Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 207

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫والقسم كذلك على الدستور باطل وهو قسم بالطاغوت لنه يعلم أن هذا‬
‫الدستور ليس مستمدا من شرع الله تعالى ‪ ،‬والحاكم في هذه الحال ل يعفى‬
‫من المسئولية بتاتا ‪ ،‬فهو ليس جاهل ‪ ،‬فهو يحكم بالطاغوت حتما والحكم به‬
‫ما‬‫ك وَ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬
‫ن أ َن ّه َ‬
‫مآ َ‬ ‫مو َ ُ ْ‬ ‫ن ي َْزعُ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫كفر قال تعالى ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫ك يريدو َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫ه‬
‫فُروا ب ِ ِ‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫حاك َ ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬
‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫دا )‪ (60‬وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ضَلًل ب َِعي ً‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫طا َ‬
‫شي ْ َ ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف إ َِذا‬ ‫دوًدا )‪ (61‬فَك َي ْ َ‬ ‫ص ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ن عَن ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ ِلى الّر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫فون بالل ّه إ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساًنا‬
‫ح َ‬ ‫ن أَرد َْنا إ ِّل إ ِ ْ‬ ‫حل ِ ُ َ ِ ِ ِ ْ‬ ‫ك يَ ْ‬‫جاُءو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬‫م ُ‬ ‫صاب َت ْهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫قا )‪ُ (62‬أول َئ ِ َ‬
‫عظ ْهُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫م فَأعْرِ ْ‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫وَت َوِْفي ً‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫م قَوْل ب َِليًغا )‪] (63‬النساء‪{ [64-60/‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِفي أن ْ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫وليست المسألة حكمه في قضية فردية خاصة ‪ ،‬بل هذا حكم عام ‪ ،‬فالذي‬
‫يبيح الربا ويعاقب عليه مثل هو كافر مرتد بل شك‬
‫ول يعذر واحد من هؤلء الحكام اليوم بالجهل بتاتا ‪ ،‬لن وسائل العلم متوفرة‬
‫لهم أكثر من عامة الناس ‪،‬ومن ثم نقول إن هذا القسم باطل باطل ‪ ،‬ول‬
‫يعول عليه ‪ ،‬بل الذي يقسم به يخشى عليه الكفر الكبر والردة ((‬
‫وقياسه على الحكام السابقين فيه مغالطة مكشوفة ‪ ،‬فالحكام السابقون لم‬
‫يسن أحدهم قانونا يخالف السلم ‪ ،‬ويأتي به من هنا وهناك ‪ ،‬ولما أتى التتار‬
‫والمغول بقانون يشبه هذه القوانين الوضعية اليوم فقد حكم العلماء بكفرهم‬
‫وردتهم ‪ ،‬مع أنهم كذلك كانوا يدعون السلم‬
‫‪--------------‬‬
‫فتاوى الشبكة السلمية ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(4636‬‬
‫رقم الفتوى ‪ 9430‬من قال إن تحكيم القوانين الوضعية كفر ‪ ..‬ليس من‬
‫الخوارج‬
‫تاريخ الفتوى ‪ 12 :‬جمادي الولى ‪1422‬‬
‫السؤال‬
‫‪ -1‬هناك بعض الشباب من المنتسبين إلى الدعوة السلفية يتهمون بعض‬
‫إخوانهم بأنهم خوارج والسبب أنهم يقولون إن تحكيم القوانين الوضعية كفر‬
‫أكبر مخرج من الملة وذ لك استنادا لفتوى صادرة عن اللجنة فما رد‬
‫سماحتكم ‪.‬‬
‫‪ -2‬هل المجرح يعدل نفسه وهل هي قاعدة أم ل؟‬
‫‪ -3‬هناك داعية بالجزائر ‪ -algerian-‬حذر من بعض الشباب بحكم أنهم خوارج‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسبب هو دائما اعتبار تحكيم القوانين الوضعية كفرا مخرجا من الملة‬


‫وهؤلء الشباب الذين يعتبرون إخوانهم أنهم خوارج يتهمون أعضاء اللجنة‬
‫بأنهم تكفيريون خاصة بكر أبو زيد والشيخ ابن جبرين‪ .‬والسلم عليكم‪.‬‬
‫الفتوى‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد‪:‬‬
‫فإن فرقة الخوارج إحدى الفرق الضالة المارقة عن الدين‪ ،‬والتي تتبنى جملة‬
‫من الصول الكلية المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة‪ ،‬كتكفير مرتكب‬
‫الكبيرة‪ ،‬والطعن في عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتكفيرهم‪،‬‬
‫وإنكار رؤية الله تعالى في الخرة‪ ،‬وإنكار حد الرجم‪ ،‬وغير ذلك من الضللت‬
‫والجهالت‪.‬‬
‫وكان أول خروجهم أنهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪،‬‬
‫فقاتلهم وأراح المسلمين من شر أكثرهم‪.‬‬
‫وكل من دان بمعتقد الخوارج في التكفير بالكبيرة‪ ،‬أو الخروج على المام‬
‫العدل‪ ،‬فهو خارجي‪.‬‬
‫ً‬
‫ول يدخل في هذا من اعتبر تحكيم القوانين الوضعية كفرا أكبر يخرج عن‬
‫الملة‪ ،‬فإن هذا القول مأخوذ عن جماعة من علماء السلم ممن عاصر هذه‬
‫القوانين‪ ،‬وعرف ما فيها من الجرأة على الله وعلى كتابه ودينه‪ ،‬وما اشتملت‬
‫عليه من تغيير الشرع‪ ،‬وتحليل الحرام‪ ،‬وتحريم الحلل‪ ،‬وكان أول ما ابتليت‬
‫به المة من هذه القوانين ما وضعه جينكزخان من الياسق‪ ،‬وهو كتاب مجموع‬
‫من شرائع شتى‪ ،‬من اليهودية والنصرانية والملة السلمية‪ ،‬فصار في بنيه‬
‫شرعا ً متبعا ً يقدمونه على الكتاب والسنة‪ ،‬واستمر التتار على الحكم به حتى‬
‫بعد إسلمهم‪ ،‬وقد أفتى العلماء بأن التحاكم إلى الياسق كفر‪ ،‬ومنهم من‬
‫حكى الجماع على ذلك‪ ،‬كالمام ابن كثير رحمه الله في كتابه ‪ :‬البداية‬
‫والنهاية‪.‬‬
‫وهكذا الحال بالنسبة للقوانين الوضعية المعاصرة‪ ،‬أفتى جماعة من علماء‬
‫العصر بأن تحكيمها في الدماء والموال كفر أكبر‪ ،‬ومن هؤلء العلمة‬
‫المحدث أحمد محمد شاكر‪ ،‬والعلمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬إلى غير‬
‫هؤلء من المشايخ المعروفين بالعلم والصلح‪ ،‬والستقامة على منهج أهل‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬كالشيخ محمد بن صالح بن عثيمين‪ ،‬والشيخ عبد الرزاق‬
‫عفيفي‪ ،‬والشيخ صالح الفوزان‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فكيف يوصف هؤلء ومن وافقهم بأنهم من الخوارج؟!‬
‫ول شك أن جماعة من علماء العصر ل يرون أن مجرد تحكيم القوانين ‪ -‬دون‬
‫استحلل لذلك‪ ،‬أو تفضيل لها على أحكام الشريعة ‪ -‬من الكفر الكبر‪ ،‬فغاية‬
‫المر أن يقال‪ :‬إنها مسألة خلفية بين علماء العصر‪ ،‬ل أن يوصف أحد‬
‫الفريقين بأنه يتبع مذهب الخوارج البدعي الباطل‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وأما اتهام المشايخ أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث والفتاء بالمملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬بأنهم خوارج فهذا منكر عظيم‪ ،‬وجناية بالغة على العلم وأهله‪ ،‬فإن‬
‫هؤلء هم بقية السلف في هذا العصر‪ ،‬وعليهم وعلى أمثالهم المعول في بيان‬
‫معتقد السلف ونصرته‪ ،‬وهم أحق الناس بالرجوع إليهم في هذه المسائل‬
‫الكبيرة الخطيرة‪ ،‬ومن وقع في هؤلء العلماء بالسلب‪ ،‬فإنه يخشى عليه‪،‬‬
‫ويحذر من سوء عاقبته‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولهذا‪ ،‬فل بد من مناصحة هؤلء الشباب وتحذيرهم من الوقوع في أهل‬


‫العلم‪ ،‬وتوجيههم إلى أخذ العلم من هؤلء العلماء الثبات‪ .‬ومن اشتهر عنه‬
‫الطعن في هؤلء العلماء‪ ،‬والحط عليهم‪ ،‬فل تنبغي مجالسته ول أخذ شيء‬
‫عنه‪ ،‬بل يحذر منه وينفر حتى يعود إلى رشده‪ ،‬ويسلك جادة أمره‪ ،‬فيحفظ‬
‫لهؤلء العلماء مكانتهم‪ ،‬ويجزم بأنهم على المعتقد السلفي النقي‪ ،‬الذي هو‬
‫وسط بين مذهب الخوارج‪ ،‬ومذهب المرجئة‪.‬‬
‫ً‬
‫ونسأل الله أن يرد هؤلء الشباب إلى الحق ردا جمي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وأما تعديل النسان لنفسه ‪ ،‬فل يقبل منه ‪ ،‬والمتقرر عند أهل العلم أن‬
‫التعديل يثبت بالستفاضة أو بتنصيص عدلين عليها ‪ ،‬وصصح جماعة أن الجرح‬
‫والتعديل يثبتان بواحد ) انظر تدريب الراوي للسيوطي(‪.‬‬
‫وكيف يقدم العاقل على تزكية نفسه ‪ ،‬وقد قال الله تعالى ) فل تزكوا‬
‫أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫المفتي‪ :‬مركز الفتوى بإشراف د‪.‬عبدالله الفقيه‬
‫العقيدة وأثرها في بناء الجيل ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(69‬‬
‫الفصل السادس‬
‫رفض الشريعة خروج من الملة‬
‫عبودية النسان لخالقه‬
‫م{‪.‬‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ش َ‬ ‫ما َ‬‫ك ِفي َ‬‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك َل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫} فََل وََرب ّ َ‬
‫بينت آنفا خطورة قضية التحاكم في حياة البشرية‪ ،‬وتنسمنا بعض النفحات‬
‫من الشذى الطيب ونحن نتفيا ظلل هذه الية‪ ،‬وبينت قول ابن حزم بأن هذه‬
‫الية على عمومها‪ ،‬وبأنها نص ل يحتمل تأويل ول جاء نص يخرجه عن ظاهره‬
‫أصل ‪ ،‬ول جاء برهان بتخصيصه في بعض وجوه اليمان‪.‬‬
‫كذلك فإني رددت على قول بعض العلماء بأن المعني‪ :‬ل يستكملون اليمان‪،‬‬
‫وجماع المر في هذه القضية‪ :‬إنه ليس لحد مع الله ورسوله قول‪ ،‬وكل كتب‬
‫الصول تفتتح أولى صفحاتها بإجماع الصوليين والئمة القائل‪) :‬أجمع‬
‫المسلمون على أن الله هو الحاكم وحده"‪ ،‬وهذا الذي صرح به القرآن بأكثر‬
‫م إ ِّل ل ِل ّهِ { فقد وردت هذه الية بهذا اللفظ‬ ‫حك ْ ُ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫من آية قطعية الدللة‪ } ،‬إ ِ ِ‬
‫الذي يحصر ويقصر الحكم بيد الواحد القهار مرتين في سورة يوسف‪.‬‬
‫ويقول الشافعي ‪) :‬أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلملم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس( )‪. (1‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬مفتاح الجنة‪ ،‬الحتجاج بالسنة للسيوطي ص )‪.(42‬‬
‫ولقد عاش ابن كثير ‪-‬المفسر المؤرخ المحدث‪ -‬أول محنة لمحاولة تنحية‬
‫كتاب الله عن توجيه المة المسلمة لستبداله بقانون جنكيز خان الذي أسماه‬
‫؛ الياس أو الياسق" ‪-‬أي السياسات الملكية‪ ،-‬فأطلق كلمته صريحة مدوية‬
‫قائل‪) :‬فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم النبياء‬
‫وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر‪ ،‬فكيف بمن تحاكم إلى‬
‫الياسا‪ ،‬وقدمها عليه؟! ل شك أن هذا يكفر بإجماع المسلمين( )‪. (1‬‬
‫وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم كيف كانت عبادة‬
‫اليهود والنصارى للحبار والرهبان‪ ،‬فقد » دخل عدي عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو يتلو هذه الية‪:‬‬
‫م { )التوبة‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خ ُ َ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫ح اب ْ َ‬‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن اللهِ َوال َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫م أْرَباًبا ِ‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬‫حَباَرهُ ْ‬‫ذوا أ ْ‬ ‫} ات ّ َ‬
‫‪(31‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما عبدوهم‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬بلى ‪ :‬إنهم‬
‫أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلل فاتبعوهم‪ ،‬فذلك عبادتهم إياهم « )‪(2‬‬
‫‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬البداية والنهاية لبن كثير )‪ (911-811 / 31‬وكذلك انظر عمدة التفسير‬
‫لحمد شاكر )‪.(371 / 4‬‬
‫)‪ (2‬رواه الترمذي‪ ،‬انظر تفسير ابن كثير )‪.(171 / 2‬‬
‫وعلى هذا فالتحاكم إلى كلم البشر عن رضى وطواعية هو خلع لربقة‬
‫السلم من العناق‪ ،‬فكل من رضي بترك كلم الله وبتحكيم كلم غيره‪ ،‬أو‬
‫تقديم كلم أي بشر على القرآن والسنة فل حظ له في دين السلم‪ ،‬وهذا هو‬
‫الكفر بعينه ل غبش فيه ول لبس ول خفاء‪.‬‬
‫فالله هو الحاكم‪ ،‬كتابه هو المهيمن‪ ،‬والناس ليس لهم أية وظيفة مع القرآن‬
‫والسنة سوى التطبيق والتنفيذ‪ ،‬كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين‬
‫مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا‬
‫فيه )‪ . (1‬فالله هو الحاكم بكتابه في اختلفات الناس كما جاء في تفسير‬
‫الجللين‪ ،‬وأن سبب نزول الية يؤيد ما نراه من أن من لم يحكم بدين الله أو‬
‫لم يتحاكم إلى شريعة الله فليس مؤمنا ‪ ،‬ومن لم يرض بحكم الله ورسوله‬
‫فليس بمسلم وإن كان يقيم الشعائر التعبدية‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬انظر فتح الباري ‪ 323 / 9‬وكذلك مفاتح الغيب للرازي )‪.(352 / 3‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يروي البخاري بإسناده عن عروة قال‪ » :‬خاصم الزبير رجل من النصار في‬
‫شريج )‪ . (1‬من الحرة‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬اسق يا زبير ثم‬
‫أرسل الماء إلى جارك‪ ،‬فقال النصاري‪ :‬يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟‬
‫فتلون وجهه ثم قال ‪ :‬اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر )‬
‫‪ . (2‬ثم أرسل الماء إلى جارك واستدعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير‬
‫حقه في صريح الحكم حين أحفظه )‪ . (3‬النصاري‪ ،‬وكان أشار عليهما بأمر‬
‫لهما فيه سعة‪.‬‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال الزبير ‪ :‬فما أحسب هذه اليات إل نزلت في ذلك‪ } :‬فل وََرب ّك ل ي ُؤْ ِ‬
‫م {« ‪.‬‬
‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫حك ّ ُ‬
‫مو َ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬
‫َ‬
‫وإذا كان الرجل من النصار فهو يقيم الشعائر ولو ظاهرا ‪ ،‬ومع ذلك فالية‬
‫نفت عنه اليمان‪.‬‬
‫وفيما يلى نورد أقوال بعض المفسرين حول هذه القاعدة العظيمة ‪-‬التحاكم‬
‫إلى الله ورسوله‪.-‬‬
‫قال القاضي‪ . (4) :‬يجب أن يكون التحاكم إلى الطاغوت كالكفر‪ ،‬وعدم‬
‫الرضا بحكم محمد صلى الله عليه وسلم كفر‪ ،‬ويدل عليه من وجوه‪:‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬مسيل الماء من الحرة إلى السهل‪ .‬النهاية )‪.(654 / 2‬‬
‫)‪ (2‬قال السهيلي الجدر الحاجز يحبس الماء وجمعه جدور‪ .‬المصباح المنير )‬
‫‪ (721‬وقال ابن الثير في النهاية‪ :‬هو هاهنا المسناة وهو ما رفع حول‬
‫المزرعة كالجدار وقيل هو الجدار‪ .‬النهاية )‪.(642 / 1‬‬
‫)‪ (3‬أحفظه‪ :‬أغضبه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (4‬القاضي هو أبو يعلى الحنبلي‪.‬‬


‫الول‪ :‬أنه تعالى قال‪ :‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن‬
‫يكفروا به ‪ ،‬فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به‪ ،‬ول شك أن اليمان‬
‫بالطاغوت كفر بالله كما أن الكفر بالطاغوت إيمان الله‪.‬‬
‫جَر‬‫ش َ‬ ‫ما َ‬‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬‫حك ّ ُ‬‫حّتى ي ُ َ‬‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك َل ي ُؤْ ِ‬ ‫الثاني‪ :‬قوله تعالى‪ } :‬فََل وََرب ّ َ‬
‫ما { وهذا نص في تكفير من لم يرض‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫م { ‪ ..‬إلى قوله‪ } :‬وَي ُ َ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م فِت ْن َ ٌ ْ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫الثالث‪ :‬قوله تعالى‪ } :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م { ‪ ،‬وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة‪ ،‬وفي هذه‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫يُ ِ‬
‫اليات دلئل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم فهو خارج عن السلم‪ ،‬سواء رده من جهة الشك أو من جهة‬
‫التمرد‪ ،‬وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي‬
‫الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم )‪. (1‬‬
‫وقال القاسمي ‪ :‬وقال بعض المفسرين‪ :‬في هذه الية وجوب الرضا بقضاء‬
‫الله سبحانه والرضا بما شرعه‪ ،‬وتدل على أنه ل يجوز التحاكم إلى غير‬
‫شريعة السلم"‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬انظر تفسير القاسمي )‪ (5531 / 5‬وكذلك مفاتيح الغيب للرازي )‪/ 3‬‬
‫‪.(352‬‬
‫قال الحاكم ‪) :‬وتدل على أنه من لم يرض بحكمه كفر‪ ،‬وما ورد من فعل‬
‫عمر وقتله المنافق يدل على أن دمه هدر )‪. (1‬‬
‫ل قصاص فيه ولدية(‪.‬‬
‫وها هنا فرع‪ ،‬وهو أن يقال‪ :‬إذا تحاكم رجلن في أمر‪ ،‬فرضي أحدهما بحكم‬
‫المسلمين وأبى الثاني وطلب المحاكمة إلى حاكم الملحدة فإنه يكفر‪ ،‬لن‬
‫في ذلك رضا بشعار الكفرة )‪. (2‬‬
‫وعلى هذا فكل من رضي بالقوانين الرضية وبالشرائع القانونية التي‬
‫شرعوها بغير إذن من الله‪ ،‬بل هي مصادمة للنصوص القرآنية والنبوية‪،‬‬
‫أقول‪ :‬كل من رضي بها أو تحاكم إليها غير مكروه‪ ،‬أو تدخل في تقنينها أو‬
‫إقرارها أو تنفيذها راضيا فهو ممن ينسحب عليهم حكم الية‪ ،‬ويخرج بهذا‬
‫العمل من دائرة اليمان‪ ،‬سيما وأن البخاري يروي أنها نزلت في رجل من‬
‫النصار‪ ،‬وهو قطعا يقيم الشعائر ويعلن إسلمه‪ ،‬ومع ذلك فقد كان القسم‬
‫رهيبا وجازما في أن هذا الذي ل يتحاكم إلى شرع الله ورسوله ليس مؤمنا )‬
‫‪. (3‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬تفسير القاسمي )‪.(5531 / 5‬‬
‫)‪ (2‬انظر تفسير القاسمي )‪.(5531 / 5‬‬
‫)‪ (3‬قد يقول قائل‪ :‬لماذا لم يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا‬
‫النصاري؟ فالجواب‪ :‬إما أن يكون منافقا فيقبل ظاهره‪ ،‬أو جاهل فيعذر‬
‫بجهله‪.‬‬
‫ويقول سيد قطب عند هذه الية‪) :‬وأخيرا يجيء ذلك اليقاع الحاسم الجازم‪،‬‬
‫إذ يقسم الله سبحانه بذاته العلية أنه ل يؤمن مؤمن حتى يحكم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلمفي أمره كله‪ ،‬ثم يمضي راضيا حكمه مسلما بقضائه‪،‬‬
‫ك َل‬ ‫ليس في صدره حرج منه‪ ،‬ول في نفسه تلجلج في قبوله‪ } :‬فََل وََرب ّ َ‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما‬
‫م ّ‬
‫جا ِ‬
‫حَر ً‬
‫م َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م َل ي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬
‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ما { ‪.‬‬ ‫سِلي ً‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫ّ‬
‫سل ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫قَ َ‬
‫ضي ْ َ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومرة أخرى تجدنا أمام شرط اليمان وحد السلم‪ ،‬يقرره الله سبحانه‬
‫وتعالى بنفسه ويقسم عليه بذاته‪ ،‬فل يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد‬
‫شرط اليمان وحد السلم‪ ،‬ول تأويل لمؤول‪ ،‬اللهم إل مماحكة ل تستحق‬
‫الحترام‪ ،‬وهي أن هذا القول مرهون بزمان‪ ،‬وموقوف على طائفة من‬
‫الناس‪ ،‬وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا ‪ ،‬ول يفقه من التعبير القرآني‬
‫قليل ول كثيرا ‪ ،‬فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم‪ ،‬جاءت في صورة قسم‬
‫مؤكد‪ ،‬مطلقة من كل قيد‪ ،‬وليس هناك مجال للوهم أو اليهام بأن تحكيم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيم شخصه‪ ،‬إنما هو تحكيم شريعته‬
‫ومنهجه‪ ،‬وإل لم يبق لشريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مكان‬
‫بعد وفاته‪ ،‬وذلك قول أشد المرتدين ارتدادا على عهد أبي بكر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬وهو الذي قاتلهم علهيم قتال المرتدين‪ ،‬بل قاتلهم على ما دونه بكثير‪،‬‬
‫وهو مجرد عدم الطاعة لله ورسوله في حكم الزكاة‪ ،‬وعدم قبول حكم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بعد الوفاة‪.‬‬
‫العقيدة وأثرها في بناء الجيل ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(82‬‬
‫وبإمكاننا أن نقول‪ :‬كل من رفض التحاكم إلى شريعة الله‪ ،‬أو فضل أي‬
‫تشريع على تشريع الله‪ ،‬أو أشرك مع شرع الله شرائع أخرى من وضع البشر‬
‫وأهوائهم‪ ،‬وكل من رضي أن يستبدل بشرع الله قانونا آخر فقد خرج من‬
‫حوزة هذا الدين‪ ،‬وألقى ربقة السلم من عنقه‪ ،‬ورضي لنفسه أن يخرج من‬
‫هذه الملة كافرا ‪.‬‬
‫يقول الستاذ سيد قطب ‪-‬رحمه الله‪) :-‬إن الذين يحكمون على عابد الوثن‬
‫بالشرك ول يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك ويتحرجون من‬
‫هذه ول يتحرجون من تلك ‪ ..‬إن هؤلء ل يقرءون القرآن ‪ ..‬ول يعرفون طبيعة‬
‫ن‬
‫هذا الدين ‪ ..‬فليقرءوا القرآن كما أنزله الله وليأخذوا قول الله بجد‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )‪. (1‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫موهُ ْ‬ ‫أط َعْت ُ ُ‬
‫وأجمل ما ننهي به هذا الفصل بكلمة للستاذ أحمد شاكر إذ يقول عند آية‪:‬‬
‫َ‬
‫ن { ‪ .‬ما يلي‪:‬‬
‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حك ْ َ‬‫} أفَ ُ‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬في ظلل القرآن ج‪ (8) -‬ص )‪.(65‬‬
‫)أفيجوز لحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد ‪-‬أعني التشريع‬
‫الجديد‪-‬؟ أويجوز لب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا الدين واعتقاده والعمل به‬
‫عالما أو جاهل ؟ أويجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا الياسق‬
‫العصري؟ إن ولية القضاء في هذه الحال باطلة بطلنا أصليا ل يلحقه‬
‫التصحيح ول الجازة‪.‬‬
‫ان المر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس‪ ،‬هي كفر بواح ل‬
‫خفاء فيه ول مداورة‪ ،‬ول عذر لحد ممن ينتسب إلى السلم ‪-‬كائنا من كان‬
‫في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها‪ ،‬فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ‬
‫حسيب نفسه( )‪. (1‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬عمدة التفسير لحمد شاكر )‪.(47 / 4‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العقيدة وأثرها في بناء الجيل ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(96‬‬


‫‪ -3‬لقد كان ابن عباس يعيش قضية الخوارج الذين يكفرون بالذنوب‪،‬‬
‫ويكفرون خيرة الصحابة‪ ،‬ولذلك ل بد من هذا القول الذي يرد على الخوارج‬
‫بنظرتهم المتطرفة‪.‬‬
‫وعليه فلم يكن كلم الصحابة والتابعين في المر الذي يحياه المسلمون‬
‫اليوم‪ ،‬من تغيير جذري في تشريعهم السلمي وإحلل آراء وأهواء الكفار‬
‫مقامه دينا جديدا ‪ ،‬يحكم في العراض والموال والدماء‪.‬‬
‫وأول صورة واضحة شخصت في المجتمع السلمي لحلل قانون مقام دين‬
‫الله كانت أثناء الغزو التتري‪ ،‬عندما أراد هولكو أن يطبق الياسا )الياسق(‬
‫مكان القرآن والسنة‪ ،‬وكان ابن كثير آنذاك يعيش المشكلة‪ ،‬عندها أفتى بها‬
‫بقول فصل‪ ،‬فعند آية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { )المائدة‪:‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬
‫ما ل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫حك ً‬‫ن اللهِ ُ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫} أفَ ُ‬
‫‪(50‬‬
‫يقول ابن كثير )‪) . (1‬ينكر تعالى على من خرج من حكم الله المحكم‬
‫المشتمل على كل خير‪ ،‬الناهي عن كل شر‪ ،‬إلى ما سواه من الراء والهواء‬
‫والصطلحات التي وضعها الرجال بل مستند من شريعة الله‪ ،‬كما كان أهل‬
‫الجاهلية يحكمون به من الضللت والجهالت مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم‪،‬‬
‫وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان‪،‬‬
‫الذي وضع لهم الياسق‪ ،‬وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها‬
‫من أحكام شتى من اليهودية والنصرانية والملة السلمية وغيرها‪ ،‬وفيها كثير‬
‫من الحكام أخذها من مجرد نظره وهواه‪ ،‬فصارت في بنيه شرعا متبعا‬
‫يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فمن‬
‫فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله‪ ،‬فل يحكم‬
‫سواه في قليل ول كثير(‪.‬‬
‫التأويل الثالث‪ :‬الكفر بالجحود والستحلل‪.‬‬
‫يرى هذا الفريق من العلماء الذين قالوا‪ :‬إن في الية إضمارا ‪ ،‬ويكون‬
‫المعني‪ :‬ومن لم يحكم بما أنزل الله ردا للقرآن وجحدا لقول رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فهو كافر‪ ..‬قاله ابن عباس ومجاهد ‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬تفسير ابن كثير )‪.(76 / 2‬‬
‫وقال ابن مسعود والحسن ‪) :‬هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله‬
‫من المسلمين واليهود والكفار‪ ،‬أي معتقدا ذلك ومستحل له( )‪. (1‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫قال ابن العربي )‪) . (2‬إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له‬
‫يوجب الكفر‪ ،‬وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل‬
‫أهل السنة في الغفران للمذنبين(‪.‬‬
‫وهذا الفريق يريد أن يقول‪ :‬ما لم يصرح الذي يعطل شرع الله بكفره‪،‬‬
‫ويقول أنه ترك الشرع جحودا وإنكارا فل يكفر‪.‬‬
‫الرد‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن دعوى الضمار تحتاج إلى دليل‪ ،‬فل يجوز النتقال من الظاهر إلى‬
‫المؤول‪ ،‬ول من الحقيقة إلى المجاز إل بقرينة ترجح هذا النتقال‪ ،‬فالصل أن‬
‫يؤخذ النص على ظاهره حتى يأتي الدليل الذي ينقله‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬أما ضرورة التصريح باللسان فليس ضروريا لتكفير صاحب العمل إذا كان‬
‫العمل ل يحتمل إل الكفر‪ .‬فقد اتفق العلماء على تكفير من سجد إلى صنم‬
‫دون سؤاله عما في قلبه‪ ،‬وكذلك اتقفوا على تكفير من ألقى المصحف في‬
‫مكان قذر‪ ،‬فإحلل أديان البشر جملة وتفصيل مقام دين الله عمل ل يحتمل‬
‫إل الكفر‪ ،‬ول يحتاج ‪:‬إلى سؤال صاحبه عما إذا كان يستحله أو ل يستحله‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ 2، 1 (1‬انظر تفسير القرطبي )ج‪.(091 / 6 -‬‬
‫)‪ (2‬أحكام القرآن لبن العربي )‪.(526 / 2‬‬
‫يقول الستاذ حسن البنا في الصول العشرين )‪) . (1‬ل نكفر مسلما أقر‬
‫بالشهادتين وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض‪-‬برأي أو معصية‪ -‬إل إن أقر بكلمة‬
‫الكفر‪ ،‬أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة‪ ،‬أو كذب صريح القرآن‪ ،‬أو فسره‬
‫على وجه ل تحتمله أساليب اللغة العربية بحال‪ ،‬أو عمل عمل ل يحتمل تأويل‬
‫غير الكفر( )‪. (2‬‬
‫فإقامة قانون نابليون ‪-‬أو غيره‪ -‬مقام دين الله‪ ،‬وجعله حكما فصل في‬
‫السياسة والجتماع والعراض والموال والدماء عمل ل يحتمل تأويل غير‬
‫الكفر‪ .‬ليست القضية اعترافا بشرع الله ثم بعد ذلك قد يخالف قاض في‬
‫التطبيق لهوى أو رشوة أو قرابة‪ ،‬وإنما القضية إقصاء لدين الله نهائيا من‬
‫واقع الحياة‪ ،‬والعتراف بشرع جديد وفرضه بالحديد والنار على رقاب‬
‫المسلمين بوجوب طاعته والذعان له‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬مجموعة الرسائل ‪ /‬رسالة التعاليم ص )‪.(11‬‬
‫)‪ (2‬مجموعة الرسائل الستاذ البنا ص )‪.(11‬‬
‫العقيدة وأثرها في بناء الجيل ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(106‬‬
‫وبعد هذا نخلص إلى القول‪:‬‬
‫إن كل من رضي بالقوانين والحكام التي تصطدم مع شريعة الله )لحظة‬
‫واحدة( فإنه يخرج من السلم في هذه اللحظة‪ ،‬سواء كان هذا الراضي‬
‫بالديان الجديدة حاكما ‪ ،‬أو مقننا )مشرعا(‪ ،‬أو مستشارا ‪ ،‬أو قاضيا ‪ ،‬أو من‬
‫عامة الناس‪.‬‬
‫أما غير هؤلء الراضين فحكم الذين يعملون بهذه الحكام الرضية أو‬
‫يتحاكمون إليها فنرجو الله أن يلهمنا بقول الحق والصواب‪ ،‬والذي استقرت‬
‫عليه نفسي واطمأن إليه قلبي أن الناس أمام هذه الديان الجديدة فئات‪:‬‬
‫‪ -1‬الحاكم الذي يأمر باستبدال دين الله وإحلل قوانين الكفر مكانه يخرج من‬
‫الملة بهذا العمل‪ ،‬لنه يفضل ويؤثر ويقدم كلم البشر على كلم الله‪ ،‬ويرى‬
‫أن قانون الكفر هذا أفضل للمجتمع من قانون الله‪ ،‬وهؤلء يقول الله فيهم‪:‬‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬‫مُنوا ب ِ َ‬
‫مآ َ‬
‫} أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َََ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫موا إ ِلى الطا ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬
‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ي َك ُ‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫حاك ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ي َُ ِ‬
‫دا { )المائدة‪(60 :‬‬ ‫ً‬
‫ضلل ب َِعي ً‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ضلهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫فإيمانهم زعم وكذب وليس حقيقة‪ ،‬لن حقيقة اليمان تتنافى مع التحاكم إلى‬
‫الطاغوت )أي كل قانون غير قانون الله(‪ ،‬الذي يجب الكفر به ونبذه‬
‫ومحاربته‪.‬‬
‫‪ -2‬المشرع )المقنن( المقنن الذي يصوغ قانونا يخالف دين الله إنما هو‬
‫يصوغ دينا جديدا ‪ ،‬وبهذا يخرج من السلم بهذا العمل‪ ،‬بل يشارك الله في‬
‫ألوهيته عندما يصوغ دينا وقانونا دستورا للناس بغير ما أنزل الله‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه { )الشورى‪(21 :‬‬ ‫ن ب ِهِ الل ّ ُ‬‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬
‫ن ال ّ‬‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُ ْ‬
‫شَر ُ‬‫كاُء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬‫}أ ْ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫م { )التوبة‪:‬‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫ح اب ْ َ‬
‫سي َ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬
‫م أْرَباًبا ِ‬
‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬
‫} ات ّ َ‬
‫‪(31‬‬
‫وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ربوبية الرهبان والحبار بأنها‬
‫تحريم الحلل وتحليل الحرام ‪ ..‬ففي حديث عدي بن حاتم ‪ » ...‬إنا لسنا‬
‫نعبدهم‪ ،‬قال ‪ :‬أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه‪ ،‬ويحلون ما حرم الله‬
‫فتحلونه؟ فقلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فتلك عبادتهم « )‪. (1‬‬
‫‪ -3‬المجلس التشريعي‪ :‬الذي يشرع بغير ما أنزل الله قانونا يصادم الله في‬
‫أمره يخرج من السلم ‪ .‬فل يجوز لمسلم في المجلس أن يوافق على جزئية‬
‫تخالف أمر الله‪ ،‬وإل فإنه يخرج من السلم‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد والترمذي وحسنه‪ ،‬انظر كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد‬
‫عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ حسن ص )‪ ،(983‬وانظر عارضة الحوذي‬
‫بشرح صحيح الترمذي )‪.(932 / 11‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ -4‬القضاة‪ :‬الذين ينفذون غير شرع الله هؤلء ل يخرجون من السلم ‪-‬والله‬
‫أعلم‪ ،-‬ولكن عملهم حرام وباطل‪ ،‬وأجرتهم حرام وباطلة‪ ،‬لنه راتب على‬
‫عمل محرم‪ ،‬كمن يعمل مديرا لبنك ربوي‪ ،‬أو مسؤول عن خمارة أو نادي‬
‫قمار‪ ،‬أما إذا رضوا عن غير شرع الله فإنهم يكفرون‪ ،‬لن الراضي بغير شرع‬
‫الله يخرج من الملة مهما كان )‪. (1‬‬
‫‪ -5‬المحامي‪ :‬اختلف العلماء والمطلعون في العصر الحديث في حكم‬
‫المحامى الذي يترافع أمام محاكم غير شرعية‪ ،‬قالت غالبيتهم‪ :‬إن عمل‬
‫المحامي جائز شرعا بشروط‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن يدرس القضية جيدا ويعتقد أنه يخلص حقا لموكله‪.‬‬
‫ب‪ .‬أن ل يشترك في قضية حكمها في القانون يصادم الشرع‪ ،‬كالزنا‬
‫والسرقة والربا والقتل‪.‬‬
‫ج‪ . -‬أن ينسحب من القضية لمجرد ما تبين له أن موكله ليس صادقا ‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إن عمل المحامي حرام لنه يترافع أمام الطاغوت‪ ،‬ويوقر‬
‫الحكم بأحكام الكفر‪ ،‬ويبجل القضاة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله‪ ،‬وقد‬
‫تدخل المبالغات والزيادات والتهويلت في مرافعاته‪ ،‬وهذا الذي تميل إليه‬
‫النفس‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬يقول أحمد شاكر‪) :‬إن ولية القضاء في ظل هذا الياسق العصري‬
‫‪-‬القانون‪ -‬باطلة بطلنا أصليا ل تلحقها الجازة ول التصحيح ( عمدة التفسير )‬
‫‪.(471 / 4‬‬
‫‪ -6‬عامة الناس الذين يتحاكمون‪ :‬لو كان للناس خيار أن يتحاكموا إلى محكمة‬
‫تحكم بالسلم وأخرى تحكم بالكفر‪ ،‬فإن الفرد يأخذ حكم محكمته التي‬
‫يتحاكم إليها‪ ،‬كما فعل الناس أيام هولكو‪ ،‬عندما نصب قاضيين ومحكمتين‬
‫في كل مكان ) محكمة الياسا‪ :‬القانون التتري( )ومحكمة القرآن(‪ ،‬فكل من‬
‫تحاكم إلى الياسا كانوا يكفرونه ويخرجونه من الملة‪.‬‬
‫قال ابن كثير )‪ ..) . (1‬فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها على شرع الله‪،‬‬
‫ل شك أن هذا يكفر بإجماع المسلمين(‪ .‬ولكن أحكام الطاغوت الن مفروضة‬
‫على الناس جميعا ‪ ،‬وتفصل في شؤون حياتهم كلها‪ ،‬ول بد للناس كي يخلصوا‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقوقهم من أن تهضم أن يرفعوا إلى الطاغوت قضاياهم‪ ،‬فالناس لهم حكم‬


‫المضطر الذي يرفع عنه الثم‪-‬والله أعلم‪ ،-‬وإن كان الولى والفضل أن‬
‫يتركوا حقوقهم حتى ل يتحاكموا إلى الطاغوت‪ ،‬وهذا الذي مال إليه‬
‫المودودي والبنا ‪- .‬أعاذنا الله وعافانا من التحاكم إلى الطاغوت‪ ،-‬وفيأنا الله‬
‫ظلل شريعته‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬البداية والنهاية لبن كثير )‪.(911-811 / 31‬‬
‫ونختم كلمنا في هذا الموضوع بكلمة نفيسة لبن تيمية حول حكم الذي‬
‫يتحاكمون إلى قوانين البادية والعشائر والطاغوت‪ ،‬فيقول شيخ السلم ابن‬
‫تيمية ‪) :‬ول ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله‬
‫فهو كافر‪ ،‬فإنه ما من أمة إل وهي تأمر بالحكم بالعدل‪ ،‬وقد يكون العدل في‬
‫دينها ما رآه أكابرهم‪ ،‬بل كثير من المنتسبين إلى السلم يحكمون بعاداتهم‬
‫التي لم ينزلها الله‪ ،‬كسواليف البادية‪ ،‬ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به‬
‫دون الكتاب والسنة‪ ،‬وهذا هو الكفر‪ ،‬فإن كثيرا من الناس أسلموا ولكن ل‬
‫يحكمون إل بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون‪ ،‬فهؤلء إذا عرفوا أنه ل‬
‫يجوز لهم الحكم إل بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك‪ ،‬بل استحلوا أن يحكم‬
‫بخلف ما أنزل الله فهم كفار( )‪. (1‬‬
‫وأجمل ما ننهي به هذا البحث كلمة رائعة لرجل خبر القانون الوضعي وعاشه‬
‫وهو الشهيد عبد القادر عودة ‪-‬رحمه الله‪.-‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬اليمان للدكتور محمد نعيم نقل عن كتاب منهاج السنة النبوية لبن تيمية‪.‬‬
‫ومجموعة التوحيد ص )‪.(391‬‬
‫والمسلم ل يعتبر مسلما حتى يحكم السلم في شؤونه وما يشجر بينه وبين‬
‫جَر‬ ‫ش َ‬‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬‫ك َل ي ُؤْ ِ‬‫غيره‪ ،‬طبقا لقوله تعالى‪ } :‬فََل وََرب ّ َ‬
‫ما { ‪.‬‬ ‫سِلي ً‬‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫ت وَي ُ َ‬ ‫ما قَ َ‬
‫ضي ْ َ‬ ‫م ّ‬
‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬‫م َل ي َ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ومن لم يحكم بما أنزل الله‪ ،‬أو تحاكم إلى غير شريعته‪ ،‬فهو كافر ليس في‬
‫قلبه ذرة من السلم وإن تسمى باسم مسلم‪ ،‬وانتسب إلى أبوين مسلمين‪،‬‬
‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل‬ ‫م بِ َ‬‫حك ُ ْ‬‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫وادعى لنفسه السلم‪ ،‬ذلك حكم الله جل شأنه‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬‫الل ّ ُ‬
‫وإذا كان هذا حكم السلم الذي عطلته ول تزال تعطله الحكومات في البلد‬
‫السلمية‪ ،‬فإن كل ذي عقل يستطيع أن يدرك بسهولة مدى حظ هذه‬
‫الحكومات من السلم‪ ،‬وأن يقول غير متحرج أن هذه الحكومات تدعو‬
‫المسلمين إلى الكفر وتحملهم عليه )‪. (1‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬السلم وأوضاعنا القانونية صفحة )‪.(17‬‬
‫أسئلة وأجوبة في اليمان والكفر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(45‬‬
‫السؤال الثامن عشر ‪:‬‬
‫ما حكم تنحية الشريعة السلمية واستبدالها بقوانين وضعية كالقانون‬
‫الفرنسي والبريطاني وغيرها مع جعله قانوًنا ينص فيه على أن قضايا النكاح‬
‫والميراث بالشريعة السلمية ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه مسألة فيها كلم لهل العلم وقد ذكر الحافظ ابن كثير ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أن‬
‫دل الشريعة بغيرها من القوانين فإن هذا من أنواع الكفر ومّثل لذلك‬ ‫من ب ّ‬
‫بالمغول الذين دخلوا بلد السلم وجعلوا قانوًنا مكوًنا من عدة مصادر يسمى‬
‫ضا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ‪-‬‬ ‫)الياسق( وذكر كفرهم وذكر هذا أي ً‬
‫رحمه الله ‪ -‬فقد قال في أول رسالته )تحكيم القوانين( ‪) :‬إن من الكفر‬
‫دل الشريعة من أولها‬ ‫المبين استبدال الشرع المبين بالقانون اللعين( فإذا ب ّ‬
‫إلى آخرها كان هذا كفًرا من أنواع الكفر والردة‪ ،‬وقال آخرون من أهل‬
‫العلم ‪ :‬إنه ل بد أن يعتقد استحلله ول بد أن تقام عليه الحجة وذهب إلى هذا‬
‫سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز ‪-‬رحمه الله‪ -‬وقال ‪ :‬إنه ل بد أن تقوم عليه‬
‫الحجة لنه قد يكون جاهًل بهذا المر وليس عنده علم ؛ فل بد أن يبين له‬
‫حتى تقوم عليه الحجة فإذا قامت عليه الحجة فإنه يحكم بكفره ‪ ،‬والمقصود‬
‫أن هذه المسألة مسألة خطيرة وهذا إذا لم يكن لمن وضع القانون أعمال‬
‫كفرية أخرى أما إذا كان تلّبس بأنواع من الكفر الخرى فهذا ل إشكال فيه ‪،‬‬
‫لكن هذا مفروض في شخص لم يتلّبس بشيء من أنواع الكفر ؛ فهل يكون‬
‫هذا كفًرا أكبر بمجرد تبديله الدين كما ذكر هذا الحافظ ابن كثير والشيخ‬
‫محمد بن إبراهيم ‪ -‬رحمهما الله ‪ -‬وغيرهما من أهل العلم ‪ ،‬أو أنه ل بد من‬
‫إقامة الحجة وبيان أن هذا المر كفر فإذا قامت عليه الحجة حكم بكفره ‪.‬‬
‫الولء والبراء ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(65‬‬
‫ويوضح الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله الحالت التي إن فعلها الحاكم‬
‫دخلت في الكفر المخرج من الملة وهي‪:‬‬
‫)‪ (1‬إذا جحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله‪ .‬وهو معنى ما‬
‫روى عن ابن عباس‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ ،‬وجحود ما أنزل الله من الحكم‬
‫الشرعي ل نزاع فيه بين أهل العلم‪ ،‬فإن الصول المتقررة المتفق عليها‬
‫بينهم‪ ،‬إن من جحد أصل ً من أصول الدين أو فرعا ً مجمعا ً عليه‪ ،‬أو أنكر حرفا ً‬
‫مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قطعيا ً فإنه كافر كفرا ً ينقل عن‬
‫الملة )‪. (1‬‬
‫)‪ (2‬إن لم يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أن حكم الله ورسوله حق‪ ،‬ولكنه‬
‫اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه‪ ،‬وأتم‬
‫وأشمل لما يحتاجه الناس وما استجد لهم من حوادث نشأت عن تطور‬
‫الزمان‪ ،‬وتغير الحوال فهذا أيضا ً ل ريب في كفره لتفضيله أحكام المخلوقين‬
‫التي هي زبالة الذهان وحثالة الفكار على حكم الحكيم الخبير‪ .‬فإنه ما من‬
‫قضية كائنة ما كانت إل وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم نصا ً أو ظاهرا ً أو استنباطا ً أو غير ذلك‪ ،‬علم ذلك من علمه وجهله‬
‫من جهله‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن ل يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله‪ ،‬لكن اعتقد أنه مثله‪ ،‬فهذا‬
‫ص ‪84‬‬
‫ً‬
‫كالنوعين السابقين كافر كفرا ينقل عن الملة لما في ذلك من تسوية‬
‫المخلوق بالخالق‬
‫)‪ (4‬من اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله فهو كالذي قبله‪.‬‬
‫)‪ (5‬من أعظم ذلك وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لحكامه‪ ،‬ومشاقة لله‬
‫ولرسوله‪ :‬إيجاد المحاكم الوضعية التي مراجعها القانون الوضعي‪ ،‬كالقانون‬
‫الفرنسي أو المريكي أو البريطاني أو غيرها من مذاهب الكفار‪ ،‬وأي كفر‬
‫فوق هذا الكفر؟! وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا ً رسول الله بعد هذه‬
‫المناقضة؟! )‪.(2‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (6‬ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من‬
‫حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها )سلومهم( يتوارثون ذلك‬
‫منهم ويحكمون به رغبة وإعراضا ً عن حكم الله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (111 (1‬تحكيم القوانين )ص ‪. (5‬‬
‫)‪ (112 (2‬المصدر السابق )ص ‪. (7‬‬
‫)أما الكفر الذي ل ينقل عن الملة‪ :‬والذي ورد عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما بأنه كفر دون كفر وقوله أيضًا‪) :‬ليس بالكفر الذي تذهبون إليه( فذلك‬
‫مثل‪ ،‬أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع‬
‫اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق‪ ،‬واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة‬
‫الهدى‪ .‬وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة فإنه معصية عظمى أكبر من‬
‫الكبائر كالزنا وشرب الخمر والسرقة وغيرها فإن معصية سماها الله في‬
‫كتابه كفرا ً أعظم من معصية لم يسمها الله كفرًا()‪.(1‬‬
‫وإن الذي جعلنا نسهب في ذكر شؤون الحاكمية وتفصيل أحوالها هو‬
‫خطورتها وعظمها‪ .‬فإن موالة الحاكم بغير ما أنزل الله وإقرار تشريعه‬
‫للناس من عند نفسه وتحليله وتحريمه ما لم يأذن به الله‪ ،‬مناقضة بأن الله‬
‫هو الله الذي تألهه القلوب بالحب والتعظيم والطاعة والنقياد‪ ،‬ومناقضة‬
‫للشهادة بأن محمدا ً رسول الله فهو المطاع فيما أمر ونهى عنه وزجر ولو‬
‫فهم الناس هذا لما بقي لطاغية في‬
‫ص ‪85‬‬
‫الرض حق الوجود والتشريع‪ .‬وإقرار الكفر وتنحيه شرع الله المحكم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬من المور التي يجب أن نتدبرها بروية ‪ -‬من نواقض السلم ‪-‬‬
‫مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪:‬‬
‫م } ]سورة المائدة‪.[51:‬‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫من ي َت َوَل ُّهم ّ‬
‫منك ُ ْ‬
‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫}وَ َ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وهذا من أعظم النواقض التي وقع فيها سواد الناس اليوم في الرض‪ ،‬وهم‬
‫بعد ذلك يحسبون على السلم ويتسمون بأسماء إسلمية‪ .‬فلقد صرنا في‬
‫عصر يستحي فيه أن يقال للكافر‪ :‬يا كافر!! بل زاد المر عتوا ً بنظرة‬
‫العجاب والكبار والتعظيم والمهابة لعداء الله‪ ،‬وأصبحوا موضع القدوة‬
‫والسوة لضعاف اليمان‪ ،‬ينظرون إلى أعداء الله نظرة انبهار ملؤها التمني‬
‫أن يكونوا مثلهم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (113 (1‬المصدر السابق )ص ‪. (8‬‬
‫مظاهرة أخذت صورا ً شتى فمن الميل القلبي إلى انتحال مذاهبهم اللحادية‬
‫إلى مجاراتهم في تشريعاتهم‪ ،‬إلى كشف عورات المسلمين لهم‪ ،‬إلى كل‬
‫صغير وكبير في حياتهم‪ .‬وسيأتي تفصيل الحديث في هذا المر ‪ -‬إن شاء الله‬
‫‪ -‬في فصل صور الموالة‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫ومما قاله ابن كثير عن )الياسق( في تاريخه )البداية والنهاية(‪ ,‬قال‪ ]:‬ثم ذكر‬
‫الجويني نتفا من )الياسا(‪ ,‬من ذلك‪ :‬أنه منه زنى قتل‪ ,‬محصنا كان أو غير‬
‫محصن‪ ,‬وكذلك من لط‪ .‬قتل ومن تعمد الكذب قتل‪ ,‬ومن تجسس قتل ‪,‬‬
‫ومن بال في الماء الواقف قتل ‪ ,‬ومن انغمس فيه قتل )‪ (...‬وفي ذلك كله‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده النبياء عليهم الصلة والسلم فمن‬
‫ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم النبياء‪ ,‬وتحاكم‬
‫إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر‪ .‬فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها‬
‫عليه‪ .‬من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين [ اهـ‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫و)الياسا(‪ :‬هو دستور ومجموعة قوانين‪ ,‬وضعها جنكيز خان‪) ,‬الملك التتري(‬
‫لما اجتاح المشرق‪ ,‬ورأى تعدد الديان والفلسفات‪ ,‬فوضع بمشاورة‬
‫المشرعين عنده هذا الدستور‪ ,‬مما استحسنوه بعقولهم ومن وحي تجاربهم‪,‬‬
‫وخلطوها بأحكام من السلم و النصرانية وأديانهم الوثنية‪.‬‬
‫وهو نفس الفعل الذي يقوم به اليوم حكام المسلمين بمساعدة مشرعيهم‬
‫وبرلماناتهم‪ ,‬حيث بنوها أساسا على القوانين الفرنسية والنجليزية‪ ,‬ذات‬
‫الصل الروماني‪ ,‬وخلطوا فيها شيئا من الشريعة السلمية‪ ,‬وما أملته عليهم‬
‫أهواؤهم ! ثم كتبوا في أعلها كما في بعض البلد السلمية‪):‬الشريعة‬
‫السلمية هي المصدر الساسي للتشريع والتقنيين!!( وفي بعض البلد بخلوا‬
‫حتى بهذه العبارة الشركية الكاذبة‪.‬‬
‫فإذا كان ابن كثير قد نقل إجماع المسلمين على كفر من حكم بالياسا أو‬
‫سواه من جهالت البشر‪ ,‬فكيف بمن حكم بهذه الشرائع الوضعية في‬
‫المسلمين وأجبرهم عليها بقوة وقهر السلح!!‬
‫ويكفي لكل من أراد أن يطلع على حجم الكفر والفسق والظلم‪ ,‬وتبديل‬
‫الشرائع‪ ,‬واتخاذ آيات الله هزوا‪ ,‬أن يطلع على نسخة من دستور بلده‪,‬‬
‫والقوانين المعمول بها في المحاكم‪ ,‬والمراسيم التشريعية التي تصدر عن‬
‫حكومة بلده كل يوم‪ .‬وهذه هي الحالة في باكستان وكافة بلد المسلمين‪.‬‬
‫تماما كما أخبر صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه المام أحمد‪ ):‬لينقضن‬
‫عرى السلم عروة فكلما انتقضت عروة عروة تشبث الناس بالتي تليها‪.‬‬
‫كم هذه القوانين‬ ‫وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلة (‪ .‬فل شك أن من ح ّ‬
‫كافر يجب قتاله بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْك وَ َ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬
‫ن ي َْزعُ ُ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وفي قوله تعالى‪ ?:‬أل َ ْ‬
‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫ك يريدو َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫ه‬
‫فُروا ب ِ ِ‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫حاك َ ُ‬
‫ن ي َت َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬
‫ضلل ً ب َِعيدا ً ? )النساء‪ (60:‬يقول ابن كثير رحمه‬ ‫طا َ‬
‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬‫شي ْ َ ُ‬‫ريد ُ ال ّ‬‫وَي ُ ِ‬
‫الله ‪:‬‬
‫] هذا إنكار من الله عز وجل‪ ,‬على من يدعي اليمان بما أنزل الله على‬
‫رسوله وعلى النبياء القدمين‪ .‬وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل‬
‫الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله [ ثم قال‪ ]:‬فانها‪-‬أي الية ‪ -‬ذامة‬
‫لكل من عدلوا عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو‬
‫المراد هنا بالطاغوت‪ .‬ولهذا قال )يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت([ أي‬
‫كما قال في نفس سورة النساء بعد بضع آيات في قوله تعالى ] فل وربك ل‬
‫يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدون في أنفسهم حرجا مما‬
‫قضيت ويسلموا تسليما [‪ ] :‬أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فل يجدون‬
‫في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون‬
‫لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ول مدافعة ول منازعة‪ .‬كما ورد في‬
‫الحديث‪ ):‬والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت‬
‫به([اهـ‪.‬‬
‫ة‬
‫من َ ٍ‬
‫مؤ ِ‬‫ْ‬ ‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ِ‬‫ْ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫وفي قوله تعالى من سورة الحزاب الية ‪ ? : 36‬وَ َ‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫خيرة ُ م َ‬ ‫َ‬ ‫إَذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫ص الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي َعْ ِ‬
‫م ْ‬
‫م وَ َ‬
‫مرِهِ ْ‬
‫نأ ْ‬‫م ال ْ ِ َ َ ِ ْ‬
‫ن ل َهُ ُ‬
‫كو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫مِبينا ? ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ضلل ُ‬ ‫ّ‬
‫ضل َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫هف َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫وََر ُ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫قال ابن كثير رحمه الله‪ ] :‬فهذه الية عامة في جميع المور‪ .‬وذلك أنه إذا‬
‫حكم الله ورسوله بشيء فليس لحد مخالفته ول اختيار لحد هنا ول رأي ول‬
‫شدد في خلف ذلك فقال‪ ]:‬ومن يعص الله ورسوله فقد‬ ‫قول )‪ (.....‬ولهذا َ‬
‫ضل ضلل مبينا [ وكقوله تعالى ] فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم‬
‫فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ اهـ‪.‬‬
‫•…قال المام أبو بكر الجصاص في تفسير قوله تعالى‪ ? :‬فل وربك ل‬
‫يؤمنون‪ ?...‬الية السابقة‪ ) :‬وفي هذه الية دللة على أن من رد شيئا من‬
‫أوامر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فهو خارج من ملة السلم‪,‬‬
‫سواء رده من جهة الشك فيه‪ ,‬أو من جهة ترك القبول و النقياد و المتناع‬
‫عن التسليم‪ .‬وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من‬
‫امتنع عن أداء الزكاة( أحكام القرآن ج ‪ 2‬ـ ص ‪.212‬‬
‫•…وقال المام ابن تيمية رحمه الله تعالى‪ ? :‬إنما كان قول المؤمنين إذا‬
‫دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم‬
‫المفلحون ? النور ‪ 51‬قال‪ ]:‬فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول‬
‫وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن‪ .‬وأن المؤمن هو الذي‬
‫يقول سمعنا وأطعنا‪ .‬فإذا كان النفاق يثبت ويزول اليمان بمجرد العراض‬
‫عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض‪ ,‬وقد يكون‬
‫سببه قوة الشهوة فكيف بالتنقص ونحوه [ اهـ‪) .‬الصارم المسلول‪ ,‬ص ‪.(38‬‬
‫•…كذلك نقل شيخ السلم اتفاق الفقهاء فقال‪) :‬والنسان متى حلل الحرام‬
‫ـ المجمع عليه ـ أو حرم الحلل المجمع عليه ـ أو بدل الشرع ـ المجمع عليه ـ‬
‫كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء( الفتاوى ج ‪ 3‬ص ‪.267‬‬
‫•…وقال رحمه الله في الفتاوى ج ‪ 35‬ص ‪) :406‬ومن حكم بما يخالف شرع‬
‫الله ورسوله وهو يعلم ذلك فهو من جنس التتار الذين يقدمون حكم الياسق‬
‫على حكم الله ورسوله(‪.‬‬
‫•…ويقول أيضا في منهاج السنة ج ‪ 3‬ص ‪ ) :22‬فمن استحل أن يحكم بين‬
‫الناس بما يراه عدل من غير إتباع لما أنزل الله فهو كافر(‪.‬‬
‫•…وفي الفتاوى الكبرى ج ‪ 4‬ص ‪) :515‬ومعلوم بالضطرار من دين‬
‫المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين السلم أو‬
‫إتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر(‪.‬‬
‫م ِفي‬ ‫•…ويقول المام ابن القيم رحمه الله ‪ :‬عند قوله تعالى‪ ? :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫خي ٌْر‬‫ك َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫يٍء فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬
‫سو ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن ت َأِويل ً ? )النساء‪ :‬من الية ‪ (59‬قال‪ ] :‬وهذا دليل قاطع على أنه يجب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬‫ح َ‬‫وَأ ْ‬
‫رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس‪ ,‬من الدين كله‪ ،‬إلى الله ورسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬ل إلى أحد غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫فمن أحال الرد إلى غيرهما‪ ,‬فقد ضاد أمر الله ‪ ,‬ومن دعا عند النزاع إلى‬
‫حكم غير الله ورسوله‪ ,‬فقد دعا بدعوى الجاهلية‪ ،‬فل يدخل العبد في اليمان‬
‫حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪? :‬‬
‫إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر? وهذا مما ذكر آنفا‪ ,‬أنه شرط ينفي‬
‫كم غير الله ورسوله في موارد النزاع‬ ‫المشروط بانتفائه‪ ,‬فدل على أن من ح ّ‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان خارجا عن مقتضى اليمان بالله واليوم الخر‪.‬وحسبك بهذه الية العاصمة‬
‫القاصمة بيانا وشفاء فإنها قاصمة لظهور المخالفين لها‪ ،‬عاصمة‬
‫للمستمسكين بها‪ ,‬المتمثلين ما أمرت به[ )الرسالة التبوكية(‪.‬‬
‫•…وفي نفس هذه الية قال ابن كثير رحمه الله‪ ]:‬فدل على أن من لم‬
‫يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولم يرجع إليهما في ذلك فليس‬
‫مؤمنا بالله ول باليوم الخر[ اهـ )تفسير ابن كثير(‪.‬‬
‫•…ويقول ابن القيم رحمه الله‪ ) :‬ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم إلى غير ما‬
‫جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه‪.‬والطاغوت كل ما يتجاوز به‬
‫العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع‪ ,‬فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه‬
‫غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من‬
‫الله(‪ .‬إعلم الموقعين ج ‪ 1‬ص ‪.5‬‬
‫•…وقال رحمه الله في مدارج السالكين ‪1‬ص ‪ ) : 337‬إن اعتقد أن الحكم‬
‫بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه حكم الله فهذا كفر أكبر(‪.‬‬
‫•…يقول القاضي أبو يعلي في أصول الدين ص ‪ ) :271‬ومن اعتقد تحليل ما‬
‫حرم الله بالنص الصريح‪ ,‬أو من رسوله أو أجمع المسلمون على تحريمه‪,‬‬
‫فهو كافر‪,‬كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلة والصيام والزكاة‪ .‬وكذلك من‬
‫اعتقد تحريم شئ حلله الله أباحه بالنص الصريح أو أباحه الله عز وجل‪.‬‬
‫والوجه فيه أن في ذلك تكذيب لله تعالى ولرسوله في خبره‪ ,‬وتكذيب‬
‫للمسلمين في خبرهم‪ .‬ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين (‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ن َك َُثوا أي ْ َ‬
‫مان َهُ ْ‬ ‫•…قال المام القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى‪ ? :‬وَإ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م لعَلهُ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫م ل أي ْ َ‬ ‫فرِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫قات ُِلوا أئ ِ ّ‬
‫م َ‬ ‫م فَ َ‬‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬‫ن ب َعْد ِ عَهْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ? )التوبة‪ (12:‬قال‪ ) :‬استدل بعض العلماء بهذه الية على وجوب قتل‬ ‫ي َن ْت َُهو َ‬
‫من طعن في الدين إذ هو كافر‪ ,‬والطعن أن ينسب إليه ما ل يليق به‪ ,‬أو‬
‫يعترض بالستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على‬
‫صحة أصوله واستقامة فروعه ( ج ‪ 8‬ص ‪.82‬‬
‫فانظروا اليوم في خطابات وتصريحات هؤلء الرؤساء وأعوانهم‪ ,‬وما فيها من‬
‫طعن بالدين واستخفاف بشعائره‪.‬‬
‫•…وقال رحمه الله ‪ ) :‬إن حكم بما عنده على من أنه من عند الله فهو‬
‫تبديل له يوجب الكفر ( ج ‪ 6‬ص ‪.191‬‬
‫•…وقال‪ ):‬إن طلب غير حكم الله من حيث لم يرض به فهو كافر ( تفسير‬
‫القرطبي‪.‬‬
‫ونكتفي بهذه الثار‪ .‬والشواهد كثيرة جدا‪ ,‬من أقوال الئمة والعلماء ونصوص‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وقد تكلم في هذه المسألة جمع من علماء المسلمين المعاصرين الذين‬
‫عاشوا واقع كفر حكامنا في هذا العصر‪ ,‬وبينوا أن ما يصدر عنهم من تشريع‬
‫وتبديل لشرع الله وحكم بغير ما أنزل الله هو كفر أكبر‪ .‬وننقل ههنا طائفة‬
‫من أقوالهم‪:‬‬
‫•…قال الشيخ محمود اللوسي في تفسيره ‪ ) :‬ل شك في كفر من‬
‫يستحسن القانون ويفضله على الشرع‪ ,‬ويقول هو أوفق بالحكمة‪ ,‬وأصلح‬
‫للمة‪ ,‬ويتميز غيظا ً ويتعصب غضبا إذا قيل له في أمر الشرع فيه كذا ‪ .‬كما‬
‫شهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم‪ .‬فل ينبغي‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بين المخالفة للشرع منها‪ ,‬ويقدمه‬


‫على الحكام الشرعية منتقصا للحق ( ] روح المعاني ج ‪28‬ص ‪.[20‬‬
‫•…وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله ‪ ):‬ومن لم يحكم بما أنزل‬
‫الله معارضة للرسل وإبطال لحكام الله فظلمه وفسقه وكفره كله مخرج‬
‫من الملة ( أضواء البيان ج ‪2‬ص ‪.104‬‬
‫•…وقال في تعليقه على حديث عدي بن حاتم وقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ) :‬ألم يحرموا عليكم ما أحل الله ويحلوا لكم ما حرم الله‬
‫فتبعتموهم ؟ قال بلى‪ ,‬قال فتلك عبادتهم (‪ .‬قال رحمه الله ‪) :‬وهذا التفسير‬
‫النبوي‪:‬أن كل من يتبع مشرعا بما أحل وحرم مخالفا لتشريع الله أنه عابد له‪,‬‬
‫متخذه ربا‪,‬مشرك به كافر بالله‪ .‬هو تفسير صحيح ل شك في صحته‪ ,‬واعلموا‬
‫أيها الخوان أن الشراك بالله في حكمه‪ ,‬والشراك به في عبادته كلها بمعنى‬
‫واحد ول فرق بينهما البتة‪ ,‬فالذي يتبع نظاما غير نظام الله‪ ,‬وتشريعا غير‬
‫تشريع الله‪ ,‬وقانونا مخالفا لشرع الله‪ ,‬من صنع البشر‪ .‬معرضا عن نور‬
‫السماء الذي أنزله الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من كان‬
‫يفعل هذا هو ومن كان يعبد الصنم ويسجد للوثن‪ ,‬ل فرق بينهم البتة بوجه‬
‫من الوجوه فهما واحد كلهما مشرك بالله هذا أشرك في عبادته وهذا أشرك‬
‫في حكمه( أضواء البيان‪.‬‬
‫•…ويقول في نفس التفسير‪) :‬وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر‬
‫غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على‬
‫لسان أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعل على ألسنة رسله‪ ,‬أنه ل يشك‬
‫في كفرهم إل من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم(‪.‬‬
‫•…ويقول رحمه الله ) وأما النظام الوضعي المخالف لتشريع خالق‬
‫السموات والرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والرض‪ .‬كدعوى أن تفضيل‬
‫الذكر على النثى في الميراث ليس بإنصاف‪ ,‬و أنهما يلزم إستواؤهما فى‬
‫الميراث‪,‬ودعوى أن تعدد الزوجات ظلم وأن الطلق ظلم للمرأة ‪ ,‬وأن الرجم‬
‫والقطع ونحوهما‪,‬أعمال وحشية ل يسوغ فعلها بالنسان ونحو ذلك‪ ,‬فتحكيم‬
‫هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأنسابهم وعقودهم‬
‫وأديانهم‪ ,‬كفر بخالق السموات والرض ( أضواء البيان ج ‪4‬ص ‪. 84‬‬
‫•…قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ‪ ,‬وهو إمام محدث معاصر توفى سنة‬
‫‪ ,1958‬وكان قد عمل في مجال القضاء الشرعي في مصر ثم اعتزله‪ ,‬قال‬
‫في تعليقه وتحقيقه لمسند المام أحمد عند الحديث رقم ‪ ) :7747‬ومن حكم‬
‫بغير ما أنزل الله عامدا عارفا فهو كافر‪ .‬ومن رضي عن ذلك وأقره فهو‬
‫كافر‪ ,‬سواء أحكم بما يسميه شريعة أهل الكتاب أم بما يسميه تشريعا‬
‫وضعيا‪ .‬فكله كفر وخروج من الملة‪ ,‬أعاذنا الله من ذلك(‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫•…ومما جاء عنه رحمه الله‪ ) :‬أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يحكم‬
‫المسلمون في بلدهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة‪,‬‬
‫بل بتشريع تدخله الراء والهواء الباطلة‪.‬يغيرونه ويبلونه كما يشاؤون ‪ .‬ول‬
‫يبالي واضعه أوافق شرع السلم أم خالفه‪ ,‬إن المسلمين لم يبتلوا بهذا قط‬
‫إل في عهد التتار( إلى أن قال )ما أظن رجل يعرف دينه ويؤمن به جملة‬
‫وتفصيل)‪ (...‬ما أظنه يستطيع إل أن يجزم غير متردد ول متأول ‪ ,‬بأن ولية‬
‫القضاء في هذه الحالة باطلة بطلنا أصليا ل يلحقه التصحيح ول الجازة‪.‬إن‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح ل خفاء‬
‫فيه ول مداراة ول عذر لحد ينتسب لهل السلم كائنا من كان في العمل بها‬
‫أو إقرارها( عمدة التفاسير ج ‪4‬ص ‪.171‬‬
‫ومن الدلة الناصعة في القرآن والسنة‪ ,‬على كفر من أعطى نفسه حق‬
‫التشريع من التحليل والتحريم‪ ,‬وتبديل الشرائع والعدوان على حاكمية الله‪,‬‬
‫وجعل نفسه بذلك ربا يعبد‪ ,‬ما أخبر به سبحانه عن كفر اليهود والنصارى‪ ,‬في‬
‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫ح اب ْ َ‬
‫سي َ‬‫م ِ‬‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَبابا ً ِ‬‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫قوله‪ ? :‬ات ّ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ? )التوبة‪. (31:‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه عَ ّ‬‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ه إ ِل هُوَ ُ‬ ‫حدا ل إ ِل َ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دوا إ ِلها َوا ِ‬ ‫أ ِ‬
‫فقد روى المام أحمد والترمذي وابن جرير عن طريق عدي ابن حاتم رضي‬
‫الله عنه‪ ,‬كما نقل ذلك ابن كثير في تفسيره‪ ,‬أن عديا لما جاء رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ليسلم وكان نصرانيا‪ ,‬وجده يقرأ هذه الية‪.‬فقال‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنهم لم يعبدوهم‪ .‬فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ):‬بلى إنهم حرموا عليهم الحلل وأحلوا لهم الحرام‪ .‬فاتبعوهم‪ .‬فذلك‬
‫عبادتهم إياهم (‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫اليمين واليسار وحديث الهجرة إلى الحبشة‬


‫الحلقة )‪ (18‬الجمعة ‪ 5‬ربيع الول ‪ 1396‬هـ ‪ 5‬آذار ‪1970‬‬
‫شوح‬ ‫العلمة محمود م ّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫لقد كان يمكن أن أؤجل هذا اللقاء لول أن أخانا أبا محمود حفظه الله أنجز‬
‫ما كان فيه من حديث عن الهجرة‪ ،‬ولول الصداء التي أثارتها آخر خطبة كانت‬
‫لنا في هذا المكان لدى فريقين متباينين من الناس‪ ،‬كان هدفي من آخر‬
‫حديث ‪-‬وكان حديثا ً على هامش الهجرة‪ -‬أن أبين أن حادث الهجرة كان حادثا ً‬
‫طبيعيا ً جاء في سياقه الزمني‪ ،‬وفي مكانه من مراحل الدعوة دون اعتساف‬
‫وبغير استعجال لخطوات الطريق فمن أجل ذلك كان مبارك الثمرات وكانت‬
‫الهجرة نصرا ً مؤزرا ً للسلم وفاتحة عهد جديد في تاريخ النسانية‪.‬‬
‫ولكن شعاب الكلم تأخذ النسان في مجاريها التي ل بد له من أن يتبعها‬
‫‪-‬شاء أم أبى‪ -‬ومن ذلك حديثنا عن تعليل الصبر الطويل الذي صبره ومحمد‬
‫صلى الله عليه وآله وصبره المؤمنون معه في مكة المكرمة قبل الهجرة‬
‫ولقد كان مما قلنا‪ :‬إن هذا الصبر عنوان سلوك في السلم‪ ،‬هو سلوك عدم‬
‫العنف في مواجهة المخالفين‪ ،‬وأحسب أنني طرقت هذه الفكرة قبل اليوم‪،‬‬
‫طرقتها فيما أذكر حين كنت أخطب في ‪-‬الجامع الوسط‪ -‬قبل أن يكمل بناء‬
‫هذا المسجد‪ ،‬وحينما كنت أتحدث عن المقدمات التي رأيتها ضرورية لتشكل‬
‫مدخل ً لدراسة السيرة على ضوء مناهج علمية بعيدة عن التزمت وضيق‬
‫الفق كما هي بعيدة عن الغوغائية والرتجال فقد آن للمسلمين أن يعملوا‬
‫عقولهم في كل شيء‪ ،‬وفي ضوء العقل عليهم أن يقرروا‪ ،‬وفي ضوء العقل‬
‫عليهم أن ينفذوا‪ ،‬لهذا لم أجد سببا ً يدعوني إلى إطالة الحديث حول هذه‬
‫القضية‪ ،‬في خطبتنا الخيرة ولكن الشيء المؤسف أنني فوجئت بتيارين أو‬
‫بردود فعل إزاء الكلم الذي تحدثت به‪.‬‬
‫والشيء الذي أزعجني حقا ً هو أن بعض الخوة فهم من كلمي الذي يقرر‬
‫رفض العنف والغلظة أن هذا أمر مرحلي هذا من بداية الكلم غلط فالواقع‬
‫أن عدم العنف‪ ،‬في غير مدعاة إليه ول ضرورة ملجئة؛ مسألة مبدئية في‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم‪ ،‬فالسلم ل يريد أن يفني الناس ل يريد أن يقتل الناس ل يريد أن‬
‫يميت الناس‪ ،‬السلم يريد أن يحيي الناس ولذلك فطالما وجد أي أمل في‬
‫أن يستقيم النسان ‪-‬أيا ً كان اتجاهه‪ -‬فهو محل الرعاية الهتمام والحترام أما‬
‫ما يدور اليوم في الساحة العالمية من ارتخاص لقيمة النسان وعدم اهتمام‬
‫به فشيء غريب عن السلم إذا ً فرفض العنف ليس مسألة مرحلية في‬
‫السلم لكنه قضية مبدأ‪ .‬هذه واحدة وهي واحدة ليست في الحساب الذي‬
‫هو في الحساب أول ً الستغراب الذي قابل به الكثير من الخوة الذين‬
‫يشاركوننا آراءنا واتجاهات؛ دعوتنا هذه إلى الحب والتسامح واللين والطيبة‬
‫والمرحمة في مواجهة المخالفين هذا شيء في الواقع عجبت له‪ ،‬عجبت له‬
‫لن الله يقتص علينا في القرآن من وصف نبيه محمد صلوات الله عليه‬
‫فيقول جل من قائل‪:‬‬
‫ً‬
‫(فبما رحمة من الله لنت لهم‪ ،‬ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك‬
‫فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر)‪.‬‬
‫الوصف الجوهري والرئيس لرسول الله صلى الله عليه وآله اللين‪ ،‬كرم‬
‫الطباع‪ ،‬المرحمة‪ ،‬الشفقة‪ ،‬الطيبة التي ل تعرف حدًا‪ ،‬كيف يغيب هذا عن بال‬
‫الخوة ومع ذلك فلقد وقفت أفكر طويل ً ثم عذرت الخوة‪ ،‬عذرتهم لننا‬
‫نعيش في جو يشكل قوة ضاغطة على تفكير النسان وعلى سلوك النسان‬
‫في الساحة المحلية وفي الساحة العربية‪ ..‬في الساحة المحلية حيث انتزعت‬
‫ودفعت إلى الخلف بعيدا ً كل معاني النسانية‪ ،‬وبقيت الناس تعيش على‬
‫قوانين الغابة وأعراف الوحوش‪ ،‬بقيت الناس ل تسمع إل أحاديث الدماء وإل‬
‫أحاديث القتل وإل أحاديث الخطف وإل أحاديث العنف الذي ل يريد أن ينتهي‬
‫إل أن يدمر هذه الحياة الدنيا كيف يمكن أن نطلب من المسلم أن يبقى بعيدا ً‬
‫عن هذه التأثيرات ل بد له من أن يتأثر بها من هنا كان إخوتنا يستغربون‬
‫دعوتنا إلى شيء يخالف المألوف في هذه اليام فرأيت أن من واجبي أن‬
‫أعالج المسألة علجا ً صحيحا ً ونهائيا ً أن أقول في المسألة قول ً يقطع كل قول‬
‫وقول ً موسعا ً ل أحتاج بعد إلى أن أعيد الموضوع أبدًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫رأيت أن الله تعالى قال لنبيه في القرآن )واصبر على ما يقولون واهجرهم‬
‫ل( ورأيته قال له )فاصفح الصفح الجميل(‪ ،‬وقال له‪) :‬واصبر صبرا ً‬ ‫هجرا ً جمي ً‬
‫ل( فرأيت أن من الواجب قبل كل شيء أن نعرف ماذا تعني هذه‬ ‫جمي ً‬
‫الوصاف التي وصف بها الصبر‪ ،‬ووصف بها الصفح ووصف بها الهجر‪ ،‬ماذا‬
‫تعني بانطباعاتها الولى في نفس النسان العربي الذي خوطب بالقرآن يوم‬
‫كانت فطرته سليمة لم تمس ولم تلوث بهذه العجمة المستحكمة على‬
‫العقول والفئدة والقلوب‪ ،‬ما تعني دللة اللغة حين يوصف الصبر بأنه جميل‪،‬‬
‫وحين يوصف الهجر بأنه جميل‪ ،‬وحين يوصف الصفح بأنه جميل‪ ،‬ورأيت أن‬
‫الواجب يستدعي أيضا ً أن أعالج المسألة في ضوء آخر ما انتهى إليه الفكر‬
‫الفلسفي المعاصر في موضوع الجمال وتأثيرات الجمال في المسالك‬
‫البشرية وفي التجاهات العقلية للناس بل رأيت أن أعتمد حتى مناهج‬
‫البراجماتية الذرائعية الوصولية؛ لبين أن العنف ل يجدي حتى عند أنصار‬
‫)الغاية تبرر الوسيلة( أينما كانت ورأيت أن أستخدم قوانين علم الجتماع في‬
‫أعلى أطواره وأحدث ما وصل إليه الفكر النساني حتى الن لبين أن العنف‬
‫طريق يوصل إلى تدمير المجتمعات النسانية ول يوصل إلى إسعادها ول إلى‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫راحتها بتاتا ً هذا من جهة‪.‬‬


‫من جهة ثانية ثمة فريق من الناس ل يشاركوننا آراءنا؛ تكلمت أنا أن العنف‬
‫شيء مرفوض وأنه عدوى من عدوى الماركسية وقلت ما قلت وقال من‬
‫قبل بعض الخوة أنني أظلم اليسار العربي‪ .‬واليسار العربي له سامعون‬
‫عندي الن يا إخوتي من أول الطريق يحسن بنا أن نتفاهم من بداية المر‬
‫يجب أن يكون كل شيء واضحا ً أنا ل أثق باليسار مفهوم ل أثق السيار رضي‬
‫اليسار أم غضب هذا شيء ل يعنيني كما أنني من جهة أخرى ل أثق باليمين‬
‫رضي اليمين أم غضب‪ ،‬أثق بشيء واحد بهذا السلم القضية عندي متعلقة‬
‫بالسلم فإذا مست اليسار فليغضب وإذا مست اليمين فليغضب أما اليمين‬
‫فهم طلب مصالح وطلب مكاسب ونحن طلب استقامة للحياة وطلب‬
‫آخرة فل مجال للقاء بيننا على الطلق أفهم ‪-‬لست غبيًا‪ -‬أفهم أن اليسار‬
‫يتهمنا باليمينية هذا خطأ هذا خطأ‪ ،‬اليمين‪ ،‬ليس أرحم بنا من اليسار يجب أن‬
‫يكون هذا مفهومًا‪ ،‬وقلت من بداية الطريق يجب أن نتفاهم لكن لماذا ل أثق‬
‫باليسار‪ .‬اليسار عندي يساران يسار متأثر بالماركسية فهذا عندي ليس محل‬
‫نظر ول محل وقوف ل يمكن أن أسمع الله تعالى يقول‪) :‬إنني أنا الله ل إله‬
‫إل أنا فاعبدني( ويأتي ماركس فيقول‪) :‬الله غير موجود فمن أصدق( أصدق‬
‫الله أم أصدق ماركس؟ أسمع الله يقول‪( :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر‬
‫وأنثى وجعلناكم شعوبا ً وقبائل لتعارفوا)‪ .‬فيقول ماركس‪) :‬كذبت بل‬
‫لتتصارعوا( فمن أصدق الله أم ماركس أسمع وأسمع وأجد مناقضة ل يمكن‬
‫أن تحل بتاتا ً بين المسلمين وبين اليساريين الماركسيين فكيف نتفق إل إذا‬
‫تخلينا عن السلم أما بالنسبة لنا فأحب للخوة الماركسيين أن يعلموا بكل‬
‫صراحة أننا لن نكون معهم ولن نهادنهم وسوف ندمرهم في الساحة التي‬
‫نستطيع فيها؛ ذلك بأنه ل يمكن أن يتعايش الكفر واليمان على صعيد واحد‬
‫بتاتًا‪ ،‬أما اليسار الذي يدعو إلى العدل إلى العدل الجتماعي فأحب أن أهمس‬
‫في آذانهم كلمة بسيطة لول انقلب الزمان ولول فوضى المفاهيم ولول تزوير‬
‫التاريخ وتزوير الواقع لكان اليسار العربي غير الماركسي آخر من يدخل معنا‬
‫سوق المزايدة في العدل الجتماعي‪ ،‬صح النوم بعد ألف أربعمائة عام من‬
‫قيام محمد صلى الله عليه وسلم بكفالة العدل وكفالة القوت وكفالة الكرامة‬
‫النسانية يأتي من يزايد علينا في قضايا العدل الجتماعي هذا غريب بل هذه‬
‫وقاحة‪ ،‬إذا كان اليسار العربي يؤمن القوت وأقيد – غير الماركسي‪ -‬يؤمن‬
‫القوت لقاء الحرية فالعدل السلمي يكفل لك المعيشة الكريمة دون أن‬
‫يطلب منك أي شيء‪ ،‬ذلك بأنه يعلم أن معيشتك حق ومعنى كونها حقا ً أنها ل‬
‫تقتضي جزاًء ول تطلب ثمنًا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫في اليسار العربي غير الماركسي أنت مطالب بأن تصوت ومهازل التصويت‬
‫التي تكون نتائجها دائما ً تسعة وتسعين وخمسة وتسعين بالمائة مهازل ل‬
‫تدخل في عقل‪ .‬السلم ل يطلب هذا يعطيك قوتك ويعطيك بيتك ويعطيك‬
‫كفالة معيشتك ول يضغط على حريتك حتى حينما تكون مخالفا ً له في الدين؛‬
‫اليهود النصارى المجوس عاشوا في المجتمع المسلم موفوري الكرامة‬
‫موفوري القوت موفوري الحرية دون أن يضغط عليهم النظام السلمي‬
‫بداعي أنه أمن لهم حاجاتهم الساسية أبدًا‪ ..‬مرة أخرى صح النوم بعد ألف‬
‫وأربعمائة عام يزايد علينا اليسار الغبي بهذا الشكل ل من أول الطريق يجب‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن نتفاهم نحن المسلمين ندعو إلى طراز من الحياة ل يكون فيه الناس‬
‫إمعات ول تافهين ول مستغفلين وإنما يكونون رجال ً يمشون على الرض‬
‫خطواتهم تدق ظهر الرض قائلة‪ :‬أنا هنا‪ ،‬ل يمشون مشي العبيد يمشون‬
‫مشي الرجال الحرار مشي الرجال الذين وجدوا ليخطوا للتاريخ اتجاها ً هم‬
‫أرادوه لن الله تبارك وتعالى أراده؛ أرادته الرادة العامة التي صنعها الفرد‬
‫العاقل المفكر المدرك المريد لم يردها زعيم ولم يردها متسلق ولم يردها‬
‫متسلط وإنما أرادها النسان الذي شحنه السلم بمعنى الكرامة النسانية‬
‫ومعنى العزة النسانية حتى جعلته يشعر أنه كون صغير قد انطوى فيه العالم‬
‫الكبر كله ‪-‬فهمتم يا إخواننا جميعًا‪ -‬تفصيلت هذه المور ليست الن تفصيلت‬
‫هذه المور تأتي؛ عندي الن مهمة أريد أن أنجزها تتعلق بموضوع الهجرة‪..‬‬
‫في السابيع القادمة إن شاء الله سوف أتدخل في تفصيلت مستفيضة بكل‬
‫هذه الشياء لنني كما قلت أريد أن أنتهي بالمرة من كل هذه المور بعض‬
‫الناس الذين كتبوا في السيرة النبوية والتاريخ السلمي من مسلمين ومن‬
‫مستشرقين غير مسلمين يربطون بين حادث الهجرة إلى المدينة وبين حادث‬
‫الهجرة إلى الحبشة‪ ،‬بعض المسلمين ومن خيار الذين كتبوا في القضايا‬
‫السلمية ذهبوا إلى أن الهجرة الولى والثانية إلى الحبشة كانتا تهدفان إلى‬
‫تأمين موطئ قدم للسلم أي إذا أمكن فلتستقر الدعوة في الحبشة‬
‫ولتنطلق من الحبشة وهذا فهم مؤسف‪ ،‬المستشرقون بعامة يقولون إن‬
‫حادث الهجرة إلى الحبشة كان حادثا ً فاصل ً في تاريخ الدعوة السلمية لن‬
‫المسلمين اتصلوا أول اتصال لهم بالنصرانية في الحبشة فأفادوا منها وتأثروا‬
‫بالنصرانية هل المر كذلك يجب علينا أن ندرس المور تاريخيا ً وبدقة وأن‬
‫نعطي للحادث التاريخي حجمه فقط ل ننفخ فيه ول نخلق من الحبة قبة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سأبدأ بآخر الحتمالين؛ بكلم المستشرقين هل صحيح أن الهجرة إلى الحبشة‬


‫كانت من دواعي تأثر السلم بالنصرانية؟ بعبارة أدق هل كانت الحبشة‬
‫النصرانية قادرة في تلك المرحلة على أن تعطي شيئا ً للسلم أو لغير‬
‫السلم؟ بعبارة أدق‪ :‬هل كانت النصرانية عموما ً في الحبشة وغيرها قادرة‬
‫على أن تعطي النسانية شيئًا؟ ل؛ كان عمر رضي الله عنه ي ُ َ‬
‫قا ُ‬
‫ل له القبيلة‬
‫الفلنية اعتنقت النصرانية في الجاهلية والقبيلة الفلنية اعتنقت النصرانية‬
‫فيقول رضوان الله عليه بسخرية ذات معنى عميق يقول؛ إن العرب ما‬
‫عرفوا من النصرانية إل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير؛ وعمر رضي الله‬
‫عنه كان يتحدث عن العرب ول يجهل أن النصرانية عموما ً بين العرب وغير‬
‫العرب ما عرفت في تلك اليام إل شرب الخمر وأكل الخنزير والعتداء على‬
‫المحرمات‪ ،‬هذا واقع يشهد به تاريخ الحبشة في ذلك الزمان‪ ،‬كيف كانت‬
‫الهجرة متى كانت هجرة الحبشة الولى كانت في شهر رجب من السنة‬
‫الخامسة للبعثة‪ ،‬بينها وبين الهجرة العامة ثماني سنوات هاجر أحد عشر رجل ً‬
‫أو ثلثة عشر رجل ً وأربع نسوة فقط من المسلمين ووصلوا هناك‪ ،‬وظلوا‬
‫شرِيَ بين المشركين وبين رسول‬ ‫شهرين عادوا بعدها فوجدوا أن المر قد َ‬
‫ً‬
‫الله فانقلب من انقلب منهم من الطريق‪ ،‬راجعا إلى الحبشة وهاجرت أرتال‬
‫أخرى حتى بلغ الذين هاجروا في الهجرة الثانية أكثر من ثمانين رجل ً مع‬
‫نسائهم ومع أولدهم ظلوا هناك‪ ،‬منهم من عاد بعد ُ ومنهم من بقي إلى السنة‬
‫السادسة أو السابعة للهجرة حتى عادوا في سفينتين من الحبشة إلى النبي‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم في المدينة وكان يومها عليه الصلة والسلم قد أتم‬
‫فتح خيبر‪ ،‬عرفتم التاريخ السنة الخامسة من الهجرة‪ ،‬في السنة الخامسة‬
‫من الهجرة ماذا كانت الحبشة بل قبل أن نجيب على هذا‪ ،‬نسأل لماذا هاجر‬
‫هؤلء الناس هل نستطيع أن نجد بين أيدينا وثيقة أدق وأصدق من تعليل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ل‪ ..‬حين اشتد البلء في مكة على المسلمين‬
‫ونال الحرار والعبيد ونال الصغار والكبار رأى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أن يخفف الضغط على المسلمين فأشار عليهم مجرد استشارة ألقاها‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم شرح لهم الوضاع وما يلقون وما هو قائم وقال‬
‫لهم‪ :‬لو ذهبتم إلى أرض الحبشة‪ ..‬لم يكن هنالك أمر كان هناك رأي لو ذهبتم‬
‫إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا ً ل يظلم أحد عنده حتى يجعل الله لكم فرجا ً‬
‫ما أنتم‪ ،‬فيه إذا فالمر مؤقت مجرد‬ ‫فما أنتم فيه‪ ،‬حتى يجعل الله لكم فرجا ً م ّ‬
‫رغبة في تخفيف الضغط عن المسلمين ل أكثر ول أقل لكن ما الذي ضخم‬
‫المسألة في نفوس الذين كتبوا حول هذا الموضوع؟ ما رافق هذا الحادث وما‬
‫تله‪ ..‬في الحقيقة أن الفوج الول الذي هاجر لم تسكت عليه قبائل مكة‬
‫المشركة أرسلت وفودها إلى ملك الحبشة النجاشي تطلب إليه رد‬
‫المهاجرين‪ ،‬وذهب الوفد وقام بسفارته بعد أن رشى البطارقة ورشى‬
‫الرهبان فطلبوا منه أن يعيد إليهم هؤلء الفارين‪ ،‬فأهلهم أعرف بهم وأعلم‬
‫ة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ب ِفراس َ‬ ‫بهم عينا ً لكن الملك الذي لم ي ُ َ‬
‫خي ّ ْ‬
‫الملك العادل قال‪:‬‬
‫ل‪ ..‬حتى أستدعيهم فأسمع منهم فاستدعاهم‪.‬‬
‫فكان حوار بينه وبين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه شرح له جعفر‬
‫مبادئ السلم وما دعاهم إليه محمد عليه السلم‪ ،‬وشرح له عدوان قريش‬
‫وشراسة المشركين وقال له‪:‬‬
‫من أجل هذا اخترناك على من سواك ورجونا أن ل نظلم عندك أيها الملك‪.‬‬
‫قال له‪ :‬اذهبوا‪.‬‬
‫رفض أن يسلمهم للسفراء المكيين لكن الوفد عاد في اليوم الثاني ليكيد‬
‫مكيدة بغيضة؛ قال له أي للنجاشي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قول عظيما يقولون إنه ابن زنى‬
‫فاستدعاهم مرة أخرى وسألهم ووقع على المسلمين فعل ً في تلك الوقات‬
‫بعد مضي ستة قرون على وفاة المسيح عليه السلم ورفعه وتطهيره من‬
‫الذين كفروا‪..‬‬
‫قال جعفر‪ :‬والله ل نقول إل ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫سألهم عما يعتقدون في المسيح فقرؤوا عليه صدر سورة مريم وفيها‪:‬‬
‫(قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ً وجعلني مباركا ً أينما كنت‬
‫وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا ً وبرا ً بوالدتي ولم يجعلني جبارا ً شقيا ً‬
‫والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا‪).‬‬
‫قال النجاشي‪:‬‬
‫والله إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة‪.‬‬
‫وانصرف الوفد خائبا ً فاش ً‬
‫ل‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫هنا نقطة مع السف تعلقت ببعض الذهان ونسج حولها المستشرقون كلما ً‬
‫مستطيل ً ومستعرضا ً ووقع فيها من قبل علماء كبار من علماء المسلمين‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأدخلوها هي قصة الغرانيق ملخص هذه القصة أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم حينما أنزلت سورة النجم تلها على المشركين وبينما كان يتلو‬
‫)أفرأيتم اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى ألكم الذكر ولهم النثى(‪ .‬ذكر أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فيما ذكر‪ ،‬ذكر أصنام المشركين لما‬
‫قال أفرأيتم اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى قرأ بعدها )تلك الغرانقة‬
‫العل‪ ..‬وإن شفاعتهن لترتجى( وسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وسجد‬
‫المشركون من أهل مكة جميعا ً لن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم‬
‫بخير‪ ،‬سمع المسلمون هذا الخبر‪ ،‬فظنوا أن المور عادت إلى طبيعتها من‬
‫الوئام والسلم بينهم وبين المشركين فعاد من عاد ووجدوا المور خلف ذلك‬
‫مع السف قلت لكم هذه الحادثة مثبته في تفاسير محترمة في الطبري مثل ً‬
‫وتفاسير أخرى كثيرة لكنها تقول إن الشيطان ألقاها على لسان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ويدللون بذلك على أن الله قال )ولول أن ثبتناك لقد كدت‬
‫تركن إليهم شيئا ً قليل ً إذا ً لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ل تجد لك‬
‫علينا نصيرًا(‪.‬‬
‫وهذا عجيب‪ ..‬بين هذه السورة وسورة السراء مراحل تتقطع دونها أعناق‬
‫المطي كما يقولون هذه في وقت وهذه في وقت آخر‪ ،‬المسألة في تقديري‬
‫ليست كما دخلت في أذهان بعض علماء المسلمين القدامى‪ ،‬ول كما دخلت‬
‫في أذهان المروجين لها من المستشرقين عن غرض مقصود ليجاد الصلة أو‬
‫الستعداد للمساومة والتنازل من النبي صلى الله عليه وسلم لصالح الشرك‬
‫والمشركين‪ ،‬ل‪ ..‬المسالة خدعة من خدع السفارة القرشية ل شك أن‬
‫السفارة التي ذهبت إلى النجاشي فعادت فاشلة أطلقت هذه الشائعة؛ حينما‬
‫أطلقتها بلغت المسلمين هناك وظنوا أن المر حقيقة فعادوا فقبضوا على‬
‫من قبضوا منهم‪ ..‬يبقى علينا أن نسأل لماذا هذا الهتمام من المشركين في‬
‫إعادة أحد عشر رجل ً وأربع نسوة لماذا؟ هل يعتبر حادثا ً خارقا ً للعادة أن‬
‫تخرج من مكة أرتال وأعداد من الناس فل تعود إليها بالمرة؟ ل‪ ،‬لكن بعض‬
‫الناس ظن أن المر يتعلق بتمهيد لنتقال الدعوة إلى الحبشة وهذا كما قلنا‬
‫خطأ والمر الذي ينظر فيه أو الزاوية التي نظر المشركون منها إلى المسألة‬
‫تتصل بالتي؛ الرسول عليه الصلة والسلم متى ولد؟ عام ‪ 570‬للميلد ماذا‬
‫يصادف هذا العام يصادف عام الفيل ماذا يعني عام الفيل يعني هجوم أبرهة‬
‫الحبشي على مكة لكي يهدم البيت الحرام ما هي معيشة القرشيين في مكة‬
‫هي ما يدره عليهم مركز البيت في العرب لن القرشيين كانوا يقيمون‬
‫السواق والحتفالت والمنتديات طيلة الشهر الحرم الربعة فيرتزقون بذلك‬
‫ويعيشون من هذه الخيرات فتدمير البيت بالنسبة للعرب الجاهليين كارثة؛‬
‫لنها تقضي على المورد الوحيد الذي يعيشون منه‪ ،‬تقضي على المبرر الوحيد‬
‫الذي يجعلهم مرتبطين بهذا الوادي غير ذي الزرع‪ ،‬فالقرشيون المشركون‬
‫معظمهم كان معاصرا ً لعام الفيل‪ ،‬وحديث الفيل وإنجاء الله تعالى للبيت‬
‫ولمكة ما يزال حيا ً في الذهان والله تبارك وتعالى استثار في المكيين هذه‬
‫الذكرى إذ أنزل فيما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل‬
‫عليهم طيرا ً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول(‪.‬‬
‫القرشيون ما نسوا بعد ُ أن الحبشة فعل ً تشكل عليهم تهديدا ً يتصل بوجودهم‬
‫بالذات فأرادوا باهتمامهم هذا أن يحولوا دون أن تنعقد روابط ربما تحرض‬
‫حكام الحبشة على الهجوم مرة أخرى على مكة وتحطيم البيت وفي ذلك‬
‫إنهاء لقريش وإنهاء لمكانة قريش هذا واحد‪ .‬الشيء الثاني سؤال ل بد أن‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يخطر في البال النبي صلى الله عليه وسلم أرسل هؤلء الناس كما قلنا في‬
‫السنة الخامسة من البعثة كان الذي نزل من القرآن قليل ً وكان السلم بعد ُ‬
‫غضا ً طريا ً في النفوس ألم يخطر في بال النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫هؤلء المسلمين الذين أرسلناهم إلى بلد نصراني يغاير دينه ديننا‪ ،‬وديننا ل َ ّ‬
‫ما‬
‫يكتمل بعد إنزال ً ولما تترسخ بعد ُ قواعده وهذه النفوس لم تنصهر بعد إلى‬
‫الدرجة التي تعطيها المناعة الكافية التي تحول دون التأثيرات الضارة أليس‬
‫في إرسالنا إياهم إلى الحبشة النصرانية مغامرة؟‬

‫)‪(5 /‬‬

‫سؤال ل بد أن يكون واجه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ل بد‪ ..‬النبي عليه‬
‫السلم بحكمته بذكائه بعقله ل تغيب عنه مثل هذه الحتمالت لكن السؤال‬
‫الهم هو هل كانت النصرانية في تلك اليام قادرة على أن تشعر هذا النسان‬
‫المسلم بأنها تملك منهجا ً عقديا ً ومنهجا ً اجتماعيا ً ونموذجا ً ومنظومة فكرية‬
‫تفوق هذا القليل الذي جاء من السلم؛ أتصور أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على بصيرة كاملة بأن ما هو موجود في تلك اليام من النصرانية ل‬
‫يمكن أن يزاحم حرفا ً واحدا ً من السلم لماذا؟ حين ابتعث الله عيسى عليه‬
‫السلم ابتعثه في الناصرة في بيت لحم والمنطقة في ذلك الزمان تحت‬
‫حكم الرومان‪ ،‬والرومان إمبراطورية هائلة إحدى قوتين في العالم معروفتين‬
‫في العالم القديم على الطلق وأرض فلسطين في تلك اليام في اليام التي‬
‫أرسل فيها عيسى عليه السلم كان يسكنها اليهود وعيسى عليه السلم‬
‫يهودي الصل والرسالة المسيحية شعبة من اليهودية بدون ريب‪ ،‬فلقي‬
‫عيسى عليه السلم حربا ً شعواء من اليهود اعتبروا دعوة المسيح عليه‬
‫السلم انشقاقا ً على العهد القديم الذي جاء به موسى وتعاونوا مع الرومان‬
‫مطاردة المسيح وأتباع المسيح عليه السلم واستمرت المطاردة حتى كان‬
‫عام ‪ 313‬للميلد فأصدر المبراطور الروماني قسطنطين المراسيم الشهيرة‬
‫بمراسيم ميلنو التي اعترفت بحرية الديانات في أرجاء المبراطورية‬
‫الرومانية ومن جملتها النصرانية وبعد أمد قصير‪ ،‬ولرؤيا رأتها أم قسطنطين؛‬
‫اعتنق قسطنطين النصرانية ومشت النصرانية في المبراطورية الرومانية‬
‫منذ ذلك التاريخ لكن السؤال أين الناجيل‪ :‬النجيل الذي أنزل على عيسى‬
‫عليه السلم؟ أين هو‪ !..‬ضاع إنجيل عيسى في المطاردة لقي المسيحيون‬
‫الوائل ‪-‬والحق يقال من الهوال ما تشيب لهوله الولدان‪ -‬حتى المبراطور‬
‫المجنون نيرون إمبراطور روما صور له اليهود بافتعال حريق في روما أن‬
‫المسيحيين هم الذين أحرقوا روما فشواهم في النار وقتلهم وألقاهم‬
‫للوحوش ودمرهم تدميرًا‪.‬‬
‫الناجيل ما كتبت في زمن المسيح كتبت بعد وفاة المسيح بما ل يقل عن‬
‫ثمانين عاما ً ثم خلل المدة الواقعة بين السنة الولى لميلد المسيح عليه‬
‫السلم والسنة ‪ 313‬عقدت عدة مجامع كنسية كان الهدف منها النظر في‬
‫هذه السير التي كتبها تلمذة المسيح وتلمذة تلمذتهم كانت الدنيا تموج بعدد‬
‫ل يحصى من الناجيل؛ كل إنجيل يدعي أنه هو الحق وكان مجتمع خلقيدونا‬
‫ومجتمع نيقيا وبقية المجامع التي تعقد من قبل الكنائس العامة أن‬
‫‪-‬المسكونية كما يسمونها‪ -‬تحرم أناجيل وتفرض عقائد معينة‪ ،‬ما أسلم‬
‫قسطنطين إل والمسيحية تعتقد في غالبيتها الساحقة أن الله ثالث ثلثة؛‬
‫فهمتم ولحظتم؛ الله ثالث ثلثة البن الذي هو المسيح الله الذي هو الب‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جبريل الذي هو الروح القدس‪ ،‬وحصل نزاع أيضا ً مريم أم المسيح ما شأنها‬
‫أيضا ً حصلت انشقاقات واستقر على أن مريم أيضا ً إله‪ ،‬هذه التشققات في‬
‫الكنيسة المسيحية رافقتها أيضا ً تشققات أخرى على الصعيد السياسي‬
‫تسمعون أن الله تعالى أنزل في المرحلة المكية‪:‬‬
‫(ألم غلبت الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع‬
‫سنين لله المر من قبل ومن بعد)‪.‬‬
‫كانت المبراطورية الرومانية قد اكتسحت من قبل المبراطورية الفارسية‬
‫في ذلك الوقت ووصلت إلى حالة من التمزق ل تحسد عليها أبدا ً أكثر من‬
‫ذلك منذ ذلك التاريخ البعيد كان نزاع خفي يدور بين بيزنطة التي هي‬
‫القسطنطينية وبين روما أو بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغريبة سأقول‬
‫لكم تاريخين يوحيان إيحاء عميقا ً يا إخوة لحظوا هذين التاريخين ‪614 ،611‬؛‬
‫‪ 611‬بداية التنزيل على محمد صلى الله عليه وسلم ‪ 614‬بداية النذار )يا‬
‫أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر( بين هذين التاريخين منذ بدأ التنبؤ وإلى أن‬
‫بدأ النذار اثنان وأربعون مجلسا ً كنسيا ً تعقد في العالم النصراني لصلح‬
‫الفساد الذي استشرى في الكنيسة والذي استشرى بين رجال الكنيسة‬
‫والذي جعل الرهبان هم الذين يميلون إلى الخمر ويميلون إلى الزنى ويميلون‬
‫إلى الغناء واللهو والمتاع أيضا ً رجال الدين المسيحي بالذات كانوا خول ً‬
‫وخدما ً وعبيدا ً عند أباطرة الرومان ول ينسى من التاريخ أنه عام ‪ 800‬ثماني‬
‫مئة للميلد حينما كرس النشقاق بين الرومان الشرقيين والرومان الغربيين‬
‫كان البابا ليون الثالث يقف في كنيسة القديس بطرس في مدينة روما ليضع‬
‫التاج على رأس شارلمان أو شارل الكبير اسألوا لماذا قبيل هذا التاريخ‬
‫اجتمع عدد من الرجال رجال الكنيسة وقدموا التماسا ً للمبراطور شارلمان‬
‫وكان ذلك الوقت ملكا ً من ملوك الفرنجة‪ ...‬المبراطورية البيزنطية‪ ...‬كنيسة‬
‫شرقية‪..‬‬
‫تتهم كنيسة البابا ليون الثالث بالزنى والكذب وشهادة الزور وبمفاسد ل حصر‬
‫لها‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫في ‪ 24‬تشرين الثاني من سنة ثماني مئة للميلد دخل شارلمان مدينة روما‬
‫باحتفال مهيب في الول من كانون الول عقد عدة اجتماعات تحت رياسته‬
‫للنظر في التهامات الموجهة إلى البابا ليون الثالث‪.‬‬
‫في ‪ 23‬كانون الول أصدر المبراطور أو الملك شارلمان في ذلك الوقت‬
‫قرارا ً بتبرئة البابا ليون الثالث من التهم بعد أن فرض عليه حلف اليمين من‬
‫كل ما نسب إليه؛ مع أن التقاليد المسيحية تمنع أن يتعرض البابا لحلف‬
‫اليمين لنه رأس الكنيسة‪ ،‬في عيد الميلد من تلك السنة ‪ 25‬كانون الول‬
‫عام ‪ 800‬فوجئ شارلمان وهو يؤدي العتراف في كنيسة القديس بطرس‬
‫بالبابا ليون الثالث يرد الجميل يضع تاج المبراطورية على رأس شارلمان‬
‫وبذلك حدثت قصة النشقاق نهائيا ً في المبراطورية الرومانية وأصبحت هناك‬
‫كنيستان كنيسة شرقية تابعة لبيزنطا التي هي القسطنطينية‪ ،‬وكنيسة غربية‬
‫مقرها روما أو الكرسي الرسولي )كنيسة القديس بطرس( وكانت الوضاع‬
‫بهذا الشكل وفي ظل حالة من هذا النوع تعج ببدع ونحل؛ منها نحلة بوزنوف‬
‫ليس ابن الله في الحقيقة لكن ابن الله بالتبني‪...‬‬
‫ليس ابن الله في الحقيقة ولكنه ابنه الله بالتبني؛ تعرفون ما معنى هذا‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫افترض أنك مشيت في الطريق فوجدت طفل ً ملقى في الرض ل تعرف أمه‬
‫ول تعرف أباه ابن زنى فأخذته وتبنيته‪ ،‬ربيته فيقال هو ابنك بالتبني؛ المسيح‬
‫بموجب هذه النحلة هو ابن بالتبني؛ الله وجد مريم قد زنت –حاشاها‪ -‬من‬
‫ذلك فتبنى ابنها وأرسله رسول ً للعالمين‪ .‬في تلك الوقات التي كانت تشيع‬
‫فيها نحلة اليوسيين؛ الذين يقولون إن المسيح من طبيعة واحدة هي من‬
‫جوهر الله طبيعة إلهية بحتة في تلك المرحلة التي كانت المسيحية تشيع فيها‬
‫آراء ل أغرب ول أسخف منها؛ كان المسلمون يهاجرون إلى الحبشة في‬
‫الوقت الذي أصبحت الكنيسة غير قادرة بتاتا ً على أن تعطي أي شيء‪ ،‬أي‬
‫شيء بتاتا ً أصبحت الكنيسة معطلة‪ ،‬وأصبحت النصرانية قد استنفدت‬
‫أغراضها منذ زمن بعيد فحين يشير النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة يأتي من ل يعقل أو أصحاب الغرض‬
‫والهوى والذين يريدون أن يطعنوا السلم؛ ليقولوا إن هذا التصال الول بين‬
‫المسلمين وبين الحبشة كان فاتحة تطور كاسح بالنسبة للسلم لنهم لقحوا‬
‫العقائد السلمية بالعقائد النصرانية يا سبحان الله أي لقاء وأي جامع بين‬
‫عقائد السلم وبين عقائد النصرانية؟‬
‫يا سبحان الله أي إشعاع تملكه الحبشة وهي جزء من إمبراطورية ممزقة‬
‫لكي تعطي مثل هذه التأثيرات؟‬
‫يا سبحان الله هل كان المسلمون الذين عايشوا محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم في مكة فرأوا من طهره ورأوا من عفافه ورأوا من صدقه ورأوا من‬
‫أمانته ما رأوا هل هؤلء يجذبهم فجور البابا ليون الثالث‪..‬‬
‫يا سبحان الله كيف تضل العقول‪ ،‬وكيف يشرد الذهن بصاحبه فيضل به ضلل ً‬
‫بعيدًا؟ ل‪ ..‬ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يغامر بإرسال هؤلء النفر من‬
‫المسلمين وما كان يخاف عليهم من أن تتأثر عقائدهم فالنصرانية موجودة‬
‫في بلد العرب قبل أن يولد محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقبل أن يبعث‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ولكن كما قال عمر؛ ما عرفت العرب من‬
‫النصرانية إل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير‪ ،‬أما النصرانية كعقائد وأخلق‬
‫وشرائع ومعاملت وآداب فقد ضاعت في ظلمات التاريخ منذ زمن بعيد‪ ،‬بعيد‬
‫جدًا‪.‬‬
‫النبي عليه الصلة والسلم كان يعرف هذا كله؛ الحبشة على مرمى حجر من‬
‫العرب ينبع وجدة ميناءان يؤديان إلى الحبشة‪ ،‬ومتجر قريش مع الحبشة‬
‫ذاهب وجائي‪ ،‬وأجداد النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا اليلف لقريش من‬
‫ملوك الحبشة يترددون عليها يعرفون‪ ..‬أخبارها معلومة ليست مجهولة‪ ،‬كل‬
‫قل ُْزم‬
‫يوم السفن تذهب وتروح تمخر عباب البحر الحمر الذي هو بحر ال ُ‬
‫وتأخذ البضاعة من الجزيرة العربية إلى الحبشة‪ ،‬وتعود ببضاعة من الحبشة‬
‫إلى الجزيرة العربية‪ ،‬وهي فيما بين هذا وذاك تنقل الخبار‪ ،‬وتنقل الحقائق‪،‬‬
‫والنبي عليه الصلة والسلم يعلم‪ ..‬الذين تصوروا هذه التصورات الباطلة‪،‬‬
‫كانوا يجهلون ما هو أهم من حقائق التاريخ كانوا يجهلون حقيقة النصرانية في‬
‫ذلك الحين وقدرتها على العطاء وعلى الشعاع ل شيء في النصرانية يمكن‬
‫أن يقبله ذو لب؛ ما معنى الثلثة في واحد والواحد في ثلثة وهذه السخافة‬
‫التي ل تنتهي ما معنى أن يكون البابا معصوما ً وهو يتهم بالزنى ويشرب‬
‫الخمر؟ ما معنى أن يكون البابا يحل شيئا ً فتحله السماء‪ .‬ويعقد شيئا ً فتعقده‬
‫السماء وهو يتملق شارلمان ويرد له الجميل بتتويجه إمبراطورا ً على روما‬
‫الغربية ثمنا ً لتبرئته من تهم خطيرة مخلة بالشرف والخلق والنسانية أي‬
‫شيء بقي في النصرانية يمكن أن يتهم السلم أنه اقتبسه منها؟‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫السلم جاء وقد كفت النصرانية عن العطاء وحين ذهب هؤلء النفر ذهبوا‬
‫لهذه الغاية بالتحديد التي ذكرها لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم اذهبوا إلى‬
‫أرض الحبشة تخفيفا ً عليهم من العذاب الذي يلقونه من القرشيين إلى ذلك‬
‫الملك حيث كان الرجل معروفا ً بالعدل ولذا رد ّ وفد قريش ورفض أن يسلم‬
‫المسلمين للمكيين وأعطاهم الحرية في أن يعيشوا في بلده قال لهم اذهبوا‬
‫فأنتم )سيوني( أي أحرار من سبكم غرم‪ ،‬ومن ضربكم غرم‪ ،‬أي أنه سيعاقب‬
‫أي إنسان من الحباش يعتدي على المسلمين‪ ..‬وإلى أي مدى؟ نهائيًا؟ ل‪..‬‬
‫قال لهم النبي عليه الصلة والسلم‪ :‬حتى يجعل الله لكم فرجا ً مما أنتم فيه‬
‫وقد جعل الله تبارك وتعالى الفرج للمسلمين بأن هاجروا من مكة إلى‬
‫المدينة هناك في الهجرة إلى الحبشة رأي )لو ذهبتم إلى أرض الحبشة( أما‬
‫هنا في الهجرة إلى المدينة‪ ،‬فالمر مختلف‪ .‬في الول أذن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم للمسلمين أن يهاجروا لكن بعد أي شيء‪ !..‬جمعهم وقال لهم‪:‬‬
‫ت دار هجرتكم )مو( رأيت ول فكرت ول قدرت ول‬ ‫ُ‬
‫انتبهوا قال لهم إني أرِي ْ ُ‬
‫ت دار هجرتكم أي أن الله تعالى أراني المكان الذي‬ ‫ُ‬
‫أشرت؛ إني أرِي ْ ُ‬
‫ستهاجرون إليه ليست المسألة بشرية إنما هي ربانية إني أريت دار هجرتكم‬
‫وإنها أرض ذات نخل بين حرتين والحرتان هم اللتان تكتنفان المدينة المنورة‬
‫م المدينة ما ذكر السم إنما‬ ‫وهي أرض بركانية ذات حجارة سوداء لم يس ّ‬
‫شخص ووصف الموقع إنها أرض ذات نخل بين حرتين وانطلق المسلمون‬
‫على هذا المل إلى المدينة بعد بيعة العقبة الولى وبعد بيعة العقبة الثانية‬
‫وبقي النبي صلى الله عليه وسلم يتربص ما الذي كان يمنعه صلوات الله‬
‫عليه من أن يكون أول المهاجرين؟ ما الذي كان يمنعه من أن يرافق الموكب‬
‫المسلم الذي هاجر إلى المدينة؟ كان يأتيه أبو بكر يستأذن بالهجرة فيقول له‬
‫هون عليك اصبر لعل الله يجعل لك صاحبًا‪ ،‬ويصبر أبو بكر وعدة مرات يأتي‬
‫أبو بكر يقول أتأذن يا رسول الله أن أهاجر فيقول اصبر لعل الله يجعل لك‬
‫صاحبًا؛ وتحدثنا السيدة عائشة في الحديث حديث الهجرة الذي رواه الئمة‬
‫جميعا ً قالت‪:‬‬
‫"طرقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهيرة في ساعة ما كان‬
‫يأتينا فيها قط فلما رآه أبو بكر دهش قال له ماذا يا رسول الله قال إن الله‬
‫قد أذن لي بالهجرة إن الله قد أذن لي بالهجرة قال الصحبة يا رسول الله‬
‫قال نعم الصحبة"‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫إذا ً فالمسألة هناك رأي أما هنا فوحي شيء إلهي استقرار الدعوة في‬
‫المدينة بأمر الله أذن الله بالهجرة وأراه دار الهجرة فذهبوا إليها وهناك مجرد‬
‫رأي ومشورة‪ ..‬بين المرين فرق كبير ماذا بقي‪ .‬بقي أن أقول إنني‬
‫أمسكتكم طبعا ً وقتا ً طويل ً في هذا الجو الذي قد ل يناسبكم وأتعبتكم لكن‬
‫ت نفسي أكثر تأكدوا أن المسألة كما قلت تحتاج منا إلى أن نقول كل‬ ‫أتعب ُ‬
‫شيء ومرة واحدة وسوف نجزئ الحديث أجزاء وقد أصبحنا بحمد الله في‬
‫حالة من الصحة نستطيع أن نواصل فيها الحديث جمعتين أو ثلثا ً أو أربعا ً أو‬
‫ل‪ :‬هل في‬ ‫أكثر‪ ،‬بقي علينا أن نلقي في موضوع الهجرة إلى الحبشة سؤا ً‬
‫مبادئ السلم وشرائط السلم ما يشجع على أن تتخذ الحبشة موئل ً ودارا ً‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للسلم؟ لكي نرد على الشق الثاني من العتراضات التي أثرناها في أول‬
‫هذه الخطبة قلنا ل‪ ،‬ونقول الن ل ونرجو من الله أن يوفقنا لكي نتحدث في‬
‫هذا الموضوع فنبين أن قوانين الدعوة تمنع بصورة باتة أن تنطلق الدعوة من‬
‫أرض غير عربية على الطلق واحد‪ ،‬وتمنع ثانيا ً أن تنطلق الدعوة السلمية‬
‫وهي تحت كنف أية سلطة مهما كان لونها ولهذا تحتم أن تنطلق الدعوة من‬
‫بلد العرب وتحتم أن تكون الدعوة غير محكومة ل بقانون الرومان ول بقانون‬
‫فارس فإلى الجمعة القادمة أسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا على إتمام ما‬
‫بقي مما يتعلق بحادث الهجرة إلى الحبشة حتى نضعه في إطاره الصحيح‬
‫ونعطيه حجمه الحقيقي وبعد ذلك نعرج على الموضوع الذي نعطيه أهمية‬
‫بالغة‪ ،‬وهو موضوع السلوك الهادئ الرصين المحب الودود الذي سلكه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وسلكه المسلمون مع الخصوم لنعود بعد كل هذه‬
‫الجولة ل لنترك المر مجرد افتراضات وتصورات واستنتاجات وإنما نستعرض‬
‫نماذج ل من سلوك النبي صلى الله عليه وسلم ‪-‬وسلوكه فوق الشبهات‪ -‬وهو‬
‫القدوة العظمى ولكن من مسالك الصحاب رضي الله عنهم ماذا أعطاهم‬
‫الصبر وماذا أثمر لهم صبرهم الطويل في حياتهم الخاصة في أخلقهم‬
‫الخاصة في بيوتهم في تعاملهم مع بعضهم في تعاملهم مع المجتمع المشرك‬
‫حينما انتصروا وملكوا الدنيا في تعاملهم مع المم المغلوبة‪ ،‬مع العروش التي‬
‫أصبحت تحت أقدامهم كيف كانوا يعاملون هؤلء الناس؟ هل فقدوا فوائد‬
‫الدروس التي تلقوها وهم يتلقون البلء في مكة أم عاشت هذه الدروس‬
‫معهم حتى جعلت الواحد منهم يا إخوة يا مسلمون يا أحباب ‪-‬أمينا ً على‬
‫سياسة الدنيا بكاملها‪ .‬أقول لكم مستبقا ً كل هذه النتائج إن السلم نجح‬
‫نجاحا ً منقطع النظير في جعل النسان سيد نفسه وأعني أن السلم أفلح‬
‫في أن يجعل النسان الفرد قادرا ً على أن يحكم نفسه من هنا كان قادرا ً‬
‫على أن يحكم محيطه وأن يحكم العالم من بعد ل أستطيع أن أمنع نفسي‬
‫من المقارنة لقول إن المغلولين والصغار التافهين والوباش الذين يعجزون‬
‫عن السيطرة على نوازعهم وعلى نفوسهم وعلى شهواتهم هم أحرى وأحرى‬
‫أن يعجزوا عن حكم العالم ومن هنا نرى في القمة خيانات ورشاوى ومظالم‬
‫في كل أنحاء الدنيا لن الناس غير مهذبين‪ ،‬ولن الناس بل أخلق ولن الناس‬
‫بل تربية‪ ،‬فالسلم يوم يشدد على هذه الناحية يريد من النسان الفرد أن‬
‫يكون سيدا ً يمشي على الرض يقول لها أنا هنا أنا هنا لغير من معالمك‬
‫ولخلقك خلقا ً جديدا ً ويريد من النسان أن يحكم الدنيا وفقا ً لقانون الخلق‬
‫لقانون الله الذي يعمل ويتحرك مفصول ً عن كل دوافع النفس‪ ،‬مفصول ً عن‬
‫كل حوافز الذات حتى تكون الحركة خالصة لله تبارك وتعالى ومن هنا كان‬
‫حكم السلم ل استغلل ول سيطرة ول استعلء ول ظلم ول سرقات ول ول‬
‫ول ول‪ ....‬إلى آخره كان الخليفة تأتيه الموال فتصب في المسجد صبا ً فيأتي‬
‫ن فيه الناس‪ ..‬اذهبوا بهذا إلى فلن وهذا إلى فلن وهذا إلى‬ ‫بالديوان الذي دوّ َ‬
‫فلن ل يمسي المساء إل وبيت المال قد وزع كل قرش فيه ذهب إلى‬
‫المستحقين ليعيش النسان عيشة كريمة ول يقال له تعال انتخبني ول يقال‬
‫له تعال ادخل في السجن لنني أنا سيدك ولني أنا أطعمك ل ولكن لنه‬
‫شه‬‫إنسان بما هو إنسان ينال حق النسان ثم بعد ذلك يكنس بيت المال وير ّ‬
‫ويأتي الخليفة فيصلي فيه ركعتين كذلك كانت تساس المور وبهذه الخلق‬
‫تستقيم الدنيا وبغيرها ل تستقيم‪ ..‬بغيرها دمار‪ ..‬يا يمينيون يا يساريون بغير‬
‫السلم دمار إن النسانية كلها إذا لم تفئ إلى قانون الله فسوف تدمر الدنيا‬
‫على رأسها وإذا أرادت أن تعمر الدنيا وتتفجر بالخير واليمن والنماء والبركة‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإلى السلم إلى الله إلى شريعة الله وبغير ذلك ل طريق ل شيء ل يمين ل‬
‫يسار ل أي شيء من هذه التفاهات فهمتم؟ من لم يكن يفهم فليفهم الن‬
‫نحن نتكلم بعقل ونتكلم بل غوغائية ونرغب إلى إخواننا جميعا ً يمينا ً ويسارا‪ً،‬‬
‫ماركسيين وغير ماركسيين‪ ،‬فقط أن يكونوا أوفياء لعقولهم فقط أن يفكروا‬
‫كما يفكر النسان فقط أن ل يكونوا إمعات ل يكونوا تابعين ل يكونوا تافهين‪،‬‬
‫يفكر بأنه إنسان عالم قائم بذاته يستطيع أن يأخذ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وأن يعطي أن يقيم وأن يقعد أن يفعل أن يترك أما المعات والتافهون فعبء‬
‫على النسانية عار على التاريخ سبة في جبين النسانية‪ ،‬نحن نريد هؤلء‬
‫وهؤلء هم الناس‪ ،‬وبذلك فقط تعتدل اتجاهات الحياة نتكلم هذا الكلم وقد‬
‫يسأل سائل ما قيمة هذا الكلم في بلد معزول ل تعرف عنه الناس شيئًا‪،‬‬
‫وبين أمة مستذلة مستضعفة أمة المسلمين أمة العرب التي تتفجر الحقاد‬
‫من حولها فنقول؛ نحن ل نوافق أبدا ً على أن الساس في الحضارة النسانية‬
‫هو الشرط القتصادي وإنما كما قلنا نقرر أن الساس في الحضارة النسانية‬
‫هو الشرط النساني فمن أجل ذلك كانت الكلمة أقوى من كل شيء‪ ..‬كانت‬
‫أقوى من القنابل الذرية وأقوى من القنابل الهيدروجينية‪ ،‬الكلمة تبقى هي‬
‫السلح الفاعل وأنت اليوم تسأل ل تحقرن نفسك ل تدري غدا ً أين تكون ول‬
‫تدري أية مسئولية سوف تتلقاها وتعانيها وأنت بعد ذلك سوف تتذكر أن‬
‫إنسانا ً ما مغمورا ً ل يعرفه أحد في مكان ما من زاوية من زوايا الوطن‬
‫العربي والسلمي قلما يخطر على البال قال كذا وقال كذا وتكون قد فرغت‬
‫من أشياء الدنيا ورجعت إلى العقل فتجد نفسك مرغما ً على أن تعتقد وعلى‬
‫أن تأخذ فإذا أنت تطبق هذا الكلم‪ ،‬من هنا نحن نعول على الكلمة وحين‬
‫نقول الكلم كل حرف نتحدث به نضع أمام عيوننا مخافة الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ل نريد أن ندمر الجيال ول نريد أن نخرب الجيال لو أردنا الدنيا ما كان‬
‫أسهلها ما كان أقربها ولكن مضى من الله كتاب ناطق توعد فيه الضالين‬
‫والمضلين بالعذاب المهين‪ ،‬مضى من الله كتاب ناطق وعد الصادقين‬
‫والمخلصين بجنات تجري من تحتها النهار وبذكر مستمر ل ينقطع‪.‬‬
‫أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل هذا الذكر غير الممنون وغير المقطوع‬
‫وأن يجعلنا أدوات نافعة في خدمة دينه وشرعة نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫وإلى السبوع القادم أرجو أن ألقاكم وأنتم على أتم استعداد لترافقونا في‬
‫رحلة شاقة ولكنها مفيدة وممتعة وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله‬
‫وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫اليهود في أمريكا‬
‫تاريخهم _ دورهم في تأييد الكيان الصهيوني _ منظماتهم‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبينا الكريم محمد بن عبد الله‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،،،،‬وبعد ‪:‬‬
‫فقد قال الله تعالى ) لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين‬
‫أشركوا ( المائدة ‪. 83‬‬
‫وقال عز من قائل ) يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ‪ ،‬إن الله ل يهدي القوم‬
‫الظالمين ‪ ،‬فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن‬
‫تصيبنا دائرة ‪ ،‬فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما‬
‫اسروا في أنفسهم نادمين ( المائدة ‪51،52‬‬
‫ولم يعد خافيا أن المة السلمية لم تزل تتعرض لمعاول الهدم في بنيانها‬
‫العقائدي والثقافي والخلقي والسياسي ‪ ،‬وفي وحدتها وقوتها ‪ ،‬منذ أن‬
‫تداعت عليها المم في عصر الحتلل الوربي الصليبي للبلد السلمية ‪ ،‬ومنذ‬
‫أن زرع أعداؤها الصليبيون هذا الكيان الصهيوني في قلبها ‪ ،‬بتواطؤ بينهم‬
‫واليهود ‪ ،‬وذلك ليطفئوا نور الله بأفواههم ‪ ،‬متمنين أن يقضوا على دين‬
‫السلم ‪ ،‬فيصبح نسيا منسيا ‪ ،‬غير أن الله تعالى وعد ووعده الحق ‪ ،‬أن‬
‫يحفظ هذا الدين حتى يظهره على الدين كله ‪ ،‬وأن تبقى عليه طائفة من‬
‫الناس تجاهد لظهوره ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم ‪ ،‬حتى ينصره‬
‫فيظهره على الدين كله ‪ ،‬متى شاء سبحانه ‪ ،‬وحتى يأذن بالتمكين التام له‬
‫في الرض آخر الزمان ‪.‬‬
‫وقد بقيت المة السلمية تجاهد اليهود وأولياءهم من عبدة الصليب الذين لم‬
‫يجمعهم بعد طول العداء فيما بينهم إل حقدهم على أمة السلم ‪ ،‬بقيت‬
‫تجاهد اليهود المغتصبين لفلسطين أكثر من نصف قرن من الزمان ‪ ،‬ولزالت‬
‫المؤامرات تحاك ضدها بغية إكمال المخطط الصليبي اليهودي للقضاء على‬
‫هذه المة والسيطرة الكاملة عليها‪.‬‬
‫وفي هذه الرسالة المختصرة محاولة للقاء الضوء على دور اليهود في‬
‫الوليات المتحدة المريكية في دعم الكيان الصهيوني ‪ ،‬ودور رؤساء الوليات‬
‫المتحدة المريكية في الستجابة لضغط المنظمات اليهودية المريكية ‪ ،‬مع‬
‫بيان أهم منظماتهم واختصاصاتها ‪ ،‬والهدف من تأليف هذه الرسالة‬
‫المختصرة ‪ ،‬هو إيقاف القارئ المسلم على حقيقة الموالة الوثيقة بين اليهود‬
‫والوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬وما تشكله تلك الموالة من خطر عظيم على‬
‫المة السلمية ‪.‬‬
‫وقد قسمت البحث إلى مقدمة و ثلثة فصول وخاتمة ‪:‬‬
‫الفصل الول ‪ :‬نبذة تاريخية عن يهود أمريكا‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬دورهم في تأييد الكيان الصهيوني بالتأثير على الدارة‬
‫المريكية ‪.‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬أهم المنظمات اليهودية في أمريكا ‪.‬‬
‫الفصل الول‬
‫نبذة تاريخية عن يهود أمريكا‬
‫هاجر اليهود إلى الوليات المتحدة عبر ثلث مراحل ‪ :‬المرحلة الولى هجرة‬
‫اليهود السفارديم من أسبانيا والبرتغال ‪ ،‬والثانية هجرة اليهود اللمان بعد‬
‫‪1840‬م ‪ ،‬ثم الهجرة الكبرى من أوربا الشرقية بعد عام ‪1880‬م ‪ ،‬ثم تكاثر‬
‫اليهود حتى وصل عددهم بحلول عام ‪1920‬م ‪ ،‬الى ثلثة مليين ونصف‬
‫المليون ‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت بدأ اليهود بتأسيس الجمعيات الخوية والوكالت ا‬
‫لجتماعية والمعابد والمدارس وقاموا بتطوير المنظمات الصهيونية من أجل‬
‫السعي لتحقيق الحلم الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ‪،‬‬
‫ولعبوا دورا أساسيا في تغذية الصهيونية السياسية منذ ظهورها ‪0‬‬
‫وممال يعلمه الكثيرون أن أول مؤتمر صهيوني إنما عقد في مدينة كاتوويتز‬
‫بالقرب من الحدود الروسية ‪6/11/1884 ،‬م ‪ ،‬وقرر المجتمعون استعمار‬
‫فلسطين بفلحين يهود ‪ ،‬لكن مؤتمر بال أو بازل بسويسرا عام ‪1897‬م ‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان النطلقة الحقيقية ‪ ،‬وقد حضر المؤتمرين ممثلون عن يهود أمريكا ‪0‬‬
‫حرص اليهود في أمريكا على تأسيس ما يسمى ) البلط اليهودي ( ويقصد به‬
‫) ذوو الثراء والنفوذ الذين لهم تأثير كبير ( ‪ ،‬كما فعلوا في أوربا من قبل ‪،‬‬
‫وليس بمستغرب إذن أن يوافق الكونغرس في ‪1922 /6 /20‬م على وعد‬
‫بلفور وجاء في قراره ) إن الوليات المتحدة تفضل إقامة وطن قومي في‬
‫فلسطين للشعب اليهودي( ‪0‬‬
‫ولحساس زعماء الصهاينة بأن الوليات المتحدة سوف تكون القوة الجديدة‬
‫القوية بعد الحرب العالمية الثانية اتجه اهتمامهم البالغ إليها ‪ ،‬ولهذا السبب‬
‫قرر المؤتمر الصهيوني ضرورة أن يكون هناك ‪ %40‬من العضاء المشتركين‬
‫في المجلس الصهيوني من الوليات المتحدة ‪0‬‬
‫ومن العجب أن المؤتمر الذي عقده مجلس الطوارئ التابع للمنظمة‬
‫الصهيونية في أمريكا ) نيويورك ( عام ‪1943‬م صدر عنه ثمانية قرارات‬
‫أخطرها ‪ :‬ضرورة العتراف بعلقة الشعب اليهودي التاريخية بفلسطين ‪،‬‬
‫والعتراف بحقهم في الدفاع عنها ‪ ،‬والقرار الثالث هو عدم إمكان قيام نظام‬
‫العالم الجديد على أسس السلم والعدالة والمساواة إل بحل مشكلة التشرد‬
‫اليهودي حل نهائيا ‪0‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫واستطاع اليهود ربط مصير النظام العالمي بقضيتهم بمكر عجيب ‪ ،‬وتحقق‬
‫لهم ذلك ‪ ،‬فقد صدر قرار التقسيم من عصبة المم وتم القرار عالميا بحق‬
‫اليهود في جزء من فلسطين ‪ ،‬وانطلقوا من هذه النقطة إلى أطماعهم‬
‫الخرى ‪0‬‬
‫وأعلن رئيس المنظمة الصيهونية الحاخام ) جولد ستير ( ) بأن مهمة الحركة‬
‫الصهيونية من ألن فصاعدا هي اكتساب موافقة الحكومة المريكية والشعب‬
‫المريكي على البرنامج الصهيوني الخاص بفلسطين (‬
‫وعندما تم إعلن قيام دولة إسرائيل قال أحد أعضاء المنظمة المسؤولة عن‬
‫التمويل اليهودي في أمريكا سائل بن غوريون عما تطلبه إسرائيل من يهود‬
‫أمريكا ‪ ،‬فاجاب الخير ‪ :‬الدولة الجديدة سوف تحتاج عون الوليات المتحدة‬
‫لتستطيع البقاء ‪0‬‬
‫ومن ثم استمر الدعم المريكي اللمحدود لسرائيل ‪ .‬المصدر موسوعة‬
‫العلوم السياسية طبع جامعة الكويت ‪.‬‬
‫كتب بول جيكبز وهو متخصص في هذا الشأن ‪ ،‬كتب في مذكراته عام‬
‫‪1965‬م ‪ ،‬أي قبل النكسة بعامين ‪ ،‬واصفا بطريقة خيالية مدى تأثير‬
‫مجموعات المنظمات اليهودية في أمريكا ‪ ،‬فقال ) ثمة طريقة خيالية لوصف‬
‫عمل هذه المجموعات وهي أن شخصا ما يدخل مرحاض إحدى حانات الجادة‬
‫الثالثة في نيويورك ‪ ،‬وبينما هو واقف عند المبولة ‪،‬يلحظ أن أحدا ما قد كتب‬
‫)انكحوا اليهود ( على جدار المرحاض ‪ ،‬ويجرى اتصال هاتفيا سريعا ‪،‬ويندفع‬
‫رجل من عصبة التحالف ضد الفتراء ‪ ) ADL‬وهي منظمة يهودية مشهورة (‬
‫نحو الحانة كي يرى الجدار للحصول على بصمات الصابع ‪ ،‬وتدقق عصبة‬
‫التحالف البصمات ضمن ملفاتها عن المليونين المعروفين من المعادين‬
‫للسامية ‪ ،‬ثم تنشر صورة للجدار في نشرتها التالية قائلة ‪ :‬إن هذا يبين أن‬
‫معاداة السامية تتزايد وأن على الجميع أن ينضموا إلى منظمة بناي بريت ‪،‬‬
‫والتالي في الوصول سيكون ممثل اللجنة المريكية اليهودية )‪ ، (AJC‬والذي‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيلتف حوله ثم يعلن خططا من اجل دراسة أكاديمية رئيسية عن الكتابة‬


