )‪ (225 : 5‬من حديث أبي سببعيد مببولى‬
‫أبي سيد النصاري ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقد ثبت أن عثمببان أشببرف عليهببم وقببال‪ :‬أفيكببم ابنببا‬


‫محدوج ؟ أنشدكما الله ألستما تعلمببان أن عمببر قببال‪ :‬إن‬
‫ربيعة فاجر أو غادر وإني والله ل أجعل فرائضهم وفرائض‬
‫قوم جاءوا من مسيرة شهر‪ ،‬وإنما مهر أحدهم عند طبيبه‪.‬‬
‫وإني زدتهم في غزاة واحد خمسمائة‪ ،‬حتى ألحقتهم بهم؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪ :‬أذكركما الله ألستما تعلمان أنكما أتيتماني فقلتما‪،‬‬
‫إن كندة أكلة رأس‪ ،‬وإن ربيعة هببي الببرأس‪ ،‬وإن الشببعث‬
‫بن قيس قد أكلهم فنزعه واستعملتكما؟ قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪ ،‬اللهببم إنهببم كفببروا معروفببي‪ ،‬وبببدلوا نعمببتي‪ ،‬فل‬
‫ما عنهم‪.‬‬
‫ترضهم عن إمامهم ول ترض إما ً‬
‫موقف عثمان من أمر الدفاع عنه أو الستسلم‬
‫للقدار‬
‫وقد روى عبد الله بن عببامر بببن ربيعببة قببال‪ :‬كنببت مببع‬
‫عثمان في الدار فقال‪ :‬أعزم علببى كببل مببن رأى أن عليببه‬

‫‪128‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ .‬ثم قال‪ :‬قم يببا ابببن‬ ‫)‪(1‬‬


‫سمًعا وطاعة إل كف يده وسلحه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫دا ‪ -‬فأخبر به الناس‬
‫عمر ‪ -‬وعلى ابن عمر سيفه متقل ً‬
‫)‪(3‬‬
‫فخرج ابن عمر و] الحسن بن [ علي‪ .‬ودخلوا فقتلوه‬
‫‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( الذي يدل عليه مجموع الخبار عن موقف عثمان من أمر الدفاع عنه‬
‫أو الستسلم للقدار ‪ ،‬هو أنه كان يكره الفتنبة ‪ ،‬ويتقبي اللبه فبي دمباء‬
‫المسلمين ‪ .‬إل أنه صار في آخر المر يببود لببو كببانت لببديه قببوة راجحببة‬
‫يهابها البغاة ‪ ،‬فيرتدعون عببن بغيهببم ‪ ،‬بل حاجببة إلببى اسببتعمال السببلح‬
‫للوصول إلى هبذه النتيجبة ‪ .‬وقببل أن تبلبغ المبور مبلغهبا عبرض عليبه‬
‫معاوية أن يرسل إليه قوة من جند الشام تكون رهن إشارته ‪ ،‬فببأبى أن‬
‫يضيق على أهل دار الهجرة بجند يساكنهم )الطبري ‪ . (101 : 5‬وكان ل‬
‫يظن أن الجرأة تبلغ بفريق من إخوانه المسلمين إلى أن يتكببالبوا علببى‬
‫دم أول مهاجر إلى الله في سبيل دينه ‪ .‬فلما تذاءب عليه البغاة واعتقد‬
‫أن الدفاع عنه تسفك فيه الدماء جزاًفا ‪ ،‬عزم على كببل مببن لببه عليهببم‬
‫سمع وطاعة أن يكفوا أيديهم وأسلحتهم عببن مزالببق العنببف ‪ .‬والخبببار‬
‫بذلك مستفيضة في مصدر أوليائه وشبانئيه ‪ .‬علبى أنبه لبو ظهبرت فبي‬
‫دا‬
‫الميببدان قبوة منظمببة ذات هيبببة تقببف فبي وجببوه البغباة ‪ ،‬وتضبع حب ً‬
‫لغطرستهم ‪ ،‬لرتاح عثمان لذلك وسر به ‪ ،‬مع ما هببو مطمئن إليببه مببن‬
‫دا ‪.‬‬
‫أنه لن يموت إل شهي ً‬
‫‪2‬‬
‫)( في البداية والنهاية )‪ (182 : 7‬عن )مغازي ابن عقبة( أن ابببن عمببر‬
‫لببم يلبببس سببلحه إل يببوم الببدار فببي خلفببة عثمببان ‪ ،‬ويببوم أراد نجببدة‬
‫الحروري أن يدخل المدينة مع الخوارج أيام عبد الله بن الزبير ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في تاريخ الطبري )‪ : (129 : 5‬كان آخر من خرج عبد الله بن الزبير‬
‫دا للمببوت ‪،‬‬ ‫أمره عثمان أن يصير إلى أبيببه بوصببيته الببتي كتبهببا اسببتعدا ً‬
‫أمره أن يأتي أهل الدار )أي المدافعين عنه في ساحة القصر( فيأمرهم‬
‫بالنصراف إلى منازلهم ‪ .‬فخرج عبد الله بببن الزبيببر آخرهببم ‪ ،‬فمببا زال‬
‫يدعى بها ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مببات عليببه ‪ ،‬وإنمببا أوصببى‬
‫عثمان إلى الزبير لن الزبير كان محل الثقببة مببن كبببار الصببحابة ‪ .‬روى‬
‫الحبافظ اببن عسباكر )‪ (362 : 5‬أن سببعة مبن الصبحابة أوصبوا ببه ‪:‬‬
‫عثمان وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وابن مسبعود ‪ ،‬والمقببداد ‪ ،‬ومطيببع بببن‬
‫السود ‪ ،‬وأبو العاص بن الربيع ‪ ،‬فكان ينفببق علببى أيتببامهم مببن مبباله ‪،‬‬
‫ويحفظ لهم أموالهم ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫اعتزام النصار الدفاع عن عثمان‬


‫وجاء زيد بن ثابت فقببال لببه‪ :‬إن هببؤلء النصببار بالببباب‬
‫يقولببون‪ :‬إن شببئت كنببا أنصببار اللببه ] مرتيببن [‪ .‬قببال‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫] عثمان [ ل حاجة بي في ذلك‪ ،‬كفوا‬
‫وقال له أبو هريرة‪ :‬اليببوم طبباب الضببرب معببك‪ .‬قببال‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫عزمت عليك لتخرجن‬

‫‪4‬‬
‫)( أورده البلذري فببي أنسبباب الشببراف )‪ (73 : 5‬مببن حببديث ابببن‬
‫سيرين ‪ ،‬وأخرج الحافظ ابن عساكر عن مؤرخ الصدر الول موسى بببن‬
‫عقبة السدي )الذي قال فيه المام مالك ‪ :‬عليكم بمغببازي ابببن عقبببة ‪،‬‬
‫فإنه ثقة ‪ ،‬وهي أصح المغازي( أن أبا حبيبببة الطببائي )وهببو ممببن يببروي‬
‫عنهم أبو داود والنسائي والترمببذي( قببال ‪ :‬لمببا حصببر عثمببان جبباء بنببو‬
‫عمرو بن عوف إلى الزبير فقالوا يا أبا عبد الله نحن نأتيك ثم نصير إلى‬
‫مببا تأمرنببا بببه )أي مببن الببدفاع عببن أميببر المببؤمنين( قببال أبببو حبيبببة ‪:‬‬
‫فأرسلنى الزبيبر إلبى عثمبان فقبال ‪ :‬أقببرئه السبلم وقبل ))يقبول لبك‬
‫أخوك ‪ :‬إن بني عمرو بن عوف جاءوني ووعدوني أن يأتوني ثم يصببيروا‬
‫إلى ما أمرتهببم بببه ‪ .‬فببإن شببئت أن آتيببك فببأكون رجًل مببن أهببل الببدار‬
‫يصيبني ما يصيب أحدهم ‪ ،‬فعلت ‪ .‬وإن شئت انتظرت ميعاد بني عمببرو‬
‫فأدفع بهم عنك فعلت(( قال أبو حبيبة ‪ :‬فدخلت عليه ‪ -‬أي على عثمببان‬
‫‪ -‬فوجببدته علببى كرسببي ذي ظهببر ووجببدت رياط ًببا مطروحببة ومراكببن‬
‫مغلوة ‪ ،‬ووجدت في الدار الحسن ببن علبي ‪ ،‬واببن عمبر وأببا هريبرة ‪،‬‬
‫وسعيد بن العاص ‪ ،‬ومروان بن الحكم ‪ ،‬وعبد الله بببن الزبيببر ‪ ،‬فببأبلغت‬
‫عثمان رسالة الزبير ‪ ،‬فقال ‪)) :‬الله أكبر ‪ ،‬الحمد لله الذي عصم أخببي ‪.‬‬
‫قل له ‪ :‬إنك إن تأت الببدار تكببن رجًل مببن المهبباجرين ‪ ،‬حرمتببك حرمببة‬
‫رجل ‪ ،‬وغناؤك غناء رجببل ‪ .‬ولكببن انتظببر ميعبباد بنببي عمببرو بببن عببوف‬
‫فعسى الله أن يدفع بك(( ‪ .‬قال ‪ :‬فقام أبو هريرة فقال ‪ :‬أيهببا النبباس ‪،‬‬
‫لقد سببمعت أذنبباي رسببول اللببه يقببول ))تكببون بعببدي فتببن وأحببداث((‬
‫فقلت ‪ :‬وأين النجاء منها يا رسول الله ؟ قال ‪)) :‬المير وحزبه(( وأشببار‬
‫إلى عثمان ‪ .‬فقببال القببوم ‪ :‬ائذن لنببا فلنقاتببل ‪ ،‬فقببد أمكنتنببا البصببائر ‪.‬‬
‫فقال ] عثمان [ ‪)) :‬عزمت على أحد كانت لي عليه طاعة أل يقاتببل(( ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فبادر ‪ -‬أي سبق ‪ -‬الذين قتلوا عثمان ميعاد بني عمببرو بببن عببوف‬
‫فقتلوه )وانظر الخبر مختصًرا في كتاب ))نسببب قريببش(( للزبيببري ص‬
‫‪ . (103‬وبنو عمرو بببن عببوف قبيلببة كبببيرة مببن الخببزرج ‪ ،‬أحببد فرعببي‬
‫فا‬
‫النصار ‪ ،‬وكان النبي عند وصوله إلى المدينة مهاجًرا من مكة نزل ضي ً‬
‫عليهم ثلثة أيام ثم انتقل إلى بني النجار ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هذا الخبر في تاريخ الطبري )‪. (129 : 5‬‬

‫‪130‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وكان الحسن بن علي آخر مببن خببرج مببن عنببده‪ ،‬فببإنه‬


‫جاء الحسن والحسببين وابببن عمببر وابببن الزبيببر ومببروان‪،‬‬
‫فعزم عليهم في وضع سلحهم وخروجهم‪ ،‬ولزوم بيوتهم‪.‬‬
‫فقال له ابن الزبير ومروان‪ :‬نحن نعزم علببى أنفسببنا ل‬
‫نبرح‪ .‬ففتح عثمان الباب ودخلببوا عليببه فببي أصببح القببوال‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فقتله المرء السود‬
‫وقيببل‪:‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫وقيل‪ :‬أخذ ابن أبي بكر بلحيته‪ ،‬وذبحببه كنانببة‬
‫فسقطت قطرة مببن‬ ‫)‪(4‬‬
‫رجل من أهل مصر يقال له حمار‬
‫‪‬‬ ‫دمه على المصحف على قوله‪} :‬‬
‫فإنها ما حكت إلى الن‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫‪{‬‬

‫‪1‬‬
‫)( أصل هذا الخبر في تاريخ الطبببري )‪ (128 : 5‬عببن سببيف بببن عمببر‬
‫التميمي عن أشياخه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كذا فببي مطبوعببة الجببزائر ‪ .‬والببذي فببي تاريببخ الطبببري )‪(125 : 5‬‬
‫))الموت السود(( ‪ ،‬والصول التي طبع عليها تاريببخ الطبببري أصببح مببن‬
‫الصول التي طبع عليها كتابنا في الجزائر ‪ ،‬ومن الثابت أن ابن سبأ كان‬
‫من ثوار مصر عند مجيئهببم مببن الفسببطاط إلببى المدينببة )الطبببري ‪: 5‬‬
‫‪ (104 - 103‬وهو في كل الدوار التي مثلها كان شديد الحرص على أن‬
‫يعمل من وراء ستار ‪ ،‬فلعل ))الموت السود(( اسم مستعار لببه أراد أن‬
‫يرمز به ليتمكن من مواصلة دسائسه لهدم السلم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( هو كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي قائد إحدى الفرق المصرية الربع‬
‫وكان قبل ذلك أحد الذين التفوا بعمار بن ياسر في الفسطاط ليجعلببوه‬
‫سبئًيا ‪ ،‬وهو أول داخل إلى دار عثمان بالشعلة من النفببط ليحببرق ببباب‬
‫الدار ‪ ،‬وهو الذي اخترط السيف ليضعه في بطن أمير المؤمنين ‪ ،‬فوقته‬
‫زوجته نائلة فقطع يدها واتكأ بالسيف عليه فببي صببدره ‪ ،‬وكببانت عاقبببة‬
‫التجيبي القتل مخذوًل في المعركة التي نشبت في مصر بين محمد بببن‬
‫أبي بكر وعمرو بن العاص سنة ‪ . 38‬وقد تحرف ))كنانة(( في مطبوعة‬
‫الجزائر برسم ))رومان(( ومطبوعة الجزائر كثيرة التحريف ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( لم أر هذا السببم فيمببن اجببترءوا علببى ارتكبباب الجريمببة العظمببى ‪،‬‬
‫ولعل النساخ حرفوا اسم سودان بببن ))حمببران(( ‪ ،‬أو اسببم عمببرو بببن‬
‫))الحمق(( ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( سورة البقرة آية ‪. 137 :‬‬

‫‪131‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تزويرهم الكتب على لسان عائشة‬


‫وروي أن عائشة رضي الله عنها قببالت‪)) :‬غضبببت لكببم‬
‫من السوط ول أغضب لعثمان من السببيف!؟ اسببتعتبتموه‬
‫حتى إذا تركتموه كالقند المصفى‪ ،‬ومصتموه موص النبباء‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫وتركتموه كالثوب المنقى من الدنس ثم قتلتموه‬
‫فقلت لها‪)) :‬عملك‪ ،‬كتبت إلببى النبباس‬ ‫)‪(2‬‬
‫قال مسروق‬
‫تأمرينهم بالخروج عليه((‪ .‬فقالت عائشة‪)) :‬والذي آمن بببه‬
‫دا فببي‬
‫المؤمنون وكفر به الكافرون مببا كتبببت إليهببم سببوا ً‬
‫بياض((‪ .‬قال العمش‪ :‬فكانوا يرون أنه كتب علببى لسبانها‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫وقد روي أنه ما قتله أحد إل أعلج من أهل مصر‪.‬‬


‫قال القاضي أبو بكر )رحمه الله(‪ :‬فهببذا أشبببه مببا روي‬
‫في الباب وبه يتبين ‪ -‬وأصل المسألة سلوك سبيل الحق ‪-‬‬
‫دا من الصببحابة لببم يسببع عليببه‪ ،‬ول قعببد عنببه‪ .‬ولببو‬
‫أن أح ً‬
‫استنصر ما غلب ألببف أو أربعبة آلف غربباء عشبرين ألًفبا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫بلديين أو أكثر من ذلك‪ ،‬ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة‬
‫‪1‬‬
‫)( قالت ذلببك أول مببرة عنببد وصببولها إلببى المدينببة عببائدة مببن الحببج ‪،‬‬
‫فاجتمع إليها الناس وخطبت فيهم خطبة بليغببة وردت هببذه الجملبة فبي‬
‫آخرها )الطبري ‪ . (166- 165 : 5‬والموص ‪ :‬الغسل بالصابع ‪ .‬والقند ‪:‬‬
‫عسل قصب السكر إذا جمد ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هو من أئمة التابعين المقتدى بهم ‪ ،‬توفي سنة ‪ . 63‬وهببو الببذي قببال‬
‫لعمار بالكوفة قبل يبوم الجمبل ‪ :‬يبا أببا اليقظبان علم قتلتبم عثمبان ؟‬
‫قال ‪ :‬على شتم أعراضنا وضبرب أبشبارنا ‪ .‬فقبال مسبروق ‪ :‬واللبه مبا‬
‫عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ‪ ،‬ولئن صبرتم لكان خيًرا للصابرين )الطبببري‬
‫‪. (187 : 5‬‬
‫‪3‬‬
‫)( كما كتب على لسان علي ولسان عثمان ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( لنه اختار بذلك أهون الشرين فآثر التضحية بنفسه على توسيع دائرة‬
‫الفتنة وسفك دماء المسلمين ‪ ،‬وعثمان افتدى دماء أمتببه بببدمه مختبباًرا‬
‫فما أحسن الكثيرون منا جزاءه ‪ ،‬وإن أوربا وأمريكا تعبدان بش بًرا بزعببم‬

‫‪132‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الحكم الفقهي في موقف عثمان من الدفاع عنه‬


‫أو الستسلم‬
‫وقد اختلف العلماء فيمن نزل به مثلها‪ :‬هل يلقي بيببده‪،‬‬
‫؟ وأجبباز بعضببهم أن يستسببلم ويلقببي بيببده‬ ‫)‪(1‬‬
‫أو يستنصر‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫اقتداء بفعل عثمان وبتوصية النبي ‪ ‬بذلك في الفتنة‬
‫قال القاضي أبو بكر )رحمببه اللببه(‪ :‬ولقببد حكمببت بيببن‬
‫الناس فببألزمتهم الصببلة‪ ،‬والمببر بببالمعروف والنهببي عببن‬
‫المنكر حتى لم يك يرى في الرض منكر‪ ،‬واشببتد الخطببب‬
‫على أهل الغصب‪ ،‬وعظببم علببى الفسببقة الكببرب‪ ،‬فتببألبوا‬
‫وألبوا‪ ،‬وثاروا إلي‪ ،‬فاستسلمت لمر الله‪ ،‬وأمرت كل مببن‬
‫حببولي أل يببدفعوا عببن داري‪ ،‬وخرجببت علببى السببطوح‬
‫بنفسي فعاثوا علي‪ ،‬وأمسيت سليب الدار‪ ،‬ولول ما سبببق‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫من حسن المقدار لكنت قتيل الدار‬

‫الفداء ولم يكن فيه مختاًرا ‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫)( من سياسة السلم أن يختار المرء في كل حالبة أقلهبا شبًرا وأخفهبا‬
‫ضرًرا ‪ ،‬فإذا كانت للخير قوة غالبة تقمع الشر وتضيق دائرتببه فالسببلم‬
‫يهدي إلى قمع الشر بقوة الخير بل تردد ‪ .‬وإن لم يكن للخير قوة غالبببة‬
‫تقمع الشر وتضيق دائرته ‪ -‬كما كانت الحال في موقف أميببر المببؤمنين‬
‫عثمان من البغاة عليه ‪ -‬فمصلحة السلم في مثل ما جنببح إليببه عثمببان‬
‫أعلى الله مقامه في دار الخلود ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وهو قوله على ما رواه المام البخاري في كتاب المنبباقب )ك ‪ 61‬ب‬
‫‪ - 25‬ج ‪ 4‬ص ‪ (177‬وفي كتاب الفتن )ك ‪ 92‬ب ‪ - 9‬ج ‪ 8‬ص ‪ (92‬مببن‬
‫صحيحه عن أبي هريرة أن النبي قال ‪)) :‬ستكون فتن القاعد فيهببا خيببر‬
‫من القائم ‪ ،‬والقائم فيها خيببر مببن الماشببي ‪ ،‬والماشببي فيهببا خيببر مببن‬
‫الساعي ‪ .‬ومن يشرف لها تستشرفه ‪ ،‬ومن وجد ملجببأ أو معببا ً‬
‫ذا فليعببذ‬
‫به(( ‪ .‬وأعلن أبو موسى الشببعري فببي الكوفببة قبببل وقعببة الجمببل أنببه‬
‫سمع من رسول الله )الطبري ‪. (188 : 5‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أشرنا إلى ظروف هذا الحادث في ترجمة المؤلببف أول هببذا الكتبباب‬
‫)ص ‪. (26‬‬

‫‪133‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫اقتداء المؤلف بعثمان في مثل موقفه‬


‫وكان الذي حملني على ذلك ثلثة أمببور‪ :‬أحببدها وصبباية‬
‫والثاني القتداء بعثمان‪ ،‬الثالث سوء‬ ‫)‪(1‬‬
‫النبي ‪ ‬المتقدمة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫الحدوثة التي فر منها رسول الله ‪ ‬المؤيببد بببالوحي‬
‫فإن من غاب عني‪ ،‬بل من حضر من الحسدة معي‪ ،‬خفت‬
‫أن يقببول‪ :‬إن النبباس مشببوا إليببه مسببتغيثين بببه فببأراق‬
‫دماءهم‪.‬‬
‫وأمببر عثمببان كلببه سببنة ماضببية‪ ،‬وسببيرة راضببية‪ .‬فببإنه‬
‫تحقق أنه مقتول بخبر الصادق له بذلك‪ ،‬وأنه بشره بالجنة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫على بلوى تصيبه‪ ،‬وأنه شهيد‬
‫وروي أنببه قببال لببه فببي المنببام‪ :‬إن شببئت نصببرتك‪ ،‬أو‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫تفطر عندنا الليلة‬

‫‪1‬‬
‫فا من حديث أبببي هريببرة فببي صببحيح البخبباري ‪ ،‬ومببن‬ ‫)( وقد نقلناها آن ً‬
‫حديث أبي موسى في الكوفة قبل وقعة الجمل ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وذلك لما قال ابن سلول في غزوة بني المصببطلق ))إذا رجعنببا إلببى‬
‫المدينة ليخرجن العز منها الذل(( ‪ ،‬فأراد عمببر أن يقتلبه فمنعبه النببي‬
‫دا يقتل أصحابه(( ‪.‬‬‫وقال ‪)) :‬ل يتحدث الناس أن محم ً‬
‫‪3‬‬
‫)( تقدم بيان ذلك في ص ‪ 55‬و ‪. 56‬‬
‫‪4‬‬
‫)( هذه الرواية لبن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن سلم فببي البدايببة‬
‫والنهاية )‪ ، (183 - 182 : 7‬ومن طريق آخر عنه في أنساب الشراف‬
‫للبلذري )‪ (82 : 5‬وفي مسند أحمد )‪ 72 : 1‬الطبعة الولى ‪ ،‬رقم ‪526‬‬
‫الثانية( من حديث مسلم أبي سعيد مولى عثمان قال ‪ :‬إن عثمان أعتق‬
‫كا ‪ ،‬ودعا بسراويل فشدها عليه ولببم يلبسببها فببي جاهليببة‬ ‫عشرين مملو ً‬
‫ول إسلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬إني رأيت رسول الله البارحة في المنببام ورأيببت أبببا‬
‫بكر وعمر ‪ ،‬إنهم قالوا لي ‪)) :‬اصبر ‪ ،‬فإنك تفطببر عنببدنا القابلببة(( ‪ .‬ثببم‬
‫دعا بمصحف فنشره بين يديه ‪ ،‬فقتل وهو بين يديه ‪ .‬وروى المام أحمد‬
‫هذا الحديث عن نائلببة زوجببة عثمببان )‪ 73 : 1‬رقببم ‪ (536‬بقريببب مببن‬
‫هذا ‪ .‬وفي البداية والنهاية )‪ (182 : 7‬من حديث أيوب السبختياني عبن‬
‫نافع عن عبد الله بن عمر بببن الخطبباب ‪ ،‬ومببن طببرق أخببرى متعببددة ‪.‬‬
‫وانظر تاريخ الطبري )‪. (125 : 5‬‬

‫‪134‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تشويه أخبار الصحابة وطريقتا المحدثين‬


‫والمؤرخين في نقد الخبار‬
‫وقببد انتببدبت المببردة والجهلببة إلببى أن يقولببوا‪ :‬إن كببل‬
‫فاضل من الصحابة كان عليببه مشبباغًبا مؤلب ًببا‪ ،‬وبمببا جببرى‬
‫عليببه راض بًيا‪ .‬واخببترعوا كتاب ًببا فيببه فصبباحة وأمثببال كتببب‬
‫خا إلى علي‪ .‬وذلك كله مصنوع ليببوغروا‬
‫عثمان به مستصر ً‬
‫قلبببوب المسبببلمين علبببى السبببلف الماضبببين والخلفببباء‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫الراشدين‬
‫قال القاضي أبو بكر‪ :‬فالذي ينخل مببن ذلببك أن عثمببان‬
‫‪ .‬وأن الصحابة برآء من دمه‬ ‫)‪(2‬‬
‫مظلوم‪ ،‬محجوج بغير حجة‬
‫بأجمعهم‪ ،‬لنهم أتببوا إرادتببه وسببلموا لببه رايببه فببي إسببلم‬
‫نفسه‪.‬‬
‫تشويه أخبار الصحابة وطريقتا المحدثين‬
‫والمؤرخين في نقد الخبار‬
‫دا إلى ما تقدم عنهم ‪ -‬أن عبببد اللببه بببن‬
‫ولقد ثبت ‪ -‬زائ ً‬
‫الزبير قال لعثمان‪ :‬إنا معك فببي الببدار عصببابة مستبصببرة‬

‫‪1‬‬
‫)( هذه الكتب المصنوعة والخبار المبالغ فيهببا أو المكذوبببة شببحنت بهببا‬
‫أسفار الخبار وكتب الدب ‪ .‬ولتمييز الحق فيهببا مببن الباطببل طريقببان ‪:‬‬
‫أحببدهما طريببق أهببل الحببديث فببي أل يقبلببوا إل الخبببار المسببندة إلببى‬
‫أشخاص بأسمائهم ثم يستعرضون أحوال هؤلء الشخاص فيقبلون مببن‬
‫صادقهم ‪ ،‬ويضربون وجه الكذاب بكذبه ‪ .‬والطريق الثاني طريق علمبباء‬
‫التاريخ وهو أن يعرضوا كل خبر علببى سببجيا مببن يخبببر عنببه ‪ ،‬ويقببارنوه‬
‫بسيرته ‪ ،‬وهل هو ممن ينتظر وقوعه ممن نسب إليببه ويلئم المعببروف‬
‫من سابقته وأخلقه أم ل ‪ .‬وتمحيص تاريخنا يحتاج إلى هاتين الطريقتين‬
‫معا يقوم بهما علماء راسخون فيهما ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كما تبين في هذا الكتاب بأسببانيده القاطعببة وانظببر كتبباب )التمهيببد(‬
‫للمام أبي بكر الباقلني )ص ‪. (227 - 220‬‬

‫‪135‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ينصر الله بأقل منهم‪ .‬فأذن لنا‪ .‬فقال‪ :‬أذكر الله رجًل أراق‬
‫ما(‬ ‫‪.‬‬
‫لي دمه )أو قال د ً‬
‫)‪(1‬‬

‫وقال سليط بن أبى سبليط‪ :‬نهانبا عثمبان عببن قتببالهم‪،‬‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فلو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم عن أقطارها‬
‫وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة‪ :‬كنت مع عثمببان فببي‬
‫الدار فقال‪ :‬أعزم على كببل مببن رأى أن لببي عليببه سببمًعا‬
‫وطاعة إل كف يده وسلحه‪ ،‬فإن أفضببلكم غنبباًء مببن كببف‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫يده وسلحه‬
‫وثبببت أن الحسببن والحسببين وابببن الزبيببر وابببن عمببر‬
‫ومروان كلهم شاك في السلح حببتى دخلببوا الببدار‪ ،‬فقببال‬
‫عثمان‪ :‬أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫بيوتكم‬
‫‪1‬‬
‫)( ولما بدأ حجاج بيت اللبه يعبودون إلببى المدينبة كبان أول المسبرعين‬
‫منهم المغيرة بن الخنس بن شريق الثقفي الصببحابي ‪ ،‬فببأدرك عثمببان‬
‫قبل أن يقتل ‪ ،‬وشببهد المناوشببة علببى ببباب دار عثمببان ‪ ،‬فجلببس علببى‬
‫الباب من داخل وقال ‪ :‬ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحببن نسببتطيع أل‬
‫ندعهم حتى نموت ‪ .‬وكان أول من ببرز للبغباة المهباجمين وقاتبل حبتى‬
‫قتل ‪ .‬وخرج معه لقتالهم الحسن بن علي بن أبي طالب وهو يقول فببي‬
‫تسفيه عمل البغاة ‪ :‬ل دينهبببم دينبي ول أنا منهببببم حببتى أسيببببر إلببى‬
‫طمبببار شمبببام أي ‪ :‬إلى جبل أشببم ل ينجببو مببن سببقط منببه ‪ .‬وخببرج‬
‫معهما محمد ببن طلحبة ببن عبيبد اللبه ‪ -‬وكبان يعبرف بالسبجاد لكبثرة‬
‫عبادته ‪ -‬وهو يقول ‪ :‬أنبا ابببن مبببن حببببامى عليببه بأحببببببد ورد أحزاببـببا‬
‫علبى رغبببم معببد انظر تاريخ الطبري )‪. (129 - 128 : 5‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه الحافظ ابن عبد البر في الستيعاب )‪ 119 - 118 : 2‬هامش‬
‫الصابة( من حديث ابن سيرين عن سليط ‪ .‬وأورده الحببافظ ابببن حجببر‬
‫مختصًرا في الصابة )‪. (72 : 2‬‬
‫‪3‬‬
‫)( وفي تاريخ الطبري )‪ (127 : 5‬أن عثمان دعببا عبببد اللببه بببن عببباس‬
‫فقال له ‪ :‬اذهب فأنت على الموسم )أي على إمببارة الحببج( فقببال ابببن‬
‫عباس ‪ " :‬والله يا أمير المؤمنين لجهاد هببؤلء أحببب إلببي مببن الحببج " ‪.‬‬
‫فأقسم عليه لينطلقن ‪ ،‬فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( وفي البداية والنهاية )‪ : (181 : 7‬كان الحصار مستمًرا من أواخر ذي‬
‫القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشببر مببن ذي الحجببة ‪ .‬فلمببا كببان قبببل‬

‫‪136‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫المدينة في حكم الرهابيين خمسة أيام بل‬


‫ي‬‫خليفة ثم بويع عل ّ‬
‫فلما قضى الله من أمره ما قضى‪ ،‬ومضى في قدره ما‬
‫مضى‪ ،‬علم أن الحببق ل يببترك النبباس سببدى‪ ،‬وأن الخلببق‬
‫بعده مفتقرون إلى خليفة مفروض عليهم النظر فيه‪ .‬ولببم‬
‫ما وتقى وديًنببا‪ ،‬فانعقببدت‬
‫يكن بعد الثلثة كالرابع قدًرا وعل ً‬
‫له البيعة‪ .‬ولول السراع بعقد البيعة لعلي لجرى على مببن‬
‫بهببا مببن الوببباش مببا ل يرقببع خرقببه‪ .‬ولكببن عببزم عليببه‬
‫ضا عليببه‪ ،‬فانقبباد إليببه‬
‫المهاجرون والنصبار‪ ،‬ورأى ذلك فر ً‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫ذلك بيوم ‪ ،‬قال عثمان للذين عنده في الدار من المهبباجرين والنصببار ‪-‬‬
‫وكانوا قريًبا من سبعمائة ‪ ،‬فيهم عبد الله بن عمر وعبد اللببه بببن الزبيببر‬
‫والحسن والحسين ومروان وأبو هريرة وخلببق مببن مببواليه ولببو تركهببم‬
‫لمنعوه ‪)) : -‬أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلببى‬
‫منزله(( قال لرقيقه ))مبن أغمبد سببيفه فهببو حبر(( ‪ ،‬فببرد القتببال مبن‬
‫داخل ‪ ،‬وحمي من خارج ‪ .‬حتى كانت الساعة التي تم فيها للشيطان مبا‬
‫سعى له وتمناه فانتبدب للخليفببة رجبل مببن البغبباة فببدخل عليببه البببيت‬
‫فقال ‪ :‬اخلعها وندعك ‪ ،‬فقال ‪)) :‬ويحك(( واللببه مببا كشببفت امببرأة فبي‬
‫جاهليببة ول إسببلم ‪ ،‬ول تغنيببت ‪ ،‬ول تمنيببت ‪ ،‬ول وضببعت يمينببي علببى‬
‫صببا كسببانيه اللببه عببز‬
‫عورتي مذ بايعت رسببول اللببه ولسببت خالعًببا قمي ً‬
‫وجل ‪ .‬وأنا على مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاء‬
‫)الطبري ‪ . (130 : 5‬ويكفي لبيان ما كبان لهبذه الفاجعبة الكببرى مبن‬
‫الثر في النفوس ما نقله البلذري في أنساب الشراف )‪ (103 : 5‬عن‬
‫المدائني عن سلمة بن عثمان عن علي بن زيد عن الحسن قال ‪ :‬دخببل‬
‫ما على بنبباته وهببن يمسببحن عيببونهن فقببال ‪ :‬مببا لكببن تبكيببن ؟‬ ‫علي يو ً‬
‫قلن ‪ :‬نبكي على عثمان ‪ .‬فبكى وقال ‪ :‬ابكين ‪. . . . .‬‬
‫‪1‬‬
‫)( فببي تاريببخ الطبببري )‪ (155 : 5‬عببن سببيف بببن عمببر التميمببي عببن‬
‫أشياخه قببالوا ‪ :‬بقيببت المدينببة بعببد قتببل عثمببان خمسببة أيببام وأميرهببا‬
‫الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيببام بببالمر فل يجببدونه ‪:‬‬
‫يأتي المصريون علًيا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة )أي يختبئ في‬
‫بساتينها( فإذا لقوه باعدهم وتبرأ من مقالتهم مببرة بعببد مببرة ‪ .‬ويطلببب‬
‫الكوفيون الزبير فل يجدونه ‪ .‬فأرسلوا إليه حيث هو رسل فباعدهم وتبرأ‬
‫من مقالتهم ‪ . . .‬فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا ‪ :‬إنبك مبن أهببل‬
‫الشورى فرأينا فيك مجتمع ‪ .‬فأقدم نبايعك ‪ .‬فبعببث إليهببم ‪ :‬وإنببي وابببن‬
‫عمر خرجنا منها ‪ ،‬فل حاجة لي فيها ‪ .‬ثم إنهم أتببوا ابببن عمببر عبببد اللببه‬

‫‪137‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قولهم في بيعة طلحة يد شلء وفي طلحة‬


‫والزبير بايعا مكرهين‬
‫وعقد له البيعة طلحة‪ ،‬فقال الناس‪ :‬بايع علًيا يببد شببلء‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫والله ل يتم هذا المر‬
‫‪ .‬قلنا‪ :‬حاشا للببه أن يكرهببا‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فإن قيل‪ :‬بايعا مكرهين‬
‫لهما ولمبن بايعهمببا‪ .‬ولبو كانببا مكرهيبن مبا أثبر ذلبك‪ ،‬لن‬

‫مببا ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬أنت ابن عمر فقم بهذا المر ‪ .‬فقببال ‪ :‬إن لهببذا المببر انتقا ً‬
‫والله ل أتعرض له فالتمسوا غيببري ‪ .‬وأخببرج الطبببري )‪ (156 : 5‬عببن‬
‫الشعبي قال ‪ :‬أتى الناس علًيا وهو في سوق المدينة وقالوا له ‪ :‬ابسببط‬
‫كبا ‪ ،‬وقبد أوصبى‬ ‫يدك نبايعك ‪ .‬قال ‪ :‬ل تعجلوا ‪ ،‬فإن عمر كان رجًل مبار ً‬
‫بها شورى ‪ ،‬فأمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون ‪ .‬فارتد الناس عن علببي ‪.‬‬
‫ثم قال بعضهم ‪ :‬إن رجع الناس إلى أمصببارهم بقتببل عثمببان ولببم يقببم‬
‫بعده قائم بهذا المر لم نأمن اختلف الناس وفساد المة ‪ .‬فعببادوا إلببى‬
‫علي ‪ ،‬فأخذ الشتر بيده ‪ ،‬فقبضها علي ‪ .‬فقال ‪ :‬أبعد ثلثببة ؟ أمببا واللببه‬
‫لئن تركتها لتعصرن عينيك عليها حين ًببا ‪ .‬فبببايعته العامببة ‪ .‬وأهببل الكوفببة‬
‫يقولون ‪ :‬أول مبن ببايعه الشبتر ‪ .‬وروى سبيف عبن أببي حارثبة محبرز‬
‫العبشمي وعن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني قببال ‪ :‬لمببا كببان يببوم‬
‫الخميببس ‪-‬علببى رأس خمسببة أيببام مببن مقتببل عثمببان‪ -‬جمعببوا أهببل‬
‫المدينببة ‪ ،‬فوجببدوا سببعدا والزبيببر خببارجين ووجببدوا طلحببة فببي حببائط‬
‫له ‪ . . .‬فلما اجتمع لهم أهل المدينببة قببال لهببم أهببل مصببر ‪ :‬أنتببم أهببل‬
‫الشورى وأنتم تعقدون المامة وأمركم عابر على المببة ‪ ،‬فببانظروا رجًل‬
‫تنصبونه ونحن لكم تبع ‪ .‬فقال الجمهور ‪ :‬علي بن أبببي طببالب نحببن بببه‬
‫راضون ‪ . . . .‬فقال علي ‪ :‬دعوني والتمسوا غيري ‪ . . .‬فقالوا ‪ :‬ننشدك‬
‫الله ‪ ،‬أل ترى الفتنة ‪ ،‬أل تخاف الله ؟ فقال ‪ :‬إن أجبتكم ركبت بكببم مببا‬
‫أعلم ‪ ،‬وإن تركتموني ‪ ،‬فإنما أنا كأحدكم ‪ ،‬إل أنببي أسببمعكم وأطببوعكم‬
‫لمببن وليتمببوه أمركببم ‪ ،‬ثببم افببترقوا علببى ذلببك واتعببدوا الغببد )أي يببوم‬
‫الجمعة( ‪ :‬فلما أصبحوا من يببوم الجمعببة حضببر النبباس المسببجد ‪ ،‬جبباء‬
‫علي حتى صعد المنبر فقبال ‪)) :‬يبا أيهبا النبباس عبن مل وأذن ‪ .‬إن هببذا‬
‫أمركم ‪ ،‬ليس لحد فيه حق إل أن أمرتببم ‪ .‬وقببد افترقنببا بببالمس علببى‬
‫أمر ‪ .‬فإن شئتم قعدت لكم وإل فل أجد على أحد(( فقالوا ))نحببن علببى‬
‫ما فارقناك عليه بالمس(( ‪ .‬وهذه الوقائع على بسبباطتها تببدل علببى أن‬
‫بيعة علي كانت كبيعة إخوانه من قبل جاءت علببى قببدرها وفببي إبانهببا ‪،‬‬
‫وأنها مستمدة من رضا المة في حينها ‪ ،‬ل من وصية سببابقة مزعومببة ‪،‬‬
‫أو رموز خيالية موهومة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( قائل هذه الكلمة حبيب بن ذؤيب ‪ .‬رواه الطبري )‪ (153 : 5‬عن أبي‬
‫المليح الهذلي ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( يعني طلحة والزبير ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫دا أو اثنين تنعقد البيعة بهما وتتم‪ ،‬ومن بببايع بعببد ذلببك‬
‫واح ً‬
‫عا‪ .‬ولو لم يبايعا مببا‬
‫فهو لزم له‪ ،‬وهو مكره على ذلك شر ً‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫أثر ذلك فيهما‪ ،‬ول في بيعة المام‬
‫وأما مببن قببال يبد شببلء وأمبر ل يتببم‪ ،‬فببذلك ظببن مببن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫القائل أن طلحة أول من بايع‪ ،‬ولم يكن كذلك‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد قال طلحة‪)) :‬بايعت واللج على قفببي ((‬
‫‪ .‬قلنببا‪ :‬اخببترع هببذا الحببديث مببن أراد أن يجعببل فببي‬ ‫)‪(3‬‬

‫))القفا(( لغة ))قفي(( كما يجعل في ))الهوى((‪)) :‬هوي((‬


‫فكانت كذبة لم تدبر‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫وتلك لغة هذيل ل قريش‬
‫وأما قولهم ))يد شلء(( لو صح فل متعلق لهم فيه‪ ،‬فإن‬
‫يدا شببلت فببي وقايببة رسببول اللببه ‪ ‬يتببم لهببا كببل أمببر‪،‬‬
‫‪ .‬وقد تم المر علببى وجهببه‪،‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫ويتوقى بها من كل مكروه‬
‫‪1‬‬
‫)( القاضي ابن العربي يقرر هنببا الحكببم الشببرعي فببي عقببد البيعببة ‪ ،‬ل‬
‫على أنه رأي له ‪ .‬وللمام أبي بكر الببباقلني كلم سببديد فببي )التمهيببد(‬
‫ص ‪ . 231‬وانظر ص ‪ 169 - 167‬من كتاب )المامة والمفاضلة( لبن‬
‫حزم المدرج في الجزء الرابع من كتابه )الفصل( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وقد علمت أن أهل الكوفة يقولون إن الشتر كان أول من بايع ‪ .‬ولببو‬
‫كانت يد طلحة هببي الولببى فببي البيعببة لكببانت أعظببم بركببة ‪ ،‬لنهببا يببد‬
‫دافعت عن رسول الله ويد الشتر ل تزال رطبة مببن دم إمببامه الشببهيد‬
‫المبشر بالجنة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أي ‪ :‬والسيف على قفاي ‪ ،‬لحالببة الرهبباب الببتي كببانت سببائدة علببى‬
‫المدينة بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( بل هي أبعد عن لغة قريش من لهجة هذيل ‪ ،‬فقد قال ابن الثير فببي‬
‫النهاية )مادة لجج( أنها لغة طائية ‪ ،‬يشددون ياء المتكلم ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( كان طلحة من العصابة الذين بايعوا رسول الله على الموت يوم أحد‬
‫حيببن انهببزم المسببلمون ‪ ،‬فصبببروا ولزمببوا ‪ .‬ورمببى مالببك بببن زهيببر‬
‫الجشمي بسهم يريد رسول الله ‪ -‬وكان ل يخطئ رميه ‪ -‬فاتقبباه طلحببة‬
‫بيده عن رسول الله فكان ذلببك سبببب الشببلل فببي يببده مببن خنصببره ‪.‬‬
‫جا مببن‬ ‫حا على فرس كميت أغر مببدج ً‬ ‫وأقبل رجل من بني عامر يجر رم ً‬
‫الحديد يصيح ‪ :‬أنا أبو ذات الببودع دلببوني علببى محمببد ‪ .‬فضببرب طلحببة‬
‫عرقوب فرسه ‪ ،‬فاكتسعت ‪ .‬ثم تناول رمحه فلم يخطئ به عن حدقته ‪،‬‬
‫فخار كما يخور الثور ‪ ،‬فمببا بببرح طلحببة واضبًعا رجلببه علببى خببده حببتى‬

‫‪139‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ونفببذ القببدر بعببد ذلببك علببى حكمببه وجهببل المبتببدع ذلببك‬


‫فاخترع ما هو حجة عليه‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان‪ .‬قلنا‪ :‬هذا ل‬
‫يصح في شرط البيعة‪ ،‬وإنما يبايعونه على الحكببم بببالحق‪،‬‬
‫وهببو أن يحضببر الطببالب للببدم‪ ،‬ويحضببر المطلببوب‪ ،‬وتقببع‬
‫الدعوى‪ ،‬ويكون الجواب‪ ،‬وتقوم البينة‪ ،‬ويقع الحكببم‪ .‬فأمببا‬
‫على الهجم عليه بما كان مببن قببول مطلببق‪ ،‬أو فعببل غيببر‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫محقق‪ ،‬أو سماع كلم‪ ،‬فليس ذلك في دين السلم‬
‫مات ‪ .‬قالت بنتاه ‪ -‬عائشببة وأم إسببحاق ‪ : -‬جببرح أبونببا يببوم أحببد أربعًببا‬
‫وعشرين جراحة في جميع جسده ‪ ،‬وقبد غلبببه الغشببي ‪ ،‬وهببو مبع ذلببك‬
‫محتمل رسول الله حين كسرت رباعيتاه يرجع به القهقرى ‪ ،‬كلما أدركه‬
‫أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسببنده إلببى الشببعب ‪ .‬فكببان النبببي‬
‫يقول إذا رأى طلحة ‪)) :‬من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي علببى وجببه‬
‫الرض فلينظر إلى طلحببة بببن عبيببد اللببه(( رواه أبببو نعيببم الصبببهاني ‪.‬‬
‫وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال ‪ :‬ذاك يوم كان يببوم طلحببة ‪ .‬وسببمع‬
‫علي بن أبي طالب رجًل يقول بعد يوم الجمببل ‪ :‬ومببن طلحببة ؟ فزبببره‬
‫علي وقال ‪ :‬إنك لم تشهد يوم أحببد ‪ ،‬لقببد رأيتببه وإنببه ليحببترس بنفسببه‬
‫دون رسول الله وإن السيوف لتغشاه وإن هببو إل جنببة بنفسببه لرسببول‬
‫الله ‪ .‬أخرج الحافظ ابن عساكر )‪ (78 : 7‬مببن طريببق ابببن منببدة عببن‬
‫طلحة قال ‪ :‬سماني رسول الله يوم أحد )طلحببة الخيببر( ‪ ،‬وفببي غببزوة‬
‫العسرة )طلحة الفياض( ويوم حنين )طلحة الجود( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وانظر )التمهيد( للباقلني ص ‪ 231‬و ‪ 235‬و ‪ : 236‬وحقيقببة موقببف‬
‫علي من قتلة عثمان عند البيعة له كانوا هم المسئولين على زمام المر‬
‫في المدينة وفي حالة الرهاب التي كببانت سببائدة يببومئذ لببم يكببن فببي‬
‫استطاعة علي ول غيره أن يقف منهم مثل موقببف الصببحابة مببن عبيببد‬
‫الله بببن عمببر لمببا قتببل الهرمببزان ‪ .‬مببع الفببارق العظيببم بيببن دم أميببر‬
‫المؤمنين الخليفة الراشد ‪ ،‬والسير الحربببي المجوسببي الببذي قببال إنببه‬
‫أسلم بعد وقوعه في السر ‪ .‬ولما انتقل علي من المدينببة إلببى العببراق‬
‫ليكون على مقربة من الشببام انتقببل معببه قتلببة عثمببان ول سببيما أهببل‬
‫البصرة والكوفة منهم ‪ ،‬فلما صاروا فببي بصببرتهم وكببوفتهم فببي معقببل‬
‫قوتهم وعنجهية قبائلهم ‪ ،‬ول شك أن علًيا أعلببن الببراءة منهبم وأراد أن‬
‫يتفق مع أصحاب الجمل على ما يمكن التفاق عليببه فببي هببذا الشببأن ‪،‬‬
‫فأنشب قتلة عثمان القتال بين معسكر علي ومعسكر أصحاب الجمل ‪،‬‬
‫وتمكن أصحاب الجمل من قتل البصريين من قتلة عثمان إل واحدا مببن‬
‫بني سعد ببن زيبد منباة ببن تميبم حمتبه قببيلته ‪ ،‬فلمبا اتسبعت المبور‬

‫‪140‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قالت العثمانية‪ :‬تخلف عنه من الصحابة جماعببة‪ ،‬منهببم‬


‫سعد بببن أبببي وقبباص‪ ،‬ومحمببد بببن مسببلمة‪ ،‬وابببن عمببر‪،‬‬
‫وأسامة بن زيد وسواهم من نظرائهم‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬أما بيعته فلم يتخلببف عنهببا‪ .‬وأمببا نصببرته فتخلببف‬
‫عنها قوم منهم من ذكرتبم‪ ،‬لنهببا كبانت مسببألة اجتهاديببة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫فاجتهد كل واحد وأعمل نظره وأصاب قدره‬

‫وسببفكت الببدماء كببان علببي فببي موقببف يحتبباج فيببه إلببى بببأس هببؤلء‬
‫المعروفين بأنهم من قتلة عثمان وفببي مقببدمتهم الشببتر وأمثباله ‪ ،‬وأن‬
‫كثيرين منهم انقلبوا على علي بعد ذلك وخرجوا عليه معتقببدين كفببره ‪.‬‬
‫ويقول علماء السنة والمؤرخون ‪ :‬إن الله كان بالمرصاد لقتلببة عثمببان ‪،‬‬
‫دا بعببد واحببد ‪ ،‬حببتى الببذين طببال بهببم‬
‫فانتقم منهم بالقتل والنكال واح ب ً‬
‫العمر إلى زمن الحجاج كانت عاقبتهم سفك دمببائهم جببزاء بمببا قببدمت‬
‫أيديهم والله أعدل الحاكمين ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وانظر )التمهيد( للباقلني ص ‪. 234 - 233‬‬

‫‪141‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قاصمة‬
‫اجتماع أصحاب الجمل بمكة وخروجهم إلى‬
‫البصرة‬
‫روى قببوم أن البيعببة لمببا تمببت لعلببي اسببتأذن طلحببة‬
‫‪ .‬فقببال لهمببا علببي‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫والزبير علًيا في الخروج إلى مكببة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫لعلكما تريدان البصرة والشام‪ .‬فأقسما أل يفعل‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫وكانت عائشة بمكة‬
‫وهرب عبد الله بن عببامر عامببل عثمببان علببى البصببرة‬
‫إلى مكة‪ ،‬ويعلى بن أمية عامل عثمان على اليمن‪.‬‬
‫فبباجتمعوا بمكببة كلهببم‪ ،‬ومعهببم مببروان بببن الحكببم‪.‬‬
‫واجتمعبت بنبو أميبة‪ ،‬وحرضبوا علببى دم عثمبان‪ ،‬وأعطببى‬
‫يعلى لطلحة والزبير وعائشة أربعمائة ألف درهم‪ ،‬وأعطى‬
‫لعائشببة ))عسببكًرا(( جمًل اشببتراه ببباليمن بمببائتي دينببار‪.‬‬
‫فأرادوا الشببام‪ ،‬فصببدهم ابببن عببامر وقببال‪ :‬ل ميعبباد لكببم‬
‫بمعاوية‪ ،‬ولي بالبصرة صنائع‪ ،‬ولكن إليها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( وممن استأذنه في الخروج إلى مكة عبد الله بن عمر بببن الخطبباب ‪،‬‬
‫وسبب ذلك أن علًيا لما تمت له البيعببة عببزم علببى قتببال أهببل الشببام ‪.‬‬
‫وندب أهل المدينة إلى الخروج معه فأبوا عليببه ‪ ،‬فطلببب عبببد اللببه بببن‬
‫عمر وحرضه على الخروج معه فقال ‪ :‬إنما أنا رجل من أهل المدينة إن‬
‫خرجوا خرجت على السببمع والطاعببة ‪ ،‬لكببن ل أخببرج للقتببال فببي هببذا‬
‫العام ‪ ،‬ثم تجهز ابن عمر وخرج إلببى مكببة )ابببن كببثير ‪ (230 : 7‬وكببان‬
‫فبا لبيبه فبي أمبر الخبروج لمقاتلبة أهبل الشبام‬ ‫الحسن ببن علبي مخال ً‬
‫ومفارقته المدينة كما ترى فيما بعد ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( قول علي لهما وقسمهما له من زيادات مرتكبي )القاصمة( ورواتها ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ذهبببت إليهببا وأمهببات المببؤمنين لمببا قطببع البغبباة المبباء عببن أميببر‬
‫المببؤمنين عثمببان وأخببذ يستسببقي النبباس ‪ ،‬فجبباءته أم حبيبببة بالمبباء‬
‫فأهانوها ‪ ،‬وضربوا وجه بغلتها ‪ ،‬وقطعوا حبل البغلببة بالسببيف )الطبببري‬
‫‪ ، (127 : 5‬فتجهز أمهات المؤمنين إلى الحببج فببراًرا مببن الفتنببة )ابببن‬
‫كثير ‪. (229 : 7‬‬

‫‪142‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫خرافة الحوأب وشهادة الزور‬


‫ونبحببت كلبببه‪ ،‬فسببألت‬ ‫)‪(1‬‬
‫فجبباءوا إلببى مبباء الحببوأب‬
‫عائشة فقيل لها‪ :‬هذا ماء الحببوأب‪ .‬فببردت خطامهببا عنببه‪،‬‬
‫وذلك لما سمعت النبي ‪ ‬يقول‪} :‬أيتكببن صبباحبة الجمببل‬
‫الدبببب )‪ (2‬الببتي تنبحهببا كلب الحببوأب؟{ فشببهد طلحببة‬
‫)‪(3‬‬
‫والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب‪ ،‬وخمسون رجًل إليهما‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫وكانت أول شهادة زور دارت في السلم‬

‫‪1‬‬
‫)( الحوأب من مياه العرب على طريق البصرة ‪ .‬قاله أبببو الفتببوح نصببر‬
‫بن عبد الرحمن السكندري فيما نقله عنه ياقوت فببي معجببم البلببدان ‪.‬‬
‫وقال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم ‪ :‬ماء قريب مببن البصببرة ‪،‬‬
‫على طريق مكة إليها ‪ .‬سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الدبب ‪ :‬الدب )أظهر الدغببام لجببل السببجعة( ‪ ،‬والدب ‪ :‬كببثير وبببر‬
‫الوجه ‪ .‬قاله ابن الثير في النهاية ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( لم يشهدوا ‪ ،‬ولم تقل عائشة ‪ ،‬ولببم يقببل النبببي ‪ .‬وسببنبين ذلببك فببي‬
‫موضعه من )العاصمة( ص ‪. 162 - 161‬‬
‫‪4‬‬
‫)( شهادة الزور تصدر عن رعاع ل يخافون الله كأبي زينب وأبي المورع‬
‫كما تقدم في ص ‪ ، 97 - 96‬وتصدر عمن يزعم لنفسه أنه قببادر علببى‬
‫خلق شخصية لم يخلقها الله كالذي اخترع اسببم ثببابت مببولى أم سببلمة‬
‫كما تقدم في ص ‪ ، 91‬وأما طلحة والزبير ‪ -‬المشهور لهمببا بالجنببة مببن‬
‫نبي الرحمة الذي ل ينطق عن الهوى ‪ -‬فكانا أسمى أخلًقا وأكببرم علببى‬
‫أنفسهما وعلى اللببه مببن أن يشببهدا الببزور ‪ .‬وهببذه الفريببة عليهمببا مببن‬
‫مبغضي أصحاب رسول الله ليست أول فرية لهم في السلم ‪ ،‬ول آخببر‬
‫ما يفترونه من الكذب عليه وعلى أهله ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫خروج علي إلى الكوفة وما وقع في العراق قبل‬


‫وصوله‬
‫)‪(2‬‬
‫وتعسكر الفريقان والتقوا‬ ‫)‪(1‬‬
‫وخرج علي إلى الكوفة‬
‫وقال عمار ‪ -‬وقد دنببا مببن هببودج عائشببة ‪ :-‬مببا تطلبببون؟‬
‫قالوا‪ :‬نطلب دم عثمان‪.‬‬
‫قال‪ :‬قتل اللببه فببي هببذا اليببوم الببباغي والطببالب بغيببر‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫الحق‬
‫والتقى علي والزبير‪ ،‬فقال له علي‪ :‬أتببذكر قببول النبببي‬
‫‪} ‬إنببك تقبباتلني{ ؟ فببتركه ورجببع‪ .‬وراجعبه ولببده‪ ،‬فلببم‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫يقبل‪ .‬وأتبعه الحنف من قتله‬
‫ونادى علي طلحة من بعد‪ :‬ما تطلب؟ قال‪ :‬دم عثمببان‪.‬‬
‫قال‪ :‬قاتل اللببه أولنببا بببدم عثمببان‪ .‬ألببم تسببمع النبببي ‪‬‬
‫‪1‬‬
‫)( خرج من المدينة في آخر شببهر ربيببع الخببر سببنة ‪ ، 36‬ليكببون علببى‬
‫مقربببة مببن الشببام ‪ .‬وكببان ابنببه الحسببن يببود لببو بقببي والببده بالمدينببة‬
‫فيتخذها دار خلفته كإخوانه الثلثة قبلببه فل يبرحهببا )الطبببري ‪171 : 5‬‬
‫وانظر ‪ (163 : 5‬وقد سلك علي من المدينة إلى العراق طريق الربببذة‬
‫وفيد والثعلبية والساود وذي قار ‪ .‬ومن الربذة أرسل إلى الكوفة محمد‬
‫بن أبي بكر ومحمد بن جعفر فرجعا إليه وهو في ذي قار بأن أبا موسى‬
‫وأهل الحجى من الكوفيين يرون القعود ‪ ،‬فأرسل الشتر وابن عببباس ‪،‬‬
‫ثم أرسل ابنبه الحسبن وعمبباًرا لسببتمالة القبوم إليببه ‪ .‬وبينمبا هبو فبي‬
‫الطريق أنشب عثمان بن حنيف وحكيببم بببن جبلببة القتببال مببع أصببحاب‬
‫الجمل ‪ .‬وفي الساود جاءه خبر مصرع حكيم ببن جبلبة وقتلببة عثمبان ‪.‬‬
‫ثم جاء عثمان بببن حنيببف إلببى علببي وهببو فببي الثعلبيببة منتببوف اللحيببة‬
‫ومغلوًبا على أمره ‪ .‬وفي ذي قار أقام علببى معسببكره ‪ ،‬ثببم سببار بمببن‬
‫معه إلى البصرة وفيها أصحاب الجمل ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( بعد وصببول علببي إلببى ذي قببار وقيببام القعقبباع بببن عمببرو بمسبباعي‬
‫التفاهم تقدم علي بمن معه إلى البصرة فأسرع قتلة عثمان إلى إحباط‬
‫مساعي الصلح بإنشاب القتال ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( كان الفريقان يطلبان التفاهم وجمع الكلمببة ‪ ،‬أمببا الببباغي فهببم قتلببة‬
‫عثمان ‪ ،‬وقد قتلهم الله جميعا إل واحدا منهم ‪ ،‬وسيأتي بيانه ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الذي قتل الزبير عمير بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع التميمببي ‪.‬‬
‫والحنف أتقى لله من أن يأمرهم بقتله ‪ ،‬بببل سببمعوه يتببذمر مببن قتببال‬
‫المسلمين بعضهم مع بعض فلحقوا بالزبير فقتلوه )الطبري ‪. (198 : 5‬‬

‫‪144‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫يقول‪} :‬اللهم وال من واله‪ ،‬وعاد من عاداه‪ ،‬وانصببر مببن‬


‫وأنت أول من بببايعني ونكببث‬ ‫)‪(1‬‬
‫نصره‪ ،‬واخذل من خذله{‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( ابن ماجه المقدمة )‪ ، (116‬أحمد )‪. (4/281‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كان طلحة أصدق إيمانا وأسمى أخلقبا مبن أن يببايع وينكبث ‪ .‬وإنمبا‬
‫كان يريد جمع الكلمة للنظر في أمر قتلة عثمان ‪ ،‬استجاب علببي لهببذه‬
‫الدعوة كما سيأتي ص ‪ ، 156‬ولكن الذين جنوا على السببلم أول مببرة‬
‫بالبغي على عثمان كانوا أعداء الله مرة أخرى بإنشاب القتال بين هذين‬
‫الفريقين من المسلمين ‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمـــة‬
‫مجيء أصحاب الجمل إلى البصرة‬
‫أما خروجهم إلى البصرة فصحيح ل إشكال فيه‪.‬‬
‫ولكن لي شيء خرجوا؟ لببم يصببح فيببه نقببل‪ ،‬ول يوثببق‬
‫فيه بأحد لن الثقببة لببم ينقلببه‪ ،‬وكلم المتعصببب ل يسببمع‪.‬‬
‫وقد دخل على المتعصببب مببن يريببد الطعببن فببي السببلم‬
‫واستنقاض الصحابة‪.‬‬
‫وهببو‬ ‫)‪(1‬‬
‫فيحتمل أنهم خرجوا خلًعا لعلي لمر ظهر لهببم‬
‫أنهم بايعوا لتسكين الثائرة‪ ،‬وقاموا يطلبون الحق‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان‬
‫ويمكن أنهم خرجوا في جمع طوائف المسلمين‪ ،‬وضببم‬
‫نشببرهم‪ ،‬وردهببم إلببى قببانون واحببد حببتى ل يضببطربوا‬
‫فيقتتلوا‪ .‬وهذا هو الصحيح‪ ،‬ل شببيء سببواه‪ ،‬وبببذلك وردت‬
‫صحاح الخبار‪.‬‬
‫فأما القسام الولى فكلها باطلة وضعيفة‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫ها فباطل قد بيناه‬
‫أما بيعتهم كر ً‬

‫‪1‬‬
‫)( وهذا الحتمال بعيد عن هؤلء الفاضل الصالحين ‪ ،‬ولم يقع منهببم مببا‬
‫يدل عليه ‪ ،‬بل الحوادث كلها دلت علي نزاهتهم عنببه ‪ .‬وإلببى هببذا ذهببب‬
‫الحافظ ابن حجر في فتح الببباري )‪ (42 : 41 - 13‬فنقببل عببن كتبباب‬
‫)أخبار البصرة( لعمر ببن شبببة قببول المهلببب ‪ " :‬إن أحببدا لببم ينقببل أن‬
‫عائشة ومن معها نازعوا عليببا فببي الخلفببة ‪ ،‬ول دعببوا إلببى أحببد منهببم‬
‫ليولوه الخلفة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وهذا ما كانوا يببذكرونه ‪ ،‬إل أنهببم يريببدون أن يتفقببوا مببع علببي علببى‬
‫الطريقة التي يتوصلون بها إلي ذلك ‪ .‬وهذا ما كان يسعى بببه الصببحابي‬
‫المجاهد القعقاع بن عمرو ‪ ،‬ورضي به الطرفان كما سيأتي ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في ص ‪. 144 - 143‬‬

‫‪146‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وأما خلعهببم فباطببل؛ لن الخلببع ل يكببون إل بنظببر مببن‬


‫الجميع‪ ،‬فيمكن أن يولى واحد أو اثنان‪ ،‬ول يكون الخلببع إل‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫بعد الثبات والبيان‬
‫وأما خروجهم فببي أمببر قتلببة عثمببان‪ ،‬لن الصببل قبلببه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫تأليف الكلمة‪ ،‬ويمكن أن يجتمع المران‬
‫قطببع الشببغب بيببن النبباس‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫ويببروى أن فببي تغيبهببم‬
‫فخببرج طلحببة والزبيببر وعائشببة أم المببؤمنين رضببي اللببه‬
‫عنهم رجاء أن يرجع الناس إلي أمهم فيرعوا حرمة نبيهم‪.‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫بقببول اللببه تعببالي‪} :‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫واحتجببوا عليهببا‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪) ،‬النساء‪:‬‬ ‫)‪(5‬‬


‫‪{‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪‬‬‫‪ ‬‬

‫‪ .(114‬وقد خرج النبي ‪ ‬في الصلح وأرسل فيه‪ .‬فرجببت‬


‫المثوبة‪ ،‬واغتنمت القصببة‪ ،‬وخرجببت حببتى بلغببت القضببية‬
‫مقاديرها‪.‬‬
‫وأحس بهببم أهببل البصببرة‪ ،‬فحببرض مببن كببان بهببا مببن‬
‫المتألبين على عثمان الناس‪ ،‬وقالوا‪ :‬اخرجببوا إليهببم حببتى‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر )التمهيببد( للببباقلني ص ‪ 212 - 211‬وص ‪ 232‬فببي موضببوع‬
‫الخلع ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( واجتمبباع المريببن هببو الببذي كبباد يقببع ‪ ،‬لببول أن السبببئيين أحبطببوه ‪.‬‬
‫فأصحاب الجمل جاءوا في قتلة عثمان ‪ ،‬ولم يجيئوا إل لببذلك ‪ .‬إل أنهببم‬
‫أرادوا أن يتفبباهموا عليببه مببع علببي؛ لن التفبباهم معببه أول الوسببائل‬
‫للوصول إلي ما جاءوا له ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أي تغيب طلحة والزبير وعائشة عن المدينة ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( لما أقنعوها بالخروج إلى البصرة ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( سورة النساء آية ‪. 114 :‬‬

‫‪147‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تروا ما جاءوا إليه‪ .‬فبعث عثمان بن حنيف حكيم بن جبلببة‬


‫ولو خرج‬ ‫)‪(2‬‬
‫فلقي طلحة والزبير بالزابوقة‪ ،‬فقتل حكيم‬ ‫)‪(1‬‬

‫أصابه شببيء‪ .‬وأي خيببر‬ ‫)‪(3‬‬


‫مسلما مستسلما ل مدافعا لما‬
‫كان له في المدافعة‪ ،‬وعن أي شيء كان يدافع؟ وهببم مببا‬
‫جاءوا مقاتلين ول ولة‪ ،‬وإنمبا جباءوا سباعين فبي الصبلح‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)( عثمان بن حنيف أنصبباري مببن الوس ‪ ،‬كببان عنببد هجببرة النبببي إلببى‬
‫المدينة أحد الشبان الوسيين الخمسببة عشببر الببذين انضببموا إلببي عبببد‬
‫عمرو بن صيفي عند خروجه إلى مكة مغاضبببا النبببي وكببان عبببد عمببرو‬
‫يسمى في الجاهلية الراهب فسماه النبي الفاسق )الطبببري ‪. (16 : 3‬‬
‫والظاهر أن عثمان بن حنيف عاد من مكة وأسلم قبل وقعببة أحببد لنهببا‬
‫أول مشاهده )الصابة ‪ (459 : 2‬وتزعم الشيعة أنه شاغب على خليفة‬
‫رسول الله أبي بكر الصديق في أول خلفته )تنقيببح المقببال للمامقبباني‬
‫‪ (198 : 1‬وأعتقد أن هذا من كذبهم عليببه ‪ ،‬وقببد تببولى لعمببر مسبباحة‬
‫أرض العراق وضرب الجزية والخراج على أهلها ‪ ،‬فلببو صببح مببا زعمببوه‬
‫من شغبه على أبي بكر لتنافى هذا مع استعمال عمر لببه ‪ ،‬إل أن يكببون‬
‫تاب ‪ .‬ولما بويع لعلي آخر سنة ‪ 35‬واختار ولته في بداية سنة ‪ 36‬ولببى‬
‫عثمان بن حنيف على البصرة )الطبري ‪ . (161 : 5‬ولما وصل أصحاب‬
‫الجمل إلى الخفير على أربعة أميال من البصرة أرسل إليهم عثمان بببن‬
‫حنيف عمران بن حصين الخزاعي صاحب راية النبي علببى خزاعببة يببوم‬
‫الفتح ليعلم له علمهم ‪ ،‬فلما عاد إليه وذكر له حديثه مع أصحاب الجمل‬
‫قال له عثمان بن حنيف ‪ :‬أشر علي يا عمببران ‪ .‬فقببال لببه ‪ :‬إنببي قاعببد‬
‫فاقعد ‪ .‬فقبال عثمبان ‪ :‬ببل أمنعهببم حببتى يبأتي أميببر المببؤمنين علبي ‪،‬‬
‫وأشببار عليببه هشببام بببن عببامر النصبباري ‪ -‬أحببد الصببحابة المجاهببدين‬
‫الفاتحين ‪ -‬بأن يسالمهم حتى يأتي أمر علببي ‪ ،‬فببأبى عثمببان بببن حنيببف‬
‫ونادى في الناس ‪ ،‬فلبسوا السلح ‪ ،‬وأقبل عثمان على الكيببد )الطبببري‬
‫‪ ، (175 - 174 : 5‬وكانت العاقبة فشله وخروج المر من يده إلي أيدي‬
‫أصحاب الجمل ‪ .‬ووقع ابن حنيف في أسر الجماهير فنتفت لحيتببه ‪ ،‬ثببم‬
‫أنقذه أصحاب الجمل منهم فانسحب إلى معسكر علي في الثعلبيببة ثببم‬
‫في ذي قار ‪ .‬هذا هو عثمان بن حنيف وموقفه من أصحاب الجمل ‪ .‬أمببا‬
‫حكيم بن جبلة فالقارئ يعلم أنه من قتلة أمير المببؤمنين عثمببان ‪ ،‬وقببد‬
‫تقدم التعريف به في )ص ‪. (116 - 115‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الزابوقة ‪ :‬موضع قريب من البصرة كانت فيه وقعة الجمل في دورها‬
‫الول بعد أن خطب طلحببة والزبيببر وعائشببة فببي المربببد ‪ .‬أمببا مصببرع‬
‫حكيم بن جبلة فكان بعببد المعببارك الولببى الببتي انتهببت بغلبببة أصببحاب‬
‫الجمل واستيلئهم على الحكم في البصرة ‪ ،‬فتمرد حكيم بن جبلة علببى‬
‫هذه الحالة الجديدة وقاتل مع ثلثمائة من أعوانه حتى قتل ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أي مقاتل ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫راغبببين فببي تببأليف الكلمببة‪ ،‬فمببن خببرج إليهببم ودافعهببم‬


‫وقاتلهم دافعوا عن مقصدهم‪ ،‬كمببا يفعببل فببي سببائر‬
‫البسفار والمقاصد‪.‬‬
‫فلما واصببلوا إلببى البصببرة تلقبباهم النبباس بببأعلى‬
‫حتى لببو رمببي حجببر مببا وقببع إلب‬ ‫) ‪(1‬‬
‫المربد مجتمعين‬
‫علببى رأس إنسببان‪ .‬فتكلببم طلحببة )وتكلببم الزبيببر (‬
‫‪.‬‬ ‫) ‪(2‬‬
‫وتكلمت عائشة رضي الله عنهم‬

‫‪1‬‬
‫)( مربد البصرة ‪ :‬موضع كانت تقام فيببه سببوق البببل خببارج البلببد ‪ ،‬ثببم‬
‫صبارت تكببون فيببه مفبباخرات الشببعراء ومجببالس الخطببباء ‪ .‬ثببم اتسببع‬
‫عمران البصرة فدخل المربد في العمببران فكببان مبن أجببل شببوارعها ‪،‬‬
‫وسوقه من أجل أسواقها ‪ ،‬وصببار محلببة عظيمببة سببكنها النبباس ‪ .‬ولمببا‬
‫انحطت منزلة البصرة وهرم عمرانها تضاءلت فأمسى المربد بائًنا عنهببا‬
‫حتى كان بينببه وبيببن البصببرة فببي زمببن يبباقوت ثلثببة أميببال ‪ ،‬والمربببد‬
‫خراب ‪ .‬كالبلدة المفردة في وسط البرية ‪ .‬وكان موضع البصببرة يببومئذ‬
‫قريًبا من موضع ضاحيتها الزبير في أيامنا هذه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كان أصحاب الجمل في ميمنة المربد ‪ ،‬وعثمان بن حنيف ومببن معببه‬
‫في ميسببرته ‪ ،‬وقببد لخبص الطبببري )‪ (175 : 5‬خطببب طلحببة والزبيببر‬
‫وعائشة راوًيا ذلك عن سيف بن عمر التميمي عن شيوخه ‪ ،‬وهم أعرف‬
‫الخباريين بحوادث العراق ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وكثر اللغط ) ‪ (1‬وطلحة يقببول ))أنصببتوا!(( فجعلببوا‬


‫يركبونه ولب يتصنتون‪ ،‬فقببال )) ُأبف‪ُ ،‬أبف‪ .‬فببراش نببار‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫) ‪(2‬‬
‫وذباب طمع((‪ .‬وانقلبوا على غير بيان‬
‫وانحدروا إلى بني نهد‪ ،‬فرماهم النبباس بالحجببارة حببتى‬
‫والتقى طلحة والزبير وعثمان بببن حنيببف ‪-‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫نزلوا الجبل‬
‫عامببل علببي علببى البصببرة ‪ -‬وكتبببوا بينهببم أن يكفببوا عببن‬
‫القتال‪ ،‬ولعثمان دار المببارة والمسببجد وبيببت المببال‪ ،‬وأن‬
‫ينزل طلحة والزبيببر مببن البصببرة حيببث شباءا‪ ،‬ول يعببرض‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫بعضهم لبعض حتى يقدم علي‬
‫‪1‬‬
‫قببا علببى خطبببتي طلحببة‬ ‫)( لن الذين فببي الميسببرة كببانوا يقولببون تعلي ً‬
‫والزبير ‪ :‬فجرا وغدرا ‪ ،‬وقال الباطل ‪ ،‬وأمرا به ‪ .‬قد بايعا ثم جاءا يقولن‬
‫ما يقولن ‪ .‬والببذين كببانوا فببي الميمنببة يقولببون ‪ :‬صببدقا ‪ ،‬وبببرا ‪ ،‬وقببال‬
‫الحق ‪ ،‬وأمرا بالحق ‪ ،‬وتحبباثى النبباس وتحاصبببوا وأرهجببوا ‪ .‬إل أنببه لمببا‬
‫انتهت عائشة من خطبتها ثبت الذين مع أصحاب الجمل علببى مببوالتهم‬
‫لهم ‪ ،‬وافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين فقالت فرقببة ‪ :‬صببدقت‬
‫والله وبرت وجاءت بالمعروف ‪ ،‬وقببال الخببرون ‪ :‬كببذبتم مبا نعببرف مبا‬
‫تقولون ‪ .‬فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لما رأت عائشة ما يفعل أنصار عثمان بن حنيف انحدرت وانحدر أهل‬
‫الميمنة مفارقتين لبن حنيف حتى وقفوا في موضع آخببر ‪ .‬ومببال بعببض‬
‫الذين كانوا مع ابن حنيف إلى عائشة وبقي بعضهم مع عثمان بن حنيف‬
‫)الطبري ‪. (175 : 5‬‬
‫‪3‬‬
‫قا نقله سيف بن عمر‬ ‫فا دقي ً‬‫)( حفظ لنا الطبري )‪ (177 - 176 : 5‬وص ً‬
‫التميمي عن شيخيه محمد بن عبد الله بن سواد بن نببويرة وطلحببة بببن‬
‫العلم الحنفي عن الموقف السلمي لصحاب الجمل في هذه الوقعببة ‪،‬‬
‫وإسراف حكيببم بببن جبلببة فببي إنشبباب القتببال ‪ .‬قببال ‪ :‬وأمببرت عائشببة‬
‫أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مببازن ثببم حجببز الليببل بيببن‬
‫الفريقين ‪ .‬وفي اليوم التالي انتقل أصحاب الجمل إلى جهة دار الرزق ‪،‬‬
‫وأصبح عثمان بن حنيف وحكيم بببن جبلببة فجببددا القتببال ‪ ،‬وكببان حكيببم‬
‫يطيل لسانه بسب أم المؤمنين ‪ ،‬ويقتل من يلومه على ذلك مببن نسبباء‬
‫ورجال ‪ ،‬ومنادي عائشة يدعو النبباس إلببى الكببف عببن القتببال فيببأبون ‪،‬‬
‫حتى إذا مسهم الشر وعضهم نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( ونص كتاب الصلح في تاريخ الطبري )‪ (177 : 5‬ولما بلغ علّيا ما وقع‬
‫كتب إلى عثمان بن حنيف يصفه بالعجز ‪ .‬وجمببع طلحببة والزبيببر النبباس‬
‫وقصدوا المسجد وانتظروا عثمان بن حنيف فأبطأ ولم يحضر ‪ ،‬ووقعببت‬

‫‪150‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫نقض حكيم بن جبلة لكتاب الصلح ومصرعه‬


‫وروي أن حكيببم بببن جبلببة عارضببهم حينئذ‪ .‬فقتببل بعببد‬
‫فلببم‬ ‫)‪(3‬‬
‫وتببدانوا ليببتراءوا‬ ‫)‪(2‬‬
‫وقدم علببي البصببرة‬ ‫)‪(1‬‬
‫الصلح‬
‫يتركهم أصحاب الهببواء‪ ،‬وبببادروا بإراقببة الببدماء‪ .‬واشببتجر‬
‫الحرب‪ ،‬وكثرت الغوغاء على البوغاء‪ .‬كل ذلك حتى ل يقببع‬
‫برهان‪ ،‬ول يقف الحال علببى بيببان‪ ،‬ويخفببى قتلببة عثمببان‪.‬‬
‫دا في الجيش يفسد تدبيره‪ ،‬فكيف بألف؟!‪.‬‬
‫وإن واح ً‬

‫فتنة في المسجد من رعاع البصرة أتباع حكيم بن جبلببة ‪ ،‬وكببان لهببا رد‬
‫فعل من أناس ذهبوا إلى عثمببان بببن حنيببف ليحضببروه فتوطببأه النبباس‬
‫وانتفوا شعر وجهه ‪ ،‬أمرهم بببذلك مجاشببع بببن مسببعود السببلمي زعيببم‬
‫هوازن وبني سليم والعجاز من قبائل البصرة )الطبري ‪. (178 : 5‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وبيان ذلك في تاريخ الطبري )‪ (182 - 179 : 5‬وانظر كتابنا هذا ص‬
‫‪. 116‬‬
‫‪2‬‬
‫)( فنزل مكاًنا منها يسمى الزاوية ‪ .‬وكان أصحاب الجمببل نببازلين مكان ًببا‬
‫منها يسمى الفرضة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عند موضع قصر عبيد الله ببن زيباد ‪ ،‬وكبان ذلبك يبوم الخميبس فبي‬
‫النصببف مببن جمببادى الخببرة سببنة ‪) 36‬الطبببري ‪ . (199 : 5‬وكببان‬
‫الصحابي الجليببل القعقبباع بببن عمببرو التميمببي قببد قببام بيببن الفريقيببن‬
‫بالوساطة الحكيمة المعقولة ‪ ،‬فاستجاب له أصحاب الجمل وأذعن علي‬
‫لذلك ‪ ،‬وبعث علي إلى طلحة والزبير يقول ‪)) :‬إن كنتم على ما فببارقتم‬
‫عليه القعقاع بببن عمببرو فكفببوا حببتى ننببزل فننظببر فببي هببذا المببر(( ‪،‬‬
‫فأرسل إليه ‪)) :‬إنا على ما فارق عليه القعقاع بن عمرو من الصلح بيببن‬
‫النبباس(( ‪ .‬قببال الحببافظ ابببن كببثير فببي البدايببة والنهايببة )‪: (239 : 7‬‬
‫فاطمأنت النفوس وسكنت واجتمبع كبل فريبق بأصبحابه مبن الجيشبين‬
‫فلما أمسوا بعث علي عبببد اللببه بببن عببباس إليهببم ‪ ،‬وبعثببوا محمببد بببن‬
‫طلحة السجاد إلى علي وعولوا جميًعا على الصلح ‪ ،‬وباتوا بخير ليلة لببم‬
‫يبيتوا بمثلها للعافية ‪ .‬وبات الببذين أثبباروا أمببر عثمببان بشببر ليلببة باتوهببا‬
‫قط ‪ ،‬قد أشرفوا على الهلكة ‪ .‬وجعلببوا يتشبباورون ليلتهببم كلهببا ‪ ،‬حببتى‬
‫اجتمعوا على إنشاب الحببرب فببي السببر ‪ ،‬واستسببروا بببذلك خشببية أن‬
‫يفطن بما حاولوا من الشر ‪ .‬فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم جيرانهم ‪،‬‬
‫وانسلوا إلى ذلك المر انسلًل )وانظر مع ذلك الموضببع مببن تاريببخ ابببن‬
‫كثير تاريخ الطبري ‪ 203 - 202 : 5‬ومنهاج السنة ‪ 185 : 2‬و ‪225 : 3‬‬
‫و ‪ 341‬والمنتقى منه للذهبي ‪ 223‬و ‪ . (404‬وهكذا أنشبوا الحرب بيببن‬
‫علي وأخويه الزبير وطلحة ‪ ،‬فظببن أصببحاب الجمببل أن علي ّببا غببدر بهببم‬
‫وظن علي أن إخوانه غدروا به ‪ ،‬وكل منهم أتقى لله من أن يفعببل ذلببك‬
‫في الجاهلية ‪ ،‬فكيف بعد أن بلغوا أعلى المنازل من أخلق القرآن ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫مصرع طلحة بن عبيد الله وكعب بن سور قاضي‬


‫البصرة‬
‫وقد روي أن مروان لمببا وقعببت عينببه فببي الصببطفاف‬
‫على طلحة قال‪ :‬ل نطلببب أث بًرا بعببد عيببن‪ ،‬ورمبباه بسببهم‬
‫فقتله )‪ . (1‬ومن يعلم هذا إل علم الغيوب‪ ،‬ولم ينقله ثبت‪.‬‬
‫وقد روي ] أنه [ أصابه سهم بأمر مببروان‪ ،‬ل أنببه رمبباه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫وقد خرج كعب بن سور بمصببحف منشببور بيببده يناشببد‬


‫)‪(4‬‬
‫ب فقتلببه‬
‫فأصابه سببهم غببر ٍ‬
‫)‪(3‬‬
‫الناس أن يريقوا دماءهم‬
‫‪1‬‬
‫)( آفة الخبار رواتها ‪ .‬وفي العلوم السلمية علج آفة الكببذب الخبيثببة ‪،‬‬
‫فإن كل راوي خبر يطالبه السلم بأن يعين مصدره علببى قاعببدة " مببن‬
‫أين لك هذا ؟ " ‪ .‬ول تعرف أمة مثل هذه الدقبة فبي المطالببة بمصبادر‬
‫الخبار كما عرفه المسلمون ‪ ،‬ول سيما أهل السببنة منهببم ‪ .‬وقببد أشبباد‬
‫بهذه المزيببة لعلمبباء السببنة الببدكتور أسببد رسببتم فببي كتببابه )مصببطلح‬
‫التاريخ( ‪ .‬وهذا الخببر عبن طلحبة ومبروان " لقيبط " ل يعبرف أبيبه ول‬
‫صاحبه ‪ .‬وما دام لم ينقلببه ثبببت بسببند معببروف عببن رجببال ثقببات فببإن‬
‫للقاضببي ابببن العربببي أن يقببول بملببء فيببه‪ .‬ومببن يعلببم هببذا إل علم‬
‫الغيوب؟ ! ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وهذا الزعم كالزعم السابق في ص ‪ 150‬عن الزبيببر أن الحنببف هببو‬
‫المر بقتله ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( كعب بن سور الزدي أول قضاة المسلمين على البصببرة ‪ ،‬وله أميببر‬
‫المؤمنين عمر ‪ .‬قال الحافظ ابن عبد البر ‪ :‬كان مسلما في زمن النبببي‬
‫لكنه لم يره ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( قال الحافظ ابن عساكر )‪ (85 : 7‬في ترجمة طلحة ‪ :‬وقالت عائشة‬
‫لكعب بن سور الزدري ‪ " :‬خل يا كعب عن البعير ‪ ،‬وتقببدم بكتبباب اللببه‬
‫فببادعهم إليببه ‪ ،‬ودفعببت إليببه مصببحفا وأقبببل القببوم وأمببامهم السبببئية‬
‫يخببافون أن يجببري الصببلح ‪ ،‬فاسببتقبله كعببب بالمصببحف ‪ ،‬وعلببي مببن‬
‫خلفهم يزعهم ويأبون إل إقداما ‪ .‬فلما دعاهم كعب رشقوه رشقا واحببدا‬
‫فقتلوه ثم راموا أم المؤمنين ‪ . . .‬فكان أول شيء أحدثته حيببن أبببوا أن‬
‫قالت ‪ " :‬يا أيها الناس ‪ ،‬العنوا قتلة عثمان وأشياعهم " وأقبلببت تببدعو ‪،‬‬
‫وضج أهل البصرة بالدعاء ‪ .‬وسمع علي الدعاء فقال ‪ :‬ما هذه الضجة ؟‬
‫فقالوا ‪ :‬عائشة تدعوا ويدعوا الناس معها على قتلة عثمان وأشببياعهم ‪.‬‬
‫فأقبل علي يدعوا وهو يقول ‪ " :‬اللهببم العببن قتلببة عثمببان وأشببياعهم "‬
‫قلت ‪ :‬وهكذا اشترك صببالحو الفريقيببن فببي لعببن قتلببة أميببر المببؤمنين‬
‫الشهيد المظلوم في الساعة التي كان فيها قتلة عثمان ينشبون القتببال‬

‫‪152‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ولعل طلحة مثله‪ ،‬ومعلببوم أنببه عنببد الفتنببة وفببي ملحمببة‬


‫القتال يتمكن أولو الحن والحقود‪ ،‬من حل العببرى ونقببض‬
‫العهود‪ .‬وكانت آجال حضرت‪ ،‬ومواعيد انتجزت )‪. (1‬‬
‫حديث هذه ثم لزوم الحصر والكلم في صحة‬
‫خروج عائشة‬
‫فإن قيل‪ :‬لم خرجت عائشة رضي الله عنهببا وقببد قببال‬
‫صلى الله عليببه وسببلم لهببن فببي حجببة الببوداع }هببذه ثببم‬
‫‪ .‬قلنا‪ :‬حدث حببديثين امببرأة‪ ،‬فببإن أبببت‬ ‫)‪(2‬‬
‫ظهور الحصر{‬

‫بين صالحي المسلمين ‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫)( نقل الحافظ ابن عساكر )‪ (87-86 : 7‬قول الشعبي ‪ :‬رأى علي بببن‬
‫أبي طالب طلحة ملقى في بعببض الوديببة ‪ ،‬فنببزل فمسببح الببتراب عبن‬
‫وجهه ثم قال ‪ " :‬عزيببزي علببي أبببا محمببد أن أراك مجببدل فببي الوديببة‬
‫وتحت نجوم السماء ‪ .‬إلى الله أشكى عجري وبجري " )قال الصمعي ‪:‬‬
‫أي سرائري وأحزاني التي تجول فببي جببوفي( ‪ .‬وقببالت ‪ " :‬ليتنببي مببت‬
‫قبل هذا الموت بعشرين سنة " ‪ .‬وقال أبو حبيبة مولى طلحببة ‪ :‬دخلببت‬
‫أنا وعمران بن طلحة على علببي بعببد الجمببل ‪ ،‬فرحببب بعمببران وأدنبباه‬
‫وقال ‪ " :‬إني لرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال فيهم ) وَن ََزعْن َببا‬
‫ن( ‪ ،‬وكبان الحببارث‬ ‫قباب ِِلي َ‬
‫مت َ َ‬ ‫وان ًببا عَل َببى ُ‬
‫سبُررٍ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِغ ّ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫دورِهِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ما ِفي ُ‬
‫َ‬
‫العور )*( جالسا في ناحية فقال ‪ " :‬الله أعدل من أن نقتلهببم ويكونببوا‬
‫إخواننببا فببي الجنببة " ‪ ،‬فقببال لببه علببي ‪ " :‬قببم إلببى أبعببد أرض اللببه‬
‫وأسحقها ‪ ،‬فمن هو ذا إن لم أكن أنا وطلحة في الجنة ؟ " وذكر محمببد‬
‫بن عبد الله أن عليا تناول دواة فحذف بها يريده بها فأخطأه ‪ .‬وقببال لببه‬
‫ابن الكواء )**( " الله أعدل من ذلببك " فقببام إليببه علببي بببدرة فضببربه‬
‫وقال له " أنت‪ -‬ل أم لك‪ -‬وأصحابك تنكرون هذا ؟ ! " ‪ (*) .‬هو الحببارث‬
‫بببن عبببد اللببه الهمببداني الحببوثي أبببو زهيببر الكببوفي العببور أحببد كبببار‬
‫الشيعة ‪ .‬قال عنببه الشببعبي وابببن المببديني ‪ :‬كببذاب ‪ .‬قلببت وإنمببا كببان‬
‫يببدفعه إلببى الكببذاب تحزبببه وتشببيعه ‪ ،‬فالحزبيببة والتشببيع والتصببعيب‬
‫المذهبي من مدارج الباطل ‪ ،‬والسلم دين العتدال والنصاف والصدق‬
‫وأن تقول بالحق ولو على نفسك ‪ (**) .‬ابن الكواء ‪ :‬عبد اللببه بببن أبببي‬
‫أوفى الشكري أحد القائمين بالفتنة على عثمان وبعببد صببفين والتحكيببم‬
‫كان على رأس الخوارج على علي ‪ .‬فلما حاجهم علي وابن عباس رجببع‬
‫إلى علي قبل وقعة النهروان ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في مسند أحمد )‪ 446 : 2‬الطبعة الولى( من حببديث صببالح مببولى‬
‫التوأمة عن أبي هريرة أن رسول الله لما حببج بنسببائه قببال ))إنمببا هببي‬
‫هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر(( ‪ .‬وفيه )‪ 218 : 5‬الطبعة الولببى(‬
‫من حديث واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أنه قال لنسببائه فببي حجتببه‬

‫‪153‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فأربعة‪ .‬يا عقول النسوان ألم أعهد إليكم أل ترووا أحاديث‬


‫)‪(1‬‬
‫البهتان‪ ،‬وقدمنا لكم على صحة خروج عائشببة البرهببان‬
‫فلم تقولون ما ل تعلمون؟ وتكررون ما وقع النفصال عنه‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫كأنكم ل تفهمون؟ }‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪  ‬‬

‫عود إلى ذكر الحوأب ونقض السطورة عنه‬


‫وأما الذي ذكرتم من الشهادة على مبباء الحببوأب‪ ،‬فقببد‬
‫‪ .‬ما كان قببط شببيء كمببا‬ ‫)‪(3‬‬
‫بؤتم في ذكرها بأعظم حوب‬
‫ذكرتببم‪ ،‬ول قببال النبببي ‪ ‬ذلببك الحببديث‪ ،‬ول جببرى ذلببك‬

‫))هذه ثم ظهور الحصر(( ‪ ،‬وحديث أبي واقد في باب فببرض الحببج مببن‬
‫كتاب المناسك بسنن أبببي داود )ك ‪ 11‬ب ‪ . (1‬والحصببر جمببع حصببير ‪،‬‬
‫أي لزوم المنببزل ‪ .‬ونقلببه الحببافظ ابببن كببثير فببي البدايببة والنهايببة )‪: 5‬‬
‫‪ (215‬على أنه إشارة نبوية إلى أنببه ينعببى لهببن نفسببه ‪ ،‬وأن هببذه آخببر‬
‫حجة له وليس فيه أمر منه بأن ل يزيلن الحصر إلببى حببج أو مصببلحة أو‬
‫إصلح بين الناس ‪ .‬فاستشهاد أعداء الصحابة بهذا الحببديث علببى المنببع‬
‫قا عده القاضي ابن العربي من البهتان ‪ ،‬لنه استشهاد ببه لغيبر مبا‬ ‫مطل ً‬
‫أراده النبي ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( روى المام ابن حببزم فببي بحببث ))وجببوه الفضببل والمفاضببلة(( مببن‬
‫كتاب )المامة والمفاضلة( المدرج في الجببزء الرابببع مببن )الفصببل( ص‬
‫‪ 134‬عن شيخه أحمد بن محمد الخوزي عن أحمد بن الفضل الببدينوري‬
‫عن محمد بن جرير الطبري أن علي بن أبي طالب بعث عمار بن ياسببر‬
‫والحسن بن علي إلى الكوفة إذ خرجت أم المؤمنين إلى البصرة ‪ ،‬فلما‬
‫أتياها اجتمع إليهما النبباس فببي المسببجد ‪ ،‬فخطبهببم عمببار ‪ ،‬وذكببر لهببم‬
‫خروج عائشة أم المؤمنين إلى البصرة ثم قال لهم ‪)) :‬إني أقول لكببم ‪،‬‬
‫ووالله إني لعلم أنها زوجة رسول الله كما هي زوجته في الدنيا ‪ ،‬ولكن‬
‫الله ابتلكم بها لتطعيوها أو لتطيعوه(( فقال لببه مسببروق )ابببن الجببدع‬
‫الهمداني( أو أببو السبود )الببدؤلي( ‪)) :‬يبا أببا اليقظبان فنحببن مبع مبن‬
‫شهدت له بالجنة دون من لم تشهد له(( فسكت عمار! ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة النفال آية ‪. 22 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الحوب ‪ :‬الثم ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الكلم‪ ،‬ول شهد أحد بشهادتهم‪ ،‬وقد كتبت شهاداتكم بهببذا‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫الباطل وسوف تسألون‬
‫قاصمة‬
‫حرب صفين ودعوى الفريقين وما اخترع في‬
‫ذلك من أكاذيب‬
‫هببؤلء‬ ‫)‪(2‬‬
‫ودارت الحرب بين أهل الشام وأهببل العببراق‬
‫يببدعون إلببى علببي بالبيعببة وتببأليف الكلمببة علببى المببام‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تقدم في ص ‪ 148‬بيان موضع الحوأب ‪ .‬وأن الكلم الذي نسبوه إلى‬
‫النبي وزعموا أن عائشة ذكرته عند وصولهم إلببى ذلببك المبباء ليببس لببه‬
‫موضع في دواوين السنة المعتبرة ‪ .‬وقد رأينببا خبببره عنببد الطبببري )‪: 5‬‬
‫‪ (170‬فرأيناه يرويه عن إسماعيل بن موسى الفزاري )وهببو رجبل قببال‬
‫فيه ابن عدي ‪ :‬أنكروا منه الغلو في التشيع( ‪ ،‬ويرويه هذا الشببيعي عببن‬
‫علي بن عابس الزرق )قال عنه النسائي ‪ :‬ضعيف( وهو يرويه عن أبببي‬
‫الخطاب الهجري )قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب ‪ :‬مجهببول(‬
‫وهذا الهجري المجهول يرويه عن صببفوان بببن قبيصببة الحمسببي )قببال‬
‫عنببه الحببافظ الببذهبي فببي ميببزان العتببدال ‪ :‬مجهببول( ‪ .‬هببذا هببو خبببر‬
‫الحوأب ‪ .‬وقد بني على أعرابي زعموا أنهم لقوه فببي طريببق الصببحراء‬
‫ومعه جمل أعجبهم فبأرادوا أن يكبون هبو جمبل عائشبة فاشبتروه منبه‬
‫وسار الرجل معهم حتى وصلوا إلى الحبوأب فسببمع هبذا الكلم ورواه ‪،‬‬
‫مع أنببه هببو نفسببه ‪ -‬أي العرابببي صبباحب الجمببل ‪ -‬مجهببول السببم ول‬
‫نعرف عنه إن كان من الكذابين أو الصادقين ‪ .‬ويظهر لي أنه ليببس مببن‬
‫الكذابين ول من الصادقين ‪ ،‬لنه من أصله ‪ -‬كالثاني عشر ‪ -‬موهببوم لببم‬
‫يخلق ‪ ،‬ولن جمل عائشة واسمه ))عسكر(( جاء به يعلى بببن أميببة مببن‬
‫اليمن وركبته عائشة من مكة إلى العراق ‪ ،‬ولم تكن ماشية على رجليها‬
‫حتى اشتروا لها جمًل من هذا العرابببي الببذي زعمببوا أنهببم قببابلوه فببي‬
‫الصحراء ‪ ،‬وركبوا على لسانه هذه الحكاية السببخيفة ليقولببوا إن طلحببة‬
‫والزبير ‪ -‬المشهود لهما بالجنببة ممببن ل ينطببق عببن الهببوى ‪ -‬قببد شببهدا‬
‫الزور ‪ .‬ولو كنا نستجيز نقل الخبار الواهية لنقلنا في معارضة هذا الخبر‬
‫خبًرا آخر نقله ياقوت في معجم البلدان )مببادة حببوأب( عببن سببيف بببن‬
‫عمر التميمي أن المنبوحة من كلب الحوأب هبي أم زمبل سبلمى بنبت‬
‫مالك الفزاريبة الببتي قبادت المرتبدين مبا بيبن ظفببر والحببوأب فسببباها‬
‫المسلمون ووهبت لعائشة فأعتقتها ‪ ،‬فقيلببت فيهبا هبذه الكلمبة ‪ .‬وهببذا‬
‫الخبر ضعيف والخبببر الببذي أورده عببن عائشببة أضببعف منببه ‪ .‬ومببا بببرح‬
‫الكذب بضاعة يتجر بها الذين ل يخافون الله ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في موضع يسمى )صفين( بقرب الرقببة علببى شبباطئ الفببرات آخببر‬
‫تخوم العراق وأول أرض الشام ‪ .‬سار إليها علي بجيوشه في أواخببر ذي‬
‫القعدة سنة ‪. 36‬‬

‫‪155‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وهؤلء يدعون إلى التمكين من قتلببة عثمببان ويقولببون‪ :‬ل‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫نبايع من يؤوي القتلة‬
‫وعلي يقول ل أمكن طالًبا من مطلوب ينفذ فيه مببراده‬
‫مببا أو قبباتًل‬
‫بغير حكم ول حاكم‪ .‬ومعاوية يقول‪ :‬ل نبايع مته ً‬
‫له‪ ،‬وهو أحد من يطلب فكيف نحكمه أو نبايعه‪ ،‬وهو خليفة‬
‫عدا وتسور‪.‬‬
‫وذكروا فببي تفاصبيل ذلبك كلمبات آلبت إلببى اسبتفعال‬
‫رسائل )‪ (2‬واستخراج أقوال‪ ،‬وإنشاء أشعار‪ ،‬وضرب أمثببال‬
‫خَلف )‪. (3‬‬
‫خْلف وينبذها ال َ‬
‫تخرج عن سيرة السلف‪ ،‬يقرها ال َ‬

‫‪1‬‬
‫ما انتهى علببي مببن حببرب الجمببل وسببار مببن البصببرة إلببى الكوفببة‬ ‫)( ل ّ‬
‫فدخلها يوم الثنين ‪ 12‬من رجب ‪ ،‬أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلببى‬
‫معاوية في دمشق يدعوه إلى طبباعته ‪ .‬فجمببع معاويببة رءوس الصببحابة‬
‫وقادة الجيببوش وأعيببان أهببل الشببام واستشببارهم فيمببا يطلببب علببي ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬ل نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان ‪ ،‬أو يسلمهم إلينا ‪ .‬فرجع جريببر‬
‫إلى علي بذلك ‪ ،‬فاستخلف علي على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عببامر‬
‫وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام من العببراق ‪ ،‬وقببد أشببار‬
‫عليه ناس بأن يبقى في الكوفة ويبعبث غيببره إلبى الشبام فبأبى ‪ .‬وبلبغ‬
‫معاوية أن عليا تجهز وخرج بنفسه لقتاله فأشببار عليببه رجبباله أن يخببرج‬
‫هو أيضا بنفسه ‪ ،‬فخرج الشاميون نحو الفرات من ناحية صفين ‪ ،‬وتقدم‬
‫علي بجيوشه إلى تلك الجهة ‪ .‬وكان جيش علي في مائة وعشرين ألفببا‬
‫وجيش معاوية في تسعين ألفا ‪ ،‬وبببدأ القتببال فببي ذي الحجببة سببنة ‪36‬‬
‫بمناوشات ومبارزات ‪ ،‬ثم تهادنوا في المحرم سنة ‪ 37‬واستؤنف القتال‬
‫بعده ‪ ،‬وقتل في هذه الحرب سبعون ألفا ‪ ،‬وكانت الوقائع ‪ 90‬وقعة في‬
‫‪ 110‬أيام ‪ ،‬وامتببازت هببذه الحببرب بنبببل الشببجاعة فببي القتببال ‪ ،‬ونبببل‬
‫التعامل والتصال عند التهادن والراحة ‪ .‬ثم كتب التحكيم يوم ‪ 13‬صببفر‬
‫سنة ‪ 37‬على أن يعلن الحكمببان حكمهمببا فببي رمضببان بدومببة الجنببدل‬
‫بمكان منها يسمى أذرح ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي انتحالها زورا ول أصل لها ‪ .‬وأكثر ما تجد ذلك فيما يرويببه أخببباريو‬
‫الشيعة عن رواة مجهولين أو كذابين ‪ .‬وأخفهم وطأة أبو مخنف لوط بن‬
‫يحيى ‪ ،‬قال عنه الحافظ الذهبي ‪ " :‬أبو مخنف أخببباري تببالف ‪ ،‬ل يوثببق‬
‫به ‪ ،‬تركه أبو حاتم وغيره " ‪ .‬وقببال فيببه ابببن عببدي ‪ " :‬شببيعي محببترق‬
‫صاحب أخبارهم " ثم جبباء بعببده آخببرون منهببم كببانوا شببرا علببى تاريببخ‬
‫السلم من لوط هذا ‪ .‬فأفسدوا على المة معرفتها بماضيها ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمـــة‬
‫عود إلى موقف علي من قتلة عثمان‬
‫أما وجود الحرب بينهم فمعلوم قطًعا‪ ،‬وأمببا كببونه بهببذا‬
‫السبب فمعلوم كذلك قطًعا‪ ،‬وأما الصواب فيه فمع علببي‪،‬‬
‫لن الطببالب للببدم ل يصببح أن يحكببم‪ ،‬وتهمببة الطببالب‬
‫للقاضي ل توجب عليه أن يخرج عليه‪ ،‬بل يطلب ] الحق [‬
‫عنده‪ ،‬فإن ظهر له قضاء وإل سكت وصبر‪ ،‬فكم مببن حببق‬
‫يحكم الله فيه‪ .‬وإن لم يكببن لببه ديببن فحينئذ يخببرج عليببه‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫فيقوم له عذر في الدنيا‬
‫خل َب َ‬
‫ف‬ ‫خْلف )بفتح الخاء وسكون اللم( ‪ :‬الطالح ‪ .‬وفببي التنزيببل ) فَ َ‬ ‫)( ال َ‬ ‫‪3‬‬

‫خل َببف‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫ذا اْلد ْن َببى( ‪ .‬وال َ‬
‫ض هَ ب َ‬
‫ن عَبَر َ‬ ‫خب ُ‬
‫ذو َ‬ ‫ف وَرُِثوا ال ْك ِت َببا َ‬
‫ب ي َأ ُ‬ ‫خل ْ ٌ‬
‫م َ‬‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫)بفتح الخاء واللم( ‪ :‬الصالح ‪ .‬ومنه الحديث " يحمل هذا العلم مببن كببل‬
‫خَلف عدوله ‪ ،‬ينفون عنه تحريف الغالين ‪ ،‬وانتحببال المبطليببن ‪ ،‬وتأويببل‬ ‫َ‬
‫الجاهلين " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وجود قتلة عثمان في معسكر علي حقيقة ل يماري أحد فيها ‪ ،‬بل إن‬
‫الشتر وهو من رءوس البغاة على عثمان كان أكبر مسعر للحببرب بيببن‬
‫أصببحاب رسببول اللببه الببذين فببي معسببكر علببي والببذين فببي معسببكر‬
‫معاوية ‪ .‬ولما طالب علي معاوية ومن معببه مببن الصببحابة والتببابعين أن‬
‫يبايعوه احتكموا إليه في قتلة عثمان وطلبوا منه أن يقيم حد الله عليهم‬
‫أو أن يسلمهم إليهم فيقيموا عليهببم حببد اللببه ‪ .‬وقببد اعتببذرنا عببن أميببر‬
‫المؤمنين علي في هامش ص ‪ 146‬بأن قتلة عثمان لما صاروا مع علببي‬
‫في العراق صاروا في معقل قوتهم وعنجهية قبائلهم ‪ ،‬فكان علي يببرى‪-‬‬
‫بينه وبين نفسه‪ -‬أن قتلهم يفتح عليه بابا ل يستطيع سده بعد ذلك ‪ .‬وقد‬
‫انتبه لهذه الحقيقة الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو التميمببي وتحببدث‬
‫بها مع أم المؤمنين عائشة وصاحبي رسول الله طلحة والزبيببر فببأذعنوا‬
‫له وعذروا عليا ووافقوا على التفاهم معه على ما يوصلهم إلى الخببروج‬
‫من هذه الفتنة ‪ ،‬فما لبث قتلة عثمان أن أنشبوا الحرب بين الفريقيببن ‪.‬‬
‫فالمطالبون بإقامة حد الله على قتلة عثمان معببذورون لنهببم يطببالبون‬
‫بحق ‪ ،‬سواء كانوا من أصبحاب الجمبل ‪ ،‬أو مبن أهبل الشبام ‪ .‬وتقصبير‬
‫علي في إقامة حد اللببه كبان عبن ضبرورة قائمبة ومعلومببة ‪ .‬ولكبن إذا‬
‫كانت حرب البصرة ناشئة عن إنشاب قتلة عثمان الحرب بين الفريقين‬
‫الولين ‪ ،‬فقد كان من مصلحة السببلم أن ل تنشببب حببرب صببفين بيببن‬
‫الفريقين الخرين ‪ .‬وكببان سبببط رسببول اللببه الحسببن بببن علببي كارهببا‬
‫خروج أبيه من المدينة إلى العراق لما يخشبباه مببن نشببوب الحببرب مببع‬
‫أهل الشام ‪ ،‬وهم جبهة السلم العسكرية في الجهاد والفتوح ‪ .‬ولببو أن‬

‫‪157‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ولئن اتهم علي بقتل عثمان فليس في المدينة أحد من‬


‫أصحاب النبي ‪ ‬إل وهو متهم به‪ ،‬أو قل معلوم قطًعا أنببه‬
‫قتله لن ألف رجل جاءوا لقتببل عثمببان ل يغلبببون أربعيببن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫ألًفا‬
‫وهبببك أن علًيببا وطلحببة والزبيببر تضببافروا علببى قتببل‬
‫عثمان‪ ،‬فباقي الصحابة من المهاجرين والنصار ومن اعتد‬
‫فيهم وضوى إليهم ماذا صنعوا بالقعود عن نصرته؟‬
‫ول يخلو أن يكون لنهببم رأوا أولئك طلبببوا حًقببا وفعلببوا‬
‫حًقا‪ ،‬فهذه شهادة قائمة على عثمان فل كلم لهل الشام‪.‬‬
‫وإن كانوا قعدوا عنه استهزاء بالدين‪ ،‬وأنهم لببم يكببن لهببم‬
‫رأي في الحال‪ ،‬ول مبالة عندهم بالسلم ول فيمببا يجببري‬
‫عليا لببم يتحببرك مببن الكوفببة اسببتعدادا لهببذا القتببال لمببا حبرك معاويببة‬
‫ساكنا ‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية في منهاج السنة ) ‪ " : (219 : 2‬لم‬
‫يكن معاويببة ممببن يختببار الحببرب ابتببداء " وانظببر المنتقببى مببن منهبباج‬
‫العتدال ‪ 249‬و ‪ 251‬و ‪ . 262‬ومع ذلك فإن هذه الحببرب المثاليببة هببي‬
‫الحرب النسانية الولى في التاريخ التي جرى فيها المتحاربان معا على‬
‫مبادئ الفضائل التي يتمنى حكماء الغرب لو يعمل بها في حروبهم ولببو‬
‫في القرن الحادي والعشرين ‪ .‬وإن كثيرا مببن قواعببد فقببه الحببرب فببي‬
‫السلم لم تكن لتعلم وتدون لول وقوع هذه الحرب ‪ ،‬ولله في كببل أمببر‬
‫حكمة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( ليس في أهل السنة رجل واحد يتهم عليا بقتل عثمان ‪ ،‬ل في زماننببا‬
‫ول في زمانه ‪ .‬وقد مضى الكلم على ذلك فببي هببذا الكتبباب ‪ .‬وكببل مببا‬
‫في المر وجود قتلة عثمان مع علي ‪ ،‬وموقف علي منهم ‪ ،‬وعبذره بينبه‬
‫وبين الله في موقفه هذا ‪ .‬فنحن جميعا على رأي القعقاع بن عمرو بأن‬
‫موقف علي موقف ضرورة ‪ .‬غير أن الحمقى من إخباري الشيعة دسببوا‬
‫على علببي أخبببارا تشببعر بغيببر مببا كببان فببي قلبببه مببن المحبببة والرضببا‬
‫والموالة والتأييد لعثمان أثناء محنته ‪ ،‬فأساءوا بذلك إلى علي من حيث‬
‫يريدون الساءة إلى عثمان ‪ .‬أما معاوية وفريقه فلببم يببذكروا عليببا فببي‬
‫أمر البغي على عثمان إل لمناسبة انضواء قتلببة عثمببان إليببه واسببتعانته‬
‫بهم ‪ .‬فقتلة عثمان هم الذين أسبباءوا إلببى السببلم وإلببى عثمببان وإلببى‬
‫علي أيضا ‪ .‬فالله حسيبهم ‪ .‬ولو أن كل المسلمين كببانوا كعبببد الرحمببن‬
‫بن خالد بن الوليد في حزمه‪ -‬قبل أن تستفحل الفتنة ويفلت الزمام من‬
‫أيدي العقلء‪ -‬لما وصلت المور إلى ما وصلت إليه ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فيببه مببن اختلل‪ ،‬فهببي ردة ليسببت معصببية‪ .‬لن التهبباون‬


‫بحدود الدين وإسلم حرمات الشببريعة للتضببييع كفببر‪ ،‬وإن‬
‫كانوا قعدوا لنهم لم يببروا أو يتعببدوا حببد عثمببان وإشببارته‬
‫فأي ذنب لهببم فيببه؟ وأي حجببة لمببروان ‪ -‬وعبببد اللببه بببن‬
‫الزبير والحسن والحسين وابن عمر وأعيان العشببرة معببه‬
‫في داره يدخلون إليه ويخرجون عنه في الشكة والسلح ‪-‬‬
‫والطالبون ينظرون؟ ولو كببان لهببم بهببم قببوة أو أووا إلببى‬
‫دا أن يراه منهم ول يداخله‪ ،‬وإنمببا‬
‫ركن شديد لما مكنوا أح ً‬
‫كانوا نظارة‪ ،‬فلو قام في وجوههم الحسن والحسين وعبد‬
‫الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ما جسببروا‪ ،‬ولببو قتلببوهم‬
‫ما بقي على الرض منهم حي‪.‬‬
‫ولكن عثمان سببلم نفسببه‪ ،‬فببترك ورأيببه‪ .‬وهببي مسببألة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫اجتهاد كما قدمنا‬
‫وأي كلم كان يكبون لعلببي ‪ -‬لمبا تمبت لبه البيعببة ‪ -‬لبو‬
‫حضر عنده ولي عثمان وقال له‪ :‬إن الخليفة قد تمال عليه‬
‫ألف نسمة حتى قتلوه‪ ،‬وهم معلومون‪ .‬ماذا كان يقول إل‪:‬‬
‫اثبت‪ ،‬وخذ‪ ،‬وفي يوم كان يثبت إل أن يثبتوا هم أن عثمببان‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫كان مستحًقا للقتل‬
‫‪1‬‬
‫)( في ص ‪ ، 137‬وانظر هامش ص ‪. 132‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المؤلف معببترف بببأن الثبببات كببان فببي متنبباول اليببد ‪ ،‬لن الجريمببة‬
‫مشهودة والمجرمون أعلنوا فيهببا فجببورهم فلببم يتكتمببوا ‪ .‬ولكببن كيببف‬
‫يكون التنفيذ ‪ ،‬ومن الذي يقوم به ومدينة الرسول مستكينة تحت وطببأة‬
‫الرهاب ؟ ومن ذا الذي يضمن لعلي حياته إذا أصدر هذا الحكم ؟ أليس‬
‫هؤلء هم الذين تداولوا في قتله لما عقدوا مببؤتمرهم فببي ذي قببار بعببد‬
‫خطبة علي التي ألقاها على الغرائر قبيل مصيره إلى البصرة )الطبببري‬
‫‪ (165 : 5‬ألم يسخط الشتر على أمير المؤمنين علي بعد وقعة الجمل‬
‫لنه ولى ابن عمه عبد الله بن عباس على البصببرة ولببم يولهبا الشببتر ‪،‬‬

‫‪159‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وبالله لتعلمن يا معشببر المسببلمين أنببه مببا كببان يثبببت‬


‫دا‪ ،‬وكان يكون الوقت أمكببن للطببالب‪،‬‬
‫على عثمان ظلم أب ً‬
‫وأرفق في الحال‪ ،‬أيسر وصوًل إلى المطلوب )‪. (1‬‬
‫والذي يكشف الغطاء في ذلك أن معاوية لما صار إليببه‬
‫دا إل بحكم‪ ،‬إل‬
‫المر لم يمكنه أن يقتل من قتلة عثمان أح ً‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫من قتل فببي حببرب بتأويببل‪ ،‬أو دس عليببه فيمببا يقببال‬
‫حتى انتهى المر إلى زمن الحجاج‪ ،‬وهم يقتلون بالتهمببة ل‬
‫‪ .‬فتبين لكم أنهم ما كانوا في ملكهببم يفعلببون‬ ‫)‪(3‬‬
‫بالحقيقة‬
‫ما أصبحوا له يطلبون‪.‬‬
‫والذي تثلج ببه صببدوركم أن النبببي ‪ ‬ذكببر فببي الفتببن‬
‫وأشببار وبيببن‪ ،‬وأنببذر بببالخوارج وقببال‪} :‬تقتلهببم أدنببى‬
‫فبببين أن كببل طائفببة ] منهمببا [‬ ‫)‪(4‬‬
‫الطائفتين إلى الحببق{‬

‫ففارقه غاضًبا ‪ ،‬ولحق به علي فتلفى ما يكون منه من الشببر )الطبببري‬


‫‪ ، (194 : 5‬وانظر هامش ‪ 119‬من هذا الكتاب( ‪ .‬والخوارج على علببي‬
‫ألم ينبتوا من هذه النواة ؟ ولما قتل علي ألم يقتل بمثببل السببلح الببذي‬
‫قتل به عثمان ؟ ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كان يكون الوقت أمكن للطالب لو وجببدت فبي المدينببة القببوة الببتي‬
‫كان يتمناها عثمان ‪ .‬ويقال إن قوة من جنببد الشببام كببانت خرجببت مببن‬
‫دمشق قاصدة المدينة ‪ ،‬فلما جاءها خبر شهادة أميببر المببؤمنين عثمببان‬
‫رجعت من الطريبق ‪ ،‬فبقيبت المدينبة خاضبعة لقتلبة عثمبان حبتى بعبد‬
‫البيعة لعلي ‪ ،‬وهم إن نزلوا على أحكببام هببذه البيعببة فيمببا ل ضببرر منببه‬
‫شا ضارية لو صدرت عليهم أحكببام اللببه‬ ‫عليهم ل ريب أنهم ينقلبون وحو ً‬
‫بإقامة الحدود فيما ارتكبوا من جرم شنيع ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( إن سطوة الله وعدله العلى نزل بأكثر قتلة عثمببان فلببم يبببق منهببم‬
‫في ولية معاويببة إل المشببرد الخببائف الببباحث عببن حجببر يختبببئ فيببه ‪،‬‬
‫وبزوال سطوتهم وتقليص شرهم فلم يبق بمعاوية حاجة إلى تتبعهم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( يشير المؤلف إلى حادثة عمير بن ضابئ وكميل النخعي ‪ ،‬وقببد تقببدم‬
‫خبرهما في )ص ‪. (130 - 129‬‬
‫‪4‬‬
‫)( في صحيح مسببلم )ك ‪ 12‬ج ‪ - 150‬ج ‪ 3‬ص ‪ (113‬مببن حببديث أبببي‬
‫سعيد الخدري ‪)) :‬تمرق مارقة عند فرقببة مببن المسببلمين يقتلهببا أولببى‬
‫الطائفتين بالحق(( ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ .‬وقببال‬ ‫)‪(1‬‬
‫تتعلببق بببالحق‪ ،‬ولكببن طائفببة علببي أدنببى إليببه‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫تعبببببالى‪} :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪     ‬‬

‫‪1‬‬
‫)( أهل السنة المحمدية يدينون لله على أن علّيبا ومعاويبة ‪ ،‬ومبن معهبا‬
‫من أصحاب رسول الله كانوا جميًعا مبن أهبل الحبق ‪ ،‬وكبانوا مخلصبين‬
‫في ذلك ‪ .‬والذي اختلفببوا فيببه إنمببا اختلفببوا عببن اجتهبباد ‪ ،‬كمببا يختلببف‬
‫المجتهدون في كل ما يختلفون فيه ‪ .‬وهم ‪ -‬لخلصببهم فببي اجتهببادهم ‪-‬‬
‫مثابون عليه في حالتي الصابة والخطأ ‪ ،‬وثواب المصيب أضعاف ثببواب‬
‫المخطئ ‪ ،‬وليس بعبد رسبول اللبه بشبر معصبوم عبن أن يخطبئ وقبد‬
‫يخطئ بعضهم في أمور ويصيب في أخرى ‪ ،‬وكذلك الخرون ‪ .‬أمببا مببن‬
‫مرق عن الحق في إثارة الفتنة الولى على عثمببان فل يعببد مببن إحببدى‬
‫الطائفتين اللتين علببى الحببق وإن قاتببل معهببا والتحببق بهببا ‪ ،‬لن الببذين‬
‫تلوثت أيديهم ونياتهم وقلوبهم بالبغي الظالم على أمير المؤمنين عثمان‬
‫‪ -‬كائًنا من كانوا ‪ -‬استحقوا إقامة الحد الشرعي عليهببم سببواء اسببتطاع‬
‫ولي المر أن يقيم عليهببم هببذا الحببد أو لبم يسببتطع ‪ .‬وفبي حالببة عببدم‬
‫استطاعته فإن مواصلتهم تسعير القتببال بيببن صببالحي المسببلمين كلمببا‬
‫أحسوا منهم بالعزم على الصلح والتآخي ‪ -‬كما فعلوا في وقعة الجمببل‬
‫وبعدها ‪ -‬يعد إصراًرا منهم على الستمرار فببي الجببرام مببا دامببوا علببى‬
‫ذلك ‪ ،‬فإذا قلنا إن الطائفتين كانتا مبن أهبل الحبق فإنمبا نريبد أصبحاب‬
‫رسول الله الذين كانوا في الطائفتين ومن سار معهببم علببى سببنته مببن‬
‫ما عند الله من معاويببة‬ ‫التابعين ‪ ،‬ونرى أن علًيا المبشر بالجنة أعلى مقا ً‬
‫خال المؤمنين وصاحب رسول رب العالمين ‪ ،‬وكلهما من أهببل الخيببر ‪.‬‬
‫وإذا اندس فيهم طوائف من أهل الشر فإن من يعمل مثقببال ذرة خي بًرا‬
‫يره ‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شّرا يره ‪ .‬نقل الحافظ ابن كثير في البداية‬
‫والنهاية )‪ (277 : 7‬عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني قاضببي‬
‫حا مببن المريببن بببالمعروف ‪-‬‬ ‫إفريقية المتوفى سببنة ‪ 56‬كببان رجًل صببال ً‬
‫ضببا فببي‬‫وذكببر أهببل صببفين ‪ -‬فقببال ‪)) :‬كببانوا عرب ًببا يعببرف بعضببهم بع ً‬
‫الجاهليببة ‪ ،‬فببالتقوا فببي السببلم معهببم علببى الحميببة وسببنة السببلم ‪،‬‬
‫فتصابروا ‪ ،‬واستحيوا من الفرار ‪ ،‬وكببانوا إذا تحبباجزوا دخببل هببؤلء فببي‬
‫عسبببكر هبببؤلء وهبببؤلء فببي عسبببكر هبببؤلء ‪ ،‬فيسبببتخرجون قتلهبببم‬
‫ضا ‪ ،‬فلم‬ ‫فيدفنونهم(( ‪ ،‬قال الشعبي ‪)) :‬هم أهل الجنة ‪ ،‬لقي بعضهم بع ً‬
‫يفر أحد من أحد(( ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪]،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪  ‬‬

‫سورة الحجرات‪ [ 9 :‬فلم يخرجهم عن ))اليمان(( بببالبغي‬


‫‪‬‬ ‫بالتأويل‪ ،‬ول سلبهم اسم ))الخوة(( بقوله بعببده }‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪{‬‬ ‫‪ ‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ ] ،‬الحجرات‪ :‬من الية ‪.[ 10‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫وقال ‪ ‬في عمار‪} :‬تقتله الفئة الباغية{‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة الحجرات آية ‪. 9 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة الحجرات آية ‪. 10 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( قال النبي ذلك لما كانوا يبنون المسجد ‪ ،‬فكببان النبباس ينقلببون لبنببة‬
‫لبنة وعمار ينقل لبنتين لبنتين ‪ ،‬فقال النبببي فيببه هببذه الكلمببة علببى مببا‬
‫رواه أبو سعيد الخدري لعكرمة مولى ابن عباس ولعلي بن عبد الله بببن‬
‫عباس ‪ .‬والخبر في كتاب الجهاد والسير من صحيح البخبباري )ك ‪ 56‬ب‬
‫‪ - 17‬ج ‪ 3‬ص ‪ . (207‬وقد كان معاوية يعرف من نفسه أنه لم يكن منه‬
‫البغي في حرب صفين ‪ ،‬لنه لم يردها ‪ ،‬ولم يبتببدئها ‪ ،‬ولببم يببأت لهببا إل‬
‫بعد أن خرج علي من الكوفة وضرب معسكره في النخيلببة ليسببير إلببى‬
‫الشام كما تقدم في ص ‪ ، 163 - 162‬ولذلك لما قتل عمار قال معاوية‬
‫))إنما قتله من أخرجه(( وفي اعتقادي الشخصي أن كببل مببن قتببل مببن‬
‫المسلمين بأيدي المسلمين منذ قتل عثمان فإنما إثمه على قتلة عثمان‬
‫لنهم فتحبوا بباب الفتنبة ‪ .‬ولنهبم واصبلوا تسبعير نارهبا ‪ ،‬لنهبم البذين‬
‫أوغروا صدور المسلمين بعضهم على بعببض ‪ ،‬فكمببا كببانوا قتلببة عثمببان‬
‫فإنهم كانوا القاتلين لكل من قتل بعده ‪ ،‬ومنهم عمببار ومبن هببم أفضببل‬
‫من عمار كطلحة والزبير ‪ ،‬إلى أن انتهت فتتهم ‪ ،‬بقتلهم علًيا نفسه وقد‬
‫ما عليها ‪ .‬فالحديث مببن أعلم‬ ‫كانوا من جنده وفي الطائفة التي كان قائ ً‬
‫النبوة ‪ ،‬والطائفتان المتقاتلتان في صفين كانتببا مببن المببؤمنين ‪ .‬وعلببي‬
‫أفضل من معاوية ‪ .‬وعلي ومعاوية من صحابة رسول اللببه ومببن دعببائم‬
‫دولة السلم ‪ ،‬وكل ما وقع من الفتن فببإثمه علببى مببؤرثي نارهببا لنهببم‬
‫السبب الول فيها ‪ ،‬فهم الفئة الباغية التي قتل بسببها كببل مقتببول فببي‬
‫وقعتي الجمل وصفين وما تفرع عنهما ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وقال في الحسن‪} :‬ابني هذا سيد‪ ،‬ولعل الله أن يصببلح‬


‫‪ ،‬فحسببن لببه‬ ‫)‪(1‬‬
‫به بين فئتين عظيمببتين مببن المسببلمين{‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫خلعه نفسه وإصلحه‬
‫وكببذلك يببروى أنببه أذن ‪ -‬فببي الرؤيببا ‪ -‬لعثمببان فببي أن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫يستسلم ويفطر عنده الليلة‬
‫فهذه كلها أمور جرت على رسم النزاع‪ ،‬ولم تخرج عببن‬
‫طريق من طببرق الفقببه‪ ،‬ول عببدت سبببيل الجتهبباد الببذي‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫دا‬
‫يؤجر فيه المصيب عشرة والمخطئ أجًرا واح ً‬
‫‪1‬‬
‫)( البخبباري الصببلح )‪ ، (2557‬الترمببذي المنبباقب )‪ ، (3773‬النسببائي‬
‫الجمعة )‪ ، (1410‬أبو داود السنة )‪ ، (4662‬أحمد )‪. (5/51‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سيأتي الكلم على هذا عند الكلم على الصلح بين الحسن ومعاوية ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( مضى الكلم على ذلك في ص ‪. 139 - 138‬‬
‫‪4‬‬
‫)( قال شيخ السلم ابن تيمية في منهبباج السببنة )‪: (220 - 219 : 2‬‬
‫))ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء ‪ ،‬بل كببان مببن أشببد النبباس‬
‫صا على أل يكون قتال ‪ ،‬وكان غيره أحرص على القتال منه ‪ .‬وقتببال‬ ‫حر ً‬
‫دا مصببيًبا ‪،‬‬
‫صفين للناس فيه أقوال ‪ :‬فمنهم من يقول كلهما كان مجته ب ً‬
‫كما يقول ذلك كثير من أهل الكلم والفقه والحببديث ممببن يقببول ‪ :‬كببل‬
‫مجتهد مصيب ‪ ،‬ويقول ‪ :‬كانا مجتهدين ‪ .‬وهذا قول كببثير مببن الشببعرية‬
‫والكرامية والفقهاء وغيرهم ‪ ،‬وهو قببول كببثير مببن أصببحاب أبببي حنيفببة‬
‫والشافعي وأحمد وغيرهببم ‪ ،‬وتقببول الكراميببة ‪ :‬كلهمببا إمببام مصببيب ‪،‬‬
‫ويجوز نصب إمامين للحاجة ‪ .‬ومنهم من يقول ‪ :‬بل المصيب أحببدهما ل‬
‫بعينه ‪ ،‬وهذا قول طائفة منهم ‪ .‬ومنهم مببن يقببول ‪ :‬علببي هببو المصببيب‬
‫وحده ومعاوية مجتهد مخطئ ‪ ،‬كما يقول ذلك طببوائف مببن أهببل الكلم‬
‫والفقهاء أهل المذاهب الربعة ‪ .‬وقد حكى هذه القوال الثلثببة أبببو عبببد‬
‫الله حامد من أصحاب المببام أحمببد وغيببره ‪ .‬ومنهببم مببن يقببول ‪ :‬كببان‬
‫الصواب أل يكون قتال ‪ ،‬وكان ترك القتال خيًرا للطائفتين ‪ ،‬فليببس فببي‬
‫القتتال صواب ‪ ،‬ولكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية ‪ ،‬والقتببال‬
‫قتببال فتنببة ‪ ،‬ليببس بببواجب ول مسببتحب ‪ ،‬وكببان تببرك القتببال خيببًرا‬
‫للطائفتين مع أن علّيا كان أولى بببالحق ‪ ،‬وهببذا قببول أحمببد وأكببثر أهببل‬
‫الحديث وأكثر أئمة الفقهباء ‪ ،‬وهببو قبول أكبابر الصبحابة والتببابعين لهببم‬
‫بإحسان ‪ ،‬وهو قول عمران بن حصينوكان ينهى عن بيع السلح في ذلك‬
‫القتال ويقول ‪ :‬هو بيع السلح فببي الفتنببة ‪ .‬وهببو قببول أسببامة بببن زيببد‬
‫ومحمد بن مسلمة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأكثر مببن بقببي مببن‬
‫السابقين الولين من المهاجرين والنصار رضي الله عنهم ‪ .‬ولهببذا كببان‬
‫من مذهب أهل السنة المساك عما شجر بيببن الصببحابة فببإنه قببد ثبببت‬

‫‪163‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وما وقع من روايات في كتب التاريخ ‪ -‬عببدا مببا ذكرنببا ‪-‬‬


‫فل تلتفتوا إلى حرف منها‪ ،‬فإنها كلها باطلة‪.‬‬

‫فضائلهم ووجبت موالتهم ومحبتهم(( ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قاصمــة‬
‫التحكيـــم‬
‫وقد تحكم الناس في التحكيم فقالوا فيببه مببا ل يرضبباه‬
‫الله‪ .‬وإذا لحظتموه بعيببن المببروءة ‪ -‬دون الديانببة ‪ -‬رأيتببم‬
‫أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الكثر عببدم‬
‫الدين‪ ،‬وفي القل جهل متين‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والذي يصح من ذلك ما روى الئمة كخليفة بن خياط‬
‫أنه لما خرج الطائفببة العراقيببة مببائة ألببف‬ ‫)‪(2‬‬
‫والدارقطني‬
‫والشامية في سبعين أو تسعين ألفا ونزلببوا علببى الفببرات‬
‫بصفين‪ ،‬اقتتلوا في أول يببوم ‪ -‬وهببو الثلثبباء ‪ -‬علببى المبباء‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫فغلب أهل العراق عليه‬
‫ثم التقوا يوم الربعاء لسبع خلون من صفر سنة ] سبع‬
‫)‪(4‬‬
‫وثلثين [ ويببوم الخميببس ويببوم الجمعببة وليلببة السبببت‬

‫‪1‬‬
‫)( هو المام الحافظ أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري البصري ‪ ،‬أحد‬
‫أوعية العلم ‪ ،‬ومن شببيوخ المبام البخبباري ‪ .‬قبال عنببه اببن عببدي ‪ :‬هببو‬
‫صدق مستقيم الحديث من متيقظي رواة السنة ‪ .‬توفي سنة ‪. 240‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هو المام الحببافظ أبببو الحسببن علببي بببن عمببر الببدارقطني )‪- 306‬‬
‫‪ (385‬كان مع جللته في الحديث من أئمة فقهاء الشافعية ‪ ،‬ولببه تقببدم‬
‫في الدب ورواية الشعر ‪ .‬وجاء من بغداد إلى مصر ليساعد ابن خنزابببة‬
‫وزير كافور على تأليف مسنده فبالغ الوزير فببي إجللببه ‪ .‬قببال الحببافظ‬
‫مبا علبى حبديث رسبول اللبه‬ ‫عبد الغني ببن سبعيد ))أحسبن النباس كل ً‬
‫ثلثة ‪ :‬علي بن المديني فبي وقتببه ‪ ،‬وموسببى ببن هبارون القيسبي فبي‬
‫وقته ‪ .‬والدارقطني في وقته(( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( لم يكن القتال على الماء جديا ‪ ،‬وقد قال عمرو بن العاص يببومئذ ‪" :‬‬
‫ليس من النصف أن نكون ريانين وهم عطاش " ‪ .‬والذين تظبباهروا فببي‬
‫الجيش الشامي بمنع العراقيين عن الماء أرادوا أن يذكروهم بمنع الماء‬
‫عن أمير المؤمنين عثمببان فببي عاصببمة خلفتببه وهببو الببذي اشببترى بئر‬
‫رومة من ماله ليستقي منه إخوانه المسلمون وبعد اشتراكهم في الماء‬
‫تناوشوا شهر ذي الحجة من سنة ‪ 36‬ثم تهادنوا شهر المحرم مببن سببنه‬
‫‪ ، 37‬ووقعت وقائع شهر صفر التي سيشير إليها المؤلف ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( وكانت تسمى ))ليلة الهرير(( اقتتل الناس فيها حتى الصباح ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ورفعت المصاحف مببن أهببل الشببام‪ ،‬ودعببوا إلببى الصببلح‪،‬‬


‫وتفرقوا على أن تجعل كل طائفة أمرهببا إلببى رجببل حببتى‬
‫يكون الرجلن يحكمان بيببن الببدعويين بببالحق‪ ،‬فكببان مببن‬
‫ومببن جهببة معاويببة عمببرو بببن‬ ‫)‪(1‬‬
‫جهببة علببي أبببو موسببى‬
‫العاص‪.‬‬
‫وكان أبو موسى رجًل تقًيا فقيًها عال ً‬
‫ما حسبما بيناه فببي‬
‫كتاب )سراج المريدين(‪ ،‬وأرسله النبي ‪ ‬إلى اليمببن مببع‬
‫‪ .‬وزعمببت‬ ‫)‪(2‬‬
‫معبباذ‪ ،‬وقببدمه عمببرو وأثنببى عليببه بببالفهم‬
‫الطائفببة التاريخيببة الركيكببة أنببه كببان أبلببه ضببعيف الببرأي‬
‫عا في القببول‪ ،‬وأن ابببن العبباص كببان ذا دهبباٍء وأرب‬
‫مخدو ً‬
‫دا لما أرادت مببن الفسبباد‪،‬‬
‫حتى ضربت المثال بدهائه تأكي ً‬
‫ضببا وصببنفوا فيببه حكايببات‪.‬‬
‫اتبع في ذلك بعببض الجهببال بع ً‬
‫وغيره من الصحابة كان أحدق منه وأدهى‪ ،‬وإنما بنوا علببى‬
‫أن عمًرا لما غدر أبا موسببى فببي قصببة التحكيببم صببار لببه‬
‫الذكر في الدهاء والمكر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وكان آخر العهد بأبي موسى عنببدما كببان والي ًببا علببى الكوفببة ‪ ،‬وجبباء‬
‫دعاة علي يحرضون الكوفيين على لبس السلح واللتحاق بجيببش علببي‬
‫دا لما يريدونه من قتال مع أصحاب الجمل في البصبرة ‪ ،‬ثبم مبع‬ ‫استعدا ً‬
‫أنصار معاوية في الشام ‪ .‬فكان أبو موسى يشفق على دماء المسلمين‬
‫أن تسفك بتحريض الغلة ‪ ،‬ويببذكر أمببة محمببد بقببول نبببيهم فببي الفتنببة‬
‫))القاعد فيها خير من القائم(( فتركه الشتر يحدث الناس في المسببجد‬
‫بالحديث النبوي ‪ ،‬وأسرع إلى دار المارة فاحتلهببا ‪ .‬فلمببا عبباد إليهببا أبببو‬
‫موسى منعه الشتر من الدخول وقال له ‪ :‬اعتزل إمارتنا ‪ .‬فاعتزلهم أبو‬
‫دا عن الفتببن وسببفك‬ ‫موسى واختار القامة في قرية يقال لها عُْرض بعي ً‬
‫الدماء ‪ .‬فلما شبع الناس من سفك الدماء واقتنعوا بأن أبا موسببى كببان‬
‫حا في نهيهم عن القتال طلبوا مبن علبي أن يكببون أبببو موسببى هببو‬ ‫ناص ً‬
‫ممثل العراق في أمر التحكيم ‪ ،‬لن الحالببة الببتي كببان يببدعو إليهببا هببي‬
‫التي فيها الصلح فأرسلوا إلى أبي موسى وجاءوا به من عزلته ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( واختصه بكتابه الشهير في القضاء وآدابه وقواعده ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫)‪(1‬‬
‫وقببالوا‪ :‬إنمببا لمببا اجتمببع بببأذرح مببن دومببة الجنببدل‬
‫‪ .‬فقببال عمببرو‬ ‫)‪(2‬‬
‫وتفاوضا‪ ،‬اتفقا علببى أن يخلعببا الرجليببن‬
‫لبي موسببى‪ :‬اسبببق بببالقول‪ .‬فتقببدم فقببال‪ :‬إنببي نظببرت‬
‫فخلعت علًيا عن المر‪ ،‬وينظر المسببلمون لنفسببهم‪ ،‬كمببا‬
‫خلعت سيفي هذا من عنقي ‪ -‬أو من عاتقي ‪ -‬وأخرجه من‬

‫‪1‬‬
‫)( أذرح ‪ :‬قرية من أعمال الشراة تقع في منطقة بيببن أراضببي شببرقي‬
‫الردن والمملكة السعودية في الطراف الجنوبية من بادية الشام ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( من الحقائق ما إذا أسيء التعبير عنه وشابته شوائب المغالطة يبوهم‬
‫غير الحقيقة فينشأ عن ذلك الختلف في الحكم عليه ‪ .‬ومن ذلك حادثة‬
‫التحكيببم وقببول المغببالطين إن أبببا موسببى وعمببًرا اتفقببا علببى خلببع‬
‫الرجلين ‪ ،‬فخلعهما أبو موسى ‪ ،‬واكتفى عمرو بخلع علي دون معاويببة ‪.‬‬
‫وأصل المغالطة من تجاهل المغالطين أن معاويببة لببم يكببن خليفببة ‪ ،‬ول‬
‫هو ادعى الخلفة يومئذ حتى يحتاج عمرو إلببى خلعهببا عنببه ‪ .‬بببل إن أبببا‬
‫موسى وعمًرا اتفقا على أن يعهدا بببأمر الخلفببة علببى المسببلمين إلببى‬
‫الموجودين على قيد الحياة من أعيان الصحابة الذين توفي رسول اللببه‬
‫وهو راض عنهم ‪ .‬واتفاق الحكمين على ذلبك ل يتنباول معاويبة لنبه لبم‬
‫يكن خليفة ولببم يقاتببل علببى الخلفببة وإنمببا كببان يطببالب بإقامببة الحببد‬
‫الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان ‪ .‬فلما وقع التحكيببم علببى‬
‫إمامة المسببلمين ‪ ،‬واتفببق الحكمببان علببى تببرك النظببر فيهببا إلببى كبببار‬
‫دا هو المامببة ‪ .‬أمببا التصببرف‬ ‫الصحابة وأعيانهم تناول التحكيم شيًئا واح ً‬
‫العملي في إرادة البلد التي كانت تحت يد كل من الرجلين المتحبباربين‬
‫فبقي كما كان ‪ :‬علي متصرف فببي البلد الببتي تحببت حكمببه ‪ ،‬ومعاويببة‬
‫متصرف في البلد التي تحت حكمه ‪ ،‬فببالتحكيم لببم يقببع فيببه خببداع ول‬
‫مكر ‪ ،‬ولم تتخلله بلهة ول غفلة ‪ .‬وكان يكون محل للمكر أو الغفلببة لببو‬
‫أن عمًرا أعلببن فببي نتيجببة التحكيببم أنببه ولببى معاويببة إمببارة المببؤمنين‬
‫وخلفة المسلمين ‪ ،‬وهذا ما لم يعلنببه عمببرو ‪ ،‬ول ادعبباه معاويببة ‪ ،‬ولببم‬
‫يقل به أحد في الثلثة عشر قرًنا الماضية ‪ .‬وخلفببة معاويببة لببم تبببدأ إل‬
‫بعد الصلح مع الحسن بن علي ‪ ،‬وقببد تمببت بمبايعببة الحسببن لمعاويببة ‪،‬‬
‫ومن ذلك اليوم فقط سمي معاوية أمير المؤمنين ‪ .‬فعمرو لم يغالط أبا‬
‫دا ‪ ،‬ولببم يقببرر فببي‬ ‫موسى ولم يخدعه ‪ ،‬لنه لم يعط معاوية شببيًئا جدي ب ً‬
‫التحكيم غير الذي قرره أبو موسى ‪ .‬ولم يخببرج عمببا اتفقببا عليببه معًببا ‪،‬‬
‫فبقيت العراق والحجاز وما يتبعهما تحت يببد مببن كببانت تحببت يببده مببن‬
‫قبل ‪ ،‬وبقيت الشام وما يتبعها تحت يد من كانت تحببت يببده مببن قبببل ‪،‬‬
‫وتعلقت المامة بما سيكون من اتفاق أعيان الصحابة عليهببا ‪ ،‬وأي ذنببب‬
‫لعمرو في أي شيء مما وقع ؟ إن البلهببة لببم تكببن مبن أبببي موسببى ‪،‬‬
‫ولكن ممن يريد أن يفهم الوقائع على غيببر مببا وقعببت عليببه ‪ .‬فليفهمهببا‬
‫كل من شاء كما يشاء ‪ .‬أما هي فظبباهرة واضببحة لكببل مببن يراهببا كمببا‬

‫‪167‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عنقه فوضعه في الرض‪ .‬وقببام عمببرو فوضببع سببيفه فببي‬


‫كمببا‬ ‫)‪(1‬‬
‫الرض وقال‪ :‬إني نظرت فأثبت معاوية فببي المببر‬
‫أثبت سيفي هذا في عبباتقي‪ .‬وتقلببده‪ .‬فببأنكر أبببو موسببى‪.‬‬
‫فقال عمرو‪ :‬كذلك اتفقنا‪ .‬وتفببرق الجمببع علببى ذلببك مببن‬
‫الختلف‪.‬‬

‫هي ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي أمر ؟ إن كان الستمرار في إدارة البلد التي تحت يده ‪ ،‬فإن هذا‬
‫المر ماض على معاوية وعلي مًعا ‪ ،‬فكل منهما باق في الحكم على مببا‬
‫تحت يده ‪ .‬وإن كان المراد بالمر أمر المامة العامببة وإمببارة المببؤمنين‬
‫ما ‪ -‬أي خليفة ‪ -‬حتى يثبته عمرو كما كببان ‪ .‬وقببد‬ ‫فإن معاوية لم يكن إما ً‬
‫أوضحنا هذه الحقيقة في الفقرة السابقة ‪ .‬وهببذه هبي نقطببة المغالطببة‬
‫التي هزأ بها مؤرخو الفك المفترى فسخروا بجميببع قرائهببم وأوهمببوهم‬
‫بأن هناك خليفتين أو أميرين للمؤمنين ‪ ،‬وأن التفاق بين الحكميببن كببان‬
‫ذا للتفبباق ‪ ،‬وأن‬ ‫على خلعهما مًعا ‪ ،‬وأن أبا موسى خلببع الخليفببتين تنفي ب ً‬
‫عمًرا خلع أحدهما وأبقى الخر خليفببة خلفًببا للتفباق ‪ ،‬وهببذا كلبه كبذب‬
‫وإفك وبهتان ‪ .‬والذي فعله عمرو وهو نفببس الببذي فعلببه أبببو موسببى ل‬
‫يفترق عنبه قبط فبي نقيبر ول قطميبر وبقبي أمبر المامبة والخلفبة أو‬
‫قا على نظر أعيان الصحابة ليببروا فيببه رأيهببم مببتى‬ ‫غمارة المؤمنين معل ً‬
‫شاءوا وكيف شاءوا ‪ .‬وإذا كانت هذه الخطببوة الثانيببة لببم تتببم فمببا فببي‬
‫ذلك تقصير من أبي موسببى ول مببن عمببرو ‪ ،‬فهمببا قببد قامببا بمهمتهمببا‬
‫بحسب ما أدى إليه اجتهادهما واقتناعهما ولو لم تكلفهما الطائفتان معًببا‬
‫بأداء هذه المهمة لما تعرضا لها ‪ ،‬ول أبديا رأي ًببا فيهببا ‪ .‬ولببو كببان موقببف‬
‫أبي موسى في هذا الحادث التاريخي العظيم موقف بلهة وفشل لكببان‬
‫ذلك سبة عليه في التاريخ ‪ .‬وإن الجيال التي بعده فهمت مببوقفه علببى‬
‫أنه من مفاخره التي كتب الله لببه بهببا النجبباح والسببداد ‪ ،‬حببتى قببال ذو‬
‫الرمببة الشبباعر يخبباطب حفيببده بلل بببن أبببي بببردة بببن أبببي موسببى ‪:‬‬
‫أببببوك تلفبى الديبن والناس بعببدمبا تشبباءوا وبيببت الديببن منقطببببع‬
‫الكسببر فشببد إصببار الديببن أيببببام أذرح ورد حروببـا قبد لقحببن إلى‬
‫عقبببببببر ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمـــة‬
‫قال القاضي أبو بكر )رضي الله عنببه(‪ :‬هببذا كلببه كببذب‬
‫صراح ما جرى منه حرف قط‪ .‬وإنما هو شببيء أخبببر عنببه‬
‫المبتدعة‪ ،‬ووضعته التاريخية للملوك‪ ،‬فتوارثه أهل المجانببة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫والجهارة بمعاصي الله والبدع‬
‫وإنما الذي روى الئمة الثقات الثبات أنهما لمببا اجتمعببا‬
‫للنظر في المر ‪ -‬في عصبة كريمة من النبباس منهببم ابببن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫عمر ونحوه ‪ -‬عزل عمرو معاوية‬

‫‪1‬‬
‫)( إن التاريخ السلمي لم يبدأ تدوينه إل بعد زوال بني أمية وقيببام دول‬
‫ل يسر رجالها التحدث بمفبباخر ذلببك الماضببي ومحاسببن أهلببه ‪ .‬فتببولى‬
‫تدوين تاريخ السلم ثلث طوائف ‪ :‬طائفة كانت تنشببد العيببش والجببدة‬
‫من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتببؤلفه ‪ .‬وطائفببة ظنببت أن‬
‫التدوين ل يتم ‪ ،‬ول يكون التقرب إلى الله ‪ ،‬إل بتشويه سببمعة أبببي كبببر‬
‫وعمر وعثمان وبني عبببد شببمس جميعببا ‪ .‬وطائفببة ثالثببة مببن النصبباف‬
‫والدين‪ -‬كببالطبري وابببن عسبباكر وابببن الثيببر وابببن كببثير‪ -‬رأت أن مببن‬
‫النصاف أن تجمع أخبار الخباريين من كل المذاهب والمشارب‪ -‬كلببوط‬
‫بن يحيى الشيعي المحترق ‪ ،‬وسيف بن عمر العراقببي المعتببدل‪ -‬ولعببل‬
‫بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها ‪ .‬وقببد‬
‫أثبت أكثر هؤلء أسماء رواة الخببار البتي أوردهبا ليكبون البباحث علبى‬
‫بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال راويه ‪ .‬وقد وصلنا إلى هذه التركببة‬
‫ل على أنها هي تاريخنببا ‪ ،‬بببل علببى أنهببا مببادة غزيببرة للببدرس والبحببث‬
‫يستخرج منها تاريخنا ‪ ،‬وهذا ممكن وميسور إذا توله من يلحظ مواطن‬
‫القوة والضعف في هذه المراجع ‪ ،‬ولببه مببن اللمعيببة مببا يسببتخلص بببه‬
‫حقيقببة مببا وقببع ويجردهببا عببن الببذي لببم يقببع ‪ ،‬مكتفيببا بأصببول الخبببار‬
‫الصحيحة مجردة عن الزيادات الطارئة عليهببا ‪ .‬وإن الرجببوع إلببى كتببب‬
‫السنة ‪ ،‬وملحظات أئمة المة ‪ .‬مما يسهل هذه المهمة ‪ .‬وقد آن لنببا أن‬
‫نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل البطاء ‪ ،‬وأول من اسببتيقظ فببي‬
‫عصرنا للدسائس المدسوسة على تاريخ بني أمية العلمة الهندي الكبير‬
‫الشيخ شبلي النعماني في انتقاده لكتاب جرجي زيببدان ‪ ،‬ثببم أخببذ أهببل‬
‫اللمعية من المنصفين في دراسة الحقائق ‪ ،‬فبدأت تظهر لهببم وللنبباس‬
‫منيرة مشرقة ‪ ،‬ول يبعد‪ -‬إذا اسببتمر هببذا الجهبباد فببي سبببيل الحببق‪ -‬أن‬
‫يتغير فهم المسلمين لتاريخهم ويدركوا أسرار ما وقع في ماضببيهم مببن‬
‫معجزات ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي بتقريره مع أبي موسى أن إمامة المسلمين يترك النظر فيها إلى‬
‫أعيان الصحابة ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫لمببا‬ ‫)‪(1‬‬
‫ذكر الدارقطني بسنده إلببى حضببين بببن المنببذر‬
‫عزل عمرو معاوية جاء ] أي حضين بببن المنببذر [ فضببرب‬
‫فسطاطه قريًبا من فسطاط معاويببة‪ ،‬فبلببغ نبببأه معاويببة‪،‬‬
‫فأرسل إليه فقال‪ :‬إنه بلغنببي عببن هببذا ] أي عببن عمببرو [‬
‫فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنببه‪ ،‬فببأتيته‬ ‫)‪(2‬‬
‫كذا وكذا‬
‫فقلت‪ :‬أخبرني عن المببر الببذي وليببت أنببت وأبببو موسببى‬
‫كيف صنعتما فيه؟ قال‪ :‬قد قال الناس في ذلك مببا قببالوا‪،‬‬
‫ولكببن قلببت لبببي‬ ‫)‪(3‬‬
‫والله مببا كببان المببر علببى مببا قببالوا‬
‫موسى‪ :‬ما ترى في هببذا المببر؟ قببال أرى أنببه فببي النفببر‬

‫الذين توفي رسول الله ‪ ‬وهو عنهببم را ٍ‬


‫ض‪ .‬قلببت‪ :‬فببأين‬
‫تجعلنببي أنببا ومعاويببة ؟ فقببال‪ :‬إن يسببتعن بكمببا ففيكمببا‬
‫معونة‪ ،‬وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكمببا‬
‫قال‪ :‬فكببانت هببي الببتي فتببل معاويببة منهببا نفسببه‪ :‬فببأتيته‬
‫فأخبرته ] أي فأتى حضين معاوية فأخبره [ أن الببذي بلغببه‬
‫فبعثببه‬ ‫)‪(4‬‬
‫عنه كما بلغه‪ .‬فأرسل إلى أبي العببور الببذكواني‬
‫في خيله‪ ،‬فخرج يركض فرسه ويقول‪ :‬أين عببدو اللببه أيببن‬
‫هذا الفاسق؟‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( قال الدارقطني ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن همام ‪ ،‬حدثنا أبو يوسف الفلوسي‬
‫وهو يعقوب بن عبد الرحمن بن جرير ‪ ،‬حدثنا السببود بببن شببيبان ‪ ،‬عببن‬
‫عبد الله بن مضارب عن حضين بن المنذر )وحضببين مببن خببواص علببي‬
‫الذين حاربوا معه( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي عزله عليا ومعاوية ‪ ،‬وتفويضه المر إلى كبار الصحابة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أي أنهما لم يعزل ‪ ،‬لم يوليا ‪ ،‬ولكن تركا المر لعيان الصحابة ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( هو أبو العور السلمي )وذكوان قبيلة من سببليم( واسببمه عمببرو بببن‬
‫سفيان ‪ ،‬كان من كبار قواد معاوية ‪ .‬وفي حرب صفين طلب الشببتر أن‬
‫يبارزه فترفع أبو العور السلمي عن ذلك لنه لم ير الشتر من أنداده ‪.‬‬
‫انظر المنتقى من منهاج العتدال ص ‪. 264‬‬

‫‪170‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫أظنه قال ))إنما يريد حوبباء نفسبه((‬ ‫)‪(1‬‬


‫قال أبو يوسف‬
‫فخرج ] عمرو [ إلببى فببرس فسببطاط فجببال فببي ظهببره‬
‫عرياًنا‪ ،‬فخرج يركضه نحو فسطاط معاوية وهو يقول ))إن‬
‫الضجور قد تحتلب العلبة‪ ،‬يا معاوية إن الضجور قد تحتلب‬
‫(( فقال معاوية ))أجل‪ ،‬وتربذ الحالب فتدق أنفه‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫العلبة‬
‫((‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫وتكفأ إناءه‬
‫ربعببي عببن أبببي‬ ‫)‪(4‬‬
‫قال الدارقطني ‪ -‬وذكببر سببند عببدًل‬
‫موسى أن عمرو بن العاص قال‪)) :‬والله لئن كان أبو بكببر‬
‫وعمر تركا هذا المال وهو يحل لهما منببه شببيء لقببد غبنببا‬
‫ونقص رأيهما‪ .‬وايم الله ما كانا مغبونين ول ناقصي الرأي‪.‬‬
‫ولئن كانا امرأين يحببرم عليهمببا هببذا المببال الببذي أصبببناه‬
‫بعدهما لقد هلكنا‪ .‬وايم اللببه مببا جبباء الببوهم إل مببن قبلنببا‬
‫((‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫‪1‬‬
‫)( أي الفلوسي راوي هذا الخبر عن السود بن شيبان عن عبد اللببه بببن‬
‫مضارب عن حضين ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الضببجور ‪ :‬الناقببة الببتي ترغببو وتعربببد عنببد الحلببب ‪ .‬و " قببد تحلببب‬
‫الضجور العلبة " مثل ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬إن الناقة التي ترغو قببد تحلببب مببا يمل‬
‫العلبة ‪ ،‬وهي قدح ضخم يحلب فيه اللبن ‪ .‬يضببربونه للسببيئ الخلببق قببد‬
‫يصاب منه الرفق واللين ‪ ،‬وللبخيل قد يستخرج منه المال ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ربذت يده بالقداح أي خفت ‪ :‬والربذ خفة القوائم في المشي ‪ ،‬وخفة‬
‫الصابع في العمل ‪ .‬وفلن ذو ربذات ‪ :‬أي ذو فلتات وكثير السببقط فببي‬
‫كلمه ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( قال حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ودعلج بن أحمد قال ‪ :‬حببدثنا‬
‫محمد بن أحمد بن النضر ‪ ،‬حدثنا معاوية بن عمببرو ‪ ،‬حببدثنا زائدة ‪ ،‬عببن‬
‫عبد الله بن عمر ‪ ،‬عن ربعي ‪ . . .‬إلخ وربعي هو ابن حراش العبسي أبو‬
‫مريم الكوفي ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أورد المؤلف هذا الخبببر للدللببة علببى ورع عمببرو ومحاسبببته لنفسببه‬
‫وتذكيرها بسيرة السلف ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فهذا كان بدء الحديث ومنتهاه‪ .‬فأعرضوا عببن الغبباوين‪،‬‬


‫وازجروا العاوين وعرجوا عببن سبببيل النبباكثين‪ ،‬إلببى سببنن‬
‫المهتدين‪ .‬وأمسكوا اللسنة عن السابقين إلى الدين‪.‬‬
‫وإياكم أن تكونوا يببوم القيامببة مببن الهببالكين بخصببومة‬
‫أصحاب رسول الله ‪ ‬فقد هلك من كببان أصببحاب النبببي‬
‫‪ ‬خصمه‪ .‬ودعوا مببا مضببى فقببد قضببى اللببه مببا قضببى‪.‬‬
‫وخببذوا لنفسببكم الجببد فيمببا يلزمكببم اعتقبباًدا وعمًل‪ .‬ول‬
‫تسترسلوا بألسببنتكم فيمبا ل يعينكبم مببع كببل نبباعق اتخببذ‬
‫الدين همًل‪ ،‬فإن الله ل يضيع أجر من أحسن عمًل‪ .‬ورحببم‬
‫الله الربيع بن خثيم ) ‪ (1‬فإنه لما قيل لببه‪ :‬قتببل الحسببين !‬
‫م َفبباط َِر‬ ‫قببال‪ :‬أقتلببوه؟ قببالوا‪ :‬نعببم ‪ .‬فقببال ‪} :‬الل ُّهبب ّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫م‬‫ح ك ُب ُ‬
‫ت تَ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬
‫ش بَهاد َةِ أ ن ْب َ‬ ‫م ال ْغَي ْب ِ‬ ‫عال ِ َ‬
‫ض َ‬‫ت َوال ْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫ن { )‪) (2‬الزمببر‪.(46 :‬‬ ‫خ ت َل ُِفببو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ِفي بهِ ي َ ْ‬ ‫ع َبادِ َ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫دا‪ .‬فهببذا العقببل والببدين‪ ،‬والكببف عببن‬
‫ولم يزد على هذا أب ً‬
‫أحوال المسلمين‪ ،‬والتسليم لرب العالمين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( هو من تلميذ عبد الله بن مسعود وأبي أيببوب النصبباري وعمببرو بببن‬
‫ميمون ‪ ،‬وأخذ عنه المام الشعبي وإبراهيم النخعي وأبو بردة ‪ .‬قببال لببه‬
‫ابن مسعود ‪ :‬لو رآك النبي لحبك ‪ .‬توفي سنة ‪. 64‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة الزمر آية ‪. 46 :‬‬

‫‪172‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قاصمـــة‬
‫فإن قيل‪ :‬إنما يكون ذلك في المعاني التي تشكل‪ ،‬وأما‬
‫هذه المور كلها فل إشكال فيها؛ لن النبببي ‪ ‬نببص علببى‬
‫استخلف علي بعده فقال‪} :‬أنت مني بمنزلة هببارون مببن‬
‫] وقال [‪} :‬اللهم وال من‬ ‫)‪(1‬‬
‫موسى‪ ،‬إل أنه ل نبي بعدي{‬
‫واله‪ ،‬وعبباد مببن عبباداه‪ ،‬وانصببر مببن نصببره‪ ،‬واخببذل مببن‬
‫فلم يبق بعد هذا خلف لمعاند‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫خذله{‬
‫فتعدى عليه أبو بكر واقتعد في غير موضعه‪.‬‬
‫ثم خلفه في التعدي عمر‪.‬‬
‫ثببم رجببي أن يوفببق عمببر للرجببوع إلببى الحببق‪ ،‬فببأبهم‬
‫الحال‪ ،‬وجعلها شورى قصًرا للخلف‪ ،‬للذي سمع النبي ‪‬‬
‫‪.‬‬
‫ثم تحيل ابن عوف حتى ردها عنه إلى عثمان‪.‬‬
‫ثببم قتببل عثمببان لتسببوره علببى الخلفببة وعلببى أحكببام‬
‫الشبريعة‪ ،‬وصبار المبر إلبى علبي ببالحق اللهبي النببوي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( فببي كتبباب المغببازي مببن صببحيح البخبباري )ك ‪ 64‬ب ‪ - 78‬ج ‪ 5‬ص‬
‫‪ (129‬وفي فضائل الصحابة من صببحيح مسببلم )ك ‪ 44‬ح ‪ - 31‬ج ‪ 7‬ص‬
‫‪ 120‬من حديث سعد بن أببي وقبباص أن رسببول اللببه خببرج إلببى تبببوك‬
‫واستخلف علًيا فقال علي ‪ :‬أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قببال ‪)) :‬أل‬
‫ترضببى أن تكببون منببي بمنزلببة هببارون مببن موسببى إل أنببه ليببس نبببي‬
‫بعدي(( ‪ .‬وانظر المناقشة فببي هببذا الحببديث بيببن السببيد عبببد اللببه بببن‬
‫الحسين السويدي سنة ‪ 1156‬وبين الملباشي علببي أكبببر شببيخ علمبباء‬
‫الشيعة ومجتهديهم في زمن نادر شبباه فببي كتبباب )مببؤتمر النجببف( ص‬
‫‪ 27 - 25‬طبع السلفية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في مسند أحمد )‪ 152 ، 119 ، 118 ، 88 ، 84 : 1‬الطبعة الولى‬
‫رقببم ‪، 641‬ب ‪، 670‬ب ‪، 950‬ب ‪، 961‬ب ‪ . 1310‬وفببي ‪، 281 : 4‬ب ‪، 368‬‬
‫‪، 370‬ب ‪ 372‬الطبعة الولى و ‪، 347 : 5‬ب ‪، 366‬ب ‪، 370‬ب ‪ 419‬الطبعة‬
‫الولى( ‪ .‬وانظر تفسير الحسن المثنى بن الحسن السبط ببن علبي ببن‬
‫أبي طالب لهذا الحديث فببي ص ‪ ، 186 - 185‬وسببيأتي كلم المؤلببف‬
‫على الحدثين في ص ‪. 192‬‬

‫‪173‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فنازعه من عاقده‪ ،‬وخالف عليه مبن ببايعه‪ ،‬ونقبض عهبده‬


‫من شده‪.‬‬
‫وانتدب أهل الشام إلى الفسوق في الببدين‪ ،‬بببل الكفببر‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪1‬‬
‫)( كل هذه الفقرات من هذيان مرتكبببي ))القاصببمة(( وشببيعتهم ‪ .‬وقببد‬
‫ضا سخافاتهم ‪ ،‬ولكببن اتسببع‬ ‫أجاب المؤلف في ))العاصمة(( التالية مدح ً‬
‫عليه ميدان القول ففاقه الكلم عن موقف أهل الشام مببن هببذه الفتببن‬
‫التي وقعت في السلم ‪ .‬وقد رأيت في ص ‪ 121‬قول ابن الكببواء أحببد‬
‫زعماء الفتنببة وهببو يصببف أشببباهه فببي المصببار الكبببرى ‪)) :‬وأمببا أهببل‬
‫الحببداث مببن أهببل الشببام فببأطوع النبباس لمرشببدهم ‪ ،‬وأعصبباهم‬
‫لمغويهم(( ‪ .‬وإذا كان أهل الحداث في الشام هكببذا علببى مببا شببهد بببه‬
‫زعيم من زعماء الفتنة ‪ ،‬فإن أهل العافية واليمان منهم قببد شببهد لهببم‬
‫أمير المؤمنين علي فيما نقله ابن كببثير فببي البدايببة والنهايببة )‪(20 : 8‬‬
‫عن عبد الرزاق بن همببام الصببنعاني أحببد الئمببة العلم الحفبباظ ‪ ،‬عببن‬
‫ضبا مبن العلم ‪ ،‬عبن الزهبري‬ ‫شيخه معمر ببن راشبد البصبري وهبو أي ً‬
‫مدون السنة وشيخ الئمة ‪ ،‬أن عبد الله بن صفوان الجمحي قال ‪ :‬قببال‬
‫رجل من صفين ))اللهم العن أهل الشام(( فقببال لببه علببي ‪)) :‬ل تسببب‬
‫أهل الشام(( فإن بهببا البببدال ‪ ،‬فإنهببا بهببا البببدال ‪ ،‬فببإن بهببا البببدال((‬
‫عا إلى النبببي ‪ .‬وروى أببو إدريبس‬ ‫وروي هذا الحديث من وجه آخر مرفو ً‬
‫الخولني وهو مببن أعلم حملببة السببنة والشببريعة ومببن شببيوخ الحسببن‬
‫البصري واببن سبيرين ومكحبول وأضبرابهم أن أببا البدرداء قبال ‪ :‬قبال‬
‫رسول الله ))بينا أنا نائم رأيت الكتاب احتمل من تحت رأسي ‪ ،‬فظننت‬
‫أنه مذهوب به ‪ ،‬فأتبعه بصري فعمد به إلى الشام ‪ .‬وإن اليمبان ‪ -‬حيبن‬
‫تقببع الفتنببة ‪ -‬بالشببام(( ‪ .‬وروى هببذا الحببديث مببن الصببحابة ‪ -‬غيببر أبببي‬
‫الدرداء ‪ -‬أبو أمامة وعبد الله بن عمرو بن العاص ‪ .‬وللمقارنة بيببن أهببل‬
‫الشببام والببذين كببانوا يحبباربون ننقببل عببن ابببن كببثير ) ‪ (325 : 7‬خبببر‬
‫العمش بن عمرو بن مرة بن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الرقببم‬
‫قال ‪ :‬خطبنا علي يوم جمعة فقببال ‪ ،‬نبببئت أن بس بًرا قببد طلببع اليمببن ‪،‬‬
‫وإني والله لحسببب أن هببؤلء القببوم سببيظهرون عليكببم ومببا يظهببرون‬
‫عليكببم إل بعصببيانكم إمببامكم وطبباعتهم إمببامهم ‪ ،‬وبخيببانتكم وأمببانتهم‬
‫وإفسادكم في أرضكم وإصلحهم ‪ .‬وقد بعثت فلًنا فخببان وغببدر وبعثببت‬
‫فلًنا فخان وغدر وبعث المال إلى معاوية ‪ .‬لو ائتمنت أحدكم على قببدح‬
‫لخذ علقته ‪ .‬اللهببم سببئمتهم وسببئموني ‪ ،‬وكرهتهببم وكرهببوني ‪ .‬اللهببم‬
‫فأرحهم مني وأرحني منهم ‪ .‬بهذا وصف علي جيشببه وشببيعته وبعكسببه‬
‫في الفضائل وصف أهل الشام الذين اضطروا إلى أن يقفوا من طائفته‬
‫موقف المحارب ‪ .‬وليس بعد وصف علي لهل الشام بالطاعببة والمانببة‬

‫‪174‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫لن‬ ‫)‪(2‬‬
‫أن الكببل عنببدهم كفببرة‬ ‫)‪(1‬‬
‫وهذه حقيقة مذهبهم‬
‫‪ .‬وكببذلك تقببول هببذه‬ ‫)‪(3‬‬
‫مببن مببذهبهم التكفيببر بالببذنوب‬
‫الطائفة التي تسمى بالمامية‪ :‬إن كل عاص بكبببيرة كببافر‬
‫ول أعصبببى مبببن الخلفببباء‬ ‫)‪(5‬‬
‫علبببى رسبببم القدريبببة‬ ‫)‪(4‬‬

‫ومن ساعدهم على أمرهم‪ ،‬وأصحاب محمد‬ ‫)‪(6‬‬


‫المذكورين‬
‫‪ ‬أحببرص النبباس علببى دنيببا‪ ،‬وأقلهببم حميببة علببى ديببن‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫وأهدمهم لقاعدة وشريعة‬

‫والصلح ‪ ،‬إل الضرب بهذه القنبلة في وجوه واصفيهم بالكفر والفسوق‬


‫في الدين ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي حقيقة مذهب الشيعة وأعداء الصحابة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( يستثنون منهببم ‪ -‬بعببد علببي وبعببض آلببه ‪ -‬سببلمان الفارسببي وأبببا ذر‬
‫والمقداد بن السود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمببان وأبببا الهيثببم بببن‬
‫التيهببان وسببهل بببن حنيببف وعبببادة بببن الصببامت وأبببا أيببوب النصبباري‬
‫وخزيمة بن ثابت وأبا سعيد الخدري ‪ .‬وبعببض الشببيعة يببرى أن الطيبببين‬
‫دا من هؤلء ‪.‬‬‫من أصحاب رسول الله أقل عد ً‬
‫‪3‬‬
‫)( ومن مذهبهم أن علًيا وأحد عشببر مببن آلببه معصببومون عببن الخطببأ ‪،‬‬
‫وأنهم مصدر تشريع ‪ .‬ويقبلون التشريع الذي ينسبه إليهببم رواة يشببترط‬
‫فيهم التشيع والموالة ‪ ،‬وإن عرفهم الناس بما ينافي الصدق أو ينبباقض‬
‫ما هو معلوم من الدين بالضرورة ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( ومدلول الكبيرة عندهم غير مدلولها عند المسلمين ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أي الذين ينكرون القدر ‪ .‬قببال شببيخ السببلم ابببن تيميببة فببي منهبباج‬
‫السنة )‪)) : (24 : 2‬كان قدماء الشيعة متفقين في دولة بنببي بببويه(( ‪.‬‬
‫ثببم فجببروا وجعلببوا )الغلببو( مببن ضببروريات مببذهبهم مببن زمببن الدولببة‬
‫الصفوية إلى الن ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫)( وهم أبو بكر وعمر وعثمان ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫)( ومع ذلك يوجد فيمن ينتمي إلى الزهر ‪ ،‬وإلى السنة ‪ ،‬من يببوالي دار‬
‫التقريب بين المذاهب التي تأسست في القباهرة بعبد الحبرب العالميبة‬
‫الثانية ‪ ،‬ويتسلى بصرف بقية عمره في الختلف إليها وتبادل التقية مببع‬
‫القائمين عليها ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمـــة‬
‫مقارنة موقفهم من الصحابة بموقف اليهود‬
‫والنصارى من أصحاب موسى وعيسى‬
‫قال القاضي أبو بكببر )‪ :( ‬يكفيببك مببن شببر سببماعه‪،‬‬
‫فكيف التململ به‪ .‬خمسمائة عام عدا إلى يوم مقالي هذا‬
‫ما ‪ -‬وهو مهل شعبان سببنة‬ ‫ما ول نزيد يو ً‬
‫‪ -‬ل ننقص منها يو ً‬
‫سببت وثلثيببن وخمسببمائة ومبباذا يرجببى بعببد التمببام إل‬
‫النقص؟‪.‬‬
‫ما رضيت النصارى واليهود في أصحاب موسى وعيسى‬
‫ما رضيت الروافض فببي أصببحاب محمببد ‪ ‬حيببن حكمببوا‬
‫‪ .‬فما يرجى‬ ‫)‪(1‬‬
‫عليهم بأنهم قد اتفقوا على الكفر والباطل‬
‫‪‬‬ ‫من هؤلء‪ ،‬وما يستبقى منهم؟ وقد قال الله تعببالى‪} :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪1‬‬
‫)( أخرج الحافظ ابن عساكر )‪ (165 : 4‬أن الحسن المثنى بن الحسببن‬
‫السبط بن علي بن أبي طالب قببال لرجببل مببن الرافضببة ‪)) .‬واللببه لئن‬
‫أمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم ‪ ،‬ثببم ل نقبببل منكببم توبببة(( ‪.‬‬
‫فقال له رجل ‪ :‬لم ل تقبل منهم توبة ؟ قال ‪ :‬نحن أعلم بهببؤلء منكببم ‪.‬‬
‫إن هببؤلء إن شبباءوا صببدقوكم ‪ ،‬وإن شبباءوا كببذبوكم وزعمببوا أن ذلببك‬
‫يستقيم لهم في )التقية( ‪ .‬ويلك! إن التقية هببي ببباب رخصببة للمسببلم ‪،‬‬
‫إذا اضطر إليها وخاف من ذي سلطان أعطاه غير ما في نفسه يدرأ عن‬
‫ذمة الله ‪ ،‬وليست باب فضل ‪ ،‬إنما الفضل في القيام بببأمر اللببه وقببول‬
‫الحق ‪ .‬وايم الله ما بلغ من التقية أن يجعل بها لعبببد مببن عببباد اللببه أن‬
‫يضل عباد الله(( ‪. . . .‬‬

‫‪176‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪) ،‬النببور‪(55 :‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وهذا قببول صببدق‪ ،‬ووعببد حببق‪ .‬وقببد انقببرض عصببرهم ول‬


‫خليفة فيهم ول تمكين‪ ،‬ول أمببن ول سببكون‪ ،‬إل فببي ظلببم‬
‫وتعد وغصب وهرج وتشتيت وإثارة ثائرة‪.‬‬
‫وقد أجمعت المة على أن النبي ‪ ‬ما نببص علببى أحببد‬
‫‪ .‬وقببد قببال العببباس لعلببي ‪ -‬فيمببا روى‬ ‫)‪(3‬‬
‫يكون من بعده‬
‫عنه عبد الله ابنه ‪ -‬قال عبد الله بن عباس‪ :‬خرج علي بببن‬
‫أبي طالب ‪ ‬من عنببد رسببول اللببه ‪ ‬فببي وجعببه الببذي‬
‫توفي فيه‪ ،‬فقال الناس‪ :‬يا أبا حسببن‪ ،‬كيببف أصبببح رسببول‬
‫الله ‪ ‬؟ قال‪ :‬أصبح بحمد الله بارًئا‪ .‬فأخذ بيده عباس بن‬
‫عبد المطلب فقال له‪ :‬أنببت واللببه بعببد ثلث عبببد العصببا‪.‬‬
‫وإنببي لرى رسببول اللببه ‪ ‬يتببوفى مببن وجعببه هببذا‪ .‬إنببي‬
‫لعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت‪ .‬اذهب بنا إلببى‬
‫رسول الله ‪ ‬فلنسأله‪ :‬فيمن يكون هذا المر بعده‪ ،‬فببإن‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة النور آية ‪. 55 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر ص ‪. 53 - 51‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نقل الحافظ ابببن عسبباكر )‪ (166 : 4‬عببن الحببافظ البببيهقي حببديث‬
‫فضيل بن مرزوق أن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي‬
‫طالب سئل فقيل له ‪ :‬ألم يقببل رسببول اللببه ))مببن كنببت مببوله فعلببي‬
‫موله(( ؟ فقال ‪)) :‬بلى ‪ :‬ولكن والله لم يعن رسول الله بببذلك المببارة‬
‫والسلطان ‪ .‬ولو أراد ذلك لفصح لهم به ‪ ،‬فبإن رسببول اللبه كبان أنصببح‬
‫للمسلمين ‪ .‬ولو كان المر كما قيل لقال ‪ :‬يا أيها الناس هذا ولي أمركم‬
‫والقائم عليكم من بعدي ‪ ،‬فاسمعوا لببه وأطيعببوا ‪ .‬واللببه لئن كببان اللببه‬
‫ورسوله اختار علًيا لهذا المر وجعله القائم للمسلمين من بعده ثم ترك‬
‫علي أمر الله ورسوله ‪ ،‬لكان علي أول من ترك أمببر اللببه ورسببوله(( ‪.‬‬
‫ورواه البيهقي من طرق متعددة في بعضها زيببادة وفبي بعضببها نقصببان‬
‫والمعنى واحد ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمنا فأوصببى بنببا‪.‬‬
‫فقال علي‪ :‬إنا والله لئن سألناها رسول اللببه ‪ ‬فمنعناهببا‬
‫ل يعطيناها الناس بعده‪ ،‬وإني والله ل أسببألها رسببول اللببه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪‬‬
‫قال القاضي أبو بكر ) ‪ :( ‬رأي العباس عنببدي أصببح‪،‬‬
‫وأقرب إلى الخرة‪ ،‬والتصريح بالتحقيق‪ .‬وهذا يبطببل قببول‬
‫عى فيببه‬
‫مببدعي الشببارة باسببتخلف علببي‪ ،‬فكيببف أن ي ُبد ّ َ‬
‫نص ؟ !‪.‬‬
‫الحاديث الصحيحة في أبي بكر وعمر ومكانتهما‬
‫العليا‬
‫فأما أبو بكر‪ ،‬فقد }جاءت امرأة إلى النبببي ‪ ‬فأمرهببا‬
‫أن ترجع إليه‪ .‬قالت له‪ :‬فإن لم أجدك ‪ -‬كأنها تعني الموت‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬تجدين أبا بكر{‬
‫}وقال النبي ‪ ‬لعمر وقببد وقبع بينببه ] أي بيبن عمببر [‬
‫حببتى أشببفق‬ ‫وبين أبي بكر كلم‪ ،‬فتعمر وجه النبببي ‪‬‬
‫)‪(3‬‬

‫من ذلك أبو بكببر‪ ،‬وقببال النبببي ‪ " ‬هببل أنتببم تبباركو لببي‬
‫صاحبي ) مرتين (‪ .‬إني بعثت إليكم فقلتببم‪ :‬كببذبت‪ ،‬وقببال‬

‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري في كتباب المغبازي مببن صببحيحه )ك ‪ 64‬ب ‪ - 83‬ج ‪5‬‬
‫ص ‪ . (141 - 140‬ونقله ابن كببثير فببي البدايببة والنهايببة )‪ 227 : 5‬و‬
‫‪ (251‬من حديث الزهري عببن عبببد اللببه بببن كعببب بببن مالببك عببن ابببن‬
‫عباس ‪ .‬ورواه المام أحمببد فببي مسببنده )‪ 263 : 1‬و ‪ 325‬و ‪ 2374‬و‬
‫‪. (2999‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصحابة مببن صببحيح البخبباري ) ك ‪ 62‬ب ‪ - 5‬ج ‪4‬‬
‫ص ‪ (191‬من حديث جبير بن مطعم قال ‪ :‬أتت امرأة النبي فأمرهببا أن‬
‫ترجع إليه ‪ .‬قالت ‪ :‬أرأيبت إن جئت ولبم أجببدك ‪ -‬كأنهبا تقبول المببوت ‪-‬‬
‫قال " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تمعر وجهه ‪ :‬تغير ‪ ،‬وذهب ما كان فيه من النضارة ‪ ،‬وإشراق اللون ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫)‪(1‬‬
‫أبو بكر‪ :‬صدقت‪ .‬إل إني أبرأ إلى كل خليل مببن خلتببه{‬
‫"‪.‬‬
‫ذا فببي السببلم خليًل‬
‫وقببال النبببي ‪} ‬لببو كنببت متخبب ً‬
‫"‪.‬‬‫لتخذت أبا بكر خليل‪ .‬ولكن أخي‪ ،‬وصاحبي{‬
‫)‪(2‬‬

‫وقد اتخببذ اللببه صبباحبكم خليًل‪ .‬ل يبقيببن فببي المسببجد‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫خوخة إل خوخة أبي بكر‬
‫)‪(4‬‬
‫وقد قال النبي ‪} ‬بينما أنا نائم رأيتني علببى قليببب‬
‫عليها دلو‪ ،‬فنزعت منها ما شاء اللببه‪ ،‬ثببم أخببذها ابببن أبببي‬
‫وفببي نزعببه ضببعف‬ ‫)‪(5‬‬
‫قحافة فنببزع منهببا ذنوب ًببا أو ذنببوبين‬
‫فأخذها ابن الخطبباب‪،‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫والله يغفر له‪ ،‬ثم استحالت غرًبا‬
‫فلم أر عبقري ًببا مببن النبباس ينببزع نببزع عمببر‪ ،‬حببتى ضببرب‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫الناس بعطن{‬

‫‪1‬‬
‫)( في كتاب مناقب الصببحابة مببن صببحيح البخبباري ) ك ‪ 62‬ب ‪ - 5‬ج ‪4‬‬
‫ص ‪ (192‬عن أبي الدرداء مطول ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في الباب المذكور من كتاب مناقب الصحابة في صحيح البخاري ) ج‬
‫‪ 4‬ص ‪ (191‬من حديث عكرمة عن ابن عباس ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في هذه الجملة اضطراب ونقص ‪ .‬وانظببر لهببذا المعنببى حببديث أبببي‬
‫سعيد الخدري في ذلك الموضع مببن صببحيح البخبباري ) ج ‪ 4‬ص ‪- 190‬‬
‫‪ ، (191‬وحديث ابن عباس في مسند أحمببد ) ‪ 270 : 1‬رقببم ‪، (2432‬‬
‫والبداية والنهاية ) ‪ 229 : 5‬و ‪. (230‬‬
‫‪4‬‬
‫)( القليب ‪ :‬البئر غير المطوية ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الذنوب ‪ :‬الدلو العظيمة إذا ملئت ماء ‪ .‬وابن أبي قحافة هو أبو بكر ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫)( أي ثم عظمت فصبارت كالبدلو الواسبعة البتي تتخبذ مبن جلبد الثبور‬
‫لكبرها ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫)( أي حتى اتخذ الناس حولها مبركا لبلهم لغزارة مائها ‪ ،‬والحببديث فببي‬
‫ذلك الموضوع من صحيح البخاري ) ج ‪ 4‬ص ‪ (193‬من حديث سعيد بن‬
‫المسيب عن أبي هريرة ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ُ‬
‫وقببد ثبببت أن }النبببي ‪ ‬صببعد أ ُ‬
‫حببدا وأبببو بكببر وعمببر‬
‫وعثمان رضي الله عنهم‪ ،‬فرجف بهم‪ :‬فقال‪ " :‬اثبت أحببد‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان{‬
‫وقال ‪} ‬لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسببرائيل‬
‫رجال ي ُك َل ّ ُ‬
‫مون من غير أن يكونوا أنبياء‪ ،‬فإن يكن في أمتي‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫منهم أحد فعمر{‬
‫وقال النبببي ‪ ‬لعائشبة رضببي اللبه عنهببا فببي مرضببه‪:‬‬
‫}ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاًبا‪ ،‬فإني أخبباف أن‬
‫يتمنى متمن ويقول‪ :‬أنا أولى‪ .‬ويأبى الله والمؤمنون إل أبا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫بكر{‬
‫وقببال ابببن عببباس‪} :‬إن رجًل أتببى النبببي ‪ ‬فقببال‪ :‬يببا‬
‫رسببول اللببه‪ ،‬وإنببي أرى الليلببة فببي المنببام ظلببة تنطببف‬
‫السبببمن والعسبببل‪ ،‬فبببأرى النببباس يتكففبببون بأيبببديهم‪،‬‬
‫فالمستكثر والمستقل‪ .‬وأرى سبًبا واصًل من السببماء إلببى‬
‫الرض فأراك أخذت به فعلببوت‪ ] ،‬ثببم أخببذ بببه رجببل آخببر‬
‫فعل به‪ ،‬ثم أخذ به رجل آخر فعل بببه [‪ ،‬ثببم أخببذ بببه رجببل‬
‫) وذكببر الحببديث (‪ .‬ثببم‬ ‫)‪(4‬‬
‫آخر فانقطع‪ ،‬ثم وصل له فعل{‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم ) ك ‪ 62‬ب ‪ - 5‬ج ‪ 4‬ص‬
‫‪ (197‬من حديث قتادة عن أنس بن مالك ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في كتاب فضائل الصحابة مببن صببحيح البخبباري ) ك ‪ 62‬ب ‪ - 6‬ج ‪4‬‬
‫ص ‪ (200‬من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في مسند أحمد ) ‪ 144 : 6‬الطبعة الولى( من حديث الزهببري عببن‬
‫عروة بن الزبير عببن عائشببة ‪ ،‬وانظببر المسببند أيضببا ) ‪ 47 : 6‬و ‪(106‬‬
‫وطبقات ابن سعد ‪ (127 : 1 ) 3‬ومسند أبي داود الطيالسي ‪ :‬الحديث‬
‫‪. 1508‬‬
‫‪4‬‬
‫)( البخاري التعبير )‪ ، (6639‬مسلم الرؤيا )‪ ، (2269‬الترمببذي الرؤيببا )‬
‫‪ ، (2293‬أبو داود السببنة )‪ ، (4632‬ابببن مبباجه تعبببير الرؤيببا )‪، (3918‬‬
‫أحمد )‪ ، (1/236‬الدارمي الرؤيا )‪. (2156‬‬

‫‪180‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عبرها أبو بكر فقال‪ :‬وأما السبب الواصل من السماء إلى‬


‫الرض فالحق الذي أنت عليببه‪ ،‬فأخببذته فيعليببك اللببه‪ .‬ثببم‬
‫يأخذ به رجل آخر بعببدك فيعلببو بببه‪ ،‬ثببم يأخببذه رجببل آخببر‬
‫فيعلو به‪ ،‬ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثببم يوصببل فيعلببو‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫به‬
‫وصح أن النبي ‪ ‬قال ذات يوم‪} :‬من رأى منكببم رؤيببا‬
‫فقال رجل‪ :‬أنا رأيت‪ ،‬كأن ميزاًنا نزل من السماء‪ ،‬فببوزنت‬
‫حببت‪ .‬ووزن أبببو بكببر وعمببر فرجببح أبببو‬ ‫أنت وأبو بكر فََر َ‬
‫ج ْ‬
‫بكر‪ .‬ووزن عمر وعثمببان فرجببح عمببر‪ .‬ثببم رفببع الميببزان‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فرأينا الكراهية في وجه رسول الله ‪{‬‬
‫وهذه الحاديث جبال في البيان‪ ،‬وجبال في السبب إلى‬
‫الحق لمن وفقه الله‪ .‬ولو لم يكن معكم ‪ -‬أيها السنية ‪ -‬إل‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬ ‫قبببوله تعبببالى‪} :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪{‬‬ ‫‪   ‬‬

‫‪1‬‬
‫)( في كتاب التعبير من صحيح البخاري ) ك ‪ 91‬ب ‪ - 47‬ج ‪ 8‬ص ‪- 83‬‬
‫‪ (84‬من حديث عبد الله بن عباس ‪ ،‬وفي كتاب الرؤيا من صحيح مسلم‬
‫) ك ‪ 47‬ح ‪ - 17‬ج ‪ 7‬ص ‪ (56 - 55‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬وفي مسند‬
‫أحمد ) ‪ 236 : 1‬الطبعة الولى رقم ‪ (2113‬من حديث ابن عباس ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( فبي كتباب السبنة مبن سبنن أببي داود ) ك ‪ 39‬ب ‪ 8‬ح ‪ (4634‬مبن‬
‫حديث أبي بكرة ‪ .‬وفي كتاب الرؤيا من جامع الترمذي ) الباب ‪ (10‬من‬
‫حديث أبي بكرة أيضببا ‪ .‬وانظببر فببي مسببند أحمببد ) ‪ (259 : 5‬الطبعببة‬
‫الولى حديث أبي أمامبة عبن رجحبان كفبة أببي بكبر بكفبة فيهبا جميبع‬
‫المة ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫في نصيف‪ ،‬وجعل أبببا‬ ‫)‪(2‬‬


‫) التوبة من الية ‪ ( 40‬فجعلها‬ ‫)‪(1‬‬

‫بكر في نصيف آخر وقام معه جميع الصحابة‪.‬‬


‫وإذا تبصببرتم هببذه الحقببائق فليببس يخفببى منهببا حببال‬
‫مببا‪.‬‬
‫صببا وعمو ً‬
‫الخلفاء في خللهم ووليتهببم وترتيبهببم خصو ً‬
‫وقد قال الله تعالى‪   } :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬

‫) سورة‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪   ‬‬

‫النور‪ :‬من الية ‪ .( 55‬وإذا لم ينفذ هذا الوعد فببي الخلفبباء‬


‫فلمن ينفذ ؟ وإذا لببم يكببن فيهببم فبمببن يكببون ؟ والببدليل‬
‫عليه انعقاد الجماع أنه لم يتقدمهم في الفضيلة أحببد إلببى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬ومببن بعببد مختلببف فيببه‪ ،‬وأولئك مقطببوع بهببم‪،‬‬
‫متيقن إمامتهم‪ ،‬ثابت نفوذ وعد الله لهم‪ ،‬فببإنهم ذبببوا عببن‬
‫حوزة المسلمين‪ ،‬وقبباموا بسياسببة الببدين‪ .‬قببال علماؤنببا‪:‬‬
‫ومن بعدهم تبع لهم مببن الئمببة الببذين هببم أركببان الملببة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة التوبة آية ‪. 40 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي المة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة النور آية ‪. 55 :‬‬

‫‪182‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ودعببائم الشببريعة‪ ،‬الناصببحون لعببباد اللببه‪ ،‬الهببادون مببن‬


‫استرشد إلى الله‪ .‬فأما من كان من الولة الظلمة فضرره‬
‫مقصور على الدنيا وأحكامها‪.‬‬
‫مراتب الصحابة ومن بعدهم وأصناف أئمة الدين‬
‫ومنازلهم‬
‫وأما حفاظ الدين فهم الئمببة العلمبباء الناصببحون لببدين‬
‫الله‪ ،‬وهم أربعة أصناف‪:‬‬
‫الصنف الول‪ :‬حفظوا أخبار رسول الله ‪ ‬وهم بمنزلة‬
‫الخزان لقوات المعاش‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬علماء الصول‪ :‬ذبوا عن ديببن اللببه أهببل‬
‫العنبباد وأصببحاب البببدع‪ ،‬فهببم شببجعان السببلم‪ ،‬وأبطبباله‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫المداعسون عنه في مآزق الضلل‬
‫الصنف الثالث‪ :‬قوم ضبببطوا أصببول العبببادات‪ ،‬وقببانون‬
‫المعبباملت وميببزوا المحللت مببن المحرمببات‪ ،‬وأحكمببوا‬
‫الخراج والديات‪ ،‬وبينببوا معبباني اليمببان والنببذور‪ ،‬وفصببلوا‬
‫الحكام في الدعاوى‪ ،‬فهم ‪ -‬فببي الببدين ‪ -‬بمنزلببة الببوكلء‬
‫المتصرفين في الموال‪.‬‬
‫الصنف الرابببع‪ :‬تجببردوا للخدمببة‪ ،‬ودأبببوا علببى العبببادة‪،‬‬
‫واعتزلوا الخلق‪ .‬وهم ‪ -‬في الخبرة ‪ -‬كخبواص الملبك فبي‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫وقد أوضحنا في كتاب ) سراج المريدين ( فببي القسببم‬
‫الرابببع مببن علببوم القببرآن أي المنببازل أفضببل مببن هببؤلء‬
‫الصناف‪ ،‬وترتيب درجاتهم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( المداعسة ‪ :‬المطاعنة ‪ ،‬والمدافعة ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قال القاضببي أبببو بكببر ) ‪ :( ‬وهببذه كلهببا إشببارات أو‬


‫تصريحات أو دللت أو تنبيهات‪ .‬ومجمبوع ذلبك يبدل علبى‬
‫صحة ما جرى‪ ،‬وتحقيق ما كان من العقلء‪.‬‬
‫ونقول ‪ -‬بعد هذا البيان ‪ -‬على مقام آخر‪ :‬لو كان هنالك‬
‫نص على أبي بكر أو على علي‪ ،‬لبم يكببن ببد مببن احتجبباج‬
‫علي به‪ ،‬أو يحتج له به غيره من المهاجرين والنصار‪ .‬فأما‬
‫فل حجة فيه‪ ،‬لنببه إنمببا اسببتخلفه فببي‬ ‫)‪(1‬‬
‫حديث غدير خم‬
‫حياته على المدينة كما استخلف موسى هارون في حيبباته‬
‫‪ -‬عند سفره للمناجاة ‪ -‬على بني إسرائيل‪ .‬وقد اتفق الكل‬
‫من إخوانهم اليهود على أن موسى مات بعد هببارون فببأين‬
‫الخلفة ؟‪.‬‬
‫فكلم صببحيح‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫وأمببا قببوله }اللهببم وال مببن واله{‬
‫ودعبوة مجاببة ومبا يعلبم أحبد عباداه إل الرافضبة‪ ،‬فبإنهم‬
‫أنزلوه في غير منزلتببه‪ ،‬ونسبببوا إليببه مببا ل يليببق بببدرجته‪.‬‬
‫والزيادة في الحد نقصان من المحببدود‪ .‬ولببو تعببدى عليهببا‬
‫دي وحده‪ ،‬بببل جميببع الصببحابة ‪ -‬كمببا‬
‫أبو بكر ما كان المتع ّ‬
‫قلنا ‪ -‬لنهم ساعدوه على الباطل‪.‬‬
‫ول تستغربوا هذا من قولهم‪ ،‬فببإنهم يقولببون‪ :‬إن النبببي‬
‫‪ ‬كان مدارًيا لهم‪ ،‬معنيا بهم على نفاق وتقية‪ .‬وأين أنببت‬
‫من قول النبي ‪} ‬حيببن سببمع قببول عائشببة رضببي اللببه‬

‫‪1‬‬
‫)( الذي مضببى فببي القاصببمة ص ‪ ، 181‬وانظببر فببي ص ‪186 - 185‬‬
‫تفسير الحسن المثنى لهذا الحديث ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ابن ماجه المقدمة )‪ ، (116‬أحمد )‪. (4/281‬‬

‫‪184‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عنهببا‪ :‬مببروا عمببر فليصببل بالنبباس إنكببن لنتببن صببواحب‬


‫يوسف‪ ،‬مروا أبا بكر فليصل بالناس{ )‪.(1‬‬
‫وما قدمنا من تلك الحاديث )‪. (2‬‬
‫إصابة عمر في جعل المامة شورى ودقة ابن‬
‫عوف في تخير عثمان‬
‫ما‪ ،‬ولقد افتروا كبيًرا‪ .‬وما جعلها عمببر‬
‫لقد اقتحموا عظي ً‬
‫شببورى إل اقتببداء بببالنبي ‪ ‬وبببأبي بكببر‪ ،‬إذ قببال‪ :‬إن‬
‫أستخلف فقد استخلف من هو خير مني‪ ،‬وإن لم أستخلف‬
‫" فما رد هذه الكلمات‬ ‫)‪(3‬‬
‫فإن رسول الله ‪ ‬لم يستخلف‬
‫أحد‪ .‬وقال‪ " :‬أجعلها شورى في النفر الذين توفي رسببول‬
‫‪ .‬وقببد رضببي اللببه عببن أكببثر‬ ‫)‪(4‬‬
‫الله ‪ ‬وهببو عنهببم راض‬
‫منهببم‪ ،‬ولكنهببم كببانوا خيببار الرضببا‪ ،‬وشببهد لهببم بالهليببة‬
‫للخلفة‪.‬‬
‫وأما قولهم تحيل ابببن عببوف حببتى ردهببا لعثمببان‪ ،‬فلئن‬
‫‪ .‬وإذا‬ ‫)‪(5‬‬
‫كانت حيلة ولم يكن سواها فلن الحول ليس إليه‬
‫‪1‬‬
‫)( صببحيح البخبباري ) ك ‪ 10‬ب ‪ 39‬و ‪ 46‬و ‪ 67‬و ‪ - 70‬ج ‪ 1‬ص ‪- 161‬‬
‫‪ 162‬و ‪ ، 165‬و ‪ (176 - 174‬مبببن حبببديث عائشبببة وأببببي موسبببى‬
‫الشعري ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في ص ‪. 190 - 187‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في كتاب المارة من صحيح مسلم ) ك ‪ 33‬ح ‪ 11‬و ‪ - 12‬ج ‪ 6‬ص ‪4‬‬
‫‪ (5 -‬من حديث عروة بن الزبير عن ابن عمر ‪ ،‬ومن حديث سببالم عببن‬
‫ابن عمر ‪ .‬وفي مسند أحمد ) ‪ 43 : 1‬رقم ‪ (299‬عببن عببروة عببن ابببن‬
‫عمببر ‪ ،‬و) ‪ 46 : 1‬رقببم ‪ (322‬عببن حميببد بببن عبببد الرحمببن عببن ابببن‬
‫عباس ‪ ،‬و) ‪ 47 : 1‬رقم ‪ (332‬عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( من حديث عمرو بن ميمون المطول في كتاب فضائل الصببحابة مببن‬
‫صحيح البخاري ) ك ‪ 62‬ب ‪ 8‬ج ‪ 4‬ص ‪ ، (207 - 204‬وانظر كتابنا هذا‬
‫ص ‪. 53 - 52‬‬
‫‪5‬‬
‫)( بل إلى الله ‪ .‬وإن الله هو الموفق لبن عوف وسائر إخوانه الصببحابة‬
‫حتى كانوا في ذلك الموقف علببى مببا أراده اللببه لهببم مببن صببفاء النيببة‬
‫وإخلص القصد والعمل لله وحده ‪ .‬فكببان مبن اختيببار خليفببة عمببر فببي‬

‫‪185‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫كان عمببل العببباد حيلببة أو كببان القضبباء بببالحول‪ ،‬فببالحول‬


‫والقوة لله‪ .‬وقد علم كل أحد أنه ل يليها إل واحبد‪ ،‬فاسبتبد‬
‫عبد الرحمن بن عوف بالمر ‪ -‬بعد أن أخرج نفسه ‪ -‬علببى‬
‫أن يجتهد للمسلمين في السد والشببد‪ ،‬فكببان كمببا فعببل‪،‬‬
‫وولها من استحقها‪ ،‬ولم يكن غيره أولى منه بهببا‪ ،‬حسبببما‬
‫وفببي غيببره‬ ‫)‪(1‬‬
‫بينا في مراتب الخلفة من ) أنوار الفجببر (‬
‫من ] كتب [ الحديث‪.‬‬
‫لم يكن بعد عثمان أولى بها من علي فجاءته‬
‫على قدر‬
‫وقتل عثمان‪ ،‬فلم يبق على الرض أحق بهببا مببن علببي‪،‬‬
‫فجاءته على قدر‪ ،‬في وقتها ومحلها‪ .‬وبين الله علببى يببديه‬
‫من الحكام والعلوم ما شاء الله أن يبين‪ .‬وقد قببال عمببر‪:‬‬
‫وظهببر مببن فقهببه وعلمببه فببي‬ ‫)‪(2‬‬
‫" لول علي لهلك عمر "‬
‫قتببال أهببل القبلببة ‪ -‬مببن اسببتدعائهم ومنبباظرتهم‪ ،‬وتببرك‬
‫مبادرتهم‪ ،‬والتقدم إليهم قبل نصب الحرب معهببم ونببدائه‪:‬‬
‫ل نبدأ بببالحرب‪ .‬ول يتبببع مببول‪ ،‬ول يجهببز علببى جريببح‪ ،‬ول‬
‫تهاج امرأة‪ ،‬ول نغنم لهببم مببال ‪ -‬وأمببره بقبببول شببهادتهم‪،‬‬
‫والصلة خلفهم‪ ،‬حتى قال أهببل العلببم‪ :‬لببول مببا جببرى مببا‬
‫عرفنا قتال أهل البغي‪.‬‬

‫حبادث الشببورى مثل أعلببى للنفببس النسببانية عنببدما تكببون فببي أعلببى‬
‫مراتب النبل ‪ ،‬والتجرد عن جميع خواطر الهوى ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( هو التفسير الكبير لبن العربي في ثمانين مجلببدا ‪ .‬تكلمنببا عليبه فبي‬
‫ص ‪. 27‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هذا مع قول النبي فيه " أول من يصافحه الحق عمر " ‪ ،‬وقببوله " إن‬
‫الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " وقوله " لو كببان مببن بعببدي‬
‫نبي لكان عمر " ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫وأما خروج طلحة والزبير فقد تقدم بيانه‬
‫وأما تكفيرهم للخلق‪ ،‬فهم الكفار‪ ،‬وقد بينا أحببوال أهببل‬
‫الذنوب التي ليس منها سب في غير ما كتاب‪ ،‬وشببرحناها‬
‫في كل باب‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد قال العباس في علي ما رواه الئمببة أن‬
‫العباس وعلًيا اختصما عند عمر فببي شبأن أوقبباف رسببول‬
‫الله ‪ ‬فقال العباس لعمر‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أقببض بينببي‬
‫‪ .‬فقببال الرهببط‬ ‫)‪(2‬‬
‫وبين هذا الظالم الكبباذب الثببم الجببائر‬
‫لعمر‪ :‬يا أميببر المببؤمنين‪ ،‬اقببض بينهمببا وأرح أحببدهما مببن‬
‫الخر‪ .‬فقال عمر‪ :‬أنشدكم الله الذي بببإذنه تقببوم السببماء‬
‫والرض‪ ،‬هل تعلمون أن رسول اللببه ‪ ‬قببال‪} :‬ل نببورث‪،‬‬
‫يريد بذلك نفسه ؟ قالوا‪ :‬قد قال ذلك‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫ما تركنا صدقة{‬
‫فأقبببل علببى العببباس وعلببي فقببال‪ :‬أنشببدكما اللببه‪ ،‬هببل‬

‫‪1‬‬
‫)( وأنه كان خروجا للتفاهم والتعاون على إقامبة الحببدود الشببرعية فبي‬
‫مقتل أمير المؤمنين عثمان ‪ ،‬انظر ص ‪. 152 - 150‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تقدم في ص ‪ 50 - 49‬ذكر هذه التقاضي بيببن العببباس وعلببي عنببد‬
‫أمير المؤمنين عمر من حديث مالك بن أوس بن الحدثان النصببري فببي‬
‫صحيح البخاري ‪ .‬قال الحافظ ابن حجر في فتح الببباري ) ك ‪ 57‬ب ‪- 1‬‬
‫ج ‪ 6‬ص ‪ : (125‬زاد شعيب ويببونس ‪ " :‬فاسببتب علببي وعببباس " وفببي‬
‫رواية عقيل عببن ابببن شببهاب فببي الفببرائض ‪ " :‬اقببض بينببي وبيببن هببذا‬
‫الظالم ‪ .‬استبا " وفي رواية جويريببة " وبيببن هببذا الكبباذب الثببم الغببادر‬
‫الخائن " وقال الحافظ ‪ :‬ولم أر فبي شبيء مبن الطبرق أنبه صبدر مبن‬
‫علي فبي حبق العبباس شبيء ‪ ،‬بخلف مببا يفهببم مبن قببوله فبي روايبة‬
‫عقيل " استبا " ‪ .‬واستصوب المازري صنيع من حذف هذه اللفاظ مببن‬
‫هذا الحديث وقال ‪ :‬لعل الرواة وهم فيها وإن كببانت محفوظببة ‪ ،‬فببأجود‬
‫ما تحمل عليه أن العباس قالها دلل على علي ‪ ،‬لنه كبان عنببده بمنزلببة‬
‫الولد ‪ ،‬فأراد ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( البخاري فرض الخمس )‪ ، (2926‬مسببلم الجهبباد والسببير )‪، (1759‬‬
‫النسببائي قسببم الفيببء )‪ ، (4141‬أبببو داود الخببراج والمببارة والفيببء )‬
‫‪ ، (2968‬أحمد )‪ ، (1/60‬مالك الجامع )‪. (1870‬‬

‫‪187‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تعلمان أن رسول الله ‪ ‬قال ذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال عمر‪:‬‬


‫إن الله خص رسول اللببه ‪ ‬فببي هببذا الفيببء بشببيء لببم‬
‫دا غيره‪ ،‬فعمببل فيهببا رسببول اللببه ‪ ‬حيبباته‪ ،‬ثببم‬
‫يعطه أح ً‬
‫توفي‪ ،‬فقببال أبببو بكببر‪ :‬أنببا ولببي رسببول اللببه ‪ ‬فقبضببها‬
‫سنتين في إمارته فعمل فيها بما عمل رسول الله ‪. ‬‬
‫واللببه‬ ‫)‪(1‬‬
‫وأنتما تزعمان أن أبببا بكببر كبباذب غببادر خببائن‬
‫يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق‪ ...‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬أما قول العببباس لعلببي فقببول الب للبببن‪ ،‬وذلببك‬
‫على الرأي محمول‪ ،‬وفببي سبببيل المغفببرة مبببذول‪ ،‬وبيببن‬
‫الكبار والصغار ‪ -‬فكيف الببباء والبنبباء ‪ -‬مغفببور موصببول‪،‬‬
‫وأما قول عمر أنهما اعتقدا أن أبا بكر ظببالم خببائن غببادر‪،‬‬
‫فإنما ذلك خبر عن الختلف في نازلة وقعت من الحكام‪،‬‬
‫رأى فيها هذا رأيببا ورأى فيهببا أولئك رأيببا‪ ،‬فحكببم أبببو بكببر‬
‫وعمر بما رأيا‪ ،‬ولم ير العباس وعلي ذلك‪ .‬ولكن لما حكما‬
‫سلما لحكمهما كمببا يسببلم لحكببم القاضببي فببي المختلببف‬
‫فيه‪ .‬وأما المحكوم عليه فرأى أنه قد وهببم‪ ،‬ولكببن سببكت‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إنما يكون ذلبك فببي أول الحبال ‪ -‬والمببر لبم‬
‫يظهر ‪ -‬إذ كان الحكببم باجتهبباد‪ ،‬وأمببا ] بعببد أن [ أدى هببذا‬
‫الحكم إلى منع فاطمة والعباس الميراث بقببول النبببي ‪‬‬

‫‪1‬‬
‫)( قال الحافظ ابن حجر ) ‪ : (125 : 6‬وكببان الزهببري يحببدث بببه تببارة‬
‫فيصرح ‪ ،‬وتارة فيكني ‪ ،‬وكذلك مالك ‪ ،‬وقد حذف ذلك فببي روايببة بشببر‬
‫بن عمر عنه عند السبماعيلي وغيببره ‪ ،‬وهببو نظيبر مبا سببق مبن قبول‬
‫العباس لعلي ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫}ل نببورث مببا تركنبباه صببدقة{ )‪ (1‬وعلمببه أزواج النبببي ‪‬‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫وأصحابه العشرة وشهدوا به‪ ،‬فبطل ما قلتموه‬
‫قلنا‪ :‬يحتمل أن يكون ذلك في أول الحببال ‪ -‬والمببر لببم‬
‫يظهببر بعببد ‪ -‬فرأيببا أن خبببر الواحببد فببي معارضببة القببرآن‬
‫والصول والحكم المشهور فببي الزمببن ل يعمببل بببه حببتى‬
‫يتقرر المر‪ ،‬فلما تقرر سلما وانقادا‪ ،‬بدليل مببا قببدمنا مببن‬
‫ضببا ليببس‬
‫الحديث الصحيح إلى آخره‪ ،‬فلينظر فيه‪ .‬وهببذا أي ً‬
‫بنص في المسالة‪ ،‬لن قوله‪} :‬ل نورث‪ ،‬ما تركناه صدقة{‬
‫يحتمل أن يكون‪ :‬ل يصح ميراثنببا‪ ،‬ول أنببا أهببل لببه‪ ،‬لنببه‬ ‫)‪(3‬‬

‫ليس لي ملك‪ ،‬ول تلبست بشببيء مببن الببدنيا فينتقببل إلببى‬


‫غيري عني‪ .‬ويحتمل " ل نورث " حكم‪ ،‬وقوله " ما تركنبباه‬
‫صببدقة " حكببم آخببر معيببن أخبببر بببه أنببه قببد أنفببذ ذلببك‬
‫صا بما لم يوجف المسلمون عليه بخيببل ول ركبباب‪،‬‬ ‫مخصو ً‬
‫وكان له سهمه مع المسلمين فيما غنموا بما أخذوه عنوة‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون " صدقة " منصببوًبا علببى أن يكببون حبباًل‬
‫من المببتروك‪ .‬إلببى هببذا أشببار أصببحاب أبببي حنيفببة‪ ،‬وهببو‬
‫ضعيف‪ ،‬وقد بيناه في موضعه‪ .‬بيد أنببه يأتيببك فببي هببذا أن‬
‫المسألة مجرى الخلف‪ ،‬ومحل الجتهاد‪ ،‬أنها ليسببت بنببص‬

‫‪1‬‬
‫)( مسلم الجهاد والسير )‪ ، (1757‬الترمذي السببير )‪ ، (1610‬النسببائي‬
‫قسببم الفيببء )‪ ، (4148‬أبببو داود الخببراج والمببارة والفيببء )‪، (2963‬‬
‫أحمد )‪. (1/208‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر ص ‪. 51 - 48‬‬
‫‪3‬‬
‫)( مسلم الجهاد والسير )‪ ، (1757‬الترمذي السببير )‪ ، (1610‬النسببائي‬
‫قسببم الفيببء )‪ ، (4148‬أبببو داود الخببراج والمببارة والفيببء )‪، (2963‬‬
‫أحمد )‪. (1/208‬‬

‫‪189‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫من النبي ‪ ‬فتحتمل التصويب والتخطئة مببن المجتهببدين‬


‫والله أعلم‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قاصمة‬
‫بيعة الحسن وصلحه مع معاوية‬
‫ثببم قتببل علببي‪ .‬قببالت الرافضببة‪ :‬فعهببد إلببى الحسببن‪،‬‬
‫سبوّد ُ وجبوه‬
‫م َ‬
‫فسببلمها الحسببن إلبى معاويبة‪ ،‬فقيببل لبه " ُ‬
‫" وفسببقته جماعببة مببن الرافضببة‪ ،‬وكفرتببه‬ ‫)‪(1‬‬
‫المببؤمنين‬
‫طائفة لجل ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( من عناصر إيمان الرافضة ‪ -‬بل العنصر الول في إيمانهم ‪ -‬اعتقادهم‬
‫بعصمة الحسن وأبيبه وأخيبه ‪ ،‬وتسبعة مبن ذريبة أخيبه ‪ .‬ومبن مقتضبى‬
‫عصمتهم ‪ -‬وفي طليعتهم الحسن بعد أبيه ‪ -‬أنهببم ل يخطئون ‪ ،‬وأن كببل‬
‫ما صدر عنهم فهو حق ‪ ،‬والحق ل يتناقض ‪ .‬وأهم ما صدر عببن الحسببن‬
‫بن علي بيعته لمير المؤمنين معاوية ‪ ،‬وكان ينبغي لهببم أن يببدخلوا فببي‬
‫هذه البيعة ‪ ،‬وأن يؤمنوا بأنها الحق لنهببا مببن عمببل المعصببوم عنببدهم ‪.‬‬
‫لكن المشاهد من حالهم أنهببم كببافرون بهببا ‪ .‬ومخببالفون فيهببا لمببامهم‬
‫المعصوم ‪ .‬ول يخلو هذا من أحد وجهين ‪ :‬فإما أنهم كاذبون فببي دعببوى‬
‫العصمة لئمتهببم الثنببي عشببر فينهببار دينهببم مببن أساسببه ‪ ،‬لن عقيببدة‬
‫العصببمة لهببم هببي أساسببه ‪ ،‬ول أسبباس لببه غيرهببا ‪ .‬وإمببا أن يكونببوا‬
‫معتقدين عصمة الحسن ‪ ،‬وأن بيعته لمعاوية هي مبن عمبل المعصبوم ‪،‬‬
‫لكنهم خارجون على الدين ‪ ،‬ومخالفون للمعصوم فيمببا جنببح إليببه وأراد‬
‫أن يلقى الله به ‪ .‬ويتواصون بهذا الخببروج علببى الببدين جيل بعببد جيببل ‪،‬‬
‫وطبقة بعد طبقة ‪ ،‬ليكببون ثببباتهم علببى مخالفببة المببام المعصببوم عببن‬
‫إصرار وعنبباد ومكببابرة وكفببر ‪ .‬ول نببدري أي الببوجهين يطببوح بهببم فببي‬
‫مهاوي الهلكة أكثر مما يطوح بهم الوجه الخر ‪ ،‬ول ثالث لهما ‪ .‬فالببذين‬
‫قالوا منهم إن الحسن " مسبود وجبوه المبؤمنين " ل يحمبل كلمهبم إل‬
‫على أنه " مسود وجوه المؤمنين بالطاغوت " أما المؤمنببون بنبببوة جببد‬
‫الحسن فيببرون صببلحه مببع معاويببة وبيعتببه لبه مببن أعلم النبببوة ‪ ،‬لنهبا‬
‫حققت ما تنبأ به في سبطه سيد شباب أهل الجنة من أنه سيصلح اللببه‬
‫به بين فئتين عظيمتين من المسببلمين كمببا سببيأتي بيببانه ‪ .‬وكببل الببذين‬
‫استبشببروا بهببذه النبببوة وبهببذا الصببلح يعببدون الحسببن " مبببيض وجببوه‬
‫المؤمنين " ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمة‬
‫علي لم يعهد إلى الحسن لكن البيعة للحسن‬
‫منعقدة‬
‫قال القاضي أبو بكر ) ‪ :( ‬أما قول الرافضة أنه عهببد‬
‫‪ .‬ولكببن البيعببة‬ ‫)‪(1‬‬
‫إلى الحسن فباطل‪ .‬مببا عهببد إلببى أحببد‬
‫للحسن منعقببدة‪ ،‬وهببو أحببق مببن معاويببة ومببن كببثير مببن‬
‫غيره‪ ،‬وكان خروجه لمثل ما خرج إليه أبوه من دعاء الفئة‬
‫الباغية إلببى النقيبباد للحببق والببدخول فببي الطاعببة‪ ،‬فببآلت‬
‫الوساطة إلى أن تخلى عن المر صيانة لحقن دمبباء المببة‬
‫وتصديًقا لقول نبببي الملحمببة حيببث قببال علببى المنبببر‪:‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( روى المام أحمد في مسنده ) ‪ (1078 : 1‬عن وكيببع عببن العمببش‬
‫عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سبع قال ‪ :‬سمعت عليببا يقببول‬
‫) وذكر أنه سيقتل( قالوا ‪ :‬فاستخلف علينا ‪ .‬قال ‪ " :‬ل ‪ ،‬ولكببن أترككببم‬
‫إلى ما ترككم إليه رسول الله " ‪ .‬قالوا ‪ :‬فما تقببول لربببك إذا أتيتببه ؟ "‬
‫قال ‪ " :‬أقول ‪ :‬اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ‪ ،‬ثببم قبضببتني إليببك وأنببت‬
‫فيهم ‪ ،‬فإن شئت أصلحتهم ‪ ،‬وإن شبئت أفسبدتهم " ‪ .‬روى أحمببد مثلبه‬
‫) ‪ 156 : 1‬برقم ‪ (1339‬عن أسود بن عامر عن العمش عن سلمة بن‬
‫كهيل عن عبد الله بن سبع ‪ .‬والخبران إسناد كل منهمببا صببحيح ‪ .‬ونقببل‬
‫الحافظ ابن كثير في البدايبة والنهايبة ) ‪ (251 - 250 : 5‬عبن المبام‬
‫البيهقي من حديث حصين بن عبد الرحمن عن المام الشعبي عببن أبببي‬
‫وائل شقيق بن سلمة السدي أحد سببادة التببابعين أنببه قيببل لعلببي ‪ :‬أل‬
‫تستخلف علينا ؟ قال ‪ " :‬ما استخلف رسول الله فأستخلف ‪ ،‬ولكببن إن‬
‫يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم ‪ ،‬كمببا جمعهببم بعببد‬
‫نبيهم على خيرهم " وهذا الحديث جيد السببناد ‪ .‬ونقببل ابببن كببثير أيضببا‬
‫) ‪ (323 : 7‬عن المام البيهقي حديث حبيب بن أبببي الكبباهلي الكببوفي‬
‫عن ثعلبة بن يزيد الحماني ) وهو من شيعة الكوفة وثقببه النسببائي( أنببه‬
‫قيل لعلي ‪ :‬أل تستخلف ؟ فقال " ل ‪ ،‬ولكن أترككم كما ترككببم رسببول‬
‫الله " ‪ .‬وانظر السنن الكبرى للبيهقي ‪. 149 : 8‬‬
‫‪2‬‬
‫)( حكاية الوساطة بين الحسن ومعاوية وصلحهما رواها المام البخبباري‬
‫في كتاب الصلح من صببحيحه ) ك ‪ 53‬ب ‪ 9‬ج ‪ 3‬ص ‪ (169‬عببن المببام‬
‫الحسن البصري قال ‪ :‬استقبل ‪ -‬والله ‪ -‬الحسن بن علي معاوية بكتائب‬
‫أمثال الجبال ‪ .‬فقال عمرو بن العاص ‪ :‬إنببي لرى كتببائب ل تببولي حببتى‬
‫تقتل أقرانها ‪ .‬فقال له معاوية ‪ -‬وكان والله خير الرجلين ‪ : -‬أي عمرو ‪،‬‬
‫إن قتببل هببؤلء هببؤلء وهببؤلء هببؤلء مببن لببي بببأمور النبباس ‪ ،‬مببن لببي‬
‫بنسائهم ‪ ،‬من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبببد‬

‫‪192‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫}ابنببي هببذا سببيد‪ ،‬ولعببل اللببه أن يصببلح بببه بيببن فئتيببن‬


‫فنفذ الميعاد‪ ،‬وصحت البيعببة‬ ‫)‪(1‬‬
‫عظيمتين من المسلمين{‬
‫لمعاوية‪ ،‬وذلببك لتحقيببق رجبباء النبببي ‪ ‬فمعاويببة خليفببة‪،‬‬
‫وليس بملك )‪. (2‬‬
‫حديث الخلفة ثلثون سنة ينقضه حديث اثنا‬
‫عشر خليفة‬
‫فببإن قيببل‪ :‬فقببد روي عببن سببفينة أن النبببي ‪ ‬قببال‪:‬‬
‫فببإذا عببددنا مببن‬ ‫)‪(3‬‬
‫}الخلفة ثلثون سنة‪ ،‬ثم تعببود ملك ًببا{‬
‫ولية أبي بكر إلى تسليم الحسن كانت ثلثين سنة ل تزيببد‬
‫ما‪ ،‬قلنا‪:‬‬‫ول تنقص يو ً‬
‫ما‬ ‫ة ال ْب َدْ ِ‬
‫ر َ‬ ‫ع ِ‬‫في طَل ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫شي ًْئا‬
‫ع َ‬ ‫ودَ ْ‬ ‫خذ ْ َ‬
‫ما ت ََراهُ َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ح ِ‬‫ن ُز َ‬ ‫ع ْ‬‫ك َ‬ ‫غِني َ‬
‫يُ ْ‬ ‫ه‬
‫ت بِ ِ‬
‫ع َ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬
‫َ‬

‫شمس ‪ -‬عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بببن كريببز ‪ -‬فقببال ‪:‬‬
‫اذهبا إلى هببذا الرجببل ) أي الحسببن بببن علببي( فاعرضببا عليببه ) أي مببا‬
‫يشباء( ‪ ،‬وقبول لبه ) أي مبا يرضببيه( ‪ ،‬واطلببا إليببه ) أي مبا تريببان فيببه‬
‫المصلحة ‪ ،‬فأنتما مفوضان( ‪ .‬فأتياه ‪ ،‬فدخل عليه ‪ ،‬فتكلمببا ‪ ،‬وقببال لببه ‪،‬‬
‫وطلبا إليه ‪ .‬فقال لهما الحسن بن علي ‪ :‬إنا بنو عبد المطلب قببد أصبببنا‬
‫مببن هببذا المببال ‪ ،‬وإن هببذه المببة قببد عبباثت فببي دمائهببا ) أي فيحتبباج‬
‫إرضاؤها في دمائها إلى مال كثير( قال ‪ :‬فإنه يعرض عليببك كببذا وكببذا ‪،‬‬
‫ويطلب إليك ‪ ،‬ويسألك ‪ .‬قال ‪ :‬فمن لي بهذا ؟ قال ‪ :‬نحن لك بببه ‪ .‬فمببا‬
‫سألهما شيئا إل قال ‪ :‬نحن لك به ‪ .‬فصالحه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري مع الحديث السابق عن الحسن البصري أنه سمعه من‬
‫أبي بكرة وأن أبا بكرة رأى النبي وهو على المنبر والحسن بن علي إلى‬
‫جنبه فقال ذلك ‪ ،‬ورواه البخاري أيضا في مناقب الحسن والحسين مببن‬
‫كتاب فضببائل الصببحابة مببن صببحيحه ) ك ‪ 62‬ب ‪ - 22‬ج ‪ 4‬ص ‪، (216‬‬
‫وانظبر البدايبة والنهايبة ) ‪ (19 - 17 : 8‬واببن عسباكر ) ‪/ 211 : 4‬‬
‫‪. (212‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سيأتي الكلم على هذا الموضوع في ص ‪. 210 - 207‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الترمذي الفتن )‪ ، (2226‬أحمد )‪. (5/220‬‬

‫‪193‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فببي ذكببر الحسببن بالبشببارة لببه والثنبباء‬ ‫)‪(1‬‬


‫هذا الحديث‬
‫عليه‪ ،‬لجريان الصلح بين يديه‪ ،‬وتسليم المر لمعاوية‪ ،‬عقد‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫منه له‬

‫‪1‬‬
‫)( أي حببديث " إن ابنببي هببذا سببيد " الببذي رواه البخبباري عببن الحسببن‬
‫البصري عن أبي بكرة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي عقد بيعة من الحسن لمعاوية ‪ .‬وكان ذلك في موضببع يقببال لببه "‬
‫مسكن " على نهر دجيل في ربيع الول سببنة إحببدى وأربعيببن ‪ ،‬فسببمي‬
‫ذلك العام " عام الجماعة " لجتماع المسلمين بعببد الفرقببة ‪ ،‬وتفرغهببم‬
‫للحروب الخارجيببة والفتببوح ونشببر دعببوة السببلم بعببد أن عطببل قتلببة‬
‫عثمان سيوف المسببلمين عببن هببذه المهمببة نحببو خمببس سببنوات كببان‬
‫يستطيع المسلمون أن يسجلوا فيها أمجادا ل يستطيع غيرهم مثلها فببي‬
‫خمسة قرون ‪ .‬ولله في كل شيء حكمة ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ .‬ولو صح فهببو معببارض لهببذا‬ ‫)‪(2‬‬


‫حديث ل يصح‬ ‫)‪(1‬‬
‫وهذا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫الصلح المتفق عليه‪ ،‬فوجب الرجوع إليه‬
‫فببإن قيببل‪ :‬ألببم يكببن فببي الصببحابة أقعببد بببالمر مببن‬
‫معاوية ؟‬

‫‪1‬‬
‫)( أي حديث سفينة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لن راويه عبن سببفينة سبعيد ببن جهمبان ‪ ،‬وقبد اختلفبوا فيبه ‪ :‬قببال‬
‫بعضهم ‪ :‬ل بأس به ‪ ،‬ووثقه بعضهم ‪ ،‬وقال فيه المام أبو حاتم " شيخ ل‬
‫يحتج به " ‪ .‬وفي مسنده حشرج بن نباتة الواسطي وثقه بعضهم ‪ ،‬وقال‬
‫فيه النسائي ‪ " :‬ليس بالقوي " ‪ .‬وعبد الله بن أحمد بن حنبل يروي هذا‬
‫الخبببر عببن سببويد الطحببان قببال فيببه الحببافظ ابببن حجببر فببي تقريببب‬
‫التهذيب ‪ " :‬لين الحديث " ‪ .‬وهذا الحديث المهلهل يعارضه ذلك الحديث‬
‫الصحيح الصريح الفصيح في كتاب المارة من صحيح مسببلم ) ك ‪ 33‬ح‬
‫‪، 5‬ب ‪، 6‬ب ‪، 7‬ب ‪، 8‬ب ‪، 9‬ب ‪ - 10‬ج ‪ 6‬ص ‪ (4 - 3‬عن جابر بن سمرة قال ‪:‬‬
‫دخلت مع أبي على النبببي فسببمعته يقببول ‪ " :‬إن هببذا المببر ل ينقضببي‬
‫حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " قال ‪ :‬ثم تكلببم بكلم خفببي علببي ‪،‬‬
‫فقلت لبي ‪ :‬ما قال ؟ قال ‪ " :‬كلهم من قريش " ‪ .‬وانظببره فببي كتبباب‬
‫الحكببام مبن صببحيح البخباري ) ك ‪ 93‬ب ‪ - 51‬ج ‪ 8‬ص ‪(127 - 125‬‬
‫وفي فتح الباري ) ‪ 162 : 13‬وما بعدها( وفي سنن أبي داود ) ك ‪ 35‬ح‬
‫‪ (1‬وفي جامع الترمذي ) ك ‪ 31‬ب ‪ (46‬وفي مسند المببام أحمببد ) ‪: 1‬‬
‫‪ 398‬و ‪ 406‬برقم ‪ 3781‬و ‪ (3859‬من حديث الشعبي عن مسروق بن‬
‫الجدع الهمببداني المببام القببدوة قببال ‪ :‬كنببا جلوسببا عنببد عبببد اللببه بببن‬
‫مسعود وهو يقرئنا القببرآن فقببل لببه رجببل ‪ :‬يببا أبببا عبببد الرحمببن ‪ ،‬هببل‬
‫سألتم رسول الله كم يملك هذه المة من خليفة ؟ فقببال عببد اللبه ببن‬
‫مسعود ‪ :‬ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ‪ .‬ثم قببال ‪ :‬نعببم ‪،‬‬
‫ولقد سألنا رسول الله فقال ‪ " :‬اثنا عشر كعدة نقباء بنببي إسببرائيل " ‪.‬‬
‫والحديث في مجمع الزوائد ) ‪ . (90 : 5‬وفي مسببند أحمببد ) ‪، 86 : 5‬‬
‫‪ 87‬بثلث روايات و ‪ 90 ، 89 ، 88‬بثلث روايات و ‪ 92‬بثلث روايات و‬
‫‪ 93‬بروايببببتين و ‪ 94‬و ‪ 95‬و ‪ 96‬بروايببببتين و ‪ 97‬بروايببببتين و ‪ 98‬بثلث‬
‫روايات و ‪ 99‬بثلث روايببات و ‪ ، 100‬ب ‪ 101‬بروايببتين و ‪ 106‬بروايببتين و‬
‫‪ 107‬بروايببتين و ‪ (108‬وفببي مسببند أبببي داود الطيالسببي ) ح ‪ 967‬و‬
‫‪. (1278‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أي إلببى العقببد مببن الحسببن لمعاويببة ‪ ،‬فهببو متفببق عليببه ‪ ،‬وتنبباولته‬
‫البشرى النبوية بالثناء والرضا ‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيميببة فببي منهبباج‬
‫السنة ) ‪ : (242 : 2‬وهذا الحديث يبين أن الصلح بين الطبائفتين كبان‬
‫ممدوحا يحبه الله ورسوله ‪ ،‬وأن مببا فعلببه الحسببن مببن ذلببك كببان مببن‬
‫أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي ‪ .‬ولو كان القتببال واجبببا‬

‫‪195‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قلنا‪ :‬كثير )‪. (1‬‬


‫مزايا معاوية وسيرته الممتازة التي أهلته لحمل‬
‫أعباء السلم‬
‫ولكن معاوية اجتمعت فيه خصال‪ :‬وهي أن عمر جمع‬
‫لما رأى من حسن سيرته‬ ‫) ‪(2‬‬
‫له الشامات كلها وأفرده بها‬

‫أو مستحبا لم يثن النبي بترك واجب أو مستحب ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫)( كسعد بن أبي وقاص المجاهد الفاتح أحد العشرة المبشرين بالجنببة ‪،‬‬
‫وعبببد اللببه بببن عمببر بببن الخطبباب عببالم الصببحابة الثببابت علببى قببدم‬
‫المصطفى في جليل المور ودقيقها ‪ ،‬وغيرهما من هذه الطبقة وقريببب‬
‫منها ‪ ،‬وهؤلء هم الذين ترك لهم الحكمان ‪ -‬أبببو موسببى وعمببرو ‪ -‬أمببر‬
‫المامة بعد حرب صفين ليروا فيها رأيهم ‪ ،‬فلما رأوا اجتماع المببة كلهببا‬
‫على معاوية دخلوا كلهبم فبي إمبامته وببايعوه ‪ .‬بعببد أن كبانوا معببتزلين‬
‫الفتنة من بعد عثمان ) انظببر فتببح الببباري ‪ . (50 : 13‬ومعاويببة نفسببه‬
‫يعرف للناس أقدارهم ‪ .‬فقد جاء في البدايببة والنهايببة ) ‪ (134 : 8‬عببن‬
‫ابن دريد عن أبي حاتم عن العتبي أن معاويببة خطببب فقببال ‪ " :‬يببا أيهببا‬
‫الناس ‪ ،‬ما أنا بخيركم ‪ ،‬وإن منكببم لمبن هببو خيببر منببي ‪ :‬عببد اللبه ببن‬
‫عمر ‪ ،‬وعبد الله بن عمرو وغيرهما من الفاضل ‪ .‬ولكن عسى أن أكون‬
‫أنفعكم ولية ‪ ،‬وأنكاكم في عدوكم ‪ ،‬وأدّركببم حلبببا " ‪ .‬ورواه ابببن سببعد‬
‫عن محمد بن مصعب عن أبي بكر بن أبي مريم عن ثابت مولى معاوية‬
‫أنه سمع معاوية يقول ذلك ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( فأصبحت تحت قيادته وبحسن سياسته أقوى قوة في السلم ‪ ،‬وهي‬
‫في طليعة جيوش الجهاد والفتوح الظببافرة الداعيببة إلببى اللببه بأخلقهببا‬
‫وسيرتها وحكمة قادتها وصدق إسلمهم ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وإصببلح الجنببد‬ ‫)‪(2‬‬


‫وقيامه بحمايببة البيضببة وسببد الثغببور‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫وسياسة الخلق‬ ‫)‪(3‬‬
‫والظهور على العدو‬
‫وشببهد‬ ‫)‪(5‬‬
‫وقببد شببهد لببه فببي صببحيح الحببديث بببالفقه‬
‫سا من أمته يركبببون ثبببج‬
‫بخلفته في حديث أم حرام أن نا ً‬

‫‪1‬‬
‫)( تقدم في ص ‪ 82‬حديث الليث بن سعد إمام أهل مصر بسنده الوثيق‬
‫إلى سعد بن أبي وقاص فاتح العراق وإيران ومبيد دولة كسببرى أنببه مببا‬
‫رأى بعببد عثمببان أقضببى بببالحق مببن معاويببة ‪ .‬وحببديث عبببد الببرزاق‬
‫الصنعاني بسنده إلى حبر المة ابن عباس أنه ما رأى رجل أخلق بالملك‬
‫من معاوية ‪ .‬وفي ص ‪ 83‬قول شيخ السببلم ابببن تيميببة ‪ ،‬كببانت سببيرة‬
‫معاوية مع رعيته من خيار سير الولة ‪ ،‬وكان رعيته يحبببونه ‪ ،‬وقببد ثبببت‬
‫في صحيح مسلم ) ك ‪ 33‬ح ‪ 65‬و ‪ (66‬قول النبي " خيار أئمتكم الببذين‬
‫تحبونهم ويحبونكم ‪ ،‬ويصلون عليكم وتصببلون عليهببم " ‪ .‬وفببي الطبببري‬
‫) ‪ (188 : 6‬رواية مجالد عن الشعبي أن قبيصة بن جابر السدي قال ‪:‬‬
‫أل أخبركم من صحبت ؟ صحبت عمر بن الخطاب فما رأيبت رجل أفقبه‬
‫فقها ول أحسن مدارسة منه ‪ ،‬ثم صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيببت‬
‫رجل أعطى للجزيل من غير مسألة منه ‪ ،‬ثم صحبت معاويبة فمبا رأيبت‬
‫رجل أحب رفيقا ول أشبه سريرة بعلنية منه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وقد بلغ من همته وعظيم عنايته بذلك أن أرسبل يهبدد ملبك البروم ‪-‬‬
‫وهو في معمعة القتال مع علي في صبفين ‪ -‬وقبد بلغبه أن ملبك البروم‬
‫اقترب من الحدود في جنود عظيمة فكتببب إليببه يقببول " واللببه لئن لببم‬
‫تنته وترجع إلى بلدك ‪ ،‬لصطلحن أنا وابن عمي عليك ‪ ،‬ولخرجنك مببن‬
‫جميع بلدك ‪ ،‬ولضيقن عليببك الرض بمببا رحبببت " فخبباف ملببك الببروم‬
‫وانكف ) البداية والنهاية ‪. (119 : 8‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في البر والبحر ‪ ،‬فكانت رايات السببلم تخببترق الفبباق بأيببدي جنببده‬
‫ممثلة العزة التي أرادها الله لدينه ورسالة رسوله وللمؤمنين بها ‪ .‬وكما‬
‫أن فتح مصر ودخولها في السلم والعروبة من عمل عمرو بببن العبباص‬
‫وحده ‪ .‬فإن تأسيس السطول السببلمي والفتببوح البحريببة الولببى مببن‬
‫عمل معاوية وحده ‪ .‬مما ينبغي للمشببتغل بتاريببخ العروبببة والسببلم أن‬
‫يعلمه أن معاوية مفطور على سجية السيادة والقيادة وصناعة الحكببم ‪،‬‬
‫أخرج ابببن كببثير فببي التاريببخ ) ‪ (135 : 8‬عببن هشببيم عببن العببوام بببن‬
‫حوشب عن جبلة بن سحيم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ‪ " :‬ما‬
‫رأيت أحدا أسود من معاوية " ‪ .‬قال جبلة بن سببحيم ‪ .‬قلببت ول عمببر ؟‬
‫قال " كان عمر خيرا منه ‪ ،‬وكان معاوية أسببود منببه " ورووا مثببل هببذه‬
‫الكلمة في معاوية عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ‪ .‬وتقدم قببول عبببد‬
‫الله بن العباس " ما رأيت رجل كان أخلق بالملك من معاوية " ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫البحر الخضر ملو ً‬


‫كا علببى السببرة‪ ،‬أو مثببل الملببوك علببى‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫السرة‪ ،‬وكان ذلك في وليته‬
‫ويحتمل أن تكون مراتب في الولية‪ :‬خلفببة‪ ،‬ثببم ملببك‪.‬‬
‫فتكون ولية الخلفة للربعة‪ ،‬وتكببون وليببة الملببك لبتببداء‬

‫‪4‬‬
‫)( قال شيخ السلم ابن تيمية في ) منهاج السنة ‪ : (185 : 3‬لببم يكببن‬
‫من ملوك السلم ملك خيرا من معاوية ‪ ،‬ول كان الناس في زمان ملك‬
‫من الملوك خيبرا منهبم فبي زمبن معاويببة ‪ ،‬إذا نسبببت أيبامه إلبى مبن‬
‫بعده ‪ .‬وإذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل ‪ .‬وقد روى أبببو‬
‫بكر الثرم ‪-‬ورواه ابن بطة من طريقه‪ -‬حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة ‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن مروان ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن قتادة قببال ‪ :‬لببو أصبببحتم فببي‬
‫مثل عمل معاوية لقال أكثركم ‪ :‬هذا المهدي ‪ .‬وروى ابن بطببة بإسببناده‬
‫الثابت من وجهين عن العمببش عببن مجاهببد قبال ‪ :‬لببو أدركتببم معاويببة‬
‫واس ‪ ،‬حببدثنا أبببو‬‫لقلتم هذا المهدي ‪ .‬وروى الثرم ‪ :‬حدثنا أحمببد بببن ج ب ّ‬
‫هريرة المكتب قال ‪ :‬كنببا عنببد العمببش فببذكروا عمببر بببن عبببد العزيببز‬
‫وعدله ‪ ،‬فقال العمش ‪ :‬فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا ‪ :‬في حلمببه ؟‬
‫قال ‪ :‬ل والله ‪ ،‬بل في عدله ‪ .‬وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل ‪ :‬أخبرنا‬
‫أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة الثقفي ‪ ،‬عن أبببي إسببحاق السبببيعي‬
‫أنببه ذكببر معاويببة فقببال ‪ :‬لببو أدركتمببوه أو أدركتببم أيببامه لقلتببم ‪ :‬كببان‬
‫المهدي ‪ .‬وهذه الشهادة من هؤلء الئمة العلم لمير المؤمنين معاويببة‬
‫صدى استجابة اللهدعاء نبيه لهذا الخليفة الصالح يوم قال " اللهم اجعله‬
‫هاديا ‪ ،‬مهديا واهد به " وهو من أعلم النبوة ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( في كتاب مناقب الصببحابة مببن صببحيح البخبباري ) ك ‪ 62‬ب ‪ 28‬ج ‪4‬‬
‫ص ‪ (219‬حديث أبي مليكة أن ابن عباس قيل له ‪ " :‬هل لك فببي أميببر‬
‫المؤمنين معاوية ‪ ،‬فإنه ما أوتر إل بواحدة ‪ .‬فقببال ‪ :‬إنببه فقيببه " ‪ .‬وفببي‬
‫كتاب المناقب من جامع الترمذي ) ك ‪ 46‬ب ‪ (47‬حديث عبببد الرحمببن‬
‫بن أبي عميرة المزني عن النبي أنه قال لمعاوية ‪ " :‬اللهم اجعلببه هاديببا‬
‫مهببديا واهببد بببه " ورواه الطبببراني مببن طريببق سببعيد بببن عبببد العزيببز‬
‫التنوخي ‪ -‬وكان لهل الشام كالمام مالك لهل المدينة ‪ -‬عن ربيعببة ببن‬
‫يزيد اليادي أحد الئمة العلم عن عبد الرحمن بن أبي عميرة أن النبي‬
‫قال لمعاوية ‪ " :‬اللهم علمه الكتاب والحساب وَقِهِ العببذاب " ‪ .‬وأخرجبه‬
‫المام البخاري في التاريخ قال ‪ :‬قال لي أبو مسهر ) وذكره بالعنعنببة( ‪.‬‬
‫وتقدم في ص ‪ 83‬حديث عزل عمير بن سعد النصاري عن ولية حمص‬
‫في خلفة عمر وتوليته معاوية والشهادة له بأن النبي دعا له بببأن يهببدي‬
‫الله به ‪ .‬ورواه المام أحمد من حديث العرببباض بببن سببارية السببلمي ‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير من حديث ابن مهدي ‪ ،‬ورواه أسد بن موسى وبشر بن‬
‫السري وعبد الله بن صالح عببن معاويببة بببن صببالح بإسببناده ‪ .‬وزاد فببي‬

‫‪198‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ .‬وقد قببال اللببه فببي داود ‪ -‬وهببو خيببر مببن كببل‬ ‫)‪(1‬‬
‫معاوية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪} :-‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫معاويببة‬
‫‪ ) .‬البقببرة‪ :‬مببن اليببة ‪( 251‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪{‬‬

‫رواية بشر بن السري " وأدخله الجنببة " ‪ .‬ورواه اببن عبدي وغيببره عبن‬
‫ابن عباس ‪ .‬ورواه محمد بن سعد بسببنده إلببى مسببلمة بببن مخلببد أحببد‬
‫فاتحي مصر وولتها ‪ .‬ورواة هببذا الببدعاء النبببوي لمعاويببة مببن الصببحابة‬
‫أكثر من أن يحصوا ‪ ) .‬وانظر البداية والنهاية ‪ . 121 - 120 : 8‬وانظر‬
‫ترجمة معاوية في حرف الميم من تاريخ دمشببق لبببن عسبباكر( ‪ .‬ومببن‬
‫لم يصدق هذا الحديث فهو منكر لكل مببا ثبببت فببي السببنة مببن شببريعة‬
‫السلم ‪ .‬وفي الشيعة المبغضين لمعاوية اللعنين له من يزعمون أنهببم‬
‫منتسبون إلى النبي فهل تراهم يحقدون على جدهم لرضاه على معاوية‬
‫واستعانته ببه ودعببائه لبه ؟ " إذا لببم تسببتح فاصببنع مبا شبئت " ‪ .‬وروى‬
‫الحافظ ابن عساكر عن المام أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل ‪ :‬إنببي‬
‫أبغض معاوية ‪ .‬فقال له ‪ :‬ولبم ‪ :‬قبال ‪ :‬لنبه قاتبل عليبا ‪ .‬فقبال لبه أببو‬
‫زرعة ‪ " :‬ويحك ‪ ،‬إن رب معاوية رحيم ‪ ،‬وخصببم معاويببة خصببم كريببم ‪،‬‬
‫فأيش دخولك أنت بينهما ‪ ،‬رضي الله عنهما ؟ " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أم حرام بنت ملحان صحابية من النصار من أهببل قببباء ‪ ،‬كببان النبببي‬
‫إذا ذهب إلى قباء استراح عندها ‪ ،‬وهي خالببة خببادمه أنببس بببن مالببك ‪.‬‬
‫روى البخبباري فببي كتبباب الجهبباد مببن صببحيحه ) ك ‪ 56‬ب ‪ - 3‬ج ‪ 3‬ص‬
‫‪ (201‬ومسلم في كتاب المببارة ) ك ‪ 33‬ح ‪ (160‬عببن أنببس أن النبببي‬
‫نام عندها القيلولة ثم استيقظ وهو يضحك لنه رأى ناسا من أمته غببزاة‬
‫في سبيل الله يركبون ثبج البحببر ‪ -‬أي وسببطه ومعظمببه ‪ -‬ملوكببا علببى‬
‫السرة ‪ .‬ثم وضع رأسه فنام واسببتيقظ وقببد رأى مثببل الرؤيببا الولببى ‪.‬‬
‫فقالت له أم حرام ‪ :‬ادع الله أن يجعلني منهببم ‪ ،‬فقببال لهببا " أنببت مببن‬
‫الولين " ‪ .‬قال الحافظ ابن كثير ) ‪ : (229 : 8‬يعني جيش معاوية حين‬
‫غزا قبرس ففتحها سنة ‪ 27‬أيام عثمان بن عفان ) بقيادة معاوية عقببب‬
‫إنشائه السطول السلمي الول في التاريخ( ‪ .‬وكببانت معهببم أم حببرام‬
‫في صحبة زوجها عبادة بن الصامت ‪ .‬ومعهم مبن الصبحابة أببو البدرداء‬
‫وأبو ذر وغيرهما ‪ .‬وماتت أم حرام في سبيل الله وقبرهببا بقبببرس إلببى‬
‫اليوم ‪ .‬قال ابن كثير ‪ :‬ثم كان أمير الجيش الثاني يزيد بببن معاويببة فببي‬
‫غزوة القسطنطينية ‪ .‬قال ‪ :‬وهذا من أعظم دلئل النبوة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الخلفة والملك والمارة عناوين اصطلحية تتكيف في التاريخ باعتبببار‬
‫مدلولها العملي ‪ ،‬والعبرة دائما بسيرة المرء وعمله ‪ .‬ومعاوية قببد ولببي‬
‫الشام للخلفة الراشدة مدة عشرين سنة ‪ ،‬ثم اضببطلع بمهمببة السببلم‬
‫كلها عشرين سنة أخرى في الوطن السلمي الكبر بعببد بيعببة الحسببن‬

‫‪199‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فجعل النبوة مل ً‬
‫كا‪ .‬فل تلتفتوا إلى أحبباديث ضببعف سببندها‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫ومتنها‬
‫ولو اقتضت الحال النظر في المور لكان ‪ -‬واللببه أعلببم‬
‫‪ -‬رأي آخر للجمهور‪ ،‬ولكن انعقدت البيعة لمعاوية بالصببفة‬
‫التي شاءها الله‪ ،‬على الوجه الذي وعد به رسول اللببه ‪‬‬

‫واما بالعدل ‪ ،‬محسنا إلببى النبباس مببن‬ ‫بن علي له ‪ ،‬فكان في الحالتين قَ ّ‬
‫كل الطبقات ‪ ،‬يكرم أهل المببواهب ويسبباعدهم علببى تنميببة مببواهبهم ‪،‬‬
‫ويسع بحلمه جهل الجاهلين فيعالج بذلك نقائصهم ‪ ،‬ويلتزم فببي الجميببع‬
‫أحكام الشريعة المحمديبة بحبزم ورفبق ومثببابرة وإيمبان ‪ .‬يبؤمهم فبي‬
‫صلواتهم ويوجههم فببي مجتمعهببم ومرافقهببم ويقببودهم فببي حروبهببم ‪.‬‬
‫وفببي منهبباج السببنة ‪ 185 : 3‬والمنتقببى منببه ص ‪ 389‬قببول الصببحابي‬
‫الجليل أبي الببدرداء لهببل الشبام " مببا رأيببت أحببدا أشبببه صببلة بصببلة‬
‫رسول الله من إمامكم هذا " يعنببي معاويببة ‪ .‬وقببد رأيببت فببي ص ‪205‬‬
‫قول العمش للذين ذكروا عنده عمر بن عبد العزيز وعدله ‪ " .‬كيف لببو‬
‫أدركتم معاوية ؟ " قالوا في حلمه ؟ قال ‪ " :‬ل والله ‪ ،‬بل في عببدله " ‪.‬‬
‫وقد بلغ مببن اسببتقامته علببى جببادة السببلم أن قببال فيببه أمثببال قتببادة‬
‫ومجاهببد وأبببي إسببحاق السبببيعي ‪ -‬وكلهببم مببن الئمببة العلم ‪ : -‬كببان‬
‫معاوية هو المهدي ) انظر ص ‪ . (205‬والببذي يتتبببع سببيرة معاويببة فببي‬
‫حكمه يببرى أن حكببومته فببي الشببام كببانت حكومببة مثاليببة فببي العببدل‬
‫والتراحم والتآسي ‪ ،‬لم يخير بين الطيب والطيب إل اختار الطيب على‬
‫الطيب ‪ .‬فإذا كان هذا المسلك في أربعين سببنة يؤهببل الميببر المسببلم‬
‫للخلفة على المسلمين وقد ارتضببوه لببذلك واغتبطببوا بببه فهببو خليفببة ‪،‬‬
‫ومن سماه ملكا ل يستطيع أن يكابر في أنه مببن أرحببم ملببوك السببلم‬
‫وأصلحهم ‪ ،‬كنا أيام طلب العلم في القسطنطينية فببي مجلببس للطلبببة‬
‫يتناقشون فيه موضببوع سببيرة معاويببة وخلفتببه ‪ .‬وكببان ذلببك فببي أيببام‬
‫السلطان عبببد الحميببد ‪ .‬فوقببف صببديقي الشببهيد السببعيد عبببد الكريببم‬
‫قاسم الخليل ‪ -‬وكان شيعيا ‪ -‬فقال ‪ " :‬أنتببم تسببمون سببلطاننا خليفببة ‪،‬‬
‫وأنا أخوكم الشيعي أعلن أن يزيد بن معاوية كان بسببيرته الطيبببة أحببق‬
‫بالخلفببة وأصببدق عمل بالشببرع المحمببدي مببن خليفتنببا ‪ ،‬فكيببف بببأبيه‬
‫معاوية " ‪ .‬على أن معاوية كان يقول عن نفسه ‪ -‬فيما رواه خيثمببة عببن‬
‫هارون بن معروف عبن ضبمرة عبن اببن شبوذب ‪ " : -‬أنبا أول الملبوك‬
‫وآخببر خليفببة " ‪ .‬وتقببدم فببي ص ‪ 77‬حببديث معمببر عببن الزهببري " أن‬
‫معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيببه " ‪ .‬وقبد أشببرنا هنبباك إلبى‬
‫اختلف البيئة وتأثيره في أنظمة الحكم ‪ ،‬بل إن معاوية نفسه ذكر ذلببك‬
‫لعمر لما قدم عمر الشام وتلقاه معاوية فببي مببوكب عظيببم ‪ ،‬فاسببتنكر‬
‫عمر ذلك ‪ ،‬واعتذر له معاوية بقببوله ‪ :‬إنببا بببأرض جواسببيس العببدو فيهببا‬
‫كثيرة ‪ ،‬فيجب أن نظهر من عببز السببلطان مببا يكببون فيببه عببز للسببلم‬

‫‪200‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫حا له‪ ،‬راضًيا عنه راجًيا هدنة الحببال فيببه‪ ،‬لقببول النبببي‬
‫ماد ً‬
‫‪} ‬ابني هذا سببيد‪ ،‬ولعببل اللببه أن يصببلح بببه بيببن فئتيببن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫عظيمتين من المسلمين{‬

‫وأهله ونرهبهم به " ‪ .‬فقال عبد الرحمن بن عوف لعمر ‪ " :‬ما أحسن ما‬
‫صدر عما أوردته فيه يا أمير المؤمنين " ‪ ،‬فقببال عمببر ‪ :‬مببن أجببل ذلببك‬
‫جشمناه ما جشمناه " ) البداية والنهاية ‪ ، (125 - 124 : 8‬وسيرة عمر‬
‫التي حاول معاوية أن يسير عليها سنتين كانت المثل العلى فببي بيتببه ‪،‬‬
‫وكان يزيد يحدث نفسه بالتزامها ‪ .‬روى ابن أبي الببدنيا عببن أبببي كريببب‬
‫محمد بن العلء الهمداني الحافظ عن رشدين المصري عببن عمببرو بببن‬
‫الحارث النصاري المصري عن بكير بن الشببج المخزومببي المببدني ثببم‬
‫المصري أن معاوية قال ليزيد ‪ :‬كيف تراك فاعل إن وليت ؟ قال ‪ :‬كنت‬
‫والله يا أبة عامل فيهم عمل عمر بن الخطاب ‪ .‬فقال معاويببة ‪ :‬سبببحان‬
‫الله يا بني ‪ ،‬والله لقد جهدت على سيرة عثمان فما أطقتها ‪ ،‬فكيف بك‬
‫وسيرة عمر ) ابن كببثير ‪ . (229 : 8‬والببذين ل يعرفببون سببيرة معاويببة‬
‫يستغربون إذا قلت لهم ‪ :‬إنه كان مببن الزاهببدين والصببفوة الصببالحين ‪.‬‬
‫روى المام أحمد في كتاب الزهد ) ص ‪ 172‬طبع مكة( عببن أبببي شبببل‬
‫محمد بن هارون عن حسن بن واقع عن ضمرة بن ربيعة القرشببي عببن‬
‫علي بن أبي حملة عن أبيه قببال ‪ :‬رأيببت معاويببة علببى المنبببر بدمشببق‬
‫يخطب الناس وعليه ثوب مرقوع ‪ .‬وأخببرج ابببن كببثير ) ‪ (134 : 8‬عببن‬
‫يونس بن ميسر الحميري الزاهببد ) وهببو مببن شببيوخ المببام الوزاعببي(‬
‫قال ‪ :‬رأيت معاوية في سوق دمشق ‪ ،‬وهو مردف وراءه وصببيفا وعليببه‬
‫قميص مرقوع الجيب ‪ ،‬يسير في أسببواق دمشبق ‪ ،‬وكبان قببواد معاويببة‬
‫وكبار أصحابه يستهدونه ملبسه للتبرك بها ‪ ،‬فكان إذا حضر أحدهم إلببى‬
‫المدينببة وعليببه هببذه الملبببس يعرفونهببا ويتغببالون فببي اقتنائهببا ‪ .‬روى‬
‫الدارقطني عن محمد بن يحيي بن غسان أن القائد الشهير الضحاك بن‬
‫قيس الفهري قدم المدينة ‪ ،‬فأتى المسجد فصببلى بيببن القبببر والمنبببر ‪،‬‬
‫وعليه برد مرقع قد ارتببدى بببه مببن كسببوة معاويببة ‪ ،‬فببرآه أبببو الحسببن‬
‫البراد فعرف أنه برد معاوية فساومه عليه وهو يظنه أعرابيببا مببن عامببة‬
‫النبباس ‪ ،‬حببتى رضببي أبببو الحسببن البببراد أن يببدفع لببه ثلثمببائة دينببار ‪.‬‬
‫فانطلق به الضحاك بن قيس إلي بيت حويطب بببن عبببد العببزى فلبببس‬
‫رداء آخر وأعطى أبا الحسن البراد ذلك البرد بل ثمببن وقببال لببه " قبيببح‬
‫بالرجل أن يبيع عطافه ‪ ،‬فخذه فالبسه " فأخذه أبو الحسن فباعه فكان‬
‫أول ما أصابه ) ابن عساكر ‪ : 7‬ص ‪ (6‬وقببد أوردنببا هببذه المثلببة ليعلببم‬
‫الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية تخالف الصببورة الكاذبببة الببتي كببان‬
‫أعداؤه وأعداء السلم يصببورونه بهببا ‪ ،‬فمببن شبباء بعببد هببذا أن يسببمي‬

‫‪201‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه‬


‫وقد تكلم العلماء في إمامة المفضول مع وجود من هببو‬
‫أفضل منه‪ ،‬فليست المسألة فببي الحببد الببذي يجعلهببا فيببه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫العامة‪ ،‬وقد بيناها في موضعها‬
‫فببإن قيببل‪ :‬قتببل حجببر بببن عببدي ‪ -‬وهببو مببن الصببحابة‬
‫مشببهور بببالخير ‪ -‬صبببًرا أسببيًرا‪ ،‬يقببول زيبباد‪ :‬وبعثببت إليببه‬
‫عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله‪ ،‬قلنببا‪ :‬علمنببا قتببل‬
‫معاوية خليفة وأميرا للمؤمنين ‪ ،‬فإن سليمان بن مهران العمش ‪ -‬وهو‬
‫من الئمة العلم الحفاظ ‪ ،‬وكببان يسببمى " المصببحف " لصببدقه ‪ -‬كبباد‬
‫يفضل معاوية على عمر بن عبد العزيز حتى فببي عببدله ‪ .‬ومببن لببم يمل‬
‫معاوية عينه وأراد أن يضن عليه بهذا اللقببب ‪ ،‬فببإن معاويببة مضببى إلببى‬
‫اللهبعدله وحلمه وجهاده وصالح عمله ‪ ،‬وكان وهو في دنيانا ل يبببالي أن‬
‫يلقب بالخليفة أو الملك ‪ ،‬وإنه في آخرته لكثر زهدا بمببا كببان يزهببد بببه‬
‫في دنياه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( إن داود في نبوته ‪ -‬كما يعرفها المسلمون فببي دينهببم ‪ -‬تجعلببه خيببرا‬
‫من كببل معاويببة ‪ .‬وأمببا داود اليهببود ‪ -‬كمببا يعرفببه النبباس مببن تببوراتهم‬
‫الموجودة الن في اليدي ‪ -‬فإن معاوية خير منه ‪ .‬ومن شقاء اليهببود أل‬
‫يعرفوا للقرآن والسلم فضلهما عليهم فببي تنزيببه أنبيبباء بنببي إسببرائيل‬
‫عما وصموا به في كتبهم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة البقرة آية ‪. 251 :‬‬
‫‪1‬‬
‫)( يشير إلى حديث سفينة ‪ ،‬وقد مضى الكلم عليه في ص ‪. 201‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تقدم الكلم على هذا الحديث في ص ‪. 200‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أي من مؤلفاته الخرى ‪ .‬وهذه المسألة من مسائل الفقببه السببلمي‬
‫الممحصة ‪ ،‬المبنية أحكامها على النصوص والسببنن والسببس الشببرعية‬
‫التي قام الدين على مثلها في باب جلب المصالح ودرء المفاسد وتقدير‬
‫الضببرورات بأقببدارها ‪ .‬والقاضببي أبببو الحسببن المبباوردي فببي الحكببام‬
‫السببلطانية ) ص ‪ (5‬لببم يببذكر مخالفببا فببي جببواز إمامببة المفضببول إل‬
‫الجاحظ ‪ ،‬وماذا يضر أئمببة الببدين إذا خببالفهم ‪ ،‬وهببل العباسببيون الببذين‬
‫عرف الجاحظ بالتقرب إليهم في حياتهم كانوا أفضل معاصببريهم ؟ أمببا‬
‫جمهور الفقهاء والمتكلمين فقالوا تجوز إمامة المفضول وصحت بيعته ‪،‬‬
‫ول يكون وجود الفضل مانعا من إمامة المفضببول إذا لببم يكببن مقصببرا‬
‫عن شروط المامة ‪ ،‬كما يجوز ‪ -‬في ولية القضاء ‪ -‬تقليد المفضول مببع‬
‫وجود الفضل لن زيادة الفضل مبالغة في الختيار وليست معتبببرة فببي‬
‫شروط الستحقاق ‪ ،‬ونحيل القارئ علبى كتباب " المامبة والمفاضببلة "‬
‫صببل " ول‬ ‫ف َ‬
‫لبي محمد بن حزم المدرج في الجزء الرابع مببن كتبباب " ال ِ‬
‫سيما الفصل المعقود لمامة المفضببول ) ص ‪ 167 - 163‬مببن طبعببة‬
‫مصر سنة ‪. (1320‬‬

‫‪202‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ما‪ ،‬وقببائل يقببول‬


‫حجر كلنا‪ ،‬واختلفنا‪ :‬فقائل يقول قتله ظل ً‬
‫قتله حًقا )‪. (1‬‬
‫ما إل إذا ثبت عليه مببا يببوجب‬‫فإن قيل‪ :‬الصل قتله ظل ً‬
‫قتله‪ :‬قلنا‪ :‬الصل أن قتل المام بببالحق‪ ،‬فمببن ادعببى أنببه‬
‫ضا لمببا بقببي بيببت‬
‫ما مح ً‬
‫بالظلم فعليه الدليل‪ .‬ولو كان ظل ً‬
‫إل لعن فيه معاويبة‪ .‬وهببذه مدينببة السببلم دار خلفببة بنببي‬
‫العباس ‪ -‬وبينهم وبين بني أمية ما ل يخفى علببى النبباس ‪-‬‬
‫مكتوب على أبواب مساجدها‪ " :‬خيببر النبباس بعببد رسببول‬

‫‪1‬‬
‫)( حجر بن عدي الكندي عببده البخبباري وآخببرون مببن التببابعين ‪ .‬وعببده‬
‫البعض الخر من الصحابة ‪ .‬وكان من شيعة علي فببي الجمببل وصببفين ‪.‬‬
‫وروى ابن سيرين أن زيببادا ‪ -‬وهببو أميببر الكوفببة ‪ -‬خطببب خطبببة أطببال‬
‫فيها ‪ ،‬فنببادى حجببر بببن عببدي " الصببلة ! " فمضببى زيباد فببي خطبتببه ‪،‬‬
‫فحصبه حجر وحصبه آخرون معه ‪ .‬فكتب زياد إلببى معاويببة يشببكو بغببي‬
‫حجر على أميره فببي بيببت اللببه ‪ ،‬وعببد ذلببك مببن الفسبباد فببي الرض ‪.‬‬
‫فكتب معاوية إلى زياد أن سرح به إلي ‪ . . .‬فلما جيء بببه إلببى معاويببة‬
‫أمر بقتله ‪ .‬فالذين يريدون أن معاوية قتله بحق يقولون ‪ :‬ما من حكومة‬
‫في الدنيا تعاقب بأقل من ذلك من يحصب أميره وهو قائم يخطب على‬
‫المنبر في المسجد الجامع ‪ ،‬مندفعا بعاطفة الحزبيببة والتشببيع ‪ .‬والببذين‬
‫يعارضونهم يذكرون فضائل حجبر ويقولببون ‪ :‬كبان ينبغبي لمعاويبة أن ل‬
‫يخرج عن سجيته من الحلم وسعة الصدر لمخالفيه ‪ .‬ويجيبهببم الخببرون‬
‫بأن معاوية يملك الحلم وسعة الصدر عند البغي عليه في شخصه ‪ ،‬فأما‬
‫البغي على الجماعة في شخص حاكمها وهو على منبر المسجد فهو مببا‬
‫ل يملك معاوية أن يتسامح فيه ‪ ،‬ول سيما في مثل الكوفة التي أخرجت‬
‫العدد الكبر من أهل الفتنة الببذين بغببوا علببى عثمببان بسبببب مثببل هببذا‬
‫التسامح ‪ ،‬فكبدوا المة من دمائهببا وسببمعتها وسببلمة قلوبهببا ومواقببف‬
‫جهادها تضحيات غالية كانت في غنى عنهبا لبو أن هيببة الدولبة حفظبت‬
‫بتأديب عدد قليل مبن أهببل الرعونببة والطيببش فبي الببوقت المناسببب ‪.‬‬
‫وكما كانت عائشة تود لو أن معاوية شمل حجرا بسعة صدره ‪ ،‬فإن عبد‬
‫الله بن عمر كان يتمنى مثل ذلك ‪ .‬والواقع أن معاوية كان فيه من حلم‬
‫عثمان وسجاياه ‪ ،‬إل أنه في مواقف الحكم كان يتبصر في عاقبة عثمان‬
‫وما جر إليه تمادي الذين اجترأوا عليه ‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الله ‪ ‬أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم علبي‪ ،‬ثبم معاويبة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫خال المؤمنين رضي الله عنهم‬
‫)‪(2‬‬
‫ولكن حجًرا ‪ -‬فيما يقال ‪ -‬رأى من زياد أمورا منكببرة‬
‫فحصبببه‪ ،‬وخلعببه‪ ،‬وأراد أن يقيببم الخلببق للفتنببة‪ ،‬فجعلببه‬
‫دا‪.‬‬
‫معاوية ممن سعى في الرض فسا ً‬
‫وقد كلمته عائشة في أمره حين حج‪ ،‬فقال لها‪ :‬دعينببي‬
‫وحجًرا حتى نلتقي عند الله‪ .‬وأنتم معشر المسلمين أولببى‬
‫أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي اللببه مببع صبباحبهما العببدل‬
‫الميببن المصببطفى المكيببن‪ ،‬ومببا أنتببم ودخببولكم حيببث ل‬
‫تشعرون‪ ،‬فما لكم ل تسمعون ؟‬
‫فساد ما تقوله الشيعة في وفاة الحسن أهلية‬
‫يزيد للولية‬
‫فإن قيل‪ :‬قد دس على الحسن من سمه‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذا محال من وجهين‪ :‬أحدهما أنه مببا كببان ليتقببي‬
‫سا وقد سلم المر‪ .‬الثاني أنه أمببر مغيببب ل‬
‫من الحسن بأ ً‬
‫يعلمه إل الله فكيف تحملونه ‪ -‬بغير بينببة ‪ -‬علببى أحببد مببن‬
‫خلقه في زمان متباعد لم نثق فيه بنقل ناقببل‪ ،‬بيببن أيببدي‬
‫قوم ذوي أهواء‪ ،‬وفي حال فتنة وعصبية‪ ،‬ينسب كل واحببد‬

