موسوعة البحوث والمقالات العلمية-84

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 212

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫‪ - ...‬وعرفها الشيخ خليل المالكي بقوله )المرابحة وهي بيع ما اشترى بثمنه‬
‫وربح علم()‪.(4‬‬
‫‪ - ...‬وعرفها ابن رشد المالكي بقوله )هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن‬
‫الذي اشترى به السلعة ويشترط عليه ربحا ً ما للدينار أو الدرهم()‪.(5‬‬
‫‪- ...‬وعرفها ابن جزي المالكي بقوله )فأما المرابحة فهو أن يعرف صاحب‬
‫السلعة المشتري بكم اشتراها ويأخذ منه ربحا ً إما على الجملة مثل ان يقول‬
‫اشتريتها بعشرة وتربحني د ينارا ً أو دينارين وإما على التفصيل وهو أن يقول‬
‫تربحني درهما لكل دينار أو غير ذلك()‪.(6‬‬
‫‪ - ...‬وعرفها الشيخ أبو اسحق اشيرازي الشافعي بقوله )ان يبين رأس المال‬
‫وقدر الربح بأن يقول ثمنها مئة وقد بعتكها برأس مالها وربح درهم في كل‬
‫عشرة()‪.(7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬الهداية ‪ -2 .6/122‬ملتقى البحر ‪ -3 .2/34‬رد المحتارة ‪ -4 .5/132‬شرح‬
‫الدردير ‪ - 5 .2/72‬بداية المجتهد ‪.2/178‬‬
‫‪ -6‬القوانين الفقهية ص ‪ -7 .174‬المهذب مع المجموع ‪.13/3‬‬
‫‪ - ...‬وعرفها الشيخ الماوردي الشافعي بقوله )واما بيع المرابحة فصورته أن‬
‫يقول أبيعك هذا الثوب مرابحة على أن الشراء مئة درهم وأربح في كل‬
‫عشرة واحد()‪.(1‬‬
‫‪ - ...‬وعرفها الشيخ ابن قد امة المقدسي الحنبلي بقوله )البيع برأس المال‬
‫وربح معلوم()‪.(2‬‬
‫‪ - ...‬وعرفها صاحب حدائق الزهار الزيدي بقوله )نقل المبيع بالثمن الول‬
‫وزيادة()‪.(3‬‬
‫‪ ...‬وخلصة القول في تعريف بيع المرابحة أنه يقوم على أساس معرفة‬
‫الثمن الول وزيادة ربح عليه حيث إن المرابحة من بيوع المانة فينبغي أن‬
‫يكون الثمن الول معلوما ً وأن يكون الربح معلوما ً أيضا‪ .‬وبناء عليه يكون‬
‫تعريف بيع المرابحةهو‪ - :‬بيع بمثل الثمن الول وزيادة ربح معلوم متفق عليه‬
‫بين المتعاقدين‪.(4).‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬الحاوي الكبير ‪.5/279‬‬
‫‪ -2‬المغني ‪.4/136‬‬
‫‪ -3‬حدائق الزهار مع شرحه السيل الجرار ‪.3/136‬‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪.30‬‬


‫‪ ...‬ج‪ -‬حكم المرابحة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬يرى جمهور الفقهاء أن بيع المرابحة من البيوع الجائزة شرعا ول كراهة‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ ...‬قال الماوردي )وأما بيع المرابحة فصورته أن يقول أبيعك هذا الثوب‬
‫مرابحة على أن الشراء مئة درهم وأربح في كل عشرة واحد فهذا بيع جائز ل‬
‫يكره‪ ..‬والدليل على جوازه عموم قوله تعالى‪) :‬وأحل الله البيع وحرم الربا(‬
‫ولن الثمن في بيع المرابحة معلوم كما أنه في بيع المساومة معلوم إذ ل‬
‫فرق بين قوله بعتك هذا الثوب بمئة وعشرة وبين قوله بعتك بمئة وربح كل‬
‫عشرة واحد وان كل الثمنين مئة وعشرة وأن اختلفت العبارتان كما ل فرق‬
‫بين قوله بعتك هذا الثوب بتسعين وبين قوله بمئة ال عشرة في أن كل‬
‫الثمنين تسعون وأن اختلفت العبارتان ول وجه لما ذكر من جهالة الثمن لن‬
‫مبلغه وان كان مجهول ً حال العقد فقد عقداه بما يصير الثمن به معلوما ً بعد‬
‫العقد وذلك ل يمنع من صحة العقد‪ .‬كما لو باعه صبرة طعام كل قفيز بدرهم‬
‫صح البيع وان كان مبلغ الثمن مجهول ً وقت العقد لنهما عقداه بما يصير‬
‫الثمن به معلوما ً بعد العقد‪.(1)(...‬‬
‫‪ ...‬وقال الشوكاني )هذا بيع أذن الله سبحانه به بقوله )تجارة عن تراض(‬
‫وبقوله )أحل الله البيع وحرم الربا( وهذا يشمل كل بيع كائنا ما كان إذا لم‬
‫يصحبه مانع شرعي أو يفقد فيه التراضي()‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬الحاوي الكبير ‪.5/279‬‬
‫‪ -2‬السيل الجرار ‪.3/136‬‬
‫‪ ...‬ويدل على جواز بيع المرابحة ما ورد في الحديث عن ابن عمر قال سئل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكسب أفضل؟ قال‪ :‬عمل الرجل بيده‬
‫وكل بيع مبرور()‪.(1‬‬
‫‪ ...‬ويدل على ذلك أيضا ما ورد في الحديث عن ابي سعيد الخدري ان‬ ‫ً‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم قال )‪ ...‬انما البيع عن تراض()‪.(2‬‬
‫‪ ...‬فهذه العمومات من كتاب الله و سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تدل‬
‫على جواز بيع المرابحة كما ان الحاجة تدعو لتعامل الناس بالمرابحة قال‬
‫المرغيناني )والحاجة ماسة الى هذا النوع من البيع لن الغبي الذي ل يهتدي‬
‫في التجارة يحتاج الى ان يعتمد فعل الذكي المهتدي وتطيب نفسه بمثل ما‬
‫اشترى وزيادة ربح‪.(3)(...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه الطبراني في الوسط والكبير ورجاله ثقات قاله الهيثمي‪ .‬مجمع‬
‫الزوائد ‪.4/61‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ورجاله ل بأس بهم التلخيص الحبير ‪.3/3‬‬
‫‪ -2‬رواه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي وقال الشيخ اللباني صحيح إنظر‬
‫الرواء ‪ ،5/125‬وقال الشيخ الرناؤوط اسناده قوي‪ .‬صحيح ابن حبان‬
‫‪.11/341‬‬
‫‪ -3‬الهداية ‪.6/123‬‬
‫المبحث الول‪:‬‬
‫تعريف بيع المرابحة للمر بالشراء وصوره‪.‬‬
‫ل‪ :‬نشأة إصطلح بيع المرابحة للمر بالشراء‪:‬‬ ‫أو ً‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ ...‬بيع المرابحة للمر بالشراء اصطلح حديث ظهر منذ فترة وجيزة وأول‬
‫من استعمله بهذا الشكل هو د‪ .‬سامي حمود في رسالته الدكتوراه بعنوان‬
‫)تطوير العمال المصرفية بما يتفق مع الشريعة السلمية( المقدمة الى‬
‫جامعة القاهرة ‪ -‬كلية الحقوق وقد نوقشت رسالته في ‪.30/6/1976‬‬
‫‪ ...‬ويقول د‪ .‬سامي حمود عن ذلك )وقد كان بيع المرابحة للمر بالشراء‬
‫بصورته المعروفة حاليا في التعامل المصرفي كشفا ً وفق الله اليه الباحث‬
‫أثناء اعداده لرسالة الدكتوراه في الفترة الواقعة بين ‪ 1976 - 1973‬حيث‬
‫تم التوصل الى هذا العنوان الصطلحي بتوجيه من الستاذ الشيخ العلمة‬
‫محمد فرج السنهوري رحمه الله تعالى حيث كان استاذ مادة الفقه السلمي‬
‫المقارن للدراسات العليا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة()‪.(1‬‬
‫‪ ...‬وقد شاع استعمال هذا الصطلح لدى البنوك السلمية والشركات التي‬
‫تتعامل وفق أحكام الشريعة السلمية وصارت هذه المعاملة من أكثر ما‬
‫تتعامل به البنوك السلمية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة للمر بالشراء د‪ .‬سامي حمود ص ‪ 1092‬مجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ ...‬والحقيقة ان هذا الصطلح )بيع المرابحة للمر بالشراء( إصطلح حديث‬
‫ول شك ولكن حقيقته كانت معروفة عند الفقهاء المتقدمين وإن اختلفت‬
‫التسمية فقد ذكره محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة وذكره‬
‫المام مالك في الموطأ والمام الشافعي في الم كما سيأتي ذلك عنهم)‪.(1‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف بيع المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫عرفه العلماء المعاصرون بعدة تعريفات منها‪-:‬‬
‫‪ -1 ...‬عرفه د‪ .‬سامي حمود بقوله )أن يتقدم العميل الى المصرف طالبا ً منه‬
‫شراء السلعة المطلوبة بالوصف الذي يحدده العميل وعلى أساس الوعد منه‬
‫بشراء تلك السلعة فعل ً مرابحة بالنسبة التي يتفقان عليها ويدفع الثمن‬
‫مقسطا ً حسب امكانياته()‪.(2‬‬
‫‪ -2 ...‬وجاء تعريف بيع المرابحة للمر بالشراء في قانون البنك السلمي‬
‫الردني بما يلي‪) :‬قيام البنك بتنفيذ طلب المتعاقد معه على أساس شراء‬
‫الول ما يطلبه الثاني بالنقد الذي يدفعه البنك ‪ -‬كليا أو جزيئا ً ‪ -‬وذلك في‬
‫مقابل التزام الطالب بشراء ما أمر به وحسب الربح المتفق عليه عند‬
‫البتداء()‪.(3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المرابحة للمر بالشراء د‪ .‬بكر ابو زيد ص ‪ 978‬مجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ . 2‬المرابحة للمر بالشراء د‪ .‬الصديق الضرير ص ‪995‬‬
‫مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -2‬تطوير العمال المصرفية ص ‪ 432‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ -3‬بيع المرابحة للمر بالشراء د‪ .‬سامي حمود ص ‪ 1092‬مجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ ،2‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪.77‬‬
‫‪ -3 ...‬وعرفه د‪ .‬يونس المصري بقوله )أن يتقدم الراغب في شراء سلعة‬
‫الى المصرف لنه ل يملك المال الكافي لسداد ثمنها نقدا ً ولن البائع ل يبيعها‬
‫له إلى أجل إما لعدم مزاولته للبيوع المؤجلة أو لعدم معرفته بالمشتري أو‬
‫لحاجته إلى المال النقدي فيشتريها المصرف بثمن نقدي ويبيعها إلى عميله‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بثمن مؤجل أعلى( )‪.(1‬‬


‫‪ -4 ...‬وعرفه د‪ .‬محمد سليمان الشقر بقوله )يتفق البنك والعميل على أن‬
‫يقوم البنك بشراء البضاعة‪ ..‬ويلتزم العميل أن يشتريها من البنك بعد ذلك‬
‫ويلتزم البنك بأن يبيعها له وذلك بسعر عاجل أو بسعر آجل تحدد نسبة‬
‫الزيادة فيه على سعر الشراء مسبقًا()‪.(2‬‬
‫‪ -5 ...‬وعرفه الباحث أحمد ملحم بقوله )طلب شراء للحصول على مبيع‬
‫موصوف مقدم من عميل الى مصرف يقابله قبول من المصرف ووعد من‬
‫الطرفين الول بالشراء والثاني بالبيع بثمن وربح يتفق عليها مسبقًا()‪.(3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة للمر بالشراء د‪ .‬رفيق المصري ص ‪ 1133‬مجلة مجمع‬
‫الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -2‬بيع المرابحة كما تجريه البنوك السلمية د‪ .‬الشقر ص ‪.6‬‬
‫‪ -3‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪.79‬‬
‫‪...‬‬
‫وغير ذلك من التعريفات الكثيرة وكلها تدور على السس التالية‪-:‬‬
‫ل‪ :‬إن بيع المرابحة للمر بالشراء ثلثي الطراف أي أنه يوجد عندنا ثلثة‬ ‫أو ً‬
‫متعاقدين‪.‬‬
‫‪ ...‬الول‪ :‬المر بالشراء‪.‬‬
‫‪ ...‬الثاني‪ :‬المصرف السلمي‪.‬‬
‫‪ ...‬الثالث‪ :‬البائع‪.‬‬
‫‪ ...‬وهذا المر يختلف فيه بيع المرابحة للمر بالشراء عن المرابحة المعروفة‬
‫عند الفقهاء المتقدمين حيث إن المرابحة المعروفة عند الفقهاء المتقدمين‬
‫ثنائية الطراف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن بيع المرابحة للمر بالشراء يتم باتمام الخطوات التالية‪-:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬طلب من العميل يقدمه للمصرف السلمي لشراء سلعة موصوفة‪.‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬قبول من المصرف لشراء السلعة الموصوفة‪.‬‬
‫‪ ...‬ج‪ -‬وعد من العميل لشراء السلعة الموصوفة من المصرف بعد تملك‬
‫المصرف لها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ ...‬د‪ -‬وعد من المصرف ببيع السلعة الموصوفة للعميل وقد يكون الوعد‬
‫لزما ً أو غير لزم كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫‪ ...‬هـ‪ -‬شراء المصرف للسلعة الموصوفة نقدَا‪ً.‬‬
‫‪ ...‬و‪ -‬بيع المصرف للسلعة الموصوفة للعميل بأجل مع زيادة ربح متفق عليها‬
‫بين المصرف والعميل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن بيع المرابحة للمر بالشراء عند إجالة النظر فيه يتكون مما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1 ...‬وعد بالشراء من العميل للمصرف ووعد بالبيع من المصرف للعميل‬
‫وتسمى هذه العملية مواعدة وتوقع المصارف السلمية مع عملئها على ما‬
‫يسمى وعد بالشراء‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬يشتري المصرف السلعة من البائع ويوقع على عقد بيع بين المصرف‬
‫والبائع‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬عقد بيع بين المر بالشراء والمصرف السلمي بعد تملك المصرف‬
‫للسلعة الموصوفة بناء على طلب العميل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رابعًا‪ :‬صور تعامل المصارف السلمية مع بيع المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬


‫‪ ...‬بعد البحث والتقصي وجد أن المصارف السلمية تتعامل بثلث صور لبيع‬
‫المرابحة للمر بالشراء‪:‬‬
‫‪ ...‬الصورة الولى وهي الكثر تداول ً والشهر استعمال بين المصارف‬
‫السلمية وقد صورها لنا الدكتور يوسف القرضاوي تصويرا ً مبسطا ً بصورة‬
‫واقعية عملية فقال )ذهب زيد من الناس الى المصرف السلمي وقال له‪:‬‬
‫أنا صاحب مستشفى لعلج أمراض القلب‪ ،‬وأريد شراء أجهزة حديثة متطورة‬
‫لجراء العمليات الجراحية القلبية ‪ ،‬من الشركة الفلنية بألمانيا أو الوليات‬
‫المتحدة‪ .‬وليس معي الن ثمنها‪ ،‬أو معي جزء منه ول أريد أن ألجا إلى البنوك‬
‫الربوية لستلف عن طريقها ما أريد وأدفع الفائدة المقررة المحرمة‪ .‬فهل‬
‫يستطيع المصرف السلمي أن يساعدني في هذا المر دون أن أتورط في‬
‫الربا؟ هل يستطيع المصرف أن يشتري لي ما أريد بربح معقول على أن‬
‫أدفع له الثمن بعد مدة محددة‪ ،‬فأستفيد بتشغيل مشفاي‪ ،‬ويستفيد بتشغيل‬
‫ماله‪ ،‬ويستفيد المجتمع من وراء ذلك التعاون؟ قال مسئول المصرف‪ :‬نعم‬
‫يستطيع المصرف أن يشتري لك هذه الجهزة بالمواصفات التي تحددها‪،‬‬
‫ومن الجهة التي تعينها‪ ،‬على أن تربحه فيها مقدارا ً معينا ً أو نسبة معينة وتدفع‬
‫في الجل المحدد ولكن البيع ل ينعقد إل بعد أن يشتري المصرف الجهزة‬
‫المذكورة ويحوزها بالفعل بنفسه أو عن طريق وكيله حتى يكون البيع لما‬
‫ملكه بالفعل‪ .‬فكل ما بين المصرف وبينك الن تواعد على البيع بعد تملك‬
‫السلعة وحيازتها‪ .‬قال العميل‪ :‬المصرف إذن هو المسئول عن شراء الجهزة‬
‫المطلوبة ودفع ثمنها ونقلها وشحنها وتحمل مخاطرها‪ ،‬فإذا هلكت هلكت‬
‫على ضمانه وتحت مسئوليته‪ ،‬وإذا ظهر فيها عيب بعد تسلمها يتحمل تبعة‬
‫الرد بالعيب‪ .‬كما هو مقرر شرعًا‪ .‬قال المسئول‪ :‬نعم بكل تأكيد‪ .‬ولكن الذي‬
‫يخشاه المصرف أن يحقق رغبتك ويجيبك الى طلبك بشراء الجهزة‬
‫المطلوبة‪ ،‬فإذا تم شراؤها وإحضارها‪ ،‬أخلفت وعدك معه‪ .‬وهنا قد ل يجد‬
‫المصرف من يشتري هذه السلعة منه لندرة من يحتاج إليها‪ ،‬أو قد ل يبيعها‬
‫إل بعد مدة طويلة‪ ،‬وفي هذا تعطيل للمال‪ ،‬وإضرار بالمساهمين‬
‫والمستثمرين الذين إئتمنوا إدارة المصرف على حسن تثميرها لموالهم‪.‬‬
‫‪ ...‬قال العميل صاحب المستشفى‪ :‬إن المسلم إذا أوعد لم يخلف‪ ،‬وأنا‬
‫مستعد أن أكتب على نفسي تعهدا ً بشراء الجهزة بعد حضورها بالثمن‬
‫المتفق عليه‪ ،‬الذي هو ثمن الشراء مع المصاريف والربح المسمى مقدارا ً أو‬
‫نسبة كما أني مستعد لتحمل نتيجة النكول عن وعدي‪ .‬ولكن ما يضمن لي أل‬
‫يرجع المصرف عن وعده إذا ظهر له عميل يعطيه أكثر‪ ،‬أو غلت السلعة‬
‫المطلوبة في السوق غلًء بينا؟‬
‫ً‬
‫‪ ...‬قال المسئول‪ :‬المصرف أيضا ملتزم بوعده‪ .‬ومستعد لكتابة تعهد بهذا‬
‫وتحمل نتيجة أي نكون منه‪.‬‬
‫‪ ...‬قال العميل‪ :‬اتفقنا‪.‬‬
‫‪ ...‬قال المسئول‪ :‬إذن نستطيع أن نوقع بيننا على هذا‪ ،‬في صورة طلب رغبة‬
‫ووعد منك بشراء المطلوب‪ ،‬ووعد من المصرف بالبيع‪ ،‬فإذا تملك المصرف‬
‫السلعة وحازها وقعنا عقدا ً آخر بالبيع على أساس التفاق السابق()‪.(1‬‬
‫‪ ...‬وهذه الصورة تقوم على أساس أن الوعد ملزم للطرفين المتعاقدين‬
‫العميل والمصرف وسيأتي تفصيل الخلف بين العلماء في مدى إلزامية‬
‫الوعد‪.‬‬
‫‪ ...‬قال د‪ .‬يوسف القرضاوي معلقا ً على الصورة السابقة‪) :‬وهذه الصورة إذا‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حللناها إلى عناصرها الولية نجدها مركبة من وعدين‪ :‬وعد بالشراء من‬
‫العميل الذي يطلق عليه‪ :‬المر بالشراء‪ .‬ووعد من المصرف بالبيع بطريق‬
‫المرابحة )أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على الثمن الول أو الثمن‬
‫والكلفة(‪ .‬وهذا هو المقصود بكلمة المرابحة هنا‪.‬‬
‫‪ ...‬وقد اختار المصرف والعميل كلهما اللتزام بالوعد وتحمل نتائج النكول‬
‫عنه كما تتضمن الصورة‪ :‬أن الثمن الذي اتفق عليه بين المصرف والعميل‬
‫ثمن مؤجل والغالب أن يراعى في تقدير الثمن مدة الجل كما يفعل ذلك كل‬
‫من يبيع بالجل)‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪.25-24‬‬
‫‪ -2‬بيع المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪.26-25‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ ...‬الصورة الثانية‪ :‬وهي شبيهة بالصورة الولى‪ :‬إل أنها تقوم على أساس‬
‫عدم اللزام بالوعد لي من المتعاقدين العميل او المصرف)‪.(1‬‬
‫‪ ...‬الصورة الثالثة‪ :‬وهي مثل الصورتين السابقتين إل أنها تقوم على أساس‬
‫اللزام بالوعد لحد الفريقين العمل أو المصرف)‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة للمر بالشراء د‪ .‬رفيق المصري ص ‪ 1141‬مجلة مجمع‬
‫الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -2‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪.113-112‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫خلف العلماء المعاصرين في حكم بيع المرابحة للمر بالشراء‬
‫‪ ...‬اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة اختلفا ً كبيرا ً فمنهم من يرى‬
‫جواز هذا العقد ومنهم من يرى أن هذا العقد باطل ويحرم التعامل به ولكل‬
‫من الفريقين وجهته وسنستعرض أدلة الفريقين باختصار ونصل إلى القول‬
‫الراجح إن شاء الله بعد دراسة أدلة الفريقين والردود عليها‪:‬‬
‫المطلب الول‪:‬‬
‫‪ ...‬القائلون بجواز بيع المرابحة للمر بالشراء مع كون الوعد ملزما ً‬
‫للمتعاقدين قال بهذا الرأي جماعة من فقهاء العصر منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬د‪ .‬سامي حمود في كتابه تطوير العمال المصرفية بما يتفق والشريعة‬
‫السلمية)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬يوسف القرضاوي في كتابه بيع المرابحة للمر بالشراء كما تجريه‬
‫المصارف السلمية)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬علي أحمد السالوس في بحثه بعنوان المرابحة للمر بالشراء نظرات‬
‫في التطبيق العملي)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬الصديق محمد المين الضرير في بحثه بعنوان المرابحة للمر بالشراء)‬
‫‪.(4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ص ‪.430‬‬
‫‪ -2‬نشرته مكتبة وهبة في طبعته الثانية سنة ‪1407‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪ -8 .1059‬مجلة مجمع الفقه‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.1211‬‬


‫ً‬
‫‪ -4‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪ -9 .991‬نقل عن بيع‬
‫المرابحة أحمد ملحم ص ‪.117‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬ابراهيم فاضل الدبو في بحثه بعنوان المرابحة للمر بالشراء دراسة‬
‫مقارنة)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬الشيخ محمد علي التسخيري في بحثه بعنوان نظرة الى عقد المرابحة‬
‫للمر بالشراء)‪.(2‬‬
‫‪ -7‬الشيخ محمد عبده عمر في بحثه بعنوان المرابحة في الصطلح‬
‫الشرعي)‪.(3‬‬
‫‪ -8‬د‪ .‬عبد الستار أبو غدة في بحثه بعنوان اسلوب المرابحة والجوانب‬
‫الشرعية التطبيقية في المصارف السلمية )‪.(4‬‬
‫‪ -9‬د‪ .‬محمد بدوي في مقال له في مجلة المسلم المعاصر )‪.(5‬‬
‫‪ -10‬الشيخ عبد الحميد السائح في كتابه الفتاوى )‪.(6‬‬
‫‪ -11‬د‪ .‬محمد عمر شابرا في كتابه )نحو نظام نقدي عادل( )‪.(7‬‬
‫‪ ...‬وغير هؤلء كثير‪.‬‬
‫وقد احتج هذا الفريق من أهل العلم بأدلة كثيرة أذكر أهمها‪:‬‬
‫الول‪ :‬الصل في المعاملت الباحة‪:‬‬
‫‪ " ...‬إن الصل في المعاملت والعقود الذن والباحة إل ما جاء نص صحيح‬
‫الثبوت صريح الدللة يمنعه ويحرمه فيوقف عنده ول أقول هنا ما قاله البعض‬
‫من ضرورة نص قطعي الثبوت قطعي الدللة ففي الحكام الفرعية العملية‬
‫يكفينا النص الصحيح الصريح‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.1003‬‬
‫‪ -2‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.1181‬‬
‫‪ -3‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.1191‬‬
‫‪-4‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.1211‬‬
‫‪ -5‬نقل ً عن بيع المرابحة احمد ملحم ص ‪.117‬‬
‫‪ -6‬الفتاوى الشرعية ج ‪ 1‬ص ‪ -7 .30‬ص ‪.288‬‬
‫‪ ...‬وهذا بخلف العبادات التي تقرر‪ :‬أن الصل فيها المنع حتى يجيء نص من‬
‫الشارع لئل يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله‪ .‬فإذا كان الساس‬
‫الول للدين أل يعبد إل الله فإن الساس الثاني أل يعبد الله إل بما شرع‪.‬‬
‫وهذه التفرقة أساسية ومهمة فل يجوز أن يقال لعالم‪ :‬أين الدليل على إباحة‬
‫هذا العقد أو هذه المعاملة؟ إذ الدليل ليس على المبيح لنه جاء على الصل‬
‫وإنما الدليل على المحرم والدليل المحرم يجب أن يكون نصا ً ل شبهة فيه‬
‫كما هو اتجاه السلف الذين نقل عنهم شيخ السلم ابن تيمية أنهم ما كانوا‬
‫يطلقون الحرام إل على ما علم تحريمه جزمًا")‪.(1‬‬
‫‪ " ...‬ومما ينبغي تأكيده هنا‪ :‬أن التجاه التشريعي في القرآن والسنة هو‬
‫الميل إلى تقليل المحرمات وتضييق دائرتها تخفيفا ً على المكلفين ولهذا‬
‫كرهت كثرة السئلة في زمن الوحي لما قد يؤدي إليه من كثرة التكليفات‬
‫وهو ما يشير إليه قوله تعالى ‪} :‬يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عن أشياء إن‬
‫تبدلكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله‬
‫غفور حليم{ )المائدة ‪.(101 :‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬وقوله عليه الصلة والسلم‪} :‬ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم‬
‫بكثرة أسئلتهم واختلفهم على أنبيائهم{ وقوله‪} :‬إن أعظم المسلمين على‬
‫المسلمين جرما ً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم من أجل‬
‫مسألته{‪ .‬فل ينبغي أن نخالف هذا التجاه القرآني والنبوي بتكثير المحرمات‬
‫وتوسيع دائرة الممنوعات()‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪.13‬‬
‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.15-14‬‬
‫الثاني‪ :‬عموم النصوص من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الدالة على حل جميع أنواع البيع إل ما استثناه الدليل الخاص‪.‬‬
‫‪ ...‬قال د‪ .‬يوسف القرضاوي‪) :‬إن البيع خاصة جاء في حله نص صريح من‬
‫كتاب الله تعالى يرد به على اليهود الذين زعموا أن الربا كالبيع أو البيع كالربا‬
‫ل فرق بينهما‪) .‬ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم‬
‫الربا(‪) .‬البقرة ‪ (275‬فهذه الجملة القرآنية )وأحل الله البيع( تفيد حل كل‬
‫أنواع البيع سواء كان عينا ً بعين )المقايضة( أم ثمنا ً بثمن )الصرف( أو ثمنا‬
‫بعين )السلم( أو عينا بثمن )هو البيع المطلق(‪ .‬وسواء كان حال ً أم مؤجل ً‬
‫نافذا ً أو موقوفًا‪ .‬وسواء كان بيعا بطريق المساومة أم بطريق المانة وهو‬
‫يشمل‪ :‬المرابحة )وهو البيع بزيادة على الثمن الول( والتولية )وهو البيع‬
‫بالثمن الول( والوضيعة )وهو البيع بأنقص من الثمن الول(‪ ،‬أو بطريق‬
‫المزايدة‪.‬‬
‫‪ ...‬فهذه كلها وغيرها حلل لنها من البيع الذي أحله الله تعالى‪ :‬ول يحرم من‬
‫البيوع إل ما حرمه الله ورسوله بنص محكم ل شبهة فيه‪.‬‬
‫‪ ...‬وأنقل هنا كلمة قوية لبن حزم في "محله" برغم تضييقه في "العقود‬
‫والشروط" قال في المسألة ‪) :1501‬والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو‬
‫بالفضة‪ :‬وفي بيع الفضة بالفضة وفي سائر الصناف الربعة بعضها ببعض‬
‫جائز تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا لن التواعد ليس بيعا ً وكذلك المساومة أيضا‬
‫جائزة تبايعا أو لم يتبايعا لنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك وكل ما حرم‬
‫علينا فقد فصل باسمه قال تعالى‪) :‬وقد فصل لكم ما حرم عليكم( )النعام‬
‫‪ (119‬فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلل بنص القرآن اذ ليس في الدين‬
‫إل فرض أو حرام او حلل فالفرض مأمور به في القرآن والسنة والحرام‬
‫مفصل باسمه في القرآن والسنة وما عدا هذين فليس فرضا ول حراما ً فهو‬
‫بالضرورة حلل إذ ليس هنالك قسم رابع‪.‬‬
‫‪ ...‬وهذا الذي قاله ابن حزم ‪ -‬في حل ما لم يفصل لنا تحريمه من البيوع ‪-‬‬
‫مقرر في جميع المذاهب‪.‬‬
‫فعند المالكية نجد العلمة ابن رشد الجد في كتابه "المقدمات" يقول‪:‬‬
‫‪" ...‬البيوع الجائزة هي التي لم يحظرها الشرع ول ورد فيها نهي لن الله‬
‫تعالى أباح البيع لعباده وأذن لهم فيه في غير ما آية من كتابه‪ .‬من ذلك قوله‬
‫تعالى‪) :‬وأحل الله البيع وحرم الربا(‪ ...‬ولفظ البيع عام لن السم المفرد إذا‬
‫دخل عليه اللف واللم صار من ألفاظ العموم‪ ..‬واللفظ العام إذا ورد يحمل‬
‫على عمومه إل أن يأتي ما يخصه فإن خص منه شيء بقي ما بعد المخصوص‬
‫على عمومه أيضًا‪ .‬فيندرج تحت قوله تعالى‪) :‬وأحل الله البيع ( كل بيع إل ما‬
‫خص منه بالدليل‪ ...‬فبقي ما عداها على أصل الباحة"‪.‬‬
‫‪ ...‬وعند الحنفية ‪ -‬نجد صاحب الهداية يقول في باب المرابحة والتولية‪ :‬نقل‬
‫ما ملكه بالعقد الول بالثمن الول من غير زيادة ربح‪ .‬قال‪ :‬والبيعان جائزان‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لستجماع شرائط الجواز والحاجة ماسة الى هذا النوع من البيع لن الغبي‬
‫الذي ل يهتدي في التجارة يحتاج الى أن يعتمد فعل الذكي المهتدي وتطيب‬
‫نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح فوجب القول بجوازهما ولهذا كان مبناهما‬
‫على المانة‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ ...‬وهنا يعلق محقق الحنفية الكمال بن الهمام على استدلل صاحب الهداية‬
‫فيقول‪ :‬ول يخفى أنه ل يحتاج الى دليل خاص لجوازها بعد الدليل المثبت‬
‫لجواز البيع مطلقا ً بما تراضيا عليه بعد أن ل يخل بما علم شرطا ً للصحة بل‬
‫دليل شرعية البيع مطلقا ً بشروطه المعلومة هو دليل جوازها‪."...‬‬
‫‪ ...‬وقال المام الشافعي في كتابه "الم" تفريعا على قول الله )وأحل الله‬
‫البيع(‪:‬‬
‫‪ ...‬فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي المر )أي‬
‫التصرف ( فيما تبايعا إل ما نهى عنه رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫منها‪ .‬وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم‬
‫بإذنه يداخل في المعنى المنهي عنه‪ .‬وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من‬
‫إباحة البيع في كتاب الله تعالى"‪.‬‬
‫‪ ...‬وهذا أظهر القوال وأصحها في معنى الية كما ذكر النووي فلفظ البيع‬
‫في الية لفظ عموم يتناول كل بيع ويقتضي إباحة جميعها إل ما خصه الدليل‬
‫واستدل لذلك صاحب الحاوي )الماوردي( بأن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫نهى عن بيوع كانوا يعتادونها ولم يبين الجائز فدل على أن الية الكريمة‬
‫تناولت إباحة جميع البيوع إل ما خص منها وبين صلى الله عليه وسلم‬
‫المخصوص‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ ...‬وعند الحنابلة نجد شيخ السلم ابن تيمية يؤكد‪" :‬أن عامة ما نهى عنه‬
‫الكتاب والسنة من المعاملت يعود إلى تحقيق العدل والنهي عن الظلم دقه‬
‫وجله مثل أكل المال بالباطل وجنسه من الربا والميسر‪. .‬‬
‫‪ ...‬ثم يقول‪ :‬والصل في هذا أنه ل يحرم على الناس من المعاملت التي‬
‫يحتاجون إليها إل ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما ل يشرع لهم من‬
‫العبادات التي يتقربون بها الى الله ما دل الكتاب والسنة على شرعه‪ ،‬إذ‬
‫الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله بخلف الذين ذمهم الله حيث‬
‫حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا‬
‫وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله")‪.(1‬‬
‫الثالث‪ :‬النصوص الواردة عن بعض الفقهاء في إجازة هذا العقد وأهم هذه‬
‫النصوص ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬إن أهم نص اعتمد عليه هؤلء العلماء هو ما قاله المام الشافعي في‬
‫الم حيث إن د‪ .‬سامي حمود اشار إلى نص المام الشافعي لهذه المسألة‬
‫فقال‪) :‬وقد كانت هذه الصورة من صور الوساطة التي يستطيع المصرف‬
‫اللربوي أن يقوم فيها بأعمال الئتمان التجاري بكل أنواعه منافسا ً ‪ -‬بكل‬
‫قوة‪ -‬سائر البنوك الربوية محل تفكير مشوب بالتخوف الى ان اطمأنت‬
‫النفس بوجود هذا النوع من أنواع التعاقد مذكورا نصا على وجه التقريب في‬
‫كتاب الم للمام الشافعي حيث يقول رحمه الله في ذلك‪" :‬وإذا أرى الرجل‬
‫الرجل السلعة فقال‪ :‬اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء‬
‫جائز والذي قال أربحك فيها‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪.18-15‬‬
‫بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا ً وان شاء تركه وهكذا إن قال اشتر لي متاعا ً‬
‫ووصفه له أو متاعا ً أي متاع شئت وانا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع‬
‫الول ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار وسواء في هذا ما وصفت إن كان‬
‫قال أبتاعه واشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الول ويكونان بالخيار في‬
‫البيع الخيار فإن حدداه جاز‪.(1)"...‬‬
‫‪ -2 ...‬جاء في كتاب الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني قال‪" :‬قلت‪ :‬أرأيت‬
‫رجل ً أمر رجل ً أن يشتري دارا َ بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها المر‬
‫بألف درهم ومائة درهم فأراد المأمور شراء الدار ثم خاف إن اشتراها أن‬
‫يبدو للمر فل يأخذها فتبقى في يد المأمور كيف الحيلة في ذلك؟ قال‪:‬‬
‫يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلثة أيام ويقبضها ويجيء المر‬
‫ويبدأ فيقول‪ :‬قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم فيقول المأمور‪ :‬هي‬
‫لك بذلك فيكون ذلك للمر لزما ويكون استيجابا من المأمور للمشتري‪ :‬أي‬
‫ول يقل المأمور مبتدئا ً بعتك إياها بألف ومائة لن خياره يسقط بذلك فيفقد‬
‫حقه في إعادة البيت الى بائعه وان لم يرغب المر في شرائها تمكن المأمور‬
‫من ردها بشرط الخيار فيدفع عنه الضرر بذلك")‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬تطوير العمال المصرفية ص ‪.433‬‬
‫‪ -2‬المرابحة للمر بالشراء د‪ .‬بكر أبو زيد‪ .‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد‬
‫‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.979-978‬‬
‫‪ -3 ...‬قال العلمة ابن القيم‪" :‬رجل قال لغيره‪ :‬اشتر هذه الدار ‪ -‬أو هذه‬
‫السلعة من فلن ‪ -‬بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا فخاف إن اشتراها أن‬
‫يبدو للمر فل يريدها ول يتمكن من الرد فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار‬
‫ثلثة أيام أو أكثر ثم يقول للمر‪ :‬قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإل‬
‫تمكن من ردها على البائع بالخيار فإن لم يشترها المر إل بالخيار فالحيلة أن‬
‫يشترط له خيارا ً أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع ليتسع له‬
‫زمن الرد إن ردت عليه")‪.(1‬‬
‫الرابع‪ :‬المعاملت مبنية على مراعاة العلل والمصالح‪:‬‬
‫‪ ...‬إن الشرع لم يمنع من البيوع والمعاملت إل ما اشتمل على ظلم وهو‬
‫أساس تحريم الربا والحتكار والغش ونحوها‪.‬‬
‫‪ ...‬أو خشي منه أن يؤدي الى نزاع وعداوة بين الناس وهو أساس تحريم‬
‫الميسر والغرر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬فالمنع في هذه المور ليس تعبديا بل هو معلل ومفهوم وإذا فهمت العلة‬
‫فإن الحكم يدور معها وجودا ً وعدمًا‪.‬‬
‫‪ ...‬وهذا هو الصل في باب المعاملت بخلف باب العبادات فالصل فيه‬
‫التعبد وامتثال المكلف لما هو مطلوب منه دون بحث عن العلة أو المصلحة‪.‬‬
‫‪ ...‬وبناء على أن الصل في المعاملت النظر الى المصلحة رأينا بعض فقهاء‬
‫التابعين قد أجازوا التسعير مع ما ورد فيه من الحديث إلتفاتا إلى العلة‬
‫والمقصد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬إعلم الموقعين ‪.4/29‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬ومثل ذلك إجازتهم عقد الستصناع مع أنه بيع معدوم نظرا لحاجة الناس‬
‫إليه وجريان العمل به وقلة النزاع فيه‪(1).‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫الخامس‪ :‬إن القول بجواز هذه المعاملة فيه تيسير على الناس ومن المعلوم‬
‫أن الشريعة السلمية قد جاءت برفع الحرج عن الناس والتيسير عليهم وقد‬
‫تضافرت النصوص الشرعية على ذلك فمنها قوله تعالى‪ } :‬يريد الله بكم‬
‫اليسر ول يريد بكم العسر{ )‪ .(2‬وقوله تعالى‪ } :‬يريد الله أن يخفف عنكم{‬
‫)‪ (3‬وقوله تعالى‪} :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج{ )‪.(4‬‬
‫‪ ...‬وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى الشعري حين‬
‫بعثهما إلى اليمن‪ " :‬يسرا ول تعسرا وبشرا ول تنفرا" رواه البخاري وغيره‪.‬‬
‫‪ ...‬وقوله عليه الصلة والسلم‪ :‬إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" رواه‬
‫البخاري وغيره‪.‬‬
‫‪ ...‬وإن جمهور اناس في عصرنا أحوج ما يكونون الى التيسير والرفق رعاية‬
‫لظروفهم وما غلب على أكثرهم من رقة الدين وضعف اليقين وما ابتلوا به‬
‫من كثرة المغريات بالثم والمعوقات عن الخير‪ .‬ولهذا كان على أهل الفقه‬
‫والدعوة أن ييسروا عليهم في مسائل الفروع على حين ل يتساهلون في‬
‫قضايا الصول‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪.18‬‬
‫‪ -2‬سورة النساء الية ‪.28‬‬
‫‪ -3‬سورة البقرة الية ‪.185‬‬
‫‪ -4‬سورة الحج الية ‪.78‬‬
‫‪ ...‬وليس معنى هذا التيسير أن نلوي أعناق النصوص المحكمة أو نجتريء‬
‫على القواعد الثابتة‪.‬‬
‫‪ ...‬ولكن المعنى المقصود بالتيسير هو أن نراعي مصالح الناس وحاجاتهم‬
‫التي جاء شرع الله لتحقيقها على أكمل وجه)‪.(1‬‬
‫السادس‪ :‬قاسوا بيع المرابحة للمر بالشراء على عقد الستصناع عند الحنفية‬
‫فقد أتفق أئمة الحنفية على جواز عقد الستصناع واعتباره بيعا ً صحيحا ً برغم‬
‫أنه بيع لمعدوم وقت العقد ولكنهم أجازوه استحسانا ً لتعامل الناس به‪.‬‬
‫‪ ...‬وقد اختلفوا في تكييفه أهو مواعدة أم معاقدة؟ وقد اعتبره فريق منهم‬
‫مواعدة‪ .‬وإذا تم صنع الشيء المطلوب فالمستصنع )بكسر النون( بالخيار إذا‬
‫رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه لنه اشترى ما لم يره‪.‬‬
‫‪ ...‬ول خيار للصانع لنه بائع باع ما لم يره ومن هو كذلك فل خيار له وهو‬
‫الصح بناء على جعله بيعا ً ل عدة‪.‬‬
‫‪ ...‬وفي رواية عن أبي حنيفة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن له الخيار أيضا ً دفعا ً‬
‫للضرر عنه لنه ل يمكن تسليم المعقود عليه ال بضرر‪ .‬وعن أبي يوسف أنه‬
‫ل خيار لهما أما الصانع فلما تقدم‪ ،‬وأما المشتري فلن الصانع أتلف ماله‬
‫"بتحويله من مادة خام إلى مصنوعات" ليصل الى بدله فلو ثبت الخيار تضرر‬
‫الصانع لن غيره ل يشتريه بمثله‪.‬‬
‫وأخذت مجلة الحكام العدلية بقول أبي يوسف‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د ‪ .‬القرضاوي ص ‪.18‬‬
‫‪ ...‬والمرابحة تشبه عقد الستصناع بأنها تقوم على البيع والمواعدة والمبيع‬
‫موصوف وليس موجودا ً ويقابل الصانع في عقد الستصناع المصرف في عقد‬
‫المرابحة حيث أن كل ً منهما )الصانع والمصرف( مطالب بتلبية طلب‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشتري بشيء موصوف غير موجود بناء على مواعدة بينهما‪.‬‬


‫‪ ...‬واذا كان عقد الستصناع قد أجيز استحسانا ً ولم يعط كل من المشتري‬
‫والصانع الخيار بل ألزما بما تواعدا عليه على رأي أبي يوسف‪.‬فمن الممكن‬
‫أن تأخذ المرابحة الحكم نفسه()‪.(1‬‬
‫السابع‪ :‬قالوا يجوز أن يكون الوعد لزما ً للمتعاقدين في بيع المرابحة للمر‬
‫بالشراء لن الوفاء بالوعد واجب ديانة ويجوز اللزام به قضاًء وهذا قول‬
‫جماعة من أهل العلم منهم أبن شبرمة حيث قال‪) :‬الوعد كله لزم ويقضى‬
‫به على الواعد ويجبر()‪ (2‬وهو مذهب كثير من السلف منهم الحسن البصري‬
‫والخليفة عمر بن عبد العزيز واسحق بن راهويه وغيرهم‪.‬‬
‫وقد استدلوا على قولهم بأدلة كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬قوله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود( )‪.(3‬‬
‫‪ ...‬وجه الستدلل من الية‪ :‬أن العقود تعني المربوط وأحدها عقد يقال‪:‬‬
‫عقدت العهد والحبل والعقد هو كل ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء‬
‫وإجارة وكراء ومناكحة وكل ما كان غير خارج عن الشريعة وكذا ما عقد‬
‫النسان على نفسه لله من الطاعات)‪.(4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المرابحة أحمد ملحم ص ‪.125-124‬‬
‫‪ -2‬المحلى ‪ 6/278‬المسألة ‪.1126‬‬
‫‪ -3‬سورة المائدة الية ‪.1‬‬
‫‪ -4‬الوفاء بالوعد د ‪ .‬ابراهيم الدبو مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪2‬‬
‫ص ‪.796‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬واستدلوا بقوله تعالى ‪} :‬يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون‬
‫كبر مقتا ً عند الله أن تقولوا مال تفعلون{ )‪.(1‬‬
‫‪ ...‬فالوعد إذا أخلف قول نكل الواعد عن فعله فيلزم أن يكون كذبا ً محرما ً‬
‫وأن يحرم إخلف الوعد مطلقًا)‪.(2‬‬
‫‪ ...‬ج‪ -‬وقالوا‪ :‬إن الله قد ذم بعض المنافقين بقوله‪} :‬فأعقبهم نفاقا ً إلى يوم‬
‫يلقونه بما أخلفوا الله ما وعودوه وبما كانوا يكذبون{ )‪.(3‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ ...‬والية تفيد أن نفاقهم بسبب إخلفهم وعدهم مع الله ومثل ذلك إخلف‬
‫الوعد مع الناس إذا ل فرق في اصل الحرمة بين المرين كما أن نكث العهد‬
‫محرم سواء كان مع الله أم مع الناس)‪.(4‬‬
‫‪ ...‬د‪ -‬ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪} :‬آية المنافق‬
‫ثلث‪ :‬إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان{)‪.(5‬‬
‫وفي رواية أخرى‪} :‬من علمات المنافق ثلث‪.(6) {...‬‬
‫وفي رواية أخرى‪} :‬آية المنافق ثلث‪ ..‬وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم{)‬
‫‪.(7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬سورة الصف آية ‪.3‬‬
‫‪ -2‬الفروق ‪.4/20‬‬
‫‪ -3‬سورة التوبة الية ‪.77‬‬
‫‪ -4‬الوفاء بالوعد د‪ .‬القرضاوي مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.845‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -5‬رواه البخاري ومسلم انظر صحيح البخاري مع الفتح ‪.1/97‬‬


‫‪ -6‬رواه مسلم انظر صحيح مسلم بشرح النووي ‪.1/236‬‬
‫‪ -7‬رواه مسلم انظر صحيح مسلم بشرح النووي ‪.1/237‬‬
‫‪ ...‬وورد في حديث آخر قول النبي صلى الله عليه وسلم‪} :‬أربع من كن فيه‬
‫كان منافقا ً خالصا ً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق‬
‫حتى يدعها‪ :‬إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر واذا خاصم فجر{‬
‫)‪.(1‬‬
‫‪ ...‬وجه الستدلل بهذه الحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عد‬
‫إخلف الوعد من خصال المنافقين والنفاق مذموم شرعا ً وقد أعد الله‬
‫للمنافقين الدرك السفل من النار حيث قال‪} :‬إن المنافقين في الدرك‬
‫السفل من النار{ )‪ .(2‬وعلى هذا يكون إخلف الوعد محرما ً والوفاء به‬
‫واجب‪.‬‬
‫‪ ...‬هـ‪ -‬ما ورد في الحديث عن عائشة " أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪-‬كان يستعيذ في صلته كثيرا ً من المأثم )الثم( والمغرم )الدين( فقيل له‪ :‬يا‬
‫رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال‪ :‬إن الرجل إذا غرم‬
‫)إستدان( حدث فكذب ووعد فأخلف")‪.(3‬‬
‫‪ ...‬ومعنى هذا أن الستدانة تجره الى المعصية بالكذب في الحديث والخلف‬
‫في الوعد)‪.(4‬‬
‫‪ ...‬و‪ -‬ما ورد في الحديث عن عبد الله بن عامر قال‪ :‬دعتني أمي يوما ً‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتها فقالت‪ :‬تعال أعطك فقال‬
‫لها رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬ما أردت أن تعطيه؟ فقالت‪ :‬أعطيه‬
‫تمرا ً فقال لها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أما إنك لو لم تعطيه شيئا ً‬
‫كتبت عليك كذبة")‪ (5‬وغير ذلك من الدلة التي تدل على وجوب الوفاء‬
‫بالوعد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه البخاري ومسلم انظر صحيح البخاري مع الفتح ‪ 1/98‬صحيح مسلم‬
‫بشرح النووي ‪.1/235‬‬
‫‪ -2‬سورة النساء الية ‪.145‬‬
‫‪ -3‬رواه البخاري أنظر صحيح البخاري مع الفتح ‪.5/458‬‬
‫‪ -4‬بيع المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪.67‬‬
‫‪ -5‬رواه ابو داود انظر عون المعبود ‪ 13/228‬وقال الشيخ اللباني‪ :‬حسن‬
‫انظر صحيح سنن أبي داود ‪ .3/943‬وانظر السلسلة الصحيحة ‪.2/384‬‬
‫ثانيا‪ :‬القائلون بتحريم بيع المرابحة للمر بالشراء وبأنه عقد باطل إذا كان‬
‫الوعد ملزما ً للمتعاقدين وقال بهذا كل من‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬د‪ .‬محمد سليمان الشقر في كتابه )بيع المرابحة كما تجريه المصارف‬
‫السلمية()‪.(1‬‬
‫‪ -2 ...‬د‪ .‬بكر بن عبد الله أبو زيد في بحثه بعنوان )المرابحة للمر بالشراء‬
‫بيع المواعدة()‪.(2‬‬
‫‪ -3 ...‬د‪ .‬رفيق المصري في بحثه )بيع المرابحة للمر بالشراء في المصارف‬
‫السلمية ()‪.(3‬‬
‫‪ ...‬وفي مقال له بمجلة المة القطرية بعنوان )بيع المرابحة للمر بالشراء‬
‫كما تجريه المصارف السلمية()‪.(4‬‬
‫‪ ...‬وفي مقال له بمجلة المسلم المعاصر بعنوان )كشف الغطاء عن بيع‬
‫المرابحة للمر بالشراء()‪.(5‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4 ...‬د‪ .‬حسن عبد الله المين في مقال له بمجلة المسلم المعاصر بعنوان‬
‫)الستثمار اللربوي في نطاق عقد المرابحة()‪.(6‬‬
‫‪ -5 ...‬الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في مقال له بمجلة الجامعة السلمية‬
‫بعنوان شرعية المعاملت التي تقوم بها البنوك السلمية المعاصرة)‪.(7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬نشرت الطبعة الثانية منه دار النفائس ‪ -‬عمان الردن سنة ‪.1995-1415‬‬
‫‪ -2‬نشرته مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.965‬‬
‫‪ -3‬نشرته مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 2‬ص ‪.1127‬‬
‫‪ -4‬مجلة المة القطرية العدد ‪ 61‬في المحرم سنة ‪ 1406‬أيلول ‪ 1985‬نقل ً‬
‫عن كتاب القرضاوي بيع المرابحة ص ‪.90‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬مجلة المسلم المعاصر عدد ‪ 1402 /32‬نقل عن المرابحة أحمد ملحم ص‬
‫‪.127‬‬
‫‪ -6‬مجلة المسلم المعاصر عدد ‪ 1403 /35‬نقل عن المرابحة أحمد ملحم ص‬
‫‪.127‬‬
‫‪ -7‬مجلة الجامعة السلمية المدينة المنورة عدد ‪ 59‬لعام ‪ 1403‬نقل عن‬
‫مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪2‬ص ‪.1117‬‬
‫‪ ...‬وقد احتج هذا الفريق من أهل العلم بأدلة كثيرة على بطلن هذا البيع‬
‫وحرمته أذكر أهمها‪:‬‬
‫‪ ...‬الول‪ :‬أنه منهي عنه شرعا ً لنه يعتبر من باب بيع ما ل يملك أو بيع ما‬
‫ليس عندك‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ ...‬قال د‪ .‬محمد الشقر‪) :‬فإذا جرى التفاق على هذا ‪ -‬بيع المرابحة للمر‬
‫بالشراء‪ -‬فهو عقد باطل وحرام لسباب‪:‬‬
‫‪ .... ...‬إن البنك باع للعميل ما لم يملك "وقد نهى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن بيع ما لم يقبض" وقد اشار الى هذه العلة في بطلن هذا النوع‬
‫من البيع المام الشافعي في كتابه الم‪ ..‬واشار له ابن عبد البر من‬
‫المالكية‪ ...‬وصاحب المغني من الحنابلة‪.(1)(...‬‬
‫‪ ...‬الثاني‪ :‬إن هذا العقد باطل لنه من باب البيع المعلق )أنه باع بيعا ً مطلقا ً‬
‫أي لنه قال للبنك إن اشترتموها اشتريتها منكم وقد صرح بالتعليل للبطلن‬
‫بهذه العلة المام الشافعي‪ ..‬وابن رشد من المالكية‪ ..‬حيث قال‪" :‬لنه كان‬
‫على مواطأة بيعها قبل وجوبها للمأمور()‪.(2‬‬
‫‪ ...‬الثالث‪ :‬إن بيع المرابحة للمر بالشراء من باب الحيلة على القراض بالربا‬
‫وقد اشار الى هذه العلة المالكية كقول ابن عبد البر في الكافي‪) :‬معناه أنه‬
‫تحيل في بيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة مثال ذلك‪:‬‬
‫أن يطلب رجل من آخر سلعة يبيعها منه بنسيئة وهو يعلم انها ليست عنده‬
‫ويقول له‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬محمد الشقر ص ‪.8-7‬‬
‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.8‬‬
‫أشترها من مالكها بعشرة وهي علي باثني عشر إلى أجل كذا‪ .‬فهذا ل يجوز‬
‫لما ذكرنا"‪.‬‬
‫‪ ...‬واصل تعليل الفساد بهذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البخاري‪" :‬أنه يكون قد باع دراهم بدراهم والطعام مرجأ")‪.(1‬‬


‫‪ ...‬الرابع‪ :‬إن هذه المعاملة تدخل في باب بيع العينة المنهي عنه وبيع العينة‬
‫هو الذي يكون قصد المشتري فيه الحصول على العين أي النقد وليس‬
‫الحصول على السلعة‪ .‬وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله‬
‫"إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط‬
‫الله عليكم ذل ً ل ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم")‪.(2‬‬
‫‪ ...‬ووجه الستدلل بهذا الحديث أن قصد العميل من العملية هو الحصول‬
‫على النقود وكذلك المصرف فإن قصده الحصول على الربح فهي إذن ليست‬
‫من البيع والشراء في شيء فإن المشتري الحقيقي ما لجأ إلى المصرف إل‬
‫من أجل المال‪ .‬والمصرف لم يشتر هذه السلعة إل بقصد أن يبيعها بأجل إلى‬
‫المشتري وليس له قصد في شرائها")‪.(3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.8‬‬
‫‪ -2‬رواه أبو داود والبيهقي وأحمد وغيرهم انظر عون المعبود ‪ 9/240‬سنن‬
‫البيهقي ‪ ،5/316‬الفتح الرباني ‪ 15/44 ،26-14/25‬وقال الحافظ ابن حجر‪:‬‬
‫صححه ابن القطان بعد أن أخرجه من الزهد لحمد‪ (..‬التلخيص الحبير ‪3/19‬‬
‫وقال الشيخ اللباني‪) :‬وهو حديث صحيح لمجموع طرقه‪ (..‬السلسلة‬
‫الصحيحة ‪.1/15‬‬
‫‪ -3‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪.128‬‬
‫‪...‬‬
‫‪ ...‬الخامس‪ :‬إن هذه المعاملة تدخل ضمن بيع الكاليء بالكاليء أي الدين‬
‫بالدين وورد النهي عنه شرعا ً لما روي في الحديث عن ابن عمر ان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالىء بالكالىء")‪.(1‬‬
‫‪ ...‬قال د‪ .‬رفيق المصري‪) :‬بيع المرابحة مع الملزم)‪ (2‬يفضي إلى بيع مؤجل‬
‫البدلين‪ ..‬فل المصرف يسلم السلعة في الحال ول العميل يسلم الثمن وهذا‬
‫ابتداًء الدين بالدين أو الكالىء بالكالىء الذي أجمع الفقهاء على النهي عنه‬
‫مع ضعف الحديث الوارد فيه()‪.(3‬‬
‫‪ ...‬السادس‪ :‬إن هذه المعاملة تدخل ضمن عقدين في عقد )بيعتين في بيعة(‬
‫فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة)‪..(4‬‬
‫فالمواعدة إذا لم تكن ملزمة للطرفين لم يكن ثمة بيعتان في بيعة لكنها إذا‬
‫صارت ملزمة صارت عقدا ً بعد أن كانت وعدا ً وكان هناك بيعتان في بيعة‪.‬‬
‫فالبيعة الولى بين المصرف وعميله المشتري والثانية بين المصرف والبائع)‬
‫‪.(5‬‬
‫‪ ...‬السابع‪ :‬قالوا‪ :‬إن هذه المعاملة لم يقل بإباحتها فقهاء المة بل وجد من‬
‫قال بحرمتها)‪.(6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه الدارقطني والحاكم وفيه ضعف قال الحافظ ابن حجر‪ :‬وصححه‬
‫الحاكم على شرط مسلم فوهم‪ ( ..‬التلخيص الحبير ‪.3/26‬‬
‫‪ -2‬لعل صحة العبارة )مع الوعد الملزم(‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬بيع المرابحة د‪ .‬رفيق المصري مجلة المة العدد ‪ 61‬نقل عن بيع المرابحة‬
‫للقرضاوي ص ‪.96‬‬
‫‪ -4‬رواه النسائي والترمذي والبيهقي وغيرهم انظر صحيح سنن النسائي‬
‫‪ 3/958‬صحيح سنن الترمذي ‪ 2/8‬سنن البيهقي ‪ 5/343‬وقال الشيخ اللباني‬
‫إنه حديث حسن ارواء الغليل ‪.150-5/149‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -5‬بيع المرابحة د‪ .‬رفيق المصري مجلة المة العدد ‪ 61‬ص ‪.97-96‬‬


‫‪ -6‬بيع المرابحة للقرضاوي ص ‪.32‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪ ...‬الثامن‪ :‬قالوا‪ :‬إن هذه المعاملة مبنية على القول بوجوب الوفاء بالوعد‬
‫ونحن نأخذ بقول الجمهور القائلين بأن الوفاء بالوعد مستحب وليس واجبا ً‬
‫وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وبعض المالكية لذا ل يقضى‬
‫به على الواعد لكن الواعد إذا ترك الوفاء فقد فاته الفضل وارتكب المكروه‬
‫كراهة تنزيهية ولكن ل يأثم)‪.(1‬‬
‫وقد احتج الجمهور على قولهم بما يأتي‪:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬ما رواه مالك في الموطا أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬أكذب امرأتي؟ فقال صلى الله عليه وسلم لخير في الكذب‪ :‬فقال‪:‬‬
‫يا رسول الله أفأعدها وأقول لها؟ قال عليه الصلة والسلم‪ :‬ل جناح عليك)‬
‫‪.(2‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬عن زيد بن أرقم أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬إذا وعد‬
‫ف فل إثم عليه")‪.(3‬‬ ‫أحدكم أخاه وفي نيته أن يفي له فلم ي ِ‬
‫‪ ...‬ج‪ -‬ويمكن الستدلل لرأي الجمهور بأن الوعد تبرع محض من الواعد ول‬
‫دليل على وجوب التبرع على أحد)‪.(4‬‬
‫‪ ...‬د‪ -‬قالوا إن اللتزام بالوعد مطلقا ً يدخل فيه اللزام بالوعد المحرم وهو‬
‫أمر غير جائز شرعًا)‪.(5‬‬
‫‪ ...‬هذه اهم الدلة التي ساقها هؤلء العلماء على قولهم ببطلن بيع المرابحة‬
‫للمر بالشراء‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬قواعد الوعد الملزمة د‪ .‬العاني ص ‪ 761‬مجلة المجمع الفقهي عدد ‪ 5‬ج‬
‫‪.2‬‬
‫‪ -2‬الموطأ برواية محمد ص ‪ 318‬وضعفه الحافظ العراقي في تخريجه‬
‫للحياء ‪.3/135‬‬
‫‪ -3‬رواه أبو داود والترمذي عون المعبود ‪ 14/231‬قال المنذري وأخرجه‬
‫الترمذي وقال غريب وليس اسناده بالقوي وقال الشيخ اللباني‪ :‬اسناده‬
‫ضعيف مشكاة المصابيح ‪.3/1368‬‬
‫‪ -4‬قواعد الوعد الملزمة د‪ .‬العاني مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪2‬‬
‫ص ‪.764‬‬
‫‪ -5‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪.163‬‬
‫ثالثا‪ :‬مناقشة أدلة الفريقين‪:‬‬
‫وقد نوقشت أدلة الفريقين بمناقشات كثيرة أذكر أهمها‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬إن قول المجيزين بأن الصل في المعاملت الباحة مسلم ولكن ل بد‬
‫من التحري والتدقيق حتى نعرف هل هذه المعاملة حلل أم حرام؟‬
‫‪ ...‬إن تحري الحلل مطلوب لطلبه وتحري الحرام مطلوب ايضا ً لجتنابه ومن‬
‫فضل السلم علينا أنه علمنا أن نفكر في كل شيء هل هو حلل ام حرام؟‬
‫فل نقول هو حلل حتى نتأكد ول حرام حتى نتيقن‪ ..‬إذ ل نحكم على الشيء‬
‫قبل التمكن من معرفته)‪.(1‬‬
‫‪ ...‬إن اعتراض المانعين على دليل المجيزين بأن الصل في المعاملت‬
‫الباحة ل يضعف الستدلل بهذا الصل الذي حرره العلماء المحققون ول شك‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنه ل بد من دراسة كل مسألة دراسة مستفيضة قبل إصدار حكم عليها هل‬
‫هي باقية على البراءة الصلية أم أن هنالك أدلة تنقلها عن ذلك وتخرجها من‬
‫دائرة الباحة الى دائرة التحريم‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬ل ريب أن إستدلل المجيزين بعموم النصوص الدالة على حل جميع‬
‫أنواع البيع وأن بيع المرابحة للمر بالشراء يدخل ضمن ذلك إستدلل وجيه‬
‫ويمكن العتماد عليه في الحكم على المعاملة بالجواز لما يلي‪:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬إن العمومات المذكورة تفيد حل جميع أنواع البيوع لن هذه النصوص‬
‫عامة والعام يشمل حكمه جميع أفراده إل أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬رفيق المصري مجلة المة القطرية عدد ‪ 61‬نقل ً عن بيع‬
‫المرابحة للقرضاوي ص ‪.101‬‬
‫يخصص فإن خصص بقي ما لم يدخله التخصيص على أصل الباحة‪ .‬وبيع‬
‫المرابحة للمر بالشراء يدخل في هذا العموم‪.‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬إن قول المانعين بأن بيع المرابحة للمر بالشراء من بيوع العينة‬
‫المحرمة ل يعتبر تخصيصا ً لعموم قوله تعالى )وأحل الله البيع وحرم الربا(‬
‫لن جعل المرابحة من بيوع العينة اجتهاد من قائله اعتمد فيه على سد ذريعة‬
‫الفساد وهذا الجتهاد ظني والية القرآنية قطعية والظني ل يخصص القطعي‬
‫كما أن الجتهاد ل يعد من مخصصات العام‪.‬‬
‫‪ ...‬ويؤيد ذلك ما قاله ابن حزم )وكل ما حرم علينا فقد فصل باسمه قال‬
‫تعالى }وقد فصل لكم ما حرم عليكم{ فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو‬
‫حلل بنص القرآن( ويؤيده ايضا ما قاله ابن الهمام )ول يخفى أنه ل يحتاج‬
‫الى دليل خاص لجوازها ‪ -‬المرابحة ‪ -‬بعد الدليل المثبت لجواز البيع قطعا(‪.‬‬
‫‪ ...‬وما قاله المام الشافعي ‪ :‬فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا‬
‫المتبايعين الجائزي المر ‪ -‬التصرف ‪ -‬فيما تبايعاه إل ما نهى عنه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم محرم بإذنه وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في‬
‫كتاب الله تعالى( فهذه القوال وإن ذكرها الفقهاء في معرض الستدلل على‬
‫مشروعية المرابحة البسيطة التي كانت معروفة عندهم إل انه يمكن‬
‫الستدلل بها على مشروعية المرابحة للمر بالشراء لن تلك أصل لهذه)‪.(1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪ -1‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪ 155 -154‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ -3 ...‬إن اعتراض المانعين باحتجاج المجيزين لجازة بيع المرابحة للمر‬
‫بالشراء أن فيه تيسيرا على الناس بقولهم‪ :‬إن التيسير يحسنه كل أحد‬
‫وكذلك التشديد يحسنه كل أحد فل غرض للباحث المين في أحد منهما‬
‫فالتيسير يلغي الشريعة فل تبقى منها ال الراية أو الشعار والتشديد يمنع‬
‫تطبيقها انما الفقه الرصين في الضبط والدقة وفي إصدار الحكم باليقين أو‬
‫بالترجيح أو بالشك تحليل أو تحريما حسب قوة الدلة وضعفها وحسب نعومة‬
‫الفقيه أو إغضائه والباحث الدقيق ليست عنده عدة جاهزة للتيسير إذا أراد‬
‫وعدة أخرى للتعسير كما أنه ل يرضى بأي رأي يعثر عليه لفقيه قد يكون‬
‫معناه مرادا ً لصاحبه أو متوهما ً لقارئه نعم ل بأس أن تختار رأي فقيه ما ولو‬
‫كان رأيه مخالفا ً لرأي الجمهور لكن ل لمجرد الرغبة في التيسير أو التعسير‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول بد من مواجهة أدلة الجمهور ومن أن تظهر قدرتك على الدفاع عن الرأي‬
‫الذي اخترت فهذا يباعدنا عن مخاطر التلفيق المطلق بل قيود()‪.(1‬‬
‫‪ ...‬إن كلم المانعين غير مسلم لن التيسير موافق لتجاه الشريعة وخصوصا ً‬
‫في المعاملت التي قرر المحققون من العلماء أن الصل فيها الذن إل ما‬
‫جاء نص صريح بمنعه فيوقف عنده فمن يسر فهو في خط الشريعة واتجاه‬
‫سيرها وهو ممتثل للتوجيه النبوي الكريم "يسروا ول تعسروا" وأنه إذا وجد‬
‫رأيان في المسألة الواحدة أحدهما أحوط والخر أيسر فإننا نؤثر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬رفيق المصري مجلة المة القطرية عدد ‪ 61‬نقل ً عن بيع‬
‫المرابحة للقرضاوي ص ‪.100‬‬
‫أن نفتي الناس باليسر ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير‬
‫بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم يكن إثما)‪.(1‬‬
‫‪ ...‬وبيع المرابحة للمر بالشراء عند القائلين بجوازه يعتمد على إجتهادات‬
‫لهل العلم وأدلتهم وجيهة وقوية ويترتب على القول بالجواز مصلحة ظاهرة‬
‫وهذا من التيسير المشروع الذي تؤيده الدلة من كتاب الله وسنة رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4 ...‬إن قول المانعين بأن هذه المعاملة داخلة في بيع العينة غير مسلم لن‬
‫العينة التي ورد النهي عنها هي‪ :‬أن يبيع شيئا الى غيره بثمن معين )مئة‬
‫وعشرين دينارا مثل(‪ .‬إلى اجل )سنة مثل( ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه‬
‫قبل قبض الثمن بثمن أقل من ذلك القدر )مئة مثل( يدفعه نقدا ً فالنتيجة أنه‬
‫سلمه مئة ليتسلمها عند الجل مئة وعشرين)‪" (2‬ومن المؤكد أن صورة‬
‫المعاملة التي سميت "بيع المرابحة" والتي تجريها المصارف السلمية والتي‬
‫أفتت فيها هيئات الرقابة الشرعية بالجواز ‪ -‬ليست من هذه الصورة‬
‫الممنوعة في شيء‪ .‬إذ من الواضح أن العميل الذي يجيء الى المصرف‬
‫طالبا ً شراء سلعة معينة يريد هذه السلعة بالفعل‪ ،‬كالطبيب الذي يريد أجهزة‬
‫لمستشفاه‪ ،‬أو صاحب المصنع الذي يريد ماكينات لمصنعه وغير هذا وذاك‬
‫حتى إنهم ليحددون مواصفات السلعة )بالكتالوج( ويحددون مصادر صنعها أو‬
‫بيعها‪ ..‬فالسلعة مطلوب شراؤها لهم بيقين‪ .‬والمصرف يشتريها بالفعل‪،‬‬
‫ويساوم عليها‪ ،‬وقد يشتريها بثمن أقل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة للقرضاوي ص ‪.115/116‬‬
‫‪ -2‬بيع المرابحة للقرضاوي ص ‪.45‬‬
‫مما طلبه العميل ورضي به‪ ،‬كما حدث هذا بالفعل‪ ،‬ثم يبيعها للعميل الذي‬
‫طلب الشراء ووعد به‪ ،‬كما يفعل أي تاجر‪ ،‬فإن التاجر يشتري ليبيع لغيره‪،‬‬
‫وقد يشتري سلعا ً معينة بناء على طلب بعض عملئه‪.‬‬
‫‪ ...‬وإذن يكون إدعاء أن هذا النوع من البيع هو من العينة التي شرحها إبن‬
‫القيم رحمه الله والتي ل يقصد فيها بيع ول شراء‪، ،‬إدعاء مرفوضا ً ول دليل‬
‫عليه من الواقع)‪.(1‬‬
‫‪ -5 ...‬إن قول المانعين بأن هذه المعاملة تقع ضمن بيع ما ل يملك أو بيع ما‬
‫ليس عندك قول فيه نظر‪ ،‬لن المصارف السلمية التي تتعامل ببيع المرابحة‬
‫للمر بالشراء ل تقع في النهي الوارد عن بيع ما ليس عند النسان لنها غالبا ً‬
‫تعتمد نموذجين أحدهما للمواعدة والخر للمرابحة فهي توقع مع العميل على‬
‫نموذج المواعدة أول ً وبعد ذلك يقوم المصرف بشراء السلعة الموصوفة ثم‬
‫بيعها للعميل ويوقع مع العميل النموذج الثاني وهو عقد بيع المرابحة وفق‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشروط المتفق عليها في المواعدة)‪ (2‬والمواعدة الحاصلة بين المصرف‬


‫وطالب الشراء ليست بيعا ً ول شراء وانما مجرد وعد لزم للطرفين‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬إن الدعاء بأن بيع المرابحة للمر بالشراء ما هو إل حيلة للقراض‬
‫بالربا وقولهم إن القصد من العميلة كلها هو الربا والحصول على النقود‪ ،‬التي‬
‫كان يحصل عليها العميل من البنك الربوي فالنتيجة واحدة وإن تغيرت‬
‫الصورة والعنوان‪ .‬فإنها ليست من البيع والشراء في شيء‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪ -1‬بيع المرابحة للقرضاوي ص ‪.47-46‬‬


‫‪ -2‬بيع المرابحة أحمد ملحم ص ‪.196‬‬
‫‪ ...‬فإن المشتري الحقيقي ما لجأ إلى المصرف إل من أجل المال‪،‬‬
‫والمصرف لم يشتر هذه السلعة ال بقصد أن يبيعها بأجل الى المشتري‪،‬‬
‫وليس له قصد في شرائها‪.‬‬
‫‪ ...‬ونقول‪ :‬إن هذا الكلم ليس صحيحا في تصوير الواقع‪ .‬فالمصرف يشتري‬
‫حقيقة ولكنه يشتري ليبيع لغيره‪ ،‬كما يفعل أي تاجر وليس من ضرورة‬
‫الشراء الحلل أن يشتري المرء للنتفاع أو القنية أو الستهلك الشخصي‪،‬‬
‫والعميل الذي طلب من المصرف السلمي ان يشتري له السلعة يريد‬
‫شراءها حقيقة ل صورة ول حيلة‪ ،‬كالطبيب الذي ذكرنا أنه يريد شراء اجهزة‪،‬‬
‫ولجوء مثله إلى المصرف السلمي ليشتري له السلعة المقصودة له أمر‬
‫منطقي‪ ،‬لن مهمة المصرف أن يقدم الخدمة والمساعدة للمتعاملين معه‪.‬‬
‫ومن ذلك أن يشتري لهم السلعة بما يملك من ماله وبيعها لهم بربح مقبول‪،‬‬
‫نقدا ً أو لجل‪ ،‬وأخذ الربح المعتاد على السلعة ل يجعلها حرامًا‪ ،‬وبيعها إلى‬
‫المشتري بأجل ل يجعلها أيضا حرامًا‪ .‬المهم أن هنا قصدا ً إلى بيع وشراء‬
‫حقيقيين‪ ،‬ل صوريين‪ ،‬وليس المقصود الحتيال لخذ النقود بالربا‪.‬‬
‫‪ ...‬والقول بأن هذه العملية هي نفس ما يجري في البنوك الربوية وإنما‬
‫تغيرت الصورة فقط‪ ،‬قول غير صحيح‪ ،‬فالواقع أن الصورة والحقيقة تغيرتا‬
‫كلتاهما فقد تحولت من استقراض بالربا الى بيع وشراء وما أبعد الفرق بين‬
‫الثنين! وقد حاول اليهود قديما أن يستغلوا المشابهة بين البيع والربا ليصلوا‬
‫منها الى إباحة الربا فرد الله تعالى عليهم ردا ً حاسما ً بقوله }ذلك بأنهم قالوا‬
‫إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا{‪.‬‬
‫‪ ...‬على أن تغيير الصورة أحيانا ً يكون مهما ً جدًا‪ ،‬وإن كانت نتيجة المرين‬
‫واحدة في الظاهر فلو قال رجل لخر أمام مل من الناس خذ هذا المبلغ‬
‫واسمح لي أن آخذ ابنتك لزني بها‪ ،‬فقبل‪ ،‬وقبلت البنت لكان كل منهما‬
‫مرتكبا منكرا ً من اشنع المنكرات‪ .‬ولو أنه قال له‪ :‬زوجنيها وخذ هذا المبلغ‬
‫مهرا لها‪ ،‬فقبل وقبلت لكان كل من الثلثة محسنا ً والنتيجة في الظاهر واحدة‬
‫ولكن يترتب على مجرد كلمة "زواج" من الحقوق والمسئوليات شيء كثير‪.‬‬
‫‪ ...‬وكذلك كلمة "البيع" إذا دخلت بين المتعاملين‪،‬فإنه يترتب عليها بأن يكون‬
‫هلك البيع إذا هلك على ضمان البائع‪ ،‬حتى يقبضه المشتري‪ ،‬وان يتحمل تبعة‬
‫الرد بالعيب إذا ظهر فيه عيب وكذلك إذا كان غائبا واشتراه على الصفة فجاء‬
‫على غير المواصفات المطلوبة‪.‬‬
‫‪ ...‬كما أنه إذا تأخر في توفية الثمن في الجل المحدد لعذر مقبول‪ ،‬لم‬
‫تفرض عليه أية زيادة كما يفعل البنك الربوي‪ ،‬بل يمهل حتى يوسر‪ ،‬كما قال‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى }وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة{‪ .‬وإن تأخر لغير عذر‪ ،‬فهو‬
‫حينئذ ظالم يستحق العقوبة كما في حديث "مطل الغني ظلم" وحديث "لي‬
‫الواجد يحل عرضه وعقوبته" ‪ ،‬فمن حق المصرف السلمي أن يطالبه‬
‫بالتعويض عن الضرر الفعلي قل او كثر عمل ً بالقاعدة الشرعية التي عبر‬
‫عنها حديث "ل ضرر ول ضرار" وأخذ منها الفقهاء‪ :‬أن الضرر يزال‪.‬‬
‫‪ ...‬وهذا يخالف ما تفعله البنوك الربوية‪ ،‬لنها تأخذ المبلغ المقترض والفائدة‬
‫الربوية المقررة على كل حال‪ :‬من المعسر والموسر‪ ،‬سواء حدث ضرر أم‬
‫لم يحدث‪ .‬سواء كان الضرر قليل ً أم كثيرا‪ ،‬بل تأخذه سواء تسلم السلعة‬
‫المقترض لها المال أم لم يتسلمها‪ ،‬سلمت أو هلكت‪ ،‬فالبنك الربوي ل علقة‬
‫له بالسلعة بحال‪.‬‬
‫‪ ...‬فكيف يقال‪ :‬إن ما يجري في المصارف السلمية هو عين ما يجري في‬
‫البنوك الربوية؟ الحق أن تغيير صورة المعاملة غّير من طبيعتها‪ ،‬وإن توهم‬
‫من توهم أن النتيجة في كلتا الحالين واحدة‪ .‬ومن المفيد هنا أن أذكر في‬
‫تغيير الشكل والصورة حديث أبي سعيد وأبي هريرة المشهور في بيع التمر‬
‫بمثله‪ ،‬وهو ل يخفى على المعترضين‪.‬‬
‫‪ ...‬عن أبي سعيد وأبي هريرة "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ل تمر خيبر هكذا‪ :‬قال‪ :‬ل‬ ‫استعمل رجل ً على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال‪ :‬أك ّ‬
‫والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بصاعين‪ ،‬والصاعين بالثلث‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬فل تفعل ‪ .‬بع الجمع بالدراهم‪ ،‬ثم ابتع‬
‫بالدراهم جنيبا" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ ...‬فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن من كان عنده تمر رديء وأراد‬
‫تحصيل الجيد من التمر فعليه أن يبيع ردئيه بنقد ثم يشتري به الجيد‪.‬‬
‫‪ ...‬والنتيجة من البيع الول والثاني واحدة‪ ،‬وهي الحصول على التمر الجيد‬
‫بدل الرديء ولكن الصورتين مختلفتان‪ .‬ففي الولى باع الشيء بجنسه‬
‫ل‪ ،‬وهذا منهي عنه لما قد يحدث فيه من غبن‪ .‬وفي الثانية بيع للشيء‬ ‫متفاض ً‬
‫بقيمته نقدًا‪ ،‬ثم يشتري به‪ ،‬وهذا أقرب الى العدل في تقدير السلعة وثمنها‪.‬‬
‫ولهذا أجيزت الصورة الثانية ومنعت الولى والشاهد أن تغيير الصورة قد‬
‫يؤدي الى تغيير الحكم‪ ،‬وإن لم تتغير النتيجة)‪.(1‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪ -7 ...‬وأما قول المانعين بأن اللزام بالوعد غير صحيح شرعا ً بل الوفاء‬
‫بالوعد مستحب وبناء على ذلك ل يصح بيع المرابحة للمر بالشراء مع لزوم‬
‫الوعد للعميل وللمصرف‪.‬‬
‫‪ ...‬فالجواب على ذلك بأن المسألة وهي الوفاء بالوعد من المسائل الخلفية‬
‫التي تعددت فيها أنظار الفقهاء والمسألة اجتهادية وقد أخذ المجيزون بالقول‬
‫بوجوب الوفاء بالوعد وهو قول صحيح وله أدلته وحججه المعتمدة ول غبار‬
‫في ذلك وهذا القول تشهد له ظواهر النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة‬
‫رسوله عليه الصلة والسلم وبه قال طائفة من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫‪ ...‬وقد ترجم المام البخاري في صحيحه )باب من أمر بإنجاز الوعد(‪ .‬وذكر‬
‫فيه أن الحسن البصري أمر بذلك وقضى سعيد بن الشوع به وكان قاضيا‬
‫للكوفة أبان أمارة خالد القسري على العراق‪ .‬ونقله عن الصحابي سمرة بن‬
‫جندب وذكر المام البخاري أربعة أحاديث في الباب‪ .‬ونقل الحافظ في الفتح‬
‫عن ابن عبد البر وابن العربي ان عمر بن عبد العزيز كان يرى لزوم الوعد)‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪.31-27‬‬
‫‪ -2‬انظر صحيح البخاري مع الفتح ‪.218-6/217‬‬
‫رابعا‪ :‬بيان القول الراجح‪:‬‬
‫‪ ...‬بعد إجالة النظر في أدلة الفريقين والعتراضات التي أوردت على تلك‬
‫الدلة والردود عليها)‪ (1‬يظهر لي رجحان قول المجيزين لبيع المرابحة للمر‬
‫بالشراء مع اللزام بالوعد لكل من المصرف والعميل وأنه عقد صحيح يتفق‬
‫مع القواعد العامة للعقود في الشريعة السلمية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الفتاوى الصادرة بجواز بيع المرابحة للمر بالشراء‪:‬‬
‫‪ ...‬ناقش العلماء المعاصرون بيع المرابحة للمر بالشراء مناقشة مستفيضة‬
‫في عدد من المؤتمرات والندوات العلمية وخرجوا بتوصيات وأصدروا فتاوى‬
‫في المسألة أذكر أهمها‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬الفتوى الصادرة عن المؤتمر الول للمصرف السلمي المنعقد في‬
‫دبي في المدة من ‪ 25-23‬جمادى الثانية ‪1399‬هـ الموافق ‪ 22‬مايو ‪1979‬م‬
‫وحضره تسعة وخمسون عالما ً ذوي اختصاصات متعددة فمنهم الفقهاء‬
‫ومنهم القتصاديون ومنهم رجال القانون وعرضت عليهم الحالة التالية‪:‬‬
‫‪ ...‬يطلب المتعامل من المصرف شراء سلعة معينة يحدد جميع أوصافها‬
‫ويحدد مع المصرف الثمن الذي يشتريها به المصرف وكذلك الثمن الذي‬
‫يشتريها به المتعامل مع البنك بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ما ذكرته وما لم أذكره مما إطلعت عليه في المصادر والمراجع التي‬
‫تحدثت عن بيع المرابحة‪.‬‬
‫التوصية‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬يرى المؤتمر أن هذا التعامل يتضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء‬
‫في حدود الشروط المنوه عنها ووعدا ً آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد‬
‫الشراء طبقا ً لذات الشروط‪.‬‬
‫‪ ...‬إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقا ً لحكام المذهب المالكي‬
‫وملزم للطرفين ديانة طبقا ً لحكام المذاهب الخرى وما يلزم ديانة يمكن‬
‫اللزام به قضاء اذا إقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه")‪(1‬‬
‫‪ -2 ...‬الفتوى الصادرة عن المؤتمر الثاني للمصرف السلمي بالكويت في‬
‫المدة ما بين ‪ 8-6‬جمادى الخرة عام ‪1403‬هـ الموافق ‪ 23-21‬آذار‬
‫‪1983‬م‪ .‬وقد اختار المؤتمر من بين العلماء الذين حضروا عشرة من العلماء‬
‫للفتاء فيما يتعلق بالموضوعات المعروضة على المؤتمر وأصدر عدة‬
‫توصيات منها‪:‬‬
‫الوعد بالشراء جائز شرعا‪ً:‬‬
‫‪ ...‬يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للمر بالشراء بعد تملك‬
‫السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في‬
‫الموعد السابق هو أم جائز شرعا ً طالما كانت تقع على المصرف السلمي‬
‫مسؤولية الهلك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي وأما‬
‫بالنسبةللوعد وكونه ملزما ً للمر أو المصرف أو كليهما فإن الخذ باللزام هو‬
‫الحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬فتاوى شرعية في العمال المصرفية ص ‪ ،20-19‬بنك دبي السلمي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل وإن الخذ باللزام أمر مقبول شرعا ً‬
‫وكل مصرف مخير في الخذ بما يراه في مسألة القول باللزام حسب ما‬
‫تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه‪.‬‬
‫العربون في عمليات المرابحة‪:‬‬
‫‪ ...‬يرى المؤتمر أن أخذ العربون في عمليات المرابحة وغيرها جائز بشرط‬
‫أن ل يحق للمصرف أن يستقطع من العربون المقدم إل بمقدار الضرر‬
‫الفعلي المتحقق عليه من جراء النكول)‪.(1‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫‪ -3 ...‬صدر عن الندوة القتصادية السلمية في المدينة المنورة توصيات ورد‬


‫للشبهات حول بيع المرابحة وتأكيدا ً لما جاء في الفتوى السابقة‪ .‬فقد عقدت‬
‫الندوة في الفترة من ‪ 20-17‬رمضان ‪ 1403‬الموافق ‪ 30-27‬حزيران‬
‫‪1983‬م وحضرها عدد من الفقهاء المعاصرين وصدر عن الندوة مجموعة من‬
‫الفتاوى منها ما يتعلق ببيع المرابحة للمر بالشراء ونصها‪ :‬شبهات حول‬
‫المرابحة والرد عليها‪:‬‬
‫السؤال الثامن‪ :‬أورد بعض الناس شبهات على جواز بيع المرابحة بالجل بأنه‬
‫ينطوي على شبهة ربوية كما أورد شبهات على جواز المرابحة للمر بالشراء‬
‫وهذه الشبهات هي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن هذا العقد يتضمن بيع ما ليس عند البائع‪.‬‬ ‫‪ ...‬او ً‬
‫‪ ...‬ثانيا‪ :‬تأجيل البدلين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬فتاوى شرعية في العمال المصرفية ص ‪.33-32‬‬
‫‪...‬‬
‫‪ ...‬ثالثا‪ :‬أنه بيع دراهم بدراهم والمبيع مرجأ أو أنه نوع من ‪ ...‬التورق‪.‬‬
‫‪ ...‬رابعًا‪ :‬أن المالكية منعوا اللزام بالوعد في البيع‪.‬‬
‫‪ ...‬خامسًا‪ :‬أن هذا العقد يتضمن تلفيقا ً غير جائز‪.‬‬
‫فما هو الجواب عن ذلك‪:‬‬
‫‪ ...‬الفتوى‪ :‬بيع المرابحة المعروف في الفقه السلمي جائز باتفاق سواء كان‬
‫بالنقد أو بالجل وأن هذه الشبهة الربوية المثارة على بيع المرابحة ليست‬
‫واردة ل في هذا البيع ول في البيع المؤجل‪.‬‬
‫‪ ...‬وأما صورة المرابحة للمر بالشراء فإن اللجنة تؤكد ما ورد في المؤتمر‬
‫الثاني للمصرف السلمي المنعقد في الكويت مع ما تضمن من تحفظات‬
‫بالنسبة لللزام‪.‬‬
‫ونصها كما يلي‪:‬‬
‫‪) ...‬يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للمر بالشراء بعد تملك‬
‫السلعة المشتراه وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في‬
‫الموعد السابق هو أمر جائز شرعا ً طالما كانت تقع على المصرف السلمي‪.‬‬
‫مسؤولية الهلك قبل التسليم وتبعة الرد في ما يستوجب الرد بعيب خفي‪.‬‬
‫‪ ...‬وأما بالنسبة لوعد وكونه ملزما ً للمر أو للمصرف أو كليهما فإن الخذ‬
‫باللزام هو الحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملت وفيه مراعاة‬
‫لمصلحة المصرف والعميل وأن الخذ باللزام أمر مقبول شرعا ً وكل مصرف‬
‫مخير في الخذ بما يراه في مسألة القول باللزام حسب ما تراه هيئة الرقابة‬
‫الشرعية لديه"‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما الشبهات المثارة على بيع المرابحة للمر بالشراء فإن الرد عليها كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬أن هذا العقد ل ينطوي على بيع ما ليس عند البائع لن عقد البيع الذي‬
‫يتم مع المشتري المر انما يتم بعد التملك الفعلي فضل ً عن شبهة أن النهي‬
‫عن بيع النسان ما ليس عنده ليست محل اتفاق‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬أن شبهة تأجيل البدلين ليست واردة لن تمليك السلعة يتم مقابل‬
‫الثمن الحالي أو المؤجل‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬وأن التبادل في القرض على أساس التعامل الربوي يقع بين الشيء‬
‫ومثله كأن يعطي المرابي للمدين مئة ريال لجل ثم يستردها عند الستحقاق‬
‫بمئة وعشرة أما في البيع في المرابحة لجل فإن التبادل يقع على أشياء‬
‫مختلفة هي السلعة المبيعة بالثمن من العفو فكيف يعقل أن يقاس التعامل‬
‫بالمرابحة على التعامل بالربا خصوصا ً وأنه بالرغم من تحديد الربح في‬
‫المرابحة إل أن هذا التحديد فيه إما تفويت الربح للمأمور بالشراء مضاربة‬
‫بسعر السوق عند ارتفاع السعر أو تحقق الخسارة للمر عند حدوث العكس‪.‬‬
‫وهذا التأثر ناتج عن العرض والطلب على البضاعة ل على العرض والطلب‬
‫على النقود‪.‬‬
‫‪ -4 ...‬إن المنع عند المالكية مشروط بشرطين ل يتحققان في هذه الحالة‬
‫وهذان الشرطان هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬يكون المطلوب منه السلعة من أهل العينة‪.‬‬
‫ب‪ -‬يكون طالب السلعة قد يكون طلبها لينتفع بثمنها ل بعينها‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬ليس في عقد المرابحة للمر بالشراء تلفيق مطلقا ً لن موضوع‬
‫اللزام العقد موضوع مستقل غير خاص ببيع المرابحة وهو يشمل كل العقود‬
‫والمعاملت الخرى‪.‬‬
‫‪ ...‬بيع العينة هو البيع الذي يتحايل فيه على الوصول إلى الربا دون قصد‬
‫حقيقة التبادل‪.‬‬
‫كفيل على مشترى المرابحة بالجل‪:‬‬
‫‪ ...‬السؤال التاسع‪ :‬هل يجوز أن يؤخذ كفيل على المشتري في بيع المرابحة‬
‫بالجل؟‬
‫‪ ...‬الفتوى‪ :‬يجوز أخذ كفيل في ذلك شأنه شأن أي بيع بالجل)‪.(1‬‬
‫‪ -4 ...‬الفتوى الصادرة عن الشيخ بدر المتولي عبد الباسط المستشار‬
‫الشرعي لبيت التمويل الكويتي وقد كانت جوابا ً على السؤال التالي‪:‬‬
‫‪ ...‬نرجو افتاءنا في مدى جواز قيامنا بشراء السلع والبضائع نقدا ً بناء على‬
‫رغبة ووعد من شخص ما بأنه مستعد ‪ -‬إذا ما ملكنا السلعة وقبضناها‪ -‬أن‬
‫يشتريها منا بالجل وبأسعار أعلى من اسعارها النقدية‪.‬‬
‫‪ ...‬ومثال ذلك‪ :‬أن يرغب أحد الشخاص في شراء سلعة أو بضاعة معينة‬
‫لكنه ل يستطيع دفع ثمنها نقدا ً فنعتقد بأنه إذا اشتريناها وقبضناها سوف‬
‫يشتريها منا بالجل مقابل ربح معين مشار إليه في وعده السابق‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.51-49‬‬
‫الجواب‪:‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلة على رسول الله وعلى آله‬
‫وصحبه ومن واله‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ...‬فإن ما صدر من طالب الشراء يعتبر وعدا ونظرا لن الئمة قد اختلفوا‬
‫في هذا الوعد هل هو ملزم أم ل فإني أميل إلى الخذ برأي ابن شبرمة‬
‫رضي الله عنه الذي يقول إن كل وعد بالتزام ل يحل حراما ً ول يحرم حلل ً‬
‫يكون وعدا ً ملزما ً قضاء وديانة وهذا ما تشهد له ظواهر النصوص القرآنية‬
‫والحاديث النبوية والخذ بهذا المذهب أيسر على الناس والعمل به يضبط‬
‫المعاملت لهذا ليس هناك مانع من تنفيذ مثل هذا الشرط)‪.(1‬‬
‫‪ -5 ...‬الفتوى الصادرة عن الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لدارات‬
‫البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد بالمملكة العربية السعودية حيث‬
‫وجه إليه السؤال التالي بتاريخ ‪ 16‬جمادى الخر ‪ 1402‬هـ الموافق ‪10‬‬
‫نيسان سنة ‪.1982‬‬
‫السؤال‪:‬‬
‫‪ ...‬إذا رغب عميل البنك السلمي شراء بضاعة ما تكلفتها ألف ريال سعودي‬
‫وأراها البنك السلمي أو وصفها له ووعده بشرائها منه مرابحة بالجل لمدة‬
‫سنة بربح قدره مائة ريال سعودي لتكون القيمة الكلية ألف ومائة ريال‬
‫سعودي وذلك بعد أن يشتريها البنك من مالكها بدون إلزام العميل بتنفيذ‬
‫وعده المذكور أو المكتوب‪ ..‬فما رأيكم في هذه المعاملة‪ .‬وجزاكم الله خيرا‪..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬الفتاوى الشرعية في المسائل القتصادية ‪1/16‬‬
‫وأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز بما يلي‪:‬‬
‫‪ ...‬الجواب‪ :‬إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال فل حرج في المعاملة‬
‫المذكورة إذا استقر المبيع في ملك البنك السلمي وحازه إليه من ملك بائعه‬
‫لعموم الدلة الشرعية‪ .‬وفق الله الجميع لما يرضيه)‪(1‬‬
‫‪ -6 ...‬قرار مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس‬
‫بالكويت من ‪ 1‬الى ‪ 6‬جمادي الولى ‪ 1409‬الموافق ‪ 15-10‬كانون الول‬
‫‪1988‬م ونصه‪:‬‬
‫‪ ...‬بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوعي ‪:‬‬
‫)الوفاء بالوعد والمرابحة للمر بالشراء( واستماعه للمناقشات التي دارت‬
‫حولهما قرر‪:‬‬
‫ل‪ :‬ان بيع المرابحة للمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في‬ ‫‪ ...‬أو ً‬
‫ملك المأمور وحصول القبض المطلوب شرعا ً هو بيع جائز طالما كانت تقع‬
‫على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه‬
‫من موجبات الرد بعد التسليم وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه‪.‬‬
‫‪ ...‬ثانيا‪ :‬الوعد )وهو الذي يصدر من المر أو المأمور على وجه النفراد(‬
‫يكون ملزما ً للواعد ديانة إل لعذر‪ .‬وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا ً على سبب‬
‫ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد ويتحدد أثر اللزام في هذه الحالة إما‬
‫بتنفيذ الوعد وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعل ً بسب عدم الوفاء بالوعد‬
‫بل عذر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المرابحة د‪ .‬القرضاوي ص ‪ ، 12-11‬بيع المرابحة د‪ .‬الشقر ص ‪.52‬‬
‫‪ ...‬ثالثا‪ :‬المواعدة )وهي التي تصدر من الطرفين( تجوز في بيع المرابحة‬
‫بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو احدهما فإذا لم يكن هناك خيار فإنها ل‬
‫تجوز لن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه‪ .‬حيث يشترط‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عندئذ ان يكون البائع مالكا ً للمبيع حتى ل تكون هناك مخالفة لنهي النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن بيع النسان ما ليس عنده‪.‬‬
‫‪ ...‬ويوصي المؤتمر‪ :‬في ضوء ما لحظه من أن أكثر المصارف السلمية‬
‫أتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫ويوصي بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن يتوسع نشاط جميع المصارف السلمية في شتى أساليب تنمية‬ ‫‪ ...‬أو ً‬
‫القتصاد ول سيما انشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن‬
‫طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى‪.‬‬
‫‪ ...‬ثانيا‪ :‬أن تدرس الحالت العملية لتطبيق )المرابحة للمر بالشراء( لدى‬
‫المصارف السلمية لوضع أصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق وتعين‬
‫على مراعاة الحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للمر بالشراء)‬
‫‪.(1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬جزء ‪ 2‬ص ‪.1600-1599‬‬
‫‪... ... ... ...‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫بيع المرابحة للمر بالشراء كما تتعامل به شركة بيت المال الفلسطيني‬
‫العربي‪.‬‬
‫وفيه ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪:‬‬
‫نشأة شركة بيت المال وأهدافها ونشاطاتها‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫التطبيق العملي لبيع المرابحة للمر بالشراء كما تجريه شركة بيت المال‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫شبهات حول التطبيق العملي لبيع المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬نشأة الشركة وأهدافها ونشاطاتها‪:‬‬
‫‪ -1‬التعريف بالشركة‪:‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫‪ ...‬تأسست شركة بيت المال الفلسطيني العربي في مطلع سنة ‪1994‬م‬


‫وسجلت لدى مراقب الشركات في فلسطين بتاريخ ‪ 22‬شباط ‪1994‬م‬
‫كشركة مساهمة عامة تحت رقم )‪ .(562600486‬حصلت الشركة على إذن‬
‫الشروع بأعمالها ابتداء من ‪ 9‬كانون الثاني ‪1995‬م وبدأت بمباشرة نشاطها‬
‫في الول من نيسان ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ ...‬يتركز نشاط الشركة في القيام بجميع أوجه الستثمار والتمويل في جميع‬
‫القطاعات القتصادية وتشجيع توظيف الموال لحساب الشركة ولحساب‬
‫الغير وذلك وفقا ً لحكام الشريعة السلمية السمحة كما تقوم الشركة‬
‫بأعمال تبديل العملت المختلفة‪ .‬يتألف رأسمال الشركة من ‪10,000,000‬‬
‫سهم‪ ،‬القيمة السمية للسهم هي دينار أردني واحد وبلغت قيمة القساط‬
‫المطالب بتسديدها حتى تاريخ الميزانية العمومية ‪ %75‬من القيمة السمية‬
‫للسهم)‪..(1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬التقرير السنوي الول للشركة لسنة ‪ ،1416/1995‬ص ‪.21‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد وضح المؤسسون أهداف تأسيس الشركة بما يلي‪:‬‬


‫‪) ...‬يعاني القتصاد الفلسطيني من مشاكل عديدة أدت إلى عدم توازنه‪ ،‬بل‬
‫وتخلفه‪ ..‬فهو يفتقر إلى البنية التحتية الملئمة وإلى رؤوس الموال اللزمة‬
‫لنموه وتطوره‪.‬‬
‫‪ ...‬وهناك ضرورة ملحة لتنمية هذا القتصاد وتطويره بكافة قطاعاته في‬
‫المرحلة المقبلة‪ ...‬وهذا يتطلب استثمارا في مجالت عديدة‪ .‬ومن هنا جاءت‬
‫فكرة انشاء “شركة بيت المال الفلسطيني العربي" لتعمل بشكل فعال على‬
‫اقامة مشروعات استثمارية صناعية وانتاجية وخدماتية مختلفة او لتشارك‬
‫في هذه المشروعات مع حرصها على توفير الخدمات الجتماعية والتي‬
‫تسهم في توثيق عرى الخوة بين أفراد المجتمع وتنمي علقات التواصل‬
‫الحميمة فيما بينهم لما فيه مصلحة البلد وخير أبنائها‪.‬‬
‫‪ ...‬ولذلك كله فقد وضعت الشركة نصب عينيها ان تحقق مجالت استثمارها‬
‫ربحا ً حلل ً للمستثمرين بالستناد الى احكام شريعتنا السلمية السمحة الغراء‬
‫وهكذا فإن أهداف شركتنا يمكن أن تتحدد على النحو التالي‪:‬‬
‫ل‪ :‬السهام في بناء اقتصاد فلسطيني يستند على النظام القتصادي‬ ‫‪ ...‬أو ً‬
‫السلمي القائم على أساس المشاركة في الربح والخسارة كأساس للتعامل‬
‫المالي في الشركة‪.‬‬
‫‪ ...‬ثانيا‪ :‬استثمار الموال في القطاعات القتصادية الصناعية والتجارية‬
‫والخدماتية المختلفة مع ابقاء الباب مفتوحا ً أمام الشركة لقامة مشاريعها‬
‫الخاصة بها والمشاركة مع مستثمرين آخرين بنسب متفاوتة وذلك في كل‬
‫موقع من مواقع فلسطين‪.‬‬
‫‪ ...‬ثالثا‪ :‬تشجيع أصحاب الموال المكنوزة على استثمارها في مشاريع حيوية‬
‫ذات نفع لهم وللمجتمع‪.‬‬
‫‪ ...‬رابعًا‪ :‬وعمل ً بقوله تعالى }وابتغ فيما آتاك الله الدار الخرة ول تنسى‬
‫نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ول تبغ الفساد في الرض إن‬
‫الله ل يحب المفسدين{ نضع هدفا آخر ل بد منه لنعمل به لول مرة في هذا‬
‫البلد المبارك تطبيقا ً لمبدأ إسلمي وترجمة له على أرض الواقع أل وهو‬
‫العمل لنيل الجر والثواب ومرضاة الله سبحانه وتعالى ومنعا ً للوقوع في‬
‫المعصية واكتساب الثم ويتحقق ذلك من خلل هذه الشركة التي ستعمل‬
‫من لحظة تأسيسها وفق هذا المبدأ الرباني العظيم حيث ستقوم بإخضاع‬
‫عملياتها القتصادية لجهاز رقابة شرعي معين لهذه الغاية‪.‬‬
‫‪ ...‬والشركة في سعيها لتحقيق هذه الهداف ستلجأ بإذن الله إلى وسائل‬
‫ومعايير ومواصفات د قيقة محسوبة تكفل تطبيق فكرة الستثمار على‬
‫أساس من أحكام الشرع كما تكفل توفير اساس النجاح فضل ً عن استقطاب‬
‫كوادر بشرية تتسم بالتخصص والمقدرة والكفاءة والعمل المخلص لتحقيق‬
‫المنفعة والفائدة لجميع الطراف من مساهمين ومستثمرين من منطلق‬
‫النظام القتصادي الشامل‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫‪ ...‬إن إقامة هذا المشروع وإدارته بشكل جيد يأخذ بالعتبار رسم سياسة‬
‫واضحة ودراسات كاملة مفصلة لكل مشروع منبثق عنه بحيث ل يتم‬
‫الستثمار فيه ال بعد ثبات جدواه اقتصاديا ً واجتماعيا ً وضمان مساهمته في‬
‫التنمية القتصادية والجتماعية الشاملة وقدرته على تحقيق عائد مجز‬
‫للمساهمين فيه وكونه لبنة قوية من لبنات اقتصادنا الفلسطيني‪.‬‬
‫‪ ...‬وبعد ما تبين من الهداف السابقة فإن وجود السوق الواسعة لهذا‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشروع تشير الى دللة أكيدة على جدوى الستثمار فيه وإن شركة كهذه‬
‫ستكون رائدة في هذا البلد المبارك بعونه سبحانه)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬النشاط الستثماري للشركة‪:‬‬
‫‪ ...‬من ينابيع فقه المعاملت في السلم ومن جهود أهل العلم من الفقهاء‬
‫وتجارب المؤسسات الستثمارية التي تتوخى الحلل في معاملتها ستعمل‬
‫شركة بيت المال العربي على تطبيق أشكال مختلفة من طرق الستثمار‬
‫التي تتوافق مع الشريعة السلمية ونذكر أهمها‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬بيع المرابحة‪:‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫‪ ...‬وهو بيع بمثل الثمن الول مع زيادة ربح فلو اشترى شخص بضاعة بمائة‬
‫دينار وجاء آخر يطلب شرائها عالما ً بمواصفاتها وظروف شرائها الول فإن‬
‫المشتري الول يستطيع بيعه إياها بزيادة على ثمن الشراء وفي مجال‬
‫الشركة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪-1‬‬
‫النشرة التعريفية لشركة بيت المال‪ ،‬بدون أرقام للصفحات‪.‬‬
‫الستثمارية تستطيع أن توفر حاجة العملء من السلع والجهزة والمعدات‬
‫قبل أن يتوفر الثمن لديه حيث يستطيع هذا العميل أن يتقدم للشركة طالبا ً‬
‫منها سلعة معينة مبينا وصفها وكمياتها‪ .‬فتقوم الشركة بشرائها له على‬
‫اساس الوعد من قبل العميل بشرائها بسعر تكلفتها مع زيادة ربح يتفق عليه‬
‫للشركة كما يتفقان على طريقة سداد الثمن حيث يمكن ان يكون دفعة‬
‫واحدة أو على أقساط على اعتبار ان الشركة تقوم بشراء البضاعة أو‬
‫استيرادها على حسابها الخاص وتتملكها تملكا ً كامل ً ويتم فتح العتماد‬
‫السنوي إذا كانت مستوردة باسمها ثم تقوم بنقل ملكيتها بالبيع للعميل بعد‬
‫حصولها على البضاعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بيع المساومة‪:‬‬
‫‪ ...‬ويتمثل في طلب العميل من الشركة ان تشتري له سلعة معينة‪ .‬تشتريها‬
‫الشركة من طرف ثالث بسعر يتم تحديده من خلل التفاوض والمساومة بين‬
‫الشركة كمشتري والبائع ول دخل للعميل في تحديد الثمن‪ .‬ويستطيع العميل‬
‫شراء البضاعة بعد أن تنتهي الصفقة بين الشركة والبائع وتملك الشركة‬
‫البضاعة فإذا قبل العميل البضاعة يقوم بتسديد قيمتها للشركة بالقساط‬
‫على النحو الذي يتم التفاق عليه ويمكن تطبيق هذا البيع على السلع المحلية‬
‫أو المستوردة على حد سواء‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بيع السلم أو )بيع السلف(‪.‬‬
‫‪ ...‬وهو بيع غائب تدعو اليه حاجة كل من البائع والمشتري فهو شراء سلعة‬
‫ل‪ .‬فتستطيع الشركة شراء بضاعة مؤجلة لموسمها‬ ‫مؤجلة بثمن مدفوع حا ً‬
‫وتدفع ثمنها حال ً إذا ضمنت وجود عملء لهذه البضاعة في وقت استلمها‬
‫ويمكن لها أن تبيع البضاعة الجلة في الوقت الحاضر )بيع سلم( أي بنفس‬
‫الطريقة التي اشترتها فيها)‪ (1‬أوأن تنتظر بيعها لحين استلمها‪ .‬وتبيع تبعا ً‬
‫لذلك بسعر السوق في ذلك الوقت نقدا ً أو بالتقسيط وتقوم الشركة بعمل‬
‫ذلك عندما تتنبأ بزيادة ثمن البضاعة في فترة استلمها ولكن هناك شروط‬
‫لبيع السلم وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬شروط متعلقة برأس مال السلم وهي‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1 ...‬أن يكون رأس المال معلوم المقدار‪.‬‬


‫‪ -2 ...‬أن يكون رأس المال معلوم الجنس‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬أن يسلم رأس المال في المجلس‪.‬‬
‫ب‪ -‬أما الشروط المتعلقة بالبضاعة فهي‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬أن تكون في الذمة‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬أن تكون صفاتها معروفة تمامًا‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬أن تكون معلومة المقدار بالكيل والوزن‪.‬‬
‫‪ -4 ...‬أن يكون الجل معلومًا‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬بيان محل التسليم في العقد‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬أن تكون البضاعة ممكنة الوجود عند الجل حتى يكون هناك إمكانية‬
‫لتسليمها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬القول بجواز بيع المسلم فيه قبل قبضه هو قول المالكية وابن تيمية وابن‬
‫القيم ومنع ذلك جمهور الفقهاء‪ .‬والشركة حتى تاريخه لم تتعامل بعقود‬
‫السلم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التمويل بالمضاربة‪:‬‬
‫‪ ...‬ستعمل شركة بيت المال العربي بتنفيذ عقود المضاربة المعروفة في‬
‫السلم حيث ستعمل على تغطية احتياجات تمويلية مختلفة في مجال‬
‫استيراد بضاعة أو تمويل مناقصات أو مشاريع صغيرة خاصة من التي تدر‬
‫الربح السريع‪ .‬والمضاربة ‪ :‬هي عقد على الشركة في الربح بين رب المال‬
‫)الشركة الستثمارية( التي تقدم المال وبين المضارب )العميل( الذي يقدم‬
‫عمله ويد المضارب على المال يد أمانة ‪ ،‬وتصرفه في المال تصرف الوكيل‬
‫فإن تحقق ربح فالعميل شريك في الربح مع الشركة حسب شروط العقد‬
‫وإن لم يتحقق الربح فل شيء للعميل )المضارب( وذلك أن الخسارة يتحملها‬
‫رب المال ما لم يثبت تقصير المضارب في أداء واجبه ويمكن للشركة تطبيق‬
‫نظام المضاربة في معاملتها بالشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬تقوم الدارة المختصة بدراسة العملية المعروضة عليها من ناحية جداوها‬
‫القتصادية‪ ،‬ودراسة العميل من حيث كفاءته وخبرته وسمعته المهنية وتعد‬
‫تقريرا ً شامل ً بذلك لعرضه على الدارة العليا لقراره‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا ثبت جدوى العملية واطمأنت إدارة الشركة الى كفاءة العميل‪ ،‬تناقش‬
‫معه الشروط والتفاصيل التي يتم مراعاتها عند صياغة عقد المضاربة‪.‬‬
‫‪ -3‬يتم اخطار الدارة المعنية في الشركة بشأن العملية‪.‬‬
‫‪ -4‬ويتم متابعة العملية ميدانيا ً ومحاسبيا ً حتى موعد تصفيتها وإجراء التوزيع‬
‫بالنسبة للرباح وفقا للعقد المبرم بين الطرفين‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬التمويل بالمشاركة‪:‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪ ...‬حيث يعتبر العمل في هذه الصيغة من ميزات شركة بيت المال‬


‫الفلسطيني العربي‪ ،‬فهو نظام مستحدث على أساس تقديم الشركة للعميل‬
‫التمويل الذي يطلبه بقصد إنشاء مشروع أو شراء بضاعة دون أن تتقاضى‬
‫الشركة فائدة ثابتة‪ ،‬وإنما تشارك في النتائج المحتملة للمشروع )ربحا أو‬
‫خسارة( في حدود قواعد توزيعية يتفق عليها مسبقًا‪ .‬وبذلك تعتبر الشركة‬
‫شريكا ً حقيقيا في العمليات ونتائجها‪ ،‬ويحق لها التدخل الداري بالقدر الذي‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يضمن لها الطمئنان إلى حسن سير العملية والتزام العميل الشريك‬
‫بالشروط المتفق عليها في العقد‪ .‬وتتم المحاسبة في عمليات التمويل‬
‫بالمشاركة على أساس نسبة ما قدمه كل شريك في رأس المال‪ .‬وعند قيام‬
‫أحد الشريكين بإدارة الشركة سواء شركة بيت المال الفلسطيني العربي أو‬
‫العميل يخصص له نسبة يتفق عليها من صافي الربح‪ ،‬تخصم قبل توزيع حصة‬
‫رأس المال وهناك المشاركة المتناقصة وهي التي تنتهي بتمليك المشروع‬
‫بالكامل للعميل بعد دفع حصة الشركة من رأس المال تدريجيا ً من حصته في‬
‫الربح‪.‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬الرهن‪:‬‬
‫‪ ...‬وهو جعل عين لها قيمة مالية وثيقة بدين بحيث يمكن أخذ الدين أو جزء‬
‫منه من تلك العين وحتى تضمن الشركة حقوقها يمكنها أن تقوم بطلب رهن‬
‫على ديونها المقدمة في المضاربة أو المشاركة مع الغير وقد يكون هذا‬
‫الرهن عقارا ً أو غير ذلك‪ .‬وهذا جائز من الناحية الشرعية بحيث إن لم يستطع‬
‫العميل الوفاء بإلتزاماته تستطيع الشركة بيع المرهون سواء أكان عقارا ً أو‬
‫غيره لستيفاء دينها منه)‪.(1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬النشرة التعريفية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي بدون أرقام‬
‫للصفحات‪.‬‬
‫‪ -3‬تعامل الشركة وفق أحكام الشريعة السلمية‪:‬‬
‫‪ ...‬تهدف شركة بيت المال الفلسطيني العربي المساهمة العامة إلى‬
‫استثمار أموالها في قطاعات القتصاد الفلسطيني المختلفة وفقا ً لحكام‬
‫الشريعة السلمية الغراء‪ .‬وتستلهم الشركة في تعاملها مع الجمهور معايير‬
‫معينة تستند الى مباديء ديننا الحنيف وأحكام المعاملت فيه والتي تستمد‬
‫الشركة منها قوتها وثباتها‪ .‬كما ترتكز في توجهاتها على أسس من الصدق‬
‫والخلص في النوايا تكفل لها تحمل مسؤوليات جمة تجاه المجتمع‬
‫الفلسطيني بشكل خاص والعالم السلمي بشكل عام)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬هيئة الرقابة الشرعية للشركة‪.‬‬
‫‪ ...‬وحتى تستطيع الشركة تحقيق غاياتها ستسعى بشكل دؤوب لتوفير‬
‫الطاقات البشرية القادرة على تحقيق أهدافها‪ ،‬ومن أجل ضمان التزامها‬
‫بأحكام الشريعة السلمية في جميع عملياتها الستثمارية والمساعدة على‬
‫تطوير اساليب استثمارية حديثة متنوعة وايجاد قنوات مثمرة ذات عائد مجز‬
‫للمساهمين يتسم بالشرعية والمان‪ .‬ستقوم الشركة بعرض كافة أعمالها‬
‫على جهاز الرقابة الشرعي المعين لهذه الغاية‪.‬‬
‫وقد صدر عن هيئة الرقابة الشرعية التقرير التالي قبل أن تبدأ الشركة‬
‫بالعمل‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المصدر السابق‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫تقرير هيئة الرقابة الشرعية‪:‬‬
‫‪ ...‬الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وآله وصحبه ومن اتبع هداه‬
‫وبعد‪:‬‬
‫‪ ...‬اجتمعت هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال العربي الفلسطيني‬
‫المساهمة العامة يوم الحد الموافق ‪15/6/1414‬هـ‪ .‬وفق ‪،1993-11-28‬‬
‫ودرست ما قدمه المؤسسون للشركة من كلمة المؤسسين المتضمنة‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لهداف الشركة ووسائلها ووجدت أنها تتفق مع أحكام الشريعة السلمية‪.‬‬


‫كما درست مقدمة النظام والمتضمن التزامها بأحكام الشريعة السلمية في‬
‫التعامل المالي والقتصادي‪ ،‬وإطلعت أيضا ً على النظام المتعلق بصندوق‬
‫الزكاة ورأت أن ذلك كله يتفق مع أحكام الشريعة السلمية‪ .‬وبناء على ذلك‬
‫ترى أن اهداف الشركة ووسائلها المتعلقة تنبع من النظام القتصادي‬
‫السلمي‪ .‬وتطلب هيئة الرقابة الشرعية من إدارة الشركة عرض أصول‬
‫المعاملت على الهيئة قبل تنفيذها لدراستها ومقارنتها مع أحكام الشريعة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫‪ ...‬ونسأل الله عز وجل أن يوفق الهيئة الدارية للسير على درب السلم‪،‬‬
‫وتجنب كل ما فيه مخالفة شرعه‪.‬‬
‫والله الموفق‬
‫الدكتور حسام الدين عفانة نائب عميد كلية الدعوة وأصول الدين‪/‬جامعة‬
‫القدس‬
‫الدكتور حلمي عبد الهادي‪ /‬كلية الشريعة‪ /‬جامعة النجاح الوطنية‬
‫الدكتور عبد المنعم أبو قاهوق‪ /‬جامعة النجاح الوطنية‪/‬رئيس كلية العلوم‬
‫السلمية‪/‬باقة الغربية‬
‫‪ ...‬وتأكيدا ً على ضرورة موافقة سائر أعمال الشركة لحكام الشريعة‬
‫السلمية الغراء فقد حرص مجلس الدارة على الستعانة بآراء هيئة الرقابة‬
‫الشرعية في مراقبة ومتابعة أعمال الشركة من الناحية الشرعية‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫‪ ...‬وتتلخص مهمة الهيئة في بيان الحكم الشرعي في العمال التي تزاولها‬


‫الشركة أو تلك التي تنوي استحداثها‪ .‬وقد أصدرت الهيئة عددا ً من الفتاوى‬
‫والتوصيات في الموضوعات والتساؤلت التي عرضتها عليها الشركة يجري‬
‫العمل على تنقيحها من قبل رئيس هيئة الرقابة ليصار إلى طباعتها في‬
‫ل)‪ ،(1‬كما اشتركت الهيئة مع المسؤولين في‬ ‫كتيبات للستفادة منها مستقب ً‬
‫وضع نماذج العقود التي تستخدمها الشركة في معاملتها للتأكد من مطابقتها‬
‫لحكام الشريعة السلمية‪ .‬وتتابع الهيئة كافة أعمال التمويل والستثمار التي‬
‫تقوم بها الشركة‪ ،‬كما تتابع الخطوات التطبيقية والجراءات العملية المتبعة‬
‫في تنفيذ أعمال التمويل والستثمار وتصدر توصياتها بخصوصها هذا وتعد‬
‫الهيئة تقريرا ً سنويا ً لعرضه على الجميعة العمومية يتضمن رأيها وملحظاتها‬
‫وتوصياتها‪ ،‬كما ترفع التقارير الى الدارة حسب الحاجة)‪.(2‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬صدرت المجموعة الولى من فتاوى هيئة الرقابة الشرعية في نهاية سنة‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬التقرير السنوي الول للشركة لسنة ‪ 1416/1995‬ص ‪.13-12‬‬
‫‪...‬‬
‫وبعد مضي السنة الولى من عمر الشركة أصدرت هيئة الرقابة الشرعية‬
‫التقرير التالي‪-:‬‬
‫تقرير هيئة الرقابة الشرعية‪:‬‬
‫‪ ...‬الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين وبعد‪:‬‬
‫‪ ...‬فإن هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي تتقدم‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الى الهيئة العامة للمساهمين بالتقرير التالي‪-:‬‬


‫‪ ...‬أول‪ :‬أصدرت الهيئة عددا ً من الفتاوى الشرعية في الموضوعات التي‬
‫أحيلت إليها من المسؤولين في الشركة‪.‬‬
‫‪ ...‬ثانيا‪ :‬أجابت الهيئة على كثير من الستفسارات والستشارات التي عرضها‬
‫المسؤولون في الشركة‪.‬‬
‫‪ ...‬ثالثا‪ :‬راجعت الهيئة جميع معاملت بيع المرابحة للمر الشراء ومشاريع‬
‫الشركة وأعمال الصرافة التي نفذتها الشركة حتى ‪31/12/1995‬م‪.‬‬
‫‪ ...‬رابعا‪ :‬راجعت الهيئة عددا ً من العقود التي عرضت عليها وأجرت عليها‬
‫التعديلت اللزمة كي تصح شرعًا‪.‬‬
‫‪ ...‬خامسا‪ :‬اشرفت الهيئة على حساب زكاة أموال الشركة وأوجه صرفها‬
‫حسب المصارف الشرعية وفي الختام فإن الهيئة وعلى ضوء ما تقدم ترى‬
‫أن أعمال الشركة تسير وفق أحكام الشريعة السلمية‪.‬‬
‫د‪ .‬حسام الدين موسى عفانة‪.‬‬
‫رئيس هيئة الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪ -5‬صندوق الزكاة‬
‫‪ ...‬تعتبر شركة بيت المال الفلسطيني العربي أول شركة مساهمة في‬
‫فلسطين ينص نظامها الساسي على إنشاء صندوق للزكاة فقد جاء في‬
‫الفصل السادس من النظام الساسي تحت عنوان صندوق الزكاة‪:‬‬
‫المادة ‪63‬‬
‫تحتفظ الشركة بحسابات خاصة مستقلة لصندوق الزكاة‪.‬‬
‫المادة ‪.64‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬تقوم الشركة بإدارة صندوق للزكاة وفقا لحكام الشريعة السلمية تتكون‬
‫إيراداته من مخصصات الزكاة المقتطعة سنويا ً من أموال الزكاة وما يرد إلى‬
‫هذا الصندوق من أموال الزكاة الخرى سواء من مساهمي الشركة أو من‬
‫غيرهم بينما تتكون مصروفات هذا الصندوق من أوجه الصرف المختلفة‬
‫المنصوص عليها في القرآن الكريم وبعد الستئناس برأي جهاز الرقابة‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬وقد قامت الشركة فعل بإخراج الزكاة عن السنة الولى من نشأتها‬
‫والمنتهية في ‪31/12/1995‬م‪ .‬وتم توزيع الزكاة حسب مصارفها الشرعية‬
‫بإشراف هيئة الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪ ...‬وفيما يلي نص المذكرة المقدمة من إدارة الشركة والمتضمنة السؤال‬
‫المتعلق بإخراج زكاة الشركة وجواب هيئة الرقابة الشرعية عنه‪-:‬‬
‫‪ ...‬عمل ً بأحكام المادتين ‪ 63،64‬من الفصل السادس من النظام الداخلي‬
‫لشركة بيت المال الفلسطيني العربي اللتين نصتا على ‪-:‬‬
‫المادة ‪:63‬‬
‫تحتفظ الشركة بحسابات خاصة مستقلة لصندوق الزكاة‪.‬‬
‫المادة ‪:64‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬تقوم الشركة بإدارة صندوق الزكاة وفقا لحكام الشيعة السلمية تتكون‬
‫إيراداته من مخصصات صندوق الزكاة المقتطع سنويا ً من أموال الزكاة‪ ،‬وما‬
‫يرد إلى هذا الصندوق من أموال الزكاة الخرى سواء من مساهمي الشركة‬
‫أو من غيرهم بينما تتكون مصروفات هذا الصندوق من أوجه الصرف‬
‫المختلفة المنصوص عليها في القرآن الكريم وبعد الستئناس برأي جهاز‬
‫الرقابة الشرعي‪.‬‬
‫‪ ...‬وفي ضوء ما سبق فإن على عاتق الشركة مسؤولية قياس وحساب‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتوزيع فريضة الزكاة وفقا ً لما ورد في النظام الساسي لنشائها‪ ،‬ونظرا ً‬
‫لختلف طريقة حساب زكاة الموال في المصارف والشركات السلمية‬
‫ومعالجتها على أساس تكلفته على النشاط أو توزيعا ً للربح‪ ،‬وتقديرها بمبلغ‬
‫ثابت أو اتباع القواعد الشرعية والسس المحاسبية واعداد حسابات ختامية‬
‫وتقرير مالي مستقل للزكاة في إطار نظام محاسبي لذلك‪ .‬ومنعا ً للوقوع في‬
‫أي حرج شرعي‪ ،‬ل سمح الله" أو شبهات مالية أو محاسبية فإن المر يقتضي‬
‫تسوية هذه الملحظات في الشركة عند اعداد نظام صندوق الزكاة وعليه‬
‫فإننا نقترح ما يلي‪-:‬‬
‫أول‪ :‬وضع القواعد التي تحكم زكاة المال في الشركة والتي منها‪:‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫‪ ...‬أ‪ -‬ضم الموال الخاضعة للزكاة الى بعضها البعض ثم يطرح اللتزامات‪.‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬تقويم الصول والخصوم على أساس القيمة الستبدالية الخارجية‪.‬‬
‫‪ ...‬ج‪ -‬اعتبار الحول أساسا ً لحساب الزكاة وترصيد ميعاد حسابها بحيث تكون‬
‫مع بداية ونهاية السنة المالية للشركة‪.‬‬
‫‪ ...‬د‪ -‬الفصل بين أموال المساهمين وأموال صناديق الستثمار إن وجدت عند‬
‫حساب الزكاة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختيار أفضل طرق حساب الزكاة والمتمثلة في ‪:‬‬
‫‪ ...‬الطريقة الولى‪ :‬حقوق الملكية‪ :‬وتحسب زكاة المال طبقا ً لهذه الطريقة‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬تحديد رأس المال المدفوع فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬تحديد الرباح المرحلة من سنوات سابقة‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬تحديد الحتياطات وما في حكمها‪.‬‬
‫‪ -4 ...‬تحديد نصيب المساهمين من أرباح العام الحالي‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬تضاف البنود السابقة الى بعضها البعض ويمثل الناتج الوعاء الجمالي‬
‫للموال الخاضعة للزكاة‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬يطرح من الوعاء الجمالي ما يلي‪:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬صافي قيمة الصول الثابتة لنها معفاة من الزكاة‪.‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬الخسائر الفعلية المرحلة من سنوات سابقة وكذلك خسائر العام‬
‫الحالي إن وجدت "ل سمح الله"‬
‫‪ ...‬ج‪ -‬الموال المستثمرة من جهات أخرى وخضعت للزكاة في تلك الجهات‬
‫وذلك تجنبا ً لزدواج الزكاة‪.‬‬
‫‪ -7 ...‬يمثل الصافي الناتج من طرح البنود الواردة في بند )‪ (6‬من البنود‬
‫المجموعة في بند )‪ (5‬الوعاء الخاضع للزكاة‪.‬‬
‫‪ -8 ...‬تحسب مقدار الزكاة على أساس ‪ %2,5‬ليكون الناتج هو إجمالي‬
‫مقدار الزكاة على أموال المساهمين فتقسم على عدد السهم بحيث يكون‬
‫الناتج هو نصيب السهم من مقدار الزكاة‪.‬‬
‫‪ -9 ...‬يحسب نصيب كل مساهم من الزكاة عن طريق حاصل ضرب عدد ما‬
‫يمتلك من أسهم في نصيب السهم من الزكاة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -10 ...‬يحول مقدار الزكاة الى صندوق الزكاة تمهيدا لنفاقها في مصارفها‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫‪ ...‬الطريقة الثانية‪ :‬صافي رأس المال العامل‪ :‬وتحسب زكاة المال طبقا ً‬
‫لهذه الطريقة على النحو التالي‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1 ...‬تحديد الصول المتداولة العاملة في الشركة وتتضمن الموال النقدية‬


