Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 205

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫ولكن هناك في المجتمع السلمي خطر يتزايد اليوم ويستفحل‪ :‬ذلك هو بث‬
‫من شأنه‬ ‫السموم عن طريق القصة والغنية والمسرحية والسينما وكل ما ِ‬
‫أن يشكل موصل ً للبث الدائمة اليومي السريع‪ ،‬الذي يحمل معه تلك الفكار‬
‫المسمومة التي تتعارض مع مفاهيم السلم‪ ،‬والتي تظل تروى الناس في‬
‫حوار القصص والمسرحيات حتى يظن الكثيرون أنها هي المفهوم الصحيح‬
‫لعلقات الرجل والمرأة‪ ،‬والباء والبناء‪ ،‬وما يتصل بالحب والزواج‪ ،‬وطريقة‬
‫الحوار بين الناس في المجتمع‪ ،‬في التعامل العام والخاص‪ ،‬وقد وجد أصحاب‬
‫التيارات الوافدة أن لقصة أصلح طريق لتوصيل مذاهب الملحدة والباحية‬
‫وأفكارهم المسمومة إلى قلوب الناس وعقولهم وهم في مرحلة الستسلم‬
‫والراحة وقبل النوم‪ ،‬وعلى نحو يكون فيه صاحب الفكار هو الذي يقدم‬
‫مفاهيمه دون أن يناقشه أحد في أمر صحتها أو فسادها‪ ،‬سلمتها أو‬
‫اضطرابها‪ :‬وأغلب من يستمع لذلك شباب المسلمين الغر البسيط الساذج‪،‬‬
‫الذي لم تدعمه ثقافة إسلمية أصيلة يفهم بها الصحيح من الخطأ والحل من‬
‫الحرام والحق من الباطل‪ ،‬ومن هنا فإن جهاز البث الممتد من أجهزة السمع‬
‫والرؤية الدائمة والمسرح والسينما إنما تقدم للمجتمع السلمي أخطارا ً‬
‫عديدة‪ ،‬تدلف إلى القلوب غير مستأذنة وتتردد يوما ً بعد يوم‪ ،‬وساعة بعد‬
‫ساعة‪ ،‬فتسيطر وتتمكن‪ ،‬ول تجد من ثقافة السلم الحقيقية ما يصححها وما‬
‫يردها‪ ،‬وهي تقدم دائما ً في أسلوب الحوار والقصص‪ ،‬وباللغة العامية‪ ،‬وبأشد‬
‫عبارات العامية انخفاضًا‪ ،‬وكأنما انتقيت لها بأسوأ ما يتحاور به أقل الناس‬
‫ل‪ ،‬من أهل الحياء الموصومة بالعنف والحدة‪.‬‬ ‫ثقافة وأكثرهم حماقة وجه ً‬
‫تجري هذه اللفاظ على ألسنة الممثلين في المسرحية أو القصة أو الفيلم‬
‫على نحو يزري بكل خلق وكرامة وأدب‪ ،‬فتحس كأنما الحياة بين الناس‬
‫صراع عنيف ومغالبة بالكلمة المريرة‪ ،‬وقدرة على استعمال أسوأ‬
‫المصطلحات واللفاظ‪ ،‬وتجد هذا كله قد أصبح يجري في مجال الحياة العامة‬
‫فعل ً بين الناس بعد ذلك‪ ،‬في زحامهم بالناقلت‪ ،‬أو في شرائهم وبيعهم‪ ،‬أو‬
‫في كل ما يلتقي فيه رجل برجل أو رجل بامرأة‪.‬‬
‫وإذا كانت الجريدة أو الكتاب تحمل الناس وجهات نظر قد تكون فاسدة أو‬
‫منحرفة‪ ،‬فإن )القصة – المسرحية( أشد خطرا ً من الكتاب والصحيفة؛ ذلك‬
‫أن الكتاب يقرؤه قلة والصحيفة يقرأ كل إنسان منها شيئا ً من شئونه‪ ،‬أما‬
‫القصة والمسرحية فهي تحت أبصار الناس وأسماعهم في كل ساعات اليوم‪،‬‬
‫وخاصة ساعات الراحة والستجمام والسترخاء وهي أخطر لحظات‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستهواء‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن التغريب خدمة للستعمار والصهيونية والشيوعية يعمل على‬
‫تفويض المجتمع والسرة‪ ،‬والفرد ذاته وذلك بوضعه في مجموعة من الفكار‬
‫المسمومة عن علقاته بالمجتمع والمرأة وخلق "أسلوب" عدواني من‬
‫الصراع بين الفرد والفرد‪ ،‬والفرد والجماعة للقضاء على روح اليمان‬
‫والخلق التي يدعو إليها الدين الحق‪.‬‬
‫وبحيث تخرج هذه المفاهيم الرجل والمرأة من "الحدود" والضوابط والقيم‬
‫التي رسمها الحق تبارك وتعالى للبشرية من أجل إقامة المجتمع الرباني؛‬
‫فهي تهدف أول ما تهدف إلى طرح فكرة النطلق الباحية الواسعة‪ ،‬التي ل‬
‫تقف عند حد والتي تسيطر فيها الشهوات المادية من مال وشهرة واستعلء‬
‫وثراء دون أن يحسب حساب القيم الخلقية أو الضوابط الجتماعية التي‬
‫تحول دون العتداء على حقوق الخرين‪ ،‬فالمرأة في هذه المفاهيم‬
‫المطروحة ترى نفسها وقد احتقرت زوجها واستعلت عليه؛ لنها تعمل‬
‫وتكسب مثله‪ ،‬وبذلك فليس له عليها رأي أو قوامة‪ ،‬والولد يرى أباه بغيضا ً‬
‫إلى نفسه لنه يرده إلى طريق الخير ويوجهه في هذه المرحلة الدقيقة التي‬
‫ل يستطيع فيها أن يتصرف دون خطأ‪ ،‬والرجل يرى نفسه منطلقا ً ليكسب‬
‫من أي سبيل‪ ،‬ولينفق في كل لذة وغواية‪ ،‬دون تقدير أو حساب لمسئولية‬
‫الزوجية أو السرة أو البوة‪ ،‬وهكذا تتمثل هذه المفاهيم في صورة حوار‬
‫وقصص يطرح أمام الجيال ما يخرجها من دينها وقيمها‪.‬‬
‫هذه أخطر التحديات‬
‫ول ريب أن هذا الجانب الجتماعي هو أخطر التحديات التي تفرضها التيارات‬
‫الوافدة والمؤثرات الجنبية التي عاشت تعمل في ميدانين اثنين‪ :‬هما تدمير‬
‫السرة والمجتمع السلمي وتدمير النفس النسان والعقل النسان‪ ،‬هنا‬
‫باللحاد وهناك بالباحية‪ ،‬وعن طريق أدوات الحضارة الحديثة أمكن إفساد‬
‫المجتمعات بدفعها إلى طريق الشهوات والهواء وإعلء الغرائز والخروج عن‬
‫دائرة المحرمات والضوابط‪ ،‬ولقد كان للسلم موقف واضح صريح أمام‬
‫الجوانب السلبية من الحضارة وهي رفضها وإنكار الستسلم أو القبول‬
‫لسلوب العيش الغربي في مسائل السرة والمرأة والخمر والتحلل الخلقي‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫وأمامنا نتائج التجربة واضحة‪ :‬فإن المجتمع الغربي حين اندفع خروجا ً‬
‫بالفردية إلى إسقاط حق المجتمع والسرة والجماعة أو حين اندفع خروجا ً‬
‫بالجماعية إلى إسقاط حق الفرد والذاتية‪ ،‬حيث فعل ذلك في شطره الغربي‬
‫أو ذلك في شطره الشرقي‪ ،‬فإنما جانب الصالة والفطرة التي عملت رسالة‬
‫دين الله الحق المنزل على إعلنها وإقرارها في المجتمعات والحضارات‪.‬‬
‫وبذلك عمت هنالك أزمة العصر وأزمة النسان المعاصر الممزق نفسيا ً‬
‫والمنحرف وذي الحساس العميق بالغربة والقلق والغثيان‪.‬‬
‫ذلك لن الطبيعة النسانية طبيعة جامعة بين مطامع المادة وأشواق الروح‪،‬‬
‫فإذا أعطيت جانبا ً واحدا ً على النحو الذي تعطيه الحضارة الغربية اليوم فإنها‬
‫تحجب الجانب الخر وتعزل قطاعا ً حيا ً في النسان ل يمكن أن يحيا بدونه‪.‬‬
‫وقديما ً عرف الغرب الرهبانية وأعلى شأن الروحية وانعزل عن الحياة وأنكر‬
‫السرة والمرأة والغرائز‪ :‬غرائز الطعام وغرائز الدنس حتى فسدت الحياة‬
‫فسادا ً شديدًا‪ ،‬ثم هو في جولته الجديدة هذه ينحرف انحرافا ً شديدا ً نحو‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المادة وإعلء غريزة الطعام في الماركسية وغريزة الجنس في الفرويدية مع‬


‫إسقاط الروحية والجوانب المعنوية إسقاطا ً كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ومن شأن المسلمين أن يوجهوا هذا الموقف مواجهة واضحة فيقيموا أسلوب‬
‫عيشهم الجتماعي الجامع بين الروح والمادة والعقل والقلب‪ ،‬وأن يقفوا من‬
‫نزوة الجوانب المتصلة بالشهوات والغرائز والخمور والمخدرات موقفا ً واضحا ً‬
‫في سبيل حماية كيانهم الفردي والنساني ووجودهم السلمي في إطار‬
‫تطبيق شريعتهم السلمية‪.‬‬
‫وليذكروا أنهم إنما يقفون في موقف الهدف المصوبة إليه النيران من جميع‬
‫الجهات وأنهم في رباط دائم إلى يوم القيامة‪ ،‬وأن المم تزحف دوما ً إلى‬
‫أرضهم وتغزو وجودهم وكيانهم حتى تسيطر على مقدراتهم وتمتلك إرادتهم‪،‬‬
‫وهم يواجهون هذا الخطر وهذا التحدي منذ ظهرت دعوة السلم ول يزالون‪.‬‬
‫وما يمرون به الن من صراع مع القوى الصهيونية والماركسية والستعمارية‬
‫ليس إل مرحلة من هذه المراحل تتطلب منهم أن يكونوا على أهبة دائمة‬
‫ويقظة دائمة وأن يكونوا قادرين على بناء الجيال على هذه المفاهيم وفطمها‬
‫عن الشهوات وقبول حياة التضحية والخشونة حتى يكونوا قادرين على‬
‫الوقوف في وجه الخطر‪.‬‬
‫وأبرز ما هو مطلوب اليوم هو العتصام بأسلوب العيش السلمي البعيد عن‬
‫الترف والتحلل‪ .‬فالمسلمون يعيشون في مرحلة الخطر‪ ،‬وفي موقف‬
‫المرابطة الدائمة في وجه الخطر المحدق بهم من كل ناحية‪.‬‬
‫أما أسلوب العيش الغربي القائم على التحلل والباحة والترف فإنه سوف‬
‫يقضي على وجودهم حين تجتاحهم قوى الغزو‪ ،‬فلن يقدروا على الوقوف في‬
‫وجهها أو حماية بيضتهم‪.‬‬
‫ولما كانوا أصحاب رسالة ودعوة وعليهم أن يطبقوا شرعتها عليهم‪ ،‬فهم‬
‫مطالبون بأن يعيشوا حياة الدعاة‪ ،‬حياة الصمود والصبر والخشونة والتجلد‪،‬‬
‫ومن ثم فإن أسلوب القصة والمسرحية ليس أسلوبا ً أصيل ً وليس منطلقا ً‬
‫صحيحا ً لبناء الوجود السلمي في المجتمع العربي المعاصر‪.‬‬
‫وهنا وقفة متريثة حول الصالة والتبعية‪:‬‬
‫إن الخطار والتحديات التي يواجهها السلم والعالم السلمي كله إنما تنبعث‬
‫من مصدر واحد هو‪ :‬مطامع النفوذ الجنبي في استبقاء السيطرة واستمرار‬
‫الستيلء والحيلولة دون تحرر الرادة الوطنية والقومية لتحقيق السيادة وبناء‬
‫اليديولوجية الصيلة والمنهج الراسخ المستمد من القيم الساسية والمنابع‬
‫الصيلة والمصادر الذاتي‪.‬‬
‫إن قضية البقاء الجنبي في عالم السلم تتصل أوثق اتصال بالعمل على‬
‫إذابة هذه الشعوب في البوتقة الغربية وإخراجها من أصولها وقيمها ومن‬
‫تراثها وفكرها‪ ،‬ولغاتها وتاريخها وإسلمها إلى التبعية الكاملة‪.‬‬
‫وعن هذا الطريق يمكن القضاء على ‪-‬منهج الفكر السلمي‪ -‬القائم على‬
‫التوحيد والمستمد من القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومن هنا يكون أخطر التحديات التي تواجه السلم والمسلمين اليوم والتي‬
‫هي مصدر كل التحديات والخطار إنما هو ‪-‬الصالة والتبعية‪ -‬وفهمنا لها‬
‫وموقفنا منها‪.‬‬
‫وإذا كانت تحديا الغزو الخارجي‪ ،‬وفي مقدمتها الغزو الثقافي قد تعددت في‬
‫عشرات من القضايا والموضوعات والمفاهيم فإنها جميعا ً يمكن أن ترد إلى‬
‫قضية واحدة كبرى هي اليوم مجال التحدي الصحيح هي قضية الصالة‬
‫والتبعية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا تقرر رأينا فيها بوضوح وصدق أمكن على ضوء ذلك مواجهة كل‬
‫التحديات والنتصار في كل المواقف والميادين‪.‬‬
‫وقد ركز النفوذ الستعماري على هذه القضية بعد نكسة ‪ 1967‬تركيزا ً شديدا ً‬
‫واعتبرها في مقدمة أهدافه‪ ،‬فحق علينا أن نلتفت إليها ونجعلها في مقدمة‬
‫التحديات التي تواجه السلم والفكر السلمي والثقافة العربية ‪-‬في هذا‬
‫العقد الخير من القرن الرابع عشر وأن النتصار فيها هو مطلع النور للقرن‬
‫الخامس عشر قرن انتصار الصالة وهزيمة التبعية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن أخطر ما يواجه المسلمين والعرب أن المفكرين منهم يفكرون من داخل‬


‫دائرة الفكر الغربي ‪-‬وهذا هو سر أخطائهم‪ ،‬ومرجعه إلى ذلك التيار الضخم‬
‫من التغريب الذي سيطر خلل السنوات الخمسية الماضية‪ ،‬فأول أهداف‬
‫الصالة هي التحرر من دائرة الفكر الغربي‪ ،‬ونقل التفكير كله إلى دائرة‬
‫الفكر السلمي نفسه بمفاهيمه وقيمه الذاتية‪ ،‬ومزاجه النفسي والجتماعي‪،‬‬
‫إن لنا نظرية أصيلة كاملة في الجتماع والنفس والتربية والقتصاد فلنعرض‬
‫عليها مواقفنا ولنعرض عليها مختلف ما يرد إلينا من نظرية الفكر الوافد‪،‬‬
‫ولنظر إلى نظريات الفكر الغربي ‪-‬بشقيه‪ -‬على أنها نظرات تخص الخرين‬
‫استمدوها من بيئاتهم وظروفهم وتحدياتهم وعلينا أن نقف دائما ً في ضوء‬
‫فكرنا‪.‬‬
‫إن أي نظرية أو مذهب أو قضية يجب أن تعرض على أصول فكرنا العربي‬
‫السلمي‪ ،‬ذلك أن فكرنا الجديد والمتجدد إنما يستمد نموه من جذوره‪ ،‬وهو‬
‫في نفس الوقت مفتوح على الفكر العالمي والبشري‪.‬‬
‫إن أبرز حاجاتنا في هذه المرحلة هي تحرير العقلية العربية من استبعاد‬
‫الثقافات الغربية والوثنية‪.‬‬
‫إن من حقنا أن نراجع مفاهيم الغرب على القيم الساسية التي نؤمن بها‬
‫والتي قامت عليها حضارتنا منذ خمسة عشر قرنا ً متصلة ليس فيها انفصال‪،‬‬
‫ما أشد حاجتنا إلى اليقظة من خطر الحتواء والذابة‪ .‬هذا الخطر الذي نجا‬
‫منه الجيل الماضي ويجب أن ينجو منه جيلنا أشد بصيرة ويقظة وحرصًا‪ ،‬إن‬
‫هناك محاولة للنقضاض علينا لذابتنا في البوتقة الكبرى ‪ ..‬بوتقة الشعوبية‬
‫العالمية؛ لنفقد ذاتيتنا ومزاجنا الخاص ونصبح تابعين أولياء لثقافات ل تصدر‬
‫عن مصادرنا‪.‬‬
‫إن أمتنا لها منهج فكر وفلسفة حياة فعليها أن تعرف ذاتها وأن تؤكد‬
‫شخصيتها‪.‬‬
‫والسلم بالنسبة لنا ليس دينا ً فحسب؛ ولكنه أيضا ً منهج فكر ونظام مجتمع‪،‬‬
‫فلنواجه الفكر الغربي ومذاهبه مواجهة صريحة في كل قضاياه‪.‬‬
‫وقد يقال أن هناك التقاء بين الفكر الفرنسي والفكر اللماني والفكر‬
‫المريكي‪ ،‬ولكن من الخطأ أن يدعى الفكر السلمي إلى هذا اللقاء‪ ،‬ذلك أن‬
‫من الواضح أن هذه الثقافات ذات أصول واحدة‪ ،‬أما الفكر السلمي فهو‬
‫نسيج مختلف له طابعه الذاتي‪ ،‬ومن هنا فليس من العسير أن يلتقي الفكر‬
‫الغربي إل في أصول عامة تتعلق ببعض الجوانب النسانية‪.‬‬
‫لقد استطاع الفكر السلمي في القرن الرابع والخامس أن يحطم قيد‬
‫الحتواء الغريقي وأن يخلص منه‪ ،‬وأن ينتصر عليه‪ ،‬حيث عجزت ثقافات‬
‫كثيرة عن أن تحتفظ بوجودها في وجه هذا العصار الخطير )إعصار الهلينية(‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على المثقفين العرب أن يفكروا بلغتهم‪ ،‬وأن يتحركوا من داخلهم‪ ،‬وأن‬


‫يتجاوزوا سارتر وفرويد وماركس جميعًا‪.‬‬
‫أن أبرز أعمال المفكرين العرب والمسلمين في هذا العصر ومنطلق كفاحهم‬
‫وغايته‪ ،‬هو ‪-‬تحرير الفكر السلمي من هيمنة الثقافة الغربية والعقلية الوثنية‬
‫اليونانية والباطنية القديمة‪ ،‬وهي نفس المهمة التي واجهت المسلمين من‬
‫قبل وانتصر لها ابن حزم والغزالي وابن تيمية والشعري وابن الجوزي‬
‫والقاضي ابن العربي‪.‬‬
‫وذلك هو واجب أعلمنا ومثقفينا‪ ،‬وذلك تساؤلهم‪:‬‬
‫هل من حق المم أن تقبل كل ما يعرض عليها‪ ،‬وما هو مصير القيم‬
‫الساسية‪ ،‬هل هؤلء المفكرون مبررون أم مصلحون‪ ،‬هل هم هداة أم‬
‫نقادون في تيار كبير يريد أن يحتوي الفكر السلمي القائم على التوحيد‬
‫المستمد من القرآن والذي يختلف عن الفكر البشري كله‪.‬‬
‫وإذا كان العالم اليوم تغزوه قوة شريرة هي ‪-‬الصهيونية الماسونية العالمية‪-‬‬
‫تريد تدميره فهل نقبل كل ما يقدم لنا‪ .‬إن على مثقفينا مسئولية ضخمة هي‬
‫–اليقظة‪ -‬في مواجهة ما يقرأ‪ ،‬فل يقبل كل ما يعرض عليه‪ ،‬وليجعل له‬
‫مقياسا ً صادقا ً ل يخيب ونافذا ً ل يفل وصالحا ً ل تفسده عوادي التحول من‬
‫الزمان أو التغير في البيئات‪ ،‬ذلك هو –القرآن‪ -‬هذا النص الموثق الذي ل‬
‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه والذي قاوم كل محاولة لتحريفه‪،‬‬
‫وعلى شبابنا أن يذكر أن كل ما يقال ل يؤخذ قضية مسلما ً بها‪ ،‬وأن كل قول‬
‫بعده يؤخذ منه ويرد عليه‪.‬‬
‫فالقرآن وحده هو الحق وليس بعده غير قول الرسول الصحيح فهو المعصوم‬
‫بإذن ربه‪ ،‬وما بعد ذلك يعرض على القرآن ويقبل في ضوئه أو يرد‪.‬‬
‫كان منطلق اليقظة العربية السلمية يستمد مفهومه في فترة ما من معادلة‬
‫تقول بالربط بين القديم والجديد‪ ،‬والماضي والحاضر‪ ،‬والشرق والغرب‪.‬‬
‫وكان هذا المنطلق‪ ،‬يمثل خطوة متعددة في طريق اليقظة بالنسبة للمفهوم‬
‫السائد إذ ذاك والقائل بالقديم وحده أو الجديد كله‪.‬‬
‫ولكن نظرية التعادل والتجمع بين القديم والجديد لم تلبث أن عجزت عن أن‬
‫تحقق شيئا ً وكانت نقطة الضعف فيها هي غياب القاعدة الساسية التي يقوم‬
‫عليها البناء‪ .‬هذا فضل ً عن أن مرحلة النقل والقتباس والترجمة والستعارة‬
‫قد مضى بها الزمن‪ ،‬وانتقل الفكر العربي السلمي في ظل التحديات التي‬
‫واجهته بعد النكبة ‪ 1948‬والنكسة ‪ 1967‬إلى آفاق جديدة قوامها –بلوغ‬
‫الرشد الفكري‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن هنا فقد كانت الدعوة إلى ‪-‬البناء على الساس‪ -‬هي المنطلق الحقيقي‬
‫لمواجهة الوافد وفرزه ومراجعته ونقده‪ ،‬هذه القاعدة التي يجب إقرارها‬
‫أساسًا‪ .‬ثم استئناف حركة الربط بين القديم والجديد والماضي والحاضر‬
‫والشرق والغرب في ضوئها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولما كان الفكر العربي السلمي على مر العصور متفتحا على مختلف‬
‫الثقافات والمم؛ فقد كان ملزما ً ذلك على طول هذا التاريخ قيام قاعدة‬
‫أساسية ثابتة صامدة راسخة‪ ،‬هي التي تحمي الفكر والمة من الذوبان‬
‫والتحلل والتميع والنهيار‪.‬‬
‫ولما كانت صيحة الغزو الثقافي قد واجهت الفكر السلمي منذ اليوم الول‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حين حاول عبد الله بن سبأ إخراجه من قيمه ومفاهيمه الساسية‪ ،‬وتابعه‬
‫على الطريق عبد الله بن المقفع ومن جاءوا بعده من الباطنية والشعوبية‪،‬‬
‫وفي مقدمتهم –إخوان الصفا‪ -‬فقد كان إقراره هذه القاعدة‪ ،‬قاعدة الساس‬
‫هي صمام المن في انطلق الفكر السلمي وتطلعه إلى التطور والحركة‪.‬‬
‫ولقد عملت دعوة التغريب منذ اليوم الول لتطويق ما عجزت عنه الحركة‬
‫القديمة‪ ،‬واصطنعت نفس شبهاتها وإن كانت تحمل من الساليب والدوات ما‬
‫هو أشد نفاذا ً وأقوى وأعنف في سبيل زلزلة قوائم هذا الفكر وقواعده‪ ،‬رغبة‬
‫في تذويبه في أتون الفكر الغربي‪ ،‬أو احتوائه على القل ودفعه إلى طريقة‬
‫التبعية والعبودية للفكر الغربي‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن هنا فإن –الصالة‪ -‬لم تعد في الحق عامل ً موازيا لعامل –الجديد‪ -‬ليقوم‬
‫الصراع بينها‪ ،‬ولكنها‪ :‬هي قاعدة الساس في البناء‪ ،‬ثم يقوم الختلف فيما‬
‫فوقها حول التجديد أو المحافظة وحول الترجمة أو البعث‪ ،‬وحول مختلف‬
‫القضايا التي ُتثار من أجل تحرير الفكر العربي السلمي وتطويره ودفعه إلى‬
‫المام‪ ،‬وإعطاء طبيعة الحركة لمواجهة المعاصرة والحدثية والتجدد‪.‬‬
‫ومن الحق أن الفكر السلمي له قوانينه الطبيعية التي تنظم له أمر تطوره‬
‫وأمر حركته وأنها من قوانين أصيلة صحيحة مستمدة من جوهره‪ ،‬وقد كانت‬
‫دائما ً حاضرة أم تتخلف‪ ،‬وكانت قادرة دوما ً على أن تمده بالتجديد والقدرة‬
‫على الحركة والمواءمة مع الصور والحضارات والبيئات‪ ،‬دون أن يكون في‬
‫حاجة إلى وصاية من فكر آخر‪ ،‬أو ثقافات أخرى لها أساليبها وقوانينها في‬
‫التطور والحركة‪.‬‬
‫ولما كان الفكر العربي السلمي عميق الجذور‪ ،‬وبعيد العماق في التاريخ‪،‬‬
‫وقد أمضى اليوم خمسة عشر قرنا ً حيا ً متألقا ً متفاع ً‬
‫ل‪ ،‬مع الزمنة والبيئات‬
‫وقادرا ً على المواءمة والستجابة فإنه ليس في حاجة لن تصطنع له مناهج أو‬
‫أساليب تستحدث من الثقافات الخرى على النحو الذي يحاوله جاك بيرك أو‬
‫من تابعوه دون إلقاء نظرة أوسع على الفكر السلمي في رحابته وأصالته‬ ‫َ‬
‫وسعة آفاقه وعمق تراثه وبراعة مضامينه‪ .‬وقاعدة الساس في الفكر‬
‫السلمي بسيطة سمحة غير معقدة وهي ل تخرج عن كلمة واحدة هي‬
‫التوحيد‪ ،‬فلكل ما يصدم التوحيد يتعارض مع الفكر السلمي ويخالف مصادره‬
‫الساسية وهي السلم والقرآن وأن مراجعة يسيرة للتحديات والشبهات‬
‫والخطار التي تحشد لمواجهته وتحديه ل تخرج عن تراث وثني يوناني‬
‫معارض كل المعارضة لطابع التوحيد‪ ،‬فأساس البناء هو التوحيد وهو مفرق‬
‫الحق والباطل والحكم فيما يقبل ويرد‪.‬‬
‫فالتوحيد هو طابع الذاتية العربية السلمية وقوام المزاج النفسي‬
‫والجتماعي‪ ،‬فالصالة هي التوحيد‪ ،‬والوثنية هي التبعية ‪ ..‬وكل المفاهيم‬
‫والفلسفات والمناهج والنظريات التي ردها الفكر العربي السلمي في جولة‬
‫الغزو الثقافي الولى والقائمة اليوم‪ ،‬هي مفاهيم الوثنية المتمثلة في بعض‬
‫مفاهيم التفسير المادي للتاريخ‪ ،‬والوجودية والتفسيرات النفسية والجتماعية‬
‫والتربوية التي تقوم على أساس إنكار الدين وشجب الخلق وإنكار‬
‫المسئولية الفردية والبعث والجزاء‪.‬‬
‫فالفكر السلمي يقيم دعائمه التي تصدر عنها ثقافاته ومفاهيمه وقيمه على‬
‫أساس الترابط بين العمل والمسئولية‪ ،‬وبين الروح والمادة‪ ،‬والعقل والقلب‪،‬‬
‫والدنيا والخرة‪ .‬فإذا انفصل هذا الترابط‪ ،‬سقط هذا الفكر في الوثنية وواجه‬
‫ذلك الخطر الخطير الذي يدمر الفكر العربي والنفس العربية والحضارة‬
‫العربية ويوقعها في أشد أزماتها خطرًا‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفكر السلمي يقيم قاعدته على أساس التوحيد والنبوة واليمان بالغيب‬
‫والبعث والجزاء ول يناقض نفسه في هذه الترابط الكبر بين علمي الغيب‬
‫والشهادة‪ ،‬وبين الدنيا والخرة‪ ،‬وبين المسئولية الفردية والحساب الخروي‪.‬‬
‫وتلك عقدة العقد في ‪-‬الصالة ومقومها الساسي‪ -‬فإذا تقررت على هذا‬
‫النحو وهي مفرزة فعل ً ل سبيل إلى تجاوزها أمكن إقامة التوازن بين الجديد‬
‫والقديم والماضي والحاضر والشرق والغرب‪... .‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫)‪(4‬‬
‫السلم في وجه التيارات الوافدة والمؤثرات الجنبية‬
‫عندما يرد على الخاطر أو اللسان كلمة التيارات الوافدة في هذا العصر‬
‫تكون الجابة السريعة أنها هي "الماركسية"‪ :‬الصيحة الخيرة في العالم‬
‫السلمي التي تشغل الباحثين وتحاول أن تزيف الفكر السلمي بما ألقت‬
‫إليه في السنوات العشرين الخيرة من نظريات ومفاهيم لم تقدم له على‬
‫دمت‬ ‫نحو يسمح بالنظر أو بالمراجعة أو تحت لواء البحث والقتناع؛ وإنما قُ ِ‬
‫تحت تأثير قوة قاضية فرضت هذا الفكر فرضا ً ودقت أجراسه يوما ً بعد يوم‬
‫وساعة بعد ساعة‪ ،‬عن طريق كل الوسائل السمعية والبصرية‪ ،‬في نفس‬
‫الوقت الذي عزل غيره تماما ً وخاصة الفكر السلمي العربي الساسي‪،‬‬
‫ولذلك فإن التجربة كانت قاسية تمامًا‪ .‬ولقد أمكن أن يلتقي الفكر الليبرالي‬
‫القديم والفكر الماركسي وأن يتصارعا في مساجلت متعددة‪ ،‬ولكن‪ :‬لم يكن‬
‫م حق الفكر السلمي )في ذلك الوقت( وهو صاحب الرض أن يتدخل أو‬
‫يعلن عن وجوده فكأنه مات تمامًا‪.‬‬
‫ولكن هل هو مات حقا ً ! محال‪ ،‬إنه على مدى تاريخه الطويل يواجه مثل هذه‬
‫الزمات ويخرج منها مشعا ً مضيئا ً كالذهب عندما يدخل النار‪.‬‬
‫لقد مكر الفكر السلمي منذ جاءت قوى الحتلل الغربي بنصف التجربة‬
‫وكان عليه أن يستكملها‪ .‬فما دام العالم السلمي قد فرض عليه ذلك‬
‫النموذج الغربي في السياسة والقتصاد والقانون‪ :‬الذي جاء في ركب‬
‫الستعمار‪ ،‬هذا النموذج الذي لم يستطع خلل أكثر من سبعين عاما ً أن يحقق‬
‫تقبل ً أو استجابة للنفس العربية السلمية وأثبت فشله الذريع في التطبيق‪،‬‬
‫كان لبد وقد تدافع المتجمع السلمي إلى الغزو الماركسي أن يتعرف إلى‬
‫ذلك النموذج ويطبقه ليرى هل يكون أكثر صلحية‪ ،‬وقد كانت الستجابة أكثر‬
‫فشل ً وعجزًا؛ ذلك أن الماركسية ليست نظاما ً مستقل ً ولكنها‪ :‬رد فعل للنظام‬
‫الرأسمالي الديمقراطي الليبرالي الغربي وجزء منه‪.‬‬
‫ونحن نجد أنفسنا اليوم وبعد عشرين عاما ً من التجربة الماركسية وبعد‬
‫تسعين عاما ً من التجربة الليبرالية‪ :‬وقد حصلنا على نتيجة "الصفر المركب"‪.‬‬
‫وأحس العقل العربي السلمي أنه كان يعايش تجربتين فاشلتين بعيدتين كل‬
‫البعد عن مشاعره وروحه وذاتيته‪.‬‬
‫مما حاق به في‬ ‫بل إنه عرف من بعد أن سر )النكبة والهزيمة والنكسة( ِ‬
‫السنوات التي بدأت منذ ‪ 1948‬وامتدت إلى ‪ 1967‬إنما كان نتيجة هذا‬
‫الستسلم للتبعية لمنهج وافد عاجز عن تحقيق أي تقدم أو أمن لمجتمعه‬
‫الصيل الذي نشأ فيه‪ ،‬فكيف يكون مستطيعا ً أن يحقق ذلك لمجتمع غريب‬
‫عنه‪.‬‬
‫تلك هي الصورة التي تواجهنا اليوم بعد أن تحررنا من صورة الهزيمة ودخلنا‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في أفق معرفة النفس‪ ،‬والتماس الصالة‪ ،‬وتأكيد الذاتية‪ ،‬وبلوغ الرشد‬
‫والحساس القوي بأن هذا وحده هو المنطلق الصحيح لمستقبل يتطلع إلى‬
‫التحرر من كل تبعية وغزو واستعمار وسيطرة القوى الخارجية‪.‬‬
‫من وراء كل‬ ‫ولقد كشفت الحداث فيما كشفت عن هدف واضح صريح‪َ :‬‬
‫من وراء التيارات الوافدة جميعا ً هو‪" :‬القضاء على الهوية"‬‫مخططات الغزو‪ ،‬و َ‬
‫على الذاتية‪ ،‬على الشخصية‪ ،‬على ذلك كالطابع الصيل الذي كونته عوامل‬
‫العقيدة والثقافة والرض والطبيعة جميعًا‪ .‬القضاء عليه بالحتواء والذابة‬
‫والعمل على صهره في البوتقة العالمية‪ ،‬التي تواجهه من جهاته الثلث‪:‬‬
‫استعمارية وصهيونية وماركسية‪ ،‬وتواجهه بالمادية واللحاد والباحية والقضاء‬
‫على القيم والتاريخ واللغة والدين‪.‬‬
‫الهدف هو صهر هذه المة‪ :‬المتفردة بذاتية التوحيد الخاص منذ أن براها‬
‫الحق تبارك وتعالى لتكون علما ً على فكرة الحق‪ ،‬متميزة بالفكر الرباني‬
‫السمح في مواجهة زحف الفكر البشري المضطرب العاصف الحامل لكل‬
‫الخطار‪.‬‬
‫ولقد استطاع الفكر البشري بنفوذه السياسي والعسكري والقتصادي حين‬
‫سيطر على عالم السلم وانحسر عنه ثمة‪ ،‬أن يترك فيه قواعده ومؤسساته‬
‫وقواه‪ ،‬وتلك الجيال التي تتابع تجربتاه معاهد الرساليات من أبتاعه ودعاته‬
‫الذين يحملون لواء التغريب والغزو الثقافي والشعوبية‪ ،‬أولئك الكارهون لهذه‬
‫المة ولعقيدتها ولغتها والحاقدون على مكانها في الرض‪ ،‬وعلى ما في يدها‬
‫من ضوء )يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولكن التجربة التي بين أيدينا الن قد أثبتت فشل التجاهين الليبرالي‬
‫والماركسي‪ ،‬وفشل التقليد والقتباس والتبعية التي وقع فيها عالم السلم‬
‫حين حجب عن نفسه قيمه وتراثه ومفاهيمه‪ ،‬واتخذ أسلوبا ً وافدا ً في مجال‬
‫القانون والتربية والقتصاد والسياسية‪ ،‬ولم يتبين له فشل هذا السلوب إل‬
‫بعد أن ظهرت نتائج قاسية من الهزيمة والنكبة والنكسة؛ حيث تبين أن‬
‫المسلمين قد عاشوا في خدعة بالغة شديدة حين تابعوا بغير تقدير وروية‬
‫ذلك المنهج الوافد وغابت عنهم حيطة الصالة والذاتية‪ ،‬حتى كادوا يفقدوهما‪،‬‬
‫ولم يكن أسلوبهم هو أسلوب البناء على الساس الصحيح‪ ،‬مع النتفاع‬
‫بخيرات الخرين وتجاربهم‪ ،‬ولكن كانت تبعيتهم قد حالت دون تبين أي وجه‬
‫للمنابع الصيلة الولى التي هي مصدر وجودهم وكيانهم‪ ،‬ومن هنا فقد قاسوا‬
‫المور بمقاييس وافدة حجبت عنهم الرؤية الحقيقية وجوهر الشياء والطريق‬
‫الصيل‪ ،‬فلم يلبث الجيل كله أن وقع في الزمة الخانقة‪ ،‬والحيرة المظلمة‪،‬‬
‫وقع في "مدلهمة عمياء" هي بمثابة نقطة تحول شديدة‪ ،‬وموقف حاسم‪ ،‬ل‬
‫سبيل إلى تجاوزه إل بإعادة النظر في كل تلك المسلمات والساليب‬
‫والمناهج التي لم تكن صالحة أساسا ً لليقظة أو للنهضة‪ ،‬والتي حاولت أن‬
‫تقضي على النبت الحقيقي الذي كان قد حمل لواء اليقظة منذ أكثر من قرن‬
‫ونصف قرن من الزمان‪ ،‬حين أنشأ التغريب "دائرته المغلقة" وشكل فيها‬
‫أولئك الذين أسماهم قادة الفكر والثقافة والتربية والتعليم في سنوات‬
‫الهزيمة والنكسة والذين جاءت على أيديهم تلك النتائج المفزعة الخطيرة‪.‬‬
‫ومن ثم فإن الماركسية ليست وحدها التحدي الوحد وإن كانت هي أبرز‬
‫التحديات التي تواجه عالم المسلمين اليوم‪ :‬ذلك لن الفكار التي طرحتها‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلل السنوات العشرين الخيرة ما تزال تحتاج إلى تنفيذ وتمحيص وكشف‬
‫عن سمومها وتعريف بزيفها ورفع لها من عقول الناس وقلوبهم‪.‬‬
‫ً‬
‫غير أن الوقوف عندها والقتصار عليها يفوت على المسلمين خطرا ويفسح‬
‫للقوى التغريبية المجال في ميادين أخرى كثيرة‪ .‬والمعروف أن الليبرالية‬
‫والماركسية مؤسسات واضحة ظاهرة يسهل التعرف عليها ومواجهتها ولكن‬
‫جهدا ً كبيرا ً يجب أن ينفق لمواجهة المؤسسات الخفية المتسترة تحت أسماء‬
‫العلوم والثقافة‪ :‬وأخطرها الفرويدية والوجودية ومدرسة العلوم الجتماعية‪.‬‬
‫وهي مدارس تسيطر عن طريق الجامعة‪ ،‬والثقافة والصحافة‪ ،‬وتدخل في‬
‫مجال الدراسات العلمية كأنها رافد من روافد الفكر النساني بينما هي في‬
‫حقيقتها أشد خطرا ً من الماركسية والليبرالية على السواء‪.‬‬
‫لقد تبين لعالم السلم أن التجربة السياسية أو القتصادية الغربية أو‬
‫الماركسية كلتاهما قد لقيت الفشل الذريع‪ ،‬ولم تقبلهما النفس العربية‬
‫السلمية‪ ،‬وقد وجدت فيهما تضادا ً بينها وبين قيمها ومفاهيمها وذاتيتها‪ .‬وقد‬
‫أثبتت تجربة التطبيق السياسي القتصادي فشل المذهبية وعجزهما عن‬
‫العطاء في المجتمع السلمي‪ ،‬ولكن هناك مذاهب ما تزال تتحرك في داخل‬
‫المجتمع والنفس والخلق والتربية تكاد تكون كالمسلمات اليوم من شأنها‬
‫أن تفسد بناء شخصية النسان المسلم على النحو الذي يجعله أهل ً للطابع‬
‫السلمي الصحيح‪.‬‬
‫إن لنا في المجال العام‪ :‬أمرين مازال مضيعين‪ :‬هما التربية السلمية‬
‫والشريعة السلمية‪ ،‬وهما يفسحان المجال لشر كثير يأتي من ناحية‬
‫المدرسة والمصرف والسرة‪ ،‬ولبد من إجراء تغيير كبير بشأن تحقيق هذين‬
‫المرين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولكن هناك في المجتمع السلمي خطر يتزايد اليوم ويستفحل‪ :‬ذلك هو بث‬
‫من شأنه‬ ‫السموم عن طريق القصة والغنية والمسرحية والسينما وكل ما ِ‬
‫أن يشكل موصل ً للبث الدائمة اليومي السريع‪ ،‬الذي يحمل معه تلك الفكار‬
‫المسمومة التي تتعارض مع مفاهيم السلم‪ ،‬والتي تظل تروى الناس في‬
‫حوار القصص والمسرحيات حتى يظن الكثيرون أنها هي المفهوم الصحيح‬
‫لعلقات الرجل والمرأة‪ ،‬والباء والبناء‪ ،‬وما يتصل بالحب والزواج‪ ،‬وطريقة‬
‫الحوار بين الناس في المجتمع‪ ،‬في التعامل العام والخاص‪ ،‬وقد وجد أصحاب‬
‫التيارات الوافدة أن لقصة أصلح طريق لتوصيل مذاهب الملحدة والباحية‬
‫وأفكارهم المسمومة إلى قلوب الناس وعقولهم وهم في مرحلة الستسلم‬
‫والراحة وقبل النوم‪ ،‬وعلى نحو يكون فيه صاحب الفكار هو الذي يقدم‬
‫مفاهيمه دون أن يناقشه أحد في أمر صحتها أو فسادها‪ ،‬سلمتها أو‬
‫اضطرابها‪ :‬وأغلب من يستمع لذلك شباب المسلمين الغر البسيط الساذج‪،‬‬
‫الذي لم تدعمه ثقافة إسلمية أصيلة يفهم بها الصحيح من الخطأ والحل من‬
‫الحرام والحق من الباطل‪ ،‬ومن هنا فإن جهاز البث الممتد من أجهزة السمع‬
‫والرؤية الدائمة والمسرح والسينما إنما تقدم للمجتمع السلمي أخطارا ً‬
‫عديدة‪ ،‬تدلف إلى القلوب غير مستأذنة وتتردد يوما ً بعد يوم‪ ،‬وساعة بعد‬
‫ساعة‪ ،‬فتسيطر وتتمكن‪ ،‬ول تجد من ثقافة السلم الحقيقية ما يصححها وما‬
‫يردها‪ ،‬وهي تقدم دائما ً في أسلوب الحوار والقصص‪ ،‬وباللغة العامية‪ ،‬وبأشد‬
‫عبارات العامية انخفاضًا‪ ،‬وكأنما انتقيت لها بأسوأ ما يتحاور به أقل الناس‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬من أهل الحياء الموصومة بالعنف والحدة‪.‬‬ ‫ثقافة وأكثرهم حماقة وجه ً‬
‫تجري هذه اللفاظ على ألسنة الممثلين في المسرحية أو القصة أو الفيلم‬
‫على نحو يزري بكل خلق وكرامة وأدب‪ ،‬فتحس كأنما الحياة بين الناس‬
‫صراع عنيف ومغالبة بالكلمة المريرة‪ ،‬وقدرة على استعمال أسوأ‬
‫المصطلحات واللفاظ‪ ،‬وتجد هذا كله قد أصبح يجري في مجال الحياة العامة‬
‫فعل ً بين الناس بعد ذلك‪ ،‬في زحامهم بالناقلت‪ ،‬أو في شرائهم وبيعهم‪ ،‬أو‬
‫في كل ما يلتقي فيه رجل برجل أو رجل بامرأة‪.‬‬
‫وإذا كانت الجريدة أو الكتاب تحمل الناس وجهات نظر قد تكون فاسدة أو‬
‫منحرفة‪ ،‬فإن )القصة – المسرحية( أشد خطرا ً من الكتاب والصحيفة؛ ذلك‬
‫أن الكتاب يقرؤه قلة والصحيفة يقرأ كل إنسان منها شيئا ً من شئونه‪ ،‬أما‬
‫القصة والمسرحية فهي تحت أبصار الناس وأسماعهم في كل ساعات اليوم‪،‬‬
‫وخاصة ساعات الراحة والستجمام والسترخاء وهي أخطر لحظات‬
‫الستهواء‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن التغريب خدمة للستعمار والصهيونية والشيوعية يعمل على‬
‫تفويض المجتمع والسرة‪ ،‬والفرد ذاته وذلك بوضعه في مجموعة من الفكار‬
‫المسمومة عن علقاته بالمجتمع والمرأة وخلق "أسلوب" عدواني من‬
‫الصراع بين الفرد والفرد‪ ،‬والفرد والجماعة للقضاء على روح اليمان‬
‫والخلق التي يدعو إليها الدين الحق‪.‬‬
‫وبحيث تخرج هذه المفاهيم الرجل والمرأة من "الحدود" والضوابط والقيم‬
‫التي رسمها الحق تبارك وتعالى للبشرية من أجل إقامة المجتمع الرباني؛‬
‫فهي تهدف أول ما تهدف إلى طرح فكرة النطلق الباحية الواسعة‪ ،‬التي ل‬
‫تقف عند حد والتي تسيطر فيها الشهوات المادية من مال وشهرة واستعلء‬
‫وثراء دون أن يحسب حساب القيم الخلقية أو الضوابط الجتماعية التي‬
‫تحول دون العتداء على حقوق الخرين‪ ،‬فالمرأة في هذه المفاهيم‬
‫المطروحة ترى نفسها وقد احتقرت زوجها واستعلت عليه؛ لنها تعمل‬
‫وتكسب مثله‪ ،‬وبذلك فليس له عليها رأي أو قوامة‪ ،‬والولد يرى أباه بغيضا ً‬
‫إلى نفسه لنه يرده إلى طريق الخير ويوجهه في هذه المرحلة الدقيقة التي‬
‫ل يستطيع فيها أن يتصرف دون خطأ‪ ،‬والرجل يرى نفسه منطلقا ً ليكسب‬
‫من أي سبيل‪ ،‬ولينفق في كل لذة وغواية‪ ،‬دون تقدير أو حساب لمسئولية‬
‫الزوجية أو السرة أو البوة‪ ،‬وهكذا تتمثل هذه المفاهيم في صورة حوار‬
‫وقصص يطرح أمام الجيال ما يخرجها من دينها وقيمها‪.‬‬
‫هذه أخطر التحديات‬
‫ول ريب أن هذا الجانب الجتماعي هو أخطر التحديات التي تفرضها التيارات‬
‫الوافدة والمؤثرات الجنبية التي عاشت تعمل في ميدانين اثنين‪ :‬هما تدمير‬
‫السرة والمجتمع السلمي وتدمير النفس النسان والعقل النسان‪ ،‬هنا‬
‫باللحاد وهناك بالباحية‪ ،‬وعن طريق أدوات الحضارة الحديثة أمكن إفساد‬
‫المجتمعات بدفعها إلى طريق الشهوات والهواء وإعلء الغرائز والخروج عن‬
‫دائرة المحرمات والضوابط‪ ،‬ولقد كان للسلم موقف واضح صريح أمام‬
‫الجوانب السلبية من الحضارة وهي رفضها وإنكار الستسلم أو القبول‬
‫لسلوب العيش الغربي في مسائل السرة والمرأة والخمر والتحلل الخلقي‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأمامنا نتائج التجربة واضحة‪ :‬فإن المجتمع الغربي حين اندفع خروجا ً‬
‫بالفردية إلى إسقاط حق المجتمع والسرة والجماعة أو حين اندفع خروجا ً‬
‫بالجماعية إلى إسقاط حق الفرد والذاتية‪ ،‬حيث فعل ذلك في شطره الغربي‬
‫أو ذلك في شطره الشرقي‪ ،‬فإنما جانب الصالة والفطرة التي عملت رسالة‬
‫دين الله الحق المنزل على إعلنها وإقرارها في المجتمعات والحضارات‪.‬‬
‫وبذلك عمت هنالك أزمة العصر وأزمة النسان المعاصر الممزق نفسيا ً‬
‫والمنحرف وذي الحساس العميق بالغربة والقلق والغثيان‪.‬‬
‫ذلك لن الطبيعة النسانية طبيعة جامعة بين مطامع المادة وأشواق الروح‪،‬‬
‫فإذا أعطيت جانبا ً واحدا ً على النحو الذي تعطيه الحضارة الغربية اليوم فإنها‬
‫تحجب الجانب الخر وتعزل قطاعا ً حيا ً في النسان ل يمكن أن يحيا بدونه‪.‬‬
‫وقديما ً عرف الغرب الرهبانية وأعلى شأن الروحية وانعزل عن الحياة وأنكر‬
‫السرة والمرأة والغرائز‪ :‬غرائز الطعام وغرائز الدنس حتى فسدت الحياة‬
‫فسادا ً شديدًا‪ ،‬ثم هو في جولته الجديدة هذه ينحرف انحرافا ً شديدا ً نحو‬
‫المادة وإعلء غريزة الطعام في الماركسية وغريزة الجنس في الفرويدية مع‬
‫إسقاط الروحية والجوانب المعنوية إسقاطا ً كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ومن شأن المسلمين أن يوجهوا هذا الموقف مواجهة واضحة فيقيموا أسلوب‬
‫عيشهم الجتماعي الجامع بين الروح والمادة والعقل والقلب‪ ،‬وأن يقفوا من‬
‫نزوة الجوانب المتصلة بالشهوات والغرائز والخمور والمخدرات موقفا ً واضحا ً‬
‫في سبيل حماية كيانهم الفردي والنساني ووجودهم السلمي في إطار‬
‫تطبيق شريعتهم السلمية‪.‬‬
‫وليذكروا أنهم إنما يقفون في موقف الهدف المصوبة إليه النيران من جميع‬
‫الجهات وأنهم في رباط دائم إلى يوم القيامة‪ ،‬وأن المم تزحف دوما ً إلى‬
‫أرضهم وتغزو وجودهم وكيانهم حتى تسيطر على مقدراتهم وتمتلك إرادتهم‪،‬‬
‫وهم يواجهون هذا الخطر وهذا التحدي منذ ظهرت دعوة السلم ول يزالون‪.‬‬
‫وما يمرون به الن من صراع مع القوى الصهيونية والماركسية والستعمارية‬
‫ليس إل مرحلة من هذه المراحل تتطلب منهم أن يكونوا على أهبة دائمة‬
‫ويقظة دائمة وأن يكونوا قادرين على بناء الجيال على هذه المفاهيم وفطمها‬
‫عن الشهوات وقبول حياة التضحية والخشونة حتى يكونوا قادرين على‬
‫الوقوف في وجه الخطر‪.‬‬
‫وأبرز ما هو مطلوب اليوم هو العتصام بأسلوب العيش السلمي البعيد عن‬
‫الترف والتحلل‪ .‬فالمسلمون يعيشون في مرحلة الخطر‪ ،‬وفي موقف‬
‫المرابطة الدائمة في وجه الخطر المحدق بهم من كل ناحية‪.‬‬
‫أما أسلوب العيش الغربي القائم على التحلل والباحة والترف فإنه سوف‬
‫يقضي على وجودهم حين تجتاحهم قوى الغزو‪ ،‬فلن يقدروا على الوقوف في‬
‫وجهها أو حماية بيضتهم‪.‬‬
‫ولما كانوا أصحاب رسالة ودعوة وعليهم أن يطبقوا شرعتها عليهم‪ ،‬فهم‬
‫مطالبون بأن يعيشوا حياة الدعاة‪ ،‬حياة الصمود والصبر والخشونة والتجلد‪،‬‬
‫ومن ثم فإن أسلوب القصة والمسرحية ليس أسلوبا ً أصيل ً وليس منطلقا ً‬
‫صحيحا ً لبناء الوجود السلمي في المجتمع العربي المعاصر‪.‬‬
‫وهنا وقفة متريثة حول الصالة والتبعية‪:‬‬
‫إن الخطار والتحديات التي يواجهها السلم والعالم السلمي كله إنما تنبعث‬
‫من مصدر واحد هو‪ :‬مطامع النفوذ الجنبي في استبقاء السيطرة واستمرار‬
‫الستيلء والحيلولة دون تحرر الرادة الوطنية والقومية لتحقيق السيادة وبناء‬
‫اليديولوجية الصيلة والمنهج الراسخ المستمد من القيم الساسية والمنابع‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصيلة والمصادر الذاتي‪.‬‬


‫إن قضية البقاء الجنبي في عالم السلم تتصل أوثق اتصال بالعمل على‬
‫إذابة هذه الشعوب في البوتقة الغربية وإخراجها من أصولها وقيمها ومن‬
‫تراثها وفكرها‪ ،‬ولغاتها وتاريخها وإسلمها إلى التبعية الكاملة‪.‬‬
‫وعن هذا الطريق يمكن القضاء على ‪-‬منهج الفكر السلمي‪ -‬القائم على‬
‫التوحيد والمستمد من القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومن هنا يكون أخطر التحديات التي تواجه السلم والمسلمين اليوم والتي‬
‫هي مصدر كل التحديات والخطار إنما هو ‪-‬الصالة والتبعية‪ -‬وفهمنا لها‬
‫وموقفنا منها‪.‬‬
‫وإذا كانت تحديا الغزو الخارجي‪ ،‬وفي مقدمتها الغزو الثقافي قد تعددت في‬
‫عشرات من القضايا والموضوعات والمفاهيم فإنها جميعا ً يمكن أن ترد إلى‬
‫قضية واحدة كبرى هي اليوم مجال التحدي الصحيح هي قضية الصالة‬
‫والتبعية‪.‬‬
‫فإذا تقرر رأينا فيها بوضوح وصدق أمكن على ضوء ذلك مواجهة كل‬
‫التحديات والنتصار في كل المواقف والميادين‪.‬‬
‫وقد ركز النفوذ الستعماري على هذه القضية بعد نكسة ‪ 1967‬تركيزا ً شديدا ً‬
‫واعتبرها في مقدمة أهدافه‪ ،‬فحق علينا أن نلتفت إليها ونجعلها في مقدمة‬
‫التحديات التي تواجه السلم والفكر السلمي والثقافة العربية ‪-‬في هذا‬
‫العقد الخير من القرن الرابع عشر وأن النتصار فيها هو مطلع النور للقرن‬
‫الخامس عشر قرن انتصار الصالة وهزيمة التبعية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن أخطر ما يواجه المسلمين والعرب أن المفكرين منهم يفكرون من داخل‬


‫دائرة الفكر الغربي ‪-‬وهذا هو سر أخطائهم‪ ،‬ومرجعه إلى ذلك التيار الضخم‬
‫من التغريب الذي سيطر خلل السنوات الخمسية الماضية‪ ،‬فأول أهداف‬
‫الصالة هي التحرر من دائرة الفكر الغربي‪ ،‬ونقل التفكير كله إلى دائرة‬
‫الفكر السلمي نفسه بمفاهيمه وقيمه الذاتية‪ ،‬ومزاجه النفسي والجتماعي‪،‬‬
‫إن لنا نظرية أصيلة كاملة في الجتماع والنفس والتربية والقتصاد فلنعرض‬
‫عليها مواقفنا ولنعرض عليها مختلف ما يرد إلينا من نظرية الفكر الوافد‪،‬‬
‫ولنظر إلى نظريات الفكر الغربي ‪-‬بشقيه‪ -‬على أنها نظرات تخص الخرين‬
‫استمدوها من بيئاتهم وظروفهم وتحدياتهم وعلينا أن نقف دائما ً في ضوء‬
‫فكرنا‪.‬‬
‫إن أي نظرية أو مذهب أو قضية يجب أن تعرض على أصول فكرنا العربي‬
‫السلمي‪ ،‬ذلك أن فكرنا الجديد والمتجدد إنما يستمد نموه من جذوره‪ ،‬وهو‬
‫في نفس الوقت مفتوح على الفكر العالمي والبشري‪.‬‬
‫إن أبرز حاجاتنا في هذه المرحلة هي تحرير العقلية العربية من استبعاد‬
‫الثقافات الغربية والوثنية‪.‬‬
‫إن من حقنا أن نراجع مفاهيم الغرب على القيم الساسية التي نؤمن بها‬
‫والتي قامت عليها حضارتنا منذ خمسة عشر قرنا ً متصلة ليس فيها انفصال‪،‬‬
‫ما أشد حاجتنا إلى اليقظة من خطر الحتواء والذابة‪ .‬هذا الخطر الذي نجا‬
‫منه الجيل الماضي ويجب أن ينجو منه جيلنا أشد بصيرة ويقظة وحرصًا‪ ،‬إن‬
‫هناك محاولة للنقضاض علينا لذابتنا في البوتقة الكبرى ‪ ..‬بوتقة الشعوبية‬
‫العالمية؛ لنفقد ذاتيتنا ومزاجنا الخاص ونصبح تابعين أولياء لثقافات ل تصدر‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن مصادرنا‪.‬‬
‫إن أمتنا لها منهج فكر وفلسفة حياة فعليها أن تعرف ذاتها وأن تؤكد‬
‫شخصيتها‪.‬‬
‫والسلم بالنسبة لنا ليس دينا ً فحسب؛ ولكنه أيضا ً منهج فكر ونظام مجتمع‪،‬‬
‫فلنواجه الفكر الغربي ومذاهبه مواجهة صريحة في كل قضاياه‪.‬‬
‫وقد يقال أن هناك التقاء بين الفكر الفرنسي والفكر اللماني والفكر‬
‫المريكي‪ ،‬ولكن من الخطأ أن يدعى الفكر السلمي إلى هذا اللقاء‪ ،‬ذلك أن‬
‫من الواضح أن هذه الثقافات ذات أصول واحدة‪ ،‬أما الفكر السلمي فهو‬
‫نسيج مختلف له طابعه الذاتي‪ ،‬ومن هنا فليس من العسير أن يلتقي الفكر‬
‫الغربي إل في أصول عامة تتعلق ببعض الجوانب النسانية‪.‬‬
‫لقد استطاع الفكر السلمي في القرن الرابع والخامس أن يحطم قيد‬
‫الحتواء الغريقي وأن يخلص منه‪ ،‬وأن ينتصر عليه‪ ،‬حيث عجزت ثقافات‬
‫كثيرة عن أن تحتفظ بوجودها في وجه هذا العصار الخطير )إعصار الهلينية(‪.‬‬
‫على المثقفين العرب أن يفكروا بلغتهم‪ ،‬وأن يتحركوا من داخلهم‪ ،‬وأن‬
‫يتجاوزوا سارتر وفرويد وماركس جميعًا‪.‬‬
‫أن أبرز أعمال المفكرين العرب والمسلمين في هذا العصر ومنطلق كفاحهم‬
‫وغايته‪ ،‬هو ‪-‬تحرير الفكر السلمي من هيمنة الثقافة الغربية والعقلية الوثنية‬
‫اليونانية والباطنية القديمة‪ ،‬وهي نفس المهمة التي واجهت المسلمين من‬
‫قبل وانتصر لها ابن حزم والغزالي وابن تيمية والشعري وابن الجوزي‬
‫والقاضي ابن العربي‪.‬‬
‫وذلك هو واجب أعلمنا ومثقفينا‪ ،‬وذلك تساؤلهم‪:‬‬
‫هل من حق المم أن تقبل كل ما يعرض عليها‪ ،‬وما هو مصير القيم‬
‫الساسية‪ ،‬هل هؤلء المفكرون مبررون أم مصلحون‪ ،‬هل هم هداة أم‬
‫نقادون في تيار كبير يريد أن يحتوي الفكر السلمي القائم على التوحيد‬
‫المستمد من القرآن والذي يختلف عن الفكر البشري كله‪.‬‬
‫وإذا كان العالم اليوم تغزوه قوة شريرة هي ‪-‬الصهيونية الماسونية العالمية‪-‬‬
‫تريد تدميره فهل نقبل كل ما يقدم لنا‪ .‬إن على مثقفينا مسئولية ضخمة هي‬
‫–اليقظة‪ -‬في مواجهة ما يقرأ‪ ،‬فل يقبل كل ما يعرض عليه‪ ،‬وليجعل له‬
‫مقياسا ً صادقا ً ل يخيب ونافذا ً ل يفل وصالحا ً ل تفسده عوادي التحول من‬
‫الزمان أو التغير في البيئات‪ ،‬ذلك هو –القرآن‪ -‬هذا النص الموثق الذي ل‬
‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه والذي قاوم كل محاولة لتحريفه‪،‬‬
‫وعلى شبابنا أن يذكر أن كل ما يقال ل يؤخذ قضية مسلما ً بها‪ ،‬وأن كل قول‬
‫بعده يؤخذ منه ويرد عليه‪.‬‬
‫فالقرآن وحده هو الحق وليس بعده غير قول الرسول الصحيح فهو المعصوم‬
‫بإذن ربه‪ ،‬وما بعد ذلك يعرض على القرآن ويقبل في ضوئه أو يرد‪.‬‬
‫كان منطلق اليقظة العربية السلمية يستمد مفهومه في فترة ما من معادلة‬
‫تقول بالربط بين القديم والجديد‪ ،‬والماضي والحاضر‪ ،‬والشرق والغرب‪.‬‬
‫وكان هذا المنطلق‪ ،‬يمثل خطوة متعددة في طريق اليقظة بالنسبة للمفهوم‬
‫السائد إذ ذاك والقائل بالقديم وحده أو الجديد كله‪.‬‬
‫ولكن نظرية التعادل والتجمع بين القديم والجديد لم تلبث أن عجزت عن أن‬
‫تحقق شيئا ً وكانت نقطة الضعف فيها هي غياب القاعدة الساسية التي يقوم‬
‫عليها البناء‪ .‬هذا فضل ً عن أن مرحلة النقل والقتباس والترجمة والستعارة‬
‫قد مضى بها الزمن‪ ،‬وانتقل الفكر العربي السلمي في ظل التحديات التي‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واجهته بعد النكبة ‪ 1948‬والنكسة ‪ 1967‬إلى آفاق جديدة قوامها –بلوغ‬


‫الرشد الفكري‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن هنا فقد كانت الدعوة إلى ‪-‬البناء على الساس‪ -‬هي المنطلق الحقيقي‬
‫لمواجهة الوافد وفرزه ومراجعته ونقده‪ ،‬هذه القاعدة التي يجب إقرارها‬
‫أساسًا‪ .‬ثم استئناف حركة الربط بين القديم والجديد والماضي والحاضر‬
‫والشرق والغرب في ضوئها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولما كان الفكر العربي السلمي على مر العصور متفتحا على مختلف‬
‫الثقافات والمم؛ فقد كان ملزما ً ذلك على طول هذا التاريخ قيام قاعدة‬
‫أساسية ثابتة صامدة راسخة‪ ،‬هي التي تحمي الفكر والمة من الذوبان‬
‫والتحلل والتميع والنهيار‪.‬‬
‫ولما كانت صيحة الغزو الثقافي قد واجهت الفكر السلمي منذ اليوم الول‬
‫حين حاول عبد الله بن سبأ إخراجه من قيمه ومفاهيمه الساسية‪ ،‬وتابعه‬
‫على الطريق عبد الله بن المقفع ومن جاءوا بعده من الباطنية والشعوبية‪،‬‬
‫وفي مقدمتهم –إخوان الصفا‪ -‬فقد كان إقراره هذه القاعدة‪ ،‬قاعدة الساس‬
‫هي صمام المن في انطلق الفكر السلمي وتطلعه إلى التطور والحركة‪.‬‬
‫ولقد عملت دعوة التغريب منذ اليوم الول لتطويق ما عجزت عنه الحركة‬
‫القديمة‪ ،‬واصطنعت نفس شبهاتها وإن كانت تحمل من الساليب والدوات ما‬
‫هو أشد نفاذا ً وأقوى وأعنف في سبيل زلزلة قوائم هذا الفكر وقواعده‪ ،‬رغبة‬
‫في تذويبه في أتون الفكر الغربي‪ ،‬أو احتوائه على القل ودفعه إلى طريقة‬
‫التبعية والعبودية للفكر الغربي‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن هنا فإن –الصالة‪ -‬لم تعد في الحق عامل ً موازيا لعامل –الجديد‪ -‬ليقوم‬
‫الصراع بينها‪ ،‬ولكنها‪ :‬هي قاعدة الساس في البناء‪ ،‬ثم يقوم الختلف فيما‬
‫فوقها حول التجديد أو المحافظة وحول الترجمة أو البعث‪ ،‬وحول مختلف‬
‫القضايا التي ُتثار من أجل تحرير الفكر العربي السلمي وتطويره ودفعه إلى‬
‫المام‪ ،‬وإعطاء طبيعة الحركة لمواجهة المعاصرة والحدثية والتجدد‪.‬‬
‫ومن الحق أن الفكر السلمي له قوانينه الطبيعية التي تنظم له أمر تطوره‬
‫وأمر حركته وأنها من قوانين أصيلة صحيحة مستمدة من جوهره‪ ،‬وقد كانت‬
‫دائما ً حاضرة أم تتخلف‪ ،‬وكانت قادرة دوما ً على أن تمده بالتجديد والقدرة‬
‫على الحركة والمواءمة مع الصور والحضارات والبيئات‪ ،‬دون أن يكون في‬
‫حاجة إلى وصاية من فكر آخر‪ ،‬أو ثقافات أخرى لها أساليبها وقوانينها في‬
‫التطور والحركة‪.‬‬
‫ولما كان الفكر العربي السلمي عميق الجذور‪ ،‬وبعيد العماق في التاريخ‪،‬‬
‫وقد أمضى اليوم خمسة عشر قرنا ً حيا ً متألقا ً متفاع ً‬
‫ل‪ ،‬مع الزمنة والبيئات‬
‫وقادرا ً على المواءمة والستجابة فإنه ليس في حاجة لن تصطنع له مناهج أو‬
‫أساليب تستحدث من الثقافات الخرى على النحو الذي يحاوله جاك بيرك أو‬
‫من تابعوه دون إلقاء نظرة أوسع على الفكر السلمي في رحابته وأصالته‬ ‫َ‬
‫وسعة آفاقه وعمق تراثه وبراعة مضامينه‪ .‬وقاعدة الساس في الفكر‬
‫السلمي بسيطة سمحة غير معقدة وهي ل تخرج عن كلمة واحدة هي‬
‫التوحيد‪ ،‬فلكل ما يصدم التوحيد يتعارض مع الفكر السلمي ويخالف مصادره‬
‫الساسية وهي السلم والقرآن وأن مراجعة يسيرة للتحديات والشبهات‬
‫والخطار التي تحشد لمواجهته وتحديه ل تخرج عن تراث وثني يوناني‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معارض كل المعارضة لطابع التوحيد‪ ،‬فأساس البناء هو التوحيد وهو مفرق‬


‫الحق والباطل والحكم فيما يقبل ويرد‪.‬‬
‫فالتوحيد هو طابع الذاتية العربية السلمية وقوام المزاج النفسي‬
‫والجتماعي‪ ،‬فالصالة هي التوحيد‪ ،‬والوثنية هي التبعية ‪ ..‬وكل المفاهيم‬
‫والفلسفات والمناهج والنظريات التي ردها الفكر العربي السلمي في جولة‬
‫الغزو الثقافي الولى والقائمة اليوم‪ ،‬هي مفاهيم الوثنية المتمثلة في بعض‬
‫مفاهيم التفسير المادي للتاريخ‪ ،‬والوجودية والتفسيرات النفسية والجتماعية‬
‫والتربوية التي تقوم على أساس إنكار الدين وشجب الخلق وإنكار‬
‫المسئولية الفردية والبعث والجزاء‪.‬‬
‫فالفكر السلمي يقيم دعائمه التي تصدر عنها ثقافاته ومفاهيمه وقيمه على‬
‫أساس الترابط بين العمل والمسئولية‪ ،‬وبين الروح والمادة‪ ،‬والعقل والقلب‪،‬‬
‫والدنيا والخرة‪ .‬فإذا انفصل هذا الترابطـ‪ ،‬سقط هذا الفكر في الوثنية وواجه‬
‫ذلك الخطر الخطير الذي يدمر الفكر العربي والنفس العربية والحضارة‬
‫العربية ويوقعها في أشد أزماتها خطرًا‪.‬‬
‫والفكر السلمي يقيم قاعدته على أساس التوحيد والنبوة واليمان بالغيب‬
‫والبعث والجزاء ول يناقض نفسه في هذه الترابط الكبر بين علمي الغيب‬
‫والشهادة‪ ،‬وبين الدنيا والخرة‪ ،‬وبين المسئولية الفردية والحساب الخروي‪.‬‬
‫وتلك عقدة العقد في ‪-‬الصالة ومقومها الساسي‪ -‬فإذا تقررت على هذا‬
‫النحو وهي مفرزة فعل ً ل سبيل إلى تجاوزها أمكن إقامة التوازن بين الجديد‬
‫والقديم والماضي والحاضر والشرق والغرب‪.‬‬
‫أنور الجندي‬

‫)‪(6 /‬‬

‫السلم لم ينتشر بحد السيف‬


‫دراسة مسيحية ‪:‬‬
‫صدرت مؤخرا ً دراسة لباحث مسيحي مصري هو الدكتور نبيل لوقا بباوى‬
‫تحت عنوان ‪) :‬انتشار السلم بحد السيف بين الحقيقة والفتراء( رد فيها‬
‫على الذين يتهمون السلم بأنه انتشر بحد السيف وأجبر الناس على الدخول‬
‫فيه واعتناقه بالقوة‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫وناقشت الدراسة هذه التهمة الكاذبة بموضوعية علمية وتاريخية أوضحت‬
‫خللها أن السلم ‪ ،‬بوصفه دينا سماويا ‪ ،‬لم ينفرد وحده بوجود فئة من أتباعه‬
‫ل تلتزم بأحكامه وشرائعه ومبادئه التي ترفض الكراه في الدين ‪ ،‬وتحرم‬
‫العتداء على النفس البشرية ‪ ،‬وأن سلوك وأفعال وفتاوى هذه الفئة من‬
‫الولة والحكام والمسلمين غير الملتزمين ل تمت إلى تعاليم السلم بصلة‪.‬‬
‫وقالت الدراسة ‪ :‬حدث في المسيحية أيضا ً التناقض بين تعاليمها ومبادئها‬
‫التي تدعو إلى المحبة والتسامح والسلم بين البشر وعدم العتداء على الغير‬
‫وبين ما فعله بعض أتباعها في البعض الخر من قتل وسفك دماء واضطهاد‬
‫وتعذيب ‪،‬مما ترفضه المسيحية ول تقره مبادئها ‪ ،‬مشيرة إلى الضطهاد‬
‫والتعذيب والتنكيل والمذابح التي وقعت على المسيحيين الكاثوليك ‪ ،‬ل سيما‬
‫في عهد المبراطور دقلديانوس الذي تولى الحكم في عام ‪248‬م ‪ ،‬فكان في‬
‫عهده يتم تعذيب المسيحيين الرثوذكس في مصر بإلقائهم في النار أحياء‬
‫على الصليب حتى يهلكوا جوعا ‪ ،‬ثم تترك جثثهم لتأكلها الغربان ‪ ،‬أو كانوا‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوثقون في فروع الشجار ‪ ،‬بعد أن يتم تقريبها بآلت خاصة ثم تترك لتعود‬
‫لوضعها الطبيعي فتتمزق العضاء الجسدية للمسيحيين إربا إربا‪.‬‬
‫وقال بباوي‪ :‬إن أعداد المسيحيين الذين قتلوا بالتعذيب في عهد المبراطور‬
‫دقلديانوس يقدر بأكثر من مليون مسيحي إضافة إلى المغالة في الضرائب‬
‫التي كانت تفرض على كل شيء حتى على دفن الموتى ‪ ،‬لذلك قررت‬
‫الكنيسة القبطية الرثوذكسية في مصر اعتبار ذلك العهد عصر الشهداء ‪،‬‬
‫وأرخوا به التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي‪ .‬وأشار الباحث إلى‬
‫الحروب الدموية إلتي حدثت بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا ‪ ،‬وما‬
‫لقاه البروتستانت من العذاب والقتل والتشريد والحبس في غياهب السجون‬
‫إثر ظهور المذهب البروتستانتي على يد الراهب مارتن لوثر الذي ضاق ذرعا‬
‫بمتاجرة الكهنة بصكوك الغفران‪.‬‬
‫وهدفت الدراسة من رواء عرض هذا الصراع المسيحي إلى ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬عقد مقارنة بين هذا الضطهاد الديني الذي وقع على المسيحيين‬
‫الرثوذكس من قبل الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك وبين‬
‫التسامح الديني الذي حققته الدولة السلمية في مصر ‪ ،‬وحرية العقيدة‬
‫الدينية التي أقرها السلم لغير المسلمين وتركهم أحرارا ً في ممارسة‬
‫شعائرهم الدينية داخل كنائسهم ‪ ،‬وتطبيق شرائع ملتهم في الحوال‬
‫الشخصية ‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة ‪ } :‬ل إكراه في الدين {‪،‬‬
‫وتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير‬
‫المسلمين في الدولة السلمية إعمال للقاعدة السلمية لهم ما لنا وعليهم‬
‫ما علينا ‪ ،‬وهذا يثبت أن السلم لم ينتشر بالسيف والقوة لنه تم تخيير غير‬
‫المسلمين بين قبول السلم أو البقاء على دينهم مع دفع الجزية ) ضريبة‬
‫الدفاع منهم وحمايتهم وتمتعهم بالخدمات( ‪ ،‬فمن اختار البقاء على دينه فهو‬
‫حر ‪ ،‬وقد كان في قدرة الدولة السلمية أن تجبر المسيحيين على الدخول‬
‫في السلم بقوتها أو أن تقضي عليهم بالقتل إذا لم يدخلوا في السلم‬
‫قهرا ً ‪ ،‬ولكن الدولة السلمية لم تفعل ذلك تنفيذا ً لتعاليم السلم ومبادئه ‪،‬‬
‫فأين دعوى انتشار السلم بالسيف ؟‬
‫ثانيًا‪ :‬إثبات أن الجزية التي فرضت على غير المسلمين في الدولة السلمية‬
‫بموجب عقود المان التي وقعت معهم ‪ ،‬إنما هي ضريبة دفاع عنهم في‬
‫مقابل حمايتهم والدفاع عنهم في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم من أي‬
‫اعتداء خارجي ‪ ،‬لعفائهم من الشتراك في الجيش السلمي حتى ل يدخلوا‬
‫حربا ً يدافعون فيها عن دين ل يؤمنون به ‪ ،‬ومع ذلك فإذا اختار غير المسلم‬
‫أن ينضم إلى الجيش السلمي برضاه فإنه يعفى من دفع الجزية‪.‬‬
‫وتقول الدراسة‪ :‬إن الجزية كانت تأتي أيضا ً نظير التمتع بالخدمات العامة‬
‫التي تقدمها الدولة للمواطنين مسلمين وغير مسلمين ‪ ،‬والتي ينفق عليها‬
‫من أموال الزكاة التي يدفعها المسلمون بصفتها ركنا ً من أركان السلم ‪،‬‬
‫وهذه الجزية ل تمثل إل قدرا ضئيل متواضعا ً لو قورنت بالضرائب الباهظة‬
‫التي كانت تفرضها الدولة الرومانية على المسيحيين في مصر ‪ ،‬ول يعفى‬
‫منها أحد ‪ ،‬في حيث أن أكثر من ‪ %70‬من القباط الرثوذكس كانوا يعفون‬
‫صر والنساء والشيوخ‬ ‫ق ّ‬
‫من دفع هذه الجزية ‪ ،‬فقد كان يعفى من دفعها‪ :‬ال ُ‬
‫والعجزة وأصحاب المراض والرهبان‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬إثبات أن تجاوز بعض الولة المسلمين أو بعض الفراد أو بعض‬


‫الجماعات من المسلمين في معاملتهم لغير المسلمين إنما هي تصرفات‬
‫فردية شخصية ل تمت لتعاليم السلم بصلة ‪ ،‬ول علقة لها بمبادئ الدين‬
‫السلمي وأحكامه ‪ ،‬فإنصافا ً للحقيقة يعني أل ينسب هذا التجاوز للدين‬
‫السلمي ‪ ،‬وإنما ينسب إلى من تجاوز ‪ ،‬وهذا الضبط يتساوى مع رفض‬
‫المسيحية للتجاوزات التي حدثت من الدولة الرومانية ومن المسيحيين‬
‫الكاثوليك ضد المسيحيين الرثوذكس ‪ ،‬ويتساءل قائل ً ‪ :‬لماذا إذن يغمض‬
‫بعض المستشرقين عيونهم عن التجاوز الذي حدث في جانب المسيحية ول‬
‫يتحدثون عنه بينما يضخمون الذي حدث في جانب السلم‪،‬ويتحدثون عنه ؟؟‬
‫ولماذا الكيل بمكيلين ؟ والوزن بميزانين ؟!‬
‫وأكد الباحث أنه اعتمد في دراسته القرآن والسنة وما ورد عن السلف‬
‫الصالح من الخلفاء الراشدين – رضي الله عنه – لن في هذه المصادر وفي‬
‫سير هؤلء المسلمين الوائل الطار الصحيح الذي يظهر كيفية انتشار السلم‬
‫وكيفية معاملته لغير المسلمين‪.‬‬
‫مجلة الكوثر ‪ ،‬العدد ‪1424 ،47‬هـ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السلم والقليات‬
‫محمد السماك‬
‫تركت الخلفية التاريخية للوطن العربي الشديدة الغنى دينيا ً وحضاريًا‪،‬‬
‫بصماتها على شعوبه العربية وغير العربية‪| .‬فالموروث الديني أدى مع مرور‬
‫الزمن ليس فقط إلى التنوع الديني‪ ،‬إنما إلى تنوع في المذاهب داخل الدين‬
‫الواحد‪ .‬والموروث الحضاري أدى كذلك إلى قيام عصبيات أثنية وشعوبية‬
‫مرتبطة بهذا الموروث‪.‬‬
‫لعب السلم الدور الهم في تحقيق وحدة المة مع المحافظة على هذا‬
‫التنوع‪ .‬ولذلك فإن ضرب السلم هو المدخل إلى تفتيت المة وتمزيقها‪.‬‬
‫أ ـ البعد الديني‬
‫في الساس يرسم السلم خطين واضحين بين المسلمين وغير المسلمين‪.‬‬
‫وبين أهل الكتاب المشركين‪ .‬هناك تشريعات إسلمية خاصة بالمسلمين‪.‬‬
‫وهناك تشريعات تحدد علقة المسلمين وتعاملهم مع أهل الكتاب‪ .‬وهناك‬
‫تشريعات من نوع ثالث تتناول الكفار والمشركين‪.‬بالنسبة إلى أهل الكتاب‪،‬‬
‫لبد من إبراز ما يأتي‪:‬‬
‫‪1‬ـ إن السلم عقيدة سابقة لبعثة محمد )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬بدأ مع‬
‫إبراهيم واستمر مع موسى وعيسى بمحمد )صلوات الله عليهم جميعًا(‪.‬‬
‫‪2‬ـ إن الدين واحد والتشريعات مختلفة‪ .‬يقول أبو حنيفة‪ :‬إن رسل الله لم‬
‫يكونوا على أديان مختلفة‪ ،‬ولم يكن رسول منهم يأمر قومه بترك دين‬
‫الرسول الذي كان قبله لن دينهم كان واحدًا‪ .‬وكان كل رسول يدعو إلى‬
‫شريعة نفسه وينهى عن شريعة الرسول الذي قبله لن شرائعهم مختلفة‪.‬‬
‫وهذا يفسر قول الله تعالى‪) :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا‪)(...‬المائدة‪:‬‬
‫‪.(48‬‬
‫وقوله تعالى‪) :‬ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة()المائدة‪.(48:‬‬
‫إن الدين لم يبدل ولم يحول ولم يغير‪ .‬والشرائع قد غيرت وبدلت لنه رب‬
‫شيء قد كان حلل ً لناس قد حرمه الله عز وجل على آخرين‪ .‬في ضوء ذلك‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأى أبو حنيفة أن الدين واحد‪ ،‬وهو التوحيد‪ ،‬والشرائع مختلفة‪ .‬فإن اتفق‬
‫آخرون مع المسلمين في الصل فإن اختلفات الشرائع الجزئية أمر طبيعي‪،‬‬
‫وعلى الفقيه أن يفهم هذا المعنى الوحدوي للسلم المستوعب الذي يريد‬
‫جمع الناس‪ ،‬وتوحيد المجتمع في الداخل من مبدأ العتراف باختلف‬
‫الشرائع‪ ،‬أي إمكان وجود شريعة اجتماعية أخرى غير الشريعة السلمية‬
‫لفئات اجتماعية تعيش مع المسلمين في مجتمع واحد‪.‬‬
‫ً‬
‫‪3‬ـ ل يصح إسلم من ينكر أو من ل يعترف باليهودية والمسيحية‪ .‬طبعا هناك‬
‫وجهات نظر مختلفة حول قضايا التحريف والتأويل‪ .‬ولكن هذا موضوع آخر‪.‬‬
‫الساس هو العتراف واليمان بكل من موسى وعيسى وعليهما السلم وبأن‬
‫رسالتيهما الدينيتين وحي من الله‪.‬‬
‫‪4‬ـ إن التشريع السلمي المتعلق باليهود وبالمسيحيين لم يصدر مرة واحدة‪.‬‬
‫شأنه شأن كل سور القرآن الكريم وآياته‪ .‬نزل التشريع على فترات وكان‬
‫لنزوله أسباب )أسباب النزول( تتعلق بحوادث معينة‪ .‬في المرحلة المكية‬
‫تجدر الشارة إلى أن السلم كان ودودا ً مع المسيحيين ومع اليهود‪ .‬ذلك أنه‬
‫في تلك المرحلة كان المجتمع المكي يتألف من أهل الكتاب وكفار وكان من‬
‫الطبيعي أن يكون النبي مع أهل الكتاب ضد الكفار لسباب إيمانية وليس‬
‫لسباب تكتيكية كما ادعى بعض المستشرقين عن سوء نية‪ .‬وبالتالي كان‬
‫خطابه أقرب إليهم وإلى معتقداتهم‪.‬‬
‫وفي المرحلة المدنية )بدءا ً من عام ‪622‬م( اتخذ التشريع السلمي طابع بناء‬
‫الدولة عل قاعدة وحدة المة‪ ،‬هنا بدأ التباين بين المسلمين واليهود‪ ،‬فالذين‬
‫تنكروا للمسيح الذي ظهر بينهم ومنهم‪ ،‬لم يؤمنوا بمحمد الذي ظهر بين‬
‫العرب ومنهم‪.‬‬
‫تزامن هذا التباين مع سلسلة من الحملت العسكرية التي قام بها مشركو‬
‫مكة ضد السلم في المدينة لمنع قيام دولته‪ ،‬ولكي يتجنب الرسول )صلى‬
‫الله عليه وسلم( مواجهة على جبهتين‪ ،‬جبهة المشركين القادمين من الخارج‬
‫ـ من خارج المدينة ـ وجبهة اليهود داخل المجتمع السلمي ـ داخل المدينة ـ‬
‫عمد إلى عقد معاهدات مع اليهود لتحييدهم‪.‬‬
‫هذه المعاهدات أرست قاعدة العلقة بين المسلمين وأهل الكتاب‪ ،‬وتطورت‬
‫بعد ذلك وفقا ً لتطور الدولة السلمية في عهد الخلفاء الراشدين‪ .‬فقد ورد‬
‫في نظام المدينة أن "لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم إل من ظلم وأثم" وأن‬
‫المؤمنين من قريش والمؤمنين من يثرب ومن أنضم إليهم وقاتل معهم هم‬
‫أمة واحدة‪ .‬وأن اليهود يؤلفون أمة واحدة مع المؤمنين وأن "لمن تبعنا من‬
‫اليهود الحق في تلقي العون من المسلمين والمساعدة طالما أنهم لم يعملوا‬
‫ضدهم أو يقدموا العون لعدوهم"‪.‬‬
‫نكث اليهود العهد مع المسلمين‪ .‬أول ً في معركة بدر حيث أقاموا علقات‬
‫سرية مع كفار قريش‪ .‬ثم في معركة أحد )سنة ‪625‬م( فقد تحرك اليهود‬
‫ضد المسلمين عندما شعروا أن المسلمين على قاب قوسين أو أدنى من‬
‫الهزيمة‪ .‬رد ّ المسلمون بعد هزيمتهم في أحد بالسيطرة على المواقع‬
‫اليهودية تدريجيا ً إلى أن انتهى المر بالستيلء على واحة خيبر معقل اليهود‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تبع هذه التطورات إبرام عقود وإجراء مصالحات تحمل في مجموعها اسم‬
‫عقود الذمة‪ ،‬هذه العقود ممهورة بحديث شهير للنبي )صلى الله عليه وسلم(‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول فيه‪" :‬من آذى ذميا ً فقد آذاني"‪ ،‬وبحديث شهير آخر يقول فيه‪" :‬أل من‬
‫ظلم معاهدا ً أو كلفه فوق طاقته أو انتقصه أو أخذ منه شيئا ً بغير طيب نفسه‬
‫فأنا حجيجه يوم القيامة"‪ .‬وهذا إلزام لكل مسلم‪ ،‬وهو حق لكل مؤمن من‬
‫أهل الكتاب على كل مسلم‪.‬أرسى السلم قاعدتين للتمييز هما‪:‬التمييز‬
‫الديني‪ ،‬والتمييز المكاني‪.‬‬
‫يتعلق التمييز الديني أول ً بالمسلمين وغير المسلمين‪ .‬ويتعلق ثانيا ً باليهود‬
‫والنصارى وببقية المجموعات غير السلمية‪.‬‬
‫أما التمييز المكاني فيتعلق بالمناطق التي تخضع لحكام التشريع السلمي‪،‬‬
‫وهي "دار السلم"‪ ،‬وتلك التي تخضع لحكم أعداء السلم )أي دار الحرب‬
‫على السلم(‪ .‬في دار السلم يحتفظ اليهود كما يحتفظ النصارى بعقيدتهم‬
‫ويتمتعون بحماية الدولة السلمية لهم ولمعابدهم ولتشريعاتهم الدينية‬
‫الخاصة‪ ،‬هذا التمييز يعني وضع اليهود والنصارى في ذمة المسلمين )الذمة‬
‫مشتقة من فعل ذمم وليس من ذم(‪.‬‬
‫هنا لبد من التوقف أمام نقطة على درجة كبيرة من الهمية وهي التمييز بين‬
‫الذمة والمعاهدة‪ .‬فالمعاهدة أو العقد محكوم بزمان ومكان محددين‪.‬‬
‫أما الذمة فهي عقد أبدي دائم مبرم دون تحديد زمني لمفعوله‪ ،‬وعند موت‬
‫الموقعين تنتقل موجبات العقد إلى البناء "وهذا العقد ليس معاهدة بالمعنى‬
‫الصحيح ولكنه رابطة ل تنعقد بين دولتين بل بين دولة من جهة ورؤساء‬
‫مجموعة شعبية من الكتابيين من جهة أخرى‪ .‬وهذه الرابطة تنشئ واجبات‬
‫ليس فقط تجاه الدولة السلمية ولكن تجاه كل مسلم على حدة وكل ذمي‬
‫أو كتابي‪ ،‬من هنا يتضح أن لها مفعول القانون لنه عندما يخالفها الذمي‬
‫يتحمل وحده نتيجة المخالفة وليس طائفته كلها"‪.‬‬
‫إن أسوأ ما يمكن أن يصل إليه سوء العلقة بين غير المسلم والحكم‬
‫السلمي هو الخيانة أو التمرد‪.‬‬
‫في الحالة الولى‪ :‬أي الخيانة والتجسس لمصلحة العدو‪ ،‬فإن حكم السلم‬
‫في الذمي الخائن هو الحكم نفسه في المسلم الخائن‪ ،‬أي القتل )العقوبة‬
‫غير محددة في القرآن الكريم‪ ،‬ولكن قياسا ً على سنة النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم(( إن فعل الخيانة من غير المسلم يعتبر خروجا ً على عهد الذمة‪ ،‬وفعل‬
‫الخيانة من المسلم يعتبر خروجا ً عن السلم‪.‬‬
‫وفي الحالة الثانية‪ :‬أي التمرد‪ ،‬فإن حكم السلم في تمرد غير المسلم هو أن‬
‫التمرد ل ينهي عقد الذمة‪ .‬بل إنه جريمة بحق الدولة يعاقب عليها الذمي‬
‫بمثل ما يعاقب عليها المسلم‪ .‬أي أن التمرد يعتبر احتجاجا ً على حالة سياسية‬
‫أو اقتصادية أو اجتماعية‪ ،‬وليس عدوانا ً ضد المجموعة السلمية‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وهي قضية العلقة بين‬ ‫هناك قضية أسيء فهمها وأسيء استغللها طوي ً‬
‫الجزية وحرية المعتقد‪ .‬لقد مرت عهود )الحاكم بأمر الله الفاطمي ‪ 996‬ـ‬
‫‪ (1021‬كان فيها بعض أهل الكتاب يكرهون على اعتناق السلم خلفا ً لما‬
‫تنص عليه الشريعة السلمية من أنه ل إكراه في الدين‪ .‬وهذا التعسف كان‬
‫متناقضا ً للسلم‪ ،‬وبالتالي فإنه ل يشكل عنوانا ً مشرفا ً فيسجل على الذين‬
‫قاموا به‪.‬‬
‫كذلك مرت عهود أخرى كان فيها بعض أهل الكتاب يحملون على عدم اعتناق‬
‫السلم خوفا ً من تضاؤل عائدات الجزية‪.‬‬
‫فالضرائب التي كان يدفعها أهل الذمة أصبحت بعد الفتح ضرورة حيوية لبيت‬
‫المال وصار كل نقص يصيب مجموع الضرائب خطرا ً تهدد نتائجه استمرارية‬
‫السلطة وقوة الجيش في نظر الحكام‪ .‬ومن هنا كان أي نقص في عدد أهل‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذمة ـ سواء تم ذلك بسبب الهجرة أو التحول إلى السلم عن طريق‬


‫الكراه ـ يؤلف بالنسبة إلى خزينة الدول كارثة مالية تهدد الدولة بإفلس ل‬
‫يمكن تلفيه‪.‬‬
‫إن تطبيق مبدأ حرية المعتقد الذي اعتمد منذ بداية الدعوة يبدو شديد‬
‫الفعالية في هذا المجال لنه يمنع كل أنواع الكراه ل سيما التحول إلى‬
‫السلم تحت ضغط العنف والقوة‪ .‬هذه الضمانة المدعومة بكلم الله عز‬
‫وجل سوف يلجأ إليها المسؤولون السياسيون من أجل الستجابة لحاجات‬
‫الدولة‪ .‬وكل تقليص أو إلغاء لمفعولها سيكون من شأنه الضرار بمصالح‬
‫الخزينة لنه يؤدي إلى إنقاص أو إزالة موردها الساسي‪.‬‬
‫وبين هاتين الظاهرتين الستثنائيتين لبد من تثبيت القاعدة‪ ،‬وهي تتمثل في‬
‫تعاليم الخليفة علي بن أبي طالب لعامله في بزرج سابور‪:‬‬
‫"ل تضربن رجل ً سوطا ً في جباية درهم‪ ،‬ول تبيعن لهم رزقا‪ ،‬ول كسوة شتاء‬
‫ً‬
‫ول صيف ول دابة يعتملون عليها ول تقيمن رجل ً قائما ً في طلب درهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أمير المؤمنين إذا ً أرجع إليك كما ذهبت من عندك! قال‪ :‬وإن‬
‫رجعت كما ذهبت ويحك إنا أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل"‪.‬‬
‫وهذه القاعدة ل تتناقض مع ما ورد في سورة التوبة ـ الية ‪) :29‬قاتلوا الذين‬
‫ل يؤمنون ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون دين‬
‫الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ذلك أن النص هنا يتناول الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر‪ ...‬الخ من أهل‬
‫الكتاب والذين يعيشون في دولة إسلمية‪ .‬أما الذين يؤمنون باليوم الخر أي‬
‫الذين ل يناهضون العقيدة السلمية في المجتمع السلمي‪ ...‬الخ فإنهم‬
‫يسددونها على أساس القاعدة التي أوضحها الخليفة علي بن أبي طالب كّرم‬
‫الله وجهه‪.‬‬
‫أجمع الفقهاء على أن من واجب القابض على زمام السلطة أن يقوم بفرض‬
‫الجزية على أتباع الديانات السماوية المنزلة من غير المسلمين‪ .‬وهؤلء‬
‫يحصلون بالمقابل على حماية المسلمين لنفسهم وأموالهم‪.‬‬
‫وقد تبوأ أهل الكتاب في الدولة السلمية مراكز قيادية أساسية في السلطة‬
‫باستثناء القضاء )لن القضاء في الدولة السلمية قضاء شرعي ل يمكن أن‬
‫يتوله من ل يؤمن به(‪ .‬وباستثناء الرئاسة الولى أو الخلفة )لن الخليفة‬
‫والرئيس هو إمام المسلمين‪ ،‬ول يمكن أن يؤم المسلمين من ل يؤمن‬
‫بالسلم(‪ .‬ولعل من أكثر ما يشد النتباه هو أنه حتى خلل الحروب الصليبية‬
‫لم يكن أمين المال عند صلح الدين اليوبي مسلمًا‪ ،‬بل كان من أهل الكتاب‪.‬‬
‫ب ـ البعد الثني‬
‫في الساس هناك قاعدة إسلمية ثابتة تقوم عليها الوحدة السلمية‪ .‬تتمثل‬
‫هذه القاعدة في قوله تعالى في سورة الحجرات‪ ،‬الية ‪) 10‬إنما المؤمنون‬
‫إخوة(‪ .‬ومن شأن التأكيد على هذه القاعدة الشرعية لتساوي المؤمنين ضمن‬
‫وحدة السلم الدينية والجتماعية‪ ،‬صهر أشد الشعوب اختلفا ً في العرق‬
‫واللون في أمة واحدة‪ .‬ولقد كان هذا التوكيد من العوامل الرئيسة التي‬
‫ضمنت اتساع المبراطورية السلمية اتساعا ً عجيبًا‪ ،‬وصانت قوتها والتحامها‬
‫على مر القرون‪ .‬ولما ضعف روح التكامل الخلقي في السلم كان الفوز‬
‫للنزاع الشعوبي وكان فوزا ً على حساب سلطان السلم‪ .‬فتجزأت الدولة وتم‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النصر لعداء السلم‪.‬‬


‫ول غرو فإن انحطاط السلطة الزمنية في الدول التي نشأت عن إمبراطورية‬
‫السلم‪ ،‬وما حدث من صولت التوسع والستعمار الوروبي أنعش شعور‬
‫التكافل السلمي‪ ،‬فتجلت جميع مناحي التجديد التي ظهرت في أوائل القرن‬
‫التاسع عشر في الشرق الدنى والوسط بروح إسلمية‪.‬‬
‫إل أن الستعمار استطاع تحت مظلة مبدأ القومية الذي أعلنته فرنسا في‬
‫أواخر القرن الثامن عشر وأد هذا التجديد‪ ،‬حتى أنه ليبدو اليوم مجرد أثر بعد‬
‫عين‪ .‬إن السلم يتوفر على الجامع التوحيدي المشترك بين كل الثنيات‬
‫السلمية والطوائف غير السلمية للسباب الساسية التية‪:‬‬
‫لـ إن السلم مبني على رفض العنصرية بدليل قوله تعالى في سورة‬ ‫أو ً‬
‫الحجرات‪ ،‬الية ‪) :13‬يا أيها الناس إّنا خلقناكم م ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً‬
‫وقبائل لتعارفوا‪ ،‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم(‪.‬‬
‫ثانيًاـ السلم مبني على المساواة بين الشعوب المتنوعة وفي ذلك يقول‬
‫النبي محمد )صلى الله عليه وسلم(‪) :‬ل فضل لعربي على عجمي إل‬
‫بالتقوى(‪ .‬وهذا ينقض فكرة شعب الله المختار وهي أكثر أفكار التعصب‬
‫والتميز العنصري حقدا ً وكراهية لبقية الشعوب النسانية‪.‬‬
‫لقد عبر السلم حدود العروبة إلى أرض حضارات جديدة‪ ،‬وأصبح العرب‬
‫بعض السلم‪ ،‬بعد أن كان السلم بعض العرب‪ .‬وانتشرت العربية مع السلم‬
‫والقرآن‪ ،‬وكان العرب أول من حمل أمانة السلم إيمانا ً ونشرا ً وجهادًا‪.‬‬
‫والقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين على رسول عربي في أم القرى‬
‫العربية ودار الهجرة وما حولهما‪ .‬ومن هنا كان الرباط الوثيق والمقدس بين‬
‫العروبة والسلم والقرآن‪ ..‬إن اختيار الزمان والمكان والرسول واللسان‬
‫أمور تتعلق في السلم بإرادة الله‪ ،‬ل بإرادة البشر‪ ،‬والسلم كما هو كرامة‬
‫وتكريم فهو مسؤولية وعطاء‪ .‬والنتساب إلى أمة السلم تحكمه ثلثة أركان‬
‫تجمعها الية الكريمة‪) :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬تأمرون بالمعروف‬
‫وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله‪)(...‬آل عمران‪ (110:‬والكرامة في السلم‬
‫بالتقوى‪ ،‬والتقوى عقيدة وعمل‪.‬‬
‫وبالفهم السمح لختلف اللسنة واللوان والبيئات والقدرات‪ ،‬وتغير المكان‬
‫وتعاقب الزمان ومتغيرات الحياة‪ ،‬خرج السلم من الجزيرة العربية إلى‬
‫العالم‪ ،‬أو هكذا ينبغي أن يكون‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪ :‬موقع السلم في صراع الحضارات‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫السلم والتحديث‬
‫د‪ .‬غازي صلح الدين العتباني*‬
‫التحديث‪ :‬وصفه‪ ،‬تداعياته وآثاره‬
‫أول ما يواجه المرء من صعوبة في هذا الموضوع هو المصطلح‪ .‬إذ يتردد‬
‫المرء بين استخدام لفظة "التحديث" أو لفظة "الحداثة"‪ .‬والفضل في‬
‫نظري استخدام لفظة "التحديث" لن زنة التفعيل تفيد فعل ً نشطا ً ومتجددا ً‬
‫وقاصدًا‪ .‬وما نحن بصدده يتعلق بالفعل الهادف الذي يحركه المجتمع أو على‬
‫القل تحركه الطليعة التي تقود المجتمع الناهض‪ .‬وبرغم ذلك يبقى مجال‬
‫لستخدام لفظة "الحداثة" لوصف مجمل الظواهر الخارجية التي تتولد من‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عملية التحديث‪ ،‬دون أن يعني ذلك بالضرورة التجاهات والتفاعلت الداخلية‬


‫التي هي جوهر عملية التحديث‪.‬‬
‫وإذ يصعب التفاق الفيصل على تعريف دقيق للتحديث‪ ،‬يبدو أنه ل مهرب من‬
‫ل بالمضمون‪ .‬وقد‬ ‫شيء من التعقيد عند محاولة وصفه باختصار ربما أخ ّ‬
‫نقترب كثيرا ً من وصف التحديث إذا قلنا إنه "اضطراد تكيف المؤسسات‬
‫المصاحب لتشكل وظائف الحياة المتغيرة باستمرار مع تنامي المعرفة‪ .‬تلك‬
‫المعرفة التي ترافق التقدم العلمي والتقني والتي تجدد تحديات الحياة وتعيد‬
‫تعريف علقة النسان بمحيطه الطبيعي"‪ .‬والمؤسسات المذكورة في بداية‬
‫العبارة تشمل المفاهيم‪ ،‬والمناهج‪ ،‬والشخصيات المعنوية كالتنظيمات‪،‬‬
‫ومؤسسات الدولة والمجتمع‪.‬‬
‫إذن فدالة التحديث هي تنامي المعرفة التي تعيد تشكيل مفاهيم النسان‬
‫وتحدياته باستمرار‪ .‬والتحديث بذلك ليس ظاهرة طارئة‪ ،‬بل هو ظاهرة‬
‫متجددة في التاريخ ارتبطت ارتباطا ً وثيقا ً بالحضارة الغالبة‪ ،‬في حقبة ما‪،‬‬
‫بسلطانها المادي أو المعنوي أو بكليهما‪ .‬ولربما اتسع وقع جوهر الحضارة‬
‫على عملية التحديث‪ ،‬أو ضاق‪ ،‬تبعا ً لمدى نفوذ تلك الحضارة واتساع رقعتها‪.‬‬
‫فالحضارات الصينية و الهندوسية باعتبارهما حضارتان إقليميتان قادتا‬
‫التحديث في رقعة أضيق من التي نفذت إليها الحضارة السلمية أو‬
‫الرومانية‪.‬‬
‫من الطبيعي إذن أن نجد أقوى مظاهر التعبير عن التحديث المعاصر في‬
‫الغرب‪ .‬وهذه هي الحقيقة التي تمثل عقدة مفتاحية للعقل المسلم عند‬
‫تعامله مع مسألة التحديث‪ ،‬ومن الواجب وضعها في أبعادها الصحيحة عند‬
‫تناول القضية بصورة موضوعية‪.‬‬
‫لقد وّلد التحديث المعاصر في الغرب مفاهيم وأنماطا ونظما ما تنفك تتجدد‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وتتطور بوقع العلم والتكنولوجيا‪ .‬تمتد تلك النماط من الحيز الشخصي‬
‫للنسان‪ ،‬إلى أسرته الصغيرة‪ ،‬إلى مجتمعه الواسع‪ ،‬إلى الدولة‪ ،‬إلى العالم‬
‫بأسره‪ ،‬بل إنها أخذت تتعدى شيئا ً فشيئا ً إلى بدايات الكون المحيط‪ .‬ولقد‬
‫أوجد ذلك حقائق وسنن جديدة في خاصة حياة المرء‪ ،‬وفي علقاته بالفراد‬
‫المحيطين به‪ ،‬وفي علقات الجماعات فيما بينها داخل القطر الواحد أو ما‬
‫وراء القطار‪ ،‬وفيما بين المجتمعات والدول‪ ،‬وفي علقة النسان ببيئته‪.‬‬
‫بهذا التولد والتجدد الذي يمضي بصورة متسارعة‪ ،‬أخذت تتهاوى الحقيقة‬
‫المطلقة أو الثابتة كما أخذت تتبدل المعايير والثوابت فصارت النسبوية منهجا ً‬
‫في النظر والحكم على الشياء والمسائل‪) .‬النسبية هى حالة واحدة‪،‬‬
‫والنسبوية هي النظرية أو السّنة أو المنهج العقلي أو القاعدة المضطردة‬
‫التي تمضي عليها الحوال(‪ .‬وبذلك بدا أنه ل يوجد حق واحد‪ ،‬بل الحق متنوع‪،‬‬
‫وكل سؤال له إجابات متعددة بل تناه‪ .‬وعلى صعيد المعرفة والعلم لم يعد‬
‫هناك مبدأ نهائي واحد متفق عليه‪ ،‬كما أنه على صعيد المجتمع ل يوجد نموذج‬
‫واحد للشياء‪ ،‬وعلى صعيد النظم ل يوجد مثال واحد‪.‬‬
‫هذا المنهج المتصاعد أخذ يعيد صياغة العلقة الرابطة بين التاريخ والمستقبل‪،‬‬
‫فلم يعد التاريخ مؤثرا ً في المستقبل كما كان‪ ،‬أي لم تعد للتاريخ قدسيته‬
‫التقليدية في إلهام الفرد والجماعة‪ ،‬ولم تعد مقاييسه وأنماطه هي الحاكمة‪،‬‬
‫فخرج بذلك شيئا ً فشيئا ً من أن يكون معيارا ً للحق أو الباطل‪ .‬وبدوره أدى‬
‫تضخم فكرة المستقبل وحضوره على حساب التاريخ في العقلية المعاصرة‬
‫مق النسبوية‪ ،‬فالمستقبل الن أصبح مليئا ً بالحتمالت والخيارات‬ ‫إلى تع ّ‬
‫المتنوعة التي ل يمكن مضاهاة القوالب التاريخية الجامدة بها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد صاحب هذا التحول الهام في مسيرة النسانية ما سمي بحركة الصلح‬
‫الديني المسيحي في بداية القرن السادس عشر الميلدي ونشوء الفقه‬
‫الحتجاجي )البروتستنتينية( المتمرد على المفاهيم الكاثوليكية وطقوسها‪ .‬لقد‬
‫ساهمت الحركة الحتجاجية في ترسيخ كثير من المفاهيم الحاكمة في‬
‫الثقافة العالمية الشائعة اليوم‪ .‬وليس مستنكرا ً الزعم بأن معايير الحداثة‬
‫الغالبة في هذا العصر إنما يمكن ردها إلى التعاليم الحتجاجية تحديدا ً وليس‬
‫إلى المفاهيم المسيحية بصفة عامة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن غلبة المفهوم الحتجاجي قادت إلى فردنة التدين على صعيدي العقيدة‬
‫والممارسة‪ ،‬وإلى إلغاء الهرمية الدينية بكل قيودها المفهومية والجرائية‪،‬‬
‫وبذلك أطلقت طاقات الفراد والجماعات في البداع النساني والبتداع‬
‫الديني‪ .‬وهذا أوجد بدوره واقعا جديدا ً يتسم بل معيارية التدين ول معيارية‬
‫الخلق‪ .‬ومن هنا بدأت حركة علمنة الحياة بخروج التدين التقليدي من نطاق‬
‫اللتزام الشعائري فالعقدي‪ ،‬ثم من نطاق الوعي بالجملة‪.‬‬
‫هذه هي المفاهيم والخلفيات الحقيقية للتحديث في التجربة الغربية‪ .‬ولذلك‬
‫ينبغي التفريق بين مظاهر الحداثة ومضامينها‪ ،‬وبين التمدين والتحديث‪ .‬إن‬
‫التمدين‪ ،‬بمعنى القتناء السطحي لدوات الحداثة‪ ،‬قد يمثل في حقيقته اتجاها ً‬
‫خفيا ً لمقاومة التحديث‪ .‬نرى ذلك في كثير من البلدان النامية‪ :‬نراه في حركة‬
‫العمران النشطة‪ ،‬دون اقتفاء لمعايير الثقافة الوطنية المعبرة عن وجدان‬
‫المجتمع؛ وفي بناء الجامعات الفخمة حديثة المظهر‪ ،‬دون استيعاب جاد‬
‫للمفاهيم العميقة للحركة العلمية؛ وفي اتخاذ المصانع والمعامل ذات البهة‪،‬‬
‫دون اكتساب فعلي لتقاليد النهضة التقنية وسلوكيات العمل والنتاج؛ وفي‬
‫إنشاء الجيوش المجهزة بكل أداة قتل فاعلة‪ ،‬دون حماية حقيقية للوطان أو‬
‫نصرة لقضايا المة‪ .‬بل إن كل تلك الدوات ربما استخدمت لقمع أي عملية‬
‫تحديث حقيقية‪ .‬وههنا مفرق هام بين التحديث والتغريب لن التحديث‬
‫ّ‬
‫الظاهري من غير مضمون هو أقرب طريق للتغريب السطحي وهو علة أكبر‬
‫من التغريب الجوهري‪.‬‬
‫تاريخ المسلمين في التحديث ومفهوم المستقبل والتطور الزمني لديهم‬
‫لقد عايش المسلمون في تاريخهم مع التحديث معطيات مختلفة عن تلك‬
‫ل‪ ،‬هم لم يجدوا عائقا ً عقديا ً أو‬
‫التي لزمت التجربة المسيحية الغربية‪ .‬أو ً‬
‫شعائريا ً في التعاطي مع مفهومات العلم ومنتجات التقانة‪ .‬تتضح تلك الحقيقة‬
‫عند مقارنة كسب المسلمين في مجال العلوم بالصدام الذي جرى بين تصور‬
‫الكنيسة لنشأة الكون وبين الحقائق العلمية التي استجدت في بدايات القرن‬
‫السادس عشر‪ .‬لقد أودى ذلك الصدام بحياة بعض كبار العلماء الغربيين‬
‫وساهم في وضع بذور الثورة على الكنيسة‪ .‬من ناحية ثانية‪ ،‬فإن المسلمين‬
‫لم يشهدوا شيئا ً كالحركة الحتجاجية التي ظهرت في مسيرة المسيحية‬
‫الغربية بكل الثار الواسعة لتلك الحركة على الفكر والحياة‪ .‬بل هم لم‬
‫يعالجوا أو يعاينوا الثار الفكرية والتطبيقية للحركة الحتجاجية إل من خلل‬
‫تعاملهم في القرون اللحقة مع الستعمار الستيطاني فالتحديات الفكرية‬
‫التي خلفها‪.‬‬
‫لقد تجلت مرونة المسلمين في اقتباس منتجات التقانة بصفة خاصة في‬
‫العهود الولى للسلم‪ .‬إن الدارس المدقق لمسلك المسلمين في اقتباس‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أدوات الحضارة والتقانة ابتداًء من أواخر العهد النبوي ليعجب للنتائج التي‬
‫م المسلمين في قرنهم الول نشر السلم في وجه‬ ‫يتوصل إليها‪ .‬لقد كان ه ّ‬
‫مقاومة قريش وبقية العرب الذين لم يسلموا ولم يسالموا‪ ،‬ثم في وجه‬
‫الحضارتين الفارسية والرومانية‪ .‬لذلك غلب الطابع العسكري على اقتباسات‬
‫المسلمين التقنية الولى‪ .‬يمكن ملحظة ذلك إذا قارنا التقنيات العسكرية‬
‫المستخدمة في معركة بدر بتلك المستخدمة في حصار الطائف في المعركة‬
‫مع ثقيف‪ .‬ثم اضطرد ذلك النسق في كل معارك المسلمين التالية حتى فتح‬
‫الندلس في عام ‪93‬هجرية‪ ،‬حين تميز القواد السياسيون والعسكريون في‬
‫التلقي اليجابي لمنتجات التجربة النسانية في التقانة العسكرية‪ ،‬وحتى‬
‫للساليب المعاصرة لتنظيم المجتمع مثل إنشاء الدواوين‪ .‬وكل ذلك قد‬
‫ضرب بسهم وافر في النجاح المدهش الذي ميز صعود الحضارة السلمية‪.‬‬
‫ولقد استمر هذا النهج في القرنين التاليين‪ ،‬لكنه تميز بعد ذلك برغبة أقوى‬
‫في اقتباس علوم النسانية الخرى وتجاربها‪ .‬فنشأت‪ ،‬نتيجة لذلك‪ ،‬حركة‬
‫نشطة للترجمة خاصة في عهد الخليفة المأمون ومن تله‪ .‬ولما بردت في‬
‫تلك الحقبة النزعة إلى الفتوح بصورتها الولى‪ ،‬تحول الهتمام إلى علوم‬
‫النسانية في الدب والحكمة والتقانة المتعلقة بشئون الحياة العامة‪ .‬ثم بعد‬
‫ذلك تجاوزت المجتمعات السلمية مرحلة التلقي السالب للعلوم إلى مرحلة‬
‫ور للحركة العلمية وما يستتبعها من التحديث‪.‬‬ ‫المفاعل الحي النشط المط ّ‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬في تلك الفترة طفق المسلمون يقودون حركة التحديث في‬
‫العالم وفق ثقافتهم هم وتصورهم للشياء وحاجاتهم‪ ،‬تماما ً كما تقودها‬
‫الحضارة الغربية اليوم وفق تصورها وثقافتها وحاجاتها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بمقابل هذا التعاطي الطلق مع التحديث في التاريخ العملي للمسلمين الول‪،‬‬


‫نشأت فيما بعد نزعة سالبة ومقيدة أبطأت بمقدرات الستجابة المرنة عند‬
‫المسلمين للتطور‪ .‬ويمكن إرجاع تلك النزعة إلى المفهوم حول المستقبل‬
‫والتطور الزمني بصفة عامة‪ ،‬ذلك المفهوم الذي تراكم وتقوى عبر العصور‬
‫والذي يمكن استقصاء أصوله عند اتجاهات التنسك واعتزال الحياة العامة‬
‫الذي بدرت ملمحه بعد عهد الصحابة‪ .‬وقد ساهم في ذلك التعامل الجزئي أو‬
‫النتقائي مع الحاديث التي تصف مجيئ الفتن وتسارع الخطو نحو آخر‬
‫الزمان‪ ،‬خاصة وقد ركن بعض الناس إلىتصور المستقبل وفق تفسير انتقائي‬
‫سالب لما وجدوه من نصوص ذخرت بها كتب الحديث التي صدرت في‬
‫القرون التالية‪ .‬هكذا أصبحت واردات المستقبل وتطورات الزمان باللزوم‬
‫شرا ً وفتنة تدني البشرية من النهاية‪ .‬وربما كان العامل الهم في غلبة هذه‬
‫الذهنية هو الحباط الذي أصاب المسلمين جراء الفتن السياسية التي عاينوها‬
‫كفاحا ً فضل ً عن التي تنتظرهم في آخر الزمان‪ .‬وبهذا أصبح آخر الزمان‬
‫مفهوما ً ممتدا ً يبدأ من اللحظة الراهنة ويمضي إلى قيام الساعة‪ ،‬وما بين‬
‫الموضعين ل خير ينتظر‪.‬‬
‫ولن يجد الدارس المدقق في عهد النبي )عليه الصلة والسلم( والصحابة‬
‫من بعده شبيها ً بالجدل الذي أثارته أحاديث الفتن وآخر الزمان أو مثيل ً‬
‫للذهنية السالبة التي تكونت في العهود التالية‪ .‬ولشك أن المقارنة تبرز في‬
‫العهد الول مجتمعا ً واثقا ً من نفسه‪ ،‬مستيقنا ً من مستقبله‪ ،‬مفعما ً بواجبات‬
‫الدعوة‪ ،‬ينطلق أفراده بثقة وطلقة يستنجزون بها وعود المستقبل التي‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بشرهم بها الرسول‪ ،‬عليه الصلة والسلم‪ ،‬يبلغون بعزمهم من الرض ما بلغ‬
‫الليل والنهار‪ ،‬بمقابل مجتمع محبط‪ ،‬فاقد لثقته في نفسه شاك في مستقبله‬
‫بعد أن بدأ انحدار المجتمعات السلمية في عهود المتأخرين‪ .‬ولقد بلغت‬
‫السلبية مبلغا ً دفع الجبريين إلى القبول المذعن لكل آفة تصيب النسان‪ ،‬بل‬
‫وإلى تبريرها‪ .‬فقبلوا طغيان الحكام وسّلموا لتحول الخلفة إلى جبرية‬
‫واعتبروه أمرا ً طبيعيا ً ينبغي قبوله لنه يتسق مع تردي أحوال الناس بتقدم‬
‫الزمان‪.‬‬
‫ومن المفارقة أنه في الوقت الذي تخلصت فيه العقلية المسيحية الغربية من‬
‫النظرة السالبة إلى المستقبل ومستجداته فيما بعد‪ ،‬وقعت العقلية السلمية‬
‫في شرك الشك واليأس من المستقبل ووارداته‪ .‬ووجه المفارقة هو أنه إذا‬
‫وجد في نصوص المسيحية ونظرتها إلى الكون والخلق وتجربتها العملية ما‬
‫يسند مثل تلك العقلية‪ ،‬فإنه ل يوجد ل في النصوص السلمية ول في تجربة‬
‫السلم العملية في عهوده الولى ما يبرر ذلك لمن أوتي الفهم الصحيح‪.‬‬
‫إن تطور هذه النظرة السالبة إلى الزمن والمستقبل قد وضعت التحديث في‬
‫موضع الشك ابتداًء‪ ،‬كأنما فهم أن التحديث بتحولته المتسارعة إنما هو‬
‫استدعاًء مبكر للمستقبل و لخاتمة آخر الزمان‪.‬‬
‫وقد أخطأ بعض المسلمين الذين أرادوا معالجة هذه العلة فاستنتجوا أنه ل بد‬
‫للسلم‪ ،‬كيما ينصلح المر‪ ،‬من ثورة كالتي أحدثتها المسيحية الحتجاجية‬
‫وصول ً إلى العلمانية المعاصرة‪ .‬وفي الحقيقة أنه ل مبرر مطلقا ً لن يمضي‬
‫المسلمون في تجربة مشابهة‪ ،‬لن بعض الستدراكات الموجبة التي أحدثتها‬
‫الحركة الحتجاجية‪ ،‬أو حتى العلمانية المعاصرة‪ ،‬في العقلية المسيحية‬
‫ً‬
‫الغربية‪ ،‬هي من صميم الفهم السلمي‪ .‬فالمسلمون ل يجدون نصوصا في‬
‫كتابهم تصطدم بمفهومات العلم‪ ،‬وهم يؤمنون أصل ً بخصوصية العلقة بين‬
‫العبد وربه‪ ،‬ل بمفهوم فردنة التدين واعتباطية العلقة بين المخلوق والخالق‬
‫ولكن بمفهوم خصوصية التكليف والمسئولية وانتفاء الوكالة والنيابة بين‬
‫النسان والله‪ .‬وهم يرفضون لهوتية الحاكم بمعنى اعتصامه بتفويض إلهي‬
‫يترفع به عن المسئولية أمام البشر‪ .‬ومثل هذا كثير مما يتوافق فيه السلم‬
‫الصحيح مع بعض إصلحات الحركة الحتجاجية التي ثارت على جمود‬
‫المفاهيم الكاثوليكية السائدة‪.‬‬
‫تحديث أم تغريب أم أمركة؟‬
‫كما أوضحنا من قبل فإن الحضارة الغالبة هي التي عادة ما تملي معايير‬
‫التحديث وفق مقاييسها الذوقية التي ترتبط ارتباطا ً وثيقا ً بمعتقداتها وأساليبها‬
‫في المعاش‪ .‬لذلك فإن ما ينفر المسلمين من التحديث المعاصر هو اختلطه‬
‫النفسي والمفهومي مع فكرة التغريب‪ .‬بالطبع فإن البعض من المسلمين ل‬
‫يجد حرجا ً في قبول التغريب‪ ،‬بل ربما كان يدعو إليه صراحة‪ .‬لكن هؤلء في‬
‫قلة وأولئك الذين يأبونه في كثرة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومن اللفت الجدير بالنظر‪ ،‬المعزي للمسلم المعاصر‪ ،‬أن الجدل حول‬
‫التحديث يدور الن بذات الحيوية في بعض المجتمعات الغربية مثلما يدور في‬
‫المجتمعات السلمية‪ .‬بعض منطلقات هذا الجدل في الغرب منشؤها‬
‫الموقف الديني والثقافي من التحديث‪ ،‬على طابع جدل المسلمين‪ .‬والبعض‬
‫الخر منشؤه النزعة إلى حماية التراث الوطني إزاء ما يرونه أمركة لساليب‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحياة وأذواق الناس‪ .‬وينبغي النتباه إلى أن كراهة التحديث في هذه الحالة‬
‫ل تقتصر على الرغبة المحضة في حماية التراث إنما تتعداه إلى خوف مبطن‬
‫مما تستتبعه المركة من التهميش الثقافي الذي يجلب معه فقدان السواق‬
‫والضمور القتصادي والنحسار من الساحة القتصادية العالمية‪ .‬لقد أدركت‬
‫الدول من التجارب التاريخية‪ ،‬والتجربة الستعمارية على وجه الخصوص‪ ،‬أن‬
‫غلبة الذوق المستمد من حضارة بعينها هو خير ضمان لزدهار منتجات تلك‬
‫الحضارة على مساحة الرقعة التي يمتد نفوذها فيها‪ .‬وهكذا دخل جدل‬
‫التحديث ساحة المنافسة السياسية والصراع حول مفاهيم النظام الدولي‬
‫وتكويناته‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬فالتحديث لم يعد قضية خاصة بمجتمعات المسلمين‪ ،‬إنما أصبح قضية‬
‫تشغل الحضارة العالمية التي ما تنفك تشتبك قضاياها وتتداخل همومها‪ .‬وهذا‬
‫من العوامل اليجابية التي ينبغي تسخيرها في تشكيل العلقة مع مجتمعات‬
‫غير المسلمين وأصحاب الحضارات الخرى لنها توفر سانحة لمساهمة‬
‫متميزة في الجدل الدائر يقدمها المسلمون باسم دينهم وحضارتهم‪.‬‬
‫المسلمون والموقف من التحديث المعاصر‬
‫إذا عدنا إلى وصف التحديث الذي أوردناه في بداية الورقة سنجده مختصرا ً‬
‫في التكيف الموجب مع واردات العلم والمعرفة بما يخدم مصلحة النسان‪.‬‬
‫وهذا الوصف ينطبق انطباقا ً على مفهوم الصلح العام الذي هو مقصد ل‬
‫خلف عليه من مقاصد السلم والرسالت التي سبقته‪ ،‬وكما قيل "حيثما‬
‫م شرع الله"‪ .‬والنصوص التي تحض على العلم والقراءة‬ ‫كانت مصلحة‪ ،‬فث ّ‬
‫والتزيد من المعرفة تسعف القارئ للقرآن والسنة كما ل تسعف القارئ لي‬
‫نص رسالي آخر‪ .‬لكن برغم هذه الحقيقة فقد ظلت وستظل عقلية اليأس‬
‫من المستقبل لدى المسلمين سببا ً قويا ً في تعويق التعامل الموجب مع‬
‫التحديث‪ ،‬وهو ما يوجب معالجة بعض المفاهيم الخاطئة لديهم حول‬
‫المستقبل والتطور الزمني‪.‬‬
‫إن اليمان بالساعة شرط ضروري من شروط اليمان‪ ،‬والحاديث واضحة‬
‫في أن اللحظة التي تقوم فيها الساعة هي أسوأ لحظات البشرية‪ ،‬وأن الذين‬
‫تقوم عليهم الساعة هم شرار الناس‪ .‬وبرغم ذلك ينبغي أن يتقيد الفهم هنا‬
‫بحقيقتين‪:‬‬
‫الحقيقة الولى هي أن الوصاف الواردة في وصف آخر الزمان ل تستوجب‬
‫اعتباره حالة مستمرة بغير انقطاع ومتصاعدة بغير انخفاض‪ .‬إنه مرتبط‬
‫ارتباطا ً وثيقا ً بما كسبت أيدي الناس‪ ،‬فبعض أوصاف آخر الزمان والفتن‬
‫ترتبط بتحولت في طبائع الناس ومسالكهم كتطاول الحفاة العراة رعاء‬
‫الشاء في البنيان‪ ،‬وكأن تلد المة ربتها‪ .‬وبعضها الخر يتعلق يتعلق بسنن‬
‫الطبيعة ومسالكها‪ ،‬كتقارب الزمان وكثرة الهرج )أي القتل( حتى إن القاتل‬
‫ليدري فيم قتل‪ ،‬وكأن ُيمطر الناس ول ُتنبت الرض شيئًا‪.‬‬
‫بعض هذه الوصاف يتعاقب مع البعض الخر‪ ،‬وبعضه قد شوهد فعل ً ثم‬
‫أعقبته فترة من الخير‪ ،‬أي أن نسق التردي في أحوال الكون ل يمضي في‬
‫خط مستقيم متصاعد‪ ،‬بل قد تتحسن تلك الحوال إذا تحسنت أعمال الناس‬
‫وصلح ولة أمورهم كما حدث على عهد عمر بن عبد العزيز مثل ً بعد فترة من‬
‫الفتن والطغيان‪ .‬وكما حدث في فترات أخرى ارتد فيها بعض المسلمين إلى‬
‫نحو من عبادة الوثان ثم أخلصوا دينهم لله على أيدي الدعاة المصلحين‪) .‬ل‬
‫يذهب الليل والتهار حتى تعبد اللت والعزى(‪ .‬أو نسي المسلمون الله ثم‬
‫ثابوا إلى ذكره‪) .‬ل تقوم الساعة حتى ل يقال في الرض الله الله(‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن نصوص القرآن والسنة تشير إلى سنة التعاقب بين الشر والخير‪ ،‬بين غلبة‬
‫الحق وغلبة الباطل‪ ،‬بين العسر واليسر‪ ،‬بين تداول اليام بين خيار الناس‬
‫وشرارهم‪ .‬وفوق ذلك كله يبشر القرآن‪ ،‬تأكيدا ً لما سبقه من كتب‪ ،‬أن الرض‬
‫يرثها عباد الله الصالحون‪ .‬وأصحاب اليمين بنص القرآن هم ثلة من ألولين‬
‫وثلة من الخرين‪ .‬وقد مضى الوعد من الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بأن‬
‫تبقى طائفة من أمته ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة‪ .‬كما مضت منه‬
‫الشارة إلى أن مثل أمته "مثل المطر‪ ،‬ل يدرى أوله خير أم آخره"‪.‬‬
‫وبهذا فإن الراجح في تأويل قوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أنه "ل يأتي عليكم‬
‫زمان إل والذي بعده شر منه" أنه في وصف زمان الفتنة لن الحديث قد ورد‬
‫على لسان أنس بن مالك‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬في سياق شكوى الناس من‬
‫الحجاج بن يوسف‪ .‬أي ل يأتي زمان فتنة إل والذي بعده شر منه‪ .‬أما أن‬
‫يمضي الزمان كله من سيء إلى أسوأ دون تفريج فهذا مما ل تؤيده‬
‫المشاهدة ول يسنده العقل ول تعضده النصوص‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن هدي السلم في حقيقته هو أبعد من أن يبعث في الناس اليأس والعجز‪.‬‬


‫إن المؤمن مأمور‪ ،‬حتى في لحظة قيام الساعة‪ ،‬إذا كانت في يده فسيلة أل‬
‫يقوم من مقامه إل وقد غرس فسيلته‪ .‬ذلك أن مفهوم المستقبل في السلم‬
‫ل يتوقف عند نهاية الحياة الدنيا بل يمتد إلى حياة أخرى أفضل‪ .‬واليأس‬
‫والقنوط هما من أشد ما حذر الله والنبي منه‪ .‬وفي الحقيقة ل يمكن للمرء‬
‫أن يتصور دعوة ترود آفاق النجاح وقد سّلم أصحابها بالهزيمة واستيقنوا‬
‫الخسارة منذ البداية‪.‬‬
‫الحقيقة الثانية التي ينبغي تقييد الفهم لحاديث آخر الزمان بها‪ ،‬هي الرتباط‬
‫بين تردي أحوال الناس وظهور الفتن بالفساد الذي يحدثونه بأيديهم؛ "ظهر‬
‫الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"‪ .‬والفساد المعني هنا هو‬
‫فساد الطبائع والسنن‪ .‬وأمر الله يأتي إلى الدنيا في اللحظة التي تزّين فيها‬
‫ويظن أهلها أنهم قادرون عليها‪ .‬وهذا من أظهر ما تؤيده الوقائع في هذا‬
‫العصر من تحولت مناخية كبرى‪ ،‬وظهور كائنات مجهرية لم تكن موجودة‪ ،‬أو‬
‫كانت موجودة ثم تغيرت خصائصها‪ ،‬وظهور أمراض في الحيوان والنسان‬
‫ترتبط باختلل سنن التغذية الطبيعية في الحيوان طلبا ً لزيادة النتاج‪.‬‬
‫هذان المبدءان المتقابلن‪ ،‬مبدأ الصلح ومبدأ الفساد‪ ،‬هما المبدءان‬
‫المقيدان لموقف السلم من التحديث‪ .‬وبهذا يكون الموقف من التحديث‪،‬‬
‫بالوصف الوارد أعله‪ ،‬موجبا ً حتى دون إدخال أي إضافات عليه‪ .‬لن مفهوم‬
‫المصلحة معلوم في المصطلح الشرعي‪ .‬إنه مستوعب للمصلحة الدينية‬
‫والدنوية‪ ،‬وهو يعني بالضرورة درء المفسدة‪ .‬فأيما تحديث قام على استيعاب‬
‫منتجات العلم والمعرفة النسانية وحقق المصلحة وجب تبنيه دون تحفظ‪ ،‬مع‬
‫كل الدراك لثاره الجامعة المانعة على مجتمعات المسلمين المعاصرة‬
‫ودولهم‪ .‬سواًء كان ذلك في مناهج العلم والبحث ‪ ،‬أم التطور التقني‪ ،‬أم‬
‫أساليب تنظيم المجتمع والدولة‪ ،‬وكل ما في الحكمة المتراكمة من التجارب‬
‫النسانية‪ .‬فالحكمة ضالة المؤمن‪ .‬وما دامت هي حكمة ل يختلف حول‬
‫المصلحة الناتجة منها وجب أخذها وتبنيها‪ .‬وليس من حرج في اقتباس‬
‫منتجات الحضارات الخرى‪ ،‬تماما ً كما فعل المسلمون الوائل‪ ،‬ما وجدت‬
‫القدرة على التفريق بين البعد المنفعي والخر القيمي لتلك المنتجات‪ .‬وقد ل‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكون مثل هذا التفريق مهمة سهلة لكنها ممكنة ومتاحة إذا أجهدت العقول‬
‫في تقصيها وحكمت التجارب في تلمسها‪ .‬وكيما يؤسس المسلمون موقفهم‬
‫هذا على نفسية مطمئنة عليهم أن يتذكروا‪ ،‬ويستيقنوا‪ ،‬أن المساهمات‬
‫الحضارية العظيمة لسلفهم مدرجة إدراجا ً جوهريا ل ينفصل في بنية‬
‫الحضارة القائمة‪ ،‬وهم بذلك أصحاب سهم وافر فيها‪ .‬وهذا من أشهر الحقائق‬
‫التي ل تحتاج إلى كثير تدليل‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬وبعد إثبات مبدأ التحديث‪ ،‬تتفرع مسألتان ينبغي الوعي بهما‪.‬‬
‫المسألة الولى وقائية ومقتضاها ضرورة النتباه لحتمالت الوقوع في مزالق‬
‫التحديث التي ميزت التجربة الغربية‪ ،‬مثل النسبوية الموصوفة سالفًا‪ .‬فمآل‬
‫النسبوية سيكون ل محالة تكريس اللمعيارية في الدين والخلق‪ ،‬على صعيد‬
‫السلوك الفردي والجماعي‪ ،‬والعلمانية على صعيد الدولة‪ .‬وقد سبق التدليل‬
‫على أن حاجات التحول والنعتاق في التجربة المسيحية الغربية هي التي‬
‫سوغت ذينك التطورين‪ .‬بينما ل تنشأ حاجة مماثلة في التجربة السلمية لن‬
‫النصوص السلمية ل تنشئ أصل ً تناقضا ً مع التحديث‪.‬‬
‫أما المسألة الثانية التي ينبغي النتباه لها فهي ايجابية وتستند إلى حقيقة أن‬
‫التحديث لم يعد محصورا ً في جدلية العلقة المأزومة مع الحضارة الغربية‪ ،‬بل‬
‫أصبح قضية عالمية ذات أصول نظرية واحدة وإن تنوعت خصوصياتها في كل‬
‫حيز حضاري مستقل‪ .‬إن الطبيعة العالمية لمشكلة التحديث ل تمكن من‬
‫الفصل بين الحداثة والتغريب فحسب‪ ،‬بل تتيح لنا رؤية القضية في أبعادها‬
‫المشتركة في كل الحضارات‪ :‬من حيث أصولها ومنابعها‪ ،‬ومن حيث معطياتها‬
‫العملية والنظرية‪ ،‬ومن حيث نتائجها وآثارها وحلولها‪ .‬بذلك تنال المجتمعات‬
‫السلمية فرصةأخرى لستخدام ميزتها النسبية للمساهمة بقدر كبير في‬
‫تشكيل الستجابة لتحدي التحديث وإثراء الجدل العالمي حوله‪ ،‬متجاوزة‬
‫عقدة النقص والتخلف التي تضع المسلمين دائما في موضع المنتظر‬
‫المتلقي‪.‬‬
‫إن الميزة النسبية لمجتمعات المسلمين تتمثل في وفرة تجربتها التاريخية‬
‫ومساهماتها في إيجاد حلول لمشكلت البشرية لفترة ثمانية قرون سادت‬
‫فيها الحضارة السلمية في الساحة العالمية‪ .‬إن إستدعاء هذه الحقيقة‬
‫ونصبها أمام النظر يملؤ النفس طاقة معنوية كبيرة تنفلت بها من السلبية‬
‫وفقدان الثقة التي تميز استجابات المسلمين لكل قضايا الحداثة‪ .‬وستمثل‬
‫قضية التحديث بذلك واحدة من أهم قضايا الحوار بين الحضارات لنها بحق‬
‫وحقيقة قضية مشتركة في منطلقاتها النظرية وتبدياتها العملية‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫سأعطي ثلث أمثلة فقط‪ ،‬من بين كثير من المثلة التي يمكن إيرادها‪ ،‬على‬
‫النماذج التي يمكن أن يدلل بها المسلمون على قدرة السلم وسبقه في‬
‫تاريخ النسانية لمعالجة أعقد قضايا المعاش والخلق‪ ،‬ودوره في تحديد‬
‫اتجاهات التطور للمجتمعات النسانية بصفة عامة وليس السلمية وحدها‪.‬‬
‫النموذج الول هو موقف السلم من العلم‪ .‬إن استعراض تجربة المسلمين‬
‫في العلم‪ ،‬سواًء في نصوص القرآن والسنة‪ ،‬أو في التجليات والتطبيقات‬
‫العملية لتلك النصوص خلل الفترة التي سادت فيها مساهمات الحضارة‬
‫السلمية‪ ،‬تعطي سندا قويا ً لمن يقول بإمكانية التحديث في إطار من‬
‫اللتزام الديني والخلقي‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النموذج الثاني هو موقف السلم من تنظيم علقة المجتمع بالدولة ومن‬


‫الرشد السياسي المؤسس على قواعد الشورى وقوامة المجتمع على‬
‫الحكام‪ ،‬أو إن شئت جملة القضايا التي تطرحها الديمقراطية في العصر‬
‫الحديث‪ .‬صحيح أن التجربة السلمية العملية في جملتها ل تقدم أمثلة جيدة‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬فيما عدا عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء‬
‫الراشدين من بعده‪ .‬لكن النصوص السلمية تمثل نقلة كبيرة من الواقع‬
‫العالمي السائد آنذاك والذي كانت سمته الوحيدة هي البطش والملك‬
‫العضوض‪ ،‬وهو عين ما حذرت منه النصوص‪ .‬إن المنهج الذي اختير به عثمان‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وحده‪ ،‬أحدث طفرة غير مسبوقة في اتجاه النسانية نحو‬
‫الرشد السياسي‪ .‬يتضح ذلك بصورة أجلى إذا نظرنا إليه في سياقه التاريخي‬
‫مقارنين بينه وبين تخلف المناهج السياسية السائدة في الحضارات العالمية‬
‫آنذاك رغم أنها كانت ترى نفسها في موقع الصدارة الخلقية آنذاك‪.‬‬
‫النموذج الثالث هو موقف السلم من الحقوق والحريات‪ .‬هنا أيضا ً تقدم‬
‫النصوص والتجربة السلمية كليهما نماذج غير مسبوقة في التاريخ في اقتلع‬
‫الموانع أمام الحرية وفي محاصرة الرق‪ ،‬وإزالة المظالم عن المرأة‬
‫والضعفاء في المجتمع‪ ،‬وفي تحقيق العدالة الجتماعية‪ .‬ومكتسبات السلم‬
‫ههنا ينبغي النظر إليها أيضا ً على خلفية النظم العالمية التي سادت آنذاك‬
‫والتي كرست نقيض ما جاءت به التجربة السلمية من مكتسبات للنسانية‪.‬‬
‫هذه النماذج الثلث وحدها تثبت دور السلم في التأثير القوي على التطور‬
‫النساني‪ .‬وقد استطاع المسلمون إحداث ذلك الثر على خلفية ضعف مادي‬
‫معلوم إذا ما قورنوا بالمجتمعات المستقرة من حولهم‪ ،‬لكن مصدر قوتهم‬
‫الحقيقي كان معنويا ً تمثل في قوة أفكارهم وقوة إيمانهم بها‪ .‬لقد أتاحت‬
‫مناهج السلم النظرية وتجاربه العملية فرصة لنعتاق البشرية وتحررها‬
‫فأقبلت إليه الشعوب أفواجا ً تطلب لديه الخلص‪ .‬وقد صاغت جملة التجارب‬
‫تلك نموذجا ً فريدا ً للتحديث بمقياس عصرها‪ .‬وقد نجح ذلك النموذج في‬
‫مقاربة مشكلت النسانية لنه استطاع أن يوائم بين مقتضيات الحداثة‬
‫وتعاليم الدين‪ ،‬فجمع بذلك بين طاقة الدفع التي يوفرها الدين واتجاهات‬
‫الدفع المتجددة التي يوفرها التحديث‪ .‬فكانت التجربة السلمية هي التي‬
‫تفرز قضايا الحداثة ثم توفر لها الجابات‪ ،‬كانت تطرح تحديثها الخاص بها‪،‬‬
‫لكنها تغير به وجه العالم بتوليدها لقضايا جديدة وحلول ناجعة‪ .‬واليوم تتيح‬
‫عالمية قضية التحديث فرصة ثانية للمسلمين لقيادة الحوار العالمي ولطرح‬
‫قضية التحديث من منظورهم وبمعطياتهم‪ ،‬بل تتيح لهم أن يتفوقوا في طرح‬
‫مضامين جديدة للتحديث نابعة من تعاليم دينهم تدعو إلى تحرير النسان‬
‫بمنهج العلم وقيم الخير في عالم أخذت تسوده دورة متجددة من الطغيان‬
‫والعدوان والظلم‪.‬‬
‫*بحث مقدم ضمن اوراق مؤتمر السلم والغرب في عالم متغير‪.‬‬
‫* مستشار رئيس الجمهورية‪ -‬السودان‬

‫)‪(6 /‬‬

‫السلم والحرية والبداع‬


‫عبد الرحمن عبد الوهاب‬
‫‪fiqhofglory@yahoo.com‬‬
‫قالوا دوما ‪ ..‬إن الحرية ‪ ]..‬قضية لم تنتهي البتة [‪Liberty is always ,,‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪,,.unfinished business‬قضايا الفكر والبداع من اهم القضايا للنهوض بالمم ‪..‬‬


‫والفكر ل ينهض إل في أجواء من الحرية ‪ ..‬وخاصة فيما يخص قضايا النهوض‬
‫بالمم ‪ ..‬وهذا ما يتفق عليه القاصي والداني‬
‫يقول دانتي]‪ .‬النسان يكون على افضل حاله عندما يكون حرا ‪..‬هذا يبدو‬
‫واضحا إذا ما ادركنا مبدأ الحرية ‪[..‬‬
‫‪Mankind is at its best when it is most free. This will be clear if we grasp the‬‬
‫‪principle of liberty..-- Dante Alighieri‬‬
‫]حرية الفكر وحرية الكلم ضروريان جدا للحفاظ على الوطان ‪ ..‬إذ في‬
‫الوقت الذي يقيد فيه كليهما تذبل وتموت الحرية‪[..‬‬
‫‪Freedom of thought and freedom of speech are absolutely necessary for the‬‬
‫‪preservation of our country. The moment either is restricted, liberty begins‬‬
‫‪to wither and die...-- John Peter Altgeld‬‬
‫ليكون حال الكلمة الحرة دوما خلف السجون والسوار‪..‬ان الطغاة يكرهون‬
‫الحرية حتى وان كانت مجرد كلمة تتلفظ بها الشفتين ‪....‬روعة الحياة ان‬
‫تستشعر أن الله خلقك حرا ‪..‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬
‫أحرارا ‪..‬كما قال عمر رضي الله عنه ‪..‬‬
‫قيمة الحياة ان النسان لم ينزل من بطنه امة وهو مكبل بالغلل ‪..‬سواء في‬
‫يديه أو قدميه ‪..‬بالرغم ما سبق في علمه تعالى ‪..‬من هو المجرم ومن هو‬
‫الكافر!! ‪ ..‬ومن هوالبريء ومن هو المؤمن ‪..‬إل أن الطغاة من البشر كما لو‬
‫كانوا يريدون أن يقيدوه بالغلل وهو في بطن أمه ولو استطاعوا لفعلوا ‪..‬‬
‫بل يودون أن لو نزل مقيدا بالغلل من بطن أمه ومن ثم يرحلونه الى‬
‫المعتقلت و السجون ‪ ....‬فكم هو من اله عظيم رحيم ‪..‬من خرج عن طاعته‬
‫فتح له باب التوبه ‪..‬امتدادا من والولدة الى النهاية ويقبله الله ) مالم‬
‫يغرغر (‪..‬ومالم تطلع الشمس من مغربها ‪..‬‬
‫أما الطغاة من خرج عن طاعتهم في بلد الشرق يذبحونه كالبعير ‪ ..‬وفي بلد‬
‫الغرب يذبحونه كالخنزير ‪ ..‬وما بين البعير والخنزير كان المصير ‪ ..‬من هنا‬
‫نتيه فخرا بإلهنا وعندما يعلو الذان بكلمة الله اكبر ‪..‬تشرأب أعناقنا فخرا‬
‫بديننا وبإلهنا وبإسلمنا ‪ .‬وننتشي المجد كوننا عبادا لله وأنصار الله وجنودا‬
‫الله ‪ ..‬لقد قال تعالى‬
‫ن الط ّي َّبا ِ‬
‫ت‬ ‫م َ‬
‫هم ّ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ وََرَزقَْنا ُ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬
‫ح َ‬‫م وَ َ‬ ‫قد ْ ك َّر ْ‬
‫مَنا ب َِني آد َ َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫ل{ )‪ (70‬سورة السراء‪..‬ولقد كان‬ ‫ضي ً‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنا ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م عََلى ك َِثيرٍ ّ‬
‫م ّ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬‫وَفَ ّ‬
‫النقيض في منطق الطغاة من آلهة البشر ‪..‬وسيلحظ ممن يجول على‬
‫سجون الشرق والغرب انتهاء إلى غوانتنامو )لقد أهّنا بني أدم (‪..‬ووضعناهم‬
‫دون كثير ممن خلق الله ‪.‬لتطالب بعض الشعوب بالحقوق الممنوحة‬
‫للكلب ‪...‬الله كرم النسان وهم يهينونه ‪ ..‬الله يفضله وهم يضعونه ‪..‬فكم هو‬
‫اله عظيم مجيد ‪..‬وكم هي من آلهة طاغية مجرمة ‪..‬‬
‫ومن هنا كان مثار الصراع الذي لن ينتهي بين أولياء الله وأولياء الشيطان ‪..‬‬
‫لهذا قالوا] بطن الرض مصير افضل حال من الطغيان [‬
‫‪.Death is better, a milder fate than tyranny‬‬
‫‪Aeschylus --‬‬
‫الفكر والحرية‬
‫ان الفكر المؤطر عقدبا ‪ ..‬هو المنحى الساسي للنهوض ‪ ..‬و تأخذ المة‬
‫السبق في مضمار المجد ويأخذ الفكر مقامات المجد والخلود ‪ ..‬قيمة العقل‬
‫في حريته ‪ ..‬وقيمة الشعوب في حريتها ‪ ..‬من هنا كانت قيمة ‪ ..‬الفكر‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي ‪.. ..‬‬


‫ً‬
‫كما ويرتبط الواقع بالفكرة المتخيلة سلفا وتم انجازها‪ ].‬نحن نكون كينونة‬
‫ومكانا لننا فكرنا فيهما بداية ‪[.‬‬
‫"‪".We are what and where we are because we have first imagined it‬‬
‫‪Donald Curtis --‬‬
‫]أنا افكر‪,‬اذن أنا حر و انتمي الى الوجود ‪[,‬‬
‫"‪".I imagine, therefore I belong and am free‬‬
‫‪Lawrence Durrell --‬‬
‫كما ان كل الفعال في العالم تنجم بداية من خلل التخيل ‪..‬‬
‫‪".All acts performed in the world begin in the imagination‬‬
‫‪Barbara G. Harrison --‬‬
‫ولئن قالوا ان الواقع هو )كانفا( من نسج التصور ‪[..‬‬
‫"‪".The world is but a canvas to the imagination‬‬
‫‪Henry David Thoreau--‬‬
‫وعليه ان نقول ان الفكرة والهدف لبد ان تتمحور حولها المر‪..‬هي حكم‬
‫الرض‪,,‬‬
‫‪..‬ل تقنعوا إل بحكم الرض من جديد ‪ ..‬ويهيمن القران على العالم ‪..‬وهذا لن‬
‫يتحقق إل ان يترسخ ذهنيا ويمل القناعات ‪ ..‬يستتبعه جهد ناجم عن تلك‬
‫القناعات ‪..‬وما أروع غاية الجهد )الجهاد( حينما يبذل ‪..‬في سبيل الله وإعلء‬
‫كلمته في الرض ‪..‬من هنا لبد ان تأخذ كل آليات التغيير دور القلم ‪..‬كما قال‬
‫الزبيري‬
‫سجل مكانك يا قلم من هاهنا تبعث المم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫نعم لقد تحولت ثقافة المشرق العربي ‪ ..‬الى منحى ‪ ..‬غريب الدللت‬
‫والمضامين ‪ ..‬ابتدأت مؤخرا ‪ ..‬بـ سأبيعك ياوطن ‪ ..‬انتهاء إلى سأشرب‬
‫كأسك يا وطن ‪ ..‬ولعب البداع العربي أدورا على مسرح الخيانة في الونة‬
‫الخيرة فكانت إبداعات بتكريس الحتلل والتحلل من المجد الغابر وهذا يعد‬
‫مظهرا سافرا ‪ ..‬لخيانة المة والوطن والتاريخ ‪ ..‬إل أن المر في مقامات‬
‫البداع كان لبد ان يكون على النقيض وهو ان يتحمل المسئولية تجاه ‪ ..‬أمة‬
‫تحت السطو المسلح ‪ ..‬والسلب والنهب ‪ ..‬واقع يئن تحت نعال السيد‬
‫الميركي ‪ ..‬البداع العربي نسي المجد الغابر حمزة بن عبد المطلب وخالد‬
‫بن الوليد ‪..‬وقتيبة ‪ ..‬والمقداد ‪..‬‬
‫نسي عمرو بن كلثوم حينما قال‬
‫اذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا ‪..‬‬
‫ال نه في مضمار البداع ‪..‬‬
‫و لئن قالت النظريات القديمة ‪ .‬أي ان لشيء قيل اليوم أكثر مما قيل قبل‬
‫‪In fact, nothing is said that has not been said before.-- Publius Terentius‬‬
‫‪Afer‬‬
‫‪ ..‬إل أننا كمسلمين ‪ ..‬نختلف مع هذه النظرية ‪ ..‬ذلك لن قيمة القرآن انه‬
‫قال ما لم يقل قبل و ل بعدا ‪ ..‬وانه كلمة تتميز بالجديد كل يوم وكانها نزلت‬
‫الساعة ‪..‬حيث إن صحف السماء تختلف عن صحف البشر ‪ ,,‬وكلم السماء‬
‫غير كلم البشر ‪ ..‬وكونه إن الحرية هي القضية التي لم تنته بعد ‪ ..‬فقد كان‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القران الذي لم يصمت بعد ‪ ..‬وله كلمة الفصل في كل ما هو آت ‪..‬الحرية‬


‫التي تعتبر هاجسا للبشرية ترنو إلى تحقيقه ‪ ..‬وتستحث الخطى نحو‬
‫تحقيقها ‪ ..‬كان القرآن ‪ ..‬ذا قيمة أسياسية ذات مجد متناهي ككلم فخم نزل‬
‫من السماء ‪ ..‬وتكمن القضية ان القران يخرج البشرية خارج التأطير والقولبة‬
‫التي يريدها الطغاة انها روح التمرد التي بثها ضد أصنام البشر والحجر ‪ ..‬انه‬
‫يعلمهم حرفة كسر القيود بالسنان والنطلق بحرية على يابسة الكون ‪..‬‬
‫يمارس الحرية ‪..‬‬
‫كحرية العينين ‪ ..‬لتمارس الجيال الحديدة من امة السلم هوايات قديمة ‪..‬‬
‫كانت أولياتها ‪ ..‬حكم الرض من جديد ‪..‬‬
‫من هنا كانت الشجاعة معيارا اساسيا في حياة المم ‪,,‬الشجاعة اهم شيء‬
‫اذا ذهبت الشجاعة فقد ذهب كل شيء ‪..‬‬
‫‪.Courage is the thing. All goes if courage goes‬‬
‫‪Author: Joseph Addison (1672-1719), English essayist, poet, statesman‬‬
‫فان قالوا الكلمات اطباء تداوي العقول المريضة ‪..‬‬
‫‪-Words are the physicians of the mind diseasedAeschylus‬‬
‫‪ ..‬ال انه ل مناص ان نقول ان القران هو أعظم الكلمات ‪..‬انه كلم السماء ‪..‬‬
‫كلم الله ‪..‬كونه الدواء الحقيقي ‪..‬دواء لمراض النفوس والرواح والعقول ‪..‬‬
‫ودواء للمم ‪..‬‬
‫م وَقٌْر وَهُ َ‬
‫و‬ ‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬‫فاء َوال ّ ِ‬ ‫ش َ‬‫دى وَ ِ‬‫مُنوا هُ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل هُوَ ل ِل ّ ِ‬‫} قُ ْ‬
‫ُ‬
‫مى أوْل َئ ِ َ‬
‫د{ )‪ (44‬سورة فصلت‬ ‫ن ب َِعي ٍ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫ن ِ‬
‫ك ي َُناد َوْ َ‬ ‫م عَ ً‬‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫لبد ان نستلهم من القران من صفحات القران القيمة الساسية في‬
‫الوجود ‪ ..‬الحرية وروح الرفض والثورة‬
‫والجرأة والرفض التي نستشعرها من مسيرة ركب النبياء ‪ ..‬لواقع الطغيان‬
‫والستبداد ‪ ..‬جيل جديد آلية التحرر الكبرى ]ل اله ال الله ‪ [ ..‬التي كانت‬
‫شعارا عبر الزمان ‪ ..‬سار بها ركب النبياء ‪ ..‬ليغيروا الواقع الكوني نحو‬
‫العدل والحرية ‪ ..‬والرافض لكل إشكال الصنمية المادية والمعنوية منذ‬
‫ابراهيم ابي النبياء الى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬تلك‬
‫الصنمية التي يروج لها الن ‪ ..‬عمرو بن لحي الخزاعي ‪ ..‬الذي أتي بالصنام‬
‫ليعبدها الناس من جديد ‪ ..‬على صفحات الجرائد عمرو بن لحي الخزاعي‬
‫اليوم يعمل كصحفي مأجور ‪ ..‬يروج لميركا وهبل الجديد تمثال الحرية ‪..‬‬
‫يروج الن لثقافات النبطاح والخيانة الثقافية ‪..‬خيانة الله ورسوله والمة‬
‫والتاريخ ‪ ..‬في وقت يقوم فيه الغرب بالستعمار والتسكع والبلطجة على‬
‫يابستنا نحن ميراث الجداد ‪ ..‬على تلك الرض التي فقهت مفهوم الحرية من‬
‫ل اله إل الله ‪ ..‬وهوت بالمعاول دوما على الصنام ‪ ..‬ضربا باليمين ‪..‬ليصبح‬
‫العالم السلمي) سوق للحرامية (‪ ..‬وكانت أميركا هي زعيمة العصابة ‪..‬‬
‫هيهات بعد ألقمنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وكتاب السماء‬
‫حب الرفض والثورة وعدم النحناء والنصياع ال لله ‪..‬‬
‫فان قال معاوية حينما دخل عليه‪ ..‬احد العوام وقد أغلظ عليه الخير‬
‫القول ‪..‬فقال معاوية ‪ ..‬هيهات لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على‬
‫السلطان ‪ ..‬وهانحن نقول لكم ‪..‬من زاوية اخرى في نفس السياق أجل لقد‬
‫لمظنا القرآن الجرأة على جبابرة الرض ‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وألقمنا القران الشموخ والوقوف والجرأة ‪ ..‬أمام فرعون وهامان وقارون‬


‫والنمرود ‪ ..‬في القرن الواحد والعشرين‪ ..‬انه الجرأة وفخامة النص اللهي‬
‫بما يليق بجبروت المتعالي الجبار ‪..‬في مقام القرآن الكريم ‪ ..‬يالمجد‬
‫القران ‪ ..‬لنه يحمل بصمات السماء ‪ ..‬انه من روح الله ‪ ..‬انه نور }وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬
‫ك روحا م َ‬ ‫َ‬
‫جعَل َْناهُ‬ ‫كن َ‬ ‫ن وَل َ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫لي َ‬ ‫ب وََل ا ْ ِ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫ت ت َد ِْري َ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫مرَِنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ ُ ً ّ ْ‬ ‫أوْ َ‬
‫م{ )‪(52‬‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك ل َت َهْ ِ‬ ‫عَبادَِنا وَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاء ِ‬ ‫ن نّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫ُنوًرا ن ّهْ ِ‬
‫د{ )‪(1‬‬ ‫جي ِ‬‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫سورة الشورى ‪-‬ومجد السماء ‪ ..‬انه القران المجيد }ق َوال ُ‬
‫سورة ق‬
‫ان القران كان ول يزال‪ ..‬يصيب الطغاة بالدهشة و الرتباك ‪ ..‬والحيرة ‪...‬‬
‫وهذا ماقاله ذلك الفرنسي ‪..‬‬
‫لن نسيطر على الجزائر مادام القران موجودا ‪ ..‬سواء أكان فرنسيا ‪ ..‬او‬
‫أمريكيا ‪ ..‬جمع حوله حثالت من نصارى المشرق‬
‫ليضعوا لنا قرانا جديدا وفق أمزجتهم الخاصة ‪ .‬كما لو كانوا يظنون أننا امة‬
‫من النساء ‪..‬‬
‫أوصلت المور الى هذه الدرجة ‪ ..‬خيبك الله من أمة ‪..‬‬
‫أجل ويداس بالنعال ‪ ..‬لقد كان القران ذلك القول الفخم ‪ ..‬ذو الهيبة ‪..‬‬
‫َ‬ ‫والمكان الرفيع ‪} ..‬ل َوْ َأنَزل َْنا هَ َ‬
‫ن‬‫صد ّ ً ّ ْ‬
‫م‬ ‫عا‬ ‫مت َ َ‬ ‫شًعا ّ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل َّرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫شي َةِ الل ّهِ وت ِل ْ َ َ‬
‫ن { )‪ (21‬سورة الحشر‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك اْل ْ‬ ‫َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫ان النص اللهي مربك للطغاة وهو الذي يعلم البشرية تكسير القيود والتطلع‬
‫نحو الحرية ‪..‬‬
‫ان قيمة القران انه يعري الطغاة ‪ ..‬ويميط اللثام عن التفاصيل ‪ ..‬وينبش‬
‫المسكوت عنه ‪ ..‬كيف هذا وهو يصدح فينا ‪..‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل إ ِّل ُنو ِ‬ ‫َ‬
‫ن{ )‬ ‫دو ِ‬‫ه إ ِل أَنا َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫حي إ ِلي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫}وَ َ‬
‫‪ (25‬سورة النبياء‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ )‪ (2‬سورة النحل‬ ‫قو ِ‬ ‫ه إ ِل أن َا َفات ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه ل َ إ ِل َ َ‬ ‫} أنذُِروا ْ أن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري{ )‪ (14‬سورة طه‬ ‫صَلة َ ل ِذِك ْ ِ‬ ‫ه إ ِّل أَنا َفاعْب ُد ِْني وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫}إ ِن ِّني أَنا الل ّ ُ‬
‫وهذه النماذج الرائعة من هؤلء النبياء الكرام ‪ ..‬وهم يقفون امام الظلم‬
‫والطغيان ‪ ..‬ول يهتزون ‪..‬‬
‫اولئك‪ ..‬الذين غيروا الكون دوما نحو الفضل ‪ ..‬انتهاء إلى سيد المرسلين‬
‫الذي كان للعالمين رسول وللمقاتلين رسول ‪ ..‬وللثوار رسول ‪ ..‬يالمجد محمد‬
‫‪..‬‬
‫وهاهي البشرية من خلل القران منذ المس وحتى الغد ‪ ..‬والى البد تحسم‬
‫خيارها مع الطغاة طالما القرآن‬
‫متواجدا ‪ ..‬ويتلى ‪ ..‬مع القران وجود الطغاة وجود مهدد ووجود معلق ‪ ..‬كيف‬
‫وشعار السلم الله اكبر ‪..‬‬
‫كيف وشعار السلم ]ل اله ال الله[ ‪,..‬‬
‫وكيف واليات مدوية وفوق رؤوس الشهاد‬
‫ن{ )‪ (44‬سورة المائدة‬ ‫م الكافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن{ )‪ (45‬سورة المائدة‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ه فَأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫حكم ب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن{ )‪ (47‬سورة المائدة‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه فَأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫حكم ب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫فيغضي الظالمون والكافرون والفاسقون الطرف ‪ ..‬ويصابون بالرتجاف لنه‬
‫يعريهم و حالما مارست الشعوب الكفاح ‪ ..‬يختفون من النظار ‪ ..‬ويقال لهم‬
‫بعدا ‪ ..‬وتتبعهم اللعنات ‪..‬‬
‫كان القران كفيل ‪ ..‬بأن يحول طفل الكتاتيب الى هذا الوجه الصارخ غدا في‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجه الظلم ‪ ..‬في وجه جبابرة الرض عنيدا مسكونا بالثورات ‪ ..‬كونه استظهر‬
‫القران في قلبه ‪ ..‬وحمل القران بين حناياه ‪ ..‬وحينما تريد أجيال مسكونه‬
‫بالثورات فإن هذا لن يتحقق إل بتحفيظ القران لولئك الصغار‪ ..‬داخل‬
‫مطويات النفس ‪ ..‬وشغاف القلب ‪ ..‬أطفال يهبطون من بطون أمهاتهم إلى‬
‫صهوات الجياد ‪ ..‬ليحكم هؤلء العالم من جديد‪..‬‬
‫ل قيمة لمجد الكلمة ال بالتحليق والبداع ‪ ..‬والتوهج ‪ ..‬والطموح نحو عالم‬
‫أفضل ‪ ..‬واليات النهوض لن تتم ال من خلل القران وتمثل سيرة سيد‬
‫الولين والخرين ‪ ..‬قيمة البداع ان نحرك العالم من على الورق نارا ودخانا‬
‫وزئيرا ضد استباحة المة ‪ ..‬ان تتحول المفردة الى عبوة ناسفة أوقنبلة‬
‫منزوعة صمام المان ‪ ..‬على أعداء الله وأعداء السلم والنسانية ‪ ..‬وسيفا‬
‫مجردا على كل من حاول النيل من مقام اللوهية وكتاب الله ورسوله الكرم‬
‫أيا كان وكائنا من كان‪ ..‬نرنو إلى يوم ل محالة قادم ‪ ..‬يحتشد العالم بأسره ‪..‬‬
‫على يابسة الكون ‪..‬خاضعا لله‪ ..‬مذعنا لله ‪ ..‬ساجدا لله‪ ..‬تحت كلمة الله‬
‫اكبر ورايات الثوار ‪..‬‬
‫وهذا لن يبدأ إل من الورقة ‪ ..‬بداية ‪ ..‬تتحول الورقة إلى ميدان قتال ‪..‬‬
‫للدفاع عن دين الله ومجد القران وفخامة النص اللهي ‪..‬نعم لقد وصلنا إلى‬
‫حد الدمان للقرآن ‪ .‬إدمان الحرية ‪...‬كونه سفر المجد والحرية ‪..‬الحرية‬
‫هاجس البشرية منذ الزل !!كما قال الشاعر من رحم الحرية ولدت وفي‬
‫رحم الحرية أموت ‪ ..‬وفي ظلل من الحرية نبعث في يوم ل ظل إل ظله ‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ ..‬لقد تفلت الفكر العربي المعاصر من سياق الستيعاب لمفهوم الحرية‬


‫المنطلقة من معايير اليمان ‪ ..‬وانتهى صفاقة وقحة وكفرا ومع هذا يسوق‬
‫لهذا الفكر المتزندق في سوق الثقافة المعاصرة ليقول احدهم ‪ ]..‬لقد كتبت‬
‫رسالة إلى الله ممهورة بعذابات البشر واخشي أن يكون الله أميا ‪[..‬‬
‫تعاليت الهنا ‪ .,‬علوا كبيرا ‪ ..‬سبحانك وتعاليت وتنزهت علوا كبيرا ‪..‬ياذا المجد‬
‫الذي ل يرام تسبيحا وتمجيدا وتنزيها مليء السموات ومليء الرض وما‬
‫بينهما ومليء ما شئت من شيء بعد ‪ ..‬تعاليت علوا كبير عما قال ‪ ..‬وعما‬
‫وصف ‪ ..‬وتعاليت عما يصفون ‪ ..‬علوا كبيرا ‪..‬‬
‫أهل ً أهل ً ‪..‬‬
‫ايها السادة ‪..‬بضحالة الفكر وصريح الكفر ‪..‬هيهات‪..‬ان نسمح لهم بتجاوز‬
‫الخط وط الحمراء والحرم القدس للكبرياء والمجد اللهي على‬
‫الرض‪....‬مادام فينا عرق ينبض ‪ ..‬وان طارت دون ذلك الرقاب ‪..‬نقتص‬
‫منهم‪....‬ونهينهم‪..‬وبعد أن نمرغ انوفهم في التراب نحيل القضية الى جبار‬
‫السماء والرض ‪ ..‬وهو احكم الحاكمين‪.. ..‬فنحن قضيتنا اعلء كلمة الله في‬
‫الرض والمجد لدين الله في الرض‪..‬‬
‫أيها السادة ‪ ..‬أن هذا ليس بإبداع ول أدب بل كان صفاقة سوء أدب‬
‫‪..‬واستهتارا بالمثل وتعديا للخطوط الحمراء انه ل يتفق مع التأدب لمن‬
‫خضعت له رقابنا وسجدت له جباهنا حبا وولء ‪ ..‬انه ل يتفق مع السياق‬
‫الخلقي للمجتمع والدين بل والخلق واللتزام الخلقي أمام الله تعالى ‪..‬‬
‫انتهاًء إلى كونه كفر وسوء الدب مع الخالق العظم ‪..‬أيها السادة ولم يكن‬
‫إلهنا وحبيبنا يوما ‪ ..‬أميا ول ظلما للعبيد ‪ ..‬كما قال هذا النكرة اللعين ‪..‬‬
‫فقيمة البداع لدينا ‪..‬حينما نكتب ان تسجد وتركع مفرداتنا أمام اليات‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكريمة الكائنة بين القوسين ‪...‬المخطوطة على السطر ‪ ..‬نأخذ من نورانيتها‬


‫القبسات والشعاعات والمجد والخلود ‪..‬وفي نفس الوقت تدافع كلماتنا عن‬
‫الله نستشعر الولء والشمم والنتصار لله ولدينه ‪ ..‬تزهق وتركل مفردات‬
‫الباطل وتصفعها بل هوادة ونبصق عليها بالنقاط حتى تكون المفردات اللهية‬
‫وكلمات الله ذات علو مكانة وهيبة وسمو مقام كونها خط احمر لن نسمح‬
‫بتجاوزه ‪..‬نعم ان قيمة البداع السلمي‪ ..‬أن تنال مفرداتنا من مفردات‬
‫الباطل وما خلفها من معاني وقضايا ‪ ..‬وترغم انفه وتحني هامته على ارض‬
‫الورقة ‪ ..‬وننتفض بلواء ل اله إل الله من خلف المقال ‪ ..‬ونعلي راية الله اكبر‬
‫من خلف الكلمة ‪ ..‬هذا هو البداع وقضيتنا باختصار‪..‬‬
‫لم يرد الله ظلما للعباد ‪..‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د{ )‪ (182‬سورة آل‬ ‫ّ‬
‫س ب ِظلم ٍ للعَِبي ِ‬ ‫ه لي ْ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫}ذ َل ِ َ‬
‫عمران‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫}ذ َل ِ َ‬
‫د{ )‪ (51‬سورة النفال‬ ‫س ب ِظلم ٍ للعَِبي ِ‬ ‫ه لي ْ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫ديك ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ك بِ َ‬
‫َ‬
‫د{ )‪ (10‬سورة الحج‬ ‫س ب ِظ َّلم ٍ ل ّل ْعَِبي ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك وَأ ّ‬ ‫دا َ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫}ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫د{ )‪(46‬‬ ‫ك ب ِظ َّلم ٍ ل ّل ْعَِبي ِ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫ساء فَعَل َي َْها وَ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫حا فَل ِن َ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫سورة فصلت‬
‫د{ )‪ (29‬سورة ق‬ ‫بي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ل ل َدي وما أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ما ي ُب َد ّ ُ‬
‫ٍ َِ ِ‬ ‫َ ّ َ َ َ ِ‬ ‫ق ْ‬
‫و‬ ‫} َ‬
‫وماذا يريد الله بعذابات البشر ‪ ..‬فاي منطق سقيم ‪ ..‬خالي من أبعاد‬
‫اليمان‪ ..‬والتصور الساسي ‪ ..‬لماهية الوجود ‪..‬من منطلقات الثورة‬
‫‪..‬والكفاح ‪ ..‬لقد انزل الله القرآن الكريم وبعث الرسل انتهاء الى المصطفى‬
‫خاتم النبيين لتنتهي عذابات البشر ‪ ..‬لقد كانت سورة التوبة والنفال والتوبة‪..‬‬
‫كل منهم بمثابة منشور ثوري ضد الطغاة والمجرمين ‪ ..‬وان الظالمين لهم‬
‫اللعنة ولهم سوء الدار‪ ..‬لقد خلق الله النسان حرا وأرادت حكمته العليا ان‬
‫تنتهي عذابات البشر ‪ ..‬فقال له ل تخضع ‪ ..‬وكافح ‪ ..‬ول تقيم بأرض هوان ‪..‬‬
‫م َقاُلوا ْ ك ُّنا‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م َقاُلوا ْ ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مي أ َن ْ ُ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ت َوَّفاهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫جُروا ْ ِفيَها فَأوْل َئ ِكَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة فَت َُها ِ‬ ‫سعَ ً‬ ‫ض اللهِ َوا ِ‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫م ت َك ْ‬ ‫ض َقالوَا أل ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫في َ‬ ‫ضعَ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫صيًرا{ )‪ (97‬سورة النساء‬ ‫ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫َ‬
‫لهذا قال الشاعر‬
‫إذا ظلمت بأرض فارتحل فل خير في ارض مهان كريمها ‪..‬‬
‫واتضح لي ان كل عذابات البشر ‪ ..‬تنجم بشكل أو بآخر من) الشرك ( واتخاذ‬
‫البشرا أربابا من دون الله حينما يسلسون لهم القياد للتصرف في شئون‬
‫العباد ‪ ..‬وكان من حكمة الله العليا أن يأخذ المعذبون حريتهم بأيديهم ‪ ..‬ل أن‬
‫يكونوا قطعان من الماشية والتنابلة ‪..‬‬
‫فلو عرف أولئك المعذبون في الرض قيمة القران والتوبة والنفال ومحمد‬
‫)القتال ( ما أساء هذا الدب ولكنه تخلف عن دوره الساسي في الحياة‬
‫والكفاح ثم يلقي باللوم على السماء ‪ ..‬لو عرفوا قيمة القران ‪..‬وان كل‬
‫سورة تعتبر بمثابة منشورات ثورية ضد الطغاة والمجرمين لتناولوه سرا‬
‫بعيدا عن أعينهم ‪ ..‬ولكن حس المتلقي قد تبلد والخذ من القران قد مات ‪..‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وأصيب بضمور عقلي نحو الستيعاب ‪ ..‬نعم إنها عبوات ناسفة من اليات ‪..‬‬
‫إنها آيات تحتشد بالحرية والمجد والثورة ‪ ..‬كفيلة بأن تنهي عذابات البشر‬
‫وتحنى هامات المتجبرين ‪..‬بل وتضع الجبارين خلف أبواب السجون ‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البداع العربي لم يقرأ قرآنه ‪ ..‬وحرق سجادة صلته ‪ ..‬وعاقر الخمر وانتهى‬
‫كفرا ‪..‬‬
‫ماذا بعد مسيرة النبياء يريد وهو لم يقتف الثر ‪ ..‬ولم يسير على دربهم ‪..‬‬
‫ذلك الدرب الرائع في انتزاع الحرية ‪ ..‬وعدم الشرك ‪ ..‬وهكذا تنتهي مسيرة‬
‫من‬ ‫ج ّ‬‫مو ْ ٌ‬‫من فَوْقِهِ َ‬ ‫ج ّ‬‫مو ْ ٌ‬ ‫شاهُ َ‬ ‫ي ي َغْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫حرٍ ل ّ ّ‬
‫ت ِفي ب َ ْ‬‫ما ٍ‬ ‫} ك َظ ُل ُ َ‬ ‫البداع العربي ‪ْ ..‬‬
‫َ‬
‫م‬‫من ل ّ ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ج ي َد َه ُ ل َ ْ‬
‫م ي َك َد ْ ي ََرا َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ض إ َِذا أ ْ‬ ‫ضَها فَوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫ما ٌ‬‫ب ظ ُل ُ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬ ‫فَوْقِهِ َ‬
‫من ّنوٍر{ )‪ (40‬سورة النور‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ه ُنوًرا فَ َ‬ ‫َ‬
‫هل ُ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫جعَ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫وتنتهي إلى ضحالة الفكر‪ ..‬وصريح الكفر‪ ..‬ذلك لنه لم يستوعب النقطة‬
‫البالغة الهمية في الوجود الكوني انه الله تعالى ضد المتجبرين ‪ ..‬وضد‬
‫الظالمين‪ ..‬وانه كان دوما في صف المستضعفين والمظلومين ‪..‬‬
‫هّ‬
‫من ي َعْب ُد ُ الل َ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫الفكر العربي المعاصر يعبد الله على حرف ‪} ..‬وَ ِ‬
‫خير اط ْمأ َن به وإ َ‬ ‫عََلى حرف فَإ َ‬
‫ه‬
‫جهِ ِ‬ ‫َ‬
‫ب عَلى وَ ْ‬ ‫َ‬
‫قل َ‬ ‫ة ان َ‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬‫نأ َ‬ ‫َ ّ ِ ِ َِ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬ ‫صاب َ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫َ ْ ٍ ِ ْ‬
‫ن{ )‪ (11‬سورة الحج‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةَ ذ َل ِك هُوَ ال ُ‬ ‫سَر الد ّن َْيا َواْل ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫انه يعبد الله على حرف وانقلب على عقبيه ومن أول طلقة في ميدان الحياة‬
‫يهرب ايمانيا ‪ ..‬وكان على استعداد أن يبيع دينه وصفقة اليمان ‪..‬‬
‫رحم الله من ذبحوا ومن احرقوا ومن ُذبحوا ومن ُنشروا ولم يزحزحهم عن‬
‫إيمانهم مثقال ذرة‬
‫كانوا في المحنة رجال وفي مضمار اليمان شرفاء ‪ ..‬يقول هنري فريدرك ‪..‬‬
‫لقد كانت الفلسفة هي الحرية في استعمال العقل وهكذا يتحقق استقلل‬
‫اجتماعيا وسياسيا او اضطهادا دينيا ً المجتمعات والحب المطلق لشيء واحد‬
‫ألو هو الحقيقة ‪..‬‬
‫‪Philosophy means the complete liberty of the mind, and therefore‬‬
‫‪independence of all social, political or religious prejudice... It loves one‬‬
‫‪thing only... truth.-- Henri Frederic Amiel‬‬
‫وهاقد جاءنا القران ليحث استعمال العقل بتجرد للوصول نحو الحقيقة‬
‫الساسية في الوجود ] ان الله حق[‪..‬‬
‫يقول الشيخ محمد قطب ‪..‬هناك حقيقة كبيرة في الكون وصل اينشتين الى‬
‫طرف منها ولكن روحه الجاحدة ابت أن تمضي معها الى‬
‫نهايتها ‪..................‬‬
‫ثمة حقيقة واحدة مطلقة في الكون العريض هي الله وحدة‬
‫الله وحده هو الحقيقة المطلقة لن الحقائق )النسبية( كلها تنتهي إليه‬
‫تنتهي إليه انتهاء مطلقا لنه هو خالقها بينما ل ينتهي بعضها إلى بعض إل‬
‫بالنسبة التي قدرها الخالق بين بعضها وبعض‬
‫والله وحده هو الذي ينبغي ان يعبد ويطاع لنه الحقيقة الثابتة في هذا الكون‬
‫وكلمة الله هي العليا ‪[......‬‬
‫ويستطرد الشيخ في نقطه اخرى مرتبطة معنا في السياق ‪..‬فيما يخص‬
‫الظلم ‪..‬‬
‫هل أحنقك الشر يمرح في الرض ؟ هل أحسست بهزة الغضب وأنت ترى‬
‫الظلم يقع عليك وعلى غيرك من بني البشر ؟ هل رأيت انه ل يجوز لك أن‬
‫تسكت وانه ينبغي ان تتحرك وتثور ؟ وانك أنت قبل غيرك ينبغي أن تقول‬
‫لهذا الشر مكانك فقد تجاوزت حدك ‪ ..‬وهل علمت انك ل شك متعرض للذي‬
‫حين تسكت عن الظلم ‪ ،‬وحين تأخذ على عاتقك ان تقاومه وتعترض سبيله ؟‬
‫وهل علمت ان الذى قد يشتد عليك حتى ليسلبك الراحة والمن ورغد‬
‫العيش وقد يسلبك الحياة ‪..‬ثم ظلت نفسك على غضبها وعلى عزيمتها في‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوقوف للظلم وصد العدوان ‪ ..‬إنها الطرق إلى الله ‪..‬‬


‫نعم انه الطريق‪..‬‬
‫وعلى الجانب الخر من البداع العربي وخاصة للكتاب السلميين ‪..‬كان منهم‬
‫مروا على الصليب ‪.‬ومنهم الن من يجر صليبه في درب‬ ‫ُشنقوا ومن س ّ‬
‫اللم ‪ ..‬ومنهم من يسن له فرعون شفرته ‪..‬‬
‫وتختلف آليات الكتابة فالبعض يكتب بالسكين والخر يكتب بماء النار ‪).‬حمض‬
‫الكبريتيك (والبعض يكتب بالرصاص ‪ ..‬إل أنه ل مناص من الكتابة بالدم في‬
‫هذا المعترك ‪ ..‬فالكتابة وان قال البعض ‪ ..‬تحويل الدم الى حبر ‪..‬‬
‫اجرح القلب واسقي شعرك منه فدم القلب خمرة القلم‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إل أن قاعدة البداع من المعيار السلمي إن يتساوى مداد العلماء بدم‬


‫الشهداء في ميزان الرحمن كما جاء في الحديث النبوي الشريف‪ ,,‬واتضح لي‬
‫إن من جمع بين الثنين مداد القلم ودم الشهادة ‪ ..‬ووقع بدمه على ما خطته‬
‫يمينه فقد حاز على مال يباري من المجد ‪ ..‬وهكذا دوما تتلخص القضية في‬
‫البداع السلمي نحو مضامين العدل والحرية وإعلء كلمة الله في الرض‬
‫‪..‬وحالما ُيقتل من جهر بكلمة الحق ‪ُ ..‬بعثت كلماته ودوت في الكون واصبح‬
‫لها طنينا هائل ً في أذان البشر ‪..‬تنتفض المة فكرا‪.. ..‬وتعيش كلماته بين‬
‫الحياء‪..‬فلسفة قديمة ولكنها ما زالت حية و لم تستهلك ‪..‬في مضمار المجد‬
‫والثورة أشار إليها الشيخ سيد قطب رحمه الله ‪ .‬ستظل كلماتنا عرائس من‬
‫الشمع‪ ...‬حتى إذا ما متنا من أجلها ‪ ...‬دبت فيها الروح" وعاشت بين الحياء‪..‬‬
‫‪ .‬وأشار إليها احمد مطر ‪.].‬لقد شنقوا صوت الببغاء وأعطوني صوت ابدي‬
‫يتكلم ‪.[.‬وأشار اليها السياب ‪.‬‬
‫]‪.‬أود لو غرقت في دمي إلى القرار‬
‫لحمل العبء مع البشر‬
‫‪.‬و أبعث الحياة)من خلل أفكارهم ( ‪ ،‬إن موتي انتصار[‬

‫)‪(6 /‬‬

‫السلم والخطاب العلمي المعاصر‬


‫سهاد عكيلة‬
‫مديرة تحرير مجلة منبر الداعيات‬
‫حتى نعود بالمسلمين إلى إسلمهم ل بد أن نتماشى مع متطّلبات العصر‬
‫الحديث‪ ،‬ومع ما تفرضه علينا سياسة المر الواقع((‪)) ،‬وحتى يفهمنا الغرب‬
‫ور ينبغي أن نكون‬ ‫جلة التط ّ‬
‫كب ع َ‬
‫يجب أن نتحدث إليهم بلغتهم((‪)) ،‬وحتى نوا ِ‬
‫على مستوى التحديات التي تواجهنا((‪...‬‬
‫ت قد ُتفهم ضمن إطارها العام في سياق التطور النساني وخصوصية‬ ‫طروحا ٌ‬
‫جهات وما ينتج‬ ‫كل عصر وضرورات النفتاح العالمي‪ .‬إل أن مضامين تلك التو ّ‬
‫مرادات مرّوجيها من إطلقها‪.‬‬ ‫عنها من ممارسات تدعونا للتوقف عند ُ‬
‫جلة التطور‪...‬‬‫فمتطّلبات العصر الحديث‪ ،‬وسياسة المر الواقع‪ ،‬ومواكبة ع َ‬
‫كلها مصطلحات تعكس قناعات توّلدت عند قسم كبير ممن يرّوج لها‪ ،‬تعني‬
‫تطويع الدين بما يتناسب مع ثقافة العالم الجديد وحتمية انفتاح المجتمعات‬
‫على بعضها حتى ل تتصادم الحكام الشرعية مع الثقافة السائدة‪ ،‬مما يؤخر‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م إما‬‫ظر لهذه الثقافة أقل ٌ‬ ‫عملية الندماج فيما يسمى بالقرية الكونية‪ .‬تن ّ‬
‫مأجورة أو مدفوعة بتأثر المغلوب بثقافة الغالب‪.‬‬
‫قسم آخر يتبنى تلك المصطلحات بدعوى العودة بالمسلمين إلى إسلمهم‬
‫وتحبيبهم في تطبيق أحكامه الشرعية ولو بالحد ّ الدنى‪ ،‬وهم من أجل ذلك‬
‫يعملون على جذب شريحة الشباب خاصة عن طريق تقديم )السلم‬
‫طاطية تناسب جميع‬ ‫الموِدرن( كما ُيقال‪ ،‬جاعلين من الشريعة أحكاما ً م ّ‬
‫القياسات والذواق‪.‬‬
‫ً‬
‫يتجلى ذلك في نوعية الخطاب السلمي الذي يتم تسويقه إعلميا‪ ،‬بل هناك‬
‫وهة أو‬ ‫دم للناس مش ّ‬ ‫الكثير من الحكام الشرعية والمفاهيم السلمية ُتق ّ‬
‫دم على أنها الصورة المثل للسلم‪.‬‬ ‫محّرفة‪ ،‬ومع ذلك تق ّ‬
‫ولو أخذنا مثال ً على ذلك حجاب المرأة المعروض على الفضائيات ذات‬
‫ن ما نشاهده أشبه بمهرجان تحتشد فيه اللوان‬ ‫المسحة السلمية لوجدنا أ ّ‬
‫سمت‬ ‫ذابة لدرجة تدفعنا لطرح تساؤل‪ :‬أّيهما أقرب لل ّ‬ ‫البّراقة والشكال الج ّ‬
‫السلمي الموافق لحكم الشرع‪ :‬محجبة تضيف إلى وجهها ولباسها إضافات‬
‫ل آخر‬ ‫ن(؟ وسؤا ٌ‬ ‫فاقعة من الزينة؟ أم محجبة تلتزم بأمر الله‪) :‬ول ي ُْبدين زين ََته ّ‬
‫يفرض نفسه‪ :‬ما هي الحكمة من الحجاب؟‬
‫جبة حديث ًُا‪ ،‬تناولنا‬ ‫ّ‬ ‫مح‬ ‫فتاة‬ ‫وبين‬ ‫بيني‬ ‫ش على الهاتف‬ ‫وفي هذا السياق دار نقا ٌ‬
‫خلله مسألة مواصفات الحجاب الشرعي ومدى َتمّثل العلميات ذوات‬
‫)الحجاب الموِدرن( بهذه المواصفات‪ .‬صاحبتي ترى بأنه حتى نحّبب النساء‬
‫بالحجاب ل بأس من الظهور بهذا المظهر الجميل‪ ،‬وبأننا ل نستطيع أن نرتدي‬
‫من بعدهن‪ ،‬لن ذلك ل يتماشى مع‬ ‫حجابا ً كالذي كانت ترتديه الصحابيات و َ‬
‫عصرنا‪ ،‬كما أن الحجاب ل يتقبله المجتمع حتى الن‪ ،‬والمحجبة محاربة في‬
‫ت لها ما سأبّينه الن من أن أحكام‬ ‫مكان عملها‪ ،‬وفي المجتمع‪ ...‬فأوضح ُ‬
‫الشرع قسمان‪ :‬قسم ل يتغير ول يتبدل وليس قابل للتعديل‪ ،‬والله تعالى‬
‫م‬
‫ت لكم السل َ‬ ‫ت عليكم نعمتي ورضي ُ‬ ‫مم ُ‬‫ت لكم دينكم وأت َ‬ ‫يقول‪) :‬اليوم أكمل ُ‬
‫دينا(‪ ،‬وقسم يتطور بتقدم العصر وهو الدوات والوسائل‪ ،‬ومواكبتنا للعصر‬
‫الحديث تعني أن نستخدم في حياتنا ومشاريعنا وعمارتنا للرض وممارستنا‬
‫ور تكنولوجي‪ ،‬فل‬ ‫للدعوة إلى الله كل وسائل وأدوات هذا العصر من تط ّ‬
‫نقول مثل ً ل نستخدم في تنقلتنا ووسائل اتصالنا مع من حولنا السيارة‬
‫وال والنترنت‪ ...‬لنها لم تكن على عهد رسول الله‪ ،‬فهذا هو‬ ‫والطائرة والج ّ‬
‫التخّلف بعينه‪ ،‬إذ لو كانت على عهده صلى الله عليه وسلم لستخدمها‬
‫الستخدام الذي ُيرضي الله ويخدم الدعوة ويتقدم بالبشرية في عمارة‬
‫الرض؛ فهو صلى الله عليه وسلم ما كان لينبذ معارف الكون وِنتاج العقول‬
‫وأدوات البيئة‪ ،‬بدليل أنه كان صلى الله عليه وسلم يستعمل المتوفر في بيئته‬
‫مما ل يحّرمه السلم‪ .‬إذا ً نحن مأمورون باستخدام جميع الوسائل التي ُتعيننا‬
‫على تبليغ دين الله وعمارة الرض بما ُيرضي الله ويحقق مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫وعليه فإننا لسنا مطاَلبين بتبديل الدين حتى ُنرضي الذواق‪ ،‬بل إن من واجبنا‬
‫عرض أحكام الشرع بأمانة كما أنزلها الله وكما بّينها رسوله‪ ،‬ثم نترك للناس‬
‫ب على خياره‪ ،‬وغاية دورنا هنا أن نبّلغ دين الله‬ ‫ل محاس ٌ‬ ‫حرية الختيار‪ ،‬وك ّ‬
‫وننشر أحكام شريعته‪ ،‬وأن نكون حكماء في أسلوب عرض السلم ومنهجية‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫من‬‫إذا ً الله تعّبدنا بتطويع الوسائل ل بترقيع الحكام الشرعية‪ .‬وإذا كان هناك َ‬
‫ج الِغلظة والفظاظة في تبليغ الدين فالخلل يكمن في أسلوبه‬ ‫ينتهج نه َ‬
‫وممارسته وليس في المنهج السلمي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كل‬‫فَتن على ِ‬ ‫وإذا علمنا أن المقصد السمى من الحجاب هو سد باب ال ِ‬


‫ض البصر‪ ،‬ويحفظ المجتمع‬ ‫قق للقلوب طهارتها ويعين على غ ّ‬ ‫الجنسين بما يح ّ‬
‫سُبل النحراف‪ ،‬أقول‪ :‬إذا علمنا كل ذلك‬ ‫السلمي من مزالق الشيطان و ُ‬
‫أدركنا حكمة الشارع في تحديد مواصفات مخصوصة للحجاب السلمي‪ ،‬وهذا‬
‫مما ل نجده في نمط )الحجاب المتبّرج( لدى سفيرات السلم عبر‬
‫مم ثقافة الختلط‬ ‫الفضائيات‪ .‬هذا فضل ً عن الجلسات بين الجنسين! التي تع ّ‬
‫وإطلق البصر‪...‬‬
‫دعي أن )عصرنة السلم( مما ينادي به منهج‬ ‫وبعد كل ذلك نسمع تبريرات ت ّ‬
‫فهم‬ ‫الوسطية التي هي السمة البرز في ديننا‪ ،‬والشكال هنا يكمن في ال َ‬
‫الخاطئ للوسطية من حيث اعتبارها عند المخطئين مراِدفا ً للتساهل والتمييع‬
‫والتنازل عن الكثير من الثوابت والمسّلمات‪ ،‬في حين تعني الوسطية أنه ل‬
‫يوجد في ديننا إفراط يصل بالمسلم إلى حد ّ الغلوّ وتحميل النصوص ما ل‬
‫وعه ليتماشى مع الطروحات‬ ‫تحتمل‪ ،‬ول تفريط يفّرغ الدين من محتواه ويط ّ‬
‫العالمية الجديدة وثقافة الحداثة‪ .‬يقول تعالى‪) :‬ثم جعلناك على شريعة من‬
‫ن أصحاب الهواء‬ ‫المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون(‪ ،‬ول يخفى أ ّ‬
‫وعين بتهذيب الحكام الشرعية‪ ،‬المعنيين بالحذف والضافة والتعديل‬ ‫المتط ّ‬
‫ك ُث ٌُر في الداخل والخارج‪ ،‬وكلما وجدوا من أبناء المسلمين وعلمائهم آذانا ً‬
‫صاغية وعقول ً تستوعب ما يطرحون كان ذلك مسّرعا ً لخطوات تنفيذ‬
‫خططهم الرامية إلى تنحية السلم )بحقيقته ل بصورته( جانبا ً عن واقع‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ملنا ‪ -‬كل بحسب موقعه ‪ -‬مسؤولية مجابهة كل طرح‬ ‫ّ‬ ‫وهذا بالطبع مما يح ّ‬
‫يتلعب بالحكام الشرعية ويخدم المصالح الغربية في العالم السلمي‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السلم والغرب وجها ً لوجه‬


‫م‪ .‬حسن الحسن *‬
‫‪A_l_hasan@yahoo.dk‬‬
‫ل مباشر ومن غير مواربة يشير إلى أن‬ ‫شن الغرب حملة على السلم بشك ٍ‬
‫حملة علمنة السلم لم تحقق المرجو منها‪.‬‬
‫لم يعد بإمكان أحدٍ قط إغفال تلك الحملة العالمية المعادية للسلم والتي‬
‫طالما تم طرحها تحت عناوين شتى‪ ،‬كالحرب "الوقائية"‪ ،‬والحرب على‬
‫"الرهاب"‪ ،‬وعولمة ثقافة "حقوق النسان" ونشر "الديمقراطية" وما شاكل‬
‫من مزاعم‪ ،‬ليس مقام بحث زيفها وتداعيها ونسبيتها هنا‪.‬‬
‫وبغية إحداث شرخ بين المسلمين‪ ،‬فقد اعتاد الغرب تناول السلم في‬
‫سما ً المسلمين إلى "معتدلين" و"متطرفين"‪ ،‬محاول ً‬ ‫ق ّ‬
‫م َ‬
‫خطابه الرسمي ُ‬
‫م‬
‫ُ‬ ‫السل‬ ‫د‬ ‫ق‬‫ْ‬
‫َِ ِ َ‬‫ف‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ومائع‪،‬‬ ‫ومتطور‬ ‫مرن‬ ‫م‬‫إسل‬ ‫تفريخ‬ ‫إلى‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫طامح‬ ‫بذلك تشتيتهم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫خصائله ومميزاته‪ ،‬تلك التي تجعل منه ن ِد ّا ً للغرب‪ ،‬وليس ذائبا ً فيه‪ .‬أل إننا‬
‫ة في آن معا ً على‬ ‫ة ومباشرةً ومتعاقب ً‬ ‫ج ً‬‫تف ّ‬
‫شهدنا في الونة الخيرة هجما ٍ‬
‫س أحكاما ً مجمعا ً عليها‪ ،‬كتحكيم الشريعة والخلفة وجهاد المحتلين‬ ‫قضايا تم ّ‬
‫الغزاة‪ ،‬حيث باتت الدعوة لما سبق تهمة‪ ،‬كما أصبح التعرض "لسرائيل" ولو‬
‫ل غير مسبوق‪.‬‬ ‫بمجرد الكلم‪ ،‬أمرا ً مثيرا ً لسخط الغرب ومؤججا ً لغضبه بشك ٍ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل مباشر ومن غير مواربة‪ ،‬يشير إلى أن‬ ‫ل شن حملة على السلم بشك ٍ‬ ‫ولع ّ‬
‫حملة علمنة السلم لم تحقق المرجو منها‪ .‬ولذلك فقد آثر الغرب أخيرا ً‬
‫مواجهة السلم كما هو‪ ،‬واصفا ً جوهر ما يقوم عليه بأيديولوجية شر ل بد من‬
‫وأدها في مهدها‪.‬‬
‫مة أمة‬ ‫وهكذا صرنا نرى أبعاد الصراع واضحة المعالم‪ ،‬وجها ً لوجه بين عا ّ‬
‫السلم من جهة‪ ،‬والغرب مجسدا ً بالقوى الرأسمالية الكبرى من جهة أخرى‪،‬‬
‫ن "سيمفونية" القضاء على الرهاب ونشر الديمقراطية‬ ‫وبات واضحا ً للعيان أ ّ‬
‫وغيرها من الترهات‪ ،‬ما هي إل مجرد حجج لستئصال السلم وتركيع‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ل من غير‬ ‫ل فاع ٍ‬ ‫ن أية أمة ل يمكن أن تدخل حلبة الصراع الدولي بشك ٍ‬ ‫وبما أ ّ‬
‫ي تمثله دولة بكل مقوماتها وإمكانياتها‪ ،‬وأن‬ ‫أن ينتظم عقدها في كيان سياس ٍ‬
‫مشروع دولة الخلفة هو ما يحقق ذلك وحده دون سواه للمسلمين‪ ،‬المر‬
‫الذي يفسر صب الغرب جام غضبه على فكرة الخلفة‪ ،‬بغية النتقاص منها‬
‫وإضعاف الداعين إليها‪ ،‬محاول ً تشويهها وتقديمها في ثوب يقطر دما ً ويقدح‬
‫شرًا‪.‬‬
‫وفي هذا السياق تأتي تصريحات وزير الداخلية البريطاني تشارلز كلرك‬
‫ن مسألة إعادة الخلفة وتطبيق الشريعة السلمية أمران‬ ‫الخيرة موضحًا‪" :‬إ ّ‬
‫مرفوضان ل يقبلن النقاش أو المساومة" معتبرا ً "أن هذه القيم أساسّية‬
‫وغير قابلة للتفاوض ‪ ."...‬وقد سبقه إلى ذلك رئيس وزراء بريطانيا توني بلير‬
‫حيث أعلن تبنيه لما سلف مضيفا ً إليها موضوع القضاء على دولة "إسرائيل"‪،‬‬
‫معتبرا ً "إن تحكيم الشريعة في العالم العربي‪ ،‬وإقامة خلفة واحدة في بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬وإزالة نفوذ الغرب منها‪ ،‬هو أمٌر غير مسموح به ول يمكن احتماله‬
‫مطلقًا"‪.‬‬
‫وعلى النمط البريطاني‪ ،‬قام رموز الدارة الميركية بالتحذير بشدة من‬
‫الخلفة‪ ،‬فبعد تتالي وتكرار تحذيرات الجنرال مايرز ورامسفلد من الخلفة‪،‬‬
‫دولة السلمّية التي ستمتد ّ من إندونيسيا إلى‬ ‫ذر من قيام ال ّ‬ ‫فها هو بوش يح ّ‬
‫ن استراتيجية أوسع لناشطين إسلمّيين تهدف إلى‬ ‫الندلس‪ ،‬منبها ً إلى‪" :‬إ ّ‬
‫إنهاء التأثير الميركي في الشرق الوسط‪ ،‬واستغلل الفراغ الناجم عن ذلك‪،‬‬
‫ط الكبر هو‪:‬‬ ‫في الطاحة بأنظمة للحكم في المنطقة" وأضاف "إن المخط ّ َ‬
‫إقامة إمبراطورّية إسلمّية متطّرفة من إسبانيا وحّتى إندونيسيا«‪ .‬ويتطابق‬
‫هذا أيضا مع ما ذهب إليه بوتين عن التهديدات التي تؤرقه في آسيا‬
‫الوسطى‪ ،‬منبها ً إلى "إنه يوجد من يعمل على إسقاط النظمة العلمانية بغية‬
‫إقامة دولة إسلمية في آسيا الوسطى"‪.‬‬
‫والخشية من دولة الخلفة والتهجم عليها وعلى تحكيم الشريعة بهذا الشكل‬
‫غير المسبوق‪ ،‬تحمل عدة دللت‪ ،‬أسوق أبرزها على النحو التالي‪:‬‬
‫ج ميداني يمثل المسلمين ويجسد هويتهم كأمة‪.‬‬ ‫‪ .1‬بأنه ل يوجد الن نموذ ٌ‬
‫ة ل مراء فيها‪ ،‬حيث إن النظمة المقيتة المتحكمة بمصائر المة‬ ‫وهذه حقيق ٌ‬
‫ي من قبل‬ ‫ة عليها بغطاٍء جل ٍ‬
‫السلمية فاقدة الشرعية والشعبية‪ ،‬مسلط ٌ‬
‫ة حائل ً واضحا ً دون نهضة المة ووحدتها‪.‬‬ ‫شك ّل َ ٌ‬ ‫م َ‬
‫الغرب‪ُ ،‬‬
‫ن المة السلمية قد أسقطت البدائل التي حاول الغرب تسويقها إليها‪،‬‬ ‫‪ .2‬بأ ّ‬
‫ً‬
‫وأنها لم تعد ترى سوى السلم ملذا لها‪ ،‬كما أنها باتت جاهزة أكثر من أي‬
‫ت مضى لمعانقة التغيير الذي يوحدها ويحكم شرع الله فيها ويضع حدا ً‬ ‫وق ٍ‬
‫لتمادي أعدائها عليها‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن إصرار زعماء الدول الكبرى بالنتقاص من الشريعة والنيل من فكرة‬ ‫‪ .3‬إ ّ‬


‫ل من السلم‬ ‫الخلفة بل وعملهم على تشديد قوانينهم لمحاربة أي شك ٍ‬
‫ل على حالة الرق من احتمال‬ ‫السياسي الذي ينتمي إلى فكرة الخلفة‪ ،‬ليد ّ‬
‫نجاح دعاة الخلفة في تحقيق مشروعهم‪ ،‬ذلك الذي يشكل نموذجا ً فريدا ً‬
‫على الصعيد الدولي لمباينته كل ما هو موجود من أنظمة‪ ،‬مما سيغير قواعد‬
‫ل أساسي‪ ،‬ويشكل معها منعطفا ً جديدا ً على‬ ‫اللعبة السياسية القائمة بشك ٍ‬
‫صعيد النظام العالمي‪.‬‬
‫ة في الواقع الدولي‪ ،‬يجعل من المة‬ ‫وخلصة القول هو‪ :‬إن نظرة متفحص ً‬
‫السلمية وحدها هي من يستطيع إيجاد حد ّ للسفه الذي ترعاه الدول الكبرى‬
‫ن دولة الخلفة وحدها هي من سيجسد ذلك‬ ‫من خلل المؤسسات الدولية‪ .‬وإ ّ‬
‫ل عن‬‫المشروع‪ .‬ويرجع ذلك لطرح السلم رؤية إنسانية بحق‪ ،‬كبدي ٍ‬
‫الرأسمالية الفاسدة السائدة‪ .‬أضف إلى ذلك أهلية المة السلمية للعب ذلك‬
‫الدور حيث أنها تمتلك جغرافية استراتيجية هامة وحساسة‪ ،‬وثروات ومقدرات‬
‫هائلة‪.‬‬
‫ل ما ذهبت إليه تصريحات كبار ساسة الغرب‪ ،‬وما أصدرته مراكز البحوث‬ ‫ولع ّ‬
‫والدراسات العالمية من احتمال قيام دولة الخلفة‪ ،‬لينبئ بأن الجمر مشتع ٌ‬
‫ل‬
‫ن خطوات الغرب التي يتخذها الن ضد فكرة الخلفة‬ ‫تحت الرماد‪ ،‬وإ ّ‬
‫وأنصارها‪ ،‬ما هي سوى محاولة أخيرة يائسة منه لوأد تلك الفكرة قبل أن‬
‫ن كثرة الحديث عن الخلفة من‬ ‫ل فإ ّ‬‫تنجب واقعا ً يصعب التعامل معه‪ .‬على ك ّ‬
‫كبار ساسة الدول مرفقة بتقارير مراكز الدراسات الستراتيجية في الغرب‪،‬‬
‫لهي إحدى العلمات الهامة التي تنبئ بقرب بزوغ فجر دولة الخلفة من‬
‫جديد‪ ،‬فكما قال الشاعر‪:‬‬
‫أرى خلل الرماد وميض نار وأخشى أن يكون لها ضرام‬
‫فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب مبدؤها كلم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السلم والغريزة الجنسية‬


‫قضية الجنس من أخطر المنعطفات في حياة المراهق والمراهقة ‪ ،‬وهي من‬
‫أكثر مشكلت المراهقة تعقيدًا‪ ،‬إذ إن فورة الجنس تتأجج في هذا السن لدى‬
‫الفتيان والفتيات مع كثرة المثيرات‪ ،‬ومن هنا تشدد الحاجة إلى حسن التفاهم‬
‫مع طبيعة المراهقة ثم وضع التدابير التي تجنب الفتى مواطن النحراف‬
‫والغواية‪.‬‬
‫وهنا نتساءل‪ :‬ما نظرة السلم إلى الطاقة الجنسية ودوافع الجنس ؟‬
‫إن الدين يعترف بالغريزة الجنسية ويوجهها‪ ،‬ولم يكن الله الذي زود النسان‬
‫بأجهزة التناسل وركب فيه غريزة الجنس‪ ،‬ليحرم عليه استعمال هذه الجهزة‬
‫بتاًتا‪ ،‬ولم يكن الله ليترك للنسان حرية التصرف كاملة في هذه الجهزة بل‬
‫ضابط فيكون كالحيوان‪.‬‬
‫إن الدين الحنيف يوجه الغريزة الجنسية في الحلل الطيب الذي ل لوم فيه‬
‫ول حرمة‪ ،‬وهو 'الزواج' الذي فيه تكريم للمرأة والرجل‪ ،‬وللسرة والمجتمع‪.‬‬
‫وليس للجنس مشكلة في السلم‪ ،‬فقد خلقه الله ككل طاقة حيوية ليعمل ل‬
‫ليكبت‪ ،‬إنه يقره كما يقر الدوافع كلها‪ ،‬ثم يقيم أمامها حواجز ل تغلق مجراها‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن ترفعها وتضبط مجراها‪ ،‬فهي أشبه بالقناطر تقام أمام تيار النهر لتوجيه‬
‫طاقته كي تنفع ول تحطم‪.‬‬
‫الفضول الجنسي عند المراهقين‪:‬‬
‫الجنس فطرة‪ ،‬ومن طبيعة الناشئة أن يتساءلوا‪ :‬من أين يأتي الطفال؟ وعما‬
‫يكون بين الرجل والمرأة من حيث تكوينهما الجنسي ؟ وتلح هذه المشاعر‬
‫على المراهق فيشعر بالحاجة الملحة إلى من يتحدث إليه‪ ،‬فله في ذلك‬
‫اتجاهان‪:‬‬
‫‪1‬ـ إما أن يحصل المراهق على المعلومات من جماعة الرفاق‪ ،‬وفي الغالب‬
‫تكون هذه المعلومات للستثارة والتشويق‪ ،‬وغالًبا ما تثير الشعور بالقلق أو‬
‫التأثم والشعور بالخطأ أو الحساس بالنقص والقصور‪.‬‬
‫‪2‬ـ والتجاه الخر‪ :‬هو أن يتحدث إلى الكبار المسئولين مثل أبويه وأساتذته‪،‬‬
‫ها بيولوجًيا هادًئا‬ ‫وعلى هؤلء أن يطمئنوه‪ ،‬ويتخذوا حيال المور الجنسية اتجا ً‬
‫ل يشوبه الحرج أو التأثم أو الستقذار‪.‬‬
‫المدرسة تستطيع من جانبها أن تقوم بدورها في هذا الصدد عن طريق‬
‫دروس علم الحياء والدين والدب التي تعتبر من السباب الطيبة لشباع ما‬
‫يكون عند المراهقين من فضول طبيعي في هذه الناحية‪ ،‬ولشباع قواعد‬
‫التربية السليمة وتطبع المراهق بالمعايير الخلقية والجتماعية التي تدعو‬
‫المجتمع إلى التقيد بها في هذا المضمار وذلك يساعد على التخفيف من حدة‬
‫القلق والتوتر الذي يمازج الفضول في هذه المرحلة‪.‬‬
‫السلم فيه الجابات الشافية عن قضية الجنس‪:‬‬
‫فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت‪ :‬سألت أم سليم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقالت‪' :‬إذا احتلمت المرأة أتغتسل؟ فقال‪ :‬إذا رأت الماء‬
‫فلتغتسل ' فقالت أم سلمة‪ :‬يا رسول الله وهل تحتلم المرأة ؟ قال‪ :‬تربت‬
‫يمينك‪ ،‬فبم يشبهها ولدها ؟ ' لقد أعطى رسول الله معلومات مناسبة عن‬
‫قضية الوراثة بأسلوب علمي‪ ،‬وكانت صراحة الصحابية وحرصها على تعلم‬
‫دينها من الحوافز التي لم تمنعها من السؤال‪.‬‬
‫ول يفوتنا أن أم سلمة أخبرت ابنتها زينب لهذه الحادثة كنوع من التعليم‬
‫والتوجيه هذه هي نظرة السلم إلى الجنس نظرة الفطرة السوية‪.‬‬
‫التربية الجنسية الشرعية هي الحل وليست التربية الغربية‪:‬‬
‫واليوم نجد هناك دعوة تأتي رياحها من مجتمعات أخرى لتعليم التربية‬
‫الجنسية ولقد علمنا من واقع هذه المجتمعات ما المقصود بهذا العنوان ' بل‬
‫ورأينا نتيجة في واقع تلك المجتمعات '‪.‬‬
‫ونحن نرفض أن نلخص التربية الجنسية في تدريب الفتاة على السلوب الذي‬
‫تتفادى به الحمل أثناء العلقات الثمة في سن المراهقة‪ ،‬أو الذي يتفادى به‬
‫عدوى مرضى اليدز في هذه العلقات المحرمة‪.‬‬
‫ولكن التربية الجنسية هي القيم والمبادئ التي من خللها يعبر الشاب وتعبر‬
‫الفتاة تلك المرحلة ليصلوا إلى بر المان والتي تتلخص في قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ظون]‪[29‬إل ّ عََلى أ َزواجه َ‬
‫م‬
‫مان ُهُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫م أوْ َ‬‫ْ َ ِ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫حافِ ُ َ‬
‫م َ‬‫جهِ ْ‬
‫فُرو ِ‬‫م لِ ُ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫} َوال ّ ِ‬
‫ه‬
‫قَرُبوا الّزَنى إ ِن ّ ُ‬ ‫ن{ ]المعارج‪29:‬ـ ‪ [30‬وقال تعالى‪َ } :‬ول ت َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬‫م غَي ُْر َ‬ ‫فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ً‬
‫سِبيل{ ]السراء‪[32:‬‬ ‫ساَء َ‬‫ة وَ َ‬ ‫ح َ‬
‫ش ً‬ ‫ن َفا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫إن تربية الفتيان والفتيات على آداب السلم منذ الصغر ضرورة ملحة‪ ،‬ليقفوا‬
‫عند حدود الحلل والحرام فل تهاون ول تجاوز لهذه الحدود‪.‬‬
‫السلم هو الضابط في قضية التربية الجنسية‪:‬‬
‫وقد وضع السلم ضوابط تحد من انحرافات الجنس وجعل هنالك تدابير‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرعية توصد باب الغواية‪ ،‬فسن آداب الحجاب وغض البصر وآداب الستئذان‬
‫حلت كثير من مشكلت‬ ‫ومنع الختلط ولو اتبعت هذه الداب والضوابط ل ُ‬
‫المراهقين الجنسية‪.‬‬
‫فاللهم لك الحمد على نعمة السلم‬
‫إلى حين اللقاء لكم منا التحية والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬مراهقة بل أزمة ‪ -‬د‪ .‬أكرم رضا‪.‬‬
‫‪] -2‬علم نفس النمو‪ :‬حامد زهران ص ‪.[418‬‬
‫‪] -3‬منهج التربية السلمية‪ ،‬محمد قطب ج ‪[2/196‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫السلم والفنون‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫السلم والفنون‬
‫د‪ .‬حسام الدين عفانه‬
‫كلية الدعوة وأصول الدين‬
‫جامعة القدس‬
‫• ‪ ...‬السلم والفنون‬
‫• ‪ ...‬تعريف الفن السلمي‬
‫• ‪ ...‬منهج الفن السلمي‬
‫• ‪ ...‬خصائص الفن السلمي‬
‫• ‪ ...‬الفنان المسلم‬
‫• ‪ ...‬الفنون وموقف السلم منها باختصار شديد‬
‫• ‪ ...‬أول ً ‪ :‬فن التصوير‬
‫• ‪ ...‬ثانيا ً ‪ :‬الموسيقى والغناء‬
‫• ‪ ...‬ثالثا ً ‪ :‬التمثيل‬
‫إن الحمد لله ‪...‬‬
‫تطلق كلمة الفن في وقتنا الحاضر على الغناء والموسيقى والتمثيل والرقص‬
‫والتصوير والرسم ونحو ذلك من المور ‪.‬‬
‫واستعمال كلمة الفن في هذه المور هو استعمال حديث وأما قديما ً‬
‫فاستعملت كلمة صناعة في الدللة على ما يسمى فنا ً ‪ ،‬ففي مصادرنا‬
‫القديمة يقولون صناعة الشعر وصناعة الدب ‪ .‬فألف أبو هلل العسكري‬
‫كتابه ‪ " :‬الصناعتين النظم والنثر " ‪ ،‬وألف القلقشندي كتابه ‪ ":‬صبح العشى‬
‫في صناعة النشا " وتحدث ابن خلدون في مقدمته عن صناعة الغناء ‪.‬الفن‬
‫السلمي للشامي ص ‪ 17‬فما بعدها ‪.‬‬
‫واستخدمت كلمة الفن في العلوم المختلفة فألف ابن عقيل من علماء‬
‫الحنابلة كتابه " الفنون " ‪.‬‬
‫ويمكننا أن نعرف الفن بأنه التعبير المنسق المبدع الماهر عن تصورات ذات‬
‫انفعال بوسائل خاصة وضمن قواعد يحكمها الجمال والذوق ‪ .‬الشريعة‬
‫السلمية والفنون للقضاة ص ‪. 18‬‬
‫تعريف الفن السلمي ‪:‬‬
‫قال الستاذ محمد قطب في بيان معنى الفن السلمي ‪ ]:‬هو الفن الذي‬
‫يرسم صورة الوجود من زاوية التصور السلمي لهذا الوجود ‪ .‬وهو التعبير‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجميل عن الكون والحياة والنسان من خلل تصور السلم للكون والحياة‬


‫والنسان ‪ .‬منهج الفن السلمي ص ‪ ، 6‬نقل ً عن الشريعة السلمية والفنون‬
‫للقضاة ص ‪. 31‬‬
‫منهج الفن السلمي ‪:‬‬
‫لما كان الفن السلمي يرسم صورة الوجود من خلل التصور السلمي فإن‬
‫منهجه في ذلك الفن منبثق أيضا ً من التصور السلمي وهو يتفق مع منهج‬
‫السلم في الحياة كلها ومن هنا فإن منهج الفن السلمي ينظر إلى النسان‬
‫على أنه مخلوق في الوجود ومكون من مادة وعقل وروح وهو مكرم قد‬
‫سخر له الكون كله ويشكل النسان جزءا ً من أجزاء هذا الوجود وتتفق حركته‬
‫مع حركة الوجود حوله وحركته في الحياة هي حركة وئام وانسجام ل حركة‬
‫صراع وعقد نفسية وهو في المنهج السلمي يرضى بالقضاء والقدر ل‬
‫يصارعه كما هو متصور في بعض مناهج الفنون ‪.‬‬
‫ويرفض السلم منهج التقديس الذي يقوم عليه الفن غير السلمي سواء‬
‫كان فنا ً غريبا ً أو فنا ً شرقيا ً وسواء كان قديما ً أو حديثا ً فالفنان في منهج الفن‬
‫السلمي هو مخلوق مكرم ل خالق مقدس كما أن فكرة الفن السلمي تدور‬
‫حول العبودية لله خلفا ً لما يدور عليه الفن الجاهلي الذي يقدس الجساد أو‬
‫الفنان ‪.‬‬
‫والطبيعة وما فيها من أشياء هي مجال ذلك الفن الذي يلحظ الدنيا والخرة‬
‫في فنه والماضي والحاضر والمستقبل ويقوم على التوازن والعتدال وينبذ‬
‫اللشعور والتشرذم ويوازن بين العقل والعاطفة والمادة والروح ‪.‬‬
‫والحقيقة أن منهج السلم وتصوره للكون والنسان والحياة يعتبر هو منهجا ً‬
‫للفن السلمي مع ملحظة ما ورد في الشريعة السلمية من أحكام تتعلق‬
‫بجزيئات الفنون المختلفة الشريعة السلمية والفنون للقضاة ص ‪ 32‬بتصرف‬
‫‪.‬‬
‫خصائص الفن السلمي ‪:‬‬
‫‪ .1‬يقوم الفن السلمي على العبودية الخالصة لله تعالى فهو يقوم على‬
‫أساس من عقيدة التوحيد وعلى تصور شامل للنسان والكون والحياة ‪ .‬الفن‬
‫السلمي للشامي ص ‪. 37‬‬
‫وذلك في الوقت الذي قامت فيه الفنون غير السلمية على التعبير عن‬
‫التصورات الوثنية والنفعالت الخاطئة وأخذت تصور اللهة على اللوحات أو‬
‫تمثلها في التمثيليات أو تخاطبها في لحن موسيقي وكلم غنائي وكذلك‬
‫ُتنصب تلك المبادئ عبر فنونها أبطال ً يصارعون اللهة مع وضعها آلهة لكل‬
‫شيء في حياتنا فللخمرة إله وللشر إله وللخير إله وللخصب إله وهكذا ‪ .‬ثم‬
‫إن القصة أو التمثيلية أو اللوحة المصورة في تصورهم يجب أن تترجم‬
‫الصراع بين النسان والقضاء والقدر والفنان إنما هو إله أو نصف إله لنه‬
‫يكمل في فنه ما خفي من الكون ‪ .‬الشريعة السلمية والفنون للقضاة ص‬
‫‪. 35-34‬‬
‫‪ .2‬التحرر من الخرافات والساطير التي تعتبر المادة الساسية للفنون غير‬
‫السلمية وذلك لن التصور السلمي حارب الخرافات وحرر العقول من‬
‫الساطير وهذه الخرافات ل تتفق مع التصور السلمي للكون والنسان‬
‫والحياة بل تعتبر لونا ً من ألوان الوثنية وإن كانت تسمى فنا ً ‪ .‬الشريعة‬
‫السلمية والفنون للقضاة ص ‪.34‬‬
‫‪ .3‬والفن في التصور السلمي وسيلة ل غاية والوسيلة تشرف بشرف الغاية‬
‫التي تؤدي إليها فلذا ليس الفن للفن وإنما الفن في خدمة الحق والفضيلة‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعدالة وفي سبيل الخير والجمال ‪.‬‬


‫‪ .4‬وللفن في التصور السلمي غاية وهدف إذ كل أمر يخلو من ذلك فهو‬
‫عبث وباطل والفن السلمي فوق العبث والباطل فحياة النسان ووقته أثمن‬
‫من أن يكون طعمة للعبث الذي ل طائل تحته ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .5‬إن الغاية التي يهدف الفن السلمي إلى تحقيقها هي إيصال الجمال إلى‬
‫حس المشاهد ] المتلقي [ وهي ارتقاء به نحو السمى والعلى والحسن أي‬
‫نحو الجمل فهي اتجاه نحو السمو في المشاعر والتطبيق والنتاج ورفض‬
‫للهبوط ‪ .‬الفن السلمي للشامي ‪. 39‬‬
‫‪ .6‬استقللية الفن وتميزه نظرا ً لستقللية التصور السلمي من كل‬
‫الضغوطات الجتماعية وغير الجتماعية التي كانت تؤثر على الفنون في‬
‫العصور القديمة ونظرا ً لتميزه عن كل التصورات فإن فنه يستقل ويتميز عن‬
‫كل الفنون سواء كان هذا الفن شعرا ً أو قصة أو تصويرا ً أو تمثيل ً ويكفي أن‬
‫الفن السلمي متحرر من القيود الوثنية التي أحاطت بالفنون خاصة في‬
‫القرون القديمة والوسطى عند الفراعنة واليونان وأوروبا الكنسية وسيبقى‬
‫متميزا ً عن غيره ‪ .‬الشريعة السلمية والفنون للقضاة ‪ . 33‬وغير ذلك من‬
‫الخصائص‬
‫الفنان المسلم ‪:‬‬
‫هو النسان الموهوب السوي الملتزم ‪ ،‬إن كلمة فنان تطلق في اللغة العربية‬
‫على الحمار الوحشي لن له فنونا ً في العدو والركض وكثير من فناني اليوم‬
‫لهم من هذا السم نصيب وكذا الفنانات فلهم من صفات الحمير والحمارات‬
‫نصيب ؟!‬
‫إل أن الفنان المسلم ل بد أن تتوفر فيه ثلث صفات ‪:‬‬
‫ً‬
‫الولى ‪ :‬أن تتوفر فيه الموهبة فهي المنحة التي يمنحها الله إنسانا من الناس‬
‫بحيث يرهف حسه وترق مشاعره وتنفذ بصيرته إنها قضية غير مكتسبة‬
‫ولكنها هبة ‪ .‬يقول الستاذ محمد قطب ‪ ]:‬والفنان شخص موهوب ذو‬
‫حساسية خاصة تستطيع أن تلتقط اليقاعات الخفية اللطيفة التي ل تدركها‬
‫الجهزة الخرى في الناس العاديين وذو قدرة تعبيرية خاصة تستطيع أن‬
‫تحول هذه اليقاعات ‪ -‬التي يتلقاها حسه مكبرة مضخمة ‪ -‬إلى لون من الداء‬
‫الجميل يثير في النفس النفعال ويحرك فيها حاسة الجمال [ منهج الفن‬
‫السلمي ص ‪. 15‬‬
‫وإذا كانت هذه الموهبة هي السمة المميزة للفنان فل بد حتى تؤتي ثمارها‬
‫أن تستند إلى أرض صالحة ثابتة حتى تأخذ طريقها سوية مستقيمة منتجة‬
‫للظل الوارف والثمر الطيب وهذه هي السمة الثانية ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬النسان السوي ‪:‬‬
‫إنه النسان المتوازن الذي توفرت له الصحة النفسية الكامنة وهذه السمة‬
‫هي نتيجة تلقائية عادية للتربية السلمية التي يسهم فيها البيت المسلم‬
‫والمدرسة والمجتمع المسلم ‪ .‬إن الفنان قبل أن يكون موهوبا ً ينبغي أن‬
‫يكون إنسانا ً سويا ً يأخذ التوازن أبعادا ً في كيانه له تصور كامل عن الكون‬
‫والنسان والحياة يدري غايته وهدفه في هذه الحياة فهو واضح في كل شيء‬
‫من وضوح منهجه وهو السلم ‪ ،‬تلك هي النفس التي يهيؤها السلم في‬
‫النسان وحين تظهر الموهبة على هذا السطح الثابت الركان يمكن أن تكون‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إيجابية فعالة معطاءة في سبيل الخير والجمال ذلك أن ثقلها وضغطها لن‬
‫يؤثر على ثبات القاعدة فلن يختل توازنها وتعاليم السلم ومنهجه يكفلن هذا‬
‫الثبات المتوازن ‪ .‬الفن السلمي للشامي ‪. 71-69‬‬
‫أما الفنان في الغرب فإنسان غير سوي فيرى فرويد أن النحراف هو العلة‬
‫في إبداع الفنان بينما يرى عالم النفس يونج أن النحراف ما هو إل نتيجة‬
‫للبداع فالفنان عندهم إنسان غير سوي فمثل ً بيكاسو الرسام المشهور كان‬
‫منحرفا ً ويؤمن بالشعوذة والخرافات‬
‫وفان جوخ مات منتحرا ً‬
‫وهمنجواي مات منتحرا ً ‪ .‬الفن السلمي للشامي ص ‪. 71-69‬‬
‫الثالثة ‪ :‬اللتزام بالسلم تصورا ً وسلوكا ً ومنهاج حياة ‪:‬‬
‫ول يظنن أحد أن الحرية تفقد وجودها في ظل اللتزام إن الفنان المسلم في‬
‫حرية كاملة تأخذ أبعادها في مشاعره وتصوراته كما تأخذه في حياته العملية‬
‫وفي تطبيقاته ذلك أنه قد طرح من حسابه ما وراء القيد الذي يفرضه‬
‫السلم إذ السلم حرية القيد ل حرية الحرية والمثال يوضح ذلك فالخمر‬
‫محرمة في السلم فالفنان المسلم ‪ -‬وكل مسلم ‪ -‬يخرج الخمر من حياته‬
‫فل يعود لها وجود فيها فبذلك ل يشعر أن حريته قد تأثرت بمنع القتراب منها‬
‫وكذلك جميع الممنوعات الخرى وإذا بقي لها من وجود فهو وجود الشر الذي‬
‫يحذره ويبتعد عنه بدافع القناعة الكاملة والحرية الكاملة ‪ ،‬إن اللتزام ل‬
‫يخدش كرامة الحرية لكنه يبعثها من منطلقات صحيحة ويحلها بمكانها اللئق‬
‫بها بعيدا ً عن منحدرات السفاف والرذيلة ‪ .‬الفن السلمي للشامي ص ‪. 85‬‬
‫الفنون وموقف السلم منها باختصار شديد ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬فن التصوير ‪ :‬والمقصود به التشكيل والتكوين والتجسيم وردت‬
‫إشارات إلى ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ ):‬ما‬
‫هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ( سورة النبياء الية ‪. 52‬‬
‫وقال تعالى ‪ ):‬يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب‬
‫وقدور راسيات ( سورة سبأ الية ‪. 13‬‬
‫وورد في حديث ابن مسعود أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ):‬إن‬
‫أشد الناس عذابا ً عند الله يوم القيامة المصورون ( متفق عليه ‪ .‬وهم الذين‬
‫يصورون أشكال الحيوانات التي تعبد من دون الله كما قال القسطلني في‬
‫إرشاد الساري ‪. 8/481‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وعن أبي سعيد قال ‪ ):‬أخبرنا النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن الملئكة ل‬
‫تدخل بيتا ً فيه تماثيل أو تصاوير ( رواه الترمذي ومالك ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫الحاديث ‪.‬‬
‫وقد استعرض أحد الباحثين الحاديث الواردة في التصوير والصور وخلص إلى‬
‫أن المقصود بالصورة في الحاديث التمثال وأن هذا المعنى هو الكثر ورودا ً‬
‫ووضوحا ً ثم ورودها بمعنى الرقم والنقش ‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء قديما ً وحديثا ً في حكم التصوير ويمكن أن نجمل الحكام‬
‫المتعلقة بالتصوير بما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬يحرم تصوير التماثيل وخاصة ما كان يعبد من دون الله ‪.‬‬
‫‪ .2‬تحرم التماثيل المقصود بها مضاهاة خلق الله أو المقصود بها التعظيم‬
‫كتماثيل الزعماء والحكام ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .3‬تحرم تماثيل كل ما فيه روح ويستثنى من ذلك لعب الطفال ‪.‬‬


‫‪ .4‬تحرم الصور غير المجسمة إذا قصد بها التعظيم ‪ .‬السلم والفن‬
‫للقرضاوي ص ‪. 113-111‬‬
‫‪ .5‬التصوير الفوتغرافي والتصوير التلفزيوني الصل فييهما الباحة إل إذا كان‬
‫أصل الصورة محرما ً كتصوير امرأة سافرة أو نحو ذلك ‪ .‬وكذلك يحرم هذا‬
‫النوع من التصوير إذا ترتب عليه مفاسد مثل أفلم الجنس والفلم التي تعلم‬
‫الناس السرقة والميوعة والنحراف وغير ذلك من طرق الفساد ‪.‬‬
‫‪ .6‬يترتب على ما سبق من الحكام أنه ل يجوز العمل بأي شكل من الشكال‬
‫في كل ما يتعلق بهذه المحرمات ‪ .‬فيحرم صنع التماثيل وبيعها واتخاذها في‬
‫البيوت وغيرها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الموسيقى والغناء ‪:‬‬
‫وهي من المواطن الشائكة في البحث العلمي ‪.‬‬
‫وخلصة أحكام الموسيقى وعلى وجه الدقة اللت الموسيقية ‪:‬‬
‫‪ .1‬ل يسلم القول بتحريمها مطلقا ً كما أنه ل يسلم القول بإباحتها على‬
‫الطلق ‪.‬‬
‫‪ .2‬تحريم المعازف والمزامير لقوة الدلة على ذلك ومنها حديث أبي عامر‬
‫الشعري أنه سمع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ ):‬ليكونن من أمتي‬
‫أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف ( رواه البخاري في صحيحه تعليقا ً‬
‫وغير ذلك من الحاديث ‪.‬‬
‫والصحيح من أقوال المحدثين أن حديث أبي عامر الشعري ثابت ل مطعن‬
‫فيه ول يسلم تضعيف ابن حزم ومن تابعه للحديث وهذا قول الحافظ ابن‬
‫حجر والقسطلني والعيني وشيخ السلم ابن تيمية وابن القيم والشوكاني‬
‫وغيرهم ‪ .‬الشريعة السلمية والفنون للقضاة ‪.214-213‬‬
‫‪ .3‬يباح الدف وطبل الغزاة ونحوهما في العراس ‪.‬‬
‫أما الغناء فخلصة الحكام فيه ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬تحريم غناء النساء للرجال والرجال للنساء ‪.‬‬
‫‪ .2‬إباحة غناء النساء للنساء والرجال للرجال ما لم يكن فيه فحش أو يؤدي‬
‫إلى فتنة ‪.‬‬
‫‪ .3‬الغناء المصاحب للمعازف الراجح من أقوال العلماء تحريمه ‪.‬‬
‫‪ .4‬الغاني الحديثة الغالب عليها التحريم وخاصة ما يسمى بفيديو كليب ‪.‬‬
‫‪ .5‬يصير الغناء المباح حراما ً إذا أشغل الناس عن الواجبات ‪.‬‬
‫‪ .6‬القيود التي وضعها العلماء القائلون بإباحة الغناء ل تكاد توجد في الغاني‬
‫الحديثة‬
‫فلذلك يغلب عليها التحريم ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التمثيل ‪:‬‬
‫‪ .1‬يحرم التمثيل المحتوي على المنكرات والمحرمات كتمثيل الرجل مع‬
‫المرأة والسفور والعري والختلط والكذب والكفر والفواحش ‪.‬‬
‫‪ .2‬يحرم تمثيل النبياء والصحابة ‪.‬‬
‫‪ .3‬يغلب التحريم على التمثيل السينمائي والتلفزيوني والمسرحي في عصرنا‬
‫الحاضر لنه ل يخلو من المحرمات ‪.‬‬
‫والله الهادي إلى سواء السبيل‬
‫الثنين‪ 03 ،‬ذو الحجة‪1421 ،‬‬
‫وفق ‪ 26‬شباط‪2001 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫السلم والقصاص في الشريعة السلمية‬


‫المقدمة‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف خلق الله محمد بن‬
‫عبد الله الصادق المين‪ ،‬صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه وسلم‪ ،‬أحمد ه‬
‫على أمر بالتفقه في الدين‪ ،‬وأشكره على أرشدنا إلى إتباع سنن المرسلين‪،‬‬
‫وأصلي وأسلم على الرسول المين وآله الطاهرين وصحبه الكرمين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن الدراسات السلمية التي ملئت بها المكتبة السلمية قد درست جوانب‬
‫كثيرة ومواضع متعددة من موضوعات الدراسات السلمية‪ ،‬وقد كان من‬
‫نصيبي أن أقوم بإعداد بحث بعنوان‪" :‬السلم والقصاص"‪ ،‬والصل في هذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن?‬
‫قو َ‬ ‫ب ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ي الل َْبا ِ‬
‫حَياة ٌ ي َا ْ أول ِ ْ‬
‫ص َ‬‫صا ِ‬ ‫م ِفي ال ْ ِ‬
‫ق َ‬ ‫العنوان قوله تعالى‪ ?:‬وَل َك ُ ْ‬
‫] سورة ‪ :‬البقرة ‪ -‬آية ‪[ 179‬‬
‫و أحببت أن أقدم بحثي عن القتل‪ ،‬وذلك لما نرى من كثرة القتل في اليمن‬
‫عمومًا‪ ،‬والقرى خصوصًا‪ ،‬وذلك بسبب عدم تطبيق شرع الله الذي ينص على‬
‫القصاص‪ ،‬والتساهل من قبل الجهات المعنية بذلك‪.‬‬
‫ولقد قمت بهذا البحث لما رأيت من الضرورة بمكان توعية الناس بهذا‬
‫الحكم بدل من النتقام والثارات الباطلة‬
‫خطة البحث ‪ :‬قسمت البحث إلى مقدمة وثلثة أبحاث وخاتمة‪.‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬تعريف القصاص – أدلته – الحكمة من مشروعيته‪.‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬تعريفه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أدلته ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الحكمة من مشروعيته‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الشروط الموجبة للقصاص‬
‫المطلب الول‪ :‬شروطه يجب توفرها في القاتل‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط يجب توفرها في المقتول‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬شروط يجب توفرها في ذات القتل‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬مسقطات القصاص‬
‫المطلب الول ‪ :‬العفو‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الصلح‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫أدلة مشروعية القصاص الحكمة من مشروعيته‬
‫المطلب الول‬
‫التعريف‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫في اللغة‪ :‬القصاص ‪ ...‬القود وهو القتل بالقتل‪ ،‬والجرح بالجرح‪ ،‬والتقاص‬
‫التناصف في القصاص‪.‬‬
‫يقول الشاعر ‪ :‬فرمنا القصاص وكان التقاص حكما ً وعدل ً على المسامينا‬
‫وقيل‪ :‬القصاص بالكسر القود ‪.‬‬
‫وفي الصطلح‪:‬‬
‫معنى القصاص المماثلة أي مجازات الجاني بمثل فعله‪ ،‬وهو القتل ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫ألدلته من الكتاب والسنة‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نصوص الله سبحانه على حد القصاص بآيات متعددة من الكتاب تدل على‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫مشروعية القصاص‪ ،‬وأنه حق متقرر لولياء الدم‪ ،‬قال تعالى‪َ ? :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫لنَثى با ُ‬ ‫حر وال ْعَب ْد ُ بال ْعَب ْد ِ وا ُ‬
‫لنَثى‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫حّر ِبال ْ ُ ّ َ‬ ‫قت َْلى ال ْ ُ‬ ‫ص ِفي ال ْ َ‬ ‫صا ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ْ ك ُت ِ َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫في‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬
‫َّ ٌ ِ َ ْ ُ ِ َ َ ِ ْ ِ ِِ ْ َ ٍ ِ َ ْ ِ ٌ‬ ‫ن‬ ‫سا‬ ‫ح‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫داء‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫رو‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫با‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫فَ َ ْ ُ ِ َ ُ ِ ْ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫خي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬
‫م ? ]سورة ‪ :‬البقرة –‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك فَل َ ُ‬ ‫دى ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن اعْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫بال‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫?‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪178‬‬ ‫آية‬
‫ِ َ َ ْ َ ِ َ ْ ِ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ِْ ْ ِ َ‬ ‫َ ََْ‬
‫ه‬
‫صد ّقَ ب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫َ ٌ َ‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫صا‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫رو‬ ‫ج‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ّ ّ ِ ّ ّ َ ُ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫بال‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ن ِبال ُذ ُ‬ ‫ف َوال ُذ ُ َ‬ ‫لن ِ‬ ‫ف با َ‬
‫َوالن َ ِ‬
‫َ‬
‫ن {] سورة ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫فاَرة ٌ ل ّ ُ‬ ‫فَهُوَ ك َ ّ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س الِتي َ‬ ‫ّ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ُلوا الن ّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫المائدة‪ -‬آية ‪ ،[ 45‬وقال تعالى‪ ? :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫رف ّفي ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫سل ْطانا فَل َ ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِوَل ِي ّهِ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫مظ ُْلوما ً فَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫من قُت ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ر‬
‫شهْ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫حَرا ُ‬ ‫ْ‬
‫شهُْر ال َ‬ ‫صورا ? ] سورة ‪ :‬السراء‪-‬آية ‪ ، [33‬وقال تعالى‪? :‬ال ّ‬ ‫ً‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫دى‬ ‫ما اعْت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫دوا عَلي ْهِ ب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫ُ‬
‫دى عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن اعْت َ َ‬ ‫ص فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫صا ٌ‬ ‫ت قِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫حُر َ‬ ‫حَرام ِ َوال ُ‬ ‫ال َ‬
‫ن ? ] سورة ‪ :‬البقرة ‪-‬آية ‪[ 194‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫معَ ال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه َواعْل ُ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ْ‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫عَل َي ْك ْ‬
‫ُ‬
‫خي ٌْر‬ ‫م ل َهُوَ َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫عوقِب ُْتم ب ِهِ وَل َِئن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫م فََعاقُِبوا ْ ب ِ ِ‬ ‫عاقَب ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ ،‬وقال تعالى‪ ? :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن ? ] سورة ‪ :‬النحل‪ -‬آية ‪[126‬‬ ‫صاِبري َ‬ ‫ّلل ّ‬
‫أدلته من السنة ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الحاديث الدالة على شرعية القصاص كثيرة نورد منها ‪،‬حديث أبي هريرة ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ :-‬لما فتح الله على رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مكة‬
‫فقتلت هذيل رجل ً من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية فقام رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال‪" :‬إن الله عز وجل حبس عن مكة الفيل‪،‬‬
‫وسلط عليها رسوله والمؤمنين‪ ،‬وإنها لم تحل لحد قبل‪ ،‬ول تحل لحد من‬
‫بعدي‪ ،‬وإنما حلت لي ساعة من نهار‪ ،‬وإنها ساعتي هذه‪ ،‬حرام ل يعضد‬
‫بشجرها ول يختلى خلها‪ ،‬ول يعضد شوكها‪ ،‬ول تلتقط لقطتها إل لمنشد‪ ،‬ومن‬
‫قتل له فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يفدي" ‪ ،‬وحديث أبي شريح‬
‫الخزاعي قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪" :‬من‬
‫أصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلث‪ :‬إما أن يقتص أو يأخذ العقل‬
‫أو يعفو‪ ،‬فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه‪ ،‬فإن قبل من ذلك شيئًا‪ ،‬ثم عدى‬
‫بعد ذلك فإن له النار" ‪ ،‬وحديث عن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه عن جده ‪-‬‬
‫رضي الله عنهم‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬من قتل‬
‫متعمدا ً أسلم إلى أولياء المقتول‪ ،‬فإن أحبو قتلوه وإن أحبوا أخذوا العقل‪،‬‬
‫ثلثين حقه وثلثين جذعة‪ ،‬وأربعون في بطونها أولدها"‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الحكمة من مشروعة القصاص‬
‫جاءت الشريعة السلمية لتوطيد المن والحماية للمجتمع‪ ،‬واستئصال كل ما‬
‫قد يؤدي إلى انتشار الفوضى والضطراب‪ ،‬ولتحقيق هذا الغرض شرعت‬
‫عقوبات رادعة لمنع العابثين والمستهترين من التعدي على الدماء والموال‪،‬‬
‫وتحقيق الحياة المنة المطمئنة لجميع أفراد المجتمع‪ ،‬يستوي في ذلك القوي‬
‫الضعيف ‪ ،‬ولعل أبرز هذه العقوبات وأبعدها أثرا ً عقوبة القصاص من القاتل‬
‫المتعمد جزاء ما اقترفت يداه‪ ،‬والحكمة من مشروعية هذه العقوبة ل تخفى‬
‫على من لديه إدراك سليم‪ ،‬وقد بين جل ذكره حكمة مشروعية القصاص بيانا ً‬
‫شافيا ً موجزا ً ل يرقى إلى مستواه أي تعبير بشري مهما بلغت فصاحة‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي الل َْبا ِ‬
‫ب‬ ‫حَياة ٌ ي َا ْ أول ِ ْ‬
‫ص َ‬
‫صا ِ‬
‫ق َ‬‫م ِفي ال ْ ِ‬‫كتابه‪ ، ،‬وذلك في قوله تعالى‪ ? :‬وَل َك ُ ْ‬
‫ن? ]البقرة ‪ ، [ 179‬فقد بينت هذه الية أن الغرض من مشروعية‬ ‫قو َ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬
‫القصاص المحافظة على حياة بني النسان‪ ،‬فإن علم مريد القتل أنه سيقتل‬
‫وتزهق روحه كما أزهق‪ ،‬روح غيره يدفعه إلى المتناع عن القتل خوفا ً من‬
‫العقوبة التي ستقع عليه‪ ،‬وبذلك يحفظ حياته وحياة ومن يريد قتله‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الشروط الموجبة للقصاص‬
‫المطلب الول‬
‫شروط يجب توفرها في القاتل‬
‫ً‬
‫اشتراط الفقهاء في الجاني المستحق لعقوبة القتل العمد عددا من‬
‫الشروط‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -1‬أن يكون الجاني بالغا‪ ،‬فإن كان صبيا فل قصاص عليه سواء كان مميزا أو‬ ‫ً‬
‫غير مميزا‪ ،‬وعلى ذلك أن غير المميز ل يدرك النتائج المترتبة على فعله‪ ،‬أما‬
‫المميز فإنه وإن كان لديه بعض الدراك إل أن إدراكه قاصرًا‪ ،‬ولم يكن فعله‬
‫موجبا ً ليقاع القصاص عليه؛ لن القصاص عقوبة يكن فعله موجبا ً ليقاع‬
‫القصاص عليه؛ لن القصاص عقوبة متناهية الشدة‪ ،‬فل تقع إل على شخص‬
‫توفرت فيه جميع عناصر الهلية ‪ .‬ومما يدل على اشتراط البلوغ قوله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" : -‬رفع القلم عن ثلثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن‬
‫الصبي حتى يحتلم‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل" ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فل يجب القصاص على زائل العقل كالمجنون‬ ‫‪ -2‬أن يكون الجاني عاق ً‬
‫والمعتوه‪ ،‬والمغمى عليه‪ ،‬والنائم لفقدان الهلية بالنسبة لهم‪ ،‬كما دل‬
‫الحديث السابق في الشرط الول‪ ،‬وهذا الحديث وإن اقتصر فيه على‬
‫المجنون والنائم والصبي إل أنه يلحق بهم‪ .‬والمعتوه المغمى عليه لشتراكهم‬
‫في العلة‪ ،‬وهي عدم إدراكهم للثار المترتبة على أفعالهم ولما رواه مالك في‬
‫موطأ عن يحيى بن سعيد بن مروان بن الحكم‪ :‬كتب إلى معادية بن أبي‬
‫ل‪ ،‬فكتب إليه معاوية أن أعقله‪ ،‬ول تقد منه‪،‬‬ ‫سفيان أنه أتى بمجنون قتل رج ً‬
‫فإنه ليس على مجنون قود‪ .‬ولما روي أن عمر أتي بمجنونة قد زنت‪،‬‬
‫فاستشار فيها أناسًا‪ ،‬فأمر عمر أن ترجم‪ ،‬فمر به علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،-‬فقال‪ :‬ما شأن هذه؟ قالوا‪ :‬مجنونة آل فلن زنت فأمر بها عمر‬
‫أن ترجم‪ ،‬فقال‪ :‬ارجعوا بها ثم أتاه فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أما علمت أن‬
‫القلم رفع عن ثلثة‪ :‬عن المجنون حتى يعقل‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن‬
‫الصبي عن يحلم‪ ،‬فما بال هذه ترجم؟ قال‪ :‬ل شيء‪ ،‬فأرسلها‪ ،‬فأرسلها‬
‫فجعل يكبر( ‪ ،‬لن القصاص عقوبة مغلظة‪ ،‬فلم تجب على هؤلء كالحد‪ ،‬ولن‬
‫لي لهم قصد صحيح‪ ،‬فكانوا كالقاتل الخطأ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -3‬أن يكون الجاني مختارًا‪ ،‬فل قصاص على المكره وإلى اشتراط ذلك ذهب‬
‫أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه‪ ،‬ويرى هؤلء أن القصاص واجب على‬
‫المكره دون المكره وحجتهم ما رواه البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا‬
‫عليه"‪ ،‬ولن المكره مسلوب الختيار‪ ،‬فأشبه اللة‪ ،‬والقصاص إنما يجب على‬
‫مستعملي اللة ذاتها‪ ،‬ولن المكره إنما قتل المجني عليه دفاعا ً عن نفسه‪،‬‬
‫فلم يوجب عليه القصاص‪ ،‬كما لو أتاه رجل ً يريد قتله فقتله دفاعا ً عن نفسه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذهب مالك وأحمد وبعض الشافعية وأهل الظاهر إلى وجوب القصاص على‬
‫المكره والمكره معًا‪ ،‬وحجتهم إجماع الفقهاء على أن من أشرف على الهلك‬
‫في مخمصة لم يكن له أن يقتل إنسانا ً فيأكله‪ ،‬ولن المكره استبقى نفسه‬
‫لقتل غيره‪ ،‬والمكره تسبب في القتل بما يقضي عليه غالبًا‪ ،‬وذهب الشافعي‬
‫في قوله الثاني وزفر من علماء الحنفية إلى وجوب القصاص على المكره‪،‬‬
‫وحجتهم أن المأمور مباشر للقتل مع قدرته على المتناع عما أكره عليه‬
‫فكان مختارا ً للقتل‪ ،‬وفي نظري أن القول بوجوب القصاص على المكره‬
‫والمكره أولى أن يأخذ به‪ ،‬لقوة أدلته‪ ،‬ولن كل ً منهما قد ساهم في القتل‬
‫العمد العدواني ووجب أني يتحمل تبعة فعله كما لو اتفقنا عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون عالما ً بتحريم القتل‪ ،‬فإن كان جاهل ً به فل قصاص عليه‪ ،‬وعلة‬
‫اشتراط ذلك أن اشتراط ذلك أن القصاص شرع للردع والزجر عن معاودة‬
‫الفعل‪ ،‬والجاهل بالتحريم ل تدعو الحاجة إلى معاقبته؛ لن عدم العلم‬
‫بالتحريم يستلزم اعتقاد الحل‪ ،‬وذلك شبهه والقصاص يدرأ بالشبهات ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يكون القائل معصوم الدم‪ ،‬فإن كان مهدر الدم فل قصاص عليه سواء‬
‫كان المقتول معصوما ً أو مهدورًا‪ ،‬وبناء على هذا الشرط ل يجب القصاص‬
‫على الكافر الحربي إذا أسلم بعد ارتكاب جناية القتل‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪? :‬‬
‫ة‬‫سن ّ ُ‬
‫ت ُ‬‫ض ْ‬‫م َ‬ ‫قد ْ َ‬‫ن ي َُعوُدوا ْ فَ َ‬ ‫سل َ َ‬
‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫فْر ل َُهم ّ‬
‫ما قَد ْ َ‬ ‫فُروا ْ ِإن َينت َُهوا ْ ي ُغَ َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ُقل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن ? ]سورة ‪ :‬النفال‪-‬آية ‪ .[ 38‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪": -‬اليمان‬ ‫َ‬
‫الوِّلي ِ‬
‫يجب ما قبله" ‪.‬ولن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لم يقتل وحشيا ً قاتل‬
‫عمه حمزة‪ ،‬ولم يأخذ منه الدية‪ ،‬ولو كان القصاص واجبا ً على الحربي لقتله‬
‫للمسلم لقاده النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬به‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يكون القاتل مباشرًا‪ ،‬فإذا لم يكن مباشرا ً للقتل فل قصاص عليه ولو‬
‫كان متسببا ً فيه‪ ،‬وبناًء على هذا الشرط ل يجب القصاص على الشهود القتل‬
‫إذا اعترفوا بتعمدهم الكذب عن القتصاص من المشهود عليه‪ ،‬وإلى اشتراط‬
‫هذا الشرط ذهب أبو حنيفة وأصحابه ‪ ،‬وحجتهم أن القتل تسببا ً ل يساوي‬
‫القتل مباشرة؛ قتل صورة ومعنى‪ ،‬والقصاص قتل بالمباشرة‪ ،‬فلم يكن‬
‫مساويا ً لما صدر عن القاتل‪ ،‬وعند انتفاء المساواة ينتفي بوجوب القصاص‬
‫لتخلف شرطه‪ .‬وذهب أكثر الفقهاء إلى أن المباشرة ليست شرطا ً لوجوب‬
‫القصاص ول فرق في الحكم بين المباشر والمتسبب‪ ،‬وحجتهم ما روى‬
‫القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،-‬على‬
‫رجل أنه سرق‪ ،‬فقطعه‪ ،‬وأتياه بآخر فقال هذا الذي سرق وأخطأ على الول‪،‬‬
‫فلم يجيز شهادتهما على الخر‪ ،‬وألزمهما دية يد الول‪ ،‬وقال‪ :‬لو أعلم أنكما‬
‫تعمدتما‪ ،‬لقطعتكم ‪.‬‬
‫فهذا الثر يدل صراحة على وجوب القصاص على المتسبب‪ ،‬إذ أن الشهود لم‬
‫يباشروا القطع‪ ،‬وإنما تسببوا فيه‪ ،‬ومع ذلك قال لهم علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪:-‬‬
‫لو علمت أنكما تعمدتموها لقطعتكما‪ ،‬وإن كان السبب موجبا ً للقصاص في‬
‫الطراف وكذا في النفس إذ ل فرق بين النفس والطراف؛ ولن القتل اسم‬
‫لفعل مؤثر في فوات الحياة عادة‪ ،‬وهذا المعنى موجودة في المتسبب‪ ،‬فكان‬
‫فعله موجبا ً للقصاص عليه كالمباشر‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الشروط الواجب توفرها في المقتول‬
‫‪ 1‬ـ أن يكون المقتول معصوم الدم‪ ،‬فإن كان مهدور الدم فل قصاص على‬
‫قاتله‪ ،‬وأساس العصمة عند أكثر الفقهاء المسلمين هو السلم أو المان‪،‬‬
‫ويندرج تحت لفظ المان عقد الجزية والموادعة‪ ،‬فالذمي المستأمن‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متساويان في العصمة‪ ،‬وتحريم الدم‪ ،‬والمال المسلم؛ لن عصمة المستأمن‬


‫مؤقتة تنتهي بانتهاء مدة أمانه ‪ ،‬أما أبو حنيفة فيرى أن العصمة ل تكون إل‬
‫بالسلم أو المان‪ ،‬وإنما يعصم المرء بعصمة الدار ومنعه السلم إلى دار‬
‫الحرب‪ ،‬وإذا كان أساس العصمة هو السلم أو المان فإنها تزول بزوال‬
‫الساس الذي بنيت عليه‪ ،‬على أن العصمة قد تزول مع بقاء السلم أو‬
‫المان‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 2‬ـ أن يكون المقتول مكافئا للقاتل ومثال ذلك أن ل يقتل المسلم بالكافر‪،‬‬
‫والجماعة بالواحد‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الشروط الواجب توفرها في ذات القتل‬
‫ً‬
‫اشتراط الفقهاء في القتل الموجب للقصاص عددا من الشروط هي‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ 1‬ـ أن يقع القتل في دار السلم‪ ،‬فإن وقع في دار الحرب فل قصاص‪ ،‬وإلى‬
‫اشتراط هذا الشرط ذهب أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬وحجتهم ما رواه أسامة بن‬
‫زيد قال‪ :‬بعثنا رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فصبحنا المحرمات من‬
‫جهينة‪ ،‬فأدركت رجل ً فقال‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬فطعنته‪ ،‬فوقع في نفسي من ذلك‪،‬‬
‫فذكرته للرسول‪ ،‬فقال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ": -‬أقال ل إله إل الله وقتلته؟‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله إنما قالها خوفا ً من السلح‪ ،‬قال‪ :‬أفل شققت عن قلبه‬
‫حتى تعلم أقاله أم ل‪ ،‬فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ" ‪،‬‬
‫وروى سالم بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال‪ :‬وبعث رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬خالد بن الوليد ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬إلى بني جذيمة‪ ،‬فدعاهم‬
‫إلى السلم‪ ،‬فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا‪ ،‬صبأنا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ودفع إلى كل رجل منا أسيرا ً حتى إذا أصبحنا‬ ‫ووقع خالد فيهم أسرا ً وقت ً‬
‫يوما ً أمرنا خالد بن الوليد أن يقتل كل واحد منا أسيره‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬والله‬
‫ل أقتل أسيري‪ ،‬ول يقتل أحد من أصحابي أسيره‪ ،‬فقدمنا على رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فذكر له صنيع خالد فقال الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" ‪ ،‬فلو كان القصاص واجبا ً للقتل‬
‫في دار الحرب لقتص ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من أسامة وخالد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يكون عمدًا‪ ،‬فإن لم يكن عمدًا‪ ،‬لم يجب به قصاص‪ ،‬وإنما تجب الدية‪،‬‬
‫ولم يتفق الفقهاء فيما يعتبر عمدا ً موجبا ً للقصاص وما ل يعتبر‪ .‬فيرى المام‬
‫مالك أن كل فعل يتعمده الجاني على وجه العتداء وينتج عنه موت المجني‬
‫عليه فإنه يعتبر قتل عمد يترتب عليه القصاص‪ ،‬وإن لم يكن الفعل مما يقتل‬
‫غالبا ً كاللطمة واللكزة‪ ،‬والضرب بالسوط والعصا الصغيرة‪ ،‬ويخالفه في ذلك‬
‫أكثر الفقهاء فيرون أن اعتبار القتل عمدا ً إنما يرجع فيه إلى الوسيلة‬
‫المستخدمة في القتل‪ ،‬فإن كانت مما يقتل غالبا ً بطبيعته‪ ،‬فالقتل عمده‪ ،‬وإن‬
‫كانت مما ل يقتل غالبا ً فهو شبه عمد‪ ،‬وإنما القتل عنده عمد وخطأ ولم يرد‬
‫في القرآن إل العمد والخطأ‪ ،‬فمن زاد عليهما قسما ً ثالثا ً فقد زاد على ما نص‬
‫طئا ً‬ ‫خ َ‬ ‫منا ً إ ِل ّ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ َ‬‫ن َأن ي َ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫عليه القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ة إ ِلى أهْل ِهِ إ ِل أن‬ ‫م ٌ‬ ‫سل َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫من َةٍ وَدِي َ ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ريُر َرقَب َةٍ ّ‬ ‫ح ِ‬‫طئا ً فَت َ ْ‬
‫خ َ‬ ‫منا ً َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ل ُ‬ ‫من قَت َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫من َةٍ وَِإن كا َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ريُر َرقَب َةٍ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن فَت َ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م وَهُوَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫من قَوْم ٍ عَد ُوّ لك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫صد ُّقوا فَِإن كا َ‬ ‫ْ‬ ‫يَ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ميَثاقٌ فدِي َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ةف َ‬ ‫من َ ً‬‫مؤ ْ ِ‬
‫ريُر َرقب َةٍ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة إ ِلى أهْل ِهِ وَت َ ْ‬ ‫م ٌ‬‫سل َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫من قوْم ٍ ب َي ْن َك ْ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫كيما ?‬ ‫ح ِ‬ ‫ً‬
‫ه عَِليما َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ وَكا َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ن ت َوْب َ ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫لّ ْ‬
‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف ِ‬ ‫م يَ ِ‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] سورة‪:‬النساء‪ -‬آية ‪.[92‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 3‬ـ أن يكون ولي القصاص معلوما‪ ،‬فإن كان مجهول لم يجب القصاص على‬
‫القاتل‪ ،‬وإلى اشتراط هذا الشرط ذهبت الحنفية ‪ ،‬وحجتهم أن القصاص إنما‬
‫وجب لجل الستيفاء‪ ،‬ول يمكن القصاص مع جهل مستحقه‪ ،‬فل يكون‬
‫القصاص واجبا ً لعدم الفائدة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ كالب والمسلم والخاطئ وغير المكلف‪ ،‬والسبع‪ ،‬ولم يتفق الفقهاء على‬
‫اشتراط هذا الشرط به قد اختلفت آراؤهم تبعا ً لختلف صور المشاركة ‪،‬‬
‫فاشتراك الب وغيره في ارتكاب واقعة القتل‪ ،‬يرى فيها المام أحمد في‬
‫المشهور عنه‪ ،‬ومالك والشافعي وأبو ثور أن امتناع القصاص عن الب ل‬
‫يعتبر سببا ً موجبا ً لنتفاء القصاص عن شريكه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫مسقطات القصاص‬
‫المطلب الول‬
‫العفو‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لقد اتفق الفقهاء على مشروعية العفو عند القصاص‪ ،‬وأن ذلك أفضل من‬
‫في الجملة‪ ،‬وقد احتجوا على ما ذهبوا إليه من النصوص الواردة في الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬المتضمنة الترغيب في العفو والحث عليه‪ ،‬كقوله تعالى‪َ ? :‬يا أ َي َّها‬
‫حر وال ْعَب ْد ُ بال ْعَب ْد ِ وا ُ‬
‫لنَثى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫حّر ِبال ْ ُ ّ َ‬ ‫قت َْلى ال ْ ُ‬ ‫ص ِفي ال ْ َ‬ ‫صا ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ْ ك ُت ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ف وَأَداء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫يٌء َفات َّباع ٌ ِبال ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن عُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِبالنَثى فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ? ]سورة ‪:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬‫ك فَل ُ‬ ‫دى ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن اعْت َ َ‬ ‫م ِ‬‫ة فَ َ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫في ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ف ِ‬ ‫س ِبالن ّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫م ِفيَها أ ّ‬ ‫البقرة – آية ‪ ،[178‬وقوله تعالى ‪ ?:‬وَك َت َب َْنا عَلي ْهِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف َوال ُذ ُ َ‬ ‫ف با َ‬ ‫َ‬ ‫َوال ْعَي ْ َ ْ‬
‫ص‬
‫صا ٌ‬ ‫ح قِ َ‬ ‫جُرو َ‬ ‫ن َوال ُ‬
‫ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ن ِبالذ ُ ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫ن َوالن َ ِ‬ ‫ن ِبالعَي ْ ِ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ه وَ َ‬‫فاَرةٌ ل ّ ُ‬ ‫صد ّقَ ب ِهِ فَهُوَ ك َ ّ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ة‬‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫سي ّئ َةٍ َ‬ ‫جَزاء َ‬ ‫ن ?] سورة ‪ :‬المائدة‪-‬آية ‪ ، [45‬وقوله تعالى ‪ ? :‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫الظال ِ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ? ] سورة ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب الظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫جُرهُ عَلى اللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ‬ ‫فا وَأ ْ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مث ْل َُها فَ َ‬ ‫ّ‬
‫الشورى‪ -‬آية ‪ ، [40‬وقد جاءت السنة مؤكدة على ما نص عليه القرآن‪ ،‬روى‬
‫أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪) :‬ما رأيت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬رفع إليه شيء فيه قصاص إل أمر فيه بالعفو( ‪ ،‬وعن أبي الدرداء‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول‪ " :‬ما من رجل يصاب‬
‫بشيء في جسده‪ ،‬فيتصدق به إل رفعه الله به درجة‪ ،‬وحط به عنه خطيئة" ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫"ما عفا رجل عن مظلمة إل زاده الله عزًا" ‪ ،‬وعن عبد الرحمن بن عوف أن‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪) :‬ثلث والذي نفس محمد بيده إن كنت‬
‫لحالفا ً عليهن‪ :‬ل ينقص مال من صدق‪ ،‬فتصدقوا‪ ،‬ول يعفوا عبد عن مظلمة‬
‫يبغي بها وجه الله عز وجل إل زاده الله عزا ً يوم القيامة‪ ،‬ول يفتح عبد باب‬
‫مسألة إل فتح الله عليه باب فقر( ‪ ،‬والعفو عن القصاص عند الشافعي‬
‫وأحمد هو التنازل عن القصاص إلى الدية أو إلى غير مقابل ‪ ،‬أما مالك وأبو‬
‫حنيفة فل يعتبران التنازل عن القصاص إلى الدية عفوًا‪ ،‬وإنما يعتبران أنه‬
‫صلحًا‪ ،‬ولذلك اشترطا لنفاذ التنازل رضا ً الجاني لدفع الدية‪ ،‬وأساس الخلفة‬
‫بين هذين الفريقين اختلفهما فيما يجب القتل العمد‪،‬ويرى المام أحمد في‬
‫رواية عنه ‪ ،‬ويرى الشافعي في المشهور ومالك في رواية عنه والوزاعي‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإسحاق وابن سيرين وأبو ثور وأهل الظاهر أن القتل العمد يوجب القصاص‬
‫والدية‪ ،‬ويكون الخيار بينهما حقا ً لولي القصاص دون غيره ‪ ،‬محتجين بقوله‬
‫َ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫ن? ‪،‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ف وَأَداء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫يٌء َفات َّباع ٌ ِبال ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬
‫ن عُ ِ‬‫م ْ‬‫تعالى‪ ? :‬فَ َ‬
‫قال ابن عباس‪) :‬كان في بني إسرائيل القصاص‪ ،‬ولم يكن فيهم الدية‪ ،‬فأنزل‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫قت َْلى? إلى قوله‪ ? :‬فَ َ‬ ‫ص ِفي ال ْ َ‬ ‫صا ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫الله عليهم هذه الية ‪? :‬ك ُت ِ َ‬
‫َ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫ن? ‪ ،‬والعفو أن‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬‫ف وَأَداء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫يٌء َفات َّباع ٌ ِبال ْ َ‬‫ش ْ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي لَ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ف َ‬
‫عُ ِ‬
‫يقبل في العبد الدية‪ ،‬فاتباع المعروف‪ ،‬يتبع الطالب بمعروف‪ ،‬ويؤدي إليه‬
‫المطلوب بإحسان‪ ،‬ذلك تخفيف من ربكم مما كتب على من قبلكم( ‪.‬‬
‫فهذا تفسير ابن عباس للية‪ ،‬ولصحابة أعلم من غيرهم بالمراد من كتاب الله‬
‫لمعاصرتهم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وتلقيهم عنه يستبعد أن يقول ابن‬
‫عباس بهذا القول في تفسير الية دون أن يكون علمه من رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫حيما ً ?]‬ ‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫قت ُُلوا ْ َأن ُ‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬يقول تعالى‪? :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫سورة ‪ :‬النساء ‪-‬آية ‪ ، [ 29‬فقد نهى الله في هذه الية عن قتل النفس‪،‬‬
‫وتعريضها إلى مواطن الهلك‪ ،‬مما يدل على وجوب استنقاذ النسان نفسه ما‬
‫ل‪ ،‬فإذا عرض عليه أولياء الدم افتدى بنفسه عمل ً بالية‪.‬‬ ‫وجد إلى ذلك سبي ً‬
‫المطلب الثاني‬
‫الصلح‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أجمع الفقهاء على الصلح في الدم العمد مسقط القصاص عن الجاني سواء‬
‫أكان العوض المصالح عليه ماليا ً أو غير مالي‪ ،‬قليل ً ما أو كثيرًا‪ ،‬وعلى ذلك أن‬
‫القصاص حق مقرر لوارث المجني عليه‪ ،‬ومن كان له حق مالك التصرف فيه‬
‫بحسب ما يريد‪ ،‬ولن الولي يملك إسقاط القصاص على غيره عوض كما في‬
‫العفو‪ ،‬فملك إسقاطه على عوض قياسا ً على سائر الحقوق‪ ،‬ولن الحكمة‬
‫من مشروعية القصاص المحافظة على حياة الناس‪ ،‬وردع بعضهم عن بعض‪،‬‬
‫واستئصال كل ما من شأنه إثارة الفتن والحقاد‪ ،‬وهذا يتحقق بالصلح بين‬
‫الجاني وأولياء المجني عليه‪ ،‬إذ به تسكن النفوس‪ ،‬وتزول الرغبة في النتقام‬
‫من الجاني‪ ،‬وأن الصلح ل يكون إل بالتراضي بين الجانبين‪ ،‬وكما يسقط‬
‫القصاص بصلح جميع أولياء الدم‪ ،‬ويسقط بصلح بعضهم لن القصاص حق‬
‫ثابت لكل واحد منهم‪ ،‬فملك المصالحة عنه‪ ،‬ما هو الشأن في سائر الحقوق‬
‫المشتركة ‪ ،‬وإذا سقط نصيب أحد الولياء في القصاص بالصلح‪ ،‬سقط نصيب‬
‫الباقين‪ ،‬لن القصاص ل يتجزأ‪ ،‬ولمن لم يصلح‪ ،‬سقط نصيب الباقين‪ ،‬لن‬
‫القصاص ل يتجزأ‪ ،‬ولمن لم يصالح من الولياء حق المطالبة بنصيبه من الدية‪،‬‬
‫لنه تعذر استيفاء القصاص نتيجة لمصالحة بعض الولياء‪ ،‬فينتقل حق من لم‬
‫يصالح إلى الدية كما هو الشأن في عفو بعض المستحقين للقصاص‪ ،‬وقد‬
‫اشترط الفقهاء للحكم بصحة الصلح‪ ،‬وترتيب الحكام عليه‪ ،‬عدد من الشروط‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن يكون المصالح جائز التصرف‪ ،‬فإن لم يكن كذلك لم يعتبر صلحه ‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫وذلك أن الصلح تصرف تترتب عليه آثار كبيرة فل يقبل فيمن ل يجوز تصرفه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يكون البدل شيئا ً حلل ً متقومًا‪ ،‬فإن كان حراما ً كالخمر والخنزير أو‬
‫الستمتاع ببضع محرم‪ ،‬لم يكن الصلح ولك هل يسقط القصاص في هذه‬
‫الحالة؟ يختلف الحكم تبعا ً لختلف آراء الفقهاء فيما يجب بالقتل العمد‪،‬‬
‫وفيما يعتبر عفوا ً عن القصاص‪ ،‬فعند الشافعية والحنابلة يسقط القصاص من‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير دية‪ ،‬وأما المالكية فل يرون سقوط القصاص في هذه الحالة ويعتبرون‬
‫الصلح كأن لم يكن ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن يكون البدل معلوما لكل الطرفين علما نافيا للجهالة ‪ ،‬فإن كان‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مجهول ً لم يصح الصلح‪ ،‬لتعذر اللتزام بما يقتضيه‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن ل يتضمن الصلح تحريم الحلل‪ ،‬أو تحريم الحرام‪ ،‬فإن كان كذلك لم‬
‫يعتبر الصلح صحيحا ً أخذا ً من قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " : -‬والصلح جائز‬
‫بين المسلمين إل صلحا ً أحل حراما ً أو حرم حل ً‬
‫ل" ‪.‬‬
‫الخاتمة ‪ :‬ولقد خرجت بهذه الخلصة للبحث وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن القصاص في اللغة‪ :‬القود ‪ ،‬وفي الصطلح المماثلة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الحكمة من القصاص هي استئصال كل ما يؤدي إلى انتشار الفوضى‬
‫والضرار بالمجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬أن للقصاص شروط تتعلق بالقاتل وأخرى تتعلق بالمقتول‪ ،‬وشروط‬
‫تتعلق بذات القتل‪ ،‬فشروط القاتل هي ‪ :‬التكليف‪ ،‬والختيار‪ ،‬والعلم بالتحريم‪.‬‬
‫أما شروط المقتول فهي‪ :‬العصمة والمكافئة وأما الشروط الواجب توفرها‬
‫في ذات القتل فهي‪ ،‬أن يكون عمدا ً في دار السلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن العفو عن القصاص مشروع وعليه حث السلم‪ ،‬وفيه فضل‪ ،‬فمن عفا‬
‫وأصبح فأجره على الله‪.‬‬
‫‪ -5‬أن الصلح عن دم مسقط للقصاص عن الجاني سواء أكان كثيرا ً أم قليل ً‬
‫وسواء كان جميع أولياء الدم أم بعضهم‪ ،‬لن القصاص حق ثابت لكل واحد‪،‬‬
‫فإذا أسقط حقه‪ ..‬سقط القصاص لنه لم يتجزأ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن الفقهاء اشترطوا لصحة الصلح وترتيب العقوبة عليها هي أن يكون‬
‫المصالح جائز التصرف‪ ،‬أن يكون البدل شيئا ً حلل ً متقومًا‪ ،‬ومعلوما ً لكل‬
‫الطرفين‪ ،‬وأن ل يتضمن تحريم حلل أو تحليل حرام‪.‬‬
‫إعداد الطالب‪ /‬عبد الله صالح أحمد الطلحي‬
‫مراجعة وتخريج وتعليق ‪ :‬عبد الوهاب بن مهيوب الشرعبي‬
‫لسان العرب للمام الفاضل جمال الدين بن مكرم الفريقي‪ ،‬ج ‪. 76 /7‬‬
‫القاموس المحيط للعلمة مجد الدين بن يعقوب الفيروزبادي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪. 46‬‬
‫التشريع الجنائي السلمي‪ :‬عبد القادر عودة‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص‬
‫‪. 114‬‬
‫أخرجه البخاري ‪،‬ج ‪ ، 53 / 1‬برقم ‪.112‬‬
‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬ج ‪ ، 576 / 2‬برقم ‪ ، 4496‬وضعفه اللباني في ضعيف أبي‬
‫داود ج ‪ ، 449 / 1‬برقم ‪.969‬‬
‫أخرجه الترمذي ج ‪ ، 11 / 4‬برقم ‪ ،1387‬وحسنه اللباني في مختصر إرواء‬
‫الغليل ج ‪، 437 / 1‬برقم ‪.2199‬‬
‫بداية المجتهد ج ‪ ،396/ 2‬الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪ ،350 /9‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪. 5/ 4‬‬
‫سنن أبي داود ج ‪ ، 544 / 2‬برقم ‪ ، .4398‬وصححه اللباني في صحيح ابن‬
‫ماجة ‪،‬ج ‪ ، 347 / 1‬برقم ‪.1660‬‬
‫انظر بداية المجتهد‪ ،‬ج ‪ ، 396/ 2‬الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪ ، 350/ 9‬ومغني المحتاج‪،‬‬
‫ج ‪ ، 15 /4‬وبدائع الصنائع‪ ،‬ج ‪.234/ 7‬‬
‫هو أبو عبد الله بن مالك بن أنس الصبحي‪ ،‬توفي في المدينة سنة ‪179‬هـ‪.‬‬
‫الموطأ بهامش المنتقى‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫أخرجه أبو داود‪ ،‬ج ‪ ، 115/ 3‬يقول اللباني‪ :‬ورجاله كلهم ثقات رجال‬
‫الشيخين إل أنه منقطع ‪ ،‬فان أبا الضحى ‪ -‬واسمه مسلم بن صبيح ‪ -‬لم يدرك‬
‫علي بن أبي طالب كما قال المنذري وغيره‪ ،‬انظر‪ :‬إرواء الغليل ‪،‬ج ‪. 6 / 2‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع المطلب‬
‫القرشي‪ ،‬المام المجتهد توفي بمصر سنة ‪204‬هـ )خلصة مذهب الكمال(‪،‬‬
‫ص‪. 278-277 :‬‬
‫بداية المجتهد ج ‪ ، 2‬ص ‪ ،396‬الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ،340‬المهذب ‪ ،‬ج‬
‫‪. 2/177‬‬
‫سنن ابن ماجه ‪،‬ج ‪ ، 659 / 1‬برقم ‪ ، 2045‬وصححه اللباني في صحيح ابن‬
‫ماجة ج ‪ ، 347 / 1‬برقم ‪.1662‬‬
‫الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪. 340 / 2‬‬
‫بدائع الصنائع‪ ،‬ج ‪. 235 / 7‬‬
‫الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪ ، 341/ 9‬مغني المحتاج ج ‪ ، 10/ 4‬المحلي‪ ،‬ج ‪. 298/ 12‬‬
‫أخرجه أحمد بن حنبل ‪،‬ج ‪ ، 198 / 4‬برقم ‪ ،17812‬وصححه اللباني في‬
‫مختصر إرواء الغليل ج ‪، 250 / 1‬برقم ‪1280‬‬
‫الم ج ‪. 31/ 6‬‬
‫فتح الوهاب‪ ،‬ج ‪ ، 138/ 2‬مواهب الجليل ‪ ،‬ج ‪. 232/ 6‬‬
‫المغني الوهاب‪ ،‬ج ‪ ، 332/ 2‬النصاف ‪ ،‬ج ‪ ، 242/ 5‬المهذب ‪ ،‬ج ‪، 177/ 2‬‬
‫فتح الوهاب‪ ،‬ج ‪ ، 127/ 2‬مواهب الجليل‪ ،‬ج ‪. 232/ 6‬‬
‫أخرجه البخاري بهامش فتح الباري‪ ،‬ج ‪. 227/ 12‬‬
‫دور الحكام‪ ،‬ج ‪. 89/ 2‬‬
‫فتح الوهاب‪ ،‬ج ‪. 128/ 2‬‬
‫هو النعمان بن ثابت بن زوطي مولى يتيم الله بن ثعلبة‪ ،‬إمام من أجل‬
‫المجتهدين‪ ،‬وإليه ينسب المذهب الحنفي‪ ،‬واشتهر باعتماده على القياس‪،‬‬
‫توفي في بغداد سنة ‪150‬هـ‪ ،‬وفيات العيان‪ ،‬ص ‪ ، 405‬خلصة تهذيب‬
‫الكمال‪ ،‬ص‪. 345 :‬‬
‫تكملة شرح القدير‪ ،‬ج ‪ ، 251/ 8‬بدائع الصنائع‪ ،‬ج ‪ ، 237/ 7‬درر الحكام‪ ،‬ج‬
‫‪. 89/ 2‬‬
‫أخرجه مسلم ‪،‬ج ‪ ،96 / 1‬برقم ‪.96‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬ج ‪ ،2335 /5‬برقم ‪ ،4068‬وانظر المحلى‪ ،‬ج ‪ ، 12/50‬الم‪،‬‬
‫ج ‪.. 30/ 6‬‬
‫بداية المجتهد ج ‪. 398/ 2‬‬
‫تكملة شرح فتح القدير‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ ،245‬فتح الوهاب‪ ،‬ج ‪ ، 2‬المهذب‪ ،‬ج ‪، 2‬‬
‫ص ‪. 397‬‬
‫بداية المجتهد ج ‪ ، 2‬ص ‪. 397‬‬
‫بدائع الصنائع ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 240‬‬
‫الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص‪ ،345 :‬النصاف ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 458‬المهذب ‪ ،‬ج ‪، 2‬‬
‫ص ‪ ، 174‬الم‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‪ 20 :‬فتح الوهاب‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،129‬المنتقى‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص‬
‫‪. 17‬‬
‫سنن ابن ماجه ج ‪ ، 898 / 2‬برقم ‪ ،2692‬وصححه اللباني في صحيح ابن‬
‫ماجة ج ‪ ،108 / 2‬برقم ‪. 2180‬‬
‫سنن ابن ماجه ج ‪ ،898 / 2‬برقم ‪ ،2693‬ضعيف ابن ماجة ج ‪، 214 / 1‬برقم‬
‫‪ ،586‬واتي بمعناه حديث عائشة في صحيح مسلم ج ‪ ،1991 / 4‬برقم‬
‫‪ ،2572‬عن عائشة قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ما‬
‫يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إل رفعه الله بها درجة أو حط عنه‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطيئة"‪.‬‬
‫مسند أحمد بن حنبل ج ‪ ، 235 / 2‬برقم ‪ ،7205‬وعلق شعيب الرنؤوط بأن‬
‫إسناده صحيح على شرط مسلم ‪.‬‬
‫مسند أحمد بن حنبل ج ‪ ، 193 / 1‬برقم ‪ ،1674‬وقال عنه اللباني في صحيح‬
‫الترغيب والترهيب صحيح لغيره ج ‪ ،199 / 1‬برقم ‪.814‬‬
‫الشرح الكبير‪ ،‬ج ‪ ، 414/ 9‬النصاف ص ‪ ، 377‬زاد المعاد ‪ ،‬ج ‪ ، 429/ 2‬فتح‬
‫الوهاب‪ ،‬ج ‪ ، 136/ 2‬مغني المحتاج‪ ،‬ج ‪. 48/ 4‬‬
‫أخرجه البخاري بهامش فتح الباري‪ ، 12 ،‬ص ‪. 205‬‬
‫بدائع الصنائع ‪ ،‬ج ‪ ، 250/ 7‬درر الحكام‪ ،‬ج ‪ ، 94/ 2‬الهداية‪ ،‬ج ‪ ،275/ 8‬شرح‬
‫الهروي‪ ،‬ص ‪ ، 298‬فتح الباري‪ ،‬ج ‪. 209/ 12‬‬
‫بدائع الصنائع‪ ،‬ج ‪ ، 253/ 7‬درر الحكام ‪ ،‬ج ‪.110/ 2‬‬
‫كتاب العقوبة ‪ ،‬ص ‪. 616‬‬
‫المصدر السابق‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود‪ ،‬ج ‪ ، 273/ 2‬برقم ‪ ،3594‬وصححه اللباني في صحيح ابن‬
‫ماجة ج ‪ ،41 / 2‬برقم ‪. 1905‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫السلم وتوازن المجتمع‬


‫محمد عبد الله السمان ‪21/6/1426‬‬
‫‪27/07/2005‬‬
‫بادئ ذي بدء أقول‪ :‬إن الفكر السلمي فكر شامل يتسع لحركة الحياة‬
‫بأسرها ويتواءم مع تطورها حسب مقتضيات الحياة ذاتها‪ ،‬ومرونة الفكر‬
‫السلمي تتسق تماما ً مع كون السلم خاتم الرسالت السماوية‪ ،‬يعايش‬
‫الحياة إلى أن يرث الله الرض ومن عليها‪ ،‬ودراستنا إذن للفكر السلمي‬
‫يجب أل ّ تكون قاصرة على جانب العبادات‪ ،‬وإل كّنا مناقضين لنفسنا حين‬
‫نقول‪ :‬السلم دين ودولة معًا‪ .‬ولقد كان علماء السلف على وعي بذلك‪ ،‬فقد‬
‫كانوا فقهاء في العقيدة والشريعة والفلسفة والجتماع؛ بالضافة إلى علوم‬
‫معايش الحياة‪ ،‬كالطب والفلك والهندسة والصيدلة والجيولوجيا وحتى علوم‬
‫التجارة والزراعة‪ ،‬وقد أفادت أوروبا من إنتاج علماء المسلمين الوائل‪ ،‬وقد‬
‫اعترف بذلك العدول من مفكريها‪ .‬هذه كلمات كان ل بد منها‪.‬‬
‫أنا اقرأ لدراسة تحمل عنوان المقال "السلم وتوازن المجتمع" وهي لمفكر‬
‫اقتصادي مسلم باكستاني من لهور هو العلمة ميرزا محمد حسين‪ ،‬وقام‬
‫بترجمتها من النجليزية إلى العربية المفكر الدكتور محمد فتحي عثمان الذي‬
‫قال في تقديمه للدراسة‪":‬وفي مسلمي الهند وباكستان ‪..‬دين صادق وثقافة‬
‫واسعة ـ خاصة ـ في الدراسات السلمية بهذه العبقرية العقلية‪ ،‬يكون لهم‬
‫من مباهج البحث وعمق الفكر‪ ،‬وشمول النظرة‪ ،‬وسعة الفق ما يجعل‬
‫لبحاثهم في "النظام السلمي" ـ بصفة خاصة ـ روحا ً جديدة؛ فهم ل ينظرون‬
‫إلى السلم كأجزاء وتفاريق‪ ،‬ول ينظرون إلى الثقافة الغربية نظرة الجاهل‬
‫الذي يعادي ما يجهله‪ ،‬ومن هنا جاءت كتاباتهم في وقتها بالنسبة للفترة التي‬
‫نحياها من تطورنا الفكري‪ ،‬بعد أن جمد فقهنا من قرون‪ ،‬وتطورت الدراسات‬
‫النسانية في ظل الحضارة الغربية‪ ،‬وتشعبت فروعها‪ ،‬وأثمرت الكثير من‬
‫النظريات والراء‪.‬‬
‫والدراسة التي يقدمها لنا المفكر السلمي الباكستاني‪ ،‬هي دراسة اقتصادية‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في مضمونها‪ ،‬والنظام القتصادي عقدة الحضارة الحديثة بطبيعته ‪ ..‬فالملكية‬


‫الشتراكية‪،‬التي ظهرت على المسرح العالمي بدعوى مداواة الجراح التي‬
‫سببتها الرأسمالية‪ ،‬تستهل علج الملكية بإلغاء الملكية الخاصة‪ ،‬واستخدام‬
‫دس الثروة بصورة تخالف‬ ‫القسر لتحقيق هدفها‪ ،‬وإذا كان السلم يرفض تك ّ‬
‫العدل الجتماعي‪ ،‬لما لذلك من آثار مزعجة للمجتمع‪ ،‬فهو ـ في نفس الوقت‬
‫يضع خطة أخرى للعمل‪ .‬فهو يبيح صورا ً من التفاوت الجتماعي القتصادي‪،‬‬
‫التي ل تضّر صالح الجماعة ‪ ..‬والله يقول‪):‬الله يبسط الرزق لمن يشاء‬
‫ويقدر(‪ ،‬كما أن السلم يبيح كسب المال وتملكه‪ ،‬والمشروعات الخاصة‬
‫ليست من محّرماته‪ ،‬وإنما يحرم هذه المشروعات من تأييده عندما تصطنع‬
‫لها دورا ً عدوانيًا‪ ،‬وتعمق جذور السيطرة في حياة الناس إلى حد أل ّ يجدوا لها‬
‫مدافعًا‪ ،‬ومن هنا يغلق السلم الطرق المؤدية إلى أورام الثراء الخبيث في‬
‫التجارة والمعاملت!‬
‫ففي وسع الدولة السلمية أن تنجح في مهمتها التي عهد الله بها إليها‪ ،‬إذا ما‬
‫كان أفرادها قد جّردوا أنفسهم عن الشر والشح‪ .‬ول جدال في أن السلم‬
‫يقطع الطريق على الكسب النتهازي‪ ،‬وتكدس الثروات بصورة تتنافى في‬
‫العدل الجتماعي‪ ،‬وهو ما نراه اليوم هادئا ً في ظل الرأسمالية المتطرفة ‪..‬‬
‫وهذا السلم‪ ،‬ل يملك إل أن يلعن نظاما ً ليس له من سند‪ ،‬سوى المبدأ‬
‫الشيطاني‪":‬أنا وبعدي الطوفان" ؛ لذا أنكر السلم ‪" ..‬النزعات النتهازية"‬
‫والتهافت المسعور على الثراء بأي سبيل‪ .‬يقول القرآن‪):‬هو الذي خلق لكم‬
‫ما في الرض جميعًا(‪ ،‬وهذه الية الكريمة غنية بالمعاني العظيمة‪ ،‬فهي تؤكد‬
‫أن ما خلقه الله من مخلوقاته‪ ،‬ينتمي في مجموعهِ إلى المجتمع النساني في‬
‫مجموعه‪ ،‬وعلى ذلك فليس لفرد حق في ادعاء أو اغتصاب نصيب السد من‬
‫هذا المورد العام‪.‬‬
‫فمبادئ القرآن ل تقسيم فيها إلى بروليتاريا وبرجوازية‪ .‬فالنسان يعامل‬
‫قه في الملكية الخاصة‬ ‫كعامل فّعال‪ ،‬ونافع في مجال النشاط الجتماعي‪ ،‬وح ّ‬
‫ق؛ فصاحب المال يستطيع أن‬ ‫مقرر ومسلم به‪ ،‬ولكنه محاط بسياج وا ٍ‬
‫يستعمله‪ ،‬ولكن على طريقة ل ضرر فيها بالمجتمع ول ضرار‪ .‬والسلم إذ‬
‫مي الملكية "وديعة" و"أمانة" من الله ـ جل وعل ـ فإنه ينتزع كل أساس‬ ‫يس ّ‬
‫ً‬
‫يمكن أن يستند إليه الرأسماليون‪ ،‬وقد كان السلم متيقظا إلى الحتمالت‬
‫الخطرة لتركز الثروات في أيدي فئة قليلة‪ ،‬فهو قد أباح الملكية الخاصة‪،‬‬
‫ولكنه لم يبح ما قد ينجم عنها من تخريب اجتماعي نتيجة للستغلل!‬
‫إن الشيوعية تدعي أنها ترسي أسس أخوة عالمية‪ ،‬ولكن أساليبها الوحشية‬
‫تنفي هذا الدعاء؛ فإنها ل بد أن تسحق وتمحق أول ً لتحاول البناء بعد ذلك‪ ،‬أو‬
‫كما يقول لينين‪":‬فمن أجل تحقيق السلم ل بد أن تشق جماجم الرجال"‬
‫ويرّدد النغمة نفسها الشارح للعقيدة الشيوعية )زينوفييف(‪":‬إن صرخة‬
‫الغضب المشحونة بالحقد هي لذتنا ومتعتنا" فهل ينتظر للخاء العالمي‬
‫المتولد من البغضاء والعنف إل أن يكون ـ بالطبع ـ بناء متداعيا ً معرضا ً‬
‫للنهيار!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فرغم أن الشيوعية قامت على الشعارات الزائفة مما أّدى إلى سقوطها بعد‬
‫أقل من ثلثة أرباع القرن ‪):‬فأما الزبد فيذهب جفاء( إل أن لها في ديارنا‬
‫ُفلول ً متدنية تتعلق ـ وما تزال ـ بخيوط أوهى من خيوط العنكبوت!!‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن الجدير بالهتمام أن السياسة والقتصاد‪ .‬ليسا غايتين في ذاتهما‪ ،‬وإنما‬


‫هما مجرد وسيلتين للغاية السامية النبيلة‪ ،‬وهي‪ :‬الصالح النساني العام‪ ،‬ولما‬
‫كانت الملكية الخاصة قادرة على الخير والشر‪ ،‬فإنه ل يمكن المرور عليها‬
‫مرورا ً سريعًا‪ ،‬وهؤلء الذين تحققوا كيف تعمقت الملكية الخاصة لها في‬
‫أغوار القتصاد النساني‪ ،‬يمكنهم أن يقدروا الدور النافع المخصص لها في‬
‫الفلسفة الجتماعية السلمية‪ ،‬ففي السلم ـ وحده ـ ل تغدو الملكية الخاصة‬
‫والصالح العام نقيضين ل يجتمعان‪.‬‬
‫والدكتور )دي سانتيلتا( كتب في فصل المشرق "الشريعة والمجتمع" من‬
‫كتاب )تراث السلم(‪" :‬من المحتمل ـ بالطبع ـ أي شيء لي شخص؛ لن كل‬
‫خلقت من أجل النسان‪ ،‬ولكن بصدد تنظيم الملكية‪ ،‬وضع‬ ‫طيبات الدنيا قد ُ‬
‫الله حدا ً لهذا الحق‪ ،‬وهذا مكن كل فرد أن يتعّرف على ما أفاءه الله عليه ـ‬
‫ّ‬
‫خاصة ـ من نعم وفيرة‪ ،‬بين ما أودعه الله في هذا الكون عامة من رصيد‬
‫الثروة‪ ،‬وكان في هذا ضمان وتأمين للنظام الجتماعي ـ أيضا ً ‪ ..‬ولكن من‬
‫الخطأ‪ :‬الظن أن التملك حق غير محدود ‪ ..‬إن طيبات الرض ُتمنح للشخص‬
‫من أجل تعزيز كيانه ـ أي لستخدامها استخداما ً نافعا ً ل لتبذيرها وفقا ً لنزوة‪،‬‬
‫وبمتابعة قواعد القرآن والسنة‪ ،‬نجد الشريعة السلمية تدفع أي استهلل‬
‫ده‬‫ّ‬ ‫تع‬ ‫للثروة في غير الستعمال الصحيح بأنه صورة من صور السراف الذي‬
‫الشريعة مرضا ً عقليا ً ‪ ..‬هذه الشريعة تؤكد العتدال والتوسط في استعمال‬
‫الثروات بما يكون أقرب إلى موافقة الشرع‪ ،‬ومقصد الخالق من النعام بهذه‬
‫الطيبات على الناس"‪ .‬هذه شهادة للسلم من كاتب غير مسلم‪ ،‬وهو يوضح‬
‫أن حق الملكية الخاصة في السلم‪ ،‬ل يمكن مزاولته لستبعاد الخ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السلم وخط الفقر دفاع أم مواجهة‬


‫د‪ .‬ياسر عبد الكريم الحوراني * ‪14/11/1425‬‬
‫‪26/12/2004‬‬
‫ل يكاد يوم يمر في حياة النسانية إل وهناك تكاليف باهضة يدفعها النسان‬
‫بنفسه طوعا أو كرها ‪ ،‬ولعل أهم هذه التكاليف تلك الويلت التي يشهدها‬
‫العالم من المجاعات والمراض الفتاكة والتخلف والجهل وسيطرة القوى‬
‫وحرمان الضعيف ‪ .‬كل ذلك ل يخرج عن معنى الفقر الذي يلزم حياة‬
‫النسان ويهدد أمنه وحريته وحقه في الحياة الكريمة ‪.‬‬
‫فما موقف السلم من الفقر ‪ :‬فلسفته والموقف الفقهي وأسبابه وآثاره‬
‫ووسائل وأدوات المواجهة‪.‬‬
‫أما فلسفة الفقر في السلم فكل إنسان فقير لنه محتاج ‪ ،‬ول تنفك حاجته‬
‫عن الله تعالى لن الله هو الغني المطلق ‪ ،‬والناس جميعا من هذا الوجه‬
‫فقراء إلى الله تعالى ‪ ،‬وفي القرآن ‪ :‬يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله‬
‫) فاطر ‪ ، ( 15 /‬والله الغني وأنتم الفقراء ) محمد ‪. ( 38 /‬‬
‫وأما الموقف الفقهي فهناك ثلثة اتجاهات في تحديد مستوى الفقر ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫نصاب الزكاة أي يقع الفقر دون النصاب وهو ما يعادل ‪ 200‬درهم فضة ‪ ،‬أي‬
‫ما يقارب ‪ 475‬ريال سعودي ) الحنفية ( ‪ ،‬أو هو أقل من دخل نقدي يعادل‬
‫‪ 50‬درهما ‪ ،‬أي ما يقارب ‪ 119‬ريال سعودي ) الحنابلة ( ‪ ،‬أو هو مستوى‬
‫الكفاية أي ما يلزم النسان من الحاجات الساسية ) المالكية والشافعية‬
‫والحنابلة في رواية أخرى ( ‪ .‬وواضح أن التجاه الثالث أقرب إلى المفهوم‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القتصادي العام لنه يراعي الحتياجات الساسية ضمن سلة اقتصادية‬


‫متنوعة وشاملة للعناصر الساسية التي ل تقوم حياة النسان إل بها ‪ ،‬ويمكن‬
‫احتسابه وفقا لمعطيات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة ) مؤشر‬
‫السعار ( ‪ .‬ومن هنا فالفقر هو فجوة معيشية بين الحاجات الساسية وبين‬
‫مستوى الكفاية ‪ .‬وفي إطار الموقف الفقهي ذهب جمهور الفقهاء إلى القول‬
‫بأفضلية الغنى خلفا لما ذهب إليه المتصوفة بأن الفقر أفضل من الغنى ‪ .‬إن‬
‫موقف الصوفية في هذه المسألة يكشف عن قصور كبير في فهم الصول‬
‫الكلية والهداف العليا التي وضعها السلم لتحقيق سعادة النسان ورفاهية‬
‫المجتمع ‪ .‬يدور احتجاج الصوفية الدفاعي عن الفقر حول الية القرآنية ‪" :‬‬
‫للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضل من الله‬
‫ورضوانا " ) الحشر ‪ ، ( 8 /‬فقالوا مدافعين عن الفقر في هذه الية أنها‬
‫قدمت الفقر على الهجرة للدللة على أهميته وفضله إضافة إلى كونه جاء‬
‫في سياق المدح والثناء ‪ .‬إن وجه القصور في هذه المدافعة واضح من نص‬
‫الية نفسها ‪ ،‬فهي تدل على أفضلية الغنى لن الله زكى صنيع المهاجرين‬
‫ووصفهم بأنهم يبتغون فضل من الله ورضوانا ‪ ،‬وهذا يعني ضرورة وحتمية‬
‫الخروج من الفقر ‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بأسباب الفقر فإن هناك مجموعة كبيرة من السباب التي تؤثر‬
‫في مشكلة الفقر ؛ وهي أسباب ذاتية كالحتكار والكتناز والربا ‪ ،‬وأسباب‬
‫موضوعية كالقرار الستثماري الموجه نحو الربح السريع والعائد المادي دون‬
‫النظر إلى العائد الجتماعي إضافة إلى سوء استخدام الموارد القتصادية‬
‫والنفاق العام الذي ل يراعي المنفعة الجتماعية ‪ ،‬وأسباب خارجية تتعلق‬
‫باقتصاد العولمة وما يحدثه من أزمات على مستوى القتصادات الوطنية ‪،‬‬
‫كما أن هناك محددات وعوامل أخرى تؤثر في ازدياد المشكلة واستفحال‬
‫خطرها مثل البطالة والتضخم بسبب ما تحدثه من انخفاض في الجور‬
‫الحقيقية وخسارة المقرضين وانخفاض الدخول وبالتالي ارتفاع تكاليف‬
‫المعيشة‪ .‬ومن هنا ينشأ عن الفقر العديد من الثار القتصادية التي تهدد بنية‬
‫واستقرار المجتمع ‪ ،‬أهمها التبعية القتصادية للدول الكبرى من خلل الديون‬
‫الخارجية وفرض الشروط مقابل استيراد التكنولوجيا وتوجيه موارد الدول‬
‫الفقيرة لنتاج السلع اللزمة لشباع الذوق الستهلكي للحصول على العملة‬
‫الصعبة ‪ ،‬إضافة إلى آثار أخرى على مستوى الدولة الفقيرة كالصراع‬
‫القتصادي الطبقي وتخلف الحالة الجتماعية من الناحية الفكرية والسياسية‬
‫والعسكرية وجميع علقات المجتمع بوجه عام ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن آثار الفقر واضحة في الحياة المعاصرة بشكل يهدد أمن العالم‬
‫ومستقبله ‪ ،‬ففي العالم اليوم وحسب تقديرات لجنة المن الغذائي التابعة‬
‫لمنظمة الغذية والزراعة في المم المتحدة في شهر أيلول ‪ 2004‬أن عدد‬
‫فقراء العالم يقدر بحدود )‪ (800‬مليون نسمة‪ .‬ولكن تقديرات البنك الدولي‬
‫تشير إلى أن أكثر من مليار و)‪ (200‬مليون نسمة أي أكثر من خمس سكان‬
‫العالم يكافحون لجل البقاء ويعيشون على أقل من دولر يوميا لكل فرد ‪،‬‬
‫كما أن الحصائيات تشير إلى أن )‪ (35‬ألف طفل يموتون يوميا بسبب الجوع‬
‫والمرض ‪ ،‬وهناك )‪ (%33‬من سكان العالم يفتقرون إلى مياه الشرب‬
‫المنة ‪ ،‬و)‪ (%25‬يفتقرون إلى السكن ‪ ،‬و)‪ (%20‬يفتقرون إلى الخدمات‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصحية ‪ .‬إن ويلت الفقر تصل حتى الفراد الذين يعيشون في الدول‬
‫المتقدمة ‪ ،‬وبحسب إحصائيات مركز الدراسات السلمية في أمريكا أن عدد‬
‫الفقراء في أمريكا يقدر بحوالي )‪(36‬مليون ‪ ،‬منهم )‪ (700‬ألف أمريكي‬
‫يعيشون تحت خط الفقر ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬كيف استطاع السلم أن يقضي على جيوب الفقر ‪ ،‬وما هي آليات‬
‫المواجهة في تحقيق صورة المجتمعات السلمية الخالية من الفقر ‪ ،‬وقد‬
‫وقع ذلك في التاريخ السلمي أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما‬
‫بعث معاذ بن جبل إلى اليمن عامل على الصدقات ولكنه أرسل إلى عمر‬
‫بكامل الصدقة وقال ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا ‪ ،‬وتكررت نفس الصورة‬
‫في زمن عمر بن عبد العزيز في موقفه مع عامله في العراق ومع عامله‬
‫يحيى بن سعيد في إفريقيا كما روى ذلك أبو عبيد في الموال وابن عبد‬
‫الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز ‪.‬‬
‫إن آليات المواجهة التي يتبناها السلم في مقاومة الفقر والقضاء على جيوبه‬
‫تصب في ثلث قنوات أساسية ؛ وقائية وعلجية وتكميلية ‪ .‬فأما الليات‬
‫الوقائية فهي اعتبار العمل عبادة يحصل فيه العامل على أجرين ثواب في‬
‫الخرة وأجر مادي في الدنيا ‪ ،‬وتنظيم التبادل على أسس تكافلية وبالتالي‬
‫تحريم السعار الناتجة عن تأثير قوى غير قوى العرض والطلب كالحتكار‬
‫والربا والكتناز ‪ ،‬وتوجيه النمط الستهلكي بعيدا عن السراف والتقتير ‪ .‬وأما‬
‫الليات العلجية فتتمثل بالزكاة التي تفرد بها السلم عن سائر النظم‪،‬‬
‫وموارد بيت المال الخرى غير الزكاة‪ ،‬وأعمال البر والحسان التطوعية‪ ،‬وأما‬
‫الليات التكميلية فهي سياسة النفاق العام التي تقوم من خللها الدولة‬
‫بزيادة المعروض من السلع الضرورية وتوجيه هذه السياسة نحو الستثمار‬
‫كثيف العمل ويمكن للدولة استثناء بعض الضروريات من التملك الخاص إذا‬
‫كانت تتعلق بالمستوى المعيشي للفقراء‪ ،‬كما يمكن للدولة القيام بتنفيذ آلية‬
‫تكميلية كمرحلة أخيرة وهي الضرائب وتكون وفقا لبرنامج اقتصادي مدروس‬
‫يحدده مستوى الكفاية العام‪ ،‬ويمكن احتساب الضريبة وفقا للمعادلة التالية ‪:‬‬
‫الضريبة الكلية = دخل الكفاية العام ‪ ) -‬الزكاة ‪ +‬موارد بيت المال الخرى‬
‫‪ +‬الحسان الفردي ( * جامعة أم القرى ‪ -‬كلية الباحة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السلم ودعاة التجديد‪ ..‬من الوريد إلى الوريد!‬


‫د‪.‬إسلم بن صبحى المازني‬
‫‪doctor_thinker@hotmail.com‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على خاتم النبيين‬
‫هذه كلمات خطتها دموع القلم على شاطئ التجديد‪ ،‬مقرة بأن تجديد الدين‬
‫هو دليل محبتنا لرب العالمين‪ ،‬هذا حق‪ ..‬لكن كيف يكون؟‬
‫قال الكميت‪:‬‬
‫هل للشباب الذي قد فات مردود * أم هل لرأسك بعد الشيب تجديد‬
‫وهذا يرينا أن التجديد هو الرد إلى الصل الول‪ ،‬أما فلسفة التجديد ‪ .....‬من‬
‫الوريد إلى الوريد! فيرونه تصرفا في الصل‪.‬‬
‫لهذا هتفت بدعاة التجديد الجدد‪:‬‬
‫بل هو تجديد الحزن بعد أن يبلى!‬
‫وحسبنا الله‪ ،‬نعم‪ ..‬حسبنا الله‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د!‬
‫دي ُ‬ ‫عند َ الذ ّ ّ‬
‫ل ِقن ِ‬ ‫ة ِ‬
‫مني ّ َ‬
‫ن ال َ‬
‫ه*إ ّ‬ ‫ت شارِب ُ ُ‬ ‫مو ِ‬
‫م ال َ‬ ‫دها ل َذ ّ َ‬
‫طع َ‬ ‫َوعن َ‬
‫أي كمشروب ممتع وغاية المنى ‪...‬‬
‫نسأل الله الوفاة على السلم غير مبدلين ول مفرطين‪ ،‬فقد ركب قوم‬
‫مركب التجديد‪ ،‬وخرقوه ليغرقوا أهله‪ ،‬وصيروه مركبا للتبديد والتقويض‪ ،‬بدل‬
‫من التجديد والتنشيط‪ ،‬وأعادوا بتجديدهم ذكرى أخس العبيد‪ ،‬أمثال الجعد‬
‫والجهم‪ ،‬وأياما حزينة عاشتها المة على أيديهم وبأقلمهم‪ ،‬وتنكأ ذاكرتها كل‬
‫حين بأحفادهم ‪...‬‬
‫إنها دموع القلم‪ ،‬على شاطئ لم يكن ينبغي أن يكون شاطئا للحزان أبدا‪،‬‬
‫لكن حيزت لهم المنابر‪...‬‬
‫كما أن هناك لمحة في أن تجديد الحزن يكون باستعادته كما كان شجيا‪،‬‬
‫فكيف يكون تجديد الدين‪ ،‬أيكون بتغيير صفته؟ إذا ً لكان تجديد الحزن فرحا‬
‫وسرورا! وهذا ما ل يقول به عاقل‪ ،‬فليرجعوا لنفسهم مقرين بأن التجديد هو‬
‫الحياء‪ ،‬وفعلهم هو الطفاء! محاولة لطفاء النور بالفواه‬
‫وهي وقفة مراجعة مع النفس‪ ،‬كي يرى كل منا أمجدد هو؟‬
‫أمتبع لمجدد هو؟‬
‫وأذكر أن شيخ السلم كان يقول‪ :‬أجدد إسلمي وما وجدت لي إسلما حسنا!‬
‫فهي محاولت ليكون إسلمنا غضا كما أنزل! وليس كما نرغب ‪..‬‬
‫وقد بلينا بمن لديهم ردود معدة سلفا‪ ،‬فيقولون متشدد حنبلي لكل من‬
‫طالبهم بالصواب‬
‫فليسأل كل منا نفسه‪:‬‬
‫هل أنا على ما كان عليه أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في العقيدة‬
‫والنسك والشعائر؟ في الخلق والسلوك؟ في الفهم والتقدير للمور؟ في‬
‫المرجعية المخبتة لرب العالمين؟‬
‫هل أعلم أصل ما كانوا عليه من مصادر موثقة؟ أم أتلقى ديني حيثما اتفق‬
‫من كل ما يقال حولي دون تمحيص؟‬
‫ونحن نعاني من فتاوى كالزوابع والصرعات=ولم تعد فتاوى فقط بل‬
‫تشريعات!‬
‫وليتذكر كل منا أن المهدي عليه الصلة والسلم تجديده إحياء وبعث للثوابت!‬
‫عل في هذه التذكرة بلغا يقيه جراثيم المدعين‪.‬‬
‫وهذه ومضات عاجلة حول تلك الفتنة السائرة‪ ،‬عل فيها خيرا وصيانة من‬
‫مغالطات قد ترن في الذان‪ ،‬عبر المذياع وغيره‪:‬‬
‫يباع الن مفهوم تجديد الدين كل مائة عام‪ ،‬ويقف القوم حيارى‪ ،‬بين كفي‬
‫المجدد وفكي المبدل ‪...‬‬
‫والحقيقة الغائبة هي أن احتياجاتنا في الدنيا قليلة‪ ،‬وهذا ما نكتشفه حين نرى‬
‫أغنى أهلها يأكل الخبز والجبن مثلنا‪ ،‬ولكن توهمنا أنها احتياجات كبيرة‪،‬‬
‫ولجوءنا فيها لغير بارئها يجعلن البعض يبيعون الكثير بالقليل في لحظة‬
‫الضعف‪ ،‬ويتنازلون عن الحق مقابل بعض هذه الطعمة والشربة‪ ،‬والنقود‬
‫القليلة البائدة‪...‬‬
‫دموا ما ينفعهم في ظلمة القبر الطويلة‬ ‫ويبقى المل في بعض أخر‪ ،‬ق ّ‬
‫الباردة‪ ،‬وعزلته القاسية‪...‬‬
‫ولقد قدر الله تعالى أن يكون هناك خير وشر‪ ،‬وأن يتلون الشر بلون الخير‬
‫أحيانا )مؤسسة الشر الخيرية قد تكون في شكل مسجد! كمسجد الضرار أو‬
‫فضائية دينية‪ ،‬أو جريدة‪ ،‬أو موقع إنترنت‪ ،(...‬وأن يدعي الخير من ليس من‬
‫أهله‪ ،‬وأل يدعي الشر أهله‪ ،‬وربما أقسم صاحب الشر بالله أنه من الناصحين‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫}وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين{‪ ،‬فقد كان إبليس ‪ -‬ظاهريا ‪ -‬من‬
‫المحبين لبينا‪ ،‬ولم يطلب أجرا لقاء النصيحة الزائفة‪...‬‬
‫والحقيقة أن التجديد يساء فهمه‪ ،‬ويظن به أنه التغيير والتدهور )بدعوى‬
‫التطور(‪ ،‬ولكن ربما في حديث )جددوا إيمانكم( لمحة عن ماهية التجديد‪...‬‬
‫قال الرسول صلى الله عليه وسلم جددوا إيمانكم‪،‬‬
‫* قيل‪ :‬يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟‬
‫قال‪ :‬أكثروا من ل إله إل الله‬
‫رواه أحمد‬
‫فلم يكن التجديد هنا سوى ذكر أصل اليمان )الذي صار ‪ -‬الن ‪ -‬لفظة‬
‫باللسان( ليتذكر المرء )ممن فهموا معناها( غاية وجوده‪ ،‬ومهمته على ظهر‬
‫الرض‪ ،‬وهي إشارة إلى أن التجديد هو إزالة كل الغفلة والران والصدأ من‬
‫على القلب‪ ،‬والتراب من فوق العقل كذلك‪ ،‬والعودة بالشيء لصله‪ ،‬فيكون‬
‫كالجديد تماما‪.‬‬
‫فأمر بالعودة للصل الناصع الذي تنبثق منه كل الفروع‪ ،‬ليكون تذكرة وتهيئة‬
‫جديدة للنفس‪ ،‬ولتدخل المعاني الكريمة ثانيا في شغاف القلب‪ ،‬وفي حنايا‬
‫النفس وأعماق الروح‪ ،‬فينتج عنها كل تصرف جميل‪ ،‬وتزول كل العوالق التي‬
‫تقسي القلوب وتطمس على العقول }فطال عليهم المد فقست قلوبهم{‬
‫*والمسألة ربما تكون واضحة كذلك في رواية يجدد لها )أمر( دينها‬
‫)إن الله يبعث لهذه المة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها(‬
‫رواه أبو داود وصححه العراقي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فهو يجدد أمر الدين وليس الدين‬


‫وعلى الثانية يحمل المعنى على التأصيل والتنقية‪ ،‬والتصفية من كل ما علق‪،‬‬
‫فيعود كأنه جديد غض طري كما أنزل‬
‫وعلى الولى يحمل على عودة القضية حية في النفوس‪ ،‬وعودة المعاني فوق‬
‫رأس أعمال العقول‪ ،‬وعلى عودة الرسالة هي الهدف السمى والنبل‪ ،‬بدل‬
‫من كونها شيئا ما في ركن فاتر من الكيان البشري‪.‬‬
‫أما تغير الفتيا بتغير الواقع فهذا ليس تجديدا‪ ،‬بل هو عمل بالصل‪ ،‬فهو يتم‬
‫طبقا لقواعد فيه تحفظ مقاصده وثوابته‪ ،‬وهو مسألة مرونة ذاتية‪ ،‬ول تشمل‬
‫السس ول تغير النصوص القطعية‪ ،‬ومن يحفر فيها ليوسع بها المر إلى‬
‫منتهاه عابث }وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا{‪ ،‬ويستوي مع المحرف‬
‫المخرف }تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا{ ويبقى صنف مدحه‬
‫الحق }والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلة‪ {...‬والمقصود يمسكون بما‬
‫فيه‪ ...‬بل شك!‬
‫*وهناك لمحة أخرى‪:‬‬
‫جدد هو دين المة‪ ،‬وليس الدين نفسه )أي إضافة لفظ الدين إلى‬ ‫م َ‬
‫وهي أن ال ُ‬
‫المة‪ ،‬كمضاف ومضاف إليه(‬
‫وهذه أيضا تشير لن المطلوب تجديد صلة المة بالدين‪ ،‬وليس طبيعة هذا‬
‫الدين‪ ..‬وإل فما الذي يميز هذا الدين عن أي دين؟ لو أن أهله ألفوا كل مائة‬
‫سنة دينا وياسقا جديدا؟‬
‫والنصوص كلها متقاربة في بيان التجديد الحقيقي‪ ،‬الذي يختلف عن التزوير‬
‫والتحريف عافاكم الله تعالى‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* فحين نقول‪:‬‬
‫جدد وضوءه!‬
‫فهل تجديد الوضوء هو تغيير صفته؟ أو موقفنا منه؟ ل=بل هو الوضوء نفسه‬
‫يفعل فيصير مجددا! حتى لو لم ينتقض يجدد بأن يكون حديثا في نفس‬
‫صفته‪ ،‬ول نترك غسل يد مثل أو نغير سنة فيه!‬
‫بالمثل تجديد الدين‪ ...‬إذن تجديد الدين هو أن نجدد الروح فينا نحوه‪ ،‬ونوقظ‬
‫العقل به ونرقق القلب معه‪ ،‬فتكون فينا حماسة من وجد ما فقد‪.‬‬
‫فمن يرى التجديد تحويرا وتحريفا إما لديه خلل في النية أو في القوى‬
‫العقلية‪.‬‬
‫*وبالمثل حين نقول‪ :‬تجديد العهد‬
‫فحين أقول لك‪:‬‬
‫جدد العهد وجنبني الكلم * إنما السلم دين العاملين‬
‫هل معناه أن تخترع عهدا جديدا بيننا وتنكث الول؟ أم أن تفي بما كان‪،‬‬
‫وتصدق القول بالعمل؟ وتلتزم بنفس قوة التزامك يوم شددنا اليدي؟‬
‫هذا‪ ...‬والسلم مع التجديد في نواحي الحياة العملية والعلمية‪ ،‬التي تسير‬
‫وفقا للشرع‬
‫)تعلموا‪ ،‬وسيروا‪ ،‬وانظروا‪ ،‬واضربوا فى الرض‪ ،‬واغرسوا الزرع ‪ ....‬بما‬
‫يرضي الله تعالى(‬
‫وقد ذكرنا آفة العبث بالحكام حين تخصص بل قرينة‪ ،‬وتقيد القواعد المطلقة‬
‫بل بينة‪ ،‬وهذه طريق لنسخ الشريعة كلها بالهوى والستحسان )طبقا‬
‫للضغوط أو الحلم(‬
‫فقد سمعت من يقول سنة بيئية! وعادة عربية! ومسألة وقتية زمنية! ليبرر‬
‫ترك واجبات )وليس نوافل( بدعوى أنها خاصة بالعرب أو بزمن مضى‬
‫وانقضى!‬
‫وينسون أن التغير البشري ل يشمل تغير الثوابت الصلية‪ ،‬وهي الرغبات‬
‫والنوازع وغيرها ‪ -‬ففي عصر الذرة تبقى النفس هي النفس‪ ،‬والقيم هي‬
‫القيم ‪ -‬ومن ثم كان الشرع ثابتا خالدا صالحا‪ ،‬والشكل الدنيوي التقني‬
‫متغيرا‪ ،‬والله أعلم بعباده=فها نحن نرى البشرية بحاجة لتربية ولخلق‪،‬‬
‫ولضوابط تحميها من أمراض الحضارة‪ ،‬وبها نفس العيوب والمصائب‬
‫السالفة‪ ،‬وذات الجرائم بنفس المنشأ‪ ،‬واختلفت فقط في الشكل‪.‬‬
‫فابن آدم عليه الصلة والسلم قتل بالحجر‪ ،‬وبوش يقتل باليورانيوم المنضب‬
‫أو المخصب‪ ..‬وكلهما بحاجة لتربية إسلمية ربانية‪ ،‬تترك له مجال التقدم‪،‬‬
‫وتضبط له توجيهه لخير البشرية‪ ،‬بإيمان وأخلق وتشريعات ربانية مضيئة‬
‫أما من يغير الشرع ليوائم كوندوليزا فليهنأ هو وهي بدين جديد‬
‫فنحن ل نريد )بولس( مصري أو شامي ليبدل السلم ‪....‬‬
‫كفى ما بنا‬
‫نحن أصل لسنا على الصل الول حتى نبدل بدعوى التجديد‪ ،‬فكيف إذا انتقض‬
‫القليل الباقي؟‬
‫وهي فتن تعرض )في الحديث‪ :‬تعرض الفتن كعرض الحصير عودا عودا(‪ ،‬أي‬
‫كما يظهر على جلد من نام عليه مثل‪...‬‬
‫حين طبع الحصير على جسد النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو زاهد في‬
‫الحرير! كانت العلمات الطابعة على جلده الشريف في سبيل الله‪ ،‬أما هذه‬
‫الفتن فهي تطبع على القلوب ل الجلود! كما أخبر‪ ..‬بأبي هو وأمي صلى الله‬
‫عليه وسلم‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وطبع الفتن مؤثر وفتاك‪ ،‬نسأل الله العافية‬


‫فمن قلب يصير كوزا صدئا‪ ،‬بل ومقلوبا! يعني‪ :‬مقزز شكل ومعنى‪ ،‬ول قيمة‬
‫له ول وظيفة‪ ،‬بل يعكر الماء ويسمم الشاربين‬
‫إلى قلب يضيء ويطفيء!‬
‫ويبقى قلب المؤمن يزهر وينير كالسراج‬
‫والتصفية النهائية تكون على قلبين! كما قال من ل يكذب‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫على أبيض مثل الصفا‪ ،‬فل تضره فتنة ما دامت السماوات والرض‪ ،‬والخر‬
‫أسود مربادًا‪ ،‬كالكوز مجخيًا‪ ،‬ل يعرف معروفا ول ينكر منكرًا‪ ،‬إل ما أشرب‬
‫من هواه‬
‫رواه المام الحبيب العلم الرائع‪ :‬مسلم أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن‬
‫مسلم النيسابوري‬
‫وإذا العقائد بالضلل ‪ii‬تخالفت‬
‫هي حجة الّله المنيرة ‪ii‬فاعتصم‬
‫إن ابن حنبل اهتدى لما ‪ii‬اقتدى‬
‫ما زال يقفو راشدا ً أثر الهدى‬
‫حتى ارتقى في الدين أشرف ذروة‬
‫نصر الهدى إذ لم يقل ما لم ‪ii‬يقل‬
‫سياط ول ‪ii‬ثنى‬ ‫ده ضرب ال ّ‬ ‫ما ص ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صب‬ ‫ب ليس فيه ‪ii‬تع ّ‬ ‫فهناه ح ٌ‬


‫وَِوداُدنا للشافعي ‪ii‬ومالك ‪...‬‬
‫‪ ...‬فعقيدة المهدي أحمد َ ‪ii‬أحمد ُ‬
‫بحبالها ل يلهيّنك ‪ii‬مفسد ُ‬
‫ومخالفوه لزْيغهم لم ‪ii‬يهتدوا‬
‫ب النجاة ويجهد ُ‬ ‫ويروم أسبا َ‬
‫ما فوقها لمن ابتغاها مصعد ُ‬
‫في فتنة نيرانها ‪ii‬تتوقّد ُ‬
‫عزماته ماضي الغرار ‪ii‬مهن ّد ُ‬
‫لكن محبة مخلص ‪ii‬يتود ّد ُ‬
‫وأبي حنيفة ليس فيه ‪ii‬ترد ّد ُ‬
‫اجتماع الجيوش لبن القيم رحمه الله‪.‬‬
‫كما قال عنترة في قصيدته‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن المنّية مهربي إذ كان رّبي في السماء قضاها‬ ‫نم َ‬ ‫يا عَب ْ ُ‬
‫ل أي ْ َ‬
‫ولقد وقي الله البيت السني في مجمله من تقديس الشيوخ‪ ،‬كما لدى‬
‫الصوفية فيكون المريد كالميت بين يدي مغسله‪ ،‬ويبيح له الخروج عن‬
‫الشريعة لما يسميه الحقيقة!‬
‫أو كما لدى الرافضة حيث يقدسون الئمة المعصومين‪ ،‬ويخطئون الوحي!‬
‫أما أئمة أهل السنة فكلهم حرم التقليد العمى ولله الحمد‬
‫ووضعت أصول الفقه لتكون عنصر التجديد والبناء والتعامل مع المستجدات‪،‬‬
‫وأسس علم الحديث ليكون صمام المان من التخريف!‬
‫م الصول وفاسقٌ متزهد ُ‬ ‫عل ْ َ‬
‫دعي ِ‬ ‫لي ّ‬ ‫كفرا ً َ‬
‫جُهو ٌ‬ ‫دهم ُ‬ ‫وأش ّ‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فَُهمو وإن وهُنوا أشد ّ مضّرة في الدين من فأر السفين وأفسد ُ‬


‫فبداية من عبد الله بن عباس وهو يعلم الناس أن الحجارة تسقط على من‬
‫ترك الدليل لقول أحد كائنا من كان‪ ..‬إلى جميع الئمة الذين عرفناهم وسطا‬
‫ل يجفون ول يغالون لكنهم ينتقون أين ومتى وعمن يتحدثون‪.‬‬
‫ولم يقل أئمة أهل السنة بعصمة أحد من الصحابة أبدا فضل عمن بعدهم‪،‬‬
‫لكنه الدب والحترام والوقوف عند الحد‪.‬‬
‫أما الحداث والقوال والفعال فكلها قيد البحث‪ ،‬وكلها قيد التحقيق بالضوابط‬
‫الشرعية‪ ..‬التي منها أحيانا كف اليدي واللسن لعتبارت منجية دنيويا‬
‫وأخرويا ‪...‬‬
‫وتبقى السنة ‪ -‬صلى الله على صاحبها وسلم ‪ -‬سفينة النجاة‪ ،‬دون تعصب‬
‫ودون جمود لكن بالتزام وفقه بالصول منضبط وإل لضاعت الدنيا‬
‫فكيف يستقيم فهمهم للتجديد بأنه البتداع والختراع مع قول العزيز الكريم‪:‬‬
‫}والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلة{ سورة العراف‪.‬‬
‫ومع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم‪) :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن‬
‫تضلوا بعدي أبدا!(‬
‫فهل هو تمسك بالكتاب أي بالوراق؟ أم بالوصايا الربانية الجليلة المسطورة‬
‫بها؟‬
‫أم يصيرون كمثل الحمار يحمل أسفارا؟‬
‫هل هو تمسك بالواني أم بالمعاني؟‬
‫إذن هو الحياء‪ ،‬وهو النعاش‪ ،‬وهو نفض الغبار وإزالة الران‬
‫إلهي‪ ..‬إن كنت مددت يدي إليك داعيًا‪ ،‬فطالما كفيتني ساهيا ً‬
‫إلهي‪ ..‬ل أصل إليك إل بك فقربني ول تفتني‬

‫)‪(3 /‬‬

‫السلم وعلقات النسان‬


‫أحمد الخطيب‬
‫‪ahmadkhatiby@yahoo.com‬‬
‫معلوم أن للنسان علقات ثلث‪ :‬علقته بخالقه وتشمل العبادات والعقائد‪،‬‬
‫وعلقته بنفسه وتشمل الخلق والمطعومات والملبوسات‪ ،‬وعلقته بغيره‬
‫وتشمل المعاملت والعقوبات‪ ،‬وجميع هذه العلقات متشابكة متداخلة ل‬
‫يمكن فصلها عن بعضها البعض‪ ،‬والدين الكامل أو المبدأ هو الذي يملك نظاما ً‬
‫يعالج هذه العلقات‪ .‬أما الدين الناقص أو الفكر القاصر فهو الذي يعالج‬
‫بعضها ويهمل بعضها‪ ،‬فجميع الديان اليوم عدا السلم هي أديان ناقصة لنها‬
‫ل تملك نظاما ً كامل ً للعلقات الثلث‪ ،‬وجميع الفكار عدا السلم والرأسمالية‬
‫والشيوعية هي أفكار قاصرة لنها ليست مبادئ تعالج العلقات الثلث وإنما‬
‫تعالج بعضها وتهمل بعضها الخر‪ .‬وإنه وإن كانت الرأسمالية والشيوعية‬
‫مبدءان يعالجان جميع علقات النسان لكنهما مبدءان باطلن لن معالجتهما‬
‫ل تتفق مع فطرة النسان ول تنبني على العقل النساني‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما السلم فقد تناول علقات النسان الثلث تناول ً عمليا بالفكرة والطريقة‬
‫وبالتوجيه والتشريع وبالحجج والبراهين وبالحكام والحلول‪ ،‬لذلك كانت أية‬
‫محاولة لفصل السلم عن جزء من العلقات هي محاولة محكوم عليها‬
‫بالفشل لنها تتناقض مع طبيعة السلم الشمولية‪ ،‬والسلم لم يفرق في‬
‫معالجاته بين هذه العلقات‪ .‬ولو استعرضنا بعض النصوص الشرعية التي‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تناولت العلقات الثلث لما وجدنا فيها أي تمييز أو تفريق بينها يستدعي‬
‫الفصل بينها وبين بعض تلك العلقات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫مُنوا آ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فمثل ً في العقيدة يقول تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫فْر ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫من ي َك ْ ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ب ال ّذِيَ َأنَز َ‬ ‫سول ِهِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫ل عََلى َر ُ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬‫َوال ْك َِتا ِ‬
‫ضل َل ً ب َِعيدًا(‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫خرِ فَ َ‬ ‫سل ِهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مل َئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬ ‫وَ َ‬
‫صل َة َ َوآُتوا ْ الّز َ‬ ‫َ‬
‫ة( ويقول عليه‬ ‫كا َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ومثل ً في العبادات يقول تعالى‪) :‬وَأِقي ُ‬
‫الصلة والسلم‪" :‬الدعاء بين الذان والقامة ل ُيرد"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫ح ُ‬
‫م‬
‫واءهُ ْ‬ ‫ه وَل َ ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫كم ب َي ْن َُهم ب ِ َ‬ ‫ومثل ً في الحكم يقول تعالى‪َ) :‬فا ْ‬
‫ق( ويقول عليه الصلة والسلم‪" :‬من مات وليس عليه‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫عَ ّ‬
‫إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية"‪.‬‬
‫َ‬
‫يٍء فَُرّدوهُ إ ِلى‬ ‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ومثل ً في القضاء والبينات يقول تعالى‪) :‬فَِإن ت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫ل( ويقول عليه الصلة والسلم‪" :‬من أخذت له مال ً فهذا مالي‬ ‫سو ِ‬ ‫الل ّهِ َوالّر ُ‬
‫فليأخذ منه ومن جلدت له ظهرا ً فهذا ظهري فليقتص منه" ويقول أيضًا‪:‬‬
‫"البينة على المدعي واليمين على من أنكر"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما(‪.‬‬ ‫ة فاقطُعوا أي ْدِي َهُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سارِق ُ‬ ‫َ‬ ‫سارِقُ َوال ّ‬ ‫ومثل ً في العقوبات يقول تعالى‪َ) :‬وال ّ‬
‫ة‬
‫ض َ‬‫ف ّ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ن ي َك ْن ُِزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ومثل ً في القتصاد والمعاملت يقول تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫م( ويقول عليه الصلة‬ ‫َ‬ ‫هم ب ِعَ َ‬ ‫ل الل ّهِ فَب َ ّ‬ ‫وَل َ ُينفِ ُ‬
‫ب أِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫شْر ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قون ََها ِفي َ‬
‫والسلم‪" :‬ما أكل أحد ٌ طعاما ً قط خيرا ً من أن يأكل من عمل يده" ويقول‬
‫أيضًا‪" :‬أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من‬
‫َ‬
‫م الّرَبا(‪.‬‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫بينهما" ويقول تعالى‪) :‬وَأ َ‬
‫م وََأن ُ‬ ‫َ‬
‫م( ويقول‪:‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ومثل ً في الحرب والسلم يقول تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ن ي َلون َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا َقات ِلوا ال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل( ويقول‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫قا ً‬ ‫فافا ً وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ْ ِ‬ ‫)ان ْ ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فاِر( ويقول‪) :‬فَل ت َهُِنوا وَت َد ْ ُ‬ ‫ال ْك ُ ّ‬
‫م العْلوْ َ‬ ‫سلم ِ وَأنت ُ ُ‬ ‫عوا إ ِلى ال ّ‬
‫َ‬
‫ت إ َِلى أهْل َِها(‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ماَنا ِ‬ ‫م أن ُتؤّدوا ْ ال َ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ومثل ً في الخلق يقول تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ويقول عليه الصلة والسلم لشج عبد القيس‪" :‬إن فيك لخصلتين يحبهما‬
‫الله‪ :‬الحلم والناة"‪.‬‬
‫م‬
‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫م وَل ْ‬ ‫ْ‬
‫ة َوالد ّ ُ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلي ْك ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ومثل ً في المطعومات يقول تعالى‪ُ ) :‬‬
‫ه(‪.‬‬ ‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِ ِ‬ ‫ما أ ُهِ ّ‬‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ومثل ً في الملبوسات يقول عليه الصلة والسلم‪" :‬إن الرجل يحب أن يكون‬
‫ثوبه حسنا ً ونعله حسنًا" وقال الرسول صّلى الله عليه وسّلم‪" :‬إن الله جميل‬
‫يحب الجمال"‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن السلم من خلل هذه العينة من النصوص قد عالج العقيدة‬
‫والعبادة كما عالج المعاملت والعقوبات وكما عالج الخلق والمطعومات‬
‫والملبوسات‪ ،‬فل فرق في معالجات السلم للعلقات بين أن تكون علقة‬
‫النسان بخالقه أو علقته بغيره أو علقته بنفسه‪.‬‬
‫وأما دور العقل في ذلك فقد اعتبره السلم مناطا للتكليف‪ ،‬فعن طريق‬ ‫ً‬
‫العقل يهتدي النسان أو يضل وطلق السلم للعقل العنان للفهم والبداع في‬
‫إطار النصوص الشرعية‪ ،‬فهو من جهة منعه من التفكير العابث الذي يؤدي‬
‫إلى الضياع وهو من جهة ثانية حثه على التفكر والتدبر والجتهاد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫والرسول صّلى الله عليه وسّلم كان يوجه المسلمين توجيها ً إيمانيا ً عمليا ً‬
‫يجمع كل جوانب الحياة ويعالج جميع علقات النسان بدون تفريق‪ ،‬لذلك‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانت حياة المسلمين هي حياة إنسانية راقية ل تجنح للمادة وطغيانها ول‬
‫تهرب من صخب العيش إلى الجبال والكهوف والزوايا لتدع الدنيا لمن يقدر‬
‫عليها‪ ،‬ولنأخذ حديثا ً من أحاديث المصطفى صّلى الله عليه وسّلم يوصي فيه‬
‫أحد أصحابه‪ .‬فقد روى البيهقي في كتاب الزهد عن معاذ أنه قال‪ :‬أخذ رسول‬
‫الله صّلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬فمشى قليل ً ثم قال‪" :‬أوصيك‪ -1 :‬بتقوى الله ‪-2‬‬
‫وصدق الحديث ‪ -3‬ووفاء العهد ‪ -4‬وأداء المانة ‪ -5‬وترك الخيانة ‪ -6‬ورحم‬
‫اليتيم ‪ -7‬وحفظ الجوار ‪ -8‬وكظم الغيظ ‪ -9‬ولين الكلم ‪ -10‬وبذل السلم‬
‫‪ -11‬ولزوم المام ‪ -12‬والتفقه في القرآن ‪ -13‬وحب الخرة والجزع من‬
‫الحساب ‪ -14‬وقصر المل ‪ -15‬وحسن العمل‪ .‬وأنهاك أن‪ -1 :‬تشتم مسلما ً‬
‫‪ -2‬أو تصدق كاذبا ً ‪ -3‬أو تكذب صادقا ً ‪ -4‬أو تعص إماما ً ‪ -5‬وأن تفسد في‬
‫الرض‪ .‬يا معاذ‪ -1 :‬أذكر الله عند كل شجر وحجر ‪ -2‬وأحدث لكل ذنب توبة‬
‫السر بالسر والعلنية بالعلنية"‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث الشريف أوصاف للمسلم الذي يحيا حياة إسلمية حقيقية‬
‫كاملة‪ ،‬حياة عملية إيمانية حيث تضمن خمس عشرة وصية اشتملت على‬
‫العقيدة والخلق والسياسة والعبادة وخمس منهيات تعلقت بالخلق‬
‫والسياسة وترك المعاصي‪ ،‬وختمه بذكر الله والتوبة‪ ،‬وكل ذلك بكلمات قليلة‬
‫لمعاني جليلة‪.‬‬
‫فلو أخذ المسلمون بمثل هذا الحديث لكفاهم وحماهم من البضاعة الفكرية‬
‫الفاسدة التي تروجها لنا الحضارة الغربية وما فيها من تشدق بالكلم عن‬
‫الحياة المدنية والمجتمع المدني وما شاكل ذلك من هرطقات‪.‬‬
‫نخلص من هذا كله إلى القول بأن هناك فرق بين الديان المحرفة الناقصة‬
‫وبين الدين السلمي‪ ،‬فإذا كان الفصل في أوروبا بين الديانة المسيحية‬
‫والدولة فصل ً طبيعيا ً ومقبول ً عندهم فإنه ل يصلح مع السلم ول بحال من‬
‫الحوال لن الحاكمية في السلم هي من خصائص اللوهية فإذا سلبها العبد‬
‫من الله سبحانه فإنه ينصب نفسه إلها ً إلى جانب الله تعالى وهذا هو الشرك‬
‫بعينه لذلك كان التشريع والحكم من الله سبحانه فقط ول مجال لعطائه‬
‫للنسان لن في إعطائه له ظلم عظيم فضل ً عن كونه كفرا ً صراحًا‪.‬‬
‫أما فصل الدين السلمي عن الحياة والسياسة والدولة في بلد المسلمين‪،‬‬
‫أو الخذ بالسلم في بعض العلقات وإهماله في البعض الخر‪ ،‬فهو ما جعل‬
‫المسلمين في حالة من النحطاط الدائم والتخلف المتواصل والضعف‬
‫الشديد الذي ل تبدو له نهاية طالما استمر تكريس هذا الفصل للسلم عن‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وهذا الفصل وهذا الخذ الناقص للسلم في العلقات هو الذي تسبب أيضا ً‬
‫بسيادة الكفر وشقاء البشرية واستشراء الظلم‪ .‬ول سبيل إلى إرجاع‬
‫البشرية إلى رشدها إل بتمكين السلم من تنظيم جميع علقات النسان‬
‫الثلث‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل بإقامة دولة ا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السلم وعيد الحب‬


‫د‪ .‬عادل على الله إبراهيم*‬
‫اعتاد كثير من الناس في العالم أن يحتفلوا يوم ‪/14‬فبراير من كل عام بيوم‬
‫الحب‪ ،‬ويشارك عدد ليس بالقليل من أبناء المسلمين العالم فرحته بهذا‬
‫العيد‪...‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسؤال المهم‪ :‬هل يجوز للمسلم أن يتابع الناس فيما يفعلونه دون تمييز؟‬
‫ولكي نجيب على هذا السؤال لبد من مقدمة في غاية الهمية وهي‪ :‬ما هو‬
‫أصل هذا العيد "عيد الحب" ]فالنتاين[ الذي ارتضته الكنيسة الكاثوليكية‪:‬‬
‫ن هناك ثلث روايات حول سبب هذا العيد‬ ‫تشير الموسوعة الكاثوليكية إلى إ ّ‬
‫الذي أخذ اسم فالنتين؛ وهو اسم لقسيس كان يعيش في أواخر القرن‬
‫الثالث الميلدي تحت حكم المبراطور الروماني كلوديس الثاني‪ ،‬وفي‬
‫‪/14‬فبراير عام ‪270‬م أعدم المبراطور الروماني هذا القسيس‪ ،‬الذي عارض‬
‫المبراطور في منع عقد الزواج بين الشباب‪ ،‬لكي يذهب الشباب إلى‬
‫ساحات القتال‪ ،‬ولكن كان القسيس يعقد الزواج بين الشباب سًرا في‬
‫كنيسته ولما اكتشف الحاكم أمره قتله‪.‬‬
‫وتشير رواية أخرى أن القسيس لما سجن تعرف على ابنة أحد حراس‬
‫السجن‪ ،‬وكانت مريضة‪ ،‬فعمل القسيس على شفائها‪ ،‬وقبل أن يعدم أرسل‬
‫لها بطاقة مكتوًبا عليها ]من المخلص فالنتاين[‪ ،‬وهناك روايات أخرى تشير‬
‫إلى أن هذا العيد في أصله روماني وقد حاولت الكنيسة أن تجعله نصرانًيا‬
‫لكي يدخل الناس في النصرانية‪.‬‬
‫وأصبح في أوربا النصرانية يوم ‪ 14‬فبراير هو عيد الحب‪ ،‬الذي باركته‬
‫الكنيسة التي تدعو الناس إلى نشر الحب بين الشباب والذي ارتبط اسم‬
‫الحب في أوربا وأمريكا بالجنس‪.‬‬
‫َ‬
‫وأصبحت الشركات التجارية تكسب من وراء هذا العيد أموال ً طائلة في‬
‫بطاقات الحب وهدايا الحب والورود الحمراء خاصة‪ ،‬ومن أهم شعائر هذا‬
‫العيد‪:‬‬
‫‪ -1‬إظهار البهجة والسرور فيه كحالهم في العياد المهمة الخرى‪.‬‬
‫سا‬
‫‪ -2‬توزيع بطاقات التهنئة وفي بعضها صوًرا لطفل له جناحان ويحمل قو ً‬
‫ونشاًبا وهو إله الحب عند الرومان‪.‬‬
‫‪ -3‬تبادل كلمات الحب والعشق والغرام عن طريق الشعر أو النثر أو بجمل‬
‫قصيرة‪ ،‬وفي بعضها ]كن فالنتانًيا[‪.‬‬
‫‪ -4‬تقام في كثير من البلدات حفلت راقصة مختلطة‪ ..‬ويرسل في هذا اليوم‬
‫الهدايا والشوكولته لمن يحبونهم‪.‬‬
‫وعليه نقول‪:‬‬
‫إن السلم يصبغ اتباعه بصبغ خاص تمييًزا عن غيرهم‪ ،‬قال تعالى‪) :‬صبغة الله‬
‫ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون( ]البقرة‪.[137:‬‬
‫ولذا نجد السلم قد جعل المسلم مميًزا عن غيره من الناس في العياد‬
‫والمواسم‪ ،‬فالله أبدل المسلمين بأعياد الجاهلية يومين هما الضحية والفطر‪،‬‬
‫وارتبط العيد في السلم بالعبادة‪ ،‬فيجيء عيد الفطر بعد عبادة الصوم وتأتي‬
‫الضحية بعد الوقفة بعرفات في عبادة الحج‪ ،‬أما أن يقلد المسلم دون وعي‬
‫كل ما يشاهده تحت ما يسمى المدنية أو غيرها؛ فهو دليل على ضعف‬
‫الشخصية وعقابه كما في حديث الصحيحين "يحشر المرء مع من أحب"‪.‬‬
‫والسلم يدعو للحب المقيد‪ .‬وأعلى الحب أن تحب الله من كل قلبك لما‬
‫أعطاك من نعمة الخلق ونعمة الصحة والمال والبناء والمكانة الجتماعية‪ ،‬ثم‬
‫محبة رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫كما في حديث "ثلث من كن فيه وجد حلوة اليمان أن يكون الله ورسوله‬
‫أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل لله‪ ،‬وأن يكره أن يعود في‬
‫الكفر بعد أن هداه الله كما يكره أن يقذف في النار"‪ ،‬البخاري‪.‬‬
‫ومحبة الله ومحبة رسوله ومحبة الخوان في الله ونشر الخلق‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفاضلة‪،‬ومحبة الزوجة حيث يمثل النبي الكريم قمة المثل للمحبة‪ ،‬حيث كان‬
‫يعامل زوجاته بأرق المعاملة‪ ،‬وقد حفظ لخديجة رضي الله عنها مكانتها‬
‫ومحبتها بعد وفاتها؛ بل كان يفرح للقاء صديقات خديجة وفي الصحيح فرح‬
‫لما سمع صوت أختها هالة بنت خويلد بعد سنوات من وفاتها‪.‬وكذا محبة‬
‫البناء ومعاملتهم بالحسان‪ ..‬كل ذلك مما يدعوإليه ديننا‪.‬‬
‫غير أن هذا العيد يريد أن ينشر المعنى المظلم للحب‪ ،‬وهو العشق والمجون‪،‬‬
‫والسلم يحرم المجون والختلط والباحية التي أباحتها الكنيسة المحرفة كما‬
‫أباحت الخمر‪ ،‬وكانت ثمرة هذا الختلط أن تفككت السر واعطت القوانين‬
‫الوربية والمريكية الشباب حرية الفعال بعد سن ‪ 18‬وكثرت حالت الحمل‬
‫غير الشرعي‪ ،‬وكثر تخلي الباء والمهات عن تربية البناء لنهم يشغلون الباء‬
‫والمهات عن التمتع بالحياة التي أصبحت حياة مادية باردة‪.‬‬
‫وعلى المسلم أن يزن أعماله بما يرضى الخالق‪ ،‬وأن يفعل ما شرعه الله‬
‫له‪ ،‬وأن يترك كل ما يخالف شرعه‪ ،‬ونحن ندعو للحب الفاضل‪ ،‬والشاب الذي‬
‫يحب فتاة لسلوكها عليه أن يسارع لخطبتها من أهلها‪ ،‬لتصير حليلته‪ ،‬وعندها‬
‫يفرح إن كسب قلبها‪ ،‬وتفرح أن كسبت قلبه‪ ،‬وأجمل الحب ما كان سببه‬
‫إيماني لنه ل يفتر ول يقدم‪.‬‬
‫وفي الحديث قد استكمل اليمان من أحب لله وأبغض لله‪.‬‬
‫والله يهدي إلى سبل السلم‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫السلم وفكرة حقوق النسان‬


‫النسان‪ ..‬المخلوق الوحيد الذي نفخ الله فيه من روحه‬
‫وجعل له السمع والبصر والفؤاد‬
‫نبيلة الخطيب‬
‫النسان ذلك المخلوق الذي تميز على سائر المخلوقات بميزات كثيرة‪ ،‬فهو‬
‫المخلوق الوحيد الذي نفخ الله فيه من روحه‪ ،‬وجعل له السمع والبصر‬
‫والفؤاد‪ ،‬وأوجد فيه سبحانه الرادة‪ ،‬فهو قادر على أن يقول نعم وأن يقول ل‪،‬‬
‫أن يفعل وأن ل يفعل‪ ،‬وهذه الخاصية ليست إل في النسان‪:‬‬
‫)إنا هديناه السبيل إما شاكرا ً وإما كفورًا()‪.(1‬‬
‫هذا من التكريم للنسان فهو حر مختار‪ ،‬وأي فعل يقع منه على غير إرادة‬
‫منه فهو فعل غير محاسب عليه ول مؤاخذ‪:‬‬
‫)ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا()‪.(2‬‬
‫كرهوا عليه(‪.‬‬‫)ُرفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما است ُ ْ‬
‫ويقول تعالى على لسان الشيطان‪:‬‬
‫)وما كان لي عليكم من سلطان إل أن وعدتكم فاستجبتم لي()‪.(3‬‬
‫ولقد ميز الله تعالى النسان بالعلم ورفعه بذلك على سائر المخلوقات ومنها‬
‫الملئكة‪:‬‬
‫)وعلم آدم السماء كلها ثم عرضهم على الملئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلء‬
‫إن كنتم صادقين‪ ،‬قالوا سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا إنك أنت العليم‬
‫الحكيم()‪.(4‬‬
‫وهذا العلم النساني يزيد ول ينقص‪:‬‬
‫)وقل رب زدني علمًا()‪.(5‬‬
‫ومن تكريم أو تمييز النسان أن الله تعالى سخر له ما في السماوات وما‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الرض‪:‬‬
‫)وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم النهار‪ ،‬وسخر لكم‬
‫الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار()‪.(6‬‬
‫وكل هذا جزء من التكريم لبني آدم‪:‬‬
‫)ولقد كرمنا بني آدم()‪.(7‬‬
‫ومن أعظم التكريم والتمييز أن خصه الله تعالى بالهدى واليمان فجعل منه‬
‫وفيه النبياء الذين يتلقون عن الله الهدى والنور كي ل يضل النسان ول‬
‫يشقى‪ ،‬ليعيش على هذا الكوكب حياة الطمأنينة والخير والخوة والتراحم‬
‫والتعاطف واليثار‪.‬‬
‫لكن هذا النسان بكل هذه المتيازات يبقى ضعيفا‪ً:‬‬
‫)يريد الله أن يخفف عنكم‪ ،‬وخلق النسان ضعيفًا()‪.(8‬‬
‫وقد يقع عليه الظلم والعنت وانتهاك حقوقه من بني جنسه‪:‬‬
‫)إن النسان لظلوم كفار()‪.(9‬‬
‫وإنما يقع الظلم من النسان عندما يتجرد من المعاني النسانية الفطرية‬
‫التي من أعظمها وأجلها حب النسان لخيه النسان‪:‬‬
‫ب لخيه ما يحب لنفسه(‪.‬‬ ‫)ل يؤمن أحدكم حتى يح ّ‬
‫وعندما يفقد النسان الحساس بأخيه النسان‪:‬‬
‫)واللهِ ل يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم(‪.‬‬
‫وكذلك عندما يهبط إلى الرض متثاقل ً إليها ل يهمه إل خشاش الرض يأكل‬
‫ويتمتع فاقدا ً كل إحساس بمصاب الخرين من بني جنسه إذا اشتكى منه‬
‫عضو ل يتداعى له سائر العضاء بحمى ول سهر‪ ،‬مشيع بالنانية وحب الذات‪،‬‬
‫ل يؤثر أخاه على نفسه بل يأكل نفسه هنيئا ً مريئًا‪.‬‬
‫هذا النسان الضعيف الذي يطغى‪ ،‬ويعرض عن الحق وينأى بجانبه‪ ،‬الذي خلق‬
‫هلوعا ً إذا مسه الشر جزوعا ً وإذا مسه الخير منوعًا‪ ،‬يحتاج حتى تنضبط‬
‫حركته وتستقيم إرادته ول يشتط في غلوائه‪ ،‬فيظلم نفسه التي بين جنبيه‬
‫أول ً ثم نفسه النسانية‪ ،‬يحتاج إلى ضوابط وكوابح وترغيب وترهيب مع‬
‫الرشاد والتعليم والتربية‪ ،‬يحتاج إلى قوانين فيها كل ذلك تبين له حقوقه‪،‬‬
‫وتوفرها له‪ ،‬وتبين له واجباته المنوطة به وتلزمه بها حتى يتحقق التوازن بين‬
‫الخذ والعطاء‪..‬‬
‫ومما يؤسف عليه أن النسان يطلب الحق الذي هو له بتهربه من الواجب‬
‫الذي هو عليه وتأخذه الغفلة الشديدة عن الحقيقة أن الحق الذي يطلبه هو‬
‫واجب على الخرين تجاهه وأن الواجب الذي عليه هو حقوق الخرين‪ ،‬فإذا لم‬
‫يؤد الواجب لم يصله الحق‪.‬‬
‫وعندما قام النسان وأنشأ الجمعيات والمنظمات وسماها "حقوق النسان"‬
‫لم يستطع أن يوضح المسألة آنفة الذكر‪ ،‬فظن النسان أن له حقا ً يجب أن‬
‫يصله وغفل عن أن عليه واجبا ً يجب أن يوصله‪.‬‬
‫ل‪ :‬فعندما يقطع السلم يد السارق فإنه بذلك يعطي حق الخرين‬ ‫أضرب مث ً‬
‫من المن على أموالهم أول ً ويمنع السارق في الوقت نفسه من القيام‬
‫بالسرقة خوفا ً على يده من القطع ثانيًا‪ ،‬ويحمي السارق نفسه من أن يعتدي‬
‫أحد عليه وعلى ماله هو‪.‬‬
‫ً‬
‫فحكم القطع أعطى حق المن للناس جميعا من خلل واجب تطبيق هذا‬
‫الحكم وواجب كفاية الناس سكنا ً ومطعما ً وتعليما ً وعلجًا‪ ،‬أرأيتم كيف تداخل‬
‫الحق والواجب بشكل مدهش؟! والشاهد على نجاعة ونجاح هذا الحكم‬
‫)المثال( لم تقطع خمس أيد طيلة ألف عام‪ ،‬فعندما لم يستطع الحاكم القيام‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالواجب –كفاية الناس عام المجاعة )حق المن الغذائي( لم يعاقبهم على‬
‫عدم القيام بواجب المانة‪ ،‬هذا مثال واحد بسيط على التلزم بين الحق‬
‫والواجب والمثلة أكثر من أن تحصى‪ ،‬ومن هنا إني أرى قصورا ً أو عدم‬
‫توفيق في مسمى حقوق النسان‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهذا ل يعني الرفض أو تسميته بالبدعة أو الحداث كما يرى البعض من‬
‫المسلمين "إن فكرة حقوق النسان بتسميتها وفلسفتها ومضامينها المتداولة‬
‫اليوم‪ ،‬هي فكرة غربية وثقافة غربية" ولكنها "تعد تطورا ً إيجابيا ً نوعيا ً في‬
‫تاريخ البشرية التواقة دوما ً إلى عديد من الشعارات والنداءات والمكتسبات‬
‫التي جاءت بها حركة حقوق النسان الحديثة‪) ".‬أحمد الريسوثي‪ ،‬كتاب المة‪،‬‬
‫عدد ‪.(87‬‬
‫وهناك قد يرى أن السلم أسبق في إقرار حقوق النسان وذلك من خلل‬
‫رؤيته أن "مقاصد الشريعة‪ ..‬أساس لحقوق النسان" في هذا المختصر‪،‬‬
‫فحفظ الدين يضمن حق التدين‪ ،‬وحفظ النفس يضمن حق الحياة‪ ،‬وحفظ‬
‫العقل يضمن حق التفكير وحرية الرأي والتعبير‪ ،‬وحفظ العرض أو النسل‬
‫يضمن حقوق السرة‪ ،‬وحفظ المال يضمن حق التملك )محمد الزميلي‪ ،‬كتاب‬
‫المة‪ ،‬عدد ‪.(87‬‬
‫ومن المسلمين من يرى أن حقوق النسان في الثقافة المعاصرة من مزايا‬
‫العصر‪ ،‬ويدعو إلى الخذ بها جملة برمتها‪.‬‬
‫وكما أن البعض كما ذكرت يجعل من فكرة حقوق النسان غربية وثقافة‬
‫غربية فهناك من يقول‪) :‬ليس صحيحا ً ليس مفهوم حقوق النسان غربيا ً‬
‫خالصا ً أو أنه غريب عن تاريخنا وثقافتنا‪ ،‬فإن حلف الفضول يمثل أحد معالم‬
‫التطور التاريخي لحقوق النسان كما أنه ربما أول جمعية للدفاع عن هذه‬
‫الحقوق )د‪ .‬علي الدين هلل‪ ،‬في صحيفة أردنية يومية(‪.‬‬
‫وكما ألمحت سابقا ً فإن العقل البشري يظل قاصرا ً وضعيفا وقد تتحكم فيه‬
‫ً‬
‫مصالح وانفعالت في ظرف ما وتحت مؤثرات معينة‪ ،‬وهذا ل يعني أن ينعدم‬
‫الجهد البشري النساني من كل صواب أو خير أو حق أو إرادة وسعي لذلك‪،‬‬
‫فل إفراط ول تفريط‪ ،‬الحكمة ضالة المؤمن وكما قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"نحن أولى بموسى منهم"‪.‬‬
‫فهذا منهج في التعامل مع المنجز البشري‪ ،‬نأخذ الحق والصواب نحافظ عليه‬
‫ونحفظه ونزيده حسنا ً وبهاء وجمال ً وننفي الخبث ول بأس من التقاطع مع‬
‫الخرين بما يفيد النسانية‪.‬‬
‫من الظلم للسلم أن يقارن بغيره ولكن بعض البيان لمن كان له قلب أو‬
‫ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬
‫إن نظرة خاطفة تظهر كم أعطى السلم للنسان وكيف يتعامل معه‪ ،‬فمن‬
‫خصائص السلم النسانية أنه دين النسان والقرآن‪ ،‬وهو كتاب النسان‪ ،‬ولو‬
‫تتبعنا ورود كلمة )النسان( في القرآن الكريم لوجدنا أنها تكررت ثلثا ً وستين‬
‫مرة‪ ،‬وتكررت )بني آدم( ست مرات وكلمة )الناس( تكررت مائتين وأربعين‬
‫مرة‪ ،‬وأن أول ما نزل على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم سورة‬
‫العلق ذكر فيها النسان مرتين‪:‬‬
‫)خلق النسان من علق‪ ..‬علم النسان ما لم يعلم(‪.‬‬
‫فالوجهة والخطاب للنسان كونه إنسانا ً دون تمييز فخلقكم من نفس واحدة‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)وما أرسلناك إل كافة للناس(‪.‬‬


‫)كلكم لدم وآدم من تراب(‪.‬‬
‫"ليس لعربي على أعجمي ول لعجمي على عربي ول لحمر على أسود ول‬
‫لسود على أحمر إل بالتقوى"‪.‬‬
‫إنها الوحدة النسانية والنفس الواحدة‪:‬‬
‫)من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد في الرض فكأنما قتل الناس جميعا ً ومن‬
‫أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا(‪.‬‬
‫فالسلم يحترم النسان لنه إنسان حرم إيقاع الظلم عليه بأي وسيلة وأي‬
‫سبب‪:‬‬
‫ً‬
‫"إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا" )حديث‬
‫قدسي(‪.‬‬
‫ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب مهما كان نوع أو جنس أو لون أو‬
‫دين هذا الواقع عليه الظلم‪.‬‬
‫هذه النظرة للنسان عند المسلمين دين وثقافة وإيمان وقيم‪ ،‬ل يجادلون فيها‬
‫ول يتجاوزونها‪.‬‬
‫أما من انتكست فطرتهم وارتكست طبيعتهم وأرضعوا الحقد والبغضاء‬
‫والتعالي والستكبار فإنهم ل يقيمون للمعنى النساني وزنا ً إذا كان النسان‬
‫غير ذاتهم العنصرية‪:‬‬
‫)ليس علينا في الميين سبيل(‪.‬‬
‫)إنما أهلك من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق‬
‫فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد‬
‫سرقت لقطعت يدها(‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪ (1‬النسان‪ :‬الية ‪2‬‬
‫)‪ (2‬البقرة‪ :‬الية ‪28‬‬
‫)‪ (3‬إبراهيم‪ :‬الية ‪22‬‬
‫)‪ (4‬البقرة‪ :‬الية ‪21‬‬
‫)‪ (5‬طه‪ :‬الية ‪114‬‬
‫)‪ (6‬إبراهيم‪ :‬اليتين ‪33 ،32‬‬
‫)‪ (7‬السراء‪ :‬الية ‪70‬‬
‫)‪ (8‬النساء‪ :‬الية ‪28‬‬
‫)‪ (9‬إبراهيم‪ :‬الية ‪34‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫السلم ومبادئ حقوق النسان الدولية‬


‫َ‬
‫اختتم مساء أمس الربعاء ‪19/8/1424‬هـ‪ ،‬في مدينة الرياض‪ ،‬مؤتمر "حقوق‬
‫النسان في السلم والحرب"‪ ،‬والذي أقامته المملكة العربية السعودية رغبة‬
‫منها في إظهار وإثبات أن الدين السلمي يضم في محتواه جميع شرائع‬
‫الخلق النسانية‪ ،‬وحقوق النسان‪ ،‬التي تنادي بها حكومات الدول الغربية‪.‬‬
‫تاريخ غير مشرف لعلن حقوق النسان‪:‬‬
‫عرض الستاذ الدكتور عبد الرحمن زيد الزنيدي )أستاذ الثقافة السلمية‬
‫بكلية الشريعة في الرياض( خلل الجلسة الولى تاريخ ظهور مفهوم "حقوق‬
‫النسان" في العصر الحديث‪ ،‬حيث أكد على أن الغرب الذي ينادي الن بهذا‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المفهوم‪ ،‬هو الذي أفرز المعانات والمصائب والكوارث التي حلت على‬
‫شعوب العالم‪ ،‬حيث قامت الدول الغربية ذاتها بعد ذلك إلى المطالبة بحقوق‬
‫النسان‪.‬‬
‫وقال الدكتور الزنيدي‪ :‬إن الكوارث والحروب الطاحنة التي أسقطت عشرات‬
‫المليين من القتلى والمشوهين في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬والتي سببتها‬
‫حروب الدول الغربية‪ ،‬أدت إلى المطالبة بهذه الحقوق‪ ،‬ليولد بعدها العلن‬
‫العالمي لحقوق النسان عام ‪1948‬م‪.‬‬
‫مشيرا ً إلى أن هذه القضية قد أصبحت جزءا من العولمة‪ ،‬عولمة حقوق‬
‫ً‬
‫النسان بالقوة ضغطا ً سياسيا ً واقتصاديا ً أو حتى عسكريًا‪.‬‬
‫وتساءل الزنيدي على أي أساس وضعت هذه الحقوق إذا كان الغرب هو‬
‫الذي وضعها بناًء على مقتضيات ظروفه وخلفيته التعليمية والثقافية‪ ،‬فما وجه‬
‫إلزام الخرين بها ممن تختلف ظروفهم وخلفياتهم عنه؟ بل أليس لهذه المم‬
‫أن تضع هي لحقوق النسان مضامين تتسق مع تراثها وظروفها الخاصة؟‬
‫القرآن الكريم ومبدأ التعددية‪:‬‬
‫الدكتور رفعت حسن )أستاذ القانون الدولي بجامعة لويسيفل بالوليات‬
‫المتحدة المريكية( قدم في محاضرته التي جاءت تحت عنوان "المنظور‬
‫القرآني للتعددية الخلقية" الية القرآنية الكريمة "يا أيها الناس إنا خلقناكم‬
‫من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم‬
‫إن الله عليم خبير" )الية ‪ 13‬من سورة الحجرات(‪.‬‬
‫وأشار إلى أن ما يقال في الغرب وما هو سائد فيها‪ ،‬عن الدين السلمي‪ ،‬أنه‬
‫دين يحتوي على أفكار سلبية كالتعصب والعنصرية وغيرها من التهامات‬
‫الباطلة‪ ،‬مؤكدا ً أن السلم في الواقع هو دين التعددية والتفتح‪ ،‬وأن تعددية‬
‫الجناس ما هي إل حكمة الله في خلقه‪ ،‬كما ورد في الية الكريمة‪ ،‬والتي‬
‫تشير بشكل مباشر وصريح إلى أن الدين السلمي يحث البشرية على‬
‫التواصل والتحادث والتعارف فيما بينها‪ ،‬وأن الدين السلمي والقرآن الكريم‬
‫يحث المسلمين على احترام الديان الخرى والتسامح مع الناس‪.‬‬
‫وأشار الدكتور حسن إلى أن مبدأ المر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي‬
‫يقوم عليه السلم لكبر برهان على تفتح المسلم على الخر‪ ،‬وقابليته‬
‫للتعاون في سبيل السعي وراء الخير وتجنب الشر ودحضه‪.‬‬
‫وجاءت محاضرة الدكتور أحمد المفتي )مدير عام مركز الخرطوم الدولي‬
‫لحقوق النسان الخرطوم( لتبين مدى توافق مفهوم حقوق النسان الذي‬
‫تنادي به الدول الغربية بدون تطبيق‪ ،‬مع الدين السلمي‪ ،‬وأن السلم يشمل‬
‫في داخله هذه المفاهيم‪ ،‬التي تعد من أساسيات الدين وأخلقياته‪.‬‬
‫وأوضح الدكتور المفتي بأن الدين السلمي‪ ،‬والديان السماوية التي جاء بها‬
‫الرسل من عند الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ل تشمل فقط هذه المفاهيم وتطبقها‪ ،‬بل‬
‫أنها تقدم أبعادا ً أكثر عمقا ً وأوسع نطاقا ً لحقوق النسان‪.‬‬
‫وبين الدكتور "المفتي" أن النظام الدولي لحقوق النسان نشأ بعيدا ً عن‬
‫الديان السماوية لعتبارات تاريخية في الغرب‪ ،‬حيث تنادي هذه الدول‬
‫بمفاهيم إنسانية موجودة من قبل في الديان السماوية‪،‬‬
‫كما أشار إلى أن أصول وقيم كل الديان السماوية واحدة في منظور الدين‬
‫السلمي‪ ،‬حيث ورد في القرآن الكريم قوله ‪ -‬تعالى ‪" :-‬شرع لكم من الدين‬
‫ما وصى به نوحا ً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن‬
‫أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي‬
‫إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" ]سورة الشورى‪ :‬الية ‪[13‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حيث إن التشريعات السماوية من الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬هي واحدة‪ ،‬وأن حقوق‬
‫الناس والشعوب التي أمر بها الدين السلمي‪ ،‬موجودة في الديان السماوية‬
‫الخرى‪ ،‬إل أن الغرب نادى بمبادئ من منطلق الحاجة لضمان حقوق‬
‫النسان‪ ،‬فيما أمر الدين السلمي والديان الخرى بهذه الحقوق كواجبات‬
‫شرعية ودستور عادل يضمن حقوق الناس كافة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وركز الستاذ الدكتور جعفر عبد السلم )المين العام لرابطة الجامعات‬
‫السلمية( في محاضرته على أن الشريعة السلمية غنية في مصادرها‬
‫الساسية بالقواعد والمبادئ التي تعترف بالنسان وتكرمه في أوقات السلم‬
‫والحرب على السواء‪ ،‬وأن الشريعة السلمية ذاتية خاصة بالنسبة لهذه‬
‫المسائل‪ ،‬إذ هي تسوي في الخطاب بين الفرد‪ ،‬سواء في النطاق الدولي أو‬
‫الداخلي‪ ،‬وبالتالي فهي تتفوق على القانون الدولي بجعلها اللتزامات‬
‫مفروضة في مجال العلقات الدولية والداخلية على السواء في زمني السلم‬
‫والحرب‪ ،‬وطالب بأن يتم إثراء النظرية العامة لحقوق النسان وللقانون‬
‫الدولي النسان بالمبادئ السلمية الرائدة في هذا المجال‪.‬‬
‫شمولية السلم لمبادئ حقوق النسان‪:‬‬
‫وفي إشارته إلى الية القرآنية الكريمة "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم‬
‫من نفس واحدة وخلق منها رجال ً كثيرا ً ونساًء واتقوا الله الذي تساءلون به‬
‫والرحام إن الله كان عليكم رقيبًا" ]الية ‪ :1‬سورة النساء[ بين الستاذ‬
‫الدكتور أحمد أبو الونا )وكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة( إلى أن الدين‬
‫السلمي لم يغفل عن حقوق النسان الذي تطالب به الدول الغربية‪ ،‬وأنه‬
‫يطبق هذه المبادئ الدينية في السلم والحرب‪ ،‬وليس في وقت الحرب فقط‬
‫)كما هي عليه بعض بنود وقوانين حقوق النسان الغربية(‪.‬‬
‫كما استنكر القرآن الكريم الفعال المهينة للكرامة النسانية‪ ،‬وعد فرعون‬
‫من المفسدين بقوله ‪ -‬تعالى ‪" :-‬إن فرعون عل في الرض وجعل أهلها شيعا ً‬
‫يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من‬
‫المفسدين" ]القصص‪ :‬الية ‪.[4‬‬
‫كما أشار الدكتور أبو الونا‪ ،‬إلى أن الدين السلمي حث على مقابلة السيئة‬
‫التي تقع في العدو بالحسنة في جانب المسلمين في قوله ‪ -‬تعالى ‪" :-‬ول‬
‫تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة‬
‫كأنه ولي حميم"‪.‬‬
‫وبين الدكتور عبد اللطيف بن سعيد الغامدي‪ ،‬من خلل محاضرته في‬
‫المؤتمر أن الدين السلمي يولي أهمية كبرى للقانون النساني‪ ،‬وأن نظرته‬
‫للقيم النسانية مدروسة ومركزة وكاملة؛ لنها تنبع من تفكير قوي وصادق‬
‫وواع‪ ،‬حيث إن التصور السلمي لكل القضايا وقضية القانون الدولي‬
‫النساني ينبع من‪:‬‬
‫‪ -‬أنه ذو أصل إلهي مقدس ول يخضع بالتالي إلى نظام قانوني علماني‪.‬‬
‫‪ -‬يرتكز أساسا ً على قواعد مستمدة من القرآن الكريم‪ ،‬تشكل كل ً يمتد إلى‬
‫الجميع عبر المكان والزمان‪ ،‬ول يمثل بالتالي فرعا ً للقانون العام أو الخاص‪.‬‬
‫وخلص الدكتور الغامدي من ذلك إلى قاعدتين أساسيتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ -1‬إن مجال تطبيق القانون النساني السلمي كل ل يتجزأ ول يفرق بين‬
‫حرب وأخرى أو نزاع آخر داخلي أو دولي‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬إن هذه القواعد المطبقة في كل النزاعات ترتكز أساسا ً على الرحمة‬


‫والرأفة انطلقا ً في قدرة الله ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫وبين الغامدي أن القانوني النساني السلمي كان متقدما ً على عصره؛ لنه‬
‫أوجب دائما ً على المقاتلين احترام القواعد‪:‬‬
‫القانون السلمي النساني ومبادئ احترام كرامة النسان يحرم التمثيل‬
‫وتعذيب العدو‪.‬‬
‫تحريم قتل رجال الدين والشيوخ والنساء والطفال‪ ،‬ويمنع القانون السلمي‬
‫تجويع المدن المحاصرة وتحطيم الملك والغدر‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪" :-‬إن الله ل‬
‫يحب الخائنين"‪.‬‬
‫السرى‪ :‬ل يبيح السلم قتل السرى‪ ،‬ويحظر على أشكال التعذيب والتمثيل‬
‫بالعدو‪ ،‬وتذهب الشريعة السلمية إلى أبعد من ذلك‪ ،‬إذ توصي بحسن‬
‫معاملتهم‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪" :-‬ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ً ويتيما ً‬
‫وأسيرًا"‪.‬‬
‫نظام الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أشمل وأدق‪:‬‬
‫الستاذ الدكتور رشاد حسن خليل )عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة‬
‫الزهر( أشار إلى أن الشريعة السلمية قامت بأعظم عمل إنساني حين‬
‫دعت إلى حقوق النسان بأسلوب فريد ونظام جديد يجعلها دستورا ً للحياة‪،‬‬
‫فالسلم الحق هو دين الفطرة الخالدة الذي يحمي النسان ويقرر حرياته‬
‫ويحافظ على حقوقه ويرفع من شأنه ويكرم إنسانيته‪ ،‬وهذا يتحلى بالناحية‬
‫التاريخية وخصائص ومزايا حقوق النسان في السلم‪.‬‬
‫وتحدث الستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح )أستاذ الدراسات العليا‪،‬‬
‫وعضو المجلس العالمي في الرياض( عن قانون حقوق النسان في مصادر‬
‫الشريعة )الطفل المرأة الرجل( من خلل التحدث في إطار منظومة هذا‬
‫الكون الكبير الدقيق المحكم الذي خلقه ودبر أمره رب العالمين "فتبارك‬
‫الله أحسن الخالقين"‪.‬‬
‫وأكد الستاذ الدكتور محمد صالح على نقطة جوهرية في أن وضع قوانين‬
‫لمبادئ حقوق النسان من قبل الناس والشخاص والهيئات‪ ،‬ستكون قاصرة‬
‫وغير كاملة‪ ،‬وتخضع لتدخلت ومصالح المنظرين‪ ،‬لذلك يجب أن نأخذ‬
‫بالقوانين والتشريعات التي أوجدها الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬كونه الخالق والعليم‬
‫والخبير‪ ،‬وكونه أعرف بالذي خلقهم من أنفسهم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقام الدكتور يحيى بن محمد حسن زمزمي )وكيل كلية الدعوة وأصول الدين‬
‫جامعة أم القرى( بدراسة منهج القرآن في قصة حقوق النسان محلل ً اليات‬
‫ومستنبطا ً منها النتائج والفوائد‪ ،‬حيث اطلع على نصوص القوانين الدولية؛‬
‫كالعلن العالمي لحقوق النسان‪ ،‬ومعاهدات ومواثيق المم المتحدة؛‬
‫لتقويمها إجمال ً في ضوء منهج القرآن الكريم‪.‬‬
‫وخلص الدكتور زمزمي في دراسته إلى أن مفهوم "حقوق النسان" في‬
‫القرآن شمل القواعد والنصوص التي تنظم علمات الناس على سبيل‬
‫اللزام‪ ،‬وأثبت وعند مقارنة المفهوم القرآني مع مفهوم القانون الدولي‬
‫متمثل ً في العلن العالمي الكمال المطلق لمنهج القرآن وإثبات الخلل البيني‬
‫لمناهج البشر‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إنه من السهل وضع النظمة‪ ،‬ولكن الصعب تطبيقها على أرض الواقع‪،‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما يسن من قوانين وأنظمة في العالم سريعا ً ما تتلشى أمام شريعة‬


‫الغاب‪ ،‬ولعل ما سنه الغرب ينفي في كثير من الحيان بين مبادئ نظرية‬
‫وتطبيقية‪.‬‬
‫وأضاف" إن السلم قد أعطى أصناف الناس حقوقهم‪ ،‬فلم يترك صنفا ً‬
‫منهم‪ ،‬مؤمنا ً أم كافرًا‪ ،‬رجل ً أو امرأة‪ ،‬أو صغيرا ً أو كبيرًا‪ ،‬أو حيا ً أو ميتًا‪ ،‬إل‬
‫وجاءت نصوص القرآن الكريم ببيان حقه‪ ،‬وفصلت السنة النبوية الشريفة‬
‫ذلك‪ ،‬وبينته بجلء‪ ،‬مما لم يوجد في غير دين السلم"‪.‬‬
‫وتوالت المحاضرات والنقاشات التي أثرت العرض العلمي حول مسألة‬
‫تحددت في أن الدين السلمي هو أوسع الديان والتشريعات التي وضعت‬
‫قوانين حقوق النسان كأساسيات في تنظيم حياة الناس والشعوب‪.‬‬
‫حيث ألقى العديد من الساتذة والدكاترة المسلمين والعرب‪ ،‬وحتى الغربيين‬
‫محاضرات وكلمات خلل المؤتمر‪.‬‬
‫وركزت المحاضرات على تبيان أن حقوق النسان‪ ،‬كأفكار ومبادئ ونظريات‪،‬‬
‫ل تتعارض مع جاء به القرآن الكريم‪ ،‬وسنة نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬بل إن الدين السلمي يحتوي فيما يحتويه‪ ،‬هذه الفكار‬
‫والتشريعات‪ ،‬وأن السلم أوسع وأشمل من كل تلك الفكار‪ ،‬حيث يقدم‬
‫صورا ً أشمل‪ ،‬وأبعادا ً أعمق‪ ،‬وأفكارا ً أغزر وأصوب‪ ،‬في سبيل الحفاظ على‬
‫حقوق الناس كافة‪.‬‬
‫الرسالة الحقيقية‪:‬‬
‫ولعل ما قاله أحد المشاركين في الحوارات‪ ،‬وهو الستاذ محمد عبدالله‬
‫البكري )مستشار وزير العدل في جيبوتي( يلخص الفكر الذي يجب أن يصل‬
‫إلى العالم‪ ،‬حيث قال في لقاء له مع موقع "المسلم"‪" :‬‬
‫النسان المكرم هو النسان الذي ل يخضع إل لله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬والشريعة‬
‫السلمية لها مميزات تفوق القانون الدولي لحقوق النسان وتشمله‪ ،‬هناك‬
‫أشياء إذا قال عنها الغرب‪ :‬إنها حق من حقوق النسان‪ ،‬فهذا يعد عبثًا‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫مسألة الباحية والشذوذ الجنسي وزواج المثلين‪ ،‬هذا يعدونه حقا ً من حقوق‬
‫النسان‪ ،‬وهذا ما ترفضه الفطرة‪ ،‬و يعد ظلما ً في الحق النساني‪ ،‬وليس حقا ً‬
‫من حقوقه‪.‬الشريعة السلمية تكرم النسان‪ ،‬أما القوانين الغربية فإنها تريد‬
‫أن تعطي النسان الحق في أي شيء حتى ولو كان ضد مصلحت النسان‬
‫نفسه"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫السلم يرفض العنف‬


‫شواهد من القرآن والنبياء‬
‫الحلقة )‪ (22‬الجمعة ‪ 3‬ربيع الثاني ‪1396‬هـ – ‪ 2‬نيسان ‪1976‬م‪.‬‬
‫شوح‬‫العلمة محمود م ّ‬
‫)أبو طريف(‬
‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون‪.‬‬
‫ً‬
‫قد يكون الحديث عن الذات بغيضا في كثير من الحيان ولكنه في أحيان‬
‫خاصة ضروري من أجل إزالة التباس أو كشف شبهة أو القضاء على تشويش‬
‫مقصود‪ ،‬وقبل أن نأخذ في الحديث‪ ،‬أحب أن أؤكد لكم أنني منذ وهبت لله‬
‫نفسي ما جعلت لها حظا ً فيما آخذ وفيما أدع وإنما كنت أبذل جهد الطاقة‬
‫‪-‬والعصمة لله وحده‪ -‬أن أتحرى الحق‪ ،‬فإذا استبان لي وجه الحق لزمته غير‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق بال ً إلى كلم الناس‪ ،‬والمسلم كذلك‬ ‫متردد وغير آبه بآراء الناس وغير مل ٍ‬
‫ينبغي أن يكون إذا أرضى الله فل عليه بأس إن شاء الله تعالى أن يغضب‬
‫منه الناس جميعًا‪ ،‬وإذا أسخط الله تعالى فما الذي يجنيه من رضا الناس‬
‫كلهم‪.‬‬
‫وكلكم تعرفون من سلوكي الصغيرة والكبيرة فأنا رجل مكشوف يعرفني‬
‫الصديق معرفة العدو بل زيادة ول نقص ما عندي لف ول دوران‪ ،‬ما عندي‬
‫لجلجة‪ ،‬ول جمجمة ما عندي همس وهمز ولمز بين الجدران‪ ،‬خلقني الله حرا ً‬
‫أنفر من كل طباع العبيد‪ ،‬وأحتقر كل أخلق العبيد‪ ،‬وكم من مرة قررت رأيا ً‬
‫وقلته لكم ثم استبان بعد زمن أن فيه خطأ فلم تأخذني بحمد الله العزة‬
‫بالثم فأصر على الخطأ بل كنت أقف في نفس المكان لعلن أنه سبق لي‬
‫أن قلت في التاريخ الفلني كذا وهو خطأ وأستغفر الله لذلك وأرجو أن‬
‫يصحح على الوجه التالي ذلك سلوك أظن كل الناس يعرفون عني‪ ،‬وأنا‬
‫ي مرضا ً أو شيئا ً من ذلك‪ ،‬حينما‬ ‫مدفوع إلى ذلك بشعور يشكل بالنسبة إل ّ‬
‫أفكر وأقرر لكم نتائج ما أفكر به أتمنى لو أن غيري كفاني مؤونة هذا كله‬
‫ل كلمه‪،‬‬ ‫مه من عمله ق ّ‬
‫ن كل َ‬ ‫مأ ّ‬
‫ن عل َ‬‫م ْ‬
‫ورضي الله عن عمر فلقد كان يقول‪َ :‬‬
‫فالنسان مأخوذ ٌ بما يقول ومحاسب على ما يقول‪ ،‬ولذلك وجب عليه أن‬
‫يتحرى الصواب دائما ً قد يخطئ لكن شفيعه في هذه المواقف النية الصالحة‬
‫وإرادة الخير والصواب‪ ،‬ونحن كما تعلمون نعيش في عصر عجيب‬
‫والمسلمون فيه يعانون غربة ويرزحون تحت مشكلت ويقاسون من متاعب‬
‫وأوجاع وهذا يجعل النسان الذي ابتله الله بمهمة التوجيه أكثر شعورا ً‬
‫بالمسئولية أو ذلك هو الذي ينبغي أن يكون ومهما يبلغ بي الغرور فلن يصل‬
‫بي بحمد الله تعالى إلى الحد الذي يجعلني أمنح آرائي أكثر مما تستحق‬
‫باستمرار كنت أقول لكم‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن هذا الكلم الذي ألقيه عليكم رأي‪ ،‬وهو رأي يحتمل الخطأ كما يحتمل‬
‫الصواب‪ ،‬وأنا أرجو من كل أخ يسمع كلمي فيكشف فيه خطأ أن ينبهني عليه‬
‫وأنا أرجو من كل أخ يستشكل شيئا ً من كلمي أن يسألني عنه وكنت أقول‬
‫باستمرار إنني بحكم السن والتجربة أنتمي إلى جيل غير هذا الجيل وذلك‬
‫يعني أن هذا الجيل‪ ،‬له مشكلت وله اهتمامات قد ل أشعر بها أو قد ل تشكل‬
‫عندي أية مشكلة‪ ،‬فكنت أطلب إلى الخوة باستمرار أن يلغوا فيما بيني‬
‫وبينهم فارق السن وفارق العلم والثقافة‪ ،‬وأن يعتبروني واحدا ً منهم‪ .‬ومن‬
‫كان منهم ل يجرؤ أو يستحي أن يواجهني فليكتب لي بهذا الذي يشعر به وأنا‬
‫كفيل إن شاء الله تعالى بإيضاح كل شيء وأظن أنه ل يطلب من إنسان أكثر‬
‫من هذا‪ .‬أنا أصرح باستمرار وأصر على أن مشكلت العالم السلمي اليوم‬
‫على صعيد الفكر وعلى صعيد العمل جميعا ً أكبر من طاقة الفراد والفرد‬
‫مهما يبلغ من التحصيل ومن العلم ومن الممارسة ومن التجربة ومن‬
‫الخلص يبقى عاجزا ً عن تقديم الحلول النهائية يجب أن تشترك المة أو‬
‫يشترك النابهون من المة جميعا ً في التفكير ومحاولة البحث الجاد المؤسس‬
‫على أصدق النوايا وأخلص التجاهات في سبيل الحق وطلب الصواب لكي‬
‫يمكن أن نهتدي إلى حلول لمشاكلنا‪ .‬وبصورة خاصة فمنذ أوائل الصيف‬
‫الماضي ذكرت على المنبر حينما كنا نخطب في الجامع الوسط أن‬
‫الموضوعات التي نثيرها اليوم تشكل أرضا ً بكرا ً لم يسبق لها أن طرقت على‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المنابر ول طرحت على الجماهير وهي من أجل ذلك بحاجة إلى المراجعات‬
‫المستمرة‪ .‬ورجوت الخوة جميعا ً أن يراجعوني وأن يناقشوني وقلت لهم ل‬
‫يتصور أحد منكم أنني أتأثر حينما يرد علي رأيا ً من آرائي ل أريد أن تعتقدوا‬
‫أن النسان منكم حين يناقشني الرأي أغضب فهو صاحب الفضل علي‪،‬‬
‫ت أنا صاحب الفضل هو صاحب الفضل علي لنه بالحوار وبالمناقشة‬ ‫ولس ُ‬
‫سوف يفرز ما في آرائي من سلبيات وسوف نجد اليجابيات الضرورية‬
‫فتعالوا ناقشوا وتعالوا نشترك في التفكير وكنت أحسب أنني وضعت المور‬
‫في أنصبائها الحقة‪ ،‬وأنني قطعت الطريق على كل محاولة للتشويش‬
‫والبهام‪ .‬مرة أخرى اسمحوا لي أن أقول لكم إنني أرفض أن أضع شخصي‬
‫حائل ً بيني وبين الدعوة‪ ،‬لقد طرقت موضوعات منذ أوائل الصيف كانت‬
‫تتعلق بأوليات الوحي وانتبهوا علي فأنا ل أشكو ول أعتب ول أغضب ولكني‬
‫أرسم صورة‪ ،‬لبد أن يقابلها الدعاة في الطريق مرصودة لهم‪ ،‬كي يستعدوا‬
‫طنوا أنفسهم على احتمال تكاليفها في تلك اليام كنت أتحدث عن‬ ‫لها وكي يو ّ‬
‫ظاهرة الوحي وأتحدث عنها في الحدود التي يسمح بها الجو‪ ،‬والتي تسمح بها‬
‫النصوص الموجودة بين أيدينا‪ ،‬وكنت أتحدث عن الشدائد والثقال التي يقابلها‬
‫النبياء بصورة خاصة‪ ،‬ويلقاها الداعون إلى الله بصورة عامة‪ ،‬وتطرق الحديث‬
‫كما ذكرت لكم في الجمعة الماضية في ظروف مزعجة إلى أن أطرق باب‬
‫العنف في الدعوة وعدم العنف لسوء الحظ في ذلك الوقت‪ ،‬وسأكشف لكم‬
‫الموضوع تماما ً كي ل يكون أحد منكم في إبهام ول لبس‪.‬‬
‫وعدت أن أتحدث في الجمعة القادمة عن الموضوع‪ ،‬يشاء الله أن تقوم في‬
‫ي حبيب إلى‬ ‫البلد محاولة‪ ،‬وأن يكون القائم بها أخ من إخواني عزيز عل ّ‬
‫نفسي أعرفه على البعد رأيته مرة وهو صبي‪ ،‬فعرفت فيه الخلص ولكني‬
‫عرفت فيه الندفاع العمى غير المستبصر وشب الرجل ونشأ جنديا ً في‬
‫دعوة الله تبارك وتعالى‪ ،‬ولكنه كتلة من نار تشتعل ذلك هو أخي على البعد‬
‫وصديقي على البعد وحبيبي في الله الخ مروان حديد فّرج الله عنه‪.‬‬
‫في الواقع وقفت أمام نفسي في حرج شديد بين الوفاء لما أعتقد أنه‬
‫الصواب وبين الوفاء لمقتضيات زمالة الطريق ولم يطل بي التردد على‬
‫العادة أنا مع آرائي ومع قناعاتي ولو كانت تحطمني أنا نفسي بالذات‪ ،‬وبدأت‬
‫الحديث وهاجمت العنف في وقت أعرف أن فيه ناسا ً من الناس ربما‬
‫يفسرون هذا أنه مهاجمة للخ مروان فرج الله عنه‪ ،‬وأنه مناصرة للسلطة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كان ذلك كله في بالي ويومها قفزت إلى ذهني قضية يعرفها دارسو الدبيات‬
‫الماركسية‪ ،‬فحين قامت ثورة فرنسا العظمى وتشكلت كومونة باريس‪ ،‬كان‬
‫كارل ماركس يرى في هذه الكومونة التجربة الرائدة العظمى لحكم العمال‬
‫والكادحين ولكنه رأى أن المجازر التي ارتكبت شيء رهيب وأنه وقعت‬
‫أخطاء ل يمكن تحملها‪ ،‬مع ذلك فقد وقف كارل ماركس مع الكومونة على ما‬
‫فيها من مصائب وما فيها من أخطاء وكتب من أجلها كتابا ً مشهورا ً في‬
‫الدبيات الماركسية هو كومونة باريس‪ ،‬قفزت هذه الحادثة إلى ذهني‪ ،‬وتبادر‬
‫كيف تتماثل الحوادث‪ ،‬فوجدت نفسي أتقزز إن ماركس يخون اعتقاده‬
‫ويخون رأيه ويقف مع الجانب الذي يعتقد أنه ارتكب خطأ كبيرا ً ل يمكن‬
‫الدفاع عنه ما هذا؟ انتهازية‪ ..‬أما أنا فقد قررت أن أقف مع الصواب بغير‬
‫إطالة للتردد وتكلمت على العنف‪ ،‬وقلت إن العنف ل يثمر شيئًا‪ ،‬وقلت إن‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم منهج قوامه الحب وقوامه الطيبة وقوامه النسانية الرفيعة المهذبة‪،‬‬
‫ولكم أن تعجبوا أن شهورا ً طويلة مرت منذ ذلك الوقت‪ .‬من أوائل الصيف‬
‫وإلى الن دون أن يعقب البطال الشاوس على هذا الكلم‪.‬‬
‫في الجمعة الماضية سمعتم كلكم ماذا قلت والحمد لله الكلم على المنبر‬
‫ليس شيئا ً يسهل التنصل منه وكما كان يقول زياد بن أبيه كذبة المنبر بلقاء‬
‫مشهورة وكلمي يسجل وتتداوله اليدي في هذا البلد‪ ،‬وخارج هذا البلد‬
‫وخارج هذا القطر‪ ،‬فالكلم الذي سمعتموه كان ينصب على قضية واحدة‬
‫قلت بالنص إنني سأقتطع منظورا ً تاريخيا ً محددا ً يبدأ بالثورة الفرنسية وينتهي‬
‫بأيامنا هذه لدرس معكم على ضوء الوقائع؛ التربة التي نشأ فيها العنف لماذا‬
‫لنني سبق أن قلت لكم إن العالم اليوم يعيش تحت عبء هستيريا خطيرة‬
‫‪-‬هستيريا العنف‪ -‬وما يتولد عن العنف من مجازر ومذابح وأخطار تتعرض لها‬
‫البشرية وأن هذه العدوى مع السف تسربت إلى بلدنا وسكنت عقول كثير‬
‫من المسلمين‪ ،‬وأصبح كثير منهم يعتقد أن قضية السلم ل يمكن أن تنتصر‬
‫إل على أساس القيام بعنف ثوري يحطم الطغيان والطغاة تحطيمًا‪ ،‬مع قطع‬
‫النظر عن وجود الشروط الضرورية لتقبل السلم أو عدم وجود هذه‬
‫الشروط‪ ،‬ومع قطع النظر عن سلمة التكوين الذي يجب أن يتوفر في‬
‫الدعاة إلى السلم أو ل يتوفر وقلت إنني أريد أن أحمي الشباب المسلم من‬
‫هذه التيارات الضارة وكان يخطر في بالي كلم النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا‪ ،‬فجعلت هذه الحشرات والهوام‬
‫تتهافت على النار‪ ،‬فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تتهافتون فيها( أعرف أن‬
‫كثيرا ً من شباب المسلمين يرون هذا الرأي ولكن عذرهم أنهم ما كلفوا‬
‫أنفسهم مؤونة دراسة التجربة السلمية وما كلفوا أنفسهم مؤونة تصور‬
‫قضية العنف على النحو الذي هي موجودة عليه‪ ،‬في هذه اليام فاقتطعت‬
‫من التاريخ منظورا ً وصورت لكم تطور العنف وكشفت لكم عن التجربة التي‬
‫نشأ فيها هذا العنف وقلت اعتبارا ً من الجمعة القادمة سنتكلم داخل رحاب‬
‫السلم إذا ً أنا لم أعط رأيا ً في المسألة بل عرضت المشكلة وصورتها وما‬
‫قدمت الحل ول أدري كيف يهيء الله في بعض الحيان إرهاصات‪...‬‬
‫يوم الجمعة الماضية بعد الصلة عندنا في البيت كنت أقف مع بعض الخوة‬
‫مه بعدم الفهم‬ ‫ول أعرف ملبسات الكلم‪ ،‬لكني ذكرت أن النسان ي ُ َ‬
‫شوّه ُ كل ُ‬
‫وه كلمه للغرض المقصود‪ ،‬وأستشهد بكلمة كان يقولها الفنان‬ ‫ويش ّ‬
‫والفيلسوف والعالم "مايكل آنكل" فقد كان يقول‪" :‬إن معرفتي ستخلق عددا ً‬
‫كبيرا ً من الجهلة" فتفكير النسان في الواقع حينما يتنطح إنسان من الناس‬
‫ليكون قاضيا ً يحكم على تفكير إنسان يجب عليه أن يأخذ تفكير النسان في‬
‫كليته لكي يهتدي إلى الحقيقة؛ أما البتر والتجزئة فل ينتج شيئًا‪ ،‬قيل لبي‬
‫نواس‪ :‬لماذا ل تصلي؟ قال‪ :‬إن الله قال‪) :‬فويل للمصلين( لكنه لم يقل بعد‬
‫ذلك الذين هم عن صلتهم ساهون‪ ،‬بتر جزءا ً من الية احتج به على ترك‬
‫الصلة‪.‬‬
‫م تشرب الخمر؟ أل تعلم أن الله حرمها؟ قال‪:‬‬ ‫قيل لبي نواس ذات يوم‪ :‬عل َ‬
‫ل‪ .‬قيل‪ :‬وكيف؟ قال‪ :‬إن الله تعالى قال‪) :‬فهل أنتم منتهون( قلنا‪ :‬ل‪ ،‬فسكت‬
‫وسكتنا‪ ،‬سألنا الله تعالى فقلنا له ل ننتهي ولم ينزل علينا بعد ذلك وحيًا‪،‬‬
‫ترون أن النسان المغرض يستطيع أن يأخذ من القرآن من كلم الله تعالى‬
‫ما يؤدي غير الحقيقة بل ما يؤدي ضد الحقيقة‪ ،‬والناس حينما يتغرضون فهم‬
‫أشد شراسة من الوحوش من هنا فقد استغربت ما ثار في السبوع الماضي‬
‫وهمس به بعض الخوة‪ ..‬سلفا ً أقول لهم سامحهم الله ولكنكم يا إخوتي‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مغرر بكم تغريرا ً شنيعا ً إذا كنت أطلب منكم وأرجو وأقول أنتم أصحاب‬
‫الفضل علي تعالوا ناقشوني فلماذا الهمس بين الجدران؟ ولماذا التناجي‬
‫بإلثم والعدوان؟ ولماذا النتشار في المجالس؟ ولماذا التدسس تحت‬
‫الباط؟ ولماذا؟ إن لم يكن من وراء ذلك غرض مبيت فهو التشويش والصد‬
‫عن سبيل الله‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يا إخوة يا مسلمون إنكم تأكلون لحوما ً حرمها الله عليكم وإنكم لتركبون‬
‫مركبا ً خشنا ً وما أنا بغاضب‪ ،‬كل ول أنا بعاتب وإنما أقول مرة أخرى عفا الله‬
‫عنكم ل تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين‪ ،‬ولكن‬
‫افهموني أنا ل أسمح أبدا ً بشيء من هذا التشويش ل أسمح أبدا ً أن يتخذ‬
‫الكلم عن قضايا السلم ذريعة يشوش بها بعض الناس على مبادئ حقة وهم‬
‫ل الناس أنا أعرف المعارك وأنا أعرف الساحات ولقد‬ ‫أجبن الناس وهم أذ ّ‬
‫كنت باستمرار أفقد في ساحات النضال وأفقد في مواقف الكفاح هؤلء‬
‫البطال الشاوس‪ ..‬ل أراهم‪ ..‬هذا سلوك عشائري‪ ،‬طريقة سوقية وما أشبه‬
‫ذلك ل يا إخوتي الطريق ليس من هنا أبدا ً الطريق هو أن نقف رجال ً في وجه‬
‫رجال‪ .‬عقول ً في مواجهة عقول ونتناقش وقلت إنني لم أصدر آراء نهائية‬
‫وطلبت أن ل أناقش الراء ومنذ مدة عمدت عن سبق تصور وتصميم إلى‬
‫رفع سوية الكلم لماذا لنني أردت أن تتفتح عقول شباب المسلمين على‬
‫مهماتهم‪ ،‬فمهماتهم ليست مهمات بلد ول مهمات قطر ول مهمات َ َ‬
‫عالم ٍ‬
‫عال َم ٍ إسلمي‪ ،‬مهماتهم عالمية كونية‪ .‬وإذا جاز لنا أن‬‫عربي ول مهمات َ‬
‫نستعير من علم الحياء قاعدة شهيرة نقول إن الوظيفة تخلق العضو فأنا‬
‫أردت هذا أردت أن أحدد المهمة الكبيرة لفسح المجال للهمم العظيمة كي‬
‫تنطلق باتجاه السلم مرة أخرى‪ ،‬وبل ملل أقول لست عاتبا ً والسبب بسيط‬
‫منذ سنوات ‪-‬وهذا مثل‪ -‬وحين كانت الخلئق مستحكمة بين مصر والتحاد‬
‫السوفياتي ذهب وفد يرأسه المرحوم المشير عبد الحكيم عامر في زيارة‬
‫إلى التحاد السوفياتي وكان رئيس التحاد السوفياتي في ذلك الحين‬
‫خروتشيف وخروتشيف رجل جلف غير مؤدب يمثل جلفة النسان السوقي‬
‫الروسي فعل ً وحذاؤه على منبر المم المتحدة مشهور وأثناء المحادثات وفي‬
‫ساعة من ساعات التجلي العجيب لخروتشيف مد خروتشيف يده وعرك أذن‬
‫عبد الحكيم عامر وقال له يا جناب المشير إنكم تتحدثون على الشتراكية‬
‫وتتحدثون عن إذابة الفوارق بين الطبقات وأحب لك أن تتأكد أنكم لبد أن‬
‫تكونوا شيوعيين في يوم من اليام طبعا ً الذي أتصوره أن المشير رحمه الله‬
‫فتح فمه دهشة واستغرابا ً لكن خروتشيف كان يعني كل حرف يقوله ‪-‬في‬
‫هذه الكلمة‪ -‬كل نظام من النظمة له منطق‪ ،‬حين تضع نفسك ضمن منطق‬
‫النظام فأنت سائر في الواقع إلى نتائجه التي لبد من مواجهتها على الطلق‬
‫أو أن ترجع فالطريق الشتراكي يؤدي إلى الشيوعية إذا أردنا أن نخلص‬
‫للمنطق الشتراكي بالذات والشيوعيون ل يحتقرون شيئا ً كما يحتقرون‬
‫الشتراكيين لنهم يعتبرون الشتراكيين جماعة تزيف الماركسية والشيوعية‬
‫وتخلق أمام الطبقة العاملة وهما ً ل ظل له في الحقيقة‪ ،‬وتلقي حجابا ً بينه‬
‫وبين ألعيب الستعمار والمبريالية العالمية‪.‬‬
‫طبعا ً نسمح لنفسنا أن نقول إن المشير رحمه الله ذهب وأن عبد الناصر‬
‫رحمه الله ذهب وأن أخانا السادات الن يعود ليتراجع عن جملة الخط‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الماركسي كله‪ ،‬وعن الشتراكية كلها لنه إما أن يمشي كما قال خروتشيف‬
‫فيصل إلى الشيوعية وإما أن يعود إلى قواعده‪ .‬أنا ل أفرك آذانكم يا إخوة‬
‫إنما أربت على صدوركم وعلى ظهوركم وألقاكم بمنتهى الحب والود‬
‫والعطف وأقول لكم ل بأس عليكم إن شاء الله فطريق السلم معروف‬
‫الول معروف الغاية وأنتم طالما في طريق السلم فمصيركم إلى القواعد‬
‫التي أقف فيها الن‪ ،‬ل أخشى عليكم هل ترتدون يوما ً عن دين السلم ل ذلك‬
‫ل يخطر في بالي فاجهدوا جهدكم وقولوا ما شئتم ولكني أنصح لكم أن‬
‫تكونوا أمناء على الحقيقة أمناء على الفكر أمناء على قضية السلم‪ .‬ماذا؟‬
‫وأذهب أبعد ل لن يفرح بها أحد لقد قيل كلم وسخ قذر ولكنه ل يهم‪ .‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟‬
‫قالوا‪ :‬وما أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال‪ :‬رجل من المسلمين كان إذا خرج‬
‫من بيته في الصباح يقول اللهم إني أتصدق بعرضي على المسلمين‪ .‬كل‬
‫إنسان يتكلم فذلك صدقة عليه وأنا أعفو عنه‪ ،‬ونحن نرجو أن يكون القانون‬
‫الذي نتعامل به فيما بيننا قانون العفو والتسامح والطيبة ما دامت المور‬
‫أثيرت بهذا الشكل فسأسمح لنفسي أن أبسط القضية بعض البسط سأعود‬
‫إلى أين‪ .‬إلى أوائل الصيف حينما كنت أتحدث عن أوليات الوحي وحينما‬
‫رويت لكم نصا ً من سيرة ابن إسحق وافتحوا عقولكم وقلوبكم يا إخوتي كان‬
‫م‬
‫ابن إسحق يتحدث عن فترة الوحي ثم قال هذه الفترة انتهت وقال ثم تتا ّ‬
‫الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تتابع وهو أي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مؤمن بالله مصدق بما جاءه من عنده قد قبله بقبوله‪،‬‬
‫مله على رضا العباد وسخطهم والنبوة أثقال ومؤونة ل‬ ‫وتحمل منه ما ح ّ‬
‫يحملها ول يستطيع لها حمل ً إل أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى‬
‫وتوفيقه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله على ما يلقى من‬
‫قومه من الذى والخلف‪ .‬هذا نص ابن إسحق في السيرة التي هي أوثق نص‬
‫للسيرة بين أيدينا ويقول السهيلي شارح السيرة في تعقيبه على أثقال النبوة‬
‫قال‪ :‬وقع في هذا الموضع يعني في الحديث عن أثقال النبوة من رواية‬
‫يونس عن ابن إسحق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال‪ :‬سمعت وهب بن‬
‫منبه يقول وهو في مسجد منى وذكر له يونس النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫م َ‬
‫ل أو‬ ‫ح ّ‬
‫ق؛ فلما ُ‬ ‫فقال‪ ،‬يعني وهب كان عبدا ً لله صالحًا‪ ،‬وكان في خلقه ِ‬
‫ضي ْ ٌ‬
‫ت عليه أثقال النبوة ولها أثقال تفسخ تحتها تفسخ الرضع تحت الحمل‬ ‫مل ْ‬
‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫الثقيل فألقاها عنه وفر هاربًا‪.‬‬
‫ع‪ :‬هو الفصيل من الناقة‬ ‫ض ْ‬
‫أشرح لكم الكلم لنه من كلم العرب القدماء الُر َ‬
‫الذي ينتج ويولد في الربيع‪ ..‬صغير‪ ..‬حينما تلقي عليه حمل ً يحمله البعير‬
‫البازل في العادة ل يستطيع أن يستقل به‪ ،‬فهو يتفسخ تحت الحمل فكذلك‬
‫يونس النبي صلوات الله عليه حينما حملت عليه أثقال النبوة ولها أثقال‬
‫تفسخ تحت هذه الثقال كتفسخ الفصيل الصغير الذي ل يستطيع أن يتحمل‬
‫الحمل فألقى أثقال النبوة عن ظهره وفر هاربًا‪ .‬قال السهيلي ووقع في‬
‫رواية ابن إسحق أن أولي العزم من الرسل منهم نوح وهود وإبراهيم صلوات‬
‫الله عليهم –انتبهوا‪ -‬أما نوح فلقوله طبعا ً ‪-‬كما قص القرآن يا قوم ِ إن كان‬
‫كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله( وأما هود فلقوله‪) :‬إني أشهد الله‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واشهدوا أني بريء مما تشركون( وأما إبراهيم فلقوله هو والذين معه‪) :‬إنا‬
‫براء منكم ومما تعبدون من دون الله( إذا ً فالمسألة لها أصل يمكن أن نرجع‬
‫إليه جميعًا‪ .‬النبوة قدوة ومثل والرسول صلى الله عليه وسلم حمل الرسالة‬
‫فتحملها بفضل الله وتوفيقه ولكنه ُأمر بأن يقتدي بالمرسلين من قبله من‬
‫أولي العزم فقال تعالى من سورة الحقاف‪:‬‬
‫)فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ول تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما‬
‫يوعدون لم يلبثوا إل ساعة من نهار‪ ،‬بلغ فهل يهلك إل القوم الفاسقون(‬
‫فالرسول عليه الصلة والسلم مأمور بأن يصبر صبر أولي العزم من الرسل‬
‫الذين سبقوه يصبر على ماذا على تكاليف النبوة وعلى أثقالها‪ ،‬وكذلك مأمور‬
‫بالقتداء فبسورة النعام يقول الله جل اسمه )أولئك –يعني النبياء الذين‬
‫قص الله نبأهم في السورة‪ -‬الذين هدى الله فبهداهم اقتده( يعني اقتدِ يا‬
‫محمد بهدي النبياء من أولي العزم الذين اقتصصنا عليك نبأهم‪ ،‬ونحن‬
‫المسلمين مأمورون بماذا هل نحن مأمورون بأن نضع شخص النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في إطار من الزينة والزخرف لنتغزل بها ونمتدح أم نحن‬
‫مأمورون بأن نقتدي ونتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم تقرأون‬
‫قول الله تبارك وتعالى‪) :‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان‬
‫يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيرًا( فالرسول عليه الصلة والسلم مأمور‬
‫بأن يقتدي بالنبياء من قبله ومأمور بأن يصبر كما صبر أولو العزم من‬
‫الرسل‪ ،‬ونحن المة السلمية مأمورون بأن نقتدي برسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وأن نصبر كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا‬
‫من سورة البقرة‪) :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً لتكونوا شهداء على الناس‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيدا( فالمة المسلمة شهيدة بمعتقداتها وبسلوكها‬
‫وبأخلقياتها وبحركتها على الناس والشهادة ل تكون إل من موقع امتياز إذا لم‬
‫يكن ثمة امتياز فل شهادة لن المة مطلوبة أن تشهد على سلمة الدعوة‬
‫فحين تكون غير قادرة على أداء هذه الشهادة فهي إذا ً شهادة سوء وشهادة‬
‫باطل ل شهادة حق وشهادة صواب‪.‬‬
‫هذه المة أيضا ً مطالبة بهذا فالله جل وعل يقول في سورة النعام فيما يقص‬
‫علينا‪) :‬أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلء –من‬
‫أهل مكة‪ -‬فقد وكلنا بها قوما ً –يعني بالدعوة‪ -‬ليسوا بها بكافرين( من هم‬
‫النصار والمهاجرون الذين نحن خلفاؤهم عرفتم الن إذا ً واجباتنا مساوية‬
‫تماما ً لواجبات النبوة أفرادا ً وجماعات كأمة يجب أن نتحمل المسئولية حمل‬
‫الرجال القوياء والله جل وعل يقول )وخذ ما آتيتك بقوة( وكأفراد يجب أن‬
‫نصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ومن الدعاة إلى الله تبارك وتعالى‬
‫فتعالوا بنا ننظر ما هو مواقف هؤلء الرجال؛ علما ً بأنني أتحدث أيضا ً ضمن‬
‫منظور تاريخي أتحدث عن فترة بدأت في بداية الوحي وانتهت بفترة النذار‬
‫ثلث سنوات هي السنوات الولى من عمر الدعوة‪ ،‬ومع ذلك أقول طويلة‬
‫وأن يخضع لصبر ل نهاية له حتى إذا استقل على قدميه إنسانا ً يعرف الله‬
‫ويضعه دائما َ نصب عينيه ويتحرك لله ويسكن لله ويأخذ لله ويدع لله فحينئذ‬
‫يمكن أن نطرح هذه النماذج في الساحة لتكون دعاة ونحن واثقون عندئذ‬
‫بأن هؤلء الدعاة سيعكسون عن السلم أنصع الصفحات وسيعطون عنه‬
‫أروع صورة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سأقرب إليكم المسألة‪ ،‬في كل مجتمع عندنا وعند غيرنا ناس يتزينون بزي‬
‫الدين مشايخ علماء كذا وكذا بعض هذه النماذج في الحقيقة ل يتلءم سلوكها‬
‫مع ما يطلبه الدين ول أخلقها مع ما يطلبه الدين ول تعاملها مع ما يطلبه‬
‫الدين ليست المسألة هنا المسألة أريد أن ألفت نظركم إلى أولد هؤلء‬
‫الناس‪ ..‬إلى أولدهم فسوف ترونهم شيوعيين بعثيين قوميين سوريين‬
‫سكيرين خميرين زناة لوطيين لماذا لن هذا المخلوق ما رأى من السلم إل‬
‫الصورة البشعة المتمثلة في الوالد الكريم هذا ما أريد أن أقوله‪..‬‬
‫يتقرر إن الداعية المزيف يضر ول ينفع ويصد عن دين الله ولهذا فنحن نرفض‬
‫هذا التجاه المدمر الذي يرى أننا نستطيع أن ندفع الشباب للقيام بثورات‬
‫باسم السلم ونحن نقول لهم إن الذي يأتي بالعنف يذهب بالعنف‪ ،‬وإن الذي‬
‫يزرع الشر يحصد الشر‪ ،‬وإن الذي يوغر القلوب تحرقه القلوب‪ ،‬ل يمكن ل‬
‫يمكن ل يمكن‪ ..‬بعد أن تتلظوا وبعد أن تحترقوا بنار التجربة وبعد أن تكونوا‬
‫فعل ً أدوات يحركها الله ول تحركها النزوات ول تحركها الشهوات ول تحركها‬
‫الرغبات فانطلقوا لن أخاف عليكم أما اليوم فل‪ ..‬ذلك كذب وتزييف‪ ،‬ذلك‬
‫تدجيل ل أوافق عليه ول أرضاه سأظل أنفق ما تبقى من حياتي لمطاردة‬
‫هذه النوازع الضارة لن القضية قضية مستقبل السلم برمته فهمتم‪ .‬تعالوا‬
‫الن إلى الساحة سأطيل عليكم ل بأس وإن كنت والله أشعر أن كل خلية‬
‫من جسدي مريضة مع ذلك ل بأس‪.‬‬
‫ما هي تربة السلم‪ ،‬ما هي التربة التي أمر محمد سيد الدعاة أمر المسلمين‬
‫جميعا ً أن يقفوا عندها قلنا إن أولي العزم منهم نوح ومنهم هود وإبراهيم‪ ،‬فما‬
‫موقف نوح تعالوا نقرأ ل داعي للثرثرة ول للكلم‪ ..‬تعالوا إلى رحاب القرآن‬
‫ل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه‬ ‫بالذات‪ .‬يقول الله تعالى في سورة يونس )وات ُ‬
‫يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت‪،‬‬
‫فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم ل يكن أمركم عليكم غمة ثم أفضوا إلي ول‬
‫تنظرون فإن توليتم فما سألتكم عليه من أجر إن أجري إل على الله وأمرت‬
‫أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجاه الله ومن معه في الفلك وجعلناهم‬
‫خلئف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين(‪.‬‬
‫أين في هذا الموقف حمل السلح أين في هذا الموقف المعاركة والمصارعة‬
‫والطعان‪ ،‬أين ل شيء عناصر الموقف تنحل إلى ما يلي نبني أمر فهو واقف‬
‫مع المر ينفذه على الكره وعلى الحب وهو يصبر على كل المتاعب التي‬
‫تترتب على وقوفه عند أمر الله تعالى‪ ،‬وهو يعلن هذا الموقف ويدعو إليه‬
‫الناس ويتحمل تبعات هذا العلن ويتحمل تكاليف هذه الدعوة ثم ل يستجيب‬
‫الناس فل يحمل نوح عليه السلم سلحه ول يذهب مقاتل ً لكي يفتح عملية‬
‫جراحية في أدمغة الناس ليصب اليمان فيها صبا ً لن هذا مستحيل وإنما‬
‫يفوض المر إلى الله ويأتي النقاذ من قبل الله تبارك وتعالى فيدمر‬
‫الظالمين المكذبين وينجي الذين اتقوا بمفازتهم ل يمسهم السوء ول هم‬
‫يحزنون‪.‬‬
‫هذا نوح وهو من أولي العزم فمن أين يأتي بعض الخوة بموقف العنف في‬
‫فوه على جنب تعالوا إلى‬ ‫سياق الدعوة إذا أردنا موقف نوح دعونا من نوح ص ّ‬
‫ً‬
‫هود‪ ،‬يقول الله تعالى في سورة هود )وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم‬
‫اعبدوا الله ‪-‬إعلن الوحدانية‪ -‬مالكم من إله غيره إن أنتم إل مفترون ‪-‬أي أنتم‬
‫تكذبون على الله بادعائكم له الشركاء‪ -‬يا قوم ل أسألكم عليه أجرا ً إن أجري‬
‫إل على الله الذي فطرني أفل تعقلون‪ ،‬ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه‬
‫يرسل السماء عليكم مدرارا ً ويزدكم قوة إلى قوتكم ول تتولوا مجرمين(‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى هنا انتهت الدعوة ما الموقف؟‪:‬‬


‫)قالوا يا هود ما جئَتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك‬
‫بمؤمنين –موقف إعراض وتكذيب هل انتهى المر ل انتظروا السخرية الكبر‬
‫يقولون –إن نراك إل اعتراك بعض آلهتنا بسوء‪ -‬يعني بعض الصنام أصابك‬
‫بالخبل كما يروج الجهلة من المسلمين أن الولي الفلني ضرب فلنا ً فأفقده‬
‫العقل أو شّله أو ما أشبه ذلك‪ -‬إن نراك إل اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال –‬
‫ن هود‪) -‬قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫فكيدوني جميعا ثم ل تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إل‬
‫هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فإن تولوا فقد أبلغتكم ما‬
‫أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما ً غيركم ول تضرونه شيئا ً إن ربي على‬
‫كل شيء محيط(‪.‬‬
‫ثم وقعت الواقعة فهذه عناصر موقف هود؛ رجل كلف الدعوة فجهر بها لم‬
‫يجلس تحت القبية‪ ،‬ولم يحبس نفسه بين أربعة جدران‪ ،‬ولم يسلك أساليب‬
‫الحزبيات ولم يتورط في التلعبات ل‪ .‬موقف واضح وبسيط يدفع إلى‬
‫العتقاد والعلن والستعداد لتحمل التبعة‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫من كان يظن أن الدعوة إلى الله تمر بل ثمن وبل مصاعب وبل متاعب وبل‬
‫أعباء وبل أثقال فهو مخطئ‪ .‬أنت إن أردت أن تكون مسلما ً تدعو إلى دينك‬
‫فعليك أن تعلم يا أخي أن أهون شيء تقدمه لربك دمك وروحك التي بين‬
‫جنبيك‪ .‬ماذا تملك ل شيء فهذا هو موقف هود‪.‬‬
‫ماذا أيضا ً تعالوا ننظر إلى موقف نبي آخر من النبياء من أولي العزم من‬
‫الذين اقتص الله علينا نبأهم في القرآن الكريم تعالوا ننظر إلى شعيب‬
‫صلوات الله عليه يقول الله تعالى أيضا ً من سورة هود‪:‬‬
‫)وإلى مدين أخاهم شعيبا ً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ول‬
‫تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم‬
‫محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ول تبخسوا الناس أشياءهم‬
‫ول تعثوا في الرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا‬
‫عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن‬
‫نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لنت الحليم الرشيد قال يا قوم أرأيتم إن كنت‬
‫على بينة من ربي ورزقني منه رزقا ً حسنا ً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها‬
‫كم عنه إن أريد إل الصلح ما استطعت وما توفيقي إل بالله عليه توكلت‬
‫وإليه أنيب ويا قوم ل يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو‬
‫قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا‬
‫إليه إن ربي رحيم ودود قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا ً مما تقول إنا لنراك فينا‬
‫ضعيفا ً ولول رهطك –يعني عشيرتك‪ -‬لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا‬
‫قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ً إن ربي بما‬
‫تعملون محيط ويا قوم –انتبهوا‪ -‬ويا قوم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه‬
‫عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا‬
‫شعيبا ً والذين آمنوا برحمة منا وّنجيناهم من عذاب غليظ وأخذت الذين ظلموا‬
‫الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها أل بعدا ً لمدين كما‬
‫بعدت ثمود(‪.‬‬
‫هذا شعيب ما موقفه؟ سلح؟ دماء؟ ل‪ ..‬بل دعوة وإعلن واستعداد لتحمل‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النتائج‪ ..‬ماذا؟ إبراهيم أبو النبياء جد نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله‬
‫تعالى عليه وآله وسلم ما موقفه اقرؤوا إن شئتم ما يقول الله جل اسمه من‬
‫سورة النعام يقول الله تعالى‪:‬‬
‫)وإذ قال إبراهيم لبيه آزر أتتخذ أصناما ً آلهة إني أراك وقومك في ضلل مبين‬
‫وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والرض وليكون من الموقنين فلما‬
‫ن عليه الليل رأى كوكبًا‪ ،‬قال هذا ربي‪ ،‬فلما أفل‪ ،‬قال ل أحب الفلين‪ .‬فلما‬ ‫ج ّ‬
‫ً‬
‫رأى القمر بازغا قال هذا ربي فما أفل قال لئن لم يهدني ربي لكونن من‬
‫القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت‬
‫قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات‬
‫والرض حنيفا ً وما أنا من المشركين(‪.‬‬
‫انتهت قضية الصنام والرباب الكاذبة ووقف إبراهيم جد نبينا عليه السلم مع‬
‫جه قومه ناقشوه في أمر الوحدانية وكيف‬ ‫حقيقة الوحدانية المطلقة وحا ّ‬
‫ن في الله وقد هداني ول أخاف ما تشركون‬ ‫جو ِ‬
‫يتهجم على الصنام قال؛ )أتحا ّ‬
‫به إل أن يشاء ربي شيئا ً وسع ربي كل شيء علما أفل تتذكرون‪ ،‬وكيف أخاف‬
‫ً‬
‫ما أشركتم ول تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ً فأي‬
‫الفريقين أحق بالمن إن كنتم تعقلون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‬
‫لهم المن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات‬
‫من نشاء إن ربك حكيم عليم(‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫فهذا موقف إبراهيم نفس الموقف الذي اتخذه نوح نفس الموقف الذي‬
‫اتخذه هود نفس الموقف الذي اتخذه شعيب ثم ماذا حبيبكم نبيكم محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬من الذي يجرؤ فيقول إنه خلل الدعوة كان يقابل‬
‫الناس بالعنف ويسيء إلى الناس ويكسر الخواطر والقلوب؟ هو الذي كان‬
‫يقول‪" :‬يا عائشة لو كان العنف رجل ً لكان رجل سوء" من منكم ينسى‬
‫مواقف الصبر‪ ،‬مواقف العزيمة القعساء التي ل تتزلزل ول تتزعزع لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا ما يقول الله تعالى وهو يهذب ويؤدب‬
‫خاتم النبياء والمرسلين محمدا ً صلى الله عليه وسلم يقول من سورة يونس‬
‫)أم يقولون افتراه ‪-‬يعني هذا القرآن قال فأتوا بسورة من مثله وادعوا من‬
‫استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه‪-‬‬
‫وهذه المصيبة الناس يسمعون منك الكلم ل يعرفونه ول ينزلونه منازله ول‬
‫يوقعونه مواقعه‪ .‬ثم يتهجمون على التكذيب يا ليت أن الذي يكذب وأن الذي‬
‫يعترض وأن الذي يرد يتمتع بالعقل القادر على الحركة والقادر على العطاَء يا‬
‫ليت كنا وضعناه على الرؤوس ‪-‬والله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما‬
‫يأتهم تأويله‪ ،‬فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ومنهم من يؤمن به ومنهم من‬
‫ل يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين‪ .‬فإن كذبوك‪ -‬ماذا؟ أحمل السلح‪ .‬اذبح‬
‫الناس‪ .‬شتتهم ألقهم في السجون ل‪ -‬وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم‬
‫عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون‪ -‬موقف واضح الرسول‬
‫داعية ومبلغ عن الله ليس جبارا ً ول مستكبرا ً ول مسيطرا ً ول وكيل ً عن الله‬
‫على قلوب الناس وإنما هو مبلغ فقط ‪-‬إن عليك إل البلغ وعلينا الحساب(‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأيضا ً في أخريات سورة يونس ماذا يخاطب الله تعالى رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول له بادئ الناس سافلهم وعاليهم قل – يا محمد‪) -‬يا أيها‬
‫الناس إن كنتم في شك من ديني فل أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن‬
‫أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقم وجهك للدين‬
‫حنيفا ً ول تكونن من المشركين( موقف مفروض؛ موقف الصلبة والثبات على‬
‫المبدأ وعدم إنكار أي حرف من حقائق الدعوة )وأن أقم وجهك للدين حنيفا ً‬
‫ول تكونن من المشركين ول تدع من دون الله ما ل ينفعك ول يضرك فإن‬
‫فعلت فإنك إذا ً من الظالمين‪ ..‬قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم‬
‫فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم‬
‫بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين( أفي‬
‫هذا الموقف لبس أفيه غموض أم أن الرجال دخلهم الجبن ودخلهم العجز‬
‫ودخلهم الخور وأصبحوا يريدون أن ينفسوا عن أنفسهم يا ليت أنهم ينفسون‬
‫بالفعال ولكنه ادعاء وأقول‪ :‬هؤلء البطال هؤلء الشاوس أين هم عن حقائق‬
‫السلم هل بلغت بنا الخطوب أن نتلقى تعليمنا عن أناس لم يبلغوا بعد أن‬
‫يكونوا تلميذ تلميذنا ومع ذلك نحن نقول لهم قفوا معنا وجها ً لوجه كتفا ً‬
‫لكتف قيمة لقيمة وتعالوا نناقش القضايا لماذا‪ ،‬لماذا الهمس واللمز لماذا‬
‫الدوران على المجالس لماذا التناجي بالثم والعدوان لماذا هل هذه خلئق‬
‫المؤمنين‪ .‬ل نحن نقول بصراحة من شاء أن يغضب فليغضب ومن شاء أن‬
‫يرضى فليرضى نحن ل نوافق على العنف في مجال الدعوة ذلك موقف‬
‫مبدئي‪ ،‬كي أعطي هؤلء ما يسوءهم وينوءهم ذلك موقف مبدئي نحن ل‬
‫يمكن أن نسمح بأن نطرح في الساحة العامة أناسا ً لم يكتمل تكوينهم بعد‬
‫عليهم أن يعلنوا مواقفهم تماما ً مسلمين مكشفين عن رؤوسنا ل نختبئ ول‬
‫نهرب ول نجامل ول نداري ولكنا في ذات الوقت نستعد لتحمل التضحيات‬
‫نستعد لدفع الثمن مهما بلغ ولماذا نذهب إلى العنف؟ مرة أخرى سوف‬
‫أستعير سأستعير لكم شيئا ً من علم نفس الشواذ من علم النفس المرضي‬
‫قاعدة العلج النفسي الول ما هي قاعدة العلج النفسي تنحل في كلمتين‬
‫)فهم مشكلة الطرف الخر( فالنسان تجده معقدا ً تعقيدا ً نفسيا ً غريبا ً حينما‬
‫تريد أن تعالجه نفسيا ً تضعه أمامك وبالملطفة والملينة بالكلم الطيب‬
‫تشرح له المشكلة؛ إن اللشعور يختزن كثيرا ً من الشياء؛ حياتنا الظاهرة ل‬
‫نريدها نقذف بها في حياتنا الباطنة‪ ،‬تتراكم فوق بعضها البعض حتى تشكل‬
‫العقدة فحينما نستجر ونستدعي هذه الشياء المقذوفة إلى الوراء في ساحة‬
‫اللشعور نضعها في ساحة الشعور تعرض المشاكل أمامنا وتنحل العقدة‬
‫تماما ً حينما نرى المشكلة تنحل فعلم المرضي يقول لنا‪ :‬إن العلج يتوقف‬
‫على فهم المشكلة ونحن في مجال الدعوة قبل أن نحمل الحقاد على‬
‫الناس وقبل أن نفكر بالعدوان على الناس اعلموا علما ً ل ريبة فيه أن مكاننا‬
‫الن ليس خلف المتاريس ول على الجبهة إن ميداننا الحق في المرحلة التي‬
‫نحن فيها في داخل النفوس وبعض الخوة يستنتج من هذا أنني أدعو إلى‬
‫تعطيل الجهاد ويا سبحان الله ل أدري هل أتكلم بين عرب أم بين أعاجم ما‬
‫معنى الجهاد العرب حين نطقت بالجهاد ماذا أرادت؟ أرادت بذل الوسع‬
‫والمجهود تارة يكون باللسان وتارة يكون بالنظرة الحانية وتارة يكون‬
‫بالموقف السلبي وتارة يكون باليد فالقتال جانب من جوانب الجهاد و إل فما‬
‫معنى أن يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم )وجاهدهم به جهادا ً كبيرًا(‬
‫يجاهدهم بماذا بالقرآن هل يضرب بالقرآن وجوههم وأدبارهم ل وإنما‬
‫يجاهدهم بالحجة وبالمنطق فالقتال الذي يخاف عليه الخوة ل خوف عليه إن‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شاء الله ول بأس؛ ولكن الجهاد شيء واسع وأظن أنني أتكلم بكلم عربي‬
‫وأعرف ماذا أتكلم فأنا ل أدعو إلى تعطيل الجهاد ولكني أدعو إلى إلغاء‬
‫العنف والقتال عندنا نحن المسلمين شأنه شأن ما يفعل الطبيب الماهر‪ .‬أنت‬
‫تذهب إلى طبيب ليجري لك جراحة ويعرف الطبيب الناجح من الطبيب‬
‫الفاشل بحجم الجراحة إن كان الحجم الذي اشترطه من الجسم أكثر مما‬
‫تقتضيه الحاجة فهو طبيب فاشل وإن كان قد شرط من جسمك ما يسمح‬
‫لللة أن تدخل وتعمل عملها فقط دون زيادة ول نقصان؛ فهو طبيب ناجح‪.‬‬
‫فنحن في القتال أيضا ً نرفض العنف ونرفض التنكيل وتعرفون جميعا ً أن‬
‫القتال في السلم شرع لغاية واحدة هي إبطال مقاومة الخصم حتى يكون‬
‫الناس الذين يتزعمهم هذا الخصم وجها ً لوجه أمام الحقيقة السلمية ل أكثر‬
‫ول أقل ولو تصورنا جدل ً أننا وصلنا إلى اتفاق عالمي تنفتح فيه الحدود‬
‫الفكرية بين أمم الرض جميعا ً وتأخذ كل دعوة حقها من الدعاوة والعلن‬
‫دون مصادرة ودون مطاردة ودون حجر ودون تضييق فل يبقى أي معنى‬
‫للقتال لن هذا هو الشيء الذي يريده السلم هل السلم يريد أن يقتل‬
‫الناس غلطانون أنتم يا إخوة السلم يريد أن يحيي الناس ألم تسمعوا الله‬
‫يقول )من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا ً بغير نفس أو‬
‫فساد في‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الرض فكأنما قتل الناس جميعًا( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ً هذا‬
‫إعزاز وإغلء وإعلء للنسان لن النسان في السلم عندنا قيمة وقيمة عالية‬
‫وقلت قبل اليوم إننا حين نفكر ونركز أنظارنا نركز عداءنا على ظواهر‬
‫اجتماعية كي ل يتركز عداؤنا على الناس السلم بهذا الشكل وإل فتعالوا‬
‫قولوا لي ما معنى أن تترادف وصايا الله ووصايا رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ووصايا الخلفاء الراشدين حينما كانوا يسيرون الجيوش كانوا يوصون‬
‫قوادهم‪" :‬ل تتبعوا منهزما ً ول تجهزوا على جريح ول تقتلوا راهبا ً ومن كف‬
‫عنكم فكفوا عنه ول تقطعوا شجرة ول تحرقوا نخل ً ول تذبحوا شاة أو بعيرا ً‬
‫إل لمأكلة" هذه أخلق قتال أم أخلق رجال هذه أخلق أناس يرون أن القتال‬
‫ضرورة وهو ضرورة كريهة حينما ل يوجد غيرها نستعملها أما طالما أننا نجد‬
‫القلوب مفتحة لنا فيجب أن ل نتأخر عن طرق أبواب القلوب؛ وأخيرا ً أذكركم‬
‫يا إخوة أن عبد الله بن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه كان يقول‪" :‬إنني‬
‫ليذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا ً من النبياء ضربه قومه حتى‬
‫أدموه وهو يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون"‪ .‬دعوة السلم سلم‬
‫ودعوة السلم حب ودعوة السلم تجميع ودعوة السلم دعوة قلوب ودعوة‬
‫السلم دعوة عقول والنسان الذي يدخل السلم بالكره والعنف ل يقبل‬
‫إيمانه فافهموا هذه الحقائق‪ ،‬ولقد شغلتني هذه العجاجة البسيطة عن متابعة‬
‫حديثي الذي كنت قررت أن أتحدث به ولكن ل بأس كما شرحت أرضية‬
‫العنف في الجمعة الماضية شرحت لكم اليوم بنصوص القرآن أرضيه السلم‬
‫والمحبة والود ولكن مع مواقف الرجال وأرجو أن أعود بعد هذا السبوع إلى‬
‫معالجة الموضوع الساسي على نهجنا المعروف والذي حداني كما أريد أن‬
‫أؤكد أن يعرف كل الخوة الذين يرشحون أنفسهم للدعوة إلى الله أن هذا‬
‫الغبار شيء ل بد منه وأن الذين ل يريدون أن يواجهوه عليهم أن يكفوا عن‬
‫ميدان الدعوة وأن هذا في الواقع سنة النبياء وسنة المرسلين وسنة‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصلحين من قبل‪ ..‬كان أبو إبراهيم يقول لبراهيم عليه السلم‪) :‬أراغب‬
‫أنت عن آلهتي يا إبراهيم لرجمنك لئن لم تنته لرجمنك واهجرني مليا( من‬
‫ل محمد صلى الله عليه وسلم كان يطوف على‬ ‫الذي وقف في وجهه أبوه‪ .‬قب ُ‬
‫الناس حين الموسم يحدثهم عن السلم ويقرأ لهم القرآن ومن خلفه كان‬
‫يمشي رجل أحول يقول لهم ل تصدقوه فإنه كذاب من هذا عمه أبو لهب‬
‫كذلك هي السنة يقول الله تعالى من سورة الفرقان‪) :‬وكذلك جعلنا لكل نبي‬
‫عدوا ً من المجرمين وكفى بربك هاديا ً ونصيرًا( ويقول الله تعالى من سورة‬
‫النعام )وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا ً شياطين النس والجن يوحي بعضهم إلى‬
‫بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه(‪ .‬إذا ً فالله يريد أن يمتحن‬
‫الدعاة بهذا الغبار المتطاير )ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون(‬
‫اتركهم امض في طريقك ودعهم ولكاذيبهم ولدعايتهم الفاسدة )فذرهم وما‬
‫يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين ل يؤمنون بالخرة وليرضوه وليقترفوا ما‬
‫هم مقترفون( كذلك فإن الله تبارك وتعالى نبه كما قال لنا‪) :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا ً لكم فاحذروهم( فطريق الدعوة صديقنا‬
‫فيها ليس الخ ابن الم والب‪ ،‬وليس الذي نزلنا من صلبه‪ ،‬وإنما صديقنا فيها‬
‫رفيق الطريق‪ .‬قد يكون الب هو العدو وقد يكون الخ هو العدو وقد يكون‬
‫العم هو العدو ‪-‬وليس هذا مهمًا‪ -‬المهم أن يعلم الدعاة أن الطريق إلى الله ل‬
‫بد فيه من مصادفة عقبات من هذا النوع فأرجو من الله أن ل تكون هذه‬
‫الظواهر شيئا ً يفت في أعضاء الخوة واعلموا أيها الخوة أننا أمام أمر عظيم‬
‫هو مستقبل الجنس البشري بكامله ارفعوا من هممكم وارفعوا من‬
‫اهتماماتكم ووسعوا مشاعركم ونموا عواطفكم والتصقوا بربكم ينصركم الله‬
‫إن شاء الله وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫السلم يعلو‬
‫رئيسي ‪:‬المنهج ‪:‬‬
‫ً‬
‫الحمد لله‪ ،‬وأشهد أن ل اله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل‪،‬‬ ‫ً‬
‫وانقطاع من النذر‪ ،‬وقد مل العالم الظلمات‪ ،‬وتشتتت فيه الهواء‪ ،‬وتفرقت‬
‫فيه الديان‪ ،‬حتى إن الله مقت أهل الرض عربهم وعجمهم إل نفرا ً قليل ً من‬
‫م عََلى‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫أتباع الرسل‪ ،‬قال تعالى‪َ }:‬يا أ َهْ َ‬
‫فَترة من الرس َ‬
‫ذيٌر‬
‫شيٌر وَن َ ِ‬ ‫م بَ ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ذيرٍ فَ َ‬ ‫شيرٍ َول ن َ ِ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَءَنا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َْ ٍ ِ َ ّ ُ ِ‬
‫حمار أ َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬
‫ن‬
‫َ ٍ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ب‬
‫ْ ََ ِ ْ َ ِ‬‫ض‬ ‫يا‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫المائدة[‬ ‫[{]سورة‬ ‫‪19‬‬ ‫ر]‬ ‫ِ ٌ‬‫دي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ل‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫م‬
‫قت َهُ ْ‬‫م َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬
‫ل الْر َ ِ‬ ‫ه ن َظَر إ ِلى أهْ ِ‬
‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ل‪] :‬إ ِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫َر ُ‬
‫ك[‬‫ي بِ َ‬ ‫ك وَأب ْت َل ِ َ‬ ‫ك ِلب ْت َل ِي َ َ‬ ‫ما ب َعَث ْت ُ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ب وََقا َ‬ ‫ْ‬
‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قاَيا ِ‬ ‫م إ ِل ب َ َ‬‫ّ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ج َ‬‫م وَعَ َ‬ ‫عََرب َهُ ْ‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫بعثه الله رحمة للعالمين‪ ،‬وقد وعده الله بالظهور والعلو والرفعة‪ ،‬وأنه ظاهر‬
‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫على كل من عانده وخاصمه‪ ،‬كما قال جل وعل ‪}:‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن]‪]{[33‬سورة‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ِبال ْهُ َ‬
‫التوبة[ ‪ .‬ليظهره ويعليه على كل دين ولو كره المشركون ‪.‬‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫إن دين السلم ظاهر ل يرتاب في ذلك إل منافق يقول ‪}:‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه إ ِّل غُُرورا]‪{[12‬‬
‫ً‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬‫مَنافِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دقوا وعد الله وخبره فهم يوقنون‬ ‫]سورة الحزاب[ ‪ .‬أما أهل اليمان الذين ص ّ‬
‫أن الله قد أعلى أمر هذا الدين وأظهره منذ أن بلغ رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عشيرته القربين ودعاهم‪ ،‬فما زال هذا الدين في علو وارتفاع‪،‬‬
‫ف الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫وغيره في سفول وانحسار‪ ،‬والله ل يخلف الميعاد }وَعْد َ الل ّهِ ل ي ُ ْ‬
‫ميَعاَد]‪]{[20‬سورة الزمر[ ‪ .‬حتى في أيام الضعف وفي مراحل النكبات‪،‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫وفي أيام الزمات والنتكاسات كان هذا الدين عاليا ً شامخا ً يخرج من تلك‬
‫الزمات ومن تلك النكبات قد اكتسب جمعا ً كثيرا ً من الناس ‪.‬‬
‫الحق يعلو ول يعلى عليه فمن ناواه كانت جنود الله منتصرة‬
‫جنود الله التي ل حصر لها ول يعلمها إل الله ‪ ،‬يثبت بها أهل اليمان‪ ،‬ويعلي‬
‫بها شأن أهل السلم‪ ،‬ويرفع الله بها دينهم وعملهم بقدر ما يكون معهم من‬
‫الصدق‪ ،‬وقد أخبر في كتابه مؤكدا ً في مواضع عديدة أنه ل يخلف الميعاد‪،‬‬
‫ه‪]{[80]...‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫ه عَهْد َ ُ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫قال جل وعل ‪...}:‬فَل َ ْ‬
‫إل أننا مع هذا الوعد ومع هذه البشارة نحتاج إلى أن نقف وقفات‪:‬‬
‫الوقفة الولى‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا العلو وهذا الظهور لهل‬
‫الدين خاصة دون غيرهم‪ :‬فالعلو الذي جاء للسلم إنما هو لهله‪ ،‬فبقدر ما‬
‫يتحقق لهؤلء من وصف السلم ويكون معهم من خصاله وأعماله؛ بقدر ما‬
‫ن وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬
‫يكون لهم من العلو والرتفاع‪} ،‬وَل ِل ّهِ ال ْعِّزة ُ وَل َِر ُ‬
‫ن]‪]{[8‬سورة المنافقون[ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وإنما ذكر المنافقين دون غيرهم لنهم مندسون في أهل السلم‪ ،‬يعيشون‬
‫معهم‪ ،‬يشيعون بينهم الراجيف وفينا من يسمع أقوالهم‪ ،‬ولذلك قال‪:‬‬
‫ن]‪]{[8‬سورة المنافقون[ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫قي َ‬‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫}‪...‬وَل َك ِ ّ‬
‫هذا الضمان‪ ،‬وهو العلو والرتفاع والعزة ل تكون إل لهل اليمان بإيمانهم‬
‫وأعمالهم‪ ،‬وما يقوم في قلوبهم من صالح العمل‪ ،‬فإن العمل الصالح من‬
‫الجند الذي ينصر الله به أهل السلم‪ ،‬والتي يحصل بها حفظ أهل السلم‬
‫ويقي بها أهل السلم مكرا ً عظيمًا‪ ،‬قد ل ندركه ول نتخيله‪ ،‬قال الله في‬
‫مك ُْرهُ ْ‬
‫م‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫مك َْرهُ ْ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫وصف مكر أعداء الدين لهل السلم‪}:‬وَقَد ْ َ‬
‫ل]‪]{[46‬سورة إبراهيم[ ‪ .‬أي مكرا ً عظيما ً‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ه ال ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫م ل ِت َُزو َ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫تزلزل منه الجبال‪ ،‬وتزول من أماكنها لكن الله لهم بالمرصاد وهو من ورائهم‬
‫محيط‪ ،‬وقد قال الله للمؤمنين‪ -‬وهم في حال ضعف في غزوة أحد لما‬
‫أصيبوا وقتل منهم من قتل وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت‬
‫م‬ ‫َ‬
‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫رباعيته وسقط في الحفرة وأصابه ما أصابه‪َ}:-‬ول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ن]‪]{[139‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫اْل َعْل َوْ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن اليمان علوه ل ينكسر في هزيمة عسكرية‪ ،‬ول بانحسار مادي‪ ،‬ول بضعف‬
‫في صناعة أو غير ذلك‪ ،‬أهل اليمان ل يعلو شأنهم‪ ،‬ول يكون لهم الدولة دون‬
‫س‬
‫ت ِللّنا ِ‬
‫ج ْ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫غيرهم إل باليمان الذي علق الله به العلو ‪}:‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ه]‪]{[110‬سورة آل‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ن عَ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬
‫ت َأ ُ‬
‫َ‬
‫ن]‪{[139‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م اْل َعْل َوْ َ‬‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫عمران[ ‪َ}:- .‬ول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫]سورة آل عمران[ ‪ .‬فهذا العلو ل يكتسب من انتصار في معركة‪ ،‬ول يكتسب‬
‫من إتقان صناعة آلة أو غير ذلك‪ -‬وإن كان ذلك من السباب التي يظهر فيها‬
‫العلو‪ -‬لكنهم عالون‪ ،‬ولو لم يكونوا كذلك‪ ،‬وانظر إلى شأن العرب عندما‬
‫خرجوا يقاتلون الروم وفارس‪ ،‬كيف كانت حالهم؟ إنهم كانوا من أهل التردى‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الصناعة‪ ،‬وفي القتال وفي معرفة فنون التقدم‪ ،‬لكنهم فاقوا خصومهم‬
‫أكبر الدول في ذلك الوقت الروم وفارس‪ ،‬فاقوهم بإيمانهم وما معهم من‬
‫اليقين‪ ،‬ولقد حقق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم علو الدين‪ ،‬وظهوره‬
‫وارتفاعه على كل ملة‪ ،‬بدت بشائر ذلك في حياة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلم يمت عليه الصلة والسلم إل وقد دانت لهم أهل الجزيرة كلهم‬
‫حتى لم يبقَ فيها من يعبد غير الله‪ ،‬ثم إن الصحابة واصلوا المسيرة‪ ،‬وقد‬
‫بدأها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش الذي عقده قبل وفاته‪ ،‬جيش‬
‫أسامة‪ ،‬فأمضاه أبو بكر رضي الله عنه‪ ،‬فكان ذلك فاتحة النصر وظهور الدين‬
‫في مشارق الرض ومغاربها‪ ،‬فإذا تحققنا في أي زمان‪ ،‬وفي أي مكان‪،‬‬
‫ب‬ ‫غال ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫بوصف اليمان؛ فإننا موعودون بالنصر‪ ،‬والله ل يخلف الميعاد‪َ} ،‬والل ّ ُ‬
‫عََلى أ َمره ول َك َ‬
‫ن]‪]{[21‬سورة يوسف[ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬
‫الوقفة الثانية‪:‬وعد الله لهل اليمان بالعلو والظهور‪،‬ل يلزم منه ول يستفاد‬
‫منه‪ ،‬أنه ل يصيبهم ظمأ ول نصب ول مخمصة في سبيل الله‪ ،‬بل سيصيبهم‪:‬‬
‫َ‬
‫ل‬
‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق ٍ‬ ‫جوِع وَن َ ْ‬ ‫ف َوال ْ ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫كما قال تعالى‪}:‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫ن]‪]{[155‬سورة البقرة[ ‪ .‬فلبد من البلء‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫َواْل َن ْ ُ‬
‫ليتميز الصالح من غيره‪ ،‬فالبلء سنة الله في عباده وأوليائه وأعدائه‪:‬‬
‫م]‪{[31‬‬ ‫خَباَرك ُ ْ‬ ‫ن وَن َب ْل ُوَ أ َ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حّتى ن َعْل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫}وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫]سورة محمد[ ‪ .‬إن الذين يدعون الصدق واليمان و الصلح في وقت السعة‬
‫كثر‪ ،‬لكنهم يمحصون وتمحص سيئاتهم‪ ،‬وتقلل عنهم ما حملوه من‬ ‫والرخاء ُ‬
‫أوزار الخطايا بسبب ما يصيبهم من هذا البلء؛ فيصفو معدنهم وما في‬
‫وُ‬
‫ن ل ِي َب ْل َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫صَر ِ‬ ‫ه لن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ك وَل َوْ ي َ َ‬ ‫قلوبهم من اليمان بتلك البليا }ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م]‪]{[4‬سورة‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ل اللهِ فَل ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ُِلوا ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َوال ّ ِ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫محمد[ ‪.‬‬
‫إن البلء الذي يبتلي الله به أهل السلم من ضعف أو هزيمة‪ ،‬إنما هو لحكمة‬
‫بالغة ل تتحقق بغير هذا السبيل‪ ،‬ولذلك كان ابتلء الله لعباده الصالحين من‬
‫دلئل الصدق الذي يخص الله به أصفياءه‪ ،‬الناس يبتلون ويمتحنون على‬
‫حسب إيمانهم المثل فالمثل‪ ،‬النبياء أشد الناس بلء‪ ،‬ثم الصالحون‪ ،‬ثم‬
‫المثل‪ ،‬فالمثل‪ ،‬يبتلى الرجل على قد ما معه من اليمان ‪.‬‬
‫هذا البلء له حكم بالغة أشار الله منبًها الصحابة في وقعة بدر إلى بعضها قال‬
‫َ‬
‫ميَز‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫سبحانه وتعالى‪َ }:‬‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫جت َِبي ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫م عََلى ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م]‬‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قوا فَل َك ُ ْ‬ ‫مُنوا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫سل ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫شاُء َفآ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل ِهِ َ‬ ‫ُر ُ‬
‫‪]{[179‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪:‬أن سنة الله في اليام والدول والحوال أنها ل تقر على أمر‬
‫دائم بل هي سريعة التقلب والزوال‪ :‬فالشدة تؤذن بالفرج والله سبحانه قد‬
‫قال ‪...}:‬وت ِل ْ َ َ‬
‫س‪]{[140]...‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك اْلّيا ُ‬ ‫َ‬
‫فالحال تتقلب وتتغير وهذه من سنن الله في خلقه‪ ،‬فالناس ل تستمر حالهم‬
‫على حال واحدة بل هم في مناوبة وتعاقب بين المصائب والمواهب‪ ،‬بين‬
‫مث ْل ُه وت ِل ْ َ َ‬
‫م‬‫ك اْلّيا ُ‬ ‫ح ِ ُ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫المسار والمضار‪}:‬إ ِ ْ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫داَء َوالل ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫س وَل ِي َعْل َ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫نُ َ‬
‫ن]‪] {[140‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫الظال ِ ِ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫إن الله سبحانه جعل البلء موصل ً إلى رحمته}أ َم حسبت َ‬
‫ة‬
‫جن ّ َ‬‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حّتى‬ ‫ضّراُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ب]‪{[214‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫]سورة البقرة[ ‪.‬‬
‫اصبر قليل ً فبعد العسر تيسير وكل وقت له أمر وتدبير‬
‫وللمهيمن في حالتنا قدر وفوق تدبيرنا لله تدبير‬
‫نرى المور ونكرهها‪ ،‬نراها على غير ما نهوى‪ ،‬ويخرج الله من رحم الظلم‬
‫فجرا ً تشرق به الوجوه‪ ،‬وتسر به النفوس‪ ،‬ويحقق الله به الوعد الذي وعده‬
‫هذه المة‪ ،‬فكلما اشتدت الكربة رقبنا الفجر‪ ،‬جاء رجل إلى عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين أجدبت الرض‪ ،‬وقحط المطر‪،‬‬
‫وقنط الناس‪ .‬قال ‪ :‬إذا ً مطرتم ‪ .‬فجعل عمر بن الخطاب اشتداد الحال علمة‬
‫و‬
‫على قرب المطر‪ ،‬قال رحمه الله بعد قوله له‪ :‬مطرتم‪ ،‬تل قول الله‪}:‬وَهُ َ‬
‫د]‪{[48‬‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ه وَهُوَ ال ْوَل ِ ّ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شُر َر ْ‬ ‫طوا وَي َن ْ ُ‬ ‫ما قَن َ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬ ‫ذي ي ُن َّز ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫]سورة الشورى[ ‪ .‬والله يبتلي العباد بما يبتليهم به ليميز الخبيث من الطيب‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك يأتي فرج الله ‪:‬‬
‫ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج‬ ‫ً‬
‫ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها ل تفرج‬
‫إنه مهما كان من انهزام وانكسار‪ ،‬فلن يخلف الله وعده‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬أن وعد الله ل يزيد المؤمنين عند اشتداد الكرب إل ثباتًا‪ ،‬لما‬
‫اشتد المر على صحابة رسول الله فجاءهم عدوهم من فوقهم‪ ،‬ومن أسفل‬
‫منهم‪ ،‬وبلغت القلوب الحناجر‪ ،‬وظنوا بالله الظنون‪ ،‬قال المنافقون‪ :‬ما وعدنا‬
‫الله ورسوله إل غرورًا‪ ،‬ما وعدنا إل أمرا ً ل تحصيل له‪ ،‬كذبا ً ل سبيل إلى‬
‫إدراكه‪ ،‬وأما المؤمنون الثابتون المصدقون لوعد الله فمهما اسودت الدنيا‬
‫في وجوههم؛ ل يتزلزل اليمان في قلوبهم‪ ،‬بل هم مصدقون لوعد الله‬
‫سول ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب َقاُلوا هَ َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما َرأى ال ْ ُ‬ ‫ورسوله }وَل َ ّ‬
‫سِليمًا]‪]{[22‬سورة الحزاب[ ‪.‬‬ ‫مانا ً وَت َ ْ‬ ‫م إ ِّل ِإي َ‬ ‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫زيٌز ُذو‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫ف وَعْدِهِ ُر ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫َ‬
‫وعد الله ل يخلف }فل ت َ ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه قوِ ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫ه لغل ِب َ ّ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫م]‪]{[47‬سورة إبراهيم[ ‪} .‬كت َ َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ان ْت ِ َ‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سلَنا َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫َ‬
‫زيٌز]‪]{[21‬سورة المجادلة[ ‪} .‬إ ِّنا لن َن ْ ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫د‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫بو‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪.‬‬ ‫غافر[‬ ‫[{]سورة‬ ‫‪51‬‬ ‫د]‬ ‫ها‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ّ ُ ِ ِ ْ َْ ِ‬ ‫َ ْ ََْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫الد ّ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ‬
‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫ن‬
‫الذ ّك ْر أ َ ّ َ‬
‫ن]‪]{[105‬سورة النبياء[ ‪ .‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ض ي َرِث َُها ِ‬ ‫ن اْلْر َ‬ ‫ِ‬
‫مل ّت َِنا{‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫عو‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫خرجنك ُم من أ َرضنا أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫} وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ُِ ُ ِِ ْ ُ ِ َ ّ ْ ِ ْ ْ ِ َ ْ َُ ُ ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ل وعل مبشرا ً أهل اليمان بعد هذا التهديد‪}:‬فَأوْ َ‬ ‫فقال ج ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مي‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م الْر َ‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ُ‬ ‫ن ]‪ [13‬وَلن ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫ل َن ُهْل ِك َ ّ‬
‫د]‪]{[14‬سورة إبراهيم[‪.‬‬ ‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫وَ َ‬
‫إن اليأس يدب في بعض النفوس‪ ،‬فالناظر في أحوال المة السلمية يجد أن‬
‫المآسي والنكبات قد اتسع نطاقها‪ ،‬وبدأت تتناثر هنا وهناك‪ ،‬فل تكاد تخف‬
‫وطأة الكفر على بلد من البلدان حتى تفجع المة بنكبة‪ ،‬أو نكبات جديدة‬
‫يرقق بعضها بعضا ً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في نبأ الفتن‪:‬‬
‫ه‬
‫ن هَذِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ة فَي َ ُ‬ ‫فت ْن َ ُ‬ ‫جيُء ال ْ ِ‬ ‫ضا وَت َ ِ‬ ‫ضَها ب َعْ ً‬ ‫ة فَي َُرقّقُ ب َعْ ُ‬ ‫جيُء فِت ْن َ ٌ‬ ‫]‪...‬وَت َ ِ‬
‫مهْل ِك َِتي‪[...‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إن آلم المة لو تتبعناها لطال بنا الكلم‪ ،‬ولسنا في شأن تعداد اللم‪ ،‬إنما‬
‫في شأن التعامل مع هذه اللم‪ ،‬كيف يتعامل المؤمن مع هذه اللم؟ إن‬
‫الواجب على المؤمن أن يتعامل مع هذه اللم بإيمان جازم‪ ،‬ويقين راسخ‪،‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعقد صالح‪ ،‬وعمل يرفع به درجته‪ ،‬ويثبت به قدمه‪ ،‬إن النبي صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مًنا‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ح الّر ُ‬‫صب ِ ُ‬‫مظ ْل ِم ِ ي ُ ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قط َِع الل ّي ْ ِ‬ ‫ل فِت ًَنا ك َ ِ‬‫ما ِ‬‫وسلم قد قال‪َ] :‬بادُِروا ِباْلعْ َ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫سي َ‬
‫ن الد ّن َْيا[ رواه‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ه ب ِعََر ٍ‬ ‫كافًِرا ي َِبيعُ ِدين َ ُ‬ ‫صب ِ ُ‬
‫مًنا وَي ُ ْ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫كافًِرا أوْ ي ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫فالواجب على المؤمن أن يستقبل هذه النوازل بصبر‪ ،‬وإيمان راسخ‪ ،‬وأن‬
‫يرجع إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن في هديه ما ليس في غيره‬
‫من الكتب والثار وغير ذلك؛ لنه صلى الله عليه وسلم جعله الله أسوة لهل‬
‫ُ‬
‫جو الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي َْر ُ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫اليمان‪}:‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫ه ك َِثيرًا]‪]{[21‬سورة الحزاب[ ‪.‬‬ ‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫م اْل ِ‬
‫َوال ْي َوْ َ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إننا بحاجة في ظل هذه الزمة التي كشرت عن أنيابها على المة السلمية‬
‫في بقاع الرض‪ ،‬فأمس أفغانستان‪ ،‬واليوم العراق‪ ،‬وغدا ً سوريا‪ ،‬وبعدها الله‬
‫أعلم‪ ،‬هذه الهجمة التي يقودها الغرب الصليبي الصهيوني إنما تقابل بإيمان‬
‫راسخ‪ ،‬وعمل جازم‪ ،‬ويقين ثابت‪ ،‬فإنه ل سبيل إلى تفادي هذه الكربات‪،‬‬
‫واستقبال هذه النكبات إل بما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم من شدة اللجأ إلى الله‪ ،‬والعتماد عليه‪ ،‬وعدم النظر إلى هذه القوة‬
‫المادية‪ ،‬فإن الشيطان يخوف أولياءه‪ ،‬يخوفنا بهذه القوة‪ ،‬ونحن معنا قوة ل‬
‫ن]‬‫سُنو َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫وا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ق ْ‬‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫تهزم‪ ،‬معنا الله الذي قد قال‪}:‬إ ِ ّ‬
‫‪]{[128‬سورة النحل[ ‪.‬‬
‫فلنكن من الذين اتقوا والذين هم محسنون‪ ،‬فإن الله ل يخلف الميعاد‪ ،‬كتب‬
‫أحد الصحابة لقريش في وصف مجيء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم‪،‬‬
‫قال ‪':‬إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بجيش كالليل يمشي‬
‫كالسيل‪ ،‬فأحذركم إياه فو الله لو جاءكم وحده لهزمكم' ‪ .‬فالمراد أن وعد‬
‫الله ل يتخلف والصحابة أيقنوا بذلك‪ ،‬فجاءتهم البشائر‪ ،‬وحققوا النصر‪ ،‬وهذا‬
‫الفتح المبين‪ ،‬والنشر الكبير لدين السلم إنما كان لصدق إيمانهم‪ ،‬وعظيم‬
‫توكلهم واعتمادهم على ربهم ‪.‬‬
‫إننا بحاجة إلى نظرة متفائلة‪ ،‬نظرة تنظر إلى المستقبل بإشراق‪ ،‬ترقب وعد‬
‫الله‪ ،‬وتعمل على تحقيقه‪ ،‬إننا بحاجة إلى أن ننظر إلى المستقبل بنظرة‬
‫متفائلة‪ ،‬فالبشائر كثيرة التي تدل على أن المة قد أقبلت على خطوة يرتفع‬
‫بها دينها‪ ،‬ويعلو بها شأنها‪ ،‬إن الخصوم أعداء السلم لم يخرجوا من‬
‫الستعمار الذي غلب ديار السلم إل وقد أيقنوا أنهم خّلفوا في بلد السلم‬
‫ما يأمنون به على مصالحهم‪ ،‬ويقوم به شأنهم‪ ،‬ويقوم به ما يريدون تحقيقه‬
‫في بلد السلم‪ ،‬فلما رأوا أن المة قد عادت إلى ربها على وجه العموم‪،‬‬
‫فالخير انتشر في المة‪ ،‬والدعوة إلى الله سادت وانقلبت عليهم الموازين‪،‬‬
‫وأصبحوا يرون في الذين خّلفوهم بعدهم ل يحققون مقاصدهم ول مآربهم؛‬
‫عادوا بجيوشهم ليسيطروا على المة ويمنعوها من تحقيق العلو والنصر‬
‫غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ‬
‫ن]‪]{ [21‬سورة يوسف[ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫ه َ ٌ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫كل هذا السعي إنما هو لتمكين اليهود‪ ،‬وإفشال كل من يدعو إلى الله‬
‫ورسوله‪ ،‬ولو كان يدعو بالكلمة الحسنة‪ ،‬ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة‪،‬‬
‫إنهم ل يريدون أن تعلو كلمة الله في مكان من الرض كما جاء في دعاء عمر‬
‫رضي الله عنه على هؤلء لما كان يدعو عليهم يقول ‪':‬اللهم العن كفرة أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬الذين يصدون عن سبيلك‪ ،‬ويكذبون رسلك‪ ،‬ويقاتلون أولياءك' ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا الوصف منطبق على الصهاينة الصليبيين الذين يحتلون بلد العراق‪،‬‬
‫ويحتلون غيرها من بلد المسلمين‪ ،‬نسأل الله أن يكشف الكربة عن هذه‬
‫المة‪ ،‬وأن يعز السلم وأهله‪ ،‬وأن يذل الكفر وملله‪ ،‬وأن يخرج هؤلء‬
‫الكافرين من بلد السلم أذلة صاغرين؛ إنه ولي ذلك‪ ،‬والقادر عليه ‪.‬‬
‫إننا بحاجة إلى أن نرجع إلى كتاب الله عز وجل‪ :‬نقرأ فيه السنن‪ ،‬ونطالع فيه‬
‫ما ذكره سبحانه من سبل النجاة في الكربات والمدلهمات‪ ،‬نتأمل فيه من‬
‫الخير الذي يخرجنا من هذه الزمات والله سبحانه على كل شيء قدير‪ ،‬وقد‬
‫م عَد ًّا]‪]{[84‬سورة‬
‫ما ن َعُد ّ ل َهُ ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬ ‫قال في خصوم الدين‪َ}:‬فل ت َعْ َ‬
‫ج ْ‬
‫مريم[‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد جعل الله لكل شيء قدرا‪ ،‬والله ل تعجله الماني‪ ،‬ول تعجله دعوات‬
‫الناس‪ ،‬فالله جعل لكل شيء قدرا ً إذا جاء الكتاب وبلغ أجله؛ فإن الله منجز‬
‫وعده‪ ،‬ل إله إل هو وحده‪ ،‬نصر عبده‪ ،‬وهزم الحزاب وحده وأظهر دينه‪،‬‬
‫نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يقر أعين الجميع بنصر السلم‪ ،‬وأن يحقن‬
‫دماء إخواننا في العراق‪ ،‬وفي سائر بلد السلم‪ ،‬و صلى الله وسلم على نبينا‬
‫محم‬

‫)‪(4 /‬‬

‫السلميون ‪ ..‬كيف يقرؤون الحداث؟‬


‫ومون الواقع السياسي للمة( ‪ ...‬أحمد فهمي‬ ‫)بعض قادة الصحوة يق ّ‬
‫قامت مجلة البيان بإجراء استطلع لراء نخبة من قادة العمل السلمي‬
‫ورموزه حول الحداث الراهنة‪ ،‬وكيفية مواجهة المة للمشروع المريكي‬
‫الصهيوني في المنطقة‪ ،‬وقد شارك في هذا الستطلع تسعة وعشرون من‬
‫رموز الدعوة ينتمون إلى اثنتي عشرة دولة؛ منها عشر دول عربية‪..‬‬
‫منذ ما يقرب من أربعة عشر عامًا‪ ،‬وتحديدا ً منذ سقوط التحاد السوفييتي‪،‬‬
‫وانفراد الوليات المتحدة بالسعي إلى السيطرة العالمية؛ هناك ظاهرة‬
‫سياسية باتت تتكرر كل عدة أعوام‪ ،‬يمكن أن نسميها »ظاهرة الحدث‬
‫النقلبي«‪ ،‬ونعني بها الحدث الذي يتوفر فيه سمات أساسية‪:‬‬
‫ل‪ :‬يترتب عليه إعادة صياغة لمنظومة التوازن السياسي العالمي لحساب‬ ‫أو ً‬
‫القوة المريكية المتفردة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يحدث بعده مباشرة تسارع وتداع للحداث بصورة مختلفة تماما عما‬
‫ً‬
‫قبله‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المنحنى العام لهذه الحداث يتجه نحو تهميش العمل السياسي ـ‬
‫ومؤسساته ـ‪ ،‬وتعظيم العمل العسكري ـ ومؤسساته ـ‪ ،‬وبمعنى آخر طرح‬
‫مفهوم القوة كمحدد رئيس‪ ،‬ثم وحيد؛ لنماط العلقة بين مختلف الدول‬
‫والشعوب‪.‬‬
‫ً‬
‫ونستطيع القول إن هناك أحداثا أربعة بالتحديد يصلح أن تمّثل هذه الظاهرة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬سقوط التحاد السوفييتي ـ حرب الخليج الثانية ‪ -‬هجمات ‪ 11‬سبتمبر ـ‬
‫العدوان المريكي على العراق‪.‬‬
‫والملحظ أن أكثر الدول تأثرا ً ـ سلبا بالطبع ـ بهذه الحداث هي الدول‬
‫ً‬
‫السلمية‪ ،‬والذي يهمنا في هذا المجال ما يتعلق بموقف الصحوة السلمية‬
‫من الحدث »النقلبي« الخير‪ ،‬وهو العدوان على العراق‪ ،‬وذلك بناًء على أن‬
‫الصحوة السلمية هي ـ فيما نحسب ـ‪ :‬عقل المة الواعي‪ ،‬وقلبها النابض‪،‬‬
‫ويدها المجاهدة‪ ،‬ومن ثم فإن المسؤولية الملقاة على عاتق قادتها ورموزها‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وناشطيها؛ مسؤولية تنوء بحملها الجبال‪ ،‬وأول ما يجب عليها في هذه الزمة‬
‫أن تتوفر لديها القدرة على استيعاب الحدث بكل أبعاده وتداعياته‪ ،‬وقد كان‬
‫أحد أهداف هذا الستطلع أن نتأكد من تحقق ذلك لدى فصائل الصحوة‬
‫المؤثرة في العالم السلمي‪.‬‬
‫أما الهدف الخر للستطلع فهو أن يكون ممارسة لحد صور التفكير‬
‫الجماعي الذي أصبح حتميا ً مع التطورات الخيرة‪..‬‬
‫إن لزوم التفكير الجماعي في النوازل التي تعرض للمة السلمية ينبع من‬
‫تعقد الحداث‪ ،‬وتراكبها؛ بصورة تجعل من الصعوبة أن تستقل حركة إسلمية‬
‫واحدة مهما كانت قوتها وانتشارها بتكوين رؤية شاملة وشافية لمواجهتها‪،‬‬
‫ولن تتجمع ـ والله تعالى أعلى وأعلم ـ أجزاء الصورة المبعثرة إل بين أيدي‬
‫الحركة السلمية العالمية وعقولها‪.‬‬
‫وهذا الستطلع بين أيدينا ُيثبت هذه الحقيقة من وجهين متعارضين‪.‬‬
‫فمن ناحية‪ :‬يتضمن ما كتبه رموز العمل السلمي ما يصلح أن يكون‬
‫الخطوط العريضة لرؤية شاملة للحالة الراهنة‪ ،‬والتي يمكن تقسيمها إلى‬
‫هذه المحاور‪:‬‬
‫ل‪ :‬ملمح الزمة وعلمات الخطر‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬تحليل الزمة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬دور علماء المة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬دور الحركة السلمية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬دور المة السلمية‬
‫سادسًا‪ :‬استشراف المستقبل‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ :‬فإن هذه المحاور لم تتجمع كلها في كلم أي من هؤلء‬
‫الرموز‪ ،‬وإنما هي محصلة لما ذكره الجميع‪.‬‬
‫وهذه أسماء المشاركين في الستطلع وفق الترتيب البجدي‪:‬‬
‫)*( الشيخ أبو بكر أحمد‪ :‬المين العام لجمعية أهل السنة والجماعة بالهند‪،‬‬
‫سنية السلمية‪.‬‬ ‫وجامعة مركز الثقافة ال ّ‬
‫)*( د‪ .‬أحمد بن عبد الله الزهراني‪ :‬عميد كلية القرآن في الجامعة السلمية‬
‫بالمدينة المنورة سابقًا‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬أحمد الريسوني‪ :‬رئيس حركة التوحيد والصلح المغربية‪ ،‬أستاذ‬
‫بجامعة محمد الخامس ـ الرباط‪.‬‬
‫)*( الشيخ أحمد ياسين‪ :‬زعيم حركة حماس الفلسطينية ومؤسسها‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬إسماعيل محمد حنفي الحاج‪ :‬عميد كلية الشريعة ـ جامعة إفريقيا‬
‫العالمية ـ الخرطوم‪.‬‬
‫)*( الشيخ حامد البيتاوي‪ :‬رئيس رابطة علماء فلسطين‪ ،‬ورئيس المحكمة‬
‫الشرعية بالضفة الغربية‪.‬‬
‫)*( الشيخ حامد العلي‪ :‬من علماء الدعوة السلفية ـ الكويت‪.‬‬
‫)*( الشيخ قاضي حسين أحمد القاضي‪ :‬أمير الجماعة السلمية بباكستان‪.‬‬
‫)*( الستاذ راشد الغنوشي‪ :‬زعيم حزب النهضة التونسي‪.‬‬
‫)*( الشيخ رفاعي سرور‪ :‬داعية مصري‪.‬‬
‫)*( الشيخ سلمات هاشم‪ :‬رئيس جبهة مورو السلمية‪ ،‬وأمير بانجسا مورو‪،‬‬
‫الفلبين‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬السيد العربي‪ :‬داعية مصري‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬صلح الدين النكدلي‪ :‬رئيس تحرير مجلة الرائد ـ ألمانيا‪ ،‬ومدير المركز‬
‫السلمي بآخن‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)*( د‪ .‬عبد الحق النصاري‪ :‬أمير الجماعة السلمية بالهند‪.‬‬


‫)*( الشيخ العلمة عبد الرحمن البراك‪ :‬أحد علماء السعودية البارزين‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬عبد الستار قاسم‪ :‬أستاذ العلوم السلمية ـ جامعة النجاح الوطنية ‪-‬‬
‫الضفة الغربية‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬عبد العزيز الرنتيسي‪ :‬قيادي بارز في حركة حماس السلمية ‪-‬‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫)*( الشيخ عبد الله جاب الله‪ :‬رئيس حركة الصلح الوطني ـ الجزائر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)*( الشيخ عبد المجيد بن محمود الريمي‪ :‬من علماء الدعوة السلفية ـ‬
‫اليمن‪.‬‬
‫)*( الشيخ عبد المجيد الزنداني‪ :‬رئيس جامعة اليمان ـ اليمن‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬عبد المنعم أبو الفتوح‪ :‬عضو مكتب الرشاد بجماعة الخوان‬
‫المسلمين ـ مصر‪ ،‬وأمين عام مساعد اتحاد الطباء العرب‪.‬‬
‫)*( الستاذ عصام العطار‪ :‬داعية ومفكر إسلمي سوري معروف‪.‬‬
‫)*( الستاذ علي صدر الدين البيانوني‪ :‬المراقب العام للخوان المسلمين في‬
‫سوريا‪.‬‬
‫)*( الشيخ محمد حسان‪ :‬رئيس مجمع أهل السنة بالمنصورة؛ التابع لجماعة‬
‫أنصار السنة المحمدية‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫)*( الشيخ محمد حسين يعقوب‪ :‬داعية مصري معروف‪.‬‬
‫)*( الشيخ محمد سيد حاج‪ :‬داعية بجماعة أنصار السنة المحمدية ‪ -‬السودان‪.‬‬
‫)*( الستاذ محمد الهندي‪ :‬قيادي بارز في حركة الجهاد السلمي‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫)*( الستاذ محمد يتيم‪ :‬رئيس تحرير جريدة التجديد المغربية‪ ،‬نائب برلماني‪.‬‬
‫)*( د‪ .‬همام عبد الرحيم سعيد‪ :‬من رموز العمل السلمي في الردن‪.‬‬
‫وسوف نستعرض مادة الستطلع الثرية من خلل المحاور الخمسة المذكورة‬
‫آنفًا‪:‬‬
‫ل‪ :‬ملمح الزمة وعلمات الخطر‪:‬‬ ‫* أو ً‬
‫أفاض المشاركون في الستطلع في الحديث عن خطورة الوضاع الحالية‪،‬‬
‫ويصف الستاذ الغنوشي الحتلل الميركي للعراق بأنه »بل ريب من نوع‬
‫الحداث الدولية الكبرى التي تمثل عادة منعطفا ً كبيرا ً في التاريخ‪ ،‬وعامل ً‬
‫رئيسا ً في توجيه المستقبل لعشرات السنين‪ ،‬وبالخصوص في مسرح الحدث‬
‫وما يجاوره«‪ ،‬كما يؤكد الدكتور همام سعيد أن هذا العدوان يمثل »الحملة‬
‫الصليبية العاشرة‪ ،‬وهي أشد من أي حملة صليبية سابقة‪ ،‬فالهدف منها هو‬
‫القضاء على جذور السلم في المنطقة؛ في جميع مناحي الحياة‪ ،‬الثقافية‪،‬‬
‫والدينية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬والجتماعية‪ ،‬والقتصادية«‪.‬‬
‫ويتحدث الشيخ رفاعي سرور عن اللتباس الهائل في أحداث العراق‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫»وبدت في هذه الحداث الحيرة التي في الفتنة التي أشار إليها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم حين أشار إلى الشرق أو إلى العراق فقال‪» :‬أل إن‬
‫الفتنة ها هنا‪ ،‬من حيث يطلع قرن الشيطان«)‪ ،(1‬والذي جعل هذه الحيرة‬
‫كر النسان في الدخول فيها بدا له‬ ‫واضحة اختلط الرايات المرفوعة‪ ،‬فإذا ف ّ‬
‫تساؤل‪ :‬من سينصر؟ هل ينصر النظام البعثي الكافر‪ ،‬أم زعيمه الطاغوت؟‬
‫أم المنافقين؟‪ ..‬وذلك في غيبة القلة القليلة من المسلمين الموحدين الذين‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قتلهم صدام برصاص الشوارع‪ ..‬وإذا توقف النسان عن المشاركة؛ فهل‬


‫يترك أمريكا الصليبية تعيث فسادًا؟«‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالهدف أو الهداف الميركية‪ ،‬يقول الشيخ قاضي حسين‪ :‬إن‬
‫»هدف الحتلل هو إعادة خريطة المنطقة حسب مصالح أميركا‪ ،‬وإزالة كل‬
‫التحديات التي تهدد أمن إسرائيل‪ ،‬والسيطرة على منابع النفط‪ ،‬ومن ثم‬
‫السيطرة على مستقبل العالم كله‪ ،‬هذا ما بدا من أفواههم وما تخفي‬
‫صدورهم أكبر«‪ ،‬ويقول الشيخ الزنداني‪ :‬إن »ما حدث في العراق الخطوة‬
‫العملية في النظام العالمي الجديد في منطقة الشرق الوسط؛ إذ وضح‬
‫الهدف وهو البترول‪ ،‬والوجود العسكري ـ إعادة الستعمار مرة ثانية ـ‪ ،‬والغزو‬
‫الثقافي«‪ ،‬ويعّبر الشيخ الريمي عن الهداف الميركية في المنطقة بصياغة‬
‫أخرى‪ ،‬فيقول‪ :‬إن أميركا تريد »ضرب القوة العلمية واليمانية في المة؛ من‬
‫خلل متابعتها للسلميين وضربها لهم تحت شعار مكافحة الرهاب‪ ،‬و‬
‫»ضرب« القوة المادية؛ من خلل ضرب القوة العسكرية في البلدان العربية‬
‫كالعراق ومصر‪ ،‬وكذلك استنزاف ثروات المسلمين«‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالهداف التي تمكنت الدارة الميركية من تحقيقها بالفعل من‬
‫غزو العراق‪ ،‬يلخصها الستاذ الغنوشي بأنها‪:‬‬
‫»‪ -‬تدمير الجيش العراقي وأسلحته شر تدمير‪.‬‬
‫ـ وضع اليد على ثاني‪ ،‬وربما أول‪ ،‬مخزون نفطي عالمي‪.‬‬
‫ـ البدء بتشكيل حكم مستأنس ضعيف‪ ،‬ووضع هذا القطر بتركيبته المعقدة‬
‫على طريق التفتت‪.‬‬
‫ـ توجيه رسائل تهديد مباشرة وقوية إلى بقية النظمة العربية‪.‬‬
‫ـ توجيه رسائل إلى القوى الدولية‪.‬‬
‫ـ البدء بتنفيذ مشاريع بناء تمكينا ً لشركاتهم العملقة من الغرف واعتصار‬
‫العراق حتى الدم«‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويتفق كثير من المشاركين في الستطلع على أن الخطر الحقيقي ليس‬


‫فيما حدث‪ ،‬ولكن فيما ُينتظر أن يحدث في الفترة المقبلة‪ ،‬فيقول الشيخ عبد‬
‫الله جاب الله‪ :‬إن »سقوط بغداد فاجعة كبيرة تفوق في حجمها وتداعياتها‬
‫نكبة فلسطين عام ‪1948‬م؛ لن أميركا هي حاملة مشروع الحركة‬
‫الصهيونية«‪ ،‬ويضيف الستاذ عصام العطار‪» :‬إنني أعتقد أننا من غزو العراق‬
‫ن وجودنا كّله‪:‬‬
‫ي المباشر في أول البلء وليس في آخره‪ ،‬وأ ّ‬ ‫واستعماره الفعل ّ‬
‫دد أشد ّ تهديد«‪ ،‬ويضيف أيضًا‪» :‬الخطوة‬ ‫ة‪ ،‬وشعوبا ً وأم ً‬
‫ة؛ مه ّ‬ ‫ة وحضار ً‬‫ثقاف ً‬
‫التالية بعد العراق في تفكيرهم وتخطيطهم قد تكون سورية أو إيران‪ ،‬ثم‬
‫تتبعها بشكل من الشكال‪ ،‬ووقت من الوقات‪ :‬السعودية‪ ،‬ومصر‪ ،‬ودول‬
‫عربية أخرى«‪ ،‬ويؤكد الشيخ حامد العلي على المعنى نفسه بالقول إن المة‬
‫»بدأت بالفعل تعيش مرحلة احتلل غربي صليبي العنصر‪ ،‬صهيوني الروح‪،‬‬
‫وستعصف بالمنطقة كلها‪ ،‬وخاصة على الدول التي يرى التحالف الصهيو‬
‫أميركي أنه من الضروري إعادة ترتيبها لتلئم الحقبة الدولية الجديدة«‪،‬‬
‫ويشير الستاذ البيانوني إلى أن »الهداف الحقيقية لهذه الحرب كانت تشير‬
‫بوضوح إلى أن العدوان لن يتوقف عند حدود العراق‪ ،‬كما أنه لم يتوقف من‬
‫قبل عند حدود أفغانستان«‪ ،‬ويقول الستاذ محمد يتيم‪ :‬إنهم »لن يقفوا عند‬
‫العراق‪ ،‬وسيعلنونها حربا ً ل هوادة فيها ضد السلم والمسلمين‪ ،‬حربا ً مباشرة‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وغير مباشرة‪ ،‬لذلك نصبوا عليها )العراق( حاكما ً أمريكيا ً ذا أصول صهيونية‪،‬‬
‫صرين إلى جنوب البلد«‪.‬‬ ‫وبدؤوا بتغيير مناهج التعليم‪ ،‬وجاؤوا بجحافل المن ّ‬
‫* ثانيًا‪ :‬تحليل الزمة‪:‬‬
‫تناول المشاركون أزمة العراق الخيرة تناول ً سببيا ً من مختلف البعاد‪،‬‬
‫وبصورة شاملة تعطي رؤية أكثر من واضحة‪.‬‬
‫فمن الناحية العقدية الشرعية‪ :‬يقول الشيخ عبد الرحمن البراك‪» :‬بالصبر‬
‫والتقوى يحفظ الله عباده المؤمنين من كيد الكافرين والمنافقين‪ ،‬قال ـ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫شي ًْئا إ ّ‬‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬
‫ضّرك ُ ْ‬‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬‫تعالى ـ‪َ} :‬وإن ت َ ْ‬
‫ط{ ]آل عمران‪ ،[120 :‬ويقول أيضا‪» :‬ل يكون التسليط على المسلمين‬ ‫ً‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫ُ‬
‫إل بسبب من قَِبل أنفسهم‪ ،‬وهو تضييعهم لمر الله وإقبالهم على الدنيا‬
‫وتعطيلهم الجهاد‪ ،‬حتى ل تكون لهم هيبة‪ ،‬لهذا مع كثرة المسلمين لم تستطع‬
‫حكوماتهم أن يردوا غزو أمريكا وحلفائها لبلدهم بدًءا بالعراق بعد غزو‬
‫دم بعض المساعدة لولئك الغزاة«‪ ،‬ويرى‬ ‫الفغان‪ ،‬بل قد يكون منهم من ق ّ‬
‫الشيخ محمد يعقوب أن تفسير ما حدث »ل يعدو إحدى ثلث ـ والله أعلم ـ؛‬
‫إما هو من قبيل العقوبة والجزاء‪ ،‬أو هو من قبيل المحنة والبتلء‪ ،‬أو هما معا‪ً،‬‬
‫وأظن أن المر كذلك«‪ ،‬ثم يلفت إلى أمر مهم يتعلق بالولء والبراء‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫»كانت المشكلة الكبر ولء ـ بعض ـ المسلمين في الواقعة الخيرة‬
‫وتعاطفهم وحماسهم لشخص هو أبعد ما يكون عن السلم ونصرة الدين‪،‬‬
‫فلم يأت الخذلن إل من جهته‪ ،‬وكان الضياع منه وبسببه«‪ ،‬ويؤيده في جزء‬
‫من كلمه الشيخ محمد حسان الذي يقول‪» :‬نحن مسؤولون ابتداًء وانتهاًء‬
‫عن هزائمنا‪ ،‬ونرفض بشدة كل محاولة تسويغية تجعل من أعدائنا مشجبا ً‬
‫نعّلق عليه كل أخطائنا‪ ،‬قال ـ تعالى ـ‪} :‬ل َيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِ َ‬
‫ب‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫ي أهْ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ ْ َ‬
‫صيًرا{ ]النساء‪:‬‬ ‫ن الل ّهِ وَل ِّيا َول ن َ ِ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬
‫جَز ب ِهِ َول ي َ ِ‬ ‫سوًءا ي ُ ْ‬
‫ل ُ‬‫م ْ‬‫من ي َعْ َ‬ ‫َ‬
‫‪.«[123‬‬
‫ويشير الشيخ أحمد ياسين إلى لفتة عقدية طيبة يفسر بها ما حدث فيقول‪:‬‬
‫»لعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أراد أن تنطلق الشعوب العربية والسلمية في‬
‫جهادها معتمدة على الله عاقدة رايتها عليه بعد أن سقطت الصنام‬
‫البشرية«‪ ،‬ويضيف‪» :‬أردنا أمرا ً وأراد الله أمرا ً آخر‪ ،‬خرجنا بالمسيرات لدعم‬
‫العراق؛ من أجل هزيمة الشيطان الكبر‪ ،‬وأراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن‬
‫يجتث جذور الفساد والكفر من العراق وغير العراق؛ لتصبح التربة صالحة‬
‫لغرس السلم«‪.‬‬
‫وأيضا ً يشير الشيخ رفاعي سرور إلى الثر العقدي في هذا الحدث من وجهة‬
‫أخرى‪ ،‬فيقول‪» :‬من طبيعة الحداث الخطرة أنها ساهمت بصورة كبيرة جدا ً‬
‫في تأكيد أثر العقيدة‪ ،‬فبمقارنة سريعة بين المجاهدين في أفغانستان وبين‬
‫دام تتأكد حقيقة العقيدة‪ ،‬وبمقارنة سريعة بين المجاهدين الذين دخلوا‬ ‫ص ّ‬
‫العراق ليدفعوا عنه أهل الصليب وبين كثير من العراقيين الذين انشغلوا‬
‫بالسرقة والنهب ـ يتأكد أيضا ً أثر العقيدة‪ ،‬وظهور هذا التأثير هو من طبيعة‬
‫علمات الساعة؛ لن غاية هذه العلمات هو تحقيق إيمان الناس«‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومن الناحية التاريخية‪ :‬يقول الشيخ السيد العربي‪» :‬ابن العلقمي الشيعي‬
‫وزير المستنصر يبيعه لجنكيز خان بثمن بخس‪ ،‬ويسلم بغداد وما وراءها‬
‫للمغول‪ ،‬بالمس المغول‪ ،‬واليوم الصليبيون‪ ،‬والروافض هم هم؛ ل يقل‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جرمهم عن جرم البعثيين‪ ،‬لقد سقطت بغداد في ساعات بخيانة من‬


‫الروافض حين خرقوا جدارها المخّرق أصل ً من قَِبل البعث«‪ ،‬ويوافقه الشيخ‬
‫محمد حسان على ذلك‪ ،‬فيقول‪» :‬ما حدث وقع وفق سنن ربانية ل تتبدل ول‬
‫ل{‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬
‫دي ً‬ ‫ل وََلن ت َ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫تتغير‪ُ } :‬‬
‫]الحزاب‪ ،[62 :‬وما زال أبناء العلقمي يحيون بيننا«‪.‬‬
‫أما البعد الواقعي السياسي‪ :‬فقد توجه كثير من المشاركين بالنقد لمواقف‬
‫الدول العربية‪ ،‬فيقول الشيخ جاب الله‪» :‬كان الواجب عليهم رفض العدوان‬
‫ومنعه بكل الوسائل والطرق‪ ،‬ولكنهم لم يفعلوا وسكتوا‪ ،‬أو ساعدوا بالقليل‬
‫أو الكثير ـ يعني للتحالف الميركي ـ حتى وقعت الجريمة‪ ،‬فسقطت بغداد‬
‫ليتمهد الطريق أمام أميركا‪ ،‬ومن ورائها إسرائيل«‪ ،‬ويقول الشيخ عبد الحق‬
‫النصاري‪» :‬أوضاع البلد العربية تتيح للقوى الخارجية النتهازية فرصة التعدي‬
‫والظلم‪ ،‬وإن الدول المسلمة ل ترجع إلى الحق بكل جدية‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫الختلف فيما بينهم من أجل السياسات الخاطئة«‪ ،‬وينعى الستاذ العطار‬
‫على هذه الدول »استسلمها المخزي للواقع المخزي‪ ،‬وافتقارها إلى إرادة‬
‫التغيير والنهوض والصلح‪ ،‬وانفصالها الصارخ عن الشعوب«‪ ،‬ويضيف‪» :‬لو‬
‫كان بين بلدنا العربية وحدة وتعاون لمكنها أن يكون لها من القوة والمنعة ما‬
‫يجعلها في مصاف الدول العظمى«‪.‬‬
‫أما الشيخ عبد المجيد الريمي؛ فيوسع إطار النقد قليل ً لُيدخل فيه القوميين‬
‫والسلميين‪ ،‬فيقول‪» :‬المواقف التي قادنا إليها القوميون مواقف كلها تجر‬
‫إلى الهزيمة«‪ ،‬ويضيف‪» :‬ل تزال المعالجات عند القوميين أو بعض الدعاة أو‬
‫بعض الناس تعالج الخطأ بخطأ أكبر‪ .‬ل بد من مراعاة الحكمة والمصالح‪ ،‬وآن‬
‫الوان لضرورة أن ُيرجع إلى الشرع في كيفية حل هذه المشكلت؛ ل بالهوى‬
‫والعصبية والراء الشخصية«‪.‬‬
‫وقد تناول بعض المشاركين )البعد الميداني( في العدوان الميركي على‬
‫العراق‪ ،‬فيقول الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح‪» :‬عجيب أن تصمد أم القصر‬
‫ذات الربعين ألف نسمة ثلثة أيام‪ ،‬وتسقط بغداد في ساعات‪ ،‬ثمة خيانة أو‬
‫خيانات وقعت‪ ،‬وسط صمت عربي وإسلمي رهيب‪ .‬ل شك أن النظام‬
‫العراقي أحد المسؤولين عما جرى ويجري حين خسر شعبه باستبداده«‪،‬‬
‫وحول المعنى نفسه يقول الستاذ محمد الهندي‪» :‬كان بإمكان المقاومين أن‬
‫ل‪ ،‬ولكن أنا أرجح أن يكون هناك اتفاق مع قادة‬ ‫يصمدوا في بغداد طوي ً‬
‫الحرس الجمهوري الذي عمل على الستسلم«‪ ،‬لكن يرى الدكتور الرنتيسي‬
‫أن »النهيار السريع كان مفاجئًا‪ ،‬وأما النتصار المريكي فلم يكن مفاجئا ً‬
‫والسبب في ذلك أن هناك فرقا ً هائل ً في ميزان القوى بين ما يملكه‬
‫المريكان وما يملكه العراق«‪ ،‬أما الدكتور عبد الستار قاسم فيقول‪ :‬إن‬
‫»النهيار كان متوقعًا؛ لن الجيش العراقي وجد نفسه ل يحارب من أجل‬
‫قضية بل من أجل شخص‪ ،‬خاصة أن كثيرين في العراق لديهم خصومات مع‬
‫النظام«‪.‬‬
‫* ثالثًا‪ :‬دور علماء المة‪:‬‬
‫الواجب على علماء المة وطلبة العلم أكثر من غيرهم‪ ،‬كما يقول الشيخ عبد‬
‫الرحمن البراك‪ ،‬ويضيف أن‪» :‬الواجب عليهم أول ً توثيق الروابط فيما بينهم‬
‫ليتم التعاون والتشاور فيما يجب اتخاذه في مثل هذه النازلة العظيمة‪ ،‬ومن‬
‫الواجب عليهم تبصير الناس بحكم الله في أقداره وبما يجب عليهم من‬
‫محاسبة أنفسهم والعودة إلى الله بالتوبة«‪ ،‬ويزيد الدكتور أحمد الزهراني‬
‫دور العلماء وضوحا ً بقوله‪» :‬إن من الواجب المتحتم عليهم عدة أمور‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬السعي إلى توحيد صفوف المة وجمع الكلمة ضد العدو الداخلي‬


‫والخارجي‪.‬‬
‫‪ -‬التحلي بالشجاعة والقدام في مواجهة المور دون تردد أو خوف‪.‬‬
‫‪ -‬تثبيت المة ودعوتهم إلى الوقوف ضد الباطل وأهله‪.‬‬
‫‪ -‬الصدع بكلمة الحق في وجه كل ظالم وباغ؛ سواء كان حاكما ً أو محكوما ً‬
‫حتى يرتدع‪.‬‬
‫‪ -‬كشف حال أهل الباطل‪.‬‬
‫‪ -‬نصرة المسلمين بكل ما يستطيعون‪.‬‬
‫‪ -‬رفع راية الجهاد ودعوة الناس إليه والمشاركة الحسية والمعنوية في ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬كشف مخططات العداء وتحذير المة من الرتماء في أحضانهم‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكونوا مرجعا ً للمة في الزمات‪.‬‬
‫‪ ü‬رابعَا‪ :‬دور الحركات السلمية‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يعّبر الشيخ جاب الله عن أهمية الدور الملقى على عاتق الصحوة السلمية‬
‫بقوله‪» :‬ل أمل للمة في التصدي لتلك المشاريع والهداف إل في الحركة‬
‫وغ ذلك بقوله‪» :‬فَُهم خير من يعرف طبيعة المؤامرة‪،‬‬ ‫السلمية«‪ ،‬وُيس ّ‬
‫وحقيقة العدوان‪ ،‬وخير من يدرك طبيعة الواجب الشرعي والتاريخي‬
‫والنساني الملقى على عاتق أمة السلم‪ ،‬وهم أبرز من يدافع عن دين المة‬
‫ووحدتها ولغتها واستقللها‪ ،‬ويحمي حقوقها وثرواتها«‪ ،‬ويقول الستاذ صلح‬
‫الدين النكدلي‪ :‬إن الحداث الخيرة تلقي »على الربانيين من المسلمين‬
‫مسؤولية كبيرة في تحرير القلوب والعقول والنفوس من الشبهات‬
‫والشهوات التي تهز اليوم معاقد اليمان‪ ،‬وأن يوقنوا بقول الله ـ تعالى ـ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ كرِهَ‬
‫َ‬ ‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِره ُ عََلى ال ّ‬
‫دي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ِبال ْهُ َ‬
‫دى وَِدي ِ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ل َر ُ‬‫س َ‬
‫ذي أْر َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن{ ]التوبة‪.«[33 :‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ويحدد بعض الدعاة والعلماء الدور المطلوب من الصحوة السلمية في نقاط‬
‫محددة‪ ،‬فيقول الشيخ قاضي حسين‪ :‬إن عليها‪:‬‬
‫»ـ مقاومة ما يأتي من قَِبل قوى الشر من الهجمات الفكرية والثقافية‬
‫والقتصادية التي تستهدف إبعاد المسلمين عن ربهم‪ ،‬وجّرهم نحو الفساد‬
‫الشامل‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز على الشباب‪ ،‬والطلبة‪ ،‬والنساء‪ ،‬وأصحاب القرار؛ لقناعهم بضرورة‬
‫أداء الواجب في هذ الفترة الحساسة‪ ،‬ثم بوضع برامج تناسب قدراتهم‬
‫وكفاءاتهم‪.‬‬
‫ـ محاولة تبصير كل المسلمين بما يحاك ضدهم وضد دولهم وأجيالهم‬
‫ومستقبلهم‪ ،‬وحثهم على المشاركة في فعاليات المقاومة«‪.‬‬
‫ويدعو الشيخ محمد سيد حاج إلى أنه ينبغي »تأكيد أن السلم ل ُيهزم‪،‬‬
‫ومبادئه الحية ل تموت‪ ،‬وأن ما بيننا وما بين أميركا هدم المباني وبقاء‬
‫المعاني«‪ ،‬وينادي الشيخ جاب الله الحركة السلمية أن »عليها أن تخرج‬
‫بنضالها من ميدان القول والرتجال إلى ميدان التخطيط والعمل‪ ،‬ومن‬
‫منطلق النخبة على ساحة المة‪ ،‬ومن سياسة التنافي والتصادم إلى سياسة‬
‫التعايش والتعاون‪ ،‬ومن عقلية المصالح المائعة إلى منطق المصالح‬
‫المنضبطة بالحق«‪ ،‬أما الشيخ الريمي فينبه السلميين إلى أنه »من العجب‬
‫أن يدعو بعض الناس إلى مقاطعة السلع ـ وهذا أمر طيب ـ‪ ،‬ويدعون في‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوقت نفسه إلى الحلول المستوردة في السياسة والقتصاد؛ بمعنى أنهم‬


‫يدعون إلى الفكرة الديمقراطية والحرية«‪ ،‬ويقول‪» :‬فنحن نهيب بأهل‬
‫السلم والدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ أن يبينوا خطورة ما في هذه الفكار‬
‫الغربية المستوردة من مخاطر على وحدتنا‪ ،‬وعلى إيماننا‪ ،‬وعلى عقيدتنا«‪،‬‬
‫ويقدم الشيخ حامد العلي اقتراحا ً أخيرا ً بأن »ُيعقد مؤتمر عام لعلماء المة‬
‫لعلن النفير العام‪ ،‬وأن على المة تجنيد كل طاقاتها وتركيزها لصد هذه‬
‫الموجة الصليبية«‪.‬‬
‫* خامسًا‪ :‬دور المة السلمية ‪:‬‬
‫توزع الخطاب الموجه إلى المة من المشاركين في الستطلع إلى نوعين‪:‬‬
‫الول موجه إلى الشعوب السلمية‪ ،‬والثاني موجه إلى حكومات الدول‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ل‪ :‬توجه قادة العمل السلمي إلى أبناء المة السلمية يدعونهم إلى‬ ‫فأو ً‬
‫إعلن التوبة والتخلص من الذنوب التي تكبل المة‪ ،‬فيقول الشيخ أبو بكر بن‬
‫أحمد‪» :‬يمكن للمة السلمية أن تواجه المشروع الميركي الصهيوني في‬
‫المنطقة وتستعيد شرفها المفقود بعودتها إلى الله‪ ،‬والتي تتمثل في اتباع‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬والسير على نهج النبياء‪ ،‬والمقاطعة التامة مع العداء‪ ،‬قال ـ‬
‫دى‬ ‫ن هُ َ‬‫لإ ّ‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬
‫م قُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬
‫صاَرى َ‬ ‫عن َ‬ ‫تعالى ـ‪} :‬وََلن ت َْر َ‬
‫ضى َ‬
‫دى{ ]البقرة‪.[120 :‬‬ ‫الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬
‫ل‪» :‬إما أن نستيقظ فورا ً فنرجع إلى ربنا‪،‬‬ ‫ويحذر الستاذ عصام العطار قائ ً‬
‫ونبدل ما بأنفسنا‪ ،‬ونأخذ بأسباب النجاة والصلح الشامل‪ ،‬وإما أن نضيع‬
‫ونزول ونبوء بخزي الدنيا والخرة«‪ ،‬ويقول الشيخ عبد الرحمن البراك‪» :‬في‬
‫هذه النازلة درس للمسلمين ليراجعوا أنفسهم‪ ،‬ويأخذوا بأسباب النصر على‬
‫عدّوهم؛ وذلك بإقامة دين الله وتحكيم شرعه‪ ،‬وإحياء شريعة الجهاد«‪،‬‬
‫ويطالب الدكتور همام سعيد بأن يشمل الصلح المطلوب كل مسلم‪،‬‬
‫فيقول‪» :‬ما يجري هو مؤامرة كبيرة ستصيب كل فرد وجماعة‪ ،‬ويجب أن‬
‫يكون الرد على مستوى هذا الشمول«‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ويطرح الشيخ قاضي حسين الوحدة بوصفها دورا ً أساسيا ً مطلوبا ً من المة‪،‬‬
‫فيطالبها بـ »وحدة الصف الداخلي والمصالحة الشاملة بين ألوان الطيف‬
‫الشعبية كلها من ناحية‪ ،‬وبين الشعوب وحكوماتها من الناحية الثانية‪ ،‬وبين‬
‫الحكومات السلمية من الناحية الثالثة«‪ ،‬ويقول الستاذ علي البيانوني أنه‬
‫ينبغي أن »تتوقف كل أشكال الصراعات البينية‪ ،‬وُتستنفر جميع القوى‬
‫لمواجهة العدوان؛ قبل أن يأتي يوم نلوم فيه أنفسنا ولت ساعة مندم«‪،‬‬
‫ويؤكد الشيخ عبد الحق النصاري أهمية »الرجوع إلى الحق‪ ،‬والهدوء‬
‫والسكون إليه‪ ،‬واتخاذ خطوات جادة لتنمية أواصر الوحدة والوئام الكاملين‬
‫بين الفئة الحاكمة والجماهير«‪ ،‬أما الشيخ إسماعيل حنفي الحاج فيحذر المة‬
‫من الستسلم للحزن الذي يوّلد القعود‪ ،‬ويقول‪» :‬يجب أن يكون الحزن‬
‫إيجابيا ً ل سلبيًا؛ أي يدفعنا إلى العطاء والبذل ل إلى النكماش واليأس‪} ..‬فَ َ‬
‫ما‬
‫َ‬
‫كاُنوا{ ]آل عمران‪:‬‬‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬
‫فوا وَ َ‬
‫ضعُ ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫م ِفي َ‬
‫صاب َهُ ْ‬
‫ما أ َ‬
‫وَهَُنوا ل ِ َ‬
‫‪ .[146‬يجب أل يزيد الحزن عن حده فينقلب إلى ضده‪ ،‬يتحول بصاحبه إلى‬
‫القسوة والتبلد فل يتجاوب مع الحداث التية«‪.‬‬
‫وأكد بعض المشاركين أنه ل سبيل للمة إل الجهاد‪ ،‬فيقول الدكتور همام‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سعيد‪» :‬الحل الوحيد للوقوف في وجه هذه الحملة والمحافظة على‬


‫المكتسبات الحالية هو الجهاد«‪ ،‬ويؤيده الشيخ حامد العلي بالقول‪:‬‬
‫»المطلوب من المة اليوم أن تنهض مجاهدة لصد موجة الحتلل هذه‬
‫وتحطيمها‪ ،‬كما حطمت سابقتها‪ ،‬وأن تستعد لتقديم كل ما يتطلبه ذلك من‬
‫تضحيات«‪ ،‬وينسج الشيخ سلمات هاشم على المنوال نفسه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫»تشير النصوص إلى أن الجهاد لعلء كلمة الله هو السبيل لرد مكايد الكفار‬
‫ول د َفْعُ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ومنهم النصارى‪ ،‬وتاريخ السلم يؤكد ذلك‪ ،‬قال ـ تعالى ـ‪} :‬وَل َ ْ‬
‫ل عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ض وَل َك ِ ّ‬
‫ت الْر ُ‬
‫سد َ ِ‬ ‫ض لّ َ‬
‫ف َ‬ ‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬
‫س ب َعْ َ‬
‫الّنا َ‬
‫]البقرة‪.«[251 :‬‬
‫وثانيًا‪ :‬توجه كثير من المشاركين بخطابهم إلى حكومات الدول السلمية‪،‬‬
‫وكان العامل المشترك في كلمهم الدعوة إلى تحكيم شرع الله‪ ،‬وتوحيد‬
‫الصف‪ ،‬وإتاحة الفرصة للشعوب كي تعبر عن نفسها‪ ،‬ويقول الدكتور أحمد‬
‫الريسوني‪» :‬إن المسؤولين في الدول العربية والدول السلمية المجاورة‬
‫لها؛ إن استطاعوا أن يغيروا سلوكهم مع شعوبهم من جهة بالتجاوب معها‪،‬‬
‫ومع أميركا بتصعيد المناهضة والرفض؛ فإنهم يستطيعون تحاشي الشتعال‬
‫الواسع في دول المنطقة«‪ ،‬ودعا الستاذ علي البيانوني إلى »تحصين الجبهة‬
‫الداخلية‪ ،‬بالمبادرة إلى مصالحة وطنية شاملة«‪ ،‬ودعا الدكتور همام سعيد‬
‫إلى »إيجاد موقف عربي موحد رافض ومقاوم لهذه الحملة‪ ،‬وإلى اتخاذ‬
‫ون‬ ‫موقف مستقل عن القرار الميركي‪ ،‬مع الخذ في الحسبان استبعاد تك ّ‬
‫وحدة بين الدول العربية«‪ ،‬أما الستاذ عصام العطار؛ فقد دعا الحكومات‬
‫السلمية إلى أخذ العبرة من الحدث العراقي‪ ،‬فقال‪» :‬الذين كانوا يهتفون‬
‫دام‪ .‬لم‬ ‫أمس خوفا ً أو طمعا ً أو نفاقًا‪ ،‬ليل نهار‪ :‬بالروح بالدم نفديك يا ص ّ‬
‫يفتدوه اليوم بروح أو دم‪ ،‬بل افتدوا أنفسهم بهجره‪ ،‬وربما افتدى بعضهم‬
‫نفسه بسّبه وشتمه وحربه‪ .‬ل بد أن يقوم في أقطارنا السلمية حكم شوري‬
‫يرضي الله عز وجل«‪.‬‬
‫* سادسًا‪ :‬استشراف المستقبل‪:‬‬
‫أبدى المشاركون في الستطلع اهتماما ً كبيرا ً بالمستقبل الغامض الذي‬
‫ينتظر العالم السلمي بكل مفرداته‪ ،‬وتراوح الحديث عن المستقبل بين منّبه‬
‫ل للخيارات المحتملة‪.‬‬ ‫إلى أخطار‪ ،‬ومثّبت للركان‪ ،‬وداٍع إلى التفاؤل‪ ،‬ومحل ّ‬
‫يقول الشيخ حامد البيتاوي محذرًا‪» :‬هزيمة العراق ستنعكس سلبا ً على‬
‫العالم العربي والسلمي‪ ،‬ومعروف أن الوليات المتحدة أعلنت أنها تريد‬
‫تغيير خريطة المنطقة؛ يعني لن يتوقف العدوان«‪ ،‬ويقول الستاذ محمد يتيم‪:‬‬
‫»نحن الن على مشارف مرحلة جديدة يواجه فيها السلم والمسلمون تحديا ً‬
‫أخطر من تحدي الستعمار في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين«‪،‬‬
‫ويفسر بعض هذه الخطار بقوله‪» :‬ستبرز شخصيات وزعامات مصنوعة‬
‫تتحدث عن حقوق النسان‪ ،‬وعن حقوق المرأة‪ ،‬وعن الحريات الدينية في‬
‫دول الخليج‪ ،‬وها هم قد بدؤوا يتحدثون عن أسلحة الدمار الشامل المهربة‬
‫إلى سوريا«‪ ،‬ول يبعد الشيخ قاضي حسين كثيرا ً عن هذا التحليل‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪» :‬إن هذه المرحلة المصيرية قد تؤدي إلى حقبة جديدة من التشرذم‬
‫والتقسيم والحتلل والهلك‪ ،‬لكن في الوقت نفسه هي مرحلة مرشحة لن‬
‫تؤدي إلى كسر الغلل‪ ،‬ومقاومة النحلل‪ ،‬ودحر الحتلل«‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويلتقط الستاذ العطار هذا المل الخير فيقول‪» :‬إن فرصتنا للنجاة وأداء‬
‫رسالتنا الربانية العظيمة لم تضع بعد‪ ،‬فالعالم بأكثرية شعوبه وأنظمته يرفض‬
‫أن يتحول إلى إمبراطورية أميركية‪ ،‬ويتمسك بالتعددية‪ ،‬وسنجد في جهادنا‬
‫سندا ً من كثير من أحرار العالم‪ ،‬وإن كان اعتمادنا أول ً وآخرا ً على الله عز‬
‫وجل‪ ،‬ثم على أنفسنا وما نملكه من طاقات‪ ،‬وما نقدمه من تضحيات‪َ} ،‬ول‬
‫َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪ ،«[139 :‬ويقول‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫كنُتم ّ‬ ‫ن إن ُ‬ ‫م ال َعْل َوْ َ‬‫حَزُنوا وَأنت ُ ُ‬
‫ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫الشيخ الريمي‪» :‬هناك بداية تململ‪ ،‬وإن كانت تحتاج إلى ترشيد‪ ،‬وإلى‬
‫أسباب إيمانية‪ ،‬وأسباب مادية«‪.‬‬
‫ومن اللفتات الطيبة ما أشار إليه الستاذ الغنوشي بقوله‪» :‬ها هم الميركيون‬
‫قد جاؤوا يسوقهم القدر اللهي لنجاز ما عجزت عنه أجيال من المناضلين؛‬
‫أي وضع المنطقة على طريق التغيير في التجاه الذي تريده شعوبنا وليس‬
‫ن{ ]آل عمران‪ .[54 :‬إن‬ ‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مك ََر الل ّ ُ‬ ‫مك َُروا وَ َ‬ ‫فيما أرادوا‪} ،‬وَ َ‬
‫ً‬
‫نجاحهم في تحقيق أهدافهم سيكون مستحيل بفضل الله ثم ببركات‬
‫الصحوة«‪ ،‬ويضيف‪» :‬المرجح مع تضخم الغطرسة الميركية الصهيونية‬
‫وإصرارها على الحتلل وتوسيعه إلى بلد عربية وإسلمية أخرى؛ أن تتحول‬
‫المنطقة كلها من طنجة إلى جاكرتا نارا ً ملتهبة بالثورة«‪ ،‬ويؤيد الدكتور‬
‫الريسوني هذا الكلم‪» :‬أميركا أحدثت حالة احتقان لم يسبق لها مثيل في‬
‫العالم العربي والسلمي‪ ،‬وهذا الحتقان سيعّبر عن نفسه‪ ،‬وسيجد طريقه‬
‫إلى النفجار والشتعال ولو بعد حين‪ ،‬ول أستطيع التكهن بمسار هذا‬
‫النفجار«‪.‬‬
‫وعلى الصعيد السياسي؛ فقد قدم بعض المشاركين توقعات عما يمكن أن‬
‫يطرأ على الساحة من تغيرات‪ ،‬فقال الدكتور صلح الدين النكدلي‪» :‬والذي‬
‫يلوح لي أن ـ بعض الحكومات العربية ـ ستعمل على توفير أدلة تقنع أمريكا‬
‫بصيانة مصالحها‪ ،‬وبمصادرة دين المة وثقافتها المناوئة‪ ،‬وستعمد هذه‬
‫الحكومات إلى المناورة في ميدان التغييرات السياسية‪ ،‬وربما رفض بعضها‬
‫النصياع التام للجراءات المريكية‪ ،‬وهنا قد تنشأ أزمة أو أزمات«‪ ،‬ويتحدث‬
‫الدكتور همام سعيد عن »إمكانية ظهور كيانات جديدة أو دول جديدة‪ ،‬وهذه‬
‫الكيانات من الممكن أن تشكل خطورة كبيرة‪ ،‬ومن الممكن أن ُيعاد تقسيم‬
‫بعض دول المنطقة لكيانات أصغر‪ ،‬أو إعادة توزيع لبعض النظمة على‬
‫حساب بعضها الخر«‪ ،‬وبالنسبة إلى العراق يتحدث عن »إمكانية إيجاد‬
‫كيانات ثلثة‪ :‬شيعية في الجنوب‪ ،‬وسّنية في الوسط‪ ،‬وكردية في الشمال‪،‬‬
‫ومن الممكن إعطاء حكم ذاتي تحت السيطرة الميركية«‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ يقول الدكتور همام أنه من المحتمل‬
‫»تطبيق سياسة الترانسفير على الفلسطينيين‪ ،‬ولكن بطريقة طوعية وكثيفة؛‬
‫عن طريق تقديم إغراءات مادية‪ ،‬وبالنسبة إلى المسجد القصى فمن‬
‫المحتمل تطبيق السياسة نفسها التي اتبعها اليهود في تقسيم المسجد‬
‫البراهيمي«‪.‬‬
‫أما قادة العمل السلمي في فلسطين المحتلة؛ فلهم رؤيتهم المتعلقة بتأثير‬
‫الحداث في المقاومة‪ ،‬يقول الشيخ أحمد ياسين‪» :‬سيكون تأثير ما حدث في‬
‫العراق سلبا ً على النظمة العربية؛ مما سيؤثر على المقاومة في فلسطين‬
‫خاصة‪ ،‬حيث سنواجه تيارا ً فلسطينيا ً عربيا ً يسوق الهزيمة ويرفع الرايات‬
‫البيضاء‪ ،‬وللحق أقول‪ :‬إن المقاومة عاقدة العزم بعون الله ـ تعالى ـ أن‬
‫تستمر في جهادها لتشكل رافعة للمة«‪ ،‬ويقول الدكتور الرنتيسي‪:‬‬
‫»أطمئنكم أن المقاومة ستستمر‪ ،‬ول علقة لنا بما يحدث في العراق‪ ،‬ونحن‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هنا ـ والحمد لله ـ نقاوم منذ عقود من الزمن ولم نتوقف؛ لذلك عجبنا‬
‫للسرعة التي توقفت فيها المقاومة في العراق«‪ ،‬ويؤيد الستاذ محمد الهندي‬
‫ذلك بقوله‪» :‬المقاومة الفلسطينية لم ترتبط ببغداد لذلك ستستمر‪ .‬نحن‬
‫بوصفنا مقاومة إسلمية ل نراهن اليوم على النظمة العربية‪ ،‬وأنا أقول مثل ً‬
‫عندما اجتاحت إسرائيل الضفة الغربية كان هناك آلف القوات الرسمية‬
‫الفلسطينية خلل ساعات اختفت المقاومة منها‪ ،‬نحن نراهن على مقاومة‬
‫شعبية«‪.‬‬
‫ونختم هذا التقرير بما قاله الشيخ محمد حسان في سياق بث المل‪ ،‬حيث‬
‫تحدث عن أميركا وأنها »استكملت كل حلقات الظلم والفساد‪ ،‬وراحت تردد‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ َ‬
‫ن‬ ‫ة{‪ ،‬والجواب‪} :‬أوَ ل َ ْ‬
‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫مّنا قُوّ ً‬
‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬
‫باستعلء كلمات عاد الولى‪َ } ..‬‬
‫ة{ ]فصلت‪.[15 :‬‬ ‫م قُوّ ً‬‫من ْهُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫م هُوَ أ َ َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫فلكل حضارة دورة فلكية؛ فهي تغرب هنا لتشرق هنالك‪ ،‬قال ـ تعالى ـ‪:‬‬
‫ن)‪(172‬‬ ‫صوُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫من ُ‬ ‫م ل َهُ ُ‬
‫ن )‪(171‬إن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬‫مْر َ‬‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬
‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫ن{ ]الصافات‪.«[173 - 171 :‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جند ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫َوإ ّ‬
‫_____________________‬
‫* المصدر‪ :‬جريدة البيان‬

‫)‪(7 /‬‬

‫السلميون كيف ينظرون إلي المستقبل ؟‬


‫أحمد فهمي‬
‫ل نبالغ إذا قلنا إن مليين السلميين العاملين للسلم في شتى أنحاء الرض‬
‫ل يشغلهم شيء الن بقدر ما يشغلهم مستقبل العمل السلمي في ظل‬
‫أوضاع متوترة وظروف متغيرة‪ ،‬وفي ظل عجز تام عن التنبؤ بالحداث‬
‫القادمة حتى في مدة قصيرة‪ ،‬وحتى الوليات المتحدة التي تملك أعرق‬
‫وأضخم مراكز الدراسات المستقبلية أصبحت سمعتها هذه من الماضي‪،‬‬
‫ولكن بالنسبة للسلميين المر يختلف نوعا ً ما‪ ،‬فلديهم معطيات ومعايير‬
‫ربانية ل يملكها غيرهم يمكنهم بواسطتها توقع الحداث بصورة أكثر دقة من‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫وسعيا ً لتلبية هذه الرغبة العارمة لدى السلميين نقدم هذا التحقيق الذي‬
‫يتضمن عرضا ً لرؤية مستقبلية لنخبة من قادة وعلماء ومفكري وناشطي‬
‫طرحت على‬ ‫العمل السلمي‪ ،‬وهذه الرؤية هي إجابة على ستة تساؤلت ُ‬
‫المشاركين في التحقيق تتناول بعض القضايا الهامة في العمل السلمي‪،‬‬
‫وقد كانت المشاركات متميزة طرح فيها الضيوف أفكارا ً جديدة وتصورات‬
‫تثبت مواكبة كثير من السلميين للظرف ومعايشتهم وإدراكهم لمشكلت‬
‫العمل السلمي‪.‬‬
‫وهذه هي أسماء المشاركين‪:‬‬
‫‪ -‬الستاذ علي صدر الدين البيانوني‪ :‬المراقب العام لجماعة الخوان‬
‫المسلمين في سوريا‪.‬‬
‫‪ -‬الستاذ قاضي حسين أحمد‪ :‬أمير الجماعة السلمية في باكستان‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ أبو زيد حمزة‪ :‬نائب رئيس جماعة أنصار السنة‪ ،‬السودان‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ حامد البيتاوي‪ :‬رئيس رابطة علماء فلسطين وخطيب المسجد‬
‫القصى‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور منير محمد الغضبان‪ :‬مفكر إسلمي سوري‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حّيم‪ :‬كلية الشريعة‪ ،‬الردن‪.‬‬ ‫‪ -‬الدكتور محمد أبو ُر َ‬


‫‪ -‬الستاذ كسال عبد السلم‪ :‬نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحركة الصلح‬
‫الوطني الجزائرية‪.‬‬
‫‪ -‬الستاذ عبد الرزاق مقري‪ :‬رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم‬
‫»حمس« الجزائرية‪.‬‬
‫‪ -‬الستاذ محمد جهيد يونسي‪ :‬نائب في البرلمان ومسؤول السياسة‬
‫والعلقات في حركة الصلح الجزائرية‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور أحمد أبو حلبية‪ :‬أستاذ الحديث بكلية أصول الدين الجامعة السلمية‬
‫بغزة‪ ،‬ونائب رئيس رابطة علماء غزة‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور سالم سلمة‪ :‬أستاذ الحديث بكلية أصول الدين الجامعة السلمية‬
‫بغزة‪ ،‬ورئيس رابطة علماء غزة‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور ماهر الحولي‪ :‬كلية الشريعة الجامعة السلمية بغزة‪ ،‬وأحد‬
‫مسؤولي الحركة السلمية بالقطاع‬
‫‪ -‬الشيخ خالد حمدان‪ :‬أحد قيادات الحركة السلمية في الداخل الفلسطيني‬
‫ومدرس بكلية الدعوة‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ أحمد الحج‪ :‬من قيادات حركة الخوان المسلمين في فلسطين‪.‬‬
‫‪ -‬الستاذ صالح لطفي‪ :‬باحث في مركز الدراسات المعاصرة‪ ،‬الحركة‬
‫السلمية في الداخل الفلسطيني‪.‬‬
‫وقبل استعراض محاور التحقيق نشير إلى بعض الملحظات‪:‬‬
‫‪ - 1‬هذه الرؤية ليست رؤية قادة أو علماء أو مفكرين أو ناشطين في العمل‬
‫السلمي‪ ،‬بل هي رؤية جمعية تشمل هذه الشرائح كلها‪.‬‬
‫‪ - 2‬هذه الرؤية يمكن اعتبارها أحد التطبيقات العملية لقوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫م{ ]آل عمران‪ [165 :‬ومن ثم تقتصر فقط على الشؤون‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫عند ِ َأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫هُوَ ِ‬
‫الداخلية للحركات السلمية‪.‬‬
‫‪ - 3‬هذه دعوة إلى المهتمين بالقضايا المستقبلية للعمل السلمي لكي يثروا‬
‫النقاش بمقالتهم أو دراساتهم سعيا ً لتنمية الوعي المستقبلي لدى‬
‫السلميين‪.‬‬
‫ل‪ :‬ما هو مستقبل التعاون والتنسيق بين الحركات السلمية في الفكار أو‬ ‫أو ً‬
‫المواقف أو المناهج؟‬
‫يقول الدكتور محمد أبو رحيم‪ :‬إن »الحركات السلمية السنّية الحديثة‬
‫حركات يحكمها قاسم مشترك؛ فهي تدعو إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وتحكيم‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬وتتصدى للمذاهب الفكرية المعاصرة« ولذلك فإن‬
‫الحديث عن التعاون بين هذه الجماعات يستند إلى أسس راسخة‪ ،‬ويعتبره‬
‫حا ً يرقى إلى مستوى الواجب الشرعي الذي‬ ‫الستاذ علي البيانوني‪» :‬أمرا ً مل ّ‬
‫ل يجوز التهاون فيه«‪ .‬ويقول الستاذ قاضي حسين إنه‪» :‬أمر يحتمه اليمان‬
‫والعقيدة‪ ،‬وتفرضه متطلبات العمل ومقتضيات الفقه السياسي«‪ .‬ويؤكد‬
‫الستاذ البيانوني الضرورة الواقعية للتعاون بين الجماعات في مواجهة‬
‫ديات التي تواجه المة السلمية على كافة الصعدة« ولحماية‬ ‫»التح ّ‬
‫»الصحوة السلمية المعاصرة ورعايتها وترشيدها‪ ،‬وحمايتها من التطّرف‬
‫والنحراف‪ ،‬ولتبادل الخبرات والستفادة من مختلف التجارب‪ ،‬ومواجهة‬
‫الحملة العالمية المعادية للسلم«‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن يتفق كثير من السلميين على أن ما هو واجب خلف ما هو واقع؛ فقد‬


‫»أصاب حركاتنا السلمية ما أصاب النظمة والحكومات المتشرذمة‪ ،‬وما‬
‫أصاب كذلك الحزاب والتنظيمات العلمانية والقومية« كما يقول الشيخ حامد‬
‫البيتاوي‪ ،‬ولذلك يقول الدكتور أبو رحيم إن »هذا المل ـ التعاون ـ ممكن من‬
‫الوجهة النظرية إلى حد ما؛ بيد أن الزحف به نحو التطبيق العملي على‬
‫مستوى الحركات نفسها متعثر« ويذكر بعض السباب والمثلة العملية‪:‬‬
‫ل‪ ،‬شعارا ً يرّوج له في الداخل بقوة‪ ،‬حتى وصل ببعضهم‬ ‫»غدت عبارة‪ :‬نحن أو ً‬
‫إظهار التعاطف مع الحركات الرديفة له على حياء في حال تعرضها‬
‫للجهاض‪ ،‬وبعضهم أظهر مساندته للباطل من غير خجل ول حياء‪ ،‬بل إن‬
‫وغ عملية النقاذ ولو كانت تحت قدرته إل للتباع‪ ،‬وأما من لم‬ ‫بعضهم ل يس ّ‬
‫ً‬
‫يكن منهم فل يلتفت إليه‪ ،‬ول يجدون بأسا من قراءة الفاتحة على روحه‪ ،‬مع‬
‫عدم جوازها شرعًا«‪.‬‬
‫ويشير الدكتور منير الغضبان إلى صور قليلة للتلقي بين الجماعات منها‬
‫»المظهر الذي يمكن أن يدل على فهم الفكار والمواقف ل على التنسيق‬
‫والتعاون وهو من خلل المجلت السلمية العامة )المجتمع ـ البيان ـ‬
‫وغيرهما( أما التنسيق فقد يبدو على مستوى جزئي بين حركتين أو أكثر‬
‫بحكم المجاورة والضرورة«‪ ،‬وينبه الستاذ كسال عبد السلم إلى معنى‬
‫قريب بقوله إن‪» :‬بادرة التعاون تظهر بين الحركات في القطار المختلفة‬
‫أكثر منها في القطر الواحد‪ ،‬لسببين‪ :‬ربما التنافس وما يدخل في إطار‬
‫الختلف المشروع )اختلف التنوع(‪ ،‬أو دافع الزعامة والتزعم«‪.‬‬
‫وإذا ما أخذنا الواقع الجزائري كمثال للواقع السلمي فسنجد أن »التنسيق‬
‫أو التعاون الرادي في العمل والمواقف بين فصائل الحركة السلمية في‬
‫الجزائر يكاد ينعدم‪ ،‬إذا ما استثنينا التقاطع ـ غير الرادي ـ الحاصل في‬
‫النشاط الميداني المتعلق بقضايا الثوابت الحضارية للشعب الجزائري من‬
‫دين ولغة وانتماء حضاري‪ ،‬أو ما تعلق بقضايا المة الساسية‪ ،‬وأعني بها‬
‫قضية المة المركزية )قضية فلسطين( و )قضية العراق( والتي ل يختلف‬
‫عادة حولها اثنان« كما يؤكد النائب السلمي جهيد يونسي‪.‬‬
‫وفي محاولة لتحليل السباب المعوقة للتعاون بين الحركات السلمية في‬
‫الفكار والمواقف والمناهج‪ .‬يقول النائب السلمي عبد الرزاق مقري‪:‬‬
‫ل‪ :‬الفكار؛ باعتبار أن الحركات‬ ‫»أنسب فضاء للتنسيق والتعاون هو أو ً‬
‫السلمية لها أهداف عامة واحدة‪ ،‬ولها غايات كبرى متفق عليها‪ ،‬وهي‬
‫التمكين لدين الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬عز وجل ‪ ،«-‬ثم يضرب مثال ً بالواقع الجزائري‬
‫مرة أخرى فيقول‪» :‬في الجزائر التوافق قائم بين فصائل الحركة السلمية‬
‫فيما يخص قانون السرة‪ ،‬وحينما نتحدث عن ضرورة العمل من أجل حماية‬
‫الثوابت السلمية وعدم علمنة الدستور الجزائري وعدم علمنة المجتمع‬
‫الجزائري والوقوف ضد سياسات الفساد‪ ،‬فإن الحركة السلمية كلها متفقة‬
‫بخصوصها«‪ .‬فما الذي يحدث الخلف بصدده إذن؟ يضيف عبد الرزاق مقري‪:‬‬
‫»الذي يبقى غير متوافق بينها في اعتقادي هي المناهج‪ ،‬مناهج التغيير؛‬
‫فالحركة السلمية متوزعة إلى مدارس مختلفة معلومة ومتنوعة«‪.‬‬
‫ويلخص الشيخ أبو زيد حمزة أسباب التفرق في جملة واحدة‪» :‬الجهل‬
‫والبتداع في الدين والبغي«‪ ،‬بينما يفصل الستاذ قاضي حسين السباب إلى‬
‫داخلية وخارجية‪ ،‬فيرجع الخيرة إلى أساليب الستعمار الذي »يضخ كل‬
‫المكانيات المادية والسياسية لتأجيج ُأوار الفتنة« أما الداخلية فيقول إن‬
‫»بعض القيادات تنشأ لديها الشدة في مواقف تصل بعض الحيان إلى‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصبية« ثم يذكر مثال ً على ذلك‪» :‬فالقضية الفغانية كانت محل إجماع لدى‬
‫المسلمين جميعا ً من حيث رفض الحتلل‪ ،‬ولكنها كانت محل خلف بين‬
‫الحركات السلمية من حيث دعم الحزاب الجهادية المختلفة‪ ،‬والحالة نفسها‬
‫تكررت للسف فى الجزائر وفي السودان«‪ ،‬وهو ما عبر عنه الستاذ‬
‫البيانوني بأن هناك عقبات »تتعلق ببنية الحركات السلمية نفسها«‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه هي صورة الحاضر؛ فكيف ينظر السلميون إلى مستقبل‬
‫التعاون بين الحركات السلمية؟ يقول الدكتور منير الغضبان‪» :‬إذا أردنا ان‬
‫ندرس المستقبل على ضوء الواقع فالمل ضعيف؛ إذ إن مطارق المحنة التي‬
‫تنزل ببعض الحركات السلمية أو الخوض في غمار التجربة السياسية في‬
‫بعضها الخر يجعل الحركة منكفئة على ذاتها‪ ،‬وقّلما تستفيد من التجارب‬
‫السابقة‪ ،‬ول شك أن هذا من ضعف الوعي عند هذه الحركات«‪.‬‬
‫ويحاول الشيخ خالد حمدان أن يطرح مسوغا ً واقعيا ً قويا ً لتنسيق المواقف‪،‬‬
‫فيلفت النتباه إلى أن‪» :‬أعداء السلم في تعاملهم مع الحركة السلمية ما‬
‫عادوا يميزون فيما بينها من خلل طروحاتها ومناهجها ومواقفها؛ فالكل‬
‫عندهم سواء؛ فالذي ل يحارب في العلن يحارب في الخفاء‪ ،‬والذي ل يحارب‬
‫في ساحات المعارك والجهاد‪ ،‬يحارب في ساحات الدعوة والعمل الخيري‪،‬‬
‫بالتضييق أو الحصار أو العتقال«‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويتفق أغلب المشاركين على أن هناك آفاقا ً مستقبلية جيدة للتعاون بين‬
‫الحركات السلمية‪ ،‬بل يؤكد الستاذ قاضي حسين أنه بدأ يرى الن‪» :‬تجانسا ً‬
‫وتكامل ً بين الحركات بل بين معظم التيارات السلمية؛ لن الخطر يهدد‬
‫الجميع ويهدد الوجود«‪ .‬ويقدم النائب عبد الرزاق مقري تفسيرا ً آخر للتفاؤل‪:‬‬
‫»في الماضي كانت هناك مسّلمات عند بعضهم ل يمكن نقاشها على‬
‫الطلق‪ ،‬الواقع الن صقل هذه التجربة‪ ،‬وأقنع الجميع بأن منهج الوسطية‬
‫والعتدال بإمكانه أن يصل إلى تحقيق الغايات الكبرى؛ ولذلك فرص التعاون‬
‫أصبحت ممكنة جدًا«‪ ،‬ويقدم الدكتور أحمد أبو حلبية مثال ً واقعيًا‪» :‬أعتقد أن‬
‫كثيرا ً من هذه الجماعات تسير في هذا التجاه خاصة في فلسطين«‪.‬‬
‫ولكن بعض السلميين يضع شروطا ً لتحقق ذلك بالصورة المطلوبة‪ ،‬فيقول‬
‫الشيخ أبو زيد حمزة‪ « :‬إذا أردنا مستقبل ً للتعاون بين الجميع‪ ،‬فهذا يتطلب‬
‫جملة أمور من أهمها‪ :‬الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج سلف المة‪،‬‬
‫والصدق في دعوى الوصول إلى التعاون والتنسيق؛ فل ينبغي مثل ً رفع هذا‬
‫الشعار دون معرفة أسباب التفرق والختلف والسعي إلى إزالتها؛ لن الجمع‬
‫كيفما أتفق يؤدي إلى مزيد تفرق وشتات«‪ .‬ويلقي النائب يونسي بالكرة في‬
‫ملعب السلميين بالقول إن‪» :‬التعددية السلمية يمكن الستفادة منها‬
‫وتحويلها إلى قوة تكامل تدفع بالمشروع السلمي إلى المام«‪.‬‬
‫لكن في المقابل يرفض الباحث السلمي صالح لطفي هذا التفاؤل‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫« إني غير متفائل من المستقبل في هذا الباب تحديدًا؛ لن ما يحصل في‬
‫المة على وجه العموم ينعكس بشكل أو بآخر على جماعات العمل‬
‫السلمي« كما يدعو من هذا المنطلق أهل المسؤولية في العمل السلمي‬
‫إلى التساؤل‪» :‬إلى أي حد اجتهدت الحركة السلمية اجتهادا ً فعليا ً للتمكين‬
‫للسلم كدين ل كحركات؟ «‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬هل حدث تراجع في العمل الدعوي التربوي في السنوات الخيرة؟ وما‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هي السباب إن وجدت؟‬


‫تباينت وجهات النظر في الجابة على هذا السؤال إلى ثلث اتجاهات‪:‬‬
‫الول‪ :‬يمثل أغلبية الشخاص والدول يؤيد حقيقة تراجع العمل الدعوي‬
‫التربوي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يضم فلسطين وباكستان‪ ،‬ويؤكد على ازدهار العمل الدعوي‬
‫التربوي‪ ،‬ويقول الدكتور أبو حلبية في ذلك‪» :‬انتفاضة القصى شجعت الجانب‬
‫التربوي والدعوي أكثر‪ ،‬وزادت أعداد الناس المقتنعين بالفكر السلمي‪،‬‬
‫والمساجد خير شاهد«‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ينتصف الطريق فل هو ازدهار ول تراجع‪ ،‬فيصفه الستاذ أحمد الحج‬
‫بأنه »لم يحدث تراجع وإنما تباطأ العمل« ويصفه الستاذ صالح لطفي بأنها‬
‫»حالت من المراجعات وليس التراجع«‪ ،‬ويفض الستاذ علي البيانوني هذا‬
‫ن‬
‫الشتباك بالقول إنه‪» :‬ل يمكن التعميم في الجابة على هذا السؤال؛ إذ إ ّ‬
‫دمه أو تراجعه‪ ،‬ليست واحدة في‬ ‫ي‪ ،‬ودرجة تق ّ‬
‫مستوى العمل الدعويّ والتربو ّ‬
‫كد أنه تراجع في بعض القطار خلل العقدين‬ ‫ل القطار‪ ،‬لكن من المؤ ّ‬ ‫ك ّ‬
‫الماضيين«‪.‬‬
‫ويقدم مؤيدو التجاهين الول والثالث مجموعة من السباب التي أدت إلى‬
‫هذا التراجع أو التباطؤ أو المراجعات‪ ،‬بعضها داخلي يعود إلى الحركات‬
‫السلمية نفسها‪ ،‬وبعضها الخر ينسب إلى الظروف المحيطة‪ ،‬ويذكر الدكتور‬
‫منير الغضبان من السباب الداخلية‪» :‬تحمل الحركة عبء العمل الدعوي‬
‫والتربوي من جهة‪ ،‬وعبء العمل السياسي‪ ،‬وكلهما أمران منفصلن ل يمكن‬
‫الجمع بينهما إل على حساب أحدهما« ولكن هذا السبب يعتبره النائب يونسي‬
‫ظرفا ً جبريا ً أوجب على الحركة أن ترجح الجانب السياسي كاختيار إيجابي‪،‬‬
‫فيقول إن‪» :‬التحول الحاصل في العالم وفي مجتمعاتنا فرض الهتمام هذه‬
‫اليام بالبعد السياسي؛ فلم يكن بوسع الحركات السلمية أن تتأخر عن هذا‬
‫الميدان‪ ،‬وإل حكم عليها بالنطوائية والنعزالية والتخلي عن مواكبة التغيرات‬
‫الجذرية«‪ .‬ويقدم الدكتور الغضبان سببا ً آخر للتراجع لدى الحركات السلمية‬
‫وهو »انشغالها بنفسها في خلفات داخلية أو معارك فيما بينها من المحق‬
‫من المبطل؟ ومحاولة السيطرة على الساحة والتنازع يقود إلى التلشي؛‬ ‫و َ‬
‫ففي المنطق الرياضي تنابز القوى اليجابية تكون المحصلة فيها صفرا؛ً‬
‫شُلوا‬ ‫ف َ‬ ‫فكذلك في المنطق السلمي تكون المحصلة صفرا ً }َول ت ََناَز ُ‬
‫عوا فَت َ ْ‬
‫م{ ]النفال‪.([46 :‬‬‫حك ُ ْ‬
‫ب ِري ُ‬‫وَت َذ ْهَ َ‬
‫ويضيف الستاذ كسال سببا ً آخر وهو »اللتفات إلى التأسيس والبناء الهيكلي‬
‫‪ -‬للحزب ‪ -‬كرهان أساسي لوجود هذه المظلة للعمل السلمي«‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أما السباب الظرفية التي أثرت على العمل التربوي فكثيرة‪ ،‬يذكر منها‬
‫وف بعض الحكومات من العمل السلمي المن ّ‬
‫ظم‪ ،‬مما‬ ‫الستاذ البيانوني‪» :‬تخ ّ‬
‫ول هذا العمل إلى السّر‪ ،‬ومن المعروف أن العمل السّريّ يكون‬ ‫أّدى إلى تح ّ‬
‫محفوفا ً بمخاطر التطّرف وردود الفعال‪ ،‬وهو المر الذي يجعل العمل‬
‫الدعويّ يعاني من تراجٍع في بعض البلدان«‪ .‬ويقول الستاذ عبد الرزاق‬
‫مقري مستشهدا ً بالواقع الجزائري إن‪» :‬النحرافات المنية الكبيرة التي‬
‫وقعت‪ ،‬والفتنة التي أتت على الخضر واليابس في الجزائر‪ ،‬أدى ببعضهم إلى‬
‫الوقوع في الحرج عند الظهور بالسم السلمي والفكرة السلمية‪ ،‬وأدى‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى ردود أفعال للطراف التي تخاف من الحركة السلمية‪ ،‬فجاءت ترسانة‬
‫من القوانين والتشريعات التي تمنع الخطاب‪ ،‬وهذا أدى إلى فراغ كبير في‬
‫المجال الدعوي« ويستشهد الستاذ أحمد الحج بالواقع الفلسطيني‪ ،‬فيرجع‬
‫التباطؤ في العمل الدعوي التربوي إلى‪» :‬الضغط العسكري السرائيلي‬
‫ووقوف السلطة الفلسطينية ضد العمل السلمي؛ حيث اعتقل الكثير ممن‬
‫يقومون بالعمل الدعوي‪ ،‬ومورس الكثير من الضغوط على الخطباء والدعاة‬
‫أحيانا ً وتهديدهم في عيشهم أحيانًا‪ ،‬بل والتحقيق معهم ومساءلتهم من قَِبل‬
‫الجهزة المنية المختلفة‪ ،‬كذلك الحصار ونقاط التفتيش«‪.‬‬
‫وينبه الباحث صالح لطفي من فلسطين إلى دور »الطابور الخامس من‬
‫المثقفين المستغربين الذين استعملوا مجموعة من الليات ل تملكها كلها او‬
‫بعضها الحركات السلمية كالفضائيات والمجلت والمؤتمرات ووزارات‬
‫الشباب والتربية والتعليم والثقافة والمرأة ودور الزياء«‪.‬‬
‫فماذا عن المستقبل؟‬
‫ً‬
‫يبدو كثير من المشاركين متفائل بمستقبل العمل الدعوي التربوي و »يوجد ـ‬
‫ولله الحمد ـ خير كثير‪ ،‬وما زال كثير من الدعاة إلى الله يبذل جهده في‬
‫الدعوة إلى الله وتربية الناس على الشريعة« كما يؤكد الشيخ أبو زيد حمزة‪،‬‬
‫ويقول الستاذ مقري‪» :‬في اعتقادي‪ ،‬فإنه في هذه السنوات القليلة الخيرة‬
‫بدأ نوع من الوعي السلمي الجديد ونحن نستبشر خيرًا«‪.‬‬
‫وإلى الذين يستصعبون العمل الدعوي التربوي في ظل الهجمة الشرسة‬
‫على السلم يؤكد الشيخ حمدان أن »الفرصة مواتية ومواتية جدا ً للعمل‬
‫الدعوي والتربوي مع كل ما تتعرض له دعوة السلم من مكائد ومؤامرات ل‬
‫يعلمها ول يقدر عليها إل الله ‪ -‬عز وجل ‪.«-‬‬
‫ويقدم الدكتور سلمة توصية للحركات السلمية‪» :‬ل بد من صياغة مناهج‬
‫جديدة تحفظ لنا مبادئنا وتتعامل مع الواقع وتستغل ما تقدمه التقنية الحديثة؛‬
‫لن المور ليست كالسابق؛ فقد نستخدم المحاضرات والجلسات العلمية‬
‫والفضائيات والنترنت‪ ،‬كل هذه الشياء قد تستخدم في العمل التربوي؛‬
‫فلماذا يتأخر المسلمون عن استخدام ما قد أباحه الله لنشر دعوتهم؟ «‪.‬‬
‫ويقدم الدكتور منير الغضبان رؤية لفك الشتباك بين العمل التربوي‬
‫والسياسي‪ ،‬فيقول‪ « :‬الحل النجع هو فك الرتباط بينهما‪ :‬إما من خلل‬
‫واجهة سياسية للحركة السلمية تعمل فيها النخبة فقط‪ ،‬وتعرف خط‬
‫التعامل مع السلطة والمعارضة المحلية‪ ،‬ول تشترك القواعد إل عند عمليات‬
‫القتراع؛ أو تدريب بعض الفراد العاملين وتهيئتهم للفرز للعمل السياسي؛‬
‫بينما تتفرغ القيادات الدعوية والتربوية للعمل التربوي والدعوي‪ ،‬أو من خلل‬
‫انفصال كامل بين الحزب السياسي والحركة الدعوية؛ حيث يكون الحزب‬
‫السياسي في أهدافه ومنطلقاته يمثل تطلعات الحركة الدعوية من الجانب‬
‫السياسي«‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬هل تراجع دور العلماء بين نخبة العمل السلمي وقياداته؟ لماذا؟ وهل‬
‫يستمر ذلك مستقب ً‬
‫ل؟‬
‫من أبرز جوانب الخلل في مسيرة العمل السلمي في العقود الخيرة هي‬
‫تراجع دور العلماء‪ ،‬وهو ما أيده أغلب المشاركين في هذا التحقيق‪ ،‬وإن‬
‫اختلفوا في بيان الثار السلبية لهذه الظاهرة‪ ،‬والسباب التي أدت إليها‬
‫والخطوات العلجية لها في المستقبل‪.‬‬
‫وفي مجال توصيف الظاهرة يركز الستاذ البيانوني على أنه رغم توفر‬
‫وسائل العلم والتعلم ل توجد نتيجة مرضية‪ ،‬فيقول‪» :‬نشهد اليوم وفرة في‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عدد العلماء وخّريجي كليات الشريعة وأصول الدين ومعاهد العلم الشرعي‪،‬‬
‫وكذلك في عدد الكتب والمؤّلفات التي يصدرها هؤلء العلماء‪ ،‬وفي الحلقات‬
‫العلمية التي تبّثها بعض المح ّ‬
‫طات الفضائية‪ ،‬إل ّ أنني أعتقد أن دور العلماء‬
‫ظم ما يزال محدودًا« بينما يركز الستاذ قاضي‬ ‫ي المن ّ‬
‫في العمل السلم ّ‬
‫حسين على جانب آخر من الظاهرة وهو انخفاض عدد العلماء الربانيين‬
‫المؤهلين لقيادة المة‪ ،‬فيقول‪» :‬هناك كوكبة من العلماء الربانيين فى العالم‬
‫السلمي لكن عددهم ل يتجاوز أصابع اليدين«‪.‬‬
‫ويحاول الباحث صالح لطفي التخفيف من هذه الصورة القاتمة‪ ،‬فيفرق بين‬
‫المشاركة والقيادة‪» :‬الحركات السلمية تزخر بالعلماء الفذاذ الذين وإن لم‬
‫يتسنموا المناصب القيادية فهم أهل حكمة نافذة ورأي في الصفوف«‪ .‬ولكن‬
‫فرض الوقت المطلوب من العلماء الن هو تسنم القيادة وليس مجرد‬
‫المشاركة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وكان اللفت أن أكثر المشاركين حديثا ً عن الثار السيئة لغيبة العلماء هم‬
‫ممثلو الحزاب السياسية في الجزائر؛ فقد أكدوا على تأثر العمل السلمي‬
‫سلبيا ً بافتقاد العلماء‪ ،‬فيقول الستاذ يونسي‪» :‬إن عدم اعتماد فصائل الحركة‬
‫السلمية في عمومها على عمل العلماء العاملين افقدها في كثير من‬
‫الحيان الصواب في اختيار الوسائل الموصلة للهداف المنشودة‪ ،‬كما فرض‬
‫على كثير من الدعاة والنخب السلمية الضطلع بمهمات قد ل تتناسب‬
‫وملكاتهم‪ ،‬مما جعل كثيرا ً من اجتهاداتهم الصادقة تجانب الصواب ومصلحة‬
‫المشروع السلمي‪ ،‬وقد زجت في بعض الحيان بأبناء الصحوة السلمية في‬
‫معارك ل ناقة لهم فيها ول جمل« ويأخذ على الدعاة »قلة علمهم بمقتضيات‬
‫الشرع وفنون الدعوة وفقه الموازنات« ويأخذ »على الحركة السلمية في‬
‫الجزائر وفي غيرها أنها ل تعير كبير اهتمام لراء العلماء«‪.‬‬
‫ويقول الدكتور أبو رحيم إن تراجع العلقة بين العلماء وقيادات العمل‬
‫السلمي أّثر »على مستوى النسجام واللتحام بين طبقات المجتمع المسلم‬
‫وفقدان المرجعية الدافعة والداعمة لهذه الحركات«‪.‬‬
‫وعند النظر في أسباب تراجع دور العلماء‪ ،‬يقدم المشاركون رؤية متكاملة‬
‫في هذا المجال تتناول تأثير الحكومات والضغوط الخارجية‪ ،‬وقدم المناهج‬
‫والساليب العلمية‪ ،‬والخلف بين القيادة السياسية والعلمية‪ ،‬وتقصير العلماء‪.‬‬
‫ونستعرض هذه السباب بدءا ً بالستاذ قاضي حسين الذي يشير إلى تأثير‪:‬‬
‫»الجواء العلمية والتعليمية التي تسود العالم السلمي؛ فهي إما قديمة‬
‫ن محدودة وتشدد عليها على حساب مقاصد الشريعة‬ ‫وبالية تدور حول معا ٍ‬
‫الحقيقية‪ ،‬وإما واقعة تحت تأثير الحكومات التي تميت في أهل العلم روح‬
‫العلم والعقيدة وغيرتها« ويذكر سببا آخر وهو أن‪» :‬أمريكا في مخططاتها‬
‫الرامية إلى السيطرة الكاملة على العالم السلمي تسعى إلى تغيير المناهج‬
‫الدراسية‪ ،‬وتحاول أن تبرز طبقة من العلماء تسميهم علماء )السلم‬
‫الحديث( ومن هنا تزداد ضرورة وجود العلماء الربانيين الخّلص«‪.‬‬
‫ويمثل الستاذ مقري بالواقع الجزائري متهما ً نظام الحكم الذي تولى في‬
‫أعقاب الستقلل حيث »كانت هناك مدارس للتعليم الصلي الشرعية كونت‬
‫نخبة من الرجال لهم إلمام واسع بالعلوم الشرعية‪ ،‬وكان بإمكان هذه‬
‫التجربة لو بقيت أن تعطي ثمارا ً أكثر‪ ،‬لكن للسف الشديد النظام الشتراكي‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ذلك الوقت ألغى التعليم الصلي بحجة توحيد مناهج التعليم‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫نقص فادح وفظيع جدا ً في تنشئة الرموز والمرجعيات الشرعية«‪.‬‬
‫ويعيب الباحث صالح لطفي على أنظمة التعليم الشرعي خاصة في الدول‬
‫التي تتبنى نهجا ً علمانيًا؛ حيث تجد عددا ً كبيرا ً من »المنتسبين للدراسات‬
‫الشرعية هم من متوسطي المستوى وأقل من ذلك بعكس الكليات العلمية‬
‫كالطب والصيدلة والهندسيات« فكيف يمكن أن يظهر من مثل هؤلء علماء‬
‫ربانيون؟‬
‫أما الدكتور أبو رحيم فيتحدث صراحة عن جوانب تقصير يراها في العلماء‪،‬‬
‫يذكر منها‪» :‬جنوح كثير من أهل العلم إلى المصطلحات الفضفاضة‬
‫والمفاهيم المغلوطة المأخوذة عن أعداء المة وإنزالها على واقع بعض‬
‫الحركات السلمية‪ ،‬وإضفاء ثلة من العلماء الشرعية على المذاهب الفكرية‬
‫المعاصرة المسيطرة وتسويغ وجودهم مع ظهور عداء هذه المذاهب للسلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬والنهزامية عند طائفة من العلماء ممن وقعوا تحت تأثير الرأي‬
‫العام العالمي فأظهروا أنفسهم بالمظهر المقبول عند الغربيين وأهل الملل‬
‫الخرى‪ ،‬ثم عملوا على نشر ما يعرف بالتسامح الديني‪ ،‬وحوار الديان«‪.‬‬
‫ويدافع الشيخ أبو زيد حمزة عن العلماء‪ ،‬ويعتبر أن الهجوم عليهم سبب‬
‫لتقليص دورهم في العمل السلمي‪ ،‬فيقول‪» :‬ل يمكن الزعم بتراجع دورهم‪،‬‬
‫ولكن ل يبعد أن يقف بعض الناس سدا ً منيعا ً للستفادة من علمهم‪ ،‬كأن‬
‫يرموهم بالتخاذل أو نحو ذلك من التهم التي تحول دون الستفادة منهم«‪.‬‬
‫وعلى صعيد العلقة بين العلماء وقادة العمل السياسي يتحدث الدكتور منير‬
‫الغضبان عن إشكالية قائمة »بين القيادات السياسية والدعوية والمرجعيات‬
‫الشرعية والعلمية‪ ،‬وما لم تحل هذه الشكالية فستنعكس آثارها على‬
‫المسيرة الدعوية كاملة‪ ،‬العلماء يعتقدون أنهم المرجعية الولى والخيرة‬
‫والخرون جميعا ً تلميذ في مدرستهم يجب أن يسمعوا ويطيعوا لهم‪،‬‬
‫والقيادات السياسية تجد نفسها أْولى بالجتهاد بالمواقف والرؤى التي ل‬
‫تتعارض عموما ً مع السلم وفقهه السياسي‪ .‬ل بد من فك هذا الشتباك«‪،‬‬
‫ويؤكد الستاذ كسال على هذه الحقيقة بالقول إن أهم أسباب تراجع دور‬
‫العلماء‪» :‬غلبة التوجه السياسي ثم غلبة النا السياسية لدى كثير من‬
‫ممارسي العمل السلمي‪ ،‬ثم المعادلة الصعبة في الجمع بين السلطتين‪:‬‬
‫الروحية‪ ،‬والسياسية«‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ويطرح المشاركون عددا ً من التوصيات والقتراحات لتفعيل دور العلماء في‬


‫العمل السلمي في المرحلة القادمة‪ ،‬فيدعو الشيخ خالد حمدان إلى »بناء‬
‫مرجعيات ومجامع علمية أو هيئات ومؤسسات تعاونية وحوارية بين العلماء‬
‫في القطر الواحد بشكل خاص أو على مستوى أوسع إن أمكن‪ ،‬والستفادة‬
‫من النموذج العراقي الرائد من خلل )هيئة علماء المسلمين( ودورها المتميز‬
‫في أصعب وأحلك ظروف العراق«‪ ،‬ويدعو الستاذ البيانوني الحركات‬
‫السلمية »أن تولي اهتماما ً خاصا ً في مناهجها وبرامجها لهذا الدور المطلوب‬
‫من العلماء«‪.‬‬
‫ولحل إشكالية العلم والسياسة يقول الدكتور منير الغضبان‪ :‬إن الحل ما‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ذكره »كتاب الله ـ ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ـ في تجربة بني إسرائيل }إذ ْ َقاُلوا ل ِن َب ِ ّ‬
‫ي لهُ ُ‬
‫ه{ ]البقرة‪ ،[246 :‬ولم يكن القائد هو‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫سِبي ِ‬ ‫قات ِ ْ‬
‫ل ِفي َ‬ ‫كا ن ّ َ‬ ‫ث ل ََنا َ‬
‫مل ِ ً‬ ‫اب ْعَ ْ‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النبي‪ ،‬وتقدم صاحب الكفاءة والختصاص ليتحمل مسؤوليته‪ ،‬ولم يكن هذا‬
‫لينقص من قدر النبي الموحى إليه‪ ،‬لكن عندما تجتمع الكفاءة والعلم فلن‬
‫يكون إشكال عند ذلك؛ حيث توفر ذلك في داوود ‪ -‬عليه السلم ‪} -‬وَقَت َ َ‬
‫ل‬
‫شاُء{ ]البقرة‪،[251 :‬‬ ‫ما ي َ َ‬
‫م ّ‬‫ه ِ‬
‫م ُ‬ ‫ة وَعَل ّ َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ك َوال ْ ِ‬
‫مل ْ َ‬
‫ه ال ْ ُ‬‫ت َوآَتاهُ الل ّ ُ‬
‫جاُلو َ‬
‫َداوُد ُ َ‬
‫َ‬ ‫ض لّ َ‬
‫ض{‬‫ت الْر ُ‬ ‫سد َ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬‫س ب َعْ َ‬‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫وحينئذ يكون التغيير }وَل َ ْ‬
‫]البقرة‪ ،[251 :‬وحين يقر القائد السياسي بضبط سيرته من العالم ويقر‬
‫العالم بوضع الخطط من القائد يتم التغيير كذلك«‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬هل يتوقع أن تحقق الحركات السلمية التي تمارس العمل السياسي‬
‫نجاحا ً في المرحلة المقبلة مقارنة بنتائج الفترة الماضية غير المشجعة؟ وما‬
‫تأثير مستوى التمسك بالثوابت السلمية؟‬
‫العمل السياسي من كبريات القضايا التي شغلت الحركات السلمية سواء‬
‫بالممارسة أو التنظير أو الجتهاد في حكمه الشرعي‪ ،‬وبينما يعتبره بعضهم‬
‫طوق النجاة وعليه المعول في التمكين للسلم‪ ،‬يراه آخرون طوقا ً حول‬
‫السلم وقيدا ً للعمل السلمي‪ ،‬وخروجا ً عن أحكام الشريعة‪ ،‬وحسب السؤال‬
‫الموجه للمشاركين في هذا التحقيق؛ فإن نصف المشاركين تقريبا ً اعتبروا أن‬
‫النتائج التي تحققت لجماعات العمل السياسي في الفترة الماضية مشجعة‬
‫ومحفزة للستمرار‪ ،‬بينما اعترف الباقون بأنها كانت مخيبة للمال ومتوقعة‬
‫على كل حال‪.‬‬
‫وأيا ً كانت النتائج السابقة فإن الستاذ علي البيانوني يؤكد على أن العمل‬
‫السياسي »هو جزء من اهتمامات الحركة السلمية‪ ،‬يفرضه الفهم المتكامل‬
‫ديات‬ ‫ن يشمل جميع جوانب الحياة‪ .‬كما تفرضه التح ّ‬ ‫للسلم‪ ،‬على أنه دي ٌ‬
‫ل عام«‪.‬‬ ‫السياسية التي تواجه المة بشك ٍ‬
‫وبينما يعتبر الستاذ قاضي حسين أن الحركات السلمية حققت نجاحات‬
‫كبيرة في هذا المجال في الفترة الماضية‪ ،‬فإن الدكتور أبو رحيم يعرض رأيا ً‬
‫مخالفا ً فيقول إن‪» :‬ممارسة الحركات السلمية للعمل السياسي ل يخرج‬
‫عن كونه بناء في الهواء‪ ،‬ونتائج الفترة الماضية من المشاركات شاهد على‬
‫ذلك؛ لن هذه الممارسة ما نبتت إل في ظل أنظمة العلمنة والديمقراطية‬
‫والعولمة وهيمنتها؛ فهي محكومة بالثوابت فيها‪ ،‬وأيّ تجاوز لها ولو على‬
‫مستوى التأييد الشعبي فحكمه الجتثاث والزج به في غياهب التاريخ؛ لن من‬
‫ثوابت هذه النظمة رفض الشريك صاحب القرار؛ فكيف إذا كان الشريك‬
‫صاحب عقيدة ومنهج ل يقبل الشراكة؟‪ .‬ويدعم الشيخ أبو زيد حمزة هذا‬
‫الرأي‪ ،‬بل وينتقد أداء الحركات السلمية السياسية‪ ،‬فيقول إنه غاب عنها‬
‫»منهاج النبوة في الدعوة إلى الله وعدم الفقه بالمراحل المنهجية الدعوية‪،‬‬
‫ونسبة الخفاق دائما ً إلى غيرهم من خارجهم‪ ،‬مع غلبة القوة والعنف في‬
‫الحكم على من خالفهم‪ ،‬وخضوعها للعواطف والنفعالت أكثر من خضوعها‬
‫للحكمة والعقل‪ ،‬بل ربما افتقدت إلى قيادة علمية فقهية«‪.‬‬
‫ولكن الدكتور سلمة حتى على فرض أن الحركات السياسية حققت تراجعا ً‬
‫أو إخفاقا ً فإنه يقول‪» :‬النتائج غير المشجعة في السابق كانت بسبب الهجمة‬
‫الشرسة التي يديرها العداء ويوقعون فيما بين الحركات وأبناء جلدتها«‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ومن فلسطين أيضا ً يعرض الباحث صالح لطفي رأيا ً معارضا ً لممارسة العمل‬
‫السياسي بصورته الراهنة لسباب يراها واقعية ومنهجية‪ ،‬فيقول‪» :‬حيثما تم‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النخراط بالعمل السياسي حدث نوع من الشرخ السياسي داخل الصف‬


‫السلمي‪ ،‬أو كثرت الجيوب والقيل والقال على حساب التربوي والدعوي«‬
‫ويرجع ذلك إلى أسباب منها‪» :‬عدم المراجعة الصادقة للمرحلة التي تم فيها‬
‫خوض غمار العمل السياسي‪ ،‬فإن كانت ثمة ضرورة للنسحاب تم النسحاب‬
‫أو تغيير في أساليب العمل أو السياسات العامة‪ ،‬كما أن ثمة قصورا ً في فهم‬
‫الواقع السياسي للخر وتحديدا ً النظمة التي تقبل بمشاركة الحركة السلمية‬
‫في برلمانها؛ فهي تحدد سقف اللعبة السياسية وآلياتها وكيفية إدارتها ومعالم‬
‫التأثير الصادرة عن هذه اللعبة‪ ،‬ول تتورع هذه الدولة عن استعمال البطش‬
‫ل«‪ .‬ثم يقرر لطفي‬ ‫إذا لحظت أن الحركة تجاوزت الخطوط التي وضعت أص ً‬
‫قاعدة هامة‪» :‬ل يمكن للحركة السلمية أن تغير من خلل هذا النظام‬
‫الموضوع أصل ً لمنع هذه الحركة من تنزيل أمر الدين على الناس«‪.‬‬
‫ولكن النائب جهيد يونسي يؤكد على أن بعض الخفاق في ممارسة العمل‬
‫السياسي ل يسوغ التوقف عنه‪ ،‬ويقرر هو الخر قاعدة للعمل السلمي‪» :‬إذا‬
‫ما أراد أبناء الصحوة السلمية أن ل يعيشوا على أطراف مجتمعاتهم كخدم‬
‫عند غيرهم ل يلتفت إليهم إل عند الحاجة‪ ،‬فل بد من ولوج ساحات‬
‫المجتمعات السياسية والمدنية على السواء ما دام ذلك من أجل جلب‬
‫مصلحة أو دفع مفسدة أو التقليل منها«‪.‬‬
‫وبعيدا ً عن الخلف في جدوى العمل السياسي من الناحية الشرعية كما‬
‫عرضها الشيخ أبو زيد أو الواقعية كما عرضها آخرون‪ ،‬فإن بعض المشاركين‬
‫قدموا لنا معايير يمكن بها الحكم على جدوى الممارسة السياسية واقعيا ً‬
‫حسب ما يتحقق عنها من مصالح‪ ،‬فيقول الستاذ البيانوني‪» :‬ل أقيس النجاح‬
‫في هذا الميدان بوصول هذه الحركة أو تلك إلى الحكم‪ ،‬بمقدار ما أقيسه‬
‫ي عند الحركة‪ ،‬وبقدرتها على التعامل مع‬ ‫بمستوى الوعي السياس ّ‬
‫ّ‬
‫دات والمتغّيرات الدولية والقليمية والمحلية‪ ،‬والتخلي عن الخلفات‬ ‫المستج ّ‬
‫البينية‪ ،‬وبناء الجبهة الداخلية القادرة على المواجهة والصمود«‪ .‬ويعرض‬
‫الستاذ لطفي معيارا ً آخر فيقول‪» :‬علينا أن نحكم على التجارب بشكل‬
‫منفصل‪ ،‬بمعنى أن دراسة التجربة السياسية السودانية ـ وهي تجربة تمكين ـ‬
‫تختلف عن التجربة التركية وهي تمكين أيضًا؛ إل أنها تختلف كلية عن الولى‪،‬‬
‫كما أن التجربة المصرية تختلف عن الردنية وعن الكويتية؛ وهكذا فلكل‬
‫خصوصيته التي يجب أن تدرس بعمق«‪.‬‬
‫ويبدي المشاركون تأكيدات على أهمية التمسك بالثوابت السلمية في‬
‫ممارسة العمل السياسي‪ ،‬ويقول الستاذ البيانوني إن‪» :‬التمسك بالثوابت‬
‫ل عام‪ ،‬والعمل‬ ‫ي بشك ٍ‬‫ك من أهم عوامل نجاح العمل السلم ّ‬ ‫السلمية ل ش ّ‬
‫دد‬
‫ن هذه الثوابت هي بمثابة البوصلة التي تح ّ‬ ‫ل خاص؛ ل ّ‬ ‫السياسي بشك ٍ‬
‫المسار‪ ،‬وتكشف الزيف والضعف‪ ،‬وتنفي الخطأ‪ ،‬وتفرز الصواب«‪ ،‬ويستخدم‬
‫كسال عبد السلم هنا مصطلح »الصالة والمعاصرة«‪.‬‬
‫من الحركات‬ ‫ولكن يعرض الباحث صالح لطفي ُبعدا ً آخر للتمسك بالثوابت يث ّ‬
‫السلمية التي تدفعها ثوابتها للتخلي عن العمل السياسي ولو مؤقتًا‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫»هناك حركات إسلمية أخفقت أو راوحت مكانها بحكم تمسكها بثوابتها‬
‫السلمية إل أن هذا الخفاق الظاهر والذي سببه الحرب الشرسة التي شنت‬
‫على هذه الحركات في حقيقته أوجد في العقل الباطن للمجتمعات احتراما ً‬
‫كبيرا ً لهذه الحركات وهو ينتظر تلكم اللحظة التي يمكن لهذه الحركات أن‬
‫تعاود التمكين المؤثر«‪.‬‬
‫فماذا عن مستقبل العمل السياسي‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشيخ قاضي حسين يبدو مطمئنا ً وهو يقول إنه‪» :‬رغم التحديات الكبيرة‬
‫توقعات النجازات فى المستقبل أكبر من توقعات الماضي«‪ ،‬ولتحقيق النجاح‬
‫في مسيرة العمل السياسي يؤكد الشيخ حمدان على طرح هام هو‪» :‬على‬
‫الحركات السلمية مراجعة برامجها وأدائها في العمل السياسي؛ وإن أدى‬
‫ذلك إلى الفصل بينه وبين العمل الدعوي إذا تطلب المر‪ ،‬أو طرحه من خلل‬
‫عناوين وواجهات قريبة ومتعاطفة ضمن منظومة العمل السلمي العام«‪.‬‬
‫ويقدم الدكتور منير الغضبان عناصر أربعة للنجاح يعتبرها لزمة للعمل‬
‫السياسي في الفترة المقبلة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬فقه الواقع‪ :‬بعيدا ً عن العاطفية والرتجال وردود الفعال والماني‪ ،‬الواقع‬
‫بجميع عناصره الخصم الداخلي والعدو الخارجي‪.‬‬
‫‪ - 2‬فقه السلم‪ :‬فنحن لسنا مجرد حزب سياسي تهمه السلطة؛ إنما نحن‬
‫حركة إسلمية يهمها تطبيق السلم من خلل السلطة‪.‬‬
‫‪ - 3‬فقه تطبيق السلم على الواقع‪ :‬من خلل الفقه السياسي أو السياسة‬
‫الشرعية ضمن أطر التدرج والتيسير ل التعسير‪ ،‬وفقه الولويات وفقه‬
‫الموازنات‪.‬‬
‫‪ - 4‬التربية الروحية‪ :‬التي تقتل النا في النسان وتجعله جنديا ً لله ل جنديا ً‬
‫لذاته‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬هل يمكن أن تذكروا لنا في نقاط محددة أهم الدروس المستفادة‬
‫من تجربتكم في العمل السلمي في الحقبة الماضية؟‬

‫)‪(7 /‬‬

‫قدم لنا نحو خمسة عشر من قادة وعلماء ومفكري وناشطي العمل‬
‫السلمي في هذا التحقيق خلصة الدروس التي استفادوها خلل تجربتهم‬
‫ون من ذلك كله كنز من الفوائد ل يقدر‬ ‫السلمية في الفترة الماضية‪ ،‬وقد تك ّ‬
‫بثمن‪ ،‬ونذكر أبرز الفوائد منسوبة إلى قائليها‪:‬‬
‫الستاذ علي البيانوني‪ :‬ضرورة التواصل بين أجيال الدعاة‪ ،‬ضرورة تبّني‬
‫حاجات الجماهير المعاشية بمقدار تبّني حاجاتهم الروحية والفكرية‪ ،‬نقد‬
‫الذات وتقبل النصح ومحاولت الصلح بصدر رحب‪.‬‬
‫الشيخ أبو زيد حمزة‪ :‬البدء بالهم فى الدعوة إلى الله وهو توحيد الله‪،‬‬
‫ومراعاة منهج النبياء فى الدعوة أمر لزم وثمراته طيبة‪.‬‬
‫الدكتور منير الغضبان‪ :‬العاطفية والرتجال والبعد عن التخطيط هو مقتل‬
‫الحركات السلمية‪ ،‬غياب المؤسسات الفاعلة والتي يتحرك القرار من خللها‬
‫تجعل الحركة السلمية ملكا ً لشخاص ل لمبادئ وقيم‪ ،‬مقتل الدعاة أو القادة‬
‫في المهلكات المحددة من رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ثلث‬
‫مهلكات‪ :‬شح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪.‬‬
‫الستاذ قاضي حسين أحمد‪ :‬ضرورة اللتزام بالجماعة مهما كانت الظروف‬
‫ومهما كانت الخلفات فى الرأي‪ ،‬ضرورة تجديد الوسائل والطرق فى إيصال‬
‫الدعوة وتحقيق الهدف‪ ،‬عدم الرد على التهامات التي قد تأتي من بعض‬
‫المجموعات أو الحزاب السلمية ثم المبادرة بمد يد التعاون إليها تأتي‬
‫بالنتائج المطلوبة والمرجوة‪.‬‬
‫الستاذ كسال عبد السلم‪ :‬تجّنب الجنوح إلى النزعة الذاتية ولو في مجال‬
‫الطرح الفكري الصرف‪ ،‬تبني مبدأ سعة الصدر في التعامل داخل التنظيم‬
‫وفي خارجه مع التنظيمات الخرى‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدكتور أحمد أبو حلبية‪ :‬أهم درس هو أن من يخلص العمل لله سيجد ثمار‬
‫هذا الخلص‪ ،‬ثم إن العمل السلمي يحتاج لصبر وثبات على الحق كما قال ـ‬
‫َ‬
‫ة َفاث ْب ُُتوا{ ]النفال‪.[45 :‬‬
‫م فِئ َ ً‬ ‫مُنوا إَذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪ -‬تعالى ‪ -‬ـ‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الشيخ خالد حمدان‪ :‬أخطر ما يعاني منه العمل السلمي بروز المراض‬
‫النفسية كالحساد والضغان في نفوس أبنائه ورموزه‪ ،‬على الحركات‬
‫السلمية أن تسعى جادة جاهدة في الستفادة من التجارب البداعية‬
‫المعاصرة في صناعة »القيادات« و »الكوادر« التي تقدر على النهوض‬
‫بالعمل السلمي ومتطلباته‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬ما هي أهم المعوقات والمبشرات في طريق العمل السلمي؟‬
‫المعوقات‪:‬‬
‫‪ -‬الستبداد الذي ل يسمح بالعمل للسلم‪ ،‬فيحول دون قيام المسلمين‬
‫بواجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة )الستاذ علي البيانوني(‪.‬‬
‫‪ -‬ما تسعى قوى الستعمار إليه عن طريق حكومة برويز مشرف من فرض‬
‫العلمانية والفساد وبحجة »السلم الحديث«‪ ،‬وقيام الحكومة الباكستانية‬
‫بفصل العناصر السلمية من المؤسسة العسكرية حتى يسهل استخدام هذه‬
‫المؤسسة ضد الحركات السلمية إذا لزم المر‪ ،‬والخوف من تسلم‬
‫السلميين حكم هذه الدولة ذات القوة النووية )الستاذ قاضي حسين(‪.‬‬
‫‪ -‬الجهل وعدم تصور السلم تصورا ً صحيحا ً لدى من يقوم بالعمل الدعوي‪،‬‬
‫وجود طوائف ضالة وفرق من أهل البدع لها أثرها الواضح‪ ،‬النفرة وعدم‬
‫النسجام بل والتناقض لدى بعض الدعاة‪ ،‬معوقات إدارية تتمثل في تولية غير‬
‫الكفاء أحيانا ً وفي ضعف التخطيط )الشيخ أبو زيد حمزة(‪.‬‬
‫‪ -‬الذاتية خاصة فيما تعلق بتولي وتولية المناصب القيادية‪ ،‬وكذا النكماش‬
‫الفكري‪ ،‬ومنها مشكلة النسجام التي تزداد وتكبر كلما قل العتماد على‬
‫الطاقات الوافدة التي لم تتلق تكوينها في أحضان الحركة السلمية أو أهمل‬
‫إخضاعها لذلك )كسال عبد السلم(‪.‬‬
‫‪ -‬الصحوة السلمية الشعبية العامة أصبح سقف مطالبها أكثر مما تطيقه أو‬
‫تدعو إليه الحركة السلمية‪ ،‬كما أن الحركة السلمية لم تحقق النجاح‬
‫المأمول في مجالت التربية والقدوة وبناء الشخصية السلمية المتوازنة التي‬
‫تستطيع أن تقود الجماهير بسمعتها ومصداقيتها‪ ،‬وأيضا ً الحركة السلمية لم‬
‫تقدم فكرا ً متقدما ً أو بدائل علمية بإمكانها أن تواجه بها معضلة الحكم في‬
‫العالم العربي والسلمي‪ ،‬وتجعلها تنتقل من موقع الدعوة إلى موقع الدولة‬
‫بكفاءة عالية )عبد الرزاق مقري(‪.‬‬
‫‪ -‬من المعوقات في فلسطين‪ :‬ملحقة المجاهدين والدعاة وتكميم الفواه‪،‬‬
‫وعدم اخذ العلماء لدورهم الطبيعي‪ ،‬وقلة المؤسسات ومحاربة المؤسسات‬
‫التي تعمل للسلم‪ ،‬عدم وجود الطاقات المؤهلة بما يكفي حاجة الناس )د‪.‬‬
‫ماهر الحولي(‪.‬‬
‫‪ -‬داخل الخط الخضر في فلسطين‪ :‬الحركة السلمية تعيش كأقلية‪ ،‬والكيان‬
‫الصهيوني ل يسمح بانتشار العمل السلمي وحملة العتقالت الخيرة خير‬
‫برهان‪ ،‬أساليب المخابرات »السرائيلية« في حرب الصحوة السلمية من‬
‫نشر للفساد والزنا والمخدرات والشقاق بين الناس‪ ،‬والفضائيات وما تبثه من‬
‫سموم وفواحش )الستاذ صالح لطفي(‪.‬‬
‫المبشرات‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬ما وصلنا إليه من التحاد والوحدة بين الحزاب الدينية الرئيسة في باكستان‬
‫ونتيجة لذلك حققنا نتائج مطمئنة ومبشرة في المستقبل‪ ،‬وأيضا ً وجود جيل‬
‫من الشباب الملتزم في جميع مجالت الحياة )الستاذ قاضي حسين(‪.‬‬
‫‪ -‬أنا مستبشر خيرا ً ومتفائل كثيرا ً في مسيرة العمل السلمي في فلسطين‬
‫بفضل الله وتوفيقه‪ ،‬وبسبب هذه الصحوة السلمية وجهاد أبنائنا )الشيخ‬
‫حامد البيتاوي(‪.‬‬
‫‪ -‬قبول كثير من الناس في المجتمعات بطبقاته المتعددة لنهج أهل السنة‬
‫والجماعة وظهور ذلك لدى الشباب خاصة في الجامعات‪ ،‬كثرة المساجد‬
‫ودور العلم والدورات العلمية والسابيع الدعوية )الشيخ أبو زيد حمزة(‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب السلمي أصبح مطلبا ً جماهيريا ً عاما ً ليس مرتبطا ً بحزب أو تنظيم‬
‫أو هيئة أو دولة مما دفع بالسلم إلى الواجهة العالمية‪ ،‬ونشوء الوعي في‬
‫الغرب نفسه بفساد المنظومة الليبرالية الجديدة حيث نشاهد النمو المتسارع‬
‫للحركات المناهضة للعولمة مما يؤكد حقيقة أن للسلم مستقبل ً زاهرا ً في‬
‫الغرب )الستاذ عبد الرزاق مقري(‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬الصحوة والتغيير في الشارع الفلسطيني؛ فمثل كان قديما يوجد مسجد‬
‫واحد في كل مخيم‪ ،‬اليوم المساجد بالعشرات‪ ،‬وانظر إلى نوعية المصلين‬
‫فأغلبيتهم من الشباب رغم أن الشاب في السابق كان يعاب عليه إذا دخل‬
‫المسجد وكان المر مقتصرا ً على الشيوخ‪ ،‬وفي مجتمعنا الفلسطيني كانت‬
‫المرأة تشق الجيوب وتلطم الخدود عندما يستشهد ابنها أو قريبها؛ أما الن‬
‫فهي تزغرد‪ ،‬بل ترسل ابنها للشهادة )د‪ .‬ماهر الحولي(‪.‬‬
‫‪ -‬مسيرة العمل السلمي بفضل الله تأخذ ُبعدا ً أفقيا ً متناميا في واقع‬
‫ً‬
‫مجتمعنا »الرض المحتلة عام ‪ «48‬لتغطي جميع شرائح المجتمع من الرجال‬
‫والنساء والشباب والطفال‪ ،‬وعلى مستوى الشارع والمدرسة والجامعة‬
‫)الشيخ خالد حمدان(‪.‬‬
‫ـ من فلسطين‪ :‬زار المسجد القصى المبارك للصلة عام ‪2003‬م أكثر من‬
‫‪ 300‬ألف مصل أي ‪ %30‬من السكان المسلمين في البلد‪ ،‬وانتشار الكتاب‬
‫السلمي سواء من خلل المعارض السلمية أو العامة‪ ،‬وانتشار المكتبات‬
‫السلمية في طول البلد وعرضها‪ ،‬وارتفاع وتيرة العمل السلمي في‬
‫الجامعات والمعاهد السرائيلية بين صفوف الطلبة المسلمين‪ ،‬وازدياد‬
‫الطلب الجامعيين اليبين إلى ربهم )الستاذ صالح لطفي(‪.‬‬
‫‪ -‬في سوريا الصحوة السلمية الن تمل الفجاج‪ ،‬عودة التيار القومي الذي‬
‫كان يتنكر للسلم إلى العتراف بالسلم واعتباره أساسا ً للنصر )الدكتور‬
‫منير الغضبان(‪.‬‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫)*( شارك في إجراء حوارات فلسطين‪ ،‬والجزائر‪ ،‬مراسل المجلة‪ :‬نائل نخلة‪،‬‬
‫ويوسف شلي‪.‬‬
‫جمادى الول ‪1425‬هـ * يونيو‪/‬يوليو ‪2004‬م‬

‫)‪(9 /‬‬

‫السلميون والعطاء الفكري‬


‫)النموذج السوري(‬
‫محمد علي شاهين‬
‫عندما يكون اليمان بالسلم طريق خلص وسبيل إنقاذ‪ ،‬ويكون النضال من‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أجل التحرير هو جوهر النضال من أجل السهام والتبشير بمجد السلم‬


‫وسيادته في أمة مهزومة مقهورة‪ ،‬ويكون التصدي للغزو الثقافي والفساد‬
‫السياسي والتضليل القومي مهمة شاقة وعسيرة‪ ،‬تبرز أهمية الريادة الفكرية‬
‫لنجباء الحركة السلمية من خلل البداعات القلمية الراقية‪ ،‬والعطاء‬
‫المتجدد القادر على البتكار‪ ،‬والتعبير الصادق المين عن ضمير المة بصراحة‬
‫وجرأة‪ ،‬والتنبيه إلى الخطار التي تتهدد المة في حاضرها ومستقبلها‪،‬‬
‫والسعي الدؤوب لعادة صياغة الشخصية السلمية التي تستعصي على‬
‫الستعمار والستغلل والقدرة على تقديم البدائل بلغة العصر‪.‬‬
‫وتبدو صورة هذه الحركة الرائدة اليوم أكثر جلل ً وجمال ً لنها حركة مثقفين‪،‬‬
‫تنوعت ملكاتهم الدبية فكان لهم أدب رصين مهذب‪ ،‬وشعر قوي معبر‪،‬‬
‫ومقالة نقدية مستوعبة قضايا التطور‪ ،‬وظهر منهم رجال كان لهم منطق أخاذ‬
‫مهيب‪ ،‬مهدوا بفكرهم الصلحي لعالم جديد تسوده العدالة‪ ،‬وفجروا كفاح‬
‫أمة ل تنقطع ثورتها‪ ،‬ووقفوا وقفة عز في خنادق المستضعفين ضد قوى‬
‫الظلم‪ ،‬وكسوا بساحر لمساتهم الهياكل القديمة حلة البهاء وزادوها تألقا‪ً.‬‬
‫ولطالما أحبت جماهيرهم المتعطشة إلى المعرفة‪ ،‬الكلمة الصادقة‪ ،‬وعشقت‬
‫الخطابة النقدية للوضاع السياسية والقتصادية‪ ،‬والدعوة لوحدة العالم‬
‫السلمي في ظل الخلفة‪ ،‬وتحرير المة‪.‬‬
‫وتعلمت النصات للترتيل في محاريبهم‪ ،‬فقد استوعبت هذه التجربة‪ ،‬وحملت‬
‫روادها لقيادة الشارع السلمي‪ ،‬وتحدي الخصوم‪.‬‬
‫المزاوجة بين مدرستين‬
‫ولقد اتسعت ميادين العطاء الفكري التي صالوا فيها وجالوا‪ ،‬وتعمقت جذور‬
‫الشجرة الطيبة التي غرسها المام البنا بيده المباركة خلل العقود الستة‬
‫الماضية وفاح عطرها وأينع ثمرها‪ ،‬وطبعوها بلون متميز‪ ،‬زاوج بين مدرستين‬
‫فنيتين عريقتين‪ ،‬كان لكل منهما في أدبنا العربي الصيل وتراثنا السلمي‬
‫نكهة خاصة‪ ،‬رغم تناقض تينك المدرستين إلى درجة الصراع بعد رفض‬
‫التحكيم‪.‬‬
‫أخذوا من الخوارج صراحتهم في الحق والجرأة في مواجهة الخصوم وتحدي‬
‫العداء والثقة بالنصر‪ ،‬والطمئنان إلى عدل الله‪ ،‬ونوال الجنان والتضحية من‬
‫أجل المبادئ وحب الستشهاد‪ ،‬وأخذوا من الشيعة ذكر الحزان والفواجع‬
‫والبكاء على الشهداء الذين يعلقون على المشانق ويقتلون في الزنزانات‬
‫ويعذبون داخل القبية والمعتقلت‪ ،‬ولبد للدارس المتعمق لهذه الظاهرة‬
‫الفريدة من إسقاط دائرة الضوء على إحدى الساحات القطرية في عالمنا‬
‫السلمي‪ ،‬فيختار الساحة السورية كمثال‪ ،‬وهي الساحة التي فاض كأسها‬
‫بالعطاء‪ ،‬ويترجم في هذه العجالة باختصار لبعض العلم على كثرتهم وتنوع‬
‫أساليبهم وغزارة إنتاجهم وانتشار مؤلفاتهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان الشيخ علي الطنطاوي ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬رمزا متألقا من رموز الحركة‬
‫السلمية‪ ،‬فقد عالج في وقت مبكر المشكلت الجتماعية والسياسية‪ ،‬ودعا‬
‫إلى مناهضة الستبداد السياسي ومجابهة الستعمار‪ ،‬وتأييد القضايا السلمية‬
‫في العالم متأثرا ً بالمام البنا‪ ،‬ومتتلمذا ً عليه وعلى خاله الشيخ محب الدين‬
‫الخطيب‪ ،‬صاحب المطبعة السلفية‪ ،‬وهو أول من كتب مسرحية إسلمية‬
‫)مسرحية أبي جهل( ويدل على سعة علمه وغزارة إنتاجه‪ ،‬فقد بلغت مؤلفاته‬
‫أكثر من ثلثين كتابًا‪ ،‬كتب في التراجم )رجال من التاريخ( وفي الرحلت )بلد‬
‫العرب( وفي القصة )قصص من الحياة( وفي الدعوة )تعريف عام بدين‬
‫السلم( وفي النقد )في التحليل الدبي(‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قادة ومفكرون‬
‫أما الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله الذي تقلد مناصب رفيعة في قيادة‬
‫الخوان فقد كان رجل ً متميزا ً بالعطاء‪ ،‬وكان إلى جانب هذا مفكرا ً من الطراز‬
‫ل‪ ،‬أيقظت روحه دعوة المام البنا في وقت‬ ‫الول وخطيبا ً مفوهًا‪ ،‬وشاعرا ً مق ً‬
‫مبكر أيضًا‪ ،‬فكان ثائرا ً على الستعمار الفرنسي قائدا ً لكتائب الجهاد في‬
‫فلسطين‪ ،‬مشاركا ً في الحياة السياسية السورية والفكرية‪ ،‬ألف رحمه الله‬
‫أكثر من خمسة وعشرين كتابا ً منها‪) :‬السنة ومكانتها في التشريع السلمي(‬
‫و)المرأة بين الفقه والقانون( و)الحوال الشخصية( و)أخلقنا الجتماعية(‬
‫و)الستشراق والمستشرقون( و)من روائع حضارتنا( و)المرونة والتطور في‬
‫التشريع السلمي(‪.‬‬
‫وتفوق الستاذ عصام العطار المراقب العام الثاني للجماعة وخليفة السباعي‬
‫في قيادة الحركة السلمية السورية في فن الخطابة حتى عد من خطباء‬
‫دمشق البلغاء‪ ،‬وكانت خطبة الجمعة في مسجد جامعة دمشق‪ ،‬في الستينات‬
‫أشبه بخطبة الجمعة في جامعة طهران بعد الثورة السلمية‪ ،‬وكانت له في‬
‫صحيفتي اللواء والشهاب أعمدة دائمة ومقالت وتصريحات‪ ،‬تناولت شؤون‬
‫السياسة والحكم‪.‬‬
‫أما عن فنون التحقيق والنشر فقد كانت لهم بها قدم راسخة ومعرفة واسعة‬
‫وإنجازات علمية راقية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ول يزال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬رائدا ً في فن‬
‫التحقيق‪ ،‬مجتهدا ً فيه مع غزارة في التصنيف والتأليف‪ ،‬ومن كتبه المحققة‬
‫)الجوبة الفاصلة للسئلة العشرة الكاملة( و)الرفع والتكميل في الجرح‬
‫والتعديل( للكنوي‪ ،‬و)المصوع في معرفة الحديث الموضوع( للقارئ‪ ،‬و‬
‫)قواعد في علوم الحديث( لظفر أحمد‪ ،‬وقد تميزت قيادته للجماعة داخل‬
‫البلد وخارجها بالحكمة والناة في أحلك الظروف‪ ،‬وأنجبت مدرسته الفكرية‬
‫في حلب الكثير من النجباء‪.‬‬
‫وكان الشيخ سعيد حوى رحمه الله مربيا ً فاضل ً ومحدثا ً أنيقا ً وخطيبا ً متمكنا‪ً،‬‬
‫ومفكرا ً حركيا ً من طراز فريد‪ ،‬وهو مثل سيد قطب في مصر‪ ،‬دعا إلى تحرير‬
‫المة السلمية وتحقيق أمنها‪ ،‬وكان مجاهدًا‪ ،‬ألف الدراسات المنهجية وهي‬
‫)الله( و )الرسول صلى الله عليه وسلم( و )جند الله ثقافة وأخلقًا( وله‬
‫)المدخل إلى دعوة الخوان المسلمين( وكتب في السجن )الساس في‬
‫التفسير( أحد عشر مجلدًا‪.‬‬
‫ويعتبر الستاذ محمد المجذوب ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬أحد رواد القصة‬
‫السلمية‪ ،‬فقد أصدر في وقت مبكر سلسلة للشباب والطلب منها‪) :‬قصتان‬
‫من الماضي( و )قصص من سورية( و )قاهر الصحراء( و )مدينة التماثيل(‬
‫ورواية )صرخة دم( ومسرحية )من تراث البوة( وله )تأملت في المرأة( و‬
‫)ذكريات ل تنسى مع المجاهدين والمهاجرين في باكستان( و )علماء‬
‫ومفكرون عرفتهم( ثلثة أجزاء‪ ،‬وكان خطيبا ً شعبيا ً عرفته منابر الساحل‬
‫السوري في المناسبات الوطنية‪ ،‬وشاعرا ً صاحب ديوان ومجموعات شعرية‬
‫راقية )همسات قلب( و )نار ونور( و )ألحان وأشجان(‪.‬‬
‫الميري‪ ..‬شاعرا ً‬
‫وبرز من شعراء الخوان رجال تمثلوا فكر المام المجدد وطريقته الصلحية‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التربوية‪ ،‬ومدرسته الجهادية‪ ،‬كان في طليعتهم عمر بهاء الدين الميري رحمه‬
‫الله الذي اكتوى بنار القضية الفلسطينية‪ ،‬فكانت هاجسه اليومي منذ أن‬
‫تطوع في جيش النقاذ عام ‪ ،1367/1948‬وعبر عن هموم المسلمين بجرأة‬
‫وصراحة‪ ،‬ونقد الوضاع الشاذة وكان يرى أن السلم وحده طريق الخلص‬
‫بعد سقوط كل الشعارات واليدلوجيات والوجوه المستعارة‪ ،‬ونظم من أجل‬
‫تلك المعاني عشرات الدواوين والمجموعات ومنها‪) :‬من وحي فلسطين( و‬
‫)ملحمة الجهاد( و )الزحف المقدس( و )حجارة من سجيل(‪.‬‬
‫وإذا ذكرت القصة القصيرة في سورية ذكر رائد هذا الفن الستاذ إبراهيم‬
‫عاصي –فرج الله عنه‪ -‬بعد أن أغفله النقاد‪ ،‬ونسيه الموظفون في مكاتب‬
‫حقوق النسان‪ ،‬ولنقرأ معا ً مجموعاته القصصية‪) :‬سلة الرمان( و )ولهان‬
‫والمتفرسون( و )حادثة في شارع الحرية( ومجموعة مقالته في المرأة‬
‫)همسة في أذن حواء( وفي الرجل‪) :‬للزواج فقط( ولنجلس أمامه ليحدثنا‬
‫بأدب جم في كتابه‪) :‬جلسة مفتوحة مع مالك بن نبي(‪.‬‬
‫وملك الدكتور حسن هويدي ناصية البيان والبلغة رغم تخصصه في الطب‪،‬‬
‫فكانت له مؤلفات قيمة منها‪) :‬الوجود الحق( و )الشورى في السلم( و )من‬
‫نفحات الهدى( وله محاضرات لو جمعت لبلغت عدة مجلدات في مباحث‬
‫العمل السلمي الحركي والتربية الروحية‪.‬‬
‫وكتب الستاذ عبد الله الطنطاوي في الدب والدين والسياسة مقالت‬
‫امتازت بالصدق والصالة وكان جل اهتمامه بأدب الطفل المسلم‪ ،‬وأدب‬
‫النتفاضة الفلسطينية‪ ،‬وصدر له في الدراسات الدبية والنقدية )دراسات في‬
‫أدب باكثير( وفي الرواية )عشر روايات للنتفاضة( ورواية )القسام( وكتب‬
‫في القصة )أصوات( وكتب للطفال ستة وعشرين كتابًا‪.‬‬
‫وامتاز الخ عبد الله عيسى السلمة بالدب الجم والسلوب المشرق‪ ،‬فكانت‬
‫بعض خصال شعره المعبر عن معاناة المسلم المعاصر في ديار الغتراب‪،‬‬
‫وجاءت مقالته الدبية والنقدية ثمرة قلم عقائدي ناضج منفتح على الثقافات‬
‫والمدارس الحديثة‪ ،‬ومن أبرز أعماله‪ :‬مسرحية )بيت العباقرة( و )واحة في‬
‫التيه( ومجموعته الشعرية )الظل والحرور(‪.‬‬
‫وأجاد الديب النسان محمد محمود الحسناوي فن المقالة السياسية‬
‫والدراسة النقدية وأنصتت له المنابر وخشعت له المحاريب وهو صاحب كتاب‬
‫)الفاصلة في القرآن الكريم( وتألق في ليل المة مثل جوهرة نفيسة في‬
‫روايته )خطوات في الليل( ومجموعته الشعرية )في غيابة الجب( ومجموعته‬
‫القصصية )الحلبة والمرأة(‪.‬‬
‫ولول خشية الطالة لستعرضت نماذج من إبداعاتهم المنثور منها والمنظوم‪،‬‬
‫وحلقت مع هؤلء العلم في عالمهم الساحر البهيج‪ ،‬وتناولت بالنقد أجمل ما‬
‫غنوه من قصائد‪ ،‬وكما كتبوه من قصة أو مسرحية‪ ،‬وما دبجته يراعتهم من‬
‫مقالة أو دراسة أو بحث‪ ،‬وأضفت إليهم من أهل الفكر والقلم ضمن هذا‬
‫النموذج نجوما ً ل يتسع المقال لمقامهم‪.‬‬
‫ولبد للدارس المتعجل‪ ،‬وهو يستعرض مسيرة هؤلء الرواد كنماذج مختارة‬
‫من وقفات‪.‬‬
‫الولى‪ :‬أصالة الحركة التي أنجبتهم وفجرت طاقاتهم في خدمة أهدافها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬خروجهم عن دائرة القطرية إلى السلمية الرحب‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬جمعهم بين العلوم الدينية والفنون الدبية والثقافات العصرية‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬حملهم هموم الوطن وعدم تخليهم عن جماهيرهم‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الخامسة‪ :‬تقلدهم مناصب في حركتهم يدل على احترام قواعدهم لرجال‬


‫الفكر‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬تمثيلهم للمحافظات السورية يؤكد انتشار الفكر السلمي وثراءه‬
‫داخل البلد‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬غزارتهم في التأليف والتصنيف والنظم وقدرتهم على العطاء‬
‫والبذل‪.‬‬
‫وسيظل الفكر السلمي الذي أرسى قواعد مدرسته الحديثة كل الرواد حيا ً‬
‫ما دامت الحياة‪ ،‬وستبقى الكلمة الطيبة بلسما ً شافيا ً لجراح المة الموؤدة‬
‫المقهورة وهي تتطلع لفجر إسلمي مشرق في كل القطا‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الشارات القرآنية إلى الطبائع البشرية‬


‫توطئة وتمهيد‪:‬‬
‫إن النسان مخلوق الله تعالى الذي خلقه فسواه فعدله‪ ،‬فكان هذا تكريما ً‬
‫للنسان على مخلوقات الله الخرى‪ ،‬وحسبه من هذا التكريم النعام عليه‬
‫بالعقل والفكر‪ ،‬وتشريفه بالتكليف اللهي‪.‬‬
‫إن النسان في أصل جوهره الذي عليه مدار ذاته وكيانه ووجوده يدور حول‬
‫طبعه وسليقته من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى يدور حول ذاته الحرة الواعية‬
‫المستبصرة بما أضاف أو أضيف إليها من مكسوبات البيئة والظروف‬
‫المخامرة‪ ،‬والحوال الملبسة‪...‬‬
‫ويكون هناك إحدى حالتين‪:‬‬
‫الولى يسيطر فيها الطبع الموروث بالسليقة في الغلب العم‪ ،‬وهو ما‬
‫تنطوي عليه الفطرة المفطور عليها‪ ،‬وإما أن تسيطر الظروف على الطبع‬
‫فتعمد إلى تعديله وتخصيص حركته ونزعاته وسلوكياته‪...‬‬
‫وفي دولب الحياة توجد كل أصول الطباع‪ ،‬خصالها وخصائصها وتفريعاتها‪،‬‬
‫سواء كانت أصول ً محضة ) لم يلحقها تغير أو تبديل أو تحوير وتخصيص ( أم‬
‫غير ذلك مما أعتورها وكاتفها ـ درجة ما من التعديل والتحوير‪ ..‬وهذا الطرز‬
‫والنماط فاشية بين بني البشر‪ ،‬ظاهرة كل الظهور‪ ،‬واضحة كل الوضوح‬
‫للعيان‪ ،‬ل تخفي على الريب والخبير الممارس‪.‬‬
‫والكلم على الشارات القرآنية للطبائع البشرية كلم كثير يحتاج بيانه‬
‫وتفصيله إلى سفر جامع‪ ،‬لكن نكتفي هنا بالشارة إلى بعض هذه الطبائع‪،‬‬
‫ونحرر تحليل بعض المواقف الظاهرة السافرة والخيوط التي تصل بينها وبين‬
‫عوالم السرار المطوية في السرائر‪ ،‬والتي قد تكون محجوبة مستورة ولكنها‬
‫تقف وراء كل حركات النسان وسكناته‪ ،‬فنفسر أسلوبه في الحياة ومنهاج‬
‫عمله‪ ،‬وتبرر مسلك عقيدته‪ ،‬وما يتأدى إليه من قول وفعل‪.‬‬
‫الطبائع الثمانية‬
‫هناك تقسيمات قديمة للطبائع عزا القدماء إليها كل شيء‪ ،‬لعل أقدمها‬
‫الطبائع الربعة‪ :‬الناري‪ ،‬ويدل على الحرارة‪ ،‬والهوائي‪ ،‬يدل على الرطوبة‪،‬‬
‫والمائي‪ ،‬للبرودة‪ ،‬والرضي ) الترابي (‪ ،‬لليبوسة‪.‬‬
‫كما أن القدماء اتفقوا على الخلط والمزجة الربعة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الصفراوي )‪.(choleretic‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والبلغمي )‪.(phlegmonus‬‬
‫والدموي )‪.(consanguious) (consanguinargy‬‬
‫والسوداوي ) الميلنخوليا (‪.(melancholic) :‬‬
‫ثم أخذ العلم في التطور وتوالت البحوث والدراسات التي قطعت أشواطا ً‬
‫بعيدة من النظرية والتطبيق‪ ،‬لكن في النهاية ظهرت في أواخر القرن التاسع‬
‫عشر وبدايات القرن العشرين الميلديين المدرسة الفرنسية في علم الطباع‬
‫ورت هذا العلم وانتقلت به من حيز الفروض النظرية البحتة‬ ‫التي ط ّ‬
‫والتصورات النمطية الخيالية المحضة إلى الدراسات التطبيقية والتحليلت‬
‫العملية‪ ،‬على عينات إحصائية مختارة من مختلفة طبقات وشرائح المجتمع‪،‬‬
‫ورصد النتائج وتدوين الملحظات المنتهي إليها في دقة بالغة‪.‬‬
‫كانت هذه طفرة بارزة يرجع الفضل فيها إلى العلمة والفيلسوف الفرنسي‬
‫رينيه لوسين )‪ ) (rene lesenene‬أستاذ علم النفس والفلسفة بجامعة السربون‬
‫والمتوفي سنة خمس وخمسين وتسع مئة وألف للميلد (‪.‬‬
‫وكان رافقه وعاضده في بحوثه جيرترود هيمانس )‪ ) (gertrude heymans‬عالم‬
‫النفس الهولندي ( وصديقه الدكتور فيرزما )‪) (wirsma‬وهو طبيب اختصاصي‬
‫في المراض العقلية (‪.‬‬
‫ولقد انتهت الدراسات لهذه المدرسة إلى أن طبائع البشر ثمانية طباع‪:‬‬
‫العصبي‪ ،‬والعاطفي‪ ،‬والغضبي‪ ،‬والجموح‪ ،‬والدموي‪ ،‬واللمفاوي‪ ،‬والهلمي‪ ،‬ثم‬
‫الخامل‪.‬‬
‫وعن كل طبع من هذه الطباع استخلصت البحوث العلمية لهذه المدرسة‬
‫كثيرا ً من الدقائق واللطائف التي تفسر لنا كثيرا ً من الرغبات والمنازع التي‬
‫تتحكم في التوجه وتبرر لنا غوامض الشخصية‪ ،‬وتميط اللثام عن عديد من‬
‫السلوكيات الغامضة‪.‬‬
‫* الشارات القرآنية‪:‬‬
‫إن الشارات القرآنية الواردة في الكتاب العزيز إنما تعطينا صورة دقيقة‬
‫للملمح والسمات والقسمات التي ينضوي تحتها الطبع‪ ،‬فهي إما تصرح‬
‫بالطبع تصريحًا‪ ،‬أو تشير إليه تلميحًا‪ ،‬أو تقرر أخص خصائصه بلمحات ضمنية‬
‫أو غير مباشرة‪.‬‬
‫وهنا يأتي دور الخبير المتمرس بطول المران على قراءة ما وراء الظواهر‬
‫والمحسوسات‪ ،‬من خلل تقويم الشارات واللمحات‪ ،‬وترجمة مدلولتها بغير‬
‫افتئات على النصوص‪ ،‬أو تزيد ل موجب له بحال من الحوال‪.‬‬
‫لكننا بادي الرأي ـ قبل الولوج إلى جواهر المسائل ـ نرى وجوب الشارة‬
‫والتنبيه والتنويه عن عدة ملحظات وتحفظات وهي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الغضب من أقبح الطبائع البشرية على مختلف مستوياتها‪ ،‬لكنه إذا كان‬ ‫أو ً‬
‫منسوبا ً لله تعالى فإنه قمة العدل والقسط‪ ،‬لكونه منزها ً عن عوارض السلبية‬
‫التي تعتور البشر‪ ،‬ولنه بريء من الظلم والفساد ) حاشاه ذلك (‪ ،‬ومع هذا‬
‫فإن رحمته سبحانه وتعالى سبق تغضبه‪ .‬من ثم‪ ،‬فإنه في الصفات المشتركة‬
‫بين الخالق والمخلوق تكون المشاركة لفظية فحسب‪ ،‬فإنه جل شأنه ) ليس‬
‫كمثله شيء (‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬النبياء كلهم مبشرون بالجنة لكونهم مخلصين مختارين‪ ،‬والغصب‬


‫عندهم ليس بنقيصة تقدح في عصمتهم‪ ،‬وسلمتهم‪ ،‬وكمال إيمانهم‪ .‬ولكن‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورد في كل الحوال على سبيل ضرب المثال والتعريض بالمم‪ ،‬وهم‬


‫مختلفون عن السواد البشري‪ ،‬فهم جميعا ً معفو عنهم‪ ،‬مغفور لهم‪ ،‬وما ورد‬
‫عنهم من المواقف والحوال إنما كان استقصاًء وسبرا ً لغوار النفس‬
‫البشرية‪ ،‬مع إلهامهم المسارعة بالتوبة والنابة‪ ،‬ورسم لهم سبحانه طريق‬
‫العذار والنذار وتدارك المر قبل فوات الوان‪ ،‬وهذا مفاده تعليم المكلفين‬
‫كيف يتصرفون‪ ...‬والنبياء جميعا ً قدوة حسنة‪ ،‬أعذارهم ممهودة وأخطاؤهم‬
‫مغفورة‪ ،‬وطباعهم مرضية‪...‬‬
‫ثالثًا‪ :‬كل كافر مغضوب عليه‪ ،‬وكل مغضوب عليه من الله تعالى هالك ل‬
‫محالة‪ ،‬كذا كل مرضي عنه من الله ناج‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫من َعَ َ‬
‫ت‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن أفَعَ َ‬ ‫ضلوا )‪ (92‬أل ت َت ّب ِعَ َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك إ ِذ ْ َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ْ‬
‫ن َ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫ل َيا َ‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬قا َ‬
‫قو َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ري )‪َ (93‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫شي ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫سي إ ِّني َ‬ ‫حي َِتي َول ب َِرأ ِ‬ ‫خذ ْ ب ِل ِ ْ‬ ‫م ل ت َأ ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ل َيا اب ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ب قَوِْلي )‪]) (94‬سورة طه[)‪.(1‬‬ ‫م ت َْرقُ ْ‬ ‫ل وَل َ ْ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫فَّرقْ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫موِني ِ‬ ‫فت ُ ُ‬ ‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ب ِئ ْ َ‬ ‫سفا َقا َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ضَبا َ‬ ‫مهِ غ ْ‬ ‫سى إ ِلى قَوْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جع َ ُ‬ ‫ما َر َ‬ ‫وقال‪ ( :‬وَل ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫نأ ّ‬ ‫ل اب ْ َ‬ ‫َ‬
‫جّره ُ إ ِلي ْهِ قا َ‬ ‫خيهِ ي َ ُ‬ ‫سأ ِ‬ ‫خذ َ ب َِرأ ِ‬ ‫ح وَأ َ‬ ‫وا َ‬ ‫قى الل َ‬ ‫م وَأل َ‬ ‫ُ‬
‫مَر َرب ّك ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جل ْت ُ ْ‬ ‫دي أعَ ِ‬ ‫ب َعْ ِ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫جعَلِني َ‬ ‫ْ‬ ‫داَء َول ت َ ْ‬ ‫ي العْ َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫قت ُلون َِني فل ت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫فوِني وَكاُدوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مت ِك وَأن ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫خلَنا ِفي َر ْ‬ ‫خي وَأد ْ ِ‬ ‫فْر ِلي وَِل ِ‬ ‫ب اغ ِ‬ ‫ن )‪ (150‬قال َر ّ‬ ‫مي َ‬ ‫قوْم ِ الظال ِ ِ‬
‫ن )‪]) (151‬سورة العراف[‪(2).‬‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫أْر َ‬
‫ح‪]) ( 154) .....‬سورة العراف [‪.‬‬ ‫وا َ‬ ‫خذ َ الل ْ َ‬ ‫ب أَ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫سى ال ْغَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫سك َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫( وَل َ ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫كان موسى عليه السلم على درجة رهيبة من الغضب والثورة لنحراف قومه‬
‫عن عبادة الله تعالى وتوحيده‪ ،‬وقد ثارت ثائرته وهجم على أخيه هارون أخذا ً‬
‫بلحيته ورأسه في ثورة عارمة‪ ،‬ظانا ً أنه قصر في زجر قومه وحاد عن طريق‬
‫الحق بالسكوت عن ضللهم)‪(4‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫موِني ِ‬ ‫فت ُ ُ‬ ‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ب ِئ ْ َ‬ ‫سفا َقا َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ضَبا َ‬ ‫مهِ غَ ْ‬ ‫سى إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جع َ ُ‬ ‫ما َر َ‬ ‫( وَل َ ّ‬
‫جّرهُ إ ِل َي ْهِ ‪(5)......‬قوة‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خيهِ ي َ ُ‬ ‫سأ ِ‬ ‫خذ َ ب َِرأ ِ‬ ‫ح وَأ َ‬ ‫وا َ‬ ‫قى الل ْ َ‬ ‫م وَأل ْ َ‬ ‫مَر َرب ّك ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جل ْت ُ ْ‬ ‫أعَ ِ‬
‫عارضة وفحولة مدهشة حال اختلجه وانفعاله الذي انفلت بسبب الغيرة‬
‫َ‬ ‫خي وَأ َد ْ ِ‬ ‫فْر ِلي وَِل َ ِ‬
‫ت‬‫ك وَأن ْ َ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫خل َْنا ِفي َر ْ‬ ‫ب اغ ْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫الشديدة على دين الله ( َقا َ‬
‫ن( )‪(6‬توضح اليات في أجلى وأبين بيان وأدق تصوير كل‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫أْر َ‬
‫ملبسات وخصائص الغضب في الطبع الغضبي‪.‬‬
‫وهذه الخصيصة من هذا الطبع )‪ (furious temperment‬ممدوحة عند موسى‪،‬‬
‫لن مردها ومرجعها إلى القوة في أمر الله والغيرة على دينه‪ ،‬وهذا موجب‬
‫قوي يحفز إليها ويحض عليها‪.‬‬
‫لكن الطبع الغضبي بين السواد الكبر من أفناء الناس طبع ممقوت لكثرة‬
‫مثاليه وجم عوراته‪ ،‬وما انطوى عليه من نقائص تتمثل في القوة الشديدة‬
‫والصرامة العنيفة‪ ،‬والعناد‪ ،‬والندفاع‪ ،‬والحمق وعدم التروي‪ ،‬والتهور‬
‫العشوائي غير المحسوب‪ ،‬محروم من الحلم والناة والرفق‪.‬‬
‫ى بالرد الفوري سريع الستجابة مهما كانت الثار والتداعيات‬ ‫والغضبي معن ّ‬
‫والمردودات‪.‬‬
‫إن عقل الغضبي فولزي صلب‪ ،‬ل يعرف المرونة‪ ،‬وإن كان ل يعدم المروءة‪،‬‬
‫شديد الصلدة والتحجر‪ .‬ولئن كان الطبع الغضبي مولعا ً بالموضوعية‪ ،‬فهو‬
‫منهوم بالفعل‪ ،‬يلتذ بتفعيل طموحاته‪ ،‬إل أنه ضيق الفق مع طيبة القلب‬
‫ورهافة الشعور‪.‬‬
‫والغضبي يشبه العصبي في انفعالته‪ ،‬لكن العصبي الطبع ))‪temperment‬‬
‫‪ ،((neurotic character‬يتميز عادة بقعود الهمة‪ ،‬وضعف القدرة على تحقيق‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المرادات بالعمل الشاق‪ ،‬فهو يشعر بالوهن‪ ،‬ويستطيع التضحية بالعمل‬


‫والفعل حتى ل يرهق بدنه‪.‬‬
‫وبينما نرى الغضبي مشهورا ً بالحيوية والنشاط والهمة‪ ،‬نرى العصبي ملول ً‬
‫ثرثارًا‪ ،‬وهو يفتقر إلى الموضوعية‪ ،‬كذوب‪ ،‬يهمل العمال والواجبات‬
‫المفروضة عليه‪ ،‬وهو سهل القتناع‪ ،‬وسهل الستسلم‪ ،‬والسيطرة عليه‬
‫ممكنة ميسرة من أسهل الطرق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ونرى من مشهد موسى أن قوته بلغت حدا فائقا‪ ،‬فهو في عنفوان غضبه‬
‫ألقى اللواح‪ ،‬وفعل ما فعل بأخيه هارون‪ ،‬وفي لحظة خاطفة بعد أن‬
‫استشفع أخوه بأمه وقدم أعذاره بأن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه تساير‬
‫) سكت ( الغضب عن موسى‪ ،‬وهدأت نفسه بعد أن قدر ظروف أخيه وأيقن‬
‫من أعذاره‪ ،‬فأخذ اللواح‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويصور المشهد‪ :‬ضعف هارون الشديد باعترافه (استضعفوني )و (كادوا‬


‫يقتلونني )‪ ،‬وهذا تصريح واضح بقلة حيلته‪ ،‬وضعفه وهوان شأنه عند قومه‬
‫الذين كانوا يهابون موسى عليه السلم بدليل أنه مجرد أن غاب عنهم‬
‫انحرفوا إلى عبادة العجل‪ ...‬من ثم كانت مهابة الطبغ الغضبي مدعاة‬
‫للتوقير‪ ،‬والجلل لن القوم يعرفون بأن حدة الغضب وشدة النفعال عند‬
‫موسى من ألزم خصائص طبعه‪.‬‬
‫وقوة النفعال عند الغضبي غير قوته عند الطبع الجموح )‪bolty temperment‬‬
‫‪ ،(type‬حيث إن الغضبي ل يتحكم في نفسه ول تصرفاته حال النفعال‪.‬‬
‫أما الجموح‪ :‬فإن انفعاله فيه درجة القوة الغضبية‪ ،‬لكنه محسوب تحت‬
‫السيطرة‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فإن الغضبي يتحكم فيه الطبع ويسيطر عليه سيطرة تامة‬
‫كاملة‪ ،‬أما الجموح فإنه يسيطر على طبعه ويتلفى سلبيات الغضبي بالتروي‬
‫والثارة وحساب الثار والتداعيات بمنتهى الدقة‪.‬‬
‫أما طبع هارون فهو الطبع العاطفي الوديع شديد النفعالية‪ ،‬قليل الفعالية أو‬
‫نادرها‪ ،‬حيث يميل إلى الوداعة والسلمة‪..‬‬
‫والنمط العاطفي يؤثر السكينة ويكره الصراع ولو أتى أسباب النصر فيه‪...‬‬
‫إن الصدام رهان خاسرة‪ ،‬ومجازفة تهولة‪ ،‬وخرق ل موجب له‪ ،‬ول مبرر‬
‫للتورط فيه من العاطفي الذي ينشد السلمة‪ ،‬ويركن إلى الدعة مهما كان‬
‫في ذلك تفويت لفرص يرجوها ويتشوق إليها‪ ...‬ثم يستغفر موسى عليه‬
‫السلم لنفسه ولخيه وهذا بعد أن برئت ذمة أخيه من التقصير والتهاون‬
‫المقصود‪.‬‬
‫هناك موقف آخر لموسى عليه السلم عندما استغاث به السرائيلي‬
‫ل‬
‫م ِ‬
‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬‫ذا ِ‬‫ل هَ َ‬‫ضى عَل َي ْهِ َقا َ‬ ‫سى فَ َ‬
‫ق َ‬ ‫مو َ‬ ‫فيصراعه مع القبطي‪ ( :‬فَوَك ََزه ُ ُ‬
‫ن )‪]) (15‬سورة القصص[‪....‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫ض ّ‬
‫م ِ‬ ‫ه عَد ُوّ ُ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وكزه‪ :‬لكزه)‪ (7‬وموسى في ثورته الغضبية لم يقصد قتل القبطي‪ ،‬فهو قتل‬
‫خطأ إذن‪ ...‬وقد فطن موسى لول وهلة أن الشيطان هو الذي هيج غضبه‬
‫ت‬
‫م ُ‬‫ب إ ِّني ظ َل ْ‬
‫َ‬ ‫ل َر ّ‬‫وزج به إلى هذا الفعل القاتل‪ ...‬فاستغفر ربه فغفر له‪َ ( :‬قا َ‬
‫م )‪]) (16‬سورة القصص[‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬
‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬‫فَر ل َ ُ‬
‫فْر ِلي فَغَ َ‬ ‫سي َفاغْ ِ‬ ‫ف ِ‬‫نَ ْ‬
‫وهذا مفاده‪ :‬أن المسارعة إلى التوبة من السنن المحمودة‪ ،‬مع القرار‬
‫بالخطأ والعتراف به)‪.(8‬‬
‫لكن بعد هذه التوبة المقبولة والعذر الممهود والنابة‪ ،‬يحاول الطبع السيطرة‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صَرهُ‬‫ست َن ْ َ‬‫ذي ا ْ‬ ‫على الشخصية مرة أخرى بالتوسيل والتغرير‪ ....( :‬فَإ َِذا ال ّ ِ‬
‫ن )‪]) (18‬القصص[‪...‬‬ ‫ك ل َغَوِيّ ُ‬
‫مِبي ٌ‬ ‫سى إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬‫ه َقا َ‬ ‫خ ُ‬‫صرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫س يَ ْ‬ ‫م ِ‬
‫ِبال ْ‬
‫لم يزل موسى متأثرا متألما لما حدث بالمس من قتله القبطي خطأ عن غير‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عمد‪ ،‬فما أن استصرخه السرائيلي‪ ،‬الذي كان استنصره بالمس‪ ،‬حتى قال‬
‫ل‪( :‬إنك لغوي مبين )‪.‬‬ ‫له موسى منفع ً‬
‫ولما رأى السرائيلي ـ والذي هو من شيعة موسى ـ الغضب في عينيه‬
‫والتهجم باديا ً على جبينه وإنه على وشك الهياج والثوران‪ ،‬ارتعب وذعر‬
‫واستولى عليه الفزع والهلع مخافة أن يفتك به موسى‪ ،‬فاستطار قلبه‪،‬‬
‫وسارع صارخًا‪ ....( :‬أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا ً بالمس ) ‪( 19‬‬
‫)]القصص[‪.‬‬
‫ولكن الحقيقة الثابتة في ظاهر النص القرآني أن موسى ساورته نفسه أن‬
‫يبطش بالقبطي)‪ ،(9‬وكأنه سيطر عليه الطبع القوي الذي يحضه على‬
‫النتصار للسرائيلي الذي هو من شيعته‪.‬‬
‫قال تعالى‪( :‬فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما‪ ،) ....‬فإن مدلول الية‬
‫يقطع بتوجه إرادة موسى إلى قتل القبطي‪ ،‬وهنا نية العمد متوفرة‪.‬‬
‫وتدل اليات دللة صريحة واضحة على سمة الندفاع التي يتميز بها الطبع‬
‫الغضبي‪ ،‬وهو الذي يسعد ويلتذ ويشعر بلذة عارمة في الفعل ذاته‪ ،‬وينسى ما‬
‫فرط منه سلفًا‪ ،‬وإن كان نادما ً على فوارطه وبوادره‪ ،‬متألما ً ألما ً وجيعا ً عند‬
‫تذكرها واسترجاعها واستدعائها من مخزون الذاكرة )‪.(10‬‬
‫إن حاجة الغضبي إلى ذات الفعل أهم وأبعد من الغاية من الفعل‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإنه ل يحفل ول يكترث بمردود الفعل‪ ،‬ولو كان منطويا ً على هلكه‪.‬‬
‫ومشهور عن الغضبيين‪ :‬أن ردودهم قوية صادمة صارمة عنيفة مفحمة‬
‫حاسمة‪.‬‬
‫إن خطورة الغضبية غير محصورة‪ ،‬لن سلبيات هذه الطبيعة تنعكس على‬
‫المجتمع وعلى الناس‪ ،‬ولذلك قرر القرآن الكريم أن المغضوب عليه من الله‬
‫هالك ل محالة (‪ ....‬ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) ‪]) (81‬سورة طه[ )‬
‫‪(11‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫نل‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَلي ْهِ فَناَدى ِفي الظل َ‬ ‫ن نَ ْ‬‫نل ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضبا فظ ّ‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ ذ َهَ َ‬ ‫( وََذا الّنو ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬
‫جب َْنا ل ُ‬
‫ست َ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (87‬فا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ُ‬
‫حان َك إ ِّني كن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه ِإل أن ْ َ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫ن )‪]) (88‬النبياء[‪ .‬أي‪ :‬مغاضبا ً لقومه‪ ،‬ول يصح أن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫ال ْغَ ّ‬
‫يقال‪ :‬مغاضبا ً لربه‪ ،‬إذ إن بغضه وغضبه على قومه كان في سبيل الله‪ ،‬فكيف‬
‫يكون مغاضبا ً لله)‪(12‬؟!‪.‬‬
‫قال تعالى‪( :‬وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) ‪]) ( 37‬الشورى[‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬أي‪ :‬سجيتهم العفو عن الناس‪ ،‬وليس النتقام من الناس)‪.(13‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقال الشيخ الصاوي‪ :‬من مكارم الخلق التجاوز والحلم عند حصول الغضب‪،‬‬
‫لكن يشترط أن يكون الحلم غير مخل بالمروءة)‪.(14‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬من استغضب ولم يغضب فهو حمار‪.‬‬
‫)وزيد عليه‪ :‬من استرضي ولم يرض فهو شيطان (‪.‬‬
‫والغضوب مبغوض عادة من الناس‪ ،‬لنه غير مأنوس‪.‬‬
‫وقد ثبت من المأثورات الجليلة والمسموعات القيمة أن المنجني من غضب‬
‫الله هو أن ل تغضب‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغضبي بعيد عن نفسه‪ ،‬منزوي عن الناس‪ ،‬غير مرضي عنه عند ربه ما لم‬
‫يهذب من أمره‪.‬‬
‫يقول تعالى‪ ....( :‬حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد‬
‫) ‪]) ( 16‬الشورى[‪(15).‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬إن الغضب من الشيطان (‪ .‬أخرجه‬
‫المام أحمد في المسند وأبو داود في السنن‪.‬‬
‫وورد في الصحيحين وغيرهما‪ ) :‬إن رحمتي سبقت غضبي (‪.‬‬
‫وفي لفظ‪ ) :‬إن رحمتي ] تغلب [ غضبي (‪.‬‬
‫وقد أخرجه الشيخان وابن ماجه)‪(16‬والعجلوني في كشف الخفاء)‪،(17‬‬
‫والسخاوي في المقاصد الحسنة )‪ ،(18‬والترمذي في جامعه الصحيح )‪،(19‬‬
‫وأحمد في المسند)‪ ،(20‬وورد بلفظ‪ ) :‬سبقت رحمتي غضبي( )‪..(21‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق‬
‫من نار ( )‪.(22‬‬
‫ولذلك أوصي وأنصح الغاضب بأن يتوضأ لتساير عنه الغضب ويذهب عنه ما‬
‫يجد لن نار الشيطان يطفؤها الماء‪.‬‬
‫وقد ورد في الجامع الصحيح‪ ) :‬اللهم ل تقتلنا بغضبك ( )‪.(23‬‬
‫وحسب الغضب من القبح أن يقول فيه المعصوم‪ ) :‬الغضب يجمع الشر‬
‫كله ( )‪.(24‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬ليس الشديد بالصرعة‪ ،‬ولكن الشديد من‬
‫يملك نفسه عند الغضب ( )‪.(25‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن رجل ً قال للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أوصني! قال‪ ) :‬ل تغضب ( فردد مرارًا‪ ،‬فقال‪ ) :‬ل تغضب ( )‪.(26‬‬
‫ومن أروع ما ذكره الخطابي ) شارح سنن أبي داود (‪ :‬معنى قوله‪ ) :‬ل‬
‫تغضب (‪ :‬أجتنب أسباب الغضب ول تتعرض لما يجلبه)‪.(27‬‬
‫لكن هناك بعض الحالت تعتري فيها الحدة خيار الناس‪ ،‬وهي تختلف عن‬
‫القوة الغضبية‪ ،‬لن الحدة عرض من عوارض النفس التي تسري عن مكنون‬
‫الكبت والقهر المضغوط في أطواء الضمير‪ ،‬ول يقدر البشر على مغالبته‪،‬‬
‫وهذا ليس صفة طبيعية ملزمة‪ ،‬ولكنها حال متغيرة سرعان ما تذوي وتنمحي‬
‫آثارها‪ ،‬فهي بنت وقتها وبنت لحظتها‪ ،‬ورد في الحديث‪ ) :‬الحدة تعتري خيار‬
‫أمتي ( ‪(28).‬‬
‫قال المؤرخون وعلماء السير والتراجم‪ :‬إن أبا بكر رضي الله عنه كان خيرا ً‬
‫كله على حدة فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬إن عمر بن الخطاب كان يخشى بوادره‪.‬‬
‫وهذه البوادر ل تعدو أن تكون لونا ً من الحدة الفارطة في موقف من‬
‫المواقف الحرجة‪ ،‬لكن سرعان ما يعود المر إلى حافرته‪.‬‬
‫نرجسية فرعون وبطره‬
‫وردت نرجسية فرعون واستعلؤه وأشره وبطره في ادعائه اللوهية‬
‫والربوبية وجحده للله الحق الواحد المربوب‪ ،‬ل رب سواه‪ .‬في قوله ـ الذي‬
‫رواه عنه القرآن الكريم ـ‪( :‬ما علمت لكم من إله غيري‪(29)) (38) ....‬‬
‫]سورة القصص[‪.‬‬
‫وهي أشبه ما تكون ـ مع الفارق ـ بعنجهية قارون‪ ،‬إذ جحد فضل الله تعالى‬
‫عليه عندما قال‪( :‬قال إنما أوتيته على علم عندي‪](30)) (78) ....‬سورة‬
‫القصص[‪.‬‬
‫أما إبليس اللعين ـ قبحه الله ـ فهو من النمط العصبي الذي يتسم بطاقة‬
‫رهيبة من النفعالية‪ ،‬وهذا النمط الطباعي حاد العاطفة‪ ،‬أذي شديد اليذاء‪،‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثرثار متكلم يتحدث عن نفسه كثيرًا‪ ،‬وهو خفيف الحركة‪ ،‬نزق الفعال محب‬
‫للتألق والظهور‪ ...‬وهو من أكثر الطباع المخلوقة تحلل ً من الدين وهروبا ً من‬
‫التكليف‪ ،‬وميل ً إلى اللهو والستمتاع‪.‬‬
‫ويتميز الطبع العصبي بالتشرد النفسي‪ ،‬والقلق المخامر والسآمة والملل‬
‫وسرعة الياس‪.‬‬
‫والنمط اللمفاوي مناقض تماما ً للنمط العصبي‪ ،‬من حيث إنه ل انفعالي‪،‬‬
‫فعال ذو ترجيع بعيد‪.‬‬
‫وإذا كان للمفاوي من أصدق الناس‪ ،‬فإن العصبي من أكذب خلق الله طرا‪ً.‬‬
‫وكما أن العصبي ليس موضوعي النظرة‪ ،‬فإنه في حقيقته ذاتي‪ ،‬لكن‬
‫اللمفاوي موضوعي لهتمامه بالموضوع‪.‬‬
‫إن اللفعالية التي يعاني منها العصبي ويكتوي بنارها هي المسؤولة عما‬
‫يدهمه ويفعل به الفاعيل‪ ،‬حيث تسلمه هذه اللفعالية للفراغ والضياع‬
‫والتشرد والتمزق النفسي والوجداني‪ ،‬من ثم نرى العصبي مولعا ً بالمقامرات‬
‫والمغامرات الحسية غير المأمونة‪ ،‬وهو كثيرا ً ما يتورط في الوهام الخطيرة‪،‬‬
‫وهو مهدر للقيم والخلقيات‪.‬‬
‫والعصبي متمرد محب للظهور‪ ،‬على هشاشة وعدم جلدة وثبات‪ ،‬وهو يفتقد‬
‫إلى المثابرة‪ ،‬ويفتقر إلى الصلبة‪.‬‬
‫من أهم سمات وأشراط هذا الطبع السقيم الرديء‪ :‬الميل إلى البتذال‬
‫والتدهور الخلقي‪ ،‬مع الولوع الشديد بالحوال الشاذة‪ ،‬كالسحر والجن‬
‫والشياطين‪ ،‬مع إدمان النظر في الغيبيات‪ ...‬وهو في كل أحواله مهتلك على‬
‫اللجاجات الفارغة‪ ،‬وهو يعلم في أكثر أحواله وأطواره أنه على غير الحق‬
‫وأنه بعيد كل البعد عن المضمون‪....‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولما كان الذكاء موجودا ً في كل طبائع البشر بل استثناء إل أنه ل توجد قاعدة‬
‫ثابتة ول قانون معين محدد لدرجة الذكاء ومستواه عند كل من هذه الطبائع‪.‬‬
‫فلو تأملنا منهج إبليس ومسلكه نجده عالما ً ومثقفا ً واعيًا‪ ....( :‬أأسجد لمن‬
‫خلقت طينا ً )‪]) (61‬سورة السراء[‪.‬‬
‫(خلقتني من نار وخلقته من طين )‪]) ( 12‬سورة العراف[‪.‬‬
‫فهو على علم دقيق بأصل الخلق والخليقة‪ ،‬ويعرف جيدا ً أصل عنصره ومادة‬
‫طبيعته‪ ،‬وجبلته الولى‪ ،‬ثم هو يعرف قدر الله تعالى وعزته‪( :‬قال فبعزتك‬
‫لغوينهم أجمعين )‪]) (82‬سورة‪ :‬ص[‪ .‬ثم يستثني من يخرج عن طاعته‬
‫ويتمرد على سيطرته‪( :‬إل عبادك منهم المخلصين )‪]) (83‬سورة ص[‪ ....‬ثم‬
‫إنه يعلم يقينا ً أن الله تعالى بيده الخلق والمر‪ ،‬وإن أمره بالكاف والنون‪( ،‬‬
‫قال أنظرني إلى يوم يبعثون )‪]) (14‬سورة العراف[‪.‬‬
‫إنه كان مؤمنا ً بالبعث والحساب والجزاء لكن للسف لم ينفعه علمه ول‬
‫ذكاؤه حيث تردى إلى أسفل درك‪ ،‬وهوى من حالق‪ ،‬وأورد نفسه موارد‬
‫التهلكة التي ل صدر لها‪ ،‬وصار خسيئا ً مطرودا ً مغضوبا ً عليه من رب العالمين‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫من النمط العاطفي )‪ (romantic temperment‬الجدير بالتنويه‪ ،‬القمين بالتنبيه‬
‫إليه‪ ،‬الحقيق بالتأمل والتدبر فيه ـ إنما هو نمط نبي الله يعقوب عليه السلم‬
‫وما جرى له من جراء فراق ابنه يوسف وحزنه عليه‪.‬‬
‫وتتمثل الطبيعة العاطفية في يعقوب أصدق تمثيل وأبلغ تصوير‪ ،‬إذ تلوح في‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل أقطار الشخصية كل المخايل والعلمات والشراط والتصرفات ـ كل‬


‫ف وابيضت عيناه‬ ‫خصائص الفطرة العاطفية‪ ....( :‬وقال يا أسفى على يوس َ‬
‫من الحزن فهو كظيم )‪](31)) ( 84‬سورة يوسف[‪.‬‬
‫إن ابيضاض عيني يعقوب‪ ،‬بسبب الحزن الشديد والسف على فقدان فلذة‬
‫كبده‪ ،‬أشعل حريق اللوعة‪ ،‬وأجج وأضرم سعير الوله على يوسف الطفل‬
‫المفقود في غياهب الجب‪ ،‬مما كان له أعنف الثر الذي أعقب يعقوب العمى‬
‫النفسي المسمى عند الطباء النفسيين بـ )‪ .(hysterical blindness‬وهو من‬
‫ألوان العمى الذي يقع على الحقيقة‪ ،‬وهو مردود إلى الكوارث النفسية )‬
‫‪ (psychological crises‬والصدمات العاطفية العنيفة التي تعتري الطبع‬
‫العاطفي المشحوذ الحساس‪ ،‬المطرور في رهافته وشعوره‪ ،‬والمتوتر‬
‫الوجدان دائما ً لفرط النفعالية‪.‬‬
‫إن تراكم الحزان في طوية العاطفي تجعله دائما ً مثقل ً بالهموم ينوء بالنكاد‪،‬‬
‫منغلق على نفسه يميل إلى الوحدة والعزلة‪ ،‬كثير الخجل‪ ،‬خوالجه مشحونة‬
‫مشغولة بما يجتره باستمرار من وقائع موجعة وأفكار أليمة وذكريات تحمل‬
‫في مطاويها كل ما يجرح الشعور ويثير كامن الشجان‪.‬‬
‫إن العاطفي يعيش في ذكرياته الوجيعة وأحلمه القاسية المنصرمة التي‬
‫تنبض بالقلق في ضميره ومكنون سريرته بين الحين والحين‪ ،‬وبين الفينة‬
‫والفينة‪ ،‬وهي تفتأ تكدر عليه حياته‪ ،‬وتنغص عليه أوقاته وتحرمه من‬
‫المسرات‪ ،‬وتقطع عليه سبيل التسرية والتفريج‪.‬‬
‫إن العاطفي شديد التأذي‪ ،‬وهو على النقيض من العصبي‪.‬‬
‫وبينما نرى العصبي موصوف بحضور البديهة مع الستجابة الفورية ـ نرى‬
‫العاطفي يكبت الستجابة ويكبح الرد الفوري ويلجم شعوره في أطواء ذاته‬
‫وأعماق نفسه‪ ،‬لكنه ل يهدر هذه الحساسات والمشاعر إنما تتراكم وتتعاظم‬
‫في خوالجه‪ ،‬ودخائل ضميره ومكنون سريرته‪ ،‬ولكن هذا كله مرهون بظروف‬
‫وملبسات مجهولة‪ ،‬إذ ل بد أنه سيأتي وقت ل حق معلوم تتفجر هذه‬
‫الشحنات المتوهجة كالمتفجرات المدمرة إذا ما عيل الصبر وطال المدى‬
‫على هذا التنامي المفزع والتكاثف المثير‪.‬‬
‫إن جراح العاطفي ل يبليها الزمان ول يقدر على الفكاك من أسرها‪ ،‬فهي‬
‫تتضيفه وتتحرك بعد فترة وأخرى محركة شجونة‪ ،‬ومثيرة لواعج أحزانه‪،‬‬
‫فتكدر عليه صفو الحياة‪ ،‬فيضيق صدره ويغتم لمعاودتها كالحمى‪ ،‬وهي تنهش‬
‫في خالجته وتكوي صدره‪ ،‬وتحرق وجدانه‪.‬‬
‫إذا كان العصبي مشهورا ً بالعبث‪ ،‬فإن العاطفي مشهور بالحزن وأثقاله التي‬
‫تثقله وينوء بها‪ .‬وإذا كان العاطفي محتميا ً بالعزلة عن الناس‪ ،‬لكونه شديد‬
‫التأذي ضيق الحظيرة بهم‪ ،‬فإنه دائما ً يحلل نفسه في الحوادث‪ ،‬ول يحلل‬
‫الحوادث في نفسه‪.‬‬
‫ثم إن كآبة العاطفي تحدو بكثير من العلماء إلى أن يسموها بالحداد‬
‫الميتافيزيقي )‪ ،(metaphysic mourning‬وهي التي يكون فيها حدبا ً مشفقا ً‬
‫على بني جلدته من البشر‪.‬‬
‫وإذا كان النفجار العاطفي لتكاثف المؤثرات النفسية في العقل الباطن ـ‬
‫أمرا ً محتوما ً غير مردود لتعاظم تأثير النفعالية المكبوتة المقموعة بالترجيع‬
‫البعيد‪ ،‬والترديد المناوب فإنه ل بد وأن يظهر في صورة أوجاع وأمراض‬
‫عضوية حتمية كلون من التفريح وتفريغ الشحنات المضغوطة في قرار‬
‫اللشعور كالشلل الهستيري )‪ (hysterical hemiplegia‬والعمى الهستيري )‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪،(hysterical blindnes‬وغير ذلك مثل‪ :‬الهستيريا التحولية )‪conversion‬‬


‫‪ ،(hysterical‬والهستريا النشقاقية )‪.(diversion hysterica‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫يقول علماء الطباع‪ :‬الغضبيون يندفعون إلى المستقبل‪ ،‬بينما العاطفيون‬


‫يكتفون بالتشوف إليه‪ ،‬أما الدمويون فإنهم تقدميون‪ ،‬ولكن بعض العاطفين‪،‬‬
‫بل كثيرا ً منهم‪ ،‬يقفون بطموحاتهم إلى حد التشوف‪ ،‬وليست لديهم الجسارة‬
‫على العبور والتحدي والصمود إزاء المعوقات التي قد تعترض طريقهم‪ ،‬وهذا‬
‫العجز الظاهر يضاعف من أوجاع العاطفي وأوصابه‪ ،‬وكثيرا ً ما يقع فريسة‬
‫لحلم اليقظة‪ ،‬وهو أكثر الطبائع تعرضا ً لخطر المراض النفسية الخطيرة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الفصام )‪ ،(schizophrenia‬والهستريا )‪ ،(hysterica‬والتوتر العصبي )‬
‫‪ (anxiety neuzosis‬الخ‪.‬‬
‫لكن إذا كان الطبع العاطفي مستهدفا من كثير من المراض والعواصف‬ ‫ً‬
‫النفسية‪ ،‬إل أن النبياء عليهم السلم جميعا ً لهم قانون خاص غير بني جلدتهم‬
‫من البشر لكونهم ) أي‪ :‬النبياء ( محوطين منظورين من عين الله تعالى‬
‫مكلوئين برعايته‪.‬‬
‫ونؤكد مجددا ً منبهين إلى أن هؤلء النبياء جميعا مبشرون بالجنة‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫أعذارهم ممهودة وذرائعهم مقبولة وشافعهم غير مردود‪.‬‬
‫سليمان والملك مع النبوة‬
‫كان سليمان بن داود‪ ،‬وأبوه‪ ،‬ويوسف بن يعقوب‪ ،‬هؤلء الثلثة كانوا ملوكا ً‬
‫وأنبياء‪ ،‬وقد أوتي كل منهم ما لم يؤت أحد من أنبياء الله من نعيم الدنيا‬
‫ومتعتها‪ ،‬فنالوا خير الدين والدنيا معًا‪.‬‬
‫وقصة سليمان مع الهدهد التي ذكرها القرآن الكريم مشهورة‪ ،‬نعرفها جميعا ً‬
‫لكن حسبها أن تصور لنا الطبع المثالي)‪(32‬في أدق صورة وأعمق خصائصه‬
‫ولطيف علئقه بالذات النسانية والطبع البشري‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫قد َ الط ّي َْر فَ َ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫م كا َ‬ ‫ي ل أَرى الهُد ْهُد َ أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ّ‬
‫يقول الله تعالى‪ ( :‬وَت َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ه أوْ لي َأت ِي َّني ب ِ ُ‬ ‫ديدا أوْ لذ ْب َ َ‬
‫حن ّ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذابا َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ن )‪ (20‬لعَذ ّب َن ّ ُ‬‫ال َْغائ ِِبي َ‬
‫)]سورة النمل[‪.‬‬
‫هذه القوة والصرامة والدقة والنضباط عند سليمان عليه السلم وسيطرته‬
‫الكاملة على المملكة تبدي لنا طاقة جبارة وحرصا ً بالغا ً في تسيير دفة‬
‫المملكة باتساق ونظام ل تتسع معه إلى مراوغة أو افتعال تبريرات للتخلف‬
‫عن النظام العام والنسق المرسوم لديوان المملكة‪.‬‬
‫إن مملكة مديدة الطراف واسعة الفياء فيها العدد العديد والكثرة الكاثرة‬
‫من النس والجن والطير‪ ،‬ل بد أن تكون في أشد الحاجة إلى حكم قوي‬
‫مكين قوامه العدل والرأفة والشفقة على خلق الله‪ ،‬إذ إن الصرامة وقوة‬
‫الحزم ل تمنع ول يمكن أن تمنع من ترسيخ قواعد العدل والحق والحرية‪.‬‬
‫لقد كانت كل أمارات وملمح الرزانة والذكاء والقوة والنزاهة والعدالة‬
‫متوفرة في أعلى مجاليها في شخصية سليمان‪ .‬ولول هذه القوة والضلعة‬
‫والثبات والعدل لما استطاع السيطرة على هذه المملكة ول نفرط عقدها‬
‫وتحللت علئقها‪.‬‬
‫إن الطبع الجموح والذي نراه أعلى الطباع‪ ،‬ويطيب لنا أن نستأذن علماء‬
‫الطباع في تسميته بالطبع المثالي‪ ،‬يمتاز برقة الشعور لفرط النفعالية‬
‫مشفوعة بقوة في الفعالية مع الترجيع البعيد‪ ...‬إنه يتميز بحب العمل‪ ،‬وذلك‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع الدقة والعزيمة والصبر والجلدة لتحقيق غاية منشودة‪ .‬ولئن كان الغضبي‬
‫محبا ً للفعل لذات الفعل‪ ،‬فإن المثالي يهتلك على الفعل لغايته أكثر منها‬
‫لذاته‪ ...‬فضل ً عن تميز المثالي على الغضبي حيث إن المثالي منظم قوى‬
‫الدراك والستيعاب شديد التركيز مع تميز الحس العملي وقوة الذاكرة‪.‬‬
‫يتميز المثالي أيضًا‪ ،‬بالقوة مع المثابرة وعدم الملل فهو ل يعرف اليأس‪ ،‬وهو‬
‫شديد الحرص والحذر واليقظة والجلدة‪ ،‬مع عدم المبالة بشهوة الجنس غير‬
‫الشرعية مع البساطة والتواضع‪.‬‬
‫هذا النمط المثالي مشهود له بالحب والشفقة والتحنن على الخرين‪،‬‬
‫والعطف على من هم دونه من الضعفاء وأضرابهم‪ ،‬مع صلبته في التحدي‬
‫والتصدي لنظراته وأقرانه ومن هم أقوى‪ ،‬والجموح ل يعرف العضال‪ ،‬أو‬
‫الستحالة إزاء همته العالية‪ ،‬وعزيمته القوية‪.‬‬
‫ثم إن العاطفة الدينية عند هذا النمط تكون عادة متوهجة مطرودة‪ ،‬وهم‬
‫يهتمون بالتاريخ والمستقبل البعيد‪ ،‬من ثم نراهم يعدون العدة ويرسمون‬
‫الخطط لمستقبلهم في دقة بالغة‪ ،‬وهم لذلك ليسوا مسوقين عشوائيا ً إلى‬
‫مقاصدهم وغاياتهم عشوائيا ً بل إنهم يتشوفون إلى غوامض المستقبل‬
‫بالحكمة والناة‪ ،‬مع الفعل المنسق المرتب مع اللتزام بضوابط الخلق‬
‫والقانون بلوائحه وقوانينه في إطار عزيمة خارقة تقتحم الصعاب وتجتاز‬
‫المهالك بضراوة وشراسة وتصميم‪ ،‬ل يلوي على شيء‪ ،‬وتتصدى وتتحدى كل‬
‫من يقف في طريقها ليعوقها عن الوصول إلى مبتغاها‪ ،‬مع الدقة والتقان‬
‫الذي هو قوام النجاح والبلوغ إلى الذروة المأمولة‪.‬‬
‫وإذا كان العصبي متفلتا ً من التدين‪ ،‬ول يكترث بقيم الدين ول ضوابطه‪ ،‬ول‬
‫أخلقياته‪ ،‬فإن تدين العاطفي هو الميل إلى التصوف والفلسفة والفكر‪ ،‬لكن‬
‫تدين الجموح هو للسيطرة على الزمان بدل ً من النخراط فيه‪ ...‬وأما ما ينعاه‬
‫الناعون على تدين العاطفي بأنه فوضوي لخطورة انزلقه في كثير من‬
‫الحيان إلى التردد والشك والريبة وهذا ما يتنزه عنه الجموحين ومن على‬
‫شاكلتهم‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫لكن الطراز اللمفاوي عقلي التدين‪ ،‬ول يخرج تدين الغضبي عن التصلب‬
‫والتشدق بأصول العبادة مع جنوحه إلى الرقائق والمواعظ والرشاد بالخطب‬
‫الحماسية والصوت الجهوري‪.‬‬
‫أما الدمويون فإنهم يرون الدين وسيلة لبتزاز المشاعر‪ ،‬مع تسخيره‬
‫لعراضهم بافتعال تبريرات مصنوعة وذرائع مكذوبة‪.‬‬
‫إن المتهم أمام سليمان عليه السلم ـ الهدهد ـ وهو طائر ل حول له ول قوة‪،‬‬
‫لكن قوبل بحسم منقطع النظير‪ ،‬وشدة فائقة‪ ،‬حتى ل يكون التساهل‬
‫والتهاون معه سبيل ً وطريقا ً لتبرير الخروج على النظام واللتفاف حول‬
‫القواعد الكلية بذرائع وتبريرات منحولة واختلفات مفتراة‪ ...‬لكن هذه الشدة‬
‫لم تكن عنفا ً محضا ً ول اعتسافا ً في استعمال الحق‪ ،‬لكنها ممزوجة بالعدل‬
‫الذي هو أساس الملك‪ ،‬ول تقوم للحياة قائمة بدونه‪....‬‬
‫لما أن ذكر الهدهد لسليمان سبب تأخره وغيبته عن المملكة‪ ،‬تأمل سليمان‬
‫بثاقب نظره‪ ،‬وبتؤدة حتى ل يجور على هذا الهدهد المتهم إنما ليعطيه‬
‫الفرصة كاملة لتقديم مبرراته وتسويفاته‪.‬‬
‫ثم إن توعد سليمان بمحاسبة الهدهد شملت ثلثة أحوال‪:‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الولى‪ :‬العذاب الشديد‪ ،‬إذا كانت ذرائعه واهية أو ضعيفة‪.‬‬


‫الثانية‪ :‬الذبح‪ ،‬إذا كان كاذبا ً على نبي الله سليمان‪ ،‬من ثم يكون التجاوز عنه‬
‫في هذه الحالة ذريعة وفتحا ً لباب شديد الحرج والخطورة على المملكة‬
‫والتحلل من قواعد النضباط فيها‪...‬‬
‫الثالثة‪ :‬إخلء سبيله وبراءته‪ ،‬إذا جاء بالدليل القاطع الذي تبرأ ذمته به‪ ،‬حيث‬
‫يكون ثمة طارىء ملح وضرورة قهرية فرضت نفسها عليه‪.‬‬
‫وبعد أن حكى الهدهد المشهد الذي صدمه من بلقيس وقومها الذين يسجدون‬
‫للشمس من دون الله‪ ،‬قال سليمان بنظره الحاذق الحكيم‪) :‬سننظر أصدقت‬
‫أم كنت من الكاذبين (‪ ،‬ونلحظ هنا أنه لم يقل أصدقت أم كذبت؟ ولكنه أفرد‬
‫الصدق مع ضمير المخاطب‪ ،‬وجمع الكذب‪ ،‬ليدلنا على ندرة الصدق وتفشي‬
‫الكذب بين الكثرة الكاثرة من السواد العظم‪.‬‬
‫هذا الطبع المثالي ل بد أن يكون كذلك‪ ،‬قمة في العدل والتنزه عن أوضار‬
‫الظلم‪ ،‬والتجرد من الهوى وسلطان النفس الذي يهدم دائما ً ول يبني أبدًا‪.‬‬
‫كان آدم أبو النبياء‪ ،‬وأبو البشر أيضًا‪ ،‬مستهدفا ً من إبليس اللعين الذي فشل‬
‫في السيطرة عليه‪ ،‬فاخترق أوهى النقط في السرة الولى على الرض‪،‬‬
‫فنفذ إليه من خلل حواء‪ ،‬وكان هذا مدخل ً خطيرا ً تسبب في عصيان آدم ربه‬
‫ي‬
‫ما ُوورِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ل ِي ُب ْدِيَ ل َهُ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫س ل َهُ َ‬ ‫سو َ َ‬ ‫وإخراجه وحواء من الجنة ( فَوَ ْ‬
‫ما ‪] (20) ........‬العراف[‪(33).‬‬ ‫َ‬
‫سوْآت ِهِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫عَن ْهُ َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ط ي َدِ َ‬ ‫س ٍ‬ ‫ما أَنا ب َِبا ِ‬ ‫قت ُل َِني َ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬‫ي ي َد َ َ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫سط ْ َ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫وكلنا يعرف قصة ابني آدم ( ل َئ ِ ْ‬
‫ن )‪]) (28‬المائدة[‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ َ‬ ‫ك ِل َقْت ُل َ َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ب الّنارِ وَذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ك فَت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مي وَإ ِث ْ ِ‬ ‫ن ت َُبوَء ب ِإ ِث ْ ِ‬
‫ثم يقول‪ ( :‬إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬
‫ن )‪]) (29‬المائدة[‪(34).‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫جَزاُء ال ّ‬ ‫َ‬
‫وممن المواقف المثيرة ما ورد بشأن العتاب من الهدهد لسيدنا سليمان حيث‬
‫قيل‪ :‬إنه لما كان من أمر صدق الهدهد وسلمة موقفه وإخلصه للتوحيد ـ‬
‫قال لسليمان‪ :‬كيف توعدتني يا نبي الله بالذبح لمجرد التغيب عن الحضور‬
‫والتأخر عن المملكة إذا لم يكن هذا التغيب مشفوعا ً بسلطان مبين؟!!‬
‫) وكان الهدهد توهم أنه الذبح المعروف بالمدية ) السكين (‪ ،‬وهو الذي تفزع‬
‫وتفرق منه الطيور والحيوانات (‪.‬‬
‫ـ قال سليمان‪ :‬كنت سأذبحك بغير سكين‪...‬‬
‫ـ كيف ذلك؟‪.‬‬
‫ـ بأن أضعك بين قوم ل يعرفون قدرك!!‪.‬‬
‫ـ إن هذا والله لشنع وأبشع من الذبح‪..‬‬
‫إن الهدهد المؤمن لم يطق أن يرى قوما ً يسجدون للشمس من دون الله‪،‬‬
‫وهذا يقطع بيقينه وعمق رصيده اليماني بالله الواحد الحد الحقيق بالعبادة‪...‬‬
‫ثم إنه عالم بأن وراء ضللهم وغوايتهم الشيطان الذي غرر بهم وزين لهم‬
‫أعمالهم فضللهم وصدهم عن السبيل‪ ،‬فهم ل يهتدون)‪.(35‬‬
‫إن الطبع الجموح‪ ،‬وهو المسمى عندنا بالطبع المثالي‪ ،‬إنما هو أعلى الطباع‬
‫شأنا ً وأعظمهم فطرة‪ ،‬وأقواهم جبلة من حيث إن صاحبه يملك أمره‬
‫ويسيطر على جميع قواه النفسية والعصبية والحسية‪ ،‬فهو يملك زمام المور‬
‫في يد واثقة ويقف على أرض صلبة من اليقين والثقة بالنفس‪ ،‬ومهما أوتي‬
‫من قوة عارضة أو كثافة حد إل أنه إذا عورض بدليل راجح ل يتورع أن يسلم‬
‫به ويتخلى عن رأيه دون أدنى شعور بالغضاضة أو التردد أو التقاعس لسبب‬
‫من السباب‪...‬‬
‫وهذه بلقيس التي كانت من قوم كافرين بشخصيتها وطبعها المثالي لول‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ُ‬
‫سم ِ الل ّهِ‬
‫ه بِ ْ‬‫ن وَإ ِن ّ ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫م )‪ (29‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ب كَ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬
‫ي ك َِتا ٌ‬ ‫ق َ‬‫وهلة قالت‪ ( :‬إ ِّني أل ْ ِ‬
‫حيم ِ )‪ ،) (30‬ثم كان إسلمها مع القرار والعتراف بالذنب‪( :‬‬ ‫ن الّر ِ‬
‫م ِ‬‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.) (44‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ن ل ِلهِ َر ّ‬‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬‫مع َ ُ‬
‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬‫سي وَأ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬‫م ُ‬ ‫ب إ ِّني ظل ْ‬‫ت َر ّ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫هذه المرأة العملقة الجسور)‪(36‬صدق فيها قول الشاعر‪:‬‬
‫ولو كانت النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال‬

‫)‪(7 /‬‬

‫طبع معاوية وشخصية عمرو بن العاص‬


‫في حوار خاطف سريع بين معاوية بن أبي سفيان وبين عمرو بن العاص‬
‫نستطيع ـ من تحليل السياق والوقوف على المآتي والمصادر والحوافز‬
‫النفسية والخوالج المطمورة في مطاوي السريرة ـ أن نستخلص الطبع‬
‫والشخصية وإمكاناتها وأبعاد القدرات الخاصة‪ ،‬سيما الميتافيزيقية‪ ،‬وهي ما‬
‫وراء الظواهر التي تلوح عن الخواطر والبوادر ولكن تكمن وراء أسجافها‬
‫وستورها ألغاز وحوافز أو كوابح غامضة أو خفية محجوبة‪.‬‬
‫قال معاوية‪ :‬ما بلغ من أمرك يا عمرو؟‪.‬‬
‫قال عمرو‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ما دخلت في أمر إل وخرجت منه‪...‬‬
‫قال معاوية‪ :‬لكني ما دخلت في أمر‪ ،‬وأردت الخروج منه‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬إن شخصية عمرو بن العاص تلوح ركائزها وعمق جذورها الراسخة‬
‫المكينة من خلل هذه الفقرة المحدودة‪ ،‬إذ إن النكرة في سياق النفي تفيد‬
‫العموم‪ ،‬على ما ذكر علماء النحو‪.‬‬
‫وقوله‪ ) :‬ما دخلت ( نفي‪.‬‬
‫وقوله‪ ) :‬أمر ( نكرة‪ ،‬وهذه النكرة المسوقة في إطار النفي أفادت العموم‬
‫لجل ذلك‪ ،‬ومفاد هذا‪ :‬أنه في أي أمر ) على العموم والطلق( مهما كان‬
‫شأنه ما دخل فيه عمرو بن العاص إل وخرج منه‪ .‬وهذا يدل على قوة‬
‫العارضة والثقة الفارطة بالنفس‪ .‬وحدة الذكاء‪ ،‬وحضور البديهة واليقظة‬
‫التامة‪ ،‬كلها من مقومات تلك الشخصية التي ل تبالي أي المور تنخرط في‬
‫أتونها‪ ،‬فهي مستعدة لستدعاء كل طاقتها وكوامن قدراتها للخروج من‬
‫المآزق المتوقعة والمروق من الكوارث والفلت الخاطف من أية نازلة أو‬
‫نائبة في أي وقت في أي مكان وفي أي زمان‪ :‬وكذلك كان عمرو بن العاص‬
‫حقًا‪ ،‬وبذلك طارت شهرته في الفاق كأحد دهاة العرب‪...‬‬
‫أما معاوية رضي الله عنه فكان من الطبع اللمفاوي‪ ،‬الذي يتروى ويستشير‪،‬‬
‫ويستأنس بآراء المقربين منه وغير المقربين من أهل الرأي الموثوق بهم‪...‬‬
‫فهو إذا دخل في أمر ) ل يريد ( الخروج منه لنه اختاره بإرادته الحرة‬
‫الواعية‪ ،‬ول يتم ذلك إل بعد مشاورة واستئناس ودراسة وتقويم لكل الخطار‬
‫المتوقعة واستحضار كل البدائل والممكنات‪ ...‬ومن ثم يكون مطمئنا ً نماما ً‬
‫لن هذا الختيار هو أفضل وأنسب اختيار ول يسد مسده أو ينوب عنه اختيار‬
‫آخر‪ ...‬من ثم‪ ،‬فل موجب ول مدعاة للتفكير في إرادة الخروج منه بعد دراسة‬
‫الجدوى بجدية وتقويم‪.‬‬
‫كل الرجلين له طبعه وله شخصيته‪ ،‬وكلهما واجه التاريخ بصفحة حافلة من‬
‫الحداث الجسام التي تتآزر جميعها على التأكيد على ما ذهبنا إليه من تحليل‬
‫طباعي لكل العملقين من الصحابة‪ ...‬فرضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫]‪ – [1‬توضح اليات قوة موسى وشدة غضبه الذي تمثل في ثورة عارمة إذ‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخذ بلحية أخيه ورأسه‪.‬‬


‫]‪ – [2‬راجع ما حرره العلماء في تفسير القرطبي وروح المعاني للمام‬
‫اللوسي ‪ 9/66‬ـ ‪68‬‬
‫]‪ – [3‬راجع القرطبي والطبري والكشاف للزمخشري‪.‬‬
‫]‪ – [4‬قال ابن عباس‪ :‬لما رجع موسى من المناجاة غضبان لعبادة قومه‬
‫العجل أعجلتم أمر ربكم بانتظار موسى حتى يرجع من الطور وألقى اللواح‬
‫وهي ألواح التوراة من شدة الضجر والغضب ألقى اللواح وأخذ بشعر رأس‬
‫أخيه هارون ولحيته ويجره إليه ظنا ً منه أنه قصر في كفهم عن ذلك‪ .‬راجع‬
‫تفسير الطبري ‪ 13/123‬وروح المعاني ‪ 9/66‬وما بعدها‪.‬‬
‫]‪ – [5‬يلحظ قوة غضب موسى ووهن هارون وضعفه وتوسله واستشفاعه‬
‫لخيه بالرحم الماسة الميلولة ليكف عنه‪.‬‬
‫]‪ – [6‬ولما سكت عن موسى الغضب أخذ اللواح‪.‬‬
‫]‪ – [7‬على ما ورد في لسان العرب لبن منظور ‪ 274 ، 7/273‬وما بعدها‪،‬‬
‫وهو منقول عن القرطبي أيضا ً في تفسيره ‪. 261 ،260 /13‬‬
‫سوَء‬‫ن ال ّ‬‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬‫ذي َ‬‫ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ‬‫ما الت ّوْب َ ُ‬
‫]‪ – [8‬وهذا مؤدى قوله تعالى‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫كيما ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ح ِ‬‫ه عَِليما َ‬‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫م وَكا َ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬
‫ب الل ُ‬‫ب فَأول َئ ِك ي َُتو ُ‬
‫َ‬ ‫ن قَ ِ‬
‫ري ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫جَهال َةٍ ث ُ ّ‬
‫م ي َُتوُبو َ‬ ‫بِ َ‬
‫‪] 17‬النساء[‪ .‬راجع ما قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير ‪. 235 /9‬‬
‫]‪ – [9‬قال المام الطبري ‪ 20/31‬وابن عباس‪ :‬أو أن يبطش بالقبطي‬
‫الفرعوني فظن السرائيلي الذي هو من شيعته أنه يريده‪ .‬ولكن ورد عن‬
‫الحسن أن الصارخ المستغيث هنا هو القبطي‪ .‬تفسير القرطبي ‪، 13/265‬‬
‫ولكن المختار عند الطبري أولى‪.‬‬
‫]‪ – [10‬وإل فكيف نفسر قول موسى للسرائيلي‪ :‬إنك لغوي مبين ‪ ،‬ويقر‬
‫بهذا تصريحا ً وتأكيدًا‪ ،‬ثم يريد أن يبطش بعدوه مع كل هذا؟؟!!‪.‬‬
‫]‪ – [11‬هوى‪ :‬هلك‪ ،‬وقيل‪ :‬شقى‪ .‬وقيل‪ :‬هوى‪ :‬أي‪ :‬سقط من قصر في‬
‫جهنم‪ ،‬يهوي الكافر من أعله في جهنم أربعين خريفًا‪ .‬راجع تفسير ابن كثير‬
‫‪. 3/161‬‬
‫]‪ – [12‬راجع التفسير الكبير للرازي ‪ ،22/214‬والقرطبي ‪ ،11/329‬وجامع‬
‫البيان للطبي ‪ .17/61‬وقال الرازي ‪ :15/ 2‬دخل ابن عباس على معاوية‪،‬‬
‫فقال له معاوية‪ :‬يظن نبي الله يونس أن لن يقدر الله عليه؟! قال ابن‬
‫عباس‪ :‬هذا من القدر ل من القدرة هـ ‪ .‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ – [13‬التفسير ‪.118/ 4‬‬
‫]‪ – [14‬حاشية الصاوي على الجللين ‪ 4/40‬وانظر الزمخشري في الكشاف‬
‫‪ 3/472‬وفيه‪ :‬ل يقول الغضب أحلم‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫]‪ – [15‬داحضة بمعنى مدحوضة فاعلة بمعنى مفعولة‪ ،‬مثل دافق بمعنى‬
‫مدفوق‪ ،‬وراضية بمعنى مرضية وساتر بمعنى مستور ‪ .‬وقال ابن كثير‪ :‬وفيه‬
‫غضب منه‪ ،‬وعذاب شديد يوم القيامة‪ ،‬التفسير ‪ .4/110‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن السلم ومحاجتهم‬
‫بالباطل‪ .‬البحر المحيط ‪.7/513‬‬
‫]‪ – [16‬في السنن ‪ 1/67‬و ‪.2/435‬‬
‫]‪.2/79 – [17‬‬
‫]‪.190/223 – [18‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ – [19‬الترمذي‪.‬‬
‫]‪ – [20‬المسند ‪.2/242‬‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫]‪ – [21‬قال المفسرون‪ :‬وهذه الكلمة هي المشار إليها في قوله تعالى‪ :‬وَل ْ‬
‫َ‬
‫مى ‪] 129‬طه[‪.‬‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن ل َِزاما ً وَأ َ‬
‫ج ٌ‬ ‫كا َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬‫سب َ َ‬
‫ة َ‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫م ٌ‬
‫]‪ – [22‬أخرجه أبو داود في السنن ‪ 5/141/4748‬وأحمد في المسند‬
‫‪ .4/226‬فالغضب من الشيطان‪ ،‬والشيطان من نار‪ ،‬والماء يطفىء النار‪.‬‬
‫]‪ – [23‬الترمذي ‪ 3450‬عن ابن عمر‪.‬‬
‫]‪ – [24‬مسند المام أحمد ‪.1/239‬‬
‫]‪ – [25‬أخرجه البخاري ‪ 8/52/6114‬ومسلم ‪ 2609‬وأبو داود وأفمام أحمد‬
‫في المسند ‪ 1/382‬و ‪ 2/236‬و ‪ 268‬و ‪.517‬‬
‫]‪ – [26‬أخرجه البخاري ‪.8/53/6116‬‬
‫]‪ – [27‬وهذه إشارة ضمنية إلى أن الطبع الغضبي ل يتغير ول يتأتى لذلك‬
‫النهي عنه‪ ،‬لذلك فهو أمر طبيعي ل يزول من الجبلة‪.‬‬
‫]‪ – [28‬راجع فيض القدير للمناوي ‪ ،3/462‬وكشف الخفاء للمام العجلوني‬
‫‪ 1/353/1120‬والسخاوي في المقاصد الحسن ‪ ،303/397‬والطبراني في‬
‫معجمه ‪.3/88‬‬
‫]‪ – [29‬سورة القصص‪ ،‬من الية ‪ .38‬هذا هو قمة الجهل والتردي في حمأة‬
‫النرجسية والتشوه‪.‬‬
‫]‪ – [30‬وهو بذلك يجحد فضل الله تعالى عليه ويتملكه الغرور ويستولي عليه‬
‫البطر والغطرسة‪.‬‬
‫]‪ – [31‬كظيم‪ :‬كاظم‪ ،‬وهو الممسك على حزنه‪ ،‬ل يظهره ول يشكوه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫هو المملوء كمدا ً وغيظا ً ولكنه يكتمه في نفسه‪.‬‬
‫قال اللوسي‪ :‬السف أشد الحزن على ما فات‪ .‬روح المعاني ‪ 13/39‬ـ ‪.41‬‬
‫وقال الرازي في الكبير ‪ :18/93‬الحزن الجديد يقوي الحزن القديم‪ .‬وقد قال‬
‫الشاعر القديم‪:‬‬
‫فقلت له‪ :‬إن السى يبعث السى فدعني فهذا كله قبر مالك‬
‫وقال أمير الشعراء أحمد شوقي‪:‬‬
‫فإن يك البين يا ابن الطلح فرقنا إن المصائف يجمعن المصائب‬
‫وفي روح المعاني ‪:13/39‬‬
‫ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ولكن نكاء القرح بالقرح أوجع‪.‬‬
‫]‪ – [32‬هذا النمط هو الجموح ‪ ،bogty temperment‬وذلك باصطلح علماء‬
‫الطباع‪ ،‬ولكن لشتراك لفظ الجموح مع المعنى اللغوي الذي مفاده السرعة‬
‫والندفاع‪ ،‬ولذلك رأى السيد الجميلي أن يسميه عند النبياء وغيرهم بالطبع‬
‫المثالي‪.‬‬
‫]‪ – [33‬وكانت النتيجة‪ :‬أن عصى الثنان ربهما وأكل من الشجرة‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫ق ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ن وََر ِ‬‫م ْ‬‫ما ِ‬‫ن عَل َي ْهِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ِ‬‫قا ي َ ْ‬‫ما وَط َفِ َ‬‫سوْآت ُهُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬ ‫جَرةَ ب َد َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َذاَقا ال ّ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن ل َك ُ َ‬
‫ما‬ ‫طا َ‬‫شي ْ َ‬‫ن ال ّ‬‫ما إ ِ ّ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬‫جَرةِ وَأ َقُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ن ت ِل ْك ُ َ‬
‫ما عَ ْ‬
‫وناداهُما ربهما أ َل َ َ‬
‫م أن ْهَك ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ َ َ ُّ َ‬
‫ن ‪] 22‬العراف[‪.‬‬ ‫مِبي ٌ‬‫عَد ُوّ ُ‬
‫]‪ – [34‬تأمل قوله‪ :‬لئن بسطت إلي ‪ ،‬حكاية عن قابيل‪ ،‬ويرد عليه هابيل‪ :‬ما‬
‫أنا بباسط يدي‪ ...‬والفرق البلغي ظاهر الوضوح‪ .‬قال العلماء‪ :‬إثمي‪ :‬إثم‬
‫قتلي‪ ،‬وإثمك‪ :‬لعدم صبرك علي‪ .‬قال الزمخشري‪ :‬كان هابيل أقوى من قابيل‬
‫القاتل‪ ،‬لكنه تحرج من قتله خوفا ً من الله الكشاف ‪ .1/485‬وقال أبو حيان‪:‬‬
‫أراد أن يقتل مظلوما ً ل ظالما ً من البحر‪ .‬المحيط ‪.3/463‬‬
‫]‪ – [35‬راجع التفسير الكبير للمام الرازي ‪ 24/190‬وما بعدها‪ ،‬وانظر ما‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قاله ابن عباس عن بلقيس‪ :‬قالت لقومها‪ :‬إن قبل سليمان الهدية فقاتلوه‪،‬‬
‫فهو ملك يريد الدنيا‪ ،‬وإن رفضها فهو نبي صادق فاتبعوه ابن كثير في‬
‫مختصره ‪ 2/671‬وتفسيره ‪ .3/361‬وقال قتادة‪ :‬ما كان أعقلها في إسلمها‬
‫وشركها بتصرف من القرطبي ‪.13/194‬‬
‫]‪ – [36‬وقد بسط المام اللوسي قصة توليها المملكة وتنصيبها ملكة‪ ،‬وذكر‬
‫أيضا ً ـ كما نقل عن آخرين ـ أن أمها كانت جنية راجع روح المعاني ‪19/188‬‬
‫بتصرف ‪.‬‬
‫د‪ /‬السيد إبراهيم الجميلي‬
‫كاتب ومفكر إسلمي وطبيب استشاري‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دللتها العلمية‬


‫‪" :‬إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون "‬
‫)آل عمران ‪( 59:‬‬
‫هذه الية الكريمة جاءت في نهاية الثلث الول من سورة آل عمران ‪ ,‬وهي‬
‫سورة مدنية ‪ ,‬ومن طوال سور القرآن الكريم إذ يبلغ عدد آياتها مائتي آية‬
‫بعد البسملة ‪ .‬وقد سميت بهذا السم لورود الشارة فيها إلي قصة امرأة‬
‫عمران ‪ ,‬وابنتها السيدة مريم أم عيسى ) عليهما السلم ( ‪ ,‬كما تروي‬
‫معجزة ميلده من أم بغير أب ‪ ,‬وتذكر عددا من المعجزات التي أجراها الله )‬
‫تعالي ( علي يديه ‪.‬‬
‫ويدور المحور الرئيسي لسورة آل عمران حول حوار أهل الكتاب لتحديد عدد‬
‫من ركائز العقيدة السلمية وتشريعاتها ‪.‬‬
‫وتستفتح السورة الكريمة بالحروف المقطعة الثلثة الم التي جاءت في‬
‫مطلع ست من سور القرآن الكريم ‪ .‬وقد سبق التعليق علي هذه المقطعات‬
‫في عدد من المقالت السابقة ‪ ,‬ول أري ضرورة لتكرار ذلك هنا ‪.‬‬
‫ويدور نصف السورة تقريبا ) من اليات ‪ 1‬ـ ‪ (85‬في حوار أهل الكتاب‬
‫) ممثلين في وفد نصارى نجران الذي كان قد قدم المدينة المنورة في‬
‫السنة التاسعة للهجرة من أجل خاتم النبياء والمرسلين ) صلي الله عليه‬
‫وسلم ( ‪.‬‬
‫وتتضمن هذه اليات الكريمة الشارة إلي اليهود ‪ ,‬وإلي خبث نواياهم ‪,‬‬
‫وكراهيتهم للحق وأهله ‪ ,‬وتآمرهم علي غيرهم من المم ‪ ,‬ومكرهم‬
‫وخداعهم ‪ ,‬كما تتضمن تحذير المسلمين منهم ومن دسائسهم ومؤامراتهم ‪,‬‬
‫ومؤامرات غيرهم من أهل الكفر والشرك والضلل الذين يدعمونهم ‪ ,‬وأهل‬
‫النفاق الذين يلتفون من حولهم ‪.‬‬
‫وتؤكد سورة آل عمران ضرورة اليمان بجميع الرسالت السماوية ‪ ,‬وبجميع‬
‫أنبياء الله ورسله دون أدني تفريق لن رسالتهم جميعا واحدة وهي السلم‬
‫العظيم الذي بعث به كل نبي وكل رسول وفي ذلك يقول ربنا ) تبارك وتعالي‬
‫(‪:‬‬
‫إن الدين عند الله السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما‬
‫جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب )آل‬
‫عمران ‪(19:‬‬
‫ويقول ) عز من قائل ( ‪:‬‬
‫ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين ) آل‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمران ‪(85:‬‬
‫وقد جاء الخطاب إلي أهل الكتاب في ) قرابة السبعين ( آية )من الية ‪18‬‬
‫إلي ‪ (85‬نختار منها قول ربنا ) تبارك وتعالي (‪:‬‬
‫قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل الله ول‬
‫نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا‬
‫اشهدوا بأنا مسلمون ) آل عمران ‪(64:‬‬
‫وبعد ذلك تحدثت اليات في سورة آل عمران عن عقاب المرتدين ‪ ,‬وحكم‬
‫الله ) تعالي ( فيهم ‪ ,‬ودعت إلي النفاق في سبيل الله ‪ ,‬وحذرت من تحريف‬
‫اليهود للتوراة ‪ ,‬وأمرت باتباع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ‪.‬‬
‫وأشارت السورة الكريمة إلي الكعبة المشرفة بصفتها أول بيت وضع‬
‫للناس ‪ ,‬وأكدت فريضة الحج علي المستطيع من المسلمين ‪ ,‬وكررت من‬
‫عتاب أهل الكتاب ‪ ,‬كما عتبت علي كفار قريش كفرهم وضللهم بينما آيات‬
‫الله تتلي عليهم وفيهم خاتم أنبيائه ورسله ) صلي الله عليه وسلم ( ‪,‬‬
‫وأوصت بتقوي الله ) سبحانه وتعالي ( في السر والعلن ‪ ,‬وبضرورة العتصام‬
‫بحبله جميعا ‪ ,‬ونهت عن فرقة الكلمة ‪ ,‬وذكرت العباد بنعم الله ) تعالي (‬
‫عليهم ‪ ,‬ودعت إلي نفرة أمة السلم للدعوة إلي الخير ‪ ,‬وإلي المر‬
‫بالمعروف ‪ ,‬والنهي عن المنكر ‪ ,‬ووصفت الذين يستجيبون لهذا النداء اللهي‬
‫بأنهم هم المفلحون ‪.‬‬
‫وتحدثت سورة آل عمران عن مصائر كل من المؤمنين والكافرين في الخرة‬
‫وجزائه ‪ ,‬وأكدت أن القرآن الكريم هو كلم الله الخالق ‪ ,‬أنزله بالحق علي‬
‫خاتم أنبيائه ورسله ) صلي الله عليه وسلم ( ‪ ,‬وأنه هدي وموعظة للمتقين ‪.‬‬
‫وخاطبت أمة السلم بقول ربنا ) تبارك وتعالي (‬
‫كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون‬
‫بالله ‪) ...‬آل عمران ‪(110:‬‬
‫وبعد ذلك انتقلت سورة آل عمران إلي الحديث عن غزوة أحد ‪ ,‬وما أصاب‬
‫المسلمين فيها من انكسار بسبب مخالفتهم لوامر رسول الله ) صلي الله‬
‫عليه وسلم ( في ساحة المعركة ‪ ,‬وذكرت بانتصارات بدر ‪ ,‬وبمبررات ذلك‬
‫النتصار ‪ ,‬وصاغت تلك الحداث صياغة ربانية معجزة ل تتوقف عند حدود‬
‫وصف المعركتين وصفا مجردا ‪ ,‬ولكن تتجاوز ذلك إلي توجيهات ربانية دائمة‬
‫في بناء الجماعة السلمية ‪ ,‬وتوضيح سنن الله في النصر والهزيمة إلي يوم‬
‫الدين ‪ ,‬مؤكدة أن لله ما في السماوات وما في الرض ‪ ,‬وأن الله تعالي يغفر‬
‫لمن يشاء ويعذب من يشاء وأنه غفور رحيم ‪ .‬وتنهي هذه السورة الكريمة‬
‫عن أكل الربا ‪ ,‬وتحذر من عذاب النار ‪ ,‬وتأمر بطاعة الله ورسوله ‪,‬‬
‫وبالمسارعة إلي طلب المغفرة من الله ‪ ,‬وسؤاله الجنة التي أعدت للمتقين‬
‫الذين أوردت شيئا من صفاتهم ‪ ,‬وتوصي بالسير في الرض من أجل العتبار‬
‫بعواقب المكذبين الذين كذبوا رسل الله وحاربوا دينه وأولياءه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم عاودت سورة آل عمران إلي التذكير بغزوة أحد في مواساة رقيقة‬
‫للمسلمين ‪ ,‬مؤكدة لهم أنهم هم دائما العلون ما داموا علي إيمانهم بالله ‪,‬‬
‫علي الرغم من تعرضهم لشيء من النكسات في بعض الوقات لن النصر‬
‫والهزيمة من سنن الله في الحياة ‪ ,‬لكل منها قوانينه ‪ ,‬وأن اليام دول يداولها‬
‫الله ) سبحانه وتعالي ( بين الناس لحكمة يعلمها بعلمه المحيط لعل منها أن‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتخذ من المؤمنين شهداء ‪ ,‬وأن يميز المؤمنين من المنافقين ‪ ,‬وأن يطهر‬


‫المؤمنين بشيء من البتلء والتمحيص مما قد يقعون فيه من الذنوب ‪,‬‬
‫ويهلك كل من الكافرين والمشركين والطغاة المتجبرين بذنوبهم ‪ ,‬والله‬
‫) تعالي ( ل يحب الظالمين من المعتدين ‪ ,‬كما ل يحب المتخاذلين في الدفاع‬
‫عن دمائهم ‪ ,‬وأعراضهم ‪ ,‬ومقدساتهم ‪ ,‬وممتلكاتهم ‪ ,‬وأراضيهم ‪ ,‬وعن الحق‬
‫وأهله ‪ .‬وهذا الخطاب كما كان لرسول الله ) صلي الله عليه وسلم (‬
‫وأصحابه وأهل زمانه ‪ ,‬هو خطاب لكل من آمن به من بعده إلي يوم الدين ‪.‬‬
‫وتؤكد هذه السورة الكريمة بشرية سيدنا محمد ) صلي الله عليه وسلم (‬
‫وأنه رسول قد خلت من قبله الرسل ل يجوز لي ممن آمن به واتبعه أن يرتد‬
‫عن ذلك بعد موته ‪ ,‬فرسالته خالدة ‪ ,‬باقية إلي يوم الدين لن الله ) تعالي (‬
‫قد تعهد بحفظها ‪ .‬وتؤكد اليات أن من يرتد عن دينه فلن يضر الله شيئا ‪,‬‬
‫ولكنه يهلك نفسه بتعريضها لسخط الله وعذابه ‪.‬‬
‫وتنتقل اليات إلي الحديث عن قضية الجل مؤكدة أن الله ) تعالي ( قد جعل‬
‫لكل نفس أجل محددا ل تموت إل عنده ‪ ,‬وقد جعل الله ) تعالي شأنه ( الجل‬
‫غيبا ل يعلمه إل هو ) سبحانه وتعالي ( حتي ل تتوقف عجلة الحياة ‪ ,‬وحتي‬
‫يتجاوز المسلم حاجز الخوف من الموت فيتقدم إلي مواكب الشهادة في‬
‫سبيل الله دون وجل أو مهابة ‪.‬‬
‫وتؤكد اليات في سورة آل عمران أن من قصد بعمله أجر الدنيا أعطاه الله‬
‫إياه ‪ ,‬وليس له في الخرة من نصيب ‪ ,‬وأن من قصد بعمله أجر الخرة‬
‫أعطاه الله تعالي أجري الدنيا والخرة ‪ .‬وأن الله ) سبحانه وتعالي ( يجزي‬
‫عباده بحسب شكرهم لنعمه ‪ ,‬واعترافهم بعظيم فضله ‪ ,‬وإن كانت هذه‬
‫أحكاما عامة إل أن فيها تعريضا واضحا بمن رغبوا في غنائم الحرب أثناء‬
‫شدة القتال في غزوة أحد فتسببوا في عدم إتمام النصر الذي بدا في أول‬
‫المر محققا للمسلمين ‪.‬‬
‫ثم تنتقل اليات إلي الحديث عن العلماء الربانيين ‪ ,‬والمجاهدين الصادقين‬
‫الذين قاتلوا مع أنبياء الله ورسله من أجل إعلء دين الله واقامة عدله في‬
‫الرض ‪ ,‬فقتل منهم من قتل شهيدا ‪ ,‬وأصيب من أصيب ‪ ,‬ولكنهم لم يذلوا‬
‫لعدوهم أبدا ‪ ,‬ولم يخضعوا له ‪ ,‬واحتسبوا وصبروا في كل ما مر بهم من‬
‫الشدائد والمحن ولذلك امتدحهم القرآن الكريم بقول ربنا ) تبارك وتعالي (‪:‬‬
‫وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما‬
‫ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إل أن قالوا ربنا‬
‫اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين‬
‫فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة والله يحب المحسنين ) آل‬
‫عمران ‪ 146:‬ـ ‪(148‬‬
‫وتعاود السورة المباركة إلي التحذير من موالة كل من الكافرين والمشركين‬
‫‪ ,‬مؤكدة أن الله ) تعالي ( هو مولي المؤمنين ‪ ,‬وهو خير الناصرين الذي‬
‫يعدهم النصر بقوله الحق ‪:‬‬
‫سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به‬
‫سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوي الظالمين ) آل عمران ‪(151:‬‬
‫ومرة أخري تستعرض اليات )‪ 152‬ـ ‪ (175‬أحداث معركة أحد بهدف تربية‬
‫المسلمين ‪ ,‬وتحذيرهم من مزالق الطريق ‪ ,‬وتنبيههم إلي ما يمكن أن يحيط‬
‫بهم من كيد الكفار والمشركين كالذي أحاط بهم في القديم والذي يحيط‬
‫اليوم بجميع المسلمين ‪ ,‬وفي ذلك يحاول الشيطان أن يعين أولياءه كي‬
‫يجعل منهم مصدر إرهاب وتخويف للمؤمنين ‪ ,‬والخوف ل يجوز أن يكون إل‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من رب العالمين ‪.‬‬


‫وتطلب اليات من رسول الله ) صلي الله عليه وسلم ( أل يحزن علي الذين‬
‫يسارعون في الكفر لنهم لن يضروا الله شيئا في الوقت الذي يضرون‬
‫أنفسهم ضررا بليغا ‪ ,‬ويريد الله ) سبحانه وتعالي ( أل يجعل لهم حظا في‬
‫الخرة ‪ ,‬ولهم عذاب عظيم ‪ .‬وإمهالهم في الدنيا ‪ ,‬والتمكين لهم فيها ليس‬
‫من صالحهم لزديادهم في المعاصي والثام مما يجعلهم أهل لمضاعفة‬
‫العذاب في الخرة ‪ .‬وعلي النقيض من ذلك فإن ابتلء الله ) تعالي ( لصفوف‬
‫المؤمنين ليميز الخبيث من الطيب ) وهو أعلم بهم (‪ ,‬وليظهر ذلك لمن يشاء‬
‫من عباده كما فعل في معركة أحد ‪ ,‬وفي ذلك يقول ‪:‬‬
‫ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب‬
‫وما كان الله ليطلعكم علي الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء‬
‫فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) آل عمران ‪(179:‬‬
‫وتدعو اليات إلي اليمان بالله وتقواه ‪ ,‬وببذل المال في سبيل الله ‪ ,‬وتتوعد‬
‫الذين يبخلون بقول ربنا ) تبارك وتعالي (‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ول يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر‬
‫لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والرض والله‬
‫بما تعملون خبير )آل عمران ‪( 180‬‬
‫ثم تعاود اليات إلي ذكر شيء من جرائم اليهود المروعة ‪ ,‬ودسائسهم‬
‫الخبيثة ‪ ,‬وأساليبهم الملتوية ‪ ,‬وتطاولهم الكاذب علي الله ) تعالي ( وعلي‬
‫غيرهم من الخلق ‪ ,‬ومحاربتهم دين الله ‪ ,‬وأولياءه وأنبياءه ‪ ,‬ورسله ‪,‬‬
‫ونقضهم العهود والمواثيق ‪ ,‬ونشرهم المعلومات الكاذبة والباطيل والساطير‬
‫‪ ,‬والشاعات المختلقة المزيفة ‪ ,‬والدعاءات الباطلة ) قاتلهم الله (‪.‬‬
‫وتنطلق اليات إلي تأييد خاتم النبياء والمرسلين ) صلي الله عليه وسلم (‬
‫في وجه المكذبين لدعوته ولبعثته الشريفة فتقول ‪:‬‬
‫فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير‬
‫) آل عمران ‪(184:‬‬
‫وتؤكد السورة الكريمة أن الفناء هو مصير الخلئق ‪ ,‬وأن الموت مكتوب علي‬
‫كل نفس ‪ ,‬وأن جزاء العمال سوف يوفي كامل يوم القيامة ‪ ,‬وأن البتلء من‬
‫سنن الحياة ‪ ,‬ول يملك النسان في مواجهته أفضل من الصبر الحتساب ‪,‬‬
‫وتقوي الله ) تعالي ( وذلك كله من عزم المور ‪.‬‬
‫وتعاود اليات للمرة الثالثة إلي استعراض بعض مخازي بني إسرائيل ومنها‬
‫كتم ما أنزل عليهم ‪ ,‬ونبذه وراء ظهورهم ‪ ,‬وبيعه بالحقير من حطام الدنيا‬
‫الفانية ‪ .‬وتختتم سورة آل عمران بتوجيه الناس جميعا إلي التأمل في خلق‬
‫السماوات والرض ‪ ,‬واستخلص شيء من صفات الخالق العظيم بالتعرف‬
‫علي بديع صنعه في خلقه ‪ ,‬وتدعوهم لتكثيف الدعاء إلي الله ) تعالي (‬
‫والرجاء من فضله بالنجاة من النار ‪ ,‬ومن خزي يوم القيامة ‪ ,‬والمغفرة من‬
‫الذنوب ‪ ,‬وتكفير السيئات ‪ ,‬ورفع الدرجات ‪ ,‬والستجابة إلي كل ذلك من‬
‫فيض كرم الله ) تعالي (‪ ,‬وفي ختام هذه السورة المباركة أيضا يأتي الخطاب‬
‫إلي رسول الله ) صلي الله عليه وسلم ( وإلي جميع المسلمين من بعده أل‬
‫يغتروا بتقلب الذين كفروا في البلد في شيء من النعم المادية والجاه‬
‫والسلطان ‪ ,‬وذلك لن متاع الدنيا قليل ‪ ,‬ومن ثم لبد أن ينتهي بهم إلي جهنم‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبئس المصير ‪ ,‬بينما الصالحون المتقون قد يعيشون في الدنيا عيشة الفقراء‬


‫‪ ,‬وحياة البتلء ثم تنتهي بهم هذه الحياة إلي نعيم الخرة البدية الخالدة وما‬
‫أعد الله ) تعالي ( لهم فيها من خير كثير ‪.‬‬
‫وتعاود السورة الكريمة في ختامها إلي ذكر أهل الكتاب بمن اهتدي منهم‬
‫ومن حقت عليه الضللة ‪ ,‬فالذين اهتدوا إلي دين الله ‪ ,‬وآمنوا بخاتم أنبيائه‬
‫ورسله ) صلي الله عليه وسلم (‪ ,‬وبالقرآن الكريم الذي أنزل إليه ‪ ,‬فمن الله‬
‫) سبحانه وتعالي ( عليهم بالخشوع لجلله ‪ ,‬والخضوع لوامره ‪ ,‬واجتناب‬
‫نواهيه ‪ ,‬والعتزاز به وتعظيمه ‪ ,‬فأكرمهم بأن لهم أجرهم عند ربهم ‪ ,‬وتقفل‬
‫سورة آل عمران بوصية من الله ) تعالي ( إلي عباده المؤمنين يقول لهم‬
‫فيها ‪:‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ‪ ) .‬آل‬
‫عمران ‪(200:‬‬
‫وهذه الوصايا الربانية هي عدة المؤمن في مواجهة أهل الباطل في كل عصر‬
‫وفي كل حين ‪.‬‬
‫من اليات الكونية في سورة آل عمران‬
‫‪ 1‬ـ الشارة إلي أن الله ) تعالي ( هو الذي يصور الخلق في أرحام المهات‬
‫كيف يشاء ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التعبير عن دوران الرض حول محورها أمام الشمس بظاهرتي ولوج‬
‫الليل في النهار ‪ ,‬وولوج النهار في الليل ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تشبيه دورة الحياة والممات والبعث بإخراج الحي من الميت وإخراج‬
‫الميت من الحي ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التأكيد علي خلق كل من آدم وعيسي ابن مريم ) عليهما السلم ( من‬
‫تراب ‪ ,‬ثم قيام كل منهما بالمر اللهي ‪ :‬كن فيكون ‪,‬‬
‫‪ 5‬ـ ذكر حقيقة أن ‪ ..‬أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين‬
‫‪ 6‬ـ التأكيد علي أن لله ما في السماوات وما في الرض وأن إليه ترجع‬
‫المور ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ الشارة إلي حقيقة أن كل نفس ذائقة الموت ‪ ,‬وأن الموت كتاب مؤجل‬
‫ل يحل إل بإذن الله ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ التلميح إلي قضية نفسية مهمة لم تعرف إل مؤخرا وهي معالجة الغم‬
‫بغم جديد من أجل تخفيفه ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ التأكيد علي أن خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار فيهما آيات‬
‫لولي اللباب ‪ ,‬وأن التفكير في مثل هذه القضايا من وسائل التعرف علي‬
‫الخالق العظيم ‪ ,‬وعلي شيء من صفاته العليا وقدراته التي ل تحدها حدود ‪.‬‬
‫وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة ‪ ,‬ولذلك فسوف‬
‫أقصر حديثي هنا علي النقطة الرابعة من القائمة السابقة والتي تتعلق‬
‫بالتأكيد علي خلق كل من آدم وعيسي ابن مريم ) عليهما السلم ( من تراب‬
‫ثم قيام كل منهما بالمر اللهي ‪ :‬كن فيكون ‪.‬‬
‫من الدللت العلمية للية الكريمة‬
‫يؤكد ربنا تبارك وتعالي في محكم كتابه أن الخلق الول لبينا آدم ) عليه‬
‫السلم ( قد تم بمعجزة وذلك بالمر اللهي كن فيكون ‪ ,‬ولحكمة يعلمها الله‬
‫) تعالي ( تم هذا المر علي عدد من المراحل المتتالية كما يلي ‪:‬‬
‫)‪ (1‬من تراب ) آل عمران ‪ ,59/‬الكهف ‪ ,37/‬الحج ‪ ,5/‬الروم ‪ ,20/‬فاطر ‪/‬‬
‫‪ .11‬غافر ‪(67/‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪ (2‬ثم من طين وهو التراب المعجون بالماء ) النعام ‪ ,2/‬العراف ‪,12/‬‬
‫السجدة ‪ ,7/‬ص ‪ ,76,71/‬السراء ‪(61/‬‬
‫)‪ (3‬ثم من سللة من طين أي من خلصة منتزعة من الطين برفق‬
‫) المؤمنون ‪(12/‬‬
‫)‪ (4‬ثم من طين لزب أي لصق بعضه ببعض ) الصافات ‪(11/‬‬
‫)‪ (5‬ثم من صلصال من حمأ مسنون أي أسود منتن ) الحجر ‪(33,28,26/‬‬
‫)‪ (6‬ثم من صلصال كالفخار ) الرحمن ‪(14/‬‬
‫)‪ (7‬ثم نفخ الله ) تعالي ( فيه من روحه فأنشأت نسمة الروح مراد الله‬
‫) سبحانه وتعالي ( من خلقه ‪ .‬ويجمل القرآن الكريم هذه المراحل كلها‬
‫بالشارة إلي خلق النسان من الرض ) هود ‪ ,61/‬طه ‪ ,55/‬النجم ‪,32/‬‬
‫نوح ‪ ,(18,17/‬ومن الماء ) الفرقان ‪(54/‬‬
‫ويتحدث القرآن الكريم عن تسلسل النسل بالتكاثر ‪ ,‬والمادة أصل هي تراب‬
‫الرض ونفخة الروح ‪ ,‬ويجمل ذلك في تعبير من ذكر وأنثي ) الحجرات ‪(13/‬‬
‫كما يجمله في الماء ) الفرقان ‪ ,(54/‬وفي الماء الدافق ) الطارق ‪ ,(6/‬وفي‬
‫الماء المهين ) المرسلت ‪ ,(20/‬وفي سللة من ماء مهين ) السجدة ‪,(8/‬‬
‫ومن نطفة ) النحل ‪ ,4/‬يس ‪ ,77/‬عبس ‪ ,(19/‬ومن نطفة إذا تمني ) النجم ‪/‬‬
‫‪ ,(46‬ومن نطفة أمشاج ) النسان ‪ ,(2/‬ومن علقة ) القيامة ‪ ,38/‬العلق ‪,(2/‬‬
‫ومن مضغة مخلقة وغير مخلقة ) الحج ‪ ,(5:‬ويجمع المراحل كلها حتي انشاء‬
‫الجنين خلقا آخر ) الحج ‪ ,5:‬المؤمنون ‪ 12:‬ـ ‪ (14‬ويضمها في تعبير خلقا من‬
‫بعد خلق ) الزمر ‪ ,(6/‬وفي تعبير أطوارا ) نوح ‪ ,(14/‬وفي أحسن تقويم‬
‫) التين ‪ .(4/‬ويرد الخلق كله إلي الخلق الول لبينا آدم ) عليه السلم ( في‬
‫تعبير من نفس واحدة ) النساء ‪ ,1/‬العراف ‪ ,189/‬الزمر ‪ ,(6/‬ويشير إلي‬
‫خلق أمنا حواء من هذه النفس الواحدة ) أبينا آدم عليه السلم ( بقول ربنا‬
‫) تبارك وتعالي (‪:‬‬
‫يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث‬
‫منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام إن الله كان‬
‫عليكم رقيبا ) النساء ‪(1:‬‬
‫وقوله ) عز من قائل (‪:‬‬
‫هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ‪ ) ..‬العراف‬
‫‪(189:‬‬
‫وقوله ) جلت قدرته (‪:‬‬
‫خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ‪ ) ..‬الزمر ‪(6:‬‬
‫والنفس الواحدة هي آدم ) عليه السلم ( الذي خلقه الله ) تعالي ( أصل من‬
‫تراب ‪ ,‬وفي ذلك يقول المصطفي ) صلي الله عليه وسلم (‪ :‬إن الله خلق‬
‫آدم من قبضة قبضها من جميع الرض ‪ ,‬فجاء بنو آدم علي قدر الرض ‪ :‬جاء‬
‫منهم الحمر ‪ ,‬والبيض ‪ ,‬والسود وبين ذلك ‪ ,‬والخبيث والطيب وبين ذلك‬
‫) أخرجه كل من المام أحمد ‪ ,‬وأبو داود ‪ ,‬والترمذي (‬
‫وعملية الخلق بأبعادها الثلثة ‪ :‬خلق الكون ‪ ,‬وخلق الحياة ‪ ,‬وخلق النسان‬
‫عملية غيبية غيبة كاملة عنا حيث لم يشهدها أي من النس أو الجن وفي ذلك‬
‫يقول ربنا ) تبارك وتعالي (‪:‬‬
‫ما أشهدتهم خلق السماوات والرض ول خلق أنفسهم وما كنت متخذ‬
‫المضلين عضدا ) الكهف ‪(51:‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن الله ) تعالي ( الذي قرر هذه الحقيقة يطالبنا في أكثر من آية من آيات‬
‫القرآن الكريم بان نتفكر في كيفية الخلق ‪ ,‬ومن ذلك قوله عز من قائل ‪:‬‬
‫إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار والفلك التي تجري في‬
‫البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد‬
‫موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء‬
‫والرض ليات لقوم يعقلون ) البقرة ‪(164:‬‬
‫إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب‬
‫الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات‬
‫والرض ربنا ما خلقت هذا باطل سبحانك فقنا عذاب النار ) آل عمران ‪:‬‬
‫‪(191,190‬‬
‫أو لم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده إن ذلك علي الله يسير قل سيروا‬
‫في الرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الخرة إن الله‬
‫علي كل شيء قدير ) العنكبوت ‪(20,19:‬‬
‫لخلق السماوات والرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس ل يعلمون‬
‫) غافر ‪(57:‬‬
‫ومن آياته خلق السماوات والرض وما بث فيهما من دابة وهو علي جمعهم‬
‫إذا يشاء قدير ) الشوري ‪(29:‬‬
‫والجمع بين هذه اليات يشير إلي أنه علي الرغم من أن عملية الخلق قد‬
‫تمت في غيبة النسان ‪ ,‬إل أن الله ) تعالي ( ـ من رحمته بنا ـ قد ترك لنا في‬
‫أنفسنا ‪ ,‬وفي صخور الرض من حولنا ‪ ,‬وفي صفحة السماء من الشواهد‬
‫الحسية ما يمكن أن يعين النسان ـ بإمكاناته المحدودة ـ علي الوصول إلي‬
‫تصور ما عن كيفيات الخلق ‪ .‬ولكن هذه التصورات تبقي قاصرة ‪ ,‬عاجزة ‪,‬‬
‫ومنقوصة في غيبة الستهداء بالنصوص الواردة في كتاب الله وفي سنة‬
‫رسوله ) صلي الله عليه وسلم ( عن ذلك ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وللتدليل علي ذلك نقول بأن تدرج عمارة الرض بالخلق عبر فترة زمنية‬
‫طويلة تقدر بحوالي ‪ 8‬و ‪ 3‬بليون سنة قد أغرت عددا من الكفار والمشركين‬
‫ومن علي دربهم من المنافقين بالمناداة بنظرية التطور العضوي التي تنادي‬
‫بمادية الخلق الول الذي نشأ نتيجة لتفاعل أشعة الشمس مع طين الرض‬
‫بعفوية كاملة ‪ ,‬ثم التطور الذاتي العشوائي وغير الواعي لهذا الخلق الول‬
‫حتي وصل إلي النسان ‪ .‬ولكن تعقيد بناء الخلية الحية ينفي امكانية إيجادها‬
‫بغير تدبير حكيم مسبق ‪ .‬وتعقيد بناء العضيات المختلفة في الخلية الحية‬
‫وبناء الشفرة الوراثية ‪ .‬ينفي ذلك نفيا مطلقا ‪ ,‬وكل نشاط طبيعي أو كيميائي‬
‫أو حيوي وكل منتج عن تلك النشطة يؤكد علي حقيقة الخلق ‪ ,‬وعلي رعاية‬
‫الخالق ) سبحانه وتعالي (‪ .‬فالشفرة الوراثية سجل محكم من المعلومات‬
‫والوامر المنظمة تنظيما مذهل ‪ ,‬والتي تنفذ بدقة مبهرة علي مستوي أدق‬
‫التفاصيل ‪ ,‬مما يعطي الخلية الحية في أبسط صورها مستوي من عظمة‬
‫التصميم ‪ ,‬وتعقيد البناء ‪ ,‬ومستوي التنفيذ ل يمكن أن يصل إليه أكبر المصانع‬
‫التي أنشأها النسان بل التي فكر في انشائها ولم يتمكن من ذلك بعد‬
‫فيستحيل علي أكثر التقنيات تقدما اليوم انتاج واحدة من أبسط الخليا الحية‬
‫علي الرغم من معرفتنا بتركيبها الكيميائي الدقيق مائة بالمائة ‪.‬‬
‫ليس هذا فقط ‪ ,‬بل إن لبنة بناء الخلية الحية وهي الجزيء البروتيني عبارة‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن بناء معقد من جزيئات الحماض المينية المحددة التي تبلغ العشرين ‪,‬‬
‫والمرتبة ترتيبا معينا ‪ ,‬والمرتبطة مع بعضها البعض بروابط كيميائية محددة ‪,‬‬
‫في تتابعات خاصة ‪ ,‬وبنسب مقدرة بدقة فائقة ‪ ,‬ولرتباط تلك الحماض‬
‫المينية برابطة واحدة هي الرابطة البيبتيدية )‪ (PeptideBond‬فإن البروتينات‬
‫تعرف باسم عديدة البيبتيدات )‪ .(Polypeptides‬وقد يشترك عدد كبير من‬
‫مختلف الحماض المينية في تكوين السلسلة البيبتيدية للبروتين وهذا ل‬
‫يمكن أن يتم بمحض الصدفة أبدا ‪ ,‬وذلك لن جميع البروتينات في أجساد كل‬
‫الكائنات الحية مبنية من العشرين نوعا المحددة من أنواع الحماض المينية ‪,‬‬
‫وكلها من أنموذج واحد يعرف باسم أنموذج أ )‪ ,(AlphaType‬وكلها مرتبط‬
‫ببعضه البعض برابطة محددة هي الرابطة البيبتيدية ‪ ,‬وأبسط جزيء بروتيني‬
‫معروف يتكون من خمسين جزيئا من جزيئات الحماض المينية العشرين‬
‫المحددة ‪ ,‬وبعض الجزيئات البروتينية مكون من آلف الجزيئات من الحماض‬
‫المينية ‪ .‬وجميع هذه الضوابط والقيود ـ وغيرها كثير ـ تجعل احتمال تكون‬
‫جزيء بروتيني واحد بمحض الصدفة من أكبر المستحيلت ‪.‬‬
‫فإذا أضفنا إلي ذلك تعقيد بناء جزيء الحمض الميني نفسه الذي يتكون من‬
‫ستة عناصر أساسية هي ‪ :‬الكربون ‪ ,‬اليدروجين ‪ ,‬الكسجين ‪ ,‬النيتروجين ‪,‬‬
‫الكبريت ‪ ,‬والفوسفور ‪ ,‬وأن مجرد اختيار تلك العناصر الستة من بين أكثر‬
‫من مائة عنصر معروفة لنا بمحض الصدفة يجعل المر أشد استحالة ‪ .‬ويزيد‬
‫المر تعقيدا أن الذرات تترتب في الحماض المينية ترتيبا يساريا في أجساد‬
‫جميع الكائنات الحية ‪ ,‬ولكن بمجرد موت الكائن الحي فإنها تعيد ترتيب ذاتها‬
‫ترتيبا يمينيا بمعدلت ثابتة مما يعين علي تحديد لحظة وفاة الكائن الحي‬
‫بحساب نسبة الترتيب اليميني إلي اليساري في جزيئات الحماض المينية‬
‫في أية فضلة تبقي عن ذلك الكائن الحي ‪.‬‬
‫ليس هذا فقط بل إن جزيئات الحماض المينية تترتب في داخل الجزيئات‬
‫البروتينية المكونة للخلية الحية ترتيبا يساريا كذلك في جميع الحياء ‪ ,‬بينما‬
‫تترب الذرات في النويدات )‪ (Nucleotides‬ترتيبا يمينيا والنويدات هي الحروف‬
‫التي تكتب بها الشفيرة الوراثية )‪.(DNACODON‬‬
‫وإذا أضفنا إلي كل ذلك إحكام بناء الخلية الحية علي ضآلة أبعادها فإن أية‬
‫إمكانية للعشوائية أو الصدفة تنتفي تماما ‪ ,‬فالخلية الحية لها جدار رقيق من‬
‫غشاء حي في كل من النسان والحيوان يتبادل الغذاء والنفايات والكسجين‬
‫مع الخليا المجاورة ‪ ,‬ولها جدار من غشاء سميك غير حي في النباتات ‪,‬‬
‫والخلية لها السائل الخلوي الذي يتكون أساسا من البروتينات ‪ ,‬والدهنيات ‪,‬‬
‫والسكريات ‪ ,‬والعديد من العناصر الذائبة ‪ ,‬ويسبح في هذا السائل الخلوي‬
‫العديد من الصبغيات ‪ ,‬والنواة التي لها جدار حي وتحتوي علي الشفرة‬
‫الوراثية المحمولة علي عدد من الصبغيات المحدد لكل نوع من أنواع الحياة ‪,‬‬
‫وتتكون الصبغيات من جزيئات الحمض النووي الريبي المنقوص الوكسجين ‪,‬‬
‫وبالنواة كذلك والحمض النووي الريبي المراسل ‪ ,‬والبروتينات ) ومنها‬
‫الهرمونات والنزيمات (‪ ,‬والكربوهيدرات ‪ ,‬والدهون )‪ ,(Lipids‬والفيتامينات ‪,‬‬
‫والليكتروليتات ‪ ,‬وغيرها من المركبات الكيميائية المرتبة ترتيبا محكما‬
‫وبنسب محددة ‪ ,‬واختيار دقيق ‪ ,‬وتناسق عجيب ليقوم كل منها بدوره علي‬
‫أكمل وجه ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وللخلية الحية مصادرها المختلفة من الطاقة ‪ ,‬ومصانعها ‪ ,‬ومختبراتها ‪,‬‬


‫ومحطات التكرير الخاصة بكل منتج تنتجه ‪ ,‬ووسائل النتقال المحددة بداخلها‬
‫‪ ,‬ولها شفرة وراثية شديدة التعقيد يضم الصبغي الواحد من بين ‪ 46‬صبغيا‬
‫في الخلية الواحدة من خليا جسم النسان ‪ 6‬و ‪ 18‬بليون قاعدة كيميائية ‪,‬‬
‫وكل ذلك ينفي الصدفة ‪ ,‬ويؤكد الخلق المتقن ‪ ,‬والتدبير الحكيم الذي ل يقوي‬
‫عليهما إل رب العالمين ‪.‬‬
‫وإذا استحالت الصدفة علي ايجاد خلية حية واحدة ‪ ,‬فالمر أشد استحالة‬
‫بالنسبة للكائن الحي الكامل ‪ ,‬وهو أبلغ بالنسبة إلي النسان الذي يتكون‬
‫جسده في المتوسط من ألف مليون مليون خلية ‪ ,‬تنتظمها أنسجة‬
‫متخصصة ‪ ,‬في أعضاء متخصصة ‪ ,‬في أجهزة متخصصة ‪ ,‬تعمل كلها في‬
‫توافق عجيب يخدم هذا الجسد المكرم ‪ ,‬ولذلك قال ربنا ) تبارك وتعالي (‪:‬‬
‫ذلكم الله ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو علي كل شيء‬
‫وكيل ) النعام ‪(102:‬‬
‫‪ ..‬قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ) الرعد ‪(16:‬‬
‫الله خالق كل شيء وهو علي كل شيء وكيل ) الزمر ‪(62:‬‬
‫ذلكم الله ربكم خالق كل شيء ل إله إل هو فاني تؤفكون ) غافر ‪(62:‬‬
‫هو الله الخالق الباريء المصور له السماء الحسني يسبح له ما في‬
‫السماوات والرض وهو العزيز الحكيم ) الحشر ‪(24:‬‬
‫فإذا قال هذا الخالق الباريء المصور أنه خلق النسان من تراب ‪ ,‬أو من‬
‫طين ‪ ,‬أو من طين لزب ‪ ,‬أو من سللة من طين ‪ ,‬أو من صلصال من حمأ‬
‫مسنون ‪ ,‬أو من صلصال كالفخار فل يملك المؤمن بالله ) تعالي ( إل أن‬
‫يقول آمين ‪ ,‬لن هذا هو الخالق يتحدث عن خلقه ‪ ,‬ومن أدري بالخلق من‬
‫خالقه !!‬
‫وإذا خلق الله ) تعالي ( عبده ورسوله عيسي ابن مريم من أم بل أب بأمره‬
‫فهو نفس المر اللهي بـ كن فيكون الذي خلق به آدم من تراب ‪ .‬والنسان ـ‬
‫في ضعفه ـ قد استطاع استنساخ عدد من الحيوانات من أم بل أب فهل‬
‫يعجز ذلك خالق النسان؟‬
‫والخلق من تراب ينطبق في الحالين ‪ :‬حال أبينا آدم ) عليه السلم ( الذي بدأ‬
‫الله ) تعالي ( خلقه من تراب وكان جميع نسله في صلبه لحظة خلقه ومنهم‬
‫عبد الله ورسوله عيسي ابن مريم ‪ .‬كما ينطبق الخلق من تراب علي‬
‫المسيح عيسي ابن مريم نفسه لنه نشأ من بيضة أمه الموروثة عن أبوينا‬
‫آدم وحواء ) عليهما السلم ( وتغذي وهو جنين علي دمائها المستمدة من‬
‫غذائها وهو مستمد من عناصر الرض ‪ ,‬وتغذي وهو رضيع علي لبنها ‪ ,‬وهو‬
‫مستمد من نفس المصدر ‪ ,‬وتغذي بعد ذلك علي نباتات الرض ‪ ,‬وعلي‬
‫منتجات المستباح من حيواناتها ‪ ,‬وكل ذلك مستمد أصل من عناصر تراب‬
‫الرض ومائها وهوائها ولذلك قال ربنا ) وهو أحكم القائلين (‪:‬‬
‫إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) آل‬
‫عمران ‪(59:‬‬
‫ول يملك عاقل أن يقول بعد كلم الله الخالق الباريء المصور قول ‪!!...‬‬
‫ولعل في ذلك ما يرد نفرا من أبناء المسلمين الذين فتنوا بالغرب ومنجزاته ‪,‬‬
‫وانبهروا بمعطياته المنطلقة من بوتقة الكفر والشرك واللحاد ‪ ,‬فتحدثوا عن‬
‫التطور العضوي وزينوه في عقول نفر من غير المتخصصين ‪ ,‬ومن‬
‫المنهزمين نفسيا أمام الحضارة الغربية المزيفة فانطلقوا بخيال جامح‬
‫يؤولون كلم الله تأويل مرفوضا ‪ ,‬وينكرون نصوصا قرآنية كريمة ‪ ,‬وأحاديث‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نبوية شريفة قطعية الثبوت ‪ ,‬قطعية الدللة ‪ ,‬وهم يعلمون جيدا حكم من‬
‫ينكر معلوما من الدين بالضرورة ‪ ,‬فافترضوا ـ دون أدني دليل علمي أو‬
‫منطقي وجود بشر قبل آدم ‪ ,‬والنصوص القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة ل‬
‫تفرق بين الدمية والبشرية ‪.‬‬
‫ويبقي في قول ربنا ) تبارك وتعالي (‪:‬‬
‫إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) آل‬
‫عمران ‪(59:‬‬
‫يبقي في ذلك سبق علمي حقيقي أثبتته الدراسات المتأخرة في علم الوراثة‬
‫والتي أكدت أن انقسام الصبغيات الحاملة للشفرة الوراثية ينتهي بنسب‬
‫بليين الفراد الذين يعمرون أرض اليوم ‪ ,‬والبليين الذين جاءوا من قبلنا ثم‬
‫ماتوا ‪ ,‬والذين سوف يأتون من بعدنا إلي قيام الساعة ‪ ,‬هؤلء جميعا ينتهي‬
‫نسبهم إلي أب واحد وأم واحدة هما أبوانا آدم وحواء ) عليهما السلم ( ولما‬
‫كان عيسي ) عليه السلم ( من نسل آدم ‪ ,‬مخلوق من تراب فان جسد‬
‫عيسي ابن مريم يحوي بالقطع جزءا من التراب الموروث عن أبيه آدم ‪ ,‬وقد‬
‫غذي بدم ولبن أمه وهو أيضا مستمد من عناصر تراب الرض ‪ ,‬فهو من تراب‬
‫كما خلق أبوه آدم من تراب ‪ .‬كذلك أثبتت محاولت الستنساخ في النبات‬
‫والحيوان إمكانية انتاج جنين من أم بل أب ‪ ,‬وإذا استطاع النسان ـ علي‬
‫ضعفه ـ تحقيق ذلك فإنه ل يعجز خالق النسان ‪!!..‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله ‪ ,‬وحفظه‬
‫بعهده في نفس لغة وحيه ) اللغة العربية ( كلمة كلمة ‪ ,‬وحرفا حرفا ‪ ,‬حتي‬
‫يبقي حجة علي الخلق جميعا إلي قيام الساعة ‪ ,‬وصلي الله وسلم وبارك‬
‫علي سيدنا محمد النبي والرسول المين الذي بلغ الرسالة ‪ ,‬وأدي المانة ‪,‬‬
‫ونصح الثقلين حتي أتاه اليقين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الشاعة وأثرها‬
‫علي بن عثمان محمد القرني‬
‫يعّرف كثير من المتخصصين الشاعة بأنها ‪ " :‬رواية مصطنعة عن فرد ‪ ،‬أو‬
‫أفراد ‪ ،‬أو مسؤولين يتم تداولها شفهيا ً بأية وسيلة متعارف عليها ‪ ،‬دون الرمز‬
‫لمصدرها ‪ ،‬أو ما يدل على صحتها ‪ ،‬ومعظم الشائعات مختلفة ذات دوافع‬
‫نفسية ‪ ،‬أو سياسية ‪ ،‬أو اجتماعية ‪ ،‬أو اقتصادية ‪ ،‬وتتعرض أثناء التداول‬
‫للتحريف ‪ ،‬والزيادة ‪ ،‬والنقص ‪ ،‬وتميل غالبا ً للزيادة " ]‪. [1‬‬
‫‪ -1‬تاريخ الشائعة ‪:‬‬
‫" يؤكد التاريخ أن الشائعة وجدت على الرض مع وجود النسان " ]‪ ، [2‬وقد‬
‫تطورت وترعرعت مع تطور الحضارات القديمة والحديثة ‪ ،‬واستخدمها‬
‫المصريون والصينيون ‪ ،‬و اليونان ‪ ،‬في حروبهم قبل الميلد بآلف السنين‬
‫للتأثير على الروح المعنوية للعدو ‪ ،‬وفي بداية العصر السلمي كانت حادثة‬
‫الفك التي تولى كبرها المنافقون ‪ ،‬وكادت تؤثر تأثيرا ً كبيرا ً على الروح‬
‫المعنوية لبعض المسلمين ؛ حتى أنزل الله قرآنا ً يبين براءة عائشة رضي الله‬
‫عنها ‪ ،‬ويكذب من جاء بالفك ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد ‪ ،‬وما كان لها‬
‫من أثر في صفوف المقاتلين المسلمين ‪ ،‬وقصة نعيم بن مسعود رضي الله‬
‫عنه في غزوة الخندق لتفكيك قوى الحزاب ل تخفى على أحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنواع الشاعة ‪:‬‬
‫الشائعات ل يمكن حصرها ‪ ،‬ويحكمها الهدف ‪ ،‬أو الغرض من الشاعة ؛‬
‫ولكنها ل تخلو من ‪:‬‬
‫أ‪ -‬إشاعة الخوف ‪ :‬وهي ‪ ) :‬إثارة القلق والرعب في نفوس السكان ( ]‪، [3‬‬
‫أثناء الكوارث والحروب ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إشاعة المل أو التمني ‪ :‬والتي يتمنى مروجوها أن تكون حقيقة واقعة ]‬
‫‪ [4‬ويتناول هذا النوع قضايا مختلفة في مقدمتها الحصول على منافع‬
‫معنوية ‪ ،‬أو اجتماعية ‪ ،‬أو اقتصادية ‪.‬‬
‫ج‪ -‬إشاعة الحقد ‪ :‬وهي ) أخطر أنواع الشاعات ؛ لنها تسعى إلى ضرب‬
‫الوحدة الوطنية بإثارة البلبلة بين الطوائف الدينية ‪ ،‬والمذهبية ‪ ،‬والقومية ‪،‬‬
‫وصول ً إلى بث روح الفرقة ‪ ،‬وتحطيم المعنويات ( ]‪. [5‬‬
‫وتكثر الشائعات في غير الظروف العادية كظروف الحروب مثل ً ؛ بقصد‬
‫غرس روح النصر في الجيوش الصديقة ‪ ،‬أو غرس روح الهزيمة في العداء ‪،‬‬
‫أو رفع أسعار السلع في السواق ‪.‬‬
‫‪ -3‬أسباب انتشار الشاعة ‪:‬‬
‫هناك أسباب لنتشار الشائعات منها ‪ :‬الشعور بالقلق ‪ ،‬والخوف ‪ ،‬والكراهية‬
‫لشخص أو أشخاص معينين لهم نفوذهم ‪ ،‬ولسباب شخصية معينة ‪ ،‬ثم يأتي‬
‫بعد ذلك الفراغ ‪ ،‬والذن الصاغية ‪ .‬بالضافة إلى ضعف الوازع الديني ‪،‬‬
‫والجهل ‪ ،‬والرغبة في تضخيم المور الصغيرة إلى أشياء كبيرة لسباب نفسية‬
‫‪ ،‬والستعداد النفسي ‪ ،‬والرغبة في إثارة مشاكل اجتماعية تهم أفراد المجتمع‬
‫بأكمله‬
‫‪ -4‬أثر الشاعة ‪:‬‬
‫ً‬
‫الشاعة وباء خطير إذا دب في مجتمع من المجتمعات أشاع فيه جوا من‬
‫القلق والخوف والتوتر والضطراب ‪ ،‬وعدم الستقرار ‪ ،‬وانهيار الروح‬
‫المعنوية ‪ ،‬وإشعال نار العداء بين عباد الله ‪ ،‬والوقوع في أعراضهم مما يكون‬
‫له الثر السيئ على المن والستقرار ‪ ،‬وكثيرا ً ما ينتج عن ذلك الفوضى‬
‫وتعطيل مصالح الدول والمجتمعات إذا لم تستطع الحكومة مواجهتها وتفنيدها‬
‫وإطلع مواطنيها على الحقائق التي تحاول الشائعات طمسها وتزويرها ‪.‬‬
‫‪ -5‬التحذير من الشاعة ‪:‬‬
‫لن الشاعة أقوال بين متكلم أو مروج وبين سامع مصدق ومكذب لتلك‬
‫القوال ؛ فقد وصف الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم مبتدع الشاعة‬
‫جاَءك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ومروجها بأقبح الوصاف ؛ فقد وصف بالفاسق في قوله تعالى ‪ِ [ :‬إن َ‬
‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ فَت َب َي ُّنوا ] ) الحجرات ‪ ، ( 6 :‬والكاذب في قوله تعالى ‪ [ :‬إ ِن ّ َ‬
‫ما‬ ‫َفا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ] ) النحل ‪:‬‬ ‫م الكاذُِبو َ‬ ‫ت اللهِ وَأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫ذي َ‬‫ب ال ِ‬
‫ري الكذِ َ‬‫فت َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫‪ ، ( 105‬والمنافق في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬آية المنافق ثلث وإن صلى‬
‫وصام وزعم أنه مسلم ‪ :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " ]‬
‫‪ ، [6‬وحذر الله سبحانه وتعالى من الكذب وبين العقوبة التي يستحقها‬
‫كاذِِبين ] ) آل عمران ‪:‬‬ ‫ة الل ّهِ عََلى ال َ‬ ‫جَعل ل ّعْن َ َ‬ ‫الكاذب لكذبه فقال تعالى ‪ [ :‬فَن َ ْ‬
‫جوهُُهم‬ ‫ن ك َذ َُبوا عََلى الل ّهِ وَ ُ‬‫ذي َ‬‫مةِ ت ََرى ال ّ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬
‫‪ ، ( 61‬وقال تعالى ‪ [ :‬وَي َوْ َ‬
‫سوَد ّةٌ ] ) الزمر ‪ ، ( 60 :‬وحديث ابن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إن الصدق يهدي إلى البر ‪ ،‬وإن‬
‫البر يهدي إلى الجنة ‪ ،‬وأن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ً ‪ ،‬وإن‬
‫الكذب يهدي إلى الفجور ‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى النار ‪ ،‬وإن الرجل ليكذب‬
‫حتى يكتب عند الله كذابا ً " ]‪ ، [7‬وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫أن رسول الله قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬كفى بالمرء كذبا ً أن يحدث بكل‬
‫ما سمع " ]‪. [8‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما السامع فقد أمره الله سبحانه وتعالى بالتثبت والتأكد مما يسمع ‪ ،‬وحذره‬
‫من المسارعة في تصديق كل ما يبلغه فيقع في ندامة من أمره ]‪، [9‬‬
‫َ‬
‫ق‬
‫س ٌ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م َفا ِ‬ ‫مُنوا ِإن َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫والخطاب عام للمؤمنين قال تعالى ‪َ [ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬
‫م َنادِ ِ‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫وما ً ب ِ َ‬‫صيُبوا قَ ْ‬
‫ب ِن َب َأ ٍ فَت َب َي ُّنوا أن ت ُ ِ‬
‫] ) الحجرات ‪. ( 6 :‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫كم من إشاعة أطلقها مغرض ‪ ،‬وسمعها وصدقها متعجل أدت إلى تباغض‬
‫الخوان والصدقاء ‪ ،‬والعداوة بين الصحاب والزملء ‪ ،‬وإساءة سمعة الفضلء‬
‫‪ ،‬وتشتيت أسر ‪ ،‬وتفريق جماعات ‪ ،‬ونكبة شعوب ‪ ،‬وانهيار وهزيمة جيوش ‪،‬‬
‫فترك ذلك جراحا ً عميقة ل تندمل ‪ ،‬ودموعا ً ل ترقأ ‪ ،‬وفرقة دائمة ل تجتمع ‪.‬‬
‫ومع كل ما يعلمه المجتمع بما تسببه الشاعة من مساوئ وويلت ‪ ،‬تظل‬
‫المادة الساسية والهواية المحببة لمروجيها ‪ ،‬ويبقى مروجوها بؤرة فاسدة‬
‫في جسد المجتمع ‪ ،‬وطفح جلدي منتن يجب على أي جماعة ‪ ،‬أو أمة ‪ ،‬أو‬
‫شعب محاربة هذه الفة الفتاكة واستئصالها وانتزاعها من جذورها ؛ لتبقى‬
‫المة متماسكة مترابطة ذات هدف واحد تبني مستقبلها وتقف ضد أي أخطار‬
‫تعترض مسيرتها ‪.‬‬
‫________________________‬
‫)‪ (1‬د محمد عثمان الخشت ‪ ،‬الشائعات وكلم الناس ص ‪ (1312):‬مكتبة ابن‬
‫سينا)‪1996‬م( ‪.‬‬
‫)‪ (2‬محمد بن دغش القحطاني الشاعة وأثرها على المجتمع ص ‪ (12):‬دار‬
‫طويق ط ‪1418) 1‬هـ( ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أ د إبراهيم الجوير ‪ ،‬الشائعات ووظيفة المؤسسات الجتماعية في‬
‫مواجهتها ص ‪ (10 - 9):‬مكتبة العبيكان ‪ ،‬ط ‪1416)، 1‬هـ( ‪.‬‬
‫)‪ (4‬أ د إبراهيم الجوير ‪ ،‬الشائعات ووظيفة المؤسسات الجتماعية في‬
‫مواجهتها ص ‪ (10 - 9):‬مكتبة العبيكان ‪ ،‬ط ‪1416)، 1‬هـ( ‪.‬‬
‫)‪ (5‬أ د إبراهيم الجوير ‪ ،‬الشائعات ووظيفة المؤسسات الجتماعية في‬
‫مواجهتها ص ‪ (10 - 9):‬مكتبة العبيكان ‪ ،‬ط ‪1416)، 1‬هـ( ‪.‬‬
‫)‪ (6‬النووي ‪ ،‬رياض الصالحين ص ‪ (606):‬دار الفكر المعاصر ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪ (7‬النووي ‪ ،‬رياض الصالحين ص ‪ (606):‬دار الفكر المعاصر ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم ‪ ،‬شرح النووي ص ‪ ، (73):‬ج)‪ ، (1‬ط)‪1392)، (2‬ه( دار‬
‫الفكر ‪ ،‬ببيروت ‪.‬‬
‫)‪ (9‬سلمان مندني جسور التواصل ص ‪ (19)،‬ط ‪1413 ، 1‬ه دار الدعوة‬
‫للنشر الكويت ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصلح ضرورة‬
‫ماد ‪24/8/1424‬‬ ‫سهيلة زين العابدين ح ّ‬
‫‪20/10/2003‬‬
‫تواجه أمتنا السلمية تحديات جمة وخطيرة تستهدف هويتها وعقيدتها وتراثها‬
‫وحضارتها وثرواتها وعزتها وكرامتها وحريتها‪ ،‬والكعبة المشرفة هدف أعداء‬
‫المة‪ ،‬ولقد أشار إليها رئيس الوزراء البريطاني مستر جلدستون في أواخر‬
‫القرن التاسع عشر في مجلس العموم البريطاني‪ ،‬وقد أمسك بيمينه كتاب‬
‫ن العقبة الكؤود أمام‬ ‫ل‪ ،‬وصاح في أعضاء البرلمان وقال‪" :‬إ ّ‬ ‫الله عّز وج ّ‬
‫استقرارنا بمستعمراتنا في بلد المسلمين هي شيئان‪ ،‬ولبد من القضاء‬
‫عليهما مهما كّلفنا المر‪ ،‬أولهما هذا الكتاب‪ ،‬وسكت قليل ً بينما أشار بيده‬
‫اليسرى نحو الشرق وقال‪:‬هذه الكعبة!!" )‪.(1‬‬
‫ويحاول الن العداء النفوذ إلينا من خلل ثغرات موجودة في مجتمعنا‪،‬‬
‫واستغلل هذه الثغرات للنقضاض علينا مدعين أّنهم يريدون لنا الحرية‬
‫والعدل والديمقراطية‪ ،‬هذه الكلمات التي يخدعون بها البعض من أبناء أمتنا‬
‫من المنبهرين بالغرب وحضارته وثقافته وحريته وديمقراطيته الزائفة‪،‬‬
‫فينصاعوا وراء تلك الشعارات الزائفة‪ ،‬ويكونوا عونا ً لعدائنا علينا‪ ،‬وما يلبثوا‬
‫أن يجدوا أنفسهم وقعوا وأوقعوا معهم أمتهم وأوطانهم في مستنقع عميق ل‬
‫قرار له‪ ،‬ول مخرج منه إل ّ بعد تقديم المليين من الشهداء خلل عدد من‬
‫السنين ل يعلم مداها إل ّ الله وحده‪.‬‬
‫ولئل ّ تتكرر مأساة أفغانستان والعراق علينا أن نعمل على إصلح ما بأنفسنا‬
‫ن الله ل ُيغّير ما بقوم ٍ حتى ُيغّيروا ما بأنفسهم( ‪ ،‬ونحدد دور كل واحد منا‬ ‫)إ ّ‬
‫ً‬
‫في هذا الصلح‪ ،‬وأن نكون يدا واحدة وجبهة واحدة يتضامن فيها الشعب بكل‬
‫فئاته وعناصره للعمل على سد كل المنافذ والثغرات التي قد ينفذ العداء‬
‫إلينا منها‪.‬‬
‫لذا فإني سوف أقدم كامل رؤيتي لهذا الصلح في جانبه الثقافي والتربوي‬
‫والعلمي‪.‬‬
‫أول ً – الصلح الثقافي‬
‫لن يتحقق الصلح الثقافي في مجتمعاتنا السلمية إل ّ إذا عملنا على تحقيق‬
‫التي‪:‬‬
‫‪-1‬العمل على القضاء على المية في عالمنا العربي والسلمي‪.‬‬
‫‪ -2‬السعي إلى توحيد لغة المسلمين بنشر لغة القرآن الكريم‪:‬‬
‫علينا أن نسعى إلى توحيد لغة المسلمين بنشر لغة القرآن الكريم وجعلها‬
‫لغة كل مسلم ومسلمة‪.‬‬
‫‪-3‬التسلح بثقافة إسلمية واعية‪:‬‬
‫يجب أن نتسلح بثقافة إسلمية واعية‪ ،‬وأن نواجه تحديات العولمة بها‪ ،‬بل‬
‫علينا أن ننشر الثقافة السلمية‪ ،‬وأن نقدمها للعالم بكل ما فيها من سمو‬
‫وجمالية وقيم وفضائل وعدل وخير للبشرية‪ ،‬بدل ً من "المركة" المفروضة‬
‫على العالم بكل أمراضها وشذوذها‪ ،‬وهيمنتها وسطوتها وغرورها وغطرستها‬
‫وظلمها وانحيازها للصهيونية العالمية ولكل من يحارب السلم‪ ،‬ويبيد‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫فلتكن ثقافتنا ثقافة إسلمية واعية صامدة أمام تحديات العولمة‪ ،‬فارضة ذاتها‬
‫على الخر لتكون النموذج الذي نقدمه للعالم في هذا العصر‪ ،‬وبدل ً من أن‬
‫يفرض علينا الخر ثقافته‪ ،‬وقد مّرت علينا قرون‪ ،‬ونحن نتلقى من الخر‪ ،‬وقد‬
‫آن الوان أن نقدم ثقافتنا السلمية بكل رقيها وسموها وثراها وغناها‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتجددها الدائم‪ ،‬لنها من نبع ل ينضب‪ ،‬علينا أن نتبع التي‪:‬‬


‫أول ً ‪ -‬الهتمام بالتربية السرية ول سيما التربية الروحية‪:‬‬
‫ن ضعف الجانب الروحي في شبابنا ‪-‬ذكور وإناث ‪-‬هو العامل الرئيس‬ ‫إذ أرى أ ّ‬
‫في هذا النحراف العقائدي‪ ،‬وتنمية هذا الجانب‪ ،‬وغرسه في روح البناء‬
‫غرسا ً سليما ً هو القاعدة الساسية في الصلح‪ ،‬لما للتربية السلمية من‬
‫أهمية بالغة في غرس حب الله واليمان به في النفوس‪ ،‬ومراقبته والخوف‬
‫منه‪ ،‬فللتربية الروحية أهمية بالغة في تحديد عقيدة النشء يجب الهتمام بها‪،‬‬
‫والتركيز عليها منذ الطفولة المبكرة ليستطيع البناء مواجهة تحديات العصر‪،‬‬
‫وتيارات التشكيك الموجهة ضد ديننا وعقيدتنا بعقيدة ثابتة ل تتأثر بتلك‬
‫المحاولت التي تعمل على إفقادهم عقيدتهم اليمانية بالخالق‪ ،‬وصلحية ما‬
‫شّرعه لهم في أمورهم الدنيوية‪ ،‬وما وعدهم من نعيم في حياتهم الخروية‬
‫ما نهاهم عنه )‪،(2‬فإذا قوي في النسان‬ ‫إن التزموا بما أمرهم به‪ ،‬واجتنبوا ع ّ‬
‫ل شأنه ومراقبته في كل قول وعمل فاتبع أوامره‪ ،‬واجتنب‬ ‫اليمان بالخالق ج ّ‬
‫ّ‬
‫نواهيه‪ ،‬وّروض نفسه ووطنها على كبح جماح الغرائز والشهوات‪ ،‬وأصبحت له‬
‫إرادة قوية يستطيع أن يصمد بها أمام المغريات‪ ،‬وعالج نفسه من‬
‫النحرافات‪ ،‬بالعتراف بالذنب‪ ،‬والتوبة النصوحة والستغفار‪ ،‬وقاوم مصائب‬
‫الدهر بالدعاء‪ ،‬وليس إلى ما يغيب عقله كالمخدرات والمسكرات‪ ،‬كما يكتب‬
‫معظم كتاب القصص والروايات‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ -‬الهتمام بعلم الستغراب‪:‬‬
‫علينا أن نبدأ بدراسة الغرب وعلومهم ومناهجهم‪ ،‬ونقدها من المنظور‬
‫السلمي‪ ،‬وذلك للستفادة مما حققوه من إنجازات في مجال العلوم‬
‫التطبيقية‪ ،‬ومن مناهجهم فيما ل يتعارض مع الدين‪ ،‬وتوضيح مثالب وعيوب‬
‫الحضارة الغربية باتباع منهج علمي حقيقي مجرد من الميول والهواء‬
‫والنزعات الذي أرشدنا ووجهنا إليه ديننا الحنيف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثالثا ً ‪ -‬الهتمام بالجاليات السلمية‪:‬‬


‫أن يكون هناك تواصل فكري وثقافي بين أبناء الجاليات السلمية‪ ،‬وبين‬
‫مفكري ومثقفي المة السلمية‪ ،‬عن طريق تنظيم المؤتمرات والملتقيات‬
‫والمهرجانات والمواسم الثقافية‪ ،‬وعلى المؤسسات والمنظمات السلمية‬
‫أن تنظم مؤتمرات في مختلف البلد السلمية يشارك فيها مثقفو ومفكرو‬
‫أبناء الجاليات السلمية لربطهم بوطنهم الم‪ ،‬وليتم التواصل بينهم وبين أكبر‬
‫عدد ممكن من مفكري ومثقفي المة‪.‬‬
‫ن الصلة بيننا وبينهم تكاد تكون منقطعة‪ ،‬وهذا قصور منا نحن شعوًبا‬ ‫إ ّ‬
‫وحكومات‪ ،‬وعلينا أن نعمل على التواصل بيننا وبينهم فهم جزء ل يتجزأ منا‪،‬‬
‫وسيسألنا الله عنهم إن فّرط أحدهم في دينه‪ ،‬أو تعرض إلى ما يسيء إليه‬
‫دون أن نقف إلى جانبه ونسانده للحفاظ على دينه ليجتاز محنته‪ ،‬ومتى‬
‫أدركنا هذه المسؤولية‪ ،‬وقمنا بواجبنا نحوهم‪ ،‬نكون قد أسهمنا في أسلمة‬
‫ن الغالبية العظمى‬ ‫فكر وثقافة المة ‪-‬وأقول هنا أسلمة فكر وثقافة المة ل ّ‬
‫منا أضحت للسف الشديد علمانية الفكر والثقافة‪ ،‬وأصبح معظم القائمين‬
‫على وسائل التصال علمانيين‪ ،-‬ووحدنا توجهاتها لخير البشرية‪ ،‬وبذلك نكون‬
‫قد أسهمنا في إعادة الدور الحضاري للمة السلمية‪ ،‬وجعلنا الثقافة‬
‫السلمية في موقع القوة والبداع والبتكار ل موقف الضعف والتقليد‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتباع‪ ،‬كما هي حالنا الن‪.‬‬


‫رابعا ً – قيام مفكري ومثقفي الجاليات السلمية بدورهم الثقافي في‬
‫المجتمعات الغربية‪:‬‬
‫على مفكري ومثقفي الجاليات السلمية أن يقوموا بدورهم الثقافي في‬
‫المجتمعات الغربية‪ ،‬بالتعريف بالسلم ومبادئه وقيمه وحضارته وتاريخه؛‬
‫لتصحيح ما شوهه رجال الكنيسة والمستشرقين عن السلم ونبيه ‪ -‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬وتاريخه‪ ،‬وما يقوم بتشويهه العلم الغربي الذي تسيره‬
‫وتتحكم فيه الصهيونية العالمية‪.‬‬
‫ثانيا ً – الصلح في المجال العلمي‬
‫أول ً ‪ -‬أن تضع الدول العربية والسلمية خطة إعلمية موحدة لمواجهة ما‬
‫يواجهنا من مخاطر وضغوط وتحديات‪:‬‬
‫وأن يراعى في هذه الخطة التي‪:‬‬
‫‪ -‬إنشاء وكالة أنباء عالمية إسلمية‪ ،‬وصحف وقنوات تلفازية بمختلف اللغات‬
‫تشرح ديننا وقيمه وحضارته وتاريخه‪ ،‬وترد على ما يثار حوله من شبهات‪ ،‬مع‬
‫شرح قضايانا‪ ،‬ومن المفارقات العجيبة أّننا نجد اليهود الصهاينة الذين ل‬
‫يتجاوز عددهم الخمسة عشر مليونا ً يملكون أربع من خمس وكالت أنباء‬
‫عالمية‪ ،‬وكبريات الصحف وشبكات التلفزة العالمية في أوربا وأمريكا‪ ،‬إضافة‬
‫إلى سيطرتها على السينما المريكية‪ ،‬وامتلكها كبريات شركات النتاج‬
‫السينمائي العالمية‪ ،‬مع سيطرتها على المسارح‪ ،‬وشركات العلن في‬
‫أمريكا‪ ،‬ونحن المسلمين البالغ عددنا مليار ونصف ل نملك ول وكالة أنباء‬
‫عالمية واحدة‪ ،‬ول صحيفة أو مجلة أو قناة تلفازية عالمية‪.‬والوليات المتحدة‬
‫وإسرائيل كل منهما سوف يوجه قناة فضائية تبث بالعربية إلى العالم العربي‬
‫تقدمان مزيدا ً من التضليل والكاذيب لتضليل الرأي العام العربي‪ ،‬ونحن‬
‫الواقع علينا كل هذا الظلم والعدوان لم نبث قناة‪ ،‬ولو باللغة النجليزية تعمل‬
‫على تكوين رأي عام عالمي سليم تجاه ديننا وقضايانا المصيرية‪.‬‬
‫‪ -‬إيقاف الدعاية والعلن للبضائع والمطاعم واللحوم والمشروبات اليهودية‬
‫والمريكية‪ .‬في المحطات التلفازية‪ ،‬والذاعات الصحف والمجلت التي تصدر‬
‫في البلد العربية والسلمية‪.‬‬
‫‪ -‬مقاطعة الفلم والمحطات التلفازية المريكية‪ ،‬بعدم بث الفلم والبرامج‬
‫والقنوات المريكية على الشبكات التلفازية المشفرة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتبنى إعلمنا في البلد السلمية الدب السلمي‪ ،‬لنه يشكل الن‬
‫الجبهة التي تجعلنا نحافظ على هويتنا السلمية وأصالتنا وتراثنا الفكري‬
‫والحضاري‪ ،‬ويقينا شر الذوبان في ثقافة وحضارة الخر‪.‬‬
‫‪ -‬أن ُيشجع أصحاب القنوات الفضائية المفتوحة والمشفرة على التنسيق‬
‫فيما بينهم ليقدموا مواد جيدة بعيدة عن السفاف‪ ،‬تجمع بين الترفيه البريء‬
‫والتثقيف السلمي الواعي‪ ،‬وعلى القنوات الفضائية المتخصصة أل ّ تخرج عن‬
‫المناهج والهداف التي ُأنشئت من أجلها‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتاح الفرص للقلم السلمية الواعية المعتدلة غير المتطرفة بالكتابة‬
‫في الصحف والمجلت‪.‬‬
‫‪ -‬ل بد أن يتخذ وزراء العدل والعلم والثقافة العرب والمسلمون خطوات‬
‫إيجابية تجاه ما يقوم به اللوبي الصهيوني من إرهاب فكري وثقافي تجاه‬
‫الدباء والكتاب والمفكرين والصحفيين‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو تكميم أفواهنا كما كمموا سلحنا ضد الجرائم السرائيلية تجاه‬


‫الفلسطينيين‪ ،‬فأصبح الذين يدافعون عن الحق العربي في فلسطين‬
‫ويكشفون أكاذيب وأضاليل اليهود وجرائمهم عبر التاريخ‪ُ ،‬يحاكمون بتهمة "‬
‫المعاداة للسامية" في المحاكم الغربية‪ُ ،‬يحكم عليهم بالسجن؛ إذ عليهم‬
‫المطالبة بإسقاط ما يسمى بتهمة المعاداة للسامية‪ ،‬و رفض المحاكم في‬
‫ن هذه التهمة‬ ‫كل دول العالم القضايا التي ترفع تحت مسمى هذا التهام ل ّ‬
‫تقيد حرية التعبير‪ ،‬وحرية الرأي من جهة‪ ،‬ولّنها تعطي المشروعية للجرائم‬
‫السرائيلية والصهيونية العالمية ضد الفلسطينيين والعرب من جهة أخرى‪.‬‬
‫ثانيا ً – اللتزام بميثاق جاكرتا للعلم السلمي‪:‬‬
‫وال عام ‪1400‬هـ الموافق ‪1‬سبتمبر عام‬ ‫ففي الحادي والعشرين من شهر ش ّ‬
‫‪1980‬م عقد المؤتمر الول للعلم السلمي في جاكرتا بإندونيسيا‪ ،‬وشارك‬
‫فيه ما يقارب من ‪ 450‬شخصية إعلمية إسلمية من مختلف أنحاء العالم‬
‫يمثلون كافة أشكال وسائل العلم السلمي‪ ،‬وقد أقر هذا المؤتمر ميثاق‬
‫الشرف العلمي السلمي‪ ،‬وجاء في المادة الولى من هذا الميثاق التي‪:‬‬
‫اللتزام‪:‬‬
‫أ‪ -‬بترسيخ اليمان بقيم السلم ومبادئه الخلقية‪.‬‬
‫ب‪ -‬بالعمل على تكامل الشخصية السلمية‪.‬‬
‫ج‪ -‬بتقديم الحقيقة له خالصة في حدود الداب السلمية‪.‬‬
‫د‪ -‬بتبيين واجباته له تجاه الخرين وبحقوقه وحرياته الساسية‪.‬‬
‫وجاء في المادة الثانية التي‪:‬‬
‫يعمل العلميون على جمع كلمة المسلمين‪ ،‬ويدعون إلى التحلي بالعقل‬
‫والخوة السلمية والتسامح في حل مشكلتهم‪ ،‬ويلتزمون‪:‬‬
‫‪ -1‬بمجاهدة الستعمار واللحاد في كل أشكاله والعدوان في شتى صوره‬
‫والحركات الفاشية والعنصرية‪.‬‬
‫‪ -2‬بمجاهدة الصهيونية واستعمارها الستيطاني بأشكال القمع والقهر التي‬
‫يمارسها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية‪.‬‬
‫‪ -3‬باليقظة الكاملة لمواجهة الفكار والتيارات المعادية للسلم‪.‬‬
‫وجاء في المادة الثالثة التي‪:‬‬
‫يلتزمون‪:‬‬
‫‪-1‬بالتدقيق فيما ُيذاع وينشر ويعرض حماية للمة السلمية من التأثيرات‬
‫الضارة بشخصيتها السلمية وبقيمها ومقدساتها ودرء الخطار عنها‪.‬‬
‫‪-2‬بأداء رسالتهم في أسلوب عف كريم حرصا ً على شرف المهنة‪ ،‬وعلى‬
‫الداب السلمية‪ .‬فل يستخدمون ألفاظا ً نابية ول ينشرون صورا ً خليعة‪ ،‬ول‬
‫يتعرضون بالسخرية والطعن الشخصي والقذف والسب والشتم وإثارة‬
‫الفتن‪ ،‬ونشر الشائعات وسائر المهاترات‪.‬‬
‫بالمتناع عن إذاعة ونشر كل ما يمس الداب العامة أو يوحي بالنحلل‬
‫الخلقي‪ ،‬أو يرغب في الجريمة والعنف والنتحار‪ ،‬أو يبعث الرعب‪ ،‬أو يثير‬
‫الغرائز سواًء بطريق مباشر أو غير مباشر‪.‬‬
‫بالمتناع عن إذاعة ونشر العلن التجاري في حالة تعارضه مع الخلق العامة‬
‫والقيم السلمية‪.‬‬
‫وجاء في المادة الرابعة التي‪:‬‬
‫يلتزمون بنشر الدعوة السلمية والتعريف بالقضايا السلمية‪ ،‬والدفاع عنها‪،‬‬
‫وتعريف الشعوب السلمية بعضها ببعض‪ ،‬والهتمام بالتراث السلمي‬
‫والتاريخ والحضارة السلمية‪ ،‬ومزيد العناية باللغة العربية‪ ،‬والحرص على‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلمتها ونشرها بين أبناء المة السلمية‪ ،‬وبالخصوص بين القليات‬


‫السلمية‪.‬‬
‫وبإحلل الشريعة السلمية محل القوانين الوضعية لسترجاع السيادة‬
‫التشريعية للقرآن والسنة‪.‬‬
‫ويتعهدون بالمجاهدة من أجل تحرير فلسطين وفي مقدمتها القدس وكافة‬
‫القطار السلمية المضطهدة‪.‬‬
‫ويلتزمون بتثبيت فكرة المة السلمية المنزهة عن القليمية الضيقة‬
‫والتعصب العنصري والقبلي واستنهاض الهمم لمقاومة التخلف في جميع‬
‫مظاهره وتحقيق التنمية الشاملة التي تضمن للمة الزدهار والرقي‬
‫والمناعة)‪.(3‬‬
‫هذا هو ميثاق جاكرتا للعلم السلمي‪ ،‬وعلى العلميين في عالمنا السلمي‬
‫اللتزام به‪ ،‬وكذلك اللتزام بتوصيات وقرارات هذا المؤتمر لمواجهة التحديات‬
‫التي تواجه أمتنا السلمية‪.‬‬
‫ثالثا ً – على أصحاب رؤوس الموال العرب والمسلمين العمل على التي‪:‬‬
‫‪ -1‬العمل على إنشاء وكالة أنباء عالمية إسلمية على مستوى وكالت النباء‬
‫العالمية لتنوير الرأي العام العالمي بحقائق تسعى وكالت النباء الجنبية‬
‫‪-‬التي تسيرها الصهيونية العالمية‪ -‬إلى طمسها‪ ،‬وتضليل الرأي العام العالمي‪،‬‬
‫وتأليبه ضد المسلمين والعرب‪ ،‬وتشويه صورتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إصدار صحف عالمية إسلمية‪ ،‬وبث قنوات فضائية بمختلف اللغات‬
‫الجنبية توضح للرأي العام العالمي قضايانا المصيرية‪ ،‬وتاريخنا السلمي‬
‫المشرف‪ ،‬وحضارتنا السلمية التي تعد أرقى الحضارات النسانية‪ .‬فإعلمنا‬
‫حتى هذه اللحظة ل يزال يخاطب نفسه‪ ،‬ولم توجد إلى الن لغة حوار بيننا‬
‫وبين الغرب‪ ،‬فالصهيونية العالمية ل تزال تسيطر على الرأي العام العالمي‬
‫وتوجيهه لتحكمها في معظم وكالت النباء العالمية‪ ،‬والصحافة العالمية‬
‫وشبكات التلفاز العالمية‪ ،‬وكذلك السينما والمسرح‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -3‬إنتاج أفلم سينمائية تاريخية ضخمة‪ ،‬تدبلج بمختلف اللغات توضح روعة‬
‫تاريخنا السلمي‪ ،‬وعظمة السلم وسماحته‪ ،‬كما تركز على إنجازات العلماء‬
‫المسلمين في مختلف مجالت العلم والمعرفة‪ ،‬كما تركز على القضية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬والمذابح التي أحدثها السرائيليون في دير ياسين‪ ،‬وقانا‪ ،‬وصبرا‬
‫وشاتيل‪ ،‬وما يحدثونه الن من جرائم بشعة في الراضي المحتلة‪ ،‬وما أحدثوه‬
‫من جرائم خلل خمسين عامًا‪ ،‬وعن استشهاد الطفل "محمد الدرة" وغيره‬
‫من الطفال‪ ،‬وكذلك إنتاج أفلم سينمائية مماثلة عن القضية الشيشانية‪،‬‬
‫واللبانية‪ ،‬وقضية البوسنة والهرسك‪ ،‬وما تلقيه القليات السلمية من‬
‫اضطهاد في الفلبين‪ ،‬وسيرلنكا‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬الهتمام بالقليات السلمية الموجودة في مختلف أنحاء العالم‪ ،‬ول سيما‬
‫في أوربا والمريكتين‪ ،‬والعمل على جعلها مراكز إشعاع حضاري للعالم‪،‬‬
‫جه لها برامج في القنوات الفضائية المقترح إنشاؤها‪ ،‬بإعداد برامج عن‬ ‫وُتو ّ‬
‫تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها‪ ،‬وبرامج توضح لهم أمور دينهم‪،‬‬
‫وتربطهم بأوطانهم‪ ،‬وتحكي لهم تاريخهم‪ ،‬وتسهم في حل ما يواجههم من‬
‫مشكلت‪.‬‬
‫‪ -5‬على القنوات الفضائية العربية الخاصة اللتزام بميثاق جاكرتا للعلم‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي حفاظا ً على بناء الشخصية السلمية للنسان المسلم بناًء سليمًا‪،‬‬
‫وحفاظا ً على القيم الخلقية‪.‬‬
‫‪ -6‬إنشاء دور نشر تهتم بترجمة كتب التراث السلمي والحضارة السلمية‪،‬‬
‫والتاريخ السلمي‪ ،‬والثقافة السلمية إلى مختلف لغات العالم‪ ،‬وتوزيعها في‬
‫أوربا والمريكتين على وجه الخصوص‪.‬‬
‫ن مسؤولية كبرى تقع على عاتق أصحاب القنوات الفضائية‬ ‫وهكذا نجد أ ّ‬
‫العربية الخاصة‪ ،‬وعلى غيرهم من أصحاب رؤوس الموال الضخمة من‬
‫العرب والمسلمين‪ ،‬وهذه مسؤولية يوجبها عليهم ديننا السلمي‪ ،‬فالمة‬
‫السلمية تمر بظروف حرجة‪ ،‬والرأي العام الغربي مضلل تجاه قضايانا من‬
‫قبل الصهيونية العالمية التي تسيطر على معظم وسائل العلم الغربي‪،‬‬
‫وصورة النسان العربي المسلم مشوهة في العالم الغربي‪.‬‬
‫وإنني أتساءل‪ :‬لماذا الثرياء العرب يقفون هذا الموقف السلبي تجاه أمتهم‪،‬‬
‫فنحن مليار مسلم عاجزون حتى الن عن تكوين مؤسسات إعلمية عالمية‬
‫ن يهود العالم الذين ل يزيد عددهم عن ثلثة عشر مليونًا‪ ،‬يمتلك‬ ‫في حين أ ّ‬
‫معظم وكالت النباء العالمية والصحف وشبكات التلفاز والسينما العالمية؟‬
‫وكلنا أمل أن يدرك هؤلء مسؤولياتهم الدينية والوطنية‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫مد فهمي عبد الوهاب‪ :‬الحركات النسائية في الشرق‪ ،‬وصلتها‬ ‫‪- 1‬مح ّ‬
‫بالستعمار والصهيونية العالمية‪ ،‬ص ‪ ،7‬دار العتصام‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ماد‪:‬بناء السرة المسلمة‪ ،‬ص ‪" ،127‬الدار‬ ‫‪ - 2‬سهيلة زين العابدين ح ّ‬
‫السعودية للنشر"‪.‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬محمد سيد محمد‪ :‬المسؤولية العلمية في السلم‪ ،‬ص ‪.357-355‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الصلح على الطريقة الميركية‬


‫‪ -‬الصلح الميركي قادم بسرعة الصاروخ‪ ،‬والكل في المنطقة يتأهب‬
‫وشعاره »كن مستعدا ً لتنفيذ الوامر«‪ .‬ففي السابيع الماضية‪ ،‬حاول عمرو‬
‫موسى ورفاقه من وزراء الخارجية العرب‪ ،‬إصلح جامعة الدول العربية أو‬
‫ترميمها‪ ،‬أو نفض غبار احتلل العراق عنها‪ ،‬لكنه لم يصل إلى علج ناجع ريثما‬
‫يأتي الترياق من واشنطن‪.‬‬
‫‪ -‬انعقد مؤتمر في مكتبة السكندرية في ‪ ،12/3‬تحت عنوان »قضايا الصلح‬
‫دد فيها على التحديث والتطوير‪،‬‬ ‫العربي«‪ ،‬وألقى فيها الرئيس مبارك كلمة ش ّ‬
‫وحضر بعض المؤتمرين دون تمكنهم من الطلع على وثيقة »الشرق‬
‫الوسط الكبير« فبدأ في البحث عنها ليتمكنوا من نقدها‪ ،‬علما ً أنها محور‬
‫النقاش‪ ،‬وشارك في المؤتمر ‪ 170‬شخصية من الناطقين بالعربية‪ ،‬وتحدثوا‬
‫عن الصلح السياسي‪ ،‬والقتصادي والثقافي والجتماعي‪ ،‬ومشاركة المرأة‬
‫والشباب في الحياة السياسية‪ ،‬وتحدثوا عن تداول السلطة سلميًا‪ ،‬والتعددية‪،‬‬
‫ومنح المجتمع المدني دورا ً أكبر‪.‬‬
‫‪ -‬وأخيرًا‪ ،‬بدأت النظمة العربية‪ ،‬بعد صدور الوامر الميركية‪ ،‬بالحديث في‬
‫أمور كان الحديث فيها من الممنوعات‪ ،‬والنظمة الن في سباق مع الوامر‪،‬‬
‫لكي تقول للناس إنها قامت بمحاولت لتجميل صورتها‪ ،‬ليس امتثال ً لوامر‬
‫واشنطن‪ ،‬بل طوعا ً واستباقا ً للضغوط‪ ،‬لكن الصورة واضحة‪ ،‬والناس يعرفون‬
‫كل ما يدور حولهم‪ ،‬وليسوا جهلء‪ ،‬ولن تتركهم أميركا حتى تمّرغ كرامتهم‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الوحل‪ ،‬واليام القادمة حافلة بالحداث المذّلة بسبب الهجمة الميركية‬
‫المتغطرسة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي ‪ 12/3‬تحولت أعمال شغب بين جمهوري فريقي )الفتوة( من دير‬
‫الزور‪ ،‬و)الجهاد( من مدينة الحسكة‪ ،‬إلى أعمال تخريب وعنف في مدينتي‬
‫القامشلي‪ ،‬ودمشق‪ ،‬واعتدى خللها متظاهرون على ممتلكات عامة‪ ،‬ورفعوا‬
‫شعارات سياسية‪ ،‬وحرقوا ممتلكات‪ ،‬وكسروا سيارات خاصة‪ ،‬أو سيارة‬
‫إسعاف‪ ،‬ومحلت ومؤسسات عامة‪ .‬وتعليقا ً على ذلك نقول دون الدفاع عن‬
‫أحد من الحكام‪ ،‬أو هجوم على أحد من هواة كرة القدم‪ ،‬بل حزنا ً على هذه‬
‫المة التي تساق سوقا ً إلى المخططات المرسومة من قبل العدو الميركي‪.‬‬
‫‪ -‬لقد حدثت في منطقتنا في العقود الخيرة أحداث زلزلت المنطقة زلزلة‬
‫شديدة‪ ،‬ول داعي لذكرها‪ ،‬إذ الكل يعرفها‪ ،‬لكنها لم تحرك الشارع في سوريا‪،‬‬
‫لكن لعبة كرة قدم حركته تحريكا ً يثير الريبة والشك‪ ،‬في أن له تداعيات‬
‫ترتبط بالضغوط الخارجية‪ ،‬فقبل أيام قليلة تحرك أنصار حقوق النسان في‬
‫تظاهرة في دمشق‪ ،‬وكان بينهم دبلوماسي أميركي‪ ،‬ثم تحرك أنصار »عون«‬
‫في بيروت في يومين متتاليين‪ ،‬ثم تحركت خلل ‪ 24‬ساعة أحداث القامشلي‬
‫ودمشق‪ ،‬والعتداء على السفارة في بروكسيل‪ ،‬والعتداء على شاحنة مدنية‬
‫في بغداد‪ ،‬كل ذلك ترافق مع تحريك قانون محاسبة سوريا!! قرآن كريم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الصلح وفلسفة الهجرة والستيطان!‬


‫إبراهيم غرايبة ‪27/1/1425‬‬
‫‪18/03/2004‬‬
‫الهجرة استثناء والصل أن يعيش النسان في وطنه‪ ،‬وبين أهله‪ ،‬وتجمع‬
‫الناس حول المكان في عقد اجتماعي هو أول وأهم خطوات التحضر‪،‬‬
‫فالمدن هي مركز العمل العام والجتماعي والحضاري والبداع‪ ،‬ويقتضي ذلك‬
‫بالضرورة أن يكون النسان منتمًيا إلى مدينة أو تجمع حضري‪ ،‬فالرعاة‬
‫والصيادون ل يمكن أن يؤسسوا أعمال ً ومشاريع وبرامج اجتماعية وثقافية‪.‬‬
‫والفكرة الجامعة للناس حول المكان هي أساس الدول والحضارات والعمل‬
‫العام‪ ،‬وكانت إقامة مجتمع إسلمي أساس الدعوة السلمية‪ ،‬وسميت يثرب‬
‫"المدينة" في دللة رمزية مهمة على أن السلم يقوم ويعمل ويطبق أساسا‬
‫في مدينة‪ ،‬ول يمكن أن تكون الرسالة إل في المدينة‪ ،‬فل تنجح ول يصح أن‬
‫تكون ابتداًء في القرى الصغيرة والمراعي والتجمعات المحدودة‪ ،‬وكان‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ينهى من يسلم من أهل البادية أن يعود‬
‫إليها‪ ،‬ليبني مجتمًعا مدينًيا‪.‬‬
‫والناظر في كثير من آيات القرآن الكريم توجيهات الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يجدها تؤسس لسلوك مدني متحضر يستوعب المكان الذي يجمع‬
‫الناس‪.‬‬
‫انظر على سبيل المثال في الستئذان عند دخول البيوت‪ ،‬والنهي عن رفع‬
‫الصوت‪ ،‬والتجمل والتطيب والنظافة‪ ،‬والستماع‪ ،‬وإشهار الزواج والشهادة‬
‫عليه‪ ،‬وكتابة الدين‪ ،‬والنصراف بعد الطعام‪ ،‬والذوق العام‪ ،‬وغير ذلك كثير‬
‫مما يصعب استيعابه في هذا المقام‪ ،‬ومما يستحق أن تفرد له دراسات عدة‪،‬‬
‫فكلها تنشئ عادات وتقاليد وثقافة مكانية مدينة ومجتمعية‪ ،‬وضدها مما يكون‬
‫عليه الناس الجلف البعيدون عن المدن والتجمعات السكانية‪ ،‬ومما عرفت‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العرب واعتبرته معيار )الرستقراطية( إن صحت التسمية هي الكرم‬


‫والشجاعة أو المروءة‪ ،‬وهي أخلق قائمة على التجمع وحماية المكان والناس‬
‫وخدمتهم والتضامن معهم‪ ،‬وهي في جوهرها فلسفة المكان والعلقة به‪.‬‬
‫والصلح يقوم على الطبقة الوسطى في المجتمع‪ ،‬من المهنيين والساتذة‬
‫والتجار والطباء والمهندسين‪ ،‬والطبقة الوسطى تنشأ وتعمل وتزدهر في‬
‫المدن والتجمعات الحضرية‪ ،‬وهي التي تمنح المكان خصوصيته الثقافية‬
‫والجتماعية والعمرانية‪.‬‬
‫والمواطنة والجنسية عقد والتزام بين طرفين‪ .‬الدولة والمواطن؛ وتقتضي‬
‫النتماء والمشاركة وأداء الواجبات‪ .‬والمواطنة ليست عرقا أو إثنية‪ ،‬ولكنها‬
‫تقوم على المكان‪ ،‬فمواطنو دولة هم الذين يتجمعون حول فكرة جامعة‬
‫للدولة تقوم على أساس المواطنة واللتزام نحوها والتمتع بالحقوق والفرص‬
‫سا على المكان‪ ،‬والمواطنة والجنسية هي‬ ‫التي تتيحها‪ ،‬فالنتماء يقوم أسا ً‬
‫علقة اجتماعية تنشأ مع المكان‪ ،‬فالسعوديون أو العراقيون أو الفلسطينيون‬
‫سا أو قبيلة من الناس‪ ،‬ولكنهم‬ ‫أو الردنيون أو اليمنيون ليسوا عرًقا أو جن ً‬
‫الناس الذين استوطنوا المكان وتعاقدوا على النتماء إليه بغض النظر عن‬
‫أصلهم وجنسهم‪ ،‬فالفلسطينيون على سبيل المثال تسمية أطلقت على‬
‫الجماعات المهاجرة من جزر البحر المتوسط واستوطنت الساحل الجنوبي‬
‫للبحر المتوسط‪ ،‬ثم أطلقت التسمية على جميع الناس والسكان‪ ،‬الكنعانيين‬
‫والراميين والفينيقيين‪ ،‬والعرب‪ ،‬وكانت فلسطين تعني السواحل الجنوبية‬
‫ومركزها عسقلن‪ ،‬ولكن التسمية امتدت مكانا لتشمل ما يعرف اليوم‬
‫بفلسطين عام ‪ ،1917‬وكانت عكا قبل ذلك مركز ولية لبنان‪ ،‬وكانت طبريا‬
‫قصبة الردن‪ ،‬ولكن تجمع الناس وتشاركهم في مصير وقضايا ومصالح وعلى‬
‫مدى الزمن غيرت التسميات والماكن‪.‬‬
‫وكانت وثيقة المدينة التي أسست للمجتمع والدولة تشمل جميع أهل المدينة‪،‬‬
‫المسلمين والمشركين ممن لم يسلموا واليهود‪ ،‬وحددت لهم واجبات وحقوًقا‬
‫بحكم كونهم جزًءا من المدينة‪ ،‬وأما المسلمون الذين لم يهاجروا إلى المدينة‬
‫فهم ليسوا مشمولين بهذا العقد ول يترتب عليهم التزامات ول يتمتعون‬
‫بحقوق أهل المدينة‪) ،‬والذين آمنوا ولم يهاجروا فمالكم من وليتهم من شيء‬
‫حتى يهاجروا‪ ،‬وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إل على قوم بينكم‬
‫وبينهم ميثاق( فهم ليسوا جزًءا من دولة المسلمين تشملهم وليتها‪ ،‬ونصرتهم‬
‫ضا بعدم تعارضها مع مواثيق والتزامات دولة المسلمين )دولة‬ ‫مشروطة أي ً‬
‫المسلمين وليست السلمية(‪ ،‬ولم يكن المسلمون من غير أهل المدينة أو‬
‫الملتزمين بوليتها عليهم مشمولين بصلح الحديبية‪ ،‬ولذلك وجد الصحابي أبو‬
‫بصير نفسه في حل من اللتزام بعدم قتال قريش ومهاجمة قوافلها‪.‬‬
‫ومن يهاجر إلى بلد ويتوطنه فإنه ملتزم بالساس نحو هذا البلد بالنتماء‬
‫والولء بقدر ما يتمتع بالحقوق والفرص التي يمنحها‪ ،‬وقد يظن أنه يستطيع‬
‫ل ببعض هذه اللتزامات لكنه يقتلع نفسه‪ ،‬ويحرم نفسه وأهله حق‬ ‫أن يخ ّ‬
‫النتماء والمشاركة‪ ،‬وبعض اللتزامات مجبر على أدائها بقوة القانون‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وربما تكون غشيت الناس بيئة محيطة بفعل فكر منتسب إلى السلم‬
‫صرفتهم عن اعتبار المكان والمواطنة في العمل والنتماء‪ ،‬لكنهم كانوا‬
‫يمارسون الكثير من ذلك‪ ،‬ويتمتعون بالمواطنة ويشاركون المجتمع والناس‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثيًرا من الهموم ويخوضون معهم تنافس الفكار والمصالح‪ ،‬ويتدافعون على‬


‫نحو ما‪ ،‬ربما لم يكن على بصيرة‪ ،‬ولكن فيه كثير من مقتضيات التمدن‬
‫وممارساتها دون أن يدركوا أو لعلهم ل يريدون أن يعترفوا‪ ،‬ولكن المغترب‬
‫والمهاجر سيدرك ذلك بالتأكيد‪ ،‬ويتذكر كثيًرا من النجازات العفوية التي كان‬
‫يراها أمًرا عادًيا أو غير ذي بال وأهمية‪ ،‬فيفتقدها في الغربة والهجرة ويراها‬
‫ذات شأن كبير‪ .‬مطالعة الصحف مثل ً ومشاركة الناس في قضايا الضرائب‬
‫والسعار والقبول في الجامعات والتوظيف‪ ،‬والتشكيلت والبيانات الوزارية‪،‬‬
‫والنتخابات البلدية والنقابية والنيابية وإن لم يشارك فيها‪ ،‬وطوابير‬
‫المواصلت وزحام السواق‪ ،‬والحديث مع العابرين فضل ً عن الصدقاء‬
‫والزملء والقارب في المسائل العامة والصغيرة‪ ،‬عن التلوث‪ ،‬والطقس‪،‬‬
‫والمباريات الرياضية‪ ،‬ومواقف الحكومة وبرامجها‪ ،‬وأزمة السكن والغلء‪،‬‬
‫والبطالة والمحسوبية‪ ،‬وحضور الندوات والمحاضرات ومتابعة القضايا‬
‫والمستجدات صغيرها وكبيرها‪ ،‬وسيرى المرء في الغربة أنه ليس معنيا في‬
‫شيء من ذلك كله‪ ،‬ول يستطيع أن يشارك إن أراد‪.‬‬
‫والدعوة والرسالة تكون في القوم والهل‪) ،‬وما أرسلنا من رسول إل بلسان‬
‫قومه( فالنبياء ثم الدعاة أقدر على العمل والنجاح في قومهم‪ ،‬ويملكون‬
‫أسباب المنعة تلقائيا )ولول رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز(‪.‬‬
‫وقد ابتليت جميع مجتمعات المسلمين بالهجرة إلى أوطان وبلد بعيدة‪،‬‬
‫يختلف أهلها أحيانا في الدين واللغة والعادات والثقافة‪ ،‬وكل شيء تقريًبا‪،‬‬
‫واستقبلت بعض دول المسلمين موجات من الهجرة من كل أنحاء العالم‪ ،‬من‬
‫المسلمين وغيرهم‪ ،‬ونشأ عن ذلك كله أفكار وأسئلة ومشكلت وتحديات‪ ،‬لم‬
‫تكن قضية الحجاب في فرنسا إل جزًءا قليل ً منها‪ ،‬ولم يكن العمل السلمي‬
‫يعطي هذه المسألة ما تستحقه من نظر وفقه يكفي لستيعاب الظاهرة‬
‫استيعابا كافًيا‪ ،‬وإن ُأنشئت مساجد ومدارس ومراكز إسلمية‪ ،‬ولكن المسألة‬
‫أعقد من ذلك بكثير‪ ،‬حتى فاجأتنا أحداث الحادي عشر من أيلول بكثير من‬
‫المشكلت والتحديات والسئلة التي لم نكن مستعدين لها‪.‬‬
‫الهجرة ابتداء لغير ضرورة أو حاجة ومصلحة يصعب تحقيقها بغير الهجرة‬
‫يجب تجنبها؛ لنها ترتب التزامات يجب اللتفات إليها‪ ،‬أولها أنها عقد واجب‬
‫اللتزام به مع الدولة والمكان المهاجر إليه‪ ،‬يقضي بالنتماء والمشاركة كما‬
‫التمتع بالحقوق والحماية‪ ،‬أما وقد هاجر النسان‪ .‬فل يسعه أن يكون جزًءا‬
‫فيزيائّيا وقانونّيا من المجتمع ويسعى لتحصيل حقوقه والمنافع المترتبة على‬
‫الهجرة دون أن يؤدي الواجبات واللتزامات المقابلة‪ ،‬فذلك يناقض العقد‬
‫ضا‪.‬‬
‫ومنطق الهجرة والحياة أي ً‬
‫وقد يستطيع المهاجر أن ينطوي على نفسه وأهل ملته وقومه‪ ،‬أو يمتنع عن‬
‫واجبات المشاركة في مهجره‪ ،‬ولكنه يخرق المبدأ الذي هاجر وفقه والتزم به‬
‫ضا بنفسه وعائلته‪ ،‬فالنتماء والمشاركة‬ ‫مع الدولة التي هاجر إليها‪ ،‬ويضر أي ً‬
‫حاجة قصوى للنسان‪ ،‬لنه إن لم يشعر بانتمائه للمجتمع الذي يعيش فيه ولم‬
‫يشارك الناس حياتهم وقضاياهم وشؤونهم؛ فإنه يغرق نفسه في العزلة‪،‬‬
‫ويتحول مع أسرته إلى كائن معزول مقتلع يعاني من التشوه والكراهية‪،‬‬
‫كراهيته للخرين وكراهية الخرين له‪ ،‬وعلى المدى المتوسط من الزمن فإنه‬
‫يتحول إلى هامشي يحرم أولده وهو محروم ابتداء من فرص النمو الصحيح‬
‫والتفوق والتنافس على الفرص والتكوين الصحيح للشخصية والقدرة على‬
‫القيادة والعمل مع الخرين والمشاركة معهم في الشؤون الضرورية‬
‫والمهمة‪ ،‬وقد يتحول إلى كيان خطير على نفسه وعلى الخرين‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثمة تناقض كبير بين الهجرة والنغلق والعزلة‪ ،‬فالهجرة انفتاح على المكنة‬
‫والناس والتجارب‪ ،‬وبالضرورة فإن ذلك يعني المشاركة والنتماء‪ ،‬ومن عجب‬
‫أن يكون المرء يرفض المشاركة ويسعى للهجرة‪ ،‬فهو بذلك يناقض نفسه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد أسست الهجرة والختلط بالناس لفكار ومقولت كانت تبدو بعيدة‬
‫التطبيق‪ ،‬مثل العمل مع الناس‪ .‬جميع الناس ومساعدتهم‪ ،‬فذلك واجب‬
‫وعمل جميل لم يكن من قبل أمًرا عملًيا أو قريًبا من التطبيق‪ ،‬فالعون‬
‫صا بالمسلمين ول محصوًرا بينهم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫والمشاركة والحوار ليس خا ّ‬
‫سا بغير نفس أو فساد‬ ‫)من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نف ً‬
‫في الرض فكأنما قتل الناس جميًعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا(؛‬
‫فقتل النفس أي نفس مسلمة أو غير مسلمة‪ ،‬وإحياء النفس أي نفس عمل‬
‫عظيم في أثره وقيمته ضرًرا أو نفًعا‪ ،‬وقال تعالى‪) :‬ومالكم ل تقاتلون في‬
‫سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان(؛ فالدعوة إلى القتال‬
‫لجل المستضعفين مهما كان دينهم أو انتماؤهم‪) ،‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل‬
‫بالتي هي أحسن(‪ ،‬وهكذا فعمل الخير والعمل العام ل يخص المسلمين‬
‫ضا ل يجوز أن يكون محصوًرا على المسلم؛ بل إنه أمر‬ ‫وحدهم أبدا‪ ،‬والعدل أي ً‬
‫فظيع أن يحاول المسلم النحياز في القضاء لغير المسلم‪ ،‬كما تخبرنا سورة‬
‫النساء عن انحياز المسلمين مع مسلم في القضاء ضد غير مسلم )لعله‬
‫يهودي(‪) ،‬ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ‪ ...‬إلى قوله‪) :‬ومن يعمل إثما‬
‫ثم يرمي به بريًئا فقد احتمل بهتاًنا وإث ً‬
‫ما مبيًنا(‬
‫ثمة اتجاه غير واٍع تحكمه العصبية والنحياز الموجود لدى الناس جميًعا‪ ،‬ولكن‬
‫يجب ملحظة أنه كذلك وليس من الدين‪ ،‬ومحاولة تغطية التقاليد البدائية مما‬
‫كان يحتاجه الناس عندما كانوا يعيشون جماعات قليلة قريبة لبعضها في‬
‫النسب في الغابات والكهوف والمنعزلت بالدين هي القضية التي يجب‬
‫مجادلتها ودحضها‪.‬‬
‫والعمل مع الناس ومشاركتهم هو دعوة لهم وتشجيع على تخفيف العداوة‬
‫وكسب التأييد لفكارنا وقضايانا‪ ،‬ونحتاج لذلك أمس الحاجة‪ ،‬وبخاصة في هذه‬
‫ة معادية لنا ومضرة بفكرتنا وقضايانا‪ .‬ففي‬ ‫الظروف التي أنشأت بيئ ً‬
‫المشاركة عون للفكرة ونصرة‪ ،‬وتخفيف من العداوة والفكار الخاطئة‪.‬‬
‫ويجب على المسلمين بعامة والمهاجرين منهم بخاصة أن يدركوا أنهم‬
‫مستضعفون وغرباء‪ ،‬فنحتاج إلى كسب صداقة الناس وحمايتهم‪ ،‬ول يناسبنا‬
‫التصرف كما لو كنا نهيمن على الناس أو أقوى منهم أو ل يقدرون على إيذائنا‬
‫والضرار بنا‪.‬‬
‫إن أسهل عمل هو اكتساب العداوة‪ ،‬ولكن العبرة بكسب الصدقاء والمؤيدين‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الصلحيون والخطاب الدعوي المنقوص‬


‫محمد جلل القصاص‬
‫>‪TD/‬‬
‫في ثلث الليل الّثاني هّبوا من مضاجعهم يتسللون على أطراف أصابعهم‬
‫منى( عند العقبة وفي إحدى‬
‫قطى ـ كما يصف أحدهم ـ وهناك في آخر ) ِ‬ ‫كال ِ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشعب تجمع وفد يثرب ليبايع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيعة‬
‫العقبة الثانية‪ ،‬وينطق الخيار‪ :‬خذ لربك ودينك ما شئت يا رسول الله !‬
‫فيجيب الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ :‬تبايعوني على السمع والطاعة في‬
‫النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر‪ ،‬وعلى المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر ‪ ،‬وأن تقولوا في الله ل تخافوا لومة لئم‪ ،‬وأن تنصروني إذا‬
‫قدمت عليكم فتمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأنفسكم وأولدكم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وما لنا يا رسول الله إن فعلنا ؟‬
‫قال‪ :‬ولكم الجنة ‪.‬‬
‫قد كان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬موقنا أن الله سيتم هذا المر حتى ل يخاف‬
‫فرس لن تأخذ إل نطحة أو نطحتان‬ ‫الراكب إل الله والذئب على غنمه‪ ،‬وأن ال ُ‬
‫وبعدها يرث المسلمون ديارهم وأموالهم‪ ،‬وأن عقر دار السلم بلد الشام‪،‬‬
‫ومع ذلك لم يشأ رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن تنعقد البيعة على‬
‫أمر دنيوي‪ ،‬بل أراد للنفوس أن تنصرف إلى ما عند الله ‪.‬‬
‫وفي مكة حيث الضعف والنكسار وقلة العدد وانعدام العتاد‪ ،‬وقد تجمعت‬
‫العرب على كلمة الكفر‪ ،‬وصموا عن الحق آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا‬
‫على الضلل وإضلل الناس إصرارًا‪ ،‬وأنفقوا الموال كي ل تكون كلمة الله‬
‫هي العليا كانت الدعوة ل تتكلم عن شيء أكثر مما تتكلم عن اليوم الخر‬
‫ابتداء من القبر وما فيه ويوم الحساب وما فيه والجنة والنار ‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫سمة بارزة للقرآن المكي ‪.‬‬
‫بلغة العقلء المفكرين ‪ ...‬الصلحيين ‪ :‬كان الحال يستدعي مرونة في الطرح‬
‫بإظهار شيء مما تخفيه تلل اليام ويستيقن منه الرسول ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬من نصر وفتح وغنيمة ‪ ،‬حتى يكثر العدد وتكون قوة تواجه هذه‬
‫القوى ‪ ،‬ولكن شيئا ً من هذا لم يحدث ‪ ،‬وأصرت الدعوة على أن تبدأ من‬
‫اليوم الخر ترغيبا ً وترهيبًا‪.‬‬
‫تحاول أن تجعل القلوب معلقة بما عند ربها ترجوا رحمته وتخشى عقابه‪.‬‬
‫ويكون كل سعيها دفعا للعقاب وطلبا للثواب فتكون الدنيا بجملتها مطية‬
‫للخرة ‪.‬‬
‫ً‬
‫ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ هو أيضا تربى على هذا المعني‪ ،‬فقد‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫مث ّ‬ ‫جعُهُ ْ‬
‫مْر ِ‬ ‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫ك فَإ ِل َي َْنا َ‬ ‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬‫ض ال ّ ِ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬ ‫كان يتنزل عليه " وَإ ِ ّ‬
‫ك بعض ال ّذي نعِدهُم أوَ‬ ‫ُ‬
‫ِ َ ُ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َِ ْ َ ُ َِّ َْ َ‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫[‬‫‪46‬‬ ‫يونس‪:‬‬ ‫]‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ف َ‬
‫ع‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫شِهيد ٌ عََلى َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ب " ]يونس‪[40 :‬‬ ‫سا ُ‬‫ح َ‬ ‫ك ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫ك فَإ ِن ّ َ‬
‫وهكذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا به ما عند‬
‫الله فكان حالهم كما وصف ربهم " تراهم ركعا ً سجدا ً يبتغون فضل ً من الله‬
‫ورضوانا " فهذا وصف للظاهر" ركعا ً سجدًا" ووصف للباطن "يبتغون فضل ً‬
‫من الله ورضوانا" ‪ ،‬والسياق يوحي بأن هذه هي هيئتهم الملزمة لهم التي‬
‫يراهم الرائي عليها حيثما يراهم‪ ،‬كما يقول صاحب الظلل ـ رحمه الله ــ ‪.‬‬
‫هذا حال من ابتدؤوا‪ ،‬وإنا نجد في كتاب ربنا أننا ملزمون بالسير على دربهم‬
‫واقتفاء آثارهم‪ " ،‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين الهدى ويتبع غير‬
‫سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " " فإن آمنوا بمثل‬
‫ما آمنتم به فقد اهتدوا "‪ .‬وما لنا أن ل نقتفي آثارهم ونسير على دربهم وهم‬
‫أنجح جيل في التاريخ ولم يأت مثله في حياة الناس ؟‬
‫وهكذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا به ما عند‬
‫الله فكان حالهم كما وصف ربهم " تراهم ركعا ً سجدا ً يبتغون فضل ً من الله‬
‫ورضوانا "‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقول‪ :‬ومن يتدبر آيات الحكام في كتاب الله يجد أن هناك إصرار من النص‬
‫القرآني على وضع صورة الخرة عند كل أمر ونهي ضمن السياق بواحدة من‬
‫دللت اللفظ ‪ ،‬المباشرة منها أو غير المباشر ) دللة الشارة أو التضمن أو‬
‫القتضاء أو مفهوم المخالفة ‪ ..‬الخ ( ‪ ،‬فمثل يقول الله –تعالى‪ " :-‬ويل‬
‫للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم‬
‫يخسرون أل يظن أولئك أنهم مبعثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب‬
‫العالمين ‪" ...‬‬
‫فتدبر كيف يأتي المر بعدم تطفيف الكيل حين الشراء وبخسه حين البيع ؟‬
‫ول أريد أن أعكر صفو النص بكلماتي ‪.‬‬
‫ومثله " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور "‬
‫فهنا أمر بالسعي على الرزق‪ ،‬وتذكير بأن هناك نشور ووقوف بين يدي الله‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬فيسأل المرء عن كسبه من أين وإلى أين ؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بل واقرأ عن اليات التي تتحدث عن الطلق في سورة البقرة تجد أنها تختم‬
‫م " " ‪...‬‬
‫ميعٌ عَِلي ٌ‬‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫باسم أو اسمين من أسماء الله ‪-‬عز وجل‪ ... " -‬فَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫خِبيٌر " " ‪...‬‬ ‫ن َ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م " " ‪َ ...‬والل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫موا أ ّ‬‫َواعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫صيٌر "‬ ‫ن بَ ِ‬‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫صيٌر " " ‪ ....‬إ ِ ّ‬‫ن بَ ِ‬‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن الل ّ َ‬‫موا أ ّ‬‫َواعْل َ ُ‬
‫وهذا ل شك استحضار للثواب والعقاب ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا أسلوب القرآن العظيم في عرض قضايا الشريعة ‪ ،‬وهو ما تربى‬
‫عليه الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم‪ -‬فلم يغيب الطرح الخروي عن المشاريع‬
‫الفكرية التي تنتجها أقلم )الصلحيين( وخاصة حين يتكلمون إلى الكافرين أو‬
‫العلمانيين ؟‪...‬لم هذا الخطاب الدعوي المنقوص ؟‬
‫لم ل نخاطبهم ‪:‬آمنوا بربكم الذي خلقكم ورزقكم وأحياكم ويميتكم ثم‬
‫يحاسبكم ؟‬
‫لم ل نناديهم‪ :‬أسلموا قبل أن تكونوا من جثي جهنم التي وصفها كذا وكذا ؟‬
‫أسلموا كي ل تحرموا جنة فيها وفيها ‪...‬؟‬
‫ويدور الحوار حول دلئل صدق الخبر ومطلب المخبر ‪.‬‬
‫أسذاجة ؟‬
‫مة أخرجت للناس ودونكم السيرة ‪.‬‬ ‫ل وربي ‪.‬فهكذا نشأت خير أ ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الطاحة بعلم الكلم‬


‫عزيز محمد أبوخلف‬
‫باحث‬
‫‪amakhalaf@gawab.com‬‬
‫يبحث علم الكلم في الدلة اليقينية المتعلقة بالعقائد السلمية ‪ ،‬وهذه الدلة‬
‫مبناها العقل المستند إلى المنطق أساسا ً ‪ ،‬وقد يأخذون بما تدل عليه‬
‫النصوص القطعية فقط وفقا ً لمعاييرهم ‪ .‬وُيعرف هذا العلم أيضا ً بعلم‬
‫التوحيد وعلم العقائد وعلم أصول الدين ‪ ،‬لنه يركز على الدلئل القطعية ول‬
‫يأخذ بغيرها ‪ ،‬فهو يرد أحاديث الحاد مثل ً لنها ظنية الثبوت وفقا ً لهذا العلم ‪.‬‬
‫سمي بعلم الكلم لن المشتغلين به صنعتهم الكلم والجدل ‪ ،‬أو لن‬ ‫وقد ُ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اعظم مسائله التي جرى عليها الخلف كانت صفة الكلم لله تعالى ‪.‬‬
‫أدى علم الكلم إلى انقسام المسلمين عقائديا ً إلى فرق شتى ‪ ،‬منها الجهمية‬
‫والمعتزلة والماتريدية والشاعرة والباضية والمامية والزيدية وغيرهم كثير ‪.‬‬
‫ووقف أئمة السلف وعلماؤهم في وجه هذه الفرق وشّنعوا عليهم وفّندوا‬
‫أقوالهم بالعقل والنقل ‪ ،‬وطالبوهم بالكف عن ذلك والرجوع إلى النبع‬
‫الصافي نصوص القرآن والسنة ‪ .‬والمتتبع لهذه الفرق يرى أن الختلف بينها‬
‫هو في فروع العقائد وليس في أساسها المتفق عليه بين الجميع ‪ .‬فتراهم‬
‫اختلفوا في صفات الله وأين يوجد ‪ ،‬وفي القضاء والقدر ومعنى ذلك ‪ ،‬وهل‬
‫النسان مسير أم مخير ‪ ،‬وفي معنى اليمان وهل العمال منه ‪ ،‬واختلفوا في‬
‫طريق اليمان هل هو واجب بالعقل أم ل ‪ ،‬إلى غير ذلك من الختلفات‬
‫الفرعية ‪ .‬وقد اندثرت كثير من هذه الفرق وبقي بعضها إلى عصرنا الحاضر ‪.‬‬
‫طريقة علم الكلم‬
‫يستند علم الكلم في أدلته وبراهينه على علم المنطق بشكل أساسي ‪ ،‬فهو‬
‫يقرر مسلمات معينة ثم ينطلق منها في إقامة البراهين من خلل مقدمات‬
‫جر عليها اتباعه إما بسبب‬ ‫معينة ‪ .‬ولهذا العلم مصطلحاته الخاصة التي تح ّ‬
‫عدم وضوحها ‪ ،‬أو لرغبتهم في عدم مخالفة أسلفهم والحتفاظ باستقللية‬
‫هذا العلم ‪ .‬فالجوهر الفرد مثل ً هو الجزء الذي ل يتجزأ وتتكون منه الجواهر‬
‫أي الجسام أو المواد بلغة عصرنا ‪ .‬ول يستطيع المعاصرون أن يقرروا هل‬
‫هو الذرة مثل ً أو الجزيء أو اللكترون أو غير ذلك ‪ .‬فهم يقولون بأنه اصغر‬
‫جزء يمكن تخيله وهو متحيز لكن ليس له مكان ‪ .‬وربما كان هذا ينطبق على‬
‫اللكترون الذي يتحرك بشكل موجي وليس له مكان محدد بالضبط ‪ ،‬ل ندري‬
‫!‪.‬‬
‫الضربات التي تلقاها علم الكلم‬
‫ً‬
‫لقى علم الكلم مواجهة عنيفة من أئمة السلف وعلمائهم ‪ ،‬أدت أحيانا إلى‬
‫تقوية العلم وزيادة تمسك اتباعه به ‪ .‬لكنه تلقى ضربتين موجعتين جدا ً كان‬
‫لهما الثر البالغ في صرف الناس عنه أو ضعف مواقفه ‪ .‬وتأتي أهمية هاتين‬
‫الضربتين من كونها أّثرتا في اصل هذا العلم والساس الذي يقوم عليه وهو‬
‫المنطق والعقل بمفهوم هذا العلم ‪.‬‬
‫الضربة الولى كانت على يد شيخ السلم ابن تيمية الذي عمد إلى نقض‬
‫المنطق ونسفه من أساسه ‪ ،‬وبيان انه ل فائدة ترجى منه ‪ ،‬وانه لم يأخذ به‬
‫علماء المة المعتبرين في أصول الفقه ‪ .‬كما انه رد عليهم على نفس الصعيد‬
‫في كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل والذي جمع فيه آراء الولين‬
‫والخرين ‪ ،‬ولم يصدر عليه رد معتبر إلى الن ‪ .‬إل أن ابن تيمية رحمه الله قد‬
‫بدا وكأنه يسلم لهم اعتبار أفكارهم صادرة من العقل وذلك لنه ناقشهم‬
‫بنفس السلوب ‪ ،‬هذا على الرغم من أنه يرى أن العقل هو الغريزة أو العلوم‬
‫المستفادة للتمييز بين الخير والشر ‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فقد شنع عليهم‬
‫اعتبار القواطع العقلية في زعمهم هي الساس ‪ ،‬فقد نقض ذلك ونقده نقدا ً‬
‫شديدا ً معتبرا ً أن القول بان السمع ليس قطعيا ً دونه خرط القتاد ‪.‬‬
‫أما الضربة الثانية فكانت على يد الشيخ تقي الدين النبهاني من المعاصرين ‪،‬‬
‫والذي اعتبر أفكار علم الكلم بأنها غير عقلية مطلقا ً لن العقل ل يمكن أن‬
‫يعمل في المغيبات ‪ ،‬هذا بالضافة إلى موافقته ابن تيمية اعتبار المنطق‬
‫أسلوبا ً عقيما ً غير منتج أبدا ً ويجب تركه ‪ .‬وهذا الضربة كسابقتها هي في‬
‫صميم علم الكلم لنها نسفت الصل العقلي الذي يقيمون عليه أفكارهم ‪،‬‬
‫وكادت أن تقضي عليه لول أن فكر النبهاني رحمه الله لم ينتشر بشكل واسع‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسبب اشتغاله بالسياسة ‪ ،‬وعدم قيام اتباعه بنشر فكره وشرحه ‪ ،‬هذا‬
‫بالضافة إلى التزامه بأصول كلمية لقيت معارضة شديدة ‪ .‬منها وجوب‬
‫اليمان عن طريق العقل فقط ‪ ،‬واقتصار اليمان على التصديق الجازم الذي‬
‫يقتضي العمل ‪ ،‬وتحريم الخذ بأخبار الحاد في العقائد ‪ ،‬ورأيه الغريب في‬
‫القضاء والقدر الذي اعتبره ركنا ً من أركان اليمان على الرغم من عدم ورود‬
‫دليل عليه من الكتاب والسنة سوى أن معناه ثابت ‪ .‬فقد اعتبر أن القضاء‬
‫دث جبرا ً عنه ‪ ،‬والخاصيات التي ُيحدثها هو‬
‫والقدر هو أفعال النسان التي َتح ُ‬
‫في الشياء ‪ ،‬وهذه كلها ليست من النسان ‪ ،‬وانه مخير في أفعاله الختيارية‬
‫الخرى ‪ .‬هذا بالضافة إلى عدم رواج تعريف العقل الذي قال به ولم يجد‬
‫قبول ً واسعا ً عند الناس ‪ ،‬ربما لعدم وضوحه أو انطباقه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هل نحن في حاجة إلى علم الكلم؟‬


‫تكشفت في عصرنا الحاضر الكثير من الحقائق العلمية ‪ ،‬وظهرت معارف‬
‫جديدة متنوعة ‪ ،‬مما جعل الحاجة ماسة إلى مواجهة هذا الكم الهائل من‬
‫المعلومات والنظريات بطريقة تخدم الدين بشكل فعال ومنتج ‪ .‬ول بد من‬
‫العتراف بان هذا ل سبيل إليه إل بالتفكير الصحيح المنتج ‪ ،‬ول يكون أبدا ً عن‬
‫طريق المنطق ول أساليب علم الكلم ‪ ،‬لنه ل قَِبل لها بهذا الكم المتزايد من‬
‫المعلومات ‪ .‬ومن اجل خدمة الدين والمساعدة على نشره بشكل واعي فل‬
‫بد لنا إما أن نلغي علم الكلم ‪ ،‬أو أن نجري عليه تعديلت جوهرية في‬
‫الشكل والمضمون ‪ .‬إذ صار من المناسب أن ُيطلق عليه علم العقائد لنه‬
‫في حاجة إلى مواجهة نظريات فلسفية وعملية جديدة ‪ ،‬وصار في حاجة إلى‬
‫استخدام طرق وأساليب جديدة تناسب العصر وتخاطبه بلغته التي يفهمها ‪.‬‬
‫ولهذا فإني أرى ما يلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫• إلغاء المنطق أو جعله جزءا من علم العقائد لمن تهواه نفسه ويميل إليه‬
‫تفكيره ‪ .‬فالمنطق نظام مغلق غير منتج ‪ ،‬والبقاء عليه يعني البقاء على‬
‫علم العقائد نظاما ً مغلقا ً إلى ابد البدين ‪ .‬كما أن المنطق عالة على الفكر‬
‫الصحيح ‪ ،‬وقد رفضه أحفاد اليونان الغربيين أنفسهم ؛ فمنهم من اعتبره ُولد‬
‫ميتا ً ‪ ،‬ومنهم من اعتبره ولد كامل ً ولم يتقدم خطوة إلى المام ‪ ،‬ومنهم من‬
‫اعتبره من موضوعات البلغة ‪ ،‬بل قد عده بعضهم صنما ً يحرف عن التفكير‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫• إعادة النظر في مفهوم العقل ‪ ،‬ل سيما على ضوء ما استجد من حقائق‬
‫ت في اكثر من مقالة أن الفكر‬ ‫علمية عن التفكير وتركيبة الدماغ ‪ .‬وقد بّين ُ‬
‫السلمي مصدر رحب لذلك ‪ ،‬وان رؤيته لمعنى العقل رؤية ليس لها مثيل ‪،‬‬
‫وهذا ما جعلني اقرر مثل ً بان المقصود بنقصان عقل المرأة ليس هو ما درج‬
‫عليه الناس على مر العصور من انه نقص في قدراتها العقلية ‪ ،‬بل الموضوع‬
‫أوسع من ذلك واعمق ‪ .‬وقد يكون النطلق من تعريف النبهاني مفيدا ً جدا ً‬
‫لن العقل ل يمكنه التفكير في المغيبات ‪ ،‬وإذا فعل فل سبيل إليه إل من‬
‫خلل المحسوس ‪ .‬وأفكار علم الكلم تخالف ذلك بشكل صريح ‪ ،‬من هنا ل‬
‫نستبعد أن تكون أفكاره بعيدة عن الواقع ‪.‬‬
‫• وهذا يقودنا إلى ضرورة التركيز على القرآن الكريم والسنة المطهرة بما‬
‫فيهما من مظاهر العجاز الفكري والعلمي ‪ .‬غير أن العجاز الفكري هو‬
‫اقرب إلى حضارة المة وفكرها من العجاز العلمي الذي ُيعتبر عالة على ما‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينتجه الغرب فقط ‪ ،‬وحتى لو أجرى علماء المسلمين أبحاثا ً فلن تمر دون‬
‫موافقة الغرب لها ‪ .‬أما العجاز الفكري فينطلق من فهمنا للقرآن والسنة‬
‫والفكر السلمي وبما استجد من حقائق بشكل جزئي نستأنس به على ما‬
‫عندنا ‪.‬‬
‫• ضرورة جعل نصوص القرآن والسنة هي المعتمد والمرجع ل ما نتوصل‬
‫إليه بالعقل المستند إلى المنطق ‪ ،‬لن هذا الخير يحتاج إلى مرجعية تصححه‬
‫ن غير القرآن والسنة يكون مرجعا ً ُيفتخر به ! ‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫‪،‬و َ‬
‫• عدم تقييد الناس باليمان عن طريق العقل ‪ ،‬فواقع العقائد السلمية انه‬
‫يمكن تقبلها وعشقها بمجرد معرفتها والتعايش معها ‪ .‬فليعتنقها من شاء‬
‫بالطريقة التي يشاء ‪ ،‬سواء كانت بالعقل أو بغيره ‪.‬‬
‫• أن يجتمع أصحاب المذاهب العقائدية السلمية على كلمة سواء بينهم فهم‬
‫أولى بها ‪ ،‬وان يتجادلوا بالتي هي احسن ‪ ،‬وان يحتكموا إلى الكتاب والسنة‬
‫من اجل كشف الحقائق بموضوعية ‪ .‬وليس لهم إل التفكير المتوازي‬
‫المتعاون فهو السبيل إلى كشف الحقائق التي تخدم الدين والمسلمين‬
‫وتجمع الكلمة ‪.‬‬
‫ً‬
‫• العتماد على الواقع في التفكير بدل من الخوض في فرضيات وتخيلت ل‬
‫أساس لها ‪ .‬فالذين يقولون مثل ً أن الله ل داخل العالم ول خارجه ‪ ،‬يمكن أن‬
‫يقال لهم وهو في العالم وخارجه معا ً ‪ ،‬أو مرة هنا ومرة هناك ‪ ،‬أو في أي‬
‫منها بشكل ل نتصوره ‪ .‬على أن هذا القول النظري ترد عليه إشكاليات منها‬
‫أين الله قبل خلق العالم ‪ ،‬هل كان أيضا ل داخل العالم ول خارجه؟ وهذا‬
‫القول هو باعتبار العالم فقط ‪ .‬كذلك من يقول أن الله ل تحده حدود ‪ ،‬فبعد‬
‫خلقه العالم ماذا حصل لهذا الواقع؟ ‪ .‬كذلك القول بأنه قديم هو باعتبار‬
‫العالم ‪ ،‬فهل الحكم مستمر قبل ذلك ‪ ،‬والنسبة ل تكون إل إليه؟ والمقصود‬
‫أن التفكير في المغيبات ترد عليه إشكاليات كثيرة تبدو متناقضة يهدم بعضها‬
‫بعضا ً لنها تفتقر إلى المرجعية ‪ .‬لهذا ليس من طريق سليم إل اللتزام‬
‫بنصوص الكتاب والسنة والعض عليها بالنواجذ ‪.‬‬
‫• التوقف عن السب والشتم والتجهيل فهذا من أمارات نقصان العقل ! ‪.‬‬
‫مواضيع ذات صلة‬
‫التفكير ومهارات التفكير‬
‫‪http://www.islamway.com/bindex.php?section=articles&article_id=269‬‬
‫نقص العقل أم نقص الثقافة؟‬
‫‪http://www.saaid.net/female/m155.htm‬‬
‫العجاز الفكري في القرآن والسنة‬
‫‪http://www.lahaonline.com/Studies/DesertedSu/a1-11-07-‬‬
‫‪2003.doc_cvt.htm#_edn1‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫العجاز البياني في قوله تعالى ول طائر يطير بجناحيه (‬


‫صالح أحمد البوريني‬
‫‪saleh_alborini@yahoo.com‬‬
‫عضو رابطة الدب السلمي‬
‫يظل القرآن الكريم كتاب الله المهيمن على الكتاب كله ‪ ،‬وحجة الخالق على‬
‫خلقه ‪ ،‬وآية صدق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومعجزته البدية الخالدة‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على مر العصور إلى يوم النشور ‪.‬‬


‫ظم القرآن اللغوي وأسلوبه البياني منبع العجاز القرآني ؛ الذي‬ ‫ويظل ن ْ‬
‫تفيض منه كل أنواع العجاز الخرى ؛ التي تتسع بها دائرة التحدي اللهي‬
‫للثقلين أن يأتوا بمثل هذا القرآن ‪ ،‬أو أن يأتوا بسورة من مثله أو حتى بآية ‪.‬‬
‫وما زال النظر في القرآن الكريم وتدبر آياته يفتح مغاليق الفهم ‪ ،‬وتشرق به‬
‫أنوار المعرفة ‪ ،‬وتظهر به أسرار وخفايا هذا الكون العجيب ؛ لتعزز اليقين‬
‫القائم ‪ ،‬وتؤكد اليمان الراسخ بوحدانية الخالق عز وجل وألوهيته وجلله‬
‫وعظمته ‪ ،‬وصدق نبوة أنبيائه ورسله ‪ ،‬وإعجاز قرآنه وإشراق أنوار بيانه ‪.‬‬
‫أجل ؛ إن النظر في نظم آي القرآن ‪ ،‬وتأمل أساليبه وتراكيبه يزيل ـ مع‬
‫دي سنن الله تعالى في حياة النسان ـ ما عسى أن‬ ‫ظهور آيات الكوان وتب َ ّ‬
‫يكون قد غشي بعض البصار من البهام ؛ فحارت في إدراك معانيه الفهام ‪.‬‬
‫ومن ذلك ما سنطرق لبيانه باب آية من كتاب الله عز وجل ‪ ،‬لندخل إلى‬
‫رحابها ‪ ،‬ونطلع على سر من أسرار إعجازها البياني الذي ظل خافيا دهورا‬
‫طويلة ‪ ،‬حتى انكشف لهل هذا الزمان الذي شهد اختصار المسافات ‪،‬‬
‫سر لهله من قدرة على الطيران ‪ ،‬وتسخير‬ ‫وتوفير الجهود والوقات ‪ ،‬بما ت َي َ ّ‬
‫المادة لركوب الهواء واختراق الجواء ‪.‬‬
‫تلكم هي الية الثامنة والثلثون من سورة النعام ‪ ،‬حيث يقول تعالى ‪) :‬وما‬
‫من دابة في الرض ول طائر يطير بجناحيه إل أمم أمثالكم ما فرطنا في‬
‫الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ( ‪.‬‬
‫يبين الحق سبحانه أن دواب الرض وطيورها التي تطير بأجنحتها ما هي إل‬
‫أصناف وأجناس وأمم كأمم الناس ‪ ،‬يسري عليها ما يسري على البشر من‬
‫سنن الله تعالى في الوجود والتكاثر والرزق وغير ذلك ‪ ،‬وأن كتاب الله تعالى‬
‫محكم ل تفريط فيه ‪ ،‬وأن هذه المم جميعا في النهاية محشورة إلى الله‬
‫تعالى ‪ .‬وهذا هو المعنى الذي نقله العلماء عن أكثر أهل التفسير ‪.‬‬
‫واسمح لي عزيزي القارئ أن أقف بك على جملة قرآنية من الية هي قوله‬
‫تعالى ‪ ) :‬ول طائر يطير بجناحيه ( لننظر في هذه الضافة الحترازية‪ ،‬وهي‬
‫قوله تعالى ) يطير بجناحيه ( ‪ .‬لقد مر عن هذه الجملة القرآنية كثير من‬
‫المفسرين دون أن يتعرضوا لتفسيرها ول بيان سبب ورودها ‪ ،‬واجتهد بعضهم‬
‫في بيان سببها فجاء بأقوال ل تصح ‪ .‬ومن هؤلء إمام المفسرين ابن جرير‬
‫الطبري ـ رحمه الله ـ حيث يقول ‪ " :‬فإن قال قائل‪ :‬فما وجه قوله ) ول‬
‫طائر يطير بجناحيه ( ؟ وهل يطير الطائر إل بجناحيه ؟ فما في الخبر عن‬
‫طيرانه بالجناحين من الفائدة ؟ " ‪ .‬ثم يبين أن ذكرها إنما جاء من قبيل "‬
‫مته بفمي و ضربته‬ ‫إرادة المبالغة جريا على قول العرب في خطابهم ‪ :‬كل ّ ْ‬
‫بيدي " ‪ .‬وأما القرطبي في تفسيره فبّين أنها جاءت ‪ " :‬للتأكيد وإزالة‬
‫ن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر ‪ :‬تقول للرجل ‪ :‬ط ِْر في‬ ‫البهام ‪ ،‬فإ ّ‬
‫حاجتي " ‪ .‬ول شك أن هذا التأويل بعيد ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن وقوف الطبري عندها ‪ ،‬وغيره ممن حاولوا النظر فيها ؛ لدليل‬
‫على فطنتهم وسعة فهمهم وعمق نظرهم ‪ ،‬وإن لم يدركوا سرها فإن ذلك ل‬
‫ون من شأن علمهم ‪ ،‬لن‬ ‫ينقص بتاتا من قدرهم ول يحط من مكانتهم ول يه ّ‬
‫علمها في الحقيقة يتجاوز عصرهم ويمتد وراء آفاق مدركاتهم ‪.‬‬
‫نعرف عزيزي القارئ أن الطائر يتميز عن سائر الدواب بجناحيه الذين‬
‫يمكنانه الطيران ‪ ،‬فإذا ذكر الطائر تبادرت إلى الذهن صورته بجناحين اثنين‬
‫ن‬
‫مطويين أو منشورين ‪ ،‬يخطر على الرض أو يحلق في الفضاء ‪ .‬لذلك فإ ّ‬
‫كر الطائر يغني عن ذكر جناحيه ‪ .‬فإذا ذكر الطائر وتله ذكر جناحيه فل بد‬ ‫ذ ْ‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يكون وراء ذكرهما قصد مقصود وهدف منشود ‪ .‬فما هو القصد من ذكر‬
‫الجناحين بعد ذكر الطائر في الية السابقة ؟ لماذا قال تعالى ) ول طائر( ولم‬
‫يكتف بذكر الطائر بل جاء بعده بذكر صفته اللزمة قائل ) يطير بجناحيه ( ؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الجواب ـ والله أعلم ـ ‪ :‬لن هناك ما يطير في الفضاء ويحلق في الجواء‬


‫ولكنه ليس أمما أمثالنا ‪ ،‬وإنما هو شيء مختلف وصنع مختلف ‪ ،‬ل يدركه‬
‫النسان العربي القديم في عصره ‪ ،‬ول يعرف عنه شيئا ‪ .‬أما إنسان عصر‬
‫العلم والتكنولوجيا وغزو الفضاء ؛ فإنه يعرفه تمام المعرفة ‪ ،‬لنه رآه بعينه‬
‫وسمعه بأذنه ‪ ،‬وشاهد فعله وأثره ‪ ،‬وأدرك خيره وشره ‪ .‬أل ترى عزيز‬
‫القارئ كيف تحول الفضاء حول الرض في هذا العصر إلى شبكة من‬
‫الخطوط الملحية التي تطير فيها الطائرات وتعبرها النفاثات محلقة في‬
‫الفضاء ‪ ،‬مختصرة مسافات الرض ‪ ،‬مختزلة أبعاد الزمان ‪ .‬ولكنها كلها تطير‬
‫مدفوعة بقوة احتراق الوقود ‪ .‬فإذا لم تزود خزاناتها بالوقود النفاث ظلت‬
‫جاثمة في أماكنها عاجزة عن الطيران ‪ .‬وإذا نفد وقودها وهي في الجو هوت‬
‫ركاما وأمست حطاما ‪ .‬إن هذه الجسام الطائرة في جو السماء ل تطير‬
‫طيرانا ذاتيا بأجنحتها بل بقوة احتراق الوقود ‪ ،‬فهل هي أمم أمثالنا ؟ ‍‬
‫تتضح حكمة الله تعالى هنا ‪ ،‬ويبرز وجه العجاز البياني القرآني بذكر هذه‬
‫العبارة التي استثنت من طيور السماء كل ما أخرجته مصانع الطائرات‬
‫العسكرية والمدنية من وسائط النقل الجوي في هذا العصر ‪ .‬ولو لم تأت‬
‫هذه العبارة الحترازية العجازية ) يطير بجناحيه ( لكان لقائل أن يقول ‪ :‬إن‬
‫القرآن ل يفرق بين الكائن الحي والجماد ول بين الطائر الحقيقي والطائر‬
‫الصناعي ‪ ،‬إذ كيف تكون الطائرات النفاثة والمروحية وغيرها أمما أمثال‬
‫البشر ؟؟ إن هذا لمحال ‪.‬‬
‫لقد كان كافيا للعربي زمن نزول القرآن ليدرك المعنى أن تأتي الية من غير‬
‫هذه العبارة التي تساءل عن سر ذكرها المفسرون ‪ ،‬ولكن القرآن لم ينزل‬
‫للعرب فحسب ‪ ،‬ول لذلك الزمان وحده ‪ ،‬وإنما نزل للعالمين وإلى يوم الدين‬
‫‪ .‬وصدق الله العظيم إذ يقول ‪ ) :‬ما فرطنا في الكتاب من شيء ( ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‬
‫سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ,‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن من مقاصد هذا الدين الحنيف الحفاظ على الكليات الخمس‪ ،‬وهي حفظ‬
‫الدين والنفس والنسل والعقل والمال‪ ,‬وجاء لكل واحد منها تشريعات‬
‫وأحكام خاصة به‪.‬‬
‫فنلحظ أن السلم حافظ على النفس من خلل عدة أمور‪ ,‬منها الحفاظ‬
‫على الصحة وحماية النسان من كل ما يسبب له الضرر والفساد في جسمه‪.‬‬
‫ولهذا جاءت النصوص القرآنية الكريمة‪ ,‬والحاديث النبوية الشريفة مبينة ما‬
‫يحل وما يحرم من الطعمة والشربة‪ ,‬ووضعت لذلك قاعدة عظيمة‪ ,‬وهي‬
‫إباحة كل الطيبات وتحريم كل الخبائث‪ ,‬وصارت هذه القاعدة عامة في كل‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬
‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما يؤكل أو يشرب‪ ,‬يقول الله تبارك وتعالى‪? :‬وَي ُ ِ‬
‫خَبآِئث?]العراف ‪.[157:‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫َ‬
‫وقال تعالى آمرا ً جميع البشر بأكل الطيبات على سبيل الباحة‪َ? :‬يا أي َّها‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫حل َل ً ط َّيبا ً وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫م ّ‬ ‫س ك ُُلوا ْ ِ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ن?]البقرة ‪.[168:‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫عَد ُوّ ّ‬
‫وبهذه اليات المعجزات وضع الله سبحانه للبشرية جمعاء قانونا ً ثابتا ً وميزانا ً‬
‫دقيقا ً يمكنهم من خلله قياس كل المستجدات بعد زمن الرسول الكريم عليه‬
‫أفضل الصلة والسلم وإلى قيام الساعة؛ ليعرفوا طيبها من خبيثها‪ ,‬ونافعها‬
‫كد بكل‬ ‫من ضارها‪ ,‬فُيقبلوا على الطيبات ويبتعدوا عن الخبائث المحرمات‪ ،‬فأ ّ‬
‫ن شريعة السلم صالحة لكل زمان ومكان‪.‬‬ ‫وضوٍح وجلء أ ّ‬
‫وسنتناول في هذا البحث بعضا من السباب العديدة التي من أجلها حرم الله‬ ‫ً‬
‫ن الدراسات المنشورة‪-‬‬ ‫تعالى أكل لحم الخنزير‪ ،‬مؤكدين في هذا الصدد أ ّ‬
‫على كثرتها‪-‬ل تظهر إل ّ نزرا ً يسيرا ً من مضار أكل لحم الخنزير‪ ،‬والتعايش مع‬
‫ن السنوات القادمة‬ ‫هذا الحيوان الموغل في القذارة‪ ,‬ونحن على يقين تام بأ ّ‬
‫ستكشف للناس مزيدا ً من جوانب العجاز التشريعي في تحريم لحم‬
‫الخنزير‪.‬‬
‫لكن مهما بلغ التقدم العلمي‪ ,‬فسيبقى علم البشر قاصرًا‪ ,‬وإدراكهم محدودًا‪,‬‬
‫والله هو العليم الحكيم‪.‬‬
‫تحريم لحم الخنزير في القرآن الكريم‪:‬‬
‫جاء تحريم لحم الخنزير في أربع مواضع في القرآن العظيم ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ر‬
‫ل ب ِهِ ل ِغَي ْ ِ‬ ‫ما أهِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوالد ّ َ‬ ‫مي ْت َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ -1‬قال تعالى‪? :‬إ ِن ّ َ‬
‫م?‪].‬البقرة‪:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫م عَلي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫عاد ٍ َفل إ ِث ْ َ‬ ‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ وَل َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫الل ّهِ فَ َ‬
‫م ِ‬
‫‪.[173‬‬
‫هّ‬ ‫ما أهِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل ل ِغَي ْرِ الل ِ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَل ْ‬ ‫ة َوالد ّ ُ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ت عَلي ْك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫‪ -2‬قال تعالى‪ُ ? :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما ذ َكي ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سب ُعُ إ ِل َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما أك َ‬ ‫َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫طي َ‬ ‫ة َوالن ّ ِ‬ ‫مت ََرد ّي َ ُ‬ ‫موُْقوذ َة ُ َوال ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خن ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ب ِهِ َوال ْ ُ‬
‫فُروا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫سقٌ ال ْي َوْ َ‬ ‫م فِ ْ‬ ‫موا ْ ِبالْزل َم ِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ب وَأن ت َ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ح عََلى الن ّ ُ‬ ‫ذ ُب ِ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ْ‬ ‫ت لك ْ‬ ‫مل ُ‬ ‫م أك َ‬ ‫ن الي َوْ َ‬ ‫شو ْ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫م فل ت َ ْ‬ ‫من ِدين ِك ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف ل ِثم ٍ‬ ‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫صةٍ غي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضطّر ِفي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ِدينا ف َ‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت لك ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫م?]المائدة‪.[3:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫هغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل ّ أن‬ ‫م ُ‬ ‫عم ٍ ي َط ْعَ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫حّرما ً عََلى َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أوْ ِ‬ ‫جد ُ ِفي َ‬ ‫‪ -3‬قال تعالى‪ُ? :‬قل ل ّ أ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كون ميت ً َ‬
‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سقا ً أهِ ّ‬ ‫س أوْ فِ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ه رِ ْ‬ ‫زيرٍ فَإ ِن ّ ُ‬ ‫خن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فوحا ً أوْ ل َ ْ‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫ة أوْ َدما ً ّ‬ ‫يَ ُ َ َ ْ َ‬
‫حيم?]النعام ‪.[145:‬‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ك غَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫عادٍ فَإ ِ ّ‬ ‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ وَل َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ِهِ فَ َ‬
‫ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ر‬
‫ل ل ِغَي ْ ِ‬ ‫ما أهِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوال ْد ّ َ‬ ‫مي ْت َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ -4‬قال تعالى‪ ? :‬إ ِن ّ َ‬
‫حيم?]النحل‪.[115:‬‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫عاد ٍ فَإ ِ ّ‬ ‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ وَل َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫الل ّهِ ب ِهِ فَ َ‬
‫م ِ‬
‫ومما سبق نلحظ أن لحم الخنزير ينفرد من بين جميع اللحوم المذكورة في‬
‫آيات التحريم بأنه حرام لذاته‪ ،‬أي لعلة مستقرة فيه‪ ،‬أو وصف لصق به‪ ،‬أما‬
‫اللحوم الخرى فهي محرمة لعلة عارضة عليها‪ ،‬فالشاة مثل ً إذا ذكيت فلحمها‬
‫حلل طيب ول تحرم إل إذا كانت ميتة أو ذبحت لغير الله ‪ .‬ونحن نؤكد أن‬
‫المؤمن ملتزم حين يأتيه المر أو النهي من الله‪ ,‬ويمكن أن نجتهد في تفهم‬
‫علة المر والنهي‪ ،‬لكن تحريم لحم الخنزير بالذات تحريم معلل ?فإنه رجس?‬
‫فاجتهادنا محصور إذن في محاولة فهمنالخبث ذلك المحرم ورجاسته حتى‬
‫نزداد شكرا ً لله على نعمائه)‪.(1‬‬
‫تحريم لحم الخنزير في الحاديث الشريفة‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة على تحريم بيع لحم الخنزير‪ ,‬ومن تلك الحاديث ما جاء‬


‫جاءت الحاديث دال ً‬
‫في صحيح مسلم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عن جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام‬
‫الفتح وهو بمكة‪» :‬إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير‬
‫والصنام« فقيل‪ :‬يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن‬
‫ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال‪» :‬ل هو حرام«‪ ,‬ثم قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك‪» :‬قاتل الله اليهود إن الله عز وجل لما‬
‫حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه«)‪ .(2‬وهذا الحديث فيه‬
‫التصريح بتحريم بيع الخنزير أو الستفادة من أي جزء منه ‪ ,‬حتى لو كان ذلك‬
‫بتحويله إلى شيء آخر ‪.‬‬
‫ومما جاء في بيان شناعة هذا الحيوان ما رواه سليمان بن بريدة عن أبيه أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪» :‬من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه«)‪,(3‬‬
‫والحديث يشبه اللعب بالنردشير)‪ (4‬بغمس اليد في لحم الخنزير ودمه‪ ,‬ووجه‬
‫الشبه هو القبح في كل المرين‪ ,‬والمعروف عند أهل البلغة أن وجه الشبه‬
‫يكون أقوى في المشبه به‪ ,‬أي أن ملمسة اليد للحم الخنزير ودمه أشد قبحًا‪,‬‬
‫وسنشير إلى الخطورة الكامنة في التعامل مع لحم الخنزير وباقي منتجاته‬
‫في هذا البحث‪.‬‬
‫أقوال العلماء في لحم الخنزير ‪:‬‬
‫ً‬
‫أجمع العلماء على تحريم لحم الخنزير‪ ,‬ولم يجعلوا التحريم مقصورا على‬
‫اللحم بل أفتوا بتحريم كل أجزائه‪ ,‬فاليات القرآنية نصت على تحريم لحمه‬
‫على جهة القطع‪ ,‬أما بقية أجزائه فلنهم عدوا الخنزير من النجاسات‬
‫والخبائث‪ ,‬وقد نص الله تعالى في كتابه الكريم على تحريم الخبائث‪,‬‬
‫والخنزير من جملة الخبائث‪ ,‬وممن نقل الجماع على تحريم كل أجزائه‬
‫المام النووي فيقول‪":‬وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه ودمه وسائر‬
‫أجزائه")‪.(5‬‬
‫وكذلك ابن رشد حيث يقول‪" :‬فأما الخنزير فاتفقوا على تحريم شحمه ولحمه‬
‫وجلده")‪.(6‬‬
‫ولكن ماذا نعرف عن الخنزير؟‪:‬‬
‫الخنزير حيوان لحم عشبي تجتمع فيه الصفات السبعية والبهيمية‪ ،‬فهو آكل‬
‫لكل شيء‪ ،‬وهو نهم كانس كنس الحقل والزريبة فيأكل القمامات والفضلت‬
‫والنجاسات بشراهة ونهم‪ ،‬وهو مفترس يأكل الجرذ والفئران وغيرها كما‬
‫يأكل الجيف حتى جيف أقرانه)‪ ,(7‬والخنزير من الحيوانات السريعة النمو إذ‬
‫تضع الخنزيرة ما بين عشرة إلى عشرين خنوصًا‪ ,‬وينمو الخنزير من أقل من‬
‫كيلوجرامين عند الولدة إلى أكثر من مائة كيلوجرام خلل مائتي يوم ‪ .‬وسبب‬
‫هذا النمو السريع زيادة كبيرة في هرمونات النمو ‪,Growth Hormone‬‬
‫والهرمونات المنمية للغدد التناسلية ‪ ,Gonadotrophin‬وهذا المر له علقة‬
‫بارتباط لحم الخنزير وشحمه بأنواع السرطان التي تزداد لدى آكلي لحم‬
‫الخنزير وشحمه‪ ,‬ويوجد الدهن متداخل ً مع خليا لحم الخنزير بكميات كبيرة‬
‫خلفا ً لبقية أنواع اللحوم مثل البقر والغنم والماعز والدجاج والتي يوجد فيها‬
‫الدهن بشكل نسيج دهني شبه مستقل)‪.(8‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المراض التي ينقلها الخنزير للنسان‪:‬‬


‫يبلغ عدد المراض التي تصيب الخنزير )‪ (450‬مرضًا‪ ,‬منها )‪ (57‬مرضا ً‬
‫طفيليًا‪ ,‬تنتقل منه إلى النسان‪ ,‬بعضها خطير بل وقاتل‪ ,‬ويختص الخنزير‬
‫بمفرده بنقل)‪ (27‬مرضا ً وبائيا ً إلى النسان‪ ,‬وتشاركه بعض الحيوانات الخرى‬
‫في نقل بقية المراض‪ ,‬لكنه يبقى المخزن والمصدر الرئيسي لهذه المراض‪,‬‬
‫هذا عدا المراض الكثيرة التي يسببها أكل لحمه كتلّيف الكبد‪ ,‬وتصلب‬
‫الشرايين‪ ,‬وضعف الذاكرة‪ ,‬والعقم‪ ,‬والتهاب المفاصل‪ ,‬والسرطانات‬
‫المختلفة‪ ,‬وغيرها كثير)‪.(9‬ونحن على يقين بأن عدد المراض سيزداد مع‬
‫مرور اليام‪ ,‬وأن السنوات القادمة ستكشف أمراضا ً جديدة تنتقل من‬
‫الخنزير إلى النسان)‪.(10‬‬
‫وهذه الوبئة يمكن أن تنتقل من الخنزير إلى النسان بطرق مختلفة‪:‬‬
‫الول‪ :‬عن طريق مخالطته أثناء تربيته أو التعامل مع منتجاته )وتعتبر أمراضا ً‬
‫مهنية(‪ ,‬وهي ل تقل عن ‪ 32‬وباءا ً تصيب في الغلب عمال الزرائب والمجازر‬
‫والبيطريين‪ ,‬ومنها‪ :‬أنواع من الفطور العميقة‪ ,‬والزحار‪ ,‬والديدان‪ ,‬والزحار‬
‫الزقي‪ ,‬والحمى اليابانية الدماغية‪ ,‬والتهاب الفم البثري الساري‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن طريق تلوث الطعام والشراب بفضلته‪ ,‬وهي ل تقل عن ‪28‬‬
‫مرضا ً منها‪ :‬الزحار‪ ,‬والسكاريس‪ ,‬والنسمام الوشيقي‪ ,‬والديدان القنفذية‬
‫والكبدية والمفلطحة وشوكية الرأس‪,‬والدودة المسلحة الخنزيرية والشعيرات‬
‫الحلزونية وغيرها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن طريق تناول لحمه ومنتجاته‪ ,‬وهي أكثر من ‪ 16‬مرضا ً منها داء‬
‫المبيضات ـ داء الحويصلت الخنزيرية‪ ،‬الحمى المالطية ـ والدودة الكبدية‪,‬‬
‫وداء وايل‪ ,‬والدودة الشعرية الحلزونية والشريطية والسل وغيرها)‪.(11‬‬
‫ومما سبق يتضح لنا أن الخطورة ليست قاصرة على تناول لحم الخنزير‬
‫فقط‪ ,‬بل هي تشمل كل أنواع التعامل مع هذا الكائن الخبيث‪ ,‬وقد سبقت‬
‫الشارة في الحديث النبوي السابق إلى حظر التعامل مع لحم الخنزير أو‬
‫دمه ‪ ,‬وهذا يؤكد ما ذهب إليه العالم )كرول( من أن الحظر المفروض على‬
‫المسلمين بعدم ملمسة الخنازير ليس بحاجة إلى تبرير)‪.(12‬‬
‫ومن هذه المراض التي تنتقل من الخنزير إلى النسان‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬البريونات )‪:(Prions‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪) -1‬مرض جنون البقر(‪ :‬يسبب هذا المرض الفتاك أجسام بروتينية صغيرة‬
‫تسمى البريونات‪ ,‬وهذه الجسام لها قدرة على إحداث أمراض خطيرة‬
‫للحيوانات وللبشر أيضًا‪ ,‬ومصدر الخطورة يكمن في قدرة البريونات على‬
‫تغيير شكل البروتينات الطبيعية الموجودة في خليا مناطق حساسة‪ -‬كالدماغ‬
‫ل‪ -‬وتحويلها إلى بريونات‪ ,‬مسببة تلف الدماغ‪ ,‬فالجنون ثم الموت‪.‬‬ ‫مث ً‬
‫ن الخنازير تصاب بهذا المرض‪ ،‬مما يجعل آكلي‬ ‫ولقد أكدت التقارير العلمية أ ّ‬
‫لحم الخنزير عرضة للصابة بهذا المرض )‪.(13‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الفيروسات )‪:(Viruses‬‬
‫يصيب الخنزير مجموعة كبيرة من الفيروسات‪ ،‬منها ما تنقله الخنازير إلى‬
‫النسان‪ ،‬فيسبب له أمراضا ً فيروسية خطيرة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫م عزل فيروس النفلونزا من عينات أخذت من‬ ‫‪ -2‬فيروس النفلونزا‪ :‬لقد ت ّ‬
‫النسان والخيل والخنازير والطيور الداجنة والبرية‪ ،‬وحتى من بعض الثدييات‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البحرية‪.‬‬
‫وكان أخطر وباء أصاب العالم من هذه النفلونزا‪ :‬الوباء الذي حدث عام‬
‫‪1918‬م‪ ،‬وأطلق عليه آنذاك اسم "النفلونزا السبانية"‪ .‬فقد تفشى هذا‬
‫الوباء في شتى أنحاء المعمورة‪ ,‬مخّلفا ً وراءه مليين الجثث‪ ،‬وناشرا ً الذعر‬
‫والهلع في كل مكان‪.‬‬
‫ور عن‬ ‫ن الفيروس المسبب لهذا الوباء المهلك تح ّ‬ ‫ويؤكد بعض الباحثين‪ ،‬بأ ّ‬
‫فيروس أنفلونزا الخنازير في الوليات المتحدة )‪.(14‬‬
‫‪ - 3‬فيروس نيبا )‪ :(Nipah virus‬لم يعرف العالم هذا الفيروس المميت قبل‬
‫أكتوبر‪ /‬تشرين أول من عام ‪1998‬م‪ ,‬فقد عالج الطباء في ماليزيا ‪300‬‬
‫إصابة بما يشبه أعراض النفلونزا‪ ،‬سرعان ما توفي ‪ 117‬مريضا ً منهم‬
‫بفيروس "نيبا" الغامض‪ ،‬وأصيب العشرات منهم بتلف دماغي‪ .‬ويعتقد الطباء‬
‫ن الفيروس الخطير ربما انتقل من خفاش الفواكه إلى الخنازير‪،‬‬ ‫الماليزيون أ ّ‬
‫ن جميع المصابين‬ ‫ومنها إلى النسان‪ ,‬حيث أظهرت المتابعات الطبية أ ّ‬
‫بالمرض كانت تربطهم علقة قوية بالخنازير‪ ,‬مما حدا بالدوائر الصحية في‬
‫ماليزيا إلى قتل مليون خنزير)‪.(15‬‬
‫‪-4‬فيروس الحمى القلعية‪:‬‬
‫فيما يبدو ليس من سبيل إلى وضع حد لوباء الحمى القلعّية التي أهلكت‬
‫الثروة الحيوانية البريطانية في بداية عام ‪2001‬م‪ ,‬فبعد أيام قليلة على‬
‫تشخيص الطباء البيطريين ‪ 27‬إصابة بين خنازير أحد المسالخ الريفّية‪،‬‬
‫فرضت الحكومة حظرا ً على كافة عمليات نقل الحيوانات‪ ,‬لكن هذا الجراء‬
‫لم يحل دون انتشار المرض خارج بريطانيا‪ ،‬فسرعان ما انتشر الوباء في‬
‫القارة الوروبية‪ ,‬ولم يجد البريطانيون مناصا ً من القيام بحملة واسعة النطاق‬
‫للقضاء على الخنازير المصابة‪ ،‬ذهب ضحيتها ‪ 3.75‬مليون من حيوانات‬
‫المزرعة‪.‬‬
‫ن مرض الحمى القلعية انتشر عام ‪1997‬م في جزيرة تايوان برمتها‪،‬‬ ‫يذكر أ ّ‬
‫ل من شهرين وطالت آثاره المدمرة ‪ 6000‬مزرعة‪ ،‬وأسفر عن ذبح‬ ‫في أق ّ‬
‫ن المرض ينتقل من الخنازير إلى‬ ‫ً‬
‫‪ 3.8‬مليون خنزير‪ ,‬ومن المعروف علميا أ ّ‬
‫النسان)‪.(16‬‬
‫‪-5‬فيروس التهاب الدماغ الياباني )‪:(Japanese encephalitis‬‬
‫ينتشر هذا الفيروس بين مربيي الخنازير في مناطق شرق آسيا‪ ،‬وهو يصيب‬
‫الطيور‪ ،‬وينتقل منها بواسطة البعوض إلى الخنازير‪ ،‬التي بدورها تنقله إلى‬
‫النسان‪ .‬ويسبب هذا الفيروس التهاب الدماغ في النسان‪ ،‬الذي يكون مميتا ً‬
‫في بعض الحيان)‪.(17‬‬
‫‪-6‬فيروس الخنزير التقرحي )‪:(Swine Vesicular Virus‬‬
‫جل أول ظهور لهذا الفيروس عام ‪1966‬م في إيطاليا‪ ،‬ليظهر بشكل وبائي‬ ‫س ّ‬
‫ُ‬
‫في بريطانيا عام ‪1972‬م‪ ،‬حيث أصاب خلل السنوات العشر التالية أكثر من‬
‫‪ 322‬ألف خنزير في بريطانيا وحدها‪ .‬ينتقل هذا الفيروس من الخنازير إلى‬
‫البشر عن طريق المخالطة‪ ،‬حيث يسبب حمى وآلما ً في المفاصل‬
‫ن الخنزير هو العائل الطبيعي الوحيد لهذا الفيروس)‪.(18‬‬ ‫والعضلت‪ ,‬يذكر أ ّ‬
‫‪-7‬فيروس التهاب الدماغ والقلب )‪ :(Encephalomyocarditis‬تعتبر الجرذان‬
‫مستودع هذا الفيروس الخطير‪ ،‬كما تعتبر الخنازير أكثر حيوانات الحظيرة‬
‫إصابة بالمرض‪ ,‬وعادة ما تنتقل العدوى من الجرذان إلى الخنازير‪.‬‬
‫يسبب هذا الفيروس التهاب الدماغ والقلب‪ ،‬مما قد يودي بحياة المرضى)‬
‫‪.(19‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثًا‪ :‬البكتيريا )‪:(Bacteria‬‬


‫يصيب الخنزير مجموعة كبيرة من البكتيريا‪ ،‬حيث تنتقل منه إلى النسان‪،‬‬
‫مسببة له أمراضا ً خطيرة‪ ،‬بل وقاتلة‪.‬‬
‫وسنستعرض باختصار أهم النواع الممرضة وعلقة الخنزير بنقلها إلى‬
‫النسان‪:‬‬
‫‪-8‬بكتيريا الحمى المالطية )‪ :(Brucellosis‬تسبب مرض الحمى المالطية ثلثة‬
‫أنواع من البكتيريا‪ ،‬وهي تصيب الماشية والخنازير‪ ،‬حيث تنتقل منها إلى‬
‫النسان‪.‬‬
‫ن أخطر الثلثة هو النوع الذي يصيب الخنازير )‪ ،(Brucella suis‬إذ إّنه يسبب‬ ‫لك ّ‬
‫للمصابين به من بني البشر التهاب السحايا‪ ،‬والتهاب عضلة القلب‪ ،‬والتهاب‬
‫المفاصل‪ ،‬وتورم الطحال‪ ،‬وغير ذلك من المراض الخطيرة)‪.(20‬‬
‫‪ -9‬بكتيريا السالمونيل )‪:(Salmonellosis‬‬
‫تسبب هذه البكتيريا للنسان عدة أمراض‪ ،‬مثل‪ :‬التيفوئيد وبارا التيفوئيد‬
‫والتسمم الغذائي)‪.(21‬‬
‫‪ -10‬بكتيريا لستيريا )‪:(Listeria monocytogenes‬‬
‫تسبب هذه البكتيريا مرض اللتهاب السحائي الدماغي‪ ,‬وموت الجنة‪ ،‬وتسمم‬
‫الدم‪,‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد تبين أن هذه الجراثيم شديدة الفتك بالنسان‪ ,‬إذ تسبب له التهاب‬
‫السحايا‪ ،‬كما تفرز سموما ً في دم المصاب‪ ،‬كما تبلغ نسبة الوفاة بالمرض‬
‫‪ %40‬من الحالت الشديدة‪ .‬والذين أصيبوا بهذا المرض ونجوا من الموت بعد‬
‫علج شاق‪ ،‬عانوا الصمم الدائم وفقدان التوازن)‪.(22‬‬
‫‪ -11‬بكتيريا الحمرة الخبيثة )‪:(Bacillus anthracis‬‬
‫تنتقل بكتيريا الحمرة الخنزيرية الخبيثة من الخنزير إلى اللحامين والدباغين‪,‬‬
‫وتكون بشكل لوحة محمرة مؤلمة جدًا‪ ،‬وحارقة على اليدي مع ارتفاع‬
‫الحرارة والقشعريرة‪ ،‬والتهاب العقد والوعية اللمفاوية)‪.(23‬‬
‫‪ -12‬بكتيريا يرسينيا )‪:( Yersinia enterocolitis‬‬
‫يصيب النسان نوعان من بكتيريا يرسينيا هما‪ ( Yersinia enterocolitis) :‬التي‬
‫تسبب في الطفال السهالت المصحوبة بالدم والمخاط‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فهو ) ‪ (Yersinia poeudotuberculosis‬الذي يسبب أحيانا ً‬
‫تسمم الدم والتهاب المفاصل‪ ،‬كما يسبب أيضا ً ألما ً معويا ً يشبه إلى حد كبير‬
‫التهاب الزائدة الدودية‪ ،‬المر الذي قد يلتبس على الطباء فيخطئون‬
‫التشخيص‪.‬‬
‫ويعتبر الخنزير أكثر الحيوانات نقل ً لنوعي يرسينيا للنسان‪ ،‬حيث يصاب‬
‫المتعاملون بلحوم الخنازير وآكلوها بنوعي بكتيريا يرسينيا)‪.(24‬‬
‫رابعًا‪ :‬الوليات‪ /‬وحيدة الخلية )‪:(Protozoa‬‬
‫ينقل الخنزير للنسان مجموعة من الكائنات الولية‪ ،‬بعضها يحدث اضطرابات‬
‫خفيفة له‪ ،‬والبعض الخر يسبب أمراضا ً خطيرة ومميتة‪.‬‬
‫ومن أبرز المراض التي تسببها هذه الوليات‪ ،‬ودور الخنزير في نقلها إلى‬
‫النسان‪:‬‬
‫‪-13‬الزحار البلنتيدي‪ /‬الزقي )‪:(Balantidial Dysentery‬‬
‫الطفيلي المسبب لهذا المرض هو نوع من الوليات الهدبية )لها أهداب(‪،‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعرف بـ )‪ ,(Balantidium coli‬وهو أكبر الوليات التي تصيب النسان‪ ،‬وهو‬


‫النوع الوحيد من الوليات الهدبية التي تصيب النسان‪ ،‬كما أّنه من طفيليات‬
‫ن‬
‫المعاء الغليظة )القولون( في الخنازير والقردة وبخاصة الشمبانزي‪ ,‬ول ّ‬
‫فرص اتصال النسان بالقردة ضئيلة‪ ،‬فتبقى الخنازير من الناحية العملية‬
‫المصدر الوحيد لعدوى النسان‪ .‬ويوجد هذا الميكروب في براز الخنزير‬
‫وينتقل إلى طعام النسان بطرق عديدة‪ ،‬ليستقر في المعاء الغليظة‪،‬‬
‫فيحدث إسهال ً مصحوبا ً بالمخاط والدم‪ ،‬قد يؤدي للوفاة‪ .‬وعادة ل ينتشر‬
‫الزحار البلنتيدي إل بين مريي الخنازير أو المتعاملين معها )ذبحها ونقلها‬
‫وتجارتها(‪ ،‬فتتلوث أيديهم بحوصلت الطفيلي المعدية)‪.(25‬‬
‫‪-14‬داء النوم الفريقي )‪:(African Sleeping Sickness‬‬
‫الطفيلي المسبب لهذا الداء الفتاك هو )‪ ,(Trypanosoma gambiense‬تنقل هذا‬
‫الطفيلي ذبابة التسي‪-‬تسي بطريق الحقن‪ ،‬وذلك عندما تلدغ النسان‪.‬‬
‫يسبب الطفيلي اضطرابا ً دماغيًا‪ ،‬ل يلبث أن يتطور إلى مرض النوم‪ ,‬وفي‬
‫حال إهمال معالجة المريض فإّنه يدخل في غيبوبة ويموت‪ ,‬وللخنزير دور كبير‬
‫في نقل هذا المرض)‪.(26‬‬
‫‪ -15‬مرض شاغاس )‪:(Chagas’ Sickness‬‬
‫هذا المرض أشد خطورة من النوع الفريقي‪ ،‬والطفيلي المسبب له )‬
‫‪ (Trypanosoma cruzi‬أشد فتكًا‪ .‬ينتشر هذا المرض في أمريكا الجنوبية‬
‫والوسطى‪ ،‬وأعراضه مشابهة لعراض داء النوم الفريقي‪ ،‬لكنه أكثر شراسة‬
‫منه)‪.(27‬‬
‫خامسًا‪ :‬الديدان المفلطحة )‪:(Trematoda‬‬
‫ينقل الخنزير للنسان عددا ً من الديدان المفلطحة‪ ،‬غالبيتها يسبب له‬
‫اضطرابات خطيرة‪.‬‬
‫وأهم الديدان التي ينقلها الخنزير إلى النسان هي‪:‬‬
‫‪ -16‬البلهارسيا اليابانية )‪:(Schistosoma japonicum‬‬
‫تصيب البلهارسيا أكثر من ‪ 200‬مليون نسمة‪ ,‬ويموت بسببها قرابة المليون‬
‫شخص سنويًا‪.‬‬
‫تعيش هذه الدودة في الوعية الدموية المعوية‪ ،‬حيث تضع بيوضا ً تخترق هذه‬
‫الوعية الدموية‪ ،‬لتخرج إلى البيئة الخارجية‪ ,‬وتعيش هذه الديدان في جسم‬
‫النسان مدة تصل إلى ‪ 30‬سنة‪ ،‬وتحدث دمارا ً شديدا ً يؤدي أحيانا ً إلى‬
‫الموت‪ .‬ويصاب الخنزير بديدان البلهارسيا اليابانية والتي تنزل بويضاتها مع‬
‫برازه‪ ،‬ومنه تنتقل للنسان في كثير من بلدان العالم)‪.(28‬‬
‫‪ -17‬الدودة المتوارقة البسكية )‪:(Fasciolopsis buski‬‬
‫وهي من الديدان المعوية‪-‬الكبدية‪ ،‬والخنزير هو العائل الرئيس لنشر العدوى‪,‬‬
‫وتعيش الديدان البالغة في المعاء محدثة التهابات موضعية ونزيفا ً وتقرحات‬
‫في جذر المعي الدقيق‪ ،‬وتتسبب في حدوث إسهال مزمن وفقر دم وقد‬
‫تحدث استسقاء البطن مؤدية إلى الوفاة)‪.(29‬‬
‫‪ -18‬الدودة الكبدية الصينية )‪:(Chlonorchis sinensis‬‬
‫تنتشر الدودة الكبدية الصينية في بلدان الشرق القصى كاليابان والصين‪،‬‬
‫والخنزير العائل الرئيسي لها‪ ,‬تعيش هذه الديدان في القنوات الصفراوية‬
‫الكبدية‪ ،‬حيث تتكاثر بأعداد كبيرة‪ ,‬وإذا ما كثرت أعدادها عند المصاب‪،‬‬
‫أحدثت تضخما ً في الكبد وإسهال ً مزمنا ً ويرقانا ً شديدا ً ينتهي بالوفاة)‪.(30‬‬
‫سادسًا‪ :‬الديدان الشريطية )‪:(Cestoda‬‬
‫ينقل الخنزير للنسان أنواعا ً متعددة من الديدان الشريطية‪ ،‬بعضها بالغ‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخطورة على حياته‪ ،‬والبعض الخر يسبب له اضطرابات تتراوح ما بين‬


‫الخفيفة والشديدة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وأهم الديدان الشريطية التي ينقلها الخنزير إلى النسان هي‪:‬‬


‫‪ -19‬الدودة الشريطية المسلحة‪/‬تينيا سوليوم )‪:(Taenia solium‬‬
‫والمشهورة أيضا ً بالدودة الوحيدة‪ .‬يعيش طورها البالغ في أمعاء النسان‪،‬‬
‫ويبلغ طولها من ‪ 3-2‬أمتار‪ ،‬لها رأس أصغر من الدبوس مزود بأربع ممصات‬
‫ويطوق قمته طوق من الشواك‪ ،‬يلي الرأس عنق قصير ينمو منه باستمرار‬
‫قطع أو أسلت صغيرة تنمو كلما بعدت عن الرأس مكونة شريطا ً يحتوي أكثر‬
‫من ‪ 1000‬قطعة ‪ ,‬وتنفصل السلت الناضجة الممتلئة بآلف البيوض‪ ،‬لتخرج‬
‫مع براز المصاب‪ ،‬حيث تعيش في التربة الرطبة زمنا ً طويل ً إلى أن يأتي‬
‫خنزير فيلتهمها وما فيها من بيوض‪ .‬وتعمل عصارات أمعاء الخنزير الهاضمة‬
‫على حل هذه البيوض لتنطلق منها الجنة‪ ،‬فتخترق جدار المعاء‪ ،‬لتسبح مع‬
‫الدورة الدموية إلى كل أنحاء الجسم‪ .‬وتستقر الجنة في عضلت الخنزير‬
‫مكونة حويصلت بطول ‪ 18-6‬ملم‪ ،‬في كل منها يرقانة لها رأس صالح لكي‬
‫يكون دودة جديدة‪ .‬فإذا ما تناول النسان من اللحم المصاب دون أن ينضجه‬
‫تماما ً لقتل ما فيه من اليرقات‪ ،‬فإنها تنطلق من الحويصلت في أمعائه‬
‫لتخترق جدارها‪ ،‬وتدخل إلى دورته الدموية‪ ،‬لتستقر بعد ذلك في العضلت أو‬
‫الرئتين أو الكبد أو القلب أو العيون أو الدماغ‪.‬‬
‫ن نمو هذه الحويصلت في المخ يؤدي إلى الصابة بحالت من الصرع‪ ،‬وإلى‬ ‫إ ّ‬
‫شلل عضوي جزئي‪ ،‬مع دوار واضطرابات عصبية حسية‪ .‬كما ينطلق منها إلى‬
‫الدم ذيفانات سامة‪ ،‬قد تؤدي إلى الموت‪ ,‬ول يعرف لهذا المرض علج ناجع‬
‫حتى يومنا هذا‪ ,‬ويعتبر الخنزير المصدر الوحيد لعدوى البشر )‪.(31‬‬
‫‪ -20‬الدودة الشريطية العوساء العريضة )‪:(D. latum‬‬
‫يصاب النسان بالطور البالغ لهذه الدودة‪ ،‬التي تعتبر واحدة من الديدان‬
‫ً‬
‫المعوية‪ ,‬ويبلغ طول الدودة البالغة ‪ 10‬أمتار‪ ،‬وتستطيع أن تضع عددا هائلمن‬
‫البيوض‪ ،‬يصل إلى مليون بويضة كل يوم)‪.(32‬‬
‫‪-21‬الدودة شوكية الرأس )‪:(Macracanthorynchus hirudinaceus‬‬
‫هذا النوع من الديدان شائع في الخنزير‪ ،‬ولكنه أيضا يصيب النسان‪ ،‬فقد‬
‫اكتشف بين فلحي وادي الفولجا في جنوبي روسيا)‪.(33‬‬
‫سابعًا‪ :‬الديدان الخيطية أو السطوانية )‪:(Nematoda‬‬
‫الديدان الخيطية أو السطوانية التي ينقلها الخنزير للنسان متعددة النواع‪،‬‬
‫ومتفاوتة الخطورة‪ ،‬لكنها جميعا ً ل تخلو من إشكالت صحية تسببها للعائل‪.‬‬
‫أما أهم هذه الديدان التي يرتبط نقلها إلى النسان بأكل لحوم الخنازير أو‬
‫التعايش معها فهي على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ - 22‬الدودة الشعرية الحلزونية‪ /‬ترايكنيل ّ )‪:(Trichinella spiralis‬‬
‫تعيش الديدان البالغة في أمعاء النسان والخنزير‪ ،‬وهي ديدان قصيرة يتراوح‬
‫طولها بين ‪ 4-2‬ملم‪ .‬تتغلغل الناث المثقلة بالبيوض بين الزغابات المعوية‬
‫لتضع اليرقات هناك ‪ ،‬فهي ل تضع بيضًا‪ .‬تخترق اليرقانات جدر المعاء إلى‬
‫الدم وتطوف معه لتستقر في عضلت العائل‪ ,‬حيث تنمو إلى ‪ 1‬ملم‪ ،‬ثم‬
‫تلتف على نفسها وتتحوصل‪ .‬تظل اليرقات المكيسة داخل العضلت حية‬
‫لمدة تصل إلى ‪ 25‬سنة في النسان‪ ،‬و ‪ 11‬سنة في الخنزير‪ .‬وعندما يأكل‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الحويصلت تنحل في أمعائه‪ ،‬لتنطلق منها‬ ‫إنسان لحم الخنزير المصاب‪ ،‬فإ ّ‬
‫أجنة سرعان ما تتطور في أمعائه إلى الديدان البالغة‪.‬‬
‫والدودة الشعرية البالغة ليست مصدر الخطر الحقيقي على صحة النسان‪،‬‬
‫بل اليرقات هي الخطر الداهم‪ .‬فبعد التزاوج تموت الذكور‪ ،‬وتبقى الناث‬
‫الملقحة في جدران المعاء لتضع يرقاناتها بعد أسبوع واحد‪ .‬ول تلبث هذه‬
‫اليرقانات وقتا ً طويل ً قبل أن تخترق جدر المعاء‪ ،‬لتسير مع الدم إلى جميع‬
‫أجزاء بدن النسان‪ ،‬حيث تستقر في عضلت الحجاب الحاجز والحنجرة‬
‫واللسان والعين والقلب‪ ،‬محدثة الجنون أو الشلل أو العمى أو الختناق أو‬
‫الذبحة القلبية)‪. (34‬‬
‫‪ -22‬ثعبان البطن الخنزيري )‪:(Ascaris suum‬‬
‫تعيش الديدان البالغة في أمعاء الخنزير‪ ،‬حيث تضع بيوضها‪ ،‬التي تخرج مع‬
‫البراز إلى البيئة الخارجية‪ .‬وإذا ما دخلت هذه البيوض جسم شخص ما‬
‫)بطريق مخالطة الخنازير(‪ ،‬فإنها تفقس وتخرج منها يرقات تخترق جدار‬
‫م تسير محمولة مع الدم حتى تصل الرئتين‪ ،‬فتثقب الوعية الدموية‬ ‫المعاء‪ ،‬ث ّ‬
‫وتموت داخل الرئتين‪ ،‬مسببة اللتهاب الرئوي السكاريسي الذي يعتبر من‬
‫المراض القاتلة)‪.(35‬‬
‫ثامنًا‪ /‬أمراض جسمانية غير طفيلية ‪:‬‬
‫يحتوي لحم الخنزير على أنواع عديدة من المركبات الكيميائية الضارة‪ ،‬التي‬
‫ل تتناسب ول تنسجم مع مركبات جسم النسان‪ ،‬وبالتالي فهي تسبب له‬
‫أمراضا ً وعلل ً متنوعة‪ ،‬تزداد وطأتها كلما تزايد استهلك الشخص للحوم‬
‫ومنتجات الخنزير‪.‬‬
‫وسنعرض إلى بعض هذه المراض‪:‬‬
‫‪ -1‬السرطانات ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫يحتوي جسم الخنزير على كميات كبيرة من هرمون النمو )‪Growth‬‬


‫‪ (Hormone‬والهرمونات المنمية للغدد التناسلية )‪ , (Gonadotrophins‬لذا تزداد‬
‫الصابة بالسرطان لدى آكلي لحم الخنزير‪ .‬فقد بينت الدراسات وجود علقة‬
‫قوية بين استهلك لحم الخنزير وسرطان المعاء الغليظة والمستقيم‪،‬‬
‫وسرطان البروستاتا‪ ،‬وسرطان الثدي‪ ،‬وسرطان البنكرياس‪ ،‬وسرطان عنق‬
‫الرحم وبطانة الرحم‪ ،‬وسرطان المرارة‪ ،‬وسرطان الكبد)‪.(36‬‬
‫‪ - 2‬السمنة وأمراض الشرايين والقلب‪:‬‬
‫يوجد الدهن متداخل ً مع خليا لحم الخنزير بكميات كبيرة‪ ،‬خلفا ً للحوم البقر‬
‫والغنم والدجاج‪ ،‬والتي يكون فيها الدهن على شكل نسيج دهني شبه مفصول‬
‫عن النسيج العضلي‪ .‬وبالضافة إلى ذلك فإن دهون الخنزير ترتبط بالمواد‬
‫المخاطية النشوية‪ ،‬مما يجعل إزالتها من الجسم أمرا ً عسير‪ ,‬ذلك لن‬
‫الدهون الغليسيريدية الثلثية للحيوانات آكلة العشب‪ ،‬تحتوي على حمض‬
‫دهني غير مشبع على ذرة الجلسرول الثانية‪ ،‬وإنزيمات النسان الدهنية قادرة‬
‫على هضمها بسهولة‪ .‬أما الدهون الغليسيريدية الثلثية في الخنزير وفي آكلة‬
‫اللحوم‪ ،‬فتحتوي على حمض دهني مشبع على ذرة الجلسرول الثانية‪ ،‬فل‬
‫تقدر إنزيمات النسان الدهنية على هضمها‪ ،‬ويسبب دهن الخنزير مجموعة‬
‫من المراض نحو تصلب الشرايين‪ ،‬الذبحة الصدرية‪ ،‬جلطات القلب‪ ،‬ضغط‬
‫الدم‪ ،‬سكري البول‪ ،‬وحصوات المرارة‪ ،‬وما يتبع ذلك من تعقيدات مرضية‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطيرة‪ ,‬وبذلك تترسب في جسم آكليها من البشر‪ ،‬محدثة أضرارا ً بليغة)‬


‫‪.(37‬‬
‫‪ -3‬التهاب المفاصل‪:‬‬
‫ن جسمه ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ذلك‬ ‫البوليك‪،‬‬ ‫حامض‬ ‫من‬ ‫كبيرة‬ ‫كميات‬ ‫على‬ ‫يحتوي لحم الخنزير‬
‫يتخلص إل من قدر يسير من حامض البوليك‪ ،‬ل يتعدى ‪ ،%3‬بينما يتخلص‬
‫النسان من ‪ %90‬من نفس الحامض‪ ,‬ونظرا لهذه النسبة العالية من حامض‬
‫البوليك؛ فإن آكلي لحم الخنزير يشكون عادة من آلم روماتيزمية‪ ،‬والتهابات‬
‫المفاصل‪ ،‬ومشاكل في الكلى)‪.(38‬‬
‫‪-4‬المراض التحسسية ‪:‬‬
‫يحتوي لحم الخنزير على كميات عالية من مركبات الهستامين والميدازول )‬
‫‪ ،(histamine and imidazole‬تحدث عند آكليها أمراضا ً تحسسية جلدية‪ ،‬مثل‬
‫الكزيما والشرى والتهاب الجلد العصبي والحكة وغيرها‪ .‬وإذا امتنع آكلوا لحم‬
‫الخنزير عن أكله بشكل مطلق‪ ،‬فإن هذه المراض التحسسية تتلشى‪.‬‬
‫‪-5‬أمراض أوتار العضلت والغضاريف‪:‬‬
‫يحتوي لحم الخنزير على مواد مخاطية نشوية فيها مادة الكبريت‪ ،‬التي‬
‫تترسب في أوتار العضلت والنسيج الغضروفي‪ ،‬مسببة رخاوة تلك النسجة‬
‫ومحدثة تغيرات باثولجية في المفاصل والعمود الفقري)‪.(39‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫وبعد هذا كله فإننا نقف أمام معجزة من معجزات التشريع السلمي‪ .‬فتبارك‬
‫الذي أحل لنا الطيبات‪ ,‬وحرم علينا الخبائث‪ ,‬وها هو العلم الحديث يكشف لنا‬
‫كل هذه المراض التي يسببها وينقلها الخنزير إلى النسان‪ ,‬وكل هذا يثبت‬
‫التطابق بين ديننا وبين الحقائق العلمية الحديثة‪ ,‬وأن هذا الدين نزل بعلم الله‬
‫تعالى ‪ .‬إعداد‪ /‬عادل الصعدي‪.‬‬
‫مراجعة‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫)‪ - (1‬الدكتور عبد الحافظ حلمي محمد عن مقالة " العلوم البيولوجية في‬
‫خدمة تفسير القرآن" مجلة عالم الفكر ـ المجلد ‪,12‬العدد ) ‪ (4‬الكويت يناير‬
‫‪.1982‬‬
‫)‪- (2‬صحيح مسلم )‪ (3/1207‬رقم‪(1581) :‬‬
‫)‪ - (3‬صحيح مسلم )‪ (4/1770‬رقم‪. (2260) :‬‬
‫)‪ -(4‬النردشير هو‪ :‬الزهر‪ ,‬وهي كلمة فارسية‪.‬‬
‫)‪ - (5‬شرح صحيح مسلم للمام النووي )‪(13/96‬‬
‫)‪ - (6‬بداية المجتهد )‪. (1/653‬‬
‫)‪ - (7‬الخنزير بين ميزان الشرع ومنظار العلم‪ ,‬للدكتور أحمد جواد‪.‬‬
‫)‪ - (8‬المراض غير المعدية والخنزير‪ ,‬للدكتورين سفيان العسولي و محمد‬
‫علي البار‪.‬‬
‫)‪ - (9‬نظرات طبية في محرمات إسلمية‪ ,‬للدكتور أحمد حسن ضميري )ج‬
‫‪ (1‬دمشق ‪.1995‬‬
‫)‪ - (10‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪.‬‬
‫)‪ - (11‬الخنزير بين ميزان الشرع ومنظار العلم‪ ,‬للدكتور أحمد جواد‪,‬‬
‫دارالسلم ‪1987‬‬
‫)‪ - (12‬نقل ً عن مقالة العلوم البيولوجية في خدمة تفسير القرآن ‪ ,‬للدكتور‬
‫عبد الحافظ حلمي محمد ‪ ,‬مجلة عالم الفكر‪ ,‬المجلد ‪12‬ع ـ ‪ 4‬الكويت يناير‬
‫‪.1982‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (13‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬


‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪Biology. Neil A. Campbell, Jane B. Reece, and Lawrence :‬‬
‫‪.G. Mitchell. Addisons-Wisely Publishing. Fifth edition, 1999, pp. 329‬‬
‫)‪ - (14‬المرجع السابق ‪ ,‬نقل ً عن‪Nichol S.T., Arikawa J., and Kawaoka Y. :‬‬
‫‪(2000). Emerging Viral Diseases. Natl. Acad. Sci. USA, 97 (23): 12411-‬‬
‫‪.12412‬‬
‫)‪ - (15‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ - (16‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫‪http://www.fao.org/ag/ar/magazine/0206sp1.htm‬‬
‫)‪ - (17‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫‪http://www.islamset.com/hip/pork/index.html‬‬
‫)‪ - (18‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫‪http://www.islamset.com/hip/pork/index.html‬‬
‫)‪ - (19‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫‪http://www.thepigsite.com/DiseaseInfo/Default.asp?Display=35‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫)‪ - (20‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪http://www.alsehha.net/fiqh/0090.htm :‬‬


‫)‪ - (21‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫‪http://www.islamset.com/hip/pork/index.html‬‬
‫)‪ - (22‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪http://www.science4islam.com/html/3-1- :‬‬
‫‪04a.html‬‬
‫)‪ - (23‬الطب الوقائي في السلم‪ ,‬للدكاترة أحمد بربور وزملؤه‪.‬‬
‫)‪ - (24‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪http://vm.cfsan.fda.gov/~mow/chap5.htm l :‬‬
‫)‪ - (25‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪www.geocities.com/TIBNABAWI/new_page_12.htm :‬‬
‫)‪ - (26‬المرجع السابق‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫‪http://www.arabinow.com/sn/health/conditions/inf_brain.htm‬‬
‫و الطب الوقائي في السلم‪ ,‬للدكاترة أحمد بربور وزملؤه‪.‬‬
‫)‪ - (27‬نفس المراجع السابقة‪.‬‬
‫)‪ - (28‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪http://www.biosci.ohio- :‬‬
‫‪state.edu/~parasite/schistosoma.html‬‬
‫)‪ - (29‬نقل ً عن مقالة العلوم البيولوجية في خدمة تفسير القرآن ‪ ,‬للدكتور‬
‫عبد الحافظ حلمي محمد ‪ ,‬مجلة عالم الفكر‪ ,‬المجلد ‪12‬ع ـ ‪ 4‬الكويت يناير‬
‫‪.1982‬‬
‫)‪ - (30‬المرجع السابق‪ ,‬والعجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪,‬‬
‫للدكتور فهمي مصطفى محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫‪http://www.science4islam.com/html/3-1-04a.html‬‬
‫)‪ - (31‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪http://www.niaid.nih.gov/ictdr/projects/gilman.htm :‬‬
‫مقالة العلوم البيولوجية في خدمة تفسير القرآن ‪ ,‬للدكتور عبد الحافظ‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حلمي محمد ‪ ,‬مجلة عالم الفكر‪ ,‬المجلد ‪12‬ع ـ ‪ 4‬الكويت يناير ‪.1982‬‬
‫)‪ - (32‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪http://www.biosci.ohio- :‬‬
‫‪state.edu/~parasite/diphyllobothrium.html‬‬
‫)‪ - (33‬المرجع السابق‪ ,‬وتحريم القرآن لكل لحم الخنزير‪ ,‬للدكتور محمد‬
‫نزار الدقر ‪.‬‬
‫)‪ - (34‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪Encyclopedia Britannica (1990). 15th edition, Vol 11, :‬‬
‫‪.page 920‬‬
‫وتحريم القرآن لكل لحم الخنزير‪ ,‬للدكتور محمد نزار الدقر‪ ,‬نقل ً عن‪:‬‬
‫نظرات طبية في محرمات إسلمية‪ ,‬للدكتور أحمد حسن ضميري )ج ‪(1‬‬
‫دمشق ‪.1995‬‬
‫)‪ - (35‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪ ,‬نقل ً عن‪http://www.biosci.ohio- :‬‬
‫‪state.edu/~parasite/enterobius.html‬‬
‫)‪ - (36‬المرجع السابق‪ ,‬و المراض غير المعدية والخنزير للدكتورين سفيان‬
‫العسولي و محمد علي البار‪.‬‬
‫)‪ - (37‬العجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير ‪ ,‬للدكتور فهمي مصطفى‬
‫محمود ‪.‬‬
‫)‪ - (38‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ - (39‬المرجع السابق‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫العجاز التشريعي للقرآن تحريم الدم (‬


‫َ‬ ‫ً‬
‫حّرما عَلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال ‪ -‬تعالى ‪ -‬في محكم كتابه‪} :‬قُ ْ‬
‫م َ‬‫ي ُ‬‫ي إل ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أو ِ‬ ‫جد ُ ِفي َ‬‫للأ ِ‬
‫خن ِزير فَإنه رجس أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كون ميت ً َ‬ ‫َ‬
‫م ِ ْ ِ ٍ ِّ ُ ِ ْ ٌ ْ‬ ‫ح َ‬‫فوحا أوْ ل ْ‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫ة أوْ َدما َ‬ ‫ن يَ ُ َ َ ْ َ‬ ‫ه ِإل أ ْ‬ ‫عم ٍ ي َط ْعَ ُ‬
‫م ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫َ‬
‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ َول َ‬ ‫ُ‬
‫م{‬‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك غَ ُ‬ ‫عاد ٍ فَإ ِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِهِ فَ َ‬
‫سقا ً أهِ ّ‬ ‫فِ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫ف القرآن نبينا ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬فقال‪} :‬وَي ُ ِ‬ ‫ص َ‬
‫)النعام‪ (145 :‬ووَ َ‬
‫ث{)العراف‪.(157 :‬‬ ‫خَبائ ِ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْهِ ُ‬‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫لقد أثبت العلم بما ل يدع مجال ً للشك أن الدماء التي أودعها الله لحوم‬
‫الحيوانات تحمل من الجراثيم والمضار الكثير الكثير‪ ،‬ومن هنا ندرك الحكمة‬
‫والمقصد الشرعي من التذكية التي أمر بها الشارع قبل تناول لحوم‬
‫الحيوانات‪ ،‬وذلك أن في هذه التذكية إخراجا ً لتلك الدماء الخبيثة الضارة‪.‬‬
‫والسر في تحريم الدم المسفوح ما أثبته العلم اليوم من أن الدم يعتبر مرتعا ً‬
‫صالحا ً لتكاثر الجراثيم ونموها‪ ،‬ثم هو فوق ذلك ل يحتوي على أي مادة‬
‫ب جزء منه في معدة‬ ‫ص ّ‬ ‫دا‪ ،‬حتى إنه إذا ُ‬ ‫غذائية‪ ،‬بل إنه عسر الهضم ج ً‬
‫النسان تقيأه مباشرة‪ ،‬أو خرج مع البراز دون هضم على صورة مادة سوداء‪.‬‬
‫وقد أكدت جميع البحاث العلمية في هذا المجال‪ ،‬أن الضرار الناجمة عن‬
‫شرب الدم أو طبخه كبيرة للغاية بسبب ما يحويه الدم من الجراثيم‪ ،‬فضل ً‬
‫دا من الناحية‬ ‫عن أن الدم ‪ -‬على عكس ما ُيتصور ‪ -‬هو عنصر فقير ج ً‬
‫ً‬
‫الغذائية‪ ،‬وأن القدر البروتيني الذي يحويه الدم يأتي مختلطا بعناصر شديدة‬
‫مية‪ ،‬وغاية في الضرر‪ ،‬المر الذي يجعل القدام على تناوله مجازفة‬ ‫س ّ‬‫ال ّ‬
‫كبرى‪ ،‬وإلقاء للنفس في التهلكة‪ ،‬بل هو فوق ذلك‪ ،‬يحتوي على عناصر سامة‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يأتي في مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون‪ ،‬وهو غاز قاتل خانق‪ ،‬وهذا ما‬
‫ضا‪ ،‬وذلك أن "المختنقة" إنما تموت عن‬ ‫يفسر تحريم المختنق من الحيوان أي ً‬
‫فاقها‪.‬‬ ‫طريقة تراكم هذا الغاز في دمائها ما يؤدي إلى ن َ َ‬
‫ول يخفى عليك أخي الكريم ‪ -‬والمر على ما ذكرنا ‪ -‬أن تكرار شرب الدماء‬
‫لمن اعتاد عليها‪ ،‬وهي مشبعة بهذا الغاز القاتل‪ ،‬مؤد ّ إلى أضرار صحية بالغة‬
‫الخطورة قد تودي بحياة النسان‪.‬‬
‫ف ‪ -‬فيما‬‫وما أتينا عليه من العواقب الوخيمة المترتبة على تعاطي الدماء كا ٍ‬
‫نحسب ‪ -‬لتحريمها وتشريع القوانين المانعة لتعاطيها‪.‬‬
‫بقي أن نقول لك‪ :‬إن السلم قد عفى عن قليل الدماء لعدم إمكانية التحرز‬
‫منه‪ ،‬وعدم تحقق الضرر فيه‪ ،‬ولذلك جاء النص القرآني بتحريم الدم‬
‫فوحًا{)النعام‪ (145 :‬وهذا يدل على أن‬ ‫َ‬
‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫الموصوف بالمسفوح‪} :‬أوْ َدما ً َ‬
‫قا في اللحم غير داخل في التحريم‪ ،‬يقول الطبري في‬ ‫الدم الذي يبقى عال ً‬
‫ذلك‪" :‬وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلمه عباده تحريمه إياه‬
‫حا فهو‬ ‫المسفوح منه دون غيره الدليل الواضح على أنه إن لم يكن مسفو ً‬
‫حلل غير نجس"‪.‬‬
‫فسبحان الذي عّلم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ما لم يعلم‪ ،‬وامتن عليه‬
‫ظيمًا{النساء‪:‬‬ ‫ك عَ ِ‬‫ل الل ّهِ عَل َي ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫كا َ‬‫م وَ َ‬‫ن ت َعْل َ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك َ‬‫م َ‬ ‫بذلك بقوله‪} :‬وَعَل ّ َ‬
‫‪.(113‬‬
‫وسبحان الذي أكرم العالم بهذا الدين القويم‪ ،‬والصراط المستقيم‪ ،‬والمنهج‬
‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫ب‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫م ّ‬‫م ك َِثيرا ً ِ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫المبين‪} :‬قَد ْ َ‬
‫ن{)المائدة‪.(15 :‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن اللهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ‬‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ن ك َِثيرٍ قَد ْ َ‬‫فو عَ ْ‬
‫وَي َعْ ُ‬
‫وصدق من قال‪ :‬الدماء مرتع الوباء‪ .‬والحمد لله أول ً وآخًرا‪.‬‬
‫‪26/07/2003‬‬
‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫العجاز في التذكية )الذبح(‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫تعد قضية ذبح الحيوان التي شرعها السلم قبل الفادة من لحم الحيوان –‬
‫الذي أحله الله ‪ -‬من جملة القضايا الساخنة التي يثيرها أعداء السلم بحقد‬
‫للتشكيك في شرائعه وأحكامه؛ جهل ً منهم بطبيعة الوامر الربانية التي ل‬
‫يأتيها الباطل ول يعتريها النقص والخلل‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما دارت معارك كلمية وحوارات مفتعلة مع القليات المسلمة‪ ،‬في‬
‫كل من بريطانيا‪ ،‬وأمريكا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬وغيرها حول هذه القضية‪ .‬وتعد جمعية‬
‫الرفق بالحيوان في هذه البلدان وغيرها من أبرز الجمعيات التي تثير هذه‬
‫القضية‪ ،‬وتستنكرها‪ ،‬وتظهر مناظر الغنام بعد قيام المسلمين بذبحها وهي‬
‫ترفس بأطرافها وتتلوى من اللم؛ متهمة القائمين بذلك بالوحشية والهمجية‪،‬‬
‫وهذا – بالضافة إلى كونه من مظاهر الحقد والتشويه – يعد جهل ً مركبا ً بما‬
‫توصل إليه العلم الحديث في هذا المجال من الحقائق الدامغة‪.‬‬
‫ول يضر دين الله الحق المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫كل هذه الفتراءات‪ ،‬فهو أسمى من أن تنال من حكمته السامية هذه‬
‫الفتراءات الحاقدة وغيرها‪ ،‬فضل ً من أن تضع أحكام السلم وشرائعه‬
‫الربانية موضع الشك والتهام‪ ،‬خاصة وأن التقدم العلمي يقدم الدلة الواضحة‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على صحة تلك الشرائع الربانية‪ ،‬وحكمتها السامية‪ ،‬ومن ذلك ما نسمعه من‬
‫كلم أهل الختصاص في قضية ذبح الحيوان المقررة شرعًا‪(1).‬‬
‫ويتكون هذا الموضوع من أربعة مباحث كلها ذات صلة وثيقة بهذا الموضوع‬
‫وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬الدم من الناحية الشرعية والعلمية ووجه العجاز فيه‪.‬‬
‫‪ .2‬الميتة من الناحية الشرعية والعلمية ووجه العجاز فيه‪.‬‬
‫‪ .3‬التسمية عند الذبح من الناحية الشرعية والعلمية ووجه العجاز فيه‪.‬‬
‫‪ .4‬قطع النخاع من الناحية الشرعية والعلمية ووجه العجاز فيه‪.‬‬
‫أول‪:‬حكم أكل الدم في السلم‪:‬‬
‫لما كان الدم هو المادة المرئية الخارجة من الحيوان عند التذكية فإنه يحسن‬
‫أن نتناوله بشيء من التأصيل الشرعي والعلمي‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ما أ ُوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫ه إ ِل أن‬ ‫م ُ‬‫حّرما عَلى طاعم ي َطعَ ُ‬ ‫م َ‬
‫ي ُ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬‫ح َ‬ ‫جد ُ ِفي َ‬ ‫قال الله تعالى‪ُ?:‬قل ل ّ أ ِ‬
‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سقا ً أ ُهِ ّ‬ ‫َ‬
‫س أوْ فِ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ه رِ ْ‬‫زيرٍ فَإ ِن ّ ُ‬ ‫خن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫فوحا ً أوْ ل َ ْ‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬
‫كون ميت ً َ‬
‫ة أوْ َدما ً ّ‬ ‫يَ ُ َ َ ْ َ‬
‫م? ‪].‬النعام‪ ,[145:‬يتضح‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ك غَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫عادٍ فَإ ِ ّ‬ ‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ وَل َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫ب ِهِ فَ َ‬
‫ح‬
‫ف ُ‬ ‫س ْ‬ ‫من الية أن الدم المسفوح حرام والمسفوح هو الكثير المصبوب وال ّ‬
‫صب)‪.(2‬‬ ‫للدم كال ّ‬
‫قال الشوكاني‪ :‬اتفق العلماء على إن الدم حرام نجس ل يؤكل ول ينتفع به‪.‬‬
‫قال ابن خويز منداد‪" :‬وأما الدم فمحرم ما لم تعم به البلوى ومعفو عما تعم‬
‫به البلوى والذي تعم به البلوى هو الدم في اللحم وعروقه‪ ،‬ويسيره في‬
‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬‫البدن والثوب يصلى فيه وإنما قلنا ذلك لن الله تعالى قال‪ُ ?:‬‬
‫م? ‪ ].‬المائدة‪ "[3:‬وقال في موضع آخر‪?:‬قل ل أجد في ما أوحي‬ ‫ة َوال ْد ّ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مي ْت َ ُ‬
‫إلي محرما على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة أو دما مسفوحًا? ‪ ].‬النعام‪:‬‬
‫‪" [145‬فحرم المسفوح من الدم وقد روت عائشة رضي الله عنها قالت‪»:‬كنا‬
‫نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من‬
‫الدم فنأكل ول ننكره «)‪ (3‬لن التحفظ من هذا إصر وفيه مشقة والصر‬
‫والمشقة في الدين موضوع وهذا أصل في الشرع أنه كلما حرجت المة في‬
‫أداء العبادة فيه وثقل عليها سقط التكليف عنها فيه أو خفف عنها أل ترى أن‬
‫مم في نحو ذلك ‪.‬وذكر الله‬ ‫المضطر يأكل الميتة وأن المريض يفطر ويتي ّ‬
‫سبحانه وتعالى الدم ها هنا مطلقا ً وقيده في النعام بقوله‪?:‬مسفوحا?‪،‬‬
‫ً‬
‫وحمل العلماء ها هنا المطلق على المقيد إجماعا ً فالدم هنا يراد به المسفوح‬
‫لن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع وكذلك الكبد والطحال مجمع عليه‬
‫وفي دم الحوت المزايل له اختلف وروي عن القابسي أنه طاهر ويلزم من‬
‫طهارته أنه غير محرم وهو اختيار ابن العربي قال‪ :‬لنه لو كان دم السمك‬
‫نجسا ً لشرعت ذكاته‪ .‬وهو مذهب أبي حنيفة في دم الحوت والدليل على إنه‬
‫ود وهذه النكتة لهم في‬ ‫ض بخلف سائر الدماء فإّنه َيس َ‬ ‫طاهر أنه إذا يبس ابي َ ّ‬
‫الحتجاج على الشافعية"‪ (4).‬ويقول الدكتور محمد راتب النابلسي)‪(5‬‬
‫‪:‬الشيء الذي ل يصدق أن السمكة إذا اصطيدت انتقل دمها كله إلى‬
‫غلصمها‪ ،‬وكأنها ذبحت‪ ،‬لذلك سمح الله أن نأكل ميتة السمك‪.‬‬
‫التفسير العلمي لتحريم الدم‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الدم هو هذا السائل الحمر القاني الذي يتكون من أخلط عديدة منها الخليا‬
‫الحمراء الممتلئة بمادة الهيموجلوبين التي تقوم بنقل الكسجين إلى مختلف‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خليا الجسم ‪ ,‬والخليا البيضاء التي تدافع عن الجسم ضد غزو حاملت‬


‫المراض من الجراثيم والطفيليات ‪ ,‬والصفائح التي تتحطم حول نزيف الدم‬
‫من أجل تجلطه ‪ (6) .‬ويحمل الدم سموما ً وفضلت كثيرة ومركبات ضارة‪،‬‬
‫وذلك لن إحدى وظائفه الهامة هي نقل نواتج استقلب الغذاء في الخليا من‬
‫فضلت وسموم ليطرحه خارج الجسم عبر منافذها التي هيأها الله لهذا‬
‫الغرض‪ ,‬وأهم هذه المواد هي‪ :‬البولة وحمض البول والكرياتنين وغاز الفحم‬
‫كما يحمل الدم بعض السموم التي ينقلها من المعاء إلى الكبد ليصار إلى‬
‫تعديلها )‪.(7‬‬
‫وكذلك فان الجراثيم الممرضة ربما انتقلت إليه عبر السكين التي ذبح بها‬
‫الجزار‪ ،‬أو عبر الهواء المحيط‪ ،‬أو قد تنتقل من مصدر مجاور؛ فإذا انتقل عدد‬
‫من الجراثيم إلى الدم فإن الجرثومة الواحدة تتضاعف هندسيا ً كل نصف‬
‫ساعة‪ ،‬فتتوالد الجرثومة الواحدة إلى اثنتين‪ .‬ولو اعتبرنا أن ‪ 1000‬جرثومة‬
‫انتقلت إلى هذا الغرام من الدم فإنها تصبح بعد نصف ساعة ‪ ،2000‬وبعد‬
‫ساعة واحدة يرتفع العدد إلى ‪ ،4000‬وبعد ساعة ونصف تصبح ‪8000‬‬
‫جرثومة‪ ،‬ثم يرتفع عدد الجراثيم إلى ‪ 16000‬جرثومة بعد ساعتين‪ ،‬وبعد ثلث‬
‫ساعات يكون العدد وصل إلى ‪ 64000‬جرثومة تغزوا هذا الغرام الواحد من‬
‫الدم‪ .‬ومعلوم أن الدم أصل ً توجد فيه كميات هائلة من الجراثيم‪ ،‬بل إنه بعد‬
‫وفاة الحيوان يصبح ملوثا ً ضارا ً جدا ً بصحة النسان‪ ،‬إذا تم شربه‪ ،‬أو حفظه‬
‫في مكان ثم شربه بعد ذلك‪ (8).‬وهنا سؤال يطرح نفسه وهو إذا كان فعل‬
‫الجراثيم بالدم هو ما ذكر آنفا ً فبالتأكيد سيكون فعلها باللحم كذلك فلماذا‬
‫يؤكل اللحم ول نصاب بما يصاب به آكل الدم؟ والجواب على ذلك هو إن‬
‫الجراثيم تبدأ بغزو السطح الخارجي عبر التهام الطبقة الصلبة التي يصعب‬
‫على الجراثيم اختراقها‪ ،‬عندها تبدأ بالتهام ما يوجد في الطبقة الصلبة؛‬
‫فيتناقص عنها الغذاء ويموت عدد كبير منها لعدم قدرتها على التكاثر‬
‫بسرعة‪.‬فإذا أراد الطباخ أن يطبخ هذه القطعة من اللحم فإنه يقوم بغسلها‬
‫من الخارج؛وعندها تكون كمية الجراثيم قد أزيلت بهذه العملية‪ ،‬ثم بالطبخ‬
‫يتم القضاء على كمية أخرى من الجراثيم)‪.(9‬‬
‫وعند تناول كمية كبيرة من الدم فإن هذه المركبات تمتص ويرتفع مقدارها‬
‫في الجسم‪ ،‬إضافة إلى المركبات التي يمكن أن تنتج عن هضم الدم نفسه‬
‫مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البولة في الدم والتي يمكن أن تؤدي إلى اعتلل‬
‫دماغي ينتهي بالسبات‪ .‬وهذه الحالة تشبه مرضيا ً ما يحدث في حالة النزف‬
‫الهضمي العلوي ويلجأ عادة هنا إلى امتصاص الدم المتراكم في المعدة‬
‫والمعاء لتخليص البدن منه ووقايته من حدوث الصابة الدماغية‪.‬وهكذا فإن‬
‫علماء الصحة لم يعتبروا الدم بشكل من الشكال في تعداد الغذية الصالحة‬
‫للبشر‪(10).‬‬
‫وجه العجاز‪:‬‬
‫من هذا الستعراض الموجز يتضح لنا بجلء حكمة تحريم أكل الدم ‪ ,‬ولو لم‬
‫يرد في القرآن الكريم غير هذه الحقيقة العلمية لكانت كافية للشهادة على‬
‫أن القرآن المجيد هو كلم الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه‬
‫ورسله ‪ ,‬وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه ) اللغة العربية ( حفظا ً كامل ‪ً:‬‬
‫كلمة كلمة ‪ ,‬وحرفا ً حرفا ً ‪ ,‬على مدى أربعة عشر قرنا ً أو يزيد ‪ ,‬وإلى أن يرث‬
‫الله الرض ومن عليها وأن النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقى القرآن‬
‫المبين كان موصول ً بالوحي ومعلما ً من قبل خالق السماوات والرض ‪,‬‬
‫فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه ‪ ,‬ومن اتبع هداه ‪ ,‬ودعا‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بدعوته إلى يوم الدين ‪.‬‬


‫ثانيا‪:‬حكم أكل الميتة في السلم‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ر‬
‫ل ب ِهِ ل ِغَي ْ ِ‬ ‫ما أ ُهِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوالد ّ َ‬ ‫مي ْت َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫قال الله تعالى‪ ?:‬إ ِن ّ َ‬
‫م ?‪] .‬البقرة‪:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫عاد ٍ َفل إ ِث ْ َ‬ ‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ وَل َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫الل ّهِ فَ َ‬
‫ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ر‬
‫ل ل ِغَي ْ ِ‬ ‫ما أهِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوال ْد ّ ُ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫‪ ،[173‬وقال تعالى‪ُ ? :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما ذ َك ّي ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫سب ُعُ إ ِل ّ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما أك َ َ‬ ‫ة والنطيحة وَ َ‬ ‫مت ََرد ّي َ ُ‬ ‫موُْقوذ َة ُ َوال ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خن ِ َ‬
‫من ْ َ‬ ‫الل ّهِ ب ِهِ َوال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫سقٌ ال ْي َوْ َ‬ ‫م فِ ْ‬ ‫موا ْ ِبالْزل َم ِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ب وَأن ت َ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ح عََلى الن ّ ُ‬ ‫ما ذ ُب ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت لك ُ ْ‬ ‫مل ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫ن الي َوْ َ‬ ‫شو ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م فَل َ ت َ ْ‬ ‫من ِدين ِك ُ ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫كَ َ‬
‫ف‬‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬‫صةٍ غَي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬‫ضطّر ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ً‬
‫م ِدينا فَ َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت لك ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫عَلي ْك ْ‬
‫م?‪] .‬المائدة‪ ،[ 3 :‬من هاتين اليتين فهم ويفهم‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ّل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬
‫المسلمون أن الميتة‪ -‬وهي اسم لما فارق الحياة من غير ذكاة شرعية‪ -‬يحرم‬
‫أكلها بأمر من الخالق الذي خلق الخلق وأمرهم بما يصلحهم في الدنيا‬
‫َ‬
‫م?‪].‬النجم‪ ,[ 32 :‬يقول القرطبي‪" :‬الميتة‪ :‬ما‬ ‫م ب ِك ُ ْ‬ ‫والخرة القائل‪?:‬هُوَ أعْل َ ُ‬
‫فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح‪ ,‬وما ليس بمأكول فذكاته كموته‬
‫كالسباع وغيرها")‪ ،(11‬وقال اللوسي‪" :‬أي أكلها والنتفاع بها وأضاف‬
‫الحرمة إلى العين مع أن الحرمة من الحكام الشرعية التي هي من صفات‬
‫فعل المكلف وليست مما تتعلق بالعيان إشارة إلى حرمة التصرف في‬
‫الميتة وهي التي ماتت من غير ذكاة شرعية من جميع الوجوه")‪ ،(12‬وجاء‬
‫في التحرير والتنوير ما نصه ‪":‬الميتة هنا عام؛ لنه معرف بلم الجنس‬
‫فتحريم أكل الميتة هو نص الية وصريحها لوقوع فعل )حرم( بعد قوله ?كلوا‬
‫من طيبات ما رزقناكم ? وهذا القدر متفق عليه بين علماء السلم")‪.(13‬‬
‫وقال الشوكاني‪" :‬قوله‪?:‬المنخنقة? هي التي تموت بالخنق‪ :‬وهو حبس‬
‫النفس سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل أو بين عودين أو‬
‫بفعل آدمي أو بغيره وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة فإذا ماتت‬
‫أكلوها‪،‬وقوله‪?:‬والموقوذة? هي التي تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من‬
‫ة?هي التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت من‬ ‫مت ََرد ّي َ ُ‬ ‫غير تذكية‪،‬وقوله‪?:‬ال ْ ُ‬
‫غير فرق بين أن تتردى من جبل أو بئر أو مدفن أو غيرها والتردي مأخوذ من‬
‫الردى وهو الهلك وسواء تردت بنفسها أو تردت بفعل غيرها‪ ،‬وقوله‪? :‬‬
‫والنطيحة? هي فعيلة بمعنى‪ :‬مفعولة‪ ،‬وهي التي تنطحها أخرى فتموت من‬
‫ع?أي ما افترسه ذو ناب كالسد والنمر‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما أ َك َ َ‬ ‫دون تذكية‪ ،‬وقوله‪َ ? :‬‬
‫والذئب والضبع ونحوها‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬ما أكل منه السبع لن ما أكله السبع كله‬
‫م ?أي حرمت عليكم هذه الشياء لكن ما ذكيتم‬ ‫ما ذ َك ّي ْت ُ ْ‬ ‫قد فني‪،‬وقوله‪ ?:‬إ ِل ّ َ‬
‫فهو الذي يحل ول يحرم")‪.(14‬‬
‫ك الذكاة‬ ‫فما مات بأي طريقة من هذه الطرق التي ذكرها القرآن ولم يذ ّ‬
‫الشرعية فقد حرم القرآن أكله‪ ,‬هذا هو الذي عليه العمل عند أهل السلم‬
‫وهو الذي يدينون به لربهم عز وجل ‪.‬‬
‫التفسير العلمي لتحريم أكل الميتة‪:‬‬
‫رأينا فيما تقدم أن الميتة التي فقدت روحها من غير تذكية شرعية يحرم على‬
‫المسلمين أكلها أو حتى النتفاع بها‪ ،‬بقي أن نعرف حكمها عند العلماء‬
‫المختصين‪ .‬يقول الدكتور يوسف عبد الرشيد الجرف‪" :‬القاسم المشترك‬
‫الذي يجمع بين تحريم القرآن الكريم للدابة المنخنقة التي خنقت فماتت‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبقي دمها في جسمها‪ ،‬والموقوذة التي ضربت بآلة حادة فماتت‪ ،‬والمتردية‬
‫التي وقعت من عال فماتت بصدمة عضلية‪ ،‬والنطيحة التي ُنطحت‪ ،‬هذه‬
‫الربعة أنواع من الدواب التي حرم الله أكلها يجمعها قاسم مشترك واحد‪ ،‬هو‬
‫أن الدم بقي في جسمها")‪ .(15‬ويقول الدكتور جون هونوفر لرسن)‪:(16‬‬
‫"الميتة مستودع للجراثيم‪ ،‬ومستودع للمراض الفتاكة‪ ،‬والقوانين في أوربا‬
‫تحرم أكل الميتة‪.‬كما يقول‪ :‬إن قوانيننا الن تحرم أكل لحم الحيوان إذا مات‬
‫مختنقًا‪ .‬حيث اكتشفنا مؤخرا ً أن هناك علقة بين المراض التي يحملها‬
‫الحيوان الذي يموت مختنقا ً وبين صحة النسان‪ .‬حيث يعمل جدار المعاء‬
‫الغليظة للحيوان كحاجز يمنع انتقال الجراثيم من المعاء الغليظة – حيث‬
‫توجد الفضلت – إلى جسم الحيوان والى دمه طالما كان الحيوان على قيد‬
‫الحياة‪ .‬ومعلوم أن المعاء الغليظة مستودع كبير للجراثيم الضارة بالنسان‪،‬‬
‫والجدار الداخلي لهذه المعاء يحول دون انتقال هذه الجراثيم إلى جسم‬
‫الحيوان‪ ،‬كما أن في دماء الحيوان جدارا ً أخر يحول دون انتقال الجراثيم من‬
‫دم الحيوان‪ ،‬فإذا حدث للحيوان خنق فانه يموت موتا ً بطيئًا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وتكمن الخطورة في هذا الموت البطيء عندما تفقد مقاومة الجدار المغلف‬
‫للمعاء الغليظة تدريجيا ً مما يجعل الجراثيم الضارة تخترق جدار المعاء إلى‬
‫الدماء والى اللحم المجاور‪ .‬ومن الدماء تنتقل هذه الجراثيم مع الدورة‬
‫الدموية إلى جميع أجزاء الجسم لن الحيوان لم يمت بعد‪ ،‬كما تخرج من‬
‫جدار الدماء إلى اللحم بسبب نقص المقاومة في جدر هذه الوعية الدموية‬
‫فيصبح الحيوان مستودعا ً ضخما ً لهذه الجراثيم الضارة‪.‬‬
‫ثم تفتك هذه الجراثيم المتكاثرة بصحة الحيوان حتى الموت‪ ،‬وموته في هذه‬
‫الحالة يعني وجود خطر كبير في جسد هذا الكائن الذي يموت مختنقًا‪.‬‬
‫أما الحيوان الذي يموت ضربا ً فيقول الدكتور جون‪ :‬يصاب هذا الحيوان كذلك‬
‫بالموت البطيء كالمختنق تماما ً فيقع له ما وقع للمختنق؛ وزيادة على ذلك‬
‫فان الضرب يتسبب في تمزيق الوعية الدموية في مكان الضرب‪ ،‬كما يمزق‬
‫الخليا فيه‪ ،‬فيختلط تركيب الدماء مع تركيب الخليا مما يتسبب في حدوث‬
‫تفاعلت للمواد السامة الضارة‪.‬‬
‫ولذلك تلحظ وجود تورم يقع في مكان الضرب إن هذا التورم الحادث سببه‬
‫وجود التفاعلت الكيميائية الضارة التي أصبحت مولدات لمواد سامة إلى‬
‫جانب التسلخ الذي يحدثه الضرب بجسم الحيوان‪ .‬وبهذا يصبح الحيوان الذي‬
‫مات من الضرب مستودعا ً للجراثيم الضارة وخطرا ً على صحة النسان‪.‬‬
‫ل وهو الذي يسمى‪:‬‬ ‫كما يقول عن الحيوان الذي يسقط من مكان عا ٍ‬
‫)المتردية( الحيوان الذي يموت بهذه الطريقة تكون حالته مثل حالة الذي‬
‫مات بالضرب‪ ،‬ففي مكان السقوط يحدث التمزق ويبدأ بالموت موتا ً بطيئا‪...‬‬
‫ً‬
‫وحتى لو مات مباشرة بعد السقوط فان الجراثيم تغزو الجسم بسرعة‪،‬‬
‫ولذلك نجد أن العفونات سرعان ما تتصاعد من جسم هذا الكائن دليل على‬
‫ما يوجد فيه من جراثيم وميكروبات خطيرة‪.‬‬
‫كما سئل الدكتور عن الحيوان الذي يموت بسبب التناطح فقال‪ :‬الموت بهذه‬
‫الطريقة يشابه الذي يموت ضربا ً ولكنة أخطر‪ ،‬ففي الغالب أن الحيوان‬
‫عندما ينطح بقرنه تتم عملية النطح في منطقة البطن‪ ،‬وبالخص في المعاء‪،‬‬
‫فيدخل القرن ملوثا ً بالجراثيم إلى الدماء في أمعاء الحيوان الخر‪ ،‬وتجري‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدماء في جسمه‪ ،‬ثم يموت تبعا ً لذلك‪ .‬ويشكل تناول لحم الحيوان في هذه‬
‫الحالة خطرا ً محققا ً على صحة النسان‪.‬‬
‫كما سئل عن الحيوان الذي يموت بسبب افتراس حيوان آخر له فقال‪:‬‬
‫معلوم أن مخالب السبع مملوءة بالجراثيم‪ ،‬فإذا غرسها في جسم هذا‬
‫الحيوان سارت تلك الجراثيم في دمه؛ عندها يموت الحيوان ببطء ويصبح‬
‫مستودعا ً للجراثيم الضارة أما عندما يذبح الحيوان بالطريقة المعهودة عند‬
‫المسلمين؛ نكون قد استخلصنا المصدر الساسي لنقل هذه الجراثيم وهو‬
‫الدم‪ ،‬ول يمكن بعدها السماح بانتقالها إلى العضاء‪.‬‬
‫وإذا ذبح الحيوان قبل موته تخلص الجسم من هذه المادة التي تسبب انتقال‬
‫هذه الجراثيم إليه؛ لن الدم هو السائل الحيوي المهم في جسم الكائن الحي‬
‫والذي يستطيع مقاومة مليين الطفيليات بما يحويه من كرات بيضاء وأجسام‬
‫مضادة مادام الكائن حيا ً وفي درجة حرارته الطبيعية‪ ،‬فإذا مات الحيوان‬
‫وتوقف الدم عن الجريان أصبحت الميكروبات بدون مقاومة‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة يكون أسلم الطرق هو الراقة الكاملة لهذا الدم‪ ،‬وإخراجه من الجسم‬
‫في أسرع وقت ممكن)‪.(17‬‬
‫وجه العجاز‬
‫مما تقدم يتضح بجلء وبدون أدنى لبس التوافق العجيب والدقيق بين ما‬
‫توصل إليه العلم الحديث وبين أوامر الشرع السلمي الحنيف‪ ,‬العلم الحديث‬
‫يثبت كما تقدم أنه ل وسيلة للتخلص من السباب المؤدية إلى كثير من‬
‫المراض إل بالتذكية السلمية الشرعية‪ ،‬هذه الحقيقة يثبتها العلماء اليوم‬
‫والسلم يأمرنا بها قبل ألف وأربعمائة عام على لسان رجل أمي اختاره الله‬
‫و‬
‫ن هُ َ‬ ‫وى إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫ما َينط ِقُ عَ ِ‬ ‫من بين البشر ليبلغ رسالة الخالق الذي يقول‪ ?:‬وَ َ‬
‫حى?‪].‬النجم‪ [4-3:‬وصدق الله العظيم‪ ،‬فمن أين لمحمد صلى الله‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫إ ِّل وَ ْ‬
‫ما‬‫? َ‬ ‫عليه وآله وسلم هذا العلم؟ إنها شهادة الحق بأنه من عند الله القائل‪َ :‬‬
‫صي َ‬
‫ل‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَت َ ْ‬‫ذي ب َ ْي ْ َ‬ ‫ديقَ ال ّ ِ‬ ‫ص ِ‬‫كن ت َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َ ِ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫فت ََرى ِ‬ ‫ن َأن ي ُ ْ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫سوَرةٍ ّ‬ ‫ل فَأُتوا ْ ب ِ ُ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫نأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫ب ِفيهِ ِ‬ ‫ب ل َ َري ْ َ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫طوا ْ‬ ‫حي ُ‬ ‫م يُ ِ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ْ ب ِ َ‬ ‫ن بَ ْ‬
‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن الل ّهِ ِإن ُ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ست َط َعُْتم ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫عوا ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َواد ْ ُ‬
‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ف كا َ‬ ‫َ‬
‫م فانظْر كي ْ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من قب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كذ َل ِك كذ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ت َأِويل ُ‬ ‫ما ي َأت ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫مهِ وَل ّ‬ ‫ب ِعِل ْ ِ‬
‫ن?‪].‬يونس‪.[39-37 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫ثالثا‪:‬الحكم الشرعي للتسمية عند الذبح‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قبل بيان حكم الشرع في التسمية عند التذكية ل بد من بيان أهمية التسمية‬
‫وندب الشرع إليها في أول كل فعل كالكل والشرب والنحر والجماع‬
‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫والطهارة وركوب البحر إلى غير ذلك من الفعال قال الله تعالى‪ ?:‬فَك ُلوا ِ‬
‫م ّ‬
‫ن ?‪].‬النعام‪ ,[118:‬وقال‪ ?:‬اْرك َُبوا ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ِبآَيات ِهِ ُ‬‫كنت ُ ْ‬‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ ِإن ُ‬
‫س ُ‬‫ذ ُك َِر ا ْ‬
‫ها?‪].‬هود‪ [41:‬وقال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ها وَ ُ‬
‫جَرا َ‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫سم ِ اللهِ َ‬ ‫ِفيَها ب ِ ْ‬
‫وآله وسلم‪»:‬أغلق بابك واذكر اسم الله وأطفىء مصباحك واذكر اسم الله‬
‫ك سقاءك واذكر اسم الله«)‪ (18‬وقال ‪»:‬لو‬ ‫وخمر إناءك واذكر اسم الله وأو ِِ‬
‫أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال‪ :‬بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب‬
‫الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا«)‬
‫م الله وكل بيمينك وكل مما‬
‫‪(19‬وقال لعمر بن أبي سلمى‪»:‬يا غلم س ّ‬
‫يليك«)‪(20‬وقال‪» :‬إن الشيطان ليستحل الطعام أل يذكر اسم الله عليه«)‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪(21‬وقال‪» :‬من لم يذبح فليذبح باسم الله«)‪ (22‬وشكا إليه عثمان بن أبي‬
‫العاص وجعا ً يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪» :‬ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلثا ً وقل سبع‬
‫مرات‪ :‬أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر«)‪(23‬هذا كله ثابت في‬
‫الصحيح وروى ابن ماجة والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪»:‬ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم‬
‫الله«)‪ ،(24‬وكان صلى الله عليه وسلم‪» :‬يشرب في ثلثة أنفاس إذا أدنى‬
‫الناء إلى فيه سمى الله تعالى وإذا أخره حمد الله تعالى يفعل ذلك ثلث‬
‫مرات«)‪ (25‬مما تقدم يظهر لك ما للبسملة من أهمية عظيمة عند‬
‫المسلمين بل ل تكاد تجد عمل ً من أعمالهم إل ويذكرون اسم الله عليه‬
‫وحسبك ما تقدم من مجموعة الحاديث‪ -‬وإن كنت قد اخترت جزءا ً يسيرا ً‬
‫منها تفاديا ً للطالة – لتكتشف أن لهذه الكلمة أسرارا ً عجيبة يكشف عنها‬
‫العلم اليوم وما هذا المبحث إل إشارة لما سيأتي‪ ،‬ولنشرع في سرد النصوص‬
‫التي أمرت بالتسمية عند الذبح وبيان أقوال العلماء المسلمين فيها‪ ،‬قال الله‬
‫وارِِح‬ ‫ج َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ت وما علمتم ّ‬ ‫م الط ّي َّبا ُ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ل أُ ِ‬ ‫م قُ ْ‬‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ماَذا أ ُ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫تعالى‪?:‬ي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫س َ‬ ‫ُ‬
‫م َواذكُروا ا ْ‬‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫ْ‬
‫سك َ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬‫م ّ‬‫ه فكلوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫مك ُ‬ ‫ما عَل َ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬ ‫مون َهُ ّ‬ ‫ن ت ُعَل ُ‬ ‫مك َل ِّبي َ‬ ‫ُ‬
‫ب?‪].‬المائدة ‪ [4:‬ولعل هذه الية لم‬ ‫سا‬ ‫ح‬
‫َ َ ِ ُ ِ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ع‬ ‫ري‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫َ ِ ّ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫قو‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ه‬
‫ِ َ ْ ِ َ ّ‬‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫تتناول التسمية عند الذبح فحسب بل تناولت أمرا ً أوسع من ذلك أل وهو‬
‫التسمية على الكلب المعلم عند إطلقه للصيد‪ ،‬قال القرطبي‪" :‬فاعلم أنه ل‬
‫بد للصائد أن يقصد عند الرسال التذكية والباحة وهذا ل يختلف فيه؛ لقوله‬
‫عليه الصلة والسلم ‪»:‬إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل«)‪،(26‬‬
‫وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى أن التسمية ل بد منها بالقول عند الرسال‬
‫لقوله‪»:‬وذكرت اسم الله«)‪ (27‬وقال ابن كثير‪" :‬فمتى كان الجارح معلما ً‬
‫وأمسك على صاحبه وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله حل الصيد‬
‫وإن قتله؛ بالجماع‪ .‬وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الية الكريمة")‬
‫‪.(28‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ن ?‪].‬النعام‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬


‫م ِبآَيات ِهِ ُ‬ ‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫س ُ‬‫ما ذ ُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬‫وقال تعالى‪ ?:‬فَك ُُلوا ْ ِ‬
‫ْ‬
‫سقٌ ?‪] .‬‬ ‫ف ْ‬ ‫ه لَ ِ‬‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ وَإ ِن ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُذ ْك َرِ ا ْ‬ ‫‪ [118‬وقال جل شأنه‪?:‬وَل َ ت َأك ُُلوا ْ ِ‬
‫م ّ‬
‫النعام‪ ،[121:‬قال ابن كثير‪" :‬استدل بهذه الية الكريمة من ذهب إلى أنه ل‬
‫تحل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها‪ ،‬ولو كان الذابح مسلمًا")‪،(29‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬ونقل المام أبو الحسن المرغيناني في كتابه "الهداية" الجماع ‪-‬‬
‫قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمدًا‪ ،‬فلهذا قال أبو يوسف‬
‫والمشايخ‪ :‬لو حكم حاكم بجواز بيعه لم ينفذ لمخالفة الجماع")‪.(30‬وقال‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫زيِهم ب ِ َ‬ ‫ج ِ‬‫سي َ ْ‬‫م الل ّهِ عَل َي َْها افْت َِراء عَل َي ْهِ َ‬ ‫س َ‬‫نا ْ‬ ‫م ل ّ ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫تعالى‪?:‬أن َْعا ٌ‬
‫ن?‪].‬النعام‪ .[138:‬عن ابن عباس قال‪ :‬جاءت اليهود إلى النبي صلى‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫الله عليه وسلم فقالوا‪ :‬نأكل مما قتلنا ول نأكل مما قتل الله؟! فأنزل الله‬
‫م الل ّهِ عَل َْيه? إلى آخر الية‪ ,‬وروى‬ ‫ْ‬
‫م ي ُذ ْك َرِ ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ّ‬‫عز وجل‪ ?:‬وَل َ ت َأك ُُلوا ْ ِ‬
‫ْ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬ ‫م ي ُذ ْك َرِ ا ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫النسائي عن ابن عباس في قوله تعالى‪?:‬وَل َ ت َأك ُُلوا ْ ِ‬
‫ه? قال‪ :‬خاصمهم المشركون فقالوا‪ :‬ما ذبح الله فل تأكلوه وما ذبحتم‬ ‫عَل َي ْ ِ‬
‫أنتم أكلتموه‪ ،‬فقال الله سبحانه لهم‪ :‬ل تأكلوا فإنكم لم تذكروا اسم الله‬
‫عليها)‪ ،(31‬وقال القرطبي في قوله تعالى‪ ?:‬وما ل َك ُ َ ْ‬
‫م‬
‫س ُ‬‫ما ذ ُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م أل ّ ت َأك ُُلوا ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه?‪].‬النعام‪" :[119 :‬المعنى‪ :‬ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه‬ ‫الل ّهِ عَل َي ْ ِ‬
‫ربكم وإن قتلتموه بأيديكم")‪ .(32‬وعلى العموم فإن للعلماء في حكم‬
‫التسمية على الذبيحة أقوال منها‪:‬ما قاله الماوردي)‪" :(33‬قوله عز وجل‪?:‬وَل َ‬
‫ْ‬
‫ق?‪ ].‬النعام‪ [121:‬فيه أربعة‬ ‫س ٌ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ وَإ ِن ّ ُ‬ ‫س ُ‬‫م ي ُذ ْك َرِ ا ْ‬‫ما ل َ ْ‬‫م ّ‬ ‫ت َأك ُُلوا ْ ِ‬
‫تأويلت‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬المراد بها ذبائح كانت العرب تذبحها لوثانها‪ .‬قاله عطاء‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنها الميتة‪ ،‬قاله ابن عباس‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه صيد المشركين الذين ل يذكرون اسم الله‪ ،‬ول هم من أهل‬
‫م على المسلمين أن يأكلوه حتى يكونوا هم الذين صادوه‪،‬‬ ‫حُر ُ‬‫التسمية‪ ،‬ي َ ْ‬
‫حكاه ابن بحر‪.‬‬
‫ه عليه عند ذبحه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫س ّ‬‫والرابع‪ :‬أنه ما لم ي ُ َ‬
‫وفي تحريم أكله ثلثة أقاويل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحدها‪ :‬ل يحرم ]سواء[ تركها عامدا أو ناسيا‪ ،‬قاله الحسن‪ ،‬والشافعي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يحرم إن تركها عامدًا‪ ،‬ول يحرم إن تركها ناسيًا‪ ،‬قاله أبو حنيفة‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬يحرم سواء تركها عامدا ً أو ناسيًا‪ ،‬قاله ابن سيرين‪ ،‬وداود‪.‬‬
‫التفسير العلمي لهمية التسمية والتكبير عند الذبح‪:‬‬
‫توصل فريق من كبار الباحثين وأساتذة الجامعات في سوريا إلى اكتشاف‬
‫علمي يبين أن هناك فرقا ً كبيرا ً من حيث العقامة الجرثومية بين اللحم المكّبر‬
‫عليه واللحم غير المكّبر عليه‪ ،‬أي الذي قيل عند ذبحه‪):‬بسم الله‪ ،‬الله أكبر(‪،‬‬
‫وقام فريق طبي يتألف من ‪ 30‬أستاذا ً باختصاصات مختلفة في مجال الطب‬
‫المخبري والجراثيم والفيروسات والعلوم الغذائية وصحة اللحوم والباثولوجيا‬
‫التشريحية وصحة الحيوان والمراض الهضمية وجهاز الهضم بأبحاث مخبرية‬
‫جرثومية وتشريحية على مدى ثلث سنوات لدراسة الفرق بين الذبائح التي‬
‫ذكر اسم الله عليها ومقارنتها مع الذبائح التي تذبح بنفس الطريقة ولكن‬
‫بدون ذكر اسم الله عليها‪.‬‬
‫وأكدت البحاث أهمية وضرورة ذكر اسم الله )بسم الله الله أكبر( على ذبائح‬
‫النعام والطيور لحظة ذبحها‪ ،‬وكانت النتائج المدهشة والمفاجئة والتي وصفها‬
‫أعضاء الطاقم الطبي بأنها‪ :‬معجزات تفوق الوصف والخيال‪ .‬وقال مسئول‬
‫العلم عن هذا البحث )الدكتور‪ /‬خالد حلوة(‪ :‬إن التجارب المخبرية أثبتت أن‬
‫نسيج اللحم المذبوح بدون تسمية وتكبير من خلل الختبارات النسيجية‬
‫والزراعات الجرثومية مليء بمستعمرات الجراثيم‪ ،‬ومحتقن بالدماء؛ بينما‬
‫كان اللحم المسمى والمكبر عليه خاليا ً تماما ً من الجراثيم ومعقما ً ول يحتوي‬
‫نسيجه على الدماء‪ .‬ووصف حلوة في حديثه لوكالة النباء الكويتية )كونا( أن‬
‫هذا الكتشاف الكبير يمثل ثورة علمية حقيقية في مجال صحة النسان‬
‫وسلمته المرتبطة بصحة ما يتناوله من لحوم النعام والتي ثبت بشكل قاطع‬
‫أنها تزكو وتطهر من الجراثيم بالتسمية والتكبير على الذبائح عند ذبحها‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ومن جانبه قال الباحث عبد القادر الديراني‪ :‬إن عدم إدراك الناس في وقتنا‬
‫هذا للحكمة العظيمة المنطوية وراء ذكر اسم الله على الذبائح أدى إلى‬
‫إهمالهم وعزوفهم عن التسمية والتكبير عند القيام بعمليات ذبح النعام‬
‫والطيور" مما دفعني لتقديم هذا الموضوع بأسلوب أكاديمي علمي يبين‬
‫أهمية وخطورة الموضوع على المجتمع النساني بناءا ً على ما شرحه الستاذ‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلمة محمد أمين شيخو في دروسه القرآنية وما كان يلقيه على أسماعنا‬
‫من أن الذبيحة التي ل يذكر اسم الله عليها يبقى دمها فيها ول تخلو من‬
‫المكروب والجراثيم‪ ،‬وأشار الديراني إلى أن فريق البحث اخذ أمر التكبير‬
‫على الذبائح في البداية بشيء من البرود والتردد؛ ولكن ما إن بدأت النتائج‬
‫الولية بالظهور حتى ذهل الفريق وأخذ طابع الجدية والهتمام الكبير ولم‬
‫يتوقف سيل المفاجآت طيلة فترة البحث والدراسة‪ ،‬ولقد كان لذلك أثر‬
‫إعجازي عظيم بدا من خلل العقامة الجرثومية للحوم التي ذكر اسم الله‬
‫عليها أثناء الذبح وخلو نسيجها من الدماء بعكس اللحوم التي لم يذكر اسم‬
‫الله عليها عند الذبح‪.‬‬
‫وحول طريقة البحث العلمي التي اتبعها الفريق المخبري والطبي قال‬
‫الدكتور نبيل الشريف عميد كلية الصيدلة السابق في جامعة دمشق‪" :‬قمنا‬
‫بإجراء دراسة جرثومية على عينات عديدة من لحوم العجول والخروف‬
‫والطيور المذبوحة مع ذكر اسم الله وبدون ذلك‪ ،‬وتم نقع العينات لمدة ساعة‬
‫في محلول الديتول)‪ (% 10‬ثم قمنا بزراعتها في محلول مستنبت من‬
‫الثيوغليكولت وبعد ‪ 24‬ساعة من الحضن في محمم جاف بحرارة ‪ 37‬درجة‬
‫مئوية نقلت أجزاء مناسبة إلى مستنبتات صلبة من الغراء المغذي والغراء‬
‫بالدم ووسط )أي‪ .‬أأأببم‪ .‬بي (‪ ،‬وتركت في المحمم لمدة ‪ 48‬ساعة‪ .‬وأضاف‬
‫" بعد ذلك بدا لون اللحم المكبر عليه زهريا ً فاتحًا؛ بينما كان لون اللحم غير‬
‫المكبر عليه أحمر قاتما ً يميل إلى الزرقة‪ .‬أما جرثوميا ً فلوحظ في العينات‬
‫المكبر عليها أن كل أنواع اللحم المكبر عليه لم يلحظ عليها أي نمو جرثومي‬
‫إطلقا ً وبدا وسط الثيوغليكولت عقيما ً ورائقا ً أما العينات غير المكبر عليها‬
‫بدا وسط الستنبات )الثيوغليكولت( معكر جدا ً مما يدل على نمو جرثومي‬
‫كبير‪ ،‬وتابع انه‪" :‬بعد ‪ 48‬ساعة من النقل على الوساط التشخيصية تبين أن‬
‫نمو غزير من المكورات العنقودية والحالة للدم بصورة خاصة من المكورات‬
‫العقدية الحالة للدم" )‪.(34‬‬
‫وجه العجاز‪:‬‬
‫مرة أخرى يفاجئنا العلم والعلماء بهذه النتائج الدقيقة والمذهلة ‪-‬من خلل‬
‫أبحاثهم الطويلة والشاقة‪ -‬عن هذا التوافق بين نتائج أبحاثهم وما بين نصوص‬
‫القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتكون هذه اليات نورا ً‬
‫للمؤمنين وزيادة في إيمانهم‪ ،‬وفي المقابل تزيد الكافرين والذين في قلوبهم‬
‫مرض رجسا ً إلى رجسهم‪ ،‬وتكون دليل ً للباحثين عن الحقيقة من غير‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل أي ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قو ُ‬ ‫من ي َ ُ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزِل َ ْ‬ ‫المسلمين‪ ،‬وصدق الله القائل‪?:‬وَإ َِذا َ‬
‫َ‬
‫ن?‪].‬التوية‪:‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫مانا ً وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫مُنوا ْ فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫مانا ً فَأ ّ‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫َزاد َت ْ ُ‬
‫‪ [124‬فقد تكفل الله سبحانه بحفظ القرآن وأخبرنا فيه بأن آياته سبحانه‬
‫مبثوثة في هذا الكون الفسيح من السموات والرض والنفس‪،‬قال تعالى‪? :‬‬
‫ض َلَيا ٍ‬ ‫َْ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬
‫ت‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫كيم ِ إ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫زي ُ‬ ‫حم َتن ِ‬
‫ل‬
‫ف اللي ْ ِ‬‫ّ‬ ‫خت ِل ِ‬ ‫َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ّ‬
‫تل َ‬ ‫من َداب ّةٍ آَيا ٌ‬ ‫ث ِ‬ ‫ما ي َب ُ ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قك ْ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن وَِفي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ّل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫موْت َِها‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حَيا ب ِهِ اْلْر َ‬ ‫ق فَأ ْ‬ ‫من ّرْز ٍ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫َوالن َّهارِ وَ َ‬
‫حقّ فَب ِأ ّ‬
‫ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ها عَلي ْك ِبال َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ت اللهِ ن َت ْلو َ‬ ‫ن! ت ِلك آَيا ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫تل َ‬ ‫ّ‬ ‫ف الّرَياِح آَيا ٌ‬ ‫ري ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫ن?‪].‬الجاثية‪ [6-1:‬وأمرنا بالتفكر والتدبر لنطلع‬ ‫مُنو َ‬ ‫ث ب َعْد َ اللهِ َوآَيات ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬‫َ‬
‫ً‬
‫على هذه اليات البينات لكي يتجدد إيماننا ونزداد يقينا‪ ،‬وصدق الله العظيم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فسهم حتى يتبين ل َه َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حقّ أوَل ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ق وَِفي أن ُ ِ ِ ْ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ ْ‬ ‫م آَيات َِنا ِفي اْلَفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫سن ُ َ ِ‬
‫القائل‪َ ?:‬‬
‫د?‪].‬فصلت‪ [53:‬فسبحان الله العظيم عدد‬ ‫َ‬
‫يٍء شِهي ٌ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى كل ش ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك أن ّ ُ‬ ‫ف ب َِرب ّ َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته‪.‬‬


‫الحكم الشرعي في قطع النخاع‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال‪ :‬بعث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى» أل إن‬
‫الذكاة في الحلق واللبة‪ ،‬أل ول تعجلوا النفس أن تزهق‪ ،‬وأيام منى أيام أكل‬
‫وشرب وبعال«)‪.(35‬وقال ابن عباس‪" :‬نهى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عن الذبيحة أن تفرس قبل أن تموت")‪.(36‬وعن ابن عباس‪" :‬نهى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذبيحة أن تفرس يعني أن تنخع قبل‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ما ُدو َ‬‫قط َعُ َ‬ ‫قو ُ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫خِع ي َ ُ‬
‫ن الن ّ ْ‬
‫مَر ن ََهى عَ ْ‬
‫ن عُ َ‬
‫ن اب ْ َ‬
‫أن تموت")‪. (37‬وعن َنافِعٌ "أ ّ‬
‫خع بفتح النون وسكون الخاء‬ ‫ت")‪ ،(38‬قوله‪ :‬الن ّ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حّتى ت َ ُ‬ ‫ال ْعَظ ْم ِ ث ُ ّ‬
‫م ي َد َع ُ َ‬
‫المعجمة فسره في الخبر بأنه‪ :‬قطع ما دون العظم‪ ،‬والنخاع عرق أبيض في‬
‫فقار الظهر إلى القلب يقال له‪ :‬خيط الرقبة‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬النخع أن تذبح‬
‫الشاة ثم يكسر قفاها من موضع المذبح‪ ،‬أو تضرب ليعجل قطع حركتها‪.‬‬
‫وأخرج أبو عبيد في الغريب عن عمر أنه نهى عن الفرس في الذبيحة ثم‬
‫حكى عن أبي عبيدة أن الفرس هو النخع‪ ،‬يقال فرست الشاة ونخعتها وذلك‬
‫أن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة‪ ،‬قال‪ :‬ويقال أيضًا‪ :‬هو الذي‬
‫يكون في فقار الصلب شبيه بالمخ وهو متصل بالقفا نهى أن ينتهي بالذبح‬
‫إلى ذلك قال أبو عبيد‪ :‬أما النخع فهو على ما قال وأما الفرس‪ :‬فيقال هو‪:‬‬
‫الكسر‪ ،‬وإنما نهى أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد ويبين ذلك أن في‬
‫الحديث »ول تعجلوا النفس قبل أن تزهق«)‪(39‬‬
‫قلت‪ :‬يعني في حديث عمر المذكور وكذا ذكره الشافعي عن عمر ويكره إذا‬
‫ذبحها أن يبلغ النخاع وهو العرق البيض الذي يكون في عظم الرقبة‪.‬‬
‫والكتفاء بقطع الوداج ول يبلغ به النخاع وهو العرق البيض الذي يكون في‬
‫عظم الرقبة ول بيان الرأس ولو فعل ذلك يكره؛ لما فيه من زيادة إيلم من‬
‫غير حاجة إليها‪ .‬وفي الحديث‪» :‬أل ل تنخعوا الذبيحة« والنخع القتل الشديد‬
‫حتى يبلغ النخاع)‪ .(40‬وقال الشافعي‪ :‬وأحب في الذبيحة أن توجه إلى القبلة‬
‫إذ أمكن ذلك وإن لم يفعل الذابح فقد ترك ما أستحبه له ول يحرمها ذلك‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النخع وأن تعجل‬
‫النفس أن تزهق‪ ،‬والنخع‪ :‬أن يذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع الذبح‬
‫لنخعه ولمكان الكسر فيه أو تضرب؛ ليعجل قطع حركتها فأكره هذا)‬
‫‪.(41‬ويكره أن يبين الرأس وأن يبالغ في الذبح إلى أن يبلغ النخاع وهو عرق‬
‫يمتد من الدماغ ويستبطن الفقار إلى عجب الذنب لما روي عن عمر رضي‬
‫الله عنه أنه نهى عن النخع ولن فيه زيادة تعذيب فإن فعل ذلك لم يحرم لن‬
‫ذلك يوجد بعد حصول الذكاة وإن ذبحه من قفاه فإن بلغ السكين الحلقوم‬
‫والمرئ وقد بقيت فيه حياة مستقرة حل لن الذكاة صادفته وهو حي‪ ،‬وإن‬
‫لم يبقَ فيه حياة مستقرة إل حركة مذبوح لم يحل لنه صار ميتا ً قبل الذكاة")‬
‫‪.(42‬‬
‫التفسير العلمي لمنع قطع النخاع‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد يخطر بالبال أن طريقة الذبح التي شرعها لنا السلم لها من السلبيات ما‬
‫يمكن أن تكون سببا ً لطعن الطاعنين وإرجاف المرجفين وهو ما نراه من‬
‫الحركات الل إرادية للحيوان أثناء قطع الوداج من الرفس والضطراب‬
‫والتلوي مما يوحي للناظر لول وهلة أن هذا الحيوان يتأذى ويتألم بسبب‬
‫الذبح‪ .‬ولكن لنسمع رأي العلماء الغرب في هذه الحالة‪ ,‬يقول الدكتور جون‬
‫هونوفر‪:‬اضغط على أي شخص أمامك في مكان ذبح الشاة تجده قد أغمي‬
‫عليه بعد لحظات‪ .‬وقد اكتشف العلم أن مراكز الحساس باللم تتعطل إذا‬
‫ن فقط‪ ،‬لنها بحاجة إلى وجود‬ ‫توقف ضخ الدماء عنها لمدة ثلث ثوا ٍ‬
‫ً‬
‫الكسجين في الدم باستمرار‪ .‬إن الجهاز العصبي ل يزال حيا‪ ،‬وما تزال فيه‬
‫حيوية‪ ،‬ولم يفقد منه غير وعيه فقط‪ .‬وفي هذه الحالة ما دمنا لم نقطع العنق‬
‫فإننا لم نعتد ِ على الجهاز العصبي فتظل الحياة موجودة فيه‪ ،‬لكن الذي يحدث‬
‫في عملية الذبح بطريقة المسلمين أن يبدأ الجهاز العصبي بإرسال إشارات‬
‫من المخ إلى القلب طالبا ً منه إمداده بالدماء لنها لم تصل إليه‪ ،‬وكأنه ينادي‪:‬‬
‫لقد انقطعت عني الدماء‪ ..‬أرسل إلينا دما ً أيها القلب‪ ،‬يا عضلت‪ ..‬أمدي‬
‫رج الدماء فإن المخ في خطر‪ ،‬عندها تقوم‬ ‫خ ِ‬
‫القلب بالدماء‪ ،‬أيها الجسم‪ ..‬أ ْ‬
‫العضلت بالضغط فورًا‪ ،‬ويحدث تحرك شديد للحشاء والعضلت الداخلية‬
‫والخارجية‪ ،‬فتضغط بشدة وتقذف كل ما فيها من دماء وتضخها إلى القلب‪،‬‬
‫ثم يقوم القلب بدوره بالسراع في دقاته بعد أن يمتلئ بالدماء تمامًا‪ ،‬فيقوم‬
‫بإرسالها مباشرة إلى المخ‪ ،‬ولكنها ـ بطبيعة الحال ـ تخرج للخارج ول تصل‬
‫إليه‪ ،‬فتجد الحيوان يتلوى‪ ،‬وإذا به يضخ الدماء باستمرار حتى يتخلص جسم‬
‫هذا الحيوان تماما ً من الدماء‪ ،‬و بذلك يتخلص جسم هذا الحيوان من أكبر بيئة‬
‫خصبة لنمو الجراثيم‪ ،‬وأخطر مادة على النسان أي أن الحيوان المذبوح يفقد‬
‫ن فقط إذا ذبح بالطريقة الصحيحة‪ ،‬وإن ما نراه في‬ ‫الحياة خلل ثلث ثوا ٍ‬
‫الحيوان من رفس وتشنج وما شابه ذلك هي من مؤثرات بقاء الحياة في‬
‫الجهاز العصبي‪ ،‬ول يشعر الحيوان المذبوح بها على الطلق‪.‬‬
‫وجه العجاز‪:‬‬
‫رأينا كيف نهى الشرع عن قطع النخاع ]وهو ما يسمى بالحبل الشوكي[‬
‫الممتد داخل فقرات العمود الفقري من الرأس وحتى آخر فقرة منه ووظيفة‬
‫هذا الحبل هو نقل أوامر الدماغ إلى سائر أنحاء الجسم فإذا ما تعرض هذا‬
‫الحبل إلى أي تشويه أو قطع فإنه يتوقف عن إيصال الوامر لنحاء الجسم‬
‫وهو ما يسمى بالشلل‪ ،‬ومن هنا تتجلى أهمية هذا الجزء من الجسم والذي‬
‫حفظه الله في مكان آمن‪ -‬سواء في الحيوان أو النسان‪ -‬من خلل فقرات‬
‫العمود الفقري‪ ،‬وقد بين لنا الدكتور جون هنوفر العلقة بين قطع النخاع وبين‬
‫عملية ضخ الدم وهذا التبيين الواضح علمناه اليوم بعد مرور ألف وأربعمائة‬
‫عام على الوامر الشرعية التي أمرنا بها السلم أفل يدل هذا على أن ما‬
‫أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو من عند خالق عليم خبير‬
‫بأحوال وكل دقائق هذا الخلق؟! حيث نطق بها رجل أمي في زمن لم تتوفر‬
‫فيه أي من وسائل البحث والتجارب اليوم‪ .‬بل تجلت هذه المفاهيم اليوم في‬
‫عصر العلم والنهضة والتقنية؛ فحري بنا أن نؤمن وقد قامت الحجة علينا بما‬
‫ل يدع مجال ً للشك أو الريب من أن محمدا ً هو رسول الله وأنه مرسل من‬
‫رب رحيم يريد من عباده أن يعبدوه ل يشركوا به شيئًا‪.‬‬
‫فوائد ينصح بها‪:‬‬
‫عمل ً بحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي ل ينطق عن‬
‫الهوى إن هو إل وحي يوحى؛ والذي يقول فيه‪ »:‬إن الله كتب الحسان على‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم‬
‫شفرته فليرح ذبيحته«)‪ ،(43‬فإنه يستحب القيام ببعض العمال قبل التذكية‬
‫وأثنائها ‪:‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬قال علماؤنا‪ :‬إحسان الذبح في البهائم الرفق بها فل يصرعها‬
‫بعنف‪ ،‬ول يجرها من موضع إلى آخر‪ ،‬وإحداد اللة‪ ،‬وإحضار نية الباحة‪،‬‬
‫والقربة وتوجيهها إلى القبلة‪ ،‬والجهاز‪ ،‬وقطع الودجين والحلقوم‪ ،‬وإراحتها‪،‬‬
‫وتركها إلى أن تبرد‪ ،‬والعتراف لله بالمنة‪ ،‬والشكر له بالنعمة‪ ،‬بأنه سخر لنا‬
‫ما لو شاء لسلطه علينا وأباح لنا ما لو شاء لحرمه علينا‪ .‬وقال ربيعة‪ :‬من‬
‫إحسان الذبح إل يذبح بهيمة وأخرى تنظر إليها")‪.(44‬‬
‫فإن أصحاب الخبرة ينصحون بالتي‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن يكون الحيوان قد تم إراحته قبل الذبح على القل بـ ‪ 12‬ساعة وذلك‬
‫لتجنب قلة النزف للذبيحة أو عدم جودة لحمها‪ ،‬وهذا المقصود من قول‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم "وليرح ذبيحته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬يجب أن يشرب الحيوان كميات كافية من المياه قبل ذبحه وذلك لتقليل‬
‫الميكروبات الموجودة بالمعاء؛ وكذلك لتسهيل عملية السلخ ونزع الجلد‪،‬‬
‫وهذا أيضا ً من آداب الذبح الشرعي!‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫)‪ (3‬يجب كذلك تصويم الحيوان قبل الذبح بحوالي ‪ 12‬ساعة؛ لتقليل كمية‬
‫البكتريا الموجودة بالمعاء‪ ،‬والتي تحدث مع عملية الهضم؛ لن الحيوانات‬
‫الصائمة يكون النزف فيها أفضل‪ ،‬ويكون شكل لحمها أفضل؛ علما ً بأن نظام‬
‫التصويم هذا ل يشكل أي تعب على الحيوان‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن تكون السكين حادة ونظيفة‪ ،‬هي وجميع أدوات الذبح والتقطيع؛ عمل ً‬
‫بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪»:‬وليحد أحدكم شفرته«)‪.(45‬‬
‫)‪ (5‬أن يبدأ الذبح بسرعة وأن تمشي السكين على الرقبة دون انقطاع ثلث‬
‫مرات وبطريقة مستعرضة وموازية للرقبة وليست رأسية ول يكون القطع‬
‫على شكل وخز بل ذبح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)‪ (6‬يجب أن يكون القطع بالسكين )الذبح( ليس قريبا جدا من الصدر‪ ،‬أو‬
‫قريبا ً جدا ً من الرأس؛ لنه في هذه الحالة يكون قريبا ً جدا ً من حلقات القصبة‬
‫الهوائية التي قد يؤدي الذبح منها إلى الختناق قبل ذبح الحيوان بل يجب أن‬
‫يكون الذبح في منتصف الرقبة تقريبا ً أو ما يساوي ‪12‬سم من نهاية الرأس)‬
‫‪.(46‬‬
‫ملحوظة هامة‪ :‬وزن الجسم يعادل ‪ 13‬مرة وزن الدم الموجود فيه‪ :‬أي أن‬
‫وزن الدم يعادل ‪ 1/13‬من وزن الجسم‪ ،‬وعملية النزف أو الدماء ل تفرغ‬
‫دماء الذبيحة كلها ولكن تفرغ حوالي ‪ 2/3‬من كمية الدم الموجود بالجسم‬
‫حيث إن الكمية المتبقية هي جزء من تركيب العضلت والنسجة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إذا كان هناك خروف وزنه‪ 65) :‬كجم( مثل ً فإن وزن الدم أو كميته بهذا‬
‫الخروف = ‪ 5 = 65/13‬كجم‪ .‬كمية الدم التي يتم نزفها في حالة جودة‬
‫الخروف صحيًا= ‪ ،3 = 3/2 × 5‬وثلث لتر تقريبًا‪.‬كمية الدم المتبقية في‬
‫النسجة والعضاء والعضلت= ‪ 5‬ناقص ‪ 3‬وثلث لتر تساوي ‪ 1‬وثلثين‪ .‬وطبقا ً‬
‫للقاعدة السابقة فإن الدم ل ينزف جيدا ً من الحيوانات المريضة بالمراض‬
‫المعدية والطفيليات والحيوانات المجهدة‪ .‬والفترة المناسبة لترك الحيوان‬
‫بعد ذبحه حوالي ‪ 10-5‬دقائق‪(47).‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسألة‪:‬‬
‫عن أبي سعيد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين فقال‬
‫»كلوه إن شئتم« وعن مسدد قلنا‪ :‬يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة‬
‫والشاة فنجد في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله ؟ قال‪» :‬كلوه إن شئتم فإن‬
‫ذكاته ذكاة أمه«)‪.(48‬‬
‫أي الخارج من بطن أمه ميتا ً إذا ذبحت أمه‪ .‬إذ ل يظن بهم الجهل عما خرج‬
‫حيًا‪ .‬فقوله‪ :‬كلوه إن شئتم ظاهر في حل مثله‪ .‬ودليل على أن المراد بقوله‪:‬‬
‫)فإن ذكاته ذكاة أمه( أريد به‪ :‬أن ما طيب أمه من الذبح طيبه هو‪ .‬وهو‬
‫مذهب الجمهور)‪ (49‬يقتضي حصر ذكاة الجنين في ذكاة أمه فل يحوج إلى‬
‫ذكاة أخرى‪ ،‬ومعنى الكلم أن ذكاة الجنين تغني عنها ذكاة أمه فإن قلت‬
‫فذكاة الجنين هي الذبح الخاص في حلقه هذا هو الحقيقة اللغوية فجعل هذه‬
‫الذكاة عين ذكاة أمه إنما يصدق حينئذ على سبيل المجاز كقولنا‪ :‬أبو يوسف‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬والصل عدم المجاز‪ ،‬وهو خلف الظاهر فكيف يقال‪ :‬إن هذا‬
‫اللفظ بوضعه يقتضي أن عين ذكاة الجنين هي عين ذكاة أمه ؟!‬
‫قلت‪ :‬سؤال حسن‪ ،‬والجواب عنه يحتاج إلى جودة ذهن وفكر في فهمه‬
‫بسبب النظر في قاعدة‪ ،‬وهي أن إضافة المصادر مخالفة لسناد الفعال‬
‫فالضافة تكفي فيها أدنى ملبسة ويكون ذلك حقيقة لغوية كقولنا‪ :‬صوم‬
‫رمضان وحج البيت‪ ،‬فنضيف الصوم لرمضان والحج للبيت‪ ،‬فتكون إضافة‬
‫حقيقة ولو أسندنا الفعل فقلنا‪ :‬صام رمضان بأن يجعل الشهر هو الفاعل أو‬
‫البيت يحج لم يصدق ذلك حقيقة وينفر منه سمع السامع‪ ،‬فكذلك ينبغي هاهنا‬
‫ت الجنين ل يصدق إل إذا‬ ‫ت الجنين وبين ذكاة الجنين فذكي ُ‬ ‫أن يفرق بين ذ َك ّي ْ ُ‬
‫قطع منه موضع الذكاة وذكاة الجنين تصدق بأيسر ملبسة‪ ,‬وأحد طرق‬
‫الملبسة أن ذكاة أمه تبيحه فمن هذا الوجه صار بينه وبين ذكاة أمه ملبسة‬
‫تصدق أنها ذكاته‪ ،‬فيكون على التقدير ذكاة أمه هي عين ذكاته حقيقة ل‬
‫مجازا ً وهذا هو مقتضى قول النحاة عن العرب فإنهم قالوا‪ :‬يكفي في‬
‫الضافة أدنى ملبسة كقول أحد حاملي الخشبة للخر خذ طرفك‪ ،‬فجعل‬
‫طرف الخشبة طرفا ً له بسبب الملبسة وأنشدوا‪:‬‬
‫إذا كوكب الخرقاء لح بسحره ‪. ...‬‬
‫فأضاف الكوكب إلى الخرقاء؛ لنها كانت تقوم لشغلها عند طلوعه‪.‬‬
‫وإذا قمت باستقراء ذلك وجدته كثيرا ً على وجه الحقيقة‪ .‬فصح ما ذكرنا من‬
‫إضافة الذكاة للجنين وأن الحديث يقتضي الحصر واستغنى الجنين عن الذكاة‬
‫بسبب ذكاة أمه ‪.‬‬
‫واعلم أن هذا الحديث يروى بالرفع في الذكاة الثانية وبالنصب‪ ،‬فتمسك‬
‫المالكية والشافعية براوية الرفع على استغناء الجنين عن الذكاة وتمسك‬
‫الحنفية برواية النصب على احتياجه للذكاة وأنه ل يؤكل بذكاة أمه‪ ،‬والتقدير‬
‫عندهم ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المضاف مع بقية‬
‫ب كإعرابه وهو القاعدة في حذف‬ ‫ُ‬
‫الكلم وأقيم المضاف إليه مقامه‪ ،‬فأعْرِ َ‬
‫المضاف‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫والجواب عما تمسك به الحنفية من هذه الرواية أن هناك تقديرا ً آخر وهو‪ :‬أن‬
‫يكون التقدير‪ :‬ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه‪ ،‬فحذف حرف الجر؛ فانتصبت‬
‫الذكاة على أنها مفعول كقولك‪ :‬دخلت الدار‪ ،‬ويكون المحذوف أقل مما قدره‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحنفية‪ ،‬ويكون في هذا التقدير جمع بين الروايتين فيكون أولى من التعارض‬
‫والتنافي بينهما‪ ،‬فيرجح بقلة المحذوف والجمع ل يبقى لهم فيه مستند على‬
‫الروايتين ويكون حجة عليهم‪(50).‬‬
‫والله تعالى أعلم‬
‫إعداد‪ :‬قسطاس إبراهيم النعيمي‬
‫حرر بتاريخ ‪15/05/2006‬م‬
‫راجعه‪ :‬عبد الحميد أحمد مرشد‬
‫)‪ – (1‬من موقع الهيئة العالمية للعجاز العلمي في القرآن والسنة ‪. .‬للعجاز‬
‫)‪ - (2‬أنضر لسان العرب )‪.(2/485‬‬
‫)‪ - (3‬الجامع لحكام القرآن‪/‬محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي أبو‬
‫عبد الله )‪.(2/210‬‬
‫)‪ -(4‬المرجع السابق )‪.(2/210‬‬
‫)‪ - (5‬الدكتور محمد راتب النابلسي‪ ،‬الستاذ المحاضر في جامعة دمشق‪،‬‬
‫والخطيب والمدرس الديني في جوامع دمشق‬
‫)‪ - (6‬من موقع زغلول النجار‪.‬‬
‫)‪ -(7‬روائع الطب السلمي ج ‪ 3‬تأليف الدكتور محمد نزار الدقر‪.‬‬
‫)‪ -(8‬من موقع الهيئة العالمية للعجاز العلمي في القرآن والسنة‪.‬‬
‫)‪ - (9‬من موقع الهيئة العالمية للعجاز العلمي في القرآن والسنة‬
‫)‪ - (10‬روائع الطب السلمي ج ‪ 3‬تأليف الدكتور محمد نزار الدقر‪.‬‬
‫)‪ -(11‬تفسير القرطبي )‪(2/210‬‬
‫)‪ -(12‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ /‬محمود‬
‫اللوسي أبو الفضل ‪ /‬دار إحياء التراث العربي – بيروت )‪. (2/41‬‬
‫)‪ -(13‬التحرير والتنوير لبن عاشور )‪. (1/491‬‬
‫)‪ -(14‬تفسير فتح القدير)‪.(2/13‬‬
‫)‪ -(15‬الدكتور يوسف عبد الرشيد الجرف من موقع ) شباب لك شباب كل‬
‫العمر ( ‪.‬‬
‫)‪ -(16‬أستاذ قسم البكتريا في مستشفي غيس هوسبيتال – المستشفى‬
‫الرسمي – اكبر مستشفيات كوبنهاجن‪.‬‬
‫)‪ - (17‬من موقع الهيئة العالمية للعجاز العلمي في القرآن والسنة‬
‫)‪ - (18‬صحيح البخاري )‪ (3/1195‬برقم )‪.(3106‬‬
‫)‪ - (19‬صحيح البخاري )‪ (1/65‬برقم )‪.(141‬‬
‫)‪ - (20‬صحيح البخاري )‪ (5/2065‬برقم )‪.(5061‬‬
‫)‪ - (21‬مسند أحمد )‪ (4/26‬برقم )‪ (16375‬قال شعيب الرنؤوط اسناده‬
‫صحيح على شرط الشيخين وفي سنن أبي داود بلفظ‪ :‬ادن بني فسم الله‬
‫وكل بيمينك وكل مما يليك‪ (2/374) ،‬برقم)‪(3766‬وقال اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫)‪ - (22‬صحيح البخاري)‪ (1/334‬برقم)‪.(942‬‬
‫)‪ - (23‬صحيح مسلم)‪ (4/1728‬برقم)‪.(2202‬‬
‫)‪ - (24‬سنن ابن ماجة)‪ (1/109‬برقم)‪ (297‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫)‪ - (25‬أنظر السلسلة الصحيحة )‪ (2/272‬برقم)‪ (1277‬قال أللباني‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫)‪ - (26‬صحيح مسلم)‪ (3/1529‬برقم )‪.(1929‬‬
‫)‪ - (27‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫)‪ - (28‬تفسير ابن كثير )‪.(2/23‬‬
‫)‪ - (29‬تفسير ابن كثير )‪.(3/324‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (30‬المرجع السابق)‪.(3/326‬‬


‫)‪ - (31‬تفسير القرطبي )‪. (7/67‬‬
‫)‪ - (32‬تفسير القرطبي )‪. (7/65‬‬
‫)‪ - (33‬انظر النكت والعيون )‪. (1/436‬‬
‫)‪ -(34‬من موقع منتديات القمر‬
‫)‪ - (35‬سنن الدار قطني )‪.(4/283‬‬
‫)‪ - (36‬المعجم الكبير )‪.(12/248‬‬
‫)‪ - (37‬مسند ابن الجعد)‪.(1/492‬‬
‫)‪ - (38‬انظر فتح الباري )‪.(15/455‬‬
‫)‪ - (39‬انظر عمدة القاري) ‪(21/122‬‬
‫)‪ - (40‬بدائع الصنائع ) ‪. (188 /4‬‬
‫)‪ - (41‬الم)‪. (2/373‬‬
‫)‪ - (42‬المهذب)‪. (1/457‬‬
‫)‪ -(43‬صحيح مسلم ‪ :‬مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري‬
‫دار إحياء التراث العربي – بيروت تحقيق ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي )‪(3/1548‬‬
‫)‪ -(44‬تفسير القرطبي )‪.(6/46‬‬
‫)‪ (45‬ـ سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪- (45‬الدكتور يوسف عبد الرشيد الجرف من موقع ) شباب لك شباب كل‬
‫العمر (‪.‬‬
‫)‪ -(46‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ -(47‬سنن أبي داود‪/‬دار الفكر‪/‬تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد)‬
‫‪.(2/113‬‬
‫)‪ - (48‬سنن ابن ماجه‪/‬محمد بن يزيد أبو عبد الله القز ويني ‪ /‬دار الفكر –‬
‫بيروت ‪/‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي )‪.(2/1067‬‬
‫)‪ - (50‬الشبكة السلمية‪-‬المكتبة‪-‬الفرق بين قاعدة حصر المبتدأ في خبره ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫العجازز العلمي‬
‫العجاز‪ :‬إثبات العجز‪ ،‬والعجز‪ :‬ضد القدرة‪ ،‬وهو القصور عن فعل الشيء‪.‬‬
‫تعريف المعجزة‪ :‬هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة‪.‬‬
‫يظهر على يد مدعي النبوة موافقا ً لدعواه‪.‬‬
‫تنوع المعجزة وحكمته‪ :‬تنقسم المعجزة إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم الول المعجزات الحسية‪ :‬مثل‪ :‬معجزة السراء والمعراج ‪ ،‬وإنشقاق‬
‫القمر‪ ،‬ونبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬تكثير الطعام‬
‫القليل…‬
‫القسم الثاني‪ :‬المعجزات العقلية‪ :‬مثل الخبار عن المغّيبات‪ ،‬والقرآن الكريم‪.‬‬
‫وقد جرت سنة الله تعالى كما قضت حكمته أن يجعل معجزة كل نبي‬
‫مشاكلة لما يتقن قومه ويتفوقون فيه‪ .‬ولما كان الغرب قوم بيان ولسان‬
‫وبلغة‪ ،‬كانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى هي‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫تحدي القرآن للعرب وبيان عجزهم‪:‬‬
‫لقد تحدى الله العرب ‪-‬وهم أهل الفصاحة‪ -‬بل العالم بالقرآن كله على‬
‫هَ‬ ‫َ‬
‫قوّل ُ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن تَ َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫رؤوس الشهاد في كل جيل بأن يأتوا بمثله‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ن{ ]الطور‪.[34-33 :‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن َ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫مث ْل ِهِ إ ِ ْ‬
‫ث ِ‬
‫دي ٍ‬ ‫ن * فَل ْي َأُتوا ب ِ َ‬
‫ح ِ‬ ‫َبل ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫قْرآ ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫ن ي َأُتوا ب ِ ِ‬ ‫ن عََلى أ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫تا ِ‬ ‫معَ ْ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ل ل َئ ِ ْ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫ض ظ َِهيًرا{ ]السراء‪ .[88 :‬فعجزوا عن‬ ‫مث ْل ِهِ وَل َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ل ي َأُتو َ‬
‫التيان بمثله‪.‬‬
‫ولما كبلهم العجز عن هذا‪ ،‬فلم يفعلوا ما تحداهم‪ ،‬فجاءهم بتخفيف التحدي‪،‬‬
‫سوٍَر‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫َ‬
‫فتحداهم بعشر سور‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫م‬‫ن * فَإ ِل ّ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا َ‬ ‫ت َواد ْ ُ‬ ‫فت ََرَيا ٍ‬ ‫م ْ‬‫مث ْل ِهِ ُ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ه ِإل هُوَ فَهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل أن ْت ُْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫َ ْ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫أن‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫فا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫بوا‬ ‫يَ ْ ِ ُ‬
‫جي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ن{ ]هود‪.[14-13 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ثم أرخى لهم حبل التحدي ‪ ،‬ووسع لهم غاية التوسعة فتحداهم أن يأتوا‬
‫َ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫م يَ ُ‬ ‫بسورة واحدة‪ ،‬أي سورة ولو من قصار السور‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫افْتراه قُ ْ ْ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا َ‬ ‫مث ْل ِهِ َواد ْ ُ‬ ‫سوَرةٍ ِ‬ ‫ل فَأُتوا ب ِ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ن{ ]يونس‪... ... .[38 :‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫َ‬
‫‪... ... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ... ...‬‬
‫‪ ... ...‬أخفض منطقة في الرض‬
‫آية نزلت كانت سببا في إسلم بعض المشركين في شأن الروم والفرس ‪.‬‬
‫حدثت معركة بين الروم والفرس فانتصر الفرس على الروم وكان الفرس‬
‫عباد النار والروم أهل كتاب ففرح المشركون لنهم أهل أوثان بانتصار أهل‬
‫الوثان على أهل الكتاب من النصارى وحزن المسلمون ‪ ..‬فأنزل الله قرآنا‬
‫يواسى به المؤمنين ويرد فرحة الكافرين قال الله تعالى‪:‬‬
‫"ألم غلبت الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع‬
‫سنين لله المر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من‬
‫يشاء وهو العزيز الرحيم"‬
‫يعني الروم هذه التي انهزمت ستنتصر في أقل من عشر سنين وسيأتي هذا‬
‫النصر وسيفرح المؤمنون وبعده فجاء واحد من الكفار لما سمع هذا ‪ ..‬إلى‬
‫أبي بكر وقال انظر ما يقول محمد ‪ ...‬قال ‪ :‬ما يقول ؟ قال ‪ :‬يقول‪ :‬إن‬
‫الروم تهزم الفرس قال ‪ :‬صدق ‪ .‬فما مرت سبع سنوات حتى تحقق وعد‬
‫الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬وانتصر الروم على الفرس وفرح المسلمون وكان ذلك في‬
‫عام الحديبية ‪...‬هذه اليات كانت معجزة للولين في هذا المر الغيبي الذي‬
‫رأوه بعد سبع سنين من إخبار القرآن به ‪ .‬فقال بعض الكفار الذين أسلموا ‪:‬‬
‫محمد عاقل وما هو مجنون ‪ ,‬لقد جعل دينه كله ومستقبله كله والسلم كله‬
‫مرهون بانتصار دولة مهزومة إنه حدد زمنا قريبا يكون في حياته فلو أنه‬
‫مرت عشر سنوات ولم تنتصر الروم راح السلم وراح القرآن وراح محمد !!‬
‫لكن يراهن محمد هذا الرهان‪ .‬لكن يحدد محمد والذي راهن أبو بكر الصديق‬
‫رضي الله عنه! هذا صنع الذي يحكم البشر فأسلموا ودخلوا في السلم !‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال الشيخ الزنداني التقيت مع واحد من أساتذة علوم الجيولوجيا في أمريكا‬


‫اسمه البروفيسور "بالما" وهو من كبار علماء الجيولوجيا في أمريكا جاء في‬
‫زيارة وجاء ومعه نموذج للكرة الرضية بها تفاصيل الرتفاعات والنخفاضات‬
‫وأعماق البحار وكم طول الرتفاع وكم عمقه كله مبين في التضاريس بالمتر‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محسوب ‪ ...‬فلما جلس قلت له ‪ :‬عندنا عبارة في القرآن ‪ ..‬آية في القرآن‬


‫تقول بأن منطقة بيت المقدس ‪ -‬حيث دارت المعركة‪ -‬هي أخفض منطقة‬
‫في العالم ‪ ..‬في أدنى الرض ‪ ..‬لن لفظ أدنى لفظ مشتق يأتي بمعنى أقرب‬
‫أقول ‪ :‬أدنى إلى من الخ ‪ ..‬أدنى بمعنى أقرب فأدنى تأتي بمعنيين بمعنى‬
‫القرب ومعنى الخفض ‪ .‬فقلت له‪ :‬الله قال في أدنى الرض فالمفسرون‬
‫السابقون أخذوا المعنى الول من أدنى ‪ :‬أقرب فقالوا منطقة إلى بلد العرب‬
‫منطقة الغوار في البحر الميت فهي أدنى الرض بالنسبة لجزيرة العرب ‪,‬‬
‫فقالوا ‪ :‬أقرب لكن الية تشتمل على المعنى الثاني بمعنى الخفض ‪ .‬وقلت‬
‫له ‪ :‬هي أخفض )وأنا أعلم بأنها أخفض ‪ ..‬لكن أريده هو أن يقول فقال‬
‫ذلك( ‪ .‬لكن لما عرف أنها من القرآن قال ‪ :‬ليست أخفض الرض ‪ .‬قال ‪ :‬فيه‬
‫منخفضات موجودة في هولندا ‪ ,‬وتحت مستوى البحر ومنخفضات كذا وأخذ‬
‫يتذكر أخفض المناطق في العالم ‪ .‬قلت له ‪ :‬أنا متأكد مما أقول ‪ ..‬استغرب‬
‫الرجل وأنا أقول ‪ :‬أنا متأكد مما أقول ‪ ..‬هذه الكرة الرضية التي فيها‬
‫الرتفاعات والنخفاضات أدارها بسرعة فلما أدارها على منطقة بيت‬
‫المقدس والمنطقة حولها وجد سهما طويل خارجا من المنطقة ومكتوب بخط‬
‫واضح أخفض منطقة في العالم ! فلما رآها قال ‪ :‬صحيح ! صحيح ! المر كما‬
‫قلت ‪ ..‬إنها أخفض منطقة في الرض ‪ ..‬هذا القرآن الكريم نزل بعلم الذي‬
‫أحاط بكل شيء ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ .‬المصدر‪ " :‬وهذا عصر اليمان " للشيخ‬
‫عبد المجيد الزنداني ‪... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫‪...‬‬
‫‪ ... ...‬أسرار البحار‬
‫قال تعالى ‪ " :‬مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ ل يبغيان فبأي آلء ربكما‬
‫تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلء ربكما تكذبان وله الجوار‬
‫المنشآت في البحر كالعلم )سورة الرحمن اليات ‪(24-19‬‬
‫المرجان ‪ :‬هذا نوع من الحلي ل يوجد إل في البحار المالحة‪ ،‬أي أن البحرين‬
‫المذكورين مالحان فالية تتكلم عن بحر يخرج منه مرجان وبحر آخر يخرج‬
‫منه مرجان‪ .‬متى عرف النسان أن البحار المالحة مختلفة وليست بحرا‬
‫متجانسا واحدا لم يعرف هذا إل عام ‪.1942‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في عام ‪ 1873‬عرف النسان أن مناطق معينة في البحار المختلفة تختلف‬


‫في تركيب المياه فيها ‪ ..‬عندما خرجت رحلة تشالنجر وطافت حول البحار‬
‫ثلثة أعوام وتعتبر هذه السفينة رحلة تشالنجر هي الحد الفاصل بين علوم‬
‫البحار التقليدية القديمة المليئة بالخرافة والساطير وبين البحاث الرصينة‬
‫القائمة على التحقيق والبحث‪ ،‬هذه الباخرة هي أول هيئة علمية بينت أن‬
‫البحار المالحة تختلف في تركيب مياهها لقد أقامت محطات ثم بقياس نتائج‬
‫هذه المحطات وجدوا أن البحار المالحة تختلف والحرارة والكثافة والحياء‬
‫المائية وقابلية ذوبان الكسجين‪ .‬وفي عام ‪ 1942‬فقط ظهرت لول مرة‬
‫نتيجة أبحاث طويلة جاءت نتيجة لقامة مئات المحطات البحرية في البحار‬
‫فوجدوا أن المحيط الطلنطي مثل ل يتكون من بحر واحد بل من بحار‬
‫مختلفة وهو محيط واحد لما جاءت مئات المحطات ووضعت ميزت ‪ ..‬هذه‬
‫المحطات المختلفة أن هذا بحر مالح وهذا كذلك أيضا بحر مالح آخر ‪ ..‬هذا له‬
‫خصائصه وهذا له خصائصه في إطار هذا البحر تختلف ‪ :‬الحرارة والكثافة‬
‫والملوحة والحياء المائية قابلية ذوبان الكسجين خاصة بهذه المنطقة بجميع‬
‫مناطقها هذان بحران مختلفان مالحان يلتقيان في محيط واحد فضل عن‬
‫بحرين مختلفين يلتقيان كذلك كالبحر البيض والبحر الحمر وكالبحر البيض‬
‫والمحيط الطلنطي وكالبحر الحمر وخليج عدن يلتقيان أيضا في مضايق‬
‫معينة‪ .‬ففي ‪ 1942‬عرف لول مرة أن هناك بحارا كاملة يختلف بعضها عن‬
‫بعض في الخصائص والصفات وتلتقي‪ ،‬وعلماء البحار يقولون ‪ :‬إن أعظم‬
‫وصف للبحار ومياه البحار ‪ :‬أنها ليست ثابتة ‪ ...‬وليست ساكنة ‪..‬أهم شيء‬
‫في البحار أنها متحركة ‪ ..‬فالمد والجزر والتيارات المائية والمواج والعاصير‬
‫عوامل كثيرة جدا كلها عوامل خلط بين هذه البحار وهنا يرد على الخاطر‬
‫سؤال ‪ :‬فإذا كان المر كذلك فلماذا ل تمتزج هذه البحار ول تتجانس ؟ !‬
‫درسوا ذلك فوجدوا الجابة ‪ :‬أن هناك برزخا مائيا وفاصل مائيا يفصل بين كل‬
‫بحرين يلتقيان في مكان واحد سواء في محيط أو في مضيق هناك برزخ‬
‫وفاصل يفصل بين هذا البحر وهذا البحر ‪ ..‬تمكنوا من معرفة هذا الفاصل‬
‫وتحديد ماهيته بماذا ؟ هل بالعين ؟ ل ‪ ..‬وإنما بالقياسات الدقيقة لدرجة‬
‫الملوحة ولدرجة الحرارة والكثافة وهذه المور ل ترى بالعين المجردة‬
‫المصدر‪ " :‬العلج هو السلم " للشيخ عبد المجيد الزنداني‬
‫‪... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫‪ ... ...‬الحكمة من الحجاب‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬نساء كاسيات عاريات مائلت مميلت رءوسهن‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كأسنمة البخت المائلة ل يدخلن الجنة ول يجدن ريحها" )رواه أبو داود( ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ " :‬ل تقبل صلة حائض إل بخمار" ( رواه المام أحمد وأبوداود‬
‫والترمذي وابن ماجه (‪.‬‬
‫لقد أثبتت البحوث العلمية الحديثة أن تبرج المرأة وعريها يعد وبال عليها‬
‫حيث أشارت الحصائيات الحالية إلى انتشار مرض السرطان الخبيث في‬
‫الجزاء العارية من أجساد النساء ول سيما الفتيات اللتي يلبسن الملبس‬
‫القصيرة فلقد نشر في المجلة الطبية البريطانية ‪ :‬أن السرطان الخبيث‬
‫الميلنوما الخبيثة والذي كان من أندر أنواع السرطان أصبح الن في تزايد‬
‫وأن عدد الصابات في الفتيات في مقتبل العمر يتضاعف حاليا حيث يصبن به‬
‫في أرجلهن وأن السبب الرئيسي لشيوع هذا السرطان الخبيث هو انتشار‬
‫الزياء القصيرة التي تعرض جسد النساء لشعة الشمس فترات طويلة على‬
‫مر السنة ول تفيد الجوارب الشفافة أو النايلون في الوقاية منه ‪ ..‬وقد‬
‫ناشدت المجلة أطباء الوبئة أن يشاركوا في جمع المعلومات عن هذا‬
‫المرض وكأنه يقترب من كونه وباء إن ذلك يذكرنا بقوله تعالى‪" :‬وإذ قالوا‬
‫اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتينا‬
‫بعذاب أليم" )سورة النفال ‪ (32 :‬ولقد حل العذاب الليم أو جزء منه في‬
‫صورة السرطان الخبيث الذي هو أخبث أنواع السرطان وهذا المرض ينتج‬
‫عن تعرض الجسم لشعة الشمس والشعة فوق البنفسجية فترات طويلة‬
‫وهو ما توفره الملبس القصيرة أو ملبس البحر على الشواطئ ويلحظ أنه‬
‫يصيب كافة الجساد وبنسب متفاوتة‪.‬‬
‫الوضوء وقاية من المراض الجلدية‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من‬
‫جسده حتى تخرج من تحت أظفاره" )رواه مسلم( وقال أيضا ‪" :‬إن أمتي‬
‫يدعون يوم القيامة غّرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن‬
‫يطيل غرته فليفعل" )متفق عليه(‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أثبت العلم الحديث بعد الفحص الميكروسكوبي للمزرعة الميكروبية التي‬


‫عملت للمنتظمين في الوضوء ‪ ..‬ولغير المنتظمين ‪ :‬أن الذين يتوضئون‬
‫باستمرار ‪ ..‬قد ظهر النف عند غالبيتهم نظيفا طاهرا خاليا من الميكروبات‬
‫ولذلك جاءت المزارع الميكروبية التي أجريت لهم خالية تماما من أي نوع‬
‫من الميكروبات في حين أعطت أنوف من ل يتوضئون مزارع ميكروبية ذات‬
‫أنواع متعددة وبكميات كبيرة من الميكروبات الكروية العنقودية الشديدة‬
‫العدوى ‪ ..‬والكروية السبحية السريعة النتشار ‪ ..‬والميكروبات العضوية التي‬
‫تسبب العديد من المراض وقد ثبت أن التسمم الذاتي يحدث من جراء نمو‬
‫الميكروبات الضارة في تجويفي النف ومنهما إلى داخل المعدة والمعاء‬
‫ولحداث اللتهابات والمراض المتعددة ول سيما عندما تدخل الدورة الدموية‬
‫‪ ..‬لذلك شرع الستنشاق بصورة متكررة ثلث مرات في كل وضوء أما‬
‫بالنسبة للمضمضة فقد ثبت أنها تحفظ الفهم والبلعوم من اللتهابات ومن‬
‫تقيح اللثة وتقي السنان من النخر بإزالة الفضلت الطعامية التي قد تبقى‬
‫فيها فقد ثبت علميا أن تسعين في المائة من الذين يفقدون أسنانهم لو‬
‫اهتموا بنظافة الفم لما فقدوا أسنانهم قبل الوان وأن المادة الصديدية‬
‫والعفونة مع اللعاب والطعام تمتصها المعدة وتسرى إلى الدم ‪ ..‬ومنه إلى‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جميع العضاء وتسبب أمراضا كثيرة وأن المضمضة تنمى بعض العضلت في‬
‫الوجه وتجعله مستديرا ‪ ..‬وهذا التمرين لم يذكره من أساتذة الرياضة إل‬
‫القليل لنصرافهم إلى العضلت الكبيرة في الجسم ولغسل الوجه واليدين‬
‫إلى المرفقين والقدمين فائدة إزالة الغبار وما يحتوى عليه من الجراثيم فضل‬
‫عن تنظيف البشرة من المواد الدهنية التي تفرزها الغدد الجلدية بالضافة‬
‫إلى إزالة العرق وقد ثبت علميا أن الميكروبات ل تهاجم جلد النسان إل إذا‬
‫أهمل نظافته ‪ ..‬فإن النسان إذا مكث فترة طويلة بدون غسل لعضائه فإن‬
‫إفرازات الجلد المختلفة من دهون وعرق تتراكم على سطح الجلد محدثه‬
‫حكة شديدة وهذه الحكة بالظافر ‪ ..‬التي غالبا ما تكون غير نظيفة تدخل‬
‫الميكروبات إلى الجلد ‪ .‬كذلك فإن الفرازات المتراكمة هي دعوة للبكتريا‬
‫كي تتكاثر وتنمو لهذا فإن الوضوء بأركانه قد سبق علم البيكتريولوجيا‬
‫الحديثة والعلماء الذين استعانوا بالمجهر على اكتشاف البكتريا والفطريات‬
‫التي تهاجم الجلد الذي ل يعتني صاحبه بنظافته التي تتمثل في الوضوء‬
‫والغسل ومع استمرار الفحوص والدراسات ‪ ..‬أعطت التجارب حقائق علمية‬
‫أخرى ‪ ..‬فقد أثبت البحث أن جلد اليدين يحمل العديد من الميكروبات التي‬
‫قد تنتقل إلى الفم أو النف عند عدم غسلهما ‪ ..‬ولذلك يجب غسل اليدين‬
‫جيدا عند البدء في الوضوء ‪ ..‬وهذا يفسر لنا قول الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إذا استيقظ أحدكم من نومة ‪ ..‬فل يغمس يده في الناء حتى‬
‫يغسلها ثلثا" كما قد ثبت أيضا أن الدورة الدموية في الطراف العلوية من‬
‫اليدين والساعدين والطراف السفلية من القدمين والساقين أضعف منها في‬
‫العضاء الخرى لبعدها عن المركز الذي هو القلب فإن غسلها مع دلكها‬
‫يقوي الدورة الدموية لهذه العضاء من الجسم مما يزيد في نشاط الشخص‬
‫وفعاليته ‪ .‬ومن ذلك كله يتجلى العجاز العلمي في شرعية الوضوء في‬
‫السلم‬
‫المصدر " العجاز العلمي في السلم والسنة النبوية " محمد كامل عبد‬
‫الصمد‬
‫قال الدكتور أحمد شوقي إبراهيم عضو الجمعية الطبية الملكية بلندن‬
‫واستشاري المراض الباطنية والقلب ‪ ..‬توصل العلماء إلى أن سقوط أشعة‬
‫الضوء على الماء أثناء الوضوء يؤدي إلى انطلق أيونات سالبة ويقلل‬
‫اليونات الموجبة مما يؤدي إلى استرخاء العصاب والعضلت ويتخلص‬
‫الجسم من ارتفاع ضغط الدم واللم العضلية وحالت القلق والرق ‪..‬ويؤكد‬
‫ذلك أحد العلماء المريكيين في قوله ‪ :‬إن للماء قوة سحرية بل إن رذاذ‬
‫الماء على الوجه واليدين ‪ -‬يقصد الوضوء ‪ -‬هو أفضل وسيلة للسترخاء‬
‫وإزالة التوتر ‪ ...‬فسبحان الله العظيم‬
‫المصدر ‪ :‬مجلة الصلح العدد ‪ 296‬سنة ‪ " 1994‬من ندوات جمعية العجاز‬
‫العلمي للقرآن في القاهرة ‪... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫‪...‬‬
‫‪ ... ...‬الزمن بين العلم والقرآن‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في إطار النشاط الثقافي لـ ) جمعية العجاز العلمي للقرآن والسنة (‬


‫بالقاهرة عقدت ندوة حول الزمن بين العلم والقرآن وقد تحدث فيها الدكتور‬
‫منصور حسب النبي ‪ -‬رئيس الجمعية واستاذ الفيزياء بكلية البنات جامعة عين‬
‫شمس‪.‬‬
‫في البداية أكد الدكتور حسب النبي أن القرآن الكريم يفتح للعلماء دائما‬
‫آفاقا علمية جديدة للتفكير والتأمل‪ ,‬والعلم الصحيح ل بد أن يؤدي إلى‬
‫اليمان ‪ ,‬ول يمكن أن يحدث تعارض بين الحقائق العلمية والقرآن إل إذا‬
‫اخطأ العالم في نظريته أو اخفق المفسر في تأويله للية القرآنية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وأضاف أن القرآن تعرض لقضايا علمية كثيرة منها موضوع خلق الكون ‪,‬‬
‫الزمان ‪ ,‬المكان والقرآن يشير إلى أن الله خلق الكون في ستة أيام واليام‬
‫عند الله هي فترات زمنية وليست أياما بالمعنى الرضي لن الزمن نسبي‬
‫وليس مطلقا ‪ ,‬وهو ما يتفق ومعطيات العلم الحديث والنظرية النسبية‬
‫وللزمن في حياة الكائنات الحية بل وغير الحية أهمية كبيرة ‪ ,‬فكلنا يهتم‬
‫بقياس الزمن كمحدد للعمر ‪ .‬وكذلك الشعب المرجانية والمواد المشعة‬
‫كالراديوم واليورانيوم تنحل إشعاعيا لتتحول إلى رصاص ‪ .‬ولكل عنصر مشع‬
‫معدل معين للنحلل ‪ .‬وقد استخدم العلماء بعض المواد المشعة كاليورانيوم‬
‫والكربون ‪ 14‬لتعيين عمر الرض وعمر الحياة على الرض ‪ .‬كما استخدم‬
‫العلماء ظاهرة تمدد الكون واتساعه المستمر لتعيين عمر الكون وتناول د ‪.‬‬
‫حسب النبي ) عمر الكون ( باعتباره قضية لثبات وجود الله ‪ ,‬لن الكون‬
‫طالما أن له بداية زمنية محددة فل بد أن يكون قد أوجده ) مبدىء ( لنه ل‬
‫يمكن أن يكون قد بدأ بنفسه ‪ .‬وقد وجه القرآن للنسان دعوة صريحة للبحث‬
‫عن نشأة الكون وبداية الخلق‪ ،‬يقول الحق سبحانه ‪":‬قل سيروا في الرض‬
‫فانظروا كيف بدأ الخلق" ونستخلص من هذه الية عدة إشارات مهمة ‪ .‬منها‬
‫أن السير في الرض سوف يرشدنا لبداية الخلق ‪ .‬والتعبير القرآني بالسير‬
‫في الرض وليس عليها يشير إلى البحث في الطبقات الجيولوجية للرض‬
‫للتعرف على نشأتها ونشأة المملكة النباتية والحيوانية بها بل وعلى بداية‬
‫الخلق بجميع أنواعه بما في ذلك الكون‬
‫ولقد ذكر القرآن في كثير من آياته أن الله تعالى خلق الكون في ستة أيام‬
‫كما قي قوله سبحانه ‪":‬ولقد خلقنا السماوات و الرض وما بينهما في ستة‬
‫أيام وما مسنا من لغوب" والمقصود هنا باليام ‪ :‬المراحل أو الحقب الزمنية‬
‫لخلق الكون وليست اليام التي نعدها نحن البشر‪ .‬بدليل عدم الشارة إلى‬
‫ذلك بعبارة )مما تعدون( في أي من اليات التي تتحدث عن اليام الستة‬
‫لخلق السماوات والرض كما في قوله تعالى ‪):‬وهو الذي خلق السماوات‬
‫والرض في ستة أيام( وقوله سبحانه ‪:‬الله الذي خلق السماوات والرض وما‬
‫بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ول‬
‫شفيع أفل تذكرون‪ .‬يدبر المر من السماء إلى الرض ثم يعرج إليه في يوم‬
‫كان مقداره ألف سنة مما تعدون( وقد أجمع المفسرون على أن اليام الستة‬
‫للخلق قسمت إلى ثلثة أقسام متساوية كل قسم يعادل يومين من أيام‬
‫الخلق بالمفهوم النسبي للزمن‬
‫أول ‪ :‬يومان لخلق الرض من السماء الدخانية الولى ‪ ,‬فالله تعالى يقول ‪:‬‬
‫)خلق الرض في يومين( ويقول أيضا‪):‬أو لم ير الذين كفروا أن السماوات‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والرض كانت رتقا ففتقناهما( وهذا دليل على أن السماوات والرض كانتا‬
‫في بيضة كونية واحدة " رتقا " ثم انفجرت‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬يومان لتسوية السماوات السبع طبقا لقوله تعالى‪) :‬فقضاهن سبع‬
‫سماوات في يومين( وهو يشير إلى الحالة الدخانية للسماء )ثم استوى إلى‬
‫السماء وهي دخان( بعد النفجار العظيم بيومين ‪ ,‬حيث بدأ بعد ذلك تشكيل‬
‫السماوات وأبدع خلقهن سبع سماوات في فترة محددة بيومين آخرين‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬يومان لتدبير الرض جيولوجيا وتسخير لخدمة النسان ‪ ,‬يقول سبحانه‪):‬‬
‫وجعل فيها رواسي من فوقها( وهو ما يشير إلى جبال نيزكية سقطت‬
‫واستقرت في البداية على قشرة الرض فور تصلبها بدليل قوله تعالى ‪):‬من‬
‫فوقها( و أكثر من خيراتها بما جعل فيها من المياه و الزروع والضروع أي‬
‫)أخرج منها مائها ومرعاها( ) وقدر فيها أقواتها( أي أرزاق أهلها ومعاشهم‬
‫بمعنى أنه خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها استعداد لستقبال النسان‬
‫) في أربعة أيام سواء للسائلين ( أي في أربعة أيام متساوية بل زيادة ول‬
‫نقصان للسائلين من البشر ‪.‬‬
‫وأكد د ‪ .‬حسب النبي أن العلماء قد توصلوا باستخدام النحلل الشعاعي‬
‫لليورانيوم وتحوله إلى رصاص في قياس عمر الصخور الرضية والنيزكية –‬
‫إلى أن تكوين القشرة الرضية " تصلب القشرة " بدأ منذ ‪ 4,5‬مليار سنة‬
‫وأن هذا الرقم هو أيضا عمر صخور القمر‪ .‬وقد استخدم العلماء حديثا‬
‫الكربون المشع لتحديد عمر الحفريات النباتية والحيوانية وتاريخ الحياة على‬
‫الرض وبهذا فإن كوكب الرض بدأ تشكيله وتصلب قشرته منذ ‪ 4500‬مليون‬
‫سنة وأن النسان زائر متأخر جدا لكوكب الرض بعد أن سخر له الله ما في‬
‫الرض جميعا )هل أتى على النسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا (‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ويؤكد العلم أن النسان ظهر منذ بضع عشرات اللوف من السنين دون‬
‫تحديد نهائي ‪ ,‬ويمكن أن نعتبر أن التشكيل الجيولوجي للرض بدأ من إرساء‬
‫الجبال النيزكية على قشرتها الصلبة وانبعاث الماء والهواء من باطن الرض‬
‫وتتابع أفراد المملكة النباتية والحيوانية حتى ظهور النسان ‪ .‬وقد استغرق‬
‫ذلك قترة زمنية قدرها ‪ 4,5‬مليار سنة والتي يشير إليها القرآن في سورة‬
‫فصلت على أنها تعادل ثلث عمر الكون وحيث أن التدبير الجيولوجي للرض‬
‫منذ بدء تصلب القشرة الرضية وحتى ظهور النسان قد استغرق زمنا قدره‬
‫‪ 4,5‬مليار سنة فإنه يمكننا حساب عمر الكون قرآنيا بضرب هذه الفترة‬
‫الجيولوجية في ‪ 3‬على اعتبار أن اليام الستة للخلق مقسمة إلى ثلثة أقسام‬
‫متساوية ‪ .‬وكل قسم يعادل يومين من أيام الخلق بالمفهوم النسبي للزمن ‪.‬‬
‫ومن ثم يصبح عمر الكون ‪ 13,5‬مليار سنة‪.‬‬
‫وأشار د ‪ .‬حسب النبي إلى أن العلم لم يصل حتى الن إلى تقسيم مراحل‬
‫خلق الكون الستة ‪ .‬فالبحاث تدور كلها حول تحديد عمر الكون منذ النفجار‬
‫العظيم الذي يسمى في الفيزياء الكونية بـ" ‪ " Big Bang‬ويقدر العلماء عمر‬
‫الكون بطريقة مختلفة ووفق رؤى متعددة فهناك من يحدد عمر الكون حسب‬
‫ظاهرة تمدد الكون والزاحة الحمراء بـ ‪ 10‬إلى ‪ 18‬مليار سنة وبطريقتين‬
‫نوويتين مختلفتين لكل من فاولر وهويل استنتجا أن عمر الكون ‪ 13‬أو ‪15‬‬
‫مليار سنة‪.‬‬
‫المصدر " مجلة الصلح " العدد ‪ 325‬سنة ‪ 1995-7-15‬الموافق ‪ -17‬صفر‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫– ‪... ... 1416‬‬


‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫‪ ... ...‬زمزم‬
‫هل لماء زمزم ميزة على غيره في التركيب‬
‫نعم ماء زمزم له مزية من حيث التركيب‪ ,‬فقد قام بعض الباحثين من‬
‫الباكستانيين من فترة طويلة فأثبتوا هذا‪ ,‬وقام مركز أبحاث الحج بدراسات‬
‫حول ماء زمزم ‪ ,‬فوجدوا أن ماء زمزم ماء عجيب يختلف عن غيره ‪ ,‬قال‬
‫المهندس "سامي عنقاوي " مدير– رئيس مركز أبحاث الحج ‪ ..‬عندما كنا‬
‫نحفر في زمزم عند التوسعة الجديدة للحرم كنا كلما أخذنا من ماء زمزم‬
‫شّغلنا ثلث مضخات لكي ننزح ماء‬ ‫زادنا عطاء ‪ ..‬كلما أخذنا من الماء زاد ‪َ ..‬‬
‫زمزم حتى يتيسر لنا وضع السس ‪ ,‬ثم قمنا بدراسة لماء زمزم من منبعه‬
‫لنرى هل فيه جراثيم ؟! فوجدنا أنه ل يوجد فيه جرثومة واحدة !! نقي‬
‫طاهر ‪ ,‬لكن قد يحدث نوع من التلوث بعد ذلك في استعمال النية أو أنابيب‬
‫المياه أو الدلو يأتي التلوث من غيره ! ‪ ,‬ولكنه نقي طاهر ليس فيه أدنى‬
‫شيء ‪ .‬هذا عن خصوصيته ومن خصوصية ماء زمزم أيضا أنك تجده دائما ‪..‬‬
‫ودائما يعطي منذ عهد الرسول صلى الله عليه سلم إلى اليوم وهو يفيض‬
‫كم تستمر البار التي غير ماء زمزم؟! خمسين سنة ‪ ,‬مائة سنة ‪ ..‬ويغور‬
‫ماؤها وتنتهي فما بال هذا البئر دائما ل تنفذ ماءه ؟‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪) :‬ماء زمزم لما شرب له ( أخرجه المام أحمد‬
‫حق أنا علمت علما قاطعا بقصة رجل من اليمن – أعرفه فهو صديقي ‪ -‬هذا‬
‫رجل كبير ‪ ,‬نظره كان ضعيفا ‪ ..‬بسبب كبر السن وكاد يفقد بصره ! ‪ ,‬وكان‬
‫يقرأ القرآن وهو حريص على قراءة القرآن ‪ ..‬وهو يكثر من قراءة القرآن‬
‫وعنده مصحف صغير ‪ ..‬هذا المصحف ل يريد مفارقته ‪ ,‬ولكن ضعف نظره‬
‫فكيف يفعل ؟ ! قال ‪ :‬سمعت أن زمزم شفاء فجئت إلى زمزم ‪ ,‬وأخذت‬
‫أشرب منه فرأيته أنا ‪ ,‬أنا رأيته يأخذ المصحف الصغير من جيبه ويفتحه ويقرأ‬
‫‪ ,‬أي والله يفتحه ويقرأ وكان ل يستطيع أن يقرأ في حروف هي أكبر من‬
‫مصحفه هذا ‪ ,‬وقال ‪ :‬هذا بعد شربي لزمزم ‪ .‬فيا أخي الكريم هذا حديث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ولكن الدعاء شرطه أن يكون صاحبه‬
‫موقنا بالجابة شرط أن تكون مستجيبا ‪ ,‬شرطه أن تحقق شرط الجواب ‪:‬‬
‫)إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي‬
‫وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( ‪ -‬البقرة ‪186 :‬‬
‫المصدر " أنت تسأل والشيخ الزنداني يجيب حول العجاز العلمي في القرآن‬
‫والسنة " للشيخ عبد المجيد الزنداني‬
‫يسرية شفيت من قرحة قرمزية في عينها اليسرى بعد استعمالها ماء زمزم‬
‫يذكر أحد الخوة المسلمين بعد عودته من أداء فريضة الحج فيقول ‪ :‬حدثتني‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيدة فاضلة اسمها – يسرية عبد الرحمن حراز – كانت تؤدي معنا فريضة‬
‫الحج ضمن وزارة الوقاف عن المعجزة التي حدثت لها ببركات ماء زمزم‬
‫فقال ‪ :‬إنها أصيبت منذ سنوات بقرحة قرمزية في عينها اليسرى نتج عنها‬
‫صداع نصفي ل يفارقها ليل نهار ‪ ,‬ول تهدئ منه المسكنات ‪ ..‬كما أنها كادت‬
‫تفقد الرؤية تماما بالعين المصابة لوجود غشاوة بيضاء عليها ‪ ..‬وذهبت إلى‬
‫أحد كبار أطباء العيون فأكد أنه ل سبيل إلى وقف الصداع إل باعطائها حقنة‬
‫تقضي عليه ‪ ,‬وفي نفس الوقت تقضي على العين المصابة فل ترى إلى البد‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وفزعت السيدة يسرية لهذا النبأ القاسي ‪ ,‬ولكنها كانت واثقة برحمة الله‬
‫تعالى ومطمئنة إلى أنه سيهيئ لها أسباب الشفاء رغم جزم الطب والطباء‬
‫بتضاؤل المل في ذلك ‪ ..‬ففكرت في أداء عمرة ‪ ,‬كي تتمكن من التماس‬
‫الشفاء مباشرة من الله عند بيته المحرم‬
‫وجاءت إلى مكة وطافت بالكعبة ‪ ,‬ولم يكن عدد الطائفين كبيرا وقتئذ ‪ ,‬مما‬
‫أتاح لها – كما تقول – أن تقبل الحجر السود ‪ ,‬وتمس عينها المريضة به ‪ ..‬ثم‬
‫اتجهت إلى ماء زمزم لتمل كوبا منه وتغسل به عينها ‪ ..‬وبعد ذلك أتمت‬
‫السعي وعادت إلى الفندق الذي تنزل به‬
‫فوجئت بعد عودتها إلى الفندق أن عينها المريضة أصبحت سليمة تماما ‪ ,‬وأن‬
‫أعراض القرحة القرمزية توارت ولم يعد لها أثر يذكر‬
‫كيف تم استئصال قرحة بدون جراحة ؟! ‪ ..‬كيف تعود عين ميئوس من‬
‫شفائها إلى حالتها الطبيعية بدون علج ؟! وعلم الطبيب المعالج بما حدث ‪,‬‬
‫فلم يملك إل أن يصيح من أعماقه الله أكبر إن هذه المريضة التي فشل‬
‫الطب في علجها عالجها الطبيب العظم في عيادته اللهية التي أخبر عنها‬
‫رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ماء زمزم لما شرب له ‪ ,‬إن شربته‬
‫تستشفي شفاك الله ‪ ,‬وإن شربته لشبعك أشبعك الله – وإن شربته لقطع‬
‫ظمئك قطعه الله ‪ ,‬وهي هزمة جبرائيل وسقيا الله إسماعيل ( رواه‬
‫الدارقطني والحكم وزاد‬
‫إخراج حصاة بدون جراحة‬
‫ومثل هذه الحكاية وحكايات أخرى نسمع عنها من أصحابها أو نقرؤها ‪ ,‬وهي‬
‫إن دلت على شيء فإنما تدل على صدق ما قاله الرسول صلى الله عليه‬
‫سلم عن هذه البئر المباركة زمزم‬
‫فيروي صاحب هذه الحكاية الدكتور فاروق عنتر فيقول‬
‫لقد أصبت منذ سنوات بحصاة في الحالب ‪ ,‬وقرر الطباء استحالة إخراجها إل‬
‫بعملية جراحية ‪ ,‬ولكنني أجلت إجراء العلمية مرتين ‪ ..‬ثم عن لي أن أؤدي‬
‫عمرة ‪ ,‬وأسأل الله أن يمن علي بنعمة الشفاء وإخراج هذه الحصاة بدون‬
‫جراحة ؟‬
‫وبالفعل سافر الدكتور فاروق إلى مكة ‪ ,‬وأدى العمرة وشرب من ماء‬
‫زمزم ‪ ,‬وقبل الحجر السود ‪ ,‬ثم صلى ركعتين قبل خروجه من الحرم ‪,‬‬
‫فأحس بشيء يخزه في الحالب ‪ ,‬فأسرع إلى دورة المياه ‪ ,‬فإذا بالمعجزة‬
‫تحدث ‪ ,‬وتخرج الحصاة الكبيرة ‪ ,‬ويشفى دون أن يدخل غرفة العمليات‬
‫لقد كان خروج هذه الحصاة مفاجأة له وللطباء الذين كانوا يقومون على‬
‫علجه ‪ ,‬ويتابعون حالته‬
‫المصدر " العجاز العلمي في السلم والسنة النبوية " لمحمد كامل عبد‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصمد ‪... ...‬‬


‫‪... ... ... ...‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫العداد الذاتي للداعية‬


‫أ‪ .‬إبراهيم غرايبة ـ السلم اليوم‬
‫يعد الجانب الذاتي الجزء المهم و الساس في برامج التربية و التدريب‪ ،‬و‬
‫من دونه ل تنجح هذه البرامج و ل تحقق أهدافها‪ ،‬ذلك أن عجلة الحياة ل‬
‫تتوقف؛ فتأتي في كل لحظة بتجارب و أفكار و خبرات و فرص ل يجوز فوتها‪.‬‬
‫والمنهج السلمي في التربية و العبادة يرى هذه الرؤية و الفلسفة‪،‬‬
‫فالعبادات و المعاملت تنبثق من رقابة ذاتية و مسؤولية لدى المسلم مع‬
‫الحرص والرغبة في نيل رضا الله تعالى‪ ،‬و الشعور بأنه يراقبه دائما ً وينتظر‬
‫الثواب و يخاف العذاب‪.‬‬
‫ً‬
‫وتؤكد اليات و الحاديث دائما على ضرورة وعي الهداف والحكم من‬
‫العبادات‪ ،‬فإنها من غير ذلك تكون أفعال ً جوفاء‪ ،‬قال – تعالى ‪) :-‬أيها الذين‬
‫كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون(‪ ،‬فإن‬ ‫آمنوا ُ‬
‫لم يحقق المسلم بالصوم التقوى؛ فقد أخل بالغرض الذي شرع الصوم من‬
‫أجله‪ ،‬و إن كان يشارك المسلمين بالشعائر الظاهرة للصوم‪ ،‬وقال ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه و سلم ‪" :-‬رب صائم ليس له من صومه إل الجوع‪ ،‬ورب قائم ليس‬
‫له من قيامه إل التعب والنصب" وقال – تعالى ‪) :-‬لن ينال الله لحومها و ل‬
‫دماؤها و لكن يناله التقوى منكم(‪ ،‬وقال‪) :‬إن الصلة تنهى عن الفحشاء و‬
‫المنكر(‪ ،‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪" :-‬من لم تنهه صلته عن الفحشاء و‬
‫المنكر لم تزده من الله إل ُبعدًا"‪.‬‬
‫وحين نفكر في تحقيق حكم العبادات و جوهرها؛ نجد أن الدافع الذاتي‬
‫والحرص على الشعور بها هو الذي يجعل هذه العبادات و الشعائر ليست‬
‫حركات شكلية؛ بل أداًء حيا ً يسري في حياة المسلم اليومية و في ضميره و‬
‫روحه و عقله‪ ،‬فيصقله و يسمو به عن المعصية و النحراف‪.‬‬
‫و يقدم الحديث النبوي تمثيل ً حكيما ً مؤثرا ً حين يرينا كيف يختلف أثر الدعوة‬
‫في الناس حسب طبائعهم و مشاربهم و صفاتهم الفردية؛ فالناس كما‬
‫وصفهم الحديث في معاملة ما بعث الله به نبيهم ‪ -‬صلى الله عليه و سلم‪-‬‬
‫كمثل الرض و التربة‪ :‬بعضها طيب فيقبل الماء فينبت الكل‪ ،‬و بعضها يحفظ‬
‫الماء للناس ول تقبله‪ ،‬و بعضها قيعان ل تحفظ ماء ول تنبت زرعًا!‪.‬‬
‫و حين نستعير الفكار السابقة‪ ،‬و نجعلها في برامج العمل؛ نؤكد أول ً أن‬
‫منهاج العمل السلمي يعتمد غالبا ً في النجاح و الفاعلية على الجهد الذاتي‬
‫والصفات الفردية لدى الدعاة‪ ،‬وهم يستفيدون من هذه البرامج بقدر‬
‫استعدادهم وجهودهم الذاتية‪.‬‬
‫وحتى نعين الخوة الدعاة على فهم هذه الفكرة في خطوات وبرامج عملية؛‬
‫فإننا نقدم الفكار والقتراحات التالية‪:‬‬
‫‪ – 1‬يكف معظم الناس بعد سن الخامسة والعشرين بسبب مشاغل الحياة‬
‫وزيادة المسؤولية‪ ،‬وضعف الحماس والتقدم في السن‪ ،‬وضعف الصحة عن‬
‫ممارسة مواهب نافعة‪ ،‬يكفون عن المطالعة و القراءة و المشاركة في‬
‫النشطة العامة‪ ،‬لكن على الداعية أن يلتزم مهما تكن حاله اقتصاص وقت‬
‫مناسب للقراءة والمشاركة والرياضة والكتابة والعمال الفنية والحرفية‪ ،‬فإنه‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن لم يفعل سيجد نفسه بعد سنوات فقد صلته بالمجتمع المحيط والجيال‬
‫الصاعدة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 2‬أن يرسم الداعية خطة للثقافة الذاتية الجادة لتحقق فهما للسلم‬
‫وأحكامه و المجتمع الواقع المحيط‪ ،‬و العمل الجماعي وأصوله وقواعده‬
‫تعتمد على المصادر الولية والبحث العلمي‪ ،‬و تتجاوز الكتب المبسطة‪ ،‬أو‬
‫الكتب المختصرة المتكررة‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن يشترك الداعية في مكتبة عامة و يتتبع المجلت المختصة والنتاج‬
‫الفكري الجديد في مجال واحد يختاره‪.‬‬
‫‪ – 4‬غنيمة الفرص والسعات التي تتيحها المؤسسات التي يعمل بها أو‬
‫ل‪ ،‬و ل يزهد فيها أو تمنعه مشاغله أو ضعف همته و‬ ‫يدرس‪ ،‬كالدورات مث ً‬
‫إرادته لتحول بينه و بينها‪.‬‬
‫‪ – 5‬حيازة أكبر قدر ممكن من المهارات العملية و الفنية و الحرفية‪ ،‬كرخصة‬
‫السواقة و الحاسوب و المقالة الصحفية و الدبية و الرسم‪ ،‬أو المهارات‬
‫اليدوية و الفنية كصيانة السيارات و الجهزة و الحدادة و النجارة و كل ما‬
‫ينفع المسلم و المسلمين‪ ،‬والسعي الدائم في العتماد على النفس في أداء‬
‫العمال اليومية والحتياجات‪ ،‬قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬ما أكل أحد‬
‫طعاما ً قط خير من أن يأكل من عمل يده‪ ،‬وإن نبي الله داود كان يأكل من‬
‫عمل يده"‪.‬‬
‫‪ – 6‬المشاركة في الدورات التي تعقدها مؤسسات شتى لقاء أجر‪ ،‬كالمراكز‬
‫المهنية الهلية المختلفة‪.‬‬
‫‪ – 7‬إتقان لغة أجنبية يوسع الداعية ويزيد ثقافته‪.‬‬
‫و أخيرا ً فثمة أوصاف و شروط تلزم الداعية والمشاركين في العمل‬
‫السلمي نذكر الدعاة بها ليسعوا إلى تحقيقها‪:‬‬
‫‪ -‬رحابة الصدر و سعة الفق‪.‬‬
‫‪ -‬احتمال الرأي الخر والرضى برأي الغالبية‪.‬‬
‫‪ -‬فهم الحداث الجارية و ربطها و تفسيرها‪.‬‬
‫‪ -‬فهم المجتمع المحيط فهما ً أصيل ً يحيط بتاريخه ونشأته وأسبابه الحضارية و‬
‫الثقافية و القتصادية و الخدمات و المرافق‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة تاريخ الدعوة السلمية و مبادئها‪ ،‬و سبر أعماق العمل السلمي‬
‫الجتماعية و التنموية و النقابية‪.‬‬
‫‪ -‬اغتنام الوقت وحسن تقسيمه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬القدرة على الدارة و التخطيط‪ ،‬و إدراك أصول العمل الجماعي وقواعده‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ول بد أن يحقق الداعية نفسه جملة من الخلق و الشروط ذكرناها آنفا‪ً،‬‬
‫لكننا نوردها هنا ليفهم الداعية أنها إطار التكوين الذاتي و جوهره‪ ،‬وبدونها‬
‫يفقد العمل معناه‪ ،‬ول يختلف عن سواه من العمال‪ ،‬وهي‪ :‬تقوى الله‪،‬‬
‫وعبادته‪ ،‬والنابة إليه‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬و الكرم‪ ،‬والحلم‪ ،‬و الناة‪ ،‬والقدوة الحسنة‪،‬‬
‫وسائر ما وصى به ديننا الحنيف‪ ،‬وما تسعى به الدعوة السلمية؛ ليتحلى به‬
‫أبناؤها‪) :‬و لباس التقوى ذلك خير(‪) ،‬و اتقوا الله و يعلمكم الله(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العداد المادي للقوة العسكرية في السلم‬


‫والمقصود به إعداد الرجال المقاتلين والسلح‪ ،‬كما يتسع لكل ما عرف‬
‫ويعرف من آلت الحرب برية وبحرية وجوية‪ ،‬ويشمل كل ما يلزم لذلك من‬
‫التعليم والتدريب‪ ،‬وإقامة المصانع الحربية‪ ،‬وإيجاد الخبرات العسكرية‪،‬‬
‫والكفايات اللزمة لذلك)‪.(2‬‬
‫إن السلم يوجب إعداد العدة وأخذ الهبة يقول تعالى‪ :‬وأعدو لهم ما‬
‫استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)النفال‪-‬‬
‫‪ ،(60‬والعداد يتطور بحسب الظروف والحوال‪ ،‬فلفظ القوة يتناول كل‬
‫وسيلة من شأنها أن تدمر العدو‪ ،‬كما كان النبي عليه الصلة والسلم يحث‬
‫المسلمين على بذل الجهد على تعلم جميع الوسائل المؤدية إلى القوة‬
‫العسكرية فقد مر عليه الصلة والسلم على قوم ينتظلون فقال‪":‬ارموا بين‬
‫إسماعيل فإن أباكم كان راميا‪ ،‬وأنا مع بني فلن" فأمسك أحد الفريقين‬
‫بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما لكم ل ترمون" قالوا‪:‬‬
‫كيف نرمي وأنت فيهم؟ قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ارموا وأنا معكم‬
‫كلكم")‪.(3‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬ارموا واركبوا‪ ،‬وإن ترموا أحب إلى من أن‬
‫تركبوا كل شيء يلهو به الرجل باطل إل رمي الرجل بقوسه‪ ،‬وتأديبه فرسه‪،‬‬
‫أو ملعبته امرأته فإنه من الحق‪ ،‬ومن ترك الرمي بعدما علمه فقد كفر الذي‬
‫علمه")‪.(4‬‬
‫يقول النووي‪" (5) :‬هذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه‪ ،‬وهو‬
‫مكروه كراهة شديدة لمن تركه بل عذر‪،‬والمراد بهذا كله التمرن على القتال‬
‫والتدرب والتحذق فيه ورياضة العضاء بذلك")‪.(6‬‬
‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية)‪" :(7‬الرمي في سبيل الله‪ ،‬والطعن في سبيل‬
‫الله والضرب في سبيل الله كل ذلك مما أمر الله به ورسوله‪.‬‬
‫وهذه العمال كل منها له محل يليق به هو أفضل من غيره‪ ،‬فالسيف عند‬
‫مواصلة العدو‪ ،‬والطعن عند مقاربته‪ ،‬والرمي عند بعده أو عند الحائل كالنهر‬
‫والحصن ونحو ذلك‪ ،‬فكلما كان أنكى في العدو وأنفع للمسلمين فهو أفضل")‬
‫‪.(8‬‬
‫ولكي تتم القوة على مجابهة العداء وملقاة الخصوم ل بد من التدريب على‬
‫العمال الحربية حتى يمكن الدخول إلى خضم المعارك والمجاهد آمن من‬
‫أنه سيقوم بما يستطيع من قتال في سبيل الله‪.‬‬
‫لقد وضع السلم السس والقواعد التي يقوم عليها إعداد القوة المادية‪،‬‬
‫ومنها إعداد الرجال المقاتلين‪ ،‬وهذا العداد يقتضي التدريب على فنون‬
‫الحرب تمشيا ً مع الواقع الملموس‪.‬‬
‫ويوجه السلم إلى العداد المادي في المور التية‪:‬‬
‫‪1‬ـ تقوية الجسام‬
‫حث السلم على تعلم السباحة وركوب الخيل‪ ،‬والسباق في الجري‪،‬‬
‫والسباق بين الفرسان على الخيل والبل والمصارعة إلى غير ذلك من ألوان‬
‫التربية البدنية والرياضية التي تبني الجسم القوي السليم‪ ،‬وقد ثبت عنه عليه‬
‫الصلة والسلم أنه قال‪..." :‬إن لبدنك عليك حقًا‪ ..‬الحديث")‪ ،(9‬وقال‪:‬‬
‫"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف‪ ..‬الحديث")‪.(10‬‬
‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمتع بلياقة بدنية قوية‪ ،‬فكان يصرع الرجل‬
‫القوي ويركب الفرس عارية فيروضها على السير‪ ،‬وكان يداعب من يحب‬
‫المسابقة في العدو)‪.(11‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪2‬ـ التدريب على السلح والرماية‬


‫حث السلم على التدريب على الرماية بالقوس والنضال والسهام والطعن‬
‫بالرمح والحربة والضرب بالسيف وهي أسلحة القتال المعروفة في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر‬
‫الجنة‪ ،‬صانعه المحتسب في عمله الخير‪ ،‬والرامي‪ ،‬والممد به")‪.(12‬‬
‫‪3‬ـ تدريب الفرسان على ركوب الخيل والحرب بها‬
‫حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على التدرب على ركوب الخيل‬
‫وعلى فنون الحرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من احتبس‬
‫فرسا في سبيل الله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه‬
‫يوم القيامة")‪.(13‬‬
‫ومن صور تشجيعه صلى الله عليه وسلم على الفروسية وإجراء المسابقات)‬
‫‪" :(14‬أنه كان يسابق بين الخيل‪..‬الحديث")‪.(15‬‬
‫وتحتوي توجيهات السلم في التدريب على عدة مبادئ أهمها‪:‬‬
‫‪1‬ـ إتقان التدريب‪ :‬يحث السلم على إتقان التدريب لبلوغ أعلى قدر من‬
‫الكفاءة القتالية يرشد إلى ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن‬
‫الله كتب الحسان على كل شيء‪ ...‬الحديث")‪.(16‬‬
‫ومن مقتضيات هذا المبدأ أل يكتفي المسلم بالمستوى الذي بلغه‪ ،‬بل عليه‬
‫أن يجود فيه ويرفع مستواه بالمزيد من التمرين والمعرفة‪ ،‬وهذه المسؤولية‬
‫تقع على عاتق الفرد قبل أن تقع على عاتق قيادته‪.‬‬
‫‪2‬ـ استمرار التدريب‪ :‬وهو من أهم مبادئ التدريب في الجيوش؛ لن‬
‫الستمرار يحقق فائدتين كبيرتين‪ ،‬الولى‪ :‬هي المحافظة على مستوى كفاءة‬
‫المقاتل ليكون قادرا ً على القتال بكفاءة في أية لحظة‪ ،‬والثانية‪ :‬هي دعم‬
‫الكفاءة والرتفاع بها إلى أعلى مستوى أفضل‪ ،‬وهذا يفهم من قول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى")‬
‫‪.(17‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪3‬ـ ملحقة التطور في أسلحة القتال‪ :‬فنجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد‬
‫عني بملحقة التطور في أسلحة القتال فكان حريصا ً على تزويد جيش‬
‫السلم بالسلحة المعاصرة وعلى تدريب المقاتلين المسلمين عليها‪ ،‬ثم‬
‫استخدمها في القتال)‪.(18‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الهوامش‬
‫^ باحث وأكاديمي سعودي‪.‬‬
‫‪1‬ـ انظر‪ :‬الجهاد في السلم بين الطلب والدفاع ـ صالح بن سعد اللحيدان ـ‬
‫ص)‪ 86‬ـ ‪.(89‬‬
‫‪2‬ـ انظر‪ :‬عناصر القوة في السلم ـ السيد سابق ـ ص )‪.(223‬‬
‫‪3‬ـ رواه البخاري عن سلمة بن الكوع رضي الله عنه في باب قوله تعالى‪:‬‬
‫وأذكر في الكتاب إسماعيل ص)‪ (961‬رقم )‪.(3373‬‬
‫‪4‬ـ رواه ابن ماجة عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في باب الرمي‬
‫في سبيل الله )‪.(2811-2‬‬
‫‪5‬ـ هو‪ :‬يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني النووي‬
‫الشافعي‪ ،‬علمة الفقه والحديث‪ ،‬له تصانيف كثيرة في مختلف الفنون‪ ،‬توفي‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سنة )‪676‬هـ(‪.‬‬
‫‪6‬ـ شرح صحيح مسلم للنووي )‪.(57-13‬‬
‫‪7‬ـ هو‪ :‬أبو العباس تقي الدين‪ ،‬أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلم بن عبدالله‬
‫بن تيمية الحراني الدمشقي‪.‬‬
‫‪8‬ـ الفتاوي )‪ 8-28‬ـ ‪.(12‬‬
‫‪9‬ـ رواه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه‬
‫في باب النهي عن صوم الدهر )‪ (813-2‬رقم )‪.(1159‬‬
‫‪10‬ـ رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه في باب المر‬
‫بالقوة وترك العجز )‪.(2052-4‬‬
‫‪11‬ـ انظر‪ :‬زاد المعاد في هدي خير العباد لبن القيم الجوزية )‪ 95-3‬ـ ‪.(99‬‬
‫‪12‬ـ رواه ابن ماجة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه في باب الرمي في‬
‫سبيل الله )‪ (940-2‬رقم )‪.(2811‬‬
‫‪13‬ـ رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه في باب من احتبس فرسا‬
‫في سبيل الله ص )‪ (579‬رقم )‪.(1853‬‬
‫‪14‬ـ انظر‪ :‬المدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ـ محمد‬
‫جمال محفوظ ص )‪ 278‬ـ ‪.(281‬‬
‫‪15‬ـ رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه في باب المسابقة‬
‫بين الخيل )‪ (1491-3‬رقم )‪.(1870‬‬
‫‪16‬ـ رواه مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه في باب المر بإحسان‬
‫الذبح )‪ (522-3‬رقم )‪.(1918‬‬
‫‪17‬ـ رواه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر رض الله عنه في باب فضل‬
‫الرمي )‪ (1522-3‬رقم )‪.(1919‬‬
‫‪18‬ـ انظر‪ :‬المدخل إلى العقيدة والستراتيجية العسكرية السلمية ـ محمد‬
‫جمال الدين محفوظ ـ ص )‪.(281‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫العلم السلمي الممارسة ‪ ..‬بين النظرية والواقع‬


‫د‪ .‬محمد الحضيف ‪2/5/1427‬‬
‫‪29/05/2006‬‬
‫مدخل‪:‬‬
‫ح على السلميين منذ نهاية القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يل‬ ‫السلمة‪،‬‬ ‫هاجس‬ ‫ظل‬
‫وبداية القرن العشرين‪ ،‬على يد الرواد‪ ،‬من زعماء التجديد والصلح‪ ،‬من‬
‫أمثال محمد عبده‪ ،‬ومحمد رشيد رضا‪ ،‬وحسن البنا‪ ،‬وآخرين‪ .‬الستعمار‬
‫الوروبي لمعظم البلد العربية‪ ،‬عبر الحتلل العسكري‪ ،‬والهيمنة السياسية‪،‬‬
‫ل خاص‪ ..‬الجوانب‬ ‫أفرز آثارا ً تغريبية على مجمل نواحي الحياة‪ ،‬وبشك ٍ‬
‫الجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫أدت سيطرة مظاهر الحياة الغربية‪ ،‬على المشهد الثقافي والجتماعي في‬
‫وية‪،‬‬‫دد لله ّ‬‫العالم العربي‪ ،‬والقطيعة شبه الكاملة مع التراث‪ ،‬من حيث هو مح ّ‬
‫ومعّبر عن أسلوب حياة الناس‪ ..‬إلى دفع كثير من القيادات الفكرية‪ ،‬والرموز‬
‫الثقافية‪ ،‬إلى التفكير الجاد‪ ،‬بطرح )بدائل( إسلمية‪ .‬كانت هناك دعوات‬
‫لسلمة النظام السياسي‪ ،‬والمعاملت المالية والقتصادية‪ ..‬والثقافة‪،‬‬
‫ً‬
‫صل دور السلم في السياسة‪ ،‬وبرزت أيضا ‪..‬‬ ‫فظهرت الكتابات‪ ،‬التي تؤ ّ‬
‫الدعوة إلى إسلمّية المعرفة‪ ،‬وكذلك أسلمة الدب‪ ..‬وهكذا في فترة لحقة‪،‬‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سسي‪ ،‬فنشأت الحزاب السياسية‪،‬‬ ‫اتخذت هذه الدعوات‪ ،‬شكل العمل المؤ ّ‬
‫والبنوك‪ ،‬والمؤسسات التعليمية‪ ،‬وقامت رابطة للدب السلمي‪ ..‬بالضافة‬
‫إلى مؤسسات إعلمية‪َ ،‬ترك َّز نشاطها في البداية‪ ،‬على إنتاج وتوزيع دروس‬
‫ومحاضرات‪ ،‬في الشريط المسموع )الكاسيت(‪ ،‬ومحاولت ضعيفة‪ ،‬لنتاج‬
‫أعمال )درامية( على الفيديو‪.‬‬
‫إشكالية المصطلح‪:‬‬
‫مثل غيره من النشطة النسانية‪ ،‬واجهت محاولت أسلمة العمل العلمي‬
‫عقبة فنية‪ ،‬لها علقة بتحديد الجانب التطبيقي للمصطلح ‪ ..‬ونطاق عمله‪.‬‬
‫المشكلة التي واجهت مصطلح )العلم السلمي(‪ ،‬لم تقف عند تعريف‬
‫ماهية النشاط وطبيعة الممارسة‪ ،‬بل تعدتها كذلك إلى وضع آلية لتطبيق‬
‫المصطلح نفسه‪ ،‬ووضعه موضع التنفيذ ‪ ..‬بسبب تعقد النشاط العلمي‪،‬‬
‫وتجاوزه مفهوم الممارسة العلمية البسيطة المتمثلة بمحاضر يتحدث من‬
‫خلل شريط كاسيت‪.‬‬
‫منذ البداية ‪ ..‬واجه المهتمون بأسلمة العلم معضلتين‪ :‬العنصر البشري‪،‬‬
‫ومضمون الرسالة العلمية‪ .‬السؤال الساس ‪ ..‬كان‪:‬‬
‫من الذي )يمثل( العلم السلمي؟ هل يجب أن يكون )شيخًا( ‪ ..‬أو شخصا ً‬
‫محسوبا ً على المؤسسة الدينية بالضرورة؟‬
‫ول النشاط العلمي إلى صناعة معقدة ‪ ..‬متجاوزا ً المفهوم البدائي الول‬ ‫تح ّ‬
‫ل‪ .‬أدرك الداعون إلى السلمة‬ ‫للعلم‪ ،‬جعل تحقيق هذا الشرط أمرا ً مستحي ً‬
‫أنه ل يمكن توفر )شيخ( في كل نشاط إعلمي‪ ،‬وأنه إن كان هذا ممكنًا‪ ،‬في‬
‫ل‪ ،‬فإنه يصعب تحقيقه في الدراما‪.‬‬ ‫البرنامج الحواري مث ً‬
‫مأزق العنصر البشري المؤهل‪ ،‬قاد ‪ ..‬كنتيجة حتمية‪ ،‬إلى التركيز على‬
‫مضمون الرسالة العلمية‪ .‬أصبحت هناك قناعة أن الجمهور يهتم ويتأثر بـ‬
‫)الرسالة(‪ ،‬بدرجة أكبر‪ ،‬وأن )المؤّدي(‪ ،‬أو الناقل للرسالة‪ ،‬يأتي بالدرجة‬
‫ن ‪ ..‬ثمة سؤال آخر‪ ،‬أنتجته القناعة الجديدة‪:‬‬ ‫الثانية‪ .‬لك ْ‬
‫ما هي الرسالة العلمية‪ ،‬التي يمكن أن ي ُعَب َّر عنها‪ ،‬بأنها )إعلم إسلمي(؟‬
‫هل هي النصوص القرآنية الكريمة وتفاسيرها‪ ،‬والحاديث الشريفة‬
‫وشروحاتها ‪ ..‬و )تمثيل( السلوكيات المرتبطة بهما‪ ،‬من خلل فن من فنون‬
‫العلم؟ أم أن العلم السلمي‪ :‬هو كل ما دخل في دائرة )الخلقي(‪ ،‬الذي‬
‫ض عليه ‪ ..‬كما ورد في الثر‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬ ‫أقره السلم‪ ،‬وح ّ‬
‫خل ُ َ‬
‫ص‬ ‫وسلم‪" :‬إنما بعثت لتمم مكارم الخلق" ‪ ..‬الجدل حول هذه المسألة‪َ ،‬‬
‫إلى نتيجة مفادها أن العلم السلمي‪:‬‬
‫هو كل قول أو ممارسة إعلمية‪ ،‬منضبطة بضوابط الشريعة‪ ،‬دون أن يكون‬
‫هناك )نص ديني( يأمر بها مباشرة‪.‬‬
‫مفهوم العلم )النقي(‪:‬‬
‫أحدث النفجار العلمي‪ ..‬الفضائي منه على وجه الخصوص‪ ،‬رد فعل سلبي‪،‬‬
‫لدى شريحة اجتماعية كبيرة‪ .‬في غضون فترة قصيرة‪ ،‬امتل الفضاء العربي‬
‫بالعشرات من قنوات الفلم والموسيقى‪ ،‬التي ل تخضع لي معيار أخلقي‪،‬‬
‫بل تعتمد فقط على الثارة ودغدغة الغرائز‪ .‬البث الفضائي المنفلت من أي‬
‫ضابط أخلقي سبب صدمة للتيار المحافظ العريض‪ ،‬في الشارع العربي‪.‬‬
‫الشكوى من ) غربة ( العلم العربي عن المجتمعات العربية‪ ،‬وانتهاجه منحى‬
‫)تغريبيًا(‪ ،‬بعيدا ً عن ثقافة المجتمعات العربية‪ ،‬وهوية المة‪ ..‬لم تعد مقتصرة‬
‫على )السلميين(‪ .‬المشاهد العربي‪ ،‬المحافظ بطبيعته‪ ،‬شعر كذلك‪ ،‬بخطورة‬
‫ما تبثه تلك الفضائيات‪ ،‬على النسق الخلقي للمجتمع‪ ،‬وبآثاره المدمرة على‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشباب من الجنسين‪ ،‬وتهديده لتماسك السرة‪.‬‬


‫الواقع )الملوث( للفضائيات العربية‪ ،‬والعلم العربي بشكل عام‪ ..‬من وجهة‬
‫نظر الشريحة المحافظة‪ ،‬واشتمال مضامينه‪ ،‬و )الرسائل العلمية( التي‬
‫يبثها على الكثير من التجاوزات غير الخلقية‪ ،‬رفع درجة الستياء ‪ ..‬وزاد من‬
‫وتيرة الدعوة لعلم )نظيف( َوبّناء ‪ ،constructive‬أو ما صار ُيطلق عليه‪ ،‬لدى‬
‫بعض )السوسيولوجيين(‪ ،‬والعلميين‪ ..‬بـ )العلم النقي( ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪205‬‬

You might also like