Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 207

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫تصحيح أكبر خطأ في تاريخ السلم الحديث‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫تكشفت في السنوات الخيرة حقائق كثيرة كانت خافية وأذيعت أسرار كثيرة‬
‫ل‪ .‬وقد كان لظهور هذه الحقائق‬ ‫ظلت في طي الكتمان أعواما ً وأجيا ً‬
‫والسرار أثرها البعيد في مجالت مختلفة وأمور كثيرة وكان أبرز هذه الوثائق‬
‫"بوتوكولت صهيون" وكانت قد أصبحت كالمسلمات مما استدعى إعادة‬
‫النظر فيها ومراجعتها من جديد‪ .‬وكان من أبرز هذه المور ما اعترض تاريخ‬
‫السلم الحديث من مواقف ارتبطت بالدولة العثمانية والصهيونية العالمية‬
‫ومحاولة استيلء اليهود على فلسطين‪ ،‬ففي خلل هذه الفترة من حياة‬
‫الدولة العثمانية كانت المطامع المتضاربة بين الدول الغربية من ناحية‬
‫والصهيونية العالمية من ناحية أخرى قد عملت على حجب كثير من الحقائق‬
‫وتزييف جانب آخر منها في محاولة عاتية لتمزيق الوحدة السلمية للنالة من‬
‫الخلفة السلمية ولفتح الطريق للقوى الصهيونية إلى فلسطين وإقامة‬
‫الحواجز القليمية العميقة بين أجزاء العالم السلمي وخاصة بين أقطار البلد‬
‫العربية وذلك حتى تتمكن هذه القوى الجديدة من الوثوب والسيطرة‬
‫باعتبارها شريكا ً للستعمار الغربي وبديل ً عنه من خلل مطمع عقائدي يرتبط‬
‫الميعاد وبتاريخ قديم لليهود متصل بها ومن خلل هذه المحاولت الواسعة‬
‫زيف تاريخ السلم الحديث ووضعت خطط وكلمات ومصطلحات أصبحت‬
‫بمثابة المسلمات التي رددتها كتب المدارس وأبحاث الجامعات ومقالت‬
‫الصحف على أنها التصور الحقيقي للمور وكلها تقول‪ :‬بالسلطان الحمر‬
‫والستعمار التركي والستبداد العثماني والصراع بين العرب والترك والقومية‬
‫الطورانية‪ .‬ومن هنا نشأ تصور ما زال مطروحا ً في أغلب كتب التاريخ والدب‬
‫العربي وخاصة في المناهج المدرسية والجامعية قوامه‪:‬‬
‫أن السلطان عبد الحميد كان رجل ً مستبدا ً ظالمًا‪ ،‬وأنه كانت يلقى خصومه‬
‫بالعشرات في الدردنيل وكانت له قوى ضخمة تشتغل بالجاسوسية وتصادر‬
‫الحريات‪.‬‬
‫أن الدولة العثانية كانت دولة مستعمرة سيطرت على البلد العربية بالقوة‬
‫وجنت إليها ثمراتها وتركت تلك البلد فقيرة ضعيفة‪.‬‬
‫أن التحاديين في الدولة العثمانية كانوا قوة تقدمية عصرية بينما كانت القوى‬
‫الخرى قوى رجعية متخلفة‪.‬‬
‫أن دعوة السلطان عبد الحميد إلى الوحدة السلمية كان قد تجاوزها الزمن‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفات أوانها وأن الدعوات القومية كانت هي أسلوب العصر‪.‬‬


‫منذ أن عقد مؤتمر بال في سويسرا عام ‪ 1897‬م بزعامة الصحفي اليهودي‬
‫هرتزل وبعد صدور كتاب الدولة اليهودية بقلمه كان قد انفتح مجال جديد‬
‫للعمل في مواجهة العالم السلمي لشق الطريق إلى فلسطين لقامة وطن‬
‫قومي لليهود بها من خلل مخطط القوى الستعمارية التي كانت قد انطلقت‬
‫منذ ‪ 1799‬م إلى مصر تحت اسم الحملة الفرنسية ثم إلى الجزائر ‪ 1830‬م‬
‫ثم إلى مصر مرة أخرى ‪ 1882‬م وإلى تونس قبل ذلك بعام واحد‪ ،‬وفي هذه‬
‫المرحلة كان الصراع قويا ً بين الستعمارين الفرنسي والنجليزي في المنطقة‬
‫التيس تضم الدولة العثمانية التي كانت تمثل الوحدة العربية التركية – ولكي‬
‫تكتمل الصورة فإن هولندا كانت قد سبقت ذلك بوقت طويل بالستيلء على‬
‫المليو وجاوه وما يطلق عليه الن إندونيسيا وكانت بريطانيا قد احتلت الهند‬
‫وكانت أجزاء من الخليج قد سقطت في أيدي إسبانيا والبرتغال ثم ورثتها‬
‫بريطانيا وكان هذا كله جزءا ً من مخطط الستعمار الغربي الحديث الذي‬
‫تكامل في نهاية الحرب العالمية الولى بإيقاع الصراع بين العرب والترك في‬
‫المناطق الغربية )الحجاز والشام والعراق( وحلول فرنسا وإنجلترا بدل ً من‬
‫الدولة العثمانية في هذه المناطق بعد معركة أدارتها إنجلترا بقيادة لورنس‬
‫الذي وصف في يوم من اليام بأنه ملك العرب غير المتوج‪.‬‬
‫كان المخطط معدا ً لن تعطي فلسطين في هذا المسرح الذي مثلت عليه‬
‫هذه الرواية كلها للصهيونية العالمية‪ .‬وأن استيلء بريطانيا على فلسطين عام‬
‫‪ 1948‬م كان تمهيدا ً لن تقع بما فيها المقدس في أيدي اليهود‪.‬‬
‫ومراجعة الحداث تنبئ بهذا التخطيط الواسع البعيد المدى الذي بدأ منذ وقت‬
‫باكر يسبق لقاء هرتزل للسلطان عبد الحميد‪ .‬وهو في حقيقته صراع بين‬
‫إرادتين‪ .‬الرادة الولى‪ :‬هي إرادة السلطان عبد الحميد الذي تولى الملك في‬
‫سبيل الوحدة في مواجهة الستعمار تحت اسم الجامعة السلمية لتعمل مع‬
‫جميع مسلمي العالم خارج نطاق الدولة العثمانية ولتوحيد كل القوى‬
‫والمذاهب والقطار‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ول ريب كانت هذه الحركة مضادة لرادة أخرى كانت تستهدف تمزيق الدولة‬
‫العثمانية نفسها وليس لتمكينها من أن تجمع إليها أقطار المسلمين الخرى‬
‫التي في خارجها ولذلك كان لبد من إزاحته‪ ،‬كذلك فإن اليهودية العالمية‬
‫القوى كلها في سبيل السيطرة على البلد السلمية وتقسيم المبراطورية‬
‫العثمانية بعد أن عمدت إلى إنهاكها سنوات عدة بالحروب والمؤامرات وحين‬
‫باتت لقمة سائغة جاء السلطان عبد الحميد ليعقد الخناجر على مقاومة‬
‫الستعمار وذللك كان لبد من إزاحته‪ ،‬كذلك فإن اليهودية العالمية كانت ترى‬
‫أن الدولة العثمانية هي مدخلها إلى فلسطين وكانت تعد العدة منذ وقت بعيد‬
‫في بؤرة خطيرة داخل تركيا هي سالونيك التي كانت تتجمع فيها )الدونمة(‬
‫أولئك الذين دخلوا السلم تقية‪ ،‬من يهود إسبانيا الذين هاجروا بعد خروج‬
‫الحكم السلمي منها‪ ،‬والذين كانوا قد أنشأوا المحافل الماسونية لعداد‬
‫خطة النقضاض على الدولة العثمانية‪ .‬والذين استطاعوا احتواء جماعة‬
‫التحاد والترقي والتغلغل فيها والسطرة عليها ومن ثم استطاعوا بها إقصاء‬
‫السلطان عبد الحميد وإسقاط مشروعه والقيام على الدولة لتمزيقها‬
‫والقضاء عليها‪ ،‬ول عجب ففي ظل حكم التحاديين بعد إسقاط عبد الحميد‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منذ عام ‪ 1909‬م إلى ‪ 1918‬م هزمت الدولة في الحرب العالمية وسلمت‬
‫طرابلس الغرب إلى بريطانيا وفتحت الطريق أمام اليهود إلى فلسطين‪.‬‬
‫هذه المرحلة الدقيقة الخطيرة من تاريخ السلم في العصر الحديث ما زالت‬
‫تشوبها الشوائب وتحول قوى كثيرة دون الكشف عن حقيقتها‪ ،‬وما زالت‬
‫الصورة التي رسمتها الصهيونية والستعمار لها هي الصورة الرسمية القائمة‬
‫في كتب المدارس والجامعات بالرغم من الحقائق الكثيرة التي تكشفت‬
‫والتي أزاحت الظلم عن وجه الرجل الكريم السلطان عبد الحميد وعن‬
‫موقفه‪.‬‬
‫والحق أنه ليست هناك شخصية في تاريخ السلم الحديث هوجمت بمثل ذلك‬
‫العنف والتعسف الذي هوجم به السلطان عبد الحميد حتى كشفت الوثائق‬
‫في السنوات الخيرة ليس عن براءته بل عن بطولته ومن عجب أن أبرز‬
‫النصوص التي أحقت الحق‪ ،‬جاءت في مذكرات هرتزل التي نشرها باللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫ولنعد إلى حقيقة الصراع بين القوى السلمية بقيادة عبد الحميد وبين القوى‬
‫الستعمارية واليهودية لنعرف مدى ما حققته إسقاط عبد الحميد للغاء‬
‫الخلفة السيلمية‪.‬‬
‫لكي نعرف حقيقة حركة الوحدة السلمية الجامعة التي قام بها عبد الحميد‬
‫يجب أن نتصور بوضوح واقع الدولة العثمانية والعالم كله خلل النصف الخير‬
‫من القرن التاسع عشر وقد بلغت الدولة العثمانية أشد مراحل الضعف وقد‬
‫تجمعت الدول الغربية على وضع الخطط للقضاء عليها وتمزيقها وإذللها‪ .‬وقد‬
‫كانت روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا جميعا ً بالضافة إلى البابوية تشترك‬
‫في رسم هذه الخطط وفي انتزاع الجزاء الوروبية من الدولة واسترجاعها‬
‫والستعداد لتقسيم أجزاء العربية في الدولة وهي الشام والعراق والجزيرة‬
‫العربية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكانت مخططات الصهيونية العالمية تركز تركيزا ً شديدا ً على الدولة العثمانية‬
‫من أجل الوصول إلى فلسطين وتحقيق حلمها في إقامة هيكل سليمان‪ .‬فلما‬
‫ولي السلطان عبد الحميد الحكم خليفة للمسلمين وسلطانها للدولةى‬
‫العثمانية واجه الموقف على نحو يختلف عما واجهه به سلطين آل عثمان‬
‫الذين سبقوه وكانت مواجهته جادة حاسمة‪ .‬كان إحساسه بالتبعية كبيرا ً وكان‬
‫ذكاؤه وسعة فكره وإلمامه بالتيارات المختلفة بالغًا‪ ،‬ومن هنا فقد جرى من‬
‫الحداث في طريقها المرسوم شوطا ً ثم لم يلبث أن وضع خطته المحكمة‬
‫التي رأى أنها الطريق الوحيد لمواجهة الغزو الستعماري الزاحف والذي كان‬
‫قد تشكل داخل الدولة العثمانية في مؤسستين خطيرتين‪ .‬إحداهما‪ :‬المحافل‬
‫الماسونية في سالونيك وتركيا الفتاة التي سميت بعد )التحاد والترقي(‬
‫والتي ضمت مجموعة من المثقفين ثقافة غربية ومن أصحاب الولء الفكري‬
‫الغربي وخاصة الفرنسي ومن الذين أغروا عن طريق المستشرقين وكتاب‬
‫الغرب بأنه ل سبيل أمام الدولة العثمانية لكي تصل إلى التحرر والقوة إل‬
‫بالتماس مناهج الغرب التماسا ً كامل ً وطرح فكرها وأسلوبها ومنهجها‬
‫السلمي القديم والتخلص منه إلى غير رجعة‪ ،‬غير أن هذه الجماعة لم‬
‫تستطع أن تقف وحدها فالتمست العون من المحافل الماسونية ومن ثم‬
‫احتوتها الحركة الصهيونية وسيطرت عليها ووجهتها الوجهة التي ارتضتها في‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القضاء على الدولة العثمانية وكان السلطان عبد الحميد قد حدد هدفه في‬
‫مواجهة النفوذ الغربي على هذا النحو‪ :‬أن الوسيلة الساسية لمواجهة النفوذ‬
‫الستعماري هي تجمع المسلمين في كل مكان تحت جناح الخلفة السلمية‬
‫الذي تحمل لواءه الدولة العثمانية الجامعة في كيانها بين العرب والترك‪،‬‬
‫ومن هنا كان على السلطان العثماني الذي هو خليفة المسلمين أن ينادي‬
‫المسلمين في جميع أنحاء الرض أن يقفوا معه في صف واحد في مواجهة‬
‫النفوذ الغربي ومن هنا كانت صيحته المعروفة المشهورة التي هزت الغرب‬
‫كله‪" :‬يا مسلمي العالم اتحدوا"‪.‬‬
‫ومن هنا بدأ الخطر الذي واجهته الدول الوروبية والستعمار والبابوية‬
‫والصهيونية العالمية في عنف وأخذت في التماس كل وسائل التآمر والغدر‬
‫في سبيل تحطيم الخطة والقضاء على القائم بها‪ .‬ولكن السلطان عبد‬
‫الحميد استطاع أن يصمد لذلك وقتا ً طويل ً وأنه كان قد بدأ في هذه الحرةك‬
‫عام ‪ 1879‬م على وجه التقريب فقد ظل يحمل هذا اللواء في قوة في‬
‫مواجهة عواصف السياسة الوروبية ثلثين عاما ً كاملة دون أن يتزلزل أو‬
‫يضعف‪.‬‬
‫لم يكن السلطان عبد الحميد يملك من القووة العسكرية ما يستطيع أن‬
‫يواجه به أوروبا والغرب المتجمع باسم كلمة )ل إله إل الله( وتحت لواء قوة‬
‫عارمة خشيت بأسها أوروبا وحسبت لها ألف حساب‪ ،‬فقد كان المسلمون‬
‫الموالون للسلطان تحت النفوذ الغربي في عديد من القطار التي احتلتها‬
‫بريطانيا وفرنسا وخاصة قارة الهند يمثلون قوة روحية ذات أهمية خطيرة‪.‬‬
‫ولقد مضى السلطان في تنفيذ مخططه في قوة وسرعة‪ ،‬بحيث شملت‬
‫الدعوة كل الفاق السلمية وذاعت في كل مكان وحملت معها عمل ً إيجابيا ً‬
‫نافعا ً قوامه المدارس والمنشآت في كل صقع من البلد السلمية وكان قد‬
‫أنشأ مدرسة للدعاة الذين سرعان ما انبثوا في كل أطراف العالم السلمي‬
‫إلى الهند والصين وجزائر المحيط ومصر وأفريقيا وتركستان وأفغانستان‬
‫وبلد العرب وأطراف المملكة العثمانية‪ ،‬كما عقد مع المراء في شتى هذه‬
‫البقاع مراسلت وعقود وعمق روابط الود والخاء السلمي فيما بينهم وبين‬
‫دولة الخلفة حتى قيل أنه لم يبق مسلم واحد لم يعرف طرفا ً عن هذه‬
‫الدعوة‪ .‬وقد جعل السلطان عبد الحميد أمامه أمرين هامين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون أهل بلد العرب هم ساقة هذه الدعوة وحملة لوائها ومن هنا‬
‫فقد اتخذ في كل قطر عربي "مشيرًا" له فجمع حوله علماء وأمراء من‬
‫الجزائر والشام ومكة ومنهم أبناء المير عبد القادر الجزائري وغيره من‬
‫أمراء المسلمين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو إنهاء الخلف الذي أحجبه الستعمار بين السنة والشيعة أو بين‬
‫التراك والفرس وقد استخدم لذلك علمة كبيرا ً هو السيد جمال الدين‬
‫الفغاني وأجرى صلحا ً مع شاه فارس وصفي أمر الخلفات كلها‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولم يتوقف عند هذه الحركة الفكرية وحدها إنما جعلها واجهة لعمله الكبير‬
‫الذي بدأه في بناء القوة الحربية والعسكرية وتقوية جيوشه وأساطيله فقد‬
‫استخدم بعثة ألمانية ولم يلبث أن أنشأ معاهد عسكرية دخلها عدد كبير من‬
‫الشبان الممتازين من شباب العرب من العراق وسوريا ومصر‪ .‬وقد مضت‬
‫الخطة إلى غايتها المرجوة فاشتد عصب المسلمين بالترابط وتوحدت‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكرتهم بالعمل الجامع‪ ،‬وكان دعاة الفكرة السلمية ينشرون ثقافة جديدة‬
‫قامها مواجهة الستعمار الغربي الزاحف والخطر الوروبي القيصري‬
‫الصهيوني جميعًا‪ ،‬وتركزت المال حول السلطان عبد الحميد خليفة‬
‫المسلمين وترابطت الدول السلمية وأهلها حول عاصمة الخلفة علت نحو‬
‫بلغ غاية القوة )فكانوا يذكرون اسمه في خطب الجمعة ويدينون له بالولء‬
‫والطاعة الروحية وباسم خلفته على المسلمين كافة( وجعلهم من رعايا دول‬
‫أوروبا في الهند وجزر الهند الشرقية وشمال أفريقيا‪ ،‬وكان السلطان على‬
‫حد تعبير محمد رفعت باشا في كتابه التوجيه السياسي للفكرة العربية‬
‫"يفاوض الدول الكبرى ويساومها بل يهددها أحيانا ً ملوحا ً بسلح الجهاد‬
‫الديني‪ ،‬واستطاع السلطان أن يجمع تحت لواء الدعوة أبرز المسلمين في‬
‫مجال الفكر والسياسة وفي مقدمتهم‪ :‬خير الدين التونسي وجمال الدين‬
‫الفغاني وأبو الهدى الرفاعي الصيادي وأبناء المير عبد القادر الجزائري"‪.‬‬
‫وأقام من العرب فرقة خاصة ضمها إلى الحرس السلطاني وولى كثير منهم‬
‫مناصب رئيسية في الدولة وفي مقدمتهم أحمد عزت العابد‪ .‬وكان من أكبر‬
‫أعمال السلطان في هذا الصدد‪ :‬إنشاء سكة حديد الحجاز التي تربط بين‬
‫دمشق والمدينة وكذلك فرعها الذي يربط الحجاز وبغداد وقد وجد هذا العمل‬
‫تقديرا ً بالغا ً من المسلمين في كل مكان وتبرعوا له بأكثر من ثلثة مليين من‬
‫الجنيهات الذهبية‪ ،‬فكان من أخطر المشروعات التي عجلت بالقضاء على‬
‫السلطان فقد كان منذرا ً للغرب بتغيير إسلمي كبير‪ .‬وقد استهدف في‬
‫الغلب القضاء على دسائس النجليز ومؤامراهم في البحر الحمر والجزيرة‬
‫العربية وكان من أخطر مواقف الحركة السلمية الواحدة التي دعا إليها‬
‫وحمل لواءها عبد الحميد‪ :‬هو معارضة أهداف الحركة الصهيونية في‬
‫السيطرة على فلسطين ومواجهتها‪.‬‬
‫ومن هنا انطلقت الصحافة الوروبية وتباعتها الصحافة العربية التي ظهرت‬
‫في مصر والتي قاد حركتها خريجو الرساليات التبشيرية‪ ،‬من أمثال‪ :‬سليم‬
‫سركيس وفارس نمر ويعقوب صروف وفرج أنطون وغيرهم الذين حملوا‬
‫لواء التشهير باللواء ومعارضته وإشاعة التهامات المحتلفة حول شخصيته‬
‫وتصويره ومعارضته وإشاعة التهامات المختلفة حول شخصيته وتصويره‬
‫بتلك الصورة الرديئة لحساب الصهيونية العالمية التي انطلقت لشاعة روح‬
‫االكراهية والنتقاض للرجل بعد موقفه الحاسم الكريم من مطالبهم وكان‬
‫أعظم ما تركز عليه هذه الحملة إثارة عوامل الفتنة بين قيادة الحركة‬
‫السلمية وبين العناصر المختلفة في الدول العثمانية وخارجها‪.‬‬
‫وكان أقوى من هاجم حركة السلطان عبد الحميد في مصر اللورد كرومر‬
‫الذي حمل على فكرة الجامعة السلمية حملة ضارية ودعا الدول الوروبية‬
‫في تحريض سافر إلى التجمع للوقوف في وجه هذه الدعوة وكذلك هاجمها‬
‫هانوتو الفرنسي واللورد غراي ووصفوها بأنها بؤرة التعصب الديني وأنه ليس‬
‫القصد منها إل تحدي قوات الدول الغربية المسيحية وقد حملت جريدة‬
‫المقطم في مصر لواء معارضة هذه الدعوة‪.‬‬
‫ولقد شهد كثيرون بأصالة هذه الحركة وقوتها وأثرها‪ ،‬يقول الدكتور توفيق‬
‫برو‪ :‬أنها كانت كرد فعل للحركة الستعمارية الوروبية الطاغية وأن قادتها‬
‫كانوا من الدعاة المبرزين وقد أذكى نار هذا الشعور أئمة من أفاضل العلماء‬
‫أمثال جمال الدين الفغاني ومحمد عبده ومصطفى الغلييني ورشيد رضا‬
‫الذين قاموا باستغلل هذا الشعور في سبيل سيطرة السلطان في الداخل‬
‫وتقرير مكانة الدولة في الخارج‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وبعد فلقد كان السلطان عبد الحميد سياسيا ً قديرا ً وقرما ً من أقرام السياسة‬
‫الدولية وأول ذلك ما استطاع أن يصمد في وجه هذه الرياح العاتية وكان‬
‫قادرا ً على التعرف على مختلف التيارات والمؤامرات وكان يفهم أبعاد الخطر‬
‫الداخلي الذي يؤججه الستعمار والصهيونية عن طريق حزب تركيا الفتاة‬
‫وكيف تسيطر عليهم الماسونية العالمية وتوجههم لصالحها كما كان يعرف‬
‫نقاط الضعف في الدول الغربية وأوجه الخلف بين بعضها البعض فيستغلها‬
‫ويستفيد منها‪ .‬ولست أستطيع أن أصور هذا المعنى بأعظم مما صور به‬
‫جمال الدين الفغاني‪ :‬الذي التقى بالسلطان ساعات ومرات وتدارس معه‬
‫شئون العالم السلمي ومخاطر السياسة الوروبية ومخططاتها‪ .‬وذلك بعد‬
‫أن قدم إلى الستانة قال‪ :‬رأيته يعلم دقائق المور السياسية ومرامي الدول‬
‫الغربية وهو معد لكل هوة تطرأ على الملك مخرجا ً وسلما ً وأعظم ما‬
‫أدهشني ما أعده من خفى الواسائل وأمضى العوامل كي ل تنفق أوروبا على‬
‫عمل خطير في الممالك العثمانية ويريها عيانا ً محسوسًا‪ ،‬إن تجزئة السلطنة‬
‫العثمانية ل يمكن إل بخراب يعم المم الوروبية بأسرها‪ .‬وقال‪ :‬إن ما رأيته‬
‫من يقظة السلطان وشدة حذره وإعداده العدة اللزمة لبطال مكايد أوروبا‬
‫وحسن نواياه واستعداده للنهوض بالدولة قد دفعني إلى مد يدي له فبايعته‬
‫بالخلفة والملك‪ .‬أ‪ .‬هـ‪.‬‬
‫ولقد أكد كثيرون من المؤرخين والباحثين في إنصاف أن السلطان عبد‬
‫الحميد كان آخر الحصون التي دافع بها السلم عن وجوده العالمي وبعد‬
‫انهياره تمت مؤامرات الغرب وربيبته الصهيونية‪ .‬ومن الحق أن يقال أن‬
‫الحركة التي حمل لواءها السلطان عبد الحميد في تجميع المسلمين تحت‬
‫لواء الخلفة كانت اتجاها ً طبيعيا ً وأمل ً يمل كل النفوس‪ ،‬ولذلك فقد حققت‬
‫نجاحا ً كبيرًا‪ ،‬أزعج الستعمار والصهيونية إزعاجا ً شديدا ً مما استدعى العمل‬
‫من جانبهم لجهاضه والقضاء على حامل لواء الدعوة أصل ً كوسيلة للقضاء‬
‫عليها وتدميرها‪.‬‬
‫في هذا الضوء يتمثل العمل الذي قامت به الصهيونية من جانبين‪:‬‬
‫ل‪ :‬من جانب الدونمة داخل الدولة العثمانية وخاصة في محاصرة السلطان‬ ‫أو ً‬
‫والتآمر عليه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدونمة‪ :‬هي القوة اليهودية الكامنة داخل الدولة العثمانية التي اختارت‬
‫مدينة سالونيك ودخلت السلم بعد تاريخ طويل معروف‪ ،‬وهي التي أنشأت‬
‫المحافل الماسونية في الدولة العثمانية لهذه الغاية واتصلت بجماعة التحاد‬
‫والترقي )وحزب تركيا الفتاة( وأفسحت له في محافلها الفرصة للعمل‪،‬‬
‫وتلقت الرغبات على التخلص من الوجه السلمي لتركيا‪ ،‬ومن السلطان عبد‬
‫الحميد وكان ذلك قد بدأ يأخذ طريقه بقوة منذ أعلن السلطان عبد الحميد‬
‫دعوته إلى المسلمين‪ .‬وكانت قوى كثيرة تشارك اليهودية العالمية في هذا‬
‫التجاه وقد كان السلطان عبد الحميد يعرف هذه القوى التي يواجهها في‬
‫الداخل ويعرف المؤامرة التي تدبر لفكرته وله وكان يعرف أبعاد المخطط‬
‫كله‪ :‬فئة المثقفين الغربيين الذين سيطرت عليهم أفكار الثورة الفرنسية‬
‫ربيبة المحافل الماسونية من ناحية وحركة الرساليات الجنبية في لبنان‬
‫وثمارها المنبثة في مصر وسوريا والبلد السلمية تحمل أحقادها على‬
‫السلم والوحدة السلمية والمحافل الماسونية في سالونيك‪ .‬وإذا كان‬
‫السلطان قد عارض مدحت وحزب تركيا الفتاة فقد كان عالما ً بأنهم واقعون‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحت نفوذ الماسونية العالمية أداة الصهيونية العالمية في ذلك الوقت وأن‬
‫موقفه دون تمكين اليهود من فلسطين قد حرض كل هذ ه القوى وأمدها‬
‫بإشارة النقضاض‪ .‬إن تصريحات كثيرة للسلطان عبد الحميد تكشف أنه كان‬
‫عالما ً بأهداف الصهيونية في هذا الوقت المبكر‪ ،‬ولذلك فقد كان وقوفه في‬
‫وجه التحاديين وتركيا الفتاة وعمله على تحطيم مخططاتهم ليس نابعا ً من‬
‫كراهية لنهضة الدولة العثمانية ولكنه كان عمقا ً في النظرة إلى الهداف‬
‫البعيدة لتدمير هذه القوة التي كانت تحمي آمال المسلمين داخل الدولة‬
‫وخارجها‪.‬‬
‫ولقد صدقت نظرة السلطان عبد الحميد على التحاديين بعد أن دخلوا‬
‫التجربة فعل ً وسيطروا على الحكم من ‪ 1909‬م إلى ‪ 1918‬م وما قاموا به‬
‫من تسليم كامل للدولة وتبعية كاملة لمخططات الستعمار والصهيونية مما‬
‫كشف أصالة عبد الحميد وبعد نظره وجلل موقفه الحاسم في وجه النفوذ‬
‫الستعماري نفسه بالدعوة إلى الوحدة السلمية وفي نفس الوثت بمقاومة‬
‫هذه التبعية التي كانت تحمل مظهرا ً براقا ً هو الصلح على طريقة الغرب‬
‫بينما كانت تحمل في أعماقها إيمانا ً بالفناء في الغرب كله‪ ،‬ولقد خدع‬
‫المسلمون والعرب بالتحاديين وأقاموا الفراح وسرعان ما اكتشفوا أنهم‬
‫سلموا أنفسهم إلى فك السد وأنيابه‪ .‬إن مقدرة السلطان عبد الحميد على‬
‫فهم ما يحيط به كانت مما يظن كثيرون ولكنه كان في موقف ل يستطيع‬
‫معه أن يكاشف المسلمين بالخطار التي تحيط به‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قد كان اليهود يرون في السلطنة العثمانية شبحا ً مخيفا ً خطرا ً على‬
‫مستقبلهم كما يقول الدكتور محمد علي الزغبي في كتابه الماسونية في‬
‫العراء‪ ،‬وكانت الدونمة بكل مؤسساتها وتداخلتها أداة التنفيذ في الوقت‬
‫المناسب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بعد أن عقد مؤتمر بال ‪ 1897‬م وكانت حركة الوحدة السلمية قد‬
‫استحصدت‪ ،‬كانت وجهة نظر اليهود هي اقتحام فلسطين ولذلك فقد تركزت‬
‫الخطط حول الدولة العثمانية وحول السلطان عبد الحميد في محاولة‬
‫لحتوائه ظنا ً منهم أنه في ظرف من الضعف وفي حالة من الستدانة تجعله‬
‫يخضع للغراء‪ ،‬إغراء اليهود بالذهب وهم من قبل أصحاب العجل الذهبي‪،‬‬
‫وبدأت المحاولت منذ ذلك الوقت واتخذت وسائط كثيرة وووسائل متعددة‬
‫منها وساطة المبراطور غليوم ولقاء اليهود الثلثة )مزارحي قراصوا – جال ‪-‬‬
‫ليون( ولقاء هرتزل ومعه موشي ليوي حاخام اليهود في الدولة العثمانية‬
‫ولقاء السفير اليهودي غوش وهي سابقة على مقابلة اليهود الثلثة ثم لقاء‬
‫هرتزل للسلطان ولرجال قصره‪.‬‬
‫وقد عرض من خلل هذه المقابلت مشروع يرمي إلى تقديم قرض للدولة‬
‫العثمانية يبلغ خمسين مليونا ً من الجنيهات الذهبية وخمسة مليين جنيه‬
‫لخزانة السلطان الخاصة‪ .‬بناء أسطول كامل للدفاع عن أراضي العلية‪.‬‬
‫وذلك في مقابل السماح لليهود بإنشاء مستعمرة صغيرة لهم قرب القدس‬
‫ينزل بها أبناء جلدتهم‪.‬‬
‫وحتى ل نطيل والتفاصيل كلها موجودة والمراجع ثابته‪ :‬فنوه بالرد النهائي‬
‫للسلطان عبد الحميد‪ :‬بلغوا الدمتور هرتزل أل يبذل بعد اليوم شيئا ً عن‬
‫المحاولة في هذا بالمر )التوطن بفلسطين( فإنس لست مستعدا ً أن أتخلى‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن شبر واحد من هذه البلد لتذهب إلى الغير فالبلد ليست ملكي بل هي‬
‫ملك شعبي روى ترابها بدمائه‪ .‬فليحتفظ اليهود بمليينهم من الذهب فإن‬
‫الدولة العلية ل يمكن أن تختبئ وراء حصون بنيت بأموال أعداء السلم‪.‬‬
‫لست مستعدا ً لن أتحمل في التاريخ وصمة بيع بيت المقدس لليهود وخيانة‬
‫المانة التي كلفنى المسلمون بحمياتها‪.‬‬
‫إن ديون الدولة ليست عارا ً لن غيرها من الدول الخرى مدين مثل فرنسا‪.‬‬
‫إن بيت المقدس قد افتتحه المسلمون أول مرة بخلفة سيدنا عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه ولست مستعدا ً أن أتحمل في التاريخ وصمة بيعها‬
‫لليهود وخيانة المانة‪ .‬وقد أورد هرتزل في مذكراته التي طبعت باللمانية في‬
‫تل أبيب عام ‪ 1924‬م قصة هذه المحاولت وقال بعد فشل المحاولة‬
‫الخيرة‪ :‬إن السلطان عبد الحميد الشريف الفذ الذي أخفى المسلمين‬
‫والعرب منذ عام ‪ 1909‬م حتى سنوات قريبة عندما ترجمت مذكرات هرتزل‬
‫وكان أول من أشار إلى هذا النص الستاذ أحمد الشقيري في دروسه في‬
‫معهد الدراسات العربية بالقاهرة منذ عشر سنوات وقد ظل المسلمون‬
‫والعرب خلل فترة ل تقل عن خمسين عاما ً يرمون الرجل عن قوس واحدة‬
‫لن الستعمار والصهيونية والصحف العربية التي أصدرها تلميذ مدارس‬
‫الرساليات وخاصة في مصر )المقطم‪ ،‬الهرام‪ ،‬الهلل‪ ،‬المقتطف‪ ،‬مجلة‬
‫سركيس( وعشرات من الصحف كانت تصف عبد الحميد بالسلطان الحمر‬
‫المستبد‪ .‬وقد انتقلت هذه العبارات من الصحف إلى كتب التاريخ وكتب تاريخ‬
‫الدب العربي‪ ،‬وما من كتاب أرخ هذه الفترة إل احتوى على هذه العبارات‬
‫التي أصبحت مسلمات بالضافة إلى تغير آخر سنعود له من بعد وهو‬
‫"الستعمار التركي العثماني"‪.‬‬
‫كانت هذه العبارات النارية التي وجهها السلطان عبد الحميد إلى هرتزل عام‬
‫‪ 1902‬م إيذانا ً بتلك الحملة العاتية على السلطان بعد أن تقرر إزاحته وكانت‬
‫هذه الحملت التي وجهت إليه تمهيدا ً وإعدادا ً للرأي العام لهذا الغرض‪ .‬ولقد‬
‫جرت منذ ذلك الوقت محاولت لغتياله وإسقاطه حتى وقع ذلك عام ‪1908‬‬
‫م بالنقلب الذي قام به التحاديون بالشتراك مع الماسونية ممثلة في‬
‫الدونمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ول تزال عبارات عبد الحميد نبراسا مضيئا وتاجا لمعا وشرفا ما بعده شرف‪،‬‬
‫يتوج جبينه في تاريخه المعاصر‪ ،‬وعند ربه‪ ،‬ويتردد عنه ومن حوله كل‬
‫الشاعات والشبهات والضاليل‪ .‬وقد تبين من بعد في وثائق كثيرة وانكشف‬
‫الستار عن مؤامرة قلب الدولة العثمانية وإنزال عبد الحميد بالذات كخطوة‬
‫أولى لتنفيذ هذه الجريمة البشعة‪ .‬والمؤامرة العالمية لتحطيم الوحدة‬
‫الجذرية والرابطة العضوية القائمة بين العروبة والسلم‪ .‬ولقد تحقق فعل ً‬
‫لليهود وللستعمار بإسقاط عبد الحميد كل ما كانوا يرجونه ولم تلبث الهجرة‬
‫إلى فلسطين أن بدأت سافرة منذ ذلك الحين وتحقق ذلك المل الذي‬
‫استعصى سنوات وسنوات‪ ،‬وكان ذلك مقدمة لشك فيها للقضاء على الخلفة‬
‫السلمية‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ولقد كان ضروريا ً للباحث المتمهل المنصف أن يقف دائما ً من تاريخ الدولة‬
‫العثمانية في العصر الخير موقف العدل والصدق وأن يفرق بين عهدين‪ :‬عهد‬
‫السلطان عبد الحميد الذي انتهى عام ‪ 1908‬م تقريبا ً وعهد حكم التحاديين‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي بدأ منذ ذلك الوقت وظل مستمرا ً حتى أسلم أمره إلى الكماليين بعد‬
‫الحرب العالمية الولى‪ .‬فهذه التفرقة واضحة وضرورية خاصة بالنسبة لنا في‬
‫المشرق‪ :‬ذلك أن سوريا ولبنان والعراق قبل ذلك تعيش في هذا التجاه‬
‫المعارض للخلفة والسلطان بينما كانت مصر التي سقطت عنها ولية الدولة‬
‫العثمانية وسيطر عليها الستعمار البريطاني منذ ‪ 1882‬م تؤيد الخلفة‬
‫والسلطان‪ .‬ولقد كان لموقف حكومة التحاد التركي من أهل سوريا ولبنان‬
‫ومحاكمة رجالهم وتعليقهم على المشانق عام ‪ 1916‬م أثر نفسي يعيد في‬
‫نظرتهم الكلية إلى الدولة العثمانية والحقيقة أنها يجب أن تكون قاصرة على‬
‫التحاديين وحدهم‪.‬‬
‫ومن هنا وجب التفريق بين مرحلة السلطان عبد الحميد التي انتهت عام‬
‫‪ 1908‬م وهي فترة كان موقف الدولة العثمانية فيها بالنسبة للعرب‬
‫والمسلمين موقفا ً كريمًا‪ ،‬وكانت الحركة السلمية الواحدة من أعظم‬
‫العمال‪ ،‬أما الفترة التالية التي حكم فيها الذين أسقطوا السلطان فإنها تمثل‬
‫أسود صفحات الحكم التركي ولء للصهيونية والستعمار وضربا ً للوحدة‬
‫السلمية وإعلء للحركة الطورانية‪ ،‬ومحاولة لتتريك العرب في سوريا‬
‫وتعليق زعمائهم على المشانق‪ ،‬هذه الفترة وحدها هي التي يقف فيها العرب‬
‫من سوريا موقف الخصومة للترك وهي ليست من حساب الدولة السلمية‬
‫العثمانية في الحقيقة‪.‬‬
‫كذلك نجد أنه من الضروري أن نصحح عبارة "الستعمار التركي" أو‬
‫العثماني‪ .‬والواقع أن كلمة استعمار كلمة مستحدثة مرتبطة إلى حد كبير‬
‫بدول مسيطرة بقوة الحديد والنار تأخذ ثروات المم بأبخث الثمان لتجعلها‬
‫موردا ً خاما ً لمصانعها ثم تعيد إلى هذه المم منتجاتها لتبيعها بأعلى السعار‪،‬‬
‫وهذا النظام الستعماري لم يكن موجودا ً في هذه الفترة ولم تكن الدولة‬
‫العثمانية بهذا المعنى دولة مستعمرة‪ ،‬كذلك فإن الجزاء العربية التي انضمت‬
‫إلى الدولة العثمانية لم تكن قد انضمت باحتلل وقسر ولكنها كانت برضاء‬
‫ودعوة‪ ،‬فقد وجد العرب أنفسهم بعد ضعف المماليك في حاجة إلى اللتقاء‬
‫تحت اسم السلم مع هذه الدولة الكبرى رغبة في الوحدة وحافظة على‬
‫النفس‪ .‬وبعد أن تعرضت سوريا ومصر لمحاولت غزو صليبي متجدد من‬
‫الغرب‪ ،‬والمعروف أن العرب في مصر وسوريا قد رحبوا بالوحدة السلمية‬
‫العثمانية ولم يعارضوها حيث وجدوا في العثمانيين إخوانهم في العقيدة‬
‫والدين منتعشا ً جديدا ً للسلم‪ .‬وقد أكد المؤرخون والباحثون إن هذا اللتقاء‬
‫بالعرب والترك في ظل الدولة العثمانية قد حمى العالم السلمي أكثر من‬
‫أربعمائة عام من الغزو الصليبي الذي لم يلبث أن جاء بعد ضعف الدولة‬
‫العثمانية‪.‬‬
‫والواقع أن الدعوة إلى الوحدة السلمية لم يتجاوزها الزمن ولقد تبين‬
‫للمسلمين اليوم بعد سنوات طويلة من الدعوات القليمية والقومية أن‬
‫الوحدة السلمية هي الصل الصيل والوجهة الصحيحة وكل الدلئل تؤكد أن‬
‫المسلمين سائرون إلى طريق الوحدة الذي حطمته اليهودية والستعمار‬
‫بإسقاط عبد الحميد وإلغاء الخلفة‪.‬‬
‫حاشية‪:‬‬
‫عندما عقد الملتقى السلمي الثامن في ولية بجاية من جمهورية الجزائر‬
‫عام ‪ 1974‬م وأثار كعادته في كل عام عددا ً من القضايا والمعضلت التي‬
‫تواجه الفكر السلمي في العصر الحديث وقد اشترك في الملتقى عدد كبير‬
‫من الباحثين والعلماء من مختلف أنحاء العالم السلمي كما شارك فيه‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ممثلون للمسلمين في الهند واليابان كانت أبرز القضايا التي تناولها البحث‪:‬‬
‫وضع القليات والجاليات عموما ً والسلمية خصوصا ً في كثير من بلدان‬
‫القارات الخمس وواجب العلماء والمفكرين ورجال العلم نحوها‪.‬‬
‫وقد أشارت الدكتورة ليلى الصباغ من أساتذة التاريخ بجامعة دمشق إلى‬
‫الدولة العثمانية إشارة ظالمة حين قالت‪:‬‬
‫أنها أشلمت البلد العربية لقمة سائغة للستعمار العربي‪.‬‬
‫وقد تصدى لها عدد من الباحثين الجزائريين وعرضوا لوجهة نظرهم إزاء‬
‫الدولة العثمانية والدور الكبيرة الذي قامت به إزاء حماية المغرب كله من‬
‫الغزو الوروبي وتوالت المطالبة بمعرفة دور المشرق وقد تصدى كاتب هذه‬
‫السطور ذللك فقال‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫رغبة في تغطية قضية الدولة العثمانية نظر المشرق والعرب ومصر بالضافة‬
‫إلى وجهة النظر المغربية الجزائرية في هذه المسألة نقول‪ :‬لقد تأثرنا في‬
‫مصر والمشرق في كتبنا المدرسية وأبحاثنا التاريخية بوجهة النظر الغربية‬
‫تجاه الدولة العثمانية‪ ،‬وهي وجهة خاصة للغربيين‪ ،‬نتيجة التوسع التركي‬
‫عرفتها مناطق البلقان وغيرها في القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد نقل الستعمار‬
‫البريطاني في مصر‪ ،‬والفرنسي في سوريا‪ ،‬وجهة النظر هذه إلى كتب‬
‫التاريخ التي تدرس في مدارسنا وجامعاتنا‪ ،‬كما تأثر بها بعض مؤرخينا متابعة‬
‫للنظرة الغربية‪ ،‬أو تحت تأثير الدعوات القليمية كالفرعونية الفينيقية وغيرها‬
‫غير أن هذه النظرة تعمقت من بعد وبلغت أقصى غاياتها في تجاوز الحقيقة‪،‬‬
‫على أثر ظهور الصحافة العربية التي حررها وأخرجها اللبنانيون المارون‪،‬‬
‫خريجو معاهد الرساليات‪ ،‬وأصحاب العداء الواضح للدولة العثمانية‪.‬‬
‫وزاد هذه النظرة عنفا ً وتعصبًا‪ :‬تلك المحاولة الخطيرة التي طرحتها‬
‫الصهيونية العالمية بعد عام ‪ 1902‬م اتشويه شخصية السلطان عبد الحميد‬
‫ةرميه بالتهامات كأمثال السلطان الحمر والمستبد العثماني وغيره‪ ،‬وكلها‬
‫كانت محاولت أريد منها تهيئة الذهان للقضاء عليه وانتزاعه من مكانه‪ ،‬وقد‬
‫عاونت المقطم والهرام والهلل والمقتطف وكلها كانت لبنانبة الصل في‬
‫هذه الحملة وكان ذلك على أثر الموقف الحاسم الذي وقفه السلطان عبد‬
‫الحميد من المحاولت المتصلة التي جرت خلل العوام السابقة لعام ‪1902‬‬
‫م والذي أرسل فيه السلطان خطابه التاريخي إلى الصحفي اليهودي ثيودور‬
‫هرتزل صاحب كتاب الدولة اليهودية ومرؤسس الصهيونية الحديثة وقد جاء‬
‫في هذا الخطاب بالنص‪:‬‬
‫قولوا للدكتور هرتزل ل يتصل بي مرة أخرى‪ ،‬أن بلدي تفضل أن تظل مدينة‬
‫على أن تسدد ديونها من ذهب اليهود‪ ،‬إن فلسطين هي بلد العرب ول‬
‫أستطيع أن أفرط في شبر منها‪.‬‬
‫ً‬
‫وكان الدكتور هرتزل قد عرض على السلطان عبد الحميد خمسين مليونا من‬
‫الجنيهات الذهب لخزانة الدولة وخمسة مليين من الجنيهات الذهب لخزانة‬
‫السلطان الخاصة إلى مشاريع أخرى كثيرة لدعم الدولة العثمانية اقتصاديًا‪.‬‬
‫وقد سجل هرتزل في مذكراته كيف حاول إغراء ذلك الرجل الكريم أشد‬
‫إغراء ثم كشفت وثائق التاريخ من بعد كيف جرت المحاولت لقتله ثم‬
‫إسقاطه وقد أغري أشد إغراء وهدد أشد تهديد ولكنه صمد صمودا ً مشرفا ً‬
‫وظل موقفه هذا محجوبا ً عن الصحافة وعن المدارس والجامعات وكتب‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التاريخ سنوا طويلة حتى ترجمت مذكرات هرتزل في السنوات الخيرة‪،‬‬