‫بالخزينة ولدى البنوك الخرى وكذلك الستثمارات والموال التي ل تدخل‬
‫ضمن الصول المتداولة‪ ،‬أي بنود ل يرجى تحصيلها وتقوم على أساس القيمة‬
‫الجارية لها‪ .‬كما يدخل في ضمن ذلك أي أصول خضعت للزكاة من قبل الغير‬
‫تجنبا ً للزدواج‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬يخصم من الصول المتداولة الخصوم المتداولة‪ ،‬وتتضمن فيما تتضمن‬
‫أموال صناديق الستثمار إن وجدت والتزامات الشركة تجاه الغير ول تتضمن‬
‫اللتزامات طويلة الجل لكثر من سنة بل يؤخذ في الحسبان القسط الحالي‬
‫منها‪ .‬وبذلك يكون الناتج هو صافي رأس المال العامل‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬يضاف الى صافي رأس المال العامل نصيب المساهمين من الرباح‪،‬‬
‫وهذا طبقا َ للرأي الذي ل يشترط حولن الحول على النماء ويرى ضمه الى‬
‫أصل المال‪ ،‬ويكون الناتج بعد ذلك هو وعاء زكاة المال على المساهمين‪.‬‬
‫‪ -4 ...‬حساب مقدار زكاة المال على أساس ‪ %2,5‬يكون الناتج هو إجمالي‬
‫مقدار الزكاة على أموال المساهمين‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬يستخرج نصيب السهم الواحد من الزكاة عن طريق قسمة مقدار‬
‫الزكاة على عدد السهم‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬يحسب نصيب كل مساهم من الزكاة عن طريق حاصل ضرب عدد ما‬
‫يمتلك من أسهم في نصيب السنة من الزكاة‪.‬‬
‫‪ -7 ...‬يحول مقدار الزكاة المستحقة على المساهمين إلى صندوق الزكاة‬
‫تمهيدا ً لنفاقها في مصارفها الشرعية‪.‬‬
‫أسس توزيع حصيلة زكاة المال‪:‬‬
‫‪ ...‬توزيع حصيلة زكاة المال المجمعة في صندوق الزكاة حسب ما قرره الله‬
‫عز وجل في الية الكريمة }إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين‬
‫عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل‬
‫فريضة من الله‪ ،‬والله عليم حكيم{‪.‬‬
‫‪ ...‬ولما كان النظام الداخلي قد اشار الى الستئناس برأي جهاز الرقابة‬
‫الشرعي‪ ،‬وحيث إن الشركة في صدد وضع الميزانية السنوية للشركة كما‬
‫هي في ‪ .31/12/1995‬لذا نرجو التفضل ببيان الرأي الشرعي فيما ورد‬
‫بهذه المذكرة والتوصية بما ترونه مناسبًا‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ ...‬جوابا ً على خطابكم رقم ‪ 96-1‬بتاريخ ‪ 96-1-13‬والمتعلق بحساب زكاة‬
‫الشركة وكيفية توزيعها فإن هيئة الرقابة الشرعية ترى ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬بناء على المادتين ‪63‬و ‪ 64‬في الفصل السادس من النظام الداخلي‬ ‫أو ً‬
‫لشركة بيت المال الفلسطيني العربي فإن الشركة تقوم بإخراج الزكاة‬
‫وتوزيعها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بناء على ما قرره مجمع الفقه السلمي فإن الشركة المساهمة تزكي‬
‫السهم كما يزكي الشخص الطبيعي أمواله بمعنى أن تعتبر جميع أموال‬
‫المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا العتبار من‬
‫حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة ومن حيث النصاب ومن حيث المقدار‬
‫الذي يخرج‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تتمثل زكاة الشركة حسب ما يلي‪:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬القتطاع السنوي في نهاية كل سنة مالية من أموال الزكاة في الشركة‬
‫ويشمل ما يلي حسب ما افاده القسم المالي في الشركة‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫‪-1 ...‬أ( رأس المال المدفوع فعل ً من قبل المساهمين حتى ‪31/12/1995‬‬
‫والذي يمثل الوعاء الجمالي للموال الخاصة بالزكاة‪.‬‬
‫‪ ...‬ب( صافي ارباح المساهمين من أرباح العام الحالي‪ .‬على أن يطرح من‬
‫الوعاء ما يلي‪:‬‬
‫‪ - ...‬مصاريف التأسيس وتجهيز مقري الشركة في رام الله وغزة‪.‬‬
‫‪ - ...‬المصاريف الدارية والعمومية بالشركة‪.‬‬
‫‪ - ...‬حصة أهل الكتاب من رأس المال والرباح للمساهمين في الشركة‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬أن يتم تحديد مقدار الزكاة عند بيع أية اراضي أو عقارات أو شقق عند‬
‫حدوث واقعة البيع ولو تم الدفع بالتقسيط‪ ،‬على أن تضم مقادير هذه الزكاة‬
‫للصندوق المخصص للزكاة فورًا‪.‬‬
‫‪ ...‬يمثل الصافي الناتج من طرح البندين ‪ 1،2‬الوعاء الخاضع للزكاة‪ .‬وبناءا ً‬
‫على ما سبق فإن مبلغ الوعاء الخاضع للزكاة هو‪:‬‬
‫‪ - ...‬رأس المال المدفوع فعل ً )مخصوما ً منه حصص أهل الكتاب(‪:‬‬
‫‪6,481,000=(70,000) -6,551,000 ...‬‬
‫‪ - ...‬صافي أرباح العام المالي ‪ 56,800=(700)-1995:57,500‬المجموع ‪:‬‬
‫‪6,537,800‬‬
‫يطرح منه قيمة الصول الثابتة‪ :‬الموجودات الثابتة ‪75,000‬‬
‫الراضي ‪2,703,000‬‬
‫م التأسيس وتجهيز المقر ‪124,000‬‬
‫المصاريف الدارية العمومية ‪161,000‬‬
‫‪3,063,000‬‬
‫صافي الوعاء الخاضع للزكاة ‪3,474,800‬‬
‫‪ -3‬إجمالي مقدار الزكاة على أساس ‪86,870,000=%2,5‬‬
‫‪ -4‬نصيب السهم من مقدار الزكاة ‪,009‬‬
‫ب‪ -‬القتطاع الدوري لبيع الراضي أو العقارات عند البيع‪.‬‬
‫‪ ...‬وهذا ل تجب فيه الزكاة لنه لم يتم عقد أي صفقة بيع حتى نهاية العام‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬توزع الزكاة حسب المصارف المقررة شرعا في قوله تعالى }إنما‬
‫الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب‬
‫والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم{‪) .‬‬
‫‪.(1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬الفتاوى الشرعية نشرة اعلمية رقم )‪ (1‬صادرة عن هيئة الرقابة‬
‫الشرعية لشركة بيت المال ص ‪.12-16‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التطبيق العملي لبيع المرابحة كما تجريه الشركة‪.‬‬
‫‪ ...‬يتم بيع المرابحة في الشركة حسب الخطوات التالي‪:‬‬
‫ل‪ :‬يقدم المر بالشراء طلب شراء السلعة على اساس المرابحة للشركة‬ ‫أو ً‬
‫وفق النموذج التالي‪:‬‬
‫طلب شراء بضاعة‬
‫السيد‪ /‬مدير بيت المال الفلسطيني العربي الرقم‪..................:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد التاريخ‪19 / / :‬‬
‫مقدمة لكم ‪ ..........................................‬هوية رقم‪..........................‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جهة العمل وموقعه‪ ................‬الوظيفة‪/‬المهنة‪.............‬الدخل‬


‫الشهري‪...........‬‬
‫مقيم‪......................................................................................‬‬
‫باقي تفاصيل العنوان‪....................................................................‬‬
‫مقدمة لكم السادة‪........................................./‬‬
‫الجنسية‪.......................‬‬
‫ممثلة‪/‬ممثل ً بالسيد‪ ................................/‬بصفته‪..............................‬‬
‫المقر الرئيسي‪ ........................................‬نوع‬
‫النشاط‪.......................‬‬
‫رقم رخصة البلدية‪ ............‬جهة وتاريخ اصدارها‪............‬تاريخ‬
‫انتهائها‪..........‬‬
‫رقم السجل التجاري‪ ..........‬جهة وتاريخ اصداره‪ .............‬تاريخ‬
‫انتهائه‪...........‬‬
‫رقم الهاتف‪.........‬رقم الصندوق البريد‪........‬المصارف التي نتعامل‬
‫معها‪.............‬‬
‫الموضوع‪ :‬مع إقرارنا بصحة هذه البيانات وتحملنا نتائج عدم صحتها نرجو‬
‫التكرم بالموافقة على شراء البضاعة المبينة ادناه لصالحنا وفقا لنظام‬
‫المرابحة المتبع لديكم والتفضل بمراعاة التي‪:‬‬
‫نوع البضاعة‪ ....................:‬كميتها‪/‬عددها‪/‬مقدارها‪................................‬‬
‫مواصفاتها‪...............................................................................‬‬
‫جهة الشراء المفضلة‪....................................................................‬‬
‫القيمة‪ ....................................‬دينار)فقط‪(....................................‬‬
‫الدفعة الولى النسبة) ‪ ....................(%‬دينار فقط‪(............................‬‬
‫كيفية سداد الباقي‪......................................................................./‬‬
‫بيانلت اخرى‪.........................................................................../‬‬
‫علما بأنه لم يسبق لنا التعامل مع الشركة‪/‬قد سبق لنا التعامل معكم بتاريخ ‪/‬‬
‫‪19 /‬م وكان نوع المعاملة السابقة‬
‫)‪(.............................................................‬‬
‫وكنا فيها‪ :‬كفيل‪/‬مشتريا‪ ،‬وانها قد انتهت بالسداد‪/‬لم تنته بعد‬
‫بسبب ‪........................................................................................‬‬
‫‪..‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫ونتعهد من الن بتقديم الضمانات‬


‫التالية‪..................................................:‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫ورفق هذا الطلب صورا من المستندات المؤيدة لما ورد به وبيانها‬
‫كالتالي‪..................................................................................:‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫والله ولي التوفيق‪،،،‬‬
‫مقدم الطلب‬
‫السيد‪/‬السادة‪.......................................‬‬
‫ممثل‪/‬ممثلة بالسيد‪.................................‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫توقيعه‪............................................‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تطلب الشركة عرض سعر من البائع‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تدرس الشركة عرض السعر وطلب الشراء فإذا تمت الموافقة على‬
‫الستمرار في المعاملة تتم بقية الخطوات التالية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يوقع المشتري على وعد الشراء ويلتزم بموجبه بشراء السلعة من‬
‫الشركة بعد ان تكون الشركة قد تملكتها وفق النموذج التالي‪:‬‬
‫)وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤول(‬
‫"وعد بالشراء"‬
‫انه في يوم ‪14 / ... / ...‬هـ الموافق‪19 / /‬م‪.‬‬
‫قد تم التفاق بين كل من‪:‬‬
‫‪ (1‬شركة بيت المال الفلسطيني العربي ‪ ...‬طرف أول‬
‫‪ ... ... ... ... (2‬طرف ثاني‬
‫المقدمة‬
‫‪ ...‬حيث أن الطرف الثاني يرغب في شراء البضاعة المحددة على النحو‬
‫المبين بطلب الشراء بالمرابحة والمؤرخ ‪ / / ...‬والمرقم والملحق بعقد البيع‬
‫بالمرابحة والمتمم له من المصدر‪.‬‬
‫‪ ...‬فقد طلب من الطرف الول القيام بشرائها ثم بيعها ايفاء بهذا الوعد منه‬
‫بالشراء ووفقا للشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬يقر الطرف الثاني بأهليته للتصرفات المالية وأنه قد أطلع على‬
‫القانون والنظام الساسي لشركة بيت المال الفلسطيني العربي )الطرف‬
‫الول( ويلتزم في تعامله معها وفقا ً لهذا النظام‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬وعد الطرف الثاني الطرف الول بشراء البضاعة المبينة آنفا ً وابرام‬
‫عقد البيع والشراء بمجرد اعلم الطرف الول الطرف الثاني بأن البضاعة‬
‫جاهزة للتسليم أو وصلت الى ميناء ‪ ... ...‬ووردت مستنداتها‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬شروط ومكان التسليم‪:‬‬
‫‪ -4 ...‬يكون البيع والشراء محل هذا العقد على أساس المرابحة وبقيمة‬
‫التكلفة الكلية للبضاعة بالضافة الى ربح الطرف الول بنسبة ‪ / ...‬من‬
‫التكلفة الكلية‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬وافق الطرف الثاني على دفع نسبة ‪ / ...‬من قيمة البضاعة عند‬
‫التوقيع على هذا الوعد كعربون لضمان الجدية وتنفيذ التزاماته قبل الطرف‬
‫الول والقيام بتسديد باقي القيمة البيعية للطرف الول الواردة في البند )‪(5‬‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -6 ...‬اذا امتنع أحد الطرفين عن تنفيذ هذا الوعد أو قدم بيانات أو معلومات‬
‫ومستندات غير صحيحة فيتحمل أية أضرار تلحق الطرف ا لخر نتيجة لذلك‪.‬‬
‫‪ -7 ...‬أي نزاع ينشأ عند تنفيذ هذا الوعد يكون من اختصاص محاكم مدينة‬
‫رام الله‪.‬‬
‫‪ -8 ...‬حرر هذا الوعد من نسختين بيد كل طرف نسخة للعمل بموجبها‪.‬‬
‫الطرف الول ‪ ... ... ... ...‬الطرف الثاني‬
‫خامسًا‪ :‬تقوم الشركة بشراء السلعة المطلوبة وتوقع عقد شراء بينها وبين‬
‫البائع وتحوز السلعة الى ملكيتها‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬تبيع الشركة السلعة للمر بالشراء وبعد استلمه للسلعة وتأكده من‬
‫مطابقتها للمواصفات المطلوبة يتم توقيع عقد بيع المرابحة وفق النموذج‬
‫التالي‪:‬‬
‫)يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود( ‪) ... ...‬المسلمون عند شروطهم(‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"قرآن كريم" ‪" ... ...‬حديث شرف"‬


‫عقد بيع مرابحة‬
‫بين‪ :‬شركة بيت المال الفلسطيني العربي المساهمة العامة المحدودة‬
‫والمسمى فيما بعد بالفريق الول‪.‬‬
‫وبين المر بالشراء ‪ :‬السيد‪ /‬السادة‬
‫‪(1 ...‬‬
‫‪(2 ...‬‬
‫والمسمى ‪ /‬المسمون فيما بعد بالفريق الثاني‪:‬‬
‫وبين الكفيل‪ :‬السيد‪ /‬السادة ‪(1‬‬
‫‪(2 ... ... ...‬‬
‫‪(3 ... ... ...‬‬
‫والمسمى‪ /‬المسمون فيما بعد بالفريق الثالث‪.‬‬
‫تم التفاق بين الفريق الول وبين الفريق الثاني على ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬باع الفريق الول للفريق الثاني القابل لذلك البضاعة المبين أوصافها‬
‫وكمياتها بطلب الشراء رقم ) ( وتارخ ) ( والمرفق بهذا العقد والذي يعتبر هو‬
‫ووعد الشراء الموقعان من الفريق الثاني جزءا ً ل يتجزأ من هذا العقد‪.‬‬
‫‪ -2‬كل ما لم يرد ذكره في هذا العقد يخضع لحكام الشريعة السلمية‬
‫والنظام الساسي لشركة بيت المال وما ل يتعارض معهما من القوانين‬
‫والعراف التجارية النافذة‪.‬‬
‫‪ -3‬هذا البيع نظير ثمن اجمالي‪:‬‬
‫شامل ً التكلفة الكلية والرباح والضريبة قدره‪ ..............‬دينار‬
‫‪) ... ... ...‬فقط‪(..................................‬‬
‫دفع منه الطرف الثاني عربونا ً قدره‪........................‬دينار‬
‫‪) ... ... ...‬فقط‪(..................................‬‬
‫ومن ثم يكون اجمالي القيمة المتبقية هو‪....................‬دينار‬
‫‪) ... ... ...‬فقط‪(..................................‬‬
‫‪ -4‬يتعهد الفريق الثاني بدفع الثمن الجمالي للبضاعة‪ ،‬بالطريقة المبينة أدناه‪:‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫الفريق الثالث ‪ ... ... ... ...‬الفريق الثاني‬


‫)الكفيل( ‪) ... ... ... ...‬المر بالشراء(‬
‫رقم الدفعة ‪ ...‬رقم الكمبيالة ‪ ...‬مبلغ الدفعة‪/‬دينار اردني ‪ ...‬تاريخ الستحقاق‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫‪24‬‬
‫ويقدم الفريق الثاني للفريق الول نظير تأجيل باقي ثمن البيع الضمان‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪................................................................................................‬‬
‫‪.............................‬‬
‫‪ -5‬في حالة تنفيذ عملية المرابحة عن طريق فتح اعتماد مستندي‪ ،‬فإن‬
‫الفريق الثاني يقر بأنه ملزم بقبول المستندات الواردة وفقا للمواصفات التي‬
‫طلب على اساسها فتح العتماد ذي العلقة‪ ،‬وفي حالة امتناعه عن استلم‬
‫المستندات الخاصة بالعتماد بعد اشعاره بوصول المستندات من قبل الفريق‬
‫الول‪ ،‬وبالطرق المتعارف عليها تجاريًا‪ ،‬فإنه يحق للفريق الول أن يتسلم‬
‫البضاعة ويبيعها أو يتصرف فيها بالطريقة التي يراها مناسبة‪.‬‬
‫‪ -6‬يكفل الفريق الثالث الفريق الثاني كفالة مطلقة‪ ،‬وعلى وجه التضامن‬
‫والتكافل‪ ،‬في كل ما يتعلق بهذا العقد‪ .‬واللتزامات المترتبة على الفريق‬
‫الثاني بموجبه‪.‬‬
‫الفريق الثالث ‪ ... ... ...‬الفريق الثاني‬
‫)الكفيل( ‪) ... ... ... ...‬المر بالشراء(‪.‬‬
‫‪ -7‬يقر الفريق الثالث بأن كفالته هذه تعتبر كفالة اضافية أي انه يضيف ذمته‬
‫الى ذمة الفريق الثاني بالتكافل والتضامن بالنسبة لجميع التزامات الفريق‬
‫الثاني بموجب عقد المرابحة هذا‪ ،‬ول يمكن ان تؤثر او تتأثر بأية تأمينات أو‬
‫كفالت اخرى‪ ،‬تكون في حيازة الفريق الول حاليا‪ ،‬أو التي قد يحصل عليها‬
‫الفريق الول من الفريق الثاني‪ ،‬او بالنيابة عنه في المستقبل‪ ،‬ويعتبر الفريق‬
‫الثالث نفسه ملزما بهذه الكفالة بإعتبارها تأمينا مستمرا على الرغم من اية‬
‫مبالغ دفعت او تدفع للفريق الول‪ ،‬وعلى الرغم من أي تسديد للعتمادات‪،‬‬
‫او الحساب‪ ،‬او وفاة احد الموقعين‪ ،‬أو حدوث حالة عسر أو خسران للحقوق‬
‫المدنية‪ ،‬او عدم اقتدار على ادارة الشؤون الداخلية لي واحد أو أكثر من‬
‫الموقعين او لي سبب آخر مهما كان نوعه وذلك حتى تنفيذ التزامات الفريق‬
‫الثاني بموجب هذا العقد تنفيذا كامل نهائيا وابراء ذمته تجاه الفريق الول من‬
‫أي حق للفريق الول في عقد المرابحة هذا‪.‬‬
‫‪ -8‬من المتفق عليه صراحة‪ ،‬ان كفالة الفريق الثالث تبقى سارية المفعول‪،‬‬
‫وملزمة له‪ ،‬في حالة منح الفريق الول للفريق الثاني‪ ،‬أي تسامح او امهال‪،‬‬
‫بتسديد التزاماته‪ ،‬او في حالة تجديد الحساب بدون ان يقترن التمديد او‬
‫التجديد بموافقة الفريق الثالث اذ ان هذه الكفالة هي كفالة مستمرة بحيث‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تشمل هذا الحساب الجديد ول تنتهي مسؤولية الفريق الثالث‪ ،‬ال اذا سدد‬
‫الفريق الثاني جميع التزاماته تجاه الفريق الول نهائيا‪.‬‬
‫‪ -9‬ا( يقر الفريقان الثاني والثالث ان القيود في دفاتر الشركة وحسابتها‪،‬‬
‫تعتبر صحيحة وتعتبر بينة قاطعة لثبات المبالغ المستحقة‪.‬‬
‫ب( على الفريق الثاني ان يدقق كل نسخة من الشعارات او الكتب التي‬
‫تسلم او ترسل لهم من الشركة وعليهم ان يقدموا مطالعاتهم )ان وجدت(‬
‫عليها خطيا الى الشركة خلل خمسة عشر يوما من تاريخ تسليمها او ارسالها‬
‫من قبل الشركة كما هو الحال وان التفاصيل الواردة في الشعارات او‬
‫الكتب المشار اليها اعله والتي ل تتسلم الشركة مطالعات الزبائن الخطية‬
‫عليها خلل المدة المذكورة اعله تعتبر صحيحة ومصادق عليها من قبل‬
‫الزبائن‪.‬‬
‫‪ -10‬في حالة توقيع هذا العقد من قبل أكثر من شخص واحد‪ ،‬بصفة فريق‬
‫ثان او فريق ثالث‪ ،‬يكون جميع الموقعين مسؤولين‪ ،‬بالتضامن والتكافل‪،‬‬
‫منفردين ومجتمعين وبصفاتهم الشخصية‪ ،‬تجاه الفريق الول عن تسديد‬
‫المبالغ المطلوبة له بموجب هذا العقد‪.‬‬
‫‪ -11‬يوافق الفريق الثالث على ال يتقيد الفريق الول بأي نص قانوني أو أي‬
‫تشريع قد يوجب على الفريق الول الدعاء ضد الفريق الثاني قبل الفريق‬
‫الثالث‪ ،‬ويصرح الفريق الثالث بأنه يتنازل مقدما‪ ،‬عن وجوب تقديم ادعاء ضد‬
‫الفريق الثاني على الدعاء ضده‪.‬‬
‫‪ -12‬اذا كان الفريق الثاني شركة او شخصا اعتباريًا‪ ،‬فإن كفالة الفريق‬
‫الثالث تبقى نافذة المفعول‪ ،‬باعتبارها كفالة دائمة مستمرة‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫أي تغيير او تعديل في عقد الشركة او الشخص العتباري نظامها او اسمها او‬
‫اعضائها او افرادها‪.‬‬
‫الفريق الثالث ‪ ... ... ...‬الفريق الثاني‬
‫)الكفيل( ‪ ... ... ... ...‬ال مر بالشراء(‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫‪ -13‬مع مراعاة ما جاء في البند رقم )‪ (13‬ادناه فإن كل طلب او اخطار او‬
‫اشعار‪ ،‬يرغب الفريق الول في تبليغه الى الفريق الثاني او الثالث‪ ،‬او كليهما‬
‫معا‪ ،‬بشأن أي أمر يتعلق بهذا العقد يعتبر أنه قد بلغ إلى الفريق الثاني أو‬
‫الثالث أو كليهما معًا‪ .‬اذا أرسل بالبريد العادي‪ ،‬او سلم باليد الى العنوان‬
‫الذي اختاره الفريق الثاني او الثالث‪ ،‬حسبما ذكر في البند رقم )‪-15‬أ( ادناه‪،‬‬
‫او الى آخر عنوان معروف لدى الفريق الول‪ ،‬وكذلك كل طلب او اخطار او‬
‫اشعار يرسله الفريق الول الى الفريق الثاني او الثالث‪ ،‬او الى أي فرد من‬
‫الفراد الذين يكونون الفريق الثاني او الثالث‪ ،‬وفي حالة تعدد الفراد في كل‬
‫فريق‪ ،‬يعتبر انه ارسل لجميعهم‪ ،‬ولكل واحد منهم‪.‬‬
‫‪ -14‬يعفي الفريق الثالث الفريق الول من ان يوجه اليه أي بلغ او اشعار او‬
‫خطاب‪ ،‬ينشأ عن هذا العقد ما عدا الشعار الذي بموجبه يطلب اليه ان يقوم‬
‫بما تعهد به‪ ،‬بموجب هذا العقد‪.‬‬
‫‪ -15‬يصرح الفريقان الثاني والثالث بغية تنفيذ ما الزما نفسيهما به بموجب‬
‫هذا العقد‪.‬‬
‫أ‪ -‬ان الفريق الثاني يختار عنوانه للتبليغ ومحل اقامته في‪.( ) :‬‬
‫وان الفريق الثالث يختار عنوانه للتبليغ ومحل اقامته في‪.( ) :‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬وان تبليغهما على هذين العنوانين يعتبر تبليغا صحيحا‪ ،‬وانهما يخضعان‬
‫للقوانين والنظمة السائدة‪ ،‬لجل تسديد كل التزام يكونان ملتزمين به‬
‫للفريق الول‪ ،‬لي سبب كان ويسقطان حقوقهما مقدما في اثارة أي دفع‬
‫يتعلق بعدم الصلحية‪ ،‬بالستناد الى كون محل اقامتهما‪ ،‬او مسكنهما‪ ،‬في‬
‫مكان آخر‪.‬‬
‫ب‪ -‬انهما يوافقان مقدما‪ ،‬رغم كل ما جاء في الفقرة السابقة‪ ،‬على أية‬
‫محكمة تكون ذات صلحية يختارها الفريق الول‪ ،‬للفصل في أي نزاع او‬
‫ادعاء ينشأ عن هذا العقد‪ ،‬ويسقطان حقوقهما مقدما بالعتراض على‬
‫صلحية المحكمة ذات الختصاص‪ ،‬التي يختارها الفريق الول‪.‬‬
‫ج‪ -‬انهما يوافقان على ان يكون للفريق الول‪ ،‬الحق في ان ينفذ ضدهما‪،‬‬
‫مجتمعين ومنفردين‪ ،‬كل حكم او قرار يصدر لمصلحته‪ ،‬اما على جميع‬
‫ممتلكاتهما او ممتلكات أي واحد منهما المنقولة وغير المنقولة معا‪ ،‬واما على‬
‫كل من هذه الممتلكات المذكورة على حدة‪ ،‬وفقا لختياره المطلق‪ ،‬دون ان‬
‫يتبع في ذلك أي ترتيب بينهما‪ ،‬حتى ولو كان القانون ينص على مثل هذا‬
‫الترتيب اذ انهما يسقطان حقوقهما مقدما‪ ،‬في اثارة أي اعتراض كان بهذا‬
‫الخصوص‪.‬‬
‫‪ -16‬اذا تم التفاق على هذا العقد‪ ،‬من اجل تمويل اعمال او تعهدات او‬
‫التزامات‪ ،‬يقوم بها الفريق الثاني لمصحلة الدوائر الرسمية او الفراد ‪ ،‬فإن‬
‫الفريق الثاني يتعهد بتحويل كافة حقوقه في هذه اللتزامات الى الفريق‬
‫الول‪ ،‬والتنازل عنها له ضمانا لهذا العقد‪ ،‬ويتعهد بالتوقيع على كافة‬
‫المعاملت الرسمية والقانونية‪ ،‬التي يطلب الفريق الول منه توقيعها‪ ،‬وفقا‬
‫للشروط الخاصة التي يضعها الفريق الول لهذه الغاية‪ ،‬وتعتبر هذه‬
‫المستندات جزءا من هذا العقد متمما له‪ ،‬ول يحق للفريق الثاني ان يتصرف‬
‫فيها‪ ،‬أو بأي جزء منها بدون موافقة الفريق الول الخطية‪ ،‬وقبل تسديد قيمة‬
‫التزاماته نهائيا‪.‬‬
‫‪ -17‬يصرح الفرقاء الثلثة انهم بعد دراسة بنود هذا العقد وتدقيق جميع‬
‫شروطه‪ ،‬فإنهم يقرون ان هذا العقد ل تتعارض شروطه مع احكام الشريعة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫‪ -18‬حرر هذا العقد على نسختين اصليتين موقعتين من قبل الفرقاء الثلثة‪،‬‬
‫بارادة حرة خالية من العيوب الشرعية والقانونية اليوم ‪ ، ... ...‬الموافق ‪/ /‬‬
‫م‪ .‬ويسقط الفريق الثاني حقه في الدعاء بكذب القرار و‪ /‬أو أي دفع شكلي‬
‫و‪/‬أو موضوعي‪ ،‬ضد ما جاء في هذا العقد‪.‬‬
‫الفريق الثالث ‪ ...‬الفريق الثاني ‪ ... ...‬الفريق الول‬
‫)الكفيل( ‪) ...‬المر بالشراء( ‪ ...‬شركة بيت المال الفلسطيني العربي‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬تبيع الشركة السلعة الى المر بالشراء إلى أجل ‪ 12‬شهرا ً او ‪24‬‬
‫شهرا ً ويتم التوقيع على الكمبيالت المستحقة الدفع في مواعيد محددة يتم‬
‫التفاق عليها بين الشركة والمر بالشراء‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬نص نموذج عقد بيع المرابحة في الشركة على ان المر بالشراء يقدم‬
‫ضمانات للشركة متفق عليها بين الفريقين‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬تطلب الشركة ايضا من المر بالشراء كفلء ثلثة أو اثنان من‬
‫الشخاص المعروفين بالصدق والمانة ولديهم المقدرة المالية كالتجار مثل‬
‫ويوقع الكفلء النموذج التالي للكفالة‪:‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صدق الله العظيم‬


‫)سورة المائدة‪ /‬الية رقم ‪(1‬‬
‫القسم الول ‪ -‬الشروط العام للتعامل‬
‫القسم الثاني‪ -‬الكفالة المطلقة‬
‫الى السادة‬
‫شركة بيت المال الفلسطيني العربي‬
‫فرع) ‪( ... ...‬‬
‫الرقم المتسلسل‪:‬‬
‫اسم العميل‪( ... ... ... ) :‬‬
‫القسم الول‬
‫الشروط العامة للتعامل‬

‫)‪(26 /‬‬

‫‪ ...‬لما كانت شركة بيت المال الفلسطيني العربي المساهمة المحدودة تعمل‬
‫بصفتها شركة متخصصة في التعامل دون ربا‪ ،‬فان الموقعين أدناه يشهدون‬
‫الله على صدق نواياهم للتعامل مع هذه الشركة المتخصصة على اساس‬
‫التعامل الشرعي الحلل‪ ،‬وحسب الوسائل الشرعية المطبقة في تعاملها مع‬
‫الغير‪.‬‬
‫‪ ...‬وبناء على هذا التوجه الخالص للتعامل الشرعي الحلل‪ ،‬وتثبيتا لما تم وما‬
‫سيتم بيننا من معاملت‪ ،‬فاننا نقر لكم بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إيفاء بالغايات المصودة في هذه الشروط‪ ،‬وبالضافة إلى ما ورد في‬
‫المقدمة أعله يكون للكلمات والمصطلحات التية المعاني المبينة أدناه‪ ،‬إل‬
‫إذا دلت القرينة على خلف ذلك‪-:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬تشمل كلمة )الشركة( مركز شركة بيت المال الفلسطيني العربي‬
‫المساهمة المحدودة‪ ،‬أو أي فرع من فروعها‪ ،‬او كليهما معا‪.‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬تعني عبارة )التمويل بالمضاربة( تقديم الشركة النقد اللزم ‪ -‬كليا أو‬
‫جزئيا ‪ -‬لتمويل عملية محددة يقوم فيها شخص آخر أو اشخاص أو شركة أو‬
‫أي جسم معنوي آخر‪ ،‬وذلك على أسياس المشاركة ‪ -‬ربحا أو خسارة ‪-‬‬
‫حسب الراء الفقهية المعتمدة‪.‬‬
‫‪ ...‬ت‪ -‬تعني عبارة )المشاركة المتناقصة( دخول الشركة بصفتها شريك‬
‫ممول ‪ -‬كليا أو جزئيا‪ -‬في مشروع ذي دخل متوقع‪ ،‬وذلك على اساس التفاق‬
‫مع الشريك الخر بحصول الشركة على حصة نسبية من صافي الدخل‬
‫ل‪ ،‬مع حقه في الحتفاظ بالجزء المتبقي‪ -‬أو أي قدر منه يتفق‬ ‫المتحقق فع ً‬
‫عليه ‪ -‬ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمته الشركة من تمويل‪.‬‬
‫‪ ...‬ث‪ -‬تعني عبارة )بيع المرابحة للمر بالشراء( قيام الشركة بتنفيذ طلب‬
‫المتعاقد معه على أساس شراء الول ما يطلبه الثاني بالنقد الذي تدفعه‬
‫الشركة ‪ -‬كليا او جزئيا‪ -‬وذلك في مقابل التزام المر بشراء ما أمر به‪،‬‬
‫وحسب الربح المتفق عليه عند البتداء‪.‬‬
‫ج‪ -‬تشمل كلمة )المصاريف( جميع النفقات التي تتكبدها الشركة في كل ما‬
‫يتعلق بتنفيذ أية معاملة من المعاملت الواردة في البند )‪ (1‬من هذه‬
‫الشروط‪ ،‬وجميع الرسوم على اختلف أنواعها‪ ،‬وفرق العملة‪ ،‬وعمولة‬
‫العملء‪ ،‬وأتعاب المحاماة‪ ،‬والمحكمين والخبراء‪ ،‬وما يتبعها من مصاريف سفر‬
‫وإقامة‪ ،‬وترجمة أوراق‪ ،‬ونسخها‪ ،‬وطبعها‪ ،‬وتصويرها‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬تعتبر مقدمة هذه الشروط جزءا ً متمما لها‪.‬‬


‫‪ -3‬تشمل أحكام هذه الشروط جميع أشكال التعامل القائمة مع الشركة‬
‫سواء فيما سبق إجراؤه من معاملت أو ما سيتم اجراؤه مع الشركة في أي‬
‫مجال من مجالت التعامل الواردة في البند)‪ (1‬من هذه الشروط‪ .‬ويشمل‬
‫ذلك على سبيل المثال ل الحصر ‪ -‬جميع أشكال التعامل في التمويل‬
‫بالمضاربة‪ ،‬والمشاركة المتناقصة‪ ،‬وبيع المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫‪ -4‬إننا نتعامل مع الشركة من منطلق التعامل الحلل‪ ،‬وبالنوايا الحسنة التي‬
‫نشهد الله على صدقنا في العمل على اساسها‪ ،‬وإننا نتحمل جميع ما يترتب‬
‫علينا من مسئولية ناشئة عن أي تعد أو تقصير أو إساءة للمانة‪ ،‬أو مخالفة‬
‫للشروط المتفق عليها مع الشركة )صراحة او ضمنا( حيث يحق للشركة ان‬
‫تعود علينا‪ ،‬مجتمعين ومنفردين‪ ،‬بكل ما يترتب لها نتيجة قيام أي سبب‬
‫موجب للضمان شرعا‪.‬‬
‫‪ -5‬من المتفق عليه بيننا‪ ،‬أنه يحق للشركة وقف العمل بأية معاملة من‬
‫المعاملت الواردة في البند )‪ (1‬من هذه الشروط‪ ،‬اذا تبين لها ‪ -‬حسب رأيها‬
‫المطلق ‪ -‬عدم جدوى الستمرار في التمويل و‪ /‬أو اذا حصلت أية مخالفة لي‬
‫شرط من شروط التعامل و‪ /‬أو إذا حصل أي تخلف عن القيام بأي التزام من‬
‫اللتزامات المترتبة علينا و‪ /‬أو إذا تبين للشركة أن اية معاملة من المعاملت‬
‫المشار إليها أعله إستغلت و‪ /‬أو بارادتها المنفردة دون أن تكون الشركة‬
‫ملزمة ببيان السباب‪ ،‬وذلك دون الحاجة الى ضرورة ‪/‬ابلغنا أي اخطار أو‬
‫تنبيه أو إشعار أو إنذار عدلي أو مراجعة قضائية أو أي إجراء قانوني أو‬
‫قضائي آخر مهما كان نوعه‪.‬‬
‫‪ -6‬نوافق على عدم إعتبار الشركة وفروعها مسئولين أو ملزمين عن أي‬
‫عطل وضرر قد يصيبنا في حالة تعطيل الشركة أو توقفها عن العمل سواء‬
‫أكان ذلك بقرار من سلطة عامة أو بسبب الحرب أو الحوادث العامة‪ ،‬أو لية‬
‫أسباب أخرى سواء كانت تشكل قوة قاهرة و‪/‬أو ظروفا طارئة أو لية اسباب‬
‫اخرى‪.‬‬
‫‪ -7‬نصرح بأن الشركة وفروعها غير مسئولين عن أي تلف أو ضياع قد يحدث‬
‫نتيجة تأخير أو ضياع البرقيات أو التلكس أو الرسائل المرسلة بواسطة‬
‫الفاكس او التحارير أو غيرها من المستندات‪ ،‬أو بسبب خطا في نقلها‪ ،‬أو‬
‫تفسيرها‪ ،‬أو ترجمتها‪ ،‬أو بسبب تعليمات شركات التأمين أو الشحن‪ ،‬أو‬
‫بسبب أي بند من البنود‪ ،‬أو الشروط‪ ،‬أو التحفظات الوارد ذكرها طباعة او‬
‫كتابة في أي مستند من المستندات‪ .‬كما أن الشركة وفروعها غير مسئولين‬
‫عما قد يحدث من خطا أو حذف أو سهو مهما كان نوعه‪ ،‬مما له علقة بأية‬
‫معاملة‪.‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫‪ -8‬نصرح بأن الشركة وفروعها غير مسئولين عن ضياع أي مستند أو اية‬


‫أوراق او عن أي أمر يتعلق بإكتمال أية مستندات أو أوراق‪ ،‬وصحتها‪،‬‬
‫وحقيقتها‪ ،‬وتأثيرها القانوني‪ ،‬وتزويرها‪ ،‬وتحريفها‪ ،‬وتظهيرها وسريان مفعولها‬
‫أو عدمه وكذلك ل تكون الشركة وفروعها مسئولين عن أوصاف البضائع‬
‫المبينة في المستندات‪ ،‬وكميتها‪ ،‬ووزنها‪ ،‬وقيمتها‪ ،‬وحالتها‪ ،‬وتعبئتها‪ ،‬وتسلمها‪،‬‬
‫ومخالفتها لشروط التعامل مع الشركة‪ ،‬وعن حسن نية المصدر أو أي شخص‬
‫كائنا من كان‪ ،‬وتصرفاتهم‪ ،‬وعن إقتدارهم أو إقتدار ناقلي البضائع ومؤمنيها‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الدفع أو عدمه والخطاء الصادرة من قبلهم أو من قبل شاحني البضائع‬


‫او ناقليها سواء تم ذلك عن تعمد او نتيجة خطأ تقصيري‪.‬‬
‫‪ ...‬كما أننا نتعهد ونقبل ان ل نثير أي إدعاء ضد الشركة وفروعها فيما يتعلق‬
‫بأي خطأ أو مخالفة أو نقص أو ما شابه ذلك مما ذكر أعله‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫من المستندات أو في البضائع أو في أية معاملة أخرى‪ ،‬والذي من شأنه أن‬
‫يؤدي الى تأجيل او رفض إعادة الدفع للشركة أو التوقف عنه‪ ،‬أو أن يؤدي‬
‫الى تعديل إرتباطنا مع الشركة بأي شكل إما قبل الدفع أو بعده‪.‬‬
‫‪ -9‬نفوض بأن تدفع الشركة إذا رغبت )دون أن تكون ملزمة بذلك( أي مبلغ‬
‫تراه الشركة ضروريا لتنفيذ أي التزام مترتب بذمتنا‪ ،‬ونتعهد بأن نسدد‬
‫للشركة عند الطلب قيمة جميع هذه المبالغ التي تكون قد صرفتها لهذه‬
‫الغاية‪.‬‬
‫‪ -10‬في حالة أن يطرأ أي تغيير بسبب حدوث حرب أو حوادث طارئة أو حتى‬
‫في الحوال العادية أو لي سبب آخر مهما كان نوعه فاننا نتعهد بأن ندفع‬
‫للشركة عند طلبها أو عند تقديمها المستندات لنا جميع المصاريف التي‬
‫دفعتها الشركة ونسقط كل حق لنا في أي اعتراض أو إدعاء مهما كان نوعه‪.‬‬
‫‪ -11‬نتعهد بوفاء جميع اللتزامات المترتبة بذمتنا تجاه الشركة عند‬
‫الستحقاق او عند طلب الشركة لي سبب كان وذلك دون أن تكون الشركة‬
‫ملزمة ببيان السباب الداعية لذلك‪ ،‬واذا استحق أي التزام ولم يدفع لي‬
‫سبب كان‪ ،‬تصبح جميع التزاماتنا تجاه الشركة مستحقة دفعة واحدة ولو لم‬
‫يحل أجل استحقاقها‪.‬‬
‫‪ -12‬نتعهد بأن ندفع نقدا عند أول طلب من الشركة مبلغا موازيا لمطلوبها‬
‫بموجب أي بند من بنود هذه الشروط‪.‬‬
‫‪ -13‬يشترط في حالة حلول أجل اللتزامات المترتبة في ذمتنا الى الشركة‪،‬‬
‫وامتناعنا عن الوفاء‪ ،‬يحق للشركة ان تطالبنا بما لحقها من ضرر ناشيء‪،‬‬
‫و‪/‬أو متعلق بواقعه امتناعنا عن الوفاء‪ ،‬في مدة المماطلة‪ ،‬وفي حالة عدم‬
‫اتفاقنا على تقدير الضرر‪ ،‬تحال مطالبة الشركة الى المحاكم النظامية لتقرير‬
‫قيمة الضرر‪.‬‬
‫توقيع العميل‪ ... ... ... ... ... :‬توقيع الكفيل‪:‬‬
‫‪ -14‬نصرح بغية تنفيذ ما تعهدنا به بموجب هذه الشروط بما يلي‪:‬‬
‫‪ ...‬أ‪ -‬اننا نوافق مقدما على أية محكمة تكون ذات صلحية تختارها الشركة‬
‫للفصل في أي نزاع او ادعاء ناشيء و‪ /‬أو متعلق بهذه الشروط‪ ،‬ونسقط‬
‫حقنا مقدما في العتراض على صلحية المحكمة ذات الختصاص التي‬
‫تختارها الشركة‪.‬‬
‫‪ ...‬ب‪ -‬إننا نوافق على ان يكون للشركة الحق في أن تنفذ ضدنا‪ ،‬مجتمعين‬
‫ومنفردين‪ ،‬كل حكم أو قرار يصدر لمصلحة الشركة‪ ،‬أما على جميع ممتلكاتنا‬
‫او ممتلكات أي واحد منا المنقولة وغير المنقولة معا‪ ،‬وإما على كل من هذه‬
‫الممتلكات المذكورة على حدة‪ ،‬وفقا لختيار الشركة المطلق‪ ،‬دون أن يتبع‬
‫في ذلك أي ترتيب‪ ،‬حتى ولو أن القانون ينص على مثل هذا الترتيب ‪ ،‬إذ اننا‬
‫نسقط حقنا مقدما في إثارة أي إعتراض بهذا الخصوص‪.‬‬
‫القسم الثاني‬
‫الكفالة المطلقة‬
‫نصرح بموجب هذه الكفالة ‪-‬وبدون تحفظ ‪ -‬بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬تكون كفالتنا للمكفول الموقع أدناه عامة مطلقة‪ ،‬وعلى وجه التكافل‬
‫والتضامن‪ ،‬في كل ما يتعلق بالتزامات المكفول تجاه الشركة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2 ...‬نقر أن كفالتنا هذه تعتبر كفالة قائمة بذاتها‪ ،‬ول يمكن أن تؤثر في أو‬
‫تتأثر بأية تأمينات أو كفالت اخرى قائمة تجاه الشركة حاليا او مما يمكنه أن‬
‫يحصل عليها مستقبل‪.‬‬
‫‪ -3‬نقر أن كفالتنا هذه تبقى سارية المفعول‪ ،‬وملزمة لنا‪ ،‬في حالة منح‬
‫الشركة للمكفول أي تسامح أو إمهال في تسديد قيمة أي إلتزام أو في حالة‬
‫تجديد أو تمديد الكفالة‪.‬‬
‫‪ -4‬نقر بان دفاتر الشركة وحساباتها‪ ،‬تعتبر بينة قاطعة لثبات المبالغ‬
‫المستحقة‪ ،‬أو التي تستحق على المكفول تجاه الشركة بموجب أي إلتزام مع‬
‫ما يلحقها من عمولت ومصاريف وغيره‪ ،‬ونصرح بأن قيود الشركة وحساباتها‬
‫هي نهائية وصحيحة‪ ،‬ول يحق لنا العتراض عليها‪.‬‬
‫‪ ...‬كما أننا نتنازل مقدما عن أي حق قانوني‪ ،‬يجيز لنا طلب تدقيق حسابات‬
‫الشركة وقيودها‪ ،‬من قبل أي محكمة ‪ ،‬أو إبراز دفاترها‪ ،‬أو قيودها فيها‪.‬‬
‫‪ ...‬وتعتمد الكشوفات المنسوخة عن تلك الدفاتر والحسابات‪ ،‬والتي يصادق‬
‫المفوضون بالتوقيع عن الشركة على مطابقتها للصل‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬نوافق على ال تتقيد الشركة باي نص قانوني قد يوجب على الشركة‬
‫الدعاء ضد المكفول قبلنا‪.‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫‪ ...‬ونصرح بأننا نتنازل مقدما عن حق تقديم الدعاء ضد المكفول قبل الدعاء‬


‫ضدنا‪ ،‬وأن مطالبة الشركة للمكفول أو لنا‪ ،‬ل تسقط حق الشركة في مطالبة‬
‫الخر‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬إذا كان المكفول "شركة" فان كفالتنا هذه تبقى نافذة المفعول‬
‫ككفالة دائمة مستمرة‪ ،‬بغض النظر عن أي تغيير أو تعديل في عقد الشركة‬
‫أو نظامها أو اسمها أو اعضائها أو أفرادها أو تصفيتها اختياريا او قضائيا‪.‬‬
‫‪ -7 ...‬تبقى هذه الكفالة قائمة ومستمرة حتى الوفاء التام بكل اللتزامات‬
‫المترتبة في ذمة المكفول وبإبراء الشركة المكفول خطيا ً من أي التزام‬
‫مترتب في ذمته‪.‬‬
‫اليوم ‪ ... ...‬الموافق ‪ / /‬م‪.‬‬
‫اسم العميل‪ ... ... ... :‬اسم الكفيل‪:‬‬
‫توقيع العميل‪ ... ... ... :‬توقيع الكفيل‪:‬‬
‫‪... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...‬‬
‫أهمية بيع المرابحة لللمر بالشراء لدى الشركة‪:‬‬
‫‪ ...‬يعتبر بيع المرابحة للمر بالشراء من أهم مجالت الستثمار التي تمارسها‬
‫الشركة وقد بلغت حصة بيع المرابحة للمر بالشراء ‪ %89,6‬من إجمالي‬
‫التمويل في الستثمارات شملت تغطية العديد من النشطة القتصادية والتي‬
‫يمكن توضيحها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ...‬إلتزاما ً بمبدأ الشركة بالعمل بالسلوب الحلل فقد قامت بتوظيف أموالها‬
‫وتشغيلها وفقا لهذا السلوب سواء عن طريق التمويل بالمضاربة أو‬
‫المشاركة بنوعيها الدائمة والمتناقصة أو بيع المرابحة للمر بالشراء وقد‬
‫خصصت الشركة ما نسبته ‪ %40‬من أموالها لتمويل عمليات المرابحة‬
‫والمشاركة حيث بلغ حجم التمويل خلل السنة )‪ (1995‬مبلغ ‪1,741,035‬‬
‫دينارا وفيما يلي مزيدا ً من التوضيح لهذا التمويل‪:‬‬
‫التمويل بالمرابحة ‪1,560,588 ... ...‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التمويل بالمشاركة الدائمة ‪60,071 ...‬‬


‫التمويل بالمشاركة المتناقصة ‪.120,376 ...‬‬
‫‪ ...‬وقد بلغت المرابحات ما نسبته ‪ %89,6‬من اجمالي التمويل في‬
‫لقتصادية والتي يمكن‬ ‫الستثمارات شملت تغطية العديد من النشطة ا ٌ‬
‫توضيحها فيما يلي‪:‬‬
‫البيان ‪ ...‬الجمالي ‪ ...‬الضفة ‪ ...‬غزة‬
‫التجارة ‪ 372,617 ...‬دينار ‪ 340,904 ...‬دينار ‪ 31,713 ...‬دينار‬
‫السيارات والمعدات ‪ 563,306 ...‬دينار ‪ 549,805 ...‬دينار ‪13,501 ...‬‬
‫دينار‬
‫المباني والعقارات ‪ 624,665 ...‬دينار ‪ 400,185 ...‬دينار ‪224,480 ...‬‬
‫دينار‬
‫الجمالي ‪ 1,560,588 ...‬دينار ‪ 1,290,894 ...‬دينار ‪ 269,694 ...‬دينار‬
‫وقد بلغت أرباح عمليات المرابحة خلل عام ‪ 1995‬مبلغ ‪206,854‬دينارا ً وقد‬
‫اعتبرت الرباح كاملة في حساب السنة المالية ‪ 1995‬باعتبار أن عمليات‬
‫الشراء والبيع تمت في نفس العام ولن الشركة ل تتقاضى زيادة في الرباح‬
‫عند التأخير في السداد)‪.(1‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬التقرير السنوي الول لشركة بيت المال ‪1416‬هـ ‪ 1995‬ص ‪.11‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫شبهات حول تطبيق المرابحة‬
‫الشبهة الولى‪ :‬حساب الربح بالنسبة المئوية‪:‬‬
‫‪ ...‬ظن كثير من الناس أن حساب الربح بالنسبة المئوية من باب الربا ويعود‬
‫هذا الظن لتعامل الناس مع البنوك الربوية التي تحسب فوائدها بالنسبة‬
‫المئوية كأن يقترض شخص من البنك الربوي الف دينار لمدة سنة فيقال له‬
‫إن عليك فائدة بنسبة ‪ %15‬مثل‪.‬‬
‫‪ ...‬وفي الحقيقة والواقع ان حساب المصارف السلمية والشركات السلمية‬
‫ومنها شركة بيت المال لرباحها بالنسبة المئوية ليس له علقة بالربا ول‬
‫بمعدلت الفائدة )الربا( التي تتعامل بها البنوك الربوية وتوضيح ذلك أن‬
‫الفقهاء ذكروا من صور المرابحة الصورتين التاليتين‪:‬‬
‫‪ ...‬الصورة الولى‪ :‬أن يقول البائع لمن يرغب في الشراء رأس مالي في‬
‫هذه السلعة مئة بعتك بها وربح عشرة‪.‬‬
‫‪ ...‬قال ابن قدامة‪) :‬فهذا جائز لخلف في صحته ول نعلم فيه عند أحد‬
‫كراهة()‪.(1‬‬
‫‪ ...‬ونلحظ أن البائع في هذه الصورة قد جعل نسبة ربحه ‪ %10‬جملة واحدة‪.‬‬
‫‪ ...‬الصورة الثانية‪ :‬أن يقول البائع بعتك برأس مالي وهو مئة واربح في كل‬
‫عشرة درهمًا‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المغني ‪.4/136‬‬
‫‪ ...‬قال ابن قدامة عن هذه الصورة‪) :‬فقد كرهه أحمد وقد رويت كراهته عن‬
‫ابن عمر وابن عباس ومسروق والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء‪.‬‬
‫‪ ...‬وقال اسحق‪ :‬ل يجوز لن الثمن مجهول حال العقد فلم يجز كما لو باعه‬
‫بما يخرج به في الحساب‪.‬‬
‫‪ ...‬ورخص فيه سعيد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري‬
‫والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬ولن رأس المال معلوم فأشبه ما لو قال‪ :‬وربح عشرة دراهم‪.(1)(..‬‬


‫‪ ...‬ثم بين ابن قدامة ان البيع صحيح وكراهة بعض الصحابة له كراهة تنزيه‬
‫لنه كان من بيوع العجم‪.‬‬
‫‪ ...‬إن هذا البيع صحيح ول شيء فيه لن الثمن معلوم والربح معلوم وحسابه‬
‫بالنسبة المئوية مجرد عملية حسابية ل شيء فيها والتجار يحسبون أرباحهم‬
‫بالنسبة المئوية‪.‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫‪ ...‬وهذه النسبة ل علقة لها بالفائدة الربوية ألتي تتقاضاها البنوك وهناك‬
‫فرق واضح بينهما وان اتفقتا في الصورة وبيان ذلك‪:‬‬
‫‪ ...‬تاجر اشترى ثلجة بألف دينار فباعها بألف ومئة دينار فهذا التاجر زاد على‬
‫رأس ماله نسبة مئوية هي ‪.%10‬‬
‫ً‬
‫‪ ...‬وهذه الزيادة تسمى عند الفقهاء ربحا وهو شيء حلل بينما البنك الربوي‬
‫يقرض شخصا ً ألف دينار ويفرض عليه فائدة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المغني ‪.4/136‬‬
‫‪ 10%‬فهذه نسبة مئوية وقد زاد البنك رأس ماله ‪ %10‬وهذه المسماة فائدة‬
‫وهي محرمة شرعًا‪.‬‬
‫‪ ...‬فهاتان الحالتان وإن اتفقتا في الصورة ولكنهما مختلفتان في الحكم ‪.‬‬
‫فالولى ربح حلل والثانية ربا حرام‪.‬‬
‫‪ ...‬فالتاجر زاد ماله بطريق حلل‪ .‬والبنك الربوي زاد ماله بطريق حرام‪.‬‬
‫‪ ...‬ومن جانب آخر فهنالك فرق بين ما يتبعه المصرف السلمي وما يطبقه‬
‫البنك الربوي فيما يتعلق بالعتماد على النسبة المئوية أما البنك السلمي‬
‫فإنه يتفق ابتداء مع المشتري على نسبة الربح بناء على مدة الجل الذي‬
‫يسدد فيه الثمن فإذا تم التفاق على نسبة معينة فإنه ل يجوز للمصرف‬
‫السلمي ان يزيد عليها شيئا حتى لو أعسر المشتري لنه قد حصل اتفاق‬
‫بينهما على الثمن والربح فل تغيير عليهما بعد هذا التفاق‪.‬‬
‫‪ ...‬أما البنك الربوي فإنه يحدد أرباحه بالنسبة المئوية بناء على مدة الجل‬
‫الذي يسدد فيه القرض ولكن هذه النسبة ليست ثابتة كما في المصرف‬
‫السلمي وذلك لن العميل إن تأخر عن دفع المطلوب في الزمن المحدد‬
‫للدفع فإن البنك يتقاضى زيادة في مقدار الفائدة كلما تأخر العميل عن‬
‫الدفع)‪.(1‬‬
‫‪ ...‬وبهذا يظهر لنا‪) :‬أن اعتماد النسبة ل شيء فيه شرعا ً وليس فيه حرام‬
‫على المتعامل فيه ول علقة له بالفائدة التي تتعاطاها البنوك الربوية()‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة ‪ .‬احمد ملحم ص ‪.177‬‬
‫‪ -2‬احكام العقود والبيوع في الفقه السلمي‪ .‬الشيخ عبد الحميد السائح ص‬
‫‪.21‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬زيادة الثمن مقابل الجل‪:‬‬
‫‪ ...‬من المعلوم أن بيع المرابحة للمر بالشراء كما تتعامل به المصارف‬
‫السلمية والشركات السلمية يتضمن البيع الى أجل أو بيع التقسيط وكذلك‬
‫الحال بالنسبة لشركة بيت المال الفلسطيني العربي حيث إن الشركة‬
‫تشتري السلعة التي يحددها المر بالشراء ثم تبيعها له على أقساط مؤجلة‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد ظن كثير من الناس أن وجود فرق في السعر بين البيع بثمن حال والبيع‬
‫الى أجل بسعر أعلى من الول يعتبر من باب الربا المحرم‪.‬‬
‫‪ ...‬ولدفع هذه الشبهة ل بد من تفصيل القول في حكم زيادة الثمن مقابل‬
‫الجل وقد تعارف الناس على تسمية البيع الذي يشمل زيادة الثمن مقابل‬
‫الجل بيع التقسيط‪.‬‬
‫‪ ...‬وصورته أن يتفق البائع والمشتري على بيع سلعة ما بثمن معلوم يفرق‬
‫على أقساط معلومة ومن المعروف أن ثمن السلعة إذا بيعت بالتقسيط‬
‫يكون أعلى من ثمنها إذا بيعت حا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ ...‬وقد اختلف الفقهاء في حكم زيادة الثمن نظير الجل على قولين‪:‬‬
‫‪ ...‬القول الول‪ :‬تجوز الزيادة في الثمن نظير الجل وهذا مذهب جمهور‬
‫الفقهاء بما فيهم فقهاء المذاهب الربعة ونقل عن جماعة كبيرة من السلف‬
‫وبه قال كثير من العلماء المعاصرين)‪.(1‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬انظر تبيين الحقائق ‪ 4/87‬تكملة المجموع ‪ 13/6‬شرح الخرشي ‪6/44‬‬
‫المغني ‪ 4/177‬نيل الوطار ‪ 5/172‬مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكي‬
‫‪ 3/194‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪ 1‬ص ‪ 195‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ ...‬قال ابن قدامة‪) :‬وقد روي عن طاووس والحكم وحماد أنهم قالوا‪ :‬ل بأس‬
‫أن يقول‪ :‬أبيعك بالنقد كذا وبالنسيئة كذا فيذهب الى أحدهما‪.‬‬
‫‪ ...‬وهذا محمول على أنه جرى بينهما بعد ما يجري في العقد فكأن المشتري‬
‫قال‪ :‬أنا آخذه بالنسيئة كذا فقال ‪ :‬خذه‪ .‬أو رضيت ونحو ذلك‪ .‬فيكن عقدا ً‬
‫كافيا)‪.(1‬‬
‫‪ ...‬وقال شيخ السلم ابن تيمية في جوابه على سؤال حول البيع الى أجل‬
‫)‪ .....‬وإذا باعه إياه بالقيمة الى ذلك الجل فإن الجل يأخذ قسطا ً من الثمن(‬
‫)‪.(2‬‬
‫‪ ...‬وقال المام الترمذي صاحب السنن‪) :‬إذا قال البائع‪ :‬أبيعك هذا الثوب بنقد‬
‫عشرة وبنسيئة بعشرين فإذا فارقه على احدهما فل بأس إذا كانت العقدة‬
‫على واحد منهما()‪.(3‬‬
‫‪ ...‬وقد احتج الجمهور على قولهم بجواز زيادة الثمن مقابل الجل بأدلة كثيرة‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬قوله تعالى‪) :‬وأحل الله البيع وحرم الربا( )‪ (4‬وهذه االية الكريمة‬
‫عامة تشمل بعمومها البيع بثمنين أحدهما مؤجل أعلى من الخر‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المغني ‪.4/177‬‬
‫‪ -2‬مجموع فتاوى ابن تيمية ‪.29/499‬‬
‫‪ -3‬صحيح سنن الترمذي ‪.2/9‬‬
‫‪ -4‬سورة البقرة الية ‪.275‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫‪ -2 ...‬وقوله تعالى‪) :‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكم( )‪ (1‬قالوا إن من‬


‫أعمال التجارة البيع بالنسيئة ول بد من أن تكون له ثمرة وتلك الثمرة داخلة‬
‫في باب التجارة وليست داخلة في باب الربا والرضا ثابت لن البيع المؤجل‬
‫طريق من طرق ترويج التجارة)‪.(2‬‬
‫‪ -3 ...‬وقوله تعالى )يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاكتبوه( )‪ (3‬فالتقسيط في الثمن ل حرج فيه إذا كانت القساط معروفة‬


‫والجال معلومة للية)‪.(4‬‬
‫‪ -4 ...‬واحتجوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬جاءت‬
‫بريرة فقالت‪ :‬أني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينني‪(...‬‬
‫)‪.(5‬‬
‫‪ ...‬قال الشيخ ابن باز معلقا ً على هذا الحديث‪) :‬ولقصة بريرة الثابتة في‬
‫الصحيحين فإنها اشترت نفسها من سادتها بتسع أواق في كل عام أوقية‬
‫وهذا هو بيع التقسيط ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بل أقره ولم‬
‫ينه عنه ول فرق في ذلك بين كون الثمن مماثل ً لما تباع به السلعة نقدا ً أو‬
‫زائدا ً على ذلك بسبب الجل )‪.(6‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬سورة النساء الية ‪.29‬‬
‫‪ -2‬بيع التقسيط د‪ .‬ابراهيم الدبو مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪1‬ص‬
‫‪.229‬‬
‫‪ -3‬سورة البقرة‪ .‬الية ‪.282‬‬
‫‪ -4‬فتاوى اسلمية ‪.2/239‬‬
‫‪ -5‬رواه البخاري ومسلم إنظر صحيح البخاري مع الفتح ‪ 6/116‬صحيح مسلم‬
‫بشرح النووي ‪.4/112‬‬
‫‪ -6‬فتاوى اسلمية ‪.2/239‬‬
‫‪ -5 ...‬واحتجوا بما روي في الحديث عن عبد الله بن عمرو ان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا ً فنفذت البل فأمره أن يأخذ في‬
‫قلص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة()‪ ،(1‬فهذا الحديث‬
‫واضح الدللة على جواز أخذ زيادة على الثمن نظير الجل‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬واستدل الجمهور بالمعقول فقالوا‪ :‬إن الصل في الشياء والعقود‬
‫والشروط الباحة متى ما تمت برضا المتعاقدين الجائزي التصرف فيما تبايعا‪،‬‬
‫ال ما ورد عن الشرع ما يبطله‪ ،‬ولما لم يرد دليل قطعي على تحريم البيع‬
‫بالتقسيط‪ ،‬فيبقى على الصل وهو الباحة‪ ،‬ومن ادعى الحظر فعليه الدليل‪،‬‬
‫بل قد ورد العكس من ذلك فقد نص الشارع على الوفاء بالعهود والشروط‬
‫والمواثيق‪ ،‬وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأمورا ً به علم ان الصل‬
‫صحة العقود والشروط‪ ،‬إذ ل معنى للصحيح إل ما ترتب عليه أثره وحصل به‬
‫مقصوده‪ ،‬ومقصود العقد هو الوفاء به‪ ،‬فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود‬
‫العقود‪ ،‬دل على أن الصل فيها الصحة والباحة)‪.(2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬رواه ابو داود وأحمد والبيهقي‪ ،‬انظر عون المعبود ‪ ،148-9/147‬الفتح‬
‫الرباني ‪ ،81-15/80‬سنن البيهقي ‪ 288-5/287‬وقال البيهقي‪ :‬وله شاهد‬
‫صحيح وقال الساعاتي‪ :‬وقوى الحافظ إسناده إنظر المصدرين الخيرين‪.‬‬
‫‪ -2‬بيع التقسيط د‪ .‬ابراهيم الدبو مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.230‬‬
‫‪...‬‬
‫‪ ...‬القول الثاني‪ :‬ل تجوز الزيادة في الثمن نظير الجل والزيادة تعتبر من‬
‫باب الربا المحرم وبهذا قال زين العابدين بن بن علي بن الحسين والناصر‬
‫والمنصور من الهادوية والمام يحي)‪ .(1‬وبه قال ابو بكر الجصاص الحنفي)‬
‫‪ (2‬وهو قول جماعة من العلماء المعاصرين )‪.(3‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد احتج هذا الفريق بأدلة منها‪:‬‬


‫‪ -1 ...‬قوله تعالى )وأحل الله البيع وحرم الربا( )‪ (4‬فالية أفادت تحريم‬
‫البيوع التي يؤخذ فيها زيادة مقابل الجل لدخولها في عموم كلمة الربا وهي‬
‫تفيد الباحة في قوله تعالى )إل أن تكون تجارة عن تراض منكم( )‪ (5‬فإن‬
‫كل العقود الربوية مقيدة لهذه الباحة‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬واحتجوا بما ورد في الحديث عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا()‪ (6‬وفي‬
‫رواية اخرى )نهى النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن بيعتين في بيعة()‪.(7‬‬
‫ووجه الستشهاد بالحديث بأن يقول بعتك بألف نقدا ً أو الفين إلى سنة فخذ‬
‫أيهما شئت أنت وشئت أنا)‪.(8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬نيل الوطار ‪.5/172‬‬
‫‪ -2‬أحكام القرآن للجصاص ‪.187-2/186‬‬
‫‪ -3‬بيع المرابحة لحمد ملحم ص ‪ ،172‬حكم زيادة السعر في البيع بالنسيئة‬
‫شرعا‪ ،‬د‪ .‬نظام الدين عبد الحميد مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪1‬‬
‫ص ‪.367‬‬
‫‪ -4‬سورة البقرة الية ‪.275‬‬
‫‪ -5‬سورة النساء الية ‪.29‬‬
‫‪ -6‬رواه أبو داود‪ .‬انظر عون المعبود ‪ 9/238‬وهو حديث حسن كما قال‬
‫الشيخ اللباني إرواء الغليل ‪.5/150‬‬
‫‪ -7‬رواه الترمذي والنسائي وأحمد‪ .‬انظر‪ ،‬صحيح سنن الترمذي ‪ ،2/8‬صحيح‬
‫سنن النسائي ‪ 3/958‬وقال اللباني‪ :‬إسناد حسن‪ .‬إرواء الغليل ‪،5/149‬‬
‫الفتح الرباني ‪.15/45‬‬
‫‪ -8‬نيل الوطار ‪.5/172‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫‪ -3 ...‬قالوا ل فرق بين أخذ الزيادة لجل الجل في البيع أو القرض لن‬
‫كلهما زيادة مقابل الجل والزيادة في القرض ربا وكذلك في البيع)‪.(1‬‬
‫وقد أجاب الجمهور عن أدلة المانعين بمايلي‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬إن احتجاجهم بالية الولى )وحرم الربا( غير مسلم لن الزيادة ل يكاد‬
‫يخلو منها كل بيع‪ ،‬فالية على هذا تصبح مجملة في تعيين النواع المحظورة‪،‬‬
‫وقد بينتها السنة في الشياء الستة المنصوصة أو فيها وما ساواها في العلة‪،‬‬
‫والمسألة محل النزاع خارجة عن كل منهما‪.‬‬
‫‪ ...‬إن الزيادة المعتبرة ما كانت فرع الشتراك في المزيد كالصاع بالصاعين‪،‬‬
‫ول يتحقق في مختلف الجنس والتقدير‪.‬‬
‫‪ ...‬وأيضا ً ليس للسعر استقرار كالتقدير بالكيل والوزن لما فيه من التفاوت‬
‫بحسب الغلء والرخص والرغبة وعدمها وداعي الحاجة وعدمه‪ ،‬فعلى هذا ل‬
‫يصلح أصل ً ومناطا ً يرجع إليه في تعليق الحكم به‪.‬‬
‫‪ ...‬ان الزيادة المحظورة في مقابلة المدة انما منعها الشارع إذا كانت ابتداء‬
‫كما كان عليه أمر الجاهلية في قولهم‪) :‬إما أن تقضي وإما أن تربي(‪ .‬وأما إذا‬
‫كانت تابعة للعقد كما في مسألتنا هذه فهو من البيوع المباحة ولوزاد على‬
‫سعر يومه)‪.(2‬‬
‫‪ -2 ...‬وأما الجواب عن احتجاجهم بالية الثانية )إل أن تكون تجارة عن تراض‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منكم( فيقال‪ - :‬أن الرضا في البيع مدار‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المعاملت المصرفية والربوية ص ‪.125‬‬
‫‪ -2‬بيع التقسيط د‪ .‬أبراهيم الدبو مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.232‬‬
‫البحث أمر ل ينكر )وهو باعث عليه وبمثله ل يصير البائع مكرها واللزام مثله‬
‫في كل بيع وشراء(‪ ،‬إذ ل بد من حامل له كحاجة المشتري الى المبيع والبائع‬
‫الى الثمن‪.‬‬
‫‪ ...‬والفرق بين الباعث والمكره‪ ،‬أن الول أمر متعلق بما يوجبه العقد من‬
‫آثاره‪ ،‬والثاني أمر متعلق بالعقد فقط‪ ،‬إذ الكراه إنما يتحقق على العقد‬
‫والكراه معارض للباعث‪ ،‬فمتى غلبه صار مغيرا ً للختيار فيكون البيع ل عن‬
‫تراض فل حكم له)‪.(1‬‬
‫‪ -3 ...‬وأما الجواب عن استدللهم بحديث )نهى عن بيعتين في بيعة( فيقال‪:‬‬
‫إن معنى الحديث محمول على بيوع العينة ل على بيع الجل وذلك منعا ً‬
‫للتضارب بين السنن والثار‪ ،‬وبيع العينة حيلة ربوية تعتمد على جواز الفرق‬
‫بين الثمن المعجل والمؤجل ظاهرها البيع وباطنها القرض الربوي والسلعة‬
‫تدخل ثم تخرج وليست مرادة والدليل على أن المقصود بالحديث بيع العينة‬
‫هو أن البائع إذا قال إن كان لسنة فبكذا )‪ (110‬مثل ً وإن كان نقدا ً فبكذا )‬
‫ل( فهذا ليس من باب بيعتين في بيعة إنما‬ ‫‪100‬مث ً‬
‫هو ايجاب ثمنين من أجل أن تنعقد بعد ذلك بيعة واحدة على أحد الثمنين‪:‬‬
‫المؤجل أو المعجل)‪.(2‬‬
‫‪ -4 ...‬ويجاب عن قولهم بأن اخذ الزيادة لجل الجل رباكالزيادة في القرض‬
‫فيقال إن التبادل في القرض يقع بين الشيء ومثله مئة دينار بمئة دينارا مثل ً‬
‫أما في البيع بالثمن المؤجل فإن التبادل يقع على أشياء مختلفة هي السلعة‬
‫المبيعة بالثمن من النقود‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬بيع التقسيط د‪ .‬ابراهيم الدبو مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.233‬‬
‫‪ -2‬بيع التقسيط د‪ .‬رفيق المصري مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ص‬
‫‪.332-331‬‬
‫‪ ...‬كما أن الربح في القرض بالربا مضمون للمرابي على أي حال أما في‬
‫البيع فل لن السعار قابلة للتغير فقد ترتفع فيكون المشتري هو الرابح وقد‬
‫تنخفض فيربح البائع فعادت قضية البيع بالثمن المؤجل الى قاعدة الغنم‬
‫بالغرم‪.‬‬
‫‪ ...‬كما أن الزيادة على الثمن العاجل في البيع الجل ل تجوز إل بهذا المقدار‬
‫فقط ول يجوز للبائع أن يزيد عليه شيئا ً حتى لو تأخر في السداد لكونه‬
‫معسرا ً وأي زيادة تعتبر من الربا المحرم‪ .‬وأما الزيادة في الربا فإن المرابي‬
‫يزيد كلما تأخر المدين في السداد)‪.(1‬‬
‫‪ ...‬وبعد هذا العرض الموجز أرى رجحان مذهب الجمهور في جواز الزيادة‬
‫نظير الجل وقد أقر مجمع الفقه السلمي صحة هذه الزيادة وأصدر قراره‬
‫رقم ‪ 53/2/6‬ونصه‪:‬‬
‫‪ ...‬إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس‬
‫بجده في المملكة العربية السعودية من ‪ 17‬إلى ‪ 23‬شعبان ‪ 1410‬الموافق‬
‫‪ 20-14‬آذار )مارس( ‪ 1990‬م‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬بعد اطلعه على البحوث الواردة الى المجمع بخصوص موضوع‪" :‬البيع‬
‫بالتقسيط" واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪ ،‬قرر‪:‬‬
‫‪ -1 ...‬تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال‪ .‬كما يجوز ذكر ثمن‬
‫المبيع نقدا ً وثمنه بالقساط لمدد معلومة‪ .‬ول يصح البيع إل إذا جزم العاقدان‬
‫بالنقد أو التأجيل‪ .‬فإن وقع البيع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬المعاملت المصرفية والربوية ص ‪.126-125‬‬
‫مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل التفاق الجازم على ثمن واحد‬
‫محدد فهو غير جائز شرعًا‪.‬‬

‫)‪(32 /‬‬

‫‪ -2 ...‬ل يجوز شرعا ً في بيع الجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط‬
‫مفصولة عن الثمن الحال بحيث ترتبط بالجل سواء اتفق العاقدان على‬
‫نسبة الفائدة ام ربطاها بالفائدة السائدة‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬إذا تأخر المشتري المدين في دفع القساط عن الموعد المحدد فل‬
‫يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لن ذلك ربا‬
‫محرم‪.‬‬
‫ل من القساط‬ ‫‪ -4 ...‬يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما ح ّ‬
‫ومع ذلك ل يجوز شرعا ً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الداء‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬يجوز شرعا ً أن يشترط البائع بالجل حلول القساط قبل مواعيدها عند‬
‫تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند‬
‫التعاقد‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬ل حق للبائع في الحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ولكن يجوز للبائع أن‬
‫يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء القساط‬
‫المؤجلة)‪.(1‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪ 1‬ص ‪.448-447‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬ارتفاع نسبة الرباح التي تتقاضاها الشركة وأن هذه النسبة‬
‫أكثر من نسبة الربا في البنوك الربوية‪.‬‬
‫‪ ...‬سمعت كثيرا ً من الناس يقولون هذه المقولة‪ :‬إذا كانت البنوك الربوية‬
‫تأخذ نسبة من الفائدة أقل من نسبة أرباح بيت المال فالفضل لنا أن نتعامل‬
‫مع البنوك الربوية لن ذلك أنفع لنا‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك من وجوه‪:‬‬
‫‪ ...‬الوجه الول‪ :‬يجب على المسلم أن يفرق بين الحلل والحرام ول يقبل‬
‫من المسلم أن يقول‪ :‬ما دام الحرام أقل تكلفة من الحلل فالنفع لي‬
‫والصلح لي أن آخذ الحرام لنه قليل التكلفة وأعرض عن الحلل لن تكلفته‬
‫أعلى‪ .‬فلو طبقنا هذا الكلم على الزواج والزنا لوجدنا أن النسان لو اراد‬
‫الزنا فقد ل يكلفه الزنا ‪ %1‬من تكلفة الزواج وقد ل يكلفه شيئا فهل يصح‬
‫وهل يقبل من الشاب المسلم أن يقول‪ :‬ما دامت تكلفة الزواج مرتفعة‬
‫وغالية فأنا أزني لن تكلفة الزنا أقل‪ .‬وهذا الكلم ل يصدر من مسلم‪.‬‬
‫‪ ...‬وحالة أخرى وهي شراء البضاعة المسروقة فمن المعلوم أن اللصوص‬
‫يعرضون البضائع المسروقة بأسعار زهيدة قد تساوي ‪ %20‬من السعر‬
‫الصلي للبضاعة أو اقل‪ .‬فهل يقبل من المسلم أن يقول‪ :‬ما دامت البضائع‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسروقة أرخص فأنا أشتريها لن مصلحتي تتحقق بذلك‪ .‬ومن المعلوم أنه‬
‫يحرم على المسلم شراء البضائع المسروقة والمغصوبة‪.‬‬
‫‪ ...‬الوجه الثاني‪ :‬إن الشريعة السلمية لم تحدد حدا ً معينا لربح التاجر في‬
‫ً‬
‫تجارته وإن المتتبع ليات القرآن الكريم ولحاديث الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ل يجد أنها حددت مقدار أرباحهم بل جعلت ذلك حسب ظروف التجارة‬
‫والسماحة والتيسير وعدم الستغلل‪.‬‬
‫‪ ...‬وقد ورد في الحديث الذي رواه المام البخاري بإسناده عن شبيب بن‬
‫غرقدة قال‪) :‬سمعت الحي يحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أعطاه دينارا ً يشتري له به شاه فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار‬
‫وجاءه بدينار وشاه فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح‬
‫فيه)‪ (1‬وقد ورد هذا الحديث برواية أخرى عند المام أحمد في المسند عن‬
‫عروة بن الجعد البارقي رضي الله عنه قال‪) :‬عرض للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم جلب فأعطاني دينارا ً وقال‪ :‬أي عروة أئت الجلب فاشتر لنا شاه‪،‬‬
‫فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما‬
‫فلقيني رجل فساومني فأبيعه شاه بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاه فقلت‪:‬‬
‫يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال‪ :‬وصنعت كيف؟ قال‪ :‬فحدثته‬
‫الحديث فقال‪ :‬اللهم بارك له في صفقة يمينه" فلقد رأيتني أقف بكناسة‬
‫الكوفة أي سوقها فأربح أربعين ألفا ً قبل أن أصل إلى أهلي وكان يشتري‬
‫الجواري ويبيع")‪.(2‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬صحيح البخاري مع فتح الباري ‪ 7/445‬وقول الراوي في الحديث‪ :‬سمعت‬
‫الحي‪ :‬أي قبيلته كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ‪.7/445‬‬
‫‪ -2‬الفتح الرباني ‪.15/20‬‬
‫‪ ...‬ويؤخذ من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقر عروة‬
‫على بيعه الشاه بدنيار مع أنه اشتراها بنصف دينار فقد ربح فيها ما نسبته‬
‫‪.%100‬‬
‫‪ ...‬فهذا يدل على جواز ان يربح التاجر هذه النسبة بشرط أن ل يكون في‬
‫البيع غش أو خداع أو احتكار او غبن فاحش‪.‬‬
‫‪ ...‬فالتاجر المسلم الملتزم بدينه ل يتعامل بالطرق غير المشروعة فإن‬
‫تعامل بها فإنه يكون قد وقع في الحرام‪.‬‬
‫‪ ...‬وقد ناقش مجلس مجمع الفقه السلمي مسألة تحديد أرباح التجار وقرر‬
‫مايلي‪:‬‬
‫‪ ...‬إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس‬
‫بالكويت من ‪ 6-1‬جمادي الول ‪1409‬هـ ‪ 15-10‬كانون الول )ديسمبر(‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ ...‬بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع‬
‫)تحديد أرباح التجار( واستماعه للمناقشات التي دارت حوله قرر‪:‬‬

‫)‪(33 /‬‬
‫ل‪ :‬الصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحرارا ً‬ ‫‪ ...‬أو ً‬
‫في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام‬
‫الشريعة السلمية الغراء وضوابطها عمل ً بمطلق قول الله تعالى‪}:‬يا ايها‬
‫الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أ ن تكون تجارة عن تراض‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منكم{‪.‬‬
‫‪ ...‬ثانيا‪ :‬ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملتهم‬
‫بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التاجر والسلع مع مراعاة ما‬
‫تقضي به الداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير‪.‬‬
‫‪ ...‬ثالثًا‪ :‬تضافرت نصوص الشريعة السلمية على وجوب سلمة التعامل من‬
‫أسباب الحرام وملبساته كالغش والخديعة والتدليس والستغفال وتزييف‬
‫حقيقة الربح والحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة‪.‬‬
‫‪ ...‬رابعًا‪ :‬ل يتدخل ولي المر بالتسعير إل حيث يجد خلل ً واضحا في السوق‬
‫ً‬
‫والسعار ناشئا ً من عوامل مصطنعة فإن لولي المر حينئذ التدخل بالوسائل‬
‫العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلء والغبن‬
‫الفاحش)‪.(1‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬إن نسبة الربح الحلل الذي تتقاضاه شركة بيت المال‬
‫الفلسطيني ليست أكثر من نسبة الفائدة )الربا الحرام( الذي تتقاضاه البنوك‬
‫الربوية وهنالك أوجه كثيرة مختلفة بين الجهتين وهذا يتضح فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1 ...‬إن البنوك الربوية تختلف فيما بينها في كيفية إحتساب الفوائد على‬
‫القروض التي تمنحها أو حسابات الجل من بنك لخر من حيث مقدار نسبة‬
‫الفائدة ومقدار عمولت المصاريف الدارية والمصاريف البريدية أو البرقية‬
‫التي تؤخذ من العملء‪.‬‬
‫‪ ...‬كما وأن نسبة الفائدة تختلف من عميل لخر في أغلب الحيان حسب‬
‫حجم تعامل العميل مع البنك أو حسب العلقات الشخصية أو غير ذلك‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪ 4‬ص ‪.2920-2919‬‬
‫‪ ...‬أما في شركة بيت المال فيتم إحتساب الربح بطريقة تقوم على أساس‬
‫المساواة في التعامل مع الزبائن لتحقيق العدالة وإستقرار المعاملت ودون‬
‫تأثير لقيمة المعاملة مع مراعاة الدور الجتماعي الذي تقوم به الشركة‪.‬‬
‫‪ -2 ...‬إن البنوك الربوية ل تأخذ بعين العتبار الحوال المالية الصعبة التي‬
‫يمر بها العميل أثناء فترة تسديد القرض حيث تقوم البنوك الربوية تلقائيا ً‬
‫بإحتساب فائدة على أي تأخير في السداد‪ .‬وهذا يخالف ما عليه شركة بيت‬
‫المال التي ل تفرض أية زيادة أو غرامات بسبب التأخير في تسديد القساط‬
‫في مواعيدها بإعتبار أن ما تقوم به الشركة هو صفقة تجارية متفق عليها‬
‫مسبقا ً وهذا مطابق لحكام الشريعة السلمية التي ل تقر تلك الزيادة ‪.‬‬
‫‪ -3 ...‬تعتبر شركة بيت المال عند تقدير نسبة الربح الثمن الصلي للبضاعة‬
‫والمصاريف الفعلية التي تتكبدها الشركة تماما كما يحسب أي تاجر نسبة‬
‫ربحه فيدخل في ذلك ثمن البضاعة وأجور النقل والتخزين ونحوها من‬
‫المصاريف الفعلية‪.‬‬
‫‪ -4 ...‬تقوم البنوك الربوية بخصم مقدار الفائدة والمصاريف الدارية من أول‬
‫دفعة مستحقة للعميل عند القتراض وهذا المر يعني زيادة معدل الفائدة‬
‫عند الخذ بالحسبان إحتساب تشغيل هذه الموال طوال فترة تسديد القرض‪.‬‬
‫‪ -5 ...‬تعتبر البنوك الربوية من المؤسسات المالية التي ل تفرض عليها‬
‫ضريبة مضافة )‪ (%17‬وفق القوانين السائدة‪ .‬بينما تعامل شركة بيت المال‬
‫كشركة تجارية فتفرض عليها ضريبة مضافة )‪ (%17‬بالضافة إلى ضريبة‬
‫الدخل‪.‬‬
‫‪ -6 ...‬عند المقارنة بين نسبة الربح لدى شركة بيت المال ونسبة الفائدة‬
‫لدى البنوك وبعد دراسة القضية دراسة موضوعية متأنية يظهر أن نسبة الربح‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لدى شركة بيت المال ل تصل إلى نصف نسبة الفائدة لدى البنوك الربوية‪.‬‬
‫‪ -7 ...‬وأخيرا ً فإنني أوصي شركة بيت المال بأن تكون أرباحها معتدلة وتأخذ‬
‫بعين العتبار الحوال القتصادية الصعبة التي يمر بها القتصاد المحلي من‬
‫ركود وبطالة وحصار وغلء‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫‪ -1‬بيع المرابحة للمر بالشراء كما تتعامل به المصارف والشركات السلمية‬
‫ومنها شركة بيت المال الفلسطيني بيع صحيح مشروع على الراجح من‬
‫أقوال أهل العلم‪ .‬ول يعتبر هذا البيع تحايل ً على الربا ول بيعتين في بيعة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن اتباع الخطوات الصحيحة لبيع المرابحة للمر بالشراء يعصم من‬
‫الوقوع في الزلل والخطأ ويبعد المتعاملين عن الشبهات‪.‬‬
‫‪ -3‬المطلوب من المصارف والشركات السلمية توسيع دائرة نشاطها‬
‫واستعمال أساليب الستثمار الجائزة شرعا ً كالمضاربة والسلم والستصناع‬
‫والمشاركة بالضافة لبيع المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫‪ -4‬المطلوب من القائمين على شركة بيت المال وموظفيها أن يفكروا‬
‫بعقلية التاجر المسلم ول يفكروا بعقلية الممول فحسب فينظروا الى قيمة‬
‫الربح السريع وتجنب المخاطر لن التجارة فيها نوع من المخاطرة‪.‬‬

‫)‪(34 /‬‬

‫‪ -5‬ل بد لشركة بيت المال الفلسطيني أن تستمر في توعية موظفيها وتنمية‬


‫معلوماتهم حول أساليب الستثمار الشرعية‪.‬‬
‫‪ -6‬عند تقدير ارباح الشركة في أي عقد من العقود ل بد أن يتلءم الربح مع‬
‫درجة المخاطرة مع مراعاة أحوال الناس بحيث ل يكون هناك إجحاف ل في‬
‫حق الزبائن ول في حق الشركة‪.‬‬
‫‪ -7‬ما دام ان الشركة قد اعتمدت النظام السلمي في معاملتها فل بد أن‬
‫ينعكس ذلك بصورة إيجابية على تعاملها مع الناس وعلى واقعها بكل جزئياته‬
‫حتى يكون اللتزام بأحكام الشرع الحنيف في القوال والعمال‪.‬‬
‫‪ -8‬إن تجربة شركة بيت المال تجربة جديدة في فلسطين المحتلة التي‬
‫تعاني ظروفا ً صعبة من جميع النواحي فل بد من العمل على تشجيع هذه‬
‫التجربة ودعمها وتسديدها في خطواتها لتبرهن على صحة التوجه وصحة‬
‫المنهج الذي التزمت به ولتبعد الناس على التعامل بالحرام‪.‬‬
‫‪ ...‬ول بد من التأكيد على أن الوقوع في الخطأ ل يعني خطأ المنهج وانما‬
‫الخطأ في التطبيق والتماس العذر مطلوب مع حسن الظن والتوجيه نحو‬
‫الصواب‪.‬‬
‫والله الهادي الى سواء السبيل‪.‬‬
‫المراجع مرتبة حسب حروف المعجم‬
‫"القرآن الكريم"‬
‫‪ -1‬أحكام العقود والبيوع في الفقه السلمي‪ .‬عبد الحميد السائح‪ ،‬من‬
‫مطبوعات البنك السلمي الردني مطبعة الشرق‪-‬عمان‪.‬‬
‫‪ -2‬أحكام القرآن‪ .‬لبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص‪ .‬تحقيق محمد‬
‫الصادق قمحاوي‪ ،‬الطبعة الثانية دار المصحف ‪-‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -3‬إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ .‬لمحمد ناصر الدين اللباني‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪ ،‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫‪ -4‬أسلوب المرابحة والجوانب الشرعية‪ .‬د‪ .‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬بحث منشور‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬


‫‪ -5‬أعلم الموقعين عن رب العالمين‪ .‬لبي عبد الله محمد المعروف بإبن‬
‫القيم‪ ،‬مراجعة طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬طبع دار الجيل‪ ،‬بيروت ‪.1973‬‬
‫‪ -6‬أنيس الفقهاء في تعريفات اللفاظ المتداولة بين الفقهاء للشيخ قاسم‬
‫القونوي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬احمد الكبيسي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬نشر دار الوفاء للنشر‬
‫والتوزيع ‪ ،‬جدة‪-‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -7‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ .‬لبي الوليد محمد بن احمد المعروف بإبن‬
‫رشد الحفيد‪ ،‬طبعة دار الفكر ومكتبة الخانجي‪.‬‬
‫‪ -8‬بيع التقسيط‪ .‬د‪ .‬ابراهيم الدبو‪ ،‬بحث منشور بمجلة مجمع الفقه السلمي‬
‫عدد ‪ 6‬ج ‪.1‬‬
‫‪ -9‬بيع التقسيط‪ .‬د‪ .‬رفيق المصري‪ ،‬بحث منشور بمجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪.1‬‬
‫‪ -10‬بيع المرابحة في الصطلح الشرعي‪ ،‬محمد عبده عمر‪ ،‬بحث منشور‬
‫بمجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -11‬بيع المرابحة كما تجريه البنوك السلمية‪.‬د‪ .‬محمد الشقر‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1995-1415‬نشر دار النفائس‪-‬عمان‪.‬‬
‫‪ -12‬بيع المرابحة للمر بالشراء كما تجريه المصارف السلمية د‪ .‬يوسف‬
‫القرضاوي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1987-1407‬نشر مكتبة وهبة القاهرة‪.‬‬
‫‪ -13‬بيع المرابحة للمر بالشراء في المصارف السلمية‪ .‬د‪ .‬رفيق يونس‬
‫المصري‪ ،‬بحث منشور بمجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -14‬بيع المرابحة للمر بالشراء‪ ،‬د‪ .‬سامي حسن حمود‪ ،‬بحث منشور بمجلة‬
‫مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -15‬بيع المرابحة وتطبيقاتها في المصارف السلمية ‪ .‬احمد سالم ملحم‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪ .1989-1410‬نشر مكتبة الرسالة الحديثة ‪-‬عمان‪.‬‬
‫‪ -16‬تبين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ .‬لفخر الدين عثمان الزيلعي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫‪ -17‬تخريج إحياء علوم الدين )المغني عن حمل السفار في السفار في‬
‫تخريج ما في الحياء من الخبار( لزين الدين العراقي‪ ،‬مطبوع بهامش‬
‫الحياء‪ ،‬دار إحيار الكتب العربية‪-‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -18‬تطوير العمال المصرفية بما يتفق والشريعة السلمية‪ .‬د‪ .‬سامي حسن‬
‫حمود‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1982-1402‬مطبعة الشرق‪ -‬عمان‪.‬‬
‫‪ -19‬التعريفات‪ .‬لبي الحسن علي بن محمد الجرجاني‪ ،‬طبعة الدار التونسية‬
‫للنشر ‪.1971‬‬
‫‪ -20‬التقرير السنوي الول لشركة بيت المال لسنة ‪.1995-1416‬‬
‫‪ -21‬تكملة المجموع‪ .‬لمحمد نجيب المطبعي ‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -22‬تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير‪ .‬للحافظ أحمد بن علي‬
‫بن حجر العسقلني‪ ،‬طبعة عبد الله هاشم المدني ‪.1964-1384‬‬
‫‪ -23‬الحاوي الكبير لبي الحسن الماوردي ‪ .‬تحقيق علي معوض وعادل عبد‬
‫الموجود‪ ،‬الطبعة الولى ‪.1994-1414‬‬
‫دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -24‬حكم زيادة السعر في بيع النسيئة شرعا‪ .‬د‪ .‬نظام الدين عبد الحميد‪،‬‬
‫بحث منشور بمجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 6‬ج ‪.1‬‬
‫‪ -25‬دروس وفتاوي في الحرم المكي‪ .‬لمحمد بن صالح العثيمين‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪ ،1990-1411‬مكتبة أولي النهى‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار خضر بيروت‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -26‬رد المحتار على الدر المختار )حاشية ابن عابدين(‪ .‬لمحمد أمين الشهير‬
‫بإبن عابدين ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1966-1386‬مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي‪-‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -27‬سلسلة الحاديث الصحيحة‪ ،‬لمحمد ناصر الدين اللباني‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،1979-1399‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬

‫)‪(35 /‬‬

‫‪ -28‬السيل الجرار المتدفق على حدائق الزهار‪ .‬لمحمد بن علي الشوكاني‪،‬‬


‫الطبعة الولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -29‬سنن البيهقي‪ .‬لبي بكر احمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬طبعة دار الفكر‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -30‬شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل‪ .‬لمحمد الخرشي المالكي‪،‬‬
‫طبعة دار صادر بيروت‪.‬‬
‫‪ -31‬شرح الدردير‪ .‬لحمد بن محمد الدردير العدوي المالكي‪ ،‬طبعة دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -32‬شرح النووي على مسلم‪ .‬لبي زكريا يحيى بن شرف النووي‪ ،‬طبعة دار‬
‫الخير بيروت‪.‬‬
‫الطبعة الولى ‪.1994-1414‬‬
‫‪ -33‬الصحاح‪ .‬لسماعيل بن حماد الجوهري‪ ،‬تحقيق أحمد عبد الغفور عطار‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ 1979-1399‬دار العلم للمليين بيروت‪.‬‬
‫‪ -34‬صحيح ابن حبان )الحسان( تحقيق شعيب الرناؤوط‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪ ،1988-1408‬مؤسسة الرسالة بيروت‪.‬‬
‫‪ -35‬صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري‪ .‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‬
‫‪ 1951-1378‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -36‬صحيح سنن أبي داود‪ .‬لمحمد ناصر الدين اللباني‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪ ،1989-1409‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫‪ -37‬صحيح سنن الترمذي‪ .‬لمحمد ناصر الدين اللباني‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪ ،1989-1409‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫‪ -38‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬لمحمد ناصر الدين اللباني‪ ،‬الطبعة الولى ‪-1409‬‬
‫‪ ،1989‬المكتب السلمي بيروت‪.‬‬
‫‪ -39‬صحيح مسلم بهامش شرح النووي‪ .‬طبعة دار الخير‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪.1994-1414‬‬
‫‪ -40‬عون المعبود شرح سنن أبي داود لبي الطيب شمس الحق العظيم‬
‫ابادي‪ ،‬الطبعة الولى ‪ 1990-1410‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -41‬فتاوى اسلمية الشيخ عبد العزيز بن باز وآخرون‪ ،‬الطبعة الولى ‪-1408‬‬
‫‪ ،1988‬دار القلم ‪-‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -42‬فتاوى شرعية في العمال المصرفية‪ .‬صادرة عن بيت التمويل الكويتي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ .1986-1406‬من مطبوعات بنك دبي السلمي‪.‬‬
‫‪ -43‬الفتاوى الشرعية في المسائل القتصادية صادرة عن بيت التمويل‬
‫الكويتي الطبعة الثانية ‪.1986-1406‬‬
‫‪ -44‬الفتاوى الشرعية‪ .‬نشرة صادرة عن شركة بيت المال إعداد هيئة‬
‫الرقابة الشرعية ‪.1996-1416‬‬
‫‪ -45‬الفتاوى الشرعية‪ .‬نشرة اعلمية صادرة عن البنك السلمي الردني‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.1994-1414‬‬
‫‪ -46‬فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلني‪ ،‬مطبعة‬
‫مصطفى البابي الحلبي‪.‬القاهرة سنة ‪.1959-1378‬‬
‫‪ -47‬الفتح الرباني لترتيب مسند المام احمد بن حنبل الشيباني‪ .‬للشيخ احمد‬
‫عبد الرحمن البنا دار إحياء التراث العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -48‬الفروق‪ .‬لشهاب الدين القرافي‪ ،‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -49‬الفقه السلمي وأدلته‪ .‬د ‪ .‬وهبه الزحيلي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،1985-1405‬‬
‫دار الفكر ‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -50‬القوانين الفقهية‪ ،‬لبن جزي‪ ،‬دار القلم ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -51‬قواعد الوعد الملزمة في الشريعة والقانون‪ .‬د‪ .‬محمد رضا العاني‪ ،‬بحث‬
‫منشور بمجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -51‬الكليات‪ .‬لبي البقاء ايوب بن موسى الحسيني الكفوي‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1993-1413‬مؤسسة الرسالة بيروت‪.‬‬
‫‪ -52‬لسان العرب‪ .‬لبن منظور‪ ،‬دار إحياء التراث‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪.1988-1408‬‬
‫‪ -53‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ .‬لعلي بن ابي بكر الهيثمي‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪.1982-1402‬دار الكتاب العربي‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -54‬مجلة مجمع الفقه السلمي من منشورات منظمة المؤتمر السلمي‬
‫جدة‪.‬‬
‫‪ -55‬المجموع شرح المهذب‪ .‬لبي زكريا النووي‪ ،‬طبعة دار الفكر ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -56‬مجموع الفتاوى‪ .‬شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬جمع وترتيب عبد الرحمن‬
‫العاصمي الحنبلي الطبعة الولى ‪.1398‬‬
‫‪ -57‬المحلى بالثار‪ .‬لبي محمد علي بن حزم الندلسي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عبد الغفار‬
‫البنداري‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪-58‬المرابحة للمر بالشراء‪ .‬د‪ .‬ابراهيم الدبو‪ ،‬بحث منشور بمجلة مجمع‬
‫الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -59‬المرابحة للمر بالشراء‪ .‬د‪ .‬بكر أبو زيد‪ ،‬بحث منشور بمجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -60‬المرابحة للمر بالشراء‪ .‬د‪ .‬الصديق محمد المين الضرير بحث منشور‬
‫بمجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -61‬المرابحة للمر بالشراء‪ .‬د‪ .‬علي السالوس‪ ،‬بحث منشور بمجلة مجمع‬
‫الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -62‬مشكاة المصابيح‪ .‬لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫ناصر الدين اللباني ‪ ،‬المكتب السلمي ‪ -‬بيروت‪ -‬الطبعة الثالثة ‪-1405‬‬
‫‪.1985‬‬
‫‪ -63‬المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي‪ .‬لحمد بن محمد‬
‫الفيومي‪ ،‬المكتبة العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -64‬المعاملت المصرفية والربوية وعلجها في السلم‪ .‬د‪ .‬نور الدين عتر‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة ‪ 1986-1406‬مؤسسة الرسالة بيروت‪.‬‬
‫‪ -65‬المغني‪ .‬لبن قدامة المقدسي‪ ،‬نشر مكتبة القاهرة سنة ‪.1968-1388‬‬
‫‪ -66‬ملتقى البحر‪ .‬لبراهيم بن محمد الحلبي‪ ،‬تحقيق وهبي سليمان اللباني‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪ 1989-1409‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -67‬المهذب لبي اسحاق الشيرازي‪ ،‬دار الفكر )مع المجموع(‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-68‬الموسوعة الفقهية‪ .‬تصدرها وزارة الوقاف والشؤون السلمية الكويتية‪،‬‬


‫الطبعة الثانية ‪ 1992-1412‬طباعة ذات السلسل ‪-‬الكويت‪.‬‬

‫)‪(36 /‬‬

‫‪ -69‬الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني‪ .‬تحقيق عبد الوهاب عبد‬


‫اللطيف‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ -‬المكتبة العلمية‪.‬‬
‫‪ -70‬نحو نظام نقدي عادل‪ .‬د‪ .‬محمد عمر شابرا‪ ،‬الطبعة الثانية ‪-1411‬‬
‫‪ ،1990‬إصدار المعهد العالمي للفكر السلمي‪ ،‬دار البشير‪ -‬عمان‪.‬‬
‫‪ -71‬نشرة تعريفية‪ .‬صادرة عن شركة بيت المال الفلسطيني العربي بدون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -72‬نظرة الى عقد المرابحة‪ .‬محمد علي التسخيري بحث منشور بمجلة‬
‫مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -73‬نيل الوطار شرح منتقى الخبار‪ .‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬مطبعة‬
‫مصطفى البابي الحلبي‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -74‬الهداية شرح بداية المبتدي‪ .‬برهان الدين المرغيناني‪ ،‬دار التراث‬
‫العربي‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -75‬الوفاء بالوعد‪ .‬د‪ .‬ابراهيم الدبو‪ ،‬بحث منشور بمجلة مجمع الفقه‬
‫السلمي عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪ -76‬الوفاء بالوعد‪ .‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ .‬بحث منشور بمجلة الفقه السلمي‬
‫عدد ‪ 5‬ج ‪.2‬‬
‫‪...‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الموضوع ‪ ...‬الصفحة‬
‫تقديم ‪5 ...‬‬
‫المقدمة ‪6 ...‬‬
‫تمهيد ‪9 ...‬‬
‫تعريف البيع ‪11 ...‬‬
‫تعريف بيع المرابحة ‪12 ...‬‬
‫حكم المرابحة ‪15 ...‬‬
‫الفصل الول بيع المرابحة للمر بالشراء ‪17 ...‬‬
‫المبحث الول‪:‬تعريف بيع المرابحة للمر بالشراء وصوره ‪19 ...‬‬
‫نشأة إصطلح بيع المرابحة ‪19 ...‬‬
‫تعريف المرابحة عند العلماء المعاصرين ‪20 ...‬‬
‫السس التي تقوم عليها المرابحة ‪22 ...‬‬
‫صور تعامل المصارف السلمية مع بيع المرابحة ‪23 ...‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬خلف العلماء المعاصرين في حكم بيع المرابحة ‪27 ...‬‬
‫القائلون بالجواز ‪27 ...‬‬
‫أدلة القائلين بالجواز ‪28 ...‬‬
‫الدليل الول ‪28 ...‬‬
‫الدليل الثاني ‪30 ...‬‬
‫الدليل الثالث ‪33 ...‬‬
‫الدليل الرابع ‪35 ...‬‬
‫الدليل الخامس ‪36 ...‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدليل السادس ‪37 ...‬‬


‫الدليل السابع ‪38 ...‬‬
‫الدلة على اللزام بالوعد ‪38 ...‬‬
‫القائلون بالتحريم ‪41 ...‬‬
‫أدلتهم ‪42 ...‬‬
‫الدلة على عدم اللزام بالوعد ‪45 ...‬‬
‫مناقشة أدلة الفريقين ‪46 ...‬‬
‫بيان القول الراجح ‪55 ...‬‬
‫الفتاوى الصادرة بجواز بيع المرابحة للمر بالشراء ‪55 ...‬‬
‫فتوى المؤتمر الول للمصرف السلمي ‪55 ...‬‬
‫فتوى المؤتمر الثاني للمصرف السلمي ‪56 ...‬‬
‫فتوى الندوة القتصادية السلمية ‪57 ...‬‬
‫فتوى مستشار بيت التمويل الكويتي ‪60 ...‬‬
‫فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز ‪61 ...‬‬
‫فتوى مجمع الفقه السلمي ‪62 ...‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬بيع المرابحة للمر بالشراء كما تتعامل به شركة بيت المال‬
‫الفلسطيني العربي ‪65 ...‬‬
‫المبحث الول‪ :‬نشأة الشركة وأهدافها ‪67 ...‬‬
‫التعريف بالشركة ‪67 ...‬‬
‫أهداف الشركة ‪68 ...‬‬
‫النشاط الستثماري للشركة ‪70 ...‬‬
‫تعامل الشركة وفق احكام الشريعة السلمية ‪75 ...‬‬
‫هيئة الرقابة الشرعية للشركة ‪75 ...‬‬
‫صندوق الزكاة في الشركة ‪79 ...‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التطبيق العملي لبيع المرابحة كما تجريه شركة بيت‬
‫المال ‪87 ...‬‬
‫طلب الشراء ‪87 ...‬‬
‫وعد بالشراء ‪89 ...‬‬
‫عقد بيع المرابحة ‪91 ...‬‬
‫الكفالة ‪99 ...‬‬
‫أهمية بيع المرابحة لدى الشركة ‪108 ...‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬شبهات حول تطبيق المرابحة ‪110 ...‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬حساب الربح بالنسبة المئوية ‪110 ...‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬زيادة الثمن مقابل الجل ‪113 ...‬‬
‫إختلف الفقهاء في زيادة الثمن مقابل الجل ‪113 ...‬‬
‫القول الول‪ :‬جواز الزيادة ‪113 ...‬‬
‫الدلة على الجواز ‪114 ...‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ل تجوز الزيادة ‪117 ...‬‬
‫الدلة على عدم الجواز ‪117 ...‬‬
‫الرد على أدلة المانعين ‪118 ...‬‬
‫القول الراجح جواز الزيادة مقابل الجل ‪120 ...‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬إرتفاع نسبة الرباح التي تتقاضاها الشركة ‪122 ...‬‬
‫الجواب من وجوه ‪122 ...‬‬
‫الوجه الول ‪122 ...‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوجه الثاني ‪123 ...‬‬


‫الوجه الثالث ‪125 ...‬‬
‫الخاتمة ‪128 ...‬‬
‫قائمة المصادر ‪130 ...‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪138 ...‬‬

‫)‪(37 /‬‬

‫ح للمسلمين بعامة‬ ‫ن ونص ٌ‬ ‫بيا ٌ‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫‪... ...‬‬
‫‪...‬‬
‫‪ -1‬لمحة عن واقع المسلمين اليوم ‪:‬‬
‫مع هذه الحداث الجسام المرّوعة في أرض فلسطين وغيرها من أرض‬
‫السلم ‪ ،‬يقف المؤمن ليتأمل ويتدّبر ‪ ،‬ويبحث عن العبرة والعظة ‪ ،‬والمنفذ‬
‫دمت المة دماًء‬ ‫والمخرج ‪ ،‬من هذه الظلمة والحيرة التي طال مداها ‪ .‬لقد ق ّ‬
‫كثيرة ومال ً كثيرا ً وبطولت رائعة ‪ ،‬فلماذا الهزائم ؟ ! ‪.‬‬
‫ي المؤمنين الصادقين المجاهدين ‪ ،‬وحين ندعو لكل من قُِتل في‬ ‫وحين نحي ّ‬
‫سبيل الله أن يتقبله الله شهيدا ً عنده ‪ ،‬فإننا في الوقت نفسه نبحث في‬
‫أعماق واقعنا وأعماق أنفسنا عن أسباب الوهن ومظاهر الخلل ‪ ،‬ليكون هذا‬
‫هو أول الطريق إلى النجاة ‪ ،‬وليكون العلج هو الخطوة الممتدة على‬
‫قل أن‬ ‫ومها ‪ .‬فل ُيع َ‬ ‫ُ‬ ‫الدرب ‪ ،‬خطوة ل ُتع ّ‬
‫طل خطوة ُ أخرى ‪ ،‬ولكن تدعمها وتق ّ‬
‫ندخل المعركة ونحن نحمل الوهن واضطراب الصورة وفقدان النهج واختلف‬
‫الرؤية والهدف ‪.‬‬
‫ل يختلف اثنان في أن المسلمين اليوم يمّرون بهزائم متتالية ‪ ،‬وفواجع‬
‫ور العلم‬ ‫صاعقة ومجازر تتدّفق فيها الدماء ‪ ،‬وتتطاير فيها الشلء ! ويص ّ‬
‫ي الحداث على النحو الذي يريده ويناسب أطماعه وعدوانه وجرائمه ‪.‬‬ ‫العالم ّ‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكننا نحن نرد ّ ذلك إلى منهاج الله رد ّا أمينا لنخرج بنتائج حقيقية ‪ ،‬بعب ٍ‬
‫ومواعظ تشق لنا الطريق بإذن الله ‪.‬‬
‫إن الحداث الجارية في هذه اللحظات على أرض فلسطين مرّوعة مفجعة ‪،‬‬
‫ن ورائه اليهود وأحلفهم ‪ ،‬بدباباته ومروحياته وطائراته ‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫يزحف شارون ‪ ،‬و ِ‬
‫فة الغربّية تدميرا ً وتقتيل ومحاصرة ‪،‬‬ ‫ججين ‪ ،‬على مدن الض ّ‬ ‫وجنوده المد ّ‬
‫ومنعا ً لوسائل إسعاف الجرحى ‪ ،‬واغتصابا ً للنساء ‪ ،‬ودفنا ً لبعض الجثث في‬
‫مقابر جماعية ‪ .‬والعالم كله يتطّلع ‪ ،‬ومليار مسلم في الرض مشلولون ‪،‬‬
‫وأمريكا تظل تعطي " شارون " الضوء الخضر ليمضي في جرائمه ‪ ،‬ويخرج‬
‫تصريح من هنا وتصريح من هناك ‪ ،‬ومندوب يحضر ومندوب يعود ‪ ،‬كل ذلك‬
‫لعطاء‬
‫دى مجلس‬ ‫شارون أطول فرصة ليمعن في جرائمه ‪ .‬وتظل دولة اليهود تتح ّ‬
‫دون " بوش " وقراراته‬ ‫المن وقراراته وهيئة المم المتحدة وقراراتها ‪ ،‬ويتح ّ‬
‫ظاهريا ً ‪.‬‬
‫والحداث ل تقتصر على فلسطين وحدها ‪ ،‬وإنما هي ممتدة بمجازرها‬
‫وفواجعها إلى أرض السلم كلها ‪ ،‬عدوانا ً وإجراما ً ‪.‬‬
‫إن ما حدث في مدينة جنين ومخّيمها ‪ ،‬ومدينة نابلس ‪ ،‬ومدينة بيت لحم ‪،‬‬
‫وسائر مدن فلسطين ‪ ،‬أعظم من كل ما يمكن أن يتصوره النسان ‪ .‬تقتيل‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالرجال والنساء والطفال والشيوخ ‪ ،‬تقتيل بالرصاص والمدافع والصواريخ‬


‫وكل وسائل الفتك ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حصار رام الله حصارا عنيفا ‪ ،‬حصار كنيسة المهد ‪ ،‬وصمت من العالم ‪ ,‬وكأنه‬
‫يعطي شارون الضوء الخضر لليهود ليمضوا في جرائمهم ‪ ،‬حتى يستأصلوا ما‬
‫يسمونه " الرهاب " ‪ ،‬وهم الرهاب والعدوان والظلم والجرام ‪.‬‬
‫فلسطين الن كلها مباحة لليهود ‪ :‬أرضا ً وبشرا ً وأعراضا ً وأموال ً ‪ .‬كلها مباحة‬
‫لهم ‪ ،‬فمنها ما استباحوه استباحة مرّوعة ‪ ،‬ومنه ما هو معّرض لذلك اليوم أو‬
‫غدا ً ِإل َأن يشاء الله ‪.‬‬
‫‪ -2‬المسؤولية عن هذا الواقع الممتد ‪:‬‬
‫ل ما يجري في الكون والحياة ‪ ،‬من أمر صغير أو‬ ‫نك ّ‬ ‫ل يختلف مؤمنان في أ ّ‬
‫كبير ‪ ،‬هو بقضاء الله وقدره على حكمة بالغة وقدر غالب وحقّ ل ظلم معه‬
‫أبدا ً ‪ .‬ومن هنا وجب علينا شرعا ً أن ننظر في أنفسنا ‪ ،‬في واقعنا ‪ ،‬فالخلل‬
‫ي كبير !‬
‫فينا ‪ ،‬والخطاء منا ‪ ،‬والتقصير جل ّ‬
‫ن الله ل يظلم ‪ ،‬وقد حّرم الظلم على نفسه ‪ ،‬وجعله بين الناس محّرما ً‬ ‫إ ّ‬
‫ولكننا نظلم أنفسنا ‪:‬‬
‫ً‬
‫)) إن الله ل يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ((‬
‫] يونس ‪[ 44 :‬‬
‫)) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ((‬
‫] الشورى ‪[ 30 :‬‬
‫وآيات وأحاديث كثيرة تؤكد هذه الحقيقة الهامة ‪ ,‬حتى ندرك أننا نحن‬
‫المسؤولون ‪ ,‬وأن الوهن والخلل فينا نحن ‪.‬‬
‫فجميعنا مسؤولون ‪ ,‬وكلنا محاسبون بين يدي الله يوم القيامة ‪ ,‬ونبتلى بفتنة‬
‫أو بعذاب من الله في الحياة الدنيا ‪ .‬وتختلف المسؤولية من مستوى إلى‬
‫مستوى ‪ ,‬ونهيب بكل مسلم ‪ ,‬وبالدعاة والعلماء ‪ ,‬أن يصدقوا الله فيوفوا‬
‫بالمانة التي وضعها الله في أعناقهم ‪ ,‬وبالعهد الذي أخذه الله منهم ‪ ,‬نصحا‬
‫خالصا لله ‪ ,‬وبيانا بالحجة والدليل ‪ ,‬وبذل على صراط مستقيم ‪.‬‬
‫إن الخلل في واقع المسلمين ‪ ،‬خلل ممتد ّ منذ زمن بعيد حتى يومنا هذا ‪ ،‬مما‬
‫يفرض علينا دراسة واقعنا دراسة أمينة نرده فيها إلى منهاج الله – قرآنا‬
‫وسنة ولغة عربية ‪.‬‬
‫إن ما يجري اليوم ل يكون مفاجئا ً إل للغافلين النائمين ‪ ،‬يوقظهم هول‬
‫الصواعق والفواجع والطوارق ‪ .‬إن ما يجري اليوم هو نتيجة حتمّية لمرحلة‬
‫سابقة ‪ ،‬والمرحلة السابقة نتيجة حتمّية لما قبلها ‪ .‬ذلك لن سنن الله ثابتة‬
‫ماضية في الكون والحياة ‪ ،‬على حكمة لله بالغة وقدر غالب ‪.‬‬
‫‪ -3‬أهم مظاهر الخلل في واقعنا اليوم ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن أبرز مظاهر الخلل هجر المليين من المسلمين للكتاب والسّنة ‪،‬‬
‫وجهل اللغة العربية ‪ ،‬هجرا ً وجهل ً أورثا خلل ً بعد خلل ‪ ،‬ومرضا ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بعد مرض ‪ ،‬حتى استبدل الكثيرون من المنتسبين ِإلى السلم لغات‬


‫ُأخرى بلغة الوحي والنبوة والذكر ـ اللغة العربّية التي‬
‫اختارها الله للسلم ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وطغى الجهل بين المسلمين حتى جهلوا الواقع وما يجري فيه ‪،‬‬
‫جهلوه ولم يرّدوه إلى منهاج الله الذي جهلوه قبل ذلك ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورات ‪.‬‬‫ج ‪ -‬فاضطربت الرؤية وتضاربت التص ّ‬


‫ح ‪ -‬وتسّلل العداء من خلل ذلك كله أفكارا ومذاهب ‪ ،‬انحلل وتفلتا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دتها وعديدها ‪،‬‬ ‫وشركات وأجهزة خفّية وعلنّية ‪ ،‬وجيوشا ً زاحفة بعددها وع ّ‬
‫ددة من الفتن تفرضها حينا ً بالقوة والكراه ‪ ،‬وحينا ً‬ ‫تحمل كلها أشكال ً متع ّ‬
‫م صاروا‬ ‫َ‬
‫بالزينة الفاتنة والزخرف الكاذب ‪ ،‬فألفها الكثيرون حتى اتبعوها ‪ ،‬ث ّ‬
‫من دعاتها ‪.‬‬
‫خ ‪ -‬وهاجت العصبيات الجاهلّية التي حّرمها الله ورسوله وامتدت ‪.‬‬
‫ل بما‬‫لمة أقطارا ً وشيعا ً ‪ ،‬ودار الصراع والشقاق ‪ ،‬وفرح ك ّ‬ ‫د ‪ -‬حتى تمّزقت ا ُ‬
‫دماء في المجازر‬ ‫وة وسقطت الديار ‪ ،‬وتدّفقت ال ّ‬ ‫لديه ‪ ،‬فوهنت الق ّ‬
‫المتلحقة ‪ ،‬وتوالت الهزائم والفواجع ‪ ،‬ووقف الكثيرون أمام ذلك حيارى‬
‫ل هو من عند أنفسكم ! ‪.‬‬ ‫يتساءلون ‪ :‬أّنى هذا ؟! ق ْ‬
‫ذ ‪ -‬غياب النهج والتخطيط وغلبة الرتجال وردود الفعل النية ‪ ,‬وكثرة‬
‫الشعارات التي ل تجد لها رصيدا في الواقع ‪ ,‬وتبديل الشعارات مع تبدل‬
‫الواقع لتسويغ الهزائم أو لتغطيتها ‪.‬‬
‫ر ‪ -‬كثرة الجدل والمراء في المجالس التي يقتل فيها الوقت ‪ ,‬دون تنظيم‬
‫للوقت ول تدبير له ‪ ,‬حتى أصبح الوقت من أهم ما ضيعه المسلمون ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬الخلل في منهج التفكير ‪ :‬فل ات ّب ِعَ النهج اليماني للتفكير الذي يدعو إليه‬
‫الكتاب والسنة وقواعد اليمان والتوحيد ‪ ,‬ول النهج المادي المحض ‪,‬‬
‫فاضطربت التصورات ‪ ,‬وزادت الخلفات ‪ ,‬وكأن التفكير فقد ضوابطه وتفّلت‬
‫في متاهات واسعة ‪.‬‬
‫س ‪ -‬اجتمعت هذه العوامل كلها ‪ ,‬فهبط النتاج في ميادين كثيرة ‪ ,‬وضعفت‬
‫دة التي أمر‬ ‫القوى ‪ ,‬وفاجأتنا الحداث ‪ ,‬وليس لدينا النهج ول الخطة ‪ ,‬ول الع ّ‬
‫الله بإعدادها ‪.‬‬
‫‪ -4‬أهم وسائل العلج ‪:‬‬
‫قا النجاة من فتنة الدنيا وعذاب الخرة‬ ‫ً‬ ‫أ‪ -‬الوقفة اليمانية ‪ :‬فإذا كنا نريد ح ّ‬
‫على طاعة لله ‪ ،‬وإذا كنا نريد النصر حقا ‪ ,‬و نؤمن أن النصر من عند‬
‫ليمانية الصادقة ‪ ،‬لنبحث عن سبيل النجاة في‬ ‫الله ‪ ،‬فل بد ّ من الوقفة ا ِ‬
‫سُبل شتى لعداء‬ ‫منهاج الله ‪ ،‬إن كنا نؤمن بالله واليوم الخر ‪ ،‬ل في ُ‬
‫الله ‪ ،‬الوقفة التي نطرح عنا فيها الكبر والغرور والعجاب بالنفس ‪،‬‬
‫وتنافس الدنيا ‪ .‬ومن خلل هذه الوقفة ندرس واقعنا ونرده إلى منهاج‬
‫الله ‪ ,‬كما ذكرنا ‪ ,‬ونحدد أخطاءنا ‪ ,‬ونرسم الخطة والنهج ‪.‬‬
‫ب‪ -‬التوبة النصوح إلى الله ‪ :‬أما وقد وقفنا الوقفة اليمانية ‪ ,‬ودرسنا‬
‫واقعنا ‪ ,‬وحددنا أخطاءنا ‪ ,‬فل بد من التوبة النصوح إلى الله ‪ ,‬لتكون‬
‫نفوسنا ميداننا الول ‪ ,‬ومعركتنا الولى ‪ ,‬في مجاهدة ممتدة للنفس‬
‫ماضية ل تتوقف ‪.‬‬
‫ً‬
‫)) ‪ ...‬وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ((‬
‫] النور ‪[ 31 :‬‬
‫ج‪ -‬صدق اليمان والتوحيد وصفاؤهما ‪ :‬فإذا صدقت التوبة ومجاهدة‬
‫النفس مجاهدة ممتدة ‪ ,‬فعسى أن يهدي الله القلوب فيصدق إيمانها‬
‫ويصفو التوحيد ‪.‬‬
‫ح‪ -‬طلب العلم من الكتاب والسنة واللغة العربية ‪ ,‬ومعرفة التكاليف‬
‫الربانية التي سنحاسب عنها يوم القيامة ‪ :‬فمن أهم وسائل العلج‬
‫وأولها بعد صدق اليمان وصفائه أن يعرف المسلم التكاليف الرّبانّية التي‬
‫ب عليها يوم القيامة ‪ .‬فإذا كانت‬ ‫س ُ‬ ‫وضعها الله في عنقه ‪ ،‬والتي سيحا َ‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التكاليف تبدأ بالشهادتين ثم الشعائر ‪ ،‬فإن الله الذي فرض ذلك هو الذي‬
‫فرض طلب العلم على كل مسلم ‪ .‬فآيات وأحاديث كثيرة تحض على ذلك‬
‫وتأمر به ‪ .‬ففي قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫)) قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون ‪ ] (( ...‬الزمر‪[ 9 :‬‬
‫وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه عدد‬
‫من الصحابة ‪:‬‬
‫) طلب العلم فريضة على كل مسلم (‬
‫صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪3913/‬‬
‫ولقد أهمل الكثيرون من المسلمين هذا التكليف الرّباني وأهملوا تكاليف‬
‫رّبانّية ُأخرى ‪ ،‬فزاد هذا الهمال من مظاهر الخلل ‪ ،‬والفرقة ‪ ،‬والصراع‬
‫ل العداء إلى أرض السلم وحياة‬ ‫بين المسلمين أنفسهم ‪ ،‬وَتسل ّ ِ‬
‫المسلمين ‪ .‬وطلب العلم أوله منهاج الله دراسة وتدبرا وممارسة ‪ .‬فمنهاج‬
‫الله فيه النجاة ‪ ,‬وهو الحبل المتين ‪ .‬فتصبح القضية أن نحقق هذا في‬
‫الواقع ‪ ,‬فل يبقى شعارا ل رصيد له في ميادين المة وعزتها ‪ .‬ومن أجل‬
‫ذلك لبد من وضع النهج المفصل الذي يعين على تحقيق ذلك ‪.‬‬
‫د‪ -‬النهج والخطة ‪ :‬حتى يتحقق هدف ما ‪ ,‬لبد من وضع خطة تعين على‬
‫ذلك ‪ .‬وأول ما يمكن أن تعين به الخطة ‪ ,‬هو إزالة الفرقة وبناء الصف‬
‫المؤمن الواحد ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬بناء الصف المؤمن كما أمر الله ‪ :‬فقد كانت الفرقة أخطر ما يواجهه‬
‫المسلمون اليوم ‪ ،‬مخالفين بذلك أمر الله سبحانه وتعالى ِإليهم ‪:‬‬
‫)) ول تكونوا كالذين تفّرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البّينات وأولئك‬
‫لهم عذاب عظيم (( ] آل عمران ‪[ 105 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ت منهم في شيء إنما أمرهم إلى‬ ‫ن الذين فّرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لس َ‬‫)) إ ّ‬
‫الله ثم ُينبئهم بما كانوا يفعلون (( ] النعام ‪[ 159 :‬‬
‫)) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء قليل ما‬
‫كرون (( ] العراف ‪[ 3 :‬‬ ‫تذ ّ‬
‫)) واعتصموا بحبل الله جميعا ُ ‪ ] (( ...‬آل عمران ‪[ 103 :‬‬
‫)) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ً كأنهم بنيان مرصوص ((‬
‫] الصف ‪[ 4 :‬‬
‫كيف رضي المسلمون أن ينزلوا الميدان ممزقين شيعا وأحزابا ! ثم‬
‫يتساءلون لم الهزائم والهوان ‪.‬‬
‫‪ -5‬الساس الذي يلتقي عليه المؤمنون ‪:‬‬
‫من أجل ذلك ‪ ،‬ولما كانت المآسي والفواجع والهزائم آخذه بالتزايد ‪ ،‬فإننا‬
‫صل واحد نابع من الكتاب والسنة‬ ‫ندعو ِإلى أن يلتقي المؤمنون على نهج مف ّ‬
‫ب لحاجة الواقع ‪ ،‬يلتزمه الفرد المسلم والبيت المسلم ‪ ،‬والجماعة‬ ‫مل ّ‬
‫وة الخاتمة التي بنت جيل الصحابة البرار‬ ‫والمة ‪ ،‬على غرار مدرسة النب ّ‬
‫صل يحمل الهداف الربانّية والطريق الموصل‬ ‫رضي الله عنهم ‪ ،‬نهج مف ّ‬
‫إليها ‪ ،‬والساليب والوسائل ‪ .‬ففي الحديث الصحيح للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫ضوا‬‫)) ‪ . . .‬عليكم بسّنتي وسّنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ‪ ،‬عُ ّ‬
‫عليها بالنواجذ ‪ ] (( .‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪[ 2549 :‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سّنة هنا الطريقة والنهج ‪ ،‬وليست مجرد أعمال متفّرقة ل رابط بينها‬ ‫ومعنى ال ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ن هذا النهج مترابط متماسك يرسم صراطا مستقيما واحدا يجمع‬ ‫‪ .‬إِ ّ‬
‫فا ً واحدا ً‬‫المؤمنين الصادقين الذين يريدون الله ورسوله والدار الخرة ص ّ‬
‫كالبنيان المرصوص ‪ ،‬وأمة واحدة متماسكة ‪:‬‬
‫ن هذا صراطي مستقيما ً فاّتبعوه ول ت َّتبعوا السبل فتفّرق بكم عن سبيله‬ ‫)) وأ ّ‬
‫ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (( ] النعام ‪[ 153 :‬‬
‫صل يؤلف بين القلوب ‪،‬‬ ‫ندعو إلى أن يلتقي المؤمنون المتقون على نهج مف ّ‬
‫ويجمع العزائم ‪ ،‬ويوقظ الهمم ‪ ،‬ذلك كله بأمر الله ومشيئته ‪ .‬وحين يعلم الله‬
‫الصدقَ في قلوب عباده ووفاءهم بما عاهدوا الله عليه ‪ ،‬فإنه يفي بوعده لهم‬
‫وينزل نصره عليهم ‪:‬‬
‫)) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ((‬
‫] غافر ‪[ 51 :‬‬
‫صلة تحمل النظرية والهداف والمناهج‬ ‫دم هذا النهج بدراسات مف ّ‬ ‫إننا نق ّ‬
‫التطبيقية والنماذج العملية ‪ ،‬نابعة كلها من الكتاب والسّنة ملبّيه لحاجة الواقع‬
‫بإذن الله ‪ .‬ومن أول ما يهدف إليه هذا النهج هو نجاة المسلم من فتنة الدنيا‬
‫ي على الصراط المستقيم‬ ‫ومن عذاب الخرة ‪ ،‬وتزويده بما يعينه على المض ّ‬
‫لتحقيق الهداف الربانّية الثابتة ‪ :‬فمع الشهادتين والشعائر ودراسة منهاج الله‬
‫وتدبره والتدرب على ممارسته ‪ ,‬يأتي التكليف الرباني بتبليغ دعوة الله إلى‬
‫الناس كافة كما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وتعهد الناس عليها‬
‫تربية وبناء ‪ ,‬وبناء الجيل المؤمن ‪ ,‬ثم الجهاد في سبيل الله وبناء المة‬
‫المسلمة الواحدة التي تكون فيها كلمة الله هي العليا و نشر حضارة اليمان‬
‫والتوحيد في الرض كلها ‪.‬‬
‫ل بد من أن نغير ما بأنفسنا من خلل هذه الخطوات والمراحل ‪ ,‬حتى تكون‬
‫أقرب إلى طاعة الله وأدنى إلى التقوى ‪ .‬ل بد أن نغير ما بأنفسنا أول ً ‪:‬‬
‫)) إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( ] الرعد ‪[ 11 :‬‬
‫ذلك ليكون هذا النهج بتفصيلته الساس الصلب للقاء المؤمنين على صراط‬
‫مستقيم بينه الله لنا وفصله ‪.‬‬
‫ن الله قد فتح بابهما ومد ّ‬ ‫قا ‪ ,‬فإ ّ‬ ‫ً‬ ‫أيها المسلمون ! إذا أردتم النجاة والنصر ح ّ‬
‫الصراط إليهما‪ ،‬ويبقى عليكم أن ت َِلجوا الباب وتمضوا على الصراط‬
‫المستقيم ‪ ،‬ول يلج الباب إل من أوفى بالعهد والمانة ‪.‬‬
‫وأّول ذلك التوبة الصادقة ‪:‬‬
‫)) ‪ ...‬وتوبوا إلى الله جميعا ً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ‪(( .‬‬
‫] النور ‪[ 31 :‬‬
‫وجاهدوا لنفسكم ‪:‬‬
‫ي عن العالمين ‪(( .‬‬ ‫ن الله لغن ّ‬ ‫)) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إ ّ‬
‫] العنكبوت ‪[ 6 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وجاهدوا أنفسكم حتى تكونوا أمة واحدة وصفا واحدا ‪:‬‬
‫) المجاهد من جاهد نفسه في الله ( ] صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪6679 :‬‬
‫[‬
‫فكم ‪ ،‬وضعوا نهجكم وخطتكم ‪،‬‬ ‫دتكم ‪ ،‬واجمعوا ص ّ‬ ‫دوا ع ّ‬
‫وخذوا زادكم ‪ ،‬وأع ّ‬
‫وجاهدوا أعداء الله ‪:‬‬
‫دوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله‬ ‫)) وأع ّ‬
‫وعدّوكم وآخرين من دونهم ل تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في‬
‫ف إليكم وأنتم ل تظلمون ‪ ] (( .‬النفال ‪[ 60 :‬‬ ‫سبيل الله يو ّ‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فا ً واحدا ً وجاهدوا في سبيل الله على نهج واضح مح ّ‬