‫الجدارية المعادية للسامية ‪ ،‬وستنشر أيضا كتيبا يثبت أن يهوديا هو الذي‬
‫اخترع ) المارتيني ( ‪ ،‬كي يجري توزيعه في الحانات ‪ ،‬ثم سيصل المجلس‬
‫اليهودي المريكي ‪ ،‬ويضع حاجزا خارج الحانة ‪ ،‬ويقدم عريضة الى المحكمة‬
‫العليا ‪ ،‬كي تمنع بيع المشروبات الكحولية الى أي شخص يقوم بتعليق معاد‬
‫للسامية ( انتهى نقل عن كتاب القوة اليهودية تأليف ج‪.‬ج‪.‬غولدبرغ ‪.‬‬
‫لم يكن هذا الكلم سوى تعبير خيالي لطيف يصور عمل المنظمات اليهودية‬
‫في أمريكا ‪ ،‬ومما يدعو للتعجب أن سرعة النتشار وتنامي وازدياد القدرة‬
‫على التأثير اليهودي في أمريكا حصل بمعدل زمني يشبه السطورة ‪0‬‬
‫ففي عام ‪1943‬م اجتمع وفود من ‪ 32‬منظمة يهودية في أمريكا لتقرير‬
‫الدور الذي ستقوم به الجماعة اليهودية المريكية لقامة الدولة في فلسطين‬
‫‪،‬وتمخض هذا الجتماع عن تكوين المؤتمر اليهودي المريكي المتكون من‬
‫‪46‬منظمة يهودية تضم مليون ونصف المليون يهودي أمريكي ‪ ،‬نقل عن‬
‫الموسوعة السياسية الكويتية ‪0‬‬
‫ولم يأت أيلول عام ‪1991‬م ‪ ،‬حتى مثل القوى اليهودية التي تواجه الرئيس‬
‫جورج بوش الب عندما قرر تأخير ضمانات القروض التجارية الممنوحة‬
‫لسرائيل البالغة ‪10‬مليارات دولر ‪ ،‬مثلها ‪ 1300‬ألف وثلثمائة قائد‬
‫لمنظمات يهودية محلية على امتداد أمريكا ‪ ،‬من خامات ومعلمي مدارس‬
‫ومحامين وعمال اجتماعيين ورجال أعمال ‪ ،‬والمنظمات هي جمعيات دينية‬
‫يهودية ووكالت حقوق مدنية وصناديق انعاش وجمعيات أخوية ‪000‬الخ ‪0‬‬
‫وقد عبر ) ديفيد لوتشنز ( نائب اتحاد التجمعات الرثوذكسية اليهودية في‬
‫أمريكا والمساعد الرئيسي لنائب نيويورك في مجلس الشيوخ عن شعوره‬
‫بالزهو من هذا النجاح القياسي قائل ) إن جزءا من الساطير الجديدة لليهود‬
‫المريكيين أننا لم نعد أقلية ‪ ،‬لقد أصبحنا جزءا من الكثرية ‪ ،‬إننا مقبولون‬
‫الن ولدينا نمو ورئيس الوليات المتحدة يجتمع بشكل منتظم مع القيادة‬
‫اليهودية ‪ ،‬ثمة أمر ل يصدق ‪ ،‬فأنت تتذكر الخمسة والعشرين أو الثلثين سنة‬
‫الماضية وعليك أن تقف في خشوع لن هذا قد حدث فعل في حياتي ‪ ،‬لقد‬
‫حدث فعل ‪ ،‬لقد وصلنا ( كتاب القوة اليهودية تأليف ج ‪0‬ج ‪ 0‬غولدبرغ ص ‪26‬‬
‫‪0‬‬
‫ولريب أن له أن يشعر بالزهو والفرحة الغامرة لسيما إذا علمنا أن حجم‬
‫المساعدات الخارجية المرسلة كل سنة إلى إسرائيل تبلغ ‪3‬مليارات دولر ‪،‬‬
‫أي أن الشعب المريكي يدفع )الخمس ( من المساعدة الخارجية فقط‬
‫لسرائيل التي ل تتجاوز ‪5‬مليين نسمة ‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫اليهود في عهود رؤساء أمريكا‬
‫‪1‬ـ اليهود في عهد ترومان‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يتم تأثير اليهود في السياسة المريكية عن طريقين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬وجود يهود‬


‫في الدارة المريكية ‪ ،‬والطريق الثاني التأثير على شخص الرئيس من خلل‬
‫انتخابات الرئاسة ‪ ،‬وقد جرت العادة ابتداء من الرئيس روزفلت إلى‬
‫جونسن ‪ ،‬على أن يعيش بالقرب من كل رئيس شخص ذو وزن سياسي غالبا‬
‫ما يكون يهوديا ومهمته التصدي للخط السياسي الذي يتبناه المتعاطفون مع‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العرب في وزراة الخارجية ‪ ،‬ويكون هذا الشخص حلقة اتصال بين الرئيس‬
‫المريكي وزعماء الجالية اليهودية المريكية ويطلق عليه لقب ) حامل‬
‫الحقيبة اليهودية ( ويعتبر عهد ترومان هو بداية الضغط اليهودي المباشر من‬
‫أجل إسرائيل ‪ ،‬فعندما عارض ترومان مبدئيا عام ‪1947‬م إنشاء دولة لليهود‬
‫في فلسطين قام اليهود بحملة إعلمية كان من نتيجتها تبني النواب والشيوخ‬
‫قرارات تدعو الرئيس ترومان الى تأييد إقامة الدولة اليهودية ‪ ،‬وتمثلت‬
‫مشاركة اليهود في إدارة ترومان في كل من ليوبافوسكي مساعد وزير‬
‫الخارجية ‪ ،‬وماكس ليفا سكرتير وزير الدفاع ‪ ،‬وبرنارد باروح رئيس لجنة‬
‫الذرة ‪ ،‬وفلنجمان مدير النتاج الحربي ‪ ،‬وسام برجر المستشار الخاص‬
‫لترومان ‪ .‬المصدر ‪ :‬موسوعة العلوم السياسية طبع جامعة الكويت‪.‬‬
‫‪2‬ـ عهد كينيدي‬
‫وأما في عهد كيندي فكان اليهود في المراكز الحساسة مثل مورتيمل كابلن‬
‫رئيس صندوق الدخل القومي ‪ ،‬وبيير سالينجر السكرتير الصحفي للرئيس ‪،‬‬
‫وآرثر جولدبرج وزير العدل ‪ ،‬وويلرد ويلتز الذي جاء وزيرا للعمل بعد‬
‫جولدبرج ‪ ،‬ويوتي وينو رئيس لجنة التصالت الفيدرالية ‪ ،‬وابراهام وبيبكوف‬
‫وزير الصحة والتعليم ‪.‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪3‬ـ عهد جونسون‬
‫وفي عهد جونسون زاد النفوذ اليهودي في الدارة المريكية وتجلي ذلك في‬
‫تعاطف جونسون مع إسرائيل ‪ ،‬وقد ضم جونسون إلى إدارته كل من أبدوين‬
‫ويزل رئيس اللجنة التنفيذية ‪ ،‬والمستشار المالي الخاص لجونسون وويلير‬
‫كوهين وزير الصحة وأب فورتاس رئيس المحكمة العليا ‪ ،‬ووالت روستو‬
‫المستشار الول للشؤون الخارجية ‪ ،‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪4‬ـ عهد نيكسون‬
‫وفي عهد نيكسون زاد التأييد لسرائيل ‪ ،‬وعندما زارت غولدا مائير الوليات‬
‫المتحدة في فبراير ‪1973‬م ‪ ،‬أكدت هذا المعنى ‪،‬وأوضحت أن الجيش‬
‫السرائيلي هو خط الدفاع الول عن المصالح المريكية ‪ ،‬مما حدا بالرئيس‬
‫نيكسون إلى تبني فكرة المشاركين المحليين ووضع إسرائيل في موضع‬
‫استراتيجي شامل ‪ ،‬وكان دور كسينجر مكمل ومنفذا لهذا المبدأ من خلل‬
‫موقعه كصانع للسياسة الخارجية المريكية خلل الفترة من عام ‪1969‬م الى‬
‫عام ‪1967‬م ‪ ،‬وبناء على ذلك لعبت الجماعة اليهودية دورا كبيرا في إعادة‬
‫انتخابات نيكسون للمرة الثانية ‪ ،‬ويرجع الفضل في ذلك إلى هنري كيسنجر ‪،‬‬
‫لن الرئيس في فترة رئاسته الولى منح إسرائيل مساعدات بلغت‬
‫‪1178‬مليون دولر ‪ ،‬وهذا الرقم يفوق ما حصلت عليه إسرائيل في تسع‬
‫سنوات سابقة ‪ ،‬وبعد فوزه للمرة الثانية قام بتعيين عدد من اليهود في‬
‫المناصب المهمة في الدولة ‪ ،‬ووافق على بيع أربع أسراب من طائرات‬
‫مقاتلة ‪0‬‬
‫وهنري كيسنجر هذا يهودي صهيوني تدرج بسرعة في المناصب الحساسة‬
‫في الدارة المريكية حتى وصل الى تولي حقيبة وزارة الخارجية في‬
‫أغسطس ‪1973‬م ‪ ،‬بالضافة الى كونه مستشارا للمن القومي ‪ ،‬وصارت له‬
‫السيطرة التامة على سياسة أمريكا في الشرق الوسط‪ ،‬ولقد لعب دورا‬
‫مهما في إنقاذ الكيان الصهيوني من هزيمته التي تكبد فيها خسائر تربو على‬
‫‪ 2600‬جندي الى جانب خسائر مدمرة في الراضي في حرب السابيع الثلثة‬
‫التي باغتت فيها مصر وسوريا إسرائيل في يوم السبت يوم الغفران ‪/ 10 /6‬‬
‫‪1973‬م ‪ ،‬لقد سارع كيسنجر كما ذكر في مذكراته التي نشرت عام‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪1982‬م ‪ ) ،‬سنوات من الضطراب ( أنه طلب المسارعة في تموين الكيان‬


‫الصهيوني بجسر جوي من السلحة اللزمة يوم الحد ‪ ، 1973 / 10 /7‬ثم‬
‫لعب بعد ذلك دورا أساسيا في إنطلق المفاوضات التي تسلسلت منذ‬
‫مفاوضات الكيلو ‪ 101‬يوم ‪73 /10/ 28‬م ‪ ،‬ثم مؤتمر جنيف للسلم في‬
‫ديسمبر ‪73‬م ‪ ،‬ثم اتفاقات فك الرتباط في سيناء ‪ ،‬ثم سعية المتواصل الذي‬
‫أدى بعد سنوات الى اتفاقية كامب ديفيد التي أثمرت ما نحن فيه الن من‬
‫الضعف والهوان ‪ ،‬ويمكن للقارئ التوسع في الدراسة بالرجوع الى موسوعة‬
‫العلوم السياسية طبع جامعة الكويت ‪ ،‬بالضافة إلى كتاب القوة اليهودية‬
‫لمؤلفه ج ‪0‬ج ‪ 0‬غولدبرغ ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وفي تصوري أن المتابع لقصة يهود أمريكا ليستطيع أن يصرف النظر عن‬
‫اعتبار فترة الرئيس نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر هي أحد أكبر فترات‬
‫التأثير اليهودي في الدارة المريكية ‪ ،‬ومع أن الكاتب ج ‪0‬ج ‪ 0‬غولدبرغ في‬
‫كتابه ) القوة اليهودية ( يقرر أن الرئيس نيكسون لم يكن يثق في اليهود ‪،‬‬
‫غير أنه يؤكد أن نيكسون قد كان المسؤول الول للنفوذ اليهودي الواسع في‬
‫إدارته ‪ ،‬يقول غولدبرغ ) ومع ذلك ما من رئيس منذ جيمس بوكانن كان‬
‫صاخبا في نزاعه مع اليهود المريكيين كمجموعة أكثر من ريتشارد نيكسون ‪،‬‬
‫وكان الرئيس مستاء بعنف من حقيقة أن لليهود تمثيل ضخما بين خصومة في‬
‫حركة مقاومة الحرب ‪ ،‬ومع أنه أخفى عدم ثقته باليهود عن الجمهور ‪ ،‬فانها‬
‫كانت تظهر سرا بصورة دائمة ‪ ،‬وقد أمر ذات مرة أحد معاونيه كي يضع‬
‫قائمة بالموظفين اليهود في وزارة العمل ‪،‬لقتناعه بأن خططها القتصادية‬
‫المتشائمه كانت نتيجة مؤامرة )‪ (000‬وربما يدعو للسخرية إذا ً أن نكسون‬
‫كان المسؤول الول أكثر من أي شخص آخر ‪ ،‬عن دفع اللوبي اليهودي إلى‬
‫موقف اللعب الرئيسي في واشنطن ‪ ،‬وبأسلوب واشنطن سرعان ما تحول‬
‫صندوق مساعدة إسرائيل ذو المليارات العديدة إلى حق مكتسب وأصبحت‬
‫إسرائيل وشؤونها قضية ضخمة في واشنطن ‪ ،‬وبفضل نيكسون ووزير‬
‫خارجيته ‪ ،‬أصبح أفراد اللوبي اليهودي ‪ ،‬بصفتهم أكثر مؤيدي إسرائيل‬
‫المرئيين ‪ ،‬أشخاصا هامين فجأة ( المصدر السابق ‪283‬‬
‫وقد وقف كيسنجر عام ‪1992‬م خطيبا عندما تلقى جائزة المنظمة السنوية‬
‫لذكري )إيلي فيسل( عن المحرقة ‪ ،‬فقال هذه الكلمات التي تعبر بوضوح‬
‫عن دوافع دوره المؤّيد لليهود عندما كان وزيرا للخارجية ‪ ،‬قال ) لقد كنت‬
‫بصفتي يهوديا ‪ ،‬في موقع إدارة السياسة الخارجية لقوة عظمى ‪ ،‬ولم أحجب‬
‫مطلقا حقيقة أن اثني عشر فردا من أسرتي قد ماتوا في المحرقة ‪ ،‬وأن‬
‫مصير الشعب اليهودي نتيجة ذلك كان دائما موضع اهتمام عميق بالنسبة‬
‫لي ( المصدر السابق ‪284‬‬
‫‪5‬ـ عهد فورد‬
‫وفي عهد الرئيس فورد ظهر تحيز أمريكا المطلق تجاه إسرائيل ‪ ،‬فقد‬
‫عارض الرئيس بشدة أي انسحاب اسرائيلي من الراضي العربية في أي‬
‫مفاوضات بينها وبين العرب ‪ ،‬كما اختار وليام سكرانتون وهو يهودي مندوبا‬
‫للوليات المتحدة في المم المتحدة ‪ ،‬ووافق على استمرار كيسنجر في‬
‫منصبه في مجلس المن القومي ‪ ،‬وعندما أعلن الرئيس فورد في مارس‬
‫عام ‪1975‬م ‪ ،‬إعادة تقييم لسياسة أمريكا في الشرق الوسط وتأجيل‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المساعدات المريكية المالية والعسكرية لسرائيل قام اللوبي الموالي‬


‫لسرائيل بتوجيه رسالة الى الرئيس فورد بتوقيع ‪76‬م من أعضاء مجلس‬
‫الشيوخ يطلبون فيها التجاوب مع المطالب السياسية والعسكرية لسرائيل ‪،‬‬
‫وقد وجه اللوبي انتقادات شديدة اللهجة وهجوما شرسا على أعضاء مجلس‬
‫الشيوخ الذين رفضوا التوقيع على الرسالة ومن بينهم السناتور‬
‫تشارلزبيرسمن شيكاغو والتي أدت الحملة اليهودية ضده إلى عدم نجاحه في‬
‫انتخابات عام ‪1948‬م ‪ ،‬فلعجب إذن أن تبلغ ما حصلت عليه اسرائيل من‬
‫مساعدات خلل إدارتي نيكسون وفورد ‪ ،‬وكلهما جمهوري ‪ ،‬ما بين عامي‬
‫‪1969‬م _‪1976‬يفوق كل ما حصلت عليه من مساعدات أمريكية منذ قيامها‬
‫وحتى عام ‪1969‬م ‪ ،‬أي ما يربو على عشرين عاما منذ تأسيسها ‪ ،‬نقل عن‬
‫كتاب الجذور الذهبية لحضانة الغرب وأمريكا لسرائيل تأليف حمدان حمدان‬
‫ص ‪ ،134‬للحديث بقية‬
‫‪6‬ـ عهد كارتر‬
‫وقد وصل بنا الحديث إلى نفوذ يهود أمريكا في فترة الرئيس كارتر صاحب‬
‫المقولة المشهورة ) لقد آمن وأظهر سبعة من رؤساء أمريكا ‪ ،‬أن علقة‬
‫أمريكا بإسرائيل أكثر من مجرد علقة خاصة ‪ ،‬لقد كانت ولتزال علقة فريدة‬
‫‪ ،‬وهي علقة ليمكن تقويضها ‪ ،‬لنها متأصلة في وجدان وأخلق وديانة‬
‫ومعتقدات الشعب المريكي نفسه ‪ ،‬لقد أقام الرواد وأقوام تجمعوا في كل‬
‫الشعبين ‪ :‬إسرائيل والوليات المتحدة ‪ ،‬إن شعبي المريكي إمة مهاجرين‬
‫ولجئين ‪00‬اننا نتقاسم معا ميراث التوراة ( النجيليون المتجددون ـ الرئيس‬
‫كارتر‬
‫أما كارتر بالرغم من كونه قد أيد في البداية منح وطن للجئين الفلسطينيين‬
‫وذلك بعد توليه الرئاسة بشهرين ‪ ،‬غير أن اللوبي الصهيوني المناصر‬
‫لسرائيل قام بتعبئة الرأي العام المريكي ضد هذا القرار وتدفق سيل من‬
‫البرقيات على كارتر يندد بسياسته مما جعله يتراجع عن قوله السابق ‪،‬‬
‫وأعلن في إجتماع له مع ‪ 53‬زعيما يمثلون المنظمات اليهودية في الوليات‬
‫المتحدة أنه يتعين على جميع الدول العربية إقامة علقات دبلوماسية كاملة‬
‫مع إسرائيل جزء من تسوية شاملة في منطقة الشرق الوسط ‪ ،‬كما وافق‬
‫كارتر على منح إسرائيل مبلغ ‪106‬مليون دولر لمساعدة إسرائيل في إنتاج‬
‫الدبابة شاريوت وتزويد اسرائيل بـ ‪ 18‬طائرة مروحية وعدد من طائرات إف‬
‫‪ 16‬المقاتلة المتطورة ‪ ،‬وضغط اللوبي على كارتر لقالة اندرويونغ ‪ ،‬سفير‬
‫الوليات المتحدة في المم المتحدة لجتماعه مع ممثل منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية زهدي الطرزي ‪0‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وبعد صدور البيان المريكي السوفيتي متضمنا الحقوق المشروعة للشعب‬


‫الفلسطيني ظهر احتجاج قوي بين الجماعات اليهودية نتيجة لهذه الضغوط‬
‫من المناصرين لسرائيل في الكونغرس المريكي تراجعت إدارة كارتر عن‬
‫البيان المريكي السوفيتي ولم يعد أساسا لعقد مؤتمر جنيف ‪0‬‬
‫ودعونا نقرأ ما قاله إسرائيل شاحاك في كتابه ) أسرار مكشوفة ( ص‬
‫‪86‬فقد كان وصفه للضغوط التي مارسها اليهود على إدارة كارتر أدق وصف‬
‫قال ‪ ):‬ذلك أن إسرائيل اتبعت سياسات لتتفق مع المصالح المريكية وفضل‬
‫عن ذلك ‪ ،‬تمكنت إسرائيل من استغلل نفوذها في الكونغرس ووسائل‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلم المريكية لجبار الدارة المريكية بين وقت وآخر على عكس‬
‫سياساتها تماما ‪ ،‬فعندما أعلنت إدارة الرئيس كارتر وفاقها مع التحاد‬
‫السوفيتي ‪ ،‬كبرنامج لسياساتها في الشرق الوسط قامت حكومة بيغن التي‬
‫لم تستسغ هذا الموقف بإرسال وزير خارجيتها آنذاك موشيه دايان إلى‬
‫الوليات المتحدة حيث نجح في ثلثة أيام في حمل إدارة كارتر على نقض‬
‫نفسها بصورة مخزية ويمكننا أن ننظر إلى زيارة السادات للقدس‬
‫ومفاوضات كمب ديفيد ومعاهدة السلم السرائيلية المصرية واجتياح لبنان‬
‫في العام ‪1982‬م ‪ ،‬على أنها أحداث ناجمة كلها عن إذلل دايان لكارتر في‬
‫تلك القضية (‬
‫وكتاب إسرائيل شاحاك هذا ) أسرار مكشوفة ( من أهم الكتب التي تتناول‬
‫سياسة الكيان الصهيوني بواسطة كاتب يهودي متمرس بتلك السياسة ‪ ،‬وقد‬
‫طبع مترجما عام ‪1998‬م الطبعة الولى في بيروت ومتوفر محليا ‪ ،‬وقد جمع‬
‫المؤلف مادة الكتاب مما نشره قادة الكيان الصهيوني في خطابها للنخبة‬
‫اليهودية ‪ ،‬وهو يقول في مقدمة الكتاب ) وأعتقد أن أهداف دولة إسرائيل‬
‫وسابقتها الحركة الصهيونية يجب أن تفهم بحسب ما تقوله القيادات‬
‫السرائيلية لتباعها ‪ ،‬وبحسب ما تقوله للنخبة اليهودية بصفة خاصة ‪ ،‬ذلك أن‬
‫هذه الهداف ليمكن أن تفهم على أساس ما يقولونه للعالم الخارجي ( ص‬
‫‪13‬‬
‫‪7‬ـ عهد ريغن‬
‫في سعيه لكسب الصوات اليهودية حرص ريغان على زيادة الروابط مع‬
‫المؤسسات اليهودية الصهيونية في الوليات المتحدة قبل موعد النتخابات‬
‫الرئاسية ‪ ،‬وقام ريغان بتعيين اليهودي مارشال بيرغر مسؤول عن التنسيق‬
‫بين لجنة الحملة النتخابية والمجموعات اليهودية في الوليات المتحدة وعين‬
‫اليهودي ألبرت شبيغل رئيسا لحملته النتخابية ‪ ،‬وأخذ شبيغل يعرض لليهود‬
‫سجل ريغان المؤيد لسرائيل ‪ ،‬ومنها حضور ريغان تجمعات مؤيدة لسرائيل‬
‫خلل حرب اليام الستة في عام ‪1967‬م ‪ ،‬عندما كان حاكما لكاليفورنيا ‪.‬‬
‫وخلل حملته النتخابية زار ريغن المنظمة اليهودية بناي برث في واشنطن‬
‫في ‪3‬أيلول ‪1980‬م ‪ ،‬وألقى خطابا قال فيه إن إسرائيل ليست أمة فقط بل‬
‫هي رمز ففي دفاعنا عن حق ) إسرائيل ( في الوجود إنما ندافع عن ذات‬
‫القيم التي بنيت على أساسها أمتنا ‪.‬‬
‫وبعد سقوط الشاه وقبل انتخابات الرئاسة المريكية أدلى ريغن بتصريح إلى‬
‫الواشنطن بوست في ‪15/8/1979‬م ‪ ،‬جاء فيه ‪ ) :‬إن أي منظمة إقليمية‬
‫مؤيدة للغرب لن تكون لها أية قيمة عسكرية حقيقية دون أن تشترك‬
‫إسرائيل فيها بشكل أو بآخر ( ‪.‬‬
‫وكان أهم موضوع في الحملة النتخابية للمرشح ريغن هو مزاعمه بعجز‬
‫إدارة كارتر في تقدير أهمية ) ا إسرائيل ( كرصيد استراتيجي للوليات‬
‫المتحدة في الشرق الوسط ‪ ،‬ففي مقالة له في الواشنطن بوست ذكر بأن‬
‫وضع الوليات المتحدة سيكون أضعف في المنطقة بدون الرصدة السياسية‬
‫والعسكرية التي توفرها إسرائيل كقوة مستقرة وكرادع للهيمنة الراديكالية (‬
‫وعندما قررت السعودية عقد صفقة طائرات أل واكس ‪،‬قام اللوبي اليهودي‬
‫في أمريكا بضغوط كبيرة لفشال الصفقة ‪ ،‬وتوصلوا أخيرا إلى تقليل فعالية‬
‫الطائرات إلى أقل حد ممكن حد صرح مستشار المن القومي ريتشارد آلن‬
‫للمراسلين الصحفيين بأن الطائرات غير قادرة على التقاط الصورة‬
‫التجسسية او تحديد الهداف الرضية كما أن السعوديين لم يكونوا جاهزين‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتنسيق هجوم عربي جوي تشترك به جميع الدول العربية ضد إسرائيل لن‬
‫الواكس ستكون خالية من المعدات المعقدة اللتي تحملها معدات الكترونية‬
‫وإن السرائيليين يستطيعون التشويش على أجهزة الرادار فيها كما أن‬
‫السعوديين وافقوا على عدم إرسال الواكس فوق سوريا والردن ‪ ،‬وقد‬
‫ضحك المراسلون قائلين ) إذا كانت الطائرات عارية إلى هذا الحد فلماذا‬
‫كان السعوديون يريدون شراؤها ( ‪.‬‬
‫غير أن الدارة المريكية مع ذلك وافقت على استخدام الفنيين السرائيليين‬
‫للطائرات لمدة ‪ 9‬ساعات لغرض فحصها والتأكد من قدرتها العدوانية ‪ ،‬ولكن‬
‫السرائيليين كانوا قلقين لن أفضل دفاعاتهم هو بتحقيق ضربة جوية مفاجئة‬
‫على ارتفاع منخفض ولن الواكس مزودة برادار يتجه للسفل قد عمل‬
‫بصورة جيدة أثناء الغارة السرائيلية على العراق المر الذي يعني إلغاء أهم‬
‫التكتيكات فعالية ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ولهذا الغرض سافر ريتشارد مورفي السفير الجديد في السعودية وطلب‬


‫تنازلت أخرى من السعوديين وذلك بجعل مهامات الطائرات الواكس تنفذ‬
‫بصورة مشتركة من قبل المريكيين والسعوديين ‪ ،‬ووافق السعوديين على‬
‫هذا المر لغاية عام ‪1990‬م ‪ ،‬وأبلغ ريغن الكونغرس بأن هذه الطائرات‬
‫سوف لتقترب أكثر من ‪100‬ـ ‪150‬ميل من الحدود السياسية ‪ ،‬ويقصد بذلك‬
‫حدود اسرائيل وذكر المدافعون عن الصفقة بأن مجال العمليات لطائرة‬
‫الواكس السعودية سيقتصر على حقول البترول الشرقية وموانيء الخليج مع‬
‫توسيع نطاق العمل جنوبا لحماية البلد من غارات تقوم بها اليمن الجنوبية أو‬
‫أثوبيا ‪.‬‬
‫وبهذا يعلم أن الضغوط التي مارسها اليهود في عهد ريغن في قضية صفقة‬
‫طائرات الواكس ‪ ،‬كانت كبيرة ومؤثرة إلى درجة أفقدت هذه الصفقة أي‬
‫فعالية لها ضد اسرائيل ‪.‬‬
‫وفي عهد ريغن قامت اسرائيل بغزو جنوب لبنان ‪ ،‬وانتشرت أخبار في‬
‫‪18/9/1982‬م ‪ ،‬بأن مجزرة مروعة حدثت في مخيمي صبرا وشاتيل في‬
‫جنوب لبنان ‪ ،‬وذبح آلف البرياء في تلك المجزرة ‪ ،‬وأثر هذا الخبر تأثيرا‬
‫كبيرا في تشويه صورة اسرائيل في أمريكا ‪ ،‬حيث نقلت صورة من المجزرة‬
‫في وسائل العلم المريكية ‪.‬‬
‫ورغم أن المر العسكري السرائيلي ينص على عدم دخول مخيمي صبرا‬
‫وشاتيل وعلى أن يقوم جيش الكتائب بذلك ‪ ،‬غير أن رئيس الركان‬
‫السرائيلي أبلغ قياديي الكتائب عند دخول الجيش السرائيلي ألى بيروت‬
‫الغربية في ‪15‬أيلول ‪1982‬م بأن جيش الدفاع سوف يدخل أيضا إلى‬
‫مخيمات اللجئين صبرا وشاتيل ‪.‬‬
‫وقد أظهر الرئيس ريغن استياءه مما فعلته إسرائيل في جنوب لبنان ‪ ،‬وقال‬
‫إن بيغن قد ضلله في موضوع دخول القوات السرائيلية إلى بيروت الغربية ‪،‬‬
‫ثم قام الرئيس المريكي بحظر صفقة طائرات إف ‪ ،16‬والتي كان من‬
‫المقرر تسليمها إلى اسرائيل ‪ ،‬وبعد ذلك استنفر يهود أمريكا لوقف تدهور‬
‫العلقات المريكية السرائيلية كما عبر توماس داين مدير اللوبي الصهيوني ‪،‬‬
‫وعلى إثر ذلك قامت إسرائيل بعدة خطوات وبالستعانة بنفوذ اللوبي‬
‫الصهيوني في الوليات المتحدة لجل المحافظة على صورة إسرائيل في‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوليات المتحدة المريكية كضامن للمصالح المريكية في منطق الشرق‬


‫الوسط ‪.‬‬
‫وكان من نتائج هذا التحرك قضية إيران غيت ‪ ،‬وهي مبيعات السلحة التي‬
‫نقلتها إسرائيل الى ايران وتمويل قسم من أرباح الصفقة إلى معارضة نظام‬
‫الحكم في ساندينستا ) قوات الكونترا ( ‪.‬‬
‫كما قامت اليباك ) اللجنة المريكية السرائيلية للشؤون العامة ( وهو أقوى‬
‫لوبي صهيوني في الكونغرس متخصص في التشريعات التي تمس إسرائيل ‪،‬‬
‫قامت بنشر مجموعة دراسات تؤكد على القيمة الستراتيجية السرائيلية‬
‫بالنسبة للوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬ونشر مدير بحوث اليباك مقالت‬
‫أحادية الموضوع تحت عنوان القيمة الستراتيجية لسرائيل على أن تقدم‬
‫للوليات المتحدة أربع مزايا رئيسة وهي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬موقعها الجغرافي في منتصف الطريق بين أوربا والخليج العربي مما‬
‫يجعل الوليات المتحدة قادرة على التحرك على ثلث مسارح لعمليات‬
‫الخليج العربي والبحر البيض المتوسط ‪ ،‬والجبهتين الوسطى والجنوبية‬
‫لحلف الناتو‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الستقرار السياسي كونها غير معرضة للنقلبات والثورات ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬والعتماد السياسي أنها حليف مضمون ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬التقدم التكنولوجي على أن إسرائيل البلد الوحيد المتقدم تكنولوجيا‬
‫وأن تكنلوجيتها مشابهة لتكنولوجية الوليات المتحدة ‪.‬‬
‫كما قام المجلس الستشاري لعلقات الطائفة اليهودية المريكي ‪ ،‬بنشر‬
‫خطة عمل مشتركة موجهة إلى جميع يهود الوليات المتحدة لجل دعم‬
‫إسرائيل ومساندتها في غزو لبنان الذي يعتبر أمرا مشروعا وقد شملت خطة‬
‫برنامج عام ‪1982‬ـ ‪1983‬م التوصيات التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ نوصي ببرامج تفسيرية تؤكد أن مصالح أمريكا والعالم الحر سوف تشمل‬
‫تناقضا داخليا قاتل إن لم تتضمن فرضية أساسية وهي العتراف بإسرائيل‬
‫قوية وآمنة بوصفها حيوية المصالح للوليات المتحدة ومثل هذا العتراف‬
‫يتطلب ما يلي ‪:‬‬
‫· أن تواصل الوليات المتحدة المساعدة القتصادية والعسكرية للدفاع عن‬
‫اسرائيل بينما تتخذ خطوات ملموسة لتنفيذ التعاون الستراتيجي بين الوليات‬
‫المتحدة وإسرائيل ‪.‬‬
‫· أن تقدم الوليات المتحدة مثل تلك المساعدة على شكل قروض قد تحول‬
‫إلى ما يبقى منه إلى منحه ويأخذ بعين العتبار حاجات القتصاد السرائيلي‬
‫المجهد التي تولدت من النسحاب من سيناء والنحو المتفجر للسلحة على‬
‫أن يتخلى العرب الذين قد يصبحون شركاء بالمصداقية عن أية نية لتدمير‬
‫إسرائيل ‪.‬‬
‫· توصي بأن بيع السلحة المريكية لبعض الدول العربية تؤدي إلى تحطيم‬
‫أمن إسرائيل تدريجيا وأنها تغذي التطرف أكثر مما تخفف منه‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وبعد هذه الضغوط وأمام هذا التحرك ونشاط اللوبي الصهيوني والمنظمات‬
‫الصيهونية في الوليات المتحدة خفف الناطق الرسمي باسم البيت البيض‬
‫من حدة قرار الرئيس فقال ) ليس ثمة نتائج رسمية محددة في أن إسرائيل‬
‫انتهكت شروط قانون تصدير السلحة عبر غزوها لبنان ( ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم اتخذ الموقف الرسمي المريكي موقفا ضد مشروع تقدمت به فرنسا‬


‫لمطالبة إسرائيل بالنسحاب كامل من لبنان ‪ ،‬وطالب الموقف المريكي‬
‫بإزالة الوجود الفلسطيني المسلح من بيروت وغيرها ‪ ،‬غير ان مجلس المن‬
‫صوت بقرار رقم ‪ ،508‬و ‪ ،509‬مطالبا إسرائيل بالنسحاب من لبنان ووقف‬
‫العلميات العسكرية ‪ ،‬وتقدمت أسبانيا بمشروع قرار لدانة إسرائيل لعدم‬
‫تطبيقها القرراين ‪ ،‬غير أن الوليات المتحدة استخدمت حق الفيتو ضد‬
‫المشروع ‪.‬‬
‫وفي عام ‪1983‬م ‪ ،‬قام الرئيس ريغان بمشاركة القلية اليهودية في عيدهم‬
‫الهونوكاه ‪ ،‬وألقى خطابا يعتبر من أقوى البيانات تأييدا لسرائيل ‪ ،‬قال فيه‬
‫) إن الروابط بين الشعب المريكي والسرائيلي تنمو الن بقوة ويجب أن ل‬
‫تتقوض أبدا ‪ ،‬وإذا ما أجبرت إسرائيل على مغادرة المم المتحدة فان أمريكا‬
‫ستغادرها مع إسرائيل أيضا ( ‪.‬‬
‫وينبغي التأكيد على أن من السباب الرئيسية التي حملت ريغن على أن‬
‫يكون عهده من أهم العهود التي استفاد منها يهود أمريكا لصالح إسرائيل ‪،‬‬
‫هي كما عبر عنها بقوله لرئيس اللوبي الصهيوني توماس داين حيث قال‬
‫ريغن ) أنت تعرف بأني ألجأ إلى أنبيائكم القدماء في العهد القديم ‪ ،‬وإلى‬
‫العلقات التي تكهن بـ) أرمجدون( وأجد نفسي أتساءل ما إذا كنا نحن الجيل‬
‫الذي سيشهد حدوث ذلك ‪ ،‬وأعرف إذا كنت قد لحظت هذه النبوءات مؤخرا‬
‫ولكن صدقني ‪ ،‬أنها تشير إلى الوقت الذي نمر فيه (‪.‬‬
‫هذا بعض مايكشف دور يهود أمريكا في عهد الرئيس ريغن ‪ ،‬نقل عن كتاب‬
‫جماعات الضغط اليهودية في أربع إدارات أمريكية ‪ ،‬أنمار لطيف نصيف ص‬
‫‪174‬ـ ‪ ، 228‬وقد أحال فيه إلى كل المصادر الصلية ‪.‬‬
‫‪8‬ـ عهد جورج بوش‬
‫مما يوضح دور يهود أمريكا في التأثير في عهد جورج بوش ‪ ،‬حتى أدى ذلك‬
‫الدور إلى تراجع احتمالت نجاحه في فترة جديدة ‪ ،‬ثم فشله في النتخابات‬
‫بالفعل ‪ ،‬ما فعله اليهود عندما قرر بوش رفض منح ضمانات القروض بقيمة‬
‫‪10‬مليارات دولر ‪ ،‬للكيان الصهيوني من أجل توطين المهاجرين اليهود‬
‫السوفييتي ‪ ،‬الذين بدءوا بالتدفق خارج روسيا بعد الفوضى التي حلت فيها‬
‫إثر سقوط التحاد السوفيتي ‪.‬‬
‫كان جورج بوش يريد أن يضغط على الكيان الصيهوني من أجل أن يمضي‬
‫مشروعه الجديد بحل مشكلة الشرق الوسط ‪ ،‬فرفض أن يمنح ضمانات‬
‫القروض ‪ ،‬ليبرهن على صدق نوايا الوليات المتحدة المريكية في حل‬
‫المشكلة الفلسطينية ‪ ،‬لكنه لقي ضغطا هائل من جماعات الضغط اليهودية‬
‫في أمريكا ‪ ،‬ولعل مؤلف كتاب القوة اليهودية ج‪.‬ج‪ .‬غولدبرغ ‪ ،‬وصف الحادثة‬
‫وصفا دقيقا ‪ ،‬فلندعه يتحدث في هذا الفصل عن هذا الموضوع ‪:‬‬
‫) كانت القوى السياسية التي تواجه الرئيس في تلك اللحظة ‪ ،‬حوالي ألف‬
‫وثلثمائة قائد لمنظمات يهودية محلية على امتداد البلد ‪ ،‬مجموعة من‬
‫الحاخامات ومعلمي المدارس ‪ ،‬والمحامين ‪ ،‬والعمال الجتماعيين ‪ ،‬ورجال‬
‫العمال ‪ ،‬كانوا قد أتوا إلى واشنطن في ذلك اليوم لمناقشة ضمانات‬
‫القروض مع ممثليهم المنتخبين ‪ ،‬وبشكل منتشر خارجا عبر قبة الكابيتول ‪،‬‬
‫كان مواطنو جماعات الضغط يغطون الكونغرس برسالة انفعالية وحيدة ‪:‬‬
‫يجب أن ل يحتجز السبب الخير لحرية اليهود السوفييت رهينة للتقلبات‬
‫السياسية في عملية سلم الشرق الوسط ‪.‬‬
‫ولكن بدا أن الكونغرس ينحاز بقوة إلى جماعات الضغط ‪ ،‬وكان هجوم اليوم‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ـ يعني هجوم بوش في مؤتمر صحفي على ما أسماه القوى السياسية‬


‫الفعالة ـ ذروة حملة أربعة أشهر من الضغط سعيا وراء ضمانات القرض ‪،‬‬
‫التي اكتسبت دعما كافيا لدفع مجلسي الكونغرس كليهما ‪ ،‬كافيا في الحقيقة‬
‫‪ ،‬ليس فقط لدفع الكونغرس ولكن لتهديد بوش بأول نقض للفيتو في رئاسته‬
‫‪ ،‬إذا اختار الصرار على المر ‪ ،‬وبدل عن ذلك ‪ ،‬كان بوش يتجاوز الكونغرس‬
‫مباشرة إلى الشعب المريكي ‪ ،‬متذمرا من القوى السياسية الفعالة‬
‫المنحازة ضد الفتى الصغير الوحيد في البيت البيض ‪.‬‬
‫وكان لنفجاره تأثيره المطلوب ـ أي اتهامه للقوى السياسية الفعالة التي‬
‫فهم منها أنه يعني اللوبي اليهودي في أمريكا ـ وتلشى دعم الكونغرس‬
‫لضمانات القرض بين عشية وضحاها ‪ ،‬ووافقت القيادة في كل المجلسين‬
‫على قرار بوش بالتأجيل أربعة أشهر ‪ ،‬لكن النصر الرئاسي لم يتحقق بدون‬
‫ثمن ‪.‬‬
‫كان جورج بوش يحرز نجاحا في بداية أيلول ‪1991‬م ‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫القتصاد الراكد ‪ ،‬كان تقدير الموافقة عليه في الستفتاء حوالي ‪ %70‬بالمائة‬
‫‪ ،‬وهو أعلى من أي رئيس في الذاكرة عند هذه المرحلة نفسها في فترته‬
‫الولى ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وعلى صعيد العالم كان مظهر الرئيس يبدو مظهرا بطوليا ‪ ،‬فقد تركه انهيار‬
‫المبراطورية السوفيتية خلل السنة والنصف الفائتة المنتصر المفترض في‬
‫الحرب الباردة ‪ ،‬زعيم القوة العالمية الوحيدة المتبقية ‪ ،‬ومنذ ثمانية أشهر‬
‫فقط ‪ ،‬كان قد قاد القوى المتحالفة للمم المتحدة في حرب منتصرة ضد‬
‫الديكتاتور العراقي صدام حسين‪.‬‬
‫والن أصبح بوش مستعدا لتثبيت مكانته التاريخية بالسعي وراء الفرصة‬
‫الطيبة في السياسة العالمية ‪ ،‬وهي حل الصراع العربي السرائيلي غير‬
‫القابل للحل ‪ ،‬وقد أصبح الوقت مناسبا لذلك ‪ ،‬كان العرب منقسمين‬
‫ومشوشين من مغامرة صدام حسين ‪ ،‬والهم من ذلك أنهم لم يعد لديهم‬
‫دعم التحاد السوفيتي في رفضهم العنيد لسرائيل الذي دام أربعين سنة ‪،‬‬
‫وآمن بوش بأنهم يمكن إقناعهم بإحلل السلم ‪ ،‬إذا وافقت إسرائيل على‬
‫تلطيف التفاق بإعادة المناطق المحتلة المتنازع عليها التي استولت عليها‬
‫حرب اليام الستة في حزيران ‪1967‬م ‪.‬‬
‫ولسوء الحظ كانت إسرائيل ل تتصرف بحسب الخطة الموضوعة ‪ ،‬وأزعج‬
‫الرئيس كثيرا أن رئيس الوزراء إسحاق شامير رفض حتى مناقشة مقايضة‬
‫الرض بالسلم ‪ ،‬وكان شامير المتشدد طول حياته ‪ ،‬والسيء الظن بالعرب‬
‫والذي كرس نفسها لرؤيا أرض إسرائيل الكبرى ‪ ،‬ينفق آنذاك كل بنس‬
‫ممكن من ميزانيته المشدودة الحزام لتوطين المواطنين السرائيليين في‬
‫المناطق المتنازع عليها ‪.‬‬
‫ولكن في خريف عام ‪1991‬م ‪ ،‬اعتقد بوش أن لديه شيئا ما يرغب فيه‬
‫شامير اكثر من الرض كان إسرائيل مستغرقة في فرار اللجئين اليهود من‬
‫فوضى التحاد السوفيتي ‪ ،‬ومع حلول عام ‪1995‬م ‪ ،‬كان متوقعا أن يصل‬
‫التدفق إلى مليون شخص ‪ ،‬خمس عدد السكان الكلي الصغير ‪ ،‬وكانت‬
‫تكاليف توطينهم خلل العقد التالي مقدرة بمبلغ ‪ 70‬مليار دول ‪ ،‬ضعف الناتج‬
‫القومي السرائيلي القومي العالم ‪ ،‬وهكذا لم تكن إسرائيل في ذلك الوقت ‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في موضع يسمح لها بمناقشة شروط بوش من أجل ضمانات القرض ‪.‬‬
‫إذا فقد كان مؤتمر بوش الصحفي يوم ‪ 12‬من أيلول ‪ ،‬بالنسبة لغالبية‬
‫اليهود ‪ ،‬كومضة مبهرة في الليل لن تنطفىء ‪ ،‬وحتى غالبة اليهود المريكيين‬
‫المستوعبين ‪ ،‬وأولئك الذين ل يحضرون الى الكنيس ‪ ،‬وأولئك الذين تزوجو‬
‫بمسيحيين ويربون أولدهم كمسيحيين ‪ ،‬حتى هؤلء على العموم ‪ ،‬كانوا‬
‫يتراجعون غريزيا أمام عبارات مثل ) القوى السياسية الفعالة ( في المواعظ‬
‫والخطب ‪.‬‬
‫وكانت النتيجة غضبا ‪ ،‬واليهود لم يصوتوا مطلقا للجمهوريين ـ الكثرية ـ‬
‫ذكروا بعضهم بعضا بسبب ذلك ‪ ،‬كان اليهود الذين تحولوا إلى قائمة‬
‫الجمهوريين خلل سنوات نكسون وريغان قد قرروا فجأة إعادة التحول ‪،‬‬
‫وأكثر من كل ذلك ‪ ،‬بدأ يهود من كل خط سياسي ‪ ،‬بكتابة رسائل احتجاج إلى‬
‫صحفهم ‪ ،‬وإلى ممثليهم ‪ ،‬وإلى البيت البيض ‪.‬‬
‫وقالت جاكلين ليفين ) إن ‪ 12‬من أيلول سوف يسمى في التاريخ اليهودي‬
‫يوم الخيانة الكبرى ‪ ،‬إن بيان بوش كان إظهارا مثيرا للشمئزاز ‪ ،‬وإذا لم يكن‬
‫غرضه معاداة السامية ‪ ،‬فهو قريب جدا من ذلك ( ‪.‬‬
‫وقال إد ايمز ‪ ،‬وهو مغن من لوس أنجلس ) لقد فتح ابن الحرام ذاك عيني (‬
‫ولم يكن إيمز قد انضم مطلقا إلى منظمة يهودية من قبل ‪ ،‬وفي أيلول‬
‫‪1991‬م ‪ ،‬أرسل بالبريد أول دفعة مستحقة عليه إلى اليباك ‪ ،‬وأصبح عنصر‬
‫ضغط متطوعا من أجل إسرائيل ‪.‬‬
‫وراقب مساعدو البيت البيض ذلك النمو السريع برعب ن وكررت شوشانا‬
‫كادرين ) رئيسة مؤتمر رؤساء المنظمات المريكية اليهودية الكبرى (‬
‫ومؤتمر الرؤساء الرسالة نفسها لهم ‪ :‬وافقوا على ضمانات القرض إذا أردتم‬
‫معالجة المور ‪ ،‬ورفض بوش ‪ ،‬لقد كانت ضمانات القرض مرتبطة بإحكام مع‬
‫عملية السلم ‪ ،‬ومع سياسة اسحاق شامير المتعلقة بتوطين السرائيليين في‬
‫المناطق المتنازع عليها ‪.‬‬
‫خلل إدارة بوش كانت ردود الفعل على النفجار مختلطة ‪ ،‬فبعض‬
‫الرسميين ‪ ،‬بما فيهم بوش نفسه ‪ ،‬كانوا قلقين ومهتمين بايجاد طريقة للقيام‬
‫باصلح ‪ ،‬ومادام ذلك ليضعف عملية السلم في الشرق الوسط ‪ ،‬ولنه لدغ‬
‫من التهامات بمعاداة السامية ‪ ،‬فقد أسرع بوش خلل رحلة جمع الموارد‬
‫المالية في تشرين الثاني إلى نيويورك ‪ ،‬للجتماع أخيرا مع مؤتمر الرؤساء و‬
‫إقامة السلم ‪ ،‬ووضعت خطط لسلسلة من اليماءات المؤيدة لليهود ‪ ،‬والتي‬
‫ستتكشف بسرعة عن نتائج دراماتيكية ‪ ،‬وتاريخية تقريبا ‪.‬‬
‫ففي كانون الول كانت الجمعية العام للمم المتحدة ستجتمع للغاء قراراها‬
‫لعام ‪1975‬م ‪ ،‬الذي يعادل الصهيونية بالتمييز العنصري ‪ ،‬والذي توج صراعا‬
‫دام عقدين مع أصدقاء إسرائيل في الكونغرس ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫في ‪5‬تشرين الثاني ‪1991‬م ‪ ،‬بعد سبعة أسابيع من مؤتمر بوش الصحفي‬
‫المشؤوم ‪ ،‬انطلقت أمريكا إلى صناديق القتراع لنتخاب فرعي سيحمل‬
‫بعض المفاجآت ‪ ،‬كان السباق المثير للهتمام صراعا مضمون الفوز في‬
‫بنسلفانيا ‪ ،‬حيث كان مقعد في مجلس الشيوخ قد شغر منذ الربيع الفائت‬
‫بالوفاة العرضية لجون هاينتس ‪ ،‬الشاب الجذاب الجمهوري المعتدل ‪ ،‬وكان‬
‫المرشح الجمهوري الحاكم السابق المحبوب رتشارد ثورنبيرغ ‪ ،‬وهو معتدل‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأحد أقرب المناصرين للرئيس بوش ‪ ،‬وكان ثورنبيرغ النائب العام لدى بوش‬
‫قبل استقالته في حزيران كي يخوض النتخابات من أجل المقعد ‪ ،‬وكان‬
‫خصمه الديمقراطي هاريس ووفورد أستاذا جامعيا مغمورا ‪ ،‬وكان ثورنبيرغ‬
‫متقدما بأربع وأربعين نقطة في مجموع الصوات ‪.‬‬
‫وفي ‪27‬أيلول نشرت صحيفة ‪ philadelphia inquirer‬النتائج المذهلة لستفتاء‬
‫جديد على امتداد الولية ‪ ،‬لقد تراجع ثورنبيرغ فجأة إلى أربع وعشرين‬
‫نقطة ‪ ،‬وكان مستمرا في الهبوط ‪ ،‬وبشكل ليصدق ‪ ،‬كان السباق الن‬
‫لصالح ووفورد ‪.‬‬
‫على أي حال ‪ ،‬يقول المطلعون في كلتا الحملتين ‪ ،‬إنه كان ثمة سبب إضافي‬
‫أكثر دنيوية للهزيمة غير المتوقعة ‪ ،‬وهو النقود ‪ ،‬فخلل أسبوع بعد مؤتمر ‪12‬‬
‫من أيلول الصحفي للرئيس بوش ‪ ،‬بدأ جامعوا الموارد المالية الجمهوريين‬
‫والديمقراطيين على حد سواء بملحظة تغيير واضح في التبرعات بعيدا عن‬
‫ثورنبيرغ وباتجاه ووفورد ‪ ،‬وكانت تصنيفات لجنة النتخابات الفدرالية أكثر‬
‫دقة ‪ ،‬فينما أظهر تصنيف ثورنبيرغ في ‪ 16‬من تشرين الول أن جمع الموارد‬
‫المالية ‪ ،‬حتى السنة الحالية كان ضعفي مالدى ووفورد ‪ ،‬عكس‬
‫الديمقراطيون التجاه في السابيع الخيرة للحملة وجمعوا نقودا بقدر ضعفي‬
‫نسبة تقدم ثورنبيرغ ‪.‬‬
‫كان الواهبون ذوو اللقاب اليهودية الذين جمعوا حوالي ‪10‬بالمائة من تصنيف‬
‫ثورنبيرغ في ‪ 16‬تشرين الول ‪ ،‬غائبين كليا تقريبا من تقريره النهائي‪.‬‬
‫وبالتأكيد لم يقدم اندفاع الموال الجديد إلى ووفورد أي رسالة جديدة ‪ ،‬ولكن‬
‫للمرة الولى ‪ ،‬كانت لدى ووفورد وسيلة كي يدلي بقصته إلى الناخبين ‪ ،‬وما‬
‫حدث أنه على امتداد البلد ‪ ،‬كان اليهود الحانقون ) وبعض المسيحيين‬
‫المتعاطفين مع إسرائيل( يصبون غضبهم من جورج بوش ‪ ،‬على صديقه‬
‫رتشارد ثورنبرغ ‪ ،‬وكان المستفيد غير المقصود هو البروفسور الذي سيصبح‬
‫قريبا عضو مجلس الشيوخ هاريس ووفرد ‪.‬‬
‫بعد خسارة النتخابات بوقت قصير ‪ ،‬ذهب ثورنبيرغ المترنح لمقابلة صديقه‬
‫في البيت البيض ومناقشة ما يعتبره ربما نزعة جديدة مع دخول البلد سنة‬
‫انتخابية جديدة ‪ ،‬وقد قال فيما بعد ‪ :‬قلت للرئيس إنه حيث نشأت في‬
‫مناطق فحم بنسلفانيا ‪ ،‬إعتاد عمال المناجم على وضع طائر كنارى في‬
‫قفص عند فتحة مدخل المنجم ‪ ،‬وإذا كان هناك رشح لغاز الميتان في‬
‫المدخل ‪ ،‬فسيكون الكناري أول من يموت ‪ ،‬وكان ذلك إنذارا لك بوجود‬
‫مشاكل قادمة ‪ ،‬وأخبرته سيدي الرئيس إني مثل كنارك ‪ ،‬لديك رشح ‪ ،‬وإذا‬
‫لم تفعل شيئا حيال ذلك فسوف ينال منك أيضا ( ‪.‬‬
‫طبعا ‪ ،‬سار ثورنبيرغ بالشارة إلى الدعم اليهودي الذي كان باديا في حملة‬
‫إعادة انتخابات بوش خلل ذلك الخريف من عام ‪1991‬م ‪ ،‬كانت البلد قد‬
‫ملت من حكم الجمهوريين بعد إحدى عشرة سنة متواصلة ‪.‬‬
‫كل لم يكن المجتمع اليهودي الذي يؤلف ‪ 4 ،7‬بالمائة من سكان بنسلفانيا ‪،‬‬
‫هو القوة السياسية المسيطرة في الولية خلل ذلك الخريف ‪ ،‬بل كان واحدا‬
‫من عدة قوى‪.‬‬
‫لكن اليهود كانوا قوة سياسية فعالة بصورة لتقبل الجدل ‪ ،‬ولم يكن جورج‬
‫بوش مخطئا في إيمانه بذلك حين عقد مؤتمره الصحفي يوم ‪12‬أيلول ‪ ،‬كان‬
‫خطيئة بوش أنه قال ذلك بصوت عال (( انتهى بتصرف واختصار من كتاب‬
‫القوة اليهودية داخل المؤسسة اليهودية المريكية من ص ‪11‬إلى ‪22‬‬
‫‪9‬ـ عهد كلنتون‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثماني التي قضاها في البيت البيض ‪ ،‬ول أذهب بعيدا إذا قلت أنه منذ عهد‬
‫ترومان وتعهده بحماية إسرائيل ودعمها اقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا ‪ ،‬لم‬
‫تقدم الدارات المريكية المتعاقبة مثل ما قدمته إدارة كلنتون ‪0‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وجدير بالملحظة أن الدارات السابقة ‪ ،‬كانت تدعم الكيان الصهيوني محتجة‬


‫باضطرارها لحتواء نفوذ التحاد السوفيتي ‪ ،‬الذي بدأ يجد لها موطأ قدم في‬
‫الدول العربية لم يحظ الكيان الصيهوني برعاية أكثر عطاء وحنانا من إدارة‬
‫كلنتون طوال السنوات ‪ ،‬ولتحجيم الراديكالية العربية الخذة في التساع‬
‫آنذاك ‪ ،‬ومنعها من السيطرة على البترول العربي الذي يعد المصدر الحيوي‬
‫الستراتيجي للوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬لكن كلنتون دخل البيت البيض في‬
‫يناير ‪1993‬م ‪ ،‬ولم يعد ثمة اتحاد سوفيتي ‪ ،‬ول راديكالية عربية ‪ ،‬وما يسمى‬
‫بالصولية السلمية التي ابتدعوا منها تهديدا جديدا لمصالح الغرب في‬
‫الشرق الوسط ‪ ،‬ليست سوى جماعات متفرقة صغيرة لتملك من أمرها‬
‫شيئا ‪ ،‬والنظمة المحلية كفيلة إبقاءها في حالتها الراهنة ‪ ،‬بعبارة أخرى ليس‬
‫ثمة خوف على مصالح الوليات المتحدة من شيء ‪ ،‬ومع ذلك فقد تجاوزت‬
‫إدارة كلنتون كل الخطوط ‪ ،‬وألقت بنفسها بل استحياء في أحضان الكيان‬
‫الصيهوني ‪ ،‬حتى إنها تحللت من بعض التحفظات التي التزمتما إدارة بوش‬
‫الب ‪ ،‬بعد صيغة مدريد التي أسست على أن الرض مقابل السلم ‪،‬‬
‫انسحاب من الرض المحتلة سنة ‪67‬م ‪ ،‬مقابل سلم من العرب ‪0‬‬
‫بوش الب الذي أطلقت في عهده هذه الصيغة ‪ ،‬قد اشترط على إسرائيل‬
‫عند منحها ضمانات قروض بعشرة بليين دولر لتموين استيعاب المهاجرين ‪،‬‬
‫أن لتستعمل خارج نطاق حدود ‪1967‬م ‪ ،‬وهددت إدارته بخصم أي مبلغ‬
‫يتجاوز هذا الشرط من الضمانات ‪ ،‬لكن لما جاءت إدارة كلنتون تحللت من‬
‫ذلك كله ‪0‬‬
‫وحشدت إدارة كلنتون أكبر عدد من اليهود في مراكز حساسة في مجلس‬
‫المن القومي والستخبارات ووزارة الخارجية والدفاع ‪ ،‬والعجب أن يتم منح‬
‫أحدهم الجنسية المريكية وبعد ‪ 48‬ساعة فقط يعين في مجلس المن‬
‫القومي ‪ ،‬ثم يصبح سفيرا للوليات المتحدة المريكية في إسرائيل ‪ ،‬مع‬
‫اتهامه بتسريب معلومات سرية تتعلق بمفاوضات سرية عن لقاءات أمريكية‬
‫مع بعض القادة العرب !!!‪0‬‬
‫كماجاهدت إدارة كلنتون من أجل أن يحصل الكيان الصيهوني على علقات‬
‫مع ستين دولة كانت قد قاطعته حتى يمنح الفلسطينين حقوقهم كاملة ‪ ،‬وقد‬
‫استغلت الدارة مفاوضات السلم التي سميت انقلب أوسلو‪ ،‬كورقة ضغط‬
‫على تلك الدول ‪ ،‬تلك المفاوضات التي تبين بعد ذلك أن الكيان الصهيوني لم‬
‫يدخلها إل بنية استغللها بمكر وخبث أطول وقت ممكن وقد فعل ‪0‬‬
‫كما لم يتردد سفير أمريكا في المم المتحدة ) ريتشارد هولبرك ( في‬
‫العلن عن عزمه الضغط على دول المجموعة الوربية لكي تضم الكيان‬
‫الصهيوني مما يمكنه من فرص الحصول على مناصب هامة في المم‬
‫المتحدة ووكالتها حتى الحصول على مقعد غير دائم في مجلس المم رغم‬
‫أنه دولة احتلل في قرارات المم المتحدة ‪0‬‬
‫وأوفدت إدارة كلنتون أحد وزرائها لجامعة الدول العربية للمطالبة رسميا‬
‫بإلغاء المقاطعة القتصادية العربية ‪ ،‬مع أن المفاوضات لم تنته بعد ولم‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تسفر عن حصول الفلسطينيين على أي حق من حقوقهم ‪ ،‬وسارعت إدارته‬


‫بمطالبة الحكومة المصرية بإرجاع سفيرها الى الكيان الصيهوني لما سحبته‬
‫مصر احتجاجا على القمع البشع والوحشي الذي يفعله الجنود اليهود في‬
‫الطفال الفلسطينيين ‪ ،‬وبلغت المعونات العسكرية المريكية للكيان‬
‫الصيهوني مستويات غير مسبوقة رغم اعلن الدول العربية ـ وللسف ـ أن‬
‫السلم خيار استراتيجي مع الكيان الصهيوني المتفوق نوويا وعسكريا على‬
‫كل الدول العربية مجتمعة ‪0‬‬
‫ويجدر بنا أن ننقل هنا مقتطفات من البحث الذي قدمه )بول فندلي( للحملة‬
‫الدولية من أجل القدس ‪ ،‬في ‪15‬فبراير ‪1996‬م ‪ ،‬في ندوة بعنوان ) وضع‬
‫نهائي أم لعبة نهائية ؟ المباحثات القادمة بشأن القدس ( ‪ ،‬فقد ذكر حقائق‬
‫تعد وثيقة مهمة تبين أثر يهود أمريكا على سياسة الوليات المتحدة المريكية‬
‫لسيما السياسة الخارجية ‪ ،‬خاصة وهو يتحدث في حقبة الرئيس كلنتون ‪،‬‬
‫قال بول فندلي ‪:‬‬
‫)) لماذا إذن تلعب القوة العظمى الوحيدة في العالم ‪ ،‬والتي تتغنى في‬
‫أقوالها الرسمية بالمدح والثناء على المور المتعلقة بحكم القانون الدولي ‪،‬‬
‫تلعب دور السد الجبان فيما يخص قضية القدس ؟ السبب واضح ‪ ،‬وهو ‪ :‬إن‬
‫ما يملي سياسة أمريكا في هذه المسألة هو العوامل الداخلية ‪ ،‬وليست‬
‫العوامل الخارجية ‪ ،‬فالسيطرة المحكمة وإن كانت تجري في هدوء هي في‬
‫أيدي قوة ضغط محلية حسنة التنظيم والتمويل ‪ ،‬ملتزمة التزاما عاطفيا نحو‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وهكذا فإن أعضاء الكونغرس وكل الشخصيات الرئيسية في‬
‫الجهزة التنفيذية يقفزون طوعا ‪ ،‬تماما كما تقفز كلب البودل الذكية المدربة‬
‫‪ ،‬داخل أي طوق يقدمه إليهم أنصار إسرائيل المتعصبون ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫كثير من المريكيين يعانون من رؤية النفاق غير الواضحة التي تحجب‬


‫الجانب غير المرغوب من الشارع السرائيلي ‪ ،‬وكأنه أمر عديم القيمة ‪ ،‬وفي‬
‫كثير من الحيان يكون ذلك ناتجا عن التعصب الديني للمسيحيين الصوليين‬
‫في أمريكا البالغ عددهم حوالي أربعين مليونا ‪ ،‬والذين يعتقدون بأن إسرائيل‬
‫تحتل دورا مهما في الخطة اللهية ‪ ،‬وحيث إنهم مقتنعون أن إسرائيل هي‬
‫الوريث الشرعي للرض التي أعطيت للسرائيليين في العصور القديمة ‪،‬‬
‫فإنهم يطلبون إلى الوليات المتحدة أن تبقى إسرائيل قوية حتى يحين موعد‬
‫المعركة التي طال انتظارها في سهل هر مجدون ‪ ،‬حيث سيتم خلص‬
‫المسيحيين الصوليين ‪ ،‬كما يعتقدون ‪ ،‬ثم يتحول جميع من يتبقى من اليهود‬
‫حال إلى اعتناق النصرانية أو يهلكون ‪ ،‬إن هذه الكتلة من الرأي المريكي في‬
‫خارج نطاق المنطق أو العقل حينما يصل المر إلى بحث موضوع إسرائيل‬
‫والقدس ‪ ،‬فعقولهم كما يظهر تكون مقفلة تماما بالنسبة لهذه القضية ‪.‬‬
‫أما التيار العالم من المسيحيين فيتم التأثير فيه بطريقة أكثر فعالية فالتراتيل‬
‫التي يغنونها واليات التي يتلونها من النجيل تكون عادة مليئة بالتمجيد‬
‫لسرائيل والقدس ‪ ،‬وتربط من غير وعي بين الثنين في عقول الناس ‪ ،‬أما‬
‫في المنازل فإنهم يتعرضون لوجبة إعلمية مبرمجة بغرض جعل الفكرة التي‬
‫عفا عليها الزمن أبدية ‪ ،‬وهي أن اليهود شعب مضطهد ‪ ،‬ولكنها لتصور اليهود‬
‫فقط كشعب يمارس الضطهاد على الخرين ‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن المسيحيين الصوليين ‪ ،‬فإن القوى المؤيدة لسرائيل في‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوليات المتحدة هي قليلة العدد نسبيا ‪ ،‬ولكنهم يتمتعون بنفوذ يتغلغل عمقا‬
‫واتساعا ‪ ،‬وكما هو الحال بالنسبة لتباع الديانات الخرى ‪ ،‬فإن اليهود‬
‫المريكيين يميلون إلى الجانب الدفاعي بشأن ديانتهم وأماكنهم المقدسة ‪،‬‬
‫كما أن كثيرا منهم يعتقدون أن امتلكهم للقدس وغيرها من مناطق فلسطين‬
‫هو حقهم اللهي المقدس ‪ ،‬وفي الحقيقة فإن عددا من الصدقاء اليهود قد‬
‫أوضحوا لي أن إسرائيل ‪ ،‬وليست اليهودية ‪ ،‬قد أصبحت دين غالبية يهود‬
‫أمريكا وبخاصة اليهود العلمانيين ‪.‬‬
‫عبر وسائل الضغط ذات الكفاءة العالية ‪ ،‬يبقى يهود أمريكا مسيطرين‬
‫سيطرة محكمة على الكونغرس وعلى الجهزة التنفيذية وغيرهما من‬
‫الجهات الحكومية ‪ ،‬فهم يمارسون تأثيرا يتسم بالتخويف والمراقبة الحثيثة‬
‫في جميع قطاعات العلم تقريبا ‪ ،‬وفي كثير من المجالت الخرى التي‬
‫تتعلق بالمجتمع كله على الصعيد المثل ‪.‬‬
‫وكما أوضح الراحل جورج بول نائب وزير الخارجية السابق في ملحظته له‬
‫قائل ‪ :‬إن أقوى أدوات التخويف التي يستخدمها اللوبي السرائيلي هي التهمة‬
‫الطائشة بمعاداة السامية ‪.‬‬
‫إن العوامل التي رسمنا ملمحها ستساعد على تفسير الحقائق المحزنة‬
‫التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ قلة من المريكيين يعترفون بالحقيقة الموثقة توثيقا كامل وهي أن‬
‫إسرائيل من بين أسوأ منتهكي القانون على المسرح الدولي‬
‫‪2‬ـ قلة من المريكيين هم الذين يعترفون بمسؤولية حكومتهم عن النتهاكات‬
‫السرائيلية‬
‫‪3‬ـ يتقبل الشعب المريكي كحقيقة مسلم بها مع همهمة نادرة الحدوث تدل‬
‫على عدم الموافقة ‪ ،‬المقولة الخرافية بأن إسرائيل مخولة ولها الحق في أن‬
‫تكون القدس بكاملها عاصمة لها ‪.‬‬
‫وبموجب الشروط الواردة في قرار الوليات المتحدة المريكية بتقديم بليوني‬
‫دولر سنويا كضمانات قروض ‪ ،‬وافقت إسرائيل على عدم استخدام أي من‬
‫هذه الموال في بناء مستوطنات يهودية في الراضي المحتلة بما فيها‬
‫القدس ‪ ،‬وقد اشترط التشريع الخاص بذلك أنه في حال حدوث انتهاك‬
‫للتفاق فإن القروض ستحسم بمعدل دولر مقابل دولر لخللها بهذا‬
‫الشرط ‪ ،‬وبدل من توبيخ اسرائيل ومعاقبتها ‪ ،‬قام كلنتون فعليا بالتخلي عن‬
‫القانون ‪ ،‬وذلك بتسليمه اسرائيل شيكا بمبلغ ‪300‬مليون دولر كمساعدات ‪،‬‬
‫تعويضا عن التخفيض في قيمة القرض ‪ ،‬ومع ذلك لم يثر هذا التذلل الرئاسي‬
‫للدولة الخارجة عن القانون أي احتجاج من الكونغرس بل مر مرور الكرام ‪،‬‬
‫كما أنه لم يحظ إل بتغطية إعلمية ضئيلة ((‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وقال بول فندلي أيضا عن قرار نقل السفارة المريكية من تل أبيب إلى‬
‫القدس في عهد كلنتون ‪ ،‬قال ) لم ترتفع سوى احتجاجات واهية عندما صوت‬
‫أعضاء الكونغرس بالجماع تقريبا في تشرين أول أكتوبر لنقل السفارة‬
‫المريكية من تل أبيب إلى القدس في مدة ل تتعدى عام ‪1999‬م ‪ ،‬وصل‬
‫مشروع نقل السفارة الى مجلس النواب تحت ظروف استثنائية ‪ ،‬لم يناقش‬
‫المشروع ضمن اللجنة المختصة ‪ ،‬بل ولم ينظر في أمر عرضه للنقاش ‪ ،‬لقد‬
‫أوقف العمل بجميع القواعد المتبعة في المجلس ‪ ،‬وفي مخالفة لتفاقية‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معمول بها منذ مدة طويلة ‪ ،‬لم تستشر القلية التي عارضت المشروع عندما‬
‫حددت زعامة المجلس مدة أربعين دقيقة ‪ ،‬واستبعدت إمكانية إجراء أية‬
‫تعديلت عليه ‪ ،‬لماذا تلك العجلة ؟ ببساطة كان ذلك حالة من التذلل الفاضح‬
‫أمام المصالح الداخلية في تأييد اسرائيل ‪ ،‬وحسبما جاء في تفسير عضو‬
‫الكونغرس هاملتون وهو أحد أكثر أعضاء المجلس تفكيرا واطلعا ‪ )) :‬فإن‬
‫العضاء الرئيسيين الذين تبنوا المشروع يريدون ببساطة أن يقدموه لرئيس‬
‫وزراء اسرائيل وعمدة القدس عندما يحضرون الحتفال الذي سيقام لهما في‬
‫اليوم التالي تحت قبة مجلس الكونغرس ((‪.‬‬
‫ولعل في هذا كفاية ‪ ،‬وهذه المعلومات التي قدمها بول فندلي ‪ ،‬أدلة دامغة‬
‫على مدى التأثير اليهودي في الدراة المريكية وأنه وصل إلى حد توجيه دفة‬
‫السياسة المريكية إلى حيث توجد مصالح الكيان الصهيوني ‪ ،‬حتى لو كان‬
‫ذلك على حساب المصالح القومية للوليات المتحدة المريكية ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫المنظمات اليهودية‬
‫رغم كون اليهود أقلية في أمريكا ‪ ،‬غير انهم أكثر القليات تنظيما ‪ ،‬وقد‬
‫استطاع اليهود أن ينشروا في الوليات المتحدة المريكية عددا ل يحصى من‬
‫المعابد ‪ ،‬ومراكز الشباب ‪ ،‬ومنظمات تمويل ‪ ،‬ومجموعات ثقافية وتعليمية ‪،‬‬
‫ووكالت للعلقات الطائفية ‪ ،‬وهيئات خيرية ‪ ،‬وأغلبها علماني ‪ ،‬ولكنها تستند‬
‫إلى أساس اجتماعي وعرقي لليهود‪.‬‬
‫ويمكن تقسيمها إلى خمسة أقسام ‪:‬‬
‫‪1‬ـ منظمات طائفية‬
‫‪2‬ـ منظمات صهيونية‬
‫‪3‬ـ منظمات ذات توجه خاص‬
‫‪4‬ـ منظمات تمويل‬
‫‪5‬ـ اللوبي المناصر لسرائيل‬
‫وهذه نبذة مختصرة عن كل قسم من هذه القسام ‪:‬‬
‫‪1‬ـ المنظمات الطائفية ‪ :‬وهي نوعان‬
‫النوع الول ‪ :‬منظمات دفاعية‬
‫النوع الثاني ‪ :‬اتحادات يهودية‬
‫أما النوع الول ‪ ،‬وهي المنظمات الدفاعية ‪ ،‬فبعد الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬تم‬
‫توسيع عمل هذه المنظمات وأسقطت كلمة دفاعية ‪ ،‬وأعادت تعريف نفسها‬
‫بأنها وكالت علقات الطائفة وانصبت اهتماماتها على العلقات بين‬
‫المجموعات والحقوق المدنية والحرية الدينية والفصل بين الكنيسة والدولة‬
‫وأحوال اليهود في العالم والعمل لدعم إسرائيل ‪ ،‬وتتمثل المنظمات الدفاعية‬
‫في اللجنة اليهودية المريكية والكونغرس اليهودي المريكي وعصبة مناهضة‬
‫الفتراء التابعة لـ)بناي بيرث( ‪.‬‬
‫وأما النوع الثاني ‪ :‬فهي وكالت محلية مسؤولة عن التمويل والتخطيط ويتم‬
‫التنسيق بين هذه ا لتحادات بواسطة منظمتين مظليتين هما ‪:‬‬
‫المجلس الستشاري لعلقات الطائفة اليهودية القومية‬
‫مجلس التحادات اليهودية‬
‫وأما أهم المنظمات الطائفية بنوعيها السابقين في الوليات المتحدة‬
‫المريكية فهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ مجلس التحادات اليهودية‬
‫‪2‬ـ المجلس الستشاري لعلقات الطائفة اليهودية القومية ‪،‬وينتظم تحته‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪11‬منظمة قومية ‪ ،‬و ‪111‬منظمة محلية ‪.‬‬


‫‪3‬ـ اللجنة اليهودية المريكية ) وهي منظمة نخبة ( وينتظم تحتها ‪23‬مكتب‬
‫تنظيم ‪ ،‬و ‪ 80‬فرع ‪ ،‬وهي تقوم بتتبع مستمر للمواقف المريكية العامة من‬
‫اليهود وإسرائيل ‪ ،‬وإعداد المذكرات والنشرات المتعلقة بتفسير مواقف‬
‫إسرائيل لصانعي السياسة المريكية ورؤساء العمال والكنيسة والعمال‬
‫والعاملين ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الكونغرس اليهودي المريكي‬
‫‪5‬ـ عصبة مناهضة الفتراء التابعة لـ)بناي بيرث ( أي أبناء العهد ‪ ،‬وقد‬
‫تأسست عام ‪ ،1843‬ولها فروع في ‪42‬دولة ولها في أمريكا ‪50‬فرعا ‪،‬‬
‫واهتمامها ينصب على العلقات اليهودية المسيحية ‪ ،‬واهتمت مؤخرا‬
‫بالعلقات بين اليهود والسود ‪ ،‬وقد اكتسبت شرعيتها الدبية ومكانتها‬
‫المرموقة إلى الحد الذي دفع الرئيس ريغان إلى وضع قرار مشترك في‬
‫الكونغرس يعلن فيه أن ‪ 12/11‬هو يوم عصبة مناهضة الفتراء ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المنظمات الصيهونية ‪:‬‬
‫وطبقا للتعريف المعاصر للصهيونية الذي ورد عام ‪1968‬م ‪ ،‬عن المؤتمر‬
‫الصهيوني السابع والعشرين بالقدس ‪ ،‬فإن أهداف الصهيونية المعاصرة التي‬
‫تتمسك بها المنظمات الصهيونية هي ‪:‬‬
‫· وحدة الشعب اليهودي ومركزية إسرائيل في الحياة اليهودية ‪.‬‬
‫· تجميع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي أرض إسرائيل عن طريق‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫· المحافظة على هوية الشعب اليهودي بتنمية التعليم اليهودي والعبراني‬
‫والقيم الروحية والثقافية ‪.‬‬
‫· حماية الحقوق اليهودية في كل مكان ‪.‬‬
‫وبناء على هذا فالمنظمات الصهيونية المريكية تشجع الهجرة ‪ ،‬وتعليم‬
‫العبرية وترعى النشاطات السياسية والثقافية المناصرة لسرائيل ‪.‬‬
‫وهي تضم المنظمات التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الوكالة اليهودية لسرائيل‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪2‬ـ المنظمة الصهيونية العالمية‬


‫‪3‬ـ التحاد الصهيوني المريكي‬
‫‪4‬ـ منظمة هداسا وتعني الريحان‬
‫‪5‬ـ المنظمة الصيهونية في أمريكا‬
‫‪6‬ـ رابطة الصهيونيين الصلحيين‬
‫‪3‬ـ المنظمات ذات التوجه الخاص ‪:‬‬
‫وتضم المنظمات التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ عصبة الصداقة السرائيلية المريكية‬
‫‪2‬ـ مؤسسة الشباب للسلم في الشرق الوسط‬
‫‪3‬ـ اللجنة القومية للعمال في إسرائيل وهي منظمة مظلية لمجموعات‬
‫العمال المريكيين‬
‫‪4‬ـ مجلس اتحاد العمال المريكيين‬
‫‪5‬ـ المريكيون من أجل إسرائيل آمنة‬
‫‪6‬ـ المجلس القومي لسرائيل الفتاة‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪4‬ـ منظمات التمويل ‪:‬‬


‫وتعتبر جباية الموال من اليهود المريكيين جيدة التنظيم وتقدر بنحو بليون‬
‫دولر سنويا ‪ ،‬وتشمل فئتين من المنظمات ‪:‬‬
‫أـ فئة تجمع الموال من المساهمات المعفاة من الضرائب ‪:‬‬
‫· النداء اليهودي المستجد‬
‫· النداء السرائيلي‬
‫· لجنة التوزيع المشترك اليهودية المريكية‬
‫· الصندوق القومي اليهودي في أمريكا‬
‫· صندوق قضية إسرائيل‬
‫· صندوق إسرائيل الجديد‬
‫ب ـ فئة تجتذب الستثمارات العالمية إلى إسرائيل وتضع الموال تحت‬
‫تصرف الحكومة السرائيلية كي تقترضها بشروط ملئمة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫· منظمة سندات دولة إسرائيل‬
‫· الشركة القتصادية السرائيلية‬
‫· الشركة المريكية السرائيلية‬
‫‪5‬ـ اللوبي المناصر لسرائيل ‪:‬‬
‫يضم اللوبي المناصر لسرائيل المنظمات التالية ‪:‬‬
‫· اللجنة المريكية السرائيلية للشؤون العامة ) إيباك (‪.‬‬
‫· لجان العمل السياسي المناصر لسرائيل ‪.‬‬
‫· مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية المريكية الكبرى ‪.‬‬
‫· المعهد اليهودي لشؤون المن القومي‪.‬‬
‫وتعد ) إيباك ( المنظمة الوحيدة المسجلة رسميا في الكونغرس المريكي‬
‫على هيئة لوبي فيما يختص بالتشريعات التي تمس إسرائيل ‪ ،‬وهي غير‬
‫معفاة من الضرائب ‪ ،‬ولتقبل أي تمويل من الحكومة السرائيلية حتى‬
‫لتسجل في وزارة العدل المريكية على أنها وكالة أجنبية ‪ ،‬ويشغل منصب‬
‫رئيسها عادة رجل ثري وذو نفوذ ويتمتع باحترام المؤسسة اليهودية المريكية‬
‫وينتمي إليها ‪.‬‬
‫المصدر موسوعة العلوم السياسية طبع جامعة الكويت ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫بعد هذه الجولة في تاريخ يهود أمريكا ودورهم في تأييد الكيان الصهيوني‬
‫ومدى تأثيرهم على رؤساء الوليات المتحدة المريكية وعلى الدراة‬
‫المريكية ‪ ،‬وأهم منظماتهم النشطة في أمريكا ‪ ،‬نستخلص أن الضغط‬
‫الصهيوني في الوليات المتحدة المريكية يرجع إلى الستة مليين يهودي‬
‫الذين يشغلون مناصب مهمة في مؤسسات المال والعمال والعلم‬
‫والبنتاغون ووزارة الخارجية والكونغرس ‪ ،‬وهي جالية قليلة العدد ‪ ،‬لكنها‬
‫جيدة التنظيم ‪ ،‬مثقفة في مجال السياسة الخارجية ‪ ،‬وثرية ‪.‬‬
‫كما يرجع إلى أن الرأي العام المريكي بنفسه قد تشبع باعتقادات مردها إلى‬
‫العقيدة البروتستانتية والتي تملي عليه اليمان بضرورة حماية الكيان‬
‫الصهيوني لن ذلك علمة على قرب ظهور المسيح عليه السلم‪.‬‬
‫وإلى أن يهود أمريكا استطاعوا ربط مصير الكيان الصهيوني بالسياسة‬
‫الخارجية للوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬وذلك بوضع الكيان الصهيوني في‬
‫موضع الدفاع عن مصالح أمريكا في الشرق الوسط ‪ ،‬والوقوف في وجه‬
‫الخطر السلمي الصولي ‪.‬‬
‫وبهذا الولء الحميم بين اليهود والصليبيين ‪ ،‬تتحد مواقف الوليات المتحدة‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المريكية مع الكيان الصهيوني ضد مصالح المة السلمية ‪ ،‬وبه تنتهك‬


‫حرماتها وكرامتها ‪ ،‬وتستباح دماء أبناءها ‪ ،‬وتغتصب أرضها ‪ ،‬وتسلب حقوقها ‪،‬‬
‫وصدق الله العظيم إذ قال ) يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى‬
‫أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله ليهدي القوم‬
‫الظالمين ( المائدة ‪ 51‬والحمد لله رب العالمين والله المستعان وهو حسبنا‬
‫ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫اليهود في القرآن‬
‫عصام بن هاشم الجفري‬
‫صل لنا سبحانه في الكتاب كل كبير وصغير‪ ،‬أحمده‬ ‫الحمد لله العليم الخبير‪ ،‬ف ّ‬
‫سبحانه وأشكره على عطائه الوفير وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك‬
‫له يعلم النقير والقطمير‪ ،‬وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمدا ً عبد الله‬
‫ورسوله المصطفى المين صلى الله وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج‬
‫إلى يوم الدين‪ .‬أمابعد‪:‬‬
‫فاتقوا الله عباد الله فهي أساس البصيرة في الدنيا والدين يقول ربكم جل‬
‫م فُْرَقانا ً وَي ُك َ ّ‬ ‫َ‬
‫عنك ُ ْ‬
‫م‬ ‫فْر َ‬ ‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫مُنوا ْ َإن ت َت ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وعل‪ِ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيم ِ { ]النفال‪.[29:‬‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫معاشر من آمن بالله ربا ً وبالسلم دينا ً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ً‬
‫ورسول ً إن من فضل الله علينا وعليكم وعلى أمة السلم أجمعين أن أنزل‬
‫لنا هذا الكتاب المبارك ‪-‬القرآن‪ -‬فيه حل لكل مشكلتنا وفيه إخبار لنا بكل ما‬
‫يسعدنا ويشقينا كتاب كامل عجيب‪ ،‬كيف ل وهو كلم الرب الصانع لهذا‬
‫ما‬‫الكون العليم بكل خفاياه ودقائقه والذي يقول فيه سبحانه واصفا ً له‪ } :‬وَ َ‬
‫ما فَّرط َْنا ِفي‬ ‫طائ ِر يطير بجناحيه إل ّ أ ُم َ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫مَثال ُك ُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ض وَل َ َ ٍ َ ِ ُ ِ َ َ َ ْ ِ ِ‬ ‫من َدآب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ن { ]النعام‪.[38:‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م إ ِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫يٍء ث ُ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ب ِ‬ ‫الك َِتا ِ‬
‫وما ذلت أمة السلم وما تخبطت هذا التخبط وما ضاعت في صحراء هذا‬
‫التيه إل يوم أن وضعت كتاب ربها وراء ظهرها وأخذت تبحث لها عن منهج‬
‫عن‬‫ض َ‬ ‫ودستور عند الخرين فصدق عليها قول رب العالمين‪ }:‬وم َ‬
‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ضنكا ً { ]طه‪.[124:‬‬ ‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ذِك ْ ِ‬
‫أمة القرآن‪ ،‬ومن القضايا التي فصل لنا فيها تفصيل ً كثيرا ً ووضحها لنا بجلء‬
‫لعظم خطرها‪ ،‬قضية هذه الطائفة النجسة المجرمة‪ ،‬طائفة اليهود ثم‬
‫إخوانهم من النصارى‪ ،‬و شرع لنا من حكمته جل شأنه أن نتعوذ في كل ركعة‬
‫ب عَل َي ِْهم وَل َ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغْ ُ‬ ‫من صلتنا من طريق اليهود والنصارى‪ } :‬غَي ْرِ ال ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ضآّلي َ‬ ‫ال ّ‬
‫وذلك حتى تظل قضية تميز العبد المسلم عن هاتين الطائفتين المنحرفتين‬
‫حاضرة في ذهنه‪ ،‬فيظل متيقظ الحس لمكرهما‪ ،‬حذرا ً من كيدهما‪ .‬ومن‬
‫عرف اليهود على حقيقتهم التي جاء بها الكتاب وجاءت بها السنة‪ ،‬لم يفاجأ‬
‫بما حدث ويحدث منهم خلل اليام الماضية مع إخواننا في فلسطين‪ ،‬اليهود‬
‫قوم أهل كذب وافتراء يجري الكذب في دمائهم ويتردد مع أنفاسهم ومن‬
‫خستهم وحقارتهم أنهم كذبوا على خالقهم كذبوا على رب العالمين جل جلله‬
‫نسبوا للواحد الحد الذي لم يلد ولم يولد الولد أخبرنا الله عن ذلك بقوله‪:‬‬
‫ك قَوْل ُُهم‬ ‫ن الل ّهِ ذل ِ َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ وََقال َ ْ‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫} وََقال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫كو َ‬ ‫ه أّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ل َقات َل َهُ ُ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ضاهُِئو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ب ِأفْ َ‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]التوبة‪ ، [30:‬تعالى الله عما يقولون علوا ً كبيرًا‪ ،‬فكيف تثق أمة القرآن في‬
‫وعودهم أو في كلمهم؟ اليهود وصفوا ربهم بأوصاف قبيحة قذرة‪ ،‬يتعفف‬
‫العبد أن يصف بها عبد مثله!‬
‫ت‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫غ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫لو‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫م‬
‫ِ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ِ َُ ُ َ ُ‬ ‫هو‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫العالمين‪:‬‬ ‫رب‬ ‫واستمعوا لذلك يخبركم به‬
‫َ‬
‫شآُء { ]المائدة‪.[64:‬‬ ‫ف يَ َ‬ ‫فقُ ك َي ْ َ‬ ‫ن ُين ِ‬ ‫سوط ََتا ِ‬ ‫مب ْ ُ‬ ‫داه ُ َ‬‫ل يَ َ‬ ‫ما َقاُلوا ْ ب َ ْ‬ ‫م وَل ُعُِنوا ْ ب ِ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫وصفوا الله الذي بيده خزائن السموات والرض سبحانه بالفقر‪ ،‬ونسبوا الغنى‬
‫ه قَوْ َ‬
‫ل‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬‫قد ْ َ‬ ‫لنفسهم‪ ،‬فرد ّ الله عليهم قولهم في الكتاب بقوله‪ } :‬ل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ال ّذين َقاُلوا ْ إن الل ّه فَقير ونح َ‬
‫ر‬
‫م النب َِياَء ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ما َقاُلوا ْ وَقَت ْل َهُ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫سن َك ْت ُ ُ‬
‫ن أغْن َِيآُء َ‬ ‫َ ِ ٌ ََ ْ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِ َ‬
‫ق { ]آل عمران‪.[181:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل ُذوُقوا عَ َ‬ ‫قو ُ‬
‫ري ِ‬‫ح ِ‬‫ب ال َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حقّ وَن َ ُ‬ ‫َ‬
‫جب من تطاولها‬ ‫فأمة تطاولت على رب العالمين بهذه الفرية القبيحة‪ ،‬أنتع ّ‬
‫دقوها وروجوا لها‬ ‫على بشر من البشر؟ اليهود كذبوا كذبة وافتروا فرية وص ّ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫في العالم‪ ،‬فرد الله عليهم فريتهم ودحضها في كتابه يوم أن قال‪ } :‬وََقال ِ‬
‫كم ب ْ َ‬ ‫ن أ َب َْناُء الل ّهِ وَأ َ ِ‬
‫شٌر‬ ‫م بَ َ‬ ‫ل أنت ُ ْ‬ ‫كم ب ِذ ُُنوب ِ ُ َ‬ ‫م ي ُعَذ ّب ُ ُ‬ ‫ل فَل ِ َ‬ ‫حّباؤُهُ قُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صاَرى ن َ ْ‬ ‫ال ْي َُهود ُ َوالن ّ َ‬
‫َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ما‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫شآُء َولل ّهِ ُ‬ ‫من ي َ َ‬‫ب َ‬ ‫شآُء وَي ُعَذ ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫خل َقَ ي َغْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫صيُر { ]المائدة‪.[18:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما وَإ ِلي ْهِ ال َ‬ ‫ب َي ْن َهُ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فاكون للدماء‪ ،‬فما يتعجب المرء مما يعملوه في إخواننا اليوم‪،‬‬ ‫اليهود قتلة‪ ،‬س ّ‬
‫فهم قد تجرؤا وسفكوا دماء أنبيائهم‪ ،‬فهل يتوّرعون عن قتل المسلمين؟ فقد‬
‫قتلوا عددا ً من النبياء وحاولوا قتل عيسى بن مريم فنجاه الله من كيدهم‪:‬‬
‫صل َُبوهُ‬ ‫ما َ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ وَ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِّنا قَت َل َْنا ال ْ َ‬ ‫} وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫علم ٍ إ ِل ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫ما لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫فوا ِفيهِ ل ِ‬ ‫ْ‬ ‫خت َل ُ‬ ‫َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫كن ُ‬ ‫وَل َ ِ‬
‫قينا ً { ]النساء‪.[157:‬‬ ‫ما قَت َُلوه ُ ي َ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ات َّباعَ الظ ّ ّ‬
‫أرأيتم يا أمة السلم‪ ،‬لم يكتفوا بمحاولة القتل بل أخذوا يتفاخرون بعملهم‬
‫الجرامي وهم قد قتلوا شبيها ً له‪ ،‬وقد حاولوا نفس المحاولة مع نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬يوم أن جاءته اليهودية بكتف الشاة المسمومة‪ ،‬فحفظه الله‬
‫من مكرهم وكيدهم‪ ،‬وهاهم اليوم يقتلون إخواننا في فلسطين‪.‬‬
‫ووالله الذي ل إله إل هو لو قدروا على أن يقتلوا أمة السلم بأكملها لفعلوا‬
‫وما توانوا في ذلك !‬
‫اليهود قوم خونة ل يوفون بعهد ول ميثاق فهم لم يوفوا بعهودهم مع ربهم‪،‬‬
‫وقد بّين الله لنا ذلك في أكثر من موضع من كتابه‪ ،‬وأن ما نزل بهم من‬
‫ت‬ ‫هم َبآَيا ِ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫م وَك ُ ْ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ضهِ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫عقوبات كان بسبب نقضهم للعهود } فَب ِ َ‬
‫م‬‫فرِهِ ْ‬ ‫ه عَل َي َْها ب ِك ُ ْ‬ ‫ل ط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫ف بَ ْ‬ ‫م قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ‬ ‫حقّ وَقَوْل ِهِ ْ‬ ‫م ال َن ْب َِيآَء ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫الل ّهِ وَقَت ْل ِهِ ُ‬
‫ن إ ِل ّ قَِليل ً { ]النساء‪.[155:‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫فَل َ ي ُؤْ ِ‬
‫ضِهم‬ ‫ق ِ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫اليهود تجرءوا على كتاب ربهم فحّرفوه وبدلوه عن علم } فَب ِ َ‬
‫حظاّ‬ ‫سوا َ‬ ‫ْ‬ ‫ضعِهِ وَن َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سي َ ً‬ ‫م َقا ِ‬ ‫جعَل َْنا قُُلوب َهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م َلعّناهُ ْ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م { ]المائدة‪.[13:‬‬ ‫ه‬
‫ّ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ّ ُ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫خآ‬ ‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫زا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ما‬
‫ّ ّ‬‫م‬
‫صي َْنا‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫} ّ َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫معَْنا‬ ‫س ِ‬ ‫م َقالوا َ‬ ‫ن وَلوْ أن ّهُ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م وَطْعنا ِفي ال ّ‬ ‫سن َت ِهِ ْ‬ ‫عَنا لي ّا ب ِأل ِ‬ ‫مٍع وََرا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫معْ غَي َْر ُ‬ ‫س َ‬ ‫َوا ْ‬
‫م فَل َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فرِهِ ْ‬ ‫ه ب ِك ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫كن لعَن َهُ ُ‬ ‫م وَل ِ‬ ‫م وَأقْوَ َ‬ ‫خْيرا لهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫معْ َوان ْظْرَنا لكا َ‬ ‫س َ‬ ‫وَأطعَْنا َوا ْ‬
‫ن إ ِل ّ قَِليل ً { ]النساء‪.[46:‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫فقوم هذه حالهم حرفوا كتاب ربهم أل يحرفون عهودهم ومواثيقهم مع‬
‫عباده؟ اليهود قوم أهل إفساد في الرض‪ ،‬يشعلون الحروب ليشغلوا البشرية‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بها عن كشف حقيقتهم‪.‬‬


‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫ها الل ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫ب أط َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫دوا َنارا لل َ‬ ‫مآ أوْق ُ‬ ‫وصفهم الله بذلك بقوله ‪ } :‬كل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ]المائدة‪.[64:‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫سادا ً َوالل ّ ُ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫اليهود قوم جبناء ل يستطيعون المواجهة المباشرة‪ ،‬وإنما يتترسون خلف‬
‫حصونهم وأسلحتهم ول يستطيعون المواجهة طويلة المد‪.‬‬
‫وصفهم لنا ربنا في كتابه بقوله‪ } :‬ول َتجدنه َ‬
‫حَياةٍ ‪{ ..‬‬ ‫س عََلى َ‬ ‫ص الّنا ِ‬ ‫حَر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ ِ َُّ ْ‬
‫]البقرة‪.[96:‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫من وََرآِء‬ ‫صن َةٍ أوْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ميعا إ ِل ّ ِفي قًُرى ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫قات ِلون َك ُ ْ‬ ‫وبقوله جل شأنه‪ } :‬ل َ ي ُ َ‬
‫جد ُرٍ { ]الحشر‪.[14:‬‬ ‫ُ‬
‫اليهود قوم متفّرقون مهما بدا للبادي أنهم صف واحد؛ أخبرنا بذلك العليم‬
‫شتى ذ َل َ َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م َ ّ‬ ‫ميعا ً وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ديد ٌ ت َ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫الخبير بقوله‪ } :‬ب َأ ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ل ّ ي َعْ ِ‬ ‫قَوْ ٌ‬
‫مةِ { ]المائدة‪.[64:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قَيا َ‬ ‫ضآَء إ ِلى ي َوْم ِ ال ِ‬ ‫داوَة َ َوالب َغْ َ‬ ‫م العَ َ‬ ‫قي َْنا ب َي ْن َهُ ُ‬ ‫وبقوله‪ }:‬وَأل َ‬
‫اليهود صدوا عن سبيل الله وأكلوا الربا الذي حرمه الله فاستحقوا العقوبة‪.‬‬
‫م‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫ت أُ ِ‬ ‫م ط َي َّبا ٍ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّر ْ‬ ‫هاُدوا ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫يقول الله تعالى‪ } :‬فَب ِظ ُل ْم ٍ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وا َ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه وَأك ْل ِهِ ْ‬ ‫م الّرَبا وَقَد ْ ن ُُهوا ْ عَن ْ ُ‬ ‫خذِهِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ك َِثيرًا‪ .‬وَأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫صد ّهِ ْ‬ ‫وَب ِ َ‬
‫ذابا ً أِليما ً { ]النساء‪.[161-160:‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫الّنا ِ ِ َ ِ ِ َ ْ َ ْ َ ِ‬
‫ل‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫با‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫س‬
‫ِ ِ َ ِ ُْ ْ‬
‫يهود تركوا المر بالمعروف والنهي عن المنكر فلعنهم الله في كتابه على‬
‫ن َداُوود َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل عََلى ل ِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫من ب َِني إ ِ ْ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫لسان أنبيائه فقال‪ } :‬ل ُعِ َ‬
‫منك َ ٍ‬
‫ر‬ ‫عن ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كاُنوا ْ ل َ ي َت ََناهَوْ َ‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْت َ ُ‬ ‫وا وّ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م ذل ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ما‬‫س َ‬ ‫َ‬
‫فُروا لب ِئ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َوَلوْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ً‬
‫ن ‪.‬ت ََرى ك َِثيرا ّ‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫فَعَلوه ُ لب ِئ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م وَِفي العَ َ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫خط الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م أن َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قَد ّ َ‬
‫] المائدة‪.[80-78:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن أَ َ‬
‫شَركوا { ]المائدة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا الي َُهود َ َوال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫داوَة ً لل ِ‬ ‫س عَ َ‬ ‫شد ّ الّنا ِ‬ ‫جد َ ّ‬ ‫} ل َت َ ِ‬
‫‪.[82‬‬
‫الخطبة الثانية‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الحمد لله ولي المتقين وناصر المظلومين ومجيب دعوة المضطرين‪ ،‬أحمده‬
‫سبحانه وأشكره وعد بنصر عباده المؤمنين ولو بعد حين‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له الملك الحق المبين‪ ،‬وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا ً عبد‬
‫الله ورسوله‪ ،‬النبي المصطفى المين‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن‬
‫سار على النهج إلى يوم الدين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فاتقوا الله عباد الله وثقوا بنصر ربكم لمة السلم‪ ،‬وأنه قريب متى ما عادت‬
‫م‬ ‫َ‬
‫هذه المة إلى ربها تلكم سنة ربانية قررها الله في كتابه يوم أن قال‪ } :‬أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ما ي َأ ْت ِ ُ‬
‫سآءُ‬‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬
‫م ّ‬‫كم ّ‬ ‫من قَب ْل ِ ُ‬ ‫خل َوْا ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬‫كم ّ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫خُلوا ْ ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م َأن ت َد ْ ُ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صُر اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬
‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّرآُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ب { ]البقرة‪.[214:‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ّ‬
‫صَر اللهِ قَ ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ج َ‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬ ‫م نَ ْ‬‫جآَءهُ ْ‬ ‫م قَد ْ كذُِبوا َ‬ ‫ل وَظّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫وبقوله‪َ } :‬‬
‫ن { ]يوسف‪.[110:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫من ن ّ َ‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫سَنا عَ ِ‬ ‫شآُء وَل ي َُرد ّ ب َأ ُ‬ ‫َ‬
‫سرا { ]الشرح‪.[6-5:‬‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ العُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سرا ‪ .‬إ ِ ّ‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫معَ العُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وبقوله‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫ولكن ل بد من أن يكون لنا دور عملي في القضية؛ ل بد أن نشرح لبنائنا‬
‫ونعلمهم من هم اليهود من خلل الكتاب والسنة حتى ل تميل أنفسهم إليهم‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في يوم من اليام‪ ،‬وينبغي أن نعلمهم أنهم ل يمكن أن يتغيروا مهما تغير‬
‫الزمان والظروف؛ فيهود اليوم هم نسخة من يهود المس‪ ،‬ولذلك فصل الله‬
‫لنا أمرهم في الكتاب الخالد‪ ،‬ثم نبعد أبناءنا عن نقط التناقض بين ما‬
‫يعتقدونه وما يقرؤونه في كتاب ربهم وبين واقعهم العملي‪ ،‬فنقول لهم كيف‬
‫ط ال ّذي َ‬
‫ت عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫صَرا َ ِ َ‬
‫ن أن ْعَ ْ‬ ‫قيم‪ِ .‬‬
‫ست َ ِ‬ ‫ط ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫صَرا َ‬
‫تقولون في كل ركعة } اهْدَِنا ال ّ‬
‫ن { ‪ ،‬وأنتم تحملون في رؤوسكم بعض‬ ‫ضآّلي َ‬
‫ب عَل َي ِْهم وَل َ ال ّ‬
‫ضو ِ‬ ‫غَي ْرِ ال ْ َ‬
‫مغْ ُ‬
‫الفكار التي يرّوجون لها‪ ،‬وعلى رؤوسكم قصات شعر تتشبهون بهم‪ ،‬وعلى‬
‫أجسادكم ملبس تحاكي ملبسهم‪ ،‬وفي بطونكم من إنتاجهم‪ ،‬وهكذا‪ ،..‬أليس‬
‫هذا من التناقض العجيب‪..‬؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫اليهود ونابليون‬
‫د‪ .‬محمد بن إبراهيم أبا الخيل أستاذ المسعاعد في كلية العلوم العربية‬
‫والجتماعية‪ /‬جامعة المام محمد بن سعود السلمية ‪18/5/1423‬‬
‫‪28/07/2002‬‬
‫إن التذكير باتصال اليهود بنابليون ذو أهمية بالغة في السنوات الخيرة ‪ ،‬إذ‬
‫أننا ـ منذ فترة ـ نرى كتابات ممن ُيسمون بالمستنيرين ُتبعث من جديد ‪،‬‬
‫ويروج لها بين المسلمين ‪ ،‬وكما هو معلوم أنها تحوي ـ فيما تحويه ـ تمجيدا ً‬
‫لحملة نابليون على مصر بصفتها ـ كما يزعمون ـ السبب الكبر في انبعاث‬
‫نهضتنا الحديثة ‪ .‬فنابليون عند هؤلء ـ تصريحا ً أو تلميحا ً ـ هو الذي انهض‬
‫الشرق بعد طول رقاد ‪ .‬هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإننا نعيش في‬
‫زمن أفصح فيه النصارى ـ ممثلين بكنيسة روما ـ واليهود في فلسطين‬
‫المحتلة عن تعاونهم بشكل مكشوف بتوقيع اتفاقية رسمية نشرت أمام‬
‫أنظار العالم قبل سنوات ‪ ،‬و عدها وزير الخارجية اليهودي حينها أكبر إنجاز‬
‫لدولة إسرائيل منذ قيامها‪ .‬ونحن نعلم أن الولية بين اليهود و النصارى و‬
‫التناصر فيما بينهم و تعاونهم ضد المة المسلمة سنة ربانية ل تتغير بمرور‬
‫السنين ‪ ،‬ول تتبدل بتوالي اليام ‪ ،‬وإن كانت تخبو في فترات ‪ ،‬وتتجلى‬
‫كالشمس في فترات أخرى ‪ .‬قال تعالى ‪) :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ‪....‬الية()‪(1‬‬
‫فالتعاون بين المغضوب عليهم والضالين ـ سواء المعلن عنه أو المستتر ـ‬
‫لضرب السلم وأهله له شواهده السافرة عبر تاريخنا السلمي الطويل ‪،.‬‬
‫منها ما حصل أيام الحملة الفرنسية على مصر ‪.‬‬
‫لقد تعود اليهود ـ على مدى تاريخهم ـ على استغلل الحداث ‪ ،‬و عطفها‬
‫لصالحهم ‪ ،‬و ليس كما يقال إنهم ـ دوما ً ـ هم الذين يصنعون الحداث ‪ ،‬و‬
‫يخططون لها ‪ ،‬فهم ـ مثل ً ـ استفادوا من الثورة الفرنسية ‪ ،‬ووظفوها لرفع‬
‫كاهل الستعباد عنهم الذي طالما أرهقهم عسرا ً ‪ .‬فشعار الحرية والمساواة‬
‫والخاء الذي رفعه المتظاهرون الفرنسيون خدم اليهود بالذات ‪ ،‬فأصبح لهذا‬
‫الشعار مفهوم خاص عندهم جدوا في تعميمه ‪ .‬فالحرية استغلوها في كسر‬
‫التقاليد ‪ ،‬ونبذ الخلق ‪ ،‬و الخروج عن المعهود من الحشمة و الحياء ‪ .‬أما‬
‫المساواة والخاء فنظروا إليها على أنها وسيلة لهم للتسرب إلى أجهزة‬
‫الدولة ومرافقها المختلفة ‪ ،‬ثم التساوي مع غيرهم في العلم بها ‪ ،‬ومن ثم‬
‫تخلصهم من سبة الحتقار و موجة الزدراء التي كانت تلحقهم أينما حلوا في‬
‫هذه المعمورة ‪(2).‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولقد كان مفكرو اليهود أيام الثورة الفرنسية و ب ُعَْيدها يتناقلون الحاديث فيما‬
‫بينهم عن مستقبل بني جلدتهم ‪ ،‬ويتداولون الراء و المشروعات حول‬
‫عودتهم إلى الرض التي اعتقدوا أن أنبياءهم بشروهم بالعودة إليها ‪ ،‬مثال‬
‫ذلك ما عرضه بهذا الشأن البرنس دي لينيه في سنة ‪1212‬هـ )‪1797‬م (‬
‫على إمبراطور النمسا ‪(3).‬‬
‫ثم إنه لما نزل نابليون سواحل مصر في محرم ‪1213‬هـ ) يوليو ‪(1798‬‬
‫واتجه صوب بلد الشام لحتللها في شهر رمضان من السنة نفسها ) فبراير‬
‫‪ (4) (1799‬أطل اليهود برؤوسهم وسعوا لستثمار هذا التحرك الفرنسي‬
‫لصالحهم ‪ .‬ففي ) ‪ 17‬فبراير ‪ (1799‬عرض توماس كوربت الضابط في‬
‫الجيش الفرنسي على عضو حكومة نابليون المسيو بول باراراس ‪Paul‬‬
‫‪ Bararas‬مشروعا ً يقترح فيه الستفادة من اليهود في تحركات نابليون في‬
‫بلد الشام ‪ ،‬فدعاه ـ في ذلك المشروع ـ إلى أن يتصل بكبار اليهود ‪ ،‬ويثير‬
‫في نفوسهم تحقيق تلك المنية التي ما برحوا يأملون تحقيقها أل وهي‬
‫اجتماع شتاتهم في فلسطين ‪ ،‬ومن ثم يطلب منهم جمع الموال ل بتياع‬
‫الراضي هناك من فرنسا ‪ ،‬فضل ً عن تجهيز المراكب البحرية ‪ ،‬و التدريب‬
‫العسكري للشباب اليهود للشتراك في حروب نابليون الشامية ‪ ،‬ثم يعود‬
‫كوربت مرة أخرى في خطابهِ الذي يحمل تفاصيل المشروع إلى باراراس ـ‬
‫ليؤكد أهمية الستعانة باليهود في مخططات نابليون في الشرق ‪ ،‬إذ يرى أن‬
‫مصالح فرنسا تتفق تماما ً مع مصالح اليهود في المنطقة ‪ ،‬فأموال اليهود ـ‬
‫حسب قوله ـ ستنشط التجارة بين أوربا وآسيا ‪ ،‬كما أن اليهود أنفسهم‬
‫سيوفرون لفرنسا عنصرا ً بشريا ً مواليا ً يرسخ استعمارها لمصر وبلد الشام ‪،‬‬
‫لنه ليس من المعقول أن يهاجر الفرنسيون إلى تلك البلد البعيدة و ُيخلون‬
‫وطنهم الصلي ) فرنسا ( ‪ ،‬بل أنه أشار إلى أن اليهود سيقدمون أهم‬
‫الضمانات لبث الفوضى وإشعال الفتن في إمبراطورية العثمانيين ‪(5).‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بادر باراراس بإيصال مشروع كوربت إلى نابليون الذي استصوب الفكرة ‪،‬‬
‫واستعان بعلماء يهود مثل فنتور أستاذ اللغات الشرقية بجامعة باريس و‬
‫المتبحر باللغة العبرية الذي صاغ نداًء إلى اليهود استوحاه من مقترحات‬
‫كوربت ‪ ،‬فأشار فيه إلى أن فرنسا رغم الصعوبات التي تواجهها فهي بحكم‬
‫رسالتها لدفع الظلم عن الشعوب فإنها مصممة على تقديم مهد إسرائيل‬
‫لليهود ‪ .‬ومما جاء في هذا النداء ‪ .. " :‬يا ورثة فلسطين الشرعيين إن فرنسا‬
‫تناديكم الن للعمل على إعادة إحتلل وطنكم ‪ ،‬و استرجاع ما فقد منكم ‪...‬‬
‫أسرعوا فإن هذه اللحظة لن تعوض قبل آلف السنين للمطالبة باسترجاع‬
‫حقوقكم المدنية بين شعوب العالم ‪(6)" ...‬‬
‫وقد ُأعلن هذا النداء في الجريدة الرسمية الفرنسية يوم ‪ 20‬أبريل سنة‬
‫‪1799‬م)‪. (7‬و يصادف ذلك محاصرة نابليون لمدينة عكا التي كان قد بدأ‬
‫بحصارها في ‪ 16‬مارس)‪ .(8‬وفي هذا إثبات بأن حكومة نابليون آنذاك قد‬
‫عرض عليها في شأن اليهود‪ ،‬وشرعت ـ فعل ً ـ في التعامل معهم‬ ‫اقتنعت بما ُ‬
‫على أساس منحهم الرض التي ما فتئوا يتطلعون إليها لقامة دولة لهم عليها‬
‫في فلسطين ‪،‬خصوصا ً وأن ذلك يتضمن تطابقا ً في مصالح الطرفين ‪ ،‬واتفاقا ً‬
‫في وجهات النظر إزاء المسلمين بتمزيق دولتهم المبراطورية العثمانية ‪،‬‬
‫وبث بذور الشقاق في أرجائها‪ ،‬بل والعمل على تحطيم الولء و البراء في‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسط المسلمين ‪(9).‬‬


‫وصفوة القول إن ما تم من خطوات تعاونية بين نابليون واليهود فهو تجسيد‬
‫لتلك السنة الخالدة في ولء اليهود والنصارى لبعضهم بعضا ً ‪ .‬ومهما قيل عن‬
‫نابليون بأنه ل يعتقد بدين ‪ ،‬أو إنه عدو للديان بما فيها الدين النصراني ‪،‬‬
‫فالسنة الربانية تنطبق عليه ‪ ،‬لنه ليس هو الوحيد حينذاك الذي يدبر شئون‬
‫فرنسا ‪ ،‬أليس الشعب الفرنسي جله من النصارى ؟ ناهيك عن كون الكفار‬
‫عامة من يهود و نصارى و ملحدين من عادتهم الجتماع على حرب المسلمين‬
‫)والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ‪....‬الية ()‪) ، (10‬ما يود الذين كفروا من‬
‫أهل الكتاب ول المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ‪..‬الية ()‪. (11‬‬
‫)‪ -(1‬سورة المائدة ‪ ،‬آية ‪51‬‬
‫)‪ (2‬ـ انظر ‪ :‬سفر الحوالي ‪ :‬العلمانية ‪ ،‬ط ‪ ،‬الولى ‪ ،1402/1982‬ص ‪175‬‬
‫)‪ (3‬ـ عبدالله التل ‪ :‬الفعى اليهودية في معاقل السلم ‪ ،‬ص‪.‬الثانية ‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫)‪ (4‬ـ عبدالرحمن الجبرتي ‪ ،‬تاريخ عجائب الثار في التراجم والخبار ‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫الجيل ‪251 ، 2/180 ،‬‬
‫)‪ (5‬ـ انظر نص الخطاب في ‪ :‬عبدالله التل‪ .‬الفعى اليهودية ‪ ،‬ص ‪22 ،18 :‬‬
‫)‪ (6‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪23 ، 22 :‬‬
‫)‪ (7‬ـ عبدالله عزام ‪ :‬حماس ‪ ،‬ط‪ .‬الولى ‪1409‬هـ ‪ ، 1989/‬ص‪14 :‬‬
‫)‪ (8‬ـ الياس الحويك ‪ ،‬تاريخ نابليون الول ‪ ،‬ط‪ .‬دار ومكتبة الهلل ‪1/131‬‬
‫)‪ (9‬ـ التل ‪ :‬الفعى اليهودية ‪ ،‬ص ‪22، 21 ، 20‬‬
‫)‪ (10‬ـ سورة النفال ‪ ،‬آية ‪73‬‬
‫)‪ (11‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬آية ‪105‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اليهود يحرصون على الحياة‬


‫نقل عن ‪ :‬كتاب ‪ :‬الشخصية اليهودية في القرآن الكريم نسخة للطباعة القراء‬
‫‪7971 :‬‬
‫هذا خلق ذميم عند اليهود‪ ،‬مرتبط بسلسلة رذائلهم وقبائحهم الخلقية‬
‫الخرى‪ ،‬وله صلة وثيقة بالجبن والذل والمسكنة‪ ،‬إنه الحرص على الحياة‪،‬‬
‫والتهالك عليها‪ ،‬والرغبة فيها ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ } :‬ولتجدّنهم أحرص الناس على حياة ـ ومن الذين أشركوا ن يود ّ‬
‫مر والله بصير‬‫زحه من العذاب أن ُيع ّ‬ ‫مَزح ٍ‬
‫ف سنة ن وما ب ُ‬ ‫مر أل َ‬‫دهم لو ُيع ّ‬
‫أح ُ‬
‫بما يعملون { ‪ .‬البقرة ‪. 96‬‬
‫يهود حريصون على الحياة‪ ،‬ولو كانت أية حياة‪ ،‬المهم أن يعيشوا حياتهم‬
‫والسلم ‪.‬‬
‫ول يهمهم أن تكون حياة عزيزة أو حياة ذليلة ‪..‬‬
‫حياة رجال أو حياة أشباه رجال ‪..‬‬
‫حياة بشر أو حياة حشرات وحيوانات ‪..‬‬
‫بل إنهم يفضلون الحياة الثانية‪ ،‬الممزوجة بالذل والجبن على الحياة الولى‬
‫العزيزة الكريمة ‪..‬‬
‫لن حياة العزة والكرامة تحتاج إلى مواصفات خاصة ل توجد عند اليهود‪،‬‬
‫وإلى رجال مخصوصين ل يكونون من بين يهود‪ ،‬وإلى ضريبة باهظة يجبن عن‬
‫دفعها يهود‪ ،‬وإلى ثمن مرتفع يبخل عن بذله يهود !!‬
‫هم يكتفون من الحياة بظاهرها وقشورها‪ ،‬أليسوا يأكلون ويشربون ؟ ‪-‬مثل‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النعام‪-‬‬
‫أليسوا يتنفسون ويتحركون ؟ ‪-‬مثل الدواب‪-‬‬
‫أليسوا ينامون ويستيقظون ؟ ‪-‬مثل الحيوانات‪-‬‬
‫أليسوا يمارسون حياتهم بحيوانية وشهوانية ؟ ‪-‬مثل البهائم‪-‬‬
‫إذن هم يعيشون الحياة المطلوبة‪ ،‬هم أسعد الناس في هذه الحياة ‪.‬‬
‫إنها حياة بمقياس يهود‪ ،‬وليست بمقياس الرجال العزة‪ ،‬وإنها حياة تليق‬
‫بيهود ول تليق بالرجال العزة‪ ،‬وإنه ل ُيعجب بهذه الحياة ول يقبل بها ول‬
‫يحرص عليها إل من كانت له مثل شخصية يهود ونفسيتهم وأخلقهم ‪.‬‬
‫ص‬
‫هذه كلها بعض ما يوحي بها تنكير كلمة ) حياة ( في قوله ) ولتجدّنهم أحر َ‬
‫الناس على حياة ( ذلك التنكير الذي يحوي الكثير من التهوين والتحقير ‪.‬‬
‫وحياة يهود في تاريخهم كله ل تخرج عن هذا التنكير والتهوين والتحقير‬
‫والذلل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الَيتيمان‬
‫أحس )ماجد( أنه لم يفهم شيئا مما يقرأ‪ ،‬وأن عينيه تبصران الحروف وتريان‬
‫الكلم ولكن عقله ل يدرك معناها‪ ،‬إنه ل يفكر في الدرس‪ ،‬إنه يفكر في هذه‬
‫المجرمة وما جّرت عليه من نكد‪ ،‬وكيف نّغصت حياته وحياة أخته المسكينة‬
‫وجعلتها جحيما متسعرًا‪ ،‬ونظر في )المفكرة( فإذا بينه وبين المتحان أسبوع‬
‫واحد‪ ،‬ولبد له من القراءة والستعداد‪ ،‬فكيف يقرأ وكيف يستعد؟ وأّنى له‬
‫الهدوء والستقرار في هذا البيت وهذه المرأة تطارده وتؤذيه ول تدعه‬
‫يستريح لحظة‪ ،‬وإذا هي كفت عنه انصرفت إلى أخته تصب عليها ويلتها؟…‬
‫ي الثانوية وقد كان )في‬ ‫هل يرضى لنفسه أن يرسب في أول سنة من سن ّ‬
‫البتدائي( المجّلي دائما بين رفاقه‪ ،‬والول في صفه؟‬
‫وإنه لفي تفكيره؛ وإذا به يسمع صوت العاصفة… وإن العاصفة لتمر بالحقل‬
‫مرة في الشهر فتكسر الغصان‪ ،‬وتقصف الفروع‪ ،‬ثم تجيء المطار فتروي‬
‫الرض ثم تطلع الشمس‪ ،‬فتنمي الغصن الذي انكسر وتنبت معه غصنا جديدا‪،‬‬
‫وعاصفة الدار تهب كل ساعة‪ ،‬فتكسر قلبه وقلب أخته الطفلة ذات السنوات‬
‫الست‪ ،‬ثم ل تجبر هذا الكسر أبدا… فكأن عاصفة الحقل أرحم وأرق قلبا ً‬
‫وأكثر )إنسانية( من هذه المرأة التي يرونها جميلة حلوة تسبي القلوب… وما‬
‫هي إل الحّية في لينها ونقشها‪ ،‬وفي سمها ومكرها‪.‬‬
‫لقد سمع سّبها وشتمها وصوت يدها‪ ،‬شّلت يدها‪ ،‬وهي تقع على يد الطفلة‬
‫البريئة‪ ،‬فلم يستطع القعود‪ ،‬ولم يكن يقدر أن يقوم لحمايتها خوفا من أبيه‪،‬‬
‫من هذا الرجل الذي حالف امرأته الجديدة وعاونها على حرب هذه المسكينة‬
‫وتجريعها غصص الحياة قبل أن تدري ما الحياة… فوقف ينظر من )الشّباك(‬
‫فرأى أخته مستندة إلى الجدار تبكي منكسرة حزينة‪ ،‬وكانت مصفرة الوجه‬
‫بالية الثوب‪ ،‬وإلى جانبها أختها الصغرى‪ ،‬طافحة الوجه صحة‪ ،‬بارقة العينين‬
‫ظفرا وتغّلبا‪ ،‬مزه ّ‬
‫وة بثيابها الغالية… فشعر بقلبه يثب إلى عينيه ويسيل‬
‫دموعا‪ ،‬ما ذنب هذه الطفلة حتى تسام هذا العذاب؟ أما كانت فرحة أبيها‬
‫وزينة حياته؟ أما كانت أعز إنسان عليه؟ فمالها الن صارت ذليلة بغيضة؛ ل‬
‫تسمع في هذا البيت إل السب والنتهار‪ ،‬أما التدليل فلختها‪ ،‬التي تصغر عنها‬
‫سنتين‪ ،‬والطرف لها‪ ،‬كأنما هي البنت المفردة‪ ،‬على حين قد صارت هي‬
‫خادمة في بيت أبيها‪ ،‬بل هي شّر من خادمة‪ ،‬فالخادم قد تلقى أناسا لهم‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلوب‪ ،‬وفي قلوبهم دين فيعاملونها كأولدهم‪ ،‬وأبوها هي لم يبقى في صدره‬