‫وظل اسم السلطان عبد الحميد يذكر في كتبنا المدرسة مشفوعا ً بأبشع‬
‫التهامات حتى أحق الله الحق وكشف ذلك الزيف الذي حاول به الستعمار‬
‫وحاولت الصهيونية إيقاع الفرقة والخلف بين العرب في مصر والشام وبين‬
‫الدولة العثمانية‪.‬‬
‫وللحقيقة فإننا يجب أن نفرق بيين عهدين في تاريخ علقتنا بالدولة العثمانية‪:‬‬
‫فترة السلطان عبد الحميد التي تنتهي عام ‪ 1908‬م باستيلء التحاديين‬
‫تلميذ حزب التحاد والترقي وإنباع الماسونية وربائب الدونمة وبين الفترة‬
‫التالية التي استمرت حتى عام ‪ 1918‬م وهي الفترة التي تمثل أسود‬
‫صفحات العلقة بين العرب والترك‪ ،‬وهي ليست من حساب الحكم التركي‬
‫السلمي ولكنها مرحلة متقدمة لخدمة الصهيونية العالمية ونصرها وتشكيل‬
‫أول محاولة لضرب الوحدة السلمية العربية‪ ،‬بإعلء الدعوة الطورانية‪،‬‬
‫ومحاولة تتريك العرب في سوريا وتعليقهم على المشانق‪ ،‬هذه الفترة وحدها‬
‫هي التي يقف منها العرب في سوريا موقف الخصومة للترك وهي ليست‬
‫من حساب الدولة السلمية العثمانية في الحقيقة‪.‬‬
‫كذلك فإن النظرة إلى الدولة العثمانية عام ‪ 1619‬م عندما انضمت الجزاء‬
‫العربية في العراق وسوريا ومصر إليها‪ ،‬فإنها في التحليل التاريخي الدقيق‬
‫ليست سوى التقاء بين عنصرين مسلمين‪ .‬وقد وجدت من جانب العرب تقبل ً‬
‫صادقا ً فهي ليست في حقيقتها إل محاولة طبيعية من محاولت اللتقاء‬
‫والتكامل بين أجزاء العالم السلمي في مواجهة الخطار وقد جاءت هذه‬
‫الوحدة السلمية بين العرب والترك على أثر ضعف قوى المماليك وتعرض‬
‫الجزاء العربية وخاصة الشام ومصر لتجدد الغزو الصليبي‪ .‬والمعروف أن‬
‫العرب في مصر وسوريا قد رحبوا بالوحدة السلمية العثمانية ولم يعارضوها‪،‬‬
‫حيث وجدوا في العثمانيين إخوانهم في العقيدة والدين منتعشا ً جديدا ً للسلم‬
‫وقوة شابة بدوية مقاتلة رفعت راية السلم خفاقة عالية‪ .‬وقد أكد الباحثون‬
‫أن هذا اللقاء بين العرب والتراك قد حمى العالم السلمي أكثر من أربعمائة‬
‫عام من الغزو الصليبي للمرة التالية‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ومن الحق أن يقال أن العثمانيين قد قاموا في هذه المرحلة الولى بالخذ‬


‫بمفاهيم السلم في نطاق الحكم وتحركوا من خلل إطاره‪ .‬ويشهد‬
‫المؤرخون غير المتعصبين على السلم أو الناقمين على الدولة العثمانية بأن‬
‫العثمانيين قد اقتفوا أثر الخلفاء الولين في العدل والتسامح وتمثلوا أعمالهم‬
‫واتخذوهم قدوة وعملوا على جمع القلوب إليهم بتقدير العلماء ةإنشاء‬
‫المساجد والمدارس ومن هنا جرت محاولت البحوث الستعمارية على‬
‫وصف العلقة بين العرب والترك بأنها نوع من الستعمار وهي ليست كذلك‬
‫في الحقيقة وإنما هذه هي النظريات المدخولة التي يحاول الغزو الفكري‬
‫والتبشير إذاعتها لقرارها في الذهان‪.‬‬
‫ولقد مرت الدولة العثمانية ككل كائن حي بمرحلة القوة ثم بمرحلة الضعف‪،‬‬
‫ولكن السلطان عبد الحميد كان يعرف أساليب الستعمار ويواجهها في دهاء‬
‫وبراعة وقد شهد جمال الدين الفغاني حين التقى به بأن عبد الحميد يدبر‬
‫لوروبا في مواجهة كل محاولة ردا ً وفي مقابل كل مؤامرة أمرًا‪.‬‬
‫لم يكن الخلف أذن بين العرب والترك ولكنه كان بين العرب والتحاديين‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعاة الطورانية فلنفرق دائما ً بين هذه المراحل ولنعرف أنه قد نشأ في مصر‬
‫والبلد العربية الن تيار قوي لتصحيح هذه الخطاء على ضوء ما كشفته‬
‫الوثائق من بروتوكولت صهيون أو ما نشر عن مؤامرات الماسونية على‬
‫النحو الي يعيد الحقائق إلى نصابها في طريق وحدة الفكر السلمي المتجه‬
‫إلى وحدة الفكر السلمي كمقدمة للوحدة السلمية التي هي أمل‬
‫المسلمين في مشارق الرض ومغاربها‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫تصحيح المفاهيم السلمية‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"لتتبعن سنن من قبلكم شبرا ً بشبر وذراعا بذراع حتى لو عروة حجر ضب‬
‫ً‬
‫لدخلتموه"‪.‬‬
‫ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪" :‬إنما ستنقض عرى السلم عروة إذا‬
‫نشأ في السلم من لم يعرف الجاهلية"‪.‬‬
‫إن أخطر الخطار التي تواجه المسلمين اليوم‪ :‬خطر التغريب‪.‬‬
‫والتغريب هو حمل المسلمين والعرب على قبول ذهنية الستسلم والحتواء‬
‫والتحرك من داخل دائرة الفكر الوافد )وليس من داخل عقلية الغرب نفسه(‬
‫ودائرة الفكر الوافد تختلف في إنها تحشد الشيء وضده‪ ،‬وتسوق المذاهب‬
‫المتعارضة كلها في خضم جارف )وجودية وماركسية وليبرالية وهيبية ول‬
‫معقولية( حتى تسقط النفس السلمية ويسقط العقل السلمي صريع‬
‫الخلف والضطراب ويتشكل بالسلبية المطلقة والعدمية‪.‬‬
‫والهدف من حملة التغريب هو إخراج المسلمين من دائرة فكرهم بما يخلق‬
‫شعورا ً بالنقص في نفوسهم وذلك بالتأثير في النفس والمزاج والروح‬
‫السلمي لخراجها جميعا ً من مفاهيمها ومواريثها وفرض أعراف جديدة عليها‬
‫مخالفة لها في الصل مباينة لها في الجذور‪.‬‬
‫وفي مواجهة هذا علينا أن نعرف بأن هناك عالمين منفصلين‪ :‬قد يؤثر أحدهما‬
‫في الخر ولكنهما ل يمتزجان أبدا ً ول يخضع أحدهما للخر‪ ،‬ول يستوعب‬
‫أحدهما الخر ول يحتويه‪ ،‬هما عالم السلم المتميز بطوابعه ومفاهيمه وقيمه‬
‫وعالم الغرب‪.‬‬
‫والفكر السلمي له من جذوره العميقة وأصوله العريقة ما يجعله قادرا ً دوما ً‬
‫على التماس التجدد دون أن يفقد الصالة‪.‬‬
‫والخطر كله يتمثل في بعض المفكرين من العرب الذين يفكرون من داخل‬
‫دائرة الفكر الغربي ويتحركون خارج إطار الفكر السلمي ومن هنا تأتي‬
‫أخطاؤهم ويأتي عجز نظرتهم عن أن ترى الفق الواسع الممتد‪.‬‬
‫إن هناك منهجًا‪ :‬ل هو غربي ول هو إسلمي‪ ،‬وإنما هو منهج زائف صنعته‬
‫اليهودية التلمودية الصهيونية وكشف عنه بروتوكولت صهيون قد أعد خصيصا ً‬
‫لدخال العرب والمسلمين فيه‪ ،‬فإذا دخلوا أحكم عليهم كالسجن فل يصلون‬
‫إلى شيء ل إلى معطيات الفكر الغربي ول إلى أصولهم الصيلة وإنما‬
‫يذوبون هكذا في غير ما أفق ويدورون في غير ما سماء‪.‬‬
‫إن مناهج العلوم والنفس والجتماع والسياسة والقتصاد التي يقدمها لنا‬
‫الغرب تنقصها إضافات‪ ،‬الولى‪ :‬طابع التكامل والجمع بين العقل والقلب‬
‫والمادة والروح والدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والثانية‪ :‬الدور الطليعي الذي قام به المسلمون في بناء هذه المناهج يوم أن‬
‫كانت موجهة إلى الحق وإلى الحق وحده وقبل أن يلتهمها اللحاد ثم‬
‫تستقطبها الصهيونية العالمية‪.‬‬
‫إن هناك محاولت جادة لتقديم ثلثة مناهج للفكر السلمي تحتاج إلى يقظة‬
‫ومواجهة‪:‬‬
‫ما يسمى علم مقارنات الديان الذي يقوم بأحكام مسبقة إلى تفضيل السبق‬
‫والول وهذا يستهدف النتقاص من الدين الجامع الخاتم وهو السلم‪.‬‬
‫ما يسمى علم النتروبولوجيا‪ :‬وهو خاص بدراسة الشعوب البدائية وهدفه‬
‫استخراج مفاهيم وقيم تعارض الكتب السماوية وإلعاء شأن الساطير‬
‫والسحر والتنجيم القديم وإعلء شأن العنصرية والدماء‪.‬‬
‫ما يسمى العلوم الجتماعية بالضافة إلى نظرية فرويد وتستهدف إلغاء طابع‬
‫الفطرة الصيل في السرة ورد دوافع النسان إلى الجنس وإلى الطعام‪.‬‬
‫وتسيطر الصهيونية اليوم على هذه العلوم والدراسات بغية تحقيق أهدافها‬
‫التي أوردتها بروتوكولت صهيون‪.‬‬
‫ً‬
‫وتستهدف محاولت التغريب اليوم أهدافا متعددة‪:‬‬
‫ل‪ :‬محاولت إسقاط أسس وقيم وفرائض أساسية كالجهاد مثل‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬محاولت تحريف التاريخ والنصوص السلمية كإسقاط رحلة سيدنا‬
‫إبراهيم عليه السلم إلى الجزيرة العربية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬محاولة إضافة أشياء ليست أصيلة كالسرائيليات‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬محاولة الفصل بين الدب والفكر‪ ،‬واللغة والدين‪ ،‬والدين والمجتمع‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬محاولة تمويه القيم بإعلء القانون الوضعي على الشريعة‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬إثارة النعرات القليمية والعنصرية بالدعوة إلى القوميات والتجزئة‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬محاولة التمويه بخلط الخلق السلمية المصدر بالعادات والتقاليد‬
‫التي هي من صنع المجتمع‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬محاولة تألية العقل أو تقديس العلم أو الدعوة إلى عبادة البطولة‪.‬‬
‫إن الهدف هو الحيلولة دون استئناف المسلمين حياتهم الجتماعية على‬
‫أساس السلم وذلك عن طريق تركيز التاريخ والتراث السلمي في سبيل‬
‫تأكيد التبعية وفقدان الذاتية‪.‬‬
‫وقد آن للعرب والمسلمين أن يتحرروا من هذا المخطط الرهيب بالفهم‬
‫والعمل‪.‬‬
‫إن الطريقة المثلى للتحرر من الزيف والخطأ من التفسيرات المدخولة‪ :‬ومن‬
‫التحريفات والساطير واخطاء التهاويل هو شيء واحد‪ :‬هو التماس المصدر‬
‫الصيل‪ :‬وهو القرآن‪.‬‬
‫هذا المصدر الثابت الموثق الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪،‬‬
‫فهو السور المتين والحائط الصامد الذي يعتصم به المسلمون في كل أزمة‬
‫وكل جولة ومن كل غزو فكري أو تحد سياسي أو استهداف اجتماعي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومنهج السلم في القرآن هو أعلى نموذج للمنهج العلمي الصيل‪ ،‬فهو يدعو‬
‫إلى إنكار الظن وتحقيق الغرض ونفي السطورة والخرافة وإبعاد الوهم‬
‫والهوى والمطالبة بالبرهان والدليل‪.‬‬
‫إن قواعد الفكر السلمي الساسية قد بدأت ونمت في حياة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم مستمدة من القرآن وأن هذه القواعد لم تتغير من بعد ولم‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تجر إضافة شيء إليها فظلت قيمها الساسية كما جاء وحي السماء )القرآن(‬
‫وسنن النبي في تفسيرها وتطبيقها وإنما جرت حركة العمل من داخل الطار‬
‫الذي رسمه القرآن‪ ،‬ولقد كان اتصال المسلمين بالفلسفات اليونانية‬
‫والفارسية والهندية تجربة قاسية انتهت بانتصار السلم وهزيمة محاولت‬
‫سيطرة الفكر الوافد أو الغزو الفكري كما نسميه بلغة العصر‪.‬‬
‫وبقيت الحقائق الساسية قائمة‪:‬‬
‫إن السلم ليس دينا ً كسائر الديان ولكنه حركة اجتماعية واسعة تشمل‬
‫العتقاد والمجتمع والدولة ومختلف نظم القتصاد والسياسة والخلق وأن‬
‫ميزة السلم‪ :‬إن نظرته كلية شاملة وأنه لم يجرئ الحياة بل نظر إليها نظرة‬
‫جامعة متكاملة كما نظر إلى النسان نفسه كوحدة نفسية وجسمية ل‬
‫تنفصل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬القرآن كتاب الله ومصدر المنهج السلمي‪ ،‬يرسم صورة شاملة للقيم‬
‫الساسية وأصول مناهج المعرفة والعلوم وسنن الحياة والكون والحضارات‬
‫والمجتمعات حيث يربط البشرية والكون جميعا ً بخالقها وبعثها وجزائها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم )كان ول يزال‬
‫وسيظل( النموذج السمى والمثل الكامل والقائم أمام كل المجاهدين‬
‫والمصلحين والنوابغ قدوة حسنة وأسوة صادقة‪ ،‬من نقطة حب الرسول إلى‬
‫المتابعة له على طريق الحق‪.‬‬
‫وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم آثار تستهدف تحرير البحث‬
‫العلمي من كل الزيوف‪.‬‬
‫"ثلث من كن فيه فقد استكمل اليمان‪:‬‬
‫من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل‪.‬‬
‫ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق‪.‬‬
‫ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له"‪.‬‬
‫إن الطريقة المثلى للتحرر من الزيف والخطأ ومن التفسيرات المدخولة‪ :‬من‬
‫التحريفات والساطير وأخطاء التأويل هي شيء واحد‪ ،‬هي‪ :‬التماس المصدر‬
‫الصيل موثقا ً ثابتا ً ل يأتيه الباطل من بين يدىه ول من خلفه فهو بحق‪ :‬السور‬
‫المتين والحائط العالي الذي يعتصم به المسلمون في كل أزمة وكل جولة‬
‫غزو فكري أو سياسي أو اجتماعي وقد رسم السلم في القرآن قاعدة‬
‫المنهج العلمي فهو يدعو إلى إنكار الظن وتحقيق الغرض ونفي السطورة‬
‫والخرافة وإبعاد الوهم والهوى والمطالبة بالبرهان والدليل‪.‬‬
‫وبهذا المنهج الصيل نقول أنه قد آن للعرب والمسلمين أن يتحرروا من‬
‫التبعية للنظريات الغربية أو المفاهيم الوافدة وعليهم أن يفكروا بلغتهم وأن‬
‫يتحركوا من داخل فكرهم وأن يتجاوزوا سارتر وفرويد وماركس ودور كايم‪.‬‬
‫وعلى المسلمين أن ينتقلوا من السلم إلى اليمان ولبد أن ينكسر قيد‬
‫التبعية ويتحطم قيد التقليد ويتحرر الفكر السلمي من الدائرة المغلقة التي‬
‫فرضها عليه نفوذ المنهج الغربي الوافد ولبد أن يرتبط مفهوم "التقدم"‬
‫بمفهوم الصالة ويتحرك من داخله‪ ،‬التقدم بمفهومه الجامع‪ :‬تقدما ً ماديا ً‬
‫ومعنويا ً استمدادا ً من المنبع الصيل‪ ،‬وإن من أخطر الخطار أن يدخل العرب‬
‫والمسلمون في مواجهة مع عدوهم بمفاهيم وافدة وقيم مضللة واعتقادات‬
‫وثنية ولبد أن تفتح اللغة العربية أبوابها لستقبال العلو والتكنولوجيا بمختلف‬
‫فروعها وأنواعها وهذا شرط أساسي لقيام نهضة حقيقية‪ ،‬فلبد أن تنصهر‬
‫هذه العلوم في بوتقة اللغة التي هي فكر المة ووعاء ذوقها وثقافتها‪ ،‬ولن‬
‫تستطيع أمة أن تخطو في مجال العلوم خطوة واحدة إل إذا كانت مفاهيم‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلوم داخل إطار لغتها‪.‬‬


‫ولقد دعا السلم معتنقيه إلى معارضة التقليد الجنبي‪ ،‬وحذر من التشبه‬
‫بالخرين وحرص على أن تظل شخصية المسلم وفكره وحضارته ومجتمعه‬
‫متميزة‪ ،‬وأعلن لذلك حربا ً ل هوادة فيها على التقليد وعلى التبعية وحكم على‬
‫من تشبه بقوم بأنه قد انفصل عن أهله وأصبح من أهل القوم الخرين‪ .‬ودعا‬
‫إلى إعلن التمييز بين المم من حيث العادات والخلق‪ .‬وكشف السلم عن‬
‫مدى أثر التقليد في فقدان الشخصية وأثر التبعية في عبودية الفكر والعقل‪.‬‬
‫وقد أكد المؤرخون بأن التقليد في مراحل الضعف إنما يكون في جوانب‬
‫الهدم والنحلل ويتركز دائما ً على النهماك في اللذات فضل ً عن أن القوى‬
‫الكبرى ل تعطي للضعفاء أسرار علومها‪ ،‬وإنما تلهيهم بفتات الهواء وبريق‬
‫الرغبات التي من شأنها أن تحطم المقومات وتدمر النفس البشرية وتجعلها‬
‫غير قادرة دائما ً على معارضة هذه القوى الكبرى‪.‬‬
‫لذلك فإن الطريق الوحيد للمم التي تحوطها الخطار أن تظل دائما ً على‬
‫تعبئة ومرابطة ومن هنا فإن الذين قالوا لنا‪ :‬أن نسير سيرة الوروبيين‬
‫ونسلك طريقهم لم يكونوا صادقين في النصح والتوجيه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وحين عمل السلم على تحرير أتباعه من التأثير الجنبي بكل أنواعه‪ ،‬دعا‬
‫إلى الحذر من الحرب النفسية التي يشنها أعداء السلم والتي تهدف إلى‬
‫تغيير المعالم الصيلة لعقيدتنا وفكرنا وثقافتنا ومزاجنا النفسي‪.‬‬
‫ومن مفاهيم التبعية "إيجاد البديل في مواجهة الصيل" والمم العريقة التي‬
‫تكامل فكرها ل تكون عادة في حاجة إلى مفاهيم وافدة‪ ،‬فإذا نظرت فيها‬
‫فمن أجل أن تعرف أسلوبها وأهدافها‪ ،‬مع تقدير الفارق البعيد بين منهج‬
‫جزئي انشطاري ومنهج متكامل جامع‪ ،‬بين منهج رباني يستقطب النفس‬
‫النسانية من جميع أبعادها ومنهج بشري عاجز عن الستمرار والدوام‪ ،‬ولقد‬
‫رأينا كيف أن النظريات التي قدمها الغرب سرعان ما تصدعت وبان فسادها‬
‫بمرور الزمن واحتاجت إلى إجراء تعديلت بعد تعديلت وهي في أغلبها‬
‫تعديلت جوهرية‪ ،‬ذلك أن تحول الزمن واختلف البيئات يفسد النظريات‬
‫ويصيبها بالعطب والضطراب ويكشف عن الفارق البعيد بينها وبين المناهج‬
‫الربانية الثابتة ثبوت الفطرة وقد رأينا ذلك في الماركسية والفرويدية‬
‫والوجودية‪.‬‬
‫ومن أخطر الخطار أن تتخذ أمة السلوب الوافد أسلوبا ً أساسيا ً لها مع‬
‫اختلف المفاهيم والمضامين التي شكلت هذا المنهج في أساسه‪.‬‬
‫ولقد احتاجت بعض المجتمعات إلى وضع مناهج للحياة )أيديولوجيات( لنها لم‬
‫تجد مناهج في عقائدها‪ ،‬أما المسلمون بأنهم ليسوا في حاجة إلى بناء مناهج‬
‫بشرية وعندهم منهج محكم من صنع العلي الخبير‪ ،‬الخبير بالنفس النسانية‬
‫"أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" ولقد كان من أثر انطلقة النسان‬
‫ليضع لنفسه منهجا ً أن فسر الحياة تفسيرا ً ماديًا‪ ،‬وفسر علقات النسان‬
‫تفسيرا ً حيوانيا ً وأباح الربا وأطلق الغريزة وفلسف ذلك كله وأرضى به‬
‫النفوس الصغيرة حين خالف به فطرة البشرية وحكم الله‪.‬‬
‫إن أخطر المحاولت التي تحتاج إلى النتباه الوافر‪ :‬هي محاولة وضع النسان‬
‫في موضع تبرير القيم الغربية باسم سماحة السلم وانفتاحه وقابليته للجديد‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومسايرته لظروف المم والحضارات‪ ،‬ولريب أن للسلم قواعد كلية ل‬


‫سبيل إلى النزول عنها وخاصة في مسائل الربا والحدودة‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تصدير الحتلل‬
‫د‪ .‬حاكم المطيري* ‪26/2/1424‬‬
‫‪28/04/2003‬‬
‫سكرة‪ ،‬وجاءت الفكرة ؛ ليكتشف الشعب الكويتي أنه كان‬ ‫ها قد ذهبت ال ّ‬
‫ضحية تضليل إعلمي‪ ،‬وغسيل دماغ إسلمي‪ ،‬وأن شعار ) تحرير العراق ( لم‬
‫يكن سوى كذبة كبرى‪ ،‬دفعته إلى تصديقها وتسويقها ثورة الغضب على‬
‫النظام البعثي‪ ،‬وشهوة النتقام من الشعب العراقي‪ ،‬فها هو العراق يفقد‬
‫استقلله‪ ،‬ويخسر سيادته؛ ليصبح تحت حكم جنرال أمريكي‪ ،‬ليعود الستعمار‬
‫من جديد‪ ،‬ولتتبخر أحلم المعارضة العراقية بإقامة حكومة وطنية انتقالية‬
‫‪-‬كما يقضي التفاق بينها وبين الدارة المريكية‪ -‬بعد أن رفضت المعارضة‬
‫شروط أمريكا التي تريد جعل العراق تحت نفوذها وسيطرتها‪ ،‬ليثبت‬
‫للمعارضة ‪-‬بعد فوات الوان‪ -‬أنها لم تكن سوى ورقة ضغط سياسي تم‬
‫حرقها بعد أن أدت دورها‪ ،‬ولتكتشف أن أمريكا لم تأت بجيوشها من أجل‬
‫تحرير العراق؛ لنه أصل لم يكن تحت الحتلل‪ ،‬ولن العالم كله لم يسمع من‬
‫قبل بمصطلح تحرير الشعب من حكومته قبل هذه الحرب‪ ،‬ولنه لم يسبق‬
‫لمريكا أن حررت شعبا أوربيا من حكومته؛ بل ظلت شعوب أوربا الشرقية‬
‫نصف قرن ترزح تحت حكم أنظمة شيوعية استبدادية‪ ،‬ولم تفكر أمريكا قط‬
‫بإرسال جيوشها لتحرير تلك الشعوب الوربية المسيحية‪ ،‬فكيف تفعل ذلك‬
‫للشعب العراقي العربي المسلم ؟!‬
‫نعم لقد ساهمنا نحن ‪-‬الخليجيين‪ -‬في الحملة العسكرية على العراق‪ ،‬غير أنها‬
‫لم تكن من أجل تحريره؛ بل من أجل احتلله من ِقبل الجيش المريكي‬
‫وجيوش الحلفاء ‪ ،‬لن فاقد الشيء ل يعطيه‪ .‬فالدول التي تفتقد للحرية‬
‫والستقلل ل يمكن أن تصدرهما‪ ،‬وكيف يمكن لدول الخليج )التي باتت تحت‬
‫سيطرة الوجود العسكري المريكي منذ ‪، 1991‬والتي لم تستطع ‪-‬باعتراف‬
‫حكوماتها‪ -‬منع أمريكا من استخدام أراضيها (أن تساهم في تحرير غيرها من‬
‫الدول‪ ،‬وهي نفسها لم تتحرر بعد ؟!‬
‫وكيف للدول )التي لم يؤخذ إذنها في هذه الحرب التي انطلقت من أراضيها‪،‬‬
‫ولم تحترم أمريكا سيادتها( أن تساهم في إقامة نظام حكم مستقل‪ ،‬له كامل‬
‫السيادة على أرض العراق؟‬
‫وكيف يمكن للدول الخليجية )التي لم تعرف الديمقراطية بعد‪ ،‬ول حكم‬
‫الشعب‪ ،‬ول التداول السلمي للسلطة‪ ،‬ول الحزاب السياسية( أن تساهم في‬
‫إقامة تعددية سياسية‪ ،‬وديموقراطية عراقية؟!‬
‫وكيف يمكن للشعوب الخليجية )التي سقطت تحت سيطرة الستعمار‬
‫البريطاني مدة ستين سنة وأكثر‪ ،‬منذ سنة ‪1900‬م إلى استقللها ‪-‬الصوري‪-‬‬
‫في آخر القرن الماضي دون أي مقاومة تذكر؛ بل ولم تعرف أي حركة تحرر‬
‫وطني ضد الوجود الستعماري( أن تساهم في تحرير الشعب العراقي الذي‬
‫قام بأول ثورة عربية ضد الستعمار البريطاني سنة ‪1920‬م ؟!‬
‫إن ما قامت به دول الخليج لم يكن سوى تصدير الفائض لديها من الوجود‬
‫العسكري المريكي وقواعده التي لم تعد دول الخليج تستوعبها إلى الشعب‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العراقي‪ ،‬فليس من الخوة العربية أن ننعم بكل هذه القواعد العسكرية التي‬
‫تحيط بالخليج من الكويت إلى عمان دون إخواننا في العراق؟! وليس من‬
‫المروءة أن نتمتع بكل مظاهر الحرية والستقلل والسيادة بينما يحرم منها‬
‫الشعب العراقي الشقيق ؟!‬
‫وليس من النصاف في شيء أن نتحمل وحدنا فاتورة هذا الستعمار الجديد‬
‫دون الشعب العراقي‪ ،‬الذي يجب أن يشارك في تحمل قسط من هذا الوجود‬
‫العسكري‪ ،‬وأن يدفع فاتورته‪ .‬فالنفط العراقي قادر على تحمل ذلك‪ ،‬فهو يعد‬
‫أكبر احتياطي نفطي عالمي‪ ،‬وليس من الحكمة أن يظل بل حماية أمريكية‪،‬‬
‫فهذا من السفه والعبث بمقدرات الشعب العراقي وثرواته التي سيتمتع بها‬
‫بعد أن يدفع فاتورة تكاليف الحرب‪ ،‬و قيمة كل رصاصة وقذيفة أطلقتها‬
‫جيوش الحلفاء‪ ،‬حتى القذائف التي ذهب ضحيتها البرياء‪ .‬وبعد أن ترهن‬
‫الشركات المريكية النفط العراقي لمدة ثلثين سنة ؟!‬
‫إن ما قمنا به اليوم هو تكرار لما قمنا به سنة ‪1916‬م عندما فتحنا الطريق‬
‫للستعمار البريطاني ليدخل العراق من جهة البصرة؛ ليصبح العراق تحت‬
‫الحتلل العسكري ؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نعم لقد ساهمنا نحن ‪-‬الخليجيين‪ -‬جميعا في هذه الحرب سرا وعلنية‪ ،‬ولم‬
‫نكتف بذلك‪ ،‬بل استطاع بعض أنصاف المثقفين ورجال الدين المترفين أن‬
‫يقيموا الدلة على مشروعية وقانونية وأخلقية المساهمة في تصدير‬
‫الحتلل‪ ،‬ومساعدة المحتل بدعوى تحرير الشعب العراقي من حكومته التي‬
‫لم تكن الحكومة الدكتاتورية الوحيدة في العالم العربي الذي يعج من الخليج‬
‫الخادر إلى المحيط الخاثر بهذا النوع من الحكومات الستبدادية الجرامية‪،‬‬
‫وهو ما يعني ضرورة أن يدعو هؤلء الليبراليون )المثقفون(‪ ،‬ورجال الدين‬
‫)المترفون( أمريكا وبريطانيا بإكمال حملة تحرير العالم العربي من حكوماته‬
‫غير الشرعية‪ ،‬وغير الديمقراطية‪ ،‬ولماذا تقف هذه الحملة عند حدود العراق‬
‫فقط ؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد ظلمتنا الشعوب العربية والسلمية‪ ،‬ولم تعرف نبل أهدافنا‪ ،‬ول مدى‬
‫حرصنا على الشعب العراقي وحريته‪ ،‬فما دفعنا إلى المساهمة في هذه‬
‫الحملة العسكرية التي ذهب ضحيتها آلف البرياء من الطفال والشيوخ‬
‫والنساء بآلف الصواريخ‪ ،‬والقنابل العنقودية‪ ،‬واليورانيوم المنضب؛ حتى‬
‫ضاقت بهم المستشفيات باعتراف لجان الصليب الحمر‪ .‬إنما هو حرصنا على‬
‫أن ينعم بالحرية مثلنا ؟!‬
‫لقد أصبح من حق كل قوى المعارضة العربية في الخارج ‪-‬كالمعارضة‬
‫السورية‪ ،‬والمصرية‪ ،‬والليبية‪ ،‬والجزائرية‪ ،‬والسعودية‪...،‬الخ‪ -‬أن تستعين‬
‫بالقوى الستعمارية‪ ،‬وتحثها على غزو بلدانها‪ ،‬واحتلل أوطانها من أجل‬
‫إسقاط حكوماتها غير الديمقراطية‪ ،‬وإقامة حكومات عميلة تحت حماية‬
‫الجيوش الغازية‪ .‬فهذا حق مشروع في ثقافتنا الخليجية الجديدة‪ ،‬وفتاوى‬
‫الفقه الوليدة على فراش الزواج السلمي البروتستانتي‪ ،‬وفي ظل رعاية‬
‫عهد الستعمار المريكي الجديد لدول الخليج ؟!‬
‫لقد كان الفقهاء الحكوميون وشبه الحكوميين ومليشياتهم الدعائية يحّرمون‬
‫على الشعوب العربية الثورة على حكوماتها الستبدادية؛ بل يحّرمون حتى‬
‫القيام بمظاهرة سلمية بدعوى أن ذلك من الخروج على السلطة‪ ،‬وهو كما‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يزعمون محظور في الشريعة السلمية‪ ،‬وأن الصبر على الظلم خير من‬
‫إثارة الفتن وإراقة الدماء‪ ،‬فإذا بهم فجأة وبل سابق إنذار ُيجيزون لبعض‬
‫فصائل المعارضة العراقية ليس فقط الثورة على النظام؛ بل والستعانة‬
‫بالجيوش الصليبية لتدمير بلد إسلمي‪ ،‬وقتل اللف من أبنائه‪ ،‬واحتلل أرضه‬
‫بدعوى رفع الظلم عنهم ‪ ،‬كما فعل الطوسي وابن العلقمي عندما وقفا مع‬
‫التتار بدعوى رفع الظلم عن أهل بغداد!‬
‫لقد أسهم أولئك المثقفون ورجال الدين المتفيهقون في تشكيل ثقافة جديدة‬
‫؛ تجعل من خيانة الوطن عمل شريفًا‪ ،‬ومن العمالة للعدو الجنبي فعل‬
‫مشروعًا‪ ،‬وتجعل من )أبي رغال( قدوة‪ ،‬ومن ابن العلقمي إماما ً ومن‬
‫الطوسي حجة‪ ،‬ولم يعد لستقلل الوطان في ثقافتنا الجديدة حرمة‪ ،‬ول‬
‫لسيادة البلدان ذمة !!‬
‫لقد أثبتت الحوادث واليام أننا أكثر الشعوب قابلية للخضوع للستعمار‪ ،‬وأكثر‬
‫ميل للخنوع للستبداد‪ ،‬وأقدرها على التأقلم معهما باسم الدين تارة‪ ،‬وباسم‬
‫العقل والمصلحة تارة أخرى‪ ،‬بل وأصبحنا أمهر السماسرة والتجار في فن‬
‫تصدير الستعمار ‪ ،‬وأقدر رجال العمال على تسويق الحتلل تحت شعار‬
‫الحرية والستقلل !‪.‬‬
‫* المين العام للحركة السلفية ـ الكويت‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تصرف ل يؤيده شرع ول يقره عقل سليم!‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ أ‪.‬د‪.‬عبد الله قادري الهدل‬
‫نادينا فلم يسمع لنا نداء ونصحنا ولم تقبل لنا نصيحة‪ ،‬ولكننا نكرر النداء ونتابع‬
‫النصيحة‪:‬‬
‫إن ما حدث ويحدث من تصرفات بعض الشباب من التفجيرات لبعض‬
‫المرافق والعتداء على العسكريين في بلد إسلمي‪ ،‬ل تقره شريعة السلم‬
‫ول تستسيغه العقول السليمة‪ ،‬لن المرافق هي ِرزق َرزق الله به المسلمين‬
‫في بلدهم‪ ،‬ولن العسكريين مسلمون‪ ،‬والعتداء على كل المرين هو اعتداء‬
‫على ضرورتين من ضرورات الحياة التي اتفقت جميع الشرائع على حرمتها‬
‫ووجوب حفظها‪ ،‬وتحريم العتداء عليها‪ ،‬وهي‪ :‬الدين والنفس والنسل والعقل‬
‫والمال‪.‬‬
‫ويشتد عجبنا من صدور هذه التصرفات باسم السلم‪ ،‬فلو صدرت من قوم‬
‫يعلنون الحرب على المسلمين لما كانت غريبة‪ ،‬لنهم أعداء للسلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬يحتلون ديارهم ويستحلون دماءهم وينتهكون أعراضهم‪.‬‬
‫أما أن تصدر من أبنائنا في بلدانهم وعلى مرافق أمتهم وعلى إخوانهم‬
‫العسكريين الذي يشهدون أل إله إل الله وأن محمدا رسول الله ويقيمون‬
‫الصلة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجون البيت الحرام‪ ،‬ويسهرون‬
‫على أمن بلدهم‪ ،‬فهذا أمر منكر غريب‪ ،‬ل يليق صدوره من مسلم يؤمن بالله‬
‫وباليوم الخر‪ ،‬يفقد القائمون به الفقه في دين الله‪ ،‬كما يفقدون ميزان‬
‫العقول السليمة‪ ،‬وهو قطعا ليس من الصلح في الرض الذي أمر الله به‪،‬‬
‫بل يدخل في الفساد‪.‬‬
‫فشرع الله يحرم إفساد الموال‪ ،‬ويشدد في تحريم قتل النفس التي حرم‬
‫الله بغير حق‪ .‬فاتقوا الله تعالى يا أبناءنا وإخواننا وتوبوا إلى ربكم من هذه‬
‫التصرفات التي ل ندري ما أهدافكم منها؟ وما المصلحة التي تأملون تحقيقها‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ورائها؟‬
‫أما قتل المسلمين سواء كانوا عسكريين أو مدنيين فل أريد الطالة فيه‪ ،‬لن‬
‫كتاب الله وسنة رسوله قد حرمت ذلك تحريما قطعيا‪ ،‬ل مجال للتشكيك فيه‪،‬‬
‫ويكفي أن نذكر نصين أحدهما من القرآن‪ ،‬والثاني من السنة لمجرد التذكير‬
‫بهما‪:‬‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫خاِلدا ً ِفيَها وَغَ ِ‬
‫ض َ‬ ‫م َ‬
‫جهَن ّ ُ‬ ‫مدا ً فَ َ‬
‫جَزاؤُه ُ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫منا ً ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ل ُ‬‫قت ُ ْ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬‫قال تعالى‪)) :‬وَ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظيما(( ]النساء )‪[(93‬‬ ‫ذابا عَ ِ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل ُ‬‫عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ‬
‫وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪) :‬ل يحل دم امرئ مسلم‪ ،‬يشهد أن ل إله إل الله وأني‬
‫رسول الله‪ ،‬إل بإحدى ثلث‪ :‬النفس بالنفس‪ ،‬والثيب الزاني‪ ،‬والمفارق لدينه‬
‫التارك للجماعة(‪] .‬البخاري ومسلم وغيرهما[‬
‫وأجمعت المة على ما دلت عليه النصوص‪ ،‬وإذا خالف بعض الناس عمله ما‬
‫دلت عليه النصوص وأجمعت عليه المة فاعتدى على قتل النفس التي حرم‬
‫الله بغير حق‪ ،‬فليس معناه أنه يعتقد جواز ذلك‪ ،‬وإنما يعمله عصيانا لله‬
‫وخروجا على ما يعتقد‪.‬‬
‫وإذا كان لنا من قول بعد هذا‪ ،‬فإنا نجزم بأن كل من تعتدون عليه بالقتل‬
‫مدنيا أو عسكريا فإنه محرم الدم‪ ،‬لنه مسلم‪ ،‬ومن الخطأ الفاحش اعتقاد أن‬
‫العسكريين أو غيرهم ممن ينخرط في سلك الدولة ووظائفها يجوز استحلل‬
‫دمه أو اعتقاد كفره‪.‬‬
‫‪http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_general&p=51‬‬
‫وإذا اعتقدتم بأنكم عندما تقصدون المنشآت دون حراسها‪ ،‬فاعتقادكم غير‬
‫صحيح‪ ،‬لن العسكريين أو غيرهم يقومون بواجبهم بحكم وظائفهم في‬
‫حراسة المنشآت‪ ،‬ولهذا ل يحصل عدوان على منشأة مادية إل كان مصحوبا‬
‫بالعدوان على نفوس بشرية منكم ومنهم‪ ،‬فاتقوا الله ول تقدموا على ما‬
‫يغضبه من العتداء على عباده المسلمين‪.‬‬
‫أما العتداء على المرافق التي رزق الله بها أهل البلد‪ ،‬سواء كانت منشآت‬
‫سكنية أو جامعية أو عسكرية أو غيرها من المباني الدارية‪ ،‬أو كانت منشآت‬
‫طاقة كالبترول والغاز وما له بهما تعلق‪ ،‬فإن حكمها حكم العتداء على‬
‫النفوس من حيث أن كل منهما من الضرورات التي يجب حفظها‪ ،‬ول يجوز‬
‫إهدارها لنها حق لعامة الشعب المسلم‪.‬‬
‫فإذا قصدتم من العدوان عليها الضرار بأعداء السلم كالمريكان واليهود‬
‫ومن ظاهرهم على المسلمين‪ ،‬فإن الضرر ل ينالهم إل بعد الضرر المباشر‬
‫بالمسلمين‪.‬‬
‫وكثير من المسلمين يعيشون في شعوبهم عيشة خوف وقلق وفقد للمن‪،‬‬
‫ويتمنى أعداؤنا أن تكون بلدنا كذلك‪ ،‬لنهم يغيظهم استقرار سكان أي بلد‬
‫مسلم‪ ،‬يؤدون عباداتهم وأعمالهم في أمن واطمئنان‪ ،‬فهل يليق بمسلم أن‬
‫يحقق لهم ما يتمنون‪.‬‬
‫بل إن القلقل إذا كثرت في أي بلد مسلم يتخذنها أعداء السلم ذريعة‬
‫للسيطرة عليه‪ ،‬وبخاصة الدول الغنية بالطاقة البترولية ولدول الخليج النصيب‬
‫الوافر من ذلك‪ ،‬لذلك ننصح إخواننا وأبنانا الشباب أن يتدبروا أعمالهم والثار‬
‫هدر دماء أنفسهم في غير ساح‬ ‫التي تترتب عليها من قتل النفوس المحرمة و َ‬
‫المعارك مع العداء المعتدين فعل وهو الذين أمر الله بجهادهم ومصابرتهم‬
‫والثبات أمامهم‪ ،‬وكذلك التأمل في إفساد أموال المسلمين‪.‬‬
‫‪http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_hadath&p=53‬‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تضرع‬
‫شعر‪ :‬أبي نواس‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن عفوك أعظ ُ‬ ‫ت ُذنوبي كثرةً فلقد ْ علم ُ‬
‫ت بأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عظ ُ َ‬ ‫بإ ْ‬ ‫يا ر ّ‬
‫ن يلوذ ُ ‪ ،‬ويستجيُر المجر ُ‬
‫م‬ ‫ن فبم ْ‬ ‫ن كان ل يرجوك إل محس ٌ‬ ‫َ‬ ‫إ ْ‬
‫م‬
‫ت يدي فمن ذا يرح ُ‬ ‫ت تضّرعا فإذا ردد َ‬ ‫ً‬ ‫ب كما أمر َ‬ ‫أدعوك ر ّ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ي مسل ُ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ل عفوِك ‪ ..‬ث ّ‬ ‫ة إل الّرجا وجمي ُ‬ ‫ك وسيل ٌ‬ ‫مالي إلي َ‬
‫نجوى ودعاء‬
‫مل َكْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫إلهنا ما أعدلك مليك كل من َ‬ ‫ْ‬
‫تل ْ‬
‫ك‬ ‫ك قد لبي ُ‬ ‫لبي َ‬
‫ك‬‫كل ْ‬ ‫ك‪ ،‬ل شري َ‬ ‫مل َ‬ ‫ك وال ُ‬ ‫ن الحمد َ ل ْ‬ ‫كإ ّ‬ ‫لبي َ‬
‫ك‬‫سل َ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ك أنت له حي ُ‬ ‫ب عبد ٌ سأل ْ‬ ‫ما خا َ‬
‫ك‬ ‫ب هل َ ْ‬ ‫ك يا ر ّ‬ ‫لول َ‬
‫ك لك‬ ‫ك ل شري َ‬ ‫مل َ‬ ‫ك وال ُ‬ ‫ن الحمد َ ل ْ‬ ‫كإ ّ‬ ‫لبي َ‬
‫ك‬‫لل ْ‬ ‫ل من أه ّ‬ ‫ك وك ّ‬ ‫ي ومل ْ‬ ‫ل نب ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ح أو لّبى فل ْ‬ ‫ك سب ّ َ‬ ‫ل عبد ٍ سأل ْ‬ ‫وك ّ‬
‫ك لكْ‬ ‫ك ل شري َ‬ ‫مل َ‬ ‫ن الحمد َ لك وال ُ‬‫ْ‬ ‫لبيك إ ّ‬ ‫َ‬
‫فل َكْ‬ ‫ت في ال َ‬ ‫سابحا ِ‬ ‫حلك وال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ما أن َ‬ ‫لل ّ‬ ‫واللي ِ‬
‫سل َكْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫على مجاري ال ُ‬
‫ك‪ ،‬ل شريك لكْ‬ ‫مل َ‬ ‫ن الحمد َ لك وال ُ‬ ‫ْ‬ ‫كإ ّ‬ ‫لبي َ‬
‫ك‬ ‫ك واختم بخيرٍ عمل ْ‬ ‫ل وبادْر أجل َ ْ‬ ‫اعم ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ملك‪ ..‬ل شريك لك!!‬ ‫َ‬ ‫ن الحمد َ لك وال ُ‬ ‫ْ‬ ‫كإ ّ‬ ‫لبي َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تطبيق السنة بين الغلوّ و الجفاء‬