‫دد‬ ‫وانزلوا الميدان ص ّ‬
‫مة ترفع الشعار ل ليكون‬
‫ددة على صراط مستقيم ‪ ،‬أ ّ‬ ‫وأهداف واضحة مح ّ‬
‫وحده ‪ ،‬وإنما ترفع الشعار وتمضي على الخطة والنهج ‪ .‬فمن شروط الجهاد‬
‫في سبيل الله أن يكون الدرب جليا والهداف ربانّية محددة ‪ ،‬والدرب يوصل‬
‫إلى الهدف ‪ ،‬حتى ل نكتشف بعد حين أن الهدف في ناحية والمسيرة في‬
‫ناحية ‪ ،‬ولت ساعة مندم ‪ .‬فالجهاد في سبيل الله نهج وخطة ‪ ،‬وإعداد وبناء ‪.‬‬
‫وبذل بالمال والنفس ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والجهاد في سبيل الله فرض على المة المسلمة منذ أن نزلت آياته من عند‬
‫الله على محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬جهادا ً ماضيا ً إلى يوم القيامة ‪ .‬وهو‬
‫ف قادرٍ ليس له عذر في دين الله أن‬ ‫ل مسلم ٍ مكل ّ ٍ‬ ‫ض كذلك على ك ّ‬ ‫جهاد ٌ فر ٌ‬
‫ّ‬
‫يتخلف ‪ .‬وترتيب الجهاد وتنظيم صفوفه ومراحله ل يعطله ول ينحرف به ‪.‬‬
‫صله ‪ ،‬ويقظة ووعي ‪،‬‬ ‫فالجهاد نهج وخطة على صراط مستقيم بّينه الله وف ّ‬
‫وعدة وقوة ‪ ،‬وقبل ذلك كله عقيدة وإيمان ويقين ‪.‬‬
‫دوا لِلجهاد ولم ُيدّربوا عليه ‪ ،‬وتاهوا بين‬ ‫فالمليين من المسلمين اليوم لم ي ُعَ ّ‬
‫النظم الغربية الوافدة الزاحفة وبين أهواء الدنيا وشهواتها ‪ .‬وكان الصف‬
‫وة الخاتمة يتألف من النبي صلى الله عليه‬ ‫الول من المجاهدين زمن النب ّ‬
‫من الصحابة رضي الله عنهم ‪ .‬وكان الفتيان‬ ‫وسلم وكبار العلماء والفقهاء ِ‬
‫وة الخاتمة ‪ ،‬ل يتخلف‬ ‫يتسابقون ِإلى الجهاد ِ في سبيل الله في مدرسة النب ّ‬
‫عن الجهاد أحد ‪ .‬وإننا لنتساءل لماذا لم تعد المة عدتها خلل هذه السنين‬
‫الطويلة حتى فاجأتها الحداث الدامية والهزائم المتوالية والهوان الكبير ؟ !‬
‫دة الصادقة كما أمرنا الله ؟!‬ ‫ولماذا ل تنطلق في هذه المرحلة لتعد ّ الع ّ‬
‫وكلمة الجهاد في سبيل الله تجمع في آن واحد بين بذل المال والنفس في‬
‫جميع آيات الكتاب الكريم ل ُيفّرقُ بينهما ‪ .‬فمعنى في سبيل الله أن يكون‬
‫ددا ً ‪ ،‬وأن تكون الهداف كلها‬ ‫ددا ً ‪ ،‬والطريق الموصل إليه مح ّ‬ ‫الهدف مح ّ‬
‫ترتبط بالهدف الرباني الوسع ‪ " :‬أن تكون كلمة الله هي العليا " ‪ ،‬حتى ل‬
‫نكتشف بعد حين أن الهدف كان شعارا ً فحسب ‪ ،‬وأنه كان في ناحية‬
‫والمسيرة في ناحية أخرى ‪.‬‬
‫فاجمعوا صفوفكم صفا ً واحدا ول تفّرقوا ‪ ،‬وأعدوا كل ما تستطيعونه من‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫م انفروا خفافا ً وثقال ً ‪ .‬فإن نكصتم فل تلوموا إل أنفسكم فالخطر‬ ‫القوة ‪ ،‬ث ّ‬
‫يتسع ويمتد ّ ‪:‬‬
‫)) انفروا خفافا ً وثقال ً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير‬
‫لكم ِإن‬
‫كنتم تعلمون ‪ ] (( .‬التوبة ‪[ 41 :‬‬
‫أيها المسلمون ! ل تخافوا على السلم ‪ ،‬فقد سبقت كلمة الله في أن ُيظهَِر‬
‫السلم على الدين كله ولو كره الكافرون والمشركون والمجرمون ‪ ،‬ولكن‬
‫خافوا على أنفسكم قبل أن يأتي عذاب من الله شديد ‪.‬‬
‫)) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫المشركون ((‬
‫] التوبة ‪[ 33 :‬‬
‫‪2/2/1423‬هـ‬
‫‪15/4/2002‬م‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بين التقليد والتجديد‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫ي فتاة من إحدى البلد العربّية تسأل وتقول ‪ :‬قرأت في إحدى‬ ‫كتبت ِإل ّ‬
‫دح كثيرا ‪ ،‬وأشاد الكاتب بجمال اليقاع‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬‫الصحف عن ديوان لك حيث ُ‬
‫الموسيقي ‪ ،‬وقوة التركيب ‪ ،‬وجمال الصور ‪ ،‬وترابط القصيدة ‪ ،‬ولكن قال‬
‫بعد ذلك ‪ :‬إل أن هذا الشعر عموديّ تقليدي ليس فيه تجديد كشعر النثر‬
‫م سألت ‪ :‬ما هو التقليد وما هو التجديد ‪ ،‬وما‬ ‫والتفعلية ‪ .‬إلى آخر الكلم ‪ ،‬ث ّ‬
‫هو ميزان ذلك ؟‬
‫وحدثت مواقف أخرى سيرد ذكرها في هذه الكلمة ‪ ،‬دار فيها الحوار حول‬
‫التقليد والتجديد وميزان ذلك ‪.‬‬
‫قبل كل شيء ل بد من أن أصحح خطأ شاع على اللسن وفي الصحافة ‪،‬‬
‫ولدى عدد من الدباء ‪ ،‬حين يستخدمون كلمة " الشعر العمودي " ‪ ،‬بمعنى‬
‫الشعر الموزون المقفى ‪ .‬وهذا استعمال خاطئ ‪ ،‬لن هذا المصطلح الفني‬
‫لم نضعه نحن ‪ ،‬وإنما وضعه أجدادنا الدباء المسلمون ‪ .‬لم يكن للوزن‬
‫والقافية علقة بمصطلح " الشعر العمودي " أو " عمود الشعر " ‪ ،‬لن الوزن‬
‫والقافية لم يكونا موضع بحث أو خلف في موضوع الشعر ‪ ،‬فالشعر عندهم ‪،‬‬
‫عندما وضعوا المصطلح ‪ ،‬كان يعني الكلم الموزون المقفى ‪ ،‬والكلم الذي‬
‫ص المعاجم على ذلك ‪،‬‬ ‫شُرف بالوزن والقافية وتمّيز بهما عن النثر ‪ ،‬كما تن ّ‬ ‫َ‬
‫وابن خلدون ‪ ،‬ومراجع أخرى كثيرة ‪ .‬وكانوا يعون أن الشعر ليس وليد عاطفة‬
‫شُعر بمعنى‬ ‫ن‪،‬و َ‬ ‫فحسب لنهم يعرفون معنى كلمة شعر بأنه ‪ :‬عَل َ َ‬
‫م وفَط ِ َ‬
‫لدبي المعاصر بين الهدم‬ ‫أجاد ‪ ،‬كما أشرت إلى ذلك في كتابي ‪ " :‬النقد ا َ‬
‫ُ‬
‫والبناء " ‪ .‬عمود الشعر يعني الخصائص الفنّية التي تتوافر في الشعر العربي‬
‫ليرقى في درجات البداع والجادة ‪.‬‬
‫لقد اعتبر أبو القاسم الحسن بن بشر المدى ) ت ‪370‬هـ ( في كتابه "‬
‫الموازنة " أن عمود الشعر هو طريقة البحتري ‪ ،‬وبين أهم معالم طريقته ‪.‬‬
‫دد عمود الشعر بست‬ ‫أما القاضي عبد العزيز الجرجاني )ت‪392:‬هـ( فقد ح ّ‬
‫نقاط ‪ " :‬شرف المعنى وصحته ‪ ،‬وجزالة اللفظ واستقامته ‪ ،‬إصابة الوصف‬
‫‪،‬المقاربة في التشبيه ‪ ،‬الغزارة في البديهة ‪ ،‬كثرة المثال السائدة والبيات‬
‫الشاردة " ‪ .‬ونلحظ هنا أنه لم يتطّرق إلى وجود الوزن والقافية أو عدم‬
‫دد‬
‫وجودهما ‪ .‬ولما جاء أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي )ت ‪421‬هـ( ح ّ‬
‫عمود الشعر بسبع نقاط ‪ " :‬شرف المعنى وصحته ‪ ،‬جزالة اللفظ‬
‫واستقامته ‪ ،‬الصابة في الوصف ‪ ،‬المقاربة في التشبيه " ‪ ،‬فقد وافق‬
‫الجرجاني في هذه النقاط الربع ‪ ،‬وأضاف ثلثا ً أخرى ‪ " :‬التحام أجزاء النظم‬
‫والتئامها على تخّير من لذيذ الوزن ‪ ،‬مناسبة المستعار منه للمستعار له ‪،‬‬
‫دة اقتضائهما للقافية حتى ل منافرة بينهما " ‪.‬‬ ‫مشاكلة اللفظ وش ّ‬
‫دد‬
‫ّ‬ ‫المح‬ ‫الوزن‬ ‫بغير‬ ‫شعر‬ ‫ول‬ ‫‪،‬‬ ‫العمودي‬ ‫الشعر‬ ‫هو‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬ ‫هذا هو عمود الشعر‬
‫والقافية المحددة فذلك نثر في جميع حالته ‪ .‬هذه هي اللغة العربّية وهذا‬
‫شعرها ‪ ،‬وهذا من ثوابتها ‪.‬‬
‫ن مصطلح " عمود الشعر " الذي اعتمد عليه المدي هو ما كان شائعا ً في‬ ‫إ ّ‬
‫عصره ‪ ،‬معتمدا لدى الدباء من تأليف حلو ‪ ،‬ونظم حسن ‪ ،‬وديباجة ذات‬ ‫ً‬
‫الرونق ‪ ،‬مما وجده بارزا ً في شعر البحتري ‪.‬‬
‫لقد كان هناك مصطلحات محددة تعّبر عن حقائق فكرّية وأدبية في مختلف‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الميادين ‪ .‬وكان الوضوح والدقة معلما ً ظاهرا ً في ذلك ‪.‬‬


‫أما اليوم فقد اختلطت المصطلحات ‪ ،‬واختلطت دللتها ‪ ،‬وزاد المر سوءا ً ما‬
‫ذاها العلم‬ ‫طرحته الحداثة والعلمانّية ومذاهبهما من مصطلحات ومواقف غ ّ‬
‫كثيرا ً ‪ ،‬وبخاصة العلم الغربي بأشكاله المتعددة ووسائله المتنوعة ‪ ،‬حتى بدا‬
‫كأنه طوفان ! ‪.‬‬
‫َ‬
‫ظهرت مصطلحات ‪ :‬الصالة ‪ ،‬المعاصرة ‪ ،‬التقليد ‪ ،‬التجديد ‪ ،‬التطور‪،‬‬
‫والحداثة ‪ ،‬النمو ‪ ،‬وغير ذلك من المصطلحات التي ظّلت " عائمة " ل تحمل‬
‫ددا ً ‪ ،‬أو تحمل معاني مختلفة ‪ ،‬كل معنى يمّثل طائفة ‪ ،‬يدور بْينها‬ ‫معنى مح ّ‬
‫الصراع ‪.‬‬
‫منذ القرن التاسع عشر أخذت تظهر بوادر هذا الغزو ‪ .‬ونشأت طائفة تدعو‬
‫إلى تبعّية كاملة للغرب ‪ :‬فكرا ً وسلوكا ً وعادات ‪ ،‬أدبا ً واقتصادا ً وسياسة ‪.‬‬
‫وظهر ذلك في مرحلة كان المسلمون فيها ضعفاء ‪ ،‬فأثر الغزو فيهم تأثيرا ً‬
‫كبيرا ً ‪ ،‬وظّلت المصطلحات تترّدد في تناقضاتها أو تغيب عائمة دون وضوح ‪.‬‬
‫واضطرب بذلك الميزان في أيدي الكثيرين ‪.‬‬
‫ن ؟ ! وما المقصود‬ ‫م ْ‬
‫ما المقصود بالتقليد ؟ ! وإذا كان هناك تقليد فتقليد َ‬
‫بالتجديد ؟ ! وإذا كان هناك تجديد فما هو نهجه ؟ ! وما هو ميدان التقليد‬
‫والتجديد ؟ ! هل هو محصور في شكل القصيدة العربّية ؟ ! هل هو في‬
‫ميدان الشعر فحسب ؟ ! هل هو في ميدان الدب كله ؟ ! هل هو في الفكر‬
‫كله وفي السعي والعمل ؟ ! وما ميزان ذلك ؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قها ‪ ،‬ورمى بيننا ما يشغلنا عن حقيقة‬ ‫العالم انطلق في أجواء الفضاء يش ّ‬


‫شِغلنا قرابة قرنين بمثل هذه القضايا حتى أصبح‬ ‫النمو والتطور والتجديد ‪ُ .‬‬
‫التجديد يعني " التبعّية العمياء " للغرب في قضايا ل تبني مستقبل المة ‪ .‬ك ّ‬
‫ل‬
‫الصراخ والدويّ من أجل اتباع الغرب أورثنا نماذج الملبس وقشور الفكر‬
‫واضطراب الرؤية ‪ .‬والعجيب العجيب أننا لم نحرص على أن يكون التجديد‬
‫هو إعداد القوة ونمو الصناعة وامتلك أسبابها ‪ ،‬حتى ظل العالم السلمي‬
‫بصورته العامة واهيا ً متخلفا ً لم يسعفه شكل القصيدة ‪ ،‬ول ما يسمى بالشعر‬
‫الحّر ‪ ،‬ول شعر التفعيلة ‪ ،‬ول مساواة المرأة بالرجل ‪ ،‬ول شعارات‬
‫الديمقراطية وغيرها ‪ ،‬وإنما زادت الخلفات حول هذه القضايا ‪ ،‬وبقى‬
‫المسلمون في وهن وهزائم وخذلن !‬
‫دد موقف الديب أو الشاعر أو المفكر من التجديد أو التقليد يجب‬ ‫قبل أن نح ّ‬
‫دد ميزان ذلك ومراجعه ‪.‬‬ ‫دد ما هو المقصود بالتجديد والتقليد ‪ ،‬وأن نح ّ‬ ‫أن نح ّ‬
‫ي وحداثته ‪ ،‬واعتبروا ذلك هو‬ ‫أهل الحداثة اّتبعوا مذاهب الغرب العلمان ّ‬
‫التجديد وهو ميزانه ‪ .‬اتبعوه في تبعّية عمياء ‪ ،‬حتى في ما يخالف السلم‬
‫صراحة ‪ .‬وحاربوا كل قديم في أمتنا بنصوص صريحة ‪ ،‬ومن بينها الدين‬
‫واللغة ! وأعلن بعضهم كلمة الكفر صريحة مدوّّية ‪ .‬ولكنهم استثنوا من‬
‫القديم كله أساطير اليونان وخرافاته التي ظلت تمثل محورا ً في أدبهم‬
‫وفكرهم ‪ ،‬وفي الفكر الغربي العلماني ‪ .‬ولقد أثر هذا التجاه في واقعنا ‪،‬‬
‫دعي محاربة الحداثة ‪ ،‬ولكنه في حقيقة أمره تابع لها‬ ‫حتى أصبح بيننا من ي ّ‬
‫دعي محاربة الغرب والعلمانية ‪ ،‬ولكنه تابع للعلمانية‬ ‫ناشر لمذاهبها ‪ ،‬أو ي ّ‬
‫فكرا ً وعاطفة سواء أدرك ذلك أم لم يدرك ‪.‬‬
‫في مؤتمر إسلمي كان موضوع المحاضرة " السلم مطابق للعلمانّية في‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مقاصده " ‪ .‬كان عدد الحضور يزيد عن عشرة آلف مستمع ‪ .‬وضرب‬
‫المحاضر أمثلة على تطابق المقاصد فقال ‪ :‬السلم يبيح الزواج بأكثر من‬
‫واحدة ‪ ،‬القانون الغربي هنا يمنع الزواج بأكثر من واحدة ‪ ،‬ولكن السلم ل‬
‫يفرض عليك الزواج بأكثر من واحدة ‪ ،‬فالتشريعان متطابقان ‪ .‬والسلم‬
‫ي يبيح الخمر ‪ ،‬ولكنه ل يفرض شرب الخمر ‪،‬‬ ‫يحّرم الخمر والغرب العلمان ّ‬
‫فالتشريعان متشابهان ‪.‬‬
‫ولم يقف المر عند مجّرد محاضرة مثل هذه المحاضرة وأمثالها كثير ‪ ،‬ولكنها‬
‫ت‬‫كانت مقالت صريحة وحوارا ً طويل ً حول ذلك حملتها مجلة المجتمع ‪ ،‬وردد ُ‬
‫عليها ‪ ،‬واستغرق الحوار زمنا ً حتى توقف ‪.‬‬
‫والمر لم يقف عند محاضرة أو مقالة أو حوار ‪ ،‬ولكنه واقع نشاهده في‬
‫ددة ‪ ،‬نقلد فيها الغرب تقليد هوى وضياع ‪ .‬انظر ِإلى ما‬ ‫مظاهر وحقائق متع ّ‬
‫شاع في العالم السلمي من رقص وغناء ‪ ،‬وإباحية تحملها الصحف‬
‫ً‬
‫والمجلت والفضائيات ‪ ،‬وكذلك الممارسة في الواقع ‪ .‬وحسبك مثل على ذلك‬
‫التقليد العمى فيما نشاهده من موضوع " سوبر ستار " وما رافقه من‬
‫ى من التنافس‬ ‫حشود المليين التي انهمكت في إدلء الصوات في حم ّ‬
‫مجنونة ‪ ،‬ثم في حشود تجتاح الشوارع لتكريم واحدة هنا ‪ ،‬ولتهنئة الفائزة‬
‫هناك ‪:‬‬
‫كم من مهرجان في الديار تفّتحت‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫أبوابه لمّهرج وممّثل‬
‫ة‬
‫جعلوا "الفنون" هوى النفوس وفتن ً‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫هاجت وعرضا للهوى المتبذ ِ‬
‫رقصا ً يدور به العراة ُ على غنـ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ل‬
‫مب َد ّ ِ‬
‫ـناء في دوار للرؤوس ُ‬
‫في كل ساح حفلة يعلو بها‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫نجم بأنغام الهوى ! كم محفل‬
‫كم من نواد ضاع في غمراتها‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫شرف وغابت في هوان أرذل‬
‫ن‬
‫" دنيا الفنون " ! وقد أشاح الف ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫س ارحلي‬ ‫عنها واستدار وقال يا نف ُ‬
‫سقطت بأمواج الرذيلة واعتلت‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬
‫قمم الفجور وكل أمر مخب ِ‬
‫ويحي أتصحو أمة من سكرة‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫طالت ومن عيش يمّر سبهلل )‪(1‬‬
‫م في الرض أمة أحمد‬ ‫إن لم تق ْ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ل مؤمل‬ ‫خاب الرجاء وضاع ك ّ‬
‫ً‬
‫وأقول في قصيدة ‪ :‬أعلى طريق القدس ‪ :‬ردا على " ملحمة على طريق‬
‫القدس " التي دعا إليها بعض الفنانين ‪:‬‬
‫وعلى طريق القدس تنطلق الفنـ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ب‬ ‫ً‬
‫ـون هوى وألحانا تموج وتطر ُ‬
‫ة‬‫لك يا فلسطين الحبيبة رقص ٌ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ب‬
‫هاجت تهّز من النهود وتعر ُ‬
‫لك يا ربى القدس الحبيبة هِّزة‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ب‬‫من كل قد ّ مائس يثوث ْ ُ‬
‫مة الفنو‬ ‫أعلى طريق القدس ملح ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ب‬‫ن وحشدها وهوى يتيه وُيعر ُ‬
‫عجبا ً يصوغون الملحم رقصة‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ب‬‫خ ُ‬‫ج وتص َ‬ ‫دارت وآلت تض ّ‬
‫وتقول راقصة رميت على العدى‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫دم ركنهم ويخّرب‬ ‫ً‬
‫رقصا ُيه ّ‬
‫ويقول فنان دفعت على العدى‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ب‬
‫لحنا يصد جيوشهم وُيغي ّ ُ‬ ‫ً‬
‫فإذا العدوّ جحافل ومدافع‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ب‬
‫سر ُ‬‫دّوت ودباباته تت ّ‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويجئ دور الدب ! يتسللون به تسل ّل ً خفي ّا ً ثم علنية ‪ ،‬ويستغلونه أسوأ‬


‫استغلل ‪ .‬تقول مجلة الروح الفرنسية ‪ Espirit‬في عددها يوليو ‪ /‬أغسطس‬
‫سنة ‪1977‬م ‪ ... " :‬هذا بالضافة إلى أن المؤسسات الرأسمالية تتحكم في‬
‫ألوان الثقافة والعلم ‪ ،‬وأصبحت تحتكر الرأي العام وتعّبئه لنصرة قضاياها‬
‫ومصالحها الخاصة " ‪ .‬ويقول أحدهم ‪ :‬إن السلطة القائمة على القهر قد‬
‫استفادت من إنجازات العلم والدب والثقافة ليصبح هذا كله عامل ً مساعدا ً‬
‫للبربرية والقهر ‪! " .‬‬
‫ً‬
‫وظل الدب بالنسبة للغرب العلماني والشيوعي أيضا وسيلة يتسللون بها إلى‬
‫العالم السلمي تحت ستار التجديد والتطور ‪ .‬والمثلة على ذلك في الواقع‬
‫كثيرة ‪.‬‬
‫ومن المثلة على ذلك ما يسمى بالشعر الحّر ‪ ،‬الذي وفد إلينا من الغرب ‪،‬‬
‫من العلمانّية ـ من الحداثة ‪ ،‬مصطلحا ً وشكل ً وأسلوبا ً ‪ .‬وظل الحداثيون‬
‫جة من علم أو‬ ‫يدعون إليه بإصرار ‪ ،‬حتى تبّناه بعض الشعراء دون توافر ح ّ‬
‫دين أو مصلحة ‪ ،‬وحملته كثير من الصحف والمجلت السلمية وغيرها ‪.‬‬
‫ددين ولكنهم مقّلدون ‪ ،‬قّلدوا الحداثة ‪ ،‬قّلدوا‬ ‫ك أن هؤلء ليسوا بمج ّ‬ ‫لش ّ‬
‫دعون محاربته ‪ ،‬ثم يتبّنون أفكاره ومذاهبه ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫العلمانّية ‪ ،‬قلدوا الغرب الذي ي ّ‬
‫أخذوا عن الغرب القشور وأسوأ ما لديه ‪ .‬أخذوا عنه ما نحن لسنا بحاجة إليه‬
‫وة وعزيمة ‪ ،‬ول يسد ّ فراغا ً في واقعنا ‪ .‬ولم يأخذوا العلم‬ ‫‪ ،‬وما ل يزيدنا ق ّ‬
‫الذي نحن بحاجة إليه ‪ ،‬ول الصناعة ‪ ،‬ول السلح ‪ ،‬وبقينا عالة على الغرب‬
‫العلماني الحداثي في أخطر ما يحتاجه النسان ‪ .‬وظل هذا الحال منذ قرنين‬
‫حتى يومنا هذا والغرب يفرك يديه فرحا ً بنجاحه بإشغالنا بقشور الحياة‬
‫صْرِفنا عن أسباب القوة والعزيمة ‪ ،‬والنهوض والوثوب ‪ ،‬والفاقة واليقظة ‪،‬‬ ‫و َ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫دو‬ ‫بين‬ ‫طويلة‬ ‫غفوة‬ ‫وأخذنا‬ ‫‪،‬‬ ‫لل‬‫ّ‬ ‫وتس‬ ‫انساب‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫خدر‬ ‫عروقنا‬ ‫في‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ص‬ ‫وكأنه‬
‫ت رأيي في ذلك كله بصورة جلية في‬ ‫ح‬
‫ّ ْ ُ‬‫ض‬ ‫و‬ ‫لقد‬ ‫‪.‬‬ ‫الغيبوبة‬ ‫وهتافات‬ ‫الحلم ‪،‬‬
‫دراسات متعددة منها ‪ :‬المسلمون بين العلمانّية وحقوق النسان الوضعية ‪،‬‬
‫الحداثة في منظور إيماني ‪ ،‬تقويم نظرية الحداثة ‪ ،‬السلوب والسلوبية بين‬
‫العلمانّية والدب الملتزم بالسلم ‪ ،‬الشعر المتفّلت بين النثر والتفعيلة‬
‫وخطره ‪ ،‬الدب السلمي إنسانيته وعالميته ‪ ،‬النقد الدبي المعاصر بين‬
‫الهدم والبناء ‪ .‬وكتب أخرى ‪.‬‬
‫ددين اليوم هم في الحقيقة يمثلون أسوأ أنواع " التقليد‬ ‫مون بالمج ّ‬ ‫الذين ُيس ّ‬
‫ددوا من أنفسهم‬ ‫العمى " ‪ ،‬هم قلدوا الغرب في شكل القصيدة وما ج ّ‬ ‫ّ‬
‫طلحات والمعاني واّدعوها لنفسهم ‪ ،‬وكما‬ ‫ص َ‬ ‫شيئا ً ‪ ،‬حتى إنهم سطوا على الم ْ‬
‫يقول د ‪ .‬المسدي ما معناه ‪ :‬لو قام أصحاب الحداثة الغربية من قبورهم‬
‫ورأوا كيف أنهم فقدوا حق " الريادة " حين ُنسبت إلى غيرهم ‪ ،‬لسفوا‬
‫وغضبوا لذلك !‬
‫ِإن كثيرا ً من مظاهر التجديد التي يتغنى بها الكثيرون في واقعنا اليوم هي "‬
‫مة أي خير ولم توّفر لها أيّ قوة ‪ ،‬ول‬ ‫ط ال ّ‬‫تقليد أعمى " وتبعّية عمياء لم تع ِ‬
‫تحمل أيّ انطلقة ذاتية ‪ ،‬في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى التجديد‬
‫الذي يحيي المة ‪.‬‬
‫قا ً أن نرى التجديد محصورا في شكل القصيدة ‪ ،‬وأن نرى أن‬
‫ً‬ ‫من المؤسف ح ّ‬
‫ً‬
‫أسس لغتنا وأدبنا الثابتة أصبح اتباعها يسمى تقليدا ‪ ،‬لتسويغ هبوط الموهبة ‪.‬‬
‫ِإن من أهم ما يجب أن يمّيز النسان المسلم ‪ ،‬والديب المسلم بصورة‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلق للوفاء بها في الحياة الدنيا ‪ ،‬والتي‬ ‫مة التي ُ‬ ‫خاصة ‪ ،‬أن يعرف المه ّ‬
‫ة وعبادةً وعهدا ً‬ ‫سيحاسب عليها في الخرة ‪ .‬يجب أن يعرف هذه المهمة أمان ً‬
‫قل أن الله خلقنا‬ ‫ة ليحقق في الرض حضارة اليمان والتوحيد ‪ .‬هل ُيع َ‬ ‫وخلف ً‬
‫صل ِإليها ‪:‬‬ ‫ُ َ‬‫يو‬ ‫ونتيجة‬ ‫دى‬ ‫تؤ‬
‫ُ ّ‬ ‫مهمة‬ ‫دون‬ ‫عبثا ً‬
‫) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ً وأنكم ِإلينا ل ترجعون ( ] المؤمنون ‪[ 115 :‬‬
‫وكذلك فإن الله زّود عباده بما يعينهم على تحقيق هذه المهمة إن صدقوا‬
‫ونهضوا وأوفوا بالمهمة ‪ .‬فل يعقل أن يترك الله عباده دون توفير أسباب‬
‫ة أو نارا ً ‪:‬‬‫الوفاء ‪ ،‬ويجعل النتيجة جن ّ ً‬
‫) أيحسب النسان أن ُيترك سدى ( ] القيامة ‪[ 36 :‬‬
‫ي من غيره ‪ ،‬حين‬ ‫وهذا ما يميز الديب المسلم من غيره ‪ ،‬والدب السلم ّ‬
‫خر ك ّ‬
‫ل‬ ‫ددة عليه أن يوفي بها ‪ ،‬وأن يس ّ‬ ‫يدرك المسلم أن في عنقه أمانة مح ّ‬
‫ما وهبه الله لصدق الوفاء والداء ‪.‬‬
‫ن والعلم ونعم الله كلها التي أنعم الله بها عليه‬ ‫خر الشعر والف ّ‬ ‫عليه أن يس ّ‬
‫من أجل ذلك ‪:‬‬
‫) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الرض وأسبغ عليكم‬
‫نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ول هدى ول‬
‫كتاب منير ( ] لقمان ‪[ 20 :‬‬
‫دد أمام المسلم معنى " الفن " ‪ ،‬و " الدب " ‪ ،‬و" الشعر‬ ‫من هذا التصور يتج ّ‬
‫دد معنى التقليد‬ ‫" ‪ ،‬ليجعل منه قوة وفاء ‪ ،‬وقاعدة بناء ‪ .‬من هذا التصور يتح ّ‬
‫ل تقليد الوثنية والفتنة ‪ ،‬ول يحل تحطيم السس التي يقوم‬ ‫والتجديد ‪ .‬فل يح ّ‬
‫عليها المة دينا ً ولغة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أومن أن الجهد البشري يجب أن يكون ناميا ً في الحياة الدنيا ‪ ،‬متطورا ً مع‬
‫الحياة وأحداثها ‪ .‬وأومن أن النمو والتطور يجب أن يكونا قائمين على أسس‬
‫ثابتة راسخة وجذور عميقة ل يمسها التحوير ول التحريف ‪ .‬ذلك لن هذه‬
‫ل يروي كل‬ ‫وة لكل نمو ‪ ،‬وهي النبع الفياض الذي يظ ّ‬ ‫السس هي مصدر الق ّ‬
‫عطاء نام ٍ متطور ‪ ] .‬تقويم نظرية الحداثة ‪ :‬الباب الثالث الفصل الرابع [ ‪.‬إن‬
‫المة التي ل أسس راسخة لها تظل تتيه في عواصف وظلمات وزخارف ‪ ،‬ل‬
‫دم للبشرية إل الفتنة بعد الفتنة والفساد بعد الفساد والظلم بعد الظلم‬ ‫تق ّ‬
‫والفجور بعد الفجور ‪.‬‬
‫" التجديد " يجب أن يكون ذاتي ّا ً ‪ ،‬نابعا ً من جوهر المة ورسالتها ونهجها ‪.‬‬
‫التجديد يجب أن يهب المة قوة وعزيمة ‪ ،‬ويسد ّ حاجة أساسية في نموها ‪" ،‬‬
‫التجديد " يجب أن يكون له هدف واضح ‪ .‬وبالنسبة لنا نحن المسلمين يجب‬
‫ت أن تبّلغها للناس‬ ‫ُ‬
‫أن يكون الهدف رباني ّا ً ‪ ،‬لننا أمة تحمل رسالة رّبانّية أ ِ‬
‫مَر ْ‬
‫كافة ‪.‬‬
‫" التجديد " يستفيد من التجارب البشرّية بما يدخل في حاجة المة ليزيدها‬
‫قوة وعزيمة وعزة ‪ ،‬ل ليشغلها عن عظائم المور ‪ ،‬ويرميها بسفسافها ‪.‬‬
‫وأضرب مثل ً لمفهومين مختلفين للتجديد والنمو والتطور ‪ .‬فلو نظرنا ِإلى‬
‫دد مع اليام في موسمه ‪ .‬فالورد ينمو‬ ‫شجرة طبيعّية تحمل الورد الذي يتج ّ‬
‫من الشجرة نفسها ‪ ،‬من جذورها وَأغصانها وأوراقها ‪ ،‬ومن تربتها ورّيها ‪ ،‬وما‬
‫تلقاه من جهد وعناية ‪ .‬هذه العوامل كلها تعمل لتخرج الوردة في أجمل‬
‫صورها آية من آيات الله ‪ .‬أفنقول عن هذه الوردة ومثيلتها إنها شيء قديم ‪،‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنه تقليد ‪ ،‬نريد أن نبحث عن جديد ؟ ! نعم ! هذا ما اتجهت ِإليه مذاهب‬
‫الحداثة ‪ .‬فهذا " مايا كوفسكي " زعيم الحركة المستقبلية يدعو الشمس‬
‫لتنزل إليه وتشرب معه كوبا ً من الشاي ‪ ،‬كل ذلك كي يعيق شروقها وغروبها‬
‫البديين ‪ .‬يريد تجديد حركة الشمس ‪.‬‬
‫ومارينيتي اليطالي رئيس الحركة المستقبلية في إيطاليا وجماعته وعدوا‬
‫بتجديد عجيب ‪َ ،‬أل وهو ابتكار ما أسموه " الخيال اللسلكي " الذي سيتمخض‬
‫عن توليف متجانس لعناصر الكون التي يمكن احتواؤها عن طريق نظرة‬
‫دمة لكتابه " زانك تم تم " بعنوان ‪" :‬‬ ‫خاطفة واحدة ‪َ .‬ووضع مارينيتي مق ّ‬
‫تحطيم النحو ـ خيال ل سلكي ـ كلمات حرة " ! وتريد الحركة المستقبلية أن‬
‫تفّرغ الكلمات من معانيها ‪ ،‬واليد التي تكتب تنفصل شعوريا ً عن الجسم‬
‫والدماغ ‪ ،‬حتى تكتب وهي متفّلتة من أي ضوابط من الجسم أو الدماغ ‪.‬‬
‫فيضع بعضهم المقاطع الشعرية مثل سي سي سي سي سي سي ‪ ،‬ليتحول‬
‫الشعر إلى مقاطع صوتية ل معنى لها ‪ ،‬وكذلك النثر ‪ ،‬ومن هذا الجو ‪ ،‬من‬
‫هذا الجوّ ظهر تعبير الشعر الحّر ابتكره " كوستاف كان " فأعجب به‬
‫مارينيتي وعّبر المستقبليون عن ذلك بقولهم ‪ " :‬بعد الشعر الحر أصبح لدينا‬
‫كلمات حّرة " ! ونجد كيف أن من حداثيي العرب من تبنى ذلك ودعا إليه‬
‫وقّلده تقليدا ً أعمى وسماه البعض تجديدا ً ‪ .‬فشاعر حداثي نظم قصيدة ‪" :‬‬
‫ستزن ستزن ستزن " تقليدا ً لقصيدة ‪ :‬سي سي ‪! ..‬‬
‫ونقل كمال أبو ديب وأدنيس وغيرهم نماذج كثيرة من ذلك ‪ ،‬وقّلدوه واتبعوه‬
‫وسموا ذلك تجديدا ً ‪ .‬وانتقلت فكرة العتماد على الصوات وتجريد الكلمات‬
‫من معانيها إلى الحركة المستقبلية في روسيا ‪ .‬فهذا شاعر يكتب ‪ :‬دربل‬
‫ِإشكل ‪ " ،‬أبشكر ‪ ،‬سكم ‪ ،‬في سوبر ‪ ،‬رل ينر " ‪ .‬وتوالت أساليب التجديد‬
‫في المذاهب الحديثة على هذا النحو ‪.‬‬
‫يصدر " مايا كوفسكى " " خليبنكوف " و " كروجونيج " و " ديفيد برليوك "‬
‫بيانا ً أسموه " صفعة في وجه الذوق العام " ! وجعلت المستقبلية محور‬
‫قضيتها السعي إلى غسل الكلمات وتطهيرها من طلء التراث الدبي ‪.‬‬
‫حداثّيي العرب مثل ‪ :‬أدونيس وكمال أبوديب‬ ‫ونسمع هذه الكلمات نفسها من َ‬
‫وغيرهما ‪ِ :‬إفراغ الكلمات من معانيها ‪ِ ،‬إلغاء القواميس ‪ِ ،‬إلغاء النحو والصرف‬
‫‪ ،‬تطهير الكلمات ‪.‬‬
‫في جلسة جانبية في أحد المؤتمرات ضم اثنين من أبناء الحركات السلمية ‪.‬‬
‫فبدأ أحدهم بمهاجمة شعر الستاذ عمر بهاء الميري رحمه الله ‪ ،‬وكذلك‬
‫بمهاجمة شعراء مسلمين آخرين ‪ .‬فعجبت وقلت له ‪ :‬من الشاعر المبدع‬
‫ب الله ورسوله ؟! ودار‬ ‫عندك ؟ قال محمود درويش ! فقلت ‪ :‬أهذا الذي س ّ‬
‫نقاش ‪ ،‬ثم قطعته لما وجدت ل جدوى منه ‪ .‬وُدعيت في إحدى البلد العربية‬
‫م عددا ً من الطالبات الجامعيات المسلمات والمدرسات‬ ‫ِإلى مجلس ض ّ‬
‫ً‬
‫الجامعيات المسلمات والساتذة أيضا ‪ .‬ثم سألتهم من الشاعر الذي تحبون‬
‫شعره ‪ :‬قالوا ‪ :‬محمود درويش ! لقد انقلبت الموازين انقلبا ً كبيرا ً ! ناقشت‬
‫وأوضحت ‪ ،‬ولكن وجدت أن الحداثة بفكرها وشكلها تسللت ِإلى قلوب كثير‬
‫ل أخذ جرعة منها ‪ ،‬تزيد هنا وتنقص هناك ‪.‬‬ ‫من المسلمين ‪ ،‬ك ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ور‬
‫وانظر ِإلى " الملحمة " في واقعنا اليوم ‪ ،‬فما زالت تحمل معظم التص ّ‬
‫اليوناني الذي ُيدّرس في معظم جامعات العالم السلمي على أنه حقيقة‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واجبة التباع ‪ .‬لقد رسخ في أذهان الكثيرين أن التجديد هو اتباع الغرب ‪،‬‬
‫دم أحد المسلمين‬ ‫والجديد هو ما أتى من الغرب ‪ .‬ورسخ كذلك أنه لو ق ّ‬
‫تصورا ً جديدا ً نابعا ً من الكتاب والسنة ‪ ،‬لغفله الناس وطرحوه وراء‬
‫ظهورهم ‪ ،‬وربما اتهموه بأنه هو التقليد ‪ ،‬وربما دار حولها الخلف والصراع ‪.‬‬
‫ت للملحمة في الدب السلمي تصورا ً جديدا ً وخصائص جديدة ‪،‬‬ ‫دم ُ‬ ‫لقد ق ّ‬
‫دم أحد الساتذة بحثه بعنوان‬ ‫دمت نماذج تطبيقية ‪ .‬وفي أحد المؤتمرات ق ّ‬ ‫وق ّ‬
‫" البناء اللغوي لنموذج من شعر الغربة السلمي ـ نموذج ‪ :‬ملحمة الغرباء‬
‫للدكتور عدنان النحوي " وكانت الكلمة قوية مؤثرة ‪ .‬وبعد النتهاء وأثناء‬
‫المداخلة قال أحدهم ‪ :‬كيف تسمي هذه ملحمة ولم تبلغ اللف من البيات‬
‫ول حملت خصائص الملحمة ‪ .‬ولكن الحوار حولها توقف ‪.‬‬
‫ثم كتبت للخ المحاضر رسالة أشرح فيها تصوري للملحمة في الدب‬
‫ي يقول ‪:‬‬‫السلمي ‪ .‬فكتب إل ّ‬
‫" رأيك سليم أدبا ً ودينا وعقل ولكن من يقبل منك هذا الرأي " ! صورة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ي لنتاج وثني‬ ‫ئ ‪ ،‬اتباعه تقليد س ّ‬ ‫واضحة لما أشرت ِإليه من رسوخ تصوّرٍ خاط ٍ‬
‫‪ ،‬نرفض الخروج عنه ‪ ،‬ولكننا في الوقت نفسه نتنازل عن الوزن والقافية‬
‫الراسخة في لغتنا وأدبنا ‪ .‬تناقض عجيب !‬
‫وأهم ملحظة أن كلمة ملحمة ترجمة خاطئة لكلمة ‪ Epicus‬أو ‪ . Epic‬وأن‬
‫الترجمة الصح هي " السطورة " ‪ ،‬لنها مبنية على الخرافات الوثنية‬
‫الفاضحة ‪.‬‬
‫وِإننا نرى التجديد الحقيقي في الحياة ‪ ،‬فكّلما تفّتحت الوردة على شجرتها‬
‫كان ذلك تجديدا ً ‪ ،‬يبعث الجمال بأحلى صوره على سنن الله الثابتة ‪ ،‬تتجدد‬
‫الحياة معها ‪ .‬وانظر إلى هذه الصورة الرائعة يعرضها لنا كتاب الله ليبّين لنا‬
‫دد الحياة وكيف يكون التجديد ‪:‬‬ ‫كيف تتج ّ‬
‫)) ‪ ...‬وترى الرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتّزت ورَبت وأنبتت من كل‬
‫زوج بهيج (( ] الحج ‪[ 5 :‬‬
‫هذه الوردة الطبيعية ‪ ،‬ل تمثل التقليد كلما طلعت ‪ ،‬وإنما تمثل الحياةَ‬
‫ة من آيات الله ‪ .‬فلو جاء أحدهم‬ ‫المتجددة ‪ ،‬تمثل التجديد بأعظم صوره ‪ ،‬آي ً‬
‫وقطع الوردة وألصق مكانها شيئا ً صناعي ّا ً غّير فيه التركيب والتنسيق ‪ ،‬حتى‬
‫ذهب جمالها الصلي ‪ ،‬أفنقول ِإن هذا تجديد ؟ !‬
‫فالشعر الحّر ‪ ) ،‬وما هو بحّر ( ‪َ ،‬أشبه بشيء صناعي ُيقلد العمل الحي‬
‫ّ‬
‫دد في الوردة ‪ ،‬ويذهب بصورته الرائعة الصيلة ‪ ،‬وتناسقه البديع ‪،‬‬ ‫المتج ّ‬
‫وعبقه الفواح الصلي ‪ ،‬ويذهب بالنغمة العبقرّية التي بنتها آلف السنين ‪،‬‬
‫دل بها عدد ل نهائي من النغام المصطنعة كما يريد ذلك أدونيس وغيره‬ ‫واسُتب ِ‬
‫‪.‬‬
‫أفيكون الشيء المصنع المقّلد تجديدا ً ‪ ،‬والوردة التي أنبتها الله تقليدا ً وشيئا ً‬
‫قديما ً ؟ !‬
‫ي نما بصورة طبيعية خلل آلف السنين ‪ ،‬ترعاه سنن الله‬ ‫إن الشعر العرب ّ‬
‫في الحياة كما ترعى اللغة العربّية بجميع خصائصها ‪ ،‬حتى إذا نزل بها الوحي‬
‫الكريم كانت قد اكتمل نضجها وبناؤها ونسيجها ‪ ،‬وثبتت جميع خصائصها نثرا ً‬
‫سر للناس تدّبر منهاج الله في جميع الجيال وجميع‬ ‫وشعرا ً ‪ ،‬حتى يتي ّ‬
‫سر للعلماء اكتشاف خصائصها الثابتة من نحو وصرف ‪،‬‬ ‫العصور ‪ ،‬وحتى يتي ّ‬
‫وبلغة وبيان ‪ ،‬وعروض وبحور ‪ِ .‬إن ثبات جميع خصائص اللغة العربية ضروري‬
‫سر للناس فهم منهاج الله ‪ ،‬وحتى يتحقق قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫حتى يتي ّ‬
‫دكر ( ] القمر ‪[ 15 :‬‬ ‫م‬
‫ّ ّ‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫فهل‬ ‫للذكر‬ ‫القرآن‬ ‫سرنا‬ ‫) ولقد ي ّ‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكيف يكون اتباع هذه الخصائص في اللغة العربية تقليدا ً ‪ ،‬واتباع الغرب‬
‫العلماني تجديدا ً ‪ .‬إن شعر التفعيلة وشعر النثر تقليد ل إبداع فيه ‪ ،‬وتبعّية ل‬
‫تجديد فيها ‪ .‬إل أن يكون ما حمل بعض الجمال الفني نثرا ً ل علقة له بالشعر‬
‫‪.‬‬
‫ولو أجزنا العدوان على الوزان والقوافي تحت شعار التجديد ‪ ،‬لجاز عندئذ‬
‫عند بعضهم المطالبة بتغيير أسس البلغة والبيان كذلك ‪ .‬وهذا ما تطلبه‬
‫الحداثة ‪.‬‬
‫ولجاز كذلك المطالبة بتغيير قواعد النحو والصرف والحرف والكتابة ‪ ،‬وهذا‬
‫ما تسعى ِإليه الحداثة ‪ ،‬وما يسعى إليه كثيرون بإلحاح ‪ .‬وقد ظهرت حركات‬
‫كثيرة تطلب تغيير القواعد والحرف والكتابة ‪ .‬وفي المدة الخيرة ظهرت‬
‫دعوة لكتابة اللغة العربية بأحرف لتينية في فرنسا ‪ ،‬وأيد بعض العرب‬
‫المسلمين ذلك ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ص الدبي حين يتولد في فطرة الديب المسلم بتفاعل القوى‬ ‫ن الن ّ‬‫إِ ّ‬
‫ص الدبي "‬ ‫المغروسة في الفطرة حسب ما توضحه " نظرية تولد الن ّ‬
‫وحسب " قانون الفطرة " )‪ (1‬التي تخرج منه هذه النظرية ‪ ،‬حين يتولد‬
‫ص يخرج عندئذ كما‬ ‫ص على هذا النحو ل يمكن أن يكون فيه تقليد ‪ .‬كل ن ّ‬ ‫الن ّ‬
‫تخرج الوردة على شجرتها ‪ ،‬كلما اهتزت الرض وأنبتت من كل زوج بهيج ‪.‬‬
‫الشاعر المسلم الذي ينشأ بين الكتاب والسنة واللغة العربّية ‪ ،‬الشاعر الذي‬
‫وهبه الله موهبة الشعر لتطلق التفاعل في فطرته ‪ ،‬تكون كل قصيدة عطاًء‬
‫دد الوردة والزهرة والثمرة ‪ .‬فكيف يكون تقليدا ً ؟‬ ‫جديدا ً ‪ ،‬يظل يتج ّ‬
‫دد كما تتج ّ‬
‫!‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دد ‪ " .‬التقليد " تعبير‬ ‫" التقليد " تعبير عن عطاء جاف مّيت ل حياة فيه ول يتج ّ‬
‫عن عطاء ل موهبة فيه ‪ ،‬ول يكون ثمرة تفاعل في ذات الشاعر أو الديب ‪.‬‬
‫ص الدبي يقومان على اليات البينات‬ ‫قانون الفطرة ونظرّية توّلد الن ّ‬
‫ل إنسان يولد على الفطرة ‪ ،‬وأبواه‬ ‫والحاديث الشريفة التي تبّين لنا أن ك ّ‬
‫صرانه أو يمجسانه ‪.‬‬ ‫ودانه أو ين ّ‬‫يه ّ‬
‫ً‬
‫وقد غرس الله برحمته وحكمته ميول وغرائز وقوى في الفطرة ‪ .‬وأهم هذه‬
‫ن هذه القوة تمثل النبع الصافي الذي يروي‬ ‫القوى " اليمان والتوحيد " ‪ ،‬وكأ ّ‬
‫سائر القوى ري ّا ً متوازنا ً حتى تقوم كل قوة أو ميل أو غريزة بالمهمة التي‬
‫م الريّ المتوازن بسبب الثام ‪ ،‬أو إذا انقطع بسبب‬ ‫خلقها الله لها ‪ .‬فإن لم يت ّ‬
‫ذلك ‪ ،‬فل تقوم هذه القوى بمهمتها ‪ .‬ومن ناحية أخرى فإن هذا النبع الصافي‬
‫لليمان والتوحيد يقوم بتصفية ما يدخل الفطرة من زاد الواقع الخارجي ‪ ،‬من‬
‫علوم وخبرة وغير ذلك ‪ ،‬حتى يظل هذا الزاد في فطرة المؤمن نقيا ً ‪ .‬والنّية‬
‫الخالصة لله هي التي تفتح نبع اليمان والتوحيد ليروي القوى والميول‬
‫والغرائز بالريّ المتوازن ‪ .‬ومن بين القوى في الفطرة قوتان كأنهما قطبان‬
‫مان هما ‪ :‬الفكر والتفكير ‪ ،‬والعاطفة والشعور ‪ .‬وعليهما تستقّر شحنات‬ ‫ها ّ‬
‫الزاد من الواقع ‪ ،‬كما تستقّر الشحنات على قطبين مغناطيسيين ‪ .‬وتنمو هذه‬
‫ددها قدر الله ‪ ،‬تصبح‬ ‫الشحنات مع نموّ زاد الواقع ‪ ،‬حتى تأتي لحظة يح ّ‬
‫الشحنات على القطبين قابلة للتفاعل ‪ ،‬فتأتي الموهبة التي يضعها الله فيمن‬
‫يشاء من عباده ‪ ،‬فتشعل التفاعل ‪ ،‬وينطلق العطاء شعلة حّية غنية على قدر‬
‫ون الشحنات‬ ‫صفاء اليمان والتوحيد وإخلص النية ‪ ،‬وعلى قدر الزاد الذي يك ّ‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونوعه ومادته ‪.‬‬


‫إن العطاء الذي يخرج من هذا التفاعل في ذات النسان ل يمكن أن يكون‬
‫ل عطاء ‪ .‬إنه التجديد الممتد‬ ‫دد مع ك ّ‬
‫ي بالحياة التي تتج ّ‬ ‫تقليدا ً ‪ ،‬لنه غن ّ‬
‫والبداع الغني على قدر ِغنى العوامل التي ولدته ‪ :‬اليمان والتوحيد ‪ ،‬النّية ‪،‬‬
‫التفكير ‪ ،‬العاطفة ‪ ،‬زاد الواقع وأهمه منهاج الله ‪ ،‬الموهبة ‪.‬‬
‫ولو أخذنا قصائد الشعراء المجيدين المبدعين قديما ً وحديثا ً ‪ ،‬ممن تخرج‬
‫ن كل قصيدة موضوع جديد‬ ‫قصائدهم محافظة على الوزن والقافية ‪ ،‬لوجدنا أ ّ‬
‫‪ ،‬وصورة جديدة وحركة جديدة إنها شيء جديد زادها الوزن والقافية للة‬
‫وجمال ً ولذلك جاءت قصيدتي ‪:‬‬
‫" للئ الشعر أوزان وقافية "‬
‫ة‬
‫ن وقاِفي ٌ‬ ‫َ‬ ‫ئ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫شعْرِ أْوزا ٌ‬ ‫لل ُ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫َ‬
‫ن وَهَِج ال ِْبداع َ أْنوارا‬ ‫م ْ‬ ‫شع ّ ِ‬ ‫تَ ِ‬
‫ت‬
‫سنين ب َن َ ْ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ن وآل ُ‬ ‫شعُْر ف ّ‬‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ت َله الَغارا‬ ‫صاغَ ْ‬ ‫ن أو َ‬ ‫ئ الوز ِ‬ ‫لل َ‬
‫ن آي َُتها‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ه ُلغ ُ‬ ‫سان ُ ُ‬ ‫لِ َ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫كبارا‬ ‫جلل ً وإ ِ ْ‬ ‫عجاُزه َداَر إ ِ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫عطاِء الشعْرِ َقاِفي ٌ‬
‫ة‬ ‫قرِيّ َ‬ ‫وَعَب ْ َ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ً‬
‫حر " ِإنشادا وإ ِْبحارا‬ ‫معَ " الب َ ْ‬ ‫جري َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت‬‫ض ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن إذا ما قلُته انت َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫شعُْر ف ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫كارا‬ ‫حَنانا ً وَت َذ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫جوارح‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫من ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫زه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نها‬ ‫لوا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ة‬ ‫صور‬ ‫في‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ َ َ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ن أوتارا‬ ‫ّ‬ ‫وحّرك َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ديع الل ْ‬ ‫ت من ب َ ِ‬
‫قها‬ ‫ن ُيطل ِ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫قةٍ عَْبقرِيّ ال َ‬ ‫وخف َ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ي الشْعر أْبكارا‬ ‫ن غَن ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َرواِئعا ِ‬
‫َ‬
‫ل َقاِفي ٍ‬
‫ة‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ست َلهَ َ‬ ‫ك َأْنها ا ْ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫شعارا‬ ‫شَعاُر أ ْ‬ ‫ج به ال ْ‬ ‫حنا تمو ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫ة‬
‫ل َراب ِي َ ٍ‬ ‫ت بالقوافي ك ّ‬ ‫وعط َّر ْ‬
‫‪...‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪...‬‬
‫دارا‬ ‫ساح وال ّ‬ ‫ت بالقوافي ال ّ‬ ‫وزي ّن َ ْ‬
‫مَها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وأ َط ْل َ َ‬
‫ج َ‬ ‫سماء الشْعر أن ْ ُ‬ ‫ت في َ‬ ‫ق ْ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ق أْقمارا‬ ‫على الفا ِ‬ ‫لِلئا ً و َ‬
‫حُته‬ ‫سا َ‬ ‫شْعر َ‬ ‫ت لل ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫كأّنما ات ّ َ‬ ‫َ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫عصارا‬ ‫حُر إ ِ ْ‬ ‫ج الب َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫حرا و ِ‬ ‫ً‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫َ‬
‫فَكا َ‬
‫ى‬
‫حْر غيُر فت ً‬ ‫ب الب َ ْ‬ ‫ن عََبا َ‬ ‫َ‬
‫ل يْركب َ ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫جلدٍ تمّرس ِإقلعا وِإبحارا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫عزم ٍ وموهِب َ ٍ‬ ‫ه كل ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫خو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫جُز المضطّر إ ِْدبارا‬ ‫وي َن َْثي الَعا ِ‬
‫عماِقه د َُررا ً‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ي َط ْل ُ ُ‬ ‫ي َُغو ُ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫صدارا‬ ‫ودا وإ ْ‬ ‫ً‬ ‫ج ْ‬ ‫وي َعَْتلي ظهَْرهُ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫شعْرِ ‪ ،‬واهِب َ ٌ‬ ‫حوُر ال ّ‬ ‫هذي " الُبحوُر "ب ُ ُ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫عمارا‬ ‫َ‬
‫صادقين عُل َيزهو وأ ْ‬ ‫ً‬ ‫لل ّ‬
‫ن ِبها َ‬ ‫صا ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫صدافا ت ُ َ‬ ‫ن ِفيها ل ْ‬ ‫وإ ِ ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫دارا‬ ‫َ َ‬‫ْ‬ ‫ق‬ ‫وأ‬ ‫وزانا‬ ‫ْ ِ ْ‬‫أ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫ئ‬‫لل ِ ُ‬
‫دد ‪ ،‬العناصر التي توّلد عطاءه‬
‫مة من ل يملك عناصر العطاء المتج ّ‬ ‫التقليد مه ّ‬
‫وتطلقه من ذاته ‪ ،‬نابعا ً من ثوابت عناصره وزاده ‪ ،‬من جذور عميقة في‬
‫وهها ول يحرفها ‪ .‬المقّلد هو من ل يملك إل أن يبحث عن هذا‬ ‫الفطرة ‪ ،‬ل يش ّ‬
‫من يظنهم القوياء فيخدع بهم حتى يكتشف أنهم‬ ‫وذاك ليقّلده ‪ .‬أو ع ّ‬
‫المنحرفون الضالون المجرمون ‪ ،‬فُيشَغل بقشورهم وزخرفهم الكاذب ‪،‬‬
‫لبداع الذي يهدي الله إليه من يشاء ‪.‬‬‫ويخفون عنه جوهر القوة وحقيقة ا ِ‬
‫)‪(6 /‬‬

‫بين آيتي الصوم‬


‫م ‪( ...‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫خي ٌْر لك ْ‬‫موا َ‬ ‫صو ُ‬
‫) ‪َ ...‬وأن ت َ ُ‬
‫سَر ‪( ....‬‬ ‫ْ‬
‫م العُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ريد ُ ب ِك ُ‬
‫سَر َول ي ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫م الي ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ريد ُ الله ب ِك ُ‬
‫وَ ) ‪ ...‬ي ُ ِ‬
‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫)) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لعلكم تتقون ‪ .‬أياما معدودات فمن كان منكم مريضا ً أو على سفر فعدة من‬
‫ن فمن تطوع خيرا ً فهو خير‬ ‫أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكي ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ‪ .‬شهر رمضان الذي أنزِل فيه‬
‫القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر‬
‫ُ‬
‫ريد ُ الله بكم‬ ‫فليصمه ومن كان منكم مريضا ً أو على سفرٍ فَعِد ّة ٌ من أيام ٍ أخر ي ُ ِ‬
‫دة ول ُِتكبروا الله على ما هداكم‬ ‫مُلوا ال ْعِ ّ‬
‫سَر وَل ِت ُك ْ ِ‬ ‫ريد ُ ب ِك ُ ُ‬
‫م العُ ْ‬ ‫اليسر ول ي ُ ِ‬
‫ولعلكم تشك ُُرون ‪ ] (( .‬البقرة ‪[ 185-183 :‬‬
‫لقد كتب الله صيام شهر رمضان على جميع المم على لسان أنبيائهم‬
‫المرسلين ‪ ،‬منذ نوح عليه السلم ‪ ،‬على طريقة قد تختلف في بعض‬
‫تفصيلتها ‪ .‬فعن عبد الله بن عمر _ رضي الله عنه _ قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬صيام رمضان كتبه الله على المم قبلكم ( ‪(1) .‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ )) :‬لقد كتب الله الصيام على كل أمة قد خلت كما‬
‫كتب علينا شهرا ً كامل ً وأياما ً معدودات عددا ً معلوما ً (( ‪(2) .‬‬
‫ول يمنع هذا أن يكون هنالك صيام آخر نافلة مثل صيام ثلثة أيام من كل‬
‫شهر ‪ ،‬أو صيام أيام معينة ‪ ،‬أو صيام كصيام داود عليه السلم ‪.‬‬
‫إل أنه وقد نصت الية الكريمة ‪ ... )) :‬كتب عليكم الصيام كما كتب على‬
‫الذين من قبلكم لعلكم تتقون ‪ .‬أياما معدودات ‪ ، (( ....‬وكذلك نص الحديث‬
‫الشريف على ذلك ‪ ،‬وجاء شرح الحسن البصري ‪ ،‬فيكون قد تحدد معنى‬
‫الصيام المفروض وهو شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ‪.‬‬
‫وكان المسلمون يصومون ثلثة أيام من كل شهر أول السلم ‪ ،‬وقبل نزول‬
‫هذه اليات الكريمة ‪ .‬وبعد نزول هذه اليات الكريمة مّر الصيام بمرحلتين‬
‫كما هو واضح من اليات ‪ .‬ففي المرحلة الولى كان يباح للمسلم الذي يطيق‬
‫الصيام أن يصوم أو أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ً ‪ .. )) :‬وعلى الذين‬
‫يطيقونه فدية طعام مسكين ‪ (( ...‬ومعنى يطيقونه أي يقدرون على الصيام ‪،‬‬
‫والصيام كله يحتاج إلى طاقة وقوة ‪ ،‬والذي يصوم قد يجد بعض الشدة التي‬
‫ل يجدها أيام الفطار ‪ .‬ولذلك جاء التعبير هنا ‪ .. )) :،‬وعلى الذين يطيقونه (( ‍‬
‫وهذا ماض على المقيم والمسافر والمريض ‪ .‬فمن أراد الصيام وكان مريضا ً‬
‫ٍ‬
‫أو مسافرا ً ‪ ،‬فيمكنه قضاء ذلك بعد زوال العذر ‪ ،‬ومن أراد أن يتطوع بإطعام‬
‫أكثر من مسكين عن كل يوم ‪ ،‬أو يزيد في كمية الطعام لكل مسكين ‪ ،‬فذلك‬
‫خِتمت‬ ‫خير له ينال ثوابه عند الله ‪ )) :‬ومن تطوع خيرا ً فهو خير له (( ‪ .‬ثم ُ‬
‫هذه الية المتعلقة بهذه المرحلة من جواز الصيام أو الفطار بقوله سبحانه‬
‫تعالى ‪ ... )) :‬وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (( ‪ .‬أي أن الصيام أفضل‬
‫من الفطار في حالة التخيير هذه ‪ .‬فالتفضيل هنا مرتبط بحالة التخيير التي‬
‫عرضناها ‪.‬‬
‫أما في المرحلة الثانية فقد رفع التخيير ولم يعد هنالك إل حالة واحدة هي‬
‫صيام شهر رمضان كله فرضا على كل مسلم ‪:‬‬
‫)) ‪ ...‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه ‪.(( ....‬‬
‫هذه هي القاعدة الجديدة في المرحلة الثانية من فريضة الصيام ‪ ،‬ثم تأتي‬
‫الية الكريمة لتضع حكم المسافر والمريض ‪ ،‬فجاء الحكم يطابق نصه النص‬
‫السابق في المرحلة الولى من ناحية ‪ ،‬ويختلف عنه من ناحية أخرى ‪ ،‬أما‬
‫المطابقة فهي في قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫)) ‪ ....‬فمن كان مريضا ً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر ‪((...‬‬
‫ت كلمة منكم التي كانت في نص المرحلة الولى ‪ ... )) :‬فمن كان‬ ‫ذف ْ‬
‫ح ِ‬
‫و ُ‬
‫منكم مريضا ً ‪ ((....‬وذلك لن كلمة منكم وردت في الجملة السابقة ‪... )) :‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمن شهد منكم الشهر ‪ ، (( ....‬فلم تعد هنالك حاجة لتكرارها في الجملة‬
‫اللحقة ‪ ،‬لنها أصبحت مفهومة ضمنا ً ‪ ،‬وكأنما النص ‪ )) :‬فمن كان منكم‬
‫مريضا ً ‪(( ..‬‬
‫ثم جاءت القاعدة الثانية في هذه المرحلة الثانية وهي قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫)) ‪ ....‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر ‪(( ...‬‬
‫وهذه القاعدة هنا اختلفت عن القاعدة التي كانت في المرحلة الولى ‪،‬‬
‫مرحلة التخيير بين الصيام والفطار ‪ ،‬حيث جاء قوله سبحانه وتعالى ‪... )) :‬‬
‫وأن تصوموا خير لكم ‪ ، (( ...‬أي خير لكم من الفطار المباح ‪.‬‬
‫فحين كان المسلم مخيرا ً بين الصيام والفطار نصت الية على )) ‪ ...‬وأن‬
‫تصوموا خير لكم ‪ ، (( ..‬وكلهما جائز ‪.‬‬
‫وحين ُفرض الصيام ولم يعد هنالك خيار ‪ ،‬جاءت الية لتنص ‪ .... )) :‬يريد الله‬
‫بكم اليسر ول يريد بكم العسر ‪ ((....‬بالنسبة للمسافر والمريض ‪ ،‬على أن‬
‫يقضي المسافر والمريض صيام اليام التي أفطرها بعد زوال سبب السفر أو‬
‫المرض ‪ ،‬فلم يعد هنا إل حالتان بالنسبة للمريض والمسافر ‪ :‬الصيام أو‬
‫القضاء ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالخلف الذي دار بين الفقهاء حول أيهما أفضل الصيام أم الفطار بالنسبة‬
‫للمسافر‪ ،‬ل نرى له مسوغا ‪ .‬فقد رأى أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله ‪ ،‬أن‬
‫الصوم أفضل للمسافر إن لم يكن عليه مشقة ‪ ،‬فإن كان هنالك مشقة‬
‫فالفطر أفضل ‪ .‬وقال أحمد وإسحاق وآخرون ‪ :‬الفطر أفضل مطلقا ً ‪ .‬وقال‬
‫آخرون الصوم والفطر سواء ‪ .‬وقد أخذ كل فريق بجزء من النصوص ل‬
‫جميِعها والخروج منها بحكم واحد ‪.‬‬‫بِ َ‬
‫فلقد رأينا أن تفضيل الصيام كان في مرحلة التخيير ‪ .‬ولما وقع التخيير جعل‬
‫الله المر للمسلم ليرى هو نفسه اليسر له ‪ ،‬فهو أعلم بواقعه وظروفه‬
‫وحالة السفر والمرض ‪ .‬وجاءت الحاديث الشريفة لتوضح هذه القاعدة ‪:‬‬
‫فعن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو السلمي قال ‪ ) :‬يا رسول‬
‫الله ‍ ‍ ‍إني كثير الصيام أ فأصوم في السفر ؟ ( فقال ‪ ) :‬إن شئت فصم وإن‬
‫شئت فأفطر( ] رواه الشيخان [ )‪(3‬‬
‫وفي رواية مسلم قال ‪ :‬إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر ‪ .‬وفي‬
‫رواية أنه قال ‪ :‬يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل‬
‫علي جناح ؟ فقال ‪ ) :‬هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ‪ ،‬ومن أحب‬
‫أن يصوم فل جناح عليه ( ‪.‬‬
‫وفي جميع الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفضل الصيام‬
‫على الفطر ‪ ،‬وإنما ترك المر للمسلم ليفكر ويدرس واقعه ويقرر هو ويختار‬
‫بين أمرين مباحين ‪ .‬فل بد أن يكون للمسلم دائرة يتحمل فيها المسؤولية فل‬
‫يكون إمعة ‪ .‬وعن أنس رضي الله عنه قال ‪ :‬سافرنا مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في رمضان ‪ ،‬فلم يعب الصائم على المفطر ول المفطر‬
‫على الصائم(‪ ] .‬رواه الشيخان والترمذي وأبي داود [‬
‫هذا معَْلم من معالم مدرسة النبوة الخاتمة ‪ُ .‬تعّلم الجميع القواعد كلها ‪ ،‬ثم‬
‫كر ويدرس واقعه ‪ ،‬ذلك في حدود مسؤوليته‬ ‫طى كل مسلم الفرصة لُيف ّ‬ ‫ي ُعْ َ‬
‫وأمانته ‪ ،‬وأن يرد المر إلى ما تعلمه من منهاج الله ‪ ،‬ثم يختار ويقرر ‪ .‬فنشأ‬
‫جيل مؤمن يعرف مسؤوليته وحدودها ‪ ،‬فينهض لها ‪ ،‬حتى ل يكون الناس‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلهم عالة ُيعطلون عقولهم وإيمانهم وعلمهم ‪.‬‬


‫ولكن قد يصدر المر للصائمين في السفر من القائد الذي يرعى مصلحة‬
‫عامة أوسع وأهم ‪ ،‬فل بد من الستجابة الواعية لذلك ‪:‬‬
‫فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام‬
‫كراع الغميم فصام الناس ‪ .‬ثم دعا‬ ‫الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ ُ‬
‫ن‬
‫بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ‪ ،‬ثم شرب ‪ .‬فقيل له بعد ذلك ‪ :‬إ ّ‬
‫بعض الناس قد صام ‪ .‬فقال ‪ ) :‬أولئك العصاة ‪ ،‬أولئك العصاة ( وفي لفظ ‪) :‬‬
‫ن بعض الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت ‪،‬‬ ‫فقيل له إ ّ‬
‫فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ( ‪ ] .‬رواه مسلم [‬
‫فهنا أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وجوده بين المسلمين دفعهم‬
‫إلى القتداء به على مشقة يجدونها وهم مقبلون على حرب ‪ .‬فأفطر رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ورفع القدح حتى رآه الناس ‪.‬‬
‫فالقاعدة الساسية في حالة السفر والمرض هي قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫) ‪ .....‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر ( ‪ .‬فقد يخطئ بعضهم في‬
‫تقدير اليسر ويأخذ بالعسر فيؤذي نفسه ‪ .‬فيأتي التوجيه النبوي ليؤكد فقه‬
‫القاعدة المذكورة ‪.‬‬
‫فعن جابر رضي الله عنه قال ‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر‬
‫فرأى زحاما ً ورجل ً قد ظّلل عليه ‪ ،‬فقال ‪) :‬ما هذا ؟ قالوا ‪ :‬صائم ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫ليس من البر الصوم في السفر ( ] رواه الشيخان والترمذي وأبو داود‬
‫والنسائي [)‪(4‬‬
‫فإذا كان هنالك مشقة وضرر من الصيام في السفر ‪ ،‬فيكون الصيام ل يخضع‬
‫لقوله سبحانه وتعالى ‪ .... ) :‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر ‪. (.....‬‬
‫فإذا وقعت هذه المخالفة كان يأتي التوجيه النبوي ليؤكد قاعدة اليسر ‪.‬‬
‫وفي موقف آخر يرويه لنا أبو الدرداء ‪ ،‬قال ‪ ) :‬خرجنا مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد ‪ ،‬حتى كان أحدنا ليضع يده‬
‫على رأسه من شدة الحر ‪ ،‬وما فينا صائم إل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وعبد الله بن رواحة ( ‪ ] .‬رواه الشيخان [ )‪(5‬‬
‫رك المر للمسلم فاختاروا جميعا الفطار إل رسول الله‬ ‫وفي هذا الموقف ت ُ ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ‪ ،‬ولم يعط رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أي توجيه جديد ‪ ،‬زيادة على ما تعلموه جميعهم من الكتاب‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫وخلصة ذلك أنه ل مسوغ للخلف حول حكم الصيام للمسافر والمريض حين‬
‫تؤخذ اليات والحاديث كلها ‪ ،‬فيصبح الحكم جليا واضحا ‪ .‬وهل يعقل أن ل‬
‫يبين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الحكم الجلي للمسلمين في هذا‬
‫المر وأمثاله مما يقع في دائرة مسؤولية كل مسلم مفروض عليه طلب‬
‫العلم من الكتاب والسنة ‪ ،‬كما فرض عليه الصيام ‪.‬‬
‫إننا لنعجب كيف أن المسلمين اليوم تخلى الكثير منهم عن مسؤولية طلب‬
‫العلم الذي فرضه الله ورسوله على كل مسلم ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى عليه وسلم قال ‪ ) :‬طلب‬
‫العلم فريضة على كل مسلم ‪ ،‬وإن طالب العلم يستغفر له كل شئ ‪ ،‬حتى‬
‫الحيتان في البحر ( ] رواه ابن عبد البر في العلم [ )‪(6‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخلصة ذلك ‪ :‬أن الصيام فرض ل يسقط إل بعذر شرعي جاء به نص واضح‬
‫صريح ‪ .‬وفي حالة المسافر والمريض عليهما القضاء إذا زال سبب الفطار ‪،‬‬
‫ويترك للمسلم أن يختار ما هو اليسر له حسب القاعدة التي سبق ذكرها ‪،‬‬
‫فهو أعلم بواقعه وظروفه ‪ .‬إل أنه إذا كان الصيام يسبب أذى وضررا ‪ ،‬فقد‬
‫جاء التوجيه النبوي إلى أن اليسر الذي يخضع للية ) ‪ ...‬يريد الله بكم‬
‫اليسر ‪ (...‬هو الفطار والقضاء ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة والمريض مرضا ل يرجى برؤه ‪،‬‬
‫فلهم الفطر ول قضاء عليهم ويطعمون مسكينا عن كل يوم نصف صاع من‬
‫بر أو ما يعادله أو زيادة عن ذلك ‪ .‬ودليل ذلك قول عبد الله بن عباس رضي‬
‫الله عنهما ‪ ) :‬رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ول‬
‫قضاء عليه ( ‪.‬‬
‫] رواه الدار قطني والحاكم وصححاه [ )‪(7‬‬
‫وبدهي أن ل يكون عليهم قضاء ‪ ،‬ذلك لنه تعذر عليهم أداء الفرض ورخص‬
‫لهم بالفطر ‪ ،‬فكيف يقضون وسبب الرخصة ما زال قائما ‪ ،‬وما زالت القاعدة‬
‫‪..... ) :‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر ‪ . ( ....‬تعمل في هذه الحالة‬
‫أيضا‪ ،‬فتكون الفدية ‪ ،‬أي إطعام مسكين عن كل يوم ‪ ،‬هي اليسر الذي يريده‬
‫الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وقد شرعها الله سبحانه وتعالى في الية السابقة ‪:‬‬
‫) ‪ ....‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ‪. ( .....‬‬
‫وكذلك أطعم أنس بعدما كبر عاما ً أو عامين ‪ ،‬عن كل يوم مسكينا خبزا و‬
‫لحما وأفطر)‪. (8‬‬
‫فجاء النص السابق ‪ ،‬وتطبيق الصحابي يؤكدان حكم الكبير والمريض الذي ل‬
‫يرجى برؤه ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للحبلى والمرضع ‪ :‬فعن أبي قلبة رضي الله عنه عن رجل ) أنس‬
‫بن مالك من بني عبد الله بن كعب ‪ ،‬وليس خادم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫( ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة فإذا هو يتغدى ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫) هلم إلى الغداء ( فقلت ‪ ) :‬إني صائم ( قال ‪ :‬هلم أخبرك عن الصوم ‪ ،‬إن‬
‫الله وضع عن المسافر نصف الصلة والصوم ورخص للحبلى والمرضع ( ‪.‬‬
‫] رواه أصحاب السنن [)‪(9‬‬
‫فحكم الحبلى والمرضع إذا هو الفطار والقضاء ‪ ،‬إل إذا تعذر القضاء لسبب‬
‫طارئ فعليهما الفدية ‪ .‬ذلك لن الحديث الشريف أفاد بأنه رخص للحبلى‬
‫والمرضع ولم يسقط الفرض عنهما ‪ ،‬والصيام فرض ل يسقط إل بنص صريح‬
‫‪ ،‬والرخصة تزول بزوال سببها ‪.‬‬
‫وأما الحائض والنفساء فعلى القواعد السابق ذكرها ‪ :‬الصيام فرض ل يسقط‬
‫إل بنص صريح ‪ ،‬والرخصة تزول بزوال سببها ‪ ،‬وأن الله يريد بشرعه هذا‬
‫اليسر ول يريد العسر ‪ ،‬فعلى هذه السس يكون حكم الحائض والنفساء‬
‫الفطار والقضاء ‪ .‬وجاء ما روته معاذة رضي الله عنها قالت سألت عائشة‬
‫رضي الله عنها فقلت ‪ ) :‬ما بال الحائض تقضي الصوم ول تقضي الصلة (‬
‫فقالت ‪ ) :‬أحرورية أنت ؟( قلت ‪ ) :‬لست بحرورية ولكني أسأل ( قالت ‪:‬‬
‫) كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ول نؤمر بقضاء الصلة ()‪. (10‬‬
‫فل تقضي الصلة لن هناك نصا ً ‪ ،‬وأما الصوم فما جاء فيه إل الرخصة ‪.‬‬
‫ونوجز ما عرضناه كما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬الصوم فرض فرضه الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ل يسقط إل بنص ‪.‬‬
‫‪ .2‬ل تفضيل بين الصوم والفطار على المسافر ‪ ،‬بل يترك المر له ليقرر هو‬
‫ويختار أيسر المر عليه حسب نص الية الكريمة ‪ ،‬وهو أدرى بواقعه ‪ ،‬وعليه‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يتحمل مسؤوليته الشرعية وينهض إليها ‪ .‬إل إذ ا كان هنالك خطر بالصيام‬
‫أو ضرر ‪ ،‬فالفطار أفضل لتحقيق اليسر ورفع الضرر ‪ ،‬وعليه القضاء ‪.‬‬
‫‪ .3‬قضاء الصيام فرض كما هو الصيام فرض ‪ ،‬ولكن هناك رخصة للحبلى‬
‫والمرضع والحائض والنفساء بالفطار والقضاء ‪ ،‬فل يسقط القضاء إل بنص‬
‫صريح أو عذر قاهر شرعي يتعذر معه القضاء ‪.‬‬
‫‪ .4‬تقوم الفدية مقام القضاء كلما تعذر القضاء أو سقط بنص صريح كما في‬
‫حالة الرجل الكبير والمرأة الكبيرة والمريض الذي ل يرجى برؤه ‪ .‬فهنا جاء‬
‫النص بالفدية لتعذر القضاء ‪ ،‬كذلك بسبب شرعي واضح ‪ ،‬ولن الله يريد‬
‫بعباده اليسر ‪.‬‬
‫‪ .5‬ل يجتمع القضاء والفدية ‪ ،‬فإذا كان هنالك قضاء فل مجال للفدية لنها‬
‫مخالفة لليسر الذي يريده الله ‪ ،‬وإذا كان هنالك نص من كتاب أو سنة يجمع‬
‫بين القضاء والفدية ‪ ،‬ولمن يرد تطبيق زمن النبوة الخاتمة جمع بينهما ‪.‬‬
‫‪ .6‬التيسير الذي يريده الله ‪ ،‬والذي أشارت إليه الية الكريمة هو التيسير في‬
‫حدود الكتاب والسنة ‪ ،‬وليس في التفلت منهما ‪ ،‬فذلك ليس بتيسير في‬
‫ميزان الله ‪ .‬والنص في الية الكريمة ‪ ... ) :‬يريد الله بكم اليسر ‪ ، ( ....‬أي‬
‫يريد الله بكم اليسر بشرعه ل بمخالفته أو التفلت منه ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ونود أن نؤكد هنا قضية نؤمن بأنها هامة ‪ .‬إن من بين أهداف الفقه في‬
‫السلم المساهمة في بناء النسان المؤمن الملتزم الماضي على صراط‬
‫مستقيم ‪ .‬يريد الله من جميع عباده المؤمنين أن ينهضوا إلى مسؤولياتهم‬
‫والتكاليف الشرعية التي وضعها الله أمانة في عنق كل مسلم ‪ ،‬أمانة نسميها‬
‫) المسؤولية الفردية ( التي تبنى عليها مسؤولية المة كلها في دين الله ‪.‬‬
‫إن الله سبحانه وتعالى فرض طلب العلم على كل مسلم ‪ ،‬ل على فئة‬
‫محدودة ‪ ،‬وألح الكتاب والسنة بذلك ‪ ،‬على أن يكون طلب العلم بحافز‬
‫إيماني ‪ ،‬فيزيد العلم اليمان ‪ ،‬ويزيد اليمان القبال على العلم برحمة الله ‪.‬‬
‫فإذا أقبل الجميع على العلم ‪ ،‬ونهلوا جميعا من الكتاب والسنة اللذين هما‬
‫أساس كل علم ‪ ،‬وأعطي الجميع الفرصة نفسها‪ ،‬فعندئذ تتميز المواهب‬
‫والقدرات ‪ ،‬ويبرز أولوا اللباب الذين أعطاهم الله وسعا ً صادقا ً أكبر ‪ ،‬ويبرز‬
‫في المة العلماء ‪ .‬فالعلماء هم أصحاب اليمان الصفى والعمل التقى‬
‫والمواهب المتميزة التي حملت لذلك القدر الكبر من العلم ‪ ،‬وحملت‬
‫المسؤولية الكبر‪ ،‬بين مؤمنين كلهم متعلمون ‪ ،‬كلهم ناهضون لمسؤولياتهم ‪،‬‬
‫ل بين جهلء قعدوا عن طلب العلم وأصبحوا عالة على العلماء والمة ‪ .‬وقد‬
‫يعذر المسلم فترة لجهله ‪ ،‬ولكن ل يعذر إذا استمر الجهل وامتد الحياة كلها ‪،‬‬
‫أو رغب المسلم عن تعّلم دينه ‪ ،‬وأقبل على علوم الدنيا وحدها ‪ .‬ل يعذر‬
‫المسلم في هذه الحالة ‪ .‬ومن واجب العلماء إبراز الحكم الشرعي لهؤلء‬
‫لينهضوا إلى طلب العلم من الكتاب والسنة ‪ ،‬وإصدار الفتوى بحرمة بقاء‬
‫المسلم جاهل عالة على المة والعلماء ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى النصوص التي وردت بفرض طلب العلم فقد جاء كذلك‬
‫ح بذلك ‪ .‬ونأخذ قبسات قليلة للتذكير ‪ .‬فانظر إلى هذا الدعاء ‪،‬‬ ‫الترغيب المل ّ‬
‫دعاء الهم والحزن ‪ ،‬الذي يرغب كل مسلم أن يدعو به ‪ ) :‬اللهم إني عبدك‬
‫ي قضاؤك ‪ ،‬أسألك‬ ‫ي حكمك عدل ف ّ‬ ‫ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض ف ّ‬
‫اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ‪ ،‬أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من خلقك ‪ ،‬أو استأثرت به في العلم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع‬
‫قلبي ونور صدري وجلء حزني وذهاب همي ()‪. (11‬‬
‫ب ليكون القرآن ربيع القلب‬ ‫فهذا الدعاء واللحاح به على هذه الصورة ينص ّ‬
‫ونور الصدر ‪ ،‬وكيف يكون ذلك إل إذا وعى القلب القرآن وتدبره وآمن به‬
‫وعمل به ‪ .‬وهذا نداء لكل مسلم ‪.‬‬
‫وهذا الدعاء كذلك يرغب به كل مسلم ليدعو به بعد السلم من صلة الفجر ‪:‬‬
‫) اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعمل متقبل ( )‪. (12‬‬
‫فإلى مدرسة النبوة أيها المسلم ‪ ،‬وامل صدرك من كتاب الله وسنة رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ولو جمعنا القوال حول حكم الحامل والمرضع لرأينا الختلف الواسع‬
‫المتضارب ‪ :‬فمن قائل ‪ :‬يفطران ويفديان ويقضيان ‪ ،‬ومن قائل ‪ :‬يقضيان‬
‫فقط ‪ ،‬ومن قائل ‪ :‬يفديان فقط ‪ ،‬ومن قائل يفطران ول قضاء ول فدية ‪.‬‬
‫فهل يعقل أن نقدم للناس هذه الراء المختلفة ‪ ،‬وهل يعقل أن السلم‬
‫وفقهه يجيز هذه الراء كلها ‪ ،‬وماذا يفعل المسلم بعد ذلك ؟‬
‫قال مالك ‪) :‬إذا خافتا مطلقا فلهما الفطر وعلى الحامل القضاء دون الفدية‬
‫بخلف المرضع فعليهما القضاء والفدية ( ‪ .‬وقال الحنفية ‪ ) :‬عليهما القضاء‬
‫دون الفدية كالمريض الذي يرجى برؤه ( ‪ .‬وقال الشافعية والحنابلة ‪ ) :‬إذا‬
‫خافتا على الولد فقط فعليهما القضاء والفدية لنه فطر ارتفق به شخصان ‪،‬‬
‫وإل عليهما القضاء فقط ( ‪.‬‬
‫خص للحامل‬ ‫والحديث الذي أوردناه عن الحامل والمرضع ‪ ..... ) :‬ور ّ‬
‫والمرضع ( ‪ ،‬ولم يأت ذكر إن خافتا على الولد أو على نفسيهما ‪ .‬كانت‬
‫رخصة دون تقييد هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى ‪ :‬أين التيسير الذي يريده‬
‫الله ؟!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ً‬
‫)‪ (1‬رواه ابن أبي حاتم مرفوعا ‪ :‬تفسير ابن كثير ليات الصيام ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسلم ‪. 13/17/1121 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ :‬ط ‪ ) : 2 :‬رقم ‪. ( 5305 ، 5304 :‬‬
‫)‪ (5‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ :‬ط ‪ ) : 2 :‬رقم ‪. ( 5305 ، 5304‬‬
‫)‪ (6‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ ) :‬رقم ‪. ( 3809 :‬‬
‫)‪ (7‬سبل السلم ‪ :‬ط ‪4 :‬ج ‪. 2/322‬‬
‫)‪ (8‬مختصر تفسير ابن كثير ليات الصيام )ط ‪ (2‬دار القرآن الكريم ‪. 1/160‬‬
‫)‪ (9‬التاج الجامع للصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪. 2/76‬‬
‫)‪ (10‬التاج الجامع للصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪. 2/77‬‬
‫)‪ (11‬أحمد ‪ 1/391 :‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫)‪ (12‬صحيح ابن ماجة ‪. 1/152 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بين أهل العلم و أهل الجهاد‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يلحظ في بعض أساليب الخطاب والحوار بين رجال من أهل العلم ورجال‬
‫من أهل الجهاد والشوكة تدني الحترام المتبادل عن الدرجة المطلوبة‪،‬‬
‫لسيما في هذه اليام التي قد تتباين فيها المواقف ‪.‬‬
‫فمصطلحات القاعدين والمتخاذلين قد تجدها في خطاب إحدى الفئتين‬
‫جل والنفعال وعدم المشورة ‪...‬‬ ‫للخرى‪ ،‬وفي المقابل تجد مصطلحات التع ّ‬
‫الخ ‪.‬‬
‫حد‬ ‫والمة بله العاملين للسلم منها أحوج ما يكونون إلى التآلف والتآزر والتو ّ‬ ‫ْ‬
‫والجتماع ‪ ،‬وهي أحوج ما تكون إليه في هذه اليام‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ً لعلكم تفلحون * وأطيعوا‬
‫الله ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع‬
‫الصابرين {‬
‫وترسيخا ً لهذا المبدأ الرباني العظيم أود ّ المشاركة بطرح بعض الشارات‬
‫لعلها تساهم في تصحيح بعض المفاهيم‪ ،‬ومن ثم تتلشى سحب الدخان بين‬
‫أنصار السلم وتصفو النظرة بين العاملين له ‪،‬جعلنا الله جميعا ً منهم ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬المة مأمورة كلها بالعلم والجهاد والدعوة والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ‪..‬وليس سبيل منها بأولى من سبيل‪ ،‬أو يمكن الستغناء به عن غيره‬
‫ل فِْرقَ ٍ‬
‫ة‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬ ‫ة فَل َوَْل ن َ َ‬
‫كافّ ً‬‫فُروا َ‬ ‫ن ل َِين ِ‬
‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫قال الله تعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫م ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫جُعوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬
‫مهُ ْ‬‫ن وَل ُِينذُِروا قَوْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫قُهوا ِفي ال ّ‬‫ف ّ‬
‫ة ل ِي َت َ َ‬
‫ف ٌ‬
‫طائ ِ َ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫ن{‬ ‫رو‬ ‫َ‬
‫يَ ْ ُ َ‬
‫ذ‬ ‫ح‬
‫ول أظن المة بحاجة إلى زيادة تصنيفات تمزقها وتفرق صفها ‪.‬‬
‫ض إلى يوم القيامة )وأعني به‪ :‬الجهاد‬ ‫فالجهاد ذروة سنام السلم‪ ،‬والجهاد ما ٍ‬
‫على مصطلح العلماء المعروف وهو القتال في سبيل الله تعالى وكل ما يعين‬
‫عليه من بقية أنواع الجهاد‪ ،‬وهذا هو الجهاد عند الطلق‪ ،‬ل كما حصره بعض‬
‫الناس ـ هداهم الله ـ في جهاد الكلمة والبيان فحسب ( ‪.‬‬
‫هذا الجهاد لم يؤمر به قوم دون قوم؛ بل الكل مأمور به وفي مقدمتهم أهل‬
‫العلم ‪ ،‬ومن ثم يظهر أن ل حاجة لمصطلح ) شباب الجهاد ( وكأنهم هم‬
‫المعنيون به دون غيرهم ‪ ،‬بل ينبغي أن نقول ‪ :‬كلنا من أهل الجهاد إن شاء‬
‫الله وندعو إليه ونحرض عليه ‪ ،‬قال تعالى ‪} :‬يا أيها النبي حرض المؤمنين‬
‫على القتال {الية ‪.‬‬
‫وإذا كان الجهاد مأمورا ً به وهو ذروة السنام فكذلك ينبغي أن نعتقد فرضية‬
‫طلب العلم فيما يجب على العبد تعلمه‪ ،‬والقاعدة في ذلك‪ :‬أن ما وجب فعله‬
‫وجب تعلم كيفية فعله ‪ ...‬وهكذا يقال في سائر فروض الكفايات والتي تكون‬
‫في بعض أحوالها وصورها فروض أعيان ‪ ،‬وليس ثم تعارض بين هذه الفروض‬
‫وحاشا شرع الله من التناقض ‪ ،‬وينبغي لكل مسلم فضل ً عن أهل الصلح‬
‫والعمل للسلم أن يوفقوا بين هذه الفروض ‪ ،‬وأل يفرطوا فيما وجب عليهم‬
‫منها ‪ ،‬وبهذا تتلشى التفرقة على أساس الخذ بأحد منها ‪.‬‬
‫) وتزيدها بيانا ً الفقرة التالية ( ‪.‬‬
‫ل يعمل على شاكلته{ قال مجاهد ‪ :‬طبيعته ‪ ،‬وقال‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬قال تعالى ‪} :‬قل ك ّ‬
‫ل يعمل على ما‬ ‫الفراء ‪ :‬على طريقته ومذهبه الذي جبل عليه ‪ .‬وقيل ‪ :‬قل ك ّ‬
‫هو أشكل عنده وأولى بالصواب في اعتقاده ‪.‬‬
‫ثم قال القرطبي في تفسيره ‪ : 10/323‬وهذه القوال كلها متقاربة والمعنى‬
‫أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلقه التي ألفها ‪.1.‬هـ‬
‫وفي حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬اعملوا‬
‫فكل ميسر ( ‪ .‬وفي رواية ) ميسر لما خلق له ( ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكل له ما يناسبه ولذا كان مجال المنافسة والمسابقة في الطاعات واسعا ً‬


‫جدا ً شامل ً لكل رغبات البشر المشروعة ‪ ،‬وقد قيل ‪ :‬وكل امرئ يصبو إلى ما‬
‫يناسبه ‪.‬‬
‫وما أعظم حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول ‪ :‬من أنفق زوجين‬
‫في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل‬
‫الصلة دعي من باب الصلة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد‬
‫ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة‬
‫دعي من باب الصدقة فقال أبو بكر رضي الله عنه بأبي أنت وأمي يا رسول‬
‫الله ما على من دعي من تلك البواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك‬
‫البواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم ‪ .‬متفق عليه عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه ‪.‬‬
‫ً‬
‫إن هذه النصوص التي هي بمثابة القواعد للمسلم تجعله مدركا لما يستطيع‬
‫المسابقة فيه ‪ ،‬وخدمة السلم من خلله ‪.‬‬
‫كما تجعله فقيها ً بالجمع بين ما ورد من نصوص في فضل هذا العمل وما ورد‬
‫من نصوص في فضل عمل آخر وثالث وهكذا ‪..‬‬
‫فالتفاضل بين العبادات يكون بحسب ما هو أنفع للعبد في العبودية وأنفع‬
‫للناس أيضا ً إن كان مما يتعدى نفعه وهذا يختلف باختلف الحوال والزمان‬
‫والشخاص ‪.‬‬
‫وبهذا يفسر اختلف جواب النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أفضل‬
‫العمال مثل ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حديث أبي ذر رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي‬
‫العمل أفضل قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت فأي الرقاب أفضل قال‬
‫أعلها ثمنا وأنفسها عند أهلها ‪..‬الحديث متفق عليه ‪.‬‬
‫وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي‬
‫العمال أفضل قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال جهاد في سبيل الله‬
‫قيل ثم ماذا قال حج مبرور‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وحديث ابن مسعود رضي الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قلت يا رسول الله أي العمل أفضل قال الصلة على ميقاتها قلت ثم أي قال‬
‫ثم بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله فسكت عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وأشباهها كثير …‪.‬‬
‫ولذا لما أعتقت ميمونة رضي الله عنها وليدة في زمان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قالت ‪ :‬فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو‬
‫أعطيتها أخوالك كان أعظم لجرك متفق عليه ‪.‬‬
‫وهذا يجعلنا نؤكد على الفقه لمقاصد الشرع في العبادة المحضة وفي كل‬
‫عمل ‪،‬والنظر للمر من جميع جوانبه فالعتق عبادة عظيمة وفيه فضل وثواب‬
‫كبير ولكن لما عارضه ما هو أولى منه وهو حاجة القارب إلى ذلك الرقيق‬
‫صار المصير إليه أعظم أجرا ً ‪.‬‬
‫وخلصة ما تقدم ‪ :‬أن من الناس من يفتح له في باب العلم فيكون من أهل‬
‫الرسوخ فيه ‪ ،‬ومنهم من يفتح له في باب العبادة ‪ ،‬ومنهم من يفتح له في‬
‫باب الجهاد ‪ ....‬وهكذا ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحديث أبي هريرة السابق ظاهر البيان في تأكيد هذا المعنى ‪ ،‬وأن من‬
‫الناس ـ وهم قلة ـ من يوفقه الله فيجعل له في كل باب سهما ً ‪ ،‬ومثاله من‬
‫ه وأرضاه ‪ ،‬ول يعني هذا نفيه عن طائفة‬ ‫ي الله عَن ْ ُ‬
‫ض َ‬
‫الرعيل الول أبو بكر َر ِ‬
‫ي الله عَن ُْهم ‪ ،‬بيد أنه كان‬ ‫ض‬
‫َ ِ َ‬‫ر‬ ‫بالجنة‬ ‫المبشرين‬ ‫العشرة‬ ‫من الصحابة ل سيما‬
‫أبرزهم في أخذه بمجامع تلك السبل من الخير ‪.‬‬
‫ومن أمثلته في هذا العصر ـ فيما أحسب ول أزكي على الله أحدا ً ـ شيخنا‬
‫المام ابن باز عليه الرحمة والمغفرة ‪.‬‬
‫فإذا ً ‪ ...‬قد يبرز المسلم في باب من هذه البواب‪ ،‬وهذا من طبيعة البشر أن‬
‫ُيعرف بما يكثر منه ويهتم به ‪ ،‬وقديما ً قيل ‪ :‬من أكثر من شيء عرف به ‪.‬‬
‫ولكن ل بد هنا من شرط لزم هو الخذ بالواجب في كل باب‪ ،‬وإنما تبقى‬
‫المنافسة التي تؤهله لدخول باب ذلك الخير في الجنة في نوافل ذلك الباب‬
‫ل في واجباته ‪ ،‬فإن الواجب يشترك فيه الجميع ‪.‬‬
‫ولقائل أن يقول ‪ :‬إذا ً فالتصنيف حاصل فالتسمية بـ )شباب الجهاد ( إنما‬
‫حمل عليها ما عرفوا به من اهتمام بهذا الباب من أبواب الخير ؟! ‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬أن هذا ل غبار عليه‪ ،‬لو كان مقتصرا ً على منافستهم في نوافل‬
‫هذا الباب‪ ،‬ولكنك في الواقع تجد أن تصنيف شباب الجهاد يعني أن غيرهم ل‬
‫يهتم بهذا الباب ؛ بل ربما ل يعرف حتى الواجب فيه ‪ .‬فكأنهم صاروا هم‬
‫القائمين بهذا الواجب العيني ‪ ،‬وغيرهم قد قصروا فيه ‪ ،‬وهذا ل شك أنه ل‬
‫يقر ‪ ،‬أعني التقصير فيما وجب من هذا الباب ) الجهاد ( ‪ ،‬ولذا فعلينا أن‬
‫نكون جميعا ً من أهل الجهاد من هذه الحيثية ‪ ،‬لن الواجب من كل باب ل‬
‫يعذر أحد في التقصير فيه كما تقدم ‪ ،‬وإنما الختيار فيما زاد على الواجب ‪،‬‬
‫فليس العتراض على ذات التسمية ‪ ،‬وإنما العتراض على الخلفية‬
‫والملبسات التي انطلقت منها التسمية ‪.‬‬
‫ولعلك تسأل ‪ :‬وما الواجب في باب الجهاد ؟ ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬ليس هذا موضع تفصيله ‪ ،‬ولكن ثم ما يمكن التنبيه عليه مما يجب‬
‫في هذا الباب ‪.‬‬
‫فمن ذلك وهو أوله ‪ :‬العداد قال الله تعالى ‪ } :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من‬
‫قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم {‪ .‬وقال الله تعالى ‪:‬‬
‫} ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل‬
‫اقعدوا مع القاعدين { ففي ترك العداد للجهاد تشبه بالمنافقين ‪.‬‬
‫ولذا قال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات‬
‫على شعبة من النفاق " أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو على المنبر يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة أل إن القوة‬
‫الرمي أل إن القوة الرمي أل إن القوة الرمي ‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى )‪ ) : (28/259‬يجب‬
‫الستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز ‪ ،‬فإن‬
‫ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب ( ‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا العداد يجب منه على كل أحد بحسبه ‪ ،‬وتختلف نوعا ما باختلف الحال‬
‫والشخص وُيرجع إلى أهل الخبرة في هذا الشأن ‪.‬‬
‫ومن ذلك ما يجب من الجهاد عينا ً في الحوال التي ذكرها أهل العلم‬
‫كاستنفار المام ‪ ،‬واستيلء العدو على أرض المسلمين ‪ ،‬وحضور الصف ‪،‬‬
‫ونحو ذلك ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد يكون في تحقيق مناط هذه الحكام وتنزيلها على الواقع شيء من‬
‫الخلف ؛ لكن الستعداد لطرح ذلك والتجرد في تناوله من الملبسات‬
‫والتحفظات ‪ ،‬والفقه العام في هذه المسألة ‪ ،‬والستفادة من أهل الخبرة‬
‫فيها ونحو ذلك ‪ ،‬كل هذا سبب للهداية ـ بإذن الله ـ في هذه المسائل‬
‫والبصيرة فيها والعذار‪.‬‬
‫ً‬
‫ولئن قلنا هذا في باب الجهاد فنقوله أيضا في بقية البواب من أبواب الخير‪،‬‬
‫حيث منها ما هو واجب كما تقدم ‪ ،‬فمن ذلك باب العلم فكلنا يجب عليه أن‬
‫يطلب من العلم ما يتعين عليه طلبه ) والواجب من العلم قد يختلف باختلف‬
‫الزمان والمكان والحال والشخص ‪ ،‬فقد يجب في زمن أومكان ما ل يجب‬
‫في زمن أو مكان آخر ‪ ،‬وقد يجب من العلم في بعض الحوال ما ل يجب‬
‫فيما سواه ‪ ،‬وقد يجب على شخص بعينه ما ليس يجب على غيره ( ‪.‬‬
‫وإذا كان يجب على كل مسلم أن يأخذ من باب الجهاد ما تعين ومنهم أهل‬
‫العلم فإنهم ل ُيعفون من الواجب فيه من العداد وغيره مما تقدمت الشارة‬
‫إليه ؛ فإن رجال الجهاد ) ونعني بهم من اختصوا بالهتمام بما زاد على‬
‫الواجب فيه وفق ما أشير إليه قريبا ً ( عليهم أن يأخذوا بما هو فرض من‬
‫العلم مما هو مقدم على بعض متممات الجهاد ؛ بل الواجب من العلم مقدم‬
‫ة‬
‫على الواجب من الجهاد‪ ،‬ومن ذلك علمهم بأحكام الجهاد الذي يعانونه جمل ً‬
‫وتفصيل ً كل بحسبه ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إذا كان من أهل العلم من هو مجاهد بالفعل‪ ،‬وقد خرج بنفسه وماله‬
‫إلى الثغور فكذلك من أهل الجهاد من هو عالم له مكانته في العلم والفقه ‪.‬‬
‫والذي رغبت أن أخلص إليه هو أن العتقاد بأن من يهتم بالجهاد أو على‬
‫ة من الشباب الصغار‬ ‫الصطلح المنتقد ) شباب الجهاد ( ل يعدون كونهم فئ ً‬
‫يتسمون بالحماس وقلة العلم والفقه ‪ ...‬كل ذلك وهم‪ ،‬وهو وإن كان قد يصح‬
‫شيء منه أول ماظهر هذا المصطلح ـ إن كان _؛ غير أن الجهاد الذي كان‬
‫غائبا ً عن المة حقبة من الزمن عاد كفكرٍ ينمو ويترعرع ويتطور ليصبح من‬
‫يحمله اهتماما ً به ل اطراحا ً لغيره جميع فئات المجتمع‪ ،‬فقد تجد ممن يهتم‬
‫بهذا الباب أو من يشارك فيه بالفعل طلبة علم راسخين‪ ،‬وأطباء‪ ،‬ومهندسين‪،‬‬
‫وحملة شهادات‪ ،‬ورجال أعمال ‪ ..‬الخ‪ ،‬وهو فكر ل ينتسب إلى جماعة أو يتقيد‬
‫بأفراد ؛ بل هو فكر متاح يأخذ به القاصي والداني من غير معرفة بينهم أو‬
‫سابق صلة تربطهم ‪.‬‬
‫وصار هؤلء يطرحون مسائل الجهاد بمنهجية علمية وفكرية وليست مجرد‬
‫حماسة بسطاء‪ ،‬كما قد يتبادر إلى البعض فيناقش المسائل أحيانا ً بمنتهى‬
‫البساطة ظنا ً منه أنها أصل ً لم تطرح بعمق يقتضي مناقشتها بعمق ‪.‬‬
‫أو أن تلك القضايا ليس وراءها سوى فكر شبابي متحمس‪ ،‬فيقع جراء ذلك‬
‫في نتيجة متعجلة قد تحدث نوعا ً من الشرخ بينه وبين من يرى هذه المسألة‬
‫أو تلك ‪.‬‬
‫ولو أنه أحسن الظن‪ ،‬ولم يتعجل واستبان وسأل فلربما لم يكن حكمه كذلك‬
‫أو على أقل الحوال لترك للمسألة مجال ً للجتهاد ‪.‬‬
‫هذه الخلفية في نظري ساهمت في مصادرة بعض الراء أو بعض الجتهادات‬
‫في باب الجهاد وأعني بهذه الخلفية ما أشرت إليه قريبا ً من اعتقاد بساطة‬
‫ن‬
‫)شباب الجهاد( وقلة علمهم وأن ما يقومون به ليس سوى اجتهاد لم ُيب َ‬
‫على علم راسخ أو ليس منطلقا ً عن أهل علم راسخين ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحق أن بعض هذه القضايا الكبار وإن كان من يراها مأمورا ً بالنظر البعيد‬
‫والبصيرة الثاقبة والعمل وفق نظرة شرعية واضحة بكل ما تعنيه من إدراك‬
‫للحكم في أصله‪ ،‬وفقه في مصالحه ومفاسده‬
‫لكن من لم يرها أيضا ً ليس له التعجل بهذا الحكم حتى يستكمل شروطه ‪:‬‬
‫من فقه واقعه‪ ،‬ومعرفة ملبساته وأسبابه‪ ،‬وإمكانية البديل عنه‪ ،‬والتمكن من‬
‫التحرر من التحفظات التي قد تؤثر على الحكم في الحادثة ربما من حيث ل‬
‫يشعر الناظر فيها ‪.‬‬
‫ففقه واقع تلك القضية المطروحة من قضايا الجهاد يستلزم سؤال أهل‬
‫الخبرة في هذا المجال‪ ،‬أو التعرف عن كثب في تكييف واقعها وهل هي‬
‫بالفعل على هذه الصورة أو تلك ؟ وما مدى التأثير والفاعلية ؟‬
‫وهل ذلك الثر من الضخامة بحيث يغتقر معه ما قد يقع من مفاسد ل يخلو‬
‫من وجودها بنسبةٍ ما أي عمل مهما كان ؟‬
‫وأما معرفة ملبساته فمستلزم ذلك العلم بملبسات التوقيت والحال‪،‬‬
‫وخلفيات الحدث والقضية‪ ،‬وعلقة كل طرف بالخر‪ ،‬وما يلزمه حياله وما ل‬
‫يلزمه ‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وأما إمكانية البديل عنه فهل من لم ير تلك القضية مستعد أن يبين ما يراه‬
‫من باب الجهاد ؟ أم أنه سيتخذ مسلك القائلين بألجهاد في هذا الزمن‪ ،‬وإنما‬
‫الجهاد بالكلمة فقط‪ ،‬والحقيقة أنه ل حاجة للرد على من يعتقد ذلك ؛ لن‬
‫ض إلى يوم القيامة " ) انظر البخاري باب الجهاد ماض‬ ‫أحاديث ‪ " :‬الجهاد ما ٍ‬
‫مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها‬
‫الخير إلى يوم القيامة ‪ ،‬ومثله في دواوين السنة الخرى( وأحاديث )ل تزال‬
‫طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ( كحديث جابر بن عبد الله رضي الله‬
‫عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬ل تزال طائفة من‬
‫أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى ابن‬
‫مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول ل إن بعضكم‬
‫على بعض أمراء تكرمة الله هذه المة ‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫وحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم‬
‫الساعة أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫وحديث معاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ل يضرهم من خذلهم أو‬
‫خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ‪.‬متفق عليه وفي رواية‬
‫للبخاري ل يضرهم من كذبهم ‪ .‬وغيرها مما في معناها ‪..‬‬
‫هذه الحاديث ظاهرة الدللة لصغار طلبة العلم فضل ً عن كبارهم على‬
‫ديمومة الجهاد ولله الحمد والمنة‬
‫بل إن من يرى غير ذلك وهو من أهل الخير لعله أول من يرد على نفسه‬
‫حين يؤيد ما يقع لليهود على يد إخواننا في الرض المقدسة‪ ،‬وإل فمقتضى‬
‫قوله ولزمه أن يأمر المجاهدين في الرض المقدسة بأن يضعوا سلحهم‪،‬‬
‫ويكفيهم الجهاد بالكلمة !!‬
‫وإذا كان من لم ير تلك القضية غير مستعد لبيان البديل لسباب خاصة به‬
‫وإن كان يرى الجهاد بالسيف باقيًا‪ ،‬فليس من الحكمة والعدل ـ في نظري ـ‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يجهر بما ُيمنع ويستخفي بما ُيسمح ‪ ،‬أو يتكلم حين تكون القضية ظاهرها‬
‫المنع لديه‪ ،‬ويسكت فيما يعلم عدم المنع فيه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإما أن يسعه السكوت في كليهما‪ ،‬أو ليكن صريحا في كليها أيضا ‪.‬‬
‫وأما التمكن من التحرر من التحفظات التي قد تؤثر على الحكم فتلك حال ل‬
‫يشخصها إل صاحبها بشرط التجرد المحض في تشخيصها بمعنى أن يراجع‬
‫نفسه بالفعل حين تنزيل الحكم وهل هو قادر على أن يقول ما يعتقد أول ؟‬
‫ومما يجلي له حالته أن يفرض أخذه بالرأي الذي قد يتحفظ منه لسبب أو‬
‫لخر‪ ،‬فإن كان حين يفرض ذلك في نفسه وأنه سيعلنه ل يتوجس أدنى‬
‫حساسية‪ ،‬فليقل ما يعتقد‪ ،‬وإل فليسعه السكوت فقد ثبت عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬من كان يؤمن‬
‫بالله واليوم الخر فليقل خيرا أو ليصمت‪ " .....‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو‬
‫ليسكت ‪..‬الحديث ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬إن من أهل العلم من له مشاركته في الجهاد بحسبه‪ ،‬فل ينبغي‬
‫التعجل برمي بعض أهل العلم بالقعود ؛ بل لهم حق الحترام والتقدير مهما‬
‫اختلف الطرف الخر معهم‪ ،‬ومهما يكن فحق العلم يقتضي بقاء الدب مع‬
‫أهله وحفظ ما جعله الله لهم من المهابة والقدر‪ ،‬وعدم التعدي والتطاول‬
‫عليهم والنيل منهم بأدنى سبب وإسقاطهم بمجرد المخالفة في بعض‬
‫الجتهادات والراء حتى وإن ظنها صاحبها واضحة جلية‪ ،‬والرمي بالتهمة من‬
‫غير دليل ‪.‬‬
‫وقد تواترت النصوص وتكاثرت في فضل أهل العلم وفضل ما نذروا أنفسهم‬
‫له بما ل ينبغي معه تجاهل ما دلت عليه من توقيرهم أو الحط من بعضهم‬
‫وإن قصر من قصر في واجب غيره ‪.‬‬
‫قال النووي رحمه الله في المجموع ‪: 1/40‬‬
‫قد تكاثرت اليات ‪ ,‬والخبار ‪ ,‬والثار ‪ ,‬وتواترت ‪ ,‬وتطابقت الدلئل الصريحة ‪,‬‬
‫وتوافقت ‪ ,‬على فضيلة العلم ‪ ,‬والحث على تحصيله ‪ ,‬والجتهاد في اقتباسه ‪,‬‬
‫وتعليمه ‪ .‬وأنا أذكر طرفا من ذلك ‪ ,‬تنبيها على ما هنالك ‪ ,‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫} قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون { ‪ ,‬وقال تعالى ‪ } :‬وقل‬
‫رب زدني علما { ‪ ,‬وقال تعالى ‪ } :‬إنما يخشى الله من عباده العلماء { ‪,‬‬
‫وقال تعالى } يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات { ‪,‬‬
‫واليات كثيرة معلومة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وروينا عن معاوية رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫} من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين { رواه البخاري ‪ ,‬ومسلم ‪ ,‬وعن أبي‬
‫موسى عبد الله بن قيس الشعري رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬إن مثل ما بعثني الله به من الهدى ‪ ,‬والعلم كمثل‬
‫غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء ‪ ,‬فأنبتت الكل ‪,‬‬
‫والعشب الكثير ‪ ,‬وكان منها أجادب أمسكت الماء ‪ ,‬فنفع الله بها الناس‬
‫فشربوا منها ‪ ,‬وسقوا ‪ ,‬وزرعوا ‪ ,‬وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان ل‬
‫تمسك الماء ‪ ,‬ول تنبت كل ‪ ,‬فذلك مثل من فقه في دين الله ‪ ,‬ونفعه بما‬
‫بعثني الله به ‪ ,‬فعلم ‪ ,‬وعلم ‪ ,‬ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ‪ ,‬ولم يقبل هدى‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله الذي أرسلت به { رواه البخاري ‪ ,‬ومسلم وعن ابن مسعود رضي الله‬
‫عنه قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬ل حسد إل في اثنتين رجل‬
‫آتاه الله مال فسلطه على هلكته في الحق ‪ ,‬ورجل آتاه الله الحكمة فهو‬
‫يقضي بها ‪ ,‬ويعلمها { ‪ .‬روياه ‪ ..... ,‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ } :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل‬
‫من ثلث ‪ :‬صدقة جارية ‪ ,‬أو علم ينتفع به ‪ ,‬أو ولد صالح يدعو له { رواه‬
‫مسلم ‪ .‬وعن أنس رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ } :‬من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع { رواه‬
‫الترمذي ‪ ,‬وقال ‪ :‬حديث حسن ‪ .‬وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬فضل العالم على العابد‬
‫كفضلي على أدناكم ‪ .‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن الله ‪,‬‬
‫وملئكته ‪ ,‬وأهل السموات ‪ ,‬والرض حتى النملة في جحرها ‪ ,‬وحتى الحوت‬
‫ليصلون على معلمي الناس الخير { رواه الترمذي ‪ ,‬وقال ‪ :‬حديث حسن ‪.‬اهـ‬
‫المنقول عن النووي ‪.‬‬
‫نعم ليس في السلم كهنوت‪ ،‬وليس ثم معصوم بعد النبياء عليهم السلم‪،‬‬
‫وليس ثم الشيخ الذي تكون بين يديه كالميت بين يدي مغسله ‪.‬‬
‫لكن كل ذلك ل يعني بحال سلب أهل العلم قدرهم واحترامهم‪ ،‬وذلك ـ ولله‬
‫الحمد ـ ل يرد من الحق شيئًا‪.‬‬
‫ولذا فإنه ل مانع أن يقال لهل العلم ـ مع جميل التقدير لهم ـ ‪:‬راجعوا‬
‫أنفسكم في باب الجهاد هل بالفعل أديتم منه الواجب ؟‬
‫ثم يقال لهم ‪ :‬أحسنوا الظن بمن نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل الله ‪ ،‬ولينوا‬
‫بأيدي إخوانكم واخفضوا الجناح لهم وأعطوهم من أنفسكم واحفظوا لهم‬
‫أيضا ً حق الحترام والتقدير فإنهم حفظة الثغور لهم من الحق ولهم من‬
‫الفضل ما ليس لغيرهم ‪.‬‬
‫قال الله تعالى ‪} :‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم‬
‫وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون {‬
‫وقال سبحانه ‪} :‬إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم‬
‫الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة‬
‫والنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم‬
‫به وذلك هو الفوز العظيم {‬
‫وقال ‪} :‬إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص {‬
‫وقال ‪} :‬ل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة‬
‫من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل ً وعد الله الحسنى {‬
‫وقال ‪ } :‬ل يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في‬
‫سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على‬
‫القاعدين درجة وكل ً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين‬
‫أجرا ً عظيما {‬
‫وفي صحيح البخاري وعند مسلم نحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل المجاهد في سبيل الله‬
‫والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم وتوكل الله للمجاهد‬
‫في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في‬
‫سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والموت مظانه أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن‬