‫قلب ليكون في قلبه شرف يدفعه أن يعامل ابنته‪ ،‬ابنة صلبه‪ ،‬معاملة الخادم‬
‫المدللة‪ ،‬لقد كتب الله على هذه الطفلة أن تكون يتيمة البوين‪ ،‬إذ ماتت أمها‬
‫فلم يبقى لها أم‪ ،‬ومات ضمير أبيها فلم يبقى لها أب!‬
‫وسمع صوت خالته )امرأة الب تدعى في الشام خالة( تناديها‪) :‬تعالي ولك يا‬
‫خنزيرة –ولك كلمة شامية محرفة عن كلمة ويلك تردد دائما‪!(-‬‬
‫وكان هذا هو اسمها عندها‪) ،‬الخنزيرة( لم تكن تناديها إل به‪ ،‬فإذا جاء أبوها‬
‫فهي البنت‪ ،‬تعالي يا بنت‪ ،‬روحي يا بنت! أما أختها فهي الحبيبة‪ ،‬فين أنت يا‬
‫حبيبتي؟ تعالي يا عيني!‬
‫وعاد الصوت يزمجر في الدار؛ أل تسمعين أختك تبكي؟ انظري الذي تريده‬
‫فهاتيه لها! أل تجاوبين؟ هل أنت خرساء؟ قولي‪ :‬ماذا تريد؟‬
‫فأجابت المسكينة بصوت خائف؛ إنها تريد الشكولطه…‬
‫ت واقفة مثل الدّبة! اذهبي فأعطيها ما تريد!‬‫ـ ولماذا بقي ِ‬
‫فوقفت المسكينة‪ ،‬ولم تدر كيف تبين لها أن القطعة الباقية هي لها‪ .‬لقد‬
‫اشترى أبوها البارحة كفا من الشكولطة‪ ،‬أعطاه لبنته الصغيرة فأكلته وأختها‬
‫تنظر إليها‪ ،‬فتضايقت من نظراتها فرمت إليها بقطعة منه‪ ،‬كما يرمي النسان‬
‫باللقمة للهّرة التي تحدق فيه وهو يأكل‪ ،‬وأخذت المسكينة القطعة فرحة‪،‬‬
‫ولم تجرؤ أن تأكلها على اشتهائها إياها‪ ،‬فخبأتها‪ ،‬وجعلت تذهب إليها كل‬
‫ساعة فتراها وتطمئن عليها‪ ،‬وغلبتها شهوتها مرة فقضمت منها قضمة‬
‫بطرف أسنانها‪ ،‬فرأتها أختها المدللة فبكت طالبة الشكولطة…‬
‫ك يا ملعونة فين الشكولطة؟‬ ‫ـ ول ِ ْ‬
‫فسكتت… ولكن الصغرى قالت‪ :‬هناك يا ماما عندها‪ ،‬أخذتها الملعونة مني!‬
‫واستاقت المرأة ابنتها وابنة زوجها‪ ،‬كما يساق المتهم إلى التحقيق‪ ،‬فلما‬
‫ضبطت )متلبسة بالجرم المشهود( ورأت خالتها الشكولطة معها حل البلء‬
‫العظم!‬
‫ـ يا سارقة يا ملعونة‪ ،‬هكذا علمتك أمك… تسرقين ما ليس لك؟‬
‫وكان ماجد يحتمل كل شيء‪ ،‬إل الساءة إلى ذكرى أمه‪ ،‬فلما سمعها تذكرها‪،‬‬
‫لم يتمالك نفسه أن صاح بها‪:‬‬
‫ـ أنا ل أسمح لك أن تتكلمي عن أمي‪.‬‬
‫فتشمرت له واستعدت… وكانت تتعمد إذلله وإيذاءه دائما فكان يحتمل‬
‫صامتا ل يبدو عليه أنه يحفلها أو يأبه لها‪ ،‬فكان ذلك يغيظها منه‪ ،‬وتتمنى أن‬
‫تجد سبيل إلى شفاء غيظها منه وها هي ذي قد وجدتها…‬
‫ـ ل تسمح لي؟ أرجوك يا سعادة البك اسمح لي أن في عرضك… آه! أل‬
‫يكفي أني أتعب وأنصب لقدم لك طعامك وأقوم على خدمتك‪ ،‬وأنت ل تنفع‬
‫لشيء إل الكتابة في هذا الدفتر السود‪ .‬لقد ضاع تعبي معك أيها اللئيم‪،‬‬
‫ولكن ليس بعجيب أنت ابن أمك…‬
‫في عن ذكر أمي‪ ،‬وإل أسكّتك‪.‬‬ ‫ـ قلت لك ك ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫واقترب منها‪ ،‬فصرخت الخبيثة وولولت وأسمعت الجيران…‬


‫تريد أن تضربني؟ آه يا خاين‪ ،‬يا منكر الجميل‪ْ ،‬ولي… يا ناس يا عالم‪،‬‬
‫الحقوني يا اخواتي…‬
‫وجمعت الجيران‪ ،‬وتسلل ماجد إلى غرفته أي إلى الزاوية التي سموها غرفة‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخصوه بها لتتخلص سيدة الدار من رؤيته دائما في وجهها!‬


‫********‬
‫ودخل الب المساء وكان عابسا على عادته باسرا ل يبتسم في وجود أولده‪،‬‬
‫لئل يجترئوا عليه فتسوء تربيتهم وتفسد أخلقهم ولم يكن كذلك قبل ولكنه‬
‫مها‬‫ن لنفسه هذه السنة من يوم حضرت إلى الدار هذه الفعى وصّبت س ّ‬ ‫است ّ‬
‫في جسمه‪ ،‬ووضعت في ذهنه أن ماجدا وأخته ولدان مدّللن فاسدان ل‬
‫يصلحهما إل الشدة والقسوة…‬
‫وكانت خبيثة إذا دنا موعد رواحه إلى الدار‪ ،‬تخلع ثيابها وتلبس ثيابا جديدة‪،‬‬
‫كما تخلع عنها ذلك الوجه الشيطاني وتلبس وجها فيه سمات الطهر‬
‫والطفولة‪ ،‬صنعه لها مكرها وخبثها‪ ،‬ول تنسى أن تنظف البنتين وتلبسهما ثيابا‬
‫متشابهة كيل يحس الب بأنها تفضل ابنتها على ابنته‪..‬‬
‫دخل فاستقبلته استقبال المحبة الجميلة‪ ،‬والمشوقة المخلصة‪ ،‬ولكنها وضعت‬
‫في وجهها لونا من اللم البريء تبدو معها كأنها المظلومة المسكينة‪ ،‬ولحقته‬
‫إلى المخدع تساعده على إبدال حّلته هناك روت له قصة مكذوبة مشوهة‬
‫فملت صدره غضبا وحنقا على أولده‪ ،‬فخرج وهو ل يبصر ما أمامه‪ ،‬ودعا‬
‫بالبنت فجاءت خائفة تمشي مشية المسوق إلى الموت‪ ،‬ووقفت أمامه كأنها‬
‫مل المهزول بين يدي النمر‪ .‬فقعد على كرسي عال‪ ،‬كأنه قوس المحكمة‬ ‫ح َ‬
‫ال َ‬
‫وأوقفها أمامه‪ ،‬كالمتهم الذي قامت الدلة على إجرامه‪ ،‬وأفهمها قبح‬
‫السرقة‪ ،‬وعّنفها وزجرها… وهو ينظر إلى ولده ماجد شزرا‪ ،‬وكانت نظراته‬
‫متوعده منذرة بالشّر‪ ،‬ولم يستطع ماجد السكوت وهو يسمع اتهام أخته‬
‫بالسرقة وهي بريئة منها‪ ،‬فأقبل على أبيه يريد أن يشرح له المر‪ ،‬فتعجل‬
‫شر على نفسه‪.‬‬ ‫بذلك ال ّ‬
‫انفجر البركان وزلزلت الدار زلزالها‪ ،‬وأرعد فيها صوت الب المغضب‬
‫المهتاج‪:‬‬
‫ـ تريد أن تضرب خالتك يا قليل الحياء‪ ،‬يا معدوم التربية‪ ،‬يا ملعون؟ حسبت‬
‫أنك إذ بلغت الرابعة عشر قد أصبحت رجل؟ وهل يضرب الرجل خالته؟ إنني‬
‫أكسر يدك يا شقي!‬
‫ـ والله يا بابا مو صحيح…‬
‫ب خالتك؟‬ ‫َ‬
‫ـ ووقاحة أيضا؟ أما بقي عنك أدب أبدا؟ أت ُكذ ّ ُ‬
‫ـ أنا ل أكذبها‪ ،‬ولكنها تقول أشياء ليست صحيحة‪.‬‬
‫سه من مكرها‬ ‫ت به نف َ‬‫عند ذلك وثب الب وانحط بقوته وغلظته وما أت َْرع ْ‬
‫زوجُته‪ ،‬انحط على الغلم وأقبل يضربه ضرب مجنون ذاهب الرشد‪ ،‬ولم‬
‫ظ نفسه ضرُبه فأخذ الدفتر السود الذي أودعه دروسه كلها‪ ،‬فمزقه‬ ‫يشف غي َ‬
‫تمزيقا… ثم تركه هو وأخته بل عشاء عقوبة لهما وزجرا…‬
‫********‬
‫تعشى الزوجان وابنتهما‪ ،‬وأويا إلى مخدعهما‪ ،‬والغلم جاثم مكانه ينظر إلى‬
‫قطع الدفتر الذي أفنى فيه لياليه‪ ،‬وعاف لجله طعامه ومنامه‪ ،‬والذي وضع‬
‫فيه نور عينيه‪ ،‬وربيع عمره‪ ،‬وبنى عليه أمله ومستقبله… ثم قام يجمع قطعه‬
‫وحت به قنبلة… فإذا هي آلف ل سبيل‬ ‫كما تجمع الم أشلء ولدها الذي ط ّ‬
‫إلى جمعها‪ ،‬ول تعود دفترا يقرأ فيه إل إذا عادت هذه الشلء بشرا سويا‬
‫يتكلم ويمشي… فأيقن انه قد رسب في المتحان‪ ،‬وقد أضاع سنته‪ ،‬وكبر‬
‫عليه المر‪ ،‬ولم تعد أعصابه تحتمل هذا الظلم‪ ،‬وأحس كأن الدنيا تدور به‬
‫وزاغ بصره‪ ،‬وجعلت أيامه تكر راجعة أمام عينيه كما يكر فلم السينما…‬
‫رأى ذلك الوجه الحبيب‪ ،‬وجه أمه‪ ،‬وابتسامتها التي كانت تنسيه آلم الدنيا‪،‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصدرها الذي كان يفزع إليه من خطوب الدهر‪ ،‬رآها في صحتها وشبابها‪،‬‬
‫ورأى البيت وما فيه إل السلم والهدوء والحب‪ ،‬ورأى أباه أبا حقيقيا تفيض به‬
‫طف‪،‬‬ ‫روح البوة من عينيه الحانيتين‪ ،‬ويديه الممتلئتين أبدا بالط َّرف والل َ‬
‫ولسانه الرطب بكل جميل من القول محبب من الكلم…‬
‫ويكّر الفلم ويرى أمه مريضة فل يهتم بمرضها‪ ،‬ويحسبه مرضا عارضا… ثم‬
‫يرى الدار والضطراب ظاهر فيها‪ ،‬والحزن باد على وجوه أهلها‪ ،‬ويسمع‬
‫البكاء والنحيب‪ ،‬ويجدهم يبتعدون به‪ ،‬ويخفون النبأ عنه‪ ،‬ولكنه يفهم أن أمه‬
‫قد ماتت‪ .‬ماتت؟ إنها كلمة تمّر عليه أمرا هينا فل يأبه به‪ ،‬وكان قد سمع‬
‫بالموت‪ ،‬وقرأ عنه في الكتب‪ ،‬ولكنه لم يره من قريب ولم يدخل داره‪ ،‬ولم‬
‫يذقه في حبيب ول نسيب‪ ،‬غير أن اليام سرعان ما علمته ما هو الموت حين‬
‫صحا صبيحة الغد على بكاء أخته الحلوة المحّببة إلى أمها‪ ،‬والتي كانت محببة‬
‫تلك اليام إلى أبيها‪ ،‬ففتح عينيه فلم يجد أمه إلى جانبها لترضعها وتضمها إلى‬
‫صدرها‪ ،‬واشتد بكاء البنت‪ ،‬وطفق الولد ينادي‪ :‬ماما… ثم جفا فراشه وقام‬
‫يبحث عنها‪ ،‬فوجد أباه وجمعا من قريباته‪ ،‬يبكون هم أيضا… فسألهم‪ :‬أين‬
‫أمه؟ فلم يجيبوه… وحين أراد الغدوّ على المدرسة‪ ،‬فناداها فلم تأت لتعد له‬
‫حقيبته وتلبسه ثيابه ولم تقف لوداعه وراء الباب ُتقبله وتوصيه أل يخاصم‬
‫أحدا وأل يلعب في الزّقة‪ ،‬ثم إذا ابتعد عادت تناديه لتكرر تقبيله وتوصيته‪،‬‬
‫وحين عاد من المدرسة فوجد امرأة غريبة ترضع أخته… لمذا ترضعها امرأة‬
‫غريبة؟ وأين ماما؟!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويكر الفلم‪ ،‬ويرى أباه رفيقا به حانيا عليه يحاول أن يكون له ولخته أما وأبا‪،‬‬
‫ولكن هذا الب تبدل من ذلك اليوم المشؤوم‪ ،‬ورأى ذلك اليوم المشؤوم‪،‬‬
‫يوم قال له أبوه‪ :‬ستأتيك يا ماجد أم جديدة… أم جديدة؟ هذا شيء لم يسمع‬
‫به إنه يعرف كيف تجيء أخت جديدة‪ ،‬إن أمه تلدها من بطنها‪ ،‬أما الم فمن‬
‫أين تولد؟ وانتظر وجاءت الم الجديدة‪ ،‬وكان حلوة‪ ،‬ثيابها جميلة‪ ،‬وخدودها‬
‫بلون الشفق‪ ،‬وشفاهها حمر‪ ،‬ليست كشفاه الناس‪ .‬وعجب من لون شفاهها‪،‬‬
‫ولكنه لم يحببها ولم يمل إليها‪ ،‬وكانت في أيامها الولى رقيقة لطيفة‪،‬‬
‫دت فيها‬
‫كالغرسة الصغيرة‪ ،‬فلما مرت اليام واستقرت في الرض وم ّ‬
‫ي‬
‫جذورها‪ ،‬صارت يابسة كجذع الدوحة‪ ،‬وإن كانت تخدع الرائين بورقها الطر ّ‬
‫وزهرها الجميل… ولما ولدت هذه البنت انقلبت شيطانة على صورة أفعى‬
‫مختبئة في جلد امرأة جميلة‪ .‬والعياذ بالله من المرأة الجميلة إذا كانت في‬
‫حقيقتها شيطانة على صورة أفعى!‬
‫وانطمست صور الماضي الحبيب‪ ،‬واضمحل الفلم‪ ،‬ولم يبق منه إلى هذه‬
‫الصورة البشعة المقيتة‪ ،‬ورآها تكبر وتعظم حتى أحاطت به وملت حياته‪،‬‬
‫س كأن‬‫وحجبت عنه ضياء الذكرى ونور المل… وسمع قهقهة فانتفض وأح ّ‬
‫رنينها طلقات )متر اليوز( قد سقط رصاصه في فؤاده‪ ،‬وكانت قهقهة هذه‬
‫المرأة التي أخذت مكان أمه يتخللها صليل ضحك أبيه… وأنصت فإذا هو‬
‫كره جوعه بأن‬ ‫يسمع بكاء خافتا حزينا مستمرا‪ ،‬فتذكر أخته التي نسيها‪ ،‬وذ ّ‬
‫المسكينة قد باتت بل عشاء‪ ،‬ولعلها قد بقيت بل غداء أيضا‪ ،‬فإن هذه‬
‫المجرمة تشغلها النهار كله بخدمتها وخدمة ابنتها‪ ،‬وتقفل دونها غرفة الطعام‪،‬‬
‫فل تعطيها إل كسرة من الخبز‪ ،‬وتذهب فتطعه ابنتها خفية‪ ،‬فإذا جاء الب‬
‫العشية‪ ،‬ولبست أمامه وجهها البريء… شكت إليه مرض البنت وضعفها‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ـ مسكينة هذه البنت‪ ،‬إنها ل تتغذى… انظر إلى جسمها‪ ،‬أل تريها لطبيب؟…‬
‫ولكن ماذا يصنع لها الطبيب‪ ،‬إنها عنيدة سيئة الخلق… أدعوها للطعام فل‬
‫تأكل‪ ،‬وعنادها سيقضي على صحتها…‬
‫فيناديها أبوها ويقول لها‪:‬‬
‫ـ ولك يا بنت ما هذا العناد؟ كلي وإل كسرت رأسك!‬
‫فتتقدم لتأكل‪ ،‬فترى المرأة… تنظر إليها من وراء أبيها نظرة الوعيد‪ ،‬وترى‬
‫وجهها قد انقلب حتى صار كوجه الضبع فتخاف وترتد…‬
‫فتقول المرأة لزوجها‪ ،‬ألم أقل لك‪ ،‬إنها عنيدة تحتاج إلى تربية؟‬
‫فيهز رأسه‪ ،‬ويكتفي من تربيتها بضربها على وجهها‪ ،‬وشد أذنها‪ ،‬وطردها من‬
‫الغرفة‪ ،‬ويكون ذلك عشاها كل عشية!‬
‫كر ماجد أخته فقام إليها فرفعا وضمها إلى صدره‪.‬‬ ‫تذ ّ‬
‫ـ مالك؟ لماذا تبكين؟ اسكتي يا حبيبتي؟‬
‫ـ جوعانة!‬
‫جوعانة؟ من أين يأتيها بالطعام؟ وقام يفتش… فأسعده الحظ فوجد باب‬
‫غرفة الطعام مفتوحا‪ ،‬وعهده به يقفل دائما‪ ،‬ووجد على المائدة بقايا العشاء‪،‬‬
‫فحملها إليها فأكلتها فرحة بها مقبلة عليها‪ ،‬كأنها لم تكن من قبل البنة‬
‫المدللة المحبوبة‪ ،‬التي ل يرد لها طلب لو طلبت طلب‪ ،‬ول يخيب لها رجاء‪،‬‬
‫وآلمه أن يراها تفرح إذا أكلت بقايا أختها وأبيها يسرقها لها سرقة من غرفة‬
‫الطعام‪ ،‬وعادت صور الماضي فتدفقت على نفسه وطغت عليها ورجعت‬
‫صورة أمه فتمثلت له‪ ،‬وسمعها تناديه… لقد تجسم هذا الخيال الذي كان يراه‬
‫دائما ماثل في نفسه‪ ،‬حتى رده إلى الماضي وأنساه حاضره… ولم يعد يرى‬
‫في أخته البنت اليتيمة المظلومة‪ ،‬وإنما يراها الطفلة المحبوبة التي تجد أما‬
‫تعطف عليها‪ ،‬وتحبها…‬
‫ونسي دفتره الممّزق‪ ،‬ومستقبله الضائع‪ ،‬وحياته المّرة‪ ،‬وطفق يصغي إلى‬
‫نداء الماضي في أذنيه… إلى صوت أمه…‬
‫ـ قومي يا حبيبتي‪ ،‬أل تسمعين صوت أمك‪ ،‬تعالي نروح عند ماما!‬
‫فأجفلت البنت وارتاعت‪ ،‬لنها لم تكن تعرف لها أما إل هذه المرأة‬
‫المجرمة… وخافت منها وأبت أن تذهب إليها‪ .‬لقد كان من جناية هذه المرأة‬
‫وهت في نفس الطفلة أجمل صورة عرفها النسان‪ :‬صورة الم!‬ ‫أنها ش ّ‬
‫ـ تعالي نروح عن ماما الحلوة‪ :‬أمك… إنها هناك في محل جميل‪ :‬في الجنة…‬
‫أل تسمعين صوتها؟‬
‫ن في‬ ‫وحملها بين يديه‪ ،‬وفتح الباب‪ ،‬ومضى بها… يحدوه هذا الصوت الذي ير ّ‬
‫أذنيه حلوا عذبا‪ ،‬إلى المكان الذي فيه أمه!‬
‫********‬
‫وقرأ الناس في الجرائد ضحى الغد أن العسس وجدوا في المقبرة طفلة‬
‫هزيلة في السادسة من عمرها‪ ،‬وولدا في الرابعة عشرة‪ ،‬قد حمل إلى‬
‫المستشفى‪ ،‬لن البنت مشرفة على الموت‪ ،‬قد نال منها الجوع والبرد‬
‫والفزع‪ ،‬ول يمكن أن تنجو إل بأعجوبة من أعاجيب القدر‪ ،‬أما الغلم فهو‬
‫ماه‪ ،‬يذكر المتحان‪ ،‬والدفتر السود‪ ،‬وأمه التي تناديه‪ ،‬والمرأة‬ ‫يهذي في ح ّ‬
‫التي تشبه الفعى!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الَيهود ْاليهود اليُهود‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ أ‪.‬د‪.‬عبد الله قادري الهدل‬
‫ل شك أن من أهداف قادة الصليب الجدد السيطرة على العالم‪ ،‬وبخاصة‬
‫بلدان المسلمين‪ ،‬وبالخص البلدان العربية منها‪ ،‬ومن أهدافهم نهب خيرات‬
‫العالم كلها وبخاصة العالم السلمي‪ ،‬وبالخص منه العرب‪ ،‬وأخص ما تريد‬
‫نهبه الطاقة التي يملك العالم السلمي منها وخاصة الخليج العربي‪ ،‬ما يغري‬
‫بهذا الهدف‪.‬‬
‫ويتبع ذلك كل ما يحقق الهيمنة على القتصاد ووسائله و السيطرة الكاملة‬
‫على ممرات بلدان المسلمين وأجوائها‪ ،‬وبالخص البلدان العربي‪.‬‬
‫ومن أهدافهم نشر ما يسمونه بالديمقراطية الفوضوية التي تحقق في بلدان‬
‫العالم الولء الكامل لهم الذي يحقق لهم محاربة كل منهج أو مبدأ أو فكر أو‬
‫حزب أو جماعة تقف أما أطماعهم وسيطرتهم‪.‬‬
‫ولكن أصل أصول هذه الهداف تمكين اليهود في قلب المة السلمية‬
‫وبالخص الدول العربية ليكونوا هم قادة قطار المنطقة بأكملها‪ .‬والقضاء‬
‫على أي مقاومة جهادية ضد اليهود في فلسطين والعراق وخارجهما‪ ،‬وتمكين‬
‫العملء الموالين لليهود في كل البلدان العربية‪.‬‬
‫وسبب كون اليهود هم الصل الصيل لهذه الهداف أنهم إذا تمكنوا في‬
‫المنطقة من الستقرار والمان أصبحوا هم وكلء الصليبيين في الشرق‬
‫السلمي وما على أمريكا إل بناء قواعد عسكرية في الرض الفلسطينية‬
‫شاملة لكل النواع العسكرية البرية والجوية والبحرية وتزويدها بالقادة‬
‫العسكريين والجيش النوعي المدرب وسيكون غالبه من اليهود في الدول‬
‫الغربية كلها‪ ،‬فل يحتاجون إلى بقية الدول المجاورة لليهود‪ ،‬بل سيتفرغون‬
‫لتهديدها بدون أن يفكروا في المشاكل والعقبات التي يتعرضون لها الن في‬
‫المنطقة مما يسمونه الرهاب‪.‬‬
‫وسيمكنهم ذلك من تحقيق جميع الهداف الخرى ‪ :‬اقتصادية كانت أو مالية‬
‫أو تجارية أو زراعية أو اجتماعية أخلقية وسيفسدون في الرض السلمية‬
‫بوساطة اليهود‪.‬‬
‫لذلك يجب أن نعلم أن كل الضغوط التي يقوم بها قادة الصليبيين في أمريكا‬
‫على أي دولة من الدول في الشعوب السلمية وبالخص الدول العربية إنما‬
‫المقصود الول فيها هو الموافقة التامة على ما يسمونه بالتطبيع مع اليهود‪،‬‬
‫على أساس ما يريده اليهود من الستيلء على الراضي العربية التي ل‬
‫يريدون التفريط فيها سواء كانت في الرض الفلسطينية أو في غيرها من‬
‫دول الجوار أو ما يسمونها بدول الطوق‪ ،‬إضافة إلى الستيلء على القدس‬
‫وعلى المسجد القصى‪ ،‬وإلى البت في عدم عودة اللجئين الفلسطينيين‬
‫الذين تقض عودتهم مضاجع اليهود وترتعد منها فرائصهم سواء إلى أصل‬
‫أرضهم التي طردوا منها فيما يسمى ما وراء الخط الخضر أو فيما سيسمى‬
‫بالدولة الفلسطينية التي ل تعدو أن تكون أرضا شبيهة بمراكز بلدية‪ ،‬لن‬
‫عودة اللجئين ستثقل كفة الميزان العربي السلمي بكثرة العدد الذي يعرف‬
‫اليهود أن سيئ العاقبة بالسبة لهم‪ ،‬ولذلك يحاولون توطينهم في البلدان التي‬
‫تشتتوا فيها‪ ،‬والمفاوضات الغربية مع البلدان التي لجأ إليها الفلسطينيون‬
‫جارية من زمن بعيد‪.‬‬
‫لذل يجب أن ندرك أن غزو العراق والضغط على غيره من البلدان المجاورة‬
‫له كسوريا ولبنان وما يدعونه من أسباب في مقتل فلن أو علن أو تسرب‬
‫من يسمونهم بالرهابيين من حدود هذه الدولة أو تلك يجب أن ندرك أن‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغرض من ذلك كله هو تمكين اليهود في المنطقة بالقوة عن طريق موافقة‬


‫الدول العربية على تنفيذه‪ ،‬على رغم أنوف الشعوب التي ترفض رفضا باتا‬
‫العتراف باليهود‪.‬‬
‫قه القادة َ الصليبيين‪ ،‬ولو سلمناهم جميع آبار‬
‫فل هدف يمكن أن يقنع تحقي ُ‬
‫النفط وخضعنا لهم خضوعا كامل في كل مطالبهم‪ ،‬وحققنا كل أهدافهم‪ ،‬مالم‬
‫نستسلم للعتراف الكامل باليهود على أساس شروطهم هم في السياسة‬
‫والقتصاد والتاريخ والجغرافيا والمناهج والثقافة العامة‪ ،‬والرضا بالغبن‬
‫لخواننا في فلسطين مهما كان مجحفا!‪.‬‬
‫وأهم ما يجب التنبه له أن ما يظهر من الخصام بين القادة المريكان وبعض‬
‫الدول المجاورة للعراق‪ ،‬يخفي وراءه غير ما يظهر‪ ،‬فالصفقة بين قادة‬
‫الصليب والموالين لهم المستفيدين من غزوهم الستئثار بحكم العراق‬
‫والهيمنة عليه‪ ،‬صفقة تدل عليها قرائن كثيرة أهمها التعاون العسكري بين‬
‫الجيش المريكي والجيش المسمى بالعراقي الذي ينفذ أوامر تأتيه من خارج‬
‫العراق‪ ،‬ويدربه خبراء عسكريون من خارج العراق جنبا إلى جنب مع خبراء‬
‫الجيش المريكي‪ ،‬وجميعهم يصوبون سلحهم ضد رجال الجهاد الذين يأبون‬
‫أن يبيتوا على ضيم الحتلل وظلمه ويدمرون قراهم ومدنهم ويحرقونها‪ ،‬هذه‬
‫وحدها تكفي قرينة على وجود صفقة بين قادة الحتلل المريكي وتلك الدول‬
‫التي تظهر الوقوف ضد أمريكا وأطماعها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإن نتيجة استتباب المن للصليبيين واليهود ومن يريد الصليبيون تمكينهم في‬
‫العراق هي الستعداد لتطبيق ما في العراق على الدول المجاورة في‬
‫المنطقة وخاصة دول الخليج التي هددها ول يزال يهددها قادة الجيش‬
‫الموالي لمريكا في العراق‪ ،‬فهل نعي تلك الهداف وأصلها الصيل‪ ،‬ونعد‬
‫أنفسنا لتلفي الخطر قبل استفحاله‪ ،‬أو نرحب به لتتجرع شعوبنا غصصه‬
‫وفتنه؟‬
‫فاْليهود الَيهود اليهود هم أساس كل أهداف ما حدث وسيحدث من فساد‬
‫وفوضى في المنطقة!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫امتحان القلوب‬
‫مقدمة‬
‫معنى امتحان القلوب‬
‫مواطن امتحان القلوب‬
‫من أمراض القلوب‬
‫علج أمراض القلوب‬
‫علمات صحة القلب وسلمته‬
‫علمات مرض القلب وشقاوته‬
‫امتحان القلوب )‪(1‬‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪ .‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل‬
‫دا عبده‬
‫هادي له‪ .‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ً‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورسوله‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪(2‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن إ ِل ّ وَأنُتم ّ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪َ) .[102 :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ساء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نّ ْ‬
‫َ‬
‫م َرِقيًبا()‪] (3‬سورة النساء‪،‬الية‪.[1:‬‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساءُلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬‫دا ي ُ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوًْل َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ما()‪] (4‬سورة‬ ‫ظي ً‬ ‫قد ْ َفاَز فَوًْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫من ي ُط ِعْ الل َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫الحزاب‪ ،‬الية‪.[70 :‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الحديث عن القلب وامتحانه وابتلئه حديث بالغ الهمية في وقت قست‬
‫فيه القلوب‪ ،‬وضعف فيه اليمان‪ ،‬واشتغل فيه بالدنيا‪ ،‬وأعرض الناس عن‬
‫الخرة‪.‬‬
‫ونحن نرى في هذا العصر تطورا هائل في جراحة القلب البشري‪ ،‬حتى كان‬
‫من آخر ذلك ما نسمع عن زراعة القلب ونقله مع الدقة المتناهية في تحديد‬
‫المراض الحسية التي تنتاب القلب‪ ،‬وبيان طرق معالجتها وتشخيصها‪ .‬ولن‬
‫أتحدث هنا عن المراض الحسية‪ ،‬وما ينتاب هذا القلب من أدواء‪.‬‬
‫لكنني سأتحدث عما يعرض لهذا القلب خلل سيره إلى الله من امتحانات‬
‫وابتلءات وما علمات صحته وعلته؟ وما مواطن البتلء والمتحان لهذا‬
‫القلب؟‬
‫وسوف أركز خلل الحديث عن القلب على الستشهاد بكلم الله وكلم‬
‫رسوله‪ ،‬وهذا أمر طبيعي؛ لن الصل هو الستقاء من منبع الكتاب والسنة؛‬
‫وإنما نصصت على هذا حتى يعلم أن الحديث عن القلب ليس بالمر الهين ول‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫السهل‪ ،‬فل أحد أعلم بأحوال هذا القلب وما ينتابه من خالقه )أَل ي َعْل َ ُ‬
‫فى()‪] (6‬سورة طه‪،‬‬ ‫خ َ‬ ‫سّر وَأ َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ق()‪] (5‬سورة الملك‪ ،‬الية‪) .[14 :‬ي َعْل َ ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫دوُر()‪] (7‬سورة غافر‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫ص ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫خائ ِن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫الية‪) .[7 :‬ي َعْل ُ‬
‫ن‬
‫وى إ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الهَ َ‬ ‫ما َينط ِقُ عَ ِ‬ ‫‪ .[19‬ومن أنزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم )وَ َ‬
‫حى()‪] (8‬سورة النجم‪ ،‬اليتان‪.[4-3 :‬‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫هُوَ إ ِّل وَ ْ‬
‫ولنبه إلى خطورة دعوى كثير من الناس معرفة المقاصد من أعمال القلوب‬
‫مما ل يعلمه إل الله ‪-‬جل وعل‪ -‬وانشغلوا بما نهوا عنه وتكلموا شططا‪:‬‬
‫ه‬
‫ن َْ ُ‬
‫ن‬ ‫ع‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ُأولئ ِ َ‬ ‫ؤاد َ ك ُ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫صَر َوال ْ ُ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫)وَل َ ت َ ْ‬
‫ل()‪] (9‬سورة السراء‪ ،‬الية‪ .[36 :‬وأنى لنا بمعرفة أسرار القلوب‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وخواطرها‪:‬‬
‫ومكلف الشياء فوق طباعها ‪ ...‬متطلب في الماء جذوة نار‬
‫لماذا الحديث عن القلب‬
‫يكتسب الحديث عن القلب أهمية خاصة‪ ،‬لعدة أمور أجملها فيما يأتي‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أمر بتطهير القلب‪ ،‬وتنقيته‪ ،‬وتزكيته‪ ،‬بل جعل‬
‫الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬من غايات الرسالة المحمدية تزكية الناس‪ ،‬وقدمها‬
‫ث ِفي‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫على تعليمهم الكتاب والحكمة لهميتها‪ ،‬يقول الله ‪-‬تعالى‪) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ُ‬
‫ة()‪(10‬‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫م آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬ ‫م ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سوًل ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مّيي َ‬ ‫اْل ّ‬
‫]سورة الجمعة‪ ،‬الية‪ .[2 :‬قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪ -‬في قوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬
‫ك فَط َهّْر()‪] (11‬سورة المدثر‪ ،‬الية‪ .[4 :‬جمهور المفسرين من السلف‬ ‫)وَث َِياب َ َ‬
‫ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا‪ :‬القلب )‪.(12‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه أن‬ ‫م ي ُرِدِ الل ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ويقول ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬عن اليهود والمنافقين‪) :‬أوْل َئ ِك ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م()‪] (13‬سورة‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫خْزيٌ وَل َهُ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ي ُط َهَّر قُُلوب َهُ ْ‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المائدة‪ ،‬الية‪.[41 :‬‬


‫فهذا سبب بارز ومهم للحديث عن القلب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أثر هذا القلب في حياة النسان فهو الموجه والمخطط‪ ،‬والعضاء‬
‫والجوارح تنفذ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أصل هذه الرسالة محاضرة ألقاها المؤلف فأذن لنا مشكورا بإخراجها‪.‬‬
‫)‪ - (2‬سورة آل عمران آية‪.102 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النساء آية‪.1 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الحزاب آية‪.70 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الملك آية‪.14 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة طه آية‪.7 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة غافر آية‪.19 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة النجم آية‪.4-3 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة السراء آية‪.36 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة الجمعة آية‪.2 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة المدثر آية‪.4 :‬‬
‫)‪ - (12‬رسالة أمراض القلوب ص ‪.52‬‬
‫)‪ - (13‬سورة المائدة آية‪.41 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يقول أبو هريرة رضي الله عنه"القلب ملك‪ ،‬والعضاء جنوده‪ ،‬فإذا طاب‬
‫الملك طابت جنوده‪ ،‬وإذا خبث القلب خبثت جنوده"‪.(1) .‬‬
‫ثالثا‪ :‬ومن السباب الجوهرية للحديث عن هذا الموضوع غفلة كثير من الناس‬
‫عن قلوبهم‪ ،‬فتجد ‪-‬مثل‪ -‬بعض طلبة العلم يتوسع في بحث بعض العمال‬
‫الدقيقة‪ ،‬ويتفقه فيها فقها عجيبا‪ :‬هل تحريك الصبع سنة؟ ومتى وكيف‬
‫يحرك؟‪ ...‬إلخ‪ ،‬والبحث فيها نافع ومهم ول شك‪ ،‬في حين يغفل البحث في‬
‫ل‪.‬‬‫م وأج ّ‬ ‫أعمال القلب وأحواله‪ ،‬وأدوائه وعلله‪ ،‬وهذا أه ّ‬
‫رابعا‪ :‬أن كثيرا من المشكلت بين الناس‪ ،‬وبالخص بين طلبة العلم‪ ،‬سببها‬
‫أمراض تعتري القلوب‪ ،‬ول تبنى على حقائق شرعية‪ ،‬فهذه المشكلت تترجم‬
‫أحوال قلوب أصحابها‪ ،‬وما فيها من أمراض مثل‪ :‬الحسد‪ ،‬والغل‪ ،‬والكبر‪،‬‬
‫والحتقار‪ ،‬وسوء الظن‪ ...‬إلخ‪ ،‬وسبيل حلها المثل هو علج هذه القلوب؟ وإل‬
‫فالمرض سيظهر بين حين وآخر كلما ظهرت دواعيه‪.‬‬
‫ونظرة إلى واقع المجتمع‪ ،‬وما يحدث فيه بين الناس من مشكلت اجتماعية‪،‬‬
‫وخصومات في الحقوق والموال تثبت صحة ذلك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬إن سلمة القلب وخلوصه سبب لسعادة الدنيا والخرة‪ ،‬فسلمة‬
‫القلب من الغل والحسد والبغضاء وسائر الدواء سبب للسعادة والطمأنينة‬
‫ل وَل بنون إّل م َ‬
‫م()‪(2‬‬‫سِلي ٍ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫ب َ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ما ٌ َ َ ُ َ ِ َ ْ‬ ‫م َل َين َ‬
‫فع ُ َ‬ ‫في الدنيا والخرة‪) :‬ي َوْ َ‬
‫]سورة الشعراء‪ ،‬اليتان‪ .[89 ،88 :‬وانظر إلى حال أبي بكر رضي الله‬
‫عنهوغيره ممن رزق قلبا سليما‪ ،‬خاليا من الضغائن والعلل‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬يقول المام عبد الله بن أبي جمرة‪" .‬وددت أنه كان من الفقهاء من‬
‫ليس له شغل إل أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم؛ فما أتي كثير ممن‬
‫أتي إل من قبل تضييع ذلك )‪.(3‬‬
‫حيث يبين هذا المام أهمية تعليم الناس مقاصدهم في أعمالهم‪ ،‬وتنبيههم‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على مفسدات العمال‪ .‬فإنه كما أننا نشهد من يتخصص في أنواع العلوم‬
‫كالحديث والفقه والتفسير والنحو والفرائض وغيرها‪ ،‬فيتقن هذه العلوم‪،‬‬
‫ويبلغها الناس‪ ،‬فنحن بحاجة إلى من يتقن الحديث عن مقامات القلب‬
‫وأحواله‪ ،‬وأعماله وعلله وأدوائه‪ ،‬فيعلمها الناس ويصحح مقاصدهم ونياتهم‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬ما أعطي الله لهذا القلب من مكانه في الدنيا والخرة‪ ،‬وانظر إلى‬
‫أدلة ذلك من كتاب الله وسنة رسوله‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫‪ -1‬يقول الله ‪-‬تعالى‪ -‬على لسان نبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم )وَلَ‬
‫ل وَل بنون إّل م َ‬
‫م()‪(4‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ما ٌ َ َ ُ َ ِ َ ْ‬ ‫فع ُ َ‬ ‫م َل َين َ‬ ‫م ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن ي َوْ َ‬ ‫خزِِني ي َوْ َ‬‫تُ ْ‬
‫]سورة الشعراء‪ ،‬اليات‪ .[89-88-87 :‬فلن ينجو يوم القيامة إل من أتى الله‬
‫بقلب سليم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن ل ِك ّ‬
‫ل‬ ‫ن غَي َْر ب َِعيد ٍ هَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ت ال َ‬ ‫ف ِ‬ ‫‪ -2‬يقول ‪-‬جل وعل‪) :-‬وَأْزل ِ َ‬
‫ب()‪] (5‬سورة ق‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مِني ٍ‬
‫ب ّ‬ ‫قل ٍ‬ ‫جاء ب ِ َ‬‫ب وَ َ‬ ‫من ِبالغَي ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ي الّر ْ‬ ‫ش َ‬‫خ ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ظ َ‬ ‫في ٍ‬ ‫ح ِ‬‫ب َ‬‫أّوا ٍ‬
‫الية‪ .[31 :‬فأين القلب المنيب وما صفته؟‬
‫‪ -3‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهقال‪ :‬قال الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم " إن الله ل ينظر إلى صوركم‪ ،‬ول إلى أجسامكم‪ ،‬ولكن‬
‫ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " )‪.(6‬‬
‫‪ -4‬وفي الصحيحين من حديث النعمان من بشير رضي الله عنهمرفوعا‪ " :‬أل‬
‫وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد‬
‫كله‪ ،‬أل وهي القلب " )‪.(7‬‬
‫وكفى بهذا الحديث واعظا وزاجرا‪ ،‬وعبرة لولي اللباب‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬أن أقوال القلب ‪-‬وهي تصديقاته وإقرارته‪ ،-‬وأعماله وحركاته من‪:‬‬
‫خوف ورجاء ومحبة وتوكل وخشية وغيرها‪ .‬هي أعظم أركان اليمان عند أهل‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬وبتخلفها يتخلف اليمان‪ .‬وها هم المنافقون يقولون‬
‫الشهادة بألسنتهم‪ ،‬ويشاركون المسلمن في أعمالهم الظاهرة‪ ،‬ولكنهم‬
‫َ‬ ‫بتخلف إقرارهم وتصديقهم كانوا )ِفي الد ّر ِ َ‬
‫م‬
‫جد َ لهُ ْ‬ ‫ن الّنارِ وََلن ت َ ِ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬
‫س َ‬‫ك ال ْ‬ ‫ْ‬
‫صيًرا()‪] (8‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.[145 :‬‬ ‫نَ ِ‬
‫تاسعا‪ :‬أن كثيرا من الناس جعلوا جل همهم تفسير مقاصد الناس‪ ،‬وتحميل‬
‫تصرفاتهم ما ل تحتمل‪ ،‬وتجاهل الظاهر‪ ،‬وترتيب الحكام على تنبؤ عمل‬
‫القلوب‪ ،‬مما ل يعلمه إل علم الغيوب‪ ،‬والغريب أن هناك من يعتبر هذا المر‬
‫ذكاء وفراسة وفطنة‪ ،‬وليس هو من الفراسة الشرعية في شيء‪ .‬فنحن‬
‫مأمورون أن نؤاخذ الناس بظواهرهم ونكل سرائرهم إلى الله‪.‬‬
‫وأخيرا‪ :‬إذا كانت هذه مكانة القلب وأهميته‪ .‬فهل وقفنا مع أنفسنا لننظر كيف‬
‫عملنا بقلوبنا‪ ،‬بل ماذا عملت بنا قلوبنا‪.‬‬
‫كم ننشغل في أشياء كثيرة من أمور دنيانا ومعاشنا ووظائفنا‪ ،‬وإذا بقي لنا‬
‫شيء من الهتمام أعطيناه لعمالنا الظاهرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬التحفة العراقية‪.‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الشعراء آية‪.89-88 :‬‬
‫)‪ - (3‬محاضرة الشيخ سلمان العودة عن النية‪ .‬المدخل لبن الحاج )‪.(3 /1‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الشعراء آية‪.89-88-87 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة ق آية‪.31 :‬‬
‫)‪ - (6‬رواه مسلم )‪.(4/1987‬‬
‫)‪ - (7‬رواه البخاري )‪ 1/126‬فتح( ومسلم )‪.(3/1219‬‬
‫)‪ - (8‬سورة النساء آية‪.145 :‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأما هذا القلب فقليل منا من ينظر إليه‪ ،‬ويعطيه الهتمام اللئق به‪ ،‬وعسى‬
‫أن يكون فيما سبق من ذكر أهمية القلب وأثره في حياة النسان ما يدعونا‬
‫إلى مراجعة هذا القلب‪ ،‬وإعطائه المكانة اللئقة به‪.‬‬
‫معنى امتحان القلوب‬
‫قلوبنا ‪-‬أيها الخوة‪ -‬ممتحنة صباح مساء‪ ،‬تمتحن في كل لحظة من لحظات‬
‫حياتنا‪ ،‬فهل نحن منتبهون لهذا‪ ،‬فغلطة واحدة قد تودي بحياة هذا القلب‪،‬‬
‫وتحبط ذلك العمل‪.‬‬
‫هّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ِفي قلوب ِك ْ‬ ‫ص َ‬‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل ِي ُ َ‬ ‫ُ‬
‫دورِك ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬‫ّ‬ ‫قال ‪-‬تعالى‪) :-‬وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬
‫دوِر()‪] (1‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[154 :‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ُ‬
‫فَرةٌ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫وى ل َُهم ّ‬ ‫ق َ‬ ‫م ِللت ّ ْ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫وقال ‪-‬سبحانه وتعالى‪) :-‬أوْل َئ ِ َ‬
‫م()‪] (2‬سورة الحجرات‪ ،‬الية‪.[3 :‬‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫وَأ ْ‬
‫فمن هؤلء الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى؟‬
‫هذه الية نزلت في الصحابيين الجليلين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب‬
‫‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬عندما رفعا صوتيهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقد روى البخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهأنه‪ " :‬قدم ركب من‬
‫مر القعقاع بن معبد‬ ‫تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر‪ :‬أ ّ‬
‫مر القرع بن حابس‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ما أردت إل‬ ‫ابن زرارة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬بل أ ّ‬
‫خلفي‪ ،‬قال عمر‪ :‬ما أردت خلفك‪ ،‬فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما‪ ،‬فنزلت‬
‫في ذلك‪) :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي الله ورسوله‪] (...‬الحجرات‪:‬‬
‫‪ ،[1‬حتى انقضت " )‪.(3‬‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫م فو ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وات َك ْ‬ ‫ص َ‬ ‫مُنوا ل ت َْرفُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫نعم! ل مجاملة في هذا الدين )َيا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬
‫ض()‪ (4‬ثم ماذا؟ )أن‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ُ‬
‫ضك ْ‬ ‫جهْرِ ب َعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وََل ت َ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن( )‪] (5‬سورة الحجرات‪ ،‬الية‪.[2 :‬‬ ‫رو‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ط أ َعْمال ُك ُم و َ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫ْ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫تَ ْ َ‬
‫ب‬ ‫ح‬
‫سبحان الله! موقف في نظر الكثيرين ل يستحق‪.‬‬
‫دد في هذه الية؟ أبو بكر الذي قال فيه الرسول‪ ،‬صلى الله عليه‬ ‫من الذي يه ّ‬
‫وسلم " لو كنت متخذا خليل من أمتي لتخذت أبا بكر " )‪.(6‬‬
‫وعمر الذي قال فيه الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ما‬
‫لقيك الشيطان قط سالكا فجا )أي طريقا( إل سلك فجا غير فجك " )‪(7‬‬
‫لكنهما ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬تابا‪ ،‬وأنابا‪ ،‬واستغفرا‪ ،‬وأقسم أحدهما أل يكّلم‬
‫الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم إل سرا كأخي السرار‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫هنا خرجت النتيجة‪) :‬أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫جٌر‬‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫وى لُهم ّ‬ ‫ق َ‬
‫م ِللت ّ ْ‬‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫م()‪] (8‬سورة الحجرات‪ ،‬الية‪ .[3 :‬أي أخلص قلوبهم للتقوى‪ ،‬حتى‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عَ ِ‬
‫أصبحت ل تصلح إل له‪.(9) .‬‬
‫موقف واحد يسير في نظرنا لرجلين هما أفضل أمة محمد‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم وامتحان يسير لغفلةٍ بدرت منهما‪.‬‬
‫ولكن! ماذا نقول عن أحوالنا؟‬
‫كم من امتحان رسبنا فيه ونحن ل نشعر‪.‬‬
‫ن()‪(10‬؛ لنه قد يحبط عمل‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫وهنا سّر بديع في هذه الية‪) :‬وَأن ْت ُ ْ‬
‫النسان وهو ل يشعر‪ ،‬فهو ل يتصور أن يحبط عمله بذلك العمل‪ ،‬أو ل يلقي‬
‫لعمله بال‪.‬‬
‫ل أو كلمةٍ أودت بصاحبها وهو ل يشعر‪.‬‬ ‫وكم من عم ٍ‬
‫وإذا كان رفع الصوت عند رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم كاد أن يحبط‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمل أبي بكر وعمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ ،-‬فما سيكون حال من يرفع صوته‬
‫فوق صوت الحق؟ أولئك الذين يقدمون شريعة الطاغوت على شريعة الله‪،‬‬
‫أولئك الذين يعادون ويوالون في سبيل الشيطان‪.‬‬
‫وحتى نزيد في إيضاح معنى )امتحان القلوب( لنتأمل هذا الحديث العظيم‬
‫الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنهعن النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‬
‫ي‬
‫أنه قال‪ " :‬تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا )‪ (11‬فأ ّ‬
‫قلب أشربها )‪ (12‬نكت فيه نكتة سوداء‪ ،‬وأي قلب أنكرها )‪ (13‬نكت فيه‬
‫نكتة بيضاء‪ ،‬حتي تصيرعلى قلبين‪ :‬على أبيض مثل الصفا‪ ،‬فل تضره فتنة ما‬
‫جخّيا )‪ (15‬ل‬
‫م َ‬
‫مْرَباّدا )‪ (14‬كالكوز ُ‬
‫دامت السموات والرض‪ ،‬والخر أسود ُ‬
‫يعرف معروفا‪ ،‬ول ينكر منكرا‪ ،‬إل ما أشرب من هواه " )‪.(16‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة آل عمران آية‪.154 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الحجرات آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (3‬رواه البخاري )‪ 9/147‬فتح(‪.‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الحجرات آية‪.2 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الحجرات آية‪.2 :‬‬
‫)‪ - (6‬رواه البخاري )‪ 1/558‬فتح( ومسلم )‪.(4/1856‬‬
‫)‪ - (7‬أخرجه البخاري )‪ 6/339‬فتح( ومسلم )‪.(4/1863‬‬
‫)‪ - (8‬سورة الحجرات آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (9‬قال اللوسي في تفسير الية‪ :‬والمراد أخلصها للتقوى‪ ،‬أي جعلها‬
‫خالصة لجل التقوى‪ ،‬أو أخلصها لها فلم يبق لغير التقوى فيها حق‪ ،‬كأن‬
‫القلوب خلصت ملكا للتقوى‪ ،‬انظر روح المعاني تفسير سورة الحجرات‪.‬‬
‫)‪ - (10‬سورة الحجرات آية‪.2 :‬‬
‫)‪ - (11‬عودا عودا أي‪ :‬تعاد وتتكرر شيئا بعد شيء‪.‬‬
‫)‪ - (12‬أشربها أي‪ :‬دخلت فيه ولزمته‪.‬‬
‫)‪ - (13‬أنكرها أي‪ :‬ردها‪.‬‬
‫)‪ - (14‬مرباًدا أي‪ :‬شديد السواد في بياض‪.‬‬
‫)‪ - (15‬مجخيا أي‪ :‬كالكأس المنكوس‪ ،‬ل يعلق به خيرا وحكمة‪.‬‬
‫)‪ - (16‬رواه مسلم )‪.(129-1/128‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫جعل الله قلوبنا بيضاء‪ ،‬وطهرها من المعاصي والرذائل والشبهات‪ .‬ففي‬


‫الحديث التعبير بالفعل المضارع )تعرض(‪ ،‬وهو هنا يدل على استمرار البلء‬
‫والمتحان‪ :‬كما أن هذه الفتن ل تأتي دفعة واحدة‪ ،‬وإنما شيئا فشيئا حتى‬
‫يصبح القلب أسود ‪-‬والعياذ بالله‪ -‬أو يسلمه الله فينجح في المتحان فل تضره‬
‫فتنة ما دامت السموات والرض‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪" :-‬فالنفس تدعو إلى الطغيان‪،‬‬
‫وإيثار الحياة الدنيا‪ .‬والرب ‪-‬جل وعل‪ -‬يدعو عبده إلى خوفه‪ ،‬ونهي النفس‬
‫عن الهوى‪ ،‬والقلب بين الداعيين )‪ (1‬وهذا هو موضع الفتنة والبتلء‪.‬‬
‫ملحوظة‪:‬‬
‫وها هنا ملحوظة مهمة‪ ،‬وهي أن بعض المشتغلين بالدعوة وطلب العلم‬
‫يظنون أن غاية البتلء والمتحان هو الذى الجسدي‪ :‬من سجن وتعذيب وأسر‬
‫وقتل‪ ،‬وغيرها‪ ،‬أو أذىً معنوي من‪ :‬مقاطعة الناس له‪ ،‬أو عدم استجابة‪ ،‬أو‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سخرية واستهزاء به‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وهذا قصر لمفهوم البتلء على بعض أنواعه‪،‬‬
‫وإل فإن أشد أنواع البتلء هو ابتلء هذا القلب وامتحانه‪ ،‬وكم رأينا ممن نجح‬
‫في امتحان الذى‪ .‬والتعذيب‪ ،‬لكنهم أخفقوا في امتحان القلب! ولذلك كان‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب ل ََنا ِ‬ ‫من دعاء الراسخين في العلم‪َ) :‬رب َّنا ل ت ُزِغ ْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ‬
‫ب()‪] (2‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[8 :‬‬ ‫ت ال ْوَ ّ‬ ‫ة إن َ َ‬ ‫ل َد ُن ْ َ‬
‫ها ُ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫م ً ِّ‬ ‫ح َ‬‫ك َر ْ‬
‫ونختم هذه المقدمة في معنى امتحان القلب وابتلئه بهذه الدعوة الربانية‬
‫َ‬
‫ل‬‫سو ِ‬ ‫جيُبوا ل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫للمؤمنين متضمنة تحذيرا مخيفا‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مْرِء وَقَل ْب ِهِ وَأن ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ل ب َي ْ َ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م َواعْل َ ُ‬ ‫حِييك ُ ْ‬‫ما ي ُ ْ‬‫م لِ َ‬‫عاك ُ ْ‬
‫إ َِذا د َ َ‬
‫ن()‪] (3‬سورة النفال‪ ،‬الية‪.[24 :‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫تُ ْ‬
‫نسأل الله ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن يوفقنا ويعيننا على الستجابة لله وللرسول‪،‬‬
‫وأن يحي قلوبنا‪ ،‬وأل يحال بيننا وبين قلوبنا بمعاصينا‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر‬
‫عليه‪.‬‬
‫أنواع مما يطرأ على القلب من العلل والدواء‬
‫وهذه المضغة الصغيرة )القلب( أمرها عجيب‪ ،‬وما شبه هذا القلب إل بالبحر‪،‬‬
‫نراه في الظاهر رؤية سطحية‪ ،‬لكنه في الحقيقة عالم بحد ذاته‪ ،‬ففيه من‬
‫أنواع الحيوانات والنباتات العجيبة ما حير علماء البحار‪.‬‬
‫وهكذا القلب‪ ،‬فإن من تأمله حق التأمل وجد أن أمره مثير للعجب بما يحصل‬
‫له من أحوال وانفعالت‪ ،‬وبما يتباين فيه الناس من أحوال ومقامات وصفات‪،‬‬
‫وهذا غيض من فيض في عالم هذا القلب الصغير الكبير‪.‬‬
‫وهذه إشارات قرآنية لبعض ما يطرأ على القلب من علل وأدواء‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫الغفلة‪ ،‬العمى‪ ،‬الزيغ‪ ،‬التقلب‪ ،‬الشمئزاز‪ ،‬القفال‪ ،‬القسوة‪ ،‬اللهو‪ ،‬الرياء‪،‬‬
‫النفاق‪ ،‬الحسد‪ ..‬وهلم جّرا‪.‬‬
‫سبحان الله! كل هذا على القلب؟ نعم‪ ،‬وأعظم من ذلك بكثير‪.‬‬
‫والنتيجة‪ :‬أن يتعرض هذا القلب للطبع والختم والموت بعد نزول هذه‬
‫المراض‪ ،‬وعدم مدافعة النسان لها‪ ،‬فيكون قلبه أسود‪.‬‬
‫أنواع من أحوال القلب السليم وأوصافه‬
‫وكما أن القلب يتعرض للمراض والعلل‪ ،‬فإن هذا القلب يحصل له من‬
‫الحوال اليمانية‪ ،‬والمقامات التعبدية من الصفات المحمودة مثل‪ :‬اللين‪،‬‬
‫والخبات‪ ،‬والخشوع‪ ،‬والخلص‪ ،‬والحب لله‪ ،‬والتقوى‪ ،‬والثبات‪ ،‬والخوف‪،‬‬
‫والرجاء‪ ،‬والنابة‪ ،‬وغيرها كثير‪.‬‬
‫والنتيجة‪ :‬السلمة )إّل م َ‬
‫م()‪] (4‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن أَتى الل ّ َ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫‪ .[89‬والحياة‪ ،‬واليمان‪ ،‬وصفة قلب صاحبه أبيض‪.‬‬
‫مواطن امتحان القلوب‬
‫ومواطن امتحان القلوب كثيرة‪ ،‬وحسبنا أن نشير إشارات سريعة إلى جملة‬
‫منها‪ .‬وإنما أشرنا إلى هذه المجالت لن كثيرا من الناس يتصور أن القلب‬
‫إنما يمتحن بالشهوات والمعاصي‪ ،‬ولكننا سوف نرى أن هذا من المواطن‬
‫ر‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫شّر َوال َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫التي يمتحن فيها القلب‪ ،‬والله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪) :‬وَن َب ُْلوك ُ ْ‬
‫ة()‪] (5‬سورة النبياء‪ ،‬الية‪.[35 :‬‬ ‫فِت ْن َ ً‬
‫فمن المواطن التي يمتحن فيها القلب )‪.(6‬‬
‫‪ -1‬العبادة‪:‬‬
‫فالعبادة مثل‪ :‬الصلة والصدقة والصيام والحج وغيرها موضع امتحان وابتلء‪،‬‬
‫ففيها ابتلء في تحقيق الخلص لله‪ ،‬وعدم مراعاة الناس بها‪ ،‬يقول الله‬
‫من ُْثورًا()‪] (7‬سورة‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫‪-‬تعالى‪) :-‬وَقَدِ ْ‬
‫الفرقان‪ ،‬الية‪ .[23 :‬وفي الحديث المرفوع‪ " :‬إياكم وشرك السرائر قالوا‪ :‬يا‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله‪ ،‬وما شرك السرائر؟ قال‪ :‬يقوم الرجل فيصلي جاهرا لما يرى‬
‫من نظر الرجل إليه‪ ،‬فذلك شرك السرائر " )‪.(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر رسالة مرض القلب وصحته‪.‬‬
‫)‪ - (2‬سورة آل عمران آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النفال آية‪.24 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الشعراء آية‪.89 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة النبياء آية‪.35 :‬‬
‫)‪ - (6‬المواطن غير السباب فهي أعم من ذلك‪ ،‬فالعلم موطنا وليس سببا‪،‬‬
‫والشهوات موطنا وسببا‪.‬‬
‫)‪ - (7‬سورة الفرقان آية‪.23 :‬‬
‫)‪ - (8‬صحه ابن خزيمة وغيره‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفي العبادة ابتلء بتصحيحها‪ ،‬وأدائها كما جاءت عن النبي المن‪ ،‬وابتلء‬
‫م()‪] (1‬سورة‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه الت ّ ْ‬‫ن ي ََنال ُ ُ‬
‫بتحقيق التقوى فيها‪ ،‬يقول‪ -‬تعالى‪) :-‬وَل َك ِ ْ‬
‫الحج‪ ،‬الية‪ .[37 :‬وهذا جزء يسير من البتلء الذي يحدث في هذا الموطن‪.‬‬
‫‪ -2‬العلم‪(2) :‬‬
‫وهذا موطن خصب لمتحان القلوب‪ ،‬وكم فشل أناس في هذا المتحان‪،‬‬
‫فطائفة طلبوا العلم لله‪ ،‬ثم تحولت النية إلى الشهوة الخفية‪ ،‬حب الرئاسة‪،‬‬
‫الشهرة‪ ،‬التصدر‪ ،‬التعالي على القران‪ ،‬المراء والجدل‪ ،‬القدح في الخصوم‪..‬‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وفي الحديث‪ " :‬من تعلم علما مما ي ُب َْتغى به وجه الله‪ ،‬ل يتعلمه إل ليصيب به‬
‫عرضا من الدنيا‪ ،‬لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني‪ :‬ريحها )‪.(3‬‬
‫‪ -3‬الدعوة‪:‬‬
‫وهذا المجال من أشد مجالت امتحان القلوب‪ .‬وأصحاب الدعوة المشتغلون‬
‫بها من أشد الناس معاناة لهذا المتحان‪ .‬فشهوة توجيه الخرين‪ ،‬والشهرة‪،‬‬
‫والتعالي على الخلق كلها امتحانات قد تجعل الدعوة وبال على صاحبها‬
‫‪-‬والعياذ بالله‪ -‬وفتنة النكوص عن الدعوة‪ ،‬أو توجيهها إلى غير رضى الله داء‬
‫عضال‪.‬‬
‫‪ -4‬الخلف والجدل‪:‬‬
‫وهو مرتع من مراتع الشيطان‪ .‬ومزرعة من مزارعه‪ ،‬ولذلك نبهنا الله جل‬
‫َ‬
‫ن()‪(4‬‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫م ِبال ِّتي هِ َ‬
‫جادِل ْهُ ْ‬ ‫وعل إلى السلوب المثل في المجادلة فقال‪) :‬وَ َ‬
‫]سورة النحل‪ ،‬الية‪ .[125 :‬ولنه قد يكون الباعث للجدال هو النتصار للحق‪،‬‬
‫جادُِلوا‬‫ثم يتحول إلى انتصار للنفس‪ ،‬وهنا مكمن الداء قال ‪ -‬سبحانه‪َ) :-‬ول ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫أ َهْ َ‬
‫ن()‪] (5‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.[46 :‬‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِّل ِبال ِّتي هِ َ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫وصدق ابن مسعود رضي الله عنهحيث قال‪ :‬إن الخلف شر كله‪.‬‬
‫‪ -5‬الشهوات‪:‬‬
‫وإنما أخرتها قصدا؛ لن كثيرا من الناس يقصر امتحان القلوب على‬
‫الشهوات‪ :‬المال‪ ،‬والمركب‪ ،‬والنساء‪ ،‬والبنين‪ ،‬والبنيان‪ ،‬وهذه ل شك أنها فتنة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة()‪] (6‬سورة التغابن‪ ،‬الية‪ .[15 :‬والرسول‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬
‫م وَأْولد ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫ما أ ْ‬‫وابتلء )إ ِن ّ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪ " :‬إن الدنيا حلوة خضرة‪ ،‬وإن الله مستخلفكم‬
‫فيها فناظر كيف تعملون‪ ،‬فاتقوا الدنيا‪ ،‬واتقوا النساء‪ ،‬فإن فتنة بني إسرائيل‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانت في النساء " )‪ (7‬لكن ما سبق أعظم أثرا وأوقع في أمراض هذا‬
‫القلب‪ ،‬وسلبه عافيته‪.‬‬
‫‪ -6‬الشبهات والفتن‪:‬‬
‫وهما مجال رحب من مجالت مرض القلب وسبب لكثير من العلل كما‬
‫سيأتي بيانه‪.‬‬
‫‪ -7‬الرياسة والمناصب‪:‬‬
‫فكم تغيرت من نفوس‪ ،‬وتباغضت من قلوب بسبب هذا الموطن الذي قل أن‬
‫يسلم منه أحد‪ ،‬فالحسد والغيرة والحقد والغل أمراض مبعثها هذا المر في‬
‫غالب الحوال والحيان‪.‬‬
‫‪ -8‬النسب والحسب والجاه‪:‬‬
‫وهو أرض مثمرة لمراض القلوب وأدوائه‪ ،‬فالتعالى والتفاخر والكبر وغيرها‬
‫من أمراض القلوب تنطلق من هذه الرض‪ ،‬ففيها تنبت ومنها تثمر‪.‬‬
‫ولعلنا الن نبين شيئا من المراض والدواء التي يكثر امتحان القلب بها‪ ،‬إل‬
‫إننا سنقدم لها تنبيهات مهمة‪:‬‬
‫تنبيهات مهمة‬
‫أول‪ :‬الحذر‪ ،‬الحذر من قيام الخ إذا علم بهذه المراض والعلل بتصنيف الناس‬
‫وينزل هذه المراض عليهم‪ ،‬فإن فعل ذلك أحد فهو أول الراسبين‪ ،‬فإن‬
‫أعمال القلوب لرب القلوب ‪-‬جل وعل‪ -‬يقول الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬مخاطبا‬
‫َ‬ ‫نبيه في حق المنافقين‪ُ) :‬أول َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م فَأعْرِ ْ‬
‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م قَوْل ً ب َِليغًا()‪] (8‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[63 :‬وإنما‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫م ِفي أ َن ْ ُ‬
‫ل ل َهُ ْ‬ ‫عظ ْهُ ْ‬
‫م وَقُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫الصواب في أن نعرفها‪ ،‬فنصحح قلوبنا‪ ،‬ونقيها هذه الدواء‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وكما يحذر النسان مما سبق‪ ،‬فينبغي أل ينشغل بقلوب الناس عن قلبه‪،‬‬
‫ولنتدبر أيها الخوة هذه القصة المعبرة‪ ،‬فعن أسامة بن زيد رضي الله‬
‫عنهقال‪ " :‬بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة‪ ،‬فصبحنا القوم‪،‬‬
‫فهزمناهم‪ -‬ولحقت أنا ورجل من النصار رجل منهم‪ ،‬فلما غشيناه )أي ألحقنا‬
‫به وعلوناه( قال‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬فكف عنه النصاري‪ ،‬وطعنته برمحي حتى‬
‫قتلته‪ .‬قال‪ :‬فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي‪ :‬يا‬
‫أسامة‪ ،‬أقتلته بعد ما قال‪ :‬ل إله إل الله قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إنما كان‬
‫متعوذا )أي لجئا ومعتصما بها(‪ ،‬وليس بمخلص في إسلمه‪ .‬قال‪ :‬فقال أقتلته‬
‫بعد ما قال‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬قال‪ :‬فما زال يكررها علي‪ ،‬حتى تمنيت أني لم‬
‫أكن أسلمت قبل ذلك اليوم " وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‬
‫له‪ " :‬أفل شققت عن قلبه‪ ،‬حتى تعلم أقالها أم ل " )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الحج آية‪.37 :‬‬
‫)‪ - (2‬انظر رسالة التعالم للعلمة بكر أبو زيد‪.‬‬
‫)‪ - (3‬رواه أبو داود )‪ 15/349‬بذل( وابن ماجة )‪ (1/93‬وحسنه التزمذي‪.‬‬
‫)‪ - (4‬سورة النحل آية‪.125 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة العنكبوت آية‪.46 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة التغابن آية‪.15 :‬‬
‫)‪ - (7‬رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري )‪.(4/2098‬‬
‫)‪ - (8‬سورة النساء آية‪.63 :‬‬
‫)‪ - (9‬رواه البخاري )‪ 7/517‬فتح( ومسلم )‪ (1/96‬وقد أطال في عرض‬
‫روايات الحديث‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا إ َِذا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫والله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫حَياةِ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ن عََر َ‬ ‫منا ً ت َب ْت َُغو َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫ت ُ‬ ‫س َ‬ ‫م لَ ْ‬‫سل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قى إ ِل َي ْك ُ ُ‬‫ن أ َل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫قوُلوا ل ِ َ‬ ‫فَت َب َي ُّنوا َول ت َ ُ‬
‫م فَت َب َي ُّنوا إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْك ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ل فَ َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م كِثيَرة ٌ كذ َل ِك كن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫مَغان ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫الد ّن َْيا فَعِن ْد َ اللهِ َ‬
‫خِبيرا()‪] (1‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[94 :‬فل ينبغي التمادي‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫في ذلك‪ ،‬والتساهل فيه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن نعنى ببيان هذه المراض للناس‪ ،‬وندلهم على سبل الوقاية منها‪،‬‬
‫فكثير منهم يعيش في غفلة تامة‪ ،‬ويحرصون على الوقاية من المراض‬
‫الحسية‪ ،‬أكثر من اهتمامهم بأمراض قلوبهم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬هناك أسباب كثيرة لمراض القلوب وفسادها من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬الجهل‪.‬‬
‫‪ -2‬الفتن‪.‬‬
‫‪ -3‬الشهوات والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -4‬الشبهات‪.‬‬
‫‪ -5‬الغفلة عن ذكر الله‪.‬‬
‫‪ -6‬الهوى‪.‬‬
‫‪ -7‬الرفقة السيئة‪.‬‬
‫‪ -8‬أكل الحرام كالربا والرشوة وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -9‬إطلق البصر فيما حرم الله‪.‬‬
‫‪ -10‬الغيبة والنميمة‪.‬‬
‫‪ -11‬النشغال بالدنيا وجعلها جل همه وقصده‪.‬‬
‫من أمراض القلوب‬
‫‪ -1‬النفاق‬
‫‪ -2‬الرياء‬
‫‪ -3‬مرض الشبهة والشك والريبة‬
‫‪ -4‬سوء الظن‬
‫‪ -5‬الحسد والغيرة‬
‫‪ -6‬الكبر والعجاب بالنفس واحتقار الخرين والستهزاء بهم‬
‫‪ -7‬الحقد والغل‬
‫‪ -8‬اليأس‬
‫‪ -9‬الهوى ومحبة غير الله‬
‫‪ -10‬الخشية والخوف من غير الله‬
‫‪ -11‬الوسواس‬
‫‪ -12‬قسوة القلوب‬
‫‪ -13‬التحزب لغير الحق‬
‫النفاق‬
‫وهو من أخطر هذه المراض‪ ،‬وأشدها فتكا بالنسان‪ ،‬وأفظعها عاقبة في‬
‫الخرة‪.‬‬
‫ول يتصور أحد أن النفاق قد انتهى بنهاية عهد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ونهاية شخصياته البارزة كعبد الله بن أبي بن سلول وغيره‪ ،‬بل إن النفاق‬
‫الن ل يقل خطورة عنه في الماضي‪.‬‬
‫ولقد كان السلف الصالح من أشد الناس خوفا من النفاق‪ ،‬وهذا عمر بن‬
‫الخطاب ‪-‬وهو من هو صحبة وعلما وعمل وإخلصا‪ -‬يناشد حذيفة‪ :‬هل عدني‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ول أزكي أحدا‬
‫بعدك )‪.(2‬‬
‫وهذا ابن أبي مليكة ‪-‬رحمه الله‪ -‬وهو سيد من سادات التابعين يقول‪ :‬أدركت‬
‫ثلثين من أصحاب النبي‪ ،‬كلهم يخشى النفاق على نفسه )‪.(3‬‬
‫ونحن الن نقول‪ :‬هل نجد ثلثين يخافون النفاق على أنفسهم‪ ،‬ومن تأمل‬
‫صفات المنافقين مما ذكره الله في كتابه في مواضع كثيرة‪ ،‬وما ذكره النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم علم أن المر جد خطير‪ ،‬خاصة ونحن نرى تساهل‬
‫الناس في التصاف بصفاتهم‪ ،‬مع أمنهم من ذلك‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أن بعض الناس يتحدث عن القضاة وأخطائهم‪ ،‬ومثالبهم بحق وبغير حق‪،‬‬
‫ويتعدى الحديث إلى أقضيتهم وأحكامهم‪ .‬ثم هو يحسن للناس أحوال الغربيين‬
‫وأحكامهم ومساواتهم‪ ،‬جاهل أو متجاهل ما هم فيه من شقاء وتبرم وضياع‪،‬‬
‫بتركهم شرع الله وكفرهم بآياته‪.‬‬
‫جَر‬‫ش َ‬‫ما َ‬ ‫موك ِفي َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حك ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫َ‬
‫والله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪َ) :‬فل وََرب ّك ل ي ُؤْ ِ‬
‫سِليما()‪] (4‬سورة‬ ‫ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫ّ‬
‫سل ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫حَرجا ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫النساء‪ ،‬الية‪.[65 :‬‬
‫وهذا أمر أصبح حديث بعض المجالس‪ ،‬فالله الله من التشبه بصفات‬
‫المنافقين‪ ،‬والسير في ركابهم‪ ،‬من كره الدين وبغض المتدينيين ونحو ذلك‪.‬‬
‫الرياء‬
‫وهذا مرض جد خطير لخفائه‪ ،‬ولثره في إفساد العمل‪ ،‬وقلة من يسلم منه‪،‬‬
‫وقد جاء في الحديث يقول الله ‪-‬تعالى‪ " :-‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من‬
‫عمل عمل أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " )‪.(5‬‬
‫مع الله به‪ ،‬ومن يراء يراء الله به " )‪(6‬‬ ‫مع س ّ‬ ‫وفي الحديث الخر‪ " :‬من س ّ‬
‫ل()‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل قَِلي ً‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ُ‬
‫س َول ي َذ ْكُرو َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ؤو َ‬‫وقد ذكر الله من صفات المنافقين )ي َُرا ُ‬
‫‪] (7‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.[142 :‬‬
‫وهو أدق من الشعرة السوداء على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء‪:‬‬
‫من ُْثورًا()‪] (8‬سورة الفرقان‪،‬‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫)وَقَدِ ْ‬
‫الية‪.[23 :‬‬
‫مرض الشبهة والشك والريبة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه اب ْت َِغاَء‬‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫ما ت َ َ‬‫ن َ‬ ‫َ‬
‫م َزي ْغٌ في َت ّب ُِعو َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬ ‫يقول الله تعالى‪) :‬فَأ ّ‬
‫ْ‬
‫ه()‪] (9‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[7 :‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاَء ت َأِويل ِ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة النساء آية‪.94 :‬‬
‫)‪ - (2‬نسبه في كنز العمال )‪ (13/344‬إلى رسته‪.‬‬
‫)‪ - (3‬رواه البخاري تعليقا عنه )‪ (109 /1‬وقال ابن حجر‪ :‬أخرجه المروزي‬
‫مطول في كتاب اليمان‪ ،‬وأبو زرعة في تاريخه‪.‬‬
‫)‪ - (4‬سورة النساء آية‪.65 :‬‬
‫)‪ - (5‬رواه مسلم )‪.(4/2289‬‬
‫)‪ - (6‬رواه البخاري )‪ (11/335‬ومسلم )‪.(4/2289‬‬
‫)‪ - (7‬سورة النساء آية‪.142 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة الفرقان آية‪.23 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة آل عمران آية‪.7 :‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن()‪] (1‬سورة التوبة‪،‬‬ ‫م ي َت ََرد ُّدو َ‬ ‫م ِفي َري ْب ِهِ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ويقول سبحانه‪َ) :‬واْرَتاب َ ْ‬
‫عّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قط َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م إ ِل أ ْ‬ ‫ة ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫وا ِريب َ ً‬ ‫ذي ب َن َ ْ‬ ‫م ال ِ‬ ‫الية‪ .[45 :‬ويقول‪) :‬ل ي ََزال ب ُن َْيان ُهُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض أم ِ اْرَتاُبوا(‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫م()‪] (2‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪ .[110 :‬وقال‪) :‬أِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫ض‬‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫)‪] (3‬سورة النور‪ ،‬الية‪) .[50 :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ب‬‫ه إ ِّل غُُرورًا()‪] (4‬سورة الحزاب‪ ،‬الية‪َ) .[12 :‬ول ي َْرَتا َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫توا‬ ‫أو‬‫ال ّذين ُ‬
‫ِ ُ َ‬ ‫ِِ ْ َ َ ٌ َ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َِ َ َ ُ ِ ُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ل()‪] (5‬سورة المدثر‪ ،‬الية‪.[31 :‬‬ ‫مث َ ً‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫را‬ ‫ماَذا أ َ‬
‫َ‬ ‫ُ َِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وهو من أخطر المراض‪ ،‬وأشدها فتكا‪ ،‬ول يزال بالنسان حتى يوقعه في‬
‫الشرك والكفر‪.‬‬
‫ودواؤه كثرة الستعاذة بالله من الشيطان‪ ،‬وكراهية هذا الوارد‪ ،‬ومدافعته‬
‫بالستعانة بالله‪ ،‬والرجوع إلى اليمان بالله ورسوله والعتراف بوحدانيته‬
‫وصفاته‪ ،‬وفي الحديث‪ " :‬ل يزال الناس يتساءلون‪ ،‬حتى يقال‪ :‬هذا خلق الله‬
‫الخلق‪ ،‬فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فيلقل‪ :‬آمنت بالله ورسوله "‬
‫)‪ (6‬وفي رواية‪ " :‬فليستعذ بالله‪ ،‬ولينته " )‪.(7‬‬
‫سوءالظن‬
‫وسوء الظن بالله من أعظم أمراض القلب ولعلنا هنا نقف وقفة يسيرة‬
‫حوله‪ ،‬للتحذير منه‪ ،‬وبيان خطورته‪.‬‬
‫فمن الناس من يسيء الظن بالله ‪-‬تعالى‪ ،-‬حيث يسيء الظن بوعده‪ ،‬ونصره‬
‫لعباده المؤمنين‪ ،‬ولدعاته المجاهدين‪.‬‬
‫ومن الناس من يسيء الظن بربه أن يرزقه‪ ،‬فتجده يثق بما في أيدي الناس‬
‫أعظم من ثقته بما عند الله‪ ،‬ويظن أن رزقه إنما هو بيد الحكومة أو الشركة‬
‫أو الناس‪ .‬وتجده يضع لذلك الحسابات‪ ،‬ناسيا التوكل على الله والثقة به‪،‬‬
‫ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها()‪] (8‬سورة هود‪ ،‬الية‪.[6 :‬‬ ‫َْ‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫)وَ َ‬
‫وقد ذم الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬من يسيئون الظن به‪ ،‬وجعله من أمر الجاهلية‬
‫ة()‪] (9‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[154 :‬‬ ‫جاهِل ِي ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫حق ّ ظ َ ّ‬ ‫ن ِبالل ّهِ غَي َْر ال ْ َ‬ ‫)ي َظ ُّنو َ‬
‫وما ً ُبورًا()‬ ‫م قَ ْ‬ ‫سوِْء وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ظَ ّ‬ ‫م وَظ َن َن ْت ُ ْ‬ ‫ك ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫وقال سبحانه‪) :‬وَُزي ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫م أْرَداك ْ‬ ‫م ب َِرب ّك ْ‬ ‫ذي ظن َن ْت ُ ْ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ظن ّك ُ‬ ‫‪] (10‬سورة الفتح‪ ،‬الية‪) .[12 :‬وَذ َل ِك ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صاُر‬ ‫ت الب ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (11‬سورة فصلت‪ ،‬الية‪) .[23 :‬وَإ ِذ ْ َزاغ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ن ِبالل ّهِ الظ ُّنوَنا()‪] (12‬سورة الحزاب‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫جَر وَت َظ ُّنو َ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫وَب َل َغَ ِ‬
‫شْيئًا()‪(13‬‬ ‫َ‬
‫حقّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ي ُغِْني ِ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬ ‫م إ ِّل ظ َن ّا ً إ ِ ّ‬ ‫ما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫‪) .[10‬وَ َ‬
‫سوِْء()‪] (14‬سورة الفتح‪ ،‬الية‪.[6 :‬‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫سوِْء عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ظ َ ّ‬ ‫ظاّني َ‬ ‫)ال ّ‬
‫َ‬
‫م()‪] (15‬سورة‬ ‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ض الظ ّ ّ‬ ‫ن ب َعْ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جت َن ُِبوا ك َِثيرا ً ِ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫الحجرات‪ ،‬الية‪.[12 :‬‬
‫ويقول صلى الله عليه وسلم ناصحا أمته‪ " :‬إياكم والظن فإن الظن أكذب‬
‫الحديث " )‪.(16‬‬
‫وعلينا أن نحسن الظن بالله‪ ،‬فالله عند ظن عبده به‪ :‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعل‪ " :‬أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما‬
‫شاء " )‪ (17‬الحديث‪.‬‬
‫الحسد والغيرة‬
‫ومن منا ينجو منهما‪ .‬يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪" :-‬والحسذ‬
‫مرض من أمراض النفس‪ ،‬وهو مرض غالب‪ ،‬فل يخلص منه إل القليل من‬
‫الناس‪ ،‬ولهذا يقال‪ :‬ما خل جسد من حسد‪ .‬لكن اللئيم يبديه‪ ،‬والكريم يخفيه )‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫س عََلى َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫‪ (18‬ولذلك يقول الله ‪-‬جل وعل‪) :-‬أ ْ‬
‫شّر‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه()‪] (19‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[54 :‬وأمرنا بالتعوذ صباح مساء )وَ ِ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫فَ ْ‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د()‪] (20‬سورة الفلق‪ ،‬الية‪..[5 :‬‬ ‫س َ‬


‫ح َ‬‫سدٍ إ َِذا َ‬
‫حا ِ‬
‫َ‬
‫وفي الحديث المتفق عليه " ل تباغضوا ول تحاسدوا " وعن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬إياكم والحسد فإن‬
‫الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " أو قال‪ " :‬العشب " )‪.(21‬‬
‫ويقول الحسن البصري‪ :‬عمه في صدرك‪ ،‬فإنه ل يضرك‪ ،‬ما لم تعتد به يد أو‬
‫لسان )‪.(22‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة التوبة آية‪.45 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة التوبة آية‪.110 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النور آية‪.50 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة الحزاب آية‪.12 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة المدثر آية‪.31 :‬‬
‫)‪ - (6‬رواه مسلم )‪.(1/119‬‬
‫)‪ - (7‬رواه مسلم )‪.(1/120‬‬
‫)‪ - (8‬سورة هود آية‪.6 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة آل عمران آية‪.154 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة الفتح آية‪.12 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة فصلت آية‪.23 :‬‬
‫)‪ - (12‬سورة الحزاب آية‪.10 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة يونس آية‪.36 :‬‬
‫)‪ - (14‬سورة الفتح آية‪.6 :‬‬
‫)‪ - (15‬سورة الحجرات آية‪.12 :‬‬
‫)‪ - (16‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ - (17‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫)‪ - (18‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬
‫)‪ - (19‬سورة النساء آية‪.54 :‬‬
‫)‪ - (20‬سورة الفلق آية‪.5 :‬‬
‫)‪ - (21‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬
‫)‪ - (22‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وأما عن علجه‪ ،‬فقد ذكر شيخ السلم كلما طيبا في علجه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫"من وجد في نفسه حسدا لغيره‪ ،‬فعليه أن يستعمل معه التقوى‪ ،‬والصبر‪،‬‬
‫فيكره ذلك من نفسه"‪.(1) .‬‬
‫ولما كان الحسد ل يسلم منه أحد خاصة النساء والعوام‪ ،‬أحببت أن أنبه على‬
‫الفرق بين الحسد والغبطة‪ ،‬فالول مذموم كما سبق‪ ،-‬والثاني غير مذموم‪.‬‬
‫فالول‪ :‬يتمنى أن تزول النعمة من صاحبه‪.‬‬
‫وأما الخر فهو يحب أن يعطاها دون أن يتمنى زوالها من أخيه‪ ،‬وفي الحديث‪:‬‬
‫" ل حسد إل في اثنتين‪ :‬رجل آتاه الله مال فسلطه على هلكته في الحق‪،‬‬
‫ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها " )‪ .(2‬أخرجاه‪ .‬وفي رواية‪" :‬‬
‫ل حسد إل على اثنتين‪ :‬رجل آتاه الله هذا الكتاب‪ ،‬فقام به آناء الليل وآناء‬
‫النهار‪ ،‬ورجل آتاه الله مال‪ ،‬فتصدق به آناء الليل وآناء النهار " )‪.(3‬‬
‫الكبر والعجاب بالنفس واحتقار الخرين والستهزاء بهم‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه()‪] (4‬سورة‬ ‫م ب َِبال ِِغي ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م إ ِّل ك ِب ٌْر َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫يقول الله ‪ -‬عز وجل ‪) -‬إ ِ ْ‬
‫غافر‪ ،‬الية‪.[56 :‬‬
‫ق(‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ن ي َت َكب ُّرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫ن آَيات ِ َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ويقول ‪-‬جل وعل‪َ ) :-‬‬
‫)‪] (5‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.[146 :‬‬
‫ض‬ ‫َْ‬ ‫دو َ ُ ً‬ ‫جعَل َُها ل ِل ّ ِ‬ ‫داُر اْل ِ‬ ‫ويقول ‪-‬جل وعل‪) :-‬ت ِل ْ َ‬
‫ن عُلوّا ِفي الْر ِ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن ل يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫خَرةُ ن َ ْ‬ ‫ك ال ّ‬
‫ن()‪] (6‬سورة القصص‪ ،‬الية‪ .[83 :‬وقال ‪-‬سبحانه‪:-‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫سادا ً َوال َْعاقِب َ ُ‬ ‫َول فَ َ‬
‫جّباٍر()‪] (7‬سورة غافر‪ ،‬الية‪.[35 :‬‬ ‫مت َك َب ّرٍ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ْ‬
‫ل قَل ِ‬ ‫ه عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ك ي َطب َعُ الل ُ‬ ‫ْ‬ ‫)ك َذ َل ِ َ‬
‫ن()‪] (8‬سورة النحل‪ ،‬الية‪ .[23 :‬وقال ‪-‬‬ ‫ري َ‬ ‫ست َ َك ْب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫وقال‪) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫شْيئا()‪] (9‬سورة‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م فَل ْ‬ ‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬
‫م ت ُغْ ِ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫سبحانه‪) :-‬وَي َوْ َ‬
‫التوبة‪ ،‬الية‪.[25 :‬‬
‫مَرحا()‪] (10‬سورة لقمان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض َ‬ ‫ش ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ومن وصايا لقمان لبنه‪َ) :‬ول ت َ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الية‪ .[18 :‬وتزكية النفس بلء وأي بلء‪ :‬قال ‪-‬جل وعل‪َ) :-‬فل ت َُزكوا أن ْ ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬
‫قى()‪] (11‬سورة النجم‪ ،‬الية‪.[32 :‬‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫م بِ َ‬ ‫هُوَ أعْل َ ُ‬
‫شاُء()‪(12‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ه ي َُز ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بَ ِ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ي َُز ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫وقال‪) :‬أل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫]سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[49 :‬ونهى ‪ -‬سبحانه‪ -‬عن السخرية فقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ساٍء‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ساٌء ِ‬ ‫م َول ن ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خْيرا ً ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خْر قَوْ ٌ‬ ‫س َ‬ ‫مُنوا ل ي َ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ن()‪] (13‬سورة الحجرات‪ ،‬الية‪ .[11 :‬والستهزاء‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ير‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫سى‬
‫ِ ُْ ّ‬ ‫ْ َ ّ َ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫فْرت ُ ْ‬ ‫ن ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك َ َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سول ِهِ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬ ‫مرض مهلك‪) :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫موا َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م()‪] (14‬سورة التوبة‪ ،‬اليتان‪) .[66-65 :‬إ ِ ّ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ب َعْد َ ِإي َ‬
‫ن()‪] (15‬سورة المطففين‪،‬‬ ‫مُزو َ‬ ‫م ي َت ََغا َ‬ ‫مّروا ب ِهِ ْ‬ ‫ن وَإ َِذا َ‬ ‫كو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مُنوا ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫الية‪.[29 :‬‬
‫ويقول صلى الله عليه وسلم " ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة‬
‫من كبر "‪ (16) ،‬ويقول صلى الله عليه وسلم " بحسب امرئ من الشر أن‬
‫يحقر أخاه المسلم " )‪.(17‬‬
‫وقد كثر في زماننا احتقار الخرين‪ ،‬والتعالي والتكبر عليهم‪ ،‬فتجد أحدهم‬
‫يحتقر فلنا لنه دونه في العلم‪ ،‬أو لنه دونه في المرتبة أو الوظيفة‪ ،‬أو لنه‬
‫فقير‪ ،‬أو لنه من قبيلة كذا‪ ...‬وهلم جرا‪.‬‬
‫وقد ورد عنه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ل يزال الرجل يذهب بنفسه‬
‫حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم " )‪.(18‬‬
‫وبعض الناس يتأفف من أن ينادي من هو أقل منه درجة أو رتبة باسم الخوة‪،‬‬
‫بل يصدر إليه المر دون تهذيب أو حسن أسلوب‪ ،‬ودون مراعاة لنفسيته‪ ،‬كل‬
‫ذلك بدعوى المحافظة على الهيبة والهيمنة‪.‬‬
‫وما روى المسكين أنه ربما أن يكون من يراه فراشا أحب عند الله وأفضل‬
‫بآلف المرات‪ ،‬يقول الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم " رب أشعث أغبر‬
‫مدفوع بالبواب لو أقسم على الله لبره " )‪.(19‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه أيضا قضية الستهزاء بالصالحين‪ ،‬وهي قضية خطيرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬
‫)‪ - (2‬رواه البخاري )‪ (1/165‬ومسلم )‪ (1/559‬عن ابن مسعود‪ -‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ - (3‬رواه البخاري )‪ (9/73‬ومسلم )‪ (1/559‬عن ابن عمر‪ -‬رضي الله‪.‬‬
‫)‪ - (4‬سورة غافر آية‪.56 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة العراف آية‪.146 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة القصص آية‪.83 :‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (7‬سورة غافر آية‪.35 :‬‬


‫)‪ - (8‬سورة النحل آية‪.23 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة التوبة آية‪.25 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة لقمان آية‪.18 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة النجم آية‪.32 :‬‬
‫)‪ - (12‬سورة النساء آية‪.49 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة الحجرات آية‪.11 :‬‬
‫)‪ - (14‬سورة التوبة آية‪.66-65 :‬‬
‫)‪ - (15‬سورة المطففين آية‪.29 :‬‬
‫)‪ - (16‬رواه مسلم )‪.(1/93‬‬
‫)‪ - (17‬رواه مسلم )‪.(4/1986‬‬
‫)‪ - (18‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫)‪ - (19‬رواه مسلم )‪.(4/2024‬‬

‫)‪(8 /‬‬
‫يقول الله ‪-‬تعالى‪) :-‬قُ ْ َ‬
‫ن ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫سول ِهِ ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ل أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬
‫م()‪] (1‬سورة التوبة‪ ،‬اليتان‪.[66-65 :‬‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫م ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫وكذلك الستهزاء ببعض الشعائر كاللحية والحجاب وتقصير الثوب مما يخشى‬
‫على من يستهزئ بها من الردة ‪-‬والعياذ بالله‪ -‬فلننتبه ولننبه إخواننا‪ ،‬فالمر‬
‫جد خطير‪.‬‬
‫الحقد والغل‬
‫ن َرب َّنا‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فمن دعاء المؤمنين التابعين بإحسان‪َ) :‬وال ِ‬
‫مُنوا()‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ل ِفي قُلوب َِنا ِغل ً ل ِل ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن َول ت َ ْ‬‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬ ‫اغ ْ ِ‬
‫‪] (2‬سورة الحشر‪ ،‬الية‪.[10 :‬‬
‫ن ِغ ّ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫ويقول تعالى مخبرا عن إكرامه لهل الجنة‪) :‬وَن ََزعَْنا َ‬
‫ما ِفي‬ ‫ن()‪] (3‬سورة الحجر‪ ،‬الية‪) .[47 :‬وَن ََزعَْنا َ‬ ‫قاب ِِلي َ‬ ‫مت َ َ‬
‫سُررٍ ُ‬ ‫وانا ً عََلى ُ‬ ‫خ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫م الن َْهاُر()‪] (4‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.[43 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِغ ّ‬
‫حت ِهِ ُ‬
‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫ولعلنا نقتصر في الحديث عن هذا المرض بهذه القصة المعبرة‪ :‬قصة عبد‬
‫الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬ذلك الشاب الذي رباه الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وأدبه وعلمه‪ ،‬رباهم على مواطن العزة والقوة والعلم‪ ،‬ل كحال كثير‬
‫من شبابنا اليوم ممن استهوتهم الرياضة أو الفن أو غيرها مما ل ينفعهم‪ ،‬بل‬
‫يضرهم‪.‬‬
‫روي المام أحمد من حديث أنس رضي الله عنهقال‪ :‬كنا جلوسا مع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة فطلع‬
‫رجل من النصار‪ ،‬تنطف لحيته )أي‪ :‬تقطر( من وضوئه‪ ،‬قد علق نعليه بيده‬
‫الشمال‪ ،‬فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك‪،‬‬
‫فطلع ذلك الرجل مثل المرة الولى‪ ،‬فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا‪ ،‬فطلع ذلك الرجل على مثل حاله‬
‫الولى‪ ،‬فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن‬
‫العاص‪ ،‬فقال‪ :‬إني لحيت أبي )أي‪ :‬خاصمت( فأقسمت أني ل أدخل عليه‬
‫ثلثا‪ ،‬فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال أنس‪:‬‬
‫فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلث‪ ،‬فلم يره يقوم من‬
‫الليل شيئا غير أنه إذا تعار )أي‪ :‬استيقظ( وتقلب على فراشه ذكر الله وكبر‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى يقوم لصلة الفجر‪ .‬قال عبد الله‪ :‬غير أني لم أسمعه يقول إل خيرا‪،‬‬
‫فلما مضت الليالي الثلث وكدت أن أحتقر عمله‪ ،‬قلت‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬لم يكن‬
‫بيني وبين أبي غضب ول هجرة‪ ،‬ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول لك ثلث مرات‪ :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة فطلعت‬
‫أنت الثلث المرات‪ ،‬فأردت أن آوي إليك لنظر ما عملك‪ ،‬فأقتدي بك‪ ،‬فلم‬
‫أرك تعمل كبير عمل‪ .‬فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم؟ قال‪ :‬ما هو إل ما رأيت‪ ،‬فلما وليت دعاني فقال‪ :‬ما هو إل ما رأيت‪،‬‬
‫غير أني ل أجد في نفسي لحد من المسلمين غشا‪ .‬ول أحسد أحدا على خير‬
‫أعطاه الله إياه‪ .‬قال عبد الله‪ :‬فهذه التي بلغت بك‪ ،‬وهي التي ل تطاق " )‬
‫‪.(5‬‬
‫إذن ! هذا هو قدر امتلء القلب بمحبة المسلمين‪ ،‬والصفح عنهم‪ ،‬والصبر‬
‫عليهم‪.‬‬
‫ولنتدبر أخي المسلم ‪-‬هذا الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن أبي‬
‫هريرة مرفوعا‪ " :‬تفتح أبواب الجنة يوم الثنين ويوم الخميس‪ ،‬فيغفر لكل‬
‫عبد ل يشرك بالله شيئا‪ ،‬إل رجل كان بينه وبين أخيه شحناء‪ ،‬فيقال‪ :‬أنظروا‬
‫)أي‪ :‬أخروا( هذين حتى يصطلحا‪ ،‬أنظروا هذين حتى يصطلحا " )‪.(6‬‬
‫وقد ذكر الطباء أن الغل يؤدي بصاحبه في الدنيا لثره السيء على صحة‬
‫النسان وسلمته‪ ،‬وهذه هي العقوبة العاجلة والجلة أشد وأنكى‪.‬‬
‫اليأس‬
‫وهو مرض ينشأ عند استحكام البلء‪ ،‬واستبطاء نصر الله‪ ،‬فييأس بعض الناس‬
‫من نصر الله ووعده )‪ (7‬بما يؤدي عند بعضهم إلى ترك الدعوة والعمل‪،‬‬
‫وأعظم من ذلك اعتقاد تخلف وعد الله أو وعيده في الدنيا أو الخرة‪.‬‬
‫ول نزال نسمع أن بعض الناس تخلفوا عن الطريق لعتقادهم ‪-‬مثل‪ -‬أنه في‬
‫ضوء هذا الواقع المر‪ ،‬واستحكام أعداء الله‪ ،‬وقبضتهم على زمام المور‪،‬‬
‫وسيطرتهم على الوضاع السياسية والقتصادية‪ ،‬ل يمكن أن ينتصر السلم‬
‫أو تقوم له قائمة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة التوبة آية‪.66-65 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة الحشر آية‪.10 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الحجر آية‪.47 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة العراف آية‪.43 :‬‬
‫)‪ - (5‬رواه أحمد )‪ 19/238‬فتح( والنسائي في عمل اليوم والليلة‪ ،‬وقال ابن‬
‫كثير في رواية النسائي‪ ،‬هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬تفسير ابن‬
‫كثير )‪ (4/337‬ط المعرفة‪.‬‬
‫)‪ - (6‬رواه مسلم )‪.(1987 /4‬‬
‫)‪ - (7‬وتحسن الشارة هنا إلى أن معنى قوله تعالى‪) :‬حتى إذا استيأس‬
‫الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا( ]يوسف‪ ،[110 :‬أي حتى استيأسوا‬
‫من قومهم‪ ،‬أي يئسوا من إسلمهم وإجابة دعوتهم‪ ،‬وهذا تفسير عائشة‪-‬‬
‫رضي الله عنها‪ -‬كما في صحيح البخاري‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وهذه قصة أخبرني بها أحد الصدقاء عن رجل صالح خير مارس الدعوة إلى‬
‫الله‪ ،‬ثم تخلى عن ذلك‪ .‬فجاءه محبوه‪ ،‬وسألوه عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬هل نستطيع‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن ندعو إلى الله في غفلة عن أمريكا‪ ،‬وأجهزة تصنتها ومخابراتها‪ ،‬فهل‬
‫يخفى عليها شيء‪ ،‬وعلى هذا فلن نستطيع عمل شيء‪ -‬هكذا قال‪.‬‬
‫غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ‬
‫سل‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫وقد نسي هذا المسكين أن الله ) َ ٌ‬
‫ن()‪] (1‬سورة يوسف‪ ،‬الية‪.[21 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وهذه قصة موسى ‪-‬مثل‪ -‬تحكي في كل مرحلة من مراحل حياته أو دعوته‬
‫عناية الله به وبالدعوة‪ ،‬وإملء الله للظالمين‪ ،‬والتمكين لهذه الدعوة ولنتأمل‬
‫ن‬
‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫حَزنا ً إ ِ ّ‬ ‫م عَد ُوّا ً وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫هآ ُ‬ ‫قط َ ُ‬ ‫قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬فال ْت َ َ‬
‫ن()‪] (2‬سورة القصص‪ ،‬الية‪ .[8 :‬وقوله‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ن وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ن وَل ِت َعْل َ‬ ‫حَز َ‬ ‫قّر عَي ْن َُها َول ت َ ْ‬ ‫ي تَ َ‬ ‫مهِ ك َ ْ‬ ‫‪-‬تعالى‪) :-‬فََرد َد َْناه ُ إ ِلى أ ّ‬
‫ول َك َ‬
‫ن()‪] (3‬سورة القصص‪ ،‬الية‪ .[13 :‬وقوله ‪ -‬عز وجل ‪:-‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫ن ب ِكَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سَعى َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُرو َ‬ ‫مل ي َأت َ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫سى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َيا ُ‬ ‫دين َةِ ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صى ال َ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫)وَ َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة القصص‪ ،‬الية‪ .[20 :‬ولما‬ ‫حي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج إ ِّني لك ِ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫قت ُلوك َفا ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ن()‪] (5‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ .[61 :‬قال لهم‬ ‫مد َْركو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال بعض قومه )إ ِّنا ل ُ‬
‫ن()‪] (6‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ .[62 :‬وهكذا‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫واثقا‪) :‬ك َّل إ ِ ّ‬
‫قصص النبياء تبين حفظ الله لدعوته‪ ،‬وإملءه للطغاة الظلمة‪ ،‬حتى تتمكن‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫فوا ِفي الْر ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫الدعوة الربانية )وَن ُ ِ‬ ‫هذه‬
‫ن()‪] (7‬سورة القصص‪ ،‬الية‪.[5 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َ ُ ْ ِ ّ ً ََ ْ َ ُ ُ َ ِِ َ‬
‫ثي‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ئ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫وَن َ ْ‬
‫ويعجبني أن أذكر هنا قصة مشهورة تبين نقاء النظرة‪ ،‬وصفاء السريرة لرجل‬
‫من عامة الناس‪ ،‬فإن آباءنا يذكرون أنه في أثناء حصار إحدى المدن‪ ،‬حدث‬
‫أن بدء الناس يتحدثون عن الطائرات التي قد يستخدمها العدو‪ ،‬ففزع بعض‬
‫الناس وخافوا‪ ،‬ولم يكونوا رأوا الطائرات بعد‪ ،‬فجاء هذا العرابي‪ ،‬وسأل‬
‫الناس عن هذه الطائرات؟ قالوا‪ :‬شيء يأتي من فوق يرمينا بالقنابل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بفطرته السليمة ‪ -‬أهي فوق الله أم الله فوقها؟! فلما أجابوه بأن الله أعلى‬
‫منها‪ ،‬قال‪ :‬ل تهمكم‪ .‬وما أحوجنا إلى أمثال أصحاب هذه الفطر السليمة‪.‬‬
‫وهذه قصة أخرى تتميما للفائدة‪ ،‬إل إن صاحبها شاعر فاسق ماجن وهي أنه‬
‫لما قام أحد رؤساء الدول العربية‪ ،‬وقال‪ :‬إن )‪ (%99‬من أوراق القضية‬
‫الفلسطينية بيد أمريكا‪ ،‬ومعنى هذا‪ :‬أن نستسلم لمريكا‪ ،‬ونسلمها مقاليد‬
‫المور‪ ،‬فرد عليه هذا الشاعر الفاسق قائل‪:‬‬
‫ولتعلم أمريكا أنها ليست هي الله العزيز القدير ‪ ...‬ولن تمنع الطائر من أن‬
‫يطير‬
‫)وصدق وهو كذوب(‪.‬‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫فلننتبه إلى هذا المرض‪ ،‬ولنستشعر قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬ال ْي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫شون ال ْيو َ‬
‫م‬‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫خ َ ْ ِ َ ْ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفل ت َ ْ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م ِدينا()‪] (8‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪.[3 :‬‬ ‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫سل‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ضي‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ََ‬ ‫و‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫نِ ْ َ‬
‫ع‬
‫ن َروِْح‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫س ِ‬
‫ه ل ي َي ْأ ُ‬ ‫ن َروِْح اللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫وأخيرا فلنتأمل قوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬ول ت َي ْأ ُ‬
‫ن()‪] (9‬سورة يوسف‪ ،‬الية‪.[87 :‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫الل ّهِ إ ِّل ال ْ َ‬
‫الهوى ومحبة غير الله‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة يوسف آية‪.21 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة القصص آية‪.8 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة القصص آية‪.13 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة القصص آية‪.20 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الشعراء آية‪.61 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة الشعراء آية‪.62 :‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (7‬سورة القصص آية‪.5 :‬‬


‫)‪ - (8‬سورة المائدة آية‪.3 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة يوسف آية‪.87 :‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫فإنه آفة الفات‪ ،‬والسم الزعاف لهذا القلب‪ ،‬يوم أن تكون محبة الشخص‬
‫لغير الله‪ ،‬وموالته ومعاداته في سبيل دنياه‪ ،‬وأهوائه‪ ،‬وأطماعه الشخصية‪.‬‬
‫وهذا ل شك موصل صاحبه إلى الهلك والبوار وتأمل معي في هذه اليات‪):‬‬
‫دى()‪(2‬‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫س وَل َ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وى اْل َن ْ ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن إ ِّل الظ ّ ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬‫‪) (1‬إ ِ ْ‬
‫ن()‪(3‬‬ ‫حي َْرا َ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫]سورة النجم‪ ،‬الية‪َ ) [23 :‬‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ست َهْوَت ْ ُ‬ ‫ذي ا ْ‬
‫َ‬
‫كال ِ‬
‫ى()‪] (4‬سورة‬ ‫هد ً‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫]سورة النعام‪ ،‬الية‪) [71 :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م()‪(5‬‬ ‫عل ٍ‬ ‫ه عَلى ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ضل ُ‬ ‫واه ُ وَأ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِلهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫القصص‪ ،‬الية‪) [50 :‬أفََرأي ْ َ‬
‫م َوات ّب َُعوا‬ ‫ه عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ن ط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫]سورة الجاثية الية‪ُ) [23 :‬أول َئ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ب ِغَي ْ ِ‬ ‫وائ ِهِ ْ‬ ‫ن ب ِأهْ َ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ل َي ُ ِ‬ ‫م()‪] (6‬سورة محمد‪ ،‬الية‪) [16 :‬وَإ ِ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬‫أهْ َ‬
‫م()‪] (7‬سورة النعام‪ ،‬الية‪ [119 :‬والهوى مرض من أمراض القلب سواء‬ ‫ِ ْ‬
‫عل ٍ‬
‫أكان الهوى بمعناه العام أو الخاص‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬في بيان كون الحب يعمي ويصم‪:‬‬
‫"‪ ..‬ولذلك قال الشاعر‪:‬‬
‫عدو لمن عادت‪ ,‬وسلم لهلها ‪ ...‬ومن قربت ليلى أحب وأقربا )‪(8‬‬
‫فهذا جعل الولء والبراء في ليلى‪ ،‬وليس في الله‪.‬‬
‫وذكر شيخ السلم أيضا قصة رجل أحب امرأة سوداء حبا عجيبا‪ ،‬أخذت عليه‬
‫مجامع قلبه‪ ،‬فيقول هذا الرجل‪:‬‬
‫أحب لحبها السودان حتى ‪ ...‬أحب لحبها سود الكلب‬
‫والواجب أن يكون حبنا وبغضنا‪ ،‬وعطاؤنا ومنعنا‪ ،‬وفعلنا وتركنا لله ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬ل شريك له‪ ،‬ممتثلين قوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم " من أحب لله‪،‬‬
‫وأبغض لله‪ ،‬وأعطى لله‪ ،‬ومنع الله‪ ،‬فقد استكمل اليمان " )‪.(9‬‬
‫وأسوأ أنواع الحب محبة أعداء الله‪.‬‬
‫الخشية والخوف من غير الله‬
‫ن()‪] (10‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪[44 :‬‬ ‫شو ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫وا الّنا َ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ َ‬‫يقول تعالى‪َ) :‬فل ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪] (11‬سورة‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫شوْه ُ إ ِ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ويقول‪ -‬عز وجل‪َ) :-‬فالل ّ ُ‬
‫التوبة‪ ،‬الية‪.[13 :‬‬
‫َ‬
‫صيب ََنا‬‫ن تُ ِ‬ ‫شى أ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ومن صفات الذين في قلوبهم مرض أنهم يقولون )ي َ ُ‬
‫ة()‪] (12‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪ [52 :‬ومن صفات الذين سلمت قلوبهم‬ ‫َدائ َِر ٌ‬
‫م فََزاد َهُ ْ‬
‫م‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مُعوا ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫وآمنت )ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ل()‪] (13‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[173 :‬‬ ‫كي ُ‬‫م الوَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫ّ‬
‫سب َُنا الل ُ‬ ‫ح ْ‬‫مانا ً وََقاُلوا َ‬ ‫ِإي َ‬
‫وهناك خوف جبلي ل يقدح في المعتقد كخوف النسان من عدوه إنسانا أو‬
‫حيوانا‪ ،‬أما الخشية فل تكون إل من الله‪.‬‬
‫وعدم الخوف دليل على قوة القلب وجسارته‪ ،‬كما أنه دليل على اليمان‪،‬‬
‫قال المام أحمد‪" :‬لو صححت لم تخف أحدا"‪ ،‬أي من المخلوقين‪.‬‬
‫الوسواس‬
‫م‪ ،‬وصار يلعب بكثير من الناس‪ ،‬ويضيع عليهم فرائضهم‬ ‫م وط ّ‬ ‫وهو بلء ع ّ‬
‫وعباداتهم‪ ،‬يقول الشيخ السعدي ‪-‬في جواب له عن دواء الوسواس‪ :‬ليس له‬
‫دواء إل سؤال الله العافية‪ ،‬والستعاذة بالله من الشيطان الرجيم‪ ،‬والجتهاد‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في دفع الوساوس‪ ،‬وأن يتلهى عنها ول يجعلها تشغل فكره‪ ،‬فإنه إذا تمادت‬
‫فيه الوساوس اشتدت واستحكمت‪ ،‬وإذا حرص على دفعها والتلهي عن الذي‬
‫يقع في القلب اضمحلت شيئا فشيئا‪ ،‬والله أعلم )‪.(14‬‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫س‬
‫ّ ِ َ ِ ِ‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫عوذ ُ ِ َ ّ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ل أَ ُ‬
‫وقد أمرنا بالتعوذ منه كما في سورة الناس‪) :‬قُ ْ‬
‫س‬
‫دورِ الّنا ِ‬‫ص ُ‬
‫س ِفي ُ‬ ‫سو ِ ُ‬‫ذي ي ُوَ ْ‬‫س ال ّ ِ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫خّنا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شّر ال ْوَ ْ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫س إ ِلهِ الّنا ِ‬‫الّنا ِ‬
‫س()‪] (15‬الناس‪.[6 -1 :‬‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫قسوة القلب‬
‫وهو مرض تنشأ عنه أمراض‪ ،‬وتظهر له أعراض ول يسلم من ذلك إل من‬
‫سلمه الله وأخذ بالسباب‪ :‬وتظهر خطورة هذا الداء من خلل هذه اليات‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬دللة هذه اليات أعم مما ذكر فينتبه لذلك‪.‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النجم آية‪.23 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة النعام آية‪.71 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة القصص آية‪.50 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الجاثية آية‪.23 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة محمد آية‪.16 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة النعام آية‪.119 :‬‬
‫)‪ - (8‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬
‫)‪ - (9‬رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره‪.‬‬
‫)‪ - (10‬سورة المائدة آية‪.44 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة التوبة آية‪.13 :‬‬
‫)‪ - (12‬سورة المائدة آية‪.52 :‬‬
‫)‪ - (13‬سورة آل عمران آية‪.173 :‬‬
‫)‪ - (14‬ينصح في هذا المجال الرجوع إلى كتاب العلمة ابن القيم إغاثة‬
‫اللهفان‪ ،‬وكذلك محاضرة‪" :‬رسالة إلى موسوس" للشيخ سلمان العودة‪.‬‬
‫)‪ - (15‬سورة الناس آية‪.6-1 :‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫سوَة ً ()‪] (1‬سورة‬ ‫شد ّ ق َ ْ‬ ‫جاَرةِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫ح َ‬‫كال ْ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ك فَهِ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫م قَ َ‬
‫س ْ‬ ‫)ث ُ ّ‬
‫مُلو َ‬
‫ن(‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫م وََزي ّ َ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫البقرة‪ ،‬الية‪) [74 :‬وَل َك ِ ْ‬
‫ه()‪(3‬‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّ ِ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬
‫)‪] (2‬سورة النعام‪ ،‬الية‪) [43 :‬فَوَي ْ ٌ‬
‫َ‬
‫م()‪] (4‬سورة الحديد‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ق َ‬ ‫مد ُ ف َ َ‬‫م اْل َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫طا َ‬‫]الزمر‪) [22 :‬فَ َ‬
‫‪.[16‬‬
‫وأبعد القلوب من الله القلب القاسي‪.‬‬
‫التحزب لغير الحق‬
‫وهو مرض خطير‪ ،‬وداء يقتل ويهلك الفراد والمة على حد سواء‪ ،‬وهو على‬
‫نوعين‪:‬‬
‫‪ -1‬التحزب لبعض المبادئ الرضية‪:‬‬
‫كالقومية والوطنية والعلمانية وغيرها من المبادئ الضالة‪ ،‬وهذه قد راج‬
‫سوقها وكثر‪ ،‬خاصة في هذه اليام‪ ،‬ونحن نسمع عما يسمى )الوحدة‬
‫الوطنية(‪ ،‬وهي الحب على أساس المواطنة‪ ،‬فما كان من وطنك تحبه سواء‬
‫كان مسلما أو فاسقا أو كافرا‪ ،‬فالمهم أنه مواطن مثلك‪ ،‬بينما ل تحمل هذا‬
‫الشعور لخ مسلم من غير وطنك‪ ،‬ولو كان من أتقى الناس‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهي موالة ومعاداة على أساس الوطن‪ .‬حتى قال أحدهم ‪-‬فض الله فاه‪:-‬‬
‫كل حب يذهب ويتلشى إل حب الوطن‪ .‬يعني إل حب التراب‪ ،‬حب الرض‪،‬‬
‫مل الله جوفه قيحا وصديدا‪ ،‬هكذا‪ :‬كل حب يذهب حتى حب الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم إل حب الوطن‪ ،‬فهو شرك من نوع جديد‪.‬‬
‫َ‬
‫ب()‬ ‫ب وَت َ ّ‬ ‫دا أِبي ل َهَ ٍ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫وما دري هذا المسكين أننا ل نزال نقرأ في القرآن‪) :‬ت َب ّ ْ‬
‫‪ (5‬وقد نزلت في عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي لهب‪ ،‬ونحن نتبرأ منه‬
‫ونبغضه‪ .‬ونحن ل نزال نثني على بلل الحبشي وصهيب الرومي‪ ،‬وسلمان‬
‫الفارسي‪ ،‬ونترضى عنهم‪ ،‬ونسأل الله أن نحشر في زمرتهم‪.‬‬
‫ول يفهم من هذا الكلم أننا ل نحب الوطن‪ ،‬كل‪ ،‬فهو أمر جبلي مركوز في‬
‫النفس‪ ،‬لكن حب الوطن ل بد أن يكون خاضعا لحب الله ورسوله‪ .‬وهل هاجر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وأفضل بقاع الرض )مكة( إل لما‬
‫كان في ذلك مرضاة لله ورسوله‪ ،‬وهكذا المهاجرون وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -2‬التحزب من بعض المسلمين ضد بعض‪:‬‬
‫فنجد بعض الدعاة يتحزبون ضد بعض‪ ،‬وبعض طلبة العلم يتحزبون ضد بعض‪،‬‬
‫فيحب هذا أكثر من هذا لن الول من حزبه‪ ،‬ولو كان الثاني أتقى منه‬
‫وأفضل‪ .‬وهذا خطأ كبير‪ ،‬وهذا يحب ذاك لنه يتبع شيخه أو إمامه‪ ،‬ويعادي‬
‫الخر لنه يتبع إماما أو شيخا آخر‪.‬‬
‫فالواجب موالة المسلمين ليمانهم‪ ،‬ومعاداة الكفار لكفرهم‪ ،‬ول يجوز‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫التحزب لغير الحق‪ ،‬فإنه يورث المة التفرق والتشتت )َول ت َ ُ‬
‫م()‪(6‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ت وَُأول َئ ِ َ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫جاَءهُ ُ‬
‫ما َ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫خت َل َ ُ‬
‫فوا ِ‬ ‫فّرُقوا َوا ْ‬
‫تَ َ‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪ [105 :‬وهناك فرق كبير بين التحزب وبين التنافس‬
‫ة()‬‫جن ّ ٍ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫عوا إ َِلى َ‬ ‫سارِ ُ‬‫في الخير فالتنافس مطلوب ومحمود )وَ َ‬
‫ة()‪(8‬‬ ‫جن ّ ٍ‬‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫َ‬
‫قوا إ ِلى َ‬ ‫ساب ِ ُ‬‫‪] (7‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪َ ) [133 :‬‬
‫]سورة الحديد‪ ،‬الية‪ [21 :‬أما التحزب فمذموم‪ ،‬وكم أودى بأمم وجماعات‬
‫وأفراد‪ .‬حتى صار حال بعضهم كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وهل أنا إل من غزية إن غوت غويت ‪ ...‬وإن ترشد غزية أرشد‬
‫وعلج التحزب بالتجرد لله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬والسلمة من الهوى والتحري في‬
‫المنهج‪ ،‬وأن نعرف الرجال بالحق‪ ،‬ل الحق‪ ،‬بقول الرجال‪.‬‬
‫واذكر الدعاء بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث‪ " :‬إن الشيطان قد‬
‫أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب‪ ،‬ولكن في التحريش بينهم " )‪.(9‬‬
‫وأخيرا‪ :‬قد يقول قائل‪ :‬ولكن ما العلج؟ فأنت شخصت الداء‪ ،‬فهل بينت‬
‫الدواء‪ ،‬وعلمتنا طريق النجاة‪.‬‬
‫فل أدعي أنني سوف أحيط بجوانب علج أمراض القلوب‪ ،‬ولكن حسبي أن‬
‫أذكر شيئا من الوسائل لعلج هذه المراض‪ ،‬اختصرها بما يأتي‪:‬‬
‫علج أمراض القلوب‬
‫أول‪ :‬إن أساس صحة القلب وسلمته في إيمانه بالله ويتفرع عنه ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬كمال محبة الله‪ :‬بأن يكون حبه لله‪ ،‬وفي الله‪ ،‬وأن يكون بغضه ومعاداته‬
‫لله‪ ،‬وقد بين شيخ السلم ابن تيمية أن من أعظم وسائل علج القلب‪ :‬أن‬
‫ه()‪] (10‬سورة‬ ‫حب ّا ً ل ِل ّ ِ‬‫شد ّ ُ‬‫مُنوا أ َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يمتلئ قلب النسان بحب الله‪َ) ،‬وال ّ ِ‬
‫البقرة‪ ،‬الية‪ [165 :‬وأما وسائل محبة الله فكثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة البقرة آية‪.74 :‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النعام آية‪.43 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة الزمر آية‪.22 :‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (4‬سورة الحديد آية‪.16 :‬‬


‫)‪ - (5‬سورة المسد آية‪.1 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة آل عمران آية‪.105 :‬‬
‫)‪ - (7‬سورة آل عمران آية‪.133 :‬‬
‫)‪ - (8‬سورة الحديد آية‪.21 :‬‬
‫)‪ - (9‬هناك خلط كبير بين الحزبية والنتماء‪ ،‬حتى أصبح الحديث عن أحدهما‬
‫يراد به المعنى الخر‪ ،‬مع أن هناك فرقا بينهما‪ ،‬فالحزبية مذمومة‪ ،‬إل تحزب‬
‫المؤمنين ضد الكافرين‪ ،‬والنتماء لهل السنة والجماعة مشروع‪ ،‬ول يذم منه‬
‫إل ما كان انتماء بدعيا أو جاهليا‪.‬‬
‫)‪ - (10‬سورة البقرة آية‪.165 :‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫قراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه‪ ،‬والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض‪،‬‬
‫ودوام ذكر الله على كل حال‪ ،‬وإيثار محابه على هوى نفسك ومحابها‪،‬‬
‫ومطالعة القلب لسماء الله وصفاته‪ ،‬ومشاهدتها ومعرفتها‪ ،‬وانكسار القلب‬
‫بين يدي الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وغيرها من الوسائل )‪.(1‬‬
‫ثانيا‪ :‬الخلص‪:‬‬
‫ن‬ ‫مي‬
‫َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫تي‬ ‫ما‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َ ِ ِ ِ َ ّ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫كي‬ ‫س‬
‫َُ ُ ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫تي‬ ‫صل‬
‫ِ ّ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫)‬ ‫‪-‬‬ ‫وجل‬ ‫يقول ‪ -‬عز‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن()‪] (2‬سورة النعام‪ ،‬اليتان‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ت وَأَنا أوّ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫كأ ِ‬ ‫ه وَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ل َ‬
‫‪.[163-162‬‬
‫أخلصوا لله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬في أعمالكم‪ ،‬وستجدون راحة في صدوركم‪ ،‬ولذلك‬
‫ُ‬
‫فاَء()‬ ‫حن َ َ‬
‫ن ُ‬ ‫دي َ‬‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫يقول الله ‪ -‬عز وجل ‪) -‬وَ َ‬
‫‪.(3‬‬
‫ثالثا‪ :‬حسن المتابعة‪:‬‬
‫بأن يكون عمله واعتقاده وفق ما أمر الله ورسوله‪ .‬يقول الله ‪-‬تعالى‪) :-‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫ه()‪] (4‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[31 :‬‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ه َفان ْت َُهوا()‪(5‬‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ن ََهاك ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ُ‬ ‫ويقول ‪ -‬عز وجل ‪) -‬وَ َ‬
‫]سورة الحشر‪ ،‬الية‪.[7 :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫خي ََرةُ‬
‫م ال ِ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫ن ي َكو َ‬ ‫مرا أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ضى الل ُ‬ ‫من َةٍ إ َِذا ق َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫)وَ َ‬
‫م()‪] (6‬سورة الحزاب‪ ،‬الية‪.[36 :‬‬ ‫َ‬
‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫فلو سألنا أنفسنا‪ :‬هل ننطلق في كل تصرفاتنا وأعمالنا ونياتنا وفق ما شرع‬
‫الله؟‬
‫إن بعض الناس ينطلق في تصرفاته من هوى زوجته‪ ،‬وبعضهم من هوى‬
‫رئيسه‪ ،‬وبعضهم أعراف قبيلته أو نظام جماعته وهكذا‪ ،‬ولو خالف أمر الله‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫ولو ناقشت أحدهم مرة‪ ،‬فقلت له‪ :‬لم يا أخي تعمل هذا العمل؟ لقال‪:‬‬
‫رئيسي هو الذي أمرني به‪ ،‬فقلت‪ :‬ولكنه حرام‪ ،‬لجاب‪ :‬أعرف أنه حرام‪،‬‬
‫ولكن ماذا أعمل؟ لو لم أفعل لما رشحني للترقية‪ ،‬أو لفصلني من الوظيفة‬
‫أو‪ ...‬الخ‪ .‬فأين المتابعة لله ولرسوله من هذا الذي قدم هوى رئيسه على‬
‫مرضاة ربه؟‬
‫إننا بحاجة إلى مراجعة أعمالنا‪ ،‬وتحقيق صدق المتابعة للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم " ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " )‪.(7‬‬
‫وفي الحديث الصحيح‪ " :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومما يعين على تحقيق هذه الصول ليسلم القلب‪ ،‬وينمو مما يعرض له من‬
‫ابتلء وامتحان ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬ذكر الله‪:‬‬
‫فإنه يجلو صدأ القلوب‪ ،‬ويذهب ما ران عليها من آثام ومعاص‪ ،‬ويزيد من‬
‫قرب النسان لربه ل سيما إذا كان مستشعرا للذكر‪ ،‬مصاحبا له في كل‬
‫أحواله وحركاته وهيئاته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ل ِذِك ْرِ اللهِ وَ َ‬
‫ما‬ ‫شعَ قُلوب ُهُ ْ‬
‫خ َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫مُنوا أ ْ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬
‫ن ل ِل ِ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫يقول الله ‪ -‬عز وجل ‪) -‬أل ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫ق()‪] (8‬سورة الحشر‪ ،‬الية‪ [16 :‬ويقول ‪ -‬عز وجل ‪) -‬وَن ُن َّز ُ‬ ‫ح ّ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫ن ََز َ‬
‫ن()‪] (9‬سورة السراء‪ ،‬الية‪ [82 :‬وقد ذم‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫فاٌء وََر ْ‬
‫ش َ‬
‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫الله المنافقين في كتابه لقلة ذكرهم لله‪ .‬فذكر الله علج حاسم لبتلء القلب‬
‫َ‬
‫ب()‪] (10‬سورة الرعد‪ ،‬الية‪[28 :‬‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫وامتحانه )أل ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ‬
‫َ‬
‫ومن أعظم أنواع ذكر الله‪ :‬قراءة القرآن‪ ،‬يقول ‪ -‬تعالى ‪) :-‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫ن‬
‫فال َُها()‪] (11‬سورة محمد‪ ،‬الية‪.[24 :‬‬ ‫ب أ َقْ َ‬‫م عََلى قُُلو ٍ‬
‫قرآ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ال ْ ُ ْ َ‬
‫ونحن نرى كثيرا من المسلمين يستغرق في قراءة‪ ،‬الصحف والجرايد‪،‬‬
‫ومطالعة وسائل العلم وقتا طويل بل تعب ول كلل ول ملل‪ .‬بينما تجد الواحد‬
‫منهم ل يقرأ ولو جزءا يسيرا من القرآن‪ ،‬بل لو جلس وقتا لقراءة القرآن لم‬
‫يلبث أن يمل ويعدوه إلى غيره‪.‬‬
‫يقول أحد السلف‪ :‬والله لو طهرت قلوبنا ما مللنا من قراءة القرآن‪.‬‬
‫‪ -2‬المراقبة والمحاسبة‪:‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪ :-‬أنها من أهم العوامل لعلج القلب‬
‫واستقامته‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪ :‬وهلك النفس من إهمال محاسبتها‪ ،‬ومن موافقتها واتباع‬
‫هواها‪ ،‬ولذلك ورد في الثر‪" :‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على الله الماني" )‪ (12‬وكان عمر‬
‫يقول‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر مدارج السالكين )‪ (3/18‬لبن القيم ج ‪ 1‬دار النفائس‪.‬‬
‫)‪ - (2‬سورة النعام آية‪.163-162 :‬‬
‫)‪ - (3‬سورة البينة آية‪.5 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة آل عمران آية‪.31 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة الحشر آية‪.7 :‬‬
‫)‪ - (6‬سورة الحزاب آية‪.36 :‬‬
‫)‪ - (7‬قال النووي‪ :‬حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة‪ ،‬بإسناد‬
‫صحيح‪ ،‬وأعله ابن رجب كما في جامع العلوم والحكم ص ‪ 1574‬ط دار‬
‫الفرقان‪.‬‬
‫)‪ - (8‬سورة الحديد آية‪.16 :‬‬
‫)‪ - (9‬سورة السراء آية‪.82 :‬‬
‫)‪ - (10‬سورة الرعد آية‪.28 :‬‬
‫)‪ - (11‬سورة محمد آية‪.24 :‬‬
‫)‪ - (12‬رواه أحمد )‪ ،(124 /4‬وابن ماجة )‪ (2/1423‬والترمذي )‪(550 /4‬‬
‫وحسنه‪ ،‬وضعفه غيره‪ ،‬وليس فيه )الماني(‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ .‬وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا" )‪ (1‬ويقول‬


