موسوعة البحوث والمقالات العلمية-50

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 203

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫وروى الطبراني في الكبير والحاكم – وصححه ‪ -‬بسنده عن ابن مسعود رضي‬


‫الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬من قرا عشر آيات ‪ :‬أربعا‬
‫من أول البقرة ‪ ،‬وآية الكرسي ‪ ،‬وآيتين بعدها ]‪ ،[38‬وخواتيمها ]‪ [39‬لم‬
‫يدخل ذلك البيت شيطان حتى يصبح ( ‪.‬‬
‫****‬
‫والسلم يحقق للشخصية امتدادها الزمني كذلك ‪ .‬لنه يحدد لها نقطة البداية‬
‫‪ ،‬ويضيء لها طريق المستقبل ‪ ،‬فل تقع في حسرة الجهل المطلق بما مضى‬
‫‪ ،‬ول اليأس المطلق مما يكون ‪ ،‬ويرسم لهذه الشخصية صورا من صور‬
‫المستقبل البعيد في الدار الخرة ‪ ،‬لتختار منها ما تؤثره لنفسها ‪ :‬في الجنة ‪،‬‬
‫أو في النار ‪ ،‬ولتكون على بينة من تاريخها كله ‪.‬‬
‫إن المسلم ل يفقد اتصاله بمن غاب عنه في المكان أو في الزمان ‪ ،‬ومن هنا‬
‫– مثل ‪ -‬جاء ما جاء في السلم عن سكان القبور ‪ ،‬وعن زيارتهم ‪ ،‬والمسلم‬
‫إذ يزور القبر يجد هذه الصلة ‪ ،‬إذ يقول لسكانه ‪ ) :‬السلم عليكم أهل الديار ‪،‬‬
‫من المؤمنين المسلمين ‪ ،‬ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين ‪ ،‬وإنا‬
‫إن شاء الله بكم لحقون ‪ ،‬أسأل الله لنا ولكم العافية ‪ ،‬أنتم لنا فرط ‪ ،‬ونحن‬
‫لكم تبع ‪ ،‬اللهم ل تحرمنا أجرهم ‪ ،‬ول تضلنا بعدهم ( رواه مسلم والنسائي‬
‫وابن ماجة ‪.‬‬
‫إن إغفال هذه العناصر اليمانية ودورها في بناء الشخصية تربويا يتناقض‬
‫تناقضا أساسيا مع المنهج السلمي وهو ينشأ من الموقف العلماني الذي‬
‫يجهل هذه العناصر أو يعمل على التخلص منها ‪.‬‬
‫وهذا الموقف العلماني من الشخصية النسانية يشوهها أويبترها ‪ ،‬وهو يمثل‬
‫تحديا لمنهج السلم في التربية ‪.‬‬
‫ومما تقدم تبين لنا أن الشخصية النسانية في الصياغة السلمية تمتد على‬
‫البعاد التية ‪:‬‬
‫على البعد الفطري ‪ :‬في الجسم ‪ ،‬والوجدان ‪ ،‬والعقل والرادة‬
‫على البعد الكتسابي ‪ :‬في التعامل مع البيئة المادية ‪ ،‬والجتماعية ‪.‬‬
‫وعلى البعد الكوني ‪ :‬بالله ‪ ،‬والملئكة ‪ ،‬والناس ‪ ،‬والشياء ‪.‬‬
‫وعلى البعد الزمني ‪ :‬في بداية الخلق ‪ ،‬وفي نهايته ‪ ،‬وفيما بين البداية‬
‫والنهاية من حوادث وتطورات ‪.‬‬
‫]‪ \ [1‬أنظر في الموضوع كتابنا "شخصية المسلم " نشر المكتبة العصرية‬
‫بصيدا ببيروت عام ‪ ،1970‬و" في الفكر السلمي" نشر جامعة المارات عام‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،1989‬وبحث لنا عن السلم ألقيناه بمؤتمر جمعية سانت أجيديو تحت رعاية‬
‫الفاتيكان بروما عام ‪ ، 1988‬وبحث لنا عن التطرف ألقيناه بمؤتمر للشرطة‬
‫في القاهرة عام ‪.1987‬‬
‫]‪ \ [2‬أنظر بحثنا بعنوان " السلم ومشكلة الوسطية " بكتابنا بعنوان " نحو‬
‫منبر عصري " نشر دار الكتاب الجامعي بالقاهرة عام ‪2001‬‬
‫]‪ \ [3‬الملل والنحل ج ‪ 1‬ص ‪45‬‬
‫]‪ \ [4‬أنظر كتابه " إنسانية السلم " لمارسيل بوازار ‪ -‬ط دار الداب ببيروت‬
‫‪ 1980 -‬ترجمة د عفيف دمشقية ص ‪19‬‬
‫]‪ \ [5‬نشر ملخص البحث بمجلة العلوم العربية للعلوم النسانية التي تصدر‬
‫عن جامعة الكويت ‪ ،‬العدد الواحد والثلثون من ص ‪ 296-280‬ضمن دراسة‬
‫للستاذ الدكتور أحمد مختارعمر ‪.‬‬
‫]‪ \ [6‬جريدة التحاد بالمارات ‪1990\5\ 20‬‬
‫]‪ [7‬إحياء علوم الدين جـ ‪1‬ص ‪ , 22‬ج ‪ 4‬ص ‪264‬‬
‫]‪ \ [8‬أنظر دراسة للدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله بعنوان " رحلة حاسمة‬
‫للتحول الحضاري من الشرق إلى الغرب ‪ – 1‬الرحلة والربان "" نشرتها قبيل‬
‫وفاتها بجريدة الهرام ‪ 23‬سبتمبر ‪… ،‬‬
‫]‪ [9‬انظر بحث " السلم والعلم " لفضيلة المام الكبر المرحوم الستاذ‬
‫الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الزهر ضمن كتاب المؤتمر الخامس لمجمع‬
‫البحوث السلمية من ص ‪545 - 535‬‬
‫]‪ | [10‬انظر المصدر السبق‬
‫]‪ \ [11‬أنظر كتاب ) ما يعد به السلم ( لروجيه جارودي ص ‪140‬‬
‫]‪\ [12‬أنظر كتاب " شمس العرب تسطع على الغرب " لزيجفريد هونكة ص‬
‫‪ 375 – 339‬نشر دار الفاق الجديدة ط الثالثة عام ‪1979‬‬
‫]‪ \ [13‬انظر كتاب " فلسفة العلم " لفيليب فرانك ترجمة د‪ .‬علي علي‬
‫ناصف ‪ ،‬ط بيروت ‪ 1983‬ص ‪49‬‬
‫]‪ \ [14‬أنظر دراسة للدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله بعنوان " رحلة‬
‫حاسمة للتحول الحضاري من الشرق إلى الغرب ‪ – 1‬الرحلة والربان ""‬
‫نشرتها بجريدة الهرام ‪ 23‬سبتمبر‬
‫]‪ \ [15‬أنظر كتابه " ما يعد به السلم " ص ‪140‬‬
‫]‪ \ [16‬بستان العارفين للمام أبي الليث السمرقندي ص ‪21\20‬‬
‫]‪ \ [17‬أنظر مناقشتنا لهذه القواعد في كتابنا ) الفكر المعاصر في ضوء‬
‫العقيدة السلمية ( نشر جامعة المارات ‪.‬‬
‫]‪ \ [18‬نظريات الشخصية تأليف كالفين هول ‪ ،‬وجاردنر ليندزي ترجمة‬
‫الدكتور فرج أحمد فرج وآخرين الطبعة الثانية لعام ‪ 1978‬توزيع الهيئة‬
‫المصرية للكتاب بالقاهرة ص ‪175-174‬‬
‫]‪ \ [19‬في كتابه " بزوغ العقل البشري " ترجمة ونشر مؤسسة فرانكلين‬
‫بالقاهرة عام ‪1964‬‬
‫]‪ \ [20‬أنظر في شرح هذه النقطة كتابنا ) السلم ومشكلة الحضارة بين‬
‫التعددية والصراع ( نشر دار الصحابة والتابعين بجدة والقاهرة عام ‪2001‬‬
‫]‪ \ [21‬أنظر كتاب ) المدخل إلى الفلسفة ( لزفلد كولبة ترجمة أبو العل‬
‫عفيفي طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة عام ‪1943‬ص ‪256‬‬
‫]‪ \ [22‬المدخل إلى الفلسفة لزفلد كولبة ص ‪269 – 265‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ \ [23‬أنظر كتاب ) الله في الفلسفة الحديثة ( لجيمس كولينز ترجمة فؤاد‬
‫كامل طبعة مؤسسة فرانكلين عام ‪1973‬ص ‪461‬‬
‫]‪ \ [24‬أنظر ) العقل والدين ( لوليم جيمس ترجمة الدكتور محمود حب الله‬
‫ط عيسى البابي الحلبي عام ‪ 1949‬ص ‪62‬‬
‫]‪ \ [25‬انظر كتابه ) الحياة الوجدانية والعقيدة الدينية ( ص ‪269-268‬‬
‫]‪ \ [26‬أنظر المدخل إلى الفلسفة لزفلد كولبة ص ‪269‬‬
‫]‪ \ [27‬النظر والمعارف للقاضي عبد الجبارالهمذاني المعتزلي ‪ ،‬ص ‪، 22‬‬
‫وهو من أجزاء كتابه " المغني في أبواب التوحيد والعدل "‬
‫]‪ \ [28‬أنظر نقد نظرية المعرفة عند المتكلمين في كتابنا ) السس المنهجية‬
‫لبناء العقيدة السلمية( نشردار الفكر العربي‬
‫ضب َْنة ‪ :‬جاء في لسان العرب ‪ ) :‬ضبنة الرجل خاصته وبطانته وعياله‬ ‫]‪ \ [29‬ال ّ‬
‫ضْبن ‪ ،‬أي ضيق ‪ ،‬وقيل ‪ :‬تعوذ من صحبة من ل‬ ‫ضِبنة ‪ ،‬ومكان َ‬
‫‪ ،‬ووكذلك ال ّ‬
‫غناء فيه ول كفاية من الرفاق ‪ ،‬فإنما هو كل وعيال على من يرافقه (‬
‫]‪ \ [30‬لم يعد هذا هو موقف العلم في تطوره المعاصر وللتدليل على أن‬
‫عامل الوراثة " الجينات " ل ينفرد بالتأثير فى مصير النسان يقول الستاذ‬
‫آشلى مونتاجيو في كتابه " الوراثة البشرية " ترجمة زكريا فهمي ‪ ،‬نشر‬
‫مؤسسة فرانكلين عام ‪ 1970‬بالشتراك مع مكتبة النجلو المصرية ‪) :‬إن من‬
‫أعظم المور أهمية أن نفهم أن الكائنات الحية ليست نتائج أفعال‪ ،‬بل‬
‫تفاعلت (‪00‬فليس هناك مثل "جينة " تقوم بعملها هكذا منفردة ‪ ،‬فالجينات‬
‫تتفاعل مع جينات أخرى ‪ ،‬ومع البيئة التي توجد بها ‪ ،‬والبيئة تتفاعل مع‬
‫الجينات ‪ ...‬فالجينات أو البيئة ل يمكنها كل على حدة إحداث التطور ‪ ،‬بل لبد‬
‫لهما لحداث ذلك من التفاعل معا ً ( ) إن التطور حالة متحركة تتفاوت‬
‫بتقاوت الظروف ‪00‬فالمصير الذى تئول إليه أية خلية ‪ ،‬وجزء الجسم الذى‬
‫تدخل فى تكوينه ‪ ،‬ل يتحددان فقط بواسطة الجينات التي تحتوي عليها هذه‬
‫الخلية ‪ ،‬بل يتوقفان أيضا على الظروف المحيطة بها ‪ 0‬وهذا هو الذي يمكن‬
‫للخليا التي تحتوي علي نفس الجينات ونفس المواد أن تكون أجزاء الجسم‬
‫العديدة المختلفة ( )]‪ ([30‬ويقول ‪) :‬الواقع أن متاعبنا ل تنشأ عن المعتوهين‬
‫بيولوجٌيا بل من المعتوهين اجتماعٌيا ‪00‬وهؤلء المعتوهون اجتماعيا ٌ ينتجهم‬
‫المجتمع ل الجينات ‪ 00‬ومن ثم فإن العلج الجتماعى ل البيولوجي هو الذي‬
‫ينبغي أن يتبع ( ‪0‬ويقول ‪) :‬فى اعتقادي أن ماينبغي علي الدولة أن تفعله هو‬
‫أن تتيح للفرد أن يكتسب ما يحتاج إليه من معرفة لينتفع بوراثته علي أحسن‬
‫وجه ‪ 00‬واضعين فى أذهاننا أننا نستطيع ُايا كان إرثنا الوراثى أن نفعل الكثير‬
‫عن طريق البيئة لتحسين الطريقة التي يظهر بها هذا الرث ( ‪ 0‬ويقول ‪:‬‬
‫) يمكننا عن طريق التحكم الواعي في البيئة أن نفعل الكثير إزاء الوراثة (‬
‫‪0‬ويقول الدكتور ف ‪ .‬هـ ‪.‬مترام في كتابه " الساس الجسماني للشخصية "‬
‫ترجمة الدكتور عبد الحافظ حلمي ‪ ،‬طبعة اللف كتاب بالقاهرة عام ‪:1966‬‬
‫)من الجلي الواضح أن مظاهر ميراثنا تتغير بفعل البيئة وأنه في وسعنا أن‬
‫نضبط البيئة ونكيفها إلى حد كبير ( ‪0‬ويقول) مما ل ينكره أحد أن الكتساب‬
‫له أثرة القوى فيما تهبه لنا الطبيعة ( أنظر كتابنا ) السلم والتجاهات‬
‫العلمية الحديثة " نشردار المعارف بمصر عام ‪1984‬‬
‫]‪ - [31‬نظريات الشخصية ص ‪170 -169‬‬
‫]‪ \ [32‬لم يذكر في الصحاح ‪ ،‬وورد في عون المعبود شرح سنن أبي داود‬
‫بصيغة ) وقد روي ‪ :‬العرق دساس إلخ ( ‪ ،‬وورد في الكامل في ضعفاء‬
‫الرجال ‪ ،‬لبن عدي الجرجاني ت ‪365‬هـ ‪ ،‬بسنده ‪ ،‬وفيه محمد بن عبد‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرحمن بن البيلماني قال فيه يحيى بن معين "ليس بشيء" وقال النسائي‬
‫عنه منكر الحديث ‪ ،‬وورد في كتاب العلل المتناهية لبن الجوزي ‪ ،‬وورد في‬
‫كشف الخفاء للعجلوني ت ‪ 1162‬وذكر تخريج ابن ماجة والدار القطني‬
‫والحاكم والبيهقي ثم قال " ول يصح " وقال عن هذه الروايات " وكلها‬
‫ضعيفة " وذكره أبو حاتم الرازي التميمي ت ‪ 327‬في كتابه " الجرح‬
‫والتعديل " وذكره الرامهرمزي في كتابه " أمثال الحديث المروية عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم " ‪،‬وذكره اللباني في سلسلة الحاديث الضعيفة‬
‫والموضوعة ‪ ،‬والشوكاني في الفوائد المجموعة ‪ ،‬والفتني ت ‪ 986‬هـ في‬
‫تذكرة الموضوعات ‪ ،‬وابن الجوزي في " العلل المتناهية في الحاديث‬
‫الواهية " ‪ ،‬والسخاوي في " المقاصد الحسنة " والصنعاني في " النوافح‬
‫العطرة في الحاديث المشتهرة " ‪ ،‬والغزي في " إتقان ما يحسن من الخبار‬
‫"‬

‫)‪(26 /‬‬

‫]‪ \ [33‬لم يذكر في الصحاح وذكره اللباني في سلسلة الحاديث الضعيفة‬


‫والموضوعة ‪ ،‬والشوكاني في الفوائد المجموعة ‪ ،‬والفتني في تذكرة‬
‫الموضوعات ‪ .‬وذكره ابن حجر الهيثمي في كتابه " الفصاح عن أحاديث‬
‫النكاح " وذكر أنه رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬‬
‫وكلها ضعيفة ‪ ،‬نعم يصح موقوفا عن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر رضي الله‬
‫عنهما( النكاح رق ‪ ،‬فلينظر أحدكم أين يضع كريمته ) وروي مرفوعا إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال البيهقي ‪ :‬والموقوف أصح (‬
‫]‪ \ [34‬أنظر كتابه " تاريخ البشرية " ج ‪ 1‬ص ‪31‬‬
‫]‪ \ [35‬نظريات الشخصية ص ‪119‬‬
‫]‪ \ [36‬أنظر " الوفا بأحوال المصطفى " لبن الجوزي ص ‪667‬‬
‫]‪ \ [37‬أنظر كتابه " الصلة ومقاصدها للحكيم الترمذي " ص ‪5‬‬
‫]‪ \ [38‬آية ‪" 256‬ل إكراه في الدين " وآية ‪ "257‬الله ولي الذين آمنوا " إلى‬
‫قوله تعالى " هم فيها خالدون "‬
‫]‪ \ [39‬قوله تعالى " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " إلى آخر السورة‬
‫‪286-285‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫الذبح لغير الله وعقوق الوالدين وتغيير منار الرض‬


‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫ن ي َهْدِ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ل َفل هادِيَ ل َ ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬‫ل لَ ُ‬ ‫ض ّ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫ٍ َ َ ٍ َ‬‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ْ ِ ْ َ‬‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ّ ُ‬‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ا‬
‫ّ ُ ّ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫ْ ُ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫تسا‬ ‫َ‬ ‫الذي‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نسا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫هما‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ث‬‫ّ‬ ‫جها‪ ،‬وَ َ‬
‫ب‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫م َرِقيبا?] النساء‪? .[1:‬يا أي َّها الذي َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫والْرحا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها الذين‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ ِل ّ وأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫حقّ ُتقات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ُ‬
‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬‫َ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫ُ‬
‫عمالك ْ‬ ‫َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ح لك ْ‬ ‫َ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫ً‬
‫قوا الله وَُقولوا قَوْل َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ظيما? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قد ْ َفاَز فَوَْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال‪ :‬حدثني رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأربع كلمات‪" :‬لعن الله من ذبح لغير الله‪ ،‬لعن الله من لعن‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والديه‪ ،‬لعن الله من آوى محدثًا‪ ،‬لعن الله من غير منار الرض")( يقول علي‪:‬‬
‫حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬فنعم المحدث ونعم المحدث رضي‬
‫الله عنه وأرضاه‪ .‬حدثه بأربع كلمات اشتملت على هذه اللعنات ‪ ،‬فيهن‬
‫الموبقات المهلكات‪ ،‬اشتملت على أذية المؤمنين والمؤمنات وإضاعة حق‬
‫فاطر الرض والسماوات‪.‬‬
‫"لعن الله" ومن لعنه الله فقد أبعده من رحمته وطرده من دار كرامته‬
‫وجنته‪ ،‬ومن لعنه الله فقد أعمى قلبه وأشقى حياته ونغص عيشه‪.‬‬
‫قد ْ‬ ‫ضِبي فَ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ غَ َ‬ ‫حل ِ ْ‬‫من ي َ ْ‬ ‫من لعنه الله غضب عليه سبحانه وتعالى‪ ?:‬وَ َ‬
‫كم‬ ‫ُ‬
‫ل أن َب ّئ ُ ُ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫وى ? ]طه‪ [81:‬وقال سبحانه في اليهود المغظوب عليهم ? قُ ْ‬ ‫هَ َ‬
‫قَرد َةَ‬ ‫م ال ِ‬‫ْ‬ ‫من ْهُ ُ‬‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَغَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫ّ‬
‫من لعَن َ ُ‬ ‫ّ‬
‫عند َ اللهِ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫مُثوب َ ً‬ ‫ك َ‬ ‫من ذ َل ِ َ‬ ‫شّر ّ‬ ‫بِ َ‬
‫ت?]المائدة‪.[60:‬‬ ‫غو َ‬ ‫ّ‬
‫خَناِزيَر وَعَب َد َ الطا ُ‬ ‫َوال َ‬‫ْ‬
‫ل حول للعبد ول طول ول قوة له أن يقف أمام لعنة الله جل جلله‪ ،‬وإذا‬
‫حلت لعنة الله على العبد لم يبق شيء في الرض والسماوات إل لعنه‪ .‬كما‬
‫هّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ك َيلعَن ُهُ ُ‬ ‫قال سبحانه في الذين يكتمون دينه وشريعته وأحكامه ?‪ُ ...‬أول َئ ِ َ‬
‫ن ?]البقرة‪.[159:‬‬ ‫عُنو َ‬ ‫م الّل ِ‬ ‫وَي َل ْعَن ُهُ ُ‬
‫الصنف الول ممن لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث‪:‬‬
‫هو من ذبح لغير الله فقال‪" :‬لعن الله من ذبح لغير الله" سبحان من خلق‬
‫الخلق بقدرته‪ ،‬خلق لنا البهائم وسخر لنا خيرها‪ ،‬سخر لنا أن نحمل عليها ?‬
‫س ?]النحل‪? .[ 7:‬‬ ‫ف ِ‬ ‫لن ُ‬‫شق ا َ‬
‫كوُنوا ْ َبال ِِغيهِ إ ِل ّ ب ِ ِ ّ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫م إ َِلى ب َل َد ٍ ل ّ ْ‬ ‫قال َك ُ ْ‬ ‫ل أ َث ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫ة?]النحل‪ .[ 8:‬سخر لنا البل والغنم‬ ‫ها وَِزين َ ً‬ ‫ميَر ل ِت َْرك َُبو َ‬ ‫ح ِ‬‫ل َوال ْ َ‬ ‫ل َوال ْب َِغا َ‬ ‫خي ْ َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫والبقر رحمة منه سبحانه ذي الجود والكرم‪ ،‬سخر لنا لحمها‪ ،‬سخر لنا ألبانها‬
‫وأصوافها وأشعارها أثاثا ً ومتاعا ً إلى حين‪ ،‬فلو نظرت إلى خلقة البعير نظرة‬
‫واعية لعظمت الخالق جل وعل في قلبك وقلت بلسانك وقلبك سبحان الله‬
‫ت وَإ َِلى‬ ‫َ‬
‫ف ُرفِعَ ْ‬ ‫ماء ك َي ْ َ‬ ‫ت وَإ َِلى ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫خل ِ َ‬‫ف ُ‬ ‫ل ك َي ْ َ‬ ‫ن إ َِلى اْل ِب ِ ِ‬ ‫العظيم‪ ? :‬أفََل َينظ ُُرو َ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ت ?] الغاشية‪.[20-17:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫سط ِ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ض ك َي ْ َ‬ ‫ت وَإ ِلى الْر ِ‬ ‫صب َ ْ‬
‫ف نُ ِ‬ ‫ل ك َي ْ َ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫فذكر البل قبل السماوات والرض والجبال‪ .‬هذا الحيوان الضخم العظيم‬
‫سخره الله لبن آدم‪ ،‬سخره للنسان حتى أن الطفل الصغير يمسك بزمام‬
‫البعير يقوده حيث يشاء بقدرة الله جل وعل وتسخيره‪ ،‬سخر لنا ألبانها طعاما ً‬
‫وغذاًء‪ ،‬سخرها سبحانه وتعالى لنا فسخر ظهورها وسخر جميع ما يكون منها‬
‫حتى أبوالها‪ ،‬إذ في أبوالها دواء لبعض المراض وحتى روثها جعل فيها سمادا ً‬
‫وصلحا ً للعباد‪.‬‬
‫كل ذلك من أجل أن نعظم الله ونوحده ونذكره مع الذاكرين ونشكره مع‬
‫م ت َذ ْك ُُروا‬ ‫ووا عََلى ظ ُُهورِهِ ث ُ ّ‬ ‫ست َ ُ‬‫الشاكرين تبارك الله رب العالمين القائل‪ ? :‬ل ِت َ ْ‬
‫هَ‬
‫ما ك ُّنا ل ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫َ‬
‫خَر لَنا هَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سْبحا َ‬ ‫قوُلوا ُ‬ ‫م عَل َي ْهِ وَت َ ُ‬ ‫ست َوَي ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا ا ْ‬ ‫ة َرب ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫ن ?]الزخرف‪.[ 13:‬‬ ‫قرِِني َ‬ ‫م ْ‬‫ُ‬
‫سخر الله لنا بهيمة النعام من البل والبقر والغنم لكي تحيا قلوبنا بذكر الله‬
‫وتعمر ألسنتنا بشكره وحمده جل جلله‪ ،‬فإن حمدناه قبل منا ذلك‪ ،‬وإن‬
‫شكرناه رضي عنا وهو الذي يجزي الشاكرين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أيها المؤمنون ‪ :‬فإذا أراد العبد أن يذبحها وأن يريق دماءها أخذ الله عليه‬
‫العهد أن يجعل ذبحها لوجهه وأن يجعل إراقة دمائها على الرض له سبحانه‬
‫فلو أراق قطرة دم واحدة وقصد بها غير الله جل وعل فقد ضل ضلل ً بعيدا‪ً،‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أشرك بالله جل وعل‪ ،‬ولو أراق قطرة دم تقربا ً لغير الله فقد أشرك وحرم‬
‫الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار هذا المر حق لله جل‬
‫وعل ل يأذن به لحد سواه‪ ،‬ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحي‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ذي فَط ََر ال ّ‬ ‫ي ل ِل ّ ِ‬
‫جهِ َ‬‫ت وَ ْ‬
‫جهْ ُ‬
‫?ّني وَ ّ‬ ‫قال صلوات الله عليه وسلمه‪ِ " :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كي‬‫س ِ‬ ‫صل َِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن? ]النعام‪? [79:‬إ ِ ّ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ما أن َا ْ ِ‬‫حِنيفا ً وَ َ‬‫ض َ‬‫َوالْر َ‬
‫ت وَأ َن َا ْ أ َوّ ُ‬
‫ل‬ ‫مْر ُ‬
‫ك ل َه وبذ َل ِ َ ُ‬
‫كأ ِ‬ ‫ري َ ُ َ ِ‬ ‫ش ِ‬‫ن لَ َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫م َ‬
‫حَيايَ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن?]النعام‪162 :‬ـ ‪ [163‬اللهم ان هذا منك ولك عن محمد وأمته ثم‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سمى الله وكبر وذبح")(‬
‫اللهم هذا منك‪ :‬أنت خلقته وأنت أوجدته وأنت الذي أجريت الروح في هذا‬
‫الجسد‪ ،‬وكذلك هو لك فمن أراق دماءها لغير الله فقد كفر بالله والعياذ بالله‬
‫وإن مات على هذا العتقاد فإن الجنة عليه حرام هذا البلء العظيم والذنب‬
‫الكبير وهو الذبح لغير الله قد ل يقع بصورة واضحة‪ ،‬ولكنه يقع عند كثير من‬
‫الناس بصورة خفية بسبب ما يدلسه الشيطان ويلبسه عليهم‪ .‬ومن أعظم ما‬
‫يقع عند كثير من الناس ذبحهم الذبائح عند بناء البيوت والمساكن من العمائر‬
‫والفلل يذبحون ما شاءوا من بهيمة النعام يلطخون الركان والسس‬
‫والبواب والجدران ويعتقدون في ذلك دفعا ً لذى الجن والشياطين‪ ،‬وهناك‬
‫من يذهب إلى الكهان والمشعوذين ويأمرونهم بالذبح ‪ ،‬سبحان الله العظيم‬
‫الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول يجار عليه ؟ من الذي يغيث؟ من‬
‫الذي يعيذ؟ هو الملذ والمعاذ سبحانه وبحمده‪ ..‬ولكن الجاهل بربه يريق‬
‫الدماء لمن ل يملك له نفعا ً ول ضرا ً ول حياة ول موتا ً ول نشورًا‪ .‬تعالى الله‬
‫عما يشركون‪ .‬فل يجوز إراقة مثل هذه الدماء‪ .‬وهذه الذبائح التي تذبح‬
‫محرمة ل يجوز لنسان أن يطعمها لنها من الفسق الذي أهل به لغير الله‪.‬‬
‫فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أن حقوق الله عظيمة‪ ،‬حقوق الله في‬
‫توحيده واليمان به سبحانه والخلص لوجهه ل يجوز صرف شيء من‬
‫العبادات لغير الله‪.‬‬
‫أما الكبيرة الثانية التي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلها ‪ ،‬فلعن‬
‫الوالدين‪ .‬ومن هذا الذي يستطيع أن يلعن أباه وأمه؟ من هذا الذي عنده‬
‫الجرأة أن يرفع وجهه في وجه أبيه فيلعنه ـ والعياذ بالله ـ قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال‪" :‬يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه‬
‫فيسب أمه")( سب آباء الناس وسب أمهاتهم يتسبب في سب والديك فإياك‬
‫أن تلعن آباء الناس في ُل َْعن آباؤك‪ ،‬وإياك أن تلعن أمهاتهم فتلعن أمهاتك‪ .‬فاتق‬
‫الله في والديك‪.‬‬
‫من الناس من جعله الله رحمة لوالديه يحسن إلى اليتام ويحسن إلى‬
‫الرامل والضعفة من بني السلم فيدعون له ويترحمون على والديه فيكون‬
‫مفتاح خير لهم في الدنيا والخرة ومن الناس من هو شقي طريد يؤذي‬
‫الناس ويسيء إليهم فيكون سببا ً في لعن والديه‪ ،‬نسأل الله السلمة‬
‫والعافية‪.‬‬
‫من لعن والديه فقد وقع في العقوق ومن أصاب العقوق لم يأمن من سوء‬
‫الخاتمة والعياذ بالله قال صلى الله عليه وسلم "ل يدخل الجنة عاق")( قال‬
‫بعض العلماء‪ :‬أي أن الله ل ييسر للعاق حسن الخاتمة ‪ ،‬بل يموت على سوء‬
‫الخاتمة فيدخل النار والعياذ بالله‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫الكبيرة الثالثة التي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلها هي إيواء‬
‫المحدثين‪" :‬لعن الله من آوى محدثًا"‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحدث هو المجرم الذي أحدث الفساد في الرض‪ ،‬وكانت العرب في‬


‫الجاهلية تفعل ذلك يقدم المجرمون السفاحون على سفك الدماء وانتهاك‬
‫الحرمات ثم يذهبون إلى أقربائهم إلى أبناء العم وإلى القبيلة والعشيرة‬
‫فيجتمعون حولهم ويحفظون هذا القاتل ويدافعون عنه‪ .‬كل ذلك حمية‬
‫وعصبية وظلما ً وعدوانا ً فلعن الله ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫آوى المجرمين ونصرهم وآزرهم ووقف معهم‪ ،‬من فعل ذلك فعليه لعنة الله‬
‫والملئكة والناس أجمعين‪ .‬كيف تستقيم الحياة وكيف يطمئن الناس إذا أصبح‬
‫المجرمون في مأمن مع ما يأتون ويفعلون من الجرائم والفواحش‬
‫والمنكرات؟ بهذه الطريقة وبهذا السلوب تسود الفوضى ويصبح الناس في‬
‫قلق عظيم وبلء عميم ‪ .‬فإياك إياك أن تناصر الظالمين ‪ ،‬وإياك أن تجادل‬
‫عن الذين يختانون أنفسهم فتكون معهم‪.‬‬
‫موا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫شُروا ال ِ‬ ‫ح ُ‬
‫وتحشر في زمرتهم والعياذ بالله كما قال سبحانه‪ ? :‬ا ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ ?‬‫ج ِ‬‫ط ال َ‬ ‫م إ َِلى ِ‬
‫صَرا ِ‬ ‫ن الل ّهِ َفاهْ ُ‬
‫دوهُ ْ‬ ‫من ُدو ِ‬
‫ن ِ‬
‫دو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْب ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬
‫جهُ ْ‬
‫وَأْزَوا َ‬
‫] الصافات‪.[23-22:‬‬
‫احشروا الذين ظلموا ومن ناصرهم وآزرهم وكانوا معهم فإياك أن تكون‬
‫للظالمين ظهيرا ً ومعينًا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إيواء المحدثين أشد ما يكون في الحرم الذي حرمه الله ورسوله ومن ذلك‬
‫حرم المدينة النبوية التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"المدينة حرم من عير إلى ثور‪ ،‬من أحدث فيها حدثا ً أو آوى محدثا ً فعليه لعنة‬
‫الله والملئكة والناس أجمعين‪ ،‬ل يقبل الله منه صرفا ً ول عدل ً يوم القيامة")(‬
‫قال العلماء‪ :‬أي أن الله ل يقبل منه حسنة واحدة ل صرفا ً ول عدل ً ل فريضة‬
‫ول نافلة‪ .‬إيواء المحدثين إيواء أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأعداء صحابته رضوان الله عليهم‪ ،‬فليتق الله كل مسلم‪ ،‬وليعلم أن‬
‫الله سائله عما يكون منه وما يذر‬
‫ومن صور إيواء المحدثين إيواء عصابات السرقات وإيواء العصابات والمافيا‬
‫ممن يفسدون الخلق وينشرون الزنا والنحلل‪ ،‬فل يجوز لنسان أن يؤجر‬
‫منزل ً أو شقة لهؤلء المحدثين المجرمين فمن فعل ذلك وتستر عليهم لعنه‬
‫الله والملئكة والناس‪.‬‬
‫الكبيرة الرابعة الملعون فاعلها‪ :‬تغيير منار الرض‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬لعن الله من غير منار الرض" منار الرض هي العلمات التي يهتدي‬
‫بها الناس في أسفارهم ويهتدي بها الغريب ‪ ،‬إذا نزل مدينة أو قرية اهتدى‬
‫بهذا المنار كأن تكتب أسماء الحياء أو أسماء المدن والقرى‪ ،‬فمن أزال هذه‬
‫السماء فإنه يكون سببا ً في ضلل الغريب وتعبه وعنائه ولربما يكون سببا ً‬
‫في هلكه ‪ ،‬ول يسلم من هذه اللعنة من يقومون بالعبث باللوحات الرشادية‬
‫إما بطمسها أو تحريفها وتبديلها ‪ .‬قال بعض العلماء‪ :‬لو كان هناك حجرا ً في‬
‫الطريق يعرف الناس أن هذه الصخرة هي نهاية بلد كذا أو دليل ً على قرية‬
‫معينة أو دليل ً على طريق معين فحرفها أصابته اللعنة والعياذ بالله‪ ،‬فكيف‬
‫بمن يطمس العلمات ويغير منار الرض ما يقع في حدود الراضي فإن تغيير‬
‫معالم الراضي وتقديمها وتأخيرها وتصغيرها وتكبيرها وتوسيعها وتضييقها كله‬
‫من العبث بمنار الرض‪ .‬فإذا كانت بينك وبين جارك حد فاصل فقدمته أو‬
‫أخرته فقد غيرت منار الرض‪ ،‬فتصيبك لعنة الله ولعنة رسوله‪ .‬إن العبث في‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حدود الرض سواء كان ذلك العبث على طبيعة الرض أو كان ذلك داخل‬
‫البصائر والمستندات والمخططات ونحوها من الوثائق فكل ذلك من العبث‬
‫ل الله صلى الله عليه‬ ‫وتغيير منار الرض وطمس معالمها الذي لعن رسو ُ‬
‫وسلم من فعله‪ .‬فاتقوا الله أيها الناس‪ ،‬وابتعدوا عن هذه الموبقات وغيرها‬
‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م ت ُوَّفى‬ ‫وما ً ت ُْر َ‬
‫جُعو َ‬ ‫قوا ْ ي َ ْ‬
‫وتوبوا إلى الله قبل أن تموتوا ? َوات ّ ُ‬
‫ن?]البقرة‪.[281 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬
‫ت وَهُ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س ّ‬‫ف ٍ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬
‫أيها المؤمنون‪ :‬لقد سمعتم وشاهدتم الحادث الجلل الذي وقع في إيران حيث‬
‫ضربت بزلزال مدمر ذهب فيه عشرات اللوف وشرد ويتم أمثالهم‪ ،‬فخذوا‬
‫من ذلك الدرس والعبرة واعلموا أن أرضكم هذه التي أنتم عليها ليست لكم‬
‫وأن الجبار تبارك وتعالى يري عباده بعض آياته ليستيقظوا ويحذروا أسباب‬
‫سخط الله تعالى‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‬
‫صحيح مسلم‪ :‬باب‪ :‬تحريم الذبح لغير الله تعالى‪ ،‬ولعن فاعله‪ :‬الحديث رقم‪:‬‬
‫)‪. (1978‬‬
‫)‪ (2‬سنن الدارمي ‪ ،2/103‬حديث رقم‪ ،1946 :‬وقال حسين سليم أسد‪:‬‬
‫إسناده ضعيف‪ ،‬ولكن الحديث صحيح بشواهده‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ :‬باب‪ :‬ل يسب الرجل والديه‪:‬الحديث رقم‪ (5628) :‬عن عبد‬
‫الله ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما ‪ .‬و أخرجه مسلم في اليمان‪ ،‬باب‪:‬‬
‫بيان الكبائر وأكبرها‪ ،‬رقم‪90 :‬‬
‫مسند أحمد ‪ ،2/203‬حديث رقم‪ ،6892 :‬وقال شعيب الرنؤوط‪ :‬صحيح‬
‫لغيره‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ :‬باب‪ :‬إثم من تبرأ من مواليه‪:‬الحديث رقم‪ (6374 ):‬عن علي‬
‫رضي الله تعالى عنه ‪ .‬وصحيح مسلم‪ :‬مسلم في الحج‪ ،‬باب‪ :‬فضل المدينة‬
‫ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة‪ .‬وفي العتق‪ ،‬باب‪ :‬تحريم‬
‫تولي العتيق غير مواليه‪ ،‬رقم‪.(1370):‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الذكر الجماعي بصوت واحد‬


‫بيان وتوضيح حول حكم‬
‫التكبير الجماعي قبل صلة العيد‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‪ .‬وبعد‪ :‬فقد اطلعت على ما نشره فضيلة الخ الشيخ‪ :‬أحمد‬
‫بن محمد جمال ‪ -‬وفقه الله لما فيه رضاه ‪ -‬في بعض الصحف المحلية من‬
‫استغرابه لمنع التكبير الجماعي في المساجد قبل صلة العيد لعتباره بدعة‬
‫يجب منعها ‪ ،‬وقد حاول الشيخ أحمد في مقاله المذكور أن يدلل على أن‬
‫التكبير الجماعي ليس بدعة وأنه ل يجوز منعه ‪ ،‬وأيد رأيه بعض الكتاب ؛‬
‫ولخشية أن يلتبس المر في ذلك على من ل يعرف الحقيقة نحب أن نوضح‬
‫أن الصل في التكبير في ليلة العيد ‪ ،‬وقبل صلة العيد في الفطر من رمضان‬
‫‪ ،‬وفي عشر ذي الحجة ‪ ،‬وأيام التشريق ‪ ،‬أنه مشروع في هذه الوقات‬
‫ُ‬
‫ملوا‬ ‫ْ‬
‫العظيمة وفيه فضل كثير؛ لقوله تعالى في التكبير في عيد الفطر‪ :‬وَل ِت ُك ِ‬
‫ن وقوله تعالى في عشر‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫م وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫داك ُ ْ‬
‫ما هَ َ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫ال ْعِد ّة َ وَل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫س َ ّ‬
‫م اللهِ ِفي أّيام ٍ‬ ‫مَنافِعَ ل َهُ ْ‬
‫م وَي َذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ذي الحجة وأيام التشريق‪ :‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫مةِ الن َْعام ِ الية ‪ ،‬وقوله عز وجل‪َ :‬واذ ْكُروا‬ ‫ن ب َِهي َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ما َرَزقَهُ ْ‬ ‫ت عََلى َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫معُْلو َ‬ ‫َ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ت الية‪ .‬ومن جملة الذكر المشروع في هذه اليام‬ ‫دوَدا ٍ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ه ِفي أّيام ٍ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫المعلومات والمعدودات التكبير المطلق والمقيد ‪ ،‬كما دلت على ذلك السنة‬
‫المطهرة وعمل السلف‪ .‬وصفة التكبير المشروع‪ :‬أن كل مسلم يكبر لنفسه‬
‫منفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به‪ .‬أما التكبير‬
‫الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة ‪ -‬اثنان فأكثر ‪ -‬الصوت بالتكبير جميعا‬
‫يبدءونه جميعا وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة‪ .‬وهذا العمل ل أصل‬
‫له ول دليل عليه ‪ ،‬فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان ‪،‬‬
‫فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد أي مردود غير مشروع ‪ .‬وقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضللة والتكبير الجماعي محدث فهو بدعة‪ .‬وعمل الناس إذا خالف الشرع‬
‫المطهر وجب منعه وإنكاره ؛ لن العبادات توقيفية ل يشرع فيها إل ما دل‬
‫عليه الكتاب والسنة ‪ ،‬أما أقوال الناس وآراؤهم فل حجة فيها إذا خالفت‬
‫الدلة الشرعية ‪ ،‬وهكذا المصالح المرسلة ل تثبت بها العبادات ‪ ،‬وإنما تثبت‬
‫العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي ‪ .‬والمشروع أن يكبر‬
‫المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالدلة الشرعية وهي التكبير فرادى ‪.‬‬
‫وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي‬
‫الديار السعودية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬وأصدر في ذلك فتوى ‪ ،‬وصدر مني في منعه‬
‫أكثر من فتوى ‪ ،‬وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫العلمية والفتاء‪ .‬وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله‬
‫رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه ‪ ،‬وهي مطبوعة ومتداولة وفيها من الدلة‬
‫على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي ‪ -‬والحمد لله ‪ -‬أما ما احتج به‬
‫الخ الشيخ أحمد من فعل عمر رضي الله عنه والناس في منى فل حجة فيه؛‬
‫لن عمله رضي الله عنه وعمل الناس في منى ليس من التكبير الجماعي ‪،‬‬
‫وإنما هو من التكبير المشروع ؛ لنه رضي الله عنه يرفع صوته بالتكبير عمل‬
‫بالسنة وتذكيرا للناس بها فيكبرون ‪ ،‬كل يكبر على حاله ‪ ،‬وليس في ذلك‬
‫اتفاق بينهم وبين عمر رضي الله عنه على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من‬
‫أوله إلى آخره ‪ ،‬كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الن ‪ ،‬وهكذا جميع ما‬
‫يروى عن السلف الصالح ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬في التكبير كله على الطريقة‬
‫الشرعية ومن زعم خلف ذلك فعليه الدليل ‪ ،‬وهكذا النداء لصلة العيد أو‬
‫التراويح أو القيام أو الوتر كله بدعة ل أصل له ‪ ،‬وقد ثبت في الحاديث‬
‫الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلة العيد بغير‬
‫أذان ول إقامة ‪ ،‬ولم يقل أحد من أهل العلم فيما نعلم أن هناك نداء بألفاظ‬
‫أخرى ‪ ،‬وعلى من زعم ذلك إقامة الدليل ‪ ،‬والصل عدمه ‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يشرع أحد عبادة قولية أو فعلية إل بدليل من الكتاب العزيز أو السنة‬
‫الصحيحة أو إجماع أهل العلم ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬لعموم الدلة الشرعية الناهية عن‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُ ْ‬
‫شَر ُ‬ ‫شَر َ‬
‫كاُء َ‬ ‫البدع والمحذرة منها ‪ ،‬ومنها قول الله سبحانه‪ :‬ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬
‫ْ‬
‫ه ومنها الحديثان السابقان في أول هذه الكلمة ‪،‬‬ ‫ن ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ن َ‬
‫دي ِ‬‫ال ّ‬
‫ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه‬
‫فهو رد متفق على صحته‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة‪:‬‬
‫أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة خرجه مسلم في صحيحه ‪،‬‬
‫والحاديث والثار في هذا المعنى كثيرة‪ .‬والله المسئول أن يوفقنا وفضيلة‬
‫الشيخ أحمد وسائر‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه ‪ ،‬وأن يجعلنا جميعا من دعاة الهدى‬
‫وأنصار الحق ‪ ،‬وأن يعيذنا وجميع المسلمين من كل ما يخالف شرعه إنه‬
‫جواد كريم‪ .‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫الرئيس العام لدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد ‪ /‬عبد العزيز‬
‫بن عبد الله بن باز‬
‫صدر هذا البيان من مكتب سماحته ‪.‬‬
‫المصدر ‪ /‬موقع الشيخ ابن باز‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫س ‪ 151‬يقول السائل‪ :‬لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون‬
‫كل يوم الجمعة ويوم الثنين ويذكرون الله بهذا الذكر‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬ويقولون‬
‫في النهاية‪ :‬الله‪ .‬الله بصوت عال فما حكم عملهم هذا؟‬
‫الجواب‪ :‬هذه العقيدة التيجانية من العقائد المبتدعة والطرق المنكرة‪ ،‬وفيها‬
‫منكرات كثيرة‪ ،‬وبدع كثيرة‪ ،‬ومحرمات شركية يجب تركها‪ ،‬ول يؤخذ منها إل‬
‫ما وافق الشرع المطهر الذي جاء به نبينا محمد عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫والجتماع على الذكر بصوت جماعي ل أصل له في الشرع‪ ،‬وهكذا الجتماع‬
‫بقول‪ :‬الله‪ .‬الله‪ ،‬أو‪ :‬هو‪ .‬هو‪ ،‬إنما الذكر الشرعي أن يقول‪ :‬ل إله إل الله فهذا‬
‫هو الذكر الشرعي‪ ،‬أو سبحان الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬والله أكبر‪ ،‬ول حول ول قوة‬
‫إل بالله‪ ،‬أستغفر الله‪ ،‬اللهم اغفر لي‪ ،‬أما الجتماع بصوت واحد‪ :‬ل إله إل الله‬
‫أو‪ :‬الله‪ .‬الله‪ ،‬أو‪ :‬هو‪ .‬هو؛ فهذا ل أصل له‪ ،‬بل هو من البدع المحدثة‪.‬‬
‫فالواجب على المسلمين ترك البدع‪ ،‬لن الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫يقول‪ :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد يعني فهو مردود ويقول‪:‬‬
‫من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد‬
‫ويقول أيضا عليه الصلة والسلم‪ :‬وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة‬
‫بدعة وكل بدعة ضللة وكان يخطب في الجمعة صلى الله عليه وسلم‬
‫فيقول‪ :‬أما بعد‪ :‬فإن أصدق الحديث كتاب الله‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وشر المور محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضللة‬
‫فالواجب على المسلمين أن يحذروا البدع كلها سواء كانت تيجانية أو غيرها‪،‬‬
‫وأن يلتزموا بما شرعه الله على لسان نبيه ورسوله محمد عليه الصلة‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ُ‬ ‫والسلم‪ ،‬هذا هو الواجب على المسلمين‪ ،‬كما قال الله عز وجل‪ :‬وَ َ‬
‫ه َفان ْت َُهوا ]الحشر‪ ،[7 :‬وقال سبحانه وتعالى‪َ :‬يا‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫مرِ ِ‬‫ل وَأوِلي ال ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ِ‬
‫م‬‫فت ُ ْ‬ ‫خت َل َ ْ‬‫ما ا ْ‬‫ل النساء‪ [59 :‬وقال عز وجل‪ :‬وَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫يٍء فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ِفي َ‬
‫صلةَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ه إ ِلى اللهِ ]الشورى‪ [10 :‬وقال تعالى‪ :‬وَأِقي ُ‬ ‫م ُ‬‫حك ُ‬ ‫يٍء ف ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِفيهِ ِ‬
‫ن ]النور‪.[56 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ت ُْر َ‬
‫سول لعَلك ْ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫َوآُتوا الّزكاةَ وَأ ِ‬
‫فالواجب على أهل السلم من الرجال والنساء طاعة الله ورسوله والحذر‬
‫من البدع في الدين‪ ،‬بل الله كفانا سبحانه وتعالى‪ ،‬وأتم لنا النعمة وأكمل لنا‬
‫َ‬ ‫الدين‪ ،‬كما قال عز وجل‪ :‬ال ْيو َ‬
‫مِتي‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬‫م ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬‫مل ْ ُ‬‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِديًنا ]المائدة‪ [3 :‬فالسلم الذي رضيه الله وأكمله لنا‬ ‫سل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫وََر ِ‬
‫علينا أن نلتزم به وأن نستقيم عليه وأن نحافظ عليه‪ ،‬وأل نحدث في الدين ما‬
‫لم يأذن به الله‬
‫ونسأل الله للجميع الهداية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشيخ عبد العزيز بن باز‬


‫المصدر ‪ /‬موقع الشيخ ابن باز‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الذكر و الحذف في القرآن الكريم‬


‫الحمد لله و الصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد‪:‬‬
‫فإن الله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين‪ ،‬فالتعابير القرآنية بالغة غاية‬
‫الكمال في البلغة؛ لن الله تعالى أحكم آياته وتحدى به أفصح العرب فعجزوا‬
‫عن معارضته مع ما آتاهم الله تعالى من الفصاحة‪ ،‬ومع حرصهم الشديد على‬
‫إبطاله‪ ،‬ومع هذا كله عجزوا عن التيان بمثله ‪ ،‬أو بسورة مثله‪ ،‬والقرآن هو‬
‫معجزة الله الخالدة إلى قيام الساعة‪ ،‬والعجاز البياني واحد من أوجه إعجاز‬
‫ّ‬
‫قوله تعالى‪ُ ( :‬قل لئ ِ ِ‬
‫ن‬
‫ْ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬تحدى الله تعالى به النس والجن في‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث ْل ِهِ وَلوْ كا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ل ي َأُتو َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫ن عََلى أن ي َأُتوا ْ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬
‫ل هَ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫لن ُ‬
‫تا ِ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬
‫ا ْ‬
‫ض ظِهيرا ) ]السراء ‪. [88 :‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫فالقرآن له نمطه الخاص في التركيب‪ ،‬إذ يجد المتمرس في أساليب العربية‬
‫وطرائقها في التعبير أن نمط الجملة العربية في القرآن فريد متميز‪.‬‬
‫ونحن نذكر وجها ً من أوجه العجاز البياني أل وهو الذكر والحذف للكلمات‬
‫والحروف‪ ،‬فقد يذكر الحرف في كلمة في موطن ما‪ ،‬ويحذف هذا الحرف‬
‫من نفس الكلمة في موطن آخر‪ ،‬وتذكر الكلمة في موطن ما وتحذف في‬
‫موطن آخر مع اقتضاء ذكرها ‪ ،‬وذكرها وحذفها ليس عشوائيا ً وإنما لحكمة قد‬
‫نعلمها وقد ل نعلمها‪ ،‬وقد نعلم جزءا ً منها‪.‬‬
‫ولكن ينبغي أن يعلم أن الحذف إذا ُنسب في القرآن فإننا ل ننسب الحذف‬
‫إلى مضمون القرآن بل ننسبه إلى تركيب اللغة‪ ،‬فاللغة تجعل للجملة العربية‬
‫أنماطا ً تركيبية معينة فإذا لم تشتمل على بعض هذه التراكيب عددنا ذلك‬
‫حذفًا‪.‬‬
‫وللحذف أغراض كثيرة ذكرها البلغيون ليس هذا مجال ذكرها ولكننا سنذكر‬
‫بعض أمثلة إعجاز القرآن البياني في حذف وذكر بعض الكلمات والحروف‪.‬‬
‫والله المستعان‪..‬‬
‫المبحث الول ‪:‬‬
‫الذكروالحذف في الحروف‬
‫من روائع البيان القرآني المعجز أنه يحذف حرفا ً من بعض ألفاظه في موضع‬
‫ويذكره في موضع آخر‪ ،‬وحذف هذا الحرف ليس حذفا ً اعتباطيا ً كما أن ذكره‬
‫ليس مصادفة عشوائية إنما ذكره لحكمه وصرفه لحكمه‪.‬‬
‫وهناك أغراض يذكرها النحاة في هذا الباب فيقولون‪ :‬زيادة المبنى تدل على‬
‫زيادة المعنى إلى غيرها من الغراض النحوية العربية وفي القرآن نجد من‬
‫هذا كثيرا ً ولكن يحكمه التوازن الدقيق ليس في بعض أبوابه بل في كل‬
‫أبوابه‪.‬‬
‫ولننظر إلى بعض المثلة في حكمة ذكر أو حذف بعض حروف الكلمات في‬
‫القرآن الكريم المثال الول‪:‬‬
‫ع" و"تستطع" ‪.‬‬ ‫"تسط ِ ْ‬
‫وردت هاتان الكلمتان في قصة موسى والخضر حيث رافق موسى الخضر‬
‫وأمره بعدم سؤاله عما يفعله فكان يفعل أمورا ً يرى موسى أن الخضر فيها‬
‫ك‬‫ذا فَِراقُ ب َي ِْني وَب َي ْن ِ َ‬ ‫مخالفا ً فينكر عليه فقال له بعد إنكاره الفعل الثالث‪ ( :‬هَ َ‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صْبرا ً ) ] الكهف‪ 78:‬بإثبات التاء [ ‪.‬‬ ‫سأ ُنبئ ُ َ ْ‬


‫طع عّل َي ْهِ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م تَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫ل َ‬
‫ك ب ِت َأِوي ِ‬ ‫َ َّ‬
‫ن‬
‫ه عَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما فعَلت ُ ُ‬ ‫ثم نبأه بتأويل أفعاله وأخبره أنه لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه (وَ َ‬
‫صْبرا ً ) ] الكهف‪[ 82 :‬‬ ‫طع عّل َي ْهِ َ‬ ‫س ِ‬‫م تَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ك ت َأ ِْوي ُ‬
‫ري )" ثم قال له‪ ( :‬ذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ّّ‬ ‫بحذف التاء‪.‬‬
‫ّّ‬
‫وجه العجاز البلغي هنا أن المرة الولى كان موسى في قلق مح ِّّير جّراء‬
‫ِ‬
‫أفعال الخضر فراعى السياق القرآني الثقل النفسي الذي يعيشه ِِِموسى‬
‫ِِ‬
‫الثقل في نطق‬ ‫ِ‬ ‫عليه السلم فأثبت التاء ليتناسب مع الثقل النفسي لموسى‪،‬‬
‫الكلمة بزيادة الحرف‪.‬‬
‫وحذفه في المرة الثانية بعد زوال الحيرة وخفة الهم عن موسى ليتناسب‬
‫خفة الهم مع خفة الكلمة بحذف الحرف الذي ليس من أصل الكلمة‪.‬‬
‫المثال الثاني‪:‬‬
‫"اسطاعوا" و"استطاعوا"‪:‬‬
‫جاءت هاتان الكلمات في سورة الكهف في الحديث عن السد الذي بناه ذو‬
‫القرنين على يأجوج ومأجوج وأنه بعد أن بناه عليهم كي يمنع فسادهم أرادوا‬
‫الخروج فحاولوا تسلق السد فلم يفلحوا ثم حاولوا أن ينقبوه أو يخربوه فلم‬
‫طا ُ َ‬
‫عوا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫عوا أن ي َظ ْهَُروه ُ وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫يستطيعوا كذلك‪ ،‬قال تعالى‪ (:‬فَ َ‬
‫قبا ً ) ]الكهف ‪. [97 :‬‬ ‫نَ ْ‬
‫فلماذا حذف التاء في الولى وأثبته في الثانية ؟ ‪ .‬يظهر والله أعلم أن ذلك‬
‫ليتناسب مع السياق فتسلق السد شيء لطيف يحتاج إلى لطف وخفة‬
‫فناسب حذف التاء والنقب والخراب شيء ثقيل يحتاج إلى جهد وقوة‬
‫ومعدات ثقيلة فناسب ذكر التاء ليكون ثقل الكلمة مناسب لثقل الفعل وخفة‬
‫س‬
‫لن ُ‬ ‫تا ِ‬ ‫معَ ِ‬‫جت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ّ‬
‫لخفة الفعل)‪ (1‬فسبحان ْالقائل‪(ُ :‬قل لئ ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫الكلمة مناسب‬
‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث ْل ِهِ وَلوْ كا َ‬ ‫ن ل َ ي َأُتو َ‬ ‫ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫ن عََلى أن ي َأُتوا ب ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫قْرآ ِ‬
‫ذا ال ُ‬ ‫ج ّ‬
‫ظ َِهيرًا)]السراء‪.[88 :‬‬
‫وذكر الدكتور فاضل السامّرائي بعض حالت ذكر و حذف الحرف في القرآن‬
‫الكريم فقال‪ :‬نذكر من حالت ذكر وحذف الحرف في القرآن الكريم حالتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬عندما يحتمل التعبير ذكر أكثر من حرف‪ ،‬ومع ذلك يحذفه‪ ،‬وقد‬
‫يحتمل التعبير ذكر أكثر من حرف‪ ،‬والثانية عندما ل يحتمل التعبير ذكر حرف‬
‫بعينه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن ) ] النمل ‪ [ 91:‬يحتمل أن‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬


‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬
‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫الحالة الولى‪ ( :‬وَأ ِ‬
‫يكون المحذوف)الباء(؛ لن المر عادة يأتي مع حرف الباء )أمرت بأن( كما‬
‫في قوله تعالى )تأمرون بالمعروف( كما يحتمل التعبير ذكر حرف اللم‬
‫)وأمرت لن أكون أول المسلمين( فلماذا حذف؟ هذا ما يسمى التوسع في‬
‫المعنى وأراد تعالى أن يجمع بين المعنيين )الباء واللم( فإذا أراد التخصيص‬
‫ذكر الحرف وإذا أراد كل الحتمالت للتوسع في المعنى يحذف‪.‬‬
‫ب َأن ل ّ ي ِ ُ‬
‫قوُلوا ْ عََلى الل ّهِ إ ِل ّ‬ ‫ميَثاقُ ال ْك َِتا ِ‬ ‫خذ ْ عَل َي ِْهم ّ‬
‫م ي ُؤْ َ‬ ‫َ‬
‫مثال ‪ ( :‬أل َ ْ‬
‫حق) ] العراف ‪. [169:‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫خذ ْ عَل َي ِْهم ّ‬
‫ميَثاقُ‬ ‫في الية حرف جر محذوف‪ ،‬يحتمل أن يكون )في( ( أل َ ْ‬
‫م ي ُؤْ َ‬
‫حق) ] العراف ‪[169:‬‬ ‫قوُلوا ْ عََلى الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ب َأن ل ّ ي ِ ُ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫ويحتمل أن يكون )اللم( )ألم يؤخذ عليكم ميثاق الكتاب لئل يقولوا على الله‬
‫إل الحق( ويحتمل أن يكون )على( )ألم يؤخذ عليكم ميثاق الكتاب على أل‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقولوا على الله إل الحق( ويحتمل أن يكون بالباء )ألم يؤخذ عليكم ميثاق‬
‫الكتاب بأل يقولوا على الله إل الحق( لذا فهذا التعبير يحتمل كل معاني الباء‬
‫واللم وفي وعلى للتوسع في المعنى أي أنه جمع أربع معاني في معنى واحد‬
‫بحذف الحرف‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬يحذف الحرف في موقع ل يقتضي إل الحذف بالحرف‪ ،‬والذكر‬
‫يفيد التوكيد بخلف الحذف )مررت بمحمد وبخالد( أوكد من )مررت بمحمد‬
‫وخالد(‪ .‬مثال من القرآن الكريم‪:‬في سورة آل عمران قال تعالى‪ِ( :‬إن‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك الّيا ُ‬ ‫ه وَت ِل ْ َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫قو ْ َ‬‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ص‬
‫ح َ‬ ‫م ّ‬‫ن وَل ِي ُ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ب الظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫داء َوالل ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫وَل ِي َعْل َ‬
‫ن) ]آل عمران ‪.[141،142:‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫حقَ الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا وَي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫إذا كان التعبير يحتمل تقدير أكثر من حرف ُيحذف للتوسع في المعنى‬
‫وعندما ليحتمل إل حرفا ً بعينه فيكون في مقام التوكيد أو التوسع‬
‫داوِل َُها‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك الّيا ُ‬ ‫ه وَت ِل ْ َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫وشموله‪ِ(:‬إن ي َ ْ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫داء َوالل ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫س وَل ِي َعْل َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ن)]آل عمران‪ [142:‬ذكرت اللم في كلمة )ليعلم( وحذفت في كلمة‬ ‫مي َ‬ ‫الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬
‫)يّتخذ( الية الولى نزلت بعد معركة أحد )ليعلم الله الذين آمنوا( غرض عام‬
‫يشمل كل مؤمن ويشمل عموم المؤمنين في ثباتهم وسلوكهم أي مما يتعلق‬
‫به الجزاء ول يختص به مجموعة من الناس فهو غرض عام إلى يوم القيامة‬
‫والله أعلم‪ .‬وهذا علم يتحقق فيه الجزاء‪ .‬أما في قوله )يتخذ منكم شهداء(‬
‫ليست في سعة الغرض الول فالشهداء أقل من عموم المؤمنين‪.‬‬
‫مُنوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ص الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫وكذلك في قوله تعالى في سورة آل عمران‪( :‬وَل ِي ُ َ‬
‫ن) ]آل عمران‪ [141 :‬ذكرت في )ليمحص( ولم تذكر في‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫حقَ ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫)يمحق(‪ .‬غرض عام سواء في المعركة )أحد( أو غيرها لمعرفة مقدار ثباتهم‬
‫وإخلصهم وهو أكثر اتساعا ً وشمول ً من قوله تعالى‪) :‬ويتخذ منكم شهداء(‬
‫ويمحق الكافرين ليست بسعة )ليمحص الله( لم تخلو الرض من الكافرين‬
‫ولم يمحقهم جميعا ً ‪ .‬زوال الكافرين ومحقهم على وجه العموم ليست الحال‬
‫وليست بمقدار الغرض الذي قبله‪) .‬ليعلم الله( غرض كبير متسع وكذلك قوله‬
‫تعالى )ليمحص الله( إنما قوله تعالى‪) :‬يتخذ منكم( و)يمحق الكافرين(‬
‫فالغرض أقل اتساعا ً لذا كان حذف الحرف )لم(‪.‬‬
‫ما ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل ِي ُ َ‬ ‫دورِك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫أما في قوله تعالى ‪( :‬وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬
‫دوِر) ] آل عمران‪.[ 154:‬هنا الغرضين بدرجة واحدة من‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫التساع ولهذا وردت اللم في الحالتين‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الذكر والحذف لبعض كلمات الية‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫ساء ك َْرها ) ] النساء‬ ‫م أن ت َرُِثوا الن ّ َ‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫‪ [ 19 :‬مع أن أكثر المنهيات كانت تلي حرف النهي مباشرة كقوله تعالى‪:‬‬
‫"ول تقتلوا أولدكم" وقوله ‪( :‬ول تقربوا الزنى) وقوله‪( :‬ول تقربوا مال‬
‫اليتيم)‪ ..‬الخ المنهيات‪ ،‬ففي هذه الية لم يقل ل ترثوا النساء كرها ً بل قال "ل‬
‫يحل لكم‪..‬الخ"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وعند البحث عن نظائر هذه الية كقوله تعالى‪( :‬ليحل لكم أن تأخذوا مما‬
‫أتيتموهن شيئًا)]النساء‪ .[229:‬يبدو والله أعلم أن هذه الكلمة إنما يأتي‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بجانب قضايا كان الناس يزاولونها من دون أن يروا بها بأسا ً أو حرجا ً‬
‫كالقضايا السابقة بل كانت عادات منتشرة بين العرب‪ ،‬أما بقية المنهيات‬
‫الخرى كالقتل والزنى وأكل مال اليتيم وغيرها فهي أمور تنفر منها العقول‬
‫السليمة والطباع المستقيمة وتنكرها العراف السائدة ل يقرها عقل ول‬
‫شرع لذلك كان النهي عنها مباشرا ً لما جبل في الفطرة على النفور منها‬
‫بخلف الشياء السابقة المقررة عندهم فتحتاج لترسيخ التحريم ألفاظا ً قوية‬
‫حادة قاطعة ‪ .‬فانظر إلى جمال التعبير القرآني لهذه المور حتى ل يساورها‬
‫شك في التحريم ‪ .‬فهذه فروق عجيبة في التعبير أعجزت أفصح البلغاء عن‬
‫معارضته سبحان العليم الخبير)‪.(2‬‬
‫‪ 1‬ـ جاء في قوله تعالى في حديثه عن الزوجين اللذين ل يستطيعان مواصلة‬
‫كيما ً‬ ‫سعا ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫سعَت ِهِ وَ َ‬ ‫ه ك ُل ّ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫فّرَقا ي ُغْ ِ‬ ‫الحياة الزوجية ( وَِإن ي َت َ َ‬
‫) ]النساء ‪. [130 :‬‬
‫وجاء في قوله تعالى مبينا حرمة دخول المشركين إلى المسجد الحرام‬ ‫ً‬
‫قَرُبوا ْ‬ ‫َ‬
‫س فَل َ ي َ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ا ل ْ ُ‬ ‫مُنوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫للمفارقة العقدية ( َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫من فَ ْ‬
‫ضل ِهِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ف ي ُغِْنيك ُ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫م عَي ْل َ ً‬ ‫فت ُ ْ‬‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذا وَإ ِ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ب َعْد َ َ‬
‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ) ] التوبة ‪. [28 :‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫شاء إ ِ ّ‬ ‫ِإن َ‬
‫فلماذا ذكر في الية الخيرة " إن شاء" ولم يذكرها في السابق مع أن‬
‫الحديث عن موضوع واحد وهو الغناء وكذلك كل شيء إنما يكون بمشيئة‬
‫الله تعالى‪..‬‬
‫والذي يظهر والله أعلم أن الية الولى جاءت خطابا ً لبعض الفراد الذين‬
‫تعسر عليهم مواصلة الحياة الزوجية رجال ً كانوا أم نساء فأراد الله تبارك‬
‫وتعالى _ والله أعلم بما ينزل _ أن يبين لهم سعة فضله وواسع رزقه وعظيم‬
‫تيسيره ‪.‬‬
‫وأما الية الثانية فجاءت خطابا للمة والمة لبد أن تتعود التضحية للمحافظه‬ ‫ً‬
‫على عقائدها ومقدساتها مهما كلفها ذلك من ثمن وقد يؤدي بها ذلك إلى أن‬
‫تحرم بعض المكاسب وتتحمل كثيرا ً من العباء لذا ذكر فعل المشيئة‪.‬‬
‫فانظر إلى هذه اللفتة البيانية العظيمة في كتاب الله تعالى يظهر لك أن كل‬
‫حرف وكلمة في كتاب الله تعالى وضع الحكمة "والله أعلم بما ينزل" ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫منك ُ ْ‬ ‫مى ِ‬ ‫حوا اْلَيا َ‬ ‫ويشبه الية الولى كلم الله تعالى في قوله‪ ( :‬وَأنك ِ ُ‬
‫ضل ِهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫قَراء ي ُغْن ِهِ ُ‬ ‫كوُنوا فُ َ‬ ‫م ِإن ي َ ُ‬ ‫مائ ِك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ َ‬ ‫عَبادِك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫م)‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫َوا ِ‬
‫]النور ‪. [32 :‬‬
‫فهذه الية كذلك لم تتقيد بالمشيئة لنها شئون فردية)‪.(3‬‬
‫ت ) ] الحزاب ‪[35 :‬‬ ‫ظا ِ‬‫حافِ َ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫ظي َ‬‫حافِ ِ‬ ‫‪ 2‬ـ قوله تعالى ‪َ ( :‬وال ْ َ‬
‫لماذا ذكر كلمة فروجهم عند كلمه عن الرجال ولم يذكر ذلك عند كلمه على‬
‫النساء‪ ،‬وقد يقال إن ذلك من باب حذف المفعول لدللة ما قبله عليه وهذا‬
‫من أبواب العربية وهو معروف‪.‬‬
‫إل أن هناك أمر آخر قد نلمسه في بيان سر الحذف وهو أن الله سبحانه‬
‫وتعالى لم يمدح النساء بحفظ الفروج فقط ولكنه مدحهم بمطلق الحفظ‬
‫والمرأة ل ترتقي لهذه الوجه ول تصل لهذه الرتبة إل إذا حافظت على نفسها‬
‫من كل أسباب الغواية ولو جاء في الذكر الحكيم لفظ والحافظات لفروجهن‬
‫لوجدنا امرأة تقبل على الرجال الجانب وتفعل معهم كل ألوان الزنا المجازي‬
‫عدا الزنا في الفرج وتقول إنها حفظت فرجها فتدخل في زمرة الممدوحين‬
‫في هذه الية فهذه المرأة قد وقف النظم القرآني أمامها لن القرآن لم يرد‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المرأة حفظ الفرج فقط ولكن حفظ كل ما من شأنه أن يحفظ)‪ (4‬لنها‬
‫كلها عورة فحذف المفعول للتعميم والشمول وسبحان من نزل القرآن تبيانا ً‬
‫لكل شيء ونلمس هذا الحذف قد يكون أعم من الذكر‪.‬‬
‫ق‬ ‫سي‬
‫َ ِ َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫وسئل الدكتور حسام النعيمي لماذا حذف كلمة ربهم‬
‫َ‬
‫خَزن َت َُها‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫واب َُها وََقا َ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ها فُت ِ َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫مًرا َ‬ ‫م ُز َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫فُروا إ َِلى َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا‬‫م هَ َ‬ ‫مك ُ ْ‬‫قاَء ي َوْ ِ‬‫م لِ َ‬‫م وَي ُن ْذُِرون َك ُ ْ‬ ‫ت َرب ّك ُ ْ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ي َت ُْلو َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫أل َ ْ‬
‫م ي َأت ِك ُ ْ‬
‫ن ) ] الزمر ‪ [71 :‬وذكرها‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ب عََلى ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ة ال ْعَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫َقاُلوا ب ََلى وَل َك ِ ْ‬
‫مع الذين اتقوا؟ وما دللة وجود الواو وحذفها في قوله تعلى )وفتحت(‬
‫ت‬‫ح ْ‬ ‫ها وَفُت ِ َ‬ ‫جاُءو َ‬‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫مًرا َ‬ ‫جن ّةِ ُز َ‬ ‫م إ َِلى ال ْ َ‬ ‫وا َرب ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سيقَ ال ّ ِ‬ ‫)فتحت( (وَ ِ‬
‫ن )]الزمر ‪[73 :‬‬ ‫ُ‬ ‫م َفاد ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واب َُها وََقا َ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ها َ‬ ‫خلو َ‬ ‫م ط ِب ْت ُ ْ‬ ‫م عَلي ْك ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫خَزن َت َُها َ‬ ‫م َ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫فأجاب بقوله ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ذكر ربهم مع الذين اتقوا ولم يذكرها مع الذين كفروا وذكر وحذف الواو في‬
‫)فتحت( و)وفتحت( يتعلق بالحذف والذكر ‪ .‬في هذه الية من سورة الزمر‬
‫ذكر تعالى الذين كفروا عندما يساقون الى النار فهؤلء ل يستحقون أن يرد‬
‫معهم اسم الله سبحانه وتعالى فضل ً عن أن يذكر اسم الرب )ربهم( الذي‬
‫يعني المربي والرحيم العطوف الذي يرعى عباده فل تنسجم كلمة ربهم هنا‬
‫مع سوق الكافرين الى جهنم وعدم ذكر كلمة ربهم مع الذين كفروا هو‬
‫لسببين الول أنهم يساقون الى النار وثانيا ً أنهم ل يستحقون إن تذكر كلمة‬
‫ربهم معهم فل نقول وساق الذين كفروا رُبهم إلى جهنم لن كلمة الرب هنا ‪:‬‬
‫سوا ْ‬ ‫م كَ َ‬
‫ما ن َ ُ‬ ‫ساهُ ْ‬ ‫فيها نوع من التكريم والواقع أنه كما قال تعالى‪َ( :‬فال ْي َوْ َ‬
‫م َنن َ‬
‫ن)] العراف‪ [51:‬لكن مع المؤمنين‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫كاُنوا ْ ِبآَيات َِنا ي َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫م هَ َ‬
‫ذا وَ َ‬ ‫مهِ ْ‬
‫قاء ي َوْ ِ‬
‫لِ َ‬
‫نقول )وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة( ذكر كلمة ربهم هنا تنسجم مع‬
‫دى بنفسه أو بحرف الجر وهنا لم يتعدى الفعل‬ ‫الذين اتقوا‪ .‬وفعل كفر يتع ّ‬
‫وهذا يدل على إطلق الذين كفروا بدون تحديد ما الذي كفروا به لتدل على‬
‫أن الكفر مطلق فهم كفروا بالله وباليمان وبالرسل وبكل ما يستتبع‬
‫اليمان‪) ..‬وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرًا( لم تذكر كلمة )ربهم( لن‬
‫الربوبية رعاية ورحمة ول تنسجم مع السوق للعذاب ول يراد لهم أن يكونوا‬
‫قريبين من ربهم لكنها منسجمة مع سوق الذين اتقوا ربهم الى الجنة فهي‬
‫في هذه الحالة مطلوبة ومنسجمة‪ .‬كلمة الرب فيها نوع من التكريم فل تذكر‬
‫مع الكافرين لكن مع المؤمنين تكون مطمئنة ومحببة إليهم )وسيق الذين‬
‫اتقوا ربهم الى الجنة زمرًا( ‪.‬‬
‫وقد وردت )كفروا ربهم( في مواطن أخرى في القرآن لكن في هذا الموقع‬
‫لم ترد لنه ل تنسجم مع سوق الكافرين الى النار ول بد أن ننظر في سياق‬
‫ل)]المزمل‪ [4:‬والترتيل في القرآن‬ ‫ن ت َْرِتي ً‬‫قْرآ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫اليات فقد قال تعالى (وََرت ّ ِ‬
‫ليس هو النغم وإنما النظر في اليات رتل ً أي آية تلو آية متتابعة لنها مرتبطة‬
‫سر على غير وجهها‬ ‫ببعضها فإذا اقتطعت آية من مكانها قد تؤول وتف ّ‬
‫المقصود لكن إذا ُأخذت في داخل سياقها فستعطي المعنى المطلوب الذي‬
‫ل يحتمل وجها ً آخر‪ .‬والبعض يتداول آيات خارج سياقها فتعطي معنى وفهما ً‬
‫غير دقيق للية ولو ُأخذت اليات في سياقها لفهمناها الفهم الصحيح ولذا‬
‫يجب أخذ اليات في سياقها‪.‬‬
‫بالنسبة لذكر وحذف الواو في كلمة )فتحت( و )وفتحت( حذف الواو مع النار‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا نوع من إذلل الكافرين والمضي في عقابهم لن الذين كفروا عندما‬


‫يساقون الى جهنم كأنهم ينتظرون ثم تفتح لهم البواب عندما يصلون إليها‬
‫وهم في خوف ولكن تفتح البواب عند وصولهم وتفاجئهم النار بينما‬
‫المؤمنون يرون أبواب الجنة مفتحة لهم من بعيد ويشمون رائحتها من بعد و‬
‫رائحتها تشم من مسافة ‪ 500‬عام وهذا نوع من الكرام لهم لن البواب‬
‫مفتحة لهم قبل وصولهم إليها فيكونون في حالة اطمئنان في مسيرهم الى‬
‫الجنة‪ .‬والواو في )وفتحت( هي واو الحالية أي وقد فتحت أبوابها أي وهي في‬
‫حالة انفتاح أي سيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا ً حتى إذا جاءوها حال‬
‫كونها مفّتحة أبوابها‪ .‬فالنار إذن أبوابها موصدة حتى يساق إليها الكافرون‬
‫فتفتح فيتفاجؤن بها وهذا نوع من الذلل لهم وإخافتهم وإرعابهم بما‬
‫سيجدون وراء البواب أما الجنة فأبوابها مفتوحة وهذا نوع من التكريم‬
‫للمؤمنين‪.‬‬
‫وللحذف أغراضه الكثيرة في القرآن الكريم ل يتسع المجال لذكرها ولنذكر‬
‫مثال ً على ذلك في قوله تعالى‪ ( :‬ول َو أ َن قُرآنا ً سيرت به ال ْجبا ُ َ‬
‫ه‬
‫ت بِ ِ‬‫ل أوْ قُط ّعَ ْ‬ ‫ُ َّ ْ ِ ِ ِ َ‬ ‫َ ْ ّ ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميعا ) ]الرعد‪.[31 :‬‬ ‫ج ِ‬ ‫موَْتى َبل ل ّل ّهِ ال ْ‬
‫مُر َ‬ ‫م ب ِهِ ال ْ َ‬
‫ض أوْ ك ُل ّ َ‬‫الْر ُ‬
‫فانظر إلى عظمة هذا القرآن التي يشعر بها القارئ‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪..‬‬
‫‪.................................................................................‬‬
‫المراجع‬
‫>‪span lang=AR-SA style='font-size:16.0pt; font-family:"Traditional‬‬
‫‪-Arabic";mso-bidi‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الذكرى‬
‫للشاعر‪ :‬أنور العطار‬
‫ه‬
‫ن الرؤى الحلوةِ الوافي ْ‬ ‫ن رهي ُ‬ ‫ب الفتو ِ‬ ‫ب نه ُ‬ ‫ك والقل ُ‬ ‫ذكرت ِ‬
‫ه‬
‫ب والعافي ْ‬ ‫ح في نشوةٍ من السحرِ والح ّ‬ ‫و "لبنان" يسب ُ‬
‫ه‬
‫ضافي ْ‬
‫ب وغلغل في البهجةِ ال ّ‬ ‫ق المستطا ِ‬ ‫ح بالعب ِ‬ ‫ش َ‬ ‫تو ّ‬
‫ت بهِ الخضرة الحاليه‬ ‫ت الغمام ِ وطاف ْ‬ ‫م على شرفا ِ‬ ‫ونا َ‬
‫ُ‬
‫تناثُر فوقَ الروابي قراه ُ كما تتناثُر آماليه‬
‫ح وفي كل وارفةٍ شاديه‬ ‫ل مائسةٍ صاد ٌ‬ ‫على ك ّ‬
‫ب تسردها الساقيه‬ ‫صةٍ من الح ّ‬ ‫وُتصغي الوهاد ُ إلى ق ّ‬
‫سودةَ الراعيه‬ ‫ن إل ّ صدى يرد ّد ُ أن ْ‬ ‫ت الكو ُ‬ ‫وقد أنص َ‬
‫ت حنينا ً إلى عودةِ الثاغيه‬ ‫تطل ّعُ في زهوها الراسيا ُ‬
‫صافيه‬ ‫ب سحُر الغناِء فأغفى على النغمةِ ال ّ‬ ‫م على الدر ِ‬ ‫ون ّ‬
‫م عليهِ ويرعاه ُ بالمقلةِ الرانيه‬ ‫ل المساُء يحو ُ‬ ‫وظ ّ‬
‫ه الباكيه‬‫ب يهدهد ُ أوجاع ُ‬ ‫ل نبعٌ حبي ٌ‬ ‫وفي خلوةِ الحق ِ‬
‫ة شاكيه‬ ‫وع ً‬‫ح مل ّ‬ ‫ن على النبع قيثارةً تنو ُ‬ ‫كأ ّ‬
‫م أحلمها الّزاهيه‬ ‫ة في السفوِح ت َُتم ُ‬ ‫ت( نائم ٌ‬ ‫و )بيرو ُ‬
‫ة صابيه‬ ‫ت على البحرِ مأخوذةً ُتناجيهِ حاني ً‬ ‫ترام ْ‬
‫شافيه‬ ‫ه اللذةَ ال ّ‬ ‫ي( المشتهى وجّنت ُ‬ ‫ك )لبنان َ‬ ‫رأيت ُ ِ‬
‫ك يطفو عليهِ ويغمُر أرجاءهُ النائيه‬ ‫ت وجه ِ‬ ‫وأبصر ُ‬
‫ت ولم يبقَ غيُرك يا )غاليه(‬ ‫ه الغاليا ُ‬ ‫ت مسارح ُ‬ ‫فغاب ْ‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الذنوب‪ ..‬زلزل القلوب‬


‫‪ ... 2006/01/25‬الستاذ الدكتور يوسف القرضاوي‬
‫كثير من الناس ل يكادون يعرفون من المعاصي والذنوب إل ما يدركه الحس‪،‬‬
‫وما يتعلق بالجوارح الظاهرة‪ ،‬من معاصي اليدي والرجل‪ ،‬والعين والذان‪،‬‬
‫واللسنة والنوف‪ ،‬ونحوها مما يتصل بشهوتي البطن والفرج‪ ،‬والغرائز الدنيا‬
‫للنسان‪.‬‬
‫ول يكاد يخطر ببال هؤلء‪ :‬الذنوب والمعاصي الخرى التي تتعلق بالقلوب‬
‫والفئدة‪ ،‬والتي ل تدخل ‪-‬فيما تراه البصار‪ -‬أو تسمعه الذان‪ ،‬أو تلمسه‬
‫اليدي‪ ،‬أو تشمه النوف‪ ،‬أو تتذوقه اللسنة‪.‬‬
‫معاصي الجوارح‬
‫في القسم الول تقع معاصي العين من النظر إلى ما حرم الله من العورات‪،‬‬
‫ومن النساء غير المحارم‪.‬‬
‫ومعاصي الذن من الستماع إلى ما حرم الله من آفات اللسان؛ فالمستمع‬
‫شريك المتكلم‪.‬‬
‫ومعاصي اللسان من الكلم بما حرم الله من الفات التي بلغ بها المام‬
‫الغزالي عشرين آفة؛ من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية واليمين الفاجرة‬
‫والوعد الكاذب والخوض في الباطل والكلم فيما ل يعني وقذف المحصنات‬
‫الغافلت المؤمنات وشهادة الزور والنياحة واللعن والسب‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ومعاصي اليد من البطش والضرب بغير حق‪ ،‬والقتل‪ ،‬ومصافحة أعداء الله‪،‬‬
‫وكتابة ما ل يجوز كتابته‪ ،‬مما يروج الباطل أو يشيع الفاحشة‪ ،‬وينشر الفساد‪.‬‬
‫ومعاصي الرجل من المشي إلى معصية الله‪ ،‬وإلى زيارة ظالم أو فاجر‪،‬‬
‫ومن السفر في إثم وعدوان‪.‬‬
‫ومعاصي الفرج من الزنى وعمل قوم لوط‪ ،‬وإتيان امرأته في دبرها‪ ،‬أو في‬
‫المحيض‪ ،‬وهو أذى كما قال الله‪.‬‬
‫ومعاصي البطن من الكل والشرب مما حرم الله‪ ،‬مثل أكل الخنزير‪ ،‬وشرب‬
‫الخمر‪ ،‬وتعاطي المخدرات‪ ،‬وتناول التبغ )التدخين( وأكل المال الحرام من‬
‫الربا‪ ،‬أو الميسر‪ ،‬أو بيع المحرمات‪ ،‬أو الحتكار‪ ،‬أو قبول الرشوة أو غيرها من‬
‫وسائل أكل مال الناس بالباطل‪.‬‬
‫المعاصي المهلكة‬
‫وهذه العمال كلها محرمات ومعاص معلومة‪ ،‬وبعضها يعتبر من عظائم‬
‫الثام‪ ،‬وكبائر الذنوب‪ ،‬ولكنها جميًعا تدخل في المعاصي الظاهرة‪ ،‬أو معاصي‬
‫الجوارح‪ ،‬أو ظاهر الثم‪ ،‬والمسلم مأمور أن يجتنب ظاهر الثم وباطنه جميًعا‪،‬‬
‫ن‬‫جَزوْ َ‬
‫سي ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ال ِث ْ َ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫كما قال تعالى‪} :‬وَذ َُروا َ‬
‫ظاهَِر ال ِث ْم ِ وََباط ِن َ ُ‬
‫ن{ )النعام‪.(120 :‬‬ ‫قت َرُِفو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫بل إن المعاصي الباطنة أشد خطًرا من المعاصي الظاهرة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪:‬‬
‫معاصي القلوب أشد خطًرا من معاصي الجوارح‪ ،‬كما أن طاعات القلوب أهم‬
‫وأعظم من طاعات الجوارح؛ حتى إن أعمال الجوارح كلها ل تقبل إل بعمل‬
‫قلبي‪ ،‬وهو النّية والخلص‪.‬‬
‫ونقصد بمعاصي القلوب ما كانت آلته القلب؛ مثل‪ :‬الكبر‪ ،‬والعجب‪ ،‬والغرور‪،‬‬
‫والرياء‪ ،‬والشح‪ ،‬وحب الدنيا‪ ،‬وحب المال والجاه‪ ،‬والحسد‪ ،‬والبغضاء‪،‬‬
‫والغضب‪ ...‬ونحوها مما سماه المام الغزالي في "إحيائه"‪ :‬المهلكات‪ ،‬أخ ً‬
‫ذا‬
‫من الحديث الشريف‪" :‬ثلث مهلكات‪ :‬شح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب المرء‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بنفسه"‪.‬‬
‫وإنما اشتد خطر هذه المعاصي والذنوب لعدة أمور‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أنها تتعلق بالقلب‪ ،‬والقلب هو حقيقة النسان؛ فليس النسان هو‬
‫الغلف الجسدي الطيني الذي يأكل ويشرب وينمو‪ ،‬بل هو الجوهرة التي‬
‫تسكنه‪ ،‬والتي نسميها‪ :‬القلب أو الروح أو الفؤاد‪ ،‬أو ما شئت من السماء‪.‬‬
‫وفي هذا قال عليه الصلة والسلم‪" :‬أل إن في الجسد مضغة‪ ،‬إذا صلحت‬
‫صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ أل وهي القلب" )متفق عليه‪،‬‬
‫عن النعمان بن بشير(‪.‬‬
‫وقال‪" :‬إن الله ل ينظر إلى أجسامكم وصوركم‪ ،‬ولكن ينظر إلى قلوبكم‬
‫وأعمالكم" )رواه مسلم(‪.‬‬
‫وجعل القرآن أساس النجاة في الخرة هو سلمة القلب‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫ن * ِإل‬ ‫ل َول ب َُنو َ‬ ‫ما ٌ‬‫فع ُ َ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬‫ن * ي َوْ َ‬‫م ي ُب ْعَُثو َ‬‫خزِِني ي َوْ َ‬ ‫على لسان إبراهيم‪َ} :‬ول ت ُ ْ‬
‫م َ‬
‫م{ )الشعراء‪.(89 - 87 :‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫َ ْ‬
‫وسلمة القلب تعني‪ :‬سلمته من الشرك جليه وخفيه‪ ،‬ومن النفاق أكبره‬
‫وأصغره‪ ،‬ومن الفات الخرى التي تلوثه‪ ،‬من الكبر والحسد والحقد‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬سلمته من خمسة أشياء؛ من الشرك الذي يناقض التوحيد‪،‬‬
‫ومن البدعة التي تناقض السنة‪ ،‬ومن الشهوة التي تخالف المر‪ ،‬ومن الغفلة‬
‫التي تناقض الذكر‪ ،‬ومن الهوى الذي يناقض التجريد والخلص"‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن هذه الذنوب والفات القلبية هي التي تدفع إلى معاصي الجوارح؛‬
‫فكل هذه المعاصي الظاهرة إنما يدفع إليها‪ :‬اتباع الهوى‪ ،‬أو حب الدنيا‪ ،‬أو‬
‫الحسد‪ ،‬أو الكبر‪ ،‬أو حب المال والثروة‪ ،‬أو حب الجاه والشهرة‪ ...‬أو غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫حتى الكفر نفسه‪ ،‬كثيًرا ما يدفع إليه الحسد كما حدث لليهود؛ فقد قال‬
‫تعالى‪} :‬ود ك َِثير م َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫دا ِ‬‫س ً‬
‫ح َ‬‫فاًرا َ‬ ‫م كُ ّ‬
‫مان ِك ُ ْ‬‫ن ب َعْد ِ ِإي َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬‫ب ل َوْ ي َُرّدون َك ُ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ٌ ِ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫ق{ )البقرة‪.(109 :‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أو يدفع إليها الكبر والعلو في الرض‪ ،‬كما قال تعالى عن فرعون وملئه‬
‫م‬‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫قن َت َْها أ َن ْ ُ‬‫ست َي ْ َ‬‫دوا ب َِها َوا ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬‫وموقفهم من آيات موسى عليه السلم‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ )النمل‪.(14 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫وا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫ما وَعُل ُ ّ‬ ‫ظ ُل ْ ً‬
‫أو حب الدنيا وزينتها‪ ،‬كما رأينا ذلك في قصة هرقل ملك الروم‪ ،‬وكيف تبين‬
‫له صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته‪ ،‬وصحة نبوته‪ ،‬ثم لما هاج‬
‫عليه القسس غلب حب ملكه على اتباع الحق؛ فباء بإثمه وإثم رعيته‪.‬‬
‫سا بغير حق وجدت وراءه دافًعا نفسًيا أو قلبًيا‪،‬‬ ‫وإذا نظرت إلى من يقتل نف ً‬
‫من حقد أو غضب‪ ،‬أو حب الدنيا؛ حتى إن أول جريمة قتل في تاريخ البشرية‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫كان سببها الحسد‪ ،‬وذلك في قصة ابني آدم }إ ِذ ْ قَّرَبا قُْرَباًنا فَت ُ ُ‬
‫قب ّ َ‬
‫ْ‬ ‫ل ل َقْت ُل َن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قب ّ ُ‬‫ما ي َت َ َ‬‫ل إ ِن ّ َ‬‫ك َقا َ‬ ‫خرِ َقا َ‬
‫ن ال َ‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ ْ‬
‫م ي ُت َ َ‬‫ما وَل َ ْ‬ ‫حدِهِ َ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ح‬ ‫ه فَأ ْ‬
‫صب َ َ‬ ‫قت َل َ ُ‬‫خيهِ فَ َ‬ ‫ل أَ ِ‬ ‫ه قَت ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫)المائدة‪ (27 :‬إلى أن قال تعالى‪} :‬فَط َوّعَ ْ‬
‫ن{ )المائددة‪.(30 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وكذلك كل من ارتكب معصية ظاهرة من شهادة زور أو نميمة أو غيبة أو‬
‫غيرها؛ فل بد أن وراء تلك المعاصي شهوة نفسية‪ ،‬وفي هذا جاء الحديث‪:‬‬
‫"إياكم والشح؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالشح‪ ،‬أمرهم بالبخل فبخلوا‪،‬‬
‫م‬
‫حاك ِ ُ‬ ‫وأمرهم بالقطيعة فقطعوا‪ ،‬وأمرهم بالفجور ففجروا" )َرواهُ أبو داود َوال َ‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن عبد الله بن عمر‪ ،‬كما في صحيح الجامع الصغير ‪.(2678‬‬


‫ثالثها‪ :‬أن المعاصي الظاهرة التي سببها ضعف النسان وغفلته سرعان ما‬
‫يتوب منها‪ ،‬بخلف المعاصي الباطنة التي سببها فساد القلوب‪ ،‬وتمكن الشر‬
‫منها؛ فقلما يتوب صاحبها منها‪ ،‬ويرجع عنها‪.‬‬
‫وهذا هو الفارق بين معصية آدم‪ ،‬ومعصية إبليس‪.‬‬
‫معصية آدم كانت معصية جارحة حين أكل من الشجرة‪ ،‬ومعصية إبليس كانت‬
‫معصية قلب‪ ،‬حين أبى واستكبر‪ ،‬وكان من الكافرين‪.‬‬
‫معصية آدم كانت زلة عارضة نتيجة النسيان وضعف الرادة‪ ،‬أما معصية‬
‫إبليس فكانت غائرة متمكنة‪ ،‬ساكنة في أعماقه‪.‬‬
‫ما تائًبا هو‬ ‫لهذا ما أسرع ما أدرك آدم خطأه واعترف بزلته‪ ،‬وقرع باب ربه ناد ً‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫مَنا ل َن َ ُ‬ ‫ح ْ‬‫فْر ل ََنا وَت َْر َ‬ ‫م ت َغْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫سَنا وَإ ِ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مَنا أ َن ْ ُ‬ ‫وزوجته‪َ} :‬قال َرب َّنا ظ َل َ ْ‬
‫ن{ )العراف‪.(23 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫أما إبليس فاستمر في غلوائه‪ ،‬متمرًدا على ربه‪ ،‬مجادل بالباطل‪ ،‬حين قال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫له‪} :‬يا إبِليس ما منع َ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ك ُن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ست َك ْب َْر َ‬ ‫ت ب ِي َد َيّ أ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما َ‬ ‫جد َ ل ِ َ‬‫س ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُ َ َ ََ‬ ‫َ ِْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ )سورة ص‪،75 :‬‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫قت َ ُ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َنارٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قت َِني ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫خي ٌْر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن * قال أَنا َ‬ ‫ال َْعاِلي َ‬
‫‪.(76‬‬
‫ب‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫َ ُ ِ ْ َ ّ ِ ِ َ ٍ َ َ َ ْ ِ ِّ ُ ُ َ ّ ّ ُ‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫آ‬ ‫قى‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫آدم‪:‬‬ ‫عاقبة‬ ‫كانت‬ ‫ولهذا‬
‫م{ )البقرة‪.(37 :‬‬ ‫حي ُ‬‫الّر ِ‬
‫ك ل َعْن َِتي إ َِلى‬ ‫ن عَل َي ْ َ‬ ‫م * وَإ ِ ّ‬ ‫جي ٌ‬‫ك َر ِ‬ ‫من َْها فَإ ِن ّ َ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫وكانت عاقبة إبليس‪َ} :‬قا َ‬
‫ن{ )سورة ص‪.(78 -77 :‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ي َوْم ِ ال ّ‬
‫رابًعا‪ :‬وهذه ثمرة للوجوه السابقة‪ ،‬وهو تشديد الشرع في الترهيب من‬
‫معاصي القلوب‪ ،‬وآفات النفوس لشدة خطرها‪ ،‬كما في قوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" )َرواهُ مسلم‬
‫عن ابن مسعود(‪ ،‬وقوله‪" :‬دب إليكم داء المم من قبلكم‪ :‬الحسد والبغضاء‪،‬‬
‫والبغضاء هي الحالقة‪ ،‬ل أقول تحلق الشعر‪ ،‬ولكن تحلق الدين" )َرواهُ البزار‬
‫عن الزبير بإسناد جيد كما قال المنذري‪ .‬انظر‪ :‬المنتقى ‪ ،1615‬والهيثمي‬
‫‪.(30/8‬‬
‫وقوله‪" :‬ل تغضب" وكررها ثلثا‪ ،‬لمن قال له‪ :‬أوصني )َرواهُ الُبخاريّ عن أبي‬ ‫ً‬
‫هريرة(‪.‬‬
‫وقوله في الحديث القدسي‪" :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ فمن عمل عمل‬
‫هريرة َ وفي معناه عدة‬ ‫أشرك فيه غيري تركته وشركه" )َرواه ُ مسلم عن أبي ُ‬
‫أحاديث (‪ ،‬وقوله‪" :‬إياكم والشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن‬
‫سفكوا دماءهم‪ ،‬واستحلوا محارمهم" )َرواه ُ مسلم عن جابر(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الذهن البشري والبحث عن الدين‬


‫نشأ النسان وفي ذاكرته السؤال ذو الحضور الدائم أل وهو من خلقني ومن‬
‫خلق هذا الكون ويأتيه الجواب من خلل فطرته إنه الخالق العظيم إنه الله‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ويرتبط الدين في طبيعة الحال بالخلق حتى لتكاد أفئدة البشر تنتابها نغمات‬
‫ة أنفاسها على العجاب بما ترى العيون من عظمة الكون‬ ‫رحمانية صاب ً‬
‫وشمولية مخلوقاته المميزة لصالح الخالق لكل شيء الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومع تزامن معرفة الله بالفطرة النسانية النقية يفكر المرء كنوع من الرد‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حسن خلقه هو التفتيش عما لله العلي القدير من إثبات للوجود ويأتيه‬ ‫على ُ‬
‫الجواب الشافي أن الباري عز وعل‪ُ ..‬يشعر الناس بخلقه من خلل لمس‬
‫إبداعاته بهذه الحياة حتى صار تعاقب الزمان في أكثر المجتمعات تخلفا ً أو‬
‫ابتعادا ً عن الله تشعر أن لله وجود مخلد حتى قيل عن إيمان وثقة عالية بأن‬
‫الله موجود في كل مكان‪.‬‬
‫إن النسان لم يكن بمعزل عن كونه أحد أهم المخلوقات رقيا ً على الرض‬
‫ولذا يلحظ على الباء والمهات بقدر ما يهيئاه لطفلهما القادم من‬
‫مستلزمات استقباله على أكمل وجه فإن جواب الم على سؤال طفلها الذي‬
‫ل بد وأن يثيره أمامها كيف خلقت؟! وحين يعرف الجواب‪ :‬إن خالقه هو الله‪.‬‬
‫الملموسة آثاره ومعجزاته في الكون الفسيح لكنه غير معروف بذاته‬
‫كون كل هذا دافعا ً جامحا ً في النفس لليمان‬ ‫المقدسة ومن الطبيعي جدا ً أن ي ّ‬
‫بالدين باعتباره الطريق الذي رسمه الله تبارك وتعالى لبني البشر‪.‬‬
‫وهكذا يلحظ أن الدين يعيش حيا ً في الضمائر باعتباره في النهاية هو رسالة‬
‫هداية للناس ول تباين للتفسيرات الخرى بهذا الصدد عن كون العبادة‬
‫لوحدانية الله سبحانه وتعالى هي مسألة يمكن تصنيفها ضمن باب العبودية‬
‫لله فقط إذ ل عبودية لغير الله سبحانه جّلت أسماؤه الحسنى‪.‬‬
‫والدين اليوم في هذا العالم المتأزم تتجه إليه القلوب وتعمل به النتهاجات‬
‫مرضاة للخالق العظيم ولذا فإن أقوى شعور راسخ في الذهن البشري هو‬
‫)الدين( والمقصود هنا هو دين السلم فحسب‪.‬‬
‫والدين اليوم هو أقوى قوة في العالم لن تستطيع أي قوة مناوئة أن تنهيه ل‬
‫بجرة قلم ول بكلمة ميكرفون ول برمية حجر حيث يتعمق في رحلته داخل‬
‫خلجات النسان السوية والمل مع إشراقة يوم جديد يزداد عند المؤمنين إلى‬
‫كون العالم سائر إلى نهايته ول يحده شيء من ذلك أكثر من الدين باعتباره‬
‫المجال الوحيد الممكن أن يبقى في صعود دائم داخل كل نفس بشرية لن‬
‫الذي يقف وراء حماية هذا الدين العظيم هو الله سبحانه ذو السم العظم‪.‬‬
‫وقصة الدين في الذهن البشرية هي قصة حكاية النسان في كل تاريخه إذ‬
‫لهذا الدين دواء لم تمحى عن الذاكرة فقد بلغ من بين الناس المميزين‬
‫بالدين السماوي زهاء )‪ (124‬ألف نبي وكلهم كانوا يشيرون إلى كونهم‬
‫مسلمين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الذي سخروا منه‪..‬‬


‫غزوان مصري‬
‫‪gazwan@gazwan.com‬‬
‫قالوا فيه ما قالوا‪ ،‬والناس أعداء ما جهلوا‪ ..‬أل فليعرفوه ‪ ،‬ولينظروا في‬
‫أخلقه‪ ،‬وأوصافه‪ ،‬فشفاُء الجهل العلم‬
‫أعظم رجل في التاريخ‪ :‬محمد عبد الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن حسن تقدير الله لهذه المة أن جعله رسولها‪ ،‬فلها الفخر بهذا الشرف‪..‬‬
‫ومن المؤسف‪:‬‬
‫‪ -‬أن من الناس من ل يستشعر عظمته‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم من ل يكترث بحقوقه الواجبة على المة‪ ،‬من‪ :‬محبة‪ ،‬واتباع‪ ،‬وأدب‪.‬‬
‫خْلقية؛ فأطفالنا ينشئون وهم ل‬
‫خُلقية وال َ‬
‫‪ -‬وقد أهمل تعليم الصغار صفاته ال ُ‬
‫يعرفون عن نبيهم إل‪ :‬اسمه وشيئا من نسبه‪ ،‬وهجرته من مكة إلى المدينة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما صفاته البدنية‪ ،‬وأخلقه‪ ،‬ومقامه‪ ،‬وحقوقه‪ ،‬وجوانب سيرته فل خبر لهم‬
‫بها‪ .‬وهذا تقصير منا‪!!..‬‬
‫نحن نحتاج إلى أن نتعرف على كل صغيرة وكبيرة في حياته‪ ،‬من لدن مولده‬
‫إلى وفاته‪ ..‬ينبغي أن ننظر إليه‪ :‬مربيا‪ ،‬وقدوة‪ ،‬وقائدا‪ ،‬ورسول‪ ،‬وسيدا ذا‬
‫مقام رفيع‪ ،‬وقلب رحيم‪ ،‬ونفس زكية‪ ،‬وأدب جم‪ ،‬وصبر جميل‪ .‬من حقه علينا‬
‫أن ندرس كل جوانب حياته‪ ،‬ونعلم أطفالنا وأزواجنا وأهلينا‪ :‬من هو رسول‬
‫الله ؟‪.‬‬
‫وأداء لبعض هذا الحق‪ ،‬سنخصص هذا الحديث عن صفاته عليه السلم‬
‫خلقية‪:‬‬‫خلقية وال ُ‬
‫ال َ‬
‫***‬
‫إنه محمد بن عبد الله ؛ ومحمد معناه‪ :‬المحمود في كل صفاته‪.‬‬
‫أخرج البخاري في التاريخ الصغير عن أبي طالب‪:‬‬
‫وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد‬
‫وقد كان اسمه أحمد كما جاءت تسميته في الكتب السابقة ‪ ،‬قال تعالى على‬
‫لسان عيسى عليه السلم‪:‬‬
‫‪} -‬ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد{‪.‬‬
‫وتسميته محمدا وقعت في القرآن؛ سمي محمدا‪:‬‬
‫‪ -‬لن ربه حمده قبل أن يحمده الناس‪ ،‬وفي الخرة يحمد ربه فيشفعه‬
‫فيحمده الناس‪.‬‬
‫‪ -‬ولنه خص بسورة الحمد‪ ،‬وبلواء الحمد‪ ،‬وبالمقام المحمود‪.‬‬
‫‪ -‬وشرع له الحمد بعد الكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬والدعاء‪ ،‬وبعد القدوم من السفر‪.‬‬
‫وسميت أمته الحمادين‪ ،‬فجمعت له معاني الحمد وأنواعه‪...‬‬
‫***‬
‫خلقية‪:‬‬‫وأما عن صفاته ال َ‬
‫‪ -‬فهو أبيض‪ ،‬ليس شديد البياض أمهقا‪ ،‬بل مشربا بحمرة‪ ،‬والعرب تسمي‬
‫السمر سمرة خفيفة أبيضا مشرب بحمرة‪ ،‬قال أبو طالب‪:‬‬
‫ة للرامل‬ ‫ل اليتامى عصم ٌ‬‫ض يستسقى الغمام بوجهه *** ثما ُ‬ ‫وأبي ُ‬
‫‪ -‬ليس بالطويل البائن ول بالقصير المتردد‪.‬‬
‫‪ -‬بعيد ما بين المنكبين‪.‬‬
‫‪ -‬شديد سواد الشعر‪ ،‬ليس بالجعد القطط؛ وهو الشعر الذي يلتف على‬
‫بعضه‪ ،‬ول بالسبط؛ وهو الشعر المسترسل الناعم شديد النعومة‪ ،‬وإنما بين‬
‫ذلك‪ ،‬يبلغ شحمة أذنيه‪ ،‬وقيل‪" :‬منكبيه"‪ ..‬يفرقها فرقتين من وسط الرأس‪،‬‬
‫وفي شعر رأسه ولحيته شعيرات بيض ل تبلغ العشرون‪.‬‬
‫‪ -‬مليح‪ ،‬وجهه مثل القمر في استدارته وجماله‪ ،‬ومثل الشمس في إشراقه‪،‬‬
‫إذا سر يستنير ويتهلل وتنفرج أساريره‪.‬‬
‫‪ -‬واسع الفم‪ ،‬والعرب تمدح بذلك وتذم بصغر الفم‪ ،‬جميل العينين قال جابر‪:‬‬
‫"أشكل العينين" رواه مسلم قيل أشكل العينين‪" :‬أي طويل شق العينين"‪،‬‬
‫وقيل‪" :‬حمرة في بياض العينين"‪.‬‬
‫‪ -‬يداه رحبتان كبيرتان واسعتان لينة الملمس كالحرير‪ ،‬يقول أنس‪" :‬ما‬
‫مسست ديباجا ول حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫متفق عليه‬
‫‪ -‬قدماه غليظتان لينة الملمس‪ ،‬فكان يجمع في بدنه وأطرافه بين لين‬
‫الملمس وقوة العظام‪.‬‬
‫‪ -‬يداه باردتان‪ ،‬لهما رائحة المسك‪ ،‬يقول أبو جحيفة‪" :‬قام الناس فجعلوا‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم‪ ،‬فأخذت بيده فوضعتهما على وجهي‬
‫فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك"رواه البخاري‪.‬‬
‫* وعن جابر بن سمرة‪" :‬مسح رسول الله خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا‬
‫كأنما أخرجها من جؤنة عطار"مسلم كان عرقه أطيب من ريح المسك‪ ،‬قال‬
‫أنس‪ " :‬كأن عرقه اللؤلؤ " مسلم‪.‬‬
‫* ويقول وائل بن حجر‪ " :‬لقد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أو يمس جلدي جلده‪ ،‬فأتعرقه بعد في يدي وإنه لطيب رائحة من المسك"‪.‬‬
‫الطبراني والبيقهي‬
‫‪ -‬وجمعت أم سليم من عرق النبي صلى الله عليه وسلم فجعلته في طيبها‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أنس‪ " :‬كان رسول الله صلى الله إذا مر في طريق من طرق المدينة‬
‫وجد منه رائحة المسك فيقال‪ :‬مر رسول الله "‪ .‬أبو يعلى والبزار بإسناد‬
‫صحيح‬
‫‪ -‬قال أنس‪ " :‬ما شممت عنبرا قط‪ ،‬ول مسكا‪ ،‬ول شيئا أطيب من ريح‬
‫رسول الله" رواه مسلم‬
‫‪ -‬ساقاه بيضاء‪ ،‬تبرقان لمعانا‪.‬‬
‫‪ -‬إبطه أبيض‪ ،‬من تعاهده نفسه بالنظافة والتجمل‪.‬‬
‫‪ -‬إذا مشى يسرع‪ ،‬كأنما ينحدر من أعلى‪ ،‬ل يستطيع أحد أن يلحق به‪.‬‬
‫***‬
‫خلقية‪:‬‬
‫أما عن صفاته ال ُ‬
‫‪ -‬فقد كان أجود الناس‪ ،‬أجود بالخير من الريح المرسلة‪.‬‬
‫‪ -‬ما عرض عليه أمران إل أخذ أيسرهما‪ ،‬ما لم يكن إثما‪.‬‬
‫‪ -‬أشد حياء من العذراء في خدرها‪.‬‬
‫‪ -‬ما عاب طعاما قط؛ إن اشتهاه أكله وإل تركه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا تكلم تكلم ثلثا‪ ،‬بتمهل‪ ،‬ل يسرع ول يسترسل‪ ،‬لو عد العاد حديثه‬
‫لحصاه‪.‬‬
‫‪ -‬ل يحب النميمة ويقول لصحابه‪ " :‬ل يبلغني أحد عن أحد شيئا‪ ،‬إني أحب أن‬
‫أخرج إليكم وأنا سليم الصدر"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬أشجع الناس‪ ،‬وأحسنهم خلقا‪ ،‬قال أنس‪" :‬خدمت رسول الله عشر سنين‪،‬‬
‫والله ما قال لي‪ :‬أفا قط‪ .‬ول لشيء فعلته‪ :‬لم فعلت كذا ؟‪ ،‬وهل فعلت‬
‫كذا؟"‪ .‬مسلم‬
‫‪ -‬ما عاب شيئا قط‪.‬‬
‫‪ -‬ما سئل شيئا فقال‪" :‬ل" ‪ .‬يعطي عطاء من ل يخشى الفقر‪.‬‬
‫‪ -‬يحلم على الجاهل‪ ،‬ويصبر على الذى‪.‬‬
‫‪ -‬يتبسم في وجه محدثه‪ ،‬ويأخذ بيده‪ ،‬ول ينزعها قبله‪.‬‬
‫‪ -‬يقبل على من يحدثه‪ ،‬حتى يظن أنه أحب الناس إليه‪.‬‬
‫‪ -‬يسلم على الطفال ويداعبهم‪.‬‬
‫‪ -‬يجيب دعوة‪ :‬الحر‪ ،‬والعبد‪ ،‬والمة‪ ،‬والمسكين‪ ،‬ويعود المرضى‪.‬‬
‫حي رأسه قبله‪.‬‬ ‫‪ -‬ما التقم أحد أذنه‪ ،‬يريد كلمه‪ ،‬فين ّ‬
‫‪ -‬يبدأ من لقيه بالسلم‪.‬‬
‫‪ -‬خير الناس لهله يصبر عليهم‪ ،‬ويغض الطرف عن أخطائهم‪ ،‬ويعينهم في‬
‫أمور البيت‪ ،‬يخصف نعله‪ ،‬ويخيط ثوبه‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬يأتيه الصغير‪ ،‬فيأخذ بيده يريد أن يحدثه في أمر‪ ،‬فيذهب معه حيث شاء‪.‬‬
‫‪ -‬يجالس الفقراء‪.‬‬
‫‪ -‬يجلس حيث انتهى به المجلس‪.‬‬
‫‪ -‬يكره أن يقوم له أحد‪ ،‬كما ينهى عن الغلو في مدحه‪.‬‬
‫‪ -‬وقاره عجب‪ ،‬ل يضحك إل تبسما‪ ،‬ول يتكلم إل عند الحاجة‪ ،‬بكلم يعد يحوي‬
‫جوامع الكلم‪ ،‬حسن السمت‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه‪.‬‬
‫‪ -‬لم يكن فاحشا‪ ،‬ول متفحشا‪ ،‬ول سخابا‪ ،‬بالسواق‪ ،‬ول لعانا‪ ،‬ول يجزي‬
‫بالسيئة السيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح‪.‬‬
‫‪ -‬ل يقابل أحدا بشيء يكرهه‪ ،‬وإنما يقول‪) :‬ما بال أقوام (‪.‬‬
‫‪ -‬ل يغضب ول ينتقم لنفسه‪ ،‬إل إذا انتهكت حرمات الله تعالى‪ ،‬فينتقم لله‪.‬‬
‫‪ -‬ما ضرب بيمينه قط إل في سبيل الله‪.‬‬
‫‪ -‬ل تأخذه النشوة والكبر عن النصر‪:‬‬
‫* دخل في فتح مكة إلى الحرم خاشعا مستكينا‪ ،‬ذقنه يكاد يمس ظهر راحلته‬
‫من الذلة لله تعالى والشكر له‪ ..‬لم يدخل متكبرا‪ ،‬متجبرا‪ ،‬مفتخرا‪ ،‬شامتا‪.‬‬
‫* وقف أمامه رجل وهو يطوف بالبيت‪ ،‬فأخذته رعدة‪ ،‬وهو يظنه كملك من‬
‫ملوك الرض‪ ،‬فقال له رسول الله‪" :‬هون عليك‪ ،‬فإنما أنا ابن امرأة كانت‬
‫تأكل القديد بمكة "‪.‬‬
‫‪ -‬كان زاهدا في الدنيا‪:‬‬
‫* يضطجع على الحصير‪ ،‬ويرضى باليسير‪ ،‬وسادته من أدم حشوها ليف‪.‬‬
‫* يمر الشهر وليس له طعام إل التمر‪ ..‬يتلوى من الجوع ما يجد ما يمل‬
‫بطنه‪ ،‬فما شبع ثلثة أيام تباعا من خبز بر حتى فارق الدنيا ‪.‬‬
‫‪ -‬كان رحيما بأمته‪ ،‬أعطاه الله دعوة مستجابة‪ ،‬فادخرها لمته يوم القيامة‬
‫شفاعة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫* ) لكل نبي دعوة مستجابة‪ ،‬فتعجل كل نبي دعوته‪ ،‬وإني أختبأت دعوتي‬
‫شفاعة لمتي يوم القيامة‪ ،‬فهي نائلة إن شاء الله من مات ل يشرك بالله‬
‫شيئا ( ]البخاري[؛ ولذا قال تعالى عنه‪} :‬لقد جاءكم‬
‫رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف‬
‫رحيم{‬
‫***‬
‫نحن اليوم في غاية الحاجة إلى تدارس سيرته‪ ،‬ولو مرة في السبوع ‪:‬‬
‫نجلس في البيت مع الزوجة والبناء‪ ..‬نقرأ إحدى كتب السير المعتمدة مثل‪:‬‬
‫‪ -‬تهذيب السيرة لبن هشام‪.‬‬
‫‪ -‬البداية والنهاية لبن كثير‪.‬‬
‫‪ - -‬الشمائل المحمدية للترمذي‪.‬‬
‫‪ - -‬فقه السيرة للغزالي‪.‬‬
‫‪ - -‬السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري‪.‬‬
‫‪ -‬وغيرها‪ ..‬لبد أن نحرص على مثل هذه الحلقات في بيوتنا‪ ،‬إن أردنا أن‬
‫نتزكى ونربي أبناءنا وأزواجنا‪ ،‬فهذه من أحسن وسائل التربية‪ ،‬وهو السلح‬
‫الذي نواجه به الغثاء الذي يتصدر وسائل العلم‪:‬‬
‫‪ - -‬فبه نحفظ أبناءنا من النسلخ‪ ،‬والنسياق وراء زخارف‪ :‬الكفر‪ ،‬والفسق‪،‬‬
‫والشهوات‪.‬‬
‫‪ -‬وبه نغرس في قلوبهم محبة رسول الله‪ ،‬والفخر به‪،‬‬
‫‪ - -‬والتعلق بسنته‪ ،‬وتقليده في العادات والعبادات‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬فمن غير المعقول أن تكون سيرة هذا الرجل العظيم‪ ،‬الذي ما حفظ لنا‬
‫القرآن والسنة والتاريخ سيرة إنسان‪ ،‬مثلما حفظ سيرته‪ ،‬بين أيدينا ثم نهمله‬
‫وننصرف عنه!‪.‬‬
‫إن ذلك لغفلة معيبة‪!.‍.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حا أكبُر محسن إليك‬ ‫الذي ي َد َع ُ طريقك في الحياة مفتو ً‬


‫َ‬
‫مؤَّزم‪ ،‬أو اعترض‬ ‫قِلق ُ‬ ‫م ْ‬‫ث كبيٌر ُ‬ ‫ث له حاد ٌ‬ ‫حد َ َ‬‫ة قاسية أو َ‬ ‫ت بأحد ملم ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫إذا أل َ ّ‬
‫طريقَ حياته صخرة تستنفد إزالُتها كثيًرا من الجهد والوقت والقوة ‪ ،‬المر‬
‫الذي ل يكاد يحتمله هو‪ ،‬ينهض كثيٌر من الناس القربين والبعدين – على‬
‫م كل مساعدة مادّية‬ ‫م ‪ ،‬وتقدي َ‬ ‫دوا له مشاطرةَ اله ّ‬ ‫السواء – ليواسوه ‪ ،‬وي ُؤَك ّ ُ‬
‫ة المشكلة جد ّ‬ ‫ن معالج َ‬ ‫مأ ّ‬‫ب المهمو ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ومعنوّية لمواجهة المشكلة ‪ .‬وهنا ي َ ْ‬
‫يسير عليه بفضل وقوف هذا العدد الكبير من المواسين والمساعدين بجانبه‪،‬‬
‫ويعتقد – لما يراه من حماسهم وصدق ما يبدو من تعاملهم – أنهم قد‬
‫ح‬‫م ‪ ،‬وأن الريا َ‬ ‫يدومون على التعاون معه على مواجهة الخطب ومشاطرة اله ّ‬
‫ل تجري بما تشتهيه سفينُته؛ فالمصائب ستتلشى‪ ،‬والخطوب ستظلّ‬ ‫ستظ ّ‬
‫ل هَي ًّنا ‪.‬‬‫ب على مرارة الحياة سيظ ّ‬ ‫تذوب‪ ،‬والتغل ّ ُ‬
‫س المواسين والمساعدين يتراجع مع الّيام – حسب سّنة الله‬ ‫غير أن حما َ‬
‫م ويواجه المشكلة‪ ،‬أو قد‬ ‫دا ليصارع الهمو َ‬ ‫في الكون – ويعود المهموم وحي ً‬
‫خّلص الخوان من عشيرته أو فصيلته‪،‬‬ ‫ض ُ‬‫دا لبعض الوقت بع ُ‬ ‫يبقى معه صام ً‬
‫م الذي ليكون معه في الواقع‬ ‫أو ممن تعّلقوا به بصداقة صافية‪ .‬ثم يأتي اليو ُ‬
‫قه اللذان‬ ‫سه‪ ،‬وليساعده في مواجهة المصيبة إل ّ نصُر الله وتوفي ُ‬ ‫إل ّ نف ُ‬
‫ن‪ .‬وخلل ذلك قد‬ ‫ض الخوا ُ‬ ‫ن وانف ّ‬ ‫ن مهما خان الخل ّ ُ‬ ‫م المحزو َ‬ ‫ليخونان المهمو َ‬
‫ّ‬
‫ل المشكلة‪ ،‬والتغلب على الزمة‪،‬‬ ‫ة بفضل الله ورحمته لح ّ‬ ‫جد َ حيل ً‬ ‫يكون وَ َ‬
‫والتخّلص من الورطة‪.‬‬
‫***‬
‫قاه من القراء‬ ‫ة من واقع حياة رجل أث ْب ُِتها لتكون مصدَر درس لمن يتل ّ‬ ‫ُ‬ ‫ص ٌ‬
‫َ‬ ‫ق ّ‬
‫قين‪ :‬استوفى والده ظمأ حياته وهو ابن ثلثة شهور في حضن والدته‬ ‫ّ‬
‫موَف ِ‬ ‫ال ُ‬
‫ّ‬
‫ة كما شاء الله عّز وجل‪ .‬ومّر بمراحل‬ ‫م حياته عصيب ً‬ ‫ت أّيا ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫المسكينة‪ ،‬و َ‬
‫الكتاب ومبادئ القراءة والكتابة‪ .‬وانتسب في المرحلة البتدائية إلى المدرسة‬
‫مه(‬ ‫ُ‬
‫المدادية بمدينة "دربنجه" بولية "بيهار" بالهند‪ ،‬وكان والده الثاني )زوج أ ّ‬
‫مه – حّيا ينحت له وللعائلة طريقَ الحياة من صخر؛ حيث‬ ‫مل ّ‬ ‫– وكان ابن ع ّ‬
‫طي حاجات العائلة‪ .‬وذلك من خلل عمله في‬ ‫كان لينال إل ّ راتًبا ضئيل ً ليغ ّ‬
‫كان له صغير يبيع فيه‬ ‫بعض المصانع بمدينة "كالكوتا" الهندّية ثم من خلل د ّ‬
‫ض أنواع الحبوب‪ .‬بعد أعوام التحق بدارالعلوم بمدينة "مئو" بأترابراديش‪،‬‬ ‫بع َ‬
‫م‪ :‬دارالعلوم بمدينة "ديوبند"‬ ‫وغادرها بعد أعوام إلى الجامعة السلمية ال ّ‬
‫وكانت السنة الولى من الدراسة بدارالعلوم‪ /‬ديوبند إذ مات والده الثاني –‬
‫ت من‬ ‫م ْ‬ ‫ة والدته على فصلي من التعليم لّنها عَدِ َ‬ ‫حت عزيم ُ‬ ‫رحمه الله – فص ّ‬
‫ت طريقَ الحياة‬ ‫جد َ ْ‬ ‫ة أولد )ابنين وبنًتا( غيري‪ ،‬ووَ َ‬ ‫يعولها ويعولني ويعول ثلث َ‬
‫ف إلى‬ ‫صَر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت رأَيها في فصلي من الدراسة ل ْ‬ ‫مسدودة ً في وجهها‪ .‬وقد أي ّد َ ْ‬
‫ن‬‫ن على موت والدي الثاني حز َ‬ ‫حزِ ّ‬ ‫كسب لقمة العيش خالتي الثلث اللتي َ‬
‫والدتي التي كانت أصغر شقيقاتها ‪.‬‬
‫ة أولد )ابنين‬ ‫ت من يعولها ويعوله ويعول ثلث َ‬ ‫م ْ‬ ‫على فصله من التعليم لّنها عَدِ َ‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت رأَيها في‬ ‫َ‬


‫ت طريقَ الحياة مسدودة ً في وجهها‪ .‬وقد أي ّد َ ْ‬ ‫جد َ ْ‬
‫وبنًتا( غيره‪ ،‬ووَ َ‬
‫ن‬
‫حزِ ّ‬‫ف إلى كسب لقمة العيش خالته الثلث اللتي َ‬ ‫صَر َ‬
‫فصله من الدراسة ل ِي ُ ْ‬
‫ن والدته التي كانت أصغر شقيقاتها ‪.‬‬ ‫على موت والده الثاني حز َ‬
‫ج خالته الكبرى – الذي كان من سكان "رائبور" بمديرية‬ ‫ن زو َ‬ ‫ولك ّ‬
‫ض هذا الرأيَ بشدة وقال‪ :‬ل‪ ،‬لن‬ ‫"سيتامرهي" بولية "بيهار" بالهند – َرفَ َ‬
‫ت على لسان كل زميل من زملء هذا الولد‬ ‫ي؛ فقد سمع ُ‬ ‫يكون ذلك وأنا ح ّ‬
‫ذهم في الجتهاد والحرص‬ ‫في الدراسة‪ ،‬أنه أذكى من القران جميًعا وأنه ي َب ُ ّ‬
‫ما‬
‫على تكوين الذات وكسب المؤهلت الدراسية‪ ،‬وأّنه ينال في المتحانات دائ ً‬
‫ت ممتازةً لينالها أيّ من زلئه؛ فليستمّر في الدراسة وأنا كفيل‬ ‫علما ٍ‬
‫ن هو كذلك أن هذا‬ ‫ت والدته وظ ّ‬ ‫بمصروفاته الدراسّية وغير الدراسّية‪ .‬هنا ظن ّ ْ‬
‫ت‬
‫جد ِ‬ ‫ة دراسته قد وَ َ‬ ‫ن قضي َ‬ ‫ي" قد قام للفترة المطلوبة كّلها‪ ،‬وأ ّ‬ ‫"السند القو ّ‬
‫ت أمامه إثَر وفاة الوالد‬ ‫َ‬
‫مث َل ْ‬ ‫ي‪ ،‬وهي أكبر قضّية بين القضايا التي َ‬ ‫ل الكاف َ‬ ‫الح ّ‬
‫الثاني‪.‬‬
‫ّ‬
‫غير أّنه – رحمه الله – لم يتمكن من تقديم المساعدة له إل مرة أو مرتين‬
‫على الكثر؛ لن أّيام النسان لتبقى على نسق واحد‪ ،‬والوضاع لتدوم على‬
‫سد‪،‬‬
‫وتيرة واحدة؛ ولكن الهم أنه – رحمه الله – فتح الطريق الذي يكاد ين ّ‬
‫ح لمجرى الحياة أن يتغّير لجهة سلبّية خاطئة‪ ،‬ولم يسمح لليأس أن‬ ‫ولن ي ُت ِ ْ‬
‫يخّيم على درب اليتيم؛ فظل يعدو في طريق الدراسة‪ ،‬وأكمل المشوار‪ ،‬وعاد‬
‫ط حروًفا‪ ،‬وي ُد َّرس كلمات‪ ،‬ويستغل بوظائف العلم والتدريس والتأليف ما‬ ‫يخ ّ‬
‫ل إلى‬ ‫ل بعد الله عّز وج ّ‬ ‫ل ذلك يرجع فيه الفض ُ‬ ‫ينفعه وينفع العائلة كلها‪ .‬وك ّ‬
‫ة له‪ ،‬جزاه الله‬ ‫ة جاري ٌ‬‫زوج خالته المذكور – رحمه الله – فهو وأعماله صدق ٌ‬
‫خيًرا وأكرم مثواه في جنة الفردوس ‪.‬‬
‫***‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حا ويعمل على إزالة كل مترس‬ ‫ن الذي ي َد َع ُ طريقك في الحياة مفتو ً‬ ‫إ ّ‬