‫واد من هذه الودية يقيم الصلة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين‬
‫ليس من الناس إل في خير ‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال والذي نفسي بيده ل يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في‬
‫سبيله إل جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬يجب الحذر أن يتخذ الشيطان في مثل هذه الحوال سبيل ً إلى‬
‫المسلمين فضل ً عن العاملين للسلم من أجل زرع الفتنة بينهم‪ ،‬وإذكاء‬
‫الخلف في مسائل ل تعدو أن تكون اجتهادية يسع فيها الخلف‪ ،‬ول تحتمل ـ‬
‫مهما يكن ـ أن تؤلف فيها الردود بمعنى ) الردود ( والتي قد ينقصها من أدب‬
‫الحوار‪ ،‬وضبط العبارات وتفهم رأي المخالف ما ينقصها ‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬ل بأس بالمناقشة الهادفة والحوار المؤدب‪ ،‬والسعي إلى إيضاح الصورة‬
‫وإقناع الطرف الخر والبيان له ‪ ..‬كل ذلك بالسلوب الشرعي الهادف قال‬
‫سبحانه في حق أهل الكتاب ‪ } :‬وجادلهم بالتي هي أحسن { فكيف بأخيك‬
‫المسلم ؛ بل كيف بمن هو معك في خندق الدفاع عن السلم والذود عنه ؟!‬
‫إن من الناس من ُيلزم الطرف الخر في الحوار برأيه ول ينتهي حتى ُيسلم‬
‫له مخالفه‪ ،‬وهذا في الحقيقة ليس شرطا ً في الحوار‪ ،‬بل هو من معوقاته‪ ،‬إذ‬
‫يكفي أن يوضح كل طرف للخر رأيه بكل تجرد‪ ،‬ويدعه وقناعته بينه وبين‬
‫نفسه‪ ،‬ولربما لم يقتنع في ذات المجلس‪ ،‬لكنه حين يتأمل بعد ذلك يقنع‬
‫وُيذعن ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬إن التقدير لهل العلم ل ينبغي أن يتخذ مظهرا ً شكليا ً أو تكلفا ً‬
‫وتصنعا ً ؛ بل ليكن انعكاسا ً حقيقيا ً لتقدير النفس ومودة القلب ‪ ،‬وسلمة‬
‫الصدر من الشحن لدنى خلف ‪..‬‬
‫مع أن مجاهدة النفس إلجامها بالدب وكظم الغيظ الناشئ عن فهم أو‬
‫ف ما مطلب في حد ذاته ‪ ،‬وهو صمام مانع من تصعيد الخلف ويورث‬ ‫تصر ٍ‬
‫في المآل التفاهم بإذن الله ‪.‬‬
‫والله تعالى يقول ‪ " :‬واخفض جناحك للمؤمنين " ويقول سبحانه ‪ " :‬ولو كنت‬
‫فظا ً غليظ القلب لنفضوا من حولك "‬
‫أفليس خفض الجناح ولين القول أولى بين أهل السلم العاملين له ؟!‬
‫ن قول ً أو فعل ً هو التجرد التام ‪،‬‬ ‫ومن أعظم ما يعين على حسن المعاملة إ ْ‬
‫قاه إل الذين صبروا ول يوفق له إل ذو حظ عظيم ‪.‬‬ ‫ذلك الذي ل يل ّ‬
‫إن التجرد بحتاج من النفس إلى مران ودربة ‪ ،‬ومجاهدة مرة تلو مرة ‪ ،‬قال‬
‫ن{‬‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬
‫م ُ‬‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬‫تعالى ‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫إن التجرد قد ل يتحقق بدرجة ) ‪ % ( 100‬ول حتى ) ‪ % ( 80‬في أول موقف‬
‫طنها ‪ ،‬ويربيها ‪ ،‬وُيلجمها إلجام الفرس‬ ‫؛ حتى يجاهد العبد نفسه ‪ ،‬ويو ّ‬
‫الهائج ‪...‬‬
‫ي مطواعة لهذا التجرد مطمئنة إليه بإذن الله‬ ‫ْ‬
‫وسيجد نفسه _ وإن بعد ل ٍ‬
‫تعالى ‪..‬‬
‫وإن من قواعد التجرد وأصوله المقربة إليه ما يلي ‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫م ْ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬‫خي َْر ِفي ك َِثيرٍ ِ‬ ‫‪ – 1‬الخلص لله تعالى ‪ .‬قال سبحانه ‪َ :‬ل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضاةِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مْر َ‬‫ك اب ْت َِغاَء َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬‫س وَ َ‬ ‫صَلٍح ب َي ْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ف أوْ إ ِ ْ‬‫معُْرو ٍ‬‫صد َقَةٍ أوْ َ‬ ‫مَر ب ِ َ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ما ‪.‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ف ن ُؤِْتيهِ أ ْ‬
‫جًرا عَ ِ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫قال سفيان الثوري رحمه الله ‪ :‬ما عالجت شيئا ً أشد علي من نيتي لنها‬
‫تتقلب علي ‪.‬‬
‫وقال يوسف بن حسين الرازي ‪ :‬أعز شيء في الدنيا الخلص ‪ ،‬وكم أجتهد‬
‫في إسقاط الرياء عن قلبي ‪ ،‬وكأنه ينبت فيه على لون آخر ‪.‬‬
‫ّ‬
‫من ِباللهِ ي َهْدِ‬ ‫من ي ُؤْ ِ‬ ‫‪ – 2‬زيادة اليمان اعتقادا ً وقول ً وعمل ً ‪ .‬قال سبحانه ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه{‬ ‫قَل ْب َ ُ‬
‫وكلما تذكر العبد الخرة مستيقنا ً بوعد الله تعالى ووعيده هانت عليه حظوظ‬
‫النفس وصوارف الدنيا ‪ ،‬ومن ثم رزق التجرد منها ‪.‬‬
‫وفي البخاري عن ابن عمر قال دخلت على حفصة ونسواتها تنطف قلت قد‬
‫كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من المر شيء فقالت الحق فإنهم‬
‫ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة فلم تدعه حتى ذهب‬
‫فلما تفرق الناس خطب معاوية قال من كان يريد أن يتكلم في هذا المر‬
‫فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه قال حبيب بن مسلمة فهل‬
‫أجبته قال عبد الله فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحق بهذا المر منك من‬
‫قاتلك وأباك على السلم فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك‬
‫الدم ويحمل عني غير ذلك فذكرت ما أعد الله في الجنان قال حبيب حفظت‬
‫وعصمت ‪.‬‬
‫فقد ترك ابن عمر رضي الله عنهما ما هو حقيق به حين تذكر ما أعد الله‬
‫تعالى ‪ ،‬فأولى بهذا الشعور أن يبدد ما هو دونه من الحظوظ ‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫مك ُ‬ ‫ّ‬
‫ه وَي ُعَل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫قوا الل َ‬ ‫‪ – 3‬تقوى الله تعالى في السر والعلن ‪ ،‬قال سبحانه ‪َ } :‬وات ّ ُ‬
‫ً‬
‫م فُْرَقانا {‬ ‫جَعل ل ّك ْ‬
‫ُ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫يٍء عَِليم {‪ .‬وقال ‪َ } :‬إن ت َت ّ ُ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ومن تقوى الله تعالى أن يحفظ لكل ذي حق حقه وأل يتعدى عليه بقول أو‬
‫اتهام ‪.‬‬
‫‪ – 4‬استشعار الفضائل المتقدمة من الخلص واليمان والتقوى وثواب ذلك ؛‬
‫فإن استشعار الثواب ‪ ،‬والتلذذ بتلك العبادات القلبية من أعظم ما يعين على‬
‫التجرد ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ – 5‬الوضوح مع النفس ‪،‬والصراحة معها ‪،‬ومالها من حظوظ من أجل تمحيص‬


‫أغراضها عند المخالفة مع أحد؛ فإن استقراء حظوظها في ذلك الخلف ومن‬
‫ثم تمحيصها تمحيصا ً دقيقا ً لهو من أنجع الدوية ‪ ،‬فقد يجد المرء نفسه‬
‫مدفوعا ً للنتصار للنفس ‪ ،‬أو للظهور بالحجة أو لسقاط من رفعه الناس أو‬
‫ظ‬
‫التقليل من شأن منزلته كردة فعل لمن رفعه ‪ ...‬أو أشباه ذلك من حظو ٍ‬
‫للنفس قد تخفى ‪ ،‬فإن لم يكن للمرء مع نفسه تلك الوقفات الصريحة‬
‫الصادقة فلقد تهوي به في الجدال العقيم والنشغال بالتحطيم ‪.‬‬
‫وثم لطيفة ينبغي العناية بها ‪ ،‬تلك هي أن المرء قد يبلغ به خفاء حظوظ‬
‫نفسه بحيث يظن أنه تام التجرد ‪ ،‬وما هو كذلك ‪.‬‬
‫وقد كان مرد ذلك _ والله أعلم _ أن حظوظه لم تتميز فتظهر‪ ،‬وإنما‬
‫لتراكمها صارت عجينا ً واحدا ً يصعب تمييزه ‪ ،‬حتى من غيره إل لمن رزق‬
‫فراسة يدرك بها ذلك بتوفيق الله ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ – 6‬من قواعد التجرد المهمة أن يتخلى الشخص من الشحن النفسي في‬


‫القضية المطروحة أو تجاه الطرف الخر‪ ،‬وليتأكد من حقيقة خلفياته فقد‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫تنقصها الدقة في الحكم وأصل ذلك في الشرع قوله تعالى ‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م{‬ ‫ض الظ ّ ّ‬
‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ن ب َعْ َ‬
‫ن إِ ّ‬‫ن الظ ّ ّ‬ ‫جت َن ُِبوا ك َِثيًرا ّ‬
‫م َ‬ ‫مُنوا ا ْ‬
‫آ َ‬
‫وفي الحديث ‪ ":‬إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ول تحسسوا ول‬
‫تجسسوا ول تحاسدوا ول تدابروا ول تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا " ‪.‬‬
‫متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫فإحسان الظن بالمسلم من أخص حقوقه ‪ ،‬وهو من أسس سلمة الصدر‬
‫وتجرده مما يكدره ‪.‬‬
‫وإن من الشحن المذموم أن ينطلق المسلم في خطابه لخيه من نظرة‬
‫دونية لية ملبسات كانت فقد حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم‬
‫بقوله ‪ " :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله ول يحقره ) وفي رواية ول‬
‫يسلمه ( التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلث مرات بحسب امرئ من الشر‬
‫أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه "‬
‫متفق عليه ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 7‬من القواعد والصول المهمة أن يكون التعامل أو الخطاب قائما على‬
‫الموازنة العادلة بين الطرفين ‪ ،‬وحين يعتقد المسلم في تعامله أو خطابه‬
‫صواب ما هو عليه وخطأ الطرف الخر فليكن على حد قول الشافعي رحمه‬
‫الله ‪ ) :‬قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب (‬
‫فكل مسألة عدا المسائل القطعية في الشرع فإنها من هذا القبيل ‪.‬‬
‫وعليه فل ينبغي الدخول في تعامل أو مناقشة في كتابة أو حديث على حيثية‬
‫القطع بصواب ما أنا عليه والجزم بخطأ الخر ‪ ،‬ما دامت المسألة في حيز‬
‫الجتهاد‪.‬‬
‫ولربما قيل ‪ :‬لعل ذلك ل يخفى ‪...‬‬
‫فأقول ‪:‬كم من ظاهر وبدهي يغيب عنا في واقع المر ‪ ،‬وقد رأيت من البعض‬
‫جزما ً في مسائل غاية ما يصل قوله فيها إلى أن يكون راجحا ً بنسبة ) ‪( 60‬‬
‫‪ %‬إن لم يكن قوله مرجوحا ًِ فيها ‪.‬‬
‫والعجب أنك قد تجده مسقطا ً للقول الخر ‪ ،‬غير آبهٍ له ‪ ،‬مستبعدا ً أن يأخذ به‬
‫أحد أو ساخرا ًَ ممن أخذ به ‪.‬‬
‫وأعجب من ذلك حين ينقصه التصور التام للمسألة ؟ فلم هذا العجاب‬
‫بالنفس والرأي !؟‬
‫وهؤلء في الحقيقة يقطعون على أنفسهم خط الرجعة ‪ ،‬وكان الجدر‬
‫بالمسلم فضل ً عن طالب علم أو مجاهد أو داعية أن يتريث ل سيما في‬
‫المسائل الشائكة والقضايا العميقة ‪.‬‬
‫ورحم الله سلفنا إذ كانوا أبعد شيء عن تلقف الفتيا والتسرع فيها ‪...‬‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬كنا عند مالك فجاء رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد الله‬
‫ملني أهل بلدي مسألة أسألك عنها ‪ .‬فقال ‪ :‬سل‬ ‫جئتك من مسيرة شهر ‪ ..‬ح ّ‬
‫قطع بالرجل وكأنه قد جاء إلى من يعلم كل‬ ‫‪ .‬فسأله فقال ‪ :‬ل أحسن ‪ .‬ف ُ‬
‫شيء قال وأي شيء أقول لهل بلدي إذا رجعت إليهم ؟ قال ‪ :‬تقول لهم ‪:‬‬
‫قال مالك ‪ :‬ل أحسن ‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن المام أحمد ‪ -‬كما في مسائله مسألة رقم ‪ : 1822‬كنت‬
‫أسمع أبي كثيرا ً ُيسأل عن المسائل فيقول ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬وذلك إذا كانت مسألة‬
‫فيها اختلف ‪ ،‬وكثيرا ً ما يقول ‪ :‬سل غيري ‪ .‬فإن قيل له من نسأل ؟ يقول ‪:‬‬
‫سلوا العلماء ‪ ،‬ول يكاد يسمي رجل ً بعينه ‪ .‬اهـ ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ربما مكثت في المسألة ثلث سنين قبل أن‬
‫أعتقد فيها شيئا ً ‪ .‬وانظر مقدمة مسائل المام أحمد لبنه عبد الله ففيها‬
‫طرف من هذا ‪ .‬وانظر أيضا ً إعلم الموقعين ‪ 1/33‬وما بعدها ‪ 4/105 ،‬وما‬
‫بعدها ‪.‬‬
‫فهذا هدي مالك وهدي العلماء والئمة بعده وهم على هدي السلف قبلهم من‬
‫الصحابة والتابعين ‪ .‬فعن نافع أن رجل ً سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ‬
‫رأسه ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته فقال له ‪ :‬يرحمك الله‬
‫أما سمعت مسألتي ؟ قال ‪ :‬بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله تعالى ليس‬
‫بسائلنا عما تسألونا عنه ‪ ،‬اتركنا ‪ -‬رحمك الله ‪ -‬حتى نتفهم مسألتك فإن كان‬
‫لها جواب عندنا وإل أعلمناك أنه ل علم لنا به ‪ .‬ذكره في صفة الصفوة ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ " :‬أدركت عشرين ومائة من النصار من‬
‫أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يسال أحدهم عن المسألة‬
‫فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الول " أخرجه الدارمي‬
‫وابن سعد وغيرهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫وعن سحنون بن سعيد قال ‪ :‬أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند‬
‫الرجل الباب الواحد من العلم فيظن أن الحق كله فيه ‪ .‬قال سحنون ‪ :‬إني‬
‫لحفظ مسائل فيها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء فكيف‬
‫ينبغي أن أعجل بالجواب حتى أتخير فلم ألم على حبسي الجواب ‪ .‬انظر‬
‫جامع بيان العلم ‪. 2/165‬‬
‫وكانوا يتورعون عن القطع في فتاواهم ‪.‬‬
‫قال ابن وهب ‪ :‬سمعت مالكا ً يقول لم يكن من أمر الناس ول من مضى من‬
‫سلفنا ول أدركت أحدا ً أقتدي به يقول في شيء ‪ :‬هذا حلل وهذا حرام ‪ ،‬وما‬
‫كانوا يجترءون على ذلك ‪ ،‬وإنما كانوا يقولون ‪ :‬نكره كذا ‪ ،‬ونرى هذا حسنا ً ‪.‬‬
‫فينبغي هذا ول نرى هذا ‪ .‬أهـ ‪ .‬انظر ‪ :‬اعلم الموقعين ‪. 1/39‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬قال الله جل ذكره ‪ } :‬فل تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى { ‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬ل تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم "‬
‫الحديث أخرجه مسلم وفيه قصة‪.‬‬
‫فعلى كل مسلم أن يحذر من ألفاظ التزكية والثناء على النفس‪ ،‬ولعل‬
‫الكثيرين من أهل العلم والجهاد يتورعون عن ذلك وينأون بأنفسهم عنه ؛ لكن‬
‫َثم ما ُيفهم منه نوع من التزكية ينبغي للمسلم لسيما أمثال هؤلء أن يتنبهوا‬
‫له‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫· التكرار من بعض المعنيين بالجهاد أن غيرهم قاعدون متخاذلون ‪ ...‬الخ مما‬
‫يعني أنهم فقط هم القائمون بأمر الله الحافظون لحدوده ‪.‬‬
‫· اتهام البعض لولئك بأنهم متعجلون ل حكمة عندهم ول فقه لديهم‪ ،‬ول‬
‫إدراك للمصالح‪ ،‬وكأن المتحدث هو المحيط بذلك كله ‪.‬‬
‫· الشعور ممن يكون بأرض الجهاد بأنه ترك أهله ووطنه وماله في سبيل‬
‫الله‪ ،‬وينظر إلى غيره على أنه لم يفعل شيئا ً من ذلك مما قد يعتقد معه‬
‫عّلوه على من سواه ‪.‬‬
‫وسواء فهم مما ذكرت تزكية النفس أول ؛ فإنها ل تخلو من محذور إما بتزكية‬
‫النفس‪ ،‬أو اتهام الغير واحتقاره‪ ،‬أو تعميم الحكام مما ل يتوافق مع القاعدة‬
‫الربانية ‪ } :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى { والقاعدة الخرى‪}:‬ول‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تبخسوا الناس أشياءهم { ‪.‬‬


‫ثامنا ً ‪ :‬بقيت بعض قواعد من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهدي صحابته‬
‫الكرام ‪ ،‬أولى الناس بالخذ بها وأحقهم بالعتب في الغفلة عنها أهل السلم‬
‫العاملون له ‪ ،‬وكفى بنصها تذكيرا ً من غير تعليق ‪:‬‬
‫‪ -1‬في البخاري ‪ :‬باب الرفق في المر كله ‪.‬‬
‫ثم أسند عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت _‬
‫في قصة _قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا عائشة إن الله يحب‬
‫الرفق في المر كله ‪ .‬متفق عليه ‪ ،‬وفي رواية للبخاري ‪ :‬مهل يا عائشة عليك‬
‫بالرفق وإياك والعنف والفحش ‪.‬‬
‫وعند مسلم في لفظ أو حديث آخر عنها ‪ :‬إن الرفق ل يكون في شيء إل‬
‫زانه ول ينزع من شيء إل شانه ‪.‬‬
‫وفي آخر ‪ :‬يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما ل‬
‫يعطي على العنف وما ل يعطي على ما سواه ‪.‬‬
‫وعن جرير رضي الله عنه ‪ :‬من يحرم الرفق يحرم الخير ‪ .‬أخره مسلم ‪.‬‬
‫‪ – 2‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن‬
‫العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ل يلقي لها بال يرفعه الله بها درجات‬
‫وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ل يلقي لها بال يهوي بها في جهنم ‪.‬‬
‫متفق عليه ‪ ،‬وفي لفظ لحمد ‪ :‬ل يريد بها بأسا ً ‪ ،‬وفي آخر ‪ :‬ما يرى أن تبلغ‬
‫حيث بلغت ‪.‬‬
‫‪ - 3‬عن علي رضي الله عنه قال ‪ " :‬حدثوا الناس بما يعرفون ‪ ،‬أتحبون أن‬
‫يكذب الله ورسوله ؟ " أخرجه البخاري ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال ابن مسعود رضي الله عنه ‪ " :‬ما أنت بمحدث قوما حديثا ل تبلغه‬
‫عقولهم إل كان لبعضهم فتنة" أخرجه مسلم في المقدمة ‪.‬‬
‫هذا وأسأل الله تعالى أن يجمع قلوب المسلمين على الخير‪ ،‬وأن يؤلف‬
‫بينهم‪ ،‬وأن يمنح أهل العلم ويزيدهم جهادا ً في سبيله جل وعل‪ ،‬وأن يمنح أهل‬
‫الجهاد ويزيدهم علما ً وفقها ً إلى فقههم ‪.‬‬
‫وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد‬
‫وآله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫كتبه ‪ /‬فهد بن عبد الرحمن اليحيا‬
‫المحاضر بجامعة المام محمد بن سعود السلمية‬
‫قسم الفقه وأصوله بالقصيم‬

‫)‪(8 /‬‬

‫بين الوزاعي ‪ ...‬والمنصور*‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫حدث الوزاعي)‪ .(1‬قال‪ :‬بعث إلي أبو جعفر أمير المؤمنين وأنا بالساحل‬
‫فأتيته‪ ،‬فلما وصلت إليه وسلمت عليه بالخلفة‪ ،‬رد علي واستجلسني ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي؟‬
‫قلت‪ :‬وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟‬
‫قال‪ :‬أريد الخذ عنكم والقتباس منكم‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬يا أمير المؤمنين انظر ول تجهل شيئا مما أقول لك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكيف أجهله وأنا أسألك عنه وقد وجهت فيه إليك وأقدمتك له؟‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلت‪ :‬أن تسمعه ول تعمل به‪.‬‬


‫قال‪ :‬فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف‪ .‬فانتهره المنصور وقال‪:‬‬
‫‪ -‬هذا مجلس مثوبة‪.‬‬
‫فطابت نفسي وانبسطت في الكلم فقلت‪:‬‬
‫‪ -‬يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية –يعني ابن بسر‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"أيما عبد جاءته موعظة عليه من الله في دينه فإنها نعمة من الله سبقت‬
‫إليه‪ ،‬فإن قبلها بشكر وإل كانت حجة عليه من الله ليزداد بها إثما ً ويزداد الله‬
‫بها عليه سخطة"‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن بسر قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أيما وال بات غاشا ً لرعيته حرم الله عليه الجنة"‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله‪ ،‬إن الله هو الحق المبين‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين إن الذي يلين قلوب أمتكم لكم حين ولكم أمرهم لقرابتكم‬
‫من النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان رؤوفا ً رحيمًا‪ ،‬مواسيا ً بنفسه لهم‬
‫في ذات يده وعند الناس‪ ،‬فحقيق أن يقوم لهم فيهم بالحق‪ ،‬وأن يكون‬
‫القسط له فيهم قائمًا‪ ،‬ولعوراتهم ساترًا‪ ،‬لم تغلق عليه دونهم البواب‪ ،‬ولم‬
‫جاب‪ ،‬يبتهج بالنعمة عندهم‪ ،‬ويبتئس بما أصابهم من سوء‪.‬‬ ‫يقم عليه دونهم الح ّ‬
‫يا أمير المؤمنين قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك‪ ،‬عن عامة الناس‬
‫الذين أصبحت تملكهم‪ ،‬أحمرهم وأسودهم‪ ،‬ومسلمهم وكافرهم‪ ،‬فكل له‬
‫عليك نصيبه من العدل‪ ،‬فكيف إذا تبعك منهم فئام وراءهم فئام‪ ،‬ليس منهم‬
‫أحد إل وهو يشكو بلية أدخلتها عليه‪ ،‬أو ظلمة سقتها إليه‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عروة بن رويم‪ ،‬قال‪" :‬كانت بيد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها‪ ،‬ويروع بها المنافقين‪ ،‬فأتاه جبريل‬
‫عليه السلم فقال‪ :‬يا محمد ما هذه الجريدة التي كسرت بها قرون أمتك‪،‬‬
‫وملت قلوبهم رعبًا؟" فكيف بمن شقق أبشارهم وسفك دماءهم‪ ،‬وخرب‬
‫ديارهم‪ ،‬وأجلهم عن بلدهم‪ ،‬وغيبهم الخوف منه‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن يزيد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدشة‬
‫خدش أعرابيا ً لم يتعمدها‪ ،‬فأتاه جبريل فقال‪:‬‬
‫‪ -‬يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا ً ول مستكبرًا‪.‬‬
‫ص مني‪.‬‬ ‫فدعا النبي صلى الله عليه وسلم العرابي فقال‪ :‬اقت ّ‬
‫فقال العرابي‪ :‬قد أحللتك بأبي أنت وأمي‪ ،‬ما كنت لفعل ذلك أبدًا‪ ،‬ولو أتت‬
‫على نفسي‪.‬‬
‫فدعا له بخير‪.‬‬
‫خذ ْ لها المان من ربك‪ ،‬وارغب في‬ ‫ض نفسك لنفسك‪ ،‬و ُ‬ ‫يا أمير المؤمنين ُر ْ‬
‫جنةٍ عرضها السموات والرض التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫"لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها"‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين‪ :‬إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك‪ ،‬وكذلك ل يبقى‬
‫لك كما لم يبق لغيرك‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين تدري ما جاء في تأويل هذه الية عن جدك؟ )ما لهذا الكتاب‬
‫ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها( قال‪ :‬الصغيرة التبسم‪ ،‬والكبيرة‬
‫الضحك‪ .‬فكيف بما عملته اليدي‪ ،‬وحدثته اللسن؟‬
‫يا أمير المؤمنين بلغني عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها"‪.‬‬
‫حرم عدلك وهو على بساطك؟‬ ‫فكيف بمن ُ‬
‫يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الية عن جدك؟‬
‫)يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين الناس بالحق ول تتبع‬
‫الهوى(‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا داود إذا قعد الخصمان بين يديك فكان لك في أحدهما هوى‪ ،‬فل‬
‫تمنين في نفسك أن يكون له الحق فيفلج على صاحبه‪ ،‬فأمحوك من نبوتي‪،‬‬
‫ثم ل تكون خليفتي‪ ،‬يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء البل‪،‬‬
‫لعلمهم بالرعاية‪ ،‬ورفقهم بالسياسة‪ .‬ليجبروا الكسير‪ .‬ويدلوا الهزيل على‬
‫الكل والماء‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين إنك قد بليت بأمر عظيم لو عرض على السموات والرض‬
‫والجبال لبين أن يحملنه وأشفقن منه‪.‬‬
‫يا أمير المؤمنين حدثني يزيد بن مزيد عن جابر عن عبد الرحمن بن أبي‬
‫عمرة النصاري‪ :‬أن عمر بن الخطاب استعمل من النصار رجل ً على‬
‫الصدقة‪ ،‬فرآه بعد أيام مقيمًا‪ ،‬فقال له‪ :‬ما منعك من الخروج إلى عملك؟ أما‬
‫علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله؟‬
‫قال‪ :‬ل!‬
‫قال عمر‪ :‬وكيف ذاك؟‬
‫ل يلي‬‫قال‪ :‬لنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما من وا ٍ‬
‫من أمور الناس شيئا ً إل أتي به يوم القيامة فيوقف على جسر من نار‬
‫فينتفض به الجسر انتفاضا ً يزيل كل عضو منه عن موضعه‪ ،‬ثم يعاد فيحاسب‪،‬‬
‫فإن كان محسنا ً نجا بإحسانه‪ ،‬وإن كان مسيئا ً انخرق به ذلك الجسر فهوى به‬
‫في النار سبعين خريفًا"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فقال له عمر‪ :‬ممن سمعت هذا؟‬


‫قال من أبي ذر‪ ،‬وسلمان‪.‬‬
‫فأرسل إليهما فسألهما فقال‪ :‬نعم! سمعناه من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬وا عمراه‪ ،‬من يتولها بما فيها؟‬
‫فقال أبو ذر‪ :‬من سلت الله أنفه‪ ،‬وألصق خده بالرض‪.‬‬
‫فأخذ أبو جعفر المنديل فوضعه على وجهه فبكى وانتحب حتى أبكاني‪،‬‬
‫فقلت‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين قد سأل جدك العباس النبي صلى الله عليه وسلم إمارة‬
‫على مكة والطائف‪ ،‬فقال له‪" :‬يا عباس يا عم النبي! نفس تحييها خير من‬
‫إمارة ل تحصيها" هي نصيحة منه لعمه وشفقة منه عليه‪ ،‬لنه ل يغني عنه من‬
‫الله شيئًا‪ ،‬أوحى الله تعالى إليه "وأنذر عشيرتك القربين" فقال‪ :‬يا عباس‪ ،‬يا‬
‫صفية عمة النبي‪ ،‬إني لست أغني عنكم من الله شيئا ً أل لي عملي ولكم‬
‫عملكم‪.‬‬
‫* حضارة السلم –السنة الثامنة‪ -‬العدد السادس‪ -‬شعبان‪ 1387/‬كانون‬
‫الول‪1967/‬‬
‫)‪ (1‬هو المام عبد الرحمن بن يحمد الوزاعي أبو عمرو‪ ،‬إمام ديار الشام في‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفقه والزهد‪ ،‬ولد في بعلبك سنة ‪88‬هـ‪ ،‬ونشأ في البقاع‪ ،‬عرض عليه القضاء‬
‫فامتنع‪ ،‬توفي في بيروت سنة ‪157‬هـ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بين السلم والقومية‬


‫القومية مصدر صناعي ‪ ،‬مقيس على ما تواضع العرب المعاصرون على‬
‫اشتقاقه بإضافة ياء النسب ‪ ،‬وتاء التأنيث ‪ ،‬لمواجهة الكثرة الغامرة المتدفقة‬
‫من المصطلحات الحديثة في مختلف العلوم والمعارف النسانية المستحدثة‪.‬‬
‫وهي ترجمة للصطلح الغربي ‪ ، Nationalism‬الذي يعبر عن ظاهرة برزت‬
‫في المجتمعات الغربية في القرن التاسع عشر ‪ ،‬تصور وعيا ً جديدا ً يمجد‬
‫جماعة محدودة من الناس ‪ ،‬يضمها إطار جغرافي ثابت ‪ ،‬ويجمعها تراث‬
‫مشترك ‪ ،‬وتنتمي إلى أصول عرقية واحدة ‪ ،‬حسب ما اصطلح عليه علماء‬
‫الجناس المحدثون‪ .‬والقومية بهذا المعنى تدعو أصحابها إلى العمل على‬
‫تعزيز ثقافتهم الموحدة ‪ ،‬وتدعيم ترائهم المشترك ‪ ،‬وتنمية مصالحهم الخاصة‬
‫‪ ،‬مع حصر جهودهم في هذا النطاق وحده ‪ ،‬دون نظر إلى العتبارات التي‬
‫كانت تجمعهم قبل ذلك مع غيرهم في رباط مشترك‪.‬‬
‫وقد نتجت عن الحركات القومية في أوروبا في القرن التاسع عشر ظاهرتان‬
‫متناقضتان ‪ ،‬إحداهما ‪ :‬تدعو إلى النسلخ من المبراطوريات الكبرى ‪ ،‬كالذي‬
‫حدث في حركات دول البلقان والبلد العربية حين تداعت إلى النسلخ من‬
‫الدولة العثمانية ‪ ،‬الخرى تدعو إلى ضم شتات المارات الصغيرة التي يعتقد‬
‫– بناء على علم الجناس البشرية الحديث – أنها تنتمي إلى أصول عرقية‬
‫مشتركة ‪ ،‬كالذي حدث في نشوء الدولتين اللمانية واليطالية ‪ ،‬واجتماع كل‬
‫منهما في دولة كبرى بعد أن كانت مجموعة من المارات الصغيرة‬
‫المتنافسة‪.‬‬
‫وقد انتقلت عدوى هذه النزعة القومية إلى العرب ‪ ،‬وإلى المسلمين على‬
‫وجه العموم ‪ ،‬فيما انتقل إليهم من آثار الفكر الغربي ‪ ،‬والفلسفات السياسية‬
‫والجتماعية الحديثة ‪ ،‬وأصبحت ظاهرة بارزة في هذه البلد العربية‬
‫والسلمية مع مطلع القرن العشرين الميلدي ‪ ،‬ودخلت هذه المجتمعات في‬
‫صراع بين هذه المفاهيم القومية المستحدثة‪ ،‬وبين المفاهيم السلمية التي ل‬
‫يقوم فيها اعتبار للنساب والجناس ‪ ،‬والتي تعتبر المسلمين حيثما كانوا أمة‬
‫واحدة يقوم الدين فيها مقام النسب ‪ ،‬بل يتقدم عليه ‪ ،‬فالمسلم أخ للمسلم‬
‫من دون أبناء عمومته إن كانوا غير مسلمين‪.‬‬
‫انتشرت هذه الدعوات القومية بين المسلمين في البلد العربية ‪ ،‬وفي‬
‫أندونيسيا ‪ ،‬وفي إيران ‪ ،‬وفي الهند ‪ ،‬وكانت الدعوة إلى إنشاء دولة باكستان‬
‫رد فعل للحركة القومية في الهند ‪ ،‬لن هذه الحركة – ككل الحركات القومية‬
‫– كانت تربط بين قديم الهند الوثني وبين حاضرها الراهن ‪ ،‬وتعتبر العرب‬
‫غزاة غرباء ‪ ،‬بينما هم في اعتبار المسلمين أجدادهم القربون ‪ ،‬ومعلموهم‬
‫الولون الذين تتقدم رابطتهم على رابطة النسب والدم‪.‬‬
‫وأخذت القومية العربية التي بدأت بالدعوة إلى جمع شمل العرب في دولة‬
‫واحدة تتفكك وتنحل بعد الحرب العالمية الولى إلى قوميات مختلفة تحت‬
‫ضغط الظروف ‪ ،‬والواقع السياسي الذي قسم بلدهم بين إنجلترا وفرنسا ‪،‬‬
‫وراحت كل قومية من هذه القوميات الناشئة تدعم وجودها ‪ ،‬وتعمق‬
‫جذورها ‪ ،‬وتؤصل كيانها بإحياء تاريخها السابق على السلم والتغني بأمجاد‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تلك اليام الغابرة ‪ ،‬وتوجيه التاريخ والدب الفنون المختلفة من موسيقى‬


‫وتصوير ونحت لخدمة هذا الهدف الذي يربط الجيال الناشئة بالوطن في‬
‫حدوده الرضية ‪ ،‬دون غيره من الوطان ‪ ،‬ولم يعد للبلد السلمية في نظر‬
‫الجيال الناشئة في ظل هذه المفاهيم الجديدة فضل على البلد غير‬
‫السلمية ‪ ،‬بل ربما تقدمت بلد غير إسلمية على بلد أخرى إسلمية‬
‫لعتبارات تدعو إليها مصلحة اقتصادية أو ظروف سياسية نشأت تحت‬
‫ضغوط أجنبية‪.‬‬
‫وبين هذه القوميات التي نشأت في بلد المسلمين كانت القومية العربية‬
‫أبرزها وأحوجها للدراسة ‪ ،‬فقد كانت منذ نشأتها ‪ ،‬ل تزال ‪ ،‬موضع جدل‬
‫كثير ‪ ،‬نتج عما أحاطها في أذهان العرب والمسلمين من لبس يرجع إلى أن‬
‫العرب هم جرثومة السلم وأصله الول ‪ ،‬وإلى أن لغتهم هي لغة السلم‬
‫التي نزل بها كتابه ‪ ،‬والتي تؤدي بها كل شعائره‪ .‬وبرزت في معجم الدب‬
‫والفكر السياسي كلمات ) العروبة( و )الجامعة العربية( و )القومية العربية(‬
‫على التعاقب‪ .‬ثم اختلطت مفاهيمها ‪ ،‬وتميعت مدلولتها في بعض الحيان ‪،‬‬
‫وغلب على العامة استعمالها في معنى واحد ‪ ،‬مع تفضيل استعمال بعضها‬
‫على بعض‪ .‬وكان المقصود بها في كل الحوال هو الصفات الجامعة لذلك‬
‫الجنس من الناس المسمى عند المعاصرين بـ )العرب( ‪ ،‬على خلف ما بين‬
‫الناس في تصور مدلول هذه الكلمة ‪ ،‬وفي مقومات ذلك الجنس‪.‬‬
‫فالمحافظون من دعاة القومية العربية يرون أنها فرع من التصور السلمي ‪،‬‬
‫وكل ما في المر أنه خاص بالذين يتكلمون العربية من المسلمين ‪ ،‬الذين‬
‫تتجاور مساكنهم ‪ ،‬والذين تكونت منهم الدولة السلمية‪ .‬أما المتفرنجون من‬
‫دعاة القومية العربية ‪ ،‬فهم يستمدون تصورهم من غلة القوميين عند‬
‫مفكري الغرب ‪ ،‬ول يقيمون وزنا ً لقديم العرب السلمي الذي حدد‬
‫شخصيتهم ‪ ،‬ول يرتبطون بالسمات التاريخية لهذه الشخصية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والمتتبع لمدلول كلمة )العرب( ل يجده واحدا ً على امتداد التاريخ‪ .‬كانت كلمة‬
‫)العرب( تطلق قبل السلم على سكان جزيرة العرب ‪ ،‬التي يحدها الهلل‬
‫الخصيب من جهة الشمال )العراق والشام( ‪ ،‬والتي تحيط بها خليج العرب‬
‫)الذين كان يسمى في ذلك الوقت بالخليج الفارسي( والبحر المحيط والبحر‬
‫الحمر من الشرق والجنوب والغرب‪ .‬كان هذا الجنس الذي يسكن تلك‬
‫الرض هو وحده المقصود باسم )العرب(‪ .‬منه ورثنا التراث الشعري الضخم‬
‫الذي اشتدت عناية الدارسين به للستعانة به في ضبط اللغة العربية وعلومها‬
‫‪ ،‬وفي تفسير القرآن الكريم ‪ ،‬والحديث الشريف‪ .‬فلما ظهر السلم وعم‬
‫الجزيرة العربية على اختلف قبائلها بدأت الفتوح على عهد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بمحاربة الروم في غزوة مؤتة سنة ‪ 8‬هـ ‪ ،‬ثم غزوة تبوك سنة ‪9‬‬
‫هـ ‪ ،‬التي انتهت بمصالحة صاحب أيلة )العقبة اليوم( على الجزية‪ .‬ثم كانت‬
‫واقعة اليرموك سنة ‪13‬هـ في خلفة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪.‬‬
‫وقد توفي في أثنائها قبل أن يتحقق النصر للمسلمين‪ .‬وتوالت الفتوح من بعد‬
‫في خلفة سيدنا عمر رضي الله عنه في العراق ومصر وما وراءهما ‪ ،‬ثم في‬
‫خلفة سيدنا عثمان ومن بعده‪.‬‬
‫وتتابعت هجرة القبائل العربية إلى المصار المفتوحة على اختلف أسبابها ‪،‬‬
‫منهم من هاجر طلبا ً للنجعة في سنوات القحط ‪ ،‬وفي أوقات الجفاف على‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عادتهم في الجاهلية ‪ ،‬ثم طابت له الحياة ‪ ،‬فاستقر في موطنه الجديد‪.‬‬


‫ومنهم من ذهب مع الجيوش الفاتحة ‪ ،‬ثم لم يعد‪ .‬ومنهم من هاجر استجابة‬
‫لدعوة أمراء العرب في هذه المصار الذين رأى بعضهم أن يستقدم بطونا ً‬
‫من عشيرته يتقوى بهم ‪ ،‬ويدعم عصبيته ‪ ،‬كما حدث في ولية الوليد بن‬
‫رفاعة على مصر في خلفة هشام بن عبدالملك الموي حين استقدم‬
‫القيسية‪ .‬ومنهم من هاجر التماسا ً لسعة العيش في هذه البلد‪.‬‬
‫وكان العرب في أول المر ‪ ،‬وعلى امتداد الدولة الموية يترفعون عن‬
‫الختلط بأبناء البلد المفتوحة ‪ ،‬وكانوا يعتزون بأنسابهم في قبائلهم‪ .‬ولذلك‬
‫حرصوا على حفظها من الختلط بغيرهم ‪ ،‬وعاشوا حياة أقرب إلى البداوة‬
‫في منازل أشبه بثكنات الجيوش في خطط منعزلة ‪ ،‬كالكوفة والبصرة في‬
‫العراق ‪ ،‬والفسطاط في مصر ‪ ،‬والقيروان في المغرب‪ .‬لذلك ظل اسم‬
‫)العرب( طوال الدولة الموية يطلق على المنتسبين إلى هذا الجنس ممن‬
‫قدموا على المصار المفتوحة ‪ ،‬وذلك في مقابل اسم )الموالي( الذي كان‬
‫يطلقه العرب على من عداهم من الجناس في هذه البلد ترفعا ً واستعلء ‪،‬‬
‫وذلك باستثناء بلد الشام والعراق التي بدأ اختلط العرب فيها بأهل البلد منذ‬
‫الفتح ‪ ،‬لنتشار العنصر العربي فيها من عهد بعيد قبل السلم ‪ ،‬ثم ساعد‬
‫انتقال العاصمة إليهما في عهد المويين ثم العباسيين على زيادة هذا‬
‫الختلط‪.‬‬
‫وكانت البلد المفتوحة في أول عهدها بالفتح تطلق على الغزاة الفاتحين اسم‬
‫)العرب( ‪ ،‬تمييزا ً لهم من سكان البلد الصليين ‪ ،‬الذين كان بعضهم ل يزال‬
‫على دينه ‪ ،‬وبذلك كان اسم )العرب( مرادفا ً لمعنى )المسلمين(‪.‬‬
‫وانتشر السلم شيئا ً فشيئا ً في هذه البلد المفتوحة ‪ ،‬وانتشرت معه اللغة‬
‫العربية التي ل غنى للمسلم عنها في معرفة دينه ‪ ،‬وإقامة شعائره ‪ ،‬وحفظ‬
‫كتابه‪ .‬ثم جاء تعريب الدواوين في أيام عبد الملك بن مروان )‪86 – 65‬هـ(‬
‫ونقلها إلى أيدي المسلمين بعد أن كان يتولها أهل البلد من غير المسلمين ‪،‬‬
‫ويدونونها باللغة الفهلوية )الفارسية القديمة( في العراق ‪ ،‬وبالرومية في‬
‫الشام ‪ ،‬وبالقبطية )المصرية القديمة في العصر المسيحي( في مصر‪ .‬فزاد‬
‫انتشار اللغة العربية ‪ ،‬ولم ينته القرن الول الهجري حتى كانت اللغة العربية‬
‫لغة للتخاطب والتعامل والتدوين في هذه البلد جميعا ً ‪ ،‬وأصبح السلم دين‬
‫السواد العظم من سكانها ‪ ،‬وكادت لغات البلد القديمة تنسى بعد أن أقبل‬
‫ة ‪ ،‬ويحاولون إتقانها ومنافسة‬‫الناس على العربية ‪ ،‬قرآنا ً وحديثا ً وشعرا ً ولغ ً‬
‫العرب أنفسهم فيها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وعلى توالي اليام زاد امتزاج العرب في المصار بأبناء البلد ‪ ،‬وبالتصاهر‬
‫وبتداخل المصالح ‪ ،‬واختلطت أنسابهم بتوالي الجيال ‪ ،‬فضعفت العصبية‬
‫العربية المبنية على النسب تبعا ً لذلك )تاريخ ابن خلدون ‪ 3 : 6‬طبع بولق(‪.‬‬
‫وزاد الزواج والتسري من ناحية أخرى بين العرب بغير العربيات في العامة‬
‫والخاصة ‪ ،‬حتى أصبح الخلفاء في أواخر الدولة الموية ‪ ،‬من بعد الوليد بن‬
‫يزيد ‪ ،‬وفي سائر الدولة العباسية من بعد المين بن الرشيد من أمهات غير‬
‫عربيات‪ .‬وزاد على مر اليام عدد الفقهاء والشعراء والمشتغلين بالعلوم‬
‫العربية ‪ ،‬والذين يشغلون المناصب الخطيرة الشريفة من غير العرب ‪ ،‬بل‬
‫سادت عناصر غير عربية ‪ ،‬وتسلطت على الدولة منذ عصر المعتصم ‪ ،‬وزاد‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطرها منذ تجرأ الترك على قتل المتوكل ‪ ،‬وبذلك انتهت النعرة العنصرية‬
‫العربية ‪ ،‬وأصبحت الصبغة الظاهرة في البلد السلمية على اختلفها هي‬
‫السلم ‪ ،‬وأصبحت اللغة العربية وعلومها وآدابها حظا ً شائعا ً بين العرب وغير‬
‫العرب بل تمييز ‪ ،‬بل أصبح عدد المشتغلين بها والذين يدونون بها شعرهم‬
‫ونثرهم وفكرهم ومعارفهم من غير العرب أكثر عددا ً وأغلب شهرة‪ .‬فأبو‬
‫حنيفة الفقيه )‪150‬هـ( فارسي ‪ ،‬والبخاري شيخ المحدثين )‪256‬هـ( تركي ‪،‬‬
‫وسيبويه أبو النحو )‪183‬هـ( فارسي ‪ ،‬وصلح الدين اليوبي بطل الحروب‬
‫الصليبية )‪564‬هـ( كردي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق أول من دون السيرة النبوية )‬
‫‪151‬هـ( فارسي ‪ ،‬والطبري شيخ المؤرخين والمفسرين )‪310‬هـ( تركي ‪،‬‬
‫وابن سينا أبو الطب العربي الذي ظلت كتبه تدرس في جامعات أوروبا‬
‫طوال الوسطى )‪428‬هـ( أفغاني ‪ ،‬وبذلك صح أن توصف هذه البلد جميعا ً‬
‫بأنها عربية ومسلمة في آن واحد ‪ ،‬دون أن تغلب فيها أحدى الصفتين على‬
‫الخرى‪.‬‬
‫من هذا العرض يتبين لنا وضوح أن البلد العربية كلها من الخليج العربي‬
‫شرقا ً إلى المحيط الطلسي غربا ً – فضل ً عما وراءها شرقا ً من بلد ارتدت‬
‫بعد ذلك عن عروبتها – ليس لها تاريخ في العروبة يسبق السلم ‪ ،‬بل إن‬
‫عروبتها في الحقيقة تتأخر عن إسلمها ‪ ،‬وهذه العروبة لم تجئها إل من‬
‫طريق السلم وبسببه ؛ ذلك بأن السلم دعا المسلمين إلى أن يحبوا العرب‬
‫‪ ،‬ويلتفوا حول رايتهم ‪ ،‬ويتخذوا العربية لغة جامعة لشملهم‪ .‬روى الحاكم في‬
‫)المستدرك( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪) :‬من أحب‬
‫العرب فبحبي أحبهم ‪ ،‬ومن أبغض العرب ‪ ،‬فببغضي أبغضهم(‪ .‬وعن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه أنه قال ‪) :‬أحبوا العرب وبقاءهم ‪ ،‬فإن بقاءهم نور في‬
‫السلم ‪ ،‬وإن فناءهم ظلمة في السلم(‪ .‬وعن جابر بن عبد الله رضي الله‬
‫عنه إنه قال ‪) :‬إذا ذلت العرب ذل السلم(‪ .‬وسمع عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه رجل ً يتكلم بالفارسية وهو يطوف حول الكعبة ‪ ،‬فأخذ بعضديه ‪ ،‬وقال‬
‫ل(‪ .‬ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين‬ ‫‪) :‬ابتغ إلى العربية سبي ً‬
‫بوضوح أن العربي هو من تكلم العربية ‪ ،‬حيث يقول ‪) :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن‬
‫الرب واحد ‪ ،‬وإن الب واحد ‪ ،‬وإن الدين واحد ‪ ،‬من تكلم بالعربية فهو‬
‫عربي(‪.‬‬
‫من أجل ذلك كان التفريق بين العروبة والسلم في أيامنا هذه ل يستند إلى‬
‫أساس‪ .‬فالسلم هو الذي أعطى للعرب لغتهم ‪ ،‬ووحدهم عليها وعلى القيم‬
‫التي تضمنها كتابه وسنة رسوله ‪ ،‬فالتقت قلوبهم وعقولهم وأمزجتهم على ما‬
‫يحلون وما يحرمون ‪ ،‬وما يحبون وما يكرهون ‪ ،‬وما يستملحون وما‬
‫يستقبحون ‪ ،‬وتوحدت أنماط حياتهم في عباداتهم ‪ ،‬وفي أفراحهم ‪ ،‬وفي‬
‫أحزانهم ‪ ،‬وفي نظمهم داخل بيوتهم وخارجها‪ .‬لنهم في ذلك كله كانوا‬
‫محكومين بالفقه والداب والفنون التي نشأت ونمت وترعرعت في ظل‬
‫السلم ‪ ،‬وخضعت لحكامه ‪ ،‬وتأثرت بقيمه ومزاج شعوبه‪ .‬فاتجه النحت‬
‫والتصوير مثل ً إلى النماط العربية المعروفة المبنية على الخطوط والدوائر ‪،‬‬
‫وإلى تجميل الحروف الكتابية والفتنان في تنسيقها ‪ ،‬مبتعدا ً عما نهى عنه‬
‫السلم من إبراز الشخوص النسانية أو الحيوانية وتمثيلها ‪ ،‬وأصبح لهذا الفن‬
‫شخصية بارزة متميزة يستملحها غير العرب وغير المسلمين ‪ ،‬حتى رأينا‬
‫بعض نصارى الغرب يزينون كنائسهم بأحجار قد نقشت عليها آيات قرآنية مما‬
‫بقي من آثار العرب في الندلس بعد خروجهم ‪ ،‬وهم يجهلون أن هذه‬
‫النقوش ليست سوى آيات قرآنية‪ .‬ثم إن القرآن ضمن للغة العربية ولخطها‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثباتا ً واستمرارا ً ل نظير له في سائر لغات العالم التي تتعرض للتبديل والتغيير‬
‫والتحوير‪ ،‬لن المسلمين رفضوا كل تغيير أو تبديل أو تطوير يبعدهم عن فهم‬
‫النص القرآني والصول السلمية من حديث وفقه ‪ ،‬أو يحول دون قراءتها أو‬
‫تذوق بلغتها وإعجازها‪ .‬وبذلك أصبح التراث الفكري السلمي كتابا ً مفتوحا ً‬
‫ينتقل القارئ بين صفحاته وفصوله من أوله إلى آخره ‪ ،‬يقرأ للمتقدمين‬
‫السابقين من الولين كأنه يقرأ لشعراء ولكتاب معاصرين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولم يقتصر المر على قيام هذه الروابط السلمية الجامعة بين العرب ‪ ،‬فقد‬
‫امتدت آثارها إلى سائر المسلمين ‪ ،‬الذين تأثروا بهذه القيم والنظم الخلقية‬
‫والجتماعية ذاتها ‪ ،‬والذين إن فاتهم اتخاذ العربية لغة لهم ‪ ،‬فلم يفتهم اتخاذ‬
‫حروفها لتدوين تراثهم ومعارفهم ‪ ،‬لم يشذ عن ذلك إل الترك منذ الثورة‬
‫الكمالية ‪ ،‬والجمهوريات التركية الجنوبية في روسيا منذ الثورة البلشفية ‪،‬‬
‫والندونيسيون في ظل الستعمار الهولندي‪.‬‬
‫ومن أطرف ما قرأته في صلة العروبة بالسلم قول سمث )و ‪ .‬ك ‪ .‬سمث(‬
‫في كتابه ) السلم في العصر الحديث ‪ ( Islam In Modern History‬الذي ظهر‬
‫سنة ‪ : 1957‬إن العرب المسلمين ل يعتبرون غير المسلمين من بني جنسهم‬
‫كاملي العروبة ‪ ،‬كما أنهم ل يعتبرون المسلمين من غير العرب كاملي‬
‫السلم‪.‬‬
‫من أين إذن جاء التشكيك في هذه الصلة بين العروبة والسلم ؟ فزعم بعض‬
‫الزاعمين أن السلم ليس عنصرا ً أصيل ً في مقومات العروبة ؟ وأراد آخرون‬
‫أن يعروا السلم من صفته العربية ؟‬
‫حين نشأت الدعوة المعاصرة إلى القومية العربية في أواخر القرن التاسع‬
‫عشر الميلدي ‪ ،‬أو ما كان يسمى وقتذاك بالجامعة العربية ‪ ،‬ويعنون بها‬
‫الرابطة الجامعة لشمل العرب ‪ ،‬كان العرب يشكلون الجزء الكبر من الدولة‬
‫العثمانية‪ .‬واتخذت الدعوة في أول أمرها شكل ً ثقافيا ً يعنى ببعث التراث‬
‫العربي ‪ ،‬وبإنشاء صحافة ومسرح عربي ‪ ،‬والدعوة إلى الهتمام باللغة‬
‫العربية ‪ ،‬وجعلها لغة التعليم والقضاء والدواوين في البلد العربية بدل ً من‬
‫اللغة التركية التي كانت هي اللغة المستعملة وقتذاك في هذه المجالت‪.‬‬
‫وكانت كثرة كبيرة من رجال الرعيل الول في هذه الحركة وفي هذا البعث‬
‫من مسيحيي لبنان ‪ ،‬مثل البستاني واليازجي والشدياق وأديب إسحاق‬
‫ميل وتقل ومشاقة وزيدان ونمر وصروف‪ .‬وأغلبهم ممن اتصلوا‬ ‫ونقاش وش ّ‬
‫بالرساليات النجيلية المريكية التي بدأت تتوارد على بيروت في النصف‬
‫الثاني من القرن التاسع عشر لنشر مذهبهم البروتستنتي‪ .‬وأكثرهم في‬
‫الوقت نفسه ينتمون إلى الماسونية ‪ ،‬فإبراهيم اليازجي )‪1906 – 1847‬م(‬
‫وأبوه ناصيف اليازجي )‪1871 – 1800‬م( كانا على صلة حسنة بالرساليات‬
‫المريكية النجيلية‪ ،‬وكانا يترددان على مطبعتهم في بيروت التي كان يشرف‬
‫عليها وقتذاك الدكتور فانديك‪ .‬وقد علم اليازجي الكبير في مدارسهم ‪ ،‬وأعان‬
‫ابنه في ترجمتهم التوراة إلى العربية ‪ ،‬ثم قدم بعد ذلك إلى مصر ومات بها ‪،‬‬
‫واحتفلت المحافل الماسونية في القاهرة والسكندرية بتأبينه ‪ ،‬وهو صاحب‬
‫قصيدتين مشهورتين في استنهاض همم العرب ودعوتهم إلى إحياء أمجاد‬
‫آبائهم ‪ ،‬ورفض التجبر والستبداد ‪ ،‬وفيهما دعا قومه من العرب إلى الثورة‬
‫على التراك ‪ ،‬وختم قصيدته مهددا ً الترك بقوله ‪:‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صبرًاهياأمة الترك التي ظلمت ** دهرا ً فعماقليل ترفع الحجب‬


‫لنطلبن بحد السيف مأربنا ** فلن يخيب لنا في جنبه أرب‬
‫ونتركن علوج الترك تندب ما ** قد قدمته أياديها فتنتحب‬
‫ومن يعش ير واليام مقبلة** يلوح للمرء في أحداثها العجب‬
‫وإبراهيم اليازجي صاحب هاتين القصيدتين هو أيضا ً صاحب مجلة )الضياء(‬
‫بما حوت من مباحث لغوية‪ .‬وقد أتم البن ما بدأ به أبوه من شرح ديوان‬
‫المتنبي ‪ ،‬وسماه ‪) :‬الجوهر الفرد والعرف الطيب في شرح ديوان أبي‬
‫الطيب(‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن مؤسسي هذه الدعوة أيضا بطرس البستاني )‪1883 – 1819‬م( ‪ ،‬وقد‬
‫كان أيضا ً على صلة بدعاة المذهب النجيلي والبروتستانت من المريكان ‪،‬‬
‫وتولي منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت‪ .‬وأعان الدكتور سمث‬
‫المبشر المريكي ثم الدكتور فانديك من بعده في الترجمة البروتستانتية‬
‫للتوراة التي تمت في سنة ‪1864‬م ‪ ،‬ثم طبعت في أمريكا سنة ‪.1866‬‬
‫وأعان الدكتور فانديك أيضا ً في إنشاء مدرسة عبية المريكية ‪ ،‬وهي مدرسة‬
‫عليا ترجع أهميتها إلى أنها كانت تقوم بتدريس العلوم الحديثة من جغرافيا‬
‫وطبيعة وكيمياء ورياضة باللغة العربية‪ .‬وقد وضعت لذلك كتبا ً خاصة قامت‬
‫بطبعها ‪ ،‬فشاركت بذلك في حركة الحياء العربية ‪ ،‬وبطرس البستاني مع‬
‫ذلك هو صاحب القاموس العربي )محيط المحيط(‪ .‬وهو صاحب دائرة‬
‫المعارف المعروفة باسمه ‪ ،‬أتم منها ستة مجلدات ‪ ،‬وتوفي وهو في بدء‬
‫السابع ‪ ،‬فأتمه هو والثامن ابنه سليم ‪ ،‬ثم توفي ابنه قبل أن يتم التاسع ‪،‬‬
‫فأصدر أبناؤه الباقون بمعاونة ابن عمه سليمان البستاني )مترجم اللياذة إلى‬
‫العربية( الجزاء الباقية )التاسع والعاشر والحادي عشر(‪ .‬وقد ساهم بطرس‬
‫البستاني مع ذلك كله في النهضة الصحفية العربية بإنشاء ثلث صحف ‪ ،‬وهي‬
‫)الجنان( و )الجنة( و )الجنينة(‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن الذين شاركوا في هذه الدعوة أيضا ً من مسيحيي لبنان فارس الشدياق‬
‫)‪ ، (1887 – 1801‬الذي تسمى بعد إسلمه على يد باي تونس بأحمد ‪ ،‬واتبع‬
‫المذهب النجيلي على يد المرسلين المريكان ‪ ،‬فتولوا حمايته من بطش‬
‫رجال الكليروس الذين حبسوا أخاه ‪ ،‬وعذبوه حتى مات في سجنهم بسبب‬
‫تغييره مذهبه‪ .‬حضر على نفقتهم إلى مصر في أيام محمد علي ‪ ،‬ثم طوف‬
‫كثيرا ً بين دول أوروبا والستانة وتونس ومصر‪ .‬ووصف كثيرا ً من هذه السفار‬
‫في صحيفته )الجوائب( التي أصدرها سنة ‪1277‬هـ‪ .‬وقد استدعته جمعية‬
‫ترجمة التوراة البروتستانتية في لندن سنة ‪1848‬م فأعان في ترجمتها إلى‬
‫العربية‪ .‬وله كتب كثيرة تغلب عليها النزعة اللغوية أهمها )سر الليال في‬
‫القلب والبدال( و )الساق على الساق فيما هو الفارياق( و )الجاسوس على‬
‫القاموس(‪ .‬وله مع ذلك شعر كثير في مدح سلطين آل عثمان وباي تونس ‪،‬‬
‫وهو صاحب المقامات التي نالت في زمانها شهرة كبيرة ‪ ،‬والمعروفة باسم‬
‫)مجمع البحرين(‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن دعائم هذه الدعوة أيضا سليم تقل مؤسس صحيفة )الهرام( المصرية )‬
‫‪1892 – 1849‬م(‪ .‬تلقى علومه في مدرسة عبية التي أنشأها المبشر‬
‫المريكي الدكتور فانديك أحد مؤسسي الجامعة المريكية ‪ ،‬التي بدأت سنة‬
‫‪1866‬م باسم )الكلية السورية النجيلية(‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومنهم جرجي زيدان )‪1914 – 1861‬م( كان على صلة بالمبعوثين‬


‫المريكان‪ .‬وكان يدعى إلى احتفالت الخريجين بكليتهم ‪ ،‬ثم التحق بالجامعة‬
‫المريكية سنة ‪ 1881‬لدراسة الطب‪ ،‬وغادرها دون أن يتم دراسته في العام‬
‫التالي‪ .‬وهو صاحب المباحث المعروفة في اللغة العربية وآدابها‪ .‬ومؤلف‬
‫سلسلة من القصص التاريخية العربية وهي )فتاة غسان( و )عذراء قريش( و‬
‫)‪ 17‬رمضان( و )غادة كربلء( و )الحجاج بن يوسف( و )فتح الندلس( و‬
‫)شارل وعبد الرحمن( و )أبو مسلم الخراساني( و )العباسة أخت الرشيد( و‬
‫)المين والمأمون( و )فتاة القيروان( و )صلح الدين ومكايد الحشاشين( و‬
‫)شجرة الدر(‪ .‬وهو مع ذلك كله مؤسس مجلة )الهلل( التي ل تزال تصدر‬
‫حتى الن‪.‬‬
‫منذ ذلك الوقت نشأت التفرقة بين العروبة والسلم على يد هذه الطائفة‬
‫من المفكرين والكتاب من نصارى الشام‪ .‬ولم يعد اسم )الجامعة العربية(‬
‫مرادفا ً لسم )الجامعة السلمية(‪.‬‬
‫والواقع أن الذين دعوا إلى الجامعة العربية في أواخر القرن التاسع عشر‬
‫الميلدي كانوا مختلفين في تصورهم لهذه الجامعة ‪ ،‬متباينين في أغراضهم‬
‫التي يستهدفونها من وراء هذه الدعوة‪ .‬كانت الجامعة السلمية وقتذاك هي‬
‫الرابطة التي تربط أجزاء الدولة العثمانية ‪ ،‬وتجمعهم تحت راية السلطنة‬
‫العثمانية التي جمعت بين الزعامة السياسية والزعامة الدينية منذ تلقب‬
‫سلطينها بلقب الخلفة السلمية‪ .‬وقد زاد نفوذ هذه الجامعة في قلوب‬
‫الناس منذ عني السلطان عبد الحميد بتدعيمها ‪ ،‬وبدعوة الناس إلى اللتفاف‬
‫حول رايتها والعتصام بها في وجه الطماع الستعمارية التي تنتظر بفارغ‬
‫الصبر الوقت الملئم لقتسام البلد الداخلة في هذه الدولة‪.‬‬
‫وكانت لغة التعليم والدارة في البلد العربية التي تكون الجزء الكبر من‬
‫الدولة العثمانية هي اللغة التركية ‪ ،‬بها كان يجري التعليم في المدارس على‬
‫اختلف أنواعها ‪ ،‬وبها كانت تجري المرافعات في المحاكم ‪ ،‬وبها كانت تدون‬
‫المعاملت الحكومية في مختلف الدواوين‪ .‬ومن هنا نشأت الدعوة أول ما‬
‫نشأت تدعو إلى الهتمام باللغة العربية ‪ ،‬واتخاذها لغة للتعليم والدارة في‬
‫البلد العربية ‪ ،‬مع منح هذه البلد شيئا ً من الستقلل الجزئي الذي يبرز‬
‫شخصيتها العربية في داخل إطار الدولة العثمانية ‪ ،‬ودون خروج على وحدتها‬
‫الجامعة‪ .‬وكان بعض دعاة ما سمي في ذلك الوقت بالجامعة العربية من‬
‫المسلمين خاصة ل يرون تعارضا ً بينها وبين الجامعة السلمية ‪ ،‬التي يدينون‬
‫بها ‪ ،‬ويسلمون بأنها هي الجامعة الولى والهم بين المسلمين في سائر بلد‬
‫الرض ‪ ،‬بل لعلهم كانوا يرون في الهتمام باللغة العربية شدا ً لزر هذه‬
‫الجامعة التي بها يقيم المسلمون صلواتهم وشعائر دينهم وأذكارهم في تلوة‬
‫القرآن الكريم وخطبة الجمعة وخطبتي العيدين ‪ ،‬وبها يتحتم على المسلم أن‬
‫يلتمس التفقه في أصول دينه‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ولكن فريقا ً من هؤلء المسلمين أنفسهم ‪ ،‬الذين يتمسكون بالجامعة‬


‫السلمية ‪ ،‬كان يرى التفرقة بين الخلفة وبين السلطنة ‪ ،‬بجعل الخلفة في‬
‫العرب والسلطنة في الترك‪ .‬وحجتهم في ذلك أن العرب هم أقدر الناس‬
‫على فهم السلم وتبليغه ‪ ،‬بلغتهم نزل كتابه ‪ ،‬ومن بينهم اصطفى الله نبيه ‪،‬‬
‫وبين أحضانهم نشأت الدعوة إليه ‪ ،‬ومنهم كان الرعيل الول من المجاهدين‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في سبيل نشره والدعوة إليه ‪ ،‬وذلك مع تسليمهم بأن الترك هم أقوى‬
‫الشعوب السلمية وأقدرها على الوقوف في وجه المطامع الستعمارية في‬
‫بلد العرب على وجه الخصوص ‪ ،‬ولذلك فهم أحق الناس بالزعامة السياسية‪.‬‬
‫وكان ذلك هو رأى الكواكبي الذي بدا واضحا ً في آخر كتابه )أم القرى( ‪ ،‬ومن‬
‫ذهب مذهبه ‪ ،‬واتبع طريقة من دعاة الجامعة السلمية ‪ ،‬الذين ابتدعوا لول‬
‫مرة التفرقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية ‪ ،‬أو المرجع الديني على‬
‫الصح ‪ ،‬لن هذه التفرقة تترك الدين في واقع المر بل سلطة‪.‬‬
‫وكان هناك فريق ثالث من المسلمين أنفسهم واقع تحت تأثير الدعوات‬
‫القومية المتطرفة التي اشتدت حركتها في أوروبا في القرنين الثامن عشر‬
‫والتاسع عشر‪ .‬هؤلء كانوا يتصورون الجامعة العربية تصورا ً قوميا ً خالصا ً ‪،‬‬
‫ويجردونها من كل صلة بالدين‪ .‬وكان الهم الكبر والشغل الشاغل لهذا‬
‫الفريق هو إنشاء دولة عربية مستقلة على النمط الغربي الذي يقوم على‬
‫مؤسسات ديموقراطية قوامها إرادة الشعب الممثلة في مجالس نيابية‬
‫منتخبة‪ .‬وكانت هذه الجامعة العربية التي يتوسلون بها إلى إنشاء دولة عربية‬
‫كبرى مقصورة على الجناح اليمن لما نسميه الن بالعالم العربي ‪ ،‬أي‬
‫القسم السيوي وحده من هذا العالم‪.‬‬
‫وكانوا في معظمهم واقعين تحت تأثير الفكر المستمد من كتاب الثورة‬
‫الفرنسية ومفكريها من ناحية ‪ ،‬ومن فلسفة عصر النهضة اللبراليين في‬
‫أوروبا ‪ ،‬الذين دعوا في صدامهم مع الكنيسة إلى فصل السلطة الدينية عن‬
‫السلطة المدنية من ناحية أخرى‪ .‬وقد ظن هؤلء أن التقدم الوروبي الحديث‬
‫هو ثمرة من ثمرات هذه النهضة ‪ ،‬التي قضت على سلطة الدين ‪ ،‬وحررت‬
‫منه رجال السياسة والعلم والقتصاد‪ .‬ولذلك فالنهضة العربية عندهم ل تصح‬
‫إل على هذا الساس‪ .‬وهذا الفريق يلتقي في تصوره القومي مع غلة‬
‫القوميين من الترك ‪ ،‬الذين يدعون إلى القومية الطورانية ‪ ،‬والذين كان‬
‫أكثرهم منضما ً إلى حزب التحاد والترقي ‪ ،‬بيد أن الخيرين كانوا يختلفون مع‬
‫القوميين العرب في أنهم يرون فرض الصبغة التركية واللغة التركية على كل‬
‫أجزاء الدولة ‪ ،‬ومنها البلد العربية ‪ ،‬مع تجريد السلطة السياسية من الدين ‪،‬‬
‫والتخلي عن لقب الخلفة ‪ ،‬أو القتصار على استغلله في تدعيم نفوذ الدولة‬
‫بين العناصر غير التركية من المسلمين‪.‬‬
‫أما المسيحيون ممن قدمنا ذكر بعض رجالهم ‪ ،‬فقد كان من الطبيعي أن‬
‫يكونوا ضمن الفريق الذي يرى الجامعة العربية قومية خالصة ‪ ،‬لنه غير داخل‬
‫بحكم مسيحيته في الجامعة السلمية ‪ ،‬وليس له ولء قلبي لها ‪ ،‬فكل الذي‬
‫يربطه بالدولة هو الولء السياسي‪ .‬وكان من الطبيعي أن يجد الستعمار‬
‫والصهيونية في هذا الفريق الخير من المسلمين والمسيحيين على السواء‬
‫صيدا ً ثمينا ً يمكن أن يلتقي معه فترة مرحلية تمهد لتحقيق أغراضه‪.‬‬
‫فالستعمار النجليزي كان طامعا ً في العراق ‪ ،‬وفي مصادر البترول الذي‬
‫كانت البحوث الجيولوجية تشير إلى احتمال ظهوره ‪ ،‬كما كانت البحوث‬
‫القتصادية تشير إلى تزايد أهميته الصناعية‪ .‬وفرنسا كانت تطمع في الشام‬
‫للرابطة الدينية والقتصادية التي تربطها بمسيحييه على الساحل ‪ ،‬وللحصول‬
‫على مصادر البترول ‪ ،‬الذي كان ظهوره متوقعا ً في الجزاء الشمالية من‬
‫حوض الفرات‪ .‬وقد أصبحت الحدود بينها وبين منطقة النفوذ النجليزية في‬
‫العراق مثار نزاع بين الدولتين عقب الحرب العالمية الولى لهذا السبب‪.‬‬
‫والصهيونية العالمية كانت طامعة في الستيلء على فلسطين واتخاذها وطنا ً‬
‫قوميا ً لليهود ‪ ،‬ول سبيل إلى ذلك إل بانحلل الدولة العثمانية ‪ ،‬بعد أن عجزوا‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن الوصول إلى موافقة السلطان عبد الحميد على زيادة الهجرة إليها‬
‫وتملك الرض فيها‪ .‬كان الفرقاء الثلثة يلتقون عند إسقاط الدولة العثمانية‬
‫وتمزيقها ‪ ،‬ويرون أن بث الفرقة بين العرب وبين الترك يساعد على بلوغ هذا‬
‫الهدف‪ .‬وقد نجح الفرنسيون خاصة في استمالة فريق من المسيحيين – ومن‬
‫الكاثوليك منهم على وجه الخصوص – باسم الدين ‪ ،‬فكانت الجامعة العربية ‪،‬‬
‫أو القومية العربية تمثل في نظرها هذا الفريق فترة مرحلية ينتقلون منها بعد‬
‫الستقلل عن الدولة العثمانية إلى الولء الفرنسي‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫هذه الظروف والمناسبات التي واكبت نشأة الجامعة العربية في العصر‬


‫الحديث أدت إلى سوء ظن متبادل بين العروبيين والسلميين‪ .‬وزاد في سوء‬
‫الظن عند السلميين أن الشريف حسين حالف النجليز بعد ذلك ضد الدولة‬
‫العثمانية لقاء وعد منهم بالمساعدة في إقامة دولة عربية يجعلونه على‬
‫رأسها ‪ ،‬وبنقل الخلفة السلمية إليه بعد زوال الخلف العثمانية‪.‬‬
‫فالسلميون يرون أن هذه الدعوة العربية التي نشأت في حضانة أمريكية‬
‫صهيونية ‪ ،‬والتي تساندها إنجلترا وفرنسا وتمدانها بالمال والسلح ل يمكن أن‬
‫تخدم إل مطامع الستعمار والصهيونية‪ .‬وذلك هو ما عبر عنه شكيب أرسلن‬
‫في خطابه الموجه إلى الشريف حسين حين بلغه عزمه على غزو سوريا مع‬
‫جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الولى‪ .‬فهو ينهاه عن المضي فيما هو‬
‫فيه من دعوة زعماء السوريين للخروج على الدولة العثمانية‪ ،‬واللتحاق‬
‫بالجيش الحسيني العربي ‪ ،‬ويحذره عاقبة هذه الغارات التي يضرب فيها‬
‫العرب بالعرب ‪ ،‬فيقول له فيما يقول ‪) :‬أتقاتل العرب بالعرب أيها المير ‪،‬‬
‫حتى تكون ثمرة دماء قاتلهم ومقتولهم استيلء إنجلترا على جزيرة العرب ‪،‬‬
‫وفرنسا على سورية ‪ ،‬واليهود على فلسطين ؟( ثم يخاطب القائمين بالدعوة‬
‫قائل ً ‪ ) :‬قل لهؤلء القائمين بالدعوة العربية ‪ ،‬الناهضين لحفظ حقوقها وأخذا‬
‫تاراتها ‪ :‬ماذا إلى اليوم أمنوا من حقوق العرب بقيامهم ؟ ليقولوا لنا ‪ :‬ماذا‬
‫أقاموا للعرب من الملك حتى نشكرهم ‪ ،‬ونقر بفضلهم ‪ ،‬لننا عرب نحب كل‬
‫من أحب العرب ‪ ،‬ونبغض كل من أبغض العرب ‪ ،‬ول نبالي بالقيل والقال‬
‫أمام الحقائق(‪ .‬ولذلك السبب نفسه هاجم الشاعر العراقي معروف‬
‫الرصافي دعاة الجامعة العربية حين عقدوا مؤتمرهم في باريس سنة ‪1913‬‬
‫بعد أن كان مؤيدا ً لهم بشد أزر دعوتهم بشعره ‪ ،‬وذلك في قصيدته )ما هكذا(‬
‫التي بدأها بقوله ‪:‬‬
‫أصبحت أوسعهم لومًاوتثريبا ً لماامتطواغارب الفراط مركوبا ً‬
‫وفيها يقول‪:‬‬
‫إني لبصر في )بيروت( قائبة* للشر موشكة أن تخرج القوبا‬
‫لو كان في غير)باريز(تألبهم* ما كنت أحسبهم قوما ً مناكيبا‬
‫لكن )باريز( مازالت مطامعها* ترنوإلى الشام تصعيدًاوتصويبا‬
‫ولم تزل كل يوم في سياستها* تلقي العراقيل فيها والعراقيبا‬
‫هل يأمن القوم أن يحتل ساحتهم* جيش يدك من الشام الهاضيا‬
‫أما العروبيون ‪ ،‬فقد كانوا من ناحيتهم يحتجون بأن الدولة قد أصبحت بعد‬
‫عزل السلطان عبد الحميد في يد طائفة من غلة الطورانيين الذي تنطق‬
‫صحفهم وأعمالهم منذ تولوا الحكم بميولهم اللحادية ‪ ،‬وبمحاربتهم للسلم‬
‫والمسلمين واتخاذهم الوزراء من اليهود‪ .‬ثم إنهم كانوا يدافعون عن‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محالفتهم لنجلترا وفرنسا بأن الدولة العثمانية قد حالفت ألمانيا ‪ ،‬وكيف‬


‫يكون جهادا ً إسلميا ً ‪ ،‬وكيف تكون حربا ً مقدسة ‪ ،‬تلك الحرب التي تخوضها‬
‫الخلفة السلمية في ركاب دولة مسيحية هي ألمانيا ؟‬
‫وانتهت الحرب العالمية الولى ‪ ،‬ووزع المشرق العربي بين إنجلترا وفرنسا‬
‫كما توقع شكيب أرسلن‪ .‬أما المغرب العربي ‪ :‬فقد كان شطر منه في يد‬
‫فرنسا من قبل‪ ،‬وكانت مصر في قبضة جيوش الحتلل النجليزية منذ الثورة‬
‫العرابية ‪ ،‬وكان ليبيا محتلة الجيوش اليطالية منذ غزتها قبيل الحرب‬
‫العالمية‪ .‬عند ذلك بدأ السلميون يعيدون التفكير في الموقف الذي آل إليه‬
‫أمر المسلمين والعرب ‪ ،‬ورأوا أن البديل الوحيد من الجامعة السلمية بعد‬
‫هزيمة تركيا وزوال الخلفة السلمية هو الجامعة العربية‪.‬‬
‫أما دعاة الجامعة العربية السابقون ‪ ،‬فقد انقسموا شيعا ً ‪ :‬فالسلميون منهم‬
‫ظلوا ثابتين على دعوتهم لم يغيروا ولم يبدلوا ‪ ،‬وغلة القوميين من المتأثرين‬
‫باللبراليين والقوميين الغربيين ظلوا على ما كانوا عليه من الدعوة إلى‬
‫جامعة عربية مجردة من السلم غير مرتبطة به ‪ ،‬وبعض الضعفاء منهم ممن‬
‫تولوا المناصب في ظل التقسيم الجديد الخاضع للستعمار ركنوا إلى الدعة‬
‫وسكنوا إلى النظم التي يعيشون في ظلها ‪ ،‬بل أصبح بعضهم يدافع عن‬
‫مصالحة في هذه الكيانات المفتعلة الجديدة‪ .‬أما الذين كانوا يتخذون الدعوة‬
‫إلى الجامعة العربية ستارا ً للتخلص من الدولة العثمانية ‪ ،‬واستبدال الستعمار‬
‫الفرنسي بها – وهم ل يمثلون إل قلة ضئيلة من بعض مسيحيي الشام – فقد‬
‫أصبحوا متمسكين بوضعهم الجديد ‪ ،‬يعارضون كل تغيير أو تبديل فيه‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والواقع أن لهذا النفر من المسيحيين عذرهم فيما ذهبوا إليه ‪ ،‬فقد لقي هؤلء‬
‫من عنت الحكام ومن فساد الدارة في أواخر أيام الدولة العثمانية ما نفرهم‬
‫من الرتباط بالحكم السلم جملة ‪ ،‬ودعاهم إلى تفضيل الستعمار الفرنسي‬
‫عليه‪ .‬ومن الواضح أن تفكيرهم على هذا النحو هو ضرب من ضروب )رد‬
‫الفعل( الذي يتسم دائما ً بالغلو والفراط ‪ ،‬والبعد عن الروية والحكمة‪ .‬فرد‬
‫الفعل عمل عصبي مرتجل لم يمحصه العقل ‪ ،‬وهو يتسم دائما ً بالعنف ‪،‬‬
‫فالذي يفر من النار قد يقذف بنفسه في البحر ‪ ،‬أو يقفز من علو شاهق ‪،‬‬
‫والذي يؤدب ولده لخطأ ارتكبه وهو في سورة غضبه قد يؤذيه أو يقتله ‪،‬‬
‫والذي يقع تحت تأثير حزن عميق مفاجىء قد يسرع إلى التخلص من الحياة‬
‫انتحارًا‪ .‬وكل هذه صور من ردود الفعل الخاطئة التي يمكن أن يتفادى‬
‫صحابها ضررها وخطرها لو أنه أمسك عن التصرف في سورة غضبه أو حزنه‬
‫أو خوفه ‪ ،‬ثم عاد للتفكير ولتقدير الموقف وحساب ما له وما عليه في روية‬
‫وهدوء وتعقل ‪ ،‬فلنعد التفكير إذن معا ً في هدوء‪.‬‬
‫العروبة بطبيعتها وبحكم نشأتها ونموها وازدهارها والعوامل التي ضبطت هذا‬
‫الزدهار والتطور هي عروبة إسلمية‪ .‬وقد ساهم في تطورهم الحضاري على‬
‫مدى القرون والجيال عناصر عربية غير مسلمة‪ .‬ولكن مساهمتها ظلت في‬
‫داخل الطار السلمي الذي لم يكن يسمح لحد بالخروج عليه ‪ ،‬ولم تجد هذه‬
‫العناصر العربية من غير السلمية غضاضة في أن تساهم في بناء هذه‬
‫الحضارة في الحدود السلمية ‪ ،‬لن هذه الحدود لم تكن تتعارض مع‬
‫عقائدهم ‪ ،‬بل إن تخطي هذه الحدود والخروج عليها في أكثر الحيان هو في‬
‫الوقت نفسه خروج على حدود دينهم ‪ ،‬وخوض فيما يحرمه‪ .‬وكان السلم‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمنح هذه العناصر كل حرياتها الدينية ‪ ،‬ويحظر التضييق عليها ‪ ،‬أو ممارسة‬
‫أي لون من ألوان الضغط لحملها على ترك دينها ‪ ،‬والدخول في السلم‪ .‬بل‬
‫لقد كان السلم الذي يبيح للمسلم أن يتزوج غير المسلمة يمنعه من إجبارها‬
‫على ترك دينها واعتناق السلم ‪ ،‬وقد ماتت أم خالد بن عبد الله القسري‬
‫وهو من كبار ولة الدولة الموية في العراق على نصرانيتها وكان ذلك مدعاة‬
‫لتجني أعدائه عليه ‪...‬‬
‫والدليل الناصع على أن المسلمين التزموا على مر الجيال وعلى اختلف‬
‫الدول ما أمرهم به دينهم من إنصاف أهل الكتاب ‪ ،‬وتأمينهم على دينهم‬
‫وعلى أموالهم وأنفسهم وأعراضهم هو وجود هذه الجاليات الكبيرة بين‬
‫أظهرهم في مختلف بلدهم من النصارى واليهود ‪ ،‬وهو سلوك ل نوفيه حقه ‪،‬‬
‫ول ندرك قيمته إل إذا قارناه بما يقابله من صنيع محاكم التفتيش في‬
‫الندلس بعد أن غادرها المسلمون ‪ ،‬فقد لقي غير المسيحيين من المسلمين‬
‫واليهود على يديها من التنكيل ما تسود له صفحات التاريخ ‪ ،‬وانتهى المر إلى‬
‫استئصالهم جميعا ً ‪ ،‬فلم تبق منهم باقية‪.‬‬
‫فالعروبة إذن شخصية معنوية لها وجود تاريخي حقيقي ذي مقومات ثابتة‬
‫محدد ل لبس فيها ول غموض ‪ ،‬وليست مولودا ً جديدا ً تقترح له المقومات ‪،‬‬
‫وتخترع له السس والمبادئ في مصانع دعاة العروبة على اختلف أجنحتهم‬
‫وزعاماتهم‪.‬‬
‫ولنسأل أنفسنا في روية يحكمها عقل مجرد من الهواء ‪ :‬ما هو البديل من‬
‫عروبة إسلمية ؟ العروبة ل يمكن أن تكون نصرانية ‪ ،‬ول يمكن أن تكون‬
‫يهودية ‪ ،‬لن المسلمين يكونون الكثرة الكاثرة للعرب ‪ ،‬فهل يكون البديل في‬
‫البلد التي تسكنها جماعة من النصارى – قلوا أو كثروا – هو عروبة في ظل‬
‫حضانة أجنبية ؟ هذا أمر قد أصبح مرفوضا ً حتى من الذين ارتضوه بالمس‬
‫في ظل الحكم العثماني‪ .‬وقد شارك المسيحيون أنفسهم في الخلص من‬
‫الستعمار الفرنسي‪ .‬وكثير من الذين وقفوا مع الفرنسيين معارضين حركة‬
‫الستقلل لم يكونوا في الحقيقة يوازنون بين الستعمار وبين الستقلل ‪،‬‬
‫ولكنهم كانوا يوازنون بين الستعمار الفرنسي والستعمار النجليزي ‪ ،‬الذي‬
‫كان في تقديرهم هو البديل الوحيد من الستعمار الفرنسي ‪ ،‬لنهم كانوا‬
‫يظنون الستقلل شيئا ً بعيد المنال غير محتمل التحقيق‪ .‬والذي ل شك فيه‬
‫هو أن الستعمار في كل صوره ل يستمد رفاهيته إل من التضييق على‬
‫مستعمراته ‪ ،‬ول يبني عظمته إل على ما يسلبه من كراماتهم ‪ ،‬ول ينفق على‬
‫هذه المستعمرات ‪ ،‬ول يبذل فيها من جهده لصلحها إل كما ينفق المالك‬
‫على مزرعته ليجني من وراء ذلك ربحا ً أكبر ‪ ،‬وكما يسمن صاحب المزرعة‬
‫أبقاره ‪ ،‬ليأخذ منها ألبانا ً أغزر ‪ ،‬ولحوما ً أثقل ‪ ،‬وهو في ذلك ل يفرق بين‬
‫مسلمهم ونصرانيهم ويهوديهم ‪ ،‬أقربهم إليه أعونهم له على ظلم قومه‬
‫ً‬
‫واستغللهم‪ .‬ثم إن الزدهار ل ينشأ من الثقة المتبادلة بين المواطنين جميعا ‪،‬‬
‫بعضهم والبعض الخر ‪ ،‬مسلمهم ومسيحيهم ويهوديهم ‪ ،‬ما دامت الحريات‬
‫مكفولة لهم جميعا ً على السواء‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫لم يبق بعد ذلك كله من الفروض المحتملة للبديل من العروبة السلمية إل‬
‫أن تكون العروبة ل دينية ‪ ،‬بمعنى أن تكون مجردة من الرتباط بالقيم الدينية‬
‫في أي دين من الديان‪ .‬ولنتساءل من جديد ‪ :‬ما هي المزايا التي يمكن أن‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحققها عروبة ل دينية ‪ ،‬مما تعجز العروبة السلمية عن تحقيقه ؟‬


‫الشخصية العربية كما رأينا هي شخصية عريقة تضرب عروقها في أعماق‬
‫التاريخ‪ ،‬وقد ارتبطت بالسلم منذ نشأتها ‪ ،‬ونمت وتطورت ونضجت في‬
‫داخل إطاره ‪ ،‬دون أن يكون في ذلك تعارض مع أصول الديان السماوية‬
‫الخرى التي نبعت من المنطقة ذاتها‪ .‬فالسلم هو الذي أعطى العروبة‬
‫شكلها الثابت المحدد ‪ ،‬وجعل لها شخصيتها المتميزة التي يلتقي عندها كل‬
‫العرب ‪ ،‬ل يختلفون عليها ‪ ،‬ول ينكرها أحد منهم أو ينفر منها‪ .‬فإذا نحن‬
‫جردناها من هذه القيم الدينية المسلم بها عند كل العرب‪ .‬فالماديون منهم‬
‫سينزعون إلى الماركسية ‪ ،‬فيقع الخلف بينهم وبين مخالفيهم ممن ل‬
‫يرتضون هذا المذهب أساسا ً لتنظيم المجتمع‪ .‬وسيشتركون مع الليبراليين‬
‫في السخرية من القيم الدينية ‪ ،‬ومن المؤسسات الدينية على اختلفها ‪ ،‬فيقع‬
‫الصراع بينهم وبين المتدينين على اختلف مللهم‪ .‬والمتحرون من الوجوديين‬
‫والهيبيين وغيرهم ممن يتبعون كل ناعق يدعو إلى الشهوات سينطلقون من‬
‫كل قيد خلقي أو ديني ‪ ،‬فيؤذون كل ذي خلق وكل ذي دين‪ .‬وسيحاول فريق‬
‫من الناس أن يعالج صراع الطوائف والشيع والمذاهب بالدعوة إلى نظم‬
‫جديدة للمجتمع فيفشلون ‪ ،‬ول يزيدون على أن يضيفوا للمذاهب القائمة‬
‫مذاهب جديدة تزيد في احتدام المعركة وفي شدة الصراع‪ .‬على أن‬
‫المسيحيين الذين يخافون على أمنهم وسلمتهم وحريتهم في ظل عروبة‬
‫إسلمية هم أكثر خوفا ً وأبعد عن المن في ظل عروبة ل دينية ‪ ،‬لن السلم‬
‫وحده هو الضامن لمنع انحراف المسلمين إلى عصبية جهولة عمياء تحطم‬
‫وتعتدي وتظلم‪ .‬فالخطر الحقيقي على غير المسلمين من العرب ل ينجم إل‬
‫إذا نشأ جيل من المسلمين يجهلون إسلمهم في ظل العروبة اللدينية التي‬
‫يدعو إليها بعض الناس ‪ ،‬لنهم قد يتعصبون عند ذلك تعصبا ً أعمى ينحرف بهم‬
‫إلى ما كان السلم ينهى عنه آباءهم وأجدادهم طوال أربعة عشر قرنًا‪ .‬ولقد‬
‫جربوا ذلك في الحكم العثماني من قبل ‪ ،‬فكانوا أسوأ حال ً في حكم ملحدة‬
‫التحاديين بعد عزل السلطان عبد الحميد‪ .‬هذا إلى أن قوام الديمقراطية‬
‫التي يتغنى بها أهل هذا العصر هو نزول القلة على حكم الكثرة ‪ ،‬فلماذا تجد‬
‫القلة غير المسلمة غضاضة في إقرار الكثرة المسلمة على بناء حياتهم في‬
‫ظل السلم ‪ ،‬وعلى هدى منه ؟‬
‫أما غلة القوميين من المسلمين الذين يلتقون مع ذلك الفريق الذي أشرنا‬
‫إليه من المسيحيين في الدعوة إلى قومية ل دينية ‪ ،‬فهم واقعون تحت تأثير‬
‫ما توهموه من أن النهضة الوروبية الحديثة كانت ثمرة للتمرد على الكنيسة ‪،‬‬
‫ولتجريد الحكم من الصفة الدينية ‪ ،‬وهو وهم ل يصح على التحقيق ‪ ،‬ول يثبت‬
‫على التمحيص‪ .‬فالحركة الدينية البروتستانتية التي تمردت وقتذاك على‬
‫الكنيسة الكاثوليكية لم تخل من أصابع الصهيونية ‪ ،‬وقد كان همها الول هو‬
‫هدم الكنيسة الكاثوليكية ‪ ،‬لنها كانت أكبر المؤسسات التي تناصب اليهود‬
‫العداء ‪ ،‬والبروتستانت اليوم هو أشد الطوائف المسيحية عطفا ً على‬
‫الصهيونية ‪ ،‬وأكثرها مساندة لها ماديا ً ومعنويًا‪ .‬ثم إن الزدهار الذي حققته‬
‫هذه النهضة في أوروبا لم ينتفع به أحد كما انتفع به اليهود‪ .‬جمع الثروات في‬
‫أيديهم ‪ ،‬وأمنهم عليها مما كانوا يتعرضون له من المصادرات والتضييق‬
‫والضطهاد ‪ ،‬ومكن أجهزتهم من السيطرة على شؤون السياسة والقتصاد ‪،‬‬
‫وأفسح الطريق أمام دعواتهم التي تنشر اللحاد والنحلل ‪ ،‬والتي ينفذون‬
‫من خللها إلى ما يستهدفونه من السيطرة على مصائر المم والمساك‬
‫بزمامها‪ .‬جرى ذلك كله تحت ستار الحرية والخاء والمساواة وحقوق النسان‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬وهي شعارات لم ينتفع بها حتى الن سوى اليهود‪ .‬لم ينتفع بها زنوج‬
‫أمريكا ‪ ،‬ولم ينتفع بها الفارقة والسيويون في مختلف البلد التي عانت‬
‫وتعاني من صنوف الظلم والتسلط والضطهاد الديني والعنصري‪ .‬وقد‬
‫اعترف عزيز ميرهم ‪ ،‬وهو أحد كبار الماسون ‪ ،‬في مقال له نشر في‬
‫السياسة السبوعية سنة ‪ 1926‬بأن الذين هدموا سلطان الكنيسة في فرنسا‬
‫وفي إيطاليا هم الماسونيون ‪ ،‬كما اعترف بأن زعماء الثورة الفرنسية كانوا‬
‫من الماسون ‪ ،‬وأن محفلهم هو الذي وضع شعار الثورة الفرنسية )الحرية ‪،‬‬
‫والخاء ‪ ،‬والمساواة( ‪ ،‬واعترف كذلك بأن تركيا نالت دستورها بفضل عمل‬
‫محافلها‪ .‬وصلة الماسونية بالصهيونية العالمية مشهورة معروفة لم تعد اليوم‬
‫تحتاج إلى تعريف‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ثم إن ظروف العرب اليوم تختلف عن ظروف أوروبا يومذاك ‪ ،‬فليست لدى‬
‫العرب جهتان تتنازعان السلطة ‪ ،‬إحداهما دينية والخرى سياسية ‪ ،‬كما كان‬
‫الشأن في أوروبا‪ .‬بل إن المسلمين ل توجد عندهم سلطة دينية متحكمة‬
‫كسلطة الكنيسة التي ثار عليها المسيحيون في نهاية القرون الوسطى وفي‬
‫مطلع عصر النهضة ‪ ،‬فليس نظام السلم رجال دين‪ .‬هناك علماء تحكم‬
‫فتاواهم نصوص إسلمية صريحة مكتوبة بلغة يقرؤها كل العرب ويفهمونها ‪،‬‬
‫ولكل قادر على فهمها ممن ألم بأصول السلم أن يناقشهم فيها‪ .‬وهم ل‬
‫يكونون طائفة متميزة بعينها تنتمي إلى جهاز خاص يرعاها ويدبر أمورها ‪ ،‬ول‬
‫يملكون من السلطة والجاه والمال ما كان يملكه رجال الدين في الكنيسة‬
‫وقتذاك ‪ ،‬فكثرتهم من الفقراء الذين ل تكاد دخولهم تكفي لسد الضروري من‬
‫نفقاتهم‪ .‬ذلك إلى أن واقعنا يختلف عن واقع أوروبا وقتذاك وأهدافنا تختلف‬
‫عن أهدافهم ‪ ،‬فالنهضة الوروبية قد انتهت إلى تفتيت الجامعة الوروبية‬
‫المسيحية وتقسيمها إلى دول شتى ‪ ،‬لكل منها لغتها الخاصة وقوميتها‬
‫المستقلة‪ .‬أما الحركة العربية ‪ ،‬فهي تستهدف جمع العرب بعد أن فرقهم‬
‫الستعمار ‪ ،‬وتتمسك بلغتهم العربية الجامعة لشملهم ‪ ،‬والتي هي وسيلة‬
‫التواصل بينهم أفرادا ً وجماعات ‪ ،‬في كتبهم وصحفهم وإذاعاتهم وندواتهم‬
‫ومؤتمراتهم ومعاملتهم‪.‬‬
‫ذلك التقليد العمى من جانب غلة القوميين المتأثرين بحركة الحياء‬
‫وبالليبرالية والعلمانية والثورة الفرنسية في أوروبا ‪ ،‬يذكرنا بقصة رمزية‬
‫قديمة ‪ ،‬تتحدث عن حمارين كان أحدهما يحمل ملحا ً وكان الخر يحمل‬
‫إسفنجًا‪ .‬رأى حامل السفنج صاحبه ينزل إلى الماء ‪ ،‬فيذيب بعض الملح ‪،‬‬
‫ويخرج منه أخف حمل ً ‪ ،‬فخطر له أن يحصل على المزية نفسها بالسلوب‬
‫نفسه ‪ ،‬فكانت النتيجة على عكس ما توقعه ‪ ،‬وخرج من تجربته أثقل حم ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إن ما ينفع قوما ً قد يضر بآخرين ‪ ،‬وما يزكو عليه نبات من العناصر والجواء‬
‫قد يقتل نباتا ً آخر أو يؤذيه‪ .‬والناس في ذلك – ككل خلق الله – طوائف‬
‫وأمم ‪ ،‬يتمايزون في الطبائع والمزجة وفي أساليب الحياة ووسائل التقدم‬
‫والرقي ‪ ،‬وقد يقتل بعض جماعاتهم ما تصح به جماعة أخرى‪.‬‬
‫وإذا كانت العروبة ضرورة اقتصادية وحربية في مجال الصراع العالمي الذي‬
‫لم يعد فيه مكان للكتل الصغيرة لضعف إمكانياتها ‪ ،‬ولعجزها عن الدفاع عن‬
‫نفسها أمام الطامعين ‪ ،‬فإن الوحدة القتصادية والحربية ل تتم على أساس‬
‫من القتناع العقلي وحده ‪ ،‬ول بد لها ‪ ،‬لكي تكون وثيقة ودائمة ‪ ،‬أن تستند‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى إحساس عام مشترك ورغبة صادقة مخلصة في مختلف بلد العرب‬
‫وعلى امتداد أوطانهم‪ .‬وهذا الحساس العام إنما هو اتجاه عاطفي وتآلف‬
‫قلبي أول ً وقبل كل شيء ‪ ،‬فإدراك الفائدة التي تعود على العرب من وحدتهم‬
‫القتصادية أو الحربية أمر قد يدركه رجال القتصاد ‪ ،‬أو رجال الحرب أو‬
‫خاصة الناس ومفكروهم على وجه العموم‪ .‬أما العامة – وهم سواد الناس‬
‫وكثرتهم – فل ينساقون إلى الوحدة إل بدافع من عواطفهم ‪ ،‬وما استقر في‬
‫نفوسهم من معتقدات‪ .‬وربط العروبة بالسلم هو وحده الذي يجمع العرب‬
‫على هذا الحساس المشترك ‪ ،‬فيجعلهم يدا ً واحدة على عدوهم ‪ ،‬وهو وحده‬
‫الذي يمنح جهادهم صفة الخلص والفدائية ‪ ،‬وطول النفس في المصابرة‬
‫والجلد‪ .‬على أنه يجب أن نعرف في كل حال أن الدولة العربية الواحدة‬
‫ليست هي الصورة الوحيدة للجامعة العربية ‪ ،‬وليس التحريض على بعض‬
‫النظم العربية وتقسيمها إلى نظم رجعية ‪ ،‬ونظم تقدمية هو السبيل للوصول‬
‫إلى الجامعة ‪ ،‬بل لعل هذه الصورة وهذا السلوب يعوق المسيرة ‪ ،‬ويؤخر‬
‫الوصول إلى الهدف ‪ ،‬ويقيم في وجهه العقبات في بعض الحيان ‪ ،‬ولكن‬
‫اللب والصميم في هذه الجامعة العربية هو الحب المتبادل بإخلص دون‬
‫شائبة من ريبة ‪ ،‬أو سوء ظن بين الحكام والشعوب على السواء ‪ ،‬لن‬
‫الصراع في أي صورة من صوره ل يفيد إل العدو ‪ ،‬ولن الحب والمحاسنة‬
‫بين الخوة هو أقرب الطرق إلى تقويم العوجاج وتلفي الخطاء‪.‬‬
‫ذلك هو حديث العروبيين الذي يجردون العروبة من السلم ‪ ،‬على اختلف‬
‫مذاهبهم واتجاهاتهم ‪ ،‬أما السلميون الذي يسيئون الظن بالعروبة أو القومية‬
‫العربية ‪ ،‬بدعوى أنها تفتت الواحدة السلمية وتشق عصا المسلمين‬
‫المجتمعين على السلم ‪ ،‬فتجعل منهم عربا ً وغير عرب ‪ ،‬فلنا معهم حديث‬
‫آخر‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫إن النحراف الذي صحب الدعوة في أول نشأتها بارتباطها بحضانات أجنبية ل‬
‫يصح أن يكون مبررا ً لمعارضتها الن‪ .‬فظروف نشأتها في ظل دولة إسلمية‬
‫جامعة للشمل تختلف عن ظروفها اليوم مع تفرق الشمل واختلف الكلمة‪.‬‬
‫فإذا كانت هذه الدعوة قد فتت بالمس في عضد الجامعة السلمية ‪ ،‬فهي‬
‫اليوم – إذا صححت مسيرتها – الخطوة الولى في الطريق إلى هذه الجامعة‪.‬‬
‫فالعرب هم أقرب الناس بين المسلمين إلى تحقيق وحدة جامعة بحكم اللغة‬
‫المشتركة التي تربط بعضهم ببعض من ناحية ‪ ،‬والتي تربطهم بأصول الدين‬
‫السلمي من ناحية أخرى ‪ ،‬وبحكم تجمع دولهم وتلصقها في حيز مكاني‬
‫واحد ل تقوم بين أجزائه أو فواصل طبيعية‪.‬‬
‫وهم بحكم هذا التقارب والتآلف واتفاق العادات والمزجة أو تقاربها على‬
‫القل مهيؤون لن يكونوا نواة إسلمية صلبة تشع على العالم السلمي من‬
‫ثقافة السلم‪ .‬وتحمل من أعباء الرشاد والتوعية والرعاية ما تعجز الدول‬
‫العربية متفرقة عن النهوض به‪ .‬فالجامعة العربية هي نقطة البدء التي ل‬
‫بديل منها في هذه المسيرة الطويلة نحو جامعة إسلمية ل سبيل إليها الن ‪،‬‬
‫مع انشغال كل بلد من بلد المسلمين بمشكلته الخاصة ‪ ،‬ومع ترامي‬
‫أطراف هذه البلد ‪ ،‬وانعدام وسائل التواصل بينها باختلف لغاتها وببعد‬
‫شعوبها – بحكم هذه القطيعة – عن المعرفة الصحيحة للسلم ذاته الذي يراد‬
‫جمعهم عليه‪ .‬فالوحدة الحقيقية المهيأة أسبابها الن هي وحدة البلد العربية‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما البلد السلمية الخرى فل بد أن تسبق وحدتها خطوات أخرى ‪ ،‬أولها‬


‫نشر اللغة العربية ‪ ،‬التي ل تتم جامعة بغيرها‪.‬‬
‫إن مقاومة الخطاء والنحرافات في إدراك حدود العروبة ومقوماتها بالهرب‬
‫منها وبمهاجمة العروبة ذاتها هو ضرب من ضروب العجز وضيق الحيلة‪.‬‬
‫والحزم في أن تواجه هذه الخطاء والنحرافات بتصحيحها وبيان زيفها‪.‬‬
‫وسوف تكون العروبة السلمية عند ذاك محط آمال المسلمين جميعا ً ‪،‬‬
‫ً‬
‫ومهوى قلوبهم ‪ ،‬لن الذين يعادونها منهم الن إنما يعادونها لما غلب حينا ‪،‬‬
‫ويعاديه ويحاربه في كثير من الحيان ‪ ،‬بعد أن ترك السلميون لهم الميدان‬
‫يسرحون فيه كما يشاؤون دون رقيب أو حسيب‪.‬‬
‫المرجع ‪ :‬السلم والحضارة الغربية ‪ ،‬للدكتور محمد محمد حسين ‪ ،‬ص ‪225‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫بين الطالة واليجاز‬


‫ة‬
‫جًزا وشامل وافًيا بالغرض ‪ .‬والكتاب ُ‬ ‫ً‬ ‫مو ْ َ‬ ‫كثيٌر من الناس يكتبون ما يكتبون ُ‬
‫ة لدى الكاتب‪ ،‬وقد تكون عادة ً ت َعَوَّدها بالمران‬ ‫موجًزا قد تكون طبيع ً‬
‫والرياضة‪ .‬وعلى العكس من ذلك كثير من الناس يطيلون الكتابة‪ ،‬وليكون‬
‫ضا قد تكون مركوزة ً في طبيعة الكاتب‪،‬‬ ‫ة أي ً‬‫بوسعهم أن يوجزوها؛ والطال ُ‬
‫ونت لديه خلل رحلته الكتابية التي‬ ‫ّ‬ ‫تك‬ ‫التي‬ ‫وقد تكون ناشئة عن العادة‬
‫استمرت منذ أن وضع قدميه على الطريق إلى نضج في هذه المهنة‬
‫شّرفة ‪.‬‬ ‫م َ‬
‫ال ُ‬
‫جُز يصعب عليه‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫وقد يشقّ على كل الفريقين أن يشذ ّ عن مسارهما؛ فال ُ‬
‫ن‬‫س ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ل يصعب عليه اليجاُز‪ .‬وهناك فريق من الك ُّتاب ي ُ ْ‬ ‫مط ِي ْ ُ‬ ‫ة‪ ،‬وال ُ‬ ‫الطال ُ‬
‫ة عليه إذا‬ ‫ة سهل ٌ‬ ‫سُنه إذا أراده‪ ،‬والطال ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة كليهما؛ فاليجاز ي ُ ْ‬ ‫اليجاَز والطال َ‬
‫ن مستقل‬ ‫دا؛ لن كل ّ من الطالة واليجاز ف ّ‬ ‫ُ‬ ‫أرادها؛ ولكن هذا الفريقَ قليل ج ّ‬
‫صصوا فيه ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫صصون ليتأّتى لهم إل ما تخ ّ‬ ‫وله رجال متخ ّ‬
‫عدد ٌ من الخوان الذين يحرصون على قراءة كتاباتي – العربية والردية –‬
‫كنوا من قراءتها‬ ‫ب اليجاز في بعض كتاباتي؛ حتى يتم ّ‬ ‫ي أن أوثر جان َ‬ ‫طلبوا إل ّ‬
‫ن المعاصر وتطلب‬ ‫ن زحمة الشغال تستعجل النسا َ‬ ‫على عجل‪ ،‬ولسّيما ل ّ‬
‫ة الركض في كل شأن من شؤون الحياة ‪ .‬فقلت لهم‪ :‬إن اليجاز‬ ‫منه سرع َ‬
‫ي؛ لّنه يحتاج إلى التخطيط والروية والتفكير مني؛‬ ‫لتتحمله قلة الفرص لد ّ‬
‫ة طويلة في ساعة أحتاج لكتابةِ مثلها موجًزا إلى ساعتين أو‬ ‫ت مقال ً‬ ‫فإذا كتب ُ‬
‫ي؛ حيث أمضي أكتب مالم يكتمل‬ ‫ن الطالة صارت جد ّ يسيرة عل ّ‬ ‫نحوهما ‪ .‬إ ّ‬
‫ت أوَد ّ أن أقوله بشأن الموضوع‬ ‫َ‬ ‫تك ّ‬
‫ل ما كن ُ‬ ‫الموضوع ومالم أشعر بأني قد قل ُ‬
‫ت الموضوعَ من الجوانب الكثيرة‬ ‫ت له في المقاله‪ ،‬وأّني أشبع ُ‬ ‫الذي تعّرض ُ‬
‫التي قد ي َت َط َلعُ إليها قارئُ الموضوع ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ة أوفرد ٌ على‬ ‫ي جه ٌ‬ ‫ح لي الكتابة في الموضوع الذي يقترحه عل ّ‬ ‫من هنا لي َُتا ُ‬
‫دده‬‫دد الذي يح ّ‬ ‫ي المح ّ‬ ‫عجل ويقول لي أن أوافيه بالمقال في الوقت القياس ّ‬
‫طاه حتى يسعه تجهيزه للنشر والتعامل مع جميع‬ ‫ي أن ل أتخ ّ‬ ‫هو ويطلب إل ّ‬
‫ت أن أعتذر للبد إلى بعض‬ ‫ضطرِْر ُ‬ ‫ُ‬ ‫لزمة التي تسبق النشَر‪ .‬وقد ا ْ‬ ‫الترتيبات ال ّ‬
‫ت عليه‬ ‫جَلة‪ ،‬نظًرا لما فُط ِْر ُ‬ ‫ست َعْ َ‬
‫م ْ‬‫الجهات الصحفية عن الستجابة لطلباتهم ال ُ‬
‫من النصراف إلى وظيفة واحدة بكل همومي وتفكيري حتى أنتهي منها؛‬
‫حيث ل أرضى توزيع الهتمامات بين وظائف عديدة في وقت واحد‪ ،‬كما‬
‫مها إشباعُ‬ ‫يرضى ذلك كثيٌر من الناس‪ ،‬ولسيما لن الجهات الصحفية ليه ّ‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموضوع‪ ،‬أو تزويد القارئ بكل ما يتعّلق به؛ حتى يصدر عن قراءته وقد‬
‫ل بالرتابة‪ ،‬والعمل على‬ ‫مهما أول ً وآخًرا العم ُ‬ ‫ت عنه؛ وإنما يه ّ‬ ‫شب ّعَ معلوما ٍ‬ ‫تَ َ‬
‫جذب عدد ممكن من القراء‪ ،‬واستدرار ما في جيوبهم من المبالغ؛ فتؤثر‬
‫ة على التقعير‪ ،‬والجزئية على الشمول‪ ،‬والهتمام بالمظهر على‬ ‫السطحي ّ َ‬
‫ة في‬ ‫فها اللمعقول هذا هو الذي جعلني أكره الكتاب َ‬ ‫الهتمام بالمخبر‪ .‬وموق ُ‬
‫الصحف والمجلت التي تتناول المواضيعَ الساخنة على عجل وفي غير شمول‬
‫‪.‬‬
‫جُز ويجتزئ؛ لحتاج إلى الشيء‬ ‫ح ي ُوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ع‪ ،‬لوْ َرا َ‬ ‫ة والشبا َ‬ ‫ود الطال َ‬ ‫ب المتع ّ‬ ‫والكات ُ‬
‫الكثير من التفكير‪ ،‬وبذل المحاولة للتغيير‪ ،‬والتقديم والتأخير‪ ،‬والجتهاد‬
‫سع في القول؛‬ ‫واعتصار الفكر‪ ،‬وإنفاق الوقت أكثر مما ينفقه للطالة والتو ّ‬
‫ي ول عائق‬ ‫ي‪ ،‬ليعوقه حاجز داخل ّ‬ ‫ود أن يقول مايقوله بشكل عفو ّ‬ ‫لّنه قد ت َعَ ّ‬
‫فظ؛ فل يقف دون استكمال الموضوع‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ح ّ‬‫م أو ت َ َ‬ ‫قي ّد ٌ والتزا ٌ‬
‫قله ت َ َ‬ ‫ي‪ ،‬ول ي ُث ْ ِ‬ ‫نفس ّ‬
‫قه من الحاطة من كل جانب‪ ،‬والستيعاب من كل وجه‪.‬‬ ‫وتوفيته ح ّ‬
‫ة فلن‬ ‫ة أو اليجاَز؛ فإذا اقتضى الطال َ‬ ‫ل – بطبيعته – الطال َ‬ ‫وقد يقتضي المقا ُ‬
‫ملةِ لنواحيه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قه إل ّ إذا أط ِي ْل واست ُ ْ‬
‫َ‬
‫مك ِ‬‫صي في جمع الموادِ ال ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫يستوفي ح ّ‬
‫ب القارئ‬ ‫س ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ة الشمول والستيعاب‪ ،‬مما يجعله مقال ي ُك ِ‬ ‫فَية عليه مسح َ‬ ‫ض ِ‬‫م ْ‬ ‫وال ُ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫قراءته‬ ‫عن‬ ‫الصدور‬ ‫بعد‬ ‫وليشكو‬ ‫ي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المعن‬ ‫الموضوع‬ ‫في‬ ‫ي‬
‫ّ َ‬ ‫و‬ ‫والتر‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫الشب‬
‫ظمأ بشأن الموضوع ‪.‬‬
‫ل اليجاَز‪ ،‬ليجوز للكاتب أن يطيل لنه عندئذ – كون المقال‬ ‫وإذا اقتضى المقا ُ‬
‫ضعْ للشباع‬ ‫موجًزا – يكون حامل ً لطبيعة الشطائر والسندويتش التي لم ُتو َ‬
‫ت لتسكين الجوع‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫والغناء عن الوجبة الغدائية أوالعشائية الوافية‪ ،‬وإنما وُ ِ‬
‫وكسب بعض ما فقده المرأ خلل الرتابة العملية المكثفة من القوة‬
‫ة‬
‫ة سريع ً‬ ‫ة‪ ،‬وإنما يكون جرع ً‬ ‫ة كامل ً‬ ‫والنتعاش؛ فل يكون السندويتش جرع ً‬
‫طي مفعوَله لبعض الوقت‪ .‬وذلك كزوايا الصحف‪ ،‬ومعظم المقالت‬ ‫ة ت ُعْ ِ‬ ‫ناقص ً‬
‫شُر في الصحف والمجلت غير الدراسّية وغير المعنّية بالبحث والتحيق‬ ‫التي ت ُن ْ َ‬
‫‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جَز؛ لّنه‬ ‫َ‬ ‫ب يَ ْ‬


‫شعُُر بتقصير وذنب إذا أوْ َ‬ ‫ة والستيعا َ‬ ‫مت َعَوّد ُ من الكّتاب الطال َ‬ ‫وال ُ‬
‫ض النواحي اللزمة‪،‬‬ ‫ض الجوانب‪ ،‬ويتجاهل بع َ‬ ‫فل بع َ‬ ‫َ‬ ‫ضطّر أن ي ُغْ ِ‬ ‫َ‬ ‫عند اليجاز ي ُ ْ‬
‫ض ما يوَد ّ أن يقوَله‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بع‬ ‫وليقول‬ ‫التفسير‪،‬‬ ‫لدى‬ ‫مل‬ ‫ُ ْ ِ‬‫ج‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫اليضاح‪،‬‬ ‫ويشير عند‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫ف ْ‬ ‫ل‪ .‬القو ُ‬
‫ل ال َ‬ ‫ص ْ‬‫ف ّ‬‫ة إذا لم ت ُ َ‬‫ض النقاط التي تبقى غامض ً‬ ‫صل بع َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ولي ُ َ‬
‫جُز القصير غيُر‬ ‫مو ْ َ‬‫ل ال ُ‬‫واِنب‪ ،‬لي َعْدُِله القو ُ‬ ‫ج َ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫كا ِ‬ ‫مت َ َ‬
‫شِبع ال ُ‬‫م ْ‬‫سع ال ُ‬ ‫مو َ ّ‬ ‫ال ُ‬
‫شِبع‪.‬‬‫الم ْ‬
‫ل فكل الفريقين ‪ :‬الموجر والمطيل‪ ،‬ليقدر على أن يسير في غير‬ ‫على ك ّ‬
‫مسيره‪ ،‬وأن ينحو غير منحاه الذي ألفه‪ ،‬وعاش عليه‪ ،‬ومشى فيه‪ ،‬وعرف‬
‫ل عليه السيُر فيه‪ ،‬والجريُ عليه‪،‬‬ ‫سهُ َ‬
‫فاِته؛ ف َ‬ ‫من ْعَط َ َ‬ ‫نجاده و وهاده‪ ،‬وجميعَ ُ‬
‫وجوُبه إلى المنزل المنشود‪.‬‬
‫سّره أنه يتمكن من قراءتها‬ ‫جَزات‪ ،‬لئن َ‬ ‫مو ْ َ‬
‫ب من القّراء في قراءة ال ُ‬ ‫والراغ ُ‬
‫بكاملها‪ ،‬لكونها مستهلكة لقليل من الوقت‪ ،‬فإّنه يحزنه أّنه ليعرف التفاصيل‬
‫وأبعاد َ الموضوع وخلفّيات الواقع التي تدور حوله مقالة موجزة أو عجالة‬
‫ن الول جانبه‬ ‫ن اليجاز ولطالة كلهما لئن يصحا في موضعهما‪ ،‬فإ ّ‬ ‫سريعة‪ .‬إ ّ‬
‫يء أنه ليشبع ول يغني من جوع وظمأ‪ ،‬والثاني ينقصه أنه قد يجعل‬ ‫الس ّ‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‪ ،‬واستيعابها دراسة‪.‬‬ ‫القارئ يسأم ويفقد الهمة؛ فيقعد عن إنهاء المقالة قراء ً‬
‫جُز‪،‬‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ل ينبغي أن يبقى على الطالة؛ لنها أكثر نفًعا وأقل ضرًرا‪ .‬وال ُ‬ ‫طي ُ‬‫م ِ‬ ‫فال ُ‬
‫جّرؤه على‬ ‫ُ‬ ‫جع القارئ‪ ،‬وي ُ َ‬ ‫َ‬
‫ينبغي أن لينحرف عن مساره اليجازي؛ لّنه ي ُش ّ‬
‫التقاط المكتوب المنشور بنظرة خاطفة وتصفيحة عاجلة‪.‬‬
‫اليجاز أو الطالة‪ ،‬ليس بدوره جميل ً جديًرا بالتقليد والتبّني‪ ،‬وإنما يحسن في‬
‫ل بلباقة الكاتب‪،‬‬ ‫ل منهما الجما َ‬ ‫مكانه‪ ،‬ويجمل في مناسبته‪ .‬وقد يكتسب ك ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ق َ‬ ‫وإتقانه وتصّرفه البارع مع مضامين اليجاز أو الطالة‪ .‬الكاتب الذي أت ْ َ‬
‫سن‬ ‫ح ِ‬ ‫ة‪ .‬وبالعكس فالبارع في فن الطالة لي ُ ْ‬ ‫اليجاَز‪ ،‬في الغلب ليتقن الطال َ‬
‫عا في الطالة واليجاز‬ ‫ف في فن اليجاز‪ .‬وقليل ً ما يكون الكاتب بار ً‬ ‫التصر َ‬
‫كليهما ‪.‬‬
‫ن أن أؤثر لهم اليجاَز في الموضوعات التي‬ ‫ض الخوا ُ‬‫ي بع ُ‬‫ب إل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كثيًرا ما طل َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ش َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت أوِتكم اليجاَز ‪ .‬لماذا توّدون مّني أن أ ْ‬ ‫ت لهم‪ :‬هاتوا الوق َ‬‫ها ‪ .‬قل ُ‬ ‫مو ْ َ‬‫س ّ‬
‫َ‬
‫وده‪ .‬إّني أود ّ أن أمشي على الطريق الذي‬ ‫ّ‬
‫الممشى الذي لم أتعلمه أو لم أتع ّ‬
‫مشيت عليه – ول أزال – منذ أكثر من ثلثين سنة‪ ،‬وأنا اليوم في مطلع العقد‬
‫السادس من عمري؟‪.‬‬
‫ب للغاية بل مستحيل ‪ .‬إنك إذا أرضيت‬ ‫ٌ‬ ‫الخضوع لرغبات جميع الخوان صع ٌ‬
‫ة‬
‫ٌ‬ ‫غاي‬ ‫أو‬ ‫لب‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬ ‫شي‬ ‫الناس‬ ‫رضا‬ ‫قال‪:‬‬ ‫قا ‪ ،‬أسخطت فريقًا‪ .‬وصدق من‬ ‫فري ً‬
‫ض في الطريق الذي آثرناه‪ ،‬ولنعمل ما أتقّناه؛ لنه هو أسهل ما‬ ‫لت َُنال ‪ .‬فلنم ِ‬
‫نستطيعه من أعمال الحياة ‪.‬‬
‫)تحريًرا في الساعة ‪ 12‬من ضحى يوم الربعاء‪/10 :‬جمادى الولى ‪1427‬هـ‬
‫= ‪/7‬يونيو ‪2006‬م(‬
‫أبو أسامة نور‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بين التسبيح والستغفار د‪ .‬عبد الرحمن صالح العشماوي*‬


‫طلع عليه من ذنبي‪ ،‬وإني‬ ‫قال‪ :‬إني أشعر بالخجل الكبير من ربي؛ لكثرة ما ي ّ‬
‫لشعر أحيانا ً أنني استحي من الله حينما أسبح أو أستغفر‪ ،‬وتقول لي‬
‫وساوس نفسي‪ :‬عجبا ً أيها العاصي‪ ،‬ترّدد بلسانك ما ل ينسجم مع أفعالك‪..‬‬
‫فماذا أفعل؟‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت له‪ :‬لست أنت الوحيد الذي يخطئ من بين البشر‪ ،‬ولست معصوما من‬
‫ي‬
‫الخطأ والزلل‪ ،‬وليس معنى وقوعك في الخطأ أنك قد فقدت الضمير الح ّ‬
‫وامة التي تجعلك‬ ‫والقلب النابض بالحياة‪ ،‬بل إنني أهنئك بهذه النفس الل ّ‬
‫ذرك في الوقت نفسه من‬ ‫تشعر بالخجل من ذنبك‪ ،‬والحياء من رّبك‪ ،‬وأح ّ‬
‫ون عليك قيمة‬ ‫وساوس الشيطان الذي يحاول أن يمل قلبك باليأس‪ ،‬وهو يه ّ‬
‫التسبيح والستغفار‪.‬‬
‫ّ‬
‫أنت تسلك الطريق الصحيح للتخلص من أعباء عصيانك وآثار خطئك‪ ،‬فالله ‪-‬‬
‫وابين ويحب المتطّهرين‪ ،‬ويشمل بعفوه ومغفرته‬ ‫سبحانه وتعالى ‪ -‬يحب الت ّ‬
‫ّ‬
‫المستغفرين‪ ،‬فهو الذي نادى عباده الذين أسرفوا على أنفسهم أل يقنطوا‬
‫من رحمته‪ ،‬وهو الذي بشر عباده التائبين بقبول التوبة إذا صدقوا وأخلصوا‪،‬‬
‫وهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬الذي يعلم بقلوب عباده‪ ،‬وبما تخفيه صدورهم‪ ،‬ولهذا فهو‬
‫العفو الغفور لكل من لجأ إليه‪ ،‬ودعاه تائبا ً خاشعًا‪.‬‬
‫ن وقوع النسان في المعصية ضعف‪ ،‬ول يصح لعاقل أن يستسلم لهذا‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫الضعف‪ ،‬بل عليه ان يحاول ويحاول‪ ،‬ويدافع عن نفسه ويصاول‪ ،‬واثقا بربه‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موقنا ً بقبول التوبة‪ ،‬وحسن العاقبة ما دام هاربا ً إلى الله راجعا ً إليه‪.‬‬
‫ل تتوقف يا صاحبي عن الذكر والتسبيح والدعاء والستغفار؛ لنك بهذا تغسل‬
‫أدران قلبك‪ ،‬وترفع نفسك إلى العلى حتى ل تغرق في لحجج الهواء‪.‬‬
‫سأل سائل شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن التسبيح والستغفار‪،‬‬
‫ن‬‫أّيهما أفضل للنسان‪ ،‬فقال كلما ً جميل ً جاء فيه‪ :‬إذا كان الثوب نظيفا ً فإ ّ‬
‫ن الصابون والماء الحاّر أنفع‬ ‫البخور والورد أنفع له‪ ،‬وإذا كان الثوب دنسا ً فإ ّ‬
‫له‪ ،‬فالتسبيح بخور الصفياء‪ ،‬والستغفار صابون الُعصاة‪.‬‬
‫ن العاصي ل يسبح ويذكر رّبه‪ ،‬وإنما يعني‬ ‫وأقول‪ :‬ل يعني كلم شيخ السلم أ ّ‬
‫ً‬
‫ن الكثار من الستغفار أنفع له ما دام متلّبسا بأخطائه‪ ،‬ومعنى ذلك أن‬ ‫أ ّ‬
‫س الحاجة إلى غسل نفوسنا‪ ،‬وتنظيف‬ ‫ّ‬
‫الستغفار يغسل وينظف‪ ،‬ونحن بأم ّ‬
‫صدورنا في كل حين‪.‬‬
‫ّ‬
‫أك ِْثر من التسبيح والذكر والدعاء‪ ،‬ورفرف بأجنحة الستغفار‪ ،‬حلق بها في‬
‫طرة برحمة ربك ومغفرته‪ ،‬إياك أن تيأس‪ ،‬أو تقنط‪ ،‬أو‬ ‫الفاق الفسيحة المع ّ‬
‫تقع في أوحال الستسلم للوهام ووساوس الشيطان‪ ،‬وأراجيف النفس‬
‫مارة بالسوء‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫ن‬
‫أذكرك بأن رسولنا عليه الصلة والسلم أخبرنا في أحاديث كثيرة صحيحة أ ّ‬
‫الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير‪.‬‬
‫ذة من لذائذ الدنيا‪ ،‬وفيهما متعة ل‬ ‫ن للتسبيح والستغفار لذ ّّةً ل توازيها ل ّ‬ ‫إ ّ‬
‫تشبهها متعة‪ ،‬والباب مفتوح للجميع؛ لن فضل الله عظيم‪ ،‬ولنه سبحانه‬
‫وتعالى واسع المغفرة‪ ،‬لو غفر للكائنات كّلها ما نقص من ملكه شيء‪.‬‬
‫إشارة‪:‬‬
‫ب غفور‬ ‫ً‬
‫إلهي ما سألت سواك عفوا ***فحسبي العفو من ر ٍ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ي‬‫ي والتقارب الروحان ّ‬ ‫بين التقارب الجسمان ّ‬


‫س ذلك ؛‬
‫ل ‪ .‬وقد يكون عك َ‬ ‫ب والعقو ُ‬ ‫م ‪ ،‬وتتقارب القلو ُ‬ ‫قد تتباعد الجسا ُ‬
‫ل ‪ .‬وقد يجتمع المران ؛ فتتقارب‬ ‫ب والعقو ُ‬ ‫م ‪ ،‬وتتباعد القلو ُ‬ ‫فتتقارب الجسا ُ‬
‫سًيا ‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ب الجسام ِ قد يكون ح ّ‬ ‫ل مًعا ‪ .‬تقار ُ‬ ‫ب والعقو ُ‬ ‫م والقلو ُ‬ ‫الجسا ُ‬
‫ي أن ترى شخصين جالسين أو‬ ‫معنوّيا ‪ ،‬وقد يكون حسّيا ومعنوّيا مًعا‪ .‬فالحس ّ‬
‫دهما من الخر بإرادة أو بغير إرادة ‪ .‬والمعنويّ أن‬ ‫قائمين أو نائمين قريًبا أح ُ‬
‫ة؛ فمهما كانا في مكانين مختلفين‬ ‫ٌ‬ ‫بعيد‬ ‫أو‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫قريب‬ ‫ة‬
‫تكون بين شخصين قراب ٌ‬
‫ب أحدهما من الخر قرًبا‬ ‫دهما عن الخر قليل ً أو كثيًرا؛ ولكّنهما قري ٌ‬ ‫بعيدٍ أح ُ‬
‫ب‬
‫هما أنه ليس أحدهما قريًبا إلى صاحبه ‪ .‬فال ُ‬ ‫دهما أو كل ُ‬ ‫ليزول مهما أنكر أح ُ‬
‫ن ولدي َّته له لن تزول في واقع‬ ‫دا له ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ح بأن وَلده ليس ول ً‬ ‫صّر َ‬ ‫– مثل ً – مهما َ‬
‫المر ‪.‬‬
‫ب تتقارب باّتحاد الفكر وتجانسه‪ ،‬سواء أكان الفكر عقدّيا‬ ‫ل والقلو ُ‬ ‫والعقو ُ‬
‫دينّيا‪ ،‬أو حزبّيا جماعّيا‪ ،‬أو وطنّيا‪ ،‬أو قومّيا‪ ،‬أوسياسّيا‪ ،‬أو موقفّيا‪ ،‬أو وظيفّيا‪ ،‬أو‬
‫لغوّيا‪ .‬وقد تجتمع أنواع الفكر هذه كّلها وغيُرها؛ ولكنها كثيًرا ما – بل في‬
‫قق لدى التحاد‬ ‫الغلب – تنفرد‪ .‬وأقوى أنواع التقارب العقلي القلبي يتح ّ‬
‫ي؛ لنه أقوى أنواع الواصر؛ حيث لم يعرف النسان‬ ‫والتجانس العقدي الدين ّ‬
‫ل من هذه الصرة النزيهة الطّيبة‪ ،‬الحبيبة المقدسة‪،‬‬ ‫ل وأجم َ‬ ‫ن وأفع َ‬ ‫آصرةً أمت َ‬
‫الدائمة الحضور‪ ،‬القوية المفعول‪ ،‬المثمرة في كل فصل‪ ،‬المخضّرة على كل‬
‫ح المطر‪ ،‬ونبوّ المناخ‪.‬‬ ‫حال‪ ،‬النامية رغم مناوأة الطقوس‪ ،‬وش ّ‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حدان في العقيدة والدين – ولو كان أحدهما بالمشرق والخر‬ ‫مت ّ ِ‬