‫الحسن‪" :‬ل تلقى المؤمن إل وهو يحاسب نفسه"‪ ،‬ويقول أيضا‪" :‬إن العبد ما‬
‫يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه‪ ،‬وكانت المحاسبة من همته"‪ ،‬وقال‬
‫ميمون بن مهران‪" :‬إن التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح" )‪.(2‬‬
‫فيراقب النسان نفسه قبل العمل‪ :‬في إخلصه‪ ،‬ومتابعته‪ .‬ويراقب قلبه في‬
‫تحقيقه للمحبة لله وفي الله‪ ،‬ويجاهدها على ذلك‪ .‬كما يحاسبها بعد العمل‬
‫على التقصير فيه‪ ،‬وعدم كمال الخلص‪.‬‬
‫ول ريب أن هذين من أهم الوسائل لعلج أمراض القلب‪ ،‬يقول ‪ -‬تعالى‪:-‬‬
‫سب ُل ََنا()‪] (3‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.[69 :‬‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫)َوال ّ ِ‬
‫‪ -3‬وسائل أخرى‪:‬‬
‫فمنها العلم‪ ،‬تحقيق التقوى‪ ،‬قيام الليل‪ ،‬كثرة الدعاء خاصة في الثلث الخير‬
‫من الليل‪ ،‬فإن سهام الليل ل تخطيء‪ ،‬فليكثر النسان فيه من التضرع إلى‬
‫الله‪ ،‬وسؤاله الصفح والمغفرة والستر والتجاوز‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫صد َق ً‬
‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫خذ ْ ِ‬ ‫ومنها إطابة المطعم والملبس‪ ،‬وكثرة الصدقة‪ُ ) ،‬‬
‫م ب َِها()‪] (4‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪.[103 :‬‬ ‫م وَت َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫ت ُط َهُّرهُ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ضوا ِ‬‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ومن أعظمها‪ :‬غض البصر‪ ،‬قال ‪ -‬سبحانه‪) :-‬قُ ْ‬
‫م()‪] (5‬سورة النور‪ ،‬الية‪[30 :‬‬ ‫كى ل َهُ ْ‬‫ك أ َْز َ‬
‫م ذ َل ِ َ‬‫جهُ ْ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ف ُ‬‫ح َ‬‫م وَي َ ْ‬‫صارِهِ ْ‬
‫َ‬
‫أب ْ َ‬
‫وهنا‪ ،‬وبعد أن ذكرنا علج أمراض القلوب‪ ،‬نذكر كلما نفيسا لبن القيم‪.‬‬
‫علمات صحة القلب وسلمته‪ ،‬وعلمات موته وشقاوته‪.‬‬
‫علمات صحة القلب وسلمته‬
‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪ -‬في علمات صحة القلب ونجاته‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ل يزال يضرب على صاحبه حتى يتوب إلى الله وينيب‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه ل يفتر عن ذكر ربه‪ ،‬ول يسأم من عبادته‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أشد من فوات ماله‪ .‬وهنا وقفة! رحم‬
‫الله ابن القيم‪ ،‬فما عساه يقول فيمن ليس له ورد‪ ،‬بل ما عساه يقول فيمن‬
‫إذا فاتته الصلة المفروضة ل يجد ألما وحسرة‪ ،‬وكأنه لم يسمع حديث رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم " من فاتته صلة العصر فكأنما وتر أهله وماله " )‬
‫‪) (6‬أي‪ :‬كأنما فقد أهله وماله وهلكوا(‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يجد لذة في العبادة كثر من لذة الطعام والشراب ]فهل يجد أحدنا لذة‬
‫في العبادة‪،‬؟![ أو يجد اللذة إذا خرج منها؟!‪.‬‬
‫‪ -5‬أنه إذا دخل في الصلة ذهب غمه وهمه في الدنيا ]ونحن ل تجتمع المور‬
‫والعمال علينا إل في الصلة‪ ،‬حتى قال لي أحد الخوة‪ :‬إنه رأى رجل بعد أن‬
‫دخل في الصلة أخرج فاتورة للحساب‪ ،‬وأخذ يراجع الحسابات ‪-‬وهو في‬
‫الصلة‪ -‬إلى قصص كثيرة تبين ذهاب الخشوع‪ ،‬والخضوع بين يدي الله ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪ -‬في الصلة‪.‬‬
‫فأين لذة الصلة عند هؤلء؟ وأين الصلة التي كان الرسول‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول فيها‪ " :‬أرحنا بالصلة يا بلل )‪ " (7‬ويقول‪ " :‬وجعلت قرة عيني‬
‫في الصلة " )‪ (8‬فإن لسان حال كثير من المصلين "أرحنا من الصلة" وتجد‬
‫أحدهم لو أطال المام القراءة‪ ،‬سرد عليه محفوظاته في الحاديث التي تأمر‬
‫برعاية حال المأمومين‪ ،‬بينما لو أخل المام بأدائها وواجباتها لم يجد من ينبهه‬
‫‪-‬إل ما شاء الله‪ -‬والله المستعان‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يكون همه لله وفي ذات الله‪ ،‬وهذا مقام رفيع‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا أشهد من شح البخيل بماله‪.‬‬
‫‪ -8‬أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أكثر من اهتمامه بالعمل ذاته )‪] (9‬وهذه‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نقطة مهمة جدا‪ .‬فيجب أن يكون اهتمام النسان بتصحيح العمل كبيرا في‪:‬‬
‫تصحيح القصد‪ ،‬وتحقيق المتابعة‪ ،‬وتحقيق العبودية في العمل؛ فإن هذا هو‬
‫الغاية من العمل‪.‬‬
‫فهذه علمات لسلمة القلب وصحته‪ ،‬وإليك ‪-‬أخي القارئ‪ -‬علمات شقاوته‬
‫وعلته‪.‬‬
‫علمات مرض القلب وشقاوته‬
‫حيث ذكر ابن القيم من علمات مرضه جملة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ل تؤلمه جراحات القبائح‪.‬‬
‫فهل نتألم نحن لجراحات قلوبنا‪ ،‬وما نقترفه من معاص وآثام في الليل‬
‫والنهار؟‬
‫وهل نندم ونعزم على التوبة كلما أذنبنا؟‬
‫وهل آلمنا ما نراه في مجتمعنا من معاص ومنكرات؟‬
‫وهل عملنا على تغييرها ما استطعنا‪ ،‬وهذا أمر ‪-‬ل شك‪ -‬عظيم‪-‬؛ فإن القلب‬
‫الذي ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا في نفسه ول في مجتمعه قلب يحتاج‬
‫صاحبه إلى تدارك نفسه قبل فوات الوان‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه يجد لذة في المعصية‪ ،‬وراحة بعد عملها ]وإنما حال المؤمن إذا عصى‬
‫الله أن يندم ويستغفر ويتحسر على ما فات‪ ،‬ويسارع في التوبة إلى الله[‪.‬‬
‫وهناك من الناس ‪-‬للسف‪ -‬من ينطبق عليه كلم ابن القيم‪ ،‬فبعض مشاهدي‬
‫الفلم نجده يجد لذة في مشاهدتها‪ ،‬ول تكاد تفارقه تلك اللذة لمدة طويلة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬الثر رواه الترمذي )‪.(550 /4‬‬
‫)‪ - (2‬انظر رسالة مرض القلب وصحته‪.‬‬
‫)‪ - (3‬سورة العنكبوت آية‪.69 :‬‬
‫)‪ - (4‬سورة التوبة آية‪.103 :‬‬
‫)‪ - (5‬سورة النور آية‪.30 :‬‬
‫)‪ - (6‬رراه البخاري )‪ (30 /2‬ومسلم )‪.(436 /1‬‬
‫)‪ - (7‬رواه أحمد ‪ (371 ،5/364‬وأبو داود )‪ 223 /19‬بذل(‪.‬‬
‫)‪ - (8‬رواه أحمد )‪ (185 ،199 ،128 /3‬والنسائي )‪ (61 /7‬وغيرهما‪.‬‬
‫)‪ - (9‬انظر رسالة مرض القلب وصحته‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وكذلك نجد من متابعي المباريات من يجد لذة في مشاهدتها وحضورها‪ ،‬ول‬


‫تفارقه النشوة لفترة ‪-‬خاصة إذا فاز فريقه‪ -‬فهل نعي بعد ذلك خطورة هذا‬
‫المر؟‬
‫‪ -3‬أنه يقدم الدنى على العلى‪ ،‬ويهتم بالتوافه على حساب معالي المور‬
‫]فماذا نقول عن بعض المسلمين ممن أصبح ل يهتم بحال إخوانه وشئون‬
‫أمته‪ ،‬بينما يعرف من التوافه أكثر مما يعرف عن أمور دينه‪ ،‬وأخبار علماء‬
‫السلم وأئمته[‪.‬‬
‫وكم يتأسف النسان على أموال كثير من شبابنا ممن أغرم بحب الرياضة‬
‫والفن‪ ،‬ويهتم لها ويحزن ويغتم‪ ،‬أكثر مما يهتم لقضايا إخوانه في‪ :‬أفغانستان‪،‬‬
‫فلسطين‪ ،‬الفلبين‪ ،‬أريتربا‪ ...‬الخ‪ .‬فهل هذا قلبه سليم؟ بل نقول لهذا‪ :‬أدرك‬
‫قلبك فهو على شفا هلكة‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يكره الحق ويضيق صدره به‪ ،‬وهذا بداية طريق النفاق‪ ،‬بل غايته‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -5‬أنه يجد وحشة من الصالحين‪ ،‬ويأنس بالعصاة والمذنبين ]فتجد من الناس‬


‫من ل يطيق الجلوس مع الصالحين‪ ،‬ول يأنس بهم؛ بل يستهزئ بهم‬
‫ومجالسهم‪ ،‬ول ينشرح صدره إل في مجالسة أهل السوء وأرباب المنكرات‪،‬‬
‫ول شك أن هذا دليل على ما في قلب صاحبه من فساد ومرض[‪.‬‬
‫‪ -6‬قبوله الشبهة‪ ،‬وتأثره بها‪ ،‬وحبه للجدل‪ ،‬وعزوفه عن قراءة القرآن‪.‬‬
‫‪ -7‬الخوف من غير الله‪ ،‬ولذلك يقول المام أحمد‪ :‬لو صححت قلبك لم تخف‬
‫أحدا‪] ،‬وهذا العز بن عبد السلم يتقدم أمام أحد الملوك الطغاة‪ ،‬ويتكلم عليه‬
‫بكلم شديد‪ ،‬فلما مضى قال له الناس‪ :‬أما خفت يا إمام‪ ،‬فقال‪ :‬تصورت‬
‫عظمة الله‪ ،‬فأصبح عندي كالهر‪ ،‬والن نرى من الناس من يخاف من‪:‬‬
‫المسئول‪ ،‬الضابط وغيرهما أكثر من ‪+‬خوفه من الله‪ ،‬وهذا ل شك دخن في‬
‫قلب صاحبه‪ ،‬والعاقل خصيم نفسه[‪.‬‬
‫‪ -8‬وجود العشق في قلبه‪ ،‬قال شيخ السلم‪ :‬وما يبتلى بالعشق أحد إل‬
‫لنقص توحيده وإيمانه‪ ،‬وإل فالقلب المنيب فيه صارفان يصرفانه عن العشق‪،‬‬
‫إنابته إلى الله ومحبته له‪ ،‬وخوفه من الله‪.‬‬
‫‪ -9‬أنه ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا ول يتأثر بموعظة‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫لئن كنت قد أطلت في عرض هذا الموضوع‪ ،‬فمرد ذلك إلى أن يستأثر‬
‫باهتمامكم‪ ،‬فالله الله في قلوبكم‪ ،‬بالرفق بها وحملها على الخير‪ ،‬والعناية بها‬
‫أو منعها وحمايتها مما يضرها‪.‬‬
‫وكم يصاب النسان بالحزن عندما يعلم أنه مصاب بمرض حسي في قلبه‪،‬‬
‫فهل حزنا مثل ذلك من جراحات القلب وأمراضه‪ ،‬من المعاصي والثام‪ ،‬من‬
‫المتحان الذي يعرض على قلوبنا صباح مساء‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬ ‫ما ٌ‬
‫ل َول ب َُنو َ‬ ‫فع ُ َ‬
‫م ل ي َن ْ َ‬
‫فلنتق الله في قلوبنا‪ .‬ففي صلحه النجاة )ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫م()‪] (1‬سورة الشعراء‪ ،‬اليتان‪.[89-88 :‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫ب َ‬ ‫أَتى الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬
‫هل راقبنا الله فيما انتشر من الذنوب من‪ :‬أكل الربا‪ ،‬والمعاونة عليه‪ ،‬وأخذ‬
‫الرشوة وإعطائها‪ ،‬ومن الولوغ في أعراض الناس بالغيبة والنميمة‪ ،‬في ذنوب‬
‫ل يحصيها محص ول يعدها عاد؟‬
‫ولنرحم هذه القلوب‪ ،‬ولنحملها على طاعة الله بإكثار قراءة القرآن‬
‫ومدارسته‪ ،‬وكثرة النوافل والعبادات‪ ،‬وكثرة الصدقة‪ ،‬وذكر الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬
‫حتى نلقى الله بقلوب سليمة مخبتة أواهة أوابة‪ ،‬وأكرر التحذير من انشغال‬
‫كثير من الناس بقلوب إخوانهم غافلين عن قلوبهم‪ ،‬فالنجاة النجاة‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك الثبات في المر‪ ،‬والعزيمة على الرشد‪ ،‬ونسألك شكر‬
‫نعمتك‪ ،‬وحسن عبادتك‪ ،‬ونسألك من خير ما تعلم‪ ،‬ونعوذ بك من شر ما تعلم‬
‫ونستغفرك لما ل نعلم‪ ،‬اللهم إنا نسألك قلبا سليما‪ ،‬ولسانا صادقا‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬سورة الشعراء آية‪.89-88 :‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫امتداد حقوق النسان‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫‪ ...‬إن السلم هو الدين الحق من عند الله ‪ ،‬بعث به جميع النبياء والمرسلين‬
‫‪ ،‬الذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فاكتمل الدين به ‪ ،‬منهجا ً رّبانيا ً‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للنسان ‪ ،‬للناس كافة ‪ ،‬للبشرية كلها ‪:‬‬


‫)) ‪ ..‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا ً‬
‫‪ ](( ..‬المائدة ‪[ 3 :‬‬
‫فالسلم ينظر إلى النسان وإلى حقوقه في هذه الحياة الدنيا نظرة شاملة‬
‫تمتد مع مختلف الحوال والظروف ‪ ،‬ومع العصور والزمان ‪ ،‬ومع القطار‬
‫والجناس ‪ ،‬نظرة عادلة دقيقة ‪ ،‬متوازنة على أسس رّبانية ‪.‬‬
‫إن حقوق النسان تأخذ امتدادها وشمولها في السلم من القاعدة الربانية‬
‫الولى ‪ ،‬قاعدة اليمان والتوحيد ‪ ،‬كما يبّينها لنا الحديث الشريف الذي نعيده‬
‫هنا للتأكيد والتذكير ‪:‬‬
‫" يا معاذ بن جبل ‍ هل تدري ما حق الله على عباده وما حق عباده على‬
‫ن حق الله على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا ً ‪ ،‬وحق العباد‬ ‫الله ؟ فإ ِ ّ‬
‫ً‬
‫ذب من ل يشرك به شيئا "] رواه أحمد والشيخان‬ ‫على الله أن ل يع ّ‬
‫والترمذي وابن ماجة [)‪(1‬‬
‫ور ‪ ،‬من هذه القاعدة الربانّية تنطلق حقوق النسان وتنطلق‬ ‫من هذا التص ّ‬
‫مسؤولياته ‪ ،‬وتترابط الحقوق والمسؤوليات بذلك ‪.‬‬
‫ومن هنا نرى أن الحقوق والمسؤوليات شرع من عند الله ل يعصف بها ك ِْبر‬
‫النسان ول غروره ‪ ،‬ول أوهامه ول ظنونه ‪ ،‬ول مصالحه المتبدلة المتناقضة ‪،‬‬
‫ولكنها تدخل في أعمال النسان وأعماق مصالحة الطاهرة في الدنيا كما‬
‫شرعها الله له ‪.‬‬
‫فارتباط الحقوق بالمسؤوليات على النحو الذي عرضناه ‪ ،‬وارتباط الحقوق‬
‫والمسؤوليات بجميع مصالح النسان الطاهرة العادلة التي شرعها الله له ‪،‬‬
‫هو المعنى الول من معاني شمول النظرة السلمية لحقوق النسان ‪.‬‬
‫ول تنحصر حقوق النسان ول تنشأ من ارتباطه بأرض ‪ ،‬لتنفي الحقوق عن‬
‫إنسان ارتبط بَأرض أخرى ‪ .‬ول تنحصر الحقوق باللون واللغة والجنس ‪،‬‬
‫ولكنها تمتد مع النسان حيثما كان ‪ ،‬ومهما كان لونه أو كانت لغته ‪ ،‬إنها نظرة‬
‫في السلم شاملة لحقوق النسان في الرض كلها بألوانه ولغاته ‪ .‬وهذا هو‬
‫المعنى الثاني للمتداد والشمول ‪.‬‬
‫وتمتد نظرة السلم إلى النسان في جميع مراحل حياته ‪ ،‬ويقرر لكل مرحلة‬
‫حقوقها ومسؤولياتها فالسلم يقرر حق رعاية الجنين ‪ ،‬والرضيع والفطيم‬
‫ي والفتى والرجل والشيخ والهرم ‪ ،‬لتكون هذه الحقوق مّلبية لحاجة‬ ‫والصب ّ‬
‫كل مرحلة من مراحل حياة النسان ‪ .‬وتمتد هذه الحقوق إلى المّيت ‪ ،‬فتنشأ‬
‫له حقوق نابعة من القاعدة الربانية الولى التي سبق ذكرها ‪ .‬إنها حقوق‬
‫ددها الله رب العالمين وبلغها رسوله المين محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وهذا هو المعنى الثالث من معاني الشمول والمتداد ‪.‬‬
‫والمعنى الرابع للشمول والمتداد هو امتداد الحقوق والمسؤوليات في‬
‫السلم إلى جميع الروابط اليمانية وعلقاتها ‪ .‬وأول هذه الروابط أخوة‬
‫صل حقوقها ومسؤولياتها حتى ل تقف عند حدود‬ ‫اليمان التي فرضها الله وف ّ‬
‫العواطف التي تشتعل وتنطفئ حسب المصالح والهواء ‪ .‬فكانت هذه‬
‫الرابطة بحقوقها ومسؤولياتها جزءا ً من إيمان وتوحيد ‪ .‬وكذلك رابطة الجوار‬
‫والمصاحبة في العمل أو السفر ‪ ،‬وكل رابطة تنشأ في السلم وتنبع من‬
‫اليمان وتخضع لشرع الله ‪ ،‬هي علقة لها حقوق ومسؤوليات في السلم ‪.‬‬
‫والمعنى الخامس من معاني الشمول والمتداد هو امتداد الحقوق‬
‫ي المر إلى العلماء‬ ‫والمسؤوليات إلى جميع مستويات المة ابتداء من ول ّ‬
‫صل السلم في هذه الحقوق والمسؤوليات‬ ‫حتى الخادم والمولى ‪ .‬فقد ف ّ‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتتوازن موازنة أمينة عادلة تحفظ للمة ترابطها ‪ .‬وتجد أن من الموالي في‬
‫السلم من بلغ منزلة في العلم عالية ‪ ،‬رفعته في المة وتاريخها ‪ .‬فنافع‬
‫مولى عبدالله بن عمر كان من رواة حديث رسول الله ‪ ،‬ومن الرواة‬
‫الموثوقين الذين تأخذ المة عنهم روايتهم ‪ .‬إنهم كانوا يتمتعون بحقوق ل يكاد‬
‫دما ً مادي ّا ً ‪.‬‬
‫يتمتع بها كثير من عبيد حضارة القرن العشرين في أكثر الدول تق ّ‬
‫وللخادم منزلته واحترامه وحقوقه كذلك ‪ ،‬حقوق تكاد ُتفقد في أعاصير‬
‫الحضارة المادية وتهافتها وصراعها على الدنيا ‪.‬‬
‫والمعنى السادس هو امتداد الحقوق والمسؤوليات إلى الرحام ‪ ،‬الحقوق‬
‫صلت كريمة ندّية باليمان عَِبقة بعبق‬ ‫صلها السلم ورعاها لتكون ال ّ‬‫التي ف ّ‬
‫المودة والحسان ‪.‬‬
‫لقد رعى السلم حقوق جميع هذه الروابط اليمانية ومسؤولياتها ‪ ،‬وجميع‬
‫حقوق المستويات ومسؤولياتها ‪ ،‬حتى ل تتحول أي رابطة إلى عصبية‬
‫جاهلية ‪ ،‬ول تتحول حقوق أي مستوى إلى كبر وغرور ‪ ،‬وظلم وطغيان ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صل حقوقها ومسؤولياتها‬ ‫لسلم ويف ّ‬ ‫ليمانية التي يرعاها ا ِ‬


‫ومن أهم الروابط ا ِ‬
‫روابط السرة ‪ ،‬الروابط التي تربط بين الزوج والزوجة ‪ ،‬وبين الوالدين‬
‫ل السرة هي النواة التي يبنى منها‬ ‫والبناء ‪ ،‬وبين البناء أنفسهم ‪ ،‬لتظ ّ‬
‫لسلم هذه الروابط اليمانية‬ ‫المجتمع والمة ‪ ،‬والحياة البشرية ‪ ،‬يرعى ا ِ‬
‫رعاية تصونها من النحراف أو التحول ِإلى عصبيات جاهلّية تنصر الباطل عن‬
‫الحق ‪ .‬وترعاها رعاية تحفظ لها قوتها وعدالتها ‪ .‬بّر البناء بوالديهم بّر يفصله‬
‫السلم تفصيل ً ‪ ،‬وحنان البوين على البناء ورعايتهما لهم يرعاه السلم‬
‫ويغذيه ليوفي الحنان بالحقوق وليقوم بالمسؤوليات ‪.‬‬
‫إن الصورة من امتداد النظرة لحقوق النسان ومسؤولياته وشمولها نظرة‬
‫فريدة ‪ ،‬ل تجدها لدى أيّ شعب ول لدى أي تشريع ‪ .‬لقد تفككت السرة في‬
‫حضارة القرن العشرين في دنيا الَعلمانية ‪ ،‬وتمّزقت روابط السرة وتقطعت‬
‫وشائجها ‪.‬‬
‫)) فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم ((‬
‫] محمد ‪[ 22 :‬‬
‫وهذا هو المعنى السابع لمتداد النظرة في السلم وشمولها لحقوق‬
‫النسان ‪.‬‬
‫والمعنى الثامن لمتداد حقوق النسان في السلم وشمولها هو في نظرة‬
‫السلم إلى المرأة وحقوقها ‪ .‬فل تنحصر الحقوق في السلم بالرجل ‪ ،‬وإنما‬
‫تشمل المرأة وترعاها في جميع أعمارها وأحوالها ‪ ،‬طفلة وصبية وزوجة‬
‫ما ً ‪ .‬ويعطي السلم تفصيلت لكل حالة من هذه الحالت ‪ .‬ويرعى المرأة‬ ‫وأ ّ‬
‫وحقوقها عند الزواج والطلق ‪ ،‬والميراث والعلم في حدود ما شرع الله ‪،‬‬
‫وأعطاها حق التملك والتصّرف بأموالها ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫لقد انتقلت المرأة بالسلم نقلة عظيمة جدا ً لم تعرفها في تاريخ أي شعب‬
‫ليمان‬
‫من الشعوب ‪ .‬إنها انتقلت من الجاهلّية إلى السلم ‪ِ ،‬إلى نور ا ِ‬
‫والتوحيد ‪ ،‬فأعاد لها إنسانّيتها وفطرتها التي فطرها الله عليها سليمة نقّية ‪،‬‬
‫ونبعت حقوقها ومسؤولياتها من القاعدة ذاتها ‪ ،‬قاعدة اليمان والتوحيد ‪.‬‬
‫حّرّيتها الطاهرة الحقيقية ‪ ،‬ل بحرّية الدنس‬ ‫لقد شعرت المرأة في السلم ب ُ‬
‫والجنس والفاحشة ‪ ،‬ول بحرّية الفتنة والفساد والجريمة ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد شعرت المرأة في السلم بالمن والطمأنينة والمان ‪ ،‬حين عرفت‬


‫واما ً في البيت ‪،‬‬
‫جق ّ‬‫حقوقها التي شرعها الله لها ‪ ،‬وحين جعل الله الزو َ‬
‫ليرعى حقوق جميع أفراد السرة من زوجة وبنين وبنات ومسؤولياتهم ‪،‬‬
‫لسلم‬ ‫سب عليها كما ُتحاسب المرأة بين يدي الله ‪ ،‬وحين جعل ا ِ‬ ‫وليحا َ‬
‫ُ‬
‫مؤسسات المة كلها ترعى هذه الحقوق جميعها وتحميها ‪ :‬المعاهد ‪ ،‬والقضاء‬
‫‪ ،‬والولة ‪ ،‬والعلماء وأولو المر ‪ ،‬وقبل كله بّر البناء الذي أمر به الله ‪،‬‬
‫ورعاية الزوج وحدبه ووفاؤه ‪ ،‬والسكن الذي ينشأ من ذلك كله ‪ .‬إن هذا المن‬
‫الذي تجده المرأة المسلمة ُيضاف إلى المن الداخلي في نفسها ‪ ،‬المن‬
‫النابع من صفاء اليمان والتوحيد ‪ ،‬وصدق التقوى وحسن التوكل على الله ‪.‬‬
‫إن هذا المن ل تعرفه ول تجده أيّ امرأة في الغرب أو الشرق إل إذا آمنت‬
‫وصدق إيمانها ‪ ،‬وأعانها على ذلك قوامة الزوج وبّر البناء والمجتمع المسلم ‪.‬‬
‫لقد تابع السلم المرأة في جميع مراحل حياتها وجميع أحوالها وبّين لها‬
‫مسؤولياتها وحقوقها كما فعل مع الرجل ‪ ،‬ومن خلل ذلك ضبط العلقة بين‬
‫المرأة والرجل ونظم حدودها وحقوقها ومسؤولياتها ‪.‬‬
‫ن الحقيقة‬ ‫ولقد أثار بعضهم شبهات حول نظرة السلم للمرأة وحقوقها ‪ .‬ولك ّ‬
‫أن الشبهات هي في نظرة أولئك إلى المرأة وليست في نظرة السلم ‪.‬‬
‫الحقيقة المؤلمة أن حضارة الغرب ‪ ،‬حضارة الَعلمانيين ‪ ،‬حين دفعت المرأة‬
‫إلى ميدان العمل ‪ ،‬ورفعت شعار مساواة المرأة بالرجل ‪ ،‬جّردت المرأة من‬
‫متعَ الجنس‬ ‫فتها ‪ ،‬ثم جّردتها من حقوقها وحملتها ما ل تطيق ‪ ،‬في ُ‬ ‫لباسها وع ّ‬
‫درتها ‪ ،‬وأهلكتها حين جعلتها تلهث راكضة وراء لقمة‬ ‫المتفلت والفاحشة فخ ّ‬
‫العيش ‪ .‬فما رعت حقوق الزوج ‪ ،‬ول أوفت بحقوق البناء ‪ ،‬وتحطمت السرة‬
‫سكن عن حياة الزوج والزوجة ‪.‬‬ ‫وتمزقت وشائجها ‪ ،‬وذهب ال ّ‬
‫إن التاريخ يقدم لنا أمثلة رائعة عن عظمة المرأة في السلم وما قدمته من‬
‫خير في ميادين متعددة في الحياة ‪ .‬ويقدم لنا التاريخ أيضا ً صورا ً مفزعة عن‬
‫هوان المرأة وذلها وضياعها خارج السلم قديما ً وحديثا ً ‪ ،‬حين أصبحت المرأة‬
‫موضع لهو الرجال وعبثهم تحت شعارات كاذبة كثيرة وزخارف مضللة ‪.‬‬
‫وقد أخذ كثير من أبناء الحضارة الغربية يشعرون بما فقدته المرأة حين‬
‫تركت البيت ورعايته ومسؤولياته ‪ ،‬وجرت تلهث في ميادين العمل الملوث‬
‫بالفاحشة ‪ .‬لقد ذكرنا بعضا ً مما كتبه غوربا تشوف عن ذلك " البيروسترويكا‬
‫" ‪ ،‬حين أقّر بان المجتمع ظ ََلم المرأة والرجل والبناء ‪ ،‬حين ت َُعد المرأة تجد‬
‫وقتا ً للراحة في بيتها ‪ ،‬ولممارسة حق المومة ورعاية أبنائها وزوجها ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكذلك أشار نيكسون في كتابه الخير ‪ " :‬ماذا بعد السلم " عن انهيار‬
‫دم إحصائيات‬ ‫السرة في أمريكا وانتشار الجريمة والفساد في المجتمع ‪ ،‬وق ّ‬
‫هامة عن هذه القضايا ‪ ،‬وعن انهيار التعليم والمواليد غير الشرعيين وغير‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫لقد كان من أخطر نتائج انفلت المرأة من ضوابط السلم انتشار الجريمة ‪،‬‬
‫وفساد الجيال ‪ ،‬حتى لم يعد العلم قادرا ً على ضبط المجتمع ومنع الجريمة ‪،‬‬
‫ول المعاهد ول دوائر المن ول رجال الشرطة ول القانون ‪(2).‬‬
‫وتمتد نظرة السلم إلى حقوق النسان لتشمل جميع الطوائف وأصحاب‬
‫الديانات ‪ .‬فقدم السلم بذلك المعنى التاسع والصورة المشرقة لعدالة‬
‫السلم في نظرته إلى حقوق النسان ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما بالنسبة للكافرين والمشركين فقد جادلهم السلم أدق جدال ‪ ،‬ورد ّ عليهم‬
‫ث جذور الكفر‬ ‫أعدل رد ّ من خلل دعوتهم إلى السلم ‪ .‬إن السلم جاء ليجت ّ‬
‫من الرض وليجفف منابعه ‪ .‬ذلك لن اليمان بالله واليوم الخر يمثل الحقيقة‬
‫الكبرى في الكون والحياة ‪ ،‬لن من مات كافرا ً سيدخل النار ‪ .‬فمهمة‬
‫السلم إذن هي إنقاذ النسان من فتنة الدنيا ومن عذاب الخرة ‪.‬‬
‫لذلك كان الحق الول للكافر في السلم هو أن ُيدعى إلى السلم دعوة‬
‫واضحة صريحة ‪ ،‬دعوة تحمل معها الحجة البّينة المقنعة والسلوب العمق‬
‫أثرا ً في النفس ‪ .‬ولقد أخذت هذه الدعوة مساحة واسعة من كتاب الله وسنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم لنها هي القضية الخطر والكبر ‪ ،‬وهي القضية‬
‫الولى ‪.‬‬
‫من حق الكافر أن ُيدعى إلى السلم بجلء ووضوح ‪ ،‬ومن مسؤولية المة‬
‫المسلمة أن تقوم بذلك ‪.‬‬
‫قه كذلك أن ل يجبر على اليمان ‪ ،‬بل يترك له الحق في أن يتخذ هو‬ ‫ومن ح ّ‬
‫بنفسه قراره في أن يؤمن أول يؤمن ‪ .‬فإن تاب وآمن فيصبح من المؤمنين ‪،‬‬
‫ليمان ‪ ،‬ويتمتع بحقوقهم ويتحمل مسؤولياته النابعة من‬ ‫وة ا ِ‬
‫يرتبط معهم بأخ ّ‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫صل اليات‬ ‫ّ‬ ‫ونف‬ ‫الدين‬ ‫في‬ ‫فإخوانكم‬ ‫الزكاة‬ ‫وآتوا‬ ‫الصلة‬ ‫وأقاموا‬ ‫تاب‬ ‫فإن‬ ‫))‬
‫لقوم يعلمون ((] التوبة ‪[ 11 :‬‬
‫وأما إن استمّر وبقي على كفره ‪ ،‬فليس له في أرض السلم مجال ‪ .‬ل‬
‫مجال في دار السلم للكفر ول للكافرين ‪ ،‬فيطبق عليهم شرع الله كما‬
‫جاءت به نصوص الكتاب والسنة ‪ .‬أما إن جاء أحد المشركين مستجيرا ً فيجار‬
‫حتى ُيبّلغ رسالة الله ‪ ،‬ثم ُيعان ليبلغ مأمنه ‪.‬‬
‫)) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم الله ثم أبلغه‬
‫مأمنه ذلك بأنهم قوم ل يعلمون (( ] التوبة ‪[ 6 :‬‬
‫صل في منهاج الله كل التفصيل ‪ .‬أما بالنسبة‬ ‫موقف السلم من الكافرين مف ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لهل الكتاب فقد جعل الله لهم وضعا مختلفا في الحقوق عن الكافرين‬
‫والمشركين ‪ ،‬وإن كانوا من حيث المعتقد كافرين ‪ ،‬ولكن الله سبحانه وتعالى‬
‫أعطاهم حقوقا ً في السلم ليست للكافرين ول المشركين ‪ ،‬لنهم أصحاب‬
‫دلوا‬ ‫ُ‬
‫زل من عند الله ‪ ،‬وأتباع رسل بعثهم الله برسالته ‪ ،‬ولكنهم ب ّ‬ ‫كتاب أن ْ ِ‬
‫وحّرفوا وظلموا ‪ ،‬فحسابهم في الخرة عند الله سبحانه وتعالى كما هو‬
‫مة المسلمين ‪ ،‬على أن ل‬ ‫حساب جميع عباده وخلقه ‪ .‬أما الدنيا فهم في ذ ّ‬
‫يخونوا ول يغدروا ‪ ،‬ويخضعوا لدولة السلم ‪ ،‬تمضي عليهم شريعته التي‬
‫تفصل حقوقهم ومسؤولياتهم ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويظل الحق الول لهؤلء وهؤلء أن يبلغوا رسالة السلم وأن ُيدعوا إليها‬
‫بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم فيعاملون على قدر ظلمهم وبما‬
‫يرّدهم عن الفتنة والفساد ‪:‬‬
‫)) ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم وقولوا‬
‫آمنا بالذي ُأنزل إلينا وُأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ((‬
‫] العنكبوت ‪[ 46 :‬‬
‫هذه هي الدعوة السلمية ‪ِ :‬إبلغ لرسالة الله إلى جميع خلقه ‪ ،‬ومتابعة‬
‫تحقيق أهدافها في الواقع البشري ‪ ،‬أهدافها الّربانية الثابتة ‪.‬‬
‫وتمتد حقوق النسان في السلم إلى جميع ميادين النسان وحالته سواء‬
‫أكان ذلك في القامة أم السفر ‪ .‬فللسفر حقوق وواجبات ‪ ،‬وقواعد وآداب ‪،‬‬
‫شيء الجيال عليها ‪ .‬فابن السبيل له حق الرعاية‬ ‫يتابعها السلم ويرعاها ‪ ،‬وين ّ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعون المادي والمعنوي ‪ .‬وهذه الصورة العاشرة ‪.‬‬


‫وحقوق النسان تمتد في السلم إلى جميع ميادين حياته ونشاطه وعمله ‪،‬‬
‫ابتداء من البيت والسرة ‪ ،‬إلى المعهد والدراسة ‪ ،‬إلى المسجد ‪ ،‬إلى السوق‬
‫‪ ،‬إلى الوظيفة ‪ .‬وكذلك تمتد إلى فكرة وكلمته وسعيه وعلقاته‪ ،‬لتكون‬
‫صلة ‪ ،‬ومتكاملة‬
‫الحقوق في هذا كله منضبطة بضوابط إيمانية رّبانية مف ّ‬
‫ل حالة ‪.‬‬‫متناسقة ‪ ،‬ومترابطة مع المسؤوليات في ك ّ‬
‫وكما ذكرنا سابقا ً فليس الهدف هنا إيراد جميع التفصيلت التي توضح ذلك ‪،‬‬
‫فهذا أمر ل نستطيعه نحن ول يستطيعه غيرنا ‪ ،‬لن هذه التفصيلت هي منهاج‬
‫الله كله ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫من هذا العرض الموجز يمكن أن ندرك أنه مع امتداد نظرة السلم لحقوق‬
‫قا ً مؤكدا ً في الدار‬
‫النسان هذا المتداد الذي عرضناه ‪ ،‬جعل الله للنسان ح ّ‬
‫الخرة لمن مات مؤمنا ً ل يشرك بالله شيئا ً ‪ .‬فأي امتداد للحقوق أكبر من‬
‫هذا ؟ لقد جعل الله للنسان حقا ً أن يدخله الجنة إن مات على غير شرك ‪،‬‬
‫َأي إن أّدى الحق الذي عليه ‪ ،‬فيؤّدي الله الحق الذي وعده إياه ‪.‬‬
‫حقوق النسان في السلم ممتدة مع جميع العصور والجيال والجناس ‪ ،‬ومع‬
‫جميع خلق الله ومراحل حياتهم وأحوالهم ‪ ،‬وهي ممتدة من الدنيا إلى‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫وليست القضية مجرد المتداد ‪ ،‬ولكنها الترابط والتناسق أيضا ً ‪ .‬الترابط‬
‫والتناسق النابعان من القاعدة الولى التي عرضناها في أول الفصل ‪ ،‬ومن‬
‫تكامل منهاج الله وترابطه حقا ً كامل ً ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‬
‫‪:‬‬
‫)) إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * ل يأتيه الباطل من‬
‫صلت ‪[ 42 ، 41 :‬‬ ‫بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ((] ف ّ‬
‫وِإن ما سيرد ذكره من حقوق للنسان في الفصول المقبلة ‪ ،‬ل يمثل كامل‬
‫حقوقه في السلم ‪ ،‬وإنما هي قبسات أو مقتطفات ‪ .‬وما نذكره من هذه‬
‫ن الله قد كّرم النسان‬ ‫المقتطفات فإنه حقوق للرجل والمرأة كذلك ‪ .‬فإ ّ‬
‫رجل ً أو امرأة ‪ ،‬والمرأة لها حق الحياة والمن ‪ ،‬وحق العمل في حدود ما‬
‫شرعه الله ‪ ،‬وحق التملك ‪ ،‬وحق التفكير وحرية الرأي ‪ ،‬وحق التعلم ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك مما سنذكره ‪.‬‬
‫ولكن المرأة لها حقوقها الخاصة المتوازنة مع مسؤولياتها ‪ .‬فهي ليست‬
‫مسؤولة عن النفاق على البيت إل إذا هي أحّبت أن تعين زوجها برضائهما‬
‫دم لها للزواج أو رفضه على أسس شرعية ‪،‬‬ ‫واتفاقهما ‪ ،‬وحق قبول من يتق ّ‬
‫وحقوق ُأخرى بينها السلم ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ ) :‬ط‪ ) ، ( 3:‬ج‪ ) ، ( 6:‬حديث‪. ( 7845 :‬‬
‫) ‪ ( 2‬يراجع كتاب "قبسات من الكتاب والسنة " للمؤلف ‪ :‬الفصل الثالث من‬
‫الباب الخامس ) ص ‪ 195‬ـ ‪ ( 224‬وكتاب واقع المسلمين أمراض وعلج‪:‬‬
‫الباب الول ‪ ،‬الفصل الخامس ‪ ) :‬ص ‪ 105 :‬ـ ‪ ، ( 124‬لدراسة أوسع عن‬
‫المرأة في السلم ‪ .‬وكتاب التعامل مع مجتمع غير مسلم من خلل النتماء‬
‫الصادق إلى السلم ‪ :‬الباب الثاني ـ الفصل الرابع ) ص‪ 67 :‬ـ ‪. ( 78‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫امتلك النفس عند الغضب‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬فحينما يأتي إنسان إلى رجل حكيم يطلب منه الوصية بما هو خير له‬
‫فإنه يرى نفسه مسؤول عنه ‪,‬وذلك بأن يمنحه خالص نصحه ‪ ,‬فكيف إذا كان‬
‫طلب منه النصح هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لينطق عن‬ ‫من ُ‬
‫الهوى ؟‬
‫ولقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬أوصني ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لتغضب ‪ ,‬فردد مراًرا قال‪ :‬لتغضب‪ .‬أخرجه المام البخاري)صحيح البخاري‬
‫رقم ‪ , 6116‬الدب ‪ (10/519) ,‬من حديث أبي هريرة (‪.‬‬
‫قدم على‬ ‫ومعنى اجتناب الغضب أن يملك النسان نفسه عند الغضب فل ي ُ ْ‬
‫قول أو فعل يندم عليه في حال الرضى ‪ ,‬بحيث يكون كل سلوكه محكوما‬
‫بعقله السليم في حالتي الغضب والرضى ‪ ,‬ل بالغرائز الجامحة ‪.‬‬
‫وإذا كان سلوك النسان محكوما بوحي من عقله السليم فإنه يحوز الخير كله‬
‫ويبتعد عن الشر كله ‪ ,‬لن العقل السليم ينسجم تماما مع الدين السلمي‬
‫الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ‪.‬‬
‫وهكذا جاءت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل في كلمة‬
‫واحدة ‪ ,‬ولكن هذه الكلمة تتضمن توجيها عاليا نحو السلوك المثل ‪,‬‬
‫فالنسان في حال الغضب يتصرف بدافع من عاطفته بعيدا عن تحكم العقل‬
‫من – والحال هذه – عليه أن يتفوه بكلم سفاهة أو أن يعتدي‬ ‫الرشيد ‪ ,‬فل يؤ َ‬
‫بجوارحه على من غضب عليه‪,‬فالحلم عند الغضب ضمان لسلوك المسلم‬
‫في كف أذاه بلسانه ويده‪.‬‬
‫وإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل كف الذى رمًزا للمسلم‬
‫الحق وذلك في قوله "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" فإننا‬
‫نعلم سمو المقاصد التي اشتمل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في هذا الحديث "لتغضب" ‪.‬‬
‫ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة النسان الذي يملك نفسه‬
‫صَرعة ‪ ,‬إنما الشديد الذي يملك نفسه‬ ‫عند الغضب بقوله "ليس الشديد بال ّ‬
‫عند الغضب" أخرجه المام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه)صحيح البخاري رقم ‪ , 6114‬الدب ) ‪. (10/518‬‬
‫فالشديد ليس هو القوي في بدنه الذي يصرع الرجال ‪ ,‬وإن كان هذا يعد ّ في‬
‫دا ‪ ,‬إنما الشديد حقا هو الذي يملك نفسه عند الغضب ‪ ,‬لنه‬ ‫عرف الناس شدي ً‬
‫استطاع أن يتغلب على ثلثة ‪:‬‬
‫‪ -1‬على من أغضبه لنه حينما يملك نفسه ويحجم عن الرد على مخاصمه‬
‫يكون قد غلبه بحسن الخلق والسبق إلى الفضيلة ‪ ,‬حيث بادر إلى حسم‬
‫الموقف والقضاء على الفتنة قبل أن يستعر أوارها ويشتد لهيبها ‪.‬‬
‫‪ – 2‬على شيطانه الذي يبادر إلى حضور الموقف منذ أن يبدأ النزاع ويظهر‬
‫الغضب ‪.‬‬
‫‪ – 3‬على شيطان خصمه الذي يحضر أيضا ويشارك في إيقاد نار الفتنة ‪.‬‬
‫ولقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من ملك نفسه عند الغضب بالجزاء‬
‫العظيم في الخرة كما جاء في قوله "من كظم غيظا – وهو يستطيع أن‬
‫ينفذه – دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلئق حتى يخيره من أي الحور‬
‫شاء") أخرجه المامان أبو داود والترمذي من حديث معاذ بن أنس الجهني‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رضي الله عنه ‪ ,‬وهو حديث حسن)سنن الترمذي رقم ‪ , 2021‬البر والصلة ‪,‬‬
‫باب من جاء في كظم الغيظ ‪ ,‬سنن أبي داود رقم ‪ , 4777‬الدب و باب من‬
‫كظم غيظا(‪.‬‬
‫فهذا ثواب جزيل لعمل جليل ‪ ,‬فالذي يكظم غيظه ويحكم نفسه فل يتصرف‬
‫ة لله تعالى فإنه يستحق هذا الجزاء الكبير ‪ ,‬ذلك لن كبح‬ ‫بما ليليق طاع ً‬
‫جماح النفس ساعة الغضب ليس بالشيء اليسير ‪ ,‬فإذا فعل النسان مايشق‬
‫عليه ابتغاء رضوان الله تعالى فإنه قد بلغ درجة عالية من اليمان ‪.‬‬
‫ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنواع من السلوك القولي‬
‫والفعلي بقصد صرف النفس عن أي تصرف يتنافى مع الدين والعقل السليم‬
‫صَرد‬‫‪ ,‬فمن ذلك ما أخرجه المامان البخاري ومسلم من حديث سليمان بن ُ‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬استب رجلن عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن‬
‫عنده جلوس‪ ,‬وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إني لعلم كلمة لو قالها لذهب عنه مايجد ‪ ,‬لو قال ‪:‬‬
‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ‪ ,‬فقالوا للرجل ‪ :‬أل تسمع مايقول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟ قال‪ :‬إني لست بمجنون )صحيح البخاري رقم ‪6115‬‬
‫‪ ,‬الدب )‪،(10/518‬‬
‫صحيح مسلم ‪ ,‬رقم ‪ , 2610‬البر ) ص ‪(2015‬‬
‫وهذا يبين أن صاحب هذا القول إما منافق أو أعرابي ليفقه أمور الدين أما‬
‫الصحابة رضي الله عنهم فقد كانوا يسارعون إلى تنفيذ أوامر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث توجيه إلى أحد الطرق المؤثرة في حماية المسلم من آثار‬
‫الغضب لن الشيطان الرجيم هو أحد العوامل المؤثرة في حمل الغاضب‬
‫على التصرف بما ليليق فإذا استعاذ منه المسلم الغاضب بحضور قلب‬
‫وتعظيم لله تعالى فإن مفعوله يبطل ويحصل للغاضب الهدوء والسكينة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأخرج المامان أحمد وأبو داود من خبر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إذا غضب أحدكم وهو قائم‬
‫فليجلس ‪ ,‬فإن ذهب عنه الغضب وإل فليضطجع" وهو حديث حسن )سنن‬
‫أبي داود رقم ‪ , 4782‬في الدب باب مايقال عند الغضب مسند أحمد‬
‫‪.(5/152‬‬
‫وأخرج المام أبو داود من حديث أبي وائل القاص بن عبد الله الصنعاني قال‪:‬‬
‫دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه ‪ ,‬فقام فتوضأ ‪,‬‬
‫فقال ‪ :‬حدثني أبي عن جدي عطية قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم " إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ‬
‫النار بالماء ‪ ,‬فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " وهو حديث حسن )سنن أبي داود‬
‫رقم ‪ , 4784‬في الدب ‪ ,‬باب مايقال عند الغضب وأخرجه المام أحمد‬
‫‪.( 4/226‬‬
‫فهذه توجيهات نبوية كريمة في مجالي القول والعمل لتخفيف الغضب‬
‫وتجفيف منابعه‪ ,‬فالقول أول بالستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ‪,‬‬
‫لن الشيطان يحضر ساعة الغضب فيحاول أن يوسوس في قلب المسلم‬
‫ليقول مال يحسن ويتصرف بما ليليق ‪ ,‬ولبد عند الستعاذة من حضور القلب‬
‫وذلك بتذكر عظمة الله تعالى وهيمنته على كل شيء ‪ ,‬فإن زال الغضب وإل‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن على الغاضب أن يغير من حاله التي هو عليها فإن كان قائما فليجلس‬
‫فإن ذهب الغضب وإل فليضطجع ‪ ,‬وذلك لن لحظات الغضب ثوان معدودات‬
‫فإذا غير النسان من وضعه فإن هذه الثواني تنقضي قبل أن يتصرف بما‬
‫ما إلى حد أنه لم ينفع معه ذلك فإن عليه‬ ‫ليليق ‪ ,‬فإن كان الغضب مستحك ً‬
‫أن يذهب ويتوضأ ‪ ,‬وهذا فيه إرغام للشيطان وإبطال لكيده ‪ ,‬كما أن المدة‬
‫التي سيقضيها الغاضب في الوضوء كافية لزالة كل آثار الغضب ‪.‬‬
‫وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملئكة عليهم السلم يحضرون‬
‫مجالس الخلف التي تقع بين المؤمنين فيثّبتون المؤمنين بتسكين قلوبهم‬
‫ويسددونهم نحو السلوك الفضل ‪ ,‬فإذا استجابوا لنداء النفوس الغضبية‬
‫فردوا على مخالفيهم بمثل ذلك الكلم الذي أغضبهم غادرتهم الملئكة وحضر‬
‫الشيطان ‪ ,‬وفي هذا المعنى أخرج المام أبو داود من حديث سعيد بن‬
‫المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ‪ :‬بينما رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر فآذاه ‪ ,‬فصمت أبو بكر ‪,‬‬
‫ثم آذاه الثانية فصمت عنه أبو بكر ثم آذاه الثالثة فانتصر منه أبو بكر ‪ ,‬فقام‬
‫ت‬‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر فقال أبو بكر ‪ :‬أَوجد َ‬
‫ي يارسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نزل ملك من‬ ‫عل ّ‬
‫السماء يكذبه بما قال لك ‪:‬فلما انتصرت وقع الشيطان‪,‬فلم أكن لجلس إذ‬
‫وقع الشيطان") سنن أبي داود رقم ‪ , 4897 – 4896‬الدب ‪ ,‬باب في‬
‫النتصار ‪ .‬وهو حديث حسن(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عمران‪...‬‬‫امرأة ِ‬
‫منال المغربي‬
‫‪Yafa-48@hotmail.com‬‬
‫مضى‬ ‫ت َ‬ ‫حاجة أكثر من أيّ وق ٍ‬ ‫ملنا في واقِع المرأة اليوم نجد ْ أّنها في َ‬ ‫إذا تأ ّ‬
‫ق‬ ‫ً‬
‫ن جديد )فكري ّا وروحّيا وسلوكي ّا( وفِ َ‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬
‫إلى ِإعادةِ بلورةِ شخصيتها ِ‬
‫قيام ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ورالسلمي الصحيح والمنهج الرّباني القويم حتى تتمكن ِ‬ ‫التص ْ‬
‫ُ‬
‫حّررٍ من كل ما يُعوقه عن‬ ‫لم َ‬ ‫بدورها الخطير في المجتمع وهو‪ :‬بناء جي ٍ‬
‫مة السلمّية‪ .‬ولهمّية دورها‬ ‫ق العّزةِ والنصر والتمكين لل ّ‬ ‫النطلق نحو تحقي ِ‬
‫م( قل نظيُرها في‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ة )أ ّ‬
‫ص َ‬
‫عمران ق ّ‬ ‫هذا عََرض القرآن الكريم في سورةِ آل ِ‬
‫عمران عليها السلم لتكون قدوة لغيرها من النساء‬ ‫أيامنا هذه‪ ،‬وهي امرأة ِ‬
‫على مّر التاريخ‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫حّررا ً فتقّبل مني‬ ‫ت لك ما في بطني م َ‬ ‫ب إّني نذر ُ‬ ‫عمران ر ّ‬ ‫))‪ ..‬إذ قالت امرأة ِ‬
‫ه أعلم‬ ‫ما وضعْتها قالت رّبي إني وضعُتها أنثى والل ُ‬ ‫إّنك أنت السميع العليم‪ .‬فل ّ‬
‫ك وذريَتها‬ ‫م وإني أعيذها ب َ‬ ‫ُ‬
‫ت وليس الذكُر كالنثى وإّني سميُتها مري َ‬ ‫بما وضع ْ‬
‫سنا‪.((...‬‬ ‫ً‬ ‫ح َ‬ ‫ً‬
‫ن وأنبتها نباتا َ‬ ‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َ‬ ‫قبو ٍ‬ ‫من الشيطان الرجيم ‪ .‬فتقّبلها رّبها ب َ‬
‫عمران؟‬ ‫ن هي امرأة ِ‬ ‫فم ْ‬
‫حّنة بنت فاقوذ بن قبيل‪ ،‬وقد ذكر ابن كثير والطبري وغيرهما أّنها كانت‬ ‫هي ِ‬
‫ً‬
‫ت إلى طائر ي ُطعم فرخا له‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ل شجرة نظر ْ‬ ‫عجوزا ل تحبل‪ ،‬فبينما هي في ظ ّ‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫حّررا ‪ -‬أي‬ ‫ت لتجعلّنه م َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ت لله إ ْ‬ ‫ب لها ولدًا‪ ،‬ونذر ْ‬ ‫ت الله أن يه َ‬ ‫فدع ْ‬
‫ملها توفي زوجها‬ ‫ح ْ‬ ‫ت بمريم‪ ،‬وأثناَء َ‬ ‫خدمة بيت المقدس ‪ ،-‬فحمل ْ‬ ‫ً‬
‫حبيسا في ِ‬
‫خَرقها‪،‬‬ ‫فتها في ِ‬ ‫مها حين وضعتها ل ّ‬ ‫نأ ّ‬ ‫سرين أ ّ‬ ‫ن المف ّ‬ ‫م َ‬
‫عمران‪ .‬ولقد ذكَر كثير ِ‬ ‫ِ‬
‫ت بها إلى المسجد‪ ،‬فسلمتها إلى العّباد الذين هم مقيمون فيه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫م خرج ْ‬ ‫ث ّ‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت نموذجًا‪:‬‬ ‫حّنة كان ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خلل قصتها هذه نستشف أ ّ‬ ‫من ِ‬


‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬للمرأة المؤمنة العابدة الشاكرة‪ ،‬ويتجلى ذلك بكثرةِ مناجاتها لله‪ ،‬وَتضرعها‬ ‫ّ‬
‫ن ُيبارك لها في وليدتها‪،‬‬ ‫ن َيتقّبل منها نذيرها‪ ،‬وأ ْ‬ ‫إليه كي يْرزقها ولدًا‪ ،‬وأ ْ‬
‫وُيعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫ق‬
‫م ِ‬ ‫ل على شيء فإّنه يدل على عُ ْ‬ ‫ند ّ‬ ‫مجابة الدعاء‪ ،‬وهذا إ ْ‬ ‫‪ -‬نموذجا ً للمرأة ال ُ‬
‫ن َرَزقها ولدا ً‬ ‫إيمانها وإخلصها لله عّزوجل‪ ،‬ويبدو ذلك باستجابةِ الله لدعائها بأ ْ‬
‫رغم ك َِبر سنها‪.‬‬
‫ت المعنى الحقيقي للحرّية التي ل تكون إل بالتحّرر‬ ‫مْثال ً للمرأة التي ف ِِهم ْ‬ ‫‪ِ -‬‬
‫ن يكون‬ ‫ذرها أ ْ‬ ‫عبودّية ما سوى الله عّزوجل‪ ،‬ويتجلى ذلك من خلل ن ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫شوبه‬ ‫ن المحّرر هوالخالص لله عّز وجل‪ ،‬ل ي َ ُ‬ ‫مولودها محّررا‪ ،‬قال مجاهد‪) :‬إ ّ‬ ‫ً‬
‫عَبادةِ الله(‪.‬‬ ‫شغله شاغل عن ِ‬ ‫ن أمر الدنيا ول ي ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ناحية‬ ‫م ْ‬‫عظم مسؤولياتها ُتجاه أولدها‪ِ ،‬‬ ‫َ‬ ‫شعر ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫‪ -‬نموذجا للمرأة التي ت َ ْ‬ ‫ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سنة ليس فقط دنيويا بل ديني ّا وأخلقيا‪ ،‬فأّول ما فكرت به‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ح َ‬ ‫تربيتهم التربية ال َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن يكون َولدها عْبدا مؤمنا صالحا‪ ،‬وِإعداده‬ ‫ضِعها أ ْ‬ ‫ملها وبعد َ وَ ْ‬ ‫حّنة أثناء ح ْ‬ ‫ِ‬
‫ليخدم دين الله عّزوجل‪.‬‬
‫خلل‬ ‫ن ِ‬ ‫حرص‪ ،‬ويظهر ذلك م ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -‬نموذجا ً للمرأة الحريصة على ابنتها كل ال ِ‬
‫ّ‬
‫ن الشيطان الرجيم‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ن ُيعيذها وذريتها ِ‬ ‫دعائها لله عّز وجل أ ْ‬
‫قتصر‬ ‫عمران لم ت ْ‬ ‫مًا‪ ،‬فامرأة ِ‬ ‫طموحة التي تحمل ه ّ‬ ‫‪ -‬نموذجا ً للمرأة ال ّ‬
‫ن يكون وليدها‬ ‫حأ ْ‬ ‫ت تطم ْ‬ ‫ب الطفال بل كان ْ‬ ‫اهتماماتها في الحياة على إنجا ِ‬
‫ت‬
‫ن يكون نبي ذلك الزمان كما ذكر ْ‬ ‫دس‪ ،‬بل أكثرمن ذلك‪ :‬أ ْ‬ ‫خادما ً لبيت المق ِ‬
‫بعض التفاسير‪.‬‬
‫ض من إْنجابها‬ ‫حّنة لم تمتع ْ‬ ‫‪ -‬نموذجا ً للمرأة الحكيمة الواعية بعيدة النظر‪ ،‬ف ِ‬
‫ن )التحرير( في شريعتها لم يكن جائزا ً إل بح ّ‬
‫ق‬ ‫مريم لّنها )أنثى( بل لعْلمها أ ّ‬
‫ن الحوال ما َيحول بينها وبين البقاء في المسجد‬ ‫م َ‬ ‫الغِْلمان ِلما يعتري الفتاة ِ‬
‫سبقة بطبيعةِ كل من‬ ‫م ْ‬‫من‪) :‬الحيض‪ ،‬أو النفاس عند الولدة(‪ ،‬ولمعرفتها ال ُ‬
‫دته؛ بالضافة إلى ذلك ل‬ ‫صلح للخدمة لقوت ِهِ وش ّ‬ ‫كر ي ْ‬ ‫المرأةِ والرجل‪ ،‬فالذ ّ َ‬
‫ط بالناس عكس المرأة التي "ل ينبغي أن‬ ‫ب في الخدمةِ والختل ِ‬ ‫حقه عي ٌ‬ ‫ي َل ْ َ‬
‫حنة‪ ،‬ولقد ذ َك ََر هذه العبارة الطبري في تفسيره‪.‬‬ ‫ت ِ‬ ‫تكون مع الرجال" كما قال ْ‬
‫حّنة نستخلص العديد من الفوائدِ والِعبر‪:‬‬ ‫صة ِ‬ ‫ومن قِ ّ‬
‫مت ابنتها‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫التي‬ ‫عمران‬ ‫ِ‬ ‫امرأة‬ ‫ته‬
‫ْ‬ ‫فعل‬ ‫ما‬ ‫وهذا‬ ‫الولد‪-‬‬ ‫أسماء‬ ‫اختيار‬ ‫حسن‬ ‫‪ُ -‬‬
‫قّ‬
‫ح ّ‬ ‫ن هذا من َ‬ ‫ب(‪ -‬ل ّ‬ ‫مريم‪ ،-‬الذي يعني بلغةِ قومها )العاِبدة( أو )خادمة الر ّ‬
‫ن يكون السم إسلمي ّا ً عربي ًّا‪ ،‬ول سيما اليوم‬ ‫ن الفضل أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه‪ ،-‬و ِ‬ ‫الولد على أهْل ِ ِ‬
‫ة‬
‫ل على الهزيم ِ‬ ‫ت ثوب الغرب‪ ،‬التي تد ّ‬ ‫بعد أن ك َُثرت السماء التي لبس ْ‬
‫النفسّية‪.‬‬
‫حّنة‪ ،‬وتجْنب الدعاء عليهم‪.‬‬ ‫فعل ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫‪ -‬الدعاء للولد كما كان ْ‬
‫فى‬ ‫خ َ‬‫‪ -‬الفرح بولدةِ البنات‪ ،‬وعدم التبّرم بقدومهن؛ ففضل تربية البنات ل ي َ ْ‬
‫ت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫كد ْ‬ ‫كما أ ّ‬
‫ن تربيتهن وِفْقَ ما يحّبه الله ويرضاه‪،‬‬ ‫س ِ‬‫ح ْ‬ ‫‪ -‬تكريم البنات‪ ،‬الذي ل يكون إل ب ِ ُ‬
‫عمران لم تتراجعْ عن الوفاِء ب ِن َذ ِْرها َرغم‬ ‫ن امرأة ِ‬ ‫ن مظاهر هذا التكريم أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬
‫ْ‬
‫ن العُّباد تنازعوا فيها أّيهم يكفلها‪.‬‬ ‫جابها فتاة‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫إ ِن ْ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جد ّ والجتهاد وتجنيبهم الكسل والَبطالة‬ ‫‪ -‬تعويد الذكورعلى حياة الخشونة وال ِ‬
‫ً‬
‫عمران أن يكون وليدها خادما لبيت المقدس‬ ‫دعة‪ ،‬وما ن َذ ُْر أمرأة ِ‬ ‫والراحة وال ّ‬
‫ً‬
‫ليقوم على أموره إل دليل على ذلك‪.‬‬
‫ت تنعم بها‬ ‫ْ‬ ‫كان‬ ‫التي‬ ‫ية‬ ‫ّ‬ ‫والدين‬ ‫الجتماعية‬ ‫المكانة‬ ‫‪ -‬التواضع لله عّزوجل؛ فرغم‬
‫عمران‪ -‬كان إمام العّباد وصاحب صلتهم‪،‬‬ ‫ب السرة – ِ‬ ‫عمران )فر ّ‬ ‫عائلة ِ‬
‫ت بعض‬ ‫حّنة‪ ،‬أو زوج ابنتها كما ذكر ْ‬ ‫والنبي زكريا عليه السلم كان زوج أخت ِ‬
‫ً‬
‫عمران عن نذرِ ولدها ليكون خادما في بيت‬ ‫ج امرأة ِ‬ ‫الروايات( لم تتحّر ْ‬
‫ّ‬
‫كناسة وغيرها‪ ،‬فكانت النتيجة أن خلد الله عز‬ ‫المقدس ليقوم على أموره من ِ‬
‫من تواضعَ لله َرفعه‪.‬‬ ‫وجل اسم هذه العائلة في القرآن الكريم‪ ،‬ف َ‬
‫عمران لم تنتظْر‬ ‫ن امرأة ِ‬ ‫حظ أ ّ‬‫ت والطاعات‪ ،‬وُيل َ‬ ‫‪ -‬المبادرة إلى ِفعل الخيرا ِ‬
‫سها لتقديم ما‬ ‫ف ِ‬ ‫ت من ن ْ‬ ‫ت و بادر ْ‬ ‫سُبل الخير بل سارع ْ‬ ‫من أحد أن ي َد ُّلها إلى ُ‬
‫تستطيع لخدمة دينها‪.‬‬
‫ت‪ -‬لخدمةِ دين الله عّز‬ ‫ّ‬
‫درات والمكانات ‪-‬وإن قل ْ‬ ‫ب والق ُ‬ ‫‪ -‬عدم البخل بالمواه ِ‬
‫ْ‬
‫ت مولودها ليكون وقف لله تعالى‪.‬‬ ‫حنة التي نذر ْ‬ ‫وجل‪ ،‬ولتكن ُأسوتنا ِ‬
‫ن وعي المرأة المسلمة لدورها الحقيقي في هذه الحياة كونها‬ ‫ختاما ً نقول‪ :‬إ ّ‬
‫ل أهمّية عن الجهاد في سبيل الله لّنها‬ ‫مربّية الجيال وصانعة الرجال ل يق ْ‬
‫ت‬
‫بِإعدادها للجيل المسلم وتنشئته التنشئة السلمية الصحيحة تكون قد رابط ْ‬
‫ن يأ ُْتوه من ِقبلها؛‬ ‫ساسة التي اعتاد َ أعداء السلم أ ْ‬ ‫على ثغرٍ من الثغورِ الح ّ‬
‫ت بإعداد القائد الذي سيساهم بتحرير‬ ‫بل أكثر من ذلك تكون‪ :‬قد ساهم ْ‬
‫المسجد القصى بإذنه تعالى‬

‫)‪(2 /‬‬

‫امرأة فاتتها الصلة في السفر فهل عليها قضاء ؟‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫امرأة في الثالثة و الثلثين من عمرها تقول ‪:‬‬
‫إني أعمل في وظيفة حكومّية ‪ ،‬و كلفت بالسفر أثناء الدورة الشهرية فلم‬
‫ي الطهارة و انقطع الطمث ‪ ،‬لكني‬ ‫استطع الصلة بسببها ‪ ،‬إلى أن وجبت عل ّ‬
‫أصبت بعد ذلك ببرد شديد في صدري لم استطع معه التطهر إل بعد الموعد‬
‫الواجب بيومين ‪.‬‬
‫فالرجاء طمأنتي هل علي من وزر فيما فعلت ‪ ،‬و هل يجب علي قضاء صلة‬
‫اليومين التي لم أصّلها في وقتها ؟ أم أن هناك كفارة أؤديها ؟‬
‫و لكم مني جزيل الشكر ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫ل منها‬ ‫ثمة ثلث مسائل تتعّلق بما ورد في سؤالك ‪ ،‬و إليك بيان حكم ك ّ‬
‫بالتفصيل ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ ،‬و تتعلق بحكم سفر المرأة بدون محرم ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ل للمرأة إل ّ مع ذي محَرم ‪ ،‬فقد‬ ‫و من المقرر عند أهل العلم أن السفر ل يح ّ‬
‫مَر ‪-‬‬‫روى الشيخان و أصحاب السنن إل النسائي و أحمد عَن عبد الله بن عُ َ‬
‫ل ِ ‪ » :‬ل َ تساف ِر ال ْمرأةَُ‬ ‫ي صلى الله عليه و سلم َقا َ‬ ‫َ‬
‫ُ َ ِ ِ َ ْ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫رضي الله عنهما ‪ -‬أ ّ‬
‫ث َل َث َ َ َ‬
‫حَرم ٍ « ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ة أّيام ٍ إ ِل ّ َ‬
‫معَ ِذى َ‬
‫ن‬
‫خد ْرِيّ رضي الله عنه أ ّ‬ ‫سِعيدٍ ال ْ ُ‬‫و روى البخاري و الترمذي و أحمد عن أبي َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫معََها‬‫ن إ ِل وَ َ‬‫مي ْ ِ‬
‫سيَرةَ ي َوْ َ‬
‫م ِ‬
‫مْرأة ُ َ‬ ‫سافِرِ ال َ‬‫ل ‪ » :‬ل َ تُ َ‬
‫ى صلى الله عليه و سلم َقا َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫حَرم ٍ « ‪.‬‬ ‫جَها أوْ ُذو َ‬
‫م ْ‬ ‫َزوْ ُ‬
‫و قد ذهب جمهور أهل العلم إلى أّنه يحرم عليها الخروج بغير محرم في كل‬
‫سفر طويل ً كان أو قصيرا ً ‪.‬‬
‫و أباح الحنفّية لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم ‪.‬‬
‫و على كل القولين فإّنه يحرم على المرأة أن تسافر أكثر من اثنين و ثمانين‬
‫كيلو مترا ً ) عند من يرى التحديد بالمسافة ( و أن تشرع فيما يعتبر سفرا ً في‬
‫ة كما في القاعدة الفقهّية ( ‪.‬‬ ‫عرف الناس عادةً ) باعتبار العادةِ مح ّ‬
‫كم ً‬ ‫ُ‬
‫ب إلى عدم اشتراط‬ ‫فرٍ و سفر ‪ ،‬و ذه َ‬ ‫س َ‬
‫و من فّرقَ من المعاصرين بين َ‬
‫فها من المان ‪ ،‬محجوج‬ ‫المحَرم في السفر بوسائل النقل المعاصرة لما يكتن ُ‬
‫قم عليه‬ ‫جة في قول أحد ٍ ما لم ي ُ ِ‬ ‫بعموم الدليل الوارد في التحريم ‪ ،‬و ل ح ّ‬
‫دليل ً من الكتاب أو السّنة ‪.‬‬
‫قال المام الشافعي رحمه الله ‪ ) :‬لم أسمع أحدا ً نسبه الناس أو نسب نفسه‬
‫علم ٍ ُيخالف في أن الله فرض اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫إلى ِ‬
‫و التسليم لحكمه ‪ ،‬و أن الله عّز و جل لم يجعل لحد بعده إل اتباعه ‪ ،‬و أنه‬
‫ل يلزم قول بكل حال إل بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬و‬
‫ن ما سواهما تبع لهما ‪ ،‬و أن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في‬ ‫أ ّ‬
‫قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد ( ] الم ‪/ 7 :‬‬
‫‪. [ 273‬‬
‫المسألة الثانية في وجوب رفع الحدث الكبر عن المحدث على الفور متى‬
‫أمكنه ذلك ‪ ،‬فإذا وجب فل يسقطه عذر ‪ ،‬و لكنه يخفف بسحب القدرة ‪،‬‬
‫تيسيرا ً على المة و رفعا ً للحرج و المشقة عن العباد ‪.‬‬
‫و حيث إن السائلة لم تكن قادرة ً على استعمال الماء في الغسل الواجب‬
‫للطهارة بسبب البرد المؤذي لصحتها ‪ ،‬فإنها معذورة في تركه ‪ ،‬و لكن يلزمها‬
‫أن تلجأ إلى التيمم لداء الصلوات الواجبة في أوقاتها ‪ ،‬ثم تغتسل حينما يزول‬
‫المانع ؛ مرضا ً كان أو غيره ‪ ،‬و ل تقضي شيئا ً مما صلته متيممة قبل‬
‫الغتسال ؛ لن التيمم يبيح العبادة و إن لم يرفع الحدث ‪.‬‬
‫روى الشيخان عن عمار بن ياسر قال بعثني النبي صلى الله عليه و سلم في‬
‫حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمّرغُ الدابة ثم أتيت‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال ‪ :‬إنما كان يكفيك أن تقول‬
‫بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين‬
‫‪ ،‬و ظاهر كفيه ووجهه و هذا اللفظ لمسلم ‪ ،‬و في رواية للبخاري و ضرب‬
‫بكفيه الرض نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه و كفيه ‪.‬‬
‫و الشاهد من هذا الحديث الشريف في أن النبي صلى الله عليه وسلم علم‬
‫عمارا ً التيمم عند وجود العذر المانع من استعمال الماء ‪ ،‬و تعميم البدن به‬
‫ة أو حيضا ً أو نفاسا ً ( ‪.‬‬‫في الغسل من الحدث الكبر ) جناب ً‬
‫و كان الواجب على الخت السائلة أداء الصلوات في أوقاتها مع التيمم لكل‬
‫صلة ‪ ،‬ريثما يزول العذر المانع من الغسل ‪ ،‬و حيث إنها لم تقم بما وجب‬
‫عليها ؛ فهي آثمة إن كانت على علم بالحكم الشرعي و فرطت فيه ‪ ،‬أو‬
‫معذورة إن لم تكن تعلمه ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬المعروف من مذهبنا في مسألة ترك الصلة و قضاء‬
‫الفوائت ثلث صور ‪:‬‬
‫الصورة الولى ‪ :‬تارك الصلة بالكلية كافر خارج من ملة السلم ‪ ،‬يستتاب و‬
‫يدعى إلى السلم من جديد ‪ ،‬فإن تاب ورجع فتوبته تجب ما قبلها ‪ ،‬و ليس‬
‫عليه قضاء شيء مما فاته لن أحكام السلم لم تكن سارية عليه حال كفره‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بترك الصلة ‪.‬‬


‫ة ‪ ،‬ثم تاب‬‫جمل ً‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬من أكثر من ترك الصلة ‪ ،‬و لكنها لم يتركها ُ‬
‫و ندم و استقام ‪ ،‬و عزم على أداء الصلة بقية عمره ‪ ،‬فهو مقبول التوبة إن‬
‫شاء الله ‪ ،‬و للعلماء في إيجاب قضاء الصلوات الفوائد عليه قولن ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ض‬
‫أولهما ‪ :‬أنه يجب عليه القضاء على التراخي بحيث يقضي مع كل فر ٍ‬
‫حاضرٍ فرضا ً فائتا ً أو أكثر ‪ ،‬بحسب طاقته و قدرته ‪.‬‬
‫و ثانيهما أن التوبه تكفيه ‪ ،‬و عليه الكثار من النوافل بالليل و النهار ليجبر بها‬
‫ما كان من تقصيره في أداء الفرائض المكتوبه مع قدرته على أدائها ‪ ،‬و هذا‬
‫جحه لما ثبت من أن النافلة تجبر النقص في الفريضة ‪ ،‬كما‬ ‫رأي وجيه ‪ ،‬نر ّ‬
‫في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و‬
‫ه ؛ فإن‬ ‫سلم يقول ‪ ) :‬إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلت ُ ُ‬
‫دت فقد خاب و خسر ‪ ،‬فإن انتقص من‬ ‫س َ‬ ‫صلحت فقد أفَلح و أن َ‬
‫جح ‪ ،‬و إن ف َ‬
‫فريضته شيٌء قال الرب عز و جل ‪ :‬انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها‬
‫ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك ( ] رواه أصحاب‬
‫السنن غير أبي داود بإسناد صحيح [ ‪.‬‬
‫الصورة الثالثة ‪ :‬أن يكون الصل في العبد المكلف الحفاظ على الصلة ‪ ،‬و‬
‫عدم التفريط أو التقصير في أداء شيئ منها من غير عذر ‪ ،‬و لكن تفوته –‬
‫أحيانا ً – الصلة و الصلتان ‪ ،‬و نحو ذلك من الصلوات المعدودة ‪ ،‬و تتفرع هذه‬
‫الصورة بحسب السبب الباعث على ترك الصلة إلى فرعين ‪:‬‬
‫الفرع الول ‪ :‬أن يكون الترك بسبب النوم أو النسيان ‪ ،‬فل يأثم من ترك‬
‫الصلة لهذين السببين ؛ أحدهما أو كلهما ‪ ،‬و لكن عليه أداؤها متى زال العذر‬
‫‪ ،‬ففي الصحيحين و سنن ابن ماجة و الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ) :‬من نسي صلة‬
‫فليصلها إذا ذكرها ل كفارة لها إل ذلك ( ‪.‬‬
‫و الواجب المبادرة إلى صلتها عقب التذكر مباشرة ً ‪ ،‬حتى لو كان ذلك في‬
‫أوقات النهي عن الصلة على المعتمد ‪.‬‬
‫قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬و يروى عن علي ابن أبي طالب أنه قال في‬
‫الرجل ينسى الصلة ؛ قال ‪ :‬يصليها متى ما ذكرها في وقت أو في غير‬
‫وقت ‪ ،‬و هو قول الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحق ‪ .‬و يروى عن أبي بكرة‬
‫أنه نام عن صلة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت‬
‫الشمس و قد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا و أما أصحابنا فذهبوا إلى‬
‫قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫و عن أبي جحيفة رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنكم كنتم‬
‫أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم ‪ ،‬فمن نام عن صلة ؛ فليصلها إذا اسيقظ ‪،‬‬
‫ومن نسي صلة ؛ فليصل إذا ذكر ( ‪ ] .‬رواه أبو يعلى و الطبراني في الكبير ‪،‬‬
‫و صححه اللباني في الصحيحة ‪ [ 396 :‬وزاد في رواية ‪ ) :‬ل كفارة لها إل‬
‫ذلك ( ‪.‬‬
‫ت ‪ :‬ل خلف بين أهل العلم في أن على النائم إذا استيقظ و الناسي إذا‬ ‫قل ُ‬
‫ذكر أداء ما فاتهما من الصلة بسبب النسيان أو النوم ‪ ،‬و ان اختلف بعض‬
‫العلماء في اعتبار ذلك أداًء أو قضاًء فالخلف لفظي ل مشاحة فيه ‪ ،‬و ل أثر‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫له في الحكم ‪ ،‬و لكن الخلف وارد فيما سيأتي و هو ‪:‬‬


‫الفرع الثاني ‪ :‬أن يكون ترك الصلة المكتوبة عمدا ً بسبب التفريط و نحوه ‪،‬‬
‫و على من هذا حاله القضاء أيضا ً ؛ أسوة ً بالنائم و الناسي ‪ ،‬و قياسا ً لحكمه‬
‫على حكمهما ‪ ،‬و إلى هذا ذهب جمهور العلماء ‪ ،‬و خلفا ً للظاهرية ‪ ،‬فقد قال‬
‫أبو محمد ابن حزم ] في المحلى [ ‪ ) :‬من تعمد ترك الصلة حتى خرج وقتها‬
‫فهذا ل يقدر على قضائها أبدا ً ‪ ،‬فُيكِثر من فعل الخير و صلة التطوع ؛ ليثقل‬
‫ميزانه يوم القيامة و ليتب و ليستغفر الله عز و جل ( ‪.‬‬
‫و مذهب الجمهور أفسح في الرخصة و أرجح في الحجة و الدليل ‪ ،‬لذلك كان‬
‫عليه العمل وبه الفتيا عندنا ‪.‬‬
‫ص النائم و الناسي بالذكر‬ ‫قال ابن عبد البر في الستذكار ‪ :‬فإن قيل ‪ :‬فلم خ ّ‬
‫ص النائم و‬ ‫في قوله ‪ :‬من نام عن صلة أو نسيها فليصّلها إذا ذكرها ‪ ،‬قيل ‪ :‬خ ّ‬
‫ن فيهما لرفع القلم في سقوط المأثم عنهما ‪،‬‬ ‫هم و الظ ّ‬ ‫الناسي ليرتفع التو ّ‬
‫مهما من فرض الصلة ‪ ،‬و‬ ‫ن سقوط المأثم عنهما غير مسقط لما لز َ‬ ‫فأبان أ ّ‬
‫أنها واجبة عليهما عند الذكر بها ؛ يقضيها كل واحد إذا ذكرها ‪ ،‬و لم يحتج إلى‬
‫همة في النائم و الناسي ليست فيه و ل‬ ‫ذكر العامد معهما لن العلة المتو ّ‬
‫عذر له في ترك فرض ‪ ،‬و إذا كان النائم و الناسي و هما معذوران يقضيانها‬
‫مد أولى بأن ل يسقط عنه فرض الصلة ‪ ،‬و قد شذ ّ‬ ‫بعد خروج وقتها ‪ ،‬فالمتع ّ‬
‫بعض أهل الظاهر‪ ،‬وأقدم على خلف جمهور علماء المسلمين وسبيل‬
‫مد في ترك الصلة في وقتها بأن يأتي بها‬ ‫المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬ليس على المتع ّ‬
‫في غير وقتها لنه غير نائم ول ناس ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫و خلصة المر أن على الخت السائلة أن تبادر بقضاء ما فاتها من الصلوات ‪،‬‬
‫فور التمكن ‪ ،‬و ليس لها أن تعدل عن القضاء إلى الطعام للتكفير عن‬
‫التقصير ‪ ،‬لن ترك الصلة ل مكفر له إل التوبة الصادقة النصوح ‪.‬‬
‫هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫املك نفسك عند الغضب‬


‫‪23/7/1426‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله كما ينبغي لجليل وجهه وعظيم سلطانه‪ ،‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه والتابعين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فمازالت الوقفات مع سورة نبي الله يوسف تترى‪ ،‬ونقف هنا مع مشهد آخر‬
‫يبين عظمة هذا النبي الكريم‪ .‬لما ظن إخوة يوسف أن بنيامين سرق‬
‫_حسبما رأوا من شواهد_ قالوا ليوسف _وهم ل يعرفونه_‪ :‬إن يسرق فقد‬
‫سرق أخ له من قبل‪ .‬كيف كان رد يوسف _عليه السلم_ وهو عزيز مصر‪،‬‬
‫ويعلم أن هؤلء الذين أمامه هم إخوانه الذين فعلوا به ما فعلوا‪ ،‬وكل ما جرى‬
‫له ولبيه ولخيه من مصائب بسببهم؟‬
‫يتوقع أن تكون ردة فعل الحاكم أشد‪ ،‬لكن يوسف _عليه السلم_ لم‬
‫تستغرقه اللحظة الحاضرة‪ ،‬مع أنه لو حدث العكس ل يستغرب بحكم طبيعة‬
‫الملك والسلطان‪ ،‬وهم مخطئون مستحقون للعقوبة‪ ،‬لكن يوسف _عليه‬
‫ها ل َهم َقا َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫سهِ وَل َ ْ‬
‫م ي ُب ْدِ َ ُ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ف ِفي ن َ ْ‬
‫س ُ‬‫ها ُيو ُ‬ ‫السلم_ ضبط أعصابه "فَأ َ‬
‫سّر َ‬
‫كانًا" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(77‬حتى هذه الكلمة لم ينطقها يوسف _عليه‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫شّر َ‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم_‪ ،‬ولذلك لما ذكر الله النبياء في سورة النعام ومنهم يوسف _عليه‬
‫جرا ً‬ ‫َ‬ ‫ل ل أَ َ‬ ‫السلم_ قال‪ُ" :‬أول َئ ِ َ‬
‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م اقْت َدِه ْ قُ ْ‬
‫داهُ ُ‬ ‫ه فَب ِهُ َ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ن" )النعام‪ (90:‬بمثل هذا نقتدي‪ .‬ما أحوجنا إلى ضبط‬ ‫ن هُوَ إ ِّل ذِك َْرى ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫اللسان‪ .‬والله لو ضبطنا ألسنتنا مع زوجاتنا وأولدنا وجيراننا وإخواننا لتغيرت‬
‫أحوالنا‪" .‬أمسك عليك لسانك" يقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم–‬
‫وعندما سأله معاذ‪ :‬يا رسول الله ونحن مؤاخذون بما نتكلم به‪ ،‬قال‪ :‬ثكلتك‬
‫أمك يا معاذ‪ ،‬وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إل‬
‫حصائد ألسنتهم‪ .‬كيف يحدث الطلق؟ بسبب هذا اللسان‪ .‬كيف يحدث القتل؟‬
‫بسبب هذا اللسان‪ .‬كيف تحدث العداوات؟ بسبب هذا اللسان‪ ،‬ولذلك أثنى‬
‫ن ال ْغَي ْ َ‬
‫ظ‬ ‫مي َ‬ ‫الله _جل وعل_ على من كظم غيظه وضبط لسانه "َوال ْ َ‬
‫كاظ ِ ِ‬
‫ن" )آل عمران‪ :‬من الية ‪ (134‬وفي‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬‫َوال َْعاِفي َ‬
‫َ‬
‫ن فَإ َِذا‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ة اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫سي ّئ َ ُ‬
‫ة َول ال ّ‬ ‫سن َ ُ‬‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ست َ ِ‬‫قوله _تعالى_‪َ" :‬ول ت َ ْ‬
‫م" )فصلت‪.(34:‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫َ‬
‫داوَة ٌ كأن ّ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي ب َي ْن َ َ‬
‫إخوة يوسف قالوا هذه الكلمة وهم يعتقدون أن الذي يتكلمون أمامه ليس‬
‫يوسف‪ ،‬ل شك عندهم في ذلك‪ ،‬والواقع خلف ذلك‪ .‬كم من الناس يتحدث‬
‫أحيانا ً في مجلس من المجالس فيصيب قوما ً بجهالة وهو لم يتصور أن الذي‬
‫ل‪ ،‬لكن‬ ‫أمامه هو المعني‪ ،‬فقد يسب النسان عائلة وسب العائلة ل يجوز أص ً‬
‫لم يكن يتصور أن يكون أحد أفراد هذه العائلة موجود في المجلس‪ ،‬بل ربما‬
‫قد يذكر قصة ليست مناسبة‪ ،‬هو ل يعلم من هو صاحبها‪ ،‬يفاجأ بعد ذلك بعد‬
‫أن يذكر القصة أن الناس يبتسمون لماذا؟ لن صاحب القصة موجود في‬
‫المجلس فيقع في حرج شديد‪ ،‬بل قد تترتب على ذلك مفاسد عظيمة‪ ،‬ولو‬
‫تأدب الناس بأدب السلم لسلموا من مثل هذا‪.‬‬
‫نسأل الله _تعالى_ أن يهدينا لحسن الخلق‪ ،‬وأن يصرف عنا سيئها‪ ،‬وصلى‬
‫الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫انتبه عندما تريد الزواج‬


‫إيمان مغازي الشرقاوي‬
‫هل مررت يوما ً بصحراء قاحلة‪ ،‬ل زرع فيها ول ماء‪ ،‬تعصف بك الريح تارة‪،‬‬
‫والجوع تارة أخرى‪ ،‬وتتعثر بك الخطى حينا ً من الوقت‪ ،‬وبينما أنت على تلك‬
‫ن الله عليك فينتهي بك المطاف إلى واحة‬ ‫الحال إذ بفرج الله يأتي‪ ،‬ويم ّ‬
‫خضراء مليئة بخيرات الله تسر الناظرين‪ ،‬وتبهج السائرين‪ ،‬ومنها يتبلغ‬
‫المسافرون إلى ما شاء الله‪ ،‬بعد أن يتركوا خلفهم أثرا ً يدل على سيرهم في‬
‫هذا الطريق يوما ً ما‪...‬؟!‬
‫وهل تذوقت حلوة الشبع ولذته بعد أن كابدت مرارة الجوع والحرمان‪،‬‬
‫ت نفسك بعد اضطراب‪ ،‬واطمأنت روحك بعد خوف وشتات‪ ،‬وهدأت‬ ‫فسكن ْ‬
‫فرائصك واستقرت بعد طول ارتعاد؟‬
‫كذلك هو الزواج‪ ..‬سكينة للنفس وراحة للفؤاد‪ ..‬سكن للروح وحياة طيبة‬
‫للجساد‪ ..‬وهو الواحة الخضراء في صحراء الحياة‪ ،‬يتمتع فيها المحبون‬
‫فتمتزج أرواحهم بحب ووداد‪ ،‬بعد أن أخذوا على أنفسهم العهد والميثاق أن‬
‫يعيشوا معا ً على كلمة سواء‪ ،‬ل اعوجاج فيها ول التواء‪ ،‬وتعاهدوا معا ً على‬
‫رعاية تلك الواحة الغّناء لتستمر خضرتها وتورق أشجارها‪ ،‬وتخرج ثمارا ً‬
‫وبذورا ً طيبة‪ ،‬وغراسا ً صالحة تثقل في الميزان وتجود بالربح الوفير‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مآرب وأهداف‬
‫نعم‪ ..‬إنها آية الزواج‪ ..‬قارب العبور في خضم المواج‪ ..‬إنه المودة‪ ..‬الرحمة‪..‬‬
‫السكن‪ ..‬التآلف‪ ..‬المشاركة بالقلب والجسد‪ ،‬أل ما أعظمها من حياة بعيدة‬
‫عن حياة العبث والحرام‪ ،‬تتحقق فيها تلك المآرب والهداف‪ ،‬ومع ما فيه من‬
‫تضحية وإيثار‪ ،‬وحبس للنفس عن التفلت من تبعاته ومسؤولياته‪ ،‬فإننا نقول‬
‫لكل من يريد الزواج‪ :‬انتبه عندما تريد أن تدخل من ذلك الباب! فهو أشبه‬
‫بالقفص الذهبي الذي يغري بريقه الداخلين‪ ،‬لكن محبسه ليس كأي حبس‬
‫ن! لذلك فإن‬ ‫وإنما هو حبس محبب إلى القلوب‪ ،‬وتشتاق إليه النفس وتح ّ‬
‫لهذا الدخول تبعات‪ ،‬كما أن ذلك القفص الجميل محوط بقيود‪ ،‬وإن كانت‬
‫ذهبية! فانتبه‪..‬لن لداخله حقوقًا‪ ،‬وعليه واجبات! ول بد من دفع رسوم‬
‫الدخول!‬
‫ب القلوب‪ ،‬وتكون المشاركة الوجدانية في الفراح‬ ‫وحين تحسن النوايا وتتحا ّ‬
‫والحزان‪ ،‬في الرخاء والشدة‪ ،‬في اليسر والعسر‪ ..‬وحين يصبح التأني والحلم‬
‫والناة‪ ،‬وحسن الظن والتماس العذار‪ ،‬والعمل لوجه الله تعالى شعارا ً لنا‬
‫في الحياة‪ ..‬تسير سفينة الزواج بأمان‪ ،‬فإذا ما اعترضها عارض وتلطمت‬
‫ن القيادة‬
‫المواج‪ ،‬وتعالت الصيحات ظهر الرّبان الحكيم الذي يعرف ف ّ‬
‫وأصولها‪ ،‬وكيفية إدارة الدفة في اتجاهها الصحيح‪ ،‬فيأخذ بأسباب المان‬
‫ويصل إلى الشاطيء بسلم‪.‬‬
‫القوامة على السرة‬
‫وما أحسن القيادة التي تؤتي أكلها وتثمر ثمارها غضة طرية في كل حين‪،‬‬
‫وما أعظمها إن كان التكليف بها من لدن رب حكيم عليم‪ ،‬رحيم بعباده‪،‬‬
‫وهنيئا ً لمن قام بما كلف به دون تقصير‪ ،‬ويا لخزي وندامة من لم يقم بما‬
‫عليه حق القيام في يوم يشيب من هوله الولدان‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪،‬‬
‫والله تعالى ل يضيع أجر المحسنين‪.‬‬
‫صهم بدرجة القوامة‪،‬‬ ‫لقد كّلف الله سبحانه الرجال بقيادة دفة السرة‪ ،‬وخ ّ‬
‫قال تعالى‪ :‬الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على" بعض‬
‫وبما أنفقوا من أموالهم )سورة النساء‪ .(34 :‬وهي ليست قوامة تشريف‬
‫بقدر ما هي تكليف وتبعات ومسؤولية‪ ،‬وليست قوامة تسلط وتعنت‬
‫وجبروت‪ ،‬بل رعاية وعناية وإحسان‪ ،‬ل ضرر فيها ول ضرار‪ ..‬قال }‪" :‬من‬
‫ضاّر ضاّره الله‪ ،‬ومن شاقّ شق الله عليه"‪ ..‬وقال‪" :‬ل ضرر ول ضرار" )رواه‬
‫ابن ماجه(‪.‬‬
‫اجتياز البوابة‬
‫ومن هذا المنطلق ننطلق معا ونجتاز تلك البوابة لندخل ذلك القفص الذهبي‬
‫ط برحاله‬ ‫الذي من حرم دخوله تمنى لو عاد قطاره إلى محطته السابقة ليح ّ‬
‫هناك أمام ذلك الباب ليصبح آمنا ً في حصن حصين من الشيطان الرجيم‪...‬‬
‫لذا فقد قال رسولنا }‪" :‬من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر‬
‫دينه فليتق الله في الشطر الثاني"‪) .‬رواه الحاكم(‪.‬‬
‫وقديما قالوا‪ :‬من خير ما يتخذ النسان في دنياه‪ :‬كي ما يستقيم دينه‪ ،‬قلب‬
‫شكور ولسان ذاكر‪ :‬وزوجة صالحة تعينه‪.‬‬
‫حقوق وواجبات‬
‫إنه الزواج‪ ..‬العفة والطهارة والحصان‪ ..‬المودة والرحمة والمان‪ ..‬السكن‬
‫والنس والطمئنان‪ ..‬من ُرزقه وُوفق إليه نال من الخير الكثير‪ ،‬وهو أخذ‬
‫وعطاء‪ ..‬حقوق وواجبات‪ ..‬إيثار وإنكار للذات‪ ..‬وقبل ذلك طاعة وعبادة‬
‫ل القربات‪ ..‬به ُتطلب الرحمات وترفع الدرجات‪ .‬قال رسول‬ ‫وقربة من أج ّ‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله }‪" :‬إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما‬
‫نظرة رحمة‪ ،‬فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلل أصابعهما"‪) .‬رواه‬
‫ميسرة بن علي ورمز له السيوطي بالصحة(‪.‬‬
‫ُترى أخي الزوج‪ ..‬أختي الزوجة‪ ..‬متى نظر كل منكما للخر نظرة الرحمة‬
‫تلك؟! ومتى أخذ كل منكما بكف شريكه أخذ عطف ورعاية ومحبة ليكون‬
‫جزاؤه عند الله من جنس عمله؟ قد يكون ذلك العمل هامشيا ً في نظر‬
‫البعض ل أثر له في موازينهم‪ ،‬لكنه نظر في غير موضعه‪ ،‬فكل ما من شأنه‬
‫جلب رحمة الله فهو عند الله عظيم‪ ..‬هي نظرة ولمسة تنزل الرحمات‪ ،‬فما‬
‫أعظم تلك النظرة‪ ،‬وما أروع تلك اللمسة!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قيد حديدي‬
‫وإن كان المر كذلك فما بال أقوام جعلوا من ذلك القفص الذهبي المليء‬
‫بالرحمات قيدا ً حديديا ً ُتكّبل به اليدي‪ ،‬وُتهان بسببه النفوس‪ ،‬وربما تمله‬
‫وتتمنى الفكاك منه بأي سبيل كان وبأي ثمن ُيدفع؟! ما الخلل إذن؟ وما‬
‫الداء؟ وأين نجد الدواء؟ فوالله إنه لشيء عجاب أن تنقلب الموازين وتتحول‬
‫جنبات البيت المن الذي يريده الله كروضات الجنات إلى أرض مستعرة‬
‫تقذف حمما ً بركانية ثائرة تأكل الخضر واليابس من أمن الدار‪ ،‬وإلى نار‬
‫ظى تتأجج بالليل والنهار! ُترى ما السبب؟ وكيف نتحول بالزواج وبالبيت‬ ‫تل ّ‬
‫إلى ما يتمناه كل إنسان سليم الفطرة سويّ التفكير‪ ،‬فيصبح روضة تسر‬
‫الناظرين‪ ،‬وبستانا ً يضم أحسن‬
‫الورود وأطيب الرياحين بدل ً من أرض جدباء ل تأتي إل بالشواك والهشيم‪..‬‬
‫الصحبة الطيبة‬
‫لقد أوصى الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه زوجته فقال لها‪" :‬إذا‬
‫رأيتني غضبت فرضني‪ ،‬وإن رأيتك غضبى رضيتك‪ ،‬وإل لم نصطحب"‪ ..‬نعم‪..‬‬
‫إنها الصحبة الطيبة التي تعرف أن لها حقًا‪ ،‬وللخرين حقوقًا‪ ..‬فتعطي قبل أن‬
‫تأخذ‪ ،‬وتعرف لكل ذي حق حقه‪ ..‬الحياة شركة مشتركة‪ ،‬والحقوق والواجبات‬
‫فيها كثيرة‪.‬‬
‫إصلح النواة‬
‫ما كان البيت المسلم هو النواة في المة المسلمة‪ ،‬ومتى صلح قويت‬ ‫ول ّ‬
‫المة‪ ،‬فجدير بنا أن نصلح النواة ونحيطها بسياج الرعاية والريّ والهتمام‪،‬‬
‫بعيدا ً عن الفات التي تحد من صلحيتها أو تؤثر فيها‪ .‬ولما كان الزوج هو رب‬
‫السرة وقّيمها كما أوضحنا‪ ،‬وبه يقتدي أهل بيته ومنه يتعلمون‪ ،‬فل بد أن‬
‫يكون على عاتقه الحمل الكبر من الرعاية والمعرفة التامة بالحقوق‬
‫والواجبات‪ ،‬وإذا علم ذلك أتبع علمه بالعمل‪ ...‬لذا سنقدم لكم إن شاء الله‬
‫سلسلة القفص الذهبي‪ ،‬يكون مسيرنا فيها معا ً على الطريق من أجل أسرة‬
‫مسلمة سعيدة مستقرة‪ ،‬بعيدا ً عن آفات الجهل بالحقوق والواجبات‪ ،‬نتطرق‬
‫معا ً لبعض المؤثرات على تلك السرة سلبا ً وإيجابًا‪ ،‬من أجل بناء أقوى وزواج‬
‫أبقى‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انتبهوا أيها السادة بيوتنا مهددة من الداخل‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وله‬
‫وبعد‪-:‬‬
‫خطابي‪ ....‬إلى السادة أولياء المور من المسلمين الذين آمنوا بالله ربا‬
‫وبالسلم دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسول‪.‬‬
‫أخاطب‪ .....‬من نطق بكلمة التوحيد وعلم أن ل معبود بحق إل الله تعالى‪.‬‬
‫أخاطب‪ ....‬من يعظم حرمات الله ويعظم شعائره التي هي من تقوى‬
‫القلوب‪.‬‬
‫أخاطب‪..‬المسلم الذي يريد لنفسه أول"النجاة ولهله ومجتمعه عيشة نقية‬
‫طاهرة في ظل الشريعة الغراء‪.‬‬
‫ول أخاطب ‪.....‬أولئك الباحيين الذين ل يرجون لله وقارا ول يرعون للدين‬
‫حرمة ول يقيمون للمبادئ والمروءة والشرف وزنا ً أولئك الذين أشربت‬
‫قلوبهم الباحية فاستمرءوا الزنا و الخنا‪...‬أولئك الذين يحبون أن تشيع‬
‫الفاحشة في الذين آمنوا‪!!...‬‬
‫ماذا أعددت للمة في نكبتها‪.‬‬
‫دأب أعداء السلم على إغراق شباب المسلمين في الشهوات وإبعاده عن‬
‫معاني الدين فأصبحنا نجد كثيرا من شباب المة تائها تافها‪ ،‬ل هم له سوى‬
‫السعي وراء الشهوات‪ ،‬كم عدد الشباب الذي يقضى ليله في) السيبرات (‬
‫أمام شاشات الكمبيوتر وأمام الدشوش والفضائيات يشاهدون العهر‬
‫والفجور؟ الجابة سوف تكون مزعجة يحزن لها من فى قلبه بقية خير…‬
‫وترتسم بها بسمة عريضة على وجه إبليس القبيح‪ .‬لشك أنه قد حقق نصرا‬
‫عظيما حينما استبدل الشباب المسلم الذى هو أمل المة الذي هو شر محض‬
‫بالمحاريب والمصاحف والبكاء من خشية من خشية الله‪.‬‬
‫أين ليلنا من ليل السلف الصالح رضي الله عنهم؟… تورمت أقدامهم من‬
‫قيام الليل وتقرحت أشداقهم من كثرة الصيام…‪.‬أما شباب اليوم –ويا عجباه‬
‫– تورمت أقدامهم من التسكع على النواصي وقوارع الطرق و تقرحت‬
‫أشداقهم من التدخين و المخدرات و أصبحت وجوههم مصفرة ل تسر‬
‫الناظرين‪ ، ،‬وأصبح من الصور التى يمكن أن تراها دوما فى المدن الكبيرة‬
‫تلك الفتاة التى تنفخ الدخان من نافذة سيارتها تتحدى فطرة الله فيها‬
‫ويالحسرة من ابتلى بمثلها‪.‬‬
‫إذا سرت فى الطريق كم بيتا" تسمع القرآن يرتل فيه‪ ،‬ونساؤه‬
‫متحجبات‪،.‬وكم بيتا تئن سقوفها من وطأة المعاصي‪ ....‬غناء وتبرج وتحلل‬
‫وبعد عن رب العالمين‪ ...‬نسبة تقطع نياط القلوب قال من هو الخلق عليم‬
‫كوُر( سبأ‪ :‬من لية ‪13‬‬‫ش ُ‬
‫عَبادِيَ ال ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬‫) وَقَِلي ٌ‬
‫ففي أي الخندقين أنت أيها السيد؟ يامن ستسأل بين يدي الذي يعلم السر‬
‫وأخفى عن بيتك وأهلك ‪...‬هل أنت في خندق الشيطان تبارز الله تعالى بنعمه‬
‫وتعصاه وأنت في ملكه ؟ أم أنك فى خندق الموحدين الذين يحار بون‬
‫الشيطان ويقاتلونه بسنن النبي المين‪ ،‬و يدحرونه بالتمسك بكتاب رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫أيها السيد‪:‬من الذي يأكل طعامك ويسكن بيتك ويتمتع بمالك وترعاه ليلك‬
‫ونهارك وتحوطه بكلءتك ؟؟‬
‫هل هي تلك المرأة المتبرجة المتهتكة التي هي أعظم أدوات الشيطان في‬
‫إضلل العباد‪..‬؟ أم أنه ذلك الشاب التافه التائه البعيد عن سراط الله‬
‫المستقيم ؟‪ ،‬ل تلقى باللئمة على غيرك وترمى بالتقصير سواك أنت‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسئول أمام الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم ‪ ):‬الرجل راع فى أهل‬
‫بيته وهو مسئول عن رعيته؟ والمرأة راعية فى بيت زوجها وولده وهى‬
‫مسئولة عنهم‪ .‬متفق عليه‬
‫فأدرك نفسك‪ ،‬وتدارك مافاتك‪ ،‬وتلك بعض الشارات والصوى ‪ -‬العلمات ‪-‬‬
‫على طريق الهدى ‪،.‬وأرجو أن يتمسك بها من أراد الخرة وسعى لهل سعيها‬
‫وهو مؤمن من السادة ولة المور وكذلك السيدات لنهن كما بين النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم فى الحديث الماضى مسئولت أمام الله تعالى فتعالوا معى‬
‫نضع أيدينا على بعض المخالفات التى غيرت معالم البيت المسلم و نتلمس‬
‫هدى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى علج هذه الخطاء‪.‬‬
‫ل عز إل في كنف العزيز‪:‬‬
‫من طرائف ما ذكره أحد شيوخ الدولة العثمانية في بلد النكليز أنه اجتمع‬
‫مرة مع بعض كبراء الدولة البريطانية فقال له أحد الحاضرين لماذا تصرون‬
‫أن تبقى المرأة المسلمة في الشرق متخلفة معزولة عن الرجال محجوبة‬
‫عن النور‪....‬؟ فقال له السفير العثماني‪ :‬لن نساءنا في الشرق ل يرغبن أن‬
‫يلدن من غير أزواجهن فخجل الرجل ولم يحر جوابا ‪ .‬لن تجد للحياة طعما‬
‫حتى تعمل بالكتاب والسنة‪ ..‬فإلى الذين يبحثون عن السعادة في الحانات‬
‫والخمارات وأماكن اللهو هل وجدتم ما وعدكم الشيطان حقا؟‬
‫الوقاية خير من العلج‪-:‬‬
‫لما كان الزنا هاوية سحيقة من اقترب منها سقط فيها سد السلم كل‬
‫الطرق المؤدية إليه وأحاطه بكثير من الحواجز وهو ما يسمى بسد الذرائع‪،‬‬
‫ومنها ‪ :‬الختلط الماجن ‪ ،‬والمصافحة والملمسة ‪،‬والخلوة ‪ ،‬والنظر ‪،‬‬
‫والتجاوزات الشرعية ‪،‬تلك خمسة كأنها قنابل موقوتة تهدد البيوت المسلمة‬
‫بالدمار ‪.‬‬
‫أول" الختلط‪-:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهو وجود جمع من الجنسين في مكان واحد دون الضوابط الشرعية كما في‬
‫الجامعات و وسائل المواصلت وقد بدأت الدعوة إليه على يد أعداء السلم‬
‫من الكفار أمثال "مرقص فهمي" "ودار كير" ثم تولى كبره العلمانيون من‬
‫أمثال سعد زغلول وطه حسين وقاسم أمين ولطفي السيد من أذناب الغرب‬
‫المتحلل فسعوا فى نشره في بلد المسلمين بعدما ذاقت أوروبا وأمريكا‬
‫ويلته ‪،.‬إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها أن المرأة تميل إلى الرجل‬
‫ن‬‫دي ُ‬‫ك ال ّ‬‫ق الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫س عَل َي َْها ل ت َب ْ ِ‬
‫دي َ‬ ‫ت الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ‬ ‫والعكس )فِط َْر َ‬
‫قيم ول َك َ‬
‫ن( )الروم‪(30:‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ال ْ َ ّ ُ َ ِ ّ‬
‫أراد دعاة الحرية الزائفة أن يغيروا نواميس الكون ويبدلوا سنن الحياة‬
‫فقاتلوا لخراج المرأة من بيتها لتخالط الرجل في مناحى الحياة وقد تهيأت‬
‫الجواء وذابت المبادىء والخلق وكسرت الحواجز الفطرية فظهر ما يسمى‬
‫بالصداقة الجريئة " البريئة" بين الجنسين‪ .‬والحب العاهر " الطاهر" و صديق‬
‫العائلة " البوى فرند " فانتشر الفساد وأطل الزنا من بيوت من قبل كانت‬
‫محصنة فى ظل الشريعة الغراء‪.‬‬
‫الختلط محرم على أشرف الخلق ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أطهَُر‬ ‫ُ‬
‫ب ذ َل ِك ْ‬ ‫جا ٍ‬
‫ح َ‬ ‫ن وََراِء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫سألوهُ ّ‬ ‫مَتاعا ً فا ْ‬
‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬‫قال تعالى‪ ) :‬وَإ َِذا َ‬
‫م وَقُُلوب ِهِ ّ‬
‫ن(‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬
‫لِ ُ‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)الحزاب‪(53:‬‬
‫أيها السيد ‪:‬هل تعرف هذا المتاع الذي تسأل الصحابة عنه أمهات المؤمنين؟‬
‫إنه هو السؤال عن أحاديث رسول الله وسننه ‪ ،‬فكيف إذا كان السائل هو من‬
‫دون الصحابة وأمهات المؤمنين فى الخلق والدين وطهارة القلوب ‪ ،‬كيف إذا‬
‫ظهر الجهل وتبرجت النساء وفسدت الخلق وظهرت الفتن ‪،‬أل يجدر بنا أن‬
‫نأخذ حذرنا ونحصن بيوتنا من هذه الفة العظيمة‪.‬‬
‫الختلط ممنوع فى أشرف الغراض‪:‬‬
‫خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد يوما فوجد الرجال قد‬
‫اختلطوا بالنساء فى الطرقات حين خرجوا من الصلة فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬يا معشر النساء عليكن بحافات الطريق" فكانت المرأة تلصق‬
‫بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق بالجدار من لصوقها به‪ 929 .‬صحيح الجامع‬
‫الختلط ممنوع فى أشرف الوقات‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خير صفوف الرجال أولها وشرها‬
‫آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" رواه أبو داود صحيح الجامع‬
‫‪3310‬‬
‫فتبين من كلمه الحث على البعد بين الجنسين لن الشر كله فى الدنو‬
‫والقتراب ‪..‬مع أن القلوب أطهر ما تكون عند الصلة‪ ،‬فهل تدعى وأنت في‬
‫مكان يموج بالشباب والفتيات أن قلبك طاهر ؟ هيهات لم تزعم‪.‬‬
‫عجبت…… داعية الختلط يأباه ‪.‬‬
‫هاجم قاسم أمين الختلط فغضبت الميرة "نازلي" فأدار دفة أفكاره ‪180‬‬
‫درجة ودعا إلى الختلط فلما ذهب إليه المؤرخ السلمى "رفيق العظم "‬
‫قال له "لقد جئت هذه المرة للحديث مع زوجتك في بعض المسائل‬
‫الجتماعية" فغضب قاسم أمين "كيف يطلب منه مقابلة زوجته" فقال له‬
‫"وفيق العظم ‪ :‬أولست تدعوا إلى هذا؟ فلما ل تقبل التجربة مع نفسك‪ .‬يتبع‬
‫فى العدد القادم بإذن الله‪.‬‬
‫الشيخ ‪/‬عادل أبومختار السعود‬
‫نائب رئيس تحرير مجلة الهدى النبوى‬

‫)‪(2 /‬‬

‫انتبهوا يا سنة العالم!‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ أ‪.‬د‪.‬عبد الله قادري الهدل‬
‫إن الخصومة التي تظهر للناس على سطح السياسة الدولية بين المريكان‬
‫وبعض الدول المجاورة للعراق‪ ،‬هي خصومة خادعة ومكر خبيث‪ ،‬الهدف منها‬
‫القضاء على كيان أهل السنة واستئصال تاريخهم الذي بدأ بناؤه في العهد‬
‫الراشدي الذي يبغضه بعض من يدعون السلم ومحبة أهل البيت هذا العهد‬
‫الذي قضى على الدولة الفارسية‪ ،‬وأقام الحضارة السلمية التي أوقدت نار‬
‫الحقد في قلوب المهزومين الذين كانوا يتربعون على عرش إمبراطورية‬
‫مترامية الطراف‪.‬‬
‫وإن المخطط الشيعي ضد أهل السنة في العالم السلمي‪ ،‬ومنه الدول‬
‫العربية‪ ،‬قد بدأ من عام ‪1979‬م الذي قامت فيه أول حكومة أعلنت تصدير‬
‫سياستها للسيطرة على العالم السلمي‪ ،‬وبدأت بإحداث الضطرابات في‬
‫مواسم الحج‪ ،‬واستضافة كثير من شباب أهل السنة للدراسة في مدينة "قم"‬
‫ججا ً لكي يحدثون فيها فتنا واضطرابا بين أهل‬
‫ح َ‬
‫تو ُ‬
‫ليعودوا إلى بلدانهم آيا ٍ‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنة‪ ،‬وقد حصل ذلك فعل وانخدع بهم في حينه كثير من أهل السنة في‬
‫الدول العربية وغيرها‪ ،‬ومنهم بعض العلماء والدعاة وأيدتهم بعض الصحف‬
‫السلمية ظنا بزعم أن الخلفة السلمية التي ستجمع المسلمين في كل‬
‫القطار السلمية في ظل رايتها قد آذنت بالرجوع إلى هذه المة‪ ...‬ثم‬
‫اكتشف المتفائلون أن ما كانوا يظنونه ماء ليس سرابا بقيعة فقط‪ ،‬بل هو‬
‫مشروع لتصدير مذهب معين بالقوة إلى المسلمين الذين استمروا في السير‬
‫على مذهب أهل لسنة والجماعة المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم الذي طبقه الجيل المباشر لتلقي الهدى الرباني من القدوة‬
‫الحسنة للمة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وبعد أن ظهرت للمتفائلين أهداف المشروع الخميني وفي طليعتها هدف‬
‫تصدير ما يسمى بـ)الثورة السلمية( كفوا عن الثناء والمديح الذي كالوه‬
‫للزعيم الشيعي‪ ،‬بل بدأت الصحف السلمية التي كانت تؤيده تكفر عن‬
‫إطرائها له بكشف ماكان مستورا عن المسلمين‪ ،‬وأذكر من تلك الصحف‬
‫"مجلة المجتمع الكويتية"‬
‫وكان من المتفائلين والمؤيدين للخميني بعض الدعاة من أساتذة أهل السنة‬
‫الذين التقيتهم في مناسبات كثيرة من المؤتمرات والندوات الرسمية‬
‫والهلية‪ ،‬وحصل بيني وبينهم حوار حول اندفاعهم المؤيد للزعيم الشيعي‪،‬‬
‫وكان بعضهم يرد علي بصيغة المزاح‪ :‬الشيخ القادري متأثر بالعقل الجمعي‬
‫الذي يسيطر على زملئه العلماء في بلده‪ ،‬وأذكر أن زعيما سودانيا قال لي‬
‫عندما حذرت من العقائد الشيعية الني عشرية‪ :‬إنكم تبعثون عقائد من قبور‪،‬‬
‫قد ماتت واندثرت‪.‬‬
‫ومن الساتذة الذين ذهبوا في وفد إلى الخميني لتهنئته‪ ،‬الشيخ سعيد حوا‬
‫شفت له حقائق الزعيم في‬ ‫رحمه الله‪ ،‬ولكنه انقلب ‪ 190‬درجة بعد أن ك ُ ِ‬
‫عقائده وفي سياساته وبخاصة موقفه من المظلومين من أهل السنة‪ ،‬في‬
‫بعض الشعوب التي تسلط عليها من هم للخميني حلفاء خلصاء‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اضطهاد أهل السنة في إيران‪ ،‬فكتب ناقدا له رسالة بعنوان‪: :‬الخميني شذوذ‬
‫في العقائد شذوذ في المواقف"‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=21&book=1727‬‬
‫ولقد احتضنت الدولة اليرانية بعض المراجع الشيعية التي كانت أصولها‬
‫س اليراني منتظرة اليوم الذي تسلمها‬ ‫وافدة إلى العراق ودرب أفراَدها الحر ُ‬
‫أمريكا السلطة في العراق‪ ،‬فكانت الهجمة المريكية التي تواطأت معها‬
‫مر الشيعية في أمريكا وبريطانيا‪ ،‬هي الفرصة السانحة لتنفيذ الخطة‬ ‫الّز َ‬
‫اليرانية المريكية على العراق في الحرب الخيرة‪ ،‬فتدفقت الكتائب الشيعية‬
‫المدربة في إيران – وعلى رأسها – ما يسمى "لواء بدر" ومدربوه اليرانيون‬
‫بعد الغزو المريكي مباشرة إلى العراق على مرأى ومسمع من الجيش‬
‫المريكي الذي اصطف وراءه لهدم المدن السنية على رءوس أهلها‪.‬‬
‫ن على أهل السنة في العراق‪،‬‬ ‫ولتغطية الخداع الشيعي المريكي المعتدِي َي ْ ِ‬
‫رفعت أمريكا وإيران عنوان الخلف والشقاق بينهما‪ ،‬وكانت أمريكا تصرح‬
‫بأن إيران ترسل السلح والمقاتلين إلى العراق‪ ،‬وهي ‪ -‬أمريكا – تشكو من‬
‫اجتياز المقاتلين اليرانيين الحدود الشرقية للعراق‪ ،‬وتجمع جيشها و"لواء‬
‫بدر" للهجوم على أهل السنة في الغرب والوسط!‬
‫ولقد حذرنا مرارا من الخداع المريكي اليراني‪ ،‬ودعونا أهل السنة في‬
‫العراق إلى اجتماع كلمتهم وتوحيد مرجعيتهم في شئونهم السياسية ليقوا‬
‫أنفسهم من الحرب الشيعية المريكية عليهم‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_hadath&p=82‬‬
‫ولكنهم – مع أسفنا الشديد – تفرقوا في سياستهم‪ ،‬فقسم منهم أعلنوا عدم‬
‫دخولهم في اللعيب السياسية المريكية الشيعية المرسومة لتمييع أهل‬
‫السنة وإذابتهم والسيطرة في نهاية المر عليهم‪ ،‬واغتر بعضهم ببريق‬
‫السياسة ودخلوا في زنزانة سجنها السياسي البغيض‪ ،‬في الوقت الذي تنزف‬
‫دماء ابنائهم في وسط العراق وغربه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وها هي اليوم أمريكا تهدد السلطة اليرانية في وسائل العلم وتشكو من‬
‫تدخلها في العراق‪ ،‬ويصطف جيشها مع الجيش الموالي ليران‪ ،‬ضد أهل‬
‫السنة في سامراء‪ ،‬ثم يعلن كل الطرفين قبول التفاوض مع الخر بطلب في‬
‫الشأن العراقي من الربيب اليراني زعيم "لواء بدر"‬
‫‪http://www.islam-online.net/Arabic/news/2006-03/16/article10.shtml‬‬
‫وإن الواجب على علماء أهل السنة ومفكريهم وسياسييهم أن يبينوا لهم ما‬
‫يضرهم وما ينفعهم‪ ،‬سواء تعلق بعقيدتهم أو اقتصادهم أو سياستهم أو‬
‫العدوان على بلدهم‪ ،‬و السكوت عن ذلك مع العلم به غير لئق بهم‪ ،‬فهاهم‬
‫مراجع الشيعة وعلماؤهم وسياسيوهم واقتصاديوهم ومقاتلوهم يقوم كل‬
‫منهم بدوره‪.‬‬
‫وهاهي فضائياتهم في كل من إيران والعراق ولبنان‪ ،‬بل وفي بعض الدول‬
‫الغربية‪ ،‬تبث لكل تلك الفئات عقائدهم وأفكارهم وسياساتهم‪ ،‬وموضوعاتهم‬
‫موجهة توجيها ذكيا ونشيطا إلى شبابنا وشاباتنا منطلقين في ذلك من أساس‬
‫يدعونه‪ ،‬وهو منهم براء‪ ،‬ونحن أولى به منهم‪ ،‬وهو الولء لهل بيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الذي يرفعون رايته مع إهانة لصفوة صحابة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وهدفهم من ذلك تكثير سوادهم لينقضوا على أهل السنة في العالم وليس‬
‫في العراق فقط‪ ،‬وإن أول البلدان التي ستنال قسطها من عدوانهم إذا‬
‫تمكنوا هي الدول المجاورة – وبالخص دول الخليج – التي بها من المغريات‬
‫الدينية والقتصادية ما ل يوجد في غيرها‪.‬‬
‫إن المريكان واليهود والبريطانيين وبعض الدول الغربية‪ ،‬يعلمون علم اليقين‬
‫أن العقبة الكأداء أمام تحقيق أهدافهم هم أهل السنة وليس الشيعة‪ ،‬لن‬
‫الشيعة قد تعاونوا مع المعتدين على البلدان السلمية من قديم الزمن‪ ،‬كما‬
‫هي الحال مع التتار‪ ،‬وهم اليوم قد تعاونوا معهم في أفغانستان وركبوا‬
‫دباباتهم عندما احتلوا العراق‪ ،‬ول تخدعنا تصريحات خلفاتهم المعلنة فالنار‬
‫تحت الرماد‪.‬‬
‫وللشيعة في البلدان السلمية مواطنون يوالونهم ضد أهل البلد الذي‬
‫يستوطنونه‪ ،‬ل يجوز الستهانة بهم‪ ،‬في الجزيرة العربية وغيرها‪.‬‬
‫لقد صدرت تصريحات من بعض المسئولين الحكوميين على مستويات عليا‬
‫في بعض الشعوب السلمية السنية تحذر من الخطر الشيعي ثم سكتت‪.‬‬
‫والمسئولون الرسميون قد يضطرون إلى السكوت لسباب سياسية‬
‫ودبلوماسية ‪...‬ولكننا نحن الشعوب ل يجوز لنا السكوت على خطر نسمعه‬
‫بآذاننا ونراه بأعيننا‪ ،‬ول ينبغي أن نخفي الحقائق عن شعوبنا تحت لغة‬
‫دبلوماسية غير واضحة‪ ،‬خشية من وقوعنا فيما وقع فيه أهل الكتاب قبلنا‬
‫الذين نهاهم تعالى عن ذلك نهيا صريحا فصيحا في الكتاب العربي المبين‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقّ ِبال َْباط ِ ِ‬


‫ل‬ ‫سوا ال ْ َ‬
‫ن )‪َ (41‬ول ت َل ْب ِ ُ‬ ‫منا ً قَِليل ً وَإ ِّيايَ َفات ّ ُ‬
‫قو ِ‬ ‫شت َُروا ِبآَياِتي ث َ َ‬‫}َول ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪] {(42‬البقرة[‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬‫حقّ وَأن ْت ُ ْ‬
‫موا ال َ‬ ‫وَت َك ْت ُ ُ‬
‫فهل سينتبه أهل السنة للخطر المحدق بهم من قبل العدو اليهودي والصليبي‬
‫ومن يواليه عليهم؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫انتحار ملحد‬
‫في مساء الثالث والعشرين من شهر يوليو عام ‪1940‬م وجدت‬
‫جثة \"إسماعيل أدهم\" طافية على مياه البحر المتوسط‪"\ ،‬وقد عثر‬
‫البوليس في معطفه على كتاب منه إلى رئيس النيابة يخبره بأنه انتحر لزهده‬
‫في الحياة وكراهيته لها‪ ،‬وأنه يوصي بعدم دفن جثته في مقبرة المسلمين‬
‫ويطلب إحراقها\")‪ !! (1‬فمن هو إسماعيل هذا الذي آثر هذه النهاية المروعة‬
‫؟!‬
‫يقول عنه صاحب العلم ‪"\ :‬إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم‬
‫باشا أدهم‪ :‬عارف بالرياضيات‪ ،‬له اشتغال بالتاريخ‪ ،‬ولد بالسكندرية وتعلم‬
‫بها‪ ،‬ثم أحرز الدكتوراه في العلوم من جامعة موسكو عام ‪ ،1931‬وعين‬
‫مدرسا ً للرياضيات في جامعة سان بطرنسبرج‪ ،‬ثم انتقل إلى تركيا فكان‬
‫مدرسا ً للرياضيات في معهد أتاتورك ! بأنقرة ‪ ،‬وعاد إلى مصر سنة ‪1936‬‬
‫فنشر كتابا ً وضعه في \"اللحاد\" وكتب في مجلتها‪ ،‬أغرق نفسه بالسكندرية‬
‫منتحرًا\")‪(2‬‬
‫قلت‪ :‬تأثر إسماعيل أدهم بالمد الشيوعي اللحادي بسبب إدمانه قراءة إنتاج‬
‫القوم حتى علقت أفكارهم بعقله وتمكنت من قلبه ؛ فألف إثر ذلك –كما‬
‫سبق‪ -‬رسالة سماها \"لماذا أنا ملحد؟\")‪ ! (3‬جاء فيها‪ :‬قوله عن‬
‫نفسه‪"\ :‬أسست جماعة لنشر اللحاد بتركيا‪ ،‬وكانت لنا مطبوعات صغيرة‬
‫أذكر منها‪ :‬ماهية الدين‪ ،‬وقصة تطور الدين ونشأته… وبعد هذا فكرنا في‬
‫التصال بجمعية نشر اللحاد المريكية‪ ،‬وكانت نتيجة ذلك تحويل اسم جماعتنا‬
‫إلى المجمع الشرقي لنشر اللحاد\")‪. (4‬‬
‫وقد رد على رسالته هذه‪ :‬الدكتور أحمد زكي أبو شادي برسالة‬
‫عنوانها‪"\ :‬لماذا أنا مؤمن؟\")‪ .(5‬ورد عليها‪ :‬محمد فريد وجدي بمقالة عنوانها‬
‫\"لماذا هو ملحد؟\")‪(6‬‬
‫انتحر إسماعيل مظهر وله من العمر تسعة وعشرون سنة؛ أي في ريعان‬
‫شبابه‪ ،‬فكانت نهايته نهاية مأساوية لشاب مسلم موهوب‪ ،‬قال عنه الستاذ‬
‫أحمد حسن الزيات ‪"\ :‬كان شديد الذكاء‪ ..‬واسع الثقافة\"‪ (7)،‬وقال عنه‬
‫الستاذ محمد عبد الغني حسن بأنه صاحب \"ذهن متوقد لمع\")‪ (8‬كان‬
‫الول على دفعته في البكالوريا)‪ ،(9‬ثم حاز الدكتوراه وأّلف مؤلفات كثيرة‪،‬‬
‫ودّرس‪ ،‬وكان يحسن التحدث بست لغات)‪ ،(10‬كل هذا وهو في هذا العمر‬
‫الصغير‪ ..‬إل أنه بعدها اختار الكفر على اليمان‪ ،‬وتدرج في مهاوي الضلل‬
‫إلى أن وصل إلى آخر دركاته وهي اللحاد –والعياذ بالله‪ -‬لتكون خاتمته في‬
‫ة لمن خلفه من شباب السلم النابهين‬ ‫تكلم الجثة الطافية على مياه البحر آي ً‬
‫أن ل يفتروا بذكائهم ومواهبهم‪ ،‬فيخوضوا –لجلها‪ -‬ذات اليمين وذات الشمال‬
‫واثقين –زعموا!‪ -‬من أنفسهم‪ ،‬معرضينها للفتن والنسلخ من الدين؛ إما‬
‫بإدمانهم العكوف على كتب أهل الضلل والحيرة والشك كشأن أدهم‪ ،‬أو‬
‫بمصاحبتهم وألفتهم ومن يشككهم في دينهم ويهون عليهم الطعن فيه أو‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحير من بعض شرائعه‪ ،‬مجانبين في ذلك أهل اليمان ساخرين من‬