‫محمد بن عبد الله الدويش‬
‫إن مظاهر البعد عن السنة تتمثل في اتجاهين ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬التفريط والجفاء ‪ :‬وهذا له مظاهر نشير إلى أهمها بإيجاز ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم العناية بها ‪ :‬البعض من الدعاة إلى الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬قد أهمل هذه‬
‫ن بها بل كثيرا ً ما يمتد المر إلى التهاون في الواجبات‬ ‫السنن ولم يعت ِ‬
‫والمحرمات ‪ .‬وعندما ترى الداعية ل تكاد تفرق بينه وبين غيره في عبادته‬
‫مته ومظهره ‪ ،‬ول شك أن المسلم ينبغي له أن يلتزم‬ ‫س ْ‬‫وصلته وهديه و َ‬
‫السلم من حيث الجملة ‪ ،‬ول يعفيه من ذلك كونه يعيش في واقع سيئ ‪.‬‬
‫‪ -2‬دعوى تقسيم السلم إلى لب وقشور ‪ :‬بدأت تطل هذه الدعوى نتيجة‬
‫لغيبة منهج أهل السنة والجماعة عن الساحة وفشو الجهل وقلة العلم ‪.‬‬
‫ويكفي في بطلن هذه الدعوى أن هذا التقسيم ل ُيعرف عن سلف المة ‪.‬‬
‫سول ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ضى الل ّ ُ‬
‫ه وَر ُ‬ ‫من َةٍ إَذا قَ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ول ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫كيف وقد قال ‪ -‬تعالى ‪ ] -‬و َ‬
‫خيرةُ من أ َ‬ ‫مرا ً َأن ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫م []الحزاب ‪.[36 :‬‬ ‫م ال ِ َ َ ِ ْ ْ ِ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ن ل َهُ ُ‬
‫كو َ‬ ‫أ ْ‬
‫قرات الذنوب التي يقع فيها‬ ‫وقد حذر النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من مح ّ‬
‫الكثير من هؤلء بحجة أنها قشور أو مسائل خلفية « يا عائشة إياك‬
‫ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبًا» أخرجه النسائي وابن ماجة من‬
‫حديث عائشة ‪ .‬وأخرج أحمد بسند حسن من حديث سهل بن سعد ‪ -‬رضي‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عنه ‪ -‬أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ « :‬إياكم ومحقرات الذنوب‬
‫فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعود وجاء ذا‬
‫بعود حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم ‪ ،‬وإن محقرات الذنوب متى ما يؤخذ‬
‫بها صاحبها تهلكه » ‪ .‬وهناك فرق بين التقسيم إلى فروع وأصول والتقسيم‬
‫إلى لب وقشور ‪.‬‬
‫‪ -3‬النشغال بالقضايا المعاصرة ‪ :‬إننا في عصر قد بلينا بأمور جسام‬
‫وانحرافات خطيرة يصل بعضها إلى الردة عن دين الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬كما‬
‫م نشغل‬ ‫سيأتي الشارة إلى شيء من ذلك ‪ ،‬ولذلك قال البعض بحسن نية ‪ :‬ل ِ َ‬
‫أنفسنا بهذه المور وندع القضايا الهم ؟ ! ‪ ،‬المسلمون ُيقتلون وُيذبحون‬
‫وأنت منشغل بحكم السبال واللحية والشارة بالسبابة في الصلة ‪ .‬ونحن ل‬
‫نجادل أن هناك قضايا أهم من هذه بكثير ‪ ،‬لكن هل يعني ذلك ترك هذه‬
‫م نفترض التعارض أصل ً ؟ ؛ فإن‬ ‫المور الفرعية والسخرية ممن يفعلها ؟ ول ِ َ‬
‫الكثير من هؤلء تضيع عليهم أوقات كثيرة سدى ‪ ،‬فل هم نصروا‬
‫المستضعفين ‪ ،‬ول حلوا مشاكل المة ‪ ،‬بل تجد إعراضهم وُبعدهم يمتد إلى‬
‫أصول مهمة في الدين ل ُيعرف تفاصيل حكم الله فيها ‪ .‬إن وجود هذه‬
‫النحرافات يتطلب الهتمام بها ول شك ‪ ،‬وأن تكون في قائمة اهتماماتنا ‪،‬‬
‫لكن ل يعني ذلك بالضرورة ترك ما عداها ول النشغال بما دونها عنها ‪.‬‬
‫ولما جاء عقبة بن عامر يبشر عمر بفتح بيت المقدس تلقى ُبشراه ثم نظر‬
‫إلى قدميه فرأى عليه خفين فسأله ‪ ..‬فلم يشغله اهتمامه بأمر المسلمين‬
‫عن العناية بهذه القضية الفرعية ‪ .‬ولما دخل عليه شاب مسبل إزاره ‪ -‬وهو‬
‫في النزع ‪ -‬لم يشغله ذلك عن النكار عليه ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الغلو في تطبيق السنة ‪:‬‬
‫‪ -1‬تتّبع الغرائب ‪ :‬مما يؤسف له أن البعض يحرص على السنن الغريبة‬
‫والمجهولة عند الناس ‪ ،‬والتعلق بالغرائب مما جبلت عليه النفوس ‪ ،‬أليست‬
‫القصة الغريبة والحديث الغريب مما يجد رواجا ً لدى الناس ويشد انتباههم‬
‫أكثر من غيره ؟ ‪ ،‬ومن هنا تتعلق نفوس البعض ببعض الغرائب ‪ -‬عن الناس ‪-‬‬
‫فعندما يرى سنة مجهولة أو غريبة يسارع إلى المبادرة إليها والتمسك بها ‪،‬‬
‫ولسنا نقف ضد إحياء السنة ‪ .‬إنما الغالب في هذا المر شهوة خفية لدى‬
‫البعض قد ل يحس بها أل وهي التعلق بالغرائب وحب مخالفة الناس ‪ ،‬ثم إن‬
‫فْعل ذلك يعطي تميزا ً لهذا الشخص وهذا من مداخل الشيطان ‪ .‬وإذا كان‬
‫المر يتعلق بإحياء السنة ل غير فما بال بعض السنن المهجورة نجد القلة‬
‫ممن يحييها ! إن تأليف قلوب الناس على الحق وجمع كلمتهم مطلب شرعي‬
‫دث قوما ً حديثا ً ل‬ ‫؛ فقد قال ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ) : -‬ما أنت مح ّ‬
‫تبلغه عقولهم إل كان لبعضهم فتنة ( ‪.‬‬
‫ذب‬ ‫وقال علي‪ -‬رضي الله عنه‪ ) : -‬حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يك ّ‬
‫الله ورسوله ؟ ! ( بل قد ترك رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هدم‬
‫الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم ؛ لن قومه حديثو عهد بجاهلية ‪ ،‬وبعد أن‬
‫ت أحد من علماء المة بهدمها وبنائها‬ ‫بناها ابن الزبير وأعادها الحجاج لم يف ِ‬
‫مرة أخرى ‪ .‬وقد ترك ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قتل المنافقين لئل يتحدث‬
‫الناس أن محمدا ً يقتل أصحابه ‪ ،‬إن تأليف قلوب الناس بترك سنة أو تأجيلها‬
‫أْولى من ترك الكعبة وقتل المنافقين ‪ .‬ومجتمعنا يحوي عددا ً من كبار السن‬
‫الذي عاشوا سنين طويلة في مجتمع متدين محافظ ‪ ،‬فكيف بهم يفاجأون‬
‫ت به الوائل ‪ ،‬يأتي ليؤذن أذانا ً ما عهدوه ‪ ،‬أو يوتر‬ ‫بشاب يأتيهم بما لم تأ ِ‬
‫بخمس وقد عهدوا خلف ذلك ! ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أليس من المصلحة اتباع الحكمة والتروي في تعليم الناس السنة ؟ وأن‬


‫مة أثر‬ ‫تكون ممن يثقون بعلمه ودينه ل من حدث في سن أصغر أحفادهم ‪ .‬وث ّ‬
‫آخر لذلك وهو أن الناس يهون عليهم التغيير بعد ذلك فقد يقبلون بداعي‬
‫البدعة أو تبديل بعض شرع الله ؛ لنهم اعتادوا الخروج عما ألفوه واعتادوه ‪.‬‬
‫‪ -2‬الهتمام بها على حساب الواجبات ‪ :‬ل أظن أني أجاوز الحقيقة إذا قلت‬
‫إن البعض ممن يعرف تفاصيل الدلة في مثل هذه المسائل قد يخطئ في‬
‫عدة أركان أو شروط أو مبطلت الصلة ‪ ،‬وقد ل يفرق تفريقا ً دقيقا ً بين‬
‫الواجب والشرط والركن ‪ ،‬ناهيك عما يفسد الصوم وما ل يفسده ‪ ،‬ومسائل‬
‫المسح على الخفين ‪ ،‬والجبيرة ‪ ،‬وما يصح و ما ل يصح من العقود ‪ ،‬فضل ً عن‬
‫أدلة هذه المسائل وتفصيلتها ‪ ،‬بينما يعرف دقائق التفصيلت في هذه‬
‫السنن ‪ .‬وُقل مثل ذلك عن شروط الشهادتين ولوازمهما ومقتضياتهما ‪،‬‬
‫وأصول أهل السنة والجماعة والحد المخرج عن جماعة أهل السنة والمدخل‬
‫فيها ‪ .‬أما أصول الفقه واللغة فل تسأل عنهما !‬
‫‪ -3‬الهتمام بها على حساب القضايا المعاصرة ‪ :‬لقد ابتلينا في عصرنا‬
‫الحاضر بانحرافات خطيرة عن دين الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يصل بعضها إلى الكفر‬
‫البواح ‪ ،‬كالحكم بغير ما أنزل الله ‪ ،‬وتشريع النظمة والقوانين المخالفة‬
‫للشريعة ‪ ،‬وإباحة الربا والفواحش ‪ ،‬وسن النظمة التي تحميها وتنظمها ‪.‬‬
‫والدعوة للسفور وخروج المرأة ناهيك عن العلمانية التي استحكمت خيوطها‬
‫في جسد المة ‪ .‬أما الفرق الضالة فقد بدأت تنفض ركام التاريخ لتعيد أمجاد‬
‫القرامطة والُعبيديين ‪ ،‬وتحيي ذكريات أبي طاهر وابن العلقمي ونصير‬
‫الشرك والحاكم بأمره ؛ لترقص على أشلء أهل السنة في غيبة فوارسهم ‪.‬‬
‫ما نصيب هذه المور من الهتمام والدراسة العلمية الرصينة والنقاش‬
‫والثارة ‪ ،‬ل أبالغ إذا قلت إن بعض الخيار يجهل أصول بعض هذه المسائل‬
‫فضل ً عن تفاصيلها ‪ .‬فضل ً عن الهتمام بها ‪ .‬ول يعني هذا إهمال المور‬
‫الفرعية ‪ -‬كما سبق ‪ -‬إنما يجب أن ُتعطى قدرها من الهتمام وتوضع المور‬
‫في نصابها ‪.‬‬
‫مة موقف آخر يحتاج إلى وقفة ‪ ،‬ذلكم أن‬ ‫‪ -4‬الكثار من طرحها واثارتها ‪ :‬وث ّ‬
‫البعض كثيرا ً ما يردد هذه المسائل في المجالس وكثيرا ما يقرأ فيها وينقب‬
‫ً‬
‫من لقيه ‪ ،‬وهذا كله على حساب ما هو أهم وأْولى كما‬ ‫ويسأل عنها كل َ‬
‫سبق ‪ ،‬أليس من وضع المور في نصابها أن نبحثها مرة أو مرتين بقدر ما‬
‫نصل في ذلك إلى قناعة عملية ثم نشتغل بغيرها ؟ ‪ ،‬فهل هي كل ما نحتاجه‬
‫لنقرأ فيه ونسأل عنه ونطرحه للنقاش ؟ ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -5‬التكلف والتشدد في تطبيقها ‪ :‬ما أحوجنا إلى أن نلزم أنفسنا بما فرض‬
‫فعله أو تركه ‪ ،‬ونتفقد أنفسنا على ذلك ثم نسعى جاهدين لتطبيق ما‬
‫نستطيعه من سنن بيسر ودون تشدد أو مبالغة ‪ .‬لقد رأيت أكثر من شخص‬
‫في موسم الحج والعمرة وقد أطلق شعر رأسه إلى منكبيه اتباعا ً للسنة‬
‫ن []الفتح ‪:‬‬ ‫ري َ‬
‫ص ِ‬
‫ق ّ‬
‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫مو ُ‬ ‫ن ُرُءو َ‬ ‫حل ّ ِ‬
‫قي َ‬ ‫م َ‬
‫بزعمه وأين هو من قوله ‪ -‬تعالى ‪ُ ] : -‬‬
‫‪ ، [27‬وقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ « : -‬اللهم اغفر للمحلقين ‪ ، » ...‬ومثله‬
‫أن يجئ شخص متأخرا ً إلى المسجد بعد إقامة الصلة ويدفع الناس ليصل‬
‫من يسلك هذا المسلك‬ ‫وي الصف ! وإن َ‬ ‫إلى الصف الول ‪ ،‬أو يضايقهم ليس ّ‬
‫لبد له من أن يكون ذلك على حساب الفرائض ‪ ،‬أو على حساب سنة أولى‬
‫منها ‪ ،‬أو إلى الغلو والتشدد الذي قد ُنهي عنه ‪ ،‬أو أن يطبق السنة تطبيقا ً‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خاطئا ً ‪ .‬سنن مهجورة أْولى بالحياء ‪ :‬ثمة فرق واضح بين السنن المهجورة‬
‫والسنن المجهولة ؛ فالولى أعم ‪ ،‬فكل سنة ل يعمل بها الناس فهي مهجورة‬
‫ثم قد تكون مجهولة لدى الناس وقد تكون غير ذلك ‪.‬‬
‫ولقد كان السلف ل يدعون ختم القرآن وتحزيبه ‪ ،‬فقلما تقرأ في ترجمة‬
‫ديهم التسبيع ‪ .‬فأين‬‫أحدهم إل وتجد أنه كان يختم في كذا وكذا ومعظم ه ْ‬
‫من يختم منهم مرتين في الشهر ‪،‬‬ ‫شبابنا عن التعشير بله التسبيع ‪ ،‬بل أين َ‬
‫وثالثة الثافي أن الكثير منا ل يأتي إلى المسجد إلى عند القامة وتراه ل‬
‫يساوم على الصف الول ‪ ،‬فأين انتظار الصلة ‪ ،‬والرجال الذين ل تلهيهم‬
‫تجارة ول بيع عن ذكر الله وإقام الصلة ‪ ،‬وقل مثل ذلك في قيام الليل‬
‫وصيام النفل والجلوس في المسجد للذكر بعد الصبح ؟ ! ‪.‬‬
‫أين الحريصون على السنة والمتشددون في تطبيقها من هذه السنن ‪،‬‬
‫أليست هذه السنن أولى بالحياء وفيها ما يدعو إلى حياة القلب وصلحه‬
‫وإزالة القسوة التي نشكو منها جميعا ‪ .‬وثانيا ً أليس هذا يعطي دليل ً صادقا ً‬
‫للناس على صدقنا ويجعلنا ‪ -‬معشر طلب العلم ‪ -‬قدوة للخرين ؟ ‪.‬‬
‫وأخيرا ً نستطيع أن نخلص إلى ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ضرورة العناية من الدعاة إلى الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بالسلم جملة وتفصيل ً‬
‫بالسنن والواجبات بالفروع والصول ‪ ،‬وأن يتميز الدعاة إلى الله عن غيرهم‬
‫بالعناية بهذا المر ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬ضرورة أن نحرص على نوع من السنن )المهجورة ل المجهولة(‬


‫كالتبكير للصلة والجمعة ‪ ،‬وقيام الليل والجلوس في المسجد للذكر بعد‬
‫الصبح ؛ لما لها من دور في إحياء القلوب وإزالة قسوتها ‪ ،‬ولنها تعطي‬
‫الناس الثقة بما نحن عليه ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ل بد في تطبيق السنة من الحكمة والتأني وعدم مفاجأة الناس بأمور‬
‫ل يعرفونها ‪ ،‬ومن التيسير وعدم التكلف فيها والتشدد ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬ل يسوغ أن نكثر من بحث هذه المسائل وإثارتها على حساب ما هو‬
‫أهم منها بل يكفي تأصيلها ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ي معاصر *‬‫ل سلف ّ‬‫ت نحوَ عم ٍ‬‫تطّلعا ٌ‬


‫محمد بن عبد الله الدويش ‪7/3/1427‬‬
‫‪05/04/2006‬‬
‫ي في هذا العصر منجزات ل تخفى على من يتأمل الواقع‬ ‫حقق التيار السلف ّ‬
‫ي فنحن نتحدث عن تيار في المة‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬وحين نتحدث عن العمل السلف ّ‬ ‫الدعو ّ‬
‫ي؛ فالكيانات العضوّية‪ ،‬سواء كانت جمعيات‬ ‫وهو أوسع من مجرد كيان عضو ّ‬
‫أو مؤسسات‪ ،‬ل تمثل إل جزًءا من هذا التيار‪.‬‬
‫ي حديث يطول‪ ،‬ول تتسع له سطور هذه‬ ‫والحديث عن منجزات العمل السلف ّ‬
‫المقالة‪ ،‬فتكتفي بالشارة لهمها‪ ،‬والتي تتمثل فيما يلي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬إيجاد تيار دعويّ يتبنى منهج الفرقة الناجية‪.‬‬
‫‪ -2‬العتناء بالعلم الشرعي وإحياؤه‪.‬‬
‫ي‪ ،‬على مستوى الفراد والمؤسسات‪.‬‬ ‫ي والنضباط السلوك ّ‬ ‫‪ -3‬اللتزام الشرع ّ‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4‬إحياء السنة وإماتة البدعة‪.‬‬


‫‪ -5‬تعظيم النصوص الشرعية والوقوف عند حدودها‪.‬‬
‫ومهما عظمت النجازات وعلت‪ ،‬فستبقى تطلعات المة نحو هذا العمل‬
‫ي ينبغي أل ّ تعوقنا عنه المبالغة في الدفاع‬ ‫ي وطبيع ّ‬‫عالية‪ ،‬وهو مطلب شرع ّ‬
‫عن المنهج والحرص عليه‪ ،‬بل الحرص ينبغي أن يقود للجرأة على المراجعة‬
‫والصراحة في تقويم الواقع‪.‬‬
‫وفيما يلي أهم التطّلعات المنتظرة من هذا التيار‪.‬‬
‫الول‪ :‬الجرأة على المراجعة والتقويم‪:‬‬
‫إن جهدنا ل يعدو أن يكون عمل ً بشرًيا ليس له عصمة؛ فالعصمة للمنهج؛ أما‬
‫البشر من غير النبياء فليس لهم عصمة‪ ،‬ومن هذا المنطلق فنحن بحاجة إل‬
‫ي مراجعة شاملة وكاملة‪ ،‬وبحاجة لتقييم‬ ‫مراجعة مسيرتنا في العمل السلف ّ‬
‫دقيق وصادق‪ ،‬يقوم على الجرأة في نقد الذات ومراجعة النفس من أجل‬
‫خر مسيرتنا في العمل‪.‬‬ ‫إصلح الخطاء التي تؤ ّ‬
‫وحتى تحقق هذه المراجعة ثمرتها فلبد أن تكون علمّية وجاّدة‪ ،‬دون أن تكون‬
‫ي؛ فهذه‬‫عفوّية‪ ،‬أو أن تقف عند مجرد محاسبة النفس على السلوك الشخص ّ‬
‫المحاسبة ‪-‬وإن كانت أمًرا مطلوًبا‪ -‬لكن المر الذي نريده ونطمح إليه أشمل‬
‫وأوسع من ذلك‪.‬‬
‫إننابحاجة لتقييم ومراجعة تتيح لنا أن نسأل أنفسنا بصدق‪:‬‬
‫‪ -‬ما أهدافنا التي نسعى إلى تحقيقها؟‬
‫‪ -‬ما برامجنا ورؤيتنا الواضحة لتحقيق هذه الهداف؟‬
‫ديات المنوطة بهذا العمل‬ ‫‪ -‬هل هذه الهداف والبرامج تتلءم مع التح ّ‬
‫ي؟‬
‫الدعو ّ‬
‫والجرأة على المراجعة والتقويم تدعونا إلى أن نفّتش عن أخطائنا من خلل‬
‫مل الذات‪ ،‬ومن خلل إتاحة المجال للنقد والتقويم داخل صفنا‪ ،‬وأن نستفيد‬ ‫تأ ّ‬
‫جه إلينا من خارج إطارنا‪ ،‬فإن من مصلحتنا أن نسمع كل‬ ‫من النقد الذي ُيو ّ‬
‫دا عن خلفية صدورنا‪ ،‬وعن قائلها وتصنيفنا له وموقفنا منه‪.‬‬ ‫كلمة ُتقال بعي ً‬
‫حين يتحدث عنا الخرون ‪-‬ولو كانوا أعداًء‪ -‬فسيحرصون على ما يقنع الناس‪،‬‬
‫ومن ثم فهم أقدر وقوًفا على الخطاء والعيوب‪ ،‬ول ننكر أنهم قد يبالغون‪،‬‬
‫ضا قد يصدقون‪ ،‬وهذا على فرض أن كل‬ ‫خمون‪ ،‬وقد يكذبون‪ ،‬لكنهم أي ً‬ ‫وقد يض ّ‬
‫منتقد لنا إنما هو عدو وخصم لدود؛ فكيف وفيهم من يتفق معنا في الصول‪،‬‬
‫ويختلف معنا في بعض المواقف والتطبيقات؟‬
‫الثاني‪ :‬الفصل بين المنهج وبين الكيانات العضوّية‪:‬‬
‫شهد النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالجنة لطائفة واحدة‪ ،‬ووصفها بوصف‬
‫قق فيه هذا‬ ‫ي‪ ،‬وهو التزام ما كان عليه هو وأصحابه؛ فمن تح ّ‬ ‫واضح وجل ّ‬
‫الوصف استحقّ أن يكون من هذه الطائفة‪.‬‬
‫ي ونموه نشأت مؤسسات وتيارات وتنظيمات‬ ‫ومع انتشار العمل السلم ّ‬
‫ي وتدعو له‪ ،‬وقد كتب الله على يديها الخير الكثير لهذا‬ ‫تتبنى المنهج السلف ّ‬
‫المنهج‪.‬‬
‫ومع تقديرنا لجهد هذه الكيانات والمؤسسات؛ فمن الخطأ أن نحصر القضية‬
‫ي الذي ننتمي إليه أّيا كان‬ ‫السلفّية في الكيان العضويّ أو الطار المؤسس ّ‬
‫ي أو القالب الذي تتخذه؛ فمنهج الفرقة الناجية أوسع من أن‬ ‫الشكل التنظيم ّ‬
‫ي؛ فضل عن أن تحتويه مدرسة محددة‬ ‫ً‬ ‫ي أو كيان عضو ّ‬ ‫يحتويه إطار تنظيم ّ‬
‫فكرًيا داخل هذا الطار؛ فالحق أوسع من أن يحتويه إطار ضّيق‪.‬‬
‫وفي المقابل قد توجد كيانات ينتشر في إطارها خلل في بعض الجوانب‪ ،‬لكن‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن يتسم بصفاء المعتقد وسلمته‪ ،‬وشدة الحرص على‬ ‫ربما نجد داخلها م ْ‬
‫التزام السنة بما يفوق حرص بعض المنتمين للكيانات السلفّية‪ ،‬ول شك أن‬
‫هذا الصنف أقرب إلى المنهج الذي نحمله من غيره ولو ممن ينتمون عضوًيا‬
‫للكيانات السلفّية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التفريق بين المنهج وبين من يحمله وطريقة حمله‪:‬‬
‫لقد بّين النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن منهج الطائفة الناجية منهج‬
‫معصوم‪ ،‬ل زْيغ فيه ول انحراف‪ ،‬لكن على الرغم من هذه الشهادة النبوية؛‬
‫فإننا يجب أن نعلم أن الله –جل وعل‪ -‬قد كفل العصمة للمنهج فحسب‪ ،‬ولم‬
‫يكفل العصمة لحملته من الشخاص –اللهم إل النبياء‪ -‬وهذا يعني أننا حينما‬
‫نحمل هذا المنهج فليس من المستبعد أن نقع في خطأ أو تقصير؛ لننا غير‬
‫ضا أل ّ نحكم على من ينتقدنا أو يخالفنا بأنه مخالف‬
‫معصومين‪ ،‬وهذا يعني أي ً‬
‫للمنهج ومنتقد له؛ فمن العدل أن نفرق بين العداء للسنة والعداء لشخاصنا؛‬
‫فهما قضيتان منفصلتان‪ ،‬ولكل قضية منهما أسبابها ومنطلقاتها الخاصة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وثمة فئة ليست بالقليلة ترفض الستجابة للدعوة السلفّية ل تأصل ً للبدعة‬
‫ها للسنة؛ لكن لنها حملتها بطريقة غير مقنعة‪ ،‬فمن يحمل الحق‬ ‫فيها‪ ،‬ول كر ً‬
‫وهه‪.‬‬‫ّ‬ ‫تش‬ ‫بصورة‬ ‫يؤديه‬ ‫قد‬ ‫بل‬ ‫صحيحة‪،‬‬ ‫بصورة‬ ‫فقد ل يؤّديه‬
‫إًذا فسلمة منهجنا ل تعني سلمة أشخاصنا‪ ،‬ول يعني سلمة ذواتنا‪ ،‬ول تعني‬
‫أننا حملنا المنهج بطريقة صحيحة وسليمة؛ وهذا يقودنا إلى النقطة التالية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ضرورة الخذ بأسباب النجاح‪:‬‬
‫حين نفصل بين المنهج وبين من يحمله وطريقة حمله؛ فإن هذا يقودنا إلى‬
‫النظر إلى جهدنا ومشروعاتنا في نشر المنهج على أنه جهد بشريّ ل يكتسب‬
‫العصمة بمجرد انتمائه للمنهج؛ فالعصمة في المنهج ل فيمن يحمله‪.‬‬
‫ي‪ ،‬في كافة‬ ‫مل مسؤوليتنا في الخذ بأسباب النجاح الدعو ّ‬ ‫وهذا يقودنا إلى تح ّ‬
‫ما‪ ،‬وتطويًرا‪ ،‬دون التكاء على عصمة‬ ‫ذا‪ ،‬وتقوي ً‬ ‫المراحل‪ :‬تخطي ً‬
‫طا‪ ،‬وتنفي ً‬
‫المنهج‪.‬‬
‫وقد ُيوفق في الخذ بأسباب النجاح من ل يحمل صفاء المنهج‪ ،‬بينما يخ ّ‬
‫ل‬
‫الخر بهذه السباب‪ ،‬فيخفق الثاني وينجح الول‪ ،‬وهذه سّنة الله في الحياة‪،‬‬
‫وحينها على من يخفق أن يتحمل مسؤولية إخفاقه وفشله‪ ،‬ل أن ينشغل عنه‬
‫وين‪.‬‬
‫تضخيم الذات واتهام المدع ّ‬
‫الخامس‪ :‬النفتاح على الخرين والستفادة من التجارب الناجحة‪:‬‬
‫تمتلئ الساحة بالدعاة والعاملين للسلم‪ ،‬وهم فئات وطوائف شتى ومدارس‬
‫متنوعة‪ ،‬ولدى الكثير من هؤلء صور متميزة من النجاح‪ ،‬وبالخص في التأثير‬
‫على الخرين‪ ،‬والتواصل مع المجتمع‪.‬‬
‫وقد ل يخلو بعض هؤلء الناجحين من قصور أو خلل؛ فهل هذا الخلل يوجب‬
‫إهدار ما لديهم من تجارب ناجحة؟ بل هل سلمة المنهج تقتضي التخلي عن‬
‫الستفادة من هذه التجارب؟‬
‫لقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬لبي هريرة في شأن الشيطان‪:‬‬
‫"صدقك وهو كذوب" رواه البخاري )‪ ،(3275‬فإذا كان هذا في شأن الشيطان‬
‫المطرود من رحمة الله –تعالى‪ -‬فكيف بإخواننا الدعاة الذين يشاركوننا في‬
‫ي؟‬ ‫ساحات الصلح والعمل السلم ّ‬
‫وحين أحاطت قريش وأحلفها في غزوة الخندق ما كان من رسول الله –‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬إل ّ أن أخذ برأي سلمان الفارسي‪ ،‬وقد أشار عليه‬
‫بحفر خندق‪ ,‬فجاء بمكيدة لم تصنعها العرب –كما قالت قريش‪.-‬‬
‫ي بحاجة إلى النفتاح على الخرين والسماع منهم والستفادة‬ ‫إن التيار السلف ّ‬
‫وقة في العمل والداء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫متف‬ ‫ونماذج‬ ‫ناجحين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫دعا‬ ‫سيجد‬ ‫وحينها‬ ‫من تجاربهم؛‬
‫وحين يفوقنا الخرون في استقطاب الناس أو التأثير على العصاة والفساق‬
‫دا بالضرورة إلى‬ ‫أو في إيقاظ الوعي في المة فليس مرد ّ ذلك التفوق عائ ً‬
‫تساهلهم‪ ،‬وليس مرد تخلفنا هو بالضرورة غربة الحق وأهله‪ ،‬وليس تقصير‬
‫وغا ً للتخلي عن الفادة من تجاربهم‪.‬‬ ‫الخرين مس ّ‬
‫السادس‪ :‬إعادة النظر في أساليب التعامل مع المخالفين‪:‬‬
‫كان لئمة السلف جهد في محاربة البدع والوقوف في وجه دعاتها‪ ،‬بل‬
‫جرهم‪ .‬هذا وجه‪.‬‬ ‫اقتضى المقام في أحوال عدة الغلظ عليهم وه ْ‬
‫والوجه الخر‪ :‬أنهم أرحم الخلق بالخلق‪ ،‬وهو ما ورثوه عن رسول الله –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬في تعامله مع الناس بّرهم وفاجرهم‪ ،‬وهما وجهان ل‬
‫يتعارضان ول يتناقضان؛ فالرحمة والرفق هي الصل؛ إذ الرفق ما كان في‬
‫شيء إل زانه‪ .‬والغلظ والهجر –عقوبة‪ -‬مناط استخدامهما إفضاؤهما‬
‫ول إلى خلق أو شعار ُيوصم به أتباع‬ ‫للمصلحة الشرعية‪ ،‬ول يسوغ أن يتح ّ‬
‫ي‪.‬‬‫المنهج السلف ّ‬
‫ي‬
‫كما يجب إعادة النظر في افتراض التلزم بين الغيرة على المنهج السلف ّ‬
‫وبين الحرص على توسيع دائرة إخراج الناس من هذا المنهج‪ ،‬والسعي للحكم‬
‫وغ الحكم بإخراجهم‬ ‫على الناس والتنقيب وتحليل أقوالهم لكتشاف ما يس ّ‬
‫من دائرة المنهج‪.‬‬
‫ي للناس‪:‬‬‫السابع‪ :‬توسيع دائرة تقديم العلم الشرع ّ‬
‫ي إحياء العلم الشرعي في المة بعد‬ ‫لقد كان من أهم منجزات التيار السلف ّ‬
‫أن كادت سوقه أن تكسد‪ ،‬وعلى الرغم مما ُقدم من جهد في نشر العلم‬
‫ي وإحيائه فل تزال هناك تطّلعات عدة‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫الشرع ّ‬
‫ي؛ إذ ل يليق أن تبقى الهتمامات بهذا العلم‬ ‫‪-‬توسيع دائرة نشر العلم الشرع ّ‬
‫ي حاجة عامة‬ ‫ي؛ فالحاجة للعلم الشرع ّ‬ ‫محصورة في إطار طلبة العلم الشرع ّ‬
‫وإن تفاوتت درجة هذه الحاجة‪.‬‬
‫ي‪ ،‬بل هو‬ ‫‪ -‬ومطلب توسيع دائرة نشر العلم ل ينتهي بمجرد القتناع النظر ّ‬
‫يتطلب مراجعة أدوات نشر العلم وتقديمه لتحقق النتشار الملئم‪ ،‬ل أن‬
‫تجمد وفق أطر محددة ُيطلب من الخرين أن يتكّيفوا معها‪.‬‬
‫ي وتقريبه لغير المختصين؛ سواء ما يّتصل‬ ‫العتناء بتبسيط العلم الشرع ّ‬
‫بالتدريس والتعليم‪ ،‬أو ما يّتصل بالتأليف‪ ،‬أو ما يّتصل بالبرامج العلمّية؛ إذ‬
‫النمط السائد قد ل يلئم إل طلبة العلم المدركين للغة العلمّية الشرعّية‬
‫المتخصصة‪.‬‬
‫‪ -‬توسيع نشر العلم الشرعي داخل التيارات السلمّية الخرى؛ فل يليق أن‬
‫ي‪،‬‬
‫ي يرفع وتيرة نقد الخرين بعدم اهتمامهم بالعلم الشرع ّ‬ ‫يبقى التيار السلف ّ‬
‫بل ل بد أن يأخذ بمسؤوليته في تقديم هذا العلم للخرين مراعًيا ملءمته لهم‬
‫أسلوًبا ومضموًنا‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬الرتقاء بالوعي‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت من الصالحين الورعين الخيرين ممن‬ ‫ي فئا ٍ‬


‫تضم ساحات العمل السلف ّ‬
‫ي‪ ،‬لكن‬ ‫سمت والنضباط المنهج ّ‬ ‫ي‪ ،‬وممن يّتسمون بحسن ال ّ‬ ‫لديهم علم شرع ّ‬
‫قد نرى بعض هؤلء يعيش خارج عصره؛ فهو ل يدرك متغيرات الواقع ول‬
‫دياته‪ ،‬ول يملك الوعي الذي يؤهله للنجاح المرجوّ في التغيير‬ ‫حجم تح ّ‬
‫والصلح‪.‬‬
‫ي أنهم أمام مشروع ضخم يستهدف‬ ‫وما لم ي ٍَع القائمون على المنهج السلف ّ‬
‫تغيير واقع المة وإصلح واقعها‪ ،‬وما لم يدركوا تقصيرهم في تحصيل الوعي‬
‫ي‪.‬‬
‫اللزم لنجاح هذا المشروع‪ ،‬فسوف يتعثر مشروعهم الصلح ّ‬
‫لقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬مثال ً حًيا للداعية الواعي بما في‬
‫ديات؛ فقد قال لصحابه حين أرادوا الهجرة للحبشة‪:‬‬ ‫عصره من أحداث وتح ّ‬
‫كا ل ُيظلم عنده أحد" واعتنى بمتابعة الصراع الدائر بين‬ ‫"إن بأرضها مل ً‬
‫الفرس والروم‪ ،‬وتمّنى المسلمون آنذاك أن ينتصر الروم؛ لنهم أقرب‬
‫للمسلمين من الفرس‪.‬‬
‫والوعي المنتظر من الدعاة إلى الله يتجاوز الغراق في تصور المؤامرات‬
‫ي‬
‫ي والموقف الجتماع ّ‬ ‫والكيد من العداء إلى إدراك الموقف السياس ّ‬
‫والقتصاديّ والفكريّ بعناصره‪ ،‬ومواقف كل عنصره‪ ،‬ونقاط الضعف والقوة‪،‬‬
‫ديات والعقبات‪ ،‬وإلى امتلك طاقات فردّية‬ ‫وإلى إدراك الفرص والتح ّ‬
‫دم الحلول والراء‪.‬‬ ‫ومؤسسّية تعي الواقع وتق ّ‬
‫سساته‪:‬‬‫التاسع‪ :‬الحضور في المجتمع ومؤ ّ‬
‫ي أن يتساءل‪ :‬أين موقعنا في المجتمع؟ وأين موقعنا‬ ‫من واجب التيار السلف ّ‬
‫في المؤسسات التي تمارس مهمة التوجيه‪ ،‬فيسمع لها الناس وينصت لها‬
‫المجتمع؟‬
‫وحين نقول للخرين‪ :‬إن السلم هو المخرج من أزمات الحياة المعاصرة؛ فل‬
‫بد أن يَرْوا منا الهتمام والقدرة على العتناء بمشكلتهم وتقديم الحلول لها‪.‬‬
‫لقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يعيش مع المجتمع في السّراء‬
‫ل‪ ،‬ويقري الضيف‪ ،‬ويعين على نوائب الحق‪ ،‬وينتصر‬ ‫والضّراء‪ ،‬فيحمل الك ّ‬
‫فا في الجاهلية من أجل نصرة المظلوم؛ فعن عبد‬ ‫للمظلوم‪ ،‬وها هو يشهد حل ً‬
‫الرحمن بن عوف عن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬شهدت حلف‬
‫المطيبين مع عمومتي وأنا غلم؛ فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه"‬
‫رواه أحمد )‪.(1658‬‬
‫كان النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يتفاعل مع قضايا المجتمع ويتصدى لعلج‬
‫مشاكله الجتماعية‪ ،‬للصلح بين امرأة وزوجها كما في قصة بريرة ومغيث‪،‬‬
‫ويعالج مشكلة اقتصادّية كما في قصة من اجتووا المدينة‪ ،‬والدافة التي دفت‬
‫المدينة‪.‬‬
‫ي والعتناء بمشكلت الناس الذي نتطلع إليه ل بد أن‬ ‫والحضور الجتماع ّ‬
‫يتلءم مع الواقع ومتغيراته؛ فالعتناء بمشكلت الناس القتصادّية على سبيل‬
‫المثال ينبغي أل ّ يكون محصوًرا في تقديم الزكاة والصدقة لمجموعات‬
‫الفقراء والمساكين حينما يأتون بحًثا عنها‪ ،‬بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى تقديم‬
‫دراسات اقتصادّية‪ ،‬ومشروعات تساهم في حل مشكلت البطالة والكساد‪،‬‬
‫وحلول إسلمّية للتنمية والتمويل ومعالجة الفقر‪ ،‬وإنشاء مؤسسات اقتصادّية‬
‫واستثمارّية تساهم في النهوض بمجتمعات المسلمين‪ ،‬وهكذا في الميدان‬
‫ي‪.‬‬
‫ي والتربويّ والسياس ّ‬ ‫ي والصح ّ‬ ‫الجتماع ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫س والذوق الحضار ّ‬ ‫العاشر‪ :‬الرتقاء بالح ّ‬
‫من خلق الصالحين التواضع والتبسط؛ لكن ممارسة طائفة من المنتسبين‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س‬
‫إلى التيار السلفي أّدت إلى الظهور بمظهر ل يراعي الذوق والح ّ‬
‫ي؛ وقد يعطي ذلك رسالة للخرين أن من مقتضيات التدين واللتزام‬ ‫الحضار ّ‬
‫س اللئق بمن يعيش في هذا العصر‪.‬‬ ‫بالمنهج التخلي عن الذوق والح ّ‬
‫صا على‬ ‫ً‬ ‫حري‬ ‫وسلم‪-‬‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫–صلى‬ ‫النبي‬ ‫ب الجمال‪ ،‬وكان‬‫إن الله جميل يح ّ‬
‫أن يعطي الناس صورة إيجابّية عنه وعن أتباعه‪ ،‬حين ترك قتل المنافقين لئل‬
‫دث الناس أنه يقتل أصحابه‪ .‬رواه البخاري )‪ ،(3518‬وحين ترك الحبشة‬ ‫يتح ّ‬
‫ّ‬
‫يلعبون في المسجد معلل ً ذلك بقوله‪" :‬لتعلم يهود أن في ديننا فسحة؛ إني‬
‫ُأرسلت بحنيفية سمحة" رواه أحمد )‪.(24334‬‬
‫وهذا يتطلب منا أن نعطي الناس صورة إيجابّية عن أشخاصنا ومؤسساتنا؛ ل‬
‫ضا‪.‬‬
‫رغبة في الستعلء والتميز‪ ،‬فالتميز السلبي هو مذموم أي ً‬
‫الحادي عشر‪ :‬التلؤم مع المرحلة الجديدة وتغيرات العولمة‪:‬‬
‫مع عصر العولمة والتغّيرات الهائلة في العالم بأسره –ونحن جزء منه نتأثر‬
‫ي كغيره من قوى الساحة‬ ‫ونؤثر فيه‪ -‬يبدو سؤال مهم يحتاجه التيار السلف ّ‬
‫ورنا للتعامل مع هذا التحدي؟ وهل هيأنا أنفسنا‬ ‫الدعوّية والفكرّية‪ :‬ما تص ّ‬
‫للرتقاء بعملنا ورؤيتنا لمواجهة متغّيرات عصر العولمة‪ :‬في تربيتنا لولدنا‪،‬‬
‫ورنا للمشكلت التي ستواجه الناس‪ ،‬في‬ ‫في تقديمنا الحق للناس‪ ،‬في تص ّ‬
‫تقديمنا للحلول والعلج؟ هل نملك وعًيا بواقع المجتمع بدرجة جيدة؟ هل‬
‫حاولنا أن نستنتج إلى أين سيتجه مجتمعنا بعد عشر سنوات أو بعد عشرين‬
‫سنة؟ هل نعرف ما هي قوى التغير المؤثرة في المجتمع؟ وإلى أين تسير‬
‫اتجاهات القوى هذه؟ وما حجم كل اتجاه؟ ما هي رؤيتنا المستقبلّية لواقع‬
‫مجتمعاتنا في ظل هذه المتغّيرات؟ وما مدى رؤيتنا لما ينبغي أن نكون عليه؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هل لدينا رؤية واضحة لمستقبل تياراتنا الدعوّية؟ وهل حاولنا أن نقرأ‬
‫ن مهمتنا قد كبرت‬ ‫المستقبل بناًء على معطيات الحاضر حتى نعد ّ العدة؟ إ ّ‬
‫قدت؛ فهل يليق بنا أن نتعامل مع عصر‬ ‫خمت‪ ،‬ومجريات الحياة قد تع ّ‬
‫وتض ّ‬
‫النترنت وثورة التصالت بالعقلّية نفسها التي تعاملنا بها فيما مضى؟‬
‫إن هذه التساؤلت تفرض علينا المراجعة لهدافنا وبرامجنا وأدواتنا؛ لنتأقلم‬
‫مع متغيرات العصر‪ ،‬وإل فسيتجاوزنا القطار‪ ،‬ونفقد مواقعنا في التأثير‪.‬‬
‫إنها طموحات وتطلعات ل تعدو أن تكون رؤى شخصّية يأمل صاحبها أن تكون‬
‫مثار بحث ونقاش وتقويم ومراجعة‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫* نقل ً عن مجلة البيان – العدد )‪ – (223‬ربيع الول ‪1427‬هـ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تطهير العتقاد من أدران اللحاد‬


‫محمد بن المير الصنعاني‬
‫الصل الول‪...‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله الذي ل يقبل توحيد ربوبيته من العباد حتى يفردوه بتوحيد العبادة‬
‫كل الفراد من اتخاذ النداد فل يتخذون له ندا ول يدعون معه أحدا ول يتكلون‬
‫إل عليه ول يفزعون في كل حال إل إليه ول يدعونه بغير أسمائه الحسنى ول‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتوصلون إليه بالشفعاء‪) :‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه(‪.‬‬


‫وأشهد أن ل إله إل الله ربا ومعبودا وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬الذي أمره أن‬
‫يقول‪) :‬قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء الله(‪ ،‬وكفى بالله شهيدا‪.‬‬
‫صلى الله عليه وعلى آله والتابعين له في السلمة من العيوب وتطهير‬
‫القلوب من اعتقاد كل شيء يشوب‪.‬‬
‫وبعد‪-:‬‬
‫فهذا )تطهير العتقاد من أدران اللحاد( وجب علي تأليفه وتعين علي ترصيفه‬
‫لما رأيته معلمته من اتخاذ العباد النداد في المصار والقرى وجميع البلد من‬
‫اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة وجميع ديار السلم‪.‬‬
‫وهو العتقاد في القبور وفي الحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات وهو من أهل‬
‫الفجور‪ ،‬ل يحضر للمسلمين مسجدا ول يرى لله راكعا أو ساجدا‪ ،‬ول يعرف‬
‫السنة ول الكتاب ول يهاب البعث ول الحساب‪.‬‬
‫فوجب علي أن أنكر ما أوجب الله إنكاره‪ ،‬ول أكون من الذين يكتمون ما‬
‫أوجب الله إظهاره‪ .‬فاعلم أن ههنا أصول هي قواعد للدين‪ ،‬ومن أهم ما تجب‬
‫معرفته على الموحدين‪:‬‬
‫الصل الول‬
‫أنه قد علم من ضرورة الدين أن كل ما في القران فهو حق ل باطل وصدق‬
‫ل كذب وهدى ل ضللة وعلم ل جهالة ويقين ل شك فيه‪ .‬فهذا الصل أصل ل‬
‫يتم إسلم أحد ول إيمانه إل بالقرار به‪ .‬وهذا مجمع عليه ل خلف فيه‪.‬‬
‫الصل الثاني‪...‬‬
‫أن رسل الله وأنبياءه ـ من أولهم إلى آخرهم ـ بعثوا لدعاء العباد إلى توحيد‬
‫الله بتوحيد العبادة‪ .‬وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه قوله )يا قوم‬
‫اعبدوا الله ما لكم من إله غيره( )أن ل تعبدوا إل الله( ) أن اعبدوا الله‬
‫واتقوه وأطيعون(‪ ،‬وهذه الذي تضمنه قول "ل إله إل الله"‪.‬‬
‫فإنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها‪ ،‬ل مجرد قولها‬
‫باللسان‪ .‬ومعناها‪ :‬هو إفراد الله باللهية والعبادة‪ ،‬والنفي لما يعبد من دونه‬
‫والبراءة منه‪ .‬وهذا الصل ل مرية فيما تضمنه‪ ،‬ول شك فيه وفي أنه ل يتم‬
‫إيمان أحد حتى يعلمه ويحققه‪.‬‬
‫الصل الثالث‪...‬‬
‫أن التوحيد قسمان‪:‬‬
‫القسم الول‪:‬‬
‫توحيد الربوبية والخالقية والرازقية ونحوها‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن الله وحده هو الخالق‬
‫للعالم وهو الرب لهم والرازق لهم‪ .‬وهذا ل ينكره المشركون ول يجعلون لله‬
‫فيه شريكا‪ ،‬بل هم مقرون به‪ ،‬كما سيأتي في الصل الرابع‪.‬‬
‫القسم الثاني‪:‬‬
‫توحيد العبادة ومعناه‪ :‬إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادات التي بيانها‪ .‬فهذا‬
‫هو الذي جعلوا لله فيه شركاء‪ .‬ولفظ الشريك يشعر بالقرار بالله تعالى‪.‬‬
‫فالرسل عليهم السلم بعثوا لتقرير الول ودعاء المشركين إلى الثاني‪ ،‬مثل‬
‫قولهم في خطاب المشركين‪) :‬أفي الله شك فاطر السموات والرض‬
‫يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم( ‪) ،14:10‬هل من خالق غير الله يرزقكم من‬
‫السماء والرض ل إله إل هو( ‪ ،35:3‬ونهيهم عن شرك العبادة‪ ،‬ولذا قال الله‬
‫تعالى‪) :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت(‬
‫‪ ،16:36‬أي قائلين لممهم أن اعبدوا الله‪ .‬فأفاد بقوله‪) :‬في كل أمة( أن‬
‫جميع المم لم ترسل إليهم الرسل إلى لطلب توحيد العبادة‪ ،‬ل للتعريف بأن‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله هو الخالق للعالم وأنه رب السموات والرض‪ ،‬فإنهم مقرون بهذا‪.‬‬