‫شخصان ُ‬
‫بالمغرب – يشعران كأنهمان قريبان متصلن‪ .‬فلو اجتمع التحاد في الدين‬
‫والعقيدة مع التحاد في العواطف والمشاعر‪ ،‬يشعر الشخصان كأن أحدهما‬
‫ل في صاحبه‪ ،‬وكأن قلبه يخفق بما يخفق به قلب الخر‪ ،‬وكأنه يرى‬ ‫حا ّ‬
‫كره هو‪،‬‬ ‫س التفكير الذي يف ّ‬ ‫كر نف َ‬ ‫صل إليه‪ ،‬ويف ّ‬ ‫صل إلى ما يتو ّ‬ ‫مايراه‪ ،‬ويتو ّ‬
‫وكأنهما شخص واحد متمّثل في قالبين ‪.‬‬
‫ما يتباعدان تباعد َ السماء‬ ‫صلن جس ً‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫وعلى عكس ذلك شخصان متقاربان ُ‬
‫دهما‬ ‫ة وشعوًرا‪ .‬يرى الناظُر أن أح َ‬ ‫والرض‪ ،‬إذا اختلفا عقيدةً وديًنا وعاطف ً‬
‫دهما مع الخر في مكان واحد‪ ،‬في غرفة واحدة‬ ‫س إلى الخر أو ساكن أح ُ‬ ‫جال ٌ‬
‫ة؛ ولكنهما يختلفان‬ ‫َ‬
‫شاب ِك ٌ‬ ‫مت َ َ‬
‫ة أو آصرة ٌ ُ‬ ‫ة وشيج ٌ‬ ‫أو بيت واحد؛ أو تجمعهما قراب ٌ‬
‫ل‪ ،‬وينفصلن قلًبا‪ ،‬ويستوحشان ذهًنا‪.‬‬ ‫فكًرا؛ فيتباعدان عق ً‬
‫كثيًرا ما يحدث أن المرأ يساكن غيَره دهًرا‪ ،‬أو يجاوره‪ ،‬أو يزامله في العمل‪،‬‬
‫أو يشاركه في التجارة أو الصناعة؛ حتى يعاشره ويؤاكله ويشاربه‪ ،‬ويشاطره‬
‫دا عنه بفكره المغاير لفكره‪،‬‬ ‫ل بعي ً‬‫كثيًرا من الهتمامات والهوايات؛ ولكّنه يظ ّ‬
‫ودينه المعارض لدينه‪ ،‬وعقيدته المخالفة لعقيدته‪ ،‬وعواطفه التي لتلتقي مع‬
‫ط وعرضه‪ ،‬وسلوكه العام في الحياة الذي لينسجم‬ ‫عواطفه على طول الخ ّ‬
‫ما قد يمكن – بل‬ ‫م يلصق جس ً‬ ‫ص بجنب شخص وجس ٌ‬ ‫مع سلوكه بشكل‪ .‬شخ ٌ‬
‫كر فيه‬ ‫ب الذي يحمله صدُره بغير الذي يف ّ‬ ‫كر القل ُ‬‫كثيًرا ما يحدث – أن يف ّ‬
‫كر في الشّر؛‬ ‫كر في الخير‪ ،‬وهذا يف ّ‬ ‫ب الذي يحمله صدرالخر فهذا يف ّ‬ ‫القل ُ‬
‫كر في الفساد والفساد؛‬ ‫وهذا يفكر في شخصه ومصالحه المحدودة‪ ،‬وهذا يف ّ‬
‫وهكذا ‪.‬‬
‫ب الروحاني؛‬ ‫ن بشكل القر َ‬ ‫فالقرب الجسماني المجرد ليغني غََناًء إذا لم يقار ِ‬
‫ولكن القرب الروحاني المجّرد من القرب الجسماني بمستطاعه أن يعطي‬
‫ن فيزداد فعُله – القرب الروحاني – ويقوى‬ ‫ل‪ .‬أما إذا اجتمع القربا ِ‬ ‫مفعوَله كام ً‬
‫أداؤه‪ ،‬ويكثر نشاطه‪.‬‬
‫قد يجوز أن ي ُوْل َد َ جسمان على فراش واحد وينموان عليه؛ بل قد يجوز أن‬
‫ج حياة‪ .‬وقد سبق أن ت ََرّبى‬ ‫م‪ ،‬ويختلفان فكًرا وعقيدةً ومنه َ‬ ‫يولدان من أب وأ ّ‬
‫دعي الكبر لللوهية‪ :‬ت ََرّبى سيدنا‬ ‫حد الداعي إلى التوحيد على عين الم ّ‬ ‫مو َ ّ‬ ‫ال ُ‬
‫موسى في قصر فرعون وعلى نفقاته ورعايته وعنايته‪ .‬وسبق أن ت ََرّبى الولد‬
‫حد على فراش الوالد المشرك الصانع البائع للصنام‪ :‬ت ََرّبى سيدنا‬ ‫مو َ ّ‬ ‫ال ُ‬
‫إبراهيم الثائر الكبر على الوثنّية الكاسر الكبر للصنام على فراش أبيه آزر‪.‬‬
‫ت المسافة بين العقليتين؛ وكم كان البعد بين التفكيرين؟ ‪.‬‬ ‫كم كان ِ‬
‫ل الّتحادات التي يمكن أن‬ ‫ي أفع ُ‬ ‫ي العقديّ العاطف ّ‬ ‫الّتحاد ُ الفكريّ الدين ّ‬
‫ي أقوى من النسب‬ ‫ب الدين ّ‬ ‫تتحقق بين إنسان وآخر‪ .‬وبكلمة أخرى‪ :‬النس ُ‬
‫جّرًدا‬‫م َ‬‫ن ما يكون‪ .‬والثاني ُ‬ ‫ل حال ّ في الخر يكون أنفعَ وأحس َ‬ ‫ي‪ ،‬والوّ ُ‬ ‫الطين ّ‬
‫ل‪ ،‬وبشروط‪.‬‬ ‫من الّول لينفع إل ّ قلي ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ف في‬‫ن الختل َ‬ ‫ت إنساًنا زمًنا طوي ً‬


‫ل‪ ،‬أو عاملُته كثيًرا؛ ولك ّ‬ ‫كثيًرا ما عاشر ُ‬
‫ً‬
‫ل حائل بيني وبينه بشكل‬ ‫الدين والعقيدة‪ ،‬أو العواطف ومذهب التفكير‪ ،‬ظ ّ‬
‫ت كأن جبال "همليا" تفصل بيني وبينه أو السد ّ السكندريّ الذي ليمكن‬ ‫شعر ُ‬
‫ن من السباع الضارية أو‬ ‫ش النسا ِ‬‫ت أستوحش منه استيحا َ‬ ‫اختراُقه‪ ،‬وظل ُ‬
‫استيحاش المؤمن المخلص المتعّبد من الكافر الفاجر المستهتر‪ .‬النسان‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س ليحصل مع الفتراق في الفكار والراء‬ ‫ت طينُته بالنس ‪ .‬والن ُ‬ ‫جن َ ْ‬‫عُ ِ‬


‫والمشاعر والعواطف؛ فكيف بالفتراق في العقيدة والدين وأسلوب التفكير‬
‫والعمل؟‪.‬‬
‫دا‬‫ً‬ ‫بع‬ ‫بعيد‬ ‫وطن‬ ‫ومن‬ ‫قريتي‪،‬‬ ‫غير‬ ‫قرية‬ ‫من‬ ‫إنسان‬ ‫وبين‬ ‫بيني‬ ‫انعقدت‬ ‫ربما‬
‫ة وطيدة‬ ‫ط بيني وبينه قرابة أو نسب‪ ،‬صداق ٌ‬ ‫شاسًعا عن وطني‪ ،‬لم تجمع ق ّ‬
‫قائمة على غير غرض – اللهم إل ّ العتراف المتبادل بالفضل والهلية – لن‬
‫مام‪ .‬ورّبما‬ ‫ةن ّ‬ ‫ش أو نميم ُ‬ ‫ة وا ٍ‬ ‫يحّلها بإذن الله إل ّ الموت‪ ،‬ولن يضّرها وشاي ُ‬
‫حّلت بيني وبين إنسان من قريتي أو مدينتي‪ ،‬تجمع بيني وبينه آصرة من‬
‫ت المدرسة‬ ‫ب الك ُّتاب‪ ،‬وحارا ُ‬ ‫ج الطفولة‪ ،‬ودرو ُ‬ ‫ب الصبا‪ ،‬ومدار ُ‬ ‫النسب‪ ،‬وملع ُ‬
‫ب‪،‬‬ ‫عها الترا ُ‬ ‫ت الدراسة كلها‪ ،‬وكثيٌر من الهموم التي ي َت َوَّز ُ‬ ‫ّ‬ ‫الولّية‪ ،‬ومشوارا ُ‬
‫من ْت ََزهات الحياة عندما يكونون‬ ‫ت في ُ‬ ‫مها اللدا ُ‬‫ّ‬ ‫س ُ‬ ‫قا َ‬ ‫وأنواع ٌ من الهوايات التي ي َت َ َ‬
‫ة‪ .‬والفرقُ بين الّول‬ ‫ن العواد‪ ..‬حّلت عقدة ٌ من الكراهية لم تحلها محاول ٌ‬
‫ّ‬ ‫دا َ‬ ‫لِ َ‬
‫ف‬‫والخر لم يكن إل التوافقَ في الفكار والعواطف بيني وبين الّول ‪ ،‬والتخال َ‬ ‫ّ‬
‫بيني وبين الثاني في مسيرة التفكير وأسلوب العمل ومقياس الرضا والكره‪،‬‬
‫والخيار والرفض ‪.‬‬
‫ي الحكيم أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبئ )‬ ‫وقد صدق الشاعر العرب ّ‬
‫‪303‬هـ ‪915 /‬م = ‪354‬هـ ‪965 /‬م( عندما قال‪:‬‬
‫عد ٍ‬ ‫شَباه ُ قَوْم ٍ أ ََبا ِ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫ما قَُرب َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫شَباه ُ قوم ٍ أقارِ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وَل َ ب َعُد َ ْ‬
‫خا‪ ،‬كان أصدقَ أخوّةً من الخ الذي‬ ‫يأ ً‬ ‫ص إنسان أجنب ّ‬ ‫ت في شخ ِ‬ ‫ربما وجد ُ‬
‫ف‬
‫مي وَرب ّْته في حضنها الحاني؛ لنه شاركني بمواساته الصادقة‪ ،‬وعََر َ‬ ‫وَل َد َْته أ ّ‬
‫ل معي صادًرا عن‬ ‫م َ‬‫ة لم تختلف عن معرفتي بها؛ فت ََعا َ‬ ‫عواطفي معرف ً‬
‫مراعاتها الدقيقة؛ ولّنه قَد َّر مشاعري تقديًرا ربما فاق تقديري لها؛ ولّنه‬
‫حظَ‬ ‫حا رّبما لم أقدر عليه؛ ولّنه ل َ َ‬ ‫ك كس ً‬ ‫ل أن يكسح عن طريقي الشوا َ‬ ‫حاوَ َ‬ ‫َ‬
‫ي أحياًنا كثيرةً‬ ‫ق َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ت عنها؛ ولّنه َ‬ ‫ة عجز ُ‬ ‫ف رضاي وسخطى ملحظ ً‬ ‫مواق َ‬
‫ل‬‫ب ليجمع لي ك ّ‬ ‫ب العذا َ‬ ‫سعَد َ أنا؛ ولّنه استعذ َ‬ ‫َ‬
‫م يرقص على شفتيه ل ْ‬ ‫والبتسا ُ‬
‫دني‬ ‫وسيلة ممكنة من وسائل الراحة والسرور والعافية؛ ولّنه كثيًرا ما ت َعَهّ َ‬
‫حتي أو‬ ‫ما في جسمي أو انحراًفا في ص ّ‬ ‫دني أشكو أل ً‬ ‫ج َ‬ ‫سَهر والتأّلم عندما وَ َ‬ ‫بال ّ‬
‫مك"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أٍخ لم تلده أ ّ‬ ‫ي‪ُ" :‬ر ّ‬ ‫ة فكرّية‪ .‬وما أْروَعَ المثل العرب ّ‬ ‫ج ً‬‫خال ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك في‬ ‫حَبه الشترا ُ‬ ‫صا‬
‫َ َ‬ ‫إذا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫وا‬
‫ّ‬ ‫مرج‬ ‫عا‬ ‫ً‬ ‫نف‬ ‫ليعطي‬ ‫الطيني‬ ‫النسب‬ ‫في‬ ‫الشتراك‬
‫ضا لينفع إل ّ إذا كان هناك شعوٌر بقيمة هذا‬ ‫ك فيه أي ً‬ ‫ي‪ .‬والشترا ُ‬ ‫النسب الدين ّ‬
‫قق إل ّ إذا كان هناك شعوٌر بقيمة الدين‬ ‫النسب الرفيع‪ .‬وهذا الشعوُر ليتح ّ‬
‫ققُ عفوّيا التحاد ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ققَ ذلك كّله‪ ،‬ي َت َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫فتعليماته في شأن الدين والدنيا‪ .‬وإذا ت َ َ‬
‫ي‬
‫في الفكار والعواطف‪ ،‬فالّتحاد ُ في السلوك والعمل‪ ،‬فالتحاد ُ الروحان ّ‬
‫ل من يتعارف عليه‪،‬‬ ‫ل من حوله‪ ،‬وك ّ‬ ‫المعنويّ المثمُر الذي ينفع صاحَبه‪ ،‬وك ّ‬
‫ويتعّلق به‪ ،‬ويتعامل معه بشكل‪.‬‬
‫ن مفترس‬ ‫فالنسان بجنب النسان قد يشعر بما يشعر به إذا كان بجنب حيوا ٍ‬
‫أو سبع ضار‪ ،‬فل يأمنه وليرتاح إليه‪ ،‬فضل ً أن يسكن إليه ويستأنس به‪ ،‬ويرجو‬
‫منه مايرجوه النسان من النسان مثله من المساعدة لدى الحاجة‪،‬‬
‫والمساك بيده إذا زّلت قدماه في مزلق‪ ،‬وإيناسه لدى شعوره بغربة‪ ،‬أو‬
‫َ‬
‫ل هذا إل ّ‬ ‫ن النسان ليتعامل مع النسان بمث ِ‬ ‫ن‪ .‬إ ّ‬ ‫م به حز ٌ‬ ‫مسح دموعه إذا أل َ ّ‬
‫ت بها‪،‬‬ ‫ت إليها‪ ،‬وأشد ُ‬ ‫إذا اّتحد معه في المعاني النسانّية السامية التي أشر ُ‬
‫خّلى منها‪ ،‬فإنه بالنسبة إلى غيره من النسان‬ ‫ما إذا ت َ َ‬ ‫ت حرصي عليها‪ .‬أ ّ‬ ‫وأبدي ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مذاه‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫الظنو‬ ‫به‬ ‫فتذهب‬ ‫المظلم‪،‬‬ ‫الليل‬ ‫في‬ ‫يراه‬ ‫المخيف‬ ‫كالشبح‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حد معك في المعاني التي تجعله يشعر بما تشعر‬ ‫ن إذا لم ي َت ّ ِ‬ ‫جاوُِرك النسا ُ‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫سّبب لك وجوُده‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫قد‬ ‫بل‬ ‫فقط؛‬ ‫ً‬ ‫ء‬‫سوا‬ ‫بجنبك‬ ‫مه‬
‫ُ‬ ‫وعد‬ ‫ده‬‫ُ‬ ‫وجو‬ ‫فليكون‬ ‫أنت؛‬ ‫به‬
‫سّبب هذه‬ ‫بجنبك أضراًرا نفسّية أو جسمانية أو مالّية أو فكرّية‪ ،‬ورّبما ي ُ َ‬
‫لضراَر بأنواعها كّلها‪ ،‬إل ّ أن تتجّنبها بحكمتك أو تدفعها بقوتك‪ .‬يتأّذى النسان‬ ‫ا َ‬
‫من النسان نفسّيا قبل أن يتأّذى منه جسمانّيا أو مالّيا أو فكرّيا إذا لم يكن‬
‫مث ّل ً في‬
‫مت َ َ‬
‫ذا باّرا من تلميذه ُ‬ ‫إنساًنا مثَله في الخير‪ ،‬وإنما كان شيطاًنا أو تلمي ً‬
‫ما في تعقيدات نفسّية‪،‬‬ ‫ل دائ ً‬ ‫ي‪ .‬أنت ستظ ّ‬ ‫ي والهيكل البشر ّ‬ ‫الجسم النسان ّ‬
‫ومخافة مجهولة‪ ،‬بجنب إنسان يشاركك في صورة اللحم والدم‪ ،‬وليشاركك‬
‫في العقيدة والدين‪ ،‬والعواطف والفكار‪ ،‬والمعاني النسانية النبيلة؛ لنك وهو‬
‫حا لن تتمتع‬ ‫على طرفي نقيض؛ فربما أنت ترتاح إذا لم يكن مثُله بجنبك ارتيا ً‬
‫هب أيّ شيء من الوحشة التي يشعر بها‬ ‫به وهو معك‪ .‬وجوُده بجنبك لم ي ُذ ْ ِ‬
‫دا ومخافة أنت لتتبّين‬ ‫ل من النس‪ ،‬وإنما زادك تعقي ً‬ ‫النسان في مكان خا ٍ‬
‫ج‪ ،‬وتتدافع بك الفكار التي أنت‬ ‫خوال ِ ُ‬ ‫س‪ ،‬وتؤذيك ال َ‬ ‫ساوُِرك الوساو ُ‬ ‫نوعّيتها؛ فت ُ َ‬
‫لترغب فيها‪.‬‬
‫وة منه أسرةٌ من أبناء ديانة غير ديانتي منذ الزمان‬ ‫ْ‬
‫يسكن بجنب بيتي على غَل َ‬
‫القديم‪ :‬منذ عهد الجداد؛ ولكنها بما أّنها لتشاركنا في العقيدة والدين‪،‬‬
‫حش لتصفه الكلمات بدقة‪.‬‬ ‫فلتشاركنا في المشاعر والفكار‪ ،‬فنشعر منها بتو ّ‬
‫س لقيُتهم في الحرمين الشريفين‪ :‬هذا من أقصى الشرق‪ ،‬وذاك من‬ ‫وأنا ٌ‬
‫أقصى الغرب‪ ،‬وذلك من النحاء النائية من بلد الله؛ ولكني شعرت كأنهم‬
‫جميًعا أشقاء لي؛ لنهم فعل ً أشقاء في الدين والعقيدة‪ ،‬والهدف والمصير‪،‬‬
‫وكثير من الفكار والعواطف‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وكان يقوم بطبع أعداد مجلتنا "الداعي" منذ سنوات‬ ‫ل عاملُته طوي ً‬ ‫رج ٌ‬
‫ُ‬
‫ك‪ ،‬وألطفه في اللقاء‪ ،‬وأَباِدر إليه‬ ‫سن معه السلو َ‬ ‫ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ت دائ ً‬ ‫طويلة‪ .‬وكن ُ‬
‫ل عبر هذه السنين على جفافه وخشونته في الخلق‬ ‫بالتحية والدعاء؛ ولكّنه ظ َ ّ‬
‫ت أن أبحث‬ ‫ضط ُرِْر ُ‬ ‫ن بمثله؛ فا ْ‬ ‫وفظاظته في المعاملة‪ ،‬وعدم مجازاته الحسا َ‬
‫ُ‬
‫ما بالسم ينتمي‬ ‫ما بأنه رغم كونه مسل ً‬ ‫ت عل ً‬ ‫حط ْ ُ‬ ‫ي‪ ،‬فأ ِ‬ ‫عن أصله ونسله الفكر ّ‬
‫كزون على‬ ‫ؤه بالجفاف الخلقي وير ّ‬ ‫ف أبنا ُ‬ ‫إلى المذهب الفلني‪ ،‬الذي ي ُعَْر ُ‬
‫ظاهر السلم‪ ،‬ويزهدون في باطنه‪ ،‬وهم أزهد الناس في اللين الخلقي‪،‬‬
‫والرقة في السلوك‪ ،‬والمجاملة في السيرة‪ ،‬وتبادل التحيات والدعية بمثلها‪.‬‬
‫ت‪ :‬لغرو إذا كان الرج ُ‬
‫ل‬ ‫ب‪ ،‬وقل ُ‬ ‫ل مّني العج ُ‬ ‫ب ب َط َ َ‬ ‫وعندما ظ َهََر لي السب ُ‬
‫ف – ل قَد َّر الله !‬ ‫ن يش ّ‬ ‫ك لي ّ ٌ‬ ‫صّرا على جفافه‪ ،‬وحذره من أن يصدر منه سلو ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫– عن عدم ولئه الصادق لمذهبه الفكري!‪.‬‬
‫ل في العقيدة والدين‪ ،‬والعواطف والفكار‪،‬‬ ‫دا أن ُيوافقك رج ٌ‬ ‫نج ّ‬ ‫شيٌء ثمي ٌ‬
‫ق‬
‫م اللئ َ‬ ‫كر لتعاليم الدين الذي ينتمي إليه؛ فل بد ّ أن تمنحه الحترا َ‬ ‫ولي َت َن َ ّ‬
‫قه‪ ،‬وأن تدعو رّبك أن يديمه على ما هو عليه ما تطول به‬ ‫والتقديَر الذي يستح ّ‬
‫الحياة‪.‬‬
‫)تحريًرا في الساعة ‪ ،5‬من مساء يوم الثلثاء‪/13 :‬صفر ‪1427‬هـ =‬
‫‪/14‬مارس ‪2006‬م(‬
‫أبو أسامة نور‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين الحزن والصبر والرضا‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله وكفى والصلة والسلم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬وبعد فإن الله‬
‫_تعالى_ عليم بخلقه حكيم في قضائه‪ ،‬وإذا كان الله حكيما ً عليما ً فليس لنا‬
‫إل ّ الصبر والرضا والتسليم‪ ،‬فهل يعارض الحزن شيئا ً من ذلك؟‬
‫لعل في قول الله _تعالى_ عن نبيه يعقوب _عليه السلم_ جوابًا‪" :‬وَت َوَّلى‬
‫َ‬
‫م"‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ن فَهُوَ ك َ ِ‬ ‫حْز ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ت عَي َْناه ُ ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َواب ْي َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫فى عََلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬‫ل َيا أ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫]يوسف‪ ،[84:‬وإذا تقرر أن يعقوب _عليه السلم_ نبي كريم‪ ،‬يستحيل عليه‬
‫الكذب في إثبات الصبر الجميل لنفسه‪ ،‬علم أن الحزن ل يعارض الصبر‬
‫والرضا والتسليم‪.‬‬
‫إن الحزن شعور لبد أن يعتري النسان السوي‪ ،‬إن وجد سببه‪ ،‬كاللم‬
‫والغضب‪ ،‬بل كالجوع والعطش‪ ،‬فإن الله _تعالى_ قد ركب في الناس‬
‫الحساس‪ ،‬ويكون الشعور بحسب ما يجده الحس من أثر المحسوس وجودا ً‬
‫وعدمًا‪.‬‬
‫ولما كان الحزن من عوارض الطبيعة البشرية‪ ،‬لم يكن يوما ً من الدهر محرما ً‬
‫في شريعة سماوية طالما كان مقتضيه صحيحًا‪ ،‬ولهذا قال الله _تعالى_ عن‬
‫ن َرب َّنا ل َغَ ُ‬ ‫َ‬
‫كوٌر"‬ ‫ش ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز َ‬ ‫ب عَّنا ال ْ َ‬ ‫ذي أذ ْهَ َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬‫أهل الجنة‪" :‬وََقاُلوا ال ْ َ‬
‫لل‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫]فاطر‪ ،[34:‬وقال لخير النبيين _صلى الله عليه وسلم_‪َ" :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫م‬‫ر"‪]،‬المائدة‪ ،[41:‬بل قال _تعالى_‪" :‬قَد ْ ن َعْل َ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن ْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ك وَل َك ِ ّ‬ ‫م ل ي ُك َذ ُّبون َ َ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫ذي ي َ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن ُ َ‬ ‫ه ل َي َ ْ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن" ]النعام‪ ،[33:‬وفي الصحيح عن أنس _رضي الله عنه_ قال‪ :‬قنت‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ شهرا حين قتل القراء‪ ،‬فما رأيت رسول‬ ‫ً‬
‫الله _صلى الله عليه وسلم_ حزن حزنا قط أشد منه)‪ ،(1‬وقال _تعالى_ فيما‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫أخبر به عن نبيه وصديق هذه المة‪..." :‬إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫م العْلوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫معََنا" ]التوبة‪ ،[40:‬وقال للمؤمنين‪َ" :‬ول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م قُل َ‬
‫ت‬ ‫ملهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما أت َوْك ل ِت َ ْ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن" ]آل عمران‪َ" ،[139:‬ول عَلى ال ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كن ْت ُ ْ‬
‫ما‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حَزنا أل ي َ ِ‬ ‫مِع َ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫في ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫وا وَأعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫م عَلي ْهِ ت َوَل ْ‬ ‫مل ك ْ‬ ‫ح ِ‬‫ما أ ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫لأ ِ‬
‫ن" ]التوبة‪.[92:‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي ُن ْفِ ُ‬
‫فليس الحزن مختصا بضعفاء اليمان أو الفجار‪ ،‬بل هو مختص بمن ركب فيه‬ ‫ً‬
‫الحساس‪ ،‬فل غضاضة في الحزن إذن فقد حزن النبياء وحزن الصديقون‬
‫وحزن الصالحون‪ ،‬قبل وبعد يعقوب _عليه السلم_‪.‬‬
‫فالحزن عارض بشري‪ ،‬يعرض للتقي والفاجر‪ ،‬والمسلم والكافر‪ ،‬فإن كان‬
‫منشؤ الحزن أمر ليد للمرء فيه‪ ،‬كقضاء كوني نزل فأصابه‪ ،‬أو كان منشؤه‬
‫مشروعا ً كجهاد قتل فيه ابنه‪ ،‬كان صبر المسلم على الحزن خيرا ً له‪ ،‬وكان‬
‫حزنه سببا ً في تكفير سيئاته‪ ،‬فعن صهيب قال‪ :‬قال رسول الله _صلى الله‬
‫عليه وسلم_‪" :‬عجبا ً لمر المؤمن! إن أمره كله خير وليس ذاك لحد إل‬
‫للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء شكر فكان خيرا ً له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان‬
‫خيرا ً له")‪.(2‬‬
‫أما إن كان منشؤ الحزن معصية فإنه إما أن يحزن على مقارفتها‪ ،‬أو على‬
‫فوتها‪ ،‬فإن حزن على مقارفته لها فهذا من جنس الول؛ لنه متعلق بالندم‬
‫على الذنب وهو أحد أركان التوبة‪ ،‬وأما إن كان الحزن على فوتها فذلك حزن‬
‫محرم وأثره المترتب عليه مؤاخذ به العبد‪ ،‬ومثله الحزن على فعل واجب ل‬
‫لعارض‪ ،‬أو الحزن على قضاٍء كوني هو خير للمؤمنين أو شر على الكافرين‪،‬‬
‫وقد جاء في الحديث‪" :‬إنما الدنيا لربعة نفر‪ ...‬وعبد رزقه الله مال ولم يرزقه‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علما ً فهو يخبط في ماله بغير علم‪ ،‬ل يتقي فيه ربه‪ ،‬ول يصل فيه رحمه‪ ،‬ول‬
‫يعلم لله فيه حقًا‪ ،‬فهذا بأخبث المنازل" قال‪" :‬وعبد لم يرزقه الله مال ً ول‬
‫علمًا‪ ،‬فهو يقول‪ :‬لو أن لي مال لعملت فيه بعمل فلن فهو بنيته فوزرهما‬
‫سواء")‪.(3‬‬
‫والذي يحزن على فوت المعصية يشبه من عقد العزم على فعلها وليست‬
‫عنده أسبابها‪ ،‬وقد أمرت الملئكة لوطا ً لما جاءت تجعل قرية قومه عاليها‬
‫سافلها بأل يحزن‪ ،‬قالوا‪" :‬قالوا لتخف ولتحزن إنا منجوك وأهلك إل ّ امرأتك"‬
‫]العنكبوت‪ ،[33:‬وقال الله _تعالى_‪" :‬فمن تبع هداي فل خوف عليه ول هم‬
‫َ‬
‫م اْل َعْل َوْ َ‬
‫ن‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬
‫يحزنون" ]البقرة‪ ،[38 :‬وقال _سبحانه_‪َ" :‬ول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[139:‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫إِ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد جعل من أسباب ذم المنافقين والكافرين فرحهم بما يسوء المسلمين‪،‬‬


‫سؤْهُ ْ‬
‫م‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫والحزن بما يفرحهم من قبيله‪ ،‬قال الله _تعالى_‪" :‬إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫قوُلوا قَد ْ أ َ َ‬ ‫صب ْ َ‬
‫ن"‬ ‫حو َ‬ ‫م فرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ل وَي َت َوَل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫خذ َْنا أ ْ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫حوا‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫َ‬
‫سي ّئ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫صب ْك ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ْ‬‫ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫]التوبة‪ ،[50:‬وقال‪" :‬إ ِ ْ‬
‫حيط" ]آل‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ً‬
‫م شْيئا إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م كي ْد ُهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ب َِها وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫هوا أ َ‬ ‫ر‬
‫ِ َ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫خل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ُ َ‬‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫"‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪120‬‬ ‫عمران‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ ِ‬ ‫َ ِ َ َ ِ ِ ْ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬
‫ل َناُر‬ ‫حّر قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫روا‬ ‫ف‬
‫َْ ِ ُ‬ ‫ن‬‫ت‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬
‫َ ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫م ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ن" ]التوبة‪.[81:‬‬ ‫حّرا ً ل َوْ َ‬ ‫مأ َ‬‫َ‬
‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫غب إليه من حيث‬ ‫مَر ّ‬ ‫ُ‬ ‫أو‬ ‫فيه‬ ‫مرغوب‬ ‫غير‬ ‫كاللم‪،‬‬ ‫عارض‬ ‫الحزن‬ ‫أن‬ ‫والشاهد‬
‫هو‪ ،‬كالجوع والعطش‪ ،‬بل هو مصيبة من جملة المصائب‪ ،‬ولهذا قال _صلى‬
‫الله عليه وسلم_ كما في حديث أبي هريرة‪" :‬ما يصيب المسلم من نصب‪،‬‬
‫ول وصب‪ ،‬ول هم‪ ،‬ول حزن‪ ،‬ول أذى‪ ،‬ول غم‪ ،‬حتى الشوكة يشاكها‪ ،‬إل كفر‬
‫الله بها من خطاياه")‪.(4‬‬
‫وإذا كان كذلك فإن على المسلم أن يدافعه –أيا كان منشؤه‪ -‬ما أطاق‪ ،‬أو‬ ‫ً‬
‫يكظمه ما استطاع‪ ،‬كما أن عليه ل يخرج به –وإن كان منشؤه مباحا ً أو‬
‫محمودًا‪ -‬عن حدود الشرع فهذا ممنوع‪ ،‬فإن كان الذي يجوع ل يسوغ له أن‬
‫يأكل الخنزير‪ ،‬بل عليه أن يتخير من الحلل الطيب‪ ،‬مع أن أكل الخنزير قد‬
‫هب حزنه بمحرم‪.‬‬ ‫يكون سببا ً للشبع‪ ،‬فكذلك المحزون ليس له أن ُيذ ِ‬
‫ولئن قتل الجائع نفسا ً بحجة الجوع‪ ،‬أو قارف جرما ً آخر ليس سببا ً للشبع‬
‫بحجة الجوع‪ ،‬كان ذلك من القبح بمكان أظهر‪ .‬فكذلك الذي يحزن ليس له أن‬
‫يتكلم بما ليليق‪ ،‬وليس له أن يشق ثوبا ً أو يلطم وجهًا‪ ،‬أو يفعل فعل ً يخرج به‬
‫إلى حد التسخط والجزع‪ ،‬فتلك أفعال محرمة‪ ،‬ول علقة لها بدفع الحزن‪،‬‬
‫كحال من يجوع فيقارف جرما ً ليس سببا ً للشبع‪ ،‬بل تلك الفعال مع الحزن‬
‫أشد حرمة لما تضمنته من الحرمة ولما اشتملت عليه من تسخط قدر الله‪،‬‬
‫فنسأل الله أن يعافينا‪ ،‬وأل يبتلي ضعفنا‪ ،‬وأن يلهم المصابين الصبر‪ ،‬وأن‬
‫يكتب لهم عظيم الجر‪ ،‬وأن يذهب عنا وعنهم الحزن إنا ربنا لغفور شكور‪.‬‬
‫_______________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري ‪.(1238) 1/437‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم ‪.(2999) 4/2295‬‬
‫)‪ (3‬رواه المام أحمد في المسند ‪ ،4/231‬والترمذي في سننه ‪) 4/562‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،(2325‬وقال حديث حسن صحيح‪ .‬ورواه غيرهم‪.‬‬


‫)‪ (4‬صحيح البخاري ‪ ،(5318) 5/2137‬ونحوه عند مسلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بين الحقيقة والستدراج‬


‫بقلم‪ :‬الدكتور محمد أديب الصالح‬
‫كان من رحمة الله بهذه المة أن رسم لها من مناهج في العقيدة والشريعة‬
‫والخلق ‪ ،‬مما ل يدخل في حدود التجريد ‪ ،‬ولكنه يتسق تمام التساق مع‬
‫طاقات النسان وقدراته ‪ ،‬ولذلك رأيت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وعلى مختلف العصور السلمية ‪ ،‬النماذج التي تستعصي على العد ‪ ،‬وكلها‬
‫نماذج ترى فيها سلمة التطبيق لما أراده الله تبارك وتعالى وأراده الرسول‬
‫عليه الصلة والسلم ؛ ففي معرض الحتكام في كل أمر إلى الكتاب والسنة‬
‫وعدم اللتفات إلى ما قد يعرض من الخواطر والهواجس رأينا الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم يتهمون آراءهم بجانب نصوص الكتاب والسنة ‪ ،‬وهم‬
‫أعمق المة علما ً وأبرها قلوبا ً ‪ ،‬وأبعدها عن الشيطان ‪ ،‬لذا كان عنوان‬
‫الخيرية عندهم العتصام بالكتاب والسنة على الحوال كلها والشؤون ‪.‬‬
‫وتقوى الله تعالى في السر والعلن ‪ .‬كتب كاتب لعمر رضي الله عنه بين يديه‬
‫هذا ما أرى الله عمر‪ .‬فقال ‪ :‬ل ‪ ،‬امحه واكتب ‪ :‬هذا ما رأى عمر( ونماذج‬
‫ذلك كثيرة فيهم عليهم الرحمة والرضوان حيث يتهمون أنفسهم ويتعلقون بما‬
‫جاء في كتاب الله وسنة رسوله ‪ ،‬إل ما كان من تلك الراء المقبولة‬
‫والجتهادات في فهم القرآن وتدبره واستنباط الحكام منه ومن حديث‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫نقول هذا في الوقت الذي سمعنا وما نزال نسمع عن أولئك الذين يحتكمون‬
‫إلى الهوى باسم الخذ عن الله " حدثني قلبي عن ربي " ولو عدنا إلى أولئك‬
‫البررة الذين ازدان بهم تاريخ جهاد النفس وتزكيتها ‪ ،‬وحملها دائما ً على الذكر‬
‫والتقبل والزهادة في الدنيا ‪ ..‬لو عدنا إلى أولئك البررة ‪ ..‬لوجدناهم على‬
‫الجادة التي سلكها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في الحتكام إلى‬
‫الكتاب والسنة عند أي خاطر أو هاجس أو إلهام ‪ .‬حكى الجنيد عن أبي‬
‫ً‬
‫سليمان الداراني قال ‪) :‬ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما ‪ ،‬فل‬
‫أقبلها إل بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة( وينقل لنا المام ابن القيم عن‬
‫أبي يزيد قوله لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يتربع في الهواء‬
‫فل تغتروا به ‪ ،‬حتى تنظروا ‪ ،‬كيف تجدونه عند المر والنهي وحفظ الحدود( ‪.‬‬
‫ذلك لن ظهور هذه المور دون وقوف عند المر والنهي وحفظ الحدود هو ما‬
‫يسميه علماؤنا بـ )الستدراج( والعياذ بالله ‪ .‬وذلك أمكن لمكر الله ‪ ،‬ول يأمن‬
‫مكر الله إل القوم الخاسرون ‪ .‬قال قائلهم ‪:‬‬
‫إذا رأيت رجل ً يطير وفوق ماء البحر قد يسير‬
‫ولم يقف عند حدود الشرع فإنه مستدرج وبدعي‬
‫وما يروى عن أبي يزيد أيضا ً )من ترك قراءة القرآن ولزوم الجماعات ‪،‬‬
‫وحضور الجنائز وعيادة المرضى ‪ ،‬وأدى بهذا الشأن ـ يعني طريق السالكين‬
‫إلى الله ـ فهو مدع( ومعنى ذلك أنه مدع بل دليل ‪ ،‬بل إن سلوكه يدل على‬
‫نقيض ما يدعي ‪ .‬والسلم ـ بحمد الله ـ لم يكن في يوم من اليام آراء‬
‫فلسفية تجريدية للتفكه العقلي ‪ ،‬يتحاور بها الناس ثم ينصرفون كل إلى‬
‫عمله المناقض لم كان يقوله ويدافع عنه بالكلم وأحكام المقدمات والنتائج ‪،‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكنه إيمان وعمل وتواص بالحق وتواص بالصبر‪.‬‬


‫والمتقول عن الجنيد في هذا الباب قوله مذهبنا مقيد بالصول ؛ بالكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬فمن لم يحفظ الكتاب ‪ ،‬ويكتب الحديث ‪ ،‬ويتفه ‪ ،‬ل يقتدى به(‪.‬‬
‫والطريق إلى يقظة القلب وتذوقه لحلوة اليمان عند أبي بكر الدقاق هو‬
‫الستمساك بالوامر واجتناب النواهي وإل كان الحرمان والخسران قال‬
‫رحمه الله من ضيع حدود المر والنهي في الظاهر حرم مشاهدة القلب في‬
‫الباطن( وأوضح أن المراد من الباطن هنا ما كان بين العبد وموله من لذة‬
‫القرب والرضا مما يتولد عن محبة الله عز وجل ‪.‬‬
‫ترى أي داهية ألمت ببعض من يزعمون أنهم على هذا السنن ‪ ،‬حتى اتفقت‬
‫العناوين ‪ ،‬واختلفت المضمونات والسلوك كان أولئك الذين نلمح إلى بعض‬
‫آثارهم يسخرون من الشيطان ويقتحمونه بالستقامة على حدود الشرع ‪،‬‬
‫فأصبح هؤلء يسخر منهم الشيطان بما له من سلطان عليهم أثمره النحراف‬
‫وعدم اللتزام بحدود الشرع ‪.‬‬
‫جزى الله أصحاب النبي صلى الله عليهم وسلم وكل من سار على نهجهم‬
‫النبوي وتبعهم بإحسان ‪ .‬اللهم جنبنا مزالق الشيطان والنفس والهوى ‪،‬‬
‫والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا الله‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بين الصفا والمروة‬


‫مد كلزي‬‫شعر ‪ /‬محمود مح ّ‬
‫بين الصفا والمروةِ جمحت خيول ‪ii‬محبتي‬
‫هرولت أستبق الفؤاد‪ ،‬مضخما ً ‪ii‬باللهف ِ‬
‫ة‬
‫ة‬
‫هذي الجموع تسابقت للملتقى في نشو ِ‬
‫ة‬
‫وتناثرت غرر الدعاء‪ ،‬بروحة ‪ii‬وبغدو ِ‬
‫ترجو انعتاقا ً من إسار الذنب بعد ‪ii‬التوب ِ‬
‫ة‬
‫هرولت‪ ..‬منعتقا ً من الصفاد تنقل خطوتي‬
‫ة‬
‫ب ‪ii‬العز ِ‬ ‫أجري وقلبي خاشع يعنو لر ّ‬
‫ل يرتاد روضا ً من رياض ‪ii‬الجن ِ‬
‫ة‬ ‫متبت ٌ‬
‫ظمآن يرتشف الغمام‪ ..‬يطل فوق ‪ii‬الكعبةِ‬
‫ويطوف بالبيت العتيق على جفون ‪ii‬الغيمةِ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫ة‬ ‫ً‬
‫سافرت مع سرب اليمام مسربل ‪ii‬باللهف ِ‬
‫وعبرت صحراء من الشواق تضرم مهجتي‬
‫ة‬
‫ت خلفي غصة بين الفرات ودجل ِ‬ ‫خلف ُ‬
‫ورشفت من بردى فما انطفأت مجامر غلتي‬
‫ة‬ ‫إل وهذي الروح مبحرة‪ ،‬تع ّ‬
‫ل ‪ii‬بنهل ِ‬
‫ة‬
‫من زمزم‪ ..‬وتضلعت هذا الضلوع بحرق ِ‬
‫من حوضه عبت مريئا ً وارتقت ‪ii‬للسدر ِ‬
‫ة‬
‫ة‪ ..‬من ‪ii‬شهوةِ‬ ‫خلفت ما عشق الورى من فتن ٍ‬
‫ة‬
‫وسبحت في دنيا من النفحات فوق ‪ii‬اللذ ِ‬
‫وتركت قلبي ساعيا ً بين الصفا ‪ii‬والمرو ِ‬
‫ة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين الطبيب والمريض‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫مهنة الطب من أشرف المهن شريطة أن يمارس الطبيب مهنته بإخلص‬
‫وإتقان ‪ ،‬وأن يلتزم الطبيب بالخلق الكريم ‪.‬‬
‫وعلى الطبيب أن يدرك أنه مهما بلغ علمه ‪ ،‬فإن أسرار الجسم البشري ل‬
‫يزال أكثرها مغلقا ‪ ،‬ومازال الطب عاجزا عن إدراك العديد من تلك السرار ‪.‬‬
‫ويعبر عن ذلك عنترة العبسي بقوله ‪:‬‬
‫يقول لك الطبيب دواك عندي إذا ما جس كفك والذراعا‬
‫ولو عرف الطبيب دواء داء يرد الموت ما قاسى النزاعا‬
‫ول يستطيع الطبيب ‪ ،‬مهما أوتي من علم وخبرات ‪ ،‬أن يدفع أمر الله إذا حل‬
‫بالمريض ‪ .‬وكثير منا يعرف حالت مات فيها الطبيب قبل مريضه ‪ ،‬بل ربما‬
‫مات بنفس المرض الذي كان يعالج مريضه منه ‪ .‬وفي ذلك يقول الشاعر ‪:‬‬
‫إن الطبيب بطبه ودوائه ل يستطيع دفاع أمر قد أتى‬
‫ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان يبرئ منه فيما قد مضى‬
‫مات المداوي والمداوى والذي جلب الدواء وباعه ومن اشترى‬
‫أعرف طبيبا كان يعمل معنا في المستشفى ‪ ،‬كتب في ملف مريضه أن‬
‫مرضه خطير‬
‫وكان المريض مصابا بالسرطان ‪ -‬وأنه ربما ل يعيش أكثر من أشهر معدودات‬
‫‪.‬‬
‫ولم تكد تمضي تلك الشهر المعدودات حتى مات الطبيب بسرطان انتشر‬
‫في جسمه ‪ ،‬ومرت سنوات وذاك المريض بخير وعافية ‪ .‬تأملت فيما كتب‬
‫ذلك الطبيب وقلت ‪:‬‬
‫يا سبحان الله !! وتذكرت قول الشاعر ‪:‬‬
‫وكم من مريض نعاه الطبيب إلى نفسه وتولى كئيبا‬
‫فمات الطبيب وعاش المريض فأضحى إلى الناس ينعي الطبيبا‬
‫وتذكرت قول علي بن الجهم ‪:‬‬
‫كم من عليل قد تخطاه الردى فنجا ومات طبيبه والعود‬
‫والعمار كلها بيد الله ‪ ) .‬وما تدري نفس بأي أرض تموت ( ‪ .‬ول تعرف من‬
‫يسبق إلى الموت ‪ :‬الطبيب أم المريض ؟!‬
‫ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي مذكرا بالستعداد لذلك اليوم ‪:‬‬
‫وقبلك داوى الطبيب المريض فعاش المريض ومات الطبيب‬
‫وكن مستعدا لدار الفناء فإن الذي هو آت قريب‬
‫فإذا ما سمع مريض من طبيبه أن حياته غدت قصيرة ‪ ،‬وأن أيامه أصبحت‬
‫معدودات ـ فل ييأسن ول يقنط من رحمة الله ‪ .‬فما اطلع الطبيب على‬
‫غيب ‪ ،‬ول علم أن أحدا يموت غدا ‪ ،‬إنما هو تخمين الطبيب حسب المعطيات‬
‫العلمية المتوفرة لديه ‪.‬‬
‫الشفاء بيد الله ‪:‬‬
‫أعجبني مثل بلجيكي يقول " الله يشفي والطبيب يؤجر " ‪ .‬والله تعالى يقول‬
‫في محكم كتابه منذ أن خلق الخلق ‪ ) :‬وإذا مرضت فهو يشفين ( ‪.‬‬
‫ويذكر ابن نباته السعدي أن تناول الدواء ل يمنع قضاء الله ‪ ،‬فالشفاء بيد الله‬
‫وحده ‪:‬‬
‫نعلل بالدواء إذا مرضنا وهل يشفي من الموت الدواء ؟‬
‫ونختار الطبيب وهل طبيب يؤخر ما يقدمه القضاء ؟‬
‫وما أنفاسنا إلى حساب ول حركاتنا إل فناء‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقول ابن مقلة ‪:‬‬


‫يمنيني الطبيب شفاء عيني وهل غير الله لها طبيب‬
‫ويؤكد الفرزدق ذلك المعنى بأن الشفاء بيد الله وحده ل بمن يعطيك الدواء ‪:‬‬
‫يا طالب الطب من داء تخوفه إن الطبيب الذي أبلك بالداء‬
‫فهو الطبيب الذي يرجى لعافية ل من يذيب لك الترياق بالماء‬
‫ول شك أن كل إنسان ‪ ،‬كائنا من كان ‪ ،‬يلجأ في ساعات اليأس والشدائد إلى‬
‫الله وحده ‪ .‬يقول الربيع بن خيثم ‪:‬‬
‫فأصبحت ل أدعو طبيبا لطبه ولكنني أدعوك يا منزل القطر‬
‫ول بد من الشارة إلى أن على الطبيب أن يمنح المريض إحساسا بالمل‬
‫والرجاء ‪ ،‬وأن يبعث في نفسه الطمأنينة ‪ ،‬فإن ذلك يساعده على الشفاء من‬
‫مرضه ‪ ،‬والطمأنينة والسكينة تقوي جهاز المناعة عند المريض ‪ ،‬وتشد من‬
‫عزيمته ‪ ،‬وترفع معنوياته ‪.‬‬
‫وحديثا صدر كتاب أمريكي للدكتور هربرت بنسون بعنوان ‪Timeless healing‬‬
‫يتحدث عن كيف أن اليمان يقوي مناعة المريض ويقهر المراض ‪.‬‬
‫والطباء ‪ -‬كما يقول أخي وصديقي الدكتور زهير السباعي ‪ -‬يختلفون في‬
‫تعاملهم مع المريض بمرض ميؤوس من شفائه ‪..‬‬
‫فهناك من يطمئن المريض ‪ ،‬ويفتح له طاقات المل ‪ ،‬ويرجيه بالشفاء ‪ ،‬وقد‬
‫يكذب عليه أحيانا ‪.‬‬
‫وهناك من يواجه مريضه بالحقيقة سافرة ‪ ،‬ويترك المريض يتفاعل مع‬
‫الحدث ‪ ،‬على أمل أن يتغلب على المشكلة ويواجهها‬
‫وهناك من يداري ويواري ويتخلص من الموقف" ‪.‬‬
‫يقول أبو العلء ‪ ،‬وهو يسأل أحد الطباء أن يتريث فل يخبر المريض بقرب‬
‫موته ‪ ،‬عسى الله أن يشفيه من مرضه ‪:‬‬
‫نعى الطبيب إلى مضنى حشاشته مهل طبيب فإن الله شافيه‬
‫أجرة الطبيب ‪:‬‬
‫يستحق الطبيب ‪ -‬وكل صاحب مهنة ‪ -‬أجرة على عمله وخدماته ‪ .‬وقد حل‬
‫السلم مسألة أجرة الطبيب حل عادل عظيما ‪ .‬قال تعالى ‪ ) :‬وإذا مرضت‬
‫فهو يشفين (‬
‫فالشفاء بيد الله ل بيد الطبيب ‪ ،‬ولذلك فإن أجرة الطبيب على أساس ما‬
‫يبذل من جهد ل على الشفاء ‪ ،‬لن الشفاء خارج عن قدرته ‪ .‬ولو جعل الله‬
‫الشفاء بيد الطبيب ‪ ،‬لما استطاع النسان أن يوفي للطبيب أجره ‪ ،‬بل لما‬
‫استطاعت الحكومات ذلك ‪ ،‬لن النسان ل يقدر بثمن ‪ .‬ول يحق للطبيب أن‬
‫يمن على المريض بالشفاء ‪ ،‬وفي ذلك رفع لكرامة المريض ‪.‬‬
‫الطباء واليمان ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والحقيقة أن الطباء من أكثر الناس اطلعا على أسرار ذلك المخلوق الذي‬
‫سخر الله له ما في الرض جميعا ‪ ،‬ثم دعانا الله للتفكر في تلك السرار ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫) وفي أنفسكم أفل تبصرون (‬
‫ويعجب أبو العلء المعري من إلحاد بعض الطباء فيقول ‪:‬‬
‫عجبي للطبيب يلحد في الخا لق من بعد درسه التشريحا‬
‫ويقول الطبيب الشاعر عزت شندي موسى في ديوانه " مع الله ورسوله " ‪:‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن آمن العلماء كان طبيبهم هو أسرع العلماء لليمان‬


‫فلقد رأى العجاز في الخلق الذي قد صور الخلق في الحيوان‬
‫فالكبد يقظى حين أنك نائم وتبيت في عمل مع المصران‬
‫والعين تبصر في نظام معجز والمخ يعقل ما ترى العينان‬
‫والذن تسمع في اتساق مذهل والعقل يفهم ما تعي الذنان‬
‫فلتؤمنوا بالله ملء قلوبكم هل بعد هذا الكشف من برهان‬
‫ولعل من أبلغ القصص التي تروى في تأثير اليمان على المريض قصة عروة‬
‫بن الزبير‬
‫‪ -‬وكان من أجل علماء المسلمين ‪ -‬لما أصر الطباء على ضرورة قطع رجله‬
‫بعد أن أصيب بمرض فيها ‪ .‬عرضوا عليه الخمر ليسكروه كي ل يحس بألم‬
‫القطع فأبى ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫" إني سأدخل في ذكر الله ‪ ،‬فإذا رأيتموني استغرقت فيه فشأنكم بها ‪..‬‬
‫وذكر الله ‪ ،‬فلما رأوه استغرق ‪ ،‬بدأت العملية ‪ ،‬وقطعوا اللحم بالسكين‬
‫المحمى بالنار ) للتعقيم ( ‪ ،‬حتى إذا بلغوا العظم نشروه بالمنشار ‪ ،‬وهو يهلل‬
‫ويكبر ‪ ،‬ثم حموا الزيت في مغارف الحديد ‪ ،‬حتى إذا غلى كووه بها فأغمي‬
‫عليه ‪ .‬ولما أفاق الشيخ من غشيته ‪ ،‬رأى القدم في أيديهم‪ ،‬فأخذ يقلبها وهو‬
‫يقول ‪ :‬أما والذي حملني عليك ‪ ،‬إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط‬
‫"‪.‬‬
‫مصارحة الطبيب ‪:‬‬
‫وسواء كان المريض مصابا بمرض في جسده ‪ ،‬أو بهموم في نفسه ‪ ،‬فل بد‬
‫أن يشرح ذلك للطبيب ‪ .‬يقول المتنبي ‪:‬‬
‫ل تكتمن داءك الطبيب ول الصديق سرك المحجوبا‬
‫ويقول أبو تمام ‪:‬‬
‫غير أن العليل ليس بمذمو م على شرح ما به للطبيب‬
‫ولعل البعض يفضل أن يبث شكواه إلى من أوقد النار في كبده ‪ .‬يقول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫يا موقد النار إلهابا على كبدي إليك أشكو الذي بي ل إلى أحد‬
‫فهو الذي كان سبب الداء ‪ ،‬وهو المرجى للشفاء ‪.‬‬
‫غلط الطبيب ‪:‬‬
‫يرى بعض الفقهاء أل يحاسب الطبيب على الخطأ إل أن يكون فاحشا ‪ ،‬ل‬
‫يجوز أن يقع من الطبيب أبدا ‪ .‬والمهم أن يثبت الخطأ باليقين ل بالظن ‪،‬‬
‫وينبغي استشارة ذوي الخبرة في ذلك للتحقق من غلط الطبيب ‪.‬‬
‫قال ابن الرومي ‪:‬‬
‫غلط الطبيب علي غلطة مورد عجزت موارده عن الصدار‬
‫والناس يلحون الطبيب ‪ ،‬وإنما غلط الطبيب إصابة القدار‬
‫وقال أحد الشعراء في نفس المعنى ‪:‬‬
‫وإذا القضاء جرى بأمر نافذ غلط الطبيب وأخطأ التدبير‬
‫وقال صردر يوصي بأل يلم الطبيب إذا ما أدى واجبه ‪ ،‬فالموت داء ل دواء له‬
‫‪:‬‬
‫نلوم الطبيب وما جرمه وداء المنية داء عقام‬
‫وحدوث الختلطات الجراحية أمر معروف في فن الجراحة ‪ .‬وهناك نسب‬
‫محددة لكل اختلط من الختلطات ‪ ،‬كالتهاب الجرح ‪ ،‬وعدم التحام الكسر ‪،‬‬
‫وحدوث النزف بعد العملية وغير ذلك ‪ .‬ولكن البحتري يرى أن خياطة الجرح‬
‫دون تنظيف أو تعقيم تفريط من الطبيب ‪:‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا ما الجرح رم على فساد تبين فيه تفريط الطبيب‬


‫نصائح الطبيب ‪:‬‬
‫ومن الناس من ل يستمع إلى نصائح الطبيب ‪ ،‬فينغمس في شهواته من‬
‫طعام وشراب ‪ ،‬وإذا السقام يقف له بالمرصاد ‪ .‬يقول الشاعر خلف بن فرج‬
‫الشهير بالسمير ‪ -‬وهو من شعراء الندلس ‪: -‬‬
‫يا آكل كل ما اشتهاه وشاتم الطب والطبيب‬
‫ثمار ما قد غرست تجني فانتظر السقم من قريب‬
‫وقال ابن الرومي ‪:‬‬
‫فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب‬
‫وهذا عين الحقيقة ‪ ،‬فإن أكثر المراض انتشارا الن سببها الطعام والشراب ‪،‬‬
‫فكثرة الطعام والشراب سبب للبدانة ‪ ،‬والبدانة سبب لكثير من المراض‬
‫كارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها ‪ .‬كما أن كثيرا من التهابات المعدة‬
‫والمعاء التي تحدث يوميا عند مليين الناس في العالم سببه عادة تلوث في‬
‫الطعام أو في الشراب ‪.‬‬
‫ويسخر المتنبي من الطبيب الذي يرجع مرضه للشراب والطعام ‪ ،‬ول يدري‬
‫أن تحديد القامة الذي فرض عليه هو الذي أضر بجسمه وأوهنه ‪:‬‬
‫يقول لي الطبيب أكلت شيئا وداؤك في شرابك والطعام‬
‫وما في طبه أني جواد أضر بجسمه طول الجمام‬
‫والحقيقة أن ألذ الطعام من لحوم وحلويات ومقبلت غنية بالدهون‬
‫والكولسترول ‪ ،‬فالفراط فيها يزيد من كولسترول الدم ‪ ،‬وقد يؤدي إلى‬
‫تصلب الشرايين وتضيق شرايين القلب التاجية ‪ .‬يقول الشريف الرضي ‪:‬‬
‫فوا عجبا للمرض والداء خلفه ومن حوله القدار والموت أمه‬
‫يسر بماضي يومه وهو حتفه ويلتذ ما يغذى به وهو سمه‬
‫ولكن البعض يرفض المتثال لوامر الطبيب ونصائحه بالمتناع عن بعض أنواع‬
‫الطعام‪ ،‬يقول أبو طالب المأموني وقد أصابه الستسقاء ‪:‬‬
‫فاحجبوا عني الطبيب وقولوا أنا بالطب والطبيب كفور‬
‫هات أين الكباب ؟ أين القليا أين رخص الشواء أين القدير‬
‫أنا ل أترك التديخ ول البـ ـطيخ والتين أو يكون النشور‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وللسف فقد مات هذا الشاعر قبل أن يبلغ الربعين من العمر كما يذكر‬
‫الزركلي في العلم ‪.‬‬
‫مرض الطباء ‪:‬‬
‫والطباء يمرضون كما يمرض الخرون ‪ ،‬والحقيقة أن المرض كثيرا ما يكون‬
‫أشد وطأة على الطبيب ‪ ،‬فهو أعلم بمصائب المراض وما تؤول إليه المور ‪.‬‬
‫وقد ل يحتمل البعض منهم اللم البسيط ‪ .‬فهذا الرئيس ابن سينا ‪ ،‬وقد‬
‫أصيب بالزكام ‪ ،‬وهو في عرف الطباء من المراض البسيطة ‪ ،‬ومع ذلك تراه‬
‫يشكو المرين ‪ ،‬حتى كتب في ذلك شعرا قال فيه‬
‫ونزلة كنت أحمي وجه موردها ففاجأتني على ضرب من الحمر‬
‫سدت علي طريق الروح منتشقا وأسلمتني ليدي الروع والحذر‬
‫ففي شؤوني حريق من تلهبه وفي الخياشيم ضيق محصد المرر‬
‫وهنا يعجز " إمام الطباء " في علج هذا المرض البسيط ‪ ،‬فل يفيد في ذلك‬
‫دواء‪،‬فيقول‪:‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل الفصد يغني ولماء الشعير ول طول احتماء إذا ما هم بالدرر‬


‫وأخيرا يسلم أمره لله ‪ ،‬ويحمده أنه لم يصب بما هو أشد منه ‪:‬‬
‫فالحمد لله حمدا ل كفاء له على السلمة وقاها من الغير‬
‫***‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بين العاطفة والتدين محمد الحبر يوسف*‬


‫يظن كثير من الناس أن جمود العاطفة وقسوة الطبع دليل على اكتمال‬
‫الرجولة والدين ويتصورون أن المسلم الكامل رجل له قلب حديد ل يرق‬
‫لفراق حبيب أو يبكي لموت عزيز على حد قول الخر‪:‬‬
‫يبكى علينا ول نبكي على أحد‪ .. ...‬لنحن أغلظ أكبادا من البل!‬
‫وأذكر أن الوالد حفظه الله لما احتسب ابنته أميرة وهي بنت ثلث بكاها بكاء‬
‫مرا فقالت له إحدى النساء حتى أنت يا فلن تبكي ‪ ،‬فقال قي مرثيته ‪:‬‬
‫قالت أتبكي يا فلن وما درت ‪...‬أن الفؤاد ممزق يتخدد‬
‫ماذا علي إذا بكيت وإنني ‪...‬لك يا )أميرة( واجم أستنجد‬
‫ولقد بكيت وما اشتفيت وإنني ‪...‬بك يا )أميرة( واجد أتجلد‬
‫أبدي التجلد تارة فيخونني جلدي ‪.....‬فأسفح عبرة تتوقد‬
‫إن قلت أصبر طالعتني بسمة ‪....‬من طيف وجهك بالبراءة تشهد‬
‫أو قلت أسلو يا) أميرة( زارني ‪.....‬نغم تسامى في الهوا يتردد‬
‫والحق أن الشعور الرقيق والعاطفة الجياشة والحس المرهف خصال تنتعش‬
‫في ظلل التدين الصحيح ‪ ،‬فعلقة المسلم بربه ل تقوم إل على عاطفة‬
‫صادقة ومحبة خالصة ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( )قل إن كان آباؤكم‬
‫وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون‬
‫كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله‬
‫فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين ( ) ثلث من كن‬
‫فيه وجد بهن حلوة اليمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (‬
‫الحديث ‪ ،‬فالمسلم يتقرب إلى الله ويتودد إليه ويقف بساحته وهو مفعم‬
‫بشعور المحبة لله والرغبة في طاعته ‪ ،‬بل ل يجد الصالحون أنسهم إل في‬
‫ذكر الله ) وجعلت قرة عيني في الصلة( وقد كان من أسلفنا من يقول) إنه‬
‫لتمر علي لحظات يرقص فيها قلبي طربا من ذكر الله فأقول لو أن أهل‬
‫الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي عيش طيب( وربما انقلب هذا الطرب‬
‫إلى حزن عميق وحرج وضيق إذا أحس هذا القلب المرهف بالتقصير في‬
‫جنب الله ) وعلى الثلثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الرض بما رحبت‬
‫وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ل ملجأ من الله إل إليه ثم تاب عليهم‬
‫ليتوبوا إن الله تواب رحيم ( ويبلغ الشعور الرقيق مبلغا يحمل صاحبه على‬
‫الحزن ل بسبب التقصير في حق الله ولكن بسبب العجز عن التنافس في‬
‫طاعة الله ) ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجدون ما‬
‫ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور‬
‫رحيم ول على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ل أجد ما أحملكم عليه تولوا‬
‫وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أل يجدوا ما ينفقون(‬
‫وإذا كانت العاطفة ترقق القلوب ‪ ،‬فإن العلم واتساع العقل ل يأتي ‪-‬كما‬
‫يتصور فريق من الناس ‪ -‬خصما على هذه العاطفة بل يزيد من نداوتها ‪ ،‬وقد‬
‫حدثنا القرآن الكريم عن أثر المعرفة –سواء كان مصدرها الوحي أو الكون –‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على القلوب والمشاعر فقال سبحانه عن وفد أهل نجران) وإذا سمعوا ما‬
‫أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون‬
‫ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( وقال ) قل آمنوا به أول تؤمنوا إن الذين أوتوا‬
‫العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن‬
‫كان وعد ربنا لمعفول ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ( وفي سورة‬
‫فاطر حديث عن آيات الله الكونية التي تورث المعرفة بها القلوب خشية لله‬
‫وخشوعا لعظمته) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات‬
‫مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن‬
‫الناس والدواب والنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده‬
‫العلماء ( وهذه اليات وأمثالها في القرآن تدل على أن اليمان الصحيح يحول‬
‫المعرفة في حس المسلم من قضية نظرية مجردة إلى شعور نفسي غامر‬
‫يهلب العواطف ويحرك القلوب )الذين يذكرون الله قياما وقعودا ويتفكرون‬
‫في خلق السموات والرض ربنا ما خلقت هذا باطل سبحانك فقنا عذاب‬
‫النار( ومن هنا كان الدين قرين العاطفة فكلما زاد الدين في القلب ربت‬
‫العاطفة وأنبتت من كل زوج بهيج‪ ،‬أما قال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫) أتاكم أهل اليمن أرق الناس أفئدة‪ ،‬اليمان يمان والحكمة يمانية( ؟ أما‬
‫أعلمنا الله أن آية التدين الصحيح قلب يحنو على بائس ويرق ليتم ويرحم‬
‫الرملة والمسكين قال تعالى ) أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع‬
‫اليتيم ول يحض على طعام المسكين (‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالقلب الرحيم قريب من الله قريب من الناس ) فبما رحمة من الله لنت‬
‫لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك ( ولما كان قلب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أرحم القلوب وأبعدها عن الغلظة والفظاظة تعلقت‬
‫النفوس بحبه وعمرت المجالس بذكره وسارت القصائد بمدحه‪ ،‬وقد نقلت لنا‬
‫كتب السيرة مواقف حاشدة تجلت فيها آثار رحمة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم الحانية وعاطفته المشبوبة التي وسعت الناس والطير والدواب فعن‬
‫عبد الله بن مسعود قال) كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق‬
‫لحاجته فرأينا حمرة )طائر صغير( معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة‬
‫فجعلت تفرش )ترفرف بأجنحتها(فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال من‬
‫فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها(‬
‫وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا في صدر النهار عند رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فجاء قوم عراة مجتابي النمار )ثيابهم ممزقة(‬
‫متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر‪ ،‬فتمعر) أي تغير( وجه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلل‬
‫فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال تصدق رجل من ديناره من درهمه من‬
‫صاع بره من صاع تمره حتى قال بشق تمرة فجاء رجل من النصار بصرة‬
‫كادت كفه أن تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من‬
‫طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه‬
‫مذهبة ( الحديث رواه مسلم هذه هي العاطفة التي يبعثها الدين في القلوب‪،‬‬
‫عاطفة ترى البؤس على الوجه فترق وترى الخير يتنزل فتهش له و تتهلل‪،‬‬
‫ول تقف عاطفة المسلم عند حد المشاعر النفسية ولكن تتحول كما رأينا في‬
‫الحديث إلى عمل إيجابي ينمي الخير ويدفع البؤس‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخلصة القول أن العاطفة فطرة مركوزة في النفوس‪ ،‬فالنسان بطبعه يحن‬


‫ويألف ويرتبط بما حوله من أشياء وتعتلج في صدره المواقف والذكريات‪،‬‬
‫والسلم ل يتنكر لطبيعة النسان وفطرته‪ ،‬ول يحول بينه وبين التعبير الصحيح‬
‫عن هذه العواطف وقد حزن نبينا صلى الله عليه وسلم لموت ولده إبراهيم‬
‫وقال )إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ول نقول إل ما يرضي الرب( و‬
‫سمع عليه الصلة والسلم وصف مكة من ) أصيل ( فجرى دمعه حنينا إليها‬
‫وقال يا أصيل دع القلوب تقر‪ .‬وكان بلل رضي الله عنه ينشد في المدينة ‪-‬‬
‫دار الهجرة‪ -‬أبياتا يذكر فيها مكة ويعلن بصوت جهير شوقه إليها دون أن ينكر‬
‫عليه أحد ‪:‬‬
‫أل ليت شعري هل أبيتن ليلة ‪....‬بواد وحولي إذخر وجليل‬
‫وهل أردن يوما مياه مجنة ‪...‬وهل يبدون لي شامة وطفيل‬
‫هذا وفي دواوين العرب شعر كثير متعدد المنازع والمشارب ينبئ عن ذوق‬
‫رفيع وعواطف جياشة وكان الدب السلمي حاضرا في هذه الدواوين ولعل‬
‫من جميل ما قرأته في كتاب صفحات من صبر العلماء للشيخ العلمة‬
‫المحقق عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله أبيات لبي علي القالي المام الذي‬
‫ألجأته الظروف إلى أن يبيع كتبه التي نسخها بيده فقال هذه المقطوعة التي‬
‫تسيل رقة ‪:‬‬
‫أنست بها عشرين حول وبعتها ‪...‬لقد طال وجدي بعدها وحنيني‬
‫وما كان ظني أنني سأبيعها ‪....‬ولو خلدتني في السجون ديوني‬
‫ولكن لضعف وافتقار وصبية ‪....‬صغار عليه تستهل شؤوني‬
‫فقلت ولم أملك سوابق عبرتي ‪...‬مقالة مكوي الفؤاد حزيني‬
‫قد تخرج الحاجات يا أم مالك ‪.....‬كرائم من رب بهن ضنين‬
‫و للشاعر المسلم المعاصر عمر بهاء الدين الميري قصيدة مطلعها‬
‫) أين الضجيج العذب والشغب؟ … أين التدارس شابه اللعب؟ ( وفيها يصور‬
‫سفر أولده الصغار إلى حلب وما أثار في نفسه من عواطف فكان مما‬
‫قال ‪:‬‬
‫دمعي الذي كتمته جلدا …‪ .‬لما تباكوا عندما ركبوا‬
‫حتى إذا ساروا وقد نزعوا …من أضلعي قلبا بهم يجب‬
‫ألفيتني كالطفل عاطفة ‪....‬فإذا به كالغيث ينسكب‬
‫قد يعجب العذال من رجل… يبكي وإن لم أبك فالعجب‬
‫هيهات ما كل البكا خور ‪...‬إني وبي عزم الرجال أب‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بين العمل المؤسسي والعمل الفردي‬


‫لم يعد اليوم مجال ً للنزاع ‪-‬في الساحة الفكرية على القل‪ -‬أن العمل‬
‫المؤسسي خير وأولى من العمل الفردي الذي ليزال مرضا ً من أمراض‬
‫التخلف الحضاري عند مجتمعات المسلمين‪ ،‬وقد يرث الدعاة إلى الله شيئا ً‬
‫من هذه المراض من مجتمعاتهم باعتبارهم نتاجا ً لها‪ ،‬ومن ثم فأنت تجد‬
‫عناصر منتجة في المستوى الفردي أكثر مما تجدها ضمن أولئك الذين‬
‫يجيدون العمل الجماعي‪ ،‬وكثير من العمال التي تصنف أنها ناجحة في‬
‫الميدان السلمي وراءها أفراد‪.‬‬
‫إن العمل المؤسسي يمتاز بمزايا عدة على العمل الفردي منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه يحقق صفة التعاون والجماعية التي حث عليها القرآن الكريم والسنة‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النبوية ))وتعاونوا على البر والتقوى ولتعاونوا على الثم والعدوان((‪ ،‬وقوله‬
‫صلى الله عليه و سلم ‪»:‬يد الله مع الجماعة«)]‪ ،([1‬وقوله صلى الله عليه و‬
‫سلم‪»:‬إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا« )]‪.([2‬‬
‫والعبادات السلمية تؤكد على معنى الجماعية والتعاون‪ ،‬كل ذلك يبعث‬
‫رسالة للمة مفادها أن الجماعة هي الصل‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم الصطباغ بصبغة الفراد؛ ذلك أن العمل الفردي تظهر فيه بصمات‬
‫صاحبه واضحة؛ فضعفه في جانب من الجوانب‪ ،‬أو غلوه في آخر‪ ،‬أو إهماله‬
‫في ثالث لبد أن ينعكس على العمل‪ ،‬وقد يقبل بقدر من الضعف والقصور‬
‫في فرد باعتبار أن الكمال عزيز‪ ،‬والبشرية صفة ملزمة للعمل البشري‪ ،‬لكن‬
‫ليقبل المستوى نفسه من القصور في العمل الجماعي المؤسسي‪ ،‬وإن كان‬
‫لبد فيه أيضا ً من قصور‪ ،‬فقد يقبل من مصلح وداعية معين أن يكون لديه‬
‫قصور وضعف في الجانب السياسي أو القتصادي مثل ً باعتبار أن الفرد‬
‫ليمكنه الحاطه بكل ذلك‪ ،‬لكن ذلك ليقبل من مؤسسة دعوية بأكملها‪ ،‬إذ‬
‫هي قادرة على تحقيق هذا التكامل من خلل مجموع أفرادها‪.‬‬
‫‪ -3‬الستقرار النسبي للعمل‪ ،‬أما العمل الفردي فيتغير بتغير اقتناعات‬
‫الفراد‪ ،‬ويتغير بذهاب قائد ومجيء آخر‪ ،‬يتغير ضعفا ً وقوة‪ ،‬أو مضمونا ً‬
‫واتجاهًا‪.‬‬
‫‪ -4‬يمتاز العمل بالمؤسسي بالقرب من الموضوعية في الراء أكثر من‬
‫الذاتية‪ ،‬ذلك أن جو المناقشة والحوار الذي يسود العمل المؤسسي يفرض‬
‫على أصحابه أن تكون لديهم معايير محددة وموضوعية للقرارات‪ ،‬وهذه‬
‫الموضوعية تنمو مع نمو النقاشات والحوارات‪ ،‬أما العمل الفردي فمرده‬
‫قناعة القائم بالعمل ‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل المؤسسي أكثر وسطية من العمل الفردي؛ إذ هو يجمع بين كافة‬
‫الطاقات والقدرات‪ ،‬والتي تتفاوت في اتجاهاتها وآرائها الفكرية مما يساهم‬
‫في اتجاه الرأي نحو التوسط غالبًا‪ ،‬أما العمل الفردي فهو نتاج رأي فرد‬
‫وتوجه فرد‪ ،‬وحين يتوسط في أمر يتطرف في آخر‪.‬‬
‫‪ -6‬الستفادة من كافة الطاقات والقدرات البشرية المتاحة‪ ،‬فهي في العمل‬
‫الفردي مجرد أدوات للتنفيذ‪ ،‬تنتظر الشارة والرأي المحدد من فلن‪ ،‬أما في‬
‫العمل المؤسسي فهي طاقات تعمل وتبتكر وتسهم في صنع القرار‪.‬‬
‫‪ -7‬العمل المؤسسي هو العمل الذي يتناسب مع تحديات الواقع اليوم‪،‬‬
‫فالعداء الذين يواجهون الدين يواجهونه من خلل عمل مؤسسي منظم‪،‬‬
‫تدعمه مراكز أبحاث وجهات اتخاذ قرار متقدمة‪ ،‬فهل يمكن أن يواجه هذا‬
‫الكيد بجهود فردية؟‬
‫بل إن العمل التجاري الناجح اليوم هو العمل المؤسسي أكثر من العمل‬
‫الفردي‪.‬‬
‫كل ما سبق يؤكد على قيمة العمل المؤسسي‪ ،‬وضرورة ممارسته وتجاوز‬
‫الفرديات‪ ،‬وهذا ليعني بالضرورة أن العمل المؤسسي معصوم من الخطأ‬
‫والخلل‪ ،‬لكن فرص نجاحه أكثر من العمل الفردي‪ ،‬واحتمال الخلل في العمل‬
‫الفردي أكثر منه في العمل المؤسسي‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه الترمذي )‪ (2166‬وصححه الباني في صحيح الجامع‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه البخاري )‪ (481‬ومسلم )‪(2585‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين المصالح الشخصية ومصالح الدعوة‬


‫لشك أن مراعاة المصالح الشرعية أمر جاء به الدين بل" إن الله بعث‬
‫الرسل لتحصيل المصالح وتكميلها‪ ،‬وتعطيل المفاسد وتقليلها")]‪ ، ([1‬وحيث‬
‫أن الدعوة تتعامل مع قضايا المجتمع فهي لتنفك عن ارتباطها بالمصالح‬
‫العامة للناس‪.‬‬
‫فأحيانا ً تصبح الدعوة إلى أمر من المور خلفا ً للمصلحة‪ ،‬وقد يكون من‬
‫المصلحة أن لتقال هذه الكلمة‪ ،‬وأل يقف الدعاة هذا الموقف‪ ،‬فقد ترك‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم‬
‫مراعاة للمصلحة فعن عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬زوج النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لها‪":‬ألم تري أن قومك لما‬
‫بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟" فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أل تردها‬
‫على قواعد إبراهيم؟ قال‪ :‬لول حدثان قومك بالكفر لفعلت‪ ،‬فقال عبدالله‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬لئن كانت عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬سمعت هذا من رسول‬
‫الله صلى الله عليه و سلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك‬
‫استلم الركنين اللذين يليان الحجر إل أن البيت لم يتمم على قواعد‬
‫إبراهيم)]‪.([2‬‬
‫إل أنه قد تدخل عوامل شخصية ذاتية‪ ،‬ويخلط بعض الناس بين مصالح‬
‫الدعوة ومصالحه الشخصية‪.‬‬
‫فقد يشعر الداعية أن قيامه بهذا المر ليحقق المصلحة‪ ،‬أو أنه يفوت بعض‬
‫المكاسب‪ ،‬لكنه ينسى في غمرة الحداث‪ ،‬وسيطرة مطالب النفس ورغباتها‬
‫أن هذه المصالح لتعدو أن تكون شخصية‪ ،‬أو أن مافات ليعدو أن يكون‬
‫مكاسب دنيوية‪.‬‬
‫إن من سنة الله تبارك وتعالى في الدعوات أن تحتاج لتضحيات‪ ،‬وأن تترتب‬
‫عليها تبعات‪ ،‬وأن يضحي صاحبها وتفوته مكاسب كان يؤمل فيها‪ ،‬فهل هذا‬
‫من المصالح التي يجب أن يراعيها الداعية؟ أم أنها من المصالح الشخصية؟‬
‫إن من يقرأ كتاب الله يرى ما واجه النبياء والمصلحين من أقوامهم‪ ،‬ويرى ما‬
‫بذلوه من جهد وماقدموه من تضحيات فيدرك أنها سنة قائمة لمن سار على‬
‫هذا الطريق‪.‬‬
‫وفرق بين أن يسوغ للنسان ترك المر والنهي في موقف معين‪ ،‬وبين أن‬
‫يكون هذا هو المصلحة الشخصية‪.‬‬
‫وقل مثل ذلك في المكاسب الشخصية‪ ،‬فقد يجّير الداعية مكاسبه الشخصية‬
‫ومصالحه للدعوة؛ فيرى أن حصوله على شهادة‪ ،‬أو توليه لوظيفة مرموقه‪،‬‬
‫أو تحسن أوضاعه القتصادية مصلحة دعوية ل يسوغ التفريط فيها‪ ،‬فالدعاة –‬
‫عند صاحبنا‪-‬يجب أن يتميزوا في مستوى تعليمهم‪ ،‬ومظاهرهم‪ ،‬ووظائفهم‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إن ذلك مطلوب‪ ،‬لكن حين ترى ذاك النموذج من الناس الذي يستميت‬
‫وراء تحقيق هذه المكاسب الشخصية ويسعى إليها ويبذل الجهد والوقت من‬
‫أجلها‪ ،‬وهو ليبذل لدعوته معشار مايبذله لتحقيق هذه المكاسب الشخصية‬
‫‪-‬تدرك أنه حين يحصل على هذه المكاسب فليس بالضرورة سيقدم المفيد‬
‫لدعوته‪.‬‬
‫وكم هم الناس الذين دخلوا في ميادين التجارة وطلب المال بحجة أن‬
‫ً‬
‫الداعية يجب أن يستقل في مصدر رزقه‪ ،‬وأل يعتمد على غيره‪ ،‬وأخيرا حين‬
‫انفتحت له أبواب الدنيا استقال من الدعوة وولها ظهره وأقبل على دنياه‪.‬‬
‫ورحم الله المام الشاطبي حين قال ‪":‬المصالح المجتلبة شرعا ً والمفاسد‬
‫المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الخرى‪ ،‬لمن حيث‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية‪ ،‬أو درء مفاسدها العادية")]‪([3‬‬


‫وقال أيضًا‪":‬ومع ذلك فالمعتبر إنما هو المر العظم‪ ،‬وهو جهة المصلحة التي‬
‫هي عماد الدين والدنيا لمن حيث أهواء النفوس")]‪([4‬‬
‫إن استحضار التقوى والتجرد لله تبارك وتعالى‪ ،‬وسؤاله التوفيق والخلص‪،‬‬
‫والتوقف ومراجعة النفس عند كل خطوة‪ ،‬إضافة إلى التجرد من حب الدنيا‬
‫والتعلق بها كل ذلك مما يعين المرء على تجاوز هذه المهالك‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬الفتاوى )‪(13/96‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه البخاري )‪ (1583‬ومسلم )‪(1333‬‬
‫)]‪ ([3‬الموافقات )‪(2/29‬‬
‫)]‪ ([4‬الموافقات )‪(2/30‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بين المنهج والرموز‬


‫تمتاز الدعوة السلفية بين سائر الدعوات بأنها دعوة لتتمحور حول شخص‬
‫من الشخاص‪ ،‬بل تتمحور حول المنهج المستقى من الكتاب والسنة‬
‫الصحيحة وآثار السلف الصالح‪ ،‬ولهذا عّرف المام مالك أهل السنة بأنهم‪:‬‬
‫الذين ليس لهم لقب إل أهل السنة‪.‬‬
‫بخلف سائر الطوائف فكثير منها تعلو درجة ارتباطها بالشخص لدرجة أن‬
‫يرتبط اسمها باسمه فتنسب إليه‪ ،‬ويعتقد بعضهم العصمة في شيوخهم‬
‫وأئمتهم‪ ،‬وأن الراد على الشيخ كالراد على الله‪ ،‬وأن التلميذ يجب أن يكون‬
‫بين يدي الشيخ كالميت بين يدي من يغسله‪ ،‬أما أهل السنة فمامن بشر إل‬
‫ويؤخذ من قوله ويرد إل محمد صلى الله عليه و سلم‪ ،‬ومع ذلك لهم أئمة‬
‫منزلتهم ومكانتهم ليست كغيرهم‪ ،‬ولقوالهم وتقريراتهم قيمة وقدر‪ ،‬ومنهم‬
‫من هو كما أخبر عنه صلى الله عليه و سلم أنه » على رأس كل مائة سنة‬
‫يبعث الله لهذه المة من يجدد لها أمر دينها«‪.‬‬
‫وثمة هفوات تصيب بعض الخيار من أهل السنة تجاه هذا القضية قد تخدش‬
‫صفاء المنهج‪ ،‬وقد تطول فتؤذن بنوع من التعصب المقيت المشين‪.‬‬
‫‪ - 1‬فمن ذلك أن يربط الناس بالرجال‪ ،‬وأن يكون الحديث دائما ً حول‬
‫منهجهم أكثر من الحديث حول نصوص الوحيين‪ ،‬وأن تكون المخالفة لرأي‬
‫أحدهم أشد وأشنع من المخالفة لنصوص الوحي الصريحة‪ ،‬أحد الفاضل كان‬
‫يتحدث عن ضرورة ارتباط الدعاة إلى الله بمنهج فلن من المجددين‬
‫وأساليبه‪ ،‬فعقب أحد الحضور بأن الولى ربط الناس بمنهج النبي صلى الله‬
‫قب ‪-‬بعد أن وصمه بألقاب لتليق‪ -‬بأنه‬ ‫عليه و سلم‪ ،‬فاستدرك آخر على المع ِ‬
‫مامن وسيلة استخدمها النبي صلى الله عليه و سلم إل واستخدمها هذا‬
‫المصلح المجدد!‪ .‬وهب أن ذلك حق أفليس الصل القتداء بالمعصوم صلى‬
‫الله عليه و سلم؟‬
‫‪ - 2‬قد سلك دعاة الضللة في سبيل الحرب على أهل السنة وصم دعاتهم‬
‫بالسوء والنحراف ولبسوا في ذلك على العامة‪ ،‬فما أن يسمعوا اسم فلن إل‬
‫ويعني لديهم النحراف‪ ،‬وإزاء هذه الظاهرة كان لبد من منهج أسلم في‬
‫التعامل معها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬فل داعي لقامة معارك مع العامة حول شخص فلن‪ ،‬خاصة حين نعلم أن‬
‫ذلك سيصطدم معهم باقتناعات راسخة قد يصعب تغييرها‪ ،‬فلم لنجعل‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قضيتنا الكبرى معهم هي قضية المنهج‪ ،‬هي قضية نصوص الوحيين؟ وهب‬
‫أنهم تركوا الضلل والبدعة وماتوا وهم يسيئون الظن بفلن من علماء‬
‫س عليهم شأنه وأمره فالخطب حينها أيسر من الموت على‬ ‫المسلمين لنه ل ُب ّ َ‬
‫الضللة والبدعة‪.‬‬
‫ب ‪-‬ولماذا الصرار على ربط الدعوة بهؤلء من خلل التركيز على توزيع‬
‫كتبهم وترديد أسمائهم‪ ،‬أو تسمية المشاريع والمدارس بها؟ فتقيم الدعوة‬
‫ابتداء حاجزا ً بينها وبين الناس‪ ،‬أل يمكن لدعاة السلفية أن يكتبوا كتابة جديدة‬
‫للناس تخاطبهم بنصوص الوحيين التي ليجروء أحد على رفضها؟ وذلك كله‬
‫ليس رغبة في تجاوزهم وإنكار فضلهم‪ ،‬إنما لسلوك أفضل سبيل لنقاذ‬
‫الناس من الضلل‪.‬‬
‫‪ - 3‬المامة لتستلزم العصمة عند أهل السنة‪ ،‬فقد يستدل هذا المام الجليل‬
‫بحديث ضعيف‪ ،‬أو يستشهد برواية باطلة‪ ،‬أو يقرر رأيا ً مرجوحا ً في مسألة ما‪،‬‬
‫فهل من حرج في الستدراك عليه وبيان خطأ اجتهاده؟ وهب أن أحدا ً اجتهد‬
‫فبين خطأه في مسألة من المسائل ورأينا أن في ذلك فتح باب للطعن‬
‫وإساءة الظن أيعالج هذا الخطأ بخطأ آخر فنكابر في السعي لتصحيح حديث‬
‫أو ترجيح قول ضعيف لمجرد أن فلنا ً قال به؟‬
‫مرة أخرى‪ :‬الئمة والمجددون لهم قميتهم ومكانتهم‪ ،‬ولينبغي الحط منهم‬
‫وتجرءة صغار الطلبة على انتقادهم‪ ،‬لكن هذا كله لينبغي أن ينسينا أنهم بشر‬
‫ليسوا معصومين‪ ،‬وأن المامة الساس هي للوحيين وأن أهل السنة هم ‪ :‬من‬
‫كانوا على مثل ماكان عليه محمد صلى الله عليه و سلم وأصحابه‪ ،‬ل من‬
‫كانوا أتباعا ً لفلن من الناس‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بين النبي والقرآن‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫لما تنقص بعض أهل الجهل النبي _صلى الله عليه وسلم_ ثارت ثائرة‬
‫المسلمين‪ ،‬ولعله من أعظم مظاهر اتفاقهم اتفاق كلمتهم على إنكار تلك‬
‫الجريمة التي تتعدى حدود الحريات لتدخل ضمن نطاق التعدي على الرسل‬
‫_صلوات الله وسلمه عليهم_ وتبعا ً لهم أتباعهم‪ ،‬وردة الفعل تجاه هذا الحدث‬
‫تدل على أن المة ل تزال بخير‪ ،‬وأن اتفاقها على القضايا الكبرى جدير بأن‬
‫يسعى إليه ويؤمل‪.‬‬
‫ولعل مما لفت أنظار البعض هو أن العالم السلمي لم يتحرك يوم امتهن‬
‫بعضهم القرآن تحركه لنصرة نبيه _عليه الصلة والسلم_‪ ،‬وقد سألني بعضهم‬
‫أيهما أعظم حرمة وأجدر بالنتصار المصحف‪ ،‬أم النبي _صلى الله عليه‬
‫وسلم_‪.‬‬
‫ول شك أن كل ً منهما حرمته عظيمة‪ ،‬ومكانته رفيعة‪ ،‬فمن تنقص النبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ وطعن فيه فقد تنقص مرسله عز وجل‪ ،‬ومن تنقص‬
‫المصحف أو امتهنه فقد تنقص من تكلم به سبحانه وتعالى‪ ،‬إل ّ أن النبي‬
‫الكريم _صلى الله عليه وسلم_ تتعلق بتنقصه حقوق‪ ،‬ل تتعلق بامتهان‬
‫المصحف‪.‬‬
‫ً‬
‫فسابه _عليه الصلة والسلم_ يقتل ول تقبل له توبة إن كان مسلما وفي‬
‫ترك قتل من سبه ثم أسلم من الكفار خلف‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهذا سبب من أسباب تعظيم المسلمين لحدث استهزاء الصحيفة الدنماركية‬


‫بالنبي الكرم _صلى الله عليه وسلم_‪.‬‬
‫ومن السباب كذلك هو أن من امتهنوا المصحف ثلة أنكرت دولهم الحدث‪،‬‬
‫وتبرأت منه‪ ،‬ووصفته بأنه فردي‪ ،‬بخلف حكومة الدنمارك التي تعجرف‬
‫رئيسها ورفض لقاء السفراء الذين طلب لقاءهم رغما ً عنه بعد‪ ،‬وزعم أن‬
‫صنيع الصحيفة يسعه مجال الحريات‪.‬‬
‫ً‬
‫كما أن من امتهنوا المصحف دعا كثير من الناس أنفا لمقاطعتهم فالدعوة‬
‫إليها تحصيل حاصل‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإن تنقص الرسول الكريم _صلى الله عليه وسلم_‬
‫والسخرية منه‪ ،‬جرم عظيم‪ ،‬فالطعن في النبي طعن في القرآن الذي بلغه‪،‬‬
‫وطعن في الله الذي أرسله‪ ،‬وطعن في أصحابه ومن تابعه‪.‬‬
‫وهذا ما كان ينبغي أن تتفطن إليه الحكومة الدنماركية قبل أن تقف موقف‬
‫الباطل مسوغة له مدافعة عنه‪.‬‬
‫هذا والله أسأل أن ينتصر لرسوله ولكتابه‪ ،‬وأن يشف صدور قوم مؤمنين‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بين النهج والتخطيط وبين الشعار!‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫من الحقائق المسلم بها وجود أخطاء في واقع المسلمين‪ ،‬ووجود خلل كان‬
‫ن وهزائم‪ .‬تطلع الصحف بين حين‬ ‫سٍخ وهوا ٍ‬‫ل بنا من تف ّ‬ ‫له أكبر الثر فيما ح ّ‬
‫وآخر تحمل مقالة لهذا الكاتب أو ذاك يعرض بعض ما تعانيه مدرسته من‬
‫م الحداث‬ ‫خلل واضطراب وانحراف‪ ،‬حتى أصبح ذلك عادة نتوّقعها في خض ّ‬
‫الهائجة المائجة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نعم ! لقد كثر عرض الخطاء عرضا سليما أو عرضا فيه ظنون‪ .‬ولم نجد أن‬
‫المر تجاوز العرض والتفصيل فيه أو اليجاز‪ ،‬ولم نجد أن العرض حمل نهجا ً‬
‫ل وأمراض‪.‬‬ ‫عل ٍ‬
‫لمعالجة ما يبّين من ِ‬
‫َ‬
‫ت كتابا ً يوجز أهم مظاهر الخلل في الساحة السلمية دون أن أحصر‬ ‫دم ُ‬
‫لقد ق ّ‬
‫ً‬
‫ذلك في فئة أو منطقة‪ .‬وشمل الكتاب كذلك موجزا للنهج الذي أرى فيه‬
‫معالجة لمظاهر الخلل والمراض‪ ،‬وذلك بعنوان ‪:‬‬
‫" واقع المسلمين أمراض وعلج "‬
‫ن كثيرين ل يحّبون أن‬ ‫من الظواهر البارزة في واقع المسلمين اليوم أ ّ‬
‫يعترفوا بأخطائهم‪ ،‬أو ل يحبون أن يعرفوا أخطاءهم‪ ،‬ول يحّبون أن ُينصحوا‪،‬‬
‫بل يحّبون أن ُيحمدوا ولو بغير حق‪ .‬كثيرون أولئك الذين يستكبرون على‬
‫ل محاولة للعلج‪.‬‬ ‫النصيحة وعلى كل محاولة للتذكير‪ ،‬وعلى ك ّ‬
‫من أصعب القضايا التي واجهُتها في ميدان تربية الناشئة وتدريبهم قضية‬
‫سرع فيعترف بخطئه ويعتذر ويستغفر الله‬ ‫معالجة الخطأ‪ .‬قلما تجد من ي ُ ْ‬
‫سرعون في تسويغ‬ ‫ويتوب إليه‪ .‬قّلما تجد من يفعل ذلك‪ .‬ولكن أكثر الناس ي ُ ْ‬
‫مى الجدال المقيت‪،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫أخطائهم وتزيينها‪ ،‬ويتناسون اليات والحاديث في ُ‬
‫الجدال القاتل للجهد والوقت‪ ،‬الجدال الذي يحضره الشيطان فيزّين ويثير‬
‫حتى يقع الطرفان أو أحدهما في الثم‪ .‬إن التدريب على هذا الموضوع‪ ،‬مثل‬
‫ل‪ ،‬ثم المدرسة والمعهد‪ ،‬ثم‬ ‫غيره من الموضوعات‪ ،‬يجب أن يتم في البيت أو ً‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدعوة وسائر المؤسسات‪.‬‬


‫الميزان واضح‪ ،‬والخطأ بموجب الميزان واضح‪ ،‬والنهي عن الجدل ثابت‬
‫ومقرر في اليات والحاديث‪ ،‬ومع ذلك ك ُّله ينفخ الشيطان في النفوس حتى‬
‫قّر بالخطأ‪ ،‬ول هي تعين على معالجته‪ .‬وتمتد ّ اليام‬ ‫تستكبر‪ ،‬فل هي ت ُ ِ‬
‫م الفواه ! حتى‬ ‫فى عن العين‪ ،‬وتطوى وتك ّ‬ ‫والسنون والخطاء تتراكم‪ ،‬وُتخ َ‬
‫تأتي لحظة ينفجر فيها أحدهم فُيفلت الزمام من يده‪ ،‬ويدّوي بالخطاء‪ ،‬بما‬
‫قف بعض المصادر والصحف أو المجلت مثل‬ ‫ح‪ ،‬وتنل ّ‬ ‫ح منها وبما لم يص ّ‬ ‫ص ّ‬
‫شِعل أوار الخلف‪ .‬وبين هذا وذاك ل ترى دراسات‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬فتذيعه بأسلوب قد ي ُ ْ‬
‫ِإيمانية جاّدة‪.‬‬
‫ت إلى ما أسميُته " الوقفة اليمانّية " في كلمة نشرتها مجلة المة‬ ‫دعو ُ‬
‫ت بعض الدراسات عن نواحي الخلل‬ ‫القطرية قبل أكثر من ثلثين سنة‪ .‬وقدم ُ‬
‫ت بصمت وهدوء من مكان إلى مكان لنصح قدر‬ ‫ِإلى من يعنيهم المر‪ .‬وانتقل ُ‬
‫دم‪ ،‬ثم يتساءلون ‪" :‬‬ ‫ُ‬
‫جهدي دون دوىّ إعلمي‪ .‬بعضهم ُيقّرون بصحة ما أق ّ‬
‫محاولة للعلج‪ ،‬أو يقاومونها‪ ،‬وبعضهم‬ ‫ولكن ما العمل ؟ ! "‪ .‬ثم ُينكرون أيّ ُ‬
‫ي‬
‫ن الظنون والجدال دون الوصول إلى أ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫َيغيبون في القيل والقال ويطل ُ‬
‫نتيجة إل زيادة الخلفات‪.‬‬
‫ست بين صفوف المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫اند‬ ‫الشيطان‬ ‫ركها‬ ‫ّ‬ ‫يح‬ ‫ل شك أن هنالك أصابع‬
‫ف في اليمان وجهل‬ ‫لتفسد ول تصلح‪ ،‬في جوّ فيه قليل من العلم‪ ،‬وفيه ضع ٌ‬
‫بالواقع‪ ،‬مما يفتح ثغرات للمفسدين ليتسّللوا‪.‬‬
‫سَتدرج بها المسلمون‬ ‫فى بها المفسدون وي ُ ْ‬ ‫ن من َأهم الوسائل التي قد يتخ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫فل النهج والتخطيط‪،‬‬ ‫ّ‬
‫دويّ الشعارات دوي ّا ُيعطل التفكير‪ ،‬ويثير العواطف‪ ،‬وي ُغْ ِ‬ ‫ً‬
‫لمور إلى منهاج الله‪.‬‬ ‫ث‪ ،‬ورد ّ ا ُ‬ ‫والدراسة والبح َ‬
‫لقد كان لدويّ الشعارات أثٌر خطيٌر في كثير من قضايانا‪ .‬تدويّ الشعارات‬
‫و‪ ،‬ثم تمضي السنون فإذا المسيرة في اتجاه‪،‬‬ ‫وهي ت ُعِْلن الهدف المرج ّ‬
‫والهدف المرجوّ في اتجاه آخر‪ ،‬وتظهر هذه الصورة من التناقض جلّية‪،‬‬
‫فى الصورةُ الجلّية‪ ،‬ويمضي دويّ الشعارات‪،‬‬ ‫فيزداد دويّ الشعارات حتى ُتخ َ‬
‫ً‬
‫فى المأساة ُ حينا إلى أن يشاء الله‪.‬‬ ‫شعارا ً بعد شعار ‪ ,‬وت ُ ْ‬
‫خ َ‬
‫ُ‬
‫ن دويّ الشعارات الخالية من أيّ نهج هو ملجأ المفلسين الذين فاجأتهم‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫الهزائم‪ ،‬وانكشفت العورات‪ ،‬حتى وجدوا في الشعارات ودوّيها ستارا يستر‬
‫ن الله سبحانه وتعالى يعلم ما‬ ‫وغطاًء ُيخفي الحقيقة عن أعين الناس‪ .‬ولك ّ‬
‫فى وما ُيعلن‪.‬‬ ‫ُيخ َ‬
‫والناس بصورة عامة ُيسرعون ِإلى قبول الشعار وحده‪ ،‬والتصفيق له‪،‬‬
‫والجري وراءه‪ ،‬دون أن يسألوا أين النهج وَأين الدرب الذي يوصل ِإلى الهدف‬
‫دة والعداد ؟ ! ودون أن‬ ‫المعلن‪ ،‬وما هي الوسائل والساليب‪ ،‬وأين الع ّ‬
‫يسألوا أين جوهر اليمان والتوحيد‪ ،‬وأين ممارسة اليات والحاديث ؟ ! حتى‬
‫تفاجئهم الحداث!‬
‫هذه نفسّية " الجماهير " عبر الزمن‪ ،‬ولكن هذا ل ُيعفي الجماهير من‬
‫ساب يوم القيامة‪،‬‬ ‫الحساب بين يدي الله‪ .‬ول ُيعفي أحدا ً من المسؤولية وال ِ‬
‫ح َ‬
‫كّلنا مسؤولون ومحاسبون‪ ،‬والحياة الدنيا هي الفرصة الوحيدة للتوبة والوبة‪،‬‬
‫وللستغفار والنابة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمة‪ ،‬ودفعها إلى‬ ‫شعارات الخالية من النهج والتخطيط أرهق ا ُ‬ ‫دويّ ال ّ‬


‫انتكاسات بعد انتكاسات‪ ،‬ومأساة بعد مأساة‪ ،‬وادعاء النصر مع الهزيمة‪،‬‬
‫وخاصة في قضايانا العامة السياسية وغيرها‪.‬‬
‫ول أزال أعيد وأؤكد الموعظة التي ُأرّددها مع كل مناسبة‪ ،‬تلك هي ‪:‬‬
‫" أنه إذا التقى فريقان‪ ،‬فريق له نهجه وخطته وإعداده‪ ،‬وفريق ل نهج له ول‬
‫ول جهود الفريق الثاني‬ ‫ن الفريق الول يستطيع أن يح ّ‬ ‫طة ول إعداد‪ ،‬فإ ِ ّ‬ ‫خ ّ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫لصالحه‪ ،‬ويبقى الفريق الثاني مع بذله لم يجن شيئا‪" .‬‬
‫والغريب العجيب أننا مع كثرة الحداث‪ ،‬والمواعظ التي تحملها الحداث‪،‬‬
‫سلوب من الرتجال والعفوّية‪ ،‬ومن عدم التبّين‬ ‫ُ‬
‫مازلنا نمضي على نفس ال ْ‬
‫َ‬
‫ي عنه‪ ،‬ومن عدم توافر الدراسات العميقة‪ ،‬كأّننا ل‬ ‫ن المنه ّ‬ ‫ومن اعتماد الظ ّ‬
‫نستفيد من الحداث والتجارب‪ ،‬ول من آيات الله البّينات وسننه فيها‪.‬‬
‫قف المسلم المؤمن الصادق مع رّبه ومع نفسه‪َ ،‬فلَيقف اليوم يستعيد أهم‬ ‫فَْلي ِ‬
‫طة وأين الّنهج الذي سارت‬ ‫َ‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫مس أين ال ُ‬ ‫الحداث والقضايا‪ ،‬ول ُْيحاو ْ‬
‫ل أن يتل ّ‬
‫م اليوم يسترجع الحداث حدثا ً‬ ‫عليه تلك الحداث والقضايا ! فَل َْيقف المسل ُ‬
‫حدثا ً وْلينظْر إلى أيّ نتيجة آلت إليه الحداث‪.‬‬
‫خطة ؟ ! ما هو التخطيط ؟ ! أليس‬ ‫وقد يتساءل بعضهم ما معنى النهج وال ُ‬
‫الذي يجري هو التخطيط ؟ ! ذلك أن كثيرا ً من الناس ل يدركون ما هو‬
‫التخطيط ول ما هو النهج‪ ،‬في الوقت الذي أصبح فيه النهج والتخطيط علمًا‪،‬‬
‫وة الخاتمة وسيرة الخلفاء‬ ‫وقبل ذلك هو واضح في الكتاب والسنة وسيرة النب ّ‬
‫الراشدين‪.‬‬
‫قلتي في أرض الله الواسعة لبّين بعض ما أراه من خلل‬ ‫في إحدى تن ّ‬
‫وعيوب‪ ،‬وما أراه من الرتجال والشعارات‪ ،‬وما أعتقده من علج وِإصلح‪،‬‬
‫ت أشرح أهمّية التخطيط وضرورته وخطر غيابه‪ .‬كنت أشرح ذلك لقائد‬ ‫أخذ ُ‬
‫جه داعية ! وفي وسط الحديث فاجأني بسؤال فقال ‪ :‬تكثر من ذكر‬ ‫مو ّ‬
‫التخطيط والنهج وضرورته‪ ،‬فما المقصود بالتخطيط وكيف يكون ذلك ؟ !‬
‫ل على جدية سؤاله‪ ،‬وعلى حقيقة‬ ‫ظننته أول المر مازحًا‪ ،‬ولكن وجهه كان يد ّ‬
‫ت نفسي وقلت له ‪ :‬التخطيط تجريه أنت في كل‬ ‫جهله للتخطيط ! فتمالك ُ‬
‫مك في دنياك‪ .‬إنك لو أردت السفر من هذه المدينة إلى تلك‪ ،‬فإنك‬ ‫أمر ُيه ّ‬
‫دد وسيلة تحقيقه بالطائرة أم القطار أم‬ ‫دد أول هدف السفر وغايته‪ ،‬ثم تح ّ‬ ‫ً‬ ‫ُتح ّ‬
‫دد الحاجات الضرورية للسفر من‬ ‫ّ‬ ‫تح‬ ‫ثم‬ ‫المناسب‪،‬‬ ‫الوقت‬ ‫دد‬‫ّ‬ ‫تح‬ ‫ثم‬ ‫السيارة‪.‬‬
‫دة التي تقضيها ولو بصورة مبدئية‪ .‬وإن‬ ‫ّ‬ ‫الم‬ ‫دد‬
‫ّ‬ ‫تح‬ ‫ثم‬ ‫وكتب‪،‬‬ ‫نفقات وأوراق‬
‫كنت مؤمنا ً صادقا ً واعيا ً لقواعد اليمان فإنك تخلص نّيتك في سفرك لله‪،‬‬
‫لتتأكد أن سفرك عمل صالح ل فساد فيه‪ ،‬وترّده إلى منهاج الله لتطمئن أنه‬
‫ل يخرج عن منهاج الله وأنه ملتزم لقواعده‪ .‬ثم تحاسب نفسك أثناء السفر‬
‫وم عملك عند عودتك‪.‬‬ ‫قد كل أمورك‪ ،‬ثم تق ّ‬ ‫وتتف ّ‬
‫ور يجب أن يرافق عمل المؤمن كله‪ ،‬وعملك يا أيها المسلم‪ ،‬حتى‬ ‫هذا التص ّ‬
‫تكون أوفيت بعهدك مع الله‪ .‬هذا التصور يجب أن يكون نهج أمة‪ ،‬ونهج دعوة‪،‬‬
‫ونهج داعية‪ .‬وهذا أمر يحتاج إلى التدريب عليه ودراسته علما ً يحتاجه كل من‬
‫لسلمية أن تدّرب أبناءها على‬ ‫ينزل ميدان الحياة‪ .‬وهذه مسؤولّية الدعوة ا ِ‬
‫م‬
‫لدارة والتنظيم‪ ،‬وعلى محاسبة النفس والتقويم‪ .‬ث ّ‬ ‫النهج والتخطيط‪ ،‬وعلى ا ِ‬
‫م‬‫جرِ تقوي َ‬ ‫س ذلك في دعوتك‪ ،‬ألم يدّربك أحد على ذلك‪ ،‬ألم ت ُ ْ‬ ‫سألته ألم تدر ْ‬
‫عملك ورّده إلى منهاج الله ؟ !!‬
‫وفي جولة أخرى قصدت داعية يساهم في نشاط كبير رغبت أن أنصح له‪.‬‬
‫فبّينت له ما أراه من أخطاء في المسيرة‪ ،‬وأنه يغلب عليها الرتجال‪ ،‬فلو‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دارت الشورى لكان المر أفضل‪ .‬قال نعم ! لقد دارت الشورى‪ ،‬وُرِفعت‬
‫لصابع وأخذنا برأي الكثّرية‪ .‬قلت له ‪ :‬إن هذا المر متعلق بميادين متعددة‪،‬‬ ‫ا َ‬
‫فكم من خبير اقتصادي ساهم في الشورى‪ ،‬وكم من خبير سياسي‪ ،‬وخبير‬
‫في كذا وكذا ! قال ‪ :‬ل يوجد أناس مختصون في أيّ من هذه المور‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫إذن ما فائدة الشورى إذا دارت بين أناس ل خبرة لهم في الموضوع‬
‫ي‬
‫المطروح‪ .‬ثم ذكرت له أن الواقع يكشف عن مظاهر الرتجال ودو ّ‬
‫الشعارات أكثر من مظاهر العمل المنهجي المستكمل لشروطه وِإعداده‪،‬‬
‫وأن هناك خطرا ً من حدوث مأساة مع هذا الرتجال ! فقال ‪ :‬ل تخف ! ربنا‬
‫كريم‪ .‬وهو مع المسلمين‪ ،‬وساق من الجمل العامة الشيء الكثير‪ ،‬ثم انجلت‬
‫الحداث عن مآسي وفواجع‪.‬‬
‫م كانت الهزائم والفواجع مع أن‬ ‫وأعجب كيف ل يقف كل مسلم ليتساءل ل ِ َ‬
‫المسلمين لم يبخلوا بجهد ول مال ول دماء ؟ ! كيف ضاعت هذه الجهود‬
‫وتناثرت ولم نرجعْ منها بنصر‪.‬‬
‫وفي أحيان كثيرةٍ يأخذ الك ِْبر من النفوس‪ ،‬فيحاولون أن يجعلوا من الهزيمة‬
‫نصرًا‪ ،‬ومن المصائب فخرًا‪ ،‬فل يقبلون نصحا ً ول رأيًا‪ .‬غلب الشعار والماني‬
‫والوهام‪ ،‬ودخل الخدر في الدم والعروق !‬

‫)‪(2 /‬‬

‫شّتان بين مسيرة تدفعها الشعارات والرتجال‪ ،‬والماني والوهام‪ ،‬وبين‬


‫ب‬
‫مسيرة تمضي على نّية واعية خالصة لله‪ ،‬تعرف هدفها الحقّ والدر َ‬
‫دة والعدد‪ ،‬والوسائل والساليب‪ ،‬يجمع ذلك كله‬ ‫الموصل ِإليه‪ ،‬واستكمال الع ّ‬
‫طة واضحة ونهج بّين‪ .‬شتان بين المسيرتين‪ ،‬وبين العقلّيتين ! شتان بين‬ ‫خ ّ‬
‫السلوبين ‪:‬‬
‫• الشعار وحده يدفع إلى الرتجال !‬
‫صر والتبّين !‬ ‫والنهج والتخطيط يدفعان إلى التب ّ‬
‫ّ‬
‫• الشعار وحده يثير العواطف ويعطل التفكير !‬
‫والنهج يحفز التفكير ويطلقه على توازن بينه وبين العاطفة !‬
‫در النفوس !‬ ‫خ ّ‬
‫• الشعار وحده قد ي ُ َ‬
‫والنهج والتخطيط يثير اليقظة والوعي !‬
‫• الشعار وحده قد ُيضيع المانة ويدفع النفوس إلى الجري اللهث وراء الدنيا‬
‫وزينتها !‬
‫والنهج والتخطيط يحمل النّية الواعية الخالصة لله‪ ،‬النّية التي تؤثر الخرة‬
‫على الدنيا !‬
‫• في حمى الشعارات قد يتسّلل الذين يريدون الدنيا والسمعة‪ ،‬فل حساب‬
‫سبة !‬
‫ول محا َ‬
‫في النهج والتخطيط تقويم ومحاسبة ودراسات وميزان !‬
‫• في حمى الشعارات قد تغيب الدارة اليمانية وقواعدها الرّبانّية !‬
‫في النهج والتخطيط إدارة ِإيمانية ونظام‪ ،‬ومسؤوليات وصلحيات‪ ،‬وحدود‬
‫وتنسيق !‬
‫• الشعار وحده قد يدفع إلى التفّرق والتمّزق وتنافس الدنيا !‬
‫والنهج والتخطيط يجمع القوى الصادقة والعزائم الوفّية !‬
‫ور‬
‫عندما نتحدث عن النهج والتخطيط‪ ،‬والدارة والنظام‪ ،‬فإننا نعني التص ّ‬
‫اليماني لذلك‪ ،‬التصور الذي يجعل النّية الواعية اليقظة الخالصة لله أساس‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النهج والتخطيط والدارة والنظام‪ ،‬لينطلق ذلك كله على أسس راسخة من‬
‫اليمان والتوحيد‪ ،‬والكتاب والسّنة‪ ،‬ووعي الواقع من خلل الكتاب والسنة‪.‬‬
‫دد هدفها الرّباني والدرب الموصل إليه‪،‬‬ ‫والنّية التي نقصدها هي النّية التي تح ّ‬
‫دد‬ ‫تح‬ ‫التي‬ ‫ية‬ ‫الن‬ ‫وهي‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫حتى ل يكون الهدف في ناحية والدرب في ناحية ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوسائل والساليب‪ .‬وليكون ذلك كله رّبانيًا‪ .‬ولذلك نقول ِإن النّية هي النّية‬
‫الواعية اليقظة الخالصة لله التي تعرف هدفها ودربها الموصل ِإليه ووسائل‬
‫العداد والساليب‪.‬‬
‫ددين‪ .‬وأي معنى لخلص النّية‬ ‫وأيّ معنى للنّية ِإذا لم يكن الهدف والدرب مح ّ‬
‫لله إذا لم يكن الهدف والدرب والوسائل والساليب كلها رّبانّية‪.‬‬
‫لمور على توازن دقيق‪ ،‬ويدور‬ ‫في النهج والتخطيط تتم الموازنة‪ ،‬وتجري ا ُ‬
‫ّ‬
‫التقويم المنهجي‪ ،‬وتحديد الخطاء ومعالجتها قبل أن تتراكم‪ ،‬وينهض النظام‬
‫الداري اليماني ليحمل الشراف والمراقبة‪ ،‬والتذكير والتوجيه‪ ،‬والتنسيق‬
‫والتعاون‪ ،‬والنصح الواعي المستكمل لشروطه اليمانّية‪.‬‬
‫والنهج والتخطيط يحمل معه الشعار الحقّ الذي ي ُْنبئ عن النهج والتخطيط‬
‫وتوافره بكامل عناصرهما‪ ،‬ينبئ عن ذلك من خلل المسيرة المينة والنتائج‬
‫ققة‪.‬‬
‫المتح ّ‬
‫ل بد ّ من وجود الشعار‪ ،‬فالخلل الذي نعنيه ليس في وجود الشعار‪ ،‬وإنما في‬
‫طة‪ ،‬ودون توافر تحديد الهدف والدرب‬ ‫خ ّ‬‫وجوده وحده دون توافر أيّ نهج أو ُ‬
‫لمكانات والعداد لذل‬ ‫الموصل إلى الهدف‪ ،‬ودون توافر ا ِ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫بين الواقعية والوهن‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي‬
‫تقييم‪:‬‬
‫الواقعية السياسية والرؤية العقلية للحداث دليل على كمال العقل وبعد‬
‫النظر ‪ ،‬غير أنها في أحيان أخرى فتنة يفتن بها بعض الناس لتكون مجرد‬
‫مطية تركب لتبرير الضعف وتسويغ العجز ‪ ،‬واحتقار الذات ‪،‬والخلد للذل ‪،‬‬
‫والتعبير عن وهن النفس وخور العزيمة ‪ ،‬والجبن في مواضع اللقاء‪.‬‬
‫ففي الحداث الخيرة في العراق ذلك البلد الذي ابتلي أهله بالوحشية‬
‫المريكية المصحوبة بتعصب ديني نصراني ظاهر تجلى في تعليق الصلبان‬
‫على الدبابات التي قصفت مدينتي الفلوجة والقائم وتجلت في تعدد حالت‬
‫تدنيس كتاب الله ‪ .‬ظهرت ثقافة الوهن بمظهر الواقعية السياسية ‪،‬الداعية‬
‫لنبذ المقاومة والستسلم للمحتل بحجة عدم القدرة ‪ ،‬وحقن الدماء‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك من الدعاوى التي تعتبر في عرف المم خيانة وطنية عظمى ‪ ،‬وسبقت‬
‫هذه الدعاوى بفتوى دينية خرقت الجماع تؤكد وجوب طاعة الكافر المحتل‬
‫المتغلب ومن نصبه المحتل ‪ ،‬ونبذ الجهاد والمقاومة بحجة الحفاظ على‬
‫النفس والعراض الدنيوية من أموال وغيرها ‪.‬‬
‫ومع شذوذ تلك الفتوى ومخالفتها لجماع علماء المة المتقدمين وكافة‬
‫المتأخرين إل ّ نزرا ممن خالف ‪ ،‬إل ّ أنها لقيت دعما إعلميا مريبا يضخمها ‪،‬‬
‫ويدعو المسلمين للعمل بها ‪.‬‬
‫وخرجت بغاث الصحافة من جحورها لتستنسر على أهل العلم والفضل‬
‫المتمسكين بثوابت الشرع وقواطع الدلة وتسفه آراءهم الداعية لمقاومة‬
‫المحتل ‪ ،‬والحاضة على مواجهته ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان من الحجج التي استند إليها هؤلء هو أن ترك المقاومة سيؤدي إلى‬
‫استقرار الوضاع وحقن الدماء ‪ ،‬وهذا صحيح لكنه استقرار الوضاع للعدو‬
‫المحتل ‪ ،‬ليزداد عتوا وظلما ‪ ،‬وليتفرغ لبلد عربي أو إسلمي آخر وكأنهم لم‬
‫يعرفوا مسيرة التاريخ ‪ ،‬وطبيعة الصراع بين الحق والباطل ‪ ،‬ولم يعرفوا‬
‫فطرة النسان السوي الذي يأنف من الستذلل لعدوه ويأبى الضيم ‪ ،‬ويكره‬
‫الظلم ‪.‬‬
‫وبدا جليا مصداق قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – في حديث تداعي‬
‫المم ‪،‬حيث بين السبب الهم في هذا التداعي وهو ثقافة الوهن ‪:‬التي هي‬
‫حب الدنيا وكراهية الموت ‪.‬‬
‫إن مصيبتنا اليوم لم تقف عند حد )حب الدنيا وكراهية الموت( ‪ ،‬بل وصلت‬
‫بنا إلى حد )حب الترف وكراهية الشظف( ‪ ،‬وبذل كل شيء في سبيل هذا‬
‫الحب ‪ ،‬ويبدو الطرح النهزامي غير معقول البتة لهل بلد يعيشون الشظف‬
‫والفقر والذلل وقد دمرت مقومات بلدهم ‪ ،‬حين يطالبون بأن يتركوا‬
‫مقاومة المحتل وهكذا فلم‬
‫تعد الضرورات الدنيوية ‪-‬بل ول الحاجيات‪ -‬هي مناط الرخصة في ارتكاب‬
‫بعض المحظورات ؛ ولكن نوافل التحسينيات اليوم تعد كافية عند فئام من‬
‫الناس لتبرير الذنوب ‪ ..‬وربما الموبقات ‪.‬‬
‫كم هو مؤلم أن يفقد دين الله هيبته في القلوب إلى الحد الذي يوضع فيه‬
‫كلم الله في كفة وتوضع الفضائيات والوجبات السريعة والخميلة والخميصة‬
‫في الكفة الخرى ‪ ،‬والدهى والمّر أن ترجح كفة العرض الدنيوي عند كثير‬
‫من الناس ليس عوامهم بل بعض من ينسب للعمل بكلم الله ‪ ،‬ولكنها الفتن‪.‬‬
‫إن دعاة الوهن الحاضرون قذفوا طائفة من المة بالسفه والطيش لنها‬
‫تقاوم أعداءها ‪ ، .‬بينما يريد هؤلء أن تستمرئ المة الذل والهوان وترضى‬
‫بأن تحيا حياة البهائم تأكل وتشرب ‪ ،‬ول تموت الموتة الشريفة ‪ ،‬بينما يموت‬
‫جنود أعدائها في بلدها دفاعا عن مبادئهم ‪ ،‬وتحقيقا لهدافهم الدينية المتمثلة‬
‫في محاربة الشر الذي يمثله المسلمون قبل معركة هرمجدون التي يتشوق‬
‫لها بوش والمتعصبون حوله ‪.‬‬
‫إن أولئك المشيعين لثقافة الوهن في الشعوب العربية والسلمية التي‬
‫اغتصبت بلدها ‪ ،‬والذين دعا بعضهم أهل الرض المحتلة إلى الهوان لم‬
‫يدركوا أن القبال على الدنيا والهروب من الموت لم يكن لينجي أهل الرض‬
‫المحتلة من‬
‫َ‬ ‫دى ال ّ‬
‫ن أن َّها‬ ‫فت َي ْ ِ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫هإ ْ‬ ‫الذل والهوان ‪ ،‬ول من طغيان الحتلل ?وإذ ْ ي َعِد ُك ُ ُ‬
‫ل َك ُم وتودو َ‬
‫ن غَي َْر َذا ِ‬
‫ت‬ ‫نأ ّ‬ ‫ْ َ َ ّ َ‬
‫م وقد أردنا غير ذات الشوكة سنين طويلة ‪ ،‬حتى طغى حب‬ ‫ن ل َك ُْ‬ ‫شوْك َةِ ت َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ال ّ‬
‫الدنيا ولذاتها على الرغبة في طاعة الله وحياة العز والشرف ‪ .‬ومع ذلك لم‬
‫يشفع لنا هذا عند أعداءنا‪،‬فل يزالون يقاتلوننا وإن تركنا قتالهم ‪،‬فاليهود‬
‫بالرغم من استماتة حكامنا في الصلح معهم وبالرغم من أن مؤتمرات الصلح‬
‫ومعاهداته من الكثرة بمكان إل ّ أن نقضها من قبل اليهود يبدأ أحيانا قبل أن‬
‫يرجع كل وفد عربي إلى بلده ‪.‬‬
‫وهاهي أمريكا تغزو العراق وتقتل أهله بعد أن حاصرتهم أكثر من عشر سنين‬
‫‪،‬وتهدد دول أخرى كسوريا وإيران والسعودية ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الواقعية التي يدعو إليها بعض المنتسبين للعلم وبعض الصحفيين هذه‬
‫اليام هي ما سماه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الوهن )يوشك المم أن‬
‫تتداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصعتها ‪ ..‬فقال قائل ‪ :‬ومن قلة نحن‬
‫يومئذ ؟ قال ‪ :‬بل أنتم يومئذ كثير ‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل ‪ ،‬ولينزعن الله‬
‫من صدور عدوكم المهابة منكم ‪ ،‬وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ‪ ،‬فقائل‬
‫قائل ‪ :‬يا رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ، -‬وما الوهن ؟ قال ‪ :‬حب الدنيا‬
‫وكراهية الموت( ‪.‬‬
‫وهذا الوهن موجود لكن دعاته يريدون فرضه على المة كلها بحيث ل يجرؤ‬
‫أحد على مقاومة العداء حرصا على تهيئة الجواء لهم لبتلع مزيد من البلد‬
‫وإذلل المزيد من العباد بشن العدوان على المقاومة الشرعية وتجريم الجهاد‬
‫في سبيل الله تأييدا للظلمة الكفار فياللسى على أناس ينتسبون تطوعوا‬
‫لخدمة عدوهم تأييدا للبغي والعدوان على نحو لم يكن أحد يتخيله وليحلم‬
‫به ؟ وبالفعل أيعقل أن يكون من أبناء المسلمين من ينادي بترك العداء‬
‫يحتلون بلد السلم ويفعلون بها وبأهلها ما يشاؤون‬
‫إن خطاب دعاة الوهن الستسلمي التبريري يسيء إلى هذه المة بأسرها‪,‬‬
‫ويشجع المتطرفين في البيت البيض والبنتاغون على المزيد من المغامرات‬
‫في بلداننا تحت لفتات الديموقراطية و التحرير والصلح وحقوق المرأة‬
‫وغير ذلك من مفردات القائمة التي تغذيها العنصرية وروح التعصب الديني‪.‬‬
‫وفتاوى أحد المنسوبين للعلم – مع السف ‪ -‬تصب في هذا التوجه‪ ,‬بل إنها‬
‫في دللتها وسياقها تسهم في تلميع الحتلل‪ ,‬وتسويغ وحشيته‪ ,‬وتجريم‬
‫مقاوميه وتثبيط هممهم‪ .‬لقد كانت المقاومة تتلقى رصاصات عدد من البنادق‬
‫المستأجرة من كتاب ل يرون لمتنا سبيل للتحرر والحداثة إل من خلل‬
‫النسحاق على عتبات الميركيين والصهاينة‪ ,,‬فإذا بها تفاجأ برصاصات من‬
‫حيث ل تحتسب‪ ,‬من شيوخ يتصدرون الفضائيات ويفتون للناس‪ .‬لكن‬
‫المجاهدين في سبيل الله والقائمين بالمقاومة لن يضيرهم عند الله أنهم‬
‫أصيبوا أو قتل منهم من قتل فما يبتغون إل ّ نصرا أو شهادة ‪ ،‬ولن يوهن من‬
‫عزمهم ألعيب ومخططات الستخبارات الجنبية الهادفة إلى تشويه عملهم‬
‫وجرهم إلى معارك خاسرة‪ ,‬كما لن تضيرها‬
‫فتاوى هزيلة معزولة متكلفة ومصادمة للنقل والعقل معا ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بين سجن )أبو غريب( ورفح‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ة من نداِء‬ ‫حْرقَ ً‬ ‫ضجيجا ً ‪ ... ...‬ودوي ّا ً و ُ‬ ‫صدى وكان َ‬ ‫كيف مات ال ّ‬
‫ح ِإباِء‬ ‫جر ُ‬ ‫ْ‬ ‫دمى و ُ‬ ‫ً‬
‫صراخا ي َ ْ‬ ‫وى ‪ ... ...‬و ُ‬ ‫ت أن ّةٍ ت ََتل ّ‬‫واستغاثا ِ‬
‫م والشقاِء‬ ‫ة من عذاِبه ْ‬ ‫خ ٌ‬‫صْر َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ‪َ ... ...‬‬ ‫م مات ْ‬ ‫وجداٌر أص ّ‬
‫ل َبلِء‬ ‫ْ‬
‫ن ‪ ... ...‬ورجاٌء ي ُطوى وهو ُ‬ ‫ت فيه أني ٌ‬ ‫ن يمو ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫س ْ‬‫يا ل ِ ِ‬
‫ة من عواِء‬ ‫ب ون َْهم ٌ‬ ‫ن ‪ ... ...‬وذئا ٌ‬ ‫ُ‬
‫ج ٍ‬‫س ْ‬ ‫ف ِ‬‫ن يحوطه أل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫س ْ‬‫يا ل ِ ِ‬
‫فةٍ ودعاءِ‬ ‫ج َ‬ ‫ب بين َر ْ‬ ‫ٌ‬
‫والضحايا على الضحايا وسوط ‪ ... ...‬ملهِ ٌ‬
‫ة من الشقياِء‬ ‫عصب ٌ‬ ‫شّرها ُ‬ ‫ب توّلى ‪َ ... ...‬‬ ‫ن من عذا ٍ‬ ‫وأفاني ُ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ب وفِت ْن َةٍ واعتداءِ‬ ‫ن ‪ ... ...‬من عذا ٍ‬ ‫جنو ٌ‬ ‫ب" ُ‬ ‫في زوايا " أبو غري ٍ‬
‫ة من ِنساِء‬ ‫موا كرام ً‬ ‫َ‬
‫ن وأد ْ َ‬ ‫ة ِإنسا ‪ٍ ... ...‬‬ ‫ت بينها رجول ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح َ‬
‫س ِ‬
‫ُ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ش وقسوةٍ وعََناءِ‬ ‫ب ‪ ... ...‬ووحو ٍ‬ ‫ن بين ذئا ٍ‬ ‫صْر َ‬ ‫ت ِ‬ ‫العفيفا ُ‬