‫نصائحهم‪ ،‬لزمينهم بالتحجر وضيق الفق!‪ ،‬ومبتعدين رويدا ً رويدا ً عن الصراط‬
‫المستقيم؛ خشية أن يقول قائلهم –ولو بعد حين‪"\ : -‬لقد خضت البحر‬
‫الخضم‪ ،‬وخليت أهل السلم وعلومهم‪ ،‬ودخلت في الذين نهوني عنه‪ ،‬والن‬
‫فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي‪! (11) "\..‬‬
‫وإسماعيل أدهم مجرد أنموذج سقته للعتبار بحاله حيث ارتد على دبره‬
‫بعدما جاءه الهدى واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير‪ ،‬وإل فإن المثلة من‬
‫تاريخنا القديم والحديث معلومة مشهورة ‪.‬‬
‫ل‪ :‬ابن الراوندي الملحد الذي انتهى حاله إلى أن ألف كتابا ً‬
‫فمن القديم مث ً‬
‫سماه \"الدامغ\" يزعم أنه يدمغ به القرآن !! دمغه الله‪ .‬فهذا الرجل ذكر‬
‫المؤرخون عنه أنه \"كان في أول أمره حسن السيرة‪ ،‬كثير الحياء‪ ،‬ثم انسلخ‬
‫من ذلك\")‪ (12‬وذكروا –أيضًا‪ -‬شيئا ً من ذكائه وعقله‪ ،‬ولكن كما قال الذهبي‬
‫في ترجمته \"لعن الله الذكاء بل إيمان‪ ،‬ورضي الله عن البلدة من التقوى\")‬
‫‪!(13‬‬
‫والذي يهمنا من ترجمته هو قول الذهبي عنه ‪"\ :‬كان يلزم الرافضة‬
‫والملحدة‪ ،‬فإذا عوتب قال‪ :‬إنما أريد أن أعرف أقوالهم\")‪ !! (14‬فكان نهاية‬
‫دا منهم‪ ،‬بل‬ ‫هذا التهاون في الجلوس مع المبتدعة والملحدين أن أصبح واح ً‬
‫أجرأ على حرمات الله‪.‬‬
‫ومن المثلة المعاصرة ‪ :‬عبد الله القصيمي ‪ ،‬وحاله معلومة للكثيرين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومنها‪ :‬الشاعر الكويتي فهد العسكر‪ .‬فقد ذكر صاحبه عبد الله النصاري عنه‬
‫أنه‪"\ :‬شب متدينًا‪ ،‬يؤدي الصلة مع والده في المسجد‪ ،‬ويحافظ على أدائها‬
‫مع والده في كل فرض من الفروض‪ ،‬حتى صلة الفجر‪ ،‬فقد كان والده‬
‫يأخذه معه إلى المسجد وهو صغير السن؛ إلى أن تشرب الدين في عروقه‬
‫ودمه\")‪ (15‬ثم أصبح مؤذنا ً بعد ذلك)‪ .(16‬لكنه بعدها –كما يقول صاحبه‬
‫النصاري‪"\ -‬أغرق في القراءة‪ ،‬واستمر في الطلع على مختلف الراء‬
‫والفكار الدبية والجتماعية والسياسية… إلى أن تحول تحول ً كلًيا في‬
‫تفكيره‪ ،‬وفي نظرته إلى الحياة‪ ،‬وإلى بعض التقاليد والعادات الموروثة )‬
‫‪ (17‬؛ ثم أخذ يتعاطى الخمرة التي تغزل بها كثيًرا في شعره‪ ،‬وهكذا‪ ،‬إلى أن‬
‫أصبح منعزل ً في أفكاره وآرائه عن بيئته المتدينة‪ ،‬وعن المجتمع المحافظ\" )‬
‫‪. (18‬‬
‫قلت‪ :‬فنصحه أهله وأقاربه وزجروه عن هذا المسلك المهلك‪ ،‬ولكنه أبى‬
‫واستكبر‪ ،‬فهجروه واعتزلوه ونبذوه‪ ،‬فلزم العزلة والنزواء ومعاقرة الخمر مع‬
‫من هم على )مشربه( إلى أن أصابه الله بالعمى وهلك غير مأسوف عليه‪.‬‬
‫وبعد وفاته لم يصل عليه أحد ٌ من أهله )‪ ،(19‬وقاموا بحرق ما وجدوا من‬
‫أشعاره التي تنضح بالكفر والعتراض على شرع الله والستخفاف بشعائره )‬
‫‪.(20‬‬
‫وسأورد أبياًتا له تدل على ذلك؛ لتعلم حال الرجل‪ ،‬وتعذر أهله وأقاربه على‬
‫ما قاموا به ‪ .‬يقول العسكر )‪:(21‬‬
‫ليلة ذكرياتها ملء ذهني وهي في ظلمة السى قنديلي‬
‫ليلة ل كليلة القدر بل خير وخيٌر والله من ألف جيل‬
‫أنا ديني الهوى ودمعي نبيي حين أصبو ووحيه إنجيلي‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه كما قلت مجرد أمثلة للناكصين على أعقابهم بعد أن أبصروا الطريق‪،‬‬
‫ما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم‬ ‫ممن قال الله فيهم } وما كان الله ليضل قو ً‬
‫ما يتقون { وقال } إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى‬
‫الشيطان سول لهم وأملى لهم { ‪.‬‬
‫ومعرفة أسباب هذا الزيغ الذي يصيب قلوب البعض يحتاج إلى دراسة‬
‫متعمقة تغور في تلك النماذج وما يماثلها لتستخرج أسباًبا مشتركة بينها؛ لكي‬
‫توجد الحلول المناسبة الواقية من ذلك –بإذن الله‪ ،-‬فلعل الله ييسر من يقوم‬
‫بذلك؛ لهميته القصوى‪ ،‬لسيما في زماننا هذا زمان المتغيرات‪ .‬ويحضرني‬
‫ة‪ :‬أنني تلمحت في أحوال كثير من الزائغين ممن يمر بي‬ ‫من ذلك على عجال ِ‬
‫ذكرهم فوجدتهم ل يخطئون واحدة من هذه الصفات‪:‬‬
‫‪ -1‬الذكاء غير المنضبط بضوابط الشرع ‪ ،‬مما يجعل صاحبه يقتحم المهالك‬
‫بدعوى الثقة في النفس !‬
‫كبر والعجاب بالنفس‪ ،‬فتجد )النا( متضخمة عند هذا الصنف من الناس‬ ‫‪ -2‬ال ِ‬
‫ً‬
‫قبل زيغه‪ .‬ومما يذكر عن القصيمي مثل أنه كان إذا ألف كتاًبا ابتدأه بقصيدة‬
‫له يثني فيها على نفسه وقدراته !‬
‫‪ -3‬الشذوذ ومحبة تتبع الغرائب والنوادر قبل زيغه‪ ،‬كل هذا طلًبا )للشهرة(‬
‫و)التميز(‪.‬‬
‫‪ -4‬التهاون في الجلوس مع المنحرفين فكريًا‪ ،‬بدعوى \"الستفادة\"‬
‫أو \"الطلع\" ! و\"الصاحب ساحب\" كما قيل‪ .‬ورحم الله الوزاعي لما قيل‬
‫له إن فلنا ً يقول‪ :‬أنا أجالس أهل السنة وأجالس أهل البدع‪ .‬قال‪ :‬هذا رجل‬
‫يريد أن يساوي بين الحق والباطل\")‪(22‬‬
‫‪ -5‬عدم إخلص النية في سلوك طريق الهداية‪ ،‬وإنما كان السلوك مشوبا ً‬
‫بالمقاصد الدنيوية أو المجاملت التي سرعان ما تختفي مع طول الطريق‬
‫الذي لن يصبر عليه إل المخلصون‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الكثار من قول \"اللهم يا‬
‫مقلب القلوب والبصار ثبت قلبي على دينك\"‪.‬‬
‫السياج الذي أقامه السلف ‪:‬‬
‫لقد تنبه السلف لخطورة هذا المر الذي ُيفسد قلوب ناشئة المسلمين‪ ،‬فلهذا‬
‫جعلوا بينهم وبينه سياجا ً واقيا ً استنبطوه من النصوص الشرعية )‪،(23‬‬
‫يتضمن النهي عن مخالطة أهل البدع والنحراف والبعد عن شبهاتهم‬
‫وإنتاجهم )‪ (24‬؛ خشية أن يعلق شيء منها بقلب ضعيف فيتأثر به ويتشربه‪،‬‬
‫فأعادوا وأكثروا حول هذا الموضوع في مصنفاتهم ومروياتهم نصحا ً لبناء‬
‫المسلمين‪ ،‬فل تكاد تجد مؤلفا ً في العقيدة السلفية إل ويتضمن فصول ً أو‬
‫أبوابا ً في التحذير من أهل الزيغ والتنفير منهم ومن مسلكهم وإعراضهم عن‬
‫الكتاب والسنة إلى زبالت البشر )‪.(25‬‬
‫فمن ذلك‪ :‬قول ابن عباس –رضي الله عنهما‪"\ : -‬ل تجالس أهل الهواء؛ فإن‬
‫مجالستهم ممرضة للقلب\" )‪.(26‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬قول عمرو بن قيس الملئي‪"\ :‬كان ُيقال‪ :‬ل تجالس صاحب زيغ‬
‫فيزيغ قلبك\")‪(27‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬قول المام أحمد وقد ُذكر عنده أهل البدع‪"\ :‬ل أحب لحد أن‬
‫يجالسهم ول يخالطهم ول يأنس بهم‪ ،‬وكل من أحب الكلم لم يكن آخر أمره‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إل إلى بدعة؛ لن الكلم ل يدعو إلى خير‪ ،‬عليكم بالسنن والفقه الذي‬
‫تنتفعون به‪ ،‬ودعوا الجدال وكلم أهل البدع والمراء\")‪ (28‬وذكر في مسنده‬
‫–رحمه الله‪ -‬حديث الدجال وقول النبي صلى الله عليه وسلم عنه‪"\ :‬من‬
‫سمع بالدجال فلينأ عنه‪ ،‬فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن‪ ،‬فما يزال به‬
‫شبه حتى يتبعه\")‪ (29‬فقس هذا –رعاك الله‪ -‬بحال من‬ ‫بما معه من ال ُ‬
‫يجالس أهل البدع والزيغ ويتضلع من كتبهم مدعيا ً أنه يثق بنفسه !! ساخًرا‬
‫من تحذيرات أهل السلم‪.‬‬
‫فالسلف – رحمهم الله – نظروا إلى العلوم بهذه القسمة ‪:‬‬
‫‪ – 1‬العلم الشرعي النافع ؛ وهو علم الكتاب والسنة وما تفرع عنهما ‪ .‬وهو‬
‫ماوردت النصوص بمدحه ومدح أهله‪،‬وذكر أجره العظيم لمن خلصت نيته ‪.‬‬
‫‪ – 2‬العلم ) الدنيوي ( المباح النافع ؛ كعلوم الزراعة والهندسة والصناعة‬
‫ونحوها ‪ .‬وهذا العلم كل مباح لهل الرض كلهم ‪ ،‬هم شركاء فيه ‪ ،‬ومن بذل‬
‫أسبابه حصله ‪ .‬كما قال تعالى } كل ً نمد هؤلء وهؤلء من عطاء ربك { ‪.‬‬
‫‪ – 3‬العلم الضار ؛ وهو الذي ل نفع فيه في الدنيا ول في الخرة ‪ ،‬بل سيكون‬
‫وبال ً على صاحبه ‪ ،‬وإن توهم البعض من المخدوعين خلف ذلك ؛ كالسحر‬
‫والتنجيم وعلم الكلم والفلسفة ونحوها ‪ .‬ومثله في زماننا ‪ :‬الكتابات الفكرية‬
‫المنابذة للنصوص الشرعية ‪.‬‬
‫والموفق لهذا التقسيم من وفقه الله ‪.‬‬
‫نسأل الله أن ل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا‪ ،‬وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه‪،‬‬
‫وأن يهب لمتفوقي المسلمين الزكاء بعد أن من عليهم بالذكاء‪ ،‬فيكونوا قرة‬
‫عين لمتهم ‪ ،‬والله الموفق لكل خير ‪.‬‬
‫كتبه ‪ :‬سليمان بن صالح الخراشي‬
‫‪1423‬هـ‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬مجلة الرسالة ‪ :‬السنة الثامنة‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص ‪ ،1241‬والعلم‬
‫الشرقية )ص ‪. (860‬‬
‫)‪ (2‬العلم للزركلي )‪ 1/310‬بتصرف( ‪ .‬وله ترجمة في العلم الشرقية‬
‫لزكي مجاهد )ص ‪ ،(860-858‬وفي تراجم عربية‪ ،‬لمحمد عبد الغني حسن ‪.‬‬
‫)‪ (3‬نشرها الدكتور أحمد الهواري ضمن العمال الكاملة لسماعيل أدهم )‬
‫‪ (3/80‬وتراجم عربية‪ ،‬ص ‪ .189‬وذيل الملل والنحل‪ ،‬لسيد كيلني‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫) ‪ ( 4‬ذيل الملل والنحل‪ ،‬لسيد كيلني‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫) ‪ ( 5‬مجلة الرسالة‪ 5 ،‬أغسطس ‪1940‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬السلم والغرب‪ ،‬لمحمد‬
‫الخير عبد القادر‪ ،‬ص ‪ ،61‬وهوامش على دفتر التنوير‪ ،‬لجابر عصفور‪ ،‬ص‬
‫‪ .136‬وقد ذكر أن أبا شادي نشرها في مجلة \"المام\" )سبتمبر ‪1937‬م(‪.‬‬
‫) ‪ ( 6‬نشرها الدكتور أحمد الهواري عقب رسالة إسماعيل مظهر‪ ،‬ضمن‬
‫العمال الكاملة له )‪.(3/92‬‬
‫) ‪ ( 7‬وحي الرسالة )‪.(2/218‬‬
‫) ‪ ( 8‬تراجم عربية )ص ‪. (198‬‬
‫) ‪ ( 9‬العلم الشرقية )ص ‪. (858‬‬
‫) ‪ ( 10‬السابق )ص ‪.(860-859‬‬
‫) ‪ ( 11‬القائل هو أبو المعالي الجويني –غفر الله له‪ -‬وهو من هو ذكاء‬
‫وتمرسا ً في علوم الكلم‪ ،‬ثم ختم ذلك بقوله ‪"\ :‬وها أنذا أموت على عقيدة‬
‫أمي\" ! فهل من معتبر ؟ ! ‪) .‬انظر‪ :‬شرح الطحاوية‪ ،‬ص ‪ ،245‬ط التركي‬
‫والرنؤط(‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ‪ ( 12‬سير أعلم النبلء )‪.(14/61‬‬


‫) ‪ ( 13‬السابق )‪.(14/62‬‬
‫) ‪ ( 14‬السابق )‪.(14/59‬‬
‫) ‪ ( 15‬فهد العسكر‪ ،‬حياته وشعره‪ ،‬لصاحبه عبد الله النصاري‪ ،‬ص ‪ .54‬مع‬
‫التنبه إلى أن صاحبه هذا يعتذر له كثيًرا ويتهجم على معارضيه من أهل‬
‫السلم‪.‬‬
‫) ‪ ( 16‬السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫) ‪ ( 17‬بل أحكام الشريعة ! ولكنها المدافعة بالباطل !‬
‫) ‪ ( 18‬السابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫) ‪ ( 19‬السابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫) ‪ ( 20‬السابق‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫) ‪ ( 21‬السابق ‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫) ‪ ( 22‬البانة لبن بطة )‪.(2/456‬‬
‫) ‪ ( 23‬انظرها في رسالة \"موقف أهل السنة والجماعة من أهل الهواء‬
‫والبدع\" للدكتور إبراهيم الرحيلي )‪.(563-2/529‬‬
‫) ‪ ( 24‬إل لمن أراد الرد على هذا النتاج العفن ‪ ،‬وتحذير المة منه ‪ ،‬بعد أن‬
‫يتزود بالعلم الشرعي النافع ‪.‬‬
‫) ‪ ( 25‬انظر على سبيل المثال‪"\ :‬الشريعة\" للجري )‪ 3/574‬وما بعدها(‪،‬‬
‫و\"أصول اعتقاد أهل السنة\" لللكائي )‪ 2/114‬وما بعدها(‪ ،‬و\"البانة\" لبن‬
‫بطة )‪ 2/429‬وما بعدها(‪ ،‬و\"السنة\" لعبد الله بن أحمد‪ 1/137) .‬وما بعدها(‬
‫و\"البدع والنهي عنها\" لبن وضاح‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫) ‪ ( 26‬البانة‪ ،‬لبن بطة )‪.(2/438‬‬
‫) ‪ ( 27‬السابق‪.(2/436) ،‬‬
‫) ‪ ( 28‬الداب الشرعية‪ ،‬لبن مفلح )‪.(1/220‬‬
‫) ‪ ( 29‬أخرجه أبو داود )‪ ،(4319‬وصححه اللباني في صحيح أبي داود‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫انتفاع الموات بسعي الحياء‬


‫الحمد لله ‪ ،‬و الصلة و السلم على نبّيه محمد المصطفى ‪ ،‬و آله و صحبه و‬
‫من واله ‪ ،‬و بعد‬
‫ما ينفع الموات و يبلغهم ثوابه من سعي الحياء ؟ و أيّ العمال‬ ‫تع ّ‬ ‫سِئل ُ‬‫فقد ُ‬
‫التي يبلغه ثوابها أفضل و أنفع له و لمن يؤديها عنه ‪ ،‬أو يهب ثوابها له ؟‬
‫ت مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬ ‫قل ُ‬‫ف ُ‬
‫ما ما أهدى فاعله ثواَبه لغيره ‪،‬‬ ‫عِلها ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ن ثوابها لفا ِ‬
‫الصل في أعمال العباد أ ّ‬
‫دمها‬ ‫ة عن الغير من الحياء أو الموات ‪ ،‬فالحكم بصحة النابة أو ع َ‬ ‫أو أّداه نياب ً‬
‫خص في‬ ‫مل ‪ ،‬إذ ُر ّ‬
‫مه ‪ ،‬يختلف باختلف الع َ‬ ‫ب إليه أو عد ُ‬ ‫من وُهِ َ‬‫‪ ،‬و بلوغ ثوابه ل ِ َ‬
‫خْر ‪ ،‬و فيما يلي بيان ذلك مقرونا ً‬ ‫عه بالنص ‪ ،‬و اختلف في أنواع َ أ َُ‬ ‫بعض أنوا ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بأدّلته ‪:‬‬
‫أوّل ً ‪ :‬ما ل خلف في انتفاع الميت به و إن كان من سعي غيره ‪ ،‬و هو ‪:‬‬
‫س أصُلها ‪ ،‬و أجريَ نفعها ‪ ،‬كحفر البار ‪ ،‬و‬ ‫حب ِ َ‬
‫الصدقة الجارية ‪ ،‬و هي التي ُ‬
‫وقف الضياع و الديار ‪ ،‬و بناء المساجد ‪ ،‬و نحو ذلك من وجوه الخير ‪.‬‬
‫و العلم النافع ) و يدخل فيه التصنيف و التأليف و التحقيق و التعليم و طباعة‬
‫الكتب النافعة و نشرها ‪ ،‬و الدعوة إلى الله بأيّ وسيلة مشروعة ‪ ،‬و ما إلى‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك ( ‪.‬‬
‫دهما أو كلهما ‪.‬‬ ‫و دعاء الوَلد الصالح لوالديه أح ِ‬ ‫َ‬
‫دم ما رواه مسلم )‪ ، ( 1631‬و أصحاب السنن عن أبي‬ ‫و الدليل على ما تق ّ‬
‫ت‬ ‫ما‬
‫ِ َ َ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫لم‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫النبي‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫عنه‬ ‫هريرة رضي الله‬
‫فعُ ب ِهِ أو‬ ‫عْلم ي ُن ْت َ َ‬ ‫جارَِية أو ِ‬ ‫صد ََقة َ‬ ‫ن َثلثةٍ إل من َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِإل ِ‬ ‫مل ُ ُ‬‫قط َعَ عنه عَ َ‬ ‫ن ان ْ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫الن ْ َ‬
‫ه(‪.‬‬ ‫عو ل َ ُ‬ ‫صاِلح ي َد ْ ُ‬ ‫وَل َد ٍ َ‬
‫و في سنن ابن ماجة أيضا بإسنادٍ صحيح )‪ ( 3660‬عن أبي هريرة رضي الله‬ ‫ً‬
‫ه‬
‫جت ُ ُ‬ ‫ل ل َت ُْرفَعُ د ََر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م ‪ :‬إِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله عَل َْيه وَ َ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال َر ُ‬
‫ك(‪.‬‬ ‫كل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فارِ وَلدِ َ‬ ‫ست ِغْ َ‬ ‫ل ‪:‬با ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫ذا ؟ فَي ُ َ‬ ‫ل ‪ :‬أ َّنى هَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫جن ّةِ فَي َ ُ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫و ما رواه ابن ماجة في سننه بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪،‬‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه و سّلم قال ‪ ) :‬إن مما يلحق المؤمن من عمله‬ ‫أ ّ‬
‫مه و نشره ‪ ،‬أو ولدا ً صالحا ً تركه ‪ ،‬أو مصحفا ً‬ ‫و حسناته بعد موته ‪ ،‬علما ً عل َّ‬
‫وّرثه ‪ ،‬أو مسجدا ً بناه ‪ ،‬أو بيتا ً بناه لبن السبيل ‪ ،‬أو نهرا ً أجراه ‪ ،‬أو صدقة‬
‫أخرجها من ماله في صحته و حياته ‪ ،‬تلحقه من بعد موته ( ‪.‬‬
‫ت ‪ :‬و من الِعلم الناِفع الذي ينفع الميت بعد موته ‪ ،‬نشر السنن و إماتة‬ ‫قل ُ‬
‫علم ٍ و بصيرة ‪ ،‬لما رواه مسلم عن‬ ‫البدع ‪ ،‬و السعي في ذلك بين الناس عن ِ‬
‫جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫قال ‪ ) :‬من سن في السلم سنة حسنة ‪ ،‬فله أجرها و أجر من عمل بها من‬
‫بعده ‪ ،‬من غير أن ينقص من أجورهم ( ‪.‬‬
‫دقة عن المّيت ‪:‬‬ ‫الص َ‬
‫م‬‫ي عنه ‪ ،‬لما رواه البخاري ) ‪ ( 1388‬عن أ ّ‬ ‫دقة الح ّ‬ ‫و ينتفع الميت بص َ‬
‫م‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جل ً َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫سل َ‬ ‫صلى الله عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ل ِللن ّب ِ ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ضي الله عَن َْها ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫المؤمنين َ‬
‫ت ‪ ،‬فَهَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إ ُ‬
‫ل‬ ‫صد ّقَ ْ‬ ‫ت تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سَها ) أي ماتت فجأة ً ( وَ أظن َّها لوْ ت َكل َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫مي افْت ُل ِت َ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ِ ّ‬
‫َ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ل ‪ ) :‬ن َعَ ْ‬ ‫ت عَن َْها ؟ َقا َ‬ ‫صد ّقْ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫جٌر إ ِ ْ‬ ‫ل ََها أ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سعد َ ب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ضي الّله عَْنه َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫و في الصحيح أيضا ً ) ‪ ( 2756‬عن اب ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ل الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ب عَن َْها فَ َ‬ ‫غائ ِ ٌ‬ ‫ه وَ هُوَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫ضي الّله عَْنهما ت ُوُفّي َ ْ‬ ‫عَُباد َة َ َر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م(‬ ‫ل ‪ ) :‬ن َعَ ْ‬ ‫ت ب ِهِ عَن َْها ؟ قا َ‬ ‫صد ّق ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫يٌء إ ِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫فعَُها َ‬ ‫ب عَن َْها أي َن ْ َ‬ ‫ت وَ أَنا غائ ِ ٌ‬ ‫مي ت ُوُفّي َ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫شهد َ َ‬ ‫ُ‬
‫صد ََقة‬ ‫ف ) اسم لبستان كان له ( َ‬ ‫خَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ال ْ ِ‬ ‫حائ ِط ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ل ‪ :‬فَإ ِّني أ ْ ِ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫عَل َي َْها ‪.‬‬
‫جل ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ رضي الله عنه أ ّ‬ ‫و روى مسلم و ابن ماجة و النسائي عَ ْ‬
‫ل ِللنبي صّلى الّله عَل َيه و سل ّم ‪ :‬إ َ‬
‫ص‪،‬‬ ‫م ُيو ِ‬ ‫مال ً وَ ل َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ‪ ،‬وَ ت ََر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ِ ّ‬ ‫َقا َ ّ ِ ّ َ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ه ؟ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ي ُك َ ّ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫ل ‪ ) :‬ن َعَ ْ‬ ‫صد ّقَ عَن ْ ُ‬ ‫ن أت َ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫فُر عَن ْ ُ‬
‫و قد حكى المام النووي رحمه الله الجماع على وصول الدعاء للميت ‪ ،‬و أن‬
‫أداء الدين عنه يجزئه ‪ ،‬و كذا سائر الصدقات ‪ ،‬تقع عن الميت و يصله ثوابها‬
‫من ولده أو غيره ] شرح صحيح مسلم ‪ 90 / 7 :‬و ‪. [ 23 / 8‬‬
‫دقة عن الميت غير مقّيدة بالصدقة الجارية ‪ ،‬بل المر على‬ ‫ت ‪ :‬و الص َ‬ ‫قل ُ‬
‫ما يدل على ذلك فعله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬حيث أشَركَ‬ ‫عمومه ‪ ،‬و م ّ‬
‫غيره في أضحيته – و الضحية ليست من الصدقات الجارية – و قال عند‬
‫مد ٍ ( ] رواه مسلم ‪:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫مد ٍ و َ آ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ ْ‬ ‫م تَ َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ ‪ ،‬الل ّهُ ّ‬ ‫ذبحها ‪ِ ) :‬با ْ‬
‫ن في آله الطهار أحياٌء و أموات ‪ ،‬و الضحية عن المّيت‬ ‫‪ ، [ 1967‬مع أ ّ‬
‫صدقة و ليست واجبة ‪.‬‬
‫ج عن المّيت ‪:‬‬ ‫الح ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زئه إذا كان النائب أّدى الفريضة عن نفسه‬ ‫ج عن المّيت ‪ ،‬و يج ِ‬ ‫و ُيشَرع الح ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن أِبيهِ‬ ‫أوّل ً ‪ ،‬لما رواه مسلم في صحيحه ) ‪ ( 1149‬عن عَْبد اللهِ ْبن ب َُري ْد َة َ عَ ْ‬
‫صّلى الّله عَل َي ْهِ َو‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫ل ‪ :‬ب َي َْنما أَنا َ‬ ‫ضي الّله عَْنهما ‪َ ،‬قا َ‬ ‫َر ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫جا‬ ‫ب‬ ‫مي‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬
‫ِّ َ َ ّ ُ َ‬‫ْ‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫سل ّ َ ِ َ ْ ُ ْ َ ٌ‬
‫أ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬
‫ِ َ ِ َ ٍ َ ِّ َ َ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫(‬ ‫ث‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫را‬ ‫مي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ها‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫و‬
‫َ َ َ ْ ُ ِ َ َ ّ َ‬‫ك‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫فَ‬
‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫مي‬ ‫صو ِ‬ ‫ل‪ُ ):‬‬ ‫م عَن َْها ؟ َقا َ‬ ‫صو ُ‬ ‫شهَْرٍ أفأ ُ‬ ‫م َ‬ ‫صوْ ُ‬ ‫ن عَل َي َْها َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫َيا َر ُ‬
‫ج عَن َْها ؟ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جي عَن َْها ( ‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ل‪ُ ):‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ج قَط ‪ ،‬أفَأ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ت ‪ :‬إ ِن َّها ل ْ‬ ‫عَن َْها ( ‪َ ،‬قال ْ‬
‫جة الفريضة ‪ ،‬و ما‬ ‫ج عن المّيت بين ح ّ‬ ‫ت ‪ :‬و ل فرق في الحكم في الح ّ‬ ‫قل ُ‬
‫أوجبه الميت على نفسه بنذر ‪ ،‬لحديث ابن عَباس رضي الله عنهما أ َن امرأةًَ‬
‫ّ ْ َ‬ ‫ْ ِ ّ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ج‪،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مي ن َذ ََر ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ت ‪ :‬إِ ّ‬ ‫قال ْ‬ ‫سل َ‬ ‫صلى الله عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ت إ ِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج عَن َْها ؟ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ت لوْ كا َ‬ ‫جي عَن َْها ن أَرأي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬‫م‪ُ ،‬‬ ‫ل ‪ ) :‬ن َعَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ج ‪ ،‬أفَأ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ت قَب ْ َ‬ ‫مات َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ضوا الل َ‬ ‫ل ‪ ) :‬اق ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م ‪ .‬فَ َ‬ ‫ت ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ه ؟ ( َقال ْ‬ ‫ضي َت َ ُ‬ ‫ت َقا ِ‬ ‫ن أكن ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ك د َي ْ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫عََلى أ ّ‬
‫حقّ ِبال ْوََفاِء ( ] رواه البخاري ‪. [ 7315 :‬‬ ‫َ‬
‫هأ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ل على مشروعّية أداء الدين عن المتوفى و في‬ ‫ً‬
‫و في هذا الحديث أيضا دلي ٌ‬
‫مته شيٌء من حقوق العباد ‪ ،‬و هو من قبيل الصدقة عنه ‪ ،‬إذا ل يجب عن‬ ‫ذ ّ‬
‫وعوا ‪.‬‬ ‫الحياء إل أن يتط ّ‬
‫الصوم عن المّيت ‪:‬‬
‫و ُيشَرع الصوم عن المّيت ‪ ،‬لما رواه الشيخان ‪ ،‬عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله إن أمي ماتت ‪ ،‬و عليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ قال ‪ ) :‬لو كان على‬
‫أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ ( قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ ) :‬فدين الله أحق أن ُيقضى‬
‫(‪.‬‬
‫م‬‫م ‪ ،‬و قد تقد ّ َ‬ ‫ل عليه أيضا حديث بريدة رضي الله عنه الذي رواه مسل ٌ‬ ‫ً‬ ‫و يد ّ‬
‫آنفا ً ‪.‬‬
‫حته عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال‬ ‫و في الحديث المّتفق على ص ّ‬
‫م صام عنه‬ ‫رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ) :‬من مات و عليه صيا ٌ‬ ‫ّ‬
‫ولّيه ( ‪.‬‬
‫ما ما‬ ‫فارة ‪ ،‬أ ّ‬ ‫و هذا في الصيام الواجب ‪ ،‬كصوم رمضان ‪ ،‬و صوم النذر ‪ ،‬و الك ّ‬
‫من وجب عليه‬ ‫سقط عن العبد في حياته ‪ ،‬فل يقضى عنه بعد وفاته ‪ ،‬ك َ َ‬
‫فرٍ مباٍح ‪ ،‬و مات في‬ ‫ن فمات قبل أن يبرأ ‪ ،‬أو أفطر في س َ‬ ‫م ٌ‬ ‫الصوم و هو َز ِ‬
‫فارة‬ ‫فره ذلك ‪ ،‬فل قضاء عليه ‪ ،‬و ل على ولّيه لكونه معذورا ً ‪ ،‬و تجب الك ّ‬ ‫س َ‬
‫وضا ً عن القضاء في هذه الحالة ‪.‬‬ ‫ع َ‬ ‫ِ‬
‫م دليل ً على مشروعّيته ‪ ،‬و إن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫أع‬ ‫فل‬ ‫‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫تن‬ ‫يت‬ ‫ّ‬ ‫الم‬ ‫عن‬ ‫الصيام‬ ‫و‬ ‫ج‬‫ّ‬ ‫الح‬ ‫ما‬ ‫أ ّ‬
‫قال به جماعة من أهل العلم ‪.‬‬
‫ن من العمال الصالحة ما ُيشَرع أداؤه عن الميت ‪ ،‬و‬ ‫دم أ ّ‬ ‫و خلصة ما تق ّ‬
‫ً‬
‫ينتفع به بعد موته بالتفاق ؛ كالدعاء و الصدقة مطلقا ‪ ،‬و الحج و الصوم‬
‫الواجبين ‪ ،‬و ل َفرقَ في ذلك كّله بين أن يؤّديه عن الميت قريب أو غريب ‪،‬‬
‫ولد الصالح بالذكر إل لقربه من المّيت ‪ ،‬و لكون‬ ‫ص ال َ‬ ‫خ ّ‬ ‫لعموم الدّلة ‪ ،‬و ما ُ‬
‫ما يقوم به تجاه والديه من البّر الواجب عليه تجاههما ‪ ،‬فكان تخصيصه تذكيرا ً‬
‫له بحقّ والديه و تنبيها ً إلى ما ينبغي أن يقوم به من البر بهما بعد موتهما ‪ ،‬و‬
‫ن النتفاع بعد الممات يكون‬ ‫ة صالحا ً ‪ ،‬ل ّ‬ ‫للوالدين بواجبهما في تنشئته تنشئ ً‬
‫بدعاء الولد الصالح ) و ليس أيّ ولد ( ‪ ،‬و الله أعلم ‪.‬‬
‫ت ‪ :‬و من المناسب في هذا المقام أن نتناول بالبيان مسألة قراءة القرآن‬ ‫قل ُ‬
‫دق عليه بثواب القراءة أو مثل ثوابها ‪ ،‬كما هو الشائع‬ ‫ّ‬ ‫التص‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫الميت‬ ‫عن‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في معظم أمصار المسلمين اليوم ‪.‬‬


‫فهل يصل ثواب قراءة القرآن الكريم إلى الميت ؟‬
‫هذه مسألة خلفّية قديمة ‪ ،‬و لهل العلم فيها قولن معروفان ‪:‬‬
‫القول الّول ‪ :‬أّنه ل يصل ‪ ،‬و هذا هو المشهور من مذهب الشافعي ‪ ،‬و يؤّيده‬
‫وز للقراءة عن الميت ‪ ،‬فتكون القراءة ٌ بدعة منكرة ً ‪،‬‬ ‫عدم ورود النص المج ّ‬
‫لّنها عبادة ‪ ،‬و الصل في العبادات التوقيف ‪ ،‬و عليه فل يثاب فاعلها ‪ ،‬و ل‬
‫ت إليه ‪.‬‬
‫ينتفع بها من وُهِب َ ْ‬
‫هب إلى هذا القول طائفة من المحققين المعاصرين ‪ ،‬و معظم علماء‬ ‫و قد ذ َ‬
‫الدعوة السلفّية ‪.‬‬
‫ن ثواب القراءة يصل إلى المّيت ‪ ،‬و هذا مذهب الجمهور‬ ‫القول الثاني ‪ :‬أ ّ‬
‫م على‬ ‫مة الثلثة ‪ ،‬و جماعة من أصحاب الشافعي ‪ ،‬و غيرهم ( ‪ ،‬بل ُزع َ‬ ‫) الئ ّ‬
‫ُوصوله الجماع السكوتي ‪.‬‬
‫ففي المغني لبن قدامة ‪ :‬قال أحمد بن حنبل ‪ :‬الميت يصل إليه كل شيء‬
‫من الخير ‪ ،‬للنصوص الواردة فيه ‪ ،‬و لن المسلمين يجتمعون في كل مصر ‪،‬‬
‫و يقرؤون ‪ ،‬و ُيهدون لموتاهم من غير نكير ‪ ،‬فكان إجماعا ً ‪ .‬اهـ ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫و القول بوصول الثواب إلى الميت هو اختيار شيخ السلم ابن تيمّية رحمه‬
‫الله ‪ ،‬و قد انتصر له في غير موضع من كتبه ‪ ،‬و تاَبعه على ذلك تلميذه ابن‬
‫دم ورود النهي ‪ ،‬و أّنه يقاس على ما أخبر الشارع بانتفاع‬ ‫جته ع َ‬‫القّيم ‪ ،‬و ح ّ‬
‫ُ‬
‫الموات بها ‪ ،‬و بلوغهم ثوابها إذا أهديَ إليهم ‪ ،‬كالدعاء و الصدقة و الصوم و‬
‫الحج ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ ) :‬أما القراءة ‪ ،‬و الصدقة و غيرهما من أعمال البر ؛ فل‬
‫سّنة و الجماعة في وصول ثواب العبادات المالية ؛‬ ‫نزاع بين علماء ال ُ‬
‫ً‬
‫كالصدقة و العتق ‪ ،‬كما يصل إليه أيضا الدعاء و الستغفار ‪ ،‬و الصلة عليه‬
‫صلة الجنازة ‪ ،‬و الدعاء عند قبره ‪.‬‬
‫و تنازعوا في وصول العمال البدنية ؛ كالصوم ‪ ،‬و الصلة ‪ ،‬و القراءة ‪ ،‬و‬
‫الصواب ‪ :‬أن الجميع يصل إليه ‪ ...‬و هذا مذهب أحمد ‪ ،‬و أبي حنيفة ‪ ،‬و‬
‫طائفة من أصحاب مالك ‪ ،‬و الشافعي ‪.‬‬
‫سَعى (‬ ‫ّ‬
‫ن إل ما َ‬
‫س للْنسا ِ‬ ‫َ‬
‫ن لي ْ َ‬ ‫و أما احتجاج بعضهم بقوله تعالى ‪ ) :‬وَ أ ْ‬
‫] النجم ‪ [ 39 :‬؛ فيقال له ‪ :‬قد ثبت بالسنة المتواترة و إجماع المة أنه‬
‫يصلى عليه ‪ ،‬و يدعى له‪ ،‬و يستغفر له ‪ ،‬و هذا من سعي غيره ‪ ،‬و كذلك قد‬
‫ثبت ما سلف من أنه ينتفع بالصدقة عنه و العتق ‪ ،‬و هو من سعي غيره ‪ ،‬و‬
‫ما كان من جوابهم في موارد الجماع ؛ فهو جواب الباقين في مواقع النزاع ‪،‬‬
‫و للناس في ذلك أجوبة متعددة ‪.‬‬
‫لكن الجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل ‪ :‬إن النسان ل ينتفع إل‬
‫سَعى ( ؛ فهو ل يملك إل‬ ‫ن إل ّ ما َ‬‫س للْنسا ِ‬ ‫بسعي نفسه ؛ و إنما قال ‪ ) :‬ل َي ْ َ‬
‫سعيه و ل يستحق غير ذلك ‪ ،‬و أما سعي غيره ؛ فهو له ‪ ،‬كما أن النسان ل‬
‫يملك إل مال نفسه و نفع نفسه ‪ ،‬فمال غيره ‪ ،‬و نفعُ غيره هو كذلك للغير ‪،‬‬
‫لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز ‪.‬‬
‫و هكذا هذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك ‪ ،‬كما ينفعه بدعائه له و‬
‫الصدقة عنه ‪ ،‬و هو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم ‪ ،‬سواء كان من‬
‫أقاربه أو غيرهم ‪ ،‬كما ينتفع بصلة المصلين عليه و دعائهم له عند قبره (‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] مجموع الفتاوى ‪. [ 366 / 24 :‬‬


‫ما عن التفضيل بين العبادات التي تؤّدى عن المّيت ‪ ،‬و ُيهدى إليه ثواُبها ‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ي و ل فْرق ‪.‬‬
‫فالحال على ما هو عليه بالنسبة للح ّ‬
‫قال ابن القيم رحمه الله ‪ :‬قيل ‪ :‬الفضل ما كان أنفع في نفسه ‪ ،‬فالعتق عنه‬
‫‪ ،‬و الصدقة ‪ ،‬أفضل من الصيام عنه ‪ ،‬و أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من‬
‫المتصدق عليه ‪ ،‬و كانت دائمة مستمرة ‪ ،‬و منه قول النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪ ):‬أفضل الصدقة سقي الماء ( ‪ ،‬و هذا في موضع يقل فيه الماء ‪ ،‬و‬
‫ي ل يكون أفضل من‬ ‫قن ِ ّ‬
‫يكثر فيه العطش ‪ ،‬و إل فسقي الماء على النهار و ال ُ‬
‫إطعام الطعام عند الحاجة ‪ ،‬و كذلك الدعاء ‪ ،‬و الستغفار له ‪ ،‬إذا كان بصدق‬
‫من الداعي و إخلص و تضرع ‪ ،‬فهو في موضعه أفضل من الصدقة عنه‬
‫كالصلة على الجنازة ‪ ،‬و الوقوف للدعاء على قبره ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬و الله الموّفق ‪ ،‬و هو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬
‫ب العالمين ‪.‬‬
‫و الحمد لله ر ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫انتهاء الجل هو السبب الوحيد للموت‬


‫إن الواقع المحسوس‪ ،‬واليات البينات في القرآن الكريم‪ ،‬تدل بشكل قاطع‪،‬‬
‫ل ما نراه من أحياء‪ :‬نباتا ً أو حيوانا ً أو إنسانًا‪ ،‬مصيره إلى الموت والفناء‪.‬‬ ‫نك ّ‬ ‫أ ّ‬
‫وما من أحياء موجودة أو ستوجد في المستقبل‪ ،‬إل وستصير يوما ً إلى الموت‬
‫والفناء‪ ،‬وفي النهاية ل يبقى ال الله تعالى‪ ،‬ويفنى الكون‪ ،‬ويفنى النسان‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫وتفنى الحياة‪ ،‬كما يصرح بذلك القرآن الكريم‪ ،‬في قوله تعالى‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ل َواْل ِك َْرام ِ { ]الرحمن[‪.‬‬
‫جَل ِ‬
‫ك ُذو ال ْ َ‬
‫ه َرب ّ َ‬
‫ج ُ‬
‫قى وَ ْ‬
‫ن )‪ (26‬وَي َب ْ َ‬‫عَل َي َْها َفا ٍ‬
‫ـــــ‬
‫إن الناس قد ذهبت بهم الظنون‪ ،‬وجان ََبهم الصواب‪ ،‬عندما بحثوا سبب الموت‬
‫عمومًا‪ ،‬وسبب موت النسان بخاصة‪ .‬فمن قائل إن سبب الموت هو‬
‫الطاعون فيما يتصل بانسان مات بعد إصابته بمرض الطاعون‪ ،‬أو أن سبب‬
‫الموت هو السرطان لن مريضا ً كان مصابا بالسرطان قبل موته ‪ .‬أو أن‬
‫سبب الموت هو طعنة بسكينة‪ ،‬أو طلقة برصاص‪ ،‬أو قطع الرأس أو توقف‬
‫القلب‪... ،‬‬
‫ً‬
‫وعد ّ بعض الناس هذه المور أسبابا مباشرة للموت‪ ،‬وبناء على هذا يحصل‬
‫الموت إذا حصلت هذه الشياء ‪ ،‬ول يحصل الموت إذا لم تحصل‪ ،‬فيكون‬
‫حصول الموت في فهمهم هو بحصول هذه السباب ل بانتهاء الجل‪ ،‬مع أن‬
‫المسلمين يقولون بألسنتهم إن النسان يموت بسبب انتهاء أجله‪ .‬وبالتالي‬
‫يكون المميت في رأيهم هو هذه السباب وليس الله تعالى‪ ،‬حتى وإن رّددوا‬
‫ن الله هو المحيي والمميت ‪.‬‬ ‫بألسنتهم أ ّ‬
‫أما حقيقة المر في هذا‪ ،‬أن سبب الموت واحد وهو انتهاء الجل‪ ،‬وأن الله‬
‫تعالى هو المحيي والمميت‪ ،‬كما دل على ذلك الفهم البين الواضح ليات‬
‫القرآن الكريم‪ .‬وحقيقة المر كذلك أن شيئا ً ما حتى يصلح أن يكون سببا ل‬
‫بد أن ينتج المسّبب حتما ‪ ،‬وأن المسّبب ل يمكن أن ينتج إل عن سببه وحده‪،‬‬
‫وهذا بخلف الحالة‪ ،‬فإنها ظرف خاص بملبسات خاصة يحصل فيها الشيء‬
‫عادة‪ ،‬ولكن هذا الشيء )وهو الموت هنا( قد يتخلف ول يحصل‪ .‬ولنأخذ مثل‬
‫للسبب ومثل للحالة‪ ،‬فالحياة سبب للحركة الذاتية في الحيوان‪ ،‬فإذا وجدت‬
‫الحياة فيه وجدت الحركة الذاتية فيه‪ ،‬وإذا عدمت الحياة فيه عدمت الحركة‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت الزرع‪ ،‬فإنه حالة من الحالت‬ ‫الذاتية فيه‪ .‬وهذا بخلف المطر بالنسبة لنبا ِ‬
‫التي ينبت بها الزرع‪ ،‬وليس سببا لنبات الزرع‪ .‬فالمطر ينبت الزرع عادة‬
‫ولكن قد ينزل المطر ول ينبت الرزع‪ ،‬وقد ينبت الزرع من رطوبة الرض‪،‬‬
‫كالزرع الصيفي الذي ينبت بدون نزول المطر‪ .‬وشبيه المطر مرض‬
‫الطاعون‪ ،‬وضرب الرصاص‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فهذه قد توجد ول يحصل الموت‪ ،‬وقد‬
‫يحصل الموت من غير أن يوجد أي شيء من هذه الشياء التي يحصل فيها‬
‫الموت عادة‪ .‬لذلك فمرض الطاعون‪ ،‬والسرطان‪ ،‬والغرق‪ ،‬وضرب الرصاص‪،‬‬
‫مثل هي حالت يحصل فيها الموت عادة‪ ،‬ولكنها ليست سببا للموت ‪.‬‬
‫والمتتبع لكثير من الشياء التي يحصل فيها الموت‪ ،‬والمتتبع للموت نفسه‬
‫يتأكد من ذلك واقعيًا‪ ،‬فيجد أنه قد تحصل هذه الشياء التي يحصل منها‬
‫الموت عادة ول يحصل الموت‪ ،‬وقد يحصل الموت بدون حصول هذه الشياء‪،‬‬
‫فمثل قد ُيضَرب شخص سكينا ضربة قاتلة‪ ،‬ويجمع الطباء على أنها قاتلة‪ ،‬ثم‬
‫ل يموت فيها المضروب بل يشفى ويعافى منها‪ .‬وقد يحصل الموت دون‬
‫سبب ظاهر‪ ،‬كأن يقف قلب إنسان فجأة فيموت في الحال دون أن يتبين‬
‫لجميع الطباء بعد الفحص الدقيق نوع الحالة التي يحصل فيها وقوف القلب‪،‬‬
‫والحوادث على ذلك كثيرة يعرفها الطباء وقد شهدت فيها المستشفيات في‬
‫العالم آلف الحوادث‪ .‬ومن أجل ذلك يقول الطباء إن فلنا ً المريض ميؤوس‬
‫منه حسب تعاليم الطب‪ ،‬ولكن قد يعافى‪ ،‬وهذا فوق علمنا‪ ،‬ويقولون إن فلنا ً‬
‫ل خطر عليه وهو معافى‪ ،‬وقد تجاوز دور الخطر‪ ،‬ثم ينتكس فجأة فيموت‪.‬‬
‫وهذا يدل دللة واضحة على أن هذه الشياء التي حصل منها الموت ليست‬
‫أسبابا ً له‪ ،‬إذ لو كانت أسبابا ً له لما تخلف‪ ،‬ولما حصل بغيرها‪ ،‬فمجرد تخلفها‬
‫ولو مرة واحدة‪ ،‬ومجرد حصول الموت بدونها ولو مرة واحدة‪ ،‬يدل قطعا‬
‫على أنها ليست أسبابا للموت‪ ،‬بل هي حالت يحصل فيها الموت‪ .‬أما السبب‬
‫الحقيقي للموت الذي ينتج المسّبب‪ ،‬أي ينتج الموت‪ ،‬هو أمر غيرها‪ ،‬وليست‬
‫هي ‪.‬‬
‫ب قائل يقول‪ :‬نعم‪ ،‬إن هذه الشياء التي تحصل‪ ،‬ويحصل فيها الموت عادة‪،‬‬ ‫ر ّ‬
‫هي حالت وليست أسبابا‪ ،‬لنها قد تتخلف عن إحداث الموت‪ ،‬أي قد تحصل‬
‫ب مشاهدة محسوسة يحصل‬ ‫أحيانا ول يحصل منها الموت‪ ،‬ولكن هنالك أسبا ٌ‬
‫منها الموت قطعا ول يتخلف فتكون هي سبب الموت ‪ .‬فمثل قطع الرقبة‬
‫وإزالة الرأس عنها يحصل منه الموت قطعا ً ول يتخلف‪ ،‬ووقف القلب يحصل‬
‫منه الموت قطعا ً ول يتخلف‪ .‬فهذه وأمثالها من أعضاء جسم النسان مما‬
‫يحصل منه الموت قطعا ً هو سبب الموت‪ .‬ويقولون‪ :‬نعم إن ضربة الرقبة‬
‫بالسيف حالة من حالت الموت وليست سببا ً للموت‪ ،‬وإن طعنة القلب‬
‫بالسكين حالة من حالت الموت وليست سببا ً للموت‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ولكن قطع‬
‫م ل نقول‪ :‬إن هذا سبب الموت؟‬ ‫الرقبة ووقف القلب سبب للموت‪ .‬فل َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والجواب على ذلك‪ :‬إن قطع الرقبة وإزالة الرأس عن الجسم ل يحصل من‬
‫نفسه‪ ،‬فل يحصل من الرقبة نفسها ول من الرأس‪ ،‬فل يحصل ال بمؤثر‬
‫خارجي عنها ‪ ،‬فل يصلح حينئذ أن يكون قطع الرقبة )أي زوالها عن الجسد(‬
‫سببا ً للموت‪ ،‬بل المر الذي فعل القطع هو الذي ُيظن أن يكون سبب الموت‬
‫وليس نفس القطع‪ ،‬لن القطع ل يحصل من ذاته بل بمؤثر خارجي‪.‬‬
‫وكذلك وقف القلب ل يحصل من نفسه‪ ،‬بل ل بد من مؤثر خارجي عنه‪ ،‬فل‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يصلح حينئذ أن يكون وقف القلب سببا للموت‪ ،‬بل المر الذي سبب وقف‬
‫ن أن يكون سبب الموت وليس وقف القلب ذاته‪ ،‬لن‬ ‫القلب هو الذي ي ُظ َ ّ‬
‫وقف القلب ل يحصل من ذاته‪ ،‬بل بمؤثر خارجي‪.‬‬
‫وعلى ذلك فل يمكن أن يكون انقطاع الرقبة أو توقف القلب مظنة أن يكون‬
‫سببا ً للموت مطلقا‪ .‬فلم يبق مظنة سبب الموت إل المؤثر الخارجي ‪.‬‬
‫وكذلك ل يكون سبب الموت هو المؤثر الخارجي‪ ،‬لنه ثبت عقل ً وواقعا ً أنه قد‬
‫يحصل المؤثر الخارجي ول يحصل الموت‪ ،‬وقد يحصل الموت دون أن يحصل‬
‫ل‪ ،‬هو أن ينتج‬ ‫هذا المؤثر الخارجي‪ .‬والصل في السبب‪ ،‬حتى يكون سببا ً فع ً‬
‫المسّبب حتما‪ .‬فلم يبقَ إل أن السبب الحقيقي للموت الذي ينتج المسبب‬
‫حتمًا‪ ،‬وهو الموت‪ ،‬هو غير هذه الشياء‪.‬‬
‫وهذا السبب الحقيقي لم يستطع العقل أن يهتدي اليه‪ ،‬لنه ل يقع تحت‬
‫الحس‪ ،‬فل بد أن يخبرنا به الله تعالى‪ .‬وأن يكون هذا الخبار عن السبب‬
‫الحقيقي للموت بدليل قطعي الثبوت عن الله تعالى‪ ،‬قطعي الدللة في‬
‫معناه حتى نؤمن به؛ لن ذلك من العقائد وهي ل تثبت إل بالدليل القطعي ‪.‬‬
‫وقد رأينا كيف أن الله تعالى قد أخبرنا في آيات قرآنية متعددة قطعية في‬
‫معانيها ودللتها‪ ،‬بأن سبب الموت هو انتهاء الجل‪ ،‬وأن الله تعالى وحده هو‬
‫الذي يميت‪.‬‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ويكفي أن نشيَر مرة أخرى إلى بعض هذه اليات‪ .‬يقول تعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫جل ً { ]آل عمران ‪ .[145‬أي كتب‬ ‫َ‬
‫مؤ َ ّ‬‫ن الله ك َِتاًبا ّ‬ ‫ت إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل ِن َ ْ‬
‫الموت كتابا ً مؤجل ً مؤقتا ً إلى أجل معلوم ‪ .‬ول يملك أحد أن يغير في هذا‬
‫سا‬
‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬ ‫الجل المكتوب الذي قدره الله تعالى‪ ،‬إذ يقول تعالى‪ } :‬وََلن ي ُؤَ ّ‬
‫َ‬
‫ن { ]المنافقون[‪.‬‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جل َُها َوالل ّ ُ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫ل‪ ،‬فقد قدر للمم آجال كذلك ل يمكن‬ ‫در للنفس آجا ً‬ ‫وإذا كان الله قد ق ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫جلهُ ْ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬‫ج ٌ‬
‫مةٍ أ َ‬‫لأ ّ‬ ‫تجاوزها ‪ ،‬كما يقول تعالى‪ } :‬وَل ِك ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جلَها‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سب ِقُ ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫ن { ]العراف[‪ .‬وقال تعالى‪ّ } :‬‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬ ‫ة وَل َ ي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬‫َ‬
‫ن { ]المؤمنون[‪.‬‬ ‫ْ‬
‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫وَ َ‬
‫آثار هذا المفهوم العقدي عند المسلمين‪:‬‬
‫إن المسلم الذي يعتقد اعتقادا ً جازمًا‪ ،‬بعد تفكر وتدبر واعيين‪ ،‬أن سبب‬
‫دده الله تعالى‪ ،‬ول يملك أحد‬ ‫الموت هو انتهاء الجل‪ ،‬وأن هذا الجل قد ح ّ‬
‫سواه أن يغيره‪ ،‬يزيد فيه أو ينقص منه ولو لحظة‪ ،‬تجده مسلما ً مقدامًا‪ ،‬غير‬
‫هّياب ول وجل‪ ،‬ينهض للقيام بما فرض الله عليه من واجبات ومسؤوليات‬
‫تجاه نفسه وأمته ودينه‪ ،‬ويركب من أجل ذلك الصعاب‪ ،‬ويقتحم المخاطر‬
‫دون أن يخشى أحدا ً إل الله تعالى‪ .‬وتراه يقول الحق حيثما كان ل يماري فيه‬
‫أحدًا‪ ،‬وينكر المنكر حاصل ً من أي امرئ كان‪ ،‬ل يداهنه فيه‪.‬‬
‫على مثل هذا الوضوح والفهم في العقيدة أعد ّ رسول الله ‪ B‬أصحابه فكانوا‬
‫معه كالزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع‬
‫ليغيظ بهم الكفار‪.‬‬
‫وكانوا من بعده مصابيح الهدى وفرسان الوغى ومنارات العلم وسادة الدنيا‬
‫وقادتها‪.‬‬
‫هكذا كان بلل بن رباح‪ ،‬وكان خباب بن الرت‪ ،‬وهكذا كانت سمية‪ ،‬يجهرون‬
‫بالحق ويصبرون على الذى فيه بالغا ما بلغ‪ .‬وهكذا كان خالد بن الوليد‪ ،‬وأبو‬
‫محجن الثقفي‪ ،‬وأم نسيبة النصارية في ساحات الوغى والجهاد‪.‬‬
‫ديق والفاروق‪ ،‬عيونا ً ساهرة على السلم وأهله‪ ،‬وقافين عند‬
‫ّ‬ ‫وهكذا كان الص ّ‬
‫الحق قوامين عليه‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل هكذا كان المسلمون جميعا ً في بدر‪ ،‬ومؤتة‪ ،‬والحزاب‪ ،‬وحنين‪،‬‬


‫والقادسية‪ ،‬واليرموك‪ ،‬وحطين‪ ،‬وعين جالوت‪ ،‬عندما كان الموت فاغرا ً لهم‬
‫فاه‪ ،‬ما هابوه بل تمّنوه طلبا للشهادة في سبيل الله‪.‬‬
‫وهكذا كان أسوتنا وقدوتنا محمد رسول الله ‪ B‬في كل مشهد من مشاهد‬
‫حياته منذ بعث حتى لحق بالرفيق العلى‪ ،‬يتحدى قريشا ً وقادتها وهو فرد‬
‫أعزل إل من إيمانه ويقينه أن الجال بيد الله‪ ،‬يسخرون منه فيواجههم متحديا‬
‫ل‪» :‬أتسمعون يا معشر قريش‪ .‬أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم‬ ‫لهم قائ ً‬
‫بالذبح«‪.‬‬
‫وفاوضه عمه أبو طالب نيابة عنهم فيقول له‪» :‬يا عم‪ ،‬والله لو وضعوا‬
‫الشمس في يميني‪ ،‬والقمر في يساري‪ ،‬على أن أترك هذا المر حتى يظهره‬
‫الله أو أهلك فيه‪ ،‬ما تركته«‪.‬‬
‫وعندما بلغه نبأ خروج قريش لقتاله عام الحديبية‪ ،‬ما كان جوابه على ذلك إل‬
‫أن قال‪» :‬فما تظن قريش؟ فوالله ل أزال أجاهد على الذي بعثني الله به‬
‫حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة«‪ ،‬كناية عن الموت‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ضوا راجعين‪ ،‬وقف‬ ‫ل المفاجأة فانف ّ‬ ‫ويوم حنين‪ ،‬عندما أذهل المسلمين هو ُ‬
‫رسول الله في نفر من أصحابه وأهل بيته صامدين‪ ،‬ونادى فيهم‪ ،‬وأمر‬
‫العباس أن يصيح بهم حتى سمعوا النداء فكّروا عائدين ملبين‪ :‬لبيك‪ ،‬لبيك ‪.‬‬
‫وم‬‫على مثل هذا الفهم الواعي لعقيدة السلم وشريعته تبنى العقول‪ ،‬وتق ّ‬
‫النفوس‪ ،‬وتشيد المم‪ ،‬وتقام الدول‪ ،‬وتزدهر الحضارات ويسود العدل‬
‫وتختفي من المجتمعات مظاهر الظلم والفساد والعدوان‪ ،‬ومن حياة‬
‫جبن والتردد والخنوع ‪.‬‬ ‫المسلمين أمارات ال ُ‬
‫ول يضيُرنا عند ذلك ما يصفنا به أعداء السلم وزبانيته‪ ،‬من الحكام‬
‫المأجورين‪ ،‬والعلماء المهزومين‪ ،‬والكتاب المضبوعين‪ ،‬من كوننا إرهابيين‪،‬‬
‫جع العنف وندعمه‪ ،‬ونتغّنى بالشهادة في سبيل‬ ‫نحب الرهاب ونمارسه‪ ،‬ونش ّ‬
‫جد َ‬ ‫ّ‬
‫الله ونمّني أنفسنا بها‪ .‬فوالله ما قامت للسلم دولته الولى إل بعد أن وُ ِ‬
‫أنصاره في المدينة‪ ،‬ول حسم مكائد َ اليهود والمنافقين فيها‪ ،‬إل ّ قوة‬
‫المسلمين‪ ،‬وقيادة رسول الله الحكيمة فيهم‪ ،‬ول حملت رسالة السلم إلى‬
‫فسا ً تموت‬ ‫نصف الرض المعمورة يومئذ‪ ،‬سوى كتائب الجهاد التي باعت أن ُ‬
‫س ل تموت أبدًا‪.‬‬ ‫ً‬
‫غدا بأنف ٍ‬
‫ولكن أّنى يكون ذلك بعد أن أزال الكفار الخلفة من حياة المسلمين‪ ،‬وأبعدوا‬
‫السلم عن حياتهم‪ ،‬وحكموهم بأنظمة الغرب الباطلة‪ ،‬وحضارته الفاسدة‪،‬‬
‫ومنعوا كل مخلص يعمل لعودة الحكم بالسلم‪ ،‬بل طاردوهم وعاقبوهم‬
‫ن مارد السلم‬ ‫مستخدمين مختلف الذرائع الواهية‪ .‬وما درى هؤلء وزبانيتهم أ ّ‬
‫العملق قد صحا‪ ،‬ولن تستطيع قوة في الرض بإذن الله أن تكّبله من جديد‪،‬‬
‫بل سيمضي في العمل حتى يتحقق وعد الله للمسلمين بالنصر المبين‪.‬‬
‫َ‬
‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ِبال ْهُ َ‬
‫دى وَِدي ِ‬ ‫سول َ ُ‬‫ل َر ُ‬‫س َ‬
‫ذي أْر َ‬ ‫يقول سبحانه وتعالى‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن ك ُل ّهِ { ]الصف‪.[9/‬‬ ‫عََلى ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫ما قريب إن شاء الله_ دين الحق‪ ،‬وهو‬ ‫فسيظهر الله سبحانه وتعالى _ع ّ‬
‫ُ‬
‫السلم‪ ،‬دين محمد ‪ B‬على كل الديان والن ُظم والشرائع‪ .‬والله غالب على‬
‫أمره‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصّلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‪ .‬وآخر دعوانا أ ِ‬
‫ن‬
‫ب العالمين‬
‫الحمد لله ر ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫انتهى أجله قبل أن يصلي ‪...‬‬


‫‪28-11-2005‬‬
‫يا شيخ أترى ذلك الرجل العجوز ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬نعم ‪ ،‬ولكن ما به !‬
‫إنه ل يصلي ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬سبحان الله ماذا تقول ‪ :‬ل يصلي !!!!!!‬
‫نعم إنه ل يصلي ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬أمتأكد أنت؟‬
‫نعم متأكد ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬بهذا العمر ول يصلي !!!‬
‫هل ّ يا شيخنا ذهبت إليه وتحدثت معه ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬بالتأكيد يا بني هذا واجب علي ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬السلم عليك يا أخي ‪.‬‬
‫العجوز ‪ :‬وعليك السلم ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬كيف حالك يا رجل ؟‬
‫العجوز ‪ :‬بخير والحمد لله ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬أصحيح ما يقال عنك ؟‬
‫العجوز ‪ :‬يقال عني ! وماذا يقال عني ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬يقال عنك أنك ل تصلي ‪.‬‬
‫العجوز ‪ :‬لقد أخفتني حسبت أنه حصل خطب ما ‪ ،‬أهذا ما يقال عني ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫العجوز ‪ :‬هذا صحيح ‪ ،‬فأنا ل أصلي ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬وأنت بهذا العمر !‬
‫ً‬
‫العجوز ‪ :‬ولكن قلبي ممتلئ إيمانا ‪ ،‬فأنا مؤمن والحمد لله ‪ ،‬ولكنني ل أصلي‬
‫تثاقل ً واسأل الله أن يهديني كي أصلي ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬قلبك ممتلئ إيمانا َ ! هذا غير صحيح ‪ ،‬لو كان قلبك ممتل إيمانا ً‬
‫لستقامت جوراحك ‪ ،‬هذا ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ‬
‫قال ‪ :‬وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد‬
‫ن نفسك‬ ‫الجسد كله ( ‪ .‬ولكن بسبب ضعف إيمانك أنت ل تصلي ‪،‬فل تخدع ّ‬
‫بهذه الكذوبة وعد إلى الله قبل فوات الوان ‪.‬‬
‫العجوز ‪ :‬ولكن ماذا علي لو تركت الصلة ؟ فأنا مؤمن وقد وعد الله‬
‫المؤمنين بالجنة حتى أصحاب الكبائر منهم ‪ ،‬فلما تقنطني من رحمة ربي‬
‫التي وسعت كل شيء؟‬
‫الشيخ ‪ :‬أنا يا هذا ل أقنطك من رحمة الله ‪ ،‬ولكني ل أريد أن تكون من الذين‬
‫يأمنون مكر الله سبحانه فتكون من الخاسرين ‪.‬‬
‫يا أخي ‪ :‬الصلة عمود الدين ‪ ،‬من أقامها أقام الدين ‪ ،‬ومن هدمها هدم‬
‫الدين ‪ ،‬بل هي الفارق بين اليمان والكفر ‪ ،‬أما سمعت بقول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬بين اليمان والكفر ترك الصلة فمن تركها فقد كفر ( ‪ .‬فقد‬
‫ذهب كثير من أهل العلم إلى تكفير تارك الصلة الكفر الكبر ‪ ،‬وينسب هذا‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القول إلى إمام أهل السنة والجماعة المام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ‪،‬‬
‫ثم اعلم أن ترك الصلة من أعظم الكبائر بل هو من الكبائر التي ل يغفرها‬
‫الله سبحانه لمن لم يتب منها فهي من الشرك كما ثبت ذلك في رواية ثانية ‪:‬‬
‫) فمن تركها فقد أشرك ( ‪ .‬ومن المعلوم لكل مسلم أن الله سبحانه ل يغفر‬
‫أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‪ ،‬والشرك الذي ل يغفره الله‬
‫يشمل الشرك الكبر والصغر على حد سواء ‪ ،‬إل أن من الفروق بينهما أن‬
‫الله سبحانه ل يخلد أصحاب الشرك الصغر في النار ‪ ،‬ثم اعلم يا هذا أن من‬
‫أعظم الذنوب التي يستحق أصحابها عليها العذاب يوم القيامة ترك الصلة ‪،‬‬
‫قال تعالى عن أهل النار ‪ ) :‬ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من‬
‫المصلين ( ‪ .‬وقال سبحانه ‪ ) :‬فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلة واتبعوا‬
‫الشهوات فسوف يلقون غيا ً ( ‪ .‬فكيف بعد هذا كله ل تتوب إلى الله وتصلي ؟‬
‫العجوز ‪ :‬إني أريد أن أصلي ‪ ،‬ولكن ‪...‬‬
‫الشيخ يقاطعه قائل ً ‪ :‬دون لكن ‪ ،‬يا أخي إنك ل تضمن عمرك فإن العمار بيد‬
‫الله سبحانه فما من إنسان إلى مصيره إلى الموت قال سبحانه ‪ ) :‬كل نفس‬
‫ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل‬
‫الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إل متاع الغرور ( ‪ .‬وفي الحديث عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬إذا مات ابن آدم شيعه ثلثة ‪ ،‬شيعه أهله‬
‫وماله وعمله ‪ ،‬فيرجع اثنان ويبقى واحد ‪ ،‬يرجع أهله وماله ‪ ،‬ويبقى عمله ( ‪.‬‬
‫وخير العمال عند الله الصلة كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫) سددوا وقاربوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلة ( ‪ .‬بل هي أول ما يحاسب‬
‫عليه المرء يوم القيامة ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أول ما يحاسب المرء‬
‫عليه يوم القيامة الصلة فإن صلحت صلح سائر عمله ‪ ،‬وإن فسدت فسد‬
‫سائر عمله ( ‪ .‬واعلم يا أخي أن هذه الحياة الدنيا متاع الغرور قال تعالى ‪:‬‬
‫) اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال‬
‫والولد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فترته مصفرا ً ثم يكون حطاما ً‬
‫وفي الخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إل متاع‬
‫الغرور ( ‪ .‬وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬الدنيا ملعونة‬
‫ملعون ما فيها‪ ،‬خل ذكر الله تعالى وما واله وعالما ً أو متعلما ً ( ‪ .‬وقال صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ) :‬لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة لما سقى منها‬
‫كافرا ً شربة ماء ( ‪ .‬فكيف نحرص على الدنيا ونترك الخرة ونحن نعلم يقينا ً‬
‫حقيقة الدنيا وأنها ليست لنا بل هي سجن المؤمن وجنة الكافر ‪،‬وأنت يا أخي‬
‫قد بلغت من العمر ما يعذرك الله به فل تكونن يوم القيامة من الهالكين ‪.‬‬
‫العجوز ‪ :‬حسنا ً سمعت قولك وفهمته وقد عملت ما عليك ‪ ،‬فدعني الن‬
‫وشأني ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬لقد نصحتك والمر راجع إليك ‪.‬‬
‫ً‬
‫وبعد مضي يومين اثنين يسمع الشيخ صوتا يناديه ‪.‬‬
‫يا شيخ ‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشيخ‪ :‬من؟ أنت مرة ثانية ماذا تريد ؟‬


‫يا شيخ أتذكر ذلك العجوز الذي تحدثت معه بالمس ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬نعم أذكره جيدا ً ‪.‬‬
‫إنه قد مات ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ماذا تقول ‪ :‬مات !!!! أمتأكد أنت ؟‬


‫نعم يا شيخ لقد مات ‪ ،‬مات صباح المس ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ ،‬سبحان الله ! وكيف مات ؟‬
‫لقد خرج في الصباح إلى أرضه ‪ ،‬وبيده معوله ‪ ،‬ثم سقط فوقع على رأسه‬
‫فمات من فوره‪ ،‬ولكن يا شيخ لقد رأيت من أمره عجبا ً ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬وماذا رأيت ؟‬
‫رأيته مسجى في أرضه البعيدة عن الطريق الرئيسي ‪ ،‬وقد طلبت له سيارة‬
‫إسعاف حتى تنقله ‪ ،‬إل أن سيارة السعاف تأخرت حتى وصلت بسبب وعورة‬
‫الطريق ‪ ،‬وأغرب من ذلك يا شيخ !‬
‫الشيخ ‪ :‬ماذا ؟‬
‫لقد تعطلت فرامل السيارة واحتاج الناس إلى سيارة أخرى لتنقل الجثة ‪.‬‬
‫الشيخ ‪:‬يا إلهي ‪ ،‬وماذا حصل ؟‬
‫لقد مكثت الجثة وقتا ً طويل ً في الشمس إذ لم يكن هنالك شجرة تظلل الجثة‬
‫بها حتى انتفخت وأصبح مظهرها مروعا ً ‪ ،‬وبعد وقت ليس بالقليل وصلت‬
‫السيارة الثانية ‪ ،‬فحملت الجثة وسارت بها ولكنها في الطريق ‪...‬‬
‫الشيخ ‪ :‬ماذا حصل لها ؟‬
‫توقفت فجأة فقد تعطل المحرك ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬الله أكبر إنه أمر حقا ً عظيم ‪،‬وماذا حدث بعد ذلك ؟‬
‫استدعيت سيارة أخرى فما أوصلت الجثة إلى مغسلة الموات إل بعد صلة‬
‫الظهر ‪.‬‬
‫وبعد أن غسلت الجثة وصلي عليها حملت إلى المقبرة ‪ ،‬وقد حدث هنالك أمر‬
‫غريب للغاية ‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬وماذا حصل ؟‬
‫ً‬
‫عندما أراد الناس وضع الجثة في القبر ‪ ،‬وجدوا باب القبر ضيقا ل يتسع للجثة‬
‫خاصة وأنها منتفخة ‪ ،‬فتعذر عليهم إدخالها في القبر وركنوا الجثة على حافة‬
‫المقبرة واخذوا يبحثون له عن قبر آخر ‪ ،‬ولكنهم لم يجدوا القبر إل بعد صلة‬
‫المغرب ‪ ،‬فتأمل يا شيخنا الحبيب ماذا حل بالجثة بعد كل هذا ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬سبحان الله لو كان هذا يعلم ما سيحل به لما ترك السجود حتى‬
‫فاضت روحه إلى الله سبحانه ‪ ،‬ولكن المل يولد الغفلة فيصبح المرء ل يفكر‬
‫إل بالدنيا الزائلة ‪ ،‬ويا بني اقصص هذه القصة على الناس لعلهم يتذكرون‬
‫فإن فيها الموعظة الحسنة والذكرى الطيبة ‪ ،‬والذكرى تنفع المؤمنين ‪.‬‬
‫هذه قصة حقيقية حصلت مع الشيخ حفظه الله تعالى‬

‫)‪(2 /‬‬

‫انثري الورد من يديك ندّيا‬


‫· الجزيرة العربية‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ْ‬
‫سكبي العِطَر واملي ك ّ‬
‫ل َنادِ‬ ‫ُ‬ ‫ان ُْثري الورد َ من ي َد َْيك ن َدِي ّا ً ‪ ... ...‬وا ْ‬
‫ن الجَنى و الّزادِ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫وا ْ‬
‫م َ‬
‫دي ِ‬
‫م ّ‬ ‫ضو ُ‬‫ة في الْر ‪ِ ... ...‬‬ ‫ذكي ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫غرسي الغَْر َ‬
‫لبرادِ‬‫فِح الهجير وا ِ‬ ‫نل ْ‬‫سري ‪ ... ...‬بي َ‬ ‫وأطِلقي الّنسمة العليلة ت ْ‬ ‫ْ‬
‫ة من فؤادي‬ ‫ت فيه لهفَ ٌ‬ ‫داه ُ ! ‪َ ... ...‬رفَْرفَ ْ‬ ‫ل ! َيال َن َ َ‬ ‫ظل ِ‬‫يال ُب َْردِ ل ّ‬
‫ل في فم ِ الّزمان الشادي‬ ‫ن ‪ ... ...‬لم ي ََز ْ‬ ‫ن ولح ٌ‬ ‫ت أنشودةُ الزما ِ‬ ‫أن ِ‬
‫ق وبادي‬ ‫سارٍ على الطري ِ‬ ‫ّ‬
‫ك ُتغني ‪ ... ...‬كل َ‬ ‫جن َْبي ِ‬‫ق بين َ‬ ‫شو ِ‬‫ة ال ّ‬
‫ف ُ‬ ‫لهْ َ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حم ٍ وجهادِ‬ ‫مل ِ‬‫كرى َ‬ ‫ق التا ‪ِ ... ...‬ريخ ذ ْ‬ ‫ج من عَب َ ِ‬ ‫مو ُ‬ ‫حارى ت َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ال ّ‬
‫سك ‪َ ... ...‬نشُرها للورى وطيب بادي‬ ‫ٌ‬ ‫م ْ‬‫مال يا للّرمال ! ف ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ورِ َ‬
‫ل ‪ ... ...‬لؤلؤ شعّ كالبريق الهادي‬ ‫ٌ‬ ‫م ٍ‬ ‫ّ‬
‫ف نفسي ! وكل حّبة َر ْ‬ ‫له َ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫جلدِ‬ ‫ي ال ِ‬‫ح ُ‬ ‫ص التا ‪ِ ... ...‬ريخ دفْقُ الّرؤى وو ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫سه قَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك الماُء ! هَ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ج د َوِيّ العصور و البادِ‬ ‫عها المو ‪ُ ... ...‬‬ ‫صار ُ‬ ‫والِبحاُر التي ي ُ َ‬
‫ب عبقريّ الّرشادِ‬ ‫م القل ِ‬ ‫ملهِ ُ‬‫ث ‪ُ ... ...‬‬ ‫حدي ٌ‬ ‫ك يا بحار َ‬ ‫ن شطي ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ت إلى الورى من أيادِ‬ ‫س على شواط ِِئك الّزْر ‪ ... ...‬قاء أهْد َ ْ‬ ‫كم عرو ٍ‬
‫جادِ بالمجادِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ص َ‬ ‫رسل ً للُهدى وعَْز ِ‬
‫ل ال ْ‬ ‫ن وو ْ‬ ‫ة فرسا ‪ٍ ... ...‬‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫قلوب والكبادِ‬ ‫عطاُء ال ُ‬ ‫حّر ‪َ ... ...‬‬‫ل ما في البحار من جوهَرٍ ُ‬ ‫ك ّ‬
‫وهادِ‬‫ذرا ‪ ،‬في ال ِ‬ ‫حر ‪ ،‬في ال ّ‬ ‫ي على الب َّر ‪ ... ...‬وفي الب َ ْ‬ ‫ت ب ِّرها الوف ّ‬ ‫ن َث ََر ْ‬
‫سعادِ‬ ‫حي ومن ُنورهِ ومن إ ِ ْ‬ ‫صفاء الُهدى ومن آية الوَ ‪ْ ... ...‬‬ ‫من َ‬
‫مادِ‬
‫مان وال َ‬ ‫صحاِبه الغُّر ‪ُ ... ...‬بدورِ الّز َ‬ ‫جنودِ الّرسول أ ْ‬ ‫و ُ‬
‫*** ‪*** ... * ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· من ديوان عبر وعبرات ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫انسحبا بأقل الخسائر!!‬


‫أثر الطلق على الطفال‬
‫المكان‪ :‬غرفة البناء‪.‬‬
‫الزمان‪ :‬بعد العشاء‪.‬‬
‫الشخاص‪ :‬هؤلء البناء يقفون خلف باب غرفتهم ‪ ..‬القلق والخوف يحيط بهم‬
‫‪...‬‬
‫ماذا يحدث؟ وما هذه الصوات العالية؟‬
‫إنه صوت الب والم في شجار كبير ‪ ..‬يسأل البناء ُترى بماذا سينتهي هذا‬
‫الشجار ومتى؟‬
‫يفركون أيديهم ‪ ..‬ينظرون في عيونهم الدامعة القلقة الحزينة ‪ ..‬نريد أن ننام‬
‫ولكن كيف ننام؟‬
‫حا بعد هذه الليلة السوداء؟‬
‫وكيف سنذهب إلى المدرسة صبا ً‬
‫هل سيحدث ‪ ..‬الطلق؟‬
‫هل ستتزوج يا أحمد؟ ل لن أتزوج عندما أكبر‪.‬‬
‫وأنت يا هدي ماذا تفعلين عندما تكبرين؟ سأكمل دراستي وأعمل ولن أتزوج‬
‫إن الزواج تجربة مريرة‪.‬‬
‫هذا حوار يدور بين البناء وسط هذا الجو المفعم المشحون‪ .‬كما قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫غلطة ثم لقطة فجواب فشجار ففرقة فطلق‬
‫عزيزي القارئ‪:‬‬
‫إن الزواج شركة بين اثنين‪ ،‬والبناء هم مشروع هذه الشركة‪ ،‬وهو رابطة‬
‫مقدسة وميثاق غليظ‪ ،‬وعلى الزوجين مراعاة المصالح المشتركة بينهما‪،‬‬
‫وعدم إظهار المعارضة الصريحة أو الكراهية الشديدة أمام البناء؛ لن هذا‬
‫يحدث القلق والعقد النفسية لما يرونه من قدوة سيئة داخل أسرة مضطربة‬
‫ممزقة‪ ،‬ثم إن الستمرار في بيت يقوم على الشجار والخلف لن يكون‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محضًنا لولد صالحين أسوياء‪ ،‬فإن معظم المنحرفين ينشئون في مثل هذه‬
‫البيوت المنكودة‪ ،‬وإن الخلف الذي يحطم العصاب يذهب بكل إمكانات‬
‫العبقرية ويقضي على المواهب التي يمكن أن تنتج خيًرا وبركة‪.‬‬
‫ـ وإنا نجد ردود أفعال الطفال ـ في هذا الجو ـ عنيفة‪ ،‬فبدل ً من حالة المتنان‬
‫ناحية الم والب على تضحياتهم وبذلهما من أجل البناء‪ ،‬يحل محل هذا‬
‫المتنان الضائع نوع من اللوم والتذمر يدور بداخل البناء هذا السؤال‪:‬‬
‫لماذا تزوجتما إذن؟‬
‫ليتكم لم تتزوجوا حتى ل تنجبونا‪.‬‬
‫فعلى الزوجين في هذه الحالة إن حسما أمرهما وقررا النفصال أن ينسحبا‬
‫بأقل الخسائر ومن البديهي أن لكل اختيار سلبياته وإيجابياته‪ ،‬فقد ينفصل‬
‫الزوجان ويستريح كل واحد منهما عن الخر ولكن لب الخسارة هنا هو‬
‫الطفال‪.‬‬
‫ول يختلف اثنان أن الخسائر التي هي في جانب البناء خسائر عميقة قلًبا‬
‫وقالًبا‪ ،‬فمن يصرف على الولد؟ ومن يحميهم؟ وأين صورة الب الذي‬
‫يحتاجونه البناء في مناسباتهم الجتماعية؟ أو في مواقفهم التي قد تستدعي‬
‫وجود الب؟ ومع من سيعيشون؟ مع الم؟ أم مع الب؟ أم مع الجدة؟‬
‫وأين المن النفسي الذي تحققه التربية في الجو السري الطبيعي ـ أي مع‬
‫الب والم ـ ؟‬
‫رسالة من زوج‪:‬‬
‫هذا زوج يكتب لزوجته التي تريد الطلق‪:‬‬
‫'الطلق يا عزيزتي ليس لعبة يلهو بها الكبار‪ ،‬كلما أرادوا الهروب من‬
‫دا تعني تشرد الطفال‪ ،‬تعني خروج أحدنا من‬ ‫المواجهة‪ ،‬الطلق كلمة كبيرة ج ً‬
‫شرايين الخر'‪.‬‬
‫نعم عزيزي القارئ‪:‬‬
‫إن الطلق يعني إضاعة الولد‪ ،‬الطفل ‪ ..‬هذا المخلوق الجميل الرقيق هو‬
‫هدية من الله لم تكن تملكها من قبل فأهداها الله لك‪ ،‬فكيف تضيع الهدية؟‬
‫وتدعها بل محضن ‪ ..‬بل ملبس ‪ ..‬بل مال ‪ ..‬بل نفس هادئة مستقرة‪.‬‬
‫وصدق الشاعر حين قال‪:‬‬
‫ليس اليتيم من انتهى أبواه‬
‫ما‬
‫إن اليتيم من تلقى له أ ّ‬
‫‪ ... ...‬من هم الحياة وخلفاه ذليل ً‬
‫تخلت أو أًبا مشغول ً‬
‫انسحبا بأقل الخسائر‪:‬‬
‫فمن الزواج من إذا طلق زوجته وكان له أولد تسبب في ضياعهم وفساد‬
‫أخلقهم إما‪:‬‬
‫ـ بإهمالهم أو بقلة النفاق عليهم‪.‬‬
‫ـ أو برفضه أن يعيشوا معه‪.‬‬
‫ـ أو بأخذهم من أمهم بالقوة‪.‬‬
‫ـ فإن كان الطفل صغيًرا فل بأس أن يبقى عند أمه‪.‬‬
‫فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت‪ :‬يا رسول الله إن‬
‫ابني هذا بطني له وعاء‪ ،‬وحجري له دواء‪ ،‬وثدي له سقاء‪ ،‬وزعم أبوه أنه‬
‫ينزعه مني‪.‬‬
‫فقال‪' :‬أنت أحق به ما لم تنكحي' ]رواه أحمد وأبو داود والحاكم وحسنه‬
‫اللباني[‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما إذا كان الطفل كبيًرا مميًزا بين مصلحته ومضرته فإن الحاكم يخيره بين‬
‫أبيه وأمه‪ ،‬لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫ما بين أبيه وأمه‪] .‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‬ ‫وسلم خير غل ً‬
‫اللباني في الرواء[‪.‬‬
‫ـ وإذا كان الطفل مميًزا وخشي عليه أبوه أن تهمله أمه إن هو بقي عندها‬
‫فالمصلحة تقتضي أن يأخذه أبوه إذا كان سيقوم بواجبه‪ .‬وأما إذا استويا فأمه‬
‫أولى به‪.‬‬
‫]مختصر الفتاوى المصرية لبن تيمية[‪.‬‬
‫ـ وإجمال ً ينبغي للزوجين أل يجعل أولدهما ضحية للعناد والتعنت والمهاترات‪،‬‬
‫بل ينبغي أن يكون الولد بمعزل عن المشكلت وأن يؤثر الوالدان مصلحة‬
‫الولد سواء في بقائهم عند الب أو عند الم‪.‬‬
‫ولهذا اختار بعض أهل العلم في موضوع الحضانة النظر في مصلحة الولد‬
‫سواء أكان صغيًرا أو كبيًرا مميًزا‪ ،‬واستدلوا على ذلك باختلف الحاديث في‬
‫هذا الباب وتنوع إجابات النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫م{ ]البقرة‪.[237:‬‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ض َ‬ ‫وا ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫س ُ‬
‫مسك الختام في ظلل الية }َول ت َن ْ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن القرآن يظل يلحق هذه القلوب كي تصفو وترق وتخلو من كل شائبة‪،‬‬
‫يلحقها باستجاشة شعور التقوى‪ ،‬ويلحقها باستجاشة شعور السماحة‬
‫والتفضل‪ ،‬ويلحقها باستجاشة شعور مراقبة الله ليسود التجمل والتفضل جو‬
‫هذه العلقة الزوجية ناجحة كانت أم خائبة‪ ،‬ولتبقي القلوب نقية موصولة بالله‬
‫في كل حال خالصة صافية‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى يجعل الحسان والمعروف والتفضل حتى في حالة‬
‫النفصال عبادة لله مثلها مثل الصلة وسائر العبادات‪ ،‬وهو إيحاء لطيف من‬
‫إيحاءات القرآن‪ ،‬وهو يتسق مع القصور التصور السلمي لغاية الوجود‬
‫ن{ ]الذريات‪:‬‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫ن َوال ِن ْ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬
‫النساني في قوله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫‪ [56‬واعتبار العبادة غير مقصورة على الشعائر بل شاملة لكل نشاط‪ ،‬التجاه‬
‫فيه إلى الله والغاية من طاعة الله‪ ،‬وذلك حتى في حالة انفصال عرى‬
‫الزوجية‪.‬‬
‫ما نقول‪' :‬إن كرام الناس وأهل الوفاء يحفظون الفضل‪ ،‬ول ينسون‬ ‫وختا ً‬
‫الحسان مهما تقادم عليه الزمان ويدعون ما بينهما من 'أطفال'‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وم ول تكسر‬ ‫انصح ول تفضح وق ّ‬


‫الشيخ ‪ :‬يونس الزلوي‬
‫بعد الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف المرسلين‬
‫أقول ‪ .....‬لقد قرأت العديد من المقالت في المدة الخيرة فآلمتني‬
‫وأحزنتني لما وجدت فيها من التعيير والتشهير والفضح والكشف عن‬
‫العورات فأحببت أن أقدم هذه الكلمات لعلها تكون بابا للنصح والرشاد ل‬
‫للطرد والبعاد ‪ ،‬وبابا لتقويم والتعديل ل للكسر والتهديم ‪.‬‬
‫) أمور متفق عليها (‬
‫أول ‪ :‬ذكر النسان أين كان بما يكره ‪ ،‬إذا كان المقصود منه مجرد الذم‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعيب والنقص ‪ ،‬محرم ‪ ،‬وأما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين أو خاصة‬
‫لبعضهم ‪ ،‬وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة ‪ ،‬فليس بمحرم ‪ ،‬بل‬
‫مندوب إليه ‪ ،‬وقد قرر هذا العلماء في كتبهم ومن أراد المزيد فليرجع إليها‬
‫في مظانها من كتب الجرح وتعديل ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن الناس عامة وخاصة معترفون ومتفقون بأن الحاطة بالعلم كله من‬
‫غير شذوذ شيء منه ليس هو مرتبة أحد منهم ‪ ،‬ول ادعاه أحد من المتقدمين‬
‫ول المتأخرين ‪ ،‬لن هذا من اختصاص رب العالمين ‪ ،‬فلهذا كان أئمة السلف‬
‫المجمع على علمهم وفضلهم وتباعهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن‬
‫كان صغيرا ‪ ،‬ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم‬
‫‪ ،‬وعلى ذلك أمثلة كثيرة وشواهد ل تعد ول تحصى ‪ ،‬وأذكر لك طرفا منها ‪:‬‬
‫كما قال ‪ :‬عمر رضي الله عنه في مهور النساء ‪ ،‬وردت عليه امرأة بقوله‬
‫تعالى ‪ " :‬وآتيتم إحداهن قنطار " فرجع عن قوله ‪ ،‬وقال‪ :‬أصابت امرأة‬
‫ورجل أخطأ ‪ .‬وروي عمه أنه قال ‪ :‬كل أحد أفقه من عمر ‪.‬‬
‫) أحسن المحامل (‬
‫عرف منه بتصنيفاته ومقالته النصح لله ورسوله والمؤمنين فإنه يجب أن‬ ‫من ُ‬
‫يعامل بالكرام والحترام والتعظيم ومن حمل كلمه على غير ذلك فهو ممن‬
‫يظن بالبرئ ظن السوء ‪ ،‬وذلك من الظن الذي حرمه الله تعالى ‪ ،‬وهو داخل‬
‫في قوله سبحانه وتعالى ‪ " :‬ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد‬
‫احتمل بهتانا وإثما مبينا " فإن ظن السوء ممن ل يظهر منه أمرات السوء‬
‫مما حرمه الله ورسوله فقد جمع هذا الظان بين اكتساب الخطيئة والثم‬
‫ورمي البرئ بها ويقوى دخوله في الوعيد إذا ظهرت منه قلة الورع وإطلق‬
‫اللسان ‪ ،‬وكثرة الغيبة والبهتان ‪ ،‬والحسد للناس على ما آتاهم الله من فضله‬
‫‪.‬‬
‫ومن عرف منه هذه الصفات ‪ ،‬والتي ل يرضى بها أهل العلم واليمان ‪ ،‬فإن‬
‫يحمل تعرضه للعلماء والرد عليهم على من عرف أنه أرد بتصنيفاته ومقالته‬
‫التنقيص والذم وإظهار العيب ‪ ،‬فإنه يستحق أن يقابل بالهوان ‪ ،‬ومن لم‬
‫تظهر عليه أمرات بالكلية تدل على شيء ‪ ،‬فإنه يجب أن يحمل كلمه على‬
‫أحسن محملته ‪ ،‬ول يجوز حمله على أسوأ حالته ‪ ،‬وقد قال عمر رضي الله‬
‫عنه )) ل تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير‬
‫محمل )) ‪. .‬‬
‫) فّرق بين النصح والتعيير (‬
‫قال الفضيل رحمه الله تعالى ‪ :‬المؤمن يستر وينصح ‪ ،‬والفاجر يهتك ويعير ‪.‬‬
‫فهذا الذي ذكره الفضيل من علمات النصح والتعيير وهو أن النصح يقترن به‬
‫الستر ‪ ،‬والتعيير يقترن به العلن ‪ ،‬وكان يقال ‪ :‬من أمر أخاه على رءوس‬
‫المل فقد عيره ‪.‬‬
‫وكان السلف يكرهون المر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه ‪،‬‬
‫ويحبون أن يكون سرا فيما بين المر والمأمور ‪ ،‬فإن هذا من علما ت‬
‫النصح ‪ ،‬فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيب من ينصح له ‪ ،‬وإنما‬
‫غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها ‪.‬‬
‫وأما الشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬إن‬
‫الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا " وقال بعض العلماء لمن‬
‫يأمر بالمعروف " اجتهد أن تستر العصاة ‪ ،‬فإن ظهور عوراتهم وهن في‬
‫السلم ‪ ،‬وأحق شيء بالستر ‪ :‬العورة ‪ .‬فلهذا كان إشاعة الفاحشة مقترنة‬
‫بالتعيير ‪ ،‬وهما من خصال الفجار ‪ ،‬ولن الفاجر ل غرض له في زوال‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المفاسد ول في اجتناب المؤمن للمعايب والنقائص ‪ ،‬إنما غرضه في مجرد‬


‫إشاعة العيب في أخيه المؤمن ‪ ،‬وهتك عرضه ‪ ،‬فهو يعيد ذلك ويبديه ‪،‬‬
‫ومقصده تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه ومساوئه للناس ليدخل عليه‬
‫بذلك الضرر في الدنيا ‪.‬‬
‫وأما الناصح فغرضه بذلك إزالة عيب أخيه المؤمن باجتنابه له ‪ ،‬وبذلك وصف‬
‫الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ " :‬لقد جاءكم رسول من‬
‫أنفسكم ‪ " ....‬وقال ‪ :‬في وصفه أصحباه ‪ :‬محمد رسول الله والذين نعه‬
‫أشداء على الكفار رحماء بينهم ‪. "....‬‬
‫وأما الحامل للفاجر على إشاعة السوء وهتكه فهي القسوة ومحبة إيذاء أخيه‬
‫المؤمن ‪ ،‬وإدخال الضر عليه ‪ ،‬وهذا صفة الشيطان الذي يزين لبني آدم الكفر‬
‫والفسوق والعصيان ليصيروا بذلك من أهل النيران ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فأخي وقرة عيني ‪ :‬إذا قلت لحد في وجهه ما يكره ‪ ،‬فإن كان هذا على وجه‬
‫النصح فهو حسن ‪ ،‬وقد قال بعض السلف لبعض إخوانه ‪ :‬ل تنصحني حتى‬
‫تقول في وجهي ما أكره ‪ .‬فإذا أخبر ت أخاك بعيبه ليجتنبه كان ذلك حسنا ‪،‬‬
‫ويحق لمن ُأخبر بعيب من عيوبه ‪ ،‬يعتذر منها ‪ ،‬إن كان له منها عذر ‪ ،‬وإن‬
‫كان ذلك على وجه التوبيخ والذنب فهو قبيح مذموم ‪ ،‬قيل لبعض السلف ‪:‬‬
‫أتحب أن يخبرك أحد بعيوبك ؟ فقال ‪ :‬إن كان يريد أن يوبخني فل ‪.‬‬
‫فالتوبيخ والتعيير بالذنب مذموم ‪ ،‬وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫يثرب المة الزانية مع أمره بجلدها ‪ ،‬فتجلد حدا ‪ ،‬ول تعير بالذنب ول توبخ‬
‫به ‪ .‬وفي الترمذي مرفوعا من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه )) من عّير‬
‫أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ((‪ .‬فهل رأيت أخي شتان بين من قصده‬
‫النصيحة وبين من قصده الفضيحة ‪ ،‬ول تلتبس إحداهما بالخرى إل على من‬
‫ليس من ذوي العقول الصحيحة ‪.‬‬
‫) ل تعير بالذنب فُتعاقب به (‬
‫إن عقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن ‪ ،‬وتتبع عيوبه وكشف عوراته ‪،‬‬
‫أن يتتبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته ‪ ،‬من حديث وثلة بن السقع‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬ل تظهر الشماتة بأخيك‬
‫فيعاقبه الله ويبتليك ‪ .‬وقال ابن مسعود رضي الله عنه ‪ :‬البلء موكل‬
‫بالمنطق فلو أن رجل عّير رجل برضاع كلبة لرضعها ‪ .‬ومن أعجب ما قرأت‬
‫في ذلك ما حكاه ابن سيرين عليه رحمة الله عن قصته لما ركبه الدين‬
‫وحبس به قال ‪ :‬إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا عيرت رجل منذ أربعين‬
‫سنة فقلت له ‪ :‬يا مفلس ‪ .‬فأصابه الله بالدين والحبس ‪ ،‬سبحان الله من‬
‫هذه المقالة التي قالها في أخيه ‪ ،‬فكم من مقالت قلناها ونقولها أعظم‬
‫وأشنع من ) يا مفلس ( ‪.‬‬
‫) ل تكن منافقا أو شبيها به (‬
‫بحمد الله أن السرائر مطلع عليها ربنا ‪ ،‬ولو أطلعنا عليها لما كان هناك عيش‬
‫على الرض ‪ ....‬اعلم رحمك الله أنه من أخرج التعيير وأظهر السوء وأشاعه‬
‫في قالب النصح وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب ‪ ،‬إما عاما أو خاصا ‪،‬‬
‫وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والذى ‪ ،‬فهو من إخوان المنافقين الذين‬
‫ذمهم الله في كتابه ‪ ،‬فإن الله تعالى ذم من أظهر فعل أو قول حسنا وأراد به‬
‫التوصل إلى غرض فاسد يقصده في الباطن ‪ ،‬وعد ذلك من خصال النفاق‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما في سورة براءة قال تعالى ‪ " :‬والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا‬
‫وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن‬
‫أردنا إل الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون * ل تقم فيه أبدا ‪" .......‬وقال‬
‫تعالى ‪ " :‬ل تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا‬
‫فل تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " الية قيل إن هذه الية‬
‫نزلت في اليهود والمنافقين وهي خصالهم ‪ ،‬وهو أن يظهر النسان في‬
‫الظاهر قول أو فعل ‪ ،‬وهو في الصورة التي أظهره عليها أحسن ‪ ،‬ومقصوده‬
‫بذلك توصله إلى غرض فاسد الذي هو أبطنه ‪ ،‬ويفرح بحمده على ذلك الذي‬
‫أظهر أنه حسن وهو في الباطن سيئ ‪ ،‬على توصله في الباطن إلى غرضه‬
‫السيئ ‪ ،‬فتتم له الفائدة تنفذ له الحيلة بهذا الخداع ‪.‬‬
‫ومن كانت هذه صفاته فهو داخل في هذه الية ول بد ‪ ،‬فهو متوعد بالعذاب‬
‫الليم ‪ ،‬ومثال ذلك أن يريد النسان ذم رجل وتنقصه وإظهار عيبه لينفر‬
‫الناس عنه ‪ ،‬إما محبته ليذائه لعدوا ته أو مخافته من مزاحمته على مال أو‬
‫رياسة أو غير ذلك من السباب المذمومة ‪ ،‬فل يتوصل إلى ذلك غل بإظهار‬
‫الطعن فيه بسبب ديني ‪ ،‬مثل أن يكون قد رد قول ضعيفا من أقوال عالم‬
‫مشهور فيشيع بين من يعظم ذلك العالم ‪ ،‬أن فلنا يبغض هذا العالم ويذمه‬
‫ويطعن عليه فيغر بذلك كل من يعظمه ‪ ،‬ويوهمهم أن بغض هذا الراد وأذاه‬
‫من أعمال القرب ‪ ،‬لنه دب عن ذلك العالم ‪ ،‬ودفع الذى عنه ‪ ،‬وذلك قربة‬
‫إلى الله عز وجل وطاعة ‪ ،‬فيجمع هذا المظهر للنصح بين أمرين قبيحين‬
‫محرمين ‪.‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يحمل رد هذا العالم القول الخر على البغض والطعن والهوى‬
‫وقد يكون إنما أراده به النصح للمؤمنين ‪ ،‬وإظهار ما ل يحل له كتمانه ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن يظهر الطعن عليه ليتوصل بذلك إلى هواه وغرضه الفاسد في‬
‫قالب النصح والذب عن علماء الشرع ‪.‬‬
‫) احسبها صح ‪ ،‬فلن تمكن حتى تصبر (‬
‫فمن بلي بشيء من هذا الذى والمكر فليتق الله ويستعين به ويصبر ‪ ،‬فإن‬
‫العاقبة للتقوى ‪ ،‬وكما قال تعالى بعد أن قص قصة يوسف وما حصل له من‬
‫أنواع الذى بالمكر والمخادعة )) وكذلك مكنا ليوسف في الرض (( الية ‪.‬‬
‫والله الموفق للصواب ‪ ،‬وعليه قصد السبيل ‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪،‬‬
‫وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫انصروا الله ينصركم الله‬


‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫اخوتي في دين الله تعالى اقدم لكم موضوع في غاية الهميه ارجوا منكم‬
‫التمعن في قراءته واسال الله تعالى ان يتقبل مني‬
‫اعلموا أنكم إن قعدتم عن نصرة دينكم‪ ،‬وخذلتم سنة نبيكم‪ ،‬ولم تهتموا بأمر‬
‫المسلمين فلن تضروا إل أنفسكم‪ ،‬ولقد تخلفت قبلكم أمم وأفراد‪ ،‬فلم‬
‫يضروا إل أنفسهم‪ ،‬ولم يضروا الله شيئًا‪ ،‬تخلفت قوم نوح وعاد وثمود وقرونا ً‬
‫بين ذلك كثيرًا‪ ،‬فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا‪ ،‬فالعز يزول‬
‫والمجد يضيع بسبب خذلن الدين وأهله‪ ،‬ومن بطأ به عمله لم يسرع به‬
‫نسبه‪ ،‬ول يجعل الله عبدا ًَ أسرع إليه كعبد أبطأ عنه‪ ،‬بل ل يزال العبد يتأخر‬
‫حتى يؤخره الله‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد كانت الريادة والرفادة والسقاية والحجابة والسدانة في أهل مكة‪ ،‬فلما‬
‫دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وحده بارزوه العداء‪ ،‬وسعوا في‬
‫ك َأو‬ ‫فُروا ْ ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫التخلص منه ومن أتباعه وأصحابه؛ )وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن( " سورة‬ ‫ري َ‬‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬‫مك ُُرو َ‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ك َأو ي ُ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬‫يَ ْ‬
‫النفال‪ ،" 30 :‬فتحول عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر هو‬
‫وأصحابه إلى المدينة‪ ،‬فشرف أهلها بنصرتهم لدين الله وصار لهم ذكر وخير‪،‬‬
‫فهم الذين آووا ونصروا‪ ،‬حبهم إيمان وبغضهم نفاق‪ ،‬بهم قام السلم وبه‬
‫قاموا‪ ،‬والناس شعار والنصار دثار‪ ،‬اللهم ارحم النصار وأبناء النصار وأبناء‬
‫أبناء النصار‪.‬‬
‫أواخرهم كأوائلهم‪ ،‬فإن الدجال عندما يخرج في آخر الزمان وينتهي إلى‬
‫المدينة وهو محرم عليه أن يدخلها‪ ،‬فينتهي إلى بعض أسباخ المدينة‪ ،‬وترجف‬
‫المدينة بأهلها ثلث رجفات يخرج إلى الدجال منها كل كافر ومنافق‪ ،‬ويخرج‬
‫إليه شاب هو خير الناس أومن خير الناس يقول له‪ :‬أنت الدجال الذي أخبرنا‬
‫عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيلتفت الدجال إلى أتباعه ويقول لهم‬
‫أرأيتم لو قتلته ثم أحييته أكنتم تؤمنون بي‪ ،‬فيقولون له‪ :‬نعم‪ ،‬فيشقه نصفين‪،‬‬
‫ثم يقول له قم‪ ،‬فيقوم الشاب متهلل الوجه فرحان‪ ،‬يقول للدجال‪" :‬والله ما‬
‫ازددت فيك بصيرة‪ ،‬أنت الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم"‪ ،‬فيريد الدجال أن يقتله فل يسلط عليه‪ ،‬رواه البخاري وغيره‪ .‬فهذا‬
‫الشاب يثبت في مواجهة الدجال‪ ،‬ثم جريان الخوارق على يدي الدجال‪ ،‬وما‬
‫بين خلق أدم حتى قيام الساعة فتنة أعظم أو أشد من الدجال‪ ،‬وما تقدم من‬
‫تقدم إل بنصرته لدين الله وقيامه بشريعة الرحمن وما تأخر من تأخر إل‬
‫بخذلنه للسلم وأهله‪.‬‬
‫إن إتباع السنة النبوية نصرة لدين الله‪ ،‬أي نصرة‪ .‬لقد كان الفاضل فيما‬
‫مضى يعدون مخالفة السنة هلكة‪ .‬اختلف ابن عباس مع البعض فقال لهم‪:‬‬
‫أقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون‪ :‬قال أبو بكر وعمر‬
‫يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء‪ ،‬فكيف إذا سمع ابن عباس من‬
‫يقول‪ :‬ليس لنا علقة بعصور الظلم‪ ) ،‬يقصدون أيام النبوة والخلفة(‪ .‬أو من‬
‫يقول‪ :‬لم يعد السلم يصلح للتعامل مع الحضارة الحديثة‪ .‬أومن يصادم السنة‬
‫ويوقر الملحدة أعظم من توقيره لهدى نبيه صلى الله عليه وسلم؟!‬
‫أشار أبولبابة بن عبد المنذر‪ ،‬يوم بنى قريظة‪ ،‬لهم إشارة مفهمة أنكم لو‬
‫نزلتم على حكم سعد بن معاذ‪ ،‬فهو الذبح‪ .‬يقول أبولبابة‪ :‬فما قلتها حتى‬
‫مُنوا ْ ل َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫علمت أنى خنت الله ورسوله ونزل قوله تعالى‪َ )" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (" سورة النفال‪." 27 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫ماَنات ِك ُ ْ‬ ‫خوُنوا ْ أ َ‬
‫ل وَت َ ُ‬ ‫سو َ‬‫ه َوالّر ُ‬ ‫خوُنوا ْ الل ّ َ‬‫تَ ُ‬
‫فماذا يكون الشأن والحال لو استبدل دينه بغيره ونادى بالحرية الباحية‬
‫والديمقراطية اللواطية ؟!‬
‫ولما كان يوم بدر سمع ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫ل ينقلب أحد من المشركين إل بفداء أو ضرب عنق‪ ،‬فقال ابن مسعود –‬
‫رضي الله عنه – يا رسول الله إل ابني بيضاء وكان قد علم منهما ميل ً‬
‫للدخول في السلم‪ .‬يقول ابن مسعود‪ :‬فما قلتها حتى خشيت أن يتنزل على‬
‫حجارة من السماء‪ .‬وكانت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – ل تذكر‬
‫خروجها يوم الجمل إل وتبكى حتى تبل خمارها وتكثر عتق الرقاب لجل‬
‫ذلك‪ .....‬والحكايات في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬والسبب معلوم‪ ،‬والسنن ل تعرف‬
‫مل‬ ‫م ثُ ّ‬‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫المحاباة ول المجاملت‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وَِإن ت َت َوَل ّ ْ‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫هو(‬ ‫جُنود َ َرب ّ َ‬
‫ك ِإل ُ‬ ‫ما ي َعْل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬
‫م( " سورة محمد‪ " 38 :‬وقال‪ ) :‬وَ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫كوُنوا أ ْ‬
‫سورة المدثر‪.31 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أخبرنا سبحانه أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله‬
‫سيستبدل به من هو خير لها منه وأشد منه وأقوم سبيل ً كما قال تعالى‪ِ :‬إن‬
‫ْ‬ ‫شأ ْ يذ ْهبك ُ َ‬
‫ن " سورة النساء‪ " 133 :‬وقال‪ِ )" :‬إن‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ِبآ َ‬ ‫س وَي َأ ِ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫م أي ّ َْ‬ ‫يَ َ ُ ِ ْ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي َ ْ‬
‫زيز " ) سورة فاطر‪16 :‬‬ ‫ك عَ َلى اللهِ ب ِعَ ِ‬ ‫ما ذ َل ِ َ‬ ‫ديد وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫م وَي َأ ِ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫عن‬ ‫م َ‬ ‫منك ُْ‬ ‫من ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫)‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫صعب‪.‬‬ ‫ول‬ ‫بممتنع‬ ‫أي‬ ‫"‬ ‫‪17‬‬ ‫–‬
‫ه( " سورة المائدة‪) " 54 :‬أي يرجع عن الحق إلى الباطل وقيل نزلت في‬ ‫ِدين ِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫حب ّهُ ْ‬ ‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ف ي َأِتي الل ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫الولة من قريش أوفي أهل الردة أيام أبى بكر فَ َ‬
‫ه ( كأبي بكر وأصحابه وأهل القادسية وأهل اليمن وأهل المدينة ‪:‬‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن( "‪ .‬ل يردهم عما هم فيه من طاعة‬ ‫ري َ‬ ‫عّزةٍ عَلى الكافِ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫) أذِلةٍ عَلى ال ُ‬
‫الله وإقامة الحد وقتال أعدائه والمر بالمعروف والنهى عن المنكر ل يردهم‬
‫عن ذلك راد ول يصدهم عنه صاد ول يحيك فيهم لوم لئم ول عذل عاذل‪:‬‬
‫شاء ( " سورة المائدة‪ " 54 :‬أي من اتصف بهذه‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫) ذ َل ِ َ‬
‫م‪ .‬إلى أن‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫الصفات فإنما هو من فضل الله عليه وتوفيقه له( ‪َ:‬والل ّ ُ‬
‫ن("‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُنوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫من ي َت َوَ ّ‬ ‫قال‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫ه لغْل ِب َ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫سورة المائدة‪ ." 56 :‬كما قال تعالى‪) :‬ك َت َ َ‬
‫حاد ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫زيٌز(‪ .‬وقال‪ ) :‬ل ت َ ِ‬ ‫قَوِيّ عَ ِ‬
‫ُ‬
‫م أوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وََلو َ‬
‫ب‬‫ك ك َت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أو عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أو إ ِ ْ‬ ‫م أو أب َْناءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حت َِها الن َْهاُر‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫هم ب ُِروٍح ّ‬ ‫ن وَأي ّد َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ِفي قُلوب ِهِ ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه أوْلئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ِ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن (" سورة المجادلة‪ ." 22 -21 :‬فكل من رضى بولية الله‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والخرة ومنصور في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫إن المنصور من نصره الله؛ لنه سعى في نصرة دين الله بالنفس والنفيس‬
‫والغالي والرخيص‪ ،‬وكان شأنه في ذلك كشأن الوس والخزرج الذين بايعوا‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم على أن ل يشركوا بالله شيئا ً ول يسرقوا ول‬
‫يزنوا ول يقتلوا أولدهم ول يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم‪ ،‬ول‬
‫يعصونه في معروف‪ ،‬فإن وفوا فلهم الجنة‪ ،‬وإن غشوا من ذلك شيئا ً فأمرهم‬
‫إلى الله عز وجل‪ ،‬إن شاء غفر وإن شاء عذب‪ .‬وهذه هي بيعة العقبة الولى‪،‬‬
‫بايع عليها اثنا عشر رجل ً منهم عشرة من الخزرج‪ ،‬واثنان من الوس‪ ،‬ثم‬
‫كانت بيعة العقبة الثانية وقت الحج في العام الذي يلي البيعة الولى وهي‬
‫التي حضرها العباس؛ ليستوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما‬
‫اجتمعوا عرفهم العباس بان ابن أخيه لم يزل في منعة من قومه حيث لم‬
‫يمكنوا منه أحدا ً ممن أظهر له العداوة والبغضاء وتحملوا من ذلك أعظم‬
‫الشدة‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬إن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه‬
‫ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك‪ ،‬وإل فدعوه بين عشيرته فإنه لبمكان‬
‫عظيم‪ .‬فعند ذلك قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خذ لنفسك ولربك‬
‫ما أحببت‪ ،‬فقال‪ :‬أشترط لربى أن تعبدوه وحده ول تشركوا به شيئًا‪ ،‬ولنفسي‬
‫أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم‪ ،‬فقال له‬
‫أبوالهيثم بن التيهان‪ :‬يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال ) اليهود ( عهودا ً وإّنا‬
‫قاطعوها‪ ،‬فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتدعنا ؟ فتبسم عليه الصلة والسلم وقال‪ :‬بل الدم الدم والهدم الهدم أي‬
‫إن طالبتم بدم طالبت به وإن أهدرتموه أهدرته‪ .‬وقد بايع هذه البيعة ثلثة‬
‫وسبعون رجل ً منهم اثنان وستون من الخزرج وأحد عشر من الوس ومعهم‬
‫امرأتان‪ .‬ثم تخير النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر نقيبا ً لكل عشيرة‬
‫منهم واحد وقال لهم‪ :‬أنتم كفلء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن‬
‫مريم‪ ،‬وأنا كفيل على قومي‪.‬‬
‫ولما رجع النصار إلى المدينة ظهر بينهم السلم‪ ،‬وازداد أذى المشركين‬
‫للمسلمين بمكة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة‬
‫وتتابع المهاجرون فرارا ً بدينهم ليتمكنوا من عبادة الله الذي امتزج حبه‬
‫بلحمهم ودمهم حتى صاروا ل يعبأون بمفارقة أوطانهم والبتعاد عن آبائهم‬
‫وأبنائهم ما دام في ذلك رضا الله ورسوله‪ ،‬ولحقهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم هو وأبو بكر بعد أن اضطره المشركون لترك أحب بلد الله إلى‬
‫الله وأحب بلد الله لنفسه الشريفة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي المدينة قامت أعظم نصرة لدين الله وأعظم أخوة عرفتها الدنيا‪ ،‬أخوة‬
‫بين المهاجرين والنصار وبين الوس والخزرج وقام نظام التآخي بين كل‬
‫اثنين‪ ،‬هذه الخوة أساسها المنهج اليماني والتعظيم لشرع الله‪ ،‬وقد كانت‬
‫هو ال ّذِيَ أ َي ّد َ َ‬
‫ك‬ ‫من أعظم أسباب تحقيق النصر على المشركين‪ .‬قال الله‪ُ ) :‬‬
‫َ‬
‫ما أل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫م َلو َأن َ‬ ‫ن وَأ َل ّ َ‬
‫ت‬ ‫ف ْ‬ ‫ميعا ً ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬ ‫ب ِن َ ْ‬
‫ه أل ّ َ‬ ‫َ‬
‫م( " سورة النفال‪ " 63 – 62 :‬ووفي النصار‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫هّ‬
‫دوا الل َ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫صد َُقوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ ،‬قال تعالى‪ِ ) :‬‬ ‫ببيعتهم وكانوا رجا ً‬
‫ديل ( " سورة‬ ‫ُ‬
‫ما ب َد ّلوا ت َب ْ ِ‬ ‫من َينت َظ ُِر وَ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫حب َ ُ‬ ‫ضى ن َ ْ‬ ‫من قَ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫عَل َي ْهِ فَ ِ‬
‫الحزاب‪ " 23 :‬وتحقق الوعد الصادق بنصرة الله لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫ستعود الخلفة على منهاج النبوة وفي الحديث‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي‬
‫قائمة بأمر الله‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم‬
‫ظاهرون على الناس" رواه مسلم‪ .‬وفي لفظ " من يرد الله به خيرا ً يفقهه‬
‫في الدين ول تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على‬
‫من ناوأهم إلى يوم القيامة " رواه مسلم‪.‬‬
‫فل تضر نفسك ول تؤخرها والحق بالركب فقد انطلق‪ ،‬وقد سمعت عتاب من‬
‫َ‬
‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تخلف عن قتال الروم في غزوة تبوك‪ ،‬قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫ضيُتم ِبال ْ َ‬ ‫ض أَر ِ‬ ‫م إ ِلى الْر ِ‬
‫ل الل ّهِ اّثاقَل ْت ُ ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ْ ِفي َ‬ ‫م ان ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫إ َِذا ِقي َ‬
‫ذاًبا‬‫م عَ َ‬ ‫فُروا ْ ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫ل إ ِل ّ َتن ِ‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ قَِلي ٌ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ديٌر ( "‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ئا‬‫ً‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ه‬ ‫رو‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َْ ْ َ َ ُ ّ ُ‬ ‫ْ ً‬ ‫أ ً ََ ْ َْ ِ‬
‫د‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫لي‬
‫ِ‬
‫سورة التوبة‪ ." 39 – 38 :‬وكان ذلك في عام شديد الحر بعد أن طاب الثمر‪،‬‬
‫فنزلت القوارع القرآنية تزهدهم في الدنيا وترغبهم في الخرة وتحثهم على‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وتوضح لهم أنهم إن لم ينصروا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره عام‬
‫الهجرة‪ ،‬لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم صحبة صديقه‬
‫ه إ ِذ ْ‬ ‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروه ُ فَ َ‬ ‫وصاحبه أبى بكر‪ ،‬وفي ذلك يقول تعالى‪) :‬إ ِل ّ َتن ُ‬
‫ن‬
‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل َ ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي اث ْن َي ْ‬ ‫فُروا ْ َثان ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬‫خَر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنود ٍ ل ّ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫م ) " سورة التوبة ‪" 40‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫فَلى وَك َل ِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫فُروا ْ ال ّ‬ ‫كَ َ‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫انطفأت الشمعة ولكن … ‪...‬‬


‫في زمن تغيب عنه المصلحة العامة ‪ ،‬يتفجر فيه العداء والبغض بين الناس ‪،‬‬
‫وقد كان لقصتنا هذه الثر على انعكاس واقع قرية انشغل أهلها بتلبية‬
‫مصالحهم الخاصة بعيدا ً عن العمل المشترك الذي يحقق للناس المن‬
‫والحترام المتبادل‪ ،‬فبينما كان أهل القرية يتشاجرون بسبب أطماعهم‬
‫وشهواتهم‪ ،‬وهم أصحاب قرية واحدة من بطون مختلفة‪ ،‬كان أبناؤهم في واد‬
‫آخر‪،‬‬
‫فإن البناء مهما اختلف الباء ل يبالون في اختلفاتهم فإن لهم حياة خاصة‬
‫بهم‪ ،‬فرغم ما كان يقع فيه الهالي من اختلفات‪ ،‬كان أبناؤهم يلعبون معا ً‬
‫ويشارك بعضهم بعضا ً الحزن والسرور‪ .‬وذات يوم بينما كان الهل منشغلين‬
‫في اختلفاتهم كالمعتاد‪ ،‬اتفق الطفال على تنظيم رحلة مشتركة يصاحبهم‬
‫فيها كل أطفال القرية‪ ،‬وقد أسروا ذلك لئل يعلم أهل القرية بما يخططون له‬
‫فيفسدوا عليهم أمرهم‪ ،‬وهكذا انطلق الطفال دون علم أصحاب القرية‬
‫مهم الوحد هو البعد عما فيه أهل‬ ‫واتجهوا إلى جهة مجهولة ل يعرفونها‪ ،‬فه ّ‬
‫القرية من اختلفات نابعة عن الطماع الشخصية التي أدت إلى تفريق أهل‬
‫القرية إلى شيع وجماعات شتى‪ ،‬وهكذا خرج الطفال بقلوبهم الصافية‪،‬‬
‫وابتساماتهم البريئة مسرعين إلى خارج القرية ولم يصحبوا معهم إل القليل‬
‫من الطعام والماء‪ ،‬وأخذوا يصعدون الجبال وينزلون الوديان‪ ،‬ويقطعون‬
‫المسافات بفرح وسرور وهم يضحكون تارة ويغنون تارة ويتمازحون فهم‬
‫الن في عالم آخر عالم ل يعرف إل الحب والتعاون‪ ،‬فقد شعر الطفال أنهم‬
‫أصبحوا بعيدين عن واقع أهلهم الذي سئموه‪ ،‬فإن أهل القرية ل يعرفون إل‬
‫الشجار والنميمة والغيبة والطماع الخاصة بعيدا ً عن حياة التعاون والحب‬
‫والخوة ‪ ،‬فقد تكون هذه هي المرة الولى التي يشعر بها الطفال بالسعادة‬
‫الحقيقية فهم الن طلقاء يعملون ما يشاؤون‪ ،‬ويلعبون مع بعضهم البعض‬
‫دون أي ضابط أو مانع‪ ،‬وبينما هم على هذه الحال‪ ،‬إذ وقفوا على باب مغارة‬
‫كبيرة‪ ،‬ل يكاد يرى ما في داخلها من شدة الظلمة التي تخيم في المكان‪،‬‬
‫فوقفوا على باب المغارة وحملهم الفضول على دخولها‪ ،‬ولكنهم ما كادوا‬
‫يخطون الخطوات الولى حتى توقفوا‪ ،‬فقد حال الظلم دون متابعة مسيرهم‪،‬‬
‫فعادوا إلى خارج المغارة ولكن ثمة شيء يحملهم على الدخول‪ ،‬فقد دب‬
‫فيهم الحماس وأخذ يشجع بعضهم البعض على مراجعة الدخول ولكنهم‬
‫بحاجة إلى سراج أو ما شابهه ليتمكنوا من دخول المغارة المظلمة‪ ،‬وبينما‬
‫كانوا يفكرون في كيفية الحصول على سراج أو ما شابهه إذ خطر في بال‬
‫أحدهم فكرة وهي أن يرجعوا إلى تلك الخيمة الصغيرة التي مروا عليها في‬
‫طريقهم منذ وقت يسير ويأخذوا من أهلها سراجًا‪ ،‬فاستحسن الطفال هذه‬
‫الفكرة وأرسلوا اثنين منهم إلى تلك الخيمة ليرجعوا إليهم بسراج‪ ،‬بينما‬
‫جلس الخرون ينتظرون رجوع صاحبيهم‪ ،‬وهكذا أخذ الطفلن يركضان‬
‫قين من تحقيق هدفهم‪ ،‬وما هي إل بضع دقائق‬ ‫شَرين الخير واث َ‬
‫حين مستب ِ‬‫فر َ‬
‫معدودة حتى وصل تلك الخيمة‪ ،‬فوقفا على بابها وأخذا يناديان على من‬
‫بداخلها‪ ،‬هل من أحد هنا‪ ،‬فسمعا صوتا ً ضعيفا ً ل يكاد يسمع‪ :‬من أنتم؟ فقال‬
‫نحن طفلن جئنا لغاية‪ .‬فسمعا الصوت الضعيف من جديد‪:‬‬
‫طفلن تفضل !‬
‫ً‬
‫فدخل الطفلن الخيمة فوجدا عجوزا كبيرة مستلقية على سرير قديم‪ ،‬فنظرا‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فين من تلك‬ ‫إليها وقد أمتلكهما شعور بالخوف فلم يحدثا أي صوت ووقفا خائ ِ َ‬
‫العجوز التي أوهنها المرض‪ ،‬وهدها الهرم حتى أصبح مظهرها بالنسبة‬
‫للطفلين مرعبًا‪.‬‬
‫المرأة العجوز أدركت ما حل بالطفلين فبادرتهما بصوتها الضعيف الذي امتلئ‬
‫حنانا ً ودفأ‪ ،‬يا بّنيا ل تخافا فأنا امرأة عجوز مريضة أرقد في سريري وأبقى‬
‫هكذا حتى يرجع زوجي العجوز من المدينة ومعه الطعام والدواء‪ ،‬ولكن ما‬
‫الذي جاء بكما إلى هنا؟‬
‫الطفلن بعد أن زال عنهما الخوف وشعارا بالطمئنان‪ :‬جئنا لنأخذ سراجا‪ً.‬‬
‫العجوز‪ :‬سراجا ً !‬
‫الطفلن‪ :‬نعم‪.‬‬
‫م؟‬‫العجوز‪ :‬ول َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الطفلن‪ :‬نريد أن نجتاز مكانا مظلما ‪.‬‬
‫العجوز‪ :‬مكانا ً مظلما ً ! وأي مكان هذا ؟‬
‫الطفلن وقد عيل صبرهما‪ :‬هل تريدين أن تعطينا سراجا ً أم نذهب ونبحث‬
‫عن سراج في مكان آخر؟‬
‫العجوز مستدركة‪ :‬ل يوجد عندي سراج ‪ ،‬ولكن عندي شمعة كبيرة قد تفي‬
‫بالغرض‪.‬‬
‫الطفلن‪ :‬حسنا ً هل تمنحينا إياها ؟‬
‫العجوز‪ :‬بكل سرور ‪ ،.‬فها هي على ذلك الصندوق‪.‬‬
‫الطفلن‪ :‬يأخذان الشمعة ويشكران المرأة العجوز‪ ،‬ويهما بالخروج‪ ،‬لكن‬
‫المرأة العجوز تستوقفهما بقولها‪ :‬ولكن يا بنيا إحذرا تلك المغارة الكبيرة‬
‫المظلمة وإياكم أن تدخلها فهي خطيرة جدا ً وقد دخلها أقوام في قديم‬
‫الزمان لم يخرجوا منها حتى الن‪ ،‬الطفلن‪ :‬ل عليك فسوف نتدبر أمرنا‪.‬‬
‫وهكذا أخذ الطفلن الشمعة وأسرعا بالرجوع إلى أصحابهما وقد حققا نجاحا ً‬
‫كبيرًا‪.‬‬
‫الطفلن يصلن إلى المغارة فيجدا أصحابهما ينتظرونهما على أحر من الجمر‪.‬‬
‫الصحاب‪ :‬هل أتيتم بالسراج ؟‬
‫الطفلن‪ :‬ل ولكننا أتينا بشمعة كبيرة ‪.‬‬
‫الصحاب‪ :‬هذا جيد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مجموعة الطفال بعد أن أشعلوا الشمعة يدخلون المغارة بسرور فها هي‬
‫الشمعة ضوؤها يبدد الظلم وينير الطريق أمام الطفال‪ ،‬الطفال يسيرون‬
‫في المغارة الكبيرة وينظرون إلى جدرانها الممتلئة بالتصاوير والكتابات‬
‫الغريبة ـ يتأمل الطفال المغارة بدهشة واستغراب‪ ،‬فلم يسبق لهم أن‬
‫شاهدوا مثل هذه المور الغريبة‪ ،‬وبينما يسير الطفال في تلك المغارة‬
‫العجيبة وإذا بهم يصلون إلى فتحة صغيرة في الرض ل تكاد تتسع إل لشخص‬
‫واحد‪ ،‬الطفل الذي يحمل الشمعة بيده ُينزل الشمعة في تلك الحفرة فيجد‬
‫أنها تمتد إلى الداخل‪ ،‬الطفال ينظرون إلى هذه الحفرة ويتساءلون‪ :‬ترى ما‬
‫في هذه الحفرة ؟‬
‫ً‬
‫ل أحد يعرف‪ ،‬فهو مكان مجهول ولم يحدث أن أحدا حدثهم عن تلك المغارة‪،‬‬
‫ولكن حب الفضول لدى الطفال حملهم على استكشاف ما في تلك الحفرة‪،‬‬
‫فقال بعضهم لبعض‪ :‬هيا ندخل تلك الحفرة وننظر ما في داخلها‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطفلن يتذكران حديث العجوز فيصرخان قائَلين‪ :‬كل إنها مكان خطير قد‬
‫أعلمتنا بذلك العجوز التي أخذنا منها الشمعة‪.‬‬
‫بعض الطفال‪ :‬ل عليكما فإننا قادرون على الرجوع‪ ،‬فانظروا هذه الشمعة‬
‫معنا ونستطيع مداركة أمرنا‪.‬‬
‫البعض الخر‪ :‬ولكن ماذا علينا لو انطفأت الشمعة‪ ،‬أو انتهت ؟‬
‫الطفال المتشجعون‪ :‬ل عليكم فسوف نخرج سريعا ً قبل أن تنطفئ الشمعة‬
‫ولن يحصل لنا بإذن الله شيء ولكن هيا تشجعوا‪.‬‬
‫الطفال يجشع بعضهم بعضًا‪ ،‬ثم يحزمون أمرهم ويعزمون على دخول‬
‫الحفرة‪.‬‬
‫ً‬
‫وهكذا بدأ الطفال ينزلون الحفرة الواحد تلو الخر حتى أصبحوا جميعا داخل‬
‫الحفرة وما أن انتهوا من الدخول وإذا بهم يفاجؤون بأن الحفرة تمتد إلى‬
‫الداخل ويتفرع عنها عدة طرق‪ ،‬يقف الطفال محتارين ينظر بعضهم إلى‬
‫بعض‪ ،‬أي طريق نسلك ؟‬
‫البعض هذه الطريق‪ .‬البعض الخر‪ :‬بل هذه‪ ،‬حتى استقر أمرهم على رأي‬
‫واحد‪ ،‬إنها هذه الطريق‪.‬‬
‫فقد اختاروا طريقا ً أوسع مدخل‪ ،‬وأعمق ملجأ‪ ،‬الطفال يسيرون في تلك‬
‫ً‬
‫الطريق وإذا به يتفرع إلى طرق كثيرة‪ ،‬الطفال يسلكون طريقا ً من هذه‬
‫الطرق غير مبالين بالمر‪ ،‬فقد شدهم ما يشاهدون من مناظر غريبة عجيبة‪،‬‬
‫وبناء محكم جميل‪ ،‬وحجارة مزخرفة رائعة المنظر‪ ،‬وبينما هم كذلك إذا‬
‫بطفل منهم يستوقفهم ويذكرهم بالعودة ويخوفهم من انطفاء الشمعة‪ ،‬فلو‬
‫انطفأت الشمعة لكان أمرهم صعبا ً بل قد يموتون جميعا ً وهذا هو الراجح‪.‬‬
‫الطفال ينظرون إلى الشمعة وهي تحترق ثم يعاودون تشجيع أنفسهم ل‬
‫ل‪ ،‬وهكذا تابع الطفال‬ ‫عليكم فإن الشمعة ل زالت كبيرة وتخدمنا وقتا ً طوي ً‬
‫سيرهم‪ ،‬وكلما مروا على طريق دخلوا طريقا ً آخر‪ ،‬فإنه مكان مليء‬
‫بالمفاجآت والمور الغريبة التي تشد الكبار فكيف بالصغار !‬
‫الطفال بعد فترة من الوقت شعروا أن عليهم الرجوع من حيث أتوا‪ ،‬فقد‬
‫أشرفت الشمعة على النتهاء‪ ،‬واصبح الوقت متأخرًا‪ ،‬ول زال أمامهم مسير‬
‫طويل من أجل الرجوع‪ ،‬فهم يريدون الرجوع إلى القرية قبل غروب الشمس‬
‫ودون شعور أهل القرية بهم حتى ل يوبخون من قبل أهلهم‪ ،‬الطفال بعضهم‬
‫لبعض هيا بنا نعود فقد أدركنا الوقت‪ ،‬وقد أشرفت الشمعة على النتهاء‪،‬‬
‫الطفال حسنا ً هيا بنا‪.‬‬
‫وبهذا ينهي الطفال مسيرهم ويهمون بالرجوع‪ ،‬ولكن ثمة مشكلة؟ يا إلهي‬
‫أين الطريق ؟ من هنا‪ ،‬كل من هنا‪ ،‬الطفال يرتبكون ويتساءلون من أي‬
‫طريق قدمنا ؟ إنها طرق كثيرة‪ ،‬ل نعرف من أيها دخلنا‪ ،‬إننا في مصيبة ماذا‬
‫علينا أن نفعل ؟ الطفال ل يعرفون ماذا يفعلون‪ ،‬فقد اختلفوا فيما بينهم‪،‬‬
‫ولم يعودوا يفكرون‪ ،‬فقد أمتلكهم الخوف وأصبحوا ينظرون إلى بعضهم‬
‫البعض نظر الذي تيقن الموت‪ ،‬ل يستطيعون النفصال عن بعضهم البعض‬
‫فالمكان مظلم ول يوجد معهم إل شمعة واحدة‪ ،‬حتى الشمعة لم يعد يستعان‬
‫بها ‪ ،‬فهي الخرى على وشك أن تلتقط آخر رمق فيها‪ ،‬الطفال ترتفع‬
‫أصواتهم بالبكاء‪ ،‬وتعلوا صيحات الستنجاد من أفواههم الطاهرة‪ ،‬وكلما تأملوا‬
‫الشمعة وهي تذوب‪ ،‬كلما ارتفعت أصواتهم وعل استنجادهم‪ ،‬ولكن تسمع إذ‬
‫ناديت حيًا‪ ،‬ولكن ل حياة لمن تنادي‪ ،‬وبينما هم على هذه الحال تنطفئ‬
‫الشمعة‪ ،‬ويعم الظلم الدامس‪ ،‬ولم يعد يرى بعضهم بعضًا‪ ،‬تزداد صرخاتهم‪،‬‬
‫ويشتد بكاؤهم‪ ،‬ويمسك بعضهم بأيدي بعض خوفا ً من أن يتفرقوا‪ ،‬الطفال‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في مكان مظلم ل يهتدون فيه سبي ً‬