‫ولهذا لم ترد اليات فيه ـ في الغالب ـ إل بصيغة استفهام التقرير‪ ،‬نحو‪) :‬هل‬
‫من خالق غير الله( ‪) 35:3‬أفمن يخلق كمن ل يخلق( ‪) 16:17‬أفي الله شك‬
‫فاطر السموات والرض( ‪) 6:14‬أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والرض(‬
‫‪) 6:14‬هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه( ‪) 31:11‬أروني ماذا‬
‫خلقوا من الرض أم لهم شرك في السموات( ‪ 46:4‬استفهام تقرير لهم‬
‫لنهم به مقرون‪.‬‬
‫وبهذا تعرف أن المشركين لم يتخذوا الصنام والوثان ولم يعبدوها ولم‬
‫يتخذوا المسيح وأمة ولم يتخذوا الملئكة شركاء لله تعالى‪ :‬لنهم أشركوهم‬
‫في خلق السموات والرض‪ ،‬بل اتخذوهم لنهم يقربونهم إلى الله زلفى‪ ،‬كما‬
‫قالوه‪ .‬فهم مقرون بالله في نفس كلمات كفرهم وأنهم شفعاء عند الله‪ .‬قال‬
‫الله تعالى‪) :‬ويعبدون من دون الله ما ل يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء‬
‫شفعاؤنا عند الله‪ .‬قل أتنبئون الله بما ل يعلم في السموات ول في الرض‬
‫سبحانه وتعالى‪ :‬عما يشركون( ‪ 10:18‬فجعل الله تعالى‪ :‬اتخاذهم للشفعاء‬
‫شركا ونزه نفسه عنه لنه ل يشفع عنده أحد إل بإذنه‪ ،‬فكيف يثبتون شفعاء‬
‫لهم لم يأذن الله لهم في شفاعة ول هم أهل لها ول يغنون عنهم من الله‬
‫شيئا؟‬
‫الصل الرابع‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أن المشركين الذين بعث الله الرسل إليهم مقرون أن الله خالقهم )ولئن‬
‫سألتهم‪ :‬من خلقهم ليقولن الله( ‪) ،43:87‬ولئن سألتهم‪ :‬من خلق السموات‬
‫والرض؟ ليقولن‪ :‬خلقهن العزيز العليم( ‪ 43:9‬وأنه الرازق الذي يخرج الحي‬
‫من الميت ويخرج الميت من الحي وأنه الذي يدبر المر من السماء إلى‬
‫الرض وأنه الذي يملك السمع والبصار والفئدة‪) ،‬قل من يرزقكم من‬
‫السماء والرض أم من يملك السمع والبصار والفئدة ومن يخرج الحي من‬
‫الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر المر؟ فسيقولون‪ :‬الله فقل أفل‬
‫تتقون( )قل لمن الرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله‪ .‬قل أفل‬
‫تذكرون؟ قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم؟ سيقولون لله‪،‬‬
‫قل أفل تتقون؟ قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول يجار عليه إن‬
‫كنتم تعلمون؟ سيقولون لله‪ ،‬قل فأنى تسحرون( ‪.98-23:84‬‬
‫وهذا فرعون مع غلوه في كفره ودعواه أقبح دعوى ونطقه بالكلمة الشنعاء‪،‬‬
‫يقول الله في حقه حاكيا عن موسى عليه السلم‪) :‬لقد علمت ما أنزل هؤلء‬
‫إل رب السموات والرض بصائر( ‪ 17:102‬وقال إبليس‪) :‬إني أخاف الله رب‬
‫العالمين( ‪ 59:16‬وقال‪) :‬رب بما أغويتني( ‪ 17:39‬وقال‪) :‬رب فأنظرني(‬
‫‪ 15:36‬وكل مشرك مقر بأن الله خالقه وخالق السموات والرض وربهن‬
‫ورب ما فيهما ورازقهم‪ ،‬ولهذا احتج عليهم الرسل بقولهم‪) :‬أفمن يخلق كمن‬
‫ل يخلق( ‪ 16:17‬وبقولهم‪ ) :‬إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا‬
‫ولو اجتمعوا له( ‪ 22:73‬والمشركون مقرون بذلك ل ينكرونه‪.‬‬
‫الصل الخامس‪...‬‬
‫أن العبادة أقصى باب الخضوع والتذلل‪ ،‬ولم تستعمل إل في الخضوع لله‪،‬‬
‫لنه مولى أعظم النعم‪ ،‬وكان لذلك حقيقا بأقصى غاية الخضوع‪ ،‬كما في‬
‫)الكشاف(‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم إن رأس العبادة وأساسها التوحيد لله التوحيد الذي تفيده كلمته التي إليها‬
‫دعت جميع الرسل‪ ،‬وهي قول )ل إله إل الله( والمراد اعتقاد معناها والعمل‬
‫بمقتضاها ل مجرد قولها باللسان‪.‬‬
‫ومعناها‪:‬‬
‫إفراد الله بالعبادة واللهية والنفي والبراءة من كل معبود دونه‪ .‬وقد علم‬
‫الكفار هذا المعنى لنهم أهل اللسان العربي‪ ،‬فقالوا‪) :‬أجعل اللهة إله واحدا‬
‫إن هذا لشيء عجاب( ‪.38:5‬‬
‫إذا عرفت هذه الصول فاعلم أن الله تعالى‪ :‬جعل العبادة له أنواعا‪...:‬‬
‫فصل‬
‫إذا عرفت هذه الصول فاعلم أن الله تعالى‪ :‬جعل العبادة له أنواعا‪:‬‬
‫اعتقادية‪:‬‬
‫وهي أساسها‪ ،‬وذلك أن يعتقد أنه الرب الواحد الحد الذي له الخلق والمر‬
‫وبيده النفع والضر وأنه الذي ل شريك له ول يشفع عنده أحد إل بإذنه‪ ،‬وأنه ل‬
‫معبود بحق غيره‪ ،‬وغير ذلك من لوازم اللوهية‪.‬‬
‫ومنها اللفظية‪:‬‬
‫وهي النطق بكلمة التوحيد‪ ،‬فمن اعتقد ما ذكر ولم ينطق بها لم يحقن دمه‬
‫ول ماله‪ ،‬وكان كإبليس‪ ،‬فإنه يعتقد التوحيد بل ويقر به كما أسلفنا عنه‪ ،‬إل أنه‬
‫لم يمتثل أمر الله فكفر‪ .‬ومن نطق ولم يعتقد حقن ماله ودمه وحسابه على‬
‫الله‪ ،‬وحكمه حكم المنافقين‪.‬‬
‫وبدنية‪:‬‬
‫كالقيام والركوع والسجود في الصلة‪ .‬ومنها الصوم وأفعال الحج والطواف‪.‬‬
‫ومالية‪:‬‬
‫كإخراج جزء من المال امتثال لما أمر الله تعالى به‪ .‬وأنواع الواجبات‬
‫والمندوبات في الموال والبدان والفعال والقوال كثيرة‪ ،‬لكن هذه أمهاتها‪.‬‬
‫وإذا تقررت هذه المور‪ ،‬فاعلم أن الله تعالى بعث النبياء عليهم الصلة‬
‫والسلم من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله تعالى بالعبادة‪ ،‬ل‬
‫إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه‪ ،‬إذ هم مقرون بذلك‪ ،‬كما قررناه وكررناه‪ ،‬ولذا‬
‫قالوا )أجئتنا لنبد الله وحده ( ‪ 7:69‬أي لنفرده بالعبادة ونخصه بها من دون‬
‫آلهتنا‪ ،‬فلم ينكروا إل طلب الرسل منهم إفراد العبادة لله‪.‬‬
‫فلم ينكروا الله تعالى ول قالوا إنه ل يعبد‪ ،‬بل أقروا بأنه يعبد وأنكروا كونه‬
‫يفرد بالعبادة‪ ،‬فعبدوا مع الله غيره وأشركوا معه سواه واتخذوا له أندادا‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪) :‬فل تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون( ‪ 2:22‬أي وأنتم تعلمون أنه ل‬
‫ند له‪ .‬وكانوا يقولون في تلبيتهم للحج‪ " :‬لبيك ل شريك لك إل شريكا هو لك‬
‫تملكه وما ملك"‪ .‬وكان يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم عند قولهم "ل‬
‫شريك لك" ويقول‪ :‬قد افردوه جل جلله لو تركوا قولهم "إل شريكا هو لك"‪.‬‬
‫فنفس شركهم بالله تعالى‪ :‬إقرار به‪.‬‬
‫قال تعالى‪) :‬أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون( ‪) 6:22‬وقيل ادعوا‬
‫شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم( ‪) 28:4‬قل ادعوا شركاؤكم ثم كيدون‬
‫فل تنظرون( ‪ 7:194‬فنفس اتخاذ النداد إقرار بالله تعالى‪ ،‬ولم يعبدوا النداد‬
‫بالخضوع لهم والتقرب بالنذور والنحر لهم إل لعتقادهم أنها تقربهم إلى الله‬
‫زلفى وتشفع لهم لديه‪.‬‬
‫فأرسل الله الرسل تأمر بترك عبادة كل ما سواه وتبين أن هذا العتقاد الذي‬
‫يعتقدونه في النداد باطل وأن التقرب إليهم باطل‪ ،‬وأن ذلك ل يكون إل لله‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحده‪ .‬وهذا هو توحيد العبادة‪ .‬وقد كانوا مقرين ـ كما عرفت في الصل‬
‫الرابع ـ بتوحيد الربوبية‪ ،‬وهو أن الله هو الخالق وحده والرازق وحده‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن هذا تعرف أن التوحيد الذي دعتهم إليه الرسل من أولهم وهو نوح عليه‬
‫السلم إلى آخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم هو توحيد العبادة‪ ،‬ولذا‬
‫تقول لهم الرسل‪) :‬أل ل تعبدوا إل الله(‪) ،‬اعبدوا الله مالكم من إله غيره(‪.‬‬
‫وقد كان المشركون منهم من يعبد الملئكة ويناديهم عند الشدائد ومنهم من‬
‫يعبد أحجارا ويهتف بها عند الشدائد‪ ،‬فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم‬
‫يدعوهم إلى عبادة الله وحده وبأن يفردوه بالعبادة كما أفردوه بالربوبية‪ ،‬أي‬
‫بربوبيته للسموات والرض وان يفردوه بمعنى ومؤدى كلمة " ل إله إل الله"‬
‫معتقدين لمعناها عاملين بمقتضاها وأن ل يدعوا مع الله أحدا‪ .‬وقال تعالى‪:‬‬
‫)له دعوة الحق والذين يدعون من دونه ل يستجيبون لهم بشيء( ‪.13:14‬‬
‫وقال تعالى‪ ):‬وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين( ‪ ،5:22‬أي من شرط‬
‫الصدق في اليمان بالله أن ل يتوكلوا إل عليه وأن يفردوه بالتوكل كما يجب‬
‫أن يفردوه بالدعاء والستغفار‪ .‬وأمر الله عباده أن يقولوا )إياك نعبد( ول‬
‫يصدق قائل هذا إل إذا أفرد العبادة لله تعالى‪ ،‬وإل كان كاذبا منهيا عن أن‬
‫يقول هذه الكلمة‪ ،‬إذا معناها‪ :‬نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد‪ ،‬وهو‬
‫معنى قوله‪) :‬فإياي فاعبدون( ‪) 29:56‬وإياي فاتقون( ‪ 2:41‬كما عرف من‬
‫علم البيان أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر‪ ،‬أي ل تعبدوا إل الله ول‬
‫تعبدوا غيره ول تتقوا غيره كما في )الكشاف(‪.‬‬
‫فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة ل يتم إل يتم إل بأن يكون الدعاء كله له‬
‫والنداء في الشدائد والرخاء ل يكون إل لله وحده‪ ،‬والستعانة بالله وحده‬
‫واللجأ إلى الله والنذر والنحر له تعالى‪ ،:‬وجميع أنواع العبادات من الخضوع‬
‫والقيام تذلل لله تعالى والركوع والسجود والطواف والتجرد عن الثياب‬
‫والحلق والتقصير كله ل يكون إل لله عز وجل‪.‬‬
‫ومن فعل شيئا من ذلك لمخلوق حي أو ميت أو جماد أو غير ذلك فقد أشرك‬
‫في العبادة‪ .‬وصار من تفعل له هذه المور إله لعابديه‪ ،‬سواء كان ملكا أو نبيا‬
‫أو وليا أو شجرا أو قبرا أو جنيا أو حيا أو ميتا‪ .‬وصار العابد بهذه العبادة أو بأي‬
‫نوع منها عابدا لذلك المخلوق مشركا بالله‪ ،‬وإن أقر بالله وعبده‪ ،‬فإن إقرار‬
‫المشركين بالله وتقربهم إليه لم يخرجهم عن الشرك وعن وجوب سفك‬
‫دمائهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم غنيمة‪ .‬قال الله تعالى‪] :‬في الحديث‬
‫القدسي[ )أنا أغنى الشركاء عن الشرك( ل يقبل الله عمل شورك فيه غيره‪،‬‬
‫ول يؤمن به من عبد معه غيره‪.‬‬
‫فصل )‪...(2‬‬
‫فصل‬
‫إذا تقرر عندك أن المشركين لم ينفعهم القرار بالله مع إشراكهم النداد من‬
‫المخلوقين معه في العبادة ول أغنى عنهم من الله شيئا وأن عبادتهم هي‬
‫اعتقادهم فيهم أنهم يضرون وينفعون وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى وأنهم‬
‫يشفعون لهم عند الله تعالى‪ ،‬فنحروا لهم النحائر وطافوا بهم ونذروا النذور‬
‫عليهم‪ ،‬وقاموا متذللين متواضعين في خدمتهم وسجدوا لهم‪ ،‬ومع هذا كله‬
‫فهم مقرون لله بالربوبية وأنه الخالق ولكنهم أشركوا في عبادته‪ ،‬جعلهم‬
‫مشركين ولم يعتد بإقرارهم هذا‪ ،‬لنه نافاه فعلهم‪ ،‬فلم ينفعهم القرار بتوحيد‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الربوبية‪ .‬فمن شأن من أقر لله تعالى بتوحيد الربوبية أن يفرده بتوحيد‬
‫العبادة‪.‬‬
‫فإن لم يفعل ذلك فالقرار الول باطل‪ .‬وقد عرفوا ذلك وهم في طبقات‬
‫النار فقالوا‪) :‬تالله إن كنا لفي ضلل مبين إذ نسويكم برب العالمين( مع أنهم‬
‫لم يسووهم به من كل وجه ول جعلوهم خالقين ول رازقين‪ ،‬لكنهم علموا‬
‫وهم في قعر جهنم أن خلطهم القرار بذرة من ذرات الشراك في توحيد‬
‫العبادة صيرهم كمن سوى بين الصنام وبين رب النام‪ .‬قال الله تعالى‪) :‬وما‬
‫يؤمن أكثرهم بالله إل وهم مشركون( ‪ 12:106‬أي ما يقر أكثرهم في إقراره‬
‫بالله وبأنه خلقه وخلق السموات والرض إل وهو مشرك بعبادة الوثان‪.‬‬
‫بل سمى الله الرياء في الطاعات شركا‪ .‬مع أن فاعل الطاعة ما قصد بها إل‬
‫الله تعالى‪ ،:‬وإنما أراد طلب المنزلة بالطاعة في قلوب الناس‪ .‬فالمرائي عبد‬
‫الله ل غيره لكنه خلط عمله بطلب المنزلة في قلوب الناس‪ ،‬فلم يقبل له‬
‫عبادة وسماها شركا‪ ،‬كما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫قال‪) :‬يقول الله تعالى‪ :‬أنا أعنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عمل أشرك‬
‫فيه معي غيري تركته وشركه( بل سمى الله التسمية بعبد الحارث شركا‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪) :‬فلما آتاهما صالحا جعل له شركاء فيما آتاهما( ‪.7:159‬‬
‫فإنه أخرج المام أحمد والترمذي من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬لما حملت حواء ـ وكان ل يعيش لها ولد ـ طاف بها إبليس‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ل يعيش لك ولد حتى تسميه عبد الحرث‪ .‬فسمته فعاش‪ .‬وكان ذلك‬
‫من وحي الشيطان وأمره‪ .‬فأنزل الله اليات وسمى هذه التسمية شركا‪،‬‬
‫وكان إبليس تسمى بالحرث"‪ .‬والقصة في الدر المنثور وغيره‪.‬‬
‫فصل )‪...(3‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد عرفت من هذا كله أن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو‬
‫جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في‬
‫حاجة من حوائج الدنيا‪ ،‬بمجرد التشفع به والتوسل إلى الرب تعالى‪ ،:‬إل ما‬
‫ورد في حديث فيه مقال‪ ،‬في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه قد أشرك مع الله غيره‪.‬‬
‫واعتقد ما ل يحل اعتقاده‪ ،‬كما اعتقد المشركون في الوثان‪ ،‬فضل عمن ينذر‬
‫بماله وولده لميت أو حي أو يطلب من ذلك الميت ما ل يطلب إل من الله‬
‫تعالى من الحاجات‪ ،‬من عافية مريضه أو قدوم غائبه أو نيله لي مطلب من‬
‫المطالب‪ ،‬فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كان ويكون عليه عباد الصنام‪.‬‬
‫والنذر بالمال على الميت ونحوه والنحر على القبر والتوسل به وطلب‬
‫الحاجات منه هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية‪ .‬وإنما كانوا يفعلونه لما‬
‫يسمونه وثنا وصنما‪ ،‬وفعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا‪.‬‬
‫والسماء ل أثر لها ول تغير المعاني‪ ،‬ضرورة لغوية وعقلية وشرعية‪ .‬فإن من‬
‫شرب الخمر وسماها ماء‪ ،‬ما شرب إل خمرا وعقابه عقاب شارب الخمر‪،‬‬
‫ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحاديث أنه يأتي قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها‪،‬‬
‫وصدق صلى الله عليه وسلم فإنه قد أتى طوائف من الفسقة يشربون‬
‫الخمر ويسمونها نبيذا‪.‬‬
‫وأول من سمى ما فيه غضب الله وعصيانه بالسماء المحبوبة عند السامعين‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إبليس لعنه الله‪ ،‬فإنه قال لبي البشر‪) :‬يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد‬
‫وملك ل يبلى( ]‪ [20:120‬فسمى الشجرة التي نهى الله آدم عن قربانها‬
‫شجرة الخلد‪ ،‬جذبا لطبعه إليها وهزا لنشاطه لقربانها وتدليسا عليه بالسم‬
‫الذي اخترعه‪ .‬كما يسمي إخوانه المقلدون له الحشيشة بلقمة الراحة‪ .‬وكما‬
‫يسمي الظلمة ما يقبضونه من أموال عباد الله ظلما وعدوانا أدبا‪ ،‬فيقولون‬
‫أدب القتل وأدب السرقة وأدب التهمة‪ ،‬بتحريف اسم الظلم إلى اسم الدب‪.‬‬
‫كما يحرفونه في بعض المقبوضات إلى اسم "النفاعة" وفي بعضها إلى اسم‬
‫"السياقة" وفي بعضها أدب المكاييل والموازين‪.‬‬
‫وكل ذلك اسمه عند الله ظلم وعدوان‪ ،‬كما يعرفه من شم رائحة الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬وكل ذلك مأخوذ عن إبليس حيث سمى الشجرة المنهي عنها شجرة‬
‫الخلد‪.‬‬
‫وكذلك تسمية القبر مشهدا ومن يعتقدون فيه وليا ل تخرجه عن اسم الصنم‬
‫والوثن‪ ،‬إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للصنام ويطوفون بها طواف‬
‫الحجاج ببيت الله الحرام ويستلمونها استلمهم لركان البيت ويخاطبون‬
‫الميت بالكلمات الكفرية‪ ،‬من قولهم‪ :‬على الله وعليك‪ ،‬ويهتفون بأسمائهم‬
‫عند الشدائد ونحوها‪.‬‬
‫وكل قوم لهم رجل ينادونه‪ .‬فأهل العراق والهند يدعون عبد القادر الجيلني‪.‬‬
‫وأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه‪ ،‬يقولون‪" :‬يا زيلعي‪ ،‬يا ابن‬
‫العجيل"‪ .‬وأهل مكة وأهل الطائف‪" :‬يا ابن العباس"‪ .‬وأهل مصر‪" :‬يا رفاعي‪،‬‬
‫يا بدوي‪ ،‬والسادة البكرية"‪ .‬وأهل الجبال‪" :‬يا أبا طير"‪ .‬وأهل اليمن‪" :‬يا ابن‬
‫علوان"‪.‬‬
‫وفي كل قريةأموات يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير و دفع‬
‫الضر‪ .‬وهذه هو بعينه فعل المشركين في الصنام‪ ،‬كما قلنا في البيات‬
‫النجدية‪:‬‬
‫أعادوا بها معنى سواعا ومثله ‪ ...‬يغوث وود‪ ،‬بئس ذلك من ود‬
‫وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ‪ ...‬كما يهتف المضطر بالصمد الفرد‬
‫وكم نحروا من سوحها من نحيرة ‪ ...‬أهلت لغير الله جهرا على عمد‬
‫وكم طائف حول القبور مقبل ‪ ...‬ويستلم الركان منهن باليد‬
‫فإن قال‪ :‬إنما نحرت لله وذكرت اسم الله عليه‪ .‬فقل له‪ :‬إن كان النحر لله‬
‫فلي شيء قربت ما تنحره من باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه؟ هل أردت‬
‫بذلك تعظيمه؟ إن قال‪ :‬نعم! فقل له‪ :‬هذه النحر لغير الله بل أشركت مع‬
‫الله تعالى‪ :‬غيره‪ ،‬وإن لم ترد تعظيمه‪ ،‬فهل أردت توسيخ باب المشهد‬
‫وتنجيس الداخلين إليه؟ أنت تعلم يقينا أنك ما أردت ذلك أصل‪ ،‬ول أردت إل‬
‫الول‪ ،‬ول خرجت من بيتك إل قصدا له‪ .‬ثم كذلك دعاؤهم له‪.‬‬
‫فهذا الذي عليه هؤلء شرك بل ريب‪.‬‬
‫وقد يعتقدون في بعض فسقة الحياء‪ ،‬وينادونه في الشدة والرخاء‪ ،‬وهو‬
‫عاكف على القبائح والفضائح‪ ،‬ول يحضر حيث أمر الله عباده المؤمنين‬
‫بالحضور هناك‪ ،‬ول يحضر جمعة ول جماعة ول يعود مريضا ول يشيع جنازة‪،‬‬
‫ول يكتسب حلل‪ ،‬ويضم إلى ذلك دعوى التوكل وعلم الغيب‪ ،‬ويجلب إليه‬
‫إبليس جماعة قد عشش في قلوبهم وباض فيها وفرخ‪ ،‬يصدقون بهتانه‬
‫ويعظمون شأنه ويجعلون هذا ندا لرب العالمين ومثل‪.‬‬
‫فيا للعقول أين ذهبت؟ ويا للشرائع كيف جهلت؟ )إن الذين تدعون من دون‬
‫الله عباد أمثالكم( ]‪[7:154‬‬
‫ت‪ :‬أيصير هؤلء الذين يعتقدون في القبور والولياء والفسقة والخلعاء‬ ‫فإن قل َ‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشركين كالذين يعتقدون في الصنام؟ قلت نعم‪ ،‬وقد حصل منهم ما حصل‬
‫من أولئك وساووهم في ذلك‪ ،‬بل زادوا في العتقاد والنقياد والستعباد فل‬
‫فرق بينهم‪.‬‬
‫فإن قلت هؤلء القبوريون يقولون‪ :‬نحن ل نشرك بالله تعالى ول نجعل له ندا‬
‫واللتجاء إلى الولياء والعتقاد فيهم ليس شركا!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ت‪ :‬نعم )يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم( لكن هذا جهل منهم بمعنى‬ ‫قل ُ‬
‫الشرك‪ ،‬فإن تعظيمهم الولياء ونحرهم النحائر لهم شرك والله تعالى‪ :‬يقول‬
‫)فصل لربك وانحر( أي‪ :‬ل لغيره‪ ،‬كما يفيده تقديم الظرف‪ .‬ويقول الله‬
‫تعالى‪,) :‬إن المساجد لله فل تدعوا مع الله أحدا( ]‪ [72:18‬وقد عرفت بما‬
‫قدمناه قريبا أنه صلى الله عليه وسلم قد سمى الرياء شركا‪ ،‬فكيف بما‬
‫ذكرناه؟!‬
‫فهذه الذي يفعلونه لوليائهم هو عين ما فعله المشركون وصاروا به‬
‫ب‬‫مشركين‪ ،‬ول ينفعهم قولهم‪ :‬نحن ل نشرك بالله شيئا‪ ،‬لن فعلهم أكذ َ‬
‫قولهم‪.‬‬
‫ت‪ :‬قد صرح الفقهاء‬ ‫ت‪ :‬هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه‪ .‬قل ُ‬‫فإن قل َ‬
‫في كتب الفقه في باب الردة أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر‪ ،‬وإن لم يقصد‬
‫معناها‪ ،‬وهذا دال على أنهم لم يعرفوا حقيقة السلم ول ماهية التوحيد‪،‬‬
‫فصاروا حينئذ كفارا كفرا أصليا‪ .‬فالله تعالى فرض على عباده إفراده بالعبادة‬
‫)أن ل تعبدوا إل الله( وإخلصها له )وما أمروا إل لعبدوا الله مخلصين له‬
‫الدين( ]‪ [98:5‬ومن نادى الله ليل ونهارا وسرا وجهارا وخوفا وطمعا ثم نادى‬
‫معه غيره فقد أشرك في العبادة‪ .‬فإن الدعاء من العبادة‪ ،‬وقد سماه الله‬
‫تعالى عبادة في قوله تعالى‪) :‬إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون‬
‫جهنم داخرين( ]‪ [40:60‬بعد قوله )ادعوني أستجب لكم(‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬فإذا كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم ما سلك رسول‬
‫ت‪ :‬إلى هذا ذهب طائفة من‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم في المشركين‪ .‬قل ُ‬
‫أهل العلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يجب أول دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه ينفع‬
‫ويضر‪ ،‬ل يغني عنهم من الله شيئا وأمهم أمثالهم وأن هذه العتقاد منهم فيه‬
‫شرك ل يتم اليمان بما جاءت به الرسل إل بتركه والتوبة منه‪ .‬وإفراد التوحيد‬
‫اعتقادا وعمل لله وحده‪.‬‬
‫وهذا واجب على العلماء‪ ،‬أي بيان أن ذلك العتقاد الذي تفرعت عنه النذور‬
‫والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم‪ ،‬عين ما كان يفعله المشركون‬
‫لصنامهم‪ .‬فإذا أبان العلماء ذلك للئمة والملوك وجب على الئمة والملوك‬
‫بعث دعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلص التوحيد لله‪ ،‬فمن رجع وأقر حقن‬
‫عليه دمه وماله وذراريه‪ ،‬ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم من المشركين‪.‬‬
‫ت‪ :‬الستغاثة قد ثبتت في الحاديث‪ ،‬فإنه قد صح أن العباد أن العباد‬ ‫فإن قل َ‬
‫يوم القيامة يستغيثون بآدم أبي البشر ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم‬
‫بعيسى وينتهون إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد اعتذار كل واحد من‬
‫النبياء‪ ،‬فهذا دليل على أن الستغاثة بغير الله ليست بمنكر‪.‬‬
‫ت‪ :‬هذا تلبيس‪ ،‬فإن الستغاثة بالمخلوقين الحياء فيما يقدرون عليه ل‬ ‫قل ُ‬
‫ينكره أحد‪ ،‬وقد قال الله تعالى في قصة موسى مع السرائيلي والقبطي‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه( ]‪ [28:15‬وإنما الكلم في‬


‫استغاثة القبوريين وغيرهم بأوليائهم وطلبهم منهم أمورا ل يقدر عليها إل الله‬
‫تعالى من عافية المرض وغيرها‪ ،‬بل أعجب من هذا أن القبوريين وغيرهم من‬
‫الحياء من أتباع من يعتقدون فيه قد يجعلون له حصة من الولد إن عاش‬
‫ويشتروا منه الحمل في بطن أمه ليعيش ويأتون بمنكرات ما بلغ إليها‬
‫المشركون الولون‪.‬‬
‫ولقد أخبرني بعض من يتولى قبض ما ينذر القبوريون لبعض أهل القبور أنه‬
‫جاء إنسان بدراهم وحلية نسائية وقال هذه لسيده فلن ـ يريد صاحب القبر ـ‬
‫نصف مهر ابنتي‪ ،‬لني زوجتها وكنت ملكت نصفها فلنا ـ يريد صاحب القبر‪.‬‬
‫وهذه النذور بالموال وجعل قسط للقبر كما يجعلون شيئا من الزرع يسمونه‬
‫)تلما( في بعض الجهات اليمينة‪ .‬وهذا شيء ما بلغ إليه عباد الصنام‪ ،‬وهو‬
‫داخل تحت قول الله تعالى‪) :‬ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم( ]‬
‫‪ [16:56‬بل شك ول ريب‪.‬‬
‫ثم استغاثة العباد يوم القيامة وطلبهم من النبياء إنما يدعون الله تعالى‪:‬‬
‫ليفصل بين العباد بالحساب حتى يريحهم من هول الموقف‪ ،‬وهذا ل شك في‬
‫جوازه‪ ،‬أعني طلب دعاء الله تعالى من بعض عباده لبعض‪ ،‬بل قال صلى الله‬
‫عليه وسلم لعمر رضي الله عنه لما خرج معتمرا‪" :‬ل تنسنا يا أخي من‬
‫دعائك"‪.‬‬
‫وأمرنا سبحانه أن ندعو للمؤمنين وأن نستغفر لهم في قوله تعالى‪) :‬ربنا‬
‫اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان( ]‪ [59:10‬وقد قالت أم سليم رضي‬
‫الله عنها‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬خادمك أنس أدع الله له‪ .‬وقد كان الصحابة رضي‬
‫الله عنهم يطلبون الدعاء منه صلى الله عليه وسلم وهو حي‪ .‬وهذا أمر متفق‬
‫على جوازه‪ .‬والكلم في طلب القبوريين من الموات أو من الحياء الذين ل‬
‫يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا ول موتا ول حياة ول نشورا أن يشفوا مرضاهم‬
‫ويردوا غائبهم وينفسوا عن حبلهم وأن يسقوا زرعهم ويدروا ضروع‬
‫مواشيهم ويحفظوها من العين ونحو ذلك من المطالب التي ل يقدر عليها‬
‫أحد إل الله‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫هؤلء هم الذين قال الله تعالى فيهم‪) :‬والذين تدعون من دونه ل يستطيعون‬
‫نصركم ول أنفسهم ينصرون( ]‪) [7:197‬إن الذين تدعون من دون الله عباد‬
‫أمثالكم( ]‪ [7:194‬فكيف يطلب النسان من الجماد أو من حي ـ الجماد خير‬
‫منه ـ لنه ل تكليف عليه‪ ،‬وهذا يبين ما فعله المشركون الذين حكى الله ذلك‬
‫عنهم في قوله تعالى‪) :‬وجعلوا لله ما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا فقالوا‬
‫هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا‪ (..‬الية ]‪ [6:136‬وقال‪) :‬ويجعلون لما ل‬
‫يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون(‪.[16:56] .‬‬
‫فهؤلء القبوريون والمعتقدون في جهال الحياء وضللهم سلكوا مسالك‬
‫المشركين حذو القذة بالقذة‪ ،‬فاعتقدوا فيهم ما ل يجوز أن يعتقد إل في الله‪،‬‬
‫وجعلوا لهم جزء من المال وقصدوا قبورهم من ديارهم البعيدة للزيارة‪،‬‬
‫وطافوا حول قبورهم وقاموا خاضعين عند قبورهم وهتفوا بهم عند الشدائد‪،‬‬
‫ونحروا تقربا إليهم‪.‬‬
‫وهذه هي أنواع العبادات التي عرفناك ول أدري هل فيهم من يسجد لهم؟ ل‬
‫أستبعد أن فيهم من يفعل ذلك‪ .‬بل أخبرني من أثق به أنه رأى من يسجد‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على عتبة باب مشهد الولي الذي يقصده تعظيما له وعبادة‪ ،‬ويقسمون‬
‫بأسمائهم‪ .‬بل إذا حلف من عليه حق باسم الله تعالى‪ :‬لم يقبلوا منه‪ ،‬فإذا‬
‫حلف باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه‪ .‬وهكذا كان عباد الصنام )إذا‬
‫ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين ل يؤمنون بالخرة وإذا ذكر الذين من‬
‫دونه إذا هم يستبشرون( ]‪.[39:45‬‬
‫وفي الحديث الصحيح‪" :‬من كان حالفا فليحلف بالله أو لصمت" وسمع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يحلف باللت فأمره أن يقول‪" :‬ل إله‬
‫إل الله" وهذا يدل على أنه ارتد بالحلف بالصنم‪ ،‬فأمره أن يجدد إسلمهن‬
‫فإنه قد كفر بذلك‪ ،‬كما قررناه في سبل السلم شرح بلوغ المرام وفي منحة‬
‫الغفار‪ .‬فإن قلت‪ :‬ل سواء‪ ،‬لن هؤلء قد قالوا "ل غله إل الله" وقد قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله‪ ،‬فإذا‬
‫قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ‘ل بحقها‪ ".‬وقال لسامة بن زيد‪":‬لم‬
‫قتلته بعدما قال ل إله إل الله؟" وهؤلء يصلون ويصومون ويزكون ويحجون‬
‫ت‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم " إل بحقها" وحقها إفراد‬ ‫بخلف المشركين‪ .‬قل ُ‬
‫اللهية والعبودية لله تعالى‪.‬‬
‫والقبوريون لم يفردوا اللهية والعبادة‪ ،‬فلم تنفعهم كلمة الشهادة‪ ،‬فإنها ل‬
‫تنفع إل مع التزام معناها‪ ،‬كما لم ينفع اليهود قولها لنكارهم بعض النبياء‪.‬‬
‫وكذلك من جعل غير من أرسله الله نبيا‪ ،‬لم تنفعه كلمة الشهادة‪ .‬إل ترى أن‬
‫بني حنيفة كانوا يشهدون أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله ويصلون‬
‫ولكنهم قالوا‪ :‬إن مسيلمة نبي‪ .‬فقاتلهم الصحابة وسبوهم‪ .‬فكيف بمن يجعل‬
‫للولي خاصة اللهية ويناديه للمهمات؟ وهذا أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب رضي الله عنه حرق أصحاب عبد الله ابن سبأ‪ ،‬وكانوا يقولون نشهد‬
‫أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ .‬ولكنهم غلوا في علي رضي الله عنه‬
‫واعتقدوا فيه ما يعتقد القبوريون وأشباههم‪ ،‬فعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها‬
‫أحدا من العصاة‪ ،‬فإنه حفر لهم الحفائر وأجج لهم نارا وألقاهم فيها وقال‪:‬‬
‫لما رأيت المر أمر منكرا ‪ ...‬أججت ناري ودعوت قنبرا‬
‫وقال الشاعر في عصره‪:‬‬
‫لترم بي المنية حيث شاءت ‪ ...‬إذا لم ترم بي في الحفرتين‬
‫إذا ما أججوا فيهم نارا ‪ ...‬رأيت الموت نقدا غير دين‬
‫والقصة في فتح الباري وغيره من كتب الحديث والسير‪.‬‬
‫وقد وقع إجماع المة على أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬فكيف بمن يجعل لله ندا؟‬
‫فإن قلت قد أنكر صلى الله عليه وسلم على أسامة قتله لمن قال ل إله إل‬
‫ت‪ :‬ل شك أن من قال‪" :‬ل‬ ‫الله كما هو معروف في كتب الحديث والسير‪ ،‬قل ُ‬
‫إله إل الله" من الكفار حقن دمه وماله حتى يتبين منه ما يخالف ما قاله‪،‬‬
‫ولذا أنزل الله في قصة محلم بن جثامة آية )يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في‬
‫سبيل الله فتبينوا ‪ (..‬الية ]‪ [4:94‬فأمرهم الله تعالى بالتثبت في شأن من‬
‫قال كلمة التوحيد‪ ،‬فإن تبين التزامه لمعناها كان له ما للمسلمين وعليه ما‬
‫عليهم‪ .‬وإن تبين خلفه فلم يحقن دمه وماله بمجرد التلفظ‪.‬‬
‫وهكذا كل من أظهر التوحيد وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يخالف‬
‫ذلك‪ .‬فإذا تبين لم تنفعه هذه الكلمة بمجردها‪ .‬ولذلك لم تنفع اليهود ول نفعت‬
‫الخوارج مع ما انظم إليها من العبادة التي يحتقر الصحابة عبادتهم إلى جنبها‪،‬‬
‫بل أمر صلى الله عليه وسلم بقتلهم‪ ،‬وقال‪" :‬لئن أدركتهم لقتلنهم قتل عاد"‬
‫وذلك لما خالفوا بعض الشريعة وكانوا شر القتلى تحت أديم السماء‪ ،‬كما‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثبتت به الحاديث‪ .‬فثبت أن مجرد كلمة التوحيد غير مانع من ثبوت شرك من‬
‫قالها لرتكابه لما يحالفها من عبادة غير الله‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فإن قلت‪ :‬القبوريون وغيرهم من الذين يعتقدون في فسقة الناس وجهالهم‬


‫من الحياء يقولون نحن ل نعبد هؤلء ول نعبد إل الله وحده ول نصلي لهم ول‬
‫ت‪ :‬هذا جهل بمعنى العبادة‪ ،‬فإنها ليست منحصرة في ما‬ ‫نصوم ول نحج‪ .‬قل ُ‬
‫ت‪ ،‬بل رأسها وأساسها العتقاد‪ ،‬وقد حصل في قلوبهم ذلك‪ ،‬بل يسمونه‬ ‫ذكر َ‬
‫معتقدا‪ ،‬ويصنعون له ما سمعته مما تفرع عن العتقاد من دعائهم وندائهم‬
‫والتوسل بهم والستغاثة والستعانة والحلف والنذر وغير ذلك‪.‬‬
‫وقد ذكر العلماء أن من تزيا بزي الكفار صار كافرا‪ ،‬ومن تكلم بكلمة الكفر‬
‫صار كافرا‪ .‬فكيف بمن بلغ هذه الرتبة اعتقادا وقول وفعل‪.‬‬
‫ت‪ :‬قد علم كل عاقل أن‬ ‫فإن قلت‪ :‬هذه النذور والنحائر ما حكمها؟ قل ُ‬
‫الموال عزيزة عند أهلها يسعون في جمعها لو بارتكاب كل معصية ويقطعون‬
‫الفيافي من أدنى الرض والقاصي‪ ،‬فل يبذل أحد من ماله شيئا إل لجلب نفع‬
‫أكثر منه أو دفع ضرر‪ .‬فالناذر للقبر ما أخرج ماله إل لذلك‪ ،‬وهذا اعتقاد‬
‫باطل‪ ،‬ولو عرف الناذر بطلن ما أراده ما أخرج درهما‪ ،‬فإن الموال عزيزة‬
‫عند أهلها‪ .‬قال تعالى‪) ::‬ول يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا‬
‫ويخرج أضغانكم( ]‪.[47:36:37‬‬
‫فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله وأنه ل ينفعه ما يخرجه ول‬
‫يدفع عنه ضررا‪ ،‬وقد قال صلى الله عليه وسلم‪":‬إن النذر ل يأتي بخير‪ ،‬وإنما‬
‫يستخرج به من البخيل( ويجب رده إليه‪ .‬وأما القابض للنذر فإنه حرام عليه‬
‫قبضه لنه أكل لمال الناذر بالباطل ل في مقابلة شيء‪ ،‬وقد قال تعالى‪ ) :‬ول‬
‫تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( ]‪ [188:‬ولنه تقرير للناذر على شركه وقبح‬
‫اعتقاده ورضاه بذلك‪ ،‬ول يخفى حكم الراضي بالشرك‪) .‬إن الله ل يغفر أن‬
‫يشرك به( الية ]‪ [4:48‬فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي‪ ،‬ولنه تدليس‬
‫على الناذر وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره‪.‬‬
‫فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم؟‬
‫وأي رضا بالمعصية ابلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفا أعجب من هذا؟‬
‫وما كانت النذور للصنام والوثان إل على هذه السلوب‪ ،‬يعتقد الناذر جلب‬
‫النفع في الصنم ودفع الضرر فينذر له جزوا من ماله ويقاسمه في غلت‬
‫أطيانه ويأتي به إلى سدنة الصنام فيقبضونه منه ويوهمونه حقيقة عقيدته‬
‫وكذلك يأتي بنحيرته فينحرها بباب الصنم‪.‬‬
‫وهذه الفعال هي التي بعث الله الرسل لزالتها ومحوها وإتلفها والنهي عنها‪.‬‬
‫ت‪ :‬إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله!‬ ‫فإن قل َ‬
‫ت‪ :‬كذلك الصنام‪ ،‬قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا‪ ،‬وهو الخطاب من‬ ‫قل ُ‬
‫جوفها والخبار ببعض ما يكتمه النسان‪ .‬فإن كان هذا دليل على حقية القبور‬
‫وصحة العتقاد فيها فليكن دليل على حقية الصنام‪ .‬وهذا هدم للسلم‬
‫وتشييد لركان الصنام‪.‬‬
‫والتحقيق أن لبليس وجنوده من الجن والنس أعظم العناية في إضلل العباد‬
‫وقد مكن الله إبليس من الدخول في البدان والوسوسة في الصدور والتقام‬
‫القلب بخرطومه‪ .‬وكذلك يدخل أجواف الصنام ويلقي الكلم في أسماع‬
‫القوام‪ .‬ومثله يصنعه في عقائد القبوريين‪ .‬فإن الله تعالى‪ :‬قد أذن له أن‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجلب بخيله ورجله على بني آدم وأن يشاركهم في الموال والولد‪ .‬وثبت‬
‫في الحاديث الصحيحة "أن الشيطان يسترق السمع بالمر الذي يحدثه الله‪،‬‬
‫فيلقيه إلى الكهان ـ وهم الذين يخبرون بالمغيبات ويزيدون فيما يلقيه‬
‫الشيطان من عند أنفسهم مائة كذبة‪.‬‬
‫ويقصد شياطين الجن شياطين النس من سدنة القبور وغيرهم فيقولون‪ :‬إن‬
‫الولي فعل وفعل‪ ،‬يرغبونهم فيه ويحذرونهم منه‪ .‬وترى العامة ملوك القطار‬
‫وولة المصار معززين لذلك ويولون العمال لقبض النذور وقد يتولها من‬
‫يحسنون فيه الظن من عالم أو قاض أو مفت أو شيخ صوفي‪ ،‬فيتم التدليس‬
‫لبليس وتقر عينه بهذا التلبيس‪.‬‬
‫فإن قلت هذا أمر عم البلد واجتمعت عليه سكان الغوار والنجاد وطبق‬
‫الرض شرقا وغربا ويمنا وشاما وجنوبا وعدنا‪ ،‬بحيث ل تجد بلدة من بلد‬
‫السلم إل وفيها قبور ومشاهد وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها‬
‫ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها‪ ،‬ويطوفون بفناء القبور‪ ،‬ويسرجونها ويلقون‬
‫عليها الوراد والرياحين ويلبسونها الثياب ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من‬
‫العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخضوع والخشوع والتذلل والفتقار‬
‫إليها‪.‬‬
‫بل هذه مساجد المسلمين غالبها ل يخلوا عن قبر أو قريب منه أو مشهد‬
‫يقصده المصلون في أوقات الصلة يصنعون فيها ما ذكر أو بعض ما ذكر‪ .‬ول‬
‫يسع عقل عاقل أن هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت عليه‬
‫علماء السلم الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ت‪ :‬إن أردت النصاف وتركت متابعة السلف وعرفت أن الحق ما قم‬ ‫قل ُ‬
‫عليه الدليل ل اتفق عليه العوام جيل بعد جيل وقبيل بعد قبيل‪ ،‬فأعلم أن هذه‬
‫المور التي ندندن حول إنكارها ونسعى في هدم منارها صاردة عن العامة‬
‫الذين إسلمهم تقليد الباء بل دليل ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دني‬
‫ومثيل ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في‬
‫الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه‪ ،‬ويراهم ينذرون عليه ويعظمونه‬
‫ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويجعلونه طائفا على قبره‪،‬‬
‫فينشأ وقد قر في قلبه عظمة ما يعظمونه‪ ،‬وقد صار أعظم الشياء عنده من‬
‫يعتقدونه‪.‬‬
‫فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير ول يسمعون من أحد عليهم من‬
‫نكير‪ .‬بل ترى ممن يتسم بالعلم ويدعي الفضل وينتصب للقضاء والفتيا‬
‫والتدريس أو الولية أو المعرفة أو المارة والحكومة معظما لما يعظمونه‬
‫مكرما لما يكرمونه قابضا للنذور آكل ما ينحر على القبور‪ ،‬فيظن العامة أن‬
‫هذا دين السلم وأنه رأس الدين والسنام‪ ،‬ول يخفى على أحد يتأهل للنظر‬
‫ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والثر أن سكوت العالم على وقوع‬
‫منكر ليس دليل على جواز ذلك المنكر‪.‬‬
‫ولنضرب لك مثل من ذلك وهي هذه المكوس المسماة بالمجابي المعلوم من‬
‫ضرورة الدين تحريمها‪ ،‬قد ملت الديار والبقاع وصارت أمرا مأنوسا ل يلج‬
‫‘نكارها إلى سمع من السماع وقد امتدت أيدي المكاسين في اشرف البقاع‬
‫في مكة أم القرى يقبضون من القاصدين لداء فريضة السلم‪ ،‬ويلقون في‬
‫البلد الحرام كل فعل حرام وسكانها من فضلء النام‪ ،‬والعلماء والحكام‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ساكتون على النكار معرضون عن اليراد والصدار‪ .‬أفيكون السكوت دليل‬