‫حياِء‬ ‫ن َ‬ ‫ب الوحوش دو َ‬ ‫ن ! والحياُء ِإباٌء ‪ ... ...‬والذئا ُ‬ ‫فَُيصارِعْ َ‬
‫ن ملء الفضاِء‬ ‫صراع ٌ ‪ ... ...‬واستغاثاُته ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫صراعُهُ ّ‬ ‫والصبايا ِ‬
‫غثاِء‬ ‫ن تائهين ُ‬ ‫ِ‬ ‫آذا‬ ‫فوق‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫صداها‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫وما‬ ‫لها‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫خن ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ة من ِإماِء‬ ‫سلع‬
‫َ ْ َ ِ ً‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫فأص‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫هـ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫حرائر‬ ‫والصبايا‬
‫شد ّةٌ من بلِء‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫!‬ ‫ٌ‬ ‫د‬ ‫عبي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ـ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫قيـ‬ ‫ِ‬ ‫كما‬ ‫قيدوا‬ ‫ب الذين‬ ‫والشبا ُ‬
‫عضاِء‬ ‫َ‬
‫ل تشد ّ من أ ْ‬ ‫ً‬
‫جّرا ‪ ... ...‬بحبا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫م على الر ِ‬ ‫جّروهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ث ّ‬
‫سفهاءِ‬ ‫ض ‪ ... ...‬في عتوّ الطغاةِ وال ّ‬ ‫وا بعضهم على عُْري بع ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫وَر َ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ن وال ِْزراِء)‪(1‬‬ ‫مّر الَهوا ِ‬ ‫ة " ت َلهُوْ ‪ ... ...‬يا ل ِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫قي ّ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫لو ترى تلكم " ال ّ‬
‫ل دابرٍ من حياٍء ‪ ... ...‬نظٌر فاجٌر ولهوُ ِبغاِء‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫َقطع ْ‬
‫فَناِء‬ ‫ة لل َ‬ ‫ت آل ً‬ ‫ُ‬
‫ت أم كن ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن ‪ ... ...‬كن ْ َ‬ ‫لهف نفسي ! أبو غريب ! أسج ٌ‬
‫م ‪ ... ...‬من ضحايا الُعتاةِ والشقياءِ‬ ‫ُ‬
‫مه ْ‬ ‫أأسارى أولئك اليوم ؟! أ ْ‬
‫ل ِوطاِء‬ ‫عراة ً على َأذ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫قوْ ‪ ... ...‬هُ ْ‬ ‫جّردوهم من الثياب وَأل َ‬ ‫َ‬
‫م على الحصباِء‬ ‫خلـ ‪ ... ...‬ــف وسيقاُنه ْ‬ ‫شد ّ ِإلى ال َ‬ ‫م تُ َ‬ ‫وأيادي ِهُ ُ‬
‫س ُتحيل الفضا إلى ظلماِء‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س بأكيا ‪ٍ ... ...‬‬ ‫خلوا الرؤو َ‬ ‫م ! أد ْ َ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫وي ْ َ‬
‫ن والضّراِء‬ ‫ِ ِ َ ِ‬ ‫هوا‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫وثا‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫دوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫و‬ ‫الحديد‬ ‫إلى‬ ‫يدوهم‬ ‫قَ ّ‬
‫فناِء‬ ‫خِهم في ال ِ‬ ‫صرا َ‬ ‫دمي من العُْر ‪ ... ...‬ي وَتطوي ِ‬ ‫ل تُ ْ‬ ‫ي تنها ُ‬ ‫وعص ّ‬
‫من نجاِء‬ ‫م ِ‬ ‫ضوٍ ! وما لهُ ْ‬ ‫م ‪ ... ...‬أيّ عُ ْ‬ ‫منه ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ش ت َْنه ُ‬ ‫حو َ‬ ‫ن الوُ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫طل ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫م فتنةٍ واْزِدراِء‬ ‫م أفانين أوسا ‪ٍ ... ...‬خ وأكوا َ‬ ‫موا فَوْقَهُ ْ‬ ‫ور َ‬
‫ل الَبلِء‬ ‫ن ُيعاد هَوْ ُ‬ ‫م ! ك ُلما ت َْغـ ‪ ... ...‬ـفو عيو ٌ‬ ‫ّ‬ ‫عنهُ ُ‬ ‫من َُعوا الّنوم َ‬ ‫َ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫متاهَةِ ال َْرجاِء‬ ‫عاريا ً في َ‬ ‫عال ِم ٍ َدفُعوه ‪َ ... ...‬‬ ‫شيٍخ و َ‬ ‫يا ل ِ َ‬
‫قهْرِ ! وانكسارِ ِإباِء‬ ‫ّ‬
‫سوة ٌ في ‪ ... ...‬ذِلةِ ال َ‬ ‫ت نِ ْ‬ ‫حوالْيه عُّري َ ْ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬
‫ن انطواِء‬ ‫هو ِ‬ ‫ن على ذِلةٍ و ُ‬ ‫ّ‬ ‫شيحو ‪َ ... ...‬‬ ‫م وي ُ ِ‬ ‫ضون طْرفَهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫فيغ ّ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ساِء‬ ‫خْر َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫ب وظل َ‬ ‫ُ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫دوا ِإلى ك ِْبـ ‪ ... ...‬ــرِ عَ َ‬ ‫ب عُّروا وِقي ُ‬ ‫شَبا ٍ‬ ‫و َ‬
‫جزِ الّرجاِء‬ ‫حي ! فيا ل ِعَ ْ‬ ‫ساء وقد ْ عُّر ‪ ... ...‬ين ! وَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م إلى الن ّ َ‬ ‫د ََفعوهُ ْ‬
‫ن ِغطاِء‬ ‫م َ‬ ‫ن ما ي ُْرَتجى لهم ِ‬ ‫م حاروا ‪ ... ...‬أي َ‬ ‫ضون طرفهم ! ث ّ‬ ‫فيغُ ّ‬
‫ف نفسي ‪ ،‬بالله ! يا للّنداِء‬ ‫َ‬ ‫له‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫‪،‬‬ ‫استغاثوا‬ ‫حين‬ ‫ِ‬ ‫نداء‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫فتعالى‬
‫ح الب َْيداِء‬ ‫ُ‬ ‫مطار‬ ‫ته‬ ‫جع‬
‫َ ّ ْ‬ ‫ر‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫وى‬ ‫َُ ّ‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫الله‬ ‫ونداٌء !‬
‫َ‬
‫ضبةٍ وِدماِء‬ ‫دموٍع وغَ ْ‬ ‫ض ‪ ... ...‬ب ِ ُ‬ ‫ل أْر ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه الفاقُ ِ‬ ‫جعت ْ ُ‬ ‫َر َ‬
‫ماِء‬ ‫ص ّ‬ ‫ن قوم ٍ مسدودة َ‬ ‫ن الّنداَء مات على آ ‪ ... ...‬ذا ِ‬ ‫غير أ ّ‬
‫مياِء‬ ‫َ‬
‫قلةٍ عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ‪ ... ...‬وأشاحوا ب ِ ُ‬ ‫معَ الّنداِء ِبصم ٍ‬ ‫كيف غابوا َ‬
‫ي ‪ ... ...‬بين أهوال غارةٍ شنعاِء‬ ‫َ‬
‫م ٌ‬ ‫م وع ُ ْ‬ ‫م وبك ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫ح نفسي! ُ‬ ‫وي َ‬
‫دماِء‬ ‫ج بين ال ّ‬ ‫والغاني تدور بين السكارى ‪ ... ...‬وِدماٌء تمو ُ‬
‫شوةٍ وِنساِء‬ ‫مرٍ ون َ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فاةٍ ‪ ... ...‬ب َي ْ َ‬ ‫مراء ل َهْوُ غُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫والليالي ال َ‬
‫ست ْرٍ ‪ ... ...‬يا ل ِعُْري الفجورِ والفحشاِء‬ ‫ل ِ‬ ‫مك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ش عَن ْهُ ُ‬ ‫فح ُ‬ ‫ن ََزعَ ال ُ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫َ‬
‫ب من أتقياِء‬ ‫شية الله ؟ أين الـ ‪ ... ...‬ـعْزم ؟ ! أين الوُُثو ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫أَين يا قوم َ‬
‫ل سماِء‬ ‫ت أين أضحت ؟! وكانت ‪ ... ...‬تمل الفقَ ‪ ،‬أفقَ ك ّ‬ ‫َ‬
‫الشعارا ُ‬
‫ة من ِإباءِ‬ ‫خوَةُ الحّر ؟! غضب ُ‬ ‫خوةٍ ؟! أين‪ ،‬ويحي ‪ ... ... ،‬ن َ ْ‬ ‫س نَ ْ‬ ‫ن ِإحسا ُ‬ ‫أي َ‬
‫ضاِء ؟!‬ ‫َ‬
‫س ملَء كل ف َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن بالم ِ‬ ‫م َدويّ ‪ ... ...‬كا َ‬ ‫ب منه ْ‬ ‫ويحهم ! كيف غا َ‬
‫فداِء ؟!‬ ‫ال‬
‫َ ْ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬
‫ِ ِ‬ ‫جها‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ْ َ‬ ‫ز‬ ‫وع‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ـ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫الحـ‬ ‫نصرة‬ ‫دعي‬ ‫ن يَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫أي َ‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف اّدعاِء‬
‫ب الدنيا وزي ُ‬ ‫ح ّ‬‫مو ُ‬ ‫هـ ‪ ... ...‬ـ ُ‬‫ف فَّرقها الوَ ْ‬ ‫ت ! ك َي ْ َ‬‫الشعارا ُ‬
‫شّر اب ِْتلِء‬ ‫مّزقت ب ِ َ‬ ‫ً‬
‫شَيعا ُ‬ ‫حَياة فتاهوا ‪ِ ... ...‬‬ ‫ف ال َ‬ ‫خُر َ‬‫َرِغُبوا ُز ْ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫مةٍ وث ََراِء‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫فو‬ ‫ضهم‬ ‫بع‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫هى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫يت‬ ‫؟!‬ ‫مْلياُر ُ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫مسل ٍ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫أي َ‬
‫ساِء‬‫ضياع والَبأ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫قـ ‪ ... ...‬ــُر وذ ّ‬ ‫وأخوهم يكاد يقتله الف ْ‬
‫َ‬
‫ب والهواِء‬ ‫حمّيا الّرغا ِ‬ ‫ل‪ُ ،‬‬ ‫مأةِ الل ّْيـ ‪ ... ...‬ـ ِ‬ ‫ح ْ‬
‫ب في َ‬ ‫وفريقٌ َيغي ُ‬
‫ل بين الخفاِء‬ ‫شرى ت ُط ِ ّ‬ ‫خـ ‪ ... ...‬ـرى وب ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل في الحياة طاِئفة أ ْ‬ ‫لم ت ََز ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سالة النبياءِ‬ ‫من رِ َ‬ ‫ة ظا ‪ ... ...‬هرةٌ ِ‬ ‫ل في الحياة طاِئف ٌ‬ ‫لم تز ْ‬


‫جزاءِ‬ ‫مّر َ‬ ‫فوِهِ و ُ‬ ‫ل من عَ ْ‬ ‫ن حقّ ِبما ي ُْنـ ‪ ... ...‬ــزِ ُ‬ ‫حم ِ‬ ‫وقضاُء الّر ْ‬
‫ق المال والنباِء‬ ‫ن ِبصد ْ ِ‬ ‫ل ِتشرقُ في الكو ‪ِ ... ...‬‬ ‫ُبشَريات الرسو ُ‬
‫شد ّةِ الُعرا والِبناِء ؟!‬ ‫على ِ‬ ‫م ل ِلـ ‪ ... ...‬ـهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫صدقُ الَعزائ ُ‬ ‫فمتى ت َ ْ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫لرساِء‬ ‫ُ‬
‫ن وا ِ‬ ‫ص شديد الركا ِ‬ ‫ة الحقّ كالب َِناِء ِإذا ُر ‪ّ ... ...‬‬ ‫م ُ‬ ‫أ ّ‬
‫فَرقاِء‬ ‫ب وال ُ‬ ‫صٌر بغير بناٍء ‪ ... ...‬جامٍع للقلو ِ‬ ‫ليس ي ُْرجى ن َ ْ‬
‫ق ِفداِء‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫قو ِ‬ ‫مشرِ ٍ‬ ‫ْ‬ ‫هدىً ُ‬ ‫ويم ٍ ‪ ... ...‬و ُ‬ ‫طق ِ‬ ‫َ‬ ‫صرا ٍ‬ ‫م َيمضون في ِ‬ ‫ث ّ‬
‫حناِء‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫زع‬ ‫َ‬ ‫نوا‬ ‫هداه‬ ‫ُِ‬ ‫ب‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫تصفو‬ ‫حين‬ ‫ه‬
‫َ ْ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫الله‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ُين ِ‬
‫ز‬
‫ة الُهدى والوفاِء‬ ‫م َ‬ ‫ضوا عَْز َ‬ ‫وعْد ُهُ الحقّ ‍ فاطمئّنوا ِإليه ‪ ... ...‬وان ْهَ ُ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫جعا ً من َدهاِء‬ ‫ت ‪ ... ...‬في ُرباها فوا ِ‬ ‫جن ّ ْ‬ ‫شدائد ُ‬ ‫إيهِ بْغداد ُ ‍! وال ّ‬
‫فاِء‬ ‫ضع َ‬ ‫ن الغفاةِ وال ّ‬ ‫ن ‪ ... ...‬وهوا ِ‬ ‫فٍع بافتتا ٍ‬ ‫مل ّ‬ ‫مك ْرٍ ُ‬ ‫بين َ‬
‫ك داٌر ‪ ... ...‬هي داُر السلم ! داُر الخاِء‬ ‫حوالي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يا َلبْغداد ! ِ‬
‫ل َفضاِء !‬ ‫مّزقت بك ّ‬ ‫ت! ُ‬ ‫ها ‪ ... ...‬ن ُث َِر ْ‬ ‫م ِفيها الَبلُء حتى ترا َ‬ ‫عَ ّ‬
‫سراِء‬ ‫ك ِلدارِ الّرباط وال ْ‬ ‫سيـ ‪ ... ...‬ــ ِ‬ ‫ت من خلل مآ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫هل َتل ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫جرى وأيّ َبلِء‬ ‫إيه َبغداد ُ ! أقِْبلي وأطلي ‪ ... ...‬أيّ شيٍء َ‬
‫قياِء‬ ‫َ‬
‫ح التاريخ والت ْ ِ‬ ‫هـ ‪ ... ...‬ــرِ وفو ُ‬ ‫ة الد ّ ْ‬ ‫حل ْي َ ُ‬ ‫كأّنها ِ‬ ‫في ديارٍ َ‬
‫ح الَعطاِء‬ ‫حوالْيـ ‪ ... ...‬ـَها ُرُبوع ُ الُهدى وسا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫هي في الْر ِ‬
‫ل لي ْلةٍ لْيلِء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ ... ...‬بين أهوا ِ‬ ‫ص فغاب َ ْ‬ ‫صو ِ‬ ‫ة الل ُ‬ ‫ت نهب َ َ‬ ‫أصبح ْ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ن البلَء بعد البلِء‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫بالى‬ ‫ُ َ‬ ‫ح‬ ‫ليالي‬ ‫ّ‬ ‫ت فال‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫حيُثما ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ساِء والْرزاِء‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫هي‬ ‫دوا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫يل‬ ‫اليوم‬ ‫ي‬ ‫رف‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫ثما‬ ‫ُ‬ ‫حي‬
‫َ َ‬ ‫ِ ْ َ ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫لحناِء‬ ‫كبادِ و ا َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫حني‬ ‫!‬ ‫ـصى‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫قـ‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫سج‬
‫َ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ربى‬ ‫يا‬ ‫!‬ ‫ن‬ ‫فلسطي‬ ‫يا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ت عَهْد ُ الوفاِء والمناِء‬ ‫هداه ‪ ... ...‬أن ِ‬ ‫سلم ِ حقّ ُ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ال ِ ْ‬ ‫أنت ُ‬
‫شقياِء‬ ‫َ‬
‫ح الُغواةِ وال ْ‬ ‫ت سا َ‬ ‫صْر ِ‬ ‫ك حتى ‪ِ ... ...‬‬ ‫ح ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫جرى ب َ‬ ‫أيّ شيٍء َ‬
‫ة الشلِء‬ ‫ن و غضب ُ‬ ‫معٌ ‪ ... ...‬وأني ٌ‬ ‫ك دَ ْ‬ ‫من ِ‬ ‫فعلى كل ساحةٍ ِ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ث وابتلِء‬ ‫ن كوار ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك اليوم ما َترى في روابي ‪َ ... ...‬رفٍَح ِ‬ ‫سب ُ َ‬‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫لفَناِء‬ ‫َ‬
‫ت التْرويِع وا ِ‬ ‫مل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ‪َ ... ...‬‬ ‫جن ّ ْ‬ ‫ض في ُرباها و ُ‬ ‫جّنت الر ُ‬ ‫ُ‬
‫ل اعتداِء‬ ‫ً‬
‫ب لِهيبا ‪ ... ...‬صاعقا خاطفا وهوَ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل دّباب َةٍ تص ّ‬ ‫ك ّ‬
‫عناِء‬ ‫ل آلةٍ َر ْ‬ ‫َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضو ِ‬ ‫ن الْر ‪ِ ... ...‬‬ ‫م َ‬ ‫سماء ‪ِ ،‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جحي ٌ‬ ‫و َ‬
‫ساِء‬ ‫ت ‪ ... ...‬فوَقَ أطفالها وفوقَ الن ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫فسي ! تهاو ْ‬ ‫ف نَ ْ‬ ‫ت ! له َ‬ ‫والعمارا ُ‬
‫ن ِنداِء‬ ‫م ْ‬ ‫جٍع ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫خ ‪ ... ...‬وَدويّ ُ‬ ‫شُيو ٍ‬ ‫فوقَ فِْتيانها وفوقَ ُ‬ ‫َ‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫شباب تواث َبوا ! غير أ َن الـ ‪ ... ...‬ـهو َ َ‬
‫داءِ‬ ‫ن وث ْب َةٍ وفِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل أْقسى ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫و َ‬
‫شقاِء‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت ‪َ ... ...‬يا ِلزلَزاِلها وطو ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ض ُر ّ‬ ‫فسي ! كأّنما الْر ُ‬ ‫ف نَ ْ‬ ‫له َ‬
‫ن أفياِء‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫سةٍ و ِ‬ ‫ن غر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َزْر ‪ٍ ... ...‬ع و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫جر ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫ف الل ِ‬ ‫حو ُ‬ ‫وُز ُ‬
‫مة وسناِء‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫د‬
‫ِ ٍ‬ ‫جها‬ ‫ــخ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫تاريـ‬ ‫تحمل‬ ‫جداد‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫غراس‬ ‫من ِ‬
‫حَناِء‬ ‫ب وال ْ‬ ‫قلو ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫سرا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ب وت َْبقى ‪َ ... ...‬‬ ‫ض كاليَبا ِ‬ ‫ك الْر َ‬ ‫ت َت ُْر ُ‬
‫ل عََراِء‬ ‫ت وذ ُ ّ‬ ‫َ‬
‫حةٍ أقْ َ‬ ‫ن ُث َِر الهْ ُ‬‫َ‬
‫فَر ْ‬ ‫سا َ‬ ‫ل في جواِنبها في ‪َ ... ...‬‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ت نجاِء‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫من َِيا ِ‬ ‫ضياٍع وأ ْ‬ ‫من َ‬ ‫شتاتا ‪ِ ... ...‬‬ ‫خَيمةٍ تض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ل المساِء‬ ‫حلو ُ‬ ‫جرِ أو ُ‬ ‫ف ْ‬‫ة ال َ‬ ‫ضن َْتها ‪ ... ...‬ط َل ْعَ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فل َةٍ َ‬ ‫م طِ ْ‬ ‫أْين أحل ُ‬
‫ل فناِء‬ ‫ل‪،‬ظ ّ‬ ‫مـ ‪ ... ...‬ـرِ ‪ ،‬وزهوِ الحقو ِ‬ ‫مَرِح العُ ْ‬ ‫ن ل َهْوُ الطفال في َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫حم الباِء‬ ‫مل ِ‬ ‫َ‬
‫ورود أو عَب َقُ الليـ ‪ ... ...‬ـمون ي َْروي َ‬ ‫ح ال ُ‬ ‫ن َنف ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ت مطالع الَعلياِء‬ ‫س وغاب ْ‬ ‫جد ِ من أمـ ‪ ... ...‬ــ ِ‬ ‫ت روائعُ الم ْ‬ ‫كيف غاب َ ْ‬
‫ل الُغثاِء‬ ‫م يا دا ‪ُ ... ...‬ر غثاٌء ! َفيا ل ِذ ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫لهف نفسي ! وحولك اليو َ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ّ‬
‫رمون من كل صوب ‪ ... ...‬واستباحوا الحمى وكل ِبناِء‬ ‫ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫أطب َقَ الم ْ‬
‫دوا ‪ ... ...‬كل باب إلى الُهدى أو رجاِء‬ ‫ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ض بالفساد و َ‬ ‫ملوا الر َ‬
‫ل دهاِء‬ ‫فتنة بعد فتنةٍ بعد ُأخرى ‪ ... ...‬بين مكرٍ يفوقُ ك ّ‬
‫خواِء‬ ‫س َ‬ ‫ق وفي نفو ٍ‬ ‫عرو ٍ‬ ‫سري ‪ ... ...‬في ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫س ّ‬
‫كأّنه ال ّ‬ ‫أيّ كيد ٍ َ‬
‫جْهلء‬ ‫جهالةٍ َ‬ ‫م في َ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫ب فََغاُبوا ‪ ... ...‬وَي ْ َ‬ ‫قلو ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫فُت ِن َ ْ‬
‫مواِج ليل َةٍ ليلء‬ ‫ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫س فََتاهوا ‪ ... ...‬بي َ‬ ‫فو ِ‬ ‫ئ الّنوُر في الن ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫أط ْ ِ‬
‫ن الّلـ ‪ ... ...‬ـه وهديٌ اليقين ! هديُ الصفاِء‬ ‫م َ‬ ‫ضياَء نوٌر ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫غَْير أ ّ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫دهم ورد ّ َبلِء ؟!‬ ‫ض في ص ّ‬ ‫ن لهؤلء ومن ي َْنـ ‪ ... ...‬ـه ُ‬ ‫م ْ‬ ‫متي ! َ‬ ‫أ ّ‬
‫مَرائي ؟!‬ ‫متي ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت ؟! ‪ ... ...‬أين أحلم تائهٍ و ُ‬ ‫ت د َوّ ْ‬ ‫شعارا ُ‬ ‫ن يا أ ّ‬ ‫أي ْ َ‬
‫لمناِء ؟!‬ ‫ضجيج السنين ! أ َْين توّلى ؟! ‪ ... ...‬أْين صوت الّتقاةِ وا ُ‬
‫ُ‬ ‫يا َ ِ‬
‫قياِء ؟!‬ ‫ش ِ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫ح ُنهب َ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫م ولى ؟! ‪ ... ...‬وإذا ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ها أنا ؟! ث ُ ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫أي َ‬
‫هياِء ؟!‬ ‫ساِح ‪ ... ...‬دويّ من فِت ْن َةٍ د ْ‬ ‫مازال في ال ّ‬ ‫ت ؟! َ‬ ‫متي ! أين ِغب ْ ِ‬ ‫أ ّ‬

‫)‪(2 /‬‬
‫خي ا َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِدماِء ؟!‬ ‫م ْ‬ ‫لموال أو ِ‬ ‫ل ‪ ... ...‬من س َ ّ‬ ‫جنى ب َْعد ب َذ ْ ٍ‬ ‫متي ال َ‬ ‫ن يا أ ّ‬ ‫أي َ‬
‫عناِء ؟!‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫طو‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ن‬ ‫هوا‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫متي‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫م‬
‫ِ َ‬ ‫ٍ َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ِ َ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ل َ‬
‫هواِء ؟!‬ ‫َ‬
‫ضاء شظايا ‪ ... ...‬ن ُِثرت في مصارع ال ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ت في ال َ‬ ‫مّزقْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫كي َ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫جاِء‬
‫هوىً وَر َ‬ ‫ه في َ‬ ‫دقي الل َ‬ ‫ص ُ‬‫ة الُهدى وأنيبي ‪ ... ...‬وا ْ‬ ‫قفي وقَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫فَ ِ‬
‫ص في هدىً وِبناِء‬ ‫حدا ُر ّ‬ ‫ً‬ ‫فا ‪ ... ...‬وا ِ‬ ‫ً‬ ‫ص ّ‬ ‫معي الَعزاِئم َ‬ ‫ج َ‬
‫جعي وا ْ‬ ‫وار ِ‬
‫قاِء‬ ‫ب َ‬
‫ش َ‬ ‫حدا ‪ ،‬غَي ُْره ُدرو ُ‬ ‫ً‬ ‫سبيل ً ‪ ... ...‬وا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ِ‬‫ن للحقّ لو عَل ِ ْ‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن فِْتنةٍ وابتلِء‬ ‫م ْ‬
‫ذيرا ِ‬
‫َ‬
‫ق نَ ِ‬ ‫ن على الْفـ ‪ ... ...‬ـ ِ‬ ‫حذري واسلكيه إ ّ‬
‫َ‬
‫فا ْ‬
‫شديدةَ الْنواِء‬ ‫ج ظلم ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫موا ‪َ ... ...‬‬ ‫فأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫وَدواهٍ عَلي ْهِ ت َْز َ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬المجندة المريكية ليندي إنغلند المتهمة بقضية سجن أبو غريب ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين سد الذرائع والعمل بالمصلحة‬


‫الشيخ الدكتور‪ /‬عبد العزيز ابراهيم الشبل‬
‫فضيلة الشيخ‪ :‬شاع بين الناس في الونة الخيرة ما يعرف بـ‪ ،...‬ول يخفى‬
‫على فضيلتكم ما في ‪ ...‬من الخطار‪ ،‬فما رأيكم في حكم هذه المسألة؟‬
‫‪ -‬حرام‬
‫‪ -‬يتساءل البعض عن دليل التحريم‪ ،‬ويزعم البعض الخر أن هذا من التشدد‬
‫في الدين ؟‬
‫‪-‬ل يوجد دليل صريح في هذه المسألة‪ ،‬وكما تعلم فالنصوص الشرعية ل‬
‫تحيط بجزئيات الحكام‪ ،‬وإنما تدل على الحكام بعمومها‪ ،‬والنص الشرعي له‬
‫منطوق ومفهوم‪ ،‬و‪ ، ..‬يقول ابن تيمية‪ .. :‬ولو تأملنا هذه المسألة لوجدناها‬
‫ذريعة لفساد المجتمع‪ ،‬فهي حرام لذلك‪..‬‬
‫وفي الجانب الخر‪:‬‬
‫ـ فضيلة الشيخ‪ ، ... :‬فما الحكم الشرعي لهذه المسألة؟‬
‫ـ حلل‬
‫ـ لكن بعض المفتين يقول‪ :‬إن هذا العمل حرام‪ ،‬ويذكر قول النبي –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ، ...-‬فما رأي فضيلتكم ‪..‬؟‬
‫ـ صحيح أن الحديث المذكور ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ولكن لو‬
‫نظرنا إلى المجتمع‪ ،‬وتغير حاجات الناس ومصالحهم‪ ،‬لرأيت أننا ل بد أن‬
‫نقول بالجواز مراعاة لمصلحة المجتمع‪...‬‬
‫ـ حتى لو ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ما يفيد التحريم‪...‬؟‬
‫ـ يا أخي‪ ،‬الحديث المذكور ل يدل صراحة على حكم هذه المسألة‪ ،‬صحيح أنه‬
‫يدخل في عمومه‪ ،‬وهو ما يتبادر إلى الذهن من الحديث‪ ،‬لكن ل بد أن تكون‬
‫لنا قراءة جديدة للنصوص الشرعية‪ ،‬ول يمكن أن نقرأ النصوص الشرعية‬
‫بعيدا ً عن المقاصد الشرعية لها‪ ،‬يقول الشاطبي‪ ، ...:‬وكما تعلم فالدين كله‬
‫راجع إلى إعمال المصالح ودرء المفاسد‪...‬‬
‫ً‬
‫المشهد السابق مشهد متكرر في ساحة الفتوى‪ ،‬وكثيرا ما يعلل بعض‬
‫المفتين فتاواهم بسد الذرائع‪ ،‬أو بإعمال المصالح‪ ،‬وبات بعضهم إذا أراد أن‬
‫يحرم شيئا ً ـ ل يجد دليل ً على تحريمه ـ يتكئ على سد الذرائع‪ ،‬ومن أراد أن‬
‫يبيح شيئا ً ـ ووقف الدليل الشرعي في وجهه صريحا ً بالتحريم ـ يذهب إلى‬
‫إعمال المصالح‪ ،‬حتى غدا عندنا منهجان واضحا المعالم في الفتوى ـ بالضافة‬
‫إلى المناهج الخرى ـ منهج يوسع دائرة الذرائع فيضيق على الناس ما أباحه‬
‫الله‪ ،‬ومنهج يتمسك بالمصالح المزعومة مغفل ً النظر فيما سواها‪ ،‬وحدث‬
‫نتيجة ذلك ردة فعل طبعية لهذين المنهجين‪ :‬فتبرم بعضهم بسد الذرائع حتى‬
‫ده أكبر سد في العالم‪ ،‬وعد آخرون المصالح طاغوتا ً يضاف إلى الطواغيت‬ ‫ع ّ‬
‫الجاثمة على صدور المسلمين‪.‬‬
‫وهذا أدى ببعض الباحثين والمفتين إلى التحرز من تعليل الحكام الشرعية‬
‫بسد الذرائع‪ ،‬حتى لو كانت الذريعة واضحة كالشمس‪ ،‬فلو وجدت معاملة‬
‫مالية مستحدثة تؤدي إلى الربا وإلى ما حرمه الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وكانت‬
‫الحيلة فيها أوضح من حيلة اليهود في صيدهم الحيتان يوم السبت ما تجرأ أن‬
‫يقول بالتحريم؛ خوفا ً من أن يوصم بأنه )صاحب أكبر سد في العالم(‪.‬‬
‫وعلى الطرف الخر تجد مسألة من المسائل ل يوجد فيها دليل صريح‪ ،‬بل قد‬
‫يوجد دليل يشير إلى الباحة‪ ،‬ومع ذلك تجد بعض الباحثين والمفتين يتحرز من‬
‫القول بالباحة استنادا ً إلى المصلحة الشرعية‪ ،‬خوفا ً من أن يوصم بأنه )قليل‬
‫ت‬‫علم بالنصوص‪ ،‬ولما أعيته النصوص اتجه إلى المصالح( و)أنه مف ٍ‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عصراني(‪.‬‬
‫ولو أخذت فتوى لمن يستخدم )سد الذرائع( بكثرة‪ ،‬وأردت أن تستدل لكلمه‬
‫بالمصالح لما أعجزك ذلك‪ ،‬وكذلك العكس ‪.‬‬
‫مثال ً لذلك‪ :‬ما يسمى بالتورق المبارك‪ ،‬تستطيع أن تقول بالباحة استنادا ً إلى‬
‫المصالح؛ فالناس محتاجون إليه‪ ،‬ومصالحهم تتعلق به‪ ،‬وإن أردت التحريم‬
‫قلت‪ :‬إنه ذريعة واضحة إلى الربا‪ ،‬وتستطيع أن تعكس فتقول‪ :‬إنه مباح‪ ،‬ولو‬
‫لم نقل بذلك لنسدت وسائل التمويل في وجوه المسلمين مما يؤدي إلى‬
‫لسلمية واتجاههم إلى البنوك الربوية فنقول بالجواز سدا ً‬ ‫تركهم للمصارف ا ِ‬
‫لذريعة اتجاه الناس إلى الربا‪ ،‬وتقول‪ :‬إنه محرم‪ ،‬فمن مصلحة القتصاد‬
‫السلمي أن نقول بذلك‪ ،‬ولو قلنا بهذه الوسيلة للغينا )كل أو جل( وسائل‬
‫التمويل السلمية الرائدة التي جعلت المصارف ِالسلمية تنافس حضاريا ً‬
‫البنوك التقليدية‪ ،‬وجعلت المسلمين يشاركون في تقديم حلول لمشاكل‬
‫العالم المعاصر‪ ،‬وهذه الطريقة تلغي الفروق بين المصارف السلمية‬
‫والربوية‪ ،‬مما يجعل المصارف السلمية عديمة الجدوى )‪.(1‬‬
‫وعاد الخلف إلى التلعب باللفاظ‪ ،‬ل الستدلل بالصول الشرعية‪.‬‬
‫فهل المشكلة في العمل بسد الذرائع‪ ،‬أم المشكلة في العمل بالمصالح‬
‫الشرعية؟‬
‫أين تكمن المشكلة؟‬
‫الحقيقة أن المشكلة ليست في )سد الذرائع( وليست كذلك في )إعمال‬
‫المصالح(‪ ،‬وكلهما قاعدة شرعية قررتها أصول الشريعة‪ ،‬وعمل بها العلماء‬
‫الراسخون‪.‬‬
‫ولكن المشكلة تكمن في تحديد المصطلح‪ ،‬ثم في التطبيق الخاطئ للقاعدة‬
‫الشرعية‪ ،‬وأحيانا ً ل توجد مشكلة أص ً‬
‫ل؛ إذ المسألة ل تعدو أن تكون من‬
‫الخلف اللفظي‪ ،‬أو الخلف السائغ‪.‬‬
‫وهذا الكلم ينطبق على أصول شرعية أخرى‪ :‬كالعمل بالرأي والستحسان‬
‫واعتبار العرف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالعمل بالرأي نجد في كلم السلف ذمه ومدحه‪ ،‬ولكننا إذا حققنا كلمهم‬
‫‪-‬كما فعل ابن القيم رحمه الله‪(2) -‬نجد أن الذم والمدح لم يردا موردا ً واحدا‪ً.‬‬
‫فمن ذمه قصد به الرأي الفاسد المصادم للنصوص أو القول في الدين‬
‫بالخرص والظن مع التفريط في معرفة النصوص‪ ،‬ومن مدحه أراد به الرأي‬
‫الصحيح الموافق للنصوص الشرعية‪ ،‬كآراء الصحابة‪ ،‬أو الراء التي فيها‬
‫تفسير النصوص‪ ،‬أو إعمال الرأي في المسألة عند عدم الدليل بعد بذل‬
‫الجهد في البحث عنه‪.‬‬
‫وإذا تقرر ما سبق فإن من ذم الرأي كان مصيبًا‪ ،‬ومن مدحه كان مصيبا‪ً،‬‬
‫ولكن كلم هؤلء وهؤلء لم يرد موردا ً واحدًا‪ ،‬وعند تحرير المصطلح يتبين لنا‬
‫أن الخلف لفظي‪.‬‬
‫ومع اتفاقهم على هذا التأصيل إل أنه وقع الخلف بينهم في المسائل التي‬
‫أعملوا فيها الرأي‪ ،‬إما لشتراط أحدهم ما لم يشترطه الخر‪ ،‬وإما لختلف‬
‫أفهامهم أو اختلف الظروف المحيطة بكل مسألة‪ (3) ،..‬فلو أخذنا ـ على‬
‫سبيل المثال ـ مسألة من مسائل الفرائض وهي مسألة الجد والخوة لوجدنا‬
‫أن المسألة ليس فيها دليل قاطع‪ ،‬والصحابة عملوا فيها بالرأي مع اتفاقهم‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على حدود الرأي الذي يعمل به‪ ،‬ومع ذلك اختلفوا في هذه المسألة فمنهم‬
‫لخوة من الميراث‪ ،‬ومنهم من شرك بين الخوة‬ ‫من عد ّ الجد أبا ً وحرم ا ِ‬
‫والجد‪.‬‬
‫وكذلك إذا نظرنا إلى مسألة العمل بالستحسان‪ ،‬فقد رّده بعض الئمة وشنع‬
‫القول فيه‪ ،‬حتى قال الشافعي‪ :‬من استحسن فقد شرع‪ ،‬ومع ذلك نجد أن‬
‫بعض الئمة الكبار كأبي حنفية يقول به‪ ،‬بل نجد في كلم من رده العمل به‪،‬‬
‫ووجد في كلم المام الشافعي نفسه الخذ به‪ ،‬فهل اختلفهم حقيقي؟‬
‫عند إمعان النظر في كلمهم نجد أن من رّده فإن كلمه يدور حول معنى من‬
‫المعان‪ ،‬وهو‪ :‬العمل بالتشهي والهوى من غير دليل‪ ،‬وهذا لم يقل به أحد‬
‫ل من أن‬ ‫ممن يعتد بقوله ل أبو حنيفة ول غيره‪ ،‬والئمة ـ رحمهم الله ـ أج ّ‬
‫يقولوا بذلك‪ ،‬وكذلك من فسر الستحسان على أنه دليل ينقدح في ذهن‬
‫المجتهد ل يستطيع التعبير عنه‪.‬‬
‫وأما من عمل به فقد أراد العدول عن الحكم أو الدليل إلى حكم أو دليل‬
‫أولى منه‪ ،‬أو القول بأقوى الدليلين‪.‬‬
‫وهذا المعنى ل ينبغي أن يخالف فيه أحد‪ ،‬فعاد الخلف إلى اللفظ ل إلى‬
‫الحقيقة‪ ،‬وتبين أن الكلم لم يرد موردا ً واحدا ً )‪.(4‬‬
‫ولهذا قال الغزالي‪ :‬ورد الشيء قبل فهمه محال‪ ،‬فل بد أول ً من فهم‬
‫الستحسان‪(5) ...‬‬
‫وقال الشيرازي‪ :‬فإن كان مذهبهم على ما قال الكرخي )أي العدول بحكم‬
‫المسألة عن حكم نظائرها لدليل يخصها( وعلى ما قال الخر‪ ،‬وهو القول‬
‫بأقوى الدليلين‪ ،‬فنحن نقول به وارتفع الخلف )‪.(6‬‬
‫وقال ابن قدامة‪ :‬فل فائدة في الختلف في الصطلحات مع التفاق في‬
‫المعنى )‪.(7‬‬
‫وقال ابن السمعاني‪ :‬ذكر الصحاب أن القول بالستحسان في أحكام الدين‬
‫فاسد‪ ..‬وكذلك القول بالمصالح والذرائع والعادات من غير رجوع إلى دليل‬
‫شرعي باطل‪ ..‬ثم قال‪ :‬واعلم أن مرجع الخلف معهم في هذه المسألة إلى‬
‫نفس التسمية‪ ،‬فإن الستحسان على الوجه الذي ظنه بعض أصحابنا من‬
‫مذهبهم ل يقولون به‪ ،‬والذي يقولونه لتفسير مذهبهم‪ :‬إنه العدول في الحكم‬
‫من دليل إلى دليل هو أقوى منه فهذا ل ننكره‪(8) (..‬‬
‫وعلى ذلك فل يجوز للمفتي أو الباحث أن يترك هذه الصول الشرعية؛ لن‬
‫فلنا ً قال بها‪ ،‬أو لن القائل بهذه المسألة هم من أصحاب التوجه الفلني‪ ،‬بل‬
‫على المفتي أن يصدع بالحق أيا ً كان‪ ،‬إذا كان يرى أن هذا هو الحق‪ ،‬وأن هذا‬
‫الحق يجب قوله الن‪.‬‬
‫حتى لو كان الحق فيه تيسير على الناس‪ ،‬ففي عمل الناس آصار لم يأمر بها‬
‫الله‪ ،‬فهل الشريعة جاءت بالحرج والغلل والصار حتى نمتنع عن قول الحق‬
‫من أجل ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وحتى ولو كان الحق مخالفا لهواء الناس وما ألفوه ولنت جلودهم له‪ ،‬إذ‬
‫ت موافقة لهواء الناس‪ ،‬ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت‬ ‫الشريعة لم تأ ِ‬
‫السماوات والرض‪.‬‬
‫ولنتخيل لو جاء أحد المفتين فقال بجواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة‪،‬‬
‫ودفع الزكاة للكفار دفعا ً لذاهم المتحقق عن المسلمين‪ ،‬وما موقف بعضهم‬
‫لو سمع من يقول بعدم قتل بعض المنافقين والمرتدين لئل يتحدث الناس أن‬
‫)المسلمين( يقتلون أصحابهم‪ ،‬وما عمله لو عقد بعض الولة صلحا ً كصلح‬
‫الحديبية‪ ،‬أو نهى عن سب آلهة المشركين لئل يترتب على ذلك ضرر أكبر‪ ،‬أو‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫امتنع عن إقامة حد السرقة لسبب شرعي مقبول ـ كما وقع عام الرمادة ـ‪،‬‬
‫أو أجاب دعوة لحد قسس النصارى‪ ،‬أو استقبل بابا الفاتيكان في أحد‬
‫مساجد المسلمين‪ ،‬أو سمح بإقامة بعض النشطة في المساجد ـ وإن كانت‬
‫رياضية ـ كما فعل الحبشة في المسجد النبوي‪ ،‬أو اتبع العراف الدولية‬
‫السائدة ـ التي ل تخالف أصول الشريعة ـ كما اتخذ النبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬خاتمًا‪ ،‬وامتنع عن قتل الرسل‪ ،‬وأخبر أنه لو دعي إلى الحلف الذي‬
‫عقد في بيت ابن جدعان ـ حلف لنصرة المظلوم ـ لجاب‪ ،‬وخاطب هرقل‬
‫بعظيم الروم‪ ،‬ألن يرمى هذا المفتي بالتساهل وتمييع الدين‪ ،‬والعراض عن‬
‫النصوص الشرعية؛ تمسكا ً بالمصالح‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وعلى النقيض لو قال أحد العلماء بتحريم بعض اللفاظ لئل يتوهم منها معنى‬
‫آخر )ل تقولوا راعنا وقولوا انظرنا( ولو هدم مسجد ضرار كما هدم النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬مسجد الضرار‪ ،‬أو أمر امرأة ـ حتى وإن كانت موثوقة‬
‫ـ بعدم إلنة القول لئل يطمع الذي في قلبه مرض‪ ،‬أو قطع شجرة أو هدم‬
‫حجرا ً خوفا ً من تبرك الناس به كما فعل عمر بشجرة الرضوان‪ ،‬أومنع من‬
‫الحيل الربوية‪ ،‬ألن يوصف بالتشدد‪ ،‬واتخاذه لكبر سد في العالم‪.‬‬
‫بل لو تغير اجتهاده من وقت لخر؛ لنه أمعن النظر في المسألة مرة أخرى‪،‬‬
‫كما تغير اجتهاد عمر بن الخطاب في مسألة الخوة الشقاء مع الخوة لم‬
‫)المسألة اليمية أو الحمارية(‪ ،‬أو تغير اجتهاده بناء على تغير العلة التي بني‬
‫عليه الحكم‪ ،‬كما منع عمر المسلمين عن القتال في البحر‪ ،‬لعدم خبرتهم به‪،‬‬
‫ثم أقدموا عليه لما وجد في المسلمين ـ بعد عمر ـ من يستطيع القيام بذلك‪،‬‬
‫لو تغير اجتهاده من أجل ذلك ألن يوصم بالتناقض‪.‬‬
‫ومع ذلك فكل ما سبق وسائل شرعية ل يجوز لنا تركها؛ لنه يوجد في الناس‬
‫من يعيب ذلك‪ ،‬أو لنه يوجد من يستخدمها استخداما ً خاطئًا‪ ،‬أو يتخذها وسيلة‬
‫لهواه‪ ،‬فقد يوجد من يريد تعطيل الحدود استنادا ً إلى عدم قتل النبي –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬للمنافقين‪ ،‬وترك عمر لحد السرقة عام الرمادة‪ ،‬لكن ذلك‬
‫ل يعني أن ننطلق إلى الجانب الخر‪ ،‬فنحرم القتداء بالنبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬في هذا المر‪ ،‬وقد يوجد من يهدم المسجد؛ لنه ل يوافق توجهه‬
‫السياسي؛ ولن المسجد لم يعد بوقا ً له‪ ،‬لكن ل يعني ذلك عدم هدم مساجد‬
‫الضرار‪ ،‬وقد يوجد من يريد إلغاء الولء والبراء استنادا ً إلى ما سبق‪ ،‬لكن ذلك‬
‫ل يعني أن نترك سنة النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أو نظلم الكفار لكي ل‬
‫نقع فيما وقع فيه‪.‬‬
‫وكذلك يوجد من يمنع المرأة من الحقوق المشروعة ظنا ً منه أن في ذلك‬
‫صونا ً للمجتمع من الفساد‪ ،‬ولكن ذلك ل يعنى أن نجعل المرأة تعمل في كل‬
‫مجال‪ ،‬وأن نترك الحبل على الغارب‪ ،‬لئل نوصف بأننا متحجرون وكذلك ل‬
‫يمنعنا ذلك من أن ندعو إلى إنصاف المرأة وإعطائها حقوقها لئل نوصف بأننا‬
‫عصرانيون‪.‬‬
‫سد الذرائع‪:‬‬
‫المراد بسد الذرائع‪ :‬أن يكون الفعل غير محرم‪ ،‬ولكنه يوصل إلى المحرم‪،‬‬
‫يقول القرافي مبينا ً معنى سد الذرائع‪ :‬حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها‬
‫فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة منع مالك من ذلك‬
‫الفعل في كثير من الصور‪(9) ...‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستدلل لمسألة سد الذرائع‪(10) :‬‬


‫من الدلة على العمل بسد الذرائع قوله تعالى‪ :‬ول تسبوا الذين يدعون من‬
‫دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم‪..‬‬
‫فسب آلهة المشركين ليس محرما ً في ذاته‪ ،‬وإنما هو محرم لما يفضي إليه‪.‬‬
‫وما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي –صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال في‬
‫مرضه الذي لم يقم منه‪):‬لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم‬
‫مساجد( قالت‪ :‬فلول ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا)‪.(11‬‬
‫تحرير محل النزاع‪:‬‬
‫الذريعة تنقسم إلى أقسام‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .1‬الذريعة التي توصل إلى المحرم قطعا‪ ،‬فهذه محرمة قطعا‪ ،‬كحفر بئر أو‬
‫حفرة في الطريق العام‪ ،‬أو وضع المواد السامة في مياه المسلمين‪.‬‬
‫‪ .2‬الذريعة التي ل تفضي إلى المحرم إل نادرًا‪ ،‬كزراعة العنب فمع أنه قد‬
‫يتخذ خمرا ً لكن ليس هذا الغالب في استعماله‪ ،‬وعلى ذلك فل يقال بحرمته‪،‬‬
‫وكذلك ل يمنع من المجاورة في البيوت خوف الوقوع في الزنا‪ ،‬وهذه غير‬
‫محرمة بالجماع‪.‬‬
‫‪ .3‬الذريعة التي بين القسمين‪ ،‬كالحيل الربوية في البيوع‪ ،‬وهذه محل النزاع‪،‬‬
‫فمالك ـ رحمه الله ـ كثر عنده المنع منها‪ ،‬حتى اشتهر بسد الذرائع‪.‬‬
‫ولهذا يقول القرافي بعد أن قسم الذرائع إلى مجمع على سده ومجمع على‬
‫عدم سده ومختلف فيه‪ ):‬وليس سد الذرائع خاصا ً بمالك رحمه الله بل قال‬
‫بها هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه‪(12) (.‬‬
‫آراء العلماء في مسألة سد الذرائع‪:‬‬
‫اشتهر العمل بقاعدة سد الذرائع عن المام مالك )‪ (13‬والمام أحمد)‪،(14‬‬
‫وعمل بها أصحابهما‪.‬‬
‫وكذلك اشتهر عن المام الشافعي أنه ل يعمل بسد الذرائع‪ ،‬وكذلك الحنفية‬
‫اشتهر عنهم العمل بالحيل‪ ،‬وظاهر ذلك أنهم ل يقولون بسد الذرائع‪ ،‬فهل‬
‫الحنفية والشافعية ل يعملون بسد الذارئع؟‬
‫الحقيقة أننا نجد عند الحنفية في فروع عدة تعليل بعض الحكام بسد الذرائع‪،‬‬
‫منها‪ :‬البدء بقتال البغاة‪ ،‬فالبغاة مسلمون والصل أل يقاتل المسلم ابتداء بل‬
‫ل يقاتل إل دفعًا‪ ،‬لكن المذهب عند الحنفية البدء بقتالهم إذا تحيزوا وتهيؤا‬
‫للقتال‪ ،‬وذلك لئل يكون عدم قتالهم ذريعة لتقويتهم‪ ،‬ولعلهم إذا قووا ل يمكن‬
‫دفعهم)‪.(15‬‬
‫وعندهم يكره لمن خاف الحيف أن يتولى القضاء لئل يكون ذلك ذريعة إلى‬
‫الظلم)‪.(16‬‬
‫ومرادهم بالكراهة هنا كراهة التحريم؛ لن الغالب الوقوع في المحظور)‪.(17‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وعللوا ترك المعتدة الطيب والزينة والكحل والدهن المطيب وغير المطيب‬
‫بأن هذه الشياء دواعي الرغبة فيها وهي ممنوعة من النكاح فتجتنبها كي ل‬
‫تصير ذريعة على الوقوع في المحرم)‪.(18‬‬
‫وفي مسألة مصادرة السلطان لرباب الموال ذكروا أن ذلك محرم‪ ،‬ول يجوز‬
‫إل لعمال بيت المال‪ ،‬والمراد بعمال بيت المال خدمته الذي يجبون أمواله‪،‬‬
‫ومن ذلك كتبته إذا توسعوا في الموال‪ ،‬لن ذلك دليل على خيانتهم‪ ،‬وألحقوا‬
‫بهم كتبة الوقاف ونظارها إذا توسعوا وتعاطوا أنواع اللهو وبناء الماكن‪، ..‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكن مع ذلك قال بعض الحنفية‪ :‬هذا مما يعلم ويكتم‪ ،‬ول تجوز الفتوى به؛ لنه‬
‫يكون ذريعة إلى ما ل يجوز‪ ،‬وذلك لن حكام زماننا لو أفتوا بهذا وصادروا من‬
‫ذكر ل يردون الموال إلى الوقاف‪(19) ...‬‬
‫وأما المام الشافعي رحمه الله فهو الذي اشتهر عنه عدم العمل بسد‬
‫الذرائع‪ ،‬ولكن عند النظر في بعض المسائل التي ذكرها نجد أنه يعمل بسد‬
‫الذرائع‪ ،‬مثل ما ذكره في مسألة منع فضل الماء‪ ،‬حيث قال رحمه الله‪):‬منع‬
‫الماء ليمنع به الكل الذي هو من رحمة الله)‪(20‬عام يحتمل معنيين ‪ :‬أحدهما‬
‫أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل ‪ ,‬وكذلك ما كان ذريعة إلى‬
‫إحلل ما حرم الله تعالى‪.‬‬
‫)قال الشافعي( فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلل‬
‫والحرام تشبه معاني الحلل والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم ;‬
‫لنه في معنى تلف على ما ل غنى به لذوي الرواح والدميين وغيرهم ‪ ,‬فإذا‬
‫منعوا فضل الماء منعوا فضل الكل ‪ ,‬والمعنى الول أشبه والله أعلم( )‪(21‬‬
‫فهل الشافعي ل يراعي الذريعة إلى المحرم مطلقًا‪ ،‬وهل مراعاته للذريعة‬
‫في بعض المسائل يعد ّ تناقضا ً منه؟‬
‫قال تقي الدين السبكي بعد أن قرر مذهب الشافعي في مسألة العينة‪ ،‬وبعد‬
‫أن ذكر كلم الشافعي السابق في مسألة منع فضل الماء‪ ):‬قد تأملته )أي‬
‫النص السابق( فلم أجد فيه متعلقا ً قويا ً لثبات قول سد الذرائع‪ ,‬بل لن‬
‫الذريعة تعطى حكم الشيء المتوصل بها إليه‪ ,‬وذلك إذا كانت مستلزمة له‬
‫كمنع الماء‪ ,‬فإنه مستلزم لمنع الكل ومنع الكل حرام ووسيلة الحرام حرام‪.‬‬
‫والذريعة هي الوسيلة‪ ,‬فهذا القسم وهو ما كان من الوسائل مستلزما ً ل نزاع‬
‫فيه‪ ,‬والعقد الول )أي في بيع العينة( ليس مستلزما ً للعقد الثاني؛ لنه قد ل‬
‫يسمح له المشتري بالبيع أو ببذلهما‪ ,‬أو يمنع مانع آخر‪ ,‬فكل عقد منفصل عن‬
‫الخر ل تلزم بينهما‪ ،‬فسد الذرائع الذي هو محل الخلف بيننا وبين المالكية‬
‫أمر زائد على مطلق الذرائع وليس في لفظ الشافعي تعرض لهما‪ ,‬والذرائع‬
‫التي تضمنها كلم لفظه ل نزاع في اعتبارها‪ ).‬ثم ذكر كلم القرافي السابق‬
‫ثم قال‪(:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالذرائع هي الوسائل وهي مضطربة اضطرابا شديدا قد تكون واجبة‪ ,‬وقد‬
‫تكون حرامًا‪ ,‬وقد تكون مكروهة ومندوبة ومباحة‪ ,‬وتختلف أيضا مع مقاصدها‪,‬‬
‫بحسب قوة المصالح والمفاسد وضعفها‪ ,‬وانغمار الوسيلة فيها وظهورها‪ ،‬فل‬
‫يمكن دعوى كلية باعتبارها ول بإلغائها‪ ,‬ومن تتبع فروعها الفقهية ظهر له هذا‪,‬‬
‫ويكفي الجماع على المراتب الثلثة المذكورة في كلم القرافي‪، (22) (...‬‬
‫إذن الشافعي يوافق المام مالك والمام أحمد في المنع من الذرائع‬
‫المستلزمة للمحرم‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا تقرر ما سبق فإن الذرائع المستلزمة للمحرم محرمة إجماعا‪ ،‬والذرائع‬
‫التي ل توصل إلى المحرم إل نادرا ً مجمع على عدم المنع منها‪ ،‬وما بين هاتين‬
‫المرتبتين وقع الخلف فيه بين أهل العلم‪.‬‬
‫لكن إذا كان يغلب على الظن إفضاء الذريعة إلى المحرم فهل نقول بأن‬
‫المنع منها محل إجماع بين أهل العلم؛ لنه كثيرا ً ما يلحق العلماء الظن‬
‫الغالب بالقطع في الحكام؟‬
‫ل أستطيع القطع بذلك‪ ،‬لكن المظنون بأهل العلم القول بالمنع منها‪ ،‬وقد‬
‫قال العز بن عبد السلم الشافعي‪):‬ما يغلب ترتب مسببه عليه وقد ينفك عنه‬
‫نادرا ً فهذا أيضا ً ل يجوز القدام عليه; لن الشرع أقام الظن مقام العلم في‬
‫أكثر الحوال( )‪.(23‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا كان هذا هو رأي إمام من أئمة الشافعية في كتاب ألفه في مصالح النام‬
‫فغيره من باب أولى‪.‬‬
‫والخلف الذي يقع بين أهل العلم في بعض المسائل التي مرّدها إلى مسألة‬
‫سد الذرائع‪ ،‬إما أنه خلف راجع إلى خلفهم في بعض شروط العمل بسد‬
‫الذرائع‪ ،‬وإما أنه خلف راجع إلى اختلف نظرهم وفهمهم للمسألة أو للمور‬
‫المحتفة بها‪ ،‬كما نجد الخلف عند علماء أهل السنة الذي يوجبون العمل بما‬
‫صح من الحاديث في الحكام الشرعية ومع ذلك نجد الخلف عندهم في‬
‫بعض المسائل التي اطلعوا كلهم على دليلها‪ ،‬وذلك لختلفهم في بعض‬
‫شروط الحديث الصحيح‪ ،‬فمنهم من يقبل زيادة الثقة إذا لم تخالف رواية من‬
‫هو أوثق‪ ،‬ومنهم من ل يرى ذلك بل له تقعيد آخر في مسألة زيادة الثقة‪ ،‬أو‬
‫أن خلفهم راجع إلى فهمهم أو طريقة استنباطهم الحكم من الحديث‪ ،‬مع أن‬
‫الحديث واحد‪ ،‬والحديث قد اطلع عليه كل الطرفين‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تنبيه ذكره القرافي‪ :‬اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره‬
‫وتندب وتباح‪ ،‬فإن الذريعة هي الوسيلة‪ ،‬فكما أن وسيلة المحرم محرمة‬
‫فوسيلة الواجب واجبة ‪(24) . ..‬‬
‫إعمال المصالح‪(25) :‬‬
‫والمصالح عموما ً تنقسم إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ .1‬قسم شهد الشرع باعتباره‪ ،‬وهذا ل شك في إعماله؛ لنه القياس‪.‬‬
‫‪ .2‬قسم شهد الشرع بإبطاله‪ ،‬كالمصلحة الموجودة في الخمر والميسر من‬
‫ب للسياح‪) ،‬قل فيهما إثم كبير ومنافع‬ ‫ش لقتصاد البلد وجل ٍ‬‫متاجرةٍ بها وإنعا ٍ‬
‫للناس (فهذا القسم ل شك في إبطاله‪.‬‬
‫‪ .3‬ما لم يشهد نص معين من الشارع باعتباره ول بإهماله‪ ،‬وهو ما يسمى‬
‫بالمصالح المرسلة‪ ،‬ككتابة المصحف بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫وعهد أبي بكر إلى عمر بالخلفة‪ ،‬وحرق عثمان المصاحف سوى المصاحف‬
‫التي كتبها‪ ،‬وتدوين الدواوين‪ ،‬واتخاذ السكة‪ ،‬قلت‪ :‬ومثلها في الوقت الحاضر‬
‫النظمة التي تصدرها بعض الدول محققة لمصلحة الناس غير مصادمة‬
‫للشرع‪.‬‬
‫وهذا القسم هو الذي وقع فيه الخلف‪ ،‬قال شيخ السلم‪ :‬وهذا فصل عظيم‬
‫ينبغي الهتمام به فإن من جهته حصل في الدين اضطراب عظيم‪ ،‬وكثير من‬
‫المراء والعلماء والعباد رأوا مصالح فاستعملوها بناء على هذا الصل‪ ،‬وقد‬
‫يكون منها ما هو محظور في الشرع‪ ..‬وكثير منهم من أهمل مصالح يجب‬
‫اعتبارها شرعا ً بناء على أن الشرع لم يرد بها‪ ،‬ففوت واجبات ومستحبات‪ ،‬أو‬
‫وقع في محظورات ومكروهات‪ ،‬وقد يكون الشرع ورد بذلك ولم يعلمه)‪.(26‬‬
‫وهذا القسم ـ إن قلنا بإثباته)‪(27‬ـ نجد أن العمل به موجود في المذاهب‬
‫كلها‪ ،‬ولكن الشكال كالشكال السابق فإنه يوجد من توسع فيه وأكثر من‬
‫توسع فيه مالك ثم أحمد‪ ،‬ول يكاد يخلو غيرهما عن اعتبار هذا الصل في‬
‫الجملة)‪.(28‬‬
‫والفقهاء الذين يمنعون العمل بالمصالح المرسلة سيضطرون إلى القول‬
‫بموجبها عند التطبيق الفقهي وإن سموا عملهم هذا قياسا ً أو استحسانا ً أو‬
‫غير ذلك فالمؤدى واحد‪ ،‬وخذ مثل ً على ذلك إمام الحرمين فقد كاد يوافق‬
‫المام مالك مع مناداته عليه بالنكير)‪.(29‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال القرافي‪ ):‬المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق؛ لنهم‬


‫يقيسون ويفرقون بالمناسبات ول يطلبون شاهدا ً بالعتبار ول نعني بالمصلحة‬
‫المرسلة إل ذلك‪ ،‬ومما يؤكد العمل بالمصلحة المرسلة‪ :‬أن الصحابة رضوان‬
‫الله عليهم عملوا أمورا ً لمطلق المصلحة ل لتقدم شاهد العتبار نحو كتابة‬
‫المصحف ولم يتقدم فيه أمر ول نظير )ثم ساق أمثلة من فعل الصحابة‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ (:‬وذلك كثير جدا ً لمطلق المصلحة‪ ،‬وإمام الحرمين قد عمل في كتابه‬
‫المسمى بالغياثي أمورا ً وجوزها وأفتى بها والمالكية بعيدون عنها‪ ،‬وجسر‬
‫عليها وقالها للمصلحة المطلقة‪ ،‬وكذلك الغزالي في شفاء الغليل مع أن‬
‫الثنين شديدا النكار علينا في المصلحة المرسلة( )‪(30‬‬
‫وفي الشروط التي وضعها بعض الفقهاء ـ كاشتراط الغزالي)‪ (31‬أن تكون‬
‫المصلحة كلية قطعية ضرورية ـ تضيق لنطاق العمل بالمصالح قد يؤدي إلى‬
‫إغلق باب العمل بها‪ ،‬وعند التطبيق سيكون أول التاركين لتلك الشروط من‬
‫وضعها‪.‬‬
‫وعند التأمل في التطبيق الفقهي للمصالح سنرى أن الصحابة والتابعين وأئمة‬
‫الفقه عملوا بالمصالح وإن اختلفت ألفاظهم في الستدلل لهذه المصالح‪،‬‬
‫وسبب الخلف الموجود في كتب الصوليين يعود ـ كما ذكر بعض الباحثين )‬
‫‪(32‬ـ إلى عدم تحديد المراد باعتبار الستصلح أو عدم اعتباره عند نقلهم‬
‫للخلف‪ ،‬وكذلك إلى عدم التثبت في نقل الراء‪.‬‬
‫ول يعني ذلك اعتبار المصالح مطلقا ً من دون ضابط‪ ،‬بل ل بد للعمل‬
‫بالمصالح من شروط‪:‬‬
‫‪ .1‬فل بد أن تكون موافقة لمقاصد الشارع محافظة على الضرورات الخمس‬
‫)الدين والنفس والعقل والعرض والمال(‪.‬‬
‫‪ .2‬ويشترط لها أل تعارض دليل ً شرعيًا‪.‬‬
‫‪ .3‬وأل تفوت مصلحة أعلى منها)‪.(33‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .4‬كما يشترط للمصلحة أن تكون حقيقية ـ تجلب نفعا وتدفع ضرا ـ ل‬
‫موهومة‪ ،‬فل بد لها من إطالة النظر والتأمل في جميع الوجه قبل الحكم‬
‫بالمصلحة‪.‬‬
‫‪ .5‬ويشترط لها أن تكون عامة للناس أو لكثر الناس‪ ،‬ل مصلحة لفئة معينة‬
‫من الناس كمصلحة السادة أو التجار على حساب غيرهم)‪.(34‬‬
‫ولكن ـ ومع ما سبق ذكره ـ فسيبقى هناك إشكال في تحرير بعض الشروط‬
‫وفي مجال تطبيق المصلحة‪ ،‬ومن المجالت التي ستكون سببا ً للخلف في‬
‫بعض المسائل‪:‬‬
‫? التدرج في تطبيق أحكام الشرعية في المجتمعات السلمية وغير‬
‫السلمية‪ ،‬فهل التدرج في الشريعة يعد ّ مصادما ً للنصوص الشرعية التي‬
‫ل‪ ،‬فل بد من الخذ بالشريعة جملة‬ ‫أمرت بالعمل بالشريعة جملة وتفصي ً‬
‫وتفصيل ً دون النتقاء منها‪ ،‬والتدرج انتقاء فهو أخذ لبعض الكتاب دون بعض‪،‬‬
‫أم أنه موافق للشريعة التي جاءت أحكام عديدة منها بالتدرج كتحريم الخمر‬
‫ومشروعية الجهاد‪ ،‬وهل الحكام التي نزلت قبل الهجرة ونزل بعد الهجرة‬
‫خلفها منسوخة؟ أم أنه يمكن للمسلمين إذا كانت حالتهم قريبة من المرحلة‬
‫المكية أن يأخذوا ببعض أحكامها‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫? ترك بعض الحكام الشرعية تركا ً مؤقتا ً مراعاة لمصلحة أعظم‪ ،‬هل يعد‬
‫ذلك مصادما ً للنصوص الشرعية‪ ،‬أم يكون هذا الترك كترك قتل المنافقين‬
‫وترك حد السرقة عام الرمادة‪ ،‬فيكون مستندا ً إلى دليل آخر ول يعد ّ مصادما ً‬
‫للدليل‪ ،‬وهذا ما يسميه كثير من الصوليين بالستحسان‪ ،‬ولكن حتى مع‬
‫القول بمشروعية ذلك‪ ،‬ما ضوابطه؟‬
‫? الضرورة والحاجة العامة وتأليف القلوب ومراعاة الوليات أمور ُيعلل بها‬
‫كثيرا ً ترك ظواهر النصوص‪ ،‬ولهذه المور ما يشهد لها شرعًا‪ ،‬لكن ـ أيضا ً ـ‬
‫هذه المور تحتاج إلى ضبط‪.‬‬
‫? أفعال الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬منها ما فعله بحكم العادة والجبلة‪،‬‬
‫ومنها ما فعله من أجل التشريع‪ ،‬والذي فعله من أجل التشريع منه ما فعله‬
‫لكونه مفتيا ً ومنه ما فعله لكونه قاضيا ً ومنه ما فعله لكون إماما ً اتبع فيه‬
‫المصلحة الحالية‪ ،‬وعلى ذلك سيقع خلف في تفسير بعض الفعال هل فعله‬
‫لكونه مفتيا ً أم لكونه إمامًا‪ ،‬ولعل من أوائل القضايا التي وقع فيها الخلف‬
‫قسمة الرض المفتوحة‪ ،‬فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقسمها‪،‬‬
‫ومع ذلك عمر لم يقسم أرض السواد‪ ،‬وخالفه في ذلك بعض الصحابة‪.‬‬
‫هذه لمحة عامة عن سد الذرائع والعمل بالمصالح‪ ،‬لم أرد منها الستقصاء‪،‬‬
‫ولكني أردت أن أبين أن هذين الصلين أصلن مهمان ل بد أن يفهمها المفتي‬
‫جيدا ً ويعمل بها وفق الضوابط الشرعية دون اللتفات إلى ما يقوله الناس‪،‬‬
‫ومن دون ذلك سيضيع المستفتي بين سد الذرائع والعمل بالمصلحة‪.‬‬
‫والله أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬وخذ مثال ً آخر لستخدام سد الذرائع‪ :‬عندما قننت بعض الدول العربية‬
‫قانون الحوال الشخصية وجعلت مستنده الشريعة السلمية وكان الغالب‬
‫على الدول السلمية العمل بالمذهب الحنفي‪ ،‬وكانت بعض الحكام المأخوذة‬
‫من الفقه الحنفي ل تتناسب مع واقع الناس‪ ،‬فأخذ واضعو قانون الحوال‬
‫الشخصية بعض الحكام من المذاهب الخرى‪ ،‬وكانوا يعللون سبب ترجيحهم‬
‫للمذهب الخر أحيانا ً بالمصالح أو سد الذرائع‪ ،‬ولئن كان ظاهرا ً تعليلهم ذلك‬
‫بالمصالح فقد يخفى التعليل بسد الذرائع ولذلك أسوق لك مثال ً على ذلك‪:‬‬
‫)لما كانت إباحة التعدد مشروطا ً فيها شرعا ً المقدرة على النفاق على‬
‫الزوجات جميعًا‪ ،‬وكان القانون قد أخذ بقول من قال بالتفريق لعدم النفاق‬
‫فقد منع المتزوج من الزواج بأخرى إذا كان ل يستطيع النفاق على زوجتيه‬
‫على قاعدة )سد الذرائع(‪ ( ...‬انظر‪ :‬شرح قانون الحوال الشخصية للسباعي‬
‫)‪1/16‬ـ ‪(19‬‬
‫)‪ (2‬أعلم الموقعين )‪1/72‬وما بعدها(‬
‫)‪ (3‬أسباب الخلف عموما ً ألف فيها العلماء قديما وحديثا تآليف مفردة أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ضمن بعض مصنفاتهم‪ ،‬فممن تكلم فيها ابن السيد البطليوسي وابن رشد‬
‫الحفيد وابن تيمية وابن جزي والدهلوي‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك ل أريد الكلم عن أسباب الخلف وإنما أريد أن أشير إلى سبب‬
‫اختلف العلماء في المسألة مع اتفاقهم على مورد المسألة ـ الرأي أو‬
‫الستحسان مثل ً ـ ومع ذلك يقع الخلف‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر‪ :‬أصول الجصاص )‪4/223‬ـ ‪ (226‬والمعتمد لبي الحسين البصري )‬
‫‪ (2/838‬وبذل النظر للسمندي )‪ (647‬والمستصفى )‪1/274‬ـ ‪ (283‬وشرح‬
‫اللمع )‪ (2/969‬والوصول إلى الصول لبن َبرهان )‪ (2/322‬وروضة الناظر )‬
‫‪2/531‬ـ ‪ (536‬والمحصول )‪ (2/561‬وشرح تنقيح الفصول )‪355‬ـ ‪(356‬‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (5‬المستصفى )‪(1/274‬‬


‫)‪ (6‬شرح اللمع )‪(2/970‬‬
‫)‪ (7‬روضة الناظر )‪(2/532‬‬
‫)‪ (8‬قواطع الدلة )‪4/514‬و ‪520‬ـ ‪(521‬‬
‫)‪ (9‬الفروق )‪ ،(2/32‬وانظر ما ذكره أيضا ً في )‪ ،(3/266‬وقارن بما ذكره‬
‫شيخ السلم في كتابه إقامة الدليل على بطلن التحليل )‪6/172‬ـ ‪173‬ضمن‬
‫الفتاوى الكبرى طبعة دار الكتب العلمية( والبحر المحيط للزركشي )‪(8/90‬‬
‫)‪ (10‬المقال ل يتسع للتوسع في الستدلل ولكن للمزيد من الدلة راجع ما‬
‫ذكره ابن القيم في أعلم الموقعين )‪3/122‬ـ ‪ (143‬فقد ذكر تسعة وتسعين‬
‫وجها ً للستدلل لهذه القاعدة‪.‬‬
‫)‪ (11‬رواه البخاري في كتاب الجنائز باب ما يكره من اتخاذ المساجد على‬
‫القبور )‪ (1330‬ومسلم في كتاب المساجد باب النهي عن بناء المساجد على‬
‫القبور‪(529) ..‬‬
‫)‪ (12‬الفروق )‪(2/33‬‬
‫)‪ (13‬انظر الفروق )الموضع السابق(‬
‫)‪ (14‬التحبير للمرداوي )‪ (8/3831‬وشرح الكوكب المنير )‪(4/434‬‬
‫)‪ (15‬تبيين الحقائق )‪(3/294‬‬
‫)‪ (16‬تبيين الحقائق )‪ ،(4/176‬وانظر فروعا ً أخرى في تبيين الحقائق )‬
‫‪(4/293‬‬
‫)‪ (17‬البحر الرائق )‪(4/294‬‬
‫)‪ (18‬العناية )‪(4/339‬‬
‫)‪ (19‬الدر المختار مع حاشية ابن عابدين )‪(5/335‬‬
‫)‪ (20‬يشير إلى الحديث الذي ذكره بسنده قبل هذا الكلم بقليل‪ ،‬وهو‪ :‬من‬
‫منع فضل الماء ليمنع به الكل منعه الله فضل رحمته‪.‬‬
‫)‪ (21‬الم )‪(4/51‬‬
‫)‪ (22‬تكملة الجموع )الطبعة المنيرية( )‪10/148‬ـ ‪ ،(149‬وانظر‪ :‬سد الذارئع‬
‫عند شيخ السلم ابن تيمية للمهنا )‪79‬ـ ‪(109‬فقد أجاد في تحرير رأي‬
‫الشافعي في هذه المسألة‪.‬‬
‫)‪ (23‬قواعد الحكام في مصالح النام )‪ ،(76‬وانظر حاشية الشرواني على‬
‫تحفة المحتاج )‪(1/75‬‬
‫)‪ (24‬الفروق )‪(2/33‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫)‪ (25‬انظر‪ :‬المستصفى )‪ (1/284‬وشرح تنقيح الفصول )‪ (350‬وشرح‬


‫الكوكب المنير )‪ (4/433‬ونهاية السول مع سلم الوصول )‪ ،(4/385‬ويلحظ‬
‫أن كثيرا ً من الصوليين يتطرقون إلى المصلحة عند كلمهم في القياس عن‬
‫المناسب المرسل‪.‬‬
‫)‪ (26‬قاعدة في المعجزات والكرامات )ضمن مجموع الفتاوى()‪11/343‬ـ‬
‫‪(344‬‬
‫)‪ (27‬لن هناك من اعترض على هذا القسم لن ما من حكم إل ولله فيه‬
‫حكم شرعي فل يتصور وجود هذا القسم عنده‪ .‬تأمل‪ :‬التقرير والتحبير )‬
‫‪ (3/151‬وحاشية العطار على شرح المحلي )‪(2/328‬‬
‫)‪ (28‬البحر المحيط )‪ ،(8/84‬وبعض الصوليين ينقلون عن المام أحمد‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التوسع في العمل بالمصالح‪ ،‬ومع ذلك فإن ابن قدامة لم يعتد ّ بالمصالح‬
‫المرسلة)الروضة ‪ (2/542‬وكذلك الفتوحي في الكوكب المنير )‪،(4/433‬‬
‫والذي عرف عنه التوسع في العمل بالمصالح توسعا ً خرق فيه الجماع هو‬
‫الطوفي‪ ،‬وعلى ذلك فليحرر مذهب المام أحمد في مسألة المصالح‬
‫المرسلة‪.‬‬
‫)‪ (29‬ذكر ذلك ابن السبكي في جمع الجوامع )‪ 2/329‬مع شرح المحلي(‬
‫ولحظ أن ابن السبكي شافعي كإمام الحرمين ومع ذلك قال هذه العبارة‪.‬‬
‫)‪ (30‬شرح تنقيح الفصول )‪(351‬‬
‫)‪ (31‬المستصفى )‪(1/296‬‬
‫)‪ (32‬ضوابط المصلحة للبوطي )‪(347‬‬
‫)‪ (33‬انظر‪ :‬ضوابط المصلحة للبوطي‪.‬‬
‫)‪ (34‬انظر‪ :‬أدلة التشريع المختلف في الحتجاج بها للربيعة )‪(227‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫بين سد ّ الذرائع وفتحها‬


‫سامي بن عبد العزيز الماجد ‪8/5/1427‬‬
‫‪04/06/2006‬‬
‫النصوص المستفيضة من الكتاب والسنة تشهد بأن سد ّ الذرائع أصل معمو ٌ‬
‫ل‬
‫به في الشريعة‪ ،‬ومنها قرر أهل العلم قواعد مهمة في هذا الباب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫)للوسائل أحكام المقاصد(‪) ،‬كل ما أفضى إلى حرام فهو حرام(‪ ،‬والحديث‬
‫عنها تتوزعه النقاط التية‪:‬‬
‫ل‪ :‬العقل الصريح يوجب العمل بأصل سد ّ الذرائع‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫لم ينفرد علماء الشريعة بالعمل بهذا الصل )سد ّ الذرائع(‪ ،‬بل هو معمول به‬
‫حتى في النظمة والقوانين الوضعية‪ ،‬وما من دولة إل وهي تعمل بقاعدة سد ّ‬
‫الذرائع في أنظمتها وقوانينها‪ ،‬وإن اختلفت في درجة العمل به تضييقا ً أو‬
‫توسيعًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬سد ّ الذرائع بين التيسير والتشديد‪.‬‬
‫أصل قاعدة سد ّ الذرائع متفق عليه‪ ،‬فكل ما يفضي إلى الحرام قطعا ً فهو‬
‫حرام عند أهل العلم جميعًا‪ ،‬ول خلف بينهم في هذه الصورة‪ ،‬وكذلك ما نص‬
‫ل‪ ،‬فهم متفقون‬ ‫الشرع على تحريمه مما يفضي إلى الحرام غالبًا؛ كالخلوة مث ً‬
‫على تحريمها؛ عمل ً بالنص‪ ،‬ل إعمال ً بسد ّ الذرائع‪ .‬كما ذهب جمهور العلماء‬
‫إلى العمل بسد ّ الذرائع فيما يفضي إلى الحرام غالبًا‪ ،‬وإن كان ل ُيقطع‬
‫بإفضائه إليه‪ ،‬واختلفوا فيما دون ذلك مما ترّدد فيه المر‪ :‬هل يفضي إلى‬
‫الحرام أم ل؟ أو تساوى فيه الحتمالن‪ ،‬فمنهم من يعمل القاعدة فيه‪ ،‬ومنهم‬
‫من ل يعملها‪.‬‬
‫ومهما يكن؛ فهو من مورد الجتهاد الذي تختلف فيه المدارك والفهام‪،‬‬
‫سعه‪،‬‬ ‫وتتباين فيه القوال‪ ،‬فل تثريب ول تشديد ما دام أن المجتهد قد اجتهد وُ ْ‬
‫وأعمل فكره‪ ،‬وراعى المقاصد‪ ،‬ووازن بين المصالح والمفاسد‪.‬‬
‫د؛‬
‫وأما الذرائع الضعيفة والتهمة البعيدة‪ ،‬فل ينبغي أن ُتعمل فيها القاعدة فُتس ّ‬
‫ب من‬ ‫لن العبرة بالغالب‪ ،‬وهي في الغالب ل ُتفضي إلى المنكر‪ ،‬فمنعها ضر ٌ‬
‫ط في إعمال )سد ّ الذرائع(‪.‬‬‫التضييق‪ ،‬وإفرا ٌ‬
‫قال القرافي ) كما نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ‪" :(8/90‬ومنها ما‬
‫هو ملغي إجماعًا؛ كزراعة العنب؛ فإنها ل ُتمنع خشية الخمر‪ ،‬وإن كان وسيلة‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى الحرام"أهـ‪.‬‬
‫إن الذريعة التي يجب أن ُتسد ّ هي الخطوة القريبة التي تفضي إلى المنكر‬
‫يقينا ً أو في غلبة الظن‪ ،‬أما الخطوات البعيدة التي بينها وبين الحرام خطوا ٌ‬
‫ت‬
‫أدنى فتحريمها بحجة سد ّ الذريعة هي نفسها ذريعة إلى التشديد والتضييق‬
‫ل‪ :‬يحّرم السلم من الختلط ما هو مظنة المزاحمة‬ ‫د؛ فمث ً‬ ‫يجب أن ُتس ّ‬
‫ل أن ُنحّرم على النساء أن يمشين مع الرجال في‬ ‫والخلوة؛ لكن ل يجوز بحا ٍ‬
‫ً‬
‫طريق واحد‪ ،‬أو نحّرم عليهم مجرد الجتماع في مكان يحويهم جميعا تكون‬
‫ق يمر‬ ‫فيه النساء بمعزل عن الرجال! والنبي لم يمنع النساء من المرور بطري ٍ‬
‫س الجساد‪ ،‬فقد‬ ‫به الرجال‪ ،‬وإنما أمرهن بالبعد عن مزاحمتهم منعا ً من تما ّ‬
‫ققن‬ ‫صح عنه أنه قال‪ :‬لما خرج الرجال والنساء من مسجده جميعًا‪" :‬ل ُتح ِ‬
‫الطريق‪ ،‬ولكن عليكن بحافة الطريق"‪ .‬فهو ‪-‬كما ترى‪ -‬تجّنب للمزاحمة‬
‫ب لمشي الرجال والنساء في طريق‬ ‫والختلط الذي ُيفضي إلى الفتنة‪ ،‬ل تجن ّ ٌ‬
‫واحد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬اختلف أهل العلم في بعض صور سد ّ الذرائع ل يعود على أصلها‬
‫بالنقض والبطلن‪:‬‬
‫لئن اختلف العلماء في درجة الخذ بقاعدة )سد ّ الذرائع( والتوسع في‬
‫إعمالها‪ ،‬فل يصح أن نجعله من الختلف الذي يعود على أصل القاعدة‬
‫بالنقض والبطلن‪ ،‬فقد اختلفوا في بعض صور القياس وضروبه‪ ،‬ولم يكن‬
‫ف في‬ ‫ذلك الختلف مبطل ً لحجّية القياس‪ ،‬ول ناقضا ً لصله‪.‬إنما ذلك اختل ٌ‬
‫ق مناطها‪ ،‬ل في أصل العمل بها‪.‬‬ ‫ل القاعدة وتحقي ِ‬ ‫إعما ِ‬
‫وغ له إطلقا‪ً:‬‬ ‫رابعًا‪ :‬المبالغة في سد ّ الذرائع ل مس ّ‬
‫عراض‬ ‫إن الذي نراه هو أن المبالغة في سد ّ الذرائع بحجة الغيرة على ال َ‬
‫سه‪ ،‬وقد يخدمه حينا ً من الدهر؛ لكنه ل يلبث أن‬ ‫ل‪ -‬ل يخدم الغرض نف َ‬ ‫‪-‬مث ً‬
‫حم بعض الذرائع التي هي ‪ -‬في‬ ‫ً‬
‫يكون عونا ودافعا للناس للتساهل في تق ّ‬ ‫ً‬
‫ة‪ ،‬أو تفضي إلى الحرام؛ كردة فعل منهم على ذلك‬ ‫ة واقع ٌ‬‫الحقيقة‪ -‬فتن ٌ‬
‫التشدد‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬استثناء في إعمال قاعدة )سد ّ الذرائع(‪.‬‬
‫إن تحريم الذرائع التي تفضي إلى الحرام قطعا ً أو غالبا ً هو من قبيل تحريم‬
‫حّرم من هذا القبيل فإنه ُيباح‬ ‫الوسائل ل من قبيل تحريم المقاصد‪ ،‬ولذا فما ُ‬
‫عند الحاجة‪ ،‬ولو لم تكن ثمة ضرورة‪ ،‬ومن شواهد ذلك في كتب أهل العلم‪:‬‬
‫‪1‬ـ قولهم‪) :‬ما كان منهيا ً عنه للذريعة فإنه ُيفعل لجل المصلحة الراجحة(‬
‫) ُينظر‪ :‬مجموع الفتاوى لبن تيمية ‪ ،22/298‬وزاد المعاد ‪ ،2/242‬إعلم‬
‫الموقعين ‪(2/142‬‬
‫‪2‬ـ قولهم‪ُ) :‬يغتفر في الوسائل ما ل ُيغتفر في المقاصد( ُينظر‪ :‬الشباه‬
‫والنظائر للسيوطي ص ‪.293‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن تيمية )مجموع الفتاوى ‪ " :(23/186‬ثم إن ما‬
‫نهى عنه لسد ّ الذريعة ُيباح للمصلحة الراجحة كما ُيباح النظر إلى‬
‫المخطوبة ‪...‬فإنه لم ينه عنه إل لنه يفضي إلى المفسدة‪ ،‬فإذا كان مقتضيا‬
‫للمصلحة الراجحة لم يكن مفضيا ً إلى المفسدة"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقال في موضع آخر )‪ " :(23/214‬ما كان من باب سد ّ الذريعة إنما ينهى‬
‫عنه إذا لم يحتج إليه‪ ،‬وأما مع الحاجة للمصلحة التي ل تحصل إل به وقد ينهى‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنه؛ ولهذا ُيفرق في العقود بين الحيل وسد ّ الذرائع‪ :‬فالمحتال يقصد‬
‫المحرم‪ ،‬فهذا ينهى عنه‪ .‬وأما الذريعة فصاحبها ل يقصد المحرم؛ لكن إذا لم‬
‫يحتج إليها ُنهي عنها‪ ،‬وأما مع الحاجة فل "أهـ‪.‬‬
‫عه من‬ ‫ُ‬ ‫منز‬ ‫الحاجة‬ ‫لجل‬ ‫للذريعة‬ ‫حّرم سدا ً‬
‫ويتبين مما سبق‪ :‬أن إباحة ما ُ‬
‫الترجيح بين المصالح والمفاسد‪ ،‬فما كانت مصلحته أرجح من مفسدته فإنه ل‬
‫ح مراعاة ً للمصلحة الراجحة وإلغاء للمفسدة المرجوحة‪.‬‬ ‫د‪ ،‬بل يبا ُ‬
‫ُيس ّ‬
‫ً‬
‫سادسا‪) :‬فتح الذرائع(‪.‬‬
‫مصطلح )فتح الذرائع( مصطلح عّبر به بعض العلماء؛ كالقرافي‪ ،‬حيث يقول ‪-‬‬
‫دها‪ ،‬يجب‬ ‫شرح تنقيح الفصول ص ‪" :449‬اعلم أن الذريعة كما يجب س ّ‬
‫فتحها‪ ،‬وُيكره ‪ ،‬وُيندب‪ ،‬وُيباح‪ ،."...‬ويقول ابن عاشور ـ مقاصد الشريعة ص‬
‫‪" :369‬إن الشريعة قد عمدت إلى ذرائع المصالح ففتحتها"‪ .‬والقواعد الفقهية‬
‫تؤيد هذا؛ ولكن بعبارات أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب"‪،‬‬
‫و"ما ل يتم المباح إل به فهو مباح"‪.‬‬
‫م حتى‬ ‫ب‪ -‬فيه إيها ٌ‬‫غير أن استعمال هذا المصطلح "فتح الذرائع" ‪-‬فيما أحس ُ‬
‫وإن كان مستعمل ً عند بعض أهل العلم‪ ،‬إذ يتوهم من يسمع به أن المقصود‬
‫ت؛ لفضائها إلى المحظور‪.‬‬ ‫سد ّ ْ‬
‫هو فتح الذرائع التي ُ‬
‫ولذا وقف بعض الحبة من هذا المصطلح موقف الرفض؛ ظنا ً منه أن‬
‫المقصود هو فتح الذرائع التي تفضي إلى الحرام‪ ،‬وليس بصحيح‪ ،‬وإنما‬
‫المقصود هو فتح وسائل المباح والواجب والمندوب‪.‬‬
‫ورفعا ً لهذا اللبس واليهام‪ :‬فالولى ترك استعمال هذا المصطلح إلى التعبير‬
‫بـ "التوسط والعتدال في إعمال قاعدة سد ّ الذرائع"‪ ،‬بحيث ل ُيسد ّ من‬
‫الذرائع إل ما أفضى الى المحظور غالبًا‪ ،‬وكانت مفسدته أرجح من مصلحته؛‬
‫لن التوسط في إعمال هذه القاعدة يجعل ذرائع المباح مفتوحة للناس‬
‫استصحابا ً للصل؛ وهو أن الصل في الشياء الب‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بين شيخ السلم ابن تيمية وابن عربي‬


‫]‪[1/3‬‬
‫المقارنة بين شيخ السلم ابن تيمية وابن عربي مقارنة بين الصديق‬
‫والزنديق‬
‫بقلم‪ /‬عبد الرحمن عبد الخالق‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ,‬والصلة والسلم على المبعوث رحمة للعالمين‬
‫وبعد‪..‬‬
‫مدخل‪:‬‬
‫عمد د‪ .‬محمد عبد الغفار في مقاله بالقبس عدد ‪ 11831‬المؤرخ في‬
‫‪ 12/5/2006‬إلى عقد مقارنة جائرة بين شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪،‬‬
‫قا يخوفوننا من اسم ابن عربي كثيًرا‪ ،‬وكنت‬ ‫وبين ابن عربي قائ ً‬
‫ل‪' :‬كنا ساب ً‬
‫كتبه‪ ،‬حتى ملكت بعض كتبه فوجدت نفسي أقف أمام طود عظيم‪،‬‬ ‫أتحاشى ُ‬
‫عقل ً وثقافة شرعية'‪ ،‬وقال عن ابن تيمية‪' :‬إنه عالم من العلماء‪ ،‬وإن الخلف‬
‫حوله أعظم من الخلف حول ابن عربي'‪.‬‬
‫ولما كان تقديم ابن عربي ‪ -‬وهو أكبر زنديق عرفه تاريخ السلم بل تاريخ‬
‫النسانية في كل عصورها ‪ -‬على هذا النحو من رجل يحمل درجة في‬
‫الشريعة‪ ،‬ومن قبل دعا الناس إلى التصوف المعتدل – في زعمه ‪ -‬وافتخر‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بأنه يدرس كتاب شرح الحكم العطائية لبن الرندي‪ ،‬ومعلوم أن مؤلف‬
‫العطائية على خطا ابن عربي‪.‬‬
‫مله الله أمانة العلم والكتاب أن يذبوا عن‬ ‫من أجل ذلك كان لبد لمن ح ّ‬
‫الدين‪ ,‬وأن يبينوا الحق للناس‪ ،‬وإل كانوا مسئولين أمام الله عن السكوت‬
‫والكتمان‪ ،‬ومن أجل ذلك أقول‪:‬‬
‫كيف يجمع بين ابن تيمية وابن عربي؟!‬
‫هل يصح أن يجمع بين شيخ السلم ابن تيمية وبين ابن عربي‪ ،‬فنجعل هذا‬
‫ما‪ ،‬وكلهما قد اختلف الناس فيه‪ ،‬وخلف الناس حول ابن‬ ‫ما وذاك عال ً‬‫عال ً‬
‫تيمية أشد كما يقول د‪ .‬عبد الغفار؟!‬
‫كيف يقرن بين إمام من أئمة الهدى وعلم من أعلمهم‪ ,‬الذي لم يترك بدعة‬
‫في الدين منذ ظهور البدع وإلى زمانه إل وبينها ودحضها‪ ,‬ومن ذلك بدع‬
‫الخوارج‪ ،‬والمرجئة‪ ،‬والقدرية‪ ،‬والزنادقة‪ ،‬والجهمية بكل تفريعاتهم وخلوفهم‪،‬‬
‫والمتصوفة‪ ،‬والمشركين من عبدة القبور والولياء والتحادية‪ ،‬وأهل الوجود‪،‬‬
‫وكل ذلك في مجلدات ضخمة‪ ،‬حيث لم يجعل لهم حجة إل ودحضها‪ ،‬ول‬
‫شاردة ول واردة إل وبينها‪ ،‬ول شبهة إل أجاب عنها‪ ،‬وظل يدافع عمره عن‬
‫دين السلم بالقلم واللسان‪ ،‬والسيف والسنان‪ ،‬ولم يترك ديًنا من أديان‬
‫الباطل إل ورد على أصحابه؛ فرد على النصارى‪ ،‬ورد على الفلسفة والدهرية‬
‫ومنكرة الصانع‪ .‬وأفتى المسلمين في كل مشارق الرض ومغاربها في‬
‫نوازلهم وأحداثهم وخلفاتهم وأقضيتهم أعظم فتاوى وجدت في السلم إلى‬
‫يومنا هذا؟!!‬
‫وغاية ما نقمه عليه مخالفوه من الفتيا قوله بإيقاع طلق الثلث واحدة إن‬
‫كانت في مجلس واحد‪ ,‬وقوله بمنع شد الرحال إلى قبور النبياء والصالحين‪,‬‬
‫وعند التحقيق يتبين أن الحق والصواب معه‪.‬‬
‫فكيف يقرن من عاش عمره يدافع عن دين السلم ويذب عنه كل عقائد‬
‫الباطل‪ ،‬وبين كافر زنديق لم يترك عقيدة من عقائد الكفر إل وأدخلها إلى‬
‫السلم‪ ،‬وألبسها من اليات والحاديث ما يروجها على عقول أمثاله من أهل‬
‫الزندقة والنفاق‪.‬‬
‫فابن عربي جمع كل عقائد المشركين والوثنيين واليهود والنصارى والزنادقة‬
‫الذين سبقوه‪ ,‬واستطاع هذا الخبيث أن يجمع هذا كله ويؤلف بينه‪ ،‬ويلبسه‬
‫لباس السلم‪ ,‬فيحمل آيات القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫في ثعلبية ماكرة‪ ،‬وعبارات ملتوية خبيثة‪ ،‬يعجز عنها كل شياطين النس‬
‫والجن!!‬
‫وي بين ابن تيمية وابن عربي إل جاهل بحاله‪ ،‬أو من هو على شاكلة‬ ‫فهل يس ّ‬
‫ابن عربي؟!‬
‫ابن عربي أكبر زنديق عرفه تاريخ السلم‪ ..‬بل تاريخ النسانية كلها‪:‬‬
‫قد كان في تاريخ السلم كفار حاربوه كأبي جهل وأبي لهب وكفار الفرس‬
‫والروم‪ ،‬واليهود‪ ،‬والنصارى‪ ،‬ومن قبلهم قوم نوح‪ ،‬وعاد‪ ،‬وثمود‪ ،‬وفرعون‪،‬‬
‫وقد كان في تاريخ السلم زنادقة أظهروا السلم وأبطنوا الكفر‪ ،‬ونقلوا‬
‫عقائد الكفار وألبسوها لباس السلم؛ كالحلج‪ ،‬وابن الراوندي‪ ،‬وعبد الكريم‬
‫الجيلي‪ ،‬وابن الفارض‪ ،‬والتلمساني‪ ،‬وابن سبعين‪ ،‬وعبد العزيز الدباغ‪ ،‬وابن‬
‫دا من هؤلء لم يكن كابن‬ ‫المبارك السلجماسي وغيرهم وغيرهم‪ ،‬ولكن أح ً‬
‫عربي قط‪ ،‬ولم يبلغ شأوه ودرجته في الكفر والزندقة والمروق من الدين‪،‬‬
‫م ال َعَْلى{ لم‬ ‫َ‬
‫فإن الكفار الصليين وأعظمهم فرعون الذي قال‪} :‬أَنا َرب ّك ُ ُ‬
‫ت‬‫خذ ْ َ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫َ‬
‫يجعل رًبا للناس جميعهم إل نفسه‪ ،‬وقال لموسى عليه السلم‪} :‬لئ ِ ِ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن{‪ ،‬وأما ابن عربي فقد جعل كل موجود‬ ‫جوِني َ‬‫س ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬


‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫ري ل َ ْ‬
‫جعَل َن ّ َ‬ ‫إ َِلها ً غَي ْ ِ‬
‫في الوجود هو الله‪ ،‬بجميع درجات الوجود‪ ,‬وحتى الشياطين والنجاسات –‬
‫تعالى الله سبحانه وتعالى عما يقول هذا الفاك – ونستغفر الله من حكاية‬
‫قول هذا المجرم الخبيث‪ ،‬فأين كفر فرعون من كفر هذا الخبيث؟! وكل‬
‫الذين أشركوا بالله عبدوا معه إلًها أو إلهين أو ثلثة أو مائة من الصنام‬
‫والوثان والكواكب‪ ،‬وأما هذا المجرم فقد جعل كل معبود عبد هو الله ل غير‪،‬‬
‫وأن كل من عبد شيًئا فلم يعبد إل الله‪ ...‬فأين كفر المشركين من كفر هذا‬
‫المجرم الخبيث؟!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صا أو أكثر‬ ‫وكل الزنادقة الذين كانوا في تاريخ السلم أّولوا بالتأويل الباطني ن ً‬
‫من القرآن‪ ،‬وهذا الخبيث لم يترك آية في كتاب الله ول حديًثا من أحاديث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إل حملها على عقائد الكفار جميًعا‪ ,‬وعقيدة‬
‫وحدة الوجود على الخصوص ]انظر أمثلة ذلك في ثنايا المقال[‪.‬‬
‫وإن كل الزنادقة الذين كذبوا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫لم يكذبوا كما كذب هذا الفاك الذي ادعى أنه يتلقى عن الله من اللوح‬
‫المحفوظ بغير واسطة‪ ,‬وأما النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتلقى عن‬
‫الله بواسطة وهو جبريل‪ ،‬وأنه لذلك أفضل من الرسول صلى الله عليه‬
‫دا خاتم النبياء صلوات الله وسلمه عليه‪ ،‬وأما هو فخاتم‬ ‫وسلم‪ ،‬وأن محم ً‬
‫الولياء‪ ،‬وجعل خاتم الولياء يعني نفسه أفضل من خاتم النبياء‪.‬‬
‫والزنادقة الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قد افتروا عليه‬
‫في وضع بعض الحاديث أو تأويل بعض منها‪ ،‬وأما هذا المجرم الخبيث فقد‬
‫ادعى بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سلمه كتاب فصوص الحكم‬
‫دا بيد‪ ,‬وهو أعظم كتاب في الكفر والزندقة ظهر في الرض إلى يومنا هذا‪..‬‬ ‫ي ً‬
‫وعامة الزنادقة الذين مروا في تاريخ السلم لحقتهم اللعنة‪ ،‬وذاقوا حد‬
‫السيف‪ ،‬ولكن هذا الخبيث بثعلبية ماكرة والتفاف خبيث ومظاهرة مريديه‬
‫استطاع أن يفلت من القتل على الزندقة‪ ،‬ووجد من المجرمين من يطبل له‬
‫ف النبياء والمرسلين‪ ،‬فضل ً عن جميع علماء‬ ‫ويزمر‪ ،‬ويرفعه فوق مصا ّ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولقد وجدت فيه دوائر الكفر ضالتهم المنشودة لهدم السلم‪ ,‬بل لهدم جميع‬
‫الديان‪ ،‬فنشروا تراثه لهدم تراث السلم‪ ،‬واعتنوا بكتاباته‪ ..‬ومن أجل ذلك‬
‫كانت فتنة ابن عربي من أعظم الفتن التي مرت بالمسلمين‪.‬‬
‫ولذلك كانت المقارنة بين شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله وابن عربي هي‬
‫مقارنة بين الصديق والزنديق‪ ،‬بين إمام من أئمة الهدى والصدق واليمان‪،‬‬
‫وإمام من أئمة الضلل والكذب والكفر‬
‫عامة علماء السلم قالوا بكفر ابن عربي وزندقته‬
‫أقوال أهل العلم في ابن عربي‪:‬‬
‫‪ -1‬قال العز بن عبد السلم‪' :‬هو شيخ سوء كذاب‪ ،‬يقول بقدم العالم ول‬
‫جا' ]سير أعلم النبلء ‪.[23/48‬‬ ‫يحرم فر ً‬
‫ضا؟ قال‪:‬‬ ‫ضا‪ :‬هو شيخ سوء كذاب‪ ،‬فقال له ابن دقيق العيد‪ :‬وكذاب أي ً‬ ‫وقال أي ً‬
‫نعم؛ تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن‪ ،‬فقال‪ :‬هذا محال؛ لن النس جسم كثيف‬
‫والجن روح لطيف‪ ،‬ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف‪ .‬ثم بعد قليل‬
‫ما أني‬‫ت جنية فرزقت منها ثلثة أولد‪ ،‬فاتفق يو ً‬ ‫رأيته وبه شجة‪ ،‬فقال‪ :‬تزوج ُ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت‪ ,‬فلم أرها بعد‬
‫هذا‪.‬اهـ‪] .‬ميزان العتدال ‪.[5/105‬‬
‫‪ -2‬قال الحافظ ابن حجر‪ :‬وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن‬
‫ابن عربي‪ ,‬فبادر بالجواب‪ :‬هو كافر‪.‬اهـ‪] .‬لسان الميزان ‪.[4/318‬‬
‫‪ -3‬أما المام الذهبي فقد قال عن كتاب 'فصوص الحكم'‪' :‬ومن أردأ تواليفه‬
‫كتاب الفصوص‪ ,‬فإن كان ل كفر فيه فما في الدنيا كفر'‪.‬اهـ‪] .‬سير أعلم‬
‫النبلء ‪.[23/48‬‬
‫‪ -4‬تقي الدين السبكي كما في 'مغني المحتاج للشربيني ‪' :'3/61‬ومن كان‬
‫من هؤلء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلل جهال خارجون‬
‫عن طريقة السلم‪ ,‬فضل ً عن العلماء‪ ,‬وقال ابن المقري في روضه‪ :‬إن‬
‫الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر'‪.‬‬
‫‪ -5‬القاضي بدر الدين بن جماعة‪' :‬حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يأذن في المنام بما يخالف ويعاند السلم – يشير إلى زعم ابن عربي أنه‬
‫تلقى كتاب الفصوص من الرسول مكتوًبا ‪ -‬بل ذلك من وسواس الشيطان‬
‫ومحنته وتلعبه برأيه وفتنته‪ ..‬وقوله في آدم‪ :‬إنه إنسان العين‪ ،‬تشبيه لله‬
‫تعالى بخلقه‪ ،‬وكذلك قوله‪ :‬الحق المنزه‪ ،‬هو الخلق المشّبه إن أراد بالحق‬
‫رب العالمين‪ ،‬فقد صّرح بالتشبيه وتغالى فيه‪ ..‬وأما إنكاره ما ورد في الكتاب‬
‫والسنة من الوعيد‪ :‬فهو كافر به عند علماء أهل التوحيد‪ ..‬وكذلك قوله في‬
‫قوم نوح وهود‪ :‬قول لغوٍ باطل مردود وإعدام ذلك‪ ،‬وما شابه هذه البواب‬
‫من نسخ هذا الكتاب‪ ،‬من أوضح طرق الصواب‪ ،‬فإنها ألفاظ مزّوقة‪ ،‬وعبارات‬
‫حكمه‪ :‬رده‪،‬‬‫عن معان غير محققة‪ ،‬وإحداث في الدين ما ليس منه‪ ،‬ف ُ‬
‫والعراض عنه'' ]عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي ص ‪.[30 ،29‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -6‬قال نور الدين البكري الشافعي‪' :‬وأما تصنيف تذكر فيه هذه القوال‬
‫ويكون المراد بها ظاهرها فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك‪ ,‬بل هو‬
‫كاذب فاجر كافر في القول والعتقاد ظاهًرا وباطًنا‪ ,‬وإن كان قائلها لم يرد‬
‫ظاهرها فهو كافر بقوله ضال بجهله‪ ،‬ول يعذر بتأويله لتلك اللفاظ‪ ,‬إل أن‬
‫ما‪ ,‬ول يعذر بجهله لمعصيته لعدم مراجعة‬ ‫يكون جاهل ً للحكام جهل ً تا ً‬
‫ما عا ً‬
‫العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في‬
‫أمر الرسل ومتبعيهم‪ ,‬أعني معرفة الدب في التعبيرات‪ ,‬على أن في هذه‬
‫اللفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله‪ ،‬بل كلها كذلك‪ ،‬وبتقدير التأويل على وجه‬
‫يصح في المراد فهو كافر بإطلق اللفظ على الوجه الذي شرحناه'‪] .‬مصرع‬
‫التصوف ص‪.[144/‬‬
‫‪ -7‬قال ابن خلدون‪' :‬ومن هؤلء المتصوفة‪ :‬ابن عربي‪ ،‬وابن سبعين‪ ،‬وابن‬
‫بّرجان‪ ،‬وأتباعهم‪ ،‬ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم‪ ،‬ولهم تواليف كثيرة‬
‫يتداولونها‪ ،‬مشحونة من صريح الكفر‪ ،‬ومستهجن البدع‪ ،‬وتأويل الظواهر لذلك‬
‫على أبعد الوجوه وأقبحها‪ ،‬مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى المّلة أو‬
‫دها في الشريعة‪ ،‬وليس ثناء أحد على هؤلء حجة ولو بلغ المثني عسى ما‬ ‫ع ّ‬
‫ً‬
‫يبلغ من الفضل؛ لن الكتاب والسنة أبلغ فضل أو شهادة من كل أحد‪ ،‬وأما‬
‫حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نسخها في‬
‫أيدي الناس مثل الفصوص والفتوحات المكية لبن عربي‪ ..‬فالحكم في هذه‬
‫الكتب وأمثالها إذهاب أعيانها إذا وجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينمحي أثر الكتاب'‪] .‬مصرع التصوف ص ‪.[150‬‬


‫دق هذه المقالة الباطلة أو‬ ‫‪ -8‬قال نجم الدين البالسي الشافعي‪' :‬من ص ّ‬
‫رضيها كان كافًرا بالله تعالى يراق دمه ول تنفعه التوبة عند مالك وبعض‬
‫أصحاب الشافعي‪ ،‬ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها'‪.‬‬
‫]مصرع التصوف ص ‪.[146‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫‪ -9‬قال المفسر أبو حيان الندلسي عند تفسيره لقول الله‪} :‬ل َ َ‬
‫قد ْ ك َ َ‬
‫ح{‪ :‬ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر‬ ‫سي ُ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َقاُلوا إ ِ ّ‬
‫بالسلم ظاهًرا وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة‪ ،‬ومن‬
‫ذهب من ملحدتهم إلى القول بالتحاد والوحدة‪ :‬كالحلج والشعوذي وابن‬
‫أحلى وابن عربي المقيم في دمشق‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪ -10‬قال الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي‪' :‬الحمد‬
‫مي إنساًنا‪ :‬تشبيه وكذب باطل‪،‬‬ ‫لله‪ ،‬قوله‪ :‬فإن آدم عليه السلم‪ ،‬إنما س ّ‬
‫وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للصنام كفر‪ ،‬ل يقر قائله عليه‪ ،‬وقوله‪ :‬إن‬
‫الحق المنّزه‪ :‬هو الخلق المشّبه‪ ،‬كلم باطل متناقض وهو كفر‪ ،‬وقوله في‬
‫قوم هود‪ :‬إنهم حصلوا في عين القرب‪ ،‬افتراء على الله ورد ّ لقوله فيهم‪،‬‬
‫ما‪ :‬كذب وتكذيب للشرائع‪،‬‬ ‫وقوله‪ :‬زال البعد‪ ،‬وصيرورية جهنم في حقهم نعي ً‬
‫ما من يصدقه فيما قاله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫بل الحقّ ما أخبر الله به من بقائهم في العذاب‪..‬‬
‫ما‪ ،‬فإن كان‬ ‫لعلمه بما قال‪ :‬فحكمه كحكمه من التضليل والتكفير إن كان عال ً‬
‫ل‪ :‬عُّرف بحقيقة ذلك‪ ،‬ويجب تعليمه وردعه‬ ‫ممن ل علم له‪ :‬فإن قال ذلك جه ً‬
‫ما أمكن‪ ..‬وإنكاره الوعيد في حق سائر العبيد‪ :‬كذب ورد ّ لجماع المسلمين‪،‬‬
‫وإنجاز من الله عز وجل للعقوبة‪ ،‬فقد دّلت الشريعة دللة ناطقة‪ ،‬أن ل بد ّ‬
‫من عذاب طائفة من عصاة المؤمنين‪ ،‬ومنكر ذلك يكفر‪ ،‬عصمنا الله من‬
‫سوء العتقاد‪ ،‬وإنكار المعاد‪] .‬عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي‬
‫ص ‪.[31،32‬‬
‫‪ -11‬قال الحافظ العراقي‪' :‬وأما قوله فهو عين ما ظهر وعين ما بطن‪ ،‬فهو‬
‫كلم مسموم ظاهره القول بالوحدة المطلقة‪ ،‬وقائل ذلك والمعتقد له كافر‬
‫بإجماع العلماء'‪] .‬مصرع التصوف ص ‪.[64‬‬
‫‪ -12‬قال أبو زرعة ابن الحافظ العراقي‪' :‬ل شك في اشتمال 'الفصوص'‬
‫المشهورة على الكفر الصريح الذي ل شك فيه‪ ،‬وكذلك فتوحاته المكية‪ ،‬فإن‬
‫ح صدور ذلك عنه‪ ،‬واستمر عليه إلى وفاته‪ :‬فهو كافر مخلد في النار بل‬ ‫ص ّ‬
‫شك'‪] .‬عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي ص ‪.[60‬‬
‫ضا‪ :‬شهاب الدين التلمساني الحنفي‪،‬‬ ‫وممن أفتى بكفره من علماء السلم أي ً‬
‫وابن بلبان السعودي‪ ،‬وابن دقيق العيد‪ ،‬وقطب الدين القسطلني‪ ،‬وعماد‬
‫الدين الواسطي‪ ،‬وبرهان الدين الجعبري‪ ،‬والقاضي شرف الدين الزواوي‬
‫المالكي‪ ،‬والمفسر الشافعي ابن النقاش‪ ،‬وابن هشام النحوي‪ ,‬وقد كتب على‬
‫إحدى نسخ الفصوص‪:‬‬
‫هذا الذي بضلله ضلت أوائل معْ أواخر‬
‫من ظن فيه غير ذا فلينأ عني فهو كافر‬
‫ضا الشمس العيزري‪ ،‬وابن الخطيب الندلسي‪ ،‬وشمس الدين الموصلي‬ ‫وأي ً‬
‫البساطي المالكي‪ ،‬وبرهان الدين السفاقيني‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وابن خياط‬
‫الشافعي‪ ،‬والمقري الشافعي‪ ،‬وعلء الدين البخاري الحنفي‪.‬‬
‫المام ابن حجر يباهل على ضلل ابن عربي فيهلك مباهله‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال السخاوي في ترجمة شيخ السلم الحافظ ابن حجر العسقلني‪ :‬ومع‬
‫وفور علمه ‪ -‬يعني شيخه الحافظ ابن حجر ‪ -‬إلى أن قال‪' :‬وعدم سرعة‬
‫غضبه‪ ،‬فكان سريع الغضب في الله ورسوله‪ ,‬واتفق كما سمعته منه مراًرا‬
‫أنه جرى بينه وبين بعض المحبين لبن عربي منازعة كثيرة في أمر ابن‬
‫عربي‪ ،‬أدت إلى أن نال شيخنا من ابن عربي لسوء مقالته‪ .‬فلم يسهل‬
‫دده بأن يغري به الشيخ صفاء الذي كان‬ ‫بالرجل المنازع له في أمره‪ ،‬وه ّ‬
‫الظاهر برقوق يعتقده‪ ،‬ليذكر للسلطان أن جماعة بمصر منهم فلن يذكرون‬
‫الصالحين بالسوء ونحو ذلك‪.‬‬
‫ل نتباهل؛ فقلما تباهل‬ ‫فقال له شيخنا‪ :‬ما للسلطان في هذا مدخل‪ ،‬لكن تعا َ‬
‫ّ‬
‫اثنان‪ ،‬فكان أحدهما كاذًبا إل وأصيب‪ .‬فأجاب لذلك‪ ،‬وعلمه شيخنا أن يقول‪:‬‬
‫اللهم إن كان ابن عربي على ضلل‪ ،‬فالعَّني بلعنتك‪ ،‬فقال ذلك‪ .‬وقال شيخنا‪:‬‬
‫اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعّني بلعنتك‪ .‬وافترقا‪ .‬قال‪ :‬وكان‬
‫المعاند يسكن الروضة 'وسط القاهرة'‪ ،‬فاستضافه شخص من أبناء الجند‬
‫ما على عدم‬ ‫جميل الصورة‪ ،‬ثم بدا له أن يتركهم‪ ،‬وخرج في أول الليل مصم ً‬
‫س بشيٍء مّر‬ ‫المبيت‪ ،‬فخرجوا يشيعونه إلى الشختور 'قارب'‪ ،‬فلما رجع أح ّ‬
‫على رجله‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬مّر على رجلي شيء ناعم فانظروا‪ ،‬فنظروا فلم‬
‫يروا شيًئا‪ .‬وما رجع إلى منزله إل وقد عمي‪ ،‬وما أصبح إل ميًتا‪ .‬وكان ذلك في‬
‫ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة‪ ،‬وكانت المباهلة في رمضان منها‪.‬‬
‫وكان شيخنا عند وقوع المباهلة عّرف من حضر أن من كان مبطل ً في‬
‫المباهلة ل تمضي عليه سنة‪] .‬الجواهر والدرر ‪ ,[1002-3/1001‬وكذلك نقل‬
‫قصة المباهلة صاحب العقد الثمين في تاريخ البلد المين ‪.2/198‬‬
‫محمد الغزالي‪ :‬الفتوحات المكية ينبغي أن تسمى الفتوحات الرومية‪:‬‬
‫قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله‪' :‬إنني ألفت النظر إلى أن المواريث‬
‫الشائعة بيننا تتضمن أموًرا هي الكفر بعينه‪ .‬لقد اطلعت على مقتطفات من‬
‫الفتوحات المكية لبن عربي فقلت‪ :‬كان ينبغي أن تسمى الفتوحات الرومية!‬
‫س بيننا أكثر شًرا من هذا اللغو‪ ..‬يقول ابن‬ ‫فإن الفاتيكان ل يطمع أن يد ّ‬
‫عربي في الباب ‪ 333‬بعد تمهيد طويل‪' :‬إن الصل الساري في بروز أعيان‬
‫الممكنات هو التثليث! والحد ل يكون عنه شيء البتة! وأول العداد الثنان‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ما لم يكن ثالث يربط بعضها ببعض‪ ,‬فحينئذ‬ ‫ول يكون عن الثنين شيء أص ً‬
‫كون‪ ،‬فاليجاد عن الثلثة‪ ,‬والثلثة أول الفراد‪...] .‬لم أقرأ‬ ‫يتكون عنها ما يت ّ‬
‫في حياتي أقبح من هذا السخف‪ ،‬ول ريب أن الكلم تسويغ ممجوج لفكرة‬
‫الثالوث المسيحي‪ ،‬وابن عربي مع عصابات الباطنية والحشاشين الذين‬
‫بذرتهم أوروبا في دار السلم أيام الحروب الصليبية الولى؛ كانوا طلئع هذا‬
‫الغزو الخسيس‪ ،‬ولكن ابن عربي يمضى في سخافاته فيقول – عن عقيدة‬
‫التثليث‪ :-‬من العابدين من يجمع هذا كله في صورة عبادته وصورة عمله‪،‬‬
‫فيسري التثليث في جميع المور لوجوده في الصل!! ويبلغ ابن عربي قمة‬
‫التغفيل عندما يقول‪ :‬إن الله سمى القائل بالتثليث كافًرا أي ساتًرا بيان‬
‫ة{‪ ,‬فالقائل‬‫ث َثلث َ ٍ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬‫حقيقة المر فقال‪} :‬ل َ َ‬
‫بالتثليث ستر ما ينبغي أن يكشف صورته‪ ،‬ولو بّين لقال هذا الذي قلناه!!‬
‫واكتفى الحمق بذكر الجملة الولى من الية‪ ،‬ولم ُيردْفها بالجملة الثانية‪:‬‬
‫د{ وذلك للتلبيس المقصود! هذا الكلم المقبوح‬ ‫ح ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬‫ن إ ِل َهٍ إ ِّل إ ِل َ ٌ‬
‫م ْ‬
‫ما ِ‬
‫}وَ َ‬
‫مى بالتصوف السلمي! وعوام المسلمين وخواصهم‬ ‫موجود فيما يس ّ‬
‫يشعرون بالمصدر النصراني الواضح لهذا الكلم‪] .‬تراثنا الفكري في ميزان‬
‫الشرع والعقل ص ‪.[61 – 60‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرون ابن عربي‬ ‫والعجب بعد ذلك أن د‪ .‬محمد عبد الغفار لما سئل عمن يك ّ‬
‫قال‪' :‬هذا هو التطرف وبذور الرهاب' ]النباء ‪.[18/3/2006‬‬
‫نماذج من كفر ابن عربي‪:‬‬
‫وحدة الوجود أعظم عقيدة في الكفر‪ ,‬وهذه العقيدة التي لم تعرف الرض‬
‫صلها هذا الخبيث في كتابه الفصوص‪ ،‬قد نثرها‬ ‫أكفر ول أفجر منها‪ ,‬والتي ف ّ‬
‫وفرقها في موسوعته الكبيرة الفتوحات المكية‪ ,‬والتي تقع في أربع مجلدات‬
‫كبار كبار‪.‬‬
‫* بدأها في مقدمته بقوله‪' :‬ولما حيرتني هذه الحقيقة أنشدت على حكم‬
‫الطريقة للحقيقة‪:‬‬
‫الرب حق والعبد حق يا ليت شعري من المكلف‬
‫إن قلت عبد فذاك ميت وإن قلت رب أنى يكلف‬
‫فهو يطيع نفسه إذا شاء بخلقه‪ '...‬إلخ‪.‬‬
‫ً‬
‫* ثم فرق هذه العقيدة الكفرية في كتابه هذا قائل‪' :‬وأما عقيدة خاصة‬
‫الخاصة في الله تعالى‪ ...‬جعلناه مبدًدا في هذا الكتاب لكون أكثر العقول‬
‫المحجوبة تقصر‪] .'...‬الفتوحات ‪.[47‬‬
‫* وقال هذا الفاك فيما قال‪ :‬إن الله ل ينّزه عن شيء‪ ،‬لن كل شيء هو‬
‫عينه وذاته‪ ،‬وأن من نزهه عن الموجودات قد جهل الله ولم يعرفه‪ ،‬أي جهل‬
‫ذاته ونفسه‪ ...‬قال‪' :‬اعلم أن التنزيه عن أهل الحقائق في الجانب اللهي‬
‫عين التحديد والتقييد؛ فالمنّزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب'‪] .‬الفصوص‬
‫‪.[86‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫كرا ً‬‫م ْ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫* وقال في وصف نوح‪ :‬لن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو‪} ،‬وَ َ‬
‫ك ُّبارًا{ صلى الله عليه وسلم‪' :‬فأجابوه مكرا ً كما دعاهم‪ ,‬فقالوا في مكرهم‪:‬‬
‫سرًا{‪.‬‬ ‫ث وَي َُعوقَ وَن َ ْ‬ ‫واعا ً َول ي َُغو َ‬‫س َ‬‫ن وَد ّا ً َول ُ‬
‫م َول ت َذ َُر ّ‬ ‫ن آل ِهَت َك ُ ْ‬ ‫}وََقاُلوا ل ت َذ َُر ّ‬
‫فإنهم لو تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلء‪ .‬فإن للحق‬
‫ك أ َّل‬ ‫ضى َرب ّ َ‬ ‫في كل معبود وجًها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله‪} .‬وَقَ َ‬
‫دوا{ أي حكم‪ ,‬فالعالم يعلم من عََبد وفي أي صورة ظهر حتى عُِبد‪ ،‬وإن‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫ه{ والكثرة كالعضاء في الصورة المحسوسة والقوى‬ ‫ّ‬
‫التفريق }إ ِل إ ِّيا ُ‬
‫المعنوية في الصورة الروحانية‪ ،‬فما عبد غير الله في كل معبود'‪] .‬الفصوص‬
‫‪.[72‬‬
‫* ولما جعل هذا الخبيث قوم نوح الذين عبدوا الصنام لم يعبدوا إل الله‪,‬‬
‫قا فلذلك كافأهم الله الذي هم نفسه‪ ,‬فهي التي‬ ‫وأنهم بذلك موحدون ح ً‬
‫م{ وذاته بأن أغرقهم في بحار العلم في الله‪ .‬قال‪:‬‬ ‫طيَئات ِهِ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫خطت بهم } ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خلوا َنارا{ فغرقوا في بحار العلم‬ ‫ت{ في عين الماء }فَأد ْ ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫س ّ‬ ‫حاُر ُ‬ ‫}وَإ َِذا ال ْب ِ َ‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬‫ج ُ‬ ‫بالله‪ ،‬فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى البد }فَل َ ْ‬
‫م يَ ِ‬
‫صارًا{‪] .‬الفصوص ‪.[73‬‬ ‫َ‬
‫الل ّهِ أن ْ َ‬
‫* وقال أيضًا‪' :‬ومن أسمائه العلي‪ :‬على من‪ ،‬وما ثم إل هو‪ ،‬فهو العلي لذاته‬
‫أو عن ماذا؟! وما هو إل هو‪ ،‬فعلوه لنفسه‪ ،‬ومن حيث الوجود فهو عين‬
‫الموجودات‪ ,‬فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليس إل هو'‪] .‬الفصوص‬
‫‪.[76‬‬
‫* وقال‪ :‬ومن عرف ما قررناه في العداد‪ ،‬وأن نفيها عين إثباتها‪ ،‬علم أن‬
‫الحق المنزه هو الخلق المشبه‪ ،‬وإن كان قد تميز الخلق من الخالق‪ .‬فالمر‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخالق المخلوق‪ ،‬والمر المخلوق الخالق‪ .‬كل ذلك من عين واحدة‪ ،‬ل‪ ،‬بل هو‬
‫العين الواحدة وهو العيون الكثيرة‪ .‬فانظر؛ والولد عين أبيه‪ .‬فما رأى يذبح‬
‫ت افْعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫سوى نفسه‪َ} :‬قا َ‬
‫مُر{ ماذا ترى‪ ,‬وفداه بذبح عظيم‪،‬‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬‫ل َ‬ ‫ل َيا أب َ ِ‬
‫فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان‪ .‬وظهر بصورة ولد‪ :‬ل‪ ،‬بل بحكم‪:‬‬
‫جَها{ ولد من هو عين الوالد‪.‬‬ ‫من َْها َزوْ َ‬‫خل َقَ ِ‬ ‫ه‪ .‬اهـ‪} [ .‬وَ َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬‫فما نكح سوى ن ْ‬
‫]الفصوص ‪.[78‬‬
‫ضا‪' :‬فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به‬ ‫* وقال أي ً‬
‫جميع المور الوجودية والنسب العدمية‪ ,‬بحيث ل يمكن أن يفوته نعت منها‪،‬‬
‫عا أو مذمومة عرًفا وعقل ً وشر ً‬
‫عا‪.‬‬ ‫وسواء كانت محمودة عرًفا وعقل ً وشر ً‬
‫وليس ذلك إل لمسمى الله تعالى خاصة'‪] .‬الفصوص ‪.[79‬‬
‫* وهذا الخبيث ل يكذب الرسل فقط في إخبارهم عن الله والغيب‪ ،‬بل يكذب‬
‫ويكابر في المحسوس‪ ,‬فإنه بما زعم في وحدة الوجود وأنه ليس إل الله‪،‬‬
‫مدعًيا أنه هو عين المخلوقات‪ ،‬وبذلك ل يكون هناك فارق بين الملك‬
‫والشيطان والمؤمن والكافر‪ ،‬والحلل والحرام‪ ،‬ومن عبد الشمس والقمر‪،‬‬
‫ومن كفر بعبادة الشمس والقمر‪ ...‬بل ادعى كذلك أن الجنة والنار كليهما‬
‫للنعيم‪ ،‬وأن أهل النار منعمون كما أهل الجنة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم على لذة فيها نعيم مباين‬
‫نعيم جنان الخلد‪ ،‬فالمر واحد وبينهما عند التجلي تباين‬
‫ن‬
‫يسمى عذاًبا من عذوبة طعمه وذاك له كالقشر والقشر صاي ُ‬
‫ول يخجل هذا الفاك من وصف الرب الله سبحانه وتعالى بكل صفات الذم‬
‫حا وفحوى‪ ...‬فهو يصف الجماع بل الوقاع نفسه أنه‬ ‫حا ل إجمال ً وتلمي ً‬ ‫تصري ً‬
‫وا‬
‫دليل هذه الوحدة‪ ،‬فالله عنده هو الطيب والخبيث – تعالى الله عن ذلك عل ً‬
‫كبيًرا – فيقول‪ :‬والعالم على صورة الحق والنسان على الصورتين‪.‬‬
‫وقال‪' :‬ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة‪ ,‬أي غاية الوصلة التي تكون‬
‫في المحبة‪ ،‬فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح‪،‬‬
‫مَر بالغتسال منه‪ ،‬فعمت الطهارة‬ ‫ُ‬
‫ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها‪ ،‬ولذلك أ ِ‬
‫كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة‪ .‬فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد‬
‫أنه يلتذ بغيره‪ ،‬فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه؛ إذ ل يكون‬
‫إل ذلك‪ .‬فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهوًدا في منفعل‪ ،‬وإذا‬
‫شاهده في نفسه ‪ -‬من حيث ظهور المرأة عنه ‪ -‬شاهده في فاعل‪ ،‬وإذا‬
‫ون عنه كان شهوده في‬ ‫شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تك ّ‬
‫منفعل عن الحق بل واسطة‪ .‬فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل؛ لنه‬
‫يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل‪ ،‬ومن نفسه من حيث هو منفعل‬
‫خاصة‪.‬‬
‫فلهذا أحب صلى الله عليه وسلم النساء لكمال شهود الحق فيهن؛ إذ ل‬
‫دا‪ ،‬فإن الله بالذات غني عن العالمين‪ ،‬وإذا‬ ‫يشاهد الحق مجرًدا عن المواد أب ً‬
‫كان المر من هذا الوجه ممتنًعا‪ ،‬ولم تكن الشهادة إل في مادة‪ ،‬فشهود الحق‬
‫في النساء أعظم الشهود وأكمله'‪] .‬الفصوص ‪.[217‬‬
‫ن عربي إل جاهل بحاله‪ ،‬أو من هو على دينه‬ ‫ل يزكي اب َ‬
‫بقلم‪ /‬عبد الرحمن عبد الخالق‬
‫أسلوب ابن عربي في كتاباته‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبنى ابن عربي كتاباته كلها على الثعلبية والمكر والخداع‪ ,‬وذلك بتحريف‬
‫فا معنوًيا للقرآن الكريم والحديث الشريف‪ ،‬والكذب‬ ‫الكلم عن مواضعه تحري ً‬
‫وادعاء العلم اللهي‪ ،‬والرؤى‪ ،‬والطلع على ما لم يطلع عليه أحد من الخلق‬
‫سواه‪ ،‬مع ادعائه العلم والدين والتقوى والصدق‪ ،‬وقد ل يوجد على البسيطة‬
‫كلها من هو أكذب منه‪ .‬ووالله إني عندما أقرأ كتابه وأقارن بين ما قاله‬
‫إبليس في أول أمره عندما امتنع عن السجود لدم‪ ،‬واستكبر وأبى‪ ,‬فلعنه الله‬
‫إلى يوم القيامة‪ } ,‬وإن عليك لعنتي إلى يوم يبعثون‪ { ,‬وبين هذا الكذاب‬
‫الفاك الذي قال عن الله وفي الله ما لم تقله اليهود والنصارى ول مشركو‬
‫ما‪،‬‬
‫العرب والعجم‪ ,‬فأرى أن إبليس في وقت لعن الله له‪ ،‬كان أخف ذنًبا وجر ً‬
‫وإن كان قد أصبح بعد ذلك هو محرك الشرك كله وباعثه‪ ،‬وابن عربي وأمثاله‬
‫سا من غراس إبليس اللعين‪ ,‬فإنهم قد فاقوا بكفرهم وعنادهم‬ ‫وإن كانوا غر ً‬
‫وعتوهم وقولهم العظيم على الله ما لم يقله إبليس‪ ،‬فإن إبليس كان يفّرق‬
‫بين الخالق والمخلوق‪ ،‬وبين الرب الله القوي القاهر‪ ،‬وبين المخلوق الضعيف‬
‫الفقير المحتاج إلى إلهه وموله‪ ،‬وأما ابن عربي هذا ومن على شاكلته فقد‬
‫جعلوا إبليس وجبريل والنبياء والكفار والشقياء‪ ،‬وكل هذه المخلوقات هي‬
‫عين الخالق‪ ,‬وأنه ليس في الوجود غيره‪ ،‬يخلق بنفسه لنفسه‪ ،‬وأنه ليس معه‬
‫غيره‪ ،‬وأن الكفر واليمان‪ ،‬والحلل والحرام‪ ،‬والخت والجنبية‪ ،‬وإتيان النساء‪،‬‬
‫وإتيان الذكور شيء واحد‪ ،‬وكل هذا عين الرب وحقيقته وأفعاله ‪ -‬فتعالى الله‬
‫وا كبيًرا ‪ -‬ونستغفره سبحانه وتعالى من ذكر أقوالهم ونقل‬ ‫عما يقولون عل ً‬
‫كفرهم‪ ،‬ولكننا نفعل ذلك لن هؤلء المجرمين هم عند كثير من الحمقى‬
‫المغفلين والزنادقة المخادعين هم عندهم أولياء الله الصالحين‪.‬‬
‫وقد قام علماء المسلمين الصادقين في كل وقت يردون إفك هؤلء‬
‫المجرمين‪.‬‬
‫ابن تيمية يرد على إفك ابن عربي وعقيدته وحدة الوجود‪:‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله ‪ -‬فيهم‪' :‬حتى يبلغ المر بأحدهم‬
‫إلى أن يهوى المردان‪ ،‬ويزعم أن الرب تعالى تجلى في أحدهم‪ ،‬ويقولون‪ :‬هو‬
‫الراهب في الصومعة؛ وهذه مظاهر الجمال؛ ويقبل أحدهم المرد‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫أنت الله‪ .‬ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه‪ ،‬ويدعي أنه الله رب العالمين‪،‬‬
‫أو أنه خلق السماوات والرض‪ ،‬ويقول أحدهم لجليسه‪ :‬أنت خلقت هذا‪ ،‬وأنت‬
‫هو‪ ،‬وأمثال ذلك‪.‬‬
‫فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطئها الذي تفترشه؛ وعليهم‬
‫لعنة الله والملئكة والناس أجمعين‪ ،‬ل يقبل الله منهم صرفا ً ول عد ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬إن لقول هؤلء سًرا خفًيا وباطن حق‪ ،‬وأنه من الحقائق التي ل‬
‫طلع عليها إل خواص خواص الخلق‪ :‬فهو أحد رجلين – إما أن يكون من كبار‬ ‫ي ّ‬
‫الزنادقة أهل اللحاد والمحال‪ ،‬وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلل‪.‬‬
‫فالزنديق يجب قتله‪ ،‬والجاهل يعرف حقيقة المر‪ ،‬فإن أصر على هذا العتقاد‬
‫الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله‪.‬‬
‫ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة ل يعرفها إل خواص الخلق‪ .‬وهذا السر‬
‫هو أشد كفًرا وإلحاًدا من ظاهره؛ فإن مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد ل‬
‫يفهمه كثير من الناس'‪] .‬الفتاوى ‪.[2/378:379‬‬
‫ضا شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله‪' :-‬وأقوال هؤلء شر من‬ ‫ويقول أي ً‬
‫أقوال اليهود والنصارى‪ ،‬فيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى‪,‬‬
‫ولهذا يقولون بالحلول تارة‪ ،‬وبالتحاد أخرى‪ ،‬وبالوحدة تارة‪ ،‬فهو مذهب‬
‫متناقض في نفسه‪ ،‬ولهذا يلبسون على من لم يفهمه‪ .‬فهذا كله كفر باطًنا‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وظاهًرا بإجماع كل مسلم‪ ،‬ومن شك في كفر هؤلء بعد معرفة قولهم‬