‫ل‪ ،‬ول ُيسمع لهم عويل‪ ،‬الخوف يملئ‬
‫قلوبهم‪ ،‬والحزن يخيم عليهم‪ ،‬يجلس الطفال في هذا المكان الغريب‬
‫ينتظرون الموت فقد يأسوا من الحياة‪ ،‬الطفال يصرخون ويقولون متحسرين‬
‫ماذا فعلتم بنا يا أهل القرية أين أنتم فقد شغلتكم مصالحكم عنا‪ ،‬وها نحن‬
‫نموت ول زالت مشاكلكم هي هي‪ ،‬إنها لحظات الموت التي يودع أصحابها بها‬
‫الحياة‪ ،‬فإنهم مساكين ل تجد الكلمات ما تعبر به عن ما يعانيه هؤلء الطفال‬
‫في هذا المكان السحيق المرعب المظلم‪.‬‬
‫أما أهل القرية فقد أوشكت الشمس أن تغيب ول زالوا يتشاجرون ويلقي‬
‫بعضهم التهم على بعض فإن مصالحهم فوق كل اعتبار‪ ،‬وبينما هم في خضم‬
‫الخصام إذ سمعوا صوتا ً يقول لهم‪ ،‬يا قوم‪ :‬أين أطفالكم ؟‬
‫فيجيبون‪ :‬إنهم يلعبون‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الصوت‪ :‬أين ؟‬
‫هنا‪ ،‬بل هنا‪ ،‬بل بل … يا ويلنا أين الطفال ؟ إنها لحظات حاسمة يقول‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬أدركوا أطفالكم‪ ،‬وهكذا أخذوا يركضون في هذه الطريق‬
‫وهذه الطريق‪ ،‬منهم من يصعد الجبال‪ ،‬ومنهم من يفتش في الوديان‪ ،‬ولكن‬
‫ل سبيل‪ ،‬المهات يفقدن صوابهن وأخذن بتوبيخ الرجال‪ ،‬الرجال محتارون‬
‫خائفون أين أبناؤنا ؟ ل جواب‪.‬‬
‫تملك أهل القرية الحزن‪ ،‬وانتابهم الندم‪ ،‬فقد شغلهم حب الدنيا عن أبنائهم‬
‫فلذات أكبادهم وزينة الدنيا‪ ،‬يركضون في كل حي‪ ،‬ويفتشون هنا وهناك ولكن‬
‫ل سبيل‪.‬‬
‫أما الطفال فقد ارتفعت أصواتهم‪ ،‬واشتد بكاؤهم حتى خبت أصواتهم ولم‬
‫يعد بمقدرتهم فعل أي شيء‪ .‬وقد أيقنوا الموت واستسلموا له‪ ،‬وأخذت‬
‫الحسرة تكبر في صدورهم والحزن يملئ قلوبهم على ما وصل إليه حالهم‬
‫وما أوصلهم إلى ما وصلوا إليه‪ ،‬فلم يعد أمامهم سوى التطلع إلى رحمة الله‪،‬‬
‫فهو الذي معهم ول يفارقهم وبيده وحده إنقاذهم‪ ،‬وهكذا أخذوا يسبحون‬
‫ويستغفرون ويسترجعون علهم يموتوا على ذكر الله فيفلحوا في الخرة وقد‬
‫خسروا الدنيا‪.‬‬
‫ً‬
‫أما أهل القرية فلم يعرفوا لليأس طريقا‪ ،‬ولم يهدأ لهم بال‪ ،‬ولم يتوقفوا عن‬
‫البحث‪ ،‬فقد توحد صفهم ‪ ،‬وتعاونوا فيما بينهم‪ ،‬ونسوا ما كان منهم من‬
‫خلفات وأحقاد‪ ،‬فقد أدركوا أن الدنيا بزينتها ل تسوي أطفالهم الذين هم‬
‫فلذات أكبادهم‪ ،‬فل زالوا يفتشون ويفتشون في كل مكان هنا وهناك وهنالك‪،‬‬
‫حتى وصلوا إلى تلك الخيمة‪ ،‬خيمة العجوز المسكينة‪ ،‬يقف أحدهم ويصرخ‬
‫بأعلى صوته‪ :‬يا أهل هذه الخيمة هل مر عليكم اليوم أطفال ؟‬
‫العجوز بصوت ضعيف وقد تذكرت الطفلين‪ :‬نعم وأخشى أن يكونوا ذهبوا‬
‫إلى تلك المغارة الكبيرة ‪.‬‬
‫أهل القرية‪ :‬أي مغارة ؟‬
‫إنها هنالك على بعد ساعتين من هنا‪.‬‬
‫العجوز هيا أسرعوا قبل أن يموت الطفال‪ ،‬ولكن عليكم أن تتزودا بالمصابيح‬
‫والحبال فإنها مغارة كبيرة مظلمة خطيرة‪.‬‬
‫أهل القرية حسنا ً جزاك الله خيرًا‪.‬‬
‫أهل القرية يسرعون نحو المغارة بأقصى سرعة يستطيعونها‪ ،‬أهل القرية‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمام المغارة وقد غابت الشمس وازداد ظلم المغارة ظلمًا‪ ،‬أهل القرية‬
‫يشعلون السرج‪ ،‬ويجعلون من ليل المغارة نهارًا‪ ،‬يدخل أهل القرية المغارة‪،‬‬
‫يفتشون هنا وهنالك‪ ،‬ويصرخون أين أنتم يا أبناءنا ؟ ولكن ل جواب فقد‬
‫استسلم الطفال ولم يعودوا يسمعون شيئًا‪.‬‬
‫أهل القرية يصلون إلى الفتحة ويضيئونها ويدخل أناس منهم الفتحة ويسعون‬
‫فيها هنا وهنالك‪ ،‬وإذا بهم يسمعون تسبيح الطفال‪ ،‬يا بشرى إنهم الطفال ‪،‬‬
‫نعم إنهم الطفال‪ ،‬ويا فرحة ما بعدها فرحة‪ ،‬فقد دبت الحياة في الطفال‬
‫من جديد بعد أن غمر قلوبهم اليأس ‪ ،‬وعمت الفرحة أهل القرية وأخذوا‬
‫يعانقون ويقبلون أطفالهم‪ ،‬ودموع الفرحة ترتسم على جوههم ‪،‬يفرح الجميع‬
‫بسلمة الطفال‪ ،‬وقد أيقنوا أن ما يجمعهم في هذه القرية أكثر مما يفرقهم‪،‬‬
‫وأنهم ل فرحة لهم إل بتجمعهم واتفاقهم‪ ،‬وأن من أخطر السباب التي تحول‬
‫دون سعادتهم وضياع أبنائهم تفرقهم واختلفهم‪ ،‬وتمسكهم بالدنيا‪ ،‬يأخذ أهل‬
‫القرية أطفالهم ويعدون بهم إلى القرية بفرح وسرور ولسان حالهم يقول‪ :‬ل‬
‫خلف بعد اليوم‪ ،‬ول أنانية‪ ،‬ول تفرق‪.‬‬
‫وهكذا أدرك أهل القرية أخطار التنازع وما يؤدي إليه‪ ،‬عاد أهل القرية بأبنائهم‬
‫وقد تألفت قلوبهم‪ ،‬وتوحد صفهم‪ ،‬واجتمعت على الخير كلماتهم‪ ،‬وكأنما‬
‫خرجوا إلى الحياة من جديد …………………………………‪.‬‬
‫وكتب ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز‬
‫‪ 24/3/1425‬هـ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫انطلق للمام‬
‫فؤاد المنشاوي‬
‫ن لول ولوما ‪ii‬ولم‬ ‫أخي إ ّ‬
‫وسخط الله لمن ‪ii‬قالها‬
‫أخي ل تقلها وراع ‪ii‬الذمم‬
‫ويحيا الجهول ‪ii‬بأوهامه‬
‫ي العقارب ل ‪ii‬يرعوي‬ ‫صئ ّ‬
‫ونزغ القرين بما ‪ii‬يحتوي‬
‫ومهما تعاظم كيد ‪ii‬العبيد‬
‫فموعدنا عند فجر جديد‬
‫أخي ظلمة الليل ل ‪ii‬تنجلي‬
‫فلو لم يقاتل لمات ‪ii‬الشهيد‬
‫أخي لو شتمت الظلم يعود‬
‫بقدح الزناد وعزم ‪ii‬السود‬
‫ي لتلك ‪ii‬الجراح‬‫فسّلم أخ ّ‬
‫م يسّير أمر ‪ii‬الحياه ‪ ...‬تميت القلوب وتحيي ‪ii‬اللم‬ ‫حكي ٌ‬
‫ل لهم ‪ii‬وغم‬ ‫فلول سبي ٌ‬
‫بلوما ولول تزل ‪ii‬القدم‬
‫فكم قالها عند خطب ‪ii‬وكم‬
‫ي الدسم‬ ‫كذا السم يؤذي بط ّ‬
‫لتجري الدماء ويأتي ‪ii‬الندم‬
‫وزاد الخؤون بلصق ‪ii‬التهم‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لجيل فريد يروم ‪ii‬القمم‬


‫بدمع غزير ولول ‪ii‬ولم‬
‫ه ‪ii‬حكم‬‫ت إل ٌ‬
‫كذا قبل مو ٍ‬
‫فشتم الظلم فتور الهمم‬
‫يغيب الظلم وتحيا ‪ii‬المم‬
‫ح ‪ii‬ودم‬
‫فطيب الجنان جرا ٌ‬
‫وكل الخلئق نحو ‪ii‬العدم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫انظروا عمن تأخذون دينكم‬


‫‪01-1-2006‬‬
‫بقلم خباب بن مروان الحمد‬
‫حمين باب العلم حين‬ ‫ل مأخذ ‪ ،‬حين أرى هؤلء المتق ّ‬ ‫ن العجب ليأخذني ك ّ‬ ‫"‪...‬إ ّ‬
‫ّ‬
‫ُتعرض أي مسألة من متعلقات الشريعة ‪ ،‬فيتحدثون عنها ‪ ،‬ولم يكلفوا‬
‫أنفسهم البحث عن حكمها ودلئل حّلها أو حرمتها‪"... ،‬‬
‫ل زمان فترة من الرسل ‪ ،‬بقايا من أهل العلم‬ ‫الحمد لله الذي جعل في ك ّ‬
‫ل إلى الهدى ‪ ،‬ويصبرون منهم على الذى ‪ ،‬يحيون بكتاب الله‬ ‫يدعون من ض ّ‬
‫صرون بنور الله أهل العمى ؛ فكم من قتيل لبليس قد أحيوه ‪،‬‬ ‫الموتى ‪ ،‬ويب ّ‬
‫وكم من ضال تائه قد هدوه ‪ ،‬فما أحسن أثرهم على الناس ‪ ،‬وأقبح أثر‬
‫الناس عليهم ‪ .‬ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ‪ ،‬وانتحال المبطلين ‪،‬‬
‫وتأويل الجاهلين‪.‬‬
‫ما بعد‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫ن لهل العلم منزلة عالية في دين السلم ‪ ،‬ودرجة رفيعة سامقة ‪ ،‬كيف ل‬ ‫فإ ّ‬
‫‪ ...‬وهم الذين اجتباهم الله لحفظ دينه ‪ ،‬ونشر كلمته ‪ ،‬وقرنهم بشهادته‬
‫فقال‪):‬شهد الله أّنه ل إله إل هو والملئكة وأولو العلم قائما ً بالقسط( ونفى‬
‫المساواة بين من يعلم ومن ل يعلم فقال‪):‬قل هل يستوي الذين يعلمون‬
‫ن ألصق الصفات بأهل العلم ؛ خشيتهم لله‬ ‫والذين ل يعلمون( وأوضح أ ّ‬
‫تعالى ‪ ،‬فقال‪):‬إّنما يخشى الله من عباده العلماء( ومن خشية العلماء لربهم‬
‫ولوا‬‫أّنهم ل يتكلمون إل بالعلم والهدى ‪ ،‬ويخشون ربهم من فوقهم أن يتق ّ‬
‫عليه بل علم ‪ ،‬ويوّقعوا عنه بجهل ‪ ،‬لّنهم وّقافون عند حدود الله ونواهيه ‪ ،‬إذ‬
‫ل أولئك‬ ‫ن السمع والبصر والفؤاد ك ّ‬ ‫ف ما ليس لك به علم إ ّ‬ ‫قال تعالى‪):‬ول تق ُ‬
‫ل(السراء)‪.(6‬‬ ‫كان عنه مسؤو ً‬
‫حم بوابة العلم ‪ ،‬وولج فيها مولجا ً ل يستحقه ‪ ،‬أناس‬ ‫إل ّ أّنه ـ وللسف ـ قد تق ّ‬
‫ليس لهم في العلم الشرعي كبير إنعام حيث امتطوا صهوة العلم والتعليم ‪،‬‬
‫فتراموا على شاشات الفضائيات ‪ ،‬وأوقعوا بأرجلهم على مهاد المنابر ‪،‬‬
‫وتكالبوا في الكتابة بالصحف والجرائد والمجلت ‪ ،‬إمعانا ً منهم لتعليم الناس‬
‫مهم ‪ ،‬في شؤون الدين والدنيا ‪ ،‬وقسم آخر وهم كثيرون إذا اجتمعوا في‬ ‫ما يه ّ‬
‫المجالس والنوادي ‪ ،‬وطرحت مسألة فقهية أو شرعية ‪ ،‬وجدت المختص‬
‫ن لديه علمها‬ ‫دعيا ً أ ّ‬
‫وغير المختص يخوض فيها ‪ ،‬ويتمنطق متحدثا ً عنها ‪ ،‬م ّ‬
‫وحكمها ‪ ،‬على حد ّ ما ذكره الشيخ‪ :‬محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ ‪):‬قرأت كتابا ً‬
‫سر حقيقة الصلة تفسيرا ً لم يعرفه المسلمون طوال‬ ‫لحد المهندسين يف ّ‬
‫أربعة عشر قرنا ً ‪ ،‬فعجبت لهذا الحمق في خرق الجماع ‪ ،‬وقلت‪ :‬أما يجد هذا‬
‫دم فيه بدل أن يشغل نفسه‬ ‫المخترع مجال ً لذكائه في ميدان الهندسة ليتق ّ‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويشغلنا معه بهذه التوافه( ]ليس من السلم ـللشيخ‪ :‬محمد الغزالي‪.[56/‬‬


‫طلعون‬ ‫من على شاكلة هذا الشخص زاعمين أّنهم مثقفون وم ّ‬ ‫فترى كثيرا ً م ّ‬
‫ن ذلك‬ ‫يطلقون لنفسهم باب الجتهاد في التحدث عنها بآرائهم ‪ ،‬والغريب أ ّ‬
‫يحصل في كثير من المجالس وخصوصا ً مجالس كثير من العوام أو غير‬
‫من تخصصوا في العلوم التجريبّية أو‬ ‫المتخصصين في العلم الشرعي م ّ‬
‫طلع في‬ ‫الطبيعّية أو غيرها ‪ ،‬وكانوا بعيدين ُبعد المشرقين عن البحث وال ّ‬
‫ت ويعجن في المسألة التي‬ ‫أصول الشريعة ومحكماتها‪ ،‬فتجد كثيرا ً منهم يل ّ‬
‫قد تكون مشكلة ‪ ،‬ولو عرضت على عمر ـ رضي الله عنه ـ لجمع لها أهل بدر‬
‫ليتباحثوا فيها ‪ ،‬ويعطوا الحكم الشرعي المناسب لها المبني على الكتاب‬
‫قها من البحث والتفكير ‪،‬‬ ‫والسنة! وإن طرحت على أهل العلم أعطوها ح ّ‬
‫ن المام مالك قال‪):‬إني لفكر في مسألة منذ بضع‬ ‫ورحم الله زمنا ً جاء فيه أ ّ‬
‫عشرة سنة ‪ ،‬فما اّتفق لي فيها رأي إلى الن( وقال‪):‬ربما وردت علي‬
‫المسألة فأفكر فيها ليالي(]ترتيب المدارك ‪.[1/178‬‬
‫حمين باب العلم حين‬ ‫ل مأخذ ‪ ،‬حين أرى هؤلء المتق ّ‬ ‫ن العجب ليأخذني ك ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫ّ‬
‫ُتعرض أي مسألة من متعلقات الشريعة ‪ ،‬فيتحدثون عنها ‪ ،‬ولم يكلفوا‬
‫أنفسهم البحث عن حكمها ودلئل حّلها أو حرمتها‪ ،‬بل تجد المبادرة‬
‫جة أّنها وجهة نظرهم ‪ ،‬ول يعني أن تكون‬ ‫والمسارعة للفتاء وإبداء الرأي بح ّ‬
‫ن علم الشريعة علم ُيتناول على مائدة الحوار‬ ‫وجهة النظر صحيحة ‪ ،‬وكأ ّ‬
‫ن هؤلء‬ ‫ن ذلك هو الحكم الشرعي! مع أ ّ‬ ‫منا ً أ ّ‬
‫والكل يبدي رأيه متوقعا ً ومخ ّ‬
‫ن رجل ً غير متخصص‬ ‫مون بالمثقفين أمثال )صاحبنا( لو أ ّ‬ ‫العوام أو من يتس ّ‬
‫ن ما‬‫ن رأيه صواب ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ً‬
‫في الفن الذي هو من اختصاصهم وتكلم فيه زاعما أ ّ‬
‫يقوله ل يلزم أن يكون صحيحا ً ؛ لنظروا إليه نظر شزر ‪ ،‬وقّرعوه بشديد‬
‫الخطاب ‪ ،‬لّنه تكلم فيما ل يحسنه ‪،‬ومن يتكلم بما ل يحسن يأتي بالعجائب!‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫م ل تمّرر هذه القاعدة والمنهجية عليهم كذلك ؟ أ ّ‬ ‫صد َُقوا ‪...‬ولكن ل ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ً‬
‫علم الشريعة متاح لكل أحد أن يكون مجتهدا فيه ‪ ،‬وغيره من العلوم ل‬
‫دث فيه إل ّ من تخصص به وثنى ركبته في نيله عند أهله؟!‪.‬‬ ‫يتح ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد لحظ تلك المشكلة المام ابن رجب ـ رحمه الله ـ واشتكى منها قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫) يالله العجب ! لو اّدعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا ‪ ،‬ولم يعرفه الناس‬
‫ذبوه في دعواه ‪ ،‬ولم يأمنوه على أموالهم ‪،‬‬ ‫بها ‪ ،‬ول شاهدوا عنده آلتها لك ّ‬
‫دعي‬ ‫دعيه من تلك الصناعة ‪ ،‬فكيف بمن ي ّ‬ ‫ولم يم ّ‬
‫كنوه أن يعمل فيها ما ي ّ‬
‫معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول ‪ ،‬ول يجالس أهله ول‬
‫يدارسه( ]الحكم الجديرة بالذاعة[‪.‬‬
‫* أقوال علماء السلم في النهي عن التكلم بل علم‪:‬‬
‫وقد تواترت كتابات العلماء في التحذير من التكلم بل علم والفتاء بالجهل‬
‫‪،‬ومنهم المام الشافعي فقد قال ـ رحمه الله ـ‪):‬فالواجب على العالمين أن ل‬
‫يقولوا إل ّ من حيث علموا ‪ ،‬وقد تكّلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما‬
‫تكّلم فيه منه لكان المساك أْولى به وأقرب من السلمة له إن شاء الله(‬
‫]الرسالة‪ [41/‬وقال المام ابن حزم ‪):‬ل آفة على العلوم وأهلها أضر من‬
‫الدخلء فيها وهم من غير أهلها ‪ ،‬فإّنهم يجهلون ويظّنون أّنهم يعلمون ‪،‬‬
‫ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون( ]مداواة النفوس‪ [67/‬وقال شيخ السلم‬
‫ابن تيمّية ـ رحمه الله ـ ‪ ):‬ول يحل لحد أن يتكّلم في الدين بل علم ول يعين‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من تكّلم في الدين بل علم ‪ ،‬أو أدخل في الدين ما ليس منه( ]مجموع‬
‫الفتاوى‪ [4/‬وقال كذلك‪):‬فمن تكّلم بجهل وبما يخالف الئمة ‪ ،‬فإّنه ينهى عن‬
‫ذلك ويؤّدب على الصرار ‪ ،‬كما ُيفعل بأمثاله من الجهال ‪ ،‬ول يقتدى في‬
‫مة الضللة‪ ،‬وإن كان مشهورا ً عنه العلم ‪ ،‬كما قال‬ ‫خلف الشريعة بأحد من أئ ّ‬
‫بعض السلف‪ :‬ل تنظر إلى عمل الفقيه ولكن سله يصدقك(]مجموع الفتاوى‪/‬‬
‫‪ [7‬وقال كذلك‪ ):‬ومن تكلم في الدين بل علم كان كاذبا ً وإن كان ليتعمد‬
‫الكذب كما ثبت في الصحيحين عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قالت‬
‫له سبيعة السلمية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع‬
‫فكانت حامل ً فوضعت بعد موت زوجها بليال قلئل فقال لها أبو السنابل بن‬
‫بعكك‪ :‬ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الجلين ‪ ،‬فقال النبي ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ‪):‬كذب أبو السنابل ‪ ،‬بل حللت فانكحي(]مجموع الفتاوى‬
‫‪.[1/449‬‬
‫ّ‬
‫* من يملك حقّ التكلم بالعلم‪:‬‬
‫م المسلم المعاصر لهذا الزمن ‪ ،‬أن تكون له بّينة لصفات من يؤخذ ُ‬ ‫ما يه ّ‬
‫م ّ‬
‫ّ‬
‫عنهم العلم ‪ ،‬ومعرفة جلّية لسمات أهله وأصحابه ؛ لئل يختلط عليه الحق‬
‫بالباطل ‪ ،‬والصواب بالخطأ ‪ ،‬وليعبد الله على بصيرة وبّينة‪ ،‬خصوصا ً أ ّ‬
‫ن‬
‫أحاديث صريحة أتت عن رسول الله ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ في التحذير‬
‫ممن يتقمصون مسوح العلم وينطقون به ‪ ،‬ومن أئمة الضلل الذين يحكمون‬
‫بالجور والجهل ‪ ،‬ومن ذلك أّنه ـ عليه الصلة والسلم ـ قال‪):‬سيأتي على‬
‫ب فيها الصادق ‪ ،‬ويؤتمن‬ ‫صد ّقُ فيها الكاذب ‪ ،‬وي ُك َذ ّ ُ‬ ‫داعات ي ُ َ‬ ‫الناس سنوات خ ّ‬
‫ون فيها المؤتمن ‪ ،‬وينطق الرويبضة ‪ .‬قيل‪ :‬وما الرويبضة؟‬ ‫فيها الخائن ‪ ،‬ويخ ّ‬
‫مة( أخرجه ابن ماجه)‪ (44‬وأحمد في‬ ‫قال‪ :‬الرجل التافه ‪ ،‬يتكلم في أمر العا ّ‬
‫المسند]‪[91/‬بسند حسن ‪ ،‬وانظر السلسلة الصحيحة لللباني)‪ (1887‬وثبت‬
‫ن النبي ـ صلى الله عليه وسّلم ـ قال‪):‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫عند أحمد من حديث أبي الدرداء أ ّ‬
‫دث عبدالله بن‬ ‫أخوف ما أخاف عليكم الئمة المضلون( ]المسند ‪ [6/441‬وح ّ‬
‫ن رسول الله ـ صّلى الله عليه وسلم ـ‬
‫ّ‬ ‫عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أ ّ‬
‫ن الله ل يقبض العلم انتزاعا ً ينتزعه من العباد ‪ ،‬ولكن يقبض العلم‬ ‫قال‪):‬إ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بقبض العلماء حّتى إذا لم ُيبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جّهال فسئلوا فأفتوا‬
‫بغير علم فضّلوا وأضّلوا( ]أخرجه البخاري ‪ 1/174،175‬في كتاب العلم ‪،‬‬
‫ومسلم واللفظ له ‪.[4/58‬‬
‫لجل هذا يتحّتم على مبتغي طريق الحق ‪ ،‬ومريد طوق النجاة وسبيل الفلح‬
‫أن يعرف صفات من يأخذ عنهم العلم ‪ ،‬لئل يضيع الطريق الشرعي ‪ ،‬ويضل‬
‫دة نقاط‪* :‬صفات من يؤخذ عنهم العلم‪:‬‬ ‫السبيل ‪ ،‬وسأذكرها في ع ّ‬
‫‪1‬ـ خشية الله تعالى‪:‬‬
‫وهي صفة لصيقة بأهل العلم الراسخين الرّبانيين ‪ ،‬الذين يخشون ربهم ‪،‬‬
‫ويراقبونه في ما دقّ وكبر ‪ ،‬جليل ً كان أو حقيرا ً ‪ ،‬فخشية رّبهم ملزمة لهم ‪ ،‬ل‬
‫يحيدون عنها ول يتحايلون عليها ‪ ،‬بل هم لله وبالله وعلى الله يفضون له‬
‫جميع أمورهم ‪ ،‬ويتعلقون بحبال الرجاء والخشية منه ‪ ،‬ولهذا كان يقول جمع‬
‫من أهل العلم كابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وغيره‪) :‬كفى بخشية الله علما ً‬
‫ل( وحين نادى أحدهم المام الشعبي قائل ً له‪ :‬يا عالم؟‬ ‫‪ ،‬وكفى بالغترار به جه ً‬
‫فقال الشعبي‪):‬إّنما العالم من يخشى الله( وكان طلب العلم ل يتلقون العلم‬
‫من عرف بالخشية والخشوع ؛ فقد قال النخعي ـ رحمه الله ـ ‪):‬كان‬ ‫إل ّ ع ّ‬
‫م‬
‫الرجل إذا أراد أن يأخذ عن الرجل نظر في صلته وفي حاله وفي سمته ‪ ،‬ث ّ‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يأخذ عنه(‪.‬‬
‫ـ تلقي العلم عن الراسخين في العلم‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وذلك لئل ّ تكون له منهجية مبعثرة في قواعد الترجيح ‪ ،‬ودلئل الستنباط ‪،‬‬
‫وأن يكون تلقيه من أفواه العلماء وشفاههم ‪ ،‬فيكون متقنا ً للحكام ‪ ،‬ولهذا‬
‫كان السلف الصالح كالمام الشافعي يقول‪):‬من تفقه من بطون الكتب ضّيع‬
‫الحكام( ]تذكرة السامع والمتكلم‪ .[83/‬فل يعقل آيات الله ‪ ،‬ول يفقه‬
‫أحكامها ويستنبط دلئلها إل البارعون في العلم ؛ كما قال تعالى‪):‬وما يعقلها‬
‫إل ّ العالمون (العنكبوت)‪ (18‬وكقوله تعالى‪):‬وإذا جاءهم أمر من المن أو‬
‫الخوف أذاعوا به ولو رّدوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم لعلمه الذين‬
‫يستنبطونه منهم(النساء)‪ .(83‬فأهل العلم هم أْولى الناس باستنباط أحكام‬
‫الدين وشرائعه‪.‬قال محمد بن سراقة البصري‪:‬حقيقة الفقه عندي‪:‬‬
‫الستنباط ‪ .‬قال تعالى‪):‬لعلمه الذين يستنبطونه منهم( ]المنثور في القواعد‬
‫‪ 1/67‬ـ بواسطة‪ :‬أصول الفتاء والجتهاد التطبيقي ‪ 1/68‬لمحمد أحمد‬
‫الراشد[‪.‬‬
‫لهذا حّثنا الله تعالى على سؤالهم إن أشكل علينا أمر شرعي ‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫)فاسألوا أهل الذكر إن كنت ل تعلمون( النبياء)‪ (7‬أخرج الدارمي في سننه‬
‫ل‬‫ه َقا َ‬ ‫ة عَن رسول الل ّه صّلى الّله عَل َيه وسل ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫في مقدمته عَ َ‬
‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ َ ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أِبي أ َ‬ ‫ْ‬
‫ي الل ّهِ وَِفيَنا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل أَ‬
‫ب‬ ‫ن‬
‫ُ َ َِ ّ‬ ‫يا‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫َ ْ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫لوا‪:‬‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫((‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬
‫ْ َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ذوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫)) ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أوَل َ ْ‬
‫م‬ ‫مَهات ُك ُ ْ‬‫مأ ّ‬ ‫ل‪ )) :‬ث َك ِل َت ْك ُ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ه ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫ه إل ّ الل ّ ُ‬ ‫ب َل ي ُغْ ِ‬
‫ضب ُ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ل‪:‬فَغَ ِ‬ ‫ه؟ َقا َ‬ ‫ب الل ّ ِ‬ ‫ك َِتا ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب العِلم ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن ذَ َ‬ ‫شي ًْئا؟! إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ي ُغْن َِيا عَن ْهُ ْ‬ ‫ل فَل ْ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫َ‬
‫ل ِفي ب َِني إ ِ ْ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن الت ّوَْراة ُ َوال ِن ْ ِ‬ ‫ت ََك ُ ِ‬
‫ه (( ‪.‬‬ ‫ملت ُ ُ‬‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ي َذ ْهَ َ‬ ‫ْ‬
‫ب العِلم ِ أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن ذَ َ‬ ‫ه ‪ ،‬إِ ّ‬ ‫ملت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ي َذ ْهَ َ‬ ‫أ ْ‬
‫م حّتى يأخذ ك ّ‬
‫ل‬ ‫ن إنصاف الرجل ل يت ّ‬ ‫قال المام الشوكاني ـ رحمه الله ـ ‪):‬إ ّ‬
‫هل للجتهاد يأخذ مثل ً‬ ‫ن عن أهله كائنا ً ما كان ؛ فإّنه لو ذهب العالم الذي تأ ّ‬ ‫ف ّ‬
‫م يريد أن يأخذ ما يتعلق بتفسيره في اللغة عنهم ‪ ،‬كان‬ ‫ّ‬ ‫الحديث عن أهله ث ّ‬
‫مخطئا ً في أخذ المدلول اللغوي عنهم ‪ ،‬وهكذا المعنى العرابي عنهم فإّنه‬
‫كد المام الشوكاني هذه المنهجّية المّتزنة بقوله‪):‬فالعالم إذا ظفر‬ ‫م يؤ ّ‬ ‫خطأ(ث ّ‬
‫ما إذا أخذ العلم عن‬ ‫بالحق من أبوابه ‪ ،‬ودخل إلى النصاف بأقوى أسبابه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫جح ما يجده من الكلم لهل العلم في فنون ليسوا من أهلها ‪،‬‬ ‫غير أهله‪ ،‬ور ّ‬
‫فإّنه يخبط ويخلط ‪ ،‬ويأتي من القوال والترجيحات بما هو في أبعد درجات‬
‫التقان وهو حقيق بذاك(ا‪.‬هـ ]أدب الطلب ومنتهى الرب‪. [76/‬‬
‫وكم من مد ٍّع للعلم ‪ ،‬متعالم مع جهل ‪ ،‬ينظر لنفسه نظر الكبر والغرور ‪،‬‬
‫ن جمع العلم يكون من قراءته للكتب فحسب ‪ ،‬فل حاجة ليقرأ العلم‬ ‫نأ ّ‬ ‫فيظ ّ‬
‫ً‬
‫على أهله ‪ ،‬ول ليثني ركبه عند أهل العلم ‪ ،‬تلقيا منهم ومذاكرة معهم ‪،‬‬
‫ومراجعة عليهم ‪ ،‬ليعلو كعبه في العلم ‪ ،‬ويعلم أّنه ]من البلّية تشّيخ‬
‫الصحيفة[وقد كان أهل العلم ينهون عن نيل العلم من الكتب فحسب ‪ ،‬بل‬
‫لبد من مقارنة ذلك بالحضور عند أهل العلم ‪ ،‬والتلقي من الشياخ ‪ ،‬ليقوى‬
‫باع الطالب في العلم ‪ ،‬ويشتد عوده في الفهم ‪ ،‬ويصلب مراسه لمعالجة‬
‫مشكلت الكتب وما يكتنفها من مسائل غامضة‪.‬‬
‫ة يكن من الزيف‬ ‫قال كمال الدين الشمني‪ :‬من يأخذ العلم عن شيخ مشافه ً‬
‫والتصحيف في حرم ِ ومن يكن آخذا ً للعلم من صحف فعلمه عند أهل العلم‬
‫كالعدم قال الوزاعي ‪ :‬كان هذا العلم شيئا ً شريفا ً ؛ إذ كان من أفواه الرجال‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتلقونه ويتذاكرونه ‪ ،‬فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله‪.‬‬
‫وحين يتأمل المرء في بعض الكتب الصادرة ‪ ،‬وما يجد فيها من فهم خاطئ‬
‫ن الخطأ ليس‬ ‫لبعض نصوص الكتاب والسّنة ‪ ،‬وأقوال أهل العلم ‪ ،‬يتيقن بأ ّ‬
‫في صياغة الشيخ في كتابه بدللته اللغوية ‪ ،‬ومعانيه الكلمّية ‪ ،‬وإّنما من‬
‫ما يجعله ينزلق في الفهم القاصر ‪ ،‬كما قال‬ ‫الفهم القاصر لقارئ الكتاب ‪ ،‬م ّ‬
‫ابن القيم‪):‬ما أكثر ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالفهام‬
‫القاصرة( ]مدارج السالكين‪.[431/‬‬
‫وصدق من قال‪:‬‬
‫ً‬
‫وكم من عائب قول ً صحيحا ‪ .........‬وآفته من الفهم السقيم‬
‫ب أن ترى كثيرا ً من المسائل التي وقعت بها أخطاء علمّية ‪ ،‬أّدت فيما‬ ‫ول عج َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعد لن تكون أقوال تنسب لبعض المنتسبين للعلم ‪ ،‬لتكون خلفا يحكى أمد‬
‫الدهر ‪ ،‬وذلك لقّلة الفهم ‪ ،‬وضعف العلم ‪ ،‬ولو سكت هؤلء القوم ولم ينطقوا‬
‫لكان ذلك بهم أحرى وأْولى من أن يتكالبوا على التدريس والتعليم ‪،‬‬
‫ما يحسن إيراده في هذا المقام ما قاله‬ ‫وبضاعتهم في العلم مزجاة ‪ ،‬وم ّ‬
‫كلثوم العتابي حيث قال‪):‬لو سكت من ل يعلم لسقط الختلف ( معجم‬
‫ل الختلف ‪،‬‬ ‫الدباء)‪ (5/19‬وقال أبوحامد الغزالي‪):‬لو سكت من ل يعرف ق ّ‬
‫طلع عليه فماله‬ ‫مة وال ّ‬‫ومن قصر باعه وضاق نظره عن كلم علماء ال ّ‬
‫وللتكّلم فيما ل يدريه ‪ ،‬والدخول فيما ل يعنيه ‪ ،‬وحق مثل هذا أن يلزم‬
‫السكوت( ]الحاوي للفتاوى‪.[116/‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولهذا كان أهل العلم ـ رحمهم الله جميعا ً ـ إذا سئلوا عن مسألة ولم يعرفوا‬
‫لها جوابا ً قالوا ‪ :‬الله أعلم ‪ ،‬ولم يفذلكوا أو يكذلكوا ‪ ،‬بل كانوا مّتسمين‬
‫بالوضوح تجاه مستفتيهم ‪ ،‬إن علموا حكم المسألة قالوا بها ‪ ،‬وإن جهلوها‬
‫قالوا ل نعرفها ‪ ،‬بل كانوا ل يجزمون في فتاويهم ـ في بعض الحيان ـ إن‬
‫ددة ‪ ،‬كما نقل عن المام مالك أّنه‬ ‫ن المسألة قد تحتمل أوجها ً متع ّ‬ ‫شعروا أ ّ‬
‫ً‬
‫ن إل ظن ّا وما نحن بمستيقنين( ]جامع‬ ‫ّ‬ ‫في بعض الحيان إن أفتى قال‪):‬إن نظ ّ‬
‫ما نقل عن بعض أهل العلم حين كانوا ل يعرفون‬ ‫بيان العلم وفضله‪ [146/‬وم ّ‬
‫قل عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ‬ ‫َ‬ ‫حكم المسألة أو يجهلونها ‪ ،‬ما ن ُ ِ‬
‫ما ل يعلم ‪ ،‬أن يقول ‪ :‬الله‬ ‫أّنه قال‪):‬وابردها على الكبد إذا سئل أحدكم ع ّ‬
‫أعلم( ]تعظيم الفتيا لبن الجوزي‪.[81/‬‬
‫‪3‬ـ أل ّ يكون من أصحاب تتبع الرخص ‪ ،‬ومن المتساهلين في فتاويهم‬
‫وتعليمهم‪:‬‬
‫صة في‬ ‫ن أصحاب تتّبع الرخص صاروا يستمرؤون هذه الخصلة وخا ّ‬ ‫والحقيقة أ ّ‬
‫ً‬
‫هذا الزمان ‪ ،‬بل صاروا يأتوننا بأسماء جديدة للفقه ‪ ،‬فطورا يقولون‪ :‬نحن من‬
‫دعاة )تطوير الفقه السلمي( وتارة يقولون ‪ :‬نحن أصحاب مدرسة)فقه‬
‫التيسير والوسطّية( وليتهم كانوا كذلك ‪ ،‬فهناك فرق بين التيسير الذي هو‬
‫ن‬
‫سمة الفقهاء الراسخين ‪ ،‬والتفريط الذي هو سمة المتساهلين! بيد أ ّ‬
‫ما أن يؤخذ ذلك من‬ ‫التيسير والترخيص ل يؤخذ إل ّ من رجل عالم ثبت ثقة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن ذلك هو المرفوض قطعا ً ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫ن‬ ‫دعي الجتهاد والتعليم ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫كل أحد ي ّ‬
‫الرّباني يرفض الغلو والتشديد ‪ ،‬فهو كذلك يرفض الترخيص والتساهل من‬
‫غير الثقات ‪ ،‬لذا قال المام سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ)إّنما العلم عندنا‬
‫ل أحد( جامع بيان العلم وفضله لبن‬ ‫الرخصة من ثقة فأما الّتشدد فيحسنه ك ّ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبد البر)‪ (1/784‬فليفّرق بين أصحاب مدرسة التيسير المّتبعين لضوابط‬


‫الشرع ‪ ،‬وبين أولي التساهل والتفريط والتمييع وعلى هذا فقس‪ ،‬من أنصار‬
‫ي أعناقها لتواكب هذا العصر وتوازن ميوله‬ ‫تطويع الفتوى للواقع ‪ ،‬ول ّ‬
‫طعون!‪.‬‬ ‫ددون متن ّ‬‫ّ‬ ‫متش‬ ‫نهم‬
‫واتجاهاته خشية أن ي ٌن ْب َُزوا ّ‬
‫بأ‬
‫وصرنا نرى فتاوى يضحك الجهلء منها ‪ ،‬كشيخ يرى جواز كشف شعر المرأة‬
‫ن هناك عالما ً كان يرى كشف شعر المرأة ؛ ولذا فل بأس بأن تكشف‬ ‫ل ّ‬
‫ّ‬
‫ن إلى الّتخلي عن‬ ‫المرأة شعرها ‪ ،‬وشيخ يفتي النساء المسلمات ويدعوه ّ‬
‫الحجاب تلفيا ً لموجة العتداءات على المسلمين التي شهدتها بريطانيا عقب‬
‫فارِ الخمَر ‪ ،‬بدعوى‬ ‫ن للك ّ‬‫الهجمات على لندن ‪ ،‬وآخر يرى جواَز بيِع المسلمي َ‬
‫الضرورة والحاجة‪ :‬أمور تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها الحليم‬
‫ن إباحة ذلك قضّية خطيرة للغاية‪،‬‬ ‫وثالث يفتي بجواز التطبيع مع اليهود مع أ ّ‬
‫وشيخ يرى جواز إمامة النساء للرجال ‪ ،‬أو يرى جواز التدخين لمن يقدر على‬
‫جة أّنه‬
‫شرائه ‪ ،‬أو بمن يقول بجواز لبس البنطال للنساء في الشوارع بح ّ‬
‫يستر جسدها ‪ ،‬أو بجواز مصافحة المرأة الجنبّية للرجل وتقبيله لها أو تقبيلها‬
‫له ‪ ،‬أو من شيخ يرى جواز أن يتغّنى الفسقة المغّنون بالقرآن ويعزفوا الوتر‬
‫ك في نزول‬ ‫طلعت عليه ما نشر عن أحدهم بأّنه يشك ّ ُ‬ ‫على آياته ‪ ،‬وآخر ما ا ّ‬
‫عيسى بن مريم ـ عليه الصلة والسلم ـ إلى الرض في آخر الزمان ؛ ضاربا ً‬
‫على الحاديث الواردة عن النبي ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ في إثبات هذه‬
‫المسّلمة العقدّية ! ‪.‬‬
‫ب‬
‫ج ٍ‬‫ب أن أزيد به القارئ ضحكا ً مزجيا ً بتع ّ‬ ‫وقد سمعت من ذلك عجبا ً ل أح ّ‬
‫واستغراب‪.‬‬
‫ومن الوسائل التي يحاول أدعياء تطوير الفكر السلمي أن يطرحوها ؛ اّتخاذ‬
‫التلفيق الفقهي وسيلة لمعايشة ضغوط الواقع ‪ ،‬والمقصود بالتلفيق‪ :‬أن ل‬
‫يلتزم المفتي أو مستنبط الحكم مذهبا ً معّينا ً في فتاواه وفي حكمه ‪ ،‬بل‬
‫دمين ‪،‬‬ ‫يحاول أن يأخذ برخص الفقهاء ‪ ،‬ونوادر العلماء ‪ ،‬وتيسيرات المتق ّ‬
‫لتكون مناسبة لفقه القرن الواحد والعشرين ‪ ،‬وهو قرن اندماج الثقافات مع‬
‫الخر الغربي‪/‬الكافر ‪ ،‬ليكون ذلك وسيلة على إظهار السلم بروح المعاصرة‬
‫والمسايرة! ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫طلعت مؤخرا ً على كتاب جديد كتبه‪):‬مراد هوفمان( بعنوان‪):‬في تط ّ‬


‫ور‬ ‫وقد ا ّ‬
‫الشريعة السلمية( يقّرر فيه إسلما ً يسميه )السلم المعتدل( إذ يرى أ ّ‬
‫ن‬
‫ن شهادة المرأة كافية‬ ‫الشريعة السلمية قابلة للتطور والمرونة ‪ ،‬ولذا يرى أ ّ‬
‫ن تعدد الزوجات‬ ‫صة في المور الختصاصّية بل وملزمة ‪/‬صـ ‪ ،47‬ويرى أ ّ‬ ‫وخا ّ‬
‫من‬‫مهات الرامل م ّ‬ ‫صة حيث يسمح به في حالة ال ّ‬ ‫هو استثناء لحالت خا ّ‬
‫ن أطفال يتامى‪ ،‬أو مع يتيمات ‪ ،‬أو لهدف العناية باليتام‪/‬صـ ‪ ،41‬كما يرى‬ ‫لديه ّ‬
‫ن‬
‫أّنه ل ينبغي إقامة حد ّ الرّدة على المرتد عن السلم‪/‬صـ ‪ ، 53‬ويرى أ ّ‬
‫السلم ـ كنتيجة نهائية لبحث كتبه في عشرين سطرا ً ـ لم يقّر أبدا ً رجم‬
‫ن الحديث عن مفاهيم دار الحرب ودار السلم‬ ‫الزناة‪/‬صـ ‪ ،55‬بل يرى أ ّ‬
‫للتعبير عن العلقة بين الشرق والغرب بأّنها مفاهيم تجاوزها الزمن‪/‬صـ ‪، 65‬‬
‫ضللت التي وقعَ فيها هذا الرجل ‪ ،‬ليجعل أحكام السلم‬ ‫إلى غير ذلك من ال ّ‬
‫مّيعة!)آلله أذن لكم أم على الله‬ ‫ُتؤخذ ُ بهذه الطريقة المنهزمة ‪ ،‬وال ُ‬
‫م َ‬
‫تفترون(يونس)‪. (59‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن بنا غلوّ لزدنا في المقال من استزادا فهذا الرجل وأمثاله الذين‬ ‫ولول أن ُيظ ّ‬
‫صار لهم توسع وانتشار ؛ من الشكال الّتي تعرض الدين السلمي بطريقة‬
‫تجعل النصوص السلمّية ملوّية أعناقها لتتواءم ـ كما زعموا ـ مع معطيات‬
‫سسوا فقها ً اجتهادي ّا ً جديدا ً يرعى مصالح‬‫الحضارة ‪ ،‬ومتغيرات الزمن‪ ،‬وليؤ ٍّ‬
‫مها أن ينظر الغرب إلى هذه العقول‬ ‫الزمان ‪ ،‬وضغوطه الدولية‪ ،‬واّلتي من أه ّ‬
‫ن‬
‫بأّنها عقول مرنة ومنفتحة ‪ ،‬وصدق من قال من علمائنا المعاصرين‪:‬إ ّ‬
‫الجتهاد لم ُيفتح في هذا الزمان وإّنما كسر كسرًا!‪.‬‬
‫فرحم الله من قال‪:‬‬
‫دين مصلحة ‪ .........‬ل تظلم القوس أعط القوس باريها‬ ‫قا ً لهذا ال ّ‬
‫تح ّ‬‫م َ‬‫إن ُر ْ‬
‫لء يحّرمون استفتاء المفتي المتساهل ‪ ،‬كما ذكر المام‬ ‫ولقد كان علماؤنا الج ّ‬
‫ل‪ ):‬يحرم تساهل المفتي ‪ ،‬وتقليد معروف به( ]التقرير ‪3/351‬‬ ‫ابن مفلح قائ ً‬
‫بواسطة ‪ :‬زجر الفقهاء عن تتبع رخص الفقهاء‪ [66/‬وكان المام أيوب‬
‫السختياني ـ رحمه الله ـ يقول‪):‬يخادعون الله كأّنما يخادعون الصبيان( ]أعلم‬
‫الموّقعين ‪4/176‬ـ ‪ [177‬ولهذا شكا بعضهم إلى الفقيه ابن حجر الهيتمي أحد َ‬
‫دد على الناس فل يحكم إل ّ بالقول الصحيح ‪ ،‬ول‬ ‫قضاة المسلمين ؛ لّنه يش ّ‬
‫يسلك بهم مسلك التخفيف والترخيص فأجاب ـ رحمه الله ـ بقوله‪):‬ما ذكر‬
‫عن هذا القاضي إّنما ي ُعَد ّ من محاسنه ل من مساوئه ‪ ،‬فجزاه الله تعالى عن‬
‫م قال‪ :‬ـ فقيام هذا القاضي‬ ‫دينه وأمانته خيرا ً ‪ ،‬فإّنه عديم النظر إلى الن ـ ث ّ‬
‫حينئذ ٍ بقوانين مذهبه ‪ ،‬وعدم التفاته إلى الترخيص للناس بما ل تقتضيه قواعد‬
‫ل على صلحه ونجاحه وفلحه( ]الفتاوى الكبرى الفقهية ‪4/34‬‬ ‫إمامه يد ّ‬
‫بواسطة زجر الفقهاء عن تتبع رخص الفقهاء لجاسم الدوسري‪ ، /‬وكتاب‬
‫تحذير الفضلء للمقطري‪35/‬ـ ‪.[36‬‬
‫ولهذا فإن المنتسبين لصحاب مدرسة)فقه التيسيرـ أي التساهل والتمييع‬
‫دعين أّنهم أولو الوسطّية والعتدال ‪ ،‬فإّنك واجد في‬ ‫لقضايا الشريعة ـ( الم ّ‬
‫كتاباتهم ودروسهم وفتاويهم عجائب من القاويل ‪ ،‬التي يرون أّنهم بها قد‬
‫وافقوا بين الصالة الفقهية ‪ ،‬والمعاصرة الزمانّية‪،‬ومن ذلك ما قاله الشيخ‬
‫مصطفى المراغي لعضاء لجنة وضع لئحة الصول للحوال الشخصّية ـ وكان‬
‫رئيسها ـ ‪):‬ضعوا من المواد ما يبدو لكم أّنه موافق الزمان والمكان ‪ ،‬وأنا ل‬
‫يعوزني بعد ذلك أن آتيكم بنص من المذاهب السلمّية يطابق ما وضعتم(‬
‫]تراجم العلم المعاصرين لنور الجندي‪/‬ص ‪.[48‬‬
‫آه من دهر خؤون أهله ‪........‬ل يرون العلم للدين شعارا‬
‫طلبوا علما ً بماضي غيرهم ‪.........‬حالهم أحسن إذ كانوا صغارا‬
‫فإذا ما الشيب في أذقانهم ملؤوا الفاق ظلما ً وبوارا وقد كان أهل العلم‬
‫لتهم ‪ ،‬وأن ُتجعل دينا ً يدين‬ ‫ذرون أشد ّ التحذير من الخذ برخص العلماء وز ّ‬ ‫يح ّ‬
‫ّ‬
‫ن ذلك علمة على ضعف اليمان ‪ ،‬وقلة الديانة ‪ ،‬قال‬ ‫العبد بها رّبه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الوزاعي‪):‬من أخذ بنوادر العلماء خرج من السلم( ]السير)‪[15/‬‬
‫قي العلم والجتهاد في تحصيله‪:‬‬ ‫‪4‬ـ أن يكون له باع طويل في تل ّ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وة التمكن الشرعي ‪ ،‬له أثره البالغ ـ ول ش ّ‬


‫ك‬ ‫ن ضرورة التأصيل العلمي ‪ ،‬وق ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫ـ في أهلّية العالم أو المعلم وقت تعليمه وكتابته وإفتائه ‪ ،‬ذلك أّنه يعطي‬
‫المتعّلم أو المستفتي اطمئنانا ً لمن يسأله‪،‬والقارئ ارتياحا ً لما يكتبه الداعية‬
‫المعّلم‪ ،‬وقد كان أهل العلم الرّبانيين السابقين منهم واللحقين يطلبون العلم‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬ويجتهدون في نيل مرامه ‪ ،‬من المهد إلى اللحد‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪،‬‬
‫فكانوا ل يفارقون كواغد العلم ‪ ،‬ول أوراق الشريعة ‪ ،‬فهي معهم في حّلهم‬
‫وترحالهم ‪ ،‬بل ل يتركون معّلميهم وأساتذتهم في طلب العلم عليهم بثني‬
‫ن إماما ً كابن الجوزي طلب علم القراءات وقد‬ ‫الركب عندهم‪ ،‬ولك أن تعلم أ ّ‬
‫لمة في الدراك والفهم ‪ ،‬مشهورا ً بين النام ‪ ،‬ومع‬ ‫كان باقعة في العلم ‪ ،‬ع ّ‬
‫ن السبعين ‪ ،‬ولم يكن كبر‬ ‫ذلك يطلب هذا العلم مع ابنه الصغير وهو في س ّ‬
‫عمره ‪ ،‬وشرف رسوخه في العلم ‪ ،‬حائل ً بينه وبين طلب العلم ‪ ،‬وملزمة‬
‫طلعا ً وبحثا ً ومذاكرة وفهما ً‬ ‫أخذه وإدراكه ‪ ،‬والعيش معه ليل نهار ‪ ،‬حفظا ً وا ّ‬
‫وتعليما ً وإفتاًء ‪ ،‬وقد قال علماؤنا بأّنه‪ :‬من لم يتقن الصول حرم الوصول‪.‬‬
‫ن القضّية ـ وللسف ـ اختلفت وخاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫دعون للعلم‬ ‫المستعجلون للتدريس ‪ ،‬والمتزّببون قبل أن يتحصرموا ‪ ،‬والم ّ‬
‫والعلم بريء منهم )فعلى هذا ل يكتفى بمجّرد انتسابه إلى العلم ‪ ،‬ولو‬
‫بمنصب تدريس أو غيره ‪ ،‬ل سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه الجهل ‪،‬‬
‫طلبة للقضاء والفتيا ‪ ،‬فتجد بعضهم‬ ‫دى فيه جهلة ال ّ‬ ‫ل فيه طلب العلم ‪ ،‬وتص ّ‬ ‫وق ّ‬
‫يقضي ويفتي وهو ل يحسن عبارة الكتاب ‪ ،‬ول يعلم صورة المسألة ‪ ،‬بل لو‬
‫طولب بإحضار تلك المسألة وهي في الكتاب لم يهتد إلى موضعها ؛ فإّنا لله‬
‫وإّنا إليه راجعون‪ :‬لقد هزلت حّتى بدا من هزالها كلها وحّتى سامها كل‬
‫مفلس( ]ما بين القوسين من رسالة في الجتهاد والتقليد ـ للشيخ‪ :‬حمد بن‬
‫مر‪48/‬ـ ‪.[49‬‬ ‫ناصر بن مع ّ‬
‫حّتى قال الستاذ‪ :‬مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ ‪):‬والحقيقة أّننا قبل خمسين‬
‫عاما ً كّنا نعرف مرضا ً واحدا ً يمكن علجه ‪ ،‬هو الجهل والمّية ‪ ،‬ولكننا اليوم‬
‫أصبحنا نرى مرضا ً جديدا ً مستعصيا ً هو)التعالم(‪ .‬وإن شئت فقل‪ :‬الحرفّية في‬
‫ل الصعوبة في مداواته ‪ .‬وهكذا فقد أتيح لجيلنا أن يرى‬ ‫التعّلم ؛ والصعوبة ك ّ‬
‫خلل النصف الخير من هذا القرن ظهور نموذجين من أفراد في‬
‫مجتمعنا‪:‬حامل المرقعات ذي الثياب البالية ‪ ،‬وحامل اللفتات العلمّية(‬
‫]شروط النهضة‪.[ 91/‬‬
‫ً‬
‫ج كتابا عنوانه‪:‬‬ ‫ن أحد متعالمي زمننا وهو مهندس ميكانيكي أخر َ‬ ‫ولهذا فإ ّ‬
‫ن مسند المام‬ ‫دعي أ ّ‬ ‫مة السلمّية( حيث ي ّ‬ ‫) إصلح أكبر خطأ في تاريخ ال ّ‬
‫ن المسند قبل كلّ‬ ‫أحمد ليس للمام أحمد وإّنما لبنه عبد الله ‪ ،‬بدعوى أ ّ‬
‫دثنا المام‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫قال‬ ‫‪،‬‬ ‫عبدالله‬ ‫دثنا‬
‫حديث أو أثر مرويّ بسنده ‪ ،‬يبدأ به بقوله ح ّ‬
‫أحمد‪ ،‬فخرج هذا المسكين بالنتيجة العلمّية التي لم يدركها جميع علماء‬
‫الحديث على مّر الزمن ‪ ،‬واستخرجها هو بفطنته وعلمه وكياسته ‪ ،‬ولم يعلم‬
‫ن مسند المام أحمد قد رواه عنه كامل ً ابنه عبدالله ‪ ،‬ولهذا‬ ‫هذا المتعالم أ ّ‬
‫ضاح لغير‬ ‫دثنا عبدالله بن المام أحمد ‪ ،‬وصدق من قال‪ :‬العلم ف ّ‬ ‫كتب فيه ‪:‬ح ّ‬ ‫ُ‬
‫أهله‪.‬‬
‫دعي بما ليس فيه ‪..........‬فضحته شواهد المتحان‬ ‫ل من ي ّ‬ ‫ك ّ‬
‫قي العلم الشرعي ممن‬ ‫بل وصل بعضنا إلى درجة )النحطاط الفكري( في تل ّ‬
‫دثني أحد العلماء المعاصرين عن أحد الكّتاب‬ ‫لم يعرف عنه نبوغه به ‪ ،‬فقد ح ّ‬
‫الغربيين الذين انتسبوا لدين السلم ‪ ،‬أّنه استضيف في أحد الفنادق‪ ،‬وكان‬
‫من حضر ذلك المؤتمر النساء المسلمات‬ ‫حضور الناس إليه بالمئات ‪ ،‬وكان م ّ‬
‫ل صغيرة وكبيرة وصاحبنا الغربي ليفتأ يجيب عن ك ّ‬
‫ل‬ ‫‪ ،‬وبدؤوا يسألونه عن ك ّ‬
‫ن إحدى النساء الحاضرات سألته عن مسألة من‬ ‫ما يسأل عنه ‪ ،‬حّتى إ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مسائل الحيض المشكلة عليها ليجيب عنها بما يراه مناسبا ‪ ،‬والعجيب أ ّ‬
‫ن ذلك الرجل المنتسب لدين السلم‬ ‫دم له يسأله عن ذلك وهو يعلم أ ّ‬ ‫المق ّ‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حديث عهد بإسلمه ! فكيف بالله يلج هذا الرجل تلك المداخل وهو قريب‬
‫عهد بالسلم؟!‪.‬‬
‫ورحم الله ابن رشد إذ قال‪):‬كان العلم في الصدور واليوم صار في الثياب(‬
‫]خلصة الثر للمجبي ‪1/75‬ـ بواسطة التعالم للشيخ الدكتور بكر أبو زيد ‪/‬صـ‬
‫‪.[35‬‬
‫ب أن أنكأ الجراح ‪ ،‬ول أذّر‬ ‫ولن أستطرد بذكر شيء من هذا القبيل ‪ ،‬فل أح ّ‬
‫ل عن بعضهم‪):‬وقد قال‬ ‫ق َ‬
‫الملح على الجراح!ولله دّر المام ابن تيمّية حين ن َ َ‬
‫بعض الناس ‪ :‬أكثر ما يفسد الدنيا نصف متكلم ‪ ،‬ونصف متفقه ‪ ،‬ونصف‬
‫متطبب ‪ ،‬ونصف نحوي ‪ ،‬هذا يفسد الديان وهذا يفسد البلدان ‪ ،‬وهذا يفسد‬
‫البدان ‪ ،‬وهذا يفسد اللسان( ]مجموع الفتاوى ‪.[5/118‬‬
‫در العلماء ويحترمهم‪:‬‬
‫من يق ّ‬‫قى العلم م ّ‬
‫‪5‬ـ أن يتل ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ب أهل‬ ‫المسلم الذي يهوى الحق ويطلبه ‪ ،‬فإّنه لبد ّ أن تكون لديه علمة لح ّ‬
‫ّ‬
‫العلم وإنزالهم منزلتهم ‪ ،‬واحترام علمهم ‪ ،‬وقد أخبرنا رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسّلم ـ كما في حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه أّنه قال ـ‪:‬‬
‫قه(‬‫)ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ‪ ،‬ويرحم صغيرنا ‪ ،‬ويعرف لعالمنا ح ّ‬
‫طلع على حال الكثير من الصحفيين ـ‬ ‫ن الم ّ‬ ‫]أخرجه أحمد بسند جيد[‪ .‬بيد أ ّ‬
‫وهم الذين يأخذون العلم من الكتب دون المشايخ ـ كما قال الزمخشري في‬
‫ماعو الخبار ‪ ،‬فسيجد‬ ‫مون بالصحافيين وهم ج ّ‬ ‫التعاريف)‪ (1/449‬أو من يتس ّ‬
‫المراقب لكتاباتهم شيئا ً عجيبا ً من قّلة احترام العلماء ‪ ،‬والستهانة بعلمهم ‪،‬‬
‫لت لم ُتعرف بروح العلم ‪،‬‬ ‫بله الجتهاد في تحقيق كثير من القضايا في مج ّ‬
‫م يأتي أحدهم ويناقش قضّية حكم استماع‬ ‫بل عرفت بالعلمنة والفسق ‪ ،‬ث ّ‬
‫الموسيقى والغاني في نصف صفحة ‪ ،‬ويعرض قول من شذ ّ رأيهم في إجازة‬
‫الستماع لتلك المعازف ‪ ،‬ويعرض بل يشّنع ويشّغب على العلماء الذين أفتوا‬
‫ن تلك الفتوى ل تتواءم مع القرن‬ ‫صة في هذا العصر ؛ ل ّ‬ ‫بحرمتها ‪ ،‬وخا ّ‬
‫مة احترامهم‬ ‫ّ‬
‫الحادي والعشرين! بينما تجد عند السابقين من طلب العلم ق ّ‬
‫لعلمائهم ‪ ،‬فهذا ل يطرق الباب على شيخه إل ّ بأطراف أصابعه ‪ ،‬وهذا يهاب‬
‫فح‬ ‫من النظر إليه إجلل ً له واحتراما ً ‪ ،‬وآخر يخشى أن يزعج شيخه بتص ّ‬
‫الوراق أمامه والنشغال عن درسه بها ‪ ،‬وهذا ينتظر شيخه من المساء إلى‬
‫فته الرياح حّتى يفتح الشيخ له بابه ‪ ،‬وآخر ل يأتي عند شيخه‬ ‫الصباح وقد س ّ‬
‫ل يده ويدعو له بالخير ‪ ،‬وآخر ل يصلي صلة إل ّ ويدعو لشيخه بالخير‬ ‫إل ّ ويقب ّ ُ‬
‫والجّنة ‪ ،‬ورحم الله ربيعة بن أبي عبدالرحمن إذ قال‪):‬الناس في حجور‬
‫مهاتهم( ]شرح ابن أبي العز للطحاوية ‪.[1/15‬‬ ‫علمائهم كالصبيان في حجور أ ّ‬
‫ن القوم المتعالمين إذا تعلم أحدهم مسألة أو عشر مسائل ‪،‬‬ ‫ما الن فتجد أ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ّ‬
‫لت والجرائد‪ ،‬وينشر علمه الغزير! فيخطئ‬ ‫بدأ يكتب في الصحف والمج ّ‬
‫جة‬ ‫لتهم ‪ ،‬بدعوى الح ّ‬ ‫الئمة المجتهدين ‪ ،‬ويستدرك عليهم ما يظّنه من ز ّ‬
‫الزائفة‪):‬هم رجال ونحن رجال(‪.‬‬
‫جة ساقطة لوجوه‪:‬‬ ‫ن الحتجاج بهذه المقولة ح ّ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ول ش ّ‬
‫ن الذي قالها المام أبو‬ ‫ن الحتجاج بهذه الكلمة غير صحيح ؛ ل ّ‬ ‫الوجه الّول‪ :‬أ ّ‬
‫حنيفة ‪ ،‬كما نقل مقولته عنه ابن حزم ـ رحمه الله ـ ‪ ):‬ما جاء عن الله تعالى‬
‫فعلى الرأس والعينين ‪ ،‬وما جاء عن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم‬
‫فسمعا ً وطاعة ‪ ،‬وما جاء عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تخّيرنا من‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقوالهم ‪ ،‬ولم نخرج عنهم ‪ ،‬وما جاء من التابعين فهم رجال ونحن رجال(‬
‫]الحكام لبن حزم ‪[4/573‬فأبو حنيفة حين قال هذه الكلمة ‪ ،‬فقد قالها لّنه‬
‫يصّنف من التابعين ‪ ،‬حيث رأى أنس بن مالك ‪ ،‬واجتمع مع جمهرة من‬
‫التابعين الكابر‪ ،‬فيصدق عليه أّنه رجل وهم رجال لّنه هو وهم من التابعين ‪،‬‬
‫ومن لنا بعلم أبي حنيفة في هذا العصر ‪ ،‬لنقول فيه‪ :‬هو رجل وهم رجال!‪.‬‬
‫ن هناك فرقا ً عظيما ً بين هؤلء الرجال العصريين ‪ ،‬ومن قبلهم‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ضلة ‪ ،‬التي امتدحها‬ ‫ن التابعين هم من القرون المف ّ‬ ‫من الرجال السابقين ‪ ،‬ل ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫رسول الله ؛ وهو ما أّدى بابن رجب إلى أن يؤلف كتابا بعنوان‪):‬فضل علم‬
‫ن كلم السلف قليل كثير البركة ‪ ،‬وكلم‬ ‫السلف على علم الخلف( ولذا فإ ّ‬
‫الخلف كثير قليل البركة‪.‬‬
‫دعي أّنه رجل ينبغي عليه أن يعرف قدره وقدر‬ ‫ن من ي ّ‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫الرجال الذين سبقوه ‪ ،‬وإذا كان أبو عمرو بن العلء يقول‪):‬ما نحن فيمن‬
‫ن أبي‬‫مضى إل ّ كبقل في أصول نخل طوال(]سير أعلم النبلء ‪ [6/47‬مع أ ّ‬
‫خ القّراء والعربية‪.‬‬‫عرف أهل السير شي َ‬ ‫عمرو يعد ّ في ُ‬
‫دعون للعلم والشيخوخة في طلبه ‪ ،‬لم يعرفوا قدر علمائهم ‪ ،‬وإذا‬ ‫فهؤلء الم ّ‬
‫ً‬
‫ن الرجال يحترم بعضهم بعضا ‪ ،‬وأْولى‬ ‫دون أنفسهم أّنهم رجال ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫كانوا يع ّ‬
‫قهم ما قاله الشيخ عبدالرزاق عفيفي‬ ‫دعين للرجولة أن يقال في ح ّ‬ ‫ّ‬ ‫الم‬ ‫بهؤلء‬
‫دعوى قائل ً له ‪ :‬نعم ‪ ...‬هم رجال ‪ ...‬وأنت‬ ‫لحدهم حين اّدعى أمامه تلك ال ّ‬
‫جال!! ورحم الله مجاهدا ً حين قال‪):‬ذهب العلماء فلم يبق إل ّ المتكّلمون ‪،‬‬ ‫د ّ‬
‫والمجتهد فيكم كاللعب فيمن كان قبلكم(]أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم‪/‬‬
‫‪[66‬فالله المستعان‪.‬‬
‫ن مريد الحق ‪ ،‬ومبتغي سبل الهدى ‪ ،‬ينبغي أن يحتاط في‬ ‫وفي الختام‪ :‬فإ ّ‬
‫الخذ لدينه ‪ ،‬وأن يعرف من يؤخذ عنهم العلم ‪ ،‬وما صفاتهم ‪ ،‬وقد كان‬
‫ن بهذه القضّية أشد ّ العتناء ؛ فقد قال المام محمد بن‬ ‫علماؤنا الج ّ‬
‫لء ي ُعْن َوْ َ‬
‫من تأخذون دينكم(‬ ‫ن هذا العلم دين ؛ فانظروا ع ّ‬ ‫سيرين ـ رحمه الله ـ‪):‬إ ّ‬
‫]شرح مسلم للنووي ‪.[1/84‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫دره العلم‬ ‫ل من ص ّ‬ ‫ل من لبس لباس العلم يؤخذ عنه ‪ ،‬وليس ك ّ‬ ‫فليس ك ّ‬


‫خّريت الذي فقه دين الله ‪،‬‬ ‫ن أّنه ذلك الرجل ال ِ‬ ‫والفضائّيات والصحف ي ُظ َ ّ‬
‫ل من كتب مقال ً أو بحث مسألة‬ ‫م بفحواه ‪ ،‬وليس ك ّ‬ ‫ورضي بمقتضاه ‪ ،‬وأل ّ‬
‫شرعّية أو كتب كتابا ً يعد ّ عالما ً أو طالبا ً للعلم ‪ ،‬أو مؤهّل ً لن يؤخذ عنه العلم ‪،‬‬
‫ن أئمتنا قالوا‪ :‬ليس العلم بكثرة الرواية والدراية ‪ ،‬ولكّنه نور يقذفه‬ ‫ويكفي أ ّ‬
‫الله في قلب المؤمن الموّفق ‪ ،‬مصداقا ً لقوله تعالى‪):‬واّتقوا الله ويعّلمكم‬
‫الله( ]سورة البقرة‪.[8/‬‬
‫واب ول‬ ‫ل موّفق من غير ب ّ‬ ‫قال المام ابن القّيم‪ :‬والعلم يدخل قلب ك ّ‬
‫استئذان ويرّده المحروم من خذلنه ل تشقنا اللهم بالخذلن فاعرف يا ابن‬
‫قها ً في دين الله تنهل منه العلم ‪،‬‬ ‫السلم دينك ‪ ،‬واختر لنفسك عالما ً متف ّ‬
‫وتأخذ عنه الفتوى ‪ ،‬وإّياك ومشايخ السوء ؛ فعنهم ابتعد ‪ ،‬ولهم خالف ‪ ،‬وعلى‬
‫شك فادرجي(‪.‬‬ ‫سيا ً بقول العربي الصيل‪):‬ليس ذا ع ّ‬ ‫آرائهم فاضرب ‪ ،‬متأ ّ‬
‫ل فيه من‬ ‫ً‬
‫مّية هذه القضّية ‪ ،‬ومنّبها لها في زمن ق ّ‬ ‫ً‬
‫كرا بأه ّ‬ ‫كتبت هذا المقال مذ ّ‬
‫يعطي لهل العلم الرّبانيين قدرهم ‪ ،‬ويعرف علمهم ‪ ،‬وما أنا ـ والله ـ إل ّ رجل‬
‫فل على موائدهم ‪ ،‬فرحمني الله برحمته‪،‬‬ ‫مستفيد من بضاعتهم ‪ ،‬متط ّ‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من يهتدي بهدي نبّيه وصحابته‪.‬‬ ‫وجعلني م ّ‬


‫مل كشف ما لقيت من عوج‬ ‫ً‬ ‫أسير خلف ركاب الّنجب ذا عرج ‪.........‬مؤ ّ‬
‫ب الورى في ذاك من فرج‬ ‫فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ‪ .........‬فكم لر ّ‬
‫وإن بقيت بظهر الرض منقطعا ً ‪ .........‬فما على عََرٍج من ذاك في حرج‬
‫سائل ً المولى أن يعصمنا من الفتن ‪ ،‬وأن يحفظنا من زلل القول والعمل ‪،‬‬
‫ب العالمين‪.‬‬‫والحمد لله ر ّ‬
‫ً‬
‫‪ 27‬تعليق حتى الن ) اضف تعليقك على الماّدة فورا (‬
‫________________________________________‬
‫قراءة نصوصية للنص | طارق يقول‪...‬‬
‫بما أن القضية برمتها تدخل ضمن علقة " النص والتأويل " فنستطيع أن نقرأ‬
‫هذه المقالة على " مستويين "‬
‫المستوى الول ‪ :‬وهو مستوى " نفعي " نستحضر من خلله ما يريد أن يقوله‬
‫" المؤلف " لنا ‪ ،‬وهو في هذه الحالة يدعونا أن نتعلم الدين من الراسخين‬
‫في العلم مّنا‬
‫المستوى الخر ‪ :‬وهو مستوى " نصوصي " نستحضر من خلله ما يقوله لنا‬
‫النص المقروء من خلل كلماته وتعابيره ‪ ،‬بغض النظر عما يقصده الكاتب‬
‫منه ‪ ،‬والكتابة النصوصية الحقة هي التي يتطابق بها ما يود أن يقوله "‬
‫المؤلف مع ما تبينه كلمات النص المكتوب بناء على ملكة معرفية للمؤلف‬
‫بدللت كلمات النص ومشتقاتها وجذورها ‪ ،‬علما ً بأن قراءة نص ما تعطي‬
‫عددا ً ل متناهيا ً من الدللت ولكنها تبقى جميعها ضمن سياق واحد ولخدمة‬
‫النص وليس لهدمه أو تفجيره من خلل جعله مسطحا ً يخدم فكرا ً أحادي‬
‫البعاد ‪....‬‬
‫ً‬
‫ولقراءة النص المشار إليه نصوصيا علينا أن نبدأ بالعنوان وهو ) أنظروا عمن‬
‫تأخذون دينكم ( ‪.....‬‬
‫ولنني لست ضليعا ً بـ " النحو " فل أعرف أيها أقرب للصواب أن يقال‬
‫) تأخذون ‪ ،‬أو تأخذوا ( بحيث يقال ) ‪ ......‬عمن تأخذوا دينكم ( بدل " تأخذون‬
‫‪..... " ...‬‬
‫وبما أن المقصود بالدين هو دين الله السلم ‪ ،‬فل شك أن المرجع الساس‬
‫لهذا الدين هو كتاب الله العزيز ‪ ،‬الذي جعله الله قرآنا ً عربيا ً لعلنا نكون من‬
‫العاقلين ‪ ،‬والذي جعله الله نورا ً يهدي به من يشاء من عباده ‪...‬‬
‫وبما أن القرآن قد جعل الدين بالتعلم وليس بـ" الخذ" فكان على العنوان أن‬
‫يكون ) أنظروا عمن تتعلمون دينكم ( ‪ ،‬أو حتى ) ممن تأخذون دينكم ( لن‬
‫الدين بالتعلم وليس بمجرد الخذ ولو بغير علم ‪.....‬‬
‫وللحديث بقية بإذن الله‬
‫تابع قراءة نصوصية لنص | طارق يقول‪...‬‬
‫يتبع ‪......‬‬
‫ثم إذا ولجنا في صلب النص نلحظ بداية الفكرة التي كتبها السيد الكاتب‬
‫والتي نصها‬
‫ل زمان فترة من الرسل ‪ ،‬بقايا من أهل العلم‬ ‫) الحمد لله الذي جعل في ك ّ‬
‫ل إلى الهدى ‪ ،‬ويصبرون منهم على الذى ‪ ،‬يحيون بكتاب الله‬ ‫يدعون من ض ّ‬
‫صرون بنور الله أهل العمى ؛ فكم من قتيل لبليس قد أحيوه ‪،‬‬ ‫الموتى ‪ ،‬ويب ّ‬
‫وكم من ضال تائه قد هدوه ‪ ،‬فما أحسن أثرهم على الناس ‪ ،‬وأقبح أثر‬
‫الناس عليهم ‪ .‬ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ‪ ،‬وانتحال المبطلين ‪،‬‬
‫وتأويل الجاهلين‪(.‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي كما يلحظ القاريء فكرة نفعية صرفة ‪ ،‬لنه ل يمكن دراستها " نصوصيا ً‬
‫" ‪ ،‬حيث ذكر الكاتب تعابير أعتبرها شخصيا ً مشوشة وغير مستندة إلى أية‬
‫جذور دللية يعتمد عليها في التفكيك والتركيب ‪ ،‬وهي أيضا ً مثيرة للجدل ‪،‬‬
‫مثل قوله " بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ‪ ،‬يحيون بكتاب‬
‫الله الموتى‪ ،‬ويبصرون بنور الله أهل العمى‪ ،‬فكم من قتيل لبليس قد‬
‫أحيوه ‪ ،‬وكم من ضال تائه قد هدوه ‪ ،‬فما أحسن أثرهم على الناس ‪ ،‬وأقبح‬
‫أثر الناس عليهم ‪.........‬هذه الفكرة لم يوصف بها أو تعطى حتى سيد الخلق‬
‫المصطفى ‪ ،‬فكيف تعطى " لبقايا من أهل العلم " ؟؟!!‬

‫)‪(8 /‬‬

‫حيث جاء في القرآن المجيد وفي سورة النمل ‪ ،‬الية ‪ 81‬ما نصه ) إنك ل‬
‫تسمع الموتى ول تسمع الصم الدعاء إا ولولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي‬
‫عن ضللتهم ‪ ،‬إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ( ‪ ،‬فالذين أوردهم‬
‫السيد الكاتب حتما ً ل يحيون الموتى سواء من قتله إبليس أو غيره ‪ ،‬إل إذا‬
‫أعطفوا صفة إحياء الموتى كالسيد المسيح عليه السلم وهذا مستحيل ‪ ،‬كما‬
‫أنهم ل يهدوا من يحبون ‪ ،‬لن ذلك لم يعطى لرسولنا الكريم عليه أفضل‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬ول يبصرون أهل العمى أبدا ً ‪ ،‬فكيف إن كانوا من الضالين‬
‫المكذبين ؟؟‬
‫قد يقول قائل إن ما جاء في الفقرة أعله هو كنوع من التشبيه البلغي‬
‫وليس مقصود بحد ذاته ‪ ،‬ولكن على أي تشبيه بلغي أو غير بلغي أن ل‬
‫يتعارض مع معتقداتنا كمسلمين ويخالف منطوق نصوص القرآن ‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟؟‬
‫وهكذا فأنا هنا ل أعترض على السادة العلماء ‪ ،‬لكني أحاور كاتب هذا‬
‫المقال ‪ ،‬فسواء كان من " الراسخين بالعلم " أو من غيرهم ‪ ،‬فإني أدعوه‬
‫إلى إعادة تلوة النصوص القرآنية ‪ ،‬ليعالج أي خطأ يقع فيه مستقبل ً‬
‫خاصة وإن كتابنا القرآن الكريم منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر‬
‫متشابهات ‪ ، ....‬لذلك فنحن نتعلم مما يبينه له لنا في كتابه إن شاء ‪ ،‬وأبلغنا‬
‫به رسولنا ببلغ مبين ‪ ،‬أما الراسخون في العلم ‪ ،‬فالله أعلم بإيمانهم ‪,,,,,‬‬
‫) انتهى (‬
‫أهل العلم | عبد الرحمن يقول‪...‬‬
‫الحمد الله الذي خلق النسان علمه البيان‬
‫والصلة والسلم على من قال " العلماء ورثة النبياء" وبعد‪:‬‬
‫إن من ظواهر التخلف التي تعيشها المة السلمية في هذه اليام التعيسة‬
‫آفة التعالم أو بمصطلح النبوة الرويبضة‪.‬‬
‫الرجل التافه يتحدث في أمر العام كما قال من ل ينطق عن الهواء‪.‬‬
‫هذا مرض يصيب أصحاب النفوس المنكوس‪.‬‬
‫وأنا ل أريد أن أتكلم في هذا الموضوع كثير ولكن ‪............‬‬
‫أخي خباب هل تريد أن تضحك ؟‬
‫فإليك هذا الفتوى من أمثال هؤلء الذين أشارة إليهم‬
‫رجل في حافلة دخل وقت الصلة وليس معه أي شئ ليتيمم عليه يخرج‬
‫الجوال أي جواله ويمسح عليه ويصلي‪.‬‬
‫عندما سأله الذي بجنب ‪.‬‬
‫من أين لك هذه الفتوى ؟‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال سألت أحد طالب العلم فقال لي‬


‫إذا نويت أن الجوال حجر " أي صعيد " جاز لك التيمم عليه لن الرسول‬
‫يقول صلى الله عليه وسلم " إنما العمال بالنيات"‬
‫قال حتى لو نويت أن ركبتك حجر جاز لك التيمم بها‪.‬‬
‫مارأيك يا أخي خباب ‪.‬‬
‫فهل بقى بعد هذا كلم‪.‬‬
‫إمام مسجد من الجزائر المجاهدة‬
‫يتبع‬
‫وهذا داء عظيم‬
‫أهل العلم ‪ ...‬من هم ؟؟ | طارق يقول‪...‬‬
‫الموضوع أيها الخوة هو لساني بحت ‪ ،‬وجاء ذكر أهل العلم في موضوع‬
‫الكاتب لظن كاتب المقال الكريم بأنهم أي أهل العلم ‪ ،‬هم القادرون وحدهم‬
‫على القراءة النصوصية الصحيحة لتقديم مفهوم الدين للناس كما بينه الله‬
‫في الكتاب ‪ ،‬أما إن اكتشف القاريء العادي أن هناك أخطاء ما في ما يقدمه‬
‫" أهل العلم " فله كل الحق أن يبن ذلك دون الحاجة إلى أن يتعرض لسخرية‬
‫أو خلفها ‪......‬‬
‫وما ذكره الخ عن حكاية الجوال والتيمم يؤكد أننا كأشخاص عاديين ل يمكننا‬
‫الحكم على من هم أهل العلم حقا ً ومن هم ليسو كذلك ‪ ،‬لن من استفتاه‬
‫الرجل في التيمم اعتبر نفسه من أهل العلم ؟؟!!‬
‫أما إن كان للخ اعتراض على جملة ) ممن تتعلمون دينكم ( بدل ) عمن‬
‫تأخذون دينكم ( الذي ذكرها كاتب المقال نفسه ‪ ،‬فأهل ً وسهل ً ‪.....‬‬
‫علما ً بأن كثيرا ً من التعابير المتداوله بين الناس تعطي مفاهيم عكسية لما‬
‫يقصد بها ‪ ،‬والمشكلة أن المتعاملين بالروايات وحتى " الحاديث الشريفة "‬
‫ليسوا دقيقين في ما نقلوه ‪ ،‬وأكبر مثال على ذلك هو ما نقلوه عن لسان‬
‫النبي الكريم من قول " خذوا عني مناسككم " وكان عليهم أن يقولوا ) خذوا‬
‫مني مناسككم ( فهي السلم تعبيرا ً‬
‫فقولهم " خذوا عني مناسككم " يوحي بأن النبي عليه الصلة والسلم إنما‬
‫أراد أن يقول " أريحوني من هذه المناسك " وحاشى لله ورسوله أن يقصد‬
‫ذلك فهذا ل يصح ‪ ،‬ألم يقل ربنا لرسوله الكريم ) ووضعنا عنك وزرك ( وقوله‬
‫سبحانه) و إذ أخذنا من النبيين ومنك‪.....( .......‬‬
‫مع أن الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله ) إنك لن تهدي من أحببت ‪ ( ...‬فهل‬
‫يقصدون أن " المناسك وحدها تكفي ؟؟‬
‫سؤال برسم " أهل العلم " الجابة عليه ودمتم‬
‫ل تتزبب قبل أن تتحصرم | عبد الرحمن يقول‪...‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫قال العلماء‪ -‬لطالب العلم ‪:-‬ل تتزبب قبل أن تتحصرم _أي أن الزبيب ل‬
‫يكون ال بعد أن ينضج الحصرم و يصبح عنبا _‬
‫ياأخ طارق إني والله أحبك في الله كما أسأله أن يجمعنا برحمة في‬
‫الفردوس آمين‪.‬‬
‫ولكن يجب أن تعرف أن أهل العلم هم العلماء‬
‫العاملون الذي قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬ورثة النبياء"‬
‫‪1‬ـ ملحظات هام أخ طارق‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫أ‪ .‬فيما يخص ملحظتك للخ خباب عن العنوان الذي قالت عنه أنه خطأ رغم‬
‫أنك تشهد على نفسك أنك لست أقتبس "‪....‬ولنني لست ضليعا ً بـ " النحو "‬
‫فل أعرف أيها أقرب للصواب أن يقال ) تأخذون ‪ ،‬أو تأخذوا ( بحيث يقال‬
‫) ‪ ......‬عمن تأخذوا دينكم ( بدل " تأخذون ‪..... " ...‬‬
‫فأنا أقولك أأنت أعلم باللغة والنحو أم المام مالك رضى الله عنه‬
‫وروى عبد البّر في التمهيد ‪ 67|1‬عن المام مالك أنه قال "إن هذا العلم دين‬
‫دث قال فلن قال‬ ‫فانظروا عمن تأخذون دينكم ‪،‬لقد أدركت سبعين من يح ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الساطين وأشار إلى مسجد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فما اخذت عنهم شيئا وإن أحدهم لو اؤتمن‬
‫على بيت المال لكان أمينا لنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن وقدم علينا‬
‫ابن شهاب فكنا نزدحم على بابه‪".‬‬
‫وأظن أن الخ خباب أخذ العنوان من قول المام مالك رضى الله عنه‪.‬هل‬
‫أخطأ المام مالك حين قال "عمن تأخذون ‪ "..‬ياأخ طارق‪.‬‬
‫ب‪.‬أم عن الحديث أخ العزيز لقد أخطأت الرمية مرة أخرى حديث رواه‬
‫مسلم وغيره بلفظ‬
‫قال‪ } :‬لتأخذوا عني مناسككم { ]مسلم[‪.‬‬
‫من أخطأ أخ طارق من كانوا ينطقون لغة الضاض على السليقة ام من‬
‫درسهاوتعلم قواعده بعدما إستعجم اللسان‪.‬‬
‫فائدة " مصطلح الحديث"‬
‫يقول صاحب البيقونية‪:‬‬
‫أولها الصحيح وهو مااتصل إسناده ولم يشذ ّ اويعلّ‬
‫يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه و نقله‬
‫والحسن المعروف طرقا وغدت رجاله لكالصحيح اشتهرت‬
‫ل ماعن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقسام كثر‬ ‫وك ّ‬
‫إلى أن يقول‪:‬‬
‫والكذب المختلق المصنوع‬
‫على النبي فذلك الموضوع‬
‫ي ليس ككذب على أحد فمن كذب‬ ‫ن كذبا عل ّ‬
‫قال عليه الصلة والسلم ))إ ّ‬
‫وأ مقعده من النار(( مسلم قال المام النووي رحمه الله‬ ‫مدا فليتب ّ‬
‫ي متع ّ‬
‫عل ّ‬
‫"لفرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ماكان في الحكام‬
‫ومالحكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك فكّله حرام من أكبر‬
‫الكبائر واقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد ّ بهم بالجماع"‬
‫وفي الخير من دخل في غير فنه أتى بالعجائب والغرائب ‪....‬يتبع‬
‫ثابت وتمتحرك | طارق يقول‪...‬‬
‫إلى أخي عبد الرحمن أقول ‪:‬‬
‫أنا أيضا ً أبادلك التحية بأحسن منها ‪ ،‬والتمنيات بحياة سعيدة في الحياة الدنيا‬
‫وفي الخرة ‪.‬‬
‫ولكن للسف أقول أنك ياصديقي تردد نفس المنطق ونفس الحجج‬
‫والمبررات التي تخوف الناس من استعمال عقولهم وهدى الله لهم في‬
‫فهمهم لنصوصنا الدينية والذي يهدي بها الله من هو أهل للهداية من البشر‬
‫فقط‬
‫من أجل أن يبقى الحال على ما هو عليه مهما بلغ من الضنك‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المهم كما قيل ‪ :‬أن تتحصرم قبل أن تتعنب وتصير زبيبا ً في النهاية ‪ ،‬أليس‬
‫كذلك ؟؟‬
‫تحياتي‬
‫سؤال | عبد الرحمن يقول‪...‬‬
‫أخي طارق أريد فقط أن أسألك سؤال بسيط جدا‬
‫وهو ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم" ل تسقي ماءك زرع‬
‫غيرك"‬
‫بشرط أن تستعمل عقلك الفذ وفهمك لهذا النص‪.‬‬
‫دون الرجوع إلى أهل العلم أي أقول العلماء‪.‬‬
‫فهل تستطبع ذالك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫جواب | طارق يقول‪...‬‬
‫أخي العزيز ‪ /‬عبد الرحمن‬
‫دعني أشكر هذا الموقع الطيب لسماحه بفتح مثل تلك الحوارات الجادة ‪،‬‬
‫كما أشكرك على سعة صدرك ‪ ،‬وأرجو أن يكون زوار هذا الموقع هم من‬
‫الكثرة بحيث ل يبقى الحوار مجرد مراسلة بيننا بل يشهد عليه الكثير‬
‫سيدي ‪ :‬نحن – أنا و أنت – نتفق أن رسولنا الكريم عليه الصلة والسلم‬
‫أوتي من البلغة والفصاحة ما أعجز كل من حاول التصدي له ‪.‬‬
‫لذااااااااا ل يمكن أن يصدر ما نقله السادة العلماء من قول من لسان رسولنا‬
‫الشريف وأقصد ) ل تسق ماءك زرع غيرك ( وذلك للسباب التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬لنك إذا سقيت ماءك ‪ -‬كل مائك ‪ -‬زرع غيرك فماذا ستبقي لزرعك من‬
‫ماء إذا ً ؟؟‬
‫‪ -2‬كما أنه إذا قلت ل تسقي من ماءك زرع غيرك خالفت بذلك حديثا ً يتداوله‬
‫الناس وهو " الناس شركاء في ثلثة ‪ ،‬الماء والكل والنار "‬
‫‪ -4‬إذا قصدت بالزرع والماء أشياء مجازية يعلمها السادة العلماء فقط ‪ ،‬أي )‬
‫كناية عن ( ‪ ،‬فرسولنا عليه الصلة والسلم أمره الله سبحانه أن يخاطبنا‬
‫ببلغ مبين ‪ ،‬والتوريةوغيرها ليست من ذلك في شيء ‪ ،‬أليس كذلك ؟؟؟‬
‫فهل كان جوابي مقنعا ً وذلك من خلل عودتي لمنطق ونصوص القرآن ولم‬
‫أعد للسادة العلماء كما ترى‬
‫تحياتي‬
‫العلم نور والجهل ظلم | عبد الرحمن يقول‪...‬‬
‫أخي طارق‬
‫سؤال فقط في أي تخصص أنت من فضلك؟‬
‫مامعنى التورية أخي طارق؟‬
‫البيان والبديع والكناية وغيرهما معنى ذالك عندك‪.‬‬
‫يقول الله عزوجل " نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شأتم"‬
‫أخي إرجع الن إلى أقول العلماء في تفسير الحديث وسوف تعرف الفرق‬
‫بين أهل العلم وغيرهم‬
‫كما أسأل أخي خباب أن ينظر في تفسيرك لحديث حتى يعلم أن المصيبة‬
‫أعظم؟؟؟‬
‫ملحظة صغيرة‪ :‬أرجو أن تتلقاه بصدرا رحب‬
‫وهي يوم قرأت ردك على سؤال ضحكت كثيرا‬
‫أنا و شيخي عبد الرشيد‪.....‬‬
‫إمام مسجد الشهداء وخطيبه يوم الجمعة‬
‫وفي الختام السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الحق فيما تثبتان ل فيما تنفيان | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق يقول‪...‬‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اهدنا لما اخُتلف فيه من الحقّ بإذنك‬
‫م أن كثيرا ً‬‫شكرا ً موصول ً للخ كاتب المقال‪ ،‬فقد نقل لنا نصوصا ً رائعة‪ ،‬رغ َ‬
‫ف خارج سياقه‪ ،‬وكثير من المفاهيم تقع تحت مظلة ما‬ ‫منها ْيوظ ّ ُ‬
‫ُيسمى"السقاط على التاريخ" أي اسقاط وعي الحاضر أو أي لحطة تاريخية‬
‫متأخرة على الماضي أو أي لحظة تاريخية متقدمة‪.‬‬
‫وهذا السقاط هو من عيوب الفكر البشري وكّلنا يقع فيه‪ ،‬فمن السقاطات‪:‬‬
‫أن تفهم من كلم الرسول قولوا صلى الله عليه وسلم‪":‬الئمة المضلين"‬
‫ي قولوا‬ ‫ن قصد النب ّ‬ ‫على أنهم العلماء‪ .‬لننا أصبحنا نسميهم الئمة ‪،‬على حين أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم هو الحكام ول ريب‪ ،‬كما قال في حديث آخر فالمام‬
‫راع وهو مسؤول عن رعيته‪.‬‬
‫ومن السقاط أن تفهم أن أهل الذكر هو العلماء كابن تيمية وباز والقيم‬
‫ورجب وغيرهم‪ ،‬والصواب أنهم اليهود والنصارى فالية واضحة‪":‬وما أرسلنا‬
‫من قبلك إل رجال ً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون" فأهل‬
‫الذكر هم أهل الكتاب ول فرق‪ .‬لكن كان من مصلحة العلماء أن يقصروا‬
‫معنى الية عليهم ليكتسبوا سلطة على الناس‪ .‬ل يسعون لذلك متعمدين بل‬
‫دون شعور منهم ‪ .‬فقد اكتشف العلم الحديث)راجع لين وايت(‪":‬اكتشفنا أن‬
‫أهواءنا ورغباتنا تتقنع بقناع العقل"‪.‬‬
‫ومن السقاط على التاريخ أن تفهم ذم العلماء في المئة الثانية للصحفي او‬
‫ح حتى علينا أبناء العصر‬ ‫لمن يأخذ علمه عن صحيفة على أنه ما يزال يص ّ‬
‫ي‪ .‬ذلك أنهم كانوا يذمون الصحفيين لنهم شهدوا فترة ينتقل فيها العلم‬ ‫الرقم ّ‬
‫من الشفاهية الى الكتابية‪ ،‬ويعيشون عصر تطور الخط العربي الذي كان‬
‫ص‪ ،‬قبل وضع النقاط والرموز الثمانية‬ ‫ضعيفا جدا أضعف من أن ينقل الن ّ‬
‫المعروفة‪ ،‬ولكي تفهم كلمهم تخيل أنك تقرأ كتابا يكون فيه للنون والياء‬
‫والتاء والثاء والباء رمزا واحدا‪،‬وللجيم والحاء والخاء رمزا واحدا‪،‬وللراء‬
‫والزاء)ويجوز الزاي وهو الشهر( رمزا ً واحدا‪،‬و‪....‬الخ‪.‬‬
‫ومن اللسقاط على التاريخ التي يقع فيه كما قلت جميع الناس وأكثر علماء‬
‫السلم الكبار يقع فيه ‪ ،‬ومن زعم تنّزههم عن ذلك فقد رفعهم فوق بشريتهم‬
‫لن السقاط من خصائص الفكر والعقل البشري وهو عيب فكري لم يكتشفه‬
‫العلم ال في عصور متأخرة‪ .‬سأستطرد اذا ساعد الله وشاء ‪ .‬ولكن قبل أن‬
‫أختم أنصح الخ كاتب المقال شاكرا ً له بقراءة كتاب‪":‬الشفاهية والكتابية‬
‫تأليف والتر أونج‪،‬ترجمة د‪.‬حسن البنا عز الدين‪،‬عالم المعرفة‪-‬كويت‪،‬‬
‫‪."1994‬وأشكرك لنك أوردت حديث أبي السنابل لتأكد الن منه عبر الجامع‬
‫الكبير لكتب التراث السلمي ‪ ،‬فسأركبه على الحاسوب وأستخرج أقاويل‬
‫العلماء فيه‪ ،‬لن مذهبي هو أبعد الجلين كما روي عن ابن عباس ‪ ،‬وقد فندت‬
‫مذهب ابن تيمية في رسالته)رفع الملم عن الئمة العلم(لنه أورد حديثا ل‬
‫يدل زيادة دللة على الية واستنبط منه اعتمادا على متعصب حديثي من‬
‫السلف‪ .‬وسيكون مذهبي متوقفا على مدى اقتناعي بنقد علماء الحديث‬
‫رحمهم الله وإيانا لحديث أبي السنابل‪ .‬والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫عدة المتوفى عنها زوجها | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق يقول‪...‬‬
‫شكرا جزيل لك حيث حملتني على البحث في المسألة المهمة مسألة عدة‬
‫المتوفى عنها زوجها‪ .‬وقد أخرج لي الباحث اللكتروني ‪ 72‬كتابا كبيرا وصغيرا‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيه الكلم على الموضوع‪ .‬ومن الصحاح صحيح مسلم الذي يروي قصة‬
‫اختلف بين ابن عباس الذي كان يرى ابعد الجلين وابي سلمة ابن‬
‫عبدالرحمن الذي كان يرى مجرد وضع الحمل‪ .‬فأيد أبو هريرة ابا سلمة ثم‬
‫بعثا الى ام سلمة رضي الله عنها‪ .‬فروت حادثة ان النبي عليه السلم قد أذن‬
‫لمرأة أن تنكح اذا وضعت حملها‪.‬‬
‫وقد خرجت بالفكار التية ‪:‬‬
‫أن المسألة ليس بإمكان الطريقة التقليدية أعني طريقة فقهاء المحدثين‬
‫حّلها‬
‫لسباب ‪:‬أهمها أنهم كانت تنقصهم معلومات كثيرة عن العلقة بين النص‬
‫الكتابي والنص الشفاهي‪ ،‬فهم يولون الحديث المدون قيمة الحديث‬
‫المسموع‪ ،‬وهذا قد تجاوزته الطريقة العالمية الحديثة في التأويل والفهم‪.‬‬
‫بالتأكيد أن طلبة العلم التقليدييين من أمثالك وأمثالي قبل أن أقرأ الكتاب‬
‫الذي دعوتك الى قراءته‪:‬كتاب الشفاهية والكتابية‪ ،‬نتحسس كثيرا من فكرة‬
‫الجرأة على صرف نص متلقى بالقبول كصحيح مسلم عن ظاهر ألفاظ‬
‫الحديث ول سيما أن"العلماء" الذين قد جاءوا قبلنا قدرسموا لنا معالم منهج‬
‫ما زلت تظن أنت وكثيرون من الخيار والفضلء أنه هو العلم‪ .‬أما أنا العبد لله‬
‫فقد توصلت الى أفكار كثيرة بصدد المنهج‪:‬‬
‫أهمها أن العلماء القدماء جزاهم الله خيرا تكمن قيمتهم العلمية فيما رووه‬
‫ودونوه أما المنهج وهو فعل عقلي فل يجوز عقل أخذه عنهم‪ .‬لنهم كانوا‬
‫مؤطرين بتاريخهم وزمنهم‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫حين تقرأ كتاب الشفاهية والكتابية قراءة جيدة ستعلم لماذا ما أزال أنا أؤيد‬
‫ابن عباس في أن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها هو أبعد الجلين وليس‬
‫مجرد وضع الحمل لن )وأولت الحما ل أجلهن أن يضعن حملهن ( قد وردت‬
‫في معرض تفسير ليات قبلها‪ .‬وستعرف لماذا أصّر على هذا المذهب حتى‬
‫اذا رجع عنه ابن عباس ‪ ،‬لن)الشفاهية والكتابية( قد علمني أن كثيرا من‬
‫العلم قد أسقطه التاريخ وقدرة البشر المحدودة على التدوين‪.‬‬
‫وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع‬
‫أخي خباب | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق يقول‪...‬‬
‫اعجب لروايات الموطأ‬
‫مل ً‬ ‫حا ِ‬ ‫جَها إذا كانت َ‬ ‫مت َوَّفى عنها َزوْ ُ‬ ‫عد ّةِ ال ْ ُ‬ ‫باب ِ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫س عن أِبي َ‬ ‫سِعيد ِ بن قَي ْ‬ ‫ك عن عبد َرب ّهِ بن َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫‪ 1225‬حدثني يحيى عن َ‬
‫ل عبد الله بن عَباس وأبو هُريرةَ ٍعَن ال ْمرأةَ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ه قال ُ‬ ‫بن عبد الرحمن أن ّ ُ‬
‫ن وقال أبو هَُري َْرةَ إذا‬ ‫ِ‬ ‫جل َي ْ‬ ‫خَر ال َ َ‬ ‫سآ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫جَها فقال بن عَّبا‬ ‫ل ي ُت َوَّفى عنها َزوْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ُ‬
‫ة َزوِْج النبي ‪e‬‬ ‫م َ‬‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة بن عبد الرحمن على أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ل أبو َ‬ ‫خ َ‬‫ت فَد َ َ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫وَل َد َ ْ‬
‫ة ول َد َت سب َي ْعَ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ة ب َعْد َ وََفاةِ َزوْ ِ‬
‫جَها‬ ‫مي ّ ُ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫م َ َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ََها عن ذلك فقالت أ ّ‬ ‫َ‬
‫ت إلى الشاب‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫والخر‬ ‫ب‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫خط َبها رجل َن أ َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ص‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِن ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُؤْث ُِروهُ بها‬ ‫جا إذا جاء أهْلَها أ ْ‬ ‫حلي ب َعْد ُ وكان أهْلَها غَي ًَبا وََر َ‬ ‫خ لم ت َ ِ‬ ‫شي ْ ُ‬‫فقال ال ّ‬
‫ت س ‪ 210 - 6‬ت ‪20‬‬ ‫شئ ْ ِ‬ ‫ت فأنكحي من ِ‬ ‫ْ‬
‫حلل ِ‬ ‫َ‬ ‫ل الله ‪ e‬فقال قد َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫فَ َ‬
‫‪33 -‬‬
‫ل عَن ال ْمرأةَ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫مَر أن ّ ُ‬ ‫ك عن َنافٍِع عن عبد الله بن عُ َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫حد ّث َِني عن َ‬ ‫‪ 1226‬وَ َ‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫ملَها ف َ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬
‫ت َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫مَر إذا وَ َ‬ ‫مل فقال عبد الله بن عُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫حا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫جَها وَهِ َ‬ ‫ي ُت َوَّفى عنها َزوْ ُ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت‬ ‫ضعَ ْ‬
‫ب قال لو وَ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫مَر بن ال ْ َ‬
‫ن عُ َ‬
‫عن ْد َه ُ أ ّ‬‫صارِ كان ِ‬ ‫ن الن ْ َ‬‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ت فَأ ْ‬
‫خب ََرهُ َر ُ‬ ‫حل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ت س ‪211 - 6‬‬ ‫حل ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ُ ل َ‬ ‫َ‬
‫ريرِهِ لم ي ُد ْف ْ‬‫س ِ‬‫جَها على َ‬ ‫وََزوْ ُ‬
‫وهي صريحة كل الصراحة في أن عبدالله بن عمر وعمر قبله قد فهم الية‬
‫منفردة‪ ،‬ولكني ما أزال على مذهبي في أبعد الجلين‪ .‬فما رأيك؟ ولو كنت‬
‫مكلفا من قبل دولة بوضع قانون الحوال الشخصية لوضعته وفقا لبعد‬
‫الجلين وبهذا أدين الله تعالى‪ .‬اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك‬
‫أخي الكريم ‪-‬المسألة محتملة | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق يقول‪...‬‬
‫عن مغيرة قال قلت للشعبي ما أصدق أن علي بن أبي طالب كان يقول عدة‬
‫المتوفى عنها زوجها آخر الجلين قال بلى فصدق به كأشد ما صدقت بشيء‬
‫كان علي يقول إنما قوله ) وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( في‬
‫المطلقة‬
‫ابن المنذر (‬
‫عدة الوفاة‬
‫وهنا قد يكون لتأويل الشعبي لمذهب علي مساق‪ ،‬ولكن مع ذلك من مذهبي‬
‫أن الحامل عدتها أبعد الجلين حتى اذا كانت مطلقة‪ ،‬ليس مخالفة لحد ولكن‬
‫اعتقادا بدللت القرآن الكريم وقرائن النص‬
‫فإن المبدأ أن ل نرد ّ النص القرآني وهو كل مترابط باللجوء الى نصوص‬
‫رويت في ضوئه وعدت فيما بعد من العلم بل عدت هي العلم ذاته‪،‬‬
‫ثم اها ليست اجماعا ل يجوز خلفه‪ ،‬ولو أجمع الفقهاء على خلف النص لقلنا‬
‫إن الجماع المنقول مدعى‪ .‬فالمسألة قابلة للجتهاد والفهم‪.‬‬
‫وجزاك الله خيرا‪.‬‬
‫فل يظن ظان أن في التقيد بالنصوص المدونة في القرن الثاني الهجري‬
‫وحدها غنية عن ما يكتشفه العلم من خصائص الفهم البشري وبناه‬
‫التكوينية‪،‬أعني من كونه شفاهيا أو كتابيا أو رقميا‬
‫مع السلمة‬
‫ليس كل تأويل معتبرة | عبد الرحمن يقول‪...‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫أخي د‪.‬عبد الرحمن الزبيدي سلم الله عليك وعلى أهل دار السلم من أرض‬
‫الجهاد ومسكن مليون ونصف الجزائر‪.‬‬
‫أخي أول شكرا على هاته المداخلة الطيبة إن شاء الله‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫أريد أن سأل فقط‬
‫ماهي المرجحات التي إعتمدت عليها في هذا الرأي " أو المذهب كما تقول‬
‫أنت " مع إحترامي لرأيك‪.‬‬
‫ل اشك أنك تعي أن النصوص مرتبط ارتباط وثيق بالزمن الذي نزلت فيه‬
‫وهي في نفس الوقت تتعداه إلى غيره لتشمله وتضعه تحت مظلتها‪ ،‬حتى ل‬
‫يحدث فارغ تشرعي كما يقال‪ ،‬ضف أيضا النصوص القرآنية تبقى مجملة‬
‫وعامة‬
‫فهي تعطي قواعد كلي ل تفصلية إل في بعض الحوال المخصصة‪.‬‬
‫وحينما درسنا العلوم الشرعية على يد علمائنا الفاضل ‪،‬قالوا لنا قاعدة طيبة‬
‫وهي "العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب" وأظن أنك تعرفها‪.‬‬
‫مامعنى هذا القاعدة ولن اشرح هنا نفس القاعدة وهي مشروحة في كتب‬
‫العلم وعند العلماء‪ ،‬ولكن أريد أن أتطرق لنصف الخير منها " ل بخصوص‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السبب" هنالك نصوص مريوط باسباب وقعت في ذالك الزمان فجاءت الية‬
‫لمعالجتها هنا نقف لحظة ونتأمل معنا من أعرف بذالك الزمان نحن أو من‬
‫عاش ذالك الوقت‪ ،‬الجواب واضح هم لهذا نقول أننا ملزمون بما يقولن لنا‬
‫بمعنى أخر بسيط هم أفهم من لتلك النصوص هذه واحدة‬

‫)‪(12 /‬‬

‫أمر أخر وهو ما فرق بين النصوص القرآني و الحديث طبعا تكاملي‪ ،‬إذن هنا‬
‫نركب الصورة لنرى جيدا الية جاءت تقول ") وأولت الحمال أجلهن أن‬
‫يضعن حملهن (" وحديث المروي جاء ليبين لنا الصورة وهو حديث أبى‬
‫ت فأنكحي‬ ‫حل َل ْ ِ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم فقال قد َ‬ ‫سو َ‬
‫ت َر ُ‬ ‫السنابل "فَ َ‬
‫جاَء ْ‬
‫ت"‪........‬لحديث بقي إن شاء الله‪ .‬ملحظة " أنت قالت اقتبس‪"...‬‬ ‫شئ ْ ِ‬
‫من ِ‬
‫ولو كنت مكلفا من قبل دولة بوضع قانون الحوال الشخصية لوضعته وفقا‬
‫لبعد الجلين وبهذا أدين الله تعالى‪ "...‬ماذا لو عارضك أخرون في هذا الرأى‬
‫ما أنت فاعل‬
‫أظن أنك سوف تقول كما قال إمام مالك لبي جعفر المنصور " أن أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله وسلم قد تفرق في المصار ‪ "....‬والقصة معروفة يتبع‬
‫العلم نورن | طارق يقول‪...‬‬
‫التورية هي الحديث عن شيء يقصد به شيئا ً آخر ‪ ،‬وهي غير " الكناية "‬
‫كقول الشاعر ‪ :‬أنت كـ " الكلب في حفاظك للود ‪ ....‬وكالتيس في قراع‬
‫الخطوب ‪ ....‬كناية عن الشجاعة والخلص الذي يتصف بهما الموصوف ‪......‬‬
‫أما أسلوب " التورية " فيعتمد على تقدير المخاطب وتأخذ دللتها من السياق‬
‫الروائي لها‬
‫ففهمنا لقول ) غير عتبة بيتك ( على أنه " طلق زوجتك " إنما جاء من خلل‬
‫سياق القصة ‪ ،‬وليس من مصدر آخر وما كان للمتلقي أن يفهم المقصود لو‬
‫لم يرد في القصة ‪.‬‬
‫من أجل ذلك ناقشتك على ما أوردته من جملة " ل تسق ماءك زرع غيرك "‬
‫مع أنني أعلم ما هو قصدك من خلل هذه الجملة والفضل في نشر المقصود‬
‫بذلك يعود للسادة العلماء الذين أشرت إليهم ‪ ...‬ما شاء الله ‪..‬‬
‫ولكن إن كانت سقاية الماء لزرع الغير هي ممنوعة ‪ ،‬فماذا عن مد " انبوبك‬
‫" إلى زرع الغير من غير أن تسقيه هل هو جائز ؟؟؟؟؟‬
‫ولماذا يستعمل " السادة العلماء " هذا السلوب المبطن بدل ً عن السلوب‬
‫المباشر المبين وهو ما أرسل الله به رسولنا لنا من قول ) ول تقربوا الزنا‬
‫إنه كان فاحشة وساء سبيل ً ( ‪ ،‬أليس ذلك خير ‪.......‬‬
‫مع السلمة‬
‫أيضا ً وهل كل علم ‪ ,,‬علم ؟؟ | طارق يقول‪...‬‬
‫تحدث الخوة عن عدة المتوفى عنها زوجها وبينوا اختلف العلماء حول‬
‫ذلك ‪...‬‬
‫ً‬
‫ولكن السؤال الذي ينسدح تلقائيا نتيجة ذلك هو ‪ :‬وهل للمتوفى عنها زوجها‬
‫عدة تعتدها ؟؟‬
‫إن للمتوفى عنها زوجها تربص وليس عدة كما يبين القرآن ‪......‬‬
‫لن العدة وجدت لمن يطلقها زوجها فقط لعل الله سبحانه وتعالى ) يحدث‬
‫بعد ذلك أمرأ ( وقد يرجع الرجل امرأته إلى عصمته قبل انتهاء أجل العدة‬
‫سواء كانت المرأة حامل ً أم غير ذلك‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما المطلقات اللئي يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء فهن النساء التي نوت‬
‫الطلق من زوجها وعليها أن ل تكتم حملها إن كانت حامل‬
‫لذلك فإن إنتهاء عدة المتوفى عنها زوجها هي منذ الوفاة لنه من المستحيل‬
‫أن يعود المتوفى إلى الحياة سواء خلل ‪3‬شهو أو أربعة أشهر وعشرا ً ‪ ،‬أليس‬
‫كذلك ‪......‬‬
‫بين )خباب( و )طارق( | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق‪-‬الموصل يقول‪...‬‬
‫قال مّرة ً الستاذ جاك بيرك في إحدى حلقات برنامج)لقاء مع مستشرق( من‬
‫ن الفرق بين دعاة الصيل ودعاة المصير‬‫راديو مونتي كارلو عام ‪":1995‬إ ّ‬
‫في العالم السلمي قد اتسع بحيث أنهم لم يعودو يفهمون بعضهم"‪].‬الرواية‬
‫بالمعنى أو بتصرف كما يقولون[‪.‬‬
‫وليس ما يشير إليه جاك بيرك في المجال السياسي بل في العلمي والثقافي‬
‫والفكري أيضا‪ .‬وفي جزء منه يدخل ما بين الخ خباب والخ طارق‪.‬‬
‫وسأرجئ حديث التقويم)التقييم( ]الكلم قيميا وأخلقيا[عن الرجلين إلى ما‬
‫بعد‪ ،‬لكني سأتحدث عن السبب لنه أنفع للمتلقي أو لحدسي عن شخصية‬
‫خّيلة‪.‬‬
‫المتلقي المت َ‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ما ُيسمى بـ"العلماء" أو "أهل العلم" أو "أصحاب العلم الشرعي" أو "العلماء‬


‫الربانيين" أو "‪ "...‬ممن ينقسمون في أنفسهم إلى أقسام كثيرة ‪ ،‬لنهم‬
‫يمثلون طبقة أو حقل علميا أو بنية فكرية متكاملة‪ ،‬وهم ‪-‬شأن غيرهم‪ -‬على‬
‫طبقات في أنفسهم ‪ ،‬يتربع عشرة أو بحدود العشرة على قمة الطبقة‬
‫ويتدرج تحتهم طبقات‪ .‬والذي يصعد برجل إلى قمة الطبقة شيئان أحدهما‬
‫إتقانه وحفظه وكلمه في موضوعات معينة بطريقة معينة هي طريقة ما‬
‫يسمى بـ‪":‬أهل العلم"‪ ،‬في أوساط معينة‪ .‬لنه منذ القرن الثالث الهجري وهو‬
‫القرن الذي قال عنه الستاذ فؤاد سزكين"فيه انفصل الشيعة ‪-‬يقصد‬
‫المامية‪ -‬نهائًيا عن المة"‪ ،‬وفيه أيضا كما قال الدكتور الجابري"حصل‬
‫النقلب السني على المعتزلة"‪ ،‬أقول منذ ذلك القرن أصبح مفهوم العلماء‬
‫ينطبق على أولئك الذين يخاطبون المة كلها دون تمييز بين طبقات التلقي‬
‫ب العالمين‪ ،‬وقد وضعوا‬‫لنهم فيما يزعمون ي ُب َّلغون الدين ويوقعون عن ر ّ‬
‫أنفسهم داخل سياج محكم وبروج مشيدة وخطوط حمراء بحيث يطردون من‬
‫حظيرة "العلم" كل من لم يتقيد بمصطلحاتهم أو من استعار مفردة من‬
‫خارج قاموسهم‪.‬والنقد مسموح لمن تقيد بمصطلحاتهم وبطريقتهم المتوارثة‬
‫في تمجيد مفاهيم انتقلت الى حقل التقديس بذاتها‪ .‬بل إن النقد اللذع للذين‬
‫يبتعدون عن هذه المفردات هو السبيل الوحيد للسيادة داخل هذه البنية‪ ،‬وهو‬
‫الدافع اللشعوريّ لمن تتلمذ على هؤلء"العلماء" لكي يسود داخل حقلهم‪.‬‬
‫وعليه أيضا ً أن يذكر بالتبجيل من نال بينهم شبه إجماع على "إمامته"‪.‬‬
‫واليوم سبحان الله يأتي على المة وضع تاريخي يكون من مصلحة الساسيين‬
‫أن يرقوا ببعض هؤلء إلى طبقة المامة ويوفروا لهم وسائل إعلم لمخاطبة‬
‫الجمهور‪ .‬وقد كان من حظ الخ خباب أن يكون واحدا ممن وضعه القدر‬
‫فيمن شكل له هؤلء نموذج تفكيره فهو يدور في حلقتهم ويحفظ‬
‫قن تراتبهم وتسلسلهم فيعرف من هو‬ ‫مصطلحاتهم ويستخدم قاموسهم ‪ ،‬وي ُت ْ ِ‬
‫الشيخ الذي يذكره بتبجيل ويضع قبل اسمه كلمات "ضرورية" من‬
‫قبيل"علمة" "الشيخ" سماحة" "فضيلة"‪.‬الخ وهذه الهرمية قد جاءت الى‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه البنية الثقافية من تأثير بنية أخرى مجاورة منافسة لها على التاريخ‪ ،‬تلك‬
‫التي أشار إليها الستاذ سزكين ‪ ،‬وقد رويت كلمه قبل قليل‪.‬‬
‫ف من حضارة عقلنية‬ ‫در له أن يتشكل عقله متأثرا ب ِن ُت َ ٍ‬‫أما الخ طارق فقد قُ ّ‬
‫محكمة لم يسمح له الفقر أن يتتلمذ على أساتذتها في جامعاتها المحترمة‪،‬‬
‫ولكن القليل من الوعي الذي لديه يجعله يحس من أعماقه بضعف في‬
‫طروحات تلك البنية من"أهل العلم"‪ .‬ولكنه ل يملك الدوات التي تجعله يقنع‬
‫قارئه برؤاه فيحاول أن يختصر الطريق بأن يقيء الصورة الضبابية للفئة‬
‫المرفوضة ‪ ،‬فينتدب الخ عبدالرحمن للرد عليه‪].‬لسباب أخلق‪-‬علمية أكثر‬
‫منها علمية[‬
‫لم يقل له إل حاول أن تمتلك الدوات‪.‬‬
‫ن للخ عبدالرحمن بحكم كونه في بقعة من الرض قريبة من عالم‬ ‫ل شك أ ّ‬
‫العقل إحساس بمشروعية رد طارق‪ ،‬وإن كان تعليمه لم يحرره من سطوة‬
‫بنية"أهل العلم" التي انتدب خباب نفسه للدفاع عنها‪.‬‬
‫ومن أحسن ما نقل لنا خباب من نصوص رائعة‪ ،‬ربما كانت هي السبب وراء‬
‫دسي لنفي في هذا الصراع المعرفي النص الذي نقله ابن تيمية عن بعضهم‬
‫وهو مما تجده في كتب الدب‪ ":‬أكثر ما يفسد الدنيا نصف متكلم ‪ ،‬ونصف‬
‫متفقه ‪ ،‬ونصف متطبب ‪ ،‬ونصف نحوي ‪ ،‬هذا يفسد الديان وهذا يفسد‬
‫البلدان ‪ ،‬وهذا يفسد البدان ‪ ،‬وهذا يفسد اللسان( ]مجموع الفتاوى ‪.[5/118‬‬
‫" وهو نص يتفق معه المثل النكليزي)المعرفة القليلة شّر كبير( وقول‬
‫ن‬
‫ح ْ‬‫س من لم ي ُل َ ّ‬ ‫للخفش الكبر عبدالحميد بن عبدالمجيد‪":‬أنحى النا ِ‬
‫أحدًا"وهذا يختصر لنا الكثير من الحبر المراق‬
‫فلنحاول ما دمنا قد صرنا النصف أن نكمل النصف وأن نأخذ عن أهل العلم‬
‫قيمهم وتفانيهم ول نكون كأهل العلم المعاصرين فإن العالم إنما يفسده‬
‫الناس من حوله ول جرم‪.‬‬
‫أما الخ طارق فعليه مثلما على الجميع أن ل تأخذه العزة بالثم فيبدأ بإتقان‬
‫الساسيات ‪ ،‬ول اعتراض على تنمية قدرات العقل‪ .‬فهو يمتلك اقتناعا جميل‬
‫بوحدة قوانين الفكر‪.‬‬
‫أصلح الله الجميع ونصر بنا دينه القويم‪ ،‬وعصمنا من الشيطان الرجيم‪،‬‬
‫وأنقذنا من شر أهل الهواء ومن غرور"أهل العلم"‬
‫والسلم‬
‫تعلم أول فبل أن تجادل يا طارق | محمد زاهر يقول‪...‬‬
‫واضح أنك ل تدري الفرق بين التورية والستعارة ومعلوماتك في اللغة‬
‫العربية أضعف من أن تسمح لك بكتابة موضوع إنشاء أرجو أن تتغلم أول قبل‬
‫أن تجادل أو بالحري "تقاوح"‬
‫القصور في العلواد الغرب ليستفيد عقل قبل أن يبدأ يتعلم‪.‬م العقلية ل‬
‫العلوم الشرعية | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق‪-‬الموصل يقول‪...‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫م لها الناس كثيرًا‪ ،‬زيادةَ تعقيد‪ ،‬وبيانا واضحا ً على وجود الخلل‪.‬‬‫كلمة ل يهت ّ‬
‫ن الناس اليوم يظنون أن الخلل أو القصور إنما يكون في العلوم‬ ‫تلكم هي أ ّ‬
‫ن القصور الذي ُنكب به المسلمون هو في العلوم‬ ‫الشرعية ‪ ،‬والحقّ أ ّ‬
‫ة به هم أرباب العلوم الشرعية‪ ،‬فأنت تجد من‬ ‫العقلية‪ .‬وأكثر الناس إصاب ً‬
‫ينتقد العقل والعقلنيين ويخترع معركة مفتعلة بين العقل والنقل‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها المتعالمون يا من تكتبون في التعالم وتفوح مقالتكم بالتكبر الجوف‬


‫والغرور العمى‪ ،‬إني ليأخذني العجب أنكم حتى ل تقرأون"موافقة صحيح‬
‫المنقول لصريح المعقول" أو العكس ؟‬
‫ن ابن تيمية الذي انتقد منطق أرسطو وقال عنه انه ل ينتفع به البليد ول‬ ‫إ ّ‬
‫يحتاج إليه الذكي لم يكن ينتقد العقل‪،‬بل انتقد نقدا ً عقليا آليات الوصول الى‬
‫احكام عقلية وفق منطق معين‪ .‬العالم اليوم أقلع عن كثير من إجراءات‬
‫المنطق القديم وطور مناطق بدل المنطق‪ .‬ثم إلى متى تتركون العقل‬
‫لعداء السلم وتجهلون حتى مبادئه وأساسياته؟‬
‫إلى متى تحاربون وتنطحون بقرون من خشب القفزات الكبرى التي صنعها‬
‫النسان من العقل؟‬
‫متى تدركون وحدة قوانين الفكر البشري وأن ل يوجد عقل مسلم وعقل‬
‫كافر؟‬
‫ن التاريخ السلمي وعلومه يخضع لمبادئ المنهج التاريخي‬ ‫متى تدركون أ ّ‬
‫وعلوم إثبات الحقائق التاريخية؟متى تدركون أن المناهج التاريخية التي‬
‫تستخدمها المدرسة الفيلولوجية اللمانية منذ نهاية القرن التاسع عشر أقرب‬
‫الى منهج علماء الحديث الوائل من كل شيوخكم المعاصرين ودكاترتكم‬
‫المرائين المتزعمين للعوام؟‬
‫متى تدركون أن علماءكم الذين تقلدون وتقدسون أقل شأنا ً من علماء‬
‫السلم في القرنين الثاني والثالث ومن كبار المستشرقين المعاصرين؟‬
‫متى تدركون أن منهج المدرسة الستشراقية الفيلولوجية اللمانية قد استفاد‬
‫منه امثال عبدالسلم هرون رحمه الله الذي فعل ما لم يفعله جميع‬
‫علمائكم؟‬
‫متى تتوبون الى الله وتستغفرونه وتكفون عن التعالم الذي تظنونه فقط في‬
‫استعمال مصطلحاتكم؟‬
‫لو كان لي عندكم رأي لجعلت كل من تصدر لدراسة العلم الشرعي يسافر‬
‫عامين على القل الى بلد الغرب ليستفيد عقل قبل أن يتعلم كيف يخادع‬
‫الناس بجمل جاهزة التقطها من كتب العلماء القدماء‪.‬‬
‫كيف يأتي شاب من بداوته ويستمع شريطا او يدرس في كلية شرقية‬
‫مدرسوها مصريون او شاميون جاءوا الى النفط كي يعيشوا فيظن أنه قد‬
‫اكتسب علما وأصبح أهل للنقد والتوجيه؟‬
‫متى تدركون أن رسائلكم التي تكتبونها في جامعات الخليج ليست من العلم‬
‫في شيء بل هي سرقاط وحطب بالليل؟‬
‫متى تدركون أن ‪ %90‬من الدكاترة المصريين كذابون وأنا أدين الله تعالى‬
‫بأن ل أنسحب من كلمي هذا ؟‬
‫متى تدركون أن الزيف نحتاج أن ننقي منه أنفسنا قبل أن ننقي منه‬
‫مجتمعنا؟‬
‫متى تدركون أن التعليم في بلدانكم في الخليج ل ينهض ال بعد أن يتعلم‬
‫مسؤولوه في اليابان او دولة اخرى متقدمة؟‬
‫متى تدركون‬
‫قبل أن ينقل اليكم الزائفون من مصر والشام زيف بلدانهم اليكم ان لم‬
‫يكونوا قد فعلوا؟‬
‫متى تتوبون الى الله وتصبحوا اذكى وأشجع مما أنتم عليه فقد بلغ السيل‬
‫الزبى واتسع الخرق على الراقع؟‬
‫شكرا لسعة صدر المشرفين على الموقع اذا لم يقتطعوا هذه الكلمات او‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعضها‪.‬‬
‫وشكرا لسعة صدر من لم يغضب‪.‬‬
‫رح ما ليس حسنا‬ ‫إن تجد حسنا ً فخذه واط ّ ِ‬
‫القصور في العلوم العقلية ل العلوم الشرعية | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬‬
‫العراق‪-‬الموصل يقول‪...‬‬
‫م لها الناس كثيرًا‪ ،‬زيادةَ تعقيد‪ ،‬وبيانا واضحا ً على وجود الخلل‪.‬‬ ‫كلمة ل يهت ّ‬
‫ن الناس اليوم يظنون أن الخلل أو القصور إنما يكون في العلوم‬ ‫تلكم هي أ ّ‬
‫ن القصور الذي ُنكب به المسلمون هو في العلوم‬ ‫الشرعية ‪ ،‬والحقّ أ ّ‬
‫ة به هم أرباب العلوم الشرعية‪ ،‬فأنت تجد من‬ ‫العقلية‪ .‬وأكثر الناس إصاب ً‬
‫ينتقد العقل والعقلنيين ويخترع معركة مفتعلة بين العقل والنقل‪.‬‬
‫أيها المتعالمون يا من تكتبون في التعالم وتفوح مقالتكم بالتكبر الجوف‬
‫والغرور العمى‪ ،‬إني ليأخذني العجب أنكم حتى ل تقرأون"موافقة صحيح‬
‫المنقول لصريح المعقول" أو العكس ؟‬
‫ن ابن تيمية الذي انتقد منطق أرسطو وقال عنه انه ل ينتفع به البليد ول‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫يحتاج إليه الذكي لم يكن ينتقد العقل‪،‬بل انتقد نقدا عقليا آليات الوصول الى‬
‫احكام عقلية وفق منطق معين‪ .‬العالم اليوم أقلع عن كثير من إجراءات‬
‫المنطق القديم وطور مناطق بدل المنطق‪ .‬ثم إلى متى تتركون العقل‬
‫لعداء السلم وتجهلون حتى مبادئه وأساسياته؟‬
‫إلى متى تحاربون وتنطحون بقرون من خشب القفزات الكبرى التي صنعها‬
‫النسان من العقل؟‬
‫متى تدركون وحدة قوانين الفكر البشري وأن ل يوجد عقل مسلم وعقل‬
‫كافر؟‬

‫)‪(15 /‬‬

‫ن التاريخ السلمي وعلومه يخضع لمبادئ المنهج التاريخي‬ ‫متى تدركون أ ّ‬


‫وعلوم إثبات الحقائق التاريخية؟متى تدركون أن المناهج التاريخية التي‬
‫تستخدمها المدرسة الفيلولوجية اللمانية منذ نهاية القرن التاسع عشر أقرب‬
‫الى منهج علماء الحديث الوائل من كل شيوخكم المعاصرين ودكاترتكم‬
‫المرائين المتزعمين للعوام؟‬
‫ً‬
‫متى تدركون أن علماءكم الذين تقلدون وتقدسون أقل شأنا من علماء‬
‫السلم في القرنين الثاني والثالث ومن كبار المستشرقين المعاصرين؟‬
‫متى تدركون أن منهج المدرسة الستشراقية الفيلولوجية اللمانية قد استفاد‬
‫منه امثال عبدالسلم هرون رحمه الله الذي فعل ما لم يفعله جميع‬
‫علمائكم؟‬
‫متى تتوبون الى الله وتستغفرونه وتكفون عن التعالم الذي تظنونه فقط في‬
‫استعمال مصطلحاتكم؟‬
‫لو كان لي عندكم رأي لجعلت كل من تصدر لدراسة العلم الشرعي يسافر‬
‫عامين على القل الى بلد الغرب ليستفيد عقل قبل أن يتعلم كيف يخادع‬
‫الناس بجمل جاهزة التقطها من كتب العلماء القدماء‪.‬‬
‫كيف يأتي شاب من بداوته ويستمع شريطا او يدرس في كلية شرقية‬
‫مدرسوها مصريون او شاميون جاءوا الى النفط كي يعيشوا فيظن أنه قد‬
‫اكتسب علما وأصبح أهل للنقد والتوجيه؟‬
‫متى تدركون أن رسائلكم التي تكتبونها في جامعات الخليج ليست من العلم‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في شيء بل هي سرقاط وحطب بالليل؟‬