‫على حل وإحرازها؟ هذا ل يقوله من له أدنى إدراك‪.‬‬
‫بل أضرب لك مثل آخر‪ .‬هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا‪ ،‬بالتفاق‬
‫وإجماع العلماء‪ ،‬أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلل هذه‬
‫المقامات الربعة التي فرقت عبادة العباد واشتملت على ما ل يحصيه إل الله‬
‫عز وجل من الفساد‪ ،‬وفرقت عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة‬
‫في الدين بدعة قرت بها عين إبليس اللعين‪ ،‬وصيرت المسلمين ضحكة‬
‫للشياطين‪ ،‬وقد سكت الناس عليها ووفد علماء الفاق والبدال والقطاب‬
‫إليها وشاهدها كل ذي عينين‪ ،‬وسمع بها كل ذي أذنين‪.‬‬
‫أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا ل يقوله من له إلمام بشيء من‬
‫المعارف‪ .‬كذلك سكوتهم على هذه الشياء الصادرة من القبوريين‪.‬‬
‫فإن قلت يلزم من هذا أن المة قد اجتمعت على ضللة حيث سكتت عن‬
‫ت‪ :‬حقيقة الجماع اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى‬ ‫إنكارها لعظم جهالة‪ .‬قل ُ‬
‫الله عليه وسلم على أمر بعد عصره‪ .‬وفقهاء المذاهب الربعة يحيلون‬
‫الجتهاد من بعد الربعة‪ ،‬وإن كان هذا قول باطل وكلما ل يقوله إل من كان‬
‫للحقائق جاهل‪ .‬فعلى زعمهم ل إجماع أبدا من بعد الئمة الربعة‪ .‬فل يرد‬
‫السؤال‪ .‬فإن هذا البتداع والفتنة بالقبور لك يكن على عهد أئمة المذاهب‬
‫الربعة‪ .‬وعلى ما نحققه فالجماع وقوعه محال‪.‬‬
‫فإن المة المحمدية قد ملت الفاق وصارت في كل أرض وتحت كل نجم‪،‬‬
‫فعلماؤها المحققون ل ينحصرون ول يتم لحد معرفة أحوالهم‪ .‬فمن ادعى‬
‫الجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين فإنها دعوى كاذبة‪ ،‬كما قاله‬
‫أئمة التحقيق‪.‬‬
‫ثم لو فرض أنهم علموا بالمنكر وما أنكروه بل سكتوا هن إنكاره لما دل‬
‫سكوتهم على جوازه‪ ،‬فإنه قد علم من قواعد الشريعة أن وظائف النكار‬
‫ثلثة‪.‬‬
‫أولها النكار باليد‪ ،‬وذلك بتغيير المنكر وإزالته‪.‬‬
‫وثانيها النكار باللسان مع عدم استطاعة التغيير‪.‬‬
‫ثالثها النكار بالقلب عند عدم استطاعة التغيير باليد واللسان‪.‬‬
‫ف الخر‪ .‬ومثاله‪ :‬مرور فرد من أفراد علماء الدين‬ ‫فإن انتفى أحدها لم ينت ِ‬
‫بأحد المكاسين وهو يأخذ أموال المظلومين‪ .‬فهذا الفرد من علماء الدين ل‬
‫يستطيع التغيير على هذا الذي يأخذ أموال المساكين باليد ول باللسان لنه‬
‫يكون سخرية لهل العصيان‪ ،‬فانتفى شرط النكار بالوظيفتين‪ .‬ولم يبق إل‬
‫النكار بالقلب الذي هو أضعف اليمان‪ .‬فيجب على من رأى ذلك العالم‬
‫ساكتا على النكار مع مشاهدة ما يأخذه ذلك الجبار أن يعتقد أنه تعذر عليه‬
‫النكار باليد واللسان وأنه قد أنكر بقلبه‪.‬‬
‫فإن حسن الظن بالمسلمين أهل الدين واجب والتأويل لهم ما أمكن ضربة‬
‫لزب‪ .‬فالداخلون إلى الحرم الشريف والمشاهدون لتلك البنية الشيطانية‬
‫التي فرقت كلمة الدين وشتتت صلوات المسلمين معذورون عن النكار إل‬
‫بالقلب كالمارين على المكاسين وعلى القبوريين‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ومن هنا يعلم اختلل ما استمر عند أئمة الستدلل من قولهم في بعض ما‬
‫يستدلون عليه أنه "وقع ولم ينكر فكان إجماعا"‪ ،‬ووجه اختلله أن قولهم‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"ولم ينكر" رجم بالغيب‪ .‬فإنه قد يكون أنكرته قلوب كثيرة تعذر عليها النكار‬
‫باليد واللسان‪ .‬وأنت تشاهد في زمانك أنه كم من أمر يقع ل تنكره بلسانك‬
‫ول بيدك وأنت منكر له بقلبك‪ ،‬ويقول الجاهل إذا رآك تشاهده "سكت فلن‬
‫عن النكار" يقوله إما لئما أو متأسيا بسكوته‪ ،‬فالسكوت ل يستدل به عارف‪.‬‬
‫ل فلن كذا وسكت الباقون فكان‬ ‫وكذا يعلم اختلل قولهم في الستدلل‪" :‬فع َ‬
‫إجماعا" مختل من جهتين‪.‬‬
‫الولى‪ :‬دعوى أن سكوت الباقين تقرير لفعل فلن‪ ،‬لما عرفت من عدم دللة‬
‫السكوت على التقرير‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قولهم‪" :‬فكان إجماعا" فإن الجماع اتفاق أمة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬والساكت ل ينسب إليه وفاق ول خلف حتى يعرب عنه لسانه‪.‬‬
‫قال بعض الملوك ـ وقد أثنى الحاضرون على شخص من عماله وفيهم رجل‬
‫ساكت ـ مالك ل تقول كما يقولون؟ فقال‪ :‬إن تكلمت خالفتهم‪.‬‬
‫فما كل سكوت رضى‪ .‬فإن هذه منكرات أسسها من بيده السيف والسنان‪،‬‬
‫ودماء العباد وأموالهم تحت لسانه وقلمه وأعراضهم تحت قوله وكلمه‪ .‬فكيف‬
‫يقوى فرد من الفراد على دفعه عما أراد؟ فإن هذه القباب والمشاهد التي‬
‫صارت أعظم ذريعة إلى الشرك واللحاد وأكبر وسيلة إلى هدم السلم‬
‫وخراب بنيانه‪ ،‬غالب ـ بك كل ـ من يعمرها هم الملوك والسلطين والرؤساء‬
‫والولة إما على قريب لهم أو على من يحسنون الظن فيه من فاضل أو عالم‬
‫أو صوفي أو فقير أو شيخ أو كبير‪.‬‬
‫ويزوره الناس الذين يعرفونه زيارة الموات من دون توسل به ول هتف‬
‫باسمه بل يدعون له ويستغفرون‪ ،‬حتى ينقرض من يعرفه أو أكثرهم فيأتي‬
‫من بعدهم فيجدوا قبرا قد شيد عليه البناء وسرجت عليه الشموع وفرش‬
‫بالفراش الفاخر وأرخيت عليه الستور وألقيت عليه الوراد والزهور‪ ،‬فيعتقد‬
‫أن ذلك لنفع أو لدفع ضر ويأتيه السدنة يكذبون على الميت بأنه فعل وفعل‬
‫وأنزل بفلن الضرر وبفلن النفع‪ ،‬حتى يغرسوا في جبلته كل باطل‪ .‬ولهذا‬
‫المر ثبت في الحاديث النبوية اللعن على من أسرج على القبور وكتب عليها‬
‫وبنى عليها‪ .‬وأحاديث ذلك واسعة معروفة‪ .‬فإن ذلك في نفسه منها عنه‪ ،‬ثم‬
‫هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة‪.‬‬
‫فإن قلت هذا قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عمرت عليه قبة‬
‫عظيمة أنفقت فيها الموال‪ .‬قلت هذا جهل عظيم بحقيقة الحال‪ .‬فإن هذه‬
‫القبة ليس بناؤها منه صلى الله عليه وسلم ول من أصحابه ول من تابعيهم‬
‫ول تابعي التابعين ول من علماء أمته وأئمة ملته‪ ،‬بل هذه القبة المعمولة على‬
‫قبره صلى الله عليه وسلم من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين وهو قلوون‬
‫الصالحي المعروف بالملك المنصور في سنة ثمان وسبعين وستمائة‪ .‬ذكره‬
‫في )تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة( فهذه أمور دولية ل دليلية‪،‬‬
‫يتبع فيها الخر الول‪.‬‬
‫وهذا آخر ما أردناه مما أوردناه لما عمت البلوى واتبعت الهواء وأعرض‬
‫العلماء عن النكير الذي يجب عليهم ومالوا إلى ما مالت العامة إليه‪ ،‬وصار‬
‫المنكر معروفا والمعروف منكرا‪ ،‬ولم نجد من العيان ناهيا عن ذلك ول‬
‫زاجرا‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬قد يتفق للحياء وللموات اتصال جماعة بهم يفعلون خوارق من‬
‫الفعال يتسمون بالمجاذيب‪ ،‬فما حكم ما يأتون به من تلك المور؟ فإنها مما‬
‫جلبت القلوب إلى العتقاد بها‪.‬‬
‫ت‪ :‬أما المتسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجللة بأفواههم‬ ‫قل ُ‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقولونها بألسنتهم ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس‬


‫اللعين‪ ،‬ومن أعظم حمر الكون الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس‬
‫والتزيين‪ .‬فإن إطلق الجللة منفردا عن إخبار عنها بقولهم ) الله الله( ليس‬
‫بكلم ول توحيد‪ ،‬وإنما هو تلعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه‬
‫العربي ثم إخلؤه عن معنى من المعاني ولو أن رجل عظيما صالحا يسمى‬
‫بزيد وصار جماعة يقولون )زيد زيد( لعد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية‪ ،‬ول‬
‫سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ‪ ،‬ثم انظر هل أتى في لفظة من‬
‫الكتاب والسنة ذكر الجللة بانفرادها وتكريرها؟ أو الذي في الكتاب والسنة‬
‫هو طلب‬
‫الذكر والتوحيد والتسبيح والتهليل‪ ،‬وهذه أذكار رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية عن هذا الشهيق والنهيق والنعيق‬
‫الذي اعتاده الذي من هو عن الله وعن هدي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وسمته ودله في مكان سحيق‪ .‬ثم قد يضيفون إلى الجللة الشريفة‬
‫أسماء جماعة من الموتى‪ ،‬مثل )ابن علوان( و )أحمد بن الحسين( و)عبد‬
‫القادر( و)العيدروس( بل قد انتهى الحال إلى أنهم يفرون إلى أهل القبور من‬
‫الظلم والجور كعلي رومان وعلي الحمر وأشباههما وقد صان الله سبحانه‬
‫وتعالى‪ :‬رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل الكساء وأعيان الصحابة عن‬
‫إدخالهم في أفواه هؤلء الجهلة الضلل‪ ،‬فيجمعون أنواعا من الجهل والشرك‬
‫والكفر‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فإن قلت إنه قد يتفق من هؤلء الذين يلوكون الجللة ويضيفون غليها عمل‬
‫أهل الخلعة والبطالة خوارق عادات وأمورا تظن كرامات‪ ،‬كطعن أنفسهم‬
‫باللت الحادة وحملهم لمثل الحنش والحية والعقرب وأكلهم النار ومسهم‬
‫غياها باليدي وتقلبهم فيها بالجسام‪ ،‬قلت هذه أحوال شيطانيه وإنك لملبس‬
‫عليك أن ظننتها كرامات للموات أو حسنات للحياء لما هتف هذا الضال‬
‫بأسمائهم وجعلهم أندادا وشركاء لله تعالى في الخلق والمر فهؤلء الموتى‬
‫أنت تفرض أنهم أولياء الله تعالى‪.‬‬
‫فهل يرضى ولي الله أن يجعله المجذوب أو السالك شريكا له تعالى وندا؟‬
‫أن زعمت ذلك فقد جئت شيئا إدا‪ ،‬وصيرت هؤلء الموات مشركين‬
‫وأخرجتهم وحاشاهم ذلك عن دائرة السلم والدين‪ ،‬حيث جعلتهم أندادا لله‬
‫راضين فرحين‪ ،‬وزعمت أن هذه كرامات لهؤلء المجاذيب الضلل المشركين‬
‫التابعين لكل باطل‪ ،‬المنغمسين في بحار الرذائل الذين ل يسجدون لله‬
‫سجدة ول يذكرون الله وحده‪.‬‬
‫فإن زعمت هذا فقد أثبت الكرامات للمشركين الكافرين وللمجانين وهدمت‬
‫بذلك ضوابط السلم وقواعد الدين المبين والشرع المتين‪ .‬وإذا عرفت‬
‫بطلن هذين المرين علمت أن هذه أحوال شيطانية وأفعال طاغوتية وأعمال‬
‫إبليسية يبعلها الشياطين لخوانهم من هؤلء الضالين‪ ،‬معاونة من الفريقين‬
‫على إغواء العباد‪ ،‬وقد ثبت في الحاديث أن الشياطين والجان يتشكلون‬
‫بأشكال الحية والثعبان وهذا أمر مقطوع بوقوعه فهم الثعابين التي يشاهدها‬
‫النسان في أيدي المجاذيب‪ .‬وقد يكون ذلك من باب السحر وهو أنواع‪،‬‬
‫وتعلمه ليس بالعسير‪ ،‬بل بابه العظم الكفر بالله وإهانة ما عظمه الله من‬
‫جعل مصحف في كنيف ونحوه‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل يغتر من يشاهد ما يعظم في عينية من أحوال المجاذيب من المور التي‬


‫يراها خوارق‪ ،‬فإن للسحر تأثيرا عظيما في الفعال‪ .‬وهكذا الذين يقلبون‬
‫العيان بالسحار وغيرها‪ ،‬وقد مل سحرة فرعون الوادي بالثعابين والحيات‬
‫حتى أوجس في نفسه خيفة موسى عليه السلم‪ .‬وقد وصفه الله بأنه سحر‬
‫عظيم‪ .‬والسحر يفعل أعظم من هذا فإنه قد ذكر ابن بطوطة وغيره أنه‬
‫شاهد في بلد الهند قوما توقد لهم النار العظيمة فليبسون الثياب الرقيقة‬
‫ويخوضون في تلك النار ويخرجون وثيابهم كأنها لم يمسها شيء‪.‬‬
‫بل ذكر أنه رأى أناسا عند بعض ملوك الهند أتى بولدين معه ثم قطعهما‬
‫عضوا عضوا ثم رمى بكل عضو إلى جهة فرقا حتى لم ير أحد شيئا من تلك‬
‫العضاء ثم صاح وبكى فلم يشعر الحاضرون إل وقد نزل كل عضو على‬
‫انفراده وانظم إلى الخر حتى قام كل واحد منهما على عادته حيا سويا‪ .‬ذكر‬
‫هذا في رحلته‪ ،‬وهي رحلة بسيطة وقد اختصرت‪ ،‬طالعتها بمكة عام ست‬
‫وثلثين ومائة وألف‪ ،‬وأملها علينا العلمة مفتي الحنفية في المدينة السيد‬
‫محمد بن أسعد رحمه الله‪.‬‬
‫وفي الغاني لبي الفرج الصفهاني بسنده أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبه‬
‫فجعل يدخل في جوف بقرة ويخرج‪ ،‬فرآه جندب رضي الله عنه فذهب إلى‬
‫بيته فاشتمل على سيفه فلما دخل الساحر في البقرة قال جندب )أتأتون‬
‫السحر وأنتم تبصرون( ثم ضرب وسط البقرة فقطعها وقطع الساحر معها‪،‬‬
‫فانذعر الناس‪ ،‬فحبسه الوليد وكتب بذلك إلى عثمان رضي الله عنه‪ ،‬كان‬
‫على السجن رجل نصراني‪ ،‬فلما رأى جندبا يقوم الليل ويصبح صائما‪ ،‬قال‬
‫النصراني والله إن قوما هذا شرهم لقوم صدق‪ .‬فوكل بالسجن رجل ودخل‬
‫الكوفة فسأل عن افضل أهلها فقالوا‪ :‬الشعث بن قيس‪ ،‬فاستضافه فرأى أبا‬
‫محمد يعني الشعث ينام الليل ويصبح فيدعو بغدائه‪ ،‬فخرج من عنده وسأل‪:‬‬
‫أي أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا‪ :‬جرير بن عبد الله‪ ،‬فوجده ينام الله ثم يصبح‬
‫فيدعو بغدائه‪ .‬فاستقبل القبلة فقال ربي رب جندب وديني دين جندب‪،‬‬
‫وأسلم‪.‬‬
‫وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى بمغايرة في القصة‪ ،‬فذكر بسنده إلى‬
‫السود أن الوليد بن عقبة كان في العراق يلعب بين يديه ساحر فكان يضرب‬
‫رأس الرجل ثم يصيح به‪ ،‬فيقوم صارخا فيرد إليه رأسه‪ .‬فقال الناس‪ :‬سبحان‬
‫الله! يحي الموتى! ورآه رجل من صالحي المهاجرين فما كان من الغد‬
‫اشتمل على سيفه فذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الجل سيفه فضرب عنقه‬
‫وقال‪ :‬إن كان صادقا فليحي نفسه! فأمر به الوليد دينارا صاحب السجن‬
‫فسجنه‪.‬‬
‫بل أعجب من هذا ما أخرجه الحافظ البيهقي بإسناده في قصة طويلة وفيها‬
‫أن امرأة تعلمت السحر من الملكين ببابل هاروت وماروت‪ ،‬وأنها آخذات‬
‫قمحا فقالت له بعد أن ألقته في الرض‪ :‬اطلع‪ ،‬فطلع‪ ،‬فقالت‪ :‬أحقل‪،‬‬
‫فأحقل‪ ،‬ثم تركته‪ ،‬ثم قالت إيبس‪ ،‬فيبسن ثم قالت له‪ :‬اطحن‪ ،‬فاطحن‪ ،‬ثم‬
‫قالت له‪ :‬اختبز فاختبز‪ .‬وكانت ل تريد شيئا إل كان‪.‬‬
‫والحوال الشيطانية ل تنحصر‪ ،‬وكفى بما يأتي به الدجال‪ .‬والمعيار اتباع‬
‫الكتاب والسنة ومخالفتهما‪.‬‬
‫انتهى ما أوردناه ولله الحمد أول وآخرا‪ ،‬وصلى الله على سيدنا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪ ،‬كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره‬
‫الغافلون‪.‬‬
‫تم الكتاب والحمد لله‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫تطور الفقه السياسي السلمي‬


‫)الحلقة الولى( د‪ .‬بسطامي محمد خير*‬
‫المقدمة‪ :‬فكرة شائعة‪:‬‬
‫هناك فكرة رائجة تذهب إلى أن نصيب العلوم السياسية عند المسلمين‬
‫نصيب ضئيل‪ ،‬وأن الفقه السياسي السلمي لم يتطور بالقدر الذي تطورت‬
‫شَعب الفقه الخرى‪ ،‬فهو ليس غنيا ً غناها ول شامل ً وافيا ً مثلها‪ .‬فكتبه‬ ‫به بقية ُ‬
‫ّ‬
‫ة‪ ،‬ومباحثه قاصرة على مسائل محدودة‪ .‬وهو في جلته ل يفي‬ ‫ة نادر ٌ‬
‫قليل ٌ‬
‫بحاجات الدولة المعاصرة ووظائفها المتعددة‪.‬‬
‫ويعبر عن هذه الفكرة أحد الكتاب فيقول‪:‬‬
‫)من الملحظ البين في تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين أن حظ العلوم‬
‫السياسية فيهم كان بالنسبة لغيرها من العلوم الخرى أسوأ حظ‪ ،‬وأن‬
‫وجودها بينهم كان أضعف وجود‪ .‬فلسنا نعرف لهم مؤلفا ً في السياسة ول‬
‫مترجمًا‪ ،‬ول نعرف لهم بحثا ً في شي من أنظمة الحكم ول أصول السياسة‪،‬‬
‫اللهم إل قليل ً ل يقام له وزن إزاء حركتهم العلمية في غير السياسة من‬
‫الفنون( ]‪.[1‬‬
‫وقد يبدو هذا الرأي للوهلة الولى عل درجة كبيرة من الصحة‪ .‬ومما ساعد‬
‫على التسليم بهذه المقولة لدى الكثيرين بادئ الرأي أن معرفتهم بكتب‬
‫الفقه السياسي ل تزيد على كتب قليلة مثل الحكام السلطانية للماوردي‪،‬‬
‫والسياسة الشرعية لبن تيمية‪ ،‬وقليل غيرها‪ .‬ويزداد المرء قبول ً لهذا الرأي‬
‫إذا توجه بنظره إلى تاريخ الفكر السياسي في الغرب‪ .‬فهناك مفكرون‬
‫معروفون‪ ،‬وأسماء لمعة كثيرة وكتب مشهورة وقد أصبحت العلوم السياسية‬
‫في الغرب منذ زمن ليس بالقليل فرعا ً مستقل ً للمعرفة‪ ،‬وله كلياته‬
‫وأقسامه‪ ،‬وفيه باحثون وخبراء ومتخصصون يحملون أعلى اللقاب العلمية‪.‬‬
‫ونريد في الصفحات التالية أن نسبر غور هذه الفكرة ونتحقق من مدى‬
‫صدقها وصحتها‪ ،‬وذلك بالبحث في الفقه السلمي عن تلك الدراسات التي‬
‫يمكن تصنيفها تحت عنوان ‪ -‬علم السياسة ‪ -‬وننظر في قيمة تلك الدراسات‬
‫وسعتها وعمقها وفائدتها‪.‬‬
‫موضوعات علم السياسة‪:‬‬
‫من الضروري لتحديد مكانة السياسة في العلوم السلمية أن نلم بالمقصود‬
‫من مصطلح علم السياسة‪ .‬يعرف علم السياسة عموما ً بأنه علم الدولة‪ .‬فهو‬
‫العلم الذي يبحث في الدولة وممارساتها السياسية ومؤسساتها وأشكالها‬
‫ونظمها‪ .‬ومن هذا يتبين أن أهم الموضوعات في علم السياسة تشمل الدولة‬
‫مقوماتها ووظائفها‪ ،‬وتشمل الحكومة وأنواعها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية‬
‫والقضائية‪ ،‬وتشمل الرأي العام ومكوناته والجماعات والهيئات ذات الثر في‬
‫السلطة‪ ،‬كما تشمل العلقات الدولية والقوانين التي تنظم هذه العلقات ]‬
‫‪.[2‬‬
‫هذه هي موضوعات علم السياسة بصفة عامة ومجملة فهل بحث الفقه‬
‫السلمي هذه الموضوعات؟ وهل نجد مقابل ً لها في العلوم السلمية؟‬
‫صعوبات الدراسة‪:‬‬
‫للجابة الدقيقة على هذا السؤال تواجه الباحث بعض المشاكل والصعاب ]‬
‫‪.[3‬‬
‫‪ -1‬أولى هذه الصعوبات‪ ،‬اختلف المصطلحات‪ :‬فل شك أن المصطلحات‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المستعملة في علم السياسة اليوم ل وجود لها في الكتب الفقهية‪ .‬فالمفهوم‬


‫الحديث لكلمات مثل الدولة والحكومة والدستور والسيادة والفصل بين‬
‫السلطات وحقوق النسان‪ ،‬وما إليها من مصطلحات القاموس السياسي لم‬
‫تكن مستخدمة ول معروفة عند علماء السلم‪.‬‬
‫ومن الجهة الخرى فإن المصطلحات المستخدمة للتعبير عن المفاهيم‬
‫السياسية عند المسلمين مصطلحات غريبة عن الذهن المعاصر‪،‬‬
‫فمصطلحات مثل المامة والخلقة والولية‪ ،‬وإمارة الستكفاء وإمارة‬
‫الستيلء ووزارة التفويض والبيعة‪ ،‬والخراج والفيء والحدود والتعزير‬
‫والحسبة وغيرها من المصطلحات ليست متداولة في لغة العصر‪ ،‬ومدلولتها‬
‫الحقيقية غامضة وتحتاج إلى شرح‪.‬‬
‫‪ -2‬الصعوبة الثانية‪ :‬التي تواجه الباحث أن الموضوعات التي يضمها علم‬
‫السياسة اليوم ل توجد في المصنفات السلمية مبحوثة في موضع واحد‪ .‬بل‬
‫إن هذه المباحث المتناثرة في مواضع مختلفة وتحت عناوين متعددة في كتب‬
‫العقيدة والتفسير والحديث والفقه والسير والتاريخ والدب‪ ،‬ول ريب أن‬
‫الناظر في الكتب التي حاولت جمع هذه المباحث وضمها بطريقة مستقلة ل‬
‫يجد النظريات السياسية مبوبة مرتبة ومفصلة‪ ،‬بل قد يخيل إليه أن هذه‬
‫الكتب تضم كثيرا ً من الحشو الذي ل صلة له بالسياسة‪.‬‬
‫‪ -3‬الصعوبة الثالثة‪ :‬أن هذه الكتب التي أفردت للبحث في مسائل السياسة‬
‫تضم مباحث ل تمت بصلة إلى ما يعرف اليوم بعلم السياسة‪ .‬فهذه الكتب‬
‫تشمل النظام الداري والمالي والقضائي بجانب النظام السياسي وتتحدث‬
‫عن التشريعات الجنائية والمدنية بجانب التشريعات الدستورية والسياسية‪.‬‬
‫‪ -4‬الصعوبة الرابعة‪ :‬أن كثيرا ً من المبادئ السلمية والمصطلحات في‬
‫القرآن والسنة وكتب الفقه ل يتصور أن لها صلة بالسياسة مع أنها في واقع‬
‫المر تقرر مبادئ سياسية هامة‪ .‬ولعل أظهر مثال لذلك كلمة الشهادة‬
‫نفسها‪ .‬فل إله إل الله التي تعلو به المآذن حتى في بلد الكفر قد ل يدور‬
‫بخلد أحد أن لها علقة بالسياسة‪ ،‬مع أنها في حقيقة المر ليست مبدأ عقائديا ً‬
‫فحسب بل هي قاعدة دستورية وشعار سياسي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التصور السلمي للسياسة‪:‬‬


‫ومع كل هذه الصعوبات فإن البحوث المتأنية والدراسات الشاملة تظهر أن‬
‫كتبا ً ومؤلفات إسلمية كثيرة تحوي قدرا ً كبيرا من المباحث السياسية‪ .‬ومن‬
‫الممكن تقسيم هذه الكتب إلى أربع فئات تنبع من تصور السلم للسياسة‪.‬‬
‫ففي حين أن الفكر الغربي الحديث يفصل فصل ً تاما ً بين السياسة والدين‬
‫وبين السياسة والخلق فإن السلم يجعل السياسة جزءا ً من الدين‪ ،‬ويقيم‬
‫الصلة وثيقة بين الخلق والسياسة‪ ،‬وتبعا ً لذلك فقد عالج السلم السياسة‬
‫من ثلث زوايا‪:‬‬
‫الولى‪ :‬زاوية العقيدة‬
‫والثانية‪ :‬زاوية الفقه والقانون‬
‫والثالثة‪ :‬زاوية الخلق‬
‫ولهذا فإننا نجد المباحث السياسية ضمن الدراسات العقدية‪ ،‬وضمن‬
‫الدراسات الفقهية وضمن الدراسات الخلقية‪ .‬وقد سجلت الدراسات‬
‫التاريخية الممارسات العملية للسياسة‪ .‬فهذه هي المجالت الربعة التي‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضمت المباحث السياسية في السلم‪.‬‬


‫ول شك أن السياسة في أي مجتمع لها ارتباط وثيق بالمبادئ التي يؤمن بها‬
‫المجتمع في تفسير ظواهر الكون ومكانة النسان فيه‪ .‬والفلسفة السياسية‬
‫هي أحد فروع الفكر السياسي في الغرب‪ .‬وبمثل هذا الرتباط الوثيق بين‬
‫الفلسفة والسياسة في الغرب وجدت صلة قوية بين السياسة والمبادئ‬
‫العقائدية في السلم‪ .‬بل كانت السياسة وقضية المامة على وجه التحديد‬
‫أحد المحاور الساسية للجدل بين الفرق السلمية التي ظهرت منذ منتصف‬
‫القرن الول الهجري‪ .‬وهذا يفسر اهتمام رجال العقيدة والكلم والفلسفة‬
‫بالسياسة وتناولهم لها في كتبهم‪.‬‬
‫وجدت السياسة عناية أيضا ً عند الفقهاء‪ ،‬والعلقة بين السياسة والفقه هي‬
‫العلقة ذاتها التي توجد اليوم بين السياسة والقانون‪ .‬فالدستور وهو أعلى‬
‫قانون في الدولة المعاصرة ما هو إل تعبير عن المبادئ السياسية والفكر‬
‫السياسي الذي تؤمن به الدولة‪ .‬ولقد سعى الفقهاء لصياغة القواعد الهامة‬
‫التي يقوم عليها الحكم‪ ،‬وتحديد وظائف الحكام ومؤهلتهم‪ ،‬ووضع الحلول‬
‫للمشكلت المختلفة التي نشأت من تطور الدولة السلمية‪.‬‬
‫أما الدراسات الخلقية فقد سعت لوضع قيم وآداب تحكم تصرفات رجال‬
‫السلطة‪ .‬وكانت هذه الدراسات تصاغ في شكل مواعظ ونصائح للخلفاء‬
‫والملوك والسلطين ومن دونهم من رجال الدولة‪ .‬وهذه القيم الخلقية هي‬
‫التي تجعل السياسة في السلم – في جانبها النظري على القل – نظيفة‬
‫تقوم على الصدق والمانة والعدل‪.‬‬
‫وتضم الدراسات التاريخية الوثائق السياسية والدارية للدولة السلمية منذ‬
‫تأسيسها‪ .‬وهذه الوثائق تشمل الخطب والرسائل والمعاهدات‪ ،‬وتسجل بدقة‬
‫كل نشاط سياسي في المجتمع‪ ،‬سواء كان صادرا ً من رجال الدولة أو من‬
‫المعارضين لها المتمردين عليها‪ ،‬وسواء كان في سياسة الدولة الخارجية في‬
‫السلم والحرب‪ .‬فهي بذلك ذات أهمية قصوى ومصدر رئيس من مصادر‬
‫الدراسات السياسية‪ ،‬فبجانب الوقائع التاريخية فإننا نجد المبادئ السياسية‬
‫والحكام التنظيمية‪.‬‬
‫تطور علم السياسة في السلم‪:‬‬
‫إن تطور علم السياسة ذو صلة وثيقة بالتاريخ السياسي‪ .‬ومن الممكن تبعا ً‬
‫لذلك تقسيم الطوار التي مر بها هذا العلم إلى عصور موازية للحقب‬
‫التاريخية التي ينقسم إليها تاريخ السلم السياسي‪ .‬وهي العصر النبوي‪،‬‬
‫وعصر الخلفة الراشدة‪ ،‬والعصر الموي‪ ،‬والعصر العباسي‪ ،‬والعصور‬
‫المتأخرة‪ ،‬ومنها العصر العثماني‪ ،‬ثم العصر الحديث‪ .‬فالعصر النبوي وعصر‬
‫الخلفة هو دور التأسيس والتأصيل ثم يأتي في العصر الموي والعصر‬
‫العباسي دور التدوين والجتهاد‪ .‬أما العصور المتأخرة فهي عصور التقليد‬
‫والنقل‪ .‬وفي العصر الحديث محاولت الحياء والبعث‪.‬‬
‫ومن الممكن دراسة تطور علم السياسة خلل هذه العصور بهذا الترتيب‪.‬‬
‫ومع ما لهذه الطريقة من مزاياها في إبراز النجازات التي تمت في كل‬
‫عصر‪ ،‬والضافات التي يضيفها كل عصر إلى جهود السابقين غير أن مثل هذه‬
‫الدراسة تصلح إذا كانت الدراسات السياسية علما ً مستقل ً واحدًا‪ .‬وقد سلف‬
‫القول في بيان أن هذه الدراسات مبعثرة في عدد من الكتب‪ ،‬وتضمها شعب‬
‫مختلفة من شعب العلوم السلمية‪ .‬ولهذا رأيت تناول كل شعبة على حدة‪،‬‬
‫ودراسة تطور المباحث السياسية التي تضمها‪ .‬وهذا المقال يقتصر على‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تطور الفقه السياسي فقط‪ ،‬ونمهد لذلك بأصوله في القرآن والسنة‪.‬‬


‫مبادئ القرآن السياسية ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أسس القرآن المبادئ والصول التي تقوم عليها السياسة‪ ،‬وكثير من هذه‬
‫السس قد جاء بيانها بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‬
‫وشروعه في تأسيس دولة فيها‪ .‬وليس معنى هذا خلو العهد المكي من‬
‫إشارات للسياسة‪ ،‬فقضية اللوهية وصفاتها وخصائصها التي ما انفك القرآن‬
‫يعالجها منذ نزوله هي القضية الولى في تصور السلم للسياسة‪ .‬ومن‬
‫المعروف في تاريخ القرآن أن مبادئه لم تعلن في وثيقة واحدة في يوم‬
‫واحد‪ ،‬بل كانت تبين في فترات متتابعة تبعا ً للمشكلت التي تنشأ‪ .‬ومن‬
‫الصعب حقا ً أن يسجل المرء تسجيل ً دقيقا ً التريث الزمني لنزول اليات التي‬
‫تحوي مبادئه السياسية‪ .‬وقد تكون مثل هذه المحاولة قليلة الفائدة لن‬
‫التطور التاريخي للدولة في المدينة قد سجل بالتفصيل في كتب السيرة‪.‬‬
‫ونورد فيما يلي طائفة من هذه المبادئ السياسية التي أوضحتها بعض آيات‬
‫القرآن ]‪ [4‬مع الشارة بقدر المكان إلى الظروف والمرحلة التاريخية التي‬
‫نزلت فيها‪.‬‬
‫‪ -1‬اختصاص اللوهية بالحاكمية‪:‬‬
‫أكدت هذا المبدأ كثير من اليات كقوله تعالى‪:‬‬
‫أ – )ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك‬
‫يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان‬
‫أن يضلهم ضلل ً بعيدًا( ]النساء‪.[60:‬‬
‫والنص فيما يبدو من النصوص المبكرة التي نزلت في السنوات الولى من‬
‫قيام دولة المدينة‪ ،‬حيث كان مجتمع المدينة يتكون من اليهود والمسلمين‬
‫والمشركين‪ .‬وقد نزل النص يؤكد أن الحاكمية لله تعالى وحده وذلك حين‬
‫تخاصم رجل من المسلمين مع رجل من اليهود وذهبا لكاهن مشرك يقضي‬
‫بينهما‪ ،‬وكان هذا الكاهن قاضيا ً في الجاهلية ]‪.[5‬‬
‫ب ‪ -‬ومن النصوص المشابهة لهذا النص في دللته وظروفه قوله تعالى‪:‬‬
‫)ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ‪ ..‬فأولئك هم الظالمون ‪..‬‬
‫فأولئك هم الفاسقون( ]المائدة‪.[47 ،45 ،44:‬‬
‫)أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن حكما ً لقوم يوقنون( ]المائدة ‪.[50‬‬
‫وهذه النصوص أيضا ً نصوص مبكرة إذ أنها كانت تعقيبا ً على حادثة رجم‬
‫الزانيين من اليهود ]‪ [6‬وقد كان قبل الجلء النهائي لليهود والذي حدث في‬
‫السنة الخامسة للهجرة ]‪.[7‬‬
‫ج _ )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواٍء بيننا وبينكم أل ّ نعبد إل ّ الله ول‬
‫نشرك به شيئا ً ول يتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون الله فإن تولوا فقولوا‬
‫اشهدوا بأّنا مسلمون( ]آل عمران‪.[64:‬‬
‫وهذه الية تبطل صفة التشريع التي كان يتمتع بها الحبار الرهبان من دون‬
‫الله‪ ،‬وقد ضمنها الرسول صلى الله عليه وسلم في الرسالة التي وجهها إلى‬
‫هرقل عظيم الروم يدعوه فيها إلى السلم‪ .‬وكان نزولها في الفترة السابقة‬
‫لفتح مكة ]‪.[8‬‬
‫‪ - 2‬منزلة الرسول التشريعية‪:‬‬
‫ونختار ثلثة نصوص لبيان هذا المبدأ نزلت كلها في المراحل الولى من العهد‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المدني‪.‬‬
‫أ – )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله‬
‫شديد العقاب( ]الحشر‪.[7:‬‬
‫وتاريخ هذا النص يرجع إلى السنة الرابعة من الهجرة إثر غزوة بني النضير ]‬
‫‪.[9‬‬
‫ب – )ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا( ]النساء‪.[115:‬‬
‫والحادثة التي كانت سببا ً لهذا النص كانت في السنوات الولى من العهد‬
‫المدني أيضا ً ]‪.[10‬‬
‫ج – )وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن الله( إلى قوله تعالى‪) :‬فل وربك ل‬
‫يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما‬
‫قضيت ويسلموا تسليمًا( ]النساء‪.[64،65 :‬‬
‫والروايات التي تذكر في سبب نزول هذا النص ل نستطيع منها أن نحدد تاريخ‬
‫النص‪ ،‬وإن كانت الشارة قد وردت بأن نزولها كان بعد بدر بسبب طعن أحد‬
‫المسلمين في حكم قضى به الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفه له‬
‫بالمحاباة في حكمه ]‪.[11‬‬
‫‪ - 3‬مبدأ الخلفة‪:‬‬
‫وردت كلمة خليفة في موضعين في القرآن الكريم‪:‬‬
‫أ – )يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين الناس بالحق ول تتبع‬
‫الهوى فيضلك عن سبيل الله( ]ص‪ [26:‬وهو نص من العهد المكي‪.‬‬
‫ب – )وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة( ]البقرة‪ [30:‬وهو‬
‫نص من العهد المدني وسورة البقرة من أوائل ما نزل بالمدينة ]‪.[12‬‬
‫‪ - 4‬طاعة الدولة‪:‬‬
‫)يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن‬
‫تنازعتم في شيٍء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم‬
‫الخر( ]النساء‪.[59:‬‬
‫ونزل هذا النص في أحد أمراء السرايا يبين الحدود بطاعة الدولة ]‪.[13‬‬
‫‪ - 5‬مبدأ الشورى‪:‬‬
‫وهذا المبدأ الهام نجده في نصين‪:‬‬
‫أ – )وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون( ]الشورى‪.[38:‬‬
‫وهذا نص من العهد المكي حين كان المسلمون جماعة وحركة لم تصل إلى‬
‫مرحلة الدولة‪ .‬وقد جعل هذا النص الشورى صفة أساسية من صفات هذه‬
‫الجماعة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ب – )وشاورهم في المر( ]آل عمران‪ .[159:‬وهذا النص ورد في مرحلة‬


‫متأخرة‪ ،‬فمن المرجح أن ذلك عقب غزوة أحد التي كانت في شوال في‬
‫السنة الثالثة من الهجرة ]‪ [14‬لنه في السياق الذي يعقب على حوادث هذه‬
‫الغزوة‪ .‬ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم استشارهم أيخرج إلى أحد‬
‫للقاء العدو خارج المدينة أم ينتظرهم ويقاتلهم في المدينة‪ ،‬فأشاروا عليه‬
‫بالخروج فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون فوقعت الهزيمة ]‬
‫‪ [15‬فجاء النص يؤكد على ممارسة الشورى وإن كانت نتائجها خاطئة في‬
‫بعض الحيان‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 6‬مبدأ البيعة ‪:‬‬


‫البيعة عقد بين المة والحاكم ومن النصوص الواردة في شأنها‪:‬‬
‫ً‬
‫)يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ل يشركن بالله شيئا ول‬
‫يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولدهن ول يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن‬
‫وأرجلهن ول يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور‬
‫رحيم( ]الممتحنة‪.[12:‬‬
‫وقد كانت المؤمنات المهاجرات بعد صلح الحديبية يمتحن بهذه الشروط‬
‫ويبايعن على الوفاء بها‪ ،‬حتى عرفت صيغة هذه البيعة باسم بيعة النساء ]‬
‫‪.[16‬‬
‫‪ - 7‬وظائف الدولة‪:‬‬
‫أ – )الذين إن مكناهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف‬
‫ونهوا عن المنكر ولله عاقبة المور( ]الحج‪ [41:‬وهذه الية جزء من سياق‬
‫أول آيات أنزلت بالذن بالقتال‪.‬‬
‫)أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا( ]الحج‪ [39:‬وقد جاء ذلك الذن في بداية‬
‫العهد المدني ]‪.[17‬‬
‫ب – )لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس‬
‫بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد( ]الحديد‪ [25:‬وهذا نص مدني‪.‬‬
‫ج – )إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن‬
‫ما يعظكم به‪ ،‬إن الله كان سميعا ً بصيرًا( ]النساء‪:‬‬‫تحكموا بالعدل‪ ،‬إن الله ن ِعِ ّ‬
‫‪ .[58‬ومن المعلوم أن هذه الية نزلت بعد فتح مكة مباشرة تأمر بدفع‬
‫مفاتيح الكعبة لحد الرجال الذين أسلموا وكانت هذه المفاتيح عند أسرته في‬
‫الجاهلية ]‪ [18‬والية تؤكد عموما ً قاعدتي العدل والمانة في تسيير الدولة‬
‫واختيار رجالها‪.‬‬
‫‪ - 8‬وضع القليات غير المسلمة والعلقات الدولية ‪:‬‬
‫أ – )يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة‬
‫وقد كفروا بما جاءكم من الحق( ]الممتحنة‪ .[1:‬وهذا النص كان قبيل فتح‬
‫مكة في قصة حاطب بن أبي بلتعة الذي أرسل خطابا ً لكفار مكة يخبرهم‬
‫باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم لغزوهم ]‪.[19‬‬
‫ب – )ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من‬
‫دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين( ]الممتحنة‪.[8:‬‬
‫وهذا النص تابع لسياق النص السابق وجاء في ظروفه نفسها‪.‬‬
‫ج – )يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد‬
‫عامهم هذا‪ ،‬وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء‪ ،‬إن الله‬
‫عليم حكيم( ]التوبة‪ [28:‬وقد كان نزول هذه الية في العام التاسع من‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫د – )قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله‬
‫ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن‬
‫يد وهم صاغرون( ]التوبة‪ .[29:‬وكان نزول هذه الية عام تسع من الهجرة‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫و – )إل الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ً ولم يظهروا‬
‫عليكم أحدا ً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم( ]التوبة‪[4:‬‬
‫)فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين(]التوبة‪ [7:‬وهذه‬
‫النصوص جزء من صدر سورة براءة ومن المعلوم أنها نزلت في السنة‬
‫التاسعة من الهجرة وهي آخر ما نزل من السور‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتب التفسير والسياسة ‪:‬‬


‫وما دام القرآن هو المصدر الول لكثير من المبادئ السياسية فإن كتب‬
‫التفسير تصبح مرجعا ً مهما ً لبيان تلك المبادئ والتعليق عليها وبخاصة الكتب‬
‫التي اهتمت بإبراز الحكام الفقهية مثل كتاب )الجامع لحكام القرآن( للمام‬
‫القرطبي توفي ‪ 671‬هـ‪.‬‬
‫نصوص الحديث السياسية ‪:‬‬
‫الحديث هو المصدر الثاني من مصادر الفقه السياسي وهو بمثابة الشرح‬
‫والتفصيل للمبادئ الساسية التي جاءت في القرآن‪ .‬وقد تضمنت كتب‬
‫الحديث الرئيسية فصول ً مستقلة جمعت فيها نصوص الحاديث الخاصة‬
‫بمسائل السياسة‪ .‬وقد دونت تلك النصوص تحت عناوين مختلفة وبالنظر في‬
‫هذه العناوين تتفتح لك التجاهات التي كانت سائدة بين المحدثين في عصور‬
‫التدوين والمصطلحات المتداولة لمفهوم السياسة‪.‬‬
‫ففي بعض هذه الكتب نجد مباحث السياسة مفردة تحت عنوان المارة‪،‬‬
‫ويبحث بعضها مسائل المارة والقضاء في موضع واحد‪ ،‬ويجعل بعضها مباحث‬
‫المارة جزءا ً من مباحث الجهاد‪ ،‬ويضم بعضها مباحث المارة مع مباحث‬
‫السياسة المالية مثل الخراج‪ ،‬وقد اهتم بعض هذه الكتب بمسألة جزئية من‬
‫فقه السياسة وأفرد له فصل ً خاصا ً وعنوانا مثل البيعة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وواضح من هذه التجاهات الربط بين الدولة ووظائفها فمن نظر إلى وظيفتها‬
‫القضائية جعلها ضمن مباحث القضاء‪ ،‬ومن نظر إلى وظيفتها العسكرية‬
‫جعلها ضمن مباحث الجهاد‪ ،‬ومن نظر إلى وظيفتها القتصادية جعلها ضمن‬
‫مباحث الدولة المالية‪ .‬وسنرى هذه التجاهات ذاتها هي التي كانت سائدة في‬
‫الدراسات الفقهية‪.‬‬
‫فالمام البخاري )‪256-194‬هـ( جمع أحاديث الفقه السياسي تحت عنوان‬
‫الحكام‪ ،‬وكلمة أحكام تعني ما يصدر من الحاكم‪ ،‬ويعني به البخاري الخليفة‬
‫والقاضي‪ ،‬ولهذا ذكر هنا ما يتعلق بالخلفة وبالقضاء من أحاديث زادت على‬
‫مائة حديث ]‪ .[20‬ول يعني هذا أن البخاري قد جمع كل الحاديث الخاصة‬
‫بمسائل السياسة في هذا الموضع‪ .‬بل إننا نجد موضوعات هامة في مواضع‬
‫أخرى‪ .‬فالشورى مثل ً ضمها في المباحث التي جعل عنوانها )العتصام‬
‫بالكتاب والسنة(]‪.[21‬‬
‫ولصحيح البخاري عدد كبير من الشروح من أشهرها شرح ابن حجر ) ‪-‬‬
‫‪852‬هـ( واسمه‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬وشرح العيني ) ‪855-‬هـ ( واسمه‪ ،‬عمدة‬
‫القارئ‪ ،‬ومن المعلوم أن البخاري قد وضع عناوين كتابه بنفسه‪ ،‬أما المام‬
‫مسلم )‪261-206‬هـ ( فمع أنه قد جمع الحاديث ورتبها حسب الموضوعات‬
‫غير أنه لم يعطها عناوين من عنده وقد عنونها المام النووي في القرن‬
‫السابع الهجري‪ ،‬وكتب شرحا ً لصحيح مسلم هو من أحسن الشروح‪ .‬وقد‬
‫أعطى النووي الحاديث الخاصة بمسائل السياسة عنوان ) كتاب المارة (‬
‫ونجد تحت هذا العنوان أحاديث خاصة بالجهاد ]‪.[22‬‬
‫ً‬
‫وجعل المام أبو داود )‪ 275-202‬هـ( في سننه فصل بعنوان ) كتاب الخراج‬
‫والمارة والفئ( ]‪ [23‬وواضح من هذا العنوان أنه يربط بين الدولة ووظيفتها‬
‫القتصادية‪ .‬وهو أحد اتجاهات السائدة في مباحث الدولة في ذلك العصر‪.‬‬
‫وممن شرح سنن أبي داود الخطابي ) ‪ 388-‬هـ( ويكتسب شرحه أهمية‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خاصة لنه من العصور الولى والدراسات المبكرة‪.‬‬