‫ومعرفة دين السلم‪ ,‬فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى'‪.‬‬
‫]الفتاوى ‪.[2/368‬‬
‫ضا‪' :‬ول يتصور أن يثني على هؤلء إل كافر ملحد‪ ،‬أو جاهل ضال'‪.‬‬‫وقال أي ً‬
‫]الفتاوى ‪.[2/367‬‬
‫ولما سئل شيخ السلم عن كتاب فصوص الحكم قال‪' :‬ما تضمنه كتاب‬
‫'فصوص الحكم' وما شاكله من الكلم‪ :‬فإنه كفر باطًنا وظاهًرا؛ وباطنه أقبح‬
‫من ظاهره‪ .‬وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة‪ ،‬وأهل الحلول‪ ،‬وأهل التحاد‪.‬‬
‫قا‪ ،‬كما‬ ‫وهم يسمون أنفسهم المحققين‪ .‬وهؤلء نوعان‪ :‬نوع يقول بذلك مطل ً‬
‫هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله‪ :‬مثل ابن سبعين‪ ،‬وابن‬
‫الفارض‪ ،‬والقونوي والششتري والتلمساني وأمثالهم ممن يقول‪ :‬إن الوجود‬
‫واحد‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن وجود المخلوق هو وجود الخالق‪ ،‬ل يثبتون موجودين خلق‬
‫أحدهما الخر‪ ،‬بل يقولون‪ :‬الخالق هو المخلوق‪ ،‬والمخلوق هو الخالق‪.‬‬
‫ً‬
‫ويقولون‪ :‬إن وجود الصنام هو وجود الله‪ ،‬وإن عّباد الصنام ما عبدوا شيئا إل‬
‫الله‪ .‬ويقولون‪ :‬إن الحق يوصف بجميع ما يوصف به المخلوق من صفات‬
‫النقص والذم‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ويقولون‪ :‬إن عّباد العجل ما عبدوا إل الله‪ ،‬وإن موسى أنكر على هارون‬
‫لكون هارون أنكر عليهم عبادة العجل‪ ،‬وإن موسى كان بزعمهم من العارفين‬
‫الذين يرون الحق في كل شيء‪ ،‬بل يرونه عين كل شيء‪ ،‬وأن فرعون كان‬
‫صادًقا في قوله‪ :‬أنا } ربكم العلى { ‪ ,‬بل هو عين الحق‪ ،‬ونحو ذلك مما‬
‫يقوله صاحب الفصوص‪ .‬ويقول أعظم محققيهم‪ :‬إن القرآن كله شرك؛ لنه‬
‫فّرق بين الرب والعبد؛ وليس التوحيد إل في كلمنا‪.‬‬
‫ما؟!‬ ‫ً‬
‫دا‪ ،‬فلم كانت الزوجة حلل والم حرا ً‬ ‫فقيل له‪ :‬فإذا كان الوجود واح ً‬
‫فقال‪ :‬الكل عندنا واحد‪ ،‬ولكن هؤلء المحجوبين قالوا‪ :‬حرام‪ .‬فقلنا‪ :‬حرام‬
‫عليكم'‪] .‬الفتاوى ‪.[365 :2/364‬‬
‫ضا‪' :‬وقد صّرح ابن عربي وغيره من شيوخهم بأنه هو الذي‬ ‫وقال ابن تيمية أي ً‬
‫يجوع ويعطش‪ ،‬ويمرض ويبول وَينكح وُينكح‪ ،‬وأنه موصوف بكل عيب ونقص؛‬
‫لن ذلك هو الكمال عندهم‪ ،‬كما قال في الفصوص؛ فالعلي بنفسه هو الذي‬
‫يكون له الكمال الذي يستقصى به جميع المور الوجودية‪ ،‬والنسب العدمية‪:‬‬
‫عا‪ ،‬أو مذمومة عرًفا وعقل ً وشر ً‬
‫عا‬ ‫سواء كانت ممدوحة عرًفا وعقل ً وشر ً‬
‫وليس ذلك إل لمسمى الله خاصة'‪] .‬الفتاوى ‪.[2/265‬‬
‫ويعتذر شيخ السلم عن الفاضة في بيان عقيدة هؤلء القوم والتحذير منهم‬
‫ل‪' :‬ولول أن أصحاب هذا القول كثروا وظهروا وانتشروا‪ ،‬وهم عند كثير من‬ ‫قائ ً‬
‫الناس سادات النام‪ ،‬ومشايخ السلم‪ ،‬وأهل التوحيد والتحقيق‪ .‬وأفضل أهل‬
‫الطريق‪ ،‬حتى فضلوهم على النبياء والمرسلين‪ ،‬وأكابر مشايخ الدين‪ :‬لم‬
‫يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه القوال‪ ،‬وإيضاح هذا الضلل‪.‬‬
‫ولكن يعلم أن الضلل ل حد له‪ ،‬وأن العقول إذا فسدت لم يبق لضللها حد‬
‫معقول‪ ،‬فسبحان من فّرق بين نوع النسان؛ فجعل منه من هو أفضل‬
‫العالمين‪ ،‬وجعل منه من هو شر من الشياطين‪ ،‬ولكن تشبيه هؤلء بالنبياء‬
‫والولياء‪ ،‬كتشبيه مسيلمة الكذاب بسيد أولي اللباب‪ ،‬وهو الذي يوجب جهاد‬
‫هؤلء الملحدين‪ ،‬الذين يفسدون الدنيا والدين'‪] .‬الفتاوى ‪.[358 :2/357‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال في وجوب إنكار هذه المقالت الكفرية‪ ،‬وفضح أهلها‪' :‬فهذه المقالت‬
‫وأمثالها من أعظم الباطل‪ ،‬وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها وأنه‬
‫باطل‪ ،‬والواجب إنكارها؛ فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من‬
‫المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى‪ ،‬الذي ل يضل به المسلمون‪،‬‬
‫ل سيما وأقوال هؤلء شر من أقوال اليهود والنصارى وفرعون‪ ،‬ومن عرف‬
‫معناها واعتقدها كان من المنافقين‪ ،‬الذين أمر الله بجهادهم بقوله تعالى‪:‬‬
‫م{‪ ,‬والنفاق إذا عظم كان صاحبه شًرا‬ ‫ظ عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن َواغْل ُ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫فاَر َوال ْ ُ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫جاهِدِ ال ْك ُ ّ‬
‫} َ‬
‫من كفار أهل الكتاب‪ ،‬وكان في الدرك السفل من النار‪.‬‬
‫وليس لهذه المقالت وجه سائغ‪ ،‬ولو ُقدر أن بعضها يحتمل في اللغة معنى‬
‫حا فإنما يحمل عليها إذا لم يعرف مقصود صاحبها‪ ،‬وهؤلء قد عرف‬ ‫صحي ً‬
‫مقصودهم‪ ،‬كما عرف دين اليهود والنصارى والرافضة‪ ،‬ولهم في ذلك كتب‬
‫ضا‪.‬‬
‫مصنفة‪ ،‬وأشعار مؤلفة‪ ،‬وكلم يفسر بعضه بع ً‬
‫وقد علم مقصودهم بالضرورة‪ ،‬فل ينازع في ذلك إل جاهل ل يلتفت إليه‪،‬‬
‫ويجب بيان معناها وكشف مغزاها لمن أحسن الظن بها‪ ،‬وخيف عليه أن‬
‫يحسن الظن بها أو أن يضل‪ ،‬فإن ضررها على المسلمين أعظم من ضرر‬
‫سّراق‬‫السموم التي يأكلونها ول يعرفون أنها سموم‪ ،‬وأعظم من ضرر ال ُ‬
‫والخونة‪ ،‬الذين ل يعرفون أنهم سراق وخونة‪.‬‬
‫فإن هؤلء‪ :‬غاية ضررهم موت النسان أو ذهاب ماله‪ ،‬وهذه مصيبة في دنياه‬
‫قد تكون سبًبا لرحمته في الخرة‪ ،‬وأما هؤلء‪ :‬فيسقون الناس شراب الكفر‬
‫واللحاد في آنية أنبياء الله وأوليائه‪ ،‬ويلبسون ثياب المجاهدين في سبيل‬
‫الله‪ ،‬وهم في الباطن من المحاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ويظهرون كلم الكفار والمنافقين‪ ،‬في قوالب ألفاظ أولياء الله المحققين‪،‬‬
‫قا عدًوا لله'‪.‬‬ ‫فيدخل الرجل معهم على أن يصير مؤمًنا ولًيا لله‪ ،‬فيصير مناف ً‬
‫]الفتاوى ‪.[2/359‬‬
‫شبهات المدافعين عنه‪:‬‬
‫والمدافعون عن ابن عربي إما أن يكونوا جاهلين بحاله‪ ،‬أو هم على شاكلته‬
‫في الكفر والزندقة‪ ,‬ومما دافعوا به عن قولهم‪ :‬إن كلماته وعباراته جاءت‬
‫على وجه الشطح والسكر وغلبة الوجد‪ ،‬أو أنها عبارات دقيقة ومعاني عميقة‬
‫ل يعلمها إل المتخصصون الراسخون في العلم‪ ,‬أو أنها مدسوسة عليه‪ ...‬وكل‬
‫هذه القوال من الكذب والتلبيس‪.‬‬
‫فأما أنها شطح وغلبة سكر‪ ،‬وكتبها في غير صحو ووعي فكذب؛ فإنها كتب‬
‫مدونة‪ ،‬مقسمة البواب منسقة الفصول‪ ,‬مسبوكة العبارة‪ ،‬ومن طالعها لم‬
‫يشك في مكر وخبث مصنفها‪ ,‬وقد مل كل صفحة فيها بكفره‪.‬‬
‫وأما قولهم‪ :‬كتب بلغة ل يفهمها إل أهلها؛ فكذب مبين‪ ،‬فإنها مكتوبة شعًرا‬
‫ن محددة ومفصلة‪ ,‬ظاهرها وباطنها الكفر والزندقة‪،‬‬ ‫ونثًرا بعربية فصيحة بمعا ٍ‬
‫ول يخفى معناها إل على جاهل ل علم له بلغة العرب‪ ،‬وقد علم ما فيها علماء‬
‫السلم ممن قرءوها‪ ،‬وخبروها‪ ،‬وعلموا مراد صاحبها على الحقيقة‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ورحم الله نور الدين البكري الشافعي إذ يجيب على هذه الشبهة بقوله‪' :‬وإن‬
‫كان قائلها لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله ضال بجهله‪ ،‬ول يعذر بتأويله لتلك‬
‫ما ول يعذر بجهله لمعصيته؛‬ ‫اللفاظ إل أن يكون جاهل ً للحكام جهل ً تا ً‬
‫ما عا ً‬
‫لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من يخوض في أمر الرسل ومتبعيهم‪ ,‬أعني معرفة الدب في التعبيرات‪ ,‬على‬
‫أن في هذه اللفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله‪ ،‬بل كلها كذلك‪ ،‬وبتقدير التأويل‬
‫على وجه يصح في المراد فهو كافر بإطلق اللفظ على الوجه الذي‬
‫شرحناه'‪] .‬مصرع التصوف ص ‪.[144‬‬
‫وقال أبو حامد الغزالي‪' :‬فإن اللفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير‬
‫اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل‬
‫العقل اقتضى ذلك بطلن الثقة باللفاظ‪ ,‬وسقط به منفعة كلم الله تعالى‬
‫وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم'‪] .‬إحياء علوم الدين ‪.[1/37‬‬
‫وأما أنها مدسوسة عليه فكذب‪ ،‬وقد شهد معاصروه عليه بها‪ ،‬وما زال‬
‫المدافعون عنه يفخرون بنسبة الفتوحات والفصوص إليه ويمتدحونه بها‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ الديب علي الطنطاوي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬حادثة طريفة في‬
‫معرض رده على من أنكروا عليه بأنه يقول بكفر الكلم الموجود في كتب‬
‫ابن عربي ما نصه‪' :‬أما قوله في أنني ل أعرف شيًئا عن ابن عربي وعن‬
‫عقيدة وحدة الوجود فأخبره ول فخر في ذلك أن الذي جلب كتاب الفتوحات‬
‫من قونيا ونقله من النسخة المكتوبة بخط ابن عربي نفسه والمخطوطة الن‬
‫في قونيا هو‪ :‬جدنا الذي قدم من طنطا إلى دمشق سنة ‪1250‬هـ‪ ,‬فإن كان‬
‫أخطأ فإني أسأل له المغفرة‪ ,‬وإنني قابلت مع عمي الشيخ عبد القادر‬
‫الطنطاوي نسخة الفتوحات المطبوعة على هذا الصل المنقول صفحة‬
‫صفحة‪ ..‬وأنا أستغفر الله على ما أنفقت من عمري في قراءة مثل هذه‬
‫الضللت'‪] .‬منقول من كتاب فتاوى علي الطنطاوي[‪.‬‬
‫ما وراء إحياء أفكار ابن عربي‪:‬‬
‫قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله‪' :‬وفي هذه اليام يوجد تعاون بين قسم‬
‫الدراسات السلمية في السوربون وبين المسئولين عن العلوم والداب‬
‫والفنون عندنا على إخراج كتاب الفتوحات المكية في بضعة وثلثين سفًرا‪،‬‬
‫في نسخ أنيقة فاخرة لتيسير تداولها بين الناس‪ ،‬ولنشر فكر ابن عربي الذي‬
‫تحتاج إليه أوروبا في هذه اليام‪...‬‬
‫والسعي لحياء أفكار ابن عربي جزء من تضليل أمتنا وتعتيم الرؤية أمامها‪ ,‬أو‬
‫هو عرض لدين مائع يسوي بين المتناقضات؛ إذ قلب ابن عربي – كما وصف‬
‫نفسه ‪ -‬دير لرهبان وبيت لنيران وكعبة أوثان‪ ،‬إنه تثليث وتوحيد ونفي‬
‫وإثبات‪ ..‬هذا الكلم الغث هو قرة عين الصليبين وأمثالهم‪ ,‬وهو ما يراد الن‬
‫نشره على أوسع نطاق‪...‬‬
‫إن علماء الزهر في العصر اليوبي أنكروا تفكير هذا الرجل وحكموا بكفره‬
‫وأودع السجن ليلقى جزاءه‪ ,‬لكن أصدقاءه نجحوا في تهريبه'‪] .‬تراثنا الفكري‬
‫‪.[74 :72‬‬
‫وقال الباحث الموسوعي الدكتور عبد الوهاب المسيري‪' :‬العالم الغربي الذي‬
‫يحارب السلم‪ ،‬يشجع الحركات الصوفية‪ .‬ومن أكثر الكتب انتشاًرا الن في‬
‫الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي‪ ,‬وأشعار جلل الدين الرومي‪ .‬وقد‬
‫أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية‬
‫بتشجيع الحركات الصوفية'‪[http://www.elmessiri.com/ar] .‬‬
‫قا ويرزقنا اتباعه‪ ،‬ويرينا الباطل باطل ً‬
‫وفي الختام نسأل الله أن يرينا الحق ح ً‬
‫ويرزقنا اجتنابه‪ ،‬اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات‬
‫والرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون‪,‬‬
‫اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك‪ ،‬إنك تهدي من تشاء إلى صراط‬
‫مستقيم‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫بين عقليتين ونهجين‬


‫تأليف‪ :‬د‪.‬عدنان علي رضا النحوي‬
‫انطلق العقل الغربي في العصور الحديثة من خلل تاريخ طويل استغرق‬
‫قرونا ً ‪ ،‬وتفاعلت فيه عوامل كثيرة وأحداث متعاقبة ‪ ،‬لكنها كلها انطلقت من‬
‫الوثنية اليونانية وما حملت من علم ونظرة خاصة بالفنون والدب ‪ ،‬ونظرة‬
‫خاصة للحياة والكون ‪ ،‬اجتمعت كلها لتكون الفلسفة اليونانية الوثنية ‪.‬‬
‫ولكن لبد أن نسرع فنقول إن هذه الوثنية لم تكن هي أول أمر هذه الشعوب‬
‫‪،‬‬
‫لقد كان أول أمرهم الذي يعنينا هو رسالة اليمان والتوحيد التي ل شك أنها‬
‫بلغتهم كما بلغت كل امة أخرى في التاريخ البشري‪ ،‬فقد بعث الله برحمته‬
‫رسول إلى كل امة أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ‪:‬‬
‫) ولقد بعثنا في كل امة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من‬
‫هدى الله ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف‬
‫كان عاقبة المكذبين ( [ النحل‪]36 :‬‬
‫وكما كان شأن كثير من المم‪ ،‬فقد انحرفت اليونان عن التوحيد وغلبتها‬
‫الوثنية بصورة شديدة ‪ ،‬وعبدوا آلهة ابتدعوها من أنفسهم ‪ ،‬وأقاموا لها‬
‫التماثيل ‪ ،‬ودخلت هذه الوثنية في جميع ميادين حياتهم وتصوراتهم وأدبهم ‪.‬‬
‫ولما قامت دولة الرومان لم يكونوا أهل أدب أو فكر ‪ ،‬فأخذوا كل ذلك عن‬
‫اليونان وأصبح فكرهم وأدبهم امتدادا ً لفكر اليونان وأدبهم ‪ ،‬ولما جاءت‬
‫النصرانية إلى أوروبا اصطدمت بهذه الوثنية الطاغية على الحياة ‪ ،‬وعانى‬
‫رجال النصرانية معاناة شديدة مدة تزيد على ثلثمائة سنة‪ ،‬أمكن بعدها‬
‫التفاهم مع "قسطنطين" على أن يعينوه على الوصول إلى سدة‬
‫المبراطورية الرومانية‪ ،‬مقابل تنازلت ومقابل رفع الذى عنهم ‪.‬‬
‫خلل هذه المدة تأثرت النصرانية بالوثنية ‪ ،‬ووقع خلف بين النصرانيين‬
‫أنفسهم ‪ ،‬فريق يدعو إلى عقيدة التثليث وفريق يرى أن عيسى عليه السلم‬
‫ن رسول من عند الله‪ ،‬ونالت طائفة التثليث‬ ‫ليس ابن الله ول شبيها لله ‪ ،‬ولك ْ‬
‫الدعم من الدولة ‪ ،‬وأخذت بعض طقوسها من الوثنية الرومانية ‪ ،‬وبدأت‬
‫التساهل مع النصرانية الجديدة التي انحرفت عن رسالة عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وفي سنة ‪311‬م وقع المبراطور جاليريوس مع ثلثة آخرين بإعطاء‬
‫حرية العبادة للنصارى ‪.‬‬
‫ولما أصبح قسطنطين الول )‪337 – 280‬م ( هو المبراطور اعترف بالدين‬
‫الجديد ‪ ،‬الذي لم يكن لديه النص الرباني الصلي الذي جاء به عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وإنما كان ما تناقله أتباعه وما دّونه علماؤه بعد عيسى عليه السلم‬
‫بزمن غير قصير ‪.‬‬
‫دعا المبراطور قسطنطين رجال الكنيسة إلى اجتماع في " نيقية ‪" Nicaea‬‬
‫سنة ‪325‬م في محاولة لتصفية النزاع بينهم وبين الريوسيين الذين يقولون‬
‫بأن عيسى عليه السلم ليس مشابها ً لله في الجوهر‪ ،‬والذين ينتسبون إلى‬
‫آريوس السكندرية )ت‪326:‬م( ولكن المجمع المنعقد في "نيقيه" أصدر‬
‫قرارا ً يتبنى الطبيعة الثلثية لعيسى عليه السلم ) ‪ ( trinity‬وتسمى هذه"‬
‫بعقيدة نيسين ‪. " Nicene Creed‬‬
‫ً‬
‫هذه العقيدة كانت نتيجة التأثر بالتصورات الوثنية تأثرا انحرف بها عن التوحيد‬
‫الخالص الذي جاء به عيسى عليه السلم ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولما جاء المبراطور ثيودوسيس ) ‪ ( 395 – 346‬فرض الكنيسة الكاثوليكية‬


‫في جميع المبراطورية ‪ ،‬وفرض القرار النيسيني والتطور الثلثي لطبيعة‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ،‬ولنهاء الصراع مع الريوسيين دعا إلى لقاء كنسي‬
‫مي فيما بعد "المجمع العالمي ‪ " Ecumenical council‬سنة ‪381‬م في‬ ‫س ّ‬‫ُ‬
‫مدينة القسطنطينية‪ ،‬وأقر هذا المجمع التصور الثلثي والعقيدة النيسينية‪،‬‬
‫وأخذ في مطاردة الريوسيين واعتبرهم هراطقة ‪.‬‬
‫لقد انتهى الصراع بين الوثنية والنصرانية إلى قيام الكنيسة الكاثوليكية التي‬
‫تتبنى العقيدة النيسينية وتطور الطبيعة الثلثية لعيسى عليه السلم ‪ ،‬والتي‬
‫أصبح مذهب المبراطورية الرومانية كلها ‪ ،‬وأصبح للكنيسة سلطان كبير على‬
‫السلطة المدنية ‪.‬‬
‫وبدأ صراع جديد بين الكنيسة والسلطة الزمنية من ناحية ‪ ،‬وصراع بين‬
‫الكنيسة والعلماء امتد زمنا ً غير قليل ‪ ،‬ولقد حملت هذه الحداث كلها امتداد‬
‫التأثير الواضح للوثنية اليونانية في عصور أوروبا المختلفة ‪ :‬العصور الوسطى‬
‫‪ ،‬أو عصر الظلمات ‪ ،‬عصر النهضة ‪ ،‬عصر التنوير ‪ ،‬والعصر الحديث ‪ ،‬وامتد‬
‫التأثير إلى أعماق الفكر الوروبي ‪ ،‬وكان من أهم آثار هذا الصراع الممتد أن‬
‫برزت العلمانية في أوروبا تحمل الرغبة الحاسمة للتحلل من الدين وعزله‬
‫عن حياة المجتمع ‪ ،‬وحصره بين جدران الكنيسة ‪ ،‬ولقد حمل هذا التجاه َ عدٌد‬
‫غير قليل من الفلسفة الوروبيين ‪ ،‬واستقّرت العلمانية في العالم الغربي‬
‫ة‬
‫جه الفكَر والدب والخلق ‪ ،‬والسياسة والقتصاد ‪ ،‬وأعطت الحرية الفردي َ‬ ‫تو ّ‬
‫طل القرار الذي يتخذه القادة‬ ‫تفّلتا ً واسعا ً في الجنس ‪ ،‬وحرية في الرأي ل تع ّ‬
‫بين الكواليس ‪ ،‬ويستغلون الدين كلما احتاجوا إليه ‪.‬‬
‫وقد جعلت العلمانية رأس المر كله ومدار اهتمامهم الول هو المصالح‬
‫المادية الدنيوية الخاصة‪ ،‬فمن أجلها تدور الحروب أوالسلم ‪ ،‬والوفاق أو‬
‫الشقاق ‪،‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولكن هذه الشعارات كانت تغلف بشعارات عامة مزخرفة كالديمقراطية‬


‫والحرية وحقوق النسان ومساواة الرجل بالمرأة وغير ذلك ‪.‬‬
‫إل أن الديمقراطية في حقيقتها لم تشهد إل ّ الحروب التي تشعلها المصالح‬
‫الخاصة والتنافس عليها واستغلل الشعوب بالغراء أو القوة والبطش ‪ ،‬ول‬
‫أظن أن تاريخ البشرية شهد استبدادا ً اشد من استبداد السلحة المدمرة‬
‫الفتاكة التي تطلقها أمريكا على أجزاء كبيرة من العالم لفرض ما تسميه "‬
‫الديمقراطية والحرية " ‪ ،‬ثم ل تجد إل الخداع والكذب ‪ ،‬والشلء والجماجم ‪.‬‬
‫در الله أن‬
‫من خلل مسيرة العقل الوروبي والغربي مع مسيرة العلمانية ق ّ‬
‫ينهض الغرب بنهضة علمية وصناعية كبيرة ‪ ،‬زودتهم بالقوة المادية الكبيرة‬
‫والسلح المدمر ‪ ،‬وكان أساس هذا التطور ما أخذوه عن المسلمين عندما‬
‫كان المسلمون في أوج تطورهم وازدهارهم العلمي ‪ ،‬وأوروبا في ظلل‬
‫الجهل ‪.‬‬
‫در الله أن يقع المسلمون في غفوة طويلة وغفلة كبيرة‬ ‫وفي الوقت نفسه ق ّ‬
‫من خلل تاريخ طويل من النحراف ‪.‬‬
‫ط في ظلمات الجهل والتخلف ‪ ،‬كان المسلمون هم‬ ‫وعندما كانت أوروبا تغ ّ‬
‫قادة العالم بالعلم في ميادينه المختلفة ‪ ،‬وقدموا العلم ونشروه مع نشر‬
‫رسالتهم ودينهم حيثما امتدوا ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫برزت عبقريات المسلمين في شتى أنواع العلوم كالرياضيات والطبيعيات‬


‫ن العمارة وغيرها‬ ‫والطب والفلك والجغرافية ‪ ،‬والكتشافات الجغرافية ‪ ،‬وف ّ‬
‫من العلوم ‪.‬‬
‫كانت العبقريات قد انطلقت من السلم من اليمان ‪ ،‬من جميع الشعوب‬
‫السلمية ‪ ،‬لتخدم البشرية كلها نورا ً وهداية ‪ ،‬وعلما وعدالة ‪ ،‬وحرية ومساواة‬
‫‪.‬‬
‫مهما وقعت انحرافات أو أخطاء في مسيرة المسلمين ‪ ،‬فإنها لم تصل ابدآ‬
‫إلى ما بلغه الغرب من إفناء وتدمير ووحشية ‪ ،‬لقد كان السلم يكبح نزعات‬
‫الفتك الجرامي ‪ ،‬ولقد وجدت الشعوب التي دخلها السلم عدالة لم تعهدها‬
‫في تاريخها ‪ ،‬وحرية كريمة منضبطة تسود الجميع ‪ ،‬ودينا ً يجمع البشرية كلها‬
‫في ظلل السلم وأنداء اليمان‪ ،‬ويضع الحقوق الصادقة لكل فئة أو طائفة ‪،‬‬
‫لينسجم الجميع تحت حكم السلم وشريعة الله الحق ‪.‬‬
‫لقد جمع السلم شعوبا ً مختلفة الجناس واللغات لول مرة في التاريخ‬
‫البشري ‪ ،‬عندما أعاد النسان إلى الفطرة التي فطره الله عليها ‪ ،‬إلى حقيقة‬
‫الفطرة السليمة غير المشوهة أو المنحرفة ‪.‬‬
‫فانطلقت قوى الشعوب كلها منسجمة متآلفة ‪ ،‬وجمع السلم بذلك طاقات‬
‫الشعوب ومواهبها بعد أن آمنت وأسلمت لله رب العالمين ‪ ،‬وبعد أن ذابت‬
‫العصبيات الجاهلية من حزبية أو عائلية أو قومية ‪ ،‬وبعد أن وجد كل شعب أنه‬
‫آمن ‪ ،‬ينال حقوقه كما تناله الشعوب الخرى ‪ ،‬على ميزان رباني عادل‬
‫أمين ‪.‬‬
‫فانطلقت بذلك الحضارة السلمية تصب فيها مواهب الشعوب كلها‬
‫ف ‪ ،‬تقودها عقلية إسلمية‬ ‫وقدراتها ‪ ،‬وخيرات بلدها في مجرى واحد صا ٍ‬
‫صاغها القرآن الكريم وسّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عقلية تنطلق‬
‫من الفطرة السليمة التي أعاد السلم الناس إليها ‪.‬‬
‫هذه الحضارة السلمية ‪ ،‬ليست حضارة شعب واحد ول حضارة بيئة واحدة ‪،‬‬
‫إنها حضارة الشعوب كلها ‪ ،‬الشعوب التي تآلفت على السلم فطرةً وإيمانا ً‬
‫وتوحيدا ً ‪ ،‬وعلما ً بمنهاج الله ‪ ،‬وصراطا ً مستقيما ً واحدا ً ‪ ،‬يجمع الناس كلهم‬
‫ل عنها مؤمن ‪ ،‬وعلى تفّرده بأنه سبيل واحد ل‬ ‫على استقامته التي ل يض ّ‬
‫سبل شّتى ‪ ،‬فلن يختلف عليه المؤمنون ‪.‬‬
‫هذه الحضارة وهذه العقلية تميزت أيضا بأنها جمعت المؤمنين كّلهم على‬
‫مدار التاريخ البشري أمة واحدة‪ ،‬على أسس واحدة وحق واحد ‪.‬‬
‫فسورة النبياء ‪ ،‬بعد أن تستعرض مسيرة عدد من النبياء والرسل عليهم‬
‫السلم‪ ،‬وتبّين أّنهم كلهم كانوا يدعون إلى دين واحد هو السلم ‪ ،‬ولعبادة رب‬
‫واحد هو الله الذي ل اله إل هو‪ ،‬تختم السورة الكريمة هذا العرض بالية‬
‫الكريمة‪:‬‬
‫) إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ( [ النبياء‪]92 :‬‬
‫ويتكرر هذا المشهد العظيم في سورة " المؤمنون " ‪ ،‬حيث تستعرض‬
‫السورة مسيرة الرسل والنبياء الذين دعوا إلى دين واحد هو السلم ‪ ،‬وِإلى‬
‫عبادة رب واحد هو الله ‪ ،‬تختم هذا العرض والمشهد بقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ‪ ،‬وإن‬
‫هذه ُأمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون( [ المؤمنون‪] 52-51 :‬‬
‫هذه هي معركة التاريخ البشري تدور بين عقليتين ونهجين ‪ :‬عقلية تنطلق من‬
‫الفطرة السليمة ‪ ،‬ونهج رباني من عند الله على سبيل واحد وصراط مستقيم‬
‫‪ ،‬تتلقاه الفطرة السليمة باليمان والتباع ‪ ،‬وعقلية تنطلق من عواطف‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الهواء وصراع المصالح ‪ ،‬ومناهج بشرية تتلون من أرض إلى أرض ‪ ،‬ومن‬
‫مصلحة مادية إلى مصلحة ‪ ،‬فيصارع بعضها بعضا ٍ ‪ ،‬ك ّ‬
‫ل يغلف أهواءه‬
‫ومصالحه بزخارف كاذبة وزينة خادعة ‪ ،‬سرعان ما يكشف الواقع كذبها‬
‫وخداعها ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من هنا يعتبر السلم أن الحقّ الول للنسان هو حماية فطرته التي فطره‬
‫وث أو تنحرف ‪ ،‬وجعل هذه الحماية‬ ‫الله عليها ‪ ،‬حمايتها من أن تفسد أو تل ّ‬
‫مسؤولية الوالدين أول ً في السرة والبيت ‪ ،‬ثم مسؤولية المة كلها بمختلف‬
‫مؤسساتها‪ ،‬ابتداًء من المدارس والمسجد وامتدادا ً إلى سائر المؤسسات ‪،‬‬
‫ولنتدّبر هذه اليات الكريمة تعرض لنا خطورة أمر الفطرة ‪:‬‬
‫) فأقم وجهك للدين حنيفا ً فطرة الله التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق‬
‫الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون ( [ الروم‪] 30 :‬‬
‫ولنتدبر حديث رسول الله ‪ r‬يرويه أبو هريرة رضي الله عنه ‪:‬‬
‫) ما من مولود إل ّ يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ‪،‬‬
‫كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ‪ ،‬هل تحس فيها من جدعاء (‬
‫] أخرجه الشيخان وأبو داود ‪ ،‬صحيح الجامع الصغير‪[ 5784:‬‬
‫هذه القضية ‪ ،‬قضية الفطرة وحمايتها ‪ ،‬أهملتها جميع المؤسسات التي ّتدعي‬
‫أنها ترعى حقوق النسان ‪ ،‬وأهملتها نظريات التربية المادية المختلفة ‪ ،‬وأنى‬
‫لهذه المؤسسات كلها بعد هذا الهمال أن تصدق في رعاية حقوق النسان ‪،‬‬
‫أو في تربيته وتعليمه وبنائه ‪.‬‬
‫بعد إهمال الفطرة وحمايتها ‪ ،‬ستخرج عقليات مختلفة متعددة متناقضة‬
‫رج هذه العقليات تبعا ً لذلك مناهج شّتى وسبل ً شّتى‬ ‫مضطربة ‪ ،‬وسُتخ ِ‬
‫ومصالح شتى يدور بينها الصراع ‪ ،‬ليمثل هذا الصراع الجزء الكبر من التاريخ‬
‫البشري بين بحار من الدماء وأكوام هائلة من الجماجم والشلء ‪.‬‬
‫ولذلك كانت هذه العقلية ومنهجها منذ بدايتها التي أشرنا إليها في الوثنية‬
‫اليونانية ‪ ،‬قد أهملت فطرة النسان وأهملت حمايتها في مسيرة طويلة حتى‬
‫يومنا هذا‪.‬‬
‫ويبين الله لنا هذا الختلف الواسع بين هذين النهجين والعقليتين بقوله‬
‫سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫ً‬
‫) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله‬
‫ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون( [ النعام‪] 153 :‬‬
‫ل شتى ودروب معوجة‪،‬هنا‬ ‫فهنا صراط مستقيم وسبيل واحد ‪ ،‬وهناك سب ٌ‬
‫يلتقي الناس على دين واحدٍ و إيمان وتوحيد ‪ ،‬وشريعة واحدة تنظم الحياة‬
‫كلها وتبين الحقوق والواجبات والحدود ‪ ،‬وهناك يلتقي الناس على مصالح‬
‫ويفترقون عليها ‪ ،‬وعلى شرائع شتى ل تلتقي إل ّ على فتنة وفساد يخفونها‬
‫تحت زخارف من شعارات الحرية والديمقراطية وغير ذلك ‪.‬‬
‫تسعى أمريكا اليوم حسب دعوة بوش إلى جمع الناس على ما تسميه‬
‫الديمقراطية ‪ ،‬وما تدعيه من حرية ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وفي هذه وتلك ل يوجد من حقيقة ثابتة إل الزخرف الذي سرعان ما ينكشف‬
‫عن أقسى ما عرفته البشرية من مآس نشاهدها جلّية في بقاع متعددة من‬
‫الرض‪،‬‬
‫أنى التفتنا ل نجد إل ّ الطماع الهائجة المتصارعة التي ل يكون اللقاء معها إل ّ‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقاًء آن ًّيا قد ينقلب بعد حين إلى عداء و صراع ‪.‬‬


‫فل يمكن لدعوة الديمقراطية ول الشتراكية ول العلمانية ‪ ،‬مهما زينوها‬
‫بالزخارف أن تجمع الشعوب كلها ‪ ،‬وإن جمعت أحدا ً فإنها تجمعه تحت قهر‬
‫القوة الجبارة والسلح المدمر ليكون جمعا ً آنّيا ‪.‬‬
‫ل يمكن أن تجتمع البشرية إل ّ على الحق البين ‪ ،‬إل ّ على دين الله الحق ‪ ،‬دين‬
‫وه وصدقه ‪ ،‬فهو النهج الوحيد لدى البشرية كلها ‪ ،‬النهج‬ ‫السلم بجلئه وسم ّ‬
‫الذي يمكن أن يجمعها لتجد في ظلله العدالة المينة غير المزيفة ‪ ،‬والحقوق‬
‫الصادقة لكل إنسان ‪ :‬للرجل والمرأة والتوازن الدقيق بين الحقوق‬
‫والواجبات ‪ ،‬والحرية المنضبطة للرجل والمرأة ‪ ،‬للناس كافة ‪.‬‬
‫إنه النهج الوحيد الذي يضع المرأة في ميادينها الحقيقية ‪ ،‬والرجل في ميادينه‬
‫الحقيقية ‪ ،‬ويبني المجتمع على نظام دقيق ‪ ،‬يعرف الرجل فيه مكانه والمرأة‬
‫مكانها ‪ ،‬ويعرف الجميع ميادين التعاون ‪ ،‬عندما تعرف المرأة دينها وتؤمن به‬
‫ل حدوده‬ ‫وتخضع له ‪ ،‬ويعرف الرجل دينه ويؤمن به ويخضع له ‪ ،‬سيعرف ك ّ‬
‫على صورة تتكامل فيها الجهود ‪.‬‬
‫أما إذا غلب الجهل وثار الهوى ‪ ،‬فتصدر عندئذ الفتاوى والراء والجتهادات‬
‫مضطربة متناقضة ل تخضع إلى ميزان أمين ‪ ،‬وتنحرف الراء حتى تطلب‬
‫المرأة أن تتساوى مع الرجل في كل نشاطاته ‪ ،‬وربما ينقلب الوضع فيصبح‬
‫الرجل يطلب المساواة بالمرأة ‪ ،‬يسعى كثير من المفسدين في الرض أن‬
‫يحرفوا دين الله ويؤّولوه ‪ ،‬حتى يكاد يصبح دينا ً جديدا ً منبت الصلة عن دين‬
‫الله ‪.‬‬
‫وسيدرك بعض المسلمين الذين يدعون إلى شعار مساواة المرأة بالرجل ‪،‬‬
‫عاجل ً أم آجل ً ‪ ،‬أنهم ِإنما يدعون إلى هلك المرأة وهلك الرجل وهلك‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫ومهما حاول المفسدون والضعفاء أن يغيروا في دين الله فإن الله قد تعهد‬
‫بحفظ دينه ولغة دينه‪ ،‬وإنما هي سنن لله في هذه الحياة الدنيا ‪ُ ،‬يبتلى بها‬
‫حص حتى تقوم الحجة له أو عليه يوم القيامة ‪.‬‬ ‫النسان وُيم ّ‬
‫ولحكمة يريدها الله جعل من أوجه البتلء والتمحيص في هذه الحياة الدنيا‬
‫بروز المفسدين والمجرمين ‪ ،‬ليميز الله الخبيث من الطيب ‪ ،‬فكم من الناس‬
‫يخفون الوهن والنحراف في صدورهم ‪ ،‬فتأتي سنن الله فتكشف هؤلء وما‬
‫يحملون وما يخفون ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إننا نعيش اليوم في مرحلة من مراحل التاريخ البشري ‪ ،‬يقف فيها‬


‫المسلمون موقف الوهن والضعف والهوان ‪ ،‬والمجرمون في الرض ملكوا‬
‫القوة القاهرة والتطور المادي الكبير ‪ ،‬على تخلف خطير في قيم الدين ‪،‬‬
‫وعلى كبر واستكبار ‪.‬‬
‫خرا للنسان‪ ،‬لكل‬ ‫وفي الوقت نفسه جعل الله ما في السماوات والرض مس ّ‬
‫من يسعى ويبذل ‪ ،‬ويظل السعي والبذل باب ابتلء واختبار ‪ ،‬الميدان مفتوح‬
‫للجميع ‪ ،‬للمؤمنين وغير المؤمنين ‪ ،‬كل يجني ثمرة سعيه ‪:‬‬
‫) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الرض وأسبغ عليكم‬
‫نعمة ظاهرة وباطنه ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ول هدى ول‬
‫كتاب منير(‪ [ ،‬لقمان‪] 20 :‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ولول أن يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا ً‬
‫من فضة ومعارج عليها يظهرون ‪ ،‬ولبيوتهم أبوابا وسررا ً عليها يتكئون ‪،‬‬
‫وزخرفا ً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والخرة عند ربك للمتقين( [‬
‫الزخرف‪] 35 – 33 :‬‬
‫فالمؤمنون يسعون في الحياة الدنيا ‪ ،‬أو يجب أن يسعوا ‪ ،‬ليمتلكوا القوة من‬
‫ف في‬ ‫خِلقوا للوفاء بها ‪ ،‬وليس لزخر ٍ‬‫العتاد والعلم ‪ ،‬ليوفوا بالمانة التي ُ‬
‫الحياة الدنيا ومتاعها ‪ ،‬إن المؤمنين يحملون أمانة عظيمة في الرض ول بد‬
‫أن تكون في يدهم أسباب القوة والمنعة‪ ،‬ليبّلغوا دين الله للناس كافة كما‬
‫ُأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولتكون كلمة الله هي العليا ‪،‬‬
‫وشرعه هو الذي يحكم ‪ ،‬ليأخذ كل إنسان حقه العادل ويقف عند حدوده‬
‫العادلة ‪ ،‬وأما المجرمون في الرض فيسعون ليمتلكوا القوة من عتاد وعلم ‪،‬‬
‫ليفسدوا في الرض ‪ ،‬ويعتدوا ويظلموا ‪ ،‬وينهبوا ويقتلوا ‪ ،‬ظلما وعدوانا ً ‪.‬‬
‫) فلول كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الرض إل ّ‬
‫قليل ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين([ هود‬
‫‪] 116 :‬‬
‫أيها الناس إنكم تحملون أمانة عظيمة فانهضوا إليها ‪ ،‬واصدقوا الله في‬
‫أمركم كله ‪ ،‬وكونوا صفا واحدا ً لتوفوا بأمانتكم ‪ ،‬ول عذر لكم أن تقولوا إن‬
‫كنكم الله من القوة ما آمنتم‬ ‫المجرمين يملكون القوة ‪ ،‬فانهضوا واصدقوا يم ّ‬
‫وأطعتم وصدقتم ‪:‬‬
‫)إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ( [ غافر‪:‬‬
‫‪] 51‬‬
‫) وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين( [ الصف‪] 13 :‬‬
‫قا ً علينا نصر المؤمنين ( [ الروم‪]47:‬‬ ‫)‪ ...‬وكان ح ّ‬
‫أيها المسلمون كونوا مؤمنين ينصركم الله ‪:‬‬
‫منوا بالله ورسوله والكتاب الذي نّزل على رسوله ‪[ (....‬‬ ‫منوا آ ِ‬
‫) يا أيها الذين آ َ‬
‫النساء‪]136 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫جين‬ ‫بين عقلّيتين ونه َ‬


‫د‪ .‬عدنان علي رضا النحوي ‪13/8/1426‬‬
‫‪17/09/2005‬‬
‫انطلق العقل الغربي في العصور الحديثة من خلل تاريخ طويل استغرق‬
‫قرونًا‪ ،‬وتفاعلت فيه عوامل كثيرة وأحداث متعاقبة‪ ،‬لكنها كلها انطلقت من‬
‫الوثنية اليونانية‪ ،‬وما حملت من علم ونظرة خاصة بالفنون والدب‪ ،‬ونظرة‬
‫ون الفلسفة اليونانية الوثنية‪.‬‬ ‫خاصة للحياة والكون‪ ،‬اجتمعت كلها لتك ّ‬
‫ولكن لبد أن نسرع فنقول‪ :‬إن هذه الوثنية لم تكن هي أول أمر هذه‬
‫الشعوب‪.‬‬
‫قد كان أول أمرهم الذي يعنينا هو رسالة اليمان والتوحيد التي ل شك أنها‬
‫بلغتهم كما بلغت كل أمة أخرى في التاريخ البشري‪ ،‬فقد بعث الله برحمته‬
‫رسول ً إلى كل أمة أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت‪:‬‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ت فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫غو َ‬‫طا ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫سول ً أ ِ‬
‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫مةٍ َر ُ‬
‫لأ ّ‬ ‫)وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ضلل َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ال ّ‬
‫ف‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ة فَ ِ‬ ‫ق ْ‬
‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫دى الل ّ ُ‬‫هَ َ‬
‫ن([ النحل‪]36 :‬‬ ‫َ‬
‫مكذ ِّبي َ‬ ‫ْ‬
‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬
‫كا َ‬‫َ‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكما كان شأن كثير من المم‪ ،‬فقد انحرفت اليونان عن التوحيد وغلبتها‬
‫الوثنية بصورة شديدة‪ ،‬وعبدوا آلهة ابتدعوها من أنفسهم‪ ،‬وأقاموا لها‬
‫وراتهم وأدبهم‪.‬‬‫التماثيل‪ ،‬ودخلت هذه الوثنية في جميع ميادين حياتهم وتص ّ‬
‫ولما قامت دولة الرومان لم يكونوا أهل أدب أو فكر‪ ،‬فأخذوا كل ذلك عن‬
‫اليونان‪ ،‬وأصبح فكرهم وأدبهم امتدادا ً لفكر اليونان وأدبهم‪ ،‬ولما جاءت‬
‫النصرانية إلى أوروبا اصطدمت بهذه الوثنية الطاغية على الحياة‪ ،‬وعانى‬
‫رجال النصرانية معاناة شديدة مدة تزيد على ثلثمائة سنة‪ ،‬أمكن بعدها‬
‫التفاهم مع "قسطنطين" على أن يعينوه على الوصول إلى سدة‬
‫المبراطورية الرومانية‪ ،‬مقابل تنازلت‪ ،‬ومقابل رفع الذى عنهم‪.‬‬
‫خلل هذه المدة تأثرت النصرانية بالوثنية‪ ،‬ووقع خلف بين النصرانيين‬
‫أنفسهم‪ ،‬فريق يدعو إلى عقيدة التثليث‪ ،‬وفريق يرى أن عيسى عليه السلم‬
‫ن رسول من عند الله‪ ،‬ونالت طائفة التثليث‬ ‫ليس ابن الله ول شبيها لله‪ ،‬ولك ْ‬
‫الدعم من الدولة‪ ،‬وأخذت بعض طقوسها من الوثنية الرومانية‪ ،‬وبدأت‬
‫التساهل مع النصرانية الجديدة التي انحرفت عن رسالة عيسى عليه السلم‪،‬‬
‫وفي سنة ‪311‬م وقع المبراطور جاليريوس مع ثلثة آخرين بإعطاء حرية‬
‫العبادة للنصارى‪.‬‬
‫ولما أصبح قسطنطين الول )‪337 – 280‬م ( هو المبراطور اعترف بالدين‬
‫الجديد‪ ،‬الذي لم يكن لديه النص الرباني الصلي الذي جاء به عيسى عليه‬
‫السلم‪ ،‬وإنما كان ما تناقله أتباعه وما دّونه علماؤه بعد عيسى عليه السلم‬
‫بزمن غير قصير‪.‬‬
‫دعا المبراطور قسطنطين رجال الكنيسة إلى اجتماع في "نيقية ‪" Nicaea‬‬
‫سنة ‪325‬م في محاولة لتصفية النزاع بينهم وبين الريوسيين الذين يقولون‬
‫بأن عيسى عليه السلم ليس مشابها ً لله في الجوهر‪ ،‬والذين ينتسبون إلى‬
‫آريوس السكندرية )ت‪326:‬م(‪ ،‬ولكن المجمع المنعقد في "نيقيه" أصدر‬
‫قرارا ً يتبنى الطبيعة الثلثية لعيسى عليه السلم )‪ (trinity‬وتسمى هذه"‬
‫بعقيدة نيسين ‪. "Nicene Creed‬‬
‫ً‬
‫هذه العقيدة كانت نتيجة التأثر بالتصورات الوثنية تأثرا انحرف بها عن التوحيد‬
‫الخالص الذي جاء به عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫ولما جاء المبراطور ثيودوسيس ) ‪ ( 395 – 346‬فرض الكنيسة الكاثوليكية‬
‫في جميع المبراطورية‪ ،‬وفرض القرار النيسيني‪ ،‬والتطور الثلثي لطبيعة‬
‫عيسى عليه السلم‪ ،‬ولنهاء الصراع مع الريوسيين دعا إلى لقاء كنسي‬
‫مي فيما بعد "المجمع العالمي ‪ " Ecumenical council‬سنة ‪381‬م في‬ ‫س ّ‬
‫ُ‬
‫مدينة القسطنطينية‪ ،‬وأقر هذا المجمع التصور الثلثي والعقيدة النيسينية‪،‬‬
‫وأخذ في مطاردة الريوسيين واعتبرهم هراطقة‪.‬‬
‫لقد انتهى الصراع بين الوثنية والنصرانية إلى قيام الكنيسة الكاثوليكية التي‬
‫تتبنى العقيدة النيسينية‪ ،‬وتطور الطبيعة الثلثية لعيسى عليه السلم‪ ،‬والذي‬
‫أصبح مذهب المبراطورية الرومانية كلها‪ ،‬وأصبح للكنيسة سلطان كبير على‬
‫السلطة المدنية‪.‬‬
‫وبدأ صراع جديد بين الكنيسة والسلطة الزمنية من ناحية‪ ،‬وصراع بين‬
‫الكنيسة والعلماء امتد زمنا ً غير قليل‪ ،‬ولقد حملت هذه الحداث كلها امتداد‬
‫التأثير الواضح للوثنية اليونانية في عصور أوروبا المختلفة‪ :‬العصور الوسطى‪،‬‬
‫أو عصر الظلمات‪ ،‬عصر النهضة‪ ،‬عصر التنوير‪ ،‬والعصر الحديث‪ ،‬وامتد التأثير‬
‫إلى أعماق الفكر الوروبي‪ ،‬وكان من أهم آثار هذا الصراع الممتد أن برزت‬
‫العلمانية في أوروبا تحمل الرغبة الحاسمة للتحلل من الدين وعزله عن حياة‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجتمع‪ ،‬وحصره بين جدران الكنيسة‪ ،‬ولقد حمل هذا التجاه َ عدد ٌ غير قليل‬
‫جه الفكَر‬ ‫من الفلسفة الوروبيين‪ ،‬واستقّرت العلمانية في العالم الغربي تو ّ‬
‫ة تفّلتا ً واسعا ً‬
‫والدب والخلق‪ ،‬والسياسة والقتصاد‪ ،‬وأعطت الحرية الفردي َ‬
‫طل القرار الذي يتخذه القادة بين‬ ‫في الجنس‪ ،‬وحرية في الرأي ل تع ّ‬
‫الكواليس‪ ،‬ويستغلون الدين كلما احتاجوا إليه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد جعلت العلمانية رأس المر كله ومدار اهتمامهم الول هو المصالح‬
‫المادية الدنيوية الخاصة‪ ،‬فمن أجلها تدور الحروب أوالسلم‪ ،‬والوفاق أو‬
‫الشقاق‪.‬‬
‫ولكن هذه الشعارات كانت تغلف بشعارات عامة مزخرفة كالديموقراطية‬
‫والحرية وحقوق النسان ومساواة الرجل بالمرأة وغير ذلك‪.‬‬
‫إل أن الديموقراطية في حقيقتها لم تشهد إل ّ الحروب التي تشعلها المصالح‬
‫الخاصة والتنافس عليها واستغلل الشعوب بالغراء أو القوة والبطش‪ ،‬ول‬
‫أظن أن تاريخ البشرية شهد استبدادا ً أشد من استبداد السلحة المدمرة‬
‫الفتاكة التي تطلقها أمريكا على أجزاء كبيرة من العالم لفرض ما تسميه "‬
‫الديموقراطية والحرية" ‪ ،‬ثم ل تجد إل الخداع والكذب‪ ،‬والشلء والجماجم‪.‬‬
‫در الله أن‬ ‫من خلل مسيرة العقل الوروبي والغربي مع مسيرة العلمانية ق ّ‬
‫ينهض الغرب بنهضة علمية وصناعية كبيرة‪ ،‬زّودتهم بالقوة المادية الكبيرة‬
‫والسلح المدمر‪ ،‬وكان أساس هذا التطور ما أخذوه عن المسلمين عندما‬
‫كان المسلمون في أوج تطورهم وازدهارهم العلمي‪ ،‬وأوروبا في ظلل‬
‫الجهل‪.‬‬
‫در الله أن يقع المسلمون في غفوة طويلة وغفلة كبيرة‬ ‫وفي الوقت نفسه ق ّ‬
‫من خلل تاريخ طويل من النحراف‪.‬‬
‫ط في ظلمات الجهل والتخلف‪ ،‬كان المسلمون هم‬ ‫وعندما كانت أوروبا تغ ّ‬
‫دموا العلم ونشروه مع نشر‬ ‫قادة العالم بالعلم في ميادينه المختلفة‪ ،‬وق ّ‬
‫رسالتهم ودينهم حيثما امتدوا‪.‬‬
‫برزت عبقريات المسلمين في شتى أنواع العلوم كالرياضيات والطبيعيات‬
‫ن العمارة‪ ،‬وغيرها‬ ‫والطب والفلك والجغرافية‪ ،‬والكتشافات الجغرافية‪ ،‬وف ّ‬
‫من العلوم‪.‬‬
‫كانت العبقريات قد انطلقت من السلم من اليمان‪ ،‬من جميع الشعوب‬
‫السلمية‪ ،‬لتخدم البشرية كلها نورا ً وهداية‪ ،‬وعلما ً وعدالة‪ ،‬وحرية ومساواة‪.‬‬
‫مهما وقعت انحرافات أو أخطاء في مسيرة المسلمين‪ ،‬فإنها لم تصل أبدا ً‬
‫إلى ما بلغه الغرب من إفناء وتدمير ووحشية‪ ،‬لقد كان السلم يكبح نزعات‬
‫الفتك الجرامي‪ ،‬ولقد وجدت الشعوب التي دخلها السلم عدالة لم تعهدها‬
‫في تاريخها‪ ،‬وحرية كريمة منضبطة تسود الجميع‪ ،‬ودينا ً يجمع البشرية كلها‬
‫في ظلل السلم وأنداء اليمان‪ ،‬ويضع الحقوق الصادقة لكل فئة أو طائفة‪،‬‬
‫لينسجم الجميع تحت حكم السلم وشريعة الله الحقة‪.‬‬
‫لقد جمع السلم شعوبا ً مختلفة الجناس واللغات لول مرة في التاريخ‬
‫البشري‪ ،‬عندما أعاد النسان إلى الفطرة التي فطره الله عليها‪ ،‬إلى حقيقة‬
‫الفطرة السليمة غير المشوهة أو المنحرفة‪.‬‬
‫فانطلقت قوى الشعوب كلها منسجمة متآلفة‪ ،‬وجمع السلم بذلك طاقات‬
‫الشعوب ومواهبها بعد أن آمنت وأسلمت لله رب العالمين‪ ،‬وبعد أن ذابت‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصبيات الجاهلية من حزبية أو عائلية أو قومية‪ ،‬وبعد أن وجد كل شعب أنه‬


‫آمن‪ ،‬ينال حقوقه كما تناله الشعوب الخرى‪ ،‬على ميزان رباني عادل أمين‪.‬‬
‫فانطلقت بذلك الحضارة السلمية تصب فيها مواهب الشعوب كلها وقدراتها‪،‬‬
‫ف‪ ،‬تقودها عقلية إسلمية صاغها القرآن‬ ‫وخيرات بلدها في مجرى واحد صا ٍ‬
‫الكريم وسّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عقلية تنطلق من الفطرة‬
‫السليمة التي أعاد السلم الناس إليها‪.‬‬
‫هذه الحضارة السلمية‪ ،‬ليست حضارة شعب واحد ول حضارة بيئة واحدة‪،‬‬
‫إنها حضارة الشعوب كلها‪ ،‬الشعوب التي تآلفت على السلم فطرةً وإيمانا ً‬
‫وتوحيدًا‪ ،‬وعلما ً بمنهاج الله‪ ،‬وصراطا ً مستقيما ً واحدًا‪ ،‬يجمع الناس كلهم على‬
‫ل عنها مؤمن‪ ،‬وعلى تفّرده بأنه سبيل واحدة ل سبل‬ ‫استقامته التي ل يض ّ‬
‫شّتى‪ ،‬فلن يختلف عليه المؤمنون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫هذه الحضارة وهذه العقلية تميزت أيضا بأنها جمعت المؤمنين كلهم على‬
‫مدار التاريخ البشري أمة واحدة‪ ،‬على أسس واحدة وحق واحد‪.‬‬
‫فسورة النبياء‪ ،‬بعد أن تستعرض مسيرة عدد من النبياء والرسل عليهم‬
‫السلم‪ ،‬وتبّين أّنهم كلهم كانوا يدعون إلى دين واحد هو السلم‪ ،‬ولعبادة رب‬
‫واحد هو الله الذي ل اله إل هو‪ ،‬تختم السورة الكريمة هذا العرض بالية‬
‫الكريمة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن( [النبياء‪]92 :‬‬ ‫م َفاعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫مت ُك ُ ْ‬‫ن هَذِهِ أ ّ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫ويتكرر هذا المشهد العظيم في سورة "المؤمنون"‪ ،‬حيث تستعرض السورة‬
‫مسيرة الرسل والنبياء الذين دعوا إلى دين واحد هو السلم‪ ،‬وِإلى عبادة‬
‫رب واحد هو الله‪ ،‬تختم هذا العرض والمشهد بقوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م * وَإ ِ ّ‬
‫ن عَِلي ٌ‬‫مُلو َ‬ ‫صاِلحا ً إ ِّني ب ِ َ‬
‫ما ت َعْ َ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ت َواعْ َ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك ُُلوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫)َيا أي َّها الّر ُ‬
‫َ‬ ‫هَذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫ن( [ ]المؤمنون‪]52-51 :‬‬ ‫قو ِ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫ِ ِ ّ ُ ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هذه هي معركة التاريخ البشري تدور بين عقليتين ونهجين‪ :‬عقلية تنطلق من‬
‫الفطرة السليمة‪ ،‬ونهج رباني من عند الله على سبيل واحدة وصراط‬
‫مستقيم‪ ،‬تتلقاه الفطرة السليمة باليمان والتباع‪ ،‬وعقلية تنطلق من‬
‫عواطف الهواء وصراع المصالح‪ ،‬ومناهج بشرية تتلون من أرض إلى أرض‪،‬‬
‫ل يغلف أهواءه‬ ‫ومن مصلحة مادية إلى مصلحة‪ ،‬فيصارع بعضها بعضًا‪ ،‬ك ّ‬
‫ومصالحه بزخارف كاذبة وزينة خادعة‪ ،‬سرعان ما يكشف الواقع كذبها‬
‫وخداعها‪.‬‬
‫من هنا يعتبر السلم أن الحقّ الول للنسان هو حماية فطرته التي فطره‬
‫وث أو تنحرف‪ ،‬وجعل هذه الحماية‬ ‫الله عليها‪ ،‬حمايتها من أن تفسد أو تل ّ‬
‫مسؤولية الوالدين أول ً في السرة والبيت‪ ،‬ثم مسؤولية المة كلها بمختلف‬
‫مؤسساتها‪ ،‬ابتداًء من المدارس والمسجد وامتدادا ً إلى سائر المؤسسات‪،‬‬
‫ولنتدّبر هذه اليات الكريمة تعرض لنا خطورة أمر الفطرة‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫خل ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫س عَل َي َْها ل ت َب ْ ِ‬
‫دي َ‬ ‫ت الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ‬‫حِنيفا ً فِط َْر َ‬
‫ن َ‬‫ِ‬ ‫دي‬ ‫ك ِلل ّ‬‫جهَ َ‬‫م وَ ْ‬‫) فَأقِ ْ‬
‫قيم ول َك َ‬
‫ن( [الروم‪]30 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن ال ْ َ ّ ُ َ ِ ّ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫دي ُ‬‫ك ال ّ‬‫الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫ولنتدبر حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يرويه أبو هريرة رضي الله‬
‫عنه‪:‬‬
‫"ما من مولود إل ويولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء‪ ،‬هل تحس فيها من جدعاء" ]أخرجه الشيخان‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأبو داود ‪ ،‬صحيح الجامع الصغير‪[5784:‬‬


‫دعي‬ ‫هذه القضية‪ ،‬قضية الفطرة وحمايتها‪ ،‬أهملتها جميع المؤسسات التي ت ّ‬
‫أنها ترعى حقوق النسان‪ ،‬وأهملتها نظريات التربية المادية المختلفة‪ ،‬وأنى‬
‫لهذه المؤسسات كلها بعد هذا الهمال أن تصدق في رعاية حقوق النسان‪،‬‬
‫أو في تربيته وتعليمه وبنائه‪.‬‬
‫بعد إهمال الفطرة وحمايتها‪ ،‬ستخرج عقليات مختلفة متعددة متناقضة‬
‫رج هذه العقليات تبعا ً لذلك مناهج شّتى وسبل ً شّتى ومصالح‬ ‫مضطربة‪ ،‬وسُتخ ِ‬
‫شتى يدور بينها الصراع‪ ،‬ليمثل هذا الصراع الجزء الكبر من التاريخ البشري‬
‫بين بحار من الدماء وأكوام هائلة من الجماجم والشلء‪.‬‬
‫ولذلك كانت هذه العقلية ومنهجها منذ بدايتها التي أشرنا إليها في الوثنية‬
‫اليونانية‪ ،‬قد أهملت فطرة النسان وأهملت حمايتها في مسيرة طويلة حتى‬
‫يومنا هذا‪.‬‬
‫ويبين الله لنا هذا الختلف الواسع بين هذين النهجين والعقليتين بقوله‬
‫سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬
‫سِبيل ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬
‫فّرقَ ب ِك ْ‬
‫سب ُل فت َ َ‬
‫قيما فات ّب ُِعوه ُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫)وَأ ّ‬
‫ن( [النعام‪.]153 :‬‬ ‫قو َ‬‫م ت َت ّ ُ‬‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫صاك ُ ْ‬
‫م وَ ّ‬‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ل شتى ودروب معوجة‪ ،‬هنا‬ ‫فهنا صراط مستقيم وسبيل واحدة‪ ،‬وهناك سب ٌ‬
‫يلتقي الناس على دين واحدٍ و إيمان وتوحيد‪ ،‬وشريعة واحدة تنظم الحياة‬
‫كلها وتبين الحقوق والواجبات والحدود‪ ،‬وهناك يلتقي الناس على مصالح‬
‫ويفترقون عليها‪ ،‬وعلى شرائع شتى ل تلتقي إل ّ على فتنة وفساد يخفونها‬
‫تحت زخارف من شعارات الحرية والديموقراطية وغير ذلك‪.‬‬
‫تسعى أمريكا اليوم حسب دعوة بوش إلى جمع الناس على ما تسميه‬
‫دعيه من حرية‪.‬‬ ‫الديموقراطية‪ ،‬وما ت ّ‬
‫ّ‬
‫وفي هذه وتلك ل يوجد من حقيقة ثابتة إل الزخرف الذي سرعان ما ينكشف‬
‫عن أقسى ما عرفته البشرية من مآس نشاهدها جلّية في بقاع متعددة من‬
‫الرض‪.‬‬
‫أنى التفتنا ل نجد إل ّ الطماع الهائجة المتصارعة التي ل يكون اللقاء معها إل ّ‬
‫لقاًء آنّيا قد ينقلب بعد حين إلى عداء و صراع‪.‬‬
‫فل يمكن لدعوة الديموقراطية ول الشتراكية ول العلمانية‪ ،‬مهما زينوها‬
‫بالزخارف أن تجمع الشعوب كلها‪ ،‬وإن جمعت أحدا ً فإنها تجمعه تحت قهر‬
‫القوة الجبارة والسلح المدمر ليكون جمعا ً آنّيا‪.‬‬
‫ل يمكن أن تجتمع البشرية إل ّ على الحق البين‪ ،‬إل ّ على دين الله الحق‪ ،‬دين‬
‫وه وصدقه‪ ،‬فهو النهج الوحيد لدى البشرية كلها‪ ،‬النهج‬ ‫السلم بجلئه وسم ّ‬
‫الذي يمكن أن يجمعها لتجد في ظلله العدالة المينة غير المزيفة‪ ،‬والحقوق‬
‫الصادقة لكل إنسان‪ :‬للرجل والمرأة والتوازن الدقيق بين الحقوق‬
‫والواجبات‪ ،‬والحرية المنضبطة للرجل والمرأة‪ ،‬للناس كافة‪.‬‬
‫إنه النهج الوحيد الذي يضع المرأة في ميادينها الحقيقية‪ ،‬والرجل في ميادينه‬
‫الحقيقية‪ ،‬ويبني المجتمع على نظام دقيق‪ ،‬يعرف الرجل فيه مكانه و تعرف‬
‫المرأة مكانها‪ ،‬ويعرف الجميع ميادين التعاون‪ ،‬عندما تعرف المرأة دينها‬
‫ل‬‫وتؤمن به وتخضع له‪ ،‬ويعرف الرجل دينه ويؤمن به ويخضع له‪ ،‬سيعرف ك ّ‬
‫حدوده على صورة تتكامل فيها الجهود‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما إذا غلب الجهل وثار الهوى‪ ،‬فتصدر عندئذ الفتاوى والراء والجتهادات‬
‫مضطربة متناقضة ل تخضع إلى ميزان أمين‪ ،‬وتنحرف الراء حتى تطلب‬
‫المرأة أن تتساوى مع الرجل في كل نشاطاته‪ ،‬وربما ينقلب الوضع فيصبح‬
‫الرجل يطلب المساواة بالمرأة‪ ،‬يسعى كثير من المفسدين في الرض أن‬
‫يحرفوا دين الله ويؤّولوه‪ ،‬حتى يكاد يصبح دينا ً جديدا ً منبت الصلة عن دين‬
‫الله‪ .‬وسيدرك بعض المسلمين الذين يدعون إلى شعار مساواة المرأة‬
‫ل‪ ،‬أنهم ِإنما يدعون إلى هلك المرأة وهلك الرجل‬ ‫بالرجل‪ ،‬عاجل ً أم آج ً‬
‫وهلك المجتمع‪.‬‬
‫ومهما حاول المفسدون والضعفاء أن يغيروا في دين الله فإن الله قد تعهد‬
‫بحفظ دينه ولغة دينه‪ ،‬وإنما هي سنن لله في هذه الحياة الدنيا‪ُ ،‬يبتلى بها‬
‫حص حتى تقوم الحجة له أو عليه يوم القيامة‪.‬‬ ‫النسان وُيم ّ‬
‫ولحكمة يريدها الله جعل من أوجه البتلء والتمحيص في هذه الحياة الدنيا‬
‫بروز المفسدين والمجرمين‪ ،‬ليميز الله الخبيث من الطيب‪ ،‬فكم من الناس‬
‫يخفون الوهن والنحراف في صدورهم‪ ،‬فتأتي سنن الله فتكشف هؤلء وما‬
‫يحملون وما يخفون‪.‬‬
‫إننا نعيش اليوم في مرحلة من مراحل التاريخ البشري‪ ،‬يقف فيها المسلمون‬
‫موقف الوهن والضعف والهوان‪ ،‬والمجرمون في الرض ملكوا القوة القاهرة‬
‫والتطور المادي الكبير‪ ،‬على تخّلف خطير في قيم الدين‪ ،‬وعلى كبر‬
‫واستكبار‪.‬‬
‫خرا ً للنسان‪ ،‬لكل‬ ‫وفي الوقت نفسه جعل الله ما في السماوات والرض مس ّ‬
‫من يسعى ويبذل‪ ،‬ويظل السعي والبذل باب ابتلء واختبار‪ ،‬الميدان مفتوح‬
‫للجميع‪ ،‬للمؤمنين وغير المؤمنين‪ ،‬كل يجني ثمرة سعيه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سب َغَ عَلي ْك ْ‬ ‫ض وَأ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََرْوا أ ّ‬ ‫)أل َ ْ‬
‫هدىً َول‬ ‫عل ْم ٍ َول ُ‬ ‫ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫ظاهَِرةً وََباط ِن َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ِعَ َ‬
‫ر( [ لقمان‪]20 :‬‬ ‫مِني ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ك َِتا ٍ‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫قفا ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل ِب ُُيوت ِهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فُر ِبالّر ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَلَنا ل ِ َ‬ ‫حد َة ً ل َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫)وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫سُررا ً عَل َي َْها ي َت ّك ُِئو َ‬ ‫وابا ً وَ ُ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫ن * وَل ِب ُُيوت ِهِ ْ‬ ‫ج عَل َي َْها ي َظ ْهَُرو َ‬ ‫مَعارِ َ‬ ‫ضةٍ وَ َ‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫عن ْد َ َرب ّكَ‬ ‫خَرةُ ِ‬ ‫ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ْ‬
‫مَتاعُ ال َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كل ذ َل ِك ل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫خُرفا وَإ ِ ْ‬ ‫وَُز ْ‬
‫ن([الزخرف‪]35 – 33 :‬‬ ‫مت ّ ِ َ‬
‫قي‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫فالمؤمنون يسعون في الحياة الدنيا‪ ،‬أو يجب أن يسعوا‪ ،‬ليمتلكوا القوة من‬
‫ف في الحياة‬ ‫خِلقوا للوفاء بها‪ ،‬وليس لزخر ٍ‬ ‫العتاد والعلم‪ ،‬ليوفوا بالمانة التي ُ‬
‫ن المؤمنين يحملون أمانة عظيمة في الرض ول بد أن تكون‬ ‫الدنيا ومتاعها‪ ،‬إ ّ‬
‫ُ‬
‫في يدهم أسباب القوة والمنعة‪ ،‬ليبلغوا دين الله للناس كافة كما أنزل على‬ ‫ّ‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ولتكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬وشرعه هو‬
‫الذي يحكم‪ ،‬ليأخذ كل إنسان حقه العادل‪ ،‬ويقف عند حدوده العادلة‪ ،‬وأما‬
‫المجرمون في الرض فيسعون ليمتلكوا القوة من عتاد وعلم‪ ،‬ليفسدوا في‬
‫الرض‪ ،‬ويعتدوا ويظلموا‪ ،‬وينهبوا ويقتلوا‪ ،‬ظلما ً وعدوانًا‪.‬‬
‫ض إ ِّل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قرون من قَبل ِك ُ ُ‬
‫سادِ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن عَ ِ‬‫قي ّةٍ ي َن ْهَوْ َ‬ ‫م أوُلو ب َ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ ُ ِ ِ ْ ْ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ول َ‬ ‫) فَل َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن( [‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما أت ْرُِفوا ِفيهِ وَ َ‬ ‫موا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوات ّب َعَ ال ّ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جي َْنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫قَِليل ً ِ‬
‫هود‪]116 :‬‬
‫أيها الناس إنكم تحملون أمانة عظيمة فانهضوا إليها‪ ،‬واصدقوا الله في أمركم‬
‫كله‪ ،‬وكونوا صفا ً واحدا ً لتوفوا بأمانتكم‪ ،‬ول عذر لكم أن تقولوا‪ :‬إن المجرمين‬
‫كنكم الله من القوة ما آمنتم وأطعتم‬ ‫يملكون القوة‪ ،‬فانهضوا واصدقوا يم ّ‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصدقتم‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شَهاُد( ]غافر‪:‬‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫سلَنا َوال ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫) إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫ن( [ الصف‪13 :‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫شرِ ال ْ ُ‬‫ب وَب َ ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَت ْ ٌ‬
‫ح قَ ِ‬ ‫م َ‬‫صٌر ِ‬ ‫حّبون ََها ن َ ْ‬ ‫خَرى ت ُ ِ‬ ‫‪) ]51‬وَأ ُ ْ‬
‫ن( [ الروم‪ ]47:‬أيها المسلمون كونوا‬ ‫مِني َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫[ )‪...‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ذي‬‫ب ال ّ ِ‬
‫سول ِهِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫مُنوا آ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫مؤمنين ينصركم الله ) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫سول ِهِ ‪] (....‬النساء‪.]136 :‬‬ ‫ل عََلى َر ُ‬ ‫ن َّز َ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بين عيدين جورج والعيد‬


‫عبدالملك القاسم‬
‫دار القاسم‬
‫جورج رجل أمريكي بدين الجسم عريض المنكبين تجاوز الخمسين من عمره‬
‫ويتمتع بصحة جيدة وحيوية ونشاط‪ ..‬يعيش في بلدة صغيرة شمال مدينة‬
‫واشنطن‪،‬ورغم المغريات المادية في المناطق الخرى إل أنه أحب بلدته‬
‫وأصر على العيش فيها حيث يقضي نهاره في عمله التجاري متنقل بين‬
‫أطراف المدينة وإذا أمسى النهار عاد إلى دوحته الصغيرة مستمتعا بالهدوء‬
‫والراحة مع زوجته وابنتيه وابن شاب تجاوز مرحلة الدراسة الثانوية وبدأ‬
‫يخطط لللتحاق بالجامعة‪.‬‬
‫لما أقبل شهر ذي الحجة‪ ..‬بدأ جورج وزوجته وأبناؤه يتابعون الذاعات‬
‫السلمية لمعرفة يوم دخول شهر ذي الحجة‪ ..‬وتمنوا أن يكون لديهم رقم‬
‫هاتف سفارة إسلمية للتصال بها لمعرفة يوم عرفة ويوم العيد فلقد أهمهم‬
‫المر وأصبح شغلهم الشاغل‪ ..‬فالزوج يستمع للذاعة والزوجة تتابع القنوات‬
‫والبن يجري وراء المواقع السلمية في النترنت‪.‬‬
‫فرح جورج وهو يستمع إلى الذاعة لمتابعة إعلن دخول شهر ذي الحجة‬
‫وقال‪ :‬الذاعة مسموعة بوضوح خاصة في الليل ولما حدد يوم الوقفة ويوم‬
‫العيد وتردد في الكون تكبير المسلمين في أرجاء المعمورة شمر جورج عن‬
‫ساعده وأحضر مبلغا كان يدخره طوال عام كامل‪ ..‬وبعد الظهيرة من اليوم‬
‫ي أن أذهب الن لجد الخروف الحي الذي ل يتوفر سوى في‬ ‫التالي قال‪ :‬عل ّ‬
‫السوق الكبير شرق المدينة‪ ،‬ساوم جورج على كبش متوسط بمبلغ عال جدا‬
‫ولما رأى أن المبلغ الذي في جيبه ل يكفي بحث عن أقرب صراف بنكي‬
‫وسحب ما يكفي لشراء هذا الكبش فهو يريد أن يذبح بيده ويطبق الشعائر‬
‫السلمية في الضحية‪ ..‬مسح جورج على الكبش وحمله بمعاونة أبناءه إلى‬
‫سيارته الخاصة وبدأ ثغاء الخروف يرتفع وأخذت البنت الصغيرة ذات الخمس‬
‫سنوات تردد معه الثغاء بصوتها العذب الجميل‪ .‬وقالت لوالدها‪ :‬يا أبي ما‬
‫أجمل عيد الضحى حيث ألعب مع الفتيات دون الولد ونضرب الدف وننشد‬
‫الناشيد‪ ،‬سوف أصلي العيد معكم وألبس فستاني الجديد وأضع عباءتي على‬
‫رأسي‪ ،‬يا أبي‪ :‬في هذا العيد سوف أغطي وجهي كامل فلقد كبرت‪ ..‬آه‪ ...‬ما‬
‫أجمل عيد الضحى سنقطع لحم الخروف بأيدينا ونطعم جيراننا ونصل رحمنا‬
‫ونزور عمتي وبناتها ! ياأبي ليت كل أيام السنة مثل يوم العيد‪ ..‬ظهرت‬
‫السعادة على الجميع وهم يستمعون للعصفورة كما يسمونها‪.‬‬
‫انفجرت أسارير الب وهو يلقي نظرة سريعة إلى الخلف ليرى أن مواصفات‬
‫الكبش مطابقة لمواصفات الضحية الشرعية فليست عوراء ول عرجاء ول‬
‫عجفاء‪ ..‬ولما قرب من المنزل وتوقفت السيارة هتفت الزوجة يا زوجي‪ ..‬يا‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت أن من شعائر الضحية أن ُيقسم الخروف ثلثة أثلث‪ :‬ثلث‬ ‫جورج علم ُ‬


‫نتصدق به على الفقراء والمساكين‪ ،‬وثلث نهديه إلى جيراننا ديفيد واليزابيث‬
‫و مونيكا‪ ..‬والثلث الخر نأكله لحما ً طريا ً ونجعله لطعامنا في أسابيع قادمة‪.‬‬
‫ولما قرب الكبش إلى الذبح في سوم العيد احتار جورج وزوجته أين اتجاه‬
‫القبلة ! وخمنوا أن القبلة في اتجاه السعودية وهذا يكفي‪ ..‬أحد ّ جورج شفرته‬
‫ووجه الخروف إلى حيث اتجاه القبلة وأراح ذبيحته‪ ،‬بعدها بدأت الزوجة في‬
‫تجهيز الضحية ثلث أثلث حسب السنة وكانت تعمل بعجل وسرعة‪...‬‬
‫فزوجها قد رفع صوته وبدا عليه الغضب وانتفخت أوداجه‪ :‬هيا لنذهب إلى‬
‫الكنيسة فليوم يوم الحد !! وكان جورج ل يدع الذهاب إلى الكنيسة بل‬
‫ويحرص أن يصطحب زوجته وأولده انتهى حديث المتحدث وهو يروي هذه‬
‫القصة عن جورج وسأله أحد الحضور‪ :‬لقد حيرتنا بهذه القصة هل جورج‬
‫مسلم أم ماذا؟!!‪ ..‬قال المتحدث‪ :‬بل جورج وزوجته وابنه كلهم نصارى كفار‬
‫ل يؤمنون بالله وحده و ل برسوله‪ ..‬ويزعمون بأن الله ثالث ثلثة ‪-‬تعالى الله‬
‫عن ذلك علوا كبيرا ‪ -‬ويكفرون بمحمد و يحادون الله ورسوله !! كثر الهرج‬
‫في المجلس وارتفعت الصوات وأساء البعض الدب وقال أحدهم‪ :‬ل تكذب‬
‫علينا يا أحمد‪ ..‬فمن ُيصدق أن جورج وعائلته يفعلون ذلك ! كانت العيون‬
‫مصوبة واللسن حادة والضحكات متتابعة ! حتى قال أعقلهم‪ :‬إن ما ذكرت‬
‫غير صحيح ول نعتقد أن كافرا يقوم بشعائر السلم ! ويتابع الذاعة ويحرص‬
‫على معرفة يوم العيد ويدفع من ماله ويقسم الضحية و‪! ...‬‬
‫بدأ المتحدث يدافع عن نفسه ويرد التهم الموجهة إليه ! وقال بتعجب‬
‫وابتسامة‪ :‬يا إخواني وأحبابي‪ ..‬لماذا ل تصدقون قصتي؟! لماذا ل تعتقدون‬
‫بوجود مثل هذا الفعل من كافر‪ ..‬أليس هنا عبد الله وعبد الرحمن و خديجة‬
‫وعائشة يحتفلون بأعياد الكفار ! فلماذا ل يحتفل الكفار بأعيادنا ! لم العجب؟‬
‫الواقع يثبت أن ذلك ممكنا بل وواقعا نلمسه‪ ..‬أليس البعض يجمع الورود لعيد‬
‫الحب ويحتفل الخرون هنا برأس السنة وبعيد الميلد وعيد‪ ..‬وعيد‪ ..‬وكلها‬
‫أعياد كفار؟!! لماذا يستكثر على جورج هذا التصرف ول يستكثر على أبناءنا‬
‫وبناتنا مثل هذا؟!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إذا كنتم تتعجبون من فعل جورج فأنا أتعجب من فعل أبناء وبنات التوحيد‬
‫كيف تكون حال التبعية والنهزام لديهم ! ولما ارتفعت الصوات وتسابقت‬
‫السهام نحو أحمد قال‪ :‬انصتوا إلى هذه المرة لروي لكم قصة ل تكذبوني‬
‫فيها‪ :‬هذه عائشة ابنه هذا البلد ممن أسماها والدها باسم أم المؤمنين عائشة‬
‫رضي الله عنها زوج رسول الله ‪ ،‬لما علمت بعيد إسمه عيد الحب وهو عيد‬
‫من أعياد الرومان والوثنيين‪ .‬يحتفل به الكفار كل عام ويتبادلون فيه الورود‬
‫وهو يوم فساد وموطن إباحيه ! سارعت عائشة إلى محلت الورود واشترت‬
‫باقة ورد حمراء باهظة الثمن وهي طالبة جامعية ل دخل لها ومع هذا دفعت‬
‫مبلغا ً لهذه الورود ! وعلقت وردة على صدرها‪ ،‬ولبست في ذلك اليوم فستانا ً‬
‫أحمرًا‪ ،‬وحملت حقيبة حمراء‪ ،‬وانتعلت حذاء أحمرا ً و‪! ..‬‬
‫هذه عائشة فعلت أتصدقون ! قالوا بتعجب وألم‪ :‬نعم فعل بعض بناتنا ذلك‬
‫بل وانتشرت الظاهرة بشكل ملفت !‬
‫هز أحمد يده ورفعها وقال‪ :‬عشت في أمريكا أكثر من عشر سنوات‪ ،‬والله ما‬
‫رأيت أحدا ً من الكفار احتفل بأعيادنا‪ ،‬ول رأيت أحدا ً سأل عن مناسباتنا ول‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفراحنا ! حتى عيدي الصغير بعد رمضان أقمته ف يشقتي المتواضعة لم‬
‫يجب أحد دعوتي عندما علموا أ‪ ،‬ما احتفل به عيدا ً إسلميا ً ! لقد أقمت في‬
‫الغرب ورأيت بأم عيني كل ذلك ولما عدت فإذا بنا نحتفل بأعيادهم وهي‬
‫رجس وفسق !‬
‫والبعض من أهل السلم عطل الكثير من شعائر أعيادنا ولم يلق لها بال ً ولم‬
‫يرفع بها رأسًا‪ .‬العام الماضي بعض من الشباب المسلم لم يصلوا صلة العيد‬
‫! أما أعياد الم فكم اشتريت فيه الهدايا حتى أحب الصغار عيد الم وفضلوه‬
‫على عيد السلم !‬
‫والعياد من شعائر السلم الظاهرة ومن خصائص هذه المة‪ .‬لقد هجرنا‬
‫عبادة نتقرب فيها إلى الله عز وجل وأغرقنا في النهزامية والتبعية وملحقة‬
‫أعياد الكفار أعداء الملة والدين‪ ،‬قال ابن تيمية – رحمه الله – )ل يحل‬
‫للمسلمين أن يتشبهوا بهم )أي الكفار( في شيء مما يختص بأعيادهم ل من‬
‫طعام ول لباس ول اغتسال ول إيقاد نيران ول تبطيل عادة من معيشة أو‬
‫عبادة أو غير ذلك‪ .‬ول يحل فعل وليمة ول الهداء ول البيع يما يستعان به‬
‫على ذلك لجل ذلك‪ ،‬ول تمكين الصصبيان ونحوهم من اللعب الذي في‬
‫العياد ول إظهار الزينة‪ ،‬وبالجملة ليس لهم أن يختصوا أعيادهم بشيء من‬
‫شائرهم‪ ،‬بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر اليام(‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله‪) :‬وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام‬
‫بالتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم‪ ،‬فيقول‪ :‬عيد مبارك عليك‪ ،‬أو تهنئا‬
‫بهذا العيد ونحوه‪ ،‬فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو يمن المحرمات‪ ،‬وهو‬
‫بمنزله أن يهنئه بسجوده للصليب‪ ،‬بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتا ً من‬
‫التهنئة بشرب الخمر‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬وارتكاب الفرج الحرام ونحوه‪ ،‬وكثير من‬
‫ل قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو ل يدري قبح ما يفعل‪ ،‬فمن هنأ عبدا ً‬
‫بمعصية أو بدعة أو كفر تعرض لمقت الله وسخطه(‪.‬‬
‫وقال أحمد في صمت من الجميع‪ :‬أربأ بمسلم ومسلمة أن يسمعوا حديث‬
‫الرسول فل يقع في قلوبهم‪ } :‬من تشبه بقوم فهو منهم {‪ ،‬قال ابن تيمية‬
‫معلقا ً على هذا الحديث‪ :‬هذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن‬
‫كن ظاهرة يقتضي كفر المتشبه بهم ككما في قوله تعالى ومن يتولهم منكم‬
‫فإنه منهم ‪.‬‬
‫عاد أحمد ليقول بمرارة وحزن‪ :‬أجيبوا هل ضحى جورج بذبيحته وقسمها ثلثة‬
‫أثلث؟! أم أن ذلك محض خيال ل نرى له واقع إطلقا ً !‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بين يدي رمضان‬


‫رئيسي ‪:‬تزكية ‪:‬الجمعة ‪ 8‬شعبان ‪1427‬هـ – ‪1‬سبتمبر ‪2006‬م‬
‫مفكرة السلم‪ :‬الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة‪ ،‬بما دفع عنهم من‬
‫جّنة‪ ،‬وفتح لهم به أبواب الجنة‪،‬‬ ‫كيد الشيطان ؛ إذ جعل الصوم حصنا ً لوليائه و ُ‬
‫سّنة‪،‬‬
‫مّهد ال ّ‬
‫م َ‬
‫جلين و ُ‬
‫مح ّ‬‫وصلى الله على عبده ورسوله محمد قائد الغُّر ال ُ‬
‫وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما ً كثيرًا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ة للخرة‪ ،‬وميدانا ً للتنافس‪،‬‬ ‫فإن حكمة الله اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرع ً‬
‫ف الحساب‪ ،‬ويجع َ‬
‫ل‬ ‫ومن فضله وكرمه أن يجزي على القليل كثيرًا‪ ،‬ويضاع َ‬
‫لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة‪ ,‬فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور‬
‫واليام والساعات‪ ،‬وتقّرب فيها إلى موله بما أمكنه من وظائف الطاعات‪،‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات‪ ،‬فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من‬
‫النار وما فيها من اللفحات‪ ،‬قال الحسن رحمه الله في قول الله عز وجل‪:‬‬
‫كوًرا]‪[[62‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ن أ ََراد َ َأن ي َذ ّك َّر أ َوْ أ ََراد َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫ف ً‬‫خل ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر ِ‬ ‫ل الل ّي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫]وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ب‪،‬‬
‫ست َعْت َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫]سورة الفرقان[‪ ،‬قال‪ ' :‬من عجز بالليل كان له من أول النهار ُ‬
‫ب '؟‪.‬‬ ‫ست َعْت َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ومن عجز بالنهار كان له من الليل ُ‬
‫ُ‬
‫ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجّلها شهر رمضان الذي أنزل فيه‬
‫القرآن المجيد‪ ،‬ولذا كان حرًيا بالمؤمن أن يحسن الستعداد لهذا القادم‬
‫الكريم‪ ،‬ويتفقه في شروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا‬
‫الموسم الحافل؛ لئل يفوته الخير العظيم‪ ,‬ول ينشغل بمفضول عن فاضل‪ ،‬ول‬
‫بفاضل عما هو أفضل منه‪.‬‬
‫التأهب والستبشار بقدوم رمضان‬
‫إن أول الداب الشرعية بين يدي رمضان‪ :‬أن تتأهب لقدومه قبل الستهلل‪،‬‬
‫وأن تكون النفس بقدومه مستبشرة‪ ،‬وأن تستشرف لنظره استشرافها‬
‫لقدوم حبيب غائب من سفره؛ إذ أن التأهب لشهر رمضان والستعداد‬
‫من‬ ‫شَعائ َِر الل ّهِ فَإ ِن َّها ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫لقدومه من تعظيم شعائر الله القائل‪] :‬ذ َل ِ َ‬
‫ب]‪] [[32‬سورة الحج [‪.‬‬ ‫قُلو ِ‬ ‫وى ال ْ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫تَ ْ‬
‫يفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان ويسبشرون‪ ،‬ويحمدون الله أن بّلغهم‬
‫إياه‪ ،‬ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات‪ ،‬وزيادة الحسنات‪ ،‬وهجر‬
‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ح َ‬‫ل الل ّهِ وَب َِر ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫شرون بقول الله‪] :‬قُ ْ‬ ‫السيئات‪ ،‬وأولئك يب ّ‬
‫ن]‪] [[58‬سورة يونس [‪ .‬وذلك لن محبة‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬‫خي ٌْر ّ‬‫حوا ْ هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫فَل ْي َ ْ‬
‫العمال الصالحة والستبشار بها فرع عن محبة الله عز وجل‪ ،‬فترى‬
‫المؤمنين متلهفين مشتاقين إلى رمضان‪ ،‬تحن قلوبهم إلى صوم نهاره‪،‬‬
‫ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بين يدي مولهم‪ ،‬وتراهم يمهدون لستقبال‬
‫رمضان بصيام التطوع خاصة في شعبان ‪.‬‬
‫باع قوم من السلف جارية لهم لحد الناس ‪ ،‬فلما أقبل رمضان أخذ سيدها‬
‫الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لستقبال رمضان – كما يصنع‬
‫كثير من الناس اليوم – فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت‪ ' :‬لماذا تصنعون‬
‫ذلك؟ ' ‪ ،‬قالوا‪ ' :‬لستقبال شهر رمضان ' ‪ ،‬فقالت‪ ' :‬وأنتم ل تصومون إل في‬
‫ة عندهم كأنها كّلها رمضان ‪ ،‬ل‬ ‫سن َ ُ‬‫رمضان؟ والله لقد جئت من عند قوم ال ّ‬
‫حاجة لي فيكم ‪ُ ،‬رّدوني إليهم ' ‪ ،‬ورجعت إلى سيدها الول ‪.‬‬
‫من فضائل الصوم‬
‫م‬
‫ن آد َ َ‬ ‫ل اب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَ َ‬‫م‪ ] :‬ك ُ ّ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫سمع المؤمنون قول رسول الله َ‬
‫ل‪ :‬إ ِّل‬ ‫ة عَ ْ َ‬
‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫ضعْ ٍ‬ ‫ماَئة ِ‬ ‫سْبع ِ‬ ‫مَثال َِها إ َِلى َ‬ ‫شُر أ ْ‬ ‫سن َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضاعَ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جِلي[ رواه البخاري‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫م ُ‬‫ه وَطَعا َ‬ ‫شهْوَت َ ُ‬ ‫زي ب ِهِ ي َد َع ُ َ‬ ‫ج ِ‬
‫ه ِلي وَأَنا أ ْ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫صو ْ َ‬‫ال ّ‬
‫ومسلم ؛ فعلموا أن المتناع عن الشهوات لله عز وجل في هذه الدنيا سبب‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫لنيلها في الخرة‪ ،‬كما أشار إلى ذلك مفهوم قول رسول الله َ‬
‫ة[ رواه‬ ‫خَر ِ‬ ‫ْ‬
‫مَها ِفي ال ِ‬ ‫حرِ َ‬ ‫من َْها ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫مَر ِفي الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫خ ْ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ ]:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث‬
‫أبو موسى على سرية في البحر‪ ،‬فبينما هم كذلك ‪ ،‬قد رفعوا الشراع في‬
‫ليلة مظلمة ‪ ،‬إذا هاتف فوقهم يهتف ‪':‬يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء‬
‫الله على نفسه' فقال أبو موسى ‪ ':‬أخبرنا إن كنت مخبرا ً ' ‪ ،‬قال‪':‬إن الله‬
‫تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف ‪،‬‬
‫سقاه الله يوم العطش' رواه البزار ‪ ،‬وحسنه المنذري‪ ،‬وفي رواية‪ ':‬فكان أبو‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد النسان ينسلخ فيه حرا ً‬
‫فيصومه'رواه ابن أبي الدنيا‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫َ‬
‫م قال‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ل َر ِ‬ ‫سهْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬
‫ِ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫خ‬
‫َ ْ ُ‬‫د‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ّ ِ ُ َ َ ْ َ ِ َ َ ِ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫ئ‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ِ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ُ ّ ّ ُ َ ْ ُ‬ ‫يا‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫جن ّ ِ َ ً ُ‬
‫ي‬ ‫با‬ ‫با‬ ‫ة‬ ‫ال ْ َ‬
‫خُلوا‬ ‫َ‬ ‫ن َل ي َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪ ،‬فَإ َِذا د َ َ‬‫حد ٌ غَي ُْرهُ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬‫خ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن؟ فَي َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫صائ ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل أي ْ َ‬ ‫قا ُ‬ ‫م‪ ،‬ي ُ َ‬ ‫غَي ُْرهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫د[رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ح ٌ‬ ‫هأ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬ ‫أغْل ِقَ فَل َ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬‫مي َ‬ ‫ل‪ ] :‬آ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫من ْب ََر ‪ ،‬فَ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫صعِد َ الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫جاب ِرٍ ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫ن أد َْر َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ري ُ‬ ‫َ‬ ‫ن [ ‪َ ،‬قا َ‬
‫حد َ‬ ‫كأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ل‪َ :‬يا ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫ل عَلي ْهِ ال ّ‬ ‫جب ْ َ ِ‬ ‫ل‪ ] :‬أَتاِني ِ‬ ‫مي َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫آ ِ‬
‫ل‪َ :‬يا‬ ‫ن ‪َ ،‬قا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ت‪ :‬آ ِ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن ‪ ،‬فَ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫لآ ِ‬ ‫ه‪ ،‬قُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الّناَر‪ ،‬فَأب ْعَد َهُ الل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَد َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫َوال ِد َي ْهِ ‪ ،‬فَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪،‬‬‫ل الّناَر‪ ،‬فَأب ْعَد َهُ الل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ه‪ ،‬فَأد ْ ِ‬ ‫فْر ل ُ‬ ‫م ي ُغْ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن‪ ،‬فَ َ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫شهَْر َر َ‬ ‫ن أد َْرك َ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫خ َ‬
‫ل‬ ‫ت فَد َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل عَلي ْك‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َه ُ فَل ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ذ ُك ِْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ :‬وَ َ‬ ‫ن‪َ ،‬قا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ت‪ :‬آ ِ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‪ ،‬فَ ُ‬ ‫مي َ َ‬ ‫لآ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن[ رواه الطبراني في ' الكبير'‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫ت‪ :‬آ ِ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‪ ،‬فَ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫لآ ِ‬ ‫ه ‪ ،‬قُ ْ‬ ‫ّ‬
‫الّناَر‪ ،‬فَأب ْعَد َه ُ الل ُ‬
‫وصححه اللباني‪.‬‬
‫فهل تعجب أخي المؤمن أن جبريل ملك الوحي يدعو في هذا الحديث‪ ،‬ثم‬
‫من الصادق صلى الله عليه وسلم على دعائه؟! وأي عجب ورمضان فرصة‬ ‫يؤ ّ‬
‫نادرة ثمينة فيها الرحمة والمغفرة‪ ،‬ودواعيها متيسرة‪ ،‬والعوان عليها كثيرون‪،‬‬
‫فدون‪ ،‬ولله عتقاء في كل‬ ‫وعوامل الفساد محدودة‪ ،‬ومردة الشياطين مص ّ‬
‫ليلة‪ ،‬وأبواب الجنة مفتحة ‪ ،‬وأبواب النيران مغلقة‪ ،‬فمن لم تنله الرحمة مع‬
‫كل ذلك فمتى تناله إذن ؟! ‪ ،‬ول يهلك على الله إل هالك‪ ،‬ومن لم يكن أهل ً‬
‫للمغفرة في هذا الموسم ففي أي وقت يتأهل لها؟! ومن خاض البحر اللجاج‬
‫ولم ي َط ّهّْر فماذا يطهره ؟! ‪.‬‬
‫ماذا يحدث في أول ليلة من رمضان؟‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬
‫ن أوّ ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫م‪ ] :‬إ َِذا كا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ب الّنارِ فَل ْ‬
‫م‬ ‫وا ُ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن وَغُل َ‬ ‫ج ّ‬ ‫مَرد َةُ ال ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫فد َ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫شهْرِ َر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َي ْل َةٍ ِ‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫مَناٍد‪َ :‬يا َباِغ َ‬ ‫ب وَي َُناِدي ُ‬ ‫من َْها َبا ٌ‬ ‫م ي ُغْل َقْ ِ‬ ‫جن ّةِ فَل َ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب وَفُت ّ َ‬ ‫من َْها َبا ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ة[ رواه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن الّنارِ وََذلك ك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ْ‬
‫خي ْرِ أقب ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل لي ْل ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫قاُء ِ‬ ‫صْر وَل ِلهِ عُت َ َ‬ ‫شّر أق ِ‬ ‫ل وََيا َباِغ َ‬
‫الترمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن هديه في هذا الموضع‬
‫المبادرة إلى تذكير الناس ببركات هذا الموسم العظيم‪ ،‬فقد قال صلى الله‬
‫َ‬
‫ك‬‫مَباَر ٌ‬ ‫شهٌْر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ضا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م َر َ‬ ‫عليه وسلم لصحابه في أول ليلة من رمضان‪] :‬أَتاك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫وا ُ‬ ‫ماِء‪ ،‬وَت ُغْل َقُ ِفيهِ أب ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫ح ِفيهِ أب ْ َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ه تُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫صَيا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ض الل ّ ُ‬ ‫فََر َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫حرِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شهْرٍ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أل ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ن‪ ،‬ل ِل ّهِ ِفيهِ ل َي ْل َ ٌ‬ ‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫مَرد َةُ ال ّ‬ ‫ل ِفيهِ َ‬ ‫م‪ ،‬وَت ُغَ ّ‬ ‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م[ رواه النسائي وحسنه اللباني‪.‬‬ ‫حرِ َ‬ ‫قد ْ ُ‬ ‫ها فَ َ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫َ‬
‫كيف يستقبل باغي الخير رمضان ؟‬
‫ل‪ :‬بالمبادرة إلى التوبة الصادقة‪ ،‬المستوفية لشروطها‪ ،‬وكثرة الستغفار‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫صوحا []سورة التحريم‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة نَ ُ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ ِلى اللهِ ت َوْب َ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله ‪َ] :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫من الية ‪. [8‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بتعلم ما لبد منه من فقه الصيام‪ ،‬أحكامه وآدابه‪ ،‬والعبادات المرتبطة‬
‫برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة ِفطر‪ ،‬وغيرها‪ ،‬قال رسول صلى الله عليه‬
‫م[ ‪.‬‬ ‫سل ِ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ة عََلى ك ُ ّ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫ب ال ْعِل ْم ِ فَ ِ‬ ‫وسلم‪ ] :‬ط َل َ ُ‬
‫ثالثًا‪ :‬عقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالعمال‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م[ ] سورة محمد‪ :‬من‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬


‫ن َ‬ ‫ه لَ َ‬
‫كا َ‬ ‫صد َُقوا الل ّ َ‬ ‫الصالحة‪ ،‬قال تعالى‪]:‬فَل َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عُد ّةً [ ]سورة التوبة‪:‬‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬‫ج لعَ ّ‬ ‫خُرو َ‬ ‫الية ‪ ،[21‬وقال جل وعل‪]:‬وَل َوْ أَراُدوا ْ ال ْ ُ‬
‫من الية ‪ ،.[ 46‬وتحري أفضل العمال فيه وأعظمها أجرا ً ‪.‬‬
‫ل‪ -‬أيام معدودات ‪،‬‬ ‫رابعًا‪ :‬استحضار أن رمضان‪ -‬كما وصفه الله عّز وج ّ‬
‫سرعان ما يولي ‪ ،‬فهو موسم فاضل ‪ ،‬ولكنه سريع الرحيل ‪ ،‬واستحضار أن‬
‫ح‬‫شْر ُ‬ ‫المشقة الناشئة عن الجتهاد في العبادة تذهب أيضًا‪ ،‬ويبقى الجر‪ ،‬و َ‬
‫الصدر‪ ،‬فإن فرط النسان ذهبت ساعات لهوه وغفلته‪ ،‬وبقيت تبعاتها‬
‫وأوزارها ‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الجتهاد في حفظ الذكار والدعية المطلقة منها والموظفة ‪ ،‬خصوصا ً‬
‫الوظائف المتعلقة برمضان؛ استدعاًء للخشوع وحضور القلب‪ ،‬واغتناما ً‬
‫َ‬
‫عّني‬ ‫مأ ِ‬ ‫لوقات إجابة الدعاء في رمضان‪ ،‬والستعانة على ذلك بدعاء‪ ] :‬الل ّهُ ّ‬
‫ك[رواه أبودلود والنسائي وأحمد‪.‬‬ ‫عَباد َت ِ َ‬‫ن ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك وَ ُ‬ ‫شك ْرِ َ‬ ‫ك وَ ُ‬ ‫عََلى ذِك ْرِ َ‬
‫وهاك الذكار الثابتة المتعلقة بوظائف رمضان‪:‬‬
‫ْ‬
‫ه أكب َُر‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما يقول إذا رأى الهلل‪ -‬هلل أيّ شهر ‪ ،‬ول يختص برمضان‪ ] :-‬الل ُ‬
‫مةِ َواْل ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الل ّه َ‬
‫ب َرب َّنا‬ ‫ح ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫ق لِ َ‬
‫سلم ِ َوالت ّوِْفي ِ‬ ‫سَل َ‬‫ن َوال ّ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬‫ن َوا ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَل َي َْنا ِباْل ْ‬
‫م أهِل ّ ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫ه[رواه الترمذي وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضى َرب َّنا وََرب ّك الل ُ‬ ‫وَي َْر َ‬
‫‪ -‬وإذا صام ‪ ،‬فل يرفث ‪ ،‬ول يجهل ‪ ،‬وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل‪] :‬إ ِّني‬
‫م[رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫صائ ِ ٌ‬ ‫م‪ ،‬إ ِّني َ‬ ‫صائ ِ ٌ‬
‫َ‬
‫ماذا يقول عند الفطار؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫مظ ُْلوم ِ ‪ ،‬وَد َعْوَةُ‬ ‫صائ ِم ِ ‪ ،‬وَد َعْوَةُ ال َ‬ ‫ت‪ :‬د َعْوَةُ ال ّ‬ ‫جاَبا ٍ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫وا ٍ‬
‫ث د َعَ َ‬‫] ث ََل ُ‬
‫سافِرِ [رواه البيهقي في شعب اليمان‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬ ‫م َ‬‫ال ُ‬
‫‪ -‬وأفضل الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد‬
‫كان يقول إذا أفطر‪ ] :‬ذ َهب الظ ّ ُ‬
‫شاَء الل ّ ُ‬
‫ه[‬ ‫ن َ‬ ‫جُر إ ِ ْ‬ ‫ت اْل َ ْ‬ ‫ت ال ْعُُروقُ وَث َب َ َ‬ ‫مأ َواب ْت َل ّ ْ‬‫َ‬ ‫َ َ‬
‫رواه أبوداود وحسنه اللباني‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الستكثار من العمال الصالحات ‪ ،‬فإن من ثواب الحسنة الحسنة‬
‫بعدها‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫]‪ [1‬صيام شعبان‪ :‬استعدادا لرمضان ‪ ،‬فعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ر‬
‫شهْ ٍ‬‫م َ‬ ‫صَيا َ‬
‫ل ِ‬ ‫م َ‬‫ست َك ْ َ‬‫ما ْ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫عنها‪ -‬قالت‪َ ' :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن'رواه البخاري‬ ‫شعَْبا َ‬ ‫ما ِفي َ‬ ‫صَيا ً‬
‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫شهْرٍ أك ْث ََر ِ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫ما َرأي ْت ُ ُ‬ ‫ن وَ َ‬
‫ضا َ‬‫م َ‬ ‫ط إ ِّل َر َ‬
‫قَ ّ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫]‪ [2‬تلوة القرآن الكريم‪ :‬فإن رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد‬
‫المسلم من تلوته وحفظه ‪ ،‬وتدبره ‪ ،‬وعرضه على من هو أقرأ منه ‪ .‬كان‬
‫جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان ‪ ،‬وعارضه في‬
‫عام وفاته مرتين ‪ ،‬وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن الكريم‬
‫كل يوم مرة ‪ ،‬وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلث ليال ‪،‬‬
‫وبعضهم في كل سبع ‪ ،‬وبعضهم في كل عشر ‪ ،‬فكانوا يقرءون القرآن في‬
‫الصلة وفي غيرها ‪ ،‬فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير‬
‫الصلة ‪ ،‬وكان قتادة يختم في كل سبع دائما ً ‪ ،‬وفي رمضان في كل ثلث ‪،‬‬
‫وفي العشر الواخر في كل ليلة ‪ ،‬وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من‬
‫قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ‪ ،‬وُيقبل على تلوة المصحف ‪ .‬وكان‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة ‪ ،‬وأقبل على قراءة القرآن‬
‫‪ ،‬قال الزهري‪ ' :‬إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن ‪ ،‬وإطعام الطعام ' ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ‪ ' :‬وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في‬
‫ل من ثلث على المدوامة على ذلك ‪ ،‬فأما الوقات المفضلة – كشهر‬ ‫أق ّ‬
‫رمضان – خصوصا ً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر – أو في الماكن‬
‫المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها ‪ ،‬فيستحب الكثار فيها من تلوة‬
‫القرآن اغتناما ً للزمان والمكان ‪ ،‬وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من‬
‫الئمة ‪ ،‬وعليه يدل عمل غيرهم ' ‪.‬‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫]‪ [3‬قيام رمضان‪ :‬فعَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َقا َ‬
‫م‬ ‫م ْ‬
‫ل‪َ ] :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ة‪ ،‬فَي َ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫زي َ‬ ‫م ِفيهِ ب ِعَ ِ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ن ي َأ ُ‬ ‫ن غَي ْرِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِفي قَِيام ِ َر َ‬ ‫ي َُرغّ ُ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ن ذ َن ْب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫فَر ل ُ‬ ‫ساًبا غُ ِ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫ماًنا َوا ْ‬ ‫ن ِإي َ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫َر َ‬
‫ل من قضاعة ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول‬ ‫وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رج ٌ‬
‫الله ! أرأيت إن شهدت أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأنك رسول الله‪ ،‬وصليت الصلوات‬
‫الخمس‪ ،‬وصمت الشهر‪ ،‬وقمت رمضان‪ ،‬وآتيت الزكاة ؟ ' فقال النبي صلى‬
‫داِء [ قال‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫قي َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت عََلى هَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬
‫الهيثمي في مجمع الزوائد‪':‬رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خل شيخي‬
‫البزار ‪ ،‬وأرجو إسناده أنه إسناد حسن أو صحيح' ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫جوَد َ الّنا ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫]‪ [4‬الصدقة‪ :‬فقد ' َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ل َي ْل َةٍ ِ‬ ‫قاه ُ ِفي ك ُ ّ‬ ‫ن ي َل ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ِ‬ ‫جب ْ‬ ‫قاه ُ ِ‬ ‫ن ي َل ْ َ‬‫حي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي َر َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫جوَد ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫جوَد ُ ِبال ْ َ‬ ‫ل الل ّه صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خي ْرِ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن فَل ََر ُ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫دارِ ُ‬ ‫ن فَي ُ َ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫َر َ‬
‫سلةِ ' رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫الّريِح ال ُ‬
‫ومن صور الصدقة‪ :‬إطعام الطعام ‪ ،‬وتفطير الصوام ‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫قص م َ‬ ‫َ‬ ‫كان ل َه مث ْ ُ َ‬
‫صائ ِم ِ‬ ‫جرِ ال ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ه َل ي َن ْ ُ ُ ِ ْ‬ ‫جرِهِ غَي َْر أن ّ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ما َ َ ُ ِ‬ ‫صائ ِ ً‬ ‫ن فَط َّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم‪َ ] :‬‬
‫شي ًْئا[رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي‪.‬‬ ‫َ‬
‫عشائه فطره على تمرة أو شربة ماء أو لبن ‪ ،‬وقال صلى الله‬ ‫ّ‬ ‫فإن عجز عن َ‬
‫ة[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫مَر ٍ‬ ‫شق ّ ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫قوا الّناَر وَلوْ ب ِ ِ‬ ‫عليه وسلم‪] :‬ات ّ ُ‬
‫وقال بعض السلف‪' :‬لن أدعو عشرة من أصحابي ‪ ،‬فأطعمهم طعاما ً‬
‫ي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل ' ‪ .‬وكان كثير من‬ ‫يشتهونه أحب إل ّ‬
‫السلف ُيؤِثر بفطوره وهو صائم ‪ ،‬منهم عبد الله بن عمر ‪ ،‬وداود الطائي ‪،‬‬
‫ومالك بن دينار ‪ ،‬وأحمد بن حنبل ‪ ،‬وكان ابن عمر ل يفطر إل مع اليتامى‬
‫والمساكين ‪ ،‬وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه ‪ ،‬فلم يفطر في تلك الليلة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وكان من السلف من يطعهم إخوانه الطعام وهو صائم ‪ ،‬ويجلس يخدمهم‪،‬‬


‫منهم الحسن وابن المبارك ‪ ،‬وقال أبو السوار العدوي‪ ':‬كان رجال من بني‬
‫عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ‪ ،‬إن‬
‫وجد من يأكل معه أكل ‪ ،‬وإل أخرج طعامه إلى المسجد ‪ ،‬فأكله مع الناس‬
‫وأكل الناس معه' ‪ ،‬قال المام الماوردي رحمه الله‪ ' :‬ويستحب للرجل أن‬
‫يوسع على عياله في شهر رمضان ‪ ،‬وأن يحسن إلى أرحامه وجيرانه ‪ ،‬ل‬
‫سيما في العشر الواخر منه ' ‪.‬‬
‫]‪ [5‬المكث في المسجد بعد صلة الفجر‪ :‬فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫صلى الغداة جلس في مصله حتى تطلع الشمس ‪ ،‬وقال صلى الله عليه‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سث ّ‬‫م ُ‬ ‫حّتى ت َط ْل ُعَ ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫م قَعَد َ ي َذ ْك ُُر الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ماعَةٍ ث ُ ّ‬
‫ج َ‬ ‫صّلى ال ْغَ َ‬
‫داة َ ِفي َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫وسلم‪َ ] :‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ة[رواه الترمذي‬ ‫م ٍ‬ ‫مةٍ َتا ّ‬ ‫مةٍ َتا ّ‬ ‫مَرةٍ َتا ّ‬ ‫جةٍ وَعُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫جرِ َ‬ ‫ه ك َأ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫صلى َرك ْعَت َي ْ ِ‬
‫َ ّ‬
‫وحسنه‪ ،‬وصححه اللباني‪.‬‬
‫فعلى المرء أن يجمع همته ليغتنم هذا الزمان الشريف ‪ ،‬ول يضيره انصراف‬
‫سّنة ‪ ،‬بل الحازم ينظر في أمر الدين إلى من هو فوقه‬ ‫أكثر الناس عن هذه ال ّ‬
‫ن[]سورة المطففين‪:‬‬ ‫سو َ‬ ‫مت ََنافِ ُ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫ك فَلي َت ََنافَ ِ‬
‫‪ ،‬ومن هو أنشط منه‪] :‬وَِفي ذ َل ِ َ ْ‬
‫سّنة الجليلة لفراطه في السهر‬ ‫من الية ‪ .[ 26‬وقد ُيحرم المرء من هذه ال ّ‬
‫أو السمر بعد العشاء ‪.‬‬
‫]‪ [6‬العتكاف‪ :‬فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة‬
‫أيام ‪ ،‬فلما كان العام الذي ُقبض فيه اعتكف عشرين يوما ً ‪.‬‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َقاَلك َقا َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫]‪َ [7‬العمرة‪َ :‬فعن اب ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن لَنا إ ِل َنا ِ‬ ‫ُ‬
‫م ي َك ْ‬ ‫ت‪ :‬ل ْ‬ ‫معََنا؟[ َقال ْ‬ ‫جي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫من َعَ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫صاِر‪َ ] :‬‬ ‫ن اْلن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرأةٍ ِ‬ ‫ِل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَء‬ ‫ل‪ ] :‬فَإ َِذا َ‬ ‫ه‪َ ،‬قا َ‬ ‫ح عَلي ْ ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫حا ن َن ْ ِ‬ ‫ض ً‬ ‫ضٍح‪ ،‬وَت ََرك لَنا َنا ِ‬ ‫ها َواب ْن َُها عَلى َنا ِ‬ ‫ج أُبو وَلدِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫فَ َ‬
‫مَرة ً ِفي‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ة[ وفي رواية‪ ] :‬فَإ ِ ّ‬ ‫ج ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ل َ‬ ‫مَرة ً ِفيهِ ت َعْدِ ُ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ن َفاعْت َ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ضا ُ‬ ‫م َ‬ ‫َر َ‬
‫مِعي[رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫ج ً‬‫ح ّ‬ ‫ة أوْ َ‬ ‫ج ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ضي َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫َر َ‬
‫قد ِْر]‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫]‪ [8‬تحري ليلة القدر‪ :‬التي قال تعالى في شأنها‪] :‬إ ِّنا أنَزلَناه ُ ِفي لي ْلةِ ال َ‬
‫خير م َ‬ ‫ما أ َد َْرا َ‬
‫ر]‪] [[3‬سورة‬ ‫شهْ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أل ْ ِ‬ ‫قد ْرِ َ ْ ٌ ّ ْ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫قد ِْر]‪[2‬ل َي ْل َ ُ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ما ل َي ْل َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫‪[1‬وَ َ‬
‫ماًنا‬ ‫إي‬
‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ة‬
‫َ ْ َ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬
‫َ ْ ِّ ّ َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫القدر[‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم ‪ .‬وكان صلى الله‬ ‫َ‬
‫ما ت َ ّ َ ِ ْ ْ ِ ِ‬
‫ب‬ ‫ن‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه َ‬ ‫فَر ل َ ُ‬ ‫ساًبا غُ ِ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ‪ ،‬ويأمر أصحابه بتحريها ‪ ،‬وكان يعتكف لذلك ‪،‬‬
‫وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوها ‪.‬‬
‫سنن القبلية والبعدية ‪ ،‬وصلة‬ ‫]‪ [9‬الكثار من النوافل بعد الفرائض‪ :‬كال ّ‬
‫ً‬
‫التسبيح ‪ ،‬والضحى ‪ ،‬والذكر والستغفار ‪ ،‬والدعاء خصوصا في أوقات‬
‫الجابة ‪ ،‬وعند الفطار ‪ ،‬وفي ثلث الليل الخر ‪ ،‬وفي السحار ‪ ،‬وساعة‬
‫الجابة يوم الجمعة ‪.‬‬
‫]‪ [10‬المحافظة على صلة الجماعة في المسجد‪ :‬والجتهاد في تطبيق قول‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ماعَ ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ِفي َ‬ ‫ن ي َوْ ً‬ ‫صّلى ل ِل ّهِ أْرب َِعي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬
‫ُ‬
‫ق[‬ ‫فا ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الّنارِ وَب ََراَءة ٌ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ََراَءة ٌ ِ‬ ‫ه ب ََراَءَتا ِ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ك الت ّك ِْبيَرةَ اْلوَلى ك ُت ِب َ ْ‬ ‫ي ُد ْرِ ُ‬
‫رواه الترمذي وحسنه اللباني‪ .‬قال سعيد بن المسيب‪ ' :‬من حافظ على‬
‫الصلوات الخمس في جماعة ؛ فقد مل البر والبحر عبادة ً ' ‪.‬‬
‫فهذه إلمامة عجلى ببعض مظاهر الخير الذي ينادي من يقصده وينويه في‬
‫ل[ ‪.‬‬ ‫خي ْرِ أ َقْب ِ ْ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫أول ليلة من رمضان‪َ] :‬يا َباِغ َ‬
‫من محاضرة‪':‬بين يدي رمضان' للشيخ‪ /‬محمد بن أحمد بن إسماعيل‬
‫دم ‪.‬‬ ‫المق ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بينهما برزخ ل يبغيان‬