‫متى تدركون أن ‪ %90‬من الدكاترة المصريين كذابون وأنا أدين الله تعالى‬
‫بأن ل أنسحب من كلمي هذا ؟‬
‫متى تدركون أن الزيف نحتاج أن ننقي منه أنفسنا قبل أن ننقي منه‬
‫مجتمعنا؟‬
‫متى تدركون أن التعليم في بلدانكم في الخليج ل ينهض ال بعد أن يتعلم‬
‫مسؤولوه في اليابان او دولة اخرى متقدمة؟‬
‫متى تدركون‬
‫قبل أن ينقل اليكم الزائفون من مصر والشام زيف بلدانهم اليكم ان لم‬
‫يكونوا قد فعلوا؟‬
‫متى تتوبون الى الله وتصبحوا اذكى وأشجع مما أنتم عليه فقد بلغ السيل‬
‫الزبى واتسع الخرق على الراقع؟‬
‫شكرا لسعة صدر المشرفين على الموقع اذا لم يقتطعوا هذه الكلمات او‬
‫بعضها‪.‬‬
‫وشكرا لسعة صدر من لم يغضب‪.‬‬
‫رح ما ليس حسنا‬ ‫إن تجد حسنا ً فخذه واط ّ ِ‬
‫القصور في العلوم العقلية ل العلوم الشرعية | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬‬
‫العراق‪-‬الموصل يقول‪...‬‬
‫م لها الناس كثيرًا‪ ،‬زيادةَ تعقيد‪ ،‬وبيانا واضحا ً على وجود الخلل‪.‬‬ ‫كلمة ل يهت ّ‬
‫ن الناس اليوم يظنون أن الخلل أو القصور إنما يكون في العلوم‬ ‫تلكم هي أ ّ‬
‫ن القصور الذي ُنكب به المسلمون هو في العلوم‬ ‫الشرعية ‪ ،‬والحقّ أ ّ‬
‫ة به هم أرباب العلوم الشرعية‪ ،‬فأنت تجد من‬ ‫العقلية‪ .‬وأكثر الناس إصاب ً‬
‫ينتقد العقل والعقلنيين ويخترع معركة مفتعلة بين العقل والنقل‪.‬‬
‫أيها المتعالمون يا من تكتبون في التعالم وتفوح مقالتكم بالتكبر الجوف‬
‫والغرور العمى‪ ،‬إني ليأخذني العجب أنكم حتى ل تقرأون"موافقة صحيح‬
‫المنقول لصريح المعقول" أو العكس ؟‬
‫ن ابن تيمية الذي انتقد منطق أرسطو وقال عنه انه ل ينتفع به البليد ول‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫يحتاج إليه الذكي لم يكن ينتقد العقل‪،‬بل انتقد نقدا عقليا آليات الوصول الى‬
‫احكام عقلية وفق منطق معين‪ .‬العالم اليوم أقلع عن كثير من إجراءات‬
‫المنطق القديم وطور مناطق بدل المنطق‪ .‬ثم إلى متى تتركون العقل‬
‫لعداء السلم وتجهلون حتى مبادئه وأساسياته؟‬
‫إلى متى تحاربون وتنطحون بقرون من خشب القفزات الكبرى التي صنعها‬
‫النسان من العقل؟‬
‫متى تدركون وحدة قوانين الفكر البشري وأن ل يوجد عقل مسلم وعقل‬
‫كافر؟‬
‫ن التاريخ السلمي وعلومه يخضع لمبادئ المنهج التاريخي‬ ‫متى تدركون أ ّ‬
‫وعلوم إثبات الحقائق التاريخية؟متى تدركون أن المناهج التاريخية التي‬
‫تستخدمها المدرسة الفيلولوجية اللمانية منذ نهاية القرن التاسع عشر أقرب‬
‫الى منهج علماء الحديث الوائل من كل شيوخكم المعاصرين ودكاترتكم‬
‫المرائين المتزعمين للعوام؟‬
‫ً‬
‫متى تدركون أن علماءكم الذين تقلدون وتقدسون أقل شأنا من علماء‬
‫السلم في القرنين الثاني والثالث ومن كبار المستشرقين المعاصرين؟‬
‫متى تدركون أن منهج المدرسة الستشراقية الفيلولوجية اللمانية قد استفاد‬
‫منه امثال عبدالسلم هرون رحمه الله الذي فعل ما لم يفعله جميع‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علمائكم؟‬
‫متى تتوبون الى الله وتستغفرونه وتكفون عن التعالم الذي تظنونه فقط في‬
‫استعمال مصطلحاتكم؟‬
‫لو كان لي عندكم رأي لجعلت كل من تصدر لدراسة العلم الشرعي يسافر‬
‫عامين على القل الى بلد الغرب ليستفيد عقل قبل أن يتعلم كيف يخادع‬
‫الناس بجمل جاهزة التقطها من كتب العلماء القدماء‪.‬‬
‫كيف يأتي شاب من بداوته ويستمع شريطا او يدرس في كلية شرقية‬
‫مدرسوها مصريون او شاميون جاءوا الى النفط كي يعيشوا فيظن أنه قد‬
‫اكتسب علما وأصبح أهل للنقد والتوجيه؟‬
‫متى تدركون أن رسائلكم التي تكتبونها في جامعات الخليج ليست من العلم‬
‫في شيء بل هي سرقاط وحطب بالليل؟‬
‫متى تدركون أن ‪ %90‬من الدكاترة المصريين كذابون وأنا أدين الله تعالى‬
‫بأن ل أنسحب من كلمي هذا ؟‬
‫متى تدركون أن الزيف نحتاج أن ننقي منه أنفسنا قبل أن ننقي منه‬
‫مجتمعنا؟‬

‫)‪(16 /‬‬

‫متى تدركون أن التعليم في بلدانكم في الخليج ل ينهض ال بعد أن يتعلم‬


‫مسؤولوه في اليابان او دولة اخرى متقدمة؟‬
‫متى تدركون‬
‫قبل أن ينقل اليكم الزائفون من مصر والشام زيف بلدانهم اليكم ان لم‬
‫يكونوا قد فعلوا؟‬
‫متى تتوبون الى الله وتصبحوا اذكى وأشجع مما أنتم عليه فقد بلغ السيل‬
‫الزبى واتسع الخرق على الراقع؟‬
‫شكرا لسعة صدر المشرفين على الموقع اذا لم يقتطعوا هذه الكلمات او‬
‫بعضها‪.‬‬
‫وشكرا لسعة صدر من لم يغضب‪.‬‬
‫رح ما ليس حسنا‬ ‫إن تجد حسنا ً فخذه واط ّ ِ‬
‫الخ المشرف على الموقع | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق‪-‬الموصل يقول‪...‬‬
‫السلم عليكم‬
‫لي لديك طلبان أحدهما أمنية والخر رجاء‬
‫المنية أن تضعوا خدمة أن يرى الكاتب مقاله الذي كتبه قبل أن يبعثه إليكم‪،‬‬
‫بحيث يتمكن من تصحيح الخطأ وهي خدمة موجودة في كثير من المنتديات‪.‬‬
‫الثاني وهو الرجاءأن مقال)القصور في العلوم العقلية ل الشرعية( قد تكرر‬
‫عرضه ثلث مرات نتيجة خطأ كنت أصححه‪ ،‬لذلك أرجو حذف اثنين وابقاء‬
‫الثالث فقط‪ .‬مع جزيل الشكر والتقدير‬
‫أني أحبك فى الله أستاذي العزيز | عبد الرحمن يقول‪...‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على محمد وآل وأصحابه الغر الميامين وبعد‪:‬‬
‫يقول سبحانه ‪ ":‬ول تقف ماليس لك به علم"‬
‫مما يؤسف له أن تجد كل هذا التحامل على العلماءالفاضل‪ ،‬ل أدري‬
‫لماذا؟؟؟؟‬
‫من من العلماء قال عليكم ان ل تستعمل العقل؟؟؟‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس أبو حنيفة النعمان رضى الله عنه وهو من بلدك يادكتور دار السلم أحل‬
‫الله عليه السلم والمن والمان مؤسس مدرسة الراي؟؟؟؟‬
‫هل تحب يا دكتور عبد الرحمن الزبيدي أن يأتى إنسان ليس له علم بمجالك‬
‫الذي درست فيه ومتلكت أدوات هذا العلم ويناقشك في فنك‬
‫بل ويتطاول عليك فيما تعرف‬
‫أستاذي أريد إجابة واضحة؟؟؟؟‬
‫لماذا هذه الشكالية تطرح اليوم‪ ،‬لماذا ل يحترم كل صاحب إختصاص‬
‫إختصاصه؟؟ظ‬
‫أهل العلم الشرعي في مكانهم‬
‫المربون في جامعاتهم‬
‫السكافي في محله ودكانه لماذا؟؟؟؟‬
‫لماذا كل العلوم تحترم ويرجع إلى أصحاب الختصاص فيها‪.‬‬
‫أم إذا تعلق المر بالدين والفتوى فكل الناس يصبحون بقدرة قادر علماء ل‬
‫يشق لهم غبار‪.‬‬
‫لقد شرب الشعب الجزائري كؤوس المرارت من أمثال هؤلء تجده لبس له‬
‫أي مؤهل علمي ‪ ،‬بل لفظته المدرسة البتدائية ثم يأتي وقد قراء كتيب أو‬
‫سمع فتوى من عالم ولم يفهمها لعدم معرفته باللغة القوم ‪،‬فلكل أهل فن‬
‫إصطلحاتهم‪ ،‬فيحرفها أو يحملها على غير ما أراد‪ ،‬فيضل الكثير من الناس‬
‫وهو ل يدري‬
‫يتبع‪....‬‬
‫أخي د‪.‬عبد الرحمن الزبيدي أحبك في الله‪.‬‬
‫من أهل العلم الشرعي‪..‬أخي الكريم؟ | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق‪-‬‬
‫الموصل يقول‪...‬‬
‫القرآن الكريم بقراءاته الثابتة أو المتنافسة الثبوت الموجودة في كتاب‬
‫)الكامل في القراءات الخمسين( للهذلي والذي وصل الينا بحمد الله تعالى‬
‫لكنه لم ُيطبع بعد‪ ،‬وصفوتها تاريخيا هي مضمون كتاب )النشر في القراءات‬
‫العشر( لبن الجزري رحمه الله‪ .‬هو )القرآن(النص الذي أكمل الله لنا فيه‬
‫الدين ورضيه لنا فيه‪ .‬وقد رويت في ضوئه نصوص وأحاديث ودونت مقولت‬
‫من أقوال النبي وأقوال أخرى تصف أفعاله‪ ،‬وأخرى تصف لنا ما ارتضاه أو‬
‫سكت عنه‪ .‬وهذه الخيرة كلها قرائن تضيف دللت ل شك فيها الى فهم مراد‬
‫الشارع‪.‬‬
‫ولكن قد بليت أمة السلم كما تعلم ويعلم الجميع بالحرب الهلية الولى‬
‫والثانية والثالثة وكلها كانت في القرن الول‪ .‬وشهد القرن الثاني ثورات أقل‬
‫أهمية باستثناء ثورة آل البيت بقيادة بني العباس الذين انتقموا لبني هاشم‬
‫من بني أمية ‪ ،‬وهذه الحروب الهلية أو الفتن قد جعلت الناس ومنهم العلماء‬
‫في حيرة واضطراب ازاء الكثير من القضايا‪ .‬ليس هذا موضوعنا‪ .‬موضوعنا‬
‫أخي الكريم النصوص التي دونها علماء الثار وسميت سننا أو أحاديث‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫تعرف أن تيارات كثيرة قد نشأت بعد الحروب الهلية الولى كان على رأسها‬
‫التيارات التي رفضت شرعية الثورة العباسية وهم الشيعة المامية الذين‬
‫تشكل مذهبهم وورث تراث تيارات المامة والتشيع جميعها‪.‬هذا التيار هو‬
‫الذي قاد فكر المة فيما بعد لنه استطاع أن يستفّز العلماء ليتخندقوا ضده‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي الذي قام على فرضيات ما أنزل الله بها من سلطان‬ ‫فنشأ المذهب السن ّ‬
‫مثل أن الصحابي هو من رأى النبي عليه السلم وأسلم ومات على‬
‫السلم ‪،‬وأخذ أتباعه يفهمون حتى أقوال النبي واليات في ضوء تعاريف‬
‫علمائهم‪ .‬فقد روى مسلم في صحيحه‪":‬كان بين خالد بن الوليد وعبدالرحمن‬
‫بن عوف شيء فقال رسول الله لخالد‪":‬ل تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم‬
‫أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه" فالحديث واضح في من‬
‫يعنيهم النبي بقوله أصحابي‪،‬إنهم ‪ 1500‬رجل وهم المهاجرون والنصار الذين‬
‫ن أهل السنة لم يأخذوا بمفهوم النبي صلى الله عليه‬ ‫بايعوا تحت الشجرة‪ .‬لك ّ‬
‫وسلم للصحابي بل أخذوا بتعريف علماء الحديث في القرن الثالث‪.‬وإذا‬
‫حاججتهم بهذا الحديث الذي هو في أحد مدوناتهم التي يدافعون عن‬
‫موثوقيتها قالوا لك قال ابو ُزَرعة]بوزن همزة[ الرازي‪:‬إذا رأيت الرجل ينتقد‬
‫أصحاب رسول الله فاعلم أنه فاسق‪ .".‬ونحن بهذا نقول ولكن من هم‬
‫أصحاب رسول الله‪ .‬أصحابه المهاجرون والنصار الذين منع خالد بن الوليد‬
‫أن يسبهم وسماهم أصحابه‪ .‬وليس أصحابه من رآه ولو ساعة فهذا التعريف‬
‫هو مقتل المذهب السني الذي استولى على تراث المة وأوهم العوام أنه‬
‫مذهب الحسن وأبي حنيفة والليث ومالك وسعيد وسفيان ؟هيهات‪. .‬أخي‬
‫الكريم ‪ :‬في هدي الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري يقول ابن‬
‫حجر العسقلني)من كبار علماء السنة(‪]:،‬سأروي قول ابن حجر بعد قليل[‬
‫فقد قادهم السقاط على التاريخ وهو من عيوب الفكر البشري إلى أن‬
‫يطلقوا فرضية)الصحابة كلهم عدول(‪ ،‬ونحن بهذا نقول ولكن الصحابة‬
‫بمفهوم النبي عليه الصلة والسلم حين قال لخالد بن الوليد‪":‬ل تسبوا‬
‫أصحابي"‪ ،‬وليس بمفهوم علماء الحديث‪.‬قال ابن حجر ص ‪:694‬مروان بن‬
‫الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عم عثمان بن عفان يقال له رؤية فإن‬
‫ثبتت فل ُيعّرج على من تكلم فيه‪]،‬من أين جاءابن حجر ومعه أهل السنة‬
‫ل عن النقد أو القدح؟[‪،‬وقال‬ ‫بهذا؟آلله أم رسوله قال من رأى محمدا فقد ج ّ‬
‫عروة بن الزبير‪:‬كان مروان ل يتهم في الحديث]هذا نقد معقول فعروة يحكم‬
‫على الرجل كما نحكم أنا وأنت على من نعرف من الناس[‪،‬وقد روى عنه‬
‫سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا ً على صدقه]ما يزال الكلم لبن‬
‫حجر العسقلني[وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم‬
‫شهر السيف في طلب الخلفة حتى جرى ما جرى‪.‬فأما قتل طلحة فقد كان‬
‫متأول ً فيه‪...‬وقد اعتمد مالك حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم"اهـ كلم ابن‬
‫حجر‪.‬‬
‫ليس عن عدالة الرجل وصدقه أتكلم ‪،‬ولكن عن ثوابت المذهب السني الذي‬
‫أضاف الى الدين ما ليس منه الكثير وعدها من العلم ومن تجرأ على‬
‫مناقشتها فهو فاسق ويكال له بألف كيل‪.‬‬
‫قال مجتهد القرن الثاني عشر الشيخ صالح بن مهدي المقبلي في كتابه‬
‫العلم الشامخ في إيثار الحق على الباء والمشايخ‪":‬وأما المامية فهم أبين‬
‫ل" وهو محق فليس عندهم عقل ول نقل ولكنهم مع ذلك‬ ‫الناس ضل ً‬
‫استطاعوا اضلل كثير من الناس الشرفاء والعرب الصلء اعتمادا على‬
‫ضللت وحماقات أهل السنة ول سيما تعريفهم للصحابي الذي ما أنزل الله‬
‫به من سلطان بحيث قام ابن حجر فجمع أكثر العراب وجواب الفاق‬
‫والطلقاء والذين أسلموا غصبا عنهم وجعلهم ضمن مسمى صحابة وتلك‬
‫لعمري طامة كبرى وخطأ تاريخي جرعنا الغصص‪.‬‬
‫سيظل المسلمون مختلفين حتى يقوم تعليم عقلني تارخي مؤسس على‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثقافة العين )ل الذن( ونقد النص‪ ،‬اما طريقة المتمذهبين من اصحابنا اهل‬
‫السنة فل تصلح للعصر ابدا‪.‬‬
‫لهذا كله أخي الكريم ابتعد السياسيون والمثقفون عن أهل السنة لنهم‬
‫بعيدون جدا عن الواقع‪.‬فقد تركوا لهم حواراتهم وعلومهم وأخذوا يدبرون‬
‫شؤون المة بعيدا عنهم‪ ،‬واستعملوهم فقط موظفي أوقاف‪ .‬فأكبر علمائهم‬
‫إن هو إل موظف أوقاف يمكن فصله وإحالته على التقاعد متى شاءت‬
‫وزارته‪.‬‬
‫أخي الكريم روى ابن عبدالبر النمري في جامع بيان العلم وفضله أن عمر بن‬
‫م بجمع السنن فاستخار الله شهرًا‪ ،‬ثم قال إني هممت بجمع‬ ‫الخطاب ه ّ‬
‫ً‬
‫السنن لكني رأيت من كان قبلكم]يعني أهل الكتاب[كتبوا كتبا فعكفوا عليها‬
‫وتركوا كتاب الله‪ ،‬والله ل كتاب مع كتاب الله أبدا‪،‬ل كتاب مع كتاب الله أبدا‪.‬‬
‫فقد صدقت نبوءته ول جرم‪ .‬وكيف ل وقد قال النبي عليه الصلة والسلم‬
‫كان فيمن كان قبلكم أناس ينبأون فإن يكن في أمتي أحد فعمر‪.‬‬
‫لقد جعل علماء الحديث من مروياتهم دينا يدينون الله به وشرعوا خصوصا‬
‫في هذا القرن يوهمون الناس أن للحاديث حجية القرآن أو تدانيها‪ .‬وشرعوا‬
‫يردون حتى على الفقهاء المتقدمين بأحاديث دونت بعدهم‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫أخي الكريم قد أطلت عليك مرغما فالموضوع يضطرني الى كلم كثير‪.‬‬
‫أنا ل أشكك في الجهود العظيمة لعلماء الحديث وحفاظه ولكن كما قال‬
‫الشافعي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبران خبر كافة عن‬
‫كافة ل يسع أحدا جهله كعدد فروض الصلة والركعات وأنصباء الزكاة‪...‬وخبر‬
‫واحد عن واحد يعرفه أهل العلم‪.‬‬
‫ولكن أخي الكريم المعاصرون ممن تسميهم العلماء ممن يدافعون عن‬
‫السنن وحجيتها يأتون بأمثلة الشافعي للحديث المتواتر ليدافعوا بها عن‬
‫الحديث الحاد‪ !!!.‬رأيتهم بأم عيني‬
‫أخي الكريم ‪ :‬ل يوجد ال من رحم ربك من المسلمين بسبب العلم الذي‬
‫يقوده متأخرو الحنابلة ممن يسمون أنفسهم بالسلفيين ‪،‬ل يوجد مسلم إل‬
‫ويظن أن كل ما في البخاري فهو قد قاله النبي فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ونحن نجل صحيح البخاري وصحيح مسلم وجميع مدونات الحديث ولكن ل‬
‫ينبغي أن يظن أنها كالقرآن أو تالية له أبدا‪ ،‬فبعد صحة الحديث تواجه الفقيه‬
‫مقولة ابن شهاب الزهري وهو من هو‪":‬أعيا علماء السلم معرفة ناسخ‬
‫حديث رسول الله من منسوخه"‪ ،‬أتدري لماذا؟ أخبرك فيما بعد‪.‬‬
‫السنن والحاديث أخي الكريم جزء من علم التاريخ‪ ،‬والقرآن وهو القرآن قد‬
‫حفظه الله تعالى لنا ‪ ،‬وكان الخط العربي أعجز من أن ينقله‪،‬حتى مصاحف‬
‫عثمان كانت مساعدة للحفظ فقط‪.‬وترابط السياق القرآني مقدم في‬
‫المعنى على كل فهم جزئي او نص ثانوي يروى في ضوئه وليس هذا‬
‫موضوعنا ولكن‪:‬‬
‫اذا أردت أن يكون فيك خير للسلم ولمتك فسافر إلى المانياأو امريكا‬
‫وادرس علم التاريخ ومفهوم الوثائق‪.‬نعم اخي‪:‬اغتنم عمرك قبل أن يضيعوه‬
‫عليك كما ضيعوا القدس‪.‬‬
‫ثم عد لتقييم جهود علماء الحديث في ضوء مكتبات المخطوطات‪.‬‬
‫وأنا لك ناصح أمين‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل نتحامل على أحد ولكن المة تعيش مرحلة جهل يقوده أرباب العلوم‬
‫الشرعية الذين تسميهم العلماء‪ .‬نحن ل نكرههم فهم كغيرهم من أبناء المة‬
‫ولكن ليسوا من العلم في شيء‪.‬‬
‫العلم هو العلم ل غير‪.‬‬
‫أخي الكريم رووا عن ابن مسعود رضي الله عنه ‪:‬إياكم والتبدع والتنطع‬
‫وعليكم بالعتيق‪ .‬فما لهم أكثروا من البدع؟‬
‫أخي الكريم مثَلك نشأت في وسط سني ولكني اكتشفت أن مذهبنا السني‬
‫قد حدث في التاريخ وليس هو مذهب السلف كما كنت أظن‪.‬‬
‫السلف ل دخل لهم بخلق القرآن وحتى أحمد بن حنبل لم يقل غير مخلوق‬
‫وأنا أدين الله بذلك‪ :‬روي عن الكرابيسي في أحمد قال‪:‬عجبا له قلنا مخلوق‬
‫قال بدعة قلنا غير مخلوق قال بدعة‪.‬كيف يتورع رجل أن يقول في‬
‫المضمضة قول ويقول في القرآن؟ هيهات كان أورع من أن يخوض‪ .‬والحيدة‬
‫مزور‪.‬‬
‫وليس من الدين في شيء توحيد السماء والصفات بل هي جزء من علم‬
‫التفسير واللغة والمحكم والمتشابه‪ ،‬وكل قول فيها فهو اجتهاد في تفسير‬
‫المتشابه‪.‬‬
‫هذه كلها من بدع أهل السنة‪ .‬أهل السنة احتكروا مذهب المة والسلف‬
‫لهم ‪،‬وجاء المعذرون من الحنابلة المتأخرين ليحتكروا مسمى اهل السنة لهم‬
‫وبدعهم كثيرة جدا‬
‫ل يوم تطلع فيه شمسي أكتشف من بدعهم ما أستغرب‪.‬‬ ‫ك ّ‬
‫ولكنهم يبقون أقرب الناس الى مذهب المة لن ضللهم معرفي وليس‬
‫انحرافات عقدية كبرى‬
‫ضُعون فيهم هم من تسميهم أهل العلم لنهم ل علم عندهم‬ ‫والذين يو ِ‬
‫وكيف يكونون أهل علم وبضاعتهم من علوم العقل مزجاة؟‬
‫وقد سمعت بتهم جديدة يطلقونها على من لم يتخذ موقفهم نفسه من‬
‫أحاديث الحاد بأنه قرآني‪ .‬وهي تهمة لم نسمع بها من قبل‪.‬‬
‫فهل وصمتم منكري السنن بغير النسبة الى القرآن؟ فمنكرو السنن ليسوا‬
‫ن‪:‬‬‫بشيء ل ّ‬
‫كل طرفي قصد المور ذميم‬
‫أخي الكريم وتقول لي أبو حنيفة امام مدرسة الرأي‪.‬أخي ابو حنيفة شيء‬
‫والحناف شيء آخر‬
‫الحناف يسيرون على طريقة الشافعي ويمجدون ابا حنيفة!!؟!‬
‫العلم الحديث أخي الكريم ينتصر لمذهبي مالك وأبي حنيفة على سواهما‬
‫لنهما أصل علم أهل السنة‪.‬‬
‫ولنهما امتازا بشيئين ل يمكن تجاهلهما‪:‬ميزة مالك اخذ القرائن غير المدونة‬
‫بالحسبان في فهم النص ورد ّ النصوص الشاذة عنها ‪،‬فعمل اهل المدينة يعني‬
‫أن تأخذ في حسبانك سياقات السنن التي قالها النبي ‪ ،‬مما لم يروه العلم‬
‫المدون لضعف امكانية التدوين‪.‬وهذا المر ينتصر له العلم الحديث فل‬
‫تستغرب أن يشهد المستقبل عودة الى مذهب اهل المدينة‪.‬‬
‫ص‪،‬‬
‫وميزة علم ابي حنيفة اخذه لمقاصد الشريعة بالحسبان عند فهم اي ن ّ‬
‫وهذا ما فعله الشاطبي فيما بعد‪ ،‬وأصل تسمية كتابه كما قال في مقدمته‬
‫)التعريف بحدود التكليف( لكنه سماه )الموافقات( بناء على رؤيا رئيت له انه‬
‫يوفق بين منهج مالك وابي حنيفة‪.‬وليته أبقاه على التسمية الولى‪.‬‬
‫فأهل العلم الذين أقسو عليهم ليسوا أولئك‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنا تلميذ علماء السلم العظام علماء السلف الصالح الى القرن نهاية المئة‬
‫الرابعة وليس القرن الرابع‬

‫)‪(19 /‬‬

‫لن القرن ليس مئة سنة بل الطبقة من الناس)أهل عصر( كما فهم أحمد بن‬
‫حنبل بحق حديث رسول الله خيركم قرني قال افضل الناس بعد النبياء‬
‫أصحاب رسول الله القرن الذين بعث فيهم‪ .‬فقول النبي خيركم قرني يعني‬
‫مثل الزبير ثم الذين يلونهم هم عروة بن الزبير وطبقته ثم الذين يلونهم هم‬
‫هشام بن عروة وطبقته أي الى حدود ‪150‬هجرية‪ .‬وأما أن يفهم على انه مئة‬
‫سنة ليدخل ابن حنبل في السلف فهذا إسقاط على التاريخ وتوهم في فهم‬
‫معنى القرن في الحديث‪.‬‬
‫وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا‪.‬‬
‫وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين‪.‬‬
‫أحّبكـ الله الذي أحببتني فيه | د‪.‬عبدالرحمن الزبيدي‪-‬العراق‪-‬الموصل يقول‪...‬‬
‫أسأل الله تعالى أن يغفر لنا زلتنا وأن يهدينا لما اخت ُِلف فيه من الحقّ بإذنه‪.‬‬
‫ق‬
‫لجرم أن قد اتسع الخرق على الراقع ‪ ،‬وكاد الباطل يلتبس بالح ّ‬
‫ف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال‬ ‫ل خل ٍ‬‫لكن يحمل هذا العلم من ك ّ‬
‫المبطلين‪.‬‬
‫أتدري أن التفكير السطوري هو أن تمجد الكليات التجريدية ‪ ،‬وترفع‬
‫م تشرع تخضع جميع النصوص لمسمياتك‪.‬‬ ‫مسميات إلى مستوى المطلق ث ّ‬
‫هذا بالضبط ما حصل للعلم الشرعي مع السف منذ مات ابن حزم‪ ،‬فقد كان‬
‫رحمه الله يمتاز على سواه بأمرين أساسيين‪ :‬أولهما إدراكه لمبادئ العقل‬
‫وثوابته وفهمه للمنطق الذي كان يسميه قواعد البرهان‪،‬على الرغم من أن‬
‫المنطق كان قاصرا ً جدا ّ ولم يكن عصر ما قبل غاليلو يسمح للنسان‬
‫بالكتشاف العلمي لقصور المنطق‪ .‬ذلكم أنه تأسس على طبيعيات ما قبل‬
‫غاليلو وكانت أداة النسان للرصد والملحظة حواسه الطبيعية‪ .‬وثاني سمات‬
‫ابن حزم وهبه لنفسه للمعرفة وتحطم ذاته أمامها فقد كان شجاعا جريئا ً‬
‫مخلصا مناضل في سبيل الحقيقة‪ .‬ومن ابن حزم يجب أن ننطلق ل من‬
‫سواه‪.‬‬
‫وإذا شئنا أن نتكلم عن المجموع فنقول إن الخطأ الذي بثه علماء الشريعة‬
‫شك ًّل للعقل‪ ،‬فهم يظنون‬ ‫م ّ‬
‫في المة هو خطأ منهجي يقوم على اعتبار الدين ُ‬
‫أن العقل تشكله النصوص الدينية من قرآن وآثار‪.‬‬
‫والصواب الذي ل مجمجة فيه أن العقل تشكله الحواس)واللة المكبرة‬
‫كل عقل أبي بكر وعمر وعلي ليس القرآن ول السنة بل‬ ‫للحواس(‪ ،‬فالذي ش ّ‬
‫هو العصر الجاهلي وواقع حياتهم الذي رصدوه بحواسهم‪ .‬أما الدين فهو‬
‫جه للعقل نحو الخير وليس مشكل له‪.‬‬ ‫مو ّ‬
‫ينبني على ذلك أن ل فرق بين عقل المسلم والكافر ‪،‬وأن العلوم العقلية‬
‫مشتركة بين البشرية ‪ ،‬وأن مبادئ العقل البشري واحدة‪.‬‬
‫ن ابن حزم حين قرب قواعد البرهان والمنطق بعامية أهل‬ ‫وينبني على ذلك أ ّ‬
‫ذا ل يدرك قدره كثير من الناس‪.‬‬ ‫الندلس كان عالما ً ف ّ‬
‫ولول مشيئة الله تعالى بأن جعل الغرب يصنع العدسة واللت التي كّبرت‬
‫الحواس)منافذ العقل( ثم اكتشاف علقات جديدة كثيرة بين الشياء ليس‬
‫بمقدور الحواس المجردة اكتشافها‪ ،‬وقيام العلم الذي نتخاطب اليوم بثمرة‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ثماره‪ ،‬لما أدركنا نحن قدر ابن حزم البتة ولصرنا ننشغل بمخاصمته كما‬
‫فعل من بعده‪.‬‬
‫ما أردت أن أوصله إليك هو أن ابن حزم قد استفاد من مبادئ العقل التي‬
‫اكتشفها النسان قبل عصره وكانت مجموعة في منطق ارسطوطاليس‬
‫وهندسة اقليدس وطب جالينوس أما عصرنا اليوم فقد اضاف الى مبادئ‬
‫العقل مبادئ كثيرة يدرسها علم)البيستيمولوجيا( ‪ ،‬وهي مبادئ ل تني تزداد‪.‬‬
‫ولو اهتدينا برؤية ابن حزم الخالد لفعلنا نفس الشيء ولكن أين نحن من‬
‫شجاعته وإخلصه؟؟‪.‬‬
‫ي‪،‬‬
‫الحزميون المعاصرون لم يفهموه حق الفهم فظنوا أنه مجرد فقيه ظاهر ّ‬
‫ولكن ابن حزم متميز حتى في ظاهريته‪.‬‬
‫نعم أخي الكريم العلم هو سعة اطلع وقوة حجة وأخذ للحكمة من مظانها‬
‫مهما كان مصدُرها‪ .‬وتأسيس للمعرفة على مبادئ العقل الذي وهبنا إياه الله‬
‫تعالى‪ ،،‬ومصدره الحواس وحدها‪.‬والدين مرشد وموجه له لفعل الخير أما‬
‫ي‪.‬‬
‫العقل فحياد ّ‬
‫وإلى الخوة القراء ممن يؤمنون بما ذكرت ‪:‬الصلح يكون متدرجا وبطيئا‬
‫ولكن شعلة التفاؤل والحب لله والمسلمين يجب أن ل تنطفئ في أعماقكم‬
‫وقلوبكم أبدا‪.‬‬
‫يجب قراءة كتب القدماء بغزارة مستمرة ‪ ،‬ويجب على المتعلم على بصيرة‬
‫أن يحاول أن يستخدم عبارات القدماء العقلية والتعبيرية ليس لقيمتها‬
‫مجت على إجلل عبارات‬ ‫المعرفية بل لقيمتها العتبارية‪ ،‬فالمة قد ب ُْر ِ‬
‫ومفردات وتعابير بعينها لكي ل تصنعوا حواجز نفسية بينكم وبين "طلبة‬
‫العلم"الشرعي‪.‬فقد لمستهم يتحسسون كثيرا من كلمات ل يفهمونها‬
‫ويصمون مستخدميها بالتفرنج والتغرب والعقلنية)لنها لديهم كلمة ملغومة(‪،‬‬
‫والعتزال‪،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫الزمان تجاوزهم وإن كان أخي عبدالرحمن من الجزائر ما يزال يدافع عنهم‬
‫وينافح ويناضل ظّنا منه أنهم في طبقة أبي حنيفة النعمان وعلماء السلف‪.‬‬
‫ل أتفق معك على الفصل بين العلوم الشرعية وبين العلوم العقلية‪ ،‬ول‬
‫يمكنني أن أتفق‪.‬‬
‫ل أستطيع أن أقتنع بغير صنيع ابن حزم وابن رشد الحفيد والشاطبي في‬
‫الموافقات ‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫علماء السلم في القرن الثاني ليسوا هم أهل السنة بعد القرن الرابع‪ .‬أهل‬
‫السنة الذين ورثنا نحن علومهم ومذهبهم قد أضافوا إلى الدين ما ليس منه‬
‫لنهم قد اقتيدوا بردات فعل عنيفة ضد الروافض والمبتدعة‪ .‬وقد بينت في‬
‫غير هذا الموضع ما فعلوا‪.‬‬
‫وددت أن أتكلم في العلم دون أن أذكر مسميات كبيرة مثل)أهل سنة‪،‬أهل‬
‫علم ‪،‬سلفية‪ (.. ،‬ولكن وجدت صعوبة أن ل أستخدم مثل هذه الكلمات وأنا‬
‫أجزم بحصول انحراف عن جدد علماء القرن الثاني وعلماء السلم الذين‬
‫أراهم على الحق مثل ابن حزم‪.‬‬
‫أخي الكريم قارن بين هذا النص الذي أورده حافظ المغرب أبو عمر ابن‬
‫عبدالبر النمري في كتابه)التمهيد لما في الموطأ من المعاني والسانيد(الذي‬
‫قال عنه ابن حزم"كتاب التمهيد لصاحبنا ابن عبدالبر ما أعلم في الكلم على‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه"‪ :‬قال‪]":‬وقارن أنت بين النص وبين‬
‫ودها أهل السنة والمعتزلة كلهما في خلق القرآن لتعرف أن‬ ‫الكتب التي س ّ‬
‫الجميع ليس على مذهب السلف["قال سليم بن منصور بن عمار‪ ،‬قال كتب‬
‫بشر المريسي إلى أبي ‪-‬رحمه الله‪ -‬أخِبرني عن القرآن‪ ،‬أخالقٌ هو أم‬
‫ل‬‫مخلوق؟ فكتب إليه أبي‪:‬بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من ك ّ‬
‫فتنة‪ ،‬وجعلنا وإياك من أهل السنة‪ ،‬وممن ل يرغب بدينه عن الجماعة‪ ،‬فإنه‬
‫ل فهي الهلكة‪ ،‬وليس لحدٍ على الله بعد‬ ‫ل فأولى بها نعمة‪ ،‬وإل يفع ْ‬‫إن يفع ْ‬
‫ة تشارك فيها السائل‬ ‫ن الكلم في القرآن بدع ٌ‬ ‫المرسلين حجة‪،‬ونحن نرى أ ّ‬
‫ّ‬
‫والمجيب‪ ،‬تعاطى السائل ما ليس له‪،‬وتكلف المجيب ما ليس عليه‪ ،‬ول أعلم‬
‫خالقا ً إل الله ‪ ،‬والقرآن كلم الله‪ ،‬فانته أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه‬
‫م القرآن باسم ٍ من عندك فتكون من‬ ‫س ّ‬
‫الله تعالى به‪،‬تكن من المهتدين‪،‬ول ت ُ َ‬
‫ة‬
‫الهالكين‪،‬جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب‪ ،‬وهم من الساع ِ‬
‫فقون")التمهيد ‪ .(19:232‬أما أهل السنة بعد انقلبهم على المعتزلة فقد‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ُ‬
‫صا ثابتا لحمد بن حنبل يقول فيه‬ ‫ً‬ ‫ولوا أحمد بن حنبل ما لم يقل‪].‬من وجد ن ّ‬ ‫ق ّ‬
‫ولون التاريخ مالم يقل ‪،‬‬ ‫ق ّ‬‫القرآن غير مخلوق فله مكافأة مجزية[‪،‬وقد رأيتهم ي ُ َ‬
‫فوجدت الشعري في البانة عن أصول الديانة يروي بسند عن ابن عباس في‬
‫تفسير قوله تعالى‪":‬قرآنا عربيا غير ذي عوج" قال‪":‬غير مخلوق"!!؟]أرأيت‪،‬‬
‫من يصدق هذا؟[‪.‬‬
‫أخي الكريم‪:‬أسألك بالله ألم تسمع القحطاني في نونيته يقول‪:‬‬
‫ن‬
‫ب حيرا ِ‬ ‫ل مضبض ٍ‬ ‫ل وخداع ك ّ‬ ‫ث باط ٌ‬ ‫والوقف في القرآن خب ٌ‬
‫ويقول‪:‬‬
‫ل عبادة الوثان‬ ‫ستح ّ‬ ‫من قال مخلوقٌ كلم إلهنا فقد ا ْ‬
‫ن‬
‫‪...‬فالعنه ثم اهجره كل زما ِ‬
‫إلى غير ذلك من مبالغاتهم وتهويلتهم مما أضافوه الى دين محمد وإلى‬
‫مذهب السلف الذي يمثله النص الذي أوردته لك خير تمثيل‪.‬‬
‫فهم ل يريدونك حتى أن تتوقف‪ ،‬وفي هدي الساري لبن حجر في رجال‬
‫البخاري فلن‪:‬اتهم بالوقف في القرآن؟!!!‬
‫قون‬ ‫س ُ‬
‫ف ّ‬‫أخي الكريم‪ :‬كثير من أهل العلم)أنت تسميهم أهل العلم( رأيتهم ي ُ ّ‬
‫مى‬‫الناس والعلماء بناء على مثل هذه المور التي أضافها من احتكروا مس ّ‬
‫أهل السنة إلى السلم الحنيف‪.‬‬
‫أخي الكريم‪:‬نقل ابن حجر في الجزء الثالث عشر)الخير( من فتح الباري‬
‫صم‪ .‬وفسر ابن‬ ‫)طبعة الـ ‪ (13‬عن الشافعي قوله‪:‬إذا سّلم القدريّ العلم خ ِ‬
‫حجر قوله أي أنه إذا أقّر بعلم الله فقد وافق مذهب أهل السنة‪ .‬انتبه أخي!‬
‫قّر بالعلم من أوله الى‬ ‫وهذا تفسير الزمخسشري الكشاف أمامنا ‪ ،‬وهو ي ُ ِ‬
‫آخره‪ ،‬راجعه عند أي آية تذكر العلم وره‪ .‬ومع ذلك تجدهم يهجونه)اقرأ ماذا‬
‫قال فيه أبو حيان مثل‪ ،‬قصيدة قافية يفسق فيها علما ل يستغنى عن علمه(‪.‬‬
‫أليس من حقي أن أغضب وقد أراهم يتصدرون المجالس ويريدون حمل‬
‫المسلمين على فهمهم القاصر لدين الله؟!!؟‬
‫ل ل أتفق معك على أن يترك العلم الشرعي لطلبة كليات الشريعة وموظفي‬
‫الوقاف و"أهل الِعلم"‪ .‬ول أتفق معهم على مفهوم العلم‪.‬‬
‫العلم حقائق محققة ومنظمة تقولها وتلقيها أمام الناس ول تخشى رّدا من‬
‫أحد‪ .‬العلم ليس إيمانا ً أعمى بوجهة نظر لعالم ول حتى لفرقة‪.‬‬
‫أخي الكريم ‪ :‬أنا أومن بمذهب هو )مذهب المة( يشمل من احتكروا مسمى‬
‫أهل السنة)من حنابلة وأشاعرة وماتريدية ‪ (..‬ويشمل الشيعة الزيدية ويشمل‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الباضية ويشمل المعتزلة ‪ .‬ول يشمل الفرق الخرى كالشيعة المامية‬


‫ل مؤلف ينتمي إلى مذهب المة من الزيدية‬ ‫والسماعيلية والباطنية ‪.‬فك ّ‬
‫والباضية]وقد رأيت بعض أغبياء علمائهم من يكفر سواهم وهذا ل ينطبق‬
‫على عظمهم فبالمكان عدهم من مذهب المة واحتواؤهم فيه[ والمعتزلة‬
‫وأهل السنة فأنا أناقشه وأعلمه وأتعلم منه‪ .‬أما إن كان من المذاهب الخرى‬
‫التي ذكرت فليس بيني وبينه نقاش حتى يعلن توبته وعودته الى مذهب‬
‫المة‪ .‬وكل من يجرح مذاهب المة ويعد نفسه الحق الصراح كما تفعل‬
‫السلفية المعاصرة في السعودية وأتباعها المتعصبين لها ‪ ،‬فأنا ‪-‬العبد لله‪-‬‬
‫أعتقد جازما بضلل المتعصبين وخطئهم وزيادتهم في الدين ما ليس منه‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫فالخلفات بين أعضاء مذهب المة يجب أن تكون معرفية يحلها علم اللغة‬
‫والبلغة والسانيد وقواعد التفسير والتأويل‪ ،‬وليست عقدية تقال بتعصب لما‬
‫لم ينزل الله به من سلطان‪ .‬فقضية خلق القرآن قد بينت لك الصواب فيها‪،‬‬
‫وقضية نوحيد السماء والصفات هي قضية لغوية علمية القول فيها اجتهاد في‬
‫فه‪.‬وتعريف‬‫سقُ وُيبدع ويضّلل مخال ُ‬
‫تفسير المتشابه وليس اعتقاًدا يف ّ‬
‫قّبل من أجل الرواية‬ ‫الصحابي بأنه من رأى النبي وأسلم ومات على السلم ي ُ ْ‬
‫ث النبي‪.‬‬
‫فهم في ضوئه أحادي ُ‬ ‫فقط ‪،‬ول ت ُ ْ‬
‫ة الصحابةِ اذا شئنا أن نحتفظ بالمفهوم من تراث علماء الحديث علينا‬ ‫وعدال ُ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم من أصحابه حين قال‬ ‫دهم النب ّ‬‫صَره على من ع ّ‬ ‫ق ُ‬‫أن ن َ ْ‬
‫لخالد ابن الوليد‪:‬ل تسبوا أصحابي‪] ،‬وهم المهاجرون والنصار الذين أسلموا‬
‫وهاجروا ونصروا قبل خالد بن الوليد[‪ .‬وغيرهم قابل للنقد التاريخي واللوم‬
‫والثناء شأن بقية المة‪.‬‬
‫‪.‬فل تعجب أن أغضب أحياًنا على من يسعون لتفريق المة بناء على فهوم‬
‫قاصرة ظنوها من الدين وما هي لعمري من الدين‪.‬‬
‫اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله‪.‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫لزمة الفهم‬‫انعكاسات ِ‬
‫غادة أحمد ‪17/1/1427‬‬
‫‪16/02/2006‬‬
‫كل أزمة له و لمن يتعامل معه‪ ،‬و يزداد‬‫سوء الفهم على مستوى الفرد ُيش ّ‬
‫تفاقم هذه الزمة كلما اتسعت الدائرة‪ ،‬و أسوأ ما تكون عندما تتسع لتشمل‬
‫المجتمع ككل في رؤيته لقضايا عدة‪ ،‬فينعكس ذلك على محاولت التقييم و‬
‫الطرح و العلج و الذي أحوج ما يكون للنصاف و الموضوعية و الشمولية‪.‬‬
‫سوء الفهم للواقع الذي نحياه و عدم بذل الجهد لسبر أغواره و المتغيرات‬
‫التي تحف به‪ ،‬و مع العجز عن المواجهة‪ ،‬يؤدي بنا في كثير من الحيان‬
‫لممارسة لون من ألوان الهروب الخفي فنتلفع بعباءة التاريخ – و الذي نتوهم‬
‫أنه يستر الكثير من السوءات‪ ،‬و التي بات سترها أكبر همنا! ‪ -‬في محاولة‬
‫للتنصل من أعباء المواجهة‪ ،‬و هذا بدوره يوفر لنا فرصا ً كثيرة لتسويغ ما نحن‬
‫عليه من سوء الحال و المآل‪ ،‬فلو كان عندنا صلح الدين أو قطز أو ابن تيمية‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬الخ‪ ،‬لكانت مشاكل البشر جميعا ً فضل ً عن أزماتنا كالصدقة في زمن‬


‫الغنى و فيض الموال‪.‬‬
‫و ليتسع الرتق في سوء الفهم‪ ،‬فهو ليس لهذا الواقع فحسب‪ ،‬بل و لكثير من‬
‫آيات الله تعالى‪ ،‬و إل فأين نحن من قوله تعالى‪...) :‬الل ّ َ‬
‫جعَ ُ‬
‫ل‬ ‫ث يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫رسال َته‪] (...‬النعام‪ :‬من الية ‪) ،[124‬ت ِل ْ َ ُ‬
‫ما‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫ت لَ َ َ‬
‫ها‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة قَد ْ َ‬ ‫م ٌ‬
‫كأ ّ‬ ‫ِ َ َ ُ‬
‫م‪](...‬البقرة‪ :‬من الية ‪.[134‬‬ ‫كَ َ‬
‫سب ْت ُ ْ‬
‫هؤلء الذين صنعوا الحياة في زمانهم‪ ،‬أتراهم لو عادوا لزماننا هذا أكانوا‬
‫يملكون من المر شيئًا‪ ،‬و هذا الهروب الساذج الذي نمارسه يعطل العقل عن‬
‫التوقف و التدبر‪ ،‬فتنقلب المعايير لعدم وضوح الرؤية‪ ،‬ول يقتصر العذار على‬
‫افتقاد مثل هذه النماذج‪ ،‬بل لعلنا نضيف أنه لول تقصير الولين و سوء فعلهم‬
‫ما كان إرثنا لهذه التركة من التخلف‪ ،‬و نقعد نندب سوء حظنا وننوح على‬
‫ك آَباؤَُنا‬ ‫شَر َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫قوُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫أحوالنا‪ ،‬و المولى سبحانه و تعالى يخاطبنا بقوله‪) :‬أ َوْ ت َ ُ‬
‫ل‪](...‬لعراف‪ :‬من الية ‪.[173‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫فنحن في الحالين ب َُرآء من الذنب براءة الذئب‪.‬‬
‫و يمتد بنا سوء الفهم‪ ،‬و يسافر معنا عبر مراحل الزمان‪ ،‬فنبحث عن أمة‪ ،‬بل‬
‫أمم في زماننا هذا تحمل عنا عبء البطالة و العنوسة و الفقر و تشويه‬
‫اللغة ‪...‬الخ‪ ،‬فلول العمالة الوافدة من شتى بقاع الرض‪ ،‬و لول الزواج من‬
‫المسلمات الجنبيات! و ننسى أنها أزمات تعاني منها منطقتنا العربية كلها‪،‬‬
‫َ‬ ‫بل العالم بأسره‪ ،‬و ننسى )وإن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫ن(‬ ‫قو ِ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬
‫مأ ّ‬ ‫َِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫ه‪ ،‬ردد مغربها صداه‪.‬‬ ‫ن مشرقها بآ ٍ‬
‫]المؤمنون‪ .[52:‬إن أ ّ‬
‫و هذا بدوره يقودنا لتلمس أزمة الفهم التي نعاني منها في تعاملنا مع‬
‫القرآن‪ ،‬ففي المة نهضة لحفظ كتاب الله ‪ K‬و ل شك أن ذلك خيٌر كبير‪،‬‬
‫وغ أن يصل بنا‬ ‫فهناك من يمتلكون موهبة الحفظ المتقن‪ ،‬و لكن هذا ل يس ّ‬
‫المر لممارسة عقوبة الضرب مثل ً و الحرمان مما يحبه الطفال ليستظهروا‬
‫اليات‪ ،‬و لكم ننتقد سياسة الحفظ كآلية معتمدة في مسيرة التعليم‪ ،‬و لكن‬
‫ل بأس من اعتمادها عند التعامل مع القرآن! و لننظر إلى ما يؤول إليه‬
‫الحال‪ ،‬و لنتدبر! انعكاس مهارات الحفظ على أخلقنا و تعاملتنا و اقتصادنا و‬
‫َ‬
‫ن(‬‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫سياستنا ‪....‬و عالميتنا! في زمان العولمة )وَ َ‬
‫]النبياء‪.[107:‬‬
‫نعيش أزمة فهم لماهية التربية من حيث أنها ثقافة تؤثر في السلوك‪ ،‬و‬
‫تقويم في التجاه الذي يحبه الله و يرضاه‪ ،‬مما يستلزم منا استمرارية ضخ‬
‫الكثير من القيم و المعاني في عقول الناشئة و وجدانهم فتتراكم و تترسخ‪ ،‬و‬
‫ل تكون يوما ً عرضة للمساومة ‪.‬‬
‫فليس من المفترض أن ننتظر حتى يكذب أولدنا لنبدأ في تعليمهم قيمة‬
‫الصدق‪ ،‬أو أخذهم ما ل يحل لهم لنشرع في تبيان الحلل و الحرام‪ ،‬وقد‬
‫نفعل ذلك من دون استصحاب أنهم مخلوقون لزمان غير زماننا‪ ،‬فل نعتمد‬
‫التجديد و الضافة لقيم و مفاهيم لنتناسق و نتناغم مع سنن التغيير و التطوير‬
‫في هذا الكون‪ ،‬فالشرع حاكم على العرف و المسلم منتج قبل أن يكون‬
‫مستهلكًا‪ ،‬و ما هو النتاج؟ و ما معنى التنمية؟ و كيف يكون التدريب و الذي‬
‫وصل نصيب الفرد الياباني منه في السنة ما يوازي )‪ (320‬دولرا ً و المريكي‬
‫)‪ (200‬دولر و العربي ‪ 1.5‬دولر؟* ‪ ،‬و عندها فلن نعثر على طفل في‬
‫العاشرة يرى أن امتلك هاتف نقال حق أصيل له‪ ،‬لماذا؟ ما الهدف؟ سوى‬
‫أن زملءه على هذا الحال‪ ،‬فيحكمه العرف دون الشرع الذي يربيه كي‬
‫يساهم في تحويل أمته من أمة مستهلكة إلى أمة منتجة‪ ،‬و أننا نتميز ل بما‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نملكه و إنما بما نكونه‪.‬‬


‫و الرجولة وفق التحديث اللزم و لكي تستعصي على المساومة‪ ،‬هي‬
‫الستعفاف و التزام وسطية الشرع عند استشراف الجمال فل تخضع لعرف‬
‫الفضائيات‪ ،‬و من ثم فلن نعثر على شاب يساهم في رفع أسهم أمته في‬
‫بورصة الستهلك عندما تنفق المرأة في منطقة الخليج و في عام واحد فقط‬
‫أربعة مليارات ريال على أدوات الزينة و التجميل**‪ ،‬غير ما ُينفق من الجهد و‬
‫الطاقة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫نعيش في أزمة فهم متبادلة بيننا و بين الغرب‪ ،‬و نطالبهم بما يتوجب علينا‬
‫أن نكون من أربابه‪ ،‬ل من أجلهم‪ ،‬و إنما من أجل أن العدل و النصاف من‬
‫ثوابتنا‬
‫ما أشد تعرض الجتهاد وفق الكتاب و السنة و من علماء أفاضل لتهمة‬
‫التعمد للمساس بالثوابت!!‬
‫و ما أهون التخلي عن هذه الثوابت عند تقييم الخر المخالف لنا في‬
‫ن قَوْم ٍ عََلى أ َّل ت َعْدُِلوا‪](...‬المائدة‪ :‬من الية ‪،[8‬‬
‫شَنآ ُ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫جرِ َ‬‫العقيدة!! )‪َ...‬ول ي َ ْ‬
‫و كأننا نخشى إنصافه‪ ،‬و الذي قد يكشف سوءات تقصيرنا في الخذ بزمام‬
‫العلم و التقدم والذي برع فيه و حاز السبق‪.‬‬
‫م ل نفعل؟ ألم نعش أزمة فهم عقودا ً طويلة كان شعارها "‪...‬و من‬ ‫و لِ َ‬
‫نافسك في الدنيا فألقها في نحره "!‬
‫و ها نحن قد ألقيناها بكل ما فيها دون تحقيق لسندٍ أو متن أو فتوى تتغير‬
‫زمانا ً و مكانًا‪ ،‬فما بال القوال المأثورة؟‬
‫ل نفرق بين إرادات الشعوب و الحكومات‪ ،‬فهم و بكل إصرار عندنا سواسية‬
‫و على نفس القدر من الفهم و الستيعاب‪ ،‬ما أرادوا بنا إل شرًا‪ ،‬و ما أضمروا‬
‫حيالنا إل السوء‪ ،‬و ما يكتب منهم و لو مفكر واحد أو عاِلم ما فيه إنصاف‬
‫للمسلمين‪ ،‬و ما يعكس رغبة الكثير منهم لمعرفة السلم‪ ،‬و الذي قد تجد‬
‫صورا ً لتطبيقه مما ينبئ عن رغبة هذه البشرية في العيش في أمن و أمان و‬
‫سعادة و سلم‪ ،‬فحين ُتنذر ُأم مسلمة في كندا بأخذ أولدها لتشرف على‬
‫لنها أهملت بتركهم بمفردهم‪ ،‬و هما في الثالثة‬ ‫رعايتهم الجهات المتخصصة؛ ِ‬
‫و الخامسة من أجل الذهاب لعملها‪ ،‬مما استلزم اتصال المدرسة الملحق بها‬
‫الثاني للستفسار عن سبب َتغيبه‪ ،‬و الذي كان بسبب مرض الول‪ ،‬و عدم‬
‫تمكن الم من المكوث بجانبه‪ ،‬فتذهب إحدى المسؤولت و تحصل على‬
‫مفتاح السكن‪ ،‬و الذي يتوجب ترك نسخة منه مع الحارس‪ ،‬و تقوم بإعداد‬
‫طعام الفطار‪ ،‬و رعاية الولد لحين عودة الم‪ ،‬و التي اعتذرت بعدم معرفتها‬
‫بقوانين البلد‪ ،‬أوَ لم تكن على علم بالشرع؟‬
‫أوَ ليس هذا من النظام الجميل و النضباط الذي يحبه السلم و يرضاه‬
‫لصلح البشر جميعًا؟‬
‫و حين يقر مجلس اللوردات البريطاني قانونا ً برفض الدلة التي ُتؤخذ تحت‬
‫التعذيب‪ ،‬أل يقرب هذا المسافات بيننا و بين تلك الشعوب‪ ،‬و تلك العقول‬
‫المنصفة؟! وكثير؛ فل يخلو مجتمع من خير و قيم و مثل‪ ،‬و ل ينفرد آخر‬
‫بالشر و الذى و العدوان‪.‬‬
‫ليست دعوة للتعاطف المطلق مع الغرب و تجاهل ما ترتكبه حكوماته في‬
‫بلد المسلمين‪ ،‬و إنما محاولة لرؤية أكثر وضوحا ً حتى ‪ -‬و مهما كانت‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الضغوط ‪ -‬ل ُتخدش ثوابتنا ‪.‬‬


‫و في سياق ذي صلة يمتد سوء الفهم فيتهيأ لبعضنا أن التحقير و التصغير‬
‫لمن اعتمدوا أفكارا ً ُتنسب إلى الحداثة و العلمانية و العصرانية ‪...‬الخ هو‬
‫السلوب المثل لمخاطبتهم‪ ،‬و لعل منهم الجاهل أو المتأول‪ ،‬و حتى لو كان‬
‫س تتألم‪ ،‬و إذا كان التوجيه اللهي بعدم‬ ‫متعمدًا‪ ،‬أوَ ليس من بين جوانحه نف ٌ‬
‫ن‬ ‫المبالغة في إلحاق الذى بالكافر المحارب )َول ت َهُِنوا ِفي اب ْت َِغاِء ال ْ َ‬
‫قوْم ِ إ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‪](...‬النساء‪ :‬من الية ‪ ،[104‬بل إن‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َأل َ ُ‬‫ن كَ َ‬‫مو َ‬ ‫م ي َأل َ ُ‬
‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َأل َ ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫حد ٌ ِ‬
‫نأ َ‬‫أراد سماع الحق فل تحقير و ل تصغير‪ ،‬و إنما )وَإ ِ ْ‬
‫استجار َ َ‬
‫ه‪](...‬التوبة‪ :‬من الية ‪ ،[6‬فما بال من ل‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫كل َ‬ ‫مع َ َ‬‫س َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬ ‫جْرهُ َ‬ ‫ك فَأ ِ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫يزال ينطق بالشهادتين‪ ،‬و إذا لم يأت فلماذا ل نذهب نحن‪ ،‬و نحن الكثر قوة‬
‫ب‪](...‬المائدة‪ :‬من الية ‪ ،[23‬و‬ ‫م ال َْبا َ‬
‫خُلوا عَل َي ْهِ ُ‬ ‫و ثقة بالحق الذي نملكه )‪...‬اد ْ ُ‬
‫ما كان أرفق و أجمل رد أحد علمائنا الكرام في مؤتمر الحوار الوطني بأبها‬
‫حين طالب أحدهم بفك الرتباط يبن النشاطات الخيرية و أعمال الغاثة فل‬
‫ُتحاصر بالسلم‪ ،‬فهذه أعمال إنسانية ل وطن لها و ل دين‪ ،‬فتأتي الحجة‬
‫الهادئة تقرع مثيلتها و تفندها‪ - ،‬ما صاحبها غمز و ل لمز و ل تحقير‪ ،‬وهكذا‬
‫كل من كان له نصيب من علم ٍ أو حكمة ‪ -‬و لماذا إذن ل تتكرر نفس الدعوة‬
‫من صاحبها بفك الرتباط المزمن بين النشاطات التبشيرية و أعمال الغاثة؟‬
‫أزمة الفهم التي نحياها تعكس سؤال ً ملحا ً ‪ ...‬لماذا هذه العلقة الحميمة بيننا‬
‫و بين سرعة الصطدام بالخر؟‬
‫أم هو اصطدام مع النفس؟!‬
‫فتكون أزمة الفهم التي يعاني منها المسلمون – و ما سبق كان على سيبل‬
‫المثال ل الحصر ‪ -‬هي فرع عن أزمة فهم مع النفس؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بأبي أنت وأمي يا رسول الله (‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عائض بن عبدالله القرني‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ظيم ٍ (‬
‫ق عَ ِ‬ ‫ك ل ََعلى ُ ُ‬
‫) وَإ ِن ّ َ‬
‫خل ٍ‬
‫م‬
‫صلى عليك الله يا علم الهدى )( واستبشرت بقدومك اليا ُ‬
‫م‬
‫هتفت لك الرواح من أشواقها )( وازينت بحديثك القل ُ‬
‫م ‪ ،‬إذا ذكرته‬‫ّ‬ ‫ع‬ ‫سورة‬ ‫مى ‪ ،‬وهو النبي العظيم في‬ ‫ما أحسن السم والمس ّ‬
‫هّلت الدموع السواكب ‪ ،‬وإذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب ‪.‬‬
‫م‬
‫عرى الصبر الجميل تفص ُ‬ ‫وكنت إذا ما اشتد ّ بي الشوق والجوى )( وكادت ُ‬
‫ُأعّلل نفسي بالتلقي وقربه )( وأوهمها لكّنها تتوهم‬
‫المتعبد في غار حراء ‪ ،‬صاحب الشريعة الغراء ‪ ،‬والملة السمحاء ‪ ،‬والحنيفية‬
‫البيضاء ‪ ،‬وصاحب الشفاعة والسراء ‪ ،‬له المقام المحمود ‪ ،‬واللواء المعقود ‪،‬‬
‫والحوض المورود ‪ ،‬هو المذكور في التوراة والنجيل ‪ ،‬وصاحب الغرة‬
‫والتحجيل ‪ ،‬والمؤيد بجبريل ‪ ،‬خاتم النبياء ‪ ،‬وصاحب صفوة الولياء ‪ ،‬إمام‬
‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك ِإل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫الصالحين ‪ ،‬وقدوة المفلحين ) وَ َ‬
‫ظماُء )( والفضا والنجوم والضواُء‬ ‫السماوات شّيقات ِ‬
‫كلها لهفة إلى العَلم الها )( دي وشوق لذاته واحتفاُء‬
‫تنظم في مدحه الشعار ‪ ،‬وتدبج فيه المقامات الكبار ‪ ،‬وتنقل في الثناء عليه‬
‫السير والخبار ‪ ،‬ثم يبقى كنزا ً محفوظا ً ل يوّفيه حقه الكلم ‪ ،‬وعلما ً شامخا ً ل‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تنصفه القلم ‪ ،‬إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ‪ ،‬وبحثنا عن الكلمات ‪،‬‬
‫وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر‪ ،‬بكل حديث عاطر ‪ ،‬وجاش الفؤاد ‪ ،‬بالحب‬
‫والوداد ‪ ،‬ونسيت النفس همومها ‪ ،‬وأغفلت الروح غمومها ‪ ،‬وسبح العقل في‬
‫ملكوت الحب ‪ ،‬وطاف القلب بكعبة القرب ‪ ،‬هو الرمز لكل فضيلة ‪ ،‬وهو قبة‬
‫الفلك للخصال الجميلة ‪ ،‬وهو ذروة سنام المجد لكل خلل جليلة ‪.‬‬
‫مرحبا ً بالحبيب والريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ‪،‬‬
‫وتسابقت المشاهد والمقالت ‪.‬‬
‫صلى الله على ذاك القدوة ما أحله ‪ ،‬وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ‪ ،‬وبارك‬
‫م المة الصدق وكانت في صحراء‬ ‫الله على ذاك السوة ما أكمله وأعله ‪ ،‬عل ّ َ‬
‫الكذب هائمة ‪ ،‬وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ‪ ،‬وقادها‬
‫إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة ‪.‬‬
‫ب طفل الهدى المحبوب متشحا ً )( بالخير متزرا بالنور والنار‬
‫ً‬ ‫وش ّ‬
‫في كفه شعلة تهدي وفي دمه )( عقيدة تتحدى كل جباِر‬
‫كانت المة قبله في سبات عميق ‪ ،‬وفي حضيض من الجهل سحيق ‪ ،‬فبعثه‬
‫الله على فترة من المرسلين ‪ ،‬وانقطاع من النبيين ‪ ،‬فأقام الله به الميزان ‪،‬‬
‫وأنزل عليه القرآن ‪ ،‬وفرق به الكفر والبهتان ‪ ،‬وحطمت به الوثان‬
‫ددون ويغلطون ‪ ،‬لكن‬ ‫والصلبان ‪ ،‬للمم رموز يخطئون ويصيبون ‪ ،‬ويس ّ‬
‫رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ‪ ،‬محفوظ من الخلل ‪ ،‬سليم‬
‫ن هو إل‬ ‫من العلل ‪ ،‬عصم قلبه من الزيغ والهوى ‪ ،‬فما ضل أبدا ً وما غوى ‪) ،‬إ ْ‬
‫وحي يوحى( ‪.‬‬
‫للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ‪ ،‬ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة‬
‫موسومين ‪ ،‬أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من النحراف ‪ ،‬محفوف بالعناية‬
‫واللطاف ‪.‬‬
‫قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ‪ ،‬وعساكر ترفع الولء مؤيدة‪،‬‬
‫وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ‪ ،‬وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ‪،‬‬
‫وخدم في راحتهم معبدة‪.‬‬
‫مد عليه الصلة والسلم فغاية مطلوبه ‪ ،‬ونهاية مرغوبه ‪ ،‬أن ُيعبد الله‬ ‫أما مح ّ‬
‫ً‬
‫فل ُيشرك معه أحد ‪ ،‬لنه فرد صمد )لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد(‬
‫‪.‬‬
‫يسكن بيتا ً من الطين ‪ ،‬وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ‪ ،‬يلبس‬
‫القميص المرقوع ‪ ،‬ويربط على بطنه حجرين من الجوع ‪ ،‬والمدائن ُتفَتح‬
‫بدعوته ‪ ،‬والخزائن ُتقسم لمته ‪.‬‬
‫دل حالها‬ ‫إن البرية يوم مبعث أحمدٍ )( نظر الله لها فب ّ‬
‫بل كّرم النسان حين اختار من )( خير البرية نجمها وهللها‬
‫سرت أغللها‬ ‫لبس المرقع وهو قائد أمةٍ )( جبت الكنوز وك ّ‬
‫لما رآها الله تمشي نحوه )( ل تبتغي إل رضاه سعى لها‬
‫ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم‬
‫ت يا حامل‬ ‫أقول للشمس أهل ً يا كاشفة الظلماء ‪ ،‬أم أقول للسحاب َ‬
‫سِلم َ‬
‫الماء ؟‬
‫اسلك معه حيثما سلك ‪ ،‬فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف‬
‫عنها هلك ‪ ،‬نزل بّز رسالته في غار حراء ‪ ،‬وبيع في المدينة ‪ ،‬وفصل في بدر ‪،‬‬
‫فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ‪ ،‬ويا خسارة من خلعه فتعس‬
‫وانتكس ‪ ،‬إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فل تشرب ‪ ،‬وإذا لم يكن الفرس‬
‫وما ً على علمته فل تركب ‪ ،‬بلل بن رباح صار باّتباعه سيدا ً بل نسب ‪،‬‬ ‫مس ّ‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وماجدا ً بل حسب ‪ ،‬وغني ّا ً بل فضة ول ذهب ‪ ،‬أبو لهب عمه لما عصاه خسر‬
‫ب ‪) ،‬سيصلى نارا ً ذات لهب( ‪.‬‬ ‫وت ّ‬
‫الفرس والروم واليونان إن ذكروا )( فعند ذكرك أسمال على قزم‬
‫ق هائمة )( وأنت لوحك محفوظ من التهم ِ‬ ‫مقوا لوحة بالّر ِ‬
‫هم ن ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خُلق عظيم ‪ ،‬وإنك لعلى نهج‬ ‫وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ‪ ،‬وإنك لعلى ُ‬
‫ل لن‬ ‫ل ‪ ،‬فما ض ّ‬ ‫ل ‪ ،‬وما ك ّ‬‫ل ‪ ،‬وما م ّ‬‫ل ‪ ،‬وما غ ّ‬‫ل ‪ ،‬وما ذ ّ‬ ‫ل ‪ ،‬وما ز ّ‬‫قويم ‪ ،‬ما ض ّ‬
‫ل لن العصمة ترعاه ‪ ،‬والله أيده‬ ‫الله هاديه‪ ،‬وجبريل يكلمه ويناديه ‪ ،‬وما ز ّ‬
‫ل لنه صاحب أمانة ‪،‬‬ ‫ل لن النصر حليفه ‪ ،‬والفوز رديفه ‪ ،‬وما غ ّ‬ ‫وهداه ‪ ،‬وما ذ ّ‬
‫ل لن‬ ‫شرح له الصدر ‪ ،‬وما ك ّ‬ ‫ُ‬
‫ل لنه أعطي الصبر ‪ ،‬و ُ‬ ‫وصيانة ‪ ،‬وديانة‪ ،‬وما م ّ‬
‫ً‬
‫له عزيمة ‪ ،‬وهمة كريمة ‪ ،‬ونفسا طاهرة مستقيمة ‪.‬‬
‫كأنك في الكتاب وجدت لًء )( محرمة عليك فل تح ّ‬
‫ل‬
‫س )( وإن حل المصيف فأنت ظ ّ‬
‫ل‬ ‫إذا حضر الشتاء فأنت شم ٌ‬
‫صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ‪ ،‬وأرفع ذكره ‪ ،‬وأعظم قدره ‪،‬‬
‫وأنفذ أمره ‪ ،‬وأعلى شرفه ‪ ،‬وأربح صفقة من آمن به وعرفه ‪ ،‬مع سعة الفناء‬
‫ظم الناء ‪ ،‬وكرم الباء ‪ ،‬فهو محمد الممجد ‪ ،‬كريم المحتد ‪ ،‬سخي اليد ‪،‬‬ ‫ع َ‬
‫‪،‬و ِ‬
‫كأن اللسنة والقلوب ريضت على حبه ‪ ،‬وأنست بقربه ‪ ،‬فما تنعقد إل على‬
‫وده ‪ ،‬ول تنطق إل بحمده ‪ ،‬ول تسبح إل في بحر مجده ‪.‬‬
‫س‬
‫نور العرارة نوره ونسيمه )( نشر الخزامى في اخضرار ال ِ‬
‫س‬
‫وعليه تاج محبة من ربه )( ما صيغ من ذهب ول من ما ِ‬
‫إن للفطر السليمة ‪ ،‬والقلوب المستقيمة ‪ ،‬حبا ً لمنهاجه ‪ ،‬ورغبة عارمة‬
‫سُبل‬‫لسلوك فجاجه‪ ،‬فهو القدوة المام ‪ ،‬الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه ُ‬
‫السلم ‪.‬‬
‫ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬علم اللسان الذكر ‪ ،‬والقلب الشكر ‪ ،‬والجسد الصبر ‪،‬‬
‫والنفس الطهر ‪ ،‬وعّلم القادة النصاف ‪ ،‬والرعية العفاف ‪ ،‬وحبب للناس‬
‫عيش الكفاف ‪ ،‬صبر على الفقر ‪ ،‬لنه عاش فقيرا ‪ ،‬وصبر على جموع الغنى‬
‫لنه ملك ملكا ً كبيرا ‪ُ ،‬بعث بالرسالة ‪ ،‬وحكم بالعدالة ‪ ،‬وعّلم من الجهالة ‪،‬‬
‫وهدى من الضللة ‪ ،‬ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ‪ ،‬وصعد في‬
‫سّلم الفضل حتى حاز كل فضيلة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أتاك رسول المكرمات مسلما ً )( يريد رسول الله أعظم متقي‬
‫فأقبل يسعى في البساط فما درى )( إلى البحر يسعى أم إلى الشمس‬
‫يرتقي‬
‫هذا هو النور المبارك يا من أبصر ‪ ،‬هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ‪ ،‬هذا‬
‫الذي أنذر وأعذر ‪ ،‬وبشر وحذر ‪ ،‬وسهل ويسر ‪ ،‬كانت الشهادة صعبة فسّهلها‬
‫من أتباعه مصعب ‪ ،‬فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ‪ ،‬ومن مورده‬
‫يشرب ‪ ،‬وكان الكذب قبله في كل طريق ‪ ،‬فأباده بالصديق ‪ ،‬من طلبه أبو‬
‫بكر الصديق ‪ ،‬وكان الظلم قبل أن يبعث متراكما ً كالسحاب ‪ ،‬فزحزحه‬
‫بالعدل من تلميذه عمر بن الخطاب ‪ ،‬وهو الذي ربى عثمان ذا النورين ‪،‬‬
‫وصاحب البيعتين ‪ ،‬واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ‪ ،‬وهو إمام علي‬
‫حيدرة ‪ ،‬فكم من كافر عفّره ‪ ،‬وكم من محارب نحره ‪ ،‬وكم من لواء للباطل‬
‫مٌر مستنفرة ‪ ،‬فّرت من قسوره ‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫كسره ‪ ،‬كأن المشركين أمامه ُ‬
‫ضْر‬‫ح َ‬
‫إذا كان هذا الجيل أتباع نهجه )( وقد حكموا السادات في البدو وال َ‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قمْر‬ ‫فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم )( مع نوره ل تذكر الشمس وال َ‬
‫كانت الدنيا في بلبل الفتنة نائمة ‪ ،‬في خسارة ل تعرف الربح ‪ ،‬وفي اللهو‬
‫ي على الفلح ‪ ،‬فاهتزت القلوب ‪ ،‬بتوحيد علمّ‬ ‫هائمة‪ ،‬فأّذن بلل بن رباح ‪ ،‬بح ّ‬
‫الغيوب ‪ ،‬فطارت المهج تطلب الشهادة ‪ ،‬وسّبحت الرواح في محراب‬
‫العبادة ‪ ،‬وشهدت المعمورة لهم بالسيادة ‪.‬‬
‫ة‬
‫كل المشارب غير النيل آسن ٌ‬
‫ن‬
‫وكل أرض سوى الزهراء قيعا ُ‬
‫ل ُتنحُر النفس إل عند خيمته‬
‫ن‬‫فالموت فوق بلط الحب رضوا ُ‬
‫أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ‪ ،‬وعلى الظمأ كالغيث المدرار ‪ ،‬فهّز‬
‫بسيوفه رؤوس المشركين هّزا ً ‪ ،‬لن في الرؤوس مسامير اللت والعُّزى ‪،‬‬
‫عظمت بدعوته المنن ‪ ،‬فإرساله إلينا أعظم مّنة ‪ ،‬وأحيا الله برسالته السنن ‪،‬‬
‫فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة ‪ .‬تعّلم اليهود العلم فع ّ‬
‫طلوه عن‬
‫العمل ‪ ،‬ووقعوا في الزيغ والزلل ‪ ،‬وعمل النصارى بضلل ‪ ،‬فعملهم عليهم‬
‫وبال ‪ ،‬وبعث عليه الصلة والسلم بالعلم المفيد ‪ ،‬والعلم الصالح الرشيد ‪.‬‬
‫أخوك عيسى دعا مْيتا ً فقام له‬
‫وأنت أحييت أجيال ً من الرمم ِ‬
‫قحطان عدنان حازوا منك عّزتهم‬
‫بك التشرف للتاريخ ل بهم ِ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫بإيمانك اخاطبك‬
‫أختاه يا فتاة بلدي اسمحي لي أن أخاطبك بكلمات واللم يعتصر قلبي‬
‫أخاطبك و استحلفك بالله الذي اوجدك من العدم إلى إنسان يحس و يشعر‬
‫كيف و كيف أصبحت ؟‬
‫ألم تقرئي قوله تعالى ) يا ايها النبي قل لزواجك و بناتك ونساء المؤمنين‬
‫يدنين عليهن من جلبيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فل يؤذين وكان الله غفورا‬
‫رحيما (‬
‫إنك يوم تكشفين عن وجهك و يذهب ماؤه وحياؤه ستكشفين لهم عن رأسك‬
‫وصدرك ثم عن ساقيك وأكثر من ذلك ‪.‬‬
‫إن أعداء السلم ل يشكون ول يرتابون في هذا منك أبدا لن التجارب قد‬
‫سبقت مع مثلك من الفتيات في وقت كان اليمان أعمق جذورا في النفس و‬
‫الحياء أكثر سيطرة على الروح و الوجدان‬
‫اعلمي هداك الله إنك اليوم بحجابك متوسل إليك مخطوبة و غدا يوم ترمين‬
‫الحجاب كما يريد لك المغرورون بك تصبحين أنت المتوسلة للزواج الخاطبة‬
‫لهم‬
‫إنك اليوم بحجابك و طهرك تخدمين في قصرك وتوفر لك جميع حاجاتك وغدا‬
‫يوم تتخلصين من الحجاب كما يحب عملء الماسونية الذناب تخدمين غير‬
‫زوجك و أبي أولدك و توفرين له ما يحتاج إليه‬
‫إنك اليوم مرموقة يتطلع إليك و غدا يوم تتركين الحجاب تصبحين رامقة‬
‫متطلعة تعرضين نفسك لعل هناك من يقبل عليك ول أحسبك واجدة غير نذل‬
‫و عربيد يعبث بك أياما ثم يرمي بك كالخرقة البالية لترفعين‬
‫إنك اليوم بحجابك تتمتعين باحترام والديك و كل قريب إليك و غدا يوم‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تنسلخين من الحجاب تصبحين محتقرة مدفوعة بالبواب‬


‫أنك اليوم بحجابك تشعرين بايمانك و كرامتك و غدا يوم تنكرين للحجاب‬
‫ستفقدين حتما ما تشعرين به اليوم من رفعة الكرامة و عزة اليمان‬
‫إنك اليوم بحجابك واجدة إسلمك و إيمانك و حيائك و غدا يوم تكفرين‬
‫بالحجاب ل تجدين حياء بوجهك ول إيمانا في قلبك سنة الله فيمن مضين‬
‫قبلك ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫باب بيان ما هو العلم الفرض‬


‫ل‪:‬‬ ‫ك رضي الله عنه َقا َ‬ ‫ن مال ٍ‬ ‫سب ِ‬ ‫أخرج ابن ماجة في "سننه" بسنده عن أن ِ‬
‫ُ‬
‫ة عَلى ك ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫ب العِلم ِ فَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ » -‬طل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫سل ِم ٍ «)‪.(1‬‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ولما كان الفهم عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم مشروطا ً‬
‫فيه أن يكون على مرادِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ل على حسب‬
‫ظ به الرسول صلى‬ ‫ف َ‬ ‫ظ الذي تل ّ‬ ‫ل اللف ِ‬ ‫الهواء ‪ ,‬كان ِلزاما ً أن ُينظر في مدلو ِ‬
‫ظ على مراد الرسول صلى الله عليه‬ ‫م اللف ِ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ,‬حتى يكون فه ُ‬
‫وسلم ‪ ,‬لذلك ننظر ‪ -‬إن شاء الله ‪ -‬في معنى ‪" :‬الواجب"‪ ,‬وفي معنى ‪:‬‬
‫"الفرض"‪ ,‬ثم ننظر ‪ -‬إن شاء الله ‪ -‬في معنى "فرض العين"‪ ,‬وفي معنى ‪:‬‬
‫"فرض الكفاية"‪,‬حتى نكون على بّينةٍ من المر ‪.‬‬
‫م‬‫ب في الصطلح ‪ :‬ما ُيمدح فاعُله‪ ,‬وي ُذ َ ّ‬ ‫ه ‪ " :‬الواج ُ‬ ‫ي رحمه الل ُ‬ ‫قال الشوكان ّ‬
‫كه‪ ,‬على بعض الوجوه‪ ,‬ويرادُفه الفرض عند الجمهور‪ ,‬وقيل ‪ :‬الفرض ما‬ ‫تار ُ‬
‫كان دليله قطعّيا‪ ,‬والواجب ما كان دليله ظنّيا‪ ,‬والول أولى")‪.(2‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫م‪ ,‬بحيث ي ُذ َ ّ‬ ‫َ‬
‫فالفرض عند الجمهور هو ما طلب الشارع فعله على وده اللزو ِ‬
‫ب)‪.(3‬‬ ‫ب‪ ,‬ويمدح فاعُله ومع المدِح الثوا ُ‬ ‫م العقا ُ‬ ‫كه‪ ,‬ومع الذ ّ‬ ‫تار ُ‬
‫ب عيني‪ ,‬وواجب‬ ‫والواجب ‪ -‬وهو الفرض عند الجمهور ‪ -‬ينقسم على ‪ " :‬واج ٍ‬
‫ل;‬ ‫ي هو ‪ :‬ما ينظر فيه الشارع إلى ذات الفاع ِ‬ ‫على الكفاية ‪ ,‬فالواجب العين ّ‬
‫ة اللهِ عّز وج ّ‬
‫ل‬ ‫ص تلزمه بعينه طاع ُ‬ ‫ل شخ ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫كالصلة والزكاة والصوم‪ ,‬ل ّ‬
‫ن{ ]الذاريات ‪.[56 :‬‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫لن َ‬ ‫ْ‬
‫ن َوا ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫لقوله تعالى ‪} :‬وَ َ‬
‫ل‪,‬‬ ‫وأما الواجب على الكفاية فضابطه أنه ما ينظر فيه الشارعُ إلى نفس الفع ِ‬
‫ن الميت‪ ,‬وإنقاذِ الغريق ونحو ذلك‪ ,‬فإن الشارعَ‬ ‫ه؛ كدف ِ‬ ‫بقطع النظرِ عن فاعل ِ ِ‬
‫ق‪ ,‬إذ ل فرقَ عنده‬ ‫َ‬ ‫الغري‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ينق‬ ‫أو‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫المي‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫يدف‬ ‫الذي‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫الشخ‬ ‫ن‬‫لم ينظر إلى عي ِ‬
‫ن أو‬ ‫ل الذي هو الدف ُ‬ ‫س الفع ِ‬ ‫رو‪ ,‬وإنما ينظر إلى نف ِ‬ ‫في ذلك بين زيد ٍ وعم ٍ‬
‫النقاذ ُ مثل ً ")‪.(4‬‬
‫ف‪ ,‬أي‪ :‬هو ما‬ ‫ل مكل ّ ٍ‬ ‫ب اللزم إلى ك ّ‬ ‫جه فيه الطل ُ‬ ‫ي‪ :‬هو ما تو ّ‬ ‫فالواجب العين ّ‬
‫ض‬ ‫ّ‬ ‫طلب الشارع ُ حصوله من ك ّ‬
‫م البع ِ‬ ‫ل واحد ٍ من المكلفين‪ ,‬فل يكفي فيه قيا ُ‬
‫ن قصد َ الشارع في‬ ‫ه؛ ل ّ‬ ‫ف منه إل بأدائ ِ ِ‬ ‫ّ‬
‫ة المكل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ر‪ ,‬ول تبرأ ذِ ّ‬ ‫ض الخ ِ‬ ‫دون البع ِ‬
‫م يأثم تاركه ويلحقه‬ ‫ُ‬ ‫ف‪ ,‬ومن ث َ ّ‬ ‫ّ‬
‫ل مكل ٍ‬ ‫قق‪ ,‬إل إذا فعله ك ّ‬ ‫هذا الواجب‪ ,‬ل يتح ّ‬
‫م غيره به‪.‬‬ ‫ب‪ ,‬ول ُيغني عنه قيا ُ‬ ‫العقا ُ‬
‫ة‪,‬‬ ‫سه‪ ,‬ومثاله‪ :‬الصل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل نف ُ‬ ‫سه والفاع ُ‬ ‫ل نف ُ‬ ‫فالمنظوُر إليه في هذا الواجب‪ :‬الفع ُ‬
‫قه‪.‬‬ ‫ل ذي حقّ ح ّ‬ ‫م‪ ,‬والوفاُء بالعقوِد‪ ,‬وإعطاُء ك ّ‬ ‫والصيا ُ‬
‫ّ‬
‫ب على الكفاية‪ :‬هو ما طلب الشارع ُ حصوله من جماعةِ المكلفين‪ ,‬ل‬ ‫ُ‬ ‫والواج ُ‬
‫ل‬
‫ة‪ ,‬أي‪ :‬إيجاد ُ الفع ِ‬ ‫ن مقصود َ الشارِع حصوله من الجماع ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل فرد ٍ منهم؛ ل ّ‬ ‫من ك ّ‬
‫ن فعلَ‬ ‫ض عن الباقيين؛ ل ّ‬ ‫ض سقط الفر ُ‬ ‫ف‪ ,‬فإذا فعله البع ُ‬ ‫ّ‬
‫ل ابتلُء المكل ِ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪,‬وإذا لم‬ ‫ك بهذا العتبارِ فاع ً‬ ‫ر‪ ,‬فكان التار ُ‬ ‫ض الخ ِ‬ ‫ل البع ِ‬ ‫م فع ِ‬ ‫ض يقوم مقا َ‬ ‫البع ِ‬
‫َ‬
‫ب على إيجادِ‬ ‫ب منص ّ‬ ‫ب في هذا الواج ِ‬ ‫م جميعُ القادرين‪ .‬فالطل ُ‬ ‫يقم به أحد ٌ أث ِ َ‬
‫ُ‬
‫ي فالمقصود ُ تحصيل الفعل‪,‬‬ ‫ب العين ّ‬ ‫ما في الواج ِ‬ ‫ن‪ ,‬وأ ّ‬ ‫ل معي ّ ٍ‬ ‫ل ل على فاع ٍ‬ ‫الفع ِ‬
‫ي؛ لنه‬ ‫ّ‬ ‫الكفائ‬ ‫الواجب‬ ‫يحصل‬ ‫لم‬ ‫إذا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫الجمي‬ ‫يأثم‬ ‫وإنما‬ ‫ف‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫مك‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫ولكن‬
‫ل عليه أن يفعله‪ ,‬والعاجُز عنه‬ ‫ة‪ ,‬فالقادر على الفع ِ‬ ‫مطلوب من مجموِع الم ِ‬
‫ب كان ذلك‬ ‫ث القادَر‪ ,‬ويحمله على فعله‪ ,‬فإذا لم يحصل الواج ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫عليه أن ي َ ُ‬
‫ز‪ ,‬لنه لم يحمل‬ ‫تقصيًرا من الجميِع‪ :‬من القادِر‪ ,‬لنه لم يفعله‪ ,‬ومن العاج ِ‬
‫القادَر على فعل ِهِ ويحّثه عليه)‪.(5‬‬
‫ب الكفايةِ إلى أن يكون واجًبا عينّيا‪ ,‬فلو كانت البلد ُ مضطرةً‬ ‫وقد يؤول واج ُ‬
‫ي‬
‫ب كفائ ّ‬ ‫ن توليه واج ٌ‬ ‫ّ‬ ‫إلى قاضيين‪ ,‬وكان هناك عشرة ٌ يصلحون للقضاِء؛ فإ ّ‬
‫ة‪.‬‬ ‫على العشر ِ‬
‫ما إن لم يكن هناك غيُر اثنين‪ ,‬فإنه يكون واجًبا عينّيا عليهما)‪.(6‬‬ ‫وأ ّ‬
‫س‬‫ث أن ٍ‬ ‫َرجعٌ إلى حدي ِ‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪» -‬‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬قا َ‬ ‫َ‬
‫س رضي الله عنه قا َ‬ ‫عن أن ٍ‬
‫سل ِم ٍ «‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ة عَلى كل ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫ب ال ْعِلم ِ ف ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ط َل َ ُ‬
‫ه في كتاب "جامع بيان العلم"‪ ,‬بعد أن روى هذا‬ ‫قال ابن عبد البّر رحمه الل ُ‬
‫ن من العلم ِ ما هو‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫على‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫العلما‬ ‫أجمع‬ ‫"قد‬ ‫ذكرها‪:‬‬ ‫ق‬
‫عد ّةِ طر ٍ‬ ‫ث من ِ‬ ‫الحدي َ‬
‫ة‬
‫ض على الكفاي ِ‬ ‫سه‪ ,‬ومنه ما هو فر ٌ‬ ‫صة نف ِ‬ ‫ئ في خا ّ‬ ‫ل امر ٍ‬ ‫ن على ك ّ‬ ‫ض متعي ّ ٌ‬ ‫فر ٌ‬
‫ص‬‫ل ذلك الموضِع‪ ,‬واختلفوا في تلخي ِ‬ ‫ضه عن أه ِ‬ ‫م سقط فر ُ‬ ‫إذا قام به قائ ٌ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ة‬
‫جمل ِ‬ ‫ن جهله من ُ‬‫ُ‬ ‫ضه من ذلك‪ :‬ما ل يسعُ النسا َ‬ ‫والذي يلزم الجميعَ فر ُ‬
‫ن الله‬ ‫ن والقراُر بالقلب بأ ّ‬ ‫ض المفتَرضةِ عليه‪ ,‬نحو‪ :‬الشهادةُ باللسا ِ‬ ‫الفرائ ِ‬
‫وا‬‫ف ً‬ ‫ُ‬
‫ل‪ ,‬لم يلد ولم ُيولد ولم يكن له ك ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ه له ول ِ‬ ‫شب ْ َ‬ ‫وحده ل شريك له‪ ,‬ول ِ‬
‫ي الذي ل‬ ‫ت‪ ,‬الح ّ‬ ‫ل شيٍء‪ ,‬المحيي الممي ُ‬ ‫ل شيٍء‪ ,‬وإليه مرجعُ ك ّ‬ ‫د‪ ,‬خالقُ ك ّ‬ ‫أح ٌ‬
‫ت‪.‬‬ ‫يمو ُ‬
‫ه‪ ,‬ليس لّولّيته‬ ‫ل السنةِ أنه لم يزل بصفات ِهِ وأسمائ ِ ِ‬ ‫ة أه ِ‬ ‫والذي عليه جماع ُ‬
‫ش استوى‪.‬‬ ‫ابتداٌء‪ ,‬ول لخريت ِهِ انقضاٌء‪ ,‬وهو على العر ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫ه‪,‬‬ ‫م أنبيائ ِ ِ‬ ‫ه‪ ,‬وخات ُ‬ ‫دا صلى الله عليه وسلم عبد ُهُ ورسول ُ ُ‬ ‫ن محم ً‬ ‫والشهادةُ بأ ّ‬
‫ل‬‫ِ‬ ‫له‬ ‫الخرة‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫والخلو‬ ‫ل‪,‬‬
‫ِ‬ ‫بالعما‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫للمجازا‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫المو‬ ‫يغد‬ ‫ث‬
‫ّ‬ ‫البع‬ ‫ن‬
‫ق‪ ,‬وأ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ل الشقاوةِ بالكفرِ والجحودِ في‬ ‫ة‪ ,‬وله ِ‬ ‫ن والطاعةِ في الجن ِ‬ ‫السعادةِ باليما ِ‬
‫ن‬
‫ه‪ ,‬وما فيه حقّ من عند اللهِ يجب اليما ُ‬ ‫م الل ِ‬ ‫ن كل ُ‬ ‫ن القرآ َ‬ ‫ق‪ ,‬وأ ّ‬ ‫السعير ح ّ‬
‫ض‪ ,‬ويلزمه من علمها‬ ‫س فر ٌ‬ ‫ت الخم َ‬ ‫ن الصلوا ِ‬ ‫ه‪ ,‬وأ ّ‬ ‫م ِ‬‫حك َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫بجميعِهِ واستعما ِ‬
‫ض‪,‬‬
‫م رمضان فر ٌ‬ ‫ن صو َ‬ ‫م إل به من طهارتها وسائرِ أحكامها‪ ,‬وأ ّ‬ ‫م ما ل تت ّ‬ ‫عل ُ‬
‫ل وقدرةٍ على‬ ‫م إل به‪ ,‬وإن كان ذا ما ٍ‬ ‫مه وما ل يت ّ‬ ‫سد ُ صو َ‬ ‫م ما ُيف ِ‬ ‫ه عل ُ‬‫م ُ‬‫وي َل َْز ُ‬
‫ب‪,‬‬‫ب وفي كم تج ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة ُ ومتى ت َ ِ‬ ‫ج لزمه فر ً‬ ‫الح ّ‬
‫ض مّرةً واحدة ً في دهرِهِ إن استطاع إليه‬ ‫ج عليه فر ٌ‬ ‫ن الح ّ‬ ‫ويلزمه أن يعلم بأ ّ‬
‫م الزنا‬ ‫مل َِها ول ُيعذر بجهلها‪ ,‬نحو‪ :‬تحري ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ة ُ‬ ‫ه معرف ُ‬ ‫م ُ‬
‫ل‪ ,‬إلى أشياَء يلز ُ‬ ‫سبي ً‬
‫ة‬
‫ب والّرشو ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫س كّلها والغَ ْ‬ ‫ل الميتةِ والنجا ِ‬ ‫م الخمرِ والخنزيرِ وأك ِ‬ ‫والربا‪ ,‬وتحري ُ‬
‫ب من‬ ‫طي ٍ‬‫ل وبغيرِ ِ‬ ‫س بالباط ِ‬ ‫ل النا ِ‬ ‫ل أموا ِ‬ ‫على الحكم ِ والشهادةِ بالّزورِ وأك ِ‬
‫ّ‬
‫م الظلم ِ كله‪,‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ه‪ ,‬وتحري ُ‬ ‫مث ْل ِ ِ‬‫ب في ِ‬ ‫َ‬
‫ح فيه ول ي ُْرغ ُ‬ ‫شا ّ‬ ‫سهم إل إذا كان شيًئا ل ي ُت َ َ‬ ‫أنف ِ‬
‫ة‬
‫س المؤمن ِ‬ ‫ل النف ِ‬ ‫م قت ِ‬ ‫ن‪ ,‬وتحري ُ‬ ‫ن ُذكر معه ّ‬ ‫م ْ‬ ‫تو َ‬ ‫ت والخوا ِ‬ ‫م نكاِح المها ِ‬ ‫وتحري ُ‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة عليه‪.‬‬ ‫ب به وأجمعت الم ُ‬ ‫ل هذا كّله مما قد نطقَ الكتا ُ‬ ‫ق‪ ,‬وما كان مث َ‬ ‫بغيرِ ح ّ‬
‫س إياه‪ ,‬وفتواهم به في مصالِح‬ ‫قهِ فيه وتعليم ِ النا ِ‬ ‫ثم سائُر العلم ِ وطلِبه والتف ّ‬
‫م‬‫ضه‪ ,‬فإذا قام به قائ ٌ‬ ‫ض على الكفايةِ يلزم الجميع فر ُ‬ ‫دينهم ودنياهم فهو فر ٌ‬
‫جت ُُهم فيه قو ُ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫وح‬ ‫ذلك‪,‬‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫العلما‬ ‫بين‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫خل‬ ‫ل‬ ‫الباقين‪,‬‬ ‫ضه عن‬ ‫سقط فر ُ‬
‫ن‬
‫دي ِ‬ ‫قُهوا ْ ِفي ال ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫ة ل ّي َت َ َ‬ ‫ف ٌ‬‫طآئ ِ َ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل فِْرقَةٍ ّ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫فَر ِ‬ ‫ل‪} :‬فَل َوْل َ ن َ َ‬ ‫اللهِ عّز وج ّ‬
‫ن{ ]التوبة ‪.[122 :‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جُعوا ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫وَل ُِينذُِروا ْ قَوْ َ‬
‫ل‪ ,‬ثم ينصرفون فيعلمون غيرهم‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫ض دون الك ّ‬ ‫فألزم النفيَر في ذلك البع َ‬
‫ب‪ :‬الواحد ُ فما فوقه")‪.(7‬‬ ‫ن العر ِ‬ ‫ة في لسا ِ‬ ‫والطائف ُ‬
‫ب‬‫س رضي الله عنه في فرضيةِ طل ِ‬ ‫ث أن ٍ‬ ‫ه حدي َ‬ ‫وقد ساق ابن قدامة رحمه الل ُ‬
‫س في ذلك‪:‬‬ ‫ف رحمه الله تعالى‪ :‬اختلف النا ُ‬ ‫م‪ ,‬ثم قال‪" :‬قال المصن ّ ُ‬ ‫العل ِ‬
‫م‪.‬‬ ‫ل والحرا ُ‬ ‫ه؛ إذ به ُيعرف الحل ُ‬ ‫م الفق ِ‬ ‫فقال الفقهاُء‪ :‬هو عل ُ‬
‫ل إلى‬ ‫ص ُ‬ ‫ة؛ إذ بهما ي ُت َوَ ّ‬ ‫ب والسن ّ ِ‬ ‫دثون‪ :‬هو علم الكتا ِ‬ ‫سرون والمح ّ‬ ‫وقال المف ّ‬
‫العلوم ِ كّلها‪.‬‬
‫س‪.‬‬‫ت النفو ِ‬ ‫ص وآفا ِ‬ ‫م الخل ِ‬ ‫ة‪ :‬هو عل ُ‬ ‫وقالت الصوفي ُ‬
‫م‪.‬‬‫م الكل ِ‬ ‫وقال المتكّلمون‪ :‬هو عل ُ‬
‫م‬
‫ح أّنه‪ :‬عل ُ‬ ‫ي‪ ,‬والصحي ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ل التي ليس فيها قو ٌ‬ ‫إلى غير ذلك من القوا ِ‬
‫معاملةِ العبد ِ لرّبه‪.‬‬
‫ك‪.‬‬ ‫ل‪ ,‬وتر ٌ‬ ‫م‪ :‬اعتقاٌد‪ ,‬وفع ٌ‬ ‫د( على ثلثةِ أقسا ٍ‬ ‫فَها )العب ُ‬ ‫ة التي ك ُل ّ َ‬ ‫والمعامل ُ‬
‫م معناها وإن لم‬ ‫م كلمتي الشهادةِ وفه ُ‬ ‫ب عليه ت ُعُل ّ ُ‬ ‫ل واج ٍ‬ ‫ي‪ ,‬فأو ُ‬ ‫فإذا ب َل َغَ الصب ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم اكتفى من‬ ‫ن النب ّ‬ ‫ل‪ ,‬ل ّ‬ ‫يحصل ذلك بالنظرِ والدلي ِ‬
‫ت‪ ,‬ثم يجب‬ ‫ض الوق ِ‬ ‫ل‪ ,‬فذلك فر ُ‬ ‫ق من غيرِ تعلم ِ دلي ِ‬‫ّ‬
‫ب بالتصدي ِ‬ ‫ف العر ِ‬ ‫أجل ِ‬
‫ل)‪.(8‬‬ ‫عليه النظُر والستدل ُ‬
‫ة‪ ,‬فإذا عاش إلى‬ ‫م الطهارةِ والصل ِ‬ ‫ّ‬
‫ب عليه تعل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الصلةِ وَ َ‬ ‫فإذا جاء وق ُ‬
‫ل وجب‬ ‫حو ْ ُ‬ ‫ل‪ ,‬وحال عليه ال َ‬ ‫م‪ ,‬فإن كان له ما ٌ‬ ‫ّ‬
‫م الصو ِ‬ ‫ي عليه تعل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫رمضان وَ َ‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫ب عليه تعل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ج وهو مستطيعٌ وَ َ‬ ‫ت الح ّ‬ ‫ة‪ ,‬وإن جاء وق ُ‬ ‫م الزكا ِ‬ ‫عليه تعل ّ ُ‬
‫ك‪.‬‬ ‫المناس ِ‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫ل‪ ,‬إذ ل يجب على العمى تعل ُ‬ ‫دد من الحوا ِ‬ ‫ما التروك‪ :‬فهو بحسب ما يتج ّ‬ ‫ُ‬ ‫وأ ّ‬
‫م‪ ,‬فإن كان في‬ ‫ّ‬
‫حُرم من الكل ِ‬ ‫م ما ي َ ْ‬ ‫م النظُر إليه‪ ,‬ول على البكم تعل ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫م‬
‫ف تحري َ‬ ‫ر‪ ,‬وجب عليه أن يعر َ‬ ‫س الحري ِ‬ ‫ُ‬
‫شرب الخمرِ ولب ْ ُ‬ ‫بلد ٍ ُيتعاطى فيه ُ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬ ‫خط ََر له َ‬ ‫ر‪ ,‬فإن َ‬ ‫ب الخواط ِ‬ ‫مَها بحس ِ‬ ‫ت‪ :‬فيجب عل ُ‬ ‫ما العتقادا ُ‬ ‫وأ ّ‬
‫ة‬
‫م ما يصل به إلى إزال ِ‬ ‫ب عليه تعل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ة‪ ,‬وَ َ‬ ‫ل عليها كلمتا الشهاد ِ‬ ‫المعاني التي تد ّ‬
‫ق‪ ,‬كما‬ ‫قن الح ّ‬ ‫ب عليه أن يتل ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ع‪ ,‬وَ َ‬ ‫ت فيه البد ُ‬ ‫ك‪ ,‬وإن كان في بلدٍ قد ك َث َُر ْ‬ ‫الش ّ‬
‫م الحذَر منه‪ .‬وينبغي‬ ‫ّ‬
‫لو كان تاجًرا في بلد ٍ شاع فيه الربا‪ ,‬وجب عليه أن يتعل َ‬
‫ث والجنةِ والّناِر‪...‬‬ ‫ن بالبع ِ‬ ‫أن يتعّلم اليما َ‬
‫ه‬
‫ن وجوب ُ ُ‬ ‫ن‪ :‬ما يتعي ّ ُ‬ ‫ض عي ٍ‬ ‫ب العلم ِ الذي هو فر ُ‬ ‫فبان بما ذكرنا أن المراد َ بطل ِ‬
‫ص‪.‬‬
‫على الشخ ِ‬
‫وام ِ أمورِ الدنيا؛‬ ‫ل علم ٍ ل ُيستغنى عنه في قِ َ‬ ‫ة‪ :‬فهو ك ّ‬ ‫ض الكفاي ِ‬ ‫وأما فر ُ‬
‫ب‪ :‬فإّنه‬ ‫ة‪ ,‬والحسا ِ‬ ‫ن على الصح ِ‬ ‫ب‪ :‬إذ هو ضروريّ في حاجةِ بقاء البدا ِ‬ ‫كالط ّ‬
‫من‬ ‫خل البلد ُ ع ّ‬ ‫م لو َ‬ ‫ضروريّ في قسمةِ المواريث والوصايا وغيرها فهذه العلو ُ‬
‫ض عن الباقين")‬ ‫د‪ ,‬وإذا قام بها واحد ٌ كفى وسقط الفر ُ‬ ‫ل البل ِ‬ ‫ج أه ُ‬ ‫حرِ َ‬ ‫يقوم بها َ‬
‫‪.(9‬‬
‫د‪ ,‬ول‬ ‫ح اعتقاد ُ أح ٍ‬ ‫ن‪ ,‬وهو ما ل يص ّ‬ ‫ض عي ٍ‬ ‫ن من العلم ِ ما هو فر ُ‬ ‫سب َقَ أ ّ‬ ‫تبّين مما َ‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضا عليه في‬


‫م ما ليس مفرو ً‬
‫ة‪ ,‬وهو عل ُ‬
‫ض كفاي ٍ‬
‫عبادُته إل به‪ ,‬ومنه ما هو فر ُ‬
‫م فسقطت فرضيُته في الوقت عنه‬ ‫ت‪ ,‬وقد قام به قائ ٌ‬
‫الوق ِ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫________________________________________‬
‫ي في "صحيح سنن ابن ماجة" رقم )‪,(183‬‬ ‫ححه اللبان ّ‬‫ثص ّ‬ ‫)‪ (1‬الحدي ُ‬
‫واستوفى في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" طرقه بحًثا واستقراًء وتتب ًّعا‪ ,‬ثم‬
‫ح بل ريب عندي"‪ ,‬ثم نقل عن العراقي‬ ‫ث بمجموع ذلك صحي ٌ‬ ‫قال‪" :‬فالحدي ُ‬
‫ن المزي والسيوطي للحديث‪,‬‬ ‫ض طرقه‪ ,‬ونقل تحسي َ‬ ‫ض الئمة لبع ِ‬ ‫ح بع ِ‬
‫تصحي َ‬
‫ثم قال‪" :‬والتحقيق أنه صحيح‪ ,‬والله أعلم"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬اشتهر الحديث في هذه الزمنة بزيادة "مسلمة"‪ ,‬ول أصل لها ألبتة‪,‬‬
‫ض المصنفين بآخر هذا‬ ‫وقد نّبه على ذلك السخاوي فقال‪" :‬قد ألحق بع ُ‬
‫الحديث و"مسلمة"‪ ,‬وليس لها ذكٌر في شيٍء من طرقه‪ ,‬وإن كان معناها‬
‫حا"‪[ .‬انظر‪ :‬تخريج أحاديث مشكلة الفقر‪ ,‬لللباني‪ ,‬ص ‪.]62 – 48‬‬ ‫صحي ً‬
‫)‪ (2‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الصول للشوكاني‪ .‬تحقيق‬
‫الدكتور شعبان محمد إسماعيل)‪.(1/50‬‬
‫)‪ (3‬عند الحناف أن "الفرض" غير "الواجب"‪ ,‬ويوجد في بعض كلم غير‬
‫ة‪ ,‬والجمهور على ترادف‬ ‫الحنفية التفريقُ بين الفرض والواجب‪ ,‬على قل ّ ٍ‬
‫اللفظين‪ .‬ارجع في ذلك‪" :‬الحكام في أصول الحكام" للمدي)‪ ,(1/139‬و‬
‫"أصول الفقه" للشيخ محمد أبو النور زهير)‪ ,(1/53‬و "الوجيز في أصول‬
‫الفقه" للدكتور عبد الكريم زيدان ص ‪ ,31‬و "الواضح في أصول الفقه"‬
‫للدكتور محمد سليمان الشقر )ص ‪.(24‬‬
‫)‪ (4‬مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد المين الشنقطي )ص ‪.(12‬‬
‫)‪ (5‬الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان )ص ‪.(36‬‬
‫)‪ (6‬الواضح في أصول الفقه للدكتور محمد سليمان الشقر )ص ‪.(37‬‬
‫)‪ (7‬جامع بيان العلم وفضله لبن عبد البر )ص ‪.(7 - 5‬‬
‫)‪ (8‬في وجوب هذا النظر نظر‪.‬‬
‫)‪ (9‬مختصر منهاج القاصدين لبن قدامة المقدسي‪ .‬تحقيق علي حسن عبد‬
‫الحميد )ص ‪.(24‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بابا الفاتكان يتجه نحو العقلية الصليبية‬


‫طالعتنا وسائل العلم مؤخرا حول مانطق به بابا الفاتكان بينيد يكت‬
‫السادس عشر خلل محاضرة له في ألمانيا حيث نقل كلما لحد الكتاب‬
‫النصارى والذي جاء فيه ‪ :‬محمد لم يأت ال بما هو سئ وغير انساني ‪.‬‬
‫ونحن نعلم أهداف البابا لنقله هذا الكلم ولكن نطرح على البابا أسئلة ملحة‬
‫طرحت في الماضي ونطرحها اليوم ‪:‬‬
‫‪ -‬لماذا يزكي روح الفتنة بابا الفاتكان ؟‬
‫‪ -‬ماهي أهداف البابا من نقله لهذا الكلم ؟‬
‫‪ -‬أين مصداقية البابا في دعوته للحوار بين الديان ؟‬
‫‪ -‬هل البابا يؤكد من جديد حنينه للعقلية الصليبية ؟‬
‫أسئلة كثيرة تحتاج الى جواب صريح وواضح لنه لم يعد مقبول أن يدعوا‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علماء ومفكري المسلمين الى حوار الديان بينما نجد علية القوم من‬
‫النصارى كل يوم يرودن علينا بالستفزاز والنيل من عقيدتنا واستباحة أراضينا‬
‫وتدميرها والعتداء على أعراضنا ثم يذهب كبيرهم الذي علمهم السحر الى‬
‫أحد مساجد المسلمين ظنا منه أن ذلك كاف لتبرير سلوكه وتصريحاته‬
‫الخطيرة ‪.‬‬
‫لسنا ضد الحوار بل ندعوا له ونشجعه ولكن ليعني الحوار أن يتمادى بعض‬
‫النصارى في غيهم وغطرستهم واستفزازهم لنا ‪ ,‬وهم يعلمون أن هذا‬
‫الستفزاز ليس لمصلحتهم ول لمصلحة المسلمين ‪.‬‬
‫مطلوب اليوم من علماء المة وقفة واضحة وشجاعة لتوضيح المور وفضح‬
‫السياسات الصليبية القديمة والحديثة ودونما مواربة ‪ ,‬وال فان صمت العلماء‬
‫يعتبر مريبا وغير مبرر وغير مفهوم ‪.‬‬
‫ان هذه التصريحات وغيرها تؤكد أن كل مؤتمرات الحوار ذهبت أدراج‬
‫الرياح ‪ ,‬وعلى دعاة الحوار أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى ويمعنوا النظر في‬
‫تلك التصريحات التي تصدر عن بابا الفاتكان ‪ ,‬مطلوب من علماء المة البيان‬
‫والتوضيح وأن يؤدوا المانة والرسالة المنوطة بهم فيحذروا المة من العقلية‬
‫الصليبية الجديدة ‪.‬‬
‫ليعني كلمنا هذا أننا ندعوا لقتال النصارى وشن الحرب عليهم ‪ ,‬ول يعني‬
‫أيضا أننا نضع النصارى كلهم في سلة واحدة أبدا فنحن نفرق بين المسالم‬
‫الذي يحترم عقائد الخرين وبين الستفزازي الذي يعمل على اذكاء نار‬
‫الحرب والفتنة فهؤلء لبد من الوقوف بوجههم ونرد عليهم بنفس السلوب‬
‫الذي يستخدمونه فان كان استفزازهم بالقلم فنرد عليهم بالقلم ‪ ,‬وان كان‬
‫استفزازهم باللسان فنرد عليهم باللسان ‪ ,‬واذا كان استفزازهم بالسلح‬
‫والقتل فنرد عليهم بنفس السلوب ايضا لننا عندها نستخدم حقنا الطبيعي‬
‫في الرد على هؤلء ‪.‬‬
‫نحن المسلمين لدينا دستور واضح للتعامل مع الخر النصراني وهذا الدستور‬
‫ذكره الله تعالى في القرآن الكريم ‪ ,‬حيث قال الله تعالى ‪:‬‬
‫* لينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن‬
‫تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ‪ .‬انما ينهاكم الله عن الذين‬
‫قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم أن‬
‫تولوهم ‪ .‬ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون * سورة الممتحنة – آية ‪.9-8‬‬
‫فالصل في التعامل معهم البر والقسط والحسان ال اذا أعلنوا الحرب‬
‫والعداء فهنا أصبح لنا الحق الكامل بالمبادرة لقتال كل من أعلن الحرب علينا‬
‫‪.‬‬
‫انني في هذا الموضوع لن أتطرق الى ما أمرتنا به الشريعة السلمية من‬
‫حسن التعامل مع أهل الكتاب ‪ ,‬فهذا متروك لمقام آخر ‪ ,‬ولكنني بصدد الرد‬
‫على كل هذه التصريحات الستفزازية لنبين التاريخ السود والمخزي للصليبية‬
‫التي استباحت بلدنا وعقيدتنا لنفقأ عيون أولئك الذين يتهجمون على عقيدتنا‬
‫ونقدم للبشرية كيف فعلوا بنا في الماضي وماذا يفعلون بنا في الحاضر ‪.‬‬
‫وسوف أستشهد بمؤرخيهم وكتابهم ودساتيرهم التي ليستطيعون نكرانها‬
‫وكي تكون شاهدا على اجرامهم وعقليتهم السوداوية عبر التاريخ ‪.‬‬
‫‪ -1‬منذ فترة صدرت دراسة لباحث مسيحي مصري وهو الدكتور نبيل لوقا‬
‫بباوي تحت عنوان انتشار السلم بحد السيف بين الحقيقة والفتراء ‪ ,‬ومما‬
‫جاء في الدراسة ‪:‬‬
‫‪ -‬يعتبر السلم دين سماوي ‪ ,‬وخطأ بعض أفراده لتمت الى تعاليم السلم‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بصلة‪.‬‬
‫‪ -‬في المسيحية تناقض رهيب بين تعاليمها الداعية الى المحبة والتسامح‬
‫والسلم وبين مافعله بعض المسيحيين من قتل وسفك للدماء والضطهاد‬
‫والتعذيب بحق مسيحيين آخرين ‪.‬‬
‫‪ -‬هل ينسى المسيحيين ماقام به الكاثوليك في عهد المبراطور دقلديانوس‬
‫الذي تولى الحكم عام ‪ 248‬م ‪ ,‬ففي عهده تم تعذيب الرثوذكس في مصر‬
‫حيث تم القائهم في النار وهم أحياء كما تم رمي جثثهم للغربان لتأكلها ‪ ,‬وان‬
‫عدد الذين قتلوا في عهده يقدر بحوالي مليون مسيحي ‪ ,‬كما تم فرض‬
‫الضرائب الباهظة عليهم ‪ ,‬مما جعل الكنيسة القبطية في مصر تعتبر ذلك‬
‫العهد عهد الشهداء وبه أرخوا التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي ‪.‬‬
‫‪ -‬في حين وجدنا من المسلمين التسامح وحرية العقيدة وحرية التحاكم‬
‫لدستورنا المسيحي ‪ ,‬مما يؤكد أن السلم لم ينتشر بالسيف كما يزعم‬
‫البعض ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬ويتساءل لماذا يقوم بعض المسيحيين بتضخيم بعض الخطاء التي أرتكبت‬
‫بحق بعض المسيحيين من قبل بعض الفراد المسلمين ‪ ,‬بينما هؤلء‬
‫المسيحيين يغمضون أعينهم عن المذابح والجرائم والمجازر التي حدثت من‬
‫جانب المسيحية ‪.‬‬
‫‪ -‬انني أؤكد وبناء على دراستي للتاريخ أننا لم نجد أرحم من المسلمين وهذه‬
‫هي الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -2‬يقول المؤرخ المسيحي فيدهام ‪:‬‬
‫‪ -‬أين المسيحيين من مذبحة باريس بتاريخ ‪ 1572-8-24‬م والتي قام بها‬
‫الكاثوليك ضد‬
‫البروتستانت والتي ذهب ضحيتها عشرات اللوف حتى أمتلت شواراع‬
‫باريس بالدماء‬
‫‪ -‬هل ينسى المسيحيين أن محكمة الكنيسة عام ‪ 1052‬م بطرد المسلمين‬
‫من أشبيلية اذا لم‬
‫يقبلوا بالديانة المسيحية ومن خالف ذلك يقتل ‪.‬‬
‫‪ -‬ان الحروب بين المسيحيين ملئت بالفظائع لن رجال اللهوت كانوا يصبون‬
‫الزيت على‬
‫النار ‪.‬‬
‫‪ -‬ارتكبت خلل القرن الثاني عشر والثالث عشر أفظع المجازر ضد الكثاريين‬
‫والوالدنس‬
‫وهذه المجازر حصدت مئات اللوف من الرجال والنساء والطفال ‪.‬‬
‫‪ -‬وينقل عن المؤرخ وليم جايس ‪ :‬ان العالم لم يعرف الضطهاد الديني قبل‬
‫ظهور الديان‬
‫الموحدة ‪ ,‬لقد كانت المسيحية في الواقع أول مذهب ديني في العالم يدعوا‬
‫للتعصب وافناء الخصوم ‪.‬‬
‫‪ -‬هل ننسى محاكم التفتيش التي أنشأت عام ‪1481‬م وخلل أعوام قتلت‬
‫أكثر من ‪340‬‬
‫ألف وهناك ألوف تم حرقهم وهم أحياء ‪.‬‬
‫‪ -‬وينقل عن بريفولت ‪ :‬أن المؤرخين يقدرون عدد الذين قتلهم المسيحيين‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في أوربا خلل‬


‫فترة قصيرة أكثر من ‪ 15‬مليون انسان ‪.‬‬
‫‪ -3‬يذكر حنا النقيوس في كتابه تاريخ مصر ‪:‬‬
‫‪ -‬في عهد المبراطور الروماني قسطنطين للفترة من ‪274‬م‪337 -‬م تم‬
‫تدمير المعابد‬
‫النصرانية وأحرق المكتبات وسحل الفلسفة وقتلهم وأحرقهم ‪.‬‬
‫‪ -‬قاد بطريرك الكنيسة المصرية تيو فيلوس ‪385‬م‪412 -‬م حملة اضطهاد‬
‫ضد الوثنيين‬
‫فقضى على مدرسة السكندرية ودمر مكتبتها ومكتبات المعابد كما تم قتل‬
‫وسحل وحرق الفيلسوف وعالم الفلك والرياضيات اناتية ‪ ,‬كما تم تحطيم كل‬
‫محتويات المعابد ‪.‬‬
‫‪ -4‬والى الذين يتبجحون بأن السلم أنتشر بالسيف فننقل لهم ماذكره‬
‫المؤرخ النصراني‬
‫فيليب فارج والمؤرخ يوسف كرباج في كتاب المسيحيون في التاريخ‬
‫السلمي العربي والتركي صفحة ‪ : 47+46+25‬كان عدد سكان النصارى‬
‫واليهود في مصر ابان خلفة معاوية حوالي ‪ 2500000‬نسمة ‪ ,‬وبعد نصف‬
‫قرن أسلم نصف هذا العدد في عهد هارون الرشيد بسبب عدالة وسماحة‬
‫السلم ‪.‬‬
‫‪ -5‬أقوال المؤرخين والمستشرقين ومنهم من رافق الحملت الصليبية ‪:‬‬
‫‪ -‬يقول المستشرق والمؤرخ السير توماس أرنولد في كتابه الدعوة الى‬
‫السلم ‪ :‬انه من‬
‫الحق أن نقول ان غير المسلمين قد نعموا بوجه الجمال في ظل الحكم‬
‫السلمي بدرجة من التسامح لنجد لها معادل في أوربا ‪ ,‬وان دوام الطوائف‬
‫المسيحية في سوط اسلمي يدل على أن الضطهادات التي قاست منها‬
‫أحيانا على أيدي المتزمتين والمتعصبين كانت من صنع الظروف المحلية ‪,‬‬
‫أكثر مما كانت عاقبة مبادئ التعصب وعدم التسامح ‪.‬‬
‫‪ -‬يقول العالم النصراني كيتانين ‪ :‬ان انتشار السلم بين نصارى الشرق كان‬
‫نتيجة الستياء‬
‫من السفسطة المذهبية الهيلينية ‪ ,‬فتم تحويل تعاليم المسيح عليه السلم‬
‫الى عقيدة محفوفة‬
‫بالشكوك والشبهات مما خلق حالة بالشعور باليأس وزعزع أصول العقيدة‬
‫حتى أصبحت‬
‫خليطا من الغش والزيف وسادها النقسام ‪ ,‬فجاء السلم ببساطة ثقافته‬
‫وعقيدته فأزال كل‬
‫الشكوك وقدم مبادئه بكل بساطة فترك قسم كبير النصرانية واعتنقوا‬
‫السلم ‪.‬‬
‫‪ -‬يقول المؤرخ اللبناني الدكتور جورج قرم في كتابه تعدد الديان ونظم‬
‫الحكم ‪:‬‬
‫ان فترات التوتر والضطهاد لغير المسلمين في الحضارة السلمية كانت‬
‫قصيرة جدا وسببها عدة عوامل ‪ ,‬وبالدقة كان الضطهاد في عهد المتوكل‬
‫الذي كان ميال للتعصب وعلى عهد الحاكم بأمر الله ‪ ,‬ولكن للنصاف نقول‬
‫أن الضطهاد لم يخص النصارى بل شمل حتى المسلمين ‪ ,‬وهناك عامل آخر‬
‫وهو القسوة والظلم التي مارسها بعض النصارى الذين وصلوا الى مناصب‬
‫مهمة في الدولة السلمية ‪ ,‬وعامل ثالث فهو يرتبط بفترة التدخل الجنبي‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في البلدان السلمية حيث قام الجنبي باغراء القليات غير المسلمة‬
‫واستدراجها للتعاون معه ضد الغلبية المسلمة وتجلى ذلك من قبل القبط‬
‫في مصر ونصارى سورية ‪ ,‬ويؤكد على كلم الدكتور جورج ماقاله كل من‬
‫جب و بولياك ‪.‬‬
‫‪ -‬يذكر الجبرتي في عجائب الثار في التراجم والخبار ‪ :‬لقد استقوى نصارى‬
‫الشام بالقائد‬
‫التتري كتبغا وانحازوا للغزاة ضد المسلمين وتحولوا الى أداة اذلل واضطهاد‬
‫للمسلمين ‪ ,‬وأحضروا فرمانا من هولكو ورشوا الخمر على المسلمين‬
‫وصبوه في المساجد وخربوا المساجد والمآذن ‪ ,‬ولم يتوقف المر أيام التتر‬
‫بل تجدد أيضا أيام حملة نابليون بونابرت حيث أغوى النصارى فوقع في حبل‬
‫الخيانة بعض اقباط مصر فقام المعلم يعقوب حنا بتشكيل فيلق قبطي بزي‬
‫الجيش الفرنسي من أجل محاربة مسلمي مصر وحصلوا على موافقة من‬
‫نابليون لبادة المسلمين في مصر ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬وجاء في القوانين المجرية والتي ذكرها لستيغا نودي فريس في كتاب‬


‫القانون الدستوري‬
‫الصفحات ‪: 157+148+135‬‬
‫مادة ‪ – 46‬كل من رأى مسلما يصوم أو يأكل على غير الطريقة المسيحية أو‬
‫تمنع عن أكل لحم الخنزير أو يغتسل قبل الصلة أو يؤدي شعائر دينية ‪ ,‬وأبلغ‬
‫السلطات بذلك يعطى له جزء من أملك هذا المسلم مكافأة له ‪.‬‬
‫مادة ‪ -47‬على كل قرية مسلمة أن تشيد كنيسة وأن تؤدي لها الضرائب‬
‫المقررة وبعد النتهاء من تشييد الكنيسة يجب أن يرحل نصف مسلمي‬
‫القرية وبذلك يعيش النصف الخر معنا كشركاء في العقيدة ‪ ,‬على أن يؤدوا‬
‫الصلة في كنيسة يسوع المسيح الرب بطريقة لتترك شبهة في اعتقادهم ‪.‬‬
‫مادة ‪ -48‬ليسمح للمسلم أن يزوج ابنته رجل من عشيرته وانما يتحتم أن‬
‫يزوجها رجل من الجماعة المسيحية ‪.‬‬
‫مادة ‪ -49‬اذا زار شخص ما مسلم أو اذا دعا مسلم شخصا لزيارته فيجب أن‬
‫يأكل الضيف والمضيف معا لحم خنزير ‪.‬‬
‫‪ -‬يذكر كل من ستيفن رنسيمان ‪ ,‬غوستاف لوبون ‪ ,‬الراهب روبرت ‪ ,‬الكاهن‬
‫أبوس في كتبهم مايلي ‪:‬‬
‫في أحد اليام قام قومنا باقتحام بيت المقدس الذي لجأ اليه المسلمون‬
‫فقاموا بقتلهم جميعا حتى كنا نخوض بالجثث والدماء الى الركب ‪ ,‬وان‬
‫ريتشارد قلب السد ذبح ‪ 2700‬من أسرى المسلمين في عكا ولم يكتفي‬
‫وجنوده بذلك بل قاموا بقتل زوجات وأطفال السرى ‪ ,‬ان قومنا كانوا‬
‫يجوبون الشوارع والبيوت ليرووا غليلهم بقتل المسلمين فكانوا يذبحون‬
‫الرجال والشباب والطفال والنساء بل انهم كانوا يبقرون البطون ‪ ,‬اننا كنا‬
‫لنرى في الشوارع سوى أكداس من جثث المسلمين ‪ ,‬ان هذا لم يحصل في‬
‫القدس فقط بل في كل بلد وصلناها ‪ ,‬ففي معرة النعمان قتل جنودنا حوالي‬
‫مائة الف مسلم ‪.‬‬
‫‪ -6‬نقلت الهرام المصرية بتاريخ ‪ 1985-3-6‬كلما للبابا شنودة الثالث‬
‫بطريرك الكنيسة‬
‫الرثوذكسية ‪ :‬ان القباط في ظل حكم الشريعة السلمية يكونون أسعد حال‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأكثر أمنا ‪ ,‬ولقد كانوا في الماضي كذلك حينما كان حكم الشريعة هو السائد‬
‫‪ ,‬فنحن نتوق الى أن نعيش في ظل – لهم مالنا وعليهم ماعلينا – فمصر‬
‫تجلب القوانين من الخارج وتطبقها علينا ‪ ,‬فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة‬
‫ول نرضى بقوانين السلم ‪.‬‬
‫‪ -7‬عندما تهيأ جيش الغزو اليطالي الصليبي لغزو ليبيا كان شعاره الصليب‬
‫وكان بابا‬
‫الفاتكان بلباسه الكهنوتي يقف باجلل أمام الجيش ثم يقبل الصليب ويبدأ‬
‫الجنود بالنشاد‬
‫قائلين ‪ :‬أماه لتحزني ‪ ....‬أماه لتقلقي ‪ ....‬أنا ذاهب الى طرابلس ‪ ....‬فرحا‬
‫مسرورا ‪ ....‬لبذل دمي في سبيل سحق المة الملعونة ‪....‬ولحارب الديانة‬
‫السلمية ‪ ....‬سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن ‪.‬‬
‫‪ -‬هل ينسى بابا الفاتكان تصريح بوش في أحد مؤتمراته الصحفية عندما‬
‫قال ‪ :‬انها حملة‬
‫صليبية ‪.‬‬
‫‪ -‬هل ينسى بابا الفاتكان تصريحات رئيس وزراء ايطاليا عندما قال ‪ :‬أن‬
‫السلم يدعوا‬
‫للعنصرية وهو دين الرهاب ‪.‬‬
‫‪ -‬وكتب الصحفي ديفيد سيلبورن مقال تحت عنوان ‪ :‬هذه الحرب ليست ضد‬
‫الرهاب انها‬
‫ضد السلم ‪.‬‬
‫‪ -‬كتبت مجلة ناشونال ريفيو مقال تحت عنوان ‪ :‬انها الحرب فلنغذهم في‬
‫بلدهم ‪ ,‬و مما جاء‬
‫في المقالة علينا غزوهم في بلدهم وقتل قادتهم واجبارهم على التحول الى‬
‫المسيحية ‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في المقالة السبوعية لنيويورك تايمز بتاريخ ‪ : 2001-10-7‬انها حرب‬
‫دينية ‪.‬‬
‫‪ -‬ذكرت منظمات حقوق النسان الدولية والقليمية حرب البادة التي تعرض‬
‫لها المسلمون‬
‫في البوسنة والهرسك وكوسوفوا حيث ذكرت تلك التقارير ‪:‬‬
‫اغتصاب أكثر من ‪ 50‬ألف مسلمة ‪.‬‬
‫تم زرع نطاف الكلب في أرحام المسلمات ‪.‬‬
‫تدمير ‪ 614‬مسجد بالكامل ‪.‬‬
‫تدمير ‪ 534‬مسجد تدمير جزئي ‪.‬‬
‫تدمير مئات المدارس السلمية ‪.‬‬
‫وليمكن نسيان المجازر الجماعية مثل سربنيتشا وغيرها والتي تمت تحت‬
‫مرأى ومسمع هيئة المم المتحدة وقواتها ومنظمات حقوق النسان ‪.‬‬
‫‪ -‬هل يريد بابا الفاتكان أن ينسينا حضارة أوربا وأمريكا في العراق حيث‬
‫عبروا عن رقيهم‬
‫وانسانيتهم عندما أعتدوا على النساء والرجال في سجن ابو غريب ‪.‬‬
‫‪ -‬هل يرفع راسه بابا الفاتكان بحضارة قومه الذين قتلو السرى وهم مقيدون‬
‫في افغانستان ‪.‬‬
‫‪ -‬هل يريد أن يستفزنا بابا الفاتكان وقومه قتلوا من مسلمي الشيشان منذ‬
‫عام ‪ 1991‬وحتى الن حوالي ‪ 600‬ألف مسلم وهذا حسب اعترافات‬
‫المنظمات الدولية لحقوق النسان ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬عرضت القناة الولى اللمانية تقريرا في برنامجها السبوعي بانوراما بتاريخ‬


‫‪ 2004-6-24‬والذي أعده جون جوتس وفولكر شتاينيهوف ‪ ,‬عن دور بعض‬
‫الطوائف التبشيرية في العراق وقال ‪ :‬سيكون العراق مركز النطلق للحرب‬
‫المقدسة ‪.‬‬
‫‪ -‬جاء في نيويورك تايمز بتاريخ ‪ : 2004-4-14‬ان عزم بوش للبقاء في‬
‫العراق هو حماس المبشر الديني ‪.‬‬
‫‪ -‬نقلت وكالة السو شيتد برس يوم ‪ 2004-4-12‬من خطبة لقسيس في‬
‫الجيش المريكي ألقاها في يوم الفصح في مدينة الفلوجة العراقية ‪ :‬نحن‬
‫لسنا في مهمة سهلة لقد أخبرنا الرب بأنه معنا على طول الطريق ‪ ,‬ولسنا‬
‫خائفين من الموت لن السيد المسيح سيعطينا حياة أبدية ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -‬يقول الرئيس المريكي السبق ريتشارد نيكسون في كتابه الفرصة‬