‫يعترضه‪ ،‬ويجعلك سائًرا عليه دونما توّقف‪ ،‬ويعينك على الستمرار في إغذاذ‬
‫الخطى إلى المنزل المنشود‪ ،‬والمستقبل الزاهر‪ ،‬والغد المشرق‪ ،‬أكبُر‬
‫من ِْعم عليك‪ ،‬يجب أن تعرف مّنته عبر امتداد الحياة بك‬ ‫م ُ‬
‫سن إليك وأكر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ققه اليوم من المكاسب يرجع فيه‬ ‫ن جميع ما تح ّ‬ ‫وتطاول فرصة العمر لك؛ ل ّ‬
‫حا‬
‫ً‬ ‫مفتو‬ ‫الحياة‬ ‫في‬ ‫طريقك‬ ‫إبقاء‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫أعبا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫الفضل إلى هذا المنعم الذي َ َ ّ‬
‫ح‬ ‫ت‬
‫ب الّيام‬‫ف الدهر وخطو ُ‬ ‫وكاد ينسد ّ بالركامات والعوائق التي َزَرعَْتها فيه صرو ُ‬
‫والليالي‪.‬‬
‫ده من التعاون‬ ‫ضي َ‬‫ف ُ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬
‫ف المستجدةُ ذلك المنع َ‬ ‫قد يجوز أن تجعل الظرو ُ‬
‫معك في اليام التالية‪ ،‬وتجعله ليبقى على العطف والحماس اللذين لمسَتهما‬
‫منه في بداية المشوار؛ لن حلوة اليام وملءمة الظروف لتدومان‪ ،‬ولم‬
‫ة‬
‫ل؛ حيث الدفع ُ‬ ‫ة مّنته لتق ّ‬ ‫م‪ ،‬والبقاُء لله وحده؛ ولكن قيم َ‬ ‫ب للربيع الدوا ُ‬ ‫ي ُك ْت َ ُ‬
‫كر‪ ،‬لها قيمُتها الكبيرة‪ ،‬وأهمي ُّتها‬ ‫مب َ ّ‬
‫ة الّولّية‪ ،‬والتشجيعُ ال ُ‬ ‫الولى‪ ،‬والحرك ُ‬
‫البالغة؛ لولها لم تستمّر الخطى‪ ،‬ولم تدم الرحلة إلى تحقيق الهدف‪ ،‬وإحراز‬
‫ما بين‬ ‫النصر‪ ،‬الذي أعلى شأَنك ورفع مكاَنك اليوم في المجتمع‪ ،‬وجعلك شا ّ‬
‫المعاصرين‪.‬‬
‫ة للغاية‪ ،‬ليعرف‬ ‫َ‬
‫شّرف ٌ‬ ‫م َ‬‫ة ُ‬ ‫سد الطريق ول تتوقف الرحلة‪ ،‬محاول ٌ‬ ‫ة أن لين ّ‬ ‫محاول ُ‬
‫ي بقطع الرحلة والتساقط في الطريق والتراجع عنه؛ لنه‬ ‫من ِ َ‬ ‫ّ‬
‫أهمي َّتها إل من ُ‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ‪ .‬إن هذه المحاولة هي وحدها التي أحياك‬ ‫ده مسدوًدا بصخرة لت َُزا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫قد وَ َ‬
‫صك‬‫جهَل شخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت تموت‪ ،‬وأظهرك بعدما كدت يخمل ذكُرك وي ُ ْ‬ ‫بعد ما كد َ‬
‫ت‬ ‫ت بها‪ ،‬والنجازا ُ‬ ‫ي؛ فالعمال التي قم َ‬ ‫مي ًّتا وأنت ح ّ‬ ‫ّ‬
‫وى بساطك‪ ،‬فتظل َ‬ ‫ُ‬ ‫وي ُط ْ َ‬
‫شي ّد ََتها‪ ،‬والصيت المطبق الذي ك َ َ‬
‫سب َْته‪،‬‬ ‫قَتها‪ ،‬والمفاخر التي َ‬ ‫ق ْ‬‫ح ّ‬ ‫التي َ‬
‫جن ّب َْتها‪،‬‬
‫ت لها‪ ،‬والنتصارات التي أحرزَتها‪ ،‬والهزائم التي ت َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫والحسنات التي وُفّ ْ‬
‫ومواقف الشقاء التي ت َن َك ّب َْتها‪ ..‬ك ُّلها وغيرها إنما نتجت عن هذه المحاولة‬
‫جَله لك من المكانة‬ ‫س ّ‬‫ل لك التأريخ ما َ‬ ‫ج َ‬ ‫س ّ‬ ‫الكريمة‪ .‬لقد كان بالمكان أن لي ُ َ‬
‫المرموقة والمواقف الخالدة من المناقب والمفاخر‪ ،‬لول هذه المحاولة التي‬
‫كانت كالعصا السحرّية وحجر الفلسفة في حياتك‪.‬‬
‫در بنتائجها‬ ‫ق ّ‬ ‫در بطولها وعرضها الظاهرين‪ ،‬وإّنما ت ُ َ‬ ‫ق ّ‬‫ة الحسنة لت ُ َ‬ ‫ن قمي َ‬ ‫إ ّ‬
‫ن ذّرةً من الحسنة بآثارها الواسعة ومفعولتها‬ ‫الكبيرة وانعكاساتها العظيمة‪ .‬إ ّ‬
‫ة التي تضخم في الظاهر وتضؤل في الباطن‪.‬‬ ‫ل العادي َ‬ ‫الكثيرة‪ ،‬تفوق العما َ‬
‫ل‬‫ضا ت ُغِ ّ‬‫مهّد َ لك أر ً‬ ‫فَر لك بئًرا تشرب منها‪ ،‬وبنى لك بيًتا تلجأ إليه‪ ،‬و َ‬ ‫ح َ‬‫ن من َ‬ ‫إ ّ‬
‫قا تسير عليه‪ ،‬وهَي ّأ لك مركًبا تستعمله‬ ‫َ‬ ‫شقّ لك طري ً‬ ‫لك المحصولت‪ ،‬و َ‬
‫لغدواتك وروحاتك‪ ،‬وأوجد لك مصدًرا للرزق‪ ،‬ومورًدا للدخل‪ ،‬وآلة لتوفير‬
‫وسائل الحياة‪ ،‬كان أكبر محسن إليك لن تجهل إحساَنه أبد َ الدهر إذا تعرف‬
‫ت كالحمق الذي‬ ‫للحسان قيمة‪ ،‬وللجميل وجًها‪،‬و للمعروف معنى‪ .‬ولس َ‬
‫شاَء‪ ،‬وعلى باني البيت أّنه‬ ‫يعترض على حافر البئر‪ ،‬أنه لم ي ُوَّفر له الدلوَ والّر َ‬
‫لم ي ُؤَّثثه بالحوائج‪ ،‬وعلى واهب الرض أنه لم يهب له المحراث ومستلزماته‪،‬‬
‫وعلى شاقّ الطريق أنه لم ي ُب َّلطه‪ ،‬وعلى المتكرم بالمركب أنه لم يزّينه‪،‬‬
‫وعلى موجد مصدر الرزق أنه لم يوّفر له ما يستعمله لستدرار الرزق وكسب‬
‫الدخل وجلب وسائل الحياة‪.‬‬
‫ي الصلى‪ ،‬ول‬ ‫م على عمله المبدئ ّ‬ ‫من ْعِ َ‬ ‫من َْعم عليه إّنما يشكر ال ُ‬ ‫العاقل من ال ُ‬
‫يطلب منه الفروع التي تحصيلها هّين‪ ،‬والستغناُء عنها ممكن‪ ،‬لمن يتوكأ على‬ ‫ُ‬
‫الصل‪ ،‬ويعرف إدارته‪ ،‬وليتشاغل بالفرعّيات تشاغَله بالصلّيات ‪.‬‬
‫خذ َ بيدك من السقوط في البئر أو الهاوية‪ ،‬كان أكبر محسن إليك لن‬ ‫من أ َ َ‬
‫حياتك الباقية وماصنعَته بعد فيها من الخير‪ ،‬إنما هما متفرعان من بقاء‬
‫ن غيَر ربيب؛ حيث لم يأخذ بيدي في جميع‬ ‫ل الحسا َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ت‪ :‬إنه َ‬ ‫حياتك‪ .‬فإذا قل َ‬
‫ن الخذ بيدك‬ ‫ن بالساءة‪ .‬إ ّ‬ ‫مت َن َكٌر للجميل وجازٍ المحس َ‬ ‫ّ‬ ‫مواقف الحياة ‪ ،‬فأنت ُ‬
‫صل َْته من‬ ‫َ ّ‬‫ح‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫جمي‬ ‫منه‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫َ‬
‫َ ّ َ‬ ‫ف‬‫ت‬ ‫الذي‬ ‫هو‬ ‫حياتك‬ ‫وبقاء‬ ‫منعك من نهاية حياتك‪،‬‬
‫حْزَته من العّز‬ ‫ت به من الشهرة‪ ،‬و ُ‬ ‫العلم‪ ،‬وكسبَته من الفضل‪ ،‬وتمتع َ‬
‫ققَته من الدنيا الواسعة‪ ،‬وحفرته في جبين التأريخ من آثار البداع‬ ‫والفخار‪،‬وح ّ‬
‫والبتكار ‪ ،‬ونتاج الفكر والعمل ‪.‬‬
‫قي على مجرى النهر‪ ،‬ويجعل تياَر المياه يتدّفق على‬ ‫جعُ الّول الذي ي ُب ْ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م َ‬‫ال ُ‬
‫ة‬
‫ل كبيٌر ذو همةٍ عالي ٍ‬ ‫وتيرة سابقة‪ ،‬وليدعه يعترضه فتوٌر‪ ،‬ويسابقه عائق‪ ،‬رج ٌ‬
‫ت الثناء‪،‬‬ ‫ما من تله ليلوك فقط كلما ِ‬ ‫وطموٍح جديرٍ بالتسجيل والشادة‪ .‬أ ّ‬
‫ويطلق ألفاظ التشجيع مجردة من العمل‪ ،‬فإن غوثه أمطر بعد ما فات‬
‫ة الغوث إنما تكون إذا جاء قبل العطب ‪.‬‬ ‫الوقت ومضى الحين ‪ .‬ومنفع ُ‬
‫فالشكر الجزيل والدعاء الكبير لمن يبكر للغوث‪ ،‬ويبادر للعون ويحاول جهده‬ ‫ّ‬
‫أن ليتوقف تدفّقُ النبع‪ ،‬والمروُر في الطريق‪ ،‬والسيُر في درب الحياة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)تحريًرا في الساعة ‪ 11‬من صباح الثلثاء‪/17 :‬ربيع الثاني ‪1427‬هـ =‬


‫‪/16‬مايو ‪2006‬م(‬
‫أبو أسامة نور‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولبة‬ ‫ق ْ‬
‫م َ‬ ‫ال ّ‬
‫ذهنّية ال ُ‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪26/3/1426‬‬
‫‪05/05/2005‬‬
‫دم البحث العلمي وتراكمت الخبرات المنهجّية تبّين لنا أن قدرات‬ ‫كلما تق ّ‬
‫َ‬
‫ل مما كان ي ُظن‪ .‬ول أقصد بالقدرات ما يمتلكه العقل من‬ ‫العقل تعي أق ّ‬
‫إمكانات هائلة على صعيد معالجة المعلومات‪ ،‬وعلى صعيد التنظيم وإعادة‬
‫تشكيل الصيغ‪ ،‬وإنما أقصد قدراته على صعيد إصدار الحكام في الشؤون‬
‫النسانّية وفي تحديد الهداف الكبرى والغايات النهائّية‪ .‬إننا نكتشف يوما ً بعد‬
‫مية المعرفة في هذه المور وضآلة الدور الذي يمكن أن يقوم به‬ ‫يوم أه ّ‬
‫دماغ‪ .‬وقد تبين أن الفراغ المعرفي والمعلوماتي هو البلء الكبر الذي يمكن‬ ‫ال ّ‬
‫ث على القراءة‬ ‫أن ينزل بساحة العقل‪ .‬ومن هنا تتبين الحكمة البالغة في الح ّ‬
‫والطلع وطلب العلم‪ .‬إن عمل العقل وهو يفكر يشبه من يسلك طريقا ً‬
‫ن عليه‬ ‫صحراويا ً طويل ً من غير أيّ خبرة سابقة بذلك الطريق‪ .‬إّنه يعرف أ ّ‬
‫ليس أن يصل إلى هدفه فحسب‪ ،‬وإنما عليه أيضا ً أن يحفظ تضاريس‬
‫الطريق حتى يتمكن من العودة إلى وطنه‪ ،‬ول يهلك في متاهات الصحراء‪,‬‬
‫دالت التي يتمكن بسببها‬ ‫مس العلقات وال ّ‬ ‫ولهذا فإنه طيلة الرحلة يحاول تل ّ‬
‫سلوك الطريق في رحلة الياب‪ .‬ولهذا فإنه مشغول بحفظ الجبال التي يمّر‬
‫من جانبها الطريق‪ ،‬ويحفظ مسافات انعطافاته ذات اليمين وذات الشمال‪...‬‬
‫هكذا العقل حين يبدأ بتكوين المرتكزات التي سيقوم عليها عمله‪ .‬إنه يجمع‬
‫الفكرة مع الفكرة والملحظة مع الملحظة والمقولة مع المقولة‪ ..‬حتى‬
‫يتمكن من بناء منطقّيته الخاصة وأنساقه الشخصّية‪ ،‬وهو يتشّبث بما ينتهي‬
‫إليه من ذلك كما يتشّبث سالك الطريق الصحراوي بالعلمات التي استطاع‬
‫الحصول عليها‪.‬‬
‫إذا أراد سالك ذلك الطريق القيام برحلة أخرى فإنه سيجد أن من السهل‬
‫عليه سلوك عين الطريق‪ ،‬حيث زادت خبرته به‪ ،‬وصارت إمكانية العودة منه‬
‫أكبر‪ ،‬كما نشأت بينه وبين ذلك الطريق ُألفة نفسّية تقترب من الحنين‪ .‬ولهذا‬
‫فإنه إذا ُنصح بسلوك طريق أقرب من ذلك الطريق أو مزّود بخدمات‬
‫أفضل‪ ...‬فإنه سوف يستوحش من ذلك‪ ،‬ويّتبع الحكمة الشهيرة‪" :‬الذي تعرفه‬
‫خير من الذي ستتعرف عليه"‪ .‬طبعا ً سيكون موقفه من الطريق الجديد‬
‫طلع على‬‫فر ا ّ‬ ‫المقترح مختلفا ً تماما ً فيما لو أنه قْبل الشروع في أي َ‬
‫س َ‬
‫ضح له كل الطرق التي يمكن أن يسلكها وميزات وعيوب كل‬ ‫خارطة جيدة تو ّ‬
‫واحد منها‪ .‬إنه في هذه الحالة يغّير من طريق إلى طريق بسهولة؛ لن‬
‫الطريق الذي سلكه كان قد سلكه وهو يعرف أنه ليس هو الطريق الوحيد‪،‬‬
‫وليس هو الطريق الحائز على كل الميزات والمبّرأ من كل العيوب‪ .‬هكذا‬
‫ح معرفي ونقص في المعطيات الجيدة‪.‬‬ ‫العقل حين يفكر ويشتغل في حالة ش ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إنه يعد ّ كل ما توصل إليه من مقولت ومرتكزات وأنساق شيئا ثمينا ونادرا‪ ،‬ل‬
‫سه بأي تعديل‪.‬‬ ‫يمكن الستغناء عنه أو م ّ‬
‫لقد أصبح العقل أسيرا ً لمقولته‪ ،‬مكب ّل بأغلل صنعها بيديه‪ ،‬وباتت تتحكم‬
‫ً‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعمله‪ .‬وسيكون المر مختلفا ً لو كان أمام العقل عند بدايات عمله مخزون‬
‫معرفي جيد‪ .‬إنه حينئذ سيدرك أنه يّتبع خيارات‪ ،‬وليس يخضع لحتميات ولهذا‬
‫ددا ً مستوعبا ً للجديد دون أن يفقد صلته بالقديم‪ .‬هذا‬‫فإنه يكون عقل ً مرنا ً متج ّ‬
‫كله يعني أن علينا أن نستمر في أمرين جوهريين‪:‬‬
‫الول‪ :‬هو التزّود من العلم‪ ،‬فنحن ل نعرف إل القليل‪ ،‬بل أقل القليل‪ ،‬وما‬
‫نجهله أكثر بكثير مما نعرفه‪ .‬وبما أن المعارف تتضاعف كل عقد أو عقدين‪،‬‬
‫فهذا يعني أن جهلنا جديد‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬هو التحّرر العقلي الدائم‪ .‬إن علينا أن نختبر مقولتنا وطرق‬
‫تفكيرنا‪ ،‬ونحاول مراجعتها وتعديلها بما يتواكب مع مسيرة النضج التي نمضي‬
‫فيها‪ .‬بعض الناس يعتقد أننا نعيش في أسوأ زمان مّر على أمة السلم‬
‫بسبب ما يراه من انتشار المعاصي‪ ،‬وسيطرة العداء على المة‪ ...‬ومن هنا‬
‫فإنه انطلقا ً من هذا المعتقد يرى بعيني صقر كل السلبيات الماثلة في حياة‬
‫المسلمين وكل المشكلت التي يعانون منها‪ .‬وإذا ُذكر أمامه شيء من‬
‫ون من شأنه أو وجد له نوعا ً من التأويل يجعله في مصا ّ‬
‫ف‬ ‫اليجابيات ه ّ‬
‫السلبّيات!‬
‫قسم آخر من الناس لديه اعتقاد أن المة بخير‪ ،‬ولهذا فإن عقله الباطن‬
‫يساعده على اكتشاف ما ل ُيحصى من اليجابّيات‪ ،‬والتهوين من شأن‬
‫السلبّيات‪ ،‬فريق آخر من الناس انطلق في تحليله لسباب ما نحن فيه من‬
‫منطلق )القصور الذاتي( فهو يعيد كل أشكال التخّلف في حياة المة إلى‬
‫التحّلل الداخلي‪ ،‬وعدم قيام المسلمين بفروضهم الشرعّية والحضارّية‪ .‬وهو‬
‫ل يقيم لتخريب العداء وتآمرهم أي وزن! هناك قسم آخر يقف في الضفة‬
‫خلهم السافر في شؤوننا‪ ،‬وهو يعتقد‬ ‫المقابلة‪ ,‬فهو ل يرى إل تآمر العداء وتد ّ‬
‫أن المة لو ُتركت وشأنها لما عانت من أي مشكلة وهكذا‪ ...‬ومن الواضح أن‬
‫الرؤية الصحيحة تقع بين ما يراه هذان الفريقان من المسلمين‪ .‬لو تساءلنا‬
‫كيف يكون في إمكاننا التخفيف من القولبة الذهنّية في حياتنا الشخصّية‪،‬‬
‫وفي حياة الناس من حولنا فقد نجد أن علينا أن نفعل التي‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دون من‬ ‫مقولبون ذهنيا ً يميلون إلى الصرامة والعناد‪ .‬وهم ُيع ّ‬ ‫‪ -1‬الشخاص ال ُ‬
‫الصناف التي تتصف بالصراحة المتناهية والميل إلى فرض أفكار غير مّتفق‬
‫ة‪ ،‬كما‬‫عليها‪ .‬وقدرُتهم على ترويض أنفسهم للتعامل مع الخرين بعدل محدود ٌ‬
‫أن قدرتهم على تجزئة الفكرة واتخاذ مواقف متدرجة من الفكار المطروحة‬
‫أيضا ً محدودة‪ .‬ويجب أن نتعامل على هذا الساس‪ ،‬ومن المهم أن ندرك أن‬
‫دون من اندفاع‬ ‫ن المقولبين ذهنيا ً يح ّ‬
‫القولبة الذهنّية ليست شرا ً خالصًا؛ إذ إ ّ‬
‫ورين في مسائل التجديد والتطوير‪ ،‬ويمنحون العمل الذي يكونون فيه‬ ‫المته ّ‬
‫وة في النفوس‬ ‫مون شتاته‪ ،‬ويبثون الق ّ‬ ‫درجة من الصلبة والمتانة‪ ،‬كما أنهم يل ّ‬
‫المترّددة‪ .‬إنهم عنصر أمان وعنصر توازن في الوقت نفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬التعامل مع المقولبين ذهنيا ً يحتاج إلى الكثير من الحكمة واللطف والحذر؛‬
‫إذ من السهل أن تزيد في درجة عنادهم وتقوقعهم على أنفسهم‪ ،‬وذلك إذا‬
‫اتهمتهم بالعناد أو ضيق الفق‪ .‬وقد يكون من الملئم اتباع طريقة )بلورة‬
‫المزايا والعيوب( في مجادلتهم‪ .‬نقول‪ :‬ما مزايا قولك؟ ما براهينه‪ ،‬وما‬
‫مستنداته المنطقّية؟ ما العيوب التي تغشاه‪ ،‬وما نقاط ضعفه؟ وُيطلب منه‬
‫أن َيطلب ذلك أيضا ً من مخالفيه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فف من لغة التحدي‪ ،‬كما أنها تجعل‬ ‫إن هذه الطريقة تفتح بابا ً للجدل‪ ،‬وتخ ّ‬
‫المقولب ذهنيا ً يعتقد أن للحوار إيجابيات‪ ،‬ويعترف أيضا ً بإمكانية وجود درجة‬
‫وة للقوال المخالفة‪.‬‬ ‫حة والق ّ‬
‫من الص ّ‬
‫‪ -3‬من المهم في تعاملنا مع المقولب ذهنيا ً أن نتعلم حسن الستماع‪ ،‬وأن‬
‫ح في الوصول إلى نتائج فورّية‪ .‬إن جزءا ً من صلبته‬ ‫نطلب منه ذلك‪ ،‬وأل ّ نل ّ‬
‫كل بطريقة غير واعية‪ ،‬وسوف ينتهي أيضا ً بالطريقة نفسها‪.‬‬ ‫ُتش ّ‬
‫ً‬
‫‪ -4‬المقولب ذهنيا ل يملك الحساسية الكافية للتفريق بين ما يشكل رؤية‬
‫شخصية اجتهادية ظنية‪ ،‬وبين ما ُيعد ّ من قبيل الثابت والقطعي‪ ،‬وما ُينظر إليه‬
‫على أنه حقيقة مستقرة‪ ،‬انقطع حولها الجدل‪ .‬وأعتقد أن ضعف هذه‬
‫الحساسية يشكل جزءا ً من البنية المعرفية لكل البيئات التي ينتشر فيها‬
‫الجهل والفقر المعلوماتي‪ ،‬ولهذا فإن من المهم أن نثري تقنيات التفريق بين‬
‫الظني والقطعي‪ ،‬والشخصي والعام في عالم الفكار والراء‪.‬‬
‫‪ -5‬المقولبون ذهنيا ً يعطون للعقل دورا ً بارزا ً من أجل التعويض عن الثغرات‬
‫المعرفّية في منظومات الستدلل لديهم‪ .‬وهنا يكون من المهم التوضيح بأن‬
‫العقل من غير معرفة جيدة كثيرا ً ما يكون عاجزا ً عجزا ً شبه تام عن رسم‬
‫الولوّيات وعن إصدار أحكام حول العديد من المور الجوهرية مثل‪ :‬اللئق‬
‫وغير اللئق‪ ،‬والمهم وغير المهم‪ ،‬والمن والخطر‪ ،‬والمستعجل والمؤجل‪...‬‬
‫ونقوم إلى جانب هذا بتوضيح دور المعلومات في بناء الفكار والراء‬
‫والمواقف والتجاهات‪.‬‬
‫دم‬‫وه وبيئة يغلب عليها الجهل‪ ،‬وإن التق ّ‬ ‫‪ -6‬القولبة الذهنّية نتاج تعليم مش ّ‬
‫على هذين الصعيدين‪ ،‬سوف يساعد على التخفيف من غلواء هذه المشكلة‪،‬‬
‫ول والط ّ ْ‬
‫ول‪.‬‬ ‫ومن الله تعالى الح ْ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫الرأسمالية بأبشع صورها‬


‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪25/3/1427‬‬
‫‪23/04/2006‬‬
‫ل يخفى أن من أبرز سمات الرأسمالية الغربية أنها تزيد الغني غنى‪ ،‬وتزيد‬
‫الفقير فقرا ً ‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬هو ‪ :‬ما الفرق بين الربا الذي‬
‫تمارسه البنوك الغربية والشرقية‪ ,‬والذي يجعل العميل مدينا ً حيا ً وميتًا‪ ،‬فيولد‬
‫وهو مدين‪ ،‬ويعيش وهو مدين‪ ،‬ويموت وهو مدين !! ما الفرق بين ذلك الربا‬
‫الجاهلي والمعاصر‪ ،‬وبين هذا الربا المقنن الذي تجريه بعض البنوك‬
‫والمصارف باسم‪) :‬التورق المنظم( ؟! وما الفرق بين المواطن الذي ابتزه‬
‫الغني أو البنك بالربا‪ ،‬وبين هذا المواطن الذي ابتزه المصرف أو البنك‬
‫بالتورق المصرفي السيء الصيت‪ ،‬حتى ركبته الديون وورثها صاغرا ً عن‬
‫صاغر ؟!!‬
‫في الواقع أن الفرق بينهما كالفرق بين من يلغ في الحرام باسم الزنا‪ ،‬وبين‬
‫من يقنن الزنا ويلغ فيه باسم المتعة !! ول فرق‪ ،‬بل هذا الخير أشد حرمة‬
‫من الول ؛ لنه استحل محارم الله بأدنى الحيل‪ ،‬وهي من أبرز صفات اليهود‬
‫الذين حين حرمت عليهم الشحوم‪ ،‬أذابوها‪ ،‬ثم باعوها‪ ،‬فأكلوا ثمنها ! وحين‬
‫حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت عمدوا إلى البحر فحفروا حوله‬
‫الحياض‪ ،‬وشّرعوا منه إليها النهار‪ ،‬ثم فتحوا تلك النهار عشية الجمعة‪ ،‬فأقبل‬
‫الموج بالحيتان إلى الحياض‪ ،‬فلم تقدر على الخروج لبعد عمق الحياض وقلة‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مائها‪ ،‬فلما جاء يوم الحد أخذوها‪ ،‬فأنكر الله ذلك عليهم بقوله ‪ ):‬ولقد علمتم‬
‫الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( ‪.‬‬
‫وهكذا الحال فيمن أكل الربا وأموال الناس بالباطل على سبيل المكر‬
‫والخديعة والحتيال‪ ،‬ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ارتكاب‬
‫الحيل‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ل ترتكبوا ما ارتكبت اليهود‪ ،‬فتستحلوا محارم الله بأدنى‬
‫الحيل ( ‪ .‬وهذا بخلف من وقع في الذنب وهو مقر بخطيئته‪ ،‬فقد اقترن‬
‫بمعصيته اعترافه بالخطيئة‪ ،‬وبأنه مذنب عاص‪ ،‬مع انكسار قلبه من ذل‬
‫المعصية‪ ،‬وازدرائه على نفسه‪ ،‬ورجائه لمغفرة ربه‪ ،‬وعد نفسه من المذنبين‪،‬‬
‫فلعل ما يقوم بنفسه من هذه المعاني يفضي به إلى الخير‪ ،‬والقلع عن هذه‬
‫المعصية ‪.‬‬
‫وهنا يرد تساؤل عن التورق المنظم‪ ،‬ما هو ؟ وما موقف العلماء منه قديما ً‬
‫وحديثا ً ؟ وما أثر هذه المعاملة وأشباهها على اقتصادنا المعاصر ؟‬
‫والجواب ‪ :‬أن التورق المنظم‪ ،‬هو ‪ :‬أن يتولى المصرف البنك أو المصرف‬
‫ترتيب الحصول على النقد للمتورق‪ ،‬بأن يبيعه سلعة بأجل‪ ،‬ثم يبيعها نيابة عنه‬
‫نقدا ً ويقبض الثمن من المشتري‪ ،‬ثم يسلمه للمتورق ‪ .‬ثم إن البنك أو‬
‫المصرف قد يكون مالكا ً للسلعة ابتداء‪ ،‬وقد ل يكون مالكا ً لها‪ ،‬فيسبقه‬
‫مرابحة للمر بالشراء ‪ .‬وبالنظر إلى واقع هذه المعاملة‪ ،‬نجد أنها غالبا ً ما‬
‫تكون من العقود الصورية ل الحقيقية‪ ،‬حيث يقصد من ورائها دفع النقد‬
‫ل‪ ،‬وأنها كما قال ابن عباس رضي الله عنه ‪:‬‬ ‫لتحصيل نقد أكثر منه مؤج ً‬
‫) دراهم بدراهم بينهما حريرة !! ( وهذا التورق المنظم ليس من العقود‬
‫الحديثة‪ ،‬كما يظن البعض‪ ،‬بل جاء عن السلف بعض الثار الدالة على وقوعه‬
‫والنهي عنه‪ ،‬كما في مصنف عبدالرزاق ) ‪ (8/294‬وابن أبي شيبة )‪. (7/275‬‬
‫ولن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني ل باللفاظ والمباني‪ ،‬كما قرر ذلك‬
‫المحققون من أهل العلم‪ ،‬لذا فقد صدر قرار مجمع الفقه السلمي التابع‬
‫لرابطة العالم السلمي في أواخر سنة )‪1424‬هـ( بتحريم التورق المنظم‪،‬‬
‫وأنه يأخذ حكم العينة الثنائية ‪ .‬وقد أفتى بموجب هذا القرار جمع كبير من‬
‫علمائنا المعاصرين‪ ،‬بل ومن خبرائنا في مجال القتصاد السلمي‪ ،‬وصرحوا‬
‫بأن هذا النوع من العقود قد نتج عنه تراجع للهداف الحقيقية التي لجلها‬
‫أنشئت المصارف السلمية‪ ،‬وعلى رأس قائمتها دعم التنمية‪ ،‬والسهام في‬
‫النشاط الحقيقي للقتصاد في البلد‪ ،‬وذلك من خلل المشاركة‪,‬والستصناع‬
‫‪,‬والجارة‪ ,‬ونحوها من العقود التنموية الحقيقية‪ ،‬حتى تم اختزال ذلك كله في‬
‫بيع النقد بالنقد باسم التورق‪ ،‬تحقيقا ً للرباح بأقل وقت ممكن‪ ،‬ودون‬
‫مخاطرة أو مشقة‪ ،‬ولو كان ذلك على حساب ديننا‪ ,‬وأخلقنا‪ ,‬واقتصادنا !!‬
‫حتى أصبح المال دولة بين الغنياء منا‪ ،‬ولذا أصبحوا يمارسون الرأسمالية في‬
‫بلدنا بأبشع صورها‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الرأسمالية ليست نهاية التاريخ‬


‫د‪ .‬عمر فوزي نجاري‬
‫>‪TD/‬‬
‫النظرة المادية البحتة للمور‪ ,‬أوصلت الفيلسوف المريكي )) فرنسيس‬
‫فوكوياما (( عام ‪1989‬م ‪ ,‬إلى نظريته المتمثلة بأن انتصار الرأسمالية يعني‬
‫ن فقدان‬
‫) نهاية التاريخ ( ‪ ,‬وأن قيمة النسان مستمدة مما يملكه‪ ,‬وبالتالي فإ ّ‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الملكية يعني انعدام قيمة مالكها ‪ ,‬وبناء عليه فإن المجتمعات البشرية‬
‫ما أن تأكل ‪ ,‬أو أن تؤكل‪.‬‬ ‫ستكون أمام أحد خيارين‪ :‬إ ّ‬
‫ً‬
‫وراح الرأسماليون يزدادون ثراء ‪ ,‬والفقراء يزدادون فقرا ‪ ,‬وأخذت المنافسة‬
‫غير المتكافئة بين الحيتان والسماك الصغيرة ‪ ,‬تطحن الناس والمجتمعات‬
‫طحنا ً ‪ ,‬مدمرة البنى الجتماعية والتماسك الجتماعي ‪ ,‬وأخذت الفئات الدنيا‬
‫من الطبقة المتوسطة تزداد فقرا ً ‪ ,‬وباتت معها الطبقة الوسطى في تضاؤل‬
‫مستمر ‪.‬‬
‫) أوناسيس ( و ) جونتر الرابع ( اسمان لمعان ‪ ,‬دخل موسوعة غينيس من‬
‫أوسع أبوابها ‪ ,‬وقد جمع بينهما في باب واحد ‪ ,‬كونهما من أصحاب المليين ‪,‬‬
‫ممن خلقوا وعاشوا على وجه البسيطة ‪ ,‬مثلهما كمثل أي مخلوق يمشي‬
‫على قدمين ‪ ,‬أو على أربع ‪ ,‬أو قد يقطع المسافات زحفا ً على بطنه ‪ ..‬وقد‬
‫تودد لهما خلق كثير ممن اعتاد شرب الذل وركوب الهوان ‪ ,‬ساعين وراء‬
‫الفتات ‪ ,‬وراء كل ما هو زائل ل يدوم ‪.‬‬
‫ما ) أوناسيس ( وهو من بني البشر ‪ ,‬فقد مات منذ ثلث قرن ‪ ,‬وقد أكلت‬ ‫أ ّ‬
‫ما ) غونتر الرابع (‬‫دابة الرض منسأته ‪ ,‬وما عادت تنفعه مليينه أو بليينه ‪ ,‬وأ ّ‬
‫فل هو من بني البشر ‪ ,‬ول ممن يملك الحجر أو الشجر ‪ ,‬وإّنما هو كلب‬
‫إيطالي ورث عن صاحبته الكونتيسة ) كاراوتا لبيثاتي ( مليين الدولرات بعد‬
‫أن أوصت له بثروتها الطائلة ؟!‪.‬‬
‫وإذا كانت المسافات قد تقاربت في عصرنا بفعل تقدم وسائل التصالت ‪,‬‬
‫ن الجمع بين المواصفات القياسية للبشر والحيوان في عصرنا هذا ‪ ,‬قد‬ ‫فإ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بات أمرا واقعا وملموسا بعد أن سيطرت على البشرية القيم المادية البحتة ‪,‬‬ ‫ً‬
‫وأصبحت معها القيم الفاضلة والخلق الحميدة من الندرة بحيث أصبح معها‬
‫حاملوها غرباء في مجتمعاتهم ‪ ,‬لينطبق عليهم قول شاعرنا الحكيم وصاحب‬
‫البصيرة النافذة أبو الطيب المتنبي‪:‬‬
‫ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم‬
‫ولم تصل البشرية إلى التقدم والرخاء ‪ ,‬بل صار التدهور القتصادي والتدمير‬
‫البيئي والنحطاط الثقافي وتزايد الفروقات بين البشر ‪ ,‬أهم ميزات العصر‬
‫المريكي الراهن ‪ ,‬وباتت معها أسواق المال العالمية اليوم ‪ ,‬أشد خطرا ً على‬
‫الستقرار العالمي من السلحة النووية ذاتها ‪.‬‬
‫ن مفهوم المال في حضارتنا وتراثنا يختلف عما هو عليه في الحضارة‬ ‫إ ّ‬
‫الكونية الحديثة ‪ ,‬فهو عندنا موجود لخدمة البشر والمجتمع ‪ ,‬فكل ثراء ل يزيد‬
‫من فرص العمل مرفوض ‪ ,‬وكل تكديس للثروات مرفوض ‪ ,‬فالثروات في‬
‫حضارتنا العريقة ليست سوى وسيلة من وسائل التكافل الجتماعي غرضه‬
‫تحسين مستوى معيشة المة والمجتمع ) فرادى وجماعات ( ‪ ,‬إذا ما أنفقت‬
‫في وجوه الخير ‪ ,‬خلفا ً لما هو عليه الحال في الحضارة الحديثة التي جعلت‬
‫منها معبودا ً يلهث وراءه ‪ ,‬ويتقرب إليه ‪ ,‬أصحاب النفوس الضعيفة والمهزوزة‬
‫‪ ,‬ممن أعمت حمى الستهلك وتكديس الثروات بصيرتهم ‪ ,‬وما عاد من فارق‬
‫يميزهم عن ) جونتر الرابع ( أو عن القطة اليطالية المليونيرة ) كيتي (‪.‬‬
‫المال في حضارتنا ليس بمقياس على علو منزلة النسان ‪ ,‬فالمال إذا ما أخذ‬
‫بغير حق أذل أعناق الرجال وغير المباديء وأفسد المور ‪ ,‬وقد تم التأكيد‬
‫والتشديد على تجنب أكل أموال الناس بالباطل والتحايل ) ومن أساليبها‬
‫الرشوة والتهرب من سداد الدين ‪ ,‬وعمليات النصب والحتيال ‪ ,‬وأكل أموال‬
‫اليتامى ‪ ,‬وعدم إعطاء الجير أجره …وغيرها كثير (‪ .‬مع التشديد وعدم‬
‫التساهل حول أل ّ يدخل مال إل ّ من حلل‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن العودة إلى مناهل تراثنا وحضارتنا أمر ل بد منه للوقوف في وجه حضارة‬ ‫إ ّ‬
‫النحلل الخلقي المستشرية ‪ ,‬ونظرة حضارتنا إلى المال قد أوضحها لنا‬
‫أمير المؤمنين الخليفة الراشد ) عمر بن الخطاب ( موضحا ً بذلك إحدى أهم‬
‫السس التي بني عليها القتصاد السلمي ‪ ,‬بقوله ‪ )) :‬إّني ل أجد هذا المال‬
‫يصلحه إل ّ خلل ثلث ‪ :‬أن يؤخذ بالحق ‪ ,‬ويعطى بالحق ‪ ,‬ويمنع من‬
‫الباطل ((‪.‬‬
‫قديما ً قالت العرب ‪ ) :‬عند جهينة الخبر اليقين ( وما عداه باطل الباطيل‬
‫وقبض الريح ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الرأي والرأي الخر ‪ ....‬متى يكون حقا ً ؟؟؟!!!‬


‫أبو عمر المنهجي‬
‫يتردد دائما ً على مسامعنا عبارة "الرأي والرأي الخر"‪،‬يغلو البعض حتى في‬
‫العقيدة فيقول "الرأي والرأي الخر" ‪000‬‬
‫مشك َِلة؛ فليست على ]إطلق[ ‪،‬ففي‬ ‫في الحقيقة أرى بأن هذه الجملة ُ‬
‫الصول ل يوجد إل رأي واحد؛أما في الفروع فالرأي الحق واحد؛ ولكن دائرة‬
‫الختلف قد تتسع‪،‬والفروع على ضروب عديدة منها ما ينكر عليه ويشدد في‬
‫النكار‪،‬ومنها ما يتذاكر البعض القول الرجح بدليله‪ ،‬ومنها ما يبين الوجه‬
‫الصحيح لديه دون تشديد على الخر ‪ 00‬وهذا موضوع حديثنا المرة القادمة‬
‫‪ 00‬ولنضرب على ما سبق أمثلة‪:‬‬
‫فالذي يشك في وجود الله كافر؛ فالرأي هنا واحد ‪0‬‬
‫الدين الحق الذي ل يقبل الله بعد مبعث محمدٍ عليه الصلة والسلم سواه‬
‫]السلم[ ‪،‬وغير السلم كفر‪،‬فالرأي هنا واحد ‪0‬‬
‫أصول العقيدة الرأي فيها واحد؛ ويكفر أو يبدع كل من خالف ذلك على‬
‫حسب الخلل الذي ارتكبه ‪0‬‬
‫فالشيعة النصيرية)العلوية( وبعض الثني عشرية الذين قالوا بأن علي هو‬
‫ج من الملة ‪0‬‬ ‫مخر ٌ‬ ‫الله؛ فهذا القول كفٌر ُ‬
‫بينما بدعة الشاعرة الشنيعة القبيحة في أسماء الله وصفاته حيث عطلوها‬
‫ج من الملة؛إل من عرف الحق وكابر وأمور أخرى ‪0‬‬ ‫]بدعة[ ل ُتخر ُ‬
‫الشيعة الثني عشرية –غالبيتهم وخاصة علمائهم‪ -‬والسماعلية والنصيرية‬
‫فَر[ بكتاب الله وبكلم‬ ‫والدروز يقولون بتحريف القرآن؛فمن قال بهذا ]ك َ َ‬
‫ل في هذه المسائل إل رأيا ً واحدا ‪0‬‬ ‫ج من الملة؛ول ُيقب ُ‬ ‫الله‪،‬وهو بهذا يخر ُ‬
‫ة تختلف[ ‪ 00‬وكل مسألة يختلف النظر فيها من‬ ‫بينما في الفروع ]فالمسأل ُ‬
‫حيث أدلتها‪:‬‬
‫حكمها؛فهذه واضحة ويضلل من حاد عن الدليل‬ ‫فمثل ً المور البين ُ‬
‫فيها‪،‬واستحلل أمر لجل الهوى كفر ‪0‬‬
‫بينما إذا كانت المسألة قد تخفى فيتم البيان بالليل مع دفع المخطأ إلى الحق‬
‫بالنصحة والنكار بالتي هي أحسن ‪0‬‬
‫وهناك مسائل لكل فريق دليله الصحيح ‪ 00‬ولكن الفهم اختلف ‪ 00‬فهنا‬
‫الرأي والرأي الخر وأحدهما راجح والخر مرجوح فل ُيعنف الجميع‪،‬وكلهما‬
‫على خير‪،‬وإن كان الرجح أحدهما ‪00‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ))ل يصلين أحدكم العصر إل في بني‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قريظة((‬
‫فهم بعض الصحابة أن هذا أمر بالصلة هناك ‪0‬‬
‫ب إلى هذا –يعني الستعجال‪ -‬ولدينا دليل آخر بعدم‬ ‫وفهم فريق آخر بأنه ن َد َ َ‬
‫إخراج الصلة عن وقتها؛ )فصلوا( ثم أكملوا المسير ‪0‬‬
‫فأقر النبي عليه الصلة والسلم الفريقين ‪ 00‬وإن كان الفريق الثاني كان‬
‫أقرب إلى الصواب ‪0‬‬
‫ل أ ويحور في الثوابت‬ ‫وهكذا نرى من الواجب الوقوف أمام كل من ُيخ ُ‬
‫والمسلمات وأصول وعقائد الناس؛وأن يتعامل معه بشدة خاصة إذا بان بأنه‬
‫مراوغة وهرب أو جاهل ‪00‬‬ ‫يطرح شبهات ول يحاور أو يناظر؛بل صاحب ُ‬
‫فهؤلء ل يناظرون ‪0‬‬
‫ُ‬
‫ونرى أن ل يضيق الشباب في مسائل الخلف التي اجتهد فيها الُعلماء ك ٌ‬
‫ل‬
‫بدليلهِ –مع التزام الضوابط‪ -‬مثل التصوير الفيديو وأن تبين القضية بدليلها؛‬
‫وُيدفعُ من ظننت أن جانب الصواب بالتي هي أحسن‪،‬ومحاولة التماس‬
‫العذار وأن تعين أخيك‪،‬فالمسألة ليست لبراز عضلت بقدرِ ما هي دعوة‬
‫ونصيحة ‪0‬‬
‫ولقائنا القدم سيكون بعنوان ] الرد بين البحث عن الحق والنتصار للنفس[‬
‫‪.....................‬‬
‫· في لقاء قادم سنوضح من كلم العلماء مراتب الخلف وما الذي ُيعذُر فيه‬
‫والذي ل يعذر فيه‪،‬وما هو الخلف المعتبر ونزيد تفصيل ً على محاورنا‬
‫السابقة‪..‬وكان هذا المقال دردشة خفيفة في تبيان وتحرير هذه المسألة‬
‫وأنها ليست على إطلق والنصح بالوقوف في وجه أهل الفساد‪.‬‬
‫· حينما نقول الشيعة فنحن نذكرها تجاوزا وإل الصحيح أن ُيقال لهم‬
‫الرافضة‪..‬ولم يكونوا شيعة لل البيت عليهم السلم بل هم من خانوهم وفي‬
‫مقتل الحسين عليه السلم أكبر دليل‪..‬فأرى أن يسموا خونة آل البيت علهم‬
‫السلم‪.‬‬
‫· فيه العبارات إشارات واللبيب بالشارة يفهم‪،‬وُيرجع المر إلى أهله‪..‬فأعطي‬
‫القوس باريها‪..‬أعني العلم يفتي فيه أهله وهم العلماء‪.‬‬
‫كتبه‬
‫أبو عمر المنهجي ‪ -‬شبكة الدفاع عن السنة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الرؤى وأضغاث الحلم ‪8/7/1425‬‬


‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫إن سورة يوسف نستطيع أن نقول‪ :‬إنها سورة الرؤى‪ ،‬فقد ورد في القرآن‬
‫ذكر سبع رؤى في ستة مواضع؛ ثلثة مواضع اشتملت على أربعة رؤى جاءت‬
‫َ‬
‫ت إني‬‫ف َل َِبيهِ َيا أب َ ِ‬
‫س ُ‬ ‫في سورة يوسف‪ ،‬وهي قول الله _تعالى_‪" :‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ُيو ُ‬
‫رأيت")يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(4‬وذكر رؤياه‪.‬‬
‫ثم الموضع الثاني‪ ،‬وفيه رؤيتي صاحبي السجن الذين ذكرا له ما رأيا‪ ،‬وكل‬
‫واحد منهم رأى رؤيا غير التي رآها صاحبه‪.‬‬
‫ثم جاءت الرؤيا الرابعة في الموضع الثالث من السورة‪ ،‬وهي رؤيا الملك‬
‫وتلك رؤية عظيمة جدًا‪ ،‬فهذه ثلثة مواضع اشتملت على أربعة رؤى كلها في‬
‫سورة يوسف‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي بقية القرآن نجد في سورة النفال ذكر الرؤيا في قول الله _تعالى_‪:‬‬
‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫م وَل َت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م ك َِثيرا ً ل َ َ‬ ‫ك قَِليل ً وَل َوْ أَراك َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ريك َهُ ُ‬ ‫"إ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ر")لنفال‪ :‬من الية ‪.(43‬‬ ‫م ِ‬ ‫اْل ْ‬
‫ثم في الصافات في قصة إبراهيم مع إسماعيل _عليهما السلم_ قال الله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ح َ‬ ‫مَنام ِ أّني أذ ْب َ ُ‬ ‫ي إ ِّني أَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬‫ي َقا َ‬ ‫سعْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫معَ ُ‬‫ما ب َل َغَ َ‬
‫_عز وجل_‪" :‬فَل َ ّ‬
‫")الصافات‪ :‬من الية ‪.(102‬‬
‫والموضع السادس والخير جاءت فيه الرؤيا السابعة‪ ،‬وهي رؤيا النبي _صلى‬
‫الله عليه وسلم_ التي أخبر الله _جل وعز_ عنها في سورة الفتح‪ ،‬فقال‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫خل ُ ّ‬ ‫حقّ ل َت َد ْ ُ‬ ‫ؤيا ِبال ْ َ‬ ‫ه الّر ْ‬‫سول َ ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫_سبحانه_‪ " :‬ل َ َ‬
‫ن")الفتح‪ :‬من الية ‪.(27‬‬ ‫مِني َ‬
‫هآ ِ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫هذه سبعة رؤى في القرآن‪ ،‬وقد يتساءل متسائل فيقول‪ :‬أين رؤيا سورة‬
‫ك إ ِّل فِت ْن َ ً‬
‫ة‬ ‫ؤيا ال ِّتي أ ََري َْنا َ‬ ‫جعَل َْنا الّر ْ‬ ‫ما َ‬ ‫السراء التي قال الله _جل وعل فيها_‪" :‬وَ َ‬
‫س")السراء‪ :‬من الية ‪(60‬؟ والجواب‪ :‬إن هذه الرؤيا رؤيا عين‪ ،‬وليست‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫رؤية منامية على الصحيح‪ ،‬وكذلك فسرها ابن عباس _رضي الله تعالى عنه_‬
‫كما في البخاري‪.‬‬
‫أما ما ذكره بعض المفسرين من أنها رؤيا في بني أمية فضعيف ل يثبت‪ ،‬بل‬
‫ربما كان من أكاذيب الرافضة وما أدخلوه في التفسير من أخبار واهيات‪ ،‬أو‬
‫ممن تأثر بهم وأخذ عنهم‪.‬‬
‫والناس في موضوع الرؤى بين إفراط وتفريط‪ ،‬فهناك من بالغ في الرؤى‬
‫فبنى حياته عليها‪ ،‬وأخذ تشريعه منها‪ ،‬وهناك من قصر فيها فلم يلتفت إليها‪،‬‬
‫والحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه‪ ،‬وما عليه المسلمون المؤمنون‬
‫من أهل السنة والجماعة هو المنهج الوسط‪ ،‬المنهج الحق‪ ،‬في موضوع‬
‫الرؤى‪.‬‬
‫فالرؤى في المنام حق‪ ،‬ثابتة بالكتاب والسنة‪ ،‬يؤيدها النقل والعقل‪ ،‬وتؤمن‬
‫بها النفوس السوية‪ ،‬ولم ينكر أن الرؤيا الصالحة تكون من الله إل الفلسفة‬
‫ومن نحا نحوهم في هذا العصر من بعض من يشتغلون بعلم النفس‪ ،‬الذين‬
‫يجعلون الرؤى أضغاث أحلم‪ ،‬فهؤلء يفسرون الرؤى بنوع من أنواعها‪،‬‬
‫وينكرون الحق فيها‪ .‬ومثل أولء ومن أخذ بقولهم ل يلتفت إليهم ؛ لن الرؤيا‬
‫الصالحة وأثرها ثابتة بالكتاب والسنة‪ ،‬وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_‬
‫كثيرا ً ما يسأل أصحابه من رأى منكم رؤيا؟ وقد توارثته الجيال قديما ً وحديثًا‪،‬‬
‫فهي ثابتة يؤيدها العقل والنقل في القرآن كما مر وفي السنة التي تكاد أن‬
‫تصل إلى حد التواتر المعنوي لكثرتها وتنوعها‪ ،‬ومن ذلك حديث أبي هريرة‬
‫_رضي الله تعالى عنه_ قال‪ :‬قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬إذا‬
‫اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب‪ ،‬وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا‪،‬‬
‫ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءا ً من النبوة‪ ،‬والرؤيا ثلث‪ :‬فالرؤيا‬
‫الصالحة بشرى من الله‪ ،‬ورؤيا تحذر من الشيطان‪ ،‬ورؤيا مما يحدث المرء‬
‫نفسه‪ ،‬فإن رأى أحدكم ما يكره‪ ،‬فليقم فليصل‪ ،‬ول يحدث بها أحدًا" رواه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬وهذا الحديث أصل عظيم في موضوع الرؤيا‪ ،‬إثباتها‪،‬‬
‫وأنواعها‪ ،‬وأقسامها‪ ،‬وكيف نتعامل معها‪.‬‬
‫وعن عبادة بن الصامت _رضي الله تعالى عنه_ قال‪ :‬قال رسول الله _صلى‬
‫الله عليه وسلم_‪" :‬رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا ً من النبوة"‪.‬‬
‫وردت في بعض الحاديث خمس وأربعين‪ ،‬وفي بعض الحاديث ست وأربعين‬
‫جزء من النبوة‪ ،‬بل جاءت الحاديث بخمسة عشر لفظا ً مختلفًا‪ ،‬وقد ذكر أهل‬
‫العلم تفاسير جامعة مبينة لذلك‪،‬فبعضهم حملها على اختلف الرائي‪ ،‬فبعضهم‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكون له خمسة وأربعين جزءا ً من النبوة‪ ،‬وبعضهم ست وأربعين‪ ،‬وبعضهم‬


‫أقل‪ ،‬وبعضهم أكثر‪ ،‬فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه‬
‫كانت رؤياه أقرب‪ ،‬ومنهم من قال النبوة يتفاضل فيها النبياء وليست مستوى‬
‫واحد كما قال الله _عز وجل_‪" :‬ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض" وفي‬
‫المسألة أقوال أخرى يرجع إليها في مظانها من كتب أهل العلم‪.‬‬
‫أما المنهج الشرعي في التعامل مع الرؤى‪ ،‬فيعتمد على الرؤيا‪ ،‬وهي ثلثة‬
‫أنواع كما مر في حديث أبي هريرة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فإن كانت رؤيا صالحة فل يحدث بها إل من يحب‪ ،‬ولذلك أسباب‪ ،‬منها‪ :‬منع‬
‫باب التحاسد وما ينتج عنه من تدابر‪ ،‬ولهذا قال يعقوب لبنه _عليهما‬
‫ك ك َْيدا ً ")يوسف‪ :‬من الية‬
‫دوا ل َ َ‬ ‫ك فَي َ ِ‬
‫كي ُ‬ ‫ك عََلى إ ِ ْ‬
‫خوَت ِ َ‬ ‫ؤيا َ‬ ‫ص ُر ْ‬
‫ص ْ‬‫ق ُ‬
‫السلم_‪ " :‬ل ت َ ْ‬
‫‪ ،(5‬فلما لحظ يعقوب من تصرفات بنيه ما استشرف منه عدم رضاهم عن‬
‫أخيهم أوصاه بذلك‪ ،‬فإذا لم تأمن جانب قريب فل تقصص رؤياك عليه حتى‬
‫وإن كان ممن تحب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن كانت الرؤيا من قبيل حديث النفس‪ ،‬ومن علمتها أنها تكون في‬
‫العادة استمرار لما كان يفكر فيه المرء في يقظته‪ ،‬ومثل هذه فليعرض عنها‪،‬‬
‫وأكثر ما يرى الناس من حديث النفس‪ ،‬يهتم أحدهم بشراء سيارة‪ ،‬فيرى‬
‫السيارة‪ ،‬يهتم بالزواج فيرى ذلك‪ ،‬يهتم بالمتحان فيرى السئلة‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬أن يرى ما يكره‪ ،‬وهي التي من تهاويل الشيطان‪ ،‬فعلى من‬
‫رآها أن يعمل بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬يتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬يبصق عن يساره ثلثا‪ً.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ينقلب على جنبه الخر‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يقوم فيتوضأ ثم يصلي ما شاء الله‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ل يحدث بها أحدًا‪.‬‬
‫ومن لم يتمكن من عمل هذه الخمس‪ ،‬فليعمل بعضها‪ ،‬كأن ينقلب على جنبه‪،‬‬
‫وأن يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان‪ ،‬والمهم أل تحدث بها أحدًا‪،‬‬
‫فإنه يخشى إذا حدثت بها أحدا ً أن يكون لها آثار‪ ،‬فقد ورد أن الرؤيا على جناح‬
‫طائر فإذا عبرت وقعت‪.‬‬
‫فالفضل كما بين النبي _صلى الله عليه وسلم_ أل تحدث بها أحدا ً مهما كان‪،‬‬
‫وإذا عملت هذه الشياء الخمسة فإنها ل تضرك _بإذن الله_‪.‬‬
‫وكان من روى هذا الحديث‪ ،‬يقول‪ :‬كنت أرى الرؤيا فتمرضني‪ ،‬أي‪ :‬تثقل‬
‫علي‪ ،‬فلما بلغه هذا الحديث وتعامل معها ارتاح وخف عنه ما يجد‪.‬‬
‫ثم إن من رأى رؤيا أولت له فعليه أن يعلم بأنها قد تصيب وقد تخيب‪،‬‬
‫والجزم بتحقق الرؤيا أو صحة تعبيرها والتعلق به خطأ كبير وخلل وقع فيه‬
‫بعض الناس‪.‬‬
‫فبعض الناس يتصور أنه إذا رأى رؤيا ثم عبرت له فوقوعها حق ل مرية فيه!‬
‫وهذا خطأ للتقسيم السابق‪ ،‬فالرؤيا قد تكون رؤيا صالحة‪ ،‬وقد تكون حديث‬
‫نفس‪ ،‬وقد تكون من وسواس الشيطان‪ ،‬كما قد ترد احتمالت أخرى حتى‬
‫على الرؤيا التي ظاهرها الخير‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬قد تكون الرؤيا كذب‪ ،‬وهذا باب خطير ولج فيه وللسف بعض الناس‪،‬‬
‫فوجب أل يطمئن لكل رؤيا تذكر‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬احتمال عدم دقة رواية من رآها دون تعمد للكذب فيزيد أو ينقص‪،‬‬
‫والمعبر يعبر حسب ما روي له‪ ،‬وهنا قد يقع الخطأ‪ ،‬وإن كان المعبر حاذقًا‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬قد يكون ما رؤي من حديث النفس أو وسواس الشيطان فاختلط المر‬
‫على الرائي‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬قد تكون الرؤيا صالحة‪ ،‬والرائي صادق قد قصها على المعبر بدقة‪،‬‬
‫ولكن المعبر ليس من أهل الحذق في التعبير أو ليس من أهل التعبير؟‬
‫فبعضنا يعرض رؤاه على معبر وغير معبر‪ ،‬كما يسأل الناس من هو أهل‬
‫للفتوى ومن ليس من أهلها‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬قد يكون المعبر من المعبرين الحذاق‪ ،‬ولكنه أخطأ في تعبير الرؤيا‪،‬‬
‫فليس كل معبر حاذق يصيب في كل تعبير‪ ،‬والدليل على ذلك أن أبا بكر‬
‫_رضي الله تعالى عنه_‪ ،‬عندما عبر الرؤيا وسأل النبي _صلى الله عليه‬
‫وسلم_‪ ،‬قال له النبي _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬أصبت بعضا ً وأخطأت‬
‫بعضًا"‪ ،‬فإذا كان أبو بكر _رضي الله عنه_ ومن هو في علمه وفضله ومكانته‬
‫وتعبيره للرؤى‪ ،‬يقول له النبي _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬أصبت بعضا ً‬
‫وأخطأت بعضًا"‪ ،‬فغيره من باب أولى وإن كان من كبار المعبرين‪ ،‬فليس كل‬
‫ما يقوله المعبر صحيحا ً على إطلقه‪ ،‬فما بالك إن لم يكن المسؤول من أهل‬
‫التعبير!‬
‫سادسًا‪ :‬قد يعبر المعبر‪ ،‬ويكون تعبيره صحيحًا‪ ،‬ولكن يخطئ في تنزيلها على‬
‫ما لم تكن فيه‪ ،‬وهذا المر وقع فيه بعض الصحابة كما في رؤية الفتح‪ ،‬وذلك‬
‫لما رأى النبي _صلى الله عليه وسلم_ الرؤيا التي قصها الله _تعالى_ كما‬
‫في قوله _عز وجل_‪" :‬لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين"‪ ،‬فلما‬
‫ذهبوا إلى الحديبية ورجعوا‪ ،‬قالوا‪ :‬ألم تقل لنا إننا سندخل البيت؟ فأنزلوها‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ؤيا ِبال ْ َ‬ ‫ه الّر ْ‬‫سول َ ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫في غير موضعها‪ ،‬فنزل قوله _تعالى_‪" :‬ل َ َ‬
‫نل‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬
‫ق ّ‬‫م َ‬
‫م وَ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ؤو َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫قي َ‬‫حل ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫هآ ِ‬‫شاَء الل ّ ُ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫خل ُ ّ‬
‫ل َت َد ْ ُ‬
‫ريبًا" )الفتح‪ ،(27:‬فقد‬ ‫ك فَْتحا ً قَ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫موا فَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫ما ل َ ْ‬‫م َ‬‫ن فَعَل ِ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫تَ َ‬
‫تنزل الرؤيا وهي حق‪ ،‬وتعبيرها صحيح على غير من عبرت له أو في غير‬
‫موضعها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وخلصة المر‪ :‬إن الواجب علينا أل نستعجل في موضوع الرؤى وفي تعبيرها‪،‬‬
‫فإذا رأيت رؤيا‪ ،‬فانظر هل هي صالحة أو حديث نفس أو من الشيطان‪ ،‬ثم‬
‫ابحث عمن يعبرها لك إن كانت صالحة‪ ،‬فإذا عبرها فل تجزم بتحققها مع‬
‫رجائك من تحقق البشرى بخير يجريه الله لك‪ ،‬ول تستعجل فقد يأتي تأويل‬
‫رؤياك بعد سنة أو بعد سنتين أو بعد عشرين‪ ،‬ولهذا قال يوسف _عليه‬
‫السلم_ بعد سنوات طوال ذكر بعض المفسرين أنها أربعين سنة‪ :‬الن‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ؤيايَ ِ‬ ‫ذا ت َأ ِْوي ُ‬
‫ل ُر ْ‬ ‫تحققت الرؤيا‪ ،‬قال الله _عز وجل_ على لسانه‪" :‬يا أبت هَ َ‬
‫ل")يوسف‪ :‬من الية ‪ .(100‬يعني رؤياه التي رآها أول القصة‪ ،‬وذلك بعدما‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫ً‬
‫خروا له سجدا ورفع أبويه على العرش‪.‬‬
‫فلنلحظ هذه المور في رؤانا‪،‬ولنتثبت من الرؤيا‪ ،‬ومن دقة المعبر‪ ،‬ومن‬
‫تنزيلها على واقعها حتى ل تزل قدم بعد ثبوتها‪ ،‬ولنأمل خيرًا‪ ،‬فما أضيق العمر‬
‫لول فسحة المل‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرؤية المشتركة بين الزوجين‬


‫مفكرة السلم ‪ :‬الرؤية المشتركة بين الزوجين تعني التفاق على أساسيات‬
‫الحياة الزوجية والنقاط العريضة التي قد تكون موضع خلف مع استمرار‬
‫الحياة الزوجية‪.‬‬
‫فالرؤية المشتركة بين الزوجين هي مستوى جديد من العمق في التواصل‬
‫بينهما وفي علقتهما‪ ،‬وهي من الساليب القوية المؤثرة ليتعلم بها الزوجان‬
‫وقف الهتمام بصغائر المور‪ ،‬وهي الشتراك مًعا في خبرة ما أو في رؤية ما‪.‬‬
‫وهذه الرؤية المشتركة تساعدك على توجيه المزيد من التركيز والهتمام‬
‫ضا على ظهور‬ ‫أكثر بما هو صواب في علقتك وفي حياتك‪ ،‬ويعمل ذلك أي ً‬
‫أفكار جديدة وتنبيهات على السطح عن كيفية الحصول على مزيد من الراحة‬
‫والحب لكل من الزوجين‪.‬‬
‫ومن الصفات المحببة في وجهة النظر الواحدة أنها تتميز بالشباع الذاتي‬
‫وخاصة عند الشتراك فيها مع شخص تحبه‪ .‬فهي تجعلك تتساءل عن الشياء‬
‫الطيبة المدخرة لنا إذا اخترنا مشاركة الرؤية مع نصفنا الخر‪.‬‬
‫وأمرهم شورى بينهم‪:‬‬
‫م{ ]الشورى‪ ،[38:‬والتشاور هو من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬‫مُرهُ ْ‬‫يقول تعالى‪} :‬وَأ ْ‬
‫الحقوق المشتركة بين الزوجين والتشاور بين الزوجين وتداول الرأي يكون‬
‫فيما يتعلق بشؤون البيت وتدبير أمر السرة ومصير الولد‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وليس من الحكمة أن يستبد الرجل برأيه ول يلتفت إلى مشورة زوجته‪ ،‬ل‬
‫لشيء إل لنها امرأة ومشورتها قدح لقوامته عليها في نظره‪ ،‬فكم من امرأة‬
‫أدلت برأي صار له أكبر الثر في استقامة المور وصلح الحوال‪ ،‬وخير مثال‬
‫على ذلك أم سلمة أم المؤمنين عندما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم غاضًبا مما فعل أصحابه يوم الحديبية حيث أمرهم بالحلق والتحلل‬
‫فكأنهم تحرجوا وتباطؤوا‪ ،‬فأشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها أن يحلق‬
‫هو حتى يحلقوا ثم يخرج عليهم‪ ،‬فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بمشورتها‪ ،‬فما كان إل أنهم بادروا إلى امتثال أمره صلى الله عليه وسلم‬
‫وذلك بمشورة أمنا أم سلمة وبها نجى المسلمون من هلك محقق وهو‬
‫مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الزواج شركة‪:‬‬
‫إن الزواج حياة مشتركة دائمة‪ ،‬فإن كل ً من الزوجين مهما تقدم به العمر يجد‬
‫إلى جانبه رفيق العمر والدرب الذي يشاطره هموم الحياة ومسؤولياتها‪.‬‬
‫ونحن ل ننكر أن الحب الصادق بين الزوج والزوجة هو رباط عاطفي‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك الرتباط العاطفي يكون بين شخصين اتفقا على معاني وقيم يلتقيان‬
‫عليها في كل مجالت الحياة‪ ،‬فأحب كل منهما الخر‪ ،‬وهذا ما يميز الحب‬
‫الزوجي عن غيره‪.‬‬
‫فالشخص يحب أباه أو أقرباءه أو أصدقاءه دون أن يتفق معهم في الرأي‬
‫والميول والهداف بالضرورة‪ ،‬ولكن في الحب الزوجي ل يكون حًبا حقيقًيا‬
‫قوًيا ما لم يكن هناك توافق واضح ورؤية مشتركة بين الزوج والزوجة في كل‬
‫عا من‬ ‫مجالت الحياة‪ ،‬وما لم يكن صدى احتياجات وآراء كل منهما مسمو ً‬
‫الخر مقبول ً لديه وينال اهتمامه‪.‬‬
‫ورسالة المحبة الزوجية ليست أمًرا وقتًيا أو أعمال ً سطحية أو كلمات منمقة‬
‫بل هي قيمة حياتية تنمو مع اليام من خلل المعاشرة الحسنة وازدياد الخبرة‬
‫والمعرفة ولذلك فهي تتنافى مع الجمود والنانية إلى أبعد الحدود‪.‬‬
‫فالزوجان المحبان يبذلن ما في وسعهما ليبقى كل منهما أميًنا تجاه الخر‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بكل حيوية وصدق‪ ،‬وفًيا له‪ ،‬ويتقبل كل منهما الخر على علته ويغفر له‬
‫زلته‪ ،‬ساعيين مًعا في تعزيز حياتهما بالقدرات الشخصية وتضافرها واتساقها‬
‫مًعا لتكوين نسيج الحياة الزوجية المشتركة‪.‬‬
‫مسؤولية من؟‬
‫إن المشاركة في إنجاح العلقة الزوجية مسؤولية يقوم بها الزوجان مًعا‪،‬‬
‫فمن خلل حسن معاملتهما لبعضهما وفهم أحدهما للخر ووضوح الرؤية‬
‫المشتركة بينهما تتحسن العلقة بينهما وتنمو إلى الفضل‪.‬‬
‫وكيف التفاق مع الفتراق؟‬
‫ل يخفى علينا أن هناك اختلًفا بيولوجيا بين الرجل والمرأة‪ ،‬وهناك أي ً‬
‫ضا‬
‫فروق جسيمة وسيكولوجية بما فيها من جوانب مزاجية وانفعالية وعقلية‬
‫وميول واستعدادات وقدرات ومع هذه الختلفات الكبيرة فنحن نقول أن من‬
‫ميزات العلقة الصحية بين الزوجين أن يكونا قريبين وفي ذات الوقت‬
‫مختلفين‪.‬‬
‫وذلك لنه ل بد من وجود بعض الفروق الفردية والختلفات بين الزوجين‬
‫مهما كان الرابط الزوجي قوًيا‪ ،‬فإن هذا الزواج يجمع بين فردين لكل منهما‬
‫شخصيته وأفكاره وميوله وذوقه وعواطفه واحتياجاته وما يحب وما يكره‪.‬‬
‫والعجيب أن نعرف أن الزوجين السعيدين هما القريبان والمفترقان في آن‬
‫واحد‪ ،‬وكلما كان الواحد منهما أكثر حرية وقدرة على تقبل الفروق والتكيف‬
‫معها كان بالتالي أقدر على التعامل والتعايش مع اختلف وجهات النظر‪ ،‬وهذا‬
‫من شأنه أن يزيد من متانة العلقة بينهما‪.‬‬
‫تناقض المصالح‪:‬‬
‫إن الحياة الزوجية السوية تقوم على المصلحة المشتركة‪ ،‬فما يكون في‬
‫مصلحة الزوج إنما هو في مصلحة الزوجة‪ ،‬وما يكون في مصلحة أي منهما‬
‫يكون في مصلحة السرة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫غير أن هذا ل يمنع من اختلف وجهتي النظر حول ما هو في المصلحة وما‬


‫هو في غير المصلحة‪ ،‬بل إن هذا الختلف قد يكون موجوًدا في الحقيقة فقد‬
‫يرى الزوج أن من مصلحة السرة أن تترك الزوجة عملها‪ ،‬ولكن الزوجة ترى‬
‫أن مصلحتها ومصلحة السرة تكمن في أن تظل في الوظيفة لما في ذلك‬
‫من زيادة في دخل السرة وتطوير لشخصيتها وتحقيق ذاتها‪ ،‬وقد ترى الزوجة‬
‫أن مصلحتها تكمن في إتمام دراستها الجامعية بينما يعارض الزوج ذلك ويرى‬
‫أن مآلها إلى البيت‪.‬‬
‫وقد ترى الزوجة أن من مصلحتها الستقلل بمرتبها وإيراداتها وأن تدخرها‬
‫لنفسها‪ ،‬وأن يقوم الزوج بالنفاق على السرة‪ ،‬بينما يرى الزوج أنها ل بد أن‬
‫تساهم في النفقات ‪ ..‬وهكذا فإن تناقض المصالح بصرف النظر عن كون هذا‬
‫جا عن اختلف وجهات النظر‪ ،‬فإنه يعوق التوافق بين‬ ‫التناقض حقيقًيا أو نات ً‬
‫الزوجين‪ .‬وملك هذا المر هو الرؤية المشتركة أي اتفاق الزوجين على‬
‫المور التي قد تكون موضع خلف بينهما مع استمرر الحياة الزوجية‪.‬‬
‫الرؤية المشتركة والذوبان الزوجي‪:‬‬
‫ويبقى لنا السؤال هل الرؤية المشتركة بين الزوجين تعني الذوبان الزوجي ؟‬
‫إن الرؤية المشتركة كما ذكرنا تعني التفاق على أساسيات الحياة الزوجية‬
‫والنقاط العريضة التي قد تكون موضع خلف مع استمرار الحياة الزوجية‪ ،‬ثم‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعد ذلك فليفعل كل من الزوجين ما يريد في إطار هذا التفاق‪.‬‬


‫أما الذوبان الزوجي فمعناه إلغاء الطرف الخر وتهميشه‪ .‬وبالطبع سيكون‬
‫الطرف الملغي هو الزوجة‪ ،‬فلو أذابت الزوجة نفسها في زوجها وألغت‬
‫شخصيتها‪ ،‬وأصبحت تبًعا له من غير صوت ول همس فهذا تدمير للشخصية‬
‫وتحطيم للثقة بالنفس وإلغاء للخر‪ ،‬وهذا ما ل يقره السلم‪ ،‬بل إن السلم‬
‫حث على احترام المرأة وتنمية مواهبها ودفعها لتساهم في بناء الحضارة‪.‬‬
‫إن المتتبع لسيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يجد احترامه لشخصية‬
‫أمهات المؤمنين وتقديره لهن من أول خديجة رضي الله عنها حتى آخر‬
‫زوجاته‪.‬‬
‫وقرأنا في السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صرح وقال بأن‬
‫السلم عندما جاء أعطى المرأة حقوًقا لم يكن يعرفها العرب ويقدرها‪،‬‬
‫وأهمها أنه أعطاها الستقلل الشخصي وتحملها مسؤولية قرارها حتى في‬
‫زواجها‪.‬‬
‫إن من أبرز عناصر القوة في العلقة الزوجية هو عنصر المشاركة في الجهد‬
‫وفي التفكير وفي العطاء وفي المسئولية‪ ،‬مع هامش استقللية لكل طرف‬
‫في قسط من المسؤولية‪.‬‬
‫إن تجاوز رأي الخر هو تجاوز لشخصيته ووجوده‪ ،‬وبالتالي تعطيله إن لم نقل‬
‫منعه من التعاطف الحبي مع الطرف الخر‪ ،‬وتخيلوا كم الصراعات التي‬
‫تحدث في بيوت كثيرة بسبب أنانية هذا الطرف أو ذاك واعتداده برأيه‬
‫وتجاوزه للخر في المشورة والمشاركة‪.‬‬
‫وهناك أولويات‪:‬‬
‫لقد بحثت كثيرا في أسباب المشاكل الزوجية أو الخلفات الزوجية والتي‬
‫بدورها قد تؤدي إلى الطلق‪ ،‬وإن لم يصل المر للطلق‪ ،‬فإنها تكون سبًبا في‬
‫نكد الحياة الزوجية وفشلها‪ .‬وقد وضعت يدي على مكمن الخلف الدائم‬
‫والذي يتمثل في عدم وضوح مجالت الرؤية المشتركة والتي من خللها يتم‬
‫التفاق بين الزوجين على عدة نقاط أساسية‪ ،‬وترتيبها بأهميتها وبأولويتها‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ العلقات الجتماعية‪.‬‬
‫‪2‬ـ النواحي المالية ويدخل فيها طريقة الحياة والنفاق‪.‬‬
‫‪3‬ـ تربية الولد‪.‬‬
‫‪4‬ـ العلقة الجنسية‪.‬‬
‫‪5‬ـ العلقة العاطفية‪.‬‬
‫‪6‬ـ وحدة الهداف‪.‬‬
‫وقد تكلمنا في مقالت سابقة عن ثلث من هذه الجوانب من الرؤية‬
‫المشتركة وتبقى لنا ثلث فانتظرونا في العداد القادمة لنتفق مًعا على رؤية‬
‫مشتركة في الباقي من هذه النقاط ودمتم بخير‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الرؤية‬
‫الكاتب‪ :‬الستاذ محمد أحمد الوزير‬
‫الحمد لله رب العالمين حمدا ً يليق بجلله وكماله‪ ،‬ل شئ يعجزه ‪ ،‬يفعل ما‬
‫يشاء ‪ ،‬ل يسأل عما يفعل وهم يسألون ‪ ،‬أول بل ابتداء آخر بل انتهاء له‬
‫السماء الحسنى والصفات العلى ‪ ،‬وأشهد أن ل اله إل الله الحد الصمد ‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبد الله ورسوله ‪،‬‬
‫أرسله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا ً إلى الله بإذنه وسراجا ً منيرًا‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫مسألة الرؤية‪.‬‬
‫فإن الله سبحانه وتعالى يقول‪ ?:‬وجوه يومئذ ٍ ناضرة إلى ربها ناظرة? وقال‬
‫صلى الله عليه وأله وسلم ‪ ) :‬إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر‬
‫ل تضامون في رؤيته وفي رواية ل تضارون في رؤيته( ‪ ،‬وقد دلت النصوص‬
‫القرآنية ‪ ،‬والحاديث النبوية الشريفة على إثبات الرؤية للمؤمنين يوم القيامة‬
‫لربهم ‪ ،‬جل وعل ‪ ،‬زيادة في إكرامهم ‪،‬وإيضاحا لعلو قدرهم ‪ ،‬وتمام نعيمهم‪.‬‬
‫دوافع البحث‪:‬‬
‫وقد سألني بعض الخوة ‪ ،‬عن الدلة في مسألة الرؤية ؛ لنه كثر فيها‬
‫المقال ‪ ،‬ودار عليها السؤال ‪ ،‬لما تبنى نشرها بين العوام بعض الطوائف‬
‫السلمية ‪ ،‬فأجبته إلى ذلك لنه قد عم بها البلوى ‪ ،‬وعظم منها الشكوى ‪،‬‬
‫وزاد البلبال ‪ ،‬حتى أنهم زعموا أن ل أدلة فيها ‪ ،‬ول حجج تدل عليها ‪ ،‬فعزمت‬
‫حينها على كتابة بحث وجيز ‪ ،‬أذكر فيه الدلة الواردة في الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫الكتابات في هذا الموضوع‪:‬‬
‫ولست أول من كتب في هذا المسألة ‪ ،‬فقد أثرى بحثها أئمة العلم ‪ ،‬فلم‬
‫يتركوا فيها شاذة و ل فاذة إل وتكلموا عنها‪ ،‬وعلى سبيل المثال ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الرؤية للمام الدارقطني ‪.‬‬
‫‪2‬ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة للمام الللكائي ‪.‬‬
‫‪3‬ـ حادي الرواح للمام ابن القيم ‪.‬‬
‫‪4‬ـ العواصم والقواصم للمام الكبير محمد بن إبراهيم الوزير وغير ذلك ‪.‬‬
‫الجديد في البحث‪:‬‬
‫والشيء الذي أضفته في البحث هذا هو التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـ اجتنبت الكلم المنطقي والنقاش الفلسفي ‪.‬‬
‫‪2‬ـ اعتمدت نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪3‬ـ اعتمدت فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين والئمة المتبوعين‬
‫للنصوص ‪.‬‬
‫‪4‬ـ لم أتكلم عن دللت النصوص ‪ ،‬وأورد المناقشة لكي يسهل فهم البحث‬
‫لدى العامة‪.‬‬
‫‪5‬ـ لم أتكلم فيه بسعة لكي يكون صغيرا حتى يسهل اقتناؤه وقراءته ونشره‬
‫إل لما لبد منه‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫الدلة من القرآن والسنة على إثبات الرؤية وأقوال السلف ‪.‬‬
‫إن مسألة الرؤية من المسائل العقدية المهمة ‪ ،‬وتواردت على إثباتها نصوص‬
‫كثيرة ل تعد ول تحصى وإن شاء الله تعالى سأذكرها لك أخي القارئ ‪ ،‬مع‬
‫كلم العلماء‪ ،‬فتظهر للجاهل الحجة وتقام على المتعلم المحجة وسأقسم‬
‫البحث إلى ثلثة مطالب‪.‬‬
‫المطلب الول‪:‬‬
‫أدلة الكتاب الظاهرة في الرؤية‪:‬‬
‫لقد تكلم الله سبحانه عن مسألة الرؤية في كتابه بالتفصيل ‪ ،‬وأورد فيه من‬
‫الحجج واليضاح مال يلتبس على عاقل ول يغيب فهمه عن جاهل ‪ ،‬إل لمن لم‬
‫يكن له قلب أو كان عن التنزيل غافل ‪ ،‬أو أصيب بداء التعصب أو عمى‬
‫التقليد الجامد وإليك أخي العزيز أدلة الكتاب الكريم في ذلك فأقول‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدليل الول‪:‬قال تعالى ?وجوه يومئذ ناضرة‪ ،‬إلى ربها ناظرة‪ ،‬ووجوه يومئذ‬
‫باسرة‪ ،‬تظن أن يفعل بها فاقرة? ) سورة القيامة الية‪.(22 :‬‬
‫معنى قوله إلى ربها ناظرة أنها رائية ترى الله عز وجل ول يجوز أن يكون‬
‫معناه إلى ثواب ربها ناظرة لن ثواب الله غير الله وإنما قال الله عز وجل‬
‫إلى ربها ولم يقل إلى غير ربها ناظرة والقرآن على ظاهره وليس لنا أن‬
‫نزيله عن ظاهره إل بحجة‪ .‬أل ترى أنه لما قال فاذكروني أذكركم واشكروا‬
‫لي لم يجز أن يقال أراد ملئكتي ورسلي ثم نقول إن جاز لكم أن تدعوا هذا‬
‫في قوله إلى ربها ناظرة جاز لغيركم أن يدعيه في قوله ل تدركه البصار‬
‫فيقول أراد بها ل تدرك غيره ولم يرد أنها ل تدركه البصار وإذا لم يجز ذلك‬
‫لم يجز هذا ول حجة لهم في قوله ل تدركه البصار فإنما أراد به ل تدركه‬
‫أبصار المؤمنين في الدنيا دون الخرة ول تدركه أبصار الكافرين مطلقا كما‬
‫قال كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته‬
‫دل على أنه يثيب المؤمنين برفع الحجاب لهم عن أعينهم حتى يروه ولما قال‬
‫في وجوه المؤمنين وجوه يومئذ فقيدها بيوم القيامة ووصفها فقال ناضرة ثم‬
‫أثبت لها الرؤية فقال إلى ربها ناظرة علمنا أن الية الخرى في نفيها عنهم‬
‫في الدنيا دون الخرة وفي نفيها عن الوجوه الباسرة دون الوجوه الناضرة‬
‫جمعا بين اليتين حمل للمطلق من الكلم على المقيد منه وقال القرطبي‬
‫في تفسيره‪:‬‬
‫"ناظرة" من النظر أي تنظر إلى ربها؛ على هذا جمهور العلماء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫• وفي الباب حديث صهيب خرجه مسلم وقد مضى في ) سورة("يونس"‬


‫عند قوله تعالى‪? :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? )يونس‪ .(26 :‬وكان ابن‬
‫عمر يقول‪ :‬أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية؛ ثم‬
‫تل هذه الية‪? :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربها ناظرة? وروى يزيد النحوي عن‬
‫عكرمة قال‪ :‬تنظر إلى ربها نظرا‪ .‬وكان الحسن يقول‪ :‬نضرت وجوههم‬
‫ونظروا إلى ربهم‪.‬‬
‫• وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن أبيه عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان من‬
‫ذهب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم جل وعز إل‬
‫رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن(‪ .‬وروى جرير بن عبدالله قال‪ :‬كنا عند‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا‪ ،‬فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال‪:‬‬
‫)إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر( متفق عليه‪.‬‬
‫• وخرجه أيضا أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح‪ .‬وخرج أبو داود‬
‫عن أبي رزين العقيلي قال‪ :‬قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه؟ قال ابن معاذ‪:‬‬
‫مخليا به يوم القيامة؟ قال‪) :‬نعم يا أبا رزين( قال‪ :‬وما آية ذلك في خلقه؟‬
‫قال‪) :‬يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر( قال ابن معاذ‪ :‬ليلة البدر مخليا به‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪) :‬فالله أعظم( )قال ابن معاذ قال(‪) :‬فإنما هو خلق من خلق‬
‫الله ‪ -‬يعني القمر ‪ -‬فالله أجل وأعظم(‪.‬‬
‫وفي كتاب النسائي عن صهيب قال‪) :‬فيكشف الحجاب فينظرون إليه‪ ،‬فوالله‬
‫ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر‪ ،‬ول أقر لعينهم(‪.‬‬
‫وفي التفسير لبي إسحاق الثعلبي عن الزبير عن جابر قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬يتجلى ربنا عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه‪ ،‬فيخرون‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫له سجدا‪ ،‬فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة(‬


‫الدليل الثاني‪:‬قال تعالى‪?:‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ول يرهق وجوههم‬
‫قتر ول ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون?) الية‪26 :‬سورة يونس(‪.‬‬
‫قال القرطبي في تفسيره‪:‬‬
‫قوله تعالى‪? :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? روي من حديث أنس قال‪:‬‬
‫سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى‪" :‬وزيادة" قال‪:‬‬
‫)للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى‬
‫وجه الله الكريم( وهو قول أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب في رواية‪.‬‬
‫وحذيفة وعبادة بن الصامت وكعب بن عجرة وأبي موسى وصهيب وابن‬
‫عباس في رواية‪ ،‬وهو قول جماعة من التابعين‪.،‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم‬
‫فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف‬
‫الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل( وفي‬
‫رواية ثم تل ?للذين أحسنوا الحسنى وزيادة?‪.‬‬
‫وخرجه النسائي أيضا عن صهيب قال قيل لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬هذه الية ?للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال‪) :‬إذا دخل أهل الجنة‬
‫الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم موعدا عند الله يريد أن‬
‫ينجزكموه قالوا ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويجرنا من النار قال‬
‫فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من‬
‫النظر ول أقر لعينهم(‪.‬‬
‫وخرج الترمذي الحكيم أبو عبدالله رحمه الله‪ :‬عن أبي بن كعب قال‪ :‬سألت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب الله؛ في قول ?‬
‫للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال‪) :‬النظر إلى وجه الرحمن(‪.‬‬
‫وقال عبدالرحمن بن سابط‪ :‬الحسنى البشرى‪ ،‬والزيادة النظر إلى وجه الله‬
‫الكريم؛ قال الله تعالى‪? :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة? )القيامة‪- 22 :‬‬
‫‪.(23‬‬
‫وفي الدر المنثور‪:‬‬
‫أخرج الطيالسي وهناد وأحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن‬
‫جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والدارقطني في الرؤية وابن‬
‫مردويه والبيهقي في السماء والصفات عن صهيب رضي الله عنه "أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تل هذه الية ?للذين أحسنوا الحسنى‬
‫وزيادة? قال‪ :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد‪ :‬يا أهل‬
‫الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه‪ .‬فيقولون‪ :‬وما هو‪ ،‬ألم تثقل‬
‫موازيننا‪ ،‬وتبيض وجوهنا‪ ،‬وتدخلنا الجنة‪ ،‬وتزحزحنا عن النار؟ وقال‪ :‬فيكشف‬
‫لهم الحجاب فينظرون إليه‪ ،‬فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من‬
‫النظر إليه ول أقر لعينهم"‪.‬‬
‫وأخرج الدارقطني وابن مردويه عن صهيب رضي الله عنه في الية قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "الزيادة‪ :‬النظر إلى وجه الله"‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني في الرؤية وابن مردويه عن أبي‬
‫موسى الشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن‬
‫الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي‪ :‬يا أهل الجنة ‪ -‬بصوت يسمعه أولهم‬
‫وآخرهم ‪ -‬إن الله وعدكم الحسنى وزيادة‪ ،‬فالحسنى الجنة والزيادة النظر‬
‫إلى وجه الرحمن"‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأخرج ابن جرير وابن مردويه والللكائي في السنة والبيهقي في كتاب‬


‫الرؤية عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في قوله ?للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال‪ :‬الزيادة‪ :‬النظر إلى وجه‬
‫الرحمن‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني وابن مردويه والللكائي‬
‫والبيهقي في كتاب الرؤية عن أبي بن كعب رضي الله عنه "أنه سأل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى‪?:‬للذين أحسنوا الحسنى‬
‫وزيادة? قال‪ :‬الذين أحسنوا أهل التوحيد‪ ،‬والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى‬
‫وجه الله"‪.‬‬
‫وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫قوله‪?:‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال "أحسنوا شهادة أن ل إله إل الله‪،‬‬
‫والحسنى الجنة‪ ،‬والزيادة النظر إلى الله"‪.‬‬
‫وأخرج أبو الشيخ وابن منده في الرد على الجهمية والدارقطني في الرؤية‬
‫وابن مردويه والللكائي والخطيب وابن النجار عن أنس رضي الله عنه "أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الية ?للذين أحسنوا الحسنى‬
‫وزيادة? فقال‪ :‬للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة‪،‬‬
‫والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم"‪.‬‬
‫وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه قال "قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ?للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال‪ :‬ينظرون‬
‫إلى ربهم بل كيفية ول حدود ول صفة معلومة"‪.‬‬
‫وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم"من كبر على سيف البحر تكبيرة رافعا بها صوته ل يلتمس‬
‫بها رياء ول سمعة كتب الله له رضوانه الكبر‪ ،‬ومن كتب له رضوانه الكبر‬
‫جمع بينه وبين محمد وإبراهيم عليهما السلم في داره‪ ،‬ينظرون إلى ربهم‬
‫في جنة عدن كما ينظر أهل الدنيا إلى الشمس والقمر في يوم ل غيم فيه‬
‫ول سحابة‪ ،‬وذلك قوله ?للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? فالحسنى ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬والزيادة الجنة والنظر إلى الرب"‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن خزيمة وابن المنذر وأبو الشيخ‬
‫والدارقطني وابن منده في الرد على الجهمية وابن مردويه والللكائي‬
‫والجري والبيهقي كلهما في الرؤية عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في‬
‫قوله ?للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال‪ :‬الحسنى الجنة‪ ،‬والزيادة النظر‬
‫إلى وجه الله‪.‬‬
‫وأخرج ابن مردويه من طريق الحرث عن علي رضي الله عنه في قوله ?‬
‫للذين أحسنوا الحسنى? قال‪ :‬يعني الجنة‪ ،‬والزيادة يعني النظر إلى الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ‬
‫والدارقطني والللكائي والجري والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه في الية‬
‫قال‪ :‬والزيادة النظر إلى وجه ربهم‪.‬‬
‫وأخرج هناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والدارقطني‬
‫والللكائي والبيهقي عن أبي موسى الشعري في الية قال‪ :‬الحسنى الجنة‪،‬‬
‫والزيادة النظر إلى وجه ربه‪.‬‬
‫وأخرج ابن مردويه والبيهقي في السماء والصفات من طريق عكرمة رضي‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما ?للذين أحسنوا الحسنى? قال‪ :‬قول‬
‫ل إله إل الله‪ ،‬والحسنى الجنة‪ ،‬والزيادة النظر إلى وجهه الكريم‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق علي عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما ?للذين أحسنوا? قال‪ :‬الذين شهدوا أن ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬الحسنى‪ :‬الجنة‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي حاتم والللكائي عن ابن مسعود رضي الله عنه في الية قال‪:‬‬
‫أما الحسنى فالجنة‪ ،‬وأما الزيادة فالنظر إلى وجه الله‪ ،‬وأما القتر فالسواد‪.‬‬
‫وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ‬
‫والبيهقي في الرؤية من طريق الحكم بن عتيبة عن علي رضي الله عنه في‬
‫الية قال‪ :‬الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب غرفها وأبوابها من‬
‫لؤلؤة واحدة‪.‬‬
‫وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه ?للذين أحسنوا? قال‪ :‬شهادة أن‬
‫ل إله إل الله ?الحسنى? قال‪ :‬الجنة ?وزيادة? قال‪ :‬النظر إلى وجه الله‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير والدارقطني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه‬
‫في قوله‪?:‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال‪ :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة‬
‫أعطوا منها ما شاؤوا‪ ،‬ثم يقال لهم‪ :‬إنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه‪،‬‬
‫فيتجلى الله تعالى لهم فيصغر ما أعطوا عند ذلك‪ ،‬ثم تل ?للذين أحسنوا‬
‫الحسنى? قال‪ :‬الجنة ?والزيادة? نظرهم إلى ربهم عز وجل‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير والدارقطني عن عامر بن سعد البجلي رضي الله عنه في‬
‫قوله‪?:‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة? قال‪ :‬النظر إلى وجه الله‪.‬‬
‫وأخرج الدارقطني عن السدي رضي الله عنه في قوله‪?:‬للذين أحسنوا‬
‫الحسنى? قال‪ :‬الجنة ?وزيادة? قال‪ :‬النظر إلى وجه الرب عز وجل‪.‬‬
‫وأخرج الدارقطني عن الضحاك رضي الله عنه قال‪ :‬الزيادة النظر إلى وجه‬
‫الله‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير والدارقطني عن عبد الرحمن بن سابط قال‪ :‬الزيادة النظر‬
‫إلى وجه الله عز وجل‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وأخرج ابن جرير والدارقطني عن أبي إسحق السبيعي رضي الله عنه في‬
‫قوله‪?:‬للذين أحسنوا الحسنى? قال‪ :‬الجنة ?وزيادة? قال‪ :‬النظر إلى وجه‬
‫الرحمن عز وجل‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير والدارقطني عن قتادة رضي الله عنه قال‪ :‬ينادي المنادي‬
‫يوم القيامة إن الله وعد الحسنى وهي الجنة‪ ،‬فأما الزيادة فهي النظر إلى‬
‫وجه الرحمن‪ .‬قال‪ :‬فيتجلى لهم حتى ينظروا إليه‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‪?:‬للذين أحسنوا‬
‫الحسنى وزيادة? قال‪ :‬هو مثل قوله ?ولدينا مزيد? )ق الية ‪ (35‬يقول‪:‬‬
‫يجزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله‪ ،‬وقال‪? :‬من جاء بالحسنة فله عشر‬
‫أمثالها? )النعام الية ‪.(160‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي‬
‫الله عنه في قوله‪?:‬للذين أحسنوا الحسنى? قال‪ :‬مثلها‪ .‬قال ?وزيادة? قال‪:‬‬
‫مغفرة ورضوان‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علقمة بن قيس رضي الله‬
‫عنه في الية قال‪ :‬الزيادة العشر ?من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها?‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)النعام الية ‪.(160‬‬


‫وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في الية قال‪:‬‬
‫الزيادة الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف‪ .‬وأخرج ابن جرير وأبو‬
‫الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في الية قال‪ :‬الزيادة ما أعطالهم في‬
‫الدنيا ل يحاسبهم به يوم القيامة‪.‬‬
‫وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في الرؤية عن سفيان رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬ليس في تفسير القرآن اختلف إنما هو كلم جامع يراد به هذا‬
‫وهذا‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫في قوله‪?:‬ول يرهق وجوههم? قال‪ :‬ل يغشاهم ?قتر? قال‪ :‬سواد الوجوه‪.‬‬
‫وأخرج أبو الشيخ عن عطاء رضي الله عنه في الية قال‪ :‬القتر سواد الوجه‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ?ول يرهق وجوههم‬
‫قتر? قال‪ :‬خزي‪.‬‬
‫وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ?ول يرهق وجوههم قتر ول ذلة? قال‪ :‬بعد نظرهم إلى الله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ‬
‫والدارقطني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه في قوله ?ول‬
‫يرهق وجوههم قتر ول ذلة? قال‪ :‬بعد نظرهم إلى ربهم‪.‬‬
‫وفي نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني‪:‬‬
‫‪) -310‬الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمان(‪.‬‬
‫قال في شرح المواهب جاء مرفوعا ً من حديث )‪ (1‬أبي موسى )‪ (2‬وكعب‬
‫بن عجرة )‪ (3‬وابن عمر )‪ (4‬وأبي بن كعب )‪ (5‬وأنس )‪ (6‬وأبي هريرة وجاء‬
‫موقوفا ً على الصديق وحذيفة وابن عباس وابن مسعود وجاء عن جماعة من‬
‫التابعين كما بسطه في البدور وقال قال البيهقي هذا تفسير قد استفاض‬
‫واشتهر فيما بين الصحابة والتابعين ومثله ل يقال إل بتوقيف وقال يحيى بن‬
‫معين عندي سبعة عشر حديثا ً كلها صحاح وزاد عليه في البدور اثنين وساق‬
‫ألفاظ الجميع عازيا ً لمخرجيهم وقال أنها بلغت مبلغ التواتر عندنا معاشر أهل‬
‫الحديث اهـ‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪?:‬يوم نقول لجهنم هل امتلت وتقول هل من مزيد‪ ،‬وأزلفتالجنة‬
‫للمتقين غير بعيد‪ ،‬هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ‪ ،‬من خشي الرحمن‬
‫بالغيب وجاء بقلب منيب‪ ،‬ادخلوها بسلم ذلك يوم الخلود‪ ،‬لهم ما يشاؤون‬
‫فيها ولدينا مزيد?) سورة ق‪ .‬الية‪.(35 - 30 :‬‬
‫تفسير القرطبي‪:‬‬
‫وقال أنس وجابر‪ :‬المزيد النظر إلى وجه الله تعالى بل كيف‪ .‬وقد ورد ذلك‬
‫في أخبار مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‪? :‬للذين‬
‫أحسنوا الحسنى وزيادة? )يونس‪ (26 :‬قال‪ :‬الزيادة النظر إلى وجه الله‬
‫الكريم‪.‬‬
‫وذكر ابن المبارك ويحيى بن سلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا المسعودي عن المنهال بن‬
‫عمرو عن أبي عبيدة بن عبدالله بن عتبة عن ابن مسعود قال‪ :‬تسارعوا إلى‬
‫الجمعة فإن الله تبارك وتعالى يبرز لهل الجنة كل يوم جمعة في كثيب من‬
‫كافور أبيض فيكونون منه في القرب‪.‬‬
‫قال ابن المبارك‪ :‬على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا‪ .‬وقال يحيى بن‬
‫سلم‪ :‬لمسارعتهم إلى الجمع في الدنيا‪ ،‬وزاد )فيحدث الله لهم من الكرامة‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك(‪ .‬فال يحيى‪ :‬وسمعت غير المسعودي يزيد فيه‬
‫قوله تعالى‪? :‬ولدينا مزيد?‪.‬‬
‫وفي الدر المنثور‪:‬‬
‫أخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والللكائي في السنة‬
‫والبيهقي في البعث والنشور عن أنس في قوله ?ولدينا مزيد? قال‪ :‬يتجلى‬
‫لهم الرب عز وجل‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وأخرج الشافعي في الم وابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى وابن أبي الدنيا‬
‫في صفة الجنة وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الوسط وابن مردويه‬
‫والجري في الشريعة والبيهقي في الرؤية وأبو نصر السجزي في البانة من‬
‫طرق جيدة عن أنس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أتاني‬
‫جبريل وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا يا جبريل؟ قال‪:‬‬
‫هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك‪ ،‬فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى‪،‬‬
‫ولكم فيها خير‪ ،‬وفيها ساعة ل يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إل استجيب له‪،‬‬
‫وهو عندنا يوم المزيد‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا جبريل وما يوم‬
‫المزيد؟ قال‪ :‬إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب من مسك‪ ،‬فإذا‬
‫كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من الملئكة وحوله منابر من نور عليها‬
‫مقاعد النبيين‪ ،‬وتحف تلك المنابر بكراسي من ذهب مكللة بالياقوت‬
‫والزبرجد عليها الشهداء والصديقون‪ ،‬ثم جاء أهل الجنة فجلسوا من ورائهم‬
‫على تلك الكثب‪ ،‬فيتجلى لهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه‪ ،‬ويقول‬
‫الله‪ :‬أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬ربنا نسألك‬
‫رضوانك‪ ،‬فيقول‪ :‬قد رضيت عنكم فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬لكم ما تمنيتم ?ولدي مزيد? فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه‬
‫ربهم من الخير‪ ،‬وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم‬
‫وفيه تقوم الساعة"‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫وفيه )ثم ناداهم الرب عز وجل من وراء الحجب‪ :‬مرحبا بعبادي وزواري‬
‫وجيراني ووفدي‪ ،‬أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا‪ ،‬وعزتي لتجلين لهم‬
‫حتى ينظروا إلي‪ .‬فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد‪.‬‬
‫فتجلى لهم الرب ثم قال‪ :‬السلم عليكم عبادي أنظروا إلي‪ ،‬فقد رضيت‬
‫عنكم(‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫الدللة على الرؤية بالمفهوم من القرآن‪.‬‬
‫قال تعالى‪?:‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون‪ ،‬كل إنهم عن ربهم‬
‫يومئذ لمحجوبون‪ ،‬ثم إنهم لصالوا الجحيم‪ ،‬ثم يقال هذا الذي كنتم به‬
‫تكذبون?) سورة المطففين الية‪.(17 - 14 :‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬في هذه الية دليل على أن الله عز وجل يرى في القيامة‪ ،‬ولول‬
‫ذلك ما كان في هذه الية فائدة‪ ،‬ول خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون‪ .‬وقال‬
‫جل ثناؤه‪? :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ ،‬إلى ربها ناظرة? )القيامة‪ (22 :‬فأعلم الله‬
‫جل ثناؤه أن المؤمنين ينظرون إليه ‪.‬‬
‫وأعلم أن الكفار محجوبون عنه قال مالك بن أنس في هذه الية‪ :‬لما حجب‬
‫أعداءه فلم يروه تجلى لوليائه حتى رأوه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬لما حجب قوما بالسخط‪ ،‬دل على أن قوما يرونه بالرضا‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده‬
‫في الدنيا‪.‬‬
‫وقال الحسين بن الفضل‪ :‬لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في‬
‫الخرة عن رؤيته‪.‬‬
‫قال المام الطبري‪:‬‬
‫وعن الحسن في قوله‪? :‬كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون? قال‪ :‬يكشف‬
‫الحجاب فينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية‪ ،‬أو كلما هذا معناه‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك بالصواب‪ :‬أن يقال‪ :‬إن الله تعالى ذكره أخبر عن‬
‫هؤلء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون‪ .‬ويحتمل أن يكون مرادا به الحجاب‬
‫عن كرامته‪ ،‬وأن يكون مرادا به الحجاب عن ذلك كله‪ ،‬ول دللة في الية تدل‬
‫على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى‪ ،‬ول خبر به عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قامت حجته‪ .‬فالصواب أن يقال‪ :‬هم محجوبون‬
‫عن رؤيته‪ ،‬وعن كرامته‪ ،‬إذ كان الخبر عاما‪ ،‬ل دللة على خصوصه‪.‬‬
‫وقال ?كل‪ ،‬إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون? فهذا دليل على أن المؤمنين‬
‫يرون الله‪.‬‬
‫وقال حنبل بن إسحاق‪ :‬سمعت أبا عبد الله يقول‪ :‬قالت الجهمية‪ :‬إن الله ل‬
‫لخرة‪ ،‬وقال الله عز وجل‪? :‬كل‪ ،‬إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون?‬ ‫يرى في ا َ‬
‫فل يكون هذا إل إن الله عز وجل يرى‪ ،‬وقال ?وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها‬
‫ناظرة? فهذا النظر إلى الله ولحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إنكم ترون ربكم" صحيحة‪ ،‬وأسانيدها غير مدفوعة‪ ،‬والقرآن شاهد‪:‬‬
‫أن الله يرى في ا َ‬
‫لخرة‪.‬‬
‫وقال أبو داود‪ :‬سمعت أحمد بن حنبل ـ وقد ذكر عنده شيء في الرؤية ـ‬
‫فغضب وقال‪ :‬من قال‪ :‬إن الله ليرى‪ ،‬فهو كافر‪.‬‬
‫وقال عباس الدوري‪ :‬سمعت أبا عبيد القاسم بن سلم يقول ـ وذكر عنده‬
‫هذه الحاديث في الرؤية ـ فقال‪ :‬هذه عندنا حق‪ ،‬نقلها الناس بعضهم عن‬
‫بعض‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن وهب‪ :‬قال مالك بن أنس‪ :‬الناس ينظرون إلى الله يوم‬
‫القيامة بأعينهم‪.‬‬
‫وقال المزني‪ :‬سمعت ابن هرم القرشي يقول‪ :‬سمعت الشافعي يقول في‬
‫قول الله عز وجل‪? :‬كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون? قال‪ :‬فلما حجهم‬
‫في السخط كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا قال‪ :‬فقال له أبو‬
‫النجم القزويني‪ :‬يا أبا إبراهيم به تقول؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وبه أدين الله‪ ،‬فقام إليه‬
‫عصام‪ ،‬فقبل رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬يا سيد الشافعيين‪ ،‬اليوم بيضت وجوهنا‪،‬ذكره‬
‫الحاكم في مناقب الشافعي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬ما استدل به المانع للرؤية‬
‫من القرآن وفيه دليل عليه‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الدليل الول‪ :‬قال تعالى ?ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني‬
‫أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف‬
‫تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال‬
‫سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين?‪ .‬الية‪ :‬من سورة العراف رقم )‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.( 143‬‬
‫قال ابن القيم في حادي الرواح ‪:‬و بيان الدللة من هذه الية على إثبات‬
‫الرؤية من وجوه عديدة‪:‬‬
‫أحدها أنه ل يظن بكليم الرحمن و رسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما ل‬
‫يجوز عليه‪.‬‬
‫الوجه الثاني ان الله سبحانه و تعالى لم ينكر عليه سؤاله‪.‬‬
‫الوجه الثالث أنه اجابه بقوله لن ترني و لم يقل ل تراني و ل إني لست‬
‫بمرئي و ل تجوز رؤيتي و الفرق بين الجوابين ظاهر لمن تامله و هذا يدل‬
‫على أنه سبحانه و تعالى يرى ‪.‬‬
‫الوجه الرابع أن الله سبحانه و وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا‬
‫مكانه و ليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن و قد علق به الرؤية و لو‬
‫كانت محالة في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته و لو كانت الرؤية محالة‬
‫لكان ذلك نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل و اشرب و أنام‬
‫فالمران عندكم سواء‪.‬‬
‫الوجه الخامس قوله سبحانه و تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و هذا‬
‫من أبين الدلة على جواز رؤيته تبارك و تعالى فإنه إذا جاز ان يتجلى للجبل‬
‫الذي هو جماد ل ثواب له و ل عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لنبيائه و‬
‫رسله و أوليائه في دار كرامتهم و يريهم نفسه‪.‬‬
‫الوجه السادس أن ربه سبحانه و تعالى قد كلمه منه إليه و خاطبه و ناجاه و‬
‫ناداه ومن جاز عليه التكلم و التكليم و ان يسمع مخاطبه كلمه معه بغير‬
‫واسطة فرؤيته أولى بالجواز‬
‫قال القرطبي في تفسيره ‪:‬‬
‫قوله تعالى‪? :‬قال لن تراني? أي في الدنيا‪ .‬ول يجوز الحمل على أنه أراد‪:‬‬
‫أرني آية عظيمة لنظر إلى قدرتك؛ لنه قال "إليك" و?قال لن تراني?‪ .‬ولو‬
‫سأل آية لعطاه الله ما سأل‪ ،‬كما أعطاه سائر اليات‪.‬‬
‫ثم قال‪? :‬فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا? وتجلى معناه‬
‫ظهر؛ من قولك‪ :‬جلوت العروس أي أبرزتها‪ .‬وجلوت السيف أبرزته من‬
‫الصدأ؛ جلء فيهما‪ .‬وتجلى الشيء انكشف‪ .‬وعند أهل السنة والجماعة الرؤية‬
‫جائزة‪ .‬وعند المبتدعة سأل لجل القوم ليبين لهم أنها غير جائزة‪ ،‬وهذا ل‬
‫يقتضي التوبة‪.‬‬
‫قال علي بن مهدي الطبري‪ :‬لو كان سؤال موسى مستحيل ما أقدم عليه مع‬
‫معرفته بالله؛ كما لم يجز أن يقول له يا رب ألك صاحبة وولد‪.‬‬
‫وفي تفسير الجللين‪:‬‬
‫ُ‬
‫قال لن تراني( أي ل تقدر على رؤيتي ‪ ،‬والتعبير به دون لن أرى يفيد إمكان‬
‫رؤيته تعالى‬
‫الدليل الثاني‪?:‬ل تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير?‬
‫) سورة النعام‪ .‬الية‪.(103 :‬‬
‫قال القرطبي ‪:‬‬
‫الية‪? 103 :‬ل تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير?‬
‫قوله تعالى‪? :‬ل تدركه البصار?بين سبحانه أنه منزه عن سمات الحدوث‪،‬‬
‫ومنها الدراك بمعنى الحاطة والتحديد‪ ،‬كما تدرك سائر المخلوقات‪ ،‬والرؤية‬
‫ثابتة‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬أي ل يبلغ كنه حقيقته؛ كما تقول‪ :‬أدركت كذا وكذا؛ لنه قد صح‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم الحاديث في الرؤية يوم القيامة‪ .‬وقال ابن‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عباس‪? :‬ل تدركه البصار? في الدنيا‪ ،‬ويراه المؤمنون في الخرة؛ لخبار الله‬
‫بها في قوله‪? :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة? )القيامة‪.(23 - 22 :‬‬
‫وقال السدي وهو أحسن ما قيل لدللة التنزيل والخبار الواردة برؤية الله‬
‫في الجنة‪.‬‬
‫قال في الدر المنثور‪:‬‬
‫وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال‬
‫"إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه‪ .‬فقال له رجل عند ذلك‪ :‬أليس قال‬
‫الله ?ل تدركه البصار? فقال له عكرمة ألست ترى السماء؟ قال‪ :‬بلى قال‪:‬‬
‫فكلها ترى"‪.‬‬
‫وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة ?ل تدركه البصار? قال‪ :‬هو أجل‬
‫من ذلك وأعظم أن تدركه البصار‪.‬‬
‫وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله ?ل تدركه‬
‫البصار? قال‪ :‬في الدنيا‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يراه أهل الجنة في الجنة‪ ،‬يقول‬
‫الله ?وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة? )القيامة الية ‪ (22‬قال‪ :‬ينظرون‬
‫إلى وجه الله‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية في قوله ?ل تدركه‬
‫البصار? قال‪ :‬هذا في الدنيا‪.‬‬
‫)ل تدركه البصار( أي ل تراه وهذا مخصوص)( لرؤية المؤمنين له في الخرة‬
‫لقوله تعالى ?وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة? وحديث الشيخين "إنكم‬
‫سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" وقيل المراد ل تحيط به‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة "أن ناسا ً قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هل ترى ربنا‬
‫يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هل تضارون في القمر‬
‫ليلة البدر قالوا‪ :‬ل‪ ،‬يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬هل تضارون في الشمس ليس دونها‬
‫حجاب؟ قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ .‬قال فإنكم ترونه كذلك"‪.‬‬
‫وفي الصحيحين مثله من حديث أبي سعيد‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سول الل ّهِ َ‬
‫ه قال‪ :‬كنا عند َر ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه عَن ْ ُ‬ ‫وعن جرير بن عبد الّله َر ِ‬
‫ض َ‬
‫م فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال‪> :‬إنكم سترون ربكم عيانا ً كما‬ ‫سل ّ ْ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫فقٌ عَل َي ْ ِ‬
‫ه‪.‬‬ ‫مت ّ َ‬
‫ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته< ُ‬
‫وفي الطبري‪:‬‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬قوله‪? :‬ل تدركه البصار وهو يدرك البصار? يقول‪ :‬ل يحيط‬
‫بصر أحد بالملك‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عمرو بن حماد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أسباط‪ ،‬عن سماك بن‬
‫عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال‪? :‬ولقد رآه نزلة أخرى? قال‪ :‬إن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه‪ ،‬فقال له رجل عند ذلك‪ :‬أليس ?ل تدركه‬
‫البصار وهو يدرك البصار? )النعام‪ (103 :‬؟ قال له عكرمة‪ :‬أليس ترى‬
‫السماء؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬أفكلها ترى؟‪.‬‬
‫وحدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا خالد بن عبد الرحمن قال‪:‬‬
‫ثنا أبو عرفجة‪ ،‬عن عطية العوفي في قوله‪? :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها‬
‫ناضرة? قال‪ :‬هم ينظرون إلى الله ل تحيط أبصارهم به من عظمته‪ ،‬وبصره‬
‫محيط بهم‪ ،‬فذلك قوله‪? :‬ل تدركه البصار وهو يدرك البصار?‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحاديث الواردة في إثبات الرؤية‪:‬‬


‫ذكر العلمة الكبير‪ :‬الهادي بن إبراهيم الوزير في نهاية التنويه إلى إزهاق‬
‫التمويه قول أمير المؤمنين‪ :‬علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لبن عباس‬
‫رضي الله عنهما‪:‬‬
‫لما بعثه للحتجاج على الخوارج) ل تخاصمهم بالقرآن ‪ ،‬فإن القرآن حمال ذو‬
‫وجوه ‪ ،‬تقول ويقولون ‪ ،‬ولكن خاصمهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا(‬
‫والخصومة التي كانت بين حبر المة ابن عباس وبين الخوارج ‪ ،‬إنما هي في‬
‫أصول الدين ومع هذا فقد اعتبر أمير المؤمنين الحتجاج بها وأرشد ابن عباس‬
‫إليها وبناًء على هذا الصل المقرر من سيد العترة النبوية‪ ،‬فإليك الدلة‬
‫الواضحة ‪ ،‬من نصوص السنة المطهرة على صاحبها أزكى الصلة والتسليم‪.‬‬
‫وقد قسمت البحث إلى ثلثة مطالب‪.‬‬
‫المطلب الول‪:‬‬
‫ما ثبت عن علي كرم الله وجهه‪ ،‬و آل البيت من القول بالرؤية‪:‬‬
‫وبدأت أول بما جاء عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله عنه وعن‬
‫أهل بيته الكرمين في هذه المسألة ‪ ،‬إقامة في الحجة ‪ ،‬وبيانا للمة ‪ ،‬وتبرئة‬
‫للذمة‪.‬‬
‫‪ .1‬وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل جمعة‪ ،‬وذكر ما‬
‫يعطون‪ ،‬قال ثم يقول الله تعالى‪ :‬اكشفوا حجابا‪ ،‬فيكشف حجاب‪ ،‬ثم حجاب‪،‬‬
‫ثم يتجلى لهم تبارك وتعالى عن وجهه فكأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك‪ ،‬وهو‬
‫قوله تعالى‪? :‬ولدينا مزيد?‪.‬أخرجه يعقوب بن سفيان و الللكائي‪.‬‬
‫‪ .2‬وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في قوله‪? :‬ولدينا مزيد? قال‪ :‬يتجلى لهم الرب عز وجل‪.‬أخرجه الدار قطني‬
‫في الرؤية‪.‬‬
‫وقد أخرج هذا الروايات )الجامع الكافي( لمحمد بن علي العلوي وهو من‬
‫أكبر كتب الزيدية المعتمدة ‪ ،‬وذكر المام الكبير‪ /‬محمد بن إبراهيم الوزير في‬
‫العواصم و القواصم أنه ورد عن علي القول بالرؤية من أربع طرق ‪ ،‬وكذا‬
‫ف في إثبات بطلن الجماع المدعى من‬ ‫عن بعض متقدمي الزيدية وهذا كا ٍ‬
‫نفي الرؤية عن أهل البيت الكرام ‪ ،‬كيف وقد خالف سيد العترة علي بن أبي‬
‫طالب كرم الله وجهه ورضي عنه كما ترى ؟‬
‫أما ما ذكره العلمة‪ /‬مجد الدين المؤيدي في لوامع النوار من أنه مدسوس‬
‫فيه ما ليس منه ‪ ،‬ومدخول على أهل البيت ما لم يقولوه ‪ ،‬فإنه يؤيد ما أثبته‬
‫ابن الوزير من وجود إثبات الرؤية في ) الجامع الكافي ( ‪ ،‬و يحتاج السيد‬
‫مجد الدين في إثبات الدس إلى برهان على ذلك ‪ ،‬أما مجرد الدعوى فيقدر‬
‫عليها كل أحد ‪ ،‬ويحتاج إلى إثبات من سبقه إلى هذا القول بذلك من أهل‬
‫البيت الماجد ‪ ،‬ومن المتكلم فيه في رجال السانيد التي ذكرها ؟ ومن قال‬
‫ذلك قبله من أئمة الزيدية؟‪ ،‬و ما ذكره من أن الدليل على ذلك أن المام‬
‫الذهبي مدح صاحب ) الجامع الكافي ( بقوله ‪ :‬ثقة ثبت حافظ جمع فقه أهل‬
‫العراق‪ ،‬فدليل ل يلتفت إليه ‪ ،‬وحجة يستغرب منها العاقل ‪ ،‬فماذا كان يريد‬
‫السيد مجد الدين ؟ أيريد أن يقدح فيه حتى يكون عنده ثقة ؟ وكيف يصنع‬
‫الذهبي رحمه الله ؟ إن جرح قالوا عدو لل البيت وإن مدح تكلموا فيه‬
‫كذلك ‪ ،‬أهذه منهجية علمية يتعامل بها أهل العلم والفقه؟ و أو ل يخشى‬
‫العلمة‪ /‬مجد الدين أن يشكك في كتب آل البيت بالدس فيها‪ ،‬وأنها غير‬
‫موثوق بها ‪ ،‬فيكون ذلك سبيل لردها وعدم اعتمادها ‪ ،‬فيكون حاله كالمستجير‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الرمضاء بالنار ‪ ،‬يريد أن ينفي ما في ما ورد في ) الجامع الكافي (‬


‫فيسبب التشكيك فيه ‪ ،‬أول يلحظ أنه تناقض فقد روى بعد ذلك أربع طرق له‬
‫إلى ) الجامع الكافي ( ‪ ،‬كلها عن أئمة الزيدية الثقات الثبات ؟ فمن أين جاء‬
‫الدس ؟ أول يلزم ذلك جرحا في رجال السند الذي ذكره ؟ فينتبه إلى هذا‬
‫فإنه أمر خطير ‪ ،‬وجدير بعلماء الزيدية أن ينبهوا إلى خطأ هذا العمل ولو كان‬
‫من غير مجد الدين ‪ ،‬لتهم صاحبه بالعداء لل البيت ‪ ،‬لتشكيكه في كتبهم ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ما ورد من رؤية الله كالقمر‪.‬‬


‫وأفردت أحاديث الرؤية لله وأنها كالقمر ل تضام أو ل تضار لنها صريحة في‬
‫إثبات المسألة‪ ،‬إقامة للحجة ‪ ،‬ولنها نص في محل النزاع ‪ ،‬وبلغت حد التواتر‪.‬‬
‫‪ .3‬عن حديث أبي هريرة أن ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم‬
‫القيامة فقال رسول الله هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا ل يا‬
‫رسول الله قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا ل‬
‫قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة‪ (...‬أخرجه البخاري‬
‫ومسلم وغيرهما‪.‬‬
‫‪ .4‬عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله قالوا يا رسول الله‬
‫هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله نعم هل تضارون في رؤية الشمس‬
‫بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب و هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر‬
‫صحوا ليس فيها سحاب قالوا ل يا رسول الله قال ما تضارون في رؤيته‬
‫تبارك و تعالى يوم القيامة إل كما تضارون في رؤية أحدهما‪ (...‬أخرجه‬
‫البخاري ومسلم وغيرهما‪.‬‬
‫‪ .5‬جرير بن عبد الله ففي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن‬
‫قيس بن أبي حازم عنه قال كنا جلوسا مع النبي فنظر إلى القمر ليلة اربع‬
‫عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا ل تضامون في رؤيته فإن‬
‫استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس و قبل الغروب فافعلوا‬
‫ثم قرا قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب( أخرجه‬
‫البخاري ومسلم وغيرهما‪.‬‬
‫‪ .6‬عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال نظر النبي إلى القمر ليلة‬
‫البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضارون في رؤيته فان‬
‫استطعتم إل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس و صلة قبل غروبها‬
‫فافعلوا‪ .‬أخرجه أبن بطة في البانة ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫ما جاء في التجلي والنظر‪.‬‬
‫وإليك أخي العزيز ‪ ،‬بقية الدلة الواردة في هذه المسألة ‪ ،‬وهي صريحة جدا‬
‫في إثبات الرؤية ‪.‬‬
‫‪ .7‬عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في حديث طويل‪...‬ويقول الله عز وجل ارفع رأسك يا محمد وقل‬
‫يسمع واشفع تشفع قال فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه عز وجل(‪ .‬وأخرجه‬
‫أحمد‪.‬‬
‫‪ .8‬عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬إذا دخل‬
‫أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما‬
‫أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل( وفي رواية ثم تل‬
‫"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وأخرجه مسلم في صحيحه وأخرج النسائي‬
‫نحوه‪.‬‬
‫‪ .9‬وخرج الترمذي الحكيم أبو عبدالله رحمه الله‪ :‬عن أبي بن كعب قال‪:‬‬
‫سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب الله؛ في‬
‫قول "للذين أحسوا الحسنى وزيادة" قال‪) :‬النظر إلى وجه الرحمن(‪.‬‬
‫‪ .10‬وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"يجمع الله الولين والخرين لميقات يوم معلوم قياما ً أربعين سنة‪ ،‬شاخصة‬
‫أبصارهم‪ ،‬ينتظرون فصل القضاء"‪.‬قال‪" :‬وينزل الله عز وجل في ظلل من‬
‫الغمام من العرش إلى الكرسي‪ ،‬ثم ينادي مناد‪ :‬أيها الناس ألم ترضوا من‬
‫ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم‪ ...‬قال‪" :‬فيتمثل الرب تبارك وتعالى‬
‫ً‬
‫فيأتيهم فيقول‪ :‬ما لكم ل تنطلقون كانطلق الناس؟ فيقولون‪ :‬إن لنا للها ما‬
‫رأيناه‪ ،‬فيقول‪ :‬هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون‪ :‬إن بيننا وبينه علمة إذا‬
‫رأيناها عرفناها‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬ما هي؟ فتقول‪ :‬يكشف عن ساقه"‪ .‬قال‪:‬‬
‫"فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره‪ (...،‬رواه كله الطبراني‬
‫من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالني وهو ثقة‪.‬قاله‬
‫في مجمع الزوائد‪.‬‬
‫‪ .11‬وعن أبي موسى الشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "جنتان‬
‫من فضة آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بين القوم‬
‫وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة‬
‫عدن"‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ .12‬عن عدي بن حاتم‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما منكم أحد‬
‫إل سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ول ترجمان يترجم‬
‫له‪ ،‬فيقول‪ :‬ألم أوتك مال؟ فيقول‪ :‬بلى‪ .‬فيقول‪ :‬ألم أرسل إليك رسول؟‬
‫فيقول‪ :‬بلى‪ .‬فينظر عن يمينه فل يرى إل النار‪ ،‬وينظر عن يساره فل يرى إل‬
‫النار‪ ،‬وينظر بين يديه فل يرى إل النار‪ ،‬فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة‪،‬‬
‫فإن لم يجد فبكلمة طيبة"‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ .13‬وعن بريدة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"ما منكم من أحد إل سيكلمه الله عز وجل ليس بينه وبينه حجاب ول‬
‫ترجمان"‬
‫رواه البزار وفيه عبد العزيز بن أبان وهو متروك‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ .14‬عن أنس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجمع الله الناس‬
‫يوم القيامة فيهتمون لذلك فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إلى ربنا‪ ،‬حتى يريحنا من‬
‫مكاننا هذا ـ فذكر الحديث ـ وفيه‪ :‬ثم أشفع فيحد لي حدًا‪ .‬فأخرجهم من النار‪،‬‬
‫وأدخلوهم الجنة‪ .‬ثم أعود‪ ،‬فأقع ساجدًا‪ ،‬فيدعني ما شاء الله أن يدعني‪ ،‬ثم‬
‫يقال لي‪ ،‬ارفع رأسك يا محمد‪ ،‬قل تسمع‪ ،‬وسل تعطه‪ ،‬واشفع تشفع‪ .‬فارفع‬
‫رأسي…(‪ .‬وقد جاء عنه من طريق آخر عن أنس أنظر تفسير قوله )ولدينا‬
‫مزيد(‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ .15‬وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أتاني جبريل ‪...‬فإذا كان يوم القيامة هبط من عليين على كرسيه‪ ،‬ثم‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حف الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر‪ ،‬ثم يجيء النبيون حتى يجلسوا‬
‫عليها‪ ،‬وينزل أهل الغرف حتى يجلسوا على ذلك الكثيب‪ ،‬ثم يتجلى لهم ربهم‬
‫تبارك وتعالى ثم يقول‪ :‬سلوني أعطكم‪ ،‬فيسألونه الرضا فيقول‪ :‬رضاي‬
‫أحلكم داري وأنا لكم كريم‪ ،‬متى تسألوني أعطكم‪.(.....،‬وأخرجه بن جرير‬
‫في التفسير ‪ 26/175‬والبزار في المسند والجري في الشريعة‪.‬‬
‫وأخرج الدارقطني عن أنس مرفوعا) وفيه ‪ ....‬وليسوا إلى شيء أشوق منهم‬
‫إلى ويوم الجمعة لينظروا إلى ربهم‪ ،‬وليزيدهم من مزيد فضله وكرامته"‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيني وبينه‬
‫أحد‪. (.‬‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ن الوُُروِد‪ .‬فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سأ ُ‬ ‫ّ‬
‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ح ُ‬‫جيُء ن َ ْ‬ ‫ل‪ :‬ن َ ِ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ن عَب ْد ِ اللهِ ي ُ ْ‬ ‫جاب َِر ب ْ َ‬‫‪ .16‬وعن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذا وَك َ َ‬‫ن كَ َ‬
‫ت‬‫ما كان َ ْ‬ ‫م ب ِأوَْثان َِها وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫عى ال َ‬ ‫ل فَت ُد ْ َ‬‫س‪َ .‬قا َ‬ ‫ذا ان ْ َظْر أيْ ذ َلْ ِك فَوْقَ الّنا ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ن؟ فَي َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫َ‬
‫م ي َأِتيَنا َرب َّنا ب َعْد َ ذ َل ِك فَي َ ُ‬ ‫ل َفالوّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪:‬‬ ‫قولو َ‬ ‫ن ت َن ْظُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ل‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫د‪ .‬الوّ ُ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َن ْظ ُُر َرب َّنا‪ .‬فَي َ ُ‬
‫م‬
‫جلى لهُ ْ‬ ‫حّتى ن َن ْظَر إ ِلي ْك‪ .‬فَي َت َ َ‬ ‫ن‪َ :‬‬‫قولو َ‬ ‫م‪ .‬فَي َ ُ‬‫ل‪ :‬أَنا َرب ّك ْ‬ ‫قو ُ‬
‫ك ‪(....‬أخرجه مسلم وعبد الرزاق نحوه وكذا الدار قطني ‪.‬‬ ‫ح ُ‬
‫ض َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪ .17‬وعن أبي موسى الشعري قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"ُتحشر الناس فينادي مناد‪ :‬أليس عدل ً مني أن أولي كل قوم ما كانوا‬
‫يعبدون؟ ثم ترفع لهم آلهتهم فيتبعونها‪ ،‬حتى ل يبقى أحد غير هذه المة‪،‬‬
‫فيقال لهم‪ :‬ما لكم؟ قالوا‪ :‬ل نرى إلهنا الذي كنا نعبد‪ ،‬فيتجلى لهم تبارك‬
‫وتعالى"‪.‬‬
‫فقيل لبي بردة‪ :‬والله لسمعت أبا موسى يذكر هذا عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم؟ قال‪ :‬والله الذي ل إله غيره‪ ،‬ثلث مرات‪.‬‬
‫رواه الطبراني في الكبير والوسط وفيه فرات بن السائب وهو ضعيف قاله‬
‫الهيثمي في المجمع‪.‬‬
‫‪ .18‬عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ):‬ما منكم من احد إل سيخلوا الله به يوم القيامة ليس بينه وبينه‬
‫حجاب ول ترجمان(‪ .‬اعتقاد أهل السنة ج‪ 3 :‬ص‪494 :‬‬
‫وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد بسند صحيح ‪.‬‬
‫‪ .19‬عن أبي رزين قال قلت يا رسول الله أنرى ربنا يوم القيامة قال نعم‬
‫قال وما آية ذلك في خلقه قال أليس كلكم ينظر إلى القمر ليلة البدر وإنما‬
‫هو خلق من خلق الله الله أعظم وأجل‬
‫أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني وابن أبي عاصم‪.‬‬
‫‪ .20‬عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى أهل‬
‫الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام يرى أقصاه كما يراه أدناه‬
‫وإن أرفعهم منزلة لمن ينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين( في اعتقاد‬
‫أهل السنة ج‪ 3 :‬ص‪ 484:‬وأخرجه أحمد و الترمذي والجري ‪.‬‬
‫‪ .21‬عن عمار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪:‬اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احييني ما علمت‬
‫الحياة لي خيرا وتوفني إذا كانت لي الوفاة خيرا اللهم وأسألك كلمة الحلم‬
‫في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما ل ينفذ‬
‫وأسألك قرة عين ل تنقطع وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر‬
‫إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ول فتنة مضلة (‬
‫أخرجه أحمد والنسائي وابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم‪.‬‬
‫‪ .22‬وعن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه دعاء‬
‫وأمره أن يتعاهد أهله به كل صباح ) ‪....‬وفي اللهم أسألك الرضا بعد القضاء‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبرد العيش بعد الموت ولذة نظر في وجهك وشوقا إلى لقائك في غير ضراء‬
‫مضرة ول فتنة مضلة ‪ (...‬اخرجه أحمد والحاكم وصححه‪.‬‬
‫‪ .23‬عن ابن حلبس عن ام الدرداء أن فضالة بن عبيد كان يدعو يقول‪:‬‬
‫) اللهم أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى‬
‫وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ول فتنة مضلة وزعم أنها‬
‫دعوات كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم( أخرجه ابن أبي عاصم في‬
‫السنة والطبراني في الكبير والوسط قال الهيثمي ‪ :‬رجاله ثقات‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ .24‬عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ ):‬قد حدثتكم‬
‫عن الدجال حتى خشيت أن ل تعقلوا فإن اشكل عليكم منه شيء فاعلموا‬
‫أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ( أخرجه‬
‫أحمد بسند حسن وابن أبي عاصم والجري والدارمي في ) الرد على بشر‬
‫المريسي‪.‬‬
‫‪ .25‬عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له لجابر يا جابر‬
‫إل أبشرك قال بلى بشرك الله بخير قال شعرت أن الله أحيا أباك فاقعده‬
‫بين يديه فقال تمن علي عبدي ما شئت أعطكه قال يا رب ما عبدتك حق‬
‫عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فاقاتل مع نبيك فاقتل فيك مرة‬
‫أخرى قال انه قد سلف مني انك إليها ل ترجع‪.‬‬
‫‪ .26‬أخرجه الحاكم وصححه‪ ،‬و هو في المسند من حديث جابر‪.‬‬
‫و للترمذي فيه سياق أتم من هذا عن جابر قال لما قتل عبد الله بن عمرو‬
‫ابن حزام يوم أحد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جابر إل‬
‫أخبرك ما قال الله عز و جل لبيك قال بلى قال ما كلم الله عز و جل أحدا‬
‫إل من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا فقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا‬
‫رب تحييني فاقتل فيك ثانية قال انه سبق مني انهم إليها ل يرجعون قال يا‬
‫رب فابلغ من ورائي فانزل الله عز و جل هذه الية و ل تحسبن الذين قتلوا‬
‫في سبيل الله أمواتا الية قال الترمذي هذا حديث حسن غريب قلت و‬
‫إسناده صحيح و رواه الحاكم في صحيحه‪.‬‬
‫‪ .27‬وعن سلمان الفارسي قال يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون يا‬
‫نبي الله إن الله فتح بك و ختم بك و غفر لك قم فاشفع لنا إلى ربك فيقول‬
‫نعم أنا صاحبكم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة فيأخذ بحلقة‬
‫الباب فيقرع فيقال من هذا فيقال محمد قال فيفتح له فيجيء حتى يقوم بين‬
‫يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له ‪...‬الحديث‪.‬أخرجه ابن أبي شيبة في‬
‫المصنف والمام الذهبي في السير بإسناد صحيح‪.‬‬
‫‪ .28‬عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم‬
‫أتاني جبريل فإذا في كفه مرآة كأصفى المرايا وحسنها‪ ......‬قال فيجتمعون ـ‬
‫أي أهل الجنة ـ على كلمة واحدة رب وجهك أرنا ننظر إليه قال فيكشف الله‬
‫تبارك و تعالى تلك الحجب و يتجلى لهم فيغشاهم من نوره لول انه قضى‬
‫عليهم أن ل يحترقوا إل احترقوا مما غشيهم من نوره قال ثم يقال ارجعوا‬
‫إلى منازلكم قال فيرجعون إلى منازلهم يزاد النور و أمكن و يزاد و أمكن‬
‫حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها قال فيقول لهم أزواجهم لقد‬
‫خرجتم من عندنا على صورة و رجعتم على غيرها قال فيقولون ذلك بأن الله‬
‫تبارك و تعالى تجلى لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم قال فلهم في كل‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه قال و ذلك قوله عز و جل ?فل تعلم‬
‫نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون?‪.‬أخرجه البزار وقد‬
‫روي موقوفا عن حذيفة بسند صحيح أخرجه ابن أبي عاصم والجري و ابن‬
‫خزيمة في التوحيد قال الحاكم ‪ :‬وتفسير الصحابي عندنا له حكم الرفع‪.‬‬
‫‪ .29‬عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عباس فقال قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ما من نبي إل و له دعوة تعجلها في الدنيا و إني اختبأت دعوتي‬
‫شفاعة لمتي يوم القيامة فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فاقرع الباب‬
‫فيقال من أنت فأقول أنا محمد فآتي ربي و هو على كرسيه أو على سريره‬
‫فيتجلى لي ربي فاخر له ساجدا( أخرجه ابن خزيمة في التوحيد وأحمد و‬
‫الدارمي في الرد على بشر المريسي ‪.‬‬
‫‪ .30‬وعن ابن عباس عن النبي قال إن اهل الجنة يرون ربهم تبارك و تعالى‬
‫في كل يوم جمعة في رمال الكافور و أقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم‬
‫الجمعة و ابكرهم غدوا(أخرجه الجري في الشريعة‪.‬‬
‫‪ .31‬عن عبد الله بن عمرو‪ ):‬خلق الله الملئكة لعبادته أصنافا فان منهم‬
‫لملئكة قياما صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة و ملئكة ركوعا خشوعا‬
‫من يوم خلقهم إلى يوم القيامة و ملئكة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة‬
‫فإذا كان يوم القيامة و تجلى لهم تعالى و نظروا إلى وجهه الكريم قالوا‬
‫سبحانك ما عبدناك حق عبادتك (أخرجه البيهقي في الرؤية و ابن عساكر‪.‬‬
‫‪ .32‬عن أبي بن كعب عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و‬
‫زيادة قال النظر إلى وجه الله عز و جل( أخرجه الطبري والدارقطني‬
‫وغيرهما ‪.‬‬
‫‪ .33‬عن كعب بن عجرة عن النبي في قوله تعالى للذين احسنوا الحسنى و‬
‫زيادة قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى( أخرجه الطبراني في‬
‫الكبير ورجاله ثقات قاله الهيثمي في المجمع‪.‬‬
‫‪ .34‬عن أبي الدرداء أن فضالة يعني ابن عبيد كان يقول اللهم إني أسألك‬
‫الرضا بعد القضاء و برد العيش بعد الموت و لذة النظر إلى وجهك و الشوق‬
‫إلى لقائك في غير ضراء مضرة و ل فتنة مضلة( أخرجه الطبراني في الكبير‬
‫و أبن أبي عاصم في السنة بإسناد صحيح‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ .35‬عن عبادة بن الصامت عن النبي انه قال قد حدثتكم عن الدجال حتى‬