‫وهذه بعض آيات الله تعالى في البحر‪.‬‬
‫ن } ‪{20‬‬ ‫ّ‬
‫خ ل ي َب ْغَِيا ِ‬ ‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫ن } ‪ {19‬ب َي ْن َهُ َ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ن ي َل ْت َ ِ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬
‫َ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫مَر َ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن } ‪ {22‬فَب ِأ ّ‬
‫ي‬ ‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ما اللؤْلؤ ُ َوال َ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن } ‪ {21‬ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫فَب ِأيّ آَلء َرب ّك ُ َ‬
‫كاْل َعَْلم ِ } ‪{24‬‬ ‫حرِ َ‬ ‫ت ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫شآ ُ‬ ‫من َ‬ ‫وارِ ال ْ ُ‬‫ج َ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫ن } ‪ {23‬وَل َ ُ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬‫آَلء َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬
‫ن { ‪] ...‬الرحمن‪.[25 - 19 :‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫فَب ِأيّ آَلء َرب ّك ُ َ‬
‫اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الماء أكبر من اليابس على الكرة الرضية‪،‬‬
‫فالماء المالح يغمر نحو ثلثة أرباع سطح الكرة الرضية ويتصل بعضه ببعض‪،‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويشغل اليابس الربع‪ .‬وتقسيم الماء على هذا النحو لم يجئ مصادفة ول‬
‫جزافًا‪ ،‬فهو مقدر تقديرا ً عجيبًا‪ ،‬وهذا القدر الواسع من الماء المالح هو اللزم‬
‫بدقة لتطهير جو الرض وحفظه دائما ً صالحا ً للحياة‪ ،‬ويقول العلماء‪ " :‬وعلى‬
‫الرغم من النبعاثات الغازية من الرض طوال الدهر ـ ومعظمها سام ـ فإن‬
‫الهواء باق دون تلوث في الواقع ودون تغير في نسبته المتوازنة اللزمة‬
‫لوجود النسان "‪.‬‬
‫ومن هذه الكتلة الضخمة الواسعة تنبعث البخرة تحت حرارة الشمس‪ ،‬وهي‬
‫التي تعود فتسقط أمطارا ً يتكون منها الماء العذب في جميع أشكاله‪.‬‬
‫وتصب جميع النهار تقريبا ً في البحار‪ ،‬وهي التي تنقل إليها أملح الرض فل‬
‫تغير طبيعة البحار ول تبغي عليها‪.‬‬
‫واللؤلؤ والمرجان المذكوران في الية هما من أعجب المخلوقات البحرية‬
‫التي تنطق بعظمة الله تعالى وقدرته‪ ،‬والمتأمل فيما في البحر من مخلوقات‬
‫وما سخر الله تعالى في جوفه‪ ،‬يجد العجب العجاب‪ ،‬والحكمة اللهية‪،‬‬
‫والعظمة الربانية!‪.‬‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫من ْ ُ‬
‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫حما طرِي ّا وَت َ ْ‬ ‫هل ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫حَر ل ِت َأكلوا ِ‬ ‫خَر الب َ ْ‬‫س ّ‬‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪ } :‬وَهُوَ ال ِ‬
‫سون ََها { ‪] ...‬النحل‪.[14:‬‬ ‫ة ت َل ْب َ ُ‬‫حل ْي َ ً‬‫ِ‬
‫ن}‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫َ َ َ َ ْ َ ْ ِ َ َ ِ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫البحر‬ ‫في‬ ‫العظيم‬ ‫القرآن‬ ‫إعجاز‬ ‫ومن‬
‫و‬
‫ن { ‪] ...‬الرحمن‪ ،[20 ، 19 :‬وقوله تعالى‪ } :‬وَ ُ َ‬
‫ه‬ ‫خ ّل ي َب ْغَِيا ِ‬ ‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫‪ {19‬ب َي ْن َهُ َ‬
‫جرا ً‬ ‫ما ب َْرَزخا ً وَ ِ‬ ‫ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬‫جعَ َ‬ ‫ج وَ َ‬
‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫مل ْ ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ب فَُرا ٌ‬
‫ت وَهَ َ‬ ‫ذا عَذ ْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حَري ْ ِ‬‫ج ال ْب َ ْ‬
‫مَر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫جورا ً { ‪] ...‬الفرقان‪.[53 :‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫وهذا ما أثبته العلم الحديث‪ ،‬بعد دراسة ورحلة علمية استمرت ثلثة أعوام‬
‫وهي تجوب بحار العالم‪.‬‬
‫فبين البحار والنهار برزخ وفاصل مائي يفصل بين البحر والنهر‪ ،‬وبين البحار‬
‫بعضها البعض فاصل وبرزخ يفصل بينها‪ .‬فسبحان الخلق العظيم‪ ،‬وتبارك‬
‫الواحد العظيم!!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بينهما برزخ ل يبغيان ‪...‬‬


‫وهذه بعض آيات الله تعالى في البحر‪.‬‬
‫ن } ‪{20‬‬ ‫ّ‬
‫خ ل ي َب ْغَِيا ِ‬‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫ن } ‪ {19‬ب َي ْن َهُ َ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ن ي َل ْت َ ِ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬
‫َ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫مَر َ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ِ ّ‬ ‫أ‬‫ب‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫{‬‫‪22‬‬ ‫}‬ ‫ن‬ ‫جا‬
‫َ َ ْ َ ُ‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫َ ْ ُ ُ ِ ُْ َ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫{‬ ‫‪21‬‬ ‫}‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ما ُ َ ِ‬
‫با‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫فَب ِأيّ آَلء َرب ّك ُ َ‬
‫كاْل َعَْلم ِ } ‪{24‬‬ ‫حرِ َ‬ ‫ت ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫شآ ُ‬‫من َ‬‫وارِ ال ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ج َ‬ ‫ن } ‪ {23‬وَل َ ُ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬‫آَلء َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬
‫ن { ‪] ...‬الرحمن‪.[25 - 19 :‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫فَب ِأيّ آَلء َرب ّك ُ َ‬
‫اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الماء أكبر من اليابس على الكرة الرضية‪،‬‬
‫فالماء المالح يغمر نحو ثلثة أرباع سطح الكرة الرضية ويتصل بعضه ببعض‪،‬‬
‫ويشغل اليابس الربع‪ .‬وتقسيم الماء على هذا النحو لم يجئ مصادفة ول‬
‫جزافًا‪ ،‬فهو مقدر تقديرا ً عجيبًا‪ ،‬وهذا القدر الواسع من الماء المالح هو اللزم‬
‫بدقة لتطهير جو الرض وحفظه دائما ً صالحا ً للحياة‪ ،‬ويقول العلماء‪ " :‬وعلى‬
‫الرغم من النبعاثات الغازية من الرض طوال الدهر ـ ومعظمها سام ـ فإن‬
‫الهواء باق دون تلوث في الواقع ودون تغير في نسبته المتوازنة اللزمة‬
‫لوجود النسان "‪.‬‬
‫ومن هذه الكتلة الضخمة الواسعة تنبعث البخرة تحت حرارة الشمس‪ ،‬وهي‬
‫التي تعود فتسقط أمطارا ً يتكون منها الماء العذب في جميع أشكاله‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتصب جميع النهار تقريبا ً في البحار‪ ،‬وهي التي تنقل إليها أملح الرض فل‬
‫تغير طبيعة البحار ول تبغي عليها‪.‬‬
‫واللؤلؤ والمرجان المذكوران في الية هما من أعجب المخلوقات البحرية‬
‫التي تنطق بعظمة الله تعالى وقدرته‪ ،‬والمتأمل فيما في البحر من مخلوقات‬
‫وما سخر الله تعالى في جوفه‪ ،‬يجد العجب العجاب‪ ،‬والحكمة اللهية‪،‬‬
‫والعظمة الربانية!‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫حما طرِي ّا وَت َ ْ‬ ‫هل ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫حَر ل ِت َأك ُلوا ِ‬ ‫خَر الب َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪ } :‬وَهُوَ ال ِ‬
‫سون ََها { ‪] ...‬النحل‪.[14:‬‬ ‫ة ت َل ْب َ ُ‬ ‫حل ْي َ ً‬ ‫ِ‬
‫ن}‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َلت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫حَري ْ ِ‬‫ج الب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ومن إعجاز القرآن العظيم في البحر قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫و‬
‫ن { ‪] ...‬الرحمن‪ ،[20 ، 19 :‬وقوله تعالى‪ } :‬وَهُ َ‬ ‫خ ّل ي َب ْغَِيا ِ‬ ‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫‪ {19‬ب َي ْن َهُ َ‬
‫جرا ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ح ْ‬ ‫ما ب َْرَزخا وَ ِ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬‫جعَ َ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫مل ٌ‬ ‫ذا ِ‬‫ت وَهَ َ‬ ‫ب فَُرا ٌ‬ ‫ذا عَذ ْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حَري ْ ِ‬‫ج الب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫جورا ً { ‪] ...‬الفرقان‪.[53 :‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫وهذا ما أثبته العلم الحديث‪ ،‬بعد دراسة ورحلة علمية استمرت ثلثة أعوام‬
‫وهي تجوب بحار العالم‪.‬‬
‫فبين البحار والنهار برزخ وفاصل مائي يفصل بين البحر والنهر‪ ،‬وبين البحار‬
‫بعضها البعض فاصل وبرزخ يفصل بينها‪ .‬فسبحان الخلق العظيم‪ ،‬وتبارك‬
‫الواحد العظيم!!‪.‬‬
‫وجعلنا من الماء كل شيء حي‬
‫ومن أعظم آياته هذا الماء الرقراق‪ ،‬والسلسبيل المتدفق‪ ،‬الذي به قوام‬
‫ي { ‪] ...‬النبياء‪،[30:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ماء ك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫جعَل َْنا ِ‬ ‫الحياة‪ ،‬وأساس البقاء‪ } :‬وَ َ‬
‫والماء بناؤه غريب وخبره عجيب‪ ،‬فإذا تدفق الماء‪ ،‬وأقبلت أمواجه‪ ،‬أقبل معه‬
‫البشر والعطاء والنماء والرغد والهناء‪ ،‬بالماء تقوم الحقول‪ ،‬وتتكاثر الحبوب‪،‬‬
‫وتميس الحدائق‪ ،‬وتهمهم الجداول‪ ،‬وتتراقص الخمائل‪ ،‬وتشدو البلبل‪،‬‬
‫وتتمايل السنابل‪.‬‬
‫َ‬
‫يأتي إلى أحبابه فيميس بين الزهور‪ ،‬ويتجول في الحدائق‪ ،‬كي َد ِ الطبيب على‬
‫جفن المريض‪ ،‬ويقبل إلى أعدائه فيزبد ويرعد‪ ،‬ول تمنعه السدود‪ ،‬ول ترده‬
‫الحدود‪ ،‬فيكسر الجسور‪ ،‬ويقتلع الصخور‪ ،‬ويدمر البيوت‪ ،‬ويجعل عاليها‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫سافلها حتى يأذن الله بسكونه‪ ،‬ويأمر بهدوئه‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬وَِقي َ‬
‫ل َيا أْر ُ‬
‫ماء أ َقْل ِِعي { ‪] ...‬هود‪،[44 :‬فهو جندي من جنود الخالق‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ك وََيا َ‬ ‫ماء ِ‬ ‫اب ْل َِعي َ‬
‫من سيول يمجها الواديان وثلوج يذيبها العصران‬
‫ذو استواٍء إذا جرى والتواٍء هل تأملت مزحف الفعوان‬
‫ف يمان‬ ‫ن وهو حيث استطار سي ُ‬ ‫ف لجي ٍ‬ ‫فهو حيث استدار وق ُ‬
‫إن مسته رحمة الله كان لطفا ً وهناًء وبركة‪ ،‬وإن مسه غضب الله كان دمارا ً‬
‫طرا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ِْهم ّ‬ ‫وهلكا ً وسخطا ً ونكدًا‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬وَأ ْ‬
‫ن { ‪] ...‬العراف‪.[84:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ي َكوُنوا‬ ‫سوِْء أفَل ْ‬ ‫مطَر ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مط َِر ْ‬ ‫قْري َةِ الِتي أ ْ‬ ‫وا عَلى ال َ‬ ‫قد ْ أت َ ْ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬وَل َ‬
‫شورا { ‪] ...‬الفرقان‪.[40 :‬‬ ‫ً‬ ‫ن نُ ُ‬‫جو َ‬ ‫كاُنوا َل ي َْر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي ََروْن ََها ب َ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن الله تعالى يسلط حرارة الشمس على المحيطات والبحار فتتبخر فيصعد‬
‫إلى السماء ماًء عذبا ً ل ملوحة فيه‪ ،‬فسبحان الله العظيم‪ ،‬يرفع ماء البحر‬
‫َ َ‬
‫ن } ‪{68‬‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫ماء ال ّ ِ‬
‫ذي ت َ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫بخارا ً ول يرفع معه الملح الممتزج به! } أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫جاجا ً‬ ‫ُ‬ ‫أ ََأنتم َأنزل ْتموه من ال ْمز َ‬
‫جعَل َْناه ُ أ َ‬‫شاء َ‬ ‫ن } ‪ {69‬ل َوْ ن َ َ‬ ‫منزُِلو َ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫ح ُ‬
‫م نَ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ُ ْ ِ‬ ‫ُ ْ َ ُ ُ ُ ِ َ‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن { ‪] ...‬الواقعة‪ [70 - 68 :‬ـ أجاجا ً يعني‪ :‬مالحا ً ل يطاق ول‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫فَل َوَْل ت َ ْ‬
‫يشرب ـ ومن حكمة الله أن هذا البخار المتصاعد في السماء ل يستمر في‬
‫صعوده إلى القمر أو المريخ فيصب هناك وتحرم منه الرض‪ ،‬بل يتكثف في‬
‫طبقات الجو العالية‪ ،‬حيث درجة الحرارة منخفضة‪ ،‬ويرفع في السماء لكي‬
‫يبتعد عن مستوى الجبال لئل تعوق انتقاله من بلد إلى بلد‪ ،‬فبعد أن يتكون‬
‫السحاب الركامي‪ ،‬ويتكثف ويتجمع ويصدر أمر الله إليه‪ ،‬يهبط حيث يريد‬
‫ه ِفي‬ ‫سط ُ ُ‬ ‫حابا ً فَي َب ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح فَت ُِثيُر َ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫موله‪ ،‬ويأمره خالقه } الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ب ب ِهِ‬‫صا َ‬ ‫خَلل ِهِ فَإ َِذا أ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫سفا ً فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬ ‫ه كِ َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ماء ك َي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ن } ‪ {48‬وَِإن َ‬
‫ل أن ي ُن َّز َ‬
‫ل‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫عَبادِهِ إ َِذا هُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬‫من ي َ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪] ...‬الروم‪.[49 ، 48 :‬‬ ‫َ‬ ‫سي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ِ ّ‬ ‫هم‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ومن لطف الله تعالى بعباده أن ينزل عليهم هذا الغيث بقدر‪ ،‬فلو سقطت‬
‫جبال السحاب الكثيفة الهائلة كما هي لهلك الناس‪.‬‬
‫ب جبال ً من برد ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫هذا الذي أنزل سيل ً في البلد فكيف لو َ‬
‫ضه سخره أنهارا ً‬ ‫درارا وبع َ‬ ‫أنزله رفقا ً بنا م ْ‬
‫ومن لطفه تعالى أنه إذا أنزل الماء لم يبقه متجمعا ً فوق الرض فتصبح‬
‫الرض غير صالحة للسير عليها‪ ،‬بل سلكه ينابيٍع في الرض وحفظه في البار‬
‫م‬‫ض ثُ ّ‬
‫َْ‬
‫ه ي ََناِبيعَ ِفي الْر ِ‬ ‫سل َك َ ُ‬ ‫ماًء فَ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه َأنَز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م ت ََر أ ّ‬
‫َ‬
‫والعيون } أل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫طاما ً إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ُ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫فّرا ً ث ُ ّ‬ ‫ص َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج فَت ََراه ُ ُ‬ ‫م ي َِهي ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫وان ُ ُ‬ ‫خت َِلفا ً أل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ب ِهِ َزْرعا ً ّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب { ‪] ...‬الزمر‪.[21 :‬‬ ‫ك ل َذِك َْرى ِلوِْلي اْلل َْبا ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫فهو تعالى يحفظ هذا الماء في صحون من الصخور الجوفية من غير أن يغور‬
‫ماء‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫من ي َأ ِْتي ُ‬ ‫ورا ً فَ َ‬ ‫م غَ ْ‬ ‫ماؤُك ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬‫نأ ْ‬
‫ل أ َرأ َيتم إ َ‬
‫ويعمق في الرض } قُ ْ َ ْ ُ ْ ِ ْ‬
‫ن { ‪] ...‬الملك‪.[30:‬‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ّ‬
‫آية الكرسي‬
‫آية جليلة القدر‪ ،‬عظيمة الشأن‪ ،‬رفيعة المنزلة‪ ،‬بعيدة المكانة‪ ،‬بّينة المهابة‪،‬‬
‫لها حلوة وعليها طلوة‪ ،‬تنزل على القلب بردا ً سلمًا‪ ،‬يسعد بها الفؤاد‪،‬‬
‫وتأنس لها النفس‪ ،‬وتستروح بها الروح‪ ،‬حبيبة إلى الرحمن‪ ،‬حافظة للنسان‪،‬‬
‫طاردة للشيطان‪ ،‬حفظها أمن وأمان‪ ،‬وقراءتها روح وريحان‪ ،‬والترنم بها‬
‫النعيم والسلوان‪ .‬وهي أعظم وأجل آية في القرآن‪.‬‬
‫ي بن كعب‪ ) :‬أي آية كتاب الله أعظم؟‬ ‫ُ‬
‫سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أب ّ‬
‫ُ‬
‫ي‪ :‬آية الكرسي‪ .‬قال‪ :‬ليهنك‬ ‫قال‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬فرددها مرارًا‪ ،‬ثم قال أب ّ‬
‫العلم أبا المنذر‪ ،‬والذي نفسي بيده إن لها لسانا ً وشفتين‪ ،‬تقدس الملك عن‬
‫ساق العرش (‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أية الكرسي بعيدة أسرارها‪ ،‬عظيمة أخبارها‪ ،‬حتى الشياطين عرفت‬


‫مقدارها‪ ،‬يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه‪ ) :‬وكلني رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ بحفظ زكاة رمضان‪ ،‬فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام‪ ،‬فأخذته‬
‫وقلت‪ :‬لرفعنك إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬إني محتاج‪،‬‬
‫وعلي عيال‪ ،‬ولي حاجة شديدة‪ .‬قال‪ :‬فخليت عنه‪ .‬فأصبحت‪ ،‬فقال النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا أبا هريرة‪ ،‬ما فعل أسيرك البارحة؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬شكا حاجة شديدة وعيال ً فرحمته وخليت سبيله‪ .‬قال‪ :‬أما إنه قد‬
‫كذبك وسيعود‪ ،‬فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إنه سيعود‪ ،‬فرصدته‪ ،‬فجاء يحثو من الطعام‪ ،‬فأخذته‪ ،‬فقلت‪ :‬لرفعنك إلى‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال‪ :‬دعني‪ ،‬فإني محتاج‪ ،‬وعلى عيال‪ ،‬ل‬
‫أعود‪ .‬فرحمته وخليت سبيله‪ ،‬فأصبحت فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬يا أبا هريرة‪ ،‬ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬شكا حاجة‬
‫وعيال ً فرحمُته فخليت سبيله‪ .‬قال‪ :‬أما إنه قد كذبك وسيعود‪ ،‬فرصدته الثالثة‪،‬‬
‫فجاء يحثو من الطعام‪ ،‬فأخذته‪ ،‬فقلت‪ :‬لرفعنك إلى رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ وهذا آخر ثلث مرات أنك تزعم أنك ل تعود‪ ،‬ثم تعود‪ .‬فقال‪:‬‬
‫دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها‪ .‬قلت ماهن‪ .‬قال‪ :‬إذا أويت إلى فراشك‬
‫م {‪] ...‬البقرة‪ ،[255:‬حتى‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬ ‫ه ل َ إ ِل َ َ‬‫فاقرأ آية الكرسي‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫تختم الية‪ ،‬فإنك لن يزال عليك من الله حافظ‪ ،‬ول يقربك شيطان حتى‬
‫تصبح‪ ،‬فخليت سبيله‪ ،‬فأصبحت فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني‬
‫الله بها‪ ،‬فخليت سبيله‪ .‬قال‪ :‬ما هي؟ قلت‪ :‬قال لي‪ ،‬إذا أويت إلى فراشك‬
‫ي‬
‫ح ّ‬‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬
‫ه ل َ إ ِل َ َ‬‫فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الية‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫م {‪ ،‬وقال لي ‪ :‬لن يزال عليك من الله حافظ‪ ،‬ول يقربك شيطان حتى‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫تصبح فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم‪ :‬أما إنه صدقك وهو كذوب‪ ،‬تعلم‬
‫مذ ثلث ليال يا أبا هريرة؟ قلت ل‪ ،‬قال‪ :‬ذاك الشطان(‪.‬‬ ‫من تخاطب ُ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ {‪ :‬الله علم العلم‪ ،‬وأعرف المعارف‪ ،‬الله الذي له جميع‬ ‫ه ل َ إ ِل َ َ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫معاني اللوهية ول يستحق العبودية إل هو‪ ،‬فهو المتفرد باللهية على جميع‬
‫الخلئق‪ ،‬وهذه الوحدانية الحاسمة التي ل مجال فيها لي انحراف أو لبس‬
‫مما طرأ على الديانات السابقة بعد الرسل‪ ،‬هذه هي الوحدانية الناصعة‪،‬‬
‫فالعبودية لله‪ ،‬والطاعة لله‪ ،‬والحاكمية لله‪.‬‬
‫ه{ بداية مشرقة‪ ،‬وكلمة مؤنسة‪ ،‬جاءت في أول الية كالتاج على‬ ‫} الل ُ‬
‫الرأس‪ ،‬والفجر في الفق‪ ،‬والبسمة في الشفاه‪ ،‬ثم أتى بعدها مباشرة‬
‫بالصفة السمى‪ ،‬والقضية العظمى‪ ،‬جاءت كلمة التقوى‪ ،‬وعنوان الدين‪،‬‬
‫وأساس الملة‪ ،‬الكلمة التي من أجلها أنزلت الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل‪ ،‬وأقيم‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ {‪.‬‬ ‫سوق الجنة والنار وهي‪ } :‬ل َ إ ِل َ َ‬
‫م {‪ :‬الحي في نفسه الذي ل يموت أبدًا‪ ،‬المقيم لغيره‪ ،‬فجميع‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫} ال ْ َ‬
‫الموجودات مفتقرة إليه‪ ،‬وهو الغني عنها‪ ،‬ول قوام لها بدون فضله‪ ،‬والحياة‬
‫التي يوصف بها الله الواحد هي الحياة الذاتية التي لم تأت من مصدر آخر‬
‫كحياة الخلئق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق‪ ،‬فالله جل وعل يتفرد‬
‫بالحياة الزلية البدية التي ل تبدأ من مبدأ ول تنتهي إلى نهاية‪ } ،‬هُوَ اْل َوّ ُ‬
‫ل‬
‫ن { ‪] ...‬الحديد‪ ،[3 :‬ولذلك كان دعائه ـ صلى الله‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬ ‫خُر َوال ّ‬ ‫َواْل ِ‬
‫عليه وسلم‪ ) :‬يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث (‪.‬‬
‫والقيوم بمعنى قيامه سبحانه على كل موجود‪ ،‬وقيام كل موجود به‪ ،‬فل قيام‬
‫لشيء إل مرتكنا ً إلى وجوده وتدبيره‪ ،‬فالمسلم يعلم أن ضميره وحياته‬
‫ووجوده وكل شيء من حوله مرتبط بالله الواحد الحد‪.‬‬
‫ْ‬
‫م { ‪] ...‬البقرة‪ :[255 :‬أي ل يعتريه نقص ول غفلة ول‬ ‫ة وَل َ ن َوْ ٌ‬ ‫خذ ُه ُ ِ‬
‫سن َ ٌ‬ ‫} ل َ ت َأ ُ‬
‫ذهول عن خلقه‪ ،‬بل هو قائم على كل نفس بما كسبت‪ ،‬شهيد على كل‬
‫شيء‪ ،‬ل يغيب عن شيء‪ ،‬ول يخفى عليه خافية‪ ،‬ومن تمام القيومية أنه ل‬
‫ْ‬
‫سَنة ‪،‬وهي الوسن‬ ‫ة { أي ل تغلبه ِ‬ ‫سن َ ٌ‬‫خذ ُه ُ ِ‬‫يعتريه سنة ول نوم‪ ،‬فقوله‪ } :‬ل َ ت َأ ُ‬
‫سَنة‪ .‬وفي الصحيح عن‬ ‫م {؛ لنه أقوى من ال ّ‬ ‫والنعاس؛ ولهذا قال‪ } :‬وَل َ ن َوْ ٌ‬
‫أبي موسى قال‪ :‬قام فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأربع كلمات‬
‫فقال‪ ) :‬إن الله ل ينام‪ ،‬ول ينبغي له أن ينام‪ ،‬يخفض القسط ويرفعه‪ ،‬يرفع‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليه عمل النهار قبل عمل الليل‪ ،‬وعمل الليل قبل عمل النهار‪ ،‬حاجبه النور ـ‬
‫سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه (‪.‬‬‫أو النارـ لو كشفه لحرقت ُ‬

‫)‪(3 /‬‬
‫َ‬
‫ض { ‪] ...‬البقرة‪ :[255 :‬إخبار بأن الجميع‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫} لّ ُ‬
‫من ِفي‬ ‫ل َ‬ ‫عبيده وفي ملكه ول يخرج أحد منهم عن هذا الطور } ِإن ك ُ ّ‬
‫م‬ ‫السماوات واْل َرض إّل آِتي الرحمن عَبدا ً } ‪ {93‬ل َ َ َ‬
‫م وَعَد ّهُ ْ‬ ‫صاهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫قد ْ أ ْ‬ ‫ّ ْ َ ِ ْ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ ِ‬
‫عَد ّا ً { ‪] ...‬مريم‪ ،[94 ، 93 :‬وهو الذي له الملك والتصرف والسلطان‬
‫والكبرياء‪.‬‬
‫عن ْد َه ُ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ‪] ...‬البقرة‪ [255:‬وهذا من عظمته‬ ‫فع ُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫من َذا ال ِ‬ ‫} َ‬
‫وجلله وكبريائه عز وجل‪ ،‬أنه ل يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إل أن يأذن‬
‫له في الشفاعة كما في حديث الشفاعة‪ ) :‬آتي تحت العرش فأخر ساجدًا‪،‬‬
‫فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ‪:‬ارفع رأسك‪ ،‬وقل تسمع‪ ،‬واشفع‬
‫تشفع ( قال‪ ) :‬فيحد لي حدا ً فأدخلهم الجنة (‪.‬‬
‫إن كل الوجهاء والشفعاء عبيد له مماليك‪ ،‬ل يقدمون على شفاعة حتى يأذن‬
‫َْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ض { ‪ ] ...‬الزمر‪:‬‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ميعا ً ل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ة َ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫لهم‪ُ } :‬قل ل ّل ّهِ ال ّ‬
‫‪.[44‬‬
‫والله ل يأذن لحد أن يشفع إل فيمن ارتضى‪ ،‬ول يرتضي إل توحيده واتباع‬
‫رسله‪ .‬وقد جاء الكلم في ثوب من الستفهام المقصود به النفي‪ ،‬أي ل أحد‬
‫يملك الشفاعة عنده إل بإذنه جل وعل‪.‬‬
‫م { ‪] ...‬البقرة‪ [255 :‬دليل على إحاطة علمه‬ ‫خل ْ َ‬ ‫} يعل َم ما بي َ‬
‫فهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫َْ ُ َ َْ َ‬
‫بجميع الكائنات‪ :‬ماضيها وحاضرها ومستقبلها‪ ،‬كقوله إخبارا ً عن الملئكة‪:‬‬
‫خل ْ َ‬ ‫ك ل َه ما بي َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬‫فَنا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ديَنا وَ َ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫مرِ َرب ّ َ ُ َ َ ْ َ‬ ‫ل إ ِّل ب ِأ ْ‬ ‫ما ن َت َن َّز ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫سي ّا ً { ‪] ...‬مريم‪.[64:‬‬ ‫نَ ِ‬
‫شاء { ‪] ...‬البقرة‪ .[255:‬أي‪ :‬ل يطلع‬ ‫ما َ‬ ‫ّ‬
‫مهِ إ ِل ب ِ َ‬ ‫ْ‬
‫عل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حيطو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫} وَل ي ُ ِ‬
‫أحد على شيء من علم الله إل بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد‪ :‬ل يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إل بما‬
‫عْلما ً { ‪] ...‬طه‪.[110:‬‬ ‫ن ب ِهِ ِ‬ ‫طو َ‬‫حي ُ‬ ‫أطلعهم الله عليه‪ ،‬كقوله تعالى‪ } :‬وََل ي ُ ِ‬
‫فالله جل وعل يعلم ما بين أيدي الخلئق من المور المستقبلية التي ل نهاية‬
‫لها‪ ،‬ويعلم ما خلفهم من المور الماضية التي ل عد لها‪ ،‬وأنه ل تخفى عليه‬
‫خائ ِن َ َ ْ َ‬
‫دوُر { ‪] ...‬غافر‪ ،[19:‬وأن الخلق‬ ‫ص ُ‬‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫خافية‪ } :‬ي َعْل َ ُ‬
‫مهما أوتوا من علم وقدرة فل يحيط أحد بشي من علم الله أو معلوماته إل‬
‫بما شاء منها‪ ،‬وهو ما أطلعهم عليه من المور الشرعية والقدرية‪ ،‬وهو جزء‬
‫من ال ْعِل ْم ِ إ ِل ّ‬ ‫ُ‬
‫ما أوِتيُتم ّ‬ ‫يسير جدا ً مضمحل في علوم الباري ومعلوماته‪ } :‬وَ َ‬
‫م الخلق به وهم الرسل والملئكة‪:‬‬ ‫قَِليل ً { ‪] ...‬السراء‪ ،[85:‬وقد قال أعل ُ‬
‫مت ََنا { ‪] ...‬البقرة‪.[32:‬‬ ‫ما عَل ّ ْ‬ ‫م ل ََنا إ ِل ّ َ‬ ‫عل ْ َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫} ُ‬
‫ض { ‪] ...‬البقرة‪ :[255:‬يخبر تعالى عن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫سي ّ ُ‬ ‫سعَ كْر ِ‬ ‫} وَ ِ‬
‫عظمته وجلله وأن كرسيه وسع السماوات والرض‪ ،‬وأنه قد حفظهما ومن‬
‫فيهما من العوالم بالسباب والنظمة التي جعلها في المخلوقات‪.‬‬
‫ه حفظ‬ ‫ما { ‪] ...‬البقرة‪ [255:‬أي‪ :‬ل يثقله ول ُيكرث ُ ُ‬ ‫فظ ُهُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ؤود ُه ُ ِ‬ ‫} وَل َ ي َ ُ‬
‫السماوات والرض ومن فيهما ومن بينهما‪ ،‬بل ذلك سهل عليه‪ ،‬يسير لديه‪،‬‬
‫وهو القائم على كل نفس بما كسبت‪ ،‬الرقيب على جميع الشياء‪ ،‬فل يعزب‬
‫عنه شيء‪ ،‬ول يغيب عنه شيء‪ ،‬والشياء كلها حقيرة بين يديه‪ ،‬متواضعة ذليلة‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صغيرة بالنسبة إليه‪ ،‬محتاجة فقيرة وهو الغني الحميد‪ ،‬الفعال لما يريد الذي‬
‫ل يسأل عما يفعل وهم يسألون‪ ،‬وهو القاهر لكل شيء‪ ،‬الحسيب على كل‬
‫شيء‪ ،‬الرقيب العلي العظيم ل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬
‫ي { ‪] ...‬البقرة‪ [255:‬بذاته على جميع مخلوقاته‪ ،‬وهو العلي‬ ‫} وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬
‫بعظمة صفاته‪ ،‬وهو العلي الذي قهر المخلوقات‪ ،‬ودانت له الموجودات‪،‬‬
‫وخضعت له الصعاب‪ ،‬وذلت له الرقاب‪.‬‬
‫م { ‪] ...‬البقرة‪ [255:‬الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء‪،‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫} ال ْعَ ِ‬
‫والمجد والبهاء‪ ،‬الذي تحبه القلوب‪ ،‬وتعظمه الرواح‪ ،‬ويعرف العارفون أن‬
‫عظمة كل شيء ـ وإن جلت عن الصفة ـ فإنها مضمحلة في جانب عظمة‬
‫العلي العظيم‪.‬‬
‫مل الحق هذه الية أن تكون‬ ‫متأ ّ‬
‫وبعد هذا التأمل في رحاب هذه الية يجد ال ُ‬
‫أعظم آيات القرآن لما احتوته من المعاني‪ ،‬ويحق لمن قرأها متدبرا ً متفهما ً‬
‫أن يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان واليمان‪ ،‬وأن يكون محفوظا ً بذلك من‬
‫شرور الشيطان‪.‬‬
‫يجب أن ننقش هذه الية الكريمة في أذهاننا‪ ،‬ونزرعها في وجداننا‪ ،‬وتسري‬
‫مع دمائنا‪ ،‬يجب أن نربي أبناءنا على حفظها‪ ،‬ونأمرهم بتعلمها وقراءتها في‬
‫كل أوقاتهم وأحوالهم ول سيما عند نومهم‪ ،‬فهي بعد الله جل وعل من خير ما‬
‫يحفظهم به‪ ،‬وهي خير لهم مما ُتحشى به أذهانهم وُتصم به آذانهم مما ل‬
‫فائدة فيه ‪... ...‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫معَ الغافلين‬ ‫ب ََرك َ ُ‬


‫ة الَتقوى َ‬
‫ذكر أن شابا فيه تقى وفيه غفلة‪ ..‬طلب العلم عند أحد المشايخ حتى إذا‬
‫أصاب منه حظا قال الشيخ‪ :‬ل تكونوا عالة على الناس فإن العالم الذي يمد‬
‫يده إلى أبناء الدنيا ل يكون فيه خير فليذهب كل واحد منكم وليشتغل‬
‫ق الله فيها‬
‫بالصنعة التي كان أبوه يشتغل بها‪ ..‬وليت ِ‬
‫وذهب الشاب إلى أمه فقال لها‪ :‬ما هي الصنعة التي كان أبي يشتغل بها‪..‬؟؟‬
‫فاضطربت المرأة فقالت‪ :‬أبوك قد ذهب إلى رحمة الله فما بالك وللصنعة‬
‫ح عليها وهي تتملص منه‪ ..‬حتى اضطرها إلى الكلم‬ ‫التي يشتغل بها‪..‬؟؟ فأل ّ‬
‫أخبرته وهي كارهة أن أباه كان لصا‪ !!..‬فقال لها‪ :‬إن الشيخ أمرنا أن يشتغل‬
‫ك‪ ..‬وهل في السرقة‬ ‫كل بصنعة أبيه ويتقي الله فيها‪ ..‬قالت الم‪ :‬ويح ِ‬
‫تقوى‪..‬؟؟ وكان في الولد غفلة وحمق فقال لها‪ :‬هكذا قال الشيخ‬
‫دة‬
‫وذهب فسأل‪ ..‬وتسقط الخبار حتى عرف كيف يسرق اللصوص فأعد ّ ع ّ‬
‫السرقة‪ ..‬وصلى العشاء وانتظر حتى نام الناس وخرج ليشتغل بصنعة أبيه‬
‫م أن يدخلها ثم ذكر أن الشيخ قد أوصاه‬ ‫كما قال الشيخ‪ ..‬فبدأ بدار جاره وه ّ‬
‫بالتقوى وليس من التقوى إيذاء الجار‪ ..‬فتخطى هذه الدار ومّر بأخرى‪ ..‬فقال‬
‫ذر من أكل مال اليتيم‪ ..‬وما زال يمشي حتى‬ ‫لنفسه‪ :‬هذه دار أيتام والله ح ّ‬
‫وصل إلى دار تاجر غني وليس فيه حرس ويعلم الناس أن عنده الموال التي‬
‫تزيده عن حاجته‪ ..‬فقال‪ :‬ههنا‪ ..‬وعالج الباب بالمفاتيح التي أعدها‪ ..‬ففتح‬
‫ودخل فوجد دارا واسعة وغرفا كثيرة‪ ..‬فجال فيها حتى اهتدى إلى مكان‬
‫م‬
‫المال‪ ..‬وفتح الصندوق فوجد من الذهب والفضة والنقد شيئا كثيرا‪ ..‬فه ّ‬
‫بأخذه ثم قال‪ :‬ل يؤد ّ زكاة أمواله لنخرج الزكاة أول‪ ..‬وأخذ الدفاتر وأشعل‬
‫فانوسا صغيرا جاء به معه‪ ..‬وراح يراجع الدفاتر ويحسب‪ ..‬وكان ماهرا في‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حى مقدار‬ ‫الحساب خبيرا بإمساك الدفاتر‪ ..‬فأحصى الموال وحسب زكاتها فن ّ‬
‫الزكاة جانبا واستغرق في الحساب حتى مضت ساعات فنظر فإذا هو الفجر‬
‫فقال‪ :‬تقوى الله تقضي بالصلة أول‬
‫وخرج إلى صحن الدار فتوضأ من البركة وأقام الصلة‪ ..‬فسمع رب البيت‬
‫فنظر‪ ..‬فرأى عجبا‪ :‬فانوسا مضيئا‪ !!..‬ورأى صندوق أمواله مفتوحا ورجل‬
‫يقيم الصلة فقالت له امرأته‪ :‬ما هذا‪..‬؟؟ والله ل أدري‪ ..‬ونزل إليه فقال‪:‬‬
‫ويلك من أنت‪..‬؟؟ وما هذا‪..‬؟؟ قال اللص‪ :‬الصلة أول ثم الكلم‪ ..‬فتوضأ‬
‫تقدم فصل بنا فإن المامة لصاحب الدار‪ ..‬فخاف صاحب الدار أن يكون معه‬
‫سلح ففعل ما أمره‪ ..‬والله أعلم كيف صلى‬
‫فلما قضيت الصلة قال له‪ :‬خّبرني من أنت‪..‬؟؟ وما شأنك‪..‬؟؟ قال‪ :‬لص‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما تصنع بدفاتري‪..‬؟؟ قال‪ :‬أحسب الزكاة التي لم تخرجها من ست‬
‫سنوات وقد حسبتها وفرزتها لتضعها في مصاريفها‪ ..‬فكاد الرجل يجن من‬
‫العجب وقال له‪ :‬ويلك ما خّبرك‪..‬؟؟ هل أنت مجنون‪..‬؟؟ فخّبره خبره كله‬
‫فلما سمعه التاجر ورأى ضبط حسابه‪ ..‬ذهب إلى زوجته فكلمها‪ ..‬وكان له‬
‫بنت ثم رجع إليه فقال له‪ :‬ما رأيك لو زّوجتك بنتي وجعلتك كاتبا وحاسبا‬
‫عندي‪ ..‬وأسكنتك أنت وأمك في داري ثم جعلتك شريكي‪..‬؟؟ قال أقبل‪..‬‬
‫وأصبح الصباح فدعا المأذون بالشهود وعقد العقد )‪ (1‬وهذه الحادثة إنما‬
‫ذكرتها لطرافتها على ما فيها من غرابة إستئناسا بها‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ي الطنطاوي بتصرف‬ ‫ـ)‪ (1‬ذكرها الشيخ عل ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫صائ ُِر‬
‫بَ َ‬
‫المفاهيم والخواطر‬
‫الستاذ الدكتور كابوري‬
‫محمد صالح علي مصطفى‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫وبه نستعين‬
‫بصائر‬
‫ً‬
‫جاورت بمكة المكرمة أسابيع وأياما من شهري جمادى ورجب العام الحالي‬
‫‪1425‬هـ وهناك أعدت النظر في مجموعة "خاتمة المؤلفات" ‪.‬‬
‫وقد فهم غيري كما فهمت من قبل أن المراد من خاتمة المؤلفات هو رفع‬
‫القلم وطي الصحف والنصراف إلى المسجد للصلة وقراءة القرآن رغبا ًَ‬
‫ورهبا ً ? فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب *? ‪ ? 8/94-7‬واعبد ربك‬
‫حتى يأتيك اليقين *? ‪. 99/15‬‬
‫ولعل الفهم المذكور توسع لضافة " بصائر " كعلم وكعبادة ول منافاة بينهما‬
‫والفارق إن وجد فهو أن العلم أسبق مرحلة وأعظم مرتبة ‪.‬‬
‫? قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا‬
‫عليكم بحفيظ *? ‪. 104/6‬‬
‫َ‬
‫وبصائر جمع بصيرة من أبصر ومنه البصر للرؤية بالعين وهي أْثبت من السمع‬
‫والمس وغيرهما من أسباب العلم ‪ ،‬وضدها العمى والعياذ بالله ‪.‬‬
‫وتقييد البصائر بقيد المفاهيم وقيد الخواطر يتفاوت عند المراجعة ما بين‬
‫الضافة والحذف والتعديل والبقاء على حاله ‪ ،‬وقائمة المفاهيم طويلة وكذا‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخواطر سنأخذ ما يمكن أخذه ونترك ما يمكن تركه ‪.‬‬


‫ة الطريق والغاية ‪.‬‬ ‫ة رباني َ‬
‫هذا ‪ ،‬وإني لرجو الله أن يجعل البصائر قرآني ً‬
‫ومن الله التوفيق إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫‪ms@gabori.net‬‬
‫‪1‬‬
‫موازين العلم وميادين العمل‬
‫العلم والعمل أصلن متلزمان ومتكاملن في حياة النسان في هذه الدنيا‬
‫التي جعلها الله دار تكليف بالعبادة علما وعمل‪ ،‬وللعلم موازينه وللعمل‬
‫ميادينه ‪:‬‬
‫موازين العلم ثلثة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ميزان الدين اللهي ‪ :‬دليله الكتاب والسنة ‪ ،‬وحكمه بيان علم الحلل‬
‫والحرام ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ميزان الفطرة النساني ‪ :‬دليله العقل السليم ‪ ،‬وحكمه بيان النافع‬
‫والضار‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ميزان العرف الجتماعي‪ :‬دليله الجماع‪ ،‬وحكمه بيان الحسن والقبيح‬
‫‪.‬‬
‫وموازين العلم الثلثة هي زاد السفر ونور الطريق بالنسبة لميادين العمل ‪،‬‬
‫وهذه الموازين مرتبة‪ ،‬فدين الله أول ً لنه وحي معصوم‪ ،‬ثم الفطرة النسانية‬
‫لن سننها ثابتة ‪ ،‬وأخيرا ً العرف الجتماعي وهو نسبي يتطور ويتغير‪.‬‬
‫ميادين العمل متعددة نجملها في أربعة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ميدان النفس ‪ ،‬وفي النفس يجري الصراع بين الخير والشر أو بين‬
‫التقوى والفجور ?فألهمها فجورها وتقواها? ‪ 8/91‬ويغلب أحدهما الخر ?قد‬
‫افلح من زكاها * وقد خاب من دساها *? ‪. 10/91-9‬‬
‫والتزكية و الفلح في الصراع النفساني هو التخلص من النفس المارة‬
‫بالسوء ومن النفس اللوامة والوصول إلى النفس المطمئنة ‪..‬‬
‫الثاني ‪ :‬ميدان الهل في تربيتهم وتعليمهم ورعايتهم ودعوتهم في بشارتهم‬
‫ونذارتهم ‪ ،‬وهؤلء الهلون أولياء و قد ينقلبون أعداًء على الرغم من قربهم‬
‫وقرابتهم ?إن من أزواجكم وأولدكم عدوا ً لكم فاحذروهم? ‪ 14/64‬فإذا كان‬
‫هذا حال بعض الهلين فما بالك بغيرهم من الخرين من العشيرة والقوم‬
‫وعموم الناس ؟ ولذا يتوجب الصبر عليهم ومداراتهم وإعذارهم ما أمكن ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ميدان القومية بدءا بالعشيرة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬ميدان النسانية العامة ‪.‬‬
‫وميادين العمل الربعة تمثل دعوة النبياء المرسلين ـ والعلماء ورثتهم ـ وهذه‬
‫الميادين مرتبة بداية بالنفس ?عليكم أنفسكم? ‪ 105/5‬ثم الهل ?قوا‬
‫أنفسكم وأهليكم? ‪ 6/66‬ثم العشيرة ?وأنذر عشيرتك القربين? ‪214/26‬‬
‫والقوم ‪ ،‬وفي القرآن بيان وفي السنة كذلك بيان أن كل نبي أرسل إلى‬
‫قومه خاصة ‪ ،‬وأن خاتمهم أرسل إلى الناس كافة ‪ ..‬صلى الله عليه وعليهم‬
‫وعلينا وسلم ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫‪2-3‬‬
‫القراءة والكتابة‬
‫بدأ نزول القرآن بالدعوة إلى القراءة والكتابة ‪ ? :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق‬
‫* خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذي علم بالقلم * علم‬
‫النسان ما لم يعلم *? ‪. 5/96-1‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القراءة باللسان من الغايات ‪ ،‬والكتابة بالقلم من الوسائل ‪ ..‬ودائرة البحث‬


‫وسيعة في الثنتين نقتصر في الولى على علقة القراءة بالتجويد ‪ ،‬ونقتصر‬
‫في الثانية على علقة الكتابة بالقواعد ‪:‬‬
‫أ – القراءة والتجويد‪:‬‬
‫التجويد ‪ :‬إجادة القراءة يريدون به الترتيل الوارد في الكتاب أو التغني الوارد‬
‫في السنة ‪ ،‬وهو كيفية في الداء أوجبه بعض القّراء ‪ ،‬وآخرون لم يوجبوه‬
‫ورّدوا أدلة الموجبين وبخاصة دعواهم أن اللغة العربية في الداء العام هو‬
‫التجويد ذاته ‪ ،‬ول يخفى ضعفه لن التجويد لم يروَ في الحديث وهو أقرب‬
‫رد في الشعر وهو ديوان العرب ول في السجع‬ ‫النصوص إلى القرآن ‪ ،‬ولم ي ِ‬
‫ول في النثر والخطب والحكايات والمثال وغيرها من كلم العرب ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالدعاء بأن التجويد حتما ً لزم وأن من لم يجود القرآن حتما ً آثم ‪ ..‬مسألة‬
‫فيها نظر ‪ ،‬يقول ابن تيمية ‪ " :‬ول يجعل همته فيما حجب فيه أكثر الناس من‬
‫العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة بخروج حروفه وترقيقها وتفخيمها‬
‫ل‬
‫ق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك ‪ ،‬وكذلك شغ ِ‬ ‫وإمالتها ونط ٍ‬
‫و‬
‫النطق بأءنذرتهم وضم ميم عليهم ووصلها بالواو وكسر الهاء أو ضمها ونح ِ‬
‫ذلك ‪ ،‬وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت ‪ " ..‬إهـ ‪.‬‬
‫وبعض التجويد حق يشهد له خط المصحف في الحذف والفصل والوصل مثل‬
‫الدغام في " أن ل " حيث كتبت " أل ّ " بإدغام النون في اللم وكذا " من ما‬
‫" حيث كتبت " مما " بإدغام النون في الميم ‪ ..‬وينبغي دراسة هذه الظاهرة‬
‫في المصحف كله مع محاولة وضع علمات الترقيم حسب المعاني‬
‫الموضوعية ولم يَر الشيخ طاهر الكردي بذلك بأسا ً ‪.‬‬
‫والوزن في رؤوس اليات شاهد على الوقوف للتغني على شبه بقافية الشعر‬
‫وفاصلة السجع وليس له علقة بالوقوف الموضوعية ‪ ،‬فل مسوغ لرجوع‬
‫القارئ وإعادته من أجل الوحدة الموضوعية وإتمام المعنى لنه تكرار يوهم‬
‫دخوله في النص‪ ،‬تدبر ذلك مع فاتحة سورة الروم ? الم * غلبت الروم * في‬
‫أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله المر من قبل‬
‫ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز‬
‫الرحيم *? ‪. 5/30-1‬‬
‫وكثير من التجويد تجاوز الحدود بالمدود والغنن والقلقلت والقلبات‬
‫والخفاءات والدغامات والمبالغات في مخارج الحروف ‪ ،‬وسبب ذلك قطع‬
‫الكلم وتداخله حتى أصيب كثير من الكلمات بالغموض على حساب‬
‫المعاني ‪ ..‬و هذا من أهم السباب المؤدية إلى قصور العامة من العرب وهم‬
‫من أهل العربية عن فهمهم وتدبرهم للقرآن العربي المبين ‪.‬‬
‫ب – الكتابة والقواعد ‪:‬‬
‫لم يلتزم الكاتبون الولون بقواعد الكتابة الملئية في الكثير من المواضع ولم‬
‫دهم فزيدت حروف وحذفت حروف أو كتبت على‬ ‫من أتى بع َ‬‫يصحح لهم َ‬
‫خلف ما قرئت ‪ ..‬والمواضع ل تكاد تحصى ويجب إحصاؤها مهما كثرت لن‬
‫الواجب المؤكد هو كتابة القرآن على الوجه المقروء الملفوظ وعلى سبيل‬
‫الموافقة والمطابقة بل زيادة وبل نقصان وبل تبديل وبل تغيير ‪ ..‬لكن الواقع‬
‫مختلف الحال كما قلنا مع الخذ بعين العتبار تطور قواعد الملء ‪ ،‬وهاكم‬
‫أمثلة ‪:‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ... -‬ألف لم ميم أسماء لحروف كتبت ألم حروفا ً ‪ ،‬وهي وأمثالها في فواتح‬
‫تسع وعشرين سورة ‪.‬‬
‫‪ ... -‬الصلة والزكاة باللف كتبتا بالواو الصلوة والزكوة ‪ ،‬والتوراة باللف‬
‫كتبت بالياء التورية ‪.‬‬
‫‪ ... -‬لذبحنه بالثبات كتبت ل أذبحنه بالنفي ‪.‬‬
‫‪ ... -‬سأريكم من الرؤية كتبت بالواو سأوريكم أي سأحرقكم أو سأخفيكم ‪.‬‬
‫‪ ... -‬المسيطرون بالسين كتبت بالصاد المصطيرون ‪.‬‬
‫‪ ... -‬ننجي بنونين كتبت بنون واحدة نجي ‪.‬‬
‫‪ ... -‬مله ‪ ،‬بأيد كتبتا بياء زائدة مليه ‪ ،‬بأييد ‪..‬‬
‫‪ ... -‬الجنة كتبت بالتاء المربوطة وكتبت بالتاء المفتوحة جنت ‪.‬‬
‫ومعروف أن الكتابة العربية فصلت بين الحركات والحروف فلم تعد ّ الحركات‬
‫حروفا ً فل يمكن استعمالها إل مع الضبط بالشكل في كل شيء حتى‬
‫الرسائل العادية والصحف اليومية ‪ ،‬أو إل بعد معرفة علم النحو والصرف ‪،‬‬
‫وهما علمان يتعذر تعلمهما كما يتعذر استعمالهما ‪ ,‬ولو أن كلمة بثلثة أحرف‬
‫طرحت دون شكل لمكن أن تقرأ باثني عشر وجها ً وأْزيد كلها خطأ إل‬
‫واحدا ‪ ،‬وذلك كبير وكثير على لغة من اللغات وبخاصة في وقت ل توجد فيه‬
‫أم عربية تلقن اللغة الفصحى ‪ ،‬ول توجد مدرسة تيسر علم النحو والصرف ‪،‬‬
‫ول مطابع تكتب كل شيء بكامل الشكل‪.‬‬
‫لقد وقع الخطأ من الكاتبين الولين ولم يكونوا معصومين وكانوا معذورين‪..‬‬
‫يؤكد ابن خلدون على أن ليس في خطإهم نقص في خلق أو دين بناءا ً على‬
‫أن الكتابة من الصنائع المعاشية المدنية ‪..‬‬
‫ولقد منع الشيخ عبد العزيز بن عبد السلم الكتابة بخط المصحف وعلله‬
‫ل في تحريف القرآن " ‪.‬‬ ‫بقوله ‪ " :‬لئل يوقع الجها َ‬
‫ً‬
‫وأقول ‪ :‬هو كذلك ‪ ،‬وهو أيضا لئل يوقع العلماَء في كتمان العلم ‪ ،‬والوعيد فيه‬
‫خرين واجب الكتابة من جديد ‪..‬‬ ‫شديد فعلى الكاتبين ال ِ‬
‫وما هذا الشأن إل كشأن الكعبة المشرفة في إدخال حجر إسماعيل إلى‬
‫داخل البيت العتيق ‪ ،‬ليكون البناء على قواعد الخليل إبراهيم تحقيقا ً لمنية‬
‫خاتم النبياء المرسلين صلوات الله وسلمه عليه وعليهم أجمعين ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫النسخ‬
‫الناسخ والمنسوخ‬
‫كم في عملية‬ ‫النسخ هو ‪ :‬رفع حكم شرعي ‪ ،‬أو إزالته وإلغاؤه وإبطاله ‪ ،‬والح َ‬
‫النسخ روايات ندر فيها الصحيح واجتهادات وليس المقام مقام الجتهادات ‪.‬‬
‫وحسب هذا التعريف فإنه ل يكون في القرآن نسخ ل ناسخ ول منسوخ ‪.‬‬
‫والمتقدمون توسعوا في مفهوم النسخ فاستعملوه في التدرج في التشريع‬
‫وفي تخصيص العام وتقييد المطلق والستثناء والشرط والصفة ‪..‬‬
‫من بعد الشافعي فالنسخ عندهم هو النسخ‬ ‫والمتأخرون وهم ما بعد و َ‬
‫المعروف وهو رفع حكم ‪ ..‬إلخ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولفظ النسخ اسُتعمل في معناه الجامع للية الكونية والشرعية ?ما ننسخ من‬
‫آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها? ‪ 106/2‬وبمعناه المحو ?يمحو الله ما‬
‫يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب? ‪. 39/13‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واسُتعمل النسخ بالمعنى الخاص للية الشرعية ?فينسخ الله ما يلقي‬


‫الشيطان ثم يحكم الله آياته? ‪ 52/22‬وبمعناه التبديل ?وإذا بدلنا آية مكان‬
‫ر? ‪.10/16‬‬ ‫آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفت ٍ‬
‫وفي تاريخ النسخ فريقان ‪:‬‬
‫الفريق الول نفاة النسخ والحق معهم على الظاهر‪ ،‬والصل لهم في ثبوت‬
‫الحكم وعدم النسخ إل إذا قام تناقض وتحقق تعارض وذلك محال ?ولو كان‬
‫من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا? ‪. 82/4‬‬
‫الفريق الثاني دعاة النسخ –الناسخون‪ -‬وهم بين حدين في العلى ل حد‬
‫لدعاواهم‪ ،‬فالقرآن كله معرض ومعروض لطروء النسخ عليه ‪ ،‬يليهم الذين‬
‫حددوا عددا ً والمكثرون منهم تجاوزوا الـ ‪ 500‬ومثل هذا ل يصدق وكذا الذي‬
‫قبله‪.‬‬
‫والمشهور عند الناسخين ‪ 22‬دعوى ناقشتها في رسالة "النسخ في القرآن‬
‫الكريم" ورددتها جميعا ً إل ثلثا ً هي أيضا ً رددتها والحمد لله ‪.‬‬
‫?إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون? ‪? 78/56‬وإنه لكتاب عزيز ل يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد? ‪. 41/41‬‬
‫في المكتبة القرآنية كتاب معاصر في علوم القرآن عنون له صاحبه بعبارة‬
‫"ل نسخ في القرآن ‪ ...‬لماذا ؟" و"ل" نافية ناهية ‪.‬‬
‫وفي المكتبة تفسير وسيط للقرآن هو أيضا ً معاصر وفي مقدمته عبارة "‬
‫القرآن ل ناسخ ول منسوخ فيه" ‪ ..‬والتفسير المذكور أعد ّ من أجل عامة‬
‫المسلمين ولدعوة غير المسلمين ‪.‬‬
‫وكتب أخرى جاء فيها ما جاء من لدن "ابن بحر" وإلى "أبي زهرة"‪.‬‬
‫الول ضمن مذهبه في تفسيره المشهور ورد ّ دعاوى النسخ ووجه إحكام‬
‫اليات المنسوخة ‪..‬‬
‫الثاني قرر في كتابه "مصادر الفقه السلمي" أن ل ناسخ ول منسوخ بل‬
‫الحكام جميعها متكاملة ثابتة ‪.‬‬
‫في رسالتي "النسخ في القرآن الكريم" ط ‪ 1409‬قلت ‪:‬‬
‫)إن علم النسخ من أعجب العلوم وأغربها فهو بين طرفين إفراطا ً وتفريطا ً‬
‫من غلو في النفي والثبات ‪ ،‬ول توجد بين أيدينا دراسات منهجية كافية من‬
‫موسوعية تجمع الشتات ‪ ،‬أو موضوعية تبت وتحسم تأصيل ً وتفصيل ً لتصل‬
‫بهذا العلم إلى قرار معلوم سليم ‪.‬‬
‫وكثير من المصادر المتخصصة والمراجع التي تناولت موضوع النسخ –وهي‬
‫التفاسير وعلوم القرآن وأصول الفقه‪ -‬اهتمت بالجمع والتكديس والتكريس ‪،‬‬
‫وفي أحيان كثيرة غلب ضعف النقل ووهم العقل حتى كبر هذا العلم ورما ً‬
‫وعظم سقما ً ‪ ،‬أو تكدر على طالبيه ‪ ،‬وخفي عن المحتاجين إليه ‪ ،‬واختلط فيه‬
‫الّزبد بالّزبدة ‪.‬‬
‫ومن الشواهد الدالة على مبلغ التساهل دعاوى هبة الله بن سلمة الضرير‬
‫وقد أورد في كتابه أكثر من مائتين وثلثين دعوى نسخ ‪ ،‬ونسخ بآية السيف‬
‫نصفها!!‬
‫ومن الطرائف ما حكي عنه في قوله تعالى ‪:‬‬
‫?ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ً ويتيما ً وأسيرا? ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال هبة الله ‪ :‬منسوخ من هذه الجملة ?وأسيرًا? ‪.‬‬
‫فقالت ابنته ‪ :‬أخطأت يا أبت في هذا الكتاب!‬
‫فقال لها ‪ :‬وكيف يا بنية؟‬
‫قالت ‪ :‬أجمع المسلمون على أن السير يطعم ول يقتل جوعا ً ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪5‬‬
‫التعريف بالله‬
‫السماء والصفات‬
‫السم ‪ :‬ذات موصوفة كاسم العلم واسم الفاعل واسم المفعول والصفة‬
‫المشبهة‪.‬‬
‫الصفة ‪ :‬صفة فعلية كالماضي والمضارع ‪ ،‬وصفة اسمية كالمصادر ‪.‬‬
‫والمقصود من السم هو مضمونه من الصفة فهي تصف المسمى وتبين‬
‫ماهيته ووظيفته ‪.‬‬
‫وأول السماء أو المسمى الول هو الله ثم الملئكة و الجن ثم النسان‬
‫والحيوان والنبات وغيرها من المخلوقات في الرض والسماوات ?ويخلق ما‬
‫ل تعلمون? ‪ 8/16‬ولكل شيء اسمه أو أسماؤه الخاصة به ‪.‬‬
‫ويعد علم السماء والصفات من أهم علوم القرآن لتعلقه بمعرفة الله في‬
‫ربوبيته و ألوهيته ولتعلقه بالخلئق وبخاصة النسان في تكليفه وعبوديته لربه‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ولله أسماء أنزلها في كتابه جمعتها في رسالة "أسماء الله في القرآن –‬
‫إحصاء وبيان" والحصاء ‪ :‬جمع السماء الصريحة بل اجتهاد وقد بلغت ‪168‬‬
‫اسما ً ‪.‬‬
‫والصفات المأخوذة منها بلغت ‪ 115‬صفة ‪.‬‬
‫وتناولت السماء مع صفاتها بذكر العدد في القرآن مع بيان المعنى اللغوي‬
‫والدللة في الدين وناقشت ابن القيم في السماء والصفات وسيأتي رأيه‬
‫ورده ‪.‬‬
‫وقد أعد الستاذ مصطفى شاهر خلوف بحث "صفات الله في القرآن"‬
‫و"صفات النسان في القرآن" في سلسلة "الصفات في القرآن" ‪.‬‬
‫وبانتظار الحلقات الباقية من أجل التتميم والتكميل ‪.‬‬
‫برفقه السماء بالترتيب الهجائي لتحديد مواقعها وتسهيل مراجعتها ‪،‬‬
‫واللوحات المخطوطة هي بالترتيب الموضوعي ‪.‬‬
‫أسماء الله في القرآن بالترتيب الهجائي‬
‫وقد ميزت المروية منها بخط تحتها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الخذ ‪ -2 ...‬الخر ‪ -3 ...‬الحد ‪ -4‬الحسن ‪ -5 ...‬الحق ‪ -6 ...‬الحكم‬
‫‪ -7‬الرحم ‪ -8 ...‬السرع ‪ -9 ...‬الشد ‪ -10‬الصدق ‪ -11 ...‬العلى ‪-12‬‬
‫العلم‬
‫‪ -13‬القرب ‪ -14 ...‬الكبر ‪ -15 ...‬الكرم ‪ -16‬الله ‪ -17 ...‬الله ‪ -18 ...‬أهل‬
‫التقوى‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -19‬أهل المغفرة ‪ -20 ...‬الولى ‪ -21 ...‬الول ‪ -22‬البارئ ‪ -23‬الباطن ‪-24‬‬


‫البديع‬
‫‪ -25‬البر ‪ -26 ...‬البريء ‪ -27 ...‬البصير ‪ -28‬التواب ‪ -29‬الجاعل ‪-30 ...‬‬
‫الجامع‬
‫‪ -31‬الجبار ‪ -32 ...‬الحاسب ‪ -33 ...‬الحافظ ‪ -34‬الحاكم ‪ -35‬الحسيب ‪-36‬‬
‫الحفيظ‬
‫‪ -37‬الحفي ‪ -38 ...‬الحق ‪ -39 ...‬الحكم ‪ -40‬الحكيم ‪ -41‬الحليم ‪-42‬‬
‫الحميد‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -43‬الحي ‪ -44 ...‬خادع المنافقين ‪ -45 ...‬الخالق ‪ -46‬الخبير ‪ -47 ...‬الخلق‬


‫‪ -48 ...‬الخير‬
‫‪ -49‬خيرالماكرين ‪ -50 ...‬ذوالنتقام ‪ -51 ...‬ذوالكرام ‪ -52‬ذوالجلل ‪-53 ...‬‬
‫ذوالرحمة ‪ -54 ...‬ذوالطول‬
‫‪ -55‬ذوالعقاب ‪ -56 ...‬ذوالعرش ‪ -57 ...‬ذوالفضل ‪ -58‬ذوالقوة ‪-59 ...‬‬
‫ذوالمعارج ‪ -60 ...‬ذوالمغفرة‬
‫‪ -61‬الراحم ‪ -62 ...‬الرازق ‪ -63 ...‬الرافع ‪ -64‬الرؤوف ‪ -65 ...‬الرب ‪...‬‬
‫‪ –66‬الرحمن‬
‫‪ -67‬الرحيم ‪ -68 ...‬الرزاق ‪ -69 ...‬الرفيع ‪ -70‬الرقيب ‪ -71 ...‬الزارع ‪-72‬‬
‫السريع‬
‫‪ -73‬السلم ‪ -74 ...‬السميع ‪ -75 ...‬الشاكر ‪ -76‬الشاهد ‪ -77 ...‬الشديد ‪...‬‬
‫‪ -78‬الشفيع‬
‫‪ -79‬الشكور ‪ -80 ...‬الشهيد ‪ -81 ...‬الصادق ‪ -82‬الصمد ‪ -83 ...‬الظاهر ‪...‬‬
‫‪ -84‬العالم ‪...‬‬
‫‪-85‬عدو الكافرين ‪ -86 ...‬العزيز ‪ -87 ...‬العظيم ‪ -88‬العفو ‪-89 ...‬‬
‫العلي ‪ -90 ...‬العلم‬
‫‪ -91‬العليم ‪ -92 ...‬الغافر ‪ -93 ...‬الغالب ‪ –94‬الغفار ‪ -95 ...‬الغفور ‪-96 ...‬‬
‫الغني‬
‫‪ -97‬الفاتح ‪ -98 ...‬الفاصل ‪ -99 ...‬الفاطر ‪ -100‬الفاعل ‪ -101‬الفالق ‪...‬‬
‫‪ -102‬الفتاح‬
‫‪ -103‬الفعال ‪ -104 ...‬القائم ‪ -105 ...‬القابل ‪ -106‬القادر ‪ -107 ...‬القاهر‬
‫‪ -108‬القدوس‬
‫‪ -109‬القدير ‪ -110 ...‬القريب ‪ -111 ...‬القهار ‪ -112‬القوي ‪ -113‬القيوم‬
‫‪ -114‬الكاتب‬
‫‪ -115‬الكاشف ‪ -116 ...‬الكافي ‪ -117 ...‬الكبير ‪ -118‬الكريم ‪-119 ...‬‬
‫اللطيف ‪ -120‬المالك‬
‫‪ -121‬الماهد ‪ -122 ...‬المؤمن ‪ -123 ...‬المبتلي ‪ -124‬المبرم ‪-125 ...‬‬
‫المبين ‪ -126‬المتعالي‬
‫‪ -127‬المتكبر ‪ -128 ...‬المتم ‪ -129 ...‬المتوفي ‪ -130‬المتين ‪-131 ...‬‬
‫المجيب ‪ -132‬المجيد‬
‫‪ -133‬المحيط ‪ -134 ...‬المحيي ‪ -135 ...‬المخرج ‪ -136‬المخزي ‪-137‬‬
‫المرسل ‪ -138‬المستعان‬
‫‪ -139‬المستمع ‪ -140 ...‬المصور ‪ -141 ...‬المطهر ‪ -142‬المعذب ‪-143 ...‬‬
‫المغير ‪ -144‬المقتدر‬
‫‪ -145‬المقيت ‪ -146 ...‬الملك ‪ -147 ...‬المليك ‪ -148‬المنتقم ‪-149‬‬
‫المنذر ‪ -150 ...‬المنزل‬
‫‪ -151‬المْنشئ ‪ -152 ...‬المْهلك ‪ -153 ...‬المهْيمن ‪ -154‬الموسع ‪-155‬‬
‫المولى ‪ -156 ...‬الموهن‬
‫‪ -157‬الناصر ‪ -158 ...‬النصير ‪ -159 ...‬الهادي ‪ -160‬الواحد ‪ -161‬الوارث‬
‫‪ -162‬الواسع‬
‫‪ -163‬الوالي ‪ -164 ...‬الوحيد ‪ -165 ...‬الودود ‪ -166 ...‬الوكيل ‪ -167‬الولي‬
‫‪ -168 ...‬الوهاب‬
‫‪6‬‬
‫رأي ابن القيم في السماء والصفات‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأي ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين" وننقل النص‬
‫على طوله ثم نتبعه بما يفتح الله به ‪ ،‬قال رحمه الله تعالى ‪)" :‬إطلق ما‬
‫أطلقه الله على نفسه( ‪ :‬فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من‬
‫السماء والصفات والوقوف معها ‪ ،‬وعدم إطلق ما لم يطلقه على نفسه ما‬
‫لم يكن مطابقا ً لمعنى أسمائه وصفاته ‪ ،‬وحينئذ فيطلق المعنى لمطابقته له‬
‫دون اللفظ ‪ ،‬ولسيما إذا كان مجمل ً أو منقسما ً إلى ما يمدح به‪ ،‬وغيره فإنه‬
‫ل يجوز إطلقه إل مقيدا ً ‪ ،‬وهذا كلفظ الفاعل والصانع فإنه ل يطلق عليه في‬
‫أسمائه الحسنى إل إطلقا ً مقيدا ً أطلقه على نفسه‪ ،‬كقوله تعالى ?فعال لما‬
‫يريد? ‪? 16/85‬ويفعل الله ما يشاء? ‪ 27/14‬و قوله ‪? :‬صنع الله الذي أتقن‬
‫كل شيء? ‪. 88/27‬‬
‫فإن اسم الفاعل والصانع ‪ :‬منقسم المعنى إلى ما يمدح عليه ويذم ‪ ،‬ولهذا‬
‫المعنى ‪-‬والله أعلم‪ -‬لم يجئ في السماء الحسنى المريد كما جاء فيها‬
‫السميع البصير‪ ،‬ول المتكلم ول المر الناهي لنقسام مسمى هذه السماء بل‬
‫وصف نفسه بكمالتها وأشرف أنواعها ‪.‬‬
‫ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه‬
‫من كل فعل أخبر به عن نفسه اسما ً مطلقا ً فأدخله في أسمائه الحسنى !‬
‫فاشتق له اسم الماكر ‪ ،‬والخادع ‪ ،‬والفاتن ‪ ،‬والمضل ‪ ،‬والكاتب ‪ ،‬ونحوها من‬
‫قوله ‪? :‬ويمكر الله? ‪ 30/8‬ومن قوله ‪? :‬وهو خادعهم? ‪ 142/4‬ومن‬
‫قوله ‪? :‬لنفتنهم فيه? ‪ 131/20‬ومن قوله ?يضل من يشاء? ‪ 27/13‬وقوله‬
‫تعالى‪? :‬كتب الله لغلبن? ‪. 21/58‬‬
‫)خطأ إطلق الصفات على الله من غير دليل( وهذا خطأ من وجوه ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنه سبحانه لم يطلق على نفسه هذه السماء ‪ ،‬فإطلقها عليه ل‬
‫يجوز ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه سبحانه أخبر عن نفسه بأفعال مختصة مقيدة ؛ فل يجوز أن‬
‫ينسب إليه مسمى السم عند الطلق ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن مسمى هذه السماء منقسم إلى ما يمدح عليه المسمى به ‪،‬‬
‫وإلى ما يذم ‪ .‬فيحسن في موضع ‪ ،‬ويقبح في موضع ‪ ،‬فيمتنع إطلقه عليه‬
‫سبحانه في موضع ‪ ،‬ويقبح في موضع ‪ ،‬فيمتنع إطلقه عليه سبحانه من غير‬
‫تفصيل ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن هذه ليست من السماء الحسنى التي يسمى بها الله سبحانه ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪? :‬ولله السماء الحسنى? ‪ . 180/7‬وهي التي يحب سبحانه‬
‫أن يثنى عليه ويحمد بها ‪ ،‬دون غيرها ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الخامس ‪ :‬أن هذا القائل لو سمي بهذه السماء ‪ ،‬وقيل له ‪ :‬هذه مدحتك‬
‫وثناٌء عليك ‪ ،‬فأنت الماكر ‪ ،‬الفاتن ‪ ،‬المخادع ‪ ،‬المضل ‪ ،‬اللعن ‪ ،‬الفاعل ‪،‬‬
‫الصانع ‪ ،‬ونحوها لما كان يرضى بإطلق هذه السماء عليه ويعدها مدحة ‪،‬‬
‫ولله المثل العلى سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون به علوا ً كبيرا ً والحمد‬
‫لله رب العالمين ‪".‬اهـ ‪ ..‬ص ‪ 365-364‬ط دار الوطن ص ‪330- 329‬‬
‫ولنا مآخذ على ما قاله ابن القيم –رحمه الله‪ -‬من ذلك ‪:‬‬
‫• قوله ‪ ":‬وعدم إطلق ما لم يطلقه على نفسه‪"..‬‬
‫•• قلت ما وجه المنع ولشيخه ابن تيمية موقف أحكم منه وأسلم فبعد أن‬
‫أشار ‪-‬رحمه الله‪ -‬إلى السماء في كتاب الله وسنة رسول الله وأن لله في‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل لغة أسماء وفي اللغة العربية أسماء ‪ ..‬حتى قال ‪" :‬أو وصفه به‬
‫المؤمنون الذين اتفق المسلمون على هدايتهم ودرايتهم" حيث فتح البواب‬
‫للجتهاد في التسمية أو في كشف السماء ‪.‬‬
‫•• أقول أيضا ً ‪ :‬إن الصل العام في المسألة هو أن الله رب كل شيء وأن‬
‫كل شيء هو أثر له أي لسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى ‪ .‬ومعلوم‬
‫بالضرورة تلزم الصفة والموصوف وجودا ً و عدما ً ‪ ,‬فل صفة بغير موصوف‬
‫ول موصوف بغير صفة ‪ ..‬وقل مثله في تلزم الفعل والفاعل ‪ ،‬فل فعل بل‬
‫فاعل ول فاعل بل فعل ‪.‬‬
‫• قوله ‪" :‬والخالق البارئ المصور أكمل من الصانع الفاعل" ‪..‬‬
‫•• قلت ‪ :‬إن لفظ الفاعل من السماء الصريحة فدعواه ‪" :‬ولهذا لم تجئ‬
‫هذه في أسمائه الحسنى" هي دعوى غير صحيحة فقد ورد اسم الفاعل‬
‫مؤكدا ً بصيغة الجمع في ثلث آيات من سورة النبياء أولها ‪? :‬لو أردنا أن‬
‫نتخذ لهوا ً لتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين? النبياء ‪ ، 17:‬ثانيتها ‪? :‬وسخرنا مع‬
‫داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين? النبياء ‪ ، 79:‬ثالثتها ‪? :‬كما بدأنا‬
‫أول خلق نعيده وعدا ً علينا إنا كنا فاعلين? النبياء ‪. 104:‬‬
‫• قوله ‪" :‬وهذا كلفظ الفاعل والصانع فإنه ل يطلق عليه في أسمائه‬
‫الحسنى إل إطلقا ً مقيدا ً أطلقه على نفسه كقوله ‪? :‬فعال لما يريد? ?يفعل‬
‫الله ما يشاء? ‪.‬‬
‫•• قلت ‪ :‬كرر التمثيل بلفظ الفاعل ولم يستشهد بالمواضع الثلثة المذكورة‬
‫في سورة النبياء ‪ ،‬أما فّعال فهو اسم مستقل في صيغة المبالغة فل يصلح‬
‫شاهدا ً لسم آخر مثل فاعل فلكل مبناه ومعناه ‪ ،‬وكذلك استشهاده بـ يفعل‬
‫مع وجود السم الصريح ‪.‬‬
‫•• أقول أيضا ً ‪ :‬إن الصل في السماء هو الطلق والعموم وإن كانت هذه‬
‫السماء مقيدة ‪ ،‬والقيد إنما يلزم لموجب عقلي أو نقلي كما في‪:‬خير‬
‫الماكرين وخادع المنافقين وعدو الكافرين وسيأتي ذكره ‪.‬‬
‫• قوله ‪ :‬فاشتق له اسم الماكر والخادع والفاتن والمضل والكاتب ‪.‬‬
‫•• قلت ‪ :‬في كلمه شيء بل أشياء حيث مثل لسم الماكر بقوله?ويمكر‬
‫الله? وهو فعل مع أن الماكر اسم مصرح به ورد مقيدا ً بالخيرية ?خير‬
‫الماكرين? وكذلك الخادع في "خادعهم" أي خادع المنافقين ‪ ،‬واستشهاده‬
‫على الكاتب بقوله ‪? :‬كتب الله لغلبن? كذلك حيث أن اسم الكاتب صريح‬
‫في قوله تعالى ‪? :‬وإنا له كاتبون?‪.‬‬
‫• قوله ‪) :‬خطأ إطلق الصفات على الله من غير دليل( وهذا خطأمن وجوه ‪:‬‬
‫•• قلت ‪ :‬ذكر ابن القيم –رحمه الله‪ -‬ستة وجوه لما رآه خطأ ‪ ,‬وقد كرر فيها‬
‫ما سبق أن ذكره من أحكام المنع والنفي من غير دليل ‪ ،‬وقياس الرب على‬
‫العبد في باب المدح والذم هو قياس عقلي مع الفارق الكبير بينهما و ل‬
‫ينبغي للعقل أن يحكم النقل ‪.‬‬
‫والمثلة التي ضربها وهي‪ :‬الماكر والفاعل و المخادع ‪ -‬صوابه الخادع‪ -‬هي‬
‫من السماء الصريحة جمع بينها وبين أسماء مأخوذة من الفعال وهي ‪:‬‬
‫الفاتن المضل اللعن الصانع ‪ ..‬وذلك ل يستقيم لنه خلط بين ما يجب أن‬
‫يتفق عليه من السماء الصريحة وبين ما يمكن أن يختلف فيه من السماء‬
‫المأخوذة من غيرها ‪ ،‬ثم إنه كرره مع السمين الصريحين ‪ :‬الصادق والمنزل‬
‫جمع بينهما وبين أسماء أخذت من الفعال وهي ‪ :‬اللعن والجائي والتي‬
‫والذاهب والتارك والمقاتل والنازل والمدمدم والمدمر ‪ ..‬وذلك أيضا ً ل‬
‫يستقيم للسبب ذاته ‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫•• أقول أيضا ً ‪ :‬إن خلف ابن القيم في السماء والصفات يعود لجملة أمور‬
‫نشير إلى اثنين منها ‪:‬‬
‫المر الول ‪ :‬تحديد السم والصفة ‪.‬‬
‫فالسم ‪ :‬ذات موصوفة كاسم الفاعل واسم المفعول ‪.‬‬
‫والصفة ‪ :‬فعلية أو مصدرية ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬اسم الرحيم والتواب والمصور ‪ ،‬الصفة الفعلية فيها ‪ :‬رحم وتاب‬
‫وصور ‪ ،‬والصفة المصدرية فيها ‪ :‬رحمة وتوبة وتصوير ‪.‬‬
‫المر الثاني ‪ :‬التقييد والطلق أو العموم ‪.‬‬
‫الصل في السم أو الصفة ليس التقييد كما يتوهم كثيرون بل الصل هو‬
‫العموم والطلق أي الستقلل ‪ ،‬ولما كانت عامة السماء والصفات مقيدة‬
‫تصريحا أو تضمينا لذا فقد جرى تجريدها من كل قيد ‪ ،‬وإنما لزم القيد‬
‫لموجب نقلي أو عقلي كما ذكرنا في ‪ :‬خير الماكرين وعدو الكافرين وخادع‬
‫المنافقين ‪ ..‬حيث ل ينفك السم عن قيده بحال ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقد بينت ذلك في ‪-‬منهج البحث في السماء والصفات– عند فواتح كتابي ‪:‬‬
‫أسماء الله في القرآن‪-‬إحصاء وبيان‪ -‬فتدبره على بصيرة يا من رعاني الله‬
‫وإياك بالتوفيق والرضوان ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫‪7‬‬
‫القدرة فوق القدر‬
‫القدر أو القدر العلمي هو ‪ :‬علم الله المكتوب في اللوح المحفوظ ?إنا كل‬
‫شيء خلقناه بقدر? ‪. 49/54‬‬
‫القدرة هي ‪ :‬مشيئة الله في تنفيذ القدر العلمي أو رّده ?يمحو الله ما يشاء‬
‫ويثبت وعنده أم الكتاب? ‪ 39/13‬فيمحو منه ويثبت منه ما يشاء ‪.‬‬
‫وبين القدر و القدرة مغالبة فإذا قال العبد يا رب استجاب له ربه بقدرته في‬
‫رد قدره ?وقال ربكم ادعوني استجب لكم? ‪. 60/40‬‬
‫ومثله مغالبة الرحمة والغضب في حديث )غلبت رحمتي غضبي( ‪.‬‬
‫وعليه فإن القدرة فوق القدر ‪..‬‬
‫وقد ذكرت ذلك في رسالة "القدر" والرسالة المذكورة مبنية على دعاء‬
‫الفاروق‪" :‬اللهم إن كنت كتبتني في ديوان الشقاوة فامحه عني واكتبني في‬
‫ديوان السعادة" فقد طلب الفاروق من قدرته تعالى محو قدره سبحانه ‪.‬‬
‫وتدبر هذه اليات ?ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح‬
‫من زكاها * وقد خاب من دساها *? ‪. 10/91-7‬‬
‫فتسوية النفس هي العلم بالتقوى والفجور أو الخير و الشر ‪ ،‬وهذا العلم من‬
‫عند الله واللهام به للنسان هو قدر الله ‪.‬‬
‫والتزكية والتدسية هما من قدرة العبد فإذا جعل العبد قدرته في اللجوء إلى‬
‫قدرة الله اجتمعت القدرتان بالتزكية والفلح و إل اختلفتا بالتدسية والخيبة‬
‫من قبل العبد ‪.‬‬
‫وفي تاريخ المة طرفان غاليان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬القدرية ومذهبهم أن القدر هو قدرة العبد ‪.‬‬
‫وعرف منهم الشيعة والمعتزلة الذين غّلبوا مسئولية العبد ‪ ،‬وأقاموا في ظلها‬
‫حضارة سادت زمانا ً ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطرف الثاني‪ :‬الجبرية ومذهبهم أن القدر هو قدرة الله ‪.‬‬


‫ومنهم جموع من السنة وبخاصة الصوفية وهم وهم من قرون وراء تخلف‬
‫العالم السلمي علميا وحضاريا ‪.‬‬
‫والملحوظ أن الطرفين مختلفان في تغليب حق الرب أو تغليب حق العبد‬
‫وكل على حساب الخر وهما متفقان في النظر إلى القدر بعين القدرة‬
‫والشأن كبير وخطير‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫الترجمة الحرفية وترجمة المعاني‬
‫الترجمة ‪ :‬نقل المعنى من لغة إلى لغة ‪ ،‬والترجمة الحرفية قيد لترجمة‬
‫المعاني بالتزام الحرفية وهي مساواة المعنى للمعنى في اللغتين ‪ ،‬فيخرج‬
‫عن هذا القيد الترجمة التفسيرية فهي تفسير ‪،‬كما يخرج ترجمة التصرف‬
‫والضافة والحذف ‪.‬‬
‫لكن الذي قالوه غير هذا قالوا إن ترجمة المعاني هي الترجمة التفسيرية‬
‫وهي ترجمة التصرف وذلك للوصول إلى أنها ليست ترجمة شرعية وليس لها‬
‫قدسية النص العربي ‪ ،‬وهذا يذكر بالذين كانوا يمنعون غير العرب من التكلم‬
‫بالعربية حرصا ً على هذه اللغة من أن تلوكها ألسنة الذين هم دون العرب‬
‫ولغاتهم دون العربية ‪ ..‬وزعموا أن الترجمة نفسها ليست قرآنا ً لفقدانها‬
‫العجاز البياني ‪ ،‬وكأن اللغة بحروفها وحركاتها وبلغتها ونحوها وصرفها هي‬
‫المقصود من رسالة الرب للنسان ‪ ،‬ورسالة الرب للنسان هي في‬
‫المعاني ‪? :‬الحمد لله رب العالمين? ‪? 1/1‬الله ل إله إل هو الحي القيوم?‬
‫‪? 255/2‬قل هو الله أحد? ‪? 1/111‬أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير?‬
‫‪? 14/31‬ادفع بالتي هي أحسن? ‪ .. 34/41‬إلى آخر القرآن ‪.‬‬
‫مع القرار بأن القرآن في كل شيء معجز للثقلين النس والجن وبقية‬
‫المخلوقات لنه القرآن كلم الله ‪.‬‬
‫واللغات كلها آيات الله ?ومن آياته خلق السموات والرض واختلف ألسنتكم‬
‫وألوانكم? ‪. 22/30‬‬
‫وعلة التنزيل بلغة من اللغات محصورة في البيان ?وما أرسلنا من رسول إل‬
‫بلسان قومه ليبين لهم? ‪? 4/14‬ولو جعلناه قرآنا ً أعجميا ً لقالوا لول فصلت‬
‫آياته ءأعجمي وعربي? ‪. 44/41‬‬
‫وكنت كتبت في المفاهيم "أفضلية لغة على لغة" ونقلت عن ابن حزم نكيره‬
‫على الذين يفضلون اللغة العربية على غيرها أو الذين يرون أن غير اليونانية‬
‫كنقيق الضفادع ونباح الكلب !‪.‬‬
‫وكتبت في رسالة ترجمة القرآن الكريم تحت عنوان مشروعية الترجمة ‪:‬‬
‫روي أن سلمان الفارسي رضي الله عنه كتب الفاتحة بالفارسية للفرس‬
‫فكانوا يقرأون بها في الصلة ‪.‬‬
‫فإذا جازت ترجمة الفاتحة وقامت بها الصلة دل ذلك على جواز بقية القرآن‬
‫وصحة الصلة من باب أولى ‪.‬‬
‫والعرض التاريخي للترجمات لمختلف اللغات دليل على الوقوع خلل مختلف‬
‫القرون والعصور ‪.‬‬
‫ً‬
‫ويبدو أن منع الترجمة جاء متأخرا في نهاية الدولة العثمانية حيث انتشر‬
‫الجهل بين المسلمين واستغل ذلك المبشرون النصارى مما كانوا يستغلون‬
‫جهل الناس في التنصير وفتح البواب وتمهيد الطريق أمام جيوش الغرب ‪،‬‬
‫ومما يدل على ذلك ما روي أن أحد المبشرين قال لحد علماء المسلمين ‪:‬‬
‫القرآن معجزة حقا ً ل تتحمل بلغته الترجمة ففرح العالم وقال الفضل ما‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شهد به العداء وخطب وكتب أن القرآن تصعب ترجمته ‪ ،‬أو تستحيل ترجمته‬
‫‪ ،‬ول تجوز ترجمته ‪ ،‬وتبعه الناس على هذا !!‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وفي القرآن ترجمة لكثير من اللغات كلغة آدم وحواء ونوح وأصحاب السفينة‬
‫وإبراهيم الخليل وموسى الكليم والكلمة عيسى ولغة الجنة ولغة النار ولغات‬
‫أخرى ‪.‬‬
‫ومطلوب من القرآن أن يترجم إلى لغات الناس ما دامت دعوته موجهة‬
‫إليهم جميعا ً وماداموا غير قادرين على تعلم لغة التنزيل العربية ‪ ،‬وهاهم‬
‫كذلك بعد مئات السنين غير قادرين ‪.‬‬
‫وما يضير العربية وجود اللغات معها ‪ ،‬وما يضير غير العربية كذلك أن تقف‬
‫جموعها على صعيد واحد مع أصحابها فكل اللغات آيات الله وكل الشعوب‬
‫عيال الله‪.‬‬
‫ونحن والناس من أهل الديان في سباق وبخاصة مع النصارى مستمر‪.‬‬
‫فلقد حرص النصارى على الدوام على ترجمة الكتب المقدسة لديهم لثبات‬
‫عالمية الدعاية النصرانية ‪.‬‬
‫والحق أننا نحن المسلمين مع السلم في العالم أولى منهم وأحق ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫إباحة الحيوان ‪-‬‬
‫)الحلل بّين والحرام بّين( ‪-‬في الحديث‪) -‬الحلل ما أحله الله في كتابه‬
‫والحرام ما حرمه في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنكم( ‪.‬‬
‫وعليه فالتشريع تحليل ً وتحريما ً بيد الله وحده ل مشرع سواه أنزل شرعه في‬
‫خاتم كتبه على خاتم رسله ‪ ،‬ورسوله يتلقى الوحي من ربه ويبلغه ?وما‬
‫ينطق عن الهوى * إن هو إل وحي يوحى*? ‪ 4/53-3‬بل زيادة ?ولو تقول‬
‫علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين? ‪ 46/69-44‬ول‬
‫نقصان ?وما هو على الغيب بضنين? ‪ 24/81‬وقرئ ?بظنين? ‪ ..‬وعلى خاتم‬
‫النبياء البيان شأنه شأن النبياء قبله ?لتبيننه للناس ول تكتمونه? ‪187/3‬‬
‫فكان عليه السلم معلما ً عامل ً داعيا ً ‪.‬‬
‫حتى إنه )كان قرآنا ً يسعى( –في الحديث‪) -‬كان خلقه القرآن( ‪ ،‬والرسول‬
‫المين في قوله وفي فعله هو مؤمن بالقرآن مسلم له ‪ ،‬ليس له أن ينسخه‬
‫بحديثه ‪ ،‬ول أن يغيره أو يبدله من تلقاء نفسه ‪ ،‬كما أخبر تعالى عنه وعن‬
‫قومه ‪? :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين ل يرجون لقاءنا إئت بقرآن‬
‫غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إل ما‬
‫ي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم? ‪. 15/10‬‬ ‫يوحى إل ّ‬
‫ولقبول الحديث قيدان هما صحة السند وسلمة المتن ‪ ،‬وميدان صحة السند‬
‫الرواة والجرح والتعديل ‪ ،‬وأما المتن فمقيد بموافقة المعلوم بالضرورة‬
‫الشرعية النقلية والضرورة الفطرية العقلية ‪ ،‬ومعلوم أن الحديث قد خضع‬
‫زمانا ً لعمل البشر ولم يسلم كثير منه من الدخيل العليل ‪ ،‬بخلف كتاب الله‬
‫الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬حتى نزلت درجته وضعفت‬
‫قوته عن درجة القرآن وقوته ‪ ،‬فل يجوز بحال ول يحل مساواة السنة بالقرآن‬
‫‪ ،‬فضل ً عن تقديمها عليه ‪ ،‬والله المستعان عليه ‪ ،‬وبخاصة في مسألة إباحة‬
‫الحيوان ‪:‬‬
‫والصل حل الحيوان وإباحته إل ما نهت عنه النصوص وهو قليل مثل لحم‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخنزير‪ ،‬وتحريمه للبتلء والمتحان كابتلء آدم بالنهي عن أكل الشجرة ‪.‬‬
‫وكثير من العلماء استدلوا بحديث الناب والمخلب على تحريم كل ذي ناب‬
‫من السباع وكل ذي مخلب من الطير ‪ ،‬وحرموا الكلب لما ورد من غسل‬
‫لعابه سبعا ً إحداهن بالتراب ‪ ،‬وحرموا ما تعافه الطباع وتكرهه النفوس من‬
‫الحيوان المتقذر ‪ ،‬وظاهر القرآن قصر التحريم على لحم الخنزير كما بين‬
‫تعالى ?قل ل أجد فيما أوحي إلي محرما ً على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة‬
‫أو دما ً مسفوحا ً أو لحم خنزير? ‪ ، 145/6‬قال ابن عباس ‪ :‬ما خل هذا فهو‬
‫حلل ‪ ،‬وقال ‪ :‬ليس شيء من الدواب حرام إل ما حرم الله في كتابه ‪ ،‬وعن‬
‫عائشة أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير‬
‫تلت الية ‪? :‬قل ل أجد فيما أوحي إلي محرمًا? ‪ ، 145/6‬وعن الشعبي أنه‬
‫سئل عن لحم الفيل والسد فتل الية ‪.‬‬
‫وفي السنة أيضا ً تحريم لحوم الحمر الهلية كما في حديث جابر وإن كان‬
‫نسب لبن عباس رده كما روى البخاري من رواية عمرو بن دينار قال ‪ :‬قلت‬
‫لجابر بن زيد ‪ :‬إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن‬
‫لحوم الحمر الهلية فقال ‪ :‬قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا‬
‫بالبصرة ولكن أبى ذلك ابن عباس وقرأ ?قل ل أجد فيما أوحي إلي محرمًا?‬
‫‪. 145/6‬‬
‫ونقل القرطبي في تفسيره أن ابن عمر سئل عن لحوم السباع فقال ‪ :‬ل‬
‫بأس بها ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬حديث أبي ثعلبة الخشني ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل ندع كتاب ربنا‬
‫لحديث أعرابي ‪-‬يبول على ساقيه‪ -‬وحديث أبي ثعلبة فيه )أكل كل ذي ناب‬
‫من السباع حرام( وبهذا المعنى روايات وفي بعضها زيادة )وكل ذي مخلب‬
‫من الطير( وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد‬
‫والحديث عند مالك دون الزيادة ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والمالكية قالوا ‪ :‬يحل أكل كل حيوان طاهر غير ضار‪ ،‬فيجوز أكل الطير الذي‬
‫له مخلب كالباز والنسر ‪ ..‬والغراب بجميع أنواعه‪ ،‬والمشهور عندهم أن أكل‬
‫حشرات الرض جائز إن قبلتها طبيعة الكل ولم تضر‪ ،‬وقالوا يكره أكل سباع‬
‫البهائم المفترسة كالسد والنمر واختلفوا في الكلب والبغال والحمر الهلية‪،‬‬
‫وقولنا المالكية أي جمهورهم فالمروي عن مالك نفسه تحريم السباع وروى‬
‫ابن القاسم عنه أنها مكروهة وبه أخذ جمهور أصحابه ‪.‬‬
‫وفي هذا إشكال أصولي ل يخفى والحاجة إلى البيان كانت ول تزال قائمة‬
‫بالبحث في عمق المشكلة وجذور المسألة ولذلك فلبد من بيان العلقة‬
‫والصلة بين مصادر التشريع المشهورة ‪ :‬كتاب الله عز وجل وسنة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم ‪.‬‬
‫وهذه المصادر مرتبة في درجتها حسب قوتها والمراد من القوة صحة السند‬
‫في الرواية وسلمة المتن في النص ‪.‬‬
‫فالقرآن هو في الدرجة الولى لصحة روايته وسلمة نصه ?ل يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه ول من خلفه? ‪ ، 42/41‬تليه السنة الموحى بها أما السنة‬
‫الجتهادية فهي تحت مراقبة الوحي قبول ً وردا ً ‪.‬‬
‫وأقوال الصحابة المنقولة عن النبي لها حكم السنة وأقوالهم الخرى معرضة‬
‫للخطأ والصواب ‪ ،‬والخطأ بأجر والصواب بأجرين ‪ ،‬والصحابة هم أفضل‬
‫الناس وقرنهم هو خير القرون ولهم من الجر ما شاء الله ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسنة في حقيقتها بيان للقرآن في التفسير وفي التطبيق ما عدا السنة‬


‫الموحى بها فإن السنة قد تتعلق بالظروف الزمانية والمكانية والشخصية‬
‫فتعلل وتؤول ‪ ،‬والتعلق بالظروف الشخصية والمكانية والزمانية يثبت في‬
‫أقوال الصحابة ومن بعدهم فتعلل وتؤول من باب أولى ‪.‬‬
‫وعلى هذا فيمكن توضيح الصلة بين المصادر الثلثة في حالة تعارضها‬
‫الظاهري من خلل المثلة التالية بين القرآن والسنة وأقول الصحابة ‪:‬‬
‫‪ -‬التعارض بين القرآن والسنة مثل آية إباحة عموم الحيوان باستثناء الخنزير‬
‫وحديث تحريم السباع ‪ ،‬وجحة من لم يأخذ بظاهر الحديث أو علة ذلك أن‬
‫لفظ التحريم في السنة مؤول يحمل على المنع والمراد منه الكراهة‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫‪ -‬التعارض بين السنة والسنة كما في النهي عن ادخار لحوم الضاحي ثم‬
‫المر بالباحة ‪ ،‬والعلة من أجل الدافة ‪ ،‬وكذا النهي عن زيارة القبور ثم المر‬
‫بالزيارة لنها تذكر بالخرة ‪.‬‬
‫‪ -‬التعارض بين القرآن وأقوال الصحابة كما في منع سهم المؤلفة قلوبهم مع‬
‫ثبوته في القرآن والعلة عزة المسلمين وكثرتهم ‪ ،‬وكذا عدم القطع في‬
‫السرقة مع ثبوته في القرآن لحاجة السارقين عام الرمادة ‪.‬‬
‫‪ -‬التعارض بين السنة وأقوال الصحابة كما في منع متعة الحج مع ثبوتها في‬
‫السنة والعلة دوام الطواف بالبيت طوال العام ‪ ،‬وكذا بقاء بناء البيت مع‬
‫تمني النبي البناء على قواعد إبراهيم وإسماعيل ‪ ...‬ونحو أو غير هذا وذاك‬
‫من المثلة ‪.‬‬
‫وفي المحرر لبن عطية بعد أن ساق آية إباحة الحيوان عدا الخنزير وساق‬
‫حديث تحريم السباع قال ‪:‬‬
‫ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر‬
‫أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهية ونحوها ‪ ،‬وما اقترنت به‬
‫قرينة التأويل كتحريمه عليه السلم للحوم الحمر النسية فتأول بعض‬
‫الصحابة الحاضرين ذلك لنها لم تخمس ‪ ،‬وتأول بعضهم التحريم المحض ‪،‬‬
‫وثبت في المة الختلف في تحريم لحمها ‪ ،‬فجاز لمن ينظر من العلماء أن‬
‫يحمل لفظ التحريم بحسب اجتهاده وقياسه على كراهية أو نحوها ‪ .‬أهـ ‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫الحرية الدينية ‪-‬‬
‫?‪...‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في‬
‫الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون? ‪. 217/2‬‬
‫الردة نوع من أنواع الكفر بالخروج من السلم أو اليمان ‪.‬‬
‫وقد ورد في الية أن المرتد إن لم يرجع ويتب حتى مات على كفره فإن‬
‫عمله الصالح يبطل في الدنيا ‪ ،‬وفي الخرة يخلد في النار ومفاده أن ل‬
‫عقوبة عليه في الدنيا ‪.‬‬
‫دل دينه فاقتلوه( وكذا )ل يحل دم‬ ‫وفي الحديث أن عقوبة المرتد القتل )من ب ّ‬
‫امرئ مسلم إل بإحدى ثلث( وذكر التارك لدينه المفارق للجماعة ‪ ،‬والمرتد‬
‫وإن كان كافرا ً فإنه يقتل حدا ً –إن كان يقتل‪ -‬والكفر ليس سببا ً للقتل فهو‬
‫كالسارق تقطع يده ‪ ،‬وشارب الخمر والزاني حيث يجلدون ويعزرون وُيقتلون‬
‫‪.‬‬
‫ومفهوم الحديث معارض ظاهرا بآيات تقرر الحرية الدينية ‪ ،‬وتمنع الجبار‬
‫والكراه والسيطرة ?أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين? ‪? 99/10‬وما‬
‫أنت عليهم بجبار? ‪? ، 45/50‬لست عليهم بمسيطر? ‪? 22/88‬وقل الحق من‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر? ‪. 29/18‬‬


‫ً‬
‫وهذا الذي في القرآن مقرر في فطرة النسان حيث يترك العبد مخيرا بين‬
‫الكفر واليمان دخول ً وخروجا ً كما يشاء ‪.‬‬
‫وكذا مفاد الية التالية ?إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا‬
‫ل? ‪ ، 137/4‬ويستقر المر بوفاته‬ ‫كفرا ً لم يكن الله ليغفر لهم ول ليهديهم سبي ً‬
‫على الكفر أو اليمان ‪ ،‬والحياة الدنيا دار تكليف بهما نقل وعقل ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫والحديث إذا خالف القرآن –كماقلنا في إباحة الحيوان‪ -‬فإن الحديث يؤول‬
‫فيحمل المر على الباحة وغيرها ل على الوجوب وحده ‪ ،‬وذلك حسب‬
‫القرائن التالية من السنة وقول الصحابي والتابعي ‪:‬‬
‫‪ -‬لم يصح في السنة تطبيق لظاهر الحديث ‪ ،‬وما روي من قتل المرتد‬
‫والمرتدة لم يصح سنده ‪ ،‬بل صح في البخاري وغيره أن الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم ترك العرابي المرتد إلى الوثنية كما ترك الكاتب المرتد إلى‬
‫النصرانية ‪.‬‬
‫‪ -‬روي أن عمر بن الخطاب رفض طلب أنس بقتل مرتدين واكتفى لهم‬
‫بالسجن ‪.‬‬
‫‪ -‬روي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلي ميمون في مرتدين أن رد عليهم‬
‫الجزية ودعهم ‪.‬‬
‫وخلصته أن ل عقوبة على المرتد أو أن عقوبة المرتد تعزيرية تصل إلى حد‬
‫القتل وذلك حسب الحال ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫أقسام الكفر بالدين ‪-‬‬
‫الكفر هو ‪ :‬مخالفة الدين في الظاهر والباطن ‪ ،‬وظاهر الدين هو ‪ :‬السلم‬
‫وباطنه هو ‪ :‬اليمان ‪ ،‬والموصوف بهما هو ‪ :‬المسلم المؤمن ‪ ،‬والمخالف‬
‫لهما هو ‪ :‬الكافر المنافق ‪ .‬وصفة اليمان والسلم بالنسبة للموصوف بهما‬
‫تنتفيان أو ينتفي أحدهما مع ثبوت الخر بالكلية أو الجزئية ‪ ،‬وعليه فالكفر‬
‫المخالف للدين خمسة أقسام ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬كفر الظاهر بانتفاء السلم وثبوت اليمان ‪ .‬كالمكره في قوله ‪? :‬إل‬
‫من أكره وقلبه مطمئن باليمان? ‪. 106/16‬‬
‫الثاني ‪ :‬كفر الباطن بانتفاء اليمان وثبوت السلم ‪ ،‬كالمنافق وهو في الخرة‬
‫كما قال ‪? :‬في الدرك السفل من النار? ‪ 145/4‬وفي الدنيا يعامل‬
‫كالمسلمين )لنا الظاهر والله يتولى السرائر( كما في الخبر ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬كفر الظاهر والباطن بانتفاء اليمان والسلم لعدم الدخول فيهما ‪،‬‬
‫وهو يترك على حاله بل إكراه لقوله ?ل إكراه في الدين? ‪ 256/2‬وعذابه‬
‫أخروي ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬كفر الظاهر والباطن بانتفاء اليمان والسلم بالخروج منهما ‪ ،‬وهذا‬
‫عذابه أخروي ‪ ،‬وعليه الحد في الدنيا عند الجمهور وهو المقصود في حديث‬
‫)التارك لدينه المفارق للجماعة( ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬كفر الظاهر والباطن في جزئية من السلم أو اليمان ‪ ،‬وعليه حد‬
‫الدنيا كفارة له ‪ ،‬أو عليه وعيد في الخرة تحت المشيئة ‪ ،‬وهذا الكفر أو‬
‫النفاق من باب كفر دون كفر أو نفاق دون نفاق ‪ ،‬وهما ل يخرجان من الملة‬
‫لنهما معصيتان داخل أحكام الدين وليستا خارجة ‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويرى الخوارج من الظاهرية الكفر المخرج من الدين في الكبائر كلها ‪،‬‬


‫وبعض الظاهرية يخصون بعض الكبائر ككفر تارك الصلة ‪ ،‬وآخرون من‬
‫المعتزلة يجعلون هذا الكفر منزلة بين المنزلتين ‪ ،‬فهم يخرجونه من الدين‬
‫ول يدخلونه في الكفر ‪ ،‬والعامة ل يكفرون أهل القبلة ‪ ،‬والباطنية يكفرون‬
‫غيرهم ‪ ،‬والجبرية منهم ل يكفرون أحدا ً بسبب قولهم بالفناء والحلول أو‬
‫التحاد ووحدة الوجود ‪.‬‬
‫وفي التاريخ العلمي للسلم من خلل الفرق والطرق والمذاهب عجائب‬
‫الخلف في مفهوم الكفر ومفهوم الدين وما يترتب عليه من اختلف‬
‫المسلمين قديما ً وحديثا ً ‪.‬‬
‫والبصيرة تقول ‪ :‬إن توحيد المم قائم على توحيد المفاهيم وبخاصة المفاهيم‬
‫الدينية ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫تعريف القرآن *‬
‫القرآن مصدر كالقراءة لنه يقرأ ‪ ،‬وقيل لنه يقرن بعضه إلى بعض فهو‬
‫كالمصحف حيث جمعت صحفه بين دفتين ‪.‬‬
‫والمشتهر على اللسنة في تعريف القرآن ‪ ،‬أنه ‪) :‬كتاب الله القديم ‪ ،‬نزل به‬
‫الروح المين جبريل على خاتم المرسلين محمد ‪ ،‬المنقول بالتواتر ‪ ،‬المتعبد‬
‫بتلوته ‪ ،‬المتحدى بأقصر سوره ‪ ،‬المعجز للنس والجن ‪ ،‬المكتوب في‬
‫المصاحف ‪ ،‬المفتتح بالحمدلة ‪ ،‬المختتم بالناس ‪ (..‬وقد يزيدون قيودا أخرى‬
‫لطالة التعريف أكثر ‪ .‬وعرفوا الية القرآنية كما في التقان فقالوا الية ‪:‬‬
‫)طائفة من حروف القرآن علم بالتوقيف انقطاعها يعنى عن الكلم الذي‬
‫بعدها في أول القرآن وعن الكلم الذي قبلها في آخر القرآن وعما قبلها وما‬
‫بعدها في غيرهما( واختصروا تعريف الية فقالوا‪ -‬كما في بصائر الفيروز‬
‫آبادي أن الية ‪) :‬جملة من القرآن دالة على حكم( ‪ ،‬وفيه أن السورة ‪:‬‬
‫)قطعة مفردة من جملة القرآن أو جملة من الحكم والحكم(‪ ،‬وعرفوا‬
‫القراءة القرآنية كما في المهذب في القراءات العشر فقالوا القراءات ‪:‬‬
‫)علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية وطريقة أدائها اتفاقا واختلفا‬
‫مع عزو كل وجه لناقله( ‪..‬‬
‫أقول إن هذه التعريفات نماذج لتعريف كثير من العلم والمسائل العلمية ‪،‬‬
‫وهي قائمة على صياغة ركيكة في اللفظ والمبنى غير جامعة للمعنى ول‬
‫مانعة من الحشو والقصور ‪ ،‬تدخلها نزاعات الفرق وخلفات المذاهب ‪ ،‬دون‬
‫تركيز على أركان المعرف وماهيته ‪ ،‬ففي تعريف القرآن ساقوا الخلف في‬
‫كونه قديما ً أو مخلوقا ً ‪ ،‬وتركوا مثل أنه وحي منزل ‪ ..‬وحصروا تنزيل الوحي‬
‫بالروح المين وأهملوا اللقاء في الروع مباشرة أو من وراء حجاب ‪.‬‬
‫أما التعبد باللفظ والتحدي للعجاز فهي خصائص جزئية وصفات ثانوية ل‬
‫يقوم بها التعريف ‪..‬‬
‫وبالمكان تعريف القرآن بأنه‪) :‬آخر كتب الله المنزل على آخر الرسل بلسان‬
‫العرب بشيرا ً ونذيرا ً للناس( ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وبعبارة أخرى ‪) :‬كتاب الله المنزل على محمد بلسان العرب لهداية الناس(‬
‫حيث تضمن ‪ :‬تاريخ نزوله وبيان وظيفته ومضمونه ومن كلف به ومن أنزل‬
‫عليه ‪ ،‬ويمكن حذف لسان العرب بعد الترجمة إلى لغات الناس ‪ ،‬فلكل قوم‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لغته الخاصة والقرآن لهم جميعا ً ‪.‬‬


‫أما تعريف الية فهو بين طويل ممل واختصار مخل بل فيهما زيادة في‬
‫البهام واليهام وقريب منهما تعريفهم للسورة وللقراءة القرآنية ‪ .‬ولست‬
‫بصدد استعراض التعاريف ومناقشتها إنما تقدمت بهذه الكلمة لبني عليها‬
‫مطالبة المتخصصين لبحث أمر التعاريف لبيان قواعدها ووضع ضوابط لها ثم‬
‫صياغتها بإحكام على ضوء تلك القواعد والضوابط ‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك قد يعرف القرآن تبعا لمضمونه ومضمون القرآن هو ‪) :‬التعريف‬
‫بالله( ببيان صفاته السمية والفعلية ومعرفة ما يرضيه وما يغضبه من معصية‬
‫ومن طاعة‪.‬‬
‫ويمكن تعريف الية بأنها ‪ :‬جملة من حروف القرآن مختومة بفاصلة ‪،‬‬
‫والسورة ‪ :‬جملة من آيات القرآن مبدوءة بالبسملة ‪ .‬والقراءة ‪ :‬طريقة قارئ‬
‫في اختيار حرف وأدائه ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫الجماع *‬
‫الجماع هو اتفاق جماعة على حكم اجتهادي غير منصوص عليه في الكتاب‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫والذين عددوا مصادر الدين في ميدان الفقه والشريعة ‪ ،‬عدوا نحوا من‬
‫عشرة مصادر ‪ ،‬وهي الكتاب والسنة والجماع والقياس والستصحاب‬
‫والستحسان والمصالح المرسلة وعمل أهل المدينة وشرع من قبلنا ‪...‬‬
‫وكلهم وضعوا الجماع بين أول المصادر وربما قدموا الجماع عليها جميعا ً ‪.‬‬
‫وقسموا الجماع باعتبارات كثيرة إلى عام كلي مطلق ‪ ،‬وخاص جزئي مقيد‬
‫وإلى صريح قولي ‪ ،‬وحكمي سكوتي ‪ ،‬وإلى إجماع المتقدمين والمتأخرين ‪...‬‬
‫ولما قسموا الدين إلى عقيدة وشريعة وأخلق ‪ ،‬وجدت أقسام للجماع تبعا‬
‫لفرق العقيدة ‪ ،‬ومذاهب الفقه ‪ ،‬وطرق التصوف ‪.‬‬
‫ويهمنا إلقاء نظرة على الجماع وبخاصة الجماع السكوتي لما له من أثر‬
‫على فهم الدين في واقع المسلمين ‪ ،‬والجماع السكوتي في حضرة الرسول‬
‫يتصور فيما يسمى بالتقرير ‪ ،‬بمعنى أنه إذا حصل أمر في حضرة الرسول‬
‫ولم ينكره ‪ ،‬فإنه يعتبر حكما لن السكوت إقرار ‪ ،‬وعلى هذا شواهد منها‬
‫حديث استئذان البكر ‪ ،‬وفيه يقول الرسول‪) :‬وإذنها صماتها( أي سكوتها ‪،‬‬
‫وكذلك العموم المفهوم في قوله ‪) :‬ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله‬
‫حسن( ‪ ،‬وأن المة )ل تجتمع على باطل أو ضللة( ‪ .‬وأصل هذا أن المسلم ل‬
‫يجوز له أن يسكت على باطل ‪ ،‬وكلمة الحق واجبة ‪ ،‬والبيان مفروض في‬
‫القرآن ?وقل الحق? ‪? 29/18‬لتبيننه للناس ول تكتمونه? ‪ 187/3‬وحديث‬
‫)من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫فبقلبه( والحديث يعتبر عمل القلب من وسائل التغيير وهو مستتر غير ظاهر‬
‫وصاحبه صامت ساكت ‪ ،‬والجمع بين هذا والذي قبله أن السكوت يعتبر‬
‫إقرارا ً مع وجود قرينة تدل على الرضى بتوافر الدواعي وانتفاء الموانع وهذا‬
‫القيد مطلوب في إجماع المتكلمين كما هو مطلوب في إجماع الساكتين …‬
‫فالجماع الذي ينعقد في ظل ظروف صعبة‪ ،‬يمارس فيها الضطهاد والتهديد‬
‫بقطع اللسنة والرقاب وانتهاك العراض وانتهاب الموال والغتصاب ‪ ..‬ل‬
‫عبرة به ‪ ،‬وما بني عليه باطل ‪ ،‬وفي بيعة بعض الخلفاء التي أخذت بمثل هذه‬
‫الطرق تجاوزات كطلق الزواج حتى أعلن بعض الئمة أن طلق المكره ل‬
‫يقع ‪ ،‬ومن ثم ل تكون البيعة مشروعة ‪ ،‬وعلى هذا فالرضى أصل يجب‬
‫وجوده بوجود القرائن ‪ ،‬فإذا تقرر أنه ل عبرة بالقول فمن باب أولى أن ل‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعتبر بالسكوت‪ ،‬فاشتراط قرينة دالة على الرضى أمر لبد منه سواء كان‬
‫الجماع مبنيا على القول الصريح أو على التقرير والسكوت ‪ ،‬ويلحق بهذا‬
‫إجماع جماعة جاهلة ‪ ،‬سيان قولها وسكوتها ‪.‬‬
‫والجماع المنعقد المعروف هو إجماع مذهبي في الفقه ‪ ،‬أو فَِرقي في‬
‫العقيدة ‪ ،‬أو طرقي في التصوف ‪ ،‬وأهل كل مذهب وفرقة وطريقة جعلوا‬
‫إجماعهم ملزما لغيرهم ‪ ،‬فأوجبوا الحق لنفسهم ‪ ،‬وخطأوا غيرهم وضللوهم‬
‫وربما كفروهم ‪ ،‬ومن دعاة هذا النوع من الجماع من قال ‪ :‬كل آية أو حديث‬
‫ليس عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ‪ ،‬وقال آخر ‪ :‬على المرء أن يذب عن‬
‫مذهبه ويوهن حجة خصمه ‪ ،‬وهذان من أهل الفقه ‪ ،‬وقال صاحب العقيدة في‬
‫مسألة خلق القرآن ‪ :‬يكفر من يقول بخلق القرآن ‪ ،‬ويكفر من ل يكفر‬
‫القائلين بخلق القرآن ‪ ...‬وهم كمن قبلهم أوقفوا التفكير‪ ،‬وأغلقوا باب‬
‫الجتهاد ‪ ،‬وألزموا التقليد والتباع للمامة والمامية والمشايخ والحكام ‪ ،‬فل‬
‫اعتراض ول افتراض وكل جديد أو تجديد بدعة ‪ ،‬وأصبح الدين ممزق الوصال‬
‫كالبدن الذي أبعد رأسه عن جذعه وأطرافه‪ ،‬فالعقيدة في وادي الفلسفة‬
‫والشريعة في وادي المناطقة ‪ ،‬والخلق في وادي الطرق ‪ ..‬وكل في واديه‬
‫ق ول تراٍء ‪.‬‬
‫بل تل ٍ‬
‫)‪(10 /‬‬

‫إن الجماع أيها المل ليس دليل ً شرعيا ً وإنما هو نتيجة النظر في الدلة فقد‬
‫ينتج عن النظر في الدلة إجماع على حكم ما أو اختلف فيه لن الجماعة‬
‫مجموعة أفراد ‪ ،‬ليس لهم منفردين ول مجتمعين سلطان التشريع ‪ ،‬لن‬
‫المشرع هو الله رب العالمين وحده ‪ ،‬والرسول مبين له ‪ ،‬وكل ما في المر‬
‫أن الجماع دللة اطمئنان ‪ ،‬أي أن النفس تطمئن بوجود جماعة تشاركها‬
‫وتأنس بها ‪ ،‬فل يكون حكمها غريبا ً شاذا ً غير مألوف ‪.‬‬
‫ولو صح أن يكون الجماع دليل تشريع ‪ ،‬لصح اجتماع الزردشتية على عبادة‬
‫النار‪ ،‬واليهودية على عبادة عزير ‪ ،‬والنصارى على عبادة المسيح ‪.‬‬
‫‪ -‬أما قوله عليه السلم ‪ :‬ل تجتمع أمتي على ضللة ‪ ،‬فل يعني إجماعهم على‬
‫حق وصواب ‪ ،‬وإنما يعني أنهم مجتهدون ‪ ،‬إذا أخطأوا كان لهم أجر ‪ ،‬وإذا‬
‫أصابوا كان لهم أجران‪ ،‬فالمجتهد مثاب مأجور غير موزور ول آثم على أي‬
‫حال ‪.‬‬
‫‪ -‬وقول الرسول ‪) :‬عليكم بسنتي( ‪ ،‬فهو بيان للقرآن عن طريق الوحي ‪ ،‬وهو‬
‫المسمى بالسنة التشريعية العامة ‪ ،‬وفي الحديث ‪) :‬كان خلقه القرآن( و)كان‬
‫قرآنا يسعى( ‪ ،‬وقال ‪) :‬أل إني أوتيت القرآن ومثله معه( ‪ ،‬أي أوحي به ‪،‬‬
‫ويدخل هذا في قوله تعالى عن نبيه ‪? :‬وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحي‬
‫يوحى*? ‪ ، 4/53-3‬فيخرج من السنة الملزمة ما يتعلق بالفطرة والعادة‬
‫والجتهاد ‪.‬‬
‫‪ -‬و "سنة الخلفاء الراشدين" إلى قيام الساعة هي إتباع سنة الله في كتابه ‪،‬‬
‫وإتباع سنة نبيه المبينة عن طريق الوحي ‪ ،‬والراشدون غير محصورين بعدد‬
‫ومكان وزمان ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما العترة في حديث )وعترتي( فالمراد حبهم ومودتهم كما قال تعالى ‪? :‬‬
‫إل المودة في القربى? ‪ 23/42‬والمودة ل تقتضي التباع في الباطل ‪،‬‬
‫ودعوى عصمتهم من أعظم الباطل بسبب تكليفهم كغيرهم ‪ ،‬ول تجتمع‬
‫عصمة وتكليف معا ً ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبعيدا ً عن النبي وعترته ضربت مثل للمتعصبة في امرئ أحب أباه لتربيته‬
‫وأخاه لمعروفه وزوجه لجمالها ‪ ..‬أيدفعه حبه إلى طاعة أبيه الزرادشتي‬
‫وأخيه اليهودي وزوجته النصرانية ؟‬
‫‪14‬‬
‫التصوير والمصورون *‬
‫وردت أحاديث بالوعيد الشديد في التصوير والمصورين‪ ،‬منها العام ومنها‬
‫الخاص‪ ،‬ومعلوم في علم الصول حمل الول على الثاني فيخصص العام ‪.‬‬
‫ومن هذه الحاديث )أشد الناس عذابا ً يوم القيامة المصورون( على العموم‬
‫فيدخل كل مصور في حكم التحريم لكن هذا العموم ورد عليه التخصيص في‬
‫قوله )يضاهئون بخلق الله( أي يعارضونه ويتحدونه بالتيان بمثله أو الزيادة‬
‫عليه‪ ،‬وهذا التخصيص شرط أو علة أي سبب موجب للتحريم ‪.‬‬
‫والصل جمع النصوص للتوفيق بينها ‪ ،‬وقد انتقض هذا الصل من قبل‬
‫الخوارج الظاهرية والغلة الباطنية لوقوفهم عند بعض النصوص دون بعض ‪،‬‬
‫ول يمكن فهمها إل بجمعها كلها لئل يقع إفراط في حرمة التصوير أو تفريط‬
‫في حله‪.‬‬
‫وحرمة التصوير مقيدة بعلة المضاهاة ‪ ،‬والحكم يدور مع علته وجودا ً وعدما ً‬
‫فإذا وجدت المضاهاة حرم التصوير ‪ ،‬وإذا عدمت أبيح ‪.‬‬
‫فوجه التحريم في التصوير هو مضاهاة المصور حيث يجعل نفسه ندا ً للرب‬
‫في شيء من صفاته كقوته وقدرته ‪ ،‬وهو مردود بمثل قوله ?هذا خلق الله‬
‫صورين‬ ‫صورون لهم حكم الم ّ‬ ‫فأروني ماذا خلق الذين من دونه? ‪ 11/31‬والم ّ‬
‫إذا كانوا راضين لشتراكهما ‪ ،‬واجتماعهما في الحكم لجتماعهما في الفعل ‪.‬‬
‫ولحرمة التصوير علة أخرى هي التعظيم بالنصب أو التعليق‪ ،‬وفي الحديث‬
‫نهي عائشة عن تعليق الصورة لمتناع الملئكة عن دخول البيت الذي فيه‬
‫صورة‪ ،‬فأنزلتها وجعلتها وسادة ‪ ،‬وفي هذا منع للتعظيم ل للتصوير ‪.‬‬
‫وفي القرآن حديث عن جن سليمان الذين كانوا يعملون له ما يشاء من‬
‫تماثيل وحديث عن عيسى الذي كان يصنع من الطين كهيئة الطير ‪ ،‬فإذا‬
‫جازت الهيئات والتماثيل جاز التصوير من باب أولى… ومعلوم أن باب‬
‫التصوير من العقائد التي ل تختلف فيها الشرائع فل يحتج بأنه شرع من قبلنا ‪.‬‬
‫وقد يحتج بالواقع أو الوقوع منذ عهد التابعين بوجود صورة الخليفة عبد الملك‬
‫المجسمة ذات الظل على الدينار السلمي ‪ ،‬وكذا التصاوير في أيامنا على‬
‫العملت المعدنية والورقية ‪.‬‬
‫وبعضهم فرق في التصوير بين ذوات الرواح وغيرها ‪ ،‬مع أن النص عام في‬
‫كل ما خلق الله من إنسان أو حيوان أو نبات أو سماء أو أرض أو جماد ‪.‬‬
‫وبعضهم يرى التفصيل بين ماله ظل وما ل ظل له ‪ ،‬أو يميز بين المرسوم‬
‫صور باللة الثابتة أو المتحركة …‬
‫باليد والم ّ‬
‫ثم إن الصور وسيلة معينة على التعليم والتربية ‪ ،‬ومعرفة الشياء تكون‬
‫بالطلع على ذواتها أو صورها ‪ ،‬وربما أغنت صورة عن كلم كثير ‪.‬‬
‫والتصوير في حد ذاته يكون هواية ‪ ،‬ويكون حاجة ‪ ،‬وكثير من المحرمين‬
‫رخصوا في تصوير الحاجة ‪ ،‬وحاجات عصرنا الحاضر كثيرة منها التعريف‬
‫بالشخاص ‪ ،‬وتثبيت المعلومات ‪ ،‬وتحقيق البيانات ‪ ،‬ونشر العلوم ‪ ،‬وغير ذلك‬
‫مما يتعذر حصره وإحصاؤه ‪ .‬وقد كثرت رخصهم حتى باتوا ل يفترقون كثيرا ً‬
‫عن المبيحين للتصوير ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫تعريف النسان *‬

‫‪211‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪212‬‬

You might also like