‫السانحة وفي كتابه نصر بل حدود ‪ :‬لقد انتصرنا على العدو الشيوعي ولم‬
‫يبقى لنا عدو ال السلم ‪.‬‬
‫‪ -‬نقلت صحيفة الحياة بتاريخ ‪ 2004-2-8‬قول لنواب بريطانيين من حزب‬
‫العمال ‪ :‬ان الحرب على العراق كانت حملة صليبية ‪.‬‬
‫‪ -‬نقل شهود عيان من مدينة البصرة العراقية أنه أثناء زيارة رئيس الوزراء‬
‫البريطاني توني بلير أقام قداسا مع الجنود وأنشدوا جميعا ‪:‬‬
‫جند النصارى الزاحفين الى الحرب ‪.‬‬
‫يتقدمكم صليب المسيح ‪.‬‬
‫وبظهور آية النصر هربت كتائب الشيطان ‪.‬‬
‫أخوة نمشي على خطى سار عليها القديسون ‪.‬‬
‫وحدة المل والعقيدة ‪.‬‬
‫‪ -‬ألم يدعوا بيلي و فرنكلين جراهام في كتبهم الى تنصير كافة المسلمين ولو‬
‫بالقوة ‪.‬‬
‫‪ -‬جاء في جريدة السبوع بتاريخ ‪ 2004-6-28‬نقل عن التلفزيون اللماني ‪:‬‬
‫ان أمريكا تقوم بحرب نصرانية تبشيرية وجعل العراق قاعدة لتنصير العالم‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫‪ -‬قال مارك راسيكوت رئيس الحملة الجمهورية بتاريخ ‪ : 2004-4-19‬ان‬
‫بوش يقود حملة صليبية عالمية ضد السلم ‪.‬‬
‫وبعد كل ذلك يخرج علينا بابا الفاتكان ليتهجم على خاتم النبياء والرسل‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬متجاهل تاريخ قومه السود الذي تفوح منه رائحة‬
‫الدم والقتل والمجازر فاذا كان وصفه لنبينا بهذه الوصاف فليعلم أن المهج‬
‫والرواح تفتدي هذا النبي ونسترخص النفس للدفاع عن نبينا ‪ ,‬واذا كان بيت‬
‫بابا الفاتكان من زجاج فل يرمي بيوت الخرين بالحجر لن المر سيرتد عليه‬
‫وعلى قومه فهم من بدأ وعليهم تحمل النتائج ‪.‬‬
‫ان الذي ينال من الديان ورموزها هو شخص معتوه فاقد للقيم الخلقية ‪.‬‬
‫ان حملتكم الستفزازية لن تزيد المسلمين ال أستمساكا بالحق والعتصام‬
‫به ‪.‬‬
‫ان هؤلء ليقدرون أمانة العقل الذي وهبهم اياه الخالق عزوجل ولم يقدروا‬
‫أمانة الكلمة وليقدرون عاقبة كلمهم ‪ ,‬فليتعظوا من التصرفات الحمقاء التي‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبقهم اليها أجدادهم ثم ماذا كانت النتيجة فلقد عادوا من حيث أتو يحملون‬
‫الذل والهزيمة والخيبة‬

‫)‪(4 /‬‬

‫________________________________________‬
‫باحث عن النجاة‬
‫رئيسي ‪:‬التراجم ‪:‬الثنين ‪ 27‬شعبان ‪1425‬هـ ‪ 11 -‬أكتوبر ‪ 2004‬م‬
‫ن‬
‫ما ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ْ‬ ‫حد ّث َِني َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫س رضي الله عنه َقا َ‬ ‫ن عَّبا‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّهِ ب ْ‬ ‫روى المام أحمد عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صب ََها َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سّيا ِ‬ ‫جل ً َفارِ ِ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ل‪ :‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ه‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ديث َ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫س ّ‬ ‫فارِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ن أ َِبي دِهْ َ‬
‫ق الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫خل ِ‬
‫ب َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫ه‪ ،‬وَك ُن ْ ُ‬ ‫ن قَْري َت ِ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫كا َ‬ ‫ي«‪ ،‬وَ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ل ل ََها‪َ » :‬‬ ‫قا ُ‬ ‫من َْها ي ُ َ‬ ‫قَْري َةٍ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫حب َ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م الّنارِ ‪ -‬ك َ‬ ‫مل َزِ َ‬ ‫سِني ِفي ب َي ْت ِهِ ‪ -‬أيْ ُ‬ ‫حب َ َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ه إ ِّيايَ َ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ي ََز ْ‬ ‫ه‪ ،‬فَل ْ‬ ‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ها ل َ ي َت ُْرك َُها‬ ‫ذي ُيوقِد ُ َ‬ ‫ن الّنارِ ال ّ ِ‬ ‫ت قَط َ َ‬ ‫حّتى ك ُن ْ ُ‬ ‫سي ّةِ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫جهَد ْ ُ‬ ‫ة‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫جارِي َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ساعَ ً‬ ‫خُبو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ل ِلي‪َ :‬يا‬ ‫قا َ‬ ‫ما‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫شغِ َ‬ ‫ل‪ :‬فَ ُ‬ ‫ة‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫ه ي َوْ ً‬ ‫نل ُ‬ ‫ل ِفي ب ُن َْيا ٍ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظي َ‬ ‫ة عَ ِ‬ ‫ضي ْعَ ٌ‬ ‫ت لِبي َ‬ ‫ل‪ :‬وَكان َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَرِني‬ ‫ب فاطل ِعَْها‪ ،‬وَأ َ‬ ‫ضي ْعَِتي‪ ،‬فاذ ْهَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ذا الي َوْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ت ِفي ب ُن َْيا ٍ‬ ‫شغِل ُ‬ ‫ي إ ِّني قد ْ ُ‬ ‫ب ُن َ ّ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ك َ َنائ ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سةٍ ِ‬ ‫ت ب ِكِني َ‬
‫َ‬
‫مَرْر ُ‬ ‫ه‪ ،‬ف َ‬ ‫ضي ْعَت َ ُ‬ ‫ت أِريد ُ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫د‪ .‬ف َ‬
‫َ‬
‫ري ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ِفيَها ب ِب َعْ ِ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُر الّنا ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ت ل أد ِْري َ‬
‫َ‬
‫ن‪ ،‬وَكن ْ ُ‬ ‫صلو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫م ِفيَها وَهُ ْ‬ ‫وات َهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫صاَرى ف َ‬
‫َ‬
‫الن ّ َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ْ َ َُ ْ َ َ ُ َ ِْ ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ّ َ َ ْ ُ ِِ ْ َ َ ِ ْ ُ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‪.‬‬‫َِْ ِ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫حب ْ ِ ِ ِ ّ َ ِ‬ ‫ي‬ ‫يا‬ ‫إ‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫أن ْظ ُُر َ‬
‫ذا َوالل ّهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬فَل َما رأ َيته َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫ت‪ :‬هَ َ‬ ‫م‪ ،‬وَقُل ْ ُ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫ت ِفي أ ْ‬ ‫م وََرِغب ْ ُ‬ ‫صل َت ُهُ ْ‬ ‫جب َِني َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ّ َ ُُْ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ت‬ ‫س‪ ،‬وَت ََرك ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫حّتى غََرب َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُهُ ْ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ن عَل َي ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م؟‬ ‫ن؟ َقالوا‪ِ :‬بال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م آت َِها‪ ،‬فَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شا ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م‪ :‬أي ْ َ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫قل ُ‬
‫َ‬
‫ة أِبي وَل ْ‬ ‫ضي ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫ّ‬
‫مل ِهِ ك ُل ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫شغَلت ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ث ِفي طلِبي وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت إ ِلى أِبي وَقَد ْ ب َعَ َ‬ ‫َ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫م َر َ‬ ‫ل‪ :‬ث ُ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ت؟! َقا َ‬ ‫ما عَهِد ْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ت إ ِلي ْ َ‬ ‫ن عَهِد ْ ُ‬ ‫م أك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت؟ أل ْ‬ ‫ن كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‪ ،‬أي ْ َ‬ ‫ل‪ :‬أيْ ب ُن َ ّ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫جب َِني َ‬ ‫م فَأعْ َ‬ ‫سةٍ ل َهُ ْ‬ ‫ن ِفي ك َِني َ‬ ‫صّلو َ‬ ‫س يُ َ‬ ‫ت ب َِنا ٍ‬ ‫مَرْر ُ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫ت‪َ :‬يا أب َ ِ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫َ‬
‫س ِفي‬ ‫ي‪ ،‬ل َي ْ َ‬ ‫ل‪ :‬أيْ ب ُن َ ّ‬ ‫س‪َ .‬قا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫حّتى غََرب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مازِل ْ ُ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬ ‫ِدين ِهِ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ت‪ :‬كل َواللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬قُل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ن آَبائ ِك َ‬ ‫َ‬ ‫خي ٌْر‪ِ ،‬دين ُك وَِدي ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫دي ِ‬ ‫ك ال ّ‬
‫ِدين َِنا‪.‬‬
‫ي‬‫ت إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪ .‬قال‪ :‬وَب َعَث ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سِني ِفي ب َي ْت ِ ِ‬ ‫حب َ َ‬ ‫م َ‬ ‫دا ث ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي قي ْ ً‬ ‫َ‬ ‫جل ّ‬ ‫َ‬ ‫جعَل ِفي رِ ْ‬ ‫َ‬ ‫خافِني‪ ،‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫صاَرى‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاٌر ِ‬ ‫شام ِ ت ُ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫م َرك ْ ٌ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م‪ :‬إ َِذا قَدِ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫صاَرى‪ ،‬فَ ُ‬ ‫النَ ّ َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫صاَرى‪َ ،‬قا َ‬ ‫ِ ُ ّ ٌ ِ ْ ّ َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫جا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫شا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ِ َ َ ِْ ْ َ ٌ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‪.‬‬ ‫خب ِ ُ ِ ِ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ني‬ ‫رو‬ ‫فَأ ْ‬
‫ة إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَ َ‬ ‫م وَأَراُدوا الّر ْ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫وائ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا َ‬ ‫ض ْ‬ ‫م‪ :‬إ َِذا قَ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَ ُ‬ ‫م‪َ .‬قا َ‬ ‫خب َُروِني ب ِهِ ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫م‪.‬‬ ‫م َفآذُِنوِني ب ِهِ ْ‬ ‫ب ِل َدِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‪،‬‬‫جل َ ّ‬ ‫ن رِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ديد َ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫قي ْ ُ‬ ‫م‪ ،‬فَأل ْ َ‬ ‫خب َُروِني ب ِهِ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ة إ َِلى ب ِل َدِهِ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما أَراُدوا الّر ْ‬ ‫ل‪ :‬فَل َ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ل أهْ ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫مت َُها قُل ُ‬ ‫ما قَدِ ْ‬ ‫م‪ ،‬فَل ّ‬ ‫شا َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫حّتى قَدِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِفي الك َِني َ‬ ‫ق ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن؟ َقالوا‪ :‬ال ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫معَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حب َب ْ ُ‬ ‫ن‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫ت ِفي هَ َ‬ ‫ت‪ :‬إ ِّني قَد ْ َرِغب ْ ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ه فَ ُ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ل‪ ،‬فَد َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل‪َ :‬فاد ْ ُ‬ ‫معَك‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫معَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫خل ُ‬ ‫صلي َ‬ ‫من ْك وَأ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست ِك وَأت َعَل ُ‬ ‫مك ِفي كِني َ‬ ‫خد ُ ُ‬
‫ْ‬
‫من َْها‬ ‫مُعوا إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م ِفيَها‪ ،‬فَإ َِذا َ‬ ‫صد َقَةِ وَي َُرغّب ُهُ ْ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫سوٍْء‪ ،‬ي َأ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ب‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫َ‬
‫سب ْعَ قِل ٍ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫م ي ُعْط ِهِ ال َ‬ ‫ه‪ ،‬وَل ْ‬ ‫َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫شَياَء اكت َن ََزهُ ل ِن َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ق‪.‬‬ ‫وَوَرِ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫صاَرى‬ ‫ت إ ِلي ْهِ الن ّ َ‬ ‫معَ ْ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ت‪ ،‬فا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ع‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫صن َ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ما َرأي ْت ُ ُ‬ ‫دا ل ِ َ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫ه ب ُغْ ً‬ ‫ضت ُ ُ‬ ‫ل‪ :‬وَأب ْغَ ْ‬
‫ْ‬
‫م ِفيَها‪،‬‬ ‫صد َقَةِ وَي َُرغّب ُك ُ ْ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫سوٍْء ي َأ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ه‪ ،‬فَ ُ‬ ‫ل ِي َد ْفُِنو ُ‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما‬ ‫شي ًْئا‪َ .‬قاُلوا‪ :‬وَ َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ن ِ‬‫كي َ‬


‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫ه‪ ،‬وَل َ ْ‬
‫م ي ُعْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ها ل ِن َ ْ‬ ‫موه ُ ب َِها اك ْت َن ََز َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬
‫فَإ َِذا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ :‬فَأَري ْت ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬‫ه‪َ .‬قاُلوا‪ :‬فَد ُل َّنا عَل َي ْ ِ‬ ‫م عََلى ك َن ْزِ ِ‬ ‫ت‪ :‬أَنا أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫ل‪ :‬قُل ْ ُ‬ ‫ك؟ َقا َ‬ ‫ك ب ِذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬‫عل ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫ما َرأوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملوَءةٍ ذهًَبا وَوَرِقا‪ .‬قال‪ :‬فل ّ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫سب ْعَ قِل ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ه‪ .‬قال‪ :‬فا ْ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫خَر‬ ‫آ‬
‫َِ ُ ٍ َ‬‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ءوا‬ ‫ُ‬ ‫جا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫جا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ه‬ ‫مو‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫بو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫دا‪،‬‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫لوا‪:‬‬‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ّ َ‬ ‫َ ُ ُ ّ َ َ ُ ُ ِ ِ َ َ ِ‬ ‫َ ْ ِ ُ ُ َ ً‬ ‫َ ِ‬
‫ه‪.‬‬
‫كان ِ ِ‬‫م َ‬ ‫جعَُلوه ُ ب ِ َ‬ ‫فَ َ‬

‫)‪(1 /‬‬
‫ل من َ‬ ‫خمس أ َرى أ َن َ‬ ‫َ‬
‫ه أْزهَد ُ‬ ‫ض ُ ِ ْ ُ‬ ‫ه أفْ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صّلي ال ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫جل ً ل َ ي ُ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫ن‪ :‬فَ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل‪ :‬ي َ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حّبا ل ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫حب َب ْت ُ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَأ ْ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ب لي ْل ً وَن ََهاًرا ِ‬ ‫خَرةِ وَل َ أد ْأ ُ‬ ‫ب ِفي ال ِ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا وَل َ أْرغَ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أُ ِ‬
‫ن إ ِّني‬ ‫ه‪َ :‬يا فُل َ ُ‬ ‫تل ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ة‪ ،‬فَ ُ‬ ‫ه الوََفا ُ‬ ‫ضَرت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ماًنا‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ه َز َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه‪ ،‬وَأقَ ْ‬ ‫ن قَب ْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حب ّ ُ‬
‫ك ما ترى م َ‬ ‫م أُ ِ‬ ‫ك ُنت مع َ َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫مرِ الل ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ضَر َ َ َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك‪ ،‬وَقَد ْ َ‬ ‫ن قَب ْل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫حّبا ل َ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫حب َب ْت ُ َ‬ ‫ك وَأ ْ‬ ‫ْ ُ َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫دا الي َوْ َ‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ما أعْل ُ‬ ‫ي‪َ ،‬واللهِ َ‬ ‫ل‪ :‬أيْ ب ُن َ ّ‬ ‫مُرِني؟ َقا َ‬ ‫ما ت َأ ُ‬ ‫صي ِبي‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن ُتو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فَإ َِلى َ‬
‫َ‬
‫جل ً‬ ‫كاُنوا عَل َي ْهِ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫كوا أك ْث ََر َ‬ ‫س وَب َد ُّلوا وَت ََر ُ‬ ‫ك الّنا ُ‬ ‫قد ْ هَل َ َ‬ ‫ه‪ ،‬ل َ َ‬ ‫ت عَل َي ْ ِ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫عََلى َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫حق ْ ب ِ ِ‬ ‫ه‪َ ،‬فال ْ َ‬ ‫ت عَل َي ْ ِ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫ن‪ ،‬فَهُوَ عََلى َ‬ ‫ل‪ ،‬وَهُوَ فُل َ ٌ‬ ‫ص ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن فُل ًَنا‬ ‫ن‪ ،‬إ ِ ّ‬ ‫ه‪َ :‬يا فُل َ ُ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب لَ ِ‬ ‫ت وَغَي ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪ :‬فَل َ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َو‬
‫م‬ ‫ل ِلي‪ :‬أقِ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ك عََلى أ ْ‬ ‫خب ََرِني أن ّ َ‬ ‫ك‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫حق َ ب ِ َ‬ ‫ن أل ْ َ‬ ‫موْت ِهِ أ ْ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫صاِني ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حبه‪ ،‬فَل َم يل ْب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫صا ِ ِ ِ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ل عََلى أ ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خي َْر َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫عن ْد َه ُ فَوَ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ُ‬ ‫دي‪ .‬فَأقَ ْ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫مَرِني‬ ‫ك وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫بي‬ ‫صى‬ ‫و‬ ‫فَل َما حضرته ال ْوَفاة ُ قُل ْت ل َه‪ :‬يا فُل َن‪ ،‬إن فُل َنا أ َ‬
‫َ َ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫ً ْ َ‬ ‫ُ ِ ّ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ّ َ َ َ ْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك من أ َ‬
‫صي ِبي‪،‬‬ ‫َ ْ ُ ِ‬ ‫تو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫رى‪،‬‬ ‫َ ََ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ج‬
‫ِ ّ َ َ‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ك‪ ،‬وَقَ ْ َ َ َ‬
‫ض‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ق بِ َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ِبالل ّ ُ‬
‫ما ك ُّنا عَل َي ْهِ إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫جل ً عََلى ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ما أعْل َ ُ‬ ‫ي‪َ ،‬والل ّهِ َ‬ ‫ل‪ :‬أيْ ب ُن َ ّ‬ ‫مُرِني؟ َقا َ‬ ‫ما ت َأ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫حق ْ ب ِ ِ‬ ‫ن‪َ ،‬فال ْ َ‬ ‫ن‪ ،‬وَهُوَ فُل َ ٌ‬ ‫صيِبي َ‬ ‫ب ِن َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ري وَ َ‬ ‫خب َ َ ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫صيِبي َ‬ ‫ب نَ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫بل ِ‬ ‫ت وَغَي ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪ :‬فَل ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫حب َي ْ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ه عَلى أ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫عن ْد َه ُ فَوَ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ُ‬ ‫دي‪ .‬فَأقَ ْ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل‪ :‬فَأقِ ْ‬ ‫حِبي‪َ ،‬قا َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م ََرِني ب ِهِ َ‬ ‫أ َ‬
‫خير رجل‪ ،‬فَوالل ّه ما ل َب َ َ‬
‫ه‪:‬‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ضَر قُل ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ل ب ِهِ ال ْ َ‬ ‫ن ن ََز َ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫َ ِ َ ِ‬ ‫مع َ َ ْ ِ َ ُ ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫فَأقَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِلي ْك‪ ،‬فَإ ِلى َ‬ ‫صى ِبي فُل ٌ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫ن‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫صى ِبي إ ِلى فُل ٍ‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫ن فُلًنا كا َ‬ ‫ن‪ ،‬إ ِ ّ‬ ‫َيا فُل ُ‬
‫مرَِنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مُرِني؟ َقا َ‬ ‫ْ‬
‫ي عَلى أ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫دا ب َ ِ‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ما ن َعْل ُ‬ ‫ي‪َ ،‬واللهِ َ‬ ‫ل‪ :‬أيْ ب ُن َ ّ‬ ‫ما ت َأ ُ‬ ‫صي ِبي‪ ،‬وَ َ‬ ‫ُتو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ت فَأت ِ ِ‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ه‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫ن عَلي ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ة‪ ،‬فَإ ِن ّ ُ‬ ‫مورِي ّ َ‬ ‫جل ب ِعَ ّ‬ ‫ه إ ِل َر ُ‬ ‫ن ت َأت ِي َ ُ‬ ‫مُرك أ ْ‬ ‫آ ُ‬
‫مرَِنا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫ه عَلى أ ْ‬ ‫ل‪ :‬فإ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب لَ ِ‬
‫م‬
‫ل‪ :‬أقِ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ري‪ ،‬فَ َ‬ ‫خب َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫ة وَأ ْ‬ ‫مورِي ّ َ‬ ‫ب عَ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت وَغَي ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪ :‬فَل َ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كا َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ت َ‬ ‫سب ْ ُ‬ ‫ل‪َ :‬واك ْت َ َ‬ ‫م‪َ .‬قا َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫حاب ِهِ وَأ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ل عََلى هَد ْ ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫دي‪ .‬فَأقَ ْ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ِ َ َ ٌ َ َْ َ ٌ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫لي‬
‫معَ فُل ٍَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ن ََز َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ني‬ ‫ُ ِّ‬ ‫إ‬ ‫ن‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫يا‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ه‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ّ َ َ َ‬ ‫ض‬ ‫ح‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ل ب ِهِ أ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫ل‪ :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫صى ِبي فُل َ ٌ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫ن‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ن إ َِلى فُل َ ٍ‬ ‫صى ِبي فُل َ ٌ‬ ‫ن‪ ،‬وَأوْ ْ َ‬ ‫ن إ َِلى فُل َ ٍ‬ ‫صى ِبي فُل َ ٌ‬ ‫فَأوْ َ‬
‫ل‪ :‬أ َي بني‪ ،‬والل ّه ما أ َعْل َم َ‬
‫ح‬ ‫صب َ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َُ ّ َ ِ َ‬ ‫مُرِني؟ َقا َ‬ ‫ما ت َأ ُ‬ ‫صي ِبي وَ َ‬ ‫ن ُتو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك‪ ،‬فَإ َِلى َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ي هُ َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫ك َز َ‬ ‫ه قَد ْ أظل َ‬ ‫ه‪ ،‬وَلك ِن ّ ُ‬ ‫ن ت َأت ِي َ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫سآ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫ما ك ُّنا عَلي ْهِ أ َ‬ ‫عََلى َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن ب َي ْن َهُ َ‬ ‫حّرت َي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ض ب َي ْ َ‬ ‫جًرا إ ِلى أْر ٍ‬ ‫مَها ِ‬
‫ْ‬
‫ب ُ‬ ‫ض ال ْعََر ِ‬ ‫ج ْب ِأْر ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ث بِ ِ‬ ‫مب ُْعو ٌ‬ ‫َ‬
‫م‬‫خات َُ‬ ‫في ْهِ َ‬ ‫ن كت ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ص‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫فى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ ٌ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫نَ‬
‫حقَ ب ِت ِلك الب ِلدِ َفافْعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ن ت َل َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ست َطعْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ة‪ .‬فَإ ِ ْ‬ ‫الن ّب ُوّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فٌر‬ ‫مّر ِبي ن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫مك َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫مورِي ّ َ‬ ‫ت ب ِعَ ّ‬ ‫م كث ْ ُ‬ ‫ب‪ ،‬فَ َ‬ ‫ت وَغَي ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ :‬ث ُ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫جاًرا‪ ،‬فَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قَراِتي هَذِ ِ‬ ‫م بَ َ‬ ‫طيك ْ‬ ‫ب وَأعْ ِ‬ ‫ض العََر ِ‬ ‫ملوِني إ ِلى أْر ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م‪ :‬ت َ ْ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫قل ُ‬ ‫ب تُ ّ‬ ‫ن كل ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫موا ِبي َوادِ َ‬ ‫حّتى إ َِذا قَدِ ُ‬ ‫ملوِني‪َ ،‬‬ ‫ح َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م‪ .‬فَأعْطي ْت ُهُ ُ‬ ‫ه‪َ .‬قالوا‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫مِتي هَذِ ِ‬ ‫وَغن َي ْ َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫خ َ‬ ‫ت الن ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫عن ْد َه ُ وََرأي ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫دا‪ ،‬فكن ْ ُ‬ ‫ن ي َُهود َ عَب ْ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عوِني ِ‬ ‫موِني فَبا ُ‬ ‫قَرى ظل ُ‬
‫َ‬
‫سي‪.‬‬ ‫ف ِ‬ ‫حق ِلي ِفي ن َ ْ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫حِبي‪ ،‬وَل َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ف ِلي َ‬ ‫ص َ‬ ‫ذي وَ َ‬ ‫ن ال ْب َل َد َ ال ّ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫جو ْ ُ‬ ‫وََر َ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ة َفاب َْتاعَِني‬ ‫ن ب َِني قَُري ْظ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دين َةِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫م عَل َي ْهِ اب ْ ُ‬ ‫عن ْد َه ُ قَدِ َ‬ ‫ما أ ََنا ِ‬ ‫فَب َي ْن َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حِبي‪،‬‬ ‫صا ِ‬ ‫فةِ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ن َرأي ْت َُها فَعََرفْت َُها ب ِ ِ‬ ‫ما هُوَ إ ِل ّ أ ْ‬ ‫واللهِ َ‬ ‫ة‪ ،‬فَ َ‬ ‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ملِني إ ِلى ال َ‬ ‫حت َ َ‬ ‫ه‪َ ،‬فا ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫م لَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما أَقا َ‬ ‫ة َ‬ ‫مك َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م‪ ،‬فَأَقا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ث الل ُ‬ ‫ت ب َِها‪ .‬وَب َعَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫فَأقَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واللهِ إ ِّني‬ ‫ة‪ ،‬فَ َ‬ ‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫جَر إ ِلى ال َ‬ ‫ها َ‬ ‫م َ‬ ‫ق‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ل الّر ّ‬ ‫شغْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أَنا ِفيهِ ِ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ه ب ِذِكرٍ َ‬ ‫مع ُ ل ُ‬ ‫س َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬
‫ل اب ْ ُ‬ ‫س‪ ،‬إ ِذ ْ أ َقْب َ َ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫سي ّ ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ض ال ْعَ َ‬ ‫ل ِفيهِ ب َعْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫دي أعْ َ‬
‫َ‬
‫سي ّ ِ‬ ‫ق لِ َ‬ ‫س عَذ ْ ٍ‬ ‫في َرأ ِ‬
‫ْ‬
‫لَ ِ‬
‫ن‬‫م ال َ‬ ‫ة‪َ ،‬والل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه ب َِني قَي ْل َ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن‪َ ،‬قات َ َ‬ ‫ل‪ :‬يا َ فُل َ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ف عَل َي ْ ِ‬ ‫حّتى وَقَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫عَ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ه ن َب ِ ّ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َْزعُ ُ‬ ‫ة الي َوْ َ‬ ‫مك َ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م عَلي ْهِ ْ‬ ‫ل قد ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫قَباَء عَلى َر ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫جت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫دي‪َ .‬قا َ‬ ‫سي ّ ِ‬ ‫ط عََلى َ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حّتى ظ َن َن ْ ُ‬ ‫خذ َت ِْني ال ْعَُرَواُء‪َ ،‬‬ ‫معْت َُها أ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪ :‬فَل َ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ل‪:‬‬‫ل؟ َقا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ماَذا ت َ ُ‬ ‫ل؟ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ماَذا ت َ ُ‬ ‫ك‪َ :‬‬ ‫مهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫ل لب ْ ِ‬ ‫ت أُقو ُ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫خل َةِ فَ َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫وَن ََزل ْ ُ‬
‫ل عََلى‬ ‫َ‬ ‫ما ل َ َ‬
‫ذا؟! أقْب ِ ْ‬ ‫ك وَل ِهَ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫ة‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ديد َ ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫مِني ل َك ْ َ‬ ‫دي فَل َك َ َ‬ ‫سي ّ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ض َ‬ ‫فَغَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪ .‬وَقَد ْ َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ت عَ ّ‬ ‫ست َث ْب ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما أَرد ْ ُ‬ ‫يَء‪ ،‬إ ِن ّ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت‪ :‬ل َ َ‬ ‫ل‪ :‬قُل ْ ُ‬ ‫ك‪َ .‬قا َ‬ ‫مل ِ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫ت إ َِلى َر ُ‬ ‫م ذ َهَب ْ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫تأ َ‬ ‫سي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ه‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫يٌء قَد ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ح‪،‬‬ ‫ج ٌ‬ ‫ه قَد ْ ب َلغَِني أن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ت عَلي ْهِ فَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قَباَء‪ ،‬فَد َ َ‬
‫صال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫ه‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫تل ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫عليه وسلم وَهُوَ ب ِ ُ‬
‫َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ومع َ َ‬
‫م‬‫ة‪ ،‬فََرأي ْت ُك ُ ْ‬ ‫صد َقَ ِ‬ ‫دي ِلل ّ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫يٌء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة‪ ،‬وَهَ َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫حا َ‬ ‫ك غَُرَباُء ذ َُوو َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫قّرب ْت ُ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫م‪َ .‬قا َ‬ ‫ن غَي ْرِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ب ِهِ ِ‬ ‫أ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫حد َ ٌ‬ ‫سي‪ :‬هَذِهِ َوا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ِفي ن َ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَ ُ‬ ‫ل‪َ .‬قا َ‬ ‫م ي َأك ُ ْ‬ ‫ك ي َد َه ُ فَل َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ه‪ :‬ك ُُلوا‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫حاب ِ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ل ْ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم إ َِلى‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫حو ّ َ‬ ‫شي ًْئا‪ ،‬وَت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ت عَن ْ ُ‬ ‫صَرفْ ُ‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مت ُكَ‬ ‫ة أكَر ْ‬ ‫ْ‬ ‫ة‪ ،‬وَهَذِهِ هَدِي ّ ٌ‬ ‫صد َقَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ت‪ :‬إ ِّني َرأي ْت ُك ل ت َأك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قل ُ‬ ‫ت ب ِهِ فَ ُ‬ ‫جئ ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ة‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه فَأك َُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حاب َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مَر أ ْ‬ ‫من َْها‪ ،‬وَأ َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬فَأك َ َ‬ ‫ب َِها‪َ .‬قا َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ن اث ْن ََتا ِ‬ ‫هاَتا ِ‬ ‫سي‪َ :‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ِفي ن َ ْ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‪ :‬ف ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫َ‬
‫جَناَزةً‬ ‫د‪ .‬قال‪ :‬وَقد ْ ت َب ِعَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قيِع الغَْرق ِ‬ ‫ْ‬ ‫سول صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ب ِب َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫جئ ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ت عَل َي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ ْ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫حاب ِ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫س ِفي أ ْ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫ه‪ ،‬وَهُوَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مل ََتا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه‪ ،‬عَل َي ْهِ َ‬ ‫حاب ِ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫حِبي‪.‬‬ ‫صا‬ ‫لي‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫خا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َ ِ‬
‫َ‬
‫َ َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ا ْ َ َْ ُ ْ ُ ِ‬
‫إ‬ ‫ر‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ت ِفي‬ ‫ست َث ْب ِ ُ‬ ‫ف أّني أ ْ‬ ‫ه عََر َ‬ ‫ست َد َْرت ُ ُ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلما ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما َرآِني َر ُ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫خات َم ِ فَعََرفْت ُ ُ‬ ‫ت إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ه‪ ،‬فَن َظ َْر ُ‬ ‫ن ظ َهْرِ ِ‬ ‫قى رَِداَءهُ عَ ْ‬ ‫ل‪ :‬فَأل ْ َ‬ ‫ف ِلي‪َ ،‬قا َ‬ ‫ص َ‬ ‫يٍء وُ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ِلي َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫كي‪ .‬فَ َ‬ ‫ه وَأب ْ ِ‬ ‫ت عَلي ْهِ أقَب ّل ُ‬ ‫َفان ْك َب َب ْ ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫س‪َ .‬قا َ‬ ‫حد ّث ْت ُ َ‬ ‫ديِثي‪ ،‬ك َ َ‬ ‫َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‪ .‬فَت َ َ‬ ‫حو ّ ْ‬
‫ن َعَّبا ٍ‬ ‫ك َيا اب ْ َ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت عَلي ْهِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق َ‬ ‫حوّل ُ‬
‫َ‬
‫تَ َ‬
‫ل‬‫شغَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫حاب ُ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫معَ ذ َل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم أ ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ج َ‬ ‫فَأعْ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫د‪.‬‬ ‫ح ٌ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ب َد ٌْر وَأ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حّتى َفات َ ُ‬ ‫ن الّرقّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن‪ .‬فَكات َب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ْ‬ ‫ب َيا َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪ :‬كات ِ ْ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ِلي َر ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ل‪ :‬ث ُ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫هّ‬ ‫ة‪ .‬فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن أوقِي ّ ً‬ ‫قيرِ وَب ِأْر َب َِعي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه ِبال َ‬ ‫حِييَها ل ُ‬ ‫خلةٍ أ ْ‬ ‫مائ َةِ ن َ ْ‬ ‫حِبي عَلى ث َلث ِ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫م‪ .‬فَأ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ب ِث َلِثي َ‬
‫ن‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫عاُنوِني ِبالن ّ ْ‬ ‫خاك ْ‬ ‫عيُنوا أ َ‬ ‫ه‪ :‬أ ِ‬ ‫حاب ِ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ل ْ‬
‫ل‬ ‫ج ُ‬ ‫ر‪ ،‬ي َعِْني الّر ُ‬ ‫ش ٍ‬ ‫ل ب ِعَ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ة‪َ ،‬والّر ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن‪َ ،‬والّر ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ل ب ِعِ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ة‪َ ،‬والّر ُ‬ ‫وَدِي ّ ً‬
‫سول اللهِ صلى الله‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫قال ِلي َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ة‪ .‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫مائةِ وَدِي ّ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت ِلي ثلث ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَ ْ‬ ‫جت َ َ‬ ‫حّتى ا ْ‬ ‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫قد ْرِ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ضعَُها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن أَنا أ َ‬ ‫ت فأت ِِني أكو ُ‬ ‫قْر لَها‪ ،‬فإ ِذا فَرغ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن‪ ،‬ف َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ب َيا َ‬ ‫عليه وسلم‪ :‬اذهَ ْ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ب ِي َد َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫ج َر ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫من َْها ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫حّتى إ َِذا فََرغْ ُ‬ ‫حاِبي َ‬ ‫ص َ‬ ‫عان َِني أ ْ‬ ‫ت ل ََها وَأ َ‬ ‫قْر ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫فَ َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ضعُ ُ‬ ‫ه ال ْوَدِيّ وَي َ َ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫قّر ُ‬ ‫جعَل َْنا ن ُ َ‬ ‫مِعي إ ِل َي َْها‪ ،‬فَ َ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َ‬
‫ة‬
‫من َْها وَدِي ّ ٌ‬ ‫ت ِ‬ ‫مات َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب ِي َدِهِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ه‪ .‬فَ َ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ب ِي َدِ ِ‬
‫ة‪.‬‬ ‫حد َ ٌ‬ ‫َوا ِ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ي َر ُ‬ ‫ل‪ .‬فَأت ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ي عَل َ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ل وَب َ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ت الن ّ ْ‬ ‫فَأد ّي ْ ُ‬
‫ي‬
‫س ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫فارِ ِ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫مَغاِزي‪ ،‬فَ َ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫جةِ ِ‬ ‫جا َ‬ ‫ضةِ الد ّ َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫قل ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬ف ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ما عَلي ْك َيا َ‬ ‫َ‬
‫خذ هَذِهِ فأد ّ ب َِها َ‬ ‫ْ‬ ‫قال‪ُ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪ ،‬ف َ‬ ‫تل ُ‬ ‫عي ُ‬ ‫َ‬
‫ب؟ قال‪ :‬فد ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مكات َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫سي ُؤَّدي‬ ‫ل َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ها‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫ي؟ َقا َ‬ ‫ما عَل َ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ل الل ّهِ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫قعُ هَذِهِ َيا َر ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫َ‬ ‫وَأي ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن ب ِي َدِهِ أْرب َِعي َ‬‫ما َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫من َْها‪َ ،‬وال ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫خذ ْت َُها فَوََزن ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬فَأ َ‬ ‫ك‪َ .‬قا َ‬ ‫ب َِها عَن ْ َ‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫شهِد ْ ُ‬ ‫ت‪ ،‬فَ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م وَعُت ِ ْ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة فَأوْفَي ْت ُهُ ْ‬ ‫ُأوقِي ّ ً‬
‫د‪.‬ورواه الطبراني في الكبير ‪ 6/222‬رقم‪:‬‬ ‫شهَ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫فت ِْني َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ق‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫خن ْد َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪.[6065‬‬
‫الدروس والفوائد من القصة‪:‬‬
‫‪ -1‬اهتمام الصحابة بالقصص‪.‬‬
‫‪ -2‬التربية بالقصة‪.‬‬
‫‪ -3‬أهمية القصة في إيصال المعلومة‪.‬‬
‫‪ -4‬تعظيمهم لعبادتهم والنفاق العظيم عليها حتى ل تخبو النار ساعة واحدة‪.‬‬
‫‪ -5‬بقاء النساء في البيوت فطرة فطرت البشرية عليها‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا أراد الله بعبد خيرا هيأ له أسبابه‪ ،‬فهذا سلمان المجوسي كالجارية في‬
‫دا‪ ،‬فقدر الله انشغال أبيه بالبنيان عن الضيعة ليأمر ابنه ولول‬ ‫بيتها ل يخرج أب ً‬
‫مرة بالخروج للضيعة‪ ،‬وترك البيت لينقذه الله من النار‪.‬‬
‫‪ -7‬أهمية التحصين من العقائد المخالفة‪ ،‬فل يكفي أن تربي ولدك على‬
‫معرفة الحق‪ ،‬وتغلق أمامه جميع أبواب الدنيا حتى يصبح ل يعرف ما ذا خلف‬
‫الجدار؛ فإن من طبيعة النسان حب الستطلع‪.‬‬
‫‪ -8‬أهمية التوعية بالدين الحق‪ ،‬ودللة الناس عليه‪ ،‬وعدم التقوقع على‬
‫النفس‪ ،‬فإن غالب الناس ل يعرفون ما عندك إذا لم تشهره‪ ،‬فهذا سلمان لم‬
‫دا بالنصرانية فضًل أن يدعى لها‪.‬‬ ‫يسمع أب ً‬
‫‪ -9‬أهمية الوسائل في إيصال الحق إلى الناس‪ ،‬فرفع الصوت بالقراءة‬
‫والصلة لفت نظر سلمان‪ ،‬وحمله على الدخول والطلع‪.‬‬
‫‪ -10‬أهمية إظهار الشعائر وإعلنها وأدائها على الوجه الصحيح الكمل‪ ،‬فكم‬
‫ممن أسلم لمجرد رؤية المصلين‪.‬‬
‫‪ -11‬مهما كانت تربية أهل الباطل وتحصينهم لبنائهم فإن العقائد الباطلة‬
‫تحمل نقضها وبطلنها في نفسها‪ ،‬ولكنها تحتاج إلى إزالة الستار عنها حتى‬
‫يعي صاحبها‪.‬‬
‫‪ -12‬قوة تأثير الحق على الخلق‪ ،‬فلو ترك الخلق وسماع الخير‪ ،‬وأبعد عنهم‬
‫التشويش؛ لنقادوا إليه طائعين دون كبير جهد‪.‬‬
‫‪ -13‬سرعة تأثر الشباب‪ ،‬وشجاعتهم في اتخاذ القرار؛ نظًرا لبعدهم عن‬
‫التراكم التراثي الذي يعيق المل عن قبول الحق‪ .‬ولهذا رغب سلمان في دين‬
‫النصارى وهو لول مرة يسمع به‪ ،‬بينما والده مع معرفته القديمة بالحق إل‬
‫كا بتراث الجداد‪.‬‬ ‫أنه لم يلتفت إليه تمس ً‬
‫‪ -14‬الحرص والتركيز على دعوة الخلي من الشبه والدعايات المضللة عن‬
‫السلم‪ ،‬فمهما كان دينه وعقيدته فإنه أسرع الناس استجابة‪ ،‬فسلمان على‬
‫الرغم من تطوره وتبوئه منزلة في المجوسية سرعان ما تركها لمجرد سماع‬
‫صوت الحق؛ لكونه خليا ّ من أي معلومة مشوهة عنه‪.‬‬
‫‪ -15‬التهميش والسقاط للخرين ليست وسيلة إقناع‪ ،‬كما قال والد‬
‫سلمان‪':‬ليس في ذلك الدين خير'‪.‬‬
‫‪ -16‬عدم التهاون بالشبه التي تعلق بأذهان الطلب والبناء‪ ،‬بل يجب‬
‫دا لقتلعها وإزالتها‪.‬‬ ‫إعطاؤها وقًتا وجه ً‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -17‬القيد يتداوله جميع الظلمة على مدار العصور للصد عن هدي الله؛ إذ‬
‫ليس عندهم من المناهج ما يسد حاجة الناس‪ ،‬وليس عندهم من الحجج ما‬
‫يمكنهم من ممارسة أساليب الحوار والقناع‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪':‬فأقبل ]سلمان[ يناظر أباه في دين الشرك‪ ،‬فلما عله بالحجة‬
‫لم يكن له جواب إل القيد‪ ،‬وهذا جواب يتداوله أهل الباطل من يوم حرفوه‪،‬‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ك ِ‬‫جعَل َن ّ َ‬ ‫ري َل َ ْ‬ ‫ت إ ِل ًَها غَي ْ ِ‬‫خذ ْ َ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫َ‬
‫وبه أجاب فرعون موسى عليه السلم‪ } :‬لئ ِ ِ‬
‫ن]‪]{[29‬سورة الشعراء[‪ .‬وبه أجاب الجهمية المام أحمد لما‬ ‫جوِني َ‬
‫س ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫عرضوه على السياط‪ ،‬وبه أجاب أهل البدع شيخ السلم حين استودعوه‬
‫السجن'‪.‬‬
‫‪ -18‬متابعة المسلم الجديد كما فعل أهل الكنيسة مع سلمان‪.‬‬
‫‪ -19‬السعي إلى تخليص المسلم من قيده‪.‬‬
‫‪ -20‬التخطيط للفرار إلى النجاة‪.‬‬
‫‪ -21‬علو همة سلمان‪ ،‬فها هو لول مرة يسمع هذا الدين‪ ،‬فيطلبه من منبعه‬
‫الصلي خشية الكدر‪ ،‬على الرغم من ترتب الغربة‪ ،‬والبعد عن الهل والوطن‪.‬‬
‫‪ -22‬معرفة قيمة المر يسهل التضحية في سبيله‪.‬‬
‫ومن تكن العلياء همة نفسه‬
‫‪ ... ...‬فكل الذي يلقاه فيها محبب‬
‫‪ -23‬البحث عن أعلم الناس للخذ عنه والرتباط به‪.‬‬
‫‪ -24‬متاجرة الحبار بأموال الناس‪ ،‬واستغلل الدين في جمعها‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪ } :‬إن ك َِثيرا من اْل َحبار والرهْبان ل َيأ ْك ُُلو َ‬
‫ل‪]...‬‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ َ ِ َ‬ ‫ً ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫‪]{[34‬سورة التوبة[‪.‬‬
‫‪ -25‬مهما كان ما عليه النسان من العلم والعبادة والتفرغ لها‪ ،‬إل أنه متى‬
‫تسلط على أموال الناس وخانهم سقط من أعينهم وأبغضوه‪ ،‬فكيف بمن ل‬
‫علم له ول منزلة؟!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -26‬صبر سلمان على صحبة أبغض الناس إليه مع قيامه بخدمته ليًل ونهاًرا؛‬
‫دا أعلم منه‪.‬‬
‫لنه ل يعلم أح ً‬
‫‪ -27‬كتمان حال السقف عن الناس؛ لن سلمان يعلم أن الناس ل يقبلون‬
‫ضا قد يتصدى العالم للنكار‪ ،‬أو يقدم العذار‬ ‫قول الغريب في عالمهم‪ ،‬وأي ً‬
‫والحجج يبرر بها صنيعه‪.‬‬
‫‪ -28‬عدم الكلم إل من عنده دليل موثق مقبول عند الخرين عند مطالبته به‪.‬‬
‫‪ 29‬عدم قبول الكلم في العالم إل بعد التبين والتثبت التام‪ ،‬إذ إن الصل فيه‬
‫الصلح والورع والنزاهة‪.‬‬
‫‪ -30‬مهما تستر النسان على دسائسه‪ ،‬فإن الله سيفضحه ولو بعد حين؛ كما‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج َ‬
‫خرِ ٌ‬
‫م ْ‬ ‫افتضح السقف بعد موته‪ .‬كما قيل في قوله تعالى‪َ...}:‬والل ّ ُ‬
‫ه ُ‬
‫ن]‪]{[72‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫مو َ‬‫ت َك ْت ُ ُ‬
‫‪ -31‬يقول الحسن البصري‪':‬بئس الدرهم والدينار ل ينفعانك حتى يفارقانك'‪،‬‬
‫فهذا السقف ماذا استفاد من المال الذي جمعه ولم ينفقه؟ لقد أصبح وباًل‬
‫ومقًتا عليه‪ ،‬ولم يربح منه شيئًا‪ ،‬وراح وتركه‪.‬‬
‫‪ -32‬إن سلمان يطلب أمًرا تصغر أمامه الدنيا بحذافيرها‪ ،‬ولو أراد ماًل ودنيا‬
‫لخذ الذهب وحازه ولم يعرف به أحد‪ ،‬ولكنه لو فعل ذلك لم يصل إلى الخير‬
‫والسلم الذي وصل إليه‪ ،‬ومن ترك شيًئا لله عوضه الله خيًرا منه‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -33‬مهما كانت مكانة النسان وقيمته في قلوب الناس‪ ،‬ومهما اشتهر به من‬
‫علم‪ ،‬فإن الناس سرعان ما يسقطونه وينبذونه إذا عرفوا تورطه بأي خيانة‪.‬‬
‫‪-34‬المنصب والجاه والمكانة والعلم يلزم حسن الظن به‪ ،‬والله تعالى أعلم‬
‫بسريرته‪ ،‬ول نشهد له بالولية أو النجاة عند الله‪ ،‬الله أعلم بما كان يعمل وما‬
‫يقصده‪ ،‬ولهذا كان من المعتقد الصحيح عدم الشهادة لحد من أهل القبلة‬
‫بجنة‪ ،‬أو نار‪ ،‬إل من شهد له الشرع بأحدهما‪.‬‬
‫‪ -35‬الملزمة والخلطة تسفر عن حقائق الناس‪ ،‬ولهذا عرف سلمان عن‬
‫السقف ما غاب عن جميع أهل بلده‪.‬‬
‫‪ -36‬الرواح جنود مجندة‪ ،‬ما تعارف منها ائتلف‪ ،‬فروح سلمان ونفسه وافقت‬
‫وألفت العالم الجديد؛ نظًرا ليمانه وصلحه وتقواه‪.‬‬
‫‪ -37‬حرص سلمان على العلم‪ ،‬وملزمة أهله حمله على الطلب من كل عالم‬
‫أن يوصي به إلى من هو مثله في العلم والصلح‪.‬‬
‫‪ -38‬مشروعية إخبار من تحبه في الله بأنك تحبه كما أمر النبي صلى الله‬
‫َ‬ ‫عليه وسلم الصحابي أن يقول لخيه‪ ':‬أ َّني أ ُ ِ‬
‫ك ِفي الل ّهِ '‪ ،‬فقال له‪':‬أ َ‬
‫حب ّكَ‬ ‫حب ّ َ‬
‫ه' رواه أحمد وأبوداود‪ .‬فإن في هذا زرعا ً للثقة والمحبة‪،‬‬ ‫َ‬
‫حب َب ْت َِني ِفي ِ‬
‫ذي أ ْ‬‫ال ّ ِ‬
‫ومدا ّ لجسور الخوة والصحبة‪.‬‬
‫‪ -39‬ينبغي لهل العلم واليمان تحري الدقة في عباراتهم‪ ،‬كما قال سلمان‬
‫رضي الله عنه‪':‬فما رأيت رجل ل يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه'‪.‬‬
‫‪ -40‬فقه سلمان ومعرفته بمنازل الناس وبعده عن المبالغة‪.‬‬
‫‪ -41‬مراعاة مراتب الحب والبغض‪.‬‬
‫‪ -42‬تنقل سلمان بين البلدان والوطان‪ ،‬ورحلته في طلب العلم‪.‬‬
‫‪ -43‬منزلة الصبر والتحمل‪ ،‬وعدم الستعجال والكتفاء بالدون‪.‬‬
‫‪ -44‬ندرة العلماء العاملين في الرض دللة على ضلل البشر‪ ،‬وانحراف‬
‫الفطر‪ ،‬وتبديل الديان‪ ،‬وانتشار عبادة الوثان‪.‬‬
‫‪ -45‬معرفة العلماء بواقعهم‪ ،‬واطلعهم على جميع تفاصيله‪.‬‬
‫‪ -46‬معرفة العلماء بنظرائهم في سائر البلدان‪ ،‬والتواصل والتعاون فيما‬
‫بينهم‪.‬‬
‫‪ -47‬ينبغي على أهل العلم واليمان أن يدلوا تلميذهم على أمثالهم من أهل‬
‫العلم والصلح للتلقي عنهم‪ ،‬ويوصوا العلماء بهم ليهتموا بهم أكثر‪.‬‬
‫‪ -48‬حرص العالم على الطالب المتميز‪ ،‬وتعاهده ومتابعته والوصية به‪.‬‬
‫‪ -49‬معرفة أهل الكتاب بالرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وصفات‬
‫بلده‪ ،‬وزمان بعثته‪.‬‬
‫‪ -50‬بذل سلمان جل ماله في سبيل الوصول إلى السلم‪.‬‬
‫‪ -51‬صبر سلمان وتحمله للرق والعبودية طلًبا للوصول إلى رضوان الله‪ ،‬مع‬
‫ما عرف عنه من الشرف والغناء في قومه‪.‬‬
‫‪ -52‬انتشار السلم من خلل أعدائه‪ ،‬فسلمان سمع بوصول الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم من اليهود أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -53‬بعد اليهود عن الهداية وعدم احتفائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫على الرغم من علمهم ومعرفتهم به وبصفاته وصدقه‪.‬‬
‫‪ -54‬ظلم اليهود لمن تحت أيديهم‪ ،‬واحتقارهم وتسلطهم عليهم‪ ،‬وحجبهم عن‬
‫معرفة الخير والنور‪.‬‬
‫‪ -55‬إخفاء سلمان عن سيده اليهودي ما يدور في نفسه وما حمله على ترك‬
‫بلده من البحث عن الحق‪ ،‬لمعرفته بكيد اليهود وبغضهم للحق وأهله‪.‬‬
‫‪ -56‬البحث عن الحق ليس مسوغا للتقصير في حق المخلوق‪ ،‬فسلمان لم‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يترك عمله ويذهب للرسول صلى الله عليه وسلم فور علمه به‪ ،‬والله يعلم‬
‫كم تحمل في الوصول إليه‪ ،‬بل لما أمسى وحضر وقت راحته ذهب إليه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -57‬تلطف سلمان في الوصول إلى مراده من معرفة الحق‪ ،‬وعدم العتماد‬
‫على غيره في ذلك‪.‬‬
‫‪ -58‬مطابقة أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء في النجيل‬
‫وأوصاف العلماء والرهبان‪.‬‬
‫‪ -59‬إتاحة الرسول صلى الله عليه وسلم الفرصة لتباعه بالتثبت والتبين‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -60‬هنا وصل سلمان إلى هدفه المنشود بعد طول رحلة ومشقة ورق في‬
‫البحث عن النجاة‪ ،‬فأصابه ما أصابه من النكباب على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وعدم النتظار لحظة واحدة حتى يستقبله من تلقاء وجهه‪.‬‬
‫‪ -61‬اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتثبيت وتجديد اليمان في‬
‫نفوس أصحابه‪ ،‬ولهذا أمر سلمان بذكر قصته لصحابه‪.‬‬
‫‪ - 62‬اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم برفع الرق عن سلمان‪ ،‬ولم‬
‫ينشغل عنه على الرغم من كثرة العباء والعمال المنوطة به صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ -63‬التكافل الجتماعي بين الصحابة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫‪ -64‬مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم في مشروع التكافل‪.‬‬
‫‪ -65‬الهداية منة ومنحة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده‪،‬‬
‫ولهذا وفق سلمان لها على بعد داره‪ ،‬وحرم منها أبو طالب على قرابته‬
‫وجواره‪ ...‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫من'باحث عن النجاة' للشيخ‪/‬يحيى بن إبراهيم اليحيى‬

‫)‪(6 /‬‬

‫بادر قبل أن تبادر‬


‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫التاريخ ‪23/08/2005 :‬‬
‫الكاتب ‪ :‬علي القرني ‪ ...‬الزوار ‪3450 :‬‬
‫> ‪<tr‬‬
‫الحمد لله قضى أل تعبدوا إل إياه ‪ ،‬لمانع لما أعطاه ‪ ،‬ولراد لما قضاه‬
‫‪،‬ولمظهر لما أخفاه ‪ ،‬ولساتر لما أبداه ‪ ،‬ولمضل لمن هداه ‪ ،‬ولهادي لمن‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫أعماه ‪ ،‬والصلة والسلم على من أرسله الله واصظفاه ) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن( )آل عمران‪(102:‬‬ ‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِّل وَأن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫موت ُ ّ‬
‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬
‫حق ّ ت ُ َ‬
‫ه َ‬‫قوا الل ّ َ‬
‫ات ّ ُ‬
‫عباد الله ‪..‬‬
‫ً‬
‫إن الناظر بعين البصر والبصيرة إلى الخلق يجد عجبا ‪ ،‬يجدهم غادين‬
‫جادين ‪ ..‬جادين في بيع أنفسهم ‪ ،‬ففائز رابح ومغبون خاسر ‪ ،‬رابح دان نفسه‬
‫وحاسبها وعمل لما بعد الموت فنجى ‪، ،‬خاف مقام ربه ونهى النفس عن‬
‫الهوى ‪ ، ،‬أعتق نفسه وزكاها وقد أفلح من زكاها ‪ ،‬وخاسر نسي مصيره ‪،‬‬
‫فانغمس في المحرمات على غير بصيرة ‪ ،‬باع دينه بعرض من الدنيا ‪ ،‬أتبع‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه هواها وتمنى على الله الماني حتى داهمته المنية ‪ ،‬دساها وقد من‬
‫َّ‬ ‫فسه وم َ‬
‫ك ب ِظلم ٍ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫ساَء فَعَل َي َْها وَ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫صاِلحا ً فَل ِن َ ْ ِ ِ َ َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬‫م ْ‬‫خاب دساها ) َ‬
‫د( )فصلت‪.(46:‬‬ ‫ل ِل ْعَِبي ِ‬
‫لنعجب من خطأه واتباعه هواه معشر المسلمين ‪ ،‬إذ لعجب ولغرابة أن‬
‫يخطئ النسان ويصدر منه السفه والجهالة والظلم فكل بني آدم خطاء‬
‫والمعصوم من عصمه الله ‪ ،‬لكن العجب منه يوم يدرك خطأه وإسآته وجهله‬
‫وظلمه ثم يظل متلبسا ً بذلك ‪ ،‬مصر عليه ‪ ،‬أمنا ً مكر الله عليه ‪ ،‬ووعيده له‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن( )لعراف‪. (99:‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫مك َْر الل ّهِ إ ِّل ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫مك َْر الل ّهِ َفل ي َأ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫)أفَأ ِ‬
‫يامن بدرت منه الخطيئة وكلنا ذاك ‪ ..‬عودة ‪ ..‬عودة إلى أفياء الطاعة ‪ ،‬الباب‬
‫ميُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬‫ذي َ‬ ‫ريد ُ ال ّ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وَي ُ ِ‬ ‫ن ي َُتو َ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬‫ه يُ ِ‬‫مفتوح ‪َ) ،‬والل ّ ُ‬
‫ظيمًا( )النساء‪ (27:‬بادر قبل أن تبادر ‪ ،‬بادر بالقلع عن الذنب بشعور‬ ‫مي ْل ً عَ ِ‬ ‫َ‬
‫باللم ‪ ،‬ألم المعصية ‪ ،‬مع عزم أكيد على استئناف حياة صالحة ‪ ،‬طيبة نقية‬
‫ت‬‫س ِ‬‫طاهرة ‪ ،‬بادر ‪ ..‬فإن تأخير التوبة من الذنب ذنب يحتاج إلى التوبة ) وَل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ت اْل َ‬
‫ن‬ ‫ل إ ِّني ت ُب ْ ُ‬‫ت َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫حد َهُ ُ‬ ‫ضَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬‫ن ي َعْ َ‬‫ذي َ‬‫ة ل ِل ّ ِ‬‫الت ّوْب َ ُ‬
‫()النساء‪ :‬من الية ‪(18‬‬
‫بادر فإن الذنب يجر إلى الذنب فكم من ذنب صغير كانت النهاية معه‬
‫بالتسويف أن يحال بين إيمانه وقلبه وقد يسلب إيمانه فبادر ‪ ،‬أرأيت لو أن‬
‫رجل ً أمر باقتلع شجرة باسقة كبيرة غصونها وهو شاب فرآها كبيرة فهابها‬
‫وقال ‪ :‬فلندعها إلى الغد ‪ ،‬فلما جاء الغد ‪ ،‬قال فلندعها للسبوع القادم ‪ ..‬إلى‬
‫الذي يليه ‪ ...‬إلى الذي يليه ‪ ..‬فإنه مع مرور الوقت تضعف قوته ‪ ...‬ويخور ثم‬
‫بعد ذلك ليستطيع قلعها ‪ ،‬فما عجزت عنه قد تكون غدا ً أشد عجزا ً فبادر ‪.‬‬
‫ُيفعل الذنب فيخلق اليمان في القلب كما يخلق الثوب ‪ ،‬ثم يغلف بالران‬
‫ه()الزمر‪ :‬من الية ‪(22‬‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬‫فيذبل ثم يقسوا ) فَوَي ْ ٌ‬
‫ثم يموت وعندها يحرم النسان لذة مناجاة الله ‪ ،‬فعبادته بعد ذلك آلية لروح‬
‫فيها ‪ ،‬لُتزكي نفسا ً ولُتطهر رجسا ً ‪ ،‬تلك عقوبة وبلية أي بلية ‪ ،‬ثم ينس‬
‫القرآن إن كان معه شيء من القرآن ‪ ،‬ثم ُيهمل الستغفار ‪ ،‬ثم يحرص على‬
‫الذنب مع عدم التلذذ به ‪ ،‬كلما حاول أن يعود ُأركس في ذنبه مع هم وغم‬
‫وحزن وخوف وذل ليفارقه ‪ ،‬أبى الله إل أن يذل من عصاه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه الموسوم بالبداية والنهاية في‬
‫حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين مايلي بتصرف ‪ /‬قال ‪ :‬وفيها توفي ابن‬
‫عبد الرحيم قبحه الله هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرا ً في بلد الروم‬
‫فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون يحاصرون بلدة من بلد الروم إذ‬
‫نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن ماغض بصره والله يقول‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ك أ َْز َ‬
‫كى ل َهُ ْ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫جهُ ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ح َ‬
‫م وَي َ ْ‬
‫صارِهِ ْ‬
‫ل ل ِل ْمؤْمِنين يغُضوا م َ‬
‫ن أب ْ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬ ‫) قُ ْ‬
‫ن( )النور‪ (30:‬اتبع النظرة النظرة والنظرة سهم مسموم من‬ ‫صن َُعو َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫َ‬
‫سهام ابليس ‪ ،‬نظر فهويها ‪ ،‬ثم راسلها هل إليك من سبيل ‪ ،‬فقالت لسبيل‬
‫إل أن تتنصر ‪ ،‬وتتبرئ من السلم ومن محمد – صلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد – فأجابها وقال – ونعوذ بالله مما قال – قال هو برئ من السلم ومن‬
‫محمد وتنصر ‪ ،‬وصعد إليها – لإله إل الله نعوذ بالله من الحور بعد الكور ‪،‬‬
‫نعوذ بالله من الضللة بعد الهدى ‪ ،‬المعاصي بريد الكفر ‪ ..‬المعاصي بريد‬
‫سلب‬ ‫الكفر ‪ ..‬كم من معصية جرت أختها وأختها وأختها ثم كانت النهاية أن ُ‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إيمان العبد وهذا مثل من المثلة – ماراع المسلمين إل وهو عندها فاغتم‬
‫المسلمون لذلك غما ً شديدا ً ‪ ،‬وشق عليهم ذلك مشقة عظيمة ‪ ،‬صدر وعى‬
‫القرآن ينتكس فيعبد الصلبان ‪ ،‬فلما كان بعد فترة مرو عليه وهو مع تلك‬
‫المرأة في ذلك الحصن عليه ذل الكفر وقترته وغبرته ‪ ،‬فقالوا يابن عبد‬
‫الرحيم ما فعل علمك ‪ ..‬مافعلت صلتك ‪ ..‬مافعل صيامك ‪ ..‬مافعل جهادك ‪..‬‬
‫مافعل القرآن ‪ ،‬فقال في حمأة ذل الكفر ‪ ..‬أنسيته مامعي منه سوى آيتين ‪..‬‬
‫م ي َأ ْك ُُلوا‬
‫ن ‪ ،‬ذ َْرهُ ْ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫فُروا ل َوْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ي َوَد ّ ال ّ ِ‬ ‫كأنه المعني بهما )ُرب َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( )الحجر‪. (3-2:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م اْل َ‬ ‫مت ُّعوا وَي ُل ْهِهِ ُ‬ ‫وَي َت َ َ‬
‫يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ‪ ،‬نسألك اللهم حسن الخاتمة ‪.‬‬
‫بادر قبل أن تبادر ‪ ،‬هل تنتظر إل غنى مطغيا ً ‪ ،‬أو فقرا ً منسيا ً ‪ ،‬أو هرما ً‬
‫مجهزا ً ‪ ،‬أو الدجال فشر غائب ينتظر ‪ ،‬أو الساعة والساعة‬ ‫مفّندا ً ‪ ،‬أو موتأ ُ‬
‫أدهى وأمر ‪ ،‬بادر قبل أن تبادر ‪ ،‬واصدق في توبتك واجعلها نصوحا ً خالصة ‪،‬‬
‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ ت َوْب َ ً‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫فإن الله يدعوك في عداد المؤمنين ‪َ ) ،‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫نصوحا ً عَسى ربك ُ َ‬
‫حت َِها‬‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫جَِ‬‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬‫م َ‬ ‫خل َك ُ ْ‬‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫فَر عَن ْك ُ ْ‬ ‫ن ي ُك َ ّ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ميعا أي َّها ال ُ‬ ‫ج ِ‬‫اْل َن َْهاُر ( ويعد بالفلح على ذلك فيقول )وَُتوُبوا إ ِلى اللهِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن()النور‪ :‬من الية ‪. (31‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫الصادق في توبته ليزال ذنبه نصب عينيه ‪..‬خائفا ً منه مشفقا ً باكيا ً وجل ً نادما ً‬
‫مستحيا ً من ربه ‪ ،‬دائم التضرع إليه واللجوء إليه ‪ ،‬حتى يقول عدو الله إبليس‬
‫ليتني تركته فلم أوقعه في ذلك الذنب ‪ ،‬روى المام مسلم في صحيحه أن‬
‫امرأة من جهينة وقعت في كبيرة الزنى في لحظة ضعف فتذكرت عظمة‬
‫الله وعقابه ووعيده فأنابت وتابت في شعور عظيم بمرارة المعصية وعظم‬
‫الكبيرة وأرادت البراءة بطريق متيقنا ً ليتطرق له أدنى احتمال فأتت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقالت يارسول الله طهرني فقال ‪ :‬ويحك ارجعي‬
‫واستغفري الله وتوبي اليه – كان يكفيها ذلك – لكنها قالت يارسول الله أراك‬
‫تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ‪ ،‬والله إني حبلى من الزنا فطهرني‬
‫يارسول الله ‪ ،‬قال أأنت قالت نعم ‪ ،‬فقال لها ارجعي حتى تضعي مافي‬
‫بطنك ‪ ،‬وبضعة أشهر تمر وهي على خوفها واشفاقها وقلقها ‪ ،‬ثم تضع وتأتي‬
‫بالصبي في خرقة ‪ ،‬وتقول هو ذا قد وضعته فطهرني يارسول الله ‪ ،‬قال‬
‫اذهبي فارضعيه حتى تفطميه ‪ ،‬وحولن كاملن على خوفها واشفاقها وعزمها‬
‫على تطهير نفسها بالحد ‪ ،‬والحد كفارة كما أخبر بذلك الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فطمته وأتت النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي وفي يده‬
‫كسرة الخبز ‪ ،‬هو ذا يارسول الله فطمته فطهرني ‪ ،‬دفع الصبي إلى رجل من‬
‫المسلمين ‪ ،‬ثم ُأمر بها فحفر بها إلى صدرها ‪ ،‬وأمر الناس فرجموها فكان‬
‫ممن رجمها خالد بن الوليد رضي الله عنه فتنضخ دمها على وجه خالد فسبها‬
‫وشتمها فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال مهل ً ياخالد فوالذي نفس‬
‫محمد بيده لقد تابت توبة لو قسمت على أمة لوسعتهم ‪.‬‬
‫ماضرها وكأن الذنب لم يكن ولقد بقي لها صدقها ‪ ..‬وثناء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم عليها وعلى توبتها ‪ ،‬وبقي لها شرف الصحبة ‪ ..‬بقي لها فوق ذلك‬
‫صلة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ودفنه لها فرضي الله عنها وأرضاها ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن َروِْح الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬‫ه ل ي َي ْأ ُ‬ ‫بادر قبل أن تبادر ولتيأس ولتقنط وإن كبر الذنب)إ ِن ّ ُ‬
‫ن()يوسف‪ :‬من الية ‪(87‬‬ ‫كافُِرو َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬‫إ ِّل ال ْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬
‫عبادي ال ّذي َ‬
‫ل َيا ِ َ ِ َ ِ َ‬ ‫)ق ُ ْ‬
‫م( )الزمر‪(53:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ي َغْ ِ‬
‫جاء في صحيح مسلم )ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله مائة رحمة‬
‫أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون‬
‫وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة‬
‫يرحم بها عباده يوم القيامة ( ‪.‬‬
‫وجاء عنده أيضا ً من حديث عمر بن الخطاب أنه قال قدم على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغى إذا وجدت صبيا ً في‬
‫السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا ل والله وهى تقدر على‬
‫أن ل تطرحه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أرحم بعباده من‬
‫هذه بولدها ‪.‬‬
‫قال الشيخ السعدي رحمه الله ) فقل ما شئت عن رحمته فإنها فوق ما تقول‬
‫وتصور فوق ما شئت فإنها فوق ذلك فسبحان من رحم في عدله وعقوبته‬
‫كما رحم في فضله وإحسانه ومثوبته وتعالى من وسعت رحمته كل شيء‬
‫وعم كرمه كل حي ‪ ،‬وجل من غني عن عباده رحيم بهم وهم مفتقرون إليه‬
‫على الدوام في جميع أحوالهم فل غنى لهم عنه طرفة عين ( ‪.‬‬
‫رحمة الله هل تنال بالتواني والكسل أم بالجد والعمل ‪ ،‬لمن كتبها الله ؟‬
‫ة‬
‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ب ل ََنا ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا َ‬ ‫اسمعوا معاشر المسلمين إلى قول الله ) َواك ْت ُ ْ‬
‫ل‬‫ت كُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫خَرةِ إ ِّنا هُد َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫وَِفي اْل ِ‬
‫سعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫شاُء وََر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ذاِبي أ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ‪ ،‬ال ِ‬ ‫مُنو َ‬‫م ِبآيات َِنا ي ُؤْ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫كاةَ َوال ِ‬ ‫ن وَي ُؤُْتو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ِ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫مك ُْتوبا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫سو َ‬
‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ي َت ّب ُِعو َ‬
‫ْ‬
‫م‬
‫م عَلي ْهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ّ‬
‫م الطي َّبا ِ‬ ‫ل لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫من ْكرِ وَي ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال َ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ي َأ ُ‬
‫ث ()لعراف‪ :‬من الية ‪(156-157‬‬ ‫خَبائ ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫إنها للعاملين كتبها للعاملين لللخاملين البطالين ‪ ،‬فياعبد الله اعرف عزة الله‬
‫في قضائه ‪ ،‬وبره في ستره ‪ ،‬وحلمه في امهاله ‪ ،‬وفضله في مغفرته ‪ ،‬فلله‬
‫عليك أفضال وأفضال ‪ ،‬ستره عليك حين ارتكابك للذنب ‪ ،‬أما والله لو شاء‬
‫الله لفضحك الله على رؤوس الخلئق فما جلست مجلسا ً ولحضرت مجمعا ً‬
‫إل عيرت بذلك الذنب فكم من عاص نفس معصيتك ُفضح وسترك الله الذي‬
‫لإله إل هو ‪ ،‬وياعجبا ً لقوام يسترهم الله فيصبحوا يتحدثون قد هتكوا ستر‬
‫الله عليهم ‪ ،‬أولئك غير معافين إنهم المجاهرون ‪ ،‬وكل أمة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم معافى إل المجاهرين ‪ ،‬فاشكر ربك إذ سترك ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ /‬حلم الله عليك ‪ ،‬وقد سمعت طرفا ً من سعة رحمته سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ /‬وهو من أعظمها فرح الله جل وعلى بتوبتك فرح احسان وعز‬
‫ولطف ‪ ،‬لفرحة محتاج إلى توبة عبده ‪ ،‬تبارك الله وجل الله ‪ ،‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه المام مسلم‬
‫) لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه‬
‫راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه‬
‫العطش ثم قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع‬
‫رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه‬
‫وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ( ‪.‬‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫رابعها ‪ /‬تبديل السيئات إلى حسنات قال الله جل الله )َوال ّ ِ‬
‫ل‬‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حقّ َول ي َْزُنو َ‬ ‫ه إ ِّل ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫خَر َول ي َ ْ‬ ‫الل ّهِ إ َِلها ً آ َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَهانا ً ‪ ،‬إ ِّل َ‬ ‫خل ُد ْ ِفيهِ ُ‬ ‫مةِ وَي َ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ه ال ْعَ َ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬ ‫ك ي َل ْقَ أَثاما ً ‪ ،‬ي ُ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فورا ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ت وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫سَنا ٍ‬
‫ح َ‬
‫م َ‬‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫صاِلحا ً فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫مل ً َ‬ ‫م َ‬
‫ل عَ َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬‫م َ‬
‫َوآ َ‬
‫حيما( )الفرقان‪(70:‬‬ ‫ً‬ ‫َر ِ‬
‫أخرج المنذري وغيره بنسد جيد عن أنس رضي الله عنه ) قال جاء شيخ كبير‬
‫هرم قد سقط حاجباه على عينيه فقال يا رسول الله رجل غدر وفجر ولم‬
‫يدع حاجة ول داجة إل اقتطفها بيمينه لو قسمت خطيئته بين أهل الرض‬
‫لوبقتهم فهل له من توبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم أأسلمت قال أما‬
‫أنا فأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فقال‬
‫النبي فإن الله غافر لك ما كنت كذلك ومبدل سيئاتك حسنات فقال يا رسول‬
‫الله وغدراتي وفجراتي فقال وغدراتك وفجراتك فولى الرجل يكبر ويهلل ( ‪،‬‬
‫فضل الله واسع ‪ ،‬ليهلك إل هالك وليشقى إل شقي ‪ ،‬فلتيأس من رحمة‬
‫الله ولتجترئ على معصية الله ‪ ،‬وتب كلما أذنبت ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بادر قبل أن تبادر ‪ ،‬بادر ولتنظر إل صغر الخطيئة ولكن انظر إل عظمة من‬
‫عصيت ‪ ،‬إنه الله الجليل ‪ ،‬إنه الله العظيم ‪ ،‬إنه الله الكبير ‪ ،‬من نظر إلى‬
‫ل أمره ونهيه ‪.‬‬ ‫عظمة الله وجلله عظم حرماته وقدره قدره وأج ّ‬
‫نفعني وإياكم بما في كتابه وسنة نبيه ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ياعبد الله ‪ ..‬بادر وإياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله‬
‫طالبا ً ‪ ،‬بادر ورد المظالم إلى أهلها ‪ ،‬أو تحلل منهم واطلب المسامحة ‪ ،‬لتتم‬
‫التوبة إل بذاك روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من كانت له مظلمة لحد من عرضه‬
‫أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن ل يكون دينار ول درهم إن كان له عمل‬
‫صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه‬
‫فحمل عليه ( ‪.‬‬
‫بادر قبل أن تبادر ولتصحب الفاجر والمرء على دين خليله ‪ ،‬اهجر السوء‬
‫وأهله ‪.‬‬
‫صلةَ‬ ‫َ‬
‫بادر قبل أن تبادر ‪ ،‬واتبع السيئة الحسنة تمحها قال الله ) وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ك ذِك َْرى‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ل إِ ّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزَلفا ً ِ‬ ‫ط ََرفَ ِ‬
‫ن( )هود‪. (114:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬‫ِلل ّ‬
‫ياعبد الله ‪ ..‬أسألك سؤال وأريد منك اجابة شافية لنفسك للي ‪ ،‬هل أنت‬ ‫ً‬
‫الن على استعداد لو جاءك ملك الموت في هذه اللحظة ‪ ،‬أعوذ بالله من‬
‫ه وَل ْت َن ْظ ُْر ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت ل ِغَدٍ‬ ‫ما قَد ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الشيطان الرجيم ) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن( )الحشر‪ (18:‬فتب وبادر قبل أن تبادر‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫اللهم ارزقنا توبة نصوحا ً ‪ ،‬اللهم اغفر الذنوب ‪ ،‬اللهم استر العيوب ‪.‬‬
‫ي الرحمة والملحمة النبي المصطفى‬ ‫ثم صلوا معاشر المسلمين على نب ّ‬
‫ل وعل فقال في محكم تنزيله‬ ‫والرسول المجتبى‪ ،‬فقد أمركم بذلك المولى ج ّ‬
‫مُنوا ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ى ياأي َّها ال ِ‬ ‫ن عَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫صّلو َ‬ ‫ه يُ َ‬‫مَلئ ِك َت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وهو الصادق في قيله‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ما( ]الحزاب‪.[56:‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫صّلوا ْ عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫مد صاحب الوجه النور‬ ‫ل وسّلم وبارك على عبدك ورسولك مح ّ‬ ‫مص ّ‬ ‫الله ّ‬
‫والجبين الزهر والخلق الكمل‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه‬
‫م عن الخلفاء الربعة الراشدين‪..‬‬ ‫أمهات المؤمنين‪ ،‬وارض الله ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫باساييف مقاتل بل هوادة‬


‫عمرو حسين*‬
‫شامل باسييف‬
‫ما للمقاومة الشيشانية‪ ،‬حيث تمكنت القوات‬ ‫ً‬ ‫مؤل‬ ‫ما‬
‫ً‬ ‫عا‬ ‫الجاري‬ ‫كان العام‬
‫الروسية من اغتيال ثلثة من أبرز قادة المقاومة وهم‪ :‬أصلن مسخادوف‪،‬‬
‫وعبد الحليم سعيدو لييف‪ ،‬وأخيًرا شامل باساييف ذلك الرجل الذي أثار‬
‫الكثير من الرعب داخل روسيا‪ ،‬ومن الجدل والعتراض حول بعض العمليات‬
‫التي نفذها ضد موسكو وسقط خللها عدد كبير من الطفال والمدنيين‪.‬‬
‫و"باسييف" كانت تعتبره موسكو العدو الول لها‪ ،‬بل والكثر خطورة على‬
‫أمنها؛ نظًرا للجرأة الشديدة التي كان يتمتع بها في عملياته‪ ،‬وقدرته على‬
‫الوصول إلى أعماق روسيا ناقل ً بذلك الحرب من الراضي الشيشانية إلى‬
‫داخل روسيا‪ ،‬وأبرزها احتجاز الرهائن في مسرح موسكو عام ‪،2001‬‬
‫ومدرسة بيسلن عام ‪ ،2004‬كذلك كانت تنظر موسكو إليه على أنه‬
‫الشيشاني الدموي الخطر‪.‬‬
‫وفي المقابل كان باساييف يتمتع بكاريزما خاصة داخل أوساط المقاومة‬
‫الشيشانية‪ ،‬لعوامل متعددة يرجع بعضها إلى أن البعض رأى أنه يمثل‬
‫الشخصية الشيشانية المقاومة التي ظهرت بصور متكررة في التاريخ؛ ولذا‬
‫لم يكن غريًبا أن يسمى باساييف بـ"شامل" الذي يرجع إلى المام شامل‬
‫القائد التاريخي للمقاومة ضد الروس في الشيشان‪ ،‬كذلك إلى تبني المقاومة‬
‫تحت الراية السلمية‪ ،‬إضافة إلى جرأته الشديدة التي جعلته مثال ً للشجاعة‬
‫من وجهة نظر الشيشانيين‪.‬‬
‫قصة الحياة‬
‫ولد باساييف أو عبد الله شامل كما كان يسمي نفسه‪ ،‬أو "أبو إدريس" كما‬
‫أطلق عليه المقاتلون العرب في الشيشان في عام )‪1965‬م( في قرية‬
‫ديشني فيدينو الواقعة جنوب الشيشان‪ ،‬وفي عام )‪1987‬م( انتسب لمعهد‬
‫الهندسة في موسكو‪ ،‬وبعد أن أتم دراسته في المعهد التحق بالجيش‬
‫السوفيتي ‪-‬آنذاك‪ -‬لداء الخدمة العسكرية‪ ،‬وشارك عام )‪1991‬م( في الدفاع‬
‫عن مقر البرلمان الروسي إبان المحاولة النقلبية‪.‬‬
‫وعاد باسييف إلى الشيشان عقب تفكك التحاد السوفيتي‪ ،‬وحين أعلن‬
‫الرئيس الشيشاني الراحل جوهر دوداييف استقلل بلده عن موسكو في‬
‫أوائل التسعينيات قام باساييف بتشكيل ما أسماه "وحدات المجاهدين‬
‫الخاصة" والتي وجهت نشاطها بشكل أساسي للكفاح المسلح ضد القوات‬
‫الروسية وأجهزتها السرية‪ ،‬ثم انضم في وقت لحق إلى الوحدة العسكرية‬
‫التابعة لكونفدرالية الشعوب القوقازية‪ ،‬وشارك في النضال ضد الوجود‬
‫دا للوحدة العسكرية في‬ ‫الروسي في إقليم كاراباخ‪ ،‬وسرعان ما أصبح قائ ً‬
‫العام ‪ ،1992‬وشارك في معركة استقلل أبخازيا عن جورجيا في نفس‬
‫العام‪.‬‬
‫وفي عام )‪1994‬م( ولدى اندلع حرب الشيشان الولى تولى باساييف قيادة‬
‫المقاتلين الشيشان في مسقط رأسه "فيدينو"‪ ،‬وبرز اسمه بقوة على ساحة‬
‫الحرب الشيشانية حين قام مع رفاقه باحتجاز مجموعة من الرهائن داخل‬
‫مدرسة في مدينة "بودينوفيسك" في )‪ 14‬يونيو ‪1995‬م(‪ ،‬ونجح من خللها‬
‫في لفت أنظار العالم إلى القضية الشيشانية‪.‬‬
‫دا للقوات الشيشانية المسلحة‬ ‫وفي عام )‪1996‬م( انتخب "باساييف" قائ ً‬
‫وأدار الهجمات الكبيرة التي استهدفت القوات الروسية في العاصمة عند‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نهاية الحرب الروسية ‪ -‬الشيشانية الولى‪ ،‬وأجبرت الهجمات موسكو على‬


‫القبول بمطالب المقاتلين‪ ،‬والنسحاب من الراضي الشيشانية‪ ،‬وفي العام‬
‫نفسه قدم استقالته من رئاسة القوات الشيشانية المسلحة‪ ،‬وخاض تجربة‬
‫الترشح للنتخابات الرئاسية في بلده وحصل على نسبة ‪ %32.5‬من‬
‫الصوات ليحل في المرتبة الثانية‪ ،‬وهو ما جعل الرئيس الشيشاني "أصلن‬
‫مسخادوف" يعينه في منصب رئيس الوزراء‪ ،‬وفي عام )‪1998‬م( انتخب‬
‫سا لكونجرس )مجلس( الشعبين الشيشاني والداغستاني‪ ،‬وأصبح بموجب‬ ‫رئي ً‬
‫سا لمجلس الشورى السلمي‪.‬‬ ‫قرار من الكونجرس رئي ً‬
‫عدو موسكو الول‬
‫شامل باسييف‬
‫شكلت الفترة من )‪ (2006 - 1999‬مرحلة تحول فارقة في حياة باساييف‬
‫ومسيرته الجهادية‪ ،‬حيث شهدت الغزو الروسي الثاني للراضي الشيشانية‬
‫والتي تولى باساييف خلله الدفاع عن منطقة بوتليخ‪ ،‬ثم عاد إلى الشيشان‬
‫مرة أخرى؛ ليصبح القائد الفعلي للمقاتلين‪.‬‬
‫وقد تمكن باسييف من نقل المعركة إلى داخل الراضي الروسية حين قام‬
‫مجموعة من أتباعه باحتجاز رهائن داخل أحد المسارح في روسيا عام )‬
‫‪2001‬م( والتي انتهت نهاية دموية على يد قوات المن الروسية وأسفرت‬
‫عن مقتل الخاطفين‪ ،‬وعدد كبير من الرهائن وهو نفس السيناريو الذي تكرر‬
‫فيما بعد في مدرسة بيسلن التي احتجز الشيشانيون فيها عدًدا من الرهائن‪.‬‬
‫وقد أعلن باساييف في العام نفسه مسئوليته عن اغتيال الرئيس الشيشاني‬
‫الموالي لموسكو أحمد قاديروف بقنبلة وضعت أسفل مقصورته في إستاد‬
‫العاصمة جروزني في التاسع من مايو ‪ ،2004‬ونتيجة لهذه العمليات وغيرها‬
‫أصبح باساييف عدو موسكو الول وأحد أبرز المطلوبين من قبل القوات‬
‫الروسية والتي سعت إلى اغتياله عدة مرات‪ ،‬خاصة بعد تمكنها من تصفية‬
‫رفاقه من القادة الشيشانيين‪ :‬يندر باييف وخطاب وأصلن مسخادوف وعبد‬
‫الحليم سعيدولييف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كان باساييف أحد أكثر القادة الشيشانيين راديكالية فيما يتعلق بقضية‬
‫فا فيما يتعلق بقتال‬
‫استقلل بلده وانفصالها عن روسيا‪ ،‬كما كان أكثرهم عن ً‬
‫ف نيته في استعمال أسلحة دمار شامل ضد روسيا إذا أتيح‬ ‫الروس‪ ،‬فلم يخ ِ‬
‫له الحصول عليها‪ ،‬كما عّبر في أكثر من مناسبة عن رؤيته ‪-‬أو حلمه‪-‬‬
‫بتأسيس دولة "خلفة إسلمية" تجمع بلده وكافة الجمهوريات السلمية في‬
‫قا للحكم السوفيتي وتمتد من البحر السود إلى بحر‬ ‫القوقاز التي خضعت ساب ً‬
‫قزوين‪ ،‬كما أعرب في حوارات صحفية أجريت معه عن رفضه التام لنمط‬
‫الديمقراطية الغربية التي تحاول روسيا فرضها في الشيشان والتي وصفها‬
‫بأنها "ديمقراطية تأتي على أسنة الحراب"‪ ،‬وكان يرى أن الحل الوحيد‬
‫للقضية الشيشانية هو "بمواصلة الجهاد"‪.‬‬
‫موعد مع الشهادة‬
‫في ‪ 2006-7-10‬أعلن التلفاز الروسي عن مقتل شامل باساييف فيما‬
‫أسماه "عملية أمنية"‪ ،‬وبث مشاهد لسيارات متفحمة وصوًرا لجثة باساييف‬
‫الذي قال إنه قتل في انفجار شاحنة خلل تواجده في جمهورية أنجوشيا‬
‫المجاورة للشيشان‪ ،‬وزعمت السلطات النجوشية أن جثة باساييف تم‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التعرف عليها؛ لن وجهه لم يصب في النفجار الذي مزق جسده كما قتل‬
‫ثلثة من رفاقه في النفجار‪ ،‬وقد اعترف بيان للمقاتلين الشيشان بمقتل‬
‫باساييف‪ ،‬وقالوا إن شاحنة تحمل عبوات ناسفة انفجرت لدى مرور سيارة‬
‫كانت تقل باساييف ورفاقه على الطريق‪.‬‬
‫مسيرة الصراع الروسي ‪ -‬الشيشاني تؤكد أن الجهاد الشيشاني ل يتوقف‬
‫بمقتل قادته فهو جهاد ممتد من القرن الثامن عشر‪ ،‬وظل مستمّرا رغم‬
‫مقتل أهم قياداته‪ ،‬وهو ما يؤكده الشيشانيون في نشيدهم الوطني الذي‬
‫يرددونه يومّيا‪:‬‬
‫"لقد ولدنا في جوف الليل والذئب يعوي‬
‫وفي الصباح وبينما السود تزمجر‬
‫منحنا أسماءنا‬
‫ل إله إل الله‬
‫وفى أعشاش النسور أرضعتنا أمهاتنا‬
‫علمنا آباؤنا‪ ..‬ترويض فحول الخيل‬
‫صا‬
‫تنصهر أحجار الجرانيت وتستحيل رصا ً‬
‫قبل أن نفقد نبلنا والكفاح‬
‫ل إله إل الله‬
‫تتصدع الرض وتذوب في الشمس الحارقة‬
‫قبل أن نظهر للعالم بدون شرفنا‬
‫ل إله إل الله‬
‫دا‬
‫لن نخضع لحد أب ً‬
‫الحرية أو الموت‬
‫الطريق الوحيد الذي اخترناه‬
‫ل إله إل الله‬
‫إذا نال منا الجوع‪ ..‬أكلنا جذور النباتات‬
‫وإذا عطشنا شربنا من عصير الحشائش‬
‫لقد ولدنا في الليل والذئب يعوي‬
‫الله والمة والوطن‪ ..‬لهم وهبنا أنفسنا‬
‫ل إله إل الله‬
‫نذرنا أنفسنا لله وللشعب والوطن والرض إذا احتاجوا إلينا‬
‫سوف نلبي النداء بشجاعة"‬
‫________________________________________‬
‫* من أسرة ثقافة وفن بموقع "إسلم أون لين‪.‬ن‬

‫)‪(2 /‬‬

‫باقة ورد ونسرين مهداة لكل عروسين‬


‫دار الوطن‬
‫الحمد لله الذي خلق من كل شيء زوجين‪ ،‬والصلة والسلم على المبعوث‬
‫رحمة إلى الثقلين‪ ،‬نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى يوم‬
‫الدين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فما أسعدنا في هذا اليوم المبارك‪ ،‬وفي هذا العرس الطيب الزكي‪ ،‬حيث‬
‫جمع الله تعالى فيه بين زوجين‪ ،‬وألف فيه بين قلبين‪ ،‬وقرب بين بعيدين‪،‬‬
‫وقرن فيه مسلما ً بمسلمة‪ ،‬بطريق شرعي حلل‪ ،‬على كتاب الله تعالى‪،‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعلى سنة رسول الله ‪.‬‬


‫فبارك الله للعروسين‬
‫وبارك عليهما‬
‫وجمع بينهما في خير‬
‫وإنه لمن دواعي السرور والفرح‪ ،‬ما نراه من إقبال الشباب المسلم على‬
‫الزواج‪ ،‬رغم ما يلقونه من المصاعب‪ ،‬وكثرة التكاليف التي تطلب منهم‪ ،‬وما‬
‫ذاك إل رغبتهم في طلب الحلل‪ ،‬وإعفاف أنفسهم‪ ،‬وحرصهم على تكوين‬
‫د‪ ،‬يكون لبنة في بناء المجتمع بل المة السلمية كلها‪.‬‬ ‫ت مسلم ٍ جدي ٍ‬‫بي ٍ‬
‫‪ -1‬فالزواج من هدي النبياء والمرسلين‪ ،‬ومن كرهه ورغب عنه فقد خالف‬
‫السنة وفارق هدي المصطفى عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫قال النبي ‪ } :‬أما والله إن لخشاكم لله‪ ،‬وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصوم وأفطر‪،‬‬
‫وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني { ]متفق‬
‫عليه[‪.‬‬
‫ي من دنياكم النساء والطيب‪ ،‬وجعلت‬ ‫وقال عليه الصلة والسلم‪ } :‬حبب إل ّ‬
‫قرة عيني في الصلة { ]النسائي وأحمد وصححه اللباني[‪.‬‬
‫‪ -2‬والزواج استجابة لنداء الخالق جل وعل بقوله‪ :‬وأنكحوا اليامى منكم‬
‫والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله‬
‫واسع عليم ]النور‪.[32:‬‬
‫‪ -3‬والزواج نداء الفطرة‪ ،‬فمن تركه إلى غيره فقد خالف الفطرة ومن خالف‬
‫الفطرة فهو على شفا هلكة فطرت الله التي فطر الناس عليها ل تبديل‬
‫لخلق الله ]الروم‪.[30:‬‬
‫‪ -4‬والزواج من أعظم نعم الله على عباده‪ ،‬فهو طريق المودة‪ ،‬وسبيل‬
‫السعادة‪ ،‬وعنوان الستقرار‪ ،‬ومجال الرحمة قال تعالى‪ :‬ومن آياته أن خلف‬
‫لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك‬
‫ليات لقوم ٍ يتفكرون ]الروم‪.[21:‬‬
‫‪ -5‬والزواج هو الطريق الشرعي الحلل لقضاء الوطر وتصريف الشهوة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬والذين هم لفروجهم حافظون‪ ،‬إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‬
‫فإنهم غير ملومين‪ ،‬فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ]المؤمنون‪-5:‬‬
‫‪.[7‬‬
‫فأين الشباب المسلم التقي؟‬
‫أين أحفاد خالد وعلي؟‬
‫أين الذين هم على صلتهم دائمون؟‬
‫ذهب البطال وبقى كل بطال!!‬
‫‪ -6‬والزواج عصمة للشاب والشابة من الفتن والنحراف‪ ،‬والفسق والفجور‪،‬‬
‫ولذا حث النبي الشباب على الزواج بقوله‪ } :‬يا معشر الشباب‪ ،‬من استطاع‬
‫منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه‬
‫بالصوم‪ ،‬فإنه له وجاء { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -7‬والزواج طريق سهل‪ ،‬وسبيل ميسرة لكتساب الجر والمثوبة من الله‬
‫بغير تعب ولنصب‪ ،‬فقد أخبر النبي أن خير النفاق هو النفاق على الزوجة‬
‫والعيال‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪ } :‬دينار أنفقته في سبيل الله‪ ،‬ودينار‬
‫أنفقته في رقبة‪ ،‬ودينار تصدقت به على مسكين‪ ،‬ودينار أنفقته على أهلك‪،‬‬
‫أفضلهم الدينار الذي أنفقته على أهلك { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫وقال النبي لسعد بن أبي وقاص‪ } :‬وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إل‬
‫ي امرأتك { ]متفق عليه[‪.‬‬ ‫أجرت عليها حتى ما تجعل في ف ْ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأعظم من ذلك أن للزوج والزوجة أجرا ً بالجماع والمتعة‪ ،‬قال النبي ‪:‬‬
‫} وفي بضع أحدكم صدقة‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الله! يأتي أحدنا شهوته ويكون له‬
‫أجر؟! قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها في حرام ٍ أ كان عليه فيها ِوزر؟ فكذلك إذا‬
‫وضعها في الحلل كان له أجُر { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫س شرعية سليمة‪ ،‬ومن أعظم‬ ‫ً‬
‫‪ -8‬والزواج الناجح هو ما كان مبنيا على أس ٍ‬
‫تلك السس‪ :‬اشتراط الدين في الزوج والزوجة‪.‬‬
‫ففي الزوج قال النبي ‪ } :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه‪ ،‬إل‬
‫تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد كبير { ]الترمذي وابن ماجه وحسنه‬
‫اللباني[‪.‬‬
‫قال رجل للحسن‪ :‬ممن أزوج ابنتي؟ قال‪ :‬ممن يتقي الله‪ ،‬فإن أحبها أكرمها‪،‬‬
‫وإن أبغضها لم يظلمها‪.‬‬
‫فصاحب الدين ل يظلم إذا غضب‪ ،‬ول يهجر بغير سبب‪ ،‬ول يسيء معاملة‬
‫زوجته‪ ،‬ول يكون سببا ً في فتنة أهله‪ ،‬عن طريق إدخال المنكرات وآلت اللهو‬
‫في البيت‪ ،‬بل يعمل بقول النبي ‪ } :‬خيركم خيركم لهله‪ ،‬وأنا خيركم‬
‫لهلي { ]رواه ابن ماجه[‪.‬‬
‫فينبغي لولي المرأة أن ينظر في دين الرجل وأخلقه‪ ،‬لن المرأة تصير‬
‫بالنكاح مرقوقة‪ ،‬ومتى زوجها وليها من فاسق أو مبتدع‪ ،‬فقد جنى عليها‬
‫وعلى نفسه‪.‬‬
‫وفي لقيام الزوجة قال النبي صلى عليه وسلم‪ } :‬تنكح المرأة لربع‪ :‬لمالها‬
‫وحسبها وجمالها ودينا‪ ،‬فأظفر بذات الدين تربت يداك { ]رواه مسلم[‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فصاحبة الدين تطيع زوجها في غير معصية‪ ،‬وتحفظه في نفسها وماله إذا‬
‫غاب‪ ،‬ول تهجر فراش الزوجية‪ ،‬ول تخرج من بيتها بغير علم زوجها‪ ،‬ول تصوم‬
‫نافلة وزوجها شاهد إل بإذنه‪ ،‬ول تأذن في بيتها لحد ل يريده‪ ،‬قال النبي ‪ } :‬ل‬
‫تصم المرأة وبعلها شاهد إل بإذنه‪ ،‬ول تأذن في بيته وهو شاهد إل بإذنه {‬
‫]متفق عليه[‪.‬‬
‫* وهناك خصال إذا اجتمعت في المرأة كمل أمرها وكثر خطابها وهي‪:‬‬
‫• الدين‪ • .‬حسن الخلق‪ • .‬الجمال‪ • .‬خفة المهر‪ • .‬أن تكون بكرًا‪ • .‬أن‬
‫تكون ولودًا‪ • .‬أن تكون ذات نسب‪.‬‬
‫‪ -9‬والزواج قوة للمة‪ ،‬وتجديد لشبابها‪ ،‬وإرهاب لعدائها‪ ،‬لنه وسيلة لتكثير‬
‫المة وإعمار الرض‪ ،‬ولذلك رغب النبي صلى عليه وسلم في التزوج من‬
‫المرأة الولود فقال عليه الصلة والسلم‪ } :‬تزوجوا الودود الولود‪ ،‬فإني‬
‫مكاثر بكم المم يوم القيامة { ]رواه أبو داود والنسائي وأحمد[‪.‬‬
‫‪ -10‬والزواج يتم التعارف والتلقي بين السر والعائلت‪ ،‬فتنشر المحبة‬
‫واللفة بين المسلمين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى‬
‫وجعلناكم شعوبا ً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ]الحجرات‪.[13:‬‬
‫وقد كانت كثير من القبائل متعادية متحاربة‪ ،‬فلما تم الزواج بينها زالت‬
‫العداوة وذهبت البغضاء‪ ،‬وحلت مكانها المحبة واللفة والرحمة والتعاون‪.‬‬
‫نصائح إلى الزوج‬
‫* أخي الزوج‪:‬‬
‫‪ .1‬اتق الله في زوجتك فإنها أمانة في عنقك سوف يسألك الله عنها يوم‬
‫القيامة‪ ،‬قال النبي ‪ } :‬استوصوا بالنساء خيرا ً { ]متفق عليه[‪ ،‬وقد حذر النبي‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ظلم المرأة فقال عليه الصلة والسلم‪ } :‬اللهم إن أحرج حق الضعفين‪:‬‬
‫اليتيم والمرأة { ]رواه أحمد وابن ماجه بسند حسن[‪.‬‬
‫‪ .2‬كن حسن الخلق كريم الطبع‪ ،‬فل تشتم ول تقبح ول تهجر‪ ،‬قال النبي ‪:‬‬
‫} ل يقرك مؤمن مؤمنة‪ ،‬إن كره منها خلقا ً رضي منها آخر { ]رواه مسلم[‬
‫معنى يفرك‪ :‬يبغض‪.‬‬
‫‪ .3‬كن صبورا ً حسن العشرة‪ ،‬فخيركم من راعى وداد لحظة‪.‬‬
‫‪ .4‬كن غيورا ً على زوجتك ول تبالغ في إساءة الظن‪ ،‬فقد قال النبي ‪:‬‬
‫} أتعجبون من غيرة سعد؟ لنها أغير منه‪ ،‬والله أغير مني { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ .5‬كن حكيما ً في التعامل مع الخطاء والزلت؛ فما كان الرفق في شيء إل‬
‫زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إل شانه‪.‬‬
‫‪ .6‬أنفق على زوجتك بالمعروف ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها‬
‫كل البسط فتقعد ملوما ً محسورا ً ]السراء‪.[29:‬‬
‫وسئل النبي ‪ :‬ما حق الزوجة على أحدنا؟ فأجاب عليه الصلة والسلم‪ } :‬أن‬
‫تطعمها إذا طعمت‪ ،‬وأن تكسوها إذا اكتسيت‪ ،‬ول تضرب الوجه‪ ،‬ول تقبح‪ ،‬ول‬
‫تهجر إل في البيت { ]رواه أحمد وأبو داود[‪.‬‬
‫‪ .7‬تعلم من فقه النساء ما تعرف به كيفية معاشرة زوجتك حال الحيض‬
‫والنفاس‪ ،‬وعلم زوجتك هذه الحكام إن كانت تجهلها‪.‬‬
‫‪ .8‬أعلم أنه ل يجوز وطء الحائض‪ ،‬ول الوطء في الدبر‪ ،‬وللرجل الستمتاع‬
‫بزوجته حال الحيض إل بالجماع فإنه محرم‪.‬‬
‫‪ .9‬من آداب الجماع‪ :‬البدء بالتسمية‪ ،‬وبالملعبة والضم والتقبيل قبل الجماع‬
‫فإنه أوفق للمرأة والرجل‪ ،‬وإذا قضى الرجل وطره فليتمهل‪ ،‬فإن لزوجته‬
‫حقًا‪ ،‬ومن أراد معاودة الجماع فليغسل فرجه ويتوضأ‪.‬‬
‫‪ .10‬إياك وإفشاء أسرار الزوجية‪ ،‬قال النبي ‪ } :‬إن من أشر الناس عند الله‬
‫منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها {‬
‫]رواه مسلم[‪.‬‬
‫* وقيل لبعض الصالحين وقد أراد طلق زوجته‪ :‬ما الذي يريبك منها؟ فقال‪:‬‬
‫العاقل ل يهتك سرا‪ .‬فلما طلقها قيل له‪ :‬لم طلقتها؟ فقال‪ :‬ما لي ولمرأة‬
‫غيري!!‬
‫نصائح إلى العروس‬
‫أختي العروس‪:‬‬
‫للزوج على زوجته أعظم الحقوق بعد الله ورسوله ‪ ،‬وفي ذلك يقول النبي ‪:‬‬
‫} لو جاز لحدٍ أن يسجد لحدٍ لمرت المرأة أن تسجد لزوجها { ]رواه‬
‫الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح[‪ ،‬وذلك لعظم حقه عليها‪.‬‬
‫فيا أختاه‪:‬‬
‫ك بالقناعة والرضا بالقليل‪ ،‬فقد كانت بعض نساء السلف إذا أراد‬ ‫‪ .1‬علي ِ‬
‫زوجها الخروج من منزله تقول له‪ :‬إياك وكسب الحرام‪ ،‬فإنا نصبر على‬
‫الجوع ول نصبر على النار!!‪.‬‬
‫ً‬
‫ك ومعصية زوجك ورفع الصوت عليه وشكايته إلى أهلك دائما‪ ،‬فقد قال‬ ‫‪ .2‬إيا ِ‬
‫النبي لمرأة‪ } :‬أين أنت من زوجك‪ ،‬فإنما هو جنتك ونارك { ]رواه النسائي‬
‫وأحمد وحسنه اللباني[‪.‬‬
‫أختي العروس‪:‬‬
‫أين من تأمر زوجها بالتقوى وتعينه؟‬
‫أين من ل تغضب زوجها ول تهينه؟‬
‫أين العابدات القانتات؟‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أين الراكعات الساجدات؟‬


‫أين حفيدات أمهات المؤمنات؟‬
‫ً‬
‫‪ .3‬ل تطلبي من زوجك خادمة شابة‪ ،‬فقد تكون سببا في طلقك!!‪.‬‬
‫‪ .4‬أعلمي أن حق الزوج مقدم على جميع القارب‪ ،‬فإذا تعارضت الحقوق‪،‬‬
‫فقدمي حق الزوج ول تبالي‪.‬‬
‫‪ .5‬احفظي زوجك في ماله‪ ،‬ول تخرجي شيئا ً من البيت دون علمه‪ ،‬فإن‬
‫تصدقت من ماله عن رضاه‪ ،‬كان لك مثل أجره‪ ،‬وإن كان بغير رضاه‪ ،‬كان له‬
‫الجر وعليك الوزر‪.‬‬
‫‪ .6‬إياك وجارات السوء‪ ،‬وصديقات السوء‪ ،‬اللتي يثرنك على زوجك‪ ،‬ويوقعن‬
‫بينك وبينه‪ ،‬ويقللن من شأنه أمامك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ .7‬أصبري على أذى زوجك‪ ،‬وكوني حكيمة في التعامل معه عند الغضب‪،‬‬
‫يحمد لك ذلك عند الرضا‪ ،‬واعلمي أن المشكلت الزوجية ل تكبر إل بالعناد‬
‫والمكابرة‪ ،‬فل تهدمي بيتك بسبب الكبر والعناد‪.‬‬
‫‪ .8‬أجيبي زوجك إذا دعاك مهما كانت الظروف‪ ،‬فقد أخبر النبي أن } من دعا‬
‫امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملئكة حتى تصبح { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ .9‬ل تصفي أحدا ً من النساء لزوجك فقد نهى النبي عن ذلك بقوله‪ } :‬ل‬
‫تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ .10‬أنت راعية في بيت زوجك ومسئولة عن رعيتك‪ ،‬فمري بالمعروف وأنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬ول ترضي بوجود شيء من المنكرات في بيتك‪ ،‬واعلمي أنه ل‬
‫ق في معصية الخالق‪.‬‬ ‫طاعة لمخلو ٍ‬
‫فتاوى في الفراح والزواجات‬
‫حكم تزويج من ل يصلى‬
‫ي ولكنه مدمن على شرب‬ ‫س‪ :‬لقد تقدم لبنتي أحد أقاربي وله فضل عل ّ‬
‫الخمر ويرافق أهل السوء وقليل الصلة أو ل يصلي‪ ،‬ومدمن المشاهدة‬
‫للفيديو والتلفاز آلت اللهو وأنا في حرج منه‪ ،‬أرجو توضيح حكم السلم في‬
‫المر؟‪.‬‬
‫جـ‪ :‬إذا كان الخاطب لبنتك بهذا الوصف فل يجوز لك تزويجها إياه‪ ،‬لنها أمانة‬
‫لديك‪ ،‬فالواجب عليك أن تختار لها الصلح في دينه وأخلقه‪ ،‬والذي ل يصلي ل‬
‫يجوز أن يزوج بالمسلمة التي تصلي‪ ،‬لنه ليس كفؤا ً لها‪ ،‬لن ترك الصلة كفر‬
‫أكقر لقول النبي ‪ } :‬بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلة { ]خرجه‬
‫المام مسلم في صحيحه[‪ .‬وقوله عليه الصلة والسلم‪ :‬العهد الذي بيننا‬
‫وبينهم الصلة فمن تركها فقد كفر ]أخرجه المام أحمد وأهل السنن بإسناد‬
‫صحيح[‪ ،‬والدله أخرى كثيرة من الكتاب والسنة تدل على كفر تارك الصلة‬
‫وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء‪ .‬أما إن جحد وجوبها أو استهزأ‬
‫بها فإنه يكفر كفرا ً أكبر بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫أما من يتعاطى السكر وهو يصلي فإنه ل يكفر بذلك إذا لم يستحله ولكنه‬
‫يكون قد أتى كبيرة من الكبائر ويفسق بذلك‪ ،‬فالمشروع لك أل تزوجه ولو‬
‫كان يصلي لفسقه‪ ،‬ولنه قد يجر زوجته وأولده إلى هذه الجريمة العظيمة‪.‬‬
‫نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين‪ ،‬ويهديهم صراطه المستقيم‪ ،‬ويعيدنا‬
‫وإياهم من طاعة الهوى والشيطان‪ ،‬إنه جواد كريم ]الشيخ ابن باز[‪.‬‬
‫بعض منكرات العراس‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س‪ :‬فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين‪-‬حفظه الله‬


‫السلم عليكم ورحمة الله بركاته‬
‫فضيلة الشيخ‪ ،‬إنه في الونة الخيرة وبمناسبة بدء الجازة الصيفية كثرت‬
‫الخطاء في مناسبات الزواج في المنازل أو قصور الفراح وفي القصور أشد‬
‫وأقبح‪ :‬مثل الضرب بمكبر الصوت‪ ،‬والغناء من النساء‪ ،‬والتصوير بالفيديو‪،‬‬
‫والشد من ذلك الرجل المتزوج يقبل زوجته أمام النساء‪ ،‬فأين الحياء‬
‫والخوف من الله؟ وعند إسداء النصح من الغيورين على محارم الله يجابهون‬
‫بالقول‪ :‬الشيخ الفلني أفتى بجواز الطبل‪ .‬فإذا كان هذا صحيحا ً أليس لهذا‬
‫الطبل ضوابط وحدود توضح للناس ليقف عندها هؤلء المتهورون؟ نرجو من‬
‫فضيلتكم إيضاح الحق للمسلمين‪ .‬وجزاكم الله خيرا ً ونفع بعلمكم‪ ،‬والله‬
‫يوفقكم‪ ،‬والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‬
‫جـ‪ :‬الحق في الدف أيام العرس أنه جائز أو سنة إذا كان في ذلك إعلن‬
‫النكاح‪ ،‬ولكن بشروط‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أن يكون الضرب بالدف وهو ما يسمى عند بعض الناس‬
‫بـ)الطار( وهو المختوم من وجه واحد‪ ،‬لن المختوم من الوجهين يسمى‬
‫)الطبل( وهو غير جائز‪ ،‬لنه من آلت العزف‪ ،‬والمعازف كلها حرام إل ما دل‬
‫حله وهو الدف حال أيام العرس‪.‬‬ ‫الدليل على ِ‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أل يصحبه محرم كالغناء الهابط المثير للشهوة‪ ،‬فإن هذا‬
‫ممنوع سواء كان معه دف أم ل‪ ،‬وسواء في أيام العرس أم ل‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أل يحصل بذلك فتنة كظهور الصوات الجميلة للرجال‪ ،‬فإن‬
‫حصل بذلك فتنة كان ممنوعًا‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أل يكون في ذلك أذية على أحد‪ ،‬فإن كان فيه أذية كان‬
‫ممنوعا ً مثل أن تظهر الصوات ول يخلو من فتنة أيضًا‪ ،‬وقد نهى النبي‬
‫المصلين أن يجهر بعضهم على بعض في القراءة لما في ذلك التشويش‬
‫واليذاء فكيف بأصوات الدفوف والغناء؟!‬
‫وأما تصوير المشهد بآلة التصوير فل يشك عاقل في قبحه‪ ،‬ول يرضى عاقل‬
‫فضل ً عن مؤمن أن تلتقط صور محارمه من المهات والبنات والخوات‬
‫والزوجات وغيرهن لتكون سلعة تعرض لكل واحد‪ ،‬أو ألعوبة يتمتع بالنظر‬
‫إليها كل فاسق‪.‬‬
‫وأقبح من ذلك تصوير المشهد بواسطة الفيديو لنه يصور المشهد حيا ً‬
‫بالمرأى والمسمع‪ ،‬وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم ودين مستقيم‪ ،‬ول‬
‫يتخيل أحد أن يستبيحه من عنده حياء وإيمان‪.‬‬
‫وأما الرقص من النساء فهو قبيح ل نفتي بجوازه لما بلغنا من الحداث التي‬
‫تقع بين النساء سببه‪ ،‬ول يخفى ما فيه‪ ،‬وأما إن كان أقبح‪ ،‬وهو من تشبه‬
‫الرجال بالنساء مختلطين كما يفعله بعض السفهاء فهو أعظم وأقبح لما فيه‬
‫من الختلط والفتنة العظيمة ل سيما وأن المناسبة مناسبة نكاح ونشوة‬
‫عرس‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وأما ما ذكره السائل من أن الزوج يحضر مجمع النساء ويقبل زوجته أمامهن‬
‫فإن تعجب فعجب أن يحدث مثل هذا من رجل أنعم الله عليه بنعمة الزواج‬
‫فقابلها بهذا الفعل المنكر شرعا ً وعقل ً ومروءة!!‪ .‬وكيف يبيح لنفسه أن يقوم‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بهذا الفعل أمام النساء وفي نشوة العرس الذي هو مثار الشهوة؟! ثم كيف‬
‫يمكنه أهل الزوجة من ذلك؟! أفل يخافون أن يشاهد هذا الرجل في مجتمع‬
‫هؤلء النساء من هي أجمل من زوجته وأبهى فتسقط زوجته من عينه ويدور‬
‫في رأسه من التفكير الشيء الكثير‪ ،‬وتكون العاقبة بينه وبين عرسه غير‬
‫حميدة؟‬
‫إنني في ختام جوابي هذا أنصح إخواني المسلمين من القيام بمثل هذه‬
‫العمال السيئة‪ ،‬وأدعوهم إلى القيام بشكر الله على هذه النعمة وغيرها‪،‬‬
‫وأن يتبعوا طريق السلف الصالح فيقتصرا على ما جاءت به السنة‪ ،‬ول يتبعوا‬
‫أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا ً وضلوا عن سواء السبيل‪.‬‬
‫وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإخواني المسلمين لما يحبه ويرضاه‪ ،‬ويعيننا‬
‫على ذكره وشكره وحسن عبادته‪ ،‬إنه قريب مجيب‪ ،‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ]الشيخ ابن عثيمين[‪.‬‬
‫جلوس العروسين بين النساء منكر‬
‫يقول الشيخ عبد العزيز بن باز‪ :‬من المور المنكرة التي استحدثها الناس في‬
‫هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء يجلس عليها زوجها بحضرة‬
‫النساء السافرات المتبرجات وربما حضر معه غيره منن اقاربها من الرجال‪.‬‬
‫ول يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من‬
‫الفساد الكبير وتمكن الرجال الجانب من مشاهد النساء الفاتنات المتبرجات‪،‬‬
‫وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة‪ ،‬فالواجب منع ذلك القضاء عليه؛‬
‫حسما ً لسباب الفتنة‪ ،‬وصيانة المجتمعات النسائية مما يخالف الشرع‬
‫المظهر‪ .‬وإني أنصح جميع إخواني المسلمين بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه‬
‫في كل شيء‪ ،‬وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم‪ ،‬وأن يبتعدوا عن أسباب‬
‫الشر والفساد في العراس وغيرها؛ التماسا ً لرضى الله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وتجنبا ً لسباب سخطه وعقابه ]الشيخ ابن باز[‪.‬‬
‫ل يجوز )زف( العريس مع العروسة‬
‫س‪ :‬هل يجوز زف العريس مع العروس بين النساء في الفراح؟‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز هذا الفعل فإنه دليل على نزع الحياء وتقليد لهل الخنا والشر‪ ،‬بل‬
‫المر واضح؛ فإن العروس تستحي أن تبرز أمام الناس فكيف تزف أمام‬
‫الشهاد؟ ]الشيخ ابن جبرين[‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫دم القاني‬ ‫بال ّ‬


‫ع‬
‫ف وسري ُ‬ ‫مةِ شا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫غَ َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫ض ُ‬
‫س انهضي‬ ‫َ‬
‫جن ْدِ إبلي َ‬ ‫اثأري من ُ‬
‫ة‬
‫ش أو قنبل ً‬ ‫ضني الر ّ‬ ‫ُ‬
‫شا َ‬ ‫أح ُ‬
‫ى‬
‫خ لظ ً‬ ‫م صارو َ‬ ‫سا َ‬ ‫سلي الق ّ‬ ‫أر ِ‬
‫ف للِعدى‬‫حت ْ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت يا أ ّ‬ ‫أن ِ‬
‫سنى‬ ‫شَهداُء الحقّ ضاؤوا بال ّ‬ ‫ُ‬
‫شُهبا ً‬ ‫صرِ بل يا ُ‬ ‫شموعَ الن ّ ْ‬ ‫يا ُ‬
‫ز« المن ْت ََهى‬ ‫ِإيهِ يا »عَب ْد َ العزي ِ‬
‫بالد ّم ِ القاِني َتباشيُر عُل ً‬
‫ت‪،‬‬
‫م ْ‬ ‫شهَد ُ رّبي‪ ،‬لم ت َ ُ‬ ‫ت‪ ،‬ي ْ‬ ‫م ْ‬ ‫لم ت َ ُ‬
‫ن يهوٍد‪ :‬عَْرِبدوا‬ ‫فئرا ِ‬ ‫ل لِ ِ‬ ‫قُ ْ‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جَرةٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫م َز ْ‬ ‫سد ُ له ْ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫لك ِ‬
‫مْيدان ِِهم‬ ‫س في َ‬ ‫صقوُر البأ ِ‬ ‫و ُ‬
‫ن ت َثن ِي َُهم‬ ‫ْ‬ ‫سلم ِ ل ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫فِت ْي َ ُ‬
‫ثم ُ َ َ ّ ِ َ ْ ٌ ِ ْ َ ٍ‬
‫م‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫جُروا‬ ‫ض ِ‬ ‫ش َ‬ ‫جيو ٍ‬ ‫جناد ِ ُ‬ ‫لل ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫كم؟‬ ‫ن د َّبابات ُ ُ‬ ‫َ‬
‫م؟ أي ْ َ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫عّزةٌ‬ ‫م‪ :‬هل ِ‬ ‫غلَلك ْ‬ ‫موا أ َ ْ‬ ‫حط ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ى‬ ‫فت‬ ‫َ‬ ‫من َأمير الجيش فيك ُم‪ :‬أ َ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫شهدا ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ُ ْ‬ ‫م‬ ‫قضى‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ظلو‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫خنازيَر‪ ،‬لُهم‬ ‫َ‬ ‫حكام ٍ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل لِ ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫خّلصا ً‬ ‫جد ُْتم ُ‬ ‫س َ‬ ‫كم َركعُتم و َ‬ ‫َ‬
‫عداَء الُهدى‬ ‫َ‬
‫ش‪ ،‬أ ْ‬ ‫يا عبيد َ البو ِ‬
‫ُ‬
‫فقَ أو داهَن َكم‬ ‫ص ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬‫صرِ توبوا قَْبل أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫قهاَء ال َ‬ ‫فُ َ‬
‫ن غادرَتنا‬ ‫يا َفتى غَّزةَ إ ْ‬
‫م في‬ ‫ز« اليو َ‬ ‫ض يا »عبد العزي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فا ْ‬
‫ت ثأَرها‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫صا‬ ‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫سل‬ ‫ال‬ ‫ة‬‫ُأم ُ‬
‫جد َ في دوْل َِتنا‬ ‫سُنعيد ُ الم ْ‬
‫ة في ظ ِّلها ‪...‬‬ ‫َفاهْد ُِري يا راي ً‬
‫‪---‬‬
‫‪---‬‬
‫‪---‬‬
‫‪---‬‬
‫‪---‬‬
‫جموعُ‬ ‫َ‬
‫دي يا ُ‬ ‫ع ّ‬ ‫دي وأ ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫‪ ...‬فأ ِ‬
‫ع‬
‫ه‪ُ ،‬نذي ُ‬ ‫ف النصرِ ن َْتلو ُ‬ ‫بهتا ِ‬
‫ع‬
‫م‪ ،‬مني ُ‬ ‫ن ذا اليو َ‬ ‫ربي‪ ،‬ل حص َ‬ ‫واض ِ‬
‫ع‬
‫شفي ُ‬ ‫فاَر ‪ :‬فِّروا‪ ،‬ل َ‬ ‫ُ‬
‫ي ُن ْذُِر الك ّ‬
‫ت ُدروعُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قل ْ‬ ‫ت دِْرعُ المجدِ إ ْ‬ ‫أن ْ ِ‬
‫ع‬
‫سهى ل تستطي ُ‬ ‫وأضاؤوا ما ال ّ‬
‫ي ي َُروعُ‬ ‫ه الب َغْ ُ‬ ‫جرا ً ل ُ‬ ‫ت فَ ْ‬ ‫جَر ْ‬ ‫فَ ّ‬
‫ع‬
‫ك الّرفي ُ‬ ‫خل ْدِ ومثوا َ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫دموعُ‬ ‫ّ‬ ‫وال‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫عن‬ ‫ح‬
‫تَ ْ َ ُ ّ ّ ُ‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫ع‬
‫ك َيضوعُ‬ ‫ك الذي من َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شهَد ُ ال ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫خنوعُ‬ ‫قط ووافاهُ ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ف َ‬ ‫غَ ِ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫خ عليها والّرضي ُ‬ ‫شي ْ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫أقْ َ‬
‫ع‬
‫ب الّنجي ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫فما ُ‬ ‫ن َيهاُبوا‪ ،‬كي ْ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ضلوعُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة الظ ّل ْم ِ ولو فُت ّ ْ‬ ‫صوْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن يبيُعوا‬ ‫دقا ً أ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫وارَتضى الْبراُر ِ‬
‫خضوعُ‬ ‫ل ما فيهِ ُ‬ ‫منام ٍ ك ُ ّ‬ ‫من َ‬
‫ع‬
‫شوْك علْيها والّربي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ن َب َ َ‬
‫ش فُتطيُعوا؟‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر بو ٌ‬ ‫ن َيصوغ ال ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ع؟‬ ‫مل "ِغّر" َودي ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫فارِ ٌ‬
‫ع‬
‫ُ‬ ‫سمي‬ ‫يا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫منه‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ثأر‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ح‪ُ :‬‬ ‫صا َ‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل الّركوعُ‬ ‫قد ْ طا َ‬ ‫قْرِد‪ :‬ل َ َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫س ُ‬‫خ ّ‬ ‫ِ‬


‫خشوعُ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫حدوك ْ‬ ‫ب‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫لمام ِ الغَْر ِ‬
‫ع‬
‫ه شني ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ت‪ ،‬ل ُ‬ ‫ضبي آ ٍ‬ ‫غَ َ‬
‫د‪ ،‬والّثأُر بدي ُ‬
‫ع‬ ‫س الغَ َ‬ ‫سُيدا ُ‬
‫دي الّرجوعُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ول ي ُ ْ‬ ‫ي ُغْل َقَ البا ُ‬
‫فروعُ‬ ‫حميهِ ال ُ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫سي َْبقى الص ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬ ‫رِفْ َ‬
‫ن‪ ،‬وللروِح طلوعُ‬ ‫قةِ اث ْن َي ْ ِ‬
‫ل«‪ ،‬بل هذا وضيعُ‬ ‫ن ِإسرائي َ‬ ‫»د َفْ َ‬
‫ع‬
‫جُر َيشي ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن‪ ،‬وال َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫دوْل َةِ ال ُ‬
‫جذوعُ قرآن كريم‬ ‫ث ال ُ‬ ‫جت َ ّ‬ ‫فُر وت ُ ْ‬ ‫قل َعُ الك ُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫أيمن القادري‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بالرأي الخر نبدأ‪ ..‬تعدد الزوجات‬


‫مفكرة السلم ‪ :‬قال أحدهم‪ :‬بينما كنت أتحدث مع أختي حول موضوع التعدد‬
‫إذا بها تفاجئني قائلة‪' :‬إنني أتمنى أن يدرك الموت زوجي قبل أن يحاول‬
‫ي من امرأة أخرى'‪.‬‬ ‫الزواج عل ّ‬
‫ت له‪ :‬طلقني‬ ‫ُ‬ ‫فقل‬ ‫بثانية‬ ‫الزواج‬ ‫يريد‬ ‫أنه‬ ‫زوجي‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫عل‬ ‫'عرض‬ ‫إحداهن‪:‬‬ ‫وقالت‬
‫ثم تزوج الثانية وافعل ما تشاء'‪.‬‬
‫عزيزي القارئ‪..‬‬
‫حقيقة ليس من الحكمة التصادم معها أو محاولة تغييرها‪ ,‬وهذه الحقيقة هي‪:‬‬
‫أنه ما من امرأة في الدنيا تحب أو ترغب في أن يتزوج زوجها بامرأة أخرى‬
‫وهي في عصمته‪ ,‬بل هي في الغالب ربما تفضل أن يفارقها زوجها بالطلق‬
‫ول يتزوج عليها‪ ,‬وتلك طبيعة نسائية ينبغي التسليم بها والتعامل معها‬
‫بواقعية‪.‬‬
‫ما تود لو ظل‬ ‫ول يسعد المرأة بالطبع أن يفكر زوجها في غيرها‪ ,‬والمرأة عمو ً‬
‫زوجها في قفصها وأن تكون هي وحدها التي تملك مفتاح هذا القفص‪.‬‬
‫بالرأي الخر نبدأ‪:‬‬
‫ول أريد أن أبدأ بعرض رأي الشرع في هذا الموضوع‪ ,‬ولكنني سأبدأ بعرض‬
‫وجهة النظر الخرى من أقوال بعض مفكري الغرب وعلمائهم؛ عمل ً بالحكمة‬
‫القائلة‪' :‬والرأي ما شهدت به العداء'‪.‬‬
‫يقول الدكتور غوستاف لوبون‪' :‬إن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب‪,‬‬
‫يرفع المستوى الخلقي في المم التي تقول به‪ ,‬ويزيد السرة ارتبا ً‬
‫طا‪,‬‬
‫ما وسعادة ل تراها في أوروبا'‪.‬‬‫ويمنح المرأة احترا ً‬
‫وقال المستشرق فونس إيتين ديبه في كتابه 'محمد رسول الله'‪' :‬فالواقع‬
‫يشهد أن تعدد الزوجات شيء ذائع في سائر أرجاء العالم‪ ،‬وسوف يظل‬
‫موجوًدا ما ُوجد العالم‪ ,‬مهما تشددت القوانين في تحريمه‪ ...‬وتعدد الزوجات‬
‫قانون طبيعي سيبقي ما بقي العالم‪ ,‬ومع أن نظرية التوحيد في الزوجة ‪-‬‬
‫وهي النظرية الخذة بها المسيحية ظاهًرا ‪ -‬تنطوي تحتها سيئات متعددة‬
‫ظهرت على الخص في ثلث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلء‪ ,‬تلك‬
‫هي‪ :‬الدعارة‪ ,‬والعوانس من النساء‪ ,‬والبناء غير الشرعيين'‪.‬‬
‫وقال مك فارلين‪' :‬إذا نظرنا إلى تعدد الزوجات في السلم من الناحية‬
‫فا بحال من الحوال‬ ‫الجتماعية أو الخلقية أو المذهبية‪ ،‬فهو ل ُيعد مخال ً‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لرقى أسلوب من أساليب الحضارة والمدنية‪ ,‬بل هو علج عملي لمشاكل‬


‫النساء البائسات والبغاء‪ ,‬واتخاذ المحظيات ونمو عدد العوانس على‬
‫الستمرار في المدنية الغربية بأوروبا وأمريكا'‪..‬‬
‫ونشرت جريدة لغويس ويكللي وكورد بتاريخ ‪20/4/1909‬م نقل ً عن جريدة‬
‫'لندن تروث' مقال ً لحدى السيدات النجليزيات جاء فيه‪' :‬لقد كثرت‬
‫الشاردات من بناتنا وعم البلء‪ ،‬وقل الباحثون عن أسباب ذلك‪ ،‬وإذا كنت‬
‫امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزًنا‪ ...‬إن‬
‫هذا التحديد بواحدة هو الذي جعل بناتنا شوارد‪ ,‬وقذف بهن إلى التماس‬
‫إهمال الرجل‪ ,‬ولبد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من‬
‫حا لما حاق بأولئك الولد وأمهاتهم ما هم‬ ‫واحدة‪ ...‬فلو كان تعدد الزوجات مبا ً‬
‫فيه من العذاب الهون‪ ,‬ولسلم عرضهن وعرض أولدهن‪ ...‬إن إباحة تعدد‬
‫الزوجات تجعل كل امرأة ربة بيت وأم أولد شرعيين'‪.‬‬
‫دا عن‬ ‫وغير هؤلء كثير خلصوا بهذه النتائج من الواقع المر الذي عاشوه بعي ً‬
‫شرع الله‪ ,‬فكانت هذه الكلمات‪ ،‬وقد أغنانا الله عن نظام التجربة والخطأ‬
‫عا مبيًنا‪.‬‬ ‫وشرع لنا شر ً‬
‫هل الصل في الزواج التعدد أم الفراد؟!‬
‫سؤال يطرح نفسه أجاب عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله‬
‫فقال‪:‬‬
‫ف الجور؛ لما في‬ ‫خ ِ‬‫الصل في ذلك شرعية التعدد لمن استطاع ذلك ولم ي َ‬
‫ذلك من المصالح الكثيرة في عفة فرجه وعفة من يتزوجهن والحسان إليهن‬
‫وتكثير النسل الذي به تكثر المة ويكثر من يعبد الله وحده‪ ,‬ويدل على ذلك‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫م ِ‬‫ب ل َك ُ ْ‬‫طا َ‬‫ما َ‬ ‫حوا َ‬ ‫مى َفان ْك ِ ُ‬ ‫طوا ِفي ال ْي ََتا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬‫م أ َل ّ ت ُ ْ‬
‫فت ُ ْ‬‫خ ْ‬‫ن ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬وَإ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مان ُك ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬‫ملك ْ‬ ‫ما َ‬‫حد َة ً أوْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م أل ّ ت َعْدِلوا فَ َ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ث وَُرَباع َ فَإ ِ ْ‬ ‫مث َْنى وَُثل َ‬ ‫ساِء َ‬‫الن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك أد َْنى أل ت َُعولوا{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ولنه صلى الله عليه وسلم تزّوج أكثر من واحدة‪ ,‬وقد قال الله سبحانه‬
‫ُ‬
‫ة{‪ ,‬وقال صلى الله عليه‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫قد ْ َ‬‫وتعالى‪} :‬ل َ َ‬
‫وسلم لما قال بعض الصحابة‪ :‬أما أنا فل آكل اللحم‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أما أنا فأصلي‬
‫ول أنام‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أما أنا فأصوم ول أفطر‪ ,‬وقال آخر‪ :‬أما أنا فل أتزوج‬
‫النساء‪ ,‬فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحمد‬
‫الله وأثنى عليه ثم قال‪' :‬إنه بلغني كذا وكذا‪ ,‬ولكني أصوم وأفطر‪ ,‬وأصلي‬
‫وأنام‪ ,‬وآكل اللحم وأتزوج النساء‪ ,‬فمن رغب عن سنتي فليس مني'‪ ,‬وهذا‬
‫اللفظ 'النساء' منه صلى الله عليه وسلم يعم الواحدة والعدد‪ ,‬والله ولى‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪207‬‬

You might also like