‫وأما في سنن المام الترمذي )‪279-209‬هـ ( فنجد مباحث السياسة موزعة‬
‫بين أبواب الحكام والسير والجهاد ]‪ [24‬أي أنها متصلة بمباحث القضاء‬
‫والجهاد‪.‬‬
‫ويضع المام ابن ماجة ) ‪273-207‬هـ( أحاديث المارة ضمن أبواب الجهاد ]‬
‫‪ .[25‬أما المام النسائي فيتجه اتجاها ً مختلفا ً إذ يفرد في سننه كتابا ً مستقل ً‬
‫عن البيعة ]‪ [26‬ويورد تحت هذا العنوان مسائل الدولة‪ .‬ونجد هذا الصنيع‬
‫نفسه في مؤلف المام مالك ) ‪173-93‬هـ( وهو من أوائل كتب الحديث‪ ،‬إل‬
‫أنه لم يورد في مبحث البيعة إل ثلثة أحاديث فقط ]‪.[27‬‬
‫هذه أهم كتب الحاديث ولم يأت ذكر لمسند المام أحمد ) ‪241 -164‬هـ(‬
‫لن أحاديثه لم ترتب حسب الموضوعات‬
‫ول شك أن هناك مصنفات أخرى في الحديث تأتي في مرتبة أقل من هذه‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن في كتب الحديث قد تتكرر الحاديث ويرد الحديث الواحد‬
‫في أكثر من كتاب‪ .‬ولهذا اتجهت بعض المصنفات إلى جمع الحاديث المفرقة‬
‫في أمهات هذه الكتب وللمام ابن الثير ) ‪ 606-544‬هـ( موسوعة في هذا‬
‫المجال أسمها )جامع الصول( وقد جمع عددا ً تحت مادة الخلفة في حرف‬
‫الخاء‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬السلم وأصول الحكم علي عبد الرازق ص ‪.67‬‬
‫]‪ [2‬أنظر‪ :‬المدخل إلى علم السياسة – بطرس غالي ومحمد خيري – ص ‪3‬‬
‫و ‪ 7‬وانظر دائرة المعارف البريطانية مادة‪ :‬علم السياسة‪.‬‬
‫]‪ [3‬أنظر‪ :‬نظرية السلم وهديه في السياسة‪ ،‬أبو العلى المودودي‪ ،‬ص‬
‫‪.240‬‬
‫ً‬
‫]‪ [4‬جمع الستاذ أبو العلى المودودي كثيرا من هذه اليات في كتابه الخلفة‬
‫والملك‪.‬‬
‫]‪ [5‬تفسير ابن كثير ‪.1/518‬‬
‫]‪ [6‬تفسير ابن كثير ‪.1/28‬‬
‫]‪ [7‬البداية والنهاية ابن كثير ‪.4/166‬‬
‫]‪ [8‬البداية والنهاية ابن كثير ‪.1/371‬‬
‫]‪ [9‬البداية والنهاية ابن كثير ‪.4/74‬‬
‫]‪ [10‬هي حادثة سرقة ابن أبيرق درعا ً وأخفاها عند يهودي‪ ،‬تفسير ابن كثير‬
‫‪.1/550‬‬
‫]‪ [11‬تفسير ابن كثير ‪.1/520‬‬
‫]‪ [12‬تفسير ابن كثير ‪.1/517‬‬
‫]‪ [13‬تفسير ابن كثير ‪.1/39‬‬
‫]‪ [14‬البداية والنهاية لبن كثير‪.‬‬
‫]‪ [15‬تفسير ابن كثير ‪.1/409‬‬
‫]‪ [16‬تفسير ابن كثير ‪.4/352‬‬
‫]‪ [17‬تفسير ابن كثير ‪.262 ،3/252‬‬
‫]‪ [18‬تفسير ابن كثير ‪.1/515‬‬
‫]‪ [19‬تفسير ابن كثير ‪.4/344‬‬
‫]‪ [20‬فتح الباري لبن حجر ‪.16/227‬‬
‫]‪ [21‬فتح الباري ‪.17/102‬‬
‫]‪ [22‬أنظر صحيح مسلم بشرح النووي ‪.12/199‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [23‬سنن أبي داود ‪.3/180‬‬


‫]‪ [24‬سنن الترمذي الجزء ‪ 2‬و ‪.3‬‬
‫]‪ [25‬سنن ابن ماجة ‪.959 – 2/953‬‬
‫]‪ [26‬سنن النسائي ‪.7/137‬‬
‫]‪ [27‬الموطأ ‪.2/982‬‬
‫]‪ [28‬قام أحمد عبد الرحمن البنا بترتيب مسند المام أحمد حسب البواب‬
‫وأسماه الفتح الرباني وجعل فيه كتابا للخلفة والمارة‪ ،‬أنظر ‪.4/23‬‬
‫مبادئ الحديث السياسية‪:‬‬
‫إن أهم الموضوعات التي تعالجها نصوص الحاديث التي تضمنتها الكتب‬
‫السابقة يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫]‪ [1‬نظام الخلفة ‪) :‬كانت بنو إسرائيل تسوسهم النبياء‪ ،‬كلما هلك نبي خلفه‬
‫نبي‪ ،‬وإنه ل نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون ( البخاري ومسلم‪.‬‬
‫]‪ [2‬مسئوليات الدولة‪:‬‬
‫أ ‪) -‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ( البخاري الترمذي وأبوداود‪.‬‬
‫ب ‪) -‬إن شر الّرعاء الحطمة( مسلم‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ج – )أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا ً إمام عادل وأبغض‬
‫الناس إلى الله تعالى وأبعدهم منه مجلسا ً إمام جائر( رواه الترمذي‪.‬‬
‫د ‪) -‬من وله الله شيئا ً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم‬
‫وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة( وأبوداود‪.‬‬
‫و ‪) -‬ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إل‬
‫حرم الله عليه الجنة( البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫ز ‪) -‬من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا]‪ [1‬فما فوقه كان غلول‬
‫يأتي به يوم القيامة( مسلم‪.‬‬
‫]‪ [3‬الشورى‪:‬‬
‫)شاور النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد في المقام والخروج فرأوا له‬
‫الخروج( البخاري‪.‬‬
‫]‪ [4‬صفات الخليفة‪:‬‬
‫أ ‪) -‬إن هذا المر في قريش ل يعاديهم أحد إل كبه الله على وجهه ما أقاموا‬
‫الدين( البخاري‪.‬‬
‫ب ‪ ) -‬ل يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ( البخاري‪.‬‬
‫ج ‪) -‬إن رسول الله استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين ( البخاري‪.‬‬
‫]‪ [5‬اختيار الخليفة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قال عمر بن الخطاب )من بايع رجل من غير مشورة فل يتابع هو ول الذي‬
‫بايعه( البخاري‪.‬‬
‫ب ‪) -‬من أتاكم و أمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق‬
‫جماعتكم فاقتلوه ( مسلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ج ‪ ) -‬إنا ل نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه( البخاري ومسلم‪.‬‬
‫د ‪ ) -‬ل تسأل المارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها‪ ،‬وإن أعطيتها‬
‫من غير مسألة أعنت عليها(‪ .‬البخاري ومسلم‪.‬‬
‫و ‪) -‬إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر منهما ( مسلم‪.‬‬
‫]‪ [6‬البيعة‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أ ‪) -‬ثلثة ل يكلمهم الله يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم‪ :‬رجل بايع‬
‫إماما ً فإن أعطاه وفى وإن لم يعطه لم يف له ( الترمذي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الملك بن مروان يبايعه ويقول ) أقر‬
‫لك بالسمع والطاعة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما‬
‫استطعت( البخاري‪.‬‬
‫]‪ [7‬اختيار الوزراء ورجال الدولة‪:‬‬
‫أ ‪ ) -‬إذا أراد الله بالمير خيرا ً جعل له وزير صدق‪ ،‬إن نسي ذكره‪ ،‬وإن ذكر‬
‫أعانه‪ ،‬وإذا أراد غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم‬
‫يعنه ( أبوداود‪.‬‬
‫ب ‪ ) -‬ما بعث الله من نبي ول استخلف من خليفة إل كانت له بطانتان‪:‬‬
‫بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه‪ ،‬وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه‪،‬‬
‫والمعصوم من عصم الله( البخاري‪.‬‬
‫]‪ [8‬حقوق الدولة‪:‬‬
‫أ ‪) -‬اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام‬
‫فيكم كتاب الله( البخاري‪.‬‬
‫ب ‪) -‬من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع‬
‫المير فقد أطاعني ومن يعص المير فقد عصاني (‪.‬‬
‫ج ‪) -‬على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إل إن أمر‬
‫بمعصية فل سمع ول طاعة ( الجماعة إل الموطأ‪.‬‬
‫]‪ [9‬حقوق الرعايا‪:‬‬
‫أ ‪ ) -‬إذا ابتغى المير الريبة في الناس أفسدهم ( أبوداود‪.‬‬
‫ب ‪ -‬خطب عمر بن الخطاب فقال في خطبته‪) :‬إني لم أبعث عمالي ليضربوا‬
‫أبشاركم ول ليأخذوا أموالكم‪ ،‬فمن فعل به فليرفعه إلي أقصه منه‪ ،‬فقال‬
‫عمرو بن العاص ‪:‬لو أن رجل ً أدب بعض رعيته أتقتصه منه؟ قال‪ :‬إي والذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬أل أقصه ولقد رأيت رسول الله أقص من نفسه ( أبو داود‪.‬‬
‫نقد الحكومة وتغييرها‪:‬‬
‫أ ‪ ) -‬إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون إل من كره فقد برئ ومن‬
‫أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع‪ ،‬قالوا ‪ :‬أفل نقاتلهم؟ قال ل ما صلوا(‬
‫مسلم‪.‬‬
‫عجرة من أمراء يكونون بعدي‪ ،‬فمن غشي‬ ‫ُ‬ ‫بن‬ ‫كعب‬ ‫يا‬ ‫بالله‬ ‫)أعيذك‬ ‫ب–‬
‫أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ول يرد علي‬
‫الحوض‪ ،‬ومن غشي أبوابهم أولم يغش فلم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم‬
‫على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض( الترمذي‪.‬‬
‫ج ‪) -‬بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فسلحت رجل ً منهم سيفا ً‬
‫فلما رجع قال‪ :‬لو رأيت ما لمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال‬
‫عجزتم إذ بعثت رجل ً فلم يمض لمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لمري؟(‬
‫أبو داود‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫د ‪) -‬من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه من فارق الجامعة شبرا فمات‬
‫فميتته جاهلية( البخاري ومسلم‪.‬‬
‫الدراسات الفقهية في السياسة‪:‬‬
‫تأتي اجتهادات الخلفاء الراشدين الربعة في المرتبة الثالثة في مصادر الفقه‬
‫السياسي بعد القرآن والسنة خاصة تلك المسائل التي أجمع عليها الصحابة‬
‫في ذلك العصر‪ .‬وتتسم فترة الخلفاء الراشدين بصفات مميزة مما يجعلها‬
‫تشكل النموذج الذي قام عليه بناء الفقه السياسي برمته‪ .‬فمن خصائص هذا‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصر أن اجتهادات الخلفاء كانت تصدر بطريقة جماعية شورية مع مالهم هم‬
‫أنفسهم من قدم راسخة في الفقه والعلم‪ ،‬كما أن تلك الجتهادات كانت تأخذ‬
‫صفة القانون الذي يحكم شئون الدولة‪ .‬وبزوال عهد الخلفاء الراشدين فقدت‬
‫إلى حد كبير هاتان الميزتان‪ ،‬فاتجه الفقه بكل شعبه بما فيها الفقه السياسي‬
‫إلى التطور على يد أفراد وليس على يد هيئة تشريعية شورية‪ ،‬كما أن قانون‬
‫الدولة لم يكن كله خاضعا ً لراء الفقهاء‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫إن كثيرا ً من المبادئ السياسية العامة التي أرساها القرآن والسنة نجد لها‬
‫تفصيل ً وشرحا ً أوسع في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬لقد تأسس في ذلك العهد‬
‫نظام الخلفة‪ ،‬وتبلورت ممارسة الشورى في اختيار الخليفة وفي إدارة‬
‫الحكم وفي التشريع‪ .‬وتشكلت نظم مختلفة لتحقيق مهمة الدولة في إقامة‬
‫العدل وحفظ الدين وتنفيذ غاياتها وأداء وظائفها القضائية والمالية‬
‫والعسكرية‪ .‬وفي الفترة التي تلت عصر الخلفاء الراشدين حدث تحول في‬
‫نظام الحكم من خلفة على منهاج النبوة إلى ملكية‪ .‬وشهدت تلك الفترة‬
‫أيضا ً نشأة الفرق المختلفة من شيعة وخوارج وغيرهم‪ .‬وقد كان لهذين‬
‫الحدثين أثرهما في الفقه السياسي‪ ،‬وقد شغل الفقه في ذلك العصر بثلث‬
‫مسائل هامة‪ :‬الصورة الصحيحة لنعقاد الخلفة‪ ،‬وقضية البيعة‪ ،‬والخروج على‬
‫الحاكم الفاسق الظالم‪ .‬ولقد أسهم فقهاء التابعين ببيان وجهة النظر‬
‫الصحيحة في هذه المشكلت‪ .‬ومن أشهر من تصدى لذلك الحسن البصري‬
‫) توفي ‪110‬هـ( وسعيد بن المسيب توفي ) ‪92‬هـ( وسعيد بن جبير توفي)‬
‫‪95‬هـ(]‪ ،[2‬ويأتي في قمة هؤلء عمر بن عبد العزيز الذي أعادت إصلحاته‬
‫في نظام الخلفة إلى عهدها الراشد وأصبحت إصلحاته مصدرا ً تشريعيا ً‬
‫للفقه السياسي فيما بعد‪.‬‬
‫ومع هذه الجهود فقد ظلت مسائل الفقه السياسي منثورة حتى عهد أئمة‬
‫الفقه الربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد‪ ،‬حيث بدأ الفقه كله طورا ً‬
‫جديدًا‪ ،‬طور التدوين والتبويب والترتيب‪.‬‬
‫ونلحظ في تدوين الفقه السياسي اتجاهات أربعة‪[3]:‬‬
‫التجاه الول‪ :‬المزج بين مباحث الدولة وبين إحدى شعب الفقه الخرى ذات‬
‫الصلة بالدولة ويمثل هذا التجاه كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف ) ‪- 113‬‬
‫‪182‬هـ( أكبر تلميذ أبو حنيفة‪ ،‬وقد زاوج بين مباحث الخلفة ومباحث موارد‬
‫الدولة المالية‪.‬‬
‫التجاه الثاني‪ :‬بحث مسائل الفقه السياسي ضمن مباحث الفقه العام وتمثل‬
‫هذا التجاه مدونات المذاهب الفقهية الكبيرة ومن أوائل هذه المدونات كتاب‬
‫الم للشافعي ) توفي ‪204‬هـ(‬
‫التجاه الثالث‪ :‬أفرد الفقه السياسي بالتأليف ومن أول الكتب في ذلك كتاب‬
‫الحكام السلطانية للمام الماوردي ) توفي ‪450‬هـ( وقد اشتمل على كل‬
‫النظم الخاصة بالدولة من سياسية ومالية وقضائية وعسكرية‪.‬‬
‫التجاه الرابع‪ :‬بحث موضوع بعينه من موضوعات الفقه السياسي ومن أوائل‬
‫الكتب في ذلك كتاب الموال لمؤلفه أبو عبيد القاسم بن سلم المتوفى سنة‬
‫)‪224‬هـ( والكتاب في النظام المالي للدولة‪.‬‬
‫وفيما يلي قائمة بأهم المؤلفات القديمة في الفقه السياسي مرتبة حسب‬
‫وفاة مؤلفيها‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [1‬الخراج – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ) ت ‪182‬هـ (‬


‫]‪ [2‬السير الكبير – محمد بن الحسن الشيباني ) ت ‪ 189‬هـ(‬
‫]‪ [3‬الخراج – يحى بن آدم القرشي )ت ‪ 204‬هـ(‬
‫]‪ [4‬الموال أبو عبيد القاسم بن سلم )ت ‪ 224‬هـ(‬
‫]‪ [5‬الحكام السلطانية – علي بن محمد بن حبيب الماوردي )ت ‪450‬هـ(‬
‫]‪ [6‬قوانين الوزارة – الماوردي )ت ‪450‬هـ(‬
‫]‪ [7‬أدب القاضي – الماوردي )ت ‪ 450‬هـ(‬
‫]‪ [8‬غياث المم – أبو المعالي الجويني إمام الحرمين ) ت ‪478‬هـ(‬
‫]‪ [9‬نهاية الرتبة في طلب الحسبة – الشيزري )ت ‪589‬هـ(‬
‫]‪ [10‬العقد الفريد للملك السعيد – محمد بن طلحة القرشي )ت ‪652‬هـ(‬
‫]‪ [11‬السياسة الشرعية – ابن تيمية )ت ‪728‬هـ(‬
‫]‪ [12‬الحسبة في السلم – ابن تيمية )ت ‪ 727‬هـ(‬
‫]‪ [13‬معالم القربة في أحكام الحسبة – ابن الخوة )ت ‪729‬هـ(‬
‫]‪ [14‬الطرق الحكمية في السياسة الشرعية – ابن القيم )ت ‪751‬هـ(‬
‫]‪ [15‬أحكام أهل الذمة – ابن القيم )ت ‪751‬هـ(‬
‫]‪ [16‬تبصرة الحكام في أصول القضية ومناهج الحكام – ابن فرحون‬
‫المالكي )ت ‪799‬هـ(‬
‫]‪ [17‬تحرير السلم في تدبير أهل السلم – عزالدين بن جماعة )ت ‪819‬‬
‫هـ(‬
‫]‪ [18‬معين الحكام فيما تردد بين الخصمين من الحكام )ت ‪ 824‬هـ(‬
‫]‪ [18‬لسان الحكام في معرفة الحكام – ابن الشحنة )ت ‪ 882‬هـ(‬
‫ول شك أن هذه الكتب كما يتضح من عناوين بعضها ليست قاصرة على‬
‫النظام السياسي ولكنها اتجهت إلى الكتب المتخصصة في موضوعات ذات‬
‫صلة بالنظام السياسي مثل النظام المالي أو النظام القضائي‪.‬‬
‫أشهر رجال الفقه وآثارهم ‪:‬‬
‫]‪ [1‬أبو يوسف وكتابه الخراج ]‪:[4‬‬
‫هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬من سللة أحد الصحابة‪ ،‬ولد عام ‪ 113‬من‬
‫الهجرة وتوفي عن سبع وستين سنة عام ‪ 182‬هجرية‪ .‬وكان موطنه الكوفة‬
‫مركزا ً علميا ً مرموقًا‪ ،‬وقد تلقى العلم على أكابر أساتذة عصره‪ ،‬وكان من‬
‫أنجب تلميذ أبو حنيفة وأعلمهم وأكبرهم‪ ،‬وقام بتدوين فقهه ونشر مذهبه‪،‬‬
‫وتولى القضاء في دولة بني العباس‪ ،‬واستحدث له هارون الرشيد منصب‬
‫قاضي القضاة فاشتهر بحسن السيرة والعدل في قضائه‪ ،‬وكانت أهم أعماله‬
‫في هذا المجال أنه استطاع توحيد المة على قانون واحد هو الفقه الحنفي‬
‫وقضى على الفوضى القانونية التي كانت سائدة بسبب تأثيرات أهواء‬
‫الحكام‪ .‬ولما كان تعيين القضاة بيده فقد استطاع أن يختار قضاة صالحين‬
‫من مدرسته الفقهية‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والكتاب الذي نحن بصدده هو كتابه )الخراج(]‪ [5‬وكلمة خراج المقصود بها‬
‫ضريبة الرض ولكن أبو يوسف يستعملها هنا استعمال عاما‪ ،‬وهو المعنى‬
‫الشائع في ذلك العصر ويعني به إيرادات الدولة المالية ولكنه في الحقيقة‬
‫يبحث كافة أمور الدولة تقريبًا‪ .‬وقد ألفه أبو يوسف بتكليف من الخليفة‬
‫هارون الرشيد وهو بذلك يكتسب أهمية خاصة إذ هو بمثابة قانون يصدره‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قاضي القضاة للعمل به في كافة أقاليم الدولة‪.‬‬


‫وإذا تركنا جانبا ً موضوعاته الخرى فإن أهم المبادئ التي يقدمها في تصوره‬
‫للدولة ونظامها بطريقة موجزة هي‪[6]:‬‬
‫‪ - 1‬يضع أبو يوسف حكومات الخلفة الراشدة نماذج تحتذى ويستدل‬
‫بسوابقها القانونية ول يعتد أبدا ً بنهج حكام بني أمية وبني العباس‪ .‬وبهذا‬
‫المبدأ يلغي عادات ومعاملت الحكومات التي ل تتفق مع الشريعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يثبت أن للمسلمين نقد حكامهم نقدا ً حرًا‪ ،‬وأن حرية النقد هذه خير‬
‫للشعب والحكومة على السواء‪ ،‬وأن من حق المسلمين محاسبة الحاكم‬
‫وسؤاله عن حقوقهم التي شرعها لهم الشارع ومساءلته عن أموالهم التي‬
‫ائتمنوه عليها‪.‬‬
‫‪ - 3‬يدعو إلى التزام المشروعية في نفقات خزانة الدولة ‪ -‬بيت المال ‪-‬‬
‫وينهى الحكام عن استخدام أموال الدولة في أغراضهم الشخصية وصرفها‬
‫بغير وجه حق ويبين نظام الضرائب المشروعة‪.‬‬
‫‪ - 4‬ويقرر مبادئ معاملة القليات غير المسلمة في الدولة ‪ -‬أهل الذمة‪ -‬إذ‬
‫أن المعاملة السخية النظيفة جعلت النصارى في عهد عمر أوفياء مخلصين‬
‫للدولة ضد الرومان أبناء دينهم‪.‬‬
‫‪ - 5‬يقول للرشيد أنه حرم عليه استعمال الظالمين والخائنين في حكومته‬
‫ويعيد عليه النصح بأن يستوثق من أخلق من يختارهم للعمل مثلما يستوثق‬
‫من كفاءتهم وأن يبعث وراءهم من يحاسبهم إذا انحرفوا‪.‬‬
‫‪ - 6‬ويقول عن القضاء أن واجبه النصاف وينبغي أل يؤخذ أحد بشبهة‪ ،‬ويشير‬
‫بضرورة إجراء تحقيق فيمن أودعوا السجون بل اتهام ثابت‪ ،‬كما قدم‬
‫مقترحات هامة في إصلح نظام السجون‪.‬‬
‫)وقصارى القول أن القتراحات القانونية التي اقترحها أبو يوسف على حاكم‬
‫مطلق السلطة بصفته وزير العدل وقاضي القضاة في حكومته إذا طابقناها‬
‫على التصور السلمي الصحيح تبدو ناقصة من نواٍح عديدة‪ ،‬ولكن هذا ل‬
‫يعني أن تصور أبو يوسف للدولة هو ما جاء في تلك المقترحات‪ ،‬وإنما الحق‬
‫أن ذلك هو مبلغ ما كان يتوقعه في الدولة العباسية‪ .‬وبصفته مفكرا ًَ عمليا ً‬
‫فلم يكن يرمي إلى مجرد تقديم خطة نظرية إنما كان يريد إعداد خطة‬
‫قانونية أقل ما فيها أنها تحوي الجوهر المطلوب للدولة السلمية ويمكن إلى‬
‫جانب هذا تنفيذها في تلك الظروف(]‪.[7‬‬
‫]‪ [1‬الشيباني وكتابه )السير الكبير( ]‪:[8‬‬
‫هو محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬ولد بواسط عام ‪ 132‬هجرية‪ ،‬ونشأ بالكوفة‬
‫وتتلمذ على أبي حنيفة‪ ،‬وكان لبي حنيفة أثر كبير في تكوين ثقافته‪.‬‬
‫واشتهرت مكانته العلمية حتى أنه ليعد ثاني أصحاب أبي حنيفة بعد أبي‬
‫يوسف‪ .‬تولى من المناصب الحكومية منصب القضاء مرتين وتوفي عام ‪189‬‬
‫هجرية‪.‬‬
‫وأكبر مآثر الشيباني أمران‪ :‬الول‪ :‬كثرة إنتاجه الفقهي بل كان أكثر فقهاء‬
‫القرن الثاني إنتاجا ً ونشر بذلك المذهب الحنفي‪ .‬الثاني‪ :‬يعتبر كتابه المبسوط‬
‫من أول المدونات الفقهية الشاملة‪ .‬ولقد ألفت المدونات الفقهية التالية‬
‫اقتفاء لثره واتباعا ً له‪.‬‬
‫ويعتبر كتابه السير الكبير من أجمع ما ألف في ما ألف في موضوعه منذ عهد‬
‫مبكر‪ .‬وكلمة سير هي جمع سيرة وهي من المصطلح السلمي لفقه‬
‫العلقات بين المسلمين وغيرهم في الحرب والسلم‪ .‬ولقد كان المصدر الول‬
‫لهذا الفقه هو سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه ومغازيهم ومن‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هنا نشأ المصطلح‪ .‬ولقد كانت مواد كتاب السير الكبير الولية قد أملها‬
‫المام أبو حنيفة على تلميذه ونقلها عنه الشيباني وصاغها صياغة أولى في‬
‫كتابه السير الصغير ثم عاد ونقحها وزاد فيها زيادة كبيرة فكانت كتابه السير‬
‫الكبير‪ .‬وقد تناول في كتابه هذا مبادئ السلم في المور التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تنظيم العلقة مع غير المسلمين في حالة السلم‪ .‬وتشمل هذه ثلث‬
‫فئات‪ :‬القليات غير المسلمة داخل الدولة السلمية‪ ،‬سواء كانت إقامتها‬
‫دائمة ) أهل الذمة( أو مؤقتة )المستأمنون( القليات المسلمة خارج الدولة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تنظيم الحروب الخارجية وإدارتها وقواعد القتال وأثرها في الموال‬
‫والشخاص ) السرى والغنائم ( وطرق إنهاء الحرب والثار المترتبة على‬
‫إنهائها‪.‬‬
‫‪ - 3‬الحروب الداخلية وتشمل قتال المتمردين )البغاة( والمرتدين‪.‬‬
‫وبهذا الشمول فإن الكتاب يعتبر أول كتاب في العلقات الدولية‪ .‬وقد شرح‬
‫الكتاب المام السرخسي ‪-‬من فقهاء الحنفية في القرن الخامس الهجري]‬
‫‪.[9‬‬
‫]‪ [3‬أبو عبيد القاسم وكتابه الموال‪[10]:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫هو أبو عبيد القاسم بن سلم من المؤلفين الوائل في الفقه السياسي‪.‬‬


‫وكتابه الموال من أحسن ما صنف في نظام الدولة وقد كان أبو عبيد نابغا ً‬
‫في القراءات والتفسير والحديث‪ .‬واشتهر بكتابه غريب الحديث الذي مكث‬
‫في تأليفه وتنقيحه أربعين سنة‪ .‬تقلد من المناصب الحكومية قضاء طرسوس‬
‫وتوفي بمكة في أثناء الحج عام ‪ 224‬هجرية‪.‬‬
‫ويبحث كتاب الموال في موارد الدولة المالية وأوجه صرفها‪ .‬وميزة الكتاب‬
‫أنه بجانب موضوعه الرئسي قد جمع كثيرا من الحاديث والثار وكثيرا من‬
‫الرسائل والمعاهدات فكان بذلك سجل ً وثائقيا ً لهذه الفترة المبكرة من صدر‬
‫السلم‪ .‬ول يكاد كتاب في الفقه السياسي جاء من بعده إل ويقتبس منه‪.‬‬
‫]‪ [4‬الماوردي وآثاره‪[11]:‬‬
‫من أشهر كتب الفقه السياسي ) الحكام السلطانية ( المام الماوردي‪ .‬وقد‬
‫كان الماوردي إمام الشافعية في عصره‪ ،‬واسمه الكامل علي بن محمد بن‬
‫حبيب‪ .‬ولد في البصرة عام ‪ 364‬هجرية‪ ،‬وفيها تلقى العلم‪ ،‬وأتم تحصيله في‬
‫بغداد‪ ،‬تقلد القضاء في عدة مناطق حتى وصل منصب قاضي القضاة‪ ،‬وكان‬
‫ذا خلق ودين وله علقة وطيدة مع الخليفة ورجال الدولة في زمانه‪ .‬وكان‬
‫الخليفة يثق فيه وجعله سفيرا ً بينه وبين بني بويه وبينه وبين السلجقة‪،‬‬
‫وكانت بيد هؤلء مراكز القوة في الدولة‪ ،‬ولقد أهلته ثقافته العالية ووظائفه‬
‫المتعددة واتصاله برجال السلطة عن قرب وخبراته السياسية للكتابة في‬
‫الفقه السياسي‪ .‬وله مؤلفات في كثير من العلوم وله من الكتب السياسية‬
‫أربعة كتب‪:‬‬
‫‪ - 1‬الحكام السلطانية‪.‬‬
‫‪ - 2‬قوانين الوزارة‪.‬‬
‫‪ - 3‬نصيحة الملوك‪.‬‬
‫‪ - 4‬تسهيل النظر وتعجيل الظفر )في سياسة الملك(‪.‬‬
‫وقد نال كتاب الحكام السلطانية شهرة واسعة وهو يعد بحق أول من جمع‬
‫مسائل الفقه السياسي المنثورة في مواضع متفرقة في كتاب واحد‪ .‬ويقول‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن ذلك في مقدمة كتابه‪:‬‬


‫)لما كانت الحكام السلطانية بولة المور أحق‪ ،‬وكان امتزاجها بجميع الحكام‬
‫يقطعهم عن تصفحها مع تشاغلهم بالسياسة والتدبير أفردت لها كتابًا(]‪.[12‬‬
‫وقد ألف الكتاب بأمر من خليفة العصر فالكتاب بذلك ليس كتاب فقه نظري‬
‫بل هو موجه للسلطة الحاكمة للعمل به وتنفيذه‪.‬‬
‫يبدأ الكتاب بإعطاء تعريف للمامة والمؤهلت المطلوبة لتقلد هذا المنصب‬
‫الهام‪ ،‬والطرق الصحيحة لنعقاد المامة‪ ،‬ثم يبين واجبات الدولة وواجبات‬
‫الشعب نحوها والمور التي تؤدي إلى عزل المام‪ .‬وبعد أن يعطي تعريفا ً‬
‫لكل من الوزارة والمارة يتحدث عن أنواع الوزارة والمارة وسلطات كل‬
‫نوع والمؤهلت المطلوبة لتوليها‪ ،‬ثم ينتقل لمناقشة المهام التفصيلية لجهزة‬
‫الدولة المالية والقضائية والعسكرية‪.‬‬
‫وعموما ً يمكن إجمال تقديم الكتاب في النقاط التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بما أن الكتاب قد ألف في القرن الخامس الهجري وقد تأصلت المذاهب‬
‫الفقهية وتمايزت فإن الكتاب يعتبر جمعا ً ونقل ً لراء الفقهاء وتلخيصا ً‬
‫لنظرياتهم في مسائل السياسة‪ .‬ول يظهر فيه اجتهاد خاص الماوردي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬حاول الماوردي استيعاب الراء الفقهية‪ ،‬وقد أشار في مواطن عديدة‬
‫إلى من اقتبس منهم‪ .‬وقد كان منهجه في منهج الدراسة المقارنة‪ ،‬فلم‬
‫يقتصر على ذكر مذهب واحد بل تعرض لكل المذاهب وقارن بينها‪ .‬وكان‬
‫يذكر أيضا ً أدلة الراء من القرآن والسنة وآراء الصحابة والتابعين وأعمال‬
‫الخلفاء السابقين‪.‬‬
‫ج ‪ -‬سعى المؤلف لضم كل الموضوعات في مؤلف واحد‪ ،‬ولقد اضطره ذلك‬
‫إلى صياغة عباراته صياغة موجزة وذكر الدلة ذكرا مختصرًا‪.‬‬
‫د ‪ -‬ألف الكتاب أواخر الدولة العباسية حين بلغت الخلفة غاية الضعف‪،‬‬
‫واتسعت الهوة بين النظرية السلمية الصحيحة للدولة وبين الواقع‪ ،‬ومع‬
‫العرض النظري لنظام الدولة عالج الماوردي مشكلت عصره‪ ،‬فنجده يناقش‬
‫شرعية الخلفة السمية التي فقدت نفوذها وانتقلت سلطاتها إلى نائب أو‬
‫هيئة‪ ،‬وقد كانت تلك حال الخلفة في تلك الونة‪ .‬فقد استبد بنو بويه الرافضة‬
‫بالمر من دون الخليفة العباسي وكان ألعوبة في أيديهم ل سلطة له‪ .‬وكذلك‬
‫أيضا ً ناقش شرعية ما أسماه )إمارة الستيلء(]‪ [13‬وقد كان كثير من حكام‬
‫أقاليم في الدولة قد استولوا على الحكم بالقوة وفرضوا على الخليفة‬
‫العتراف بحكمهم‪ .‬وإذا كان قد انتهى إلى إجازة هذين الوضعين حتى اتهم‬
‫بمحاولة البحث عن المسوغات الشرعية للوضاع الظالمة فمما ل ريب فيه‬
‫أنه لم ينظر إلى تلك الوضاع على إل أنها أوضاع استثنائية وما كتبه عنها وما‬
‫كتبه عن شرعيتها ل يتجاوز أن يكون أحكاما اضطرارية‪.‬‬
‫والكتاب الثاني من كتب الماوردي السياسية هو كتابه ) قوانين الوزارة (‬
‫وهذه رسالة هامة تبحث في موضوع متخصص من موضوعات الفقه‬
‫السياسي‪ .‬فقد بحث المؤلف فيها كل ما يتصل بالوزارة من فقه‪ ،‬ابتداء من‬
‫تعريف الوزارة وأنواعها‪ ،‬ومؤهلت الوزراء إلى علقتهم برئيسهم ووظائفهم‬
‫وما يعينهم من سياسة للقيام بهذه الوظائف‪ .‬وانتهى في هذه الرسالة إلى‬
‫أن أهم غايات الوزارة تحقيق الهداف التالية‪) :‬دين متبع‪ ،‬سلطان قاهر‪ ،‬عدل‬
‫شامل‪ ،‬أمن عام‪ ،‬وخصب دائم(‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما كتابا الماوردي الخران )نصيحة الملوك( و )تسهيل الظفر( فهما كتب‬
‫الداب والخلق السياسية ول تدخل في نطاق الفقه‪ .‬وسيأتي الحديث عنهما‬
‫في موضعه‪.‬‬
‫]‪ [5‬أبويعلى وكتابه )الحكام السلطانية(]‪:[14‬‬
‫من الكتب المشهورة في الفقه السياسي كتاب آخر بعنوان )الحكام‬
‫السلطانية( ومؤلفه هو يعلى محمد بن الحسين الفراء عالم العراق في‬
‫عصره ولد في بغداد عام ‪ 380‬هـ‪ ،‬وبها نشأ ونهل من منابع شتى ونبغ فيه‬
‫حتى صار شيخ الحنابلة في أيامه‪ .‬وألف مصنفات عديدة وبخاصة في الفقه‬
‫الحنفي وأصول الفقه ولكن أكثر مصنفاته مفقود‪.‬‬
‫وقد عاصر المؤلف الماوردي إذ توفي بعده بثمانية أعوام وكتابه الحكام‬
‫السلطانية يشابه كتاب الماوردي إلى درجة كبيرة فهو يشاركه في العنوان‬
‫وفي التبويب والترتيب بل ويتطابق الكتابان أحيانا ً في النص‪ .‬ولعل الفرق‬
‫الوحيد بين الكتابين هو أن كتاب أبي يعلى اقتصر على بيان وجهة النظر‬
‫الحنبلية‪ ،‬أما الماوردي فقد كان كتابه دراسة فقهية مقارنة‪.‬‬
‫وهذا التشابه بين الكتابين يدفع إلى التساؤل أيهما الصيل؟ وليس من السهل‬
‫الجابة على هذا السؤال‪ .‬فل أحد يعرف تأريخ تأليف الكتابين‪ ،‬ويميل الظن‬
‫إلى اعتبار كتاب الماوردي هو السبق]‪ [15‬ومهما يكن المر فالكتابان يمثلن‬
‫اتجاها ً واحدا ً وقد مهدا السبيل لكتاب آخر هام وهو كتاب الجويني‪.‬‬
‫]‪ [1‬إبرة‪.‬‬
‫]‪ [2‬انظر الخلفة في الفكر السلمي د‪ .‬مصطفى حلمي ص ‪ 293‬وما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [3‬أنظر من أصول الفكر السياسي السلمي محمد فتحي عثمان ص ‪32‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [4‬البداية والنهاية ابن كثير ج ‪ 10‬ص ‪ ،180‬تاريخ التراث العربي فؤاد‬
‫سيزكين ‪.2/94‬‬
‫]‪ [5‬لكتاب الخراج شرح مطبوع بعنوان الرتاج ألفه عبد العزيز بن محمد‬
‫الرحبي‪.‬‬
‫]‪ [6‬الخلفة والملك – المودودي ص ‪ 192‬وما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [7‬الخلفة والملك – أبو العلى المودودي ص ‪.201‬‬
‫]‪ [8‬البداية والنهاية ابن كثير ‪ ،10/202‬وتاريخ التراث العربي سيزكين ‪.2/52‬‬
‫]‪ [9‬طبع الشرح في خمس مجلدات كبرى‪.‬‬
‫]‪ [10‬طبقات الشافعية ‪ -‬السبكي ‪ - 5/267‬مقدمة قوانين الوزارة للماوردي‬
‫ص ‪ 5‬وما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [11‬له كتاب في التفسير وكتاب ضخم في الفقه بعنوان الحاوي وكتاب‬
‫أدب الدنيا والدين‪.‬‬
‫]‪ [12‬الحكام السلطانية ص ‪.3‬‬
‫]‪ [13‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫]‪ [14‬القاضي أبو يعلى الفراء‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد القادر أبو فارس‪ ،‬ص ‪ 516‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫]‪ [15‬حقق الكتاب د‪ .‬فؤاد عبد المنعم ود‪ .‬مصطفى حلمي وكبعته دار الدعوة‬
‫سنة ‪1979‬م‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعابير منامية أم أخبار شيطانية؟‬


‫عبد الله بن مرزوق القرشي ‪4/4/1423‬‬
‫‪15/06/2002‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ " :‬الشياطين تظهر عند كل قوم بما ل ينكرونه "‪(1).‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫يناقش المقال ما شاع ‪،‬وانتشر من أخبار بين الناس في صورة تعابير‬
‫منامية ‪ ،‬ولهذه التعابير علمات تميزها عن غيرها منها ‪ :‬الختلف بين‬
‫الرؤيا ‪،‬والتعبير ‪،‬وعلمات أخرى ستذكر في المقال إن شاء الله ‪.‬‬
‫المقصود من المقال‪:‬‬
‫هو البحث في هذه الخبار هل هي من قبيل التعابير المنامية أم من قبيل‬
‫الخبار الشيطانية‪ .‬وليس من مقصود المقال الحكم على الشخاص‬
‫والعيان ‪،‬فإن لهذا شروطا ً ‪،‬وموانع يبحث فيها أهل العلم والخبرة ‪ .‬عند‬
‫حكمهم على الشخاص ‪ ،‬ل سيما وأن هذا المر قد يشتبه على الصالحين ‪،‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله–"وذاك الذي جاء كان شيطانا ً ؛‬
‫قال‪:‬أنا المسيح ‪،‬ولم يكن هو المسيح نفسه‪،‬ويجوز أن يشتبه مثل هذا على‬
‫الحواريين كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين)‪.(2‬‬
‫السبب الباعث لكتابة المقال ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن فيها أخبارا ً مستقبلية ‪ .‬وهذه الخبار إما عن طريق التعبير المنامي‬
‫الشرعي ‪ ،‬وإما عن طريق الشياطين ‪ .‬ول بد من التمييز بينهما؛ فالخبار عن‬
‫المستقبل عن طريق التعابير المنامية أمر مشروع ‪،‬والخبار عن طريق‬
‫الشياطين كهانة ممنوعة)‪(3‬وهو أمر خطير يوجب التنبيه عليه‪.‬‬
‫ب‪-‬أن هذه الحالة شاعت واشتهرت وتعلق الناس بها فوجب البحث والبيان‪.‬‬
‫إلى أولئك الصالحين وطلبة العلم ‪ ،‬ممن عرفه الناس مدافعا ً عن هؤلء‬
‫المعبرين ‪،‬ومجادل ً عنهم في المجالس والبحوث والمناقشات ‪ ،‬إلى هؤلء‬
‫الحباب ‪،‬وغيرهم أبعث هذه الكلمة ‪ ،‬أرجو أن يقرؤوها ‪،‬ويتدبروها ‪،‬فإن رأوا‬
‫حقا ً فهو أحق أن يتبع ‪ ،‬وإن رأوا باطل ً ردوه على صاحبه بالدلة‪.‬‬
‫أيها الخوة ‪:‬‬
‫نحن أول ً ل نناقش في أصل الرؤى ‪،‬وتعبيرها فهي باقية بقاء هذا الدين ‪.‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء‬
‫من ستة وأربعين جزًء من النبوة "‪ .‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ " :‬لم يبق من النبوة إل‬
‫المبشرات" ‪ .‬قالوا ‪ :‬وما المبشرات ؟ قال ‪ ":‬الرؤيا الصالحة" ‪ .‬وعن ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما أن ناسا ً أروا ليلة القدر في السبع الواخر ‪ ،‬وأن أناسا ً‬
‫أروها في العشر الواخر ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪":‬التمسوها في‬
‫السبع الواخر " ‪ .‬وعن ابن عمر قال ‪ :‬إن رجال ً من أصحاب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فيقصونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ‪،‬وأنا غلم حديث السن وبيتي المسجد‬
‫قبل أن أنكح ‪ ،‬فقلت في نفسي ‪ :‬لو كان فيك خيٌر لرأيت مثل ما يرى‬
‫هؤلء ‪ ..‬الحديث ‪ .‬وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال ‪ :‬كان رسول‬
‫الله يعني مما يكثر أن يقول لصحابه ‪":‬هل رأى أحد منكم من رؤيا؟" قال ‪:‬‬
‫فيقص عليه ما شاء الله أن يقص ‪ ..‬الحديث " قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ":‬إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ‪ ،‬ورؤيا المؤمن‬
‫جزء من ستة وأربعين جزءا ً من النبوة ‪(4)" ،‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن أبي جمرة‪ :‬معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان ل تكاد تكذب‬
‫أنها تقع غالبا ً على الوجه الذي ل يحتاج إلى تعبير فل يدخلها الكذب ‪ ،‬بخلف‬
‫ما قبل ذلك فإنها قد يخفى تأويلها فيعبرها العابر فل تقع كما قال فيصدق‬
‫دخول الكذب فيها بهذا العتبار ")‪.(5‬‬
‫فليس لحد في الرؤيا كلم إل أن يكون كلما ً في ضوابط ومعايير ينبغي أن‬
‫ترعى مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪،‬وحال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم معها ‪ ،‬هذه حدود الكلم في الرؤى والتعبير)‪(6‬‬
‫لكن حديثي هنا عن شيء آخر غير ذلك ‪ ،‬وهو الحفاظ على المعبرين‬
‫الصادقين من أن يدخل فيهم غيرهم ممن ليسوا من التعبير في قبيل أو دبير‬
‫وإنما هي شياطين تخبرهم عن ‪-1:‬أحوال الرائي‪ -2 .‬أمور في المستقبل‬
‫تصدق حينا ً وتكذب أحايين كثيرة‪ ،‬عن هذه الطائفة بالذات ستكون هذه‬
‫الكلمة ‪ ،‬وقبل أن أبدأ أذكر إخواني بأن انشغالهم بتثبيت الرؤى والتعابير ‪،‬‬
‫والدفاع عن هذا الجزء من ديننا الحنيف ‪ ،‬ل ينبغي أن يشغلهم عن حماية‬
‫جناب التوحيد ‪ ،‬وحفظ المة من تلعب الشياطين ول بد لنا من ضابط معلوم‬
‫تتميز به التعابير المنامية من الخبار الشيطانية‪ .‬علم بذل صاحبها أم جهله‪.‬‬
‫وها أنا أسوق أربعة أمور تجعلني أجزم أن هذه الطائفة ممن ستذكر‬
‫خصائصها ليسوا معبرين في شيء ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أول ً ‪ :‬إذا نظرنا في الرؤى الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم وتعابيرها ‪ :‬وجدنا أن هناك علقة ظاهرة بين الرؤيا والتعبير ‪ ،‬نعم ل‬
‫يصيب في التعبير إل أهله ‪ ،‬ولكن إذا ذكر المعبر تعبيره ل حظ الناس –كل‬
‫الناس‪ -‬العلقة الظاهرة بين الرؤيا والتعبير‪ .‬خذ مثل ً تعبير النبي الكريم‬
‫يوسف عليه السلم ‪) :‬أحد عشر كوكبا ً ‪ ..‬أخوته (‪)،‬إني أراني أعصر خمرا ً‬
‫‪..‬فيسقي ربه خمرًا( ‪) ،‬أحمل فوق رأسي خبزا ً ‪ ..‬تأكل الطير من رأسه( ‪،‬‬
‫)سبع بقرات سمان ‪ ..‬تزرعون سبع سنين دأبا ً ( وهكذا ‪..‬سمت ظاهر ‪ ،‬ما‬
‫خالفه أوجب ريبة في النفوس ‪ ،‬وللسمت الظاهر قوة في الستدلل ‪ ،‬وقطع‬
‫للحجة ؛ فماذا ستقول لصحاب التفسير الباطني أحسن من أن سمت‬
‫تفسيرهم وصفته الظاهرة مخالفة أتم المخالفة للسمت العام في تفسير‬
‫الصحابة ممن شهدوا التنزيل رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫فل تحقرن هذه العلمة ؛ فإنها منجية لك من مهالك كثيرة‪ ..‬فأخبروني كيف‬
‫يعرف الناس الفرقة الناجية من بين ثلث وسبعين فرقة ؟ حيرة بالغة ‪،‬‬
‫وشك كبير ‪ ،‬سيتبدد جميعا ً حين تسمع علمة هذه الفرقة من رسول الهدى"‬
‫كلها في النار إل واحدة‪،‬وهي الجماعة")‪ (7‬وهي من كان على مثل ما كان‬
‫عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا سمتهم وهذه صفتهم‬
‫الظاهرة يعرفها الجاهل والعالم ‪ ،‬والذكي والبليد فتأمل‪.‬‬
‫وماذا نفهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬الرؤيا الحسنة من‬
‫الله ‪ ،‬فإذا رأى أحدكم ما يحب فل يحدث به إل من يحب ‪ ،‬وإذا رأى ما يكره‬
‫فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ‪،‬وليتفل ثلثا ً ول يحدث بها أحدا ً ‪،‬‬
‫فإنها لن تضره ")‪ . (8‬أل يدل هذا على أن هناك علقة ؟ وإل فكيف سيمتثل‬
‫الرائي هذا الحديث ؟! ‪ .‬وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم العرابي – في‬
‫حديث جابر عند مسلم‪ -‬عن إخباره بتلعب الشيطان به ‪ ،‬كيف يصح النهي‬
‫‪،‬والرجل ل يدري عن أي علقة بين الرؤيا والتعبير ؟! أترى أن التعابير التي‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخبر بها يوسف – ذلك النبي الكريم‪ -‬الذي امتن الله عليه‪) :‬ولنعمله من‬
‫تأويل الحاديث ( جاءت متناسبة مع الرؤى ‪ :‬مصادفة ؟ وهكذا تعبير محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم جاءت متناسبة مع الرؤى ‪ :‬اتفاقا ً ؟! أم أن المناسبة‬
‫بين الرؤى ‪،‬والتعبير إحدى خصائص التعبير المنامي التي ل يجوز تجاوزها )‪.(9‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله‪ " -‬ولهذا كان مدار تأويل الرؤيا على‬
‫معرفة القياس والعتبار ")‪(10‬وقال في موضع آخر ‪ ":‬وهذا غالب ما يرى ‪،‬‬
‫ويسمع في المنام ‪ ،‬فإنه يحتاج إلى تأول ‪،‬وهو بمنزلة الستعارة والمثال‬
‫المضروبة" )‪(11‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬وأيضا ً راجع النظرة في الرؤى الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم وتعبيرها إنك سترى صفة أخرى فهي غالبا ً ل تذكر التفصيلت‬
‫الدقيقة جدا ً ‪ ،‬تعبير ظاهر ليس فيه تفصيل دقيق جدا ً مع بلوغ أصحابها الغاية‬
‫في القدرة على التعبير‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أما هؤلء فإنهم يفصلون تفصيل دقيقا جدا ‪ ،‬خلفا لما عهدناه في تعابير‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬وهو كما ترى خلف في السمت العام ‪ ،‬والصفة الظاهرة‬
‫يوجب ريبة في النفوس ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬اعترف بعضهم عند خاصته ) وهذا ثابت عنهم ( ‪ :‬أنه يرى شيئا ويسمع‬
‫ً‬
‫شيئا ً يخبر به – ويسميه تعبيرا ً – ولو كان هذا موجودا ً في المعبرين السابقين‬
‫لنقل إلينا نقل ً مستفيضا ً ‪،‬فهو مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ‪ ،‬كما لو "‬
‫قال رجل من أهل الجمعة إن الخطيب ضربه رجل بالسيف ‪،‬فقتله وهو‬
‫يخطب على المنبر ‪ ،‬ولم يذكر هذا باقي أهل الجمعة ‪ ،‬جزمنا بأن ذلك‬
‫كاذب ؛ لن تواطؤهم على كتمان مثل هذا المر مستحيل عادة ‪ ،‬ومن هنا‬
‫قالوا ‪ :‬ما نقل آحادا ً مع توفر الدواعي إلى نقله تواترا ً حكم ببطلنه")‪(12‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ " :‬كما يستدل بعدم النقل )لما تتوفر الهمم والدواعي‬
‫على نقله ‪ ،‬وما توجب الشريعة نقله ‪ ،‬وما يعلم من دين أهلها وعادتهم أنهم‬
‫ينقلونه(على أنه لم يكن ")‪.(13‬‬
‫أفيعقل أن يوسف عليه السلم ‪،‬والمعبرين من قبله ‪،‬ومن بعده ‪ ،‬ومحمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪،‬ومن عبر بعده كانوا يرون صورة التعابير أمامهم أو‬
‫يسمعون التعبير بآذانهم ول ينقل إلينا مع تشوف الناس للتعبير ‪ ،‬وكثرة سؤال‬
‫الناس لهم ‪:‬من أين لك هذا؟ فيجيبونهم‪ :‬بأن الول قال كذا وكذا فكان تعبيره‬
‫كذا وكذا ‪..‬‬
‫أما الثاني فقال ‪ :‬كذا ‪ ..‬ول يذكرون شيئا ً يرونه أو يسمعونه )‪. (14‬وبهذا نعلم‬
‫أن المعبرين السابقين لم يكونوا يرون شيئا ً أو يسمعون شيئا ً ؛ فعدم النقل‬
‫هنا هو بمثابة نقل العدم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما أصحاب الجن والشياطين فقد قال شيخ السلم ‪" :‬وإذا سئل الشيخ‬
‫المخدوم عن أمر غائب ‪ :‬إما سرقة ‪ ،‬وإما شخص مات وطلب فيقول الشيخ‬
‫وطلب منه أن يخبر بحاله ‪ ،‬أو علة في النساء ‪ ..‬أو غير ذلك فإن الجني قد‬
‫يمثل ذلك ‪ ،‬فيريه صورة المسروق فيقول الشيخ ‪ :‬ذهب لكم كذا وكذا ‪ ،‬ثم‬
‫إن كان صاحب المال معظما وأراد أن يدله على سرقته ‪ ،‬مّثل له الشيخ‬
‫الذي أخذه أو المكان الذي فيه المال ‪،‬فيذهبون إليه‪،‬فيجدونه كما قال ")‪.(15‬‬
‫وقال أيضا ً ‪" :‬ولقد أخبر بعض الشيوخ الذي كان قد جرى لهم مثل هذا‬
‫بصورة مكاشفة ومخاطبة فقال ‪ :‬يرونني الجن شيئا ً براقا ً مثل الماء والزجاج‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬ويمثلون له فيه ما يطلب من الخبار به قال ‪ :‬فأخبر الناس به ")‪. (16‬‬


‫وقال ‪ " :‬والجني إذا أراد أن يري قرينه أمورا ً غائبة سأل عنها ‪ ،‬مّثلها له ‪.‬‬
‫فإذا سئل عن المسروق ‪ ،‬أراه شكل ذلك المال ‪ .‬وإذا سئل عن شخص ‪،‬أراه‬
‫صورته ‪ .‬ونحو ذلك")‪.(17‬‬
‫ومما وقع لبعض هذه الطائفة أنه يقول للمتصل به وهو يسرد رؤياه ‪ :‬استمر‬
‫إن استمررت ذكرت اسمك ‪ .‬وحضرت مجمعا ً عاما ً لحدهم يعبر فيه ‪ ،‬فأقحم‬
‫فهم عنه ‪ ،‬واستمر في تعبيره ثم قال بعد‬ ‫ة عن الجوال لم ت ُ ْ‬
‫في تعبيراته كلم ً‬
‫معُ زوجته الن ‪ .‬فما علقة ذلك‬ ‫س ِ‬ ‫ً‬
‫ذلك ‪ :‬وصاحب الرؤيا السابقة فاتحا جواله ي ُ ْ‬
‫بالرؤيا غير أنه سمع خبرا ُ وبلغه ‪ " :‬ورب مبلغ أوعى من سامع" وقد " وعينا"‬
‫نحن أن ذلك من الشياطين ‪ .‬فلو كان لها علقة بالرؤيا لذكر ذلك مباشرة ‪،‬‬
‫ما أن ينبه بطريقة غامضة ‪ ،‬ثم يعرف أنه ل يزال فاتحا ً جواله فيشهر به‬ ‫أ ّ‬
‫‪.‬فهذه أخبار شيطانية ل تعابير منامية‪.‬‬
‫ولو سألت أحدهم في تعبيراته ‪ :‬من أين لك هذا؟ لقال ‪ :‬سر المهنة ‪،‬فإن‬
‫صارحك قال ‪ :‬هكذا رأيت ‪ ،‬أو هكذا سمعت ‪ ،‬فهو ناقل ل غير‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬المسلك الشخصي لبعضهم ‪ ،‬فمن عرف بعضهم عرف شيئا منكرا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من السفاف في القول والعمل ‪ ،‬وأفعال ً أخرى ينبو القلب عنها ‪ .‬هذا فضل ً‬
‫عما ثبت عن بعضهم من الكذب الصراح البواح ‪،‬وقد جلست في مجلس‬
‫انعقد لجل خبر نشره أحد هؤلء المعبرين في أحد الصالحين وثبت في‬
‫المجلس كذبه في هذا الخبر )مع أخبار استفاضت عنه كذب فيها ‪ ،‬إذا جمعت‬
‫النظري مع نظيره أيقنت بأنه كذاب دجال ( والله يقول ‪):‬هل أنبئكم على من‬
‫تنزل الشياطين ‪ ،‬تنزل على كل أفاك أثيم ‪ ،‬يلقون السمع وأكثرهم كاذبون(‪.‬‬
‫فيا أخوة السلم ‪ :‬هبوا لي شيئا ً يمنع الكهان والمشعوذين من أن يخرجوا من‬
‫بيوتهم في صورة معبرين ‪.‬يا أهل التوحيد والعقيدة ‪ :‬بينوا لي علمة أميز بها‬
‫بين المعبر حقا ً ومن تتلعب به الشياطين ‪.‬إذا كان كل ما تقدم ل يقدح في‬
‫أخبار هذه الطائفة فل أدري ما هي أخبار الشياطين إذن ؟! إن المة بحاجة‬
‫إلى أن تحمى من تلعب الشياطين ؛ يحضر الناس المجامع الدينية ‪،‬‬
‫والمخيمات الدعوية فيجدون هؤلء في صورة معبرين ‪ ،‬والناس ل تملك ما‬
‫تميز به بين الصادق والكاذب ‪ ،‬والمعبر والكاهن ‪ .‬فأين أهل العلم والغيرة‬
‫على دين الله وأمة السلم؟‬
‫أما من أصر على قبول هذه الطائفة فل ضير‪..‬طريق قصير آمن ‪ ،‬لكل‬
‫كاهن ‪ ،‬يحميه من مطاردة رجال الحسبة والهيئات‪:‬اخرج من بيتك حسن‬
‫الهندام‪ ،‬وانشر كهانتك بين الناس في صورة معبر "خطير" يخبر الرائي عن‬
‫اسم أبيه ولون سيارته وحادث وقع لسيارته بغير علمه ‪،‬وكتاب قرأه واشتغل‬
‫به‪ ،‬ومسجد يسعىإمامته)‪ .. (18‬بهذه الطريقة ستسلم من الملحقة ‪ ،‬وتحظى‬
‫بالجاه والتقدير ‪ ،‬ولن يستطيعوا تمييزك من بين المعبرين‪.‬‬
‫وختاما ً ‪:‬‬
‫فإن أحسنهم حال ً من كانت الشياطين تأتيه ول يدري ‪ ،‬وهو صالح في نفسه ‪،‬‬
‫ل يعلم عليه كذب أو فجور ‪ ،‬قال شيخ السلم بن تيمية يرحمه الله ‪ ":‬ويجوز‬
‫أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى ‪،‬وتكون من‬
‫الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ول يعرف أنها من الشيطان وإن لم يخرج‬
‫بذلك عن وليةالله تعالى")‪.(19‬‬
‫ً‬
‫وهذا أنصحه بأن يكف عما يسميه تعبيرا ‪ ،‬فإنها من وحي الشيطان ‪،‬فإن لم‬
‫يكف عن ذلك ‪،‬فدين الله ‪،‬وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من‬
‫كل أحد‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهناك شبهة يكررها بعض طلبة العلم ‪ :‬ولو كانت جنا ً ؟ فإن استخدام الجن‬
‫جائز على قول بعض أهل العلم ‪.‬وأقول ‪:‬‬
‫ب وجواب‪.‬‬ ‫‪ -1‬ميز هؤلء أول ً ‪،‬فإما معبر ‪،‬وإما مستخدم للجن ‪ ،‬ولك ٍ‬
‫ل با ٌ‬
‫‪ -2‬فإن قلت معبرا ً ‪ :‬فقد ثبت لنا مما سبق خلف ذلك ‪ .‬وقد سلمت لنا "جدل ً‬
‫" أنه ليس معبرا ً ‪،‬فإن قولك " ولو كانت جنا ً ؟" معناه الضمني سلمت لكم‬
‫أنه غير معبر ‪ ،‬وأن ذلك عن طريق الشياطين ‪ ،‬فاستخدام الجن جائز‪.‬‬
‫‪ -3‬وإن قلت مستخدما ً للجن ‪ :‬فلو سلمنا بصحة هذا القول المجوز لذلك‬
‫‪،‬فليس صاحبنا من هذا الباب ‪ ،‬فإنه يخبر عن المستقبل ‪ .‬ولم يقل أحد من‬
‫أئمة السلم بان استخدام الجن في الخبار عن المستقبل جائز‪ ،‬وإنما هي‬
‫الكهانة بعينها ‪.‬‬
‫وهناك شبهة أخرى يقول صاحبها‪:‬هؤلء يصدقهم الواقع ‪.‬‬
‫والجواب‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أ‪ -‬إن كنت تريد ما يخبرون به من أمور غائبة عن بعض الناس وهي ليست‬
‫من أمور الغيب المطلق‪ .‬فهذا القدر يشتركون فيه مع من تخبره الجن‬
‫والشياطين‪،‬وقد ذكرت كلم شيخ السلم قريبًا" فيذهبون إليه فيجدونه كما‬
‫قال " ‪ .‬وقال الشيخ أيضا ً ‪ " :‬وقد رأيت من هؤلء شيوخا ً يسجعون أساجيع‬
‫كأساجيع الكهان ‪ ،‬ويكون كثير منها صدقا ً " ‪.(20).‬وعليه فليس في هذا‬
‫علمة تثبت صدقهم وبراءتهم من الشياطين‪.‬‬
‫ب‪ -‬ويدخل هنا أيضا ً ما يكون متعلقا ً بأمور وقعت في الحاضر مثل قول‬
‫بعضهم ‪ " :‬سيحفظ ابنك الصحيحين " ‪،‬وقد تحدث البن مع غيره في هذا ‪ .‬أو‬
‫قول بعضهم" قدمت على ترقية وستأتيك " ‪،‬وقد قبلت الترقية ‪،‬ووقع عليها‬
‫المسؤول في الدائرة الحكومية ‪،‬فإن هذا يمكن أن تسمعه الشياطين ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪" :‬وقد يأمر الملك بعض الناس بأمر‬
‫ويستكتمه إليه فيخرج فيرى الناس يتحدثون به ‪ ،‬فإن الجن تسمعه وتخبر به‬
‫الناس")‪. (21‬‬
‫ج‪ -‬وإن كنت تريد ما يخبرون به من أمور المستقبل المحض الذي ل يتعلق‬
‫بأمور وقعت في الحاضر ‪ .‬فقد كفينا المؤونة ولله الحمد ‪ ،‬فقد اختاروا لنا‬
‫أخبارا ً أخذوها "هم" من بين أخبراهم ‪ ،‬على أنها أحسن ما عندهم ؛فأقسموا‬
‫عليها ‪ ،‬ومن ذلك ما أخبر به بعضهم من أنه سيقع حدث عظيم في اليوم‬
‫الثامن من شهر الله المحرم لعام ‪ 1423‬وجاء الثامن‪ ،‬والثامن عشر‬
‫‪،‬والثامن والعشرون ‪،‬ولم نسمع بشيء ! هذه أوثق أخبارهم المستقبلية‬
‫‪،‬ولذلك أقسم عليها أيمانا ً مغلظة ‪ .‬أو ما أخبر به أحدهم من الصلة في‬
‫القدس في ‪2/2/2002‬م ) قبل أن يزاد عليها سنتان ( وجاء التاريخ وما جاء‬
‫خبره ‪ .‬أما صدقهم في بعض هذه الخبار فهي كمثل أخبار الكهان يصدق‬
‫الواحدة فتحفظ عنه ويكذب تسعا ً وتسعين كذبة فل تحفظ ‪.‬‬
‫ويعترض بعضهم على العلقة بين الرؤيا والتعبير بقول الله ‪":‬ثم يأتي من بعد‬
‫ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون" ‪ ،‬يقول ما علقة هذا برؤيا الملك ؟‬
‫والجواب ‪ :‬لو سلمنا بعدم العلقة فيصح العتراض لو قلنا بالمطابقة ولم نقل‬
‫بذلك ‪ ،‬وإنما قلنا بالعلقة الظاهرة بمعنى أنك إذا وضعت الرؤيا في جانب‬
‫والتعبير في جانب آخر وجدت علقة ) وليس مطابقة ( ظاهرة ‪ .‬مع أنا ل‬
‫نسلم بعدم العلقة قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ‪ ":‬وأما قوله‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون( أي يحصل للناس‬
‫فيه غيث مغيث ‪ ،‬تعيد الرض خصبها ‪ ،‬ويزول عنها جدبها‪ ،‬وذلك مأخوذ من‬
‫تقييد السنين المجدبات بالسبع؛ فدل القيد على أنه يلي هذه السبع ما يزيل‬
‫شدتها ‪ ،‬ويرفع جدبها ؛ ومعلوم أن توالي سبع سنين مجدبات ل يبقى في‬
‫الرض من آثار الخضر والنوابت و الزروع ونحوه ل قليل ً ول كثيرا ً ‪ ،‬ول يرفع‬
‫هذا الجدب العظيم إل غيث عظيم ‪ ،‬وهذا ظاهر جدا ً أخذه من رؤيا الملك ‪.‬‬
‫ومن العجب أن جميع التفاسير التي وقفت عليها لم يذكروا هذا المعنى ‪،‬مع‬
‫وضوحه ‪ ،‬بل قالوا ‪:‬لعل يوسف عليه السلم جاءه وحي خاص في هذا العام‬
‫الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)‪.(22‬المر ل يحتاج إلى ما ذكروه بل هو‬
‫ولله الحمد ظاهر من مفهوم العدد ‪ ،‬وأيضا ً من السياق ‪ .‬فإنه جعل هذا‬
‫التعبير والتفسير توضيحا ً لرؤيا الملك ")‪.(23‬‬
‫وهنا أقول‪ :‬ماذا نحكم على صنيع طائفة خالفت سمت المعبرين في‪:‬‬
‫‪-1‬العلقة بين الرؤيا والتعبير ‪.‬‬
‫‪-2‬عدم التحديد الدقيق جدا ً في تعابيرهم ‪.‬‬
‫‪-3‬التفريق بين الرؤيا وحديث النفس وتلعب الشياطين ‪.‬‬
‫‪-4‬عدم رؤيتهم للتعابير أمامهم وسماعهم لها بآذانهم ‪.‬‬
‫ووافق ) الصنيع ( أصحاب الجن والشياطين في ‪:‬‬
‫‪ -1‬رؤيتهم لشياء مكتوبة أو ممثلة ‪ ،‬وسماعهم لصوات وأخبار ) حتى إن‬
‫بعضهم يسمع أحيانا ً ‪ :‬قل‪."...:‬‬
‫‪ -2‬التحديد الدقيق جدا ً ‪.‬‬
‫‪ -3‬المسلك الشخصي لبعضهم ‪.‬‬
‫إذا حكمت لهؤلء بأنهم معبرون فلن تستطيع التفريق بين المعبر الصادق ‪،‬‬
‫وبين الكاهن الذي اتخذ طريقة جديدة في كهانته ‪ ،‬وهي عدم إخباره بشيء‬
‫من الكهانة حتى يسمع منك رؤيا تقصها عليه‪ ،‬أيا ً كانت الرؤيا‪ ،‬ولو كانت‬
‫مخالفة تماما ً لما سيخبرك به ‪ ،‬وربما سمعت عنك ‪ ،‬أو سمعت عني أني‬
‫أصبحت معبرا ً "خطيرا ً " لمجرد أني أصبحت أرى صورة أمامي ‪ ،‬وأسمع‬
‫صوتا ً بأذني حين أسمع الرؤيا !‪.‬‬
‫ويا عز الشياطين وبهجتها إذا بلغت أخبارها أمة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪،‬وانتشرت أنباؤها في شباب السلم وشيوخه بواسطة هذه الطائفة ‪.‬‬
‫هزيمة منكرة لنا أمة السلم في فلسطين على أيدي أولياء الشياطين"‬
‫اليهود" وهزيمة منكرة في جزيرة العرب ومهد السلم على أيدي شيوخ‬
‫اليهود " الشياطين " إن احتفلت المة بأخبارها الحاضرة وأنبائها المستقبلة ‪..‬‬
‫فاللهم سلم سلم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫هذا ما تبين لي من أحوال القوم إن يكن صوابا ً فمن الله ‪ ،‬وإن يكن خطأ ً فهو‬
‫مني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان ‪ ،‬وقد عرضتها على بعض‬
‫الكابر من المتخصصين في العقيدة وغيرها ‪ ،‬فوافقوني على ذلك وأشاروا‬
‫علي بنشرها)‪ (24‬ولول ذلك ما تجرأت على هذا الموضوع الخطير ‪ .‬فليتق‬
‫الله رجل يصر على هذه الطريقة ‪ ،‬أو يدافع عنهم ‪ ،‬فاليوم عمل ول حساب‬
‫وغدا ً حساب ول عمل ‪ ،‬واعلم " انك لن تدع شيئا ً ) شهرة ‪ ،‬أو مال ً ‪ ،‬أو جاها ‪،‬‬
‫ً‬
‫أو رأيا ً قلته وتبين لك خلفه( لله عز وجل إل أبدلك الله به ما هو خير لك‬
‫منه")‪.(25‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم اعصمنا من مضلت الفتن ‪،‬اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وأرنا‬
‫الباطل باطل ً وارزقنا اجتنابه‪ .‬ربنا من أراد هذه المة بسوء أو لبس عليها‬
‫دينها فافضحه في عقر داره‪ ،‬واكشف عواره ‪ ،‬واهدنا إلى دينك القويم‬
‫وصراطك المستقيم ‪ .‬والله اعلم‪.‬‬
‫ويبقى السؤال لمن لم يقتنع بذلك‪:‬‬
‫هات ضابطا ً معلوما ً أميز به بين التعابير المنامية‪ ،‬وأخبار الشياطين ؟‬
‫وتذكر أن السؤال ليس في التفريق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان‪،‬‬
‫وإنما هو في التفريق بين التعابير المنامية والخبار الشيطانية‪.‬‬
‫)‪ (1‬النبوات )‪ .(2/831‬وقد استفدت كثيرا ً فيما يتعلق بالجان من كتاب "فتح‬
‫المنان " جمع مشهور حسن آل سلمان فجزاه الله خيرا ً ‪.‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى )‪.(13/94‬‬
‫ً‬
‫)‪ (3‬ول يلزم أن يكون صاحبه كاهنا ‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر هذه الحاديث وغيرها في صحيح البخاري ‪ ،‬وأحاديث الرؤى‬
‫مشهورة منشورة في كتب السنة ولله الحمد‪.‬‬
‫)‪ (5‬فتح الباري )‪.(12/424‬‬
‫)‪ (6‬ومن هذا الباب ما نشر في موقع السلم اليوم بعنوان ‪" :‬الحلم ومصير‬
‫المة " لفضيلة الشيخ سامي بن عبد العزيز الماجد‬
‫)‪ (7‬رواه أحمد في المسند )‪. (4/102‬وأبو داود في كتاب السنة )‪(4597‬‬
‫والحاكم )‪.(1/128‬‬
‫)‪ (8‬رواه ا لبخاري )مع الفتح ‪(449‬وهذا لفظه ‪ .‬ومسلم )‪.(4/1772‬‬
‫)‪ (9‬ولشك أن جميع خصائص التعبير المنامي موجودة في تأويلت الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫)‪ (10‬بغية المرتاد )‪ (1/316‬تحقيق موسى الدويش‪.‬‬
‫)‪ (11‬الفتاوى )‪(11/637‬‬
‫)‪ (12‬مذكرة أصول الفقه ‪ ،‬للعلمة محمد المين الشنقيطي ‪ ،‬تحقيق العربي)‬
‫‪(178‬‬
‫)‪ (13‬الفتاوى )‪(11/342‬‬
‫)‪ (14‬ول يقبل هنا ما ينقل عن ابن سيرين من الخبر والخبرين ‪ ،‬ونحن نعلم‬
‫أنه من أكثر من كذب عليه في هذا الباب ‪ ،‬ونحن قد كذبنا الرجل الذي أخبر‬
‫بقصة الخطيب لنه خبر واحد في شيء ل يحتمل التفرد‪.‬‬
‫)‪ (15‬الفتاوى )‪(13/95‬‬
‫)‪ (16‬الفتاوى )‪(11/309‬‬
‫)‪ (17‬النبوات )‪(2/1053‬‬
‫)‪ (18‬وقد وقع لبعض السابقين شيء من ذلك كما ذكر ابن رجب أن أحمد بن‬
‫عبد الرحمن المقدسي قد برع في معرفة تعبير الرؤيا‪ ،‬فكان الناس يتحيرون‬
‫منه إذا عبر الرؤيا؛ لما يخبر الرائي بأمور جرت له ‪ ،‬فربما أخبر باسمه وبلده‬
‫ومنزله ‪ .‬وكان جماعة من العلماء يقولون ‪ :‬إن له رئيا ً من الجن ‪ .‬ذيل‬
‫طبقات الحنابلة)‪. (2/236‬أفادني إياه الشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف‬
‫حفظه الله‪.‬‬
‫)‪ (19‬الفتاوى )‪(11/202‬‬
‫)‪ (20‬النبوات )‪(2/1046‬‬
‫)‪ (21‬الفتاوى ‪(13/89‬‬
‫)‪ (22‬وتأمل – حين خفي الربط على هؤلء المفسرين – كيف عزو هذه‬
‫الفقرة إلى وحي خاص من عند الله ‪ .‬فماذا سيقول المفسرون لو اطلعوا‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على تعبيرات القوم ‪ ،‬وهي ل تبت بصلة للرؤيا ‪.‬إنه وحي خاص غير أنه ليس‬
‫من عند الله ‪.‬‬
‫)‪ (23‬فوائد مستنبطة من قصة يوسف للسعدي)‪(25‬‬
‫)‪ (24‬ولم أستأذنهم في نشر أسمائهم‪.‬‬
‫)‪ (25‬رواه احمد في مسند أبي قتادة ‪ ،‬والبيهقي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪.(10603‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تعال معي إلى طريق الجنة‬


‫التاريخ ‪24/12/2005 :‬‬
‫الكاتب ‪ :‬د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه ‪ ...‬الزوار ‪5204 :‬‬
‫> ‪<tr‬‬
‫الجنة شيء عظيم‪..‬‬
‫ومغنم كبير‪..‬‬
‫وسلعة غالية‪..‬‬
‫وهي روح وريحان‪..‬‬
‫ذكرها يريح القلب‪ ،‬وينشر في المكان عطرا‪..‬‬
‫ذكرت في القرآن كثيرا‪ ،‬وذكر معها طرائقها‪ ،‬وعدا يعد الله بها من أحسن‬
‫عمل‪ ،‬يسلي الحزين‪ ،‬ويحط عن المهموم‪ ،‬ويرغب النافر‪ ،‬ويذكر الناسي‪:‬‬
‫• فأول طرائق الجنة وأعظمها‪ :‬اليمان بالله تعالى ورسوله‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬
‫‪ } -‬سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والرض‪،‬‬
‫أعدت للذين آمنوا بالله ورسله{‪.‬‬
‫‪ -‬قال عليه الصلة والسلم‪ ):‬ل يدخل الجنة إل المؤمنون( ]رواه مسلم في‬
‫اليمان‪ ،‬باب‪ :‬غلظ تحريم الغلول‪ ،‬وأنه ليدخل الجنة إل المؤمنون ‪.[1/107‬‬
‫فمن أراد الجنة‪ :‬فليشهد الشهادتين‪ ،‬ويقيم الصلة‪ ،‬ويؤتي الزكاة‪ ،‬ويصوم‬
‫رمضان‪ ،‬ويحج البيت متى استطاع سبيل‪ ،‬ويؤمن بالله‪ ،‬وملئكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬وبالقدر خير وشره‪ ،‬وأعلى ذلك كله شهادة أن ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬اليمان بضع وسبعون شعبة‪ ،‬أعلها شهادة أن ل إله إل الله(‪ .‬رواه‬
‫البخاري‬
‫‪ -‬وفي حديث عتبان‪ ) :‬فإن الله حرم على النار من قال ل إله إل الله يبتغي‬
‫بذلك وجه الله (‪ .‬رواه البخاري‬
‫• ومن طرائق الجنة‪ :‬الجهاد في سبيل الله بالمال‪ ،‬والنفس‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ } -‬يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون‬
‫بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن‬
‫كنتم تعلمون * يغفرلكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها النهار‬
‫ومسكن طيبة في جنات عدن{‪.‬‬
‫• والحسان إلى الخلق‪ ،‬بالصدقة على الفقراء والمساكين‪ ،‬في الرخاء‬
‫والشدة‪ ،‬وكظم الغيظ والعفو عن أذاهم‪ ،‬وحسن الحال مع الله تعالى‪ ،‬بذكره‬
‫والستغفار والتوبة بعد الذنب‪ ،‬من طرائق الجنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪} -‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والرض أعدت‬
‫للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن‬
‫الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إل الله ولم يصروا على ما‬
‫فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها‬
‫النهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين{‪.‬‬
‫• وجل القلب ورقته إذا ذكر الله تعالى والتوكل عليه مع الصلة والزكاة‬
‫يدخل الجنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ } -‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته‬
‫زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلة ومما رزقناهم‬
‫ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق‬
‫كريم{‪.‬‬
‫• قيام الليل والستغفار بالسحار من طرائق دخول الجنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ } -‬إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك‬
‫محسنين * كانوا قليل من الليل ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون(‪.‬‬
‫• ومما يدخل الجنة القسط والعدل والعفة‪ ،‬والرحمة بكل قريب ومسلم ‪،‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫‪) -‬أهل الجنة ثلثة‪ :‬ذو سلطان مقسط متصدق موفق‪ ،‬ورجل رحيم رقيق‬
‫القلب لكل ذي قربى ومسلم‪ ،‬وعفيف متعفف ذو عيال( رواه مسلم‬
‫• والتواضع من طرائق دخول الجنة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪ ) -‬أل أخبركم بأهل الجنة‪ ،‬كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لبره(‪.‬‬
‫رواه البخاري‬
‫‪ -‬وقال ‪ ) :‬أهل الجنة الضعفاء المغلوبون(‪ ،‬أحمد ‪.‬‬
‫‪ -‬وعند مسلم‪ ):‬يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير(‪ ،‬أي في ضعفها‪،‬‬
‫ومعنى الحديث أن الكبر منتف من قلوبهم‪ ،‬واللين والرحمة والتواضع‬
‫صفتهم‪ ،‬ليس فيهم الجبروت ول الظلم‪ ،‬بل فيهم الخير والتسامح والمغفرة‬
‫والعفو والصفح وحسن الظن‪.‬‬
‫• وثناء الناس بالخير كذلك من طرائق الجنة‪ .‬قال عليه السلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬أهل الجنة من مل أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع( رواه ابن ماجة‪،‬‬
‫وعند البخاري‪ ) :‬من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة(‪ ،‬فإن الناس ل يثنون‬
‫على إنسان بالخير إل وهو في الغالب كذلك‪ ،‬وقد ذكر ابن تيمية عن طائفة‬
‫أن الشهادة لمعين بالجنة تجوز إذا انتشر الثناء عليه بالخير واليمان‪ ،‬بشرط‬
‫أن يموت على ذلك‪] .‬الفتاوى ‪[11/518‬‬
‫• ومن طرائق الجنة‪ :‬إفشاء السلم‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬ل تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا‪ ،‬ول تؤمنوا حتى تحابوا‪ ،‬أول أدلكم على عمل‬
‫إذا فعلتموه تحاببتم؟‪ ،‬أفشوا السلم بينكم(‪] .‬رواه مسلم[ فإفشاء السلم‬
‫يورث المحبة‪ ،‬والمحبة تورث اليمان‪ ،‬واليمان هو سبب دخول الجنة‪.‬‬
‫• ومن طرائق دخول الجنة‪ :‬صدق الحديث‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة( رواه‬
‫أحمد‬
‫• كذلك من الطرائق‪ :‬كفالة اليتميم‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة( رواه أحمد‬
‫• ومن الطرائق‪ :‬البكاء من خشية الله تعال‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم‬
‫وسلم‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ) -‬عينان ل تمسهما النار‪ :‬عين بكت من خشية الله‪ ،‬وعين باتت تحرس في‬
‫سبيل الله تعالى(‪ .‬رواه الضياء في المختارة‬
‫• ومن طرائق دخول الجنة‪ :‬الذان ثنتي عشرة سنة‪ .‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬من أذن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة‪ ،‬وكتب له بتأذينه في كل يوم‬
‫ستون حسنة‪ ،‬وبإقامته ثلثون حسنة(‪.‬صحيح الجامع رقم ‪6002‬‬
‫• وزيارة الرجل الرجل في الله وطاعة الزوج من الطرائق‪ ،‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬أل أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة‪ ،‬والشهيد في الجنة‪،‬‬
‫والصديق في الجنة‪ ،‬والمولود في الجنة‪ ،‬والرجل يزور أخاه في ناحية المصر‬
‫في الله في الجنة‪ .‬أل أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود‪ ،‬العؤود‪،‬‬
‫التي إذا ظلمت قالت‪ :‬هذه يدي في يدك‪ ،‬ل أذوق غمضا حتى ترضى (‬
‫الدارقطني صحيح الجامع رقم ‪)2604‬الَعئود‪ :‬التي تعود على زوجها بالنفع(‬
‫]فيض القدير ‪[3/106‬‬
‫• ومما يدخل الجنة قول ‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪ ،‬قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬أل أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ ل حول ول قوة إل بالله ( رواه أحمد‬
‫صحيح الجامع ‪.2610‬‬
‫• ومن ذلك ما جاء عن رسول الله أنه قال‪:‬‬
‫‪ ) -‬أل أدلك على سيد الستغفار ؟ اللهم أنت ربي ل إله إل أنت خلقتني وأنا‬
‫عبدك‪ ،‬وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت‪،‬‬
‫وأبوء لك بنعمتك علي‪ ،‬وأعترف بذنوبي‪ ،‬فاغفر لي‪ ،‬فإنه ل يغفر الذنوب إل‬
‫أنت‪ ،‬ل يقولها أحد حين يمسي‪ ،‬فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إل وجبت له‬
‫الجنة‪ ،‬ول يقولها حين يصبح‪ ،‬فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إل وجبت له‬
‫الجنة( رواه الترمذي‪.‬‬
‫• وحفظ الفرج من الزنى واللواط يدخل الجنة‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ ) -‬من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة(‪ .‬البخاري‬
‫***‬
‫• إن طرق البر الموصلة إلى الجنة كثيرة‪ ،‬تند عن الحصر‪ ،‬فكل أعمال البر‬
‫موصلة إلى الجنة‪:‬‬
‫‪ } -‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره{‪.‬‬
‫‪} -‬ما تفعلوا من خير يعلمه الله{‪.‬‬
‫‪ -‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬بينما رجل يمشي بطريق اشتد‬
‫عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب‪ ،‬ثم خرج فإذا كلب يهلث‪ ،‬يأكل‬
‫الثرى من العطش‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي‬
‫كان قد بلغ مني‪ ،‬فنزل فمل خفه ماء‪ ،‬ثم أمسكه بفيه حتى رقي‪ ،‬فسقى‬
‫الكلب‪ ،‬فشكر الله له‪ ،‬فغفر له(‪.‬‬
‫‪ -‬وفي رواية أن الذي فعلت ذلك‪ :‬امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل‪ ،‬رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫‪ -‬قال عليه الصلة والسلم‪ ) :‬رأيت رجل يتقلب في الجنة في شجرة قطعها‬
‫من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين( رواه مسلم‪.‬‬
‫فالجنة أقرب إلى النسان من شراك نعله‪ ،‬لكنها حفت بالمكاره‪ ،‬والشياطين‬
‫تصرف العباد عنها‪ ،‬وتلهيهم عن أجورها وفضلها‪ ،‬وتضلهم عن طريقها‪ ،‬مع أن‬
‫طريقها سهل يسير‪ ،‬ليس فيه عوج ول مشقة‪ ،‬بل على طاقة النفس‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫} ليكلف الله نفسا إل وسعها{‪..‬‬


‫فالرحمة بأنفسنا‪ ،‬فوالله ل يدخل النار بعد ذلك إل شقي‪.‬‬
‫***‬
‫د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تعالوا إلى كلمة سواء‬


‫‪17/3/1424‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬ولعدوان إل على الظالمين‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين… وبعد ‪:‬‬
‫فقد وقعت في بلدنا خلل اليام الماضية أحداث جسام‪ ،‬ومصائب عظام‪،‬‬
‫دة‬ ‫وفتن تدع الحليم حيرانا‪ ،‬حيث تم العلن عن اكتشاف أسلحة وذخائر مع ّ‬
‫للتفجير‪ ،‬ثم انطلق العلم ليلوي على شيء‪ ،‬اتهاما ً وسخرية وتصفية‬
‫حسابات‪ ،‬ثم كانت ثالثة الثافي حيث وقعت تلك التفجيرات التي هزت‬
‫القلوب قبل الجسام‪ ،‬وتسارعت الحداث بشكل ينذر بخطر عظيم ‪:‬‬
‫أرى خلل الرماد وميض نار‬
‫ويوشك أن يكون لها ضرام‬
‫فإن لم يطفها عقلء قومي‬
‫يكون وراءها فتن عظام‬
‫وانطلقت الصوات هنا وهناك لعلج ماحدث‪ ،‬وتدارك المر قبل فوات الوان‪،‬‬
‫واختلط الحق بالباطل‪ ،‬وتكلم المحق والمبطل‪ ،‬والصادق والكاذب‪ ،‬والعالم‬
‫والجاهل‪ ،‬والسيد والرويبضة‪ ،‬كل يدعي الصلح‪ ،‬ويبحث عن المخرج‪ ،‬فأصبح‬
‫الناس في هرج ومرج‪ ،‬تفوق آثاره تلك النفجارات المدمرة‪ ،‬وانطلقا ً من‬
‫العهد الذي أخذه الله على أهل العلم كتبت هذه الكلمات ناصحا ً ومشفقا ً‬
‫ومبينًا‪ ،‬دون أن أجامل أحدًا‪ ،‬أو أكتم حقًا‪ ،‬فالوقت وقت الجد‪ ،‬ولنجاة إل‬
‫بالصدق‪ ،‬وقول الحق ولوكان مرًا‪:‬‬
‫أول‪ :‬موقفي من هذه العمال‪ ،‬وتلك التفجيرات ليس وليد الساعة‪ ،‬ولحديث‬
‫اليوم‪ ،‬وليس ردة فعل قد يشوبها شيء من التعجل وعدم التزان‪ ،‬بل هو‬
‫موقف أعلنته مرارا ً وتكرارًا‪ ،‬قبل أكثر من عشر سنوات‪ ،‬وبينت أن هذا ليس‬
‫هو طريق الصلح‪ ،‬وأؤكد هذا مرة أخرى فأقول عن هذه التفجيرات‪،‬‬
‫وماتركته من آثار أنه عمل محرم‪ ،‬حيث ذهبت ضحيته أنفس بريئة‪ ،‬وانتهكت‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫فيه حرمات مصونة‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل ‪ِ ) :‬‬
‫َ‬ ‫فسا ً ب ِغَي ْرِ ن َ ْ‬ ‫ك ك َتبنا عََلى بِني إسرائي َ َ‬ ‫َ‬
‫ساد ٍ ِفي‬ ‫س أوْ فَ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫ن قَت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ َ ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ميعا ً وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل الناس جميعا ً وم َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫قد ْ‬ ‫ج ِ‬‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ها فَك َأن ّ َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ما قَت َ َ ّ َ َ ِ‬ ‫ض فَك َأن ّ َ‬
‫ِ‬
‫َْ‬
‫ن(‬‫سرُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض لَ ُ‬
‫ك ِفي الْر ِ‬ ‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫سل َُنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫خاِلدا ً‬ ‫م َ‬‫جهَن ّ ُ‬‫جَزاؤُه ُ َ‬ ‫ً‬
‫مدا فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫منا ُ‬‫ً‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫)المائدة‪ (32:‬وقال سبحانه‪) :‬وَ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظيما( )النساء‪ ،(93:‬وقد ثبت‬ ‫ذابا عَ ِ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِفيَها وَغَ ِ‬
‫عن المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال كما روى جابر – رضي الله‬
‫عنه – ‪" :‬إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم‬
‫هذا في بلدكم هذا" رواه مسلم ‪ .‬وفساد مثل هذه العمال أمر ظاهر بّين‬
‫وجلي‪ ،‬ولينفع في هذا المقام‪ ،‬ومثل هذه الفعال التأويلت الفاسدة‪ ،‬ول‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التعميمات الجائرة‪ ،‬فهل أضل الخوارج إل مثل ذلك‪ ،‬وليمكن أن يتم الصلح‬
‫عن طريق الفساد‪ ،‬فإن الله ليصلح عمل المفسدين‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اتهام البرياء‪ ،‬والخذ بالظن والتخمين‪ ،‬ورمي المؤمنين بما لم يعملوا‪،‬‬
‫وبهتهم بما لم يفعلوا‪ ،‬ظلم عظيم وإثم مبين‪ ،‬وعاقبته وخيمة‪ ،‬وآثاره أليمة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫س ل َك ُ ْ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫واهِك ُ ْ‬ ‫ن ب ِأفْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م وَت َ ُ‬‫سن َت ِك ُ ْ‬ ‫ه ب ِأل ْ ِ‬‫قوْن َ ُ‬ ‫في الدنيا والخرة )إ ِذ ْ ت َل َ ّ‬
‫م( )النور‪ (15:‬ولن يغني عنك من الله‬ ‫ظي ٌ‬‫عن ْد َ الل ّهِ عَ ِ‬ ‫ه هَّينا ً وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬‫ح َ‬ ‫م وَت َ ْ‬ ‫عل ْ ٌ‬‫ِ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫ْ‬
‫موه ُ قُلت ُ ْ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫شيئا أن تقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته‪) :‬وَل ْ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫م( )النور‪.(16:‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ن عَ ِ‬ ‫ذا ب ُهَْتا ٌ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ب ِهَ َ‬‫ن ن َت َك َل ّ َ‬
‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫واتهام البرياء أذىً ومنكرا‪ ،‬كما قال سبحانه‪َ) :‬وال ِ‬ ‫ً‬
‫مِبينا( )الحزاب‪،(58:‬‬ ‫ً‬ ‫مُلوا ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ُ‬
‫ً‬ ‫حت َ َ‬‫قد ِ ا ْ‬ ‫سُبوا فَ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ل ب ُهَْتانا ً‬ ‫ريئا ً فَ َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫حت َ َ‬‫قد ِ ا ْ‬ ‫م ي َْرم ِ ب ِهِ ب َ ِ‬ ‫ة أوْ إ ِْثما ً ث ُ ّ‬ ‫طيئ َ ً‬
‫خ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫وقال سبحانه‪) :‬وَ َ‬
‫مِبينًا( )النساء‪.(112:‬‬ ‫وَإ ِْثما ً ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬‫م إِ ْ‬ ‫هان َك ُ ْ‬
‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫فحذار حذار من اتهام مسلم بريء دون بينة أو برهان‪) ،‬قُ ْ‬
‫ن( )البقرة‪ :‬من الية ‪ (111‬فأمسك عليك لسانك‪ ،‬والسلمة‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ليعدلها شيء‪ ،‬كيف ولم يقبض على فاعل‪ ،‬ولم تعلن جهة مسؤوليتها عما‬
‫ما‬ ‫س بِ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫خَرى( )النعام‪ :‬من الية ‪ (164‬و )ك ُ ّ‬ ‫حدث‪َ) ،‬ول ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫ة( )المدثر‪ (38:‬ولذا فليكن الحديث عن الفعل لعن الفاعل‪ ،‬حتى‬ ‫هين َ ٌ‬
‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫نتبين ونتثبت التزاما ً بقوله سبحانه‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن( )الحجرات‪(6:‬‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬ ‫وما ً ب ِ َ‬ ‫صيُبوا قَ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬
‫وكما أن دماء المسلمين محرمة فأعراضهم مصونة‪ ،‬كما في حديث أبي بكرة‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‬
‫حرام عليكم كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا( متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫وكما جاء السلم بحفظ الدين والنفس والمال فقد جاء بحفظ العرض‪ ،‬فهذه‬
‫فتنة نجاك الله منها‪ ،‬فل تقع فيها بقلبك أو لسانك‪ ،‬والزم منهج السلف في‬
‫السلمة من الفتن‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬العدل قديم ليبطله شيء‪ ،‬وبالعدل قامت السماوات والرض‪ ،‬وأمر الله‬
‫به عباده‪ ،‬وأنزله في كتبه وبعث به رسله )قُ ْ َ‬
‫ط( )العراف‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫مَر َرّبي ِبال ْ ِ‬ ‫لأ َ‬
‫ن وَِإيَتاِء ِذي ال ْ ُ‬ ‫من الية ‪) (29‬إن الل ّ ْ‬
‫ن‬ ‫قْرَبى وَي َن َْهى عَ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َواْل ِ ْ‬ ‫مُر ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن( )النحل‪ (90:‬وقد أمر الله‬ ‫رو‬
‫ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫من ْك َرِ َ َ ِ َ ِ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬‫ف ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫بالعدل مع المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫والمؤمنين من المسجد الحرام وصدوهم عن المسجد الحرام فقال سبحانه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا(‬ ‫ن ت َعْت َ ُ‬ ‫حَرام ِ أ ْ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫م عَ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن قَوْم ٍ أ ْ‬ ‫شَنآ ُ‬‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬‫جرِ َ‬ ‫)َول ي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قَوْم ٍ عَلى أل ت َعْدِلوا‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫جرِ َ‬ ‫)المائدة‪ :‬من الية ‪ (2‬وقال سبحانه‪َ) :‬ول ي َ ْ‬
‫َ‬
‫وى( )المائدة‪ :‬من الية ‪ (8‬وقد رأيت في كثير مما كتب‬ ‫ق َ‬ ‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫وقيل اختلل هذا الركن العظيم‪ ،‬والبعض يفعل ذلك باسم الصلح‪ ،‬ودفع‬
‫الظلم‪ ،‬وهو إفساد وظلم وشنئان والله ليصلح عمل المفسدين‪.‬‬
‫ومن مقتضيات العدل نصرة المظلوم‪ ،‬كما قال صلى الله عليه وسلم "انصر‬
‫أخاك ظالما ً أو مظلومًا" ‪.‬‬
‫وضد العدل الظلم‪ ،‬وقد حرمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرما ً كما‬
‫في الحديث القدسي "ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محرما ً فل تظالموا" ‪.‬‬


‫فوطنوا أنفسكم على العدل‪ ،‬والتزموا به في الغضب والرضا‪ ،‬وحذار من‬
‫الظلم‪ ،‬فإن عاقبة الظلم وخيمة‪ ،‬واتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين‬
‫الله حجاب‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬ليس من حق كل أحد أن ينصب نفسه مفتيا ً وقاضيًا‪ ،‬وحاكمًا‪ ،‬فلكل‬
‫أحد مجاله واختصاصه‪ ،‬وهذه المور العظيمة لو كانت في عهد عمر – رضي‬
‫الله عنه – لجمع لها أهل بدر‪ ،‬وقد رأينا في وسائل العلم العجب العجاب‪،‬‬
‫واختلط الذهب بالتراب‪ ،‬فالكل يفتي ويحكم ويقضي‪ ،‬حتى رأينا سفلة القوم‪،‬‬
‫وأراذل الناس يدلون بدلوهم‪ ،‬وتتصدر أقوالهم الصحف والذاعات‪ ،‬وهنا تكلم‬
‫الرويضة كما بّين الصادق المصدوق‪ ،‬والمنهج الحق ترك المور لهلها‪ ،‬وإعادة‬
‫ف‬‫خو ْ ِ‬ ‫ن أ َوِ ال ْ َ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫مٌر ِ‬ ‫مأ ْ‬
‫الحق إلى نصابه‪ ،‬التزاما ً بقوله سبحانه‪) :‬وإَذا جاَءهُ َ‬
‫ْ‬ ‫َِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أ ََذا ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م لعَل ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ل وَإ َِلى أوِلي اْل ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫عوا ب ِهِ وَل َوْ َرّدوه ُ إ َِلى الّر ُ‬
‫ل(‬‫ن إ ِّل قَِلي ً‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه َلت ّب َعْت ُ ُ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫طون َ ُ‬‫ست َن ْب ِ ُ‬‫يَ ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫يٍء فُرّدوهُ إ ِلى الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫)النساء‪ (83:‬وقوله سبحانه‪) :‬فإ ِ ْ‬
‫ن ت َأ ِْويل(ً‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫َ‬
‫خرِ ذ َل ِك َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫َوالّر ُ‬
‫مل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫سألوا أهْل الذكرِ إ ِ ْ‬ ‫)النساء‪ :‬من الية ‪ (59‬وقوله سبحانه‪) :‬فا ْ‬
‫ن( )النحل‪ :‬من الية ‪ (43‬وقد كان الصحابة والتابعون ُيسألون في أقل‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫من ذلك فيقول قائلهم لأدري‪ ،‬أو يقول اذهب إلى غيري فهو أعلم مني‪ ،‬ولو‬
‫جاء مهندس وكتب وصفة لمريض لفزع الناس وأنكروا‪ ،‬فما بال شؤون‬
‫الشرع وحقوق الناس ودماؤهم وأعراضهم أصبحت لكل غاد ورائح‪.‬‬
‫دعي الفروسية أما آن لك أن‬ ‫فيازمن العجائب أما آن لك أن ترحل‪ ،‬ويام ّ‬
‫م )(‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عند َ اللهِ عَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ه هَي ًّنا وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫د‪ ،‬والخطب عظيم‪) :‬وَت َ ْ‬ ‫تترجل‪ ،‬فالمر ج ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ظي ٌ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ذا ب ُهَْتا ٌ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ذا ُ‬ ‫م ب ِهَ َ‬ ‫َ‬
‫ن لَنا أن ن ّت َكل َ‬ ‫ُ‬
‫ما ي َكو ُ‬ ‫موه ُ قُلُتم ّ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬‫وَل َوَْل إ ِذ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ه فِت ْن َت َ ُ‬ ‫ن ي ُرِدِ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن(‪) ،‬وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫دا ِإن ُ‬ ‫مث ْل ِهِ أب َ ً‬‫ه أن ت َُعوُدوا ل ِ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫)( ي َعِظ ُك ُ ُ‬
‫شْيئًا( )المائدة‪ :‬من الية ‪" ، (41‬فأمسك عليك لسانك‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫وليسعك بيتك‪ ،‬وابك على خطيئتك"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫خامسًا‪ :‬لشك أن لما حدث أسبابا ً ودوافعًا‪ ،‬وواجبنا جميعا ً معالجة المر‬
‫بحكمة وبصيرة‪ ،‬دون انفعال أو ردود أفعال‪ ،‬والمر يحتاج إلى روية وبعد نظر‪،‬‬
‫مع العدل والنصاف‪ ،‬ودراسة المر دراسة موضوعية ُتبنى على الحقائق‬
‫والوقائع والثوابت‪ ،‬ل على الظن والحدس والتخمين‪ ،‬فضل ً عن اتهام الناس‬
‫ل‪ ،‬ول النفوس إل‬ ‫أو المؤسسات‪ ،‬أو الهيئات‪ ،‬فهذا لن يزيد النار إل اشتعا ً‬
‫احتقانًا‪ ،‬ومن ثم يكون النفجار المدوي الذي لن يسلم منه أحد‪ ،‬ومن هنا فإن‬
‫ل‪ ،‬وشرا ً‬ ‫مارأيناه من معالجة المر من قبل بعض من تصدى لذلك كان وبا ً‬
‫مستطيرًا‪ ،‬وبخاصة أولئك المنافقين الذين سارعوا إلى اتهام العلماء والدعاة‬
‫والصالحين‪ ،‬وثّنوا بمناهج التعليم التي خّرجت رجال ً شهد لهم القاصي‬
‫والداني‪ ،‬والعدو والصديق‪ ،‬طوال عقود مضت‪ ،‬وأزمنة خلت‪ ،‬وثّلثوا بمنهج‬
‫أهل السنة والجماعة الذي سار عليه أئمة الدعوة‪ ،‬وقامت عليه هذه الدولة‬
‫قبل أكثر من ثلثمائة سنة‪ ،‬وطفقوا يرددون أقوال أسيادهم من أهل الكتاب‪،‬‬
‫م‬
‫م هُ ُ‬ ‫حةٍ عَل َي ْهِ ْ‬‫صي ْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫سُبو َ‬
‫ح َ‬
‫وساروا على نهج أسلفهم من منافقي المس )ي َ ْ‬
‫ن( )المنافقون‪ :‬من الية ‪.(4‬‬ ‫ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫م َقات َل َهُ ُ‬ ‫ال ْعَد ُوّ َفا ْ‬
‫حذ َْرهُ ْ‬
‫وإذا ترك المر لهؤلء‪ ،‬كما هو الن‪ ،‬يقولون مايشاؤون‪ ،‬ويتهمون من يريدون‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ض َقاُلوا‬ ‫َْ‬
‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل تُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫يزعمون الصلح وهم المفسدون )وَإ َِذا ِقي َ‬
‫َ‬ ‫إنما نحن مصل ِحو َ‬
‫ن( )البقرة‪،12:‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ن وَلك ِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫م هُ ُ‬ ‫ن أل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ِّ َ َ ْ ُ ُ ْ ُ َ‬
‫‪.(13‬‬
‫فإن استمر المر على ذلك‪ ،‬فإن المر جد ّ خطير‪ ،‬وستكون الفتن التي تأكل‬
‫الخضر واليابس‪ ،‬فإن الناس دون دينهم وعقيدتهم‪ ،‬وهناك ينفلت الزمام‪،‬‬
‫ويتسع الخرق على الراقع‪ ،‬وعندئذ لينفع الندم‪ ،‬ول البكاء على الطلل‪.‬‬
‫فحري بأولي المر‪ ،‬وأولى الحلم والنهى‪ ،‬ومن استأمنهم الله على دين‬
‫الناس وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم أن يوقفوا هؤلء السفهاء عند حدهم‪،‬‬
‫ذر العزيز الجبار‬ ‫ويردعوهم عن غيهم‪ ،‬وإل كان الهلك والفساد والبوار‪ ،‬كما ح ّ‬
‫حقّ عَل َي َْها ال َ‬
‫ْ‬ ‫ك قَري ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قو ْ ُ‬ ‫قوا ِفيَها فَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫مت َْرِفيَها فَ َ‬ ‫مْرَنا ُ‬ ‫ةأ َ‬ ‫ن ن ُهْل ِ َ ْ َ‬ ‫)وَإ َِذا أَرد َْنا أ ْ‬
‫ميرًا( )السراء‪ (16:‬وأي فساد أعظم من العبث بدين الله‪،‬‬ ‫ها ت َد ْ ِ‬
‫مْرَنا َ‬ ‫فَد َ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫والستهزاء بالسنة‪ ،‬ولمز المؤمنين والصالحين )قُ ْ‬
‫سول ِهِ كن ْت ُ ْ‬ ‫ل أِباللهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬
‫م( )التوبة‪ :‬من الية ‪ (66 ،65‬اللهم‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫م ب َعْد َ ِإي َ‬‫فْرت ُ ْ‬ ‫ن ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك َ َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫هل بلغت؟ اللهم فاشهد ) ربنا لتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا(‪.‬‬ ‫ّ‬
‫سادسا ً ‪ :‬الجهاد ماض إلى قيام الساعة ‪ ،‬كما أخبر بذلك الذي لينطق عن‬
‫الهوى إن هو إل وحي يوحى‪ ،‬فقال – صلى الله عليه وسلم‪" :‬لتزال عصابة‬
‫من أمتي يقاتلون على أمر الله‪ ،‬قاهرين لعدوهم‪ ،‬ليضرهم من خالفهم حتى‬
‫تأتيهم الساعة‪ ،‬وهم على ذلك" رواه مسلم‪.‬‬
‫فالجهاد ماض إلى يوم القيامة بعز عزيز‪ ،‬أو بذل ذليل‪ ،‬ومن مظاهر الفتنة‬
‫الوقوع في أعراض المجاهدين‪ ،‬أو الطعن في الجهاد‪ ،‬أو النيل منه‪ ،‬أو تحميل‬
‫أي خطأ يعمل باسم الجهاد عليه‪ ،‬وفي المقابل هناك من يرتكب أعمال ً‬
‫يسفك فيها الدماء‪ ،‬وينتهك الحرمات باسم الجهاد‪ ،‬والجهاد منه بريء‪.‬‬
‫فالجهاد ليس عبثا ً لكل غاد ورائح‪ ،‬وليس كل من ادعي الجهاد يسّلم له‪ ،‬ولو‬
‫يعطى الناس بدعاواهم لدعى أناس دماء قوم وأموالهم‪.‬‬
‫فالجهاد في سبيل الله له شروطه وموانعه وضوابطه‪ ،‬وقد بّينه الله في‬
‫ّ‬
‫صله محمد –صلى الله عليه وسلم– فيما ترك لنا من سنته‪ ،‬وجلى‬ ‫كتابه‪ ،‬وف ّ‬
‫العلماء أصوله ومنطلقاته‪ .‬وهناك جهاد الطلب‪ ،‬وجهاد الدفع‪ ،‬ولكل منهما‬
‫دوافعه وضوابطه ومبرراته‪.‬‬
‫ً‬
‫فالحذر الحذر من العبث بالجهاد‪ ،‬طعنا ولمزا‪ ،‬فتلك صفات المنافقين‪ ،‬فإذا‬ ‫ً‬
‫رأيت من أطلق لسانه في الجهاد أو المجاهدين فاعلم أن في قلبه مرض‪،‬‬
‫شْيئًا( )المائدة‪ :‬من الية ‪،(41‬‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ َ‬‫ن تَ ْ‬‫ه فَل َ ْ‬ ‫ن ي ُرِدِ الل ّ ُ‬
‫ه فِت ْن َت َ ُ‬ ‫م ْ‬‫)وَ َ‬
‫وكذلك حذار من تبرير مايفعله بعض المتعجلين باسم الجهاد‪ ،‬وماذلك إل من‬
‫التأويل الفاسد‪ ،‬وقصور العلم والفقه في الدين‪ ،‬وعدم مراعاة قواعد‬
‫المصالح والمفاسد‪ ،‬والمقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج فاسدة‪ ،‬نعوذ بالله‬
‫من الفتن ماظهر منها ومابطن‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سابعا ً ‪ :‬إن من أسباب حلول سخط الله‪ ،‬ونزول عقابه‪،‬المعاصي والذنوب‪،‬‬


‫والبعد عن شرع الله‪ ،‬وانتهاك الحرمات‪ ،‬وارتكاب الموبقات فما نزل بلء إل ّ‬
‫بذنب‪ ،‬وما رفع إل ّ بتوبة‪ ،‬والمجتمع الذي يرى المعصية فل ينكرها‪ ،‬والذنب فل‬
‫يستقبحه‪ ،‬حري بأن يصاب بالبلء والمحن والفتن‪ ،‬كما حل ببلد كثيرة من بلد‬
‫خذ ُ َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ك أَ ْ‬‫المسلمين لما صدوا عن سبيل الله‪ ،‬وأعرضوا عن ذكره‪) ،‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫إ َِذا أ َ َ‬
‫خذ َ ال ْ ُ‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬‫ل أَرأي ْت َك ُ ْ‬ ‫د( )هود‪) ،(102:‬قُ ْ‬ ‫دي ٌ‬ ‫م َ‬
‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬
‫م ٌ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ال ّ‬ ‫ك إ ِّل ال ْ َ‬ ‫ل ي ُهْل َ ُ‬ ‫ذاب الل ّه بغْت ً َ‬ ‫َ‬


‫ن( )النعام‪،(47:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫جهَْرة ً هَ ْ‬ ‫ة أوْ َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫م عَ َ ُ‬ ‫أَتاك ُ ْ‬
‫ن( )القصص‪ :‬من الية ‪.(59‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫قَرى إ ِّل وَأ َهْل َُها َ‬ ‫كي ال ْ ُ‬ ‫مهْل ِ ِ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫)وَ َ‬
‫والسلمة من المعاصي والذنوب‪ ،‬والخذ على أيدي السفهاء‪ ،‬والقيام بواجب‬
‫ك‬‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫الصلح منقذ من عذاب الله‪ ،‬وأليم عقابه قال سبحانه‪) :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن( )هود‪.(117:‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وصلح بعض الفراد دون القيام بواجب الصلح ليمنع من عقاب الله‪ ،‬كما‬
‫في الحديث الصحيح‪) :‬أنهلك وفينا الصالحون‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"نعم ‪ ،‬إذا كثر الخبث"‪.‬‬
‫وهذا المر الذي غفل عنه كثير من الناس ‪-‬حتى بعض الصالحين‪ -‬من أعظم‬
‫ليؤاخذنا بما فعل السفهاء منا‪.‬‬ ‫أسباب ماحدث وكان‪ ،‬ونسأل الله أ ّ‬
‫ثامنًا‪ :‬المن مطلب شرعي‪ ،‬ومّنة إلهية‪ ،‬ونفحة رّبانية‪ ،‬امتن الله به على‬
‫ت‬‫ذا ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫دوا َر ّ‬ ‫عباده في مواضع كثيرة من كتابه كما قال سبحانه )فَل ْي َعْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫ف( )قريش‪ ،(4 ،3:‬والمحافظة على‬ ‫خو ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من َهُ ْ‬ ‫جوٍع َوآ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ذي أط ْعَ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫المن مسؤولية الجميع حكاما ً ومحكومين‪ ،‬رجال ً ونساًء‪ ،‬كبارا ً وصغارًا‪ ،‬والمن‬
‫ليس هو أمن الجسام فحسب‪ ،‬بل هو أمن العقول والبدان‪ ،‬وسد ّ منافذ‬
‫الشّر‪ ،‬وأعظم سبب لحفظ المن هو اليمان بالله‪ ،‬وتطبيق شرعه‪ ،‬والحتكام‬
‫إلى كتابه وسنة رسوله‪ ،‬والبعد عن الظلم العام والخاص‪ ،‬وعمدة ذلك هو‬
‫سوا‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫مُنوا وَل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫التوحيد وخلوصه‪ ،‬وتنقية المجتمع مما يضاده‪) ،‬ال ّ ِ‬
‫ن( )النعام‪.(82:‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِظ ُل ْم ٍ ُأول َئ ِ َ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ِإي َ‬
‫والمحافظة على المن عبادة نتقرب بها إلى الله‪ ،‬كيف والضرورات الخمس‬
‫كلها‪ ،‬تدل عليه وتقتضيه‪.‬‬
‫في ظل المن تعمر المساجد وتقام الصلوات‪ ،‬وتحفظ العراض والموال‪،‬‬
‫وتأمن السبل‪ ،‬وينشر الخير‪ ،‬ويعم الرخاء‪ ،‬وتقام الحدود‪ ،‬وتنشر الدعوة‪،‬‬
‫وتطبق شريعة الله‪ ،‬وإذا اختل المن كانت الفوضى‪ ،‬وحكم اللصوص وقطاع‬
‫الطرق‪ ،‬قال حذيفة رضي الله عنه‪" :‬فابتلينا حتى جعل الرجل منا ليصلي إل‬
‫ض‬‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫سرًا" رواه مسلم ويقول سبحانه‪) :‬وَل َ ْ‬
‫ن‬‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل َي َن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬
‫ص َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َهُد ّ َ‬
‫زيٌز( )الحج‪ :‬من الية ‪.(40‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫فلنكن كلنا جنودا ً في حفظ المن‪ ،‬أمن العقول والقلوب‪ ،‬وأمن الجساد‬
‫والعراض‪ ،‬ولتحقيق ذلك لبد أن نبدأ في تطبيق شرع الله في أنفسنا وفي‬
‫ة‬
‫من َ ً‬‫تآ ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مث َل ً قَْري َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫بيوتنا ومجتمعنا‪ .‬وإل ّ فلنحذر من ذلك المثل )وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة ي َأ ِْتيَها رِْزقَُها َر َ‬
‫س‬
‫ه ل َِبا َ‬ ‫ت ب ِأن ْعُم ِ الل ّهِ فَأَذاقََها الل ّ ُ‬ ‫فَر ْ‬ ‫ن فَك َ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫غدا ً ِ‬ ‫مئ ِن ّ ً‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن( )النحل‪.(112:‬‬ ‫عو‬
‫ُ َ ْ َُ َ‬‫ن‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫ا ُ ِ َ‬ ‫ع‬ ‫جو‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫والمن كلي ليتجزأ‪ ،‬فمن أخذ ببعضه وترك بعضا فعاقبته إلى خسار وبوار‬ ‫ً‬
‫شاُء()الحج‪ :‬من الية ‪.(18‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مك ْرِم ٍ إ ِ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ن ي ُهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫)وَ َ‬
‫تاسعا‪ :‬وفي هذه المرحلة العصيبة يتأكد الخذ بمنهج الوسطية‪ ،‬وتربية المة‬ ‫ً‬
‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫عليه‪ ،‬فهو المنهج الذي اختاره الله للمة‪) :‬وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫شِهيدًا( )البقرة‪ :‬من الية ‪(143‬‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫كو َ‬ ‫س وَي َ ُ‬ ‫داَء عَلى الّنا ِ‬
‫َ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ُ‬
‫وهو المنهج الذي سار عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وصحابته‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫الكرام‪ ،‬والقرون المفضلة‪ ،‬إنه المنهج الوسط‪ ،‬منهج الخيرية )ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ه( )آل‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫أُ ْ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪ ،(110‬إنه منهج العتدال واليسر والتوازن‪ ،‬وسط بين الغلو‬
‫والجفاء‪ ،‬بين الفراط والتفريط‪ ،‬وليس هو منهج التنازل‪ ،‬والتساهل والفراط‪،‬‬
‫فكل طرفي قصد المور ذميم‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفي ضوء هذا المنطلق والصل العظيم نبّين أصول التوحيد وفروعه‪ ،‬مبدأ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ضهُ ْ‬ ‫صاَرى أوْل َِياَء ب َعْ ُ‬ ‫ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫الولء والبراء )َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬
‫)المائدة‪.(51:‬‬
‫فواجب العلماء والدعاة والمربين والباء أن يربو المة على هذا المنهج –‬
‫منهج الوسطية والتيسير "إنما بعثتم ميسرين" وقال –صلى الله عليه‬
‫سرا"‪ ،‬وأن يبعدوا المة عن المناهج المنحرفة‪ ،‬التي‬ ‫سرا ولتع ّ‬ ‫وسلم– ‪":‬ي ّ‬
‫تضاد منهج أهل السنة والجماعة مناهج الغلو أو الجفاء‪ ،‬ومناهج الفراط أو‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ ْ‬
‫ع‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫قيما ً َفات ّب ُِعوه ُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫التفريط )وَأ ّ‬
‫ن( )النعام‪.(153:‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فإن المر أكبر من أن يحصر في كلمات أو صفحات محدودة‪ ،‬وإنما يحتاج‬
‫إلى وقفة جادة‪ ،‬وبرامج مدروسة‪ ،‬تتجاوز ردود الفعال‪ ،‬وتسخير الفرص لهذا‬
‫أو ذاك‪ ،‬فمصلحة المة فوق مصلحة الفراد أو الهيئات والمؤسسات‪ ،‬ولذا‬
‫لبد أن يتنادى المخلصون إلى كلمة سواء‪ ،‬ويجتمعوا ويعتصموا بحبل الله‬
‫وليتفرقوا‪ ،‬وأن تكون الشورى وسيلتهم‪ ،‬والمنهج الحق بغيتهم‪ ،‬وتخليص‬
‫المة من عدوها هدفهم‪ ،‬وإقامة شرع الله غايتهم‪ ،‬فإن فعلوا ذلك كان الفلح‬
‫وا‬‫ق ْ‬ ‫مُنوا َوات ّ َ‬ ‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫والمن والرغد‪ ،‬وإل ّ فل يلوموا إل أنفسهم )وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫ماِء َواْل َْر‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا فَأ َ‬ ‫ض وَل َك ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م ب ََر َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫فت َ ْ‬‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن أهْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوَأ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م َنائ ِ ُ‬ ‫سَنا ب ََياتا ً وَهُ ْ‬‫م ب َأ ُ‬ ‫ن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫قَرى أ ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أهْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن أفَأ ِ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مك َْر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫مك َْر الل ّهِ َفل ي َأ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ن أفَأ ِ‬ ‫م ي َل ْعَُبو َ‬ ‫ى وَهُ ْ‬ ‫ضح ً‬ ‫سَنا ُ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫ن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫قَرى أ ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن( )العراف‪.(99-96:‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬‫إ ِّل ال ْ َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫د‪ ،‬واستغفروا ربكم وتوبوا إليه‪ ،‬وتضّرعوا بين يديه )وَ َ‬ ‫فخذوا المر بج ّ‬
‫ن( )لنفال‪ :‬من الية ‪.(33‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫نسأل الله أن يحفظ بلدنا وبلد المسلمين من كل سوء ومكروه وأن يرد كيد‬
‫العداء في نحورهم‪ ،‬وأن يجعل الدائرة عليهم‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪،‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تعامل النبياء مع الواقع محمد الحبر يوسف*‬


‫التعامل مع الواقع القائم أمر لزم وواجب ل مناص عنه لكل من أراد أن يؤثر‬
‫في هذا الواقع سلبا أو إيجابا‪ ،‬ولما كانت مهمة النبياء عليهم الصلة إخراج‬
‫الناس من الظلمات إلى النور‪ ،‬وإصلح أحوال العباد‪ ،‬لتستقيم حياتهم بعد‬
‫ذلك على سنن الحق والفضيلة‪ ،‬كان لبد أن يكون لهم منهج واضح يرفد‬
‫المصلحين في كل زمان ومكان بمنهج الحق الذي يجب أن يلتزموه في‬
‫تعاملهم مع واقع الشعوب المنحرفة عن الصراط‪ ،‬وأول ما يلفت النظر في‬
‫هذا أن الله جل وعل بعث كل نبي في قومه خاصة إل محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم فإنه ُبعث للناس عامة قال تعالى‪) :‬وإلى عاد ٍ أخاهم هودا(‪) ،‬وإلى ثمود‬
‫أخاهم صالحًا(‪) ،‬وإلى مدين أخاهم شعيبًا(‪ ،‬وقال سبحانه‪ ) :‬ولقد جاءهم‬
‫رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون(‪ ،‬و قال سبحانه‪) :‬وما‬
‫أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبين لهم(‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحكمة في اختيار الرسول من بيئته ليكلم الناس بلسانهم فيه دللة واضحة‬
‫على أهمية خلق جسور من الصلت النفسية والمعرفية مع المخاطبين‪،‬‬
‫فالغريب الطارئ على أي مجتمع من المجتمعات لن يستطيع ـ مهما أوتي‬
‫من قوة الملحظة وحدة الذكاء ـ أن يستوعب واقع ذلك المجتمع استيعابا ً‬
‫يمكنه من النفاذ إلى قلوب أهله‪ ،‬وغالبا ً ما تعترض سبيله حواجز التشكك في‬
‫سيرته لنه مجهول الماضي‪ ،‬وقد أمر الله نبيه أن يقول للكافرين‪) :‬قل لو‬
‫شاء الله ما تلوته عليكم ول أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا ً من قبله أفل‬
‫تعقلون‪ ،‬فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في قومه تشهد بصدقه وأمانته‬
‫مع الناس فما كان له كما قال هرقل لبي سفيان أن يدع الكذب على الناس‬
‫ثم يذهب ليكذب على الله‪ ،‬وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي‪ :‬ثم بعث فينا‬
‫رسول ً نعرف صدقه ونسبه وأمانته‪.‬‬
‫إن التأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يطلعنا على أنه صلوات الله‬
‫عليه وسلمه كان أعظم الناس إحاطة بواقعه‪ ،‬وأعرفهم بمداخله ومخارجه‪،‬‬
‫وأقدرهم على التأثير فيه‪ ،‬لقد علمتنا السيرة المباركة كيف يمكن للداعية أن‬
‫يستفيد من معرفته بطبائع مجتمعه‪ ،‬وعادات قومه‪ ،‬ومؤثرات بيئته وهو يدعو‬
‫إلى الله ويدل عليه‪ ،‬روى المام أحمد في المسند عن أبي أمامه الباهلي أن‬
‫فتى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا‪،‬‬
‫فأقبل القوم عليه فزجروه فقالوا له مه مه فقال له النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ادن فدنا منه قريبا فجلس ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم أتحبه‬
‫لمك‪-‬يعني الزنا‪ -‬قال ل جعلني الله فداء ك فقال ول الناس يحبونه لمهاتهم‬
‫أفتحبه لبنتك قال ل يا رسول الله جعلني الله فداءك قال ول الناس يحبونه‬
‫لبناتهم حتى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخت والخالة والعمة ثم‬
‫وضع رسول الله يده على صدر الفتى ودعا له بقوله )اللهم اغفر ذنبه وحصن‬
‫فرجه وطهر قلبه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء( العبرة في هذه‬
‫القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم استفاد من معرفته بقيم المجتمع الذي‬
‫م‬
‫يستقبح الزنا ويعده عارا‪ ،‬ووظف هذه المعرفة في إقناع الشاب بقبح ما ه ّ‬
‫به‪ .‬ثم إن عبرة هذه القصة ليست في المثال الحرفي المذكور ولكنها في‬
‫السلوب والمنهج الذي سلكه الرسول الكريم صلوات الله وسلمه عليه لن‬
‫الداعية الذي يقيم في مجتمع ل يرى الزنا عيبا ـ كأوربا مثل ـ ربما ل يسعفه‬
‫المثال الحرفي في بيان الحكمة من تحريم الزنا ولكنه إن استفاد من المنهج‬
‫الذي قرره الحديث فإنه سيجد نفسه أمام حشد هائل من الحجج الخرى‬
‫التي يستطيع أن يوردها وقد تكون حججا طبية أو اجتماعية أو نفسية‪.‬‬
‫لقد علمتنا أحداث السيرة ووقائعها أن الداعية الحصيف هو الذي يفقه طبائع‬
‫النفوس ومداخلها وما يلئمها ويناسبها‪ ،‬ففي صلح الحديبية كان النبي الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم يفاوض قريشا وهو على معرفة كاملة بطبائع القوم‬
‫وعاداتهم فإنه لما أشرف الحليس بن علقمة ليفاوض نيابة عن قريش قال‬
‫عليه الصلة والسلم لصحابه لما راءه قادما من بعيد‪) :‬هذا الحليس بن‬
‫علقمة وهو من قوم يعظمون البدن‪ ،‬فابعثوها له(‪ ،‬واستقبله القوم يلبون‪،‬‬
‫فلما رأى ذلك قال )سبحان الله ما ينبغي لهؤلء أن يصدوا عن البيت( فرجع‬
‫إلى أصحابه فقال )رأيت البدن قد أشعرت وقلدت‪ ،‬وما أرى أن يصدوا عن‬
‫البيت( وما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السلوب مع من جاء قبل‬
‫الحليس )بديل بن ورقاء وعروة بن مسعود( ول مع من جاء بعده )مركز بن‬
‫حصن وسهيل بن عمرو(‪ ،‬ومن حكم العرب‪ :‬لكل مقام مقال‪.‬‬
‫وخلصة القول في هذا أن الداعية الذي يريد أن يؤثر في واقعه لبد له من‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استيعاب شامل لذلك الواقع ومكوناته وسائر ما يتصل به‪ ،‬وآفة كثير من‬
‫إخواننا الدعاة في هذا الجانب أنهم وقعوا في إحدى ثلث‪:‬‬
‫إما في إهمال دراسة الواقع وحسن فهمه وتصوره‪.‬‬
‫أو في الستجابة إلى ضغط الواقع والرضا ببعض ما فيه من صور النحراف‪.‬‬
‫أو في معاداة الواقع ومفاصلته جملة وتفصيل دون تمييز بين خيره وشره‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الملحظ الثاني في تعامل النبياء مع الواقع هو ربط الدعوة بهموم الناس‬


‫ومشكلتهم وأقضيتهم‪ ،‬إن النبياء جميعا جاؤوا إلى أممهم بالدعوة إلى توحيد‬
‫الله وإفراده بالعبادة )ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا‬
‫الطاغوت( وقال سبحانه‪) :‬وما أرسلنا من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل‬
‫أنا فاعبدون( ولكن ما من أحد منهم إل وواجه قومه بما انحرفوا فيه‪ ،‬وسعى‬
‫لن يربط دعوته للتوحيد بالدعوة إلى إصلح الواقع‪ ،‬فشعيب عليه السلم دعا‬
‫قومه إلى عبادة الله ودعاهم في الوقت ذاته إلى إصلح الفساد القتصادي‬
‫المتمثل في التطفيف وبخس الناس فقال لهم‪) :‬أوفوا الكيل ول تكونوا من‬
‫المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ول تبخسوا الناس أشياءهم ول تعثوا‬
‫في الرض مفسدين(‪ ،‬ولوط عليه السلم دعا قومه إلى التوحيد‪ ،‬ودعاهم في‬
‫الوقت ذاته إلى إصلح النحراف الخلقي الذي عرفوا به‪ ،‬وأنكر عليهم ما هم‬
‫عليه من الفاحشة‪) :‬أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد في العالمين(‬
‫ورسالة موسى إلى فرعون كانت دعوة إلى التوحيد الخالص ونهيا عن‬
‫الستكبار وفساد الحكم )فأتياه فقول إنا رسول ربك فأرسل معنا بني‬
‫إسرائيل ول تعذبهم(‪.‬‬
‫إذا ً فواجب الدعاة إلى الله في كل مجتمع أن يخاطبوا الناس بما يهمهم‪ ،‬وأن‬
‫يتلمسوا مشاكلهم وحاجاتهم لن هذا هو الذي يؤثر فيهم وتبلغه أفهامهم‪ ،‬أما‬
‫الخطاب بالمعاني المجردة أو اجترار مشاكل ل وجود لها في الواقع‪ ،‬أو‬
‫تضخيم المشكلت الصغيرة على حساب القضايا الكبيرة كل ذلك من الخطاء‬
‫التي يجب أن تراجع في مناهجنا الدعوية‪.‬‬
‫الملحظ الثالث في تعامل النبياء مع الواقع هو تأكيدهم لحقيقة أن الستقامة‬
‫على أمر الله لن تكون سببا في الفوز بالخرة فحسب‪ ،‬وإنما يعود خيرها‬
‫على حياة الناس في معاشهم وواقع حياتهم‪ ،‬قال نوح لقومه‪) :‬فقلت‬
‫استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال‬
‫وبين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا(‪ .‬وقال هود لقومه‪) :‬ويا قوم‬
‫استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى‬
‫قوتكم ول تتولوا مجرمين(‪ ،‬وقال سبحانه)ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا‬
‫لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا‬
‫يكسبون(‬
‫إن هذه الحقيقة القرآنية –حقيقة أن الستقامة تجلب خيري الدنيا والخرة‪-‬‬
‫لبد لها أن تكون شاخصة في أحاديث الدعاة‪ ،‬فالسلم لن يكون يوما خصما‬
‫على رفاهية الشعوب وتحضرها فضل عن أمنها وسلمتها‪ ،‬كيف وقد كان من‬
‫مقاصد دعوة الرسل إصلح الرض وإعمارها بالخير ونشرالمن في ربوعها؛‬
‫)وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا(‪ ،‬إن أعداء الله يريدون أن يصوروا‬
‫للعالم ـ بعد أن رأوا تقدم السلم ـ أن هذا الدين شبح يوشك أن ينقض على‬
‫حضارات الشعوب لتعود البشرية إلى ظلم الماضي وكهنوت رجال الدين‪ ،‬إن‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا الفك المفترى يحتاج من الدعاة إلى الله أن يقولوا للعالم إن إيمانكم‬
‫بربكم وعبادتكم إياه ستجلب لكم الطمأنينة والسعادة في العاجل والجل‪،‬‬
‫وقد قال موسى لقومه‪) :‬وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم إن‬
‫عذابي لشديد(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تعاون الدعاة وأثره في المجتمع‬


‫رئيسي ‪:‬الدعوة ‪:‬الخميس ‪ 19‬جمادى الخرة ‪1425‬هـ ‪ 5 -‬أغسطس‬
‫منزلة الدعوة إلى الله‪:‬‬
‫ك أن الدعوة إلى الله لها مرتبة عظيمة في شريعة الله‪ ،‬ومن المهم أن‬ ‫لش ّ‬
‫در المر بالقول إلى محمدٍ رسول الله صلى الله عليه‬ ‫نعلم أن الله إذا ص ّ‬
‫وسّلم؛ فإن ذلك يقتضي عناية خاصة فيما وقع فيه هذا القول‪،‬‬
‫عو إ َِلى‬ ‫َ‬
‫سِبيِلي أد ْ ُ‬ ‫يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسّلم‪} :‬قُ ْ‬
‫ل هَذِهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪{[108‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مآ أن َا ْ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أن َا ْ وَ َ‬ ‫الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬
‫]سورة يوسف[‪ .‬فالنبي صلى الله عليه وسّلم‪ ،‬كإخوانه من سائر النبيين‬
‫والمرسلين‪ ،‬تبوءوا هذا المقام العظيم‪ ،‬وهو مقام الدعوة إلى الله لكنها‬
‫دعوة على بصيرة‪ ،‬ولبد من هذه البصائر الثلث‪:‬البصيرة فيما يدعون إليه‪،‬‬
‫والبصيرة في حال المدعو‪ ،‬والبصيرة في أسلوب الدعوة‪ ،‬وإذا تمت هذه‬
‫المور الثلثة؛ صارت الدعوة دعوة محمد صلى الله عليه وسّلم‪ ،‬وإذا اختل‬
‫منها واحد؛ نقص من كمالها بقدر ما اختل من هذه المور الثلثة‪ ،‬يقول تعالى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫مآ أن َا ْ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أن َا ْ وَ َ‬ ‫في هذه الية‪} :‬عََلى ب َ ِ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من خصائص الداعية‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬البصيرة بحال المدعو‪:‬فكل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لبد‬
‫ضا داعية إلى الله‬ ‫أن يكون داعية إلى الله‪ ،‬بحاله ومقاله‪ ،‬ولب ُد ّ أن يكون أي ً‬
‫ما بعث‬ ‫ّ‬
‫على بصيرة بحال من يدعوهم؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم ل ّ‬
‫ما أ َهْ َ‬ ‫ْ‬ ‫معاًذا إلى اليمن‪ ،‬قال له‪] :‬إ ِن ّ َ‬
‫ب[رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ل ك َِتا ٍ‬ ‫ست َأِتي قَوْ ً‬ ‫ك َ‬
‫دا لملقاتهم حتى ينزل كل إنسان منزلته‪ ،‬ول‬ ‫وأخبره بحالهم؛ ليكون مستع ّ‬
‫ن كل عاقل يعلم الفرق بين دعوة الجاهل‪ ،‬ودعوة المعاند؛ ولهذا قال‬ ‫ريب أ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من ْهُ ْ‬‫موا ِ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن إ ِل ال ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِل ِبالِتي هِ َ‬ ‫جادِلوا أهْل الك َِتا ِ‬ ‫تعالى‪ } :‬وَل ت ُ َ‬
‫ن ل َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ْ ِ ِ َْ َ ْ ِ ِ ْ ْ َِ ُ َ َِ ُ ْ َ ِ ٌ ََ ْ ُ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫مّنا ِبال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫وَُقوُلوا آ َ‬
‫ن]‪]{[46‬سورة العنكبوت[‪.‬فالذين ظلموا ل نجادلهم بالتي هي أحسن‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وإنما نجادلهم بما يليق بحالهم‪ ،‬وظلمهم‪.‬‬
‫ما بأسلوب الدعوة‪،‬‬ ‫‪ -2‬البصيرة بأسلوب الدعوة‪:‬ولب ُد ّ أن يكون الداعية عال ً‬
‫دعاة‪ :‬كيف يدعون الناس؟‬ ‫دا‪ ،‬بالنسبة لل ّ‬ ‫وكيف يدعو الناس وهذا أمٌر مهم ج ّ‬
‫دة‪ ،‬والقدح فيما هم عليه‪ ،‬وسب ما‬ ‫هل يدعون الناس بالعنف‪ ،‬والش ّ‬
‫ينتهجونه؟! أو يدعون الناس باللين والرفق‪ ،‬وتحسين ما يدعونهم إليه دون أن‬
‫يقبوحهم فيما هم عليه من منهج وسلوك؟‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سّبوا ال ِ‬ ‫َ‬
‫ننظر‪ ..‬ماذا يقول الله لجميع المؤمنين‪}:‬وَل ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك زينا ل ِك ُ ّ ُ‬
‫م‬
‫جعُهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬
‫م َ‬ ‫م إ ِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ملهُ ْ‬ ‫مةٍ عَ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫عل ْم ٍ ك َذ َل ِ َ َ ّ ّ‬ ‫ه عَد ًْوا ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫سّبوا الل ّ َ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫ن]‪]{[108‬سورة النعام[‪ .‬ونحن نعلم أن سب آلهة‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬‫َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫ب الباطل‪ ،‬وبيان منزلته للناس‬ ‫المشركين أمٌر مطلوب؛ لنها آلهة باطلة‪ ،‬وس ّ‬
‫أمٌر مطلوب لبد منه ولكن إذا كان يترتب على ذلك مفسدة أكبر‪ ،‬مع إمكان‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫زوال الباطل بدون هذه المفسدة‪ ،‬فإن الله يقول‪ } :‬وََل ت َ ُ‬
‫عل ْم ٍ ‪ .{.‬ومعلوم أنهم إذا سّبوا الله‪،‬‬ ‫سّبوا الل ّ َ‬
‫ه عَد ًْوا ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ فَي َ ُ‬‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫فإنهم يسبونه عدًوا بغير علم‪ ،‬بل نعلم أن الله عّز وجل منزه عن كل عيب‪،‬‬
‫ل عن‬ ‫ونحن إذا سببنا آلهتهم‪ ،‬فقد سببناها بحق‪ ،‬ومع ذلك نهى الله عّز وج ّ‬
‫ق؛ خوًفا من هذا الباطل العادي؛ لنه شر‪.‬‬ ‫هذا الح ّ‬
‫صا على أمرٍ يرى هذا الداعية أنه باطل‪،‬‬ ‫وبناًء على ذلك‪ :‬فإذا رأى الداعية شخ ً‬
‫وصاحبه يرى أنه حق‪ ،‬فليس من طريق الدعوة التي أرشد الله إليها نبيه‬
‫دا صلى الله عليه وسّلم أن يقدح فيما هو عليه‪ ،‬من مذهب أو نحلة؛ لن‬ ‫محم ً‬
‫ذلك ينفره‪ ،‬وربما يؤدي إلى أن يسب ما أنت عليه من الحق؛ لنك سببت ما‬
‫قا‪ ،‬ولكن الطريق‪ :‬أن أبين له الحق‪،‬‬ ‫هو عليه من الباطل الذي يعتقده ح ّ‬
‫وأشرحه له؛ لن كثيًرا من الناس‪ ،‬ول سيما المقلدون‪ ،‬قد يخفى عليهم نور‬
‫الحق؛ بما غشيهم من الهوى والتقليد‪ ،‬لذلك أقول‪ :‬يبين الحق ويوضح‪ ،‬ول‬
‫شك أن الحق تقبله الفطر السليمة؛ لنه دين الله وشرعه فلبد أن يؤثر هذا‬
‫الحق‪ .‬أن يؤثر في المدعو‪ ..‬ل أقول‪ :‬إنه يؤثر في الحال‪ ،‬لكن قد يؤثر ولو‬
‫ي إليه‪ ،‬مرةً بعد أخرى حتى يتبين له‬ ‫ع َ‬ ‫بعد حين‪ ،‬قد يفكر هذا المدعو فيما د ُ ِ‬
‫الحق‪.‬‬
‫أمثلة على حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالمهم أن الداعية لبد أن يكون ذا بصيرة في السلوب الذي يدعو إليه‬


‫الناس؛ لن هذا أمر مهم بالنسبة لقبول الدعوة ورفضها‪ ،‬ول يخفى علينا ما‬
‫وقع للنبي صلى الله عليه وسّلم في كيفية الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن‪،‬‬
‫ل يخفى علينا قصة العرابي الذي جاء فبال في طائفة من المسجد فزجره‬
‫عوه ُ وََل‬ ‫الناس وأنكروا عليه‪ ،‬ولكن الرسول صلى الله عليه وسّلم قال‪] :‬د َ ُ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم‪ .‬فلما فرغ من بوله أمر النبي صلى الله عليه‬ ‫مو ُ‬ ‫ت ُْزرِ ُ‬
‫ب من ماء‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫وسّلم بما تزول به هذه المفسدة‪ ،‬وهي أن يصب عليه ذنو ٌ‬
‫يٍء‬‫ش ْ‬ ‫ح لِ َ‬ ‫صل ُ ُ‬
‫جد َ َل ت َ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫ي‪ ،‬وقال له‪] :‬إ ِ ّ‬ ‫دلو أو شبهه‪ ،‬ثم دعا العراب ّ‬
‫ن[‬‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫صلةِ وَقَِراَءةِ ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ي ل ِذِكرِ اللهِ عَّز وَ َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫قذ َرِ إ ِن ّ َ‬‫ل وََل ال ْ َ‬ ‫ذا ال ْب َوْ ِ‬‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ما قال َر ُ‬ ‫أوْ ك َ‬
‫فتأمل هذه الدعوة إلى الحق بهذا السلوب‪ :‬ماذا تتصور من حال هذا‬
‫العرابي الذي دعاه الرسول عليه الصلة والسلم إلى تعظيم المساجد بهذا‬
‫السلوب اللّين السهل‪ ،‬إنك لن تتصور إل ّ أن هذا العرابي سيقبل وسيطمئن‬
‫وسيرتاح‪ ،‬وسيجد الفرق بين ما قام به الصحابة رضي الله عنهم من الزجر‪،‬‬
‫وما قام به النبي صلى الله عليه وسّلم من التعليم الهادئ‪ ،‬الذي ينشرح فيه‬
‫الصدر‪ ،‬ويطمئن به القلب‬
‫ضا‪ :‬أن يكون أول‬ ‫‪ -3‬تخلق الداعية بما يدعو إليه‪ :‬ومما يجب على الداعية أي ً‬
‫ك أنه‬ ‫من يتخلق بما يدعو إليه‪ ،‬فحال الداعية إذا كانت مخالفة لدعوته‪ ،‬ل ش ّ‬
‫مؤثر في دعوته في أل ّ تقبل‪ ،‬فإن الناس ينظرون إلى الدعاة غير نظرهم إلى‬
‫سائر الناس‪ ،‬إذا رأوا الداعية يدعو إلى شيء‪ ،‬ولكنه ل يقوم به‪ ،‬فسيكون‬
‫عندهم شك فيما دعا إليه‪ ،‬أهو حق أو باطل؟! لنه سيقول المدعو‪ :‬إذا كان‬
‫قا فلماذا ل يفعله‪ ،‬وحينئذ ٍ يقل قبول الناس له مع ما يلحقه من الثم‬ ‫ح ّ‬
‫العظيم في كونه يدعو ولكنه ل يفعل‪ ،‬يقول الله تعالى منكًرا على بني‬
‫ب أ َفَلَ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ن ال ْك َِتا َ‬‫م ت َت ُْلو َ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫س ِبال ْب ِّر وَت َن ْ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫إسرائيل‪ } :‬أت َأ ُ‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪]{[44‬سورة البقرة[‪ .‬فليس من العقل أن يأمر النسان غيره بالبر‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫وينسى نفسه؛ لنه إذا كان بّرا‪ ،‬فليكن هو أول من يدعو إليه‪ ،‬هو أول من‬
‫ينفذه‪ ،‬هو أول من يقوم به‪ ،‬حتى يكون داعية للناس بمقاله وبحاله‬
‫‪ -4‬أن يكون بصيًرا بما يدعو اليه‪:‬و هذا مما يجب على الداعية‪ ،‬فل يتكلم إل ّ‬
‫بما يعلم أنه الحