Professional Documents
Culture Documents
جدلية الرواية -زكريا المحرمي
جدلية الرواية -زكريا المحرمي
جدلية الرواية -زكريا المحرمي
تأليف :
رحلة ابن بطوطة المسماة "تحفة النظار في غرائب المصار" ص .688-687 4
أصلين "نور وظلمة" هي نفس نظرة زرادشت ،ولكنه نزع للرهبنة ودعا إلى الزهد،
وشرع صلوات كثيرة وصيام أيام طويلة ،وحرم النكاح ليتعجل فناء العالم ،وهذه الراء
موجودة عند بعض طوائف الصوفية").(5
كما أن الفرس الساسانين كانوا ينظرون إلى ملوكهم من الكاسرة على أنهم
كائنات إلهية اصطفاها ال وأيدها بروح من عنده ،وأن دماءهم إلهية ،ول يجوز أن يكون
الملك في غير أصحاب تلك الدماء ،وحين دخل هؤلء السلم كانوا في الحزب العلوي
فأسسوا نظرية الرفض لبي بكر وعمر والتشيع لعلي وأبنائه ،فنظروا إلى علي وأبنائه
نظرتهم لملوكهم) ،(6ووطدوا دعائم هذه النظرية باختلق أسطورة زواج الحسين بن
علي من "شاه بنوه" ابنة يزدجرد ملك الفرس ،وبذلك تم التزواج بين الدماء اللهية
الكسروية والدماء اللهية العلوية).(7
أما النصارى فقد نقلوا إلى بعض الفرق السلمية العتقاد بارتفاع المسيح إلى
السماء ،ونزوله قبل يوم القيامة) .(8كما نقلوا إليهم فكرة وجود ال تعالى في السماء،
ويظهر ذلك من خلل كلم هؤلء واستدللهم لعقيدة وجود ال في السماء بنصوص
النجيل حيث يقول ابن تيمية" :وفي النجيل أن المسيح قال :ل تحلفوا بالسماء فإنها
كرسي ال .وقال للحواريين :إن أنتم غفرتم للناس فإن أباكم الذي في السماء يغفر لكم
كلكم ،انظروا إلى طير السماء فإنهن ل يزرعن ول يحصدن ول يجمعن في الهواء
وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقهن ،أفلستم أفضل منهن؟ ومثل هذا من الشواهد
كثير يطول به الكتاب").(9
ويرى البعض أن أفكار القدرية قد بثها يوحنا النصراني الدمشقي الذي هو من
حفدة سرجون بن منصور الرومي النصراني المسئول عن الشؤون المالية للدولة الموية
في عهد معاوية ويزيد ومروان وعبد الملك بن مروان).(10
والدولة الموية بدءًا بمعاوية بن أبي سفيان متهمة بالتساهل في تمرير الكثير من
العقائد الباطلة التي اعتمدتها في مقابل العقائد الصحيحة للمعارضين للحكم الموي
الوراثي اللشوري ،فقد اعتمد المويون عقيدة الجبر ،التي مؤداها أن ملكهم تم باختيار
ال ول يملك المسلمون إل التسليم بذلك ،ول يجوز لهم العتراض عليه ،لنهم بذلك
يعترضون على أمر ال وقضائه ،وتساهلوا في عقيدة الرجاء ،وأن العاصي ل يدخل
النار بسبب شفاعة الرسول ،أما إذا قّدر له أن يدخلها فإنه سيخرج منها ل محالة إلى
أعلى عليين حيث يغبطه الشهداء والنبّيون ،وذلك منهم للتغطية على مظاهر الفسوق
15الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 8ص ،103العقيلي "الضعفاء" ج 2ص ،251راجع حسن
السقاف في تعليقه على كتاب "العّلو" للذهبي ص .382-381
16البعض يرى أن هرمس هو إله يوناني ،وآخرون يرون أنه الله الفرعوني "طوط"،
وفلسفة العرب يرون أنه النبي إدريس عليه السلم ،ولمعرفة المزيد عن الهرمسية ،راجع
"تكوين العقل العربي" لمحمد عابد الجابري ،الفصلين الثامن والتاسع.
17ابن النديم "الفهرست" ص ،300طبع دار المعرفة ،بيروت ،ط 2سنة 1417هـ
18أحمد أمين "فجر السلم" ص .132
وعبدال بن مسعود) .(20بيد أن بعض الصحابة لم يطمئن له واتهمه بالكذب ،حيث قال
عنه معاوية" :كنا نبلو عليه الكذب") ،(21ويروي ابن حجر في "الصابة" تكذيبه عن
حذيفة .وكذا ابن عباس نسبه إلى الكذب) ،(22وكّذبه أبو ذر في مجلس عثمان وضربه
بين أذنيه وقال له" :يا ابن اليهودية") ،(23ومنعه عوف بن مالك من الرواية إلى أن سمح
له معاوية بذلك.
ويروي البعض أنه لما أراد عمر بن الخطاب بناء المسجد القصى استشار الناس
هل يجعله أمام الصخرة أم خلفها ،فقال له كعب الحبار :ابنه خلف الصخرة .فقال عمر:
"يا ابن اليهودية ،خالطتك يهوديتك ،بل أبنيه أمام الصخرة حتى ل يستقبلها المصلون"،
وقد استبطن كعب اتهام عمر إياه حتى رئي اتصاله بالمتآمرين في اغتيال عمر مع سبق
إنذار منه لعمر بأنه سيقتل ،متظاهرًا بالنقل عن كتب أهل الكتاب!) ،(24ومع ذلك فقد
استطاع كعب أن يجعل مطّرف بن مالك يصلي والصخرة حائلة بينه وبين الكعبة!).(25
ويروى أن كعبا قال لبي هريرة" :أل أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي؟ قال:
أبو هريرة :بلى .قال كعب :لما رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق قال الشيطان :وال لئن لم
أفتن عندها آل إبراهيم ل أفتن أحدا منهم أبدا") ... (26إلى نهاية الرواية التي يخبر فيها
كعب الحبار أبا هريرة أن الذبيح المفدي بالكبش العظيم المذكور في القرآن هو إسحاق
وليس إسماعيل جد الرسول محمد .!
وقد تأثر بكلم كعب هذا الكثير من الصحابة ،حيث يقول ابن كثير" :وهكذا روى
ابن إسحاق عن عبد ال بن أبي بكر عن الزهري عن أبي سفيان عن العلء بن حارثة
عن أبي هريرة رضي ال عنه عن كعب الحبار أنه قال :هو إسحاق .وهذه القوال وال
أعلم كلها مأخوذة عن كعب الحبار ،فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر
رضي ال عنه عن كتبه قديمًا ،فربما استمع له عمر رضي ال عنه ،فترخص الناس في
استماع ما عنده ،ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه المة وال أعلم حاجة إلى
حرف واحد مما عنده ،وقد حكى البغوي القول بأنه إسحاق عن عمر وعلي وابن مسعود
19يقول الذهبي في "سير أعلم النبلء" ج 3ص 489أن كعبا ً "جالس أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم فكان يحدثهم عن الكتب السرائيلية".
20ابن كثير في مقدمة تفسيره ص .13
21البخاري .7361
22محمد بن زاهد الكوثري "مقالت الكوثري" ص .128
23الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 2ص .68
24محمد بن زاهد الكوثري "مقالت الكوثري" ص ،128وقصة نصيحة كعب لعمر بالصلة
َ
سَرى ن ال ّ ِ
ذي أ ْ حا َ
سب ْ َ
خلف الصخرة ذكرها ابن كثير في تفسيره ج 3ص .20لقوله تعالى } ُ
َ
صى{ السراء .1 جد ِ القْ َ
س ِ حَرام ِ إ َِلى ال ْ َ
م ْ جد ِ ا ل ْ َ
س ِ
م ْن ال ْ َ ب ِعَب ْد ِهِ ل َي ْل ً ّ
م َ
25أقر بذلك الذهبي في "سير أعلم النبلء" ج 3ص .493
26الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" برقم ] .[4045والغريب أن الحاكم قال بعد
هذه الرواية" :سياق هذا الحديث من كلم كعب الحبار ولو ظهر فيه سند لحكمت بالصحة
على شرط الشيخين فإن هذا إسناد صحيح ل غبار عليه"!!.
والعباس رضي ال عنهم ومن التابعين عن كعب الحبار وسعيد بن جبير وقتادة
ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي").(27
ومما رواه كعب الحبار من الخبار الظاهرة البطلن هو ما رواه عطاء بن أبي
مروان عن أبيه أن كعب الحبار حلف له بال الذي فلق البحر لموسى إنا لنجد في
التوراة أن داود نبي ال كان إذا انصرف من صلته قال" :اللهم أصلح لي ديني الذي
جعلته لي عصمة") .(28ومعلوم أن داود جاء بعد موسى بمئات السنين أي بعد
نزول التوراة ،فكيف ُيذكر في التوراة؟!.
يهودي آخر نقل إلى المسلمين بعض مواريث اليهود العقدية هو وهب بن منبه
الحميري اليمني الذي يقول فيه الذهبي" :وروايته للمسند قليلة ،وإنما غزارة علمه في
السرائيليات ومن صحائف أهل الكتاب") ،(29روى أن ال خلق السماوات والرض في
سبعة أيام معارضاً للقرآن الكريم ،فقد قال في تفسير قوله تعالى ؤ}َوُهَو اّلِذي َ
خَلق
عَلى اْلَماء{هود 7 :ما نصه" :إن العرش شُه َ
عْر ُ
ن َسّتِة َأّياٍم َوَكا َ
ض ِفي ِ
ت َواَلْر َ
سَماَوا ِ
ال ّ
كان قبل أن يخلق ال السماوات والرض ،ثم قبض قبضة من صفاء الماء ،ثم فتح
القبضة فارتفع دخان ،ثم قضاهن سبع سموات في يومين ،ثم أخذ طينة من الماء فوضعها
مكان البيت ،ثم دحا الرض منها ،ثم خلق القوات في يومين ،والسماوات في يومين،
وخلق الرض في يومين ،ثم فرغ من آخر الخلق يوم السابع").(30
فل نستغرب إذن أن نجد نفس هذه الرواية في "صحيح مسلم" من طريق أبي
ل" :وهذا الحديث من هريرة مرفوعة للنبي ! وقد علق ابن كثير على تلك الرواية قائ ً
غرائب صحيح مسلم ،وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ،
وجعلوه من كلم كعب ،وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلم كعب الحبار ،وإنما اشتبه
على بعض الرواة فجعلوه مرفوعًا وقد حرر ذلك البيهقي) .(31وكلم كعب الحبار ل
شك أنه لن يختلف عن كلم وهب بن منبه فهما يوردان من نفس الثقافة.
وقال وهب بن منبه كذلك" :أن السماوات والبحار لفي الهيكل وإن الهيكل لفي
الكرسي ،وإن قدميه عز وجل لعلى الكرسي ،وقد عاد الكرسي كالنعل في قدميه").(32
يقول حسن السقاف معلقًا على بث كعب الحبار ووهب بن منبه لروايات التجسيم
بين المسلمين" :فإذا كان ما خرجتما منه هو الدين الباطل المحّرف وما دخلتما فيه هو
الحق الصحيح المحفوظ ،فالواجب عليكما الذي يقتضيه إسلمكما هو العراض عن
أفكار وكتب ونصوص الدين القديم والقبال على نصوص دين الحق الجديد القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة ...فبدل أن يقول كعب الحبار :قال ال تعالى في القرآن
27ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" ج 4ص .19
28النسائي في "السنن الصغرى" برقم ).(1346
29الذهبي في "سير أعلم النبلء" ج 4ص .545
30الطبري ذلك في تفسيره ج 12ص .5
31ابن كثير في تفسيره ج 1ص .89-88
32تاريخ الطبري ج 1ص ،41عبد الله بن أحمد بن حنبل "السنة" ج 2ص .477وهذه
العقيدة كما سترى هي نفس عقيدة مدرسة التجسيم!.
الكريم نراه يقول :قرأت في التوراة كذا وكذا .ونراه يفسر القرآن بأفكار إسرائيلية )أي
يهودية( يردها كثير من أهل العلم").(33
يهودي آخر بث في المسلمين بعض أوزار بني إسرائيل هو نوف البكالي الذي
سى ِلَفَتاُه َل َأْبَر ُ
ح قال أن موسى المقصود في سورة الكهف بقوله تعالى }َوِإْذ َقاَل ُمو َ
حُقًبا{ الكهف ،60ليس هو النبي موسى بل ي ُضَ
ن َأْو َأْم ِ
حَرْي ِ
جَمَع اْلَب ْ
حّتى َأْبُلَغ َم ْ
َ
ل :إن نوفاً البكالي رجل آخر .وردّ عليه وحين سأل سعيد بن جبير عبدال بن عباس قائ ً
ل:
يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر .فرد ابن عباس قائ ً
"كذب عدو ال").(34
ل بتراث اليهود الفكري هو عبدال بن سلم الذي يهودي آخر دخل السلم محم ً
حُموًدا{السراء 79بقوله: ك َمَقاًما ّم ْ ك َرّب َ
سى َأن َيْبَعَث َ ُنسب إليه أنه فسر قوله تعالى } َ
ع َ
"إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم فأقعد بين يدي ال على كرسيه") (!.
35
يقول حسن السقاف" :وهذا من جملة السرائيليات التي نقلها ابن سلم ،وحاول
أن يغرسها في المة السلمية ،وكلمه هذا هو أصل حديث الشفاعة الطويل وحديث
الرؤية الطويل الذي فيه ذكر الصراط وغيره ،والذي حكمنا بشذوذه ورّده في غير ما
كتاب من كتبنا ،وهذا الثر يثبت لنا أن هذه الفكار مأخوذة من السرائيليات ،وعبدال
بن سلم من أكابر أحبار اليهود وعلمائهم قبل أن يسلم ،وعنه وعن مثله انتقلت هذه
ن هذه الفكار الخبيثة التجسيمية إلى المة ،وثبوت هذا عن عبدال بن سلم يفيدنا أ ّ
العقائد والتصورات والفكار مصدرها يهودي وليس إسلميًا أبدًا").(36
وقد وضعت روايات في فضائل هؤلء ،من ذلك ما روي أن سعد بن أبي وقاص
قال في عبدال بن سلم" :ما سمعت النبي يقول لحد يمشي على الرض إنه من
عنِدن ِ ن ِم ْأهل الجنة إل لعبدال بن سلم ،قال :وفيه نزلت هذه الية }ُقْل َأَرَأْيُتْم ِإن َكا َ
ل َل َيْهِدي ن ا َّسَتْكَبْرُتْم ِإ ّ
ن َوا ْعَلى ِمْثِلِه َفآَم َسَراِئيَل َ شاِهٌد ّمن َبِني ِإ ْ
شِهَد َ ل َوَكَفْرُتم ِبِه َو َا ِّ
ن{ الحقاف .( )"10علمًا بأن الية مكية وابن سلم أسلم في المدينة!، 37
ظاِلِمي َ
اْلَقْوَم ال ّ
وقد ذكر الطبري في تفسيره للية أن مسروق قال" :وال ما نزلت في عبدال بن سلم،
ضَعت روايات في مدح ما أنزلت إل في مكة ،وما أسلم عبدال إل في المدينة" .كذلك و ِ
وهب بن منبه ،واّدعوا أن النبي قال" :سيكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب ال
له الحكمة").(38
وقد يتساءل البعض عن سبب عدم وجود الكثير من النصوص السرائيلية
المروية في كتب الحديث في المصادر السرائيلية "التوراة والنجيل"! ،وقد يكون سبب
33حسن السقاف في مقدمة تحقيقه لكتاب "العلو" للذهبي ص .20
34البخاري .122
35الحاكم في المستدرك ،4/568ابن أبي عاصم في سنته ،786الخلل في سنته في
مواضع كثيرة ص ،260-209والذهبي في "العلو" .191
36حسن السقاف في تعليقه على كتاب "العلو" للذهبي ص .307
37البخاري .3812
38ابن الجوزي "الموضوعات" ج 1ص .354
ذلك أن اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون في الجزيرة العربية ليسوا من الراسخين
في العلم في دياناتهم ،وأن ما يرونه ليس نصًا خالصًا من كتبهم وإنما هو مزيج من تلك
النصوص مضاف إليه تفسير هؤلء لتلك النصوص ،خاصة وأن تفسيرهم يعتمد علي
خلفيتهم المعرفية التي ل شك أنها تأثرت بالكثير من الفكار الخرافية والوثنية المنتشرة
في البيئة المحيطة بهم ،ومما يعزز هذا الحتمال هو عدم وجود نصوص توراتية او
إنجيلية مترجمة إلى اللغة العربية ،يقول أبو هريرة" :كان أهل الكتاب يقرءون التوراة
بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لهل السلم").(39
وتأثير العقائد الباطلة على الفكر السلمي بسبب حالة الهوان السياسي ،والخواء
الفكري التي مرت بها المة السلمية بعد عصر الصحابة لم يتوقف في عصر من
العصور ،فقد ذكر علي شريعتي -عالم الجتماع الشيعي -كيف نقل النصارى إلى
المسلمين بعض طقوسهم وعقائدهم ،حيث يقول" :يقول قساوسة المسيحية إنهم يحملون
قبسًا من الروح أي الروح القدس ،وهو أحد التجلّيات الثلثة للله ،ومن هنا ينبغي أن
يرجع الناس إليهم من أجل التصال بال ،وهم مكلّفون بنشر الروح التي يحملونها في
العالم ،ومن هنا يأتي لقب "روحاني" ،الذي يلقبون به أنفسهم .وليس لهذا اللقب وجود
في السلم لنه ل وجود لهذه الطبقة ،وهو موجود فقط عند الشيعة ،وعلى الخص
شيعة إيران الذين يستخدمون روحاني )رجل الدين الشيعي من سللة علي( ،وروحانيات
)هيئة رجال الدين من سللة علي( ،وأظن أنه استخدام جديد لن هذا اللقب ل وجود له
في نصوصنا الدينية القديمة ،ول شك عندي في أنه نقل عن المسيحية.
وأظن ذلك كان على أيدي الصفوية الذين اقتبسوا كل المراسم والشعائر
والعلمات المذهبية من قبيل :التكية )إلى جوار المسجد( وهيئات دق على الصدور وقفل
السلسل حول الجسد بالقفال وضرب الجسد بالسلسل والضرب بالقمة )سيف قيصر(
وحمل الجريدة )المترجم :شكل على هيئة صليب يحمل في المواكب المذهبية( ،والعلم
والعلمة والرسوم .وإقامة التمثيليات )تمثليات المعجزات والميستر ،وإعادة المسيحيين
آلم المسيح وصلبه عند ذكرى الجمعة الحزينة ،وأناشيد تعذيب عيسى أو القداسات ل
تزال موجودة إلى اليوم بنصها وفصها في مسرحيات اللورد( .وذلك لكي ينفصل التشيع
عن المذهب السني من كل نواحي المراسم والشعائر والمظهر والتمثيليات الدينية ،ول
يحس الشيعي بأي وجه اشتراك مع المسلمين من غير الشيعة الذين كانوا في حالة حرب
دائمة معهم ،وكان قيام الصفوية في الصل ضدهم .لكن لما لم يكن للتشيع قبل الصفوية
أي مجال للمظاهر المذهبية الخاصة ،وعلوة على هذا كان السني والشيعي يكونان أمة
واحدا ويشتركان معا في العقيدة والعمل والعبادة ،ول خلف بينهما إل
ً واحدة ومجتمعاً
في بعض مسائل ثانوية ،إل أنه بعد استقرار النظام الصفوي الذي كان عدوه الصلي
أهل السنة والنظام العثماني ،بذلت جهود كثيرة لكي تنمحي الوجوه المشتركة التي تخفف
من العداوة وتقوي الوحدة أو على القل تحد انتشار العدوة.وذلك بحيث يحس الشيعي أنه
صاحب دين مختلف ،ويحس السني أنه صاحب دين مختلف ،ويحسان أنهما نقيضان.
صحيح البخاري برقم .4485 39
وأحد هذه الجهود والبدع والبتكارات الجديدة في الشعائر الدينية والرموز
والعلمات الخاصة التي ل سابقة دينية لها ،وكانوا مضطرين لهذا المر إلى التقليد
والقتباس من العادات والمراسم الخاصة الدينية لوربا الشرقية ،وكان الصفويون على
صلة قريبة منهم ومصالح مشتركة وصداقة حميمة وتكتل ضد العثمانيين .وكان عندهم
وزير خاص بأمور أناشيد الروضة كان من مهامه تقليد )الفنون الدينية( من أوربا
واقتباسها ،انظروا إلى الستائر السوداء المفتوحة التي تكتب حواشيها أشعار محتشم،
تقليد كامل لطراز ستائر الكنيسة.
وتصوير الشخصيات الدينية مثل الرسول والئمة وهو في السلم مكروه
موجود دون زيادة أو نقصان ،حتى ما يسمى بالجريدة هي تماما الصليب المقدس ،ولم
يطرأ على شكله أي تغيير أو تبديل .وهذه الجريدة تحملها جماعات الدق على الصدور
دون أن يكون لها أي دور أو معنى أو تبرير )وحتى حملة الجريدة ل يعلمون هم أنفسهم
ماذا تكون هذه ومن أجل أي شيء في الصل( ،وفي نفس الوقت يهتمون بها جداً
ويتعصبون لها ،وحيثية كل جماعة واحترامها مرهونان بثقل جريدتها وزينتها وتعقيدها
وارتفاع ثمنها.
وحملة الجريدة لهم ألقاب وشخصيات متميزة خاصة ،ولنهم يقومون بهذه
الرسالة الدينية العظيمة التي ل تتأتى من كل انسان توجد لهم )مجوزات ل تجوز
لغيرهم( ،حتى كيفية حمل الجريدة لم يغير أدنى تغيير ،وأظن كلمة جريدة ليست فارسية
أو عربية بل هي تلفظ فارسي أو معرب للصليب في اللتينية .ليس لدينا روحاني في
السلم ،لدينا علماء ،وعلقتهم بالناس هي العلقة بين العالم والعامي وبين المتخصص
وغير المتخصص ،ل بين المقدس وغير المقدس وحامل البركة وفاقدها والروحاني
والمادي والمراد والمريد").(40
وبجانب التمازج الطبيعي والتلقائي للثقافات المختلفة مع السلم والتي أدت إلى
ظهور أفكار وعقائد غريبة عن السلم الصحيح ،كان هناك عامل آخر ساهم في تشويه
الثقافة السلمية ،وهو التآمر من قبل أعداء السلم ،فبعد فشل الهجمة العسكرية
الشرسة التي قادها وثنيو جزيرة العرب ،نحت تلك القوى منحى الحرب الثقافية من أجل
تشويه الفكر السلمي.
سلك هؤلء طريقة سهلة لبث فكرهم المنحرف بين المسلمين وذلك عن طريق
الندساس في وسط المجتمع المسلم والتظاهر بصورة السلم ،والقرآن الكريم يسجل لنا
ي ُأنِزَلب آِمُنوْا ِباّلِذ َ
طآِئَفٌة ّمنْ َأْهِل اْلِكَتا ِبدايات هذه المرحلة في قوله تعالىَ} :وَقاَلت ّ
ن{آل عمران .72 جُعو َ خَرُه َلَعّلُهْم َيْر ِ
جَه الّنَهاِر َواْكُفُروْا آ ِ
ن آَمُنوْا َو ْ
عَلى اّلِذي َ
َ
وهذه الحقيقة التاريخية التي يسجلها القرآن الكريم يؤكدها ما روي أن عبدال بن
مسعود مر بشيخ يحدث عن التوراة ،فلما رأى ابن مسعود سكت ،فقال :وبم يحدثكم
ابن كثير في مقدمة تفسيره "تفسير القرآن العظيم" ج 1ص 13 45
زكريا المحّرمي
تاريـــخ الروايــــــة
السنة النبوية تشكل مصدر التشريع الثاني المكمل للقرآن الكريم ،فهي بيان لما في
س َما ُنّزَل
ن ِللّنا ِ الكتاب العزيز من شرائع وتعليمات يقول تعالى }َوَأنَزْلَنا ِإَلْي َ
ك الّذْكَر ِلُتَبّي َ
ن{ النحل ،44 :وقد اهتمت جميع طوائف المة وفرقها باتباع ِإَليِْهْم َوَلَعّلُهْم َيَتَفّكُرو َ
السنة والحفاظ عليها ،بيد أنه ونتيجة لتفاوت المدارك العقلية لمنظري كل فريق ،ونتيجة
للدور الجبروتي الطاغي للسلطة الحاكمة اختلفت المة في تحديد مفهوم السنة وطريقة
التعامل معها ،فبعد أن كانت السنة في عهد الرسول صلى ال عليه وسلم وصحابته
الكرام تمثل المنهاج والطريقة العملية التي مارسها الرسول لشرائع الدين وشعائره،
انحرف هذا المفهوم وتوسع وتمدد ليشمل كل ما أثر عن النبي من قول أو فعل أو
تقرير ،وهذا المفهوم للسنة يتجاهل العوامل الزمانية والمكانية للحظة النص الصلية أي
اللحظة التي قال فيها النبي ذلك القول وفعل ذلك الفعل وأقر ذلك التقرير ،فهل كان
هذا الفعل أو القول أو التقرير:
.1حكمًا شرعيًا ملزمًا للمة جمعاء كما هو الحال مع تبيين شرائع الدين وقوانينه
التي جاءت مجملة في الكتاب العزيز والتي أمر ال عز وجل المة باتباعها كما في قــوله
عْنفُه َفففاْنَتُهوا{ الحشــر ،7 :مــع التأكيــد خُذوُه َوَما َنَهاُكْم َ سوُل َف ُ عز وجل }َوَما آَتاُكُم الّر ُ
حى{ ي ُيففو َ حف ٌ
ن ُه فَو ِإّل َو ْ على أن ما أتانا به الرسول صلى ال عليه وسلم هو الــوحي }ِإ ْ
النجم ،4 :والوحي يشمل القرآن الكريم "الذكر" والسنة "البيان" لما في القرآن.
.2أم كان اجتهادًا من النبي بمعزل عن الوحي لنازلة لها حيثياتها الزمانية
والمكانية قد يصيب فيه الحق المطلق أو ل يصيب الحق الذي يليق بمقامه كما هو الحال
ن َلُه
ي َأن َيُكو َ ن ِلَنِب ّفي مسألة التعامل مع أسرى بدر التي أكّدها قوله تعالى }َما َكا َ
حِكيٌمعِزيزٌ َ ل َ خَرَة َوا ُ لِ ل ُيِريُد ا َ
ض الّدْنَيا َوا ُ
عَر َ ن َ ض ُتِريُدو َ ن ِفي اَلْر ِ خَ حّتى ُيْث ِسَرى َ َأ ْ
ظيٌم { النفال ،67-66 :والتي عِ ب َ
عَذا ٌ خْذُتْم َ
سُكْم ِفيَما َأ َ
ق َلَم ّ
سَب َ
ل َ نا ِ ب ّم َ * َلْوَل ِكَتا ٌ
يعلق عليها محمد رشيد رضا بقوله" :أن النبي نفسه قد يخطئ في اجتهاده ،ولكن ال
تعالى يبين له ذلك ول يقره عليه كما صرح به العلماء ،فهو معصوم من الخطأ في
التبليغ عن ال تعالى ل في الرأي والجتهاد .ومنه ما سبق من اجتهاده صلوات ال
وسلمه عليه بمكة في العراض عن العمى الفقير الضعيف عبدال بن أم مكتوم
)رض( حين جاءه يسأله وهو يدعو كبراء أغنياء المشركين المتكبرين إلى السلم لئل
جاَءُه عَبسَ َوَتَوّلى َأن َ يعرضوا عن سماع دعوته ،فعاتبه ال تعالى على ذلك بقوله } َ
عَمى{ عبس.(49)"1 : ال ْ
شٌر ّمْثُلُكْم ل يدخل في إطار الطبيعة البشرية للنبي ُ} قْل ِإّنَما َأَنا َب َ .3أم كان فع ً
ي{ الكهف ،110 :كما هو الحال مع ارتياده للسواق ولبسه لباس أهل زمانه، حى ِإَل ُّيو َ
وركوبه وسائل مواصلتهم ،واستخدامه آلتهم الحرفية والحربية ،واستعانته بأدويتهم
واطبائهم.
ونتيجة لتساع مفهوم السنة ،الذي واكب التغيرات السياسية التي حدثت في المة
حيث المذاهب الفقهية تتفاصل والفرق الكلمية تتجادل والقوى السياسية تتناحر ،بدأ
بعض المسلمين بشكل عفوي بتدوين السنة ليتم حفظها من العبث ،لكن تأثير تلك
الحروب السياسية والكلمية والفقهية ألقى بظلله على عملية التدوين ،حيث كانت كل
فرقة تطلب النص الذي يؤيد موقفها ضد الخر ،فتضخمت بذلك نصوص السنة تضخمًا
رهيبًا كان للسلطة فيه الدور الكبر ،وكان وراء عملية التضخيم هذه مجموعة من الرواة
العوام الذين لم يتمرسوا الفقه ومبادئه قاموا بجمع الروايات وحشوها في مصنفات
ضخمة فعرفوا بالحشوية) ،(50ونتيجة لفراطهم في جمع وتخييش الروايات تعارف
الناس على تسميتهم بـ "أهل الحديث" ،ولما في هذا المصطلح من جاذبية في نفوس
البسطاء والعوام استطاع هؤلء استغلل الظروف الموضوعية السياسية والفكرية لتثبيت
محمد رشيد رضا "تفسير المنار" ج 10ص .81 49
قال الفراهيدي في "العين" ج 1ص " :388الحشو من الناس :من ل يعتد به"اهـ. 50
مناهجهم وترسيخ أفكارهم ،واعتبروا أنفسهم الممثل الوحيد للسنة النبوية وأن مخالفيهم
أهل بدعة وضلل!.
ولتأكيد قدسية فكر أهل الحديث بين عوام المة صّور هؤلء لتباعهم أن السنة
أفضل من القرآن الكريم ،لن القرآن في نظرهم محتاج للسنة ،والسنة مستقلة غير
محتاجة للقرآن الكريم ،فقد قال البربهاري" :إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى
القرآن") .(51مع أن هذه الدعوى ينقضها العقل والنقل فحجية السنة كما قال المام
الشاطبي تأتي في الدرجة الثانية بعد القرآن الكريم) ،(52فالكتاب مقطوع بثبوته إجما ً
ل
ل لوصوله إلينا بالتواتر ،ولم تختلف المة بجميع طوائفها عليه ،بينما السنة وتفصي ً
ل لن معظم الروايات أحادية، ل ،ولكنها مظنونة الثبوت تفصي ً مقطوع بثبوتها إجما ً
والحاد ظني الثبوت) ( .كما أن حجية السنة تنبع أساسًا من أمر ال لرسوله بتبيين 53
56نقل شعيب الرنؤوط في تعليقه على "سير أعلم النبلء" للذهبي ج 3ص 81قول ابن
القيم في "تهذيب السنن" 5/245ما نصه " :قد صح عن النبي النهي عن الكتابة"اهـ .
57الخطيب البغدادي "تقييد العلم" ص 33من طريق أبي سعيد الخدري ورواه مسلم]
،(3004)-72 [7510وأحمد .1/171
58الخطيب البغدادي نفس المصدر ص .33-21
59أبو داود ،3648وابن أبي شيبة في "المصنف" برقم .2991
60الخطيب البغدادي نفس المصدر ص .34
61الذهبي "تذكرة الحفاظ" ج 1ص .3
62الخطيب البغدادي "تقييد العلم" ص .49
63ابن سعد "الطبقات الكبرى" ج 1ص 206
64ابن سعد "الطبقات الكبرى" ج 5ص 140
65الخطيب البغداي "شرف أصحاب الحديث" ص .87
كبار الصحابة لكثارهم من التحديث فقد روي أنه بعث إلى عبدال بن مسعود وأبي
الدرداء وأبي مسعود النصاري ،فقال لهم" :ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول ال
؟" ،فحبسهم! بالمدينة حتى استشهد).(66
وروي عن عبدال بن مسعود أنه أحرق صحيفة بها بعض الحاديث ثم قال:
"اذكر ال رجلً يعلمها عند أحد إل أعلمني به ،وال لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها ،بهذا
هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب ال وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون") ،(67وأراد
ل" :إن رسول ال أمرنا أل نكتب شيئًا معاوية أن يكتب حديثًا فنهاه زيد بن ثابت قائ ً
من حديثه").(68
ل من أهل اليمن وتعلل أهل الحديث بأن هذا المنع منسوخ بما رووه من أن رج ً
قال" :اكتبوا لي يا رسول ال ،فقال رسول ال :اكتبوا لبي شاه .فقلت للوزاعي :ما
قوله :اكتبوا لي يا رسول ال؟ قال :هذه الخطبة التي سمعها من رسول ال .(69)"
بيد أن هذا الحتجاج ينقضه سياق الرواية نفسها ،فكما هو واضح من الرواية أن
الرسول إنما سمح للرجل بكتابة خطبة الوداع لنها تمثل مجموعة من أحكام الشرع
التفصيلية "السنة العملية" ،وقد سمعها عشرات اللف من الصحابة ،وكتبت في حضور
الرسول وتحت إشرافه ،وموضع الخطبة شائع ،وحضره جمع غفير فيستحيل
تحريف حرف منه ،فهي بذلك تجري مجرى السنة المتواترة التي أطبقت عليها المة،
ومنع الرسول كان للروايات الحادية ،ونفس هذا التحليل يجري على أحكام
الصدقات والديات والفرائض التي كتبت في حديث عمر بن حزم ،ولو كان هذا إذنًا
بكتابة الروايات الحادية لما ثبت عن الصحابة منع كتابة مثل تلك الروايات ،ولما استدل
أبى سعيد الخدري بالمنع بعد وفاة الرسول ،ولما منع زيد بن ثابت معاوية من
الكتابة.
وقال أهل الحديث للجابة عن منع النبي وصحابته للرواية بقولهم إن المنع
كان ضروريًا في بداية المر لكي ل يختلط الحديث بالقرآن! ،وهذا احتجاج واٍه لن
العرب معروفون بالفصاحة وشدة الحفظ فل يمكن أن يختلط عليهم القرآن بغيره ،خاصة
وأن القرآن معجز في ألفاظه وتركيبه ،ول يمكن أن يختلط به غيره).(70
والظاهر أن المنع من الرواية كان القصد منه عدم الخلط بين الجانب التشريعي
للسنة الذي تواتر عمليًا عند المة ،وبين الجانب البشري أو التشريعي غير الملزم
كاجتهادت النبي في القضايا اليومية ذات الصبغة المحلية المأطرة في حدود الزمان
والمكان ،خاصة وأنها حوادث لم يشهدها إل فرد أو أفراد قليلون من الصحابة وهم غير
معصومين من الخطأ والنسيان والرواية بالمعنى مع اختلف ملكاتهم العقلية ،بالضافة
إلى أن النبي أراد البقاء على دائرة اللزام في أضيق الحدود ،وأراد البقاء على
الخطيب البغدادي "شرف أصحاب الحديث" ص .87 66
النفلت الروائي:
إن القراءة السابقة لعملية التدوين الولى للروايات والموقف منها نستخلص منه
أن عملية تدوين الروايات الحادية لقت سدًا منيعًا من الرسول وصاحبيه أبي بكر
وعمر ،فماذا حدث بعد ذلك؟
في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ،ومع بداية تفجر الفتنة بين الصحابة وما
تبعها من اغتيال الخليفة ،حدث انفلت روائي رهيب أذكى جذوته انبهار الصحابة بما
يرويه كعب الخبار وغيره ممن طالع كتب أهل الكتاب ،وكان للعوامل السياسية
المتفجرة دورها في إذكاء نار النفلت الروائي ،فقد كانت هناك مراجعات كثيرة بين
الخليفة ومنتقديه ،واحتاج المر إلى التذكير بسيرة الرسول وسيرة الشيخين من
بعده).(71
بعكس عمر بن الخطاب الذي حظر على كعب الحبار الرواية والتحديث ،كان
عثمان بن عفان يستمع لروايات كعب الحبار ويستشيره في أمور المة ،وقد أورد
الذهبي في ترجمة أبي ذر الغفاري في "سير أعلم النبلء" أكثر من رواية تؤكد على
ثورة أبي ذر ضد آراء كعب الحبار في مجلس الخليفة عثمان ،ومنها أن أبا ذر دخل
على عثمان وعنده كعب فأقبل عثمان على كعب ،فقال" :يا أبا إسحاق ،ما تقول فيمن
جمع هذا المال ،فكان يتصدق منه ويصل الرحم؟ قال كعب :إني لرجو له .فغضب –أي
أبو ذر -ورفع عليه العصا").(72
وُروي أن معاوية بن أبي سفيان اتهم كعبًا بالكذب) ،(73ول يبعد أن يكون ذلك في
عهد عثمان لن كعبًا انتقل إلى الشام التي كان معاوية واليًا عليها) ،(74ولم يكن كعب
ليحّدث بغرائبه في عهد عمر .وأبو هريرة نفسه يؤكد حقيقة بدء الرواية في عهد ما بعد
عمر بن الخطاب حيث يقول" :لو كنت أحّدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني
بمخفقته") ،(75ويقول أيضًا" :إني لحّدث أحاديث لو كنت تكلمت بها في زمن عمر لشج
رأسي").(76
71لمراجعة قضية مناقشات عثمان والصحابة ،راجع علي الحجري "الباضية ومنهجية
البحث" ص .119-108
72الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 2ص .68-67
73البخاري 7361
74الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 3ص 490
75الذهبي "تذكرة الحفاظ" ج 1ص ،7مصنف عبد الرزاق برقم .20496
76الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 2ص .601
وبعد اغتيال الخليفة عثمان بن عفان فشا التحديث في جماعة معاوية إلى درجة
أن علي بن أبي طالب اتهمهم بإفساد سنة رسول ال ،فقد قال عنهم في صفين:
"قاتلهم ال أي عصابة بيضاء سودوا ،وأي حديث من حديث رسول ال أفسدوا") (.
77
وحقيقة انتشار التحديث في حزب معاوية وشيعته يؤكدها ما ثبت عن معاوية أنه
ل" :إن رسول ال أمرنا أل نكتب شيئا من أراد أن يكتب حديثًا فنهاه زيد بن ثابت قائ ً
حديثه").(78
وقد وصل إفساد المويين في الحديث إلى درجة كبيرة دفعت ببعض الصحابة
إلى العلن عن التوقف عن الرواية ،فقد جاء عن عبدال بن عباس–حزب علي -أنه
قال" :إنا كنا نحدث عن رسول ال إذ لم يكن يكذب عليه ،فلما ركب الناس الصعب
والذلول ،تركنا الحديث عنه").(79
وقد بّينا في مقدمة الكتاب دور السلطة الموية في تشجيع رواية أحاديث التجسيم
والرجاء .يقول ابن عبد البر" :قال عبدالرحمن بن مهدي وقد سئل أي الحديث أصح
قال :حديث أهل الحجاز قيل له ثم من؟ قال :حديث أهل البصرة .قيل ثم من؟ قال :حديث
أهل الكوفة ،قالوا :فالشام؟ قال :فنفض يده").(80
ويشير البعض إلى أن أبا هريرة وهو أكثر الناس رواية عن الرسول حيث
روى ) (5374حديثًا) (81كان من شيعة معاوية ،حيث كان مروان بن الحكم يستخلفه
على المدينة) .(82يقول سعيد بن المسّيب" :كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت ،فإذا
أمسك عنه تكلم").(83
أبا هريرة لم يرو حديث ذم كثرة الرواية وإنما ُنسب إليه ،أو أنه كان ل يرى أن الرواية
عن النبي تدخل ضمن إطار المنع من التحديث بكل شيء ،وأنه لم يدرك أبعاد نهي
النبي والخلفاء من بعده للرواية.
ونحن ل نشكك في صفاء عقيدة أبي هريرة ول في نقاء سريرته ،ولكن رواياته
عن أهل الكتاب جّرت بلًء على المة ،كما أن الوضاعين اتخذوا أبا هريرة تكئة لتعليب
الروايات ونسبتها إلى الرسول ،فكثرة روايات أبي هريرة خاصة في الغرائب
والعجائب التي نقلها عن كعب الحبار ،تسّهل على هؤلء وضع الحاديث على لسان
أبي هريرة ونسبتها إلى الرسول لدمغها بخاتم العصمة واللزام.
102البخاري ،2047ومسلم ] .(2492)-159[6397وحديث ضم ثوب أبي هريرة بالروايات فلم ينس منها شيئًا هو
حديث آحادي ل تثبت به معجزة ،والواقع يخالفها ،فكم من رواية ردها الصحابة لن ابا هريرة لم يضبطها ،وهذه
الرواية من جنس الروايات العجيبة التي استنكرها الصحابة على أبي هريرة .وقد روى مسلم نفس هذه الرواية من
طريق مالك بن أنس برقم ] [6398وقال" :غير أن مالكًا انتهى حديثه عند انقضاء قول أبي هريرة ،ولم يذكر في
حديثه الرواية عن النبي ) :من يبسط ثوبه( إلى آخره"!.
103عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته على كتاب "موطأ مالك" ص .12
104الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 5ص .331
105الذهبي نفس المصدر ج 5ص .339
106أبو يعقوب الورجلني "الدليل والبرهان" ج 1ص .20
انخدع به وظنه شابًا) .(107ومع كل ذلك فقد كان مدلسًا لم يلتق بالكثير من الصحابة الذين
روى عنهم! ،حتى قال يحيى بن سعيد القطان" :مرسل الزهري شر من مرسل
غيره") ،(108وكان الشافعي يقول" :إرسال الزهري ليس بشيء ،لنا نجده يروي عن
سليمان بن أرقم) ،(109وقد بيّنا في مقدمة الكتاب دور السلطة الموية في تجنيد المحدثين
لترسيخ أفكارها وعقائدها!.
بالضافة إلى ذلك كان المويون يقومون بإرهاب العلماء الذين يعارضون
السلطة الموية ،ويرفضون الفكر الموي المستورد من الديانات المحرفة ،حيث قاموا
بجلد ربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس ،وكان ذلك بسبب وشاية المحّدث
ل لهؤلء حتى أبي الزناد الذي وصفه مالك بن أنس بالعمالة لبني أمية" :لم يزل عام ً
مات" وقال" :وكان صاحب عّمال يتبعهم").(110
ثم فشا التدوين في الطبقة التي تلي الزهري ،فكان أول من جمع الروايات ابن
جريج بمكة ،وابن إسحاق ومالك بالمدينة ،والربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة
وحماد بن سلمة بالبصرة ،وسفيان الثوري بالكوفة ،والوزاعي بالشام ،وهشيم بواسط
ومعمر باليمن ،وجرير بن عبد الحميد بالري).(111
أما ابن جريج فقد اشتهر بالتدليس حتى قال عنه أحمد بن حنبل :بعض هذه
الحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة ،كان ابن جريج ل يبالي من
أين يأخذها .وقد تزوج سبعين امرأًة بالمتعة) .(112ومحمد بن إسحاق المدني وّهاه
كثيرون كالدارقطني والنسائي ويحيى بن سعيد القطان ومالك وغيرهم وحشا السيرة
النبوية أشياء منكرة منقطعة وأشعارًا مكذوبة) ،(113وصاحبا الصحيح لم يحتجا به ،إنما
استشهد مسلم به في أحاديث معدودة ،ربما خمسة قد رواهن غيره ،وذكره البخاري في
الشواهد ذكرًا من غير رواية).(114
أما مالك بن أنس فقد صنف كتابه "الموطأ" الذي تكلم فيه كثير من أهل الحديث
لما حوى من أحاديث مرسلة ومنقطعة وبلغات ،وقد صّنفه ابن حزم ضمن الدرجة
الثالثة من الكتب المقبولة في الحديث! مقدمًا عليه كتب السنن والمسانيد) ،(115وأشهر
رواة "الموطأ" هو يحيى بن يحيى بن كثير ،وقد شك في سماعه لبعض روايات الموطأ
فرواه عن زياد بن عبدال شبطون عن مالك .ويحيى بن يحيى هذا قال عنه ابن عبد البر:
107الذهبي نفس المصدر ج 5ص .344
108الذهبي نفس المصدر ج 5ص .338
109الذهبي نفس المصدر ج 5ص .339
110الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 8ص ،103العقيلي "الضعفاء" ج 2ص ،251راجع حسن
السقاف في تعليقه على كتاب "العّلو" للذهبي ص .382-381
111معظم حسين في مقدمته على كتاب "معرفة علوم الحديث" للحاكم النيسابوري.
112الذهبي "ميزان العتدال" ج 2ص .659
113الذهبي "ميزان العتدال" ج 3ص .475-469
114البيهقي "السماء والصفات" ص .577
115عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمة "موطأ مالك برواية محمد بن حسن الشيباني" ص
.14
"لم يكن له بصر بالحديث ،وأن له وهمًا وتصحيفًا في مواضع كثيرة من الموطأ").(116
والثاني هو محمد بن الحسن الشيباني ضعفه النسائي وغيره من جهة حفظه) ،(117وقال
عنه يحيى بن معين جهمي كذاب ،وفي رواية :ضعيف ،وقال عنه أسد بن عمرو أنه
كذاب).(118
أما الربيع بن صبيح فقد ضعفه شعبة جدًا ،وقال عنه أبو الوليد أنه كان يدلس،
ورفض يحيى بن معين الحديث عنه ،وقال عفان :أن أحاديثه مقلوبة كلها) .(119أما سعيد
بن أبي عروبة فهو قدري مدلس اختلط في آخره حتى يروى أنه يقول "مالك خازن النار
ي هو؟") .(120أما حماد بن سلمة فله أوهام ،احتج به مسلم في أحاديث معدودة يح ّ من أ ّ
121
في الصول من طريق ثابت وتحايده البخاري) ( ،ساء حفظه حين كبر وكان يحدث
من كتابه وضاع كتابه فقام يحدث الناس من حفظه ،انفرد بأحاديث منكرة في
الصفات) (122من بينها "أن ال خلق ذاته من عرق الخيل").(123
أما سفيان الثوري فكان ل ينتقي الرجال الذين يروي عنهم ،وقال عنه ابن
المبارك :حّدث سفيان بحديث فجئته وهو يدلسه ،فلما رآني استحى وقال نرويه عنك!
) ،(124وقال عنه الخطيب البغدادي" :حب السناد وشهوة الراوية غلبا على قلبه ،حتى
كان يحدث عن الضعفاء ،ومن ل يحتج بروايته ،فمن اشتهر منهم باسمه ذكر كنيته
تدليسًا للرواية عنه") .(125أما الوزاعي فقد قال عنه يحيى بن معين أنه في الزهري
ليس بذاك ،وقال أحمد بن حنبل إن حديثه ضعيف ،وأنه يحتج في حديثه بمن لم يقف على
حاله ،وأنه يحتج بالمقاطيع).(126
أما هشيم فهو مدلس مشهور ،فقد قال عنه أحمد بن حنبل أنه حدث عن جماعة لم
يسمع منهم ،وقال سفيان الثوري :هشيم ل تكتبوا عنه ،وقال الهروي :إن هشيمًا كتب عن
الزهري نحوًا من ثلثمائة حديث ،فكانت في صحيفة ،فجاءت الريح فرمت الصحيفة،
فنزلوا فلم يجدوها ،وحفظ هشيم منها تسعة أحاديث فقط!) ،(127وتغير بآخره ،وقال عنه
يحيى بن معين :ل يدري ما يخرج من رأسه) .(128أما معمر بن راشد الزدي فقد قال
الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 2ص ،282و "ميزان العتدال" ج 3ص .515 117
144البخاري "باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم" انظر فتح الباري ج
14ص .286
145ابن حجر العسقلني "إرشاد الساري" ص 602-597
146الذهبي "ميزان العتدال" ج 3ص .97-93وقد خالف البخاري أهل الحديث ،واحتج
بعكرمة في أكثر من موضع ،كما احتج به بعض أصحاب السنن.
147كان الصفرية يشتركون مع الباضية في المعارضة السياسية والعسكرية مع السلطة
الموية إل أنهم يصفون العاصي بالشرك "التكفير" بعكس الباضية الذين يصفون العاصي
بالفسق ول يخرجونه من الملة .راجع محمد بن إبراهيم الكندي "بيان الشرع" ج 3ص
.417
148الذهبي في "ميزان العتدال" ج 3ص .235
ب البغدادي في "الكفاية" ص .130 149الذهبي المصدر السابق ،ونقل كلم أبي دواد الخطي ُ
150الذهبي "ميزان العتدال" ج 4ص .345
151نفس المصدر السابق.
ل فعمرو بن عبيد أبو عثمان البصري ولم يكن الموقف من المعتزلة بأحسن حا ً
المعتزلي الذي قال عنه الذهبي" :مع زهده وتألهه ...وقد كان المنصور يخضع لزهد
عمرو وعبادته ...كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث واعتزل مجلس
الحسن هو جماعة عنده") ،(152ومع كل هذا الزهد والعبادة في الرجل إل أن أهل الحديث
اختلقوا عليه الروايات للقدح في عدالته ،حيث ينقل الذهبي موقف أهل الحديث من عمرو
ل" :ابن عون عن ثابت البناني قال :رأيت عمرو بن عبيد في المنام وهو يحك آية من قائ ً
المصحف ،فقلت :أما تتقي ال؟ قال :إني أبّدل مكانها خيرًا منها ...سمعت سعد بن معاذ
يصيح في مسجد البصرة يقول ليحيى القطان :أما تتقي ال؟ تروي عن عمرو بن عبيد!
ب{ المسد ،1 :في اللوح المحفوظ لمب َوَت ّ
ت َيَدا َأِبي َلَه ٍقد سمعته يقول :لو كانت }َتّب ْ
يكن ل على العباد حجة").(153
وقد اعتبر أحد علماء المسلمين رد أهل الحديث لرواية عمرو بن عبيد بأنها
"خيانة للسند .لن الذي أوجب قبول خبر العدول يوجب قبول خبر هذا").(154
أما واصل بن عطاء البصري إمام المعتزلة فقد كان أسوأ حظًا من صاحبه فقد
نسبه أهل الحديث إلى الكفر ،يقول الذهبي في ترجمته لواصل بن عطاء" :وقال أبو الفتح
الزدي :رجل سوء كافر").(155
التناقض في المواقف:
وأهل الحديث مع تجريحهم لثقات المسلمين من المذاهب المختلفة الحنفية
والباضية والمعتزلة ،يوثقون الضعفاء والمتروكين إذا ما وافقوا هواهم! ،فها هما أحمد
ل ضعيفًا لرضاهما عنه ،يقول الذهبي في ترجمة بن حنبل وتلميذه أبو حاتم يوثقان رج ً
عامر بن صالح بن عبدال" :واه لعل ما روى أحمد بن حنبل عن أحد أوهى من هذا ،ثم
إنه سئل عنه فقال :ثقة ،لم يكن يكذب .وقال الدارقطني :يترك ،وقال النسائي :ليس بثقة.
ن أحمد! يحدث عن عامر بن صالح! وقال أبو داود :سمعت يحيى بن معين يقول :ج ّ
وقال ابن معين أيضًا :ليس بشيء،وروى أحمد بن محمد بن محرز ،عن ابن معين ،قال:
كذاب خبيث عدو ال ،فقلت لبن معين :أحمد يحدث عنه ،فقال :هو يعلم أنا تركنا هذا
الشيخ في حياته .قال أبو حاتم :ما أرى بحديثه بأسًا").(156
وها هو الذهبي نفسه يقدح في بشر المريسي المعتزلي ويصفه بشرب النبيذ حيث
قال عنه" :وكان جهميًا له قدر عند الدولة ،وكان يشرب النبيذ") .(157بينما يتأول لهل
الحديث الذين يشربون النبيذ كما في ترجمة وكيع بن الجراح ،حيث قال" :فرضي ال
عن وكيع وأين مثل وكيع؟! ومع هذا فكان ملزمًا لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الكثار
152الذهبي في "ميزان العتدال"ج 3ص .280-273
153نفس المصدر السابق.
154انظر عبد الجود ياسين "السلطة في السلم" ص .152
155الذهبي "ميزان العتدال" ج 4ص .329
الذهبي "ميزان العتدال" ج 2ص .360 156
التدليس:
التدليس هو الستر والخفاء وعدم التبيين للعيب ،يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي:
س في البيع وفي كل شيء ،إذا لم يبّين له عيبه") .(186والمحدثون يستخدمون نفس "وَذّل َ
187
هذ المعنى اللغوي لوصف التدليس في الحديث) ( .والتدليس في الحديث على ضربين:
ث أنه سمع الحديث من شخص معين وهو لم يسمعه منه ،ومنه الول أن يوهم المحد ُ
أيضًا أن يسمع من ثقة حديثًا في إسناده رجل ضعيف فيقوم بحذف الضعيف من السناد
ل بالثقات ،وهذا التدليس يعرف بالتسوية أي يسوي الثقات
بحيث يظهر السناد مسلس ً
بطرح الضعفاء ،وهو شّر أنواع التدليس .والضرب الثاني :أن يسمع المحدث من شخص
ضعيف فيغير من اسم الضعيف أو كنيته حتى ل ُيعَرف أنه رواه عن ضعيف).(188
وللتدليس مفاسد كثيرة ،أهمها أنه سبيل للكذب على رسول ال ،وإفساد الدين،
وذلك بالرواية عن الكذابين والوضاعين والمجرحين ،وقد حكم أئمة الحديث على
ي من أن أدلس" ،ويقول: ب أل ّ
المدلسين بأشنع الوصاف ،يقول شعبة" :لن أزني أح ُ
"التدليس في الحديث أشد من الزنا ،ولئن أسقط من السماء إلى الرض ،أحب إليّ من أن
أدلس" ،وقال" :التدليس أخو الكذب" ،وقال حّماد بن أسامة "خرب ال بيوت المدلسين،
ما هم عندي إل كذابون" ،وقال حماد بن زيد" :التدليس كذب" ،ثم ذكر حديث النبي
للمتشبع بم لم يعط "المتشبع بما لم يعط كلبس ثوبي زور" قال حماد" :ول أعلم المدلس
إل متشبعًا بما لم يعط" وقال عبدال بن المبارك" :لن نخّر من السماء أحب إلي من أن
الوضع في الحديث:
لقد كان للحداث السياسية التي مرت بها الدولة السلمية بعد مقتل الخليفة
عثمان بن عفان وانقسام المة إلى شيعة علي وشيعة معاوية أثره البالغ في تفشي الوضع
في الحديث للنتصار على الخر.
كانت بداية الوضع في الحديث مبكرة جدًا في عهد النبي فقد قال :عبدال بن
الحارث أن النبي قال" :من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار") (206في حق
عبدال بن أبي جذعة ،أتى ثقيفا بالطائف ،فقال :هذه حلة رسول ال أمرني أن أتبوأ
أي بيوتكم شئت .فقالوا :هذه بيوتنا فتبوأ أيها شئت .فانتظر يخلو الليل ،فقال :وأتبوأ أي
نسائكم شئت .فقالوا :له إن عهدنا برسول ال يحرم الزنا ،فسنرسل إليه ،فأرسلوا إليه
ل ،فسار إليه ،فأخبره القصة ،فغضب رسول ال غضبًا شديدًا فلذلك قال " من رسو ً
كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
واستمر التقول على رسول ال في عصر الصحابة ،وكان ذلك في روايات
التفسير والملحم حتى أن أحمد بن حنبل قال" :ثلثة ليس لها أصل :التفسير والملحم
والمغازي") .(207ففي التفسير جاء أن مروان بن الحكم حين كان واليًا لمعاوية على
الحجاز طلب من الناس مبايعة يزيد وليًا للمر بعد معاوية ،فقال له عبد الرحمن بن أبي
بكر الصديق :أهرقلية؟ إن أبا بكر رضي ال عنه ،وال ما جعلها في أحد من ولده وأهل
ل على ال بيته ،ول جعلها معاوية في ولده إل رحمة وكرمة لولده .فقال مروان متقو ً
ف ّلُكَما َأَتِعَداِنِني{ الحقاف:
ورسوله :إن هذا الذي أنزل ال فيه }َواّلِذي َقاَل ِلَواِلَدْيِه ُأ ّ
،17فقالت عائشة رضي ال عنها من وراء الحجاب :ما أنزل ال فينا شيئًا من القرآن إل
مسند الربيع بن حبيب برقم ،738وقصة سبب الحديث برقم .739 206
251صحيح مسلم باب "رضاعة الكبير" الروايات ] 1453-26 [3600إلى ])-31 [3605
(1454
252صحيح مسلم باب "رضاعة الكبير" ](1453)-29[3603
253البخاري 2789
أفرأيت الحمو؟ قال :الحمو الموت") ،(254فكيف يتصور منه النوم عند امرأة أجنبية
ثم تقوم بفلي رأسه!.
ومن ذلك أيضًا ما جاء في بعض الروايات من محاولة الرسول للنتحار ،حيث
كان يصعد "رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له
جبريل فقال :يا محمد إنك رسول ال حقًا .فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع").(255
فكيف يجوز تصور رغبة الرسول في النتحار وال تعالى يقولَ} :وَل َتْقُتُلوْا
ل َوَل ُتْلُقوْا حيًما{ النساء ،29ويقولَ} :وَأنِفُقوْا ِفي َ
سِبيِل ا ّ ن ِبُكْم َر ِ
ل َكا َ نا ّسُكْم ِإ َّأنُف َ
ن{ البقرة ،195إن إثبات الهّم سِني َ
ح ِ
ب اْلُم ْ
ح ّل ُي ِ
نا ّ
سُنَوْا ِإ ّ
ح ِ
ِبَأيِْديُكْم ِإَلى الّتْهُلَكِة َوَأ ْ
بالنتحار للرسول يعطي المنتحرين ذريعة لقتراف فعلتهم ،فطالما أن الرسول
قادته نفسه إلى النتحار لول إنقاذ جبريل له ،فكيف بمن هو دونه ممن ليس له وحي ينقذه
من هذه الرغبة التي لم يصمد أمامها النبي المعصوم؟!
وجاء في بعض الروايات أن النبي كان يمشي عاريًا أمام الناس! فقد جاء عن
جابر بن عبدال أنه قال" :أن رسول ال كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره
فقال له العباس عمه :يا بن أخي لو حللت إزارك فجعلت على منكبيك دون الحجارة .قال:
فحله ،فجعله على منكبيه ،فسقط مغشيًا عليه .فما رؤي بعد ذلك عرياناً .(256)" يقول
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي" :من يصدق هذه الرواية ولو جاءت بأصح السانيد كما
ك َلَعلى يزعمون؟! ،من يصدق أن النبي الذي يصفه ال بأنه على خلق عظيم }َوِإّن َ
ظيٍم{ القلم ،4 :يصل به المر أن يبدي عورته ،ذلك الشيء ل يرضاه حتى أولئك عِ ق َ خلُ ٍُ
ل عن الذين يعيشون في الدغال أبعد ما يكونون عن الحضارة وعن القيم النسانية فض ً
القيم الدينية ،من الذي يصدق هذا").(257
وتنسب بعض الروايات إلى النبي الغرق في الجهل والخرافة! ،فقد جاء فيها
أنه قال" :ول تحينوا بصلتكم طلوع الشمس ول غروبها .فإنها تطلع بين قرني
شيطان") ،(258ومعلوم أن الشمس تسطع على كل سطح الكرة الرضية المقابل لها،
واشعاعاها ل ينقطع عن الرض في لحظة من اللحظات ،ولكل أهل أقليم من الرض
مطلعهم الخاص ،فهل الكرة الرضية محاطة بحجاب محكم من الشياطين شبيه بطبقة
ل؟!. الوزون مث ً
وجاء في بعض الروايات أن الرسول أخذ بيد أبي هريرة وقال له" :خلق ال
عز وجل -التربة يوم السبت ،وخلق فيها الجبال يوم الحد ،وخلق الشجر يوم الثنين،
وخلق المكروه يوم الثلثاء ،وخلق النور يوم الربعاء ،وبث فيها الدواب يوم الخميس،
من طريق أبي هريرة ،صحيح البخاري 3407وصحيح مسلم ].(2372)-157 [6148 261
أولي العزم .إن كراهيته للموت بعدما جاءه ملكه أمر مستغرب! ثم هل الملئكة تعرض
لهم العاهات التي تعرض للبشر من عمى أو عور؟ ذاك بعيد").(262
ثم قال معلقًا على المازري الذي اعتبر من رد الحديث ملحدًا" :هذا الدفاع كله
خفيف الوزن ،وهو دفاع تافه ل يساغ! ،ومن وصم منكر الحديث باللحاد فهو يستطيل
في أعراض المسلمين ،والحق أن في متنه علة قادحة تنزل به عن مرتبة الصحة،
ورفضه أو قبوله خلف فكري ،وليس خلفا عقائديًا ،والعلة في المتن يبصرها
المحققون ،وتخفى على أصحاب الفكر السطحي").(263
وتنسب بعض الروايات الكذب إلى إبراهيم فقد روي عن النبي أنه قال:
"لم يكذب إبراهيم إل ثلث كذبات ثنتين منهن في ذات ال قوله }إني سقيم{ وقوله
}بل فعله كبيرهم هذا{ ،وقال :بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة
فقيل له :إن ها هنا رجلً معه امرأة من أحسن الناس .فأرسل إليه فسأله عنها ،فقال :من
هذه .قال :أختي .فأتى سارة ،فقال :يا سارة ليس على وجه الرض مؤمن غيري
وغيرك ،وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي ،فل تكذبيني).(264
ثم يأتي تفصيل القصة في رواية أخرى ،وفيها" .فأرسل بها إليه ،فقام إليها،
ضأ وتصلي ،فقالت :اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إل فقامت تو ّ
ي الكافر .فغط حتى ركض برجله ،قال العرج :قال أبو سلمة على زوجي ،فل تسلط عل ّ
بن عبدالرحمن :إن أبا هريرة قال :قالت :اللهم إن يمت يقال :هي قتلته فأرسل .ثم قام
إليها ،فقامت توضأ تصلي وتقول :اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك ،وأحصنت فرجي
ي هذا الكافر .فغط حتى ركض برجله قال :عبد الرحمن، إل على زوجي ،فل تسلط عل ّ
قال :أبو سلمة ،قال :أبو هريرة ،فقالت :اللهم إن يمت فيقال :هي قتلته ،فأرسل في الثانية
ي إل شيطانًا ،أرجعوها إلى إبراهيم ،وأعطوها أو في الثالثة ،فقال :وال ما أرسلتم إل ّ
آجر ،فرجعت إلى إبراهيم فقالت أشعرت أن ال كبت الكافر وأخدم وليدة") (.
265
محمد الغزالي "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" ص 34 262
من طريق أبي هريرة ،صحيح البخاري ،3358وصحيح مسلم ].(2371)-154[6145 264
265البخاري .2217
وهذه القصة منقولة حرفيًُا من التوراة) ،(266يقول الفخر الرازي" :واعلم أن
بعض الحشوية روى عن النبي أنه قال" :ما كذب إبراهيم إل ثلث كذبات"
فقلت :الولى أن ل نقبل مثل هذه الخبار .فقال على طريق الستنكار :فإن لم نقبله لزمنا
تكذيب الرواة ،فقلت له :يا مسكين إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم ،وإن رددناه
لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ،ول شك أن صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون
طائفة من المجاهيل عن الكذب").(267
و"آجر" الخادمة هي "هاجر" أم إسماعيل ،وبذلك يكون النبي محمد من
حا َوآَل
طَفى آَدَم َوُنو ًصَلا ْ
نا ّ أبناء الماء والجواري! مع أن ال تعالى يقولِ} :إ ّ
عِليٌم{ آلسِميٌع َ ل َ ض َوا ّ
ضَها ِمن َبْع ٍ
ن * ُذّرّيًة َبْع ُعَلى اْلَعاَلِمي َ
ن َ
عْمَرا َ
ِإْبَراِهيَم َوآَل ِ
عمران.34-33 :
وجاء في أحد الروايات أن موسى كان يكشف عروته أمام الناس! ،فقد جاء
من طريق أبي هريرة أن النبي قال"كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم
إلى بعض ،وكان موسى يغتسل وحده .فقالوا :وال ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إل أنه
آدر (متورم الخصية( ،فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ،ففر الحجر بثوبه!،
فخرج موسى في إثره يقول :ثوبي يا حجر ،حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى،
فقالوا :وال ما بموسى من بأس .وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا .فقال أبو هريرة وال
إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر").(268
266جاء في العهد القديم ،سفر التكوين ،الصحاح 18-1 :20ما نصه" :وانتقل إبراهيم من
هناك إلى ارض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرب في جرار .وقال إبراهيم عن
سارة امرأته هي أختي .فأرسل ابيمالك ملك جرار واخذ سارة .فجاء الله إلى ابيمالك في
حلم الليل وقال له :ها أنت مّيت من أجل المرأة التي أخذتها فإنها متزوجة ببعل .ولكن لم
يكن ابيمالك قد اقترب إليها .فقال :يا سيد أأمة بارة تقتل .ألم يقل هو لي إنها أختي وهي
أيضا نفسها قالت :هو أخي .بسلمة قلبي ونقاوة يديّ فعلت هذا .فقال له الله في الحلم:
ي .لذلكأنا أيضا علمت أنك بسلمة قلبك فعلت هذا .وأنا أيضا أمسكتك عن أن تخطئ إل ّ
ي فيصّلي لجلك فتحيا .وإن كنت لست سها .فالن رد امرأة الرجل فانه نب ّ لم ادعك تم ّ
كر ابيمالك في الغد ودعا جميع عبيده تردها فاعلم انك موتا تموت أنت وكل من لك .فب ّ
وتكلم بكل هذا الكلم في مسامعهم .فخاف الرجال جدا .ثم دعا ابيمالك إبراهيم وقال له:
ي وعلى مملكتي خطية عظيمة .أعمال ل ماذا فعلت بنا وبماذا أخطأت إليك حتى جلبت عل ّ
تعمل عملت بي .وقال ابيمالك لبراهيم ماذا رأيت حتى عملت هذا الشيء .فقال إبراهيم
أني قلت ليس في هذا الموضع خوف الله البتة .فيقتلونني لجل امرأتي .وبالحقيقة أيضا
هي أختي ابنة أبى .غير أنها ليست ابنة أمي .فصارت لي زوجة .وحدث لما أتاهني الله من
ي .في كل مكان نأتي إليه قولي عني بيت أبي أنى قلت لها هذا معروفك الذي تصنعين إل ّ
وعبيدا وإماء وأعطاها لبراهيم .ورد إليه سارة امرأته.
ً هو أخي .فأخذ ابيمالك غنماً وبقراً
وقال ابيمالك هو ذا ارضي قدامك .اسكن في ما حسن في عينيك .وقال لسارة أنى قد
أعطيت أخاك ألفا ً من الفضة .ها هو لك غطاء عين من جهة كل ما عندك وعند كل واحد
فأنصفت .فصّلى إبراهيم إلى الله .فشفى الله ابيمالك وامرأته وجواريه فولدن .لن الرب
كان قد اغلق كل رحم لبيت ابيمالك بسبب سارة امرأة إبراهيم "اهـ.
267الفخر الرازي في تفسيره لسورة يوسف الية 24ج 18ص .199
268البخاري .278
ولنا أن نتساءل كيف سمح موسى لقومه أن يغتسلوا عراًة ينظر بعضهم إلى
بعض؟ وادعاء المتكلفين أن ال تعالى لم يأمره بأن يخبرهم بستر العورة غير مقبول لن
مثل هذه المور تعتبر من أبجديات الشرائع السماوية ،فكيف يتصور أن يخوض موسى
بقومه البحر ويواجه بهم صلف فرعون وهو لم يخبرهم بعد بوجوب ستر العورة؟
وسياق القصة يدلل على أصولها التوراتية التي ربما اقتبسها أبو هريرة من كعب الحبار
ونسبها الرواة إلى الرسول .
واّدعت أحد الروايات أنه قال" :لول حواء لما خانت أنثى زوجها") ( ،علمًا
275
بأنه ل ذكر في القرآن الكريم على أن زوج آدم قد خانته ،أو أنها دعته إلى فعل
من طريق أبي هريرة ،مسلم ](511)-266[1139 269
نقله الترمذي في سننه ص 128أثناء تعليقه على الرواية رقم .338 270
وقال مؤكدًا على سوء هذه الخلق التي عاشر أهلها" :لو خل هذا الباب لصحاب
حديده").(289الحديث لسرقوا َ
كانت ردة فعل العمش ضد أهل الحديث كيبرة جدًا إلى درجة أنه قال" :لو كانت
لي أكلب كنت أرسلها على أصحاب الحديث") ،(290وقد نفذ تهديده ضد أهل الحديث!،
فقد قال جرير" :كنا نأتي العمش ،وكان له كلب يؤذي أصحاب الحديث ،فجئناه يومًا،
وقد مات ،فهجمنا عليه ،فلما رآنا ،بكى ثم قال :هلك من كان يأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر").(291
298البخاري 1227ومسلم .(573) 97والرواية تشير كذلك إلى محاكمة الصحابي فعل
النبي بالمستقر المجمع عليه من العمل.
299الذهبي "تذكرة الحفاظ" ج 1ص .6
300البخاري .6245
301مسلم ].(1480)-46[3710
302مسلم ].(1480)-40[3703
303البخاري 1286و .1287
304البخاري .1288
قال" :رأيت ربي عز وجل") ،(305وفي رواية أن ابن عباس قال" :رآه بقلبه")،(306
فحين سألها مسروق :هل رأى محمد ربه؟ قالت :لقد قفّ شعري مما قلت ،أين أنت
من ثلث من حدثكهن قد كذب؟ من حدثك أن محمدًا قد رأى رّبه فقد كذب .ثم قرأت }ّل
خِبيُر{ النعامَ} ،103 :وَما َكا َ
ن ف اْل َ
طي ُصاَر َوُهَو الّل ِك اَلْب َ صاُر َوُهَو ُيْدِر ُ ُتْدِرُكُه اَلْب َ
شاءي ِبِإْذِنِه َما َي َحَ سوًل َفُيو ِ سَل َر ُب َأْو ُيْر ِ
جا ٍ
حَ حًيا َأْو ِمن َوَراء ِ ل ِإّل َو ِْلَبشٍَر َأن ُيَكّلَمُه ا ُّ
وردت خبر أبى ذر عن الرسول في قطع حِكيٌم{ الشورىّ .( )"51 :
307
ي َ عِل ّ
ِإّنُه َ
الحمار والكلب السود والمرأة للصلة) ،(308كما ردت خبر ابن عمر الذي فيه أن
الرسول اعتمر في رجب).(309
ل من الصحابة لقاعدة ظنية الحاد وقطعية المتواتر لم يقبل الصحابة وتفعي ً
رضوان ال تعالى عليهم في أثناء جمعهم للقرآن الكريم أخبار الحاد ،يقول ابن كثير:
"وأما إن روي على أنه قرآن فإنه لم يتواتر فل يثبت بمثل خبر الواحد قرآن ،ولهذا لم
يثبته أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي ال عنه في المصحف").(310
وهذا المنهج هو الذي سار عليه التابعون ومن بعدهم من فقهاء المة فقد قال
المام جابر بن زيد رحمه ال حين سأل عن المسح على الخفين في الوضوء" :كيف
يمسح الرجل على خفيه وال سبحانه وتعالى يخاطبنا في كتابه بنفس الوضوء؟! وال
أعلم بما يرويه مخالفونا في أحاديثهم") .(311وقال أبو غانم الخراساني" :سألت أبا
المؤرج :هل في الصلة قنوت؟ .قال :حدثني أبو عبيدة أنه سأل جابر بن زيد عن ذلك
جًدا َوَقاِئًما فقال :الصلة كلها قنوت .قال ال تبارك وتعالىَ} :أّمنْ ُهَو َقاِنتٌ آَناء الّلْيِل َ
سا ِ
ن ِإّنَما
ن َل َيْعَلُمو َن َواّلِذي َ
ن يَْعَلُمو َ
سَتِوي اّلِذي َحَمَة َرّبِه ُقْل َهْل َي ْجو َر ْ خَرَة َوَيْر ُلِ حَذُر ا َْي ْ
ب{ الزمر .9 :قلت :يا أبا الشعثاء ،ليس عن هذا أسألك ،ولكن إنما َيَتَذّكُر ُأْوُلوا اَْلْلَبا ِ
أسألك عن الذي يفعل هؤلء بعد الركوع ،يدعون ويهللون وهم قيام .قال :هذا أمر محدث
ل نعرفه ول نؤثره عمن مضى من هذه المة") .(312فالمام جابر يرد الخبار المخالفة
لصريح الكتاب العزيز والعمل المستقر عند المة.
أما عبدال بن عبد العزيز )ت 150هـ( فحين سئل عن "العمرا والرقبا والسكنى"
قال" :معنى العمرا والرقبا والسكنى من العمر ،أن يقول الرجل :قد عمرتك هذه الدار
حياتك فهي لك عمرًا ،ولك رقبًا ،ولك سكنًا على إنها لحياتك .قال أبو عبيدة رفع الحديث
إلى جابر بن زيد إلى ابن عباس أنه قال :من عمر شيئًا حياته فهو له حياته ،ولورثته من
305ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" ج 4ص 275في تفسير سورة النجم الية ،18-5
والحديث رواه أحمد وعلق عليه ابن كثير قائ ً
ل" :إسناده على شرط الصحيح"اهـ .
306مسلم ].(176)-284[436
307البخاري ،4855ومسلم ].(177)-287[439
308مسلم ].(510)265[1137
309البخاري 1775و 1776ومسلم ].(1255)219 [3036
310ابن كثير في تفسيره ج 1ص .336
311مسند الربيع بن حبيب برقم .123
312أبو غانم الخراساني "المدونة الصغرى" ج 1ص .67
بعد مماته" ثم قال" :وكان غيره من الفقهاء ل يجيز ذلك ول يراه لورثته من بعده ،وكان
إبراهيم ممن ل يجيز ذلك ،ويقول في العمرا :إذا مات الذي عمرها فهي راجعة ،إل أن
يقول :هي لك ولعقبك .وقول إبراهيم أعدل عندي" .فلما قيل له" :وكيف يكون هذا وهنًا
وضعفًا وقد قال رسول ال :من عمر شيئًا فهو له حياته وبعد مماته؟ قال" :لو اتفق
الناس على هذا الحديث من رسول ال لم يخالفه أحد من الفقهاء ،ولم يجاوزه بالقياس
وبالرغبة عنه ،لن كل ما كان من رسول ال ل ينبغي لحد أن يخالف فيه").(313
فابن عبد العزيز لم تكبله صحة السند بل تعامل مع الراوية وفق القواعد الكلية
للشريعة السلمية ،وأكد في نفس الوقت على حقيقة مهمة وهي أن الرواية الصحيحة
السند التي لم يستقر عمل المة عليها ليست حجة ملزمة.
وقال أبو غانم الخراساني" :قلت لبي المؤرج :إن هؤلء يقولون ويروون عن
عبدال بن عمر أنه كان يقول :هذا البحر وتحته سبعة أبحر ،وتحتها النيران ،وكان ينهى
ي من أن أغتسل من عن الوضوء والغتسال بماء البحر ،وكان يقول :لن أتيمم أحب إل ّ
ماء البحر .قال أبو المؤرج :لسنا نأخذ بهذا من حديث ابن عمر ،وقد كان أبوه أمير
المؤمنين رحمة ال عليه يقول بخلف هذا القول ،ويجيز الوضوء بماء البحر والغتسال
به من الجنابة") .(314فابن المؤرج يرّد رواية ابن عمر حين خالفت العمل الذي استقرت
عليه المة.
وقد يقال :لماذا التفريق بين العقيدة وفقه المعاملت بحيث اشترط التواتر في
العقيدة ولم يشترط في فقه المعاملت؟
يجاب بأن أسباب اشتراط التواتر في العقيدة قد تم بيانه سابقا مدعومًا بالدلة
القطعية من القرآن والسنة المجتمع عليها والتي استقر على العمل عليها ،أما المعاملت
الفقهية فإن العلم اليقيني ضروري في تأصيل القواعد الكّلية التي تحكم تلك المعاملت،
وقد أسلفنا سابقًا أن القواعد الكّلية تقوم على استقراء الدلة المحكمة من الكتاب العزيز،
والسنة المجتمع عليها ،وعلى القطعيات العقلية.
أما نفس تلك المعاملت في خصوصها فجائز الخذ بالظن فيها بشرط عدم
تعارض هذا الظن مع القواعد الكّلية اليقينية ،فلو ألزمنا البشر الدليل اليقيني في كل
معاملتهم لتوقفت حركة الحياة وتعسرت خاصة ،فلو توقف حد الزنا والسرقة والقتل على
الدليل اليقيني لتعطلت الحدود ،وكثر الفساد في المجتمع ،ومن لطف ال تعالى بعباده أنه
أنزل لهم ما يناسب حركية الحياة ودينامكية العلقات الجتماعية ،فأجاز لهم قبول شهادة
الرجلين في قضايا الدّين ،وقبول شهادة الأربعة في قضايا الزنا ،كما أن ال عز وجل قد
وجه الزوجين إلى التراجع عن طلقهما إن هم ظنا أن يعمل بأحكام السرة التي شرعها
حُدوَد
ظّنا َأن ُيِقيَما ُ
جَعا ِإن َ
عَلْيِهَما َأن َيَتَرا َ
ح َجَنا َ
ل ُ السلم ،يقول تعالىَ} :فِإن َ
طّلَقَها َف َ
ن{ البقرة.230 : ل ُيَبّيُنَها ِلَقْوٍم َيْعَلُمو َ
حُدوُد ا ّ
ك ُ
ل َوِتْل َ
ا ّ
الخلصة:
نستنتج مما مضى أن أطنان الروايات التي يفرضها علينا أهل الحديث ل يمكن
قبولها كممثل للسنة النبوية دون عرض على القواعد الكّلية للشريعة السلمية.
يجب إعادة تعريف جديد للحديث الصحيح فالتعريف التقليدي "كل ما اتصل سنده
بالعدول الضابطين من غير شذوذ ول علة") (322ل يفي بالغرض ،وذلك لن المقصود
بالشذوذ غالبًا هو مخالفة روايات الثقات) ،(323أما العلة فهي أيضًا تختص بالسند ! ،حيث
يقول النووي في "شرح تقريب النووي" ما نصه" :والعلة عبارة عن سبب قادح مع أن
الظاهر السلمة منه ،وتتطرق إلى السناد الجامع شروط الصحة ظاهرًا وتدرك بتفرد
أحمد شاكر "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير" ص .74 337
النصوصية وربطه بالرؤية القرآنية شرط ضروري لتحقيق ارتقاء علمي ونهضة
338
عمرانية ،وهذا بدوره يتطلب تحديد السس المنهجية لستخراج الرؤية القرآنية") (.
يقوم منهج أهل الحديث في مجمله على التعامل التجزيئي النصوصي في استنباط
الحكام الفقهية ،ويتمثل ذلك في اختزال التعامل مع القضايا المطروحة وفق النصوص
الجزئية والتي هي في معظمها روايات آحادية ،دون مراعاة للقواعد الكّلية التي تحكم
لؤي صافي "إعمال العقل" ص .162 338
تلك النصوص الجزئية ،وقد استطاعت هذه الممارسة التجزيئية التسرب إلى المدرسة
الفقهية من خلل المام الشافعي ومقولته المشهورة" :اذا صح الحديث فهو مذهبي ،وإذا
صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط") .(339فقد سببت مقولة الشافعي لبسًا كبيرًا في
أذهان كثير من الفقهاء بين مفهوم الحديث وارتباطه بالسنة ،ومعلوم لدى فقهاء المة أنه
ل يجوز مخالفة سنة النبي إل أن ذلك ل ينسحب على الروايات الحادية المنسوبة
إلى النبي التي يعبر عنها أهل الحديث بـ "الحاديث" ،وهذا اللبس جعل الكثير من
الفقهاء يتوهمون أن الرواية الحادية الصحية السند تمثل السنة! ،فيمتنع الجتهاد في
حضورها ،ويجب إنزال حكمها ومدلولها على الحوادث المختلفة دون اعتبار للبعاد
الزمانية والمكانية!.
إل أن المدرسة الفقهية التي تعتمد القواعد الكّلية في محكامتها للروايات الحادية
واستنطاق الحكام المختلفة وإنزالها على الواقع حاولت مواجهة مّد المنهج النصوصي
التجزيئي لهل الحديث ،وكان أبو حنيفة من أكثر الفقهاء الذين واجهوا هذا المنهج ،مما
حدا بأهل الحديث إلى مهاجمته وتكفيره! ،يقول ابن عبد البر" :إن كثيرًا من أهل الحديث
استجازوا الطعن على أبي حنيفة لرده كثيرًا من أخبار العدول ،لنه كان يذهب في ذلك
إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الحاديث ومعاني القرآن ،فما شذ عن ذلك رده
وسماه شاذًا") .(340وقال" :وأما سائر أهل الحديث فهم أعداء لبي حنيفة
وأصحابه") ،(341ويذكر محمد بن عبد الوهاب موقف أحمد بن حنبل من أبي حنيفة قائ ً
ل:
"ولما أخذ بعض أئمة الحديث كتب أبي حنيفة هجره أحمد ،وكتب إليه إن تركت كتب
أبي حنيفة أتيناك تسمعنا كتب ابن المبارك") ،(342ونقل العقيلي طعن أحمد بن حنبل في
أبي حنيفة وأصحابه وقوله فيهم" :أصحاب أبي حنيفة ليس ينبغي أن يروى عنهم
شيء") .(343ونقل عبدال بن أحمد بن حنبل في كتابه "السنة" تكفير حماد بن سليمان
لبي حنيفة" :قال لي حماد بن سليمان اذهب إلى الكافر يعني أبا حنيفة") ،(344ونقل فيه
قولهم" :ما ولد في السلم مولود أشأم عليه من أبي حنيفة") ،(345وفيه أيضًا" :أبو حنيفة
هذا ،وال إني لرجو أن يدخله ال عز وجل نار جهنم").(346
ولم تكن المدرسة الفقهية الباضية بمعزل عن هجوم أهل الحديث ،وذلك أن هذه
ل بالقياس") ،(347والقياس عندهم المدرسة حسب تعبير الشهرستاني" :أشد الناس قو ً
يعتمد على عرض القضايا على القواعد الكّلية المتسنبطة من النصوص المحكمة من
339الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 10ص .35
340ابن عبد البر "النتقاء" ص .149
341ابن عبد البر في "النتقاء" ص .203راجع عبد الجواد ياسين "السلطة في السلم" ص
.79
342محمد بن عبد الوهاب "الدرر السنية في الجوبة النجدية" ج 1ص .35
343العقيلي في كتابه "الضعفاء الكبير" ج 1ص 23في ترجمة أسد بن عمرو البجلي.
344كتاب "السنة" لعبدالله بن أحمد بن حنبل ص .184
345كتاب "السنة" لعبدالله بن أحمد بن حنبل ص .187
346كتاب "السنة" لعبدالله بن أحمد بن حنبل ص .223
347الشهرستاني "الملل والنحل" ص .134
الكتاب والسنة المجتمع عليها ،فعلى سبيل المثال استخرج زهران المسعودي في كتاب
"الجامع" لبن بركة )ت 362هـ( سبعة وخمسين قاعدة فقهية كلية ،وستة وسبعين
ضابطًا كليًا ،بالضافة إلى القواعد والضوابط الكّلية التي لم يذكرها ابن بركة بالنص،
ولكن يمكن استخراجها بالستقراء) ،(348والمستقريء لمؤلفات الباضية الوائل يجدهم
يردون كثيرًا من الروايات الحادية مع صحة اسانيدها لعدم توافقها مع القواعد الكّلية
التي رسختها النصوص القطعية المحكمة.
هذا المنهج الفقهي المتقدم جعل أهل الحديث يصنفون الباضية ضمن فرق
الخوارج "الزارقة والنجدات والصفرية والبيهسية" ،مع أن الباضية ل يقولون بأن
المسلم العاص خارج من الملة مباح الدم كما يقول الخوارج ،بل هم يحّرمون دماء أهل
القبلة مهما اختلفوا معهم في المذهب والمنهج ،ول يفرقون بين الباضية وبين أهل القبلة
في النكاح والتعامل) ،(349إل أن أهل الحديث أنزلوا عليهم أقصى الحكام ،فها هو ابن
قدامة الحنبلي يقول " :وقال مالك في الباضية وسائر أهل البدع يستتابون فإن تابوا وإل
ضربت أعناقهم") ،(350وقال أيضًا " :وظاهر كلم أحمد رحمه ال أنه ل يصلى على
الخوارج فإنه قال أهل البدع إن مرضوا فل تعودوهم وإن ماتوا فل تصلوا ...وقال مالك
ل يصلى على الباضية ول القدرية وسائر أصحاب الهواء ول تتبع جنائزهم ول تعاد
مرضاهم").(351
لعل من السباب المهمة التي حرضت أهل الحديث على مهاجمة الفقهاء الشعور
بعقدة النقص ،والقرار الداخلي بالضعف أمام الفقهاء الذين يتميزون بملكات ومدارك
عقلية عركها السهر على دراسة نصوص الكتاب العزيز ،وصقلها محاولة اكتشف
القواعد الكّلية التي تربط النصوص بعضها وتنتظمها في إطار يضمن عدم تعارضها
وتناقضها ،أما أهل الحديث فإن الجري المفزع وراء الروايات الحادية ومحاولة حفظ
أكبر قدر منها قتل ملكة التدبر والتأمل والبحث ،فصاروا يعانون من البساطة والسطحية
في التعامل مع المعطيات المختلفة.
وحقيقة بساطة أهل الحديث التي تحركهم للثورة على الفقهاء! ،قد أقر بها كبار
المحدثين بقوله فيما
ّ أهل الحديث ،فقد اعترف محمد بن إسحاق بن خزيمة بضعف عقلية
رواه البيهقي" :خرج أبو بكر محمد إسحاق يومًا قرب العصر من منزله فتبعته ،وأنا ل
أدري أين مقصده إلى أن بلغ باب معمر ،فدخل دار أبي عبد الرحمن ،ثم خرج وهو
منقسم القلب ،فلما بلغ المربعة الصغيرة ،وقرب من خان مكي ،وقف وقال لمنصور
الصيدلني :تعال .فعدا إليه منصور ،فلما وقف بين يديه ،قال له :ما صنعتك؟ قال أنا
عطار .قال :تحسن صنعة الساكفة؟ قال :ل .قال :تحسن صنعة النجارين؟ قال :ل .فقال
لنا :إذا كان العطار ل يحسن غير ما هو فيه فما تنكرون على فقيه راوي حديث أنه ل
348زهران المسعودي "المام ابن بركة ودوره الفقهي في المدرسة الباضية" الفصل
الثاني ص .276-131
349راجع محمد بن إبراهيم الكندي "بيان الشرع" ج 3ص .417
350ابن قدامة الحنبلي "المغني" ج 9ص .7
351ابن قدامة الحنبلي "المغني" ج 9ص .11
يحسن الكلم") .(352ونقل البيهقي عتاب عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي لبن خزيمة
حيث قال" :ما لبي بكر والكلم؟ إنما الولى بنا وبه أن ل نتكلم فيما لم نتعلمه").(353
ويقّر الشعبي –وهو أحد أئمة الحديث -بأن أهل الحديث ليس لهم دراية وتمرس
بفنون الفقه ،فيقول" :إنا لسنا بفقهاء ،ولكن رواة الحديث").(354
ويقول ابن الجوزي الحنبلي وهو من متأخري أهل الحديث" :فترى المحدّث
يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ول يدري ما فيها ،ولو وقعت له حادثة في
صلته لفتقر إلى بعض أحداث المتفقهة الذين يترددون إليه لسماع الحديث منه،
وبهؤلء تمكن الطاعنون على المحدثين فقالوا :زوامل أسفار ل يدرون ما معهم .فإن
أفلح أحدهم ونظر في حديثه فربما عمل بحديث منسوخ وربما فهم من الحديث ما يفهم
العامي الجاهل وعمل بذلك").(355
وقال" :قال الخطابي" :وقد كان ابن صاعد كبير القدر في المحّدثين لكنه لما قلت
مخالطته للفقهاء كان ل يفهم جواب فتوى ...فجاءته امرأة فقالت :أيها الشيخ ما تقول في
بئر سقطت فيه دجاجة فماتت فهل الماء طاهر أو نجس؟ فقال يحيى :ويحك .كيف سقطت
الدجاجة إلى البئر .قالت :لم تكن البئر مغطاة .فقال يحيى :أل غطيتها حتى ل يقع فيها
شيء .قال البهري :فقلت يا هذه إن كان الماء تغير فهو نجس وإل فهو طاهر").(356
وقال عنهم الفقيه أبو المؤرج" :فهم يروون الرواية ول يعرفون وجهها ول
معانيها") .(357ومصداق ذلك ما رواه الخطيب البغدادي من أن امرأة وقفت على مجلس
فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث ،فسمعتهم
يقولون :قال رسول ال ،ورواه فلن ،وما حدث به غير فلن .فسألتهم عن الحائض
تغسل الموتى؟ فلم يجبها أحد منهم ،وجعل بعضهم ينظر إلى بعض .فأقبل أبو ثور ،فقالوا
لها :عليك بالمقبل .فالتفتت إليه فسألته ،فقال :نعم ،تغسل الميت بحديث عائشة أن النبي
قال لها" :حيضتك ليست في يدك" ،ولقولها" :كنت أفرق رأس رسول ال بالماء
وأنا حائض" .قال أبو ثور :فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به .فقالوا :نعم ،رواه
فلن وحدثنا فلن ،وخاضوا في الطرق .فقالت المرأة:فأين كنتم إلى الن؟!).(358
فليس مستغربًا أن تسمع الشافعي يقول لهل الحديث" :أنتم الصيادلة ،ونحن
الطباء") .(359وهذا التوصيف الدقيق يعكس الحالة المنكوسة التي يمكن أن يصل إليها
المر إذا تجاوز الصيادلة الطباء وقاموا بعلج الناس بأنفسهم ،فقد يستخدمون دواء ما
وهو ل يناسب المريض! ،والفقه مثل الطب ،إنه إنزال النص على الواقع ،فكما يختار
352البيهقي في كتابه "السماء والصفات" ج 2ص .400
353البيهقي في كتابه "السماء والصفات" ج 2ص .401
354رواه أبو نعيم في الحلية 4/313وعثمان الدارمي في "الرد على المريسي" ص 385
نص رقم .207
355ابن الجوزي "تلبيس إبليس" ص .158
356ابن الجوزي "تلبيس إبليس" ص .159
357الديوان المعروض ،كتاب الصيام ص .47
358الخطيب البغدادي "تاريخ بغداد" ج 6ص .67
359الذهبي "سير أعلم النبلء" ج 10ص .23
الطبيب الدواء المناسب لكل مريض حسب خصوصيته النفسية والعضوية ،يختار الفقيه
الحكم المناسب لكل حالة حسب ظروفها الزمانية والمكانية ،بيد أن أهل الحديث
استطاعوا مع مرور اليام إقصاء الفقهاء عن الساحة الفكرية ،بل واستطاعوا تعميم
منهجم النصوصي الصيدلني على الفقهاء!.
يقول الشيخ محمد الغزالي" :وبعض المشتغلين بالحديث يستوعر تدبر القرآن،
ودراسة دللته القريبة والبعيدة ،ويستسهل سماع حديث ما ،ثم يختطف الحكم منه
فيشقي البلد والعباد".
وقال ضاربًا أمثلة لشطحات أهل الحديث الفقهية التي تفرخها النظرة الجزئية في
التعامل مع النصوص":في هذه اليام صدر تصحيح من الشيخ اللباني لحديث "لحم
البقر داء" وكل متدبر للقرآن الكريم يدرك أن الحديث ل قيمة له ،مهما كان سنده ،إن ال
ن به على الناس فكيف يكون داًء؟". تعالى في موضعين من كتابه أباح لحم البقر وامت ّ
وقال" :وقد ظهرت في الجزائر فتوى لواحد من أهل الحديث حاربناها بقوة قبل
أن تصيب السلم وأهله بضر شديد .إن على التجار في بضائعهم زكاة يتقربون إلى ال
بأدائها ،والتجار في الدنيا ملوك المال ،وقد افتتح النجليز القارة الهندية بشركة تجارية،
ول يزال الستعمار القتصادي يهيمن على ميادين التجارة حتى يتملك أعناق الشعوب!
فكيف يزعم زاعم أن عروض التجارة ل زكاة فيها ،وأين نذهب بقوله تعالى }َيا َأّيَها
عٌة{ شَفا َ
خّلٌة َوَل َ ي َيْوٌم ّل َبْيٌع ِفيِه َوَل ُ ن آَمُنوْا َأنِفُقوْا ِمّما َرَزْقَناُكم ّمن َقْبِل َأن َيْأِت َ
اّلِذي َ
ن{ النفال،3 : لَة َوِمّما َرَزْقَناُهْم ُينِفُقو َ
صَ ن ال ّ البقرة ،254:وقوله تعالى }اّلِذي َ
ن ُيِقيُمو َ
ض{ن اَلرْ ِ جَنا َلُكم ّم َ
خَر ْسْبُتْم َوِمّما َأ ْ
ت َما َك َطّيَبا ِن آَمُنوْا َأنِفُقوْا ِمن َوقوله } َيا َأّيَها اّلِذي َ
البقرة ،267 :لكن الشاب المشتغل بالحديث النبوي نادى في الناس أل زكاة في عروض
التجارة ،إذ ل أصل لها فيما قرأ ،وضم إلى ذلك أن الزكاة في التجارة ل تخرج إل في
القمح والشعير والتمر والزبيب ،كأن الكرة الرضية هي نجد وتهامة والحجاز".
والمأساة التي نعاني منها ،ونخشى بلءها على الصحوة السلمية تجيء من قبل
قوم يسمون أنفسهم "الخوة أهل الحديث" نلحظ عليهم عيوبًا ثلثة :اكتراثهم بالمرويات
الواهية ،وبناء العللي فوقها ،ثم سوء فهمهم للصحاح وتعصبهم لما يفهمون من أخطاء،
ثم عجزهم عن إدراك الحكمة القرآنية ،ووقوفهم بعيدًا عن محاور القرآن وغاياته").(360
فعندما نرى مثل هذه الرزايا ندرك مغزى كلم المام الفقيه أبي عبيدة مسلم بن
أبي كريمة حين قال " :كل صاحب حديث ليس له أمام في الفقه فهو ضال ،ولول أن ال
ن علينا بجابر بن زيد لضللنا").(361 تعالى م ّ
فها هو المحّدث ناصر الدين اللباني يفتي بمنع النساء من لبس حلق وأساور
وأطواق الذهب! حيث يقول" :واعلم أن الحديث فيه دللة بينة على تحريم الذهب
والحرير ،وهو بعمومه يشمل النساء مع الرجال ،إل أنه قد جاءت أحاديث تدل على أن
النساء مستثنيات من التحريم ،كالحديث المشهور" :هذان حرام على ذكور أمتي حل
محمد الغزالي "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" ص .78-20 360
دث محمد ناصر الدين اللباني "سلسلة الحاديث الصحيحة" المجلد الول ص
362المح ّ
.597
363اللباني "سلسلة الحاديث الصحيحة" المجلد الول ص .157-156
364النووي مقدمة شرح صحيح مسلم ج 1ص .40
365الترمذي "العلل" الملحق بكتاب "سنن الترمذي" ص .1076-1075
366عمرو النامي "دراسات عن الباضية" ص .127
367الترمذي "العلل" الملحق بكتاب "سنن الترمذي" ص .1076-1075
368البيهقي في "السماء والصفات"ج 2ص 427باب :ما ذكر في النفس.
فكيف تقبل رواية غير الفقهاء كحجة في الشرع دون عرض على قواعد الفقه
الكّلية) (369المستنبطة من نصوص الكتاب العزيز ،والسنة المستقرة المجتمع عليها،
والثوابت العقلية والكونية والتاريخية؟!.
-6اعتماد القواعد القياسية المتحصلة لفهم الواقع المدروس ،أو توجيهه والحكم عليه،
وهو ما يعرف في علم الصول بتحقيق المناط).(385
وفي هذا الطار يمكن لنا نتفهم عدم اهتمام كثير من أئمة الفقه لعلوم الجرح
والتعديل ومرويات أهل الحديث ،فأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة وحين سئل أبو عبيدة
عن الشخص الذي ل يحفظ الروايات هل يستطيع تدريس العلم؟ قال" :سبحان ال ،أك ّ
ل
الناس يحفظون الحديث؟ بل يؤخذ العلم عن الثقات ،وإن كانوا ل يعلمون حديثًا
واحدًا").(386
395هناك روايات تشير إلى تدبير معاوية قتل علي عن طريق الشعث بن قيس الذي
استخدم عبد الرحمن بن ملجم لهذا الغرض )راجع ابن سعد "الطبقات" ج 3ص ،37
البلذري "النساب" ج 3ص (254والشعث كان متهما بأنه عميل لمعاوية )راجع احمد
معروف "قراءة جديدة في مواقف الخوارج" ص ،59وص ،71ولمزيد من التفاصيل )راجع
ناصر السابعي "الخوارج والحقيقة الغائبة" ص .(174-163والشعث بن قيس ارتد عن
السلم أيام أبي بكر )الطبري" التاريخ" ج 2ص ،(304-30وقد ندم أبو بكر على عدم قتله
وقال فيه "وددت يوم أتيت بالشعث بن قيس أن ضربت عنقه ،فإنه يخيل إلي انه ل يرى
شرا ً إل سعى فيه وأعان عليه" )البلذري "فتوح البلدان" ص .(112
396دست له السم زوجته جعدة بنت الشعث بن قيس )ابن حجر العسقلني "التهذيب" ج
23ص ،274رقم .(1331
397الطبري "التاريخ" ج 2ص .305
398الخليل بن أحمد الفراهيدي "كتاب العين" ج 3ص .1468
أمتي ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،قال عمران :فل أدري أذكر بعد أمته أمتين ،أو
ثلثًا ،ثم إن بعدكم قوما يشهدون ول يستشهدون ،ويخونون ول يؤتمنون ،وينذرون ول
يفون ،ويظهر فيهم السمن" .وهذا التركيب البالغ الركاكة ل يمكن توهم صدوره من
ل إلى إحتمال كون الرواية مختلقة في عصور متأخرة. مشكاة النبوة ،وهو يشير فع ً
وقد ذكر ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري ما يوافق تحليلنا السابق
حيث قال" :والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من المور المقصودة،
ويقال إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو
مذهب أو عمل") .(399ثم ذكر ابن حجر المعنى الذي وصل إليه المحّدثون وكيف
اضطربوا في معناه فقال" :ويطلق القرن على مدة من الزمان ،واختلفوا في تحديدها من
عشرة أعوام إلى مائة وعشرين ،لكن لم أر من صرح بالسبعين ول بمائة وعشرة ،وما
عدا ذلك فقد قال به قائل .وذكر الجوهري بين الثلثين والثمانين ،وقد وقع في حديث عبد
ال بن بسر عند مسلم ما يدل على أن القرن مائة وهو المشهور ،وقال صاحب المطالع:
القرن أمة هلكت فلم يبق منهم أحد وثبتت المائة في حديث عبد ال بن بسر وهي ما عند
أكثر أهل العراق ،ولم يذكر صاحب "المحكم" الخمسين وذكر من عشر إلى سبعين ثم
قال :هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن ،وهذا أعدل القوال وبه صرح ابن
العرابي").(400
فالضطراب نشأ من محاولة التلفيق بين الروايات المختلفة للوصول إلى حل
للشكال الذي افتعلته الرواية المزعومة ،ولم يعول المحّدثون على مرجعية القرآن
الكريم لستجلء حقيقة هذا المصطلح ،وليس هذا بمستغرب عليهم ،فهم يتعاملون مع
النصوص بصورة مفككة مسلوخة من إطارها الكّلي ،تجعلهم يقعون في التخبط
والتناقض والضطراب.
وأهل الحديث أنفسهم يروون عن أبي هريرة قوله" :سمعت الصادق المصدوق
يقول :هلكة أمتي على أيدي غلمة من قريش .فقال مروان :لعنة ال عليهم غلمة ،فقال أبو
هريرة :لو شئت أن أقول بني فلن وبني فلن لفعلت .فكنت –الراوي سعيد بن عمرو-
أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانًا أحداثًا قال لنا :عسى
هؤلء أن يكونوا منهم") .(401فهذه الراوية تناقض الراوية السابقة لنها تقول إن هلك
المة سيكون على أيدي المويين أي في القرن الول الذي يفترض فيه القدسية والخيرية
المطلقة حسب رواية أهل الحديث.
وأهل الحديث مع تجاهلهم لنصوص القرآن الكريم والحقائق التاريخية التي تثبت
بطلن رواية القرون الثلثة رفضوا كذلك بعض المرويات التي تعارض تلك الرواية،
ثل المطر ل يدرى أوله خير أم آخره") .(402وهذه الرواية ومنها رواية "مثلُ أمتي ِم ُ
399ابن حجر العسقلني في "فتح الباري" ج 7ص .351
400ابن حجر العسقلني نفس المصدر.
401البخاري .7058
402قال ابن حجر موثقا ً لهذه الرواية كما في "فتح الباري" ج 7ص ) :.351وهو حديث
حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة ...عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث
أقرب لمنهج كتاب ال وأصح من حيث موافقتها للقواعد العامة للشريعة السلمية التي
تعتبر التقوى –اليمان والعمل -هو مقياس الخيرية وميزان المفاضلة بين الناس.
رواية أخرى تجاهلتها عقلية أهل الحديث هي ما نسب إلى أبي عبيدة أنه قال" :يا
رسول ال ،أأحد خير منا؟ أسلمنا معك ،وجاهدنا معك! .قال :قوم يكونون من بعدكم
يؤمنون بي ولم يروني") .(403ورواية أخرى رواها الربيع بن حبيب من طريق ابن
عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :خير أمتي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي
ويعملون بأمري ولم يروني فأولئك لهم الدرجات العلى إل من تعمق في الفتنة").(404
وهذه الروايات وإن كانت متوافقة في المعنى مع عموم الخيرية لمة محمد أولها
وآخرها إل أنه ل يمكن تلقيها على إطلقها ،ففضل الصحابة وجهادهم بأموالهم وأنفسهم
وتضحياتهم الجسام في سبيل نشر هذا الدين ل يمكن إنكاره ،ونستطيع القول من خلل
استقراء نصوص القرآن الكريم أن الصحابة في عمومهم كانوا أفضل المة إيمانًا وبذ ً
ل
وتضحيًة ،والمنصف ل يمكن أن يغمط تاريخهم المشرّف المرصع بالجهاد والتضحية
بالغالي والنفيس.
ونحن وإن كنا نقّر بأن المهاجرين الولين ومن اتبعهم بإحسان من الصحابة هم
ل وجهادًا ،إل أننا ل ننساق وراء العواطف كما فعل المحّدثون، خير المة ديناً وخلقًا وبذ ً
فنحن ل نقول بأن الصحابة هم أعلم الناس بعد النبياء كما قال أهل الحديث الذين يروون
في الجانب المقابل أن الصحابة كانوا ضعفاء في حفظ الكتاب العزيز ،حيث لم يحفظه
ل إل أربعة).!(405 منهم كام ً
فالصحابة كغيرهم من البشر تتفاوت قدراتهم العقلية ،ففيهم العالم وفيهم القل
علمًا ،وفيهم الذكي وفيهم القل ذكاًء ،فوجود مثل عمر وعلي وابن عباس ل ينفي وجود
مثل من بال في المسجد أمام النبي .(406)ونتيجة لهذا التفاوات في الملكات والقدرات
بين الصحابة اختلفوا في الكثير من القضايا الفقهية والسياسية ،ويمكن رصد بعض من
ذلك في كتب الفقه وفي تفسير الطبري.
تاريخ الطبري أحداث عام 197هـ وما بعد .المجلد الخامس ص 74وما بعد. 413
تضخيم الرجال:
تضخيم الرجال ،وتقديس آرائهم واجتهاداتهم ،ورفعها إلى درجة النصوص
القرآنية ونصوص السنة النبوية التي ل تقبل المعارضة ،فلو رجعت إلى ما كتبه غلة
ل لوجدتهم يقيسون أقوال العلماء بأقوال أحمد بن أهل الحديث حول مسألة خلق القرآن مث ً
حنبل ،وصاروا يحتكمون إلى مواقفه ،وكل فريق منهم يّدعي أنه الموافق لتلك الأقوال!.
والغريب أن أئمة الحديث كالبخاري ويحيى بن معين لم يسلموا من تقديس غلة
هذه المدرسة لقوال أحمد بن حنبل! ،فنتيجة لختلفات هؤلء الجزئية مع تيار التجسيم
في مدرسة أهل الحديث تمت محاصرتهم وفتنتهم .يقول ابن القيم" :فخفى تفريق
البخاري وتمييزه على جماعة من أهل السنة والحديث ،ولم يفهم بعضهم مراده ،وتعلقوا
ل مستفيضًا أنه قال) :من قال :لفظي بالقرآن مخلوق .فهو بالمنقول عن المام أحمد نق ً
جهمي ،ومن قال :غير مخلوق .فهو مبتدع( ...وتمسكوا بإطلق المام أحمد وإنكاره
على من قال :لفظي بالقرآن مخلوق ،وأنه جهمي ،فتركب من مجموع هذه المور فتنة
وقعت بين أهل الحديث").(417
إن لحمد بن حنبل عند هؤلء جاذبية فريدة ،فلهذا تجدهم ينسبون إليه القوال
والعقائد من أجل الانتصار بها على خصومهم ،كأنه نبي معصوم! ،وقد أُّلفت في أقواله
وفضائله وعقائده الكثير من الكتب .يقول عبد الرحمن بن محمد العاصمي" :وكان أبو
محمد عابد الجابري "المثقفون في الحضارة العربية" ص .91-79بتصرف. 415
نقله عنه محمد الموصلي في "مختصر الصواعق المرسلة" ج 2ص .662-661 417
عبدال المام أحمد بن محمد بن حنبل رضي ال عنه أوفاهم فضيلة ،وأقربهم إلى ال
وسيلة ،وأوسعهم معرفة بحديث رسول ال ،وأتبعهم له وأكثرهم تتبعًا لمذاهب
الصحابة والتابعين ،وأزهدهم في الدنيا وأطوعهم لربه ،ومذهبه مؤيد بالدلة").(418
إن هذه العبارات البسيطة التي يخطها العاصمي تفتح لنا نافذة على مدى تعظيم
هؤلء لحمد بن حنبل ،فل غرو إذن أن نرى أسنة هؤلء قد أشرعت في وجه مخالفي
منهج أحمد بن حنبل ،ويكفي أن ترجع إلى كتاب "مناقب المام أحمد" لبن الجوزي
الذي جمع فيه الروايات التي وضعها هؤلء في فضل أحمد بن حنبل ،من ذلك أن النبي
حارة) ،(419والنظرة إلياس ،والملك الموكل بجزائر البحار يبعثان له السلم مع الب ّ
منه تعدل عبادة سنة) ،(420وأنه يرى الشيطان ويكلمه) ،(421ويأمر النمل بالخروج من
داره فيخرج) ،(422والنخلة تحمل حين يضع فيها قلمه) ،(423وأنه رأى ال في المنام).(424
وليس المر مقتصرًا على أحمد بن حنبل وحده ،فهناك أحمد بن تيمية الذي ُيعد
من أهم المنظرين لمدرسة أهل الحديث ،والمفارقة العجيبة تكمن في كون أحمد بن تيمية
قد عاش محنة شبيهة بمحنة أحمد بن حنبل التي عّركته ليحمل لواء إمامة أهل الحديث،
حيث تم سجن ابن تيمية من قبل السلطة التي كانت تتبنى العقيدة الشعرية ،وحاولت
السلطة إجباره على التنازل عن فتاواه وعقيدته ،لكنه رفض الرضوخ للسلطة مستلهمًا
موقف إمامه ابن حنبل ،فقضى ابن تيمية في السجن ليخّلد ذكراه عند اتباعه كنموذج آخر
من نماذج الصمود والتحدي في وجه طغيان السلطة.
يلخص لنا العاصمي مركزه من مدرسة أهل الحديث بقوله "إلى أن أقام ال تعالى
العالم الرباني مفتي المة بحر العلوم شيخ السلم )أحمد بن تيمية( المجتهد المطلق،
المجمع على فضله وإمامته ،الذي جمع العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ،جدد ال
به الدين بعد دروسه ،وأحيا به هدي سيد المرسلين بعد أفول شمسه ،وادحض به جميع
بدع المبتدعين ،وانبلج الحق اليقين") .(425وهذه الهالة من العظمة التي يضفيها العاصمي
على ابن تيمية تفوق حدود الشرع ،حيث وصفه بالحاطة بالعلوم كلها! ،وال تعالى يقول
ل{ السراء.85 : }َوَما ُأوِتيُتم ّمن اْلِعْلِم ِإّل َقِلي ً
بينما يرى مخالفي غلة أهل الحديث في ابن تيمية عكس ذلك حيث يلخص زاهد
الكوثري مدى الثر الهائل الذي شكله بروز ابن تيمية على الساحة الفكرية في الشام
بالقول "وكاد أن ل يبقى بينهم حشوي لول جالية حران بعد نكبة بغداد حطوا رحلهم
بالشام ،ونبغ من بينهم رجل حسنت نشأته في الطلب على ذكائه وحافظة وسمت ،وتمكن
عبد الرحمن بن محمد العاصمي "الدرر السنية في الجوبة النجدية" ج 1ص .11 418
َ
م{الفتح ،10 :ل يمكن أن وضرورة لسياق الكلم ،فاليد في قوله تعالى}:ي َد ُ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ
ديهِ ْ
نستخدمها إل على سبيل المجاز ضرورة وحتما لن السياق يمنع معناها الحقيقي القريب
المتبادر مباشرة.
453من هؤلء محمد عابد الجابري في كتابه "تكوين العقل العربي" ،وقد رد عليه جورج
طرابيشي في كتابه "نقد نقد العقل العربي" ردا ً علميا ً رزينا ً دحض فيه شبهاته التي أثارها
حول لغة القرآن.
يعبر ابن القيم الجوزية عن رؤية أتباع هذه المدرسة اتجاه المجاز في كتابه
"الصواعق المرسلة" الذي اختصره محمد الموصلي وجعل أحد عناوينه "كسر
الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق السماء والصفات ،وهو طاغوت
المجاز" بالقول" :وإذا علم أن تقسيم اللفاظ إلى حقيقة ومجاز ليس تقسيمًا شرعيًا ول
عقليًا ول لغويًا ،فهو اصطلح محض ،وهو اصطلح حدث بعد القرون الثلثة المفضلة
بالنص ،وكان منشؤه من جهة المعتزلة والجهمية ومن سلك طريقهم").(454
من خلل هذه المقدمة البسيطة لبن القيم نستطيع أن نستوحي بعض الجوانب
النفسية في الممارسة التنظيرية لغلة أهل الحديث ،فمن الواضح أن خصومهم ألزموهم
بالدلة القاطعة بطلن مذهب التجسيم ،وأن منشأ الخبط الذي وقعوا فيه منشأه عدم
تعاملهم مع النصوص بما تعارف عليه العرب من مجاز واستعارات لغوية ،فكانت أبسط
الطرق لسقاط حجج مخالفيهم هي إنكار المسلمات "المجاز" التي يمكن الحتكام إليها،
وبالتالي تظل استدللت خصومهم غير ملزمة لنها مجرد مغالطات لفظية حسب تحليل
ابن القيم.
وكما هو الحال دائمًا يحاول ابن القيم إشهار سيف السلف في وجه الخصوم،
ونفس العمل قام به ابن تيمية حين قال" :فإنه لم يوجد في كلم أحد من أهل الفقه
والصول والتفسير والحديث ونحوهم من السلف ،وهذا الشافعي هو أول من جرد الكلم
في أصول الفقه لم يقسم هذا التقسيم ،ول تكلم بلفظ الحقيقة والمجاز ...وكذلك منع من أن
يكون في القرآن مجاز محمد بن جرير منذر ،وغيره من المالكية ،ومنع منه داود بن
علي وابنه ...وأما سائر الئمة فلم يقل أحد منهم ول من قدماء أصحاب أحمد أن في
القرآن مجازًا ،وإنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة ،وما علمته
موجودًا في المائة الثانية ،اللهم إل أن يكون أواخرها").(455
وهذا السلوب الدعائي المليء بالطلق في نفي ظهور المجاز قبل المائة الثالثة
من الهجرة ،والقطع في تأكيد ظهوره بعد ذلك ل قيمة له في سوق العلم ،وهو مدفوع
ومعارض بحقائق ل تقبل الجدل" .ونقرر في البداية أنه ليس مهمًا أن يرد لفظ المجاز
بعينه عند السلف ،فاللفظ مجرد اصطلح والمصطلحات غالبًا ما تتأخر في الظهور عن
الفن نفسه ،ولم تبدأ أوائل المجاز في القرن الثالث كما يرى ابن تيمية ،وإنما فشا المجاز
في القرن الثالث ،وداود الظاهري الذي ذكر ابن تيمية أنه أول أنكر المجاز في القرآن
توفي عام 270هـ ،وها نحن قد عرفنا أنه أنكر قبل موته طبعًا أن يكون في القرآن
ل :أن المجاز كان معروفًا قبل وفاته ،ثانيًا :أن أمر المجاز
مجاز .وهذا النكار يفيد ،أو ً
قد اشتهر وأن قومًا لم يقصروا أمر المجاز على اللغة وحدها ،بل قالوا به في القرآن
الكريم ،لن النكار إنما ينصب على الثبات ،ثم نرى عند الجاحظ وهو أسبق وفاة من
الظاهري وإن كان يعاصره ،نرى الستعارة تقفز إلى الظهور بجانب المجاز الذي لول
مرة عند أبي زيد القرشي ،ثم تله أبو عبيدة في كتابه المعروف ،وقد أورد الجاحظ لفظ
ابن القيم " مختصر الصواعق المرسلة" لمحمد الموصلي ص .233 454
456عبد العظيم المطعني "المجاز في اللغة والقرآن بين مجوزيه ومانعيه" ج 2ص -647
.651
457المطعني نفس المصدر ج 2ص .679-652
458عثمان الدارمي "رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد" ص .414
459عثمان الدارمي نفس المصدر ص .486
460ابن قدامة الحنبلي "روضة الناظر" ج 1ص .64
دين{ الفاتحة:
ك ي َوْم ِ ال ّ
مـل ِ ِ
461ابن كثير في تفسيره ج 1ص 39في تفسير قوله تعالىَ } :
.4
وابن تيمية الذي يشنع على مخالفيه ويستهزئ بإثباتهم للمجاز ومصطلحه ،لم
يستطع الفكاك من ضرورة استخدام هذا الفن ومصطلحه فهو يقول" :فمن ظن أن هذا
الستواء إذا كان حقيقة يتناول شيئًا من صفات المخلوقين مع كون النص قد خصه بال،
سم الكلم في ل جدًا بدللت اللغات ،ومعرفة الحقيقة والمجاز") ،(462فهو هنا يق ّ كان جاه ً
اللغة إلى حقيقة ومجاز ،ويقول أيضًا" :لو كان هذا يعرف في اللغة أن استوى على كذا
بمعنى عمد إلى فعله ،وهذا ل يعرف قط في اللغة ل حقيقة ول مجازًا ول في نظم ول
في نثر") ،(463وقال" :ومن فرق بين صفة وصفة مع تساويهما في أسباب الحقيقة
والمجاز :كان متناقضًا في مذهبه ،مشابها لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض").(464
ن المجاز في اللغة العربية ،وأوضح ضوابط استخدامه وقد أقّر ابن تيمية بوجود ف ّ
حين قال" :ومعلوم باتفاق العقلء :أن المخاطب المبين إذا تكلم بمجاز فل بد أن يقرن
بخطابه ما يدل على إرادة المعنى المجازي ،فإذا كان الرسول المبين الذي بين للناس ما
نزل إليهم يعلم أن المراد بالكلم خلف مفهومه ومقتضاه ،كان عليه أن يقرن بخطابه ما
يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرد") .(465وهذا إقرار من ابن تيمية بوجود فن
المجاز في اللغة! .ول اختلف معه في وجوب القرينة اللزمة لتجاوز ظاهر الكلم
والخذ بمجازه ،إل أن المثير للستغراب حقًا هو أسلوب الستخفاف الذي يتعامل به ابن
تيمية مع أتباعه! .فتارة يقول لهم :ل يوجد مجاز في اللغة والقرآن .وأخرى يقول:
المجاز موجود لكن مصطلحه مبتدع .وتارة يستخدم المجاز بنفسه ويحتج به ،وأخرى
يطالب مخالفيه بالتزام ضوابط المجاز في اللغة!.
يقول الشيخ أحمد بن حمد الخليلي" :ولعمري أن إنكار المجاز رأسًا أو إنكاره من
كلم ال وكلم رسوله ليس هو إل مكابرة صريحة للعقل وتحدياً سافراً للواقع الذي
ل يحتاج في وضوحه إلى دليل.
إذا احتـاج النهــــار إلى دليــل وليـس يصح في الذهـان
شـيء
فإن المجاز ليس مقصورًا على لغة من اللغات ،وإنما هو من محاسن جميع
اللغات ،وبه يستطيع المتحدث بها أن يجاري أساطينها في مضمار البلغة ،وإنكاره في
كلم ال وكلم رسوله دعوى لم يقم عليها دليل ،ويترتب عليها إخراج القرآن والحديث
عن أسلوب الكلم العربي المبين ،وسلبهما بلغة اللسان العربي ،وأقوى دليل وأوضح
حجة وقوع المجاز في الكتاب العزيز والحديث الشريف ،فكم مخبر في كلم ال سبحانه
ل{ ونحوه ،ومن المعلوم أن كلمة اتقى -في أصل وضعها- المر بالتقوى بلفظ }اّتُقوا ا َ
بمعنى تجنب ،لن اتقى على وزن افتعل مطاوع لوقاه يقيه بمعنى جنبه ،وليس من
وردة الفعل المتعسفة هذه تدل على ضعف منهج أهل الحديث في مقارعة الفرق
المنحرفة ،لنه وفي الجانب الخر سجل لنا التاريخ حقيقة فضح المعتزلة للعقائد الباطنية
للشيعة الشعوبية دون اللجوء إلى منع التأويل ،لن التأويل في جوهره هو رد النصوص
المتشابهة إلى النصوص المحكمة ،والنظر فيها من خلل القواعد الكّلية للشريعة
السلمية المستنبطة من النصوص المحكمة للكتاب العزيز والسنة المجتمع عليها هو
مطلب أساسي في التعامل مع النصوص المتشابهة.
يقول الشيخ خميس العدوي" :إن دين ال واضح المعالم ،وضيء المسالك ،بّين
الحكام ،جاء ليناسب الجوانب الثابتة من النفس النسانية ،كما أنه ل يعوق حركة
النسان في الحياة ،فمن خاصية هذا الدين ،خلوده وصلحيته لكل زمان ومكان ،ولذلك
كان من مشيئة ال تعالى ،أن يكون في دينه الخاتم ،آيات محكمات هن أم الكتاب ،تكشف
عن الحقائق الثابتة ،سواء تعلقت بمقام اللوهية العظيم أو العقائد الغيبية ،أو بما يتوائم
مع رغبات نفس النسان في العبودية ل تعالى ،أو بما يتلزم مع حاجة المة إلى
الثوابت في كثير من القضايا ،إل أن من طبيعة الحياة ،الحركة والنتقال من طور إلى
طور ،والتبدل من وضع إلى وضع ،فجعل ال تعالى كثيرًا من آيات كتابه قابلة للتأويل
حتى تتناسب مع احتياج البشر للستمداد من كتاب ال تعالى لتسيير حياتهم ،والنظر في
أمر معاشهم ،وحتى يكون العمار الكوني المطلوب من النسان إعمارًا صحيحًا ل
انتكاسة فيه ،لكن بشرط أن ل ينسينا المتشابه الواقع في كتاب ال تعالى المحكم من
اليات ،وأن ل نركن إلى هذا التشابه لنثير به الفتنة ،ولعلم ال السابق بحال النسان ،فقد
حَكَما ٌ
ت ت ّم ْب ِمْنُه آَيا ٌك اْلِكَتا َعَلْي َ
ي َأنَزَل َحّذر جل وعلى من ذلك بقوله تعالى }ُهَو اّلِذ َ
شاَبَه ِمْنُه اْبِتَغاء
ن َما َت َن في ُقُلوِبِهْم َزْيٌغ َفَيّتِبُعو َ ت َفَأّما اّلِذي َ
شاِبَها ٌ خُر ُمَت َب َوُأ َُهنّ ُأّم اْلِكَتا ِ
ن آَمّنا ِبِه ُكّلن ِفي اْلِعْلِم َيُقوُلو َ خو َ سُ ل َوالّرا ِاْلفِْتَنِة َواْبِتَغاء َتْأِويِلِه َوَما َيْعَلُم َتْأِويَلُه ِإّل ا ّ
ب{ آل عمران.7 : عنِد َرّبَنا َوَما َيّذّكُر ِإّل ُأْوُلوْا الْلَبا ِ ّمنْ ِ
ولذلك جاء في كتاب ال تعالى وسنة رسوله الكريم القطعي المنبني على
دلئل المحكم ،وهو الركن الركين من الشريعة الذي ل يجوز الختلف فيه قطعًا ،وجاء
في كتاب ال تعالى وسنة رسوله عليه الصلة والسلم أيضًا الظني المنبني على دلئل
الظاهر والمتشابه وهذا أمر اقتضته حكمة ل البالغة حتى يتسع دينه العظيم للفوارق
العقلية والفكرية والعلمية لعباده جل وعل).(471
والنصوص المحكمة يراد بها النصوص المتناغمة مع بعضها بحيث تكون أص ً
ل
راسخًا موثقًا ل اضطراب فيه ول خلل ،والنصوص المتشابهة هي النصوص التي تدخل
التناقض في المنهج:
إن المستقرئ لواقع غلة أهل الحديث يجدهم يأخذون بظواهر النصوص متى
وافقت هواهم ،و يؤولونها متى تعارضت مع عقيدة التجسيم التي ينتحلونها ،مع العلم بأن
حمود التويجري "عقيدة أهل اليمان في خلق آدم على صورة الرحمن" ص .76 504
507
Christopher Knight & Robert Lomas "The Hiram Key"page 61-62.
أشار صراحة إلى تعدد المصادر ،واتفقت هذه العمال على أن التوراة تتكون من
مجموعة كتابات جمعت وحررت وضمت في عمل واحد).(508
وتصديق القرآن لما مع اليهود إنما هو تصديق على الجمال ،إن القرآن يصدقهم
فيما يذكرونه من إيمان بال ،وإثبات للوحي ،وتكليف الناس ،وحساب على العمال! لكنه
ل يصدقهم حين يذكرون أن ال ندم على إغراق الرض بالطوفان ،ثم ندم على ما صنع
واحتاج إلى من يذكره حتى ل يفعلها مرة أخرى! إنه ل يصدق العهد القديم حين يذكر أن
ال يتمشى على الرض ،ثم مال إلى نبيه إبراهيم حيث تناول معه الغداء ،ول يصدقه
ل ،ثم لم يفلته حتى منحه لقب إسرائيل).(509 ل طوي ًحين يذكر أن ال صارع يعقوب لي ً
يقول محمد رشيد رضا" :ومن المعلوم من التاريخ بالقطع عندنا وعندهم أن
التوراة التي كتبها موسى ووضعها في التابوت )صندوق العهد( ،وأخذ الميثاق على
بني إسرائيل بحفظها كما هو منصوص في آخر سفر )تثنية الاشتراع( قد فقدت من
الوجود عندما أغار البابليون على اليهود وأحرقوا هيكل بيت المقدس ،والتوراة
الموجودة الن يرجع أصلها إلى ما كتبه عزرا الكاهن بأمر "ارتحشتا" ملك فارس الذي
أذن لبني إسرائيل بالعودة إلى أورشليم ،وأذن له أن يكتب لهم كتابا من شريعة الرب
وشريعة الملك ،ولذلك تكثر فيها اللفاظ البابلية كثرة فاحشة ،وقد بينا تحقيق ذلك في
تفسير أول سورة آل عمران وبعض آيات من سورة النساء والمائدة ،كما بينا أن إنجيل
المسيح عليه السلم لم يدون في عصره ،ولم ينقله عنه الحواريون كما نقل القرآن تواترًا
بالحفظ والكتابة ،ول كنقل الحديث بالسانيد المتصلة ،وإنما ظهرت هذه الناجيل التي
هي قصص مختصرة له واشتهرت بعد ثلثة قرون كما ظهر عشرات غيرها ،فاعتمد
أربعة منها رؤساء الكنيسة التي أسسها قسطنطين ملك الروم الذي تنصر تنصرًا سياسيًا،
وأدخل النصرانية في دور جديد ممزوج بالوثنية ،وقد طرقنا أبواب البحث في "المنار"
مرارًا وتغلغلنا فيها أحيانًا ،ومن ذلك مقال نشرناه في الجزء الثاني من المجلد السادس
"صفحة "321عقب ما كتب في شأن عثور بعض علماء الثار العادية من اللمان على
شريعة "حمورابي" منقوشة على عمود من صم الصفا في العراق .فقد ظهر لهم أن
معظم شريعة التوراة موافقة لهذه الشريعة ما ظهر لبعض المحققين منهم أن أسفار هذه
التوراة مشتملة على المئات أو اللوف من اللفاظ البابلية المحضة ،فجزم الحرار من
هؤلء الباحثين بأن التوراة مقتبسة وليست وحيًا من ال تعالى").(510
وهناك الكثير من اتباع مدرسة أهل الحديث قد رّد على من أجاز الحتجاج
بالتوراة وأنكر تحريفها ،فقد قال الذهبي" :ول ُيشرع لحد بعد نزول القرآن أن يقرأ
سوخة العمل ،قد اختلط فيها الحق التوراة ول َأن يحفظها ،لكونها ُمَبّدَلة ُمحّرفة من ُ
بالباطل ،فلُتجتنب") .(511وقال ابن كثير" :وقال وهب ابن منبه :عن التوراة والنجيل
ابن كثير في تفسيره للية 78من سورة آل عمران ج 1ص .424 512
صابر طعيمة "بنو إسرائيل بين نبأ القرآن وخبر العهد القديم" ص .6 514
ابن تيمية "نقد مراتب الجماع على هامش مراتب الجماع لبن حزم" ص .36-33 518
محمد عابد الجابري "تكوين العقل العربي" الفصل السابع من الكتاب .بتصّرف. 522
مصنفات وأخبارهم مشهورة ،وآثارهم ظاهرة بذلك") .(523واستقراء فكر أرسطو يؤكد
على إقرار الرجل بوجود إله واحد أسماه "واجب الوجود" ،وأن هذا الواجب الوجود
يلزم أن يكون واحدًا فقط ،وأنه محرك العالم ،وأن علمه ذاتي غيرمكتسب ،وأن بقية
الموجودات حادثة محتاجة إلى "الواجب الوجود") ،(524إلى غير ذلك من أفكار تفيد
وصول الرجل عن طريق التفكر في ملكوت ال إلى وجود ال عز وجل ،وذلك ليس
سَماَوا ِ
ت ل ِفي ال ّ
قا ّخَل َ
ف الّلْيِل َوالّنَهاِر َوَما َ
ل ِ
خِت َ بمستغرب فال تعالى يقولِ} :إ ّ
ن ِفي ا ْ
ن{ يونس ،6 :فاتهام ابن تيمية لرسطو بعبادة الصنام يدور ت ّلَقْوٍم َيّتُقو َ
ض لَيا ٍ
َواَلْر ِ
في نفس دوامة اتهام المخالف بالنحراف والكفر والبدعة ،وعبدة الصنام هم في الحقيقة
قدماء الفلسفة اليونان الذين يعتقدون تعدد اللهة ،وهؤلء هم أئمة الهرامسة الذين
تسرب فكرهم إلى أهل الحديث ،وجعلهم يبتدعون القول بقدم أصل العالم.
وهناك بعض تلمذة ابن تيمية الذين انتقدوا قوله بقدم أصل العالم كالألباني الذي
ل إثبات حوادث ل أول قال" :ولقد أطال ابن تيمية رحمه ال في رده على الفلسفة محاو ً
لها ،وجاء في أثناء كلمه بما تحار فيه العقول ،ول تقبله أكثر القلوب ...كما يقول هو
وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما ل نهاية ،فذلك القول منه غير مقبول ،بل هو مرفوض
بهذا الحديث ،وكم كنا نود أن ل يلج ابن تيمية رحمه ال هذا المولج ،لأن الكلم به شبيه
بالفلسفة وعلم الكلم").(525
ج عليم اللسان ل تقر ف عنا فإنك ِمحجا ٌ والذهبي الذي قال له" :يا رجل بال عليك ك ّ
ول تنام ،إياكم والغلوطات في الدين ،كِره نبيك محمد المسائل وعابها ونهى عن
كثرة السؤال وقال" :إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" ،وكثرة
الكلم بغير دليل تقسي القلب إذا كان في الحلل والحرام ،فكيف إذا كان في عبارات
اليونسية والفلسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب؟ وال قد صرنا ضحكة في الوجود،
فإلى كم تنّبش الكفريات الفلسفية لنرّد عليها بعقولنا ،يا رجل قد بلعت سموم الفلسفة
وتصنيفاتهم مرات .وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم ،وتكمن وال في البدن ...
يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والنحلل لسيما إذا كان قليل العلم والدين
باطوليا شهوانيًا ...فهل معظم أتباعك إل قعيد مربوط خفيف العقل أو عاّمي كذاب بليد ً
526
الذهن") (.
523ابن تيمية "مجموع الفتاوى" ج 4ص .161
524الشهرستاني "الملل والنحل" ج 2ص .462-444إل أن أرسطو كفر حين قال أن رب
الكون تخلى عنه بعدما خلقه.
525ناصر الدين اللباني "سلسلة الحاديث الصحيحة" ج 1ص 108عند الكلم على الحديث
رقم .133
526الرسالة معروفة باسم "النصيحة الذهبية" ،وأصل المخطوطة محفوظ بدار الكتب
المصرية برقم ) 18823ب( ودار الكتب الظاهرية بدمشق برقم ) .(1347وقد ذكر
شعيب الرنؤوط محقق كتاب "سير أعلم النبلء" للذهبي في مقدمة الكتاب ج 1ص 38
بثبوت هذه الرسالة حين قال" :ومع أن الذهبي قد خالف رفيقه وشيخه )في مسائل أصلية
وفرعية( وأرسل إليه نصيحته الذهبية التي يلومه وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها ،إل
أنه ل ريب قد تأثر به تأثرا ً عظيمًا".
القتباس من الجن والحيوانات:
استمرارًا من أهل الحديث في استغفال أتباعهم ،وإمعانًا منهم في إغراق المة في
عالم الخرافات الهرمسية ،لفق غلة أهل الحديث قصصًا أسطورية تزعم استماعهم للجن
وللحيوانات والحشرات ،وأن هذه المخلوقات توافقهم على عقيدة التجسيم .في هذا الطار
يذكر ابن القيم قصة خرافية ملخصها أن أحد الجن دخل الحمام وقال:
أرضي عنه من علىالعرش أم كيف تهدأ جفون من
527
ل) ( ليس يدري
وقال أحمد بن نصر الخزاعي" :رأيت مصابًا بالصرع قد وقع ،فقرأت في أذنه،
فكلمتني الجنية من جوفه ،فقالت :يا أبا عبد ال ،دعني أخنقه ،فإنه يقول :القرآن
مخلوق").(528
وقال عبدال بن المهاجر" :دخل السجن على أبي عبدال شاب بعد ضربه ،ومعه
قارورة فيها ماء رائحته ريح المسك ،وقد هاج عليه الضرب في اليوم الثالث وصعب.
قال :فأتاه الشاب ،فقال :أقسمت عليك بال إل مكنتني من علجك ،فتركه أبو عبدال،
ن تبع الشاب، فصب عليه ذلك الماء ومسحه .فهدأ الضرب وسكن .فلما رأى ذلك السجا ُ
فقال :لو أعطيتني من هذا الماء؟ فقال :إن ذلك ل يستقيم ،إنه من ماء الجنة ،أنزله لعقبه
آدم بأرض الهند ،وأنا من سكان ذلك المكان من الجن ،ثم غاب عن عينه ،فأقبل السجان
مذعورًا").(529
وكيف للنسان أن يرى أو يسمع الجن وال تعالى يقولَ} :يا َبِني آَدَم َل َيْفِتَنّنُكُم
سْوَءاِتِهَما ِإّنُه َيَراُكْم سُهَما ِلُيِرَيُهَما َ
عْنُهَما ِلَبا َ
ع َ جّنِة َينِز ُ ن اْل َ
ج َأَبَوْيُكم ّم َخَر َن َكَما َأ ْطا ُ الشّْي َ
ن{العراف: ن َل ُيْؤِمُنو َ
ن َأْوِلَياء ِلّلِذي َ
طي َ
شَيا ِ
جَعْلَنا ال ّث َل َتَرْوَنُهْم ِإّنا َ حْي ُن َ ُهَو َوَقِبيُلُه ِم ْ
،27إن القدرة على رؤية وتكليم الجن لم تثبت لحد من البشر إل لسليمان الذي
ب ِلي غِفْر ِلي َوَه ْ طلب من ال تعالى أن يعطيه ملكًا ل ينبغي لحد من بعده }َقاَل َربّ ا ْ
ب{ ص ،35 :فلبى ال تعالى طلبه ت اْلَوّها ُ ك َأن َ ن َبْعِدي ِإّن َحٍد ّم ُْملًْكا ّل َينَبِغي َِل َ
غّوا ٍ
ص ن ُكّل َبّناء َو َ
طي َ
شَيا ِ ب َوال ّ صا َث َأ َ
حْي ُ
خاء َ جِري ِبَأْمِرِه ُر َ ح َت ْخْرَنا َلُه الّري َ سّ }َف َ
صَفاِد{ص ،38-36 :فل يمكن لحد من البشر غيره أن يحوز ن ِفي اَْل ْ ن ُمَقّرِني َخِري َ َوآ َ
على هذا المر.
قال الشيخ أبو محمد عبدال بن بركة" :من قال :إن الجن يراهم بنو آدم،
ويكلمونهم ،وأن السحرة ينقلبون حمامًا ،فإن تاب وإل بريء منه ،ول يجوز لحد أن
يقول :أن أحدًا من بني آدم يرى إبليس –لعنه ال -لن ال تعالى يقولِ } :إّنُه َيَراكُْم ُهَو
ث َل َتَرْوَنُهْم{العراف ،27 :وال أعلم").(530 حْي ُن ََوَقِبيُلُه ِم ْ
ابن القيم "اجتماع الجيوش السلمية" ص .294-293 527
رواه البيهقي في دلئل النبوة ،نقله ابن كثير في تفسيره ج 4ص .176 533
535مصنف ابن أبي شيبة 29487و ،34273وابن القيم "إجتماع الجيوش" ص .297
536الذهبي "ميزان العتدال" ج 2ص .102
537ابن القيم "اجتماع الجيوش السلمية" ص .297-296
538ابن القيم "اجتماع الجيوش السلمية" ص .297قال محقق كتاب ابن القيم معلقا ً على
هذه القصة" :ذكره ابن الجوزي في الموضوعات ) (3/3ثم قال :هذا الحديث موضوع،
والمتهم به عبدالله بن وهب النسوي ،قال ابن حبان :كان دجال ً يضع الحديث على الثقات،
ل يحل ذكره إل على سبيل القدح فيه".
يقول زاهد الكوثري معلقًا على اقتباس غلة أهل الحديث من أصحاب الملل
المنحرفة" :والحشوية يجرون على طيشهم وعمايتهم واستتباعهم الرعاع والغوغاء،
ويتقولون في ال ما ل يجوزه الشرع ول العقل من إثبات الحركة له والنقلة والحد
والجهة والقعود والقعاد والستلقاء والستقرار إلى نحوها ،تلقوه بالقبول من دجاجلة
الملبسين من الثنوية وأهل الكتاب ،ومما ورثوه من أمم قد خلت ،ويؤلفون في ذلك كتبًا
يملونها بالوقيعة في الخرين ،ويخرقون حجاب الهيبة في الكفار").(539
التجسيفم)(540 عقيفدة
بيّنا سابقًا أن منهج أهل الحديث يقوم على الخذ بظواهر اللفاظ والسطحية في
التعامل مع النصوص المتمثلة في النظرة الجزئية المنسلخة عن الطار العام الذي
ترسخه القواعد الكّلية ،وهذا المنهج النصوصي الجزئي ل يتوقف على نصوص اأحكام
فقط بل يتجاوزه إلى النصوص التي تتعلق بعقيدة التوحيد ،ويلخص لنا ابن تيمية هذا
المنهج بالقول "فمذهب السلف رضوان ال عليهم :إثبات الصفات وإجراؤها على
ظاهرها") ،(541ويستطرد صالح الفوزان في التعبير عن هذا المنهج بالقول "اليمان
بصفاته التي وصف نفسه بها في كتابه أو وصفه بها رسوله في سنته وذلك بأن نثبتها له
كما جاءت في الكتاب والسنة بألفاظها ومعانيها من غير تحريف للفاظها ول تعطيل
لمعانيها").(542
والشكال في هذه المنهج النصوصي التجزيئي الظاهري يتمثل في فشله في
ن ُأّم
ت ُه ّ
حَكَما ٌ
ت ّم ْ
ب ِمْنُه آَيا ٌ
ك اْلِكَتا َ
عَلْي َ التعامل مع النصوص المتشابهة }ُهَو اّلِذ َ
ي َأنَزَل َ
ت{ آل عمران ،7 :فإن إجراء هذه "النصوص المتشابهة" على شاِبَها ٌ
خُر ُمَت َ
ب َوُأ َ
اْلِكَتا ِ
ل بها إلى
ظاهرها دون محاولة لتأويلها بما يتناسب وانسجام النصوص وتناغمها وصو ً
التوافق والتطابق والحكام "النصوص المحكمة" يؤدي إلى إشكالت نصية كبيرة أدت
بغلة أهل الحديث إلى انتحال عقيدة التجسيم.
وقد وصل الغلو والتطرف ببعض أهل الحديث في عقيدة التشبيه والتجسيم إلى
درجة وصفهم من يسكت عن اليات المتشابهات ويفوض معانيها إلى ال تعالى
بالزندقة! ،فحين قال ابن قدامة الحنبلي" :وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا وترك
ابن كثير في تفسير الية 15من سورة البقرة في تفسيره ج 1ص .69 569
572البخاري .3798
573أحمد 4/11و ،12ابن ماجه .181
574محمد بن صالح بن عثيمين "فتاوى العقيدة" ص .67
575نفس المصدر ص .112
576ابن خزيمة "كتاب التوحيد" ص .296تحقيق سمير الزهيري.
577عبدالله بن أحمد "السنة" ص ،281والدارمي "نقض عثمان بن سعيد" ص .31
578ابن أبي يعلى "طبقات الحنابلة" ج 1ص .372
579النسائي "السنن الكبرى" ،6/232الحاكم "المستدرك على الصحيحين" .2/272
580أحمد ،2/531ونقض عثمان بن سعيد على المريسي ص .401
581عبدالله بن أحمد "السنة" ص ،477أبو الشيخ في "العظمة" .4/1399
582عبدالله بن أحمد "السنة" ص .303
583الدرامي "نقض عثمان بن سعيد على المريسي" ص ،512ابن أبي عاصم "السنة" 249-1/248برقم ،568
والطبراني الكبير .19/13قال أبو يعلى في "إبطال التأويل" )" :(1/189قال أبو محمد الخلل هذا حديث إسناده كلهم
ثقات" .وقد صحح اللباني هذه الرواية في "مختصر العلو" ص 98حيث قال" :رواته ثقات ،رواه أبو بكر الخلل في
كتاب السنة له" ،وأضاف في حاشية نفس الصفحة" :وذكر ابن القيم في "الجيوش السلمية" ص " :34إسناده
صحيح على شرط البخاري".
584مسلم ].(2846)-36[7175
قدمه عليها ،فتقول :قط قط") ،(585وأنه قال" :فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته
التي رأوه أول مرة ،فيقول :أنا ربكم ،فيقولون :أنت ربنا ،فل يكلمه إل النبياء فيقول:
هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون :الساق ،فيكشف عن ساقه ،فيسجد له كل
مؤمن").(586
-11وأنه يجلس في جهنم :حيث رووا "إن لجهنم سبع قناطر ،والصراط
عليهن ،وال عز وجل في الرابعة منهن").(587
-12ووصفوه بأنه يمشي في الرض ويشعر بالوحشة :حيث رووا في وصفه
تعالى "فأصبح ربك يطوف في الرض ،وخلت عليه البلد").(588
وعبارة "خلت عليه البلد" تعني الشعور بالوحشة والوحدة ،ومع فضاعة هذا
الوصف لرب العالمين فإن ابن القيم يقول معلقًا على هذه الراوية" :هذا حديث جليل
كبير ،تنادي جللته وفخامُته وعظمُته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة").(589
-13ووصفوه بأنه جسم وأنه ثقيل الوزن :حيث يقول محمد بن صالح بن
عثيمين" :إن كان يلزم من رؤية ال تعالى أن يكون جسمًا ،فليكن ذلك") ،(590وقالوا:
"إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون ،حتى إذا
قام المسبحون خفف عن حملة العرش") ،(591وقالوا في تفسير قوله تعالى }ال ّ
سَماء
طٌر ِبِه{ أي :مثقلة به").!(592
ُمنَف ِ
-14ووصفوه تعالى بأنه يلمس خلقه :حيث رووا أن النبي قال" :أتاني
ربي في أحسن صورة ...فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي") ،(593يقول
ابن بطة" :وأن ال عز وجل وضع يده بين كتفيه ،فوجد بردها بين ثدييه ،فعلم علم
الوليين والخريين") .(594ويقول الدارمي" :خلق آدم بيده مسيسًا") ،(595ورووا أيضًا
"يقول الرب عز وجل لداود أدنه حتى يضع بعضه على بعض").(596
وقال أبو إسحاق بن شاقل البزار" :قلت لي سليمان الدمشقي :بلغنا أنك حكيت
فضيلة الرسول في ليلة المعراج ،وقوله في الخبر "وضع يده بين كتفي ،فوجدت
بردها ،وذكر الحديث" .فقال لي :هذا إيمان ونية ،لنه أريد مني روايته ،وله عندي
585مسلم ].(2846)-36[7173
586البخاري .7439وقد رّد مالك بن أنس هذه الروايات ،ذكر ذلك الذهبي في ترجمة المام مالك في "سير أعلم
النبلء" ج 8ص 104-103حيث قال" :والحديث الذي جاء" :إن ال يكشف ساقه( و)أنه يدخل يده في جهنم حتى
يخرج من أراد( فأنكر مالك ذلك إنكارًا شديدًا ،ونهى أن يحدث به أحد"!.
587عبدالله بن أحمد "السنة" ص .526
588عبدالله بن أحمد "السنة" ص .486ابن أبي عاصم "السنة" ج 1ص .286
589ابن القيم"زاد المعاد في هدي خير العباد" .57 -54 /3
590محمد بن صالح بن عثيمين "شرح العقيدة الواسطية" ص .389
591عبدالله بن أحمد "السنة" ص .455
592عبدالله بن أحمد "السنة" ص .457
593عبدالله بن أحمد "السنة" ص .490
594ابن بطة العكبري "الشرح والبانة" ص .275
595الدرامي "نقض عثمان بن سعيد على المريسي" ص .64
596عبدالله بن أحمد "السنة" ص .507
سه .فقلت له :وكذا تقول في آدم لما خلقه بيده؟
معنى غير الظاهر .قال :وأنا ل أقول ًم ّ
قال :كذا أقول ،إن ال عز وجل ل يمس الشياء .فقلت له :سويت بين آدم وسواه،
فأسقطت فضيلته").(597
-15ووصفوه بأنه يجلس ويتكئ على ظهره ،وأنه يكتب بالقلم كالبشر :حيث
رووا "كتب ال التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة في ألواح من در،
فسمع صريف القلم ليس بينه وبينه إل الحجاب") .(598وقالوا" :فقال آدم :يا موسى،
اصطفاك ال بكلمه ،وخط لك بيده") .(599وقالوا" :هل يكون الستواء إل
بالجلوس؟") .(600وقالوا" :إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط
الرحل الجديد").(601
-16ووصفوه بأنه يجلس النبي صلى معه على العرش ويشركه معه في
الربوبية:
حيث قالوا" :إنه ليقعد عليه جل وعز فما يفضل منه إل قيد الأصابع الربعة ،وإن
له أطيطا كأطيط الرحل إذا ركب").(602
وموضع الربعة الصابع الفاضل من العرش يعتقد هؤلء جلوس النبي
عليه ،حيث يقول أبو بكر النجاد" :فالذي ندين ال تعالى ونعتقده :ما قد رسمناه وبيناه من
معاني الحاديث المسندة عن رسول ال ،وما قاله عبدال بن عباس ومن بعده من
ل بعد جيل ،إلى وقت شيوخنا في تفسير قوله أهل العلم ،واخذوا به كابرًا عن كابر ،وجي ً
حُموًدا{ السراء .79 :أن المقام المحمود هو قعوده ك َمَقاًما ّم ْ
ك َرّب َ
سى َأن َيْبَعَث َ تعالى } َ
ع َ
مع ربه على العرش .وكان من جحد ذلك وتكلم فيه بالمعارضة إنما يريد بكلمه في
ذلك كلم الجهمية ،يجانب ويباين ،ويحذر منه ،وكذلك أخبرني أبو بكر الكاتب عن أبي
داود السجستاني أنه قال :من رد حديث مجاهد فهو جهمي ...فبذلك أقول :ولو أن حالفًا
حلف بالطلق ثلثًا أن ال يقعد محمدًا معه على العرش ،واستفتاني في يمينه لقلت
له :صدقت في قولك ،وبررت في يمينك ،وامرأتك على حالها ،فهذا هو مذهينا وديننا
واعتقادنا وعليه نشأنا ،ونحن عليه إلى أن نموت إن شاء ال ،فلزم النكار على من رد
هذه الفضيلة التي قالها العلماء وتلقوها بالقبول ،فمن ردها فهو من الفرق الهالكة").(603
ينقل لنا أبو عبدال محمد بن حارث الخشني القيرواني )ت 361هـ( ما أحدثه
اعتقاد أهل الحديث بشأن قعود النبي مع ربه على العرش من مهاترات بين أهل
ل " :قال محمد :قال لي بعض التجار بالقيروان :شهدت ببغداد الحديث وعقلء المة قائ ً
رجلين يتناظران في تفسير المقام المحمود ،فتقلد أحدهما أنه الجلوس مع ربه جل وعز
ابن أبي يعلى "طبقات الحنابلة" ج 2ص .112 597
دثين" ص .118
أبو عبدالله محمد بن حارث الخشني القيرواني "أخبار الفقهاء والمح ّ 604
.133-130
629ابن تيمية "بيان تلبيس الجهمية" ج 1ص .533
والظاهر أن ابن تيمية قد فاته في غمرة الدفاع عن عقيدة أهل الحديث أن هناك
غْيَرُكْم ُثّم َل َيُكوُنوا َأْمَثاَلُكْم{ قرينة تدل على أن قوله تعالى }َوِإن َتَتَوّلْوا َي ْ
سَتْبِدْل َقْوًما َ
محمد ،38 :يقصد منه أن الاختلف بين القوم الموعودين والقوم المتوعدين -وهما من
جنس واحد -هو في الستجابة إلى أمر ال بالنفاق في سبيله فقط .وذلك يؤكده سياق
خُل َوَمن ل َفِمنُكم ّمن َيْب َ سِبيِل ا ِّ ن ِلُتنِفُقوا ِفي َ عْو َ الية الذي جاء فيها }َهاَأنُتْم َهُؤَلء ُتْد َ
غْيَرُكْم ُثّم
سَتْبِدْل َقْوًما َ ي َوَأنُتُم اْلُفَقَراء وَِإن َتَتَوّلْوا َي ْ
ل اْلَغِن ّ
سِه َوا ُّعن ّنْف ِ
خُل َ خْل َفِإّنَما َيْب َ
َيْب َ
َل َيُكوُنوا َأْمَثاَلُكْم{ محمد.38:
خَل ْ
ق ت اْلِعَماِد * اّلِتي َلْم ُي ْ ك ِبَعاٍد * ِإَرَم َذا ِ
ف َفَعَل َرّب َ أما قوله تعالى}َأَلْم َتَر َكْي َ
لِد{ الفجر ،8-7:فإن الختلف المقصود بين إرم وغيرها من البلدان – ِمْثُلَها ِفي اْلِب َ
وهن جميعًا من جنس واحد -هو اختلف في العمران فقط.
أما استدلل ابن تيمية بقول الشاعر:
خلق يساويـه في الفضائـل ليـس كمثـل الفتـى زهيـر
فهناك قرينة لفظية ظاهرة تبين أن المقصود بعدم المماثلة هو في الفضائل فقط
وهو قول الشاعر "يساويه في الفضائل".
وربما التبس على ابن تيمية المر ،فاليات والبيات التي يستدل بها هي للمقارنة
بين أشياء من جنس واحد "المدن والبشر" ،وهو يريد أن يسحب هذه المقارنة بين
المخلوقات المتجانسة إلى المقارنة بين ال تعالى ومخلوقاته! ،معتمدًا في ذلك منهج أهل
الحديث القائم على قياس الغائب على الشاهد!.
ومن الشبه التي يرددها أهل الحديث في إثبات منهجهم في التعامل مع النصوص
ي{ ت ِبَيَد ّ
خَلْق ُجَد ِلَما َسُ ك َأن َت ْ المتشابهة بصورة ظاهرية تعلقهم بقوله تعالىَ} :ما َمَنَع َ
ل عن ابن القيم" :نفس هذا الكلم المذكور في ص ،75:حيث يقول محمد الموصلي ناق ً
ي{ يأبى حمل الكلم على القدرة ،لنه نسب الخلق إلى نفسه سبحانه، ت ِبَيَد ّ
خَلْق ُقوله } َ
ثم عدى الفعل إلى اليد ،ثم ثناها ،ثم أدخل الباء التي تدخل على قوله :كتبت بالقلم ،ومثل
هذا النص صريح ل يحتمل مجازًا") .(630والواقع بخلف قول ابن القيم فقوله تعالى }
ي{ عبارة عن صلة ،فيكون المعنى المقصود "خلقت بنفسي" ،وإضافة الخلق ت ِبَيَد ّخَلْق ُ
َ
جَهُه{ ك ِإّل َو ْ يٍء َهاِل ٌش ْإلى ال هي إضافة تشريف وتعظيم ،وهذا مثل قوله تعالى }ُكّل َ
القصص 88:فالوجه صلة ،ولو تنزّلنا بأن المقصود هو القدرة فإن في إضافة تلك القدرة
إلى ذات ال تعظيم ورفعة لدم ،وهذا التركيب محتمل للمجاز قطعًا وليس كما ادعى ابن
ي.
القيم ،مثال ذلك :يقول الملك هذا المجد صنعته بيد ّ
وإن أصر ابن القيم على إثبات يدين ل تعالى من هذه الية فيلزمه أيضًا بناءًا على
عِمَل ْ
ت قاعدته في إثبات ظواهر اللفاظ إثبات أيدي كثيرة ل تعالى القائل }ِمّما َ
َأْيِديَنا{يس .71 :وإن تشبث ابن القيم بمقارنة حرف الباء لليد ،فعليه أن يذكر أن ال
تعالى قالَ} :وَل ُتْلُقوْا ِبَأْيِديُكْم ِإَلى الّتْهُلَكِة{ البقرة .195 :وليس يلقي النسان نفسه إلى
محمد الموصلي في "مختصر الصواعق المرسلة لبن القيم الجوزية" ص .515 630
التهلكة بيديه في الحقيقة ،وإنما يلقيها بقول أو فعل ليس لليد فيه عمل ،وقال تعالىَ} :أْو
ح{ البقرة ،237 :وعقد النكاح ل يكون باليد ،إنما هوعْقَدُة الّنَكا ِ
َيْعُفَو اّلِذي ِبَيِدِه ُ
631
باللسان ،فل يتعلق في ذلك) (.
الرجفاء)(632 فكر
جاء السلم لينقذ البشرية من همجية الجاهلية وعبثيتها ويسير بها إلى نظام الكون
والمجتمع والسرة والسلوك الفردي ،وجاء لينتشل الغنياء من قيود الشح وتعاسة
الحسد ،ويحرر الفقراء من أغلل الحرمان وفوضى الوسائط التي فرضتها رغبات
631جميل بن خميس السعدي في "قاموس الشريعة" ج 5ص 274وص .238-237
632الرجاء هو القول بأن الفاسق أمره مرجأ إلى مشيئة الله يوم القيامة ،فإن شاء عذبه،
وإن شاء غفر له.
النفس المارة بالسوء للمل من أغنياء القوم ومترفيهم ،ففرض السلم أوامر تنظم حياة
النسان ،وحّرم أشياء لتجنبه العودة إلى مآسي الجاهلية ،وجعل التيان بتلك الوامر
والنتهاء عن تلك المحرمات أساس العبادة التي من أجلها خلق النسان }َوَما َ
خَلْق ُ
ت
ن{ الذارايات ،56 :هذه العبادة التي ترتقي بالنسان من س ِإّل ِلَيْعُبُدو ِ
ن َواِْلن َ جّ اْل ِ
حضيض الجاهلية إلى قمة الخلفة الكونية التي أرادها ال تعالى لدم وبنيه }ُهَو اّلِذي
ض َفَمن َكَفَر َفَعَلْيِه ُكْفُرُه{ فاطر.35 : ف ِفي اَْلْر ِ لِئ َ
خَ جَعَلُكْم َ
َ
ولن السلم رباني المصدر فإنه لم يغفل عن عوارض النفس البشرية التي ل
تلبث أن تخالط المعاصي من إخلل بالوامر أو انتهاك للمحرمات ،فلهذا حدد قواعد
عامة للتعامل مع النفس البشرية إن هي اخطأت ،فالمعاصي الصغيرة تلغى تلقائيًا طالما
استمر النسان في مسيرة الستقامة واللتزام بأوامر ال والبعد عن نواهيه }ِإن َت ْ
جَتِنُبوْا
ل َكِريًما{ النساء.31 : خًخْلُكم ّمْد َ
سّيَئاِتُكْم َوُنْد ِ
عنُكْم َ
عْنُه ُنَكّفْر َ
ن َ َكَبآِئَر َما ُتْنَهْو َ
أما المعاصي الكبيرة التي يصيبها النسان في حالت الضعف اليماني فقد جعل
ل ومخرجًا ،وذلك عن طريق الوبة إلى جلل ال والتسليم بالتوبة السلم لها سبي ً
لجنابه ،والندم على التفريط في أوامره ،ومعاهدته تعالى على عدم الرجوع إلى هذه
حا ُثّم اْهَتَدى{ طه: صاِل ً
عِمَل َ
ن َو َ
ب َوآَم َالكبائر مجددًا ،يقول تعالىَ} :وِإّني َلَغّفاٌر ّلَمن َتا َ
.82
السلم العظيم جاء مربيًا للنسان على الفضيلة والبعد عن مستنقعات الرذيلة كي
يكون جديرًا بحمل مشعل الخلفة الكونية ،فلهذا نرى أن السلم مهد طريق الخير
وسهله ،وجعل السدود والحواجز ليحول دون وقوع النسان في حبائل النفس المارة
بالسوء ومكائد الشيطان ،واعطى دواء التوبة لكل من ابتلي بمرض المعاصي.
هذا هو السلم بصفاء عقيدته ونقاء شرائعه وأحكامه ،إل أن نفوس المجرمين
المنتسبين للسلم أرادت إحياء فكر الجاهلية لتجعله قاعدة يسير على أساسها فكر المة
السلمية ،فأوهموا المة وأوحوا إليها أن المسلم يستطيع ترك أوامر ال وانتهاك
محرماته –على ما في ذلك من إهلك للنفس والمجتمع والمة -ومع ذلك يدخل ضمن
قائمة الفائزين بجنات ال ونعيمها الدائم دون حاجة للتوبة والوبة إلى جلل ال وحظيرة
شرعه!.
إن التعلق بمثل هذه الوهام قد أضر بالمة إضرارًا بالغًا وجرأها على النحلل
من الخلق والفضيلة ،والنغماس في مستنقعات الفجور والرذيلة ،حتى غدت أمة
مزدراة في عيون أعدائها ،وفقدت مصداقيتها فيما تدعو إليه بسبب سلوكها المخالف
لقوالها ،ول عجب إذن أن نعاني من الزمات الفكرية وما صاحبها من تداعيات سياسية
واقتصادية واجتماعية ،كيف ل ونحن نعاني انشطارًا بين القول والعمل).(633
لكن السلم العظيم لم يغفل عن مثل هذه الشطحات الشيطانية ،فأكد على قواعد
راسخة اجتثت هذا الفكر العفن من جذوره ،وهذه القواعد الكّلية أصلتها النصوص
خميس بن راشد العدوي ،نقل كلمه خالد الوهيبي "معالم الزمن القادم" ص .60-59 664
666خميس بن راشد العدوي ،نقل كلمه خالد الوهيبي في "معالم الزمن القادم" ص -66
.67
667الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب برقم .1004
668الترمذمي ،2440وابن حبان 14/387برقم) ،(6468والحاكم في مستدركه 1/139
برقم).(228
669ابن حجر العسقلني "تهذيب التهذيب" .221 ، 10/220
670الطبراني في الوسط 8/241برقم) ،( 8518مسند ابي يعلى 6/40برقم).(3284
671الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 2ص .327
672ابن خزيمة "التوحيد" ج 2ص ،576برقم .532
من البخاري) ،(673وابن حبان) (674فإنهما لم يوثقاه ،فل ينتقل عن حكم الجهالة .الطريق
الثانية) (675رواها أشعث الحداني عن أنس ،وفيها بسطام بن حريث ،قال عنه الذهبي:
"ل يعرف") ،(676أما الطريق الثالثة) (677فهي من طريق عنعنة قتادة الذي قال عنه
الذهبي" :حافظ ثقة لكنه مدلس") ،(678وقد رواها عنه سعيد بن أبي عروبة الذي قال عنه
الذهبي" :تغير حفظه بآخره ويتهم بالقدر ،قال أبو حاتم :هو قبل أن يختلط ثقة")،(679
وروها عنهما عمر بن سعيد الشج أو البج الذي قال فيه البخاري" :منكر
الحديث") .(680وروى الخامسة) (681يزيد الرقاشي عن أنس ،والرقاشي هذا قال عنه
الذهبي" :قال النسائي وغيره :متروك") .(682وروى السادسة) (683عاصم الحول عن
أنس ،وفيها عروة الرقي الذي قال عنه الذهبي" :ل يعرف").(684
وجاءت كذلك من طريق جابر بن عبدال في روايتين ،الولى) (685فيها زهير بن
محمد العنبري التميمي المروزي الذي قال عنه الذهبي" :له غرائب ،ضعفه ابن معين،
وقال البخاري :روى أهل الشام عنه مناكير") ،(686الثانية) (687فيها محمد بن ثابت
البناني الذي قال فيه الذهبي" :قال البخاري :فيه نظر ،وقال النسائي :ضعيف").(688
وجاءت أيضًا من طريق ابن عباس) ،(689وهي التي رواها موسى بن عبد
الرحمن الصنعاني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ،وموسى هذا قال فيه
الذهبي" :مشهور هالك ،قال ابن حبان :دجال ،وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس كتابًا في التفسير") .(690وجاءت كذلك من طريق ابن عمر) ،(691وفيها أيوب بن
وائل الذي قال عنه الذهبي" :قال الزدي :مجهول").(692
673البخاري " التاريخ " ) 2/340رقم .(2677
674وابن حبان في " الثقات " ).(6/187
675المستدرك 1/140برقم) ،( 230وأبي داود برقم ، 4739مسند أحمد 3/213برقم )
.(13245
676الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 1ص .158
677مستدرك الحاكم 1/140برقم) ،(229ابن خزيمة "التوحيد" ج 2ص 574برقم .529
678الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 2ص .214
679الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 1ص .410
680الذهبي ميزان العتدال " ) 3/200رقم .(6124
681مسند ابي يعلى 7/139برقم) (4105مسند ابي يعلى 7/147برقم).(4115
682الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 2ص .534
683الطبراني في " الوسط " ) 4/344رقم (3590
684الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 2ص .56
685ابن حبان 14/386برقم) ،(6467المستدرك 1/140برقم) ،(231المستدرك 1/140
برقم).(232
686الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 1ص .371
687الترمذي برقم 2441وقال" :غريب من هذا الوجه" ،والبزار 1/233برقم).(1669
688الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 2ص .273
689الطبراني في الوسط 5/75برقم ).(4713
690الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 2ص .440
691الطبراني الوسط 6/106برقم) .(5942
692الذهبي "المغني في الضعفاء" ج 1ص .151
فالرواية آحادية) ،(693وهي واهية السند من جميع طرقها ،فل يرتاب في وضعها
خاصة وأنها تعارض القواعد الكّلية التي أصلتها النصوص القطعية من الكتاب والسنة
المجتمع عليها.
وحين عجز أهل الحديث عن إثبات دعوى النصية والقطعية لفكر الرجاء ،لجأوا
إلى التحايل على النص الصلي الذي يقطع بخلود أهل الكبائر في النار ،وافترضوا أنه
منسوخ! .علمًا بأن الخبار ل يدخلها النسخ" ،فالخبر إما صحيح أو مكذوب ول يقال إنه
منسوخ").!(694
يقول ابن القيم" :وال تعالى ل يخلف وعده ،وأما الوعيد فمذهب أهل السنة كلهم أن
إخلفه كرم وعفو وتجاوز يمدح الرب تبارك وتعالى به").(695
وهذا اعتراف من أرباب هذه المدرسة أن نصوص الوعيد ثابتة بحيث ل يمكن
إنكارها ،فلهذا لجأوا إلى اختلق فكرة تنازل ال تعالى عن قراره يوم القيامة وتركه
لتهديده ووعيده ،لنهم تصوروا أن ذلك الجمل في صفات ال! ،وهذا التصور الفاسد
نابع من طبيعة البداوة التي ترعرع فيها هذا الفكر ،حيث نشأ هؤلء في البادية حيث شيخ
القبيلة يعفو عن المجرم قبل تطبيق الحدّ عليه فتعطلت الحدود وانتشر الهرج والمرج،
عرف هؤلء قمة الكرم ،بينما هو في السلم حضيض المحسوبية ويعد ذلك في ُ
والطبقية ،فقد جاء النهي عن النبي واضحًا عن هذا الفعل الذميم فقال" :إّنما هلك
الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا
ن فاطمة بنت محّمٍد سرقت لقطعت يدها").(696 عليه الحّد ،وأيم ال لو أ ّ
كما أن خيال البداوة العريض الذي صور هوان وعيد ال تعالى في عقول هؤلء
منشؤه الشوائب الفكرية المستوردة من المم الخرى التي تصور الله ككيان له
عواطف وأحاسيس ،والسلم النقي قائم على نصوص قطعية ثابتة موافقة للعقل والحس
صيُر{ الشورى .11 سِميُع الَب ِ يٌء َوُهَو ال ّ ش ْ السليم تقول بأن ال تعالى }َلْي َ
س َكِمْثِلِه َ
وكيف يبدّل ال وعيده وقد نص في كتابه العزيز على عكس ذلك حيث قالَ} :ل
لٍم ّلْلَعِبيِد * َيْوَمظّ ي َوَما َأَنا ِب َعيِد * َما ُيَبّدُل اْلَقوُْل َلَد ّ
ت ِإَلْيُكم ِباْلَو ِ
ي َوَقْد َقّدْم ُ صُموا َلَد ّخَت ِ
َت ْ
تا ّ
ل ت َوَتُقوُل َهْل ِمن ّمِزيٍد{ ق .30-28 :وقال }َوَل ُمَبّدَل ِلَكِلَما ِ ل ِجَهّنَم َهِل اْمَت ََْنُقوُل ِل َ
ن{ النعام.34 : سِلي َ ك ِمن ّنَبِإ اْلُمْر َ جاء ََوَلقْد َ
فكلمات ال ثابتة ل تتغير ،وادعاء تغير هذه الكلمات مبني على تصور الله على
أنه كائن عاطفي متردد نادم على وعيده للمجرمين بالخلود في النار ،وهذه الصورة
المهزوزة لذات ال ل شك في اسرائيليتها لمطابقتها الصورة المخزية التي تقدمها
النصرانية المحرفة القائمة على عقيدة الفداء).(697
693قال الفخر الرازي بعد ذكره هذه الرواية في تفسير الية 48من سورة البقرة ج 2ص
" :60واعلم أن النصاف أنه ل يمكن التمسك في مثل هذه المسألة بهذا الخبر وحده".
694تفسير الطبري ج 30ص ،12والشاطبي "الموافقات" ج 3ص .85
695ابن القيم الجوزية "حادي الرواح " ص .271
696البخاري ،3288ومسلم ،1688والترمذي ،1455وأبو داود .4373
إن دعوى أهل الحديث بإخلف الوعيد مصادمة لنصوص الكتاب العزيز ،كما أنها
تهدم الشريعة السلمية ومجتمعها النقي الصالح الطاهر من الفسق والفجور والفواحش،
لن هذه الدعوى تجعل الفاجر من القتلة والزناة آمنًا من وعيد ال وعقابه! مما يدفعه إلى
التمادي في فسقه وفجوره وقتله للنفس وهدمه للسرة وتدميره للمجتمع ،وال تعالى
عيِد{ ق ف َو ِ خا ُ ن َمن َي َ جّباٍر َفذَّكْر ِباْلُقْرآ ِ
عَلْيِهم ِب َ
ت َ
ن َوَما َأن َ عَلُم ِبَما َيُقوُلو َ
ن َأ ْ
حُيقولَ} :ن ْ
،45وهؤلء ل يخافون الوعيد لنهم أمنوه بمثل هذه الدعاوى الرخيصة ،بل أن الوعيد
القرآني مرتبط بترسيخ التقوى الذي هو أساس اليمان بال تعالى حيث يقول عز وجل
ث َلُهْم ِذْكًرا{ حِد ُن َأْو ُي ْ
عيِد َلَعّلُهْم َيّتُقو َ
ن اْلَو ِصّرْفَنا ِفيِه ِم َ
عَرِبّيا َو َ }وََكَذِل َ
ك َأنَزْلَناُه ُقْرآًنا َ
طه ،113 :فإذا انتفى الوعيد انتفى التقوى ،وإذا انتفى التقوى انتفى الدين.
والشفاعة التي يحتج بها أهل الحديث لرد النصوص القطعية ،قد بين ال تعالى في
ضى{النبياء،21 : ن اْرَت َن ِإّل ِلَم ِ شَفُعو َكتابه العزيز في حق من تكون حين قالَ} :وَل َي ْ
وهل يرتضي ال تعالى المجرمين الفاسقين الذين حاربوه بالمعاصي ،واستكبروا عليه
ولم يخضعوا لجبروته ورفضوا التوبة إلى جلله؟!.
عَة ِإّل َم ِ
ن شَفا َن ال ّ فالشفاعة تكون للمرتضين ،الذين قال ال تعالى فيهمَ} :ل َيْمِلُكو َ
عْهًدا{ مريم ،87 :وهم المؤمنون المتقون لتخفيف شدة الحساب ن َحَم ِعنَد الّر ْخَذ ِ اّت َ
عنهم ،وتسريع دخولهم الجنة ،ولرفع منازلهم فيها.
"أما الشفاعة بمعنى هدم الناموس وإخراج المذنبين من النار ،وإدخالهم الجنة ،فهي
فوضى الوسايط التي نعرفها في الدنيا ،ول وجود لها في الخرة ،وكل ما جاء بهذا
المعنى في الحاديث النبوية فهو مشكوك في سنده لنه يخالف صريح القرآن ،ول يعقل
من نبي القرآن أن يطالب بهدم القرآن ،ولكن المسلمين الذين عرفوا بالاتكالية قد باتوا
ل على نبيهم الذي سوف يخرجهم في يفعلون كل منكر ويرتكبون عظائم الذنوب اتكا ً
حفنة واحدة من النار ويلقي بهم في الجنة بفضله وكرمه! ،وهم الذين شكاهم إلى ربه في
خُذوا َهَذا اْلُقْرآ َ
ن ن َقْوِمي اّت َ ب ِإ ّ
سوُل َيا َر ّ لَ} :وَقاَل الّر ُ صريح قرآنه وجأر بشكواه قائ ً
جوًرا{ الفرقان.(698)"30 : َمهْ ُ
يقول الشيخ محمد الغزالي":والجانب النساني الحر ظاهر في القرآن الكريم،
فأنت وحدك صانع مستقبلك ،ومصور ملمحك ،إن احسنت لم يستطع أحد أن يعترض
حا
صاِل ًعِمَل َ ن َ طريقك إلى الجنة ،وإن أسأت لم يستطع أحد ان ينقذك من النارَ} :م ْ
لٍم ّلْلَعِبيِد{ فصلت ،46 :فل وسطاء ول شفعاء، ظّ ك ِب َساء َفَعَلْيَها َوَما َرّب َن َأ َ
سِه َوَم ْ َفِلَنْف ِ
ول قرابين على نحو ما تصّور الوثنية ،أو على نحو ما تصّور الديان السماوية التي
انحرفت").(699
ل في جسد عيسى المسيح 697تقوم النصرانية المحرفة على اعتقاد أن الله عز وجل ح ّ
ليتم صلبه من قبل اليهود كتكفير عن خطيئته باخراج آدم من الجنة!.
698مصطفى محمود "الشفاعة" ص 20-19
699محمد الغزالي "دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين" ص .28
ومن الشبه التي تعلق بها أهل الحديث قولهم أنه من الظلم أن يخلد رجل مؤمن في
النار وكل معصيته أنه زنى مرة واحدة أو كذب كذبة واحدة أو أنه كان ممن يستمع
الغاني الماجنة!.
واستدللهم هذا ل يصمد أمام حجج القرآن الكريم ،فالنسان المؤمن إيمانًا حقًا
يصعب تصور ملبسته للمعاصي ،لن اليمان والعلم بالشريعة يتملكان كيان المسلم
لَة ِإ ّ
ن صَ ب َوَأِقِم ال ّن اْلِكَتا ِك ِم َي ِإَلْي َحَفيحجزانه عن كل معصية ،يقول تعالى} :اْتُل َما ُأو ِ
ن{ العنكبوت: صَنُعو َل َيْعَلُم َما َت ْ ل َأْكَبُر َوا ُّ
شاء َواْلُمنَكِر َوَلِذْكُر ا ِّ ح َن اْلَف ْعِلَة َتْنَهى َ الصّ َ
،45فإن حدث ووقع مثل هذا النسان في كبيرة من الكبائر فباب التوبة مفتوح ل يغلق
إل عند الموت ،فما الذي يمنع هذا النسان من التوبة إن كان مؤمنًا حقًا؟.
شبهة أخرى أثارها أهل الحديث ليتملصوا من إلزام حجج القرآن الكريم ،فقالوا:
أن القول بخلود المسلم العاصي يعني مساوة المسلم بالكافر في الخلود وهذا ظلم!.
خُلوْاونسي هؤلء أن النار دركات كما أن الجنة درجات ،يقول تعالىَ} :قاَل اْد ُ
حّتى خَتَها َت ُأ ْ
خَلتْ ُأّمٌة ّلَعَن ْ
س ِفي الّناِر ُكّلَما َد َ ن َواِلن ِ جّ ت ِمن َقْبِلُكم ّمن اْل ِ خَل ْ
ِفي ُأَمٍم َقْد َ
ضعًْفا ّم َ
ن عَذاًبا ِ ضّلوَنا َفآِتِهْم َ خَراُهْم ُلوَلُهْم َرّبَنا َهفُؤلء َأ َ ت ُأ ْ
جِميًعا َقاَل ْ ِإَذا اّداَرُكوْا ِفيَها َ
ن اْلُمَناِفِقي َ
ن ن{ العراف ،38 :وقال عز وجلِ} :إ ّ ف َوَلفِكن ّل َتْعَلُمو َ ضْع ٌ الّناِر َقاَل ِلُكّل ِ
صيًرا{ النساء.145 : جَد َلُهْم َن ِن الّناِر َوَلن َت ِ سَفِل ِم َك اَل ْ ِفي الّدْر ِ
وليس الظلم في خلود أصحاب الكبائر الذين تكبروا على جلل ال ،ولم يرضوا
بالتوبة إلى جنابه بل هذا هو عين العدل اللهي ،فهل يعقل أن يتساوى المؤمن الذي أتعب
ليله ونهاره بإرضاء ال مع المجرم الذي ما انفك يحارب ال تعالى ويرفض التوبة إلى
جلله؟
وهل هذا المجرم الذي عرف ال تعالى وعرف شرعه لكنه حاربه بالمعاصي
والفواحش ،ورفض التوبة إلى جلل ال أفضل من النصراني الزاهد العابد الحسن الخلق
الذي لم يسمع عن السلم إل كل ما يشين بسبب الدعاية المغرضة ضد السلم ،فمات
على نصرانيته التي يظنها الدين الولى بالتباع! ،فهل من العدل أن يخرج المسلم الذي
عرف ال تعالى لكنه لم يقدره حق قدره من النار بينما يخلد فيها ذلك النصراني؟ هذه
الفلسلفة ل يقولها إل من استهوته عقيدة بني إسرائيل الذين ظنوا ان انتسابهم إلى موسى
سَنا الّناُر ِإّل َأّياًما ّمْعُدوَدا ٍ
ت كفيل بإخراجهم من النار }َذِل َ
ك ِبَأّنُهْم َقاُلوْا َلن َتَم ّ
ن{ آل عمران ،24 :والتي حذرنا ال تعالى منها بقوله َوغَّرُهْم ِفي ِديِنِهم ّما َكاُنوْا َيْفَتُرو َ
جْد َلُه ِمن ُدونِ ا ّ
ل جَز ِبِه َوَل َي ِ سوًءا ُي ْ ب َمن َيْعَمْل ُ ي َأْهِل اْلِكَتا ِ }ّلْي َ
س ِبَأَماِنّيُكْم َول َأَماِن ّ
صيًرا{ النساء.123 : َولِّيا َوَل َن ِ
يكفي حجة على أهل الحديث أن عقيدة الرجاء تهدم بنيان السلم لبنة لبنة بسبب
إشعارها للفسقة والفجار أن مفاتيح الجنة بين أيديهم ،مما يدفعهم للتمادي في غيهم
وفسادهم باسم الدين ،وهذا الشعور بعدم الخوف من وعيد ال تعالى الذي ترسخه عقيدة
الرجاء لم يصب عوام الناس فحسب بل أن هناك الكثير من أئمة الحديث -مروجي فكر
الرجاء المسموم -قد ابتلي بالفواحش من زنًا وشذوذ جنسي!.
من ذلك ما ذكره ابن القيم عن إمامه محمد الصبهاني حيث قال" :وأما قصة
محمد بن داود الصبهاني فغايتها أن تكون من سعيه المعفو المغفور ل من عمله
المشكور ،وسلط الناس بذلك على عرضه ،وال يغفر لنا وله ،فإنه تعرض بالنظر إلى
وعيبا فكيف
ً السقم الذي صار به صاحب فراش ،وهذا لو كان ممن يباح له لكان نقصاً
من صبي أجنبي وأرضاه الشيطان بحبه والنظر إليه عن مواصلته").(700
ومن ذلك أيضًا ما ذكره الذهبي عن سبب خروج إمام أهل الحديث في زمانه
الخطيب البغدادي من دمشق حيث قال" :قال ابن طاهر في المنثور :اخبرنا مكي الرميلي
قال :كان سبب خروج الخطيب من دمشق أنه كان يختلف إليه صبي مليح فتلكم فيه
الناس ،وكان أمير البلد رافضيًا متعصبًا ،فجعل ذلك سببًا للفتك بالخطيب").(701
وكذلك قصة يحيى بن أكثم قاضي القضاة مع الشذوذ الجنسي التي ذكرها ابن
عساكر الدمشقي) ،(702وغيرها من القصص المؤسفة التي جمعها ابن حزم في كتابه
"طوق الحمامة").(703
ونحن ل نسارع إلى تصديق كل ما يقال في أعراض الناس كما رواها أصحاب
هذه الكتب ،فهي :إما أن تصح ،وتلك كارثة وطامة كبرى أن ينساق علماء لهم وزنهم
وراء النزوات والرغبات المحرمة ،وإما ان ل تصح ،فهي من الكاذيب التي تلفق في
حق العلماء ،وتلك طامة أخرى أن يستباح الكذب في أعراض الناس وتشوه سمعتهم.
فإذا صح ما روي عن هؤلء العلماء ما الذي جرأهم على ذلك غير اعتقادهم
الجازم بأنهم سينالون شفاعة النبي إن هم فعلوا الفواحش والكبائر ،فقد نسبوا إلى
النبي أنه قال" :شفاعتي لهل الكبائر من أمتي") ،(704فلهذا تراهم يتسابقون في
الجريمة والفاحشة من أجل الحصول على هذه الشفاعة المزعومة التي صارت قنطرة
يعبر عليها الناس لشباع شهواتهم ورغباتهم.
ونتيجة لتغلغل هذا الفكر العفن في المة السلمية أّلف أحد السفهاء كتابًا أسماه
"من حقائق القرآن"! زعم فيه أن السلم يبيح شرب الخمر ،ويبيح إقامة علقات
غرامية بين الرجال والنساء دون حاجة لزواج شرعي ،وأن الحجاب هو من عادات
الجاهلية ،وأن الواجب على الرجال الختلط مع النساء ،وأن السلم فرض صلتين
فقط في اليوم والليلة ،وأن المسلم يجوز له فطر رمضان وإن لم يكن مريضًا أو على
سفر ،وأن الحج جائز في ثلثة أشهر وليس في أيام الحج المعلومة ،وختم هذيانه
بالقرار عن سبب جرأته على هذا السفاف بقوله "فحتى لو اعتبرنا شرب الخمر
معصية في أحسن تقدير ،فل تضر مع معصية إيمان") .(705إنه الرجاء!!.
700ابن القيم "روض المحبين" ص .130
701الذهبي "تذكرة الحفاظ" ج 3ص .1141
702ابن عساكر الدمشقي "تاريخ دمشق" ج 64ص .85-81
703ابن حزم "طوق الحمامة" ص .130-129
704سنن أبو داود ،4739وابن حبان في صحيحه برقم ،6467الحاكم في المستدرك برقم
.228
705محمد سليمان غانم "من حقائق القرآن الكريم" ص .79
الفتن والملحم الخرافة والسطورة
نتيجة لسيادة فكر أهل الحديث الهرمسي في المة السلمية التي امتزج فكر
السلم الصافي لدى بعض طوائفها برواسب موروثاتها الثقافية القديمة ،ونتيجة لتبني
السلطة لفكر الرجاء انتشرت في المة أفكار وخرافات أسطورية تتحدث عن أحداث
ستقع قبل يوم القيامة ،وأن تلك الحداث هي من علمات الساعة ،كنزول المسيح،
وظهور الدجال والمهدي وغيرها ،هذه الفكار التي انتقلت إلينا من أصحاب الملل
والنحل الوثنية -كما سنأكده لحقًا -أصابت كيان المة السلمية في مقتل ،حيث قتلت
فيها روح العمل والجهاد ،فانقلب حال المة من العمل والجّد والجهاد اليحابي إلى حال
الكسل والتواكل والنتظار السلبي ،كل ذلك اعتمادًا على الروايات السطورية التي تزعم
سيادة الكفر على اليمان وانتصار الشر على الخير إلى آخر الزمان حيث ينزل المسيح
ويظهر المهدي ليقاتلوا الدجال زعيم الشر.
ل "هناك فكرة شائعة لدى غّدة قائ ً
هذه هي الحقيقة المرة التي أقّر بها المحدث أبو ُ
عدد من عوام المسلمين ،وهي أنهم يتخذون من إخبار الرسول بهذه العلمات متكًأ
لهم في ترك العمل الجّدي إلى إعادة الحياة السلمية الصحيحة ،وقد ربطوا بعلمات
الساعة أمرًا ل صلة له بها ،وهو أن العمل الن ل يجدي ،لنه ل بد أن يزداد الفساد،
وينتشر الضلل ،وتأتي الخوارق التي تتقدم الساعة ،من ظهور المهدي ونزول عيسى
،وحينئذ يعود السلم ،وينتصر الدين ،وينتشر الحق ،ويقوى أهله ،ويسود الحكم
بالسلم على وجهه ،فل جدوى الن من مقاومة الباطل وأهله مهما حاول النسان
المسلم.
وهذه الفكرة الضالة الخبيثة ،وقد تكون دخيلة على المسلمين بمخارز أعدائهم
الناعمة أسقطت السعي الجّدي الواجب ،والوعي السلمي الصحيح عند هؤلء الجاهلين
ومن يدور في فلكهم من المسلمين الين ،فقد أثرت فيهم تأثيرًا سلبيًا ،وأحبطت منهم العمل
الجّدي والسعي المتواصل لعادة الحياة السلمية .وكثيرًا ما خدع هؤلء الجاهلون
الغرار من المسلمين أشباههم ،بقولهم لهم :إن العالم قد اقترب من نهايته ،وأن الحاديث
النبوية تدل على استمرار التدهور في شأن السلم والمسلمين ،ولما كان المر هكذا،
كان ل جدوى من السعي لعمل شيء في وقف هذا التيار الفاسد ،ومنع هذا النحدار ،إذ
هو أمر قّدره ال تعالى ،وبّلغه رسوله ،ول بد أنه واقع ،فما علينا إل التسليم
والسكون").(706
غّدة معالجة هذه المشكلة التي خلفها الركام الروائي لهل الحديث ،بيد أن حاول أبو ُ
محاولته لم تخرج عن إطار منهج المحّدثين ،فهو يقول" :ولو كانت هذه الفكرة صحيحة
سليمة ثابتة لما كان الجهد والجهاد من السلف في دفع كل زيغ وانحراف"! ،هكذا وبكل
غّدة من الذين طمرت عقولهم روايات أهل الحديث أن ل براءة وعفوية يريد المحّدث أبو ُ
يستسلموا لبريقها وجاذبيتها الذي يخّدر العقول فيجعلها تعيش في وهم الخرافات
والساطير ،ليس لن تلك الروايات مخالفة لنصوص الكتاب العزيز ،ول لنها تصف
السلم بالخرافة والسطورية والغنوص الميثولوجي ،ل!! ،بل لن السلف لم يفكر هذا
التفكير! .ولو كان السلف المقصود هم الصحابة والتابعون وتابعوهم ممن لم َينَقد لفكر
السلطة الخرافي فهو محق ،وإن كان يقصد بالسلف أئمة أهل الحديث فهم أشد الناس
ل وتثبيطًا للناس من التحرر ضد أغلل السلطة الحاكمة ،ول أّدل على ذلك من تواك ً
الروايات النهزامية التي تأمر بالتخاذل والهوان كالقول المنسوب إلى النبي " إنكم
706عبد الفّتاح أبو غ ُ ّ
دة في تقديمه لكتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" لمحمد
الكشميري ص )و-ز(.
سأل :ياستلقون بعدي أثرة ،فاصبروا حتى تلقوني على الحوض") ،(707وأنه حين ُ
نبي ال ،أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا ،فما تأمرنا؟ قال:
"اسمعوا وأطيعوا ،فإنما عليهم ما حّملوا وعليكم ما حّملتم").(708
وهذه الخرافات السطورية التي ُتعّد في قاموس أهل الحديث من علمات الساعة
التي يكفر منكرها ،هي بل ريب نقل نصي لخرافات وأساطير أهل الكتاب المدونة في
كتبهم المقدسة "التوراة والنجيل والتلمود" ،وسوف نبين للقاريء الكريم بطلن هذه
الروايات وتعارضها مع النصوص القطعية من الكتاب العزيز ،وتعارضها مع الحس
والعقل السلمي المستنير ،بالضافة إلى توثيق مصادرها من الكتب السرائيلية
المحّرفة!.
من أمثلة تلك الروايات السطورية ما نسب إلى النبي أنه قال في وصفه
للدجال" :إنه شاب قطط عينه طافئة ،كأني أشبهه بعبد العزي بن قطن ،فمن أدركه منكم
فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ،إنه خارج خلة بين الشام والعراق ،فعاث يمينا وعاث
ل ،يا عباد ال فأثبتوا .قلنا :يا رسول ال وما لبثه في الرض؟ قال :أربعون يوما، شما ً
يوم كسنة ،ويوم كشهر ،ويوم كجمعة ،وسائر أيامه كأيامكم ،قلنا :يا رسول ال فذلك
اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلة يوم؟ قال :ل .اقدروا له قدره ...فيأتي على القوم
فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ،فيأمر السماء فتمطر ،والرض فتنبت ،فتروح
عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ...ويمر بالخربة
ل ممتلئًا شبابًا
فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ،ثم يدعو رج ً
فيضربه بالسيف ،فيقطعه جزلتين رمية الغرض ،ثم يدعوه ،فيقبل ويتهلل وجهه يضحك،
فبينما هو كذلك إذ بعث ال المسيح بن مريم ،فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق
بين مهرودتين ،واضعًا كفيه على أجنحة ملكين ...فل يحل لكافر يجد ريح نفسه إل
مات ،ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ،فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ...فبينما هو
كذلك إذ أوحى ال إلى عيسى :إني قد أخرجت عبادًا لي ل يدان لحد بقتالهم ،فحّرز
عبادي إلى الطور ،ويبعث ال يأجوج ومأجوج ،وهم من كل حدب ينسلون ،فيمر أوائلهم
على بحيرة طبرية ،فيشربون ما فيها ،ويمر آخرهم فيقولون :لقد كان بهذه مرة ماء،
ويحصر نبي ال عيسى وأصحابه ،حتى يكون رأس الثور لحدهم خيرًا من مائة دينار
لحدكم اليوم ،فيرغب نبي ال عيسى وأصحابه فيرسل ال عليهم النغف في رقابهم،
فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ...فيرسل ال طيرًا كأعناق البخت ،فتحملهم
فتطرحهم حيث شاء ال ...ثم يقال للرض :أنبتي ثمرتك وردي بركتك ،فيومئذ تأكل
العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ،ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من البل
لتكفي الفئام من الناس ،واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ،واللقحة من الغنم لتكفي
الفخذ من الناس ،فبينما هم كذلك إذ بعث ال ريحًا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ،فتقبض
716
Christopher Knight "The Hiram" page: 66.
محمد فاروق الزين "المسيحية والسلم والستشراق" ص .138-137 717
ل" :إن اليهود جميعاً كان بولس يهوديًا متطرفًا كارهًا للنصارى ،وهو يقّر بذلك قائ ً
يعرفون نشأتي من البداية ...ليشهدوا أني كنت فريسيًا أي تابعًا للمذهب الكثر تشددًا في
ديانتنا") .(718بولس الذي امتزجت في لّبه وثنيات الفراعنة التي نقلها اليهود مع
ميثولوجيات الغريق أراد تطبيق أحلمه الوثنية على أتباع المسيح الذين يبغضهم بغضًا
شديدًا ،وزعم بولوس أنه بينما كان متجهًا إلى دمشق للقاء القبض على بعض أتباع
المسيح سمع صوتًا يقول له" :شاول .شاول .لماذا تضطهدني؟ فسأل :من أنت؟ فجاءه
الجواب :أنا يسوع الذي تضطهده") ،(719وأنه قال له" :فقد ظهرت لك لعّينك خادمًا لي،
وشاهدًا بهذه الرؤيا التي ترانا فيها الن ،وبالرؤى التي ستراني فيها بعد اليومٍ ،وسأنقذك
من عبك ومن المم التي أرسلها إليك الن") ،(720ومن هذا النقطة بدأ بولس في تشويه
الدين النصراني ،وأول شيء فعله هو الدعاء بأن عيسى هو ابن ال ،وأن روحه هي
تجلي للله في جسد بشر لتخليص البشرية من أخطائها ،وقام بإلغاء الشريعة وقال" :إن
المسيح حررنا بالفداء من لعنة الشريعة .إذ صار لعنة عوضًا عنا .لنه قد كتب :ملعون
كل من علق على خشبة").(721
لقد كانت الطبيعة الوثنية المتمكنة من شغاف قلوب بني إسرائيل كفيلة بتسهيل
المر بالنسبة لبولس لبث فكرته "الفرعوإغريقية" ،كما أن اختفاء المسيح المفاجيء
بالنسبة للبسطاء من أتباعه دفعهم للعتقاد بأنه رجع إلى السماء حيث يوجد أبوه "الله
الب" ،وأعيد كتابة الناجيل بعد زمن وفق رؤية بولس القائلة بعروج عيسى في السماء،
ومن تلك النصوص" :وأخرجهم خارجا إلى بيت عنيا ،ورفع يديه وباركهم ،وفيما هو
يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلي السماء ،فسجدوا له ورجعوا إلي أورشليم بفرح عظيم،
وكانوا كل حين في الهيكل يسّبحون ويباركون ال") .(722نص آخر اختلقته مخيلة بولوس
وأتباعه" :لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم ،وتكونون لي شهودًا في
أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الرض ،ولما قال هذا ارتفع وهم
ينظرون ،وأخذته سحابة عن أعينهم ،وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا
رجلن قد وقفا بهم بلباس أبيض ،وقال :أيها الرجال الجليليون ،ما بالكم واقفين تنظرون
إلى السماء ،إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً
إلى السماء").(723
وقد تسربت عقيدة بولس "الفرعوإغريقية" إلى المسلمين عن طريق كعب الحبار
وأمثاله من مسلمة أهل الكتاب ،فقد جاء في كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد )ت 229هـ(
ثلثة أبواب في نزول عيسى وسيرته ومدة بقائه وقتاله الدجال ،وأورد ابن حماد في
هذه الفصول تسعًا وأربعين رواية ،إحدى عشرة منها جاءت من طريق كعب الحبار!،
أعمال الرسل .7-26/5 718
محمد حسين فضل الله "أحاديث في قضايا الختلف والوحدة" ص .387 726
نقله الشيخ جميل بن خميس السعدي في "قاموس الشريعة" ج 6ص .141-140 729
مخاطبًا الرسول وقومه مؤكدًا على أن النبي والوحي والقرآن هو العلمة
صّم َأْو َتْهِدي اْلُعْم َ
ي سِمُع ال ّ ت ُت ْوالشارة ليوم القيامة التي سيسأل عنها الجميعَ} :أَفَأن َ
ك اّلِذي ن * َأْو ُنِرَيّن َ ك َفِإّنا ِمْنُهم ّمنَتِقُمو َ ن ِب َن * َفِإّما َنْذَهَب ّ لٍل ّمِبي ٍ ضَ ن ِفي َ َوَمن َكا َ
سَتِقيٍم * ط ّم ْ صَرا ٍعَلى ِ ك َ ك ِإّن َ
ي ِإَلْي َ
حَ ك ِباّلِذي ُأو ِ سْ سَتْم ِ ن * َفا ْ عَلْيِهم ّمْقَتِدُرو َ َوعَْدَناُهْم َفِإّنا َ
ن{ الزخرف.44-40 : سَأُلو َ ف ُت ْسْو َ ك َو َ ك َوِلَقْوِم ََوإِّنُه َلِذْكٌر ّل َ
ثم يخبرنا تعالى بأن بعثة المسيح إلى اليهود المنحرفين تعد بالنسبة لهم علمة
ل ّلَبِني جَعْلَناُه َمَث ًعَلْيِه َو َن ُهَو ِإّل عَْبٌد َأْنَعْمَنا َ من علمات الساعة التي سيسألون عنهاِ} :إ ْ
عِة َف َ
ل سا َ ن * َوِإّنُه َلِعْلٌم ّلل ّ خُلُفو َ ض َي ْ
لِئَكًة ِفي اَْلْر ِ جَعْلَنا ِمنُكم ّم َ شاء َل َ سَراِئيَل * َوَلْو َن َ ِإ ْ
سَتِقيٌم{ الزخرف.61-59 : ط ّم ْ صَرا ٌ ن َهَذا ِ ن ِبَها َواّتِبُعو ِ َتْمَتُر ّ
فبعثة المسيح هي علمة من علمات الساعة بالنسبة لليهود ،كما أن القرآن هو
سى عي َ جاء ِ علمة من علمات الساعة بالنسبة للنبي وأمته .يقول تعالىَ} :وَلّما َ
طيُعو ِ
ن ل َوأَ ِن ِفيِه َفاّتُقوا ا َّ خَتِلُفو َ ض اّلِذي َت ْ ن َلُكم َبْع َ حْكَمِة َوُِلَبّي َ جْئُتُكم ِباْل ِ
ت َقاَل َقْد ِ ِبالَْبّيَنا ِ
ب ِمن َبْيِنِهْم حَزا ُ ف اَْل ْ خَتَل َسَتِقيٌم * َفا ْ ط ّم ْصَرا ٌ عُبُدوُه َهَذا ِ ل ُهَو َرّبي َوَرّبُكْم َفا ْ ن ا َّ * ِإ ّ
عَة َأن َتْأِتَيُهم َبْغَتًة َوُهْم َل سا َن ِإلّ ال ّ ظُرو َ ب َيْوٍم َأِليٍم * َهْل َين ُ عَذا ِ ن َ ظَلُموا ِم ْ ن َ َفَوْيٌل ّلّلِذي َ
ن{ الزخرف.66-63 : شُعُرو َ َي ْ
وكذلك يعتبر مبعث موسى علمة من علمات الساعة لقومه } َفَلّما َأَتاَها
خَتْرُت َ
ك طًوى * َوَأَنا ا ْ ك ِباْلَواِد اْلُمَقّدسِ ُ ك ِإّن َخَلْع َنْعَلْي َك َفا ْ سى * ِإّني َأَنا َرّب َ ُنوِدي َيا ُمو َ
عَة
سا َ ن ال ّ لَة ِلِذْكِري * ِإ ّ صَ عُبْدِني َوَأِقِم ال ّ ل َل ِإَلَه ِإّل َأَنا َفا ْ حى * ِإّنِني َأَنا ا ُّ َفاسَْتِمْع ِلَما ُيو َ
سَعى{ طه.15-11 : س ِبَما َت ْ جَزى ُكّل َنْف ٍ خِفيَها ِلُت َْأِتيٌَة َأَكاُد ُأ ْ
وهذا ليس مستغربًا في التعبير القرآني فقد ذكر ال تعالى لنا قبل أربعة عشر قرنًا
عِة ِإّل سا َ ض َوَما َأْمُر ال ّ ت َواَلْر ِ سَماَوا ِ ب ال ّ غْي ُل َ أن الساعة أقرب من لمح البصر }َو ِّ
يٍء َقِديٌر{ النحل .77 :هذا هو تأويل الية ش ْ عَلى ُكّل َ ل َ نا ّ ب ِإ ّصِر َأْو ُهَو َأْقَر ُ ح اْلَب َ َكَلْم ِ
التي بنى عليها أهل الحديث تأويلتهم الخرافية والسطورية المصادمة للعقل والنقل.
المهدي والدجال:
من بين القضايا التي نضجت تحت لهيب سياط السر البابلي ،هي قضية المهدي
المنتظر الذي سيخلص بني إسرائيل من الظلم والقهر ،والظاهر أن مخيلة كتاب لجنة
التوراة في بابل استعادت نبوءة موسى ببعثة نبي آخر الزمان وهو نبينا محمد ،
وقامت بإحاطته بصفات خوارقية خرافية ،ثم انتقلت هذه الفكرة عبر بولس إلى
النصارى ،ووصلت إلى المسلمين عبر كعب الحبار ومسلمة أهل الكتاب.
جاء في سفر الرؤيا" :وإذا بحصان أبيض يسمى راكبه الصادق المين الذي
يقضي ويحارب بالعدل") ،(730ومع أن هذا النص يشير صراحة إلى نبوة محمد ،
وأنه هو مخلص المة من ضللت اليهود وفسادهم ،إل أن العقلية الخرافية لهل
المعفراج:
من بين القضايا التي حامت حولها الكثير من التساؤلت وتضمنت أدلتها الكثير من
الشبهات قضية معراج النبي إلى السماوات العلى ،حيث يقول أهل الحديث إن النبي
قد عرج به من المسجد القصى إلى السماء السابعة ،وهم يحتجون لذلك بقوله تعالى:
731ابن حبان ،(15/237) 6285المستدرك .(4/488) 8364
732الرؤيا .20-19/19راجع سعيد أيوب "عقيدة المسيح الدجال" ص .134
ماد "الفتن" برقم 1313ص .355 733نعيم بن ح ّ
734مسلم ].(588)-130[1326
735مسلم ] ،(2937)-110[7373الترمذي ،2245ابن حبان ،(14/469) 6533مستدرك
الحاكم .(4/538) 8508
شِديُد اْلُقَوى * ُذو ِمّرةٍ عّلَمُه َ حى * َ ي ُيو َ حٌ ن ُهَو ِإّل َو ْ ن اْلَهَوى* ِإ ْ عِق َ ط ُ } َوَما َين ِ
حى ن َأْو َأْدَنى * َفَأْو َ سْي ِن َقابَ َقْو َ عَلى * ُثّم َدَنا َفَتَدّلى * َفَكا َ ق اَْل ْ
َفاسَْتَوى * َوُهَو ِباُْلُف ِ
عَلى َما َيَرى * َوَلَقْد َرآُه َنْزَلًة ب اْلُفَؤاُد َما َرَأى * َأَفُتَماُروَنُه َ حى * َما َكَذ َ عْبِدِه َما َأْو َ
ِإَلى َ
شى * َما سْدَرَة َما َيْغ َ شى ال ّ جّنُة اْلَمْأَوى * ِإذْ َيْغ َ عنَدَها َ سْدَرِة اْلُمْنَتَهى * ِ عنَد ِ خَرى * ِ ُأ ْ
ت َرّبِه اْلُكْبَرى{النجم.18-3 : ن آَيا ِ طَغى * َلَقْد َرَأى ِم ْ صُر َوَما َ غ اْلَب َ
َزا َ
وهذه اليات ل تدل على ما ذهبوا إليه ،وإنما تذكر المّرتين اللتين رأى فيهما النبي
جبريل بصورته الحقيقية ،وقد ثبت عن السيدة عائشة أنها قالت" :من زعم أن محمدًا
رأى ربه فقد أعظم ،ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادًا ما بين الفق")،(736
ن َأْو َأْدَنى { سْي ِ
ب َقْو َ ن َقا َ وحين سألها مسروق عن قوله تعالى } ُثّم َدَنا َفَتَدّلى * َفَكا َ
قالت" :ذاك جبريل ،كان يأتيه في صورة الرجل ،وإنما أتى هذه المرة في صورته التي
هيَ فسّد الفق").(737
حى {يدل على أن بداية الوحي عْبِدِه َما َأْو َحى ِإَلى َ وبذلك نعلم أن قوله تعالى } َفَأْو َ
كانت في رؤية النبي للوحي معترضًا الفق ،تلك الرؤية وذلك الوحي كان رهيبًا
على قلب النبي الذي فّر إلى أهله ليزمّلوه ويدّثروه من قشعريرة الخوف ،وهذا
بخلف ادعاء المؤرخين الذين قالوا إن النبي كان يتعبّد قبل الوحي في غار حراء!،
هذا الدعاء من قبل المؤرخين فتح الباب على مصراعيه لعداء الدين للطعن في رسالة
النبي وقولهم إنها كانت إرهاصات نفسية ناتجة من طول التعبد والتنحنث كما هو
الحال عند أئمة الصوفية.
ونحن لو رجعنا إلى سيرة النبياء السابقين لوجدنا أن بعثتهم تكون فجائيًة وبدون
ل موسى جاءت قصة مبعثه مفاجئة له ،يقول تعالىَ } :وَهْل َأَتا َ
ك ترتيب سابق ،فمث ً
س َأْو سى * ِإْذ َرَأى َناًرا َفَقاَل َِلْهِلِه اْمُكُثوا ِإّني آَنسْتُ َناًرا ّلَعّلي آِتيُكم ّمْنَها ِبَقَب ٍ ث ُمو َ حِدي ُ
َ
ك ِباْلَواِد ك ِإّن َخَلْع َنْعَلْي َ
ك َفا ْ سى * ِإّني َأَنا َرّب َ عَلى الّناِر ُهًدى * َفَلّما َأَتاَها ُنوِدي َيا ُمو َ جُد ََأ ِ
ل َقْد نا ّ طًوى{ طه .12-9 :وكذلك المر بالنسبة لطالوت }َوَقاَل َلُهْم َنِبّيُهْم ِإ ّ س ُ اْلُمَقّد ِ
ك ِمْنُه َوَلْم ُيْؤ َ
ت ق ِباْلُمْل ِ
ح ّ ن َأ َ
حُ عَلْيَنا َوَن ْ
ك َ ن َلُه اْلُمْل ُ
ت َمِلًكا َقاُلَوْا َأّنى َيُكو ُطاُلو َ َبَعثَ َلُكْم َ
ل ُيْؤِتي سِم َوا ّ ج ْطًة ِفي اْلِعْلِم َواْل ِ سَ عَلْيُكْم َوَزاَدُه َب ْطَفاُه َصَلا ْ نا ّ ن اْلَماِل َقاَل ِإ ّسَعًة ّم ََ
عِليٌم{ البقرة.247 : سٌع َ ل َوا ِ شاء َوا ّ ُملَْكُه َمن َي َ
ل إلى } َنْزَلًة { أخرى أما الرؤية الثانية فقد كانت أعظم من الولى ،إنها تشير فع ً
ل وضوحًا على أنها "نظرة بالبصر" .يأكد ذلك قول بكل وضوح ،وتظهرها بما ل يق ّ
ن آَياتِ َرّبِه اْلُكْبَرى{ أنه "رأى عبدال بن مسعود في تفسير قوله تعالى } َلَقْد َرَأى ِم ْ
رفرفًا أخضر سّد أفق السماء").(738
سْدَرِة اْلُمْنَتَهى{" ،والسدرة واحدة السدر ،وهو شجر ن هذا حصل عند } ِ على أ ّ
النبق ،وهو من أشجار البادية دائم الخضرة كثير الفروع ممتد الظلل ،واختيار شجرة
736البخاري .3234
737البخاري .3235
738البخاري .3233
السدر للدللة على النهاية التي ل يتجاوزها مخلوق من العالم العلوي ،لن شجر السدر
شجر صحراوي ينبت على حافة الصحراء بين البادية والحاضرة ،فهو بهذا أمارة من
س الحياة الحضرية ،وتقف على عتبتها ،دون أن تتجاوزها أمارات البادية التي تكاد تما ّ
إلى ما وراءها ،إنها أقوى وأقدر نبت أصيل من نبات البادية ،يستطيع أن يمتد فيصل إلى
مشارف العالم الحضري ،أما النخل فإنه وإن كان من نبت الصحراء إل أنه ل ظل له
يجتمع الناس تحته كما هو الشأن في شجر السدر ،وأما العنب والرمان ونحوها فإنها من
ل ،ثم استجلبت إلى البادية ،وعلى هذا ،فإن شجرة السدر هنا تشير – نبات الحضارة أص ً
وال أعلم -إلى نقطة التقاء بين عالمين ،عالم البشر الذي تتحرك فيه البشرية جميعها،
والتي تستطيع بما يمدها ال سبحانه وتعالى من فضله أن تصعد في هذا العالم حتى تبلغ
سدرة المنتهى ،ممثلة به في خاتم النبيين محمد صلوات ال وسلمه عليه ،وعالم الملئكة
ل آخر ينطلقون فيه ،ومنهم جبريل المقربين ،الذين جعل ال لهم وراء سدرة المنتهى مجا ً
.(739)"
"ومن الملحظ أن النبي في الرؤية الثانية توقف بصره عند هذا المنتهى،
طَغى{ النجم ،17 :ول يعني ذلك فقط عدم الغلط صُر َوَما َ منتهى المصائر } َما َزا َ
غ اْلَب َ
والشتباه والتنبه الكامل الحسي للمعطي للنظر وهو جبريل ،بل قد يعني كما ذكر ذلك
المفسرون التحديق في الموضوع بقّوة كي ل يهرب البصر إلى اللمتناهي الذي من
ف ول أماٌم ،ول فوق ول تحت ،فهو ما وراء العالم خلف ،وفي الحقيقة ليس هناك خل ٌ
والجود بصيغة الستعارة").(740
وأّول من أشاع بين المسلمين أن سدرة المنتهى هي سدرة في السماء السابعة كعب
الحبار اليهودي! ،فقد جاء ابن عباس إلى كعب الحبار ،فقال له :حدثني عن قول ال
جّنُة اْلَمْأَوى{ فقال كعب" :إنها سدرة في أصل العرش إليها عنَدَها َ } ِ
سْدَرِة اْلُمْنَتَهى * ِ
ينتهي علم كل عالم ملك مقرب أو نبي مرسل ما خلفها غيب ل يعلمه إل ال ،وقال :إنها
سدرة على رؤوس حملة العرش ،وإليها ينتهي علم الخلئق ثم ليس لحد وراءها").(741
وتأكيدًا من أهل الحديث لتفسيرهم الهرمسي المستقى من كعب الحبار رووا رواية
من طريق أنس بن مالك ،جاء فيها" :عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي ال
عنهما أن نبي ال حدثهم عن ليلة أسري .قال" :بينما أنا في الحطيم" -وربما قال:
في الحجر -مضطجعا إذ أتاني آت" فقد قال وسمعته يقول" :فشق ما بين هذه إلى هذه"،
فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به؟ قال :من ثغرة نحره إلى شعرته .وسمعته يقول
من قصه إلى شعرته" .فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانًا ،فغسل
قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض" .فقال له الجارود:
هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس :نعم" .يضع خطوه ثم أقصى طرفه فحملت عليه،
فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا ،فاستفتح فقيل :من هذا؟ قال :جبريل .قيل :ومن
عبد الكريم الخطيب "التفسير القرآني للقرآن" المجلد السابع ص .595-594 739
نقله عنه جميل بن خميس السعدي في "قاموس الشريعة" ج 6ص .357-356 752
عبد الكريم الخطيب "التفسير القرآني للقرآن" المجلد الرابع ص .432-425 753
قائمة بأهم المراجع
-الباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقالت ،علي بن محمد الحجري،
طبع مطابع النهضة ،مسقط ،ط 1سنة 1420هـ. .
-التقان في علوم القرآن ،جلل الدين السيوطي ،تحقيق محمد سالم هاشم ،طبع دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1421هـ.
-ابتلءات المم ،سعيد أيوب ،طبع :دار الهادي ،بيروت ،ط 2سنة 1412هـ..
-إثبات علو ال ومباينته لخلقه ،حمود التويجري ،مكتبة المعارف الرياض ،ط 1
1405هـ.
-اجتماع الجيوش السلمية ،ابن القيم الجوزية ،تحقيق فواز أحمد زمرلي ،دار الكتاب
العربي بيروت ،ط 1سنة 1408هـ..
-أحاديث في قضايا الوحدة والختلف ،محمد حسين فضل ال ،إعداد نجيب نور الدين،
طبع دار الملك ،بيروت ،ط 1سنة 1421هـ.
-إحياء علوم الدين ،أبي حامد الغزالي ،دار الجيل بيروت.
-أخبار الفقهاء والمحّدثين ،أبو عبدال محمد بن حارث الخشني القيرواني ،تحقيق سالم
مصطفى البدري ،طبع دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1420هـ .
-أخبار المجد في تاريخ نجد ،عثمان بن عبد ال بن بشر النجدي ،تحقيق عبد الرحمن بن
عبد اللطيف آل الشيخ ،الرياض ،ط 4سنة 1402هـ .
-السرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ،محمد بن محمد بن شهبة ،دار الجيل
بيروت ط .1
-السماء والصفات ،أبو بكر البيهقي ،تحقيق عبد الرحمن عميرة ،دار الجيل بيروت ،ط
1سنة 1417هـ.
-الصول العقدية للناشئة المحمدية ،د .محمد ناصر ،طبع مكتبة الظامري ،ط 1سنة
1993م.
-المام ابن بركة السليمي البهلوي )ت 362هـ972 -م( ودوره الفقهي في المدرسة
الباضية من خلل كتابه "الجامع" دراسة مقارنة ،زهران بن خميس بن محمد
المسعودي ،ط 1سنة 1421هـ 2000-م.
-البحر المحيط ،أبو حيان الندلسي ،طبع دار إحياء التراث العربي ،بيروت ط .2
-البداية والنهاية ،ابن كثير ،دار إحياء التراث ،بيروت ،ط 1417 1هـ.
-بلغة القرآن في آثار القاضي عبد الجبار ،تحقيق عبد الفتاح لشين ،مطبعة دار
القرآن ،ميدان الزهر الشريف.
-بنو إسرائيل بين نبأ القرآن وخبر العهد القديم ،صابر طعيمة ،طبع عالم الكتب ،بيروت
ط 1سنة 1404هـ.
-بيان الشرع ،محمد بن إبراهيم الكندي ،طبع وزارة التراث القومي والثقافة ،سلطنة
عمان ،ط 1سنة 1404هـ .
-تاريخ الطبري "تاريخ المم والملوك" ،أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ،ط دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1422هـ.
-تبيين كذب المفتري ،ابن عساكر الدمشقي ) 571هـ( ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط
1404 3هـ..
-التحف في مذاهب السلف ،محمد بن علي الشوكاني ،تحقيق سيد عاصم ،طبع :دار
الصحابة للتراث ،ط 1سنة 1409هـ.
-تدريب الراوي ،جلل الدين السيوطي ،طبع المكتبة العلمية بالمدينة المنورة،ط .2
-التشيع العلوي والتشيع الصوفي ،علي شريعتي ،طبع دار المير ،بيروت ،ط 1سنة
1422هـ .
-تكوين العقل العربي ،محمد عابد الجابري ،طبع مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت ،ط ،8سنة 2002م.
-التدليس وأحكامه وآثاره النقدية ،صالح بن سعيد عومار الجزائري ،طبع دار ابن حزم،
ط 1سنة 1422هـ..
-التفسير القرآني للقرآن ،عبد الكريم الخطيب ،طبع دار الفكر العربي.
-تقييد العلم ،الخطيب البغدادي ،تحقيق يوسف العش ،طبعة دار إحياء السنة النبوية ،ط 2
سنة 1974هـ .
-تهذيب التهذيب ،ابن حجر العسقلني ،طبع :دار الكتب العلمية بيروت ،ط 1سنة
1415هـ.
-التوحيد ،ابن خزيمة ،تحقيق :محمد خليل هراس ،طبع دار الجيل ،بيروت ،سنة
1408هـ.
-الجامع الصحيح ،مسند الربيع بن حبيب ،طبع مكتبة مسقط ،ط 1سنة 1415هـ.
-الجامع ،عبدال بن محمد بركة ،تحقيق عيسى الباروني ،المطبعة المشرقية ،مطرح ،ط
.1
-جامع بيان العلم وفضله ،ابن عبدالبر ،تحقيق مسعد عبد الحميد السعدني ،طبع دار
الكتب العلمية ،بيروت ط 1سنة 1421هـ.
-حادي الرواح إلى بلد الفراح ،ابن القيم الجوزية ،طبع دار الفكر.
-الحق الدامغ ،أحمد بن حمد الخليلي ،مطابع النهضة ،مسقط ،ط .1
-الخوارج والحقيقة الغائبة ،ناصر بن سليمان السابعي ،طبع بمطابع النهضة ،مسقط ،ط
1سنة 1420هـ.
-الدرر السنية في الجوبة النجدية ،لعبد الرحمن بن محمد القحطاني النجدي ،دار
العربية للطباعة والنشر ،ط 2سنة 1402هـ.
-الدّر اللقيط من البحر المحيط ،تاج الدين أبو محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن
مكتوم القيسي ،مطبوع بهامش البحر المحيط لبن حيان الندلسي ،طبع دار إحياء التراث
العربي ،بيروت ط .2
-دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين ،محمد الغزالي ،طبع دار القلم ،دمشق ،ط 3سنة
1419هـ..
-دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين وبيان الشبه الورادة على
السنة قديمًا وحديثًا وردها ردًا عليمًا صحيحًا ،محمد بن محمد أبو شهبة ،طبع مكتبة
السنة لصاحبها شرف الدين محمد عبد الفتاح حجازي ،ط 1سنة 1409هـ.
-رحلة ابن بطوطة "تحفة النظار في غرائب المصار" ،شرح طلل حرب ،طبع دار
الكتب العلمية.
-الرسالة التدمرية ،ابن تيمية ،تحقيق زهير الشاويش ،طبع المكتب السلمي ،ط 5سنة
1988م.
-السنة ،عبدال بن أحمد بن حنبل ،تحقيق محمد القحطاني ،طبع رمادي للنشر،
الرياض ،ط 4سنة 1416هـ.
-سنن الترمذي "الجامع الصحيح" ،أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ،طبع دار ابن
حزم ،بيروت ،ط 1سنة 1422هـ .
-سنن الدارمي ،أبو محمد عبد ال بن بهرام الدارمي ،طبع دار الفكر ،بيروت ،سنة
1414هـ.
-سنن أبي داود ،أبو داود سسليمان بن الشعث السجستاني ،ضبط وترقيم صدقي جميل
العطار ،طبع دار الفكر ،بيروت ،ط 1سنة 1421هـ .
-سير أعلم النبلء ،الذهبي ،تحقيق شعيب الرنؤوط ،طبع مؤسسة الرسالة ،ط 1سنة
1401هـ..
-السلطة في السلم ،عبد الجواد ياسين ،طبع المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،ط
،2سنة 2000م.
-سنن النسائي ،أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني ،تحقيق أحمد شمس
الدين ،طبع دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1422هـ .
-السيرة النبوية ،أبو محمد عبد الملك بن هشام المحيري المعافري ،طبع دار ابن حزم،
بيروت ،ط 1سنة 1422هـ .
-الشرح والبانة على أصول السنة والديانة ،عبيدال بن بطة العكبري ،تحقيق رضا بن
نعسان معطي ،طبعة مكتبة العلوم والحكم ،المدينة المنورة ،ط 1سنة 1423هـ .
-شرح السنة ،البربهاري ،تحقيق خالد الرّدادي ،طبع دار السلف للنشر والتوزيع،
الرياض ،ط 3سنة 1421هـ.
-شرح صحيح مسلم ،محي الدين أبي زكريا بن شرف النووي ،طبع :المكتبة العصرية،
بيروت ،ط 1سنة 1422هـ.
-شرح العقيدة الطحاوية ،علي بن علي بن محمد بن أبي العّز الدمشقي ،تحقيق عبدال
عبد المحسن التركي ،وشعيب الرنؤوط ،طبع مؤسسة الرسالة ،ط 2سنة 1421هـ .
-شرح العقيدة الواسطية ،لبن تيمية ،خليل محمد هراس ،تعليق إسماعيل النصاري ،
طبعة دار الفكر.
-شرح العقيدة الواسطية لبن تيمه ،صالح الفوزان ،طبع دار السلم ،الرياض ،ط 1
سنة 1414هـ..
-شرف أصحاب الحديث ،الخطيب البغدادي ،تحقيق محمد سعيد خطيب اوغلي ،نشرته
دار إحياء السنة النبوية ،نشريات كلية اللهيات -جامعة أنقرة ،تركيا ،سنة 1971م.
-صحيح البخاري ،محمد بن إسماعيل البخاري ،طبع دار السلم ،الرياض ،ط 1سنة
1417هـ.
-صحيح مسلم ،مسلم بن الحجاج القيشيري ،مراجعة هيثم خليفة الطعيمي ،طبع المكتبة
العصرية ،بيروت ،ط 1سنة 1422هـ .
-صيد الخاطر ،ابن الجوزي الحنبلي ،تحقيق يوسف علي بديوي ،طبع اليمامة ،دمشق،
ط 2سنة 1423هـ .
-الضعفاء الكبير ،محمد بن عمرو العقيلي ،تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي ،طبع دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط 2سنة 1418هـ..
-الضياء ،سلمة بن مسلم العوتبي ،طبع وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان ،ط
1سنة 1411هـ .
-طبقات الحنابلة ،أبي الحسين محد بن محمد بن الحسين بن أبي يعلى الحنبلي ،طبع دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1417هـ .
-الطبقات الكبرى ،محمد بن سعد الهاشمي ،تحقيق محمد عبد القادر عطا ،طبع دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط 2سنة 1418هـ .
-طوق الحمامة في اللفة واللف ،علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ،تحقيق حسن كامل
الصيرفي ،تقديم إبراهيم البياري.
-عقيدة المسلم ،محمد الغزالي ،طبع دار القلم ،دمشق ،ط 11سنة 1421هـ .
-عقيدة المسيح الدجال في الديان قراءة في المستقبل ،سعيد أيوب ،طبع دار الهادي،
بيروت ،ط 1سنة 1411هـ..
-علم تخريج الحديث ونقده تأصيل وتطبيق ،عداب محمود الحمش ،طبع دار الفرقان،
عّمان ،ط 1سنة 1420هـ .
-علقة السلم باليهودية ،محمد خليفة ،طبع دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة سنة
1988م.
العلو للعلي الغفار ،الذهبي ،تحقيق حسن بن علي السقاف ،طبع دار المام النووي، ّ -
الردن عّمان ،ط 1سنة 1419هـ.
-العودة إلى الذات ،علي شريعتي ،طبع الزهراء للعلم العربي ،القاهرة ط 1413 2هـ
-العين ،الخليل بن أحمد الفراهيدي ،طبع انتشارات اسوه ،قم -إيران ،ط 1سنة 1414هـ
.
-غاية البيان في تنزيه ال عن الجهة والمكان ،إعداد قسم البحاث والدراسات السلمية
بهيئة المشاريع الخيرية السلمية ،طبع دار المشاريع للنشر والتوزيع ،بيروت ،ط 1
سنة 1420هـ..
-فاطمة هي فاطمة ،علي شريعتي ،طبع دار المير ،بيروت ،ط 1سنة 1423هـ.
-فتاوى العقيدة ،محمد بن صالح بن عثيمين ،دار الجيل بيروت ،ط 1414 2هـ.
-فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،ابن حجر العسقلني ،طبع دار الفكر ،ط 1420هـ.
-الفتن ،نعيم بن حماد الخزاعي ،تعليق مجدي بن منصور بن سيد الشورى ،طبع دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط 1سنة 1418هـ.
-فجر السلم ،أحمد أمين ،طبع دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط 11سنة .1975
-فقه السيرة ،محمد الغزالي ،تخريج الحاديث محمد ناصر الدين اللباني ،طبع دار
الشروق ،القاهرة ،ط 1سنة 1421هـ .
-الفهرست ،ابن النديم ،تعليق إبراهيم رمضان ،طبع دار المعرفة ،بيروت ،ط 2سنة
1417هـ .
-القاموس المحيط ،محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ،ضبط يوسف الشيخ محمد البقاعي،
طبع دار الفكر ،بيروت ،سنة 1420هـ.
-قاموس الشريعة الحاوي لطرقها الوسيعة ،جميل بن خميس السعدي ،طبع وزارة
التراث القومي والثقافة ،سلطنة عمان.
-قدوم كتائب الجهاد ،عبدا العزيز بن فيصل الراجحي ،دار الصميعي الرياض ،ط 1
سنة 1419هـ .
-قراءة في كتب العقائد المذهب الحنبلي نموذجًا ،حسن بن فرحان المالكي ،طبع مرك
الدراسات التاريخية ،عّمان ،ط 1سنة 1421هـ.
-الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون القاويل في وجوه التأويل ،محمود بن عمر
الزمخشري ،طبع :دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط 1سنة 1417هـ.
-الكشاف عن ضللت حسن السقاف ،سليمان بن ناصر العلوان ،طبع :دار المنار ،ط 1
سنة 1413هـ.
-الكفاية في علم الرواية ،الخطيب البغدادي ،طبع دار الكتب العلمية ،بيروت ،سنة
1409هـ.
-لمعة العتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد ،ابن قدامة الحنبلي ،شرح محمد بن صالح
العثيمين ،تحقيق أشرف عبد المقصود ،دار السلف الرياض ،ط 1415 3هـ.
-مجاز القرآن ،أبو عبيدة التيمي ،طبع مؤسسة الرسالة ،سوريا ط 2سنة 1981م ،تحقيق
د .محمد فؤاد سزكين.
-المجاز في اللغة والقرآن بين مجوزيه ومانعيه ،عبد العظيم المطعني ،ط .1
-مجموع الفتاوى ،ابن تيمية ،جمع وترتيب عبد الرحمن العاصمي ،طبع مكتبة ابن تيميه
لطباعة ونشر الكتب السلفية.
-مختصر الصواعق المرسلة لن القيم الجوزية ،تحقي رضوان جامع رضوان ،طبع
دار الفكر سنة 1417هـ.
-المحّرر في أصول الفقه ،أبي بكر محمد بن أحمد السرخسي ،طبع :دار الكتب العلمية،
ط 1سنة 1417هـ.
-مسألة الرؤية ،حسن بن علي السقاف ،طبع دار المام النووي ،عّمان ،ط 1سنة
1423هـ.
-المسند ،أحمد بن حنبل الشيباني ،طبع بيت الفكار الدولية للنشر والتوزيع ،الرياض،
1419هـ.
-المسيحية والسلم والستشراق ،محمد فاروق الزين ،طبع :دار الفكر ،سوريا ،ط 2
سنة 1422هـ.
-مشارق أنوار العقول ،عبدال بن حميد السالمي ،تحقيق عبدالمنعم العاني ،طبع دار
الحكمة دمشق ،ط 1سنة 1416هـ.
-معالم للزمن القادم ،خالد الوهيبي ،طبع :مكتبة مشارق النوار ،مسقط ،ط 1سنة
1421هـ.
-معرفة علوم الحديث ،الحاكم محمد بن عبدال االنيسابوري ،تعليق معظم حسين ،طبع
دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط 2سنة 1397هـ.
-مقالت الكوثري ،محمد زاهد الكوثري ،المكتبة الزهرية للتراث1414 ،هـ.
-المقالت السنية في كشف ضللت أحمد بن تيمية ،عبدال الهرري ،دار المشاريع
للطباعة والنشر ،ط 4سنة 1419هـ.
-الملل والنحل ،أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ،تحقيق أمير علي مهنا،
وعلي حسين فاعور ،طبع دار المعرفة ،بيروت ،ط 7سنة 1417هـ.
-من حقائق القرآن الكريم ،محمد سلمان غانم ،طبع دار الفارابي ،بيروت ،ط 1سنة
2000م.
-المنار ،السيد محمد رشيد رضا ،الهيئة المصرية للكتاب ،سنة 1972م.
-مناقب المام أحمد بن حنبل ،ابن الجوزي الحنبلي ،تحقيق عبدال عبدالمحسن التركي،
طبع هجر للطباعة ،القاهرة ،ط 2سنة 1409هـ .
-منهاج السنة ،ابن تيمية ،تحقيق محمد رشاد سالم ،ط 1سنة 1406هـ ،جامعة المام
محمد بن سعود السلمية.
-الموافقات في أصول الشريعة ،إبراهيم بن موسى الشاطبي ،شرح عبدال دراز ،طبع
دار الكتب العلمية.
-الموضوعات ،ابن الجوزي الحنبلي ،تخريج توفيق حمدان ،طبع دار الكتب العلمية،
بيروت ،ط 1سنة 1415هـ .
-الموطأ ،مالك بن أنس الصبحي ،تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ،طبع المكتبة
العلمية ،ط .2
-ميزان العتدال ،الذهبي ،تحقيق محمد بن علي البجاوي ،دار المعرفة بيروت.
-نقد نقد العقل العربي ،جورج طرابيشي ،طبع دار الساقي ،بيروت ،ط 2سنة 2002م.
-نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد ،عثمان بن سعيد الدارمي ،تحقيق
سماري ،طبع أضواء السلف ،الرياض ط 1سنة 1419هـ. منصور بن عبدالعزيز ال ّ
طهر الحّلي ،طبع دار الكتاب اللبناني. -نهج الحق وكشف الصدق ،الحسن بن يوسف الم ّ
-هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ،ابن القيم الجوزية ،ط .1
-الوحي والقرآن والنبوة ،هشام جعيط ،طبع :دار الطليعة ،بيروت ،ط 2سنة 2000م.
القراص المدمجة:
-المكتبة اللفية للسنة النبوية ،إصدار مركز التراث لبحاث الحاسب اللي ،الصدار
،1.5سنة 1420هـ.
-مكتبة الفقه وأصوله ،إصدار مركز التراث لبحاث الحاسب اللي ،الصدار ،1.5سنة
1420هـ.
-مؤلفات الشيخ وتلميذه ابن القيم ،إصدار مركز التراث لبحاث الحاسب اللي ،الصدار
،1.0سنة 1420هـ..
-تاريخ دمشق لبن عساكر ،إصدار مركز التراث لبحاث الحاسب اللي ،الصدار
الول ،سنة 1420هـ. .
المصادر الجنبية:
-The HIRAM KEY, pharaohs, freemasons and the discovery of the
secret scrolls of Jesus.CHRISTOPHER KNIGHT & ROBERT
LOMAS, published by Arrow Books 1997, Berlin Germany.
الففهففرس
تمهيد ............................................................................الفصل الول:
تاريخ الرواية ...................................................
موقف الرسول والصحابة من الروايات الحادية..............................
النفلت الروائي......................................................................
أبو هريرة والنفلت الروائي...............................................
عملية التدوين الرسمية للروايات......................................................
الرواية مع أهل الحديث.............................................................
التناقض في المواقف..................................................................
أهل الحديث يكفر بعضهم بعضا.................................................
التدليس...............................................................................
الوضع في الحديث...................................................................
ملحظات على الجرح والتعديل ....................................................
عملية تخييش الروايات.............................................................
روايات تطعن في النبي ..........................................................
روايات تطعن في النبياء عليهم السلم................................................
روايات تطعن في موقف السلم من المرأة........................................
ندم وإقـرار بالخطـأ........................................................
الحديث الحاد والعقائد..................................................
الخلصة.........................................................................
الفصل الثاني :قراءة في منهج أهل الحديث ...................................
إشكالية تعارض العقل والنقل بين الفقهاء وأهل الحديث ....................
التقليد والجتهاد عند أهل الحديث ............................................
قدسية القرون الثلثة الولى......................................................
أهل الحديث ومسألة خلق القرآن ........................................
تضخيم الرجـال..........................
التحذير من كتب المدارس الخرى.......................................
استمالة العوام....................................................................
إنكار أهل الحديث للمجاز .......................................
إنكار أهل الحديث للتأويــل ..............................................
التناقض في المنهج..................................................................
الفصل الثالث :إحياء الموروث القديم للملل المنحرفة.......
القتباس من أهل الوثان.........................................................
القتباس من أهل الكتاب........................................................
القتباس من أرباب الفلسفة الهرمسية...............................................
القتباس من الجن والحيوانات....................................................
الفصل الرابع :عقيدة التجسيم ...................................................
البلكفة )بل كيف(.................................................................
الفصل السابع :عقيففدة الرجاء......................................
الفصل الثامن :الفتن والملحم الخرافة والسطورة...................
نزول المسيح وعقيدة بولس...........................................
المهدي والدجال............................................................
المعــــراج.............................................................
قائمة بأهم المراجع........................................................
الفهرس.................................................................