‫‪1‬‬
‫)( المؤلف أقام في بغداد زمن الدولة العباسية كما ذكرنا في ترجمتببه ‪،‬‬
‫فهو يعرف مساجدها معرفة مشاهدة وعيان ‪ .‬ومعاويببة خببال المببؤمنين‬
‫لنه أخببو أم المببؤمنين رملببة بنببت أبببي سببفيان المشببتهرة بكنيتهببا ) أم‬
‫حبيبة( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كان زياد في خلفة علي واليا من ولته ‪ ،‬وكببان حجببر بببن عببدي مببن‬
‫أولياء زياد وأنصاره يومئذ ‪ .‬ولم يكن ينكببر عليببه شببيئا ‪ .‬فلمببا صبار مببن‬
‫ولة معاوية صار ينكر عليه مببدفوعا بعاطفببة التحببزب والتشببيع ‪ .‬وكببان‬
‫حجر يفعل مثل ذلك مع من تولى الكوفة لمعاوية قبل زيبباد ‪ ،‬فلمعاويببة‬
‫عذر إذا رأى أن حجرا ممن سعى في الرض فسادا ‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫إلببى صبباحبه مببا ل ينبغببي‪ ،‬فل يقبببل منهببا إل الصببافي‪ ،‬ول‬


‫يسمع فيها إل من العدل المصمم )‪. (1‬‬
‫نقد ثلثة أخبار ملفقة على وهب بن جرير في‬
‫تمهيد معاوية لولية يزيد‬
‫‪ .‬وجببرى‬ ‫)‪(2‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد عهد إلى يزيببد وليببس بأهببل‬
‫بينه وبين عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسن ما قصه ]‬
‫المؤرخون [ عن وهب بن جرير بن حببازم عببن أبيببه وعببن‬
‫غيره‪ :‬لما أجمع معاوية أن يبايع لبنه يزيد حج‪ ،‬فقدم مكببة‬
‫في نحو ألف رجل‪ .‬فلما دنا مببن المدينببة خببرج ابببن عمببر‬
‫وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكببر فلمببا قببدم معاويببة‬
‫المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنببى عليببه‪ ،‬ثببم ذكببر ابنبه‬

‫‪1‬‬
‫)( قال شببيخ السببلم ابببن تيميببة فببي منهبباج السببنة ) ‪ (225 : 2‬فيمببا‬
‫تزعمببه الشببيعة مببن أن معاويببة سببم الحسببن ‪ ) :‬لببم يثبببت ذلببك ببينببة‬
‫شرعية ‪ ،‬ول إقرار معتبر ‪ ،‬ول نقل يجزم به ‪ .‬وهذا ممببا ل يمكببن العلببم‬
‫به ‪ ،‬فالقول به قول بل علم( ‪ .‬قال ‪ " :‬وقد رأينببا فببي زماننببا مببن يقببال‬
‫عنه سم ومات مسموما من التراك وغيرهم ‪ .‬ويختلف الناس في ذلببك‬
‫حتى في نفس الموضع الذي مات فيه والقلعة الببتي مببات فيهببا ‪ ،‬فتجببد‬
‫كل منهم يحدث بالشيء بخلف ما يحدث به الخر " ‪ .‬وبعد أن ذكر ابببن‬
‫تيمية أن الحسن مات بالمدينببة وأن معاويببة كببان بالشببام ‪ ،‬ذكببر للخبببر‬
‫احتمالت ‪ -‬على فرض صحته ‪ -‬منها أن الحسن كان مطلقا ل يدوم مببع‬
‫امرأة ‪ . . .‬إلخ ) وانظر المنتقى من منهاج العتدال ص ‪. (266‬‬
‫‪2‬‬
‫)( إن كان مقياس الهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر وعمر في مجمببوع‬
‫سجاياهما ‪ ،‬فهذا ما ل يبلغه خليفة في تاريخ السلم ‪ ،‬ول عمر بببن عبببد‬
‫العزيز ‪ .‬وإن طمعنا بالمستحيل وقدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر وعمر‬
‫آخر فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لبي بكر وعمببر ‪ .‬وإن كببان‬
‫مقيبباس الهليببة السببتقامة فببي السببيرة ‪ ،‬والقيببام بحرمببة الشببريعة ‪،‬‬
‫والعمل بأحكامها ‪ ،‬والعدل في الناس ‪ ،‬والنظر في مصالحهم ‪ ،‬والجهبباد‬
‫في عدوهم ‪ ،‬وتوسيع الفاق لدعوتهم ‪ ،‬والرفق بببأفرادهم وجماعبباتهم ‪،‬‬
‫فإن يزيد يوم تمحص أخباره ‪ ،‬ويقف الناس على حقيقة حبباله كمببا كببان‬
‫في حياته ‪ ،‬يتبين من ذلك أنه لم يكبن دون كبثيرين ممبن تغنبى التاريبخ‬
‫بمحامدهم ‪ ،‬وأجزل الثناء عليهم ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ .‬ثم ارتحببل‪ ،‬فقببدم‬ ‫)‪(1‬‬


‫يزيد فقال‪ :‬من أحق بهذا المر منه‬
‫مكة فقضى طوافه‪ ،‬ودخل منزله‪ ،‬فبعببث إلببى ابببن عمببر‪،‬‬
‫فتشهد وقال‪ " :‬أما بعد يا ابن عمر‪ ،‬فقد كنت تحدثني أنك‬
‫ل تحببب أن تبببيت ليلببة سببوداء ليببس عليببك أميببر‪ .‬وإنببي‬
‫أحذرك أن تشق عصا المسببلمين‪ ،‬وأن تسببعى فببي فسبباد‬
‫ذات بينهم "‪ .‬فلما سكت تكلم ابن عمر فحمد اللببه واثنببى‬
‫عليه ثم قال‪ " :‬أما بعد فببإنه قببد كببانت قبلببك خلفبباء لهببم‬
‫أبناء ليس ابنك بخير منهم‪ ،‬فلم يروا في أبنائهم مببا رأيببت‬
‫في ابنك‪ ،‬ولكنهم اختاروا للمسلمين حيببث علمببوا الخيببار‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( شباب قريش المعاصرون ليزيد ‪ -‬ممن يحدثون أنفسهم بوليببة المببر‬
‫لبعض العتبارات التي يعرفونها لنفسهم ‪ -‬كثيرون جدا حببتى سببعيد بببن‬
‫عثمان بن عفان ومن هم دون سببعيد كببانوا يطمعببون بوليببة المببر بعببد‬
‫معاوية ‪ .‬ومبدأ الشورى في انتخاب الخليفة أفضل بكثير من مبدأ وليببة‬
‫العهد ‪ .‬لكن معاوية كان يتعلم بينه وبين نفسه أن فتح باب الشورى في‬
‫انتخاب من يخلفه سببيحدث فببي المببة السببلمية مجببزرة ل ترقببأ فيهببا‬
‫الدماء إل بفناء كل ذي أهلية فببي قريببش لوليببة شببيء مببن أمببور هببذه‬
‫المة ‪ .‬ومعاوية أحصف من أن يخفى عليه أن المزايا موزعة بين هببؤلء‬
‫الشباب القرشيين ‪ ،‬فإذا امتاز أحدهم بشيء منها على أضرابه ولببداته ‪،‬‬
‫فإن فيهم من يمتاز عليه بشيء آخر منها ‪ .‬غير أن يزيد ‪ -‬مببع مشبباركته‬
‫لبعضهم في بعض ما يمتازون به ‪ -‬يمتاز عليهببم بببأعظم مببا تحتبباج إليببه‬
‫الدولة ‪ ،‬أعني القوة العسكرية الببتي تؤيببده إذا تببولى الخلفببة ‪ ،‬فتكببون‬
‫قوة للسلم ‪ .‬كما تؤيده إذا أوقع الشببيطان الفتنببة علببى هببذا الكرسببي‬
‫بين المتزاحمين عليه ‪ ،‬فيكون ما ل يحب كل مسلم أن يكون ‪ .‬ولببو لببم‬
‫يكن ليزيد إل أخواله من قضاعة وأحلفهم من قبائل اليمن ‪ ،‬لكان منهم‬
‫ما ل يجوز لبعيد النظر أن يسقطه من قائمة الحساب عندما يفكببر فببي‬
‫هذه المور ‪ .‬أضف هذا إلى ما قرره ابن خلدون عند كلمه علببى مسببير‬
‫الحسببن إلبى العبراق للخببروج علبى يزيببد حيبث إن فبي فصببل " وليبة‬
‫العهد " من مقدمة تاريخه ‪ " :‬وأما الشوكة ‪ ،‬فغلببط يرحمببه اللببه فيهبا ‪،‬‬
‫لن عصبية مضر كانت في قريش ‪ ،‬وعصبببية قريببش فببي عبببد منبباف ‪.‬‬
‫وعصبية عبد مناف إنما كانت في بنببي أميببة ‪ ،‬تعببرف ذلببك لهببم قريببش‬
‫وسائر النبباس ول ينكرونببه ‪ ،‬وإنمببا نسببي ذلببك أول السببلم لمببا شببغل‬
‫الناس من الذهول بالخوارق وأمر الوحي ‪ . . .‬حتى إذا انقطع أمر النبوة‬
‫والخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشيء للعوائد ‪ .‬فعببادت العصبببية‬
‫كما كانت ولمن كانت ‪ ،‬وأصبحت مضر أطوع لبني أمية من سواهم " ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين‪ ،‬ولببم أكببن لفعببل‪،‬‬


‫وإنما أنا رجل من المسلمين‪ ،‬فإذا اجتمعوا على أمر فإنمببا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫أنا واحد منهم "‪ .‬فخرج ابن عمر‬
‫وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكببر‪ ،‬فتشبهد ثبم أخبذ‬
‫في الكلم فقطع عليه كلمه‪ ،‬فقال‪ " :‬إنك والله لوددت أنا‬
‫وكلناك في أمر ابنك إلى اللبه‪ ،‬وإنببا واللببه ل نفعببل‪ .‬واللبه‬
‫ن هذا المر شورى فببي المسببلمين أو لتفرنهببا عليببك‬ ‫ل َت َُرد ّ ّ‬
‫" ثم وثب فقام‪ .‬فقال معاوية‪ " :‬اللهم اكففه بما‬ ‫)‪(2‬‬
‫جذعة‬
‫شئت "‪ .‬ثم قببال‪ " :‬علببى رسببلك أيهببا الرجببل‪ ،‬ل تشببرفن‬
‫لهل الشام‪ ،‬فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك‪ ،‬حتى أخبببر‬
‫العشية أنك قد بايعت‪ ،‬ثم كن بعد ذلك على ما بدا لك من‬
‫أمرك "‪.‬‬
‫ثم أرسل إلى ابن الزبير فقببال‪ " :‬يببا ابببن الزبيببر‪ ،‬إنمببا‬
‫أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل فببي آخببر‪ ،‬وإنببك‬
‫عمدت إلى هذين الرجلين فنفخببت فببي مناخرهمببا‪ .‬فقببال‬
‫ابن الزبير‪ :‬إن كنت قد مللت المارة فاعتزلها‪ ،‬وهلم ابنببك‬
‫فلنبايعه‪ .‬أرأيت إذا بايعت ابنك معك ليكما نسببمع‪ ،‬ليكمببا‬
‫‪ .‬ثم قام‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫نطيع ؟ ل تجتمع البيعة لكما أبدا "‬
‫‪1‬‬
‫)( هذا الخبر معارض بما في كتاب المغازي من صحيح البخاري ) ك ‪64‬‬
‫ب ‪ - 29‬ج ‪ 5‬ص ‪ (48‬عن ابن عمر أن أخته أم المؤمنين حفصة نصحت‬
‫لبه ببأن يسبرع بالبذهاب للبيعبة وقبالت ‪ " :‬الحبق ‪ ،‬فبإنهم ينتظرونبك ‪،‬‬
‫وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة " ‪ ،‬وانظر ص ‪. 223‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي لتنكشفن عليك الفتنة في أشد حالتها ‪ .‬ويلحظ أن الذين انتحلببوا‬
‫هذه القوال في السبتطالة علبى معاويبة لبم يطعنبوا فبي كفباءة يزيبد‬
‫وأهليته لنها آخر ما يرتابون فيه ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ابن الزبير أذكى من أن يفوته أن البيعة ليزيد بعببد معاويببة ‪ ،‬وليسببت‬
‫لهما معا في حياة معاوية ‪ .‬والذين اخترعوا هذه الخبببار وأضببافوها إلببى‬

‫‪207‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فخرج معاوية فصببعد المنبببر فقببال‪ :‬إنببا وجببدنا أحبباديث‬


‫الناس ذات عوار‪ .‬وزعموا أن ابن عمر وابببن الزبيببر وابببن‬
‫أبي بكر لم يبايعوا ليزيد قد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له‪.‬‬
‫فقال أهل الشام‪ :‬ل والله‪ :‬ل نرضى حببتى يبببايعوا علببى‬
‫رءوس الشهاد‪ ،‬وإل ضربنا أعناقهم‪.‬‬
‫فقال‪ " :‬مه‪ ،‬سبحان الله‪ ،‬وما أسرع الناس إلى قريببش‬
‫بالشر‪ .‬ل أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم "‪ .‬ثم نزل‪.‬‬
‫فقال النبباس‪ :‬بببايعوا‪ .‬ويقولببون هببم‪ :‬لببم نبببايع‪ .‬ويقببول‬
‫الناس‪ :‬قد بايعتم‪.‬‬
‫وروى وهب من طريق آخر قال‪ :‬خطببب معاويببة فببذكر‬
‫ابن عمر فقال‪ " :‬واللببه ليبببايعن أو لقتلنببه "‪ .‬فخببرج عبببد‬
‫الله بن عبد الله بن عمر إلببى أبيببه وسببار إلببى مكببة ثلث ًببا‬
‫فبكى ابن عمر‪ .‬فبلغ الخبببر إلببى عبببد اللببه بببن‬ ‫)‪(1‬‬
‫وأخبره‬
‫صفوان‪ ،‬فدخل على ابن عمر فقببال‪ :‬أخطببب هببذا بكببذا ؟‬
‫قببال‪ :‬نعببم‪ .‬قببال فمببا تريببد‪ ،‬أتريببد قتبباله ؟ قببال‪ :‬يببا ابببن‬

‫وهب بن جرير بن حازم يكذبون كذبا مفضوحا ‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫)( هذا الخبر عن وهب بن جرير بن حازم يشعر بأن معاوية خطب هببذه‬
‫الخطبة وهو في المدينة قادما إليها من دمشق قبل أن يصل إلى مكة ‪،‬‬
‫وأن ابن عمر كان يببومئذ فببي مكببة فركببب إليببه ابنببه حببتى لقيببه بمكببة‬
‫وأخبره بهذه الخطبة ‪ .‬وفي الخبر الذي قبل هذا ‪ -‬وهو مروي عن وهببب‬
‫بن جرير بن حببازم أيضببا ‪ -‬التصببريح بببأن ابببن عمببر كببان بالمدينببة عنببد‬
‫وصول معاوية إليها من دمشببق ‪ ،‬وأنببه كببان مببع العيببان الببذين خرجببوا‬
‫لستقباله ‪ .‬فالخبران متناقضان يكذب أحدهما الخر مببع أنهمببا عببن راٍو‬
‫واحد ‪ .‬ول أدري من أين جاء بهما المؤلف ؟ ولم ينقلهما الطبري مع أنه‬
‫يعتني بأخبار وهب بن جرير لنه ثقة ‪ ،‬ووهب مات سنة ‪ 206‬وأبوه سنة‬
‫‪ 170‬بعد أن اختلط ‪ ،‬فبينهما وبين هذه الحوادث رواة آخببرون ‪ ،‬وبينهمببا‬
‫وبيببن الطبببري وغيببره مببن المببؤرخين رواة كببثيرون ‪ .‬وأعتقببد أن هببذه‬
‫الخبار غير صحيحة لتناقضها ‪ ،‬ولو عرفنا رواتها إلببى وهببب وبعببد وهببب‬
‫لعرفنا من أين جاء الكذب ‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫صفوان‪ ،‬الصبر خير من ذلك‪ .‬فقال ابن صفوان‪ :‬واللببه لببو‬


‫ُ‬
‫أراد ذلك لَقات ِل َن ّ ُ‬
‫ه )‪ . (1‬فقدم معاويببة مكببة فنببزل ذا طببوى‪،‬‬
‫وخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال‪ :‬أنت تزعم أنك تقتل‬
‫ابن عمر إن لم يبايع لبنك ؟ قال‪ :‬أنا أقتل ابن عمر ؟ إني‬
‫والله ل أقتله‪.‬‬
‫قال‪ :‬إن معاوية لما راح‬ ‫)‪(2‬‬
‫وروى وهب من طريق ثالث‬
‫مّر قاصدا إلى مكة قال لصاحب حرسببه‪ :‬ل تببدع‬ ‫عن بطن ُ‬
‫دا يسير معي إل من حملته‪ .‬فخببرج يسببير وحببده‪ ،‬حببتى‬
‫أح ً‬
‫إذا كان وسط الراك لقيه الحسين بن علي‪ ،‬فوقف وقال‪:‬‬
‫مرحًبببا وأهًل بببابن بنببت رسببول اللببه ‪ ‬سببيد شببباب‬
‫المسببلمين‪ .‬دابببة لبببي عبببد اللببه يركبهببا‪ .‬فببأتي ببببْرذْون‪،‬‬
‫فتحول عليه‪ .‬ثم طلع عبد الرحمن بن أبببي بكببر )‪ (3‬فقببال‪:‬‬
‫مرحبا بابن شيخ قريش وسيدهم وابن صديق هببذه المببة‪.‬‬
‫دابة لبي محمد يركبها‪ .‬فأتي ببرذون فركبه‪ .‬ثم طلببع ابببن‬
‫عمر فقال‪ :‬مرحًبا وأهًل بصاحب رسول الله وابن الفاروق‬
‫وسيد المسلمين‪ ،‬ودعا له بدابة فركبها‪ .‬ثم طلع ابن الزبير‬
‫فقال‪ :‬مرحبا وأهًل بابن حواري رسول الله وابببن الصببديق‬
‫وابن عمة رسول الله ‪ ‬ودعا له بدابة فركبهببا‪ ،‬ثببم أقبببل‬
‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن صفوان حفيد أمية بن خلف الجمحي ‪ .‬قتل مع ابن الزبير‬
‫سنة ‪. 73‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وهذا الخبر أيضا ليس عند الطبري ‪ .‬وأظنه مصنوعا في المصنع الذي‬
‫خرج منه الخبران السابقان ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نحن نعلم من الخبر الول عن وهب أن عبد الرحمن بن أبي بكر كان‬
‫في المدينة ‪ ،‬وكان مع الببذين اسببتقبلوا معاويببة عنببد وصببوله إليهببا مببن‬
‫دمشق ‪ ،‬فما الذي طار به إلى مكة حتى صار في مستقبلي معاوية عند‬
‫وصوله إليهببا ؟ حقببا إن الببذين يكببذبون علببى معاويببة أغبيبباء ل يجيببدون‬
‫صناعة الكذب ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫يسير بينهم ل يسايره غيرهم حتى دخل مكة‪ ،‬ثم كانوا أول‬
‫داخل وآخر خارج ليس في الرض صباح إل لهم فيببه حببباء‬
‫وكرامة‪ ،‬ل يعرض لهم بذكر شيء مما هو فيه حتى قضببى‬
‫نسكه وترحلت أثقاله وقرب مسيره إلببى الشببام وأنيخببت‬
‫رواحله‪ ،‬فأقبل بعض القوم على بعض فقالوا‪ :‬أيها القوم ل‬
‫تخدعوا إنببه واللببه مببا صببنع هببذا لحبكببم ول لكرامتكببم ول‬
‫صنعه إل لما يريد‪ ،‬فأعدوا له جواًبا‪ ،‬أقبلببوا علببى الحسببين‬
‫فقالوا‪ :‬أنت يببا أبببا عبببد اللببه‪ .‬قببال‪ :‬وفيكببم شببيخ قريببش‬
‫وسيدها ؟ هذا أحق بالكلم‪ .‬فقالوا‪ :‬أنت يا أبا محمد ‪ -‬لعبد‬
‫الرحمن بن أبي بكر ‪ -‬فقال‪ .‬لست هنبباك‪ ،‬وفيكببم صبباحب‬
‫رسول الله ‪ ‬وابن سببيد المسببلمين ‪ -‬يعنببي ابببن عمببر ‪-‬‬
‫فقالوا لبن عمببر‪ :‬أنببت ! فقببال‪ :‬لسببت بصبباحبكم‪ ،‬ولكببن‬
‫أولوا الكلم ابن الزبير يكفكم‪ .‬قالوا‪ :‬أنببت يببا ابببن الزبيببر‪.‬‬
‫قببال‪ :‬نعببم‪ ،‬إن أعطيتمببوني عهببودكم ومببواثيقكم أن ل‬
‫تخالفوني كفيتكم الرجل‪ .‬فقالوا‪ :‬فلك ذلببك‪ .‬فخببرج الذن‪،‬‬
‫فأذن لهم‪ .‬فدخلوا‪.‬‬
‫فتكلببم معاويببة فحمببد اللببه وأثنببى عليببه ثببم قببال‪ :‬لقببد‬
‫علمتم سيرتي فيكم‪ ،‬وصلتي لرحببامكم‪ ،‬وصببفحي عنكببم‪،‬‬
‫وحلمي لما يكون منكم‪ ،‬ويزيد ابن أمير المببؤمنين أخببوكم‬
‫وابببن عمكببم وأحسببن النبباس لكببم رأي ًببا‪ .‬وإنمببا أردت أن‬
‫تقببدموه باسببم الخلفببة وتكونببوا أنتببم الببذين تنزعببون‬
‫مرون وتجبون وتقسمون ل يدخل عليكم في شيء من‬
‫وتؤ ّ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فسببكت القببوم‪ .‬فقببال‪ :‬أل تجيبببوني ؟ فسببكت القببوم‪.‬‬


‫فقببال‪ :‬أل تجيبببوني ؟ فسببكتوا‪ :‬فأقبببل علببى ابببن الزبيببر‬
‫فقال‪ :‬هات يببا ابببن الزبيببر‪ ،‬فإنببك لعمببري صبباحب خطبببة‬
‫القببوم‪ ،‬فقببال‪ :‬نعببم يببا أميببر المببؤمنين أخيببرك بيببن ثلث‬
‫خصببال أيهببا أخببذت فهببي لببك رغبببة‪ :‬قببال‪ :‬للببه أبببوك‪،‬‬
‫اعرضهن‪ :‬قال‪ :‬إن شئت صنعت ما صببنع رسببول اللببه ‪‬‬
‫وإن شئت صنعت ما صنع أبو بكر فهو خير هذه المببة بعببد‬
‫رسول الله ‪ ‬وإن شئت صنعت ما صببنع عمببر فهببو خيببر‬
‫هذه المة بعد أبي بكر‪ :‬قال‪ :‬لله أبوك‪ ،‬ما صببنعوا ؟ قببال‪:‬‬
‫قبببض رسببول اللببه ‪ ‬فلببم يسببتخلف أحبب ً‬
‫دا‪ ،‬فارتضببى‬
‫المسلمون أبا بكر‪ ،‬فإن شئت أن تدع أمر هذه المة حببتى‬
‫يقضي الله فيه قضاءه فيختار المسلمون لنفسهم‪ .‬فقال‪:‬‬
‫إيه ليس فيكم اليوم مثل أبببي بكببر‪ ،‬وإنببي ل آمببن عليكببم‬
‫الختلف‪ .‬قال‪ :‬فاصنع كما صنع أبببو بكببر‪ ،‬عهببد إلببى رجببل‬
‫من قاصية قريش ليس من بني أبيه فاستخلفه‪ .‬قببال‪ :‬للببه‬
‫أبوك‪ .‬الثالثة ؟ قال‪ :‬تصنع ما صنع عمر‪ ،‬جعل المر شورى‬
‫في ستة نفر من قريببش ليببس أحببد منهببم مببن ولببد أبيببه‪.‬‬
‫قال‪ :‬عندك غير هذا ؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فأنتم ؟ قببالوا‪ :‬ونحببن‬
‫ضا‪ .‬قال‪ .‬أما ل‪ ،‬فببإني أحببببت أن أتقببدم إليكببم‪ ،‬إنببه قببد‬
‫أي ً‬
‫أعذر من أنذر‪ ،‬وإن كان يقوم القائم منكببم إلببي فيكببذبني‬
‫على رءوس الشهاد فأحتمل له ذلك‪ .‬وإنببي قببائم بمقالببة‪،‬‬
‫فإن صدقت فلي صببدقي وإن كببذبت فعلببي كببذبي‪ .‬وإنببي‬
‫أقسم بالله لكم لئن رد علببي إنسببان منكببم ل ترجببع إليببه‬

‫‪211‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫كلمته حببتى يسبببق إلببي رأسببه‪ .‬ثببم دعببا بصبباحب حرسببه‬


‫فقال‪ :‬أقم على كل رجل مببن هببؤلء رجليببن مببن حرسببك‬
‫فإن ذهب رجل يرد علي كلمة بصببدق أو كببذب فليضببرباه‬
‫ثم خرج وخرجوا معه‪ ،‬حتى رقي المنبر فحمبد‬ ‫)‪(1‬‬
‫بسيفهما‬
‫الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬إن هؤلء الرهط سادة المسلمين‬
‫وخيارهم‪ ،‬ل نسببتبد بببأمر دونهببم‪ ،‬ول نقضببي أمبًرا إل عببن‬
‫مشورتهم‪ .‬وإنهم ارتضوا وبايعوا ليزيد ابن أميببر المببؤمنين‬
‫من بعده‪ ،‬فبايعوا باسم الله‪ .‬فضربوا على يده‪ ،‬ثببم جلببس‬
‫على راحلته وانصرف‪.‬‬
‫فلقيهم الناس فقببالوا‪ :‬زعمتببم وزعمتببم‪ ،‬فلمببا أرضببيتم‬
‫وحبيتم فعلتم قالوا‪ :‬إنا والله ما فعلنا‪ .‬قببالوا‪ :‬فمببا منعكببم‬
‫أن تببردوا علببى الرجببل إذ كببذب ؟ ثببم بببايع أهببل المدينببة‬
‫والناس‪ ،‬ثم خرج إلى الشام‪.‬‬
‫قال القاضي أبو بكر ) ‪ :( ‬لسببنا ننكببر‪ ،‬ول بلغببت بنببا‬
‫الجهالة‪ ،‬ول لنا في الحق حميببة جاهليببة‪ ،‬ول ننطببوي علببى‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫غل لحد من أصحاب محمببد ‪ ‬بببل نقببول‪} :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫)( أورد المؤلف هببذه الخبببار المفضببوح كببذبها ليعارضببها فببي ص ‪224‬‬
‫بحديث البخاري عن الموقف السليم لبن عمر في هذا الحببادث ‪ ،‬حببتى‬
‫يعلم الناس أن الحق في واد وهؤلء الرواة الكاذبون في واد غيره ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫إل أن‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪{‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬

‫نقول‪ ،‬إن معاوية ترك الفضل في أن يجعلها شببورى‪ ،‬وأل‬


‫دا‪ ،‬وأن يقتببدي بمببا‬
‫دا من قرابتببه فكيببف ول ب ً‬
‫يخص بها أح ً‬
‫فعدل‬ ‫) ‪(2‬‬
‫أشار به عبد الله بن الزبير في الترك أو الفعل‬
‫إلى ولية ابنه وعقد له البيعة وبايعه الناس‪ ،‬وتخلببف عنهببا‬
‫عا‪ ،‬لنهببا تنعقببد بواحببد‬
‫فانعقببدت البيعببة شببر ً‬ ‫)‪(3‬‬
‫من تخلف‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫وقيل باثنين‬
‫فإن قيل‪ :‬لمن فيه شروط المامببة‪ ،‬قلنببا‪ :‬ليببس السببن‬
‫من شروطها ولم يثبت أنه يقصر يزيد عنها‪.‬‬
‫] فإن [ قيل‪ :‬كان منها العدالة والعلببم‪ ،‬ولببم يكببن يزيببد‬
‫ما‪ .‬قلنا‪ :‬وبأي شيء نعلم عدم علمببه‪ ،‬أو عببدم‬ ‫عدًل ول عال ً‬
‫؟ ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلثببة الفضببلء‬ ‫)‪(5‬‬
‫عدالته‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة الحشر آية ‪. 10 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كان معاوية أعرف بابن الزبير من ابببن الزبيببر نفسببه ‪ ،‬روى البلذري‬
‫في أنساب الشراف ) ‪ (54 - 53 : " 2 " 4‬عن المدائني عن مسلمة‬
‫بن علقمة عن خالد عن أبببي قلبببة أن معاويببة قببال لبببن الزبيببر ‪ " :‬إن‬
‫الشح والحرص لن يدعاك حتى يدخلك مدخل ضيقا ‪ ،‬فوددت أنببي حينئذ‬
‫عندك فأستنقذك " ‪ .‬فلما حصببر ابببن الزبيببر قببال ‪ " :‬هببذا مببا قببال لببي‬
‫معاوية ‪ ،‬وددت أنه كان حيا " ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عدل عن الوجه الفضبل لمبا كبان يتبوجس مببن الفتببن والمجببازر إذا‬
‫جعلها شورى ‪ ،‬وقد رأى القوة والطاعة والنظام والستقرار في الجانب‬
‫الذي فيه ابنه ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( انظر ص ‪ ، 144‬والفصل لبن حزم ‪. 169 - 167 : 4‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أما عن العدالة فقبد شبهد لببه محمببد ببن علبي ببن أبببي طببالب فبي‬
‫مناقشته لبن مطيع عند قيام الثورة على يزيد فببي المدينببة فقببال عببن‬
‫يزيد ‪ " :‬ما رأيت منه ما تببذكرون ‪ .‬وقببد حضببرته وأقمببت عنببده فرأيتببه‬
‫مواظبا على الصلة ‪ ،‬متحريا للخير ‪ ،‬يسأل عنه الفقه ‪ ،‬ملزما للسببنة "‬
‫) ابن كثير ‪ . (233 : 8‬وأما عن العلم فالذي يلزم منه لمثلببه فببي مثببل‬
‫مركزه كببان فيببه موضببع الرضببا وفببوق الرضببا ‪ :‬روى المببدائني أن ابببن‬
‫عباس وفد إلى معاوية بعد وفاة الحسن بن علي ‪ ،‬فدخل يزيد على ابن‬
‫عباس وجلس منه مجلس المعزي ‪ ،‬فلما نهض يزيد من عنده قببال ابببن‬
‫عباس ‪ :‬إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس ) ابن كثير ‪. (228 : 8‬‬

‫‪213‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الذين أشاروا عليببه بببأن ل يفعببل‪ ،‬وإنمببا رمببوا إلببى المببر‬


‫بعيب التحكيم‪ ،‬وأرادوا أن تكون شورى‪.‬‬
‫مببا‪،‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كان هنالك من هببو أحببق منببه عدالببة وعل ً‬
‫منهم مائة وربما ألف‪ .‬قلنا‪ :‬إمامة المفضببول ‪ -‬كمببا قببدمنا‬
‫‪ -‬مسببألة خلف بيببن العلمبباء‪ ،‬كمببا ذكببر العلمبباء فببي‬ ‫)‪(1‬‬

‫موضعه‪.‬‬
‫وقد حسم البخاري الباب‪ ،‬ونهج جببادة الصببواب‪ ،‬فببروى‬
‫في صحيحه ما يبطل جميع هذا المتقببدم‪ ،‬وهببو أن معاويببة‬
‫)‪(2‬‬
‫خطب وابن عمر حاضر في خطبته‪ ،‬فيما روى البخبباري‬
‫عن عكرمة بن خالد أن ابن عمر قال‪ :‬دخلت على حفصببة‬
‫‪ .‬قلت‪ :‬قد كان في المر ما ترين‪ ،‬فلم‬ ‫)‪(3‬‬
‫ونوساتها تنطف‬
‫يجعببل لببي مببن المببر شببيء‪ .‬فقببالت‪ " :‬الحببق‪ ،‬فببإنهم‬
‫ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهببم فرقببة "‪.‬‬
‫فلم تدعه حتى ذهب‪.‬‬
‫فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال‪ :‬من كان يريد أن‬
‫يتكلم في هذا المر فليطلع لنا قرنه‪ ،‬فلنحن أحببق ببه منبه‬
‫فهل أجبته ؟ قببال عبببد‬ ‫)‪(4‬‬
‫ومن أبيه‪ .‬قال حبيب بن مسلمة‬
‫الله‪ :‬فحللت حبوتي‪ ،‬وهممت أن أقببول‪ :‬أحببق بهببذا المببر‬

‫‪1‬‬
‫)( في ص ‪. 211‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ك ‪ 64‬ب ‪ - 29‬ج ‪ 5‬ص ‪. 48‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أي وذوائبها تقطر ماء ‪ ،‬سمى الذوائب " نوسات " لنهببا تنببوس ‪ ،‬أي‬
‫تتحرك ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( حبيب بن مسلمة الفهري مكي كان عند وفاة النبي صبيا ‪ ،‬ثم التحببق‬
‫بالشام للجهاد فاشتهرت بطولته ‪ ،‬ويعد فاتح أرمينيببة ‪ ،‬ويقببال إنببه كببان‬
‫قائد النجدة التي خرجت من الشام لنقاذ عثمان من أيدي البغاة عليه ‪،‬‬
‫فجاءه الخبر بشهادته وهي في الطريق فعادت ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫منك من قاتلببك وأببباك علببى السببلم‪ ،‬فخشببيت أن أقببول‬


‫كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك‪،‬‬
‫حفظببت‬
‫فذكرت ما أعببد اللببه فببي الجنببان‪ .‬فقببال حبببيب‪ُ :‬‬
‫عصمت‪.‬‬‫و ُ‬
‫ابن عمر يعلن في الثورة على يزيد أن في عنقه‬
‫البيعة الشرعية له‬
‫أن أهل المدينببة لمببا خلعببوا يزيببد بببن‬ ‫)‪(1‬‬
‫وروى البخاري‬
‫معاوية جمع ابن عمر حشببمه وولببده وقببال‪ :‬إنببي سببمعت‬
‫رسببول اللببه ‪ ‬يقببول‪ُ} :‬ينصببب لكببل غببادر لببواء يببوم‬
‫القيامة{ )‪ (2‬وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله‬
‫)‪ (3‬وإني ل أعلم غدًرا أعظببم مببن أن نبببايع رجًل علببى بيببع‬
‫دا منكم‬
‫الله ورسوله ثم ننصب له القتال‪ ،‬وإني ل أعلم أح ً‬

‫‪1‬‬
‫)( في كتاب الفتن من صحيحه ) ك ‪ 92‬ب ‪ - 21‬ج ‪ 8‬ص ‪. (99‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخاري الجزية )‪ ، (3015‬مسلم الجهاد والسير )‪ ، (1736‬ابن ماجه‬
‫الجهاد )‪ ، (2872‬أحمد )‪ ، (1/441‬الدارمي البيوع )‪. (2542‬‬
‫‪3‬‬
‫)( وهذا الخبر المنيببر الببذي يرويببه البخبباري فببي صببحيحه يفضببح الببذين‬
‫زوروا على وهب بن جرير تلك الخبار المتناقضة بببأن ابببن عمببر وغيببره‬
‫لم يبايعوا ليزيد ‪ ،‬وأن معاوية أقام على رءوسهم من يقطعها إذا كببذبوه‬
‫فيما افتراه عليهم من أنهم بايعوا لبنه ‪ .‬فتبين الن أنه لم يفتر عليهببم ‪،‬‬
‫وهذا ابن عمر يعلن في أحرج المواقف ‪ -‬أي في ثورة أهل المدينة على‬
‫يزيد بتحريبض اببن الزبيبر وداعيتبه اببن مطيبع ‪ -‬أن فبي عنقبه مبا فبي‬
‫أعناقهم بيعة شرعية لمامهم على بيع اللببه ورسببوله ‪ ،‬وأن مببن أعظببم‬
‫الغدر أن تبايع المة إمامها ثم تنصب له القتببال ‪ .‬ولببم يكتببف ابببن عمببر‬
‫بذلك في تلك الثورة على يزيد بل روى مسببلم فببي كتبباب المببارة مببن‬
‫صحيحه ) ك ‪ 32‬ح ‪ - 58‬ج ‪ 6‬ص ‪ (22‬أن ابن عمر جاء إلى ابببن مطيببع‬
‫داعية ابن الزبير ومثير هذه الثورة فقال ابن مطيع ‪ :‬اطرحوا لبببي عبببد‬
‫الرحمن وسادة ‪ .‬فقال ابن عمر ‪ :‬إني لم آتببك لجلببس ‪ ،‬أتيتببك لحببدثك‬
‫حديثا سمعت رسول الله يقوله ‪ " :‬من خلع يدا مببن طاعببة ‪ ،‬لقببي اللببه‬
‫يوم القيامة ل حجة له ‪ ،‬ومبن مبات وليببس فبي عنقبه بيعبة مبات ميتببة‬
‫جاهليببة " ‪ .‬وكببان لمحمببد بببن علببي بببن أبببي طببالب ) المعببروف بببابن‬
‫الحنفية( مثل هذا الموقف من داعية الثورة ابببن مطيببع سببيراه القببارئ‬
‫في ص ‪ 228 - 227‬عند الكلم على سيرة يزيد ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫)‪(1‬‬
‫خلعه ول بايع في هذا المر إل كانت الفيصل بيني وبينه‬
‫‪.‬‬
‫فانظروا معشر المسببلمين إلببى مببا روى البخبباري فببي‬
‫الصحيح‪ ،‬وإلى ما سبق ذكرنا له في رواية بعضهم أن عبببد‬
‫الله بن عمر لم يبببايع‪ ،‬وأن معاويببة كببذب وقببال قببد بببايع‪.‬‬
‫وتقدم إلى حرسه بأمره بضرب عنقببه إن كببذبه‪ .‬وهببو قببد‬
‫قببال فببي روايببة البخبباري‪ " :‬وقببد بايعنبباه علببى بيببع اللببه‬
‫ورسببوله " ومببا بينهمببا مببن التعببارض‪ ،‬وخببذوا لنفسببكم‬
‫بالرجببح فببي طلببب السببلمة‪ ،‬والخلص بيببن الصببحابة‬
‫والتابعين‪ .‬فل تكونوا ‪ -‬ولم تشاهدوهم‪ ،‬وقد عصببمكم اللببه‬
‫من فتنتهم ‪ -‬ممن دخل بلسانه في دمائهم‪ ،‬فيلغ فيها ولوغ‬
‫الكلب بقية الدم على الرض بعد رفع الفريسة بلحمها‪ ،‬لم‬
‫يلحق الكلب منها إل بقية دم سقط على الرض‪.‬‬
‫وروى الثبت العدل عببن عبببد الرحمببن بببن مهببدي‪ ،‬عببن‬
‫سفيان‪ ،‬عن محمد بن المنكدر قال‪ :‬قببال ابببن عمببر حيببن‬
‫بويع يزيد " إن كان خيًرا رضينا‪ ،‬وإن كان شًرا صبرنا "‪.‬‬
‫وثبت عن حميد بن عبد الرحمن قال‪ :‬دخلنا علببى رجببل‬
‫من أصحاب رسول الله ‪ ‬حين استخلف يزيد بن معاويببة‬
‫فقال‪ :‬تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد‪ ،‬ل‬
‫أفقهها فقًها ول أعظمها فيها شرًفا‪ .‬وأنا أقول ذلك‪ .‬ولكببن‬
‫والله لن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق‪ .‬أرأيتم‬

‫‪1‬‬
‫)( انظببر لوقعببة الحببرة ص ‪ 294 - 292‬مببن ) المنتقببى مببن منهبباج‬
‫العتدال( ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫باًبا دخل فيه أمة محمد ووسببعهم‪ ،‬أكببان يعجببز عببن رجببل‬
‫واحد لو كان دخل فيه ؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قببال‪ :‬أرأيتببم لببو أن أمببة‬
‫محمد قال كل رجل منهم ل أريق دم أخببي ول آخببذ مبباله‪،‬‬
‫أكان هذا يسعهم ؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فذلك ما أقول لكم‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪} ‬ل يأتيك من الحياء إل خير{ ‪.‬‬
‫فهذه الخبار الصببحاح كلهببا تعطيببك أن ابببن عمببر كببان‬
‫ما في أمر يزيد‪ ،‬وأنه بايع وعقد لببه والببتزم مببا الببتزم‬
‫مسل ً‬
‫النبباس‪ ،‬ودخببل فيمببا دخببل فيببه المسببلمون‪ ،‬وحببرم علببى‬
‫نفسه ومن إليه بعد ذلك أن يخرج على هذا أو ينقضه‪.‬‬
‫وظهر لك أن من قال‪ :‬إن معاوية كذب فببي قببوله بببايع‬
‫ابن عمر ولم يبايع‪ ،‬وأن ابن عمر وأصحابه سئلوا فقببالوا "‬
‫لم نبايع " فقد كذب‪ .‬وقد صدق البخاري فبي روايتبه قبول‬
‫معاوية في المنبر " إن ابن عمر قد بايع " بإقرار ابن عمر‬
‫وتسليمه له وتماديه عليه‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫بذلك‬
‫فأي الفريقين أحق بالصدق إن كنتم تعلمببون ؟ الفريببق‬
‫الذي فيه البخاري‪ ،‬أم الذي فيبه غيبره ؟ فخببذوا لنفسببكم‬
‫بببالحزم‪ ،‬والصببح‪ ،‬أو اسببكتوا عببن الكببل‪ ،‬واللببه يتببولى‬
‫توفيقكم وحفظكم‪.‬‬
‫و" الصاحب " الذي كنى عنه حميد بن عبد الرحمن هببو‬
‫ابن عمر‪ ،‬واللببه أعلببم‪ .‬وإن كببان غيببره فقببد أجمببع رجلن‬
‫صلناه لكم من‬
‫عظيمان على هذه المقالة‪ ،‬وهي تعضد ما أ ّ‬

‫‪1‬‬
‫)( في ثورة المدينة علببى يزيببد ‪ ،‬وفببي المناسبببات الخببرى ‪ .‬انظببر ص‬
‫‪. 224‬‬

‫‪217‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫أن ولية المفضول نافذة وإن كان هنالببك مببن هببو أفضببل‬
‫منه إذ عقدت له‪ .‬ولما في حلها ‪ -‬أو طلببب الفضببل ‪ -‬مببن‬
‫استباحة ما ل يباح‪ ،‬وتشتيت الكلمة‪ ،‬وتفريق أمر المة‪.‬‬
‫الشهادة ليزيد له بالستقامة والصلح‬
‫فإن قيل‪ .‬كان يزيد خمبباًرا‪ .‬قلنببا‪ :‬ل يحببل إل بشبباهدين‪،‬‬
‫فمن شهد بذلك عليه )‪ (1‬بببل شببهد العببدل بعببدالته‪ .‬فببروى‬
‫يحيى بن بكير‪ ،‬عن الليث بن سببعد‪ ،‬قببال الليببث‪ " :‬تببوفي‬
‫‪1‬‬
‫)( أن معاوية ‪ -‬مع شديد حبه ليزيد ‪ ،‬للمعيته واكتمال مببواهبه ‪ -‬آثببر أن‬
‫ينشأ ابنه بعيدا عنه في أحضان الفطرة ‪ ،‬وخشببونة البببداوة وشببهامتها ‪،‬‬
‫ليستكمل الصفات اللئقة بالمهمة الببتي تنتظببر أمثبباله ‪ ،‬فبعببث بببه إلببى‬
‫أخبية البادية عند أخواله من قضاعة ‪ ،‬ليكون على مببذهب أمببه ميسببون‬
‫بنت بحدل يوم قبالت ‪ :‬لبببيت تخفببق الرواح فيببه أحببب إلبى مبن قصببر‬
‫منيف وفي ذلك الوسط أمضى يزيد زمن صباه وصدر شبابه ‪ ،‬وما لبببث‬
‫أن انتقل أبوه إلى رحمة الله حتى تببولى المركببز الببذي أراده اللببه لببه ‪.‬‬
‫فلما خل الجو لبببن الزبيببر ‪ -‬بمببوت معاويببة ‪ -‬صببار دعبباته يببذيعون فببي‬
‫الحجاز الكاذيب على يزيد ‪ ،‬وينسبون إليه ما ل يحل لهم ‪ ،‬نقل الحببافظ‬
‫ابن كثير في البداية والنهاية ) ‪ (233 : 8‬أن عبد الله بن مطيع ) داعيببة‬
‫ابن الزبير( مشى في المدينة هو وأصحابه إلى محمد بن علببي بببن أبببي‬
‫طالب ) المعروف بابن الحنفية( فأرادوه على خلع يزيد ‪ ،‬فأبى عليهببم ‪،‬‬
‫فقال ابن مطيع ‪ :‬إن يزيد يشرب الخمر ‪ ،‬ويترك الصلة ‪ ،‬ويتعدى حكببم‬
‫الكتاب ‪ .‬فقال لهم ‪ :‬ما رأيت منه ما تببذكرون ‪ ،‬وقببد حضببرته ‪ ،‬وأقمببت‬
‫عنده ‪ ،‬فرأيته مواظبا على الصلة ‪ ،‬متحريا للخيبر ‪ ،‬يسبأل عبن الفقبه ‪،‬‬
‫ملزما للسنة ‪ .‬قالوا ‪ :‬فإن ذلك كان منه تصنعا لك ‪ .‬فقببال ‪ :‬ومببا الببذي‬
‫خاف مني أو رجا حتى يظهر إلى الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون‬
‫من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلببك إنكببم لشببركاؤه ‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بمببا لببم تعلمببوا ‪ .‬قببالوا ‪ :‬إنببه‬
‫عندنا لحق وإن لم نكببن رأينبباه ‪ .‬فقببال لهببم أبببى اللببه ذلببك علببى أهببل‬
‫ن ) الزخببرف ‪، (86 :‬‬ ‫مبو َ‬‫م ي َعْل َ ُ‬
‫هب ْ‬ ‫شبهِد َ ِببال ْ َ‬
‫حق ّ و َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫الشهادة فقال ‪ :‬إ ِّل َ‬
‫مب ْ‬
‫ولست مبن أمركبم فبي شبيء ‪ .‬قبالوا ‪ :‬فلعلبك تكبره أن يتبولى المبر‬
‫غيرك ‪ ،‬فنحن نوليك أمرنا ‪ .‬قال ‪ :‬ما أستحل القتال علببى مببا تريببدونني‬
‫عليه تابعا ول متبوعا ‪ .‬قالوا ؟ فقد قاتلت مع أبيك ؟ قال ‪ :‬جيئوني بمثل‬
‫أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليببه ‪ .‬فقبالوا ‪ :‬فمببر ابنيببك ؟ أبببا القاسببم‬
‫والقاسم بالقتال معنببا ‪ .‬قببال ‪ :‬لببو أمرتهمببا قبباتلت ‪ .‬قببالوا ‪ :‬فقببم معنببا‬
‫مقاما يحض الناس فيه على القتال ‪ .‬قال ‪ :‬سبحان الله ‪ .‬آمر الناس بما‬
‫ل أفعلببه ول أرضبباه ؟ إذن مببا نصببحت للببه فببي عببباده ‪ .‬قببالوا ‪ :‬إذن‬
‫نكرهك ‪ .‬قال ‪ :‬إذن آمر الناس بتقوى الله ‪ ،‬وأل يرضوا المخلوق بسخط‬
‫الخالق ) وخرج إلى مكة( ‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا " فسبماه الليبث " أميبر‬
‫المؤمنين " بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم‪ ،‬ولول كونه‬
‫عنده كذلك ما قال إل " توفي يزيد "‪.‬‬
‫الحسين بين الذين نهوه عن الخروج والذين‬
‫حرضوه عليه‬
‫فإن قيل‪ :‬ولو لم يكن ليزيد إل قتله للحسين بببن علببي‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬يا أسفا على المصائب مرة‪ ،‬ويببا أسببفا علببى مصببيبة‬
‫الحسين ألف مرة‪ .‬وإن بوله يجببري علببى صببدر النبببي ‪‬‬
‫يا لله ويا للمسلمين‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫ودمه يراق على البوغاء ول يحقن‬
‫وإن أمثل ما روي فيه أن يزيد كتب إلى الوليد بن عتبببة‬
‫ينعببي لببه معاويببة ويببأمره أن يأخببذ لببه البيعببة علببى أهببل‬
‫المدينة ‪ -‬وقد كانت تقدمت ‪ -‬فدعا مببروان فببأخبره فقببال‬
‫له‪ :‬أرسل إلى الحسين بن علي وابببن الزبيببر‪ ،‬فببإن بببايعوا‬
‫وإل فاضرب أعناقهم‪ .‬قال‪ :‬سبحان الله‪ ،‬نقتل الحسين بن‬
‫علي وابن الزبير ؟ قال‪ :‬هو ما أقوله لك‪ .‬فأرسببل إليهمببا‪،‬‬
‫فأتاه ابن الزبير‪ ،‬فنعى إليه معاويببة وسببأله البيعببة‪ ،‬فقببال‪:‬‬
‫ومثلي يبببايع هنببا ؟ ارق المنبببر‪ ،‬وأنببا ] أبببايع [ مببع النبباس‬
‫علنية‪ .‬فوثب مببروان وقببال‪ :‬اضببرب عنقببه‪ ،‬فببإنه صبباحب‬
‫فتنببة وشببر‪ .‬فقببال ] ابببن الزبيببر [‪ :‬فإنببك لهنالببك يببا ابببن‬
‫الزرقاء ؟ ) واستّبا (‪ .‬فقال الوليببد‪ :‬اخرجببا عنببي‪ ،‬وأرسببل‬
‫إلى الحسين ولببم يكلمببه بكلمببة فببي شببيء‪ ،‬وخرجببا مببن‬
‫عنده‪ .‬وجعل الوليد عليهما الرصد‪ .‬فلما دنببا الصبببح خرجببا‬
‫مسرعين إلى مكببة فالتقيببا بهببا فقببال لبه اببن الزبيببر‪ :‬مبا‬
‫‪1‬‬
‫)( البوغاء ‪ :‬التراب الناعم ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك ؟ فوالله لو أن لببي مثلهببم‬


‫لذهبت إليهم‪ .‬فهذا ما صح‪.‬‬
‫وذكببر المؤرخببون أن كتببب أهببل الكوفببة وردت علببى‬
‫وأنه أرسل مسلم بن عقيل ‪ -‬ابن عمه ‪ -‬إليهم‬ ‫)‪(1‬‬
‫الحسين‬
‫ليأخذ عليهم البيعة وينظر هو في اّتباعه‪ ،‬فنهاه ابن عببباس‬

‫‪1‬‬
‫)( أول من كتب إليه من شيوخ شيعته ‪ -‬على ما رواه مؤرخهم لوط بببن‬
‫يحيى ‪ -‬سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعببة بببن شببداد وحبببيب‬
‫بن مظاهر ‪ ،‬وأرسلوا كتابهم مع عبد الله بن سبببع الهمببداني وعبببد اللببه‬
‫بن وال ‪ ،‬فبلغا حسينا بمكة في عاشر رمضببان سببنة ‪ ، 60‬وبعببد يببومين‬
‫سرحوا إليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بببن عبببد اللببه بببن‬
‫الكدن الرحبي وعمارة السلولي بثلث وخمسين صحيفة ‪ ،‬وبعببد يببومين‬
‫آخرين سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفببي‬
‫) وفي الطبري ‪ 197 : 6‬نصوص بعض رسائلهم وأسماء بعض أصحابها(‬
‫وهي تدور على أنهببم ل يجتمعببون مببع أميرهببم النعمببان بببن بشببير فببي‬
‫جمعة ‪ ،‬ويدعون الحسين إليهم حتى إذا أقببل طببردوا أميرهبم وألحقببوه‬
‫بالشام ‪ ،‬ويقولون في بعضها ‪ " :‬أينعت الثمار ‪ ،‬فإذا شئت فاقببدم علببى‬
‫جند لك مجند " فأرسل الحسين إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي‬
‫طالب ليرى إن كانوا مستوثقين مجتمعين ليقدم هببو عليهببم بعببد ذلببك ‪.‬‬
‫وضل مسلم بن عقيل في الطريق ومات من معه من العطش ‪ ،‬فكتببب‬
‫إلى الحسببين يسببتعفيه مببن هببذه المهمببة ‪ ،‬فأجببابه ‪ :‬خشببيت أل يكببون‬
‫حملك علببى السببتعفاء إل الجبببن ‪ .‬فمضببى مسببلم حببتى بلببغ الكوفببة ‪،‬‬
‫وأعطبباه البيعببة للحسببين اثنببا عشببر ألفببا منهببم ‪ ،‬وشببعر أميببر الكوفببة‬
‫النعمان بن بشير بحركاتهم فخطب فيهم ينهاهم عببن الفتنببة والفرقببة ‪،‬‬
‫وقال لهم ‪ :‬إني ل أقاتل إل من قاتلني ‪ ،‬ول آخذ بالظنببة والتهمببة ‪ ،‬فببإن‬
‫أبديتم لي صفحتكم ونكثتم بيعتكم لضربنكم بسيفي ما ثبت قببائمه فببي‬
‫يدي ‪ .‬وعلم يزيد أن النعمان بن بشير حليم ناسك ل يصلح في مقاومببة‬
‫مثل هذه الحركة ‪ ،‬فكتب إلى عبيد الله بن زياد عامله على البصببرة أنببه‬
‫قد ضم إليه الكوفة أيضا ‪ ،‬وأمره أن يأتي الكوفة وأن يطلب ابن عقيببل‬
‫كطلب الخرزة حتى يثقفه فيوثقه فيقتله أو ينفيه ‪ .‬فاستخلف عبيد اللببه‬
‫أخاه على البصرة ‪ ،‬وأقبل إلببى الكوفببة فاتصببل برؤسببائها وقبببض علببى‬
‫أزمة الحال ‪ ،‬فما لبث مسلم بن عقيل أن رأى مبايعيه الثني عشر ألفببا‬
‫كالهببباء ‪ ،‬ورأى نفسببه وحيببدا طريببدا ‪ ،‬ثببم قبببض عليببه وقتببل ‪ .‬وكببان‬
‫الحسين قد جاءته قبل ذلك رسائل مسلم بن عقيل بأن اثني عشر ألفببا‬
‫ببايعوه علببى المبوت ‪ ،‬فخبرج عقببب موسبم الحببج يريبد الكوفببة ‪ ،‬ولبم‬
‫يشجعه على الخروج إل ابن الزبير لنه عرف أن أهل الحجاز ل يتببابعونه‬
‫ما دام الحسين معهم ‪ ،‬فصار الحسين أثقل خلق الله علببى ابببن الزبيببر‬
‫) الطبري ‪ 197 - 196 : 6‬وانظر ‪ 216 : 6‬و ‪ . (217‬أما المشفقون‬

‫‪220‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وأعلمه أنهم خببذلوا أببباه وأخبباه‪ ،‬وأشببار عليببه ابببن الزبيببر‬


‫بالخروج فخرج‪ ،‬فلم يبلغ الكوفة إل ومسلم بن عقيببل قببد‬
‫قتل وأسلمه من كان استدعاه ! ويكفيك بهببذا عظببة لمببن‬
‫مببا بببالحق‪ .‬ولكنببه‬
‫اتعظ‪ .‬فتمادى واستمر غضًبا للدين وقيا ً‬
‫‪ ‬لم يقبل نصيحة أعلم أهل زمانه ابن عباس‪ ،‬وعدل عن‬
‫وطلب البتداء في النتهاء‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫رأي شيخ الصحابة ابن عمر‬
‫والسببتقامة فببي العوجبباج‪ ،‬ونضببارة الشبببيبة فببي هشببيم‬
‫المشيخة‪ .‬ليس حوله مثله ول له مببن النصببار مببن يرعببى‬
‫على الحسين من هذا الخروج المشئوم فهم جميع أحبببائه وذوي قرابتببه‬
‫والناصحين له والمتحرين سنة السلم في مثل هذا الموقف ‪ ،‬كل هؤلء‬
‫نهوه عن مسيره ‪ ،‬وحذروه من عواقبه ‪ ،‬وفي طليعتهم أخوه محمد بببن‬
‫الحنفية ) الطبري ‪ ) ، (191 - 190 : 6‬وابن عم أبيه حبر المة عبد الله‬
‫بن العباس الطبري ‪ (217 - 216 : 6‬وابن عمه عبد الله بن جعفر بن‬
‫أبي طالب ) ‪ ، (219 : 2‬وقد بلغ المببر بعبببد اللببه بببن جعفببر أن حمببل‬
‫والي يزيد على مكة ‪ -‬وهو عمر بن سعيد بببن العبباص ‪ -‬علببى أن يكتببب‬
‫للحسين كتاب المان ويمنيه فيه البر والصلة ويسببأله الرجببوع ‪ ،‬فأجببابه‬
‫والي مكة إلى كل ما طلب وقال له ‪ :‬اكتببب مببا تشبباء وأنببا أختببم علببى‬
‫الكتاب ‪ ،‬فكتبه وختمه الوالي ‪ ،‬وبعث به إلى الحسين مع أخيه يحيى بن‬
‫سعيد بن العاص ‪ ،‬وذهب عبد الله بن جعفر مع يحيى ‪ ،‬وجهدا بالحسببين‬
‫أن يثنياه عن السفر فأبى ) وصورة كتاب الوالي في تاريخ الطبببري ‪: 6‬‬
‫‪ ، (220 - 219‬وليس فوق هؤلء الناصحين أحد فببي عقلهببم وعلمهببم‬
‫ومكانتهم وإخلصهم ‪ ،‬بل إن عبد الله بن مطيع داعيببة ابببن الزبيببر كببان‬
‫من ناصحيه بعقل وإخلص ) الطبري ‪ (196 : 6‬وعمر بن عبد الرحمببن‬
‫بن الحارث بن هشام المخزومببي كببان علببى هببذا الببرأي ) الطبببري ‪: 6‬‬
‫‪ (216 - 215‬والحارث بن خالد بن العاص بن هشام لم يأله نصحا ) ‪: 6‬‬
‫‪ (216‬وحتى الفرزدق الشاعر قال له ‪ :‬قلوب الناس معك وسيوفهم مع‬
‫بني أمية ‪ ) .‬الطبري ‪ (218 : 6‬فلم يفببد شببيء مببن هببذه الجهببود فببي‬
‫تحويل الحسين عن هذا السفر الذي كان مشئوما عليه ‪ ،‬وعلى السببلم‬
‫وعلى المة السلمية إلببى هببذا اليببوم وإلببى قيببام السبباعة ‪ ،‬وكببل هببذا‬
‫ة فبي الفتنبة والفرقبة‬ ‫بجناية شيعته الذين حرضوه بجهبل وغبرور ‪ ،‬رغبب ً‬
‫والشر ‪ ،‬ثم خذلوه بجبن ونذالة وخيانة وغببدر ‪ .‬ولببم يكتببف ورثتهببم بمببا‬
‫فعل أسلفهم فعكفوا على تشويه التاريخ وتحريف الحقببائق ورد المببور‬
‫على أدبارها ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في إيثاره العافية ‪ ،‬وحرصه علببى وحببدة المسببلمين وتفرغهببم لنشببر‬
‫الدعوة والفتوح ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫حقه‪ ،‬ول من يبذل نفسه دونه‪ ،‬فأردنا أن نطهر الرض من‬


‫فأرقنا دم الحسين‪ ،‬فجاءتنا مصببيبة ل يجبرهببا‬ ‫)‪(1‬‬
‫خمر يزيد‬
‫سرور الدهر‪.‬‬
‫وما خرج إليه أحد إل بتأويل‪ ،‬ول قبباتلوه إل بمببا سببمعوا‬
‫من جببده المهيمببن علببى الرسببل‪ ،‬المخبببر بفسبباد الحببال‪،‬‬
‫المحذر من الدخول في الفتن‪ .‬وأقببواله فببي ذلببك كببثيرة‪:‬‬
‫}إنه ستكون هنات وهنببات‪ ،‬فمبن أراد أن‬ ‫)‪(2‬‬
‫منها قوله ‪‬‬
‫يفرق أمر هذه المة وهي جميببع فاضببربوه بالسببيف كائن ًببا‬
‫‪ .‬فما خببرج النبباس إل بهببذا وأمثبباله‪ .‬ولببو أن‬ ‫)‪(3‬‬
‫من كان{‬
‫عظيمها وابببن عظيمهببا وشببريفها وابببن شببريفها الحسببين‬
‫وسعه بيتببه أو ضببيعته أو إبلببه ‪ -‬ولببو جبباء الخلببق يطلبببونه‬
‫ليقوم بالحق‪ ،‬وفي جملتهببم ابببن عببباس وابببن عمببر ‪ -‬لببم‬
‫يلتفت إليهم‪ ،‬وحضره ما أنذر بببه النبببي ‪ ‬ومببا قببال فببي‬
‫ورأى أنها خرجت عببن أخيببه ومعببه جيببوش الرض‬ ‫)‪(4‬‬
‫أخيه‬
‫وكبار الخلق يطلبونه‪ ،‬فكيف ترجببع إليببه بأوببباش الكوفببة‪،‬‬
‫وكبار الصحابة ينهونه وينأون عنببه ؟ مببا أدرى فببي هببذا إل‬
‫التسليم لقضاء الله‪ ،‬والحزن على ابن بنت رسول الله ‪‬‬
‫بقية الدهر‪ .‬ولببول معرفببة أشببياخ وأعيببان المببة بببأنه أمببر‬

‫‪1‬‬
‫)( أي يزعم مثيرو الفتنة الذين يشهدون بغير ما علموا ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( من حديث عرفجة في كتاب المارة مبن صبحيح مسبلم ‪ :‬بباب حكبم‬
‫من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع ) ك ‪ 33‬ح ‪ - 59‬ج ‪ 6‬ص ‪. (22‬‬
‫‪3‬‬
‫)( مسلم المببارة )‪ ، (1852‬النسببائي تحريببم الببدم )‪ ، (4020‬أبببو داود‬
‫السنة )‪ ، (4762‬أحمد )‪. (5/24‬‬
‫‪4‬‬
‫)( " ابني هذا سيد ‪ ،‬ولعل الله أن يصببلح بببه بيببن فئتيببن عظيمببتين مببن‬
‫المسلمين " ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫صرفه الله عن أهل البيت‪ ،‬وحال من الفتنة ل ينبغي لحببد‬


‫أن يدخلها‪ ،‬ما أسلموه أبدا‪.‬‬
‫وهذا أحمد بن حنبل ‪ -‬على تقشفه وعظيم منزلتببه فببي‬
‫الدين وورعه ‪ -‬قد أدخل عن يزيد بن معاويببة فببي ) كتبباب‬
‫الزهد ( أنببه كببان يقببول فببي خطبتببه‪ " :‬إذا مببرض أحببدكم‬
‫ضا فُأشفي ثم تماثل‪ ،‬فلينظر إلببى أفضببل عمببل عنببده‬ ‫مر ً‬
‫فليلزمه ولينظر إلى أسوأ عمل عنده فليدعه " وهببذا يببدل‬
‫على عظيم منزلته عنده حتى يدخله في جملة الزهاد مببن‬
‫وى مببن‬‫دى بقببولهم وي ُْرعَ ب َ‬
‫الصببحابة والتببابعين الببذين ي ُْقت َب َ‬
‫وعظهم‪ ،‬ونعم‪ .‬وما أدخله إل في جملة الصببحابة‪ ،‬قبببل أن‬
‫يخرج إلى ذكر التابعين‪ .‬فأين هذا مببن ذكببر المببؤرخين لببه‬
‫في الخمر وأنواع الفجور‪ ،‬أل تستحيون ؟ ! وإذ سلبهم الله‬
‫المروءة والحيبباء‪ ،‬أل ترعببوون أنتببم وتزدجببرون‪ ،‬وتقتببدون‬
‫بالحبار والرهببان مببن فضببلء المبة‪ ،‬وترفضبون الملحبدة‬
‫‪‬‬ ‫والمجببببان مببببن المنتميببببن إلببببى الملببببة‪} :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬


‫وانظر إلى ابن الزبير بعد ذلك وما دخل فيه من البيعببة‬
‫لببه بمكببة‪ ،‬والرض كلهببا عليببه‪ .‬وانظببروا إلببى ابببن عببباس‬
‫وعقله وإقباله على نفسه‪ .‬وانظروا إلببى ابببن عمببر وسببنه‬
‫وتسليمه للدنيا ونبذه لها‪ .‬ولو كان للقيام وجه لكببان أولببى‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة آل عمران آية ‪. 138 :‬‬

‫‪223‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بذلك ابن عباس‪ ،‬فإن ولدي أخيه عبيد الله قببد ذكببر أنهمببا‬
‫‪ .‬ولكن رأى بعقلببه أن دم عثمببان لببم يخلببص‬ ‫ما‬
‫قتل ظل ً‬
‫)‪(1‬‬

‫إليه‪ ،‬فكيف بدم ولدي عبيد الله ! وإن المببر راهببق )‪ (2‬قببد‬
‫خرجا عنه حفظ ًببا للصبل‪ ،‬وهبو اجتمباع أمببر المببة وحقببن‬
‫دمائهببا وائتلف كلمتهببا‪ .‬ودع المببر يتببوله أسببود مجببدع‬
‫)‪(3‬‬
‫حسبما أمر به صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلمه‬
‫‪ .‬وكل منهم عظيم القدر مجتهد‪ ،‬وفيما دخببل فيببه مصببيب‬
‫مأجور‪ ،‬ولله فيه حكم قببد أنفببذه‪ ،‬وحكببم فببي الخببرة قببد‬
‫أحكمه وفرغ منه‪ .‬فاقدروا هذه المور مقاديرها‪ ،‬وانظببروا‬
‫بما قابلها ابن عباس وابن عمببر فقابلوهببا‪ ،‬ول تكونببوا مببن‬
‫السفهاء الذين يرسببلون ألسببنتهم وأقلمهببم بمببا ل فببائدة‬
‫لهم فيه‪ ،‬ول يغني من الله ول من دنياهم شيًئا عنهم‪.‬‬
‫وانظروا إلى الئمة الخيار وفقهاء المصار‪ ،‬هببل أقبلببوا‬
‫على هذه الخرافات وتكلموا في مثل هذه الحماقات ؟ بل‬
‫علموا أنها عصبيات جاهلية وحمية باطلة‪ ،‬ول تفيد إل قطع‬
‫الحبل بين الخلق‪ ،‬وتشتيت الشمل واختلف الهواء ‪ -‬وقببد‬
‫كان ما كان‪ ،‬وقال الخباريون ما قالوا فإما سببكوت‪ ،‬وإمببا‬
‫اقتداء بأهل العلببم وطببرح لسببخافات المببؤرخين والدببباء‪.‬‬
‫والله يكمل علينا وعليكم النعماء برحمته‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كان ذلك سنة ‪ 40‬في اليمن آخر ولية عبيد اللببه بببن عببباس عليهمببا‬
‫لعلي ‪ ،‬فأرسل معاوية إلى الحجاز واليمن بسر بن أبي أرطاة فأخببذ لببه‬
‫البيعة على أهل الحجاز ‪ ،‬ثم توجه بسر إلى اليمن ‪ ،‬فلما علم عبيد اللببه‬
‫بمجيئه هرب إلى الكوفة وترك ابنيه في اليمن فقتلهما بسر فيما يقال ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي تداخل حقه في باطله ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في كتاب المارة من صحيح مسلم من حديث أبببي ذر ) ك ‪ 33‬ح ‪36‬‬
‫‪ -‬ج ‪ 6‬ص ‪. (14‬‬

‫‪224‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫نكتة‬
‫النبي ‪ ‬أول من عقد الولية لبني أمية‬
‫وعجًبا لستكبار الناس ولية بنبي أميبة‪ ،‬وأول مبن عقبد‬
‫لهم الولية رسول الله ‪ ‬فإنه ولى يوم الفتببح عتبباب بببن‬
‫أسيد بن أبي العيص بن أمية مكة ‪ -‬حرم الله وخير بلده ‪-‬‬
‫ي السن قد أبقل أو لم يبقل‪ .‬واستكتب معاوية بببن‬ ‫وهو فَت ِ ّ‬
‫أبي سفيان أميًنا على وحيه‪ ،‬ثم ولى أبو بكر يزيد َ بببن أبببي‬
‫سفيان ‪ -‬أخاه ‪ -‬الشام‪ .‬وما زالببوا بعببد ذلببك يتوقلببون فببي‬
‫سبيل المجد‪ ،‬ويترقون في درج العببز‪ ،‬حببتى أنهتهببم اليببام‬
‫إلى منازل الكرام‪.‬‬
‫وقد روى الناس أحاديث فيهم ل أصل لها‪ ،‬منهببا حببديث‬
‫رؤية النبي ‪ ‬بني أمية ينزون على منبببره كببالقردة‪ ،‬فعببز‬
‫عليه‪ ،‬فأعطي ليلة القدر خيرا ً من ألببف شببهر يملكهببا بنببو‬
‫أمية‪ .‬ولو كان هذا صحيحا ً ما اسببتفتح الحببال بببوليتهم‪ ،‬ول‬
‫مكن لهم في الرض بأفضل بقاعها وهي مكة‪ .‬وهذا أصببل‬
‫يجب أن تشد عليه اليد‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫مسألة استلحاق معاوية لزياد‬


‫فإن قيل‪ :‬أحدث معاوية فببي السببلم الحكببم بالباطببل‪،‬‬
‫والقضاء بما ل يحل من استلحاق زياد‪ .‬قلنببا‪ :‬قببد بينببا فببي‬
‫غير موضع أن اسببتلحاق زيبباد إنمببا كببان لشببياء صببحيحة‪،‬‬
‫وعمل مستقيم نبينه بعد ذكر ما ادعى فيببه المببدعون مببن‬
‫النحراف عن الستقامة‪ ،‬إذ ل سبيل إلى تحصيل ببباطلهم‪،‬‬
‫لن خرق الباطل ل يرقع‪ ،‬ولسانه أعظم منبه فكيبف ببه ل‬
‫يقطع ؟ !‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬كان زياد ينتسببب إلببى عبيببد الثقفببي مببن سببمية‬
‫‪ ،‬واشترى ] زياد [ عبيدا ‪ -‬أباه ‪-‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫جارية الحارث بن كلدة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫بألف درهم فأعتقه‬

‫‪1‬‬
‫)( روى الحافظ ابن عسبباكر فببي ترجمببة زيبباد مببن تاريببخ دمشببق )‪: 5‬‬
‫‪(409‬عن عوانة بن الحكم الكلبي )أكبر شببيوخ المببدائني( أن سببمية أم‬
‫زياد كانت لدهقان من دهاقين الفرس ‪ ،‬فاشتكى وجع البطن وخبباف أن‬
‫يكون أصيب بداء الستسقاء ‪ ،‬فببدعا الحببارث بببن كلببدة الثقفببي طبببيب‬
‫العرب ‪ - ،‬وقد كان قدم على كسرى ‪ -‬فعالج الدهقان فبرأ ‪ ،‬فببوهب لببه‬
‫سمية ‪ ،‬فولدت له أبا بكرة واسمه مسببروح أو نفيببع فلببم يقببر بببه ‪ .‬ثببم‬
‫ولدت نافعا فلم يقر به ‪ ،‬فلما نزل أبو بكرة إلى النبي قال الحببارث بببن‬
‫كلدة لنافع ‪ :‬إن أخاك مسروحا عبد وأنت ابني ‪ :‬فأقر به يومئذ ‪ ،‬وزوجها‬
‫الحارث غلما له يقال له عبيببد فولببدت زيببادا علببى فراشببه ‪ ،‬وكببان أبببو‬
‫سفيان سار إلى الطائف فنزل على رجل يقال لببه أبببو مريببم السببلولي‬
‫)قال ‪ :‬فأتاه أبو مريم بسمية فوقع بها فولدت زيادا( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في ترجمة زياد من تاريخ ابببن عسبباكر )‪ (407-406 : 5‬خبببر يرويببه‬
‫زهرة بن معبد ومحمد بن عمرو عن وفببادة زيبباد وهببو فببتى علببى أميببر‬
‫المؤمنين عمر من قبل أبي موسى الشعري في يوم جلولء قال ‪ :‬فلما‬
‫نظر إليه عمر رأى له هيئة حسنة وعليه ثياب بيض من كتببان قببال لببه ‪:‬‬
‫ما هذه الثياب ؟ فأخبره ‪ .‬فقال ‪ :‬كم أثمانهببا ؟ فببأخبره بشببيء يسببير ‪،‬‬
‫وصدقه ‪ .‬فقال له ‪ :‬كم عطاؤك ؟ فقال ‪ :‬ألفان ‪ .‬فقال ‪ :‬ما صنعت فببي‬
‫أول عطبباء خببرج ؟ فقببال ‪ :‬اشببتريت بببه والببدتي فأعتقتهببا ‪ ،‬واشببتريت‬
‫بالثاني ربيبي عبيدا فأعتقته ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬وفقت ‪ .‬وسأله عن الفببرائض‬
‫والسنن والقرآن فوجده عالما بالقرآن وأحكببامه وفرائضببه ‪ .‬فببرده إلببى‬
‫أبي موسى ‪ ،‬وأمر أمراء البصرة أن يتبعوا رأيه ‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قال أبو عثمان النهببدي‪ :‬فكنببا نغبطببه‪ .‬واسببتعمله عمببر‬


‫)‪(3‬‬
‫على بعض صدقات البصرة‪ ،‬وقيل بل كتب لبي موسى‬
‫فلما لم يقطع الشهادة مع الشهود علببى المغيببرة جلببدهم‬
‫وعزله وقال له‪ :‬ما عزلتك لخزية‪ ،‬ولكني كرهت أن أحمل‬
‫على الناس فضل عقلك‪ .‬ورووا أن عمر أرسله إلى اليمببن‬
‫في إصلح فساد‪ ،‬فرجع وخطببب خطبببة لببم يسببمع مثلهببا‪،‬‬
‫فقال عمرو بببن العبباص‪ " :‬أمببا واللببه لببو كببان هببذا الغلم‬
‫قرشيا ً لساق الناس بعصاه "‪ ،‬فقال أبو سفيان‪ :‬والله إنببي‬
‫لعرف الذي وضعه في رحم أمه‪ ،‬فقال لبه علبي‪ :‬ومببن ؟‬
‫قال‪ :‬أنا‪ .‬قال مهل يا أبا سفيان‪ .‬فقال أبو سفيان أبياتا ً من‬
‫الشعر‪:‬‬
‫يراني يا علــي من‬ ‫أما والله لول خــوف‬
‫العـادي‬ ‫شخــص‬
‫ولم تكـن المقالـة عن‬ ‫لظهـر أمره صخـر بن‬
‫زيــاد‬ ‫حرب‬
‫فذلك الذي حمل معاوية‪.‬‬
‫واسببتعمله علببي علببى فببارس‪ ،‬وحمببى‪ ،‬وجبببى‪ ،‬وفتببح‪،‬‬
‫وأصلح‪.‬‬
‫وكاتبه معاوية يروم إفساده‪ ،‬فوجه ] زياد [ بكتببابه إلببى‬
‫علي بشعر‪ ،‬فكتب إليه علي‪ " :‬إني وليتك ما وليتببك وأنببت‬
‫أهل لببذلك عنببدي‪ .‬ولببن يببدرك مببا تريببد بمببا أنببت فيببه إل‬
‫‪3‬‬
‫)( نقل الحافظ ابن عساكر عن الحافظ أبببي نعيببم أن زيببادا كتببب لبببي‬
‫موسى الشعري ‪ ،‬ثم لعبد اللببه بببن عببامر بببن كريببز ‪ ،‬ثببم للمغيببرة بببن‬
‫شعبة ‪ ،‬ثم لعبد الله بن عباس ‪ -‬كتب لهؤلء كلهم على البصببرة ‪ .‬وكببان‬
‫أمير المؤمنين علي أراده أن يوليه البصرة فأشببار زيبباد عليببه أن يوليهببا‬
‫عبد الله بن عباس ‪ ،‬ووعده بأن يشير عليه ويعينه ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫بالصبر واليقين‪ .‬وإنما كببانت مببن أبببي سببفيان فلتببة زمببن‬


‫عمببر‪ ،‬ل تسببتحق بهببا نسبببا ً ول ميراث بًا‪ .‬وإن معاويببة يببأتي‬
‫المؤمن من بين يديه ومن خلفه "‪ .‬فلما قببرأ زيبباد الكتبباب‬
‫قال‪ " :‬شهد لي أبو حسن ورب الكعبة "‪ .‬فذلك الذي جببرأ‬
‫زيببادا ومعاويببة بمببا صببنعا‪ .‬ثببم ادعبباه معاويببة سببنة أربببع‬
‫وأربعين‪ ،‬وزوج معاوية ابنته من ابنه محمد‪ .‬وبلغ الخبر أبببا‬
‫بكرة ‪ -‬أخاه لمه ‪ -‬فآلى يمينا ً أل يكلمه أبببدًا‪ ،‬وقببال " هببذا‬
‫َزّنى أمه‪ ،‬وانتفى من أبيه‪ .‬والله ما رأت سمية أبببا سببفيان‬
‫أيراها فيهتك حرمببة رسببول‬ ‫)‪(1‬‬
‫قط‪ ،‬وكيف يفعل بأم حبيبة‬
‫الله‪ ،‬وإن حجبته فضحته "‪ .‬فقال زياد‪ :‬جزى الله أببا بكببرة‬
‫خيرًا‪ ،‬فإنه لم يدع النصيحة في حال‪ .‬وتكلم فيه الشببعراء‪،‬‬
‫ورووا عن سعيد بن المسيب أنه قال‪ :‬أول قضاء كان فببي‬
‫السلم بالباطل استلحاق زياد‪.‬‬
‫قال القاضي أبو بكر ) ‪ :( ‬قد بينا في غير موضع هذا‬
‫الخبر‪ ،‬وتكلمنا عليه بما يغني عن إعادته‪ ،‬ولكببن ل بببد فببي‬
‫هذه الحالة من بيان المقصود منه فنقول‪:‬‬
‫كل ما ذكرتم ل ننفيه ول نثبته لنه ل يحتاج إليه‪ .‬والببذي‬
‫ندريه حقا ً ونقطع عليه علما أن زيادا ً من الصحابة بالمولببد‬
‫ل بالتفقه والمعرفة‪ .‬وأما أبوه فما علمنا له أبببا‬ ‫)‪(2‬‬
‫والرؤية‬

‫‪1‬‬
‫)( هي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان وأخت معاوية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ترجم له الحافظ ابن حجر في )الصابة( والحافظ أبببو عمببر بببن عبببد‬
‫البر في )الستيعاب( ونقل في مولده أنه ولببد عببام الفتببح ‪ ،‬وقيببل عببام‬
‫الهجرة ‪ ،‬وقيل يوم بدر ‪ .‬قال ابن حجر ‪ :‬وجزم ابببن عسبباكر بببأنه أدرك‬
‫النبي ولم يره ‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وإنما هي أقوال غائرة‬ ‫)‪(1‬‬


‫قبل دعوى معاوية على التحقيق‬
‫من المؤرخين‪ .‬وأمببا شببراؤه لبه فمراعباة للحضبانة‪ ،‬فببإنه‬
‫حضنه عنده إذ دخل عليه‪ ،‬فله نسب بالحضانة إليه إن كان‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وأما قولهم إن أبا عثمان ] النهدي [ غبطببه بببذلك‪ ،‬فهببو‬
‫بعيد على أبي عثمان‪ ،‬فإنه ليس في أن يبتاع أحببد حاضببنه‬
‫أو أباه فيعتقه من المزية بحيببث يغبطببه عليببه أبببو عثمببان‬
‫وأمثاله‪ ،‬لن هذه مرتبة يببدركها الغنببي والفقيببر والشببريف‬
‫والوضيع‪ ،‬ولو بذل من المال ما يعظم قدره‪ ،‬فيدرأ به قدر‬
‫مروءته في إهانة الكثير العظيم‪ ،‬في صلة الببولي الحميببم‪،‬‬
‫وإنما ساقوا هذه الحكاية ليجعلوا له أبا‪ ،‬ويكون بمنزلة من‬
‫انتفى من أبيه‪.‬‬
‫وأما استعمال عمببر لببه فصببحيح‪ ،‬وناهيببك بببذلك تزكيببة‬
‫وشرفا ً ودينا‪.‬‬
‫وأما قولهم إن عمر عزلببه لنببه لببم يشببهد بباطببل‪ ،‬بببل‬
‫وعمر يقببول للمغيببرة‪:‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫روي أنه لما شهد أصحابه الثلثة‬
‫ذهب ربعك‪ ،‬ذهب نصفك‪ ،‬ذهببب ثلثببة أرباعببك‪ ،‬فلمببا جبباء‬
‫زياد قببال لببه‪ :‬إنببي أراك صبببيح الببوجه‪ ،‬وإنببي لرجببو أن ل‬
‫يفضح الله على يديك رجل ً من أصحاب محمد ‪. ‬‬

‫‪1‬‬
‫)( من الثابت أن الحارث بن كلدة اعترف ببأبوته لنببافع أخببي زيبباد لمببه‬
‫فصار يقال له نافع بن الحارث بببن كلببدة ‪ .‬ول يعببرف التاريببخ أن عبيببدا‬
‫الثقفي أو الحارث بن كلدة اعترفا بزياد ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أصحابه الثلثة في الشهادة على المغيرة أخبواه لمبه ‪ :‬نفيبع ‪ ،‬ونبافع‬
‫الذي ينسب إلي الحارث بن كلدة ‪ ،‬والثالث شبل بن معبد ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫وأما خطبته التى ذكروا أنه عجب منها عمرو‪ ،‬فمببا كببان‬
‫عنده فضل علم ول فصاحة يفوق بها عمرا ً فمببن فببوقه أو‬
‫دونه‪ .‬وقد أدخل له الشيخ المفتري )‪ . (1‬خطبا ً ليسببت فببي‬
‫الحد المذكور‪.‬‬
‫وأما قولهم إن أبا سفيان اعترف به‪ ،‬وقال شببعرا فيببه‪،‬‬
‫فل يرتاب ذو تحصيل في أن أبا سفيان لو اعترف بببه فببي‬
‫حياة عمر لم يخف شيئًا‪ ،‬لن الحال لم يكن يخلو من أحببد‬
‫كما روي عنببه فببي‬ ‫)‪(2‬‬
‫قسمين‪ :‬إما أن يرى عمر إلطته به‬
‫غيره فيمضي ذلك‪ ،‬أو يرد ذلك فل يلزم أبا سببفيان شببيء‬
‫ببباقتراف مببا كببان فببي الجاهليببة‪ .‬فببذكرهم هببذه الحكايببة‬
‫المخترعببة الببباردة المتهافتببة الخارجببة عببن حببد الببدين‬
‫والتحصيل ل معنى له‪.‬‬
‫وأما تولية علي له فتزكية‪.‬‬
‫وأما بعث معاوية إليه ليكون معه فصحيح فببي الجملببة‪.‬‬
‫وأما تفصيل ما كتب معاوية‪ ،‬أو كتب زياد به إلببى علببي‪ ،‬أو‬
‫جاوب به علي زيادًا‪ ،‬فهذا كله مصنوع‪.‬‬
‫وأما قول علي " إنما كانت من أبي سفيان فلتة ] زمن‬
‫عمر [ ل تستحق بها نسبا " فلو صببح لكببان ذلببك شببهادة‪،‬‬
‫كما روي عن زياد‪ ،‬ولم يكن ذلك بمبطل لما فعله معاوية‪،‬‬
‫لنها مسألة اجتهاد بيببن العلمبباء‪ :‬فببرأى علببي شببيئًا‪ ،‬ورأى‬
‫معاوية وغيره غيره‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( لعله يريد الجاحظ ‪ ،‬وأعظم خطب زياد التي أوردهببا لببه فببي )البيببان‬
‫والتبيين( خطبته التي تسمى )البتراء( وهي في أوائل الجزء الثاني ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أي إلحاقه وإلصاقه ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الفرق بين واقعتي استلحاق زياد وابن وليدة‬


‫زمعة‬
‫وأما ) نكتة الكلم ( وهو القببول فببي اسببتلحاق معاويببة‬
‫زيادا ً وأخذ الناس عليه في ذلببك‪ ،‬فببأي إخببذ عليببه فيببه إن‬
‫كان سمع ذلك من أبيه ؟ وأي عار علببى أبببي سببفيان فببي‬
‫أن يليط بنفسبه ولبد زنبا كبان فبي الجاهليبة‪ .‬فمعلبوم أن‬
‫سمية لم تكن لبي سفيان‪ ،‬كما لم تكن وليدة زمعة لعتبة‪،‬‬
‫لكن كان لعتبة منازع تعين القضاء لببه‪ ،‬ولببم يكببن لمعاويببة‬
‫منازع في زياد‪.‬‬
‫اللهم إن هاهنا نكتة اختلف العلمبباء فيهبا‪ ،‬وهبي أن الخ‬
‫إذا استلحق أخا يقول هو ابن أبي ولم يكببن لببه منببازع بببل‬
‫كببان وحببده‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬يببرث ول يثبببت النسببب‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي ‪ -‬في أحد القولين ‪ -‬يثبت النسب ويأخببذ المببال‪،‬‬
‫هببذا إذا كببان المقببر بببه غيببر معببروف النسببب‪ .‬واحتببج‬
‫الشافعي بقول النبي ‪} ‬هو لك يا عبد بببن زمعببة‪ ،‬الولببد‬
‫فقضببى بكببونه للفببراش‬ ‫)‪(1‬‬
‫للفببراش وللعبباهر الحجببر{‬
‫وبإثبات النسب‪ .‬قلنا هذا جهل عظيببم‪ ،‬وذلببك أن قببوله إن‬
‫النبي ‪ ‬قضى بكونه للفراش صببحيح‪ ،‬وأمببا قببوله بثبببوت‬
‫النسب فباطببل‪ ،‬لن عبببدا ً ادعببى سببببين‪ :‬أحببدهما الخببوة‬
‫والثاني ولدة الفراش‪ .‬فلو قال النبي ‪ ‬هو أخوك‪ ،‬الولببد‬
‫للفراش‪ .‬لكان إثباتا ً للحكم‪ ،‬وذكرا ً للعلة‪ .‬بيد أن النبببي ‪‬‬
‫عدل عن الخوة ولم يتعرض لها‪ ،‬وأعرض عن النسب ولم‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري البيوع )‪ ، (1948‬مسلم الرضاع )‪ ، (1457‬النسببائي الطلق‬
‫)‪ ، (3484‬أبو داود الطلق )‪ ، (2273‬ابن ماجه النكاح )‪ ، (2004‬أحمببد‬
‫)‪ ، (6/129‬مالك القضية )‪ ، (1449‬الدارمي النكاح )‪. (2237‬‬

‫‪231‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫يصرح به‪ ،‬وإنما في الصحيح فببي لفببظ }هببو أخببوك{‬
‫‪ ،‬معناه فأنت أعلم بببه‪ .‬وقببد مهببدنا‬ ‫)‪(2‬‬
‫وفي آخر }هو لك{‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫ذلك في مسائل الخلف‬
‫فالحارث بن كلدة لم يدع زيببادا ً ول كببان إليببه منسببوبًا‪،‬‬
‫وإنما كان ابن أمته ولد على فراشه ‪ -‬أي في داره ‪ -‬فكببل‬
‫من ادعاه فهو له‪ ،‬إل أن يعارضه من هو أولى به منه‪ ،‬فلم‬
‫يكن على معاوية في ذلك مغمز‪ ،‬بل فعل فيه الحببق علببى‬
‫مذهب مالك‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فلم أنكر عليه الصحابة ؟‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬لنها مسألة اجتهاد‪ ،‬فمن رأى أن النسببب ل يلحببق‬
‫بالوارث الواحد أنكر ذلك وعظمه‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ولم لعنببوه‪ ،‬وكببانوا يحتجببون بقببول النبببي ‪‬‬
‫}ملعون من انتسب لغير أبيه‪ ،‬أو انتمى إلى غيببر مببواليه{‬
‫؟‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫قلنا‪ :‬إنما لعنه من لعنه لوجهين‪ :‬أحدهما لنه أثبت نسبه‬


‫من هذا الطريق‪ ،‬ومن لم يبر لعنه لهذا لعنه لغيببره‪ .‬وكببان‬

‫‪1‬‬
‫)( البخبباري المغببازي )‪ ، (4052‬مسببلم الرضبباع )‪ ، (1457‬النسببائي‬
‫الطلق )‪ ، (3484‬أببببو داود الطلق )‪ ، (2273‬اببببن مببباجه النكببباح )‬
‫‪ ، (2004‬أحمد )‪ ، (6/226‬مالك القضببية )‪ ، (1449‬الببدارمي النكبباح )‬
‫‪. (2237‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخاري البيوع )‪ ، (1948‬مسلم الرضاع )‪ ، (1457‬النسببائي الطلق‬
‫)‪ ، (3484‬أبو داود الطلق )‪ ، (2273‬ابن ماجه النكاح )‪ ، (2004‬أحمببد‬
‫)‪ ، (6/129‬مالك القضية )‪ ، (1449‬الدارمي النكاح )‪. (2237‬‬
‫‪3‬‬
‫)( للمؤلف كتاب )النصاف في مسائل الخلف( ‪ 20‬مجلدا ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( البخاري العتصام بالكتاب والسنة )‪ ، (6870‬مسلم الحببج )‪، (1370‬‬
‫الترمذي الولء والهبة )‪ ، (2127‬أبو داود المناسك )‪. (2034‬‬

‫‪232‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫زيبباد أهل أن يلعببن ‪ -‬عنببدهم ‪ -‬لمببا أحببدث بعببد اسببتلحاق‬


‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫معاوية‬
‫فإن قيل‪ :‬جعل النبي ‪ ‬للزنا حرمة‪ ،‬ورتب عليها حكما ً‬
‫وهببذا يببدل علببى أن‬ ‫)‪(2‬‬
‫حين قال‪} :‬احتجبي منه يا سودة{‬
‫الزنا يتعلق به من حرمة الوطء ما يتعلق بالنكاح الصببحيح‪.‬‬
‫هكببذا قببال الكوفيببون‪ .‬ومالببك فببي روايببة ابببن القاسببم‬
‫يساعدهم على المسألة ول يساعدهم على دليلها من هببذا‬
‫الوجه‪ ،‬وقد بيناها في كتاب النكاح‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬العببذر‬
‫في أمر النبي ‪ ‬لسودة بالحتجاب مببع ثبببوت نسبببه مببن‬
‫زمعة وصحة أخوته لها بدعوى عبد أن ذلك تعظيم لحرمببة‬
‫أزواج النبببي ‪ ‬لنهببن لببم يكببن كأحببد مببن النسبباء فببي‬
‫شرفهن وفضلهن‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬لو كان أخاها بنسب ثابت صحيح كما قلتم‪ ،‬ويكون‬
‫قول النبي ‪} ‬الولببد للفببراش{ )‪ (3‬تحقيقبا ً للنسببب‪ ،‬لمببا‬
‫‪1‬‬
‫)( وأهم ذلك ‪ -‬عندهم‪ -‬تسببه في قتل حجر بن عدي ‪ ،‬وقد مضى الكلم‬
‫عليه في ص ‪. 213-211‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في كتاب القضية من )موطأ مالك( ب ‪ 21‬ص ‪ 740‬عن ابببن شببهاب‬
‫عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت ‪ :‬كان عتبة بببن أبببي وقبباص عهببد‬
‫إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة منببي ] وليببدة زمعببة ‪:‬‬
‫جاريته [ ‪ ،‬فاقبضه إليك ‪ .‬قالت فلما كان عام الفتح أخذه سببعد وقببال ‪:‬‬
‫ابن أخي ‪ ،‬قد كان عهد إلي فيه ‪ .‬فقام إليه عبد بن زمعة فقال ‪ :‬أخببي ‪،‬‬
‫وابن وليدة أبي ‪ ،‬ولد علببى فراشببه ‪ .‬فتسبباوقا إلببي رسببول اللببه فقببال‬
‫سعد ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ابن أخي ‪ ،‬قد كان عهد إلي فيه ‪ .‬وقببال عبببد بببن‬
‫زمعة ‪ :‬أخي ‪ ،‬وابن وليدة أبي ‪ ،‬ولد على فراشه ‪ .‬فقببال رسببول اللببه "‬
‫هو لك يا عبد بن زمعة " ‪ .‬ثم قال " الولد للفراش ‪ ،‬وللعاهر الحجببر " ‪.‬‬
‫ثم قال لسودة بنت زمعة " احتجبي منه " لما رأى من شبببهه بعتبببة بببن‬
‫أبي وقاص ‪ .‬قالت ‪ :‬فما رآها حتى لقي الله عز وجل ‪ .‬وأخرجه البخاري‬
‫)ك ‪ 34‬ب ‪ (3‬ومسلم )ك ‪ 17‬ب ‪ 10‬ح ‪. (36‬‬
‫‪3‬‬
‫)( البخاري البيوع )‪ ، (1948‬مسلم الرضاع )‪ ، (1457‬النسببائي الطلق‬
‫)‪ ، (3484‬أبو داود الطلق )‪ ، (2273‬ابن ماجه النكاح )‪ ، (2004‬أحمببد‬

‫‪233‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫منع النبي ‪ ‬سودة منه‪ ،‬كما لم يمنع عائشببة مببن الرجببل‬


‫الذي قالت‪ :‬هو أخي من الرضبباعة‪ ،‬وإنمببا قببال‪} :‬انظببرن‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫من إخوانكن{‬
‫وأما ما روي عن سعيد بن المسيب‪ ،‬فأخبر عببن مببذهبه‬
‫في أن هذا الستلحاق ليس بصحيح‪ ،‬وكذلك رأى غيره من‬
‫الصحابة والتابعين‪ .‬وقد صارت المسببألة إلببى الخلف بيببن‬
‫المة وفقهاء المصار‪ ،‬فخرجت مببن حببد النتقبباد إلببى حببد‬
‫العتقبباد‪ .‬وقببد صببرح مالببك فببي كتبباب السببلم وهببو‬
‫) الموطأ ( بنسبه فقال في دولة بنببي العببباس " زيبباد بببن‬
‫أبي سفيان "‪ ،‬ولم يقل كما يقول المجادل " زياد بببن أبيببه‬
‫" هذا على أنه ل يرى النسب يثبت بقول واحد‪ .‬ولكن فببي‬
‫ذلك فقه بديع لم يفطن له أحد‪ ،‬وهو أنها لما كانت مسألة‬
‫خلف‪ ،‬ونفذ الحكم فيها بأحد الوجهين‪ ،‬لم يكن لها رجببوع‪،‬‬
‫فببإن حكببم القاضببي فببي مسببائل الخلف بأحببد القببولين‬
‫يمضيها ويرفع الخلف فيها‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫وأما روايتهببم أن عمببر قببال " كرهببت أن أحمببل فضببل‬
‫عقلك على الناس " فهذه زيادة ليس لها أصل‪ ،‬من ناقص‬
‫عقل‪ ،‬وأي عقل كان لزياد يزيد على الناس في أيببام عمببر‬
‫وكل واحد من الصحابة كان أعقل من زياد وأعلببم منببه‬ ‫)‪(2‬‬

‫)‪ ، (6/226‬مالك القضية )‪ ، (1449‬الدارمي النكاح )‪. (2236‬‬


‫‪1‬‬
‫)( البخبباري الشببهادات )‪ ، (2504‬مسببلم الرضبباع )‪ ، (1455‬النسببائي‬
‫النكاح )‪ ، (3312‬أبو داود النكاح )‪ ، (2058‬ابن ماجه النكبباح )‪، (1945‬‬
‫الدارمي النكاح )‪. (2256‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لنه كان لما دخل على عمر في السابعة عشرة من عمببره علببى مببا‬
‫نقله البخاري في تاريخه الوسط عن يونس بن حبيب عن آل زياد ‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ولهذا كل من كمببل عقلببه أكببثر مببن الخببر فهببو أولببى أن‬


‫يختلط مع الناس‪ .‬ويقولون‪ :‬كان داهية‪ ،‬وهي كلمة واهيببة‪.‬‬
‫الببدهاء والرب هببو المعرفببة بالمعبباني‪ ،‬والسببتدلل علببي‬
‫العواقب بالمبادي وكل أحد مببن الصببحابة والتببابعين فببوق‬
‫زياد وتلك الروايات التي يروي المؤرخببون ‪ -‬مببن كببذبهم ‪-‬‬
‫في حيل الحرب والفتك بالناس‪ ،‬كل أحد اليوم يقدر علببى‬
‫مثلها وأكثر منها‪ ،‬والحيلة إنما تكببون بديعببة وتنببثى وتببروى‬
‫إذا وافقت الدين‪ ،‬وأما كل حكاية تخالف الدين فليس فببي‬
‫روايتها خير ول عقل‪ .‬وكل النبباس كمببا قببدمنا ‪ -‬وخببذ مببن‬
‫ولة بني أميببة خاصببة ‪ -‬أعقببل مببن زيبباد وأفصببح منببه‪ .‬فل‬
‫تلتفتوا إلي ما روي من الباطيل‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫نكتـــــة‬
‫الوليات والعزلت لها معان وحقائق ل‬
‫يعلمها كثير من الناس‬
‫الوليات والعزلت لها معان وحقائق ل يعلمها كثير مببن‬
‫الناس‪ .‬لقد علمتم أن رسول الله ‪ ‬مات عن زهبباء اثنببي‬
‫عشر ألفا من الصحابة معلومين‪ .‬منهببم ألفببان أو نحوهمببا‬
‫مشاهير في الجللة‪ ،‬ولى منهم أبو بكر سببعدا وأبببا عبيببدة‬
‫ويزيد وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ونفرا غيرهببم‬
‫فببوقهم‪ ،‬وولببى أنببس بببن مالببك ابببن عشببرين سببنة علببي‬
‫‪ .‬ومببتى كببان‬ ‫)‪(1‬‬
‫البحريببن اقتببداء بببالنبي ‪ ‬فببي عتبباب‬
‫استوفى المشيخة حببتى يأخببذ الشبببان‪ .‬وولببى عمببر أيضببا‬
‫كذلك‪ ،‬وبادر بعزل خالد‪ .‬وذلك كله لفقببه عظيببم ومعببارف‬
‫بديعة بيانها في موضعها من كتب المامببة والسياسببة مببن‬
‫الصول‪ ،‬فخذوا في غير هذا‪ ،‬فليس هذا الباب ممببا تلببوكه‬
‫أشداق أهل الداب‪.‬‬
‫وأما ما روي عببن معاويببة أنببه اسببتدعى شببهودا ً فشببهد‬
‫فسل من ألحق ما روي عن السلولي‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫السلولي وسواه‬
‫فإنه لم يكن قببط‪ .‬واسببعد بإسببقاط مببا روي فببي القصببة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية )انظر ص ‪. (234‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السلولي مالك بن ربيعة أبو مريم ‪ ،‬وكان ذلك سنة ‪ ، 44‬وكببان معببه‬
‫في الشهادة زياد بن أسماء الحرمبازي والمنببذر بببن الزبيبر ‪ -‬فيمببا ذكببر‬
‫المببدائني بأسببانيده ‪ -‬وجويريبة بنببت أببي سبفيان والمسببور ببن قدامبة‬
‫الباهلي وابن أبي نصر الثقفي وزيد بن نفيل الزدي وشببعبة بببن العلقببم‬
‫المازني ورجل من بني عمرو بن شببيبان ورجببل مببن بنببي المصببطلق ‪،‬‬
‫شهدوا كلهم على أبي سفيان أن زيادا ابنه ‪ ،‬إل المنذر فشهد أنببه سببمع‬
‫عليا يقول ‪ :‬أشهد أن أبا سفيان قال ذلببك ‪ .‬فخطببب معاويببة فاسببتلحق‬
‫زيادا ‪ ،‬وتكلم زياد فقال ‪ :‬إن كان ما شهد به الشهود حقا فالحمببد للببه ‪،‬‬
‫وإن كان باطل فقد جعلتهم بيني وبين الله ‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫سعيد أو سعد‪ .‬وأما كلم أبي بكرة ‪ -‬أخيه لمه ‪ -‬فيه فغيببر‬
‫ضائر له‪ ،‬لن ذلك رأي أبببي بكببرة واجتهبباده‪ .‬وأمببا قببولهم‬
‫فيها عن أبي بكرة أنه زنى أمه‪ ،‬فلو كان ذلك صببحيحا ً لببم‬
‫يضر أمه ما جرى في الجاهلية في الببدين‪ ،‬فببإن اللببه عفببا‬
‫عن أهل الجاهلية كلها بالسلم‪ .‬وأسقط الثم والعار منببه‪،‬‬
‫فل يذكره إل جاهل به‪.‬‬
‫قال القاضي أبو بكر ) ‪ :( ‬والناس إذا لم يجدوا عيبببا ً‬
‫لحد وغلبهم الحسد عليه وعداوتهم لببه أحببدثوا لببه عيوب بًا‪.‬‬
‫فاقبلوا الوصبية‪ ،‬ول تلتفتبوا إل إلببى مبا صبح مبن الخبببار‪،‬‬
‫واجتنبوا ‪ -‬كما ذكرت لكم ‪ -‬أهل التواريخ‪ ،‬فإنهم ذكروا عن‬
‫السلف أخبارا ً صحيحة يسيرة ليتوسببلوا بببذلك إلببى روايببة‬
‫الباطيل‪ ،‬فيقذفوا ‪ -‬كما قببدمنا ‪ -‬فببي قلببوب النبباس مببا ل‬
‫يرضاه الله تعالى‪ ،‬وليحتقروا السلف ويهونوا الببدين‪ ،‬وهببو‬
‫أعز من ذلك‪ ،‬وهم أكرم منا‪ ،‬فرضي الله عن جميعهم‪.‬‬
‫ومن نظر إلببى أفعببال الصببحابة تبببين منهببا بطلن هببذه‬
‫الهتوك التى يختلقها أهببل التواريببخ فيدسببونها فببي قلببوب‬
‫الضعفاء‪ ،‬وهذا زياد لما أحس المنية اسببتخلف سببمرة بببن‬
‫جندب من كبار الصحابة فقبببل خلفتببه‪ ،‬وكيببف يظببن بببه ‪-‬‬
‫على منزلته ‪ -‬أنه يقبل ولية ظالم لغير رشدة‪ ،‬وهببو علببى‬
‫ما هو عليه من الصحبة‪ ،‬وذلك مببن غيببر إكببراه ول تقيببة ؟‬
‫إن هذا لهو الدليل المبين‪ .‬فمع من تحبون أن تكونببوا‪ :‬مببع‬

‫‪237‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫سمرة بن جندب‪ ،‬أو مببع المسببعودي والمبببرد وابببن قتيبببة‬


‫؟ وهذا غاية في البيان‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫ونظرائهم‬

‫‪1‬‬
‫)( حكم القاضي أبو بكر على ابن قتيبة هذا الحكببم القاسببي وهببو يظببن‬
‫أن كتاب )المامة والسياسة( من تببأليفه كمببا سببيأتي ‪ .‬وكتبباب المامببة‬
‫والسياسة ذكرت فيه أمور وقعت بعد موت ابن قتيبة ‪ ،‬فدل ذلببك علببى‬
‫أنه مدسوس عليه من خبيث صاحب هوى ‪ .‬ولو وقف المؤلف على هذه‬
‫الحقيقة لوضع الجاحظ ومن هم دون الجاحظ في موضع ابن قتيبة ‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫قاصمــــة‬
‫اجتماع العرب بالسلم‬
‫كببانت الجاهليببة مبنيببة علببى العصبببية‪ ،‬متعاملببة بينهببا‬
‫بالحمية فلما جاء السلم بالحق‪ ،‬وأظهببر اللببه منتببه علببى‬
‫‪‬‬ ‫الخلببببببق‪ ،‬قببببببال سبببببببحانه‪} :‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ] ،‬آل‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫عمببببران‪ :‬مببببن اليببببة ‪ ،[ 103‬وقببببال لنبببببيه‪} :‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫)‪(2‬‬
‫‪{‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪‬‬‫‪ ‬‬

‫] النفال‪ :‬من الية ‪ ،[ 63‬فكانت بركة النبي ‪ ‬تجمعهببم‪،‬‬


‫وتجمع شملهم‪ ،‬وتصلح قلوبهم‪ ،‬وتمحو ضغائنهم‪.‬‬
‫واستأثر الله برسببوله ‪ ‬ونفببرت النفببوس‪ ،‬وتماسببكت‬
‫الظواهر منجرة ما دام الميزان قائمًا‪.‬‬
‫ظهور الحزاب البكرية والعمرية والعثمانية‬
‫والعلوية والعباسية‬
‫فلما رفع الميزان ‪ -‬كما تقببدم ذكببره )‪ (3‬فببي الحببديث ‪-‬‬
‫أخذ الله القلوب عببن اللفببة‪ ،‬ونشببر جناحبا ً مببن التقبباطع‪،‬‬
‫حتى سوى جناحين بقتل عثمان‪ ،‬فطار في الفاق‪ ،‬واتصل‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة آل عمران آية ‪. 103 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة النفال آية ‪. 63 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( في ص ‪. 190‬‬

‫‪239‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫في كل‬ ‫)‪(1‬‬


‫الهرج إلى يوم المساق‪ .‬وصارت الخلئق عزين‬
‫واد من العصبية يهيمون‪ :‬فمنهم بكرية‪ ،‬وعمرية‪ ،‬وعثمانية‪،‬‬
‫وعلوية‪ ،‬وعباسية ‪ -‬كل تزعم أن الحق معها وفي صباحبها‪،‬‬
‫والباقي ظلوم غشوم مقتر من الخير عببديم‪ .‬وليببس ذلببك‬
‫بمذهب‪ ،‬ول فيه مقالبة‪ ،‬وإنمبا هبي حماقبات وجهبالت‪ ،‬أو‬
‫دسائس للضللت‪ ،‬حتى تضمحل الشريعة‪ ،‬وتهزأ الملحببدة‬
‫من الملة‪ ،‬ويلهو بهم الشيطان ويلعب‪ ،‬وقد سار بهببم فببي‬
‫غير مسير ول مذهب‪.‬‬
‫قالت البكرية‪ :‬أبو بكر نببص عليببه رسببول اللببه ‪ ‬فببي‬
‫الصلة‪ ،‬ورضببيته المبة للببدنيا‪ ،‬وكببان عنببد النبببي ‪ ‬بتلبك‬
‫المنزلببة العليببا‪ ،‬والمحبببة الخالصببة‪ .‬وولببي فعببدل‪ ،‬واختببار‬
‫فأجاد‪ ،‬إل أنه أوهم في عمر فإنه أمببره غليببظ‪ :‬وفظبباظته‬
‫غلبت‪ .‬وذكروا معايب‪ ،‬وأمببا عثمببان فلببم يخببف مببا عمببل‪.‬‬
‫وكذلك علي‪ .‬وأما العباس فغير مذكور‪.‬‬
‫وقالت العمرية‪ :‬أما أبو بكر ففاضل ضعيف‪ .‬وعمر إمام‬
‫عدل قوي بمببدح النبببي ‪ ‬لببه فببي حببديث الرؤيببا والببدلو‬
‫والعبقري كما تقدم )‪ . (2‬وأما عثمان فخارج عببن الطريببق‪:‬‬
‫ما اختار واليا‪ ،‬ول وفى أحدا ً حقًا‪ ،‬ول كف أقبباربه‪ ،‬ول اتبببع‬
‫سنن من كان قبله‪ .‬وأما علي فجريببء علببى الببدماء‪ .‬لقببد‬
‫‪ .‬كببان يقببدم عمببر‬ ‫)‪(3‬‬
‫سمعت في مجببالس أن ابببن جريببج‬

‫‪1‬‬
‫)( جمع عزة ‪ :‬العصبة من الناس ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في ص ‪. 188‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عبد الملك بن عبد العزيز المكي أحد العلم توفي سنة ‪. 150‬‬

‫‪240‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫يقول‪ :‬لو قال أحد‬ ‫)‪(1‬‬


‫على أبي بكر‪ .‬وسمعت الطرطوشي‬
‫بتقديم عمر لتبعته‪.‬‬
‫وقببالت العثمانيببة‪ :‬عثمببان لببه السببوابق المتقدمببة‪،‬‬
‫والفضائل والفواضل في الذات والمال‪ ،‬وقتل مظلومًا‪.‬‬
‫وقالت العلويببة‪ :‬علببي ابببن عمببه وصببهره وأبببو سبببطي‬
‫النبي ‪ ‬وولد النبي ‪ ‬حضانة‪.‬‬
‫وقبالت العباسبية‪ :‬هبو أببو النبببي ‪ ‬وأولهبم بالتقببديم‬
‫بعببده‪ .‬وطولببوا فببي ذلببك مببن الكلم مببا ل معنببى لببذكره‬
‫ورووا أحبباديث ل يحببل لنببا أن نببذكرها لعظيببم‬ ‫)‪(2‬‬
‫لببدناءته‬
‫الفتراء فيها ودناءة رواتها‪.‬‬
‫وتقدمة علببي‬ ‫)‪(3‬‬
‫وأكثر الملحدة على التعلق بأهل البيت‬
‫حببتى إن الرافضببة أنقسببمت إلببى‬ ‫)‪(4‬‬
‫علببى جميببع الخلببق‬
‫عشرين فرقة أعظمهم بأسا من يقببول إن عليببا هببو اللببه‪.‬‬
‫والغرابيببة يقولببون إنببه رسببول اللببه لكببن جبريببل عببدل‬
‫بالرسالة عنه إلى محمد حمية منه معه‪ ...‬في كفر بببارد ل‬
‫تسخنه إل حرارة السببيف‪ ،‬فأمببا دفببء المنبباظرة فل يببؤثر‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( من شيوخ المؤلف ‪ ،‬انظر ترجمة ابن العربي في أول الكتاب ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وكان أكثر ذلك في زمن دولتهم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( يتخذونهم ذريعة ‪ ،‬ويطعنون في كثير من أفاضلهم ‪ ،‬ويعرضببون بمثببل‬
‫المام زيببد ‪ ،‬بببل يجحببدون أخببوات فاطمببة ‪ .‬ثببم إنهببم يخببالفون صببريح‬
‫شريعة جد أهل البيت بدعوى العصمة والتأليه الفعلي لبعض أفرادهم ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( حتى النبياء ‪ ،‬ويغطون على جريمتهم باستثناء نبينا ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عاصمـــة‬
‫تحذير المسلمين من أهواء المفسرين‬
‫والمؤرخين وأهل الداب‬
‫إنما ذكرت لكم هذا لتحترزوا مببن الخلببق‪ ،‬وخاصببة مببن‬
‫المفسرين‪ ،‬والمؤرخين‪ ،‬وأهببل الداب‪ ،‬بببأنهم أهببل جهالببة‬
‫بحرمات الدين‪ ،‬أو على بدعة مصرين‪ ،‬فل تبالوا بمببا رووا‪،‬‬
‫ول تقبلوا رواية إل عن أئمة الحببديث‪ ،‬ول تسببمعوا لمببؤرخ‬
‫كلما ً إل للطبري )‪ (1‬وغير ذلك هبو المبوت الحمبر‪ ،‬والبداء‬
‫الكبببر‪ .‬فببإنهم ينشببئون أحبباديث فيهببا اسببتحقار الصببحابة‬
‫والسببلف‪ ،‬والسببتخفاف بهببم‪ ،‬واخببتراع السترسببال فببي‬
‫القوال والفعال عنهم‪ ،‬وخروج مقاصدهم عن الببدين إلببى‬
‫الدنيا‪ ،‬وعن الحق إلى الهوى‪ .‬فببإذا قبباطعتم أهببل الباطببل‬
‫واقتصرتم على رواية العدول‪ ،‬سببلمتم مببن هببذه الحبببائل‪.‬‬
‫ولم تطووا كشحا على هذه الغوائل ومن أشد شيء علببى‬
‫الناس جاهل عاقل‪ ،‬أو مبتدع محتال‪ .‬فأما الجاهل فهو ابن‬
‫قتيبة‪ ،‬فلم يبق ولم يذر للصحابة رسما في كتاب ) المامة‬
‫وكببالمبرد فببي‬ ‫)‪(2‬‬
‫والسياسة ( إن صح عنببه جميببع مببا فيببه‬
‫‪1‬‬
‫)( ومع ذلك فببالطبري ذكببر مصببادر أخببباره وسببمى رواتهببا لنكببون مببن‬
‫أمرهم على بينة ‪ ،‬وقال في آخر مقدمة كتابه ‪ :‬فما يكن في كتابي هببذا‬
‫من خبر يستنكره قارئه من أجبل أنبه لبم يعبرف لببه وجهبا فببي الصبحة‬
‫فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا ‪ ،‬وإنما أتى من قبببل بعببض نبباقليه‬
‫إلينا )انظر مجلة الزهر ‪ :‬صفر ‪1372‬ص ‪. (215 -210‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لم يصح عنه شيء مما فيه ‪ .‬ولببو صببحت نسبببة هببذا الكتبباب للمببام‬
‫الحجة الثبت أبي محمد عبد اللببه بببن مسببلم بببن قتيبببة )‪(276 - 213‬‬
‫لكان كما قال عنه ابن العربي ‪ ،‬لن كتاب المامببة والسياسببة مشببحون‬
‫بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير ‪ .‬ولما نشرت لبن قتيبة كتاب‬
‫)الميسر والقداح( قبل أكثر من ربع قرن ‪ ،‬وصدرته بترجمة حافلببة لببه ‪،‬‬
‫وسميت مؤلفاته ‪ ،‬ذكرت )في ص ‪ (27 - 26‬مآخذ العلماء على كتبباب‬
‫المامة والسياسة ‪ ،‬وبراهينهم علببى أنببه ليببس لبببن قتيبببة ‪ ،‬وأزيببد الن‬

‫‪242‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪ .‬وأيببن عقلببه مببن عقببل ثعلببب المببام‬ ‫)‪(1‬‬


‫كتببابه الدب‬
‫المتقدم في أماليه‪ ،‬فإنه ساقها بطريقة أدبيبة سبالمة مبن‬
‫الطعبببن علبببى أفاضبببل المبببة‪ .‬وأمبببا المبتبببدع المحتبببال‬
‫فالمسعودي‪ ،‬فإنه يأتي منه متاخمة اللحاد فيمببا روى مببن‬
‫‪ .‬فبإذا صببنتم أسببماعكم‬ ‫)‪(2‬‬
‫ذلك‪ ،‬وأما البدعة فل شك فيبه‬
‫وأبصاركم عن مطالعة الباطببل‪ ،‬ولببم تسببمعوا فببي خليفببة‬
‫مما ينسب إليه ما ل يليق ويذكر ] عنه [ ما ل يجببوز نقلببه‪،‬‬
‫كنتببم علببى منهببج السببلف سببائرين‪ ،‬وعببن سبببيل الباطببل‬
‫ناكبين‪.‬‬
‫فهذا مالك ‪ ‬قد احتج بقضبباء عبببد الملببك بببن مببروان‬
‫‪ .‬وقببال فببي‬ ‫)‪(3‬‬
‫موطئه وأبرزه في جملة قواعببد الشببريعة‬
‫على ما ذكرته في )الميسر والقداح( أن مؤلف المامة والسياسة يروي‬
‫كثيرا عن اثنين من كبار علماء مصر ‪ ،‬وابن قتيبة لم يدخل مصر ول أخذ‬
‫عن هذين العالمين ‪ ،‬فدل ذلك كله على أن الكتاب مدسوس عليه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( المبرد ينببزع إلببى شببيء مببن رأي الخببوارج ‪ ،‬ولببه فيهببم هببوى ‪ .‬وإن‬
‫إمببامته فببي اللغببة والدب ل تغطببي علببى ضببعفه فببي علببم الروايببة‬
‫والسناد ‪ .‬وإذا كان أبو حامد الغزالي على جللته فببي العلببوم الشببرعية‬
‫والعقلية لم يتجاوز له العلماء عن ضعفه فببي علببوم السببناد فببأحرى أل‬
‫يتجاوزوا عن مثل ذلك للمبرد ‪ .‬وعلى كل حال فكل خبببر ممبا مضببى أو‬
‫سيأتي ‪ -‬في أمتنا أو في أي أمة غيرها ‪ -‬يحتمببل الصببدق والكبذب حبتى‬
‫يثبت صدقه أو كذبه على محك الختبار وبالبحث العلمي ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( علي بن الحسين المسعودي يعده الشببيعة مببن شببيوخهم وكبببارهم ‪،‬‬
‫ويذكر له المامقاني في تنقيح المقببال )‪ (283- 282 : 2‬مؤلفببات فببي‬
‫الوصاية وعصمة المام وغير ذلك مما يكشف عن عصبيته والتزامه غيببر‬
‫سبيل أهل السنه المحمدية ‪ .‬ومبن طبيعبة التشبيع والتحبزب والتعصبب‬
‫البعد بصاحبه عن العتدال والنصاف ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( من ذلك ما جاء في ) باب المستكرهة مببن النسبباء( بكتبباب القضببية‬
‫من الموطأ )ص ‪ : (734‬حدثني مالك عن ابن شهاب أن عبد الملك بببن‬
‫مروان قضى في امرأة أصيبت مستكرهة بصداقها على مبن فعبل ذلبك‬
‫بها ‪ .‬وفي كتاب المكاتب من الموطأ)ص ‪ (788‬قضاء آخر لعبد الملببك ‪،‬‬
‫وفي كتاب العقول من الموطببأ ) ص ‪ (872‬قضبباء لببه أيضببا ‪ .‬أمببا أبببوه‬
‫مروان بن الحكم فأقضيته وفتاواه كثيرة في الموطببأ وغيببره مببن كتببب‬
‫السنة المتداولة في أيدي أئمة المسلمين يعملببون بهببا مببن أيببام الخيببر‬

‫‪243‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫روايته‪ " :‬عن زياد بن أبي سفيان "‪ .‬فنسبه إليه وقببد علببم‬
‫قصته‪ ،‬ولو كان عنده ما يقببول العبوام حقبا لمبا رضببي أن‬
‫وقببد‬ ‫)‪(1‬‬
‫ينسبه ول ذكره فببي كتببابه الببذي أسسببه للسببلم‬
‫جمع ذلك كله في أيام بني العببباس والدولبة لهبم والحكببم‬
‫بأيديهم فما غيروا عليه ول أنكروا ذلك منه لفضل علومهم‬
‫ومعرفتهم بأن مسألة زياد مسألة قد اختلببف النبباس فيهببا‬
‫فمنهم من جوزها ومنهم من منعها‪ ،‬فلم يكببن لعتراضببهم‬
‫إليها سبيل‪.‬‬
‫وكذلك أعجبهم ‪ -‬حين قرأ الخليفة على مالك الموطببأ ‪-‬‬
‫ذكر عبد الملك بن مببروان فيببه وإذكبباره بقضببائه‪ ،‬لنببه إذا‬
‫احتببج العلمبباء بقضببائه فسببيحتج بقضببائه أيضببا مثلببه‪ ،‬وإذا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫طعن فيه طعن فيه بمثله‬

‫إلى الن ‪ .‬وانظر لورع مروان وابنه عبد الملك حديث مالك عن ابن أبي‬
‫عبلة في كتاب النكاح من الموطأ ) ص ‪. (540‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وعامر بن شراحيل الشعبي كان من أئمة المسببلمين كببذلك ‪ ،‬بببل إن‬
‫مالكا كان يراه إماما له ‪ .‬وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة زيبباد‬
‫من تاريخ دمشق )‪ (406 : 5‬أن الشعبي قببال ‪ :‬أتببت زيببادا قضببية فببي‬
‫رجل مات وترك عمة وخالة فقال " لقضين بينكببم بقضبباء سببمعته مببن‬
‫عمر بن الخطاب " وذلك أنبه جعبل العمبة بمنزلبة الخ والخالبة بمنزلبة‬
‫الخت ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وممن روى عببن عبببد الملببك ببن مببروان البخبباري فبي كتبابه )الدب‬
‫المفرد( وروى عن عبد الملك المام الزهري ‪ ،‬وعروة بن الزبير ‪ ،‬وخالد‬
‫بن معدان من فقهاء التابعين وعبادهم ‪ ،‬ورجاء بببن حيببوة أحببد العلم ‪.‬‬
‫قال نافع مولى ابن عمر ‪ :‬لقد رأيت المدينة وما فيها شاب أشد تشميرا‬
‫ول أفقه ول أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان ‪ .‬وروى العمببش‬
‫عن أبي الزناد أن فقهاء المدينة كانوا أربعة ‪ :‬سعيد بن المسيب وعببروة‬
‫بن الزبير وقبيصببة بببن ذؤيببب وعبببد الملببك بببن مببروان قبببل أن يببدخل‬
‫المارة ‪ .‬وقال الشعبي ‪ :‬ما جالست أحدا إل وجدت لببي الفضببل عليببه ‪،‬‬
‫إل عبد الملك بن مروان فإني ما ذاكرته حديثا إل زادني منه ‪ ،‬ول شببعرا‬
‫إل زادني فيه ) البداية والنهاية ‪. (63-62 : 9‬‬

‫‪244‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫عن عبد الله بن دينببار قببال‪ :‬شببهدت‬ ‫)‪(3‬‬


‫وأخرج البخاري‬
‫ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبببد الملببك بببن مببروان‬
‫كتببب‪ " :‬إنببي أقببر بالسببمع والطاعببة لعبببد الملببك أميببر‬
‫المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله‪ ،‬ما اسببتطعت‪ ،‬وإن‬
‫بني قد أقروا بمثل ذلك "‪.‬‬
‫ما نسب إلى المويين أهون من قول المأمون‬
‫بخلق القرآن‬
‫وسماح العباسيين بقراءة كتب الجاحظ في‬
‫المساجد مع ما فيها من مناكير‬
‫وهذا المأمون كان يقول بخلق القرآن‪ ،‬وكببذلك الواثببق‪،‬‬
‫وأظهببروا بببدعتهم‪ ،‬وصببارت مسببألة معلومببة إذا ابتببدع‬
‫القاضي أو المام هل تصببح وليتببه وتنفببذ أحكببامه أم هببي‬
‫مردودة ؟ وهي مسألة معروفببة‪ .‬وهببذا أشببد مببن بببرودات‬
‫أصحاب التواريخ من أن فلنا ً الخليفة شرب الخمر أو غنى‬
‫أو فسق أو زنى‪ ،‬فإن هذا القول في القرآن بدعة أو كفببر‬
‫‪ -‬علببى اختلف العلمبباء فيببه ‪ -‬قببد اشببتهروا بببه‪ ،‬وهببذه‬
‫المعاصي لم يتظاهروا بها إن كببانوا فعلوهببا‪ ،‬فكيببف يثبببت‬
‫ذلببك عليهببم بببأقوال المغنيببن والبببراد مببن المببؤرخين‬
‫] الذين [ قصدوا بذكر ذلك عنهم تسببهيل المعاصببي علببى‬
‫الناس وليقولوا إذا كان خلفاؤنا يفعلببون هببذا فمببا يسببتبعد‬
‫ذلك منببا‪ .‬وسبباعدهم الرؤسبباء علببى إشبباعة هببذه الكتببب‬
‫وقراءتها لرغبتهم في مثل أفعببالهم حببتى صببار المعببروف‬
‫منكرا ً والمنكر معروفبًا‪ ،‬وحببتى سببمحوا للجبباحظ أن تقببرأ‬
‫‪3‬‬
‫)( فببي كتبباب الحكببام مببن صببحيحه ) ك ‪ 93‬ب ‪ - 43‬ج ‪ 8‬ص ‪. (122‬‬
‫وانظر السنن الكبرى للبيهقي ‪. 147 : 8‬‬

‫‪245‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫كتبه في المساجد وفيهببا مببن الباطببل والكببذب والمنبباكير‬


‫ونسبة النبياء إلى أنهم ولببدوا لغيببر رشببدة كمببا قببال فببي‬
‫إسحاق ‪ ‬في كتاب الضلل والتضببلل‪ ،‬وكمببا مكنببوا مببن‬
‫قراءة كتب الفلسفة في إنكببار الصببانع وإبطببال الشببرائع‬
‫لما لوزرائهم وخواصهم في ذلببك مببن الغببراض الفاسببدة‬
‫والمقاصد الباطلة‪ ،‬فإن زل فقيببه أو أسبباء العبببارة عببالم‪:‬‬
‫يكن في كتاب الضلل والتضلل‪ ،‬وكمببا مكنببوا مببن قببراءة‬
‫كتببب الفلسببفة فببي إنكببار الصببانع وإبطببال الشببرائع لمببا‬
‫لببوزرائهم وخواصببهم فببي ذلببك مببن الغببراض الفاسببدة‬
‫والمقاصد الباطلة‪ ،‬فإن زل فقيه أو أساء العبارة عالم‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫يكـن مــا أسـاء النـار فـي رأس كبكـبا‬

‫وبالوقوف على هذه الفضول تحسبن نيباتكم‪ ،‬وتسبلم‬


‫عن التغير قلوبكم على من سبق‪.‬‬
‫وقد بينت لكم أنكم ل تقبلون على أنفسكم فببي دينببار‪،‬‬
‫بل في درهم‪ ،‬إل عدل بريئا من التهم‪ ،‬سليما من الشهوة‪.‬‬
‫فكيف تقبلون في أحببوال السببلف ومببا جببرى بيببن الوائل‬
‫ممن ليس له مرتبة في الدين‪ ،‬فكيف في العدالة !‬
‫ورحم الله عمر بن عبد العزيز حيببث قببال وقببد تكلمببوا‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫فببي الببذي جببرى بيببن الصببحابة‪} :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫)( كبكب ‪ :‬جبل خلف عرفات مشرف عليها ‪ ،‬كان لبني سببامة بببن لببؤي‬
‫قبل أن يجلوا إلى عمان ‪ .‬والشعر للعشى ‪ ،‬وتمامه ‪ :‬ومن يغترب عببن‬
‫قومه ل يزل يرى مصارع مظلوم مجرا ومسحبا وتدفن منه الصالحات ‪،‬‬
‫وإن يسئ يكن ما أساء النار في رأس كبكبا ‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫‪      ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪       ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪       ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪ ] ،‬البقرة‪ :‬آية ‪.[ 134‬‬ ‫) ‪(1‬‬


‫‪{‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬

‫والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات‬

‫بعض المراجع‬
‫لكتابة تعليقات الكتاب‪ ،‬وترجمــة القاضــي ابــن‬
‫العربي‬
‫ديبببوان ذي الرمبببة غيلن ببببن عقببببة )‪- (117 -77‬‬
‫مخطوطتنا الخاصة ‪-‬‬
‫موطأ مالك بببن أنببس )‪ (179 - 93‬بتعليقببات السببتاذ‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي ‪1370‬‬
‫كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف )‪ .(182 - 113‬طبع‬
‫السلفية‬
‫كتاب الخراج ليحيى بن آدم )وفاته ‪ (203‬بشرح الشببيخ‬
‫أحمد شاكر‪ .‬السلفية ‪1384‬‬
‫طبقات ابن سعد )‪ (230 - 168‬طبع ليدن ‪1321‬‬
‫نسب قريش لمصببعب بببن عبببد اللببه الزبيببري )‪- 156‬‬
‫‪(236‬‬
‫مسببند أحمببد )‪ .(241 - 164‬الطبعببة الولببى بمصببر‬
‫‪1313‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة البقرة آية ‪. 134 :‬‬

‫‪247‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫مسند أحمد بتحقيق الشيخ أحمد شبباكر‪) .‬صببدر منببه ‪9‬‬


‫أجزاء(‬
‫كتاب الزهد للمام أحمد‪ .‬طبع مكة سنة ‪1357‬‬
‫صبببحيح البخببباري )‪ (256 -194‬الطبعبببة السبببلطانية‬
‫بالقسطنطينية ‪1315‬‬
‫صببحيح مسببلم )‪ (261 - 206‬الطبعببة السببلطانية‬
‫بالقسطنطينية ‪1329‬‬
‫سنن أبي داود )‪ (275 - 202‬طبع دهلي ‪1272‬‬
‫سنن ابن ماجه )‪ .(273 - 209‬بتحقيق الستاذ محمببد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ .‬مصر ‪1373‬‬
‫جامع الترمذي )‪ (279 - 209‬وشرحه عارضة الحوذي‬
‫لبن العربي‪ .‬مصر ‪1350‬‬
‫سنن النسائي )‪ .(303 - 215‬مصر ‪1312‬‬
‫البيان والتبببيين للجبباحظ )المتببوفى سببنة ‪ .(255‬مصببر‬
‫‪1332‬‬
‫ديببوان الحطيئة بشببرح أبببي سببعيد السببكري )‪- 212‬‬
‫‪ .(275‬مصر‬
‫الميسببر والقببداح لبببن قتيبببة )‪ .(276 - 213‬طبببع‬
‫السلفية ‪1385‬‬
‫فتببوح البلببدان للبلذري )المتببوفى سببنة ‪ .(279‬مصببر‬
‫‪1350‬‬
‫أنساب الشراف للبلذري‪ .‬القدس ‪1938 - 36‬‬
‫تاريخ الطبري )‪ .(310 - 224‬مصر ‪1321‬‬

‫‪248‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تفسير الطبري‪ :‬طبع بولق ‪1323‬‬


‫كتاب العزلة لبببي سببليمان الخطببابي )‪.(388 - 317‬‬
‫مصر ‪1352‬‬
‫المستدرك على الصببحيحين للحبباكم بببن البببيع )‪- 321‬‬
‫‪ .(405‬حيدر أباد الدكن ‪1342 - 35‬‬
‫الحكببام السببلطانية للمبباوردي )‪ .(450 - 366‬مصببر‬
‫‪1327‬‬
‫التمهيببد لبببي بكببر الببباقلني )وفبباته ‪ .(403‬بتحقيببق‬
‫الستاذ الخضيري ‪1366‬‬
‫السببتيعاب لبببن عبببد البببر )‪ (463 - 368‬بهببامش‬
‫الصابة‪ .‬مصر ‪1328‬‬
‫الفصل في الملل والنحببل لبببن حببزم )‪.(457 - 384‬‬
‫مصر ‪1321 - 17‬‬
‫الحكببام فببي أصببول الحكببام لبببن حببزم‪ .‬مصببر ‪- 45‬‬
‫‪1348‬‬
‫السنن الكبرى للبيهقي )‪ .(458 -384‬حيدر أباد الدكن‬
‫‪1355 - 44‬‬
‫الكفاية للخطيببب البغببدادي )‪ (463 - 392‬حيببدر أببباد‬
‫‪1357‬‬
‫معجم ما استعجم للبكري )وفاته ‪ (487‬بتحقيق الستاذ‬
‫مصطفى السقا ‪1371 - 65‬‬
‫مطمح النفس للفتح بن خاقان القيسي )وفبباته ‪.(535‬‬
‫طبع الجوائب ‪1302‬‬

‫‪249‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تهببذيب تاريببخ دمشببق لبببن عسبباكر )‪.(571 - 499‬‬


‫دمشق ‪1351 - 29‬‬
‫النهاية في غريببب الحببديث للمجببد ابببن الثيببر )‪- 544‬‬
‫‪ .(606‬مصر ‪1311‬‬
‫معجم البلدان لياقوت )‪ .(626 - 574‬طبعة وستنفلد‪.‬‬
‫ليبسيك ‪1870‬‬
‫المنتقى من أحاديث الحكام لمجببد البدين عبببد السببلم‬
‫بن تيمية )‪(652 - 490‬‬
‫وفيات العيان لبن خلكان )‪ .(681 - 608‬مصر ‪1299‬‬
‫لسان العرب لبن منظور )‪ .(711 - 630‬طبببع بببولق‬
‫‪1308 - 130‬‬
‫منهاج السنة لشيخ السلم ابببن تيميببة )‪.(728 - 661‬‬
‫بولق ‪1321‬‬
‫المنتقببى مببن منهبباج العتببدال مختصببر منهبباج السببنة‬
‫للذهبي )‪ (748 -673‬طبع السلفية‬
‫لسان الميزان للحبافظ البذهبي )‪ .(748 - 673‬مصبر‬
‫‪1325‬‬
‫تذكرة الحفاظ للذهبي‪ .‬طبعببة حيببدر أببباد الببدكن ‪- 33‬‬
‫‪1334‬‬
‫التمهيد والبيان في مقتل عثمان لبببن بكببر الشببعري )‬
‫‪ (741 - 674‬مخطوطة دار الكتب‬
‫البداية والنهاية لبن كثير )‪ .(774 -701‬طبع مصر‬

‫‪250‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫المراقبة العليببا للنببباهي )المولببود سببنة ‪ (713‬بتحقيببق‬


‫بروفنسال ‪1367‬‬
‫طبقات الشافعية لبن السبببكي )‪ .(771 - 728‬مصببر‬
‫‪1324‬‬
‫الديباج المببذهب لبببن فرحببون )المتببوفى سببنة ‪.(799‬‬
‫مصر ‪1329‬‬
‫العبر لببولي الببدين ابببن خلببدون )‪ (806 - 732‬بببولق‬
‫‪1284‬‬
‫الروض الباسم في الذب عببن سببنة أبببي القاسببم لبببن‬
‫الوزير )‪ (840 - 775‬المنيرية ‪1346‬‬
‫الصابة للحافظ ابن حجر )‪ .(852 - 773‬مصر ‪1328‬‬
‫فتح الباري للحافظ ابن حجر‪ .‬السلفية ‪1380‬‬
‫لسان الميزان لبن حجر‪ .‬حيدر أباد الدكن ‪1331 - 30‬‬
‫تهذيب التهذيب لبن حجر‪ .‬لكنو بالهند ‪1321‬‬
‫النس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمجير الدين عبببد‬
‫الرحمببن بببن محمببد العليمببي المقدسببي )‪.(927 - 860‬‬
‫طبعة مصر ‪1283‬‬
‫خلصة تذهيب الكمببال للصببفي الخزرجببي )ألفهببا سببنة‬
‫‪ .(922‬طبع مصر ‪1323‬‬
‫شذرات الذهب لبببن العمبباد )‪ .(1089 - 1032‬مصببر‬
‫‪1351 - 50‬‬
‫تاج العببروس للمرتضببى الحسببيني )‪.(1205 - 1145‬‬
‫مصر ‪1307 - 67‬‬

‫‪251‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫فصل الخطبباب لعببدو اللببه حسببين النببوري الطبرسببي‪.‬‬


‫إيران ‪1298‬‬
‫تنقيح المقال للمامقاني )‪ (1351 - 1290‬طبع النجف‬
‫‪1352‬‬
‫شببجرة النببور الزكيببة لمخلببوف‪ .‬طبببع السببلفية ‪- 49‬‬
‫‪1350‬‬
‫تاريخ القرآن والمصاحف لبي عبد الله الزنجاني‪ .‬مصببر‬
‫‪1354‬‬
‫عثمان بن عفان للشيخ صادق عرجون‪ .‬مصر ‪1366‬‬
‫مجلة الزهر مصطلح التاريخ للدكتور أسد رستم‬

‫‪252‬‬
‫‪........................................................................................30‬‬
‫أولئك المقربون‪45.......................................................‬‬
‫إل تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ‬
‫هما‪181..................................................................‬‬
‫إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين ل يعقلون‪154........‬‬
‫إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم‬
‫ترحمون‪162............................................................‬‬
‫تحيتهم يوم يلقونه سلم وأعد لهم أجرا كريما‪25..................‬‬
‫تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما‬
‫كانوا‪246................................................................‬‬
‫حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به‬
‫والمنخنقة‪51............................................................‬‬
‫فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما‬
‫وعدوه‪26................................................................‬‬
‫فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في‬
‫شقاق‪131...............................................................‬‬
‫فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة‬
‫وعلمه‪199..............................................................‬‬
‫في جنات النعيم‪45......................................................‬‬
‫قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلل‬
‫قل‪122..................................................................‬‬
‫قل اللهم فاطر السماوات والرض عالم الغيب والشهادة أنت‬
‫تحكم بين‪172..........................................................‬‬
‫كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن‬
‫المنكر وتؤمنون‪44.....................................................‬‬
‫ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو‬
‫إصلح بين‪147..........................................................‬‬
‫لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص‬
‫عليكم بالمؤمنين‪78...................................................‬‬
‫لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما‬
‫في قلوبهم‪44...........................................................‬‬
‫للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون‬
‫فضل‪45..................................................................‬‬
‫من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من‬
‫قضى نحبه‪80...........................................................‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين‪223.......................‬‬


‫وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الرض جميعا ما ألفت بين‬
‫قلوبهم‪239..............................................................‬‬
‫وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت‬
‫إحداهما‪161.............................................................‬‬
‫واعتصموا بحبل الله جميعا ول تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم‬
‫إذ‪239....................................................................‬‬
‫والذين تبوءوا الدار واليمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم‬
‫ول‪46.....................................................................‬‬
‫والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين‬
‫سبقونا‪212..............................................................‬‬
‫والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم‬
‫بإحسان‪45..............................................................‬‬
‫والسابقون السابقون‪45................................................‬‬
‫وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في‬
‫الرض‪182 ,176......................................................‬‬
‫وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون‬
‫الرسول عليكم‪44......................................................‬‬
‫وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم‬
‫توفى كل‪80.............................................................‬‬
‫وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو‬
‫قتل انقلبتم‪56..........................................................‬‬
‫ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما‪...‬‬
‫‪94‬‬
‫ياأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الحبار والرهبان ليأكلون أموال‪. .‬‬
‫‪83‬‬
‫ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‪58................‬‬
‫ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين‪45...............‬‬
‫‪........................................................................................32‬‬
‫أنت مني بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬إل أنه ل نبي بعدي‪173....‬‬
‫أوصيكم بالنصار خيرا أن تقبلوا من محسنهم‪ ،‬وتتجاوزوا عن‬
‫‪ 44‬مسيئهم‪57.........................................................‬‬
‫أيتكن صاحبة الجمل الدبب الدبب الدب أظهر الدغام لجل‬
‫السجعة‪ ،‬والدب‪143..................................................‬‬
‫إن الله اختارني واختار أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم‬
‫أنصاري وإنه سيجيء‪47..............................................‬‬

‫‪254‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫إن رجل أتى النبي فقال يا رسول الله‪ ،‬وإني أرى الليلة في‬
‫المنام ظلة‪180.........................................................‬‬
‫إن من ورائكم أياما للعامل فيها أجر خمسين منكم‪19...........‬‬
‫إنه ستكون هنات وهنات‪ ،‬فمن أراد أن يفرق أمر هذه المة‬
‫وهي جميع فاضربوه‪222.............................................‬‬
‫ابني هذا سيد‪ ،‬ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من‬
‫المسلمين‪201 ,193 ,163..........................................‬‬
‫احتجبي منه يا سودة‪233...............................................‬‬
‫ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا‪ ،‬فإني أخاف أن يتمنى‬
‫متمن ويقول‪180.......................................................‬‬
‫الئمة من قريش‪57.....................................................‬‬
‫الخلفة ثلثون سنة‪ ،‬ثم تعود ملكا‪193...............................‬‬
‫اللهم وال من واله‪ ،‬وعاد من عاداه‪ ،‬وانصر من نصره‪ ،‬واخذل‬
‫من خذله‪184 ,173 ,145...........................................‬‬
‫النبي صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم‪،‬‬
‫فرجف بهم فقال‪180.................................................‬‬
‫الولد للفراش‪233........................................................‬‬
‫انظرن من إخوانكن‪234................................................‬‬
‫بني السلم على خمس‪106...........................................‬‬
‫بينما أنا نائم رأيتني على قليب القليب البئر غير المطوية عليها‬
‫دلو‪179.................................................................،‬‬
‫تقتله الفئة الباغية‪162..................................................‬‬
‫تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق‪160................................‬‬
‫جاءت امرأة إلى النبي فأمرها أن ترجع إليه قالت له فإن لم‬
‫أجدك كأنها‪178........................................................‬‬
‫حين سمع قول عائشة رضي الله عنها مروا عمر فليصل‬
‫بالناس إنكن لنتن‪184...............................................‬‬
‫خير أمتي قرني‪ ،،‬ثم الذين يلونهم‪ ،،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم يجيء‬
‫قوم تسبق‪46...........................................................‬‬
‫سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي‬
‫يا محمد‪ ،‬إن‪47.........................................................‬‬
‫ل تسبوا أصحابي‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد‬
‫ذهبا ما أدرك‪47........................................................‬‬
‫ل نورث ما تركناه صدقة‪189 ,61....................................‬‬
‫ل نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة‪187...........................................‬‬
‫ل يأتيك من الحياء إل خير‪217.........................................‬‬
‫ل يدفن نبي إل حيث يموت‪62.........................................‬‬

‫‪255‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من‬
‫غير أن يكونوا‪180.....................................................‬‬
‫لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول‬
‫نصيفه‪20................................................................‬‬
‫لو كنت متخذا في السلم خليل لتخذت أبا بكر خليل ولكن‬
‫أخي‪ ،‬وصاحبي‪179....................................................‬‬
‫ملعون من انتسب لغير أبيه‪ ،‬أو انتمى إلى غير مواليه‪232......‬‬
‫من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت‪ ،‬كأن ميزانا نزل من‬
‫السماء‪ ،‬فوزنت‪181...................................................‬‬
‫مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به ل عذر لحدكم في تركه‬
‫فإن لم يكن‪47.........................................................‬‬
‫هذه ثم ظهور الحصر‪153..............................................‬‬
‫هو أخوك‪232.............................................................‬‬
‫هو لك يا عبد بن زمعة‪ ،‬الولد للفراش وللعاهر الحجر‪,231......‬‬
‫‪232‬‬
‫وقال النبي لعمر وقد وقع بينه & أي بين عمر ‪ #‬وبين أبي بكر‬
‫كلم‪ ،‬فتعمر‪178.......................................................‬‬
‫ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة‪215...............................‬‬

‫‪256‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫الفهرس‬
‫رسالة التقدير‪2...........................................................‬‬
‫تصدير ‪4....................................................................‬‬
‫القاضي أبو بكر بن العربي‬
‫مؤلف العواصم من القواصم‬
‫‪13........................................................... 543 - 468‬‬
‫نشأته الولى ‪13.......................................................‬‬
‫رحلته عن إشبيلية ‪14.................................................‬‬
‫تعرض سفينته للغرق ‪15............................................‬‬
‫مروره بالديار المصرية ‪18...........................................‬‬
‫وصوله إلى بيت المقدس ‪19........................................‬‬
‫مروره بدمشق ‪21....................................................‬‬
‫وصوله إلى بغداد واشتغاله بطلب العلم ‪23......................‬‬
‫اتصاله بأبي حامد الغزالي ‪27.......................................‬‬
‫ذهابه إلى الحج‪ ،‬وعودته إلى بغداد ‪29.............................‬‬
‫العودة بطريق دمشق وفلسطين والسكندرية ‪30..............‬‬
‫وصوله إلى إشبيلية ‪31...............................................‬‬
‫أصحاب رسول الله ‪ ‬عدول‬
‫بتعديل الله ورسوله لهم‬
‫ول ينتقص أحدا منهم إل زنديق ‪44...................................‬‬
‫خطبة المؤلف‬
‫العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة‬
‫النبي ‪50............................................................... ‬‬
‫قاصمة الظهر ‪51........................................................‬‬
‫وفاة النبي ‪ ‬ووقعها في نفوس الصحابة ‪51....................‬‬
‫استخفاء علي وإهجار عمر ‪51......................................‬‬
‫حوار العباس وعلي في مرضه ‪53............................. ‬‬
‫اضطراب أمر النصار واجتماع سقيفة بني ساعدة ‪53.........‬‬
‫عاصمة ‪55.................................................................‬‬
‫تدارك الله السلم والنام بأبي بكر الصديق ‪55.................‬‬
‫عاصمة‪56..................................................................‬‬
‫رباط جأش أبي بكر في اليوم الرهيب ‪56........................‬‬
‫موقفه في سقيفة بني ساعدة ‪57..................................‬‬
‫موقفه من مانعي الزكاة ‪60.........................................‬‬
‫تنظيمه جيش الخلفة ‪61.............................................‬‬
‫حديث ل نورث ما تركناه صدقة ‪61................................‬‬
‫حديث ل يدفن نبي إل حيث يموت ‪62.............................‬‬

‫‪257‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫جعل عمر شورى في اختيار الخليفة بعده ‪64....................‬‬


‫سجايا عثمان وصفاته الممتازة ‪66.................................‬‬
‫وصف إجمالي لدعاة الفتنة ‪69......................................‬‬
‫قاصمة ‪72.................................................................‬‬
‫المظالم والمناكير ‪72.................................................‬‬
‫عاصمة‪74..................................................................‬‬
‫موقف عثمان من عبد الله بن مسعود وعمار ‪74...............‬‬
‫جمعه للقرآن ‪76.......................................................‬‬
‫ما أوخذ به عثمان من حماية الحمى لبل الصدقة ‪82..........‬‬
‫أبو ذر ومسيره إلى الربذة ‪83.......................................‬‬
‫عثمان وأبو الدرداء ‪86................................................‬‬
‫رد الحكم ‪86............................................................‬‬
‫ترك القصر ‪87.........................................................‬‬
‫معاوية ومكانته في خلفة أبي بكر وعمر وعثمان ‪89...........‬‬
‫تولية عثمان عبد الله بن عامر بن كريز ‪90.......................‬‬
‫تولية عثمان الوليد بن عقبة ‪90.....................................‬‬
‫عدالة مروان ‪92.......................................................‬‬
‫إعطاؤه خمس إفريقية لواحد ‪100.................................‬‬
‫عثمان لم يضرب أحدا بالعصا ‪102.................................‬‬
‫علوه على منبر رسول الله ‪103................................ ‬‬
‫انهزامه يوم حنين وفراره يوم أحد ‪104...........................‬‬
‫مؤاخذتهم عثمان بأنه لم يقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب‬
‫بالهرمزان ‪108.........................................................‬‬
‫تحقيق علمي عن الكتاب المنسوب لعثمان ‪110................‬‬
‫قول علي إن الخارجين على عثمان حساد طلب دنيا ‪112....‬‬
‫التعريف بالغافقي المصري وكنانة بن بشر وسودان بن‬
‫حمران ‪113.............................................................‬‬
‫التعريف بعبد الله بن بديل وحكيم بن جبلة والشتر ‪114......‬‬
‫تسيير عثمان مثيري الفتنة إلى معاوية بالشام ‪115............‬‬
‫انتقال مثيري الفتنة إلى منطقة عبد الرحمن بن خالد‬
‫ومعاملته لهم بالحزم ‪118...........................................‬‬
‫مسير فرق الثوار إلى المدينة ‪121................................‬‬
‫وقائع ومحاورات بين عثمان والبغاة عليه ‪126...................‬‬
‫فتوى ابن عمر لعثمان بأل يخلع نفسه لئل تتخذ عادة ‪127. . . .‬‬
‫إشراف عثمان على الناس واستشهاده إياهم بسوابقه ‪127. .‬‬
‫موقف عثمان من أمر الدفاع عنه أو الستسلم للقدار ‪128.‬‬
‫اعتزام النصار الدفاع عن عثمان ‪130............................‬‬

‫‪258‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫تزويرهم الكتب على لسان عائشة ‪132...........................‬‬


‫الحكم الفقهي في موقف عثمان من الدفاع عنه أو‬
‫الستسلم ‪133........................................................‬‬
‫اقتداء المؤلف بعثمان في مثل موقفه ‪134......................‬‬
‫تشويه أخبار الصحابة وطريقتا المحدثين والمؤرخين في نقد‬
‫الخبار ‪135.............................................................‬‬
‫تشويه أخبار الصحابة وطريقتا المحدثين والمؤرخين في نقد‬
‫الخبار ‪135.............................................................‬‬
‫المدينة في حكم الرهابيين خمسة أيام بل خليفة ثم بويع‬
‫ي ‪137................................................................‬‬
‫عل ّ‬
‫قولهم في بيعة طلحة يد شلء وفي طلحة والزبير بايعا‬
‫مكرهين ‪138...........................................................‬‬
‫قاصمة‪142................................................................‬‬
‫اجتماع أصحاب الجمل بمكة وخروجهم إلى البصرة ‪142......‬‬
‫خرافة الحوأب وشهادة الزور ‪143.................................‬‬
‫خروج علي إلى الكوفة وما وقع في العراق قبل وصوله ‪144‬‬
‫عاصمبببة ‪146............................................................‬‬
‫مجيء أصحاب الجمل إلى البصرة ‪146...........................‬‬
‫نقض حكيم بن جبلة لكتاب الصلح ومصرعه ‪151...............‬‬
‫مصرع طلحة بن عبيد الله وكعب بن سور قاضي البصرة ‪.....‬‬
‫‪152‬‬
‫حديث هذه ثم لزوم الحصر والكلم في صحة خروج عائشة ‪..‬‬
‫‪153‬‬
‫عود إلى ذكر الحوأب ونقض السطورة عنه ‪154...............‬‬
‫قاصمة ‪155...............................................................‬‬
‫حرب صفين ودعوى الفريقين وما اخترع في ذلك من أكاذيب‬
‫‪155......................................................................‬‬
‫عاصمبببة‬
‫عود إلى موقف علي من قتلة عثمان ‪157..........................‬‬
‫قاصمببة‬
‫التحكيبببم ‪165...........................................................‬‬
‫عاصمبببة ‪169............................................................‬‬
‫قاصمبببة ‪173............................................................‬‬
‫عاصمبببة ‪176............................................................‬‬
‫مقارنة موقفهم من الصحابة بموقف اليهود والنصارى من‬
‫أصحاب موسى وعيسى ‪176........................................‬‬
‫الحاديث الصحيحة في أبي بكر وعمر ومكانتهما العليا ‪178. .‬‬

‫‪259‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫مراتب الصحابة ومن بعدهم وأصناف أئمة الدين ومنازلهم ‪. . .‬‬


‫‪183‬‬
‫إصابة عمر في جعل المامة شورى ودقة ابن عوف في تخير‬
‫عثمان ‪185.............................................................‬‬
‫لم يكن بعد عثمان أولى بها من علي فجاءته على قدر ‪186. .‬‬
‫قاصمة‬
‫بيعة الحسن وصلحه مع معاوية ‪191.................................‬‬
‫عاصمة ‪192...............................................................‬‬
‫علي لم يعهد إلى الحسن لكن البيعة للحسن منعقدة ‪192....‬‬
‫حديث الخلفة ثلثون سنة ينقضه حديث اثنا عشر خليفة ‪.....‬‬
‫‪193‬‬
‫مزايا معاوية وسيرته الممتازة التي أهلته لحمل أعباء السلم‬
‫‪196......................................................................‬‬
‫إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه ‪202...............‬‬
‫فساد ما تقوله الشيعة في وفاة الحسن أهلية يزيد للولية ‪. . .‬‬
‫‪204‬‬
‫نقد ثلثة أخبار ملفقة على وهب بن جرير في تمهيد معاوية‬
‫لولية يزيد ‪205........................................................‬‬
‫ابن عمر يعلن في الثورة على يزيد أن في عنقه البيعة‬
‫الشرعية له ‪215.......................................................‬‬
‫الشهادة ليزيد له بالستقامة والصلح ‪218.......................‬‬
‫الحسين بين الذين نهوه عن الخروج والذين حرضوه عليه ‪....‬‬
‫‪219‬‬
‫نكتة‬
‫النبي ‪ ‬أول من عقد الولية لبني أمية ‪225......................‬‬
‫مسألة استلحاق معاوية لزياد ‪226.................................‬‬
‫الفرق بين واقعتي استلحاق زياد وابن وليدة زمعة ‪231.......‬‬
‫نكتبببببة‬
‫الوليات والعزلت لها معان وحقائق ل يعلمها كثير من الناس ‪. .‬‬
‫‪236‬‬
‫قاصمببببة ‪239...........................................................‬‬
‫اجتماع العرب بالسلم ‪239.........................................‬‬
‫ظهور الحزاب البكرية والعمرية والعثمانية والعلوية‬
‫والعباسية ‪239.........................................................‬‬
‫عاصمبببة ‪242............................................................‬‬
‫تحذير المسلمين من أهواء المفسرين والمؤرخين وأهل‬
‫الداب ‪242.............................................................‬‬

‫‪260‬‬
‫العواصم من القواصم‬

‫ما نسب إلى المويين أهون من قول المأمون بخلق القرآن‬


‫وسماح العباسيين بقراءة كتب الجاحظ في المساجد مع ما‬
‫فيها من مناكير ‪245...................................................‬‬
‫بعض المراجع ‪247.......................................................‬‬
‫الفهرس‪257..............................................................‬‬

‫‪261‬‬

You might also like