Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 19

‫كونوا على‬

‫الخير أعوانا‬
‫محمد صالح المنجد‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا ‪ ،‬من يهده ال فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أل إله إل ال ‪،‬‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪.‬‬
‫}يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون{ آل عمران ‪102 :‬‬
‫} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ‪ ،‬وخلق منها زوجها وبث منهما‬
‫رجال كثيرا ونساء واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا{‬
‫النساء ‪1 :‬‬
‫} يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم‬
‫ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما { الحزاب ‪71-70 :‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فقد جاء السلم بالمر بالتعاون على البر والخير والنهي عن التعاون على الثم‬
‫لْثِم َواْلُعْدَوا ِ‬
‫ن‬ ‫عَلى ا ِ‬
‫عَلى اْلِبّر َوالّتْقَوى َول َتَعاَوُنوا َ‬
‫والعدوان قال ال تعالى ‪َ} :‬وَتَعاَوُنوا َ‬
‫شِديُد اْلِعَقابِ{)‪ (2‬سورة المائدة‬ ‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل ِإ ّ‬
‫َواّتُقوا ا َّ‬
‫ل المعينون عليه‬
‫وما أحوجنا في هذا الزمان الذي انتشر فيه الشّر وانحسر فيه الخير وق ّ‬
‫ث عليها لما فيها من الخير العظيم‬
‫أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة وندعو إليها ونح ّ‬
‫والنفع العميم ‪ .‬من إقامة أمر الدين وتقوية المصلحين ‪ ،‬وكسر الشّر ومحاصرة المفسدين‬
‫‪.‬‬
‫العانة ومرادفاتها في اللغة‬
‫قال صاحب اللفاظ المؤتلفة ‪:‬‬
‫باب العانة ‪:‬‬
‫يقال أعانه وأجاره وأيده ‪ ..‬ورافده وأغاثه وعاونه وعاضده وآزره وناصره ‪ ..‬وظافره‬
‫وظاهره وماله ‪ ،‬والعون ‪ :‬الظهير ‪ ،‬ورجل معوان كثير المعونة للناس و استعان به‬
‫فأعانه و عاونه وفي الدعاء ‪ " :‬رب أعني ول تعن علي ‪ " .‬وتعاون القوم أعان بعضهم‬
‫بعضا ‪.‬‬
‫ومن ثمرات التعاون اللفة ‪ ،‬قال الجرجاني في تعريف اللفة ‪ :‬اتفاق الراء في‬
‫المعاونة على تدبير المعاش ) انظر اللفاظ المؤتلفة ‪ ، 1/159‬التعريفات ‪، 51/ 1‬‬
‫ولسان العرب ‪( 13/298‬‬
‫وفي التعريف كلمة مهمة وهي ‪ " :‬اتفاق الراء " وما توحي به من وحدة الهدف ‪،‬‬
‫واجتماع القلوب على بلوغه ‪.‬‬
‫معنى التعاون شرعا‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه ال ‪ " :‬العانة هي ‪ :‬التيان بكل خصلة من‬
‫خصال الخير المأمور بفعلها ‪ ،‬والمتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور‬
‫بتركها ‪ ،‬فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه ‪ ،‬وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المسلمين ‪،‬‬
‫بكل قول يبعث عليها ‪ ،‬وبكل فعل كذلك " ) تيسير الكريم الرحمن ‪ 2/238‬بتصرف‬
‫يسير (‬
‫وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى ‪ " :‬وتعاونوا على البر والتقوى " فقال ‪ :‬هو أن‬
‫تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه ‪ ) .‬حلية الولياء ‪( 284/ 7‬‬
‫يقول القرطبي في تفسيره ‪ ) :‬وتعاونوا على البر والتقوى ‪ :‬هو أمر لجميع الخلق‬
‫بالتعاون على البر والتقوى ؛ أي لُيِعن بعضكم بعضا ‪ ،‬وتحاثوا على أمر ال تعالى‬
‫واعملوا به ‪ ،‬وانتهوا عما نهى ال عنه وامتنعوا منه ‪ ،‬وهذا موافق لما روي عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ :‬الدال على الخير كفاعله ( الجامع لحكام القرآن‬
‫‪. 3/6/33‬‬
‫وقال القاسمي في تفسيره ‪ ) :‬لما كان العتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون ‪ُ ،‬أمروا ‪-‬‬
‫إثر ما نهوا عنه ‪ -‬بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى ‪ ،‬ومتابعة المر‬
‫ومجانبة الهوى ‪ ، ..‬ثم ُنهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي (‬
‫) محاسن التأويل ‪(3/22‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال في قوله تعالى ‪ :‬وتعاونوا على البر والتقوى ‪ ..‬الية ‪:‬‬
‫) اشتملت هذه الية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم‬
‫بعضا وفيما بينهم وبين ربهم ‪ ،‬فإن كل عبد ل ينفك عن هاتين الحالتين وهذين‬
‫الواجبين ‪ :‬واجب بينه وبين ال وواجب بينه وبين الخلق ‪ ،‬فأما ما بينه وبين الخلق من‬
‫المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم‬
‫تعاونا على مرضاة ال وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلحه ول سعادة له إل بها‬
‫وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله ( ) زاد المهاجر ‪. ( 7-6/ 1‬‬
‫ثم بّين أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال ‪" :‬‬
‫والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى ‪ ،‬فيعين كل واحد‬
‫ل بعلم ذلك ول بالقدرة عليه ؛‬
‫صاحبه على ذلك علما وعمل ‪ ،‬فإن العبد وحده ل يستق ّ‬
‫فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع النساني قائما بعضه ببعضه معينا بعضه‬
‫لبعضه ‪ ) .‬زاد المهاجر ‪(1/13‬‬
‫فالنسان ضعيف بوصفه فردا ‪ ،‬قوي باجتماعه مع الخرين ‪ ،‬وشعور النسان بهذا‬
‫الضعف يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره في أي مجال ‪ ،‬فأمر ال العباد أن يجعلوا‬
‫تعاونهم على البّر والتقوى ‪.‬‬
‫الفرق بين البر والتقوى ‪ ،‬والثم والعدوان ‪:‬‬
‫قيل البر والتقوى لفظان بمعنى واحد ‪ ،‬وكل بّر تقوى ‪ ،‬وكل تقوى بر ‪ .‬وقيل ‪ :‬البر‬
‫يتناول الواجب والمندوب إليه ‪ ،‬والتقوى رعاية الواجب ‪ ،‬وقد ندب ال سبحانه إلى‬
‫التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له ؛ لن في التقوى رضا ال تعالى ‪ ،‬وفي البّر رضا‬
‫الناس ‪ ،‬ومن جمع بين رضا ال تعالى ورضا الناس فقد تّمت سعادته وعّمت نعمته ‪.‬‬
‫) أنظر الجامع لحكام القرآن ‪(6/47‬‬
‫و" البّر هو اسم جامع لكل ما يحبه ال ويرضاه ‪ ،‬من العمال الظاهرة والباطنة ‪ ،‬من‬
‫حقوق ال ‪ ،‬وحقوق الدميين ‪،‬والتقوى في هذه الية ‪:‬اسم جامع ‪ ،‬لترك كل ما يكرهه‬
‫ال ورسوله ‪ ،‬من العمال الظاهرة والباطنة ‪ ) .‬تيسير الكريم الرحمن ‪(2/238‬‬
‫وقال ابن القيم مفرقا بينهما ‪ " :‬وأما عند اقتران أحدهما بالخر كقوله تعالى ‪:‬‬
‫} وتعاونوا على البر والتقوى { فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية‬
‫المقصودة لنفسها فإن البّر مطلوب لذاته إذ هو كمال العبد وصلحه الذي ل صلح له‬
‫بدونه كما تقدم وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه ) زاد المهاجر‬
‫‪(11/ 1‬‬
‫أما الفرق بين الثم والعدوان ‪:‬‬
‫فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي‪ "):‬ول تعاونوا على الثم والعدوان" وهو التجري‬
‫على المعاصي التي يأثم صاحبها ‪"..‬والعدوان" وهو التعدي على الخلق في دمائهم‬
‫وأموالهم وأعراضهم‪ .‬فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه ‪،‬ثم إعانة غيره‬
‫على تركه()تيسير الكريم الرحمن ‪(2/239‬‬
‫ومن القواعد المؤّكدة في التعاون ‪:‬‬
‫أن المعاونة على البّر ‪ :‬بّر‬
‫قال البيهقي ‪ -‬رحمه ال ‪ " : -‬الثالث والخمسون من شعب اليمان ؛ وهو باب في‬
‫التعاون على البر والتقوى قال ال عز وجل } وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا‬
‫على الثم والعدوان{ ومعنى هذا الباب أن المعاونة على البر بر لنه إذا عدمت مع‬
‫وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها بر ثم رجح‬
‫هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل‬
‫الدين والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من الشتراك فيها وأدائها بالجماعة " ) شعب‬
‫اليمان ‪( 6/101‬‬
‫ثم ساق حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال ‪ ) :‬انصر أخاك ظالما أو‬
‫مظلوما فقالوا يا رسول ال هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه من‬
‫الظلم ‪ ،‬فذلك نصره ( أخرجه البخاري برقم ‪2444‬‬
‫ومعنى هذا أن الظالم مظلوم من جهته كما قال ال عز وجل }ومن يعمل سوءا أو يظلم‬
‫نفسه{ فكما ينبغي أن ينصر المظلوم إذا كان غير نفس الظالم ليدفع الظلم عنه كذلك‬
‫ينبغي أن ُينصر إذا كان نفس الظالم ‪..‬‬
‫التعاون بين البشر من فطرة ال التي فطر الناس عليها‬
‫يقول ابن خلدون في مقدمته ‪:‬‬
‫النسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والَكنّ‬
‫وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء‬
‫يء لذلك التعاون ‪ ،‬وقبول ما جاءت به النبياء عن ال تعالى‬‫جنسه والجتماع المه ّ‬
‫والعمل به واتباع صلح أخراه ‪ ) .‬مقدمة ابن خلدون ‪( 1/429‬‬
‫وبّين رحمه ال أهمية الجتماع والتعاون لبني البشر وذكر أن التعاون يحصل به من‬
‫الثمرة أكثر من حاجات المتعاونين فقال ‪:‬‬
‫) قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه وأنهم‬
‫متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك ‪ ،‬والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم‬
‫ل الواحد‬
‫تشتد ضرورة الكثر من عددهم أضعافا ‪ ،‬فالقوت من الحنطة مثل ل يستق ّ‬
‫بتحصيل حصته منه وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حّداد ونجار لللت وقائم‬
‫على البقر وإثارة الرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح وتوزعوا على تلك العمال‬
‫أو اجتمعوا وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت فإنه حينئذ قوت لضعافهم مرات‬
‫فالعمال بعد الجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم ( ‪ .‬انتهى ) مقدمة ابن‬
‫خلدون ج‪ 1 :‬ص‪(360 :‬‬
‫ويقول في موضع آخر فيه مزيد بيان ‪ ) :‬إن ال سبحانه وتعالى خلق النسان ورّكبه‬
‫على صورة ل يصلح حياتها ول بقاؤها إل بالغذاء ‪ ،‬وهداه إلى التماسه بفطرته ‪ ،‬وبما‬
‫رّكب فيه من القدرة على تحصيله ‪ ،‬إل أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل‬
‫حاجته من ذلك الغذاء ‪ ،‬غير موفية له بمادة حياته منه ‪.‬‬
‫ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثل ‪ ،‬فل يحصل إل‬
‫بعلج كثير من الطحن والعجن والطبخ ‪ ،‬وكل واحد من هذه العمال الثلثة يحتاج إلى‬
‫مواعين وآلت ل تتم إل بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري ‪.‬‬
‫هب أنه يأكل حبا من غير علج ؛ فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى‬
‫أكثر من هذه ؛ الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلف السنبل ‪،‬‬
‫ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلت متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الولى بكثير ‪،‬‬
‫ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد ‪ ،‬فلبد من اجتماع الُقُدر الكثيرة من‬
‫أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم ( ) مقدمة ابن خلدون ‪. ( 274-2/272‬‬
‫وهذا الكلم يدل قطعا على أن توزيع المهمات لنجاز العمال من التعاون المطلوب ‪،‬‬
‫ل منهم ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل‬ ‫وأن هذا التعاون بين الفراد ينتقل بعمل ك ّ‬
‫العيش لعدد كبير من المجمتع ‪ ،‬فالتعاون بين الفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملزمتان‬
‫ن تعاون المجموعة ل ُينتج ما يكفيهم فقط وإنما يزيد‬
‫للنسان ول غنى له عنهما ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ويفيض ‪.‬‬
‫شرعي فإن‬‫وهذا كلم عام في المور الدينية والدنيوية ‪ ،‬فأما بالنسبة للتعاون ال ّ‬
‫السباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البّر والتقوى والمشاركة في الخير عّدة‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫** تحصيل ثواب امتثال المر الوارد في قوله تعالى ‪ } :‬وتعاونوا على البر والتقوى {‬
‫** زيادة الجر والمضاعفة ‪ :‬قال ابن القيم رحمه ال ‪ ) :‬فإن العبد بإيمانه وطاعته ل‬
‫ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة‬
‫مع عمله ‪،‬فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في العمال التي يشتركون فيها‬
‫كالصلة في جماعة ؛ فإن كل واحد منهم تضاعف صلته إلى سبعة وعشرين ضعفا‬
‫لمشاركة غيره له في الصلة ‪ ،‬فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن عمله سبب‬
‫لزيادة أجر الخر بل قد قيل إن الصلة يضاعف ثوابها بعدد المصلين ‪ ،‬وكذلك‬
‫اشتراكهم في الجهاد والحج والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر‬
‫والتقوى ‪ ،‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشّد بعضه بعضا‬
‫وشبك بين أصابعه ‪ ،‬ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا فدخول المسلم‬
‫مع جملة المسلمين في عقد السلم من أعظم السباب في وصول نفع كل من المسلمين‬
‫إلى صاحبه في حياته وبعد مماته ‪ ،‬ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم ‪ ،‬وقد أخبر ال‬
‫سبحانه عن حملة العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم وأخبر عن‬
‫دعاء رسله واستغفارهم للمؤمنين كنوح وإبراهيم ومحمد صلى ال عليه وسلم ‪ ) .‬الروح‬
‫‪(1/128‬‬
‫ن كثيرا من الهداف والمشاريع السلمية ل ُيمكن تحقيقها فرديا ‪ ،‬ولهذا‬ ‫** الحاجة ‪ :‬فإ ّ‬
‫قيل ‪ :‬ل يعجز القوم إذا تعاونوا ‪.‬‬
‫** إتقان العمل وسهولة القيام به يكون أبلغ مع التعاون والعمل الجماعي وذلك أن‬
‫ف مشّقة وأسهل لتوّزع الحمل على الجميع‬
‫الشتراك في العمل مع آخرين يجعله أخ ّ‬

‫والتعاون المأمور به في الية ‪:‬‬


‫الول ‪ :‬تعاون على البر والتقوى ؛ من الجهاد وإقامة الحدود ‪ ،‬والمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر ‪ ،‬واستيفاء الحقوق وإيصالها إلى مستحقيها ‪ ،‬يقول القرطبي في‬
‫تفسيره ‪ ) :‬والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ‪ ،‬فواجب على العالم أن يعين الناس‬
‫بعلمه فيعلمهم ‪ ،‬ويعينهم الغني بماله ‪ ،‬والشجاع بشجاعته في سبيل ال ‪ ،‬وأن يكون‬
‫المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم‬
‫يد على من سواهم" ‪ ،‬ويجب العراض عن المتعدي‪ ،‬وترك النصرة له ورده عما هو‬
‫عليه ( ) الجامع لحكام القرآن ‪( 6/47‬‬
‫والتعاون المنهي عنه في الية ‪ :‬التعاون على الثم والعدوان ؛ كالعانة على سفك دم‬
‫معصوم ‪ ،‬أو أخذ مال معصوم ‪ ،‬أو انتهاك عرض مصون ‪ ،‬أو ضرب من ل يستحق‬
‫الضرب ونحو ذلك ‪..‬‬
‫والمعاونة تكون بالجاه والبدن والنفس والمال والقول والرأي ‪.‬‬
‫مجالت التعاون على البر والتقوى ‪:‬‬
‫إن التعاون على البر والتقوى يكون بوجوه كثيرة تفوق الحصر ‪ ،‬فكل عمل في مرضاة‬
‫ال يكون التعاون والتظاهر عليه من التعاون على البر والتقوى ‪ ..‬ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين ‪:‬‬
‫ض ال تعالى عباده المؤمنين على نصرة دينه‬
‫ويكون ذلك بنصرة السلم وأهله ‪ ،‬فقد ح ّ‬
‫وأوليائه ‪ ،‬ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة بشتى‬
‫الوسائل المشروعة ‪ ،‬فقال عز وجل ‪} :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال كما قال‬
‫عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى ال { الصف ‪ ، 14 :‬أي يساعدني في‬
‫الدعوة إلى ال ) البداية والنهاية ‪. ( 2/85‬‬
‫ولهذا ينبغي أن يتعاون المسلم مع أخيه المسلم في الدعوة إلى ال ‪ ،‬ليشّد أزره ويتقوى به‬
‫كما قال ال تعالى لموسى عليه السلم ‪ }:‬سنشد عضدك بأخيك{ ) القصص ‪، ( 35 :‬‬
‫وقال ورقة بن نوفل للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬وإن يدركني يومك أنصرك نصرا‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ث َر ُ‬‫جاِبٍر رضي ال عنه َمَك َ‬ ‫مؤزرا " أي أعاونك وأؤيدك في نشر دعوتك ‪ ،‬وقال َ‬
‫ظ َوَمجَّنَة َوِفي‬ ‫س ِفي َمَناِزِلِهْم بُعَكا ٍ‬‫ن َيْتَبُع الّنا َ‬
‫سِني َ‬
‫شَر ِ‬ ‫عْ‬
‫سّلَم ِبَمّكَة َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ا ِّ‬
‫جّنُة رواه‬ ‫ساَلَة َرّبي َوَلُه اْل َ‬‫حّتى ُأَبّلَغ ِر َ‬
‫صُرِني ؟ َ‬ ‫ن َيْن ُ‬
‫ن ُيْؤِويِني ؟ َم ْ‬‫ل َم ْ‬‫اْلَمَواسِِم ِبِمًنى َيُقو ُ‬
‫المام أحمد في مسنده ‪13934‬‬
‫ومن صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين ‪ :‬جهاد الكفار والمنافقين في سبيل‬
‫ال عز وجل ‪ ،‬ومشاركة أهل الدعوة السلمية في الحروب ضد أهل الكفر والضلل ‪،‬‬
‫وتهيئة جميع الوسائل والعدة والعتاد من أجل الجهاد في سبيل ال ؛ وقد تعاون الصحابة‬
‫في الجهاد في مشاهد كثيرة ومواقف متنوعة ومن ذلك حفر الخندق وأصابهم في ذلك ما‬
‫أصابهم فصبروا ‪ ،‬فعن جابر رضي ال عنه أنه قال ‪ " :‬لما حفر النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى ال عليه وسلم على‬
‫بطنه حجرا من الجوع " أخرجه البخاري برقم ‪. 4101‬‬
‫ومن صور التعاون في نصرة الدين التي حدثت في عهد النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫التعاون على قتل مدعي النبوة‪،‬وقتل رؤوس أهل الشرك والمرتدين ومنهم الذين يسبون‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فعن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬من لكعب‬
‫بن الشرف فإنه قد آذى ال ورسوله ‪ ،‬فقام محمد بن سلمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال أتحب‬
‫أن أقتله ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فأذن لي أن أقول شيئا ‪ ،‬قال ‪ :‬قل ‪ ،‬فأتاه محمد بن مسلمة‬
‫فقال ‪ :‬إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عّنانا وإني قد أتيتك أستسلفك ‪ ،‬قال ‪ :‬وال‬
‫لتمّلّنه ) ليزيد ضجركم منه( قال ‪:‬إنا قد اتبعناه فل نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي‬
‫شيء يصير شأنه ‪ ،‬فقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم ارهنوني ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫ي شيء تريد ؟ قال ‪ :‬ارهنوني نساءكم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب‬ ‫أ ّ‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬فارهنوني أبناءكم ؟ قالوا ‪ :‬كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم ‪ ،‬فيقال ‪ُ :‬رهن‬
‫بوسق أو وسقين ‪ ،‬هذا عار علينا ‪ ،‬ولكنا نرهنك اللمة ) يعني السلح ( ‪ ،‬فواعده أن‬
‫يأتيه ‪ ،‬فجاءه ليل ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة ‪ ،‬فدعاهم إلى الحصن‬
‫فنزل إليهم ‪،‬فقالت له امرأته‪:‬أين تخرج هذه الساعة؟فقال‪:‬إنما هو محمد بن مسلمة‬
‫ورضيعي أبو نائلة‪،‬إن الكريم لو دعي لطعنة بليل لجاب‪ ،‬فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح‬
‫منه ريح الطيب ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما رأيت كاليوم ريحا ‪ -‬أي أطيب ‪ .. -‬أتأذن لي أن أشم رأسك ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فشمه ‪ ،‬ثم أشم أصحابه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أتأذن لي ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم‪ ،‬فلما استمكن منه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬دونكم ‪ ،‬فقتلوه ‪ ،‬ثم أتوا النبي صلى ال عليه وسلم فأخبروه ‪).‬أخرجه البخاري‬
‫برقم ‪.(4037‬‬
‫وقال ابن عبد البر في ترجمة زياد بن حنظلة التميمي ‪ :‬له صحبة ‪ ،‬وهو الذي بعثه‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على‬
‫مسيلمة وطليحة والسود ‪ ) .‬بغية الطلب في تاريخ حلب ‪. ( 9/3916‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التعاون على إقامة العبادات ‪:‬‬
‫جاء عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه في خطبة خطبها في قوم ‪ ) :‬فانظروا‬
‫رحمكم ال واعقلوا وأحكموا الصلة واتقوا ال فيها وتعاونوا عليها وتناصحوا فيها‬
‫بالتعليم من بعضكم لبعض والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان فإن ال عز‬
‫وجل قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى والصلة أفضل البر ( ) طبقات الحنابلة‬
‫‪. ( 354 /1‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬
‫التعاون على قيام الليل‬
‫كان أهل البيت الواحد من أوائل هذه المة يتوزعون الليل أثلثا يصلي هذا ثلثا ثم يوقظ‬
‫الثاني فيصلي ثلثا ثم يوقظ الثالث فيصلي الثلث الخير ‪.‬‬
‫عن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون‬
‫الليل أثلثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا ) سير أعلم النبلء‬
‫‪( 2/609‬‬
‫ي و أمهما يتعاونون على العبادة بالليل وبالنهار قياما‬
‫وكان الحسن بن صالح وأخوه عل ّ‬
‫وصياما فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام‬
‫الحسن عن نفسه وعنهما وكان يقال للحسن حية الوادي يعني ل ينام بالليل ‪ ) .‬أنظر‬
‫حلية الولياء ‪( 328 /7‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التعاون في بناء المساجد ‪:‬‬
‫عَلى َأْنُفسِِهْم ِباْلُكْفِر‬
‫ن َ‬‫شاِهِدي َ‬‫ل َ‬‫جَد ا ِّ‬
‫سا ِ‬‫ن َيْعُمُروا َم َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫شِرِكي َ‬
‫ن ِلْلُم ْ‬
‫قال ال تعالى ‪َ} :‬ما َكا َ‬
‫ل َواْلَيْوِم‬ ‫ن ِبا ِّ‬
‫ن آَم َ‬
‫ل َم ْ‬‫جَد ا ِّ‬
‫سا ِ‬
‫ن ِإّنَما َيْعُمُر َم َ‬
‫خاِلُدو َ‬
‫عَماُلُهْم َوِفي الّناِر ُهْم َ‬‫ت َأ ْ‬
‫ط ْ‬
‫حِب َ‬
‫ك َ‬
‫ُأوَلِئ َ‬
‫ن{‬
‫ن َيُكوُنوا ِمنْ اْلُمْهَتِدي َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫سى ُأوَلِئ َ‬
‫ل َفعَ َ‬
‫ش ِإل ا َّ‬
‫خ َ‬
‫لَة َوآَتى الّزَكاَة َوَلْم َي ْ‬
‫صَ‬‫خِر َوَأَقاَم ال ّ‬
‫ال ِ‬
‫التوبة ‪18:‬‬
‫وقد أورد البخاري في صحيحه بابا في التعاون في بناء المساجد ‪ ،‬وسطر فيه أحاديثا‬
‫تبين بوضوح مدى التعاون بين النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه في بناء المسجد‬
‫ن َلِبَنَتْي ِ‬
‫ن‬ ‫عّماٌر َلِبَنَتْي ِ‬‫ل َلِبَنًة َلِبَنًة َو َ‬
‫حِم ُ‬‫ل ُكّنا َن ْ‬
‫جِد َقا َ‬
‫سِ‬‫سِعيٍد في ِذْكر ِبَناِء اْلَم ْ‬ ‫النبوي فعن َأِبي َ‬
‫غَيُة‬
‫عّماٍر َتْقُتُلُه اْلِفَئُة اْلَبا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوْي َ‬ ‫عْنُه َوَيُقو ُ‬
‫ب َ‬ ‫ض الّتَرا َ‬
‫سّلَم َفَيْنُف ُ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬‫ي َ‬‫َفَرآُه الّنِب ّ‬
‫ن ) رواه‬ ‫ن اْلِفَت ِ‬
‫ل ِم ْ‬‫عوُذ ِبا ِّ‬ ‫عّماٌر َأ ُ‬ ‫ل َ‬‫ل َيُقو ُ‬
‫عوَنُه ِإَلى الّناِر َقا َ‬‫جّنِة َوَيْد ُ‬
‫عوُهْم ِإَلى اْل َ‬
‫َيْد ُ‬
‫البخاري ‪( 428‬‬
‫وقام المسلمون يعمرون المساجد في البلد التي فتحوها ‪ ،‬قال بعض الشعراء في وصف‬
‫مسجد الكوفة لما ُبني على أربعة أساطين ضخمة لم يحدث فيها خلل ول عيب ‪:‬‬
‫بنى زياد لذكر ال مصنعة ‪ ......‬من الحجارة لم تعمل من الطين‬
‫لول تعاون أيدي النس ترفعها ‪ .....‬إذا لقلنا من اعمال الشياطين‬
‫) فتوح البلدان ‪( 1/342‬‬
‫رابعا ‪ :‬التعاون في مجال طلب العلم ‪:‬‬
‫صة بالقصص التي بلغت‬ ‫وهذا باب من التعاون يكفي في معرفته مطالعة كتب السير الغا ّ‬
‫صاِر ِفي َبِني‬ ‫لْن َ‬‫ن ا َْ‬
‫جاٌر ِلي ِم ْ‬ ‫ت َو َ‬ ‫من التعاون أوجه ‪ ،‬فهذا عمر رضي ال عنه يقول ‪ُ :‬كْن ُ‬
‫عَلْيِه‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬‫ي َ‬ ‫عَلى الّنِب ّ‬ ‫ل َ‬‫ب الّنُزو َ‬‫عَواِلي اْلَمِديَنِة َوُكّنا َنَتَناَو ُ‬ ‫ن َ‬‫ي ِم ْ‬ ‫ن َزْيٍد َوِه َ‬ ‫ُأَمّيَة ْب ِ‬
‫غْيِرِه َوِإَذا‬‫لْمِر َو َ‬‫نا َ‬ ‫ك اْلَيْوِم ِم ْ‬
‫خَبِر َذِل َ‬
‫ن َ‬
‫جْئُتُه ِم ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ل َيْوًما َفِإَذا َنَزْل ُ‬
‫ل َيْوًما َوَأْنِز ُ‬‫سّلَم َفَيْنِز ُ‬
‫َو َ‬
‫ك ‪ ..‬الحديث رواه البخاري ‪4792‬‬ ‫ل َذِل َ‬
‫ل ِمْث َ‬
‫ل َفَع َ‬ ‫َنَز َ‬
‫شْيًئا ِإل‬
‫عَمر َ‬‫سَمع ُ‬‫حّدَثُه َول َي ْ‬
‫شْيًئا ِإل َ‬
‫سَمع َ‬ ‫ي ل َي ْ‬ ‫خْوِل ّ‬
‫خًيا َأْوس ْبن َ‬ ‫عَمر ُمَؤا ِ‬ ‫ن ُ‬‫" َوَكا َ‬
‫حَواِدث‬
‫ن اْل َ‬
‫ي ِم ْ‬
‫غْيره ( َأ ْ‬
‫حي َأْو َ‬‫ن اْلَو ْ‬
‫ك اْلَيْوم ِم ْ‬
‫خَبر َذِل َ‬‫ن َ‬ ‫ث ِم ْ‬‫حَد َ‬‫جْئته ِبَما َ‬
‫حّدَثُه ‪ ,‬وَقْوله ) ِ‬ ‫َ‬
‫سّلَم ‪,‬‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ّ‬
‫ي َ‬ ‫عْند الّنِب ّ‬
‫اْلَكاِئَنة ِ‬
‫سّلَم " َوِفي‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سول ا ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫شِهْدت َأَتْيته ِبَما َيُكون ِم ْ‬
‫ب َو َ‬
‫غا َ‬ ‫وِفي ِرَواَية "ِإَذا َ‬
‫غا َ‬
‫ب‬ ‫ضرُه ِإَذا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫غْبت َوَأ ْ‬ ‫سّلَم ِإَذا ِ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ّ‬
‫ل َ‬ ‫سول ا ّ‬ ‫ضر َر ُ‬ ‫ح ُ‬‫ي "َي ْ‬
‫سّ‬ ‫طَياِل ِ‬
‫ِرَواَية ال ّ‬
‫شْيًئا ِإل‬
‫عَمر َ‬ ‫سَمع ُ‬ ‫ل َي ْ‬
‫حّدَثُه ِبِه َو َ‬‫شْيًئا ِإل َ‬ ‫سَمع َ‬‫خِبرُه " ‪َ .‬وِفي ِرَواَية " ل َي ْ‬ ‫خِبرِني َوُأ ْ‬ ‫َوُي ْ‬
‫حّدَثُه ِبِه " ) باختصار من فتح الباري ‪ :‬شرح الحديث السابق ‪ :‬كتاب النكاح (‬ ‫َ‬
‫ب إخوانه لمعاونته ‪ :‬قال عمر بن حفص‬
‫وقد تعرض لطالب العلم ضائقة خلل طلبه فيه ّ‬
‫الشقر ‪ :‬كنا مع محمد بن إسماعيل ) وهو البخاري ( بالبصرة نكتب الحديث ففقدناه‬
‫أياما فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان وقد نفذ ماعنده ولم يبق معه شيء ‪ ،‬فاجتمعنا‬
‫وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوبا وكسوناه ثم اندفع معنا في كتابة الحديث ‪.‬‬
‫) تاريخ بغداد ‪. (13 / 2‬‬
‫وقد يعين العالم من ليس من أهل العلم ويحتسب بالنفاق عليه أجر تفريغ العالم وطالب‬
‫طلب ‪ :‬قال هياج بن عبيد كان لرافع قدم في الزهد وإنما تفقه الشيخ أبو‬
‫العلم للتدريس وال ّ‬
‫إسحاق وأبو يعلى بن الفراء بمعاونة رافع لهما لنه كان يحمل وينفق عليهما ‪ ) .‬سير‬
‫أعلم النبلء ‪( 18/52‬‬
‫ويدخل في التعاون العلمي ‪ :‬التعاون في تأليف الكتب ‪ ،‬فقد جاء في ترجمة الحافظ زين‬
‫الدين عبد الرحيم العراقي رحمه ال أنه " ولع بتخريج أحاديث الحياء ورافق الزيلعي‬
‫الحنفي في تخريجه أحاديث الكشاف وأحاديث الهداية فكانا يتعاونان ‪ ) " .‬طبقات‬
‫الشافعية ج‪ 4 :‬ص‪ ( 30 :‬فاستفدنا من ذلك تخريج ثلثة كتب صارت من أهم المراجع‬
‫لطلب الحديث ‪.‬‬
‫ومن هذا الباب أيضا شرح المواد الدراسية من الخبير بها للقاصر عن فهمها ‪ ،‬وكان‬
‫بعض نبلء المسلمين يشتري المصاحف واللواح ويوزعها على أطفال الكتاتيب معونة‬
‫لهم على حفظ القرآن الكريم ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬التعاون في الدعوة والتعليم وإنكار المنكر‬
‫فهذ يقترح فكرة لموضوع وهذا يجمع قصصا واقعية عنه وهذا يعمل بحثا ميدانيا أو‬
‫استبيانا حول الموضوع وآخر يجمع الدلة الشرعية وكلم العلماء بشأنه وهذا يحشد‬
‫الشواهد والبيات الشعرية المتعلقة به وآخر أوتي موهبة في التحّدث يلقيه في محاضرة‬
‫ط بأسلوبه ذلك المحتوى من العمل المشترك في‬ ‫تسير بها الركبان ‪ .‬أو كاتب مجيد يخ ّ‬
‫رسالة أو كتاب يؤّثر في نفوس القراء ‪.‬‬
‫وعالم أو طالب علم لديه ‪ -‬مما فتح ال به عليه ‪ -‬ما يقّدمه في دورة علمية ‪ ،‬وآخر يملك‬
‫خبرة إدارية يسّير بها أعمالها وثالث عنده مال يبذله لسكان الطلب الفقراء وإعاشتهم‬
‫فترة الدورة ‪ ،‬وهكذا وعصرنا الذي نعيش فيه يحتاج كثيرا إلى العمال المشتركة‬
‫والبركة مع الجماعة ‪.‬‬
‫وفي مجال إنكار المنكر المنكر تعاون عظيم أيضا ‪ :‬فهذا يجمع معلومات عن المنكر‬
‫ويستقصي خبره في المجتمع وهذا يبحث حكمه شرعا وثالث يعين على إيصاله إلى من‬
‫ينكره ويغّيره ‪ ،‬وآخر يخطب عنه ويحّذر منه ‪.‬‬
‫عَلْيِه‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬ ‫وهذا الشتراك في العمل الصالح له اجر عظيم وقد قال َر ُ‬
‫خْيَر‬
‫صْنَعِتِه اْل َ‬
‫ب ِفي َ‬ ‫س ُ‬‫حَت ِ‬‫صاِنَعُه َي ْ‬
‫جّنَة َ‬
‫حِد َثلَثًة اْل َ‬
‫سْهِم اْلَوا ِ‬
‫ل ِبال ّ‬
‫خُ‬‫ل َلُيْد ِ‬
‫ن ا َّ‬
‫سّلَم ‪ِ :‬إ ّ‬
‫َو َ‬
‫حيحٌ‬‫صِ‬ ‫ن َ‬ ‫سٌ‬‫حَ‬‫ث َ‬ ‫حِدي ٌ‬ ‫ي ِبِه َواْلُمِمّد ِبِه رواه الترمذي ‪ 1561‬وقال ‪َ :‬هَذا َ‬ ‫َوالّراِم َ‬
‫ن كثيرا من المشروعات وأمور الّدين ل يمكن‬‫فل بد أن تكون هناك أدوار تكاملية إذا أ ّ‬
‫القيام بها فرديا ‪ ،‬وإتاحة المجال للتخصصات المختلفة أن تعمل بتعاون سيثمر نتائج‬
‫باهرة ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬المعاونة في إقامة النشطة الخيرية والعمال السلمية‬
‫ث على الحضور ‪ ،‬وتكثير‬ ‫والمشاركة فيها بالنفس والمال ‪ ،‬والجود عليها بالوقت ‪ ،‬والح ّ‬
‫سواد فيها ‪ ،‬وحسن استقبال رّوادها ‪ ،‬وإتقان وضع برامجها وترتيب جداولها ‪ ،‬وشحذ‬ ‫ال ّ‬
‫الهمم لتنفيذ مهاّمها ‪ ،‬والعمل على تحقيق مقاصدها ‪ ،‬ونشر فكرتها ‪ ،‬وتصحيح‬
‫ب عنها ‪ ،‬وحراسة أهلها ‪ ،‬ومقاومة محاولت هدمها وإعاقتها ‪.‬‬ ‫مسيرتها ‪ ،‬والذ ّ‬
‫سابعا ‪ :‬التعاون في القيام بحقوق المسلمين ‪:‬‬
‫ل الِّ‬
‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬‫ن َأِبيِه َقا َ‬
‫عْ‬
‫ف َ‬
‫حَنْي ٍ‬
‫ن ُ‬
‫ل ْب ِ‬
‫سْه ِ‬
‫ن َ‬ ‫ل ْب ِ‬
‫عْبِد ا ِّ‬
‫ن َ‬‫عْ‬ ‫روى المام أحمد في مسنده َ‬
‫سَرِتِه َأْو ُمَكاَتًبا ِفي‬
‫عْ‬ ‫غاِرًما ِفي ُ‬
‫ل َأْو َ‬
‫ل ا ِّ‬‫سِبي ِ‬
‫جاِهًدا ِفي َ‬ ‫ن ُم َ‬‫عا َ‬
‫ن َأ َ‬
‫سّلَم َم ْ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫َ‬
‫ظّلُه ) مسند المام أحمد ‪( 15147‬‬ ‫ل ِ‬‫ل ِإ ّ‬‫ظّ‬‫ظّلِه َيْوَم ل ِ‬ ‫ل ِفي ِ‬ ‫ظّلُه ا ُّ‬‫َرَقَبِتِه َأ َ‬
‫جاءَ‬
‫سّلَم ِإْذ َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ي َ‬ ‫سَفٍر َمَع الّنِب ّ‬‫ن ِفي َ‬ ‫حُ‬ ‫ل َبْيَنَما َن ْ‬
‫ي َقا َ‬
‫خْدِر ّ‬ ‫سِعيٍد اْل ُ‬‫ن َأِبي َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َفَقا َ‬
‫شَما ً‬‫صَرُه َيِميًنا َو ِ‬
‫ف َب َ‬ ‫صِر ُ‬ ‫ل َي ْ‬ ‫جَع َ‬ ‫ل َف َ‬
‫حَلٍة َلُه َقا َ‬
‫عَلى َرا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ضٌ‬
‫ن َلُه َف ْ‬ ‫ن َكا َ‬‫ظْهَر َلُه َوَم ْ‬ ‫نل َ‬ ‫عَلى َم ْ‬ ‫ظْهٍر َفْلَيُعْد ِبِه َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضُ‬ ‫ن َمَعُه َف ْ‬ ‫ن َكا َ‬ ‫سّلَم َم ْ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫َ‬
‫حّ‬
‫ق‬ ‫حّتى َرَأْيَنا َأّنُه ل َ‬ ‫ل َما َذَكَر َ‬ ‫ف اْلَما ِ‬
‫صَنا ِ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ل َفَذَكَر ِم ْ‬ ‫ن ل َزاَد َلُه َقا َ‬ ‫عَلى َم ْ‬ ‫َزاٍد َفْلَيُعْد ِبِه َ‬
‫ل ) رواه مسلم ‪. ( 3258‬‬ ‫ضٍ‬ ‫حٍد ِمّنا ِفي َف ْ‬ ‫لَ‬ ‫َ‬
‫سان ِإَلى الّرْفَقة‬ ‫حَ‬ ‫لْ‬‫ساة َوا ِ‬ ‫جود َواْلُمَوا َ‬ ‫صَدَقة َواْل ُ‬‫عَلى ال ّ‬ ‫ث َ‬‫ح ّ‬ ‫حِديث ‪:‬اْل َ‬ ‫فِفي َهَذا اْل َ‬
‫سا ِ‬
‫ت‬ ‫حابه ِبُمَوا َ‬ ‫صَ‬
‫حاب ‪َ ,‬وَأْمر َكِبير اْلَقْوم َأ ْ‬ ‫صَ‬‫ل ْ‬ ‫صاِلح ا َ‬ ‫عِتَناء ِبَم َ‬‫حاب‪َ,‬وال ْ‬ ‫لصْ َ‬ ‫َوا َ‬
‫سَؤال‬ ‫غْير ُ‬ ‫ن َ‬ ‫طاِء ‪َ,‬وَتْعِريضه ِم ْ‬ ‫ضِه ِلْلعَ َ‬
‫حَتاج ِبَتَعّر ِ‬ ‫جة اْلُم ْ‬‫حا َ‬ ‫حَتاج ‪َ ,‬وَأّنُه ُيْكَتَفى ِفي َ‬ ‫اْلُم ْ‬
‫جته ‪َ .‬وِفيِه ‪:‬‬ ‫حا َ‬‫يٍء َيْدَفع ِبِه َ‬ ‫ش ْ‬‫ضا ِل َ‬‫ي ‪ُ :‬مَتَعّر ً‬ ‫صره( َأ ْ‬ ‫صِرف َب َ‬ ‫ل َي ْ‬‫جَع َ‬‫‪َ,‬وَهَذا َمْعَنى َقْوله )َف َ‬
‫حَلة ‪َ ,‬وعََلْيِه ِثَياب ‪,‬‬ ‫ن َلُه َرا ِ‬
‫ن َكا َ‬ ‫جا ‪َ ,‬وِإ ْ‬ ‫حَتا ً‬
‫ن ُم ْ‬
‫عَلْيِه ِإَذا َكا َ‬‫صَدَقة َ‬ ‫سِبيل ‪َ ,‬وال ّ‬ ‫ساة ِاْبن ال ّ‬ ‫ُمَوا َ‬
‫عَلم ‪.‬‬ ‫ل َأ ْ‬
‫حال ‪َ.‬وا ُّ‬ ‫ن الّزَكاة ِفي َهِذِه اْل َ‬ ‫طى ِم ْ‬ ‫طنه ‪َ ,‬وِلَهَذا ُيْع َ‬ ‫سًرا ِفي َو َ‬ ‫ن ُمو ِ‬ ‫َأْو َكا َ‬
‫وباب التعاون في القيام بحقوق المسلمين واسع ‪،‬ويدخل ضمنه مجالت متعدده‪،‬منها‪:‬‬
‫إعانة الملهوف‬
‫عن يزيد بن السود قال لقد أدركت أقواما من سلف هذه المة قد كان الرجل إذا وقع في‬
‫هوي أو دجلة نادى يا لعباد ال فيتواثبون إليه فيستخرجونه ودابته مما هو فيه ولقد وقع‬
‫صه في‬‫رجل ذات يوم في دجلة فنادى يا لعباد ال فتواثب الناس إليه فما أدركت إل مقا ّ‬
‫الطين فلن أكون أدركت من متاعه شيئا فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم‬
‫التي ترغبون فيها ‪ ) .‬شعب اليمان ‪( 107 /6‬‬
‫فانظر أخي المسلم كيف كان السلف الصالح يتفانون في إغاثة الملهوف وإعانته على‬
‫نازلته وضرورته ‪.‬‬
‫إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من العتداءات‬
‫عن أبي ذر رضي ال عنه قال قلت يا رسول ال أي العمال أفضل ‪ -‬وفي رواية أي‬
‫العمل أفضل ‪ -‬قال إيمان بال وجهاد في سبيله قال قلت أي الرقاب أفضل قال أنَفسها‬
‫عند أهلها وأكثرها ثمنا ‪ -‬وفي رواية وأغلها ثمنا ‪ -‬قال قلت أرأيت إن لم أفعل قال‬
‫تعين صانعا أو تصنع لخرق ‪ ..‬الحديث رواه مسلم ‪ 84‬وهو في صحيح البخاري بلفظ‬
‫تعين ضايعا ‪.‬‬
‫وعند قوله أن تعين صانعا ) ضايعا ( أو تصنع لخرق نتذّكر القصة العظيمة التي‬
‫صها علينا ربنا تبارك وتعالى في سورة الكهف ‪:‬‬
‫ق ّ‬
‫لْر ِ‬
‫ض‬ ‫عَلْيُكْم ِمْنُه ِذْكًرا)‪ِ(83‬إّنا َمّكّنا َلُه ِفي ا َ‬
‫سَأْتُلو َ‬
‫ل َ‬ ‫ن ُق ْ‬
‫ن ِذي اْلَقْرَنْي ِ‬
‫عْ‬‫ك َ‬‫سَأُلوَن َ‬
‫}َوَي ْ‬
‫سَبًبا)‪.. (85‬‬ ‫سَبًبا)‪َ(84‬فَأْتَبَع َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ن ُك ّ‬
‫َوَءاَتْيَناُه ِم ْ‬
‫آتيناه من كل شيء سببا أي من أسباب التمكين من الجنود وآلت الحرب وأعطيناه‬
‫ن صاحب المكانات تكون التبعة التي عليه أكثر من‬
‫السباب والوسائل ‪ ،‬وهذا يعني أ ّ‬
‫غيره بسبب ما أعطاه ال ‪.‬‬
‫ثم قال عّز وجّل‬
‫ن َقْول)‪َ(93‬قاُلوا َياَذا‬ ‫ن َيْفَقُهو َ‬‫ن ُدوِنِهَما َقْوًما ل َيَكاُدو َ‬‫جَد ِم ْ‬ ‫ن َو َ‬‫سّدْي ِ‬‫ن ال ّ‬‫حّتى ِإَذا َبَلَغ َبْي َ‬ ‫}َ‬
‫جَع َ‬
‫ل‬ ‫ن َت ْ‬
‫عَلى َأ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫خْر ً‬‫ك َ‬ ‫ل َل َ‬‫جَع ُ‬‫ض َفَهلْ َن ْ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ن ِفي ا َ‬‫سُدو َ‬‫ج ُمْف ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ج َوَمْأ ُ‬‫جو َ‬ ‫ن َيْأ ُ‬‫ن ِإ ّ‬‫اْلَقْرَنْي ِ‬
‫ل َبْيَنُكْم َوَبْيَنُهْم َرْدًما)‬
‫جَع ْ‬
‫عيُنوِني ِبُقّوٍة َأ ْ‬‫خْيٌر َفَأ ِ‬
‫ل َما َمّكّني ِفيِه َرّبي َ‬ ‫سّدا)‪َ(94‬قا َ‬ ‫َبْيَنَنا َوَبْيَنُهْم َ‬
‫جَعَلُه َناًرا َقا َ‬
‫ل‬ ‫حّتى ِإَذا َ‬ ‫خوا َ‬ ‫ل اْنُف ُ‬
‫ن َقا َ‬
‫صَدَفْي ِ‬‫ن ال ّ‬
‫ساَوى َبْي َ‬
‫حّتى ِإَذا َ‬ ‫حِديِد َ‬ ‫‪َ(95‬ءاُتوِني ُزَبَر اْل َ‬
‫عوا َلُه َنْقًبا)‪َ(97‬قالَ‬
‫طا ُ‬
‫سَت َ‬
‫ظَهُروُه َوَما ا ْ‬‫ن َي ْ‬‫عوا َأ ْ‬‫طا ُ‬
‫سَ‬‫طًرا)‪َ(96‬فَما ا ْ‬ ‫عَلْيِه ِق ْ‬
‫غ َ‬
‫َءاُتوِني ُأْفِر ْ‬
‫حّقا)‪{ (98‬سورة‬ ‫عُد َرّبي َ‬‫ن َو ْ‬‫جَعَلُه َدّكاَء َوَكا َ‬
‫عُد َرّبي َ‬‫جاَء َو ْ‬
‫ن َرّبي َفِإَذا َ‬‫حَمٌة ِم ْ‬
‫َهَذا َر ْ‬
‫الكهف ‪ ،‬ففي هذه اليات صورة من صور التعاون على الخير ودفع الشر وصّد حملت‬
‫المفسدين ‪.‬‬
‫وفي تاريخنا أمثلة عظيمة في هذا المقام ‪ ،‬ففي ترجمة محسن بن محمد بن على فايع‬
‫الصنعانى أنه ‪ :‬كان حسن الخلق واسع المروءة رفيع السيادة والفتوة كريم الطباع‬
‫مفضال َبَذل نفسه في معاونة الفقراء والمساكين والوافدين إلى الخلفاء وأتعب خاطره‬
‫في الطلب لهم وتفقد أحوالهم والسعى في قضاء حوايجهم وعلج مرضاهم والقيام‬
‫بمؤونتهم وجعلت بنظره صدقات وصلت فبالغ في التحرى عليها وإنفاقها في وجوه‬
‫الخير وعّمر المساجد العجيبة وزاد في بعضها زيادة محتاج إليها واعتنى بَدَرسة القرآن‬
‫وأهل المنازل وجعل لهم راتبا معلوما خصوصا في شهر رمضان ‪ ..‬وله الزيادة‬
‫الواسعة النافعة في مسجد الفليحى بصنعاء وكان يضيق بالمصلين فأنفق عليه جل ماله‬
‫وبنى ل مسجدا في ساحة سمرة معمر بصنعاء عمره في آخر أيامه ووقف له ‪ ..‬وكان‬
‫كثير العوارض والمراض متلقيا لها بالقبول ‪ ) .‬البدر الطالع ‪( 192/ 2‬‬
‫وكان بعض النبلء المسلمين يعطي فقراء الفلحين البذور ‪ ،‬والتقاوي إعانه لهم على‬
‫زرع محاصيل يستفيدون منها ‪ .‬ومن صور التعاون العامة ؛ ما جاء في آداب الطريق‬
‫وقد جمعها الحافظ ابن حجر رحمه ال في قوله ‪:‬‬
‫ساَنا‬
‫خْلق ِإْن َ‬
‫خْير اْل َ‬
‫ن َقْول َ‬
‫طِريق ِم ْ‬
‫عَلى ‪ .......‬ال ّ‬
‫جُلوس َ‬
‫ن َراَم اْل ُ‬
‫جَمْعت آَداب َم ْ‬
‫َ‬
‫ساَنا‬
‫حَ‬‫سلًما ُرّد ِإ ْ‬
‫سا َو َ‬
‫طً‬
‫عا ِ‬
‫ت َ‬
‫شمّ ْ‬
‫ن ِفي اْلَكلم ‪َ ...........‬و َ‬
‫سْ‬‫حِ‬
‫سلم َوَأ ْ‬
‫ش ال ّ‬
‫ُاْف ِ‬
‫حْيَراَنا‬
‫سِبيل َواْهِد َ‬
‫غثْ َلْهَفان ِاْهِد َ‬
‫ن ‪َ ...........‬وَأ ِ‬
‫عْ‬
‫ظُلوًما َأ ِ‬
‫ن َوَم ْ‬
‫عاِو ْ‬
‫حْمل َ‬
‫ِفي اْل َ‬
‫طْرًفا َوَأْكِثْر ِذْكر َمْولَنا‬
‫ض َ‬
‫غ ّ‬
‫ف ‪َ ..........‬أَذى َو ُ‬
‫ن ُنُكر َوُك ّ‬
‫عْ‬‫ف ُمْر َواْنَه َ‬
‫ِباْلُعْر ِ‬
‫التعاون في مواجهة شدائد الَعْيش‬
‫من حكمة ال سبحانه وتعالى أن جعل بعض الناس أغنياء ‪ ،‬والبعض الخر فقراء ‪ ،‬؛‬
‫ليساعد بعضهم بعضا ‪ ،‬خاصة في أمور معاشهم ‪ ،‬ومعاونتهم على شظف الدنيا ‪،‬‬
‫صّلى‬‫ي َ‬ ‫ل الّنِب ّ‬
‫ل َقا َ‬
‫سى أنه َقا َ‬ ‫ن َأِبي ُمو َ‬ ‫عْ‬ ‫ومواساتهم فيها ‪ ،‬ويشهد لذلك ما رواه البخاري َ‬
‫جَمُعوا َما‬ ‫عَياِلِهْم ِباْلَمِديَنِة َ‬
‫طَعاُم ِ‬
‫ل َ‬ ‫ن ِإَذا َأْرَمُلوا ِفي اْلَغْزِو َأْو َق ّ‬ ‫شَعِرّيي َ‬‫لْ‬‫ن ا َْ‬
‫سّلَم ِإ ّ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫ا ُّ‬
‫سِوّيِة َفُهْم ِمّني َوَأَنا ِمْنُهْم‬
‫حٍد ِبال ّ‬
‫سُموُه َبْيَنُهْم ِفي ِإَناٍء َوا ِ‬
‫حٍد ُثّم اْقَت َ‬
‫ب َوا ِ‬ ‫عْنَدُهْم ِفي َثْو ٍ‬‫ن ِ‬ ‫َكا َ‬
‫) صحيح البخاري ‪( 2306‬‬
‫ن اْلِقّلِة ‪،‬‬
‫صُقوا ِبالّرْملِ ِم ْ‬
‫ل َكأَّنُهْم َل ِ‬‫ن الّرْم ِ‬
‫صله ِم ْ‬ ‫ي َزادهْم ‪َ ,‬وَأ ْ‬ ‫ي َفِن َ‬‫َقْوُلُه ‪ِ ) :‬إَذا َأْرَمُلوا ( َأ ْ‬
‫لَقاَمِة‬ ‫سَفِر َوِفي ا ِ‬
‫ط الّزاد ِفي ال ّ‬ ‫خْل َ‬
‫حَباب َ‬ ‫سِت ْ‬
‫ساِة ‪َ ,‬وا ْ‬‫ليَثاِر َواْلُمَوا َ‬‫ضيَلة ا ِْ‬
‫وفي الحديث ‪َ :‬ف ِ‬
‫عَلُم ‪.‬‬
‫ل َأ ْ‬
‫ضا ‪َ .‬وا ُّ‬
‫َأْي ً‬
‫تعاون أصحاب المسئوليات فيما بينهم‬
‫لعل من أهم صور التعاون ؛تعاون كل من تجمعهم مهمة واحدة لنجاز هذه المهمة على‬
‫سّلَم حين‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬
‫ي َ‬ ‫الوجه الذي يرضي ال تعالى ‪ ،‬وهذا هو مفهوم توجيه الّنِب ّ‬
‫عا‬
‫طاَو َ‬
‫شَرا َول ُتَنّفَرا َوَت َ‬
‫سَرا َوَب ّ‬ ‫سَرا َول ُتَع ّ‬
‫ل َي ّ‬
‫ن حيث َقا َ‬
‫سى ِإَلى اْلَيَم ِ‬
‫ث ُمَعاًذا َوَأَبا ُمو َ‬‫َبَع َ‬
‫خَتِلَفا) رواه البخاري ‪( 2811‬‬ ‫َول َت ْ‬
‫صل عند جميع المسلمين دور التعاون في إنجاح جميع‬‫وتلك الوصية النبوية جاءت لتؤ ّ‬
‫العمال والمهاّم حتى العظيم منها ‪ ،‬ولهذا كان من أوائل ما اهتم به الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم حين قدم المدينة عقد أسباب التعاون ‪ ،‬وكان ذلك بأن آخى بين المهاجرين‬
‫والنصار ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلء بهؤلء ) سير أعلم النبلء ‪/1‬‬
‫‪ ( 143‬؛ وذلك لن المعاونة تورث المحبة والترابط ‪.‬‬
‫وقد قيل لسعيد بن عامر بن حذيم ‪ :‬إن أهل الشام يحبونك ؟ قال ‪ :‬لني أعاونهم‬
‫وأواسيهم ‪.‬‬
‫هذا وصور التعاون على البّر والتقوى كثيرة جدا ل ُيمكن حصرها ومجال الستدلل‬
‫بتلك الية الجامعة الفاّذة واسع جدا وهذا الذهبي رحمه ال لم يستدل من القرآن على‬
‫مشروعية التعزية إل بها فقال ‪ :‬رحمه ال ‪ ":‬واعلم رحمك ال أن التعزية هي التصبير‬
‫وذْكر ما يسّلي صاحب الميت ويخفف حزنه ويهّون مصيبته وهي مستحبة لنها مشتملة‬
‫على المر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أيضا داخلة في قول ال تعالى ‪:‬‬
‫وتعاونوا على البر والتقوى ‪ ،‬وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية واعلم أن التعزية‬
‫‪ -‬وهي المر بالصبر ‪ -‬مستحب قبل الدفن وبعده قال أصحاب الشافعي من حين يموت‬
‫الميت ‪ ) .‬الكبائر ‪. ( 1/188‬‬
‫وللتعاون أصول وضوابط حتى ذكر بعض المصنفين علما يسمى " بالسياسة المدنية‬
‫" بعد ذكره علم تدبير المنزل فقال في أبجد العلوم ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬علم التدبير المنزلي والحكمة المنزلية ‪ :‬وهي العلم بمصالح جماعة متشاركة في‬
‫المنزل كالوالد والولد والمالك والمملوك ونحو ذلك ‪ ،‬وفائدة هذا العلم ان تعلم المشاركة‬
‫التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين‬
‫زوج وزوجة ومالك ومملوك ووالد ومولود ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬علم السياسة المدنية‪:‬وهو علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة وفائدته أن تعلم‬
‫كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح البدان ومصالح بقاء‬
‫نوع النسان ‪ ) .‬أبجد العلوم ‪( 246/ 2‬‬
‫وهذا من أهم مقاصد المدنية ؛ أل وهو التعاون على أمور المعيشة ‪ ،‬ومصالح البدان‬
‫والنفوس ‪ ،‬فكيف إذن إذا كان التعاون من أجل مصلحة الدين ؟‬
‫التعاون على الشيطان‬
‫ورد في بعض الثار في صفة المؤمن أخو المؤمن يتعاونان على الفّتان ‪ :‬أي الشيطان‬
‫خَدعه ) الفائق ‪( 102/ 3‬‬
‫والتعاون على الشيطان ‪ :‬أن يتناهيا عن اتباعه والفتتان ب ُ‬
‫ل عليه حديث َأِبي ُهَرْيَرَة‬ ‫ول يجوز لمسلم أن يعاون الشيطان على أخيه المسلم ‪ ..‬كما د ّ‬
‫ل َأُبو‬
‫ضِرُبوُه َقا َ‬
‫لا ْ‬‫ب َقا َ‬‫شِر َ‬ ‫جلٍ َقْد َ‬ ‫سّلَم ِبَر ُ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬
‫ي َ‬ ‫ي الّنِب ّ‬‫عْنُه ُأِت َ‬
‫ل َ‬‫ضيَ ا ُّ‬ ‫َر ِ‬
‫ل َبْع ُ‬
‫ض‬ ‫ف َقا َ‬‫صَر َ‬‫ضاِربُ ِبَثْوِبِه َفَلّما اْن َ‬ ‫ب ِبَنْعِلِه َوال ّ‬ ‫ضاِر ُ‬‫ب ِبَيِدِه َوال ّ‬
‫ضاِر ُ‬ ‫ُهَرْيَرَة َفِمّنا ال ّ‬
‫ن ‪ .‬رواه البخاري ‪6777‬‬ ‫طا َ‬ ‫شْي َ‬‫عَلْيِه ال ّ‬
‫ل ل َتُقوُلوا َهَكَذا ل ُتِعيُنوا َ‬ ‫ل َقا َ‬‫ك ا ُّ‬‫خَزا َ‬‫اْلَقْوِم َأ ْ‬
‫قال ابن حجر رحمه ال ‪:‬‬
‫خْز ُ‬
‫ي‬ ‫صل َلُه اْل ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن َي ْ‬
‫صَيَة َأ ْ‬
‫طان ُيِريُد ِبَتْزِييِنِه َلُه اْلَمْع ِ‬ ‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ك َأ ّ‬ ‫ن ِبَذِل َ‬‫طا َ‬
‫شْي َ‬‫عْوِنِهْم ال ّ‬ ‫جُه َ‬ ‫َوَو ْ‬
‫عْند َأِبي َداُوَد ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ن ‪َ .‬وَوَقَع ِ‬ ‫طا ِ‬ ‫شْي َ‬‫صوَد ال ّ‬ ‫صُلوا َمْق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي َفَكَأّنُهْم َقْد َ‬ ‫خْز ِ‬ ‫عَلْيِه ِباْل ِ‬
‫عْوا َ‬ ‫َفِإَذا َد َ‬
‫ن َيِزيد ْبن‬ ‫عْ‬ ‫لَثتهْم َ‬ ‫حَيى ْبن َأّيوب َواْبن َلِهيَعَة َث َ‬ ‫شَرْيح َوَي ْ‬ ‫حْيَوَة ْبن ُ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫ب َ‬ ‫طِريق ِاْبن َوْه ٍ‬ ‫َ‬
‫ضا َبْعد‬ ‫حْمُه " َزاَد ِفيِه َأْي ً‬ ‫غِفْر َلُه الّلُهّم ِاْر َ‬
‫ن ُقوُلوا الّلُهّم ِا ْ‬ ‫خره " َوَلِك ْ‬ ‫حوه َوَزاَد ِفي آ ِ‬ ‫اْلَهاد َن ْ‬
‫حاِبِه َبّكُتوُه " َوُهَو َأْمٌر ِبالّتْبِكي ِ‬
‫ت‬ ‫صَ‬ ‫ل ْ‬ ‫سّلَم َ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سول ا ّ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ضْرب " ُثّم َقا َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن َلُه َما ِاّتَقْيت‬
‫عَلْيِه َيُقوُلو َ‬
‫خَبر ِبَقْوِلِه " َفَأْقَبُلوا َ‬ ‫سَرُه ِفي اْل َ‬ ‫ح ِفْعِلِه ‪َ ,‬وَقْد َف ّ‬ ‫جَهُتُه ِبَقِبي ِ‬‫َوُهَو ُمَوا َ‬
‫سّلَم‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سول ا ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫حَيْيت ِم ْ‬ ‫سَت ْ‬
‫ل َثَناُؤُه ‪َ ,‬ما ِا ْ‬ ‫جّ‬‫ل َ‬ ‫شيت ا َّ‬ ‫خِ‬‫ل ‪َ ,‬ما َ‬ ‫جّ‬ ‫عّز َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ا َّ‬
‫ضْرب " ُثّم َقا َ‬
‫ل‬ ‫ي َبْعد ِذْكر ال ّ‬ ‫شاِفِع ّ‬ ‫عْند ال ّ‬‫حَمن ْبن َأْزَهر ِ‬ ‫عْبد الّر ْ‬ ‫حِديث َ‬ ‫سُلوُه " َوِفي َ‬ ‫ُثّم َأْر َ‬
‫عَلى‬‫عاِء َ‬ ‫ك َمْنُع الّد َ‬
‫ن َذِل َ‬‫سَتَفاُد ِم ْ‬‫سَلُه " َوُي ْ‬ ‫سلم ‪َ :‬بّكُتوُه َفَبّكُتوُه ‪ُ ,‬ثّم َأْر َ‬ ‫صلة َوال ّ‬ ‫عَلْيِه ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ .‬انتهى‬ ‫ل َكالّلْع ِ‬‫حَمِة ا ّ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫عْ‬ ‫لْبَعاِد َ‬ ‫صي ِبا ِ‬ ‫اْلَعا ِ‬
‫الضرب الثاني من ضروب التعاون ‪ :‬التعاون على الثم والعدوان‬
‫وقد جاء النهي الصريح في كتاب ال عز وجل عن التعاون على الثم والعدوان ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪ " :‬ول تعاونوا على الثم والعدوان " ‪ ،‬وكما تتعدد صور التعاون على البر‬
‫والتقوى فكذلك تتعدد ضروب التعاون على الثم ‪ ،‬وحيث أن المقصود الساس في هذه‬
‫ث على التعاون على الخير فأكتفي بهذه الصور للعكس ومن ذلك ‪:‬‬ ‫الرسالة الح ّ‬
‫****التعاون على إقامة الشرك والكفر‬
‫وهذا له ضروب كثيرة ومن أمثلته المعاونة في بناء المساجد والضرحة والقباب على‬
‫سدنة الذين يأخذون النذور والقرابين وجمع التبرعات لصيانتها‬
‫القبور وجعل ال ّ‬
‫وترميمها ‪ ،‬ومن هذا الباب أيضا المعاونة على بناء كنائس النصارى‬
‫ومن القصص الجيدة في إنكار ذلك أبيات أرسلت ل بن شهاب لما عاون عرب طور‬
‫ث على رفض ذلك ومعاقبة من‬
‫سيناء على بناء البيعة بعكبرا ‪ ،‬يقول الشاعر المسلم يح ّ‬
‫فعله ‪:‬‬
‫نبال العدى عني فكنتم نصاَلها‬ ‫أردتكم حصنا حصينا لتدفعوا‬
‫وقفتم ‪ ،‬فكنتم ل عليها ول لها‬ ‫فيا ليت إذا لم تحفظوا لي مودتي‬
‫ودولة آل هاشم وكمالها‬ ‫ب عن هدى‬
‫فيا سيف دين ال ل تن ُ‬
‫فتلك لعمري عثرة لن ُتقاَلها‬ ‫أعيذك بالرحمن أن تنصر الهوى‬
‫صارى لتتلو كفرها وضللها‬ ‫أفي حكم حق الشكر إنشاء بيعة النـ‬
‫بأرضك تبنيها له لينالها‬ ‫ي بيعة‬
‫َيشيد موذينا الدمشق ّ‬
‫وتفتيحها قسرا وُتسبى رجاُلها‬ ‫وينفق فيها مال حران والّرها‬
‫وتلزمهم شنآَنها ووباَلها‬ ‫وترغم أنف المسلمين بأسرهم‬
‫فتعرف منها حرامها وحللها‬ ‫أبى ذاك ما تتلوه في كل سورة‬
‫بأعلج روم قد أطالت سبالها‬ ‫ويركب في أسواقنا متبخترا‬
‫بذا أمر ال الكريم وقالها‬ ‫فخذ ماله واقتله واستصف حاله‬
‫طغاة بغاة يكذبون مقالها‬ ‫ول تسمعن قول الشهود فإنهم‬
‫ليرضوك حتى يحفظوا منك مالها‬ ‫ويوفون دنياهم بإتلف دينهم‬
‫بل من شروط أهل الذمة التي ذكرها العلماء ‪ " :‬أن ل يحدثوا كنيسة وأن يعاونوا‬
‫المسلمين ويرشدوهم ويصلحوا الجسور فإن تركوا شيئا من ذلك فل ذمة لهم ‪ " .‬معجم‬
‫البلدان ج‪ 1 :‬ص‪57 :‬‬
‫ولذلك كان من البلية والفساد العظيم فتح مجالت التعاون مع النصارى وغيرهم من‬
‫أعداء السلم ؛ لما يترتب على ذلك من هدم القيم السلمية والمثل العليا للمة ‪ ...‬يقول‬
‫السلطان عبد الحميد ‪:‬‬
‫" إن طراز التفكير عند الوربيين وعند النصارى طراز غريب ملىء بالتناقضات فل‬
‫يستطيع النسان أن يحدد رأيه فيهم فيوما تراهم عريقين صادقين ويوما سفلة‬
‫ظالمين ‪ .. ،‬إنهم أناس ل يؤمنون بمبدأ ول يدينون بدين يستصغرون رب العالمين تعالى‬
‫ال عما يقولون ‪ ،‬لقد جاءنا أناس منهم بصفة أساتذة أفاضل فأصابتنا الدهشة عندما‬
‫عرفناهم وعرفنا دناءتهم ‪ ،‬إن مفاهيم الحياة عندهم تغاير مفاهيمنا والبون بيننا شاسع‬
‫والهوة سحيقة كيف يمكننا أن نفكر في التعاون معهم في مثل هذه الظروف "‬
‫) مذكراتي السياسية ‪( 1/196‬‬
‫****الستعانة بالشياطين على السحر والعتداء وإيذاء المسلمين وكذلك الستعانة بهم‬
‫على سائر الحرام ‪ ،‬قال ابن القيم رحمه ال في كلمه عن العشق ‪ :‬فإن استعان العاشق‬
‫على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر أو استخدام أو نحو ذلك ضم الى الشرك‬
‫والظلم كفر السحر ‪ ،‬فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا بالكفر غير كاره لحصول‬
‫مقصوده ؛ وهذا ليس ببعيد من الكفر والمقصود أن التعاون في هذا الباب تعاون على‬
‫الثم والعدوان ‪ .‬انتهى ) الجواب الكافي ‪( 1/154‬‬
‫**** التعاون على إحياء البدع وإقامتها‬
‫ومن ذلك المشاركة في مجالس الذكر المبتدعة والنفاق عليها والدعوة إليها والتشجيع‬
‫على غشيانها وفتح مجالت البدع المختلفة ول يفعل هذا إل أعداء السنة والجهلة بها وما‬
‫ُأحييت بدعة إل وأميتت سنة ‪.‬‬
‫**** أن يعاون الظلمة بأخذ المكوس ويكون في زمرة العمال الظلمة المترصدين في‬
‫الطرق وغيرها ‪ ) .‬أنظر أبجد العلوم ‪( 2/58‬‬
‫**** أن يدل رجل على مطلوب ليقتل ظلما أو يحضر له سكينا وهذا يحرم لقوله ‪" :‬‬
‫ول تعاونوا على الثم والعدوان " ) شعب اليمان ‪( 268 /1‬‬
‫**** المعاونة في الغاني نظما وتلحينا وتنظيما لحفلتها وتسجيلها ونشرها ‪ ،‬قال في‬
‫شْعر للمغنين ‪.‬‬
‫شعب اليمان ‪ 4/281‬ويحرم كذلك تجهيز ال ّ‬
‫****المعاونة على المنكر عموما‬
‫وشّر المراتب في المنكر بعد ارتكابه المعاونة عليه ثم الرضا ثم المداهنة ثم السكوت‬
‫عن النكار ‪.‬‬
‫وعلى المسلم أن يصبر على أذى من يخالفهم لجل منكرهم‬
‫وفي ذلك يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال‪":‬وذلك إن كثيرا من أهل المنكر يحبون‬
‫من يوافقهم على ماهم فيه ويبغضون من ل يوافقهم‪،‬وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة من‬
‫موالة كل قوم لموافقيهم ومعاداتهم لمخالفيهم وكذلك في أمور الدنيا والشهوات كثيرا ما‬
‫يختار أهلها ويؤثرون من يشاركهم في أمورهم وشهواتهم إما للمعاونة على ذلك كما في‬
‫طاع الطريق ونحو ذلك وإما لتلذذهم بالموافقة كما في‬
‫المتغلبين من أهل الرياسات وق ّ‬
‫المجتمعين على شرب الخمر مثل فإنهم يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم وإما‬
‫لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير إما حسدا له على ذلك وإما لئل يعلو عليهم بذلك وُيحمد‬
‫دونهم وإما لئل يكون له عليهم حجة وإما لخوفهم من معاقبته لهم بنفسه أو بمن يرفع‬
‫ذلك اليهم ولئل يكونوا تحت مّنته وخطره ونحو ذلك من السباب‪..‬انتهى )الستقامة‬
‫‪(2/256‬‬
‫وفي رفض التعاون على الثم والعدوان يقول ابن القيم رحمه ال ‪:‬‬
‫" النسان مدني بالطبع لبد له أن يعيش مع الناس ‪ ،‬والناس لهم إرادات وتصورات‬
‫واعتقادات‬
‫فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الذى‬
‫والعذاب من وجه آخر ؛ فلبد له من الناس ومخالطتهم ول ينفك عن موافقتهم أو‬
‫مخالفتهم وفي الموافقة ألم وعذاب إذا كانت على باطل وفي المخالفة ألم وعذاب إذا لم‬
‫يوافق أهواءهم واعتقاداتهم وإراداتهم ول ريب أن ألم المخالفة لهم في باطلهم أسهل‬
‫وأيسر من اللم المترّتب على موافقتهم ‪ ،‬واعتبر هذا بمن يطلبون منه الموافقة على ظلم‬
‫أو فاحشة أو شهادة زور أو المعاونة على محرم فإن لم يوافقهم آذوه وظلموه وعادوه‬
‫ولكن له العاقبة والنصرة عليهم إن صبر واتقى ‪ ،‬وإن وافقهم فرارا من ألم المخالفة‬
‫أعقبه ذلك من اللم أعظم مما فّر منه والغالب أنهم يسلطون عليه فيناله من اللم منهم‬
‫أضعاف ما ناله من اللذة أول بموافقتهم فمعرفة هذا ومراعاته من أنفع ما للعبد ‪ ،‬فألم‬
‫يسير ُيعِقب لذة عظيمة دائمة أولى بالحتمال من لذة يسيرة ُتعِقب ألما عظيما دائما‬
‫والتوفيق بيد ال ‪ .‬انتهى ) إغاثة اللهفان ‪. ( 2/193‬‬
‫نسأل ال أن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى المحاربين للثم والعدوان وأن‬
‫يرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وصلى ال على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫أجمعين ‪.‬‬

You might also like