‫خشيت أن ل تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد اعور مطموس‬
‫العين ليست بناتئة و ل جحراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس‬
‫بأعور و إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا(أخرجه أحمد بسند حسن‪.‬‬
‫‪ .36‬عباد بن منصور قال سمعت عدي بن ارطاة يخطب على المنبر بالمدائن‬
‫فجعل يعظ حتى بكى ‪ ....‬وفيه قال ‪ :‬و لقد سمعت فلنا ـ نسي عباد اسمه ـ‬
‫ما بيني و بين رسول الله غيره فقال أن رسول الله قال إن لله ملئكة ترعد‬
‫فرائصهم من مخافتة ما منهم ملك تقطر دمعته من عينه إل وقعت ملكا‬
‫يسبح الله تعالى قال و ملئكة سجود منذ خلق الله السماوات و الرض لم‬
‫يرفعوا رؤوسهم و ل يرفعونها إلى يوم القيامة و صفوف لم ينصرفوا عن‬
‫مصافهم و ل ينصرفون إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة فإذا كان يوم‬
‫القيامة وتجلى لهم ربهم فنظروا إليه قالوا سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك‬
‫أن نعبدك( أخرجه الخطيب البغدادي في التاريخ و أبو الشيخ في العظمة و‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن كثير ‪ :‬إسناده ل بأس به‪.‬‬


‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫كلم الصحابة والتابعين و الئمة في الرؤية‪.‬‬
‫إنه مما ل شك فيه ‪ ،‬أن الصحابة فمن بعدهم ‪ ،‬من التابعين و الئمة‬
‫المتبوعين ‪ ،‬خير من فهم القرآن و السنة ‪ ،‬لنها أنزلت عليهم ‪ ،‬وإل لزم منه‬
‫عدم البلغ منه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬خاصة إذا علمنا أنهم لم يصابوا بداء‬
‫المنطق والفلسفة ‪ ،‬ولذا فإني سأقسم البحث إلى ثلثة مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول‪:‬‬
‫ما جاء عن الصحابة في ذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬عن عامر بن سعد قرأ أبو بكر الصديق للذين احسنوا الحسنى و زيادة‬
‫فقالوا ما الزيادة يا خليفة رسول الله قال النظر إلى وجه الله تبارك و‬
‫تعالى( أخرجه الطبري و ابن أبي عاصم و الجري و عبد الله بن أحمد في‬
‫السنة والللكائي‪.‬‬
‫‪ .2‬عن عمارة ابن عبيد قال سمعت عليا يقول من تمام النعمة دخول الجنة و‬
‫النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى في جنته ( أخرجه أبو حاتم والللكائي ‪.‬‬
‫‪ .3‬وعن حذيفة قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك و تعالى ‪.‬‬
‫‪ .4‬عن عبد الله بن عكيم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذا‬
‫المسجد مسجد الكوفة يبدأ باليمين قبل أن يحدثنا فقال و الله ما منكم من‬
‫إنسان إل أن ربه سيخلو به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر‪(...‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير و الللكائي من طريق أبي عوانة وأخرجه عبد‬
‫الله بن أحمد في السنة والطبراني من طريق شريك به‪.‬‬
‫‪ .5‬قيل لبن عباس كل من دخل الجنة يرى الله عز و جل قال نعم( أخرجه‬
‫الجري في الشريعة و ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫‪ .6‬عن ميمون بن أبي حمزة قال كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل‬
‫يقال له أبو عفيف فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف إل تحدثنا عن معاذ‬
‫بن جبل قال بلى سمعته يقول يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد‬
‫فينادي أين المتقون فيقومون في كنف واحد من الرحمن ل يحتجب الله‬
‫منهم و ل يستتر قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك و عبادة الوثان و‬
‫اخلصوا لله في العبادة فيمرون إلى الجنة(‬
‫أخرجه الللكائي ‪.‬‬
‫‪ .7‬عن أبي النصر أن أبا هريرة كان يقول لن تروا ربكم حتى تذوقوا الموت(‬
‫أخرجه الللكائي ‪.‬‬
‫‪ .8‬عن ابن عمر قال إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى ملكه ألفي عام‬
‫يرى أدناه كما يرى أقصاه و إن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه الله في‬
‫كل يوم مرتين( أخرجه الللكائي ‪.‬‬
‫‪ .9‬عن أبي موسى الشعري انه كان يحدث الناس فشخصوا بأبصارهم فقال‬
‫ما صرف أبصاركم عني قالوا الهلل قال فكيف بكم إذا رأيتم وجه الله‬
‫جهرة(أخرجه الجري في الشريعة و عبد الله في السنة و الللكائي‪.‬‬
‫‪ .10‬عن جابر قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أديم عليهم بالكرامة جاءتهم‬
‫خيول من ياقوت احمر ل تبول و ل تروث لها أجنحة فيقعدون عليها ثم يأتون‬
‫الجبار فإذا تجلى لهم خروا له سجدا فيقول يا أهل الجنة ارفعوا رؤوسكم‬
‫فقد رضيت عنكم ل سخط بعده أخرجه الجري في الشريعة‪.‬‬
‫وأنظر ما روي عن الصحابة في تفسير قوله ) وزيادة( و) لدينا مزيد(‪.‬‬
‫قال الطبري فتحصل في الباب ممن روى عن رسول الله من الصحابة‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حديث الرؤية ثلث و عشرون نفسا منهم علي و أبو هريرة و أبو سعيد و‬
‫جرير و أبو موسى و صهيب و جابر وابن عباس و انس و عمار بن ياسر و‬
‫أبي ابن كعب و ابن مسعود و زيد بن ثابت و حذيفة بن اليمان و عبادة بن‬
‫الصامت و عدي بن حاتم و أبو رزين العقيلي و كعب بن عجرة و فضالة بن‬
‫عبيد و بريدة بن الحصيب و رجل من أصحاب النبي ‪.‬‬
‫قال‪:‬يحيى بن معين عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫و قال البيهقي روينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق و حذيفة بن‬
‫اليمان و عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عباس و أبي موسى و غيرهم و‬
‫لم يرو عن أحد منهم نفيها و لو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلفهم في ذلك‬
‫إلينا فلما نقلت رؤية الله سبحانه و تعالى بالبصار في الخرة عنهم و لم‬
‫ينقل عنهم في ذلك اختلف كما نقل عنهم فيها اختلف في الدنيا علمنا انهم‬
‫كانوا على القول برؤية الله بالبصار في الخرة متفقين‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫ما روي عن التابعين في الرؤية ‪:‬‬
‫إليك ما روي في مسألة الرؤية عن التابعين الذين أخذوا عن الصحابة‬
‫الكرام ‪ ،‬الذين هم عصابة السلم ‪ ،‬ومن خير القرون كما جاء في الحديث‬
‫)خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم …( ‪:‬‬
‫‪ .1‬قال سعيد بن المسيب الزيادة النظر إلى وجه الله رواه مالك عن يحيى‬
‫عنه ‪.‬‬
‫‪ .2‬و قال الحسن الزيادة النظر إلى وجه الله رواه ابن ابي حاتم عنه‪.‬‬
‫‪ .3‬وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى الزيادة النظر الى وجه الله تعالى رواه‬
‫حماد بن زيد عن ثابت عنه‪.‬‬
‫‪ .4‬و قاله عامر بن سعد البجلي ذكره سفيان عن أبي إسحاق عنه و قاله عبد‬
‫الرحمن ابن سابط رواه جرير بن ليث عنه و قاله عكرمة و مجاهد و قتادة و‬
‫السدي و الضحاك و كعب‪.‬‬
‫‪ .5‬و كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله‪ :‬أما بعد فاني أوصيك بتقوى‬
‫الله و لزوم طاعته و التمسك بأمره و المعاهدة على ما حملك الله من دينه‬
‫و استحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه و بها رافقوا‬
‫أنبياءه و بها نضرت وجوههم و نظروا إلى خالقهم و هي عصمة في الدنيا‬
‫ومن الفتن و من كرب يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ .6‬و قال الحسن لو علم العابدون في الدنيا انهم ل يرون ربهم في الخرة‬
‫لذابت أنفسهم في الدنيا‪.‬‬
‫‪ .7‬و قال العمش و سعيد بن جبير‪ :‬أن اشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله‬
‫تبارك و تعالى غدوة و عشية‪.‬‬
‫‪ .8‬و قال كعب‪ :‬ما نظر الله سبحانه إلى الجنة قط إل قال طيبي لهلك‬
‫فزادت ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها و ما من يوم كان لهم عيد في‬
‫الدنيا إل و يخرجون في مقداره في رياض الجنة فيبرز لهم الرب تبارك و‬
‫تعالى فينظرون إليه و تسفى عليهم الريح المسك و ل يسألون الرب تعالى‬
‫شيئا إل أعطاهم حتى يرجعوا و قد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن و‬
‫الجمال سبعين ضعفا ثم يرجعون إلى أزواجهم و قد ازددن مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ .9‬و قال هشام بن حسان‪ :‬أن الله سبحانه و تعالى يتجلى لهل الجنة فإذا‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة‪.‬‬


‫‪ .10‬و قال طاووس‪ :‬أصحاب المراء و المقاييس ل يزال بهم المراء و‬
‫المقاييس حتى يجحدوا الرؤية و يخالفوا أهل السنة‪.‬‬
‫‪ .11‬و قال شريك عن أبي إسحاق السبيعي الزيادة النظر إلى وجه الرحمن‬
‫تبارك و تعالى‪.‬‬
‫‪ .12‬و قال حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪:‬انه تلى هذه‬
‫الية للذين احسنوا الحسنى و زيادة قال إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها‬
‫ما سألوا و ما شاؤا فيقول الله عز و جل لهم انه قد بقي من حقكم شيء لم‬
‫تعطوه فتجلى لهم ربهم فل يكون ما أعطوه عند ذلك بشيء فالحسنى الجنة‬
‫و الزيادة النظر إلى وجه ربهم عز و جل و ل يرهق وجوههم قتر و ل ذلة بعد‬
‫نظرهم إلى ربهم تبارك و تعالى‪.‬‬
‫‪ .13‬و قال علي بن المديني سألت عبد الله بن المبارك عن قوله تعالى فمن‬
‫كانا يرجوا لقاء ربه فليعمل عمل صالحا قال عبد الله ‪:‬من أراد النظر إلى‬
‫وجه الله تبارك و تعالى خالقه فليعمل عمل صالحا و ل يخبر به أحدا‪.‬‬
‫‪ .14‬و قال نعيم بن حماد سمعت ابن المبارك يقول‪ :‬ما حجب الله عز و جل‬
‫أحدا عنه إل عذبه ثم قرأ كل انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصالوا‬
‫الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالرؤية ذكره ابن أبي الدنيا‬
‫عن يعقوب عن إسحاق عن نعيم‪.‬‬
‫‪ .15‬و قال عباد بن العوام قدم علينا شريك بن عبد الله منذ خمسين سنة‬
‫فقلت له يا أبا عبد الله أن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الحاديث أن‬
‫الله ينزل إلى السماء الدنيا وأن أهل الجنة يرون ربهم فحدثني بنحو عشرة‬
‫أحاديث في هذا و قال‪ :‬أما نحن قد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب‬
‫رسول الله فهم عمن اخذوا‪.‬‬
‫‪ .16‬و قال عقبة بن قبيصة أتينا أبا نعيم يوما فنزل إلينا من الدرجة التي في‬
‫داره فجلس وسطها كأنه مغضب فقال حدثنا سفيان ابن سعيد و منذر‬
‫الثوري و زهير بن معاوية و حدثنا حسن بن صالح بن حي و حدثنا شريك بن‬
‫عبد الله النخعي هؤلء أبناء المهاجرين يحدثوننا عن رسول الله أن الله تبارك‬
‫و تعالى يرى في الخرة حتى جاء ابن يهودي صباغ يزعم أن الله تعالى ل‬
‫يرى يعني بشر المريسي‪.‬‬
‫وكذا وأنظر ما روي عن التابعين في تفسير قوله ) وزيادة( و) لدينا مزيد(‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫ما روي عن الئمة المتبوعين في الرؤية‪:‬‬
‫إليك أخي الكريم ‪ ،‬ما ورد عن الئمة المتبوعين ‪ ،‬في مسألة الرؤية ‪ ،‬الذين‬
‫شهدت لهم المة بالعدالة والعلم ‪ ،‬والمعرفة بالدين ‪ ،‬والذين أجمعت المة‬
‫على أنهم بلغوا رتبة الجتهاد ‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪ .1‬قال مالك بن انس الناس ينظرون إلى ربهم عز و جل يوم القيامة بأعينهم‬
‫و قال الحارث بن مسكين حدثنا أشهب قال سئل مالك بن انس عن قوله عز‬
‫و جل ?وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ? أتنظر إلى الله عز و جل قال‬
‫نعم فقلت إن أقواما يقولون تنظر ما عنده قال بل تنظر إليه نظرا و قد قال‬
‫موسى يا رب ارني انظر إليك قال لن تراني و قال الله تعالى كل انهم عن‬
‫ربهم يومئذ لمحجوبون‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و ذكر الطبري و غيره انه قيل لمالك بن انس انهم يزعمون أن الله ل يرى‬
‫فقال مالك السيف السيف‪.‬‬
‫‪ .2‬ذكر قول ابن الماجشون قال أبو حاتم الرازي قال أبو صالح كاتب الليث‬
‫أملى على ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون و سألته عما جحدت‬
‫الجهمية فقال لم يزل يملي الشيطان حتى جحدوا قوله تعالى وجوه يومئذ‬
‫ناضرة إلى ربها ناظرة فقالوا ل يراه أحد يوم القيامة فجحدوا و الله افضل‬
‫كرامة الله التي اكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه و نضرته‬
‫إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر فورب السماء و الرض ليجعلن رؤيته‬
‫يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر بها وجههم دون المجرمين و تفلح بها‬
‫حجتهم على الجاحدين و هم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ل يرونه كما زعموا‬
‫أنه ل يرى و ل يكلمهم و ل ينظر إليهم و لهم عذاب اليم‪.‬‬
‫‪ .3‬ذكر قول الليث بن سعد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي‬
‫الحارث حدثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول سالت‬
‫الوزاعي و سفيان الثوري و مالك بن انس و الليث بن سعد عن هذه‬
‫الحاديث التي فيها الرؤية فقالوا تمر بل كيف‪.‬‬
‫‪ .4‬قول سفيان بن عيينة ذكر الطبري و غيره عنه انه قال من لم يقل أن‬
‫القران كلم الله و أن الله يرى في الجنة فهو جهمي و ذكر عنه ابن أبي حاتم‬
‫انه قال يصلي خلف الجهمي و الجهمي الذي يقول ل يرى ربه يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ .5‬قول جرير بن عبد الحميد ذكر ابن أبي حاتم عنه انه ذكر حديث ابن سابط‬
‫في الزيادة إنها النظر إلى وجه الله فأنكره رجل فصاح به و أخرجه من‬
‫مجلسه‪.‬‬
‫‪ .6‬قول عبد الله بن المبارك ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه إن رجل من‬
‫الجهمية قال له يا أبا عبد الرحمن خدارا بان جهان جون ببيند و معناه كيف‬
‫يرى الله يوم القيامة فقال بالعين‪.‬‬
‫و قال ابن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن إسحاق قال سمعت نعيم بن حماد‬
‫يقول سمعت بن المبارك يقول ما حجب الله عنه أحدا إل عذبه ثم قرأ كل‬
‫انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي‬
‫كنتم به تكذبون قال ابن المبارك بالرؤية‪.‬‬
‫‪ .7‬قول وكيع بن الجراح ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه قال يراه تبارك و تعالى‬
‫المؤمنون‬
‫في الجنة و ل يراه إل المؤمنون‪.‬‬
‫‪ .8‬قول قتيبة بن سعيد ذكر ابن أبي حاتم عنه قال قول الئمة المأخوذ في‬
‫السلم و السنة و اليمان بالرؤية و التصديق بالحاديث التي جاءت عن‬
‫رسول الله في الرؤية‪.‬‬
‫‪ .9‬قول أبي عبيد القاسم بن سلم ذكر ابن بطة و غيره عنه انه إذا ذكرت‬
‫عنده هذه الحاديث التي في الرؤية فقال هي عندنا حق و رواها الثقات عن‬
‫الثقات إلى أن صارت إلينا إل أنا إذا قيل لنا فسروها لنا قلنا ل نفسر منها‬
‫شيئا و لكن نمضيها كما جاءت‪.‬‬
‫‪ .10‬قول اسود بن سالم شيخ المام احمد قال المروزي حدثنا عبد الوهاب‬
‫الوراق قال سألت اسود بن سالم عن أحاديث الرؤية فقال‪ :‬احلف عليها‬
‫بالطلق و بالمشي إنها حق‪.‬‬
‫‪ .11‬قول محمد ابن إدريس الشافعي قد تقدم رواية الربيع عنه‪ :‬انه قال في‬
‫قوله تعالى‪ ?:‬كل انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ? لما حجب هؤلء في‬
‫السخط كان في هذا دليل على ان اولياءه يرونه في الرضا قال الربيع فقلب‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا ابا عبد الله ونقول به قال نعم وبه ابن الله ولو لم يوقن محمد بن ادريس‬
‫انه يرى الله عز و جل لما عبده و قال ابن بطة حدثنا ابن النباري حدثنا أبو‬
‫القاسم النماطي صاحب المزني قال قال الشافعي رحمه الله ?كل انهم عن‬
‫ربهم يومئذ لمحجوبون? دللة على إن أولياء الله يرونه يوم القيامة بأبصارهم‬
‫و وجوههم ‪.‬‬
‫‪ .12‬قول إمام السنة احمد بن حنبل قال إسحاق بن منصور قلت لحمد‬
‫أليس ربنا تبارك و تعالى يراه أهل الجنة أليس تقول بهذه الحاديث قال‬
‫احمد صحيح قال ابن منصور و قال إسحاق بن راهويه صحيح و ل يدعه إل كل‬
‫مبتدع أو ضعيف الرأي‪.‬‬
‫‪ .13‬و قال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله و قيل له تقول بالرؤية فقال‬
‫من لم يقل بالرؤية فهو جهمي قال سمعت أبا عبد الله و بلغه عن رجل انه‬
‫قال إن الله ل يرى في الخرة فغضب غضبا شديدا ثم قال من قال إن الله ل‬
‫يرى في الخرة فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس أليس‬
‫يقول الله عز وجل ?وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة? وقال ?كل انهم عن‬
‫ربهم يومئذ لمحجوبون? ‪.‬‬
‫‪ .14‬وقال أبو داود سمعت احمد وذكر له عن رجل شيء في الرؤية فغضب‬
‫وقال من قال إن الله ل يرى فهو كافر‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪ .15‬وقال إسحاق بن ابراهيم بن هانئ سمعت ابا عبد الله يقول من لم‬
‫يؤمن بالرؤية فهو جهمي و الجهمي كافر و قال يوسف بن موسى بن محمد‬
‫القطان قيل لبي عبد الله أهل الجنة ينظرون إلى ربهم تبارك و تعالى و‬
‫يكلمونه و يكلمهم قال نعم ينظر اليهم و ينظرون اليه و يكلمهم و يكلمونه‬
‫كيف شاؤوا إذا شاءوا قال حنبل ابن اسحاق سمعت ابا عبد الله يقول القوم‬
‫يرجعون إلى التعطيل في اقوالهم ينكرون الرؤرية و الثار كلها و ما ظننتم‬
‫على هذا حتى سمعت مقالتهم و من زعم ان الله لم يتخذ ابراهيم خليل فقد‬
‫كفر و رد على الله قوله قال ابو عبد الله فنحن نؤمن بهذه الحاديث و نقرها‬
‫و نمرها كما جاءت‪.‬‬
‫‪ .16‬و قال الثرم سمعت ابا عبد الله يقول فأما من يقول ان الله ل يرى في‬
‫الخرة فهو جهمي قال ابو عبد الله و إنما تكلم من تكلم في رؤية الدنيا و‬
‫قال حنبل سمعت ابا عبد الله يقول ادركنا الناس و ما ينكرون من هذه‬
‫الحاديث شيئا احاديث الرؤية و كانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على‬
‫حالها غير منكرين لذلك و ل مرتابين و قال ابو عبد الله قال الله تعالى و ما‬
‫كان لبشر ان يكلمه الله إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسول و كلم‬
‫الله موسى من وراء حجاب فقال رب ارني انظر اليك قال لن تراني و لكن‬
‫انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فاخبر الله عز و جل ان‬
‫موسى يراه في الخرة و قال كل انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و ل يكون‬
‫حجاب إل لرؤية اخبر الله سبحانه و تعالى إن شاء الله و من اراد ان يراه و‬
‫الكفار ل يرونه قال حنبل و سمعت ابا عبد الله يقول قال الله تعالى وجوه‬
‫يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة و الحاديث التي تروى في النظر إلى الله تعالى‬
‫حديث جابر بن عبد الله و غيره و تنظرون إلى ربكم احاديث صحاح و قال‬
‫للذين احسنوا الحسنى و زيادة النظر إلى وجه الله تعالى قال حنبل قلت‬
‫لبي عبد الله في احاديث الرؤية فقال هذه صحاح نؤمن بها و نقر بها و كلما‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫روى عن النبي اسناده جيد اقررنا به قال ابو عبد الله إذا لم نقر بما جاء عن‬
‫النبي و دفعناه و رددنا على الله امره قال الله عز و جل و ما آتاكم الرسول‬
‫فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا قول اسحاق بن راهويه ذكر الحاكم و شيخ‬
‫السلم و غيرهما عنه ان عبد الله بن طاهر امير خراسان سأله فقال يا ابا‬
‫يعقوب هذه الحاديث التي يروونها في النزول و الرؤية ما هن فقال رواها‬
‫من روى الطهارة و الغسل و الصلة و الحكام و ذكر اشياء فان يكونوا في‬
‫هذه عدول و إل فقد ارتفعت الحكام و بطل الشرع فقال شفاك الله كما‬
‫شفيتني أو كما قال قول جميع أهل اليمان‪.‬‬
‫‪ .17‬قول المزني ذكر الطبري في السنة عن إبراهيم عن أبي داود المصري‬
‫قال كنا عند نعيم بن حماد جلوسا فقال نعيم للمزني ما تقول في القرآن‬
‫فقال أقول انه كلم الله فقال غير مخلوق فقال غير مخلوق قال و تقول أن‬
‫الله يرى يوم القيامة قال نعم فلما افترق الناس قام إليه المزني فقال يا أبا‬
‫عبد الله شهرتني على رؤوس الناس فقال إن الناس قد اكثروا فيك فأردت‬
‫أن أبرئ‪.‬‬
‫حكم الئمة في منكري الرؤية‬
‫و قال ابراهيم بن زياد الصائغ سمعت احمد بن حنبل يقول‪ :‬الرؤية من كذب‬
‫بها فهو زنديق ‪.‬‬
‫قال حنبل و سمعت أبا عبد الله )أي‪ :‬أحمد بن حنبل( يقول‪ :‬من زعم ان الله‬
‫ل يرى في الخرة فهو جهمي فقد كفر و رد على الله و على الرسول‪.‬‬
‫وقال أبو داود وسمعت احمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن‬
‫رجل عن أبي العطوف إن الله ل يرى في الخرة فقال لعن الله من يحدث‬
‫بهذا الحديث‬
‫اليوم ثم قال أخزى الله هذا‪.‬‬
‫وقال أبو بكر المرزوي قيل لبي عبد الله تعرف عن يزيد بن هارون عن أبي‬
‫العطوف عن أبي الزبير عن جابر إن استقر الجبل فسوف تراني وإن لم‬
‫يستقر فل تراني في الدنيا ول في الخرة فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا‬
‫حتى تبين في وجهه وكان قاعدا و الناس حوله فأخذ نعله و انتعل و قال‬
‫أخزى الله هذا ل ينبغي ان يكتب و دفع ان يكون يزيد بن هارون رواه أو‬
‫حدث به و قال هذا جهمي كافر خالف ما قال الله عز وجل ?وجوه يومئذ‬
‫ناضرة إلى ربها ناظرة ?و قال?كل انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون? أخزى‬
‫الله هذا الخبيث قال أبو عبد الله و من زعم ان الله ل يرى في الخرة فقد‬
‫كفر‪.‬‬
‫و قال ابو طالب قال ابو عبد الله قول الله عز وجل‪? :‬هل ينظرون أل إن‬
‫يأتيهم الله في ظل من الغمام والملئكة? ?وجاء ربك والملك صفا صفا?‬
‫فمن قال إن الله ل يرى فقد كفر‪.‬‬
‫قال أبو عبد الله نؤمن بها و نعلم أنها حق أحاديث الرؤية و نؤمن بأن الله‬
‫يرى نرى ربنا يوم القيامة ل نشك فيه ول نرتاب قال وسمعت أبا عبد الله‬
‫يقول‪ :‬و من زعم أن الله ل يرى في الخرة فقد كفر بالله و كذب بالقرآن‬
‫ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب و إل قتل‬

‫)‪(14 /‬‬

‫روى ابن أبي حاتم عن الوزاعي أنه قال إني لرجو أن يحجب الله عز و جل‬
‫جهما و أصحابه عن افضل ثوابه الذي وعده الله عز و جل أولياءه حين يقول‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجوه يومئذ ناضرة إلى بها ناظرة فجحد جهم و أصحابه افضل ثوابه الذي‬
‫وعده الله أولياءه‪.‬‬
‫خلصة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وعن الصحابة والتابعين في رؤية‬
‫المؤمنين الرب عز وجل‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫وروي ذلك من الصحابة‬
‫عن أبي بكر وعلي بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي موسى‬
‫وابن عباس وابن عمر وأبي أمامة ومعاوية وأبي هريرة وجابر وحذيفة وأنس‬
‫بن مالك وعمار بن ياسر وزيد بن ثابت وفضالة بن عبيد ورجل من أصحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن التابعين‬
‫سعيد بن المسيب وطاووس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي‬
‫وكعب قالحبار وأبو العالية والحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة وعبد‬
‫الرحمن بن سابط وأبي إسحاق السبيعي والربيع بن أنس وإبراهيم ويزيد بن‬
‫أبي مالك وعبد الواحد بن يزيد النصري والضحاك بن مزاحم وعبد العزيز بن‬
‫عمر الزاهد وابن الربيع السايح وأبي سنان ‪.‬‬
‫ومن الفقهاء‬
‫مالك بن انس والليث بن سعد والوزاعي وعبد العزيز بن أبي سلمة‬
‫الماجشون وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وشريك بن عبد الله النخعي‬
‫وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وخارجة بن مصعب وجرير بن عبد الحميد‬
‫وعبد الله بن المبارك ووكيع ويزيد بن هارون ومحمد بن إدريس الشافعي‬
‫وأبي نعيم الفضل بن دكين وسليمان بن حرب وأبو النضر هاشم بن القاسم‬
‫وعبد الله بن وهب المصري وعلي بن الحسن بن شقيق وهشام بن عبيد الله‬
‫الرازي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد بن‬
‫صالح المصري ونعيم بن حماد المروزي وأبو إبراهيم المزني ومحمد بن عبد‬
‫الله بن عبد الحكم ومحمد بن جرير الطبري وابن خزيمة وعبد الرحمن بن‬
‫أبي حاتم‪.‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫أصول مقررة للرد على نفاة الرؤية‪.‬‬
‫وقد ذكر أئمة الصول والتفسير قواعد مقررة ‪ ،‬متفق عليها بين المة ‪،‬‬
‫يستطيع المستوعب لها الرد على نفاة الرؤية ‪ ،‬وقد ذكرتها في ثلثة‬
‫مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول‪:‬‬
‫الصل في فهم النص الخذ بالظاهر‪.‬‬
‫ذكر علماء أصول الفقه في دللت اللفاظ ‪ ،‬أن النص إذا دل على معنى‬
‫ظاهر ‪ ،‬متبادر من اللفظ أنه ل يجوز العدول عن الخذ بظاهره إل بقرينة‬
‫فقول الله تعالى‪ ? :‬وجوة يومئذ ناضرة ‪...‬إلى ربها ناظرة? ل يجوز أن يقال‬
‫منتظرة أو ناظرة إلى ثواب ربها و ل غير ذلك لماذا؟‬
‫لنه عدول عن ظاهر الية بدون قرينة ‪ ،‬ول يصح أن يكون العقل هنا قرينة‬
‫صارفة عن الخذ بالظاهر ‪ ،‬لنه ل مجال له في معرفة الغيبيات ‪ ،‬إنما تعرف‬
‫من النص القرآني أو اللفظ النبوي ‪.‬‬
‫تأمل في تفسير المام الللكائي قال‪:‬معنى قوله إلى ربها ناظرة أنها رائية‬
‫ترى الله عز وجل ول يجوز أن يكون معناه إلى ثواب ربها ناظرة لن ثواب‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله غير الله وإنما قال الله عز وجل إلى ربها ولم يقل إلى غير ربها ناظرة‬
‫والقرآن على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إل بحجة أل ترى‬
‫أنه لما قال فاذكروني أذكركم واشكروا لي لم يجز أن يقال أراد ملئكتي‬
‫ورسلي ثم نقول إن جاز لكم أن تدعوا هذا في قوله إلى ربها ناظرة جاز‬
‫لغيركم أن يدعيه في قوله ل تدركه البصار فيقول أراد بها ل تدرك غيره ولم‬
‫يرد أنها ل تدركه البصار وإذا لم يجز ذلك لم يجز هذا‪.‬وهكذا يقال في سائر‬
‫النصوص الظاهرة من القرآن والسنة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫الصل حمل الكلم على الحقيقة ‪.‬‬
‫إذا استخدمت العرب معنى فيما وضعوه له كقوله) إلى ربها ناظرة( فإن‬
‫النظر هنا يحمل على الحقيقة ول يجوز العدول عنه إلى) منتظرة أو غيرها(‬
‫إل بقرينة صارفة إلى المعنى المجازي ‪ ،‬هذا على من يقول بوجود المجاز في‬
‫لغة العرب ‪ ،‬ول قرينة هنا ‪ ،‬ول تصح دللة العقل لما قلناه في الكلم السابق‪،‬‬
‫وهذا على جهة المثال‪.‬‬
‫وينبغي هنا أن يتنبه لمسألة وهي أنه إذا جاء لفظ يدل على الحقيقة في‬
‫نص ‪،‬وجاء ذلك اللفظ في نص آخر يدل على المعنى المجازي‪ ،‬فأنه ل ُيعدل‬
‫اللفظ من دللته على الحقيقة إلى المجاز لمجرد أنه جاء مجازا ً في نص‬
‫آخر ‪ ،‬فمثل ‪? :‬وجوة‪...‬إلى ربها ناظرة? في الية هي اسم فاعل من الفعل‬
‫) نظر( وقد جاء ) ناظر( في قوله تعالى على لسان بلقيس ? فناظرة بما‬
‫يرجع المرسلون? بمعنى منتظرة على قول عند أهل التفسير‪ ،‬ومجرد أن‬
‫) ناظرة( جاءت بمعنى )منتظرة( ل ُيجوز صرفها إلى النتظار بدون قرينة ‪،‬‬
‫فأين القرينة هنا ؟ والعقل ل مجال له في الغيب ‪،‬‬
‫وعلى ذلك فقس في سائر دلئل النصوص في القرآن و السنة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫التواتر حجة قاطعة‪.‬‬
‫قال المام النووي في شرح مسلم ‪:3/15‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة‬
‫عقل وأجمعوا أيضا على وقوعها في الخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى‬
‫دون الكافرين‪...‬وقال‪:‬وقد تظاهرت أدله الكتاب والسنة وإجماع الصحابة‬
‫فمن بعدهم من سلف المة على إثبات رؤية الله تعالى في الخرة للمؤمنين‬
‫ورواها نحو عشرين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآيات‬
‫القرآن فيها مشهورة‪.‬‬
‫قال إمام الئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد‪ :‬إن المؤمنين‬
‫لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد و من أنكر ذلك فليس‬
‫بمؤمن عند المؤمنين‪.‬‬
‫والحاديث النبوية في ذلك نصوص متواترة في محل النزاع ولذا قال المام‬
‫الذهبي في سير أعلم النبلء بعد الكلم على مسألة الرؤية ‪:455 / 10‬‬
‫قلنا وللكل موقف بين يدي الله تعالى‪،‬يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في‬
‫الخرة متواترة والقرآن مصدق لها ‪ ،‬فأين النصاف ؟‬
‫أخي القارئ العزيز ‪ ،‬الحاديث كما رأيت ‪ ،‬قد جاءت من ست وثلثين طريقا ً‬
‫عن ثلثين صحابيا ً و ما جاء هكذا فإنه يسمى متواتر عند أهل مصطلح‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحديث و أصول الفقه باتفاق و هو حجة قاطعة في المسألة ل يجوز مخالفته‬


‫عند جميع أهل السلم‪.‬‬
‫فهل تترك هذا النصوص الجلية لقول فلن أو علن كائنا من كان؟‬
‫المطلب الرابع‪:‬‬
‫من أعلى درجات التفسير‪.‬‬
‫إن من مهام النبي صلى الله عليه وسلم وتمام بلغه ‪ ،‬بيانه للقرآن ‪ ،‬وهو من‬
‫أعلى درجات التفسير لن الله تعالى قال) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما‬
‫نزل إليهم( وهذا أمر مقرر عند من لديه أدنى درجات العلم ل ينكره أحد ‪.‬‬
‫وأنت ترى أخي الحبيب ‪ ،‬أنه قد ثبت بالتواتر عنه صلى الله عليه وأله وسلم‬
‫القول بالرؤية عن ست وثلثين صحابيا فهل يا ترى يمتري بعد هذا ذو لب ‪.‬‬
‫خاتمة البحث‪.‬‬
‫وقبل أن أنتهي من البحث أود أن أقول أمور وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ أخي الحبيب إذا تأملت في كلم النفاة للرؤية فستجده هذا مش معقول ؟‬
‫يلزم من إثبات أن يكون جسما ً ‪ ،‬والله ليس بجسم‪....‬الخ ‪.‬‬
‫فالجواب ‪:‬‬
‫يقال له‪ :‬الذي لم يسعه عقلك الضيق ‪ ،‬قد وسعه عقول خير القرون ‪،‬‬
‫الصحابة والتابعين وأتباع التابعين والئمة المتبوعين ‪ ،‬فماذا يعني عقلك‬
‫القاصر ؟‬
‫ولم يفهموا من إثبات الرؤية الجسم ‪ ،‬إل أن تقول أنه ل عقول لهم ‪.‬‬
‫وهل أنت أعلم بمراد الله أم الله أعلم؟‬
‫وهل أنت أفهم أم رسول الله أفهم ؟ وكذا يقال في فهم الصحابة فمن‬
‫بعدهم ‪.‬‬
‫و من أين جئت بلفظ الجسم ؟ وأن معناه أنه ذات له أجزاء‪،‬مع أنه في اللغة‬
‫البدن كما قال الجوهري في الصحاح وغيره ؟‬
‫ومن قال أن إثبات الرؤية يلزم منه أن الله مخلوق ؟ أو جسم كما تزعم ؟‬
‫‪2‬ـ من كان له أدنى معرفة ‪ ،‬بعلوم المنطق و الفلسفة ‪ ،‬مع معرفته بعلوم‬
‫الشريعة ‪ ،‬يتأكد أن هذا المصطلحات المذكورة ‪ ،‬فيها حق و باطل ‪ ،‬وقد نهينا‬
‫عن ذلك ‪ ،‬في قوله تعالى ?يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا وقولوا انظرنا‬
‫…? لن في )راعنا( معنى باطل ‪ ،‬وإن كان عند العرب له معنى صحيح‪،‬‬
‫وكذلك لفظة )الجسم( لما تضمنت معنى آخر ل تعرفه العرب ‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يفسر القرآن بها ‪ ،‬لنها تضمنت معنى باطل‪.‬‬
‫‪3‬ـ لو كان علم الفلسفة والمنطق ‪ ،‬يهدي إلى الحق ؛ لهدى اليونان الذي‬
‫أصلوه ‪ ،‬ورتبوا قواعده ‪ ،‬ونظموا مسائله‪.‬‬
‫ً‬
‫‪4‬ـ لو كان علم الفلسفة والمنطق ضروريا ‪ ،‬لمعرفة أصول الدين ومسائل‬
‫العقائد ‪ ،‬لكان من الواجب على النبي صلى الله عليه وأله وسلم أن يعلم‬
‫أمته ذلك ‪ ،‬و لو لم يفعل لدى إلى القول بأن الدين غير كامل ‪ ،‬كيف وقد‬
‫قال الله تعالى‪:‬‬
‫?اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم السلم‬
‫دينا? ؟‬
‫‪5‬ـ هل يقال أن القرون الولى الصحابة والتابعين فمن بعدهم ‪ ،‬لم يعرفوا‬
‫أصول الدين لنهم يجهلون علم المنطق والفلسفة أو أنه لم يصل إليهم ؟‬
‫فاتق الله يا أخا السلم ‪ ،‬وسر على نهج النبي صلى الله عليه وسلم و أله‬
‫الطهار‪ ،‬و صحابة الكرام ‪ ،‬إن كنت تريد النجاة و الفلح ‪ ،‬فبهداهم اقتد ‪ ،‬و‬
‫على نهجهم امض ‪? ،‬وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين( ? إن في ذلك لذكرى‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد?‪.‬‬


‫وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم‬
‫على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين والله أعلم‬
‫?‬
‫)‪(1‬قال المام الللكائي في شرح العتقاد )‪(122 / 1‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ٌ أي ‪ :‬أن لفظة ) ل تدركه‪ (..‬لو لم نحملها على الحاطة وحملناها على الرؤية‬
‫وأنه يدل عمومها على عدم الرؤية في الدنيا والخرة لكان الواجب جمعا بين‬
‫الدلة تخصيصها بقوله تعالى‪ ):‬وجوه‪....‬إلى ربها ناظرة( فيكون المعنى ‪ :‬ل‬
‫تدركه البصار في الدنيا وقوله تعالى) وجوه‪......‬إلى ربها ناظرة( تدل على‬
‫الرؤية في الخرة و عموم )ل تدركه( في عدم الرؤية في الخرة قد عارضه‬
‫خصوص قوله تعالى ) وجوه‪......‬إلى ربها ناظرة( وإذا تعارض خاص وعام‬
‫فإنه يقضى بالخاص على العام وعندها ل تدل آية ) ل تدركه( على عدم‬
‫الرؤية يوم القيامة‪ ،‬قال الطبري‪ :‬وصح أن قوله ل تدركه البصار على‬
‫الخصوص ل على العموم وأن معناه ل تدركه البصار في الدنيا وهو يدرك‬
‫البصار في الدنيا والخرة إذ كان الله قد استثنى ما استثنى منه بقوله وجوه‬
‫يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ‪.‬‬
‫في شرح العتقاد ‪122 / 1 :‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫الرئيس المبشر‬
‫ل أقولها من باب التهكم ‪ ،‬حاشاي ‪ -‬وإن كنت ل أخفي أنها رسالة " مبشرة"‬
‫بالرئيس الداعية " الذي يتمناه بعض الحالمين ‪ ،‬ولم ل ؟ ألسنا نستورد‬
‫الديموقراطية والعولمة والثقافة والعلم و" التحرير" والسلح ‪ ،‬والدستور ‪،‬‬
‫والقمح ؟ فلم ل نستورد " صفات الرؤساء" ؟‬
‫ووصف الرئيس المبشر كان موضع الملحظة من كثيرين عندما وصفوا‪-‬‬
‫خطابه في مؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد في ‪ ) 2003\6 \3‬بأنه كان خطابا‬
‫تبشيريا ( وهم يعبرون بذلك عن شيء من خيبة المل ‪ ،‬وإن كان مصحوبا‬
‫بتفهم مع ابتسامة خفية من بعض كبار المعلقين ‪.‬‬
‫إنه الرئيس جورج دبليو بوش رئيس الوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬الذي كان‬
‫يظن البعض أنه رئيس أكبر دولة علمانية في العصر الحديث ‪ ،‬فإذا بهم‬
‫يفاجئون به يلقي عليهم ‪ -‬من فوق منصة أكبر دولة مسيحية في التاريخ ‪-‬‬
‫خطابا تبشيريا يحدثهم عن الخير والشر والخيار والشرار ‪ .‬وها نحن في‬
‫بداية القرن الحادي والعشرين نصحو من نعاس طويل على المبراطورية‬
‫المريكية ‪ ،‬وقد تحولت إلى ثكنة صليبية ‪.‬‬
‫نجد ذلك صريحا في التقرير الذي نشرته مجلة " دير شبيجل " المجلة الولى‬
‫في ألمانيا وإحدى أهم المجلت السبوعية الوربية والعالمية – حسب تعبير‬
‫الستاذ مصطفى بكري الذي لخصه لنا في جريدته السبوع بتاريخ ‪\2 \24‬‬
‫‪ - 2003‬جزاه الله عنا خيرا وعفا عنه ‪ -‬تحت عنوان " الحرب الصليبية‬
‫والعجز العربي " – كتبه كل من " هانز هوينج " و " جير هارد شبرول " نشر‬
‫في عددها بتاريخ ‪ 2003 \2 \17‬بعنوان " في مهمة إلهية حرب جورج بوش‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصليبية "‬
‫بدأها الكاتبان بالتأكيد على أن الرئيس بوش "المبشر "ل يريد باجتياحه بغداد‬
‫إل أن يقوم بتنفيذ تكليف إلهي " ‪ ،‬ويضيف التقرير أن واشنطن صارت مدينة‬
‫الورع والتقوى ‪ ،‬وان الشعائر الدينية تقام داخل البيت البيض إلى الحد الذي‬
‫تبدأ فيه جلسات الحكومة بالصلة ‪ ) ،‬اللهم ل حسد ( حيث يطلب “ الرئيس‬
‫بوش المبشر “من وزرائه التمتمة بعبارات دينية بتركيز شديد ‪ ،‬يقوم فيه‬
‫جميع من بالمكان بتشبيك أيديهم وإغلق أعينهم وخفض رؤوسهم إلى‬
‫السفل انحناء وورعا ‪.‬‬
‫وتضيف المجلة أن حركة النجيليين الجدية تكتسح البيت البيض ‪ ،‬فالقس‬
‫ديفيد فروم هو الذي يقوم بكتابة الكلمات التي يلقيها الرئيس ‪ ،‬وهو يقول إن‬
‫الرئيس يقرأ النجيل يوميا ‪ ،‬ويتحدث عن أشياء جديدة تعطيه القوة بصفة‬
‫دائمة ‪ ،‬ويؤكد ذلك قائل ‪ ) :‬إنني أصلي ‪ ،‬إنني أصلي لحصل على القوة‬
‫والرشاد ( وهو يقدم نفسه كواعظ قائل ) إنني مقتنع بأن الله وضعني في‬
‫منصبي في هذه اللحظة التاريخية ‪ ،‬وأرجو أن أكون قويا بما يكفي لتحمل‬
‫هذه المهمة المقدسة ( وتعلق المجلة على ذلك بقولها " إن البيت البيض ل‬
‫يمثل فقط قلب وعقل القوة العظمى اليوم ‪ ،‬بل هو أيضا مكان تجمع التقياء‬
‫والمتدينين "‬
‫وتنهي دير شبيجل تقريرها بعبارة قالها بوش للبحرية المريكية في فلوريدا‬
‫بتاريخ ‪ 2003\2\13‬بقوله ) نريد أن نكون بلدا فوق الجميع ( مستندا في‬
‫ذلك إلى مفاهيم إنجيلية قد سبق لعديد من الرؤساء المريكيين الحديث عنها‬
‫وهي أن " البشرية بكاملها يجب أن تنظر لمريكا كيوتوبيا واقعية لمدينة‬
‫القدس السماوية كمدينة إلهية على الرض "‬
‫وتضيف المجلة في تقريرها أن من تولى إعادة تأهيل بوش بعد ماضيه في‬
‫إدمان الكحول هو القس " بيلي جراهام " النجم الكبر لحركة البعث‬
‫البروتستانتي اليمينية المتطرفة ‪ ،‬وتقول المجلة " إنه منذ ذلك الوقت أصبح‬
‫بوش واحدا من الستين مليون أمريكي الذين يؤمنون " بالولدة الثانية‬
‫للمسيح "‬
‫ويذكر التقرير أن الولدة الثانية لبوش كانت يوم ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬حيث‬
‫كان حتى هذا اليوم حاكما بل هدف ‪ ،‬ولكن الهجوم على نيويورك وواشنطن‬
‫أعطيا رئاسته الهدف النبيل ‪ ،‬بعدها بدأ في الحديث بمصطلحات دينية مثل "‬
‫معركة الخير ضد الشر " و " العدالة البدية " و " الحرب الصليبية " ثم "‬
‫مصطلح الشر " الذي بدأ يضع فيه أعداءه خاصة إيران وكوريا الشمالية‬
‫والعراق ) قبل الحتلل ( ‪ ،‬ورغم أن هناك أهدافا أخرى له في العراق إل أن‬
‫مهمته التبشيرية أو ما يسميه التكليف اللهي له أثر أعمق في هذه الحرب ‪،‬‬
‫فهو يؤدي إلى سيطرة نوع من " الراديكالية الورعة "‬
‫ويقول القس المريكي " فريتس ريتسش " في مقال له في الواشنطن‬
‫بوست عن " الرب والنسان في المكتب البيضاوي " ‪ ) :‬لقد وجدت مجموعة‬
‫الهوس الديني ‪ -‬التي تسمى نفسها ‪ :‬اليمين المسيحي الصهيوني على حد‬
‫تعبير القس فريتس ‪ " -‬قائدا على منوال شخصية داود النجيلية يوحد‬
‫مطامحهم السياسية ‪ ،‬وهذا القائد هو جورج بوش الذي يؤمن بالفعل بأنه "‬
‫مبعوث العناية اللهية " ليقودهم في حرب …تستهدف المسلمين لنهم الذين‬
‫يشكلون الخطر الكبر على عودة المسيح إلى الرض ‪ ،‬وأن هؤلء المسلمين‬
‫ل يتبعون ملة دينية ‪ ،‬وإنما يتبعون رجل اسمه محمد ( ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي حاشية “ الرئيس بوش المبشر “يقبع القس بيلي جراهام الذي يؤمن‬
‫بالمسيحية الصهيونية ‪ ،‬والذي استطاع ‪ -‬وابنه فرانكلين الذي أصبح فيما بعد‬
‫من أعز أصدقاء بوش ‪ -‬إقناع بوش بعد شفائه من إدمان الكحول والمخدرات‬
‫بالنضمام إلى طائفة " الميسوديت " وهي طائفة بروتستانتية إنجيلية تؤمن‬
‫بالتحالف الصهيوني المسيحي …ضد المسلمين ‪ ،‬وكان بوش دائم التردد‬
‫على الكيان الصهيوني لن الميسوديت " تعتبر أن أرض الكيان الصهيوني هي‬
‫البقعة المباركة في العالم ‪ ،‬وأن المسيحية الحق‪ -‬حسب عقيدة الميسوديت‬
‫– جاءت لتقيم هذا التحالف لنقاذ العالم من خلل العتماد على التوراة‬
‫والنجيل " الحق " !!‬
‫وتردد المعلومات أن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني انضم إلى هذه‬
‫الطائفة منذ ثلثة أعوام ‪ ،‬أي حوالي ‪1999‬عام ‪.‬‬
‫ويرى أتباع هذا المذهب أن الوقت قد حان لظهور المسيح منذ عام ‪، 2000‬‬
‫وأن المسيح لن يستطيع أن يخرج إلى النور طالما ظل المسجد القصى‬
‫قائما ‪ ،‬فالهيكل المقدس ل بد وأن يتم بناؤه على أنقاض هذا المسجد ‪ ،‬وقد‬
‫تبرع الكثيرون وفي المقدمة منهم بوش وبلير من أجل صنع أعمدة هذا‬
‫الهيكل ‪ ،‬وتزيينه وتم النتهاء من رسوماته وتصميمه ‪ ،‬وقد وافق شارون –‬
‫رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل للرض الفلسطينية ‪ -‬على اعتماد‬
‫التصميم المريكي الذي وافق عليه بوش لقامة الهيكل ‪.‬‬
‫ولقد وصلت التوجهات البوشية التبشيرية إلى درجة التطرف والعنف الديني ‪،‬‬
‫مما يجعلها إرهابا بامتياز ‪.‬‬
‫وهذا ما نستدل عليه مما جاء بتقرير ‪ -‬مجلة دير شبيجل اللمانية الذي سبقت‬
‫الشارة إليه ‪ -‬إذ يتحدث ‪ :‬عن بعض رجال البيت البيض في عهد “ الرئيس‬
‫بوش المبشر “فيقول ‪ :‬وأهم هؤلء "بول فولفو فيتز" نائب وزير الدفاع‬
‫المريكي ‪ ،‬وريتشارد بيرل ‪ ،‬مستشار وزارة الدفاع المريكية ‪ ،‬اللذان يريان‬
‫أن السيطرة على بغداد – وقد تمت هذه الخطوة ‪ -‬ستكون ضمانا لمن‬
‫الراضي المقدسة " يقصدون الكيان الصهيوني " وهذا ما تدعمه مجموعة‬
‫كنائس بابست الشمالية التي تضم ‪ 41500‬كنيسة يتبعها ‪ 16‬مليون عضو ‪،‬‬
‫وهو ما يمثل نواة أكثر الصوليين المسيحيين تطرفا ‪ ،‬بل إن ريتشارد لند‬
‫رئيس مفوضية الحرية الخلقية والدينية ‪ ،‬لكنائس " بابست " في الوليات‬
‫الجنوبية برر الحرب على العراق في أحد مقالته على خلفية أسباب دينية‬
‫بقوله " قيادة حر ب عادلة هي عمل مسيحي ‪ ،‬يقوم على اليثار !! فالشرار‬
‫يجب أن يعاقبوا ‪ ،‬والخيار يجب أن يكافأوا ‪ ،‬لقد جاء وقت العنف "‬
‫ويقول التقرير مما يعتبر بيانا لنتشار توجهات “ الرئيس بوش " المبشر "‬
‫في بلده وتعبيرها عن الغالبية فيها ) إن “ الرئيس بوش “يعكس بصورة‬
‫دقيقة تماما طبيعة بلده الذي يحكمه ‪ ،‬فنسبة المؤمنين في الوليات المتحدة‬
‫تصل إلى ‪ %95‬من السكان ‪ ،‬وهي من أكبر نسب التدين في العالم ‪ ،‬بينما‬
‫أوربا قد لتصل النسبة فيها إلى ‪ %65‬كما أن الوليات المتحدة تحتوي على‬
‫أكبر عدد من الكنائس في العالم ‪ ،‬حيث إن هناك كنيسة لكل ‪ 865‬مواطنا ‪،‬‬
‫وهو ما وصفه معهد جالوب للستطلعات ‪ -‬تعليقا على استطلع كان قد‬
‫أجراه في مايو ‪ 2002‬م ‪ -‬بأن ذلك حقيقي لنه " توجد رغبة عميقة إلى‬
‫التجاه للشئون الروحية ‪ ،‬فهي حالة من الظمأ إلى الله ‪ ،‬فبينما يصل عدد‬
‫المريكيين الذين يذهبون إلى الكنيسة مرة واحدة في السبوع على القل‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى ‪ %70‬تصل النسبة إلى ‪ %20‬فقط في أوربا الغربية ‪ ،‬وتصل إلى ‪% 14‬‬
‫في لوربا الشرقية "‪.‬‬
‫ومما يعتبر تأكيدا لسعة هذا النتشار التبشيري وتغطيته لغالبية المواطنين في‬
‫الوليات المتحدة ما أكده الدكتور إدوارد سعيد بمقاله بمجلة " الكتب ‪:‬‬
‫وجهات نظر " عدد إبريل ‪ 2003‬إذ يقول ‪ ) :‬والوليات المتحدة هي الدولة‬
‫الوحيدة في العالم التي تبدي بشكل علني تمسكها بأهداب الدين ‪ ،‬فحياة‬
‫المة مشبعة بالحالت على الله ‪ ،‬من قطع النقد ‪ ،‬إلى المباني العامة ‪ ،‬إلى‬
‫الشهادات اللغوية ‪ :‬من مثل " بالله نؤمن " ‪ " ،‬إلى بلد الله " ‪ " ،‬بارك الله‬
‫أمريكا " إلخ ‪ ،‬والقاعدة التي يقوم عليها حكم بوش مؤلفة من حوالي ‪60‬‬
‫إلى ‪ 70‬مليون رجل وامرأة ‪ ،‬يؤمنون مثله بأنهم التقوا يسوع المسيح ‪ ،‬وأنهم‬
‫وجدوا على الرض من أجل إتمام عمل الله في بلد الله ‪ … .‬إننا – هكذا‬
‫يقول إدوارد سعيد ‪ -‬بإزاء ديانة نورانية نبوية ‪ ،‬ذات قناعة راسخة برسالتها‬
‫الرؤيوية ‪ ،‬التي ل علقة لها ألبتة بواقع المور وتعقيداتها ‪(..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي التجاه نفسه نقرأ من مقال الدكتور ديفيد بلنكس أستاذ التاريخ‬
‫بالجامعة المريكية بالقاهرة بمجلة " الكتب وجهات نظر " بعدد إبريل‬
‫‪ ) : 2003‬قد يكون مستغربا بالنسبة لبعض غير الغربيين أن يكتشفوا أن‬
‫المريكيين عموما شديدو التدين ‪ ،‬فالمريكيون الذين يؤمنون بالله أكثر بكثير‬
‫من نظرائهم الوربيين و الصهيونيين ‪ ،‬وهم أكثر انتظاما في حضورهم‬
‫الصلوات في أماكن العبادة ‪ ، ،‬وتبين دراسة أجريت أخيرا بعنوان " مسح‬
‫التعرف على الهوية الدينية المريكية عام ‪ " 2001‬أن المريكيين اقل‬
‫علمانية مما يفترضه كثير من غير المريكيين ‪ ،‬وقد تبين من الستطلع أن‬
‫‪ % 75‬وصفوا موقفهم بأنه ديني أو ديني إلى حد ما (‬
‫ثم يقول الدكتور بلنكس ‪ ) :‬لماذا يؤيد النجيليون الكيان الصهيوني ؟ هذا‬
‫ليس نتيجة للعلم أو الضغط اللوبي اليهودي أو أي عامل خارجي آخر ‪ ،‬ومع‬
‫أن قيادتهم تتحدث بلغة المن فإن معظم المؤمنين يؤيدون الكيان الصهيوني‬
‫لسباب دينية ‪ ،‬أي تلك السباب التي وردت في سفر الرؤيا ‪ ،‬آخر أسفار‬
‫العهد الجديد الذي يتنبأ بهرمجدون ‪ ،‬وهي المعركة الخيرة مع المسيخ الدجال‬
‫التي سوف تنتهي بانتصار المسيح ‪ ،‬وبداية مملكته على الرض ‪ ،‬وفي‬
‫استطلع أجرته معهم المقابلت أنهم يؤمنون بأن نبوءات الكتاب المقدس‬
‫سوف تتحقق ‪ ،‬وقال ‪ %36‬إنهم يؤيدون الكيان الصهيوني ‪ ،‬لماذا ؟ لنهم‬
‫يؤمنون بنبوءة الكتاب المقدس ‪ ،‬بضرورة أن تكون الغلبة للكيان الصهيوني‬
‫قبل أن يعود المسيح إيذانا بقيام القيامة ‪ ،‬ونهاية العالم ‪ ،‬ويعتقد حوالي‬
‫‪ %25‬ممن استطلعت آراؤهم ‪ :‬أن الكتاب المقدس تنبأ بهجمات الحادي‬
‫عشر من سبتمبر ‪ ،‬فماذا نفعل مع إحصاءات كهذه ؟ إنها في أوهن الظروف‬
‫تبين أنه على من يشعرون أنه يمكن أن يكسبوا الدعم للقضية الفلسطينية‬
‫عن طريق الشكوى من اللوبي اليهودي أن يعيدوا النظر في موقفهم فليس‬
‫من الممكن كسب اليمين المسيحي (‬
‫ثم يقول الكاتب ‪ ) :‬تصور سلسلة من الروايات الجديدة ‪ -‬عن سفر الرؤيا‬
‫تحظى بشعبية كبيرة ‪ -‬السكرتير العام للمم المتحدة على أنه المسيخ‬
‫الدجال ( !!‬
‫أقول ‪ :‬اللهم لحسد !!‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهل آن للعرب أن يقلعوا عن أوهامهم إذن في التخلص من هذا اللوبي‬


‫كهدف رئيسي في الوصول إلى حقوقهم ؟ وعليهم – على القل ‪ -‬أن‬
‫يخططوا لمناقشة هذه العقيدة داخل الوسط المريكي عن طريق مجموعة‬
‫من رجال الدين المسيحي الذين ل يؤمنون بهذا التفسير من رجال الكنيسة‬
‫الرثوذكسية والكاثوليكية ‪ .‬أليس هذا هو الحوار الديني الذي تحتاج إليه‬
‫البشرية اليوم تجنيبا لها من حروب ل يعلم خاتمتها إل الله‬
‫ولقد كان من الواضح ‪ -‬لمن يريد أن يرى ‪ -‬أنها لقد كانت تلتقي هذه‬
‫التوجهات الدينية الميسوديتة ‍ مع مشروع قيام الكيان الصهيوني أصل ‪ ،‬ثم‬
‫لقد ظهرت بوضوح في بطاقات المعايدة التي طبعها الكيان الصهيوني في‬
‫حرب عام ‪ 1967‬وكتبت عليها " هزيمة الهلل " والتي بيعت بالمليين ‪ ،‬وفي‬
‫هتافات الصهاينة عند ما دخلوا القدس عام ‪ 1967‬وأخذوا يهتفون مع موشى‬
‫دايان وزير حربيتهم ‪ :‬هذا يوم بيوم خيبر ‪ ،‬يالثارات خيبر ‪ ،‬وتابعوا هتافهم ‪:‬‬
‫حطوا المشممش ع التفاح ‪ ،‬محمد ولى وراح ‪ ،‬وهتفوا ‪ :‬محمد مات ‪ ،‬خلف‬
‫بنات "‬
‫‪،‬‬
‫وأخيرا هاهو وزير السياحة للكيان الصهيونيي بني آلون يصرح لصحيفة‬
‫هأرتس في مطلع هذا الشهر ) مايو ‪ 2003‬م ( قائل ‪ " :‬من الواضح أن‬
‫السلم في طريقه إلى الزوال ‪ ،‬فما نشاهده اليوم في العالم السلمي ليس‬
‫انتفاضة إيمان قوية ‪ ،‬بل انطفاء جذوة السلم ‪ ،‬أما كيف سيزول فبكل‬
‫بساطة بقيام حرب مسيحية صليبية ضد السلم في غضون بضع سنوات ‪،‬‬
‫ستكون الحدث الهم في هذه اللفية ‪ ،‬وطبعا سنواجه مشكلة كبرى حين ل‬
‫يبقى في الساحة سوى الديانتين الكبيرتين ‪ :‬اليهودية !! والمسيحية ‪ ،‬غير أن‬
‫ذلك ما زال متروكا للمستقبل البعيد "‬
‫ولم تكن المفاجأة المصطنعة " غير السارة بظهور " الرئيس المبشر" في‬
‫تقدير السادة العلمانيين قاصرة عليه باعتباره رئيس دولة "النموذج " دولة "‬
‫الحداثة والتقدم والحضارة " ولكنه وفي نفس اليوم – يوم قمة العقبة ‪-‬‬
‫جاءتهم الصفعة من رئيس وزراء أحدث دولة دينية – سفاحها شارون ‪ -‬وهو‬
‫يصر على العرب أن يعترفوا – لكي يعترف بهم ‪ -‬بدولته دولة لليهود ‪ ،‬وتبعه "‬
‫الرئيس المبشر" في مطلبه‬
‫فهل اشترطوا عليهما العتراف بأنظمتهم حكومات إسلمية ‍‬
‫؟‬
‫ها نحن اليوم – أخيرا – أصبحنا نستمع إلى أن الحرب بيننا وبينهم دينية ‪ ،‬بعد‬
‫أن كتمنا هذه الحقيقة قرنا كامل ‪ ،‬وبعد أن جردنا أنفسنا من هذا السلح الذي‬
‫هو مصدر الطاقة لدينا – صحونا عليهم في فراشنا – باسم التحالف أو باسم‬
‫الصداقة – وهم يغرزون أنيابهم في لحومنا بمباركة من " الرئيس المبشر "‪.‬‬
‫هكذا يجردوننا من الحافز الديني لكي يكون خالصا لهم‬
‫ترى أيكون من حق جماعة منا ولكي ترقى إلى مرتبة النظر إلى الطلعة‬
‫النيرة لنموذج الرئيس المبشر ‍أن تحلم ‪ -‬مجرد حلم ‪ -‬بأن يظهر لهم من بين‬
‫أعطافه " نموذج الرئيس الداعية " ؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولم ل ؟ ألسنا نستورد الديموقراطية والعولمة والثقافة والعلم و" التحرير"‬


‫والسلح والدستور والقمح ؟ فلم ل نستورد " صفات الرؤساء" ؟ أليس‬
‫اقتراحا جديرا بالنظر ؟‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الراقصون على الدماء‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ّ‬
‫وح الث ّك ِ‬
‫ل‬ ‫دماء ‪ ،‬على النيـ ‪ ... ...‬ن على الجماجم ‪ ،‬فَوْقَ ن َ ْ‬ ‫الّراقصون على ال ّ‬
‫ل‬
‫من ْزِ ِ‬ ‫جث ّةٍ أو أن ّةٍ أو َ‬ ‫ضياع ‪ ،‬على بقا ‪ ... ...‬يا ُ‬ ‫جراِح على ال ّ‬ ‫وعلى ال ِ‬
‫ل‬
‫ح ِ‬‫مو ْ ِ‬
‫ق ُ‬ ‫ف الممّزق في طري ٍ‬ ‫شـ ‪َ ... ...‬ر ِ‬ ‫حات وال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫فس وال ّ‬ ‫ضياِع الن ّ ْ‬ ‫وعلى َ‬
‫شيٍء‬ ‫ل َ‬ ‫دمو ‪ ... ...‬ع ‪ ،‬على الَعويل ‪ ،‬وك ّ‬ ‫فولة وال ّ‬ ‫ّ‬
‫حطام على الط ُ‬ ‫َ‬ ‫على ال ُ‬ ‫و َ‬
‫ل‬‫مذ ْهِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫م ِ‬ ‫خ َ‬ ‫فراش الم ْ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫وثيرِ ِ‬ ‫مو ‪ ... ...‬ن على ال َ‬ ‫الضائعون الَغاِفلون النائ ِ ُ‬
‫غل‬ ‫مت َوَ ّ‬ ‫ِ ْ ٍ ُ ِْ ٍ ُ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫دو‬ ‫ظالمون الم ِ ُ‬
‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫مون ال ّ‬ ‫جر ُ‬ ‫الم ْ‬
‫َّ‬ ‫معَ ّ‬ ‫ُ‬ ‫فََتع ّ‬
‫ل‬ ‫معَط ِ‬ ‫طل و ُ‬ ‫س بين ُ‬ ‫ت ‪ ... ...‬فالّنا ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫حيا ةِ وأغْل ِ َ‬ ‫سُبل ال َ‬ ‫ت ُ‬ ‫طل ْ‬
‫ل‬‫س ِ‬ ‫ب صارٍخ واهي القوى متو ّ‬ ‫كل قَْلـ ‪ ... ...‬ـ ٍ‬ ‫ل بِ ُ‬ ‫م المذِ ّ‬ ‫جر الل َ ُ‬ ‫وتف ّ‬
‫ل‬ ‫مك َب ّ ِ‬ ‫ل زندٍ بالحديد ِ ُ‬ ‫ف ‪ ... ...‬ولك ّ‬ ‫صد ْرٍ ناز ٍ‬ ‫ل َُ‬ ‫خن ِقَ الّنداُء ب ِك ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫مل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مذ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دموع الهُ ّ‬ ‫ل مدامعا ‪ ... ...‬ويحي على تلك ال ّ‬ ‫م ال ُ‬ ‫جر الل ُ‬ ‫وتف ّ‬
‫ل‬
‫ق ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل قَل ٍ‬ ‫ْ‬ ‫جر ك ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫صخو ‪ ... ...‬ر وما ي ُ َ‬ ‫ت ما ي ُْبكي ال ّ‬ ‫جد ّ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫أّنى التف ّ‬
‫ل‬ ‫معٌ ‪ ... ...‬وِإذا أفَ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫فِإذا َ‬
‫س ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫ت ففي بكاٍء ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ك أد ْ ُ‬ ‫منا ِ‬ ‫ت ففي َ‬ ‫غفو َ‬
‫ل‬ ‫شعَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مٍع في المرابع ُ‬ ‫دما ‪ُ ... ...‬ء بها بد َ ْ‬ ‫ختلط ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫تت ْ‬ ‫ساحا ُ‬ ‫داُر وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل‬‫موع العُّز ِ‬ ‫ت ففي د ُ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫معٌ ‪ ... ...‬وإذا وقَ ْ‬ ‫وك أد ْ ُ‬ ‫خط ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َفك ّ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫وإذا َ‬
‫ل‬‫قب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سواد ٍ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل فعَ ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫ك أْدمعٌ ‪ ... ...‬وإذا ت َ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل أفْ ِ‬ ‫ت فك ّ‬ ‫وإذا نظر َ‬
‫َ‬
‫خذ َ ِ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫فؤادِ ال ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ح آها ُ‬ ‫معٌ ‪ ... ...‬والّري ُ‬ ‫مدا ِ‬ ‫وكأّنما الّزهَُر الّندي َ‬
‫ل‬‫جب ُ ِ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫قلوب ! فيا ِلتل ْ َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ت كأّنها ‪ ... ...‬هَ ّ‬ ‫ل الراسيا ِ‬ ‫وت ََرى الجَبا َ‬
‫َ‬
‫مثل‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫مهّر ٍج و ُ‬ ‫ه لِ ُ‬ ‫ت ‪ ... ...‬أبواب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ديار َتفت ّ َ‬ ‫ن في ال ّ‬ ‫مْهرجا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫كَ ْ‬
‫ل‬‫ت وعرضا ً للهوى المتب َذ ّ ِ‬ ‫ة ‪ ... ...‬هاج ْ‬ ‫هوى الّنفوس وفِْتن ً‬ ‫ن َ‬ ‫فُنو َ‬ ‫جَعلوا ال ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ُ َ ّ ِ‬‫د‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫للرؤوس‬ ‫ر‬
‫ُ ٍ‬ ‫دوا‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫غن‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫عراة‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫به‬ ‫ر‬‫َ ُ ُ‬ ‫دو‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫رقص‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ّ ّ ِ‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫الليالي‬ ‫بين‬ ‫ة‬
‫َ ٍ‬ ‫م‬ ‫محمو‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ى‬
‫ُ ً‬ ‫رؤ‬ ‫في‬ ‫هوا‬ ‫ُ‬ ‫تا‬ ‫النغام‬ ‫على‬ ‫َ‬ ‫كرى‬ ‫ْ‬ ‫س‬
‫َ‬
‫ل!‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫حف‬ ‫م‬ ‫كم‬ ‫!‬ ‫الهوى‬ ‫بأنغام‬ ‫((‬ ‫م‬
‫َ ْ ٌ‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫))‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫بها‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫َْ‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ساح‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫في‬
‫ل‬‫ٍ ْ ِ‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫هوا‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ت‬‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫وغا‬ ‫‪،‬‬ ‫ف‬‫ٌ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫تها‬ ‫ِ‬ ‫غمرا‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ضاع‬ ‫كم من نواد ٍ‬
‫س‬ ‫دار وََقا َ‬ ‫َ‬
‫فُنون !( وقد أ َ‬
‫ف ُ‬ ‫ل يا ن َ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن ‪ ... ...‬ـها وا ْ‬ ‫ن(ع ْ‬ ‫ح ) الف ّ‬ ‫شا َ‬ ‫)د ُْنيا ال ُ‬
‫حلي‬ ‫اْر َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫جورِ و ك ّ‬ ‫َ‬
‫خب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل أمرٍ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ‪ ... ...‬قِ َ‬ ‫مواج الّرذيلة واعْت َل ْ‬ ‫ت بأ ْ‬ ‫قط ْ‬ ‫س َ‬
‫ة ث ُك ِ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ت وصيح ُ‬ ‫ت ‪ ... ...‬ب َذ ْل وآّنا ٌ‬ ‫ً‬ ‫جَر ْ‬ ‫دماء َتف ّ‬ ‫فهناك أمواج ال ّ‬
‫ل‬ ‫ضت بالخنا المَتهوّ ِ‬ ‫جسا وفا َ‬ ‫ً‬ ‫ت ‪ ... ...‬رِ ْ‬ ‫جَر ْ‬ ‫فسادِ َتف ّ‬ ‫ويحي وهذي بال َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سب َهْل ِ‬ ‫مّر َ‬ ‫ش يَ ُ‬ ‫ن عَي ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫تو ِ‬ ‫سكَرة ‪ ... ...‬طال ْ‬ ‫ة من َ‬ ‫م ٌ‬ ‫حو أ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫ويحي أت َ ْ‬
‫* ‪* ... * ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· من ملحمة السلم من فلسطين إلى لقاء المؤمنين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الربا وتدمير المة ‪...‬‬


‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‪،‬‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وعلى آل‬
‫إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت‬
‫على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ .‬أما بعد ‪...‬‬
‫إخوتاه‬
‫من أشراط الساعة ظهور الربا وفشوها‪.‬‬
‫فعن ابن مسعود أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬قال‪ " :‬بين يدي الساعة‬
‫يظهر الربا والزنى والخمر "‪ ] .‬قال الهيثمي‪ :‬رواه الطبراني في الوسط‬
‫ورجاله رجال الصحيح [‬
‫والمر ل يتوقف عند هذا الحد فحسب‪ ،‬بل إن الذي ل يتعامل بها لبد أن يجد‬
‫شيئا من غبارها‪.‬‬
‫ففي مستدرك الحاكم وسنن أبي داود وابن ماجه والنسائي وغيرهم عن‬
‫الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬قال‪" :‬‬
‫ليأتين على الناس زمان ل يبقى فيه أحد إل أكل الربا فإن لم يأكله أصابه من‬
‫غباره "‬
‫] قال الحاكم‪ :‬وقد اختلف أئمتنا في سماع الحسن عن أبي هريرة فإن صح‬
‫سماعه منه فهذا حديث صحيح [‪.‬‬
‫وقبل أن نخوض في هذه البلية الخطيرة‪ ،‬نذكر أول بأمور‪:‬‬
‫أول‪ :‬إن الله غيور‪ ،‬يغار أن تنتهك محارمه‪ ،‬فاتق غيرة الله‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ل يكلف الله نفسا إل وسعها‪ ،‬فقد جعل الله للناس سعة من أمرهم‪،‬‬
‫فلم يكلفهم بما ل يطيقون‪ ،‬حتى ل يظن من انغمس في هذه المصيبة أن‬
‫ترك الربا شيء ل يمكن حدوثه في العصر الحديث‪ ،‬ثم بعد ذلك يحاول أن‬
‫يجعله من الضرورات التي ل يمكن الستغناء عنها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن الله قد هدانا وأرشدنا إلى سبيل الحق‪ ،‬ثم الناس بعد ذلك إما شاكرا‬
‫وإما جاحدا‪ " ،‬إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا "‪ " ،‬فالحلل بين‬
‫والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ومن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه‬
‫وعرضه " فيجب على المؤمن تحري الحلل وترك الحرام‪ ،‬وحري به أن‬
‫يتورع عما اختلف فيه من المشتبهات حفظا لدينه وعرضه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أساس شريعة الله قائم على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد‬
‫عنهم‪ ،‬ول يمكن بحال أن يجعل الله العز والمنعة والتقدم والحضارة لقوم‬
‫بمعصيته ‪ -‬جل وعل ‪ ، -‬فما عند الله ل ينال إل بطاعته‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن سبيل النجاة واضح جلي لمن أراد الله والدار الخرة‪ ،‬ول يظنن‬
‫ظان أن في اتباعه لسبيل الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬العنت والمشقة‪ ،‬فالله رفع عن‬
‫الناس الحرج‪ ،‬وقد أرشدهم لنجاتهم بأن يحصنوا أنفسهم ويبتعدوا عن‬
‫المهالك ومواطن الشبهات‪ ،‬ويتحصنوا بسترة من الحلل تكفيهم مغبة الوقوع‬
‫في الحرام‪.‬‬
‫• عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪-‬‬
‫يقول‪ " :‬اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلل " ] صححه الشيخ‬
‫اللباني [‬
‫سادسا‪ :‬المعصوم من عصمه الله‪ ،‬ومن وجد الله كافيه مثل هذه البليا‬
‫فليحمد الله‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه‪ ،‬أل ترى هذه الصيحات‬
‫التي تعلو بين حين وآخر طالبة النجاة من وحل هذه البلية‪ ،‬لكن هيهات بعد‬
‫أن تستحكم المور وتبدو المور على صورتها الحقيقية‪ ،‬ويتبين للناس أن‬
‫شرع الله هو الحق وأن ما دونه هو الباطل ولبد‪ ،‬ولكن الناس ل يوقنون‪.‬‬
‫لجل ذلك ينبغي أن نعلم أن طلب الحلل أمر لزم وفريضة من أعظم‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفرائض‪ ،‬وأن ذلك هو الحصن الحقيقي من شرور هذه البليا والفتن‪.‬‬


‫تحري الحلل‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ " -‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما‬
‫تعملون عليم"‪.‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬سوى الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬بين النبيين والمؤمنين في الخطاب‬
‫بوجوب أكل الحلل وتجنب الحرام‪ ،‬ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه‬
‫قوله ‪ -‬تعالى ‪" :-‬إني بما تعملون عليم" صلى الله على رسله وأنبيائه‪ .‬وإذا‬
‫كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم‪.‬‬
‫وقد حثنا الشرع الحنيف إلى طلب الحلل وترك الحرام‬
‫• عن أنس بن مالك عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬قال‪ " :‬طلب‬
‫الحلل واجب على كل مسلم " ] قال الهيثمي في المجمع‪ :‬رواه الطبراني‬
‫في الوسط وإسناده حسن [‬
‫فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين يزرق من يشاء بغير حساب وهو أعلم‬
‫بالشاكرين‬
‫• أخرج الحاكم في المستدرك وصححه الشيخ اللباني في صحيح الجامع " ل‬
‫تستبطئوا الرزق‪ ،‬فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له‪ ،‬فاتقوا‬
‫الله وأجملوا في الطلب‪ :‬أخذ الحلل‪ ،‬وترك الحرام "‬
‫وفي تحري الحلل وترك الحرام فوائد عظام‪:‬‬
‫‪ .1‬أكل الحلل صلح للقلوب‪ ،‬وأكل الحرام من أخطر مهلكات القلوب‬
‫ومبددات اليمان‪.‬‬
‫أما ترى رسول الله حين قال " الحلل بين والحرام بين وبينهما أمور‬
‫مشتبهات ……‪ ..‬عقب ذلك بقوله " أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت‬
‫صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب "‬
‫قال المناوي‪ :‬فهو ملك والعضاء رعيته‪ ،‬وهي تصلح بصلح الملك‪ ،‬وتفسد‬
‫بفساده وأوقع هذا عقب قوله " الحلل بين " إشعارا ً بأن أكل الحلل ينوره‬
‫شبه تقسيه‪.‬‬‫ويصلحه وال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .2‬أكل الحلل نجاة من الهلك‪.‬‬


‫ومن وقع في الحرام فهو داخل في قوله ‪ -‬تعالى ‪ " :-‬ول تلقوا بأيديكم إلى‬
‫التهلكة " إذ هو في مظنة الهلكة إل أن يتغمده الله برحمته فيتوب عليه‪.‬‬
‫قال سهل بن عبد الله‪ :‬النجاة في ثلثة‪ :‬أكل الحلل‪ ،‬وأداء الفرائض‪،‬‬
‫والقتداء بالنبي ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪.-‬‬
‫وقال‪ :‬ول يصح أكل الحلل إل بالعلم‪ ،‬ول يكون المال حلل حتى يصفو من‬
‫ست خصال‪ :‬الربا والحرام والسحت والغلول والمكروه والشبهة‪.‬‬
‫‪ .3‬ومن أكل الحرام حرم لذة اليمان فإن الله طيب ل يقبل إل طيبا‬
‫قيل‪ :‬من أكل الحلل أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه‬
‫على لسانه‪.‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬من غض بصره عن المحارم‪ ،‬وكف نفسه عن الشهوات‪ ،‬وعمر‬
‫باطنه بالمراقبة وتعود أكل الحلل لم تخطئ فراسته‪.‬‬
‫‪ .4‬ما نبت من حرام فالنار أولى به‬
‫عن كعب بن عجرة قال‪ :‬قال لي رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪:-‬‬
‫غشي‬ ‫أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي‪ ،‬فمن َ‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه‪ ،‬ول‬
‫يرد علي الحوض‪ ،‬ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدقهم في كذبهم‬
‫ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض‪.‬‬
‫يا كعب بن عجرة‪ :‬الصلة برهان‪ ،‬والصوم جنة حصينة‪ ،‬والصدقة تطفئ‬
‫الخطيئة كما يطفئ الماء النار‪.‬‬
‫يا كعب بن عجرة‪ :‬إنه ل يربو لحم نبت من سحت إل كانت النار أولى به‪.‬‬
‫] قال الترمذي‪:‬حديث حسن غريب وصححه الشيخ اللباني في صحيح‬
‫الترمذي )‪[ (501‬‬
‫فشو الحرام‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أن النبي أخبرنا أن الحرام سيطغى في آخر الزمان‪،‬‬
‫حتى ل يتبين الناس ول يستوثقون من حل وحرمة أموالهم‪.‬‬
‫ففي البخاري ومسند المام أحمد قال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬ليأتين‬
‫على الناس زمان ل يبالي المرء بما أخذ المال‪ ،‬أمن حلل أم من حرام "‪.‬‬
‫وفي لفظ عند النسائي " يأتي الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب‬
‫المال من حلل أو حرام "‪.‬‬
‫أما ترى أن هذا هو زماننا ورب العزة‪ ،‬أما ترى تكالب الناس من أجل تحصيل‬
‫مغريات الدنيا التي تتفتح عليها أعينهم ليل نهار‪ ،‬فل يبالون بشيء سوى جمع‬
‫المال من أي وجه‪ ،‬حلل أو حرام ل يهم‪ ،‬المهم هو جمع المال للحصول على‬
‫المحمول والدش والسيارات الفارهة وقضاء الوقات في ديار الفجور‬
‫والعربدة و……‪.‬و……‪.‬و‪ ،،،،،‬الخ‬
‫من أجل ذلك تعقدت المور‪ ،‬وصار الناس في حيرة من أمرهم‪ ،‬فما يمر يوم‬
‫إل وتجد من يسألك عن هذا الذي يبيع الدخان أو الخمور أو يعمل في شركة‬
‫سياحة أو يعمل في بنك ربوي أو يتعامل بالربا‪ ،‬أو الذي بنى ثروته من البداية‬
‫بتجارة المخدرات ويريد أن يتوب ول يعلم ماذا يصنع في ماله‪ ،‬وذاك الذي‬
‫يعمل كوافيرا أو يبيع ملبس النساء العارية التي يعلم أن التي ستلبسها‬
‫ستفتن بها شباب المسلمين في الشوارع‪ ،‬وهذا الذي يعمل في السينمات‬
‫والمسارح والكباريهات و … و … الخ رب سلم سلم‬
‫ومن المؤسف والمخجل أنك تستمع للولد وهم ل يدرون كيف يأكلون من‬
‫مال أبيهم وهم يعلمون أنه حرام‪ ،‬وتجدك في كل مرة تبحث لهؤلء عن‬
‫مخرج وقد ضيق الناس على أنفسهم سبل الخير والحلل‪ ،‬ومن هنا شاعت‬
‫الفتاوى عن المال المختلط وأحكامه وغيرها مما هو على هذه الشاكلة‪.‬‬
‫أما كان السبيل رحبا واسعا فضيقتموه باتباع الهوى واللهث وراء المال من‬
‫غير وجه حله‪ " ،‬أما يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس‬
‫لرب العالمين "‬
‫أنواع من البيوع الفاسدة‬
‫ولعلنا هنا مضطرون أن نتكلم سريعا عن بعض المعاملت المالية الفاسدة‬
‫التي شاعت بين الناس‪ ،‬ول ينتبه إليها أحد‪ .‬لكن على وجه الجمال دون‬
‫التوسع واللمام بطرف ليناسب ما نحن بصدده‪.‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ (1‬ما يسمى شرعا ببيع النجش‪.‬‬
‫وهو أن يزيد في السلعة من ل يريد شراءها ليخدع غيره‪ ،‬ويجره إلى الزيادة‬
‫في السعر‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬ل تناجشوا " إذ هذا نوع من الخداع ول شك‪،‬‬
‫وقد قال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬المكر والخديعة في النار " وأنت تجد‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الصورة متكررة في المزادات‪ ،‬ومعارض بيع السيارات‪ ،‬وبعض المحال‬


‫التجارية وهذا كسب خبيث لو يعلمون‪.‬‬
‫‪ (2‬ما يسمى ببيع الغرر‬
‫ومثاله أن يبيع المجهول كاللبن في الضرع‪ ،‬والسمك في البحر‪ ،‬والمحصول‬
‫قبل جنيه‪ ،‬أو ما يسمى ببيع الث ُن َّيا كأن يقول لك‪ :‬خذ هذا البستان إل بعض‬
‫الزرع من غير تحديد فهذا المستثنى مجهول‪ ،‬أما إذا كان معروفا فل حرج‪.‬‬
‫‪ (3‬بيع المحرم والنجس‬
‫ومثال ذلك‪ :‬بيع الخمور والمخدرات‪ ،‬وبيع أشرطة الغاني‪ ،‬بيع المجلت‬
‫الفاسدة المروجة للفكار الخبيثة والصور الخليعة والعارية‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويدخل في ذلك مثل من يبيع السلح في وقت الفتنة‪ ،‬أو من يبيع العنب لمن‬
‫يستخدمه في صناعة الخمور‪ ،‬وهكذا خذها قاعدة هنا كل ما أدى إلى حرام‬
‫فهو حرام‪ ،‬وقد قال الله ‪ -‬تعالى ‪ " -‬وتعاونوا إلى البر والتقوى ول تعاونوا‬
‫على الثم والعدوان " وقال العلماء‪ :‬الوسائل تأخذ حكم المقاصد فتنبه‪ ،‬لن‬
‫المقولة الشائعة الن أن يقال لك‪ :‬ما لي أنا‪ ،‬أنا أعطيتها الفستان ول أدري‬
‫هل ستستخدمه في الحلل لزوجها أو تتكشف به في الشوارع‪ ،‬والمرأة أمامه‬
‫متبرجة وهو يدري تماما أن ما هذا إل لمعصية الله " بل النسان على نفسه‬
‫بصيرة ولو ألقى معاذيره " أو هذا الذي في البنك يقول‪ :‬وأنا مالي أ أنا الذي‬
‫تعاملت بالربا‪ ،‬أنا فقط مضطر لن أعمل في البنك لطلب الرزق‪.‬‬
‫والكل يتنصل من المعصية‪ ،‬وكأنه ل دور له في إيقاعها فلو تعاون الناس على‬
‫فعل الخيرات وترك المنكرات لما وصل الحال إلى ما نحن فيه الن‪ ،‬فالكل‬
‫مشترك في المعصية فليتأمل مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ (4‬بيع المسلم على بيع أخيه‪ ،‬أو سومه على سوم أخيه‬
‫مثاله‪ :‬أن يذهب الرجل للبائع فيقول له‪ :‬رد هذه المال على صاحبه وأنا‬
‫سأشتري منك هذه السلعة بأزيد من سعرها‪ ،‬أو العكس يذهب للمشتري‬
‫ويقول له بكم اشتريتها؟ فيقول له‪ :‬بكذا‪ ،‬فيقول له‪ :‬ردها عليه وأنا أعطيك‬
‫إياها بأقل من ثمنها‪.‬‬
‫أو يزايد ويساوم أخاه في سلعة لم توضع للمزايدة والمساومة بعد‪.‬‬
‫وأظن أن هذه الصورة منتشرة بشكل واسع وقد قال ‪ -‬صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪ " -‬ل يبع الرجل على بيع أخيه " ] متفق عليه[‬
‫‪ (6‬بيع العربون‬
‫وهو أن يدفع المشتري من ثمن السلعة التي يريدها جزءا على أل يرد عند‬
‫الفسخ‪ .‬بمعنى أنك تذهب للبائع وتعطيه جزءا من المال فإن كان من ثمن‬
‫السلعة فلك أحقية رده عند الفسخ وهذه الصورة ل شيء فيها‪ ،‬وإنما الصورة‬
‫الممنوعة أن يكون هذا العربون غير قابل للرد‪.‬‬
‫‪ (7‬بيع العينة‬
‫مثل أن يبيع سلعة بأجل‪ ،‬ثم يقوم هو بشرائها نقدا أو أحد عماله احتيال‬
‫ليأخذها بأقل من ثمنها‪.‬‬
‫صورتها‪ :‬أن تبيع ثلجة مثل بألف جنيه تدفع بعد سنة‪ ،‬فتذهب أنت أو أحد‬
‫أعوانك المهم تعود لتشتري نفس الثلجة بأقل من ثمنها نقدا وفي الحال‬
‫فتشتريها ب ‪ 800‬جنيه مثل‪ .‬فهذه الصورة حرام ل تجوز‪.‬‬
‫‪ (8‬البيع عند النداء الخير لصلة الجمعة‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا البيع حرام وهو منتشر للسف ل سيما في السواق‪ ،‬وقد قال الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪ " -‬إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع‬
‫ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلة فانتشروا في الرض‬
‫وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون "‪.‬‬
‫‪ (9‬بيع السلعة قبل قبضها‬
‫مثاله‪ :‬إذا اشترى إنسان سلعة من مخزن أو دكان مثل وجاء صاحب المخزن‬
‫أو الدكان وبين له السلعة بعينها واتفقا‪ ،‬فل يجوز للمشتري أن يبيعها في‬
‫محلها بمجرد هذا البيان والتفاق‪ ،‬ول يعتبر ذلك تسلما‪ ،‬بل لبد لجواز بيع‬
‫المشتري لها من حوزه للسلعة إلى محل آخر‬
‫روى المام أحمد عن حكيم بن حزام أنه قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله إني‬
‫أشتري بيوعا ما يحل لي منها وما يحرم علي‪.‬‬
‫قال‪ :‬إذا اشتريت شيئا فل تبعه حتى تقبضه‪.‬‬
‫وروى المام أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪ -‬نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم‪.‬‬
‫ولما رواه أحمد ومسلم عن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه قال‪ :‬قال النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬إذا ابتعت طعاما فل تبعه حتى تستوفيه "‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬قال‪ :‬من ابتاع طعاما‬
‫فل يبيعه حتى يكتاله‪.‬‬
‫من المعاملت المالية المحرمة المنتشرة أيضًا‪:‬‬
‫‪ (10‬التأمين‬
‫وقد صدرت الفتاوى الشرعية من المجامع الفقهية المختلفة لتؤكد عدم جواز‬
‫التأمين التجاري بكل صوره‪ ،‬لنها عقوده مشتملة على الضرر والجهالة والربا‬
‫والمقامرة وما كان كذلك فهو حرام بل شك‪.‬‬
‫ومن ذلك شهادات الستثمار وصناديق التوفير وفوائد القروض الربوية والتي‬
‫سيأتي الحديث عنها في موضوع الربا‪.‬‬
‫وهاكم بيان لحقيقة الربا وخطورتها‪ ،‬وما توعد الله به من يقع في مثل هذه‬
‫المعاملت‪.‬‬
‫الربا من أخطر البليا التي تهدد المجتمع المسلم‬

‫)‪(3 /‬‬
‫ْ‬
‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن الّرَبا ل َ ي َ ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ " -‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫س ذ َل ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ى فَل َ ُ‬ ‫من ّرب ّهِ َفانت َهَ َ‬ ‫ة ّ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاءهُ َ‬ ‫من َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ه ال ّْرَبا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن }‪ {275‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عاد َ فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫مُلوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل كَ ّ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫فارٍ أِثيم ٍ }‪ {276‬إ ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت َوالل ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫وَي ُْرِبي ال ّ‬
‫َ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صل َة َ َوآت َوُا الّز َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كاة َ لهُ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ت وَأَقا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن الّرَبا‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن }‪َ {277‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وَل َ هُ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِإن ُ‬
‫سول ِهِ وَِإن‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫فعَلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن }‪ {278‬فَِإن ل ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬
‫َ‬
‫ن ُذو‬ ‫كا َ‬ ‫ن }‪ {279‬وَِإن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ت ُب ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫صد ُّقوا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪{280‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫م ِإن كنت ُ ْ‬ ‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫سَرةٍ وَأن ت َ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ ِلى َ‬ ‫عُ ْ‬
‫م لَ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ‬ ‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫ُ‬
‫م ت ُوَّفى ك ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ِفيهِ إ ِلى اللهِ ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬ ‫قوا ي َوْ ً‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫ن }‪{281‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُظ ْل َ ُ‬
‫ما الربا؟‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الربا في اللغة‪ :‬الزيادة مطلقا‪.‬‬


‫قال القرطبي‪ :‬ثم إن الشرع قد تصرف في هذا الطلق فقصره على بعض‬
‫موارده‪.‬‬
‫فمرة‪ :‬أطلقه على كسب الحرام‪.‬كما قال الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في اليهود‪" :‬وأخذهم‬
‫الربا وقد نهوا عنه" ]النساء‪ .[161 :‬ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم‬
‫بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام‪ ،‬كما قال ‪ -‬تعالى ‪" :-‬سماعون للكذب‬
‫أكالون للسحت" ]المائدة‪ [42 :‬يعني به المال الحرام من الرشا‪ ،‬وما‬
‫استحلوه من أموال الميين حيث قالوا‪ " :‬ليس علينا في الميين سبيل " ]آل‬
‫عمران‪ .[75 :‬وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه‬
‫اكتسب‪.‬‬
‫والربا الذي عليه عرف الشرع‪ :‬الزيادة في أشياء مخصوصة )يعنون بذلك‬
‫الموال الربوية كما سيأتي(‪.‬‬
‫أنواع الربا‬
‫‪ (1‬ربا الفضل‪:‬‬
‫وهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتفقي الجنس على الخر‪.‬‬
‫• فالصل أن الشيئين )العوضين( إذا كانا من جنس واحد واتفقا في العلة‬
‫] كانا موزونين أو مكيلين [ لبد لذلك من شرطين‪:‬‬
‫أ ( التساوي وعلم المتعاقدين يقينا بذلك‪.‬‬
‫ب ( التقابض قبل التفرق‪.‬‬
‫• وإذا كانا مختلفين في الجنس ومتحدين في العلة كبيع قمح بشعير مثل فل‬
‫يشترط إل التقابض وتجوز المفاضلة‪.‬‬
‫• أما إذا اختلفا في الجنس والعلة كأن تبيع قمحا بذهب أو فضة فل يشترط‬
‫فيه شيء من ذلك‪.‬‬
‫عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪" -‬‬
‫الذهب بالذهب‪ .‬والفضة بالفضة‪ .‬والبر بالبر‪ .‬والشعير بالشعير‪ .‬والتمر بالتمر‪.‬‬
‫والملح بالملح‪ .‬مثل بمثل‪ .‬سواء بسواء‪ .‬يدا بيد‪ .‬فإذا اختلفت هذه الصناف‪،‬‬
‫فبيعوا كيف شئتم‪ ،‬إذا كان يدا بيد "‪ ] .‬أخرجه مسلم )‪ (1587‬ك المساقاة‪،‬‬
‫باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا [‬
‫‪ (2‬أما ربا النسيئة‪ :‬فهو زيادة الدين في نظير الجل‪ ،‬وهو ربا الجاهلية الذي‬
‫كانوا يتعاملون به‪ ،‬فكان الرجل إذا أقرض آخر على أجل محدد‪ ،‬فإذا جاء‬
‫الجل ولم يستطع الداء قال له‪ :‬تدفع أو ترابي فيزيده في نظير زيادة الجل‪.‬‬
‫خطورة الربا‬
‫‪ (1‬أكل الربا يعرض صاحبه لحرب الله ورسوله‪ ،‬فيصير عدوا لله وسوله‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ " -‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم‬
‫فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون "‪.‬‬
‫قيل المعنى‪:‬إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله‪ ،‬أي أعداء‪.‬‬
‫فهي الحرب بكل صورها النفسية والجسدية‪ ،‬وما الناس فيه الن من قلق‬
‫واكتئاب وغم وحزن إل من نتاج هذه الحرب المعلنة لكل من خالف أمر الله‬
‫وأكل بالربا أو ساعد عليها‪ ،‬فليعد سلحه إن استطاع‪ ،‬وليعلم أن عقاب الله‬
‫آت ل محالة إن آجل أو عاجل‪ ،‬وما عهدك بمن جعله الله عدوا له وأعلن‬
‫الحرب عليه رب سلم سلم‪.‬‬
‫‪ (2‬آكل الربا وكل من أعان عليه ملعون‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬آكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬وكاتبه‪ ،‬وشاهداه‪ ،‬إذا‬
‫لمسوا ذلك‪ ،‬والواشمة‪ ،‬والموشومة للحسن‪ ،‬ولوي الصدقة‪ ،‬والمرتد أعرابيا‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعد الهجرة‪ ،‬ملعونون على لسان محمد يوم القيامة "واللعن هو الطرد من‬
‫رحمة الله ‪ -‬تعالى ‪.-‬‬
‫‪ (3‬أكل الربا من الموبقات‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ " :-‬الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه‬
‫الشيطان من المس "‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال ابن عباس في قوله‪ " :‬الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش " قال‪ :‬أكبر‬
‫الكبائر الشراك بالله ‪ -‬عز وجل ‪ ، -‬قال الله ‪ -‬عز وجل ‪ " -‬ومن يشرك بالله‬
‫فقد حرم الله عليه الجنة " ثم قال‪ :‬وأكل الربا لن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يقول "‬
‫الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس‬
‫" ] قال الهيثمي في المجمع‪ :‬رواه الطبرانى وإسناده حسن [‪.‬‬
‫وحقيقة الكبيرة أنها كل ذنب ورد فيه وعيد شديد‪ ،‬وقد جاء مصرحا بهذا في‬
‫الصحيحين وغيرهما فعد رسول الله أكل الربا من السبع الموبقات‪ .‬قال ‪-‬‬
‫صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬اجتنبوا السبع الموبقات‪ :‬الشرك بالله‪ ،‬والسحر‪،‬‬
‫وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي‬
‫يوم الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات المؤمنات الغافلت "‬
‫‪ (4‬عقوبة آكل الربا أنه يسبح في نهر دم ويلقم في فيه بالحجارة‬
‫وعن سمرة بن جندب قال‪ :‬كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬إذا صلى‬
‫صلة أقبل علينا بوجهه فقال من رأى منكم الليلة رؤيا قال فإن رأى أحد‬
‫قصها فيقول ما شاء الله فسألنا يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا قلنا ل‬
‫قال لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الرض‬
‫المقدسة وفي سياق القصة قال صلى الله ‪ -‬عليه الصلة و السلم ‪" : -‬‬
‫فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر وعلى‬
‫شط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن‬
‫يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى‬
‫في فيه بحجر فيرجع كما كان ثم فسر له هؤلء بأنهم آكلوا الربا "‪ ] .‬رواه‬
‫البخاري [‪.‬‬
‫‪ (5‬ظهور الربا سبب لهلك القرى ونزول مقت الله‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا‬
‫بأنفسهم عذاب الله " ] أخرجه الطبراني في الكبير الحاكم في المستدرك‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬صححه اللباني في صحيح الجامع ]‪.[ [679‬‬
‫‪ (6‬مآل الربا إلى قلة وخسران‪.‬‬
‫عن ابن مسعود عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬قال " ما أحد أكثر من‬
‫الربا إل كان عاقبة أمره إلى قلة " ] رواه ابن ماجه والمام أحمد وصححه‬
‫الشيخ اللباني [‪.‬‬
‫‪ (7‬أكل الربا من أسباب المسخ‪.‬‬
‫وفي مسند المام أحمد من حديث عبد الرحمن بن غنم وأبي أمامة وابن‬
‫عباس " والذي نفس محمد بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب‬
‫ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحللهم المحارم والقينات وشربهم الخمر‬
‫وأكلهم الربا ولبسهم الحرير" ] رواه عبد الله بن المام أحمد في المسند‬
‫وكذا ابن أبي الدنيا كما ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان [‬
‫الربا شقيقة الشرك‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" الربا سبعون بابا‪ ،‬والشرك مثل ذلك " وفي رواية لبن ماجه " الربا ثلثة‬
‫وسبعون بابا " ] أخرجه البزار عن ابن مسعود وصححه الشيخ اللباني في‬
‫صحيح الجامع )‪[ (3540) ،(3538‬‬
‫‪ (8‬الربا أشد من ستة وثلثين زنية‬
‫• قال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ " -‬درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم‪ ،‬أشد عند‬
‫الله من ستة وثلثين زنية " ]أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير‬
‫عن عبد الله بن حنظلة وصححه الشيخ اللباني ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في صحيح‬
‫الجامع )‪[ (3375‬‬
‫• وفي لفظ عند البيهقي من حديث ابن عباس " درهم ربا أشد عند الله من‬
‫ستة وثلثين زنية ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به "‪.‬‬
‫• وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قال‪ " :‬خطبنا رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه و سلم ‪ ، -‬فذكر الربا وعظم شأنه‪ ،‬فقال‪ :‬إن الرجل يصيب درهما‬
‫من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلثين زنية يزنيها الرجل‪،‬‬
‫وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم "‪.‬‬
‫‪ (9‬أدنى الربا ذنبا كمثل من زنا بأمه‪.‬‬
‫عن ابن مسعود قال‪ :‬قال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ " :-‬الربا ثلثة وسبعون‬
‫بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه‪ ،‬وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم "‬
‫]أخرجه الحاكم في المستدرك وصحح الحافظ العراقي في تخريج الحياء‬
‫إسناده وصححه الشيخ اللباني في صحيح الجامع )‪[ (3539‬‬
‫وعن البراء بن عازب مرفوعا " الربا اثنان وسبعون بابا‪ ،‬أدناها مثل إتيان‬
‫الرجل أمه‪ ،‬وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه "‬
‫] أخرجه الطبراني في الوسط وصححه الشيخ اللباني في صحيح الجامع “‬
‫‪[ ”3537‬‬
‫قال الطيبي‪ :‬المراد إثم الربا‪ ،‬ول بد من هذا التقدير ليطابق قوله أن ينكح "‬
‫ثلثة وسبعون بابا ً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض‬
‫الرجل المسلم "‪.‬‬
‫قال الطيبي‪ :‬إنما كان الربا أشد من الزنا لن فاعله حاول محاربة الشارع‬
‫بفعله بعقله قال ‪ -‬تعالى ‪ " -‬فأذنوا بحرب من الّله ورسوله " أي بحرب‬
‫عظيم فتحريمه محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقل ً وشرعا ً وله روادع‬
‫وزواجر سوى الشرع فآكل الربا يهتك حرمة الّله‪ ،‬والزاني يخرق جلباب‬
‫الحياء‪.‬‬
‫بيان حكم الشرع في بعض المعاملت الشائعة‬
‫أول‪ :‬الفوائد المصرفية‬
‫صدرت الفتاوى المتتابعة من علماء العصر والصادرة عن المجامع الفقهية‬
‫بحرمة أخذ فوائد البنوك‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ (1‬فمن ذلك فتوى الشيخ بكري الصدفي مفتي الديار المصرية )سنة‬
‫‪1325‬ه ‪1907‬م( عن دار الفتاء المصرية‪.‬‬
‫‪ (2‬وكذا الشيخ عبد المجيد سليم )سنة ‪1348‬ه ‪1930‬م( بتحريم استثمار‬
‫المال المودع بفائدة البتة‪ ،‬والفتوى الصادرة عنه )سنة ‪1362‬ه ‪1943‬م( بأن‬
‫أخذ الفوائد عن الموال المودعة حرام ول يجوز التصدق بها‪) ،‬وسنة ‪1364‬ه‬
‫‪1945‬م( بأنه يحرم استثمار المال المودع في البنك بفائدة‪ ،‬وأن في الطرق‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعية لستثمار المال متسع للستثمار‪.‬‬


‫‪ (3‬وأصدر الشيخ الدكتور ‪ /‬عبد الله دراز بحثه )سنة ‪1951‬م( بأن السلم لم‬
‫يفرق بين الربا الفاحش وغيره في التحريم‪ ] .‬محاضرة ألقاها في مؤتمر‬
‫القانون السلمي بباريس وهي مطبوعة باسم الربا في نظر القانون‬
‫السلمي [‬
‫‪ (4‬كما أفتى الشيخ ‪ /‬محمد أبو زهرة )‪1390‬ه ‪ (1970‬بأن الربا زيادة الدين‬
‫في نظير الجل وأن ربا المصارف هو ربا القرآن وهو حرام ول شك فيه‪ ،‬وأن‬
‫تحريم الربا يشمل الستثماري والستهلكي في رد دامغ للذين يرددون أن‬
‫الضرورة تلجئ إلى الربا ] بحوث في الربا‪ ،‬ط دار البحوث العلمية‬
‫‪1970‬م [‪.‬‬
‫‪ (5‬وأفتى الشيخ ‪ /‬جاد الحق علي جاد الحق مفتي الديار المصرية )سنة‬
‫‪1399‬ه ‪1976‬م( بأن سندات التنمية وأذون الخزانة ذات العائد الثابت تعتبر‬
‫من المعاملت الربوية المحرمة‪ ،‬وأن إيداع المال بالبنوك بفائدة ربا محرم‬
‫سواء كانت هذه المصارف تابعة للحكومة أو لغيرها‪.‬‬
‫‪ (6‬كما صدر عن المؤتمر الثاني للمصرف السلمي بالكويت )سنة ‪1403‬ه‬
‫‪ 1983‬م( بحضور كوكبة من أبرز العلماء والقتصاديين بيانا بأن ما يسمى‬
‫بالفائدة في اصطلح القتصاديين هو من الربا المحرم‪.‬‬
‫‪ (7‬ناهيك عن الفتاوى الصادرة عن المجمع الفقهي بمكة المكرمة‪ ،‬واللجنة‬
‫الدائمة للفتاء والرشاد بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬شهادات الستثمار وصناديق التوفير‬
‫صدرت عن مفتي الديار المصرية فضيلة الشيخ ‪ /‬جاد الحق علي جاد الحق‬
‫)سنة ‪1400‬ه ‪ 1979‬م( الفتوى بأن فوائد شهادات الستثمار وشهادات‬
‫التوفير من الربا المحرم‪ ،‬وأنها ل تعد من قبيل المكافأة أو الوعد بجائزة‪.‬‬
‫و)سنة ‪1401‬ه ‪1981‬م( بأن شهادات الستثمار )أ‪ ،‬ب( ذات الفائدة المحددة‬
‫المشروطة مقدما زمنا ومقدارا داخلة في ربا الزيادة المحرم‪.‬‬
‫و)سنة ‪ 1980‬م( بأن الفائدة المحددة على المبالغ المدخرة بصناديق التوفير‬
‫بواقع كذا في المائة‪ ،‬فهي محرمة لنها من باب الربا )الزيادة المحرمة‬
‫شرعا(‪.‬‬
‫ومن أراد أن يتثبت من هذا كله فليراجع فتاوى دار الفتاء المصرية كل في‬
‫سنته وتاريخه‪.‬‬
‫محمد حسين يعقوب‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الربيع‬
‫شعر‪ :‬أنور العطار‬
‫يا حبيبي أفق فقد ضحك ‪ii‬الرو‬
‫واستعاد الوادي النيس ‪ii‬سناه‬
‫طرب القلب فانتشى وتغنى‬
‫وأنا الشاعر الذي يغمر ‪ii‬الر‬
‫في فؤادي اللهيف داء قد ‪ii‬استعـ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫يا حبيبي دنياك تطفح ‪ii‬بالحس‬
‫هات ناي الهوى وقم نمل ‪ii‬الكـ‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ترع فالحياة يوم ‪ii‬ويمضي‬


‫* * ‪*ii‬‬
‫نحن شدو الطيور يصغي لنا الدهـ‬
‫يذر الهائمين في فرحة ‪ii‬الحب‬
‫يحتسون الحياة خمرة وجد‬
‫لهم الليل في حواشيه ‪ii‬يحيو‬
‫نهبوا العمر واستباحوه ‪ii‬لهوا ً‬
‫ضحكوا والحياة بنت ‪ii‬التلهي‬
‫يسأم العيش من يبيت ‪ii‬خليا ً‬
‫ب ‪ii‬فيها‬ ‫ف الح ّ‬‫ب صحراَء طوّ َ‬ ‫ُر ّ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ل ساحة ‪ii‬وتجلى‬ ‫ضَر الحق ُ‬ ‫نَ ّ‬
‫هو ذا موكب لذار ‪ii‬حلو‬
‫مل الرض والسموات ‪ii‬عطرا ً‬
‫وعلى معطف المروج ‪ii‬تراءت‬
‫تجد النفس في شذاها ‪ii‬الماني‬
‫تغمر الروح بالهناءة ‪ii‬والصفـ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫اليواقيت في النواظر ‪ii‬ذابت‬
‫جدول يلهب القلوب ‪ii‬غناء‬
‫ألمس النور في تلميعه ‪ii‬الزهـ‬
‫وأرى العطر وهو هيمان في ‪ii‬الدو‬
‫وأحس الحياة تركض في العشـ‬
‫خُر ‪ii‬شادٍ‬
‫س هامس وآ َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫نَ َ‬
‫كل شيء هنا يغني ‪ii‬ويحيا‬
‫ها هنا تسمع الناشيد ‪ii‬أذني‬
‫ها هنا يركن المحب إلى ‪ii‬النـ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫يا حبيبي أفق فها ذاك طير الـ‬
‫تتراءى له السموات ‪ii‬ألحا‬
‫يا حبيبي طلب الهوى ‪ii‬فاغتنمه‬
‫لك من هذه الدغال ‪ii‬أليف‬
‫ن في مسمعي نشيدا ً ‪ii‬رقيقا ً‬ ‫غ ِّ‬
‫ودع الحب يأتلق في خيالي‬
‫ن القلب ينفجر ‪ii‬بالغاريـ‬ ‫اطع ِ‬
‫ل تضمده يذك شوقا ً ‪ii‬وشجوا ً‬
‫أوقد الحب بالمدامع ‪ii‬تنهل‬
‫ل تخف أن يضج بالحب مأوى‬
‫ب‬‫صاغه الله للعذاب ‪ii‬وللح ّ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ورياض فيها العشاش تغني‬
‫إن هذا الجمال يا قلب ‪ii‬نهب‬
‫ي للنور‪ ،‬للمسرة‪ii ،‬للشد ‪ ...‬ض وأبدى جماله ‪ii‬المحجوبا‬ ‫إح َ‬
‫وبنى الطير عشه ‪ii‬المخروبا‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن الحب أن أعيش ‪ii‬طروبا‬


‫واح ضحكا ً وما يريم ‪ii‬كئيبا‬
‫ضني تعذيبا‬ ‫ـصى وجرح يم ّ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ـن فخذ للفؤاد منها ‪ii‬نصيبا‬
‫وان من سكرة الغناء ‪ii‬ضروبا‬
‫ليس يرجى لطيفه أن ‪ii‬يؤوبا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ر فيغرى باللحن حتى ‪ii‬يطيبا‬
‫ويصفيهم الوداد ‪ii‬الخصيبا‬
‫ويرون الدنا من السكر ‪ii‬كوبا‬
‫ن ويطوون جنحه ‪ii‬تشبيبا‬
‫واستطابوا السى ولذوا ‪ii‬اللغوبا‬
‫منعت محجما ً وأعطت ‪ii‬طلوبا‬
‫والشجي العميد ينسي ‪ii‬الكروبا‬
‫ت ربوةً وروضا ً ‪ii‬عشيبا‬ ‫أزهر ْ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫رائعا ً فتنة العيون ‪ii‬قشيبا‬
‫يتمشى على السهول ‪ii‬لعوبا‬
‫م والضنى ‪ii‬والشحوبا‬ ‫ونفى اله ّ‬
‫ل للربيع تنفح ‪ii‬طيبا‬ ‫قُب َ ٌ‬
‫صورا ً تترع الجنان ‪ii‬لهيبا‬
‫و كما يغمر الحبيب ‪ii‬الحبيبا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫وجرى السحر بالضياء ‪ii‬مشوبا‬
‫ظل من موجه السني ‪ii‬سكوبا‬
‫ر وأشتف روحه ‪ii‬المحبوبا‬
‫ح يناجي في غصنه ‪ii‬العندليبا‬
‫ب وتسري بين الحقول ‪ii‬دبيبا‬
‫م سحُرها أن ‪ii‬يجيبا‬ ‫ورؤى هَ ّ‬
‫نغما ً ممتعا وشدوا عجيبا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وترى العين في كراها ‪ii‬الغيوبا‬
‫س ويغفي الفؤاد إل وجيبا‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ب قد أسكر الّربا ‪ii‬تطريبا‬ ‫ـح ّ‬
‫ظا ً وتبدو الرض والفضاء ‪ii‬قلوبا‬
‫لست عن جرحه النديّ ‪ii‬غريبا‬
‫يتصّباك مؤنسا ً ‪ii‬ورقيبا‬
‫سرِ في مهجتي شعاعا ً ‪ii‬رطيبا‬ ‫وآ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أفقا ساحرا وكونا ‪ii‬رحيبا‬ ‫ً‬
‫ـد ويمل هذا الفضاء ‪ii‬طيوبا‬
‫ب ‪ii‬شبوبا‬ ‫واترك ناره تش ّ‬
‫وبالوجد صارخا ً ‪ii‬ومهيبا‬
‫واخش إما أحسست منه ‪ii‬نضوبا‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأحياه بالدماء ‪ii‬خضيبا‬


‫* * ‪*ii‬‬
‫ً‬
‫فيذوب الغناء خمرا صبيبا‬
‫فابتدر تخطف السنا ‪ii‬المنهوبا‬
‫ل ‪ii‬النحيبا‬‫ل السى وخ ّ‬ ‫و‪ ،‬وخ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الربيع في عكا‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫من ْظ َ ٍ‬
‫ر‬ ‫سَعى إل َْيك ب ِ َ‬ ‫َرقّ اَلهوى وَ َ‬
‫حا‬ ‫قد ْ وََرد َ الّرِبيعُ وَل َ َ‬ ‫ب ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫عَ َ‬
‫عود ُهُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه وفَوّ َ‬ ‫مائ ِل ُ‬‫ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ت َ‬ ‫وَزك ْ‬ ‫َ‬
‫حا‬ ‫هذي الّرُبوِع وََرا َ‬ ‫على َ‬ ‫دا َ‬ ‫وَغَ َ‬
‫ه‬
‫ف ُ‬ ‫عط ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ماي َ َ‬ ‫َفان ْظْر ل َِزهْرٍ قَد ْ ت َ َ‬ ‫ُ‬
‫حأ‬ ‫صا َ‬ ‫ن الّنسيم ِ وَط َِائرٍ قَد ْ َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ة‬‫ح ٌ‬ ‫دا َ‬ ‫ص ّ‬ ‫صون ِهِ َ‬ ‫ُ‬
‫الطي ُْر فوْقَ غ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حا‬ ‫َ‬ ‫عط ْ َ‬ ‫ح أ َوّد َ ِ‬
‫ه وَ أَبا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َوالّري ُ‬
‫م ي َعُد ُ‬ ‫م فل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سي ُ‬ ‫مل الن ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى إَذا ث ِ‬ ‫َ‬
‫حا‬ ‫ّ ُ ِ َ َ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫هو‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫وى‬ ‫م َ ّ َ َِ َ‬
‫ه‬ ‫ب‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫وَ ُ ُ ْ َ ُ ّ ِ َ ْ ِ ِ‬
‫ل‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫طي‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫يقي‬
‫حا‬‫صَبا َ‬ ‫ن عَهْدِ الوَِداد ِ َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫حو ُ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫فون َِها‬ ‫ج ُ‬ ‫تب ُ‬ ‫موع ُ ت ََرقَْرقَ ْ‬ ‫ذي الد ّ ُ‬ ‫هَ ِ‬
‫حا‬ ‫واه ُ وََفا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫حو ّ َ‬ ‫ّلما ت َ َ‬
‫حّبه‬ ‫خدعَُها الّنسيم ب ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ما َزا َ‬ ‫َ‬
‫حا‬ ‫ن َوالفَْرا َ‬ ‫َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫َ‬
‫قَها ال ْ‬ ‫وُيذي ُ‬
‫ه‬
‫جبين َ ُ‬ ‫حَياُء َ‬ ‫صب َغَ ال َ‬ ‫ما َ‬ ‫مّر َ‬ ‫ح َ‬ ‫َفا ْ‬
‫حا‬ ‫دود َ وََنا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ما لط َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َواْزَرقّ َ‬
‫ه‬
‫ؤادِ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م الهوى ب ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما كت َ َ‬ ‫َ‬ ‫فّر َ‬ ‫ص َ‬ ‫َوا ْ‬
‫حا‬ ‫َ‬
‫على الث ََرى أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ً‬
‫شَبا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جد َا وَ َ‬ ‫وَ ْ‬
‫‪1945‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ديوان الرض المباركة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الرجل الصفر‬
‫يتناول الدرس صفات من سماه بالرجل الصفر وهو دنيء الهمة‪ ،‬والكلم يراد‬
‫به المرأة أيضا‪ ،‬ثم ذكر أهم صفات الرجل الصفر والسباب التي تؤدي به إلى‬
‫دنو الهمة والسلبية‪ ،‬ثم شرع في بيان الوسائل التي يتغلب بها الرجل وكذلك‬
‫المرأة على هذه السلبية وما هو الطريق للتغلب على هذه العقبة ‪.‬‬
‫ماذا أعني بالرجل الصفر‪:‬‬
‫أعني بالرجل الصفر‪ :‬ذلك الرجل الذي يتصف بالسلبية‪ ،‬ودنو الهمة‪ ،‬ذلك‬
‫الداء الخطير‪ ،‬الذي أصاب الكثير من المسلمين وخاصة الشباب والفتيات‪،‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكما أن هناك رجل ً صفرًا‪ ،‬فإن هناك أيضا ً امرأة صفرا ً وكل ما يذكر في هذا‬
‫الموضوع يشمل الرجال والنساء معا ً إل فيما يختص به الرجال من مجال‪.‬‬
‫إن الموت نهاية الجميع لكن شتان بين من مات في أمر حقير‪ ،‬وبين من مات‬
‫في أمر عظيم‪ ،‬شتان بين من يموت وهو على طاعة الله‪ ،‬وبين من يموت‬
‫وهو على معصية الله‪ ،‬شتان بين من يموت وهو يحمل هم السلم‪ ،‬ويحترق‬
‫قلبه لصلح المسلمين‪ ،‬وبين من يموت وهو يحمل هم شهوات الدنيا ولذاتها‪.‬‬
‫ألم يأن لشبابنا وفتياتنا أن يعلموا حقيقة الحياة والغاية التي من أجلها‬
‫خلقوا؟! ألم يأن للران أن ينقشع عن القلوب قبل أن يجمدها هاذم اللذات؟!‬
‫حقّ وََل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ن ََز َ‬‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫{أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫كال ّذي ُ‬
‫م وَك َِثيٌر‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ق َ‬ ‫مد ُ ف َ َ‬‫م اْل َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫طا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫كوُنوا َ ِ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م اْلَيا ِ‬ ‫موْت َِها قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬‫حِيي اْلْر َ‬ ‫ه يُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ن]‪ [16‬اعْل َ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن]‪ }[17‬سورة الحديد ‪ .‬أيعقل أن يصل المر بمسلم‪ ،‬أو‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ ِ‬‫ل َعَلك ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بمسلمة يحمل في قلبه ل إله إل الله إلى مثل هذا الحد من الغفلة‪ ،‬والضياع‪،‬‬
‫والحيرة‪ ،‬والتردد؟! إن‪ ':‬ل إله إل الله' نور في القلب‪ ،‬فهل انطفأ هذا النور؟‬
‫ورحم الله ابن القيم؛ حيث قال‪ ':‬اعلم أن أشعة ل إله إل الله تبدد من ضباب‬
‫الذنوب‪ ،‬وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه‪ ،‬فلها نور وتفاوت أهلها‪ ،‬في‬
‫ذلك النور قوة وضعف ل يحصيه إل الله تعالى ‪ .‬فمن الناس من نور هذه‬
‫الكلمة في قلبه كالشمس‪ ،‬ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري‪ ،‬ومنهم‬
‫من نورها في قلبه كالمشعل العظيم‪ ،‬وآخر كالسراج المضيء‪ ،‬وآخر‬
‫كالسراج الضعيف‪ ،‬ولهذا تظهر النوار يوم القيامة بين أيمانهم‪ ،‬وبين أيديهم‬
‫على هذا المقدار بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علمًا‪ ،‬وعم ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ومعرفة‪ ،‬وحاًل‪ .‬وكلما عظم نور هذه الكلمة‪ ،‬واشتد؛ أحرق من الشبهات‬
‫والشهوات بحسب قوته وشدته‪ ،‬حتى إنه ربما وصل إلى حال ل يصادف معها‬
‫شبهة‪ ،‬ول شهوة‪ ،‬ول ذنبا ً إل أحرقه‪ ،‬وهذا حال الصادق في توحيده‪ ،‬الذي لم‬
‫يشرك بالله شيئًا‪ .‬فأي ذنب‪ ،‬أو شهوة‪ ،‬أو شبهة دنت من هذا النور؛ أحرقها‪،‬‬
‫فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق لحسناته‪ ،‬فل ينال منها‬
‫السارق إل على غرة وغفلة ل بد منها للبشر‪ ،‬فإذا استيقظ وعلم ما سرق‬
‫منه استنقذه من سارقه‪ ،‬أو حصل أضعافه بكسبه‪ ،‬فهو هكذا أبدا ً مع لصوص‬
‫الجن والنس‪ ،‬ليس كمن فتح لهم خزانته‪ ،‬وولى الباب ظهره …'ا‪.‬هـ فإلى‬
‫كل من ابتلي بالسلبية‪ ،‬ودنو الهمة‪ ،‬إلى كل من ابتلي بهذا الداء أو بشيء منه‬
‫أهدي هذه الكلمات والتوجيهات‪.‬ولقد جعلت لهذا الداء مظاهر‪ ،‬وأسبابًا‪،‬‬
‫وعلجا ً ‪.‬‬
‫أهم صفات الرجل الصفر أو المرأة الصفر‪:‬‬
‫‪ -1‬الخمول والكسل‪ :‬فل يكلف نفسه القيام بشيء‪ ،‬حتى في مصالحه‬
‫الشخصية‪ ،‬بل ربما في ضروريات حياته‪ :‬كالدراسة‪ ،‬أو الوظيفة‪ ،‬أوحتى بيته‪،‬‬
‫فماذا نقول إذا ً عن حاله مع الطاعات‪ :‬من قيام ليل‪ ،‬وصلة وتر‪ ،‬ومن السنن‬
‫الرواتب‪ ،‬ومن صيام النفل‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ...‬بل انظر لحاله من الفرائض‪،‬‬
‫والتثاقل فيها‪ ،‬حتى أصبحت حاله شبيهة بحال المنافقين الذين قال الله‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫س وََل ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ساَلى ي َُراُءو َ‬ ‫موا ك ُ َ‬ ‫صَلةِ َقا ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫عنهم‪ {:‬وَإ َِذا َقا ُ‬
‫إ ِّل قَِليًل]‪“}[142‬سورة النساء “ فكيف حاله مع قضايا المسلمين والهتمام‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫م إ ِّني أ َ ُ‬ ‫بها؟ وكيف يحمل هم هذا الدين والدعوة إلى الله؟ ]الل ّهُ ّ‬
‫ن[ رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي‬ ‫جب ْ ِ‬‫ل َوال ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫جزِ َوال ْك َ َ‬ ‫ال ْعَ ْ‬
‫م‪ ،‬يردد هذا الدعاء علجا ً لهذه‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫وأحمد‪ .‬هكذا كان ي َ ُ‬
‫الظاهرة‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬الرضا بالدون مع القدرة على ما هو أفضل وأحسن‪ :‬قال ابن الجوزى في‬
‫'صيد الخاطر'‪ ':‬من علمة كمال العقل؛ علو الهمة؛ والراضي بالدون دنيء‬
‫ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إني على ثقة أن في شبابنا‪ ،‬وفتياتنا‪ ،‬ورجالنا‪ ،‬ونسائنا خيرا ً كثيرًا‪ ،‬وأن في‬
‫وسعهم‪ ،‬وطاقاتهم؛ الكثير والكثير‪ ،‬ولكنها السلبية تلك الدال العضال‪ ،‬أعاذنا‬
‫الله وإياكم منها‪ .‬إن الله يربي المؤمنين على التطلع إلى أعلى المقامات‪،‬‬
‫قوُلون ربنا هَب ل َنا م َ‬
‫جَنا‬‫ن أْزَوا ِ‬ ‫ْ َ ِ ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫فيقول سبحانه على لسانهم‪َ {:‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ما]‪“} [74‬سورة الفرقان” انظر‪{:‬‬ ‫ما ً‬
‫ن إِ َ‬ ‫قي َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫وَذ ُّرّيات َِنا قُّرةَ أعْي ُ ٍ‬
‫ما]‪} [74‬لم يقل سبحانه‪ :‬واجعلنا من المتقين‪ ،‬ولكنها‬ ‫ما ً‬‫ن إِ َ‬‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫جعَل َْنا ل ِل ْ ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫ما]‪[74‬‬ ‫ما ً‬ ‫ن إِ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا ل ِل ُ‬‫تربية على الهمة العالية‪ ،‬والعزيمة الصادقة‪َ { :‬وا ْ‬
‫}إن الله عز وجل يريد منك أيها المسلم‪ ،‬ويريد منك أيتها المسلمة‪ :‬أن تكون‬
‫ذا همة عالية‪ ،‬أن تكون إماما ً للمتقين‪ ،‬وأن تكوني إمامة للمتقيات‪ .‬والرسول‬
‫الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول‪ ...] :‬فَإَذا سأ َل ْتم الل ّه َفا َ‬
‫س‬
‫فْرد َوْ َ‬ ‫سأُلوهُ ال ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫فَإن َ‬
‫ة[ رواه البخاري وأحمد ‪ .‬إن أقصى همة أحدنا‬ ‫جن ّةِ وَأعَْلى ال ْ َ‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه أوْ َ‬ ‫ِّ ُ‬
‫ت الجنة؛ أن يسأل الله الجنة‪ ،‬ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم‬ ‫ُ‬
‫إذا ذك َِر ْ‬
‫يربي فينا التطلع إلى أعلى المقامات‪ ،‬وعدم الرضا بالمور الدنية؛ ولذلك‪:‬‬
‫َ‬ ‫]فَإَذا سأ َل ْتم الل ّه َفاسأ َُلوه ال ْفردوس فَإن َ‬
‫ة[‪.‬‬ ‫جن ّ ِ‬‫جن ّةِ وَأعَْلى ال ْ َ‬ ‫ط ال ْ َ‬‫س ُ‬‫ه أوْ َ‬‫ُ ِ ْ َ ْ َ ِّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬التقيد بروتين الحياة وعدم التطلع إلى الجديد‪ :‬اعتاد بعض المسلمين على‬
‫نمط معين من الحياة‪ ،‬ودرج عليه‪ ،‬فيثقل عليه المشاركة‪ ،‬ويصعب عليه‬
‫ث بأمر؛ كان الرد منه سلبًا‪ ،‬حتى أصبح المسكين ل قيمة‬ ‫حد ّ َ‬ ‫العمل‪ ،‬وكلما ُ‬
‫له‪ ،‬ول ينظر إليه‪ ،‬ول يسمع لكلمته‪ ،‬ربما مع سعة علمه‪ ،‬وعلو مركزه؛ رضي‬
‫بالدون‪ ،‬ورضي برتابة الحياة‪ ،‬حتى ملها هو بنفسه‪ ،‬وأصبح يعيش في هامش‬
‫الحياة ل معنى له‪ ،‬فكيف تريد من الخرين أن يستجيبوا لك‪ ،‬أو حتى تسمع‬
‫كلمتك؟ فإن الناس ينظرون إلى علو همتك‪ ،‬وإلى صدق كلمتك‪ ،‬وإلى‬
‫عملك ‪ .‬إن بعض الناس إذا مات ل يبكيه أهله‪ ،‬ومدينته فقط‪ ،‬بل تبكيه المة‬
‫بكاملها؛ لن المة فقدته‪ ،‬لم يفقده أهله فقط‪ ،‬ولم تفقده مدينته‪ ،‬كل المة‬
‫ل‪ ،‬نشيطا ً ‪.‬‬ ‫تبكي عليه؛ لن الرجل كان رجل ممتازًا‪ ،‬كان رجل معطاء‪ ،‬عام ً‬
‫وبعض الناس إذا مات بكاه أهله أيامًا‪ ،‬وربما قالوا في قرارة أنفسهم‪ :‬الحمد‬
‫ل عليهم‪.‬‬ ‫لله الذي أراحنا منه؛ لنه ك َ ّ‬
‫لعمرك ما الرزية فقد مال ول شاة تموت ول بعير‬
‫ولكن الرزية فقد فذ يموت بموته خلق كثير‬
‫وشتان بين هذا وذاك‪ ،‬فإن من الناس من همته في الثرى أي في التراب‪،‬‬
‫وإن من الناس من همته في الثريا‪ .‬فكيف يرضى مسلم عاقل أن تذهب‬
‫اليام‪ ،‬والليالي‪ ،‬وهو على حاله بدون تطور ول تقدم‪ ،‬اسأل نفسك كم عمرك‬
‫الن؟ وأسألك بالله هل أنت راض عن نفسك؟ ماذا قدمت خلل هذه‬
‫السنوات؟ وهل أنت في تطور أم أنك ما زلت على حالك؟ إن المسلم‬
‫العاقل‪ ،‬صاحب المبدأ‪ ،‬واليقين؛ ل يهدأ له بال‪ ،‬ول يقر له قرار‪ ،‬حتى يقدم ما‬
‫بوسعه‪ ،‬وحتى يتقدم‪ ،‬وحتى يكون غده أفضل من أمسه‪ ،‬قال ابن‬
‫الجوزي‪':‬ولله أقوام ما رضوا من الفضائل إل بتحصيل جميعها‪ ،‬فهم يبالغون‬
‫في كل علم‪ ،‬ويجتهدون في كل عمل‪ ،‬ويثابرون على كل فضيلة‪ ،‬فإذا ضعفت‬
‫أبدانهم عن بعض ذلك؛ قامت النيات نائبة وهم لها سابقون‪ ،‬وأكمل أحوالهم؛‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إعراضهم عن أعمالهم‪ ،‬فهم يحتقرونها مع التمام‪ ،‬ويعتذرون من التقصير‪،‬‬


‫ومنهم من يزيد على هذا‪ ،‬فيتشاغل بالشكر على التوفيق بذلك‪ .‬ومنهم من ل‬
‫يرى ما عمل أصًل؛ لنه يرى نفسه وعمله لسيده‪ ،‬وبالعكس من المذكور عن‬
‫أرباب الجتهاد حال أهل الكسل‪ ،‬والشره‪ ،‬والشهوات‪ ،‬فلئن ارتدوا بعاجل‬
‫الراحة؛ لقد أوجبت ما يزيد على كل تعب من السف والحسرة؟ ومن تلمح‬
‫صبر يوسف عليه السلم‪ ،‬وعجلة ماعز ‪-‬أي في التوبة‪ -‬بان له الفرق‪ ،‬وفهم‬
‫الربح من الخسران‪ ،‬ولقد تأملت نيل الدر من البحر‪ ،‬فرأيته بعد معاناة‬
‫ل‪ ،‬بانت له أمثال‪ ،‬فالموفق من إذا تلمح‬ ‫الشدائد‪ ،‬ومن تفكر فيما ذكرته مث ً‬
‫قصر الموت والبعث فيه‪ ،‬وامتداد زمان الجزاء الذي ل آخر له؛ انتهب حتى‬
‫اللحظة‪ ،‬وزاحم على كل فضيلة‪ ،‬فإنها إذا فاتت ل وجه لستدراكها‪ ،‬أليس في‬
‫ْ‬ ‫الحديث يقال للرجل‪ ] :‬ال ْ ُ‬
‫ل ِفي الد ّن َْيا فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫ت ت َُرت ّ ُ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ن اقَْرأ َواْرت َ ِ‬
‫ق وََرت ّ ْ‬ ‫قْرآ ِ‬
‫قَرأ ُ ب َِها[ رواه الترمذي وأبوداود وأحمد ‪ .‬فلو أن الفكر‬ ‫خرِ آي َةٍ ت َ ْ‬
‫عن ْد َ آ ِ‬ ‫من ْزِل َت َ َ‬
‫ك ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫عمل في هذا حق العمل؛ حفظ القرآن عاجل' اهـ ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -4‬الستجابة للنفس المارة‪ :‬الستجابة لشهواتها ولذاتها‪ ،‬حتى مات الشعور‬


‫بالذنب والتقصير؛ لذلك ظن كثير من المسلمين أنه على خير‪ ،‬بل ربما لم‬
‫يرد على خاطره أنه مقصر‪ ،‬فبمجرد قيامه بأصول الدين‪ ،‬وبمجرد محافظته‬
‫على الصلوات‪ ،‬والتزامه في الظاهر؛ ظن في نفسه خيرا ً عظيمًا‪ ،‬ولكن ما‬
‫كيفية هذا القيام؟ وما حقيقة هذا اللتزام؟ وهل قبل الله منه أم ل؟ بل لماذا‬
‫نسي مئات بل آلف من الصغائر التي تجمعت عليه من الذنوب والمعاصي‪،‬‬
‫م‪:‬‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬
‫سعْد ٍ َقا َ‬‫ن َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫ففي حديث َ‬
‫جاَء َذا ب ُِعودٍ‬ ‫جاَء َذا ب ُِعود ٍ وَ َ‬ ‫ن َواد ٍ فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ب كَ َ‬‫ت الذ ُّنو ِ‬ ‫] إ ِّياك ُ ْ‬
‫قوْم ٍ ن ََزلوا ِفي ب َط ِ‬ ‫قَرا ِ‬‫ح ّ‬
‫م َ‬‫م وَ ُ‬
‫َ‬
‫ه[ رواه‬ ‫ْ‬
‫حب َُها ت ُهْل ِك ُ‬
‫صا ِ‬‫خذ ْ ب َِها َ‬ ‫مَتى ي ُؤْ َ‬‫ب َ‬ ‫ت الذ ُّنو ِ‬‫قَرا ِ‬
‫ح ّ‬‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬‫خب َْزت َهُ ْ‬
‫جوا ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫حّتى أن ْ َ‬ ‫َ‬
‫أحمد بسند حسن ‪ .‬فأعجبتنا أنفسنا وأعمالنا‪ ،‬فرضينا بما نحن عليه‪ ،‬وأعلنا‬
‫الكتفاء وعدم المزيد؛ فكانت النتيجة السلبية‪ ،‬ودنو الهمة‪ ،‬وعدم التطلع لما‬
‫هو أفضل‪ ،‬وربما نظر أحدنا إلى من هو دونه في العبادات‪ ،‬فأعجبته نفسه‪،‬‬
‫وتقاعس عن الكثير من أبواب الخير‪،‬وانظر لحال هذا الكناس وعزته‪ :‬قال‬
‫الصمعي‪ ':‬مررت بكناس في البصرة ينشد‪:‬‬
‫فإياك والسكنى بأرض مذلة تعد مسيًئا فيه إن كنت محسًنا‬
‫ونفسك أكرمها وإن ضاق مسكن عليك بها فاطلب لنفسك مسكًنا‬
‫فقلت‪ -‬أي الصمعي‪ :-‬والله لم يبق بعد هذا مذلة‪ ،‬وأي مذلة بعد الكنس؟‬
‫فقال الكناس‪ :‬والله لكنس ألف مرة أحسن من القيام على باب مثلك'‪ .‬هكذا‬
‫تكون عزة المسلم أًيا كان ذلك العمل الذي يقوم به ما دام يقوم به لله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫‪ -5‬كثرة الجلسات وضياع الوقات‪ :‬وهذا من أكثر المظاهر التي انتشرت‬
‫أخيرًا‪ ،‬فإنك تبحث عن شبابنا‪ ،‬ورجالنا‪ ،‬فتجدهم مساء كل يوم ربما في‬
‫الستراحات‪ ،‬وعلى الرصفة‪ ،‬وعلى الشاطئ‪ ،‬وليس الخطر في الجتماعات‬
‫ذاتها‪ ،‬بل في كثرة الكلم دون عمل يفيد المة‪ ،‬وينفع الجيال‪ ،‬وكثرة الجدال‪،‬‬
‫هذا إن سلمت الجلسات من الغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬وتنقص الخرين‪ ،‬ومن وسائل‬
‫اللهو المحرم‪ ،‬وإل فإن الطامة أعظم ‪ .‬إنك لتتألم أشد اللم وأنت تعلم أن‬
‫في تلك الجلسات أعدادا ً هائلة من أصحاب الطاقات‪ ،‬والمواهب‪ ،‬والعقول‬
‫يلتقون في السبوع مرة واحدة على القل‪ ،‬أي في السنة ما يقرب من ]‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ [48‬لقاء واللقاء الواحد ل يقل عن خمس ساعات ربما تزيد أو تقل‪ ،‬فما هي‬
‫النتيجة؟ بماذا خرجوا بعد هذه الجتماعات الطويلة؟ وماذا قدموا لنفسهم؟‬
‫وماذا قدموا لعقيدتهم؟ وما هي حصيلة العلم الذي كسبوه من هذه‬
‫الجلسات؟ هذه إشارة سريعة؛ لنعلم حجم السلبية في مجتمعنا المسلم؛‬
‫وبالتالي حجم الخسارة لكثير من طاقتنا ومواهبنا‪ .‬فلماذا هذا التنصل من‬
‫الواجبات‪ ،‬والهروب من الواقع؟ أيعقل أنهم ل يعلمون أنهم مسئولون عن هذا‬
‫الواقع المرير للمة السلمية؟ أيعقل أنهم ل يعلمون أنهم مسئولون أمام الله‬
‫عن هذا الواقع المرير‪ ،‬وعن حال المة السلمية؟ قد يقول قائل منهم‪:‬ماذا‬
‫باستطاعتنا أن نقدم؟‬
‫أقول‪ :‬والله إن باستطاعتك الكثير لو فكرت أنت وأصحابك أن تستغلوا هذه‬
‫الجلسات‪:‬لنفع أنفسكم ولنفع أولدكم وأهليكم‪ ،‬ثم بعد ذلك‪ :‬لنفع أمتكم ‪ .‬إن‬
‫من فكر؛ وجد ‪ .‬وإن من حرص‪ ،‬وحمل الهم؛ عرف كيف يعمل ‪ .‬أما الجلوس‬
‫في المجالس‪ ،‬والكلم‪ ،‬والقيل والقال بما ل ينفع‪ ،‬فإن هذا ضياع للعمال‬
‫والوقات‪ ،‬والطاقات‪ ،‬والمواهب‪ ،‬والفكار‪ ،‬كل فرد منا عليه جزء من‬
‫المسؤولية مهما كان‪:‬‬
‫ل تلم كفي إذا السيف نبا صح مني العزم والدهر أبى‬
‫مرحبا بالخطب يبلوني إذا كانت العلياء فيه السببا‬
‫‪-6‬عدم الستعداد لللتزام بشيء‪ :‬التهرب من كل عمل جدي‪ ،‬وعدم‬
‫الستعداد لللتزام بأي شيء ‪ ،‬وخداع النفس بالنشغال وهو فارغ‪ .‬كم من‬
‫الناس إذا كلف بأمر؛ قال‪ :‬مشغول‪ ،‬وحقيقة أمره‪ :‬أنه غير مشغول‪ ،‬أو أنه‬
‫مشغول بمثل هذه الجلسات‪ ،‬واللقاءات ‪ .‬أو النشغال في شهوات النفس‪،‬‬
‫وملذاتها‪ ،‬أو التسويف‪ ،‬والتأجيل‪ ،‬وتأخير العمال‪ ،‬والغفلة‪ ،‬والنسيان المستمر‬
‫لما كلف به‪ ،‬والخطر من ذلك كله‪ :‬النقد المستمر لكل عمل إيجابي‪،‬‬
‫وتضخيم الخطاء ‪ .‬كل ذلك تبرير لعجزه وسلبيته القاتلة‪ .‬بعض الناس ل‬
‫يعمل‪ ،‬ويا ليته لم يعمل فقط‪ ،‬بل جعل نفسه راصدا ً لعمال إخوانه‪ :‬مرة‬
‫بالنقد‪ ،‬ومرة بالجرح‪ ،‬ومرة بالتثبيط والتخذيل والتنصل من المشاركة‬
‫والعمل‪ ،‬وكلما طلبناه في مكان؛ قال لنا‪ :‬مشغول‪ ،‬وكلما كلفناه بمشاركة؛‬
‫قال‪ :‬ل أستطيع‪ ،‬بل كلما حدثناه في أمر؛ كان لنا مثبطا ً ومخذًل ‪:‬‬
‫ولم أجد النسان إل بسعيه فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا‬
‫وبالهمة العلياء ترقى إلى العلى فمن كان أعلى همة كان أظهرا‬
‫ولم يتأخر من أراد تقدما ولم يتقدم من أراد تأخرا‬
‫إذًا‪ :‬فلكل شيء سبب‪ ،‬فإذا أردت أن تجعل نفسك في مكانها؛ فلتتخذ لها ما‬
‫ترضاه أنت لها ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -7‬تعطيل العقل‪ :‬وعدم التفكير‪ ،‬وإن فكر كثير من المسلمين والمسلمات‪،‬‬


‫واستخدم عقله؛ فإذا هو يفكر فيما يحبه ويشتهيه كالرحلت‪ ،‬والصيد‪،‬‬
‫والجلسات‪ ،‬والملذات‪ ،‬وكأنها الهدف الذي خلق له‪ ،‬فهبطت اهتماماته‪،‬‬
‫وسفلت غاياته‪ ،‬فل قضايا المسلمين تشغله‪ ،‬ول مصائبهم تحزنه‪ ،‬ول شئونهم‬
‫تعنيه‪ ،‬وإن حدث شيء من ذلك‪ ،‬فعاطفة سرعان ما تبرد‪ ،‬ثم تزول‪ .‬نرى‬
‫كثيرا ً من الشباب والفتيات وكثيرا ً من المسلمين أصحاب عقول وأفكار‪،‬‬
‫فعطلوها حتى أصبحوا أصفارا ً على الشمال‪ :‬فإما تقليد‪ ،‬وإما تبعية للخرين‬
‫عمياء‪ ،‬وإما سكر للعقل بشهواته حتى وإن كانت مباحة‪ ،‬وهذا كلم للجميع‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للرجال والنساء‪ ،‬ملتزمين أو غير ملتزمين فلكل حظ ونصيب من تعطيل‬


‫عقله‪.‬‬
‫‪ -8‬عقدة المستحيل ول أستطيع ول أقدر‪ :‬مظهر من مظاهر السلبية‪ ،‬ودنو‬
‫الهمة‪ ،‬كم من المرات نضع بأنفسنا العقبات والعراقيل أمام كثير من‬
‫مشاريعنا نحن‪ ،‬والواقع يشهد بهذا ‪،‬فلماذا عذر‪ :‬مستحيل‪ ،‬وعذر الستطاعة ‪.‬‬
‫ما‪ ،‬فنغلق نحن بأيدينا البواب في‬ ‫وعدم القدرة هي الورقة التي نلوح بها دائ ً‬
‫وجوهنا ‪.‬‬
‫ً‬
‫والله لو فكرنا وحاولنا؛ لوجدنا أن كثيرا من العقبات التي تقف أمامنا إنما هي‬
‫عقبات وهمية‪ ،‬وما هي إل حيل نفسية ‪ .‬فكر جيدًا‪ ،‬وارجع لنفسك‪ ،‬وحاسبها‪،‬‬
‫وستجد أننا بأنفسنا نعيق أنفسنا عن العمل‪ ،‬فكل أمر بمقدور البشر أن‬
‫ل‪ ،‬سئل نابليون كيف استطعت أن تولد‬ ‫يفعله‪ ،‬ل يمكن أبدا ً أن يكون مستحي ً‬
‫الثقة في نفوس أفراد جيشك؟ فأجاب‪ :‬كنت أرد بثلث على ثلث‪ :‬من قال‪:‬‬
‫ل أقدر قلت له‪ :‬حاول‪ ،‬ومن قال‪ :‬ل أعرف قلت له‪ :‬تعلم‪ ،‬ومن قال‪:‬‬
‫مستحيل قلت له‪ :‬جرب ‪ .‬هكذا إذا ً فأقول لك‪ :‬ل تيأس اجعل هذه الكلمة‬
‫شعارا ً لك لكل عمل تقوم به‪ ،‬فلكل مجتهد نصيب‪ ،‬وإن من أدمن قرع الباب؛‬
‫ولج ‪.‬‬
‫كن رابط الجأش وارفع راية المل وسر إلى الله في جد بل هزل‬
‫وإن شعرت بنقص فيك تعرفه فغذي روحك بالقرآن واكتمل‬
‫وحارب النفس وامنعها غوايتها فالنفس تهوى الذي يدعو إلى الذلل‬
‫‪ -9‬التثبيط والتيئيس للخرين‪ :‬فإن الرجل الصفر ل يكتفي بعدم المشاركة‪،‬‬
‫بل أصبح قاطع طريق‪ ،‬وعونا ً للشيطان وحزبه‪ ،‬فتجده يختلق العذار‬
‫والسباب‪ ،‬وربما ألبسها الصبغة الشرعية ليبرر عجزه‪ ،‬وعدم مشاركته‬
‫وصدق القائل‪:‬‬
‫لنا صاحب مولع بالخلف كثير الخطأ قليل الصواب‬
‫ألد لجاجا ً من الخنفساء وأزهى إذا ما مشى من غراب‬
‫فليس لديه الشجاعة للعتراف بالخطأ والتقصير‪ ،‬وليس لديه الستعداد‬
‫للعمل والمشاركة‪ ،‬ولكنه على أتم استعداد للنقد والتجريح‪ ،‬والثلب والتقبيح‪،‬‬
‫فإلى الله وحده نشكو أمثال هؤلء ‪.‬أل فليتق الله أولئك الخوة الذين نصبوا‬
‫أنفسهم مثبطين ومخذلين لخوانهم‪ ،‬وقاطعي طريق للعمال الخيرية في كل‬
‫مكان ‪ .‬ولذلك‪ ،‬فنحن نقول‪ :‬كن عونا ً لخوانك‪ ،‬أو على القل‪ :‬اعمل ولو‬
‫لوحدك‪ ،‬فإن الهدف واحد‪ ،‬والغاية واحدة ‪ .‬فإن لم يكن هذا ول ذاك‪ ،‬فما‬
‫أجمل الصمت‪ ،‬فمن كان يؤمن بالله واليوم الخر؛ فليقل خيرا أو ليصمت ‪.‬‬
‫كر هنا‬ ‫وإن المثبط لخوانه ليخشى عليه والله أن يبوء بإثمه وإثم الخرين‪ ،‬وأذ ّ‬
‫ة يوم ال ْقيامة وم َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن أوَْزارِ ال ّ ِ‬
‫مل َ ً َ ْ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ‬
‫كا ِ‬‫م َ‬‫مُلوا أوَْزاَرهُ ْ‬ ‫ح ِ‬
‫بقول الحق عز وجل‪ {:‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن]‪“ } [25‬سورة النحل” فليحذر أولئك‬ ‫ما ي َزُِرو َ‬
‫ساَء َ‬ ‫عل ْم ٍ أَل َ‬ ‫ضّلون َهُ ْ‬
‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫النفر‪.‬‬
‫‪ -10‬الضعف والفتور أثناء أوقات العافية‪:‬فإنك تكاد ل ترى للرجل الصفر‬
‫نشاطًا‪ ،‬ول تعرف عنه جدًا‪ ،‬فإذا ما وقعت مصيبة‪ ،‬أوفتنة‪ ،‬أو كان الخلف؛‬
‫رأيته وأصحابه ينشطون‪ ،‬وحول الحرص على الدعوة يتحدثون‪ ،‬وبالتخطيط‬
‫هم يلهجون‪ ،‬وفي الناس يصنفون ويقسمون‪ .‬والوقائع والحداث والفتن هي‬
‫التي تميز بين أناس وأناس‪ ،‬فإن لكل من الحق والباطل رجال‪ ،‬فكما أن‬
‫الحق يحمله رجال وينافحون عنه‪ ،‬فكذلك الفتن لها رجال يحملونها ويدعون‬
‫الناس لها‪ ،‬ويتحملون كبرها‪ ،‬ولكن بين حملة الحق والصابرين عليه‪ ،‬ودعاة‬
‫الفتنة‪ :‬جمهور يتنازعهم الخير والشر‪ ،‬ومن هنا ينبغي الحذر من دعاة الفتن‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن يتأثر بهم من الرعاع‪ ،‬وضعاف النفوس‪ ،‬وأتباع الهوى ‪.‬‬


‫وما أجمل ذلك القول لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه‪ ':‬إن هذه‬
‫القلوب أوعية‪ ،‬فخيرها؛ أوعاها للخير ‪،‬والناس ثلثة‪ :‬فعالم رباني‪ ،‬ومتعلم‬
‫على سبيل نجاة ‪،‬وهمج رعاع‪ ،‬أتباع كل ناعق‪ ،‬لم يستضيئوا بنور العلم‪ ،‬ولم‬
‫يلجأوا إلى ركن وثيق‪ ،‬أف لحامل حق ل بصيرة له ينقدح الشك في قلبه بأول‬
‫عارض لشبهة‪ ،‬ل يدري أين الحق‪ .‬إن قال؛ أخطأ‪ ،‬وإن أخطأ؛ لم يدر‪ ،‬فموقن‬
‫بما ل يدري حقيقته‪ ،‬فهو فتنة لمن فتن به‪ . '...‬هذه عشرة مظاهر من‬
‫مظاهر الرجل الصفر ‪.‬‬
‫أسباب السلبية ودنو الهمة‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -1‬الجهل أو الغفلة عن الغاية التي من أجلها خلق‪ :‬أل تعلم أن الغاية التي‬
‫من أجلها خلقنا هي تحقيق عبودية الله عز وجل في الرض‪ ،‬هذا هو الهدف‬
‫الذي من أجله خلقنا‪.‬أل تعلم أن العبادة هي الغاية التي من أجلها خلقت؟! إن‬
‫بعض الناس قد يجهل الهدف الذي من أجله خلق‪ ،‬وبعض الناس قد يعلم‪،‬‬
‫ولكنه يغفل‪ ،‬وتغفله شهوات الدنيا ولذاتها عن ذلك الهدف‪.‬‬
‫فالغاية التي من أجلها خلقنا‪ :‬هي عبادة الله‪ ،‬ولكنها ليست العبادة فقط في‬
‫المسجد‪ ،‬أو ليست الصلة والصيام والحج والزكاة ل‪ ،‬وإنما العبادة التي‬
‫يريدها الله هي العبادة بمفهومها الشامل الكامل‪ ،‬والتي عرفها أهل العلم‪،‬‬
‫فقالوا‪ ':‬هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من القوال‪ ،‬والفعال‬
‫الظاهرة والباطنة' هكذا تكون العبودية في كل شأن من شئون حياتك‪:‬في‬
‫مسجدك‪ ،‬وفي بيتك‪ ،‬وفي وظيفتك‪ ،‬وفي شارعك‪ ،‬وفي تجارتك‪ ،‬وفي كل‬
‫ن]‪َ[162‬ل‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫م َ‬
‫حَيايَ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬‫صَلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫مكان‪ {:‬قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن]‪“ }[163‬سورة النعام”‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬‫ت وَأَنا أوّ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫كأ ِ‬ ‫ه وَب ِذ َل ِ َ‬‫ك لَ ُ‬‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫وعندها‪:‬يعلم النسان أن كل حركة‪ ،‬وكل سكنة‪ ،‬وكل نفس‪ ،‬وكل شيء‬
‫يعمله؛ يؤجر عليه إن أخلص النية لله فيه‪،‬حتى وأنت تجامع زوجتك! ألم يقل‬
‫َ‬
‫ة[ رواه مسلم ‪.‬حتى وأنت‬ ‫صد َقَ ٌ‬‫م َ‬ ‫حدِك ُ ْ‬‫ضِع أ َ‬ ‫م‪] :‬وَِفي ب ُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫تخرج مع إخوانك وأصدقائك للجلسات والستراحات‪ ،‬فإنه لدخال الراحة‪،‬‬
‫ك ِفي‬ ‫م َ‬‫س ُ‬‫والستجمام‪ ،‬والنبساط إليهم‪ ،‬فقد قال صلى الله عليه وسلم‪] :‬ت َب َ ّ‬
‫ة[ رواه الترمذي ‪ .‬المهم‪ :‬أخلص النية في ذلك لله عز‬ ‫صد َقَ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫خي َ‬ ‫جهِ أ َ ِ‬‫وَ ْ‬
‫وجل‪ ،‬واحتسب ذلك عند الله‪ ،‬وأن يكون ذلك العمل مرضيا ً لله‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫صا لله‪ ،‬وأن‬ ‫اعمل ما شئت‪ ،‬وقل ما شئت بهذين الشرطين‪ :‬أن يكون خال ً‬
‫يكون الله راضًيا عنه‪ ،‬اعمل وتابع في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫هذه هي العبادة ‪ .‬فإذا غرست شجرة المحبة في القلب‪ ،‬وسقيت بماء‬
‫الخلص‪ ،‬ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ أزهرت أنواع الثمار وهذا ما‬
‫نريده‪.‬‬
‫والهدف الذي من أجله خلقت هو الفيصل في كل أعمالك‪ ،‬وأقوالك‪ ،‬فلبد أن‬
‫يكون الهدف واضحا ً لكل مسلم‪ ،‬فهو الضابط لعماله‪ ،‬وهو الضابط لحبه‬
‫وبغضه‪ ،‬لكله وشربه‪ ،‬لشكله ولبسه‪ ،‬لذهابه ومجيئه‪ ،‬لقيامه وجلوسه‪ ،‬لزوجه‬
‫وأولده‪ ،‬لصحابه وخلنه‪ ،‬لكل شئون الحياة صغيرها وكبيرها ‪.‬‬
‫أما إذا ضاع الهدف‪ ،‬أو لم يتضح له؛ فإن النسان يتخبط‪ :‬فمرة في ضياع‪،‬‬
‫ومرة في هموم‪ ،‬ومرة في صلح‪ ،‬ومرة في شقاء‪ ،‬وهكذا ل يدري من يرضي‬
‫ذلك المسكين‪ ،‬حتى وإن كان له عقل وبصر ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬صحبة ذوي العزائم الواهنة والهمم الدنيئة‪ :‬وهذا السبب من أكثر السباب‬
‫ج ُ‬
‫ل‬ ‫تأثيرًا‪ ،‬فالنسان سريع التأثر بمن حوله‪ ،‬ولهذا كان التوجيه النبوي‪ ] :‬الّر ُ‬
‫َ‬
‫ل [ رواه الترمذي وأبوداود وأحمد ‪.‬‬ ‫خال ِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫خِليل ِهِ فَل ْي َن ْظ ُْر أ َ‬
‫حد ُك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫عَلى ِدي ِ‬
‫إن هذا من أهم أسباب السلبية ودنو الهمة وإن كان أصحابك من الصالحين‬
‫ومن أهل الخير‪ ،‬فما داموا أصحاب همم ضعيفة‪ ،‬وعزائم واهنة‪ ،‬ول يهمهم إل‬
‫مصالحهم الشخصية‪ ،‬والنس والضحك‪ ،‬وقضاء الوقات بدون فائدة؛ فل خير‬
‫فيهم بل إن صلحهم حجة عليهم يوم أن يقفوا بين يدي الله‪ ،‬فعلى العاقل أل‬
‫يغتر بصحبة الصالحين تاركا ً عيوب نفسه‪ ،‬بل هذه حيلة نفسية يجب التنبه‬
‫سا تواقة لقد رأيتني وأنا بالمدينة‬
‫لها‪ ،‬قال عمر بن عبد العزيز‪ ':‬إن لي نف ً‬
‫غلم مع الغلمان‪ ،‬ثم تاقت نفسي إلى العلم وإلى العربية والشعر فأصبت‬
‫منه حاجتي وما كنت أريد‪ ،‬ثم تاقت نفسي وأنا في السلطان إلى اللبس‬
‫دا من أهل بيتي ول غيرهم كان في مثل‬ ‫والعيش والطيب فما علمت أن أح ً‬
‫ما كنت فيه‪ ،‬ثم تاقت نفسي إلى الخرة والعمل بالعدل فأنا أرجو ما تاقت‬
‫نفسي إليه من أمر آخرتي' ‪ .‬هكذا تكون النفس التواقة‪ ،‬هكذا تكون النفوس‬
‫مجاهدة‪ ،‬صابرة‪ ،‬متحملة‪ ،‬حتى تنال ما تريد ‪ .‬فجاهد نفسك يا أخي‪ ،‬وجاهدي‬
‫نفسك أيتها المسلمة‪ ،‬فل نستطيع أن نصل إلى ما يريده الله عز وجل من‬
‫العزة والتمكين إل بمجاهدة هذه النفوس لنجاهد أنفسنا‪ ،‬ولنقل لها‪:‬‬
‫تريدين إدراك المعالي رخيصة ولبد دون الشهد من إبر النحل‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -3‬الغفلة عن الذنوب وقلة الشعور بالخطأ أو ضياع الوازع الديني‪ :‬سبب من‬
‫السباب التي جعلت كثيرا ً من الناس صفرًا‪ ،‬أصبح ذلك الرجل الصفر أسيرا ً‬
‫لذنوبه‪ ،‬فهو ل يستطيع التخلص منها‪ ،‬فل هي دفعته إلى العمل الصالح‬
‫والكثار منه لعلها تكون سببا ً لمحوها وغفرانها‪ ،‬وهذا هو الصل في المسلم‪:‬‬
‫أنه إذا أذنب ووقع في السيئات؛ يسارع ليعمل صالحًا‪ ،‬لعل الصالحات أن‬
‫ن‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫تمحو تلك الذنوب والسيئات‪ ،‬ولذلك قال عز وجل‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫م‪:‬‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬
‫سو ُ‬ ‫ت‪“ }[114] ...‬سورة هود” وََقا َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ال ّ‬
‫حَها[ رواه الترمذي والدارمي وأحمد ‪ .‬هذا هو الصل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬
‫ة تَ ْ‬‫سن َ َ‬
‫ح َ‬‫ة ال َ‬ ‫سي ّئ َ‬
‫]وَأت ْب ِعْ ال ّ‬
‫ولكن الرجل الصفر أسير للمعاصي والذنوب قيدته وكبلته‪ ،‬فإذا حدثته بالعمل‬
‫والتحرك؛ شكى ضعفه وكثرة ذنوبه‪ ،‬بل ربما ظن البعض بنفسه النفاق‪ ،‬وهذه‬
‫شبهة أحرقت علينا كثيرا ً من الطاقات‪ ،‬والعقول والفكار ‪.‬‬
‫والحل في نظر البعض أن يقعد عن العمل‪ ،‬ويبتعد عن الساحة‪ ،‬ويبقى داخل‬
‫قفص الشيطان وأوهامه مع الذنوب والمعاصي‪ ،‬وغفل هذا المسكين عن أن‬
‫خير علج للسيئات والتقصير هو العمل‪ ،‬وكثرة التوبة‪ ،‬والستغفار ‪ .‬فإن أبى؛‬
‫فإني أخشى عليه من النحراف‪ ،‬فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة؛ شغلتك‬
‫بالمعصية ‪.‬‬
‫‪ -4‬الزهد في الجر وعدم الحتساب والغفلة عن أهمية الحسنة الواحدة‪:‬‬
‫وهذا ل شك نتاج الغفلة عن الموت‪ ،‬ونسيان الخرة‪ ،‬وإل فإن المؤمن مجزي‬
‫خي ًْرا‬‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬‫ضا‪ {:‬فَ َ‬
‫على مثقال الذرة‪ ،‬كما أنه محاسب عليها أي ً‬
‫ه]‪“ }[8‬سورة الزلزلة” إن القلب الحي‬ ‫شّرا ي ََر ُ‬‫ل ذ َّرةٍ َ‬‫قا َ‬‫مث ْ َ‬
‫ل ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬‫ه]‪[7‬وَ َ‬ ‫ي ََر ُ‬
‫يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر ‪ .‬وفي الرض قلوب ل تتحرك لجبل من‬
‫الذنوب والمعاصي والعياذ بالله ‪.‬‬
‫‪ -5‬الخوف والوهام ‪ :‬فالخوف أكل قلب الرجل الصفر وقلوب الكثيرين وهم‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحياء‪ ،‬فهم يرون ما يجري لبعض الدعاة‪ ،‬ولجل هذا تعطلت العمال في‬
‫زعمهم‪ ،‬وتوقفت الدعوة‪ ،‬فهو يخاف على نفسه‪ ،‬وعلى ولده‪ ،‬وعلى عمله‪،‬‬
‫وربما ظن أن كل الناس يراقبونه ويلحقونه‪ ،‬وهكذا تستمر الوهام والتخيلت‬
‫حتى وقع فريسة لها وقعد عن العمل‪ .‬ونحن نقول‪ :‬نعم إن طريق الدعوة‬
‫إلى الله مليء بالعقبات والشواك‪ ،‬ولول والله هذه العقبات وهذه المعوقات؛‬
‫لشككنا في طريقنا‪ ،‬ولكن أن نعطل أعمالنا‪ ،‬ونحسب كل صيحة علينا‪ ،‬ونغلق‬
‫كل البواب حتى وإن كانت مفتوحة مفسوحة‪ ،‬فل بل هي والله وسوسة‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫خاُفو ِ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ف أ َوْل َِياَءه ُ فََل ت َ َ‬
‫خاُفوهُ ْ‬ ‫خو ّ ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ما ذ َل ِك ُ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫شيطان‪ { :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن]‪“ }[175‬سورة آل عمران” ‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫وإذا سمع المؤمن أقوال المثبطين الخائفين؛ ذكر قول الحق مباشرة‪ {:‬ال ّ ِ‬
‫ماًنا وََقاُلوا‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مُعوا ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل]‪“ }[173‬سورة آل عمران” ورحم الله أصحاب تلك‬ ‫كي ُ‬ ‫م الوَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫ّ‬
‫سب َُنا الل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫الهمم العالية يوم أن كانوا يطلبون الموت ويبحثون عنه في كل ساحة‪ ،‬فعَ ْ‬
‫ن اْل َعَْرا‬ ‫َ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جاَء إ َِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫جًل ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن ال َْهاِد‪ :‬أ ّ‬ ‫داد ِ ب ْ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫صى ب ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫معَك فأوْ َ‬ ‫جُر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫م قال أ َ‬ ‫َ‬ ‫هث ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن ب ِهِ َوات ّب َعَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َفآ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫س َ‬ ‫ق َ‬ ‫سب ًْيا فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫ت غَْزوَةٌ غَن ِ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حاب ِهِ فَل َ ّ‬ ‫ص َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَء د َفَُعوهُ‬ ‫ما َ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫عى ظ َهَْرهُ ْ‬ ‫ن ي َْر َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حاب َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫طى أ ْ‬ ‫ه فَأعْ َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫وَقَ َ‬
‫َ‬
‫خذ َهُ‬ ‫م فَأ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ك الن ّب ِ ّ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫م قَ َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ذا َقاُلوا قِ ْ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ فَ َ‬
‫ك[ َقا َ‬
‫ل‬ ‫ه لَ َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ل‪ ] :‬قَ َ‬ ‫ذا َقا َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جاَء ب ِهِ إ َِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫فَ َ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هاهَُنا وَأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك وَلك ِّني ات ّب َعْت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ذا ات ّب َعْت ُ َ‬ ‫ما عَلى هَ َ‬ ‫َ‬
‫ق ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫شاَر إ ِلى َ‬ ‫مى إ ِلى َ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫ك عَلى أ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ً‬
‫ك[ فَلب ُِثوا قَِليل ث ُّ‬ ‫َ‬ ‫صد ُقْ َ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫مو‬ ‫بسهم فَأ َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫ه‬ ‫ل قَد أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضوا ٍ في قتال ال ْعدو فَأ ُ‬
‫صاب َُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫َ َ َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ص‬
‫ِ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫َ ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن َهَ ُ‬
‫م َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫و[ َقالوا ن َعَ ْ‬ ‫م‪ ] :‬أهُوَ هُ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫شاَر فَ َ‬ ‫ثأ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سهْ ٌ‬ ‫َ‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫جب ّةِ الن ّب ِ ّ‬ ‫م ِفي ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫فن َ ُ‬ ‫مك ّ‬ ‫َ‬ ‫ه[ ث ُ ّ‬ ‫صد َقَ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ّ‬
‫صد َقَ الل َ‬ ‫] َ‬
‫ذا‬‫م هَ َ‬ ‫صلت ِهِ ] اللهُ ّ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ظهََر ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫َ‬
‫صلى عَلي ْهِ فَكا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م قَد ّ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ك[ رواه النسائي‬ ‫شِهيد ٌ عََلى ذ َل ِ َ‬ ‫دا أَنا َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫قت ِ َ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫سِبيل ِ َ‬ ‫عَب ْد ُ َ‬
‫شِهي ً‬ ‫جًرا ِفي َ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ك َ‬
‫والحديث صحيح كما قال اللباني في صحيح النسائي‪ .‬وانظر إلى تأثير بنات‬
‫المحدث الثقة عاصم بن علي بن عاصم أحد شيوخ المام أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫وكيف صبر في محنة المام أحمد‪ ،‬وتقوى على الثبات عندما كتبت إليه بناته‬
‫بتثبيته على الحق‪ ،‬فقالت البنيات‪ :‬يا أبانا إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن‬
‫حنبل فضربه على أن يقول القرآن مخلوق‪ ،‬فاتق الله ول تجبه فوالله لئن‬
‫يأتينا نعيك؛ أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت‪ .‬فأي أثر ستلقيه هذه الكلمات‬
‫في نفس عاصم بن علي؟! إن هذه الكلمات لم تأت من فراغ بل من تربية‬
‫جادة على الهمة العالية والغاية المنشودة‪ ،‬فأين نحن من ذلك مع أزواجنا‪،‬‬
‫وأولدنا‪ ،‬وبناتنا‪ ،‬إن همة بعضهم ل تتعدى شهوات الدنيا ولذاتها‪ ،‬فأي تربية‬
‫هذه التي يعيشها المسلمون اليوم مع أولدهم وبناتهم وأنفسهم؟!‬
‫‪ -6‬التردد والتذبذب والحيرة والكتئاب‪ :‬هذا السبب جعل كثيرا ً من الناس‬
‫سلبيا ً وصفرًا‪ ،‬فهو ل يدري من يرضي؟ ول يدري من يتبع؟ ولقلة علمه‬
‫وضعفه؛ أصبح كريشة في مهب الريح‪ ،‬تؤثر فيه القوال المزخرفة‪ ،‬وأقول‬
‫لمثل هذا وأشكاله‪ :‬إن منهج أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهدي السلف الصالح‬
‫واضح بين ل غموض فيه‪ ،‬ول تزلف لحد‪ ،‬يشع في النفس راحة واطمئنان‪،‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واللتزام به عامل مؤثر في الستقرار والستمرار‪ ،‬فعض عليه بالنواجذ‪ ،‬وانبذ‬


‫أهل الهوى وجرح الناس ولمزهم‪ ،‬وعليك بالعمل الجاد‪ ،‬فإنه خير دليل على‬
‫سلمة المنهج‪ ،‬فإن الله يطالبنا بالعمل‪ ،‬وليس بالجدال والمراء وتتبع الزلت‬
‫صّلى‬
‫ما قوله َ‬ ‫والخطاء‪ ،‬فاثبت بارك الله فيك‪ ،‬واترك التردد والحيرة‪ ،‬وردد دائ ً‬
‫د[‬ ‫ة عََلى الّر ْ‬
‫ش ِ‬ ‫م َ‬‫زي َ‬‫مرِ َوال ْعَ ِ‬
‫َ‬
‫ت ِفي اْل ْ‬ ‫سأ َل ُ َ‬
‫ك الث َّبا َ‬
‫َ‬
‫م إ ِّني أ ْ‬ ‫م‪] :‬الل ّهُ ّ‬
‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ّ ُ‬
‫ل‪ ،‬والعزيمة ثانيًا؛ أفلح‬ ‫رواه الترمذي والنسائي وأحمد ‪ .‬فإذا حصل الثبات أو ً‬
‫ن]‪[159‬‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬
‫م َ‬‫كل الفلح‪ {:‬فَإ َِذا عََز ْ‬
‫} “سورة آل عمران”‬
‫فإياك والتردد‪:‬‬
‫إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا‬
‫‪ -7‬عدم الثقة بالنفس والورع الكاذب‪ :‬الذي أصيب به عدد من المسلمين‪،‬‬
‫فتجده يعتذر عن إلقاء كلمة؛ لنه ليستطيع‪ ،‬وهو قادر لكنه الخوف من‬
‫الفشل والتهيب من المواجهة‪ ...‬وهكذا في كل أمر يعرض عليه ‪،‬فتقتل‬
‫الطاقات‪ ،‬وتموت المواهب‪ ،‬ول شك أنه مسئول عنها أمام الله؛ فأعد‬
‫للسؤال جوابا ً‬
‫وإذا لم تستطع شيًئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أما أن تجلس‪ ،‬وأن تتسكع بين شهوات النفس ولذاتها‪ ،‬فلن نرضاه لك أبدا ً ‪.‬‬
‫فمتى تتخلص من عقدة ل أستطيع ول أقدر؟! وإذا قلنا له مثل ذلك قال‪ :‬ل‬
‫سا إل وسعها‪ .‬وأقول‪ :‬إن في وسعك الكثير‪ ،‬فحاول وجرب‪ ،‬وإن‬ ‫يكلف الله نف ً‬
‫لم تنجح أليس في هذا معذرة إلى ربكم‪ ،‬وما علينا إل البلغ المبين‪ ،‬ثم إني‬
‫أنبهك لمر نغفل عنه كثيرا ً وهو مهم للغاية أل وهو‪ :‬أن الخيار والنبلء‬
‫والعلماء ما برزوا إل بالشجاعة‪ ،‬والثقة بالنفس‪ ،‬وإل فإن عند غيرهم بضاعة‬
‫وكنوزًا‪ ،‬ولكنهم تخوفوا‪ ،‬وجبنوا؛ فما شعوا‪:‬‬
‫حب السلمة يفني عزم صاحبه عن المعالي ويغري المرء بالكسل‬
‫‪ -8‬أمراض القلب‪ :‬كالحسد‪ ،‬وسوء الظن‪ ،‬والغل‪ ،‬فإذا أصيب القلب بهذه‬
‫المراض؛ انشغل بالخلق عن الخالق‪ ،‬وزادت همومه‪ ،‬وكثر كلمه‪ ،‬فل تسمعه‬
‫إل منتقصا ً للخرين‪ ،‬مغتابا ً لهم‪ ،‬لهم له سوى الكلم والقيل والقال‪ ،‬بل هو‬
‫يحزن لفرح أخيه ويفرح لحزنه‪ ،‬وبلية البليا أنه يرى أنه على حق‪ ،‬وكل من‬
‫َ‬
‫سًنا ]‪“ }[8‬سورة‬ ‫مل ِهِ فََرآه ُ َ‬
‫ح َ‬ ‫سوُء عَ َ‬
‫ه ُ‬‫ن لَ ُ‬
‫ن ُزي ّ َ‬ ‫خالفه فهو على باطل‪ {:‬أفَ َ‬
‫م ْ‬
‫فاطر” وربما عرف أنه أخطأ‪ ،‬ولكن الشهوة الخفية في التصدر‪ ،‬والترفع‪،‬‬
‫وحب الرياسة أهلكته وأصمته نعوذ بالله من ذلك‬
‫قبيح من النسان ينسى عيوبه ويذكر عيبا ً في أخيه قد اختفى‬
‫فلو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها به اكتفى‬
‫ما هو العلج وما هو الطريق ؟‬
‫العلج يتلخص في هذه النقاط السريعة‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬وضوح في الهدف والغاية والمبدأ وقد أسلفت الكلم عن هذا ‪ :‬ورحم‬
‫الله حرام بن ملحان يوم أن عرف هدفه في الحياة فقد أرسله النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم مع القراء لقبيلة من قبائل مشركي قريش‪ ،‬فكان يعرض‬
‫عليهم رسالة رسول الله‪ ،‬ويبلغهم الرسالة‪ ،‬فأشاروا إلى رجل أن اطعنه من‬
‫خلفه‪ ،‬فطعنه من ظهره حتى أنفذ الرمح من صدره‪ ،‬فإذا بحرام رضي الله‬
‫تعالى عنه وأرضاه يلتفت إلى القاتل ويقول‪ ] :‬الله أكبر ! الله أكبر ! فزت‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورب الكعبة فزت ورب الكعبة[ سبحان الله! يا حرام‪ :‬إنك تغادر الدنيا‬
‫وشهواتها‪ ..‬تغادر الزوجة والولد‪ ،‬فأي فوز هذا يا حرام الذي فزت به؟! يعلم‬
‫رضي الله تعالى عنه لماذا يعيش‪ ،‬إن أسمى أمانيه أن يموت في سبيل الله‬
‫َ‬
‫ل‬‫واًتا ب َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن قُت ُِلوا ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫إنه يقرأ في كتاب الله‪ {:‬وََل ت َ ْ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫ن]‪“ }[169‬سورة آل عمران” ‪ ...‬ورحم الله خبيب بن‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫حَياٌء ِ‬ ‫أ ْ‬
‫عدي يوم أن كان مصلوبا ً على جذع‪ ،‬وكان المشركون يقولون له‪ :‬أترضى يا‬
‫خبيب أن يكون رسول الله مكانك الن؟ فقال‪ ] :‬والله ل أرضى أن يكون‬
‫محمدا ً بين أهله الن تصيبه شوكة وأنا في أهلي[‬
‫ثانًيا‪ :‬الخوف من الله‪ :‬خير زاد لعلو الهمة‪ ،‬فاحرص على خوف الله‪ ،‬وامل‬
‫قلبك بخوف الله‪ ،‬واعلم أن الله يراك ‪ ..‬استعن بالله واعلم أنه معين لك في‬
‫كل أمر‪ ..‬اعلم أن الله مطلع عليك في كل حال‪ ،‬وفي كل مكان‪ ،‬وفي كل‬
‫مقام‪ ..‬فكر بهذه المور حتى يمتل قلبك تعظيما ً لله‪ ،‬فإن من كان بالله‬
‫أعرف؛ كان لله أخوف ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مصاحبة أصحاب الهمم العالية‪:‬‬
‫إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ول تصحب الردى فتردى مع الردي‬
‫وقل لي من تصاحب؛ أقل لك من أنت ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬النظر في سير المجتهدين وفي سير السلف الصالح‪ :‬أصحاب الهمم‬
‫والعزائم‪ ،‬اقرأ في السير والتراجم‪ ،‬فل تترك فضيلة وقفت عليها ويمكن‬
‫تحصيلها إل حصلتها‪ ،‬فإن القنوع في الفضائل حالة الراذل‪ ،‬فكن رجل ً رجله‬
‫في الثرى‪ ،‬وهامة همته في الثريا‪.‬‬
‫خامسًا‪:‬التنافس على الخيرات والشعور بألم الفوات‪ :‬اسأل نفسك بحق‪ :‬كم‬
‫يفوتك من الحسنات؟ كم من الناس اهتدوا فكانوا في موازين الخرين لماذا‬
‫لم يكونوا في موازين أعمالك أنت؟ لماذا ل تكون أنت الذي مد يده بشريط‬
‫أو بكتاب‪ ،‬أو لسانه بكلمة طيبة‪ ،‬أو عقله بفكرة أو طرح؟ فالله عز وجل‬
‫ك‬‫ت]‪“ }[148‬سورة البقرة” ويقول‪ {:‬وَِفي ذ َل ِ َ‬ ‫خي َْرا ِ‬‫قوا ال ْ َ‬
‫ست َب ِ ُ‬‫يقول‪َ {:‬فا ْ‬
‫ن]‪“ }[26‬سورة المطففين” إن مجرد فكرة تقولها‬ ‫سو َ‬ ‫مت ََنافِ ُ‬‫س ال ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫فَلي َت ََنافَ ِ‬
‫وتقرؤها في مجلس من المجالس‪ ،‬فيعمل بها ؛لك أجرها وأجر من عمل بها‬
‫إلى يوم القيامة‪ ،‬من قال‪ :‬أن الوقف لله عز وجل يجب أن يكون ماًل أو‬
‫عقارًا؟! يمكن أن تطرح فكرة للمسلمين عامة‪ ،‬فيعمل بها‪ ،‬فتكون هذه‬
‫الفكرة وقفا ً لله تعالى‪ ،‬وأنت صاحب الوقف؛ تؤجر عليها إلى أن يرث الله‬
‫الرض ومن عليها‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬فتش عما وراء الكمة‪ :‬ربما كانت هناك أسباب أخرى خفية لسلبية‬
‫بعض الناس‪ ،‬فربما كان فلن شابا ً قويا ً جلدا ً نشيطًا‪ ،‬صاحب مواهب‬
‫وابتكارات لكنه صفر لماذا؟ لسبب سوء التخطيط أو سوء التوجيه‪ ،‬فليتنبه‬
‫لذلك المربون والموجهون‪ ،‬فقد يكونوا سببا ً رئيسا ً في سلبية كثير من‬
‫تلميذهم‪ ،‬ومن تحت أيديهم‪ ،‬وليس في هذا تبرئة للرجل الصفر‪ ،‬فإن عليه‬
‫الحرص والجتهاد‪ ،‬ويجب عليه أل ينتظر الفرص بل يبحث عنها‪ ،‬وأل ينتظر‬
‫الموجه‪ ،‬فإن وجد وإل فالتجربة خير برهان فليتوكل على الله‪ ،‬ولينطلق ‪.‬‬
‫وأخيًرا أقول‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وصيتي لنفسي ولكل مسلم ومسلمة‪ ،‬يؤمن بالله واليوم الخر‪ :‬أل تضيع عليه‬
‫ساعات عمره إل بنفع وفائدة‪ ،‬فأنت والله مسئول أمام الله أن تعمل ما‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بوسعك‪ ،‬وأل تحتقر نفسك‪ ،‬إن تلك المرأة السوداء استطاعت أن تكسب‬
‫دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واستطاعت أن تجعل التاريخ يسجل‪،‬‬
‫اسمها اسأل نفسك لماذا حصلت على هذا وكيف؟ لجل أنها عملت للسلم‬
‫عمل ً هو قدرتها ووسعها‪ ،‬وهو عمل في ميزاننا اليوم حقير ‪..‬إنها كانت تقم‬
‫المسجد‪ ..‬ما أحقر هذا العمل في ميزاننا اليوم‪ ،‬ولكن ما أرفعه عند الله يوم‬
‫أن كان هو وسعها وقدرتها ‪ .‬فأين أنت أيها الخ وأين أنت أيتها المسلمة؟‬
‫سجل اسمك في التاريخ‪ ..‬ليكن قلبك كبيرا ً يتسع لهموم الخرين‪ ..‬ليكن همك‬
‫حارا ً لصلح الجميع‪ ..‬أحسن النية واجعلها سباقة فإنك تؤجر عليها ولو لم‬
‫يتيسر لك العمل‪ ..‬فرق كبير بين قولك‪ :‬اللهم اجعلني من الصالحين‪ ،‬وبين‬
‫قولك‪ :‬اللهم اجعلني من الصالحين المصلحين‪ ..‬فرق كبير بين قولك‪ :‬اللهم‬
‫انفعني‪ ،‬وبين قولك اللهم انفعني وانفع بي‪:‬‬
‫إذا كانت النفوس كباًرا تعبت في مرادها الجسام‬
‫متى يستيقظ الخيار إن لم يستيقظوا الن؟! متى يتحرك الصالحون إن لم‬
‫يتحركوا الن؟! متى يستيقظ المسلمون إن لم يستيقظوا الن؟! أليس في‬
‫قلوبنا غيرة؟! أليس فينا حياة؟! متى نشعر بالتحدي‪ ،‬وأعداء الله عز وجل‬
‫يسيئون لهذه العقيدة ليل نهار‪ ،‬جعلوا الباطل حقًا‪ ،‬والحق باط ً‬
‫ل‪ ،‬وجعلوا‬
‫الوضيع شريفا ً والشريف وضيعًا‪.‬‬
‫كل المصائب قد تمر على الفتى فتهون غير شماتة العداء‬
‫من محاضرة‪ :‬الرجل الصفر للشيخ‪ /‬إبراهيم الدويش‬

‫)‪(9 /‬‬
‫الرجوع عن القرار بما يوجب حدا ً‬
‫راشد بن فهد آل حفيظ ]القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة[ ‪17/8/1426‬‬
‫‪21/09/2005‬‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذا ذكر للخلف في مسألة الرجوع عن القرار بما يوجب حدًا)‪ ،(1‬أيقبل أو‬
‫ل؟ فأقول مستعينا ً بالله‪:‬‬
‫لقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬قبول رجوعه مطلقًا‪.‬‬
‫وإليه ذهب الحنفية)‪(2‬والشافعية)‪ ،(3‬والحنابلة)‪ (4‬وهو الرواية المشهورة عند‬
‫المالكية)‪.(5‬‬
‫واستدلوا لذلك بما يلي‪:‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫حديث أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬في ذكر قصة ما عز –رضي الله عنه‪-‬‬
‫حين شهد على نفسه بالزنا‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫ً‬
‫أن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أعرض عنه‪ ،‬وردده مرارا )‪ ،(6‬وقال له‪:‬‬
‫"ويحك‪ ،‬أرجع فاستغفر الله‪ ،‬وتب إليه")‪ .(7‬وفيه‪:‬‬
‫أن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال له‪" :‬لعلك قّبلت‪ ،‬أو غمزت‪ ،‬أو‬
‫نظرت")‪ (8‬وفيه‪:‬‬
‫أن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال للذين رجموه حين هرب لما وجد مس‬
‫الحجارة‪" :‬فهل تركتموه")‪(8‬‬
‫وفي رواية‪" :‬هل تركتموه‪ ،‬لعله أن يتوب فيتوب الله عليه")‪(9‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن هذا الحديث يدل على قبول رجوعه من وجهين‪:‬‬


‫الول‪ :‬كونه –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أعرض عنه‪ ،‬وردده‪ ،‬وعّرض له بالرجوع‪،‬‬
‫وإل لما كان لذلك فائدة‪(10) .‬‬
‫الثاني‪ :‬كونه –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال لمن رجمه بعد هربه‪" :‬هل‬
‫تركتموه" لن الهرب دليل الرجوع"‪(11).‬‬
‫ويمكن مناقشة الوجه الول بما يلي‪:‬‬
‫أن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إنما فعل مع ماعز ما فعله من ترديد‪،‬‬
‫وإعراض‪ ،‬وتعريض‪ ،‬لمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬كون ماعز –رضي الله عنه‪ -‬قد جاء تائبا‪ً.‬‬
‫وهكذا يفعل الترديد‪ ،‬والعراض‪ ،‬والتعريض بالرجوع عن القرار مع كل مقر‬
‫جاء تائبا ً معترفا ً بذنبه بخلف غيره‪ ،‬فل يفعل معه ذلك‪ ،‬فإذا رجع عن إقراره‬
‫وقد جاء تائبا ً قبل منه رجوعه‪ ،‬بل إذا رجع عن طلب إقامة الحد عليه ترك‬
‫ولو لم يرجع عن إقراره لحديث ماعز‪ ،‬فإنه لما هرب حين وجد مس الحجارة‬
‫قال الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لمن رجمه‪" :‬هل تركتموه‪ ،‬لعله أن‬
‫يتوب‪ ،‬فيتوب الله عليه" مما يدل على أنه لم يرجع عن إقراره‪ ،‬وإنما رجع‬
‫عن طلب إقامة الحد عليه –كما سيأتي‪ -‬فيقبل منه ذلك‪ ،‬ويسقط عنه الحد‪،‬‬
‫ويترك‪ ،‬لكونه قد جاء تائبا ً معترفا ً بذنبه ومن هذه حاُله ل تجب إقامة الحد‬
‫عليه أصل ً إل بطلبه‪ ،‬لن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يقمه على ما‬
‫عز والغامدية إل بعد طلبهما لذلك وإصرارهما عليه أما مجرد إقرارهما فل‬
‫يعتبر طلبا ً لقامة الحد عليهما‪ ،‬ولذلك لم يلتفت إليه الرسول –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬بل أعرض عنه)‪.(12‬‬
‫الثاني‪ :‬كونه –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يريد الستثبات)‪.(13‬‬
‫ويدل لذلك أنه –صلى الله عليه وسلم‪ -‬سأله‪" :‬أبك جنون"؟ قال‪ :‬ل)‪.(14‬‬
‫وسأل عنه‪" :‬أنه جنون؟"‪" ،‬أشرب خمرًا؟" )‪.(15‬‬
‫وأرسل إلى قومه‪ ،‬وسألهم‪" :‬أتعلمون بعقله بأسًا؟ أتنكرون مه شيئًا؟" )‬
‫‪(120‬‬
‫ً‬
‫ويدل لذلك أيضا ما جاء عن جابر –رضي الله عنه‪ -‬أن الرسول –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬إنما قال‪" :‬فهل تركتموه‪ ،‬وجئتموني به" ليستثبت منه ليس إل‬
‫فأما لترك حد فل"‪(17).‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وفيه –يعني حديث ماعز" التثبت في إزهاق نفس المسلم‪،‬‬
‫والمبالغة في صيانته‪ ،‬لما وقع في القصة من ترديده‪ ،‬واليماء إليه بالرجوع‪،‬‬
‫والشارة إلى قبول دعواه‪ ،‬إن ادعى إكراهًا‪(18) "..‬‬
‫قال الشوكاني"‬
‫"وليس الستثبات بإسقاط‪ ،‬ول من أسبابه"‪(19).‬‬
‫ويمكن مناقشة الوجه الثاني بما يلي‪:‬‬
‫بأن ماعزا ً –رضي الله عنه‪ -‬لم يرجع عن إقراره البتة‪ ،‬وإنما رجع عن طلب‬
‫إقامة الحد عليه‪ ،‬ويدل لذلك ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬ما جاء عن بريدة –رضي الله عنه‪ -‬أنه قال‪" :‬كنا –أصحاب رسول الله –‬ ‫أو ً‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد‬
‫اعترافهما‪ ،‬أو قال‪ :‬لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما‪ ،‬وإنما رجمهما عند‬
‫الرابعة"‪(20).‬‬
‫فقوله‪" :‬لو رجعا بعد اعترافهما‪ "..‬يدل على عدم رجوعهما عن اعترافهما‬
‫البتة‪ ،‬وكون الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لن يطلبهما‪ ،‬فلنهما جاءا تائبين‪،‬‬
‫وهكذا يفعل مع كل مقّر قد جاء تائبًا‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيًا‪ :‬ما جاء في بعض روايات الحديث‪ ،‬عن جابر بن عبد الله –رضي الله‬
‫عنهما‪ -‬أنه قال‪" :‬كنت فيمن رجم الرجل‪ ،‬إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد‬
‫مس الحجارة صرخ بنا‪ :‬يا قوم ردوني إلى رسول الله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فإن قومي قتلوني وغروني وأخبروني أن رسول الله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬غير قاتلي‪ ،‬فلم ننزع عنه حتى قتلناه‪ ،‬فلما رجعنا إلى رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأخبرناه قال‪" :‬فهل تركتموه وجئتموني به" ليتثبت‬
‫رسول الله منه‪ ،‬فأما لترك حد ّ فل")‪(21‬‬
‫فقول ما عز –رضي الله عنه‪ " -‬يا قوم ردوني‪ "..‬ظاهر في أنه لم يرجع عن‬
‫إقراره‪ ،‬وإنما رجع عن طلب إقامة الحد عليه‪ ،‬إذ لو كان قد رجع عن إقراره‪،‬‬
‫لصرح بذلك‪ ،‬بدل ً من قوله "إن قومي قتلوني‪."..‬‬
‫ة لو قسمت‬ ‫ثالثًا‪ :‬أن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال عنه‪" :‬لقد تاب توب ً‬
‫بين أمة لوسعتهم")‪.(22‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقال –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬هل تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه")‬
‫‪.(23‬‬
‫وهذا يدل على أن أثر القرار باق في حقه إذ ل توبة إل من زنا‪ ،‬فقوله –صلى‬
‫ة‪ "...‬دليل على ثبوت الذنب في حقه‪ ،‬ولو‬ ‫الله عليه وسلم‪" :-‬لقد تاب توب ً‬
‫كان هربه رجوعا ً عن إقراره لرتفع عنه أثره‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬قوله –صلى الله عليه وسلم‪" -‬هل تركتموه‪ ،‬لعله أن يتوب فيتوب الله‬
‫عليه"‪.‬‬
‫ً‬
‫فقوله –صلى الله عليه وسلم‪ "-‬لعله أن يتوب‪ "..‬يدل على أن ماعزا –رضي‬
‫الله عنه‪ -‬لم يرجع عن إقراره‪ ،‬وإنما رجع عن طلب إقامة الحد عليه‪ ،‬وأراد‬
‫أن يتوب بينه وبين الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ولو كان ماعز –رضي الله عنه‪ -‬قد‬
‫رجع عن إقراره لقال الرسول –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬هل تركتموه‪ ،‬لنه‬
‫رجع عن إقراره‪ ،‬لكن لم يقله وقال –صلى الله عليه وسلم‪"-‬لعله أن يتوب‪"..‬‬
‫مما يدل على أن ماعزا ً لم يرجع عن إقراره‪ ،‬وإنما أراد التوبة بينه وبين الله‬
‫سبحانه وتعالى والرجوع عن طلبه إقامة الحد عليه‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أن ماعزا ً –رضي الله عنه‪ -‬قد جاء تائبا ً مقرا‪ ،‬معترفا بذنبه‪ ،‬فكيف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يرجع عن ذلك‪ ،‬ويكذب نفسه؟!‬
‫قال ابن المنذر‪:‬‬
‫"وليس في شيء من الخبار أن ماعزا ً رجع عما أقر به")‪.(24‬‬
‫وقال ابن حزم‪:‬‬
‫ل‪ ،‬لنه ليس فيه أن ماعزا ً رجع عن‬ ‫"أما حديث ماعز فل حجة لهم فيه أص ً‬
‫القرار البتة‪ ،‬ل بنص‪ ،‬ول بدليل‪ ،‬ول فيه أن رسول الله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪ :‬إن رجع عن إقراره قُِبل رجوعه –أيضًا‪ -‬البتة"‪(25).‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫"وقد قيل في ماعز‪ :‬إنه رجع عن القرار‪ ،‬وهذا أحد القولين فيه‪ ،‬في مذهب‬
‫أحمد وغيره‪ ،‬وهو ضعيف والول)‪ (26‬أجود"‪(27).‬‬
‫وقال ابن حجر‪:‬‬
‫"وفي هذا الحديث من الفوائد‪ :‬منقبة عظيمة لماعز بن مالك‪ ،‬لنه استمر‬
‫على طلب إقامة الحد عليه‪ ،‬مع توبته ليتم تطهيره‪ ،‬ولم يرجع عن إقراره‪ ،‬مع‬
‫أن الطبع البشري يقتضي أنه ل يستمر على القرار بما يقتضي إزهاق نفسه‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على ذلك‪ ،‬وقوي عليه")‪.(28‬‬


‫فإن قيل‪ :‬إذا لم يكن قوله –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬هل تركتموه" يدل على‬
‫رجوعه عن إقراره‪ ،‬فعلى أي شيء يدل؟ )‪(29‬‬
‫قلنا‪ :‬الجواب عن ذلك ما يلي‪:‬‬
‫أن قوله –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬هل تركتموه" ل يدل على أن ماعزا ً –‬
‫رضي الله عنه‪ -‬رجع عن إقراره‪ ،‬وإنما يدل على أحد أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو أصحهما‪ :‬أن ماعزا ً رجع عن طلب إقامة الحد عليه‪ ،‬فيقبل منه‬
‫ويترك‪ ،‬لكونه قد جاء تائبا ً معترفا ً بذنبه‪ ،‬ومن هذه حاله ل تجب إقامة الحد‬
‫عليه –أص ً‬
‫ل‪ -‬إل بطلبه‪.‬‬
‫وإذا رجع عن طلب إقامة الحد عليه‪ ،‬أو عن إقراره‪ ،‬قُِبل منه ذلك‪ ،‬وإذا لم‬
‫ي َعُد ْ بعد رده والعراض عنه –حين أقر‪ -‬لم ُيطلب‪ ،‬وإذا هرب في أثناء إقامة‬
‫الحد عليه‪ ،‬ترك ولم يكمل عليه)‪.(30‬‬
‫والثاني‪ :‬أن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أراد الستثبات منه‪ ،‬والتحقق‪،‬‬
‫فقد يأتي بشبهة حقيقية موجبة للشتباه)‪.(31‬‬
‫ويدل لذلك ما جاء عن جابر –رضي الله عنه‪.-‬‬
‫فإن قيل‪:‬‬
‫إن قول بريدة –رضي الله عنه‪" :-‬كنا أصحاب رسول الله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬نتحدث )‪(32‬يدل على أن ماعزا ً لو رجع عن إقراره قبل منه‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬الجواب عن ذلك ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن هذا الحديث ضعيف)‪.(33‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬أن من الصحابة من يرى غير ذلك)‪.(34‬‬ ‫ً‬
‫ثالثًا‪ :‬أن التحدث الواقع بينهم مجرد ظن وحدس)‪.(35‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن قبول رجوع ماعز والغامدية –لو رجعا‪ -‬إنما هو لكونهم قد جاءا‬
‫تائبين معترفين بذنبهما‪ ،‬وهكذا يفعل مع كل مقّر قد جاء تائبًا‪ ،‬بل ل تجب‬
‫إقامة الحد عليه إل بطلبه)‪.(36‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫عن أبي أمية المخزومي أن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أتي بلص قد‬
‫اعترف اعترافًا‪ ،‬ولم يوجد معه متاع‪ ،‬فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"ما إخالك سرقت" قال‪ :‬بلى‪ ،‬فأعاد عليه مرتين أو ثلثًا‪ ،‬فأمر به فقطع‪..‬‬
‫الحديث)‪.(37‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن كون الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ُ -‬يعّرض لهذا الرجل بالرجوع عن‬
‫إقراره يدل دللة واضحة على قبول الرجوع عن القرار بما يوجب حدا ً وإل‬
‫لما كان لذلك فائدة)‪.(38‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بأن هذا الحديث ضعيف)‪.(39‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬بأن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إنما عّرض له بالرجوع من باب‬ ‫ً‬
‫الستثبات)‪.(40‬‬
‫وذلك أن هذا الرجل قد اعترف بالسرقة‪ ،‬ولم يوجد معه متاع‪ ،‬فيخشى كونه‬
‫ظن أن السرقة تثبت بكل قليل وكثير‪ .‬قال الخطابي‪:‬‬
‫ن‬
‫"وجه هذا الحديث عندي –والله أعلم‪ -‬أنه –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ظ ّ‬
‫ة‪ ،‬أو أنه ظن أنه ل يعرف معنى السرقة‪ ،‬ولعله قد‬ ‫بالمعترف بالسرقة غفل ً‬
‫كان مال ً له‪ ،‬أو اختلسه‪ ،‬أو نحو ذلك مما يخرج من هذا الباب عن معاني‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السرقة‪ ،‬والمعترف به قد يحسب أن حكم ذلك حكم السرقة‪ ،‬فوافقه‪،‬‬


‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬واستثبت الحكم فيه")‪.(41‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقال ابن حزم‪" :‬لو صح هذا الخبر لما كان لهم فيه حجة‪ ،‬لنه ليس فيه إل‬
‫"ما إخالك سرقت" ورسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ل يقول إل الحق‪،‬‬
‫فلو صح أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال للذي سيق إليه بالسرقة‬
‫"ما إخالك سرقت" لكنا على يقين من أنه عليه السلم قد صدق في‬
‫ذلك‪،‬وأنه على الحقيقة يظن أنه لم يسرق‪ ،‬وليس في هذا تلقين له")‪.(42‬‬
‫ذبه‪ ،‬لن‬ ‫ثالثًا‪ :‬بأن ذلك خاص بمن رجع عن إقراره‪ ،‬ولم يكن ثمة قرائن ُتك ّ‬
‫هذا السارق لو رجع لم يكن ثمة قرائن ُتكذبه‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬بأن ذلك خاص بمن أقر‪ ،‬ثم أصر على إقراره واستمر –وإن لم يجيء‬
‫تائبًا‪ -‬لن إصراره على إقراره يدل على توبته‪ ،‬وأنه يريد التطهير‪ ،‬كحال ماعز‬
‫والغامدية –رضي الله عنهما‪.‬‬
‫قال ابن القيم –فيما تضمنه هذا الحديث من أحكام‪:-‬‬
‫"التعريض للسارق بعدم القرار‪ ،‬وبالرجوع عنه‪ ،‬وليس هذا حكم كل سارق‪،‬‬
‫سّراق من يقر بالعقوبة والتهديد")‪.(43‬‬ ‫بل من ال ُ‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫عن أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال –صلى الله عليه وسلم‪" -‬ادفعوا‬
‫الحدود‪ ،‬ما وجدتم لها مدفعًا")‪ (44‬وعن عائشة –رضي الله عنها‪ -‬قالت‪ :‬قال‬
‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬ادرأوا الحدود عن المسلمين ما‬
‫استطعتم")‪.(45‬‬
‫وعن علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫يقول‪" :‬أدرأوا الحدود بالشبهات")‪.(46‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن الرجوع عن القرار بحد ُيعد شبهة –لحتمال كذبه في إقراره‪ -‬فيدرأ الحد‬
‫به)‪.(47‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫بأن هذه الحاديث –وكذلك الثار الواردة في هذا الباب‪ -‬ضعيفة ل تقوم بها‬
‫حجة)‪.(48‬‬
‫قال ابن حزم‪:‬‬
‫"وأما "ادرأوا الحدود بالشبهات" فما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫قط من طريق فيها خير‪ ،‬ول نعلمه أيضا ً جاء عنه عليه السلم مسندًا‪ ،‬ول‬
‫ل‪ ،‬وإنما هو قول روي عن ابن مسعود وعمر فقط")‪(49‬‬ ‫مرس ً‬
‫وقال‪:‬‬
‫"جاء من طرق ليس فيها عن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬نص‪ ،‬ول كلمة‪،‬‬
‫وإنما هي عن بعض أصحابه من طرق كلها ل خير فيها")‪.(50‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫"وهي كلها ل شيء‪ :‬أما طريق عبد الرزاق فمرسل‪ ،‬والذي من طريق عمر‬
‫كذلك‪ ،‬لنه عن إبراهيم عن عمر‪ ،‬ولم يولد إبراهيم إل بعد موت عمر بنحو‬
‫خمسة عشر عامًا‪ ،‬والخر الذي عن ابن مسعود مرسل‪ ،‬لنه من طريق‬
‫القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود‪ ،‬أما أحاديث ابن حبيب‬
‫ففضيحة‪ ،‬ولو لم يكن فيها غيره لكفى‪ ،‬فكلها مرسلة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬وهو‬‫فحصل مما ذكرنا أن اللفظ الذي تعلقوا به ل نعلمه روي عن أحد أص ً‬
‫"ادرأوا الحدود بالشبهات" ل عن صاحب‪ ،‬ول عن تابع‪(51) "...‬‬
‫ويمكن الجابة عن ذلك بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بأن ذلك قد صح عن عمر )‪ (52‬وابن مسعود )‪– (53‬رضي الله عنهما‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬بأن درء الحدود بالشبهات –وإن لم تصح الحاديث والثار الواردة‪ -‬أصل‬
‫متفق عليه بين علماء المة‪ ،‬وعليه العمل)‪ (54‬لن النصوص تدل على حرمة‬
‫دم المسلم وعرضه‪ ،‬ومنع الضرار به‪ ،‬والحط من سمعته وقدره‪ ،‬إل بدليل‬
‫واضح يعتمد عليه‪ ،‬وتدل أيضًا‪ -‬أي النصوص على أن الصل براءته حتى تقوم‬
‫البينة عليه)‪.(55‬‬
‫ويمكن مناقشة ذلك بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بأن كون ذلك –أي درء الحدود بالشبهات‪ -‬أصل متفق عليه‪ -‬غير مسلم‬ ‫أو ً‬
‫به‪ ،‬لخلف أهل الظاهر في ذلك)‪.(56‬‬
‫قال ابن حزم‪:‬‬
‫"ذهب أصحابنا إلى أن الحدود ل يحل أن تدرأ بشبهة‪ ،‬ول أن تقام بشبهة‪،‬‬
‫وإنما هو الحق لله تعالى‪ ،‬ول مزيد‪ ،‬فإن لم يثبت الحد لم يحل أن يقام‬
‫بشبهة‪ ...،‬وإذا ثبت الحد لم يحل أن يدرأ بشبهة")‪.(57‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بأن كون الحدود تدرأ الحد بكل شبهة‪ ،‬غير مسلم به كذلك‪ ،‬فلبد أن‬
‫تكون الشبهة قوية‪ ،‬حقيقية‪ ،‬موجبة للشتباه‪ ،‬موقعة في اللبس‪ ،‬وإل لم ُيقم‬
‫حد على وجه الرض‪ (58) .‬قال الشوكاني‪:‬‬
‫"وليست الشبهة التي أمرنا بدرء الحد عندها إل ما كانت موجبة للشتباه‪،‬‬
‫موقعه في اللبس‪ ،‬وإل كان ذلك من إهمال الحدود التي ورد الوعيد الشديد‬
‫على من لم يقمها")‪.(59‬‬
‫فهل الرجوع عن القرار شبهة موجبة للشتباه‪ ،‬موقعة في اللبس؟!‬
‫قال الشوكاني‪:‬‬
‫"الرجوع ليس بشبهة تدرأ بها حدود الله")‪.(60‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫ً‬
‫"ل بد من أن يكون رجوعه محتمل للصدق‪ ،‬حتى يكون شبهة له‪ ،‬وإل كان من‬
‫دفع ما قد تكلم به لسانه‪ ،‬وأقر به على نفسه بما ل يصح الدفع‪ ،‬وليست‬
‫الشبهة التي أمرنا بدرء الحد عندها إل ما كانت موجبة للشتباه‪(61) "....‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫"إسقاط العقوبة بالتوبة –كما دلت عليه النصوص‪ -‬أولى من إسقاطها‬
‫بالرجوع عن القرار‪ ،‬والقرار شهادة منه على نفسه‪ ،‬ولو قُِبل الرجوع لما‬
‫قام حد بإقرار‪ ،‬فإذا لم تقبل التوبة بعد القرار –مع أنه قد يكون صادقًا‪-‬‬
‫فالرجوع الذي هو فيه كاذب أولى" )‪(62‬‬
‫فالحاصل‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أن الرجوع عن القرار ليس بشبهة يدرأ بها الحد –ول سيما إذا كانت القرائن‬
‫تدل على كذبه فيه‪ -‬لن احتمال كذبه في الرجوع أقرب منه في القرار‪ ،‬إذ‬
‫يبعد أن يكذب على نفسه‪ ،‬ويشهد عليها بالزنا أو بالسرقة –مث ً‬
‫ل‪ -‬أما أن‬
‫يكذب في رجوعه عن إقراره –ول سيما إذا رأى أن الحد سوف يقام عليه‪-‬‬
‫فهذا قريب‪ ،‬وقريب جدًا)‪.(63‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قضاء الخلفاء الراشدين –رضي الله عنهم‪-‬‬


‫فعن ابن حريج قال‪ :‬سمعت عطاء يقول‪ :‬كان من مضى يؤتى بالسارق‬
‫مى أبا‬ ‫فيهم‪ ،‬فيقال له‪ :‬أسرقت؟ قل‪ :‬ل‪ ،‬أسرقت؟ قل‪ :‬ل ول أعلمه إل س ّ‬
‫بكر وعمر –رضي الله عنهما)‪(64‬‬
‫ُ‬
‫وعن معمر عن ابن طاووس عن عكرمة بن خالد قال‪" :‬أتي عمر بن‬
‫الخطاب برجل‪ ،‬فسأله أسرقت؟ قل‪ :‬ل‪ ،‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬فتركه ولم يقطعه"‪(65).‬‬
‫وعن ابن جريح عن عكرمة بن خالد قال‪ُ" :‬أتي عمر بسارق قد اعترف‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪:‬إني لرى يد رجل ما هي بيد سارق‪ ،‬قال الرجل‪ :‬والله ما أنا بسارق‪،‬‬
‫فأرسله عمر ولم يقطع"‪(66).‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن هذه الثار فيها التلقين بالنكار‪ ،‬والتعريض بالرجوع عن القرار‪ ،‬مما يدل‬
‫على قبول الرجوع عن القرار‪ ،‬وإل لما كان لذلك فائدة‪.‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بأن هذه الثار ضعيفة‪ ،‬ل يصح منها شيء‪ ،‬ول تقوم بها حجة")‪.(67‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬بأنه ليس في هذه الثار ما يدل على قبول الرجوع عن القرار‪ ،‬وإنما‬
‫فيها التلقين بالنكار‪ ،‬خشية القرار بما يوجب الحد –كما في الثرين الولين‪-‬‬
‫والتعريض بالرجوع عن إقرار حصل قبل وصول المر إلى الحاكم الشرعي‪) .‬‬
‫‪– (68‬كما في الثر الثالث‪ -‬خشية الستمرار عليه والقرار مرة أخرى أمام‬
‫الحاكم بما يوجب الحد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بأن ذلك خاص بمن أقر‪ ،‬وأصر على إقراره‪ ،‬لن إصراره على إقراره‬
‫واستمراره عليه‪ ،‬يدل على توبته وأنه يريد التطهير‪ ،‬كحال ماعز والغامدية –‬
‫رضي الله عنهما‪ -‬قال ابن القيم –عن قوله‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪" -‬ما‬
‫إخالك سرقت"‪:(69).‬‬
‫"التعريض للسارق بعدم القرار‪ ،‬وبالرجوع عنه‪ ،‬وليس هذا حكم كل سارق")‬
‫‪(70‬‬
‫رابعا‪ :‬بأن هذا خاص بمن رجع عن إقراره ولم يكن ثمة قرائن تكذبه‪.‬‬ ‫ً‬
‫الدليل الخامس‪:‬‬
‫ً‬
‫القياس‪ :‬قياس الرجوع عن القرار بما يوجب حدا على الرجوع عن الشهادة‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ويرفع أثرها‪ ،‬فكذلك الرجوع عن القرار‬ ‫فكون الرجوع عن الشهادة مقبو ً‬
‫بما يوجب حدا ً يقبل‪ ،‬ويرفع أثره")‪.(71‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪ :‬بأن هذا القياس قياس مع الفارق‪ ،‬ووجه ذلك أن‬
‫يقال‪:‬‬
‫شهادة الشاهد على غيره يعتريها الخطأ والعدوان‪ ،‬بخلف الشهادة على‬
‫النفس‪ ،‬فإن الخطأ فيها والعدوان من أبعد ما يمكن‪ ،‬إذ يبعد أن يخطئ‬
‫ل‪ -‬أو يعتدي عليها‪،‬‬‫النسان على نفسه‪ ،‬ويشهد عليها بسرقة‪ ،‬أو بزنا –مث ً‬
‫ويلطخها بذلك‪ ،‬ويرضى بالعقوبة‪ ،‬وهو كاذب‪ ،‬لم يزن‪ ،‬ولم يسرق‪.‬‬
‫أما أن يخطئ في شهادته على غيره‪ ،‬أو يعتدي‪ ،‬فهذا قريب‪ ،‬وقريب جدا‪ً.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬عدم قبول رجوعه مطلقًا‪.‬‬
‫وإليه ذهب بعض السلف)‪ (72‬وأهل الظاهر)‪ ،(73‬وهو رواية عن المام مالك)‬
‫‪ (74‬وقول للشافعي)‪ ،(75‬ورجحه ابن المنذر في الرجوع عن القرار بزنا)‬
‫‪ (76‬والشوكاني)‪.(77‬‬
‫قال الخطالي‪:‬‬
‫"وقال مالك بن أنس‪ ،‬وابن أبي ليلى‪ ،‬وأبو ثور –رحمهم الله‪" :-‬ل يقبل‬
‫رجوعه‪ ،‬ول يدفع عنه الحد‪ ،‬وكذلك قال أهل الظاهر‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وروي عن الحسن البصري‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬وروي مثل ذلك عن جابر بن‬
‫عبد الله"‪(78).‬‬
‫وقال البغوي‪" :‬وذهب جماعة إلى أن الحد ل يسقط عنه بالرجوع عن القرار‬
‫وروي ذلك عن جابر‪ .‬وقول الحسن البصري وسعيد بن جبير وإليه ذهب ابن‬
‫أبي ليلى وأبو ثور‪(79) .‬‬
‫وقال ابن قدامة‪:‬‬
‫"وقال الحسن البصري‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬وابن أبي ليلى‪ :‬يقام عليه الحد‪ ،‬ول‬
‫يترك")‪(80‬‬
‫وقال‪" :‬وقال ابن أبي ليلى‪ ،‬وداود‪ :‬ل يقبل رجوعه")‪.(81‬‬
‫وقال ابن المنذر‪:‬‬
‫وإذا أقر الرجل بالزنا مرة‪ ،‬ثم رجع لم يقبل رجوعه‪ ،‬وأقيم عليه الحد")‪(82‬‬
‫وقال الشوكاني‪:‬‬
‫"وبهذا تعرف أنه ل دليل يدل على أن الرجوع عن القرار يسقط به الحد‪،‬‬
‫وقد حصل المقتضي بالقرار‪ ،‬فل يسقط إل بدليل يدل على سقوطه‪ ،‬دللة‬
‫بينة ظاهرة")‪(83‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية –عن سقوط الحد عن ماعز –"يقولون‪ :‬سقط‬
‫الحد لكونه رجع عن القرار‪ ،‬ويقولون‪ :‬رجوعه عن القرار مقبول‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف‪ ،‬بل فرق بين من أقر تائبا ً ومن أقر غير تائب")‪.(84‬‬
‫واستدلوا لذلك بما يلي‪:‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على‬
‫أنفسكم"‪(85).‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن المؤمن مأمور بالشهادة لله بالحق‪ ،‬ولو على نفسه‪ ،‬مما يدل على قبول‬
‫شهادته على نفسه‪ ،‬وأنه ل يقبل منه الرجوع فيها‪ ،‬وإل لم يكن لذلك فائدة)‬
‫‪.(86‬‬
‫قال ابن حزم‪:‬‬
‫"فكل من ذكرنا مأمور بالقرار بالحق على نفسه‪ ،‬ومن الباطل بأن يفترض‬
‫عليهم ما ل يقبل منهم")‪(88).(87‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ل‪ :‬بأن كون الرجوع عن الشهادة على النفس غير مقبول على كل حال‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫فهذا غير مسلم به‪ ،‬أما كونه ل يقبل في حق الدمي‪ ،‬وقبل في حق الله‬
‫سبحانه وتعالى فهذا مسلم به‪ ،‬لن حق الله سبحانه وتعالى مبني على‬
‫المسامحة‪ ،‬والمساهلة‪ ،‬بخلف حق الدمي‪ ،‬فإنه ليس كذلك‪ ،‬بل هو مبني‬
‫على المشاحة)‪.(89‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بأن كون الرجوع عن الشهادة على النفس غير مقبول على كل حال‪،‬‬
‫ولو كان في حق الله سبحانه وتعالى‪ ،‬فهذا مسلم به كذلك إل إذا كان الرجوع‬
‫من مقّر قد جاء تائبًا‪ ،‬لحديث ماعز‪ ،‬فإن فيه –وإن كان ماعز لم يرجع عن‬
‫إقراره البتة‪ -‬ما يدل على ذلك‪ ،‬أو كان ثمة شبهة قوية موجبة للشتباه‪،‬‬
‫للنصوص الدالة على حرمة دم المسلم وعرضه‪ ،‬إل بدليل واضح يعتمد عليه‪،‬‬
‫أو إذا لم يكن ثمة قرائن تدل على كذبه‪ ،‬لحديث أبي أمية‪ ،‬وفيه تعريض‬
‫الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬للسارق بعدم القرار‪ ،‬لنه لو رجع لم يكن‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثمة قرائن تكذبه‪.‬‬


‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫حديث أبي هريرة‪ ،‬وزيد بن خالد الجهني –رضي الله عنهما‪ -‬وفيه قوله –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬لنيس‪" :‬واغد يا أنيس على امرأة هذا‪ ،‬فإن اعترفت‬
‫فارجمها‪ ،‬فغدا عليها‪ ،‬فاعترفت‪ ،‬فرجمها")‪.(90‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن كون الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يقل لنيس "ما لتم ترجع عن‬
‫اعترافها" مع دعاء الحاجة إليه هنا‪ ،‬يدل على عدم قبول الرجوع عن القرار‬
‫مطلقًا‪.‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫بأن كون الرجوع عن القرار غير مقبول مطلقا‪ ،‬فهذا غير مسلم به‪ ،‬لمخالفته‬
‫دللة النصوص المتقدمة‪ ،‬من كونه يقبل إذا كان من مقر جاء تائبًا‪ ،‬أو إذا لم‬
‫يكن ثمة شبهة قوية موجبة للشتباه أو إذا لم يكن ثمة قرائن تكذبه‪.‬‬
‫وعللوا لذلك بما يلي‪:‬‬
‫التعليل الول‪:‬‬
‫ً‬
‫أن النسان إذا شهد على نفسه بالزنا –مثل‪ -‬فقد صدق عليه وصف الزاني‪،‬‬
‫وثبت عليه الحد –حينئذ‪ -‬فل يمكن دفعه‪ ،‬لنه قد علق على وصف ثبت بإقرار‬
‫من اتصف به‪ ،‬فبمجرد ما ثبت القرار ثبت الحد‪ ،‬فما الذي يرفعه؟ )‪(91‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫بأن الذي يرفعه هو ما تقدم من النصوص‪ ،‬الدالة على قبول الرجوع عن‬
‫القرار‪ ،‬إذا كان من مقر جاء تائبًا‪ ،‬أو كانت ثمة شبهة موجبة للشتباه‪ ،‬أو إذا‬
‫لم يكن ثمة قرائن تكذبه‪.‬‬
‫التعليل الثاني‪:‬‬
‫ً‬
‫أنه يبعد أن يكذب النسان على نفسه‪ ،‬ويشهد عليها بالزنا مثل‪ ،‬أما أن يكذب‬
‫في رجوعه عن إقراره –ول سيما إذا رأى أن الحد سوف يقام عليه‪ -‬فهذا‬
‫قريب‪ ،‬وقريب جدًا‪ ،‬بل هو الظاهر لكل أحد)‪.(92‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫بأن هذا مسلم به‪ ،‬ولذلك لم يقبل رجوعه على كل حال‪ ،‬وإنما يقبل في‬
‫الحوال الثلثة –المتقدمة‪ -‬التي دلت عليها النصوص‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬قبول رجوعه‪ ،‬إن كان له شبهة وما ل فل‪.‬‬
‫وإليه ذهب المام مالك في إحدى الروايتين عنه)‪ ،(93‬وبه أخذ بعض أصحابه‪،‬‬
‫كعبد الملك‪ ،‬وأشهب)‪.(94‬‬
‫واستدل لذلك بما يلي‪:‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫حديث ماعز –رضي الله عنه‪ -‬وفيه أن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"فهل تركتموه‪ ،‬وجئتموني به" قال جابر –رضي الله عنه‪" :-‬ليستثبت رسول‬
‫الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬منه‪ ،‬فأما لترك حد فل")‪(95‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إنما قال‪" :‬فهل تركتموه وجئتموني به"‬
‫لينظر في أمره‪ ،‬ويستثبت‪ :‬فقد يأتي بشبهة تدرأ عنه الحد‪ ،‬مما يدل على‬
‫قبول رجوعه عن إقراره إن كان له شبهة وما ل فل")‪.(96‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بأن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال ذلك لينظر في أمره‬ ‫أو ً‬
‫ويستثبت‪ :‬فقد يأتي بشبهة‪ ،‬فهذا غير مسلم به‪ ،‬بل قال ذلك لكون ماعز قد‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رجع عن طلب إقامة الحد عليه‪ ،‬فيقبل منه ذلك‪ ،‬لكونه قد جاء تائبا ً معترفا ً‬
‫بذنبه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بأن كون الرجوع عن القرار مقبول إن كان له أي شبهة فهذا غير مسلم‬
‫ً‬
‫به كذلك‪ ،‬فلبد أن تكون الشبهة حقيقية موجبة للشتباه‪.‬‬
‫قال الشوكاني‪:‬‬
‫"إنما أراد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من رجوعه إليه الستثبات‪ ،‬إذا جاء بشبهة‬
‫مقبولة")‪.(97‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بأن كون الرجوع عن القرار مقبول ً إن كان له شبهة وما ل فل‪ ،‬فهذا‬
‫غير مسلم به كذلك‪ ،‬بل الرجوع عن القرار مقبول –وإن لم يكن له شبهة‪-‬‬
‫إذا كان من مقّر جاء تائبًا‪ ،‬أو إذا لم يكن ثمة قرائن تكذبه‪ ،‬للنصوص الواردة‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫قوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لماعز حين أقر‪" :‬لعلك قّبلت‪ ،‬أو غمزت‪ ،‬أو‬
‫نظرت")‪.(98‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬
‫أن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عّرض له بذلك‪ ،‬عله يرجع عن إقراره‪،‬‬
‫ويذكر لرجوعه شبهة تدرأ عنه الحد‪ ،‬مما يدل على قبول رجوعه إن كان له‬
‫شبهة وما ل فل‪.‬‬
‫ويمكن مناقشته بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بأن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إنما عّرض له بذلك للستثبات منه‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬بأن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إنما عّرض له بذلك‪ ،‬لكونه جاء‬ ‫ً‬
‫تائبا ً معترفا ً بذنبه‪ ،‬ومن هذه حاله يقبل رجوعه عن إقراره‪ ،‬ذكر شبهة أو ل‪.‬‬
‫ويمكن مناقشته –كذلك‪ -‬بالوجهين الثاني والثالث‪ ،‬اللذين نوقش بهما الدليل‬
‫الول‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫حديث علي –رضي الله عنه‪ -‬في درء الحدود بالشبهات)‪.(99‬‬
‫وجه الستدلل‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أن هذا الحديث يدل على أن الحدود تدرأ بالشبهات‪ ،‬وعليه فإذا رجع عن‬
‫إقراره‪ ،‬وذكر شبهة ُقبل رجوعه‪ ،‬وما ل فل‪.‬‬
‫ويمكن مناقشته –كذلك‪ -‬بالوجهين الثاني والثالث‪ ،‬اللذين نوقش بهما الدليل‬
‫الول‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫الذي يظهر لي –والله أعلم بالصواب‪ -‬أن الرجوع عن القرار بما يوجب حدا ً‬
‫غير مقبول‪ ،‬إل إن كان من تائب قد جاء معترفا ً بذنبه يريد التطهير‪ (100) .‬أو‬
‫كان ثمة شبهة قوية موجبة للشتباه‪ ،‬موقعة في اللبس)‪ ،(101‬أو لم يكن ثمة‬
‫قرائن تكذبه)‪.(102‬‬
‫قال شيخ السلم‪:‬‬
‫"وقد قيل في ماعز‪ :‬إنه رجع عن القرار‪ ،‬وهذا أحد القولين فيه‪...‬وهو‬
‫ضعيف‪ ،‬والول أجود‪ ،‬وهؤلء يقولون‪ :‬سقط الحد لكونه رجع عن القرار‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬رجوعه عن القرار مقبول‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬بل فرق بني من أقر تائبا ً‬
‫ومن أقر غير تائب‪ ،‬فإسقاط العقوبة بالتوبة –كما دلت عليه النصوص‪ -‬أولى‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من إسقاطها بالرجوع عن القرار‪ ،‬والقرار شهادة منه على نفسه‪ ،‬ولو قبل‬
‫الرجوع لما قام حد بإقرار‪ ،‬فإذا لم تقبل التوبة بعد القرار مع أنه قد يكون‬
‫صادقا ً فالرجوع الذي هو فيه كاذب أولى"‪(103).‬وقال‪:‬‬
‫"الرجوع عن الدعوى مقبول‪ ،‬والرجوع عن القرار غير مقبول‪ ،‬والقرار الذي‬
‫لم يتعلق به حق لله‪ ،‬ول حق لدمي هو من باب الدعاوى‪ .‬فيصح الرجوع‬
‫عنه"‪(104).‬‬
‫أما القرار الذي يتعلق به حق لله سبحانه وتعالى أو حق لدمي فليس من‬
‫باب الدعاوى‪ ،‬فل يصح الرجوع عنه‪ ،‬وليقبل‪.‬‬
‫هذا مفهوم كلمه –رحمه الله‪.-‬‬
‫وقال الشيخ الفقيه العلمة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله‪ -‬في شرح‬
‫البلوغ‪ ،‬باب حد الزنا‪:‬‬
‫"وقال بعض العلماء‪ :‬إنه ل يقبل رجوعه عن القرار‪ ،‬ول سيما إذا احتفت به‬
‫قرائن‪ ،‬لن ماعز –رضي الله عنه‪ -‬لم يرجع‪ ،‬ولكنه هرب‪ ،‬بخلف الراجع؛ لن‬
‫الراجع في الحقيقة متلعب بالحكام الشرعية‪ ،‬ومتلعب بالحكام"‪.‬‬
‫ثم قال –رحمه الله‪:-‬‬
‫ً‬
‫"هل يمكن أن تأتي الشريعة الحكيمة بقبول رجوع مثل هذا؟ الجواب‪ :‬أبدا ل‬
‫يمكن"‪.‬‬
‫ثم قال رحمة الله‪:‬‬
‫"ثم إنه إذا احتفت به القرائن ل يتجه إطلقا ً القول بجواز الرجوع‪ ،‬أو بقبول‬
‫الرجوع"‪.‬‬
‫ثم قال –رحمه الله‪:-‬‬
‫"إذا صرح في إقراره بالزنا وذكر القرائن التي تشهد لما صنع ثم نقول‪ :‬يقبل‬
‫رجوعه استدلل ً بحديث ماعز‪ ،‬فهذا بعيد جدًا"‪.‬‬
‫وقال –رحمه الله‪ -‬في شرحه للبلوغ أيضًا‪ ،‬باب حد السرقة‪:‬‬
‫"فيكون القول الراجح الوسط في هذا إذا وجدت قرائن تشهد بأن رجوعه‬
‫ليس بصحيح فإن رجوعه ل يقبل‪ ،‬وإن لم توجد فإنه يقبل رجوعه"‪.‬‬
‫ثم قال –رحمه الله‪-‬‬
‫"وأما مع وجود القرينة فل وجه لقبول رجوعه‪ ،‬ول يمكن أن يكون هذا القول‬
‫عمليا ً في أحوال الناس ل سيما مع كثرة السرقات"‪.‬‬
‫وقال –رحمه الله‪ -‬في شرحه للزاد‪ ،‬باب حد السرقة‪:‬‬
‫"هل نقول‪ :‬إن عموم كلم الفقهاء حيث قالوا‪" :‬ول ينزع عن إقراره حتى‬
‫يقام عليه الحد" يقتضي أن هذا الذي رجع عن إقراره ووجد المال المسروق‬
‫عنده ووصف السرقة هو بنفسه‪ ،‬فهو لم يقل‪ :‬سرقت فقط بل ذهب بنا إلى‬
‫المحل وأرانا كيف صنع فهل نقول‪ :‬إن عموم كلم الصحاب يقتضي أن يرفع‬
‫عنه الحد‪ ،‬لنه رجع‪ ،‬أو نقول‪ :‬إن كلمهم هذا فيما إذا كان ثبوت السرقة‬
‫مجرد إقرار أما مع وجود هذه القرائن التي ذكرها‪ ،‬ووجد المال عنده فهذا‬
‫ة‪ ،‬إن لم يكن أقوى من شهود الشاهدين فليس دونه‪،‬‬ ‫يشبه أن يكون بين ً‬
‫فالظاهر لي أن مثل هذه الصورة ل تنطبق على كلم المؤلف‪ ،‬لن كلم‬
‫المؤلف إذا كانت المسألة مجرد إقرار‪ ،‬أما مع وجود القرائن ووجود المال‬
‫عنده وعلى حسب ما وصف تماما ً فل"‪.‬‬
‫ثم قال –رحمه الله‪:-‬‬
‫"فالصواب إذا ً أن الرجوع عن القرار غير مقبول مطلقا‪ ،‬فكيف إذا احتفت به‬
‫ً‬
‫القرائن التي تدل على كذب الرجوع وأن السرقة واقعة تمامًا"‪.‬‬
‫ثم قال –رحمه الله‪:-‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"وإذا ادعى الكراه وكان يمكن أن يكره رفعنا عنه الحد"‪.‬‬


‫وقال –رحمه الله‪ -‬في شرحه للزاد‪ ،‬باب حد الزنا‪:‬‬
‫"إذا رجع وقال إني مكره‪ ،‬فإنه ينظر للقرينة فإن كان هناك قرينة عمل بها‬
‫لنه أحيانا ً يضرب حتى يقر‪ ،‬بدون اختياره"‪.‬‬
‫وقال –رحمه الله‪:-‬‬
‫"والمهم أن درء الحدود بمثل هذه الشبهات البعيدة بعيد من الصواب‪،‬‬
‫والنسان يجب أن يسوس المة بما يمنع الفساد"‪.‬‬
‫وقال –رحمه الله‪:-‬‬
‫"وأما حديث‪" :‬ادرءوا الحدود عن المسلمين بالشبهات ما استطعتم"‪ ،‬فهو‬
‫حديث ضعيف ل تقوم به الحجة‪ ،‬وما أكثر ما يعتمد المتهاونون عليه في إقامة‬
‫الحدود‪ ،‬كما جاءت حدود قد تكون مثل الشمس قالوا‪ :‬قال الرسول –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :-‬ادرءوا‪ ...‬الحديث" حتى يجعلون ما ليس شبهة شبهة‪،‬‬
‫ونحن باعتمادنا على الحديث نحتاج إلى أمرين‪:‬‬
‫ل‪ :‬ثبوت الحديث‪ ،‬ثانيًا‪ :‬تحقيق المناط هل هذا شبهة أو غير شبهة‪."...‬‬ ‫أو ً‬
‫وقد سألته أعني الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله‪ -‬عن هذه المسألة‬
‫أسئلة عدة‪:‬‬
‫السؤال الول‪:‬‬
‫قال شيخ السلم –رحمه الله‪ -‬في الفتاوى )‪ :(16/32‬إن ماعزا ً –رضي الله‬
‫عنه‪ -‬لم يرجع عن إقراره‪ ،‬وإنه إنما جاء بنفسة تائبا ً معترفًا‪ ،‬وطلب إقامة‬
‫الحد عليه فما رأيكم؟‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فقال شيخ السلم –رحمه الله‪ :-‬هذا هو الصحيح‪ ،‬فماعز لم يرجع عن‬
‫إقراره‪ ،‬وإنما رجع عن طلب إقامة الحد عليه؛ لن الرجوع عن القرار إنكار‪،‬‬
‫وهو قد جاء تائبا ً معترفا ً بذنبه يريد التطهير‪ ،‬فكيف يرجع عن إقراره وينكر‬
‫ذلك‪ ،‬فل شك أن ما ذكره –رحمه الله‪ -‬هو الصحيح ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ثم قال –رحمه الله‪ :-‬إن كثيرا ً من القضاة يخطئ في هذه المسألة‪ ،‬فتجد أنه‬
‫ل‪ -‬وقد اعترف بسرقته‪ ،‬واصفا ً لها وصفا ً دقيقا ً عند‬ ‫يؤتى بالسارق –مث ً‬
‫الشرطة وعند الهيئة وعند القاضي ثم يوجد المسروق عنده‪ ،‬وكل القرائن‬
‫تدل على أنه السارق‪ ،‬ثم إذا رجع عن إقراره قبل رجوعه ولم يقم عليه الحد‪،‬‬
‫وللسف فقد توسع القضاة في ذلك توسعا ً عظيما ً ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ثم قال –رحمه الله‪:-‬‬
‫ولقد أعجبتني كلمة لشيخ السلم –رحمه الله‪ -‬في الفتاوى )‪ (16/32‬حيث‬
‫قال‪ :‬لو ُقبل الرجوع عن القرار لم يقم حد بإقرار على وجه الرض‪ ،‬وصدق‬
‫–رحمه الله‪ -‬لن كل مجرم يريد السلمة من العقاب ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ما الضابط لعدم قبول رجوعه؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬إذا دلت القرائن على كذبه في رجوعه فل يقبل‬
‫ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬قوله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لماعز أنكتها؟ قل‪ :‬ل‪ ،‬وقوله –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬لعلك قبلت‪ ...‬الحديث؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬كلنا يعرف ما فعله الرسول –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬مع ماعز من إعراض وتعريض‪ ،‬وترديد‪ ،‬وقوله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬أبك جنون‪ "...‬فهذا خاص به‪ ،‬ومن في حكمه‪ ،‬ممن جاء تائبا ً معترفا ً‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بذنبه‪ ،‬لن حاله مختلفة تماما ً عن حال غيره ممن يقبض عليه بجرمه ثم‬
‫يعترف ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬وحديث‪" :‬ادرءوا الحدود بالشبهات"‪.‬‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬أول ً نريد منك أن تصحح هذا الحديث‪ ،‬ثانيًا‪ :‬ما هي‬
‫الشبهة التي يدرأ بها الحد؟ هل كل شبهة يدرأ بها الحد أم لبد من شبهة‬
‫حقيقية؟ فلبد بارك الله فيك من شبهة حقيقية ل مجرد شبهة‪ ،‬كقولهم‪ :‬إن‬
‫من استأجر امرأة فزنى بها فل حد عليه‪ ،‬فهل هذا صحيح؟ أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫فأردت سؤاله في الموضوع نفسه فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬يا أخي ل‬
‫تحرجني‪ ،‬ول تدعني أقول كلما ً ل أود أن أقوله‪ ،‬وذلك لني مستاء جدا ً من‬
‫ض عنه إطلقا ً ا‪.‬هـ وكان ذلك يوم الثنين‬ ‫هذا الوضع‪ ،‬وغير را ٍ‬
‫‪19/10/1418‬هـ وبحضور طلبة علم كبار‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪:‬‬
‫لقد ذكر العلمة ابن مفلح –في الفروع )‪ (6/143‬عن شيخ السلم ابن تيمية‬
‫كمل‪،‬‬‫أنه قد اختار قبول توبة من وجب عليه حد ولو في أثناء تنفيذ الحد‪ ،‬فل ي ُ ّ‬
‫وأن هربه فيه توبة‪ ،‬وذكره عنه أيضا ً تلميذه العلمة ابن القيم –في زاد المعاد‬
‫)‪- (5/33‬والعلمة المرداوي‪ -‬في النصاف )‪ (10/303‬فهل كلمه هذا خاص‬
‫بمن حاله كحال ماعز أم أنه عام يشمل كل مقرٍ وكل من وجب عليه حد لو‬
‫كان ببينة؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬ل‪ ،‬هذا خاص بالمقر الذي ثبت عليه الحد بإقراره‪،‬‬
‫وقد جاء بنفسه تائبا ً ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬إذا ًَ شيخ السلم يقصد من جاء بنفسه تائبا‪ ،‬معترفا بذنبه‪ ،‬ثم رجع عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إقراره‪ ،‬أو هرب أثناء تنفيذ الحد عليه)‪(105‬؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬نعم‪ ،‬هذا معلوم ا‪.‬هـ‬
‫يوم الثنين ‪10/7/1420‬هـ‪ ،‬ويوم الحد ‪20/11/1420‬هـ‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا رجع المقر بما يوجب حدا عن إقراره فإنه ل يقبل؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬نعم‪ ،‬أنا عندي أنه ل يقبل رجوعه‪ ،‬بل إن هذا مما‬
‫يزيد المر وضوحا ً وثبوتًا‪ ،‬لنه يتلعب بالقضاء ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬بعضهم يقول‪ :‬إن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬هل تركتموه‬
‫يتوب‪ "...‬لنه رجع عن إقراره؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬هذا فهم خاطئ‪ ،‬فإن ماعزا ً لم يرجع عن إقراره‪،‬‬
‫وإنما رجع عن طلب إقامة الحد عليه ا‪.‬هـ‬
‫ثم قال الشيخ –رحمه الله‪ -‬إن من الخطأ العظيم جدا ً فيما يتعلق بحد‬
‫ل‪ ،‬ثم إذا‬ ‫السرقة أن يأتي السارق ويقر بسرقته ويصفها وصفا ً دقيقا ً مفص ً‬
‫رجع قبل رجوعه ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقلت‪ :‬إنني أعزم –إن شاء الله‪ -‬أن أكتب بحثا عن هذه المسألة معتمدا على‬
‫ما قلتموه لي‪ ،‬وذكرتموه في شرحكم للبلوغ والزاد؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬ل بأس ا‪.‬هـ يوم الثلثاء ‪4/3/1421‬هـ‪.‬‬
‫السؤال الرابع‪:‬‬
‫إذا قبضت الجهات المختصة على رجل فأقر بالزنا باختياره وظهرت عليه آثار‬
‫التوبة وجاء إلى المحكمة وصدق إقراره شرعًا‪ ،‬وأصر على إقراره مريدا ً‬
‫التطهير فعرض له بالرجوع في جلسة الحكم‪ ،‬لكونه قد تاب‪ ،‬فرجع عن‬
‫إقراره فهل يقبل ذلك منه؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬الفقهاء يرون قبول رجوعه‪ ،‬وأن الحد يدرأ عنه‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬إني أريد أن أعرف رأيكم في مثل هذا بناًء على اختياركم واختيار‬
‫شيخ السلم في التفريق في هذه المسألة بين التائب وغيره؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬أنا أرى أنه ل يقبل رجوعه‪ ،‬لكني متردد في ذلك‪،‬‬
‫لن هذا تائب‪ .‬ا‪.‬هـ يوم الحد ‪30/3/1421‬هـ‪.‬‬
‫السؤال الخامس‪:‬‬
‫ل على رجل بأنه أقر أمامهم بالزنا بل إكراه‪ ،‬ثم إنه‬ ‫ل عدو ٍ‬
‫إذا شهد أربعة رجا ٍ‬
‫أنكر ذلك أمام القاضي‪ ،‬فهل يؤاخذ بإقراره هذا؟‬
‫ً‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬الن قد ثبت إقراره شرعا بهؤلء الشهود‪ ،‬لكن‬
‫يبقى هل يقبل رجوعه عن إقراره أم ل يقبل ا‪.‬هـ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ثم قال الشيخ –رحمه الله‪ -‬لكن قد يقبل رجوعه إذا تاب قبل أن يصل إلى‬
‫القاضي ا‪.‬هـ‬
‫ثم قلت للشيخ إذا شهد على إقراره أقل من أربعة أيعزر؟ فقال‪ :‬الشيخ –‬
‫رحمه الله‪ -‬نعم‪ ،‬إذا لم يقر بذلك أمام القاضي‪ ،‬فمثل هذا يعزر ا‪.‬هـ يوم الحد‬
‫‪20/11/1420‬هـ‪.‬‬
‫السؤال السادس‪:‬‬
‫ذكرتم –حفظكم الله‪ -‬في شرح الزاد‪ :‬أنكم لم تطلعوا على الثار التي وردت‬
‫عن الخلفاء الراشدين –رضي الله عنهم‪ -‬في قبول الرجوع عن القرار‪ ،‬وقد‬
‫راجعتها فوجدتها ضعيفة ل تقوم بها حجة‪ ،‬وفيها انقطاع‪ ،‬ومنها أثر عمر –‬
‫رضي الله عنه‪ -‬المشهور الذي دائما ً ما ُيحتج به فما رأيكم حفظكم الله؟‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬وهذا الثر ضعيف أيضا ً ا‪.‬هـ‬
‫يوم السبت ‪1/8/1421‬هـ‪.‬‬
‫السؤال السابع‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا كان القاضي يرى عدم قبول الرجوع عن القرار بما يوجب حدا فهل يجوز‬
‫له أن يحكم برأي جمهور العلماء؟ لجل أن ل تتأخر القضايا بسبب الخذ‬
‫والرد‪ ،‬ولئل يخالف ما جرى عليه العمل‪.‬‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬أبدًا‪ ،‬ل يجوز له ذلك‪ ،‬فلبد أن يحكم بما يراه صوابا‪ً،‬‬
‫ولو أدى ذلك إلى تأخر القضايا ومخالفة المعمول به‪.‬ا‪.‬هـ‬
‫يوم السبت ‪26/8/1420‬هـ‪.‬‬
‫تنبيهات‪:‬‬
‫قال الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله‪" -‬صور الرجوع عن القرار بحد‪ ،‬باعتبار‬
‫التصريح من عدمه على ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬صريح القول قبل الحكم‪.‬‬
‫‪ -2‬صريح القول بعد الحكم وقبل الخذ بالتنفيذ‪.‬‬
‫‪ -3‬دللة الفعل حال التنفيذ بالهروب مث ً‬
‫ل‪....‬‬
‫وقد ذهب الجمهور إلى قبول دللة هذه الصور الثلث على الرجوع فيترك‪،‬‬
‫وهو اختيار شيخ السلم ابن تيمية كما في الفتاوى )‪ ،(28/301‬وتلميذه ابن‬
‫القيم كما في الهدي )‪(106) (3/206‬ا‪.‬هـ‬
‫وهنا نحب أن ننبه إلى ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‪ -‬ل يرى قبول الرجوع عن القرار‬ ‫أو ً‬
‫مطلقًا‪ ،‬بل يفرق بين من أقر تائبًا‪ ،‬وبين غيره )‪-(107‬كما تقدم‪ -‬وبناًء عليه‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإنه ل يرى قبول الرجوع عن القرار من كل أحد ٍ إذا كان بإحدى هذه الصور‬
‫الثلث‪ ،‬وهذا ثانيًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أنه –رحمه الله‪ -‬قد ذكر في موضع الخلف في هذه المسألة ولم يرجح)‬
‫‪ ،(108‬وفي موضع آخر تكلم عن إقرار ماعز –رضي الله عنه‪ -‬ومن في‬
‫حكمه‪ ،‬ممن جاء تائبا ً معترفا ً بذنبه‪ ،‬وأنه إن طلب إقامة الحد عليه أقيم‪ ،‬وإن‬
‫ذهب لم يقم عليه)‪ ،(109‬وإن هرب في أثناء تنفيذ الحد عليه ترك‪ ،‬ولم‬
‫مل عليه)‪ (110‬وهذا رابعًا‪.‬‬ ‫يك ّ َ‬
‫فإن قيل‪ :‬أل يدل اختيار شيخ السلم الذي ذكره ابن القيم –في الهدي )‬
‫‪ (5/33‬على قبول الرجوع مطلقا ً إذا كان بإحدى هذه الصور؟ وهو –أي‬
‫اختياره‪ -‬أن المقر إذا استقال في أثناء الحد وفّر ترك‪ ،‬ولم يقم عليه الحد‪،‬‬
‫لن ذلك توبة قبل تكميل الحد فل يقام عليه كما لو تاب قبل الشروع فيه‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬ل‪ ،‬ل يدل على ذلك‪ ،‬لن المقصود بهذا الختيار هو من جاء بنفسه‬
‫مقرا ً تائبا ً يريد التطهير‪ ،‬ويدل لذلك ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن شيخ السلم –رحمه الله‪ -‬يرى التفريق بين هذا وبين غيره كما تقدم‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أن العلمة ابن القيم –رحمه الله‪ -‬قد ذكر في هذا الختيار أن شيخه ل‬
‫يعتبر ذلك رجوعا ً عن القرار‪ ،‬وإنما يعتبره توبة‪ ،‬كما ذكر ذلك أيضا ً تلميذه‬
‫العلمة ابن ملفح –رحمه الله‪ -‬الذي هو أعلم الناس باختياراته‪ ،‬كما يقول ابن‬
‫القيم‪ ،‬وهذا ثالثًا‪.‬‬
‫قال ابن مفلح –رحمه الله‪ -‬الفروع )‪ (6/143‬واختار شيخنا تقبل التوبة لو في‬
‫مل‪ ،‬وأن هروبه فيه توبة‪ ،‬ونقله المرداوي في النصاف )‬ ‫الحد‪ ،‬فل ي ُك َ ّ‬
‫‪.(10/303‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن شيخ السلم –رحمه الله‪ -‬ل يرى سقوط الحد بالتوبة إذا كان بعد‬
‫القدرة –كما تقدم‪.-‬‬
‫وبهذا يتبين بأن هذا الختيار الذي نقله ابن القيم –رحمه الله‪ -‬ل يدل على‬
‫قبول الرجوع مطلقًا‪ ،‬لنه خاص بمن فّر وهرب ورجع عن طلب إقامة الحد‬
‫عليه –كما قاله الشيخ العلمة محمد بن عثيمين –رحمه الله‪ -‬في جوابه لي‬
‫على السؤال الثاني المتقدم‪.‬‬
‫أما ابن القيم –رحمه الله‪ -‬فقد يقال‪ :‬إن ظاهر كلمه‪ -‬في الهدي )‪(33-5/32‬‬
‫يشمل كل مقر‪ ،‬وإن لم يكن صريحا ً في ذلك‪.‬‬
‫وقال الشيخ بكر –أيضًا‪:-‬‬
‫"قال القرطبي في تفسيره‪" :‬وفي قوله عليه السلم‪ :‬لعلك قبلت أو غمزت‬
‫إشارة إلى قول مالك‪ :‬أنه يقبل رجوعه إذا ذكر وجهًا"‪.‬‬
‫وهذا يجاب عنه‪ :‬بأن ماعز –رضي الله عنه‪ -‬لم يرجع حتى يكون سؤال النبي‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪ -‬لستكشاف رجوعه هل هو لشبهة أو ل؟‪ "...‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وهنا ننبه إلى أنه ليس في كلم القرطبي هذا ما يدل على إثبات رجوع ما عز‬
‫من عدمه‪ ،‬أما كونه دليل ً لقول المام مالك –رحمه الله‪ -‬فلنه يمكن أن يقال‪:‬‬
‫إن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أراد بقوله‪" :‬لعلك قبلت‪ "...‬أن يرجع عن‬
‫إقراره ذاكرا ً لذلك شبهة ووجهًا‪ ،‬حتى يقبل رجوعه‪.‬‬
‫وإلى هنا انتهى ما أردناه‪ ،‬والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬
‫المراجع‬
‫‪ -1‬الجماع‪ ،‬لبن المنذر‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪.‬‬
‫‪ -2‬الحكام الوسطى‪ ،‬لعبد الحق الشبيلي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -3‬الختيار لتعليل المختار‪ ،‬للموصلي‪ ،‬المكتبة السلمية استانبول‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ -4‬الختيارات الفقهية لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬للبعلي ‪،‬دار المعرفة‪.‬‬


‫‪ -5‬إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬لللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -6‬إعلم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -7‬القناع‪ ،‬لبن المنذر مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -8‬النصاف في معرفة الراجح من الخلف‪ ،‬للمرداوي‪ ،‬دار هجر‪.‬‬
‫‪ -9‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ،‬للكاساني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -10‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ ،‬لبن رشد الحفيد‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -11‬بلوغ المرام من أدلة الحكام‪ ،‬لبن حجر‪ ،‬تحقيق الزهيري‪ ،‬مكتبة الدليل‪،‬‬
‫الجبيل‪.‬‬
‫‪ -12‬تقريب التهذيب‪ ،‬لبن حجر‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -13‬التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل‪ ،‬لصالح آل الشيخ‪ ،‬دار‬
‫العاصمة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -14‬تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير‪ ،‬لبن حجر مؤسسة‬
‫قرطبة‪.‬‬
‫‪ -15‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬لمحمد الدسوقي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -16‬الروض المربع شرح زاد المستقنع‪ ،‬للبهوتي‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪.‬‬
‫‪ -17‬روضة الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬للنووي‪ ،‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫‪ -18‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬تحقيق شعيب الرناؤوط‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -19‬سنن ابن ماجة‪ ،‬للحافظ القزويني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -20‬سنن أبي داود‪ ،‬للسجتاني‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -21‬سنن الترمذي لبي عيسى الترمذي‪ ،‬المطبوع مع تحفة الحوذي –دار‬
‫الكتب العلمية‪-‬‬
‫‪ -22‬سنن النسائي الصغرى‪ ،‬للحافظ النسائي المطبوع مع شرحه للسيوطي‪،‬‬
‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -23‬سنن النسائي الكبرى‪ ،‬للحافظ النسائي‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬
‫‪ -24‬السنن الكبرى‪ ،‬للبيهقي‪ ،‬دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫‪ -25‬السيل الجرار المتدفق على حدائق الزهار‪ ،‬للشوكاني‪ ،‬لجنة إحياء‬
‫التراث‪.‬‬
‫‪ -26‬شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل‪ ،‬لعبد الله الخرشي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -27‬شرح السنة‪ ،‬للبغوي‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -28‬شرح صحيح مسلم للنووي‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪ -29‬الشرح الكبير‪ ،‬لعبد الرحمن بن قدامة المقدسي‪ ،‬دار هجر‪.‬‬
‫‪ -30‬صحيح البخاري‪ ،‬المطبوع مع فتح الباري‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -31‬صحيح الجامع الصغير‪ ،‬لللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -32‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬لللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -33‬صحيح مسلم المطبوع مع شرحه للنووي‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪ -34‬ضعيف ابن ماجه‪ ،‬لللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -35‬ضعيف سنن أبي داود‪ ،‬لللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -36‬ضعيف سنن النسائي‪ ،‬لللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -37‬الطرق الحكمية لبن القيم‪ ،‬دار الوطن‪.‬‬


‫‪ -38‬عون المعبود‪ ،‬لمحمد أبادي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -39‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬لبن حجر‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -40‬فتح القدير‪ ،‬لبن الهمام‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -41‬الفتح الرباني‪ ،‬للساعاتي‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -42‬الفروع‪ ،‬لبن مفلح‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -43‬الكافي‪ ،‬لبن عبد البر‪ ،‬مكتبة الرياض الحديثة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -44‬كشاف القناع عن متن القناع‪ ،‬للبهوتي‪ ،‬مكتبة النصر الحديثة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -45‬كشف الخفا ومزيل اللباس‪ ،‬للعجلوني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -46‬المبسوط‪ ،‬للسرخسي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -47‬المجموع شرح المهذب "التكملة" لمحمد نجيب المطيعي‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪.‬‬
‫‪ -48‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬جمع ابن قاسم‪ ،‬دار عالم الكتب‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -49‬المحلى‪ ،‬لبن حزم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -50‬مختصر سنن أبي داود‪ ،‬للمنذري‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -51‬المستدرك‪ ،‬للحاكم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -52‬مسند المام أحمد‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -53‬مشكاة المصابيح‪ ،‬للتبريزي‪ ،‬تحقيق اللباني‪ ،‬المكتب السلمي‪.‬‬
‫‪ -54‬المصنف‪ ،‬لعبد الرزاق‪ ،‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫‪ -55‬المصنف في الحاديث والثار‪ ،‬لبن أبي شيبة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -56‬معالم السنن‪ ،‬للخطابي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -57‬المغني‪ ،‬لموفق الدين ابن قدامة‪ ،‬دار هجر‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -58‬مغني المحتاج‪ ،‬للشربيني‪ ،‬المكتبة الفيصلية‪ ،‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -59‬منتهى الرادات للفتوحي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ -60‬منهاج السنة‪ ،‬لشيخ السلم ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ -61‬نيل الوطار‪ ،‬للشوكاني‪ .‬دار زمزم‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (1‬حرف الباء في "بما" متعلق ب" القرار"‪ :‬أي أن المذنب أقر لدى‬
‫القاضي بما يوجب حدا ً عليه‪ ،‬ثم رجع عن إقراره‪ ،‬فهل يقبل هذا الرجوع أو‬
‫ل؟‬
‫)‪ (2‬انظر بدائع الصنائع )‪ -9/265‬وفتح القدير )‪ ،(209-5/206‬والختيار )‬
‫‪.(84-4/83‬‬
‫)‪ (3‬انظر روضة الطالبين )‪ (143،96-10/95‬ومغني المحتاج )‪،(4/150‬‬
‫والمجموع )‪.(22/271‬‬
‫)‪ (4‬انظر المغني ‪ 466،379،361 /12‬والفروع )‪ (6/60‬والنصاف )‬
‫‪.(560 ،26/207‬‬
‫)‪ (5‬انظر الكافي لبن عبد البر )‪ ،(2/1070‬وبداية المجتهد )‪ (4/385‬وشرح‬
‫الخرشي )‪ (8/80‬وحاشية الدسوقي )‪.(4/319‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫)‪ (6‬أخرجه البخاري في كتاب الطلق‪ ،‬باب الطلق في الغلق‪..‬الخ )‬


‫‪ (10/301‬فتح برقم )‪ (5271‬وفي كتاب الحدود‪ ،‬باب ل يرجم المجنون‪) ،‬‬
‫‪ (12/123‬برقم )‪ (6815‬وفي باب سؤال المام المقر‪ :‬هل أحصنت؟ )‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (12/139‬فتح‪ ،‬برقم )‪ (6825‬ومسلم في كتاب الحدود باب من اعترف على‬


‫نفسه بالزنا )‪ (281 .11/276‬نووي برقم )‪ (1691‬وبرقم )‪.(1694) (1692‬‬
‫)‪ (7‬أخرجه مسلم‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب من اعترف على نفسه بالزنا‪) ،‬‬
‫‪ (11/285‬نووي برقم )‪.(1695‬‬
‫)‪ (8‬أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب هل يقول المام للمقر‪ :‬لعلك‬
‫لمست أو غمزت؟ )‪ (12/138‬فتح برقم )‪ (6824‬ومسلم‪ ،‬في كتاب الحدود‬
‫باب من اعترف على نفسه بالزنا‪ ،(11/279) ،‬نووي برقم )‪.(1692‬‬
‫)‪ (9‬أخرجه المام أحمد في المسند )‪ (19/41‬والترمذي‪ ،‬وحسنه‪ ،‬في أبواب‬
‫الحدود ‪ ،‬باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع‪ (4/577) ،‬تحفة‪،‬‬
‫برقم )‪ (1450‬والنسائي في السنن الكبرى‪ ،‬في كتاب الرجم‪ ،‬باب إذا‬
‫اعترف بالزنا ثم رجع عنه‪ ،(4/290) ،‬برقم )‪ (7204/1‬والحاكم في‬
‫مستدركه )‪ ، (4/404‬في كتاب الحدود‪ ،‬وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬كلهم من‬
‫حديث أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬وصححه اللباني‪ ،‬في الرواء )‪،(7/358‬‬
‫وفي صحيح سنن أبي داود )‪ (3/836‬وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند‬
‫)‪.(19/41‬‬
‫)‪ (10‬أخرجه أبو داود‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب رجم ماعز‪ ،(4/373) ،‬برقم )‬
‫‪ (4419‬والنسائي في السنن الكبرى الرجم باب إذا اعترف بالزنا ثم رجع‬
‫عنه )‪ (291-4/290‬برقم )‪ (7205/2‬والحاكم في مستدركه )‪ (4/404‬في‬
‫كتاب الحدود‪ ،‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬كلهم من حديث نعيم بن هزال‪،‬‬
‫وصححه اللباني في الرواء )‪ ،(7/358‬وفي صحيح الجامع )‪ ،(2/1184‬وفي‬
‫تحقيقه للمشكاة )‪.(2/1060‬‬
‫)‪ (11‬انظر بدائع الصنائع )‪ (9/265‬وبداية المجتهد ‪.(4/385‬‬
‫)‪ (12‬انظر بدائع الصنائع )‪ ،(9/265‬والمغني )‪.(12/362،312‬‬
‫)‪ (13‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية )‪.(28/301 ،(16/32،31‬‬
‫والختيارات الفقهية ص)‪ ،(364،297‬والفروع )‪ ،(6/14‬وزاد المعاد )‬
‫‪ (5/55،33،32‬وإعلم الموقعين )‪ (70-2/69‬والنصاف )‪ ،(27/35‬وفتح‬
‫الباري ‪. (12/130،129،128،127‬‬
‫)‪ (14‬أنظر المحلى )‪ (7/103‬وشرح صحيح مسلم للنووي )‪ (11/277‬وفتح‬
‫الباري ‪ ،128-126-12‬والسيل الجرار )‪.(4/291/317،298‬‬
‫)‪ (15‬أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب سؤال المام المقّر‪ :‬هل‬
‫أحصنت؟ )‪ ،(139-12) ،(6825‬فتح‪ ،‬ومسلم‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب من‬
‫اعترف على نفسه بالزنا‪ ،(11/277،276) ،‬برقم )‪(1691‬‬
‫)‪ (17، 16‬أخرجه مسلم‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب من اعترف على نفسه بالزنا‬
‫)‪ ،(286-11/284‬نووي‪ ،‬برقم )‪.(1695‬‬
‫)‪ (18‬أخرجه أبو داود‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب رجم ماعز‪ ،(4/374) ،‬برقم )‬
‫‪ (4420‬والنسائي في السنن الكبرى‪ ،‬كتاب الرجم‪ ،‬باب إذا اعترف بالزنا ثم‬
‫رجع‪ ،‬برقم )‪ ،(292-4/291 ،(7207/4‬وحسنه اللباني‪ :‬في صحيح سنن أبي‬
‫داود )‪ ،(3/836‬وقال في الرواء )‪ (7/354‬وهذا إسناد جيد‪.‬‬
‫)‪ (19‬فتح الباري )‪(12/128‬‬
‫)‪ (20‬السيل الجرار )‪.(4/291‬‬
‫)‪ (21‬أخرجه أبو داود‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب رجم ماعز )‪ (4/379‬برقم )‬
‫‪ ،(4434‬وضعفه اللباني في الرواء )‪ (28-8/27‬وفي ضعيف سنن أبي داود‬
‫ص)‪(441‬‬
‫)‪ (22‬تقدم تخريجه في الهامش )‪.(17‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (23‬أخرجه مسلم‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب من اعترف على نفسه بالزنا‪) ،‬‬
‫‪ ،(286-11/285‬برقم )‪.(1695‬‬
‫)‪ (24‬تقدم تخريجه في الهامش )‪.(9‬‬
‫)‪ (25‬القناع لبن المنذر )‪.(1/339‬‬
‫)‪ (26‬المحلي )‪.(7/103‬‬
‫)‪ (27‬وهو أنه لم يرجع عن إقراره‪ ،‬وإنما جاء تائبًا‪ ،‬وشهد على نفسه‪ ،‬واختار‬
‫إقامة الحد عليه‪ ،‬فإذا رجع عن ذلك –أي من طلب إقامة الحد عليه –قبل‬
‫منه‪ ،‬وترك‪ ،‬لحديث‪" :‬فهل تركتموه"‬
‫)‪ (28‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية )‪(32-16/31‬‬
‫)‪ (29‬فتح الباري )‪.(12/127‬‬
‫)‪ (30‬انظر المبسوط )‪ ،(9/94‬وبدائع الصنائع )‪ ،(9/265‬والمغني )‬
‫‪ ،(12/362،312‬وكشاف القناع )‪ ،(85-6/84‬وشرح صحيح مسلم للنووي )‬
‫‪.(11/278‬‬
‫)‪ (31‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم )‪ ،(16/31‬والفروع )‪ ،(6/143‬وزاد‬
‫المعاد )‪ (5/33،32‬والنصاف )‪.(27/35‬‬
‫)‪ (32‬انظر السيل الجرار )‪(4/317،316،291،171‬‬
‫)‪ ( 33‬سبق تخريجه في الهامش )‪(20‬‬
‫)‪ (34‬انظر إرواء الغليل )‪.(28-8/27‬‬
‫)‪ (35‬انظر المحلى )‪ ،(7/103‬ومعالم السنن )‪ (6/345‬وشرح السنة للبغوي‬
‫)‪.(10/291‬‬
‫)‪ (36‬انظر المحلى )‪ ،(104-7/103‬والسيل الجرار )‪(4/317‬‬
‫)‪ (37‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم )‪ ،(28/301 ،32-16/31‬وإعلم‬
‫الموقعين ‪.70-2/69‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫)‪ (38‬أخرجه أبو داود‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب التلقين في الحد )‪(4/353‬‬
‫برقم )‪ (4380‬والنسائي في الصغرى‪ ،‬في كتاب قطع السارق‪ ،‬باب تلقين‬
‫السارق )‪ (8/438‬سيوطي برقم )‪ (4892‬وابن ماجة‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب‬
‫تلقين السارق )‪ (2/866‬برقم )‪ ،(2597‬قال الخطابي في معالم السنن )‬
‫‪" :(6/217‬في إسناد هذا الحديث مقال‪ ،‬والحديث إذا رواه مجهول لم يكن‬
‫حجة‪ ،‬ولم يجب الحكم به" قال المنذري –في مختصر سنن أبي داود )‬
‫‪" :(6/218‬وكأنه –يعني الخطابي‪ -‬يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم‬
‫يرو عنه إل إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة من رواية حماد بن سملة" قال‬
‫عبد الحق الشبيلي في الحكام الوسطى )‪" -(4/98‬أبو المنذر‪ :‬ل أعلم روى‬
‫عنه إل إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" وقال ابن حزم في المحلى )‬
‫‪" (12/51‬أما حديث عماد بن سلمة‪ ،‬ففيه أبو المنذر ل يدرى من هو‪ .. ،‬وهو‬
‫أيضا ً مرسل"‪ ،‬وضعفه اللباني في الرواء )‪ ،(8/79‬وذكر عن الذهبي قوله‬
‫عن أبي المنذر‪ :‬إنه ل يعرف‪ ،‬وضعفه اللباني كذلك في ضعيف أبي داود‬
‫‪ 435‬وفي ضعيف النسائي ص ‪ 206‬وفي ضعيف ابن ماجه )‪ (1/206‬وقال‬
‫الرناؤوط –في تحقيقه لزاد المعا‪" :‬في سنده أبو المنذر مولي أبي ذر‪ ،‬وهو‬
‫مجهول‪ ،‬وباقي رجاله ثقات" وضعفه الزهيري في تحقيقه للبلوغ )‪،(2/147‬‬
‫وقال "أبو المنذر مجهول‪ ،‬بل قال عنه الحافظ نفسه في التقريب‪" :‬مقبول"‬
‫فكيف يقول هنا‪ -‬يعني في البلوغ )‪" (2/147‬رجاله ثقات" وقد ذكر ابن حجر‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوله عن أبي المنذر‪ :‬إنه مقبول في التقريب ص ‪ ،1211‬والمقبول عنده‪:‬‬


‫"من ليس له من الحديث إل القليل‪ ،‬ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله‪،‬‬
‫بشرط أن يتابع‪ ،‬وإل فهو لّين الحديث" بتصرف يسير من التقريب ص ‪.81‬‬
‫)‪ (39‬انظر المبسوط )‪ (9/94‬وبدائع الصنائع )‪ ،(9/265‬والمغني )‪.(12/466‬‬
‫)‪ (40‬انظر معالم السنن )‪ ،(218-6/217‬والمحلى )‪ ،(12/51‬وتلخيص الحبير‬
‫)‪ ،(125-4/124‬وإرواء الغليل )‪ ،(8/79‬والتكميل لما فات تخريجه من إرواء‬
‫الغليل ص ‪.172‬‬
‫)‪ (41‬انظر معالم السنن )‪ ،(6/217‬ونيل الوطار )‪ ،(7/160‬والفتح الرباني )‬
‫‪.(16/113‬‬
‫)‪ (42‬معالم السنن )‪.(6/127‬‬
‫)‪ (43‬المحلى )‪.(52-12/51‬‬
‫)‪ (44‬زاد المعاد )‪.(5/55‬‬
‫)‪ (45‬أخرجه ابن ماجة‪ ،‬في كتاب الحدود‪ ،‬باب الستر على المؤمن ودفع‬
‫الحدود بالشبهات )‪ ،(2/850‬برقم )‪ ،(2545‬وضعفه ابن حزم في المحلى )‬
‫‪ ،(12/59‬وابن حجر في البلوغ )‪ ،(2/143‬وفي التخليص )‪ ،(4/105‬واللباني‬
‫في الرواء )‪.(26-8/25‬‬
‫)‪ (46‬أخرجه الترمذي في أبواب الحدود‪ ،‬باب ما جاء في درء الحدود )‬
‫‪ (4/572‬تحفه برقم )‪ (1444‬والحاكم في كتاب الحدود )‪ (4/426‬برقم )‬
‫‪ ،(8163/140‬وضعفه ابن حزم في المحلى )‪ (12/187،59‬وابن حجر في‬
‫البلوغ )‪ (2/143‬وفي التخليص )‪ ،(4/105‬واللباني في الرواء )‪.(8/25‬‬
‫)‪ (47‬أخرجه البيهقي في السنن الكبرى )‪ ،(8/238‬وقال‪ :‬في هذا السناد‬
‫ضعف" فيه المختار بن نافع‪ ،‬قال عنه البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال ابن حجر‬
‫في التقريب ص ‪" :926‬ضعيف"‪.‬‬
‫أنظر المحلى )‪ (187 ،12/59 ،7/104‬وتلخيص الحبير )‪ (4/105‬وإرواء‬
‫الغليل )‪ (26-8/25‬وكشف الخفاء )‪(72-1/71‬‬
‫)‪ (48‬انظر بدائع الصنائع )‪ (9/265‬والمغني )‪.(12/362‬‬
‫)‪ (49‬انظر المحلي )‪ ،7/12،104/187،59‬وتلخيص الحبير )‪ (4/105‬وكشف‬
‫الخفا )‪ (72-1/71‬وإرواء الغليل )‪.(26-8/25‬‬
‫)‪ (50‬المحلى )‪.(7/104‬‬
‫)‪ (51‬المحلى )‪(12/59‬‬
‫)‪ (52‬المحلى )‪(12/59‬‬
‫)‪" (53‬رواه أبو محمد ابن حزم في كتاب اليصال من حديث عمر موقوفا ً‬
‫عليه بإسناد صحيح‪ ،‬وفي ابن أبي شيبة –"برقم )‪ (8542‬من طريق إبراهيم‬
‫النخعي عن عمر‪ :‬لن أخطئ في درء الحدود بالشبهات‪ ،‬أحب إلى من أن‬
‫أقيمها بالشبهات" تلخيص الحبير )‪ (4/105‬قال ابن حزم –في المحلى )‬
‫‪ :(12/59‬إنه مرسل لنه عن إبراهيم عن عمر‪ ،‬ولم يولد إبراهيم إل بعد موت‬
‫عمر بنحو خمسة عشر عامًا" بتصرف يسير‪.‬‬
‫)‪ (54‬أخرجه البيهقي‪ ،‬في السنن الكبرى ‪ (8/238‬وقال‪ :‬إنه أصح ما في‬
‫الباب‪ ،‬وقال ابن حزم في المحلى )‪" :(12/59‬إنه مرسل‪ ،‬لنه من طريق‬
‫القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود" بتصرف يسير‪.‬‬
‫انظر التخليص )‪ ،(4/105‬والنيل )‪ ،(7/125‬وكشف الخفاء )‪(72-2/71‬‬
‫والرواء )‪.(26-8/25‬‬
‫)‪ (56- 55‬انظر الجماع لبن المنذر ص ‪ ،13‬وبداية المجتهد )‪(4/373‬‬
‫والمغني ‪ ،(12/344‬والسيل )‪.(4/297‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (57‬وخلفهم معتبر –ولشك‪ -‬وليس أهل الرأي بأولى منهم‪.‬‬


‫)‪ (58‬المحلى )‪.(58-12/57‬‬
‫)‪ (59‬انظر السيل الجرار )‪(171-4/170‬‬
‫)‪ (60‬انظر المرجع السابق )‪.(171-4/170‬‬
‫)‪ (61‬انظر المرجع السابق )‪(4/316‬‬
‫)‪ (62‬انظر المرجع السابق )‪(171-4/170‬‬
‫)‪ (63‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية )‪.(16/32‬‬
‫)‪ (64‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية )‪ ،(32-16/31‬والسيل‬
‫الجرار )‪.(171-4/170‬‬
‫)‪ (65‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه )‪ ،(5/515‬برقم )‪ (25571‬وعبد‬
‫الرزاق في مصنفه )‪ ،(225-10/224‬برقم )‪ (18919‬وفي سنده انقطاع‪،‬‬
‫قال اللباني –في الرواء )‪" (8/79‬وإسناده إلى عطاء صحيح"‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫)‪ (66‬أخرجه عبد الرزاق في مصنفه )‪ (225-10/224‬برقم )‪(18920‬‬


‫وإسناده ضعيف للنقطاع بين عكرمة وعمر‪ ،‬فإنه لم يسمع منه‪ ،‬انظر الرواء‬
‫)‪.(8/79‬‬
‫)‪ (67‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه )‪ ،(5/515‬برقم )‪ (28570‬قال‬
‫اللباني –في الرواء )‪"– (8/79‬إسناده ضعيف للنقطاع بين عكرمة وعمر‪،‬‬
‫فإنه لم يسمع منه‪ ،‬كما قال أحمد‪ ،‬وقال أبو زرعة‪ :‬عكرمة بن خالد عن‬
‫عثمان مرسل"‪.‬‬
‫)‪ (68‬انظر تلخيص الحبير )‪ (127-4/125‬وإرواء الغليل )‪.(80-8/79‬‬
‫)‪ (69‬أي لم يكن أمام الحاكم‪.‬‬
‫)‪ (70‬سبق تخريجه في الهامش )‪(37‬‬
‫)‪ (71‬زاد المعاد )‪.(5/55‬‬
‫)‪ (72‬انظر المغني )‪ (466-12/362‬والشرح الكبير )‪.(26/560،209‬‬
‫)‪ (73‬انظر معالم السنن )‪ (6/245‬وشرح السنة للبغوي )‪(10/291‬‬
‫والمبسوط )‪ (9/94‬وفتح القدير )‪ (5/208‬وبداية المجتهد )‪ (4/385‬والمغني‬
‫)‪ (12/466،361‬ونيل الوطار )‪.(7/123‬‬
‫)‪ (74‬انظر المحلى )‪.(104-7/103‬‬
‫)‪ (75‬انظر الكافي لبن عبد البر )‪ ،(2/1070‬وبداية المجتهد )‪(4/385‬‬
‫وحاشية الدسوقي )‪.(4/319‬‬
‫)‪ (76‬انظر روضة الطالبين )‪ ،(143،96-10/95‬ومغني المحتاج )‪.(4/150‬‬
‫)‪ (77‬انظر القناع لبن المنذر )‪.(2/339‬‬
‫)‪ (78‬انظر السيل الجرار )‪(4/317،171،170‬‬
‫)‪ (79‬معالم السنن )‪(6/245‬‬
‫)‪ (80‬شرح السنة للبقوي )‪(10/291‬‬
‫)‪ (81‬المغني )‪(12/361‬‬
‫)‪ (82‬المرجع السابق )‪(12/466‬‬
‫)‪ (83‬القناع لبن المنذر )‪(2/339‬‬
‫)‪ (84‬السيل الجرار )‪.(4/317‬‬
‫)‪ (85‬مجموع فتاوى شيخ السلم )‪.(16/32‬‬
‫)‪ (86‬سورة النساء الية ‪135‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (87‬انظر المحلى )‪ ،(7/105‬والسيل الجرار )‪.(4/317‬‬


‫)‪ (88‬أي إذا حصل الرجوع عنه‪.‬‬
‫)‪ (89‬المحلى )‪.(7/105‬‬
‫)‪ (90‬انظر المغني )‪ ،(12/262‬وشرح صحيح مسلم للنووي )‪.(11/279‬‬
‫)‪ (91‬أخرجه البخاري في كتاب الحدود‪ ،‬باب العتراف بالزنا‪ ،‬برقم )‪،(6827‬‬
‫)‪ (12/140، 6828‬فتح‪ ،‬ومسلم في كتاب الحدود‪ ،‬باب من اعترف على‬
‫نفسه بالزنا )‪ (294-11/293‬نووي‪ ،‬برقم )‪.(1698) ،(1697‬‬
‫)‪ (92‬انظر المحلى )‪ ،(12/57‬ومجموع فتاوى شيخ السلم )‪(16/32‬‬
‫والسيل الجرار )‪.(317،171-4/170‬‬
‫)‪ (93‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم )‪ (16/32‬والسيل الجرار )‪-4/170‬‬
‫‪.(317،171‬‬
‫)‪ (94‬انظر الكافي لبن عبد البر )‪ (2/1070‬وبداية المجتهد )‪(4/414،385‬‬
‫)‪ (95‬انظر حاشية الدسوقي )‪(4/319‬‬
‫)‪ (96‬سبق تخريجه في الهامش )‪.(17‬‬
‫)‪ (97‬انظر السيل الجرار )‪ (317-4/316‬وعون المعبود )‪.(12/68‬‬
‫)‪ (98‬السيل الجرار )‪(4/317‬‬
‫)‪ (99‬تقدم تخريجه في الهامش )‪.(7‬‬
‫)‪ (100‬تقدم تخريجه في الهامش )‪.(46‬‬
‫)‪ (101‬ومثله –في ظني‪ -‬من قبض عليه ثم أقر‪ ،‬وأصر على إقراره‪ ،‬مريدا ً‬
‫بذلك التطهير‪ ،‬وظهرت عليه آثار التوبة‪ ،‬ثم رجع عن إقراره‪ ،‬ول يعني ذلك أن‬
‫الحد يسقط بالتوبة بعد القدرة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية في مجموع فتاوى )‪" (10/374‬من تاب من‬
‫الكفار‪ ،‬والمحاربين‪ ،‬وسائر الفساق‪ ،‬قبل القدرة‪ ،‬عصم دمه‪ ،‬وأهله‪ ،‬وماله‪،‬‬
‫وكذلك قاطع الطريق‪ ،‬والزاني والسارق‪ ،‬والشارب‪ :‬إذا تابوا قبل القدرة‬
‫عليهم؛ لحصول المقصود بالتوبة‪ ،‬أما إذا تابوا عبد القدرة‪ ،‬لم تسقط العقوبة‬
‫كلها‪ ،‬لن ذلك يفضي إلى تعطيل الحدود‪ ،‬وحصول الفساد‪ ،‬ولن هذه التوبة‬
‫غير موثوق بها" وقال كذلك‪" :‬التائب بعد القدرة عليه باق فيمن وجب عليه‬
‫الحد‪ ،‬للعموم والمفهوم‪ ،‬والتعليل" )‪ (28/301‬وهذا اختيار ابن القيم –كذلك‪-‬‬
‫في العلم )‪ (70-2/69‬وقال شيخ السلم –رحمه الله‪ -‬أيضًا‪" :‬إن تاب من‬
‫الزنا والسرقة‪ ،‬أو شرب الخمر‪ ،‬قبل أن يرفع إلى المام‪ :‬فالصحيح أن الحد‬
‫يسقط عنه‪ ،‬كما يسقط عن المحاربين بالجماع إذا تابوا قبل القدرة" )‬
‫‪ (34/180‬ومثله مفهوم قوله‪" :‬لو تاب الزاني والسارق‪ ،‬ونحوهما بعد أن‬
‫يرفعوا إلى المام فإنه ل بد من إقامة الحد عليهم‪ ،(35/110) "..‬أما‬
‫المذهب‪ :‬ففي النصاف )‪ :(33-27/31‬سقوط –أي حد الشرب والزنا‬
‫والسرقة –بالتوبة قبل إقامته‪ ،‬وعليه أكثر الصحاب‪ ،‬قال ابن مفلح –في‬
‫الفروع )‪ (6/143‬اختاره الكثر‪ ،‬وفي الكشاف ومتنه )‪ ،(6/154‬والمنتهى )‬
‫‪،(5/162‬والروض المربع ص ‪ :679‬سقوطه –أي حد الزنا والشرب والسرقة‪-‬‬
‫بالتوبة قبل ثبوته عند حاكم‪.‬‬
‫)‪ (102‬كادعاء الكراه عليه مع إمكانه‪ ،‬وإمكانه ربما يكون في القرار‬
‫المصدق شرعًا‪ ،‬بخلف القرار الذي يعقبه في جلسة الحكم فليس كذلك‪.‬‬
‫)‪ (103‬فإن كان ثمة قرائن تكذبه لم يقبل رجوعه‪ ،‬كمن أقر بالسرقة‪ ،‬ذاكر‬
‫الصفة‪ ،‬والكيفية ووجد المتاع المسروق عنده‪ ،‬ثم رجع بعد ذلك عن إقراره‪.‬‬
‫قال ابن القيم في الطرق الحكمية في ص ‪" :6‬ولم يزل الئمة والخلفاء‬
‫يحكمون بالقطع إذا وجد المسروق مع المتهم‪ ،‬وهذه القرينة أقوى من البينة‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والقرار" وقال في ص ‪ 9‬وفي ذلك دليل على صحة إقرار المكره إذا ظهر‬
‫معه المال‪ ،‬وأنه إذا عوقب على أن يقر بالمال المسروق فأقر به وظهر عنده‬
‫قطعت يده‪ ،‬وهذا هو الصواب بل ريب‪ ،‬وليس هذا إقامة للحد بالقرار الذي‬
‫صل إليه بالقرار"‪.‬‬
‫أكره عليه‪ ،‬ولكن بوجود المال المسروق الذي تو ّ‬
‫)‪ (104‬مجموع فتاوى شيخ السلم )‪.(32-16/31‬‬
‫)‪ (105‬الختيارات الفقهية ص ‪.368‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫)‪ (106‬انظر الفتاوى ‪/ 34،301-300/ 10/28،376،374 ،32-16/31‬‬


‫‪ ،110/ 35،180‬ومنهاج السنة ‪6/257‬‬
‫)‪ (107‬أثر الرجوع عن القرار بحد ص ‪0-12-11‬‬
‫)‪ (108‬انظر الفتاوى ‪.32،28/301-16/31‬‬
‫)‪ (109‬انظر المصدر السابق ‪.334-28/333‬‬
‫)‪ (110‬انظر المصدر السابق ‪.28/301 ،32-16/31‬‬
‫)‪ (111‬انظر المصدر السابق‪ ،‬والفروع ‪ ،6/143‬وزاد المعاد ‪ ،5/33‬والنصاف‬
‫‪.10/303‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫الرحمة المهداة‬
‫)الشبكة السلمية(‬
‫صلة الله وسلمه عليك يا سيدي يا رسول الله‪ ،‬يا نبي الرحمة والهدى‪ ،‬يا‬
‫َ‬
‫ن{]النبياء‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫ك إ ِّل َر ْ‬‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫من أرسلك الله رحمة للعالمين }وَ َ‬
‫‪ ،[107‬فأنت رحمة مهداة ونعمة مسداة‪ ،‬كما أخبرت بقولك‪" :‬إنما أنا رحمة‬
‫مهداة"؛ كأن الرحمة اجتمعت وتمثلت فكنت أنت هي وهي أنت ‪.‬‬
‫فبعثتك رحمة ‪ ،‬هدى الله بك من الضلل‪ ،‬وأنار بك من الظلمات‪ ،‬وأحيى بك‬
‫من موات‪ ،‬كيف كان العالم قبل بعثتك‪ ،‬ثم كيف صار بنور هدايتك؟‬
‫حديثك رحمة يا من قلت " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الرض‬
‫يرحمكم من في السماء "‪.‬‬
‫سيرتك رحمة يا من عفوت عمن ظلم ووصلت من قطع و أعطيت من منع‬
‫نعم أنت رحمة و الدين الذي بعثت به رحمة ) يريد الله بكم اليسر ول يريد‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫بكم العسر ( ‪ ،‬والكتاب الذي أنزله الله عليك هدى ورحمة }وَن ُن َّز ُ‬
‫ن{]السراء‪.[82:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫فاٌء وََر ْ‬ ‫ش َ‬‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫زيٌز عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫م عَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ما }ل َ َ‬ ‫سماك الله يا سيدي رءوًفا رحي ً‬
‫م{]التوبة‪.[128:‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫َ ٌ‬‫خ‬
‫ِ‬ ‫با‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫هدايتهم‪.‬‬ ‫على‬ ‫صا‬
‫ً‬ ‫حري‬ ‫بأعدائك‪،‬‬ ‫حتى‬ ‫قا‬
‫ً‬ ‫رفي‬ ‫بأصحابك‬ ‫ما‬
‫ً‬ ‫رحي‬ ‫فكنت‬
‫م وَل َْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فس َ َ‬
‫و‬ ‫َ ُ ْ‬‫ه‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ما‬
‫ِ َ َ ْ َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ن{]الشعراء‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫ك أّل ي َ‬ ‫نَ ْ َ‬
‫ك{]آل عمران‪.[159:‬‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫َ‬
‫ب لن ْ َ‬ ‫ْ‬
‫قل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت فَظا غَِليظ ال َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫كان همك الكبر ومقصودك العظم هداية الناس ونفعهم‪ ،‬رحمة بهم‪ ،‬وشفقة‬
‫عليهم من غضب الله‪ ،‬ومن يحلل عليه غضب الله فقد هوى ‪.‬‬
‫لما قيل له ادع على المشركين فقال‪" :‬إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعاًنا" ‪،‬‬
‫ولما جاءه الطفيل بن عمرو يطلب منه أن يدعو على دوس فقال‪" :‬اللهم اهدِ‬
‫سا وائت بهم"‪.‬‬ ‫دو ً‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولما جاءه ملك الجبال يريد أن يهلك أهل مكة الذي آذوه وأصحابه بعد‬
‫رجوعه من الطائف فقال‪" :‬ل لعل الله أن يخرج من أصلبهم من يعبد الله‬
‫ول يشرك به شيًئا"‪.‬‬
‫ودعا لقومه واعتذر عنهم بعد أن شجوا رأسه وكسروا سّنه في غزوة أحد‬
‫فقال‪" :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون"‪.‬‬
‫ولما قال سعد بن عبادة وهو رافع لحد الرايات في جيش فتح مكة‪ :‬اليوم‬
‫يوم الملحمة‪ .‬فأخذ منه صلى الله عليه وسلم الراية وأعطاه لولده قيس‬
‫وقال‪" :‬بل اليوم يوم المرحمة"‪ .‬وأمر الجيش أل يقاتل إل من قاتله‪ ،‬ودخل‬
‫حا منصوًرا يحمد الله على نصره ويشكره على فضله‪ ،‬وتمكن من‬ ‫مكة فات ً‬
‫أعداء المس الذين أخرجوه وأصحابه وأخذوا أموالهم وسفكوا دماء بعضهم‪،‬‬
‫لكنه صلى الله عليه وسلم يريد لهم الخير و الهداية‪ ،‬فسامحهم وعفا عنهم‬
‫وقال لهم‪" :‬ل تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين‪ ،‬اذهبوا‬
‫فأنتم الطلقاء"‪ .‬فكان ذلك سبًبا في إسلم الجم الغفير ‪ ،‬وكم للعفو‬
‫والسماحة من أثر بالغ في قلوب البشر ‪ ،‬فأي عفوا هذا وأية رحمة تلك وأي‬
‫كظم للغيظ هذا الذي لم تعرف له البشرية على طول الزمان وعرضه‬
‫مثيل ؟‬
‫وقبلت ياسيدي إسلم وحشي بن حرب قاتل عمك حمزة وإسلم عكرمة بن‬
‫أبي جهل وهبار بن السود وكعب بن زهير وغيرهم ممن كان لهم جرائم في‬
‫حق السلم ورسوله والمسلمين‪ ،‬فصلة الله وسلمه عليك بأبي أنت وأمي‪،‬‬
‫م{]القلم‪.[4:‬‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬
‫وصدق الله إذ قال }وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬
‫ق عَ ِ‬
‫خل ٍ‬
‫هؤلء الجاهلون – والناس أعداء ما جهلوا – الذين رسموا هذه الرسوم‬
‫الوقحة بالدانمارك – تبت أيديهم – ما عرفوا سيرته وما قرأوا شيًئا عن‬
‫السلم‪ ،‬ووالله لو عرفوا سيرته ومواقفه ما فعلوا مافعلوا ‪ ،‬إن كانوا طلب‬
‫حق وأهل إنصاف‪.‬‬
‫لو نظروا في دولة السلم الولى بالمدنية لعلموا أنها إنما قامت بالدعوة‬
‫وافتتاح القلوب وهداية النفوس‪ ،‬ولعلموا أن السلم دين خير ورحمة ورسالة‬
‫بر وسلم للعالمين‪ ،‬جاء السلم بالتوحيد والعفاف والصلة والحسان إلى‬
‫الخلق بعد أن كان المشركون يعبدون الصنام ويئدون البنات وهن أحياء‪،‬‬
‫ويشربون الخمور‪ ،‬ويتقاتلون لتفه السباب‪ ،‬ضلل في التصور‪ ،‬وضلل في‬
‫العقيدة‪ ،‬وضلل في السلوك والخلق‪ ،‬فدعاهم صلوات ربي وسلمه عليه‬
‫بالحكمة والموعظة الحسنة وصبر وصابر‪ ،‬وأمر أصحابه بالصبر على أذى‬
‫دا‪ ،‬وعذبوهم عذاًبا كبيًرا‪ ،‬كما حصل لبلل‬ ‫المشركين ‪ ،‬فقد آذوهم إيذاًء شدي ً‬
‫وياسر وسمية وعمار وغيرهم‪ ،‬وأخرجوهم من ديارهم‪ ،‬وأخذوا أموال بعضهم‪،‬‬
‫وحتى بعد أن هاجر إلى المدينة صلوات ربي وسلمه عليه لم يتركوه‬
‫وأصحابه‪ ،‬بل حزبوا الحزاب‪ ،‬وجمعوا الجموع‪ ،‬لمقاتلته وأصحابه في المدينة‪،‬‬
‫لكن الله سبحانه رد كيدهم في نحورهم ورجعوا خائبين خاسرين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي المدينة عاهد الطوائف اليهودية التي كانت فيها فلم يفوا بالعهد وغدروا‬
‫في أحلك الظروف‪ ،‬فما كان من بد في التعرض لهم وحماية الناس من‬
‫شرهم‪ ،‬حتى أهل النفاق الذين هم أخطر العداء على السلم والمسلمين‬
‫دا‬
‫على معرفته بهم‪ ،‬إل أنه لم يتعرض لهم خشية أن يتحدث الناس أن محم ً‬
‫صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه‪ ،‬فقدم ترك معاملة المنافق بل رأس‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النفاق بما يستحقه من العقوبة بل عامله بضد ذلك إلى أن مات بل بعد ما‬
‫مات أيضا ً ولكن مصلحة الرحمة للعالمين‪ ،‬ونشر الحق بينهم وتأليفهم عليه‬
‫وترغيبهم في قبوله كانت هي المقدمة عند رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهي المقدمة عند أتباعه الواردين عليه حوضه إن شاء الله تعالى ‪،‬‬
‫فْر‬ ‫فقال‪" :‬إن الله خيرني – يعني قول الله تعالى }استغْفر ل َه َ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫م أوْ ل ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫م{]التوبة‪ [80:‬فقال‪:‬‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مّرةً فَل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص ّ‬
‫حد ٍ‬‫ل عَلى أ َ‬ ‫سأزيد على السبعين حتى نهى عن ذلك بقوله سبحانه‪َ):‬ول ت ُ َ‬
‫م‬
‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَ َ‬ ‫فُروا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫م عََلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬‫ت أ ََبدا ً َول ت َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫ن( )التوبة‪(84:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫َفا ِ‬
‫ومن تأمل في سيرته ومواقفه مع أعدائه يعلم أنه صلى الله عليه وسلم ما‬
‫دا وما بدأ قتالهم ؛ بل يجد أنهم هم البادئون‪ ،‬أو أنهم نقضوا العهد‬ ‫تطلع أب ً‬
‫ابتداًء‪ ،‬أو تحرشوا بالدولة السلمية‪ ،‬أو أحد رعاياها‪ ،‬ولو أحصى المنصف‬
‫والمدقق من أهل السير والتاريخ عدد القتلى في معارك السلم في حياة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأحصى ضحايا الحرب العالمية الولى‬
‫والثانية لعلم علم اليقين أين الرهاب‪ ،‬وأين يسكن؟‬
‫يذكر المتخصصون أن ضحايا الحربين العالميتين حوالي ‪ 78‬مليون من البشر‬
‫منهم ‪ 44‬مليون مدني !!!!! أبيدوا بأبشع أنواع السلحة‪ ،‬وسائلوا "هيروشيما‬
‫وناجازاكي" ‪ ،‬سائلوا عن المجازر البشرية في صابرا وشاتيل وقانا وما يفعله‬
‫اليهود بالفلسطينين صباح مساء ‪ ،‬قتلوا الشيخ أحمد ياسين والدكتور‬
‫الرنتيسي ووووو ومع ذلك هم متحضرون!!!!‬
‫سائلوا الحروب الصليبية و محاكم التفتيش في أسبانيا والمجازر التي حدثت‬
‫قريبا في البوسنة والهرسك وكوسوفا وووو ومع ذلك هم متحضرون !!!!‬
‫ولو أحصينا ضحايا الحرب الفغانية و العراقية الخيرتين من البشر لعلمنا أين‬
‫الرهاب و أين يسكن !!!‬
‫سيدي يا رسول الله أنت الرحمة المهداة والنعمة المسداة ‪ ،‬عصمك الله من‬
‫ن( )الحجر‪:‬‬ ‫زئي َ‬ ‫ست َهْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫في َْنا َ‬‫الناس وكفاك المستهزئين فقال سبحانه ) إ ِّنا ك َ َ‬
‫َ‬
‫م()التوبة‪ :‬من الية ‪(61‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ ل َهُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ) ، (95‬وال ّ ِ‬
‫ك هُوَ اْلب ْت َُر( )الكوثر‪ ، (3:‬وقال جل شأنه‬ ‫َ‬ ‫شان ِئ َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال سبحانه) إ ِ ّ‬
‫م( )البقرة‪(137:‬‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫فيك َهُ ُ‬ ‫سي َك ْ ِ‬‫) فَ َ‬
‫ب َوال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫يٍء وَأن َْز َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضّرون َ َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫‪ ،‬وقال سبحانه ) وَ َ‬
‫ظيمًا()النساء‪ :‬من الية‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ت َعْل َ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫وَعَل ّ َ‬
‫‪. (113‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الرد على إفتراءات برنامج زكريا بطرس فى قناة الحياة الفضائية ‪ )3‬أسئلة‬
‫عن اليمان (‬
‫) ‪( 21‬‬
‫يسعدنا أن تتجدد معكم هذه اللقاءات لنبحث معا ما قاله جناب القمص زكريا‬
‫بطرس في الحلقات التي قدمها باسم "أسئلة عن اليمان"‪ ،‬ونحن نرد على‬
‫جناب القمص بهذه الحلقات التي اخترنا لها اسم "أجوبة عن اليمان" لتكون‬
‫تفنيدا وتحليل لما قاله جناب القمص‪ ،‬ونكشف بها الخلل والخطأ الذي وقع‬
‫فيه جنابه وهو يقدم لنا صيغة المسيحية التي يؤمن بها‪ .‬وهذه هي الحلقة‬
‫السادسة التي نتناول فيها موضوع الثالوث‪ ،‬لن جناب القمص يزعم أن‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسيحية التي يؤمن بها هي دين توحيد‪ .‬طبعا المسيحية الحقيقية هي بل‬
‫شك دين توحيد‪ ،‬وعقيدة التثليث عقيدة دخيلة على المسيحية‪ ،‬ولكن جناب‬
‫القمص حاول على مدى أربع حلقات أن يقنعنا بأن عقيدة الثالوث عقيدة‬
‫تقوم على توحيد الله تعالى‪ ،‬فإذا سألته كيف يكون الله ثالوثا ويكون واحدا‬
‫في نفس الوقت‪ ،‬يقول‪ ،‬وهذا نص كلمه‪:‬‬
‫ي بروحه‪ .‬ودي‬ ‫"المسيحية تقول إن الله واحد‪ ،‬موجود بذاته‪ ،‬حكيم بعقله‪ ،‬ح ّ‬
‫حاجات ذاتية زي ما اتكلمنا في الحلقة اللي فاتت‪ ،‬ودّية الثالوث بتاعنا‪.‬‬
‫صفات ذاتية‪ ،‬ل يمكن إن الله ما يكونش كامل فيها"‪.‬‬
‫ونحن نقول لجناب القمص‪ :‬لقد أحسنت! فقد لخصت في جملة واحدة‬
‫عقيدة الثالوث التي تؤمن بها‪ .‬وإذا سمح لي جناب القمص أن أستعير بعض‬
‫كلماته لقدم وجهة نظر السلم في التوحيد الذي يؤمن به المسلمون لكي‬
‫يرى الفرق بين عقيدة السلم والعقيدة التي يقدمها هو عن المسيحية‪.‬‬
‫وسوف أستعمل نفس الجملة التي قالها جناب القمص مع تغيير بعض‬
‫الكلمات التي ل بد من تغييرها لكي تكون الجملة معبرة عن وجهة النظر‬
‫السلمية في التوحيد‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫ي بذاته‪ ،‬ودي‬ ‫"السلم يقول إن الله واحد‪ ،‬موجود بذاته‪ ،‬حكيم بذاته‪ ،‬ح ّ‬
‫حاجات ذاتية زي ما اتكلمنا في الحلقة اللي فاتت‪ ،‬وده التوحيد بتاعنا‪ .‬صفات‬
‫ذاتية‪ ،‬ل يمكن إن الله ما يكونش كامل فيها"‪.‬‬
‫ت نفس‬ ‫وكما ترى يا جناب القمص‪ ،‬وكما يرى جميع المشاهدين‪ ،‬لقد استعمل ُ‬
‫الجملة التي استعملَتها أنت‪ ،‬بنفس ألفاظها وكلماتها باستثناء أربع كلمات‬
‫فقط‪ ،‬فقد استبدلت كلمة المسيحية بكلمة السلم‪ ،‬وكلمة الثالوث بكلمة‬
‫التوحيد‪ .‬وهذا طبعا شيء طبيعي لنك تتكلم عن المسيحية وأنا أتكلم عن‬
‫السلم‪ ،‬وأنت تتكلم عن الثالوث وأنا أتكلم عن التوحيد‪ ،‬فمن المنطقي أن‬
‫تتغير هذه الكلمات‪ .‬ولكن أهم ما تغير في جملتك هو أن الله حكيم بعقله‪،‬‬
‫ي بذاته‪ .‬وهذا هو كل الفرق‬ ‫ي بروحه‪ ،‬حيث قلت أنا إن الله حكيم بذاته‪ ،‬ح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫الذي يفصل بين توحيد السلم وتثليث المسيحية التي تؤمن بها‪ .‬واعترافا‬
‫بالحق يا جناب القمص‪ ،‬فأنا مدين لك بالشكر على هذه الجملة التي قدمَتها‬
‫ت أن تلخص بها موضوع الثالوث‪ ،‬ولذلك فأنا أقدم الشكر إليك‪ ،‬كما‬ ‫واستطع َ‬
‫ي بن أبي طالب الذي‬ ‫قدمت في السابق النقد إليك‪ ،‬ورحم الله سيدنا عل ّ‬
‫ي فرعون مصر يدا لشكرته عليها"‪ ،‬وقد عّلمنا سيدنا‬ ‫دى إل ّ‬
‫قال‪" :‬لو أس َ‬
‫رسول الله ‪ ،r‬رسول الرحمة والحسان أن‪" :‬من لم يشكر الناس لم يشكر‬
‫الله"‪ ،‬ولذلك فأنا أوفي بحقك في الشكر وأقدمه إليك على رؤوس الشهاد‪،‬‬
‫وذلك لكي يفهم الناس‪ ،‬سواء المسلمون منهم أو المسيحيون‪ ،‬ما هو سبب‬
‫الخلف وما هو مضمون ذلك الخلف‪ .‬وبعد أن يفهموا هذا السبب ويدركوا‬
‫حقيقة هذا المضمون‪ ،‬لهم أن يقرروا أيّ الرأيين هو الذي يدل على التوحيد‬
‫الحقيقي الذي يليق بذات الله الكامل‪ .‬فأنت تقول إن المسيحية تؤمن بإله‬
‫واحد‪ ،‬وأنا أقول إن السلم يؤمن بإله واحد‪ .‬فما هو الفرق بين الثالوث الذي‬
‫تقدمه مسيحية القمص زكريا بطرس‪ ،‬والتوحيد الذي يقدمه السلم؟‬
‫الفرق هو أن المسيحية )وحين أقول المسيحية هنا فأنا ل أقصد مسيحية‬
‫المسيح ‪ u‬وإنما أقصد مسيحية القمص زكريا بطرس‪ ،‬ولكن للختصار نقول‬
‫المسيحية فقط بدون تمييز( المسيحية تؤمن بأن الله حكيم بعقله وحي‬
‫بروحه‪ .‬أي أن الله له عقل وله روح‪ ،‬وهذا العقل هو الذي يمده بالحكمة‪ ،‬أو‬
‫أن هذا العقل هو الوسيلة التي يستخدمها الله تعالى ليكون حكيما‪ ،‬كما أن‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الروح هي التي تمد الله بالحياة‪ ،‬أو أن الروح هي الوسيلة التي يستخدمها‬
‫الله ليكون حّيا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويشرح جناب القمص موضوع الروح فيقول‪" :‬في القرآن يقولك‪ :‬ل تكذبوا‬
‫وه روح‬ ‫وه روحه‪ ،‬مش كده؟ الروح القدس ه ّ‬ ‫على الله وروحه‪ .‬روح الله ه ّ‬
‫ور الله من غير روح؟ طب لو قلنا مثل روح القدس دا‬ ‫الله‪ ،‬لن هل نتص ّ‬
‫جبريل‪ ،‬طب والله من غير روح؟ من غير حياة؟"‪ ،‬ثم يتساءل القمص‪" :‬هل‬
‫الله بدون روح؟ سيبنا من جبريل‪ ،‬هل الله بدون روح؟" فترد السيدة ناهد‬
‫قائلة‪" :‬ل ل يمكن"‪ .‬فيستكمل القمص كلمه قائل‪" :‬ل يمكن‪ .‬طب روح الله‬
‫وه الروح القدس؟ قدوس‪ ،‬الله قدوس‪ ،‬وده اسم من أسماء الله‬ ‫مش ه ّ‬
‫وه الروح القدس‪ .‬فده الثالوث اللي احنا بنؤمن بيه‪ :‬الب‬ ‫الحسنى‪ ،‬وروحه ه ّ‬
‫هو الوجود‪ ،‬والكلمة هو عقل الله‪ ،‬الذي تجلى في صورة بشر‪ ،‬والله ما‬
‫ينفصلش عن عقله‪ ،‬ثم الروح‪ ،‬روح الله الحي اللي بيعطي الحياة‪ ،‬ولكنهم‬
‫مرتبطين مع بعض‪ ،‬مفيش انفصال‪ ،‬زي النسان ما تقدريش تفصلي روحه‬
‫وه كامل"‪.‬‬‫وه ه ّ‬
‫عن جسده عن عقله‪ ،‬ه ّ‬
‫أول‪ ،‬ل توجد في القرآن الكريم آية تقول‪" :‬ل تكذبوا على الله وروحه"‪ ،‬فهذه‬
‫الجملة من اختراع جناب القمص‪ ،‬وهو كما هو معروف عنه مخترع كبير‪،‬‬
‫ملك‬ ‫ولكن عليه أن يحصر اختراعاته في كتابه‪ ،‬ول يظن أن القرآن المجيد ِ‬
‫مشاع لكل من هب ودب أن يعبث به‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬طبعا إذا كانت المسألة بهذا الشكل الذي شرحه القمص‪ ،‬يكون حتما‬
‫هناك ثلثة آلهة‪ ،‬مهما قال جناب القمص إنهم إله واحد‪ .‬لن الوجود يحتاج إلى‬
‫عقل لكي يعلم به الحكمة والعلم‪ ،‬ويحتاج إلى روح لكي تعطيه الحياة‪.‬‬
‫والعقل يحتاج إلى وجود لكي يعمل من خلله وإلى حياة لكي يستطيع أن‬
‫يؤدي وظيفته‪ .‬والروح هو الذي يعطي للوجود الحياة‪ ،‬وبغير الحياة يكون‬
‫الوجود موجودا ولكنه ميت ل يعمل‪ ،‬وبغير الحياة ل يستطيع العقل أن يعمل‬
‫ونون فيما بينهم ألوهية واحدة‪ ،‬ولكنها ألوهية تتكون من‬ ‫أيضا‪ .‬فهؤلء الثلثة يك ّ‬
‫ثلثة أقانيم‪ ،‬أي من ثلثة أشخاص لهم كينونة‪ ،‬ولو أن هذه الكينونة ليست‬
‫منفصلة عن كينونة الله‪.‬‬
‫والعتراض على هذه الصورة التي يقدمها جناب القمص هو ما يلي‪:‬‬
‫أول‪ :‬إن الوجود ذات‪ ،‬غير أن هذه الذات ليست كاملة بذاتها‪ ،‬بل تحتاج إلى‬
‫عقل يعطيها الحكمة‪ ،‬وتحتاج إلى روح تعطيها الحياة‪ .‬وإذا كانت ذات الله‬
‫تحتاج إلى شيء فهي ناقصة‪ ،‬والناقص ل يمكن أن يكون إلها ول يستحق أن‬
‫يكون إلها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن العقل هو الذي يعطي للوجود الحكمة‪ ،‬ولكنه ناقص في ذاته‪ ،‬لنه ل‬
‫قيمة له بدون ذات الله‪ ،‬فهو يحتاج إلى وجود الذات لكي يعمل ويعطيها‬
‫الحكمة‪ .‬وما يحتاج إلى شيء فهو ناقص‪ ،‬والناقص ل يمكن أن يكون إلها ول‬
‫يستحق أن يكون إلها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثالثا‪ :‬إن الروح هو الذي يعطي الحياة للوجود‪ ،‬ويمكن العقل من العمل‪،‬‬
‫ولكنه ناقص في ذاته لنه ل قيمة له بدون الوجود‪ ،‬فهو يحتاج إلى وجود‬
‫الذات لكي يعمل ويعطيها الحياة‪ .‬وما يحتاج إلى شيء فهو ناقص‪ ،‬والناقص‬
‫ل يمكن أن يكون إلها ول يستحق أن يكون إلها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬رغم أن اللوهية التي تجمع بين الوجود والعقل والروح‪ ،‬قد تبدو أنها‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كاملة‪ ،‬ولكنها في حقيقة المر ناقصة‪ ،‬لنها تتكون من ثلثة أقانيم كل منها‬
‫مل الخر‪ ،‬فهي ناقصة في ذاتها‪ ،‬واللوهية التي تتكون من ثلثة نواقص‬ ‫يك ّ‬
‫تكون ناقصة هي الخرى‪ ،‬حتى ولو كانت تبدو أنها كاملة في مظهرها‪.‬‬
‫سلطة نحصر الصفات اللهية في هذه الصفات الثلث‪:‬‬ ‫خامسا‪ :‬بأي حق وبأي ُ‬
‫الوجود‪ ،‬العقل‪ ،‬الحياة؟ أليس الله بصيرا؟ فما هي وسيلة البصر؟ أليس الله‬
‫سميعا؟ فما هي وسيلة السمع؟ أليس الله قويا؟ فما هي وسيلة القوة؟‬
‫أليس الله قديرا؟ فما هي وسيلة القدرة؟ إن هذه كلها صفات ذاتية‪ ،‬ومحاولة‬
‫جناب القمص الخروج من هذه الورطة بقوله إن الصفات الخرى هي صفات‬
‫أفعال أو صفات عامة‪ ،‬فل قيمة لتلك المحاولة‪ ،‬لن الذات اللهية إن لم تكن‬
‫لها صفة ذاتية معينة ل تستطيع أن تفعل بها شيئا‪ ،‬بمعنى أنه إن لم يكن الله‬
‫بصيرا بذاته لما أعطى البصر لغيره‪ ،‬تماما كما لو أنه لم يكن موجودا بذاته‬
‫لما أعطى الوجود لغيره‪ ،‬ولو لم يكن حكيما بذاته لما أعطى الحكمة لغيره‪،‬‬
‫ولو لم يكن حيا بذاته لما أعطى الحياة لغيره‪ ،‬وكذلك لو أنه لم يكن سميعا‬
‫بذاته لما أعطي السمع لغيره‪ ،‬ولو أنه لم يكن قويا بذاته لما أعطى القوة‬
‫لغيره‪ ،‬وهكذا‪ .‬وعلى هذا يكون حصر الصفات الذاتية لله تعالى في ثلث‬
‫صفات فقط أمر يحط من شأن الله تعالى‪ ،‬ول قيمة للقول بأن صفاته‬
‫الخرى هي مجرد صفات أعمال أو صفات عامة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬قد يقول القمص إن العقل عليم بذاته‪ ،‬فهو مصدر العلم‪ ،‬ولما كان‬
‫كل من السمع والبصر ليس إل وسيلة لكتساب العلم‪ ،‬يكون العقل بصيرا‬
‫بغير أن يحتاج إلى وسيلة للبصر‪ ،‬كما أنه يكون سميعا بغير أن يحتاج إلى‬
‫وسيلة للسمع‪ .‬ولكن إذا كان من الممكن أن يكون العقل عليما بذاته‪ ،‬فلماذا‬
‫ل يمكن للوجود أن يكون عليما بذاته أيضا بغير أن يحتاج إلى العقل؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫سابعا‪ :‬القوة ليست من العقل وإنما من العضلت‪ ،‬فإذا قلنا إن الوجود قوي‬
‫ي‬
‫بذاته‪ ،‬فل يحتاج إلى وسيلة لتمده بالقوة‪ ،‬فلماذا ل نقول أيضا إن الوجود ح ّ‬
‫بذاته ول يحتاج إلى روح لتمده بالحياة؟‬
‫ثامنا‪ :‬إذا قلنا عن الوجود وحده إنه أقنوم‪ ،‬وعن العقل وحده إنه أقنوم‪ ،‬وعن‬
‫الروح وحده أنه أقنوم‪ ،‬فكل أقنوم من هذه القانيم يحتاج إلى القنومين‬
‫الخرين‪ .‬ولكن‪ ،‬إذا قلنا إن الحكمة صفة من صفات الذات‪ ،‬والحياة صفة من‬
‫صفات الذات‪ ،‬كما أن الوجود صفة من صفات الذات‪ ،‬فل تحتاج أي من هذه‬
‫الصفات إلى الصفات الخرى‪.‬‬
‫وعلى هذا نعود مرة أخرى إلى الجملة التي نقلناها عن جناب القمص في‬
‫بداية هذه الحلقة وهي كما يلي‪:‬‬
‫ي بروحه‪ .‬ودي‬ ‫"المسيحية تقول إن الله واحد‪ ،‬موجود بذاته‪ ،‬حكيم بعقله‪ ،‬ح ّ‬
‫حاجات ذاتية زي ما اتكلمنا في الحلقة اللي فاتت‪ ،‬ودّية الثالوث بتاعنا‪.‬‬
‫صفات ذاتية‪ ،‬ل يمكن إن الله ما يكونش كامل فيها"‪.‬‬
‫ثم نذكر نفس الجملة من وجهة النظر السلمية‪:‬‬
‫ي بذاته‪ ،‬ودي‬‫"السلم يقول إن الله واحد‪ ،‬موجود بذاته‪ ،‬حكيم بذاته‪ ،‬ح ّ‬
‫حاجات ذاتية زي ما اتكلمنا في الحلقة اللي فاتت‪ ،‬وده التوحيد بتاعنا‪ .‬صفات‬
‫ذاتية‪ ،‬ل يمكن إن الله ما يكونش كامل فيها"‪.‬‬
‫ويلحظ المشاهد‪ ،‬كما يلحظ جناب القمص‪ ،‬الجملة الخيرة التي يصف بها‬
‫صفات الله تعالى فيقول إنها‪" :‬صفات ذاتية ل يمكن إن الله ما يكونش كامل‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيها"‪ .‬فمن هو الله؟ هو اسم لهذه الذات الكاملة‪ .‬وليكن اسمه ‪God‬‬
‫بالنجليزية‪ ،‬أو ليكن اسمه ‪ Dieu‬بالفرنسية‪ ،‬أو ليكن اسمه "يهوه" بالعبرية‪،‬‬
‫خدا" بالفارسية‪ ،‬فليكن السم ما يكون‪ ،‬ولكنه ل بد أن يعبر‬ ‫أو ليكن اسمه " ُ‬
‫عن كائن واحد ذي صفات كاملة‪ .‬فإذا كان جناب القمص قد اعترف وأقر بأن‬
‫الله واحد موجود بذاته‪ ،‬فلماذا ل يكون أيضا حكيما بذاته؟ ولماذا ل يكون أيضا‬
‫حّيا بذاته؟‬
‫هذا هو الخلف بين توحيد السلم وثالوث المسيحية‪ .‬المسيحية ل تستطيع أن‬
‫تقول إن الله واحد ذو ثلث صفات‪ ،‬إذا افترضنا أن الصفات الذاتية ثلثة‬
‫فقط‪ .‬ولكنها تقول إن الله واحد ذو ثلثة أقانيم‪ ،‬لنها تريد للقنوم أن يتجسد‬
‫ويحل في جسد المسيح‪ ،‬ولكن الصفة ل تتجسد ول تحل في جسد أحد‪ ،‬بل‬
‫يظهر أثرها على غيرها‪ ،‬وهذا ما سوف نتناوله بالبحث عندما نرد على كلم‬
‫القمص في موضوع التجسد‪.‬‬
‫أما القنوم فهو شيء آخر‪ ،‬القنوم له وجود قائم بذاته‪ ،‬بينما الصفة ل وجود‬
‫لها بذاتها‪ ،‬فإن لم يوجد الموصوف ل توجد الصفة‪ .‬ويقدم لنا جناب القمص‬
‫بنفسه تعريف القنوم فيقول بالحرف الواحد‪:‬‬
‫"القنوم‪ ،‬معنى كلمة أقنوم‪ ،‬ودي أنا بـ بـ أقول‪ ،‬لقيت إنها‪ ،‬فيه علقة بين‬
‫ي القّيوم في معناها‪ .‬فالقّيوم يعني ذو‬ ‫كلمة أقنوم في معناها‪ ،‬مع كلمة الح ّ‬
‫الوجود القائم بذاته غير منفصل عن غيره‪ ،‬والقنوم كده‪ :‬الكائن بذاته وغير‬
‫منفصل عن غيره"‪.‬‬
‫وكما قلنا سابقا إن جناب القمص مخترع كبير‪ ،‬وها هو يخترع لنا معنى جديدا‬
‫لكلمة "القّيوم"‪ ،‬فيقول إن القيوم يعني ذو الوجود القائم بذاته غير منفصل‬
‫عن غيره‪ ،‬مع أن القيوم هو ذو الوجود القائم بذاته المستغني عن غيره‬
‫والذي ل يقوم وجود أي موجود إل به‪ .‬ولكن يبدو أن جناب القمص يرى أن‬
‫كلمة أقنوم وكلمة قيوم تشتركان في ثلثة حروف هي القاف والواو والميم‪،‬‬
‫فل مانع لديه أن تتشابه هذه مع تلك‪ ،‬ولذلك ل يرى بأسا في اختراع معنى‬
‫جديدا لكلمة "القيوم"‪.‬‬
‫ولكن دعونا من اختراعات القمص‪ ،‬وتعالوا ندرس التعريف الذي وضعه جناب‬
‫القمص بنفسه لكلمة "أقنوم" وهو‪" :‬الكائن بذاته وغير منفصل عن غيره"‪.‬‬
‫أول‪ :‬إن هذا التعريف ل يدل على الكمال بل على النقص‪ .‬فإن الذي ل ينفصل‬
‫عن غيره يكون في حاجة إلى هذا الغير‪ ،‬وما يحتاج إلى شيء يكون ناقصا‬
‫غير كامل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ما دام جناب القمص يرى أن الله واحد مثلث القانيم‪ ،‬والقنوم هو‬
‫ون من ثلث‬ ‫الكائن بذاته وغير منفصل عن غيره‪ ،‬فمعنى هذا أن الله يتك ّ‬
‫ذوات كائنة بذاتها وغير منفصلة عن غيرها‪ .‬فالوجود أقنوم كائن بذاته غير‬
‫منفصل عن غيره‪ ،‬والعقل أقنوم كائن بذاته غير منفصل عن غيره‪ ،‬والروح‬
‫أقنوم كائن بذاته غير منفصل عن غيره‪ .‬ولما كان كل أقنوم ناقصا في ذاته‪،‬‬
‫لنه غير منفصل عن غيره‪ ،‬تكون هذه القانيم التي يشوب كل منها نقص‪ ،‬هي‬
‫ون اللوهية الواحدة التي يزعم جناب القمص أنها الله‪ .‬ولكن هذه‬ ‫التي تك ّ‬
‫ون من ثلثة نواقص‪ .‬وهذا ما قلناه‬ ‫اللوهية ناقصة وليست كاملة‪ ،‬لنها تتك ّ‬
‫سابقا‪.‬‬
‫دمه لنا‬‫ثم نريد أن نسأل جناب القمص عن هذا الله الذي يؤمن به ويق ّ‬
‫ويزعم أنه إله المسيحية‪ ،‬بل ويدعونا نحن المسلمين أن نترك إيماننا بالله‬
‫الواحد الحد لنؤمن بهذا الله‪ ،‬نريد أن نسأله‪ :‬إذا كنت ترى يا جناب القمص‬
‫أن القنوم كائن بذاته وغير منفصل عن غيره‪ ،‬فنريد أن نسألك نفس السئلة‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي سألها من قبل صديقك العزيز الدكتور محمد الشقنقيري‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا‬
‫القنوم‪ ،‬أمخلوق؟ أم غير مخلوق؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وحيث إنك شديد العجاب بعقلية الدكتور الشقنقيري‪ ،‬ومن فرط إعجابك به‬
‫تقول عنه للسيدة ناهد متولي‪" :‬شايفة النسان اللي بيفكر‪ ،‬إحنا عايزين ناس‬
‫كوا ول يريدون أن‬ ‫تفكر"‪ ،‬وحيث إنك تتهم المسلمين بأنهم ل يريدون أن يش ّ‬
‫يفكروا‪ ،‬فها أنا ذا أدعوك يا جناب القمص إلى مأدبة للفكر‪ ،‬وتعال نفكر سويا‪،‬‬
‫وليشترك معنا جميع المشاهدين المسلمين منهم والمسيحيين‪ .‬وطبعا ما‬
‫ينطبق على القنوم الواحد ينطبق على القانيم الثلثة‪ .‬والن نسأل‪ :‬هذا‬
‫القنوم‪ ،‬أمخلوق؟ أم غير مخلوق؟‬
‫ت إن القنوم غير مخلوق‪ ،‬فهذا يعني أنه كامل في ذاته وأنه أزلي في‬ ‫إن قل َ‬
‫وجوده‪ ،‬فيكون القنوم هو الله‪ .‬لن الله هو الكائن غير المخلوق الكائن بذاته‬
‫والكامل في ذاته والزلي في وجوده‪ .‬وحيث إن هناك ثلثة أقانيم يكون هناك‬
‫ثلثة آلهة‪ ،‬غير مخلوقة‪ ،‬أي كائنة بذاتها‪ ،‬كاملة في ذاتها‪ ،‬أزلية في وجودها‪.‬‬
‫وحينما تقول إن الله واحد مثلث القانيم فأنت في الحقيقة تقصد ألوهية‬
‫واحدة تجمع ثلثة آلهة‪ .‬ولكن‪ ،‬ما الذي يجبر كل أقنوم‪ ،‬وهو الكائن بذاته‪،‬‬
‫الكامل في ذاته‪ ،‬الزلي في وجوده‪ ،‬أن يكون غير منفصل عن غيره؟ إن في‬
‫هذا تناقض كبير يا جناب القمص‪.‬‬
‫وإن قلت‪ :‬للللل‪ ،‬إن القنوم مخلوق‪ ،‬فهذا يعني أنه غير كامل في ذاته‪ ،‬أي‬
‫أنه ناقص‪ ،‬كما أنه ليس أزليا‪ ،‬وهذا يعني أن الله قبل أن يخلق أقانيمه الثلثة‪،‬‬
‫ور!!‬
‫كان بغير وجود‪ ،‬وبغير عقل‪ ،‬وبغير روح‪ ،‬وهذا غير متص ّ‬
‫نقول مرة أخرى؟ نكرر الكلم لعلك تستطيع أن تفهم يا جناب القمص‪ .‬أنت‬
‫تقول إن الله ثالوث يتكون من ثلث أقانيم‪ .‬حسنا‪ ،‬ونحن نريد أن نسأل‪ :‬هذا‬
‫القنوم‪ ،‬هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ إن قلت إن القنوم غير مخلوق‪،‬‬
‫فمعنى هذا أن القنوم أزلي‪ ،‬والزلي يكون هو الله‪ ،‬وبالتالي يكون الله ثالوثا‬
‫يتكون من ثلثة آلهة‪ ،‬لنه يتكون من ثلثة أقانيم أزلية غير مخلوقة‪ .‬وعلى هذا‬
‫تكون المسيحية التي تؤمن بها ليست دين توحيد‪ ،‬وإنما دين ألوهية تتكون من‬
‫ثلثة آلهة‪.‬‬
‫ت إن القنوم مخلوق‪ ،‬فمعنى هذا أن أقنوم الوجود مخلوق‪ ،‬وأقنوم‬ ‫وإن قل َ‬
‫العقل مخلوق‪ ،‬وأقنوم الروح مخلوق‪ ،‬وهذا يعني أن الله قبل أن يخلق‬
‫أقانيمه الثلثة كان بغير وجود‪ ،‬وبغير عقل‪ ،‬وبغير حياة‪ ،‬وهذا غير متصور‪.‬‬
‫أترى المنطق يا جناب القمص؟ منطق!! أليس هذا هو منطق صديقك‬
‫الدكتور محمد الشقنقيري؟ أليس هذا هو المنطق الذي تدعو المسلمين أن‬
‫يفكروا به؟ فلماذا ل تفكر به أنت يا جناب القمص لتعرف أن عقيدة "الله‬
‫واحد مثلث القانيم" هي عقيدة فاسدة تتعارض مع وحدانية الله؟ إنني أدعو‬
‫صروا‪،‬‬ ‫السيدة ناهد متولي‪ ،‬والسيد محمد سعيد‪ ،‬وجميع المسلمين الذين تن ّ‬
‫كما أدعو أيضا جميع المسيحيين المخلصين الذين يريدون أن يعبدوا إلها‬
‫واحدا حقا‪ ،‬أن يفكروا فيما يقوله جناب القمص‪ ،‬وفيما يعنيه كلمه هذا‪ .‬وإذا‬
‫أرادوا أن يعبدوا ألوهية تتكون من ثلثة آلهة‪ ،‬فلهم الحق في هذا‪ ،‬وهو حق‬
‫كفله الله تعالى نفسه‪ ،‬ولكن عليهم أن يتحلوا بالشجاعة والمانة‪ ،‬وعليهم أن‬
‫يقولوا بصراحة ووضوح إننا نعبد ثلثة آلهة‪ ،‬ول يخدعوا أنفسهم ول يخدعوا‬
‫الخرين باّدعائهم أنهم يعبدون إلها واحدا‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما إذا كانوا يريدون أن يعبدوا إلها واحدا حقا‪ ،‬فريدا في ذاته‪ ،‬ليس كمثله‬
‫شيء‪ ،‬كامل في ذاته‪ ،‬أزليا في وجوده‪ ،‬واحدا أحدا‪ ،‬لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن‬
‫دمه السلم‪ .‬هذا هو الله الحق‬ ‫له كفوا أحد‪ ،‬فإني أدعوهم إلى الله الذي يق ّ‬
‫الذي يستحق العبادة‪ ،‬وهذا هو الله الذي سوف تقفون أمامه يوم الموقف‬
‫العظيم‪.‬‬
‫لعلكم قبل الن كان لكم بعض العذر‪ ،‬لن جناب القمص استطاع أن يخدعكم‬
‫بأسلوبه الساحر‪ ،‬وبتشبيهاته التي أدخلها إلى عقولكم في غفلة منكم‪ ،‬لنكم‬
‫لم تكونوا تعرفون الرد عليها‪ ،‬وأضلكم بأمثلته التي تبدو صحيحة من حيث‬
‫الظاهر ولكنها تخالف الواقع عند تحليلها وتفنيدها‪ .‬ولكن الن ل عذر لكم‪،‬‬
‫فقد اتضحت الحقيقة‪ ،‬وظهر الحق‪ ،‬والْولى والحق أن تتبعوا الحق‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وحيث إن كل من المسلمين والمسيحيين يؤمنون بأن الله الذي يعبدونه هو‬


‫جهوا إلى الله تعالى بالدعاء‪،‬‬
‫ي‪ ،‬وأنه يجيب الداعي إذا دعاه‪ ،‬فلتتو ّ‬
‫إله ح ّ‬
‫الدعاء الصادق النابع من القلب‪ ،‬المخلص في طلب المعرفة‪ ،‬واسألوه‪ :‬يا‬
‫رب‪ ،‬هل أنت إله واحد مثلث القانيم؟ أم أنت إله واحد متعدد الصفات؟‬
‫اطلبوا منه أن يريكم الحقيقة‪ ،‬اسألوه أن يهديكم إلى الطريق الصحيح‪ ،‬ولكن‬
‫حكم مسبق‪ ،‬ول عزم على اتخاذ قرار‬ ‫بشرط أل يكون في أعماق نفوسكم ُ‬
‫معين‪ ،‬فإن الله مطلع على ما في القلوب‪ ،‬ومن يذهب إلى الله بقرار‬
‫مسبق‪ ،‬فإن الله ل يلتفت إليه‪ ،‬ول يهتم بدعائه‪ ،‬لنه في واقع المر ل يطلب‬
‫من الله شيئا عندما يدعوه وقد حكم هو مسبقا على ما يريده أو أنه اتخذ‬
‫بنفسه قرارا فيما يدعو فيه ويسأل عنه‪ .‬وليكن هذا الدعاء الصادق في جوف‬
‫الليل‪ ،‬فقوموا من نومكم خلل الليل‪ ،‬وتخلوا عن فراشكم من أجل الدعاء‪،‬‬
‫وتوجهوا إلى الله تعالى‪ ،‬أو ادعوا الله قبل النوم‪ ،‬واسألوه تعالى أن يريكم‬
‫آية أو رؤيا أو دليل أو برهانا‪ ،‬بشرط أن يكون خارجا عن أحاديث النفس‪،‬‬
‫وبعيدا عن همزات الشياطين‪ ،‬لتعلموا يقينا ما إذا كان الله واحدا مثلث‬
‫القانيم‪ ،‬أو أنه واحد متعدد الصفات‪ .‬وداوموا على الدعاء المتواصل في كل‬
‫ليلة لمدة أربعين ليلة على القل‪ ،‬فإن فاتتكم ليلة فابدأوا مرة أخرى من‬
‫البداية‪ .‬والغرض من ذلك إثبات صدق نيتكم وبيان إصراركم على معرفة‬
‫الحق من الله تعالى‪ ،‬وأنكم ل تتخذون موضوع الدعاء هذا هذرا أو لعبا ولهوا‪.‬‬
‫إن الدعاء لبضعة أيام ل يكفي‪ ،‬ولكن ل بد من أن يتواصل بغير انقطاع‪ ،‬فهذا‬
‫دليل الصدق ودليل الخلص ودليل الرغبة في معرفة الحق‪ .‬وإذا أردتم أن‬
‫تسمعوا هذه الحلقات مرة أخرى قبل أن تبدأوا بهذا الدعاء‪ ،‬فنرجو أن تتصلوا‬
‫بنا وسوف نرسل لكم الحلقات التي تحددونها‪ ،‬وإذا أردتم أن تقرأوا هذه‬
‫الحلقات مكتوبة باللغة العربية‪ ،‬فاتصلوا بنا واطلبوا منها ما شئتم وسوف‬
‫نرسله إليكم إن شاء الله‪ .‬ول تنسوا في دعائكم أن تعاهدوا الله تعالى على‬
‫أنكم سوف تقبلون قراره مهما كان‪ ،‬سواء كان يتفق مع معتقداتكم الحالية‬
‫أو يختلف عنها‪ ،‬وأنكم سوف تتحملون كل ما يترتب على ذلك من صعوبات‬
‫ومشقات‪.‬‬
‫وفقكم الله إلى طريق الحق‪ ،‬وهدانا وإياكم إلى صراط الحق‪ ،‬وجمعنا وإياكم‬
‫على اليمان الحق‪.‬‬
‫) ‪( 22‬‬
‫في لقاءاتنا الستة الماضية تحدثنا معكم عن موضوع الثالوث‪ ،‬وما إذا كان‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله واحدا أم ثالوثا‪ .‬ونتناول اليوم في هذه الحلقة موضوع التجسد‪ ،‬وما إذا‬
‫كان الله يتجسد ويحل في جسم مخلوق‪ .‬وكما تعلمون فهذه الحلقات التي‬
‫نقدمها باسم "أجوبة عن اليمان" هي للرد على جناب القمص زكريا بطرس‬
‫في الحلقات التي قدمها باسم "أسئلة عن اليمان"‪ .‬وقد تحدث جناب‬
‫القمص على مدى أربع حلقات عن موضوع الثالوث‪ ،‬وقد رددنا عليه في ست‬
‫حلقات‪ .‬كذلك فقد تحدث عن موضوع الصلب والفداء في ست حلقات‪،‬‬
‫واستغرق ردنا عليه خمس عشرة حلقة‪ .‬والن يحدثنا جناب القمص عن‬
‫موضوع التجسد‪ .‬وكالعادة‪ ،‬سوف نتناول السئلة التي تقدمها له السيدة ناهد‬
‫محمود متولي‪ ،‬ونرى الجوبة التي يرد بها القمص عليها‪ ،‬ثم نقوم بتحليل هذه‬
‫الجوبة ونقوم بالرد عليه وكشف ما في كلمه من أخطاء منطقية أو‬
‫تناقضات عقائدية‪.‬‬
‫تسأل السيدة ناهد عن حقيقة شخصية المسيح ‪ ،‬هل هو الله أم ابن الله؟ هل‬
‫هو إنسان أم ابن النسان؟ فيقول القمص إن من مدلولت كلمة "ابن"‬
‫التساوي‪ ،‬إذ ُيقال إن فلنا ابن عشر سنين‪ ،‬يعني عمره يساوي عشر سنين‪.‬‬
‫ومن هذا يستنتج جناب القمص أن "ابن الله" يعني مساوي لله ومن طبيعة‬
‫الله‪ ،‬فابن الطائر طائر‪ ،‬وابن السمك سمك‪ ،‬وابن النسان إنسان‪ ،‬وعلى هذا‬
‫يكون معنى كلمة "ابن الله" أي من طبيعة الله‪.‬‬
‫وأرجو من حضرات المشاهدين أن يلحظوا كيف يخلط جناب القمص بين‬
‫الحقيقة والمجاز‪ .‬فقد ظل جنابه في حلقاته السابقة يؤكد ويعيد ويزيد القول‬
‫وة المسيح عن طريق الجنس أو التناسل بعيد تماما عن الفكر‬ ‫بأن مفهوم بن ّ‬
‫وة مجازية‪ .‬وها هو هنا يقول لنا‬‫وة المسيح لله ليست إل بن ّ‬ ‫المسيحي‪ ،‬وأن بن ّ‬
‫إن "ابن الله" يعني من طبيعة الله‪ ،‬فابن الطائر طائر‪ ،‬وابن السمك سمك‪،‬‬
‫وابن النسان إنسان‪ ،‬وبالتالي يكون "ابن الله" هو من طبيعة الله‪ .‬وكل هذه‬
‫وة قد جاءت نتيجة الجنس والتناسل‪ ،‬فمن‬ ‫المثلة التي قدمها جنابه عن البن ّ‬
‫وة المسيح ل تتعلق بالجنس‬ ‫نصدق؟ القمص الذي ينفي في حلقة أن بن ّ‬
‫والتناسل‪ ،‬أم القمص الذي يؤكد في حلقة أخرى أن "ابن الله" يعني من‬
‫طبيعة الله كأي ابن ينتج عن الجنس والتناسل؛ كما أن ابن الطائر طائر وابن‬
‫السمك سمك وابن النسان إنسان؟ أل تثبت على مبدأ واحد يا جناب‬
‫القمص؟ أل يكون لك رأي واحد تقدمه وتقنع به مشاهديك؟ أم أنك تريد أن‬
‫ون وتتشكل كما كان يفعل بولس حين يقول إنه يتكلم مع العبراني وكأنه‬ ‫تتل ّ‬
‫عبراني ويتكلم مع اليوناني كما لو أنه يوناني؟ إذ يقول في رسالته الولى إلى‬
‫كورنثوس‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫"فصرت لليهودي كيهودي لربح اليهودي‪ ،‬وللذين تحت الناموس كأني تحت‬
‫الناموس لربح الذين تحت الناموس‪ .‬وللذين بل ناموس كأني بل ناموس مع‬
‫أني لست بل ناموس بل تحت ناموس للمسيح لربح الذين بل ناموس" )‬
‫‪.(20:9‬‬
‫ولذلك فل مانع لديه من الكذب ما دام ذلك الكذب يزيد من مجد الله‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫"إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ"؟ )رومية‬
‫‪.(7:3‬‬
‫يعني إذا كان مجد الله يزداد وينتشر بواسطة كذبه فلماذا يدينه الناس‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقولون عنه إنه كذاب؟ فهل هذه هي السوة التي تتأسى بها يا جناب‬
‫القمص؟‬
‫سرت‬ ‫ثم من الذي قال إن أحد مدلولت كلمة "ابن" هو التساوي؟ هل لنك ف ّ‬
‫ت‪ :‬فلن ده ابن عشر سنين يعني عمره يساوي عشر سنين؟ فماذا‬ ‫جملة فقل َ‬
‫ت‪ :‬فلن ده ابن عشر سنين يعني عمره‬ ‫سرت أنا الجملة بشكل آخر فقل ُ‬ ‫لو ف ّ‬
‫يبلغ عشر سنين؟ هل يكون "البلوغ" هو أيضا أحد مدلولت كلمة "ابن"؟ وإذا‬
‫كانت كلمة "ابن" تعني "يساوي" فهل أستطيع أن أستبدل الكلمتين في‬
‫تعبيرين مختلفين؟ فمثل بدل من أن أقول‪ :‬طول هذا الغلم "يساوي" طول‬
‫ذلك الرجل‪ ،‬فهل يمكن أن أقول‪ :‬طول هذا الغلم "ابن" طول ذلك الرجل؟‬
‫وبدل من أن أقول‪ :‬ثمن هذا البيت "يساوي" عشرة آلف دولر‪ ،‬فأقول‪ :‬ثمن‬
‫هذا البيت "ابن" عشرة آلف دولر؟ صحيح أنك مخترع كبير يا جناب القمص‪،‬‬
‫ولك أن تخترع ما تشاء من العقائد التي تريد أنت أن تقتنع بها‪ ،‬ولكن ما لك‬
‫أنت واللغة وقواعدها وأصولها؟ هل تنوي أن تخترع لنا لغة جديدة؟ إن‬
‫استخدام كلمة معينة في تعبير معين على سبيل المجاز ل يعطيك الحق في‬
‫استخدامها في كل تعبير آخر بنفس المعنى‪ ،‬وبالتالي فليس من حقك أن‬
‫تقول إن "ابن الله" يعني "مساو لله"‪.‬‬
‫ونفس المنطق الملتوي المغلوط تستعمله حين تقول‪:‬‬
‫"بنات الفكر‪ ،‬يعني إيه بنات الفكر؟ يعني الفكر معلنا في كلمات‪ ،‬في صور‪.‬‬
‫فابن الله أي أنه الله ظاهرا في الجسد‪ ،‬زي كلمات الفكر ظاهرة في كلمات‬
‫سدت في حبر وورق‪ ،‬صح؟"‬ ‫سدت‪ ،‬الفكار تج ّ‬ ‫بتتكتب بالحبر على ورق‪ ،‬تج ّ‬
‫ل طبعا مش صح‪ .‬غلط وألف غلط‪ .‬فالفكار ل تأخذ جسدا يا جناب القمص‪،‬‬
‫فهي ل تتجسد‪ ،‬وإنما يمكن التعبير عن الفكار إما بالصوت في شكل كلمات‪،‬‬
‫مّتفق على معناها‪ .‬فالحروف‬ ‫أو بالحروف والكلمات المرسومة في أشكال ُ‬
‫المكتوبة ليست أجسادا وإنما هي أشكال‪ ،‬إل إذا كان جناب القمص ل يعرف‬
‫الفرق بين الجسد وبين الشكل‪ ،‬فعليه أن يذهب إلى مدارس الطفال الولية‬
‫ليتعلم فيها من جديد الفرق بين الجسد وبين الشكل‪.‬‬
‫إن قياسك خاطئ يا جناب القمص‪ ،‬ومحاولتك فاشلة لتبرير معنى التجسد‬
‫تبريرا عقلنيا أو لغويا أو منطقيا‪ .‬وحين تعظ في كنيستك فلك الحق أن تقول‬
‫ما تشاء‪ ،‬ولكنك تتكلم في قناة فضائية‪ ،‬وتوجه كلمك إلى المسلمين بالذات‪،‬‬
‫فنرجوك أل تمتهن عقولهم ول تستهن بذكائهم‪ ،‬وكن أكثر حرصا على أن‬
‫تكون أفكارك وكلماتك في مستوى يقرب من مستوى من يسمعونك‬
‫ويشاهدونك‪.‬‬
‫وينتقل جناب القمص بعد ذلك ليتكلم عن طبيعة المسيح فيقول‪:‬‬
‫"والحتة اللي بتصدم الخ المسلم المستمع‪ ،‬بتصدمه‪ ،‬إزاي يبقى إنسان تقول‬
‫عليه الله؟ ياكل‪ ،‬ويشرب‪ ،‬ويجوع‪ ،‬وينام‪ ،‬وحاجات تانية‪ ،‬مش كده؟ بنقول إن‬
‫الفكرة هي إن المسيح له طبيعة جسدية زيي وزيك تماما‪ ،‬طبيعة زيي وزيك‪،‬‬
‫بس من غير خطية‪ .‬وفيه بقى ظاهر فيها طبيعة أخرى اللهوت‪ ،‬الله ظاهر‬
‫وه الله‪ ،‬لكن‬
‫فيها‪ .‬وزي ما قلنا في القرآن تجلى الله للجبل‪ ،‬الجبل مش ه ّ‬
‫تجلى الله في الجبل‪ ،‬تجلى الله في الشجرة‪ ،‬الله هوه اللى تجلى في‬
‫الشجرة‪ .‬فإذا كان تجلى في جماد وهو جبل‪ ،‬وتجلى في نبات وهو الشجرة‪،‬‬
‫أفكثير أن يتجلى في إنسان‪ ،‬والنسان أرقى من الجماد ومن النبات‪ ،‬ببساطة‬
‫وه اللي بيخلي‬‫صب ه ّ‬‫يعني كده؟ بس هّيه الفلنة )أي انغلق العقل( والتع ّ‬
‫النسان يخاف يصدق الحاجات دي‪ ،‬فبيقفلها‪ ،‬للل غلط من البداية‪ .‬لكن لو‬
‫خه وابتدا يفكر‪ ،‬الله؟ فيها ايه؟ بشهادة القرآن الله تجلى في جبل ودا‬ ‫فّتح م ّ‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جماد‪ ،‬وبشهادة القرآن الله تجلى في شجرة ودا نبات‪ ،‬الله؟ طب وُيعتبر ُ‬
‫كفر‬
‫مِلك الخليقة‪ ،‬رأس الخليقة؟ النسان‬‫بقى لو قلنا الله تجلى في إنسان وهو َ‬
‫وه يفهم ويدرك المعاني كويس"‪.‬‬ ‫لما يقبل المور ببساطة حيقدر إن ه ّ‬
‫)‪(6 /‬‬

‫ل شك أن كل إنسان عاقل يصاب بالصدمة المؤلمة حين يسمع قولكم عن‬


‫إنسان أنه الله‪ .‬ول شك أن النسان المسلم يستنكر تماما أن يكون الله‬
‫ي العظيم‪ ،‬مالك الملك وذو الجلل والكرام‪ ،‬إنسانا يأكل ويشرب‬ ‫تعالى العل ّ‬
‫ويجوع وينام‪ ،‬ويفعل "الحاجات التانية"‪ .‬واّدعاؤكم بأن المسيح له طبيعتان‬
‫دعاء ل يقوم عليه أي دليل سوى‬ ‫إحداهما إنسانية والخرى لهوتية‪ ،‬هو مجرد ا ّ‬
‫كلم بعض الشخاص‪ ،‬مثل بولس الرسول أو يوحنا المنسوب إليه النجيل‬
‫المعروف باسم إنجيل يوحنا‪ .‬فإنحيل يوحنا يقول‪ :‬والكلمة صار جسدا وحل‬
‫بيننا )يوحنا ‪ ،(14:1‬والسيد بولس يقول لتلميذه تيموثاوس في رسالته الولى‬
‫إليه‪" :‬عظيم هو سر التقوى‪ ،‬الله ظهر في الجسد" )‪ 1‬تيموثاوس ‪ .(16:3‬أما‬
‫صاحب الشأن نفسه‪ ،‬أي الله نفسه الذي تزعمون أنه ظهر في الجسد‪ ،‬أي‬
‫المسيح‪ ،‬لم يقل هو هذا الكلم‪ .‬ألم يكن الْولى يا جناب القمص‪ ،‬أن الله‬
‫الذي ظل يؤكد على وحدانيته على لسان كل نبي وكل رسول‪ ،‬الله الذي‬
‫أوصى بني إسرائيل قائل‪" :‬اسمع يا إسرائيل‪ ،‬الرب إلهك رب واحد"‪ ،‬ثم يكرر‬
‫ذلك المسيح بنفسه ويقول إنها أعظم الوصايا‪ ،‬ويضيف إليها أن تحب الرب‬
‫إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ل يقول للناس‪ :‬ها أنا ذا الرب إلهكم قد تجسدت وظهرت في الجسد؟‬
‫ألم يكن الْولى به أن يشرح للناس أن له طبيعتين إحداهما بشرية والخرى‬
‫لهوتية؟ ألم يكن الْولى به أن يبّين للناس أن ناسوته لم يفارق لهوته لحظة‬
‫واحدة ول طرفة عين؟ ألم يكن الْولى به أن يفسر للناس كيف أن ناسوته‬
‫سهي عليه بيان هذه‬‫اتحد بلهوته بغير اختلط ول امتزاج ول تغيير؟ هل ُ‬
‫المور الهامة أم أنه ترك بيانها لناسوته فنسي الناسوت أن يبّينها؟ أم أن‬
‫البشرية كانت ل تزال في طور الطفولة الفكرية‪ ،‬وما كانت تستطيع أن تفهم‬
‫بعد هذه المعضلت‪ ،‬فترك المسيح ذكرها إلى أن يأتي السيد بولس بعد بضع‬
‫سنين ويكتب رسالته الولى إلى تيموثاوس‪ ،‬حيث وصلت البشرية فجأة إلى‬
‫النضج الفكري؟ لو كان المر كذلك‪ ،‬لكان من الخطأ أن يأتي المسيح في‬
‫ذلك الوقت الذي لم تكن البشرية قد نضجت فيه بعد‪ ،‬وما دام قد انتظر أكثر‬
‫من أربعة آلف سنة بعد خطية آدم‪ ،‬فكان عليه أن ينتظر بضع سنين أخرى‬
‫حتى تنضج البشرية ويتولى هو بنفسه شرح هذه المور الهامة التي يتوقف‬
‫عليها إيمان الناس‪ ،‬بدل من أن يترك بيانها للسيد بولس والستاذ يوحنا‪.‬‬
‫وأنت تستشهد بالقرآن على أن الله تجلى في الجبل وهو جماد‪ ،‬وتجلى في‬
‫الشجرة وهي نبات‪ ،‬ثم تتساءل مستنكرا‪" :‬أفكثير أن يتجلى في إنسان‪،‬‬
‫والنسان أرقى من الجماد ومن النبات"؟ وقبل أن أجيب على سؤالك‪ ،‬دعني‬
‫أسألك أول‪ :‬هل معنى أن الله تجلى في الجبل أن الجبل أصبح له طبيعة‬
‫جبلية وطبيعة لهوتية؟ ولما تجلى الله في الشجرة‪ ،‬فهل أصبح للشجرة‬
‫طبيعة نباتية وطبيعة لهوتية؟ فلماذا حين يتجلى في المسيح تصبح له طبيعة‬
‫بشرية وطبيعة لهوتية؟‬
‫أما الجابة على سؤالك فهي‪ :‬ل طبعا‪ ،‬ليس بكثير أن يتجلى الله في إنسان‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬ما هو معنى تجلي الله الذي تفهمه بعبقريتك الفريدة يا جناب القمص؟‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنك تفهم أن الله يحل في الجبل أو في الشجرة أو في النسان‪ ،‬وهذا خطأ‪.‬‬


‫فالله ل يحل في شيء لنه أسمى من كل شيء‪ ،‬وذاته تختلف عن كل ذات‬
‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫أخرى‪ ،‬وكما قلنا من قبل‪ :‬إن الله الذي يعبده المسلمون [ل َي ْ َ‬
‫ل ويسمو عن الزمان والمكان‪ ،‬وهو يحتوي الزمان والمكان‪،‬‬ ‫يٌء]‪ ،‬فهو يج ّ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ول يحتويه زمان ول مكان‪ .‬وعلى ذلك فهو ل يحل في شيء لنه يختلف عن‬
‫كل شيء‪ .‬ومعنى أنه يتجلى لشيء أو يتجلى في شيء هو أن بعض صفاته‬
‫تظهر على هذا الشيء أو في هذا الشيء‪ ،‬كما تظهر بعض صفات الشمس‬
‫في المرآة‪ .‬إن الشمس ل تحل في المرآة‪ ،‬ول يصبح للمرآة طبيعتان إحداهما‬
‫"مرآتية" والخرى "شمسية"‪ ،‬وإنما تظل المرآة كما هي مجرد مرآة‪ .‬والله‬
‫تعالى يتجلى بوضوح في هذا الكون‪ ،‬أي أن عظمته وقدرته ورحمته تتجلى‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫في هذا الكون‪ .‬يقول تعالى في القرآن المجيد [َفانظ ُْر ِإلى آَثارِ َر ْ‬
‫ه] )الروم‪ .(50:‬ومع ذلك يظل الكون كما هو دون أن يكون له طبيعتان‬ ‫الل ِ‬
‫إحداهما كونية والخرى لهوتية‪ .‬ولك يا جناب القمص أن تنظر إلى ورقة من‬
‫أوراق الشجر لترى كيف أن قدرة الله تعالى تتجلى فيها‪ ،‬أو انظر إلى زهرة‬
‫ونة وشاهد آثار القدرة اللهية متجلية فيها‪ ،‬ثم انظر يا جناب‬ ‫من الزهور المل ّ‬
‫القمص إلى الطيور وأشكالها‪ ،‬وانظر إلى السماك وألوانها‪ ،‬بل انظر إلى‬
‫الحشرات والعناكب‪ ،‬واعجب لهذا الخالق العظيم الذي ترى آثار صفته‬
‫"الخالق" متجلية في كل نوع من الحشرات والعناكب‪ ،‬وكيف أنه أعطى لكل‬
‫نوع منها وسيلة خاصة لنسج بيتها أو لصيد فريستها‪ .‬نعم إن صفات الله‬
‫تعالى تتجلى في كل مكان وتتجلى لكل إنسان‪ ،‬ولكن بعض الناس ينظرون‬
‫ول يبصرون‪ ،‬ويقرأون ول يفهمون‪ ،‬ويخلطون الحقيقة بالمجاز‪ ،‬ويظنون أن‬
‫تجلي الله يعني أن الله قد حل في شيء‪ .‬فتعالى الله عما يصفون‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ثم يشرح لنا جناب القمص كيف يمكن أن يكون للمسيح طبيعتان‪ ،‬إحداهما‬
‫بشرية والخرى إلهية‪ ،‬البشرية اسمها الناسوت‪ ،‬واللهية اسمها اللهوت‪.‬‬
‫فيضرب مثال بقلمين أحدهما لونه أسود والخر لونه أحمر‪ ،‬ويقول إن القلم‬
‫السود يرمز لقضيب من الحديد‪ ،‬فإذا وضعنا الحديد في النار صار لونه أحمر‬
‫مثل القلم الثاني‪ ،‬ويكون هذا حديد فقط‪ ،‬ويكون ذاك حديد مّتحد بالنار‪ .‬ثم‬
‫يعلق القمص على هذا القدر من المثال فيقول‪ :‬عندما نقول إن الحديد اّتحد‬
‫كفر؟ كل‪ ،‬فإن هذه حقيقة علمية‪ .‬ثم يستكمل مثاله‬ ‫بالنار‪ ،‬هل يكون في ذلك ُ‬
‫مى بالنار يمكن ثْنيه أو عدله أو ضبطه أو طرقه‪ ،‬ولكن‬ ‫فيقول إن الحديد المح ّ‬
‫النار ل تتأثر بكل هذا‪ ،‬غير أنها تستطيع أن تقوم بفعلها‪ ،‬إذ لو لسعت بني آدم‬
‫تحرقه‪ ،‬أما الحديد وحده فل يحرق‪ .‬ولكن بعد اتحاده بالنار نجد أن النار لم‬
‫ول إلى نار‪ ،‬بل ظلت النار بطبيعتها‪ ،‬وظل‬ ‫تتحول إلى حديد‪ ،‬ول الحديد تح ّ‬
‫الحديد بطبيعته‪ ،‬مع أن بينهما اتحاد كامل‪ .‬فالحديد يرمز إلى جسد المسيح‪،‬‬
‫والنار ترمز إلى نار اللهوت‪ ،‬فالمسيح من جسد العذراء مجرد جسد‪ ،‬ولكن‬
‫الله من خلل المسيح يعمل أعمال إلهية‪ ،‬والجسد بطبيعته البشرية يأكل‬
‫ويشرب ويجوع ويشاركنا في طبيعتنا‪.‬‬
‫وحيث إن جناب القمص يقدم لنا أمثلة يصفها بأنها حقائق علمية‪ ،‬فيجب أن‬
‫يكون مثاله ينطبق على الحالة التي يريد أن يشرحها‪ .‬فهل يجوز مثل أن أمثل‬
‫أنا موضوع الناسوت واللهوت بأني وضعت صخرة في الماء‪ ،‬ثم أقول إن‬
‫الصخرة تمثل الناسوت‪ ،‬والماء يمثل اللهوت‪ ،‬فل الماء تحول إلى صخرة ول‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصخرة تحولت إلى ماء؟ طبعا ل‪ .‬لن جناب القمص سوف يقول لي إنه لم‬
‫يحدث "اتحاد" بين الثنين كما حدث "اتحاد" بين الحديد والنار‪ .‬وهذا بالضبط‬
‫ما أريد الوصول إليه‪ .‬إن الشياء التي تختلف طبيعتها عن بعضها البعض ل‬
‫تتحد مع بعضها البعض‪ .‬ولكن كيف اتحدت النار مع الحديد‪ ،‬هل هي من‬
‫طبيعة الحديد؟ إن النار عبارة عن طاقة مرتفعة الحرارة‪ ،‬وهذه الطاقة‬
‫الحرارية موجودة في الحديد‪ ،‬ولكننا ل نشعر بها لن حرارتها منخفضة أو‬
‫تقترب من درجة حرارة الجسم‪ .‬فإن قطعة الحديد عبارة عن مجموعة من‬
‫الجزيئات التي تتحرك بسرعة معينة‪ ،‬وعندما نضع قطعة الحديد في النار‪،‬‬
‫فإننا نزيد من درجة حرارة الطاقة الموجودة من قبل في الحديد‪ ،‬فتبدأ‬
‫ول اللون إلى اللون الحمر‪،‬‬ ‫الجزيئات في الحركة بسرعة أكبر‪ ،‬مما يسّبب تح ّ‬
‫ول صلبة الحديد إلى ليونة‪ .‬وإذا استمر رفع درجة حرارة الحديد‪ ،‬يتحول‬ ‫وتح ّ‬
‫الحديد إلى سائل‪ ،‬وإذا استمر ارتفاع درجة حرارة سائل الحديد فإنه يتحول‬
‫إلى غاز كما هو موجود في الشمس‪ .‬فالنار طاقة‪ ،‬والحديد به طاقة‪ ،‬ولذلك‬
‫يحدث بينهما هذا "التحاد"‪ .‬فالنار لم تحل في الحديد‪ ،‬وفي الحقيقة لم‬
‫"تتحد" بالحديد‪ ،‬ولكن النار رفعت درجة حرارة الطاقة الموجودة من قبل في‬
‫الحديد‪.‬‬
‫شّبهه جناب القمص بالحديد‪ ،‬فهو ل‬ ‫أما بالنسبة للجسد النساني‪ ،‬الذي ي ُ َ‬
‫يحتوي الطاقة الحرارية الموجودة بالفعل في الحديد وفي النار‪ ،‬أي ل يحتوي‬
‫شيئا من اللهوت‪ .‬ول شك أن طبيعة الله تعالى تختلف تماما عن طبيعة‬
‫البشر‪ ،‬فالله كما قلنا ليس كمثله شيء‪ ،‬وعلى هذا فل يمكن أن يحل الله في‬
‫دمه جناب القمص عن وجود‬ ‫طبيعة بشرية ول غير بشرية‪ ،‬والمثال الذي ق ّ‬
‫طبيعتين للمسيح‪ ،‬ناسوتية ولهوتية‪ ،‬مثل الحديد والنار‪ ،‬ل ينطبق على الله‬
‫داه أن يجد أي مثال‬‫والبشر‪ .‬فليبحث جناب القمص عن مثال آخر‪ ،‬وأنا اتح ّ‬
‫آخر‪.‬‬
‫ينتقل جناب القمص بعد ذلك إلى أسلوبه القديم للستشهاد بأقوال علماء‬
‫المسلمين وأقوال المفسرين‪ .‬وقد ذكرنا من قبل ونعيد تكرار القول هنا أننا‬
‫نحترم جميع العلماء والمفسرين ونحترم آراءهم‪ ،‬ولكنهم كانوا من البشر‬
‫الذي قد يخطئ وقد يصيب‪ ،‬ول شك أنهم أخطأوا في أمور وأصابوا في الكثير‬
‫من المور‪ ،‬ولكن رأيهم ليس ملزما للمسلمين كما هو الحال عند النصارى‪ ،‬إذ‬
‫أن رأي آباء الكنيسة ملزم لهم‪ ،‬والخروج على رأي الكنيسة يؤدي إلى التهام‬
‫محّرم عليه التفكير أو الخذ برأي يخالف ما‬ ‫بالزندقة‪ .‬أما النسان العادي ف ُ‬
‫يقوله الكهنة والكهنوت‪ .‬أما السلم فليس فيه كهنوت‪ ،‬وقال العلماء إن كل‬
‫إنسان يؤخذ منه وُيرد عليه إل النبي الذي هو على مقام النبوة‪ .‬وعلى هذا فل‬
‫قيمة لرأي أولئك الذين يستشهد بهم جناب القمص‪ ،‬وليس غرضه من ذلك إل‬
‫التأثير على بعض البسطاء من الناس الذين قد يظنون أن قول أولئك الذين‬
‫يستشهد بهم القمص هو الرأي الذي أجمع عليه علماء الدين‪ ،‬وهذا غير‬
‫صحيح‪.‬‬
‫غير أنه في هذه المرة بالذات يستشهد بآراء بعض الفرق التي جاء ذكرها في‬
‫كتاب الملل والهواء والنحل‪ ،‬وهو كتاب يجمع آراء الفرق السلمية بما فيها‬
‫الفرق التي يعتبرها مؤلف الكتاب من الفرق الضالة‪ ،‬ومن الواضح أن جناب‬
‫القمص يستشهد برأي هؤلء ليخدع به بعض المسلمين كما انخدعت به‬
‫السيدة ناهد متولي‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكنه في نفس الوقت يستشهد بآية من القرآن الكريم على إمكانية تجسد‬
‫الكائن الروحاني في جسد بشري‪ ،‬فيذكر الية ‪ 19‬من سورة مريم التي‬
‫شْرقِّيا َفات ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫تقول‪[ :‬واذ ْك ُر في ال ْكتاب مريم إذ انتبذ َت م َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ت ِ‬‫خذ َ ْ‬ ‫كاًنا َ‬ ‫ن أهْل َِها َ‬ ‫َِ ِ َ ْ َ َ ِِ ََْ ْ ِ ْ‬
‫سوِّيا]‪ .‬ولكن هذه الية ل تدل‬ ‫را‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ب‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫ح‬‫رو‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬‫دونهم ح َجابا ْفَأ َ‬
‫َ َ ً َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ُ ِِ ْ ِ َ ً‬
‫على أن الكائن الروحاني يحل في جسد بشري‪ ،‬وإنما تدل على أن أحد‬
‫الملئكة مثل جبريل مثل‪ ،‬قد يظهر في صورة جسد بشري‪ ،‬ولكنه ل يحل في‬
‫جسد بشري‪ .‬والفرق بين التعبيرين واضح تمام الوضوح‪ .‬يقول القمص إن‬
‫حَية‬‫هناك أحاديث للرسول ‪ r‬تقول إن جبريل كان يظهر له في صورة "د َ ْ‬
‫الكلبي"‪ ،‬وهو رجل على جانب كبير من الوسامة وجمال الوجه‪ ،‬ولكن هذا ل‬
‫يعني أن جبريل كان يحل داخل جسد دحية الكلبي‪ ،‬فيأتي دحية الكلبي إلى‬
‫الرسول وهو ذو طبيعتين‪ ،‬طبيعة بشرية وطبيعة ملئكية‪ .‬والية الكريمة التي‬
‫سوِّيا] أي أنه لم‬ ‫شًرا َ‬ ‫ل ل ََها ب َ َ‬ ‫ذكرها جناب القمص تقول عن جبريل [فَت َ َ‬
‫مث ّ َ‬
‫ول بالفعل ليكون بشرا سويا‪ ،‬وإنما هي رأته وكأنه كان بشرا سويا‪ .‬وكلمة‬ ‫يتح ّ‬
‫"تمّثل" تعني أنه جعل نفسه مثل بشر سوي‪ ،‬وجناب القمص يعرف جيدا أن‬
‫الممثل هو الذي يقوم بتأدية دور شخصية معينة‪ ،‬ولكنه ليس هو هذه‬
‫الشخصية‪ ،‬ولم يحل فيها ولم تحل فيه‪ .‬ولما جاء جبريل إلى الرسول ‪ r‬وهو‬
‫بين صحابته فجلس أمامه وأخذ يسأله عن السلم وعن اليمان وعن‬
‫الساعة‪ ،‬تمثل لهم في شكل إنسان غريب لم يعرفه أحد منهم‪ ،‬فهو لم يحل‬
‫في جسد أحد‪ ،‬وإنما تمثل‪ ،‬أي ظهر وكأنه في صورة إنسان‪ ،‬بينما هو في‬
‫الحقيقة ليس في صورة إنسان‪.‬‬
‫هذا عن الملك الذي هو روحاني‪ .‬ولكن من الذي قال إن الله روحاني؟ إن‬
‫الله ليس كمثله شيء‪ ،‬وهو ليس من مادة كالبشر‪ ،‬وليس من روح كالملئكة‪.‬‬
‫سد أو يحل في جسد بشر‪ ،‬ول يمكن‬ ‫وعلى هذا فل يمكن لله تعالى أن يتج ّ‬
‫أيضا لبشر أن تكون له طبيعتان‪ .‬وعلى جناب القمص أن يبحث عن حجة‬
‫أخرى يحتج بها إن استطاع إلى ذلك سبيل‪.‬‬
‫قد يجد جناب القمص بعض الدلة في إنجيل يوحنا أو في أقوال السيد بولس‪،‬‬
‫ولكن هذه لن تقنع مسلما واحدا بأن الله تعالى اللطيف الخبير يمكن أن‬
‫يتجسد في جسد بشر‪ ،‬أو يحل في جسد إنسان‪ .‬وإن لم يجد القمص دليل‬
‫من القرآن فل قيمة لكل كلمه‪ ،‬ولعله من الفضل له أن يوفر ذلك الجهد‬
‫الذي يبذله في تنصير المسلمين‪ ،‬لن كل من يشاهد هذه الحلقات أو يقرأها‬
‫مكتوبة‪ ،‬ل يمكن أن يقع فريسة للعيب القمص ومغالطاته‪.‬‬
‫وفق الله المشاهدين‪ ،‬وحفظهم من كل شيطان رجيم‪ ،‬وهدانا وإياهم إلى‬
‫صراطه المستقيم‪.‬‬
‫)‪( 23‬‬
‫بفضل الله تعالى نلتقى مرة أخرى في هذه الحلقة من حلقات "أجوبة عن‬
‫اليمان" لكي نرد على القمص زكريا بطرس في حلقاته التي قدمها باسم‬
‫"أسئلة عن اليمان"‪ .‬ونحن نعالج الن موضوع تجسد الله الذي يزعم جناب‬
‫القمص أنه تجسد في جسد المسيح‪ .‬وذكرنا في الحلقة السابقة أن جناب‬
‫القمص يقول إن الله تعالى تجسد في المسيح كما تجلى لموسى في الجبل‪،‬‬
‫وكما تجلى له في الشجرة‪ .‬وقد قلنا إن تجلي الله لحد أو تجلي الله في‬
‫شيء‪ ،‬فإنما يعني هذا أن بعض صفات الله تظهر لشخص ما أو تظهر في‬
‫شيء ما‪ ،‬تماما كما تظهر صفات الله الخالق في هذا الكون‪ ،‬وكما تتجلى‬
‫قدرة الله في مخلوقاته‪ ،‬ولكن ليس معنى هذا أن الله تعالى يحل في شخص‬
‫أو يحل في مخلوق أو يتجسد في أي كائن‪ .‬وتجلي الله في الجبل ل يعني أن‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجبل صار له طبيعتان إحداهما "جبلية" والخرى "لهوتية"‪ ،‬ول يعني تجلي‬
‫الله في الشجرة أن الشجرة قد صارت لها طبيعتان إحداهما "نباتية"‬
‫والخرى "لهوتية"‪ ،‬كذلك ل يعني تجلي الله تعالى في المسيح أو في أي نبي‬
‫من النبياء أن المسيح قد صار له طبيعتان إحداهما "بشرية" والخرى‬
‫"لهوتية"‪.‬‬
‫وذكرنا كذلك أن ما يقوله جناب القمص عن أن اتحاد الله المزعوم بالجسد‬
‫البشري للمسيح يشبه اتحاد النار بالحديد عند تسخينه بالنار هو تشبيه غير‬
‫صحيح‪ ،‬وذلك لن النار عبارة عن طاقة حرارتها مرتفعة‪ ،‬والحديد به طاقة‬
‫ولكن حرارتها منخفضة ولذلك ل نشعر بها‪ ،‬وعند وضع الحديد في النار فإننا‬
‫نرفع درجة حرارة الطاقة الموجودة به من قبل‪ ،‬ولو لم يحتو الحديد على‬
‫طاقة لما أثرت فيه النار‪ .‬وعلى هذا فإن المثال الذي يقدمه القمص ل ينطبق‬
‫على الله والجسد البشري‪ ،‬لن الجسد البشري ل يحتوي على ألوهية كامنة‬
‫فيه كما يحتوي الحديد على طاقة كامنة فيه‪ ،‬وبالتالي فل يمكن للطبيعة‬
‫اللهية أن تتحد بالطبيعة البشرية‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ويستشهد جناب القمص على إمكانية تجسد الكائن الروحاني في الكائن‬


‫حَية الكلبي"‪ ،‬وتمثله أيضا في‬ ‫البشري بظهور جبريل للرسول ‪ r‬في صورة "د َ ْ‬
‫صورة بشر سويّ عندما بّلغ الُبشرى لمريم بولدة المسيح‪ .‬وقد قلنا في الرد‬
‫على هذا إن جبريل لم يتجسد في جسد "دحية الكلبي" بحيث أصبح دحية‬
‫الكلبي يأتي إلى الرسول ‪ r‬وله طبيعتان إحداهما بشرية والخرى ملئكية‪،‬‬
‫وإنما كان جبريل يظهر في هذه الصورة حيث كان دحية الكلبي معروفا‬
‫بالوسامة وجمال الوجه‪ ،‬ولكن ليس معنى هذا أنه تجسد في جسم دحية‬
‫الكلبي نفسه‪ .‬كذلك فإنه من الخطأ الستشهاد على تجسد الله في جسد‬
‫المسيح بتمثل جبريل في صورة بشر سويّ حسب قوله تعالى [َواذ ْك ُْر في‬
‫شْرقِّيا َفات ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْكتاب مريم إذ انتبذ َت م َ‬
‫جاًبا‬
‫ح َ‬
‫م ِ‬‫ن ُدون ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫خذ َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫كاًنا َ‬ ‫ن أهْل َِها َ‬‫ََِ ِ َ ْ َ َ ِِ ََْ ْ ِ ْ‬
‫سوِّيا] )مريم‪ .(19:‬وقد قلنا إن تمثل‬ ‫شًرا َ‬ ‫ل ل ََها ب َ َ‬
‫مث ّ َ‬ ‫سل َْنا ل ََها ُرو َ‬
‫حَنا فَت َ َ‬ ‫فَأْر َ‬
‫جبريل معناه أنه لم يتجسد بالفعل في جسد بشر سويّ وإنما ظهر فقط في‬
‫هذه الصورة‪ ،‬فلم يحدث تجسد حقيقي‪ ،‬ولم يدخل جبريل في جسد أحد من‬
‫البشر كما يزعم القمص عن تجسد الله في جسد المسيح‪.‬‬
‫وأخيرا يأتي استشهاد جناب القمص بأقوال من وصفهم بعلماء المسلمين‬
‫على ما يزعم من إمكانية تجسد الله في جسد إنسان من البشر‪ .‬وقد قلنا‬
‫قبل ذلك مرات ومرات إن العلماء قد اجتهدوا برأيهم في أمور كثيرة‬
‫وتفسيرات عديدة‪ ،‬وقد أصابوا في الكثير من اجتهاداتهم‪ ،‬ولكنهم أخطأوا‬
‫أيضا في بعضها‪ .‬ونحن نحترم جميع العلماء الفاضل الذين حاولوا باجتهاداتهم‬
‫أن يفسروا كلم الله تعالى كما فهموه من الكتاب العزيز‪ ،‬ولكن أقوالهم‬
‫ليست ملزمة للمة‪ ،‬ومن حق غيرهم أن يختلف معهم‪ ،‬وقد اختلف العلماء‬
‫بالفعل بعضهم مع البعض‪ ،‬ولو لم يكن المر كذلك لكان لدينا تفسير واحد‬
‫للقرآن الكريم‪ .‬وليس معنى الختلف في التفسير أن كل رأي يختلف مع‬
‫غيره ل بد أن يكون خطأ بالضرورة‪ ،‬كما ل يعني أيضا أن كل رأي من آراء‬
‫العلماء ل بد أن يكون صحيحا بالضرورة‪ .‬وقيمة آراء العلماء تختلف في‬
‫السلم عنها في المسيحية‪ ،‬فهي في السلم اجتهادية غير ملزمة للمة‪ ،‬أما‬
‫في المسيحية فإن رجال الكهنوت كانوا يجتمعون في مجامع ويقررون عقيدة‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معينة فتصبح هذه العقيدة ملزمة لكل المة‪ ،‬ومن يخرج عليها ُيتهم بالكفر‬
‫والزندقة‪.‬‬
‫غير أن جناب القمص في محاولته المستميتة والفاشلة في إثبات تجسد الله‬
‫تعالى في جسد المسيح ل يتورع عن الخداع‪ ،‬ول مانع لديه من مغافلة‬
‫المشاهدين ليضرب تحت الحزام‪ ،‬مخالفا بذلك القواعد والصول التي‬
‫تفرضها أمانة العالم وصدق الباحث‪ .‬فهو ينقل عن كتاب "الملل والهواء‬
‫والنحل" الذي جمع فيه مؤلفه آراء العلماء والفرق السلمية بكل فئاتها حتى‬
‫التي يعتبرها المؤلف من الفرق الضالة المنحرفة عن السلم‪ .‬والقمص‬
‫بالطبع ل يقول ذلك عن الكتاب الذي يستشهد به‪ ،‬وإنما يوحي للمشاهد أنه‬
‫يستشهد بآراء صحيحة ولها احترامها بين المسلمين‪.‬‬
‫وسوف نقدم للمشاهد "عّينة" من التفسيرات التي يقدمها جناب القمص‬
‫محاول أن يخدع بها المشاهدين المسلمين‪ .‬ويلحظ المشاهد أن السيدة ناهد‬
‫متولي قد انخدعت هي الخرى بكلم القمص‪ ،‬وظنت أنه يستشهد بأقوال‬
‫علماء أفاضل من علماء المسلمين‪ ،‬بينما هو في الحقيقة يستشهد بأقوال‬
‫نكرات من أصحاب الرأي الشاذ الذين انحرفوا عن صائب الرأي وصادق‬
‫التفسير‪.‬‬
‫مادي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الع‬ ‫محمد‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫السعود‬ ‫أبو‬ ‫اسمه‬ ‫شخص‬ ‫عن‬ ‫القمص‬ ‫جناب‬ ‫ينقل‬
‫ولعله استخرج اسمه أيضا من كتاب الملل والهواء والنحل الذي جمع فيه‬
‫مؤلفه آراء الكثير من الفرق الضالة التي اتبعت الهواء‪ ،‬كما يدل على ذلك‬
‫اسم الكتاب‪ .‬غير أن القمص يبدو سعيدا جدا بهذه الشخصية ويزعم أنه‬
‫"إمام"‪ .‬ولكي يعرف المشاهد نوعية الئمة التي ُيعجب بها جناب القمص‪،‬‬
‫مادي نقل‬ ‫ننقل ما ذكره ذلك المسمى بالمام أبي السعود محمد بن محمد الع ّ‬
‫م عيسى‪،‬‬ ‫م يحيى أ ّ‬
‫تأ ّ‬‫قي َ ْ‬
‫دي" حيث يقول‪" :‬ل ِ‬‫عن نكرة أخرى اسمه "الس ّ‬
‫فقالت يا مريم‪ :‬أشعرت بحبلي؟ فقالت مريم‪ :‬وأنا أيضا حبلى‪ .‬فقالت أم‬
‫يحيى‪ :‬إني وجدت ما في بطني‪ ،‬يسجد‪ ،‬لما في بطنك‪ .‬فذلك قوله تعالى‪[ :‬‬
‫ه] "‪.‬‬
‫ن الل ِ‬
‫م َ‬ ‫صد ًّقا ب ِك َل ِ َ‬
‫مةٍ ّ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫أي أن المام أبو السعود يقدم تفسيرا لقوله تعالى لزكريا ‪ u‬في سورة آل‬
‫َ‬
‫ه]‪ ،‬فاستشهد بقول‬ ‫ن الل ِ‬
‫م َ‬ ‫صد ًّقا ب ِك َل ِ َ‬
‫مةٍ ّ‬ ‫م َ‬
‫حَيى ُ‬ ‫شُر َ‬
‫ك ب ِي َ ْ‬ ‫ه ي ُب َ ّ‬
‫ن الل َ‬
‫عمران‪[ :‬أ ّ‬
‫دي" الذي يقول فيه إن أم سيدنا يحيى تقابلت مرة مع السيدة مريم أم‬ ‫"الس ّ‬
‫سيدنا عيسى‪ ،‬فسألتها قائلة‪ :‬هل شعرت بحبلي؟ فأجابتها مريم وقالت‪" :‬وأنا‬
‫أيضا حبلى"‪ .‬فقالت أم يحيى‪" :‬إني وجدت ما في بطني يسجد لما في‬
‫بطنك"‪ .‬وتعلق السيدة ناهد متولي على هذه الرواية العجيبة التي جاء بها‬
‫"السدي" فتقول‪" :‬السجود لله وحده"‪ .‬وما يقصده القمص من ذكره لهذه‬
‫القصوصة هو أن الله تعالى قد تجسد في جسم المسيح الذي كان ل يزال‬
‫جنينا في رحم أمه مريم‪ ،‬وأن الدليل على وقوع هذا التجسد هو أن أم يحيى‬
‫لحظت أن الجنين الذي في بطنها كان يسجد للمسيح الذي كان هو الخر‬
‫جنينا في بطن مريم‪.‬‬
‫هذه هي الرواية التي يقول القمص إنه نقلها من تفسير أبي السعود محمد‬
‫دي"‪ ،‬وبالطبع لم يذكر من أين‬ ‫مادي الذي نقلها بدوره عن "الس ّ‬ ‫بن محمد الع ّ‬
‫جاء ذلك "السدي" بهذه الرواية‪ ،‬فهو حتما لم ينقلها من مصدر له أي احترام‬
‫أو ثقة‪ .‬ولعلها كانت إحدى الروايات التي ألفها بعض المسيحيين المتحمسين‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للوهية المسيح‪ ،‬فاخترعوا مثل هذه القاصيص التي عرفت طريقها إلى‬
‫مادي‪ .‬ولعله هو الخر قد‬ ‫تفسير ذلك المدعو أبو السعود محمد بن محمد الع ّ‬
‫أصابه الولع الذي يصيب المؤمنين بعقيدة التجسد فيجمعون القاصيص‬
‫الغريبة والخرافات العجيبة‪ ،‬ثم يصدقونها‪ .‬ولكن‪ ،‬ما الذي يدعونا إلى اعتبارها‬
‫قصة من القصص الخرافية‪ ،‬ولماذا ل نعتبرها قصة حقيقية وقعت بالفعل؟‬
‫تعالوا نحلل الحوادث لنرى ما إذا كانت مثل هذه القصة جديرة بأن يذكرها‬
‫كتاب محترم أم أنها مجّرد خرافة‪.‬‬
‫من المعروف أن أم السيدة مريم كانت قد نذرت ما في بطنها لله تعالى‪،‬‬
‫باعتبار أنها إذا وضعت ذكرا فسوف تهبه للخدمة في الهيكل‪ ،‬فلما وضعتها‬
‫أنثى وسمتها مريم‪ ،‬نشأت مريم وهي تخدم في الهيكل‪ .‬ولما رأى زكريا ‪ u‬أن‬
‫الله تعالى يفيض برزقه على مريم‪ ،‬دعا الله تعالى أن يرزقه بذرية صالحة‪،‬‬
‫رغم أنه قد بلغ سن الشيخوخة واشتعل رأسه شيبا وكانت زوجته عاقرا‪ ،‬غير‬
‫أن الله استجاب له وبشره بيحيى مصدقا بكلمة من الله‪ .‬وقد حدث بعد ذلك‬
‫أن بشرت الملئكة مريم بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم‪.‬‬
‫كان هناك فارق زمني بين الحادثتين‪ ،‬حيث تمت ولدة يحيى قبل عيسى بمدة‬
‫تتراوح من ستة شهور إلى بضع سنين‪ .‬ومن المعروف أن يحيى قد بدأ‬
‫رسالته النبوية قبل المسيح بزمن طويل‪ ،‬مما يدل على أنه كان أكبر منه‬
‫سنا‪ .‬فلما بدأت أعراض الحمل تظهر على مريم وهي تخدم في الهيكل‪،‬‬
‫تشاور الكهنة وقرروا تزويجها من رجل صالح يعمل نجارا اسمه يوسف‬
‫النجار‪ ،‬وقد أخبره الله تعالى في رؤيا أن ما في بطن مريم ليس من زنى‬
‫ولكنه من الروح القدس‪ ،‬ولما كان يوسف رجل بارا فقد أبقى على زوجته‬
‫ولم يمسها إلى أن وضعت حملها‪ .‬ورغم ذلك فقد كانت السيدة مريم تعاني‬
‫معاناة شديدة من اتهامات الناس لها بأنها ارتكبت الزنى حتى إنها كانت‬
‫ل هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ت قَب ْ َ‬ ‫تتمنى الموت وتقول كما ذكر ذلك القرآن الكريم‪َ[ :‬يا ل َي َْتني ِ‬
‫م ّ‬
‫سّيا]‪.‬‬
‫من ْ ِ‬
‫سًيا ّ‬ ‫وَك ُن ْ ُ‬
‫ت نَ ْ‬
‫من كل ما سبق يتبين أن السيدة مريم لم تكن سعيدة بحملها بل كانت‬
‫تعيسة شقية إلى حد تمني الموت‪ ،‬وكانت تحاول في أول المر أن تتكّتم أمر‬
‫الحمل وتخفيه عن أعين الناس‪ .‬فلما انتفخ بطنها بشكل واضح ولم تستطع‬
‫أن تخفيه‪ ،‬عرف كهنة الهيكل بحملها فعملوا على تزويجها من يوسف النجار‪.‬‬
‫فإذا عرفنا أن النساء في ذلك الزمن كن يرتدين ملبس فضفاضة‪ ،‬كما كانت‬
‫عادتهن دائما إلى زمن قريب يبلغ أقل من مائة عام‪ ،‬لدركنا أن حمل السيدة‬
‫مريم لم ُيكتشف أمره إل في مراحله المتأخرة بعد الشهر السابع أو الثامن‪.‬‬
‫وعلى هذا يكون من المستحيل أن تكون السيدة مريم قد قابلت أم يحيى‬
‫فتسألها قائلة‪" :‬يا مريم أشعرت بحبلي"؟ فترد عليها السيدة مريم قائلة‪:‬‬
‫"وأنا أيضا حبلى"‪ .‬هذا أمر مستحيل الحصول في الظروف التي كانت تمر بها‬
‫السيدة مريم‪ .‬ربما كانت أم يحيى فرحة فخورة بحملها بعد أن كانت عاقرا‬
‫طوال عمرها‪ ،‬ولكن السيدة مريم كانت في حالة نفسية شديدة الصعوبة‬
‫حتى إنها كانت تتمنى الموت‪ ،‬فليس من المعقول أن تعلن فضيحتها بنفسها‬
‫وتقول‪" :‬وأنا أيضا حبلى"‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬نجد أن السيدة أم يحيى كانت قد وضعت حملها قبل أن تبدأ‬
‫السيدة مريم حملها‪ ،‬نظرا للفاصل الزمني بين الحملين‪ .‬ولكن‪ ،‬حتى ولو‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫افترضنا أن الفاصل الزمني بينهما كان حسب أقل التقديرات وهي ستة‬
‫شهور‪ ،‬فمعنى هذا أن اللقاء الذي حدث بين أم يحيى والسيدة مريم‪ ،‬إن كان‬
‫قد تم‪ ،‬فل بد أن يكون قد تم في المراحل الولى لحمل أم يحيى‪ ،‬وإل فل بد‬
‫أن تكون السيدة مريم قد علمت بحمل أم يحيى حيث إنه قد تم بطريق‬
‫العجاز بعد عقر استمر طوال عمر أم يحيى‪ .‬وعلى هذا فل معنى للسؤال‬
‫الذي يزعم "السدي" في القصوصة التي رواها أن أم يحيى قد وجهته إلى‬
‫السيدة مريم‪ ،‬ما لم يكن هذا الحديث قد وقع في أول مراحل حملها‪ .‬وفي‬
‫ذلك الوقت لم تكن السيدة مريم قد حملت بعد‪ ،‬وعلى ذلك يكون من‬
‫المستحيل أن يكون ردها‪" :‬وأنا أيضا حبلى"‪ .‬إن الحتمال الوحيد لوقوع هذا‬
‫الحديث هو بعد أن يكون حمل أم يحيى قد تجاوز ستة شهور‪ ،‬ويكون حمل‬
‫السيدة مريم في فترة الشهر الثلثة الولى‪ .‬وفي هذه المرحلة كان من‬
‫دي"‪ ،‬كما أنه من‬ ‫المستحيل أن تعلن السيدة مريم عن حملها كما يزعم "الس ّ‬
‫المستحيل أن يكون قد مر على حمل أم يحيى ستة شهور ولم تكن مريم‬
‫تعلم به بعد حتى يقتضي المر أن تخبرها أم يحيى عنه‪.‬‬
‫وهكذا يتبين بقليل من التفكير والتحليل أن هذه الرواية التي اخترعها‬
‫مادي‬ ‫دي" ونقلها عنه من يسمى بالمام أبي السعود محمد بن محمد الع ّ‬ ‫"الس ّ‬
‫لم تحدث ولم تقع على الطلق بسبب الفارق الزمني بين الحملين‪ ،‬وبسبب‬
‫الظروف النفسية السيئة التي كانت تمر بها السيدة مريم واستحالة إعلنها‬
‫حينا العقل والمنطق جانبا‪،‬‬‫عن حملها بهذه الطريقة‪ .‬ولكن‪ ،‬حتى ولو ن ّ‬
‫دي لم يحك لنا‬ ‫وافترضنا جدل أن الواقعة قد حدثت بالفعل‪ ،‬فإن السيد الس ّ‬
‫شيئا عن بقية الحديث بين المرأتين‪ ،‬إذ من المستحيل أن يكون الحديث‬
‫بينهما قد انتهى عند ذلك الحد‪ .‬إن مريم لم تكن قد تزوجت بعد‪ ،‬فكيف تقول‬
‫إنها حبلى ول تسالها أم يحيى‪ :‬كيف تكوني حبلى وأنت لم تتزوجي بعد؟‬
‫وكيف عرفت أم يحيى أن الجنين الذي في بطنها يسجد للجنين الذي في‬
‫بطن مريم؟ وهل الجنين داخل الرحم يستطيع أصل أن يتحرك ويسجد؟ وهل‬
‫هذا الجنين الذي كان يسجد للجنين الذي في بطن مريم‪ ،‬استمر في سجوده‬
‫بعد أن تمت ولدته أم أنه توقف عن السجود؟ وإن كان قد استمر في‬
‫السجود‪ ،‬ألم يره أحد من الناس فيروي هذا المر الغريب ويأتي ذكره في‬
‫المرويات الدينية؟ ألم ينتشر هذا المر بين الناس فيتساءلون عن سر هذه‬
‫الظاهرة العجيبة؟ ألم يكن من واجب الراوي أن يحكي لنا كيف أن الطفل‬
‫المولود )وليس الجنين( كان يستطيع السجود والقيام من السجود رغم عدم‬
‫استطاعته الحركة لنه كان يحتاج لمه لكي تغير له ملبسه المبتلة‬
‫والمتسخة؟ وإذا كان الطفل بعد ولدته قد توقف عن السجود بعد أن تمت‬
‫ولدته‪ ،‬أليس من حقنا أن نتساءل‪ :‬لماذا توقف الطفل عن العمل التعبدي‬
‫الذي كان يقوم به وهو جنين؟ وإذا قبلنا أن سجوده وهو جنين كان تحقيقا‬
‫ه]‪ ،‬كما يزعم المام المفسر أبو السعود‬ ‫ن الل ِ‬
‫م َ‬ ‫صد ًّقا ب ِك َل ِ َ‬
‫مةٍ ّ‬ ‫م َ‬
‫لقوله تعالى [ ُ‬
‫مادي‪ ،‬فهل انتهى هذا التصديق بعد الولدة أم لم يعد له‬ ‫محمد بن محمد الع ّ‬
‫أهمية؟ أم أن التصديق بكلمة الله كان من المفروض أن يتم وهو في بطن‬
‫أمه فقط دون أن يراه أحد من الناس؟‬
‫أين المنطق يا جناب القمص؟ أين العقل وأين التفكير العقلني حتى إنك‬
‫ومعك السيدة ناهد متولي تبدوان في قمة السعادة بهذه القصوصة الخرافية‬
‫إلى الحد الذي يجعلك تستدل بها على تجسد الله في جسد المسيح‪ ،‬ويجعل‬
‫السيدة ناهد تعلق على السجود المزعوم ليحيى وهو في بطن أمه للمسيح‬
‫وهو في بطن أمه فتقول‪" :‬السجود لله وحده"؟ وكأن ما دام الجنين الذي‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في بطن أمه قد سجد للجنين الخر فهذا دليل كاف لها على أن الله هو الذي‬
‫كان في بطن مريم‪ ،‬فياللدهشة ويا للعجب!! ولكن لم الدهشة ولم العجب؟‬
‫إن من يصدق أن الله تعالى يمكن أن يتجسد أصل في جسم بشر‪ ،‬يمكن أن‬
‫يصدق أي خرافة ويقتنع بها‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ولكن‪ ..‬من أين جاءت هذه الخرافة وما هو منبعها؟ تقول يا جناب القمص إنها‬
‫مادي‬ ‫مكتوبة في تفسير من سميته المام أبي السعود محمد بن محمد الع ّ‬
‫دي"‪ .‬ولكن من أين جاء بها ذلك‬ ‫الذي نقلها عن نكرة آخر اسمه "الس ّ‬
‫دي"؟ من الواضح أنه لم يأت بها من مصدر إسلمي‪ ،‬أي لم ُيحدث بها‬ ‫"الس ّ‬
‫الرسول ‪ r‬ولم يقل بها أحد من الصحابة ول أحد من التابعين‪ .‬وأستطيع أن‬
‫أؤكد أن أحدا من المسلمين لم يحدث بها‪ ،‬وأغلب الظن أنها كانت من‬
‫الروايات‪ ،‬أو قل من القاصيص‪ ،‬التي كان المسيحيون يتناقلونها‪ ،‬وسمعها‬
‫دي" فرواها لغرابتها أو ربما على سبيل الستنكار‪ ،‬ثم وجدت‬ ‫ذلك "الس ّ‬
‫مادي‪ .‬والمفسرون‪،‬‬ ‫طريقها فيما بعد إلى صفحات التفسير الذي كتبه ذلك الع ّ‬
‫وخاصة النكرات من بينهم‪ ،‬لم يكونوا يعطون الهتمام الكافي أو اللزم‬
‫مونها كتبهم‪ ،‬كما اهتم مثل رواة الحاديث الذين كانوا‬ ‫للروايات التي يض ّ‬
‫يبذلون الكثير من الجهد لكي يتأكدوا من صدق الرواية التي ينقلونها‪ .‬ولذلك‬
‫فقد احتوت كتب التفسير على العديد من مثل هذه الروايات المعروفة بأنها‬
‫من السرائيليات‪ .‬وُيطلق لفظ "السرائيليات" على الروايات التي لها أصل‬
‫في الدبيات اليهودية أو المسيحية‪ .‬وليس من الصعب معرفة أصل ومصدر‬
‫دي"‪ ،‬فإن مطالعة إنجيل لوقا تكفي لن‬ ‫هذه الرواية التي نقلها ذلك "الس ّ‬
‫تدلنا على ذلك المصدر‪ .‬وذلك لن "لوقا"‪ ،‬كاتب هذا النجيل‪ ،‬كان من تلميذ‬
‫بولس‪ ،‬فهو مثل أستاذه لم يتشرف بمقابلة السيد المسيح ولم يسمع منه ل‬
‫كلمة ول حرفا‪ ،‬بالضافة إلى أن بولس كان متأثرا بالوثنيات اليونانية‪ ،‬ول شك‬
‫أن تلميذه لوقا قد تأثر مثله بهذه الوثنيات والخرافات اليونانية عن اللهة التي‬
‫تتجسد وتتزاوج وتتحارب بعضها مع البعض‪ .‬وليس ذلك افتراء على السيد‬
‫لوقا‪ ،‬وإنما هو بنفسه يعترف بذلك‪ ،‬ويقول إن الكثيرين قد أخذوا في تأليف‬
‫القصص عن المور التي كانت تحدث زمن المسيح‪ ،‬ولذلك أخذ يؤلف هو‬
‫مى‬ ‫الخر قصة عن تلك المور وراح يكتبها ويرسل بها إلى صديقه المس ّ‬
‫ثاوفيلس‪ .‬يقول لوقا في صدر إنجيله‪:‬‬
‫"إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في المور المتيقنة عندنا‪ ،‬كما سلمها‬
‫إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة‪ ،‬رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت‬
‫كل شيء من الول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس‬
‫لتعرف صحة الكلم الذي عّلمت به" )لوقا ‪.(5-1 :1‬‬
‫أما هذه الخرافة التي رواها "السدي" فقد رواها لوقا في إنجيله‪ ،‬ولكن‬
‫بأسلوب يختلف قليل عن أسلوب "السدي"‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫سل جبرائيل‬ ‫ُ‬
‫"وفي الشهر السادس )على حمل اليصابات زوج زكريا ‪ (u‬أْر ِ‬
‫الملك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة‪ ،‬إلى عذراء مخطوبة‬
‫لرجل من بيت دود اسمه يوسف‪ ،‬واسم العذراء مريم‪ .‬فدخل إليها الملك‬
‫م لك أيتها المنَعم عليها‪ ،‬الرب معك مباركة أنت في النساء‪ .‬فلما‬ ‫وقال سل ٌ‬
‫رأته اضطربت من كلمه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية‪ ،‬فقال لها‬
‫الملك ل تخافي يا مريم لنك قد وجدت نعمة عند الله‪ .‬وها أنت ستحبلين‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتلدين ابنا وتسمينه يسوع‪ ،‬هذا يكون عظيما وابن العلي ُيدعى ويعطيه الرب‬
‫الله كرسي داود أبيه‪ ،‬ويملك على بيت يعقوب إلى البد ول يكون لملكه‬
‫نهاية‪ .‬فقالت مريم للملك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجل؟ فأجاب‬
‫الملك وقال لها‪ :‬الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك‪ ،‬فلذلك أيضا‬
‫القدوس المولود منك ُيدعى ابن الله‪ .‬وهو ذا اليصابات نسيبتك هي أيضا‬
‫وة عاقرا‪ ،‬لنه‬‫حبلى بابن في شيخوختها‪ ،‬وهذا هو الشهر السادس لتلك المدع ّ‬
‫مة الرب‪ ،‬ليكن لي‬ ‫ليس شيء غير ممكن لدى الله‪ .‬فقالت مريم هو ذا أنا أ َ‬
‫كقولك‪ .‬فمضى من عندها الملك‪ .‬فقامت مريم في تلك اليام وذهبت‬
‫بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على‬
‫اليصابات‪ ،‬فما سمعت اليصابات سلم مريم ارتكض الجنين في بطنها‬
‫وامتلت اليصابات من الروح القدس‪ ،‬وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة‬
‫ي؟‬‫أنت في النساء‪ ،‬ومباركة ثمرة بطنك‪ .‬فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إل ّ‬
‫ي ارتكض الجنين بابتهاج في بطني‪،‬‬ ‫فهوذا حين صار صوت سلمك في أذن ّ‬
‫فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قَِبل الرب"‪) .‬لوقا ‪.(45-26 :1‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫منها أبو السعود محمد‬ ‫دي" والتي ض ّ‬‫هذا هو أصل القصوصة التي حكاها "الس ّ‬
‫مادي تفسيره‪ ،‬وهذه هي التفاسير التي يريد منا جناب القمص‬ ‫بن محمد الع ّ‬
‫زكريا بطرس أن نأخذ منها أمور ديننا ونقيم عليها عقائدنا الدينية‪ .‬ل يا جناب‬
‫القمص‪ .‬إن كان هذا جائزا عندكم في عصور ما قبل الميلد فهو لم يعد جائزا‬
‫في القرن الحادي والعشرين‪ .‬وإذا كنتم أنتم يا جناب القمص مولعين بتصديق‬
‫الخرافات واليمان بكل ما هو غريب وعجيب‪ ،‬فأنتم وشأنكم‪ .‬وعلى أي حال‪،‬‬
‫فهذا من المور الطبيعية المعتادة في المجتمعات الجاهلة والمتخلفة وغير‬
‫المتحضرة‪ .‬ولكن‪ ،‬من المفروض أنكم يا جناب القمص قد تجاوزتم هذه‬
‫المراحل منذ زمن طويل‪ ،‬فلينعكس ذلك إذن على مفاهيمكم‪ ،‬وليظهر ذلك‬
‫في معتقداتكم‪ .‬كان الله معكم‪ ،‬ورفع الغشاوة من على أعينكم‪ ،‬ورزقكم‬
‫عقل راجحا تعقلون به حقائق المور ل خرافاتها‪.‬‬
‫)‪( 24‬‬
‫نحمد الله تعالى أن وفقنا مرة أخرى لنلتقي بكم في هذه السلسلة من‬
‫حلقات "أجوبة عن اليمان" التي نرد بها على السلسة التي قدمها القمص‬
‫زكريا بطرس بعنوان "أسئلة عن اليمان"‪ .‬والموضوع الذي تناولناه في‬
‫الحلقتين الماضيتين ونستكمله في هذه الحلقة هو ما يزعمه جناب القمص‬
‫من تجسد الله في جسم المسيح‪ .‬وذكرنا في الحلقتين الماضيتين أن القمص‬
‫يستشهد بأراء بعض العلماء وينقل من بعض الكتب‪ ،‬والكتاب الذي قال إنه‬
‫حل"‪ ،‬وهو كتاب جمع فيه مؤلفه آراء‬ ‫ملل والهواء والن ّ َ‬
‫ينقل منه هو كتاب "ال ِ‬
‫الكثير من الفرق ومن بينها الفرق الضالة المنحرفة عن التعاليم السلمية‬
‫الصحيحة‪ .‬غير أن القمص ل يذكر هذه الحقيقة لمشاهديه‪ ،‬وإنما يستشهد‬
‫بذلك الكتاب وبآراء بعض الفرق الضالة المذكورة فيه لكي يؤيد بها رأيه‪،‬‬
‫ويوحي للمشاهد المسلم الذي لم يقرأ هذا الكتاب أو لم يسمع عنه‪ ،‬أن‬
‫القمص يستشهد بأراء علماء أفاضل من علماء المسلمين‪.‬‬
‫وقد قلنا من قبل‪ ،‬وكررنا الكلم وأعدنا هذا القول‪ ،‬إن آراء العلماء في‬
‫السلم هي مجرد اجتهادات من جانبهم‪ ،‬قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة‪.‬‬
‫ول شك أن العلماء قد أصابوا في الكثير مما ذكروه‪ ،‬ولكنهم أخطأوا أيضا في‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعض ما قالوه‪ ،‬ولذلك تختلف آراء بعض العلماء مع البعض الخر‪ .‬وكل إنسان‬
‫وهبه الله عقل وإدراكا مسؤول عما يقرأه‪ ،‬وعليه أن يفكر فيما يقرأ ويقارن‬
‫بين أقوال العلماء‪ ،‬ثم يختار الرأي الذي ترتاح إليه نفسه ويطمئن إليه قلبه‪،‬‬
‫ولكن ل يوجد رأي معين لعالم من العلماء ملزم لللمة كلها أن تأخذ به فل‬
‫تحيد عنه‪ .‬فليس في السلم كهنوت مثل الكهنوت الذي في المسيحية‪ ،‬التي‬
‫يقوم فيها القسيس كواسطة بين النسان والله تعالى‪ ،‬إذ ينبغي أول أن‬
‫يعترف المذنب بخطاياه أمام القسيس قبل أن يغفرها الله له‪ .‬وإذا قرر‬
‫الكهنوت عقيدة ما أو تفسيرا معينا أصبح هو التفسير الواجب على أفراد‬
‫الكنيسة أن تأخذ به‪ ،‬ول يستطيع أعضاء الكنيسة أن يتخذوا عقيدة إل ما‬
‫يقرره الكهنوت‪ .‬وإذا حدث أن اجتهد أحد برأيه وخرج برأي يخالف ما استقر‬
‫عليه رأي الكهنوت‪ ،‬اعتبروه كافرا واتهموه بالزندقة والتجديف وطردوه من‬
‫الكنيسة وحّرموا أن يسمع أحد له أو يقرأ كتبه‪ ،‬وقاطعوه تماما ونبذوه من‬
‫بينهم‪ .‬هذا ما حدث لمارتن لوثر الذي ثار على الراء العقيمة التي كانت‬
‫تقررها الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬ولم يرجع مارتن لوثر عن آرائه كما فعل من‬
‫قبل العالم الجليل جاليليو‪ ،‬الذي اضطر إلى إنكار الحقائق العلمية التي‬
‫اكتشفها‪ ،‬لن الكهنوت كان يرى أنها تتعارض مع الكتاب المقدس‪ .‬ثم تمر‬
‫اليام والسنون‪ ،‬ويتبين صحة رأي جاليليو وخطأ رأي الكهنوت‪.‬‬
‫أما في السلم فل كهنوت‪ ،‬وليس هناك من هيئة معينة لها حق تقرير عقيدة‬
‫معينة تفرض على الناس اليمان بها‪ ،‬وتصم من ل يؤمن بها بالكفر أو‬
‫الزندقة‪ .‬ولذلك فإن استشهاد القمص بآراء العلماء ل قيمة له‪ ،‬وخاصة إذا‬
‫خلق‬‫كان ما يستشهد به من آراء يتعارض مع وحدانية الله تعالى أو مع ُ‬
‫الرسول ‪ r‬أو مع كلم الله تعالى في كتابه العزيز‪ .‬وكما قلنا من قبل إن آراء‬
‫العلماء الفاضل اجتهادية قد تصح وقد تخطئ‪ ،‬فكيف إذا كان جناب القمص‬
‫يستشهد بآراء بعض الفرق الضالة أو بآراء بعض النكرات من علماء هذه‬
‫الفرق‪.‬‬
‫وكنا قد ذكرنا في الحلقة الماضية ما قاله جناب القمص نقل من تفسير واحد‬
‫من أولئك الذين طوى التاريخ ذكرهم‪ ،‬يقول إن اسمه المام أبو السعود‬
‫مادي‪ ،‬وقد نقل ذلك المدعو "إمام" أقصوصة رواها نكرة‬ ‫محمد بن محمد الع ّ‬
‫دي" تقول إن أم يحيى وهي زوجة سيدنا زكريا‪ ،‬قابلت‬ ‫آخر اسمه "الس ّ‬
‫السيدة مريم أم عيسى‪ ،‬فسألتها‪ :‬يا مريم‪ ،‬أشعرت بحبلي؟ فقالت مريم‪:‬‬
‫وأنا أيضا حبلى‪ .‬فقالت أم يحيى‪ :‬إني وجدت ما في بطني‪ ،‬يسجد‪ ،‬لما في‬
‫بطنك‪ .‬ويستدل جناب القمص بهذه القصوصة على تجسد الله في جسم‬
‫عيسى عندما كان جنينا في بطن أمه‪ .‬وقد بّينا في الحلقة الماضية أن هذه‬
‫الرواية هي من السرائيليات وأوضحنا أن أصلها جاء من إنجيل لوقا‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ونتابع في هذه الحلقة تقديم بعض الراء الخرى التي يزعم جناب القمص‬
‫أنها من آراء علماء المسلمين‪ ،‬مع أنه نقلها من ذلك الكتاب الذي يحتوي على‬
‫الغث والسمين‪ ،‬ويحتوي الكثير من آراء علماء الفرق الضالة وآراء من اتبعوا‬
‫الهواء من بين الملل‪ ،‬كما يدل على ذلك اسم الكتاب‪" :‬الملل والهواء‬
‫حل"‪ .‬يقول القمص‪:‬‬‫والن ّ َ‬
‫"أهل النصيرية والسحاقية في كتاب الملل والهواء والنحل‪ ،‬الجزء التاني‬
‫صفحة ‪ ،25‬بيقولوا إيه؟ بيقولوا‪" :‬إن ظهور الروحاني بالجسد الجسماني‪،"...‬‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجسماني يعني الجسد‪" ،‬ل ينكره عاقل‪ ."...‬ياسلم؟ طب جبتوه منين؟‬


‫ملوا‪ ،‬بيقولك كدا‪" :‬كظهور جبريل وهو روحاني في صورة أعرابي وتمثله‬ ‫بْيك ّ‬
‫بصورة البشر"‪ .‬كان جبريل بيظهر لمحمد في صورة مين؟ دحية الكلبي‪ ،‬كان‬
‫شاب وسيم جدا وجميل جدا‪ .‬فمحمد نفسه والحاديث كلها بتقول كدا‪ .‬كان‬
‫بيظهر له في صورة دحية الكلبي‪ ،‬في صورة إنسان كامل‪ .‬يعني إذن أهل‬
‫النصيرية والسحاقية بيقولوا كدا إن ظهور الروحاني في جسد جسماني‪ ،‬دا‬
‫ممكن‪ ،‬ما ينكروش واحد عاقل‪ ،‬وبيجيبوا دليل‪ ،‬من القرآن‪ ،‬إن جبريل كان‬
‫بيظهر في صورة‪ ،‬دحية‪ ،‬الكلبي‪ ،‬وجبريل روحي‪ ،‬روحاني‪ ،‬ودحية إنسان‬
‫جسد‪ ،‬بيظهر فيه"‪.‬‬
‫ثم يقول القمص للسيدة ناهد متولي عن أهل النصيرية والسحاقية نقل من‬
‫حل‪:‬‬ ‫نفس كتاب الملل والهواء والن ّ َ‬
‫"خلصوا إلى هذا القول‪" :‬إن الله‪ ،‬تعالى‪ ،"...‬شوفي‪ ،‬شوفي الكلم‪" ،‬إن الله‬
‫تعالى‪ ،‬قد ظهر بصورة أشخاص" المرجع‪ :‬كتاب الملل والهواء والنحل‪ ،‬جزء‬
‫‪ 2‬صفحة ‪ 25‬كمالة للكلم اللي فات‪ .‬يعني قالوا إيه؟ إن ظهور الروحاني‪،‬‬
‫في جسد جسماني‪ ،‬ل ينكره عاقل‪ ،‬زي ظهور جبريل‪ ،‬في صورة بشر‪،‬‬
‫وكملوا الكلم‪ ،‬فقالوا إيه؟ إن الله تعالى قد ظهر‪ ،‬بصورة أشخاص"‪.‬‬
‫هذا هو ما ذكره جناب القمص زكريا بطرس نقل من كتاب "الملل والهواء‬
‫حل"‪ ،‬واستشهد فيه بقول فرقة النصيرية والسحاقية‪ .‬وما لم يذكره‬ ‫والن ّ َ‬
‫القمص أن هذه الفرق هي من غلة الشيعة‪ ،‬وقد قال عنهم الشهرستاني‬
‫مة من أهل البيت‪،‬‬ ‫حل‪ ،‬إنهم كانوا يؤّلهون الئ ّ‬‫مؤلف كتاب الملل والهواء والن ّ َ‬
‫ي )كّرم الله وجهه( قداسة إلهية‪ ،‬وهم يرون أن النبي ‪r‬‬ ‫وأنهم جعلوا للمام عل ّ‬
‫مختص بالظاهر‪ ،‬وأن علّيا مختص بالباطن‪ ،‬ويقولون إن النبي كان مختصا‬
‫ي فمختص بحرب المنافقين‪ ،‬وأنه كان مختصا‬ ‫بحرب المشركين‪ ،‬وأما عل ّ‬
‫بتاييد إلهي" )راجع كتاب الملل والنحل الجزء الول ص ‪ ،169-168‬وكتاب‬
‫إسلم بل مذاهب للدكتور مصطفى الشكعة ص ‪.(342‬‬
‫هؤلء هم الذين ينقل عنهم جناب القمص‪ ،‬وهؤلء هم الذين يدعونا جناب‬
‫القمص أن نأخذ عنهم أمور ديننا‪ ،‬وهؤلء هم الذين يحاول جناب القمص أن‬
‫يقنعنا بصحة عقيدتهم في تجسد الله‪ ،‬تعالى الله عما يصفون‪.‬‬
‫غير أن القمص ل يكتفي فقط بالستشهاد بأقوال الفرق الضالة والملل‬
‫مدا تشويش‬ ‫المنحرفة‪ ،‬وإنما يزيد الطين بلة فيخلط كلمه بكلمهم‪ ،‬متع ّ‬
‫السامع ليضع في ذهنه المعنى الذي يريد هو أن يوصله للمشاهدين‪ .‬ولذلك‬
‫نراه يقول‪:‬‬
‫"يعني إذن أهل النصيرية والسحاقية بيقولوا كده إن ظهور الروحاني في‬
‫جسد جسماني‪ ،‬دا ممكن‪ ،‬ما ينكروش واحد عاقل‪ ،‬وبيجيبوا دليل‪ ،‬من‬
‫القرآن‪ ،‬إن جبريل كان بيظهر في صورة‪ ،‬دحية‪ ،‬الكلبي‪ ،‬وجبريل روحي‪،‬‬
‫روحاني‪ ،‬ودحية إنسان جسد‪ ،‬بيظهر فيه"‪.‬‬
‫دعي كذبا وبهتانا أن فرقة النصيرية والسحاقية قد أتوا بدليل من‬ ‫فهو ي ّ‬
‫القرآن على أن جبريل كان يظهر للنبي ‪ r‬في صورة دحية الكلبي‪ ،‬مع أن‬
‫القرآن المجيد يخلو تماما من ذكر هذه الواقعة التي لم يأت ذكرها إل في‬
‫الحاديث‪ ،‬ولكن القمص يريد أن يضفي عليها أهمية وتأكيدا أكثر بأن ينسبها‬
‫إلى القرآن الكريم‪ ،‬ثم يزيد على ذلك قوله بأن جبريل‪" :‬روحاني‪ ،‬ودحية‬
‫إنسان جسد‪ ،‬بيظهر فيه" وهذه الجملة هي كذب فاضح وتزوير واضح‪ ،‬لنه ل‬
‫يوجد ول آية من القرآن المجيد‪ ،‬ول حديث واحد من الحاديث الصحيحة أو‬
‫حتى الضعيفة تقول إن جبريل كان يظهر في جسد دحية الكلبي‪ ،‬وإنما كان‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يظهر في صورة دحية الكلبي‪ .‬أي أنه كان يتمثل في صورة دحية الكلبي‪،‬‬
‫ولكنه لم يحل في جسده ولم يتجسد فيه‪ ،‬بحيث يأتي دحية الكلبي بذاته‬
‫وشخصه إلى الرسول ‪ r‬وقد حل جبريل في جسده‪ ،‬فيقوم جبريل بالكلم مع‬
‫الرسول ‪ r‬من خلل جسم دحية الكلبي‪ ،‬فهذا هو ما يريد جناب القمص أن‬
‫يقنعنا بأن هذا ما فعله الله تعالى عندما حل في جسم المسيح‪ ،‬حسب كلم‬
‫بولس الذي كتب إلى صديقه تيموثاوس في رسالته الولى قائل‪" :‬عظيم هو‬
‫سر التقوى‪ ،‬الله ظهر في الجسد" )‪.(16:3‬‬
‫ويضيف القمص إلى مجموعة استشهاداته قول آخر منسوبا إلى الشيخ أبو‬
‫الفضل القرشي الذي كتبه كحاشية على تفسير البيضاوي‪ .‬إذ يقول القمص‪:‬‬
‫"الشيخ أبو الفضل القرشي‪ ،‬في كتابه‪ ،‬هامش الشيخ القرشي‪ ،‬على تفسير‬
‫المام البيضاوي‪ ،‬جزء ‪ 2‬صفحة ‪ 143‬قال إيه؟ قال‪" :‬إن اللهوت‪ ،‬ظهر في‬
‫المسيح‪ ،‬وهذا ل يستلزم الكفر‪ ،‬وأن ل إله إل الله"‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫ومن الواضح أن جناب القمص يحاول مستميتا إقناع مشاهديه من المسلمين‬


‫بأن عقيدة التجسد التي تؤمن بها المسيحية المغلوطة هي عقيدة صحيحة‬
‫سليمة ويؤمن بها أيضا علماء المسلمين‪ ،‬وهذا غير صحيح بالطبع‪ .‬وأنا لم أر‬
‫كتاب الشيخ القرشي لحكم له أو عليه‪ ،‬ولكن لو افترضت أن جناب القمص‬
‫صادق في كلمه‪ ،‬وأنه نقل نص كلم الشيخ القرشي بأمانة‪ ،‬فل شك أن‬
‫الشيخ القرشي قد أخطأ الرأي‪ .‬ومع ذلك أقول إنه من المحتمل أن يكون‬
‫الشيخ القرشي قد ذكر قول النصارى‪ ،‬ثم جاء جناب القمص لينقل جزءا من‬
‫جملة الشيخ القرشي ليخدع بها المشاهدين المسلمين‪ .‬فمثل من المحتمل‬
‫أن تكون الجملة الصلية هي‪" :‬يقول النصارى أن اللهوت ظهر في المسيح‪،‬‬
‫وأن هذا ل يستلزم الكفر‪ ،‬وأن ل إله إل الله"‪ .‬فإذا أسقطنا من الجملة‬
‫كلمتين وهما "يقول النصارى" صارت الجملة كما نقلها جناب القمص‪ .‬لذلك‬
‫ل بد من التأكد من المصدر نفسه الذي لم يكن من السهل العثور على‬
‫دون له‬ ‫نسخة منه‪ ،‬ولو كان لدى جناب القمص‪ ،‬أو لدى أولئك الذين يع ّ‬
‫كنوني من الطلع‬ ‫البرامج التي يقدمها‪ ،‬نسخة من ذلك الكتاب‪ ،‬فحبذا لو م ّ‬
‫عليها‪ ،‬أو فليخبروني كيف أحصل على نسخة منه‪ ،‬وأكون لهم من الشاكرين‪.‬‬
‫أما إذا كان الشيخ القرشي قال فعل هذ الكلم‪ ،‬فقد أخطأ خطأ فاحشا‪ ،‬ول‬
‫شك أنه كان متأثرا بأقوال النصارى‪ ،‬وقوله ليس حجة‪ ،‬ل على السلم ول‬
‫على المسلمين‪ .‬وقد يحدث أحيانا أن يؤمن المرء بعقائد خاطئة وهو ل يعلم‬
‫دعون أنهم‬ ‫أنه مخطئ‪ ،‬ومن قبل كان المشركون في زمن الرسول ‪ r‬ي ّ‬
‫مؤمنون بالله تعالى‪ .‬ول شك أنهم كانوا يعرفون الله ‪ ،U‬وكانوا يقدسونه‬
‫ويبجلونه حتى من قبل ظهور السلم‪ ،‬بدليل أن عبد المطلب‪ ،‬جد الرسول ‪r‬‬
‫أطلق اسم "عبد الله" على أحد أبنائه‪ ،‬وهو الذي تزوج من السيدة آمنة بنت‬
‫وهب وأنجبا محمد ‪ .r‬إذن فالله كان معروفا ومبجل عند العرب من قبل‬
‫مجيء السلم‪ ،‬وأما الصنام فلم يكونوا يعبدونها إل لتقّربهم إلى الله زلفى‪.‬‬
‫ويروي الكتاب العزيز عن أولئك الذين يتخذون أوليآء من دون الله فيعبدونهم‬
‫خ ُ‬
‫ذوا‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫وهم يظنون أنهم بذلك يتقربون إلى الله تعالى‪ ،‬حيث يقول [َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫فى] )الزمر‪ .(3:‬وهذا ما‬ ‫قّرُبونآ ِإلى اللهِ ُزل ْ َ‬
‫م إ ِل ّ ل ِي ُ َ‬ ‫َ‬
‫ما ن َعْب ُد ُهُ ْ‬
‫ن ُدون ِهِ أوْل َِيآَء َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫يريد منا جناب القمص أن نفعل‪ ،‬وهو أن نتخذ من المسيح النسان إلها نعبده‪،‬‬
‫ثم نخدع أنفسنا ونقول إننا نعبد الله الذي تجسد فيه‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغريب جد غريب‪ ،‬أن جناب القمص يعتبر المسلمين جهلة‪ ،‬ول يريدون أن‬
‫يعرفوا الحقيقة التي يعرفها هو ومن نهجوا نهجه‪ ،‬وهي أنهم في الحقيقة‬
‫دعون أن الله تجسد فيه‪ .‬ولذلك فهو يقول‪:‬‬ ‫يعبدون إنسانا ي ّ‬
‫"إذن القرآن يشهد للروحاني إنه بيظهر في جسد جسماني‪ ،‬وأهل العلم‬
‫والفقه والمعرفة يشهدوا إن دا أمر مش كفر‪ ،‬وإن دا يظهر فعل‪ .‬طيب‬
‫انهارده ليه الخ المسلم بيستبعد هذه الفكرة‪ ،‬عارفة ليه؟ لنه ما بيدرسش‪،‬‬
‫ما بيقراش‪ .‬ماهي القضية والمشكلة‪ :‬ضحالة المعرفة‪ .‬الخ المسلم بكل‬
‫أسف شديد‪ ،‬بكل أسف شديد‪ ،‬إنه نشأ كدا‪ ،‬واتربى كدا‪ ،‬وعرف كدا‪ ،‬وهذه‬
‫أمور مسّلمات غير قابلة للتفكير‪ ،‬غير قابلة‪ .‬احنا طلعنا لقينا كدا‪ .‬من صغرنا‬
‫منا إن النصارى كفرة‪ ،‬وبيعبدوا إنسان‪ ،‬بياكل وبيشرب‪ ،‬وبيعمل حاجات‬ ‫مفه ّ‬
‫فلت المخاخ‪ .‬للللللل دا انتوا كفرة‪ .‬طب عيد التفكير!‬ ‫تانية‪ .‬خلص‪ ،‬اتق ّ‬
‫مش تقرا كتبنا‪ ،‬أو كتب النجيل‪ ،‬ل‪ ،‬اقرا القرآن‪ ،‬بوعي‪ .‬اقرا التفاسير بفهم‪،‬‬
‫صلك‪ ،‬زي المسيح ما قال‪ :‬فتشوا الكتب‪ ،‬بتاعتكم‪ ،‬التي‬ ‫وهيه اللي حتو ّ‬
‫تظنون‪ ،‬أن لكم فيها حياة أبدية‪ .‬هي بعينها‪ ،‬التي سوف تشهد لي‪ .‬فهي دعوة‬
‫لحّباءنا المسلمين‪ ،‬يا ريت‪ .‬اقرا كتبك‪ ،‬اقرا تفاسيرك‪ ،‬فكر بعقلية القرن‬
‫الحادي والعشرين‪ ،‬ليس بالعقلية البدوية القديمة‪ ،‬الناس اللي كانوا جهلة ما‬
‫مي؟ فهل‬ ‫بيعرفوش يقروا ول يكتبوا‪ .‬مش معروف كدا‪ ،‬حتى النبي‪ ،‬كان أ ّ‬
‫حنعيش يعني بالعقلية الجاهلة‪ ،‬والمية؟ ل‪ ،‬نفكر"‪.‬‬
‫ونحن نشكر جناب القمص على دعوته للتفكير‪ ،‬ونقبلها على الرحب والسعة‪،‬‬
‫ونقول له تعال نفكر سويا‪ ،‬وتعالى ُنشهد حضرات المشاهدين على أفكارنا‪،‬‬
‫وتعالى ندعو الخوة المسيحيين أيضا لكي يشاركونا التفكير حتى نصل جميعا‬
‫إلى الحقيقة‪ ،‬إذا كنتم تحبون الحق فعل وتريدون أن تكونوا في جانب الحق‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫لقد نصحتنا يا جناب القمص أن نقرأ القرآن‪ ،‬والقرآن الكريم يؤكد وحدانية‬
‫حده وتفّرده‪ ،‬وأنه يختلف عن كل شيء موجود‪ ،‬فكل‬ ‫الله تعالى كما يؤكد تو ّ‬
‫ما هو موجود سواه مخلوق‪ ،‬وأما هو فليس مخلوقا وإنما هو أزلي الوجود‪،‬‬
‫يٌء]‪ ،‬فهو ليس مادة مثل عالمنا‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫قائم بذاته‪ ،‬كامل في ذاته‪[ ،‬ل َي ْ َ‬
‫س كَ ِ‬
‫المادي‪ ،‬وهو ليس روحا مثل أرواح البشر‪ ،‬كما أنه ليس روحا كأرواح‬
‫الملئكة‪ ،‬وهو ل يتحدد في مكان ول يتأثر بزمان‪ ،‬فهو يحتوي المكان والزمان‪،‬‬
‫ول يحتويه مكان ول يمر عليه زمان‪ .‬أل ترى يا جناب القمص أن هذا هو الله‬
‫الذي يستحق العبادة؟ فهل ترى أن اليمان بهذا الله ُيعتبر جهالة؟ هل ترى‬
‫أنه نتيجة لضحالة المعرفة؟ وقل لي بربك يا جناب القمص‪ ،‬وليشهد عليك‬
‫المشاهدون من المسيحيين والمسلمين على السواء‪ ،‬هل اليمان بهذا الله‬
‫ي‪ ،‬هو الذي‬‫يتعارض مع عقلية القرن الحادي والعشرين؟ وإذا كان النبي‪ ،‬الم ّ‬
‫علمنا أن نؤمن ونعبد هذا الله‪ ،‬فهل ُيعتبر ذلك منه جهالة‪ ،‬وأنه من فكر‬
‫عقلية بدوية قديمة‪ ،‬وأنه كان نتيجة لعقلية جاهلة وأمية؟‬
‫والن‪ ،‬تعالى نرى الله الذي قدمته لنا يا جناب القمص‪ .‬إله يتكون من ثلثة‬
‫أقانيم‪ ،‬كل أقنوم منهم قائم بذاته ولكنه ل ينفصل عن غيره‪ ،‬وأحد هذه‬
‫القانيم يأخذ جسدا من أجساد البشر ويحل فيه‪ ،‬ورغم أنه موجود في جسد‬
‫ذلك النسان‪ ،‬فهو أيضا موجود في كل مكان آخر‪ ،‬ولكنه لن ينفصل عن جسد‬
‫النسان‪ ،‬بل أخذه معه ورجع إلى القنومين الباقيين‪ ،‬وجلس عن يمين الله‬
‫بجسده النساني‪ .‬فقل لي بربك يا جناب القمص‪ ،‬وليشهد عليك المشاهدون‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المسيحيين والمسلمين على السواء‪ ،‬هل اليمان بهذا الله يتفق مع‬
‫عقلية القرن الحادي والعشرين؟ وهل يعود هذا اليمان إلى العقلية البدوية‬
‫القديمة أم أنه يذهب إلى أقدم من ذلك‪ ..‬إلى العصر اليوناني الوثني الذي‬
‫كانت فيه اللهة تْنزل إلى الرض وتختلط بالبشر؟ وإن كنت ل توافقني يا‬
‫جناب القمص‪ ،‬فأنا أتحداك‪ ،‬وُأشهد عليك المشاهدين من المسيحيين‬
‫والمسلمين على السواء‪ ،‬أن تأتي لي بآية واحدة من القرآن الكريم تقول إن‬
‫الله قد تجسد في جسد إنسان قبل التجسد المزعوم في جسد المسيح‪ .‬فإن‬
‫لم تستطع أن تأتي بآية من القرآن‪ ،‬وأنت حتما لن تستطيع ذلك‪ ،‬فإني‬
‫أتحداك مرة أخرى أن تأتي بأي فقرة من العهد القديم في الكتاب المقدس‪،‬‬
‫تقول إن الله قد حل في جسم إنسان معين وتجسد فيه‪ .‬ل تقل إن الله‬
‫تجلى للجبل أو تجلى لموسى في العليقة أو في الشجرة أو في النار‪ ،‬فإن‬
‫التجلي معناه ظهور آثار صفة من صفات الله تعالى أو بعض صفاته في شيء‬
‫معين‪ ،‬مثل العليقة أو الشجرة أو النار أو غيرها‪ .‬وما دمت تنصح المسلمين يا‬
‫جناب القمص أن يفتشوا الكتب‪ ،‬فالْولى بك أن تعمل أنت بالنصيحة التي‬
‫توجهها إلى غيرك‪ ،‬وفتش العهد القديم جيدا لتعلم أن تجلي الله تعالى أو‬
‫حتى ما يسمى بظهور الله‪ ،‬هو في الحقيقة ظهور أثر بعض صفاته‪ ،‬ول يعني‬
‫تعبير "ظهور الله" ظهور الذات اللهية‪ ،‬وإنما ظهور أثر صفة من صفاته أو‬
‫بعض صفاته‪.‬‬
‫يقول كتابك المقدس يا جناب القمص عن "ظهور الله" لموسى في العليقة‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫"وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان‪ ،‬فساق الغنم إلى‬
‫وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب‪ .‬وظهر له ملك الرب بلهيب نار من‬
‫وسط عليقة‪ ،‬فنظر وإذ العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق‪ .‬فقال‬
‫موسى أميل الن لنظر هذا المنظر العظيم‪ ،‬لماذا ل تحترق العليقة‪ .‬فلما‬
‫رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى‪،‬‬
‫فقال هأنذا‪ .‬فقال ل تقترب إلى ههنا‪ ،‬اخلع حذائك من رجليك لن الموضع‬
‫الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة‪ .‬ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله‬
‫اسحق وإله يعقوب‪ .‬فغطى موسى وجهه لنه خاف أن ينظر إلى الله"‬
‫)الخروج ‪.(6-1 :3‬‬
‫ومن الواضح يا جناب القمص أن "ملك الرب" هو الذي ظهر لموسى‪ ،‬وقد‬
‫ول إلى نار بالفعل بل ظهر‬ ‫تمثل له في صورة نار في العليقة‪ ،‬أي أنه لم يتح ّ‬
‫لعينه كأنه نار‪ ،‬ولذلك لم تكن النار تحرق العليقة‪ .‬وظهور ملك الرب ي َُعبر به‬
‫عن ظهور الله نفسه‪ ،‬لنه يتم بأمر الله وقدرته وحسب مشيئته‪ ،‬والرسالة‬
‫التي يقوم بتبليغها لموسى هي رسالة من عند الله تعالى‪ .‬لذلك فإن الكلمات‬
‫"ناداه الله من وسط العليقة"‪ ،‬ل تعني أن الله تعالى قد حل بذاته في العليقة‬
‫أو أنه تجسد فيها‪ ،‬وإنما تعني أنه بقدرته ‪ U‬جعل موسى يرى ما شاء الله أن‬
‫يراه‪ ،‬ويسمع ما أراده أن يسمعه‪ .‬ولذلك فقد أرسل ملكا من ملئكته ليقوم‬
‫بتبليغ موسى ما يشاء الله أن يبلغه إياه‪ ،‬فكل ما يقوله الملك ُينسب إلى‬
‫الله تعالى‪ ،‬وكلمه هو كلم الله تعالى‪ ،‬فالملك ل يتصّرف من نفسه‪ ،‬ول‬
‫دث بكلم الله تعالى‪.‬‬‫فذ مشيئة الله تعالى‪ ،‬وُيح ّ‬
‫يتكلم بلسانه‪ ،‬وإنما ين ّ‬

‫)‪(17 /‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا يا جناب القمص هو الفرق بين العلم الصحيح وضحالة المعرفة‪ ،‬وبين‬
‫الفهم السليم وجهالة الوثنية القديمة‪ ،‬وبين عقلية القرن الحادي والعشرين‬
‫وعقلية قرون ما قبل الميلد‪ ،‬عندما كانت تسود الفكار القديمة والخرافات‬
‫اليونانية‪ .‬والن‪ ،‬لك الخيار يا جناب القمص‪ ،‬أنت وجميع المسيحيين الذين ل‬
‫يريدون ضحالة المعرفة‪ ،‬ويحبون أن يجتنبوا الوثنية القديمة‪ ،‬ويبتغون أن‬
‫يعيشوا في القرن الحادي والعشرين‪ ..‬هل تريدون أن تؤمنوا بإله قدير‪،‬‬
‫يستطيع أن يوحي إلى عباده من النبياء والرسل بدون أن يضطر إلى أن‬
‫يحل في عليقة أو يتجسد في شكل نار من أجل أن يتكلم مع نبيه موسى‪ ،‬أم‬
‫تفضلون أن تؤمنوا بإله عاجز يشوبه النقص ول يستطيع أن يوصل كلماته إلى‬
‫موسى بغير أن يأتي إليه ويحل في عليقة؟ إننا نعيش في القرن الحادي‬
‫والعشرين يا جناب القمص‪ ،‬كما أننا نعيش أيضا في عصور الحرية وحقوق‬
‫النسان‪ .‬ومن حق كل إنسان أن يؤمن بما يريد‪ .‬فمن أراد أن يعبد بقرة بثلثة‬
‫أرجل‪ ،‬فهو حر‪ .‬ومن أراد أن يؤمن بإله عاجز قليل الحيلة ناقص القدرة‪ ،‬فهو‬
‫حر أيضا‪ ،‬ومن أراد أن يختار ضحالة المعرفة بدل من العلم الصحيح‪ ،‬أو أراد‬
‫أن يختار الوثنية القديمة بدل من الفهم السليم‪ ،‬أو أراد أن يختار الخرافات‬
‫اليونانية في عصور ما قبل الميلد بدل من عقلية القرن الحادي والعشرين‪،‬‬
‫أو أراد أن يختار الغباء بدل من العقل والذكاء‪ ،‬فهو حر‪ ،‬ولكن عليه أن ينظر‬
‫إلى نفسه أول قبل أن ينظر إلى الخرين‪ ،‬وأن ينصح نفسه أول قبل أن ينصح‬
‫الخرين‪ ،‬وأن يخرج الخشبة من عينه أول قبل أن ينظر القذى في عيون‬
‫الخرين‪ ،‬وأن يرعى بيته المصنوع من الزجاج قبل أن يقذف الناس بالحجارة‪.‬‬
‫) ‪( 25‬‬
‫الحمد لله تعالى الذي مكننا من أن نلتقي بكم مرة أخرى في هذه السلسلة‬
‫من حلقات "أجوبة عن اليمان" التي نرد بها على جناب القمص زكريا‬
‫بطرس في الحلقات التي قدمها باسم "أسئلة عن اليمان"‪ .‬وقد حدثنا‬
‫القمص على مدى أربع حلقات عن موضوع الثالوث‪ ،‬ثم حدثنا في أربع‬
‫حلقات أخرى عن موضوع تجسد الله في المسيح‪ .‬ويبدو أن جناب القمص قد‬
‫استنفد كل حيله وألعيبه في حلقة واحدة عن موضوع التجسد‪ ،‬فراح يعيد‬
‫ويكرر الكلم في الحلقات الثلث الخرى‪ ،‬ويقول للسيدة ناهد متولي إن‬
‫طار‪ ،‬ولعله يستعمل سياسة غسيل المخ‪ ،‬فهو يقول ويقول‬ ‫التكرار يعلم الش ّ‬
‫ثم يكرر ويكرر‪ ،‬لعل المشاهدين المسلمين يصدقوا كلمه‪ ،‬أو لعل بعض‬
‫البسطاء من المسلمين يتأثر بكلمه وينخدع بأسلوبه‪ .‬ولعله يتبع ما ذكره‬
‫النجيل عن ضرورة التشبه بالحّيات والفاعي ناعمة الملمس التي تبدو‬
‫متواضعة حتى إنها تمشي ملتصقة بالرض‪ ،‬ولكنها للسف مملوءة بالسم‬
‫القاتل لمن ينخدع بجلدها الناعم ومظهرها اللين وتواضعها الجم‪ ،‬فإذا اقترب‬
‫منها ل يناله منها غير السم الذي يقضي عليه‪.‬‬
‫ولن جناب القمص يريد أن يخدع المشاهدين المسلمين‪ ،‬راح يستشهد على‬
‫صدق كلمه بما جاء على لسان بعض الفرق الضالة والمنحرفة عن تعاليم‬
‫السلم‪ ،‬وكثير من هذه الفرق قد ظهرت على مدى التاريخ السلمي ثم‬
‫حل"‪ ،‬فكان ذلك الكتاب‬ ‫اندثرت‪ ،‬ولكن جمعها كتاب "الملل والهواء والن ّ َ‬
‫بمثابة الكْنز العظيم لجناب القمص لينقل منه آراء هذه الفرق الضالة‪،‬‬
‫ورا إياها على أنها آراء لعلماء أفاضل من‬ ‫ويحاول أن يقنع بها المسلمين‪ ،‬مص ّ‬
‫علماء السلم‪ ،‬ول يقول بالطبع أنها آراء ضالة لفرق ضالة اندثرت منذ زمن‬
‫بعيد ولم يعد لها وجود‪.‬‬
‫ومن بين هذه الفرق التي يستشهد جناب القمص بأقوالها فرقة "الحائطية"‪،‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي أسسها شخص يقول إن اسمه "ابن الحائط"‪ .‬فيقول القمص‪:‬‬


‫"الحائطية بقى‪ ،‬وهي فرقة من فرق السلم‪ ،‬برضه في كتاب "الملل‬
‫والهواء والّنحل"‪ ،‬قال المام أحمد بن الحائط إمام فرقة الحائطية عن‬
‫المسيح‪ ،‬قال‪" :‬إن المسيح‪ ،‬تدّرع‪ ،‬بالجسد الجسماني‪ ،"...‬يعني لبس‪ ،‬تدّرع‬
‫خده درع‪" ،‬تدّرع بالجسد الجسماني‪ ،‬وهو‪ ،‬الكلمة القديمة‪ ،‬الزلية‪ ،‬المتجسد‪،‬‬
‫كما قالت النصارى"‪ .‬الكلم دا موجود في كتاب الملل والهواء والّنحل الجزء‬
‫الول صفحة ‪.77‬‬
‫ثم يعلق جناب القمص على هذا الكلم فيقول‪:‬‬
‫"يعني فكر الله تجسد‪ ،‬فكر الله ظهر‪ ،‬زي ما قلنا في المثل الولني‪ ،‬إن أنا‬
‫عندي افكار في دماغي‪ ،‬وبعدين بمسك القلم‪ ،‬وبكتب‪ ،‬فبجسد الفكرة بالحبر‬
‫ُ‬
‫علمت الفكرة‪ .‬فالله‬‫والقلم‪ .‬فأعلنت الفكرة‪ ،‬ظهرت الفكرة‪ُ ،‬قرأت الفكرة‪ُ ،‬‬
‫عايز يعّرفنا فكره‪ ،‬يعمل إيه؟ فبدل ما يكتب على ورقة وقلم‪ ،‬كتب في جسد‬
‫إنسان‪ ،‬ظهر في جسد إنسان‪ ،‬حط فكره في جسد إنسان‪ .‬لن ساعات‬
‫الواحد يكتب على ورق‪ ،‬وساعات يكتب على حجر‪ ،‬مش كده؟ صخر‪ ،‬يكتب‪،‬‬
‫وجلد‪ ،‬وعضم‪ ،‬مش كده؟ طب الله كتب على جلد وعضم إنسان‪ .‬أنا مش‬
‫فاهم فيه صعوبة في الحاجات دي؟ هيه طبعا منطق بسيط وسليم‪ ،‬لكن‬
‫اليمان القلبي الداخلي‪ ،‬يحتاج إلى لمسة من ربنا"‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫فعل يا جناب القمص‪ ..‬اليمان القلبي الصحيح يحتاج إلى هداية خاصة من‬
‫الله تعالى‪ ،‬أما من يتبع الملل والهواء والّنحل‪ ،‬فينتهي به المر إلى هذا‬
‫الخليط الغريب من الفكار الخاطئة‪ ،‬وهذا المزيج المتنافر من الراء الهزيلة‬
‫المتناقضة‪.‬‬
‫جناب القمص يريد من المسلمين أن يأخذوا دينهم من كتاب الملل والهواء‬
‫والّنحل‪ ،‬ويريد منهم أن يبنوا عقائدهم التي تتعلق بالله تعالى على ما يقوله‬
‫ابن الحائط )واسمه ابن الخابط وليس ابن الحائط( وليس على ما يقوله‬
‫الرسول ‪ .r‬ول عجب طبعا في هذا‪ ،‬فإن جناب القمص وشركاه يأخذون دينهم‬
‫من كتابات مّتى ومرقص ولوقا ويوحنا‪ ،‬ويبنوا عقائدهم التي تتعلق بالله تعالى‬
‫على ما يقوله بولس وليس على ما يقوله السيد المسيح‪ .‬وجناب القمص يتبع‬
‫نفس أسلوب بولس الفلسفي الذي يقدم لك أفكارا تبدو للوهلة الولى أنها‬
‫صحيحة‪ ،‬ول تستطيع العين العابرة أن تكتشف خطأها‪ ،‬ثم يبني على هذه‬
‫الفكار الخاطئة‪ ،‬ويضيف أخطاء إلى أخطاء‪ ،‬ويفعل هذا بالتدريج حتى ل‬
‫يشعر القارئ العادي بهذه الخطاء‪ ،‬وفي النهاية يجد القارئ نفسه أمام نتيجة‬
‫يشعر أنها خاطئة‪ ،‬ولكنه ل يعرف لماذا وأين هو مكان الخطأ‪.‬‬
‫يقول جناب القمص عن تجسد الله في جسم المسيح أن عقل الله‪ ،‬الذي هو‬
‫ابن الله‪ ،‬الذي هو من طبيعة الله‪ ،‬الذي هو كلمة الله‪ ،‬قد تجسد في جسم‬
‫المسيح‪ ،‬تماما كما تتجسد أفكار العقل في كلمات يمكن أن ُتكتب في كتاب‪.‬‬
‫فما هو وجه الخطأ في هذا الكلم؟ أليست الفكار هي بنت العقل؟ أل نعتبر‬
‫أن الرأي الذي نعبر عنه هو من بنات أفكارنا؟ ثم ألسنا نجسد بنات الفكار‬
‫هذه في كلمات نكتبها على أوراق؟ وقبل اختراع الورق‪ ،‬ألم نكن نجسد بنات‬
‫الفكار هذه فنكتبها على حجر أو صخر أو جلد أو عظم؟ فما هو وجه الخطأ‬
‫في أن تتجسد كلمة الله التي تعبر عن عقل الله أو عن فكر الله‪ ،‬وبدل من‬
‫أن ُتكتب على الورق أو على الصخر‪ ،‬تكتب على جلد وعظم إنسان هو‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسيح‪ ،‬فتظهر كلمة الله هذه في إنسان؟‬


‫هذا هو المنطق الذي يستخدمه جناب القمص‪ ،‬ويقول إنه بسيط وسليم‪ ،‬ول‬
‫يرى أية صعوبة فيه‪ ،‬وهو ل يعرف لماذا نحن معشر المسلمين ل نقبل هذا‬
‫المنطق الذي يظنه بسيطا وسليما‪ .‬ويرى أن السبب في ذلك هو أننا ل نريد‬
‫أن نقرأ‪ ،‬وإذا قرأنا فإننا ل نريد أن نفهم‪ ،‬وإذا فهمنا فإننا ل نريد أن نقبل‬
‫الحق‪ ،‬وأننا في الواقع نشأنا هكذا وتربينا على الفكار الخاطئة التي وضعوها‬
‫في أدمغتنا‪ ،‬وخدعونا عندما قالوا لنا إن النصارى يعبدون إنسانا‪ ،‬يأكل‬
‫ويشرب‪ ،‬ويعمل "الشياء الخرى" من المتطلبات البشرية‪ .‬ويبدو أن القمص‬
‫ل يفهم خطأ المنطق الذي يظنه سليما‪ .‬فتعالوا ننتقل خطوة بخطوة مع‬
‫أفكار القمص‪ ،‬ونحللها لنرى مواطن الخطأ‪ ،‬ونكتشف الخطاء المتوارية‪.‬‬
‫أول‪ :‬إنه يرى أننا نعبر عن أفكارنا بكلمات‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬وعلى هذا فل مانع‬
‫أن تكون الكلمة هي تعبير عن فكر الله‪ ،‬وهذا أيضا صحيح‪ ،‬ولكن الخطأ‬
‫المتواري هو أن الكلمة التي نعبر بها عن العقل أو ُنظهر بها الفكر‪ ،‬تختلف‬
‫عن ذاتنا‪ .‬فالكلمة تعبير عن العقل‪ ،‬ولكن ليست هي العقل‪ ،‬إنها تنتج عن‬
‫العقل‪ ،‬ولكنها ليست هي العقل‪ .‬فإذا كان المسيح هو كلمة الله‪ ،‬وإذا كان‬
‫المسيح يعبر عن فكر الله‪ ،‬فما الذي يجعله عقل الله ويجعله ذات الله؟‬
‫ثانيا‪ :‬يقول القمص إن الفكار تتجسد في كلمات‪ ،‬ولكن هذا غير صحيح‪،‬‬
‫فالفكار ل تتجسد‪ .‬قد يكون هذا تعبير مجازي‪ ،‬ولكن المجاز شيء والواقع‬
‫شيء آخر‪ .‬إن الكلمة تعبر عن الفكر ولكن ليس هناك جسد أو جسم حقيقي‬
‫للكلمة‪ ،‬بل هناك شكل متفق عليه للكلمة المقروءة‪ ،‬أو أصوات معينة للكلمة‬
‫المسموعة‪ ،‬ولكن يقينا ليس هناك جسم معين للكلمة‪ .‬فالكلمة ل تتجسد‪ ،‬ول‬
‫تظهر في جسم معين‪ .‬فما الذي يجعل كلمة الله تتجسد في جسم المسيح؟‬
‫ثالثا‪ :‬إن الله تعالى عّبر عن إرادته‪ ،‬أو عن فكره‪ ،‬لموسى ‪ u‬عندما كلمه‬
‫وأمره بالذهاب إلى فرعون ليخرج بني إسرائيل من مصر‪ .‬ولكن كلم الله مع‬
‫موسى لم يكن هو ذات الله‪ ،‬ولم يحل الله في موسى‪ ،‬ولم يتجسد فيه‪ ،‬فإذا‬
‫كان المسيح مجرد كلمة من كلمات الله‪ ،‬فلماذا يكون هو ذات الله؟ هل‬
‫لمجرد التعبير في بعض اللغات عن الكلمة بصيغة المذكر يجعل الكلمة تصبح‬
‫دعي القمص؟ هل هذا هو المنطق البسيط والسليم؟ وماذا‬ ‫ذات الله كما ي ّ‬
‫عن اللغات التي ل ُتستعمل للكلمة فيها صيغة المذكر‪ ،‬مثل اللغة النجليزية‬
‫مثل أو اللغة اللمانية؟ وقد شرحنا من قبل أن اللغة العربية تسمح باستعمال‬
‫صيغة المؤنث أو المذكر لكل ما ليس له أعضاء تناسلية‪ ،‬فنقول هذا الطريق‬
‫أو هذه الطريق‪ ،‬ونقول هذا السبيل أو هذه السبيل‪ ،‬ويمكن التعبير عن بعض‬
‫اللفاظ بصيغة مذكرة أو مؤنثة‪ ،‬مثل شرع وشريعة‪ ،‬والمكان الذي يقطن فيه‬
‫جمع من الناس يسمى بلد أو بلدة‪ ،‬ولذلك يمكن جمع بعض اللفاظ جمعا‬
‫م‪ ،‬وشجرات وأشجار‪.‬‬ ‫مؤنثا أو جمع تكسير‪ ،‬مثل كلمات وك َل ِ ٌ‬

‫)‪(19 /‬‬

‫رابعا‪ :‬لقد أْوحى الله تعالى إلى موسى شرعا يتكون من كلم ٍ كثير‪ ،‬ويمكن أن‬
‫نقول مجازا إن كلمات الله تعالى قد "تجسدت" في شريعة الله التي أنزلها‬
‫على موسى‪ .‬ومع ذلك فإن هذا الشرع ليس هو ذات الله‪ ،‬ولم يتجسد الله‬
‫في الشريعة أو في الناموس الذي نزل على موسى‪ ،‬فما الذي يجعل كلمة‬
‫الله الذي هو المسيح‪ ،‬أو التي هي المسيح‪ ،‬تكون هي ذات الله المتجسدة؟‬
‫خامسا‪ :‬حينما نكتب كلماتنا على ورقة فإنها ل تتجسد على الورقة‪ ،‬لنها ل‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تدخل في أي جسم مخلوق ول تحل فيه‪ ،‬وإنما عندما نعبر عن الكلمات‬


‫بالكتابة فإننا نضعها في أشكال معينة متفق على معناها‪ .‬صحيح أنها تعبر عن‬
‫أفكارنا‪ ،‬ولكننا نستطيع أن نعبر عن أفكارنا بعدة طرق غير الكلمة المكتوبة‬
‫أو الكلمة المنطوقة‪ ،‬إذ يمكن أن نعبر عن أفكارنا ومشاعرنا بالشارات أو‬
‫باللمسات أو بتعبيرات الوجه أو بنظرة من العين أو بالربت على الطفال‬
‫والحبة‪ .‬لذلك فإن كلم القمص يثير الضحك والسخرية عندما يقول‪:‬‬
‫"فالله عايز يعّرفنا فكره‪ ،‬يعمل إيه؟ فبدل ما يكتب على ورقة وقلم‪ ،‬كتب‬
‫في جسد إنسان‪ ،‬ظهر في جسد إنسان‪ ،‬حط فكره في جسد إنسان‪ .‬لن‬
‫ساعات الواحد يكتب على ورق‪ ،‬وساعات يكتب على حجر‪ ،‬مش كده؟ صخر‪،‬‬
‫يكتب‪ ،‬وجلد‪ ،‬وعضم‪ ،‬مش كده؟ طب الله كتب على جلد وعضم إنسان"‪.‬‬
‫لقد ظل الله تعالى منذ عهد آدم إلى عهد المسيح‪ ،‬وعلى مدى أكثر من أربعة‬
‫آلف عام‪ُ ،‬يعّرفنا فكره‪ ،‬ولم يحتر ولم يتردد لحظة ليسأل‪" :‬يعمل إيه"؟ كما‬
‫يقول القمص‪ .‬لقد عّرفنا الله فكره‪ ،‬وعّرفنا إرادته‪ ،‬وعّرفنا مشيئته‪ ،‬وأمرنا‬
‫أن نتبع هذه المشيئة‪ ،‬وأن نطيع هذه الرادة‪ .‬واقرأوا العهد القديم من أوله‬
‫إلى آخره‪ ،‬ولن تجدوا فيه أي تردد أو حيرة‪ ،‬وإنما تكلم الله مع أنبيائه وبّلغهم‬
‫إرادته ومشيئته‪ ،‬وعّرفهم فكره‪ ،‬ومنهم عرفنا هذه الرادة وتلك المشيئة‬
‫سنته وأسلوبه‪ ،‬ويجعله‬
‫وذلك الفكر‪ .‬فما الذي يضطره الن لن يغير من ُ‬
‫"يكتب" على جلد وعظم إنسان لكي ُيعرفنا فكره؟ وإذا افترضنا جدل أنه أراد‬
‫أن يكتب فكره على جلد وعظم إنسان‪ ،‬فهل يعني هذا أنه حل في ذلك‬
‫النسان أو تجسد فيه؟ وإذا كان الله تعالى ُيعّرفنا فكره على مدى أربعة‬
‫آلف سنة عن طريق كلماته التي بّلغها إلى أنبيائه ورسله‪ ،‬ولم يحل ولم‬
‫يتجسد في أحد منهم‪ ،‬فلماذا عندما "يكتب" كلمة في جلد وعظم إنسان‪،‬‬
‫ُيقال إنه حل وتجسد في ذلك النسان؟‬
‫ثم ما معنى تجسد الله؟ وهل يمكن أصل أن يتجسد الله؟ هل يمكن أن يتحدد‬
‫الغير محدود؟ لقد حكى لنا جناب القمص حكاية لطيفة في إحدى حلقاته‪،‬‬
‫فذكر أن أحد الحكماء أراد أن يفكر فيما عسى أن يكون الله وماهية ذاته‬
‫وصفاته‪ ،‬فحاول أن يستخدم عقله لكي يعرف كل شيء عن الله تعالى‪.‬‬
‫وحدث أنه نام فرأى رؤيا غريبة‪ .‬رأى أنه يمشى على شاطئ البحر الواسع‬
‫الكبير‪ ،‬فشاهد طفل وقد حفر حفرة صغيرة على شاطئ البحر‪ ،‬ثم راح يمل‬
‫دلوه الصغير من ماء البحر ويصّبه في الحفرة الصغيرة‪ ،‬ثم يعيد مل دلوه‬
‫الصغير وصّبه في الحفرة الصغيرة‪ .‬فأخذ يراقبه بعض الوقت‪ ،‬ثم سأله عما‬
‫يفعل‪ ،‬فقال الطفل إنه ل يفعل شيئا‪ ،‬فقال الحكيم إنه كان يراقبه ورآه يمل‬
‫دلوه الصغير من ماء البحر ويصبه في الحفرة الصغيرة‪ .‬وسأله عن غرضه‬
‫من ذلك الفعل‪ .‬فقال الطفل إنه يريد أن ينقل ماء البحر ويضعه في الحفرة‬
‫الصغيرة‪ .‬فاندهش الحكيم لذلك واستنكر فعل الطفل‪ ،‬وقال له‪ :‬كيف يمكن‬
‫أن تنقل هذا البحر الواسع العظيم الغير محدود وتضعه في هذه الحفرة‬
‫الصغيرة المحدودة؟ فقال له الطفل‪ :‬وكيف تريد أنت أن تضع هذا الله‬
‫العظيم الغير محدود في عقلك هذا المحدود؟ فاستيقظ الحكيم من نومه وقد‬
‫أدرك أنه ل يستطيع أن يفهم جميع صفات الله تعالى ويدرك ماهيته بعقله‬
‫المحدود‪.‬‬
‫والغريب أن جناب القمص الذي حكى لنا هذه الحكاية‪ ،‬هو نفسه الذي يقول‬
‫لنا إن الله الغير محدود يمكن أن يتجسد في جسم إنسان محدود‪ .‬أليس هذا‬
‫أمر عجيب؟ ولكن ل شيء عجيب مع جناب القمص‪ ،‬فهو يثبت بهذا أنه أستاذ‬
‫المتناقضات الذي يؤمن أن النسان ل يستطيع بعقله المحدود أن يفهم كل‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شيء عن الله الغير محدود‪ ،‬ومع ذلك فهو يؤمن في نفس الوقت أن الله غير‬
‫المحدود يمكن أن يتجسد في جسم إنسان محدود!!‬

‫)‪(20 /‬‬

‫لقد ذكرنا من قبل أن الله تعالى يختلف عن كل شيء سواه‪ ،‬فكل شيء‬
‫سواه مخلوق وهو غير مخلوق‪ ،‬كل شيء سواه محدود وهو غير محدود‪ .‬إن‬
‫الله ليس مادة مثل العالم المادي‪ ،‬وهو ليس روحا مثل أرواح البشر وليس‬
‫روحا كأرواح الملئكة‪ .‬إنه واحد ٌ أحد‪ ،‬فريد في ذاته‪ ،‬ومتفّرد في صفاته‪،‬‬
‫وليس كمثله شيء‪ .‬ولذلك فهو يسمو على كل شيء‪ ،‬ويعلو على كل شيء‪،‬‬
‫ول يحده شيء‪ .‬وهو يحتوي المكان والزمان‪ ،‬ول يحتويه مكان‪ ،‬ول يمر عليه‬
‫زمان‪ .‬إنه يتجلى ويظهر بصفاته وليس بذاته‪ ،‬أي أننا نستطيع أن نشاهد آثار‬
‫صفاته‪ ،‬ولكننا ل نستطيع أن نشاهد ذاته‪ .‬ومع أنه موجود في كل مكان‪ ،‬فإن‬
‫ديا‪ ،‬فهو ل يحل في أي مكان‪ ،‬بل هو يجل عن كل‬ ‫وجوده هذا ليس وجودا ما ّ‬
‫مكان‪ .‬ومع أنه موجود في كل شيء إل أن كل شيء ليس هو الله‪ ،‬ول هو‬
‫جزء من الله‪ ،‬فكل شيء يختلف عن الله‪ ،‬وهو سبحانه ل يتجزأ ول ينقسم ول‬
‫تنفصل ذاته عن ذاته‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن مفهوم "الحلول" أو "التجسد" نفسه يتعارض ويتناقض مع‬
‫صفات الله تعالى‪ .‬فلماذا يقول القمص إن الله حل في هذا المكان أو ذاك‬
‫وهو موجود أصل في كل مكان؟ وما الفرق بين هذا المكان الذي يقال إن‬
‫الله حل فيه‪ ،‬وكل مكان آخر لم يحل الله فيه؟ إن جناب القمص يؤمن بأن‬
‫الله موجود في كل مكان‪ ،‬وعلى حسب فهمه هذا يكون الله موجودا في‬
‫مريم‪ ،‬كما هو موجود في الجنين الذي في بطنها‪ ،‬وهو موجود في المسيح‬
‫المولود كما هو موجود في السرير الذي ينام عليه‪ ،‬فما معنى الحلول إذن؟‬
‫إذا قلنا إن الله قد حل في هذا المكان ولم يحل في ذلك المكان‪ ،‬وكان معنى‬
‫هذا أن الله موجود في هذا المكان وليس موجودا في ذلك المكان لتعارض‬
‫ذلك مع الساس الذي يبني عليه القمص إيمانه‪ ،‬وهو أن الله موجود في كل‬
‫مكان‪ .‬وعلى هذا فل يمكن منطقيا القول بأن الله حل في أحد أو حل في‬
‫مكان ما إل إذا كان ذلك بطريق المجاز‪ ،‬والمجاز يختلف عن الحقيقة‪ .‬وعندما‬
‫وش‬ ‫يختلط المجاز بالحقيقة ينتج التشويش الذي "يلخبط" العقول ويش ّ‬
‫الفكار‪ .‬وجناب القمص أستاذ كبير من أساتذة الخلط بين الحقيقة والمجاز‪،‬‬
‫فهو يحدثنا عن بنات الفكار ويقول إن الفكرة هي بنت العقل‪ ،‬وهذا تعبير‬
‫مجازي‪ ،‬ويستنتج من هذا التعبير أن المسيح هو ابن عقل الله على وجه‬
‫الحقيقة‪ .‬وهو يقول لنا إن الفكار يمكن أن تتجسد في كلمات‪ ،‬وهذا تعبير‬
‫مجازي‪ ،‬ويستنتج من هذا التعبير أن كلمة الله تجسدت في المسيح على وجه‬
‫الحقيقة‪ .‬وهو يقول لنا إننا نجسد كلماتنا بكتابتها على أوراق أو على جلد أو‬
‫عظم‪ ،‬وتجسد الكلمات تعبير مجازي‪ ،‬ولكنه يستنتج من المجاز أن الله جسد‬
‫كلمته بأن كتبها في جسد المسيح على وجه الحقيقة‪.‬‬
‫ولكن انصافا للحق ينبغي أن نقول إن جناب القمص معذور‪ ،‬فماذا يفعل لكي‬
‫يقنعنا بما هو مستحيل؟ إن العقائد المسيحية المغلوطة عقائد متناقضة‬
‫تصطدم بالعقل وتتناقض مع المنطق‪ ،‬فليس أمام القمص سوى أن يلجأ إلى‬
‫أسلوب من يلعب بالـ ‪ 3‬ورقات‪ ،‬وهو شخص يمتاز بخفة اليد‪ ،‬يمسك في‬
‫أصابعه بورقات ثلث من أوراق اللعب‪ ،‬اثنتين منها متشابهتان والثالثة‬
‫مختلفة‪ ،‬وهو يكشف للمشاهد الورقات الثلث ثم يقلبها ويطلب منه أن‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستخرج الورقة المختلفة‪ ،‬بعد أن يقوم بتحريك الورقات الثلث أمام أعين‬
‫المشاهدين‪ ،‬ولكن بسبب خفة يده فإنه يستطيع أن يخدع أنظارهم فل يفطنوا‬
‫إلى مكان الورقة المختلفة‪ .‬وجناب القمص يقوم بنفس العمل‪ ،‬ولكن‬
‫باستخدام المثلة والساليب المجازية‪ ،‬ثم يقوم عن طريق خفة لسانه بخلط‬
‫المور أمام المشاهد أو السامع‪ ،‬ويستنتج النتيجة التي يريد للمشاهد أن‬
‫يراها‪ ،‬فيقع السامع في الخطأ ما لم يفطن إلى خطأ المنطق الذي يستعمله‬
‫جناب القمص ببراعة من يلعب بالـ ‪ 3‬ورقات‪.‬‬
‫فجناب القمص يقول لنا إن الكلمة قد حل في جسد المسيح‪ ،‬ولذلك فقد‬
‫أصبح المسيح هو الله ابن الله‪ ،‬مع أن المسيح نفسه لم يقل أبدا هذا الكلم‪،‬‬
‫ولم يقل بتاتا إنه إله ابن إله‪ ،‬وكل ما قاله هو إنه ابن الله‪ ،‬وذلك على سبيل‬
‫المجاز‪ .‬ومع ذلك فإن الكتاب المقدس‪ ،‬وإنجيل لوقا بالذات‪ ،‬يقول لنا إن‬
‫الملك قال للسيدة مريم‪" :‬الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك"‪.‬‬
‫والروح القدس واحد من القانيم اللهوتية الثلثة‪ ،‬فإذا كان حلول القنوم‬
‫البن قد جعل من يسوع إلها ابن إله‪ ،‬فلماذا حلول القنوم الروح القدس ل‬
‫يجعل من مريم إلهة بنت إله؟ إن هذا هو نفس المنطق الذي يستعمله‬
‫القمص في إثبات اللوهية للمسيح‪ ،‬ولكنه ل يريد استعماله لثبات اللوهية‬
‫لمريم‪ ،‬غير أن الكنيسة الكاثوليكية كانت أكثر واقعية من الكنيسة‬
‫الرثوذكسية‪ ،‬فقبلت ألوهية مريم أيضا‪ .‬ومن يقبل خرافة معينة بناء على‬
‫منطق معين‪ ،‬ل يكون من العقل أن يرفض اليمان بخرافة أخرى بناء على‬
‫نفس المنطق‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫وما دمنا نستخدم منطق الحلول والتجسد‪ ،‬فلماذا نتغافل عن حلول الروح‬
‫القدس في أليصابات زوجة زكريا‪ ،‬ولماذا نغض الطرف عن كلمة الله التي‬
‫تجسدت فيها؟ لقد جاءت كلمة الله إلى زكريا أن امرأته أليصابات سوف تلد‬
‫سمعت‬ ‫ابنا‪ .‬يقول لوقا‪" :‬فقال له الملك ل تخف يا زكريا لن ط ِْلبُتك قد ُ‬
‫وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا"‪ .‬ثم يقول لوقا مرة أخرى‪:‬‬
‫"وامتلت أليصابات من الروح القدس"‪ .‬إذن نستطيع أن نقول إن كلمة الرب‬
‫جاء إلى زكريا‪ ،‬وأن الكلمة صار جسدا وحل بين الناس ورأوا مجده‪ .‬أي أن‬
‫كلمة الرب إلى زكريا تجسدت في شخص يوحنا أو يحيى ‪ .u‬فإذا كان تجسد‬
‫كلمة الرب في مريم يجعل من مولودها إلها‪ ،‬فلماذا تجسد كلمة الرب في‬
‫أليصابات ل يجعل من مولودها إلها؟ وإذا كان حلول البن في جسد المسيح‬
‫قد جعل منه إلها‪ ،‬فلماذا حلول الروح القدس في أليصابات ل يجعل منها‬
‫إلهة؟ إن هذه كلها أسئلة كان من المفروض على جناب القمص أن يجيب‬
‫عليها في برنامجه "أسئلة عن اليمان"‪ ،‬ولكنه لم يفعل‪ ،‬لن إجابة هذه‬
‫السئلة سوف توقعه في مأزق كبير‪ ،‬وسوف تضعه في موقف محرج ل‬
‫يستطيع الخروج منه‪.‬‬
‫ولو استعملنا منطق جناب القمص‪ ،‬فجعلنا من كل إنسان يحل فيه أقنوم من‬
‫القانيم الثلثة إلها‪ ،‬لزاد عدد اللهة زيادة كبيرة‪ .‬وكمثال فقط نذكر أن زكريا‬
‫قد امتل من الروح القدس )لوقا ‪ ،(67:1‬ويحيى أو يوحنا امتل وهو جنين في‬
‫بطن أمه من الروح القدس )لوقا ‪ ،(15:1‬وكذلك مريم )لوقا ‪ ،(35:1‬وأيضا‬
‫سمعان العجوز الذي لم يمت حتى رأت عيناه المسيح )لوقا ‪ ،(25:2‬وجميع‬
‫التلميذ )يوحنا ‪ ،(22:20‬واستفانوس )أعمال الرسل‪ ،(5:6:‬وجمهور من‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناس )أعمال الرسل ‪ .(31:4‬ولكن يبدو أن القانيم الثلثة ليست متساوية‬


‫في القوة والتأثير‪ ،‬بدليل أنه حينما يحل القنوم البن في جسد إنسان يصير‬
‫ذلك النسان إلها‪ ،‬ولكن حين يحل القنوم الروح القدس في إنسان‪ ،‬فل يكون‬
‫ذلك النسان إلها‪ .‬ومع أن جناب القمص ظل يكرر على مسامعنا أن القانيم‬
‫الثلثة متساوية‪ ،‬إل أن كلمه هذا لم يثبت عند التطبيق العملي لما هو مكتوب‬
‫في العهد الجديد‪.‬‬
‫وهكذا يتبين أن عقيدة التجسد هذه عقيدة كاذبة مزّورة‪ ،‬وقد اخترعها‬
‫المخترعون لكي يجعلوا للنسان يسوع المسيح قداسة خاصة‪ ،‬ولكي يرفعوا‬
‫مقامه فوق مستوى البشر‪ ,‬ولكنهم لم يدركوا أنهم بعملهم هذا قد أساءوا‬
‫دعون أنها‬ ‫ونا من ثلثة أقانيم‪ ،‬ي ّ‬‫إلى مقام الله تعالى‪ ،‬الذي جعلوه مك ّ‬
‫متساوية‪ ،‬ثم يتبين عند الدراسة والفحص أنها غير متساوية‪ ،‬في التأثير على‬
‫القل‪ .‬وجناب القمص يدعونا نحن المسلمين أن نتخلى عن إيماننا بالله تعالى‬
‫الواحد الحد لكي نؤمن بهذا الثالوث غير المتكافئ‪ ،‬وهو يقوم بهذا دون أي‬
‫شعور بالخجل أو الحياء‪ .‬والمثل يقول‪" :‬إذا لم تستح فاصنع ما شئت"‪ ،‬وهو‬
‫حر في أن يؤمن بأي خرافة ويعتقد بأي أكذوبة‪ ،‬ولكن حين يصر على دعوة‬
‫دى له‪ ،‬ونكشف‬ ‫المسلمين لليمان بهذه الخرافات والكاذيب‪ ،‬فل بد أن نتص ّ‬
‫هذه الخرافات‪ ،‬ونفضح هذه الكاذيب‪.‬‬
‫) ‪( 26‬‬
‫الحمد لله الذي وفقنا في اللقاء بكم مرة أخرى في هذه السلسلة من‬
‫حلقات "أجوبة عن اليمان" لكي نرد بها على جناب القمص زكريا بطرس‬
‫في البرنامج الذي قدمه باسم "أسئلة عن اليمان"‪ .‬وقد ذكرنا في الحلقة‬
‫الماضية أنه يخلط بين المجاز والحقيقة ويتكلم عن أشياء مجازبة‪ ،‬ثم يستنتج‬
‫منها أشياء يطبقها على المسيح على وجه الحقيقة‪ .‬فمثل‪ ،‬يحدثنا عن بنات‬
‫الفكار ويقول إن الفكرة هي بنت العقل‪ ،‬وهذا تعبير مجازي‪ ،‬ولكنه يستنتج‬
‫من هذا التعبير أن المسيح هو ابن عقل الله على وجه الحقيقة‪ .‬وهو يقول لنا‬
‫إن الفكار يمكن أن تتجسد في كلمات‪ ،‬وهذا تعبير مجازي‪ ،‬ولكنه يستنتج من‬
‫هذا التعبير أن كلمة الله تجسدت في المسيح على وجه الحقيقة‪ .‬وهو يقول‬
‫لنا إننا نجسد كلماتنا بكتابتها على أوراق أو على جلد أو عظم‪ ،‬وتجسد‬
‫سد كلمته بأن‬ ‫الكلمات تعبير مجازي‪ ،‬ولكنه يستنتج من المجاز أن الله ج ّ‬
‫كتبها في جسد المسيح على وجه الحقيقة‪.‬‬
‫متفق عليه بينهما بالطبع‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫وقد سألته السيدة ناهد متولي سؤال ُ‬
‫ت سابقا إن كلمة الله هي عقل‬ ‫سد في المسيح‪ ،‬وقل َ‬ ‫"تقول أن كلمة الله تج ّ‬
‫الله‪ ،‬فكيف‪ ،‬يتجسد عقل الله في إنسان؟ فيمكن أن يتساءل قائل‪ :‬هل كان‬
‫الله سبحانه بدون عقل في السماء‪ ،‬عندما كان عقله متجسدا في المسيح‬
‫على الرض؟ والحقيقة السؤال دا بنتسأله كتير جدا يابونا ويقولولنا كمان‬
‫أحيانا‪ ،‬هل الله بدون عقل فوق‪ ،‬وساعة لما السيد المسيح ُقبر‪ ،‬كان الدنيا‬
‫شكلها إيه؟ كانت ماشية من غير عقل؟‬
‫ويرد عليها القمص فيقول‪:‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫"دا سؤال فعل بيتردد ع الذهان كتير يعني‪ ،‬ومن حق النسان إنه يفكر بحرية‪،‬‬
‫ومن حق النسان إنه يتساءل‪ ،‬لن مفيش معرفة بدون سؤال‪ ،‬طول ما‬
‫النسان بيسأل‪ ،‬طول ما حيعرف‪ .‬لكن لو النسان يكتم السئلة‪ ،‬حيعرف‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منين؟ أنا أشك‪ ،‬فأنا أفكر‪ ،‬فأنا موجود‪ .‬ليه؟ الشك بيقود للتفكير‪ ،‬والتفكير‬
‫بيقودني إلى البحث والمعرفة‪ ،‬ودا بيكمل كياني ووجودي‪ .‬فحلو إن النسان‬
‫يسأل‪ ،‬وعيب إن النسان ما يسألش‪.O.K .‬‬
‫طيب‪ ،‬المنطق بيقول انت بتقول إن المسيح كلمة الله‪ ،‬يعني عقله‪ .‬طيب‪،‬‬
‫وبتقول كلمة الله تجسد في جسد إنسان‪ ،‬يعني ظهر بعقله في جسد إنسان‪،‬‬
‫طيب وربنا فوق؟ صعبة دي؟ طبعا التساؤل ناتج عن‪ ،‬عدم وعي‪ ،‬كامل‪،‬‬
‫وعدم إدراك كامل‪ .‬مثل‪ ،‬نسأل اللي بيسأل السؤال دا‪ :‬أقول له‪ ،‬هل ممكن‪،‬‬
‫إن عقلك‪ ،‬ينفصل‪ ،‬عن وجودك؟ حنفصله ازاي عقل النسان؟ مش ممكن‪.‬‬
‫فحيثما ُوجدت كلمة الله‪ ،‬فهناك الله‪ .‬ودي آية في الكتاب المقدس في سفر‬
‫المثال‪" :‬حيثما ُوجدت كلمة الله‪ ،‬فهناك هو"‪ .‬ليه؟ لن الله غير محدود‪،‬‬
‫وعقله‪ ،‬غير محدود‪ .‬مش كدا؟ فأينما ُوجد العقل ُوجد الله لنه موجود في كل‬
‫مكان‪ ،‬ومتجلي في النقطة دي‪ .‬زي بالظبط‪ ،‬نقدر نسأل السؤال ده؟ مش‪،‬‬
‫مش موجود في القرآن؟ سورة القصص؟ وطه؟ والنمل؟ لما نار ظهرت في‬
‫بقعة مباركة من الشجرة؟ وقال إني أنا الله؟ ول إله إل أنا؟ كان مين في‬
‫السما؟ ساب السما ونزل؟ مش معقول‪ .‬ول ّ لما تجلى ع الجبل؟ ساب الدنيا‬
‫ووقف ع الجبل؟ وغير كدا‪ ،‬يعني لما نقرا كتب القرآن‪ ،‬كتب السلم كويس‬
‫أوي‪ ،‬يقولك‪ :‬إن الله‪ ،...‬ودا حديث نبوي‪ ،‬إن الله‪ ،‬يْنزل‪ ،‬التلت الخير من‬
‫الليل إلى السماء الدنيا‪ ،‬يْنزل‪ ،‬للسماء الدنيا‪ .‬يْنزل للسماء الدنيا؟ طب‬
‫والسماء العليا فيها مين؟ لما ن ََزل؟ فيها مين؟ الكلم ما يتخدش باللفظ ده‪.‬‬
‫الله موجود في كل مكان‪ ،‬بس هو بيتراءى‪ ،‬في حتة معينة‪ ،‬بيظهر في حتة‬
‫معينة‪ ،‬لكن هو موجود‪ ،‬في كل مكان‪ ،‬مش كده برضه؟‬
‫فالله موجود في كل مكان‪ ،‬عقله بيتجلى ويظهر في موضع معين‪ ،‬في مكان‬
‫معين‪ ،‬وهذا ل يمنع وجوده في كل مكان‪ .‬صح؟‬
‫فتقول السيدة ناهد متولي‪" :‬تمام يابونا‪ .‬يعني دلوقتي‪ ،‬لما أحباءنا في‬
‫السلم يقولولنا لما الله تجسد وكان عقله فين‪ ،‬يبقى نفس إلقاء السؤال‬
‫غلط‪ ،‬يعني دا ل يمكن يكون‪"...‬‬
‫فيقول القمص‪" :‬مش منطقي‪ ،‬يعني السؤال أقول عليه سؤال ساذج‪ ،‬وكلمة‬
‫ساذج يعني كلمة ملطفة عن سؤال أهبل‪ ،‬ل مؤاخذة يعني‪ ،‬بس أنا عاوز‬
‫أكون لطيف في أسلوبي‪ ،‬اللي يسأل السؤال ده‪ ،‬يبقى إنسان ساذج"‪.‬‬
‫لقد ذكرنا في الحلقة الماضية أن جناب القمص هو أستاذ المتناقضات‪ ،‬ولم‬
‫يكن هذا افتراء عليه‪ ،‬بل هذه حقيقة واضحة فيه‪ .‬ول عجب‪ ،‬فإن النسان‬
‫المتناقض في أفكاره وعقائده‪ ،‬غالبا ما يكون متناقضا أيضا في كلمه‬
‫وتصّرفاته‪ .‬وها هو يقدم بنفسه الدليل على تناقض أقواله‪ ،‬فهو يؤكد في أول‬
‫كلمه أهمية السؤال من أجل المعرفة‪ ،‬وأن من حق كل إنسان أن يفكر‬
‫بحرية‪ ،‬ومن حقه أن يتساءل‪ ،‬ول معرفة بغير تساؤل‪ ،‬والشك يقود إلى‬
‫التفكير الذي يقود إلى البحث والمعرفة‪ ،‬ومن العيب أل يسأل النسان‪ ،‬إلى‬
‫آخر كلمه هذا‪ ،‬ثم بعد ذلك يقول إن السؤال ساذج‪ ،‬وإن كلمة ساذج كلمة‬
‫ملطفة بدل من كلمة "أهبل"‪ ،‬وإن من يسأل هذا السؤال يكون إنسان ساذج‪،‬‬
‫أو "أهبل" حسب تعبيره‪ .‬ونحن ل نعلم من هو الحق بأن يتصف بالسذاجة أو‬
‫بالهبل؟ من يسأل ليحسن الفهم‪ ،‬أم من يؤمن بعقيدة ساذجة تقوم على‬
‫سوء الفهم؟‬
‫يقول جناب القمص‪" :‬المنطق بيقول إن المسيح كلمة الله‪ ،‬يعني عقله"‪.‬‬
‫ذج‪ ،‬مع التلطف طبعا لعدم‬ ‫فهل هذا يا ترى منطق العقلء أم منطق الس ّ‬
‫استخدام الكلمة الخرى؟‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫المسيح كلمة الله‪ .‬هذا صحيح ول خلف عليه‪ ،‬ولكن كيف تكون الكلمة التي‬
‫تعبر عن الرادة أو المشيئة‪ ،‬هي نفسها العقل أو تكون هي الذات؟ إن‬
‫ور أن الله مثل‬ ‫طفة"‪ ،‬يتص ّ‬‫المشكلة مع جناب القمص‪ ،‬هي أنه بسذاجته "المل ّ‬
‫البشر‪ ،‬يحتاج إلى عقل يفكر به‪ .‬فبسبب نشأته وثقافته وتربيته ومجتمعه‬
‫الذي نشأ فيه وتعلم منه العقائد الدينية‪ ،‬وبسبب إصرار هذه الثقافة والتربية‬
‫على رفع شأن النسان البشر إلى مرتبة الله تعالى‪ ،‬كان ل بد بالضرورة من‬
‫خفض شأن الله إلى مرتبة النسان البشر‪ .‬هذه هي مشكلة القمص‪ ،‬وهذه‬
‫هي نفس مشكلة المسيحية المغلوطة التي لم يأت بها المسيح ‪ ،u‬وإنما‬
‫اخترعها العقل الوثني الساذج )بتلطف( الذي كان متأثرا بالوثنيات اليونانية‪،‬‬
‫فلم يستطع أن يفهم أن الذات اللهية ذات كاملة بذاتها‪ .‬لذلك من الصعب‬
‫ور أن الله تعالى ليس في حاجة إلى عقل يفكر‬ ‫على العقل "الساذج" أن يتص ّ‬
‫به أو يعلم به‪ ،‬فهو حكيم بذاته‪ ،‬عليم بذاته‪ ،‬خبير بذاته‪ ،‬تماما كما أنه ليس‬
‫في حاجة إلى عيون يبصر بها‪ ،‬فهو بصير بذاته‪ ،‬ول يحتاج إلى آذان يسمع بها‪،‬‬
‫ي بذاته‪ ،‬ول يحتاج إلى‬ ‫فهو سميع بذاته‪ ،‬ول يحتاج إلى روح ليحيا بها‪ ،‬فهو ح ّ‬
‫عضلت يمارس بها قوته‪ ،‬فهو قوي بذاته‪ ،‬قدير بذاته‪ ،‬عظيم بذاته‪ ،‬كامل‬
‫بذاته‪ .‬وإذا كان جناب القمص من "السذاجة الملطفة" بمكان‪ ،‬لدرجة أنه ل‬
‫يستطيع أن يفهم هذه الحقيقة‪ ،‬فهو ل يستطيع أن يعرف الله كما ينبغي أن‬
‫ُيعرف الله‪ ،‬وبالتالي فهو ل يعبد الله الحق الكامل‪ ،‬وإنما يعبد بشرا أو كائنا له‬
‫صفات البشر‪ .‬فهو يعبد كائنا يحتاج إلى عقل يفكر به‪ ،‬تماما كما يحتاج‬
‫النسان إلى عقل يفكر به؛ ويحتاج إلى روح يحيا بها‪ ،‬تماما كما يحتاج النسان‬
‫إلى روح يحيا بها‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬وبناء على هذه "السذاجة الملطفة"‪ ،‬وبهذا‬
‫المنطق الملطف‪ ،‬أو "الهبل" )إذا سمح لي جناب القمص باستعارة بعض‬
‫ألفاظه(‪ ،‬فل مانع أن تكون الكلمة هي العقل‪ ،‬ول مانع أن يظهر عقل الله في‬
‫جسد إنسان‪ ،‬وبالتالي تكون نتيجة كل هذه "السذاجة الملطفة" أن يكون هذا‬
‫النسان هو الله الذي يعبده هؤلء السذج‪ ،‬فل حول ول قوة إل بالله!!‬
‫يقول جناب القمص‪" :‬الله غير محدود‪ ،‬وعقله غير محدود‪ .‬مش كدا؟ فأينما‬
‫ُوجد العقل ُوجد الله‪ ،‬لنه موجود في كل مكان‪ ،‬ومتجلي في النقطة دي"‪ .‬ثم‬
‫يقول‪" :‬الله موجود في كل مكان‪ ،‬بس هو بيتراءى‪ ،‬في حتة معينة‪ ،‬بيظهر‬
‫في حتة معينة‪ ،‬لكن هو موجود‪ ،‬في كل مكان‪ ،‬مش كدا برضه؟ فالله موجود‬
‫في كل مكان‪ ،‬عقله بيتجلى ويظهر في موضع معين‪ ،‬في مكان معين‪ ،‬وهذا‬
‫ل يمنع وجوده في كل مكان‪ .‬صح؟"‪.‬‬
‫ضح جناب القمص حقيقة المر الذي‪ ،‬إما أنه يختلط في ذهنه‪،‬‬ ‫بهذا الكلم يو ّ‬
‫وإما أنه يحاول أن يخلطه في ذهن السامع أو المشاهد‪ .‬فهو يتكلم عن‬
‫"العقل"‪ ،‬وكأنه يتكلم عن "الذات" اللهية‪ ،‬وفي نفس الوقت يتكلم عن‬
‫العقل وكأنه يتكلم عن صفة من صفات الله تعالى‪ .‬فهو يقول إن العقل‬
‫موجود في كل مكان ولكنه يتجلى في نقطة معينة‪ .‬فإذا كان المقصود‬
‫بالعقل في هذه الجملة هو الذات اللهية‪ ،‬فإن الذات اللهية ل تتجلى في أي‬
‫نقطة ول في أي مكان‪ .‬إن ما يمكن أن "يتجلى" ل يمكن أن يكون هو الذات‬
‫اللهية‪ ،‬لن ما يتجلى‪ ،‬أي ما يظهر لحواسنا المادية‪ ،‬ل يمكن أن يكون هو‬
‫الذات اللهية التي تختلف في كنهها عن كل شيء آخر‪ .‬فما دام الله تعالى‬
‫"ليس كمثله شيء"‪ ،‬فل يمكن أن ُيرى شخصه أو ُتشاهد ذاته بالحواس‬
‫المادية للبشر التي ل تستطيع أن ترى إل جزءا صغيرا من العالم المادي‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبالتالي فهي ل يمكن أن ترى الذات اللهية على الطلق‪ .‬أما ما يمكن أن‬
‫يتجلى من الله تعالى فهو أثر صفاته‪ ،‬فحينما يقال إن الله يتجلى في مكان‬
‫معين أو في نقطة معينة‪ ،‬فل بد أن نفهم هذا الكلم على أنه يعني تجلي أو‬
‫ظهور بعض الثار لصفة أو أكثر من صفات الله تعالى‪ .‬ولذلك‪ ،‬يمكن أن‬
‫نستبدل كلمة "العقل" في جملة جناب القمص التي ذكرناها فيما سبق‪،‬‬
‫ونضع بدل منها كلمة "القدرة" مثل‪ ،‬ول يتغير معنى الجملة‪ .‬وفي هذه الحالة‬
‫تكون الجملة كما يلي‪" :‬الله غير محدود‪ ،‬وقدرته غير محدودة‪ .‬مش كدا؟‬
‫فأينما ُوجدت القدرة ُوجد الله‪ ،‬لنه موجود في كل مكان‪ ،‬ومتجلي في‬
‫النقطة دي"‪ .‬أي أن الذي يمكن أن يتجلى "في النقطة دي"‪ ،‬ليست هي‬
‫الذات اللهية‪ ،‬وليست هي القدرة اللهية‪ ،‬وإنما ما يتجلى هو أثر القدرة‬
‫اللهية‪ .‬وكما ل يمكن للنسان أن يرى القدرة اللهية‪ ،‬وإنما يرى آثار هذه‬
‫القدرة اللهية‪ ،‬كذلك ل يمكن للنسان ان يرى الذات اللهية‪ ،‬وإنما يرى آثار‬
‫صفات هذه الذات اللهية‪ .‬ولكن جناب القمص يخلط بين الذات وبين‬
‫الصفات‪ ،‬ويزعم أن عقل الله يمكن أن يتجلى‪ ،‬هذا بافتراض أن الله يحتاج‬
‫أصل إلى عقل يفكر به أو يعقل به‪ ،‬إذ في هذه الحالة "الفتراضية" يكون‬
‫عقل الله هو ذات الله‪ ،‬وذات الله ل يمكن أن تظهر ول أن تتجلى‪ ،‬ل في‬
‫نقطة معينة ول في مكان معين‪ ،‬وبالطبع ل يمكن أن تتجلى في شخص‬
‫معين‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫أما إذا كان المقصود من تعبير "عقل الله" هو "علم الله" أو "قدرة الله" أو‬
‫أي صفة من صفات الله تعالى‪ ،‬فإن صفات الله ل تتجسد‪ ،‬وإنما تظهر أثارها‬
‫وتتجلى تأثيراتها‪ .‬فالصفة ليست شيئا ماديا وإنما هي شيء معنوي‪ ،‬مثل‬
‫السلم‪ ،‬ومثل المحبة‪ ،‬ومثل الكراهية‪ .‬هذه كلها أمور معنوية‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫ُترى أو ُتشاهد‪ ،‬ول يمكن أن تظهر أو تتجلى‪ ،‬وإن ما يظهر وما يتجلى هو الثر‬
‫فقط‪ .‬فنحن نستطيع أن نرى أثر السلم‪ ،‬وأثر المحبة‪ ،‬وأثر الكراهية‪ ،‬وأثر‬
‫الصفات اللهية‪ .‬ويمكن لثر الصفات اللهية أن تظهر وتتجلى في نقطة‬
‫معينة أو في مكان معين‪ ،‬كما يمكن أن تظهر وتتجلى في شخص معين‬
‫كذلك‪ .‬فمثل تتجلى قدرة الله في كل ذّرة من ذّرات الوجود‪ ،‬لن كل ذّرة هي‬
‫أثر لهذه القدرة‪ .‬كذلك يتجلى علم الله في نبي يتحدث بنبوءة تتحقق في‬
‫مستقبل اليام‪ ،‬أو يتجلى علم الله في شريعة تنظم أحوال مجتمع إنساني‬
‫متخلف أو مستعبد‪ ،‬فتنهض به الشريعة من الحضيض وتجعل منه مجتمع‬
‫الصفوة والحرية‪.‬‬
‫ولكن جناب القمص يخلط بين الذات والصفات‪ ،‬ويتكلم عن تجلي الصفات‪،‬‬
‫وش تفكير المشاهد حتى يستدرجه من حيث ل‬ ‫ويقصد به تجلي الذات‪ ،‬ويش ّ‬
‫يشعر فيوقعه في الخطأ‪ .‬وهو في هذه الحالة واحد من اثنين‪ :‬إما أنه يفهم‬
‫الفرق بين الذات والصفات‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون متعمدا إضلل المشاهد‪.‬‬
‫وإما أنه ل يفهم الفرق بين الذات والصفات‪ ،‬ويخلط بينهما‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫يكون في حاجة إلى عملية إعادة فهم لما يؤمن به من عقائد‪ ،‬وإعادة تقييم‬
‫لهذه العقائد حتى يستبعد "الساذج" منها‪ ،‬فمن العيب على جناب القمص أن‬
‫يتصف بالسذاجة التي يستنكر على السائل أن يتصف بها ويسأل سؤاله‬
‫"الساذج"‪.‬‬
‫غير أن جناب القمص يستشهد على كلمه بما ذكره القرآن المجيد من تجلي‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله على الجبل لموسى‪ ،‬وتجليه في بقعة مباركة من الشجرة‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وقلنا غير مرة إن المقصود بتجلي الله في مكان ما أو على مكان ما‪ ،‬أو‬
‫تجليه سبحانه في شخص معين أو على شخص معين‪ ،‬هو ظهور آثار صفة من‬
‫صفاته أو بعض صفاته في مكان ما أو على مكان ما‪ ،‬أو في شخص معين أو‬
‫على شخص معين‪ .‬فعندما يهتز الجبل فهو يهتز بقدرة الله‪ ،‬أي أن اهتزار‬
‫الجبل هو من أثر قدرة الله تعالى‪ ،‬ولكن قدرة الله ليست هي ذات الله‪،‬‬
‫وإنما هي صفة من صفات الذات اللهية‪ .‬فالذات اللهية لم تحل في الجبل‬
‫ولم يتجسد الله فيه‪ ،‬وإنما ظهر أثر صفة من صفاته فيه‪ .‬وأما ما جاء في‬
‫حك فيه جناب القمص فهو كما يلي‪:‬‬ ‫سورة طه والنمل والقصص الذي يتم ّ‬
‫ت َناًرا‬ ‫س ُ‬ ‫مكُثوا إ ِّني َءان َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل لهْل ِهِ ا ْ‬
‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫سى ‪ $‬إ ِذ ْ َرَأى َناًرا فَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ث ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أ ََتا َ‬ ‫[وَهَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫ها ُنودِيَ َيا ُ‬ ‫مآ َءاَتا َ‬ ‫دى ‪ $‬فَل ّ‬ ‫جد ُ عَلى الّنارِ هُ ً‬ ‫س أوْ أ ِ‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل َعَّلي َءاِتيك ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫‪ $‬إ ِّني أ ََنا َرب ّ َ‬
‫ع‬
‫م ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫خت َْرت ُ َ‬ ‫وى ‪ $‬وَأَنا ا ْ‬ ‫س طُ ً‬ ‫ِ‬ ‫قد ّ‬ ‫م َ‬‫وادِ ال ْ ُ‬ ‫ك َبال ْ َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫خل َعْ ن َعْل َي ْ َ‬ ‫ك َفا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري] )طه‪-9:‬‬ ‫صلة َ ل ِذِك ْ ِ‬ ‫ه ِإل أَنا َفاعْب ُد ِْني وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫حى ‪ $‬إ ِّنني أَنا الل ُ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫لِ َ‬
‫‪(14‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫س ُ‬ ‫سى لهْل ِهِ إ ِّني َءان َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كيم ٍ عَِليم ٍ ‪ $‬إ ِذ ْ قال ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫من لد ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قى ال ُ‬ ‫[وَإ ِن ّك لت ُل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ها‬
‫جآَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ‪ $‬فل َ‬ ‫صطلو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫س لعَلك ْ‬ ‫ب قب َ ٍ‬ ‫شَها ٍ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫خب َرٍ أوْ َءاِتيك ْ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫سَئاِتيك ْ‬ ‫َناًرا َ‬
‫ن ‪َ $‬يا‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫بو‬ ‫أن‬ ‫نودي َ‬
‫َ ِ َ‬ ‫ِ َ ّ‬ ‫ّ ِ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َِ‬ ‫ُ ِ َ‬
‫م] )النمل‪(9-6:‬‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ز‬‫ُ َ ِ ُ‬‫زي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫نا‬
‫ِّ ُ َ‬‫أ‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫طورِ َناًرا َقا َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل لهْل ِِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫جا‬ ‫من‬ ‫س‬
‫ِ َ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ءا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ َ َ ِ‬ ‫سا‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫سى‬ ‫ُ َ‬ ‫مو‬ ‫ضى‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫[ ّ‬ ‫ل‬ ‫ف‬
‫َ‬
‫م‬‫ن الّنارِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جذ ْوَةٍ ّ‬ ‫خب َرٍ أوْ َ‬ ‫من َْها ب ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ت َناًرا ل ّعَّلي َءاِتيك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫مك ُُثوا إ ِّني َءان َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫مَباَرك َةِ ِ‬ ‫قعَةِ ال ُ‬ ‫ن في الب ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وادِ الي ْ َ‬ ‫ئ ال َ‬ ‫شاط ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ُنودِيَ ِ‬ ‫ما أَتا َ‬ ‫ن ‪ $‬فَل ّ‬ ‫صطلو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن] )القصص‪(30-29:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫سى إ ِّني أَنا الل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جَرةِ أن َيا ُ‬ ‫ش َ‬
‫ومن الواضح في هذه المقاطع الثلثة أن موسى ‪ u‬قد تلقى وحيا من الله‬
‫تعالى‪ ،‬وأنه عندما تلقى هذا الوحي كان في حالة كشف‪ ،‬أي أنه رأى رؤيا وهو‬
‫في حالة يقظة كاملة‪ .‬فقد كان يسير مع أهله فرأى نارا‪ ،‬وظن أنه سيجد‬
‫بعض الناس عند النار‪ ،‬فترك أهله وذهب ليأتي بخبر أو يحضر لهم شعلة من‬
‫النار كي يصطلوا بدفئها‪ .‬فلما اقترب من النار سمع صوتا يناديه من مكان‬
‫معين‪ ،‬وسمع الصوت يقول إنه الله الذي ل إله إل هو‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫وهنا يظهر الفرق واضحا بين الفهم الصحيح لهذه الواقعة‪ ،‬والفهم "الساذج"‬
‫ور أن الله‪ ،‬بذاته‪ ،‬قد ظهر لموسى‪،‬‬ ‫الذي يفهمه جناب القمص‪ .‬فجنابه يتص ّ‬
‫وأن الصوت الذي سمعه موسى كان صوت الله نفسه‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فإن‬
‫هذا الفهم يقوم على تصور الله كأنه مثل البشر أو كأنه في صورة البشر‪،‬‬
‫وذلك الفهم الخاطئ يقوم على قول الكتاب المقدس إن الله خلق النسان‬
‫ورون أن الله مثل‬‫على صورته‪ ،‬فيفهمون هذا القول بطريقة حرفية‪ ،‬ويتص ّ‬
‫النسان‪ ،‬له حجم معين وله جسم مثل النسان‪ .‬ول عجب أن قالوا إن لله‬
‫عقل كما أن للنسان عقل‪ ،‬وله روح يحيا بها كما أن للنسان روحا تمنحه‬
‫الحياة‪ .‬وهم قد ينفون عن أنفسهم فكرة اليمان بإله ضخم كبير الحجم‪ ،‬يمل‬
‫السماء والرض‪ ،‬ولكنه في النهاية له شكل النسان‪ ،‬تماما مثل آلهة الغريق‬
‫التي كانت بشرية الصورة وآلهية الجوهر‪ ،‬ولكن نفيهم هذا تكذبه عقائدهم‬
‫وتفضحه أفكارهم عن ظهور الله ظهورا ماديا‪ ،‬أو حلوله في مخلوقاته‪ ،‬أو‬
‫ور أن الله يمكن أن‬ ‫تجسده في جسم إنسان‪ .‬ولهذا فإن جناب القمص يتص ّ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يظهر بذاته في هذا العالم المادي‪ ،‬وهذا مستحيل كما أوضحنا فيما سبق‪ ،‬لن‬
‫الله تعالى يختلف عن كل شيء آخر‪ ،‬سواء كان ماديا أو غير مادي‪ .‬ولذلك فل‬
‫يمكن أن ي َُرى الله بالوسائل المادية التي خلقها الله لترى الشياء المادية‬
‫فقط‪ ،‬أو القليل منها فحسب‪ .‬فإذا حدث أن رأى أحد من البشر رؤيا‪ ،‬أو سمع‬
‫صوتا يقول إنه هو الله‪ ،‬كما حدث مع موسى ‪ ،u‬فل يمكن أن يكون هو الله‬
‫بذاته‪ ،‬وإنما يمكن أن يكون هو الله بقدرته‪ ،‬أي أن قدرة الله تعالى قد جعلت‬
‫العين المادية في النسان ترى صورة هي مؤهلة لن تراها‪ ،‬وجعلت أذن‬
‫النسان المادية تسمع صوتا هي مؤهلة لن تسمعه‪ .‬فكما هو معروف ل‬
‫دى محدودا جدا من‬ ‫تستطيع الذن البشرية أن تسمع من الصوات إل م ً‬
‫الموجات الصوتية‪ ،‬ول يمكن القول بأن لله تعالى صورة يمكن أن تراها العين‬
‫البشرية‪ ،‬أو أن له صوتا يمكن أن تسمعه الذن البشرية‪.‬‬
‫من أجل هذا ألقى القرآن المجيد ضوءا ساطعا على موضوع اتصال الله‬
‫بالنسان‪ ،‬وأوضح الوسائل التي يمكن أن يتم بها هذا التصال فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كان ل ِب َ َ‬
‫سول‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ب أوْ ي ُْر ِ‬‫جا ٍ‬‫ح َ‬‫من وََرآِء ِ‬ ‫حًيا أوْ ِ‬‫ه ِإل وَ ْ‬‫ه الل ُ‬‫م ُ‬ ‫شرٍ أن ي ُك َل ّ َ‬ ‫ما َ َ َ‬ ‫[وَ َ‬
‫م] )الشورى‪(51:‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫ي َ‬‫ه عَل ِ ّ‬‫شآُء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬ ‫فَُيو ِ‬
‫ح َ‬
‫أي أن الله تعالى يمكن أن يكلم النسان بإحدى هذه الطرق الثلث‪(1) :‬‬
‫وحيا‪ ،‬أي ُيلقي في روعه ما يريد الله تعالى أن يبلغه للنسان‪ (2) .‬من وراء‬
‫حجاب‪ ،‬أي يتم التصال بين الله والنسان من وراء حجاب‪ ،‬كأن يسمع‬
‫النسان صوتا من وراء حجاب‪ ،‬يبلغه رسالة الله تعالى‪ ،‬أو تكون هذه الرسالة‬
‫مغّلفة في حجاب من الرمزية‪ ،‬كأن يرى النسان رؤيا تحتاج إلى تأويل‬
‫وتفسير‪ ،‬كرؤيا يوسف مثل عندما رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا‬
‫يسجدون له‪ (3) .‬يرسل الله تعالى رسول من الملئكة‪ ،‬فيظهر للنسان في‬
‫هيئة بشرية ويبلغه رسالة الله تعالى‪ ،‬كما ظهر جبريل للسيدة مريم عندما‬
‫تمّثل لها بشرا سويا‪.‬‬
‫هذه هي الوسائل الثلث التي يكلم بها الله تعالى أحدا من البشر‪ ،‬سواء كان‬
‫نبيا أو غير نبي )مثل ملك مصر وصاحبي يوسف في السجن(‪ ،‬سواء كان‬
‫رجل أو امرأة )مثل أم موسى وأم عيسى عليهما السلم(‪ ،‬وسواء كان طفل‬
‫)مثل يوسف ‪ (u‬أو بالغا‪ .‬ومن الواضح أن تجربة الوحي التي مر بها موسى ‪u‬‬
‫كانت من الصنف الثاني‪ ،‬فتمت من وراء حجاب‪ ،‬وسمع موسى صوتا‪ ،‬ليس‬
‫هو صوت الله تعالى‪ ،‬وإنما هو صوت من قدرة الله تعالى‪ُ ،‬يبّلغ سبحانه به‬
‫موسى ما شاء أن يبلغه‪ .‬وعلى هذا فليس في المر تجسد في شجرة أو في‬
‫حوْل ََها] ل يعني أن الله‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫من في الّنارِ وَ َ‬ ‫ك َ‬‫نار أو غيرها‪ ،‬وقوله تعالى [ُبورِ َ‬
‫ل في النار‪ ،‬كما يومئ إلى ذلك جناب القمص‪ ،‬وإنما يعني أن الله‬ ‫ح ّ‬ ‫تعالى قد َ‬
‫تعالى قريب من كل مكان‪ ،‬سواء كان ذلك المكان هو النار أو ما حولها‪ ،‬فالله‬
‫أقرب إلى النسان من كل شيء‪ ،‬وهو أقرب إليه من حبل الوريد‪ ،‬كما جاء‬
‫في القرآن المجيد‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫أما ما يحاول جناب القمص أن يخدع به نفسه وأتباعه‪ ،‬أو يخدع به المشاهد‬
‫المسلم‪ ،‬مستغل في ذلك قول الرسول ‪" :r‬إن الله يْنزل في الثلث الخير من‬
‫الليل إلى السماء الدنيا"‪ ،‬فيومئ بذلك إلى أن الله رغم وجوده في كل مكان‬
‫إل أنه "يْنزل" إلى السماء الدنيا‪ ،‬ثم يستنتج من ذلك بفكره الساذج "بكثير‬
‫من التلطف"‪ ،‬أن وجود الله في كل مكان ل يمنع من تجسده في مكان‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معين‪ ،‬فهي محاولة فاشلة ل يمكن أن تحقق غرضها‪ ،‬وهي خدعة مكشوفة‬
‫مفضوحة‪ ،‬ل يمكن أن تنطلي على أحد من المسلمين‪ .‬فالمسلمون ل‬
‫يتصورون الله تعالى مثل البشر‪ ،‬ويعلمون أن مثل هذه اللفاظ التي تحمل‬
‫معنى الحركة أو النتقال من مكان إلى آخر‪ ،‬أو تتضمن معنى القرب أو البعد‪،‬‬
‫عندما ُتستعمل في حق الله تعالى‪ ،‬فهي ل تؤخذ بظاهرها‪ ،‬ول ُتفهم بحرفيتها‪،‬‬
‫كما يفعل ذلك جناب القمص وأتباعه‪ ،‬وإنما تعني حالة يشعر بها النسان تجاه‬
‫الله تعالى‪ .‬فالله تعالى أقرب إلى النسان من حبل الوريد‪ ،‬في النهار وفي‬
‫الليل‪ ،‬في أول الليل وفي آخره‪ ،‬ولكن النسان هو الذي يشعر بقرب الله‬
‫تعالى إليه عندما يستيقظ في الثلث الخير من الليل ليذكره ويدعوه‬
‫ويستغفره ويتوب إليه‪.‬‬
‫هذا هو ما يفهمه المسلمون يا جناب القمص من نزول الله وتجلي الله‬
‫وظهور الله‪ .‬ولذلك فل يمكن أن يعبدوا إلها يحل في شجرة أو يتجسد في‬
‫بشر‪ ،‬ول يفعل ذلك منهم إل من فقد عقله‪ ،‬واّتصف بالسذاجة غير الملطفة‪،‬‬
‫أي أصابه "الهبل" كما يقول القمص‪ ،‬فتأثر بكلمه وصدق خرافاته‪.‬‬
‫) ‪( 27‬‬
‫بفضل الله تعالى نلتقي مرة أخرى في هذه الحلقة من برنامج "أجوبة عن‬
‫اليمان" الذي نرد به على البرنامج الذي قدمه جناب القمص زكريا بطرس‬
‫باسم "أسئلة عن اليمان"‪ .‬والموضوع الذي كنا نعالجه في الحلقات الخمس‬
‫الماضية‪ ،‬ونستمر في معالجته في هذه الحلقة أيضا‪ ،‬هو موضوع ما يزعمه‬
‫القمص من تجسد الله تعالى في جسم المسيح‪ .‬وقد قمنا في الحلقة‬
‫الماضية بتحليل كلم القمص الذي قال‪" :‬الله موجود في كل مكان‪ ،‬بس هو‬
‫بيتراءى‪ ،‬في حتة معينة‪ ،‬بيظهر في حتة معينة‪ ،‬لكن هو موجود‪ ،‬في كل‬
‫مكان"‪ ،‬فقلنا إن الله تعالى يختلف عن جميع مخلوقاته‪ ،‬أي أن ذاته تختلف‬
‫في كنهها عن كنه جميع المخلوقات‪ .‬وهذا أمر ل يمكن أن يختلف عليه اثنان‬
‫من العقلء‪ ،‬إذ ل يليق بالله تعالى أن يشترك في كنه ذاته مع أي مخلوق من‬
‫مخلوقاته‪ .‬ولذلك فهو وحده الذي يتصف بالكمال المطلق‪ ،‬بينما ل يتصف أحد‬
‫من خلقه إل بالكمال النسبي‪ ،‬فكمال أي مخلوق ليس سوى انعكاس لكمال‬
‫الله تعالى‪ ،‬أي أن كمال المخلوق ليس مطلقا وإنما هو نسبي‪ .‬فمثل يمكن‬
‫أن نقول إن هذا السد مخلوق كامل‪ ،‬بمعنى أنه في أوج قوته ولذلك فهو‬
‫يستطيع أن يؤدي كل أغراض وجوده ويحقق جميع أهداف كينونته‪ ،‬غير أن‬
‫كماله نسبي لنه يشترك في بعض خواصه وصفاته مع غيره من الكائنات‪.‬‬
‫كذلك فإن السد الكامل هذا يعتبر ناقصا إذا قورن بغيره من الكائنات‪ ،‬لنه‬
‫قد يفتقد أشياء يمتلكها غيره أو يتصف بها سواه‪ ،‬فهو يفتقد مثل خفة الحركة‬
‫والقدرة على تسلق الشجار‪ ،‬كما أنه ل يستطيع الطيران‪ .‬أما الكمال اللهي‬
‫المطلق فيعني أن ل أحدا غيره يملك ما يملكه هو أو يتصف بما يتصف به هو‪.‬‬
‫ولذلك ل بد أن تكون ذاته مختلفة عن كل شيء سواه‪ ،‬لنه إن كان يشترك‬
‫في ذاته أو في صفاته مع أحد أو مع شيء من مخلوقاته‪ ،‬لما كان كماله‬
‫مطلقا بل لصار كماله نسبيا‪ .‬ومن هنا يتبين أنه ل يمكن أن يتراءى الله تعالى‬
‫دعي بذلك‬ ‫بذاته‪ ،‬ول يمكن أن يظهر بكينونته في هذا العالم المادي‪ ،‬كما ي ّ‬
‫صاُر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه الب ْ َ‬‫جناب القمص‪ .‬ولذلك فقد صدق القرآن المجيد حين يقول‪[ :‬ل ت ُد ْرِك ُ‬
‫ف ال ْ َ‬
‫خِبيُر] )النعام‪.(103:‬‬ ‫صاَر وَهُوَ الل ّ ِ‬
‫طي ُ‬ ‫وهُو ي ُد ْر ُ َ‬
‫ك الب ْ َ‬‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫وقد يعترض جناب القمص ويقول‪ :‬أليس الله على كل شيء قدير؟ فإذا أراد‬
‫أن ُيظهر نفسه في مكان معين‪ ،‬أو إذا شاء أن يحل في شخص معين‪ ،‬فهل‬
‫يعجز عن ذلك؟ والجابة هي أن الله على كل شيء قدير فعل‪ ،‬ولكنه سبحانه‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حكيم أيضا كما أنه قدير‪ ،‬ولذلك فإنه ل يفعل شيئا يتناقض مع حكمته أو ل‬
‫يليق بذاته‪ .‬إن الله تعالى ل يظلم أحدا‪ ،‬ليس لنه يعجز عن الظلم‪ ،‬ولكن لن‬
‫فعل الظلم يتناقض مع عدله ول يليق بحكمته‪ .‬ولنفترض مثل أن لدى القمص‬
‫القدرة على أن يتخذ شخصية أخرى‪ ،‬فهل يحب أن يتخذ شخصية لص أو‬
‫قاتل‪ ،‬أو يتخذ شخصية قرد أو حمار‪ ،‬أم أنه سوف يتخذ شخصية أفضل من‬
‫شخصيته أو على القل شخصية تماثلها؟ إن لم يكن في عقله خلل‪ ،‬فل شك‬
‫أنه لن يرضى لنفسه أن يكون في مقام أقل من مقامه‪ ،‬ول أن يهبط بدرجته‬
‫ليكون في مستوى أقل من مستواه‪ .‬وكل عاقل يود أن يكون في وضع‬
‫أفضل مما هو عليه‪ ،‬فكيف ينسب جناب القمص لله تعالى أنه يحط من‬
‫مقامه فيظهر في صورة من صور مخلوقاته‪ ،‬أو أنه يحل في جسم مخلوق‬
‫من مخلوقاته؟‬
‫عجيب حقا أمر هؤلء الناس! إنهم ل يخجلون من أن ينسبوا لله تعالى ما‬
‫يأنفون هم أنفسهم من أن يفعلوه أو أن يتصفوا به!!‬

‫)‪(27 /‬‬

‫ولكن هل معنى هذا أن الله ‪ Y‬يظل بمنأى عن عباده‪ ،‬أو في معزل عنهم فل‬
‫يكون بينه وبينهم رابطة أو اتصال؟ كل بالطبع‪ .‬فإنه يهتم بشؤون عباده‪،‬‬
‫ويحرص على توفير كل ما فيه خيرهم‪ ،‬ماديا وروحيا‪ .‬وهو يستطيع بقدرته‬
‫سبحانه أن يتصل بعباده‪ ،‬ويبلغهم بما شاء أن يبلغهم به‪ ،‬ولكن بغير أن يحط‬
‫من شأنه ودون أن يحل في أيّ من مخلوقاته‪ .‬وقد ذكرنا في الحلقة الماضية‬
‫أن الله تعالى يتصل بعباده بطرق ثلث‪:‬‬
‫أول‪ :‬بأن يلقي ما يشاء في َرْوع من يشاء؛‬
‫ثانيا‪ :‬أن يجعل المتلقي يسمع صوتا من وراء حجاب‪ ،‬أو يجعله يرى رؤيا تحتاج‬
‫إلى تفسير‪ ،‬فكأنها رسالة مغلفة بحجاب من الرمزية‪ ،‬كما رأى يوسف ‪ u‬في‬
‫رؤياه الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا يسجدون له؛‬
‫ثالثا‪ :‬أن يرسل رسول من الملئكة‪ ،‬فيبلغ ما يشاء الله تعالى أن يبلغه لمن‬
‫يشاء من عباده‪ ،‬وفي هذه الحالة يمكن أن يتمثل الملك في صورة بشر‪ ،‬كما‬
‫حدث حينما تمثل جبريل لمريم فكان بشرا سويا ليبلغها بأنها سوف تحمل‬
‫وتضع ابنا هو المسيح ابن مريم‪ .‬فالملئكة جنود الله تعالى‪ ،‬خلقهم لكي‬
‫ينفذوا مشيئته‪ ،‬ولذلك فهم ل يعصون الله ما أمرهم‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬
‫ولكل أمر من أمور الله تعالى ملئكة معينة تعمل على تحقيق إرادته‪ ،‬ومن‬
‫بينهم الملئكة الذين يكلفهم الله تعالى بتبليغ رسالته إلى من يشاء من‬
‫البشر‪.‬‬
‫وعلى هذا فليس هناك ما يدعو أن يتجسد الله تعالى بنفسه‪ ،‬ول أن ُيظهر‬
‫ذاته‪ ،‬ول أن يتراءى في هذا المكان أو في ذاك‪ ،‬ول أن يحل في شجرة ول‬
‫في جبل ول في جسم إنسان من أجل أن يتصل بأحد من عباده‪ .‬إن قدرته‬
‫سبحانه أكبر وأعظم وأوسع من أن يضطر إلى أن يحط من ذاته ليحل في‬
‫جسم أحد أو أن ُيظهر ذاته في هذا المكان أو في ذاك‪.‬‬
‫وهكذا يصير من الواضح الجلي أن هذه الفكار عن "أن الله يظهر في مكان‬
‫معين أو يتراءى في حتة معينة" كما يقول جناب القمص‪ ،‬هي من الفكار‬
‫البشرية التي لم تأت من عند الله تعالى‪ ،‬وإل لوجدنا شرحا لها في الكتب‬
‫المقدسة‪ ،‬ولذكرها النبياء وتكلموا عنها‪ ،‬ولتحدث عنها المسيح ‪ u‬وبّينها‬
‫ضحها تمام التوضيح‪ .‬ولكننا نرى أن العهد القديم والناجيل الربعة خالية‬‫وو ّ‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تماما من أي شرح لهذه العقيدة الخاطئة‪ .‬وكل ما جاء عن ظهور الله تعالى‬
‫لحد من البشر إنما هو في الحقيقة ظهور لملك من الملئكة لحد من البشر‬
‫من أجل أن يباركه أو ليبلغه رسالة من الله تعالى‪ .‬وما جاء في إنجيل يوحنا‬
‫دعون أنه الله‪ ،‬قد ظهر في الجسد وحل بين الناس‪،‬‬ ‫من أن كلمة الله‪ ،‬الذي ي ّ‬
‫فهذا ل قيمة له لنه ليس من قول المسيح وإنما هو من قول يوحنا‪ ،‬وإنجيل‬
‫كتب بعد مدة ل تقل عن‬ ‫يوحنا هو أكثر الناجيل بعدا عن زمن المسيح ‪ ،u‬فقد ُ‬
‫تسعين إلى مائة وعشرين عاما بعد المسيح‪ ،‬وكاتبه كان رومانيا ولم يكن من‬
‫تلمذة المسيح ولم يقابله بتاتا ولم يسمع منه شيئا‪ .‬فكلمه هذا يحتاج إلى‬
‫تصديق من كلم المسيح‪ ،‬إذ من غير المعقول أن يغفل جميع النبياء من عهد‬
‫آدم إلى عهد المسيح عن هذه العقيدة الشاذة‪ ،‬ثم يأتي الستاذ يوحنا لكي‬
‫يذكرها هكذا بغير أن يقدم أي دليل عليها‪ ،‬ثم تأتي الكنيسة بعد ذلك وتقرر أن‬
‫كلم الستاذ يوحنا هذا هو وحي من الله تعالى‪.‬‬
‫إن هذه هي مصيبة المسيحية الباطلة التي يروجها البشر ولم يأت بها السيد‬
‫المسيح ‪ ،u‬فهي تقوم على آراء قال بها البشر ثم ُنسبت بعد ذلك إلى الله‬
‫تعالى‪ .‬ولذلك فإن هذه القوال قد خلقت الكثير من المشاكل والعتراضات‬
‫التي ل حل لها‪.‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫)‪ (1‬فمثل‪ ،‬يقول القمص إن الله موجود في كل مكان‪ .‬ونحن نن َّزه الله تعالى‬
‫عن الوجود المكاني المادي في أي مكان مادي‪ ،‬فكما قلنا من قبل إن الله‬
‫تعالى يحتوي المكان والزمان‪ ،‬ولكنه ليس مادة ليكون له مكان ماّدي‪ .‬ولننا‬
‫ل نعرف كنه الله تعالى فل نستطيع أن نستخدم من اللفاظ ما يعبر حقيقة‬
‫عن كيفية وجوده‪ ،‬ولذلك فتعبيراتنا عن وجوده ‪ I‬تعبيرات مجازية وليست‬
‫حرفية‪ .‬وحين نقول إنه أقرب إلينا من حبل الوريد‪ ،‬فإن هذا القرب ليس‬
‫قرب مسافة وليس قربا مكانيا ول قربا ماّديا‪ .‬ول يعني هذا أنه موجود بذاته‬
‫وجودا ماّديا داخل أجسامنا أو في عروقنا وأوردتنا الدموية‪ .‬وحين نقول إنه‬
‫موجود في كل مكان فهذا ل يعني أنه موجود بذاته وجودا ماّديا في كل مكان‬
‫ماّدي في هذا العالم المادي‪ .‬فكما قلت إننا ل نستطيع أن نعرف كنه الله‬
‫تعالى‪ ،‬ولسنا مؤهلين لهذه المعرفة‪ ،‬ولذلك فل حاجة أن تكون هناك كلمات‬
‫تعبر تعبيرا حقيقيا عن ذات الله وكيفية وجوده‪ .‬إن كل ما يهمنا أن نعرفه هو‬
‫أن الله موجود‪ ،‬ولكن كيفية هذا الوجود ليس من شأننا أن نعرفها‪ ،‬وليس لنا‬
‫القدرة على معرفتها‪ ،‬نظرا لننا نخضع لقيود المكان والزمان‪ ،‬بينما الله‬
‫تعالى ل يحتويه مكان ول يمر عليه زمان‪ ،‬بل هو الذي يحتوي الزمان‬
‫والمكان‪ .‬غير أن عدم المعرفة بكيفية وجود الله تعالى ل يعطينا الحق في أن‬
‫ننسب إليه ما نشاء من خرافات وأكاذيب‪ .‬وجناب القمص يقول إن الله‬
‫موجود في كل مكان‪ ،‬وهو يعتبر هذا الوجود وجودا ماديا‪ .‬فإذا افترضنا صحة‬
‫كلم القمص‪ ،‬فما هو الفرق بين وجود اللهوت في المسيح ووجوده في أي‬
‫مكان آخر؟ ما الفرق بين وجود اللهوت في المسيح ووجوده في يهوذا‬
‫الخائن مثل؟ وهل وجود اللهوت في المسيح ينفي وجوده في يهوذا الخائن؟‬
‫إن كانت الجابة بنعم‪ ،‬فمعنى هذا أن المكان الذي كان يشغله يهوذا الخائن‬
‫يخلو من وجود اللهوت‪ ،‬وبالتالي تكون مقولة القمص بأن اللهوت موجود‬
‫في كل مكان مقولة خاطئة‪ ،‬أي أن اللهوت يمكن أن يكون موجودا في‬
‫مكان ما وغير موجود في مكان آخر‪ ،‬مما يتنافى مع كلم القمص عن وجود‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله في كل مكان‪ .‬وإن كانت الجابة بل‪ ،‬أي ل فرق بين وجود اللهوت في‬
‫المسيح ووجوده في يهوذا الخائن‪ ،‬فما الذي يجعل المسيح أكثر لهوتا من‬
‫يهوذا؟‬
‫)‪ (2‬إن جناب القمص يؤمن بأن اللهوت موجود وجودا ماديا في كل مكان‪،‬‬
‫حتى في الماكن القذرة وفي الوساخ والنجاسات‪ ،‬كما أقر بذلك في حلقة‬
‫من حلقاته تبريرا لوجود هذه الشياء في جسد يسوع النسان‪ .‬وما دام‬
‫ج الذي يقول به القمص‪،‬‬ ‫اللهوت موجودا في كل مكان بهذا الشكل الف ّ‬
‫فكيف يحل في مكان ما ول يحل في مكان آخر؟ ولو افترضنا‪ ،‬مجرد‬
‫افتراض‪ ،‬أننا قبلنا أن اللهوت يمكن أن يظهر أو يتراءى في مكان ول يتراءى‬
‫في مكان آخر رغم وجوده في كل مكان‪ ،‬فما معنى أن يحل اللهوت في‬
‫مكان ول يحل في مكان آخر‪ ،‬ما دام موجودا في كل مكان‪ .‬هل يعني هذا‬
‫الحلول أن اللهوت موجود بتركيز أكثر في مكان معين وبتركيز أقل في‬
‫مكان آخر؟ أليس هذا من قبيل الخرافة وأقوال الساطير؟‬
‫)‪ (3‬ما هو الحال مع هؤلء الذين يؤمنون بأن اللهوت قد حل في تمثال‬
‫للمسيح‪ ،‬كالتمثال الموجود في إحدى الكنائس وقيل إنه كان يبكي دموعا من‬
‫الدم‪ ،‬وعلى هذا فإنهم كانوا يقدسون التمثال ويعبدونه‪ ،‬ويقولون إنهم ل‬
‫يعبدون الحجر الذي في التمثال ولكنهم يعبدون اللهوت الذي حل فيه حسب‬
‫زعمهم؟ فهل يكون هؤلء على حق في عملهم هذا؟ وأل يتعارض هذا مع‬
‫الوصية الولى من الوصايا العشر والتي تقول‪" :‬ل يكن لك آلهة أخرى أمامي‪.‬‬
‫ل تصنع لك تمثال منحوتا ول صورة ما مما في السماء من فوق وما في‬
‫الرض من تحت وما في الماء من تحت الرض‪ .‬ل تسجد لهن ول تعبدهن‬
‫لني أنا الرب إلهك" )الخروج ‪ .(5-4 :20‬فكيف ينهى الله تعالى عن السجود‬
‫للتماثيل ويحّرم عبادتها ثم يحل هو في تمثال ويجعله يبكي بدموع من دم؟‬
‫وماذا عن هؤلء الذين يعبدون تمثال أو صنما بدعوى أن الله موجود فيه‪ ،‬لنه‬
‫موجود في كل مكان؟ أو بحجة أن هذا التمثال أو هذا الصنم بالذات يرمز لله‬
‫تعالى أو ُيعبر عنه‪ ،‬كما أن الكلمة تعبر عن العقل‪ ،‬والعقل هو الله؟‬
‫)‪ (4‬يقول القمص إن اللهوت قد حل في جسم المسيح‪ .‬وما دام القمص‬
‫يؤمن بأن الله موجود وجودا ماديا في كل مكان‪ ،‬حتى إنه )سبحانه وتعالى(‬
‫موجود في القاذورات والوساخ‪ .‬وإذا افترضنا صحة هذا المفهوم‪ ،‬ألم يكن‬
‫اللهوت موجودا في المسيح من قبل أن يحل فيه؟ فكيف يحل في جسم هو‬
‫موجود فيه من قبل؟‬

‫)‪(29 /‬‬

‫)‪ (5‬قد يقال إن معنى حلول اللهوت في مكان ما يعني ظهوره في ذلك‬
‫المكان للعين البشرية‪ ،‬كما يزعم القمص بأن اللهوت ظهر لموسى في‬
‫الجبل وفي الشجرة وفي النار‪ ،‬وبالتالي فإن حلول اللهوت في جسم‬
‫المسيح يعني ظهوره للعين البشرية بحيث يراه الناس‪ ،‬وعلى هذا فليس‬
‫هناك زيادة في تركيز وجود اللهوت في مكان ما عنه في مكان آخر‪ .‬غير أن‬
‫هناك الكثير من العتراضات والتساؤلت حول هذا التبرير‪ .‬فحيثما قيل إن‬
‫الله قد ظهر لحد من البشر‪ ،‬لم يحدث أبدا أن أحدا من هؤلء البشر قد شك‬
‫أو ارتاب في أن من ظهر له هو الله تعالى أو أنه ملك من لدن الله تعالى‪.‬‬
‫ولو كان الله قد "ظهر" فعل في المسيح‪ ،‬لقتضى المر أن كل من يراه يعلم‬
‫يقينا أنه هو الله تعالى بعد أن يسمع كلمه‪ ،‬كما حدث مع موسى وبقية‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النبياء وغير النبياء من أمثال أم موسى وأم يسوع‪ .‬ولكن هذا لم يحدث على‬
‫الطلق‪ ،‬مما يدل على أن حلوله في جسم المسيح‪ ،‬بفرض حدوثه‪ ،‬كان‬
‫مخفيا عن عيون الناس‪ ،‬وبالتالي فهو لم "يظهر" للبشر ولم "يتراءى" للناس‬
‫كما يقول جناب القمص‪ .‬وعلى هذا يظل السؤال عن معنى الحلول قائما‪،‬‬
‫وما إذا كان يعني زيادة تركيز وجود اللهوت في مكان ما عنه في مكان آخر‬
‫أم ل‪.‬‬
‫)‪ (6‬يبدو من إيمان المسيحيين بالسيد المسيح أن اللهوت بعد أن حل في‬
‫جسمه لم يتركه كما ترك الجبل والشجرة والنار‪ ،‬وإنما ظل حبيسا فيه‪ .‬فما‬
‫هو مصير المسيح النسان؟ هل أصبح جزءا من اللهوت‪ ،‬وهل اللهوت قبل‬
‫عملية التجسد كان يتكون من الب والبن والروح القدس‪ ،‬وبعد التجسد‬
‫أصبح يتكون من هذا الثالوث بالضافة إلى النسان يسوع المسيح؟‬
‫)‪ (7‬من المعروف أن الله تعالى ل يجبر أحدا على عمل شيء رغم إرادته‪.‬‬
‫وحين يختار الله بشرا ليكون رسوله إلى قومه‪ ،‬فإن هذا الختيار ل ُيفرض‬
‫عليه وإنما يتم بموافقته‪ .‬وحين اختار الله تعالى موسى ليكون رسول لبني‬
‫إسرائيل‪ ،‬فعّبر موسى عن مخاوفه من أن يقتله فرعون فل يستطيع أن يفي‬
‫بحق مسؤولية تبليغ رسالة الله تعالى‪ ،‬أزال الله خوفه‪ ،‬وتعهد له بتأييده‬
‫وحفظه‪ ،‬فلما أعرب عن عدم قدرته على حسن الكلم وأن أخاه هارون أبلغ‬
‫منه لسانا‪ ،‬أرسل معه هارون ليعينه في مهمته‪ ،‬وبالتالي فقد ذلل الله‬
‫لموسى كل العقبات وأزال جميع مخاوفه‪ ،‬حتى رضي موسى أن يتحمل‬
‫المسؤولية المطلوبة منه‪ .‬فهل حصل الله على موافقة المسيح قبل أن يحل‬
‫في جسمه؟ وما هو الدليل على أن الله طلب من يسوع النسان هذه‬
‫الموافقة؟ وما هو الدليل على أن يسوع النسان قد أبدى موافقته على ذلك‬
‫الحلول؟‬
‫)‪ (8‬حين يختار الله بشرا رسول فإنه يختاره بعد أن يبلغ من العمر مبلغ‬
‫الرجولة الناضجة‪ ،‬حتى يدرك ويفهم أهمية المسؤولية الملقاة على عاتقه‪،‬‬
‫فيقوم بتأديتها خير قيام‪ .‬فهل انتظر اللهوت فلم يحل في جسم يسوع إلى‬
‫أن بلغ عمر الرجولة الناضجة حتى يعطي موافقته على هذا الحلول؟ أم أنه‬
‫حل فيه عندما كان طفل صغيرا؟ أم أنه حل فيه عندما كان جنينا في بطن‬
‫أمه كما أشار إلى ذلك لوقا في إنجيله؟ وإذا كان لوقا صادقا في قوله‪ ،‬أفل‬
‫يعني هذا أن يسوع النسان لم يؤخذ رأيه في هذا الحلول بل إنه ُفرض عليه‬
‫فرضا؟ فهل يليق بالله تعالى أن يفرض أمرا على إنسان خلفا لما قرره هو‬
‫بنفسه من إعطاء النسان حرية الرادة؟ أم أن جناب القمص يرى أن الجنين‬
‫ون عقله؟‬ ‫يملك أن يعطي موافقته على أمر هام كهذا حتى من قبل أن يتك ّ‬
‫)‪ (9‬يقول جناب القمص للسيدة ناهد إن يسوع المسيح هو "إنسان زيي‬
‫وزيك وحل فيه اللهوت"‪ ،‬أي أنه بشر مثل بقية البشر‪ ،‬ولكن الله حل فيه‪.‬‬
‫وكان جناب القمص قد عّرف النسان كما عّرف الله تعالى‪ ،‬فقال إن‬
‫للنسان وجود‪ ،‬أي أنه كائن له وجود جسماني‪ ،‬وله عقل يفكر به‪ ،‬وله روح‬
‫يحيا بها‪ .‬وما دام يسوع المسيح كان بشرا مثل بقية البشر‪ ،‬فل بد أن تكون‬
‫له إرادة خاصة به‪ .‬فلما حل فيه اللهوت كما يزعم بذلك جناب القمص‪ ،‬هل‬
‫ظل على حاله الذي كان عليه قبل الحلول‪ ،‬فاحتفظ المسيح بإرادته البشرية‪،‬‬
‫أم أن الرادة البشرية قد ذابت وانمحت في الرادة اللهوتية؟ وهل يوجد في‬
‫أقوال المسيح ما يؤيد أحد هذين الحتمالين؟ هل قال المسيح شيئا‪ ،‬بعد أن‬
‫حل فيه اللهوت‪ ،‬يدل على أن إرادة جسمه البشري ظلت موجودة وفعالة؟‬
‫وهل قال شيئا يدل على أن الرادة البشرية قد ذابت وانمحت وحل محلها‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرادة اللهوتية؟‬
‫)‪ (10‬إن لم يكن السيد المسيح قد قال شيئا عن موضوع الرادة البشرية‬
‫هذا‪ ،‬كما هو واضح من مطالعة الناجيل الربعة‪ ،‬فهل نعتبر هذا غفلة منه أو‬
‫مد ترك الكلم عن هذا المر الهام لغيره من‬ ‫تقصيرا أو نسيانا؟ أم أنه تع ّ‬
‫البشر؟ أم أنه لم يكن يتوقع أن يسأل أحد من المؤمنين السذج عن هذا المر‬
‫الهام؟ أم أن تفكير البشرية لم يكن قد نضج بما يكفي لن يفكر أحد في هذا‬
‫المر ويتساءل عنه؟‬

‫)‪(30 /‬‬

‫)‪ (11‬إذا افترضنا أن الرادة البشرية ظلت موجودة وفعالة في جسم يسوع‬
‫النسان‪ ،‬ولم تذب ولم تختف في الرادة اللهوتية‪ ،‬فهل معنى هذا أن جميع‬
‫أقوال يسوع كانت من أقوال البشر‪ ،‬وجميع أفعاله كانت أيضا من أفعال‬
‫البشر؟ وإذا كان هذا هو الحال‪ ،‬فما قيمة حلول اللهوت فيه إذن؟‬
‫)‪ (12‬وإذا افترضنا أن الرادة البشرية قد ذابت واختفت في الرادة اللهوتية‬
‫بعد أن حل اللهوت في جسم يسوع‪ ،‬فهل معنى هذا أن جميع أقواله كانت‬
‫هي أقوال الله تعالى‪ ،‬وجميع أفعاله كانت أيضا من أفعال الله ‪U‬؟‬
‫)‪ (13‬إذا كانت إرادة يسوع البشرية قد ذابت واختفت عند حلول اللهوت في‬
‫جسمه‪ ،‬والرادة كما قال القمص ُتعّبر عن العقل‪ ،‬وعلى هذا يكون عقل‬
‫يسوع النسان قد ذاب واختفى في عقل اللهوت‪ ،‬فيترتب على هذا أن جسد‬
‫وماته التي تجعله جسدا بشريا‪ ،‬وبالتالي لم يعد‬ ‫يسوع قد فقد واحدا من مق ّ‬
‫يسوع إنسانا "زيي وزّيك" كما يقول القمص‪ ،‬حيث سبق القول بأن النسان‬
‫يتكون من وجود جسماني وعقل وروح‪ .‬وما دام العقل قد ذاب واختفى ولم‬
‫يعد له وجود ول تأثير ول فعالية‪ ،‬فلم يعد يسوع إنسانا بالمعنى المصطلح‬
‫عليه‪ ،‬بل صار مثل الجماد الذي ل عقل له‪ ،‬رغم أنه جماد حي لن له روح‬
‫يحيا بها‪ ،‬ولكن لم يعد له عقل يفكر به‪ ،‬أي أنه صار مثل الميكروبات‬
‫والفيروسات والبكتريا‪ .‬فهل هذا هو الحال الذي آل إليه يسوع الذي يعبده‬
‫المسيحيون‪ ،‬مجرد كائن ل عقل له وحل فيه اللهوت؟‬
‫)‪ (14‬وإذا كان يسوع قد فقد عقله عندما حل فيه اللهوت‪ ،‬وبالتالي فقد أحد‬
‫مقوماته النسانية ولم يعد "إنسان زيي وزيك"‪ ،‬فما هي قيمة حلول اللهوت‬
‫فيه‪ ،‬حيث إنه لم يعد يصلح لن يكون "فاديا" عن النسان‪ .‬فقد أخبرنا جناب‬
‫القمص أن شروط الفداء ثلثة‪ ،‬وأولها أن يكون الفادي إنسانا "زيي وزيك"‪،‬‬
‫وأن يكون طاهرا بغير خطية‪ ،‬وأن يكون غير محدود‪ .‬فإذا افترضنا أن الغير‬
‫محدودية قد ضمنتها عملية تجسد اللهوت في يسوع النسان‪ ،‬إل أن نفس‬
‫هذه العملية قد سلبت يسوع النسان إحدى مقوماته‪ ،‬فلم يعد إنسانا بعد‬
‫حلول اللهوت‪ ،‬وهذا معناه أن الذي ُوضع على الصليب من أجل الفداء لم‬
‫يكن إنسانا طاهرا غير محدود‪ ،‬بل كان مخلوقا له وجود جسماني مثل‬
‫الجراثيم‪ ،‬وله حياة مثل البكتريا‪ ،‬وغير محدود لن اللهوت قد حل فيه‪ .‬فما‬
‫وماته؟‬‫قيمة الفداء والكفارة إذن إذا فقد الفادي أحد مق ّ‬
‫)‪ (15‬أما إذا قلنا إن الرادة البشرية ظلت موجودة وفعالة في جسد يسوع‪،‬‬
‫بالضافة إلى الرادة اللهوتية التي حلت فيه‪ ،‬وبالتالي ظل يسوع النسان‬
‫وماته النسانية‪ ،‬فكيف نعرف أن تصرفا معينا أو قول معينا‬ ‫محتفظا بجميع مق ّ‬
‫من أقوال يسوع هو من قول البشر أو من قول اللهوت الذي حل فيه كما‬
‫يزعم بذلك جناب القمص؟‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الواضح أن المشاكل الذي يسببها موضوع "التجسد" هي أكبر وأكثر من‬
‫أن نتمكن من معالجتها كلها في حلقة واحدة‪ ،‬مما يدل على أن عقيدة‬
‫التجسد هذه ليست من تعليم الله تعالى وإنما هي من اختراع العقول‬
‫البشرية التي يشوبها النقص ويعتريها الضلل‪ .‬ولما كان وقت البرنامج قد‬
‫انتهى‪ ،‬فسوف نستكمل عرض مشاكل التجسد في الحلقة القادمة إن شاء‬
‫الله‪.‬‬
‫) ‪( 28‬‬
‫‪ .‬كنا في الحلقة الماضية قد تعرضنا للكثير من المشاكل التي يثيرها‬
‫دعيه القمص من تجسد اللهوت في جسم يسوع النسان‪.‬‬ ‫الموضوع الذي ي ّ‬
‫وقد ألقينا الكثير من السئلة‪ ،‬وقدمنا العديد من التساؤلت‪ ،‬التي كان من‬
‫الْولى أن يعرض لها جناب القمص ويجيب عليها‪ .‬فهذه هي السئلة الحقيقية‬
‫دة من قبل باتفاق‬ ‫عن اليمان يا جناب القمص‪ ،‬وليست هي السئلة المع ّ‬
‫بينك وبين السيدة ناهد متولي بالتنسيق مع فريق العمل الذي يعمل معكما‪.‬‬
‫وكان من الواجب عليك أن تتولى الجابة على هذه السئلة‪ ،‬إن كان لديك‬
‫إجابة‪ .‬وإذا كنت تتحجج بأن هذه السئلة لم تخطر على بالك ول على بال أحد‬
‫ت لكم الفرصة كي تردوا عليها وتزّودونا‬‫من العاملين معكم‪ ،‬فها قد أتح ُ‬
‫بالجابة كي نستفيد من علمكم الغزير‪ .‬هذا إن كان لديكم إجابة بالطبع‪.‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫وقد ذكرنا في الحلقة الماضية خمس عشرة مشكلة من المشاكل التي‬


‫يثيرها موضوع تجسد اللهوت في الناسوت‪ ،‬وانتهى الزمن المخصص للحلقة‬
‫ولم تنته المشاكل‪ ،‬مما اقتضى أن نستكمل في هذه الحلقة ما توقفنا عنه‬
‫في الحلقة الماضية‪ .‬وكنا قد تساءلنا في الحلقة الماضية عما إذا كان يسوع‬
‫النسان قد فقد إرادته البشرية عندما حلت فيه الرادة اللهوتية‪ ،‬وبالتالي‬
‫يكون قد فقد عقله الذي هو مصدر الرادة‪ ،‬عندما حل فيه عقل اللهوت كما‬
‫يقول القمص‪ ،‬أم أنه لم يفقد عقله وظل محتفظا بإرادته البشرية؟ فلو أن‬
‫قد َ عقله واختفت إرادته في الرادة اللهوتية‪ ،‬لكان قد فقد‬ ‫يسوع النسان ف َ‬
‫ي‪ ،‬أي أنه أصبح‬ ‫مقوماته كإنسان‪ ،‬ولصبح مجرد مخلوق مثل الجماد ولكنه ح ّ‬
‫أشبه بالميكروبات أو بالمخلوقات الحية التي ل عقل لها ول إرادة‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فهو ل يصلح لن يكون الفادي الذي يفدي البشرية لنه لم يعد من الجنس‬
‫النساني بعد أن فقد العقل الذي هو أحد مقومات النسان‪ .‬وإن لم يكن قد‬
‫فقد إرادته البشرية وبالتالي ظل محتفظا بعقله البشري‪ ،‬فكيف نعرف ما إذا‬
‫كان تصّرف معين قد صدر عن يسوع النسان أم عن اللهوت المتلبس في‬
‫وه بها يسوع‬ ‫جسم يسوع النسان‪ ،‬وكيف نفّرق بين القوال والكلمات التي تف ّ‬
‫وه بها يسوع اللهوت‪.‬‬ ‫النسان‪ ،‬وتلك التي تف ّ‬
‫وفيما يلي نستكمل ذكر مشاكل التجسد التي بدأناها في الحلقة الماضية‪:‬‬
‫سل إل إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" )مّتى‬ ‫ُ‬
‫)‪ (16‬من الذي قال‪" :‬لم أر َ‬
‫‪(24:15‬؟ هل كان يسوع النسان أم كان اللهوت الذي حل فيه؟ إن اللهوت‬
‫سل"‪ ،‬فإن أحدا ل يستطيع أن يرسل الله إلى أي‬ ‫ُ‬
‫ل يمكن أن يكون قد "أر ِ‬
‫مكان‪ ،‬وإنما الله تعالى هو الذي يرسل النبياء والرسل‪ .‬وعلى هذا يتحتم أن‬
‫يكون الذي قال هذه الجملة هو يسوع النسان‪ .‬والسؤال الذي ينشأ هنا هو‪:‬‬
‫سل‬ ‫من أين أتي يسوع النسان بهذه المعلومة؟ ومن الذي أخبره بأنه لم ُير َ‬
‫إل إلى خراف بيت إسرائيل الضالة؟ من غير المعقول أن يكون اللهوت هو‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي أخبره بهذه المعلومة‪ ،‬فإن الغرض من مجيئة والهدف من تجسد‬


‫اللهوت فيه‪ ،‬كما يقول القمص‪ ،‬أن يكون فاديا عن العالم أجمع‪ ،‬وأن يحمل‬
‫آثام وذنوب البشر جميعا‪ ،‬فل يمكن أن يكون مرسل لبني إسرائيل فقط‪.‬‬
‫وعلى ذلك فل بد أن هذه الجملة لم تكن من الله تعالى‪ ،‬وإنما كانت مجرد‬
‫اجتهاد من يسوع النسان‪ ،‬ول مانع من أن يخطئ النسان أحيانا في اجتهاده‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬لماذا لم يصححه اللهوت الذي تجسد فيه‪ ،‬إن كان بالفعل قد تجسد‬
‫فيه؟ لماذا لم يقل له إنه جاء من أجل العالم كله؟ لماذا سكت اللهوت عن‬
‫قول الحق‪ ،‬مع أن القول المأثور ينص على أن الساكت عن الحق شيطان‬
‫أخرس؟‬
‫)‪ (17‬أخبرنا جناب القمص أثناء إجابته على أحد أسئلة السيدة ناهد عمن هو‬
‫يسوع المسيح؟ فقال إنه إنسان وابن إنسان‪ ،‬كما أنه الله وابن الله‪ .‬فمن‬
‫منهما يا ترى الذي قال‪" :‬أبي أعظم مني" )يوحنا ‪(28:14‬؟ إن يسوع النسان‬
‫لم يكن له أب بشري‪ ،‬ولذلك كان دائما يتحدث عن الب السماوي الذي هو‬
‫الله‪ .‬أما يسوع اللهوت الذي حل في جسم يسوع النسان‪ ،‬فقد فهمنا من‬
‫كلم القمص أنه هو الب وهو البن وهو الروح القدس‪ ،‬أي أنه اللهوت‬
‫الثالوث‪ .‬وجناب القمص يؤمن بأن هؤلء الثلثة هم إله واحد‪ ،‬وبالتالي فل‬
‫يمكن أن يكون أحد الثلثة أعظم من الثنين الخرْين‪ ،‬وعلى ذلك ل يمكن أن‬
‫يكون البن اللهوتي هو الذي قال جملة "أبي أعظم مني"‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫قائل هذه الجملة ل بد أن يكون هو يسوع النسان‪ ،‬وليس يسوع ابن‬
‫اللهوت‪.‬‬
‫ولعل القارئ العادي قد ل يلحظ هذه المور‪ ،‬ول يخطر بباله أن يتساءل عمن‬
‫قال هذه الجملة ومن قال تلك‪ .‬غير أن جناب القمص يتهم المسلمين دائما‬
‫بأنهم ل يقرأون‪ ،‬وإذا قرأوا فإنهم ل يفهمون‪ .‬ولذلك ينبغي لنا نحن المسلمين‬
‫أن نقرأ كل شيء بإمعان وتفكر‪ ،‬ونسأل جناب القمص وحضرات الخوة‬
‫المسيحيين الذين يقرأون ويفهمون‪ ،‬لننا أمام شخصيتين إحداهما بشرية‬
‫والخرى لهوتية‪ ،‬وكلهما موجودان في جسد واحد‪ ،‬فل بد أن نفهم من منهما‬
‫الذي يتكلم‪ .‬ومن التحليل السابق يتبين أن الذي قال جملة "أبي أعظم مني"‬
‫هو يسوع النسان وليس يسوع البن‪ .‬ولكن بقراءة السياق الذي جاءت فيه‬
‫هذه الجملة‪ ،‬يتضح أن المتكلم هو يسوع البن وليس يسوع النسان‪ ،‬فهو‬
‫يقول مثل‪:‬‬
‫"ل أترككم يتامى‪ ،‬إني آتي إليكم‪ ،‬بعد قليل ل يراني العالم وأما أنتم فترونني‬
‫ي وأنا‬‫أني حي فأنتم ستحيون‪ .‬في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم ف ّ‬
‫فيكم‪ .‬الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني‪ ،‬والذي يحبني يحبه أبي‬
‫وأنا أحبه وأظهر له ذاتي" )يوحنا ‪.(21-18: 14‬‬
‫ومن الواضح أن كل هذا الكلم قد صدر من يسوع البن وليس من يسوع‬
‫النسان‪ .‬وهو يستطرد فيقول‪:‬‬

‫)‪(32 /‬‬

‫"إن أحبني أحد يحفظ كلمي ويحبه أبي وإليه نأتي )أي أنا وأبي( وعنده نصنع‬
‫مْنزل‪ ،‬الذي ل يحبني ل يحفظ كلمي‪ ،‬والكلم الذي تسمعونه ليس لي‪ ،‬بل‬
‫للب الذي أرسلني ‪ ....‬سمعتم أني قلت لكم أنا أذهب ثم آتي إليكم‪ ،‬لو كنتم‬
‫تحبونني لكنتم تفرحون لني قلت أمضى إلى الب‪ ،‬لن أبي أعظم مني‪،‬‬
‫وقلت لكم الن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون" )يوحنا ‪.(29-23 :14‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الواضح الجلي من هذا السياق أن المتكلم هو يسوع البن وليس يسوع‬
‫النسان‪ ،‬وهذا يتركنا في مشكلة عويصة‪ .‬إما أن نصدق كلم يسوع البن‪،‬‬
‫وبالتالي ينبغي أن نؤمن بأن الب أعظم من البن‪ ،‬مما يثبت خطأ كلم‬
‫القمص عن أن الب والبن هما في الواقع شخص واحد‪ ،‬وأن الفرق بينهما‬
‫طئ كلم البن ونقول‬ ‫هو فرق مسميات فقط‪ ،‬وإما نصدق كلم القمص ونخ ّ‬
‫إنه لم يفهم العلقة بينه وبين أبيه كما فهمها جناب القمص‪ ،‬أو نقول لعل‬
‫الستاذ يوحنا الذي كتب النجيل قد أخطأ في تدوين كلم يسوع البن‪.‬‬
‫والنتيجة؟ تشويش في الفكر‪ ،‬وارتباك في العقيدة‪ ،‬وأخطاء في اليمان‪،‬‬
‫و"لخبطة" في كل شيء‪ .‬فهل يتفضل جناب القمص بإلقاء بعض الضوء على‬
‫هذه المشكلة التي يبدو أن ل حل لها؟‬
‫)‪ (18‬إن تجسد الله )المزعوم( في جسم المسيح قد أثار الكثير والكثير من‬
‫المشاكل التي ل حصر لها‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬إن من خلق هذه المشاكل هو جناب‬
‫القمص وعقائده التي يصر على أنها من عند الله تعالى وليست من بنات‬
‫أفكار البشر‪ .‬إن العقائد التي تأتي من عند الله ل بد أن تكون عقائد سليمة‬
‫صحيحة ومنطقية تتفق مع العقل وتتواءم مع المنطق‪ .‬وأما العقائد التي من‬
‫تأليف البشر‪ ،‬فل تخلق سوى التشويش‪ ،‬ول تنتج سوى الرتباك‪ ،‬ول تؤدي إل‬
‫إلى "اللخبطة"‪ ،‬كما أنها تثير الكثير من السئلة التي ل يوجد لها جواب‪ ،‬مما‬
‫اضطر الباء في الكنيسة إلى اختراع موضوع السرار‪ .‬فكلما عجزوا عن‬
‫إيجاد شرح معقول لعقيدة من العقائد التي اخترعها البشر‪ ،‬قالوا إنها سر من‬
‫السرار المقدسة‪ .‬ولعلهم يرون أن وجود شخصيتين مختلفتين في جسم‬
‫واحد‪ ،‬هو من السرار التي ل يستطيع العقل البشري أن يستوعبها‪ .‬وهم على‬
‫حق في هذا‪ ،‬إذ لم يحدث في تاريخ البشرية أن اخترع أحد عقيدة تخالف‬
‫العقل كهذه العقيدة التي تقول إن الله والنسان قد اجتمع وجودهما سويا‬
‫في جسم إنساني واحد‪ ،‬هو جسم يسوع‪ .‬ولذلك حين نتكلم عن يسوع ينبغي‬
‫أن نحدد عمن نتكلم بالضبط‪ ،‬عن يسوع الناسوت أم عن يسوع اللهوت‪ .‬وإذا‬
‫تكلم هذا الكائن المسمى يسوع‪ ،‬فينبغي أيضا أن نحدد من الذي يتكلم‬
‫بالضبط‪ ،‬هل هو يسوع الناسوت أم يسوع اللهوت‪.‬‬
‫ولما كان جناب القمص يتهمنا نحن معشر المسلمين بالغباء والجهل‪ ،‬وأننا ل‬
‫نفهم ما نقرأ‪ ،‬ويومئ بهذا إلى أنه هو وأتباعه هم وحدهم الذين يتمتعون‬
‫بالذكاء والعبقرية‪ ،‬ويفهمون كل ما يقرأونه‪ ،‬لذلك فنحن مضطرون إلى‬
‫الستعانة بذكائه وعبقريته‪ ،‬فنسأله ونسأل الخوة المسيحيين جميعا من الذي‬
‫قال هذه الجملة‪:‬‬
‫"وأما ذلك اليوم وتلك الساعة‪ ،‬فل يعلم بهما أحد‪ ،‬ول الملئكة الذين في‬
‫السماء‪ ،‬ول البن‪ ،‬إل الب" )مرقس ‪.(32:13‬‬
‫من المستحيل بالطبع أن يكون يسوع النسان هو الذي قال هذه الجملة التي‬
‫سجلها مرقص في إنجيله‪ ،‬لنه لم يكن ليستطيع أن يحكم على علم كل من‬
‫الب والبن‪ ،‬وعلى هذا فل بد أن يكون قائلها هو يسوع اللهوت‪ .‬ويبدو أن‬
‫مرقص كان محدود الذكاء‪ ،‬فلم يدرك أهمية هذه الجملة التي سجلها‪ ،‬ولم‬
‫يفهم خطورة معناها وما تحتويه من حقائق‪ ،‬فلم يعمل على تزويرها أو‬
‫تحريفها كما فعل مّتى في إنحيله‪ .‬أما لوقا اليوناني ويوحنا الروماني فقد‬
‫تجنبا ذكرها كلية في إنجيليهما‪ .‬أما مّتى‪ ،‬فقد حاول أن يتحاشى ما يمكن أن‬
‫يثور حول هذه الجملة من صخب وجدل‪ ،‬فحذف كلمة "البن" من الجملة‪،‬‬
‫وسجلها على لسان البن اللهوتي كما يلي‪:‬‬
‫"وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فل يعلم بهما أحد‪ ،‬ول ملئكة السموات‪ ،‬إل أبي‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحده" )مّتى ‪.(36:24‬‬


‫ولو كانت الجملة بهذا الشكل الذي سجله بها مّتى لراح جناب القمص يؤكد‬
‫لنا أن قائلها هو يسوع النسان‪ ،‬باعتبار أنه ل فرق بين البن والب‪ ،‬فكليهما‬
‫شخص واحد كما حاول أن يشرح لنا من قبل عند كلمه عن الثالوث‪ .‬أما‬
‫الجملة التي ذكرها مرقص‪ ،‬فقد كشفت خطأ القمص‪ ،‬وفضحت سوء فهمه‪،‬‬
‫وأسقطت من على وجهه الغللة التي كان يحاول أن يتستر بها ويزعم من‬
‫دعي أنهم شخص‬ ‫ورائها أنه يؤمن بإله واحد يتكون من ثالوث من الشخاص‪ ،‬ي ّ‬
‫واحد دون أي فرق بينهم‪ .‬والن‪ ،‬علينا أن نقرر أمرا خطيرا في غاية الهمية‪:‬‬
‫دق الجملة‬‫ذب إنجيل مرقص؛ وإما أن نص ّ‬ ‫دق جناب القمص‪ ،‬ونك ّ‬‫إما أن نص ّ‬
‫ذب كل ما ادعاه القمص من أقاويل وأكاذيب‪.‬‬ ‫التي قالها مرقص‪ ،‬ونك ّ‬

‫)‪(33 /‬‬

‫ي لكل إنسان يتمتع بما وهبه الله‬


‫إن قائل هذه الجملة‪ ،‬كما هو ظاهر جل ّ‬
‫تعالى للنسان العادي من عقل وقدرة على الفهم‪ ،‬هو البن اللهوتي الذي‬
‫دعي القمص‪.‬‬ ‫حل في جسد يسوع النسان‪ ،‬إن كان اللهوت قد حل فيه كما ي ّ‬
‫فالبن اللهوتي وحده هو الذي يعرف نفسه‪ ،‬وهو العلم بقدراته‪ ،‬وهو الدرى‬
‫بحدود علمه‪ .‬وما دام يقر ويعترف بأنه ل يعرف اليوم الذي يأتي فيه ول‬
‫الساعة التي ينقضي فيها الدهر‪ ،‬فل مجال لي اّدعاء بأن البن هو الب وهو‬
‫الروح القدس‪ ،‬ول مكان ليّ تخرصات يتحجج بها جناب القمص ويزعم أن‬
‫هؤلء الثلثة هم واحد في الصفات أو في القدرات أو أنهم حتى متساوون في‬
‫الجوهر‪ ،‬إذ لو كان جوهرهم واحد‪ ،‬فلماذا يقل علم أحدهم عن الخر؟ ولماذا‬
‫ينفرد الب بعلم شيء ل يعلمه البن؟ بل ولماذا أهمل كل من مّتى ومرقص‬
‫ذكر القنوم الثالث‪ ،‬وهو الروح القدس‪ ،‬في موضوع المعرفة هذا‪ ،‬وكأن‬
‫الروح القدس قد فقد وجوده وأهميته كأقنوم‪ ،‬حتى إن متى ومرقص لم يجدا‬
‫أي سبب لذكره بالمرة‪ ،‬فاقتصر كل واحد منهما على ذكر البن والب فقط؟‬

‫)‪(34 /‬‬

‫ولكن السؤال الذي ل بد أن ينشأ هنا‪ ،‬وينبغي أن يجيب عليه القمص‪ ،‬إذا كان‬
‫يستطيع أن يجيب عليه‪ ،‬هو‪ :‬لماذا يجهل البن شيئا يعرفه الب وحده فقط؟‬
‫ولو كان الب والبن والروح القدس إلها واحدا بالفعل‪ ،‬فهل من المعقول أن‬
‫يعرف هذا الله الواحد شيئا ول يعرفه في نفس الوقت؟ لقد ظل جناب‬
‫القمص يشنف آذاننا بكلمه الذي حاول به على مدى العديد من حلقاته التي‬
‫قدمها عن موضوع الثالوث ثم عن موضوع التجسد‪ ،‬أن البن ليس ابنا‬
‫بالمعنى المعروف‪ ،‬وإنما هو مجرد تعبير عن عقل إلهه الذي يؤمن به‪ .‬وقد‬
‫ظل يشرح لنا أن ذلك الله له وجود‪ ،‬وله عقل‪ ،‬وله روح‪ ،‬ولكنه على أية حال‬
‫إله واحد‪ .‬وكنا على استعداد أن نصدق القمص لو أنه كان صادقا في كلمه‪،‬‬
‫ولكنه لم يكن صادقا لنه كان يقدم صورة غير حقيقية تختلف عن العقائد‬
‫المسيحية الخرى‪ ،‬وكان يحاول بذلك خداع المسلمين ليقنعهم بأنه يؤمن بإله‬
‫واحد فعل‪ .‬وإل فكيف يمكن لهذا الله الواحد الذي يقول القمص إن له وجودا‬
‫اسمه الب‪ ،‬وإن له عقل اسمه البن‪ ،‬وإن له روحا اسمه الروح القدس‪،‬‬
‫نقول كيف يمكن لهذا الله أن يجهل عقله شيئا يعرفه وجوده؟ وإذا كان‬
‫الوجود هو مصدر العقل‪ ،‬وكان العقل هو مصدر العلم‪ ،‬فكيف يمكن أن يجهل‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا العقل شيئا؟ وإذا علمنا الن‪ ،‬بفضل إنجيل مرقص‪ ،‬أن عقل إله‬
‫المسيحية يجهل يوم وساعة عودة المسيح إلى الدنيا‪ ،‬فما هو الذي يجهله‬
‫عقل هذا الله بالضافة إلى ذلك‪ ،‬ولم يذكره مرقص أو لم يعلم مرقص أن‬
‫هذا الله كان يجهله أيضا؟ وهل مثل هذا الله الذي له عقل ناقص‪ ،‬غير‬
‫كامل‪ ،‬لنه يجهل معلومة من المعلومات‪ ،‬يستحق أن يكون إلها يعبده الناس؟‬
‫هل هذا هو إله المسيحية الذي يقدمه لنا جناب القمص‪ ،‬ويطلب منا نحن‬
‫المسلمين أن نقبله ونعبده بدل من الله العليم الخبير الذي ل يعزب عن علمه‬
‫مثقال ذرة في الرض ول في السماء‪ ،‬عالم الغيب والشهادة الذي هو بكل‬
‫شيء عليم؟ إن جناب القمص يطلب منا أن نكون مثل بني إسرائيل الذين‬
‫أنزل الله عليهم طعاما من السماء‪ ،‬هو المن والسلوى‪ ،‬فأرادوا أن يستبدلوه‬
‫بطعام من الرض هو القّثاء والفول والعدس والبصل‪ ،‬فقال لهم موسى [‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر] )البقرة‪ .(61:‬كذلك يريد منا جناب‬ ‫ذي هُوَ َ‬‫ذي هُوَ أد َْنى ِبال ّ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ست َب ْدُِلو َ‬
‫أت َ ْ‬
‫القمص أن نستبدل الله تعالى‪ ،‬الكامل بذاته‪ ،‬العليم بذاته‪ ،‬الحكيم بذاته‪،‬‬
‫الخبير بذاته‪ ،‬الذي ل يحتاج إلى عقل يفكر به‪ ،‬بإله آخر من تأليف وإخراج‬
‫المسيحية المغلوطة التي يؤمن بها جناب القمص‪ ،‬إله يحتاج إلى عقل يعلم‬
‫به شيئا ويجهل به شيئا آخر‪ ،‬ثم بعد هذا يتهمنا نحن المسلمين بأننا ل نريد ان‬
‫نقرأ وإذا قرأنا فإننا ل نفهم‪ .‬فلماذا ل يفهم هو ما يقرأه في إنجيل مرقص‪،‬‬
‫ولماذا ل يعود إلى عقله ويعترف بأن الله الحق ل يمكن أن يكون جاهل بأي‬
‫حقيقة‪ ،‬وعلى ذلك فإن الله الذي يجهل عقله شيئا ل يستحق أن يكون إلها‬
‫للعقلء من الناس‪ ،‬بل إن الله الذي يحتاج أصل إلى عقل يكتسب به العلم ل‬
‫يستحق أن ُيعبد إل من الجهلء والغبياء‪ .‬ومع هذا‪ ،‬فإن جناب القمص يتهمنا‬
‫نحن معشر المسلمين بالجهل والغباء!! وهو بهذا يذكرنا باللص الذي يجري‬
‫مع الناس وينادي مثلهم "امسك حرامي"‪ ،‬وذلك ليصرف عن نفسه تهمة‬
‫السرقة واللصوصية‪ .‬أو المرأة البغي التي يذكرها المثل المصري فيقول‪ :‬إنها‬
‫تتهيك‪ ،‬واللي فيها تجيبه فيك‪ .‬وهكذا يبدو أن الغبياء يتهمون الخرين بالغباء‬
‫ليصرفوا النظار عن غبائهم‪ .‬أو لعل هؤلء الغبياء ل يعرفون مقدار غبائهم‪،‬‬
‫والجهلء ل يعلمون حجم جهلهم‪ ،‬تماما كما ل يدرك المجانين مدى جنونهم‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها وَلهُ ْ‬
‫قُهو َ‬‫ف َ‬‫ب ل يَ ْ‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫وهؤلء هم الذين وصفهم القرآن المجيد فقال [ل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ب َِها ُأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫مأ َ‬ ‫كالن َْعام ِ ب َ ْ‬
‫ل هُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫ن ل يَ ْ‬‫م َءاَذا ٌ‬ ‫ن ب َِها وَل َهُ ْ‬
‫صُرو َ‬ ‫ن ل ي ُب ْ ِ‬‫أعْي ُ ٌ‬
‫ن] )العراف‪.(179:‬‬ ‫م ال َْغافُِلو َ‬ ‫ك هُ ُ‬‫ُأول َئ ِ َ‬

‫)‪(35 /‬‬

‫إن السبيل الوحيد أمام جناب القمص كي يسترد احترامه لدى العقلء من‬
‫الناس أن يعترف بأن الله تعالى لم يحل في جسد يسوع النسان‪ ،‬وأن الذي‬
‫كان يتكلم لم يكن هو اللهوت المتجسد‪ ،‬وإنما كان هو السيد المسيح‪،‬‬
‫النسان‪ ،‬البشر‪ ،‬النبي‪ ،‬الذي أرسله الله تعالى العليم بكل شيء‪ .‬وإن كان‬
‫اليهود قد اتهموه كذبا وزورا بأنه ابن زنى‪ ،‬لنه لم يكن له أب من البشر‬
‫معروف لهم‪ ،‬فقد كان يرد عليهم بقوله إنه ابن الله تعالى الخالق القدير‬
‫الذي ل يحتاج إلى أب من البشر ليخلق بشرا‪ .‬ولم يكن بالطبع يقصد أن الله‬
‫هو أبوه بالمعنى الحرفي‪ ،‬ول بالمعنى الذي شرحه جناب القمص‪ ،‬وإنما هو‬
‫بشر مثل بقية البشر‪ ،‬اختاره الله تعالى ليكون رسول إلى البشر‪ .‬ولذلك كان‬
‫ل بد أن يعترف بأن الله خالقه‪ ،‬أو أباه مجازا‪ ،‬هو أعظم منه‪ ،‬فقال "أبي‬
‫أعظم مني"‪ ،‬وكان ل بد أيضا أن يقر بأن الله تعالى هو العليم بكل شيء‪ ،‬أما‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هو فل يعلم إل ما ُيعّلمه الله إياه‪ ،‬ولذلك قال‪" :‬وأما ذلك اليوم وتلك الساعة‪،‬‬
‫فل يعلم بهما أحد‪ ،‬ول الملئكة الذين في السماء‪ ،‬ول البن‪ ،‬إل الب" )مرقس‬
‫‪ .(32:13‬أي أن الله تعالى الذي هو بمثابة الب مجازا‪ ،‬هو وحده العليم بكل‬
‫شيء‪ ،‬أما البن الذي هو المسيح البشر‪ ،‬فإن هناك الكثير من المور التي ل‬
‫يعلمها ول يعرفها إل إذا عرفها الله له‪.‬‬
‫هذا هو التفسير الوحيد المعقول‪ ،‬الذي يتفق مع العقل والمنطق‪ ،‬والذي‬
‫يحفظ لله تعالى مقامه وجلله‪ ،‬ويحفظ له صفاته وكماله‪ ،‬كما أنه يضع‬
‫النسان يسوع المسيح في مكانه الحقيقي كبشر مخلوق‪ .‬نعم‪ ،‬لقد كان على‬
‫مقام عظيم بالنسبة للبشر‪ ،‬لن الله تعالى اختاره ليكون نبّيه ورسوله إلى‬
‫قومه بني إسرائيل‪ ،‬ولكنه ل يزيد عن ذلك‪ ،‬فليس هو عقل الله‪ .‬إنه كلمة‬
‫الله‪ ،‬بمعنى أنه جاء إلى الوجود بأمر من الله‪ .‬كذلك فإنه روح من الله‪،‬‬
‫بمعنى أن الله تعالى قد جعله وسيلة لهداية المخلصين من قومه إلى طريق‬
‫الله‪ ،‬فهو يهبهم الحياة بإذن الله‪ ،‬ويحيي الموات منهم بدعوتهم إلى اليمان‬
‫بالله‪ .‬وهذه هي مهمة كل نبي ورسول يبعثه الله ‪ U‬إلى قومه‪ ،‬والتي يعبر‬
‫َ‬
‫ل إ َِذا‬
‫سو ِ‬‫جيُبوا للهِ وَِللّر ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫مُنوا ا ْ‬
‫ن َءا َ‬ ‫عنها القرآن المجيد بقوله [َيآ أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م] )النفال‪.(24:‬‬ ‫حِييك ُ ْ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫عاك ُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫دَ َ‬
‫أما الخرافات التي حكاها لنا جناب القمص‪ ،‬والكاذيب التي رواها لنا في‬
‫دعي أنه إله واحد‪ ،‬ثم يقول عنه إنه ثالوث‪ ،‬ثم‬ ‫أحاديثه المتتالية عن إله ي ّ‬
‫تجسد هذا الله وتلبسه في جسم إنسان‪ ،‬فهذه كلها أساطير وحكايات قد‬
‫تصلح لتسلية الطفال قبل اختراع الراديو والتلفزيون والكومبيوتر والنترنت‪،‬‬
‫ولكن ل مكان لها عند العقلء‪ ،‬ول قيمة لها في القرن العشرين والواحد‬
‫والعشرين‪ .‬وعلى هؤلء الذين ل يزالون في غفلتهم يعمهون‪ ،‬عليهم أن‬
‫يستيقظوا من غفلتهم‪ ،‬ويفيقوا من غفوتهم‪ ،‬وينفضوا عن عقولهم تراب‬
‫الخرافات والساطير‪ ،‬فعسى أن يهديهم الله تعالى إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫غير أن مشاكل التجسد ل تنتهي عند هذا الحد‪ ،‬بل إنها تستمر لتقلق العقلء‪،‬‬
‫وتثير الكثير والكثير من التساؤلت التي تحتاج إلى إجابات مقنعة‪ ،‬وأما هؤلء‬
‫الذين سقطوا ضحية لكلم القمص المنمق‪ ،‬فحبذا أن يعيدوا التفكير فيها‬
‫بشيء من العقل والحكمة‪ .‬وياليت هؤلء الذين يؤمنون بهذه الخرافات التي‬
‫حدثنا بها جناب القمص أن يعطوا عقولهم فرصة للتفكير فيها مرة أخرى‪،‬‬
‫لعلهم يستطيعوا أن ُيفّرقوا بين الغث والسمين‪ ،‬ويعلموا الفرق بين الوضيع‬
‫والثمين‪ ،‬فل يكونوا من الخطاة الضالين‪ ،‬بل يجعلهم الله تعالى بفضله من‬
‫الهداة المهتدين‪ .‬آمين ثم آمين‪.‬‬
‫وها قد انتهى الوقت المخصص لهذه الحلقة‪ ،‬ولم تنته مشاكل التجسد‪ ،‬فل‬
‫تزال هناك العديد من الجمل والقوال التي قالها يسوع‪ ،‬ول نعرف على وجه‬
‫الدقة من هو قائلها ولماذا قالها‪ ،‬وهل كان قائلها هو يسوع النسان‪ ،‬أم أنه‬
‫كان يسوع اللهوت الذي يزعم جناب القمص أنه حل وتجسد في يسوع‬
‫النسان‪ .‬وسوف يضطرنا هذا إلى استئناف الكلم عن هذه المشاكل في‬
‫الحلقة القادمة إن شاء الله‪ ،‬لعلها تكون سببا لفتح العيون‪ ،‬وعونا لفهم‬
‫العقول‪.‬‬
‫) ‪( 29‬‬

‫)‪(36 /‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مرة أخرى نلتقي في حلقات برنامج "أجوبة عن اليمان" لنرد على جناب‬
‫القمص زكريا بطرس والحلقات التي قدمها في برنامجه "أسئلة عن‬
‫اليمان"‪ .‬وفي الحلقتين الماضيتين تعرضنا لبحث المشاكل التي نجمت عما‬
‫يزعمه القمص من تجسد الله في جسم المسيح‪ .‬ويقول القمص إن الغرض‬
‫من هذا التجسد هو أن يتمكن يسوع النسان من أن يكون فاديا ليفدي‬
‫البشرية حتى يتمكن الله تعالى من مغفرة خطاياهم‪ .‬وقد قال القمص إن‬
‫هناك ثلثة شروط يجب توفرها في هذا الفادي‪ ،‬وهي‪ (1) :‬أن يكون إنسانا‬
‫من جنس البشر‪ ،‬وقد تحقق هذا الشرط في جسد يسوع الذي ُولد من‬
‫السيدة مريم فكان إنسانا "زيي وزيك" كما يقول القمص‪ ،‬غير أنه لم يرث‬
‫الخطية لنه ليس من زرع بشر‪ .‬وبصرف النظر عن منطق وراثة الخطية‬
‫وخرافته‪ ،‬إل أن الرد عليه وتفنيده ليس مكانه في هذه الحلقة‪ ،‬وإنما كان في‬
‫الحلقات الولى من هذه السلسلة‪ .‬ولذلك فإننا سوف نأخذ كلم القمص على‬
‫علته‪ ،‬ونرى ما إذا كانت شروط الفادي المزعوم تتوافر فعل في يسوع‬
‫النسان أم ل‪ (2) .‬الشرط الثاني الواجب توفره في الفادي المزعوم هو أن‬
‫يكون طاهرا لم يرتكب أي خطية‪ .‬وجناب القمص يزعم أن يسوع النسان‬
‫كان هو الشخص الوحيد من بين البشر الذي لم يرتكب أي خطية‪ ،‬مع أن‬
‫الكتاب المقدس والناجيل بالذات تكذب هذا الدعاء‪ .‬ومع أننا نؤمن بطهارة‬
‫المسيح ابن مريم وطهارة جميع النبياء الذين بعثهم الله تعالى بكتبه‬
‫ورسالته إلى البشر‪ ،‬إل أننا في الحلقة التاسعة من برنامج "أجوبة عن‬
‫اليمان" قدمنا عشرة أسباب مستقاة من الكتاب المقدس‪ ،‬وتدل على خطأ‬
‫اّدعاء اختصاص يسوع بالطهارة من دون بقية النبياء‪ ،‬وذكرنا الكثير والعديد‬
‫من الذنوب التي تذكر الناجيل أن يسوع النسان قد ارتكبها‪ .‬ويمكن لمن‬
‫يشاء من حضرات القراء أن يرجع إلى هذه الحلقة التاسعة‪ ،‬إما على موقع‬
‫‪ www.agweba.com‬من شبكة النترنت‪ ،‬ولكن‪ ،‬فلنتجاوز عن هذا الن‪ ،‬ولنأخذ‬
‫ادعاءات القمص على علتها‪ ،‬ونفترض أن يسوع النسان كان فعل بغير خطية‬
‫سواء كانت متوارثة أو مكتسبة‪ .‬وبذلك نفترض أن الشرط الثاني الذي ل بد‬
‫من توافره في الفادي قد توفر فعل في يسوع النسان‪ (3) .‬الشرط الثالث‬
‫الذي ينبغي توافره في الفادي المزعوم هو أن يكون غير محدود‪ .‬ولما كان‬
‫من المستحيل أن يكون هناك كائن غير محدود غير الله تعالى‪ ،‬لذلك‪ ،‬وحسب‬
‫دعيه القمص زكريا بطرس‪ ،‬كان ل بد أن يتجسد الله في جسم يسوع‬ ‫ما ي ّ‬
‫النسان ليحقق هذا الشرط الثالث‪ .‬وللمرة الثالثة نقول إنه بصرف النظر‬
‫عن سخافة هذا المنطق وخرافته‪ ،‬والذي قمنا بتحليله وبيان ما فيه من خلل‬
‫ابتداء من الحلقة الثانية والعشرين وما بعدها‪ ،‬إل أن هدفنا هنا هو دراسة‬
‫المشاكل التي تنجم عن هذه العقيدة الخاطئة‪ .‬ولذلك‪ ،‬سوف نأخذ كلم‬
‫جناب القمص على علته‪ ،‬ونفترض جدل أن الله قد حل في جسد يسوع‬
‫النسان‪ ،‬بحيث أصبح هذا الجسد يحتوي النسان يسوع‪ ،‬كما يحتوي اللهوت‪.‬‬
‫ثم نسأل جناب القمص كما نسأل المؤمنين بهذه العقيدة‪ :‬ما هي تداعيات‬
‫هذا التجسد؟ هل حلت الرادة اللهوتية محل إرادة النسان يسوع أم ظل‬
‫يسوع محتفظا بإرادته البشرية؟ وهل حل عقل اللهوت محل العقل النساني‬
‫أم ظل يسوع محتفظا بعقله البشري؟ وقد خرجنا من هذه الدراسة بأن أي‬
‫تغيير في الشخصية النسانية ليسوع سوف تفقده الصفة النسانية‪ ،‬وبالتالي‬
‫فلن يكون إنسانا "زيي وزيك" كما ينبغي أن يكون‪ ،‬وبذلك يفقد الشرط الول‬
‫الذي ل بد من توفره في الفادي‪ ،‬وهو أن يكون إنسانا "زيي وزيك" حسب‬
‫كلم القمص‪ .‬ولذلك فل بد أن يظل يسوع النسان كما هو‪ :‬إنسانا بكل‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصفات النسانية‪ ،‬وأن يظل محتفظا بإرادته البشرية بالضافة إلى الرادة‬
‫اللهوتية‪ ،‬وأن يظل محتفظا بعقله البشري بالضافة إلى العقل اللهوتي‪،‬‬
‫وأن يظل محتفظا بضعفه البشري بالضافة إلى قدراته اللهوتية‪ .‬وهذا هو‬
‫المستحيل بعينه‪ ،‬لن هذا يعني اجتماع الضداد في نفس المكان وفي نفس‬
‫الوقت‪ .‬إن هذه العقيدة تخالف المنطق بشكل ل يمكن معه قبولها بأي شكل‬
‫من الشكال‪ .‬إذ كيف يمكن أن يجتمع الجهل والعلم الكامل في نفس العقل؟‬
‫كيف يمكن أن يجتمع الضعف والقوة المطلقة في نفس الجسد؟ هل من‬
‫الممكن أن يجتمع النور مع الظلم في نفس الوقت وفي نفس المكان؟ هل‬
‫يمكن أن يكون اللون أبيض وأسود في نفس الوقت؟ إن اللون البيض معناه‬
‫وجود اللوان‪ ،‬واللون السود معناه عدم وجود أي لون‪ ،‬فهل يمكن أن يجتمع‬
‫الوجود والعدم في نفس المكان؟ إن هذه بديهات ل تحتاج إلى منطق للتدليل‬
‫عليها‪ ،‬ول تتطلب عقل ذكيا ليحكم على بطلنها‪ .‬فأين ذهب عقلك يا جناب‬
‫القمص‪ ،‬وأين ضاع منك المنطق؟ إن الذين اخترعوا هذه العقيدة لم يفكروا‬
‫في جميع أركانها‪ ،‬ولم يحسبوا كل ما يمكن أن ينتج عنها من مشاكل‬
‫وتناقضات‪ .‬ونستأنف فيما يلي ذكر هذه المشاكل والمتناقضات‪:‬‬

‫)‪(37 /‬‬

‫)‪ (19‬لقد كان يسوع النسان يصلي للب‪ ،‬وعّلم الناس أن يصلوا أيضا للب‪.‬‬
‫ول شك أن يسوع النسان كان يعلم حقيقة الله أكثر من جناب القمص‬
‫وشركاه‪ ،‬فلو كان يعلم أن الله قد تجسد فيه‪ ،‬ويعلم أن القانيم ل تنفصل‬
‫بعضها عن البعض‪ ،‬فلماذا اختص الب بالصلة دون القنومين الخرْين؟ لماذا‬
‫لم يحدث أبدا أن صلى للبن أو للروح القدس؟ قد يقول جناب القمص إنه ل‬
‫فرق بين الب والبن والروح القدس‪ ،‬فكلهم واحد‪ .‬وما داموا كلهم واحد‪،‬‬
‫ل يسوع للبن ولو‬ ‫فلماذا إذن اختص يسوع الب وحده بالصلة؟ ولماذا لم يص ّ‬
‫ل أبدا للروح القدس‪ ،‬حتى يثبت بعمله أنه ل فرق فعل بين‬ ‫مرة‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫الثلثة؟‬
‫)‪ (20‬ألم يكن الْولى بالخوة المسيحيين أن يقتدوا بيسوع النسان الذي كان‬
‫أقربهم إلى الله‪ ،‬فيصّلوا للب وحده كما كان يفعل هو‪ ،‬بدل من أن يصلوا‬
‫ليسوع الذي كان نصف إنسان ونصف إله؟ ولما كان العنصر النساني ل يزال‬
‫موجودا في يسوع المسيح‪ ،‬أل يلقي هذا بشبهة الشْرك عندما يعبد الناس‬
‫كائنا غير الله تعالى؟ فكما قال جناب القمص عن يسوع إنه "إنسان وابن‬
‫إنسان‪ ،‬وهو الله وابن الله"‪ ،‬وعلى هذا فإن العنصر النساني موجود في‬
‫يسوع المسيح‪ ،‬وعبادته تعني إشراكه في العبادة مع الله تعالى‪ .‬واحتجاجهم‬
‫بأنهم يعبدون الله في الجسد ول يعبدون النسان الذي في الجسد ل قيمة له‪،‬‬
‫فهكذا يقول الذين يعبدون الصنام الذين يعتقدون بأن الله موجود في كل‬
‫شيء بما فيها تلك الصنام‪.‬‬
‫)‪ (21‬ل شك أن يسوع النسان كان يعلم بوجود اللهوت بداخله‪ ،‬ول شك‬
‫أيضا أن رؤساء اليهود كانوا يناصبونه العداء وكانوا يتآمرون عليه ليقتلوه‪ ،‬ول‬
‫شك كذلك أنه كان يعلم بأنه سوف يتعّرض لزمة شديدة ومحنة صعبة إذا تم‬
‫القبض عليه‪ ،‬فإن مصيره الموت على الصليب‪ .‬ولو تم هذا فلن يبقى هناك‬
‫أمل في أن يؤمن به اليهود‪ ،‬وهم يعرفون من توراتهم أن من يموت على‬
‫الصليب يكون ملعونا من الله تعالى‪ .‬ولذلك فقد توجه لله بالصلة والدعاء‬
‫كي يصرف الله عنه هذه المحنة‪ .‬فقال كما جاء في الناجيل‪:‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس‪ ،‬ولكن لتكن ل إرادتي بل إرادتك‪.‬‬
‫وظهر له ملك من السماء يقويه‪ .‬وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة‬
‫وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الرض" )لوقا ‪.(44-42 :22‬‬
‫والسؤال الذي ل بد أن ينشأ هنا هو‪ :‬ما هي هذه الكأس التي كان يسوع‬
‫النسان يصلي بهذه اللجاجة الشديدة‪ ،‬وبهذا العرق المتصبب كقطرات الدم‪،‬‬
‫لكي يجيزها الله عنه؟ يزعم القمص أنه كان يخشى أن يموت بسبب الضرب‬
‫بالسياط ول يموت على الصليب‪ ،‬فيفشل في تحقيق مهمة الفداء‪ .‬وقد سبق‬
‫الرد على هذا الختراع الذي اخترعه القمص في الحلقة الرابعة عشرة من‬
‫حلقات "أجوبة عن اليمان"‪ .‬ولكن هنا نود أن نعالج القضية من ناحية التجسد‬
‫المزعوم‪ .‬إذ لو كان الله قد تجسد فيه بالفعل‪ ،‬فكيف يظهر له من السماء‬
‫ملك يقويه؟ ولماذا لم يفعل الله المتجسد فيه شيئا لكي يقويه من داخله‬
‫بدل من أن يأتي ملك من السماء؟‬
‫وبالمناسبة‪ ،‬يقول إنجيل مرقس عن هذه الواقعة‪" :‬وكان يصلي لكي تعبر‬
‫عنه الساعة إن أمكن" )مرقس ‪ ،(35:14‬ثم يقول بعدها‪" :‬قد أتت الساعة‪،‬‬
‫هو ذا ابن النسان ُيسلم إلى أيدي الخطاة" )مرقس ‪ .(41:14‬أي أن يسوع‬
‫بنفسه قد أوضح ما هي الكأس التي كان يدعو الله أن يجيزها عنه‪ ،‬وهي التي‬
‫عبر عنها إنجيل مرقس بكلمة "الساعة"‪ ،‬ثم عّرفها بعد ذلك بقوله أنه سوف‬
‫ُيسّلم إلى أيدي الخطاة‪ ،‬وعلى هذا تكون الكأس هي تسليمه إلى أيدي‬
‫الخطاة‪ ،‬وليس موته بسبب الضرب بالسياط كما اخترع جناب القمص‪.‬‬
‫)‪ (22‬عندما تم تعليق يسوع على الصليب كان عن يمينه وشماله لصان‬
‫محكوم عليهما بعقوبة الصلب أيضا‪ ،‬وكان أحدهما يعيره ويهزأ به بينما آمن به‬
‫اللص الثاني فقال له يسوع‪" :‬الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في‬
‫الفردوس" )لوقا ‪ .(43:23‬والسؤال الذي ينشأ هنا هو‪ :‬ألم يكن الغرض من‬
‫عملية التجسد المزعوم أن يحمل يسوع اللهوت العقوبة التي أصدرها الله‬
‫على آدم وحواء وعلى الجنس البشري بأكمله‪ ،‬فهل كانت هذه العقوبة هي‬
‫الوجود في جهنم النار البدية أم كانت الوجود في الفردوس؟‬

‫)‪(38 /‬‬

‫)‪ (23‬عندما كان يسوع النسان معلقا على الصليب‪ ،‬يبدو أنه شعر بخروج‬
‫اللهوت منه‪ ،‬وهو بالطبع أدرى الناس بوجود اللهوت فيه أو خروجه منه‪،‬‬
‫ولذلك فقد صرخ مناديا عليه وقال جملته المعروفة‪" :‬إلهي إلهي لماذا‬
‫تركتني" )مّتى ‪ .(46:27‬فهل لدى جناب القمص أي إجابة على هذا السؤال‬
‫الذي انطلق من أعماق يسوع النسان؟ فمن غير المعقول أن يكون هذا‬
‫السؤال قد انطلق من اللهوت الذي تجسد فيه‪ ،‬فهو حتما قد صدر من يسوع‬
‫النسان‪ .‬وقبل أن يقدم جناب القمص إجابة على هذا السؤال‪ ،‬إذا كان لديه‬
‫إجابة‪ ،‬ينبغي أن نعرف أول لماذا انطلق هذا السؤال أصل‪ .‬لقد كان يسوع‬
‫مة التي هو مقدم عليها‪ ،‬وسواء كان قد وافق عليها أو لم‬ ‫يعلم تماما المه ّ‬
‫يوافق‪ ،‬فهذا أمر غير معروف‪ ،‬والناجيل صامتة عنه صمت القبور‪ .‬وكما سبق‬
‫بيانه في الحلقة الرابعة عشرة من هذه السلسلة‪ ،‬كانت الرادة اللهية تتوجه‬
‫إلى المحافظة على المسيح وليس إلى موته‪ ،‬ولذا فقد كان يسوع يعلم أن‬
‫الله سوف يحفظه من موت اللعنة‪ ،‬ول شك أنه تلقى تأكيدا بذلك من الملك‬
‫الذي ظهر له يقويه عندما كان يصلي ويدعو الله أن يجيز عنه كأس الموت‪.‬‬
‫بل إن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول‪:‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر‬
‫سمع له من أجل تقواه‪ .‬مع كونه ابنا تعّلم الطاعة مما‬ ‫أن يخلصه من الموت و ُ‬
‫تألم به" )‪.(7:5‬‬
‫أي أنه كان يعلم أن الله استمع لدعائه واستجاب لطلباته‪ ،‬مما يعني أنه لم‬
‫يكن هناك ما يخشاه‪ ،‬فهو لم يصرخ مناديا الله لنه كان خائفا‪ ،‬أو لنه كان‬
‫جبانا‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فليس هناك من سبب يدعوه للنداء على الله سوى أنه‬
‫شعر بخروج اللهوت منه‪ .‬فهل من سبب لدى جناب القمص ولدى الخوة‬
‫المسيحيين يبرر خروج اللهوت من الناسوت في تلك اللحظة العصيبة؟ ومن‬
‫أدرانا أنه عاد وتجسد فيه مرة أخرى؟ وإذا كان اللهوت قد خرج من‬
‫الناسوت‪ ،‬أل يدل هذا على أن يسوع النسان قد فقد إحدى المتطلبات الثلث‬
‫التي ينبغي توفرها في الفادي‪ ،‬وهي أن يكون غير محدود؟‬
‫)‪ (24‬إن هذه الصرخة التي أطلقها يسوع النسان وهو على الصليب لها‬
‫الكثير من المعاني والكثير من النتائج أيضا‪ .‬فقد قال لنا القمص في حلقاته‬
‫السابقة إن الذي مات على الصليب هو يسوع النسان وليس اللهوت‪ .‬وهذا‬
‫يؤيد ما قلناه من أن اللهوت قد ترك الناسوت في اللحظات الخيرة‪ ،‬فلما‬
‫شعر يسوع بمغادرة اللهوت صرخ ونادى عليه وهو ل يدري السبب الذي من‬
‫أجله تركه في تلك اللحظات الحرجة‪ .‬ولعل اللهوت قد ترك الناسوت في‬
‫تلك اللحظات بالذات حتى ل يظن الناس أن اللهوت قد مات مع الناسوت‪،‬‬
‫خاصة وأنهم ظلوا يسمعون من زعمائهم من أمثال جناب القمص زكريا‬
‫بطرس أن إلههم إله محبة‪ ،‬وأنه ضحى بنفسه من أجلهم‪ ،‬وأنه تجسد من‬
‫أجل أن يحمل ذنوبهم ويرفع عنهم اللعنة التي ألقاها على رؤوسهم ورؤوس‬
‫آبائهم وأسلفهم‪ ،‬لذلك لم يكونوا ليتصوروا أن ذلك الله المحب المضحي‬
‫سوف ينجو بنفسه من الصلب ومن الموت‪ ،‬ويترك الناسوت وحده ليذوق‬
‫وحده جميع آلم الصلب والموت‪ ،‬بينما يجني اللهوت وحده ثمرات هذه‬
‫التضحية التي قام بها يسوع النسان‪ ،‬ويتلقى وحده الشكر والصلوات مع أن‬
‫اللم كلها تحملها المسكين يسوع النسان وحده‪ .‬ولذلك لم يكن من الغريب‬
‫أن يصرخ يسوع من أعماق نفسه‪ ،‬وهو يشعر بإحساس من المرارة وخيبة‬
‫المل وسوء الرجاء في هذا الله الذي تخلى عنه وتركه لمصيره المحتوم في‬
‫اللحظات الخيرة‪ ،‬ول عجب أن نادى عليه بأعلى ما بقي له من صوت وما‬
‫تبقى فيه من قوة قائل‪" :‬إلهي إلهي‪ ،‬لماذا تركتني"؟‬
‫)‪ (25‬وما دام اللهوت ل يموت‪ ،‬وقد استطاع أن يترك الناسوت في لحظاته‬
‫الخيرة‪ ،‬فالذي مات حسب كلم القمص هو الناسوت‪ .‬وعلى ذلك يكون الذي‬
‫قام من الموات هو الناسوت أيضا‪ .‬فماذا حدث لجسد يسوع النسان من‬
‫لحظة موته المزعوم إلى لحظة عودته إلى الحياة وخروجه من القبر؟ هل‬
‫تكلم يسوع عن تجربته هذه ووصف ما حدث له أم أنه ترك ذلك للناس‬
‫يضربون أخماسا في أسداس؟ وما دام الذي قام من الموات هو يسوع‬
‫النسان وليس يسوع اللهوت‪ ،‬فماذا عن كل هذه الكتابات والكلمات التي‬
‫تصف "الكلمة" بأنه قد تجسد ومات وقام في اليوم الثالث؟ أل تنص الوثيقة‬
‫التي تضمنت قرارات مجمع نيقية على أن البن قد مات ودفن وقام في‬
‫اليوم الثالث؟ والن يأتي جناب القمص لينفي هذا ويقول إن اللهوت ل‬
‫يموت‪ ،‬وإن الذي مات هو النسان يسوع فقط‪ .‬فمن نصدق؟ أليس من‬
‫الصلح أن تتفقوا على رأي أيها الناس حتى نعلم بالضبط ما هي عقائدكم‬
‫على وجه الدقة قبل أن تدعوننا لن نقبل هذه العقائد التي ل تستقر على‬
‫حال؟‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(39 /‬‬

‫)‪ (26‬يعتقد الخوة المسيحيون أن يسوع النسان قد قام من الموات‪ ،‬وقد‬


‫سبق في الحلقات الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة أن قدمنا‬
‫البراهين والدلة من وجهة النظر المسيحية والسلمية على أن المسيح ‪ u‬لم‬
‫يمت على الصليب‪ ،‬وبالتالي فهو لم يقم من الموات بالمعنى الحرفي‪ .‬ولكننا‬
‫هنا نريد أن ننظر للموضوع من وجهة نظر التجسد المزعوم‪ ،‬ولذلك سوف‬
‫نفترض جدل أن يسوع النسان قد قام من الموات‪ .‬والسؤال الذي ل بد أن‬
‫نسأله هنا هو‪ :‬بأي جسد قام يسوع النسان من الموات؟ هل قام بالجسد‬
‫النساني الماّدي الذي كان يعيش به والذي ُولد به‪ ،‬أم قام بالجسد الروحاني‬
‫الذي يقوم به الموات يوم البعث؟ من المعروف أن الجسد المادي قد‬
‫تسلمه يوسف الّرامي‪ ،‬أحد المؤمنين به‪ ،‬ووضعه في قبر عبارة عن غرفة‬
‫واسعة تسع حوالي عشرة أشخاص‪ ،‬ثم لما جاءت مريم المجدلية ومريم‬
‫الخرى إلى القبر في فجر يوم الحد لم يجدا الجسد في القبر‪ ،‬مما يدل على‬
‫أن الجسد المادي الذي دخل القبر هو الذي خرج من القبر‪ ،‬ويدل أيضا على‬
‫أن هذا الجسد لم يمت‪ .‬غير أن الخوة المسيحيين يؤمنون بأن الجسد الذي‬
‫خرج من القبر كان جسدا روحانيا ولم يكن هو نفس الجسد الماّدي الذي‬
‫دخل القبر‪ .‬والسؤال المنطقي الذي ينشأ هنا هو‪ :‬أين ذهب الجسد المادي؟‬
‫)‪ (27‬تحكي لنا الناجيل أن يسوع قابل تلميذه بعد أن قام من القبر فظنوا‬
‫أنهم قد رأوا روحا‪ ،‬فأكد لهم أنه ليس روحا بل ل يزال كما هو يسوع‬
‫النسان‪ ،‬إذ يقول لوقا‪:‬‬
‫"وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلم‬
‫لكم‪ ،‬فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحا‪ ،‬فقال لهم ما بالكم مضطربين‬
‫سوني‬ ‫ي‪ ،‬إني أنا هو‪ ،‬ج ّ‬‫ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم‪ ،‬انظروا يديّ ورجل ّ‬
‫وانظروا‪ ،‬فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي‪ .‬وحين قال هذا أراهم‬
‫يديه ورجليه" )لوقا ‪.(40-36 :24‬‬
‫لقد آمن التلميذ أنهم قد رأوا يسوع النسان في جسده النساني المادي‪،‬‬
‫دقوا يسوع حين قال لهم إنه ليس روحا‪ ،‬وإن الروح ليس له لحم وعظام‬ ‫وص ّ‬
‫كما يرون له‪ ،‬ولكن مسيحيي اليوم لم يعودوا يصدقون كلم يسوع المسيح‪،‬‬
‫وإنما يصدقون أقوال المفسرين الذين حّرفوا معاني كلمات المسيح‪ .‬وجناب‬
‫القمص يدعو المسلمين أن يتخلوا عن إسلمهم ويقبلوا مسيحيته‪ ،‬فمن‬
‫يصدقون؟ كلم القمص أم كلم المسيح؟ وعجبي!!‬
‫)‪ (28‬يبدو أن المسيح ‪ u‬كان يعلم أنه سيكون في أمته أشخاص من أمثال‬
‫القمص زكريا بطرس‪ ،‬الذين سوف ينكرون نجاته من الموت‪ ،‬وخروجه من‬
‫القبر بنفس الجسد النساني الذي كان به‪ .‬لذلك راح يدلل لتلميذه ويبرهن‬
‫لهم على أنه هو بنفسه النسان الذي كان يعيش معهم من قبل‪ ،‬فقال لهم‬
‫إنه جوعان‪ ،‬وطلب أن يأكل شيئا من الطعام‪ .‬يقول لوقا‪:‬‬
‫"وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون قال لهم أعندكم ههنا طعام؟‬
‫فناولوه جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل‪ ،‬فأخذ وأكل قدامهم"‬
‫)لوقا ‪.(43-41 :24‬‬
‫والن نسأل جناب القمص‪ :‬من الذي أكل السمك المشوي وشهد العسل‪ ،‬هل‬
‫دعي القمص أنه حل فيه؟ ولو كان‬ ‫كان هو النسان يسوع أم كان الله الذي ي ّ‬
‫ول جسمه المادي إلى جسم‬ ‫النسان يسوع قد مات فعل على الصليب‪ ،‬وتح ّ‬
‫روحي‪ ،‬فكيف يأكل السمك المشوي وشهد العسل‪ ،‬مع إن الكتاب المقدس‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يذكر أن الحياة بعد الموت ليس فيها أكل وشرب؟‬


‫)‪ (29‬يؤمن الخوة المسيحيون أن يسوع المسيح قد صعد إلى السماء‬
‫وجلس عن يمين الرب‪ .‬ولن نناقش الن هذه العقيدة فليس هذا مكانها‪،‬‬
‫وإنما نريد أن نسأل‪ :‬هل تخلص الله الذي حل في الجسد النساني وتجسد‬
‫فيه من قيود ذلك الجسد أم أنه ظل حبيسا فيه؟ وإذا كان قد تخلص من‬
‫الجسد النساني‪ ،‬فأين ذهب ذلك الجسد النساني؟ قد يقول القمص إنه تغير‬
‫في لحظة من جسد ماّدي إلى جسد روحاني‪ ،‬ولكن ما أسهل القول! إن‬
‫مجرد القول بغير دليل ل قيمة له‪ .‬ولعل جناب القمص يريد أن يستدل بكلم‬
‫بولس في رسالته الولى لهل كورنثوس حيث يقول‪:‬‬
‫"هو ذا سر أقوله لكم‪ ،‬ل نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير‪ .‬في لحظة في طرفة‬
‫وق فُيقام الموات عديمي فساد‪ ،‬ونحن‬ ‫عين عند البوق الخير‪ ،‬فإنه سُيب ّ‬
‫نتغير" )‪.(52-51 :15‬‬
‫فهذا التغير‪ ،‬بافتراض صحة كلم السيد بولس‪ ،‬سوف يحدث للحياء وليس‬
‫للموات‪ ،‬كما أنه من الواضح أنه لن يحدث إل "عند البوق الخير"‪ .‬وعلى هذا‪،‬‬
‫دعي‬ ‫ليس من حق جناب القمص أن يستنتج ويخترع معنى آخر لهذا الكلم‪ ،‬وي ّ‬
‫أن الجسد النساني ليسوع قد تغير ليصبح جسدا روحانيا قبل البوق الخير‪.‬‬
‫إن جناب القمص ليس من حقه أن يمارس اختراعاته في أمور العقيدة‪ ،‬وإنما‬
‫عليه أن يستشهد بنصوص واضحة ثابتة‪ ،‬فأين هي النصوص يا جناب القمص؟‬

‫)‪(40 /‬‬

‫)‪ (30‬يقول مرقس في إنجيله‪" :‬ثم إن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء‬
‫وجلس عن يمين الله" )مرقس ‪ .(19:16‬فمن هو الرب الذي كان يكلمهم‬
‫ومن هو الله الذي جلس ذلك الرب عن يمينه؟ إن الذي كان يكلمهم هو‬
‫النسان يسوع‪ ،‬فهو الذي أراهم يديه ورجليه‪ ،‬وقال لهم إنه هو بنفسه يسوع‬
‫النسان الذي يعرفونه‪ ،‬وإنه ليس روحا لن الروح ليس له لحم وعظام كما‬
‫له‪ .‬ونفس هذا النسان كان جوعانا وأخذ منهم وأكل قدامهم سمكا مشويا‬
‫وشهد العسل‪ .‬وإذا افترضنا أن الله كان متجسدا في جسم يسوع‪ ،‬فإن هذا‬
‫الجسم‪ ،‬سواء كان ماديا أو روحانيا‪ ،‬ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله‪.‬‬
‫فهل خرج منه الله المتجسد فيه‪ ،‬أم ظل الله متجسدا فيه؟ وإذا قبلنا قول‬
‫القمص بأن القانيم الثلثة ل تنفصل‪ ،‬فما الداعي لرتفاع جسد يسوع إلى‬
‫السماء؟ وهل إذا جلس يسوع في الرض لن يكون عن يمين الله وإنما إذا‬
‫ارتفع إلى السماء سوف يكون عن يمينه؟‬
‫إن مشاكل التجسد ل حصر لها‪ ،‬وإذا وجدنا إجابة على سؤال نشأ أمامنا‬
‫العديد من السئلة الخرى التي تحتاج إلى إجابات‪ ،‬وكل إجابة منها تثير من‬
‫التساؤلت أكثر مما تقدم من معلومات‪ .‬ولو كانت عقيدة التجسد هذه‬
‫صحيحة بالفعل‪ ،‬لما سكت عنها السيد المسيح‪ ،‬ولما ترك شْرحها لرجال من‬
‫أمثال القمص زكريا بطرس‪ .‬إن اليهود كانوا قوما يؤمنون بالله الواحد‪ ،‬غير‬
‫حسن‬ ‫أن أعمالهم كانت سيئة‪ ،‬ولذلك كانت دعوة السيد المسيح تتركز على ُ‬
‫العمل‪ ،‬ولم يتعرض كثيرا لعقيدتهم عن الله تعالى‪ .‬وموضوع التجسد هذا كان‬
‫جديدا على مفاهيم اليهود‪ ،‬ولذلك كان ينبغي عليه أن يشرح لهم هذا التجسد‪،‬‬
‫ويبين للناس كيف يمكن أن يتجسد الله‪ ،‬الذي هو موجود في كل شيء‬
‫حسب إيمان النصارى‪ ،‬في جسم إنسان هو موجود فيه من قبل أن يتجسد‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيه‪.‬‬
‫)‪( 30‬‬

‫)‪(41 /‬‬

‫هذه هي الحلقة الثلثون التي نلتقي فيها مع حلقات "أجوبة عن اليمان" لنرد‬
‫بها على حلقات "أسئلة عن اليمان" التي قدمها جناب القمص زكريا بطرس‪.‬‬
‫وخلل الحلقات الثماني الماضية ناقشنا موضوع تجسد الله المزعوم في‬
‫صصنا الحلقات الثلث الماضية لمناقشة المشاكل التي‬ ‫جسم المسيح‪ ،‬وقد خ ّ‬
‫تنجم عن هذا التجسد المزعوم‪ .‬ورغم مناقشة هذه المشاكل في حلقات‬
‫ثلث إل أننا لم نستطع عرض جميع مشاكل هذه العقيدة الخاطئة‪ ،‬المر الذي‬
‫يضطرنا إلى عدم السترسال في هذه المناقشة اكتفاء بما قدمناه‪ .‬ومن ل‬
‫يرى خطأ هذه العقيدة بعد هذه الحلقات الثماني التي ناقشناها فيها‪ ،‬فلن‬
‫يرى خطأها ولو ناقشناها في ثمانين حلقة‪ ،‬وذلك لن مثل هؤلء ل يريدون أن‬
‫يستخدموا العقول التي وهبهم الله إياها‪ ،‬فعطلوها؛ كما أنهم ل يريدون أن‬
‫يفكروا بأي منطق‪ ،‬لنهم يفتقدونه‪ .‬ونحن ل نتوجه إلى مثل هؤلء بالقول أو‬
‫بالكلم‪ ،‬ونكتفي بأن ندعو الله لهم بالهداية وانفتاح البصيرة‪ .‬وأما توجيهنا‬
‫الكلم إلى جناب القمص فلم يكن بغرض اقناعه بما نقول‪ ،‬وإنما لكي نقيم‬
‫الحجة عليه‪ ،‬ونبين سوء استدلله وسخافة منطقه‪ ،‬ولو أننا نتمنى بالطبع لو‬
‫أنه جّرب أن يستعمل عقله‪ ،‬ويفتح بصيرته‪ ،‬ويتعامل مع معتقداته بمنطق‬
‫المفكر وليس بمنطق الناقل‪ .‬لقد ظل جناب القمص يكرر الهانة والتهام‬
‫للمسلمين بأنهم ل يريدون أن يقرأوا ول يريدون أن يفهموا ول يريدون أن‬
‫يقبلوا الحق‪ ،‬كما ظل يحثهم على أن يتخلوا عن أفكارهم القديمة ويفكروا‬
‫بمنطق القرن الواحد والعشرين‪ .‬وحبذا لو اّتبع جناب القمص نصيحته هذه‬
‫سع مجال قراءاته‪ ،‬ولم يقتصر على قراءة ما يكتبه هو فقط‪ ،‬ولو فعل‬ ‫فو ّ‬
‫لعرف أن المسيحية التقليدية التي يؤمن بها جناب القمص‪ ،‬والتي يدعونا نحن‬
‫المسلمين لن نقبلها بدل السلم‪ ،‬هذه المسيحية تحتضر الن‪ ،‬المر الذي‬
‫دفع أحد رجالت الدين في الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬هو السقف سبونغ‪،‬‬
‫أن يكتب كتابا بعنوان‪ ”Christianity Must Change or Die“ :‬أي‪" :‬على‬
‫المسيحية أن تتغير أو تموت"‪ .‬وليس هذا المفكر مجرد قس في كنيسة أو‬
‫حتى مجرد قمص من أمثال القمص زكريا بطرس‪ ،‬وإنما هو أسقف من كبار‬
‫الساقفة في أمريكا‪ ،‬أي أنه عليم وخبير بالعقائد المسيحية‪ ،‬ويعلم تماما أن‬
‫هذه العقائد لم تعد تناسب العصر الذي نعيش فيه‪ ،‬ول بد أن تتغير هذه‬
‫العقائد وُيعاد النظر فيها مرة أخرى لستبعاد جميع الخرافات التي تحتويها‪،‬‬
‫والمتناقضات التي تقوم عليها‪ .‬إن العالم يعيش الن في القرن الحادي‬
‫والعشرين‪ ،‬ولم تعد المواد الدينية حكرا على رجال الدين المتخصصين‬
‫وحدهم كما كان الحال في الماضي‪ ،‬وإنما أصبحت كل المعلومات متاحة‬
‫للجميع‪ ،‬سواء كان ذلك عن طريق الكلمة المطبوعة في الكتب‪ ،‬أو الكلمة‬
‫المنشورة على الشبكة العالمية للمعلومات "النترنت"‪ .‬وعلى ذلك فلن‬
‫يستطيع رجال الدين‪ ،‬في أي دين من الديان‪ ،‬أن يحتكروا وحدهم العلوم‬
‫الدينية‪ ،‬كما لن يستطيع أدعياء الدين أن يخدعوا الجماهير كما كان من‬
‫الممكن أن يفعلوا في الزمنة الماضية‪ ،‬حينما كانت الكتب المقدسة غير‬
‫متاحة للجميع أن يقرأوها‪ ،‬ول كانت في متناول أيدي العامة من الناس‬
‫ليعرفوا محتوياتها‪ ،‬فكانوا يقنعون بما ُيقال لهم‪ ،‬ويؤمنون بما يقرره رجال‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدين من عقائد‪ ،‬مهما اختلط بهذه العقائد من تناقضات‪ ،‬ومهما شابها من‬
‫خرافات‪.‬‬
‫ومع أننا نؤمن بأن الدين الذي كان يدين به المسيح ابن مريم ‪ u‬كان دينا يخلو‬
‫من الخرافات ويسمو على المتناقضات‪ ،‬إل أن هذا الدين عبر العصور‬
‫المتعاقبة قد وقع فريسة للخلفات‪ ،‬وصار ضحية لتنافس رجال الدين على‬
‫سلطة‪ ،‬المر الذي أّدى إلى الكثير من المتناقضات التي تغلغلت فيه‪ ،‬وإلى‬ ‫ال ُ‬
‫انتشار الخرافات التي تسربت إليه‪ .‬ومن هذه الخرافات التي تقوم عليها‬
‫المسيحية بوجه عام اليوم‪ ،‬هي خرافة الثالوث والتجسد‪ .‬وما يدفعنا إلى‬
‫التحفظ فنتحدث عن المسيحية "بوجه عام"‪ ،‬هو أن بعض الفرق المسيحية‬
‫قد أدركت خرافية هذه العقيدة فتخلت عنها تماما وأنكرتها‪ ،‬وأقرت بوحدانية‬
‫الله تعالى دون قيد أو شرط‪ .‬ومن هذه الفرق المسيحية فرقة‬
‫الكريستادلفيان واليونيتاريان وشهود يهوه‪ .‬وهذه الفرق المسيحية قد أنكرت‬
‫تماما ألوهية المسيح بأي شكل من الشكال‪ ،‬بينما أدركت بعض الفرق‬
‫الخرى سخافة فكرة التثليث‪ ،‬ولكنها لم تستطع بعد أن تجد لديها الشجاعة‬
‫الكافية لن تعترف بسخافتها فتنكرها‪ ،‬ولذلك راحت تفسرها وتشرحها‬
‫وتفلسفها في محاولت يائسة وفاشلة لكي تثبت أنها تؤمن بوحدانية الله‪،‬‬
‫فكانت النتيجة أنها لم تحقق الوحدانية ول التثليث‪ ،‬وإنما خلقت مسخا مشوها‬
‫وخليطا من الثنين‪ ،‬وذلك كما حاول جناب القمص أن يفعل‪.‬‬

‫)‪(42 /‬‬

‫دعي القمص أن مسيحيته تؤمن بأن الله واحد ل شريك له‪ .‬ولكنه في نفس‬ ‫ي ّ‬
‫الوقت يحاول تبرير الفكار التقليدية لمسيحية التثليث‪ ،‬فنراه يتكلم عن ثلثة‬
‫أقانيم يزعم أنها إله واحد‪ ،‬غير أنه ُيعّرف القنوم فيقول إنه "كائن قائم بذاته‬
‫ول ينفصل عن غيره"‪ .‬وما أعجبه وما أغربه من تعريف لله الواحد الذي ل‬
‫شريك له!! فهذا الله الواحد في رأيه يتكون من ثلثة أقانيم‪ ،‬أي يتكون من‬
‫ثلثة كائنات‪ ،‬كل منها قائم بذاته غير منفصل عن غيره‪ .‬وبذلك فقد عاد مرة‬
‫أخرى إلى مستنقع المسيحية التقليدية التي تؤمن بالتثليث‪ ،‬والتي تقول إن‬
‫الله واحد يتكون من ثلثة آلهة‪ .‬وإذا سأل أحد كيف يكون الله واحدا وثلثة‬
‫في نفس الوقت‪ ،‬يقولون إن هذا هو السر الذي ل يستطيع غير المؤمنين أن‬
‫يفهموه‪ ،‬ول بد من اليمان أول ثم يأتي الفهم فيما بعد‪ .‬وبالطبع إذا أقر المرء‬
‫باليمان‪ ،‬فما الداعي لطلب الفهم بعد ذلك؟ إن مجرد المناقشة بعد ذلك تدل‬
‫على عدم اليمان والشك‪ ،‬وتؤدي إلى التهام بالكفر والهرطقة والزندقة‪،‬‬
‫فمن ذا الذي يجرؤ على المناقشة‪ ،‬أو حتى التساؤل بينه وبين نفسه؟ إن‬
‫تساؤل العقل في هذه الحالة يكون رجسا من عمل الشيطان فل بد أن‬
‫يجتنبوه‪ ،‬ويجب على المؤمن المخلص أن يطرد مثل هذه الفكار الشيطانية‬
‫من فكره‪ ،‬ويطهر منها قلبه‪ ،‬وكأن الله قد وهب النسان العقل ليفكر به في‬
‫كل شيء ما عدا العقائد الدينية التي يخترعها رجال من أمثال القمص زكريا‬
‫بطرس‪.‬‬
‫والحقيقة أن جناب القمص لم يصل إلى مصاف المخترعين للعقائد‪ ،‬وإنما هو‬
‫من طبقة المبررين الذين يحاولون تبرير اللمعقول لكي يتفق مع المعقول‪،‬‬
‫وتبرير الخرافة ليجعل منها حقيقة‪ .‬ولذلك رأيناه يلف ويدور ويختلق لكلمة‬
‫"البن" الكثير من المعاني والتفسيرات‪ ،‬بل إنه ل يتورع عن الخداع والتزوير‪،‬‬
‫فيقول من ناحية إنه يتفق مع القرآن حين ينفي أن يكون لله ولد‪ ،‬ثم يزعم‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ناحية أخرى أن مسيحيته تؤمن بأن المسيح لم يولد من الله‪ ،‬ولكنه ابن‬
‫دى المسلمين فيقول‪" :‬احنا بنقول "ابن" ما قلناش "ولد"‪ ،‬يعني‬ ‫الله‪ ،‬ثم يتح ّ‬
‫آدي الكتاب المقدس‪ ،‬ويجيبولنا إن احنا بنقول المسيح ولد الله‪ ،‬أو الله ولد‬
‫المسيح‪ ،‬احنا بنقول ابن"‪.‬‬
‫ولو كان جناب القمص أمينا مع نفسه‪ ،‬ومع ضميره‪ ،‬ومع الناس الذين يحدثهم‬
‫على شاشات التلفاز‪ ،‬لما قال هذه الجملة‪ ،‬لنه يكذب ويعلم أنه يكذب‪ ،‬إل إن‬
‫كان جاهل ولم يقرأ الترجمة النجليزية للناجيل‪ .‬ولكن يبدو أن الكذب‬
‫مسموح به في شريعة القمص‪ ،‬ما دام يستطيع بهذا الكذب والغش والخداع‬
‫ول المسلمين عن السلم‪ ،‬ويوقعهم في شباك مسيحيته‪.‬‬ ‫أن يح ّ‬
‫إن جناب القمص يجيد اللغة النجليزية‪ ،‬وقد عاش مدة في استراليا‪ ،‬وزار‬
‫بريطانيا والوليات المتحدة المريكية وكندا‪ ،‬وأدلى بالكثير من الحاديث‬
‫واللقاءات التلفزيونية باللغة النجليزية‪ ،‬ولدينا أحاديث مسجلة لجناب القمص‬
‫وهو يتحدث باللغة النجليزية بطلقة‪ .‬وليس من شك في أنه يعلم ماذا تقول‬
‫النسخة النجليزية لنجيل يوحنا في الصحاح الثالث والفقرة ‪ 16‬التي نصها‪:‬‬
‫“‪For God so loved the world, that he gave (his only begotten Son), that‬‬
‫‪.”whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life‬‬
‫والترجمة العربية التي قام بها المترجمون المسيحيون المناء أمانة القمص‬
‫زكريا بطرس هي كما يلي‪:‬‬
‫"لنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل )ابنه الوحيد( لكي ل يهلك كل من يؤمن‬
‫به بل تكون له الحياة البدية"‪.‬‬
‫ومن الواضح أن المترجم المسيحي المين‪ ،‬مثل أمانة القمص‪ ،‬لم يترجم‬
‫كلمة “‪ ”begotten‬التي معناها "المولود" أو "الوليد"‪ ،‬بل إنه أسقطها من‬
‫النص‪ .‬فلماذا يا ترى أسقطها المترجم المين من النص؟ هل لخداع‬
‫المسيحيين العرب أم لصطياد المسلمين العرب؟ أم أنه أسقطها من أجل‬
‫دى المسلمين أن يستخرجوا من الكتاب المقدس‬ ‫أن يأتي جناب القمص فيتح ّ‬
‫أن المسيحيين يقولون عن المسيح أنه مولود من الله‪.‬‬
‫دي‪ ،‬وها هو البرهان أمام عينيك‪ ،‬وأمام‬ ‫حسنا يا جناب القمص‪ .‬لقد قبلنا التح ّ‬
‫عيون من يثقون بك ويظنون أنك لكونك رجل دين فلن تكذب عليهم ولن‬
‫تخدعهم‪.‬‬

‫)‪(43 /‬‬

‫غير أن فضيحة الكذب ل تنتهي عند هذا الحد‪ .‬فهي ل تقتصر على الكتاب‬
‫المقدس وحده‪ ،‬وذلك لن العقائد في المسيحية ل تقوم على الكتاب‬
‫المقدس فقط‪ ،‬وإنما ما يقرره الباء في مجامعهم الكنسية يصير أيضا من‬
‫العقائد التي يلتزم المسيحيون باليمان بها‪ .‬وقد نصت جميع قرارات المجامع‬
‫المسكونية على أن المسيح هو البن المولود من الب‪ .‬ولو تمحك جناب‬
‫القمص بحجة الجهل وزعم أنه لم يقرأ ولم يسمع الفقرة التي ذكرناها في‬
‫إنجيل يوحنا باللغة النجليزية‪ ،‬فهو بل شك على علم بقوانين اليمان التي‬
‫أصدرتها المجامع المسكونية‪ .‬والمر العجيب والشيء الغريب‪ ،‬أنني بحثت‬
‫في شبكة المعلومات "النترنت" عن ترجمة باللغة العربية لقوانين اليمان‬
‫التي نجمت عن هذه المجامع‪ ،‬فلم أجد‪ .‬وحتى في الموقع الذي نشر فيه‬
‫جناب القمص كتابه عن انشقاق الكنيسة‪ ،‬نراه يتكلم عن المجامع المسكونية‬
‫الربعة التي تؤمن بها مسيحيته‪ ،‬ويذكر عنها كل شيء ما عدا نصوص قوانين‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليمان التي قررتها‪ ،‬وذلك لنه يعلم أنه لو نشر قوانين اليمان هذه‪ ،‬فلن‬
‫يستطيع خداع المسلمين الذين يلف ويدور معهم‪ ،‬ويحاول إقناعهم بأن‬
‫المسيح مجرد "ابن" ولكنه ليس "مولودا"‪ .‬ولذلك فقد اضطررت أن أقوم‬
‫بترجمة الجزاء الهامة من قوانين اليمان هذه‪ .‬وإني أتحدى جناب القمص‬
‫وشركاه‪ ،‬أن ينشروا ترجمتهم العربية الكاملة لقوانين اليمان هذه‪ ،‬إن كانوا‬
‫يرون أي خطأ أو نقص في هذه الترجمة التي أقدمها لهم وللمسلمين‬
‫وللمسيحيين أيضا‪ ،‬حتى يعلموا مدى كذب القمص ومقدار خداعه‪.‬‬
‫يقول قانون اليمان الصادر عن مجمع نيقية )‪:(The Nicene Creed‬‬
‫“‪I believe in one God, the Father Almighty, Maker of heaven and earth, and‬‬
‫‪of all things visible and invisible. And in one Lord Jesus Christ, the only‬‬
‫‪begotten Son of God, begotten of the Father before all worlds; God of God,‬‬
‫‪Light of Light, very God of very God; begotten, not made, being of one‬‬
‫‪.”substance with the Father, by whom all things were made…etc‬‬
‫"أؤمن بإله واحد‪ ،‬الب القدير‪ ،‬صانع السماء والرض‪ ،‬وكل ما ُيرى وما ل‬
‫ُيرى‪ .‬وبرب واحد يسوع المسيح‪ ،‬البن الوحيد المولود لله‪ ،‬المولود من الب‬
‫قبل كل العالمين‪ ،‬إله من إله‪ ،‬نور من نور‪ ،‬نفس الله من نفس الله؛ مولود‪،‬‬
‫خلق كل شيء‪ ...‬الخ"‪.‬‬ ‫غير مخلوق‪ ،‬من جوهر واحد مع الب‪ ،‬الذي به ُ‬
‫وأظن أن المر ل يحتاج إلى أي تعليق آخر على كذب وغش وخداع وتزوير‬
‫جناب القمص‪.‬‬
‫غير أن مسلسل الكذب ل يقف عند هذا الحد‪ ،‬وجناب القمص‪ ..‬رجل الدين‬
‫المحترم‪ ،‬ل يتوّرع عن الكذب وعن المزيد من الكذب‪ ،‬فهو يقول في الحلقة‬
‫السابعة من حلقاته التي قدمها مع السيدة ناهد متولي ما يلي‪:‬‬
‫"الستاذ عباس محمود العقاد‪ ،‬الله يرحمه‪ ،‬الكتاب اسمه "الله" صفحة ‪،171‬‬
‫فبيقول‪ :‬إن القنوم جوهر واحد‪ ،‬فإن الكلمة والب وجود واحد‪ ،‬وأنك حين‬
‫تقول الب‪ ،‬ل تدل على ذات منفصلة عن البن‪ ،‬لنه ل تركيب في الذات‬
‫اللهية‪ ،‬أي أن الله غير مركب من ذوات أو نفوس متعددة‪ ،‬هو واحد له عقل‬
‫وله روح"‪.‬‬
‫ومرة أخرى يلجأ القمص إلى أسلوب الكذب والخداع‪ ،‬فيحاول أن يخدع‬
‫مشاهديه بإفهامهم أن المفكر الكبير الستاذ عباس محمود العقاد كان يؤمن‬
‫بعقيدة التثليث ويرى أن الب والكلمة وجود واحد‪ ،‬بينما الذي ذكره الستاذ‬
‫العقاد هو ملخص لرأي كهنة المسيحية الذين اختلف بعضهم مع البعض في‬
‫القرون الخمسة الولى‪ .‬ومن الكذب والخداع أن ينسب القمص هذه الراء‬
‫وه بذلك سيرته وعقيدته‪ .‬وقد سمعت أن بعض المصريين‬ ‫للستاذ العقاد‪ ،‬ويش ّ‬
‫يريدون أن يرفعوا دعوى في المحاكم المصرية يتهمون فيها جناب القمص‬
‫بالكذب والساءة إلى أدب الستاذ العقاد بتزوير كتاباته‪ .‬وسواء أدانت‬
‫المحاكم المصرية جناب القمص بسبب كذبه وافتراءاته على كتابات الستاذ‬
‫العقاد أو لم تدنه‪ ،‬فهذا أمر متروك لهذه المحاكم‪ .‬وبطبيعة الحال فإن مثل‬
‫هذا الحكم ل قيمة له بالنسبة للقمص‪ ،‬لنه ل يقيم في مصر‪ ،‬ولكن الحكم‬
‫الحقيقي سوف يصدر عليه في محكمة السماء‪ ،‬حيث يعلم القاضي العظم‬
‫نّيات الكذابين والمفترين‪ ،‬وهو وحده الذي يستطيع أن يوقع العقاب‪ ،‬حيث ل‬
‫يستطيع جناب القمص أن يهرب من المثول أمامه‪ ،‬ول أن يتهّرب من الجابة‬
‫عند السؤال‪.‬‬
‫وما زلنا في مستنقع الكذب الذي ترّدى فيه جناب القمص‪ ،‬حيث إنه روى عن‬
‫الشيخ محيي الدين ابن العربي مقولة أخرى كما روى من قبل مقولة الستاذ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عباس محمود العقاد‪ .‬إذ يقول في الحلقة السادسة التي سجلها مع السيدة‬
‫ناهد متولي ما يلي‪:‬‬
‫"الشيخ محيي الدين العربي في كتاب فصوص الحكم الجزء الثاني صفحة‬
‫‪ ،35‬بيقول إيه محيي الدين العربي؟ بيقول‪ :‬الكلمة هي الله متجليا‪ ،‬وهي‬
‫عين الذات اللهية ل غيرها‪ .‬وقال أيضا في نفس الكتاب صفحة ‪ :143‬الكلمة‬
‫هي اللهوت"‪.‬‬

‫)‪(44 /‬‬

‫وقد بحث الصدقاء عن هذه الجمل المنسوبة إلى الشيخ محيي الدين ابن‬
‫العربي في الكتاب المذكور وفي الصفحات التي ذكرها جناب القمص‪ ،‬ولكن‬
‫لم يعثروا لها على أثر‪ ،‬ل من قريب ول من بعيد‪.‬‬
‫وقد قلنا غير مرة إن آراء العلماء في السلم ليست ملزمة للمة‪ ،‬فليس في‬
‫السلم كهنوت‪ ،‬وليس من حق أحد مهما بلغ علمه ومهما عل مقامه أن‬
‫يفرض رأيه على المسلمين‪ ،‬والنبي الذي بعثه الله تعالى لهذه المة‪ ،‬لم يعط‬
‫لنفسه هذا الحق وإنما أعطاه الله تعالى له في كتابه العزيز حيث يقول [‬
‫َ‬ ‫سو َ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬‫لف َ‬ ‫من ي ُط ِِع الّر ُ‬ ‫ل] )المائدة‪ ،(92:‬ويقول [ ّ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫وَأ ِ‬
‫ه‬
‫ضى الل ُ‬ ‫من َةٍ إ َِذا قَ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬‫ن َول ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫أَ َ‬
‫م ٍ‬ ‫ن لِ ُ‬
‫كا َ‬ ‫ه] )النساء‪ ،(80:‬ويقول [وَ َ‬
‫خيرة ُ م َ‬
‫طاعَ الل َ‬
‫م] )الحزاب‪ ،(36:‬ويقول أيضا [‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ال ْ ِ َ َ ِ ْ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫كو َ‬ ‫مًرا َأن ي َ ُ‬ ‫ورسول ُ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫شجر بينهم ث ُم ل يجدوا في َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ِ ِ ْ‬‫ه‬‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫أن‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫َ َ ََُْ ْ ّ‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫في‬
‫ِ َ‬ ‫ك‬ ‫مو‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫تى‬
‫ُ ِ ُ َ َ ّ ُ َ ُ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫َفل وََرب ّ‬
‫ما] )النساء‪ .(65:‬إذن الطاعة الواجبة والتباع‬ ‫سِلي ً‬‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ّ‬ ‫حَر ً‬ ‫َ‬
‫الملزم في المور الدينية يكون لله تعالى وللنبي الذي بعثه الله تعالى لهذه‬
‫المة‪ ،‬وأما اّتباع أولي المر فيكون في المور الدنيوية المنظمة لحوال‬
‫المجتمع والتي تقوم على الشورى‪ .‬أما آراء العلماء فهي كلها اجتهادية‪،‬‬
‫تخضع للصواب كما تخضع للخطأ‪ ،‬وليس من حق أي مجمع للمشايخ أو‬
‫للعلماء أن يفرض رأيه على المة كما هو الحال في المسيحية‪ .‬وجناب‬
‫القمص يعرف ذلك جيدا‪ ،‬ولكنه ل يكف عن محاولته لخداع المسلمين‪ ،‬ول‬
‫يتوقف عن محاولته التي تهدف إلى إقناعهم باتباع خرافاته وعقائده‬
‫المغلوطة‪ ،‬اعتمادا على أقوال بعض العلماء‪ ،‬حتى ولو لم يكن لهذه القوال‬
‫من أثر في صفحات الكتب التي يستشهد بها‪.‬‬
‫وأسلوب الغش والخداع الذي يتبعه جناب القمص يظهر بوضوح حين‬
‫يستشهد جنابه برأي بعض الفرق المنحرفة أو المغالية‪ ،‬ثم ينسب هذا الرأي‬
‫إلى المسلمين أو إلى طائفة من المسلمين‪ ،‬وذلك كما فعل عندما أراد أن‬
‫ينسب إلى المعتزلة أنهم يؤيدون نظرية الحلول والتجسد التي يؤمن بها‬
‫سد‬ ‫جنابه‪ ،‬فزعم أن المعتزلة قالوا "إن كلم الله حل في الشجرة‪ ،‬أي تج ّ‬
‫فيها"‪ .‬أما المرجع الذي نقل عنه هذا الكلم فهو ليس كتابا من كتب المعتزلة‪،‬‬
‫وليس قول من أقوال رؤسائهم وقادتهم‪ ،‬وإنما هو من كتاب "الملل والهواء‬
‫والّنحل"‪ ،‬الذي جمع فيه مؤلفه آراء الفَرق والّنحل المختلفة‪ ،‬بما فيها الفرق‬
‫الشاذة والّنحل المنحرفة‪ .‬ويريد القمص بذلك أن يوحي للمسلمين أن الراء‬
‫التي ينقلها من ذلك الكتاب ُتعّبر عن رأي علماء المسلمين‪ .‬ويعلم جناب‬
‫القمص تمام العلم أن في هذا السلوب خداع للمسلمين‪ ،‬وخداع لجميع‬
‫مشاهديه حتى من المسيحيين الذين يسمعون كلمه ويصدقونه‪ .‬وماذا يمكن‬
‫أن يقول القمص لو أنني نقلت رأيا من آراء فرقة مسيحية من الفرق‬
‫المسيحية التي يعتبرها القمص فرقا كافرة ومهرطقة ومنحرفة مثل "شهود‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يهوه" مثل‪ ،‬ثم زعمت بعد ذلك أن رأي هذه الفرقة هو رأي المسيحية التي‬
‫يؤمن بها القمص؟ ألن يعتبرني القمص إنسانا غشاشا ومغالطا ومخادعا؟‬
‫وإن لم يكن هذا هو الغش والخداع‪ ،‬فما هو الغش والخداع في نظر جناب‬
‫القمص؟‬
‫إننا ل نهدف هنا أن نبين فقط كذب القمص وخداعه لمجرد إثبات أنه يكذب‬
‫ويخادع‪ ،‬فالكذب والخداع هذا سوف يحاسبه الله تعالى عليه حسب نّيته‪،‬‬
‫والله تعالى شديد العقاب كما أنه أرحم الراحمين‪ ،‬ولذلك فإننا نترك أمر‬
‫القمص إلى صاحب المر‪ .‬إن هدفنا من بيان الكذب والخداع في كلم‬
‫القمص هو أن ننّبه أولئك الذين انخدعوا بكلمه وصدقوه إلى ضرورة مراجعة‬
‫حساباتهم وعقائدهم‪ ،‬والسيد المسيح يقول‪" :‬ماذا ينتفع النسان إذا ربح‬
‫كر هؤلء الذين يصدقون‬ ‫العالم كله وخسر نفسه" )مّتى ‪ ،(26:16‬ونحن ُنذ ّ‬
‫دق كلم‬ ‫القمص بقول السيد المسيح ونقول لهم‪ :‬ماذا ينتفع النسان إذا ص ّ‬
‫القمص كله وخسر نفسه؟‬
‫وبعد‪..‬‬

‫)‪(45 /‬‬

‫لقد انتهينا من تناول العقائد المسيحية التي حاول جناب القمص أن يثبت‬
‫صحتها‪ ،‬وهي تتلخص في موضوعات ثلثة هي‪ :‬الثالوث‪ ،‬والتجسد‪ ،‬والكفارة‪.‬‬
‫وقد عالجنا هذه الموضوعات على مدى ثلثين حلقة من حلقات برنامج‬
‫"أجوبة عن اليمان"‪ .‬وأردنا أن نخصص الحلقة الخيرة من هذه الحلقات‬
‫لكشف كذب وخداع القمص زكريا بطرس‪ .‬وبطبيعة الحال فإننا نأسف أن‬
‫يتصف رجل دين بهذه الصفات‪ ،‬وكنا نتمنى أن يلتزم جناب القمص بأبسط‬
‫قواعد الخلق والصفات الكريمة‪ ،‬التي يحض عليها كل دين من الديان‪ ،‬مهما‬
‫شابه من متناقضات‪ ،‬ومهما ناله من خرافات‪ ،‬فإن الديان جميعها تحترم‬
‫المبادئ الخلقية النبيلة وتحض عليها‪ .‬ولكن يبدو أن جناب القمص يّتبع‬
‫دعي مّتى أنها من قول المسيح حيث يزعم أنه قال‪:‬‬ ‫بإخلص النصيحة التي ي ّ‬
‫"ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب‪ ،‬فكونوا حكماء كالحّيات‪ ،‬بسطاء‬
‫كالحمام" )مّتى‪ .(16:10:‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فلن يكون هناك أي شعور من حب‬
‫لدى الغنم تجاه الذئاب‪ ،‬ولكن يملهم الحساس بالخوف والحقد والرغبة في‬
‫النتقام وإيقاع الذى والضرر‪ ،‬تعبر عنها الحّيات بملمسها الناعم من الناحية‬
‫الظاهرية‪ ،‬وسمها القاتل الموجود في داخلها والقابع في أنيابها‪ .‬وهكذا كان‬
‫القمص ومن هم على شاكلته من دعاة المسيحية الذين يتحدثون برقة‬
‫سيه بما كان يستخدمه‬ ‫الحمام وينفثون سموم الحّيات‪ .‬أضف إلى هذا تأ ّ‬
‫بولس من منطق في تبرير الكذب‪ ،‬حيث إنه ل يمانع في التحايل بالكذب‬
‫طالما كان هذا الكذب يؤّدي إلى ازدياد صدق الله‪ .‬يقول بولس‪" :‬إن كان‬
‫صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده فلماذا ُأدان أنا بعد كخاطئ" )رومية ‪.(7:3‬‬
‫هذه هي السياسة التي برع فيها جناب القمص‪ ،‬سياسة الكذب من أجل‬
‫صدق الله ومجده الذي يتحدث عنهما بولس‪ .‬ولكن أي صدق هذا وأي مجد‬
‫هذا الذي يقوم على الكذب ويتأسس على الغش والخداع؟ ومن هو ذلك الله‬
‫الذي يحض الدعاة لدينه أن يلجأوا إلى الكذب من أجل أن يزداد مجده؟ ل‬
‫دوس المجيد الذي من أسمائه‬ ‫يمكن أن يكون هذا الله هو رب العالمين الق ّ‬
‫"الحق" لن كل كلمه حق‪ ،‬ويقوم على الحق‪ ،‬وجاءت جميع رسله بالحق‪.‬‬
‫إننا نؤكد احترامنا وتقديرنا وإعزازنا للمسيح عيسى ابن مريم ‪ u‬والدين‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكريم الذي كان يدين به والذي دعا قومه إليه‪ .‬ولكننا ل نعرف من هو يسوع‬
‫الذي اخترعته الناجيل التي كتبها بشر من أمثال لوقا اليوناني ويوحنا‬
‫الروماني‪ ،‬ول نعترف برجال من أمثال بولس الذي يصف سيده وسيدنا‬
‫المسيح ابن مريم ‪ u‬بأنه لعنة حيث يقول‪" :‬المسيح افتدانا من لعنة الناموس‬
‫إذ صار لعنة لجلنا‪ ،‬لنه مكتوب ملعون كل من عُّلق على خشبة" )غلطية‬
‫‪ .(13:3‬ونحن نقول ملعون كل من لعن نبيا من أنبياء الله‪.‬‬
‫إننا نربأ بإخواننا المسيحيين أن يّتبعوا مثل هذه العقائد الفاسدة‪ ،‬ونهيب بهم‬
‫أن يعيدوا التفكير فيها حتى ل ُيكتبوا عند الله من لعني النبياء‪ .‬ولكن إذا‬
‫كانت هذه هي إرادتهم وهذا هو اختيارهم‪ ،‬فهم أحرار في عقيدتهم‪ ،‬وليس‬
‫من حقنا أن نحاسبهم على ما يعتقدونه‪ ،‬لن حسابهم سوف يكون أمام رب‬
‫العالمين‪ .‬ونحن لم نتوجه إليهم بأي كلمة إل كلمة النصيحة المخلصة‪ ،‬ولم‬
‫نخاطبهم بأي لفظ جارح‪ ،‬وقد تحاشينا ما استطعنا استخدام اللفاظ الجارحة‪،‬‬
‫وكنا نتوجه بالكلم إلى جناب القمص بكل احترام لنه من رجال الدين‪ ،‬وتركنا‬
‫السب والشتم لنه لغة السفهاء من الناس‪ ،‬ول يلجأ إليه إل من أعوزته الحجة‬
‫وافتقد المنطق‪ .‬ونحن نشكر جناب القمص أنه أتاح لنا فرصة الرد عليه‬
‫وتفنيد العقائد الباطلة التي يدعو الناس إليها‪.‬‬
‫دعيه‬‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫للرد‬ ‫نعود‬ ‫وسوف‬ ‫إن معركتنا مع جناب القمص لم تنته بعد‪،‬‬
‫من استحالة تحريف الكتاب المقدس‪ ،‬وسوف نبين له وللمشاهدين جميعا‬
‫من مسلمين ومسيحيين مدى التحريف الذي أصاب الكتاب المقدس‪ ،‬فتابعونا‬
‫لكي تشاهدوا بأنفسكم كيف يخبو الباطل أمام الحق‪ ،‬وكيف يقذف الله‬
‫بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق‪.‬‬

‫)‪(46 /‬‬

‫الرد على افتراءات برنامج زكريا بطرس فى قناة الحياة الفضائية ‪ )2‬أسئلة‬
‫عن اليمان (‬
‫أجوبة عن اليمان‬
‫مصطفى ثابت‬
‫‪agweba@yahoo.com‬‬
‫الرد على إفتراءات برنامج زكريا بطرس فى قناة الحياة الفضائية ) أسئلة‬
‫عن اليمان (‬
‫) ‪( 11‬‬
‫التقينا قبل الن في عشر حلقات في هذه السلسلة من حلقات "أجوبة على‬
‫مص زكريا بطرس في حلقاته التي قدمها‬ ‫اليمان" التي نرد بها على الق ّ‬
‫بعنوان "أسئلة عن اليمان"‪ .‬وقد تكلمنا حتى الن في الحلقة الولى عن‬
‫مص نشره في العالم السلمي والساليب‬ ‫حديث الفك الذي يتولى جناب الق ّ‬
‫التي يتبعها لتحقيق ذلك‪ ،‬ثم تناولنا بعد ذلك موضوع الصلب والفداء من بداية‬
‫مص عن آدم وحواء‪ ،‬وقد أوضحنا أنه حسب ما جاء‬ ‫الحكاية التي حكاها الق ّ‬
‫في التوراة‪ ،‬لم يكن آدم وحواء يعرفان الفرق بين الخير والشر‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫فقد كان من السهل على الشيطان أن يخدعهما فوقعا في الخطأ ولكن بدون‬
‫مص‬ ‫قصد‪ .‬ثم تحدثنا بعد ذلك عن النسان والشيطان‪ ،‬وأوضحنا فساد رأي الق ّ‬
‫دعي بأن الشيطان كان رئيس الملئكة ولكنه عصى الله تعالى‪ ،‬وذكرنا‬ ‫الذي ي ّ‬
‫أن الملئكة ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪ .‬ثم قدمنا بعد ذلك‬
‫مقارنة بين التفسير المادي لجنة آدم التي ذكرتها التوراة والتفسير المجازي‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لهذه الجنة حسب ما جاء في القرآن المجيد‪ .‬وقد أثبتنا بعد ذلك خطأ مبدأ‬
‫توارث الخطية وتعارض ذلك مع مبدأ العدل الذي تقره جميع الديان‪ .‬وتناولنا‬
‫بعد ذلك في حلقتين موضوع الرحمة والعدل وكيف أن الرحمة ل تتعارض مع‬
‫العدل‪ ،‬وفي حلقتين أخرييين شرحنا الخلل في عقيدة الصلب والفداء التي‬
‫مص‪ ،‬ثم تكلمنا بعد هذا عن معنى العدل‪ ،‬ونريد في هذه‬ ‫قدمها جناب الق ّ‬
‫الحلقة أن نتناول موضوع الرحمة والتكفير عن الذنوب‪ ،‬وما معنى تكفير‬
‫النسان عن ذنوبه‪ ،‬ومعنى تكفير الله تعالى عن ذنوب عباده‪.‬‬
‫مص سؤال هاما فقالت‪:‬‬ ‫وقد سألت السيدة ناهد متولي جناب الق ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مص قائل‪:‬‬ ‫"بيقولوا أل َ تكفي التوبة للغفران‪ ،‬فلماذا الصلب"؟ فرد عليها الق ّ‬
‫"التوبة لزمة للغفران‪ ،‬لكن الغفران ل يأتي بمجرد التوبة فقط‪ .‬طبعا‬
‫العتراض بتاع التوبة جاي من سورة البقرة آية ‪ ،27‬إنت قلتيها في جلسة‬
‫م] تاب‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ب عَل َي ْهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ت فََتا َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫من ّرب ّهِ ك َل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قى آد َ ُ‬ ‫قبل كده [فَت َل َ ّ‬
‫عليه‪ ،‬إنه التواب الرحيم‪ ،‬لكن هل دي معناها الغفران؟ تاب‪ .‬التوبة‪ ،‬فعل‬
‫إنسان‪ ،‬والغفران‪ ،‬عمل إلهي‪ .‬فأنا لزم أتوب‪ ،‬بس التوبة ما هياش كل حاجة‪،‬‬
‫لكن محتاجين إلى‪ ،..‬يعني التوبة ندامة على الماضي‪ ،‬والتوبة اعتراف أو‬
‫عزيمة على إنه ما يغلطش في المستقبل‪ ،‬يعني يقولك خلص أنا تبت عن‬
‫اللي فات‪ ،‬وتوبة آخر نوبة ما عدتش أعمل كده‪ .‬ده توبة‪ .‬لكن هل التوبة‪،‬‬
‫بتعالج‪ ،‬الغلط اللي حصل؟ يعني مثل‪ ،‬إنت ماشية بعربيتك‪ ،‬جه واحد خبط لك‬
‫سف خالص‪ ،‬وما عدتش تاني مرة أخبط‬ ‫وظها‪ .‬فيْنزل يقولك‪ :‬أنا متأ ّ‬ ‫العربية‪ ،‬ب ّ‬
‫لك عربيتك‪ .‬بس مصلحش العربية‪ .‬ما عوضكيش عن العربية‪ .‬صح؟ العربية‬ ‫ّ‬
‫‪ total loss‬فقدان تام‪ .‬ييجي يقولك‪ :‬أنا متأسف‪ ،‬خلص‪ ،‬أنا عرفت غلطتي‪،‬‬
‫متأسف يا مدام‪ ،‬أنا آسف‪ ،‬وثقي إن أنا بعد كده مش حخبط لك عربيتك‬
‫تاني‪ ،‬استفدنا إيه؟ ول حاجة‪ .‬إذن الندامة مطلوبة‪ ،‬والعزيمة مطلوبة‪ ،‬إنه ما‬
‫يغلطش تاني‪ ،‬لكن ل بد من التعويض‪ .‬التعويض هو الذي فعله المسيح‪ ،‬مات‬
‫عوضا عّنا‪ .‬لن كان محكوم علينا بالموت‪ ،‬ول يمكن أن يغفر الخطية إل بتنفيذ‬
‫الحكم‪ ،‬وبعدل الله‪ .‬فجاءت الرحمة‪ ،‬وأعطى نفسه فداء عنا‪ ،‬هكذا أحب الله‬
‫العالم‪ ،‬حتى بذل ابنه الوحيد لكي ل يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة‬
‫ضحنا الحقيقة دي برضه‬ ‫البدية‪ .‬ماشي؟" فتقول السيدة ناهد‪" :‬ماشي‪ .‬احنا و ّ‬
‫في حلقات قبل كده‪ ،‬بس برضه نحب نعيدها عشان كل اللي معانا يفهموا‬
‫بالظبط إيه‪ ،‬عشان بنلقي السؤال ده كتير جدا يابونا‪ ،‬ربنا تاب علينا‪ ،‬ربنا‬
‫مص‪" :‬هوه صحيح‪ .‬بس لزم محتاجين إلى كفارة‪.‬‬ ‫غفر الخطية"‪ .‬فيقول الق ّ‬
‫مص مبدأ الكفارة من‬ ‫التوبة كويسة بس محتاجة إلى كفارة"‪ .‬ثم يشرح الق ّ‬
‫الوجهة المسيحية‪ ،‬ثم يتساءل قائل‪" :‬طب هل القرآن فيه كفارة؟ طبعا‪ .‬في‬
‫و]‪ ،‬اللغو يعني إيه؟ الكلم‬ ‫ه ِبالل ّغْ ِ‬ ‫م الل ُ‬‫خذ ُك ُ ُ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫سورة المائدة آية ‪ 89‬بيقول [ل ي ُ َ‬
‫َ‬
‫م]‪ ،‬في القسام اللي بتحلفوها يعني‪[ ،‬‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫غير المقصود يعني‪ِ[ ،‬بالل ّغْوِ في أي ْ َ‬
‫َ‬
‫حلفانة ما لهاش‪ ،‬مش صادق‬ ‫م]‪ ،‬يعني لو ِ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ه ِبالل ّغْوِ في أي ْ َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫خذ ُك ُ ُ‬ ‫ل يُ َ‬
‫ؤا ِ‬
‫م]‪،‬‬‫قد ْت ُ ْ‬
‫ما عَ ّ‬‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫خذ ُك ْ‬ ‫ؤا ِ‬‫ن يُ َ‬ ‫َ‬
‫فيها‪ ،‬يعني أي كلمة تتقال‪ ،‬ما بيحاسبكمش‪[ ،‬وَلك ِ ْ‬
‫يعني بما عمدتم‪ ،‬عن عمد‪ ،‬واحد حاطط في دماغه إنه يروح يحلف في‬
‫َ‬
‫ن]‪ ،‬القسم‪ ،‬لو انت أقسمت باطل‪،‬‬ ‫ما َ‬ ‫م الي ْ َ‬ ‫قدت ّ ُ‬ ‫ما عَ ّ‬‫م بِ َ‬‫خذ ُك ُ ْ‬
‫ؤا ِ‬ ‫المحكمة‪[ ،‬ي ُ َ‬
‫مد‪ ،‬حايحاسبكم على كده‪ .‬طب وبعدين؟ العلج إيه؟ العلج؟ آه‪،‬‬ ‫وانت متع ّ‬
‫ه]‪ ،‬كفارته‪ ،‬التكفير عن القسم‪ ،‬إيه‬ ‫فاَرت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شوف العلج‪ ،‬في نفس الية‪[ :‬فك ّ‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫شرة مساكين‪[ ،]..‬أ َو كسوته َ‬
‫ة]‪ ،‬رقبة عبد‬ ‫ريُر َرقَب َ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫م أوْ ت َ ْ‬ ‫ْ ِ ْ َُُ ْ‬ ‫م عَ َ َ ِ َ َ ِ َ‬ ‫بقى؟ [إ ِط َْعا ُ‬
‫َ‬
‫ك كَ ّ‬
‫فاَرةُ‬ ‫م َثلث َةِ أّيام ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫د]‪ ،‬التلتة دول‪[ ،‬فَ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫م يَ ِ‬‫من ل ّ ْ‬‫يعني يحرر واحد‪[ ،‬فَ َ‬
‫َ‬
‫م]‪ .‬يبقى إذن الحلفان محتاج لكفارة من أربعة‪ .‬فما بال خطية ضد‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫أي ْ َ‬
‫الله؟ آدي كفارة‪ .‬واضح؟ طب بصي بقى حاجة تانية‪ .‬في سورة التغابن آية ‪9‬‬
‫ه] الله يكفر عنه‬ ‫سي َّئات ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫فْر عَن ْ ُ‬ ‫حا ي ُك َ ّ‬
‫صال ِ ً‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫منم ِباللهِ وَي َعْ َ‬ ‫من ي ُؤْ ِ‬ ‫بيقول إيه؟ [وَ َ‬
‫َ‬
‫فر عن‬ ‫حت َِها الن َْهاُر] يبقى الله لزم يك ّ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬‫خل ْ ُ‬
‫سيئاته‪[ ،‬وَي ُد ْ ِ‬
‫فر‪ ،... ،‬يبقى فيه تكفير‪ ،‬مش كده؟ وقلنا التكفير ده مش‬ ‫سيئات النسان‪ ،‬يك ّ‬
‫زي التكفير والهجرة‪ .‬ومن أجل هذا فيه ذبائح الضحية‪ ،‬الضحى‪ ،‬عيد‬
‫الضحى‪ ،‬والذبائح اللي احنا اتكلمنا عليها مرات قبل كده‪ .‬ف إزاي النسان‬
‫يتجاهل هذه الكفارات‪ ،‬ويقول التوبة بس هي اللي تغفر؟" فتسأل السيدة‬
‫مص‪" :‬لكن لزمة‪ ،‬كبداية‪.‬‬ ‫ناهد‪" :‬يعني التوبة لوحدها ما تنفعش؟" فيجيب الق ّ‬
‫فر عن‬ ‫عمل إنساني"‪ .‬فتعلق السيدة ناهد قائلة‪" :‬لكن عمل الله إنه يك ّ‬
‫سيئاتنا‪ ،‬أظن كده وضحت"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مص بنصه ولفظه‪ ،‬وذلك من أجل تحقيق المبدأ‬ ‫وكالعادة‪ ،‬فإني أنقل كلم الق ّ‬
‫مص في‬ ‫الذي يقول‪" :‬كلمك يدينك"‪ .‬فهذا مثال صارخ على براعة جناب الق ّ‬
‫تقديم أفكار صحيحة‪ ،‬تبدو أنها منطقية‪ ،‬ولكنها تقوم على أساس خاطئ‪،‬‬
‫ويخرج منها في النهاية بقاعدة تبدو أنها صحيحة‪ ،‬لنها مبنية على الفكار‬
‫الصحيحة التي قدمها‪ ،‬ولكنها خاطئة لن أساسها خاطئ‪ ،‬ومع ذلك فإنه يبني‬
‫مص‬ ‫على تلك القواعد عقائد في غاية الهمية‪ .‬والفكر الصحيح في مقالة الق ّ‬
‫هو أن من يتسبب في الضرار بشخص آخر فل بد أن يعوضه عما سببه له‬
‫من ضرر‪ ،‬ول يكفي مجرد العتذار أو الوعد بعدم تكرار الضرر‪ .‬أما الساس‬
‫الخاطئ فهو أن هذا المثال ل ينطبق على الله تعالى‪ ،‬فل أحد من المخلوقات‬
‫مهما كان يستطيع أن يتسبب في الضرار بالله ‪ ،U‬ولو كان هناك إله يصيبه‬
‫ضرر بسبب السيئات التي ترتكبها مخلوقاته‪ ،‬فإن مثل هذا الله ل يستحق‬
‫العبادة‪ ،‬ول يمكن أن يكون هو الله تعالى الغني عن العالمين‪.‬‬
‫مص يقدم لنا صورة غريبة ومستهجنة للمسيحية فيما يختص‬ ‫إن جناب الق ّ‬
‫مص يستنكر على من حطم‬ ‫بأنواع الخطايا والتكفير عنها‪ ،‬وإذا كان جناب الق ّ‬
‫سيارة السيدة ناهد أن يعتذر فقط عن فعله دون تعويضها‪ ،‬فماذا لو كان قد‬
‫قال لها إنه سوف يعوضها‪ ،‬وذلك بإنه سوف يحطم رأس ابنه؟ فهل كان هذا‬
‫ُيدخل السرور والرضا في نفس السيدة ناهد؟ أم أنها كانت ستقول عن ذلك‬
‫الشخص إنه مجنون‪ ،‬فاقد العقل‪ ،‬وإنه ظالم وقاس وقاتل‪ ،‬ذلك الذي يقتل‬
‫ابنه فداء لسيارة؟‬
‫مص يقول إن القرآن الكريم قد أمر بالكفارة‪ ،‬وهو بذلك يريد‬ ‫ولكن جناب الق ّ‬
‫ور له المور على غير حقيقتها‪ ،‬ويقنعه‬ ‫أن يخدع المشاهد المسلم ويص ّ‬
‫بضرورة الكفارة من أجل مغفرة الخطايا‪ ،‬حتى يقنعه بعد ذلك بمبدأ الكفارة‬
‫الخاطئ الذي تقدمه المسيحية المغلوطة التي يؤمن بها‪ .‬فالكفارة عند جناب‬
‫مص تعني تقديم العوض عن كل خطية مهما كانت‪ ،‬والعوض يجب أن‬ ‫الق ّ‬
‫يتضمن سفك الدم‪ ،‬وإل فإن الله الذي يقولون عنه إنه إله محبة ل يستطيع‬
‫أن يغفر الخطية بدون كفارة‪ ،‬وذلك لمجرد جملة ذكرها كاتب مجهول في‬
‫مقالة قرر بعض الناس أن يعتبروها جزءا من الكتاب المقدس‪ ،‬وهي جملة‪:‬‬
‫مص وأتباعه ل‬ ‫"بدون سفك دم ل تحصل مغفرة"‪ .‬ومن الواضح أن جناب الق ّ‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يفهمون معنى التوبة ومعنى الكفارة‪.‬‬


‫أما التوبة فتعني الرجوع أو العودة‪ ،‬وهي عمل يقوم به العبد كما يقوم به الله‬
‫تعالى‪ُ .‬يقال تاب العبد إلى الله‪ ،‬وُيقال أيضا تاب الله على العبد‪ .‬وحينما يتوب‬
‫العبد إلى الله فإنه يعود إليه بعد أن شعر بابتعاده عن الله تعالى لحد‬
‫السباب التالية‪ (1) :‬بسبب ارتكابه السيئة‪ (2) ،‬أو بسبب إحساسه بالتقصير‬
‫في حق الله لنه لم يستطع أن يوفيه حقه من الشكر على نعمه رغم قيامه‬
‫بشكره بقلبه وفكره ولسانه وعمله‪ (3) ،‬أو بسبب قصوره البشري الذي‬
‫يمنعه من أداء ما يود ويتوق أن يؤديه في سبيل الله تعالى ونصرة دينه ونشر‬
‫توحيده‪ .‬والسبب الثاني والثالث ل يتضمن أي شر ول ارتكاب أي سيئة‪ ،‬وإنما‬
‫هو إحساس العبد بالمزيد من الحب لله تعالى والعتراف بفضله وإحسانه‪.‬‬
‫وحين يتوب الله تعالى على العبد فإنه يعود إليه بالعفو والمغفرة والرحمة‪،‬‬
‫بمعنى أنه سبحانه يزداد قربا منه‪ .‬فقد قال رسول الله ‪’’ :r‬يقول الله ‪ U‬من‬
‫د‪ ،‬ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو‬ ‫َ‬
‫جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزي ُ‬
‫أغفر‪ .‬ومن تقّرب مني شبرا تقّربت منه ذراعا‪ ،‬ومن تقّرب مني ذراعا تقّربت‬
‫قراب الرض خطيئة ل‬ ‫منه باعا‪ ،‬ومن أتاني يمشي أتيته هرولة‪ ،‬ومن لقَيني ب ُ‬
‫ُيشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة‘‘ )صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء‬
‫فوّ الذي يحب العفو‪،‬‬ ‫والتوبة والستغفار(‪ .‬هذا هو إله المحبة الحقيقي‪ ،‬العَ ُ‬
‫الغفور الذي يتوق إلى المغفرة‪ ،‬الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء‪،‬‬
‫وليس هو ذلك الله الذي ينسبون إليه حب سفك الدماء‪ ،‬حتى إنه ل يغفر ول‬
‫يرحم بدون سفك الدماء‪.‬‬
‫ونحن حين نقول ذلك فإننا ل نسيء بكلمة ول بحرف إلى الله تعالى إله‬
‫المسيحية الحقة‪ ،‬فإله المسيحية هو إله السلم‪ ،‬وهو الله تعالى رب‬
‫العالمين‪ .‬فهو الذي قال في الكتاب المقدس إنه يريد رحمة ل ذبيحة‪ ،‬وإنه ل‬
‫ُيسر بموت الشرير وهلكه‪ ،‬وإنما يريد أن يعود الشرير عن طرقه ويحيا‪ ،‬أي‬
‫أنه يريد أن يتوب الشرير وينال الحياة البدية‪ .‬أما الضالون من البشر‪ ،‬فهم‬
‫الذين ينسبون إلى الله أمورا ل تليق به‪ ،‬ول تتفق مع صفاته القدسية‪ ،‬ول‬
‫تتلءم مع عفوه ومغفرته ورحمته‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فر عن‬ ‫سب إلى العبد كما ُينسب إلى الرب‪ .‬فالعبد يك ّ‬ ‫والكفارة أيضا عمل ُين َ‬
‫ذنوبه والله تعالى يكفر عن ذنوب عبده‪ .‬وتكفير العبد عن ذنوبه يعني أنه‬
‫يتوب ويأتي من العمال الطيبة ما يزيل أثر عمله السيء‪ ،‬وتكفير الله عن‬
‫ذنوب عبده يعني أنه سبحانه يستر ويغطي ذنوب عبده‪ ،‬أو أنه يعفو عنها‬
‫ويمحوها‪ ،‬أو أنه يغفرها ويزيل أثرها‪ .‬أما تكفير العبد عن ذنوبه فهو يتوقف‬
‫على نوع هذه الذنوب‪ ،‬فإذا كانت هذه الذنوب تتضمن إساءة إلى حقوق الله‬
‫تعالى فقط‪ ،‬فتكفيرها يقتضي التوبة وأداء الصالحات من العمال الحسنة‪،‬‬
‫ت] )هود‪ ،(114:‬كما يقول‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫سَنا ِ‬‫ح َ‬‫ن ال ْ َ‬‫فالله تعالى يقول‪[ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حا فَأولئ ِ َ‬
‫ت‬‫سَنا ٍ‬‫ح َ‬‫م َ‬‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬
‫ل الل ُ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب َوآ َ‬ ‫ن َتا َ‬
‫م ْ‬ ‫أيضا‪ِ[ :‬إل َ‬
‫ما] )الفرقان‪ .(70:‬أما إذا كانت ذنوب العبد تتضمن‬ ‫حي ً‬‫فوًرا ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬
‫ن الل ُ‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬
‫إساءة إلى حقوق الله تعالى بالضافة إلى الساءة إلى حقوق العباد‪،‬‬
‫فتكفيرها يقتضي أيضا التوبة وأداء الصالحات من العمال‪ ،‬ولكن ُيشترط أن‬
‫تتضمن هذه العمال الصالحة رد حقوق العباد الذين أساء إليهم أو تعويضهم‬
‫فارة‬‫مص والتي تتضمن ك ّ‬ ‫عنها‪ .‬ومن هنا كانت الية التي ذكرها جناب الق ّ‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫م بِ َ‬ ‫خذ ُك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬
‫ؤا ِ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫ه ِبالل ّغْوِ في أي ْ َ‬
‫مان ِك ُ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫خذ ُك ُ ُ‬‫ؤا ِ‬ ‫سم‪ .‬يقول تعالى [ل ي ُ َ‬ ‫الق َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أهِْليك ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت ُطعِ ُ‬ ‫ط َ‬ ‫س ِ‬‫ن أوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫كي َ‬‫سا ِ‬‫م َ‬‫شَرةِ َ‬ ‫ه إ ِطَعا ُ‬ ‫فاَرت ُ ُ‬
‫ن فك ّ‬ ‫ما َ‬ ‫م الي ْ َ‬ ‫قد ْت ُ ْ‬
‫عَ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مان ِك ْ‬ ‫فاَرةُ أي ْ َ‬ ‫م ثلثةِ أّيام ٍ ذل ِك ك ّ‬ ‫صَيا ُ‬
‫جد ْ ف ِ‬
‫م يَ ِ‬
‫من ل ْ‬ ‫ريُر َرقب َةٍ ف َ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫م أوْ ت َ ْ‬ ‫سوَت ُهُ ْ‬ ‫أوْ ك ِ ْ‬
‫ف ُ َ‬ ‫حل َ ْ‬
‫م] )المائدة‪ .(89:‬فالساءة المذكورة في هذه الية‬ ‫مان َك ُ ْ‬ ‫ظوا أي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫هي في حق الله تعالى كما أنها في حق المجتمع أيضا‪ ،‬فهي في حق الله‬
‫ف ُ َ‬
‫م]‪،‬‬ ‫مان َك ُ ْ‬ ‫ظوا أي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫تعالى لن النسان لم يحفظ قسمه‪ ،‬والله تعالى يقول [َوا ْ‬
‫والتكفير عن الساءة في حق الله تعالى كما سبق ذكره هو في التوبة وأداء‬
‫العمال الصالحة‪ .‬كذلك فهي إساءة في حق المجتمع‪ ،‬لن قوله تعالى [‬
‫ن] يعني صدرت منكم عهود مؤكدة أقسمتم عليها بأغلظ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫م الي ْ َ‬ ‫قدت ّ ُ‬ ‫عَ ّ‬
‫القسم‪ ،‬وهذه العهود المؤكدة بالقسام تختص عادة بأفراد المجتمع‪ ،‬كأن‬
‫مص‪ ،‬ولذلك ينبغي أن‬ ‫يقسم النسان عمدا في المحكمة‪ ،‬كما ذكر جناب الق ّ‬
‫تتضمن العمال الصالحة التي يقوم بها المرء أداء حق المجتمع‪ .‬ولما كان‬
‫حق المجتمع في هذه الحالة ليس شيئا ماديا‪ ،‬أمر الله تعالى بأداء عمل صالح‬
‫ينفع المجتمع‪ ،‬وقد حدد الله تعالى هذا العمل بإطعام عشرة مساكين‪ ،‬أو‬
‫كسوتهم‪ ،‬أو تحرير رقبة‪ ،‬فمن ل يستطيع القيام بأحد هذه العمال‪ ،‬فعليه‬
‫على القل أن يصوم ثلثة أيام‪ ،‬فالصيام يؤدي إلى التقوى‪.‬‬
‫أما إذا حدث أن حطم أحد سيارة السيدة ناهد متولي‪ ،‬فهذا خطأ شخصي نتج‬
‫عنه خسارة للسيدة ناهد متولي‪ ،‬وينبغي تعويضها عنه‪ ،‬بالضافة إلى العتذار‬
‫أيضا‪ ،‬ولكنه ل يتضمن إساءة إلى حق الله تعالى‪ ،‬إل إذا فعله المرء عن قصد‬
‫وسوء نية‪ ،‬فهنا ينبغي أن يتوب المرء أيضا بالضافة إلى أداء العمل الصالح‬
‫الذي يتضمن العتذار للسيدة ناهد وتعويضها عن الخسارة التي تكّبدتها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫مص الذي يقول إن التوبة لزمة‬ ‫ومن هذا يتبين الخطأ الفادح في كلم الق ّ‬
‫مص‬ ‫ولكنها ليست كافية لنه ل بد من الكفارة‪ ،‬والكفارة كما يفهمها جناب الق ّ‬
‫هي في التعويض‪ ،‬مع أن التعويض ل يجوز إل في حالة وقوع الضرر‪ ،‬ومن‬
‫المستحيل أن يقع أي ضرر على الله تعالى بسبب خطية النسان‪ .‬فالكفارة ل‬
‫تعني التعويض في كل حالة‪ ،‬وإنما تعني التوبة وأداء الصالحات من العمال‪.‬‬
‫مص‪ ،‬بموت المسيح على الصليب‪،‬‬ ‫أما الكفارة التي يحدثنا عنها جناب الق ّ‬
‫مص‬ ‫دعي أن فيها تعويضا‪ ،‬فل نجد فيها تعويضا عن شيء‪ .‬وجناب الق ّ‬ ‫والتي ي ّ‬
‫يعلم هذا جيدا‪ ،‬ولذلك نراه يقول إن المسيح مات عوضا عنا‪ ،‬وذلك ليقحم‬
‫مبدأ التعويض في الكفارة‪ ،‬ولكن المسيح لم يمت "عوضا" عنه وإنما‪ ،‬بفرض‬
‫موته فعل على الصليب‪ ،‬فقد مات "بدل" عنا وليس "عوضا" عنا‪ ،‬وبالتالي‬
‫مص عن‬ ‫فليس في الموضوع كله أي تعويض‪ ،‬والمثال الذي قدمه جناب الق ّ‬
‫تحطيم السيارة ل ينطبق‪ ،‬لن التعويض معناه أن تنال السيدة ناهد متولي ما‬
‫يعوضها عن سيارتها التي تحطمت‪ ،‬ولكن إذا افترضنا أن الشخص الذي حطم‬
‫سيارتها يمتلك سيارة مشابهة تماما للسيارة التي تحطمت‪ ،‬فهل التعويض‬
‫يكون في إعطائها السيارة عوضا عن سيارتها المحطمة‪ ،‬أم يكون في تحطيم‬
‫سيارته التي يمتلكها؟ وإذا افترضنا أن الشخص الذي حطم سيارتها يمتلك‬
‫سيارة مشابهة تماما للسيارة التي تحطمت‪ ،‬ولكنه يستطيع أن يعوض السيدة‬
‫ناهد بسيارة أجمل وأفضل من سيارتها‪ ،‬فهل يكتفي بالتعويض أم يتطلب‬
‫المر أن يحطم سيارته أيضا‪ .‬المقصود هو أن الله تعالى يستطيع أن يعفو‬
‫ويغفر ويرحم‪ ،‬وبذلك فإنه يهب النسان الحياة البدية‪ ،‬وذلك إذا تاب النسان‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فر النسان عن سيئاته‪ ،‬فإن الله‬ ‫عن سيئاته وعمل عمل صالحا‪ ،‬أي عندما يك ّ‬
‫فر عن‬ ‫تعالى بدوره يعفو عنه ويغفر له ويشمله برحمته‪ ،‬أي أنه سبحانه يك ّ‬
‫سيئات النسان‪ .‬إن هذا ما حدث مع آدم ‪ ،u‬حسب ما أكده القرآن المجيد‪ ،‬إذ‬
‫أنه تاب إلى الله تعالى فتاب الله عليه‪ ،‬دون أن يضطر إلى أن يتجسد‬
‫ويقتحم جسد إنسان‪ ،‬ودون أن يلجأ إلى سفك دم إنسان بريء‪.‬‬
‫إن العفو عن الذنوب معناه أن يستر الله الذنوب ويمحوها فل يكون لها أثر‬
‫يراه الناس‪ ،‬وغفران الذنوب معناه أن يزول أثر الذنوب فل يكون لها أثر عند‬
‫الله تعالى‪ .‬وكل من العفو والغفران هما من رحمة الله التي وسعت كل‬
‫شيء‪ ،‬فإن الله الرحمن الرحيم قد وسعت رحمته كل شيء‪ ،‬وكل شيء‬
‫يعني كل شيء بما في ذلك جميع صفاته الخرى‪ ،‬فإن كل صفة من صفاته‬
‫تنبثق من صفة الرحمة‪ ،‬وعلى هذا فل تعارض ول تناقض بين صفاته‪ ،‬لنها‬
‫جميعها تنبثق من الرحمة‪ ،‬حتى ولو كانت تبدو في ظاهرها كما لو أنها‬
‫تتعارض مع الرحمة‪ ،‬فإن هذا التعارض الظاهري إنما هو نتيجة سوء الفهم‪.‬‬
‫ل التوب شديد ُ العقاب ذو‬ ‫فالله تعالى يصف نفسه بأنه غافُر الذنب وقاب ُ‬
‫ول‪ ،‬وجميع هذه الصفات تنبثق من الرحمة‪ ،‬فمن رحمته أنه يغفر الذنب‪،‬‬ ‫الط ّ ْ‬
‫ومن رحمته أنه يقبل التوب‪ ،‬ومن رحمته أيضا أنه شديد العقاب‪ ،‬يطول عقابه‬
‫كل من يستحق العقاب‪ ،‬وذلك لن الهدف من العقاب عند الله تعالى هو‬
‫ه‬
‫ل الل ُ‬ ‫فعَ ُ‬‫ما ي َ ْ‬‫إيصال الرحمة‪ ،‬وليس مجرد الثأر والتشفي‪ .‬يقول تعالى [ َ‬
‫م] )النساء‪ ،(147:‬أي أن العذاب ليس هو الهدف‪،‬‬ ‫من ْت ُ ْ‬
‫م وَءا َ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذاب ِك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ب ِعَ َ‬
‫در‬
‫وإنما الهدف هو اليمان بالله وشكر نعمه وأفضاله‪ ،‬فمن يؤمن بالله ويق ّ‬
‫نعمته وفضله سوف يعامل الناس أيضا بالرحمة‪ ،‬وسوف تتجلى في تصرفاته‬
‫جميع الصفات اللهية‪ ،‬أي أنه يتخلق بأخلق الله تعالى‪ ،‬كما سبق وشرحنا‬
‫ب ال َد َْنى ُدو َ‬
‫ن‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬‫م َ‬‫م ّ‬ ‫قن ّهُ ْ‬ ‫ذلك في حلقة سابقة‪ .‬كذلك يقول تعالى [وَل َن ُ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن] )السجدة‪ .(21:‬وهذه الية الكريمة تشرح‬ ‫جُعو َ‬ ‫ب الك ْب َرِ ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ن] أو كما‬ ‫جُعو َ‬ ‫فلسفة العذاب وأهدافه‪ ،‬فالغرض من العذاب هو [ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬
‫قال الكتاب المقدس "أن يرجع الشرير عن طرقه ويحيا"‪ .‬وعلى هذا فحتى‬
‫العذاب ينبثق من رحمة الله تعالى‪ ،‬لن هدفه الصلح والتطهير من سموم‬
‫الثم‪ ،‬وليس هدفه هو النتقام أو الثأر‪ ،‬أو توقيع العذاب لمجرد العذاب أو‬
‫نتيجة لصدور حكم أرعن يفتقد إلى الحكمة والعدل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫مص ومسيحيته المغلوطة التي تنسب إلى الله أعمال‬ ‫عجيب حقا أمر هذا الق ّ‬
‫يأنف هو منها‪ ،‬ويأنف منها كل إنسان شريف ويأنف منها كل أب محب لبنائه‪.‬‬
‫مص‪ ،‬وأسأل كل أب يؤمن بالمسيحية التي‬ ‫وإني أريد أن أسأل جناب الق ّ‬
‫مص‪ ،‬ماذا يكون تصرفه في الحالة التالية‪ :‬نفترض أن أبا‬ ‫يؤمن بها هذا الق ّ‬
‫حنونا محبا لسرته ولولده‪ ،‬ثم حدث أنه أحضر سما سائل في زجاجة لقتل‬
‫فشت في مْنزل السرة‪ ،‬وكان ل بد من حفظ هذا السم‬ ‫الفئران التي ت ّ‬
‫السائل في ثلجة المْنزل حتى ل يفسد ويفقد تأثيره‪ ،‬فبطبيعة الحال ل بد أنه‬
‫سوف يخبر جميع أفراد أسرته عن هذا السم ويحذرهم من خطره ويعلمهم‬
‫الطريقة الصحيحة لستعماله‪ .‬ثم نفترض أن أحد أبنائه أحس بالعطش في‬
‫إحدى الليالي‪ ،‬فذهب إلى البراد وفتحه باحثا عن مشروب يروي به عطشه‪،‬‬
‫ما‬
‫س ّ‬
‫فوقع نظره على زجاجة السم‪ ،‬وهنا حدثته نفسه بأن هذا السائل ليس ُ‬
‫وإنما هو شراب لذيذ‪ ،‬وأن أباه قد كذب على أسرته حين حذرهم منه‪ ،‬وأنه‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خدعهم لنه يريد أن يبقيه لنفسه ويحرمهم منه‪ .‬وهنا تناول البن زجاجة‬
‫السم وشمها فوجد رائحتها طيبة‪ ،‬ثم ذاق منها بطرف لسانه فوجد طعمها‬
‫لذيذا‪ ،‬فرفعها على فمه وراح يعب منها إلى أن أفرغها في جوفه‪ .‬وبعد برهة‪،‬‬
‫بعد أن بدأ السم يسري في أحشائه وأحس باللم‪ ،‬راح يصرخ ويتأوه‪ ،‬فسمع‬
‫أباه صراخه وأسرع إليه‪ .‬وهنا أدرك الب أن ابنه قد عصاه وخالف أمره‬
‫مص زكريا بطرس لو كان هو ذلك الب المحب‬ ‫وشرب السم‪ .‬فماذا يفعل الق ّ‬
‫مص لو أنه كان في‬ ‫الحنون؟ وماذا يفعل كل أب مسيحي يؤمن بمسيحية الق ّ‬
‫ذلك الموقف؟ هل يقف ويقول لبنه العاصي‪ :‬إنك عصيتني فعليك أن تعاني‬
‫آلم السم عقابا لك‪ ،‬أم أنه يذهب فيقتل ابنه البكر فداء لبنه الخاطئ‪ ،‬أم أنه‬
‫يأخذه فورا إلى المستشفى‪ ،‬وهو يعلم أنه سوف يعاني هناك الكثير من‬
‫العذاب واللم؟ إنه يعلم أنهم سوف يحددون إقامته في غرفة غير غرفته‪،‬‬
‫وسوف يجبرونه على أن ينام في سرير غير سريره‪ ،‬وسوف يمنعونه من‬
‫الخروج أو اللعب مع أصحابه‪ ،‬وسوف يمنعونه من تناول الطعمة التي يحبها‪،‬‬
‫وسوف يحرمونه من شرب العصائر والمياه الغازية التي يفضلها‪ ،‬وسوف‬
‫يسقونه أشربة مّرة‪ ،‬وسوف يعطونه أدوية ل طعم لها ول تغني من جوع‪،‬‬
‫وسوف يثقبون جسده بالبر والحقن‪ ،‬وسوف يضعون في فمه خرطوما يصل‬
‫إلى جوفه لغسل بطنه‪ ،‬وسوف يعطونه حقنا شرجية لغسل أمعائه‪ ،‬وهكذا‬
‫يظل البن يعاني من كل هذه العذابات إلى أن يتم شفاؤه ويزول أثر السم‬
‫من جسمه‪ .‬ورغم أن الب يعلم يقينا أن ابنه سوف يعاني من كل هذه اللم‪،‬‬
‫ولكنه لحبه لبنه‪ ،‬ولحرصه على مصلحته‪ ،‬ولرحمته به‪ ،‬فإنه يخضعه لكل هذه‬
‫اللم من أجل تحقيق شفائه‪ ،‬لنه بعد أن يتم شفاؤه ويعود إلى بيت أبيه لن‬
‫يشك مرة أخرى في كلمه ولن يعصي له أمرا أبدا‪.‬‬
‫مص زكريا بطرس سوف يتصرف كهذا الب المحب لبنه‪ ،‬وإذا‬ ‫إذا كان الق ّ‬
‫كان كل إنسان مسيحي سوف يتصرف نفس هذا التصرف القائم على‬
‫المحبة‪ ،‬فكيف يتصرف الله الودود الرحيم الذي هو أرحم الراحمين؟ هل من‬
‫اللئق أن نقول بأنه سوف يقول لبنائه العصاة‪ :‬اذهبوا عني يا ملعين إلى‬
‫جهنم النار البدية؟ أم أنه يخضعهم للعذاب الذي ينبثق من رحمته سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬والذي يكون الغرض منه هو نزع سم الثم من نفوسهم حتى يعيشوا‬
‫بعد ذلك في جنة ربهم؟‬
‫مص‪ ،‬ولضميره‪ ،‬ولقلبه‪ ،‬ولعقله‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫الق‬ ‫لجناب‬ ‫السؤال‬ ‫إنني أترك إجابة هذا‬
‫أتركها أيضا لكل أب مسيحي‪ ،‬يحب أبناءه ويحرص على سلمتهم‪ ،‬ويعمل لما‬
‫فيه خيرهم‪.‬‬
‫) ‪( 12‬‬
‫هذا لقاؤنا الثاني عشر في سلسلة حلقات "أجوبة عن اليمان" التي نرد بها‬
‫مص زكريا بطرس بعنوان "أسئلة عن اليمان"‪.‬‬ ‫على الحلقات التي قدمها الق ّ‬
‫ونريد في هذه الحلقة أن نتناول الموضوع الذي تقوم عليه المسيحية اليوم‪،‬‬
‫وهو موضوع موت المسيح على الصليب‪ .‬فهل مات المسيح على الصليب‬
‫مص‪ ،‬وكما تؤمن بذلك المسيحية وتعتبر أن هذه‬ ‫كما يقول بذلك جناب الق ّ‬
‫العقيدة هي العقيدة المحورية في المسيحية‪ ،‬والتي بدونها ل يكون للمسيحية‬
‫وجود ول قيمة‪ ،‬أم أن الله تعالى نجاه من هذه الميتة اللعينة‪ ،‬أي الموت على‬
‫الصليب؟ إننا نريد أن نبحث هذا الموضوع من وجهة النظر السلمية ومن‬
‫وجهة النظر المسيحية أيضا‪ .‬ولما كان الموضوع في غاية الهمية فسوف‬
‫نخصص له حلقتين أو ثلثة حتى نوفيه حقه من البحث والتمحيص‪.‬‬
‫مص لديه ولع شديد بالستشهاد بآيات القرآن الكريم لكي‬ ‫ويبدو أن جناب الق ّ‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يثبت عقائده المسيحية لمشاهديه من المسلمين‪ ،‬ول مانع من هذا بشرط أن‬
‫يكون هذا الستشهاد صحيحا وسليما ول ينطوي على تزوير وتحريف أو لوي‬
‫وتشويه المعاني‪ .‬وكالعادة‪ ..‬تقدم السيدة ناهد متولي السئلة ويتولى جناب‬
‫مص الجابة‪ .‬والسؤال الذي تقدمه السيدة ناهد هذه المرة هو‪" :‬يقول‬ ‫الق ّ‬
‫القرآن أن المسيح لم ُيصلب‪ ،‬وما صلبوه يقينا‪ ،‬فما ردك على ذلك"؟‬

‫)‪(6 /‬‬

‫مص بأنه يود أن يذكر بقية اليات التي تذكر أن المسيح لم‬ ‫ويرد جناب الق ّ‬
‫مص وفريق العمل الذي يعمل‬ ‫يصلب لكي يعرف المشاهد المسلم أن الق ّ‬
‫معه مدركون لبعاد هذه الحقيقة من القرآن‪ ،‬فيذكر سورة النساء الية ‪.157‬‬
‫مص ل يذكر اليات التي يستشهد بها كاملة‪ ،‬وإنما‬ ‫وللسف فإن جناب الق ّ‬
‫يقتطع منها بعض الكلمات التي ليست على هواه‪ ،‬ولذلك فسوف أقدم‬
‫مص كاملة‪.‬‬ ‫للمشاهد اليات التي ذكرها الق ّ‬
‫ُ‬
‫ما قَت َلوهُ‬ ‫ل اللهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِّنا قَت َل َْنا ال ْ َ‬ ‫يقول تعالى‪[ :‬وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ما لهُم ٍ ب ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫شك ّ‬ ‫ّ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫فوا ِفيهِ ل ِ‬ ‫خت َل ُ‬‫َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫مج وَإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ه لهُ ْ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫كن ُ‬ ‫صل َُبوه ُ وَل َ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫قيًنا]‬ ‫ُ‬
‫ما قت َلوه ُ ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ّ‬
‫علم ٍ ِإل إ ِت َّباِع الظ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫مكَرَ‬ ‫مكُروا وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ثم يذكر قوله تعالى في الية ‪54‬و ‪ 55‬من سورة آل عمران‪[ :‬وَ َ‬
‫ي‬‫ِ ّ‬ ‫إل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ك وََرا ِ ُ‬
‫ع‬ ‫ف‬ ‫مت َوَّفي َ‬ ‫سى إ ِّني ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ن ~ إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ُ‬ ‫الل ُ‬
‫فُروا]‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مط َهُّر َ‬ ‫وَ ُ‬
‫ثم يذكر الية ‪ 33‬من سورة مريم حيث يقول تعالى على لسان المسيح ابن‬
‫حّيا]‬ ‫ث َ‬ ‫م أ ُب ْعَ ُ‬ ‫ت وَي َوْ َ‬ ‫مو ُ‬
‫مريم [والسلم عَل َي يوم وِلدت ويو َ‬
‫مأ ُ‬ ‫ّ ََ ْ َ‬ ‫ّ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ت‬
‫ْ ُ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫دا‬
‫ً‬ ‫هي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫[‬ ‫تقول‬ ‫التي‬ ‫‪117‬‬ ‫الية‬ ‫المائدة‬ ‫ثم سورة‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د]‪.‬‬‫شِهي ٍ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ما ت َوَفّي َْتني ك ُن ْ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫مص لسماع رأي فقهاء المفسرين‬ ‫وبعد ذكر هذه اليات يدعونا جناب الق ّ‬
‫فيقول إن المام الرازي في تفسيره الجزء الثاني وصفحة ‪ 457‬يقول‪" :‬روى‬
‫ك] أي مميتك"‪ ،‬وقال وهب‪:‬‬ ‫مت َوَّفي َ‬ ‫ابن عباس ومحمد بن اسحاق أن معنى [ ُ‬
‫"ُتوفي المسيح ثلث ساعات"‪ ،‬وقال ابن اسحاق‪ُ" :‬توفي سبع ساعات"‪ .‬أما‬
‫المام البيضاوي في تفسيره للقرآن على ذات الية الجزء الثاني صفحة ‪128‬‬
‫مص‬ ‫ب الناسوت وصعد اللهوت"‘‘‪ .‬ويعلق جناب الق ّ‬ ‫صل ِ َ‬ ‫فيقول‪’’ :‬قال قوم‪ُ " :‬‬
‫على هذا التفسير فيقول إن البيضاوي اقترب جدا من الحقيقة‪ ،‬ويستنتج من‬
‫قيًنا]‬ ‫ما قَت َُلوه ُ ي َ ِ‬ ‫ه] وقوله [وَ َ‬ ‫صل َُبو ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ وَ َ‬ ‫كلم البيضاوي أن قوله تعالى [وَ َ‬
‫ينطبق على اللهوت ول ينطبق على الناسوت‪ ،‬أي أنهم قتلوا وصلبوا الجزء‬
‫النساني في المسيح‪ ،‬ولكنهم لم يقتلوا ولم يصلبوا الجزء اللهي المتجسد‬
‫فيه‪ ،‬إذ يؤكد على أن اللهوت ل يموت‪.‬‬
‫مص اختلف جوهر اللهوت عن جوهر الناسوت فيشبه ذلك‬ ‫ويشرح جناب الق ّ‬
‫بالحديد والنار‪ ،‬ويقول إن الحديد يتأثر بالنار فيمكن طرقه وتشكيله‪ ،‬ولكن‬
‫النار ل تتأثر بهذا الطرق لنها من جوهر يختلف عن جوهر الحديد‪ ،‬وكذلك فإن‬
‫اللهوت المتجسد في المسيح ل يتأثر بالموت ول بالصلب لنه من جوهر‬
‫مص في غاية السرور والسعادة بما‬ ‫يختلف عن الناسوت‪ .‬ويبدو أن جناب الق ّ‬
‫نقله البيضاوي في تفسيره‪ ،‬ويعترف بأن ما قاله البيضاوي هو ما يقول به‬
‫المسيحيون بفارق بسيط‪ ،‬وهو أن اللهوت لم يصعد لنه ظل في الناسوت‬
‫بعد موته وصلبه‪ ،‬فهو ل يحتاج للصعود لنه موجود في كل مكان‪.‬‬
‫دعي أنه ل يفسر القرآن برأيه‪ ،‬وأنه يستشهد‬ ‫مص ي ّ‬ ‫والغريب أن جناب الق ّ‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقط بأقوال المفسرين‪ ،‬مع أنه من الواضح أنه يفسر بل ويحّرف معاني‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما قت َلوهُ‬‫اليات والكلمات‪ ،‬ولم يذكر لنا تفسير أحد من العلماء لقوله تعالى [وَ َ‬
‫ه]‪ .‬وقد أعجبه بالطبع القول الذي ذكره البيضاوي نقل عن "قوم"‬ ‫صل َُبو ُ‬
‫ما َ‬‫وَ َ‬
‫لم ُيعّرفهم لنا ولم يذكر من هم أولئك القوم‪ ،‬فهو ل ينقل عن الرسول ‪ ،r‬ول‬
‫ينقل عن علماء المسلمين‪ ،‬ول ينقل عن المفسرين‪ ،‬وإنما ينقل عن "قوم"‬
‫مجهولين أغلب الظن أنهم من النصارى الذين يؤمنون بموضوع الثالوث‬
‫مص‬ ‫المسيحي وتجسد اللهوت في الناسوت كما يؤمن بذلك جناب الق ّ‬
‫مص يستدل بآراء النصارى ليثبت للمسلمين‬ ‫وأتباعه‪ .‬وهكذا نرى جناب الق ّ‬
‫صدق آراء النصارى!! وكما يقول المثل‪" ..‬شر البلية ما يضحك"!! فل شك أن‬
‫مص يثير الضحك والسى في نفس الوقت‪ ،‬فهو‬ ‫المنطق الذي يّتبعه جناب الق ّ‬
‫يثير الضحك بسبب وضوح ضحالة وسخافة وعبثية المنطق الذي يّتبعه جناب‬
‫مص‪ ،‬كما أنه يثير السى لن بعض المسلمين يقعون فريسة لهذا المنطق‬ ‫الق ّ‬
‫المغلوط‪ ،‬ويصدقون أن هذه الراء الواهية الخاطئة هي آراء المفسرين‬
‫مص أن يوحي به لمشاهديه من‬ ‫المسلمين‪ ،‬فهذا هو ما يحاول جناب الق ّ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وتسأل بعد ذلك السيدة ناهد متولي فتقول‪" :‬برضه في الية نفسها بتقول أنه‬
‫مص‪" :‬نرجع للمام الرازي‬ ‫شّبه لهم دي"؟ فيقول جناب الق ّ‬ ‫شّبه لهم‪ ،‬إيه ُ‬ ‫ُ‬
‫شّبه لهم ده رأيه فيها إيه"‪ .‬وقبل أن يترك كلم البيضاوي ل ينسى‬ ‫ونشوف ُ‬
‫سر كويس‪،‬‬ ‫أن يكيل له المديح مرة أخرى فيقول‪" :‬هوه طبعا البيضاوي ف ّ‬
‫شّبه لهم‪ ،‬لكن ما اتصلبش‬ ‫شّبه لهم أنهم قتلوا اللهوت‪ ،‬أو صلبوا اللهوت‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫في رأي البيضاوي لنه صعد"‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مص معجب أشد العجاب بكلم البيضاوي‪ ،‬ويعترف بأنه‬ ‫وما دام جناب الق ّ‬
‫مص عظيم إعجابه‪ ،‬ونقول‬ ‫"فسر كويس"‪ ،‬فنحن نريد أن نشاطر جناب الق ّ‬
‫ه‬ ‫إنه بذلك وقع في الحفرة التي كان يحفرها‪ .‬لقد اعترف بأن قوله تعالى [ ُ‬
‫شب ّ َ‬
‫خّيل لهم" أنه قد ُقتل وقد صلب‪ ،‬ولكنه في الحقيقة لم ُيقتل ولم‬ ‫م] يعني " ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ُيصلب‪ .‬وجميع المفسرين المسلمين متفقون على هذه النتيجة لقوله تعالى [‬
‫م]‪ ،‬ولو أنهم يختلفون على الوسيلة التي تم بها هذا "التخيل" أو هذا‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫شب ّ َ‬
‫ور"‪ .‬فالبعض يقول إن الله تعالى ألقى شبه المسيح على شخص آخر‪،‬‬ ‫"التص ّ‬
‫صلب‪ .‬وقد عارض الكثير من المفسرين‬ ‫ُ‬
‫وهذا الشخص الخر هو الذي قتل و ُ‬
‫مص‪ ،‬والذي‬ ‫ّ‬ ‫الق‬ ‫جناب‬ ‫به‬ ‫استشهد‬ ‫الذي‬ ‫هذا الرأي‪ ،‬بما فيهم المام الرازي‬
‫استنكر مبدأ إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر‪ ،‬فقال كما ذكر القمص‪:‬‬
‫"إن جاز أن ُيقال إن الله تعالى ُيلقي شبه إنسان على آخر‪ ،‬فهذا يفتح باب‬
‫دا‪ ،‬فلعله ليس بزْيد‪ ،‬ولكن الله ألقى شبه زْيد‬
‫السفسطة‪ ،‬فلربما إذا رأينا زي ْ ً‬
‫على شخص آخر‪ .‬وإذا تزوج رجل فاطمة‪ ،‬فلعله لم يتزوج فاطمة‪ ،‬ولكن الله‬
‫ألقى على خديجة شبه فاطمة‪ ،‬فتزوج خديجة وهو يظن أنها فاطمة‪ .‬لو جاز‬
‫إلقاء شبه أحد على شخص آخر‪ ،‬فعندئذ ل يبقى الزواج‪ ،‬ول الطلق‪ ،‬ول‬
‫المتلك‪ ،‬موثوقا به"‪.‬‬
‫ول شك أن كلم المام الرازي على جانب كبير من الصحة‪ ،‬ولذلك فإننا‬
‫نستبعد أيضا هذا الرأي الذي يستبعده الرازي‪ ،‬وعلى هذا فل بد أن تكون‬
‫خّيل لهم بواسطتها أنهم قتلوا المسيح ‪ u‬وصلبوه‪.‬‬ ‫هناك وسيلة أخرى‪ُ ،‬‬
‫ونستطيع أن نضرب لذلك مثال لما حدث لسيدنا رسول الله وصاحبه أبي بكر‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذ هما في الغار بعد هجرتهما من مكة‪ ،‬فجن جنون قريش وأرسلوا وراءهما‬
‫قصاصي الثر ليأتوا برسول الله حيا أو مّيتا‪ .‬وجاء المشركون بالفعل إلى باب‬
‫الغار‪ ،‬حتى إن أبا بكر كان يخشى أن ينحني أحدهم وينظر في فتحة الغار‬
‫فيراهما‪ ،‬فطمأنه الرسول ‪ r‬بقوله‪’’ :‬ل تحزن إن الله معنا‘‘‪ .‬ولكن السؤال‬
‫المهم هنا هو‪ :‬لماذا لم ينحن أحد من المشركين لينظر ما إذا كان أحد بداخل‬
‫خّيل لهم‪ ،‬أنه ل يوجد أحد في الغار‪،‬‬ ‫الغار؟ والجواب هو أنه قد ُ‬
‫شّبه لهم‪ ،‬أي ُ‬
‫وذلك بسبب العوامل والمؤثرات التي رأوها فصرفت أذهانهم عن أن‬
‫يتصوروا أو يتخيلوا وجود الرسول ‪ r‬في الغار‪ ،‬وكانت تلك العوامل والمؤثرات‬
‫هي بيت العنكبوت الذي بنته على فتحة الغار‪ ،‬وبيضة الحمامة التي وضعتها‬
‫خّيل لهم أنهم قد قاموا بقتل المسيح‬ ‫أيضا هناك‪ .‬كذلك في حالة المسيح ‪ُ ،u‬‬
‫وصلبه‪ ،‬وذلك بسبب العوامل والمؤثرات التي رأوها‪ ،‬فظنوا أنهم قد قتلوه‬
‫وصلبوه‪ ،‬ولكنهم في الحقيقة لم يستطيعوا أن يقتلوه ولم يصلبوه‪ .‬فما هي‬
‫تلك العوامل التي جعلتهم يتخيلوا أنهم قتلوه وصلبوه؟‬
‫أول‪ :‬لقد قبض عليه الجند الذين ُأرسلوا لحضاره للمحاكمة‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫قّبله يهوذا‪ ،‬أحد تلميذه الذي خانه‪ ،‬وكان قد اتفق مع الجند على أن يلقوا‬
‫القبض على الشخص الذي يقّبله‪ ،‬وتم هذا العمل أمام الجميع‪ .‬ورغم أن هذه‬
‫الواقعة مذكورة في الناجيل إل أن هناك اتفاقا عليها‪ ،‬بينما الروايات التي‬
‫تزعم أن شبهه قد ُألقي على شخص آخر كلها مختلفة‪ ،‬ومتعارضة‪ ،‬فهي‬
‫تزعم أحيانا أن الذي ُألقي عليه شبهه هو يهوذا الخائن‪ ،‬وأحيانا تقول إنه أحد‬
‫وع لذلك العمل‪ ،‬وأحيانا تذكر أن اسمه سمعان‪،‬‬ ‫تلميذه المخلصين وقد تط ّ‬
‫وأحيانا تقول إنه ليس سمعان ولكنه سرجيوس‪ .‬وكل هذه القوال المتضاربة‬
‫ليست من قول الرسول ‪ r‬وإنما ذكرها بعض المفسرين مرددين بعض‬
‫القاويل من السرائيليات التي كان الناس يتناقلونها‪ ،‬ومن الواضح أن‬
‫اختلفها وتناقضها وتعارضها مع بعضها البعض هو أبلغ دليل على كذبها‬
‫وخطئها وعدم صحتها‪ .‬ولذلك فل مانع من أن نقبل رواية الناجيل في هذا‬
‫الشأن لنها تتفق مع ما هو معقول‪ ،‬ول يوجد اختلف عليها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن الشخص الذي تم القبض عليه أحضروه أمام علماء اليهود في حضور‬
‫الحاخام الكبر‪ ،‬وقد سألوه العديد من السئلة‪ ،‬وكان يجيب عليهم دون أن‬
‫يصرخ ويقول لهم إنه ليس المسيح وإنما هو فلن الفلني‪ ،‬مما يدل على أنه‬
‫كان بالفعل هو المسيح ‪.u‬‬
‫ثالثا‪ :‬نفس هذا الشخص أحضروه أمام الحاكم الروماني بيلطس البنطي‪،‬‬
‫الذي تولى محاكمته‪ ،‬وأدرك أنه بريء من التهم التي ألصقها به اليهود‪ .‬وهنا‬
‫أيضا لم يصرخ ولم ينف أنه المسيح‪ ،‬ولم يقل إنه شخص آخر غير المسيح‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬نفس هذا الشخص أخذوه لتنفيذ حكم الصلب عليه‪ ،‬ودقوا في يديه‬
‫المسامير‪ ،‬وعلقوه بالفعل على الصليب‪ ،‬ومع ذلك لم يبد أي تصّرف ُيفهم‬
‫منه أنه ليس المسيح ‪ ،u‬بل كان يدعو الله أن يغفر لهم ويقول إنهم لم يكونوا‬
‫يعلمون ماذا يفعلون‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬نفس هذا الشخص كان وهو معلق على الصليب‪ ،‬يتكلم مع أحد‬
‫صلبا عن يمينه وعن يساره‪ ،‬وكان قد آمن به‪ ،‬فقال له‪" :‬غدا‬ ‫اللصين اللذين ُ‬
‫تكون معي في الفردوس"‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورغم أن كل هذه المور قد جاء ذكرها في الناجيل‪ ،‬فليس هناك ما يمنع‬


‫قبولها‪ ،‬إذ ل ينبغي رفضها لمجرد أنها جاءت في الناجيل‪ ،‬وإنما يمكن أن‬
‫نرفضها إذا كانت تختلف مع ما هو معقول‪ ،‬أو إذا كانت تختلف مع نص صريح‬
‫من وحي الله تعالى جاء في الكتاب المقدس أو في القرآن الكريم‪ .‬وليس‬
‫هناك ما هو غير معقول في أن يقبض الجند على نبي من أنبياء الله‪ ،‬أو أن‬
‫ُيقدم ذلك النبي للمحاكمة‪ ،‬أو أن يتعّرض ذلك النبي للتعذيب والبتلء الشديد‪.‬‬
‫ولعل ما حدا ببعض الناس إلى القول بأن المسيح ‪ u‬لم ُيعلق على الصليب‬
‫ه]‪ ،‬إذ ظنوا أن القرآن المجيد‬ ‫صل َُبو ُ‬ ‫ما َ‬ ‫هو سوء فهمهم لمعنى قوله تعالى [وَ َ‬
‫ينفي تعليق المسيح على الصليب‪ .‬والحقيقة أن هناك فرقا شاسعا بين‬
‫الصلب والتعليق على الصليب‪ ،‬فالصلب معناه الموت أثناء التعليق على‬
‫الصليب‪ ،‬أما مجرد التعليق على الصليب بغير الموت فل ُيعتبر صلبا‪ ،‬وإنما‬
‫يعتبر تعليقا فقط‪ .‬والفرق بين التعليق والصلب مثل الفرق بين الغطس‬
‫والغرق‪ ،‬فكل من الغطس والغرق يعني نزول المرء تحت الماء‪ ،‬ولكن إذا‬
‫خرج المرء من الماء حيا ُيقال إنه غطس‪ ،‬ول ُيقال إنه غرق‪ ،‬أما إذا مات وهو‬
‫تحت الماء فحينئذ فقط يقال إنه غرق‪ .‬كذلك الحال بالنسبة للتعليق والصلب‪،‬‬
‫كلهما يعني تعليق المرء على الصليب‪ ،‬فإذا نزل المرء من على الصليب حيا‪،‬‬
‫صلب‪ ،‬أما إذا مات المرء وهو معلق‬ ‫ُيقال إنه عُّلق على الصليب‪ ،‬ول ُيقال إنه ُ‬
‫صلب‪ .‬ويؤكد القرآن المجيد على هذا‬ ‫على الصليب‪ ،‬فحينئذ فقط ُيقال إنه ُ‬
‫المعنى في العديد من اليات الكريمة‪ ،‬إذ يقول تعالى على لسان فرعون‬
‫َ‬ ‫مخاطبا السحرة الذين آمنوا بموسى ‪[ :u‬ل ٌقَط ّع َ‬
‫ف‬
‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جل َك ُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ن أي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫ن] )الشعراء‪ ،(49:‬ومن الواضح أن المقصود بكلمة [‬ ‫ول ُصل ّبنك ُ َ‬
‫مِعي َ‬‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫َ َ َّ ْ‬
‫ُ‬
‫م] هنا هو الموت والقتل على الصليب وليس مجرد التعليق فقط‪.‬‬ ‫صل ّب َن ّك ُ ْ‬
‫ل َ‬
‫ن في‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫حارُِبو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫جَزآُء ال ّ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫كذلك يقول تعالى [إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ساًدا َأن ي ُ َ‬ ‫َ‬
‫وا‬
‫ف ْ‬‫ف أوْ ي ُن ْ َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جلهُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ْ‬‫قطعَ أي ْ ِ‬ ‫صلُبوا أوْ ت ُ َ‬ ‫قت ُّلوا أوْ ي ُ َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫الْر َِ‬
‫م] )المائدة‪:‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م في ال ِ‬ ‫خْزيٌ في الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬‫ض ذ َل ِ َ‬‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫صلُبوا] هو الموت والقتل‬ ‫ّ‬ ‫‪ .(33‬ومن الواضح هنا أيضا أن المقصود بكلمة [ي ُ َ‬
‫على الصليب وليس مجرد التعليق فقط‪ .‬والقرآن المجيد ينفي صلب المسيح‬
‫ه] ولكنه ل ينفي مجرد تعليقه فقط على الصليب‪.‬‬ ‫صل َُبو ُ‬
‫ما َ‬ ‫في قوله تعالى [وَ َ‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فل معنى للقول بأن الله تعالى قد ألقى شبه المسيح على شخص‬
‫م] أن‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫صل َُبوه ُ وَل َك ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ وَ َ‬ ‫آخر‪ ،‬وإنما يكون معنى قوله تعالى [وَ َ‬
‫اليهود لم يفلحوا في تحقيق قتله عموما‪ ،‬وخاصة لم يحققوا قتله على‬
‫شّبه لهم أنهم قد قتلوه على‬ ‫الصليب‪ ،‬وإنما علقوه فقط‪ ،‬فلما ُأغمي عليه ُ‬
‫الصليب‪ ،‬أي أنهم تخيلوا أنهم قد حققوا صلبه‪ ،‬ولكنه لم ُيصلب في حقيقة‬
‫المر‪ ،‬لن الله تعالى لم يقبض روحه‪ ،‬بل ظل حّيا على الصليب‪ ،‬وُأنزل حّيا‬
‫من على الصليب‪ ،‬وبذلك فقد أفسد الله تعالى تدبير اليهود‪ ،‬وهذا معنى قوله‬
‫ن]‪ ،‬أي أن اليهود دّبروا أمر قتله‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ُ‬ ‫مك ََر الل ُ‬ ‫مك َُروا وَ َ‬ ‫تعالى [وَ َ‬
‫خّيل لهم‬ ‫على الصليب‪ ،‬فدبر الله تعالى أمر نجاته من القتل على الصليب‪ ،‬و ُ‬
‫أنهم حققوا قتله على الصليب‪ ،‬ولكنهم لم يكونوا متيقنين من ذلك‪ ،‬بل كانوا‬
‫في شك منه‪ ،‬ولذلك فإنهم ل يتبعون في ذلك إل الظن‪ ،‬والحقيقة أنهم ما‬
‫قتلوه يقينا‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا هو المعنى الذي يتفق مع كلم الله تعالى في القرآن الكريم‪ ،‬ويتفق مع‬
‫العقل‪ ،‬ويتفق أيضا مع الحداث التاريخية التي وصلت إلينا‪ .‬وليست كل عبارة‬
‫جاءت في الناجيل تكون كاذبة أو خليقة بأن نرفضها‪ ،‬وإنما يتحّتم أن نرفضها‬
‫إذا كانت تتعارض مع وحي الله تعالى الواضح في الكتاب المقدس أو في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬أو إذا كانت تتعارض مع العقل وتتناقض مع المعقول من‬
‫المور‪ .‬وليس في تعليق المسيح ‪ u‬على الصليب ما يتناقض مع المعقول من‬
‫المور‪ ،‬فكثير من النبياء قد تعّرضوا للذى الشديد‪ ،‬فصبروا على ما أصابهم‬
‫في سبيل الله‪ .‬وها هو سيد الخلق أجمعين ‪ ،r‬لم ُيستثن من المعاملة‬
‫الوحشية التي تلقاها من قومه‪ .‬وفي إحدى المناسبات بينما كان يصلي‪ ،‬وضع‬
‫دوه عليه حتى جحظت عيناه‪ .‬ثم‬ ‫حا حول عنقه وش ّ‬ ‫جماعة من الكفار وشا ً‬
‫حدث أن جاء أبو بكر ‪ T‬فأبعدهم عنه باكًيا وقال‪" :‬أتقتلون رجل ً أن يقول ربي‬
‫دا في صلته‪ ،‬فجاءوا بأمعاء‬ ‫الله"؟! وفي مرة أخرى كان الرسول ‪ R‬ساج ً‬
‫بعير وألقوها على ظهره‪ ،‬فلم يستطع النهوض حتى جاءت ابنته فاطمة‬
‫وأزالت هذه الثقال عنه‪ .‬وفي حادثه ثالثة كان يمر بالطريق‪ ،‬فتبعته جماعة‬
‫دعي النبوة‪ .‬هكذا كان‬ ‫من الصبيان أخذوا يصفعون رقبته صائحين بالناس أنه ي ّ‬
‫قى العداوة والكراهية من هؤلء الناس‪ ،‬وكان يبدو في أيديهم بل‬ ‫الرسول ‪ R‬يل َ‬
‫حول ول قوة‪ .‬كان الناس يرجمون بيته بالحجارة من أسطح المنازل‬
‫المجاورة‪ ،‬وكانوا يلقون على مطبخه الّرَوث والقاذورات ونفايات الحيوانات‬
‫المذبوحة‪ .‬وكثيًرا ما كانوا يحثون عليه التراب أثناء أدائه الصلة‪ .‬وحدث أن‬
‫جت رأسه‪ ،‬وتدفقت‬ ‫ش ّ‬‫رجمه الغوغاء بالحجارة عندما ذهب إلى الطائف‪ ،‬ف ُ‬
‫حد تتعاوره‬ ‫ُ‬
‫الدماء من رأسه إلى أن وصلت إلى قدميه‪ .‬وها هو في غزوة أ ُ‬
‫قا‪ ،‬وجعل الثاني حلقتي‬ ‫حا عمي ً‬ ‫الحجار حجًرا بعد حجر‪ ،‬فأحدث الّول به جر ً‬
‫المغفر تدخلن في خده‪ ،‬وبينما كانت السهام تتساقط غزيرة متسارعة‬
‫ومي فإنهم ل‬ ‫ب اغفر لق ْ‬ ‫ل‪’’ :‬ر ّ‬ ‫والرسول ‪ r‬مثخن بالجراح‪ ،‬كان يدعو الله قائ ً‬
‫يعلمون‘‘ )مسلم‪ ،‬كتاب الجهاد والسير(‪ .‬ورغم كل ما أصاب الرسول ‪ r‬من‬
‫أهوال ومشاق وآلم في سبيل الله تعالى‪ ،‬فإنه سبحانه لم ُيلق شبهه على‬
‫ن‬‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ي َعْ ِ‬
‫أحد لينقذه مما أصابه‪ ،‬ولكنه مع ذلك يقول [َوالل ُ‬
‫س] )المائدة‪ ،(67:‬أي أنه سبحانه يعصمه من القتل بأيدي الناس‪ ،‬وهذا‬ ‫الّنا ِ‬
‫جّيشت من أجل قتله‪ ،‬وجاءت الحزاب من‬ ‫هو ما حدث رغم أن الجيوش قد ُ‬
‫جميع أنحاء جزيرة العرب من أجل القضاء عليه‪ ،‬وألقى اليهود عليه حجرا‬
‫كبيرا فنجاه الله تعالى‪ ،‬وحاولت امرأة يهودية أن تقتله بالسم فحفظه الله‬
‫تعالى‪ .‬وقال الله تعالى في حقه ‪ r‬ما قال في حق المسيح ‪ ،u‬إذ قال [وَإ ِذ ْ‬
‫مك ُُر الل ُ‬
‫ه‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ك وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫مك ُُر ب ِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ن] )النفال‪.(30:‬‬ ‫ري َ‬‫ماك ِ ِ‬‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫َوالل ُ‬
‫لقد مكر الذين كفروا في حق المسيح ‪ u‬كما مكر الذين كفروا في حق‬
‫الرسول ‪ ،r‬وفي الحالتين كان الله خير الماكرين‪ ،‬ولكنه لم ُيلق شبه نبيه على‬
‫أحد‪ ،‬فما كان الله تعالى ليرضى أن يهين صورة نبيه بأن يجعلها على شخص‬
‫آخر أقل مكانة وأقل درجة من مكانة نبيه‪ ،‬وإنما دبر سبحانه في الحالتين‬
‫فذ‬
‫نجاة نبيه من التدبير السيء الذي خطط له أعداء الله‪ ،‬فأفسد تدبيرهم ون ّ‬
‫تدبيره‪ ،‬وأفشل مآربهم وحقق مشيئته‪ .‬نعم لقد قاسى كل منهما آلم‬
‫الضطهاد والتعذيب‪ ،‬ولكن هكذا النبياء يكونون دائما هم القدوة والمثل الذي‬
‫يقتدي به أتباعهم المؤمنون‪ .‬لقد عُّلق المسيح ‪ u‬على الصليب‪ ،‬ولكنه لم‬
‫ُيصلب‪ ،‬إذ نجاه الله تعالى من الموت على الصليب‪ ،‬وهذا ما كان يمكر‬
‫جاه الله‬ ‫أعداؤه لتحقيقه‪ .‬وُرجم الرسول ‪ r‬بالحجارة‪ ،‬ولكنه لم ُيقتل‪ ،‬إذ ن ّ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى من الموت قتل‪ ،‬فهذا ما كان يمكر أعداؤه لتحقيقه أيضا‪ .‬لقد تعّرض‬
‫المسيح ‪ u‬مرة واحدة لحادثة الصلب التي نجاه الله تعالى منها‪ ،‬ولكن‬
‫الرسول ‪ r‬تعّرض مرات ومرات لمحاولت القتل بيد أعدائه‪ ،‬بداية بمحاولة‬
‫قتله عندما أحاطوا بداره وانتظروه أن يخرج ليقتلوه‪ ،‬فخرج دون أن يتنبهوا‬
‫لخروجه وهاجر إلى المدينة‪ ،‬وانتهاًء بالمحاولت التي بذلها أبو عامر الراهب‬
‫ومنافقو المدينة للقضاء عليه والتآمر مع الروم لغزو المدينة‪.‬‬
‫وما دام الله تعالى قد أحبط مكر اليهود فلم يتمكنوا من صلب المسيح ‪،u‬‬
‫ولم يستطيعوا أن يحققوا موته على الصليب‪ ،‬فقد أثبت سبحانه بذلك أيضا‬
‫فساد عقيدة الكفارة وخطأ مبدأ الصلب والفداء‪ .‬وبذلك‪ ،‬على القل من‬
‫وجهة النظر السلمية‪ ،‬نستطيع أن نقول بأن المسيح ‪ u‬لم يمت على‬
‫مص مولعا بإيراد رأي العلماء المسلمين من أجل‬ ‫الصليب‪ .‬وما دام جناب الق ّ‬
‫إقناع مشاهديه من المسلمين بما يقوله‪ ،‬فل بأس من إيراد رأي بعض العلماء‬
‫المسلمين في الزمن القديم وفي العصر الحديث الذين نهجوا أيضا نفس‬
‫المنهج‪ ،‬وأكدوا أن المسيح ‪ u‬لم يمت على الصليب‪ ،‬وإنما توفاه الله تعالى‬
‫وفاة طبيعية‪ ،‬دون أن يتمكن أحد من قتله أو صلبه‪،‬‬
‫) ‪( 13‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫في الحلقة السابقة تناولنا موضوع موت المسيح على الصليب‪ ،‬أو بمعنى‬
‫أصح‪ ،‬عدم موت المسيح على الصليب‪ ،‬من وجهة النظر السلمية‪ ،‬وقلنا إن‬
‫الله تعالى لم ُيلق شبه المسيح على أحد‪ ،‬وإنما دبر من الظروف ما جعل‬
‫اليهود يتصورون أنهم صلبوا المسيح‪ ،‬ولكنهم علقوه فقط على الصليب ولم‬
‫ينجحوا في صلبه‪ .‬وقلنا أيضا في الحلقة السابقة إن "الصلب" في اللغة‬
‫العربية معناه الموت على الصليب‪ ،‬وليس مجرد التعليق على الصليب‪.‬‬
‫ه]‪،‬‬‫صل َُبو ُ‬‫ما َ‬ ‫والقرآن المجيد ينفي الصلب عن المسيح في قوله تعالى [وَ َ‬
‫ولكنه ل ينفي مجرد التعليق على الصليب‪.‬‬
‫شبه‬ ‫مص أن اليهود نجحوا في قتل الناسوت وصلبه‪ ،‬ولكن ُ‬ ‫دعي جناب الق ّ‬ ‫وي ّ‬
‫لهم أنهم قتلوا اللهوت‪ ،‬مع أنهم ل يستطيعون ان يقتلوا اللهوت ول أن‬
‫مص‪ ،‬فالقرآن يتكلم عن‬ ‫يصلبوه‪ .‬غير أن القرآن المجيد ل يتفق مع جناب الق ّ‬
‫الناسوت‪ ،‬يعني عن المسيح النسان‪ ..‬رسول الله‪ ..‬فينفي عنه القتل‬
‫ما‬
‫ل اللهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬‫ح اب ْ َ‬
‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِّنا قَت َل َْنا ال ْ َ‬‫والصلب‪ ،‬إذ يقول تعالى [وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫ه َ َ‬ ‫ش ّ‬‫في َ‬ ‫فوا ِفيهِ ل َ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫صل َُبوه ُ َول ِ‬ ‫قَت َُلوه ُ وَ َ‬
‫ما لهُم ٍ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫ما َ‬
‫قيًنا] )النساء‪ .(157:‬حقا ما أعظم هذا‬ ‫ما قَت َُلوه ُ ي َ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عل ْم ٍ ِإل ات َّباِع الظ ّ ّ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ب ِهِ ِ‬
‫القرآن الكريم الذي تدل كلماته على أنه فعل من لدن العليم الخبير‪ .‬لقد‬
‫احتار الكثير من المفسرين في تبرير وجود كلمتي "رسول الله" في كلم‬
‫اليهود‪ ،‬فهم لم يكونوا يؤمنون بأنه رسول الله‪ ،‬فلماذا قالوا‪ :‬إنا قتلنا المسيح‬
‫ابن مريم رسول الله؟ ولو كانت الجملة‪" :‬إنا قتلنا المسيح ابن مريم وما‬
‫قتلوه وما صلبوه"‪ ،‬لكانت الجملة صحيحة‪ ،‬ولكن الله وضع هاتين الكلمتين‬
‫مص زكريا‬ ‫"رسول الله" لنه سبحانه كان يعلم أن أقواما من أمثال الق ّ‬
‫بطرس سوف ينسبون إلى المسيح طبيعتين‪ ،‬طبيعة الناسوت وطبيعة‬
‫صلب هو الناسوت‪ ،‬كما يزعم‬ ‫اللهوت‪ ،‬وسوف يزعم هؤلء أن الذي ُقتل و ُ‬
‫مص‪ .‬وبنفي القتل والصلب عن "رسول الله" يتأكد أن‬ ‫بذلك جناب الق ّ‬
‫النسان‪ ..‬الذي هو رسول الله‪ ..‬هو الذي لم ُيقتل ولم ُيصلب‪ ،‬وبذلك يتبين‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلب هو الناسوت‪ ،‬فإن الناسوت هو‬ ‫مص في قوله إن الذي ُ‬ ‫خطأ جناب الق ّ‬
‫رسول الله‪ ،‬وهذا هو الذي ينفي الله عنه القتل والصلب‪ .‬وعفوا يا جناب‬
‫مص‪ ،‬لقد سقط دليلك‪ ،‬وانهارت حجتك‪ ،‬وضاع أملك في أنك تخدع‬ ‫الق ّ‬
‫مشاهديك من المسلمين باستشهادك بالقرآن المجيد‪ ،‬وعليك أن تبحث عن‬
‫دليل آخر‪ ،‬أو تخترع حجة أخرى‪ ،‬أو تفتعل برهانا آخر تثبت به كلمك الخاطئ‪،‬‬
‫ولكنك لن تجد هذا بين دفتي الكتاب العزيز‪.‬‬
‫مص أن المسيح قد مات ثم بعثه الله تعالى‪ ،‬ويذكر تدليل‬ ‫ثم يزعم جناب الق ّ‬
‫ي] ويربط بين هذا وقوله تعالى‬ ‫ك ِإل ّ‬ ‫ك وََرافِعُ َ‬‫مت َوَّفي َ‬
‫على ذلك قوله تعالى [إ ِّني ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَي َوْ َ‬
‫مو ُ‬
‫مأ ُ‬‫ت وَي َوْ َ‬
‫م وُِلد ّ‬
‫ي ي َوْ َ‬
‫م عَل ّ‬ ‫سل ُ‬ ‫على لسان المسيح ابن مريم [َوال ّ‬
‫حّيا] )مريم‪ .(33:‬وهو بذلك يحاول أن يثبت بأن القرآن يؤيد الفكرة‬ ‫أ ُب ْعَ ُ‬
‫ث َ‬
‫الخاطئة لدى إخواننا المسيحيين بأن المسيح مات يوم الجمعة على الصليب‪،‬‬
‫ثم قام من الموات يوم الحد‪ ،‬ثم صعد بعد ذلك إلى السماء وجلس عن‬
‫يمين الرب‪ .‬ول شك أن جزءا من هذه الفكار الخاطئة قد انتشر بالفعل بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وذلك عندما انتشر السلم في الدول المسيحية مثل مصر‬
‫والشام‪ ،‬ودخلت أعداد كبيرة من المسيحيين في السلم‪ ،‬ويبدو أن بعضهم‬
‫لم يستطع أن يتخلى تماما عن الفكار الخاطئة التي كان يؤمن بها‪ ،‬وهكذا‬
‫تسربت هذه المفاهيم الخاطئة إلى أفكار المسلمين‪ ،‬حتى إن الكثير من‬
‫المسلمين صاروا يؤمنون فعل بأن المسيح ابن مريم لم يمت كما مات بقية‬
‫النبياء‪ ،‬وأنه صعد بجسده البشري إلى السماء‪ ،‬وأنه يعيش فيها منذ ألفين‬
‫مص وأمثاله هذا المفهوم الخاطئ لكي يثبت‬ ‫عام‪ .‬ويستغل جناب الق ّ‬
‫للمسلمين عظمة مكانة المسيح فوق مكانة رسول الله ‪ r‬الذي كان بشرا‪،‬‬
‫وعاش ومات كما يموت جميع البشر‪.‬‬
‫ولكن الواقع أن القرآن قد بّين وفاة المسيح بشكل يفوق غيره من النبياء‪،‬‬
‫وذلك لن الله تعالى كان في سابق علمه أن بعض الناس سوف يقعون في‬
‫كد الرسول ‪ r‬أيضا على وفاة المسيح‪ ،‬فعندما كان‬ ‫هذا الخطأ‪ .‬ولذلك فقد أ ّ‬
‫يحاور وفد نصارى نجران قال لهم‪" :‬أل تعلمون أن البن يرث من صفات‬
‫أبيه"؟ قالوا بلى‪ ،‬قال‪" :‬أل تعلمون أن عيسى قد أتى عليه الفناء وأن الله‬
‫حي ل يموت"؟ وكذلك فقد جاء في ابن كثير قوله ‪" :r‬لو كان موسى وعيسى‬
‫حي ّْين لما وسعهما إل اّتباعي"‪.‬‬
‫ل أن تجد بين علماء الدين المتنورين‪ ،‬أو من بين فئات المسلمين‬ ‫واليوم‪ ..‬قَ ّ‬
‫المثقفين ثقافة دينية صحيحة‪ ،‬من يتمسك بخرافة حياة المسيح في السماء‬
‫أو نزوله منها بشخصه في آخر الزمان‪ .‬ونقتبس فيما يلي جزءا من كتاب‬
‫"مقارنة الديان" للستاذ الدكتور أحمد شلبي‪ ..‬أستاذ التاريخ السلمي‬
‫والحضارة السلمية بكلية دار العلوم‪-‬جامعة القاهرة )الطبعة الثامنة عام‬
‫‪ (1984‬يقول فيه‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫”ثالثا‪ :‬ماذا كانت نهاية عيسى بعد النجاة‪ :‬هل رفع إلى السماء حيا بجسمه‬
‫ف ثم مات وُدفن جسمه‬ ‫وروحه؟ هل استوفى أجله على الرض وهو مخت ٍ‬
‫وُرفعت روحه إلى بارئها؟‬
‫كان هناك اتجاه شاع بين الناس بأن عيسى عليه السلم عندما نجا من‬
‫ور اختفاءه‬
‫المؤامرة ُرفع بجسمه وروحه إلى السماء‪ ،‬وكان هذا الرأي يص ّ‬
‫الذي تحدثنا عنه‪ ،‬ولكن هذا التجاه واجه دراسة واسعة قام بها المفكرون في‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصر الحديث‪ ،‬واعتمدوا في كلمهم على نصوص قديمة ودراسات موثقة‪،‬‬


‫وأوشك هذا التجاه الجديد أن يقضي على المزاعم القديمة التي كانت تقول‬
‫برفع السيد المسيح بجسمه وروحه‪ .‬وعلى كل حال فينبغي أن نورد دعائم‬
‫الرأي القديم‪ ،‬وأن نناقش هذه الدعائم لنسهم في تأصيل الرأي الجديد الذي‬
‫نرتضيه‪.‬‬
‫ُبني الرأي القديم على فهم غير دقيق لليات والحاديث التالية‪:‬‬
‫ما‬
‫ل اللهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِّنا قَت َل َْنا ال ْ َ‬ ‫• قوله تعالى‪ [ :‬وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ك ّ‬ ‫ش ٍ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫فوا ِفيهِ ل ِ‬ ‫َ‬
‫خت َل ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫كن ُ‬ ‫صل َُبوه ُ وَل َ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫قَت َُلوه ُ وَ َ‬
‫ه] )النساء ‪-157‬‬ ‫ه إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫قيًنا ‪َ $‬بل ّرفَعَ ُ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ ي َ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِل ّ ات َّباعَ الظ ّ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِهِ ِ‬
‫‪.(158‬‬
‫فُروا] )آل عمران‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مطهُّرك ِ‬ ‫َ‬ ‫ي وَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مت َوَّفيك وََرافِعُك إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫• وقوله‪ [:‬إ ِّني ُ‬
‫‪(55‬‬
‫• ما ورد في البخاري ومسلم من أن رسول الله ‪ r‬قال‪ :‬والذي نفسي بيده‬
‫ليوشكن أن يْنزل فيكم ابن مريم حاكما عادل مقسطا‪ ،‬يكسر الصليب ويقتل‬
‫الخْنزير‪....‬‬
‫• ما ورد في مسلم من أن عيسى سيْنزل في آخر الزمان فيقتل المسيح‬
‫الدجال‪.‬‬
‫مناقشة هذه الدلة وردها‪:‬‬
‫ويناقش جمهور المفكرين المسلمين هذه الدلة فيقولون إن عيسى بعد أن‬
‫نجا من اليهود عاش زمنا حتى استوفى أجله‪ ،‬ثم مات ميتة عادية وُرفعت‬
‫روحه إلى السماء مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء‪ ،‬وقد ورد النص‬
‫برفع عيسى‪ -‬مع أن روحه سترفع بطبيعة الحال لنه نبي‪ -‬تكريما لمكانته بعد‬
‫التحدي الذي واجهه من اليهود‪ ،‬فذكر الله نجاته‪ ،‬ثم مكانته التي استلزمت‬
‫رفع روحه‪.‬‬
‫ه] إنها تحقيق الوعد الذي تضمنته‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ويقولون عن الية الولى[ َبل ّرفَعَ ُ‬
‫فُروا] فإذا كان‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مطهُّرك ِ‬ ‫َ‬ ‫ي وَ ُ‬ ‫َ‬
‫ك إ ِل ّ‬ ‫ك وََرافِعُ َ‬ ‫مت َوَّفي َ‬ ‫الية الثانية [إ ِّني ُ‬
‫ه] خل من ذكر الوفاة والتطهير واقتصر على‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫قوله تعالى [َبل ّرفَعَ ُ‬
‫َ‬
‫مت َوَفيك‪ ]...‬جمًعا‬ ‫ّ‬ ‫ذكر الرفع فإنه يجب أن ُيلحظ فيها ما ُذكر في قوله [إ ِّني ُ‬
‫بين اليتين‪.‬‬
‫ويرى هؤلء العلماء أن الرفع معناه رفع المكانة وقد جاء الرفع في القرآن‬
‫بهذا المعنى كثيرا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ه َأن ت ُْرفَعَ )سورة النور الية ‪(36‬‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ت أذِ َ‬
‫ّ‬
‫في ب ُُيو ٍ‬
‫شآُء )سورة النعام الية ‪(83‬‬ ‫ن نّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ن َْرفَعُ د ََر َ‬
‫ك )سورة النشراح الية الرابعة(‬ ‫ك ذِك َْر َ‬ ‫وََرفَعَْنا ل َ َ‬
‫كاًنا عَل ِّيا )سورة مريم الية ‪(57‬‬ ‫م َ‬ ‫وََرفَعَْناه ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ت )سورة المجادلة الية‬ ‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م وال ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ي َْرفَعُ الل ُ‬
‫‪(11‬‬
‫ه] كالتعبير في‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ي] وقوله [َبل ّرفَعَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وإذن فالتعبير بقوله [وََرافِعُك إ ِل ّ‬
‫معََنا] )سورة التوبة الية‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫قولهم‪ :‬لحق فلن بالرفيق العلى‪ ،‬وفي [إ ِ ّ‬
‫قت َدٍِر] )سورة القمر الية ‪ ،(55‬وكلها ل ُيفهم منها‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫مِلي ٍ‬ ‫عن ْد َ َ‬‫‪ (55‬وفي [ ِ‬
‫سوى الرعاية والحفظ والدخول في الكنف المقدس )الستاذ الكبر الشيخ‬
‫محمود شلتوت‪ :‬الفتاوى ص ‪.(56‬‬
‫وهناك آية كريمة أقوى دللة من آيات الرفع‪ ،‬ولكنها مع هذا ل تعني سوى‬
‫ل‬‫س ِ ِ‬
‫بي‬ ‫ن قُت ُِلوا في َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫خلود الروح ل الجسم‪ ،‬وهي قوله تعالى‪[ :‬وَل َ ت َ ْ‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫الله أ َمواتا ب ْ َ‬
‫من فَ ْ‬
‫ضل ِهِ‬ ‫ه ِ‬
‫م الل ُ‬ ‫مآ َءاَتاهُ ْ‬
‫ن بِ َ‬
‫حي َ‬ ‫ن ‪ $‬فَرِ ِ‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫حَياٌء ِ‬‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ َ ً َ‬
‫م] )سورة آل عمران الية ‪(169‬‬ ‫فهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫قوا ب ِِهم ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ْ‬
‫م ي َل َ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ِبال ِ‬‫شُرو َ‬‫ست َب ْ ِ‬
‫وَي َ ْ‬
‫فمع أن الية قررت أنهم أحياء فليس معنى هذا حياة الجسم‪ ،‬فجسم الشهيد‬
‫ن]‪ ...‬فليس‬ ‫م] وأنهم [ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫قد ُووري التراب‪ ،‬ومع أنها قررت أنهم [ ِ‬
‫المقصود هو العندية المكانية‪ ،‬ول الرزق المادي‪ ،‬وإنما المقصود تكريم الروح‬
‫بقربها من الله قرب مكانة والستمتاع باللذائذ استمتاعا روحيا ل جسمانيا‪.‬‬
‫وعن الحديثين يجيب الباحثون بإجابتين‪:‬‬
‫أول‪ :‬هما من أحاديث الحاد وهي ل توجب العتقاد‪ ،‬والمسألة هنا اعتقادية‬
‫كما سبق‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحديثان ليس فيهما كلمة واحدة عن رفع عيسى بجسمه‪ ،‬وقد فُهِ َ‬
‫م‬
‫ع‬
‫الرفع من نزول عيسى‪ ،‬فاعتقد بعض الناس أن نزول عيسى معناه أنه ُرفِ َ‬
‫وسيْنزل‪ ،‬وهكذا قرر هؤلء أن عيسى ُرفِعَ لمجرد أن في الحديثين كلمة‬
‫يْنزل‪ ،‬مع أن اللغة العربية ل تجعل الرفع ضرورة للّنزول‪ .‬فإذا قلت نزلت‬
‫ضيفا على فلن‪ ،‬فليس معنى هذا أنك كنت مرتفعا ونزلت‪ .‬وإذا رجعنا إلى‬
‫مدلول هذه الكلمة )نزل ‪ -‬وأنزل( في القرآن الكريم‪ ،‬وجدنا أنه ل يتحتم أن‬
‫در‪ ،‬أو وقع‪ ،‬أو‬ ‫يكون معناها الّنزول من ارتفاع‪ ،‬بل قد يكون معناها‪ :‬جعل‪ ،‬أو ق ّ‬
‫منح‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫د] )سورة الحديد الية ‪ (25‬أي جعلنا في الحديد‬ ‫دي ٌ‬‫ش ِ‬‫س َ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫[وَأنَزل َْنا ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫قوة وبأسا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مَباَر ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن] )سورة المؤمنون‬ ‫من ْزِِلي َ‬
‫خي ُْر ال ُ‬
‫ت َ‬‫كا وَأن َ‬ ‫من َْزل ً ُ‬ ‫وقال‪[ :‬وَُقل ّرّبي أنزِلِني ُ‬
‫در لي مكانا طيبا‪.‬‬ ‫الية ‪ (29‬أي ق ّ‬
‫ن] )سورة الصافات الية ‪(172‬‬ ‫منذ َِري َ‬ ‫ْ‬
‫ح ال ُ‬ ‫صَبا ُ‬‫ساَء َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫حت ِهِ ْ‬
‫سا َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫وقال‪[ :‬فإ ِّذا ن ََز َ‬
‫أي وقع‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة أْزَواٍج] )سورة الزمر الية السادسة( أي‬ ‫ن الن َْعام ِ ث َ َ‬
‫مان ِي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لك ْ‬ ‫وقال‪[ :‬وَأنَز َ‬
‫منحكم وأعطاكم‪.‬‬
‫وهكذا يتبين لنا أن كلمة يْنزل في الحديثين ‪ -‬لو صح هذان الحديثان‪ -‬ليست‬
‫إل بمعنى يجيء‪ ،‬ومن الممكن أن ُيحيي الله عيسى ويرسله على شريعة‬
‫محمد قبل قيام القيامة‪ ،‬وليس ذلك بمستبعد قط على الله‪ ،‬والستنتاج الذي‬
‫قال به هؤلء خروج بالكلمات عن مدلولها‪ ،‬فالرفع ليس من كلمات الحديث‬
‫الشريف بل من تفكير بعض قارئي الحديث‪ ،‬وليس من حقهم أن يضيفوا إلى‬
‫الحديث ما ليس منه وما ل تستدعيه ألفاظه‘‘‪.‬‬
‫ثم يستطرد الستاذ الدكتور أحمد شلبي في نفس المرجع فيقول‪:‬‬
‫”رفع روح عيسى ل جسمه‪:‬‬
‫ونجيء الن ليراد بعض التفاصيل والدلة التي ترى أن عيسى ‪ u‬مات كما‬
‫مات كل النبياء والصالحين وغيرهم‪ ،‬وأن جسمه قد دفن كما دفنت أجسام‬
‫النبياء وغيرهم‪ ،‬وأن الذي ُرفع هو روحه‪:‬‬
‫وبادئ ذي بدء أذكر أن ندوة كبيرة أقامتها مجلة "لواء السلم" في أبريل‬
‫سنة ‪ 1963‬عن هذا الموضوع‪ ،‬وقد اشترك فيها مجموعة من العلماء الفذاذ‪،‬‬
‫واتفق الجميع على مبدأين مهمين هما‪:‬‬
‫ص ُيلزم باعتقاد أن المسيح ‪ u‬قد رفع بجسمه‬ ‫‪ -1‬ليس في القرآن الكريم ن ّ‬
‫إلى السماء‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬عودة عيسى ‪ u‬جاءت بها أحاديث صحاح‪ ،‬ولكنها أحاديث آحاد‪ ،‬وأحاديث‬
‫الحاد ل توجب العتقاد‪ ،‬والمسألة هنا اعتقادية فل تثبت بهذه الحاديث )عدد‬
‫ذي الحجة ‪1380‬هـ أبريل ‪ 1963‬ص ‪.(263‬‬
‫وسنقتبس مما قاله هؤلء العلماء بعد قليل عن موت عيسى ودفنه وصعود‬
‫روحه إلى بارئها مع أرواح النبياء والصديقين والشهداء‪.‬‬
‫وعلى كل حال فالعلماء الذين يرون أن الذي رفع هو روح عيسى ل جسمه‬
‫يعتمدون أساسا على اليات القرآنية التالية‪:‬‬
‫فُروا‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬‫مطهُّر َ‬ ‫َ‬ ‫ي وَ ُ‬ ‫َ‬
‫ك إ ِل ّ‬‫ك وََرافِعُ َ‬ ‫مت َوَّفي َ‬ ‫سى إ ِّني ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫‪ -3‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫م )آل‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِل ّ‬ ‫مةِ ث ُ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فُروا إ ِلى ي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ك فَوْقَ ال ِ‬ ‫ن ات ّب َُعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫عمران ‪.(55‬‬
‫فهذه الية تذكر بوضوح ما سبق أن ذكرناه‪ ،‬أي وفاة عيسى وتطهيره‬
‫وحمايته من أعدائه‪ ،‬وتجعل عيسى ضمن أتباعه إلى الله مرجعهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫ه‪ :‬أ ِ‬ ‫مْرت َِني ب ِ ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ما قُل ْ ُ‬ ‫‪َ -4‬‬
‫ُ‬
‫ت عَلى ك ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَأن ْ َ‬ ‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي ُ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ما ت َوَفي ْت َِني كن َ‬ ‫م فل ّ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫دا ّ‬ ‫شِهي ً‬
‫شِهيد ٌ )المائدة ‪.(117‬‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫وواضح من الية وفاة عيسى ونهاية رقابته على أتباعه بعد موته وترك الرقابة‬
‫لله‪.‬‬
‫‪ -5‬وقوله تعالى حكاية عن عيسى‪:‬‬
‫حّيا‬ ‫ُ‬ ‫والسل َم عَل َي يوم ول ِدت ويو َ‬
‫ث َ‬ ‫م أب ْعَ ُ‬ ‫ت وَي َوْ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ّ َ ْ َ ُ ْ ُ ََ ْ َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫والية واضحة الدللة على أن عيسى ككل البشر يولد ويموت وُيبعث‪ ،‬وكل ما‬
‫يخالف ذلك تحميل للفظ فوق ما يحتمل‪.‬‬
‫وقد اشترك في هذا الرأي كثير من العلماء في العصور الماضية وفي العصر‬
‫الحديث‪ ،‬وفيما يلي نسوق بعض تفاسير لهذه اليات الكريمة كما نسوق آراء‬
‫العلماء الجلء‪.‬‬
‫يقول المام الرازي )تفسير الفخر الرازي( في تفسير الية الولى‪[ :‬إ ِّني‬
‫ي‪[ ،‬‬ ‫منهي أجلك‪[ ،‬وََرافُِعك] أي رافع مرتبتك ورافع روحك إل ّ‬ ‫ك] أي ُ‬ ‫مت َوَّفي َ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫مطهُّرك] أي مخرجك من بينهم‪ ،‬ومفّرق بينك وبينهم‪ ،‬وكما عظم شأنه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَ ُ‬
‫بلفظ الرفع إليه خّبر عن التخليص بلفظ التطهير‪ ،‬وكل هذا يدل على المبالغة‬
‫ن‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ع ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫في إعلء شأنه وتعظيم مْنزلته‪ ،‬ويقول في معنى قوله تعالى‪[ :‬وَ َ‬
‫فُروا] المراد بالفوقية‪ ،‬الفوقية بالحجة والبرهان‪ .‬ثم‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ك فَوْقَ ال ّ ِ‬ ‫ات ّب َُعو َ‬
‫يقول‪ :‬واعلم أن هذه الية تدل على أن رفعه في قوله‪[ :‬وََرافُِعك] هو رفع‬
‫الدرجة والمنقبة ل المكان والجهة‪ ،‬كما أن الفوقية في هذه الية ليست‬
‫بالمكان بل بالدرجة والمكانة‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ويقول اللوسي )انظر روح المعاني لللوسي( أن قوله تعالى‪[ :‬إ ِّني‬
‫ك] معناها على الوفق أني مستوف أجلك‪ ،‬ومميتك موتا طبيعيا‪ ،‬ل‬ ‫مت َوَّفي َ‬
‫ُ‬
‫أسلط عليك من يقتلك‪ ،‬والرفع الذي كان بعد الوفاة هو رفع المكانة ل رفع‬
‫ن كَ َ‬
‫فُروا] مما‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫مط َهُّر َ‬
‫ك ِ‬ ‫الجسد خصوصا وقد جاء بجانبه قوله تعالى‪[ :‬وَ ُ‬
‫يدل على أن المر تشريف وتكريم‪.‬‬
‫ويرى ابن حزم )الفصل في الهواء والملل والنحل ‪ -‬عند الكلم عن‬
‫المسيحية( وهو من فقهاء الظاهر‪ :‬إن الوفاة في اليات تعني الموت‬
‫الحقيقي‪ ،‬وإن صرف الظاهر عن حقيقته ل معنى له‪ ،‬وإن عيسى بناء على‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا قد مات‪.‬‬
‫وقد تعّرض الستاذ المام محمد عبده إلى آيات الرفع وأحاديث الّنزول‪ ،‬فقرر‬
‫الية على ظاهرها‪ ،‬وأن التوفي هو الماتة العادية‪ ،‬وأن الرفع يكون بعد ذلك‬
‫وهو رفع الروح )إقرأ تفسير المنار عند شرح اليات السابقة(‪.‬‬
‫ويقول الستاذ الشيخ محمود شلتوت )الفتاوى ص ‪ 2‬وما بعدها( أن كلمة‬
‫"توفى" قد وردت في القرآن كثيرا بمعنى الموت حتى صار هذا المعنى هو‬
‫الغالب عليها المتبادر منها‪ ،‬ولم تستعمل في غير هذا المعنى إل بجانبها ما‬
‫ملت‬ ‫يصرفها عن هذا المعنى المتبادر‪ ،‬ثم يسوق عددا كبيرا من اليات اسُتع ِ‬
‫فيه هذه الكلمة بمعنى الموت الحقيقي‪ ،‬ويرى أن المفسرين الذين يلجأون‬
‫مت َوَّفيك‬
‫إلى القول بأن الوفاة هي النوم أو أن في قوله تعالى‪ُ [ :‬‬
‫ملون السياق ما ل‬ ‫وََرافُِعك] تقديما وتأخيرا‪ ،‬يرى أن هؤلء المفسرين يح ّ‬
‫ه] وبالحاديث التي تفيد نزول عيسى‪.‬‬ ‫ه إ ِل َي ْ ِ‬‫ه الل ُ‬ ‫يحتمل‪ ،‬تأثرا بالية‪َ[ :‬بل ّرفَعَ ُ‬
‫ويرى على ذلك بأنه ل داعي لهذا التفكير‪ ،‬فالرفع رفع مكانة‪ ،‬والحاديث ل‬
‫تقرر الرفع على الطلق‪.‬‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬
‫جيًها في الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ويقول فضيلته إنه إذا استدل البعض بقوله تعالى‪[ :‬وَ ِ‬
‫ن] )سورة آل عمران الية ‪ ،(45‬على أن عيسى رفع إلى محل‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫وَ ِ‬
‫ن] وردت في غير موضع من‬ ‫بي‬ ‫ر‬
‫ُ ّ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫[ا‬ ‫كلمة‬ ‫بأن‬ ‫أجبناه‬ ‫المقربين‪،‬‬ ‫الملئكة‬
‫القرآن الكريم دون أن تفيد معنى رفع الجسم‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫ن )سورة الواقعة اليتان ‪.(11-10‬‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫ن ُأول َئ ِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫‪َ -6‬وال ّ‬
‫َ‬
‫ة ن َِعيم ٍ )سورة الواقعة اليتان‬ ‫جن ّ ُ‬
‫ن وَ َ‬‫حا ٌ‬‫ح وََري ْ َ‬ ‫ن فََروْ ٌ‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬‫من ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫ما ِإن َ‬ ‫‪ -7‬فَأ ّ‬
‫‪.(89-88‬‬
‫ن )سورة المطففين الية ‪.(28‬‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ب ب َِها ال ُ‬ ‫شَر ُ‬ ‫‪ -8‬عَي ًْنا ي َ ْ‬
‫أما السيد محمد رشيد رضا‪ ،‬فقد أضاف إلى هذه الدراسة نقطة جديدة هي‬
‫أن مسألة الرفع بالجسم والروح هي في الحقيقة عقيدة النصارى‪ ،‬وقد‬
‫استطاعوا بحيلة أو بأخرى دفعها تجاه الفكر السلمي كما استطاعوا إدخال‬
‫كثير من السرائيليات والخرافات‪ ،‬وفيما يلي نص كلم هذا الباحث الكبير‪:‬‬
‫ليس في القرآن نص صريح على أن عيسى ُرفع بروحه وجسده إلى السماء‪،‬‬
‫وليس فيه نص صريح بأنه يْنزل من السماء‪ ،‬وإنما هي عقيدة النصارى‪ ،‬وقد‬
‫حاولوا في كل زمان منذ ظهور السلم بّثها في المسلمين )تفسير المنار ج‬
‫‪ 10‬من المجلد الثاني والعشرين(‪.‬‬
‫ويضيف هذا الباحث قوله‪ :‬وإذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يصلح العالم فمن‬
‫السهل أن يصلحه عل يد أي مصلح ول ضرورة إطلقا لُنزول عيسى أو واحد‬
‫من النبياء )تفسير المنار الجزء الثالث(‪.‬‬
‫ويقول الستاذ الكبر الشيخ المراغي‪ :‬ليس في القرآن نص قاطع على أن‬
‫ي الن بجسمه وروحه‪،‬‬ ‫عيسى عليه السلم ُرفع بجسمه وروحه وعلى أنه ح ٌ‬
‫والظاهر من الرفع أنه رفع درجات عند الله‪ ،‬كما قال تعالى في إدريس‪[ :‬‬
‫كاًنا عَل ِّيا]‪ ،‬فحياة عيسى حياة روحية كحياة الشهداء وحياة غيره من‬ ‫م َ‬ ‫وََرفَعَْناه ُ َ‬
‫النبياء )نقل عن كتاب الفتاوى للشيخ شلتوت ص ‪.(74‬‬
‫جار )قصص النبياء ص ‪ :(511‬إنه ل حجة لمن‬ ‫ويقول الستاذ عبد الوهاب الن ّ‬
‫يقول بأن عيسى ُرفع إلى السماء لنه ل يوجد ذكر للسماء بإزاء قوله‬
‫مبعده عنهم إلى‬ ‫ي] وكل ما تدل عليه هذه العبارة أن الله ُ‬ ‫تعالى‪[ :‬وََرافُِعك إ ِل َ ّ‬
‫سلطة لهم فيه‪ ،‬وإنما السلطان فيه ظاهرا وباطنا لله تعالى‪ ،‬فقوله‬ ‫مكان ل ُ‬
‫جٌر إ ِلى َرّبي] )سورة‬ ‫َ‬ ‫مَها ِ‬‫ي] هو كقول الله عن لوط‪[ :‬إ ِّني ُ‬ ‫تعالى‪[ :‬إ ِل َ ّ‬
‫العنكبوت الية ‪ (26‬فليس معناه إني مهاجر إلى السماء بل هو على حد قوله‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه‪) ]..‬سورة النساء الية‬


‫سول ِ ِ‬
‫جًرا ِإلى اللهِ وَِر ُ‬
‫مَها ِ‬
‫من ب َي ْت ِهِ ُ‬
‫ج ِ‬
‫خُر ْ‬
‫من ي ّ ْ‬
‫تعالى‪[ :‬وَ َ‬
‫‪.(100‬‬
‫ويقول الستاذ الشهيد سيد قطب )في ظلل القرآن الجزء الثالث ص ‪(87‬‬
‫عند تفسير الية الولى من اليات الثلث السابقة‪:‬‬
‫لقد أرادوا قتل عيسى وصلبه‪ ،‬وأراد الله أن يتوفاه وفاة عادية ففعل‪ ،‬ورفع‬
‫روحه كما رفع أرواح الصالحين من عباده‪ ،‬وطهره من مخالطة الذين كفروا‪،‬‬
‫ومن البقاء بينهم وهم رجس ودنس‪.‬‬
‫ونجيء الن إلى الباحث الستاذ محمد الغزالي وله في هذا الموضوع دراسة‬
‫مستفيضة نقتبس منها بعض فقرات بنصوصها‪:‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪ -9‬أميل إلى أن عيسى مات‪ ،‬وأنه كسائر النبياء مات وُرفع بروحه فقط‪ ،‬وأن‬
‫ت وَإ ِن ُّهم‬ ‫مي ّ ٌ‬
‫ك َ‬‫جسمه في مصيره كأجساد النبياء كلها‪ :‬وتنطبق عليه الية‪[ :‬إ ِن ّ َ‬
‫من‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ل قَد ْ َ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬
‫سو ٌ‬ ‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ما ُ‬
‫ن] )سورة الزمر الية ‪ (30‬والية‪[ :‬وَ َ‬ ‫مي ُّتو َ‬ ‫ّ‬
‫ل] )آل عمران ‪ (144‬وبهذا يتحقق أن عيسى مات )لواء السلم‬ ‫س ُ‬ ‫قَب ْل ِهِ الّر ُ‬
‫العدد السابق ص ‪.(254‬‬
‫‪ -10‬ومن رأيي أنه خير لنا نحن المسلمين وكتابنا )القرآن الكريم( لم يقل‬
‫قول حاسما أبدا أن عيسى حي بجسده‪ ،‬خير لنا منعا للشتباه من أنه ُولد من‬
‫غير أب‪ ،‬وأنه باق على الدوام مما ي َُرّوج لفكرة شائبة اللوهية فيه‪ ،‬خير لنا أن‬
‫نرى الرأي الذي يقول إن عيسى مات‪ ،‬وإنه انتهى‪ ،‬وإنه كغيره من النبياء ل‬
‫يحيا إل بروحه فقط‪ ،‬حياة كرامة وحياة رفعة الدرجة‪.‬‬
‫‪ -11‬وأنتهي من هذا الكلم إلى أني أرى من اليات التي أقرؤها في الكتاب‬
‫أن عيسى مات‪ ،‬وأن موته حق‪ ،‬وأن موته كسائر النبيين )المرجع السابق ص‬
‫‪.(255‬‬
‫وبعد‪ ..‬لقد أثيرت هذه المسألة منذ سنين في فتوى أجاب عليها الستاذ‬
‫المراغي والستاذ شلتوت كما رأينا‪ ،‬وقد قامت ضجة على إثر إذاعة هذه‬
‫الفتوى‪ ،‬شأن كل جديد يخرج للناس‪ .‬ومّر الزمن ورجحت هذه الفكرة‬
‫وأصبحت شيئا عاديا يدين بها الغالبية العظمى من المثقفين‪ ،‬وطالما وقف‬
‫كاتب هذه السطور يرفع صوته بها في قاعات المحاضرات بأعرق جامعة‬
‫إسلمية في العالم وهي جامعة الزهر وبغيرها من الجامعات وقاعات‬
‫المحاضرات‪ ،‬وكان الناس يتقبلون هذه الراء قبول حسنا‪ ،‬والذي أرجوه أن‬
‫يرفق المعارضون في تلقي الراء الجديدة‪ ،‬وأن يفحصوها بروح هادئة‪ .‬والله‬
‫يهدينا سواء السبيل‪.‬‬
‫ونختم هذا البحث بأن نقرر أن العتقاد بأن عيسى رفع بجسمه وروحه اعتقاد‬
‫متأثر بالفكر المسيحي الذي يرى أن عيسى هو الله البن نزل من السماء‬
‫ثم ُرفع ليعود للجلوس بجوار الله الب‪ .‬أما المسلمون الذين يعتقدون أن‬
‫الله واحد‪ ،‬وأنه في كل مكان‪ ،‬وليس جسما‪ ،‬فكيف يوّفقون بين هذا وبين‬
‫رفع عيسى ليكون بجوار الله؟ فالله ‪-‬مرة أخرى‪ -‬في كل مكان‪ .‬ولو بقي‬
‫عيسى على الرض لكان مع الله أيضا‪ .‬فكيف يوفقون بين هذا وبين قوله‬
‫د] )النبياء‪.‘‘(34:‬‬ ‫خل ْ َ‬
‫ك ال ْ ُ‬
‫من قَب ْل ِ َ‬
‫شرٍ ِ‬‫جعَل َْنا ل ِب َ َ‬
‫ما َ‬‫تعالى‪[ :‬وَ َ‬
‫***‬
‫كان هذا هو الكلم الذي نقلناه عن الستاذ الدكتور أحمد شلبي‪ ،‬وذكر فيه‬
‫آراء العلماء في الزمن القديم وفي الزمن الحديث عن وفاة المسيح‪ .‬ول‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحتاج المر إلى تعليق آخر‪.‬‬


‫) ‪( 14‬‬
‫هذا لقاؤنا الرابع عشر في حلقات "أجوبة عن اليمان" التي نرد بها على‬
‫جناب القمص زكريا بطرس في حلقاته التي قدمها بعنوان "أسئلة عن‬
‫اليمان"‪ .‬وهذه الحلقة هي الثالثة التي نبحث فيها ما إذا كان المسيح قد مات‬
‫على الصليب‪ ،‬وقد بحثنا هذا الموضوع من وجهة النظر السلمية في‬
‫الحلقتين الماضيتين‪ ،‬وفي هذه الحلقة نريد أن نبحث الموضوع من وجهة‬
‫النظر المسيحية‪ .‬فهل نجا المسيح من الموت على الصليب‪ ،‬كما أعلن ذلك‬
‫دعي‬ ‫القرآن المجيد‪ ،‬أم أن الله أراد له أن يموت فداء عن البشرية كما ي ّ‬
‫بذلك جناب القمص؟‬
‫ول شك أن هذه مهمة صعبة‪ ،‬لن المصدر الوحيد الذي يقبله جناب القمص‬
‫هو الكتاب المقدس بشقيه العهد القديم والعهد الجديد الذي يحتوي الناجيل‬
‫الربعة وسفر أعمال الرسل والرسائل التي كتب أغلبها بولس الرسول‪ .‬ولما‬
‫كان بولس الرسول هو في حقيقة المر مؤسس الديانة المسيحية المنتشرة‬
‫الن‪ ،‬لنها تقوم على كتاباته التي أدخلت مبادئ لم يتناولها السيد المسيح‬
‫نفسه‪ ،‬لذا فإن العتماد على كتابات بولس لن يؤدي إلى كشف الحقيقة التي‬
‫نبحث عنها‪ .‬ومن هنا نجد أنه ينبغي علينا أن نركز الهتمام على ما جاء في‬
‫الناجيل الربعة‪ ،‬نتلمس من خللها بعض الضواء التي قد تصلح لتنير لنا‬
‫طريق البحث عن الحقيقة‪.‬‬
‫ولما كنا على يقين من أن موت السيد المسيح على الصليب أمر يتعارض مع‬
‫المشيئة اللهية‪ ،‬فإننا نقطع بأنه ل بد أن تحتوي الناجيل على أمور تختلف‬
‫وتتناقض مع موضوع موت المسيح على الصليب‪ ،‬بل تشير من قريب أو من‬
‫بعيد إلى نجاته من هذه الميتة اللعينة‪ ،‬التي يريد جناب القمص وأتباعه أن‬
‫يلصقوها بالمسيح ‪.u‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫أول‪ :‬وبادئ ذي بدء نود أن نناقش الجملة التي كثيرا ما يستشهد بها جناب‬
‫القمص لكي يوهم مشاهديه أن الغرض والهدف من مجيء المسيح هو أن‬
‫يموت ويسفك دمه فداء عن البشرية‪ .‬وقد جاءت هذه الجملة في إنجيل‬
‫يوحنا ‪ 16:3‬حيث تقول‪" :‬لنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد‬
‫لكي ل يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة البدية‪ ،‬لنه لم ُيرسل الله‬
‫ابنه إلى العالم ليدين العالم"‪ .‬ومن الواضح أن هذه الجملة ل تذكر شيئا عن‬
‫صلب المسيح ول عن موته فداء عن البشرية‪ ،‬وإنما تذكر أن الله "بذله" لكي‬
‫ل يهلك من يؤمن به‪ ،‬أي أن الغرض المطلوب هو اليمان بالمسيح‪ ،‬وشأنه‬
‫في ذلك شأن كل نبي يبعثه الله‪ ،‬إذ ينبغي أن يؤمن به قومه إذا كانوا يريدون‬
‫أن ينالوا الهداية من الله‪ .‬فمن غير المعقول أن ينال أحد الحياة البدية وهو‬
‫يرفض اليمان بنبي بعثه الله تعالى‪ ،‬بل يعاديه ويكذبه‪ .‬أما كلمة "بذل" التي‬
‫يحاول جناب القمص أن يوحي بأنها تعني قتله أو صلبه‪ ،‬فهي ل تعني ذلك‬
‫دم"‪" ،‬أعطى"‪" ،‬أرسل"‪" ،‬بعث"‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬ ‫بالمرة‪ ،‬بل تعني "ق ّ‬
‫دم" أو "أعطى"‪ ،‬والفقرة التالية لها‬‫والترجمة النجليزية تقول “‪ ”gave‬أي "ق ّ‬
‫تقول “‪ ”sent‬أي "أرسل" أو "بعث"‪ ،‬وكل هذه الكلمات ل علقة لها بموضوع‬
‫القتل أو الصلب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ومن هذا يتبين أن الرادة اللهية ومشيئة الله لم تكن تهدف قتل‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسيح أو صلبه‪ ،‬وإنما كانت تتوجه إلى حفظه والعمل على سلمته حتى‬
‫يؤدي الرسالة التي ُبعث من أجلها‪ ،‬وهي أن يبشر القبائل السرائيلية بقرب‬
‫مجيء ملكوت الله‪ .‬وهناك عدة حوادث معينة تبين أن المشيئة اللهية لم‬
‫در الله تعالى أن يصون سلمته وقرر‬ ‫تكن تهدف إلى قتل المسيح‪ ،‬بل ق ّ‬
‫حفظه من كل سوء‪.‬‬
‫فمثل يحكي لنا إنجيل لوقا أن الروح اقتاد المسيح في البرية أربعين يوما‬
‫وإبليس يجّربه‪ .‬وكان من ضمن تجارب إبليس له أنه "اقتاده إلى أورشليم‪،‬‬
‫وأوقفه على حافة سطح الهيكل‪ ،‬وقال له‪" :‬إن كنت ابن الله‪ ،‬فاطرح نفسك‬
‫من هنا إلى أسفل‪ ،‬لنه مكتوب أنه يوصي ملئكته بك لكي يحفظوك‪ ،‬وأنهم‬
‫على أياديهم يحملونك‪ ،‬لكي ل تصدم بحجر رجلك" )لوقا ‪ .(11-9 :4‬إذن ما‬
‫دره هو أن ملئكته سوف يحفظون المسيح ويحملونه‬ ‫كتبه الله تعالى وما ق ّ‬
‫على أيديهم حتى ل تصطدم قدمه بحجر‪ .‬يعني لو حدث أنه سقط من فوق‬
‫جبل أو من على سطح الهيكل فإن ملئكة الله سوف يحفظونه من كل سوء‬
‫ويحملونه على أيديهم‪ ،‬فكيف ُيقال بعد هذا أن الله أرسله لكي يموت‬
‫ويسفك دمه فداء للبشرية؟ لو كان ذلك حقا لما كتب الله أن يوصي ملئكته‬
‫كي يحفظوه ويحملوه على أيديهم فل تصطدم قدمه بحجر‪ .‬وقد ُيقال إن الله‬
‫در أن تحفظه الملئكة لنه كان يريده أن يموت على الصليب‪،‬‬ ‫كتب هذا وق ّ‬
‫ولكن هذا القول يحمل إساءة بالغة لله تعالى‪ ،‬لن موت المسيح على‬
‫الصليب لم يكن ليتم بغير أن يعصي اليهود أمر الله ويرتكبوا خطيئة قتله‬
‫على الصليب‪ ،‬ول يليق بالله تعالى أن يضع خطة لنجاة البشرية ل تتحقق إل‬
‫بشرط ارتكاب الناس المعصية‪ .‬ولكن إذا حدث أن سقط المسيح من على‬
‫جبل أو من مكان عال مثل‪ ،‬فإنه سوف يموت وُيسفك دمه بغير أن يرتكب‬
‫أحد أية معصية لله‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فحتى هذه كتب الله أن تحفظه منها الملئكة‬
‫فل تصطدم قدمه بحجر‪ ،‬فكيف يمكن أن تتركه الملئكة لكي يموت على‬
‫الصليب؟ هل لديك جواب يا جناب القمص؟؟‬
‫حون بأبنائهم ويقدمونهم قرابين لله‪ ،‬وكان‬ ‫ثالثا‪ :‬في الماضي كان الباء يض ّ‬
‫ذلك يحدث عند مولد البن أو في طفولته‪ ،‬وحسب ما جاء في الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬فقد أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه اسحاق وهو ل يزال طفل صغيرا‪.‬‬
‫ولو كان الله يريد أن يقدم ابنه ليموت فداء للبشرية لسمح بقتل المسيح بعد‬
‫مولده‪ ،‬خاصة وأن الفرصة كانت مواتية لذلك‪ .‬فقد علم هيرودس بخبر مولد‬
‫المسيح من المجوس الذين جاءوا من الشرق‪ ،‬ويقول إنجيل متى عن ذلك‪:‬‬
‫"فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه‪ .‬فجمع كل رؤساء‬
‫الكهنة وكت ََبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح‪ ،‬فقالوا له‪ :‬في بيت لحم‬
‫اليهودية" )متى ‪ .(5-3 :2‬وأراد هيرودس أن يقتل المسيح الوليد‪ ،‬فاستدعى‬
‫المجوس سرا وطلب إليهم أن يبحثوا عن الصبي ويخبروه عندما يجدونه‪.‬‬
‫وبالفعل وجد المجوس الصبي وأمه وأعطوه الهدايا التي جاءوا بها‪ .‬ويقول‬
‫عن ذلك إنجيل متى‪" :‬ثم إذ ُأوحي إليهم في حلم أن ل يرجعوا إلى هيرودس‬
‫انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم" )متى ‪ .(12:2‬ولو كان الله يريد أن‬
‫يقدم ابنه لكي ُيقتل فداء عن البشر‪ ،‬لترك المجوس يعودون إلى هيرودس‬
‫حى إليهم في حلم أل يعودوا إلى هيرودس‪،‬‬ ‫َ‬
‫ويخبرونه بمكان المسيح‪ ،‬ولكنه أوْ َ‬
‫جه إلى قتل الصبي وإنما إلى‬ ‫مما يدل على أن إرادة الله تعالى لم تكن تتو ّ‬
‫المحافظة عليه والبقاء على حياته‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رابعا‪ :‬عندما أدرك هيرودس أن المجوس سخروا منه ولم يعودوا إليه استولى‬
‫عليه الغضب الشديد وأمر بقتل جميع الصبيان الذين ُولدوا في بيت لحم‬
‫وجوارها من ابن سنتين وما دون ذلك‪ .‬فماذا حدث؟ لم يترك الله ابنه يموت‬
‫جهة إلى‬ ‫أو ُيقتل بيد جنود هيرودس مما يدل على أن مشيئة الله لم تكن متو ّ‬
‫قتله‪ ،‬علما بأن هذه كانت أيضا فرصة أخرى لكي يموت المسيح بغير أن‬
‫يشترك الشعب كله في حمل خطيئة قتله‪ .‬إن ما حدث هو أن الله أرسل‬
‫ملكا ليظهر في الحلم ليوسف الذي تزوج السيدة مريم‪ ،‬وأمره أن يأخذ‬
‫الطفل ويذهب به إلى مصر‪ ،‬وكان في هذه الرحلة نجاته من القتل بيد‬
‫الجنود‪ ،‬مما يضيف دليل آخر على أن المشيئة اللهية لم تكن تتجه إلى قتله‬
‫وإنما إلى الحفاظة على سلمته وصونه من أن يموت بيد أحد من البشر‪.‬‬
‫يقول إنجيل متى‪" :‬وبعدما انصرفوا‪ ،‬إذا ملك الرب قد ظهر ليوسف في حلم‬
‫قائل‪ :‬قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر‪ ،‬وكن هناك حتى أقول لك لن‬
‫هيرودس يطلب الصبي ليهلكه‪ ،‬فقام وأخذ الصبي وأمه ليل وانصرف إلى‬
‫مصر‪ ،‬وكان هناك إلى وفاة هيرودس" )متى ‪.(15-13 :2‬‬
‫خامسا‪ :‬أثناء محاكمة السيد المسيح أمام بيلطس البنطي الحاكم الروماني‪،‬‬
‫أرسلت إليه امرأته تحذره من أن ي ُْنزل أي عقوبة بالمسيح‪ ،‬وأخبرته أنها‬
‫تألمت جدا في رؤيا من أجله‪ .‬والرؤيا التي رأتها زوجة الحاكم إما أن تكون‬
‫من الله تعالى أو من الشيطان‪ ،‬وليس هناك من احتمال ثالث‪ .‬وبطبيعة‬
‫الحال‪ ،‬ل يمكن أن تكون الرؤيا من الشيطان‪ ،‬لن الشيطان ل يمكن أن‬
‫يكون في جانب العدل‪ ،‬فالعدل كان يقضي ببراءة المسيح وعدم الساءة إليه‬
‫أو الضرار به‪ .‬ومن سوء الدب في حق الله تعالى أن ُيقال إن الشيطان أراد‬
‫أن يحقق العدل فعمل على تبرئة المسيح‪ ،‬بينما لم يهتم الله تعالى بإحقاق‬
‫الحق‪ ،‬بل أراد أن ترتكب جموع الشعب خطيئة قتل المسيح من أجل أن‬
‫تتحقق خطة الفداء‪ .‬إن هذا الفكر الساقط خليق بأن يكون فكر الشيطان‬
‫وليس فكر الله الذي هو العدل المطلق وإله المحبة‪ .‬ويترتب على هذا أن‬
‫تكون الرؤيا التي رأتها زوجة الحاكم من الله تعالى‪ ،‬وهي بهذا تشابه الرؤيا‬
‫التي رآها يوسف النجار زوج السيدة مريم عندما أحاط الخطر بالمسيح‬
‫الوليد‪ ،‬فوجهه الله تعالى عن طريق الرؤيا إلى الذهاب إلى مصر‪ ،‬حيث كان‬
‫في هذا تحقيق نجاة المسيح من الخطر المحدق به‪ .‬وهنا أيضا أحاط الخطر‬
‫بالسيد المسيح ‪ ،u‬فاليهود أرادوا أن يحققوا قتله وصلبه‪ ،‬وعلت أصوات‬
‫الغوغاء مطالبة الحاكم‪" :‬اصلبه اصلبه"‪ ،‬ولكن الله أراد تحقيق نجاته‪ ،‬فجعل‬
‫امرأة الحاكم ترى رؤيا تألمت فيها كثيرا من أجل المسيح‪ ،‬وكانت الرؤيا من‬
‫الهول والشدة بمكان حتى إنها أرسلت إلى زوجها تحذره أثناء ممارسة عمله‬
‫في نظر القضية‪ .‬ولعل سائل يسأل‪ :‬ألم يكن من الْولى أن يرى الحاكم‬
‫بنفسه تلك الرؤيا لو أنها كانت من الله فعل؟ والجواب على هذا السؤال يعّزز‬
‫الرأي الذي نطرحه‪ ،‬لن ذلك الحاكم كان فيما يبدو ضعيف الشخصية‪ ،‬فلم‬
‫يكن رجل حريصا على إعلء جانب الحق مهما تكن النتائج‪ ،‬ولو أنه رأى الرؤيا‬
‫بدل من زوجته‪ ،‬فربما كان قد تجاهلها إزاء ضغط جموع الناس عليه‬
‫وتهديدهم إياه كما حدث بالفعل‪ .‬ولو أنه كان قد رأى الرؤيا وتجاهلها‪ ،‬لما‬
‫عرفنا بأمر هذه الرؤيا أبدا‪ .‬ولذلك فقد أرى الله تعالى هذه الرؤيا لزوجته‪،‬‬
‫وجعل أثرها عليها شديدا حتى إنها أرسلت إليه تحذره أثناء نظره في القضية‪،‬‬
‫وأخبرته عن هذه الرؤيا‪ ،‬وبعملها هذا فقد أخبرت العالم كله عن هذه الرؤيا‪،‬‬
‫جه إلى تحقيق‬ ‫وبذلك فقد بّينت أيضا للدنيا كلها أن إرادة الله تعالى كانت تتو ّ‬
‫نجاة المسيح وليس إلى تحقيق قتله وصلبه‪ .‬ولو كان ذلك الحاكم ذا شخصية‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوية لما جرأت زوجته على أن ترسل إليه وهو جالس على منصة القضاء‬
‫لتخبره عن حلم رأته وتحذره من الضرار بالسيد المسيح‪ ،‬فإن هذا ُيعتبر‬
‫تدخل سافرا في شؤون عمله‪ ،‬وإحراجا له أمام حاشيته‪ ،‬بل وتدخل في‬
‫إجراءات النظر في القضية نفسها‪ ،‬وما كان لي قاض أو حاكم يحترم نفسه‬
‫وعمله أن يسمح لحد بهذا التدخل السافر في عمله‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬فإن‬
‫هذا التصّرف من جانب الزوجة يدل على أن تأثير الرؤيا عليها كان شديدا‪ ،‬بل‬
‫كان مهول‪ ،‬حتى إنها لم تكترث لكرامة زوجها‪ ،‬ولم تأبه بما يمكن أن ينتج عن‬
‫تدخلها في إجراءات النظر في القضية‪ ،‬وإنما أصرت على أن ُتبلغ زوجها بهذه‬
‫ذره من الساءة أو الضرار بالسيد المسيح‪ .‬وكل‬ ‫الرؤيا‪ ،‬وحرصت على أن تح ّ‬
‫هذا يدل بوضوح على أن الله تعالى كان يريد نجاته من القتل والصلب‪ .‬وفي‬
‫هذا يقول إنجيل متى‪" :‬وإذ كان جالسا على كرسي الولية أرسلت إليه‬
‫امرأته قائلة‪ :‬إياك وذلك البار‪ ،‬لني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله" )‬
‫‪.(19:27‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫سادسا‪ :‬ل شك أن السيد المسيح قد قام بعمل الكثير من المعجزات وقدم‬


‫مرسل من عند الله‬ ‫لقومه الكثير من اليات التي تدل على صدقه وأنه ُ‬
‫تعالى‪ ،‬ومع ذلك حين سأله بعض الناس أن يقدم لهم آية قال لهم‪" :‬جيل‬
‫شرير وفاسق يطلب آية ول ُتعطى له آية إل آية يونان النبي‪ ،‬لنه كما كان‬
‫يونان في بطن الحوت ثلثة أيام وثلث ليال‪ ،‬هكذا يكون ابن النسان في‬
‫قلب الرض ثلثة أيام وثلث ليال" )متى ‪ .(40-39 :12‬ويونان النبي هو ذو‬
‫جاه الله تعالى من الموت وأبقاه حيا‬ ‫النون أي يونس ‪ u‬الذي التقمه الحوت فن ّ‬
‫في بطنه وأخرجه حيا سليما من بطنه‪ .‬والمسيح ‪ u‬يقدم نفس مثال يونان‬
‫النبي ويقول إن الية التي وقعت ليونان هي وحدها التي يقدمها لذلك الجيل‬
‫الشرير الفاسق‪ ،‬فكما كان يونان في بطن الحوت ثلثة أيام وثلث ليال‪،‬‬
‫كذلك سوف يكون هو أيضا في بطن الرض‪ .‬ومن المعروف أن يونان دخل‬
‫حيا في بطن الحوت‪ ،‬وظل فيها حيا طوال مدة بقائه فيها وخرج منها حيا‪،‬‬
‫ووجه المماثلة بين السيد المسيح ويونان النبي أن المسيح سوف يدخل أيضا‬
‫بطن الرض حيا ويظل فيها حيا طوال مدة بقائه فيها وسوف يخرج منها حيا‪.‬‬
‫إن آية يونان النبي ليست في بقائه مدة معينة في بطن الحوت )أي ثلثة أيام‬
‫وثلث ليال(‪ ،‬ولكن في بقائه حيا طوال هذه المدة المعينة‪ .‬وكذلك فإن نفس‬
‫هذه الية سوف تحدث للمسيح ويبقى حيا في بطن الرض طوال المدة التي‬
‫يبقاها في بطن الرض‪ .‬وإن لم يكن المر كذلك‪ ،‬فل يكون هناك وجه‬
‫للمماثلة بين يونان النبي ويسوع المسيح‪ ،‬حيث إن المسيح لم يدخل بطن‬
‫الرض إل في مساء يوم السبت‪ ،‬إذ يقول إنجيل متى‪" :‬ولما حل المساء‪ ،‬جاء‬
‫رجل غني من بلدة الرامة اسمه يوسف‪ ،‬وكان أيضا تلميذا ليسوع‪ ،‬فتقدم‬
‫إلى بيلطس يطلب جثمان يسوع‪ ،‬فأمر بيلطس أن ُيعطى له‪ ،‬فأخذ يوسف‬
‫فنه بكتان نقي‪ ،‬ودفنه في قبره الجديد الذي كان قد حفره في‬ ‫الجثمان وك ّ‬
‫الصخر‪ ،‬ودحرج حجرا كبيرا على باب القبر ثم ذهب" )‪ .(60-57 :27‬ويتضح‬
‫من هذا بجلء أن دخول يسوع بطن الرض وقع في مساء يوم السبت‪ ،‬وبقي‬
‫فيها يوم السبت وليلة الحد‪ ،‬وخرج منها عند فجر يوم الحد‪ ،‬أي قبل أن يبدأ‬
‫يوم الحد‪ .‬يقول مّتى‪" :‬وبعد السبت عند فجر أول السبوع جاءت مريم‬
‫المجدلية ومريم الخرى لتنظرا القبر‪ ،‬وإذا زلزلة عظيمة حدثت لن ملك‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه‪ ،‬وكان‬
‫منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج‪ ،‬فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا‬
‫كأموات‪ ،‬فأجاب الملك وقال للمرأتين ل تخافا أنتما فإني أعلم أنكما تطلبان‬
‫يسوع المصلوب‪ ،‬وليس هو ههنا لنه قام كما قال" )‪ .(6-1 :28‬ومن هذا‬
‫المقطع يتضح أن المسيح كان قد خرج من القبر عند فجر يوم الحد‪ .‬وما دام‬
‫قد ثبت عدم المماثلة بين المسيح ويونان النبي في المدة التي قضاها كل‬
‫منهما‪ ،‬فل بد أن تكون المماثلة في الكيفية التي كان كل منهما عليها )أي‬
‫بقاؤه حيا(‪ .‬وحتى لو كان المسيح قد قضى في بطن الرض ثلثة أيام وثلث‬
‫ليال‪ ،‬فإن آية يونان النبي لم تكن في قضائه مدة معينة في بطن الحوت‪،‬‬
‫وإنما في بقائه حيا في بطن الحوت‪ ،‬والمشابهة في الية تقتضي أن يكون‬
‫المسيح قد دخل بطن الرض حيا‪ ،‬وبقي فيها حيا‪ ،‬وخرج منها حيا‪ .‬وبهذا‬
‫ينبغي أن ُيفهم التعبير "قام من الموات" باعتبار أنه تعبير مجازي وليس‬
‫حرفيا‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬عندما علم المسيح بأن أعداءه على وشك القبض عليه‪ ،‬وأن المصير‬
‫الذي ينتظره هو القتل‪ ،‬حزن واكتأب وقال‪" :‬نفسي حزينة جدا حتى الموت"‪،‬‬
‫أي أنه يكاد يموت من الحزن على ما ينتظره‪ .‬فهل من يكون على أهبة‬
‫الستعداد لتحقيق المهمة التي جاء من أجلها يشعر بالحزن والكتئاب أم‬
‫يشعر بالفرح والسعادة؟ والحجة التي يسوقها جناب القمص ومن هم على‬
‫شاكلته هي أن الذي حزن واكتأب هو يسوع النسان وليس يسوع الله‪ .‬ولكن‬
‫هذه حجة واهية‪ ،‬لن هؤلء الذين ينسبون إلى النسان يسوع هذا القول‪ ،‬إنما‬
‫يتهمونه أيضا بأنه جبان رعديد‪ ،‬يخشى الموت في سبيل الله‪ ،‬وعلى هذا فقد‬
‫كان من الخطأ اختياره أصل لكي يحل فيه اللهوت‪ ،‬لنه ليس أهل لحمل هذه‬
‫المسؤولية والمهمة التي من المفروض أنها سوف تحمل الخلص لكل‬
‫البشرية بأجمعها‪ .‬إن الجنود البواسل يضحون بأنفسهم للدفاع عن بلدهم‪،‬‬
‫والطيارون اليابانيون في الحرب العالمية الثانية كانوا يضحون بأنفسهم في‬
‫عمليات انتحارية من أجل تحقيق النصر لبلدهم‪ ،‬بل إن الكثير من الشباب‬
‫الذين يفجرون أنفسهم بين يوم وآخر ليقتلوا أنفسهم ويأخذوا معهم الخرين‪،‬‬
‫يفعلون ذلك بغير أن تكون أنفسهم حزينة حتى الموت‪ ،‬لنهم يظنون أنهم‬
‫يقومون بعمل مجيد في سبيل الله أو في سبيل ما يؤمنون به من مبادئ‪،‬‬
‫بصرف النظر عما إذا كان إيمانهم هذا صحيحا أو معيبا‪ .‬فما بال النسان‬
‫يسوع يجبن عن التضحية في سبيل الله‪ ،‬لو أنه كان يعلم أن هذه هي خطة‬
‫الله من أجل فداء البشرية‪ .‬إن تصرف يسوع هذا لدليل واضح على أن‬
‫مشيئة الله لم تكن أن يموت على الصليب فداء للبشرية‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫ثامنا‪ :‬تذكر لنا الناجيل الربعة أن يسوع أخذ يصلي ويدعو الله أن يجيز عنه‬
‫كأس الموت على الصليب‪ ،‬فكيف يمكن أن يدعو إنسان بشيء يتعارض مع‬
‫مشيئة الله‪ ،‬لو أن مشيئة الله كانت فعل في تحقيق هذا العمل؟ ناهيك أن‬
‫يكون الله الذي ظهر في الجسد هو الذي يدعو بهذا الدعاء؟ ثم ألم يقل‬
‫المسيح للناس أن‪" :‬كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع ُيفتح‬
‫له"؟ فكيف يمكن أن يدعو البن فل يسمع له الب ول يأبه لسؤاله؟ أليس هو‬
‫القائل‪" :‬أي إنسان منكم إذا سأله ابنه حبزا يعطيه حجرا وإن سأله سمكة‬
‫يعطيه حية"؟ )مّتى ‪ (9:7‬وها هو البن يسأل الله أن يجيز عنه كأس الموت‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الصليب‪ ،‬لذلك لم يكن من المعقول بتاتا أن يخذله الله ول يستجيب‬


‫لدعائه‪ ،‬لنه لم يكن من المعقول أيضا أن يدعو بشيء يتعارض مع مشيئة‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬نقرأ في رسالة العبرانيين أن الله استجاب لدعاء المسيح حيث يقول‪:‬‬
‫"الذي قدم في أيام جسده بدموع وطلبات كثيرة للقادر على أن يخلصه من‬
‫سمع له من أجل تقواه" )عبرانيين ‪ .(7:5‬وهنا نجد جناب القمص‬ ‫الموت‪ ،‬و ُ‬
‫وأعوانه يقدمون تفسيرات تضحك منها الثكلى‪ ،‬وذلك بسبب ما تثيره من‬
‫سخرية وما تحمله من تفاهة ولما تدل عليه من تخبط وحيرة‪ .‬فماذا يقولون؟‬
‫يقولون مرة إن الله سمع دعاءه‪ ،‬ولكن ليس بمعنى أنه استجابه ولكن بمعنى‬
‫أنه استمع إليه فقط‪ ،‬وليس هناك بالطبع أشد حماقة من هذه الجابة‪ .‬ولذلك‬
‫نراهم يقولون مرة أخرى إن الله استجاب لدعائه بأن أقامه من الموات‪.‬‬
‫ولكن للسف هذه الجابة ل وزن لها‪ ،‬لنه كان يعلم أنه سوف يقوم من‬
‫الموات‪ ،‬وقد أخبر بهذا مسبقا‪ ،‬فماذا يضطره إلى أن يدعو بشيء يعرف أنه‬
‫حتما سوف يتحقق؟ وأخيرا تفّتقت قريحة جناب القمص عن سبب يشرح به‬
‫معنى استجابة الدعاء‪ ،‬فقال إنه لم يكن يدعو للنجاة من الموت على‬
‫الصليب‪ ،‬ولكنه كان يدعو للنجاة من الموت بسبب الضرب بالسياط‪ ،‬حيث‬
‫زعم‪ ،‬بغير أن يقدم أي دليل تاريخي على زعمه هذا‪ ،‬أن الكثيرين كانوا‬
‫يموتون من الضرب بالسياط‪ ،‬ولذلك فإن الموت الذي كان يدعو الله أن‬
‫ينجيه منه هو الموت بالسوط وليس الموت بالصلب‪ .‬ولكن من الواضح أن‬
‫جناب القمص قد نسي عدة أشياء هامة‪ ،‬إذ أنه نسي أن يقدم دليل واحدا‬
‫على صحة زعمه‪ ،‬كما أنه نسي أيضا أن يشرح لنا أن خطة الفداء التي حدثنا‬
‫عنها على مدى ست حلقات كانت تتطلب أن يموت المسيح على الصليب‬
‫بالذات وليس بأي طريقة أخرى‪ .‬وأخيرا فإنه نسي أيضا أن يشرح لنا لماذا ل‬
‫يحقق موت المسيح بأي وسيلة خطة الفداء لزالة حكم الموت من البشرية‪.‬‬
‫ويبدو أن جناب القمص قد نسي أيضا أن يقول لنا إن الحكم الصلي بالموت‬
‫الذي صدر على آدم وحواء كان "موتا تموتا على الصليب"‪ ،‬ولذلك فل بد أن‬
‫يضيف جناب القمص شرطا رابعا في الفادي‪ ،‬إذ ل يكفي أن يكون إنسانا‪ ،‬ول‬
‫يكفي أن يكون طاهرا بل خطية‪ ،‬ول يكفي أن يكون غير محدود‪ ،‬وإنما‬
‫يشترط فيه أيضا أن يموت على الصليب‪ .‬إنه ل يسعنا إزاء هذا إل أن نقول‬
‫لجناب القمص‪ :‬إلعب غيرها‪ ،‬وابحث عن سبب آخر تبرر به دعاء المسيح‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬عندما كان المسيح معلقا على الصليب سخر منه رؤساء الكهنة‬
‫وقالوا جملة فيها تحد لله تعالى ذكرها مرقس في إنجيله حيث قال‪" :‬قد‬
‫اّتكل على الله فلينقذه الن إن أراده لنه قال أنا ابن الله" )‪ .(43:14‬والله‬
‫الذي يعجز أو يتردد في قبول مثل هذا التحدي هو إله ضعيف خانع ل يستحق‬
‫أن يكون إلها إل لمرضى العقول والقلوب‪ .‬ول شك أن الله القوي القدير قد‬
‫قبل التحدي‪ ،‬ول شك أنه أنقذ نبيه الحبيب‪ ،‬ليس بالطريقة التي كان يتوقعها‬
‫أولئك الكهنة القتلة‪ ،‬ولكن بالطريقة التي تحفظ حياته‪ ،‬إذ أنهم توهموا أنه قد‬
‫مات على الصليب‪ ،‬أي ُ‬
‫شّبه لهم موته‪ ،‬بينما أبقاه الله حيا‪ ،‬فأنزلوه من على‬
‫الصليب حيا‪ ،‬وأدخلوه في القبر الذي كان غرفة واسعة حيا‪ ،‬وخرج منه حيا‪،‬‬
‫وحقق الله بذلك وعده وكلمته‪ .‬والله غالب على أمره‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون‪ .‬ول شك أن جناب القمص وأعوانه هم من هؤلء الذين ل يعلمون‪،‬‬
‫فعسى أن يهديهم الله حتى يعلموا معنى ما يقولون‪ ،‬وإنهم ليقولون على الله‬
‫منكرا من القول وزورا‪.‬‬
‫) ‪( 15‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪203‬‬

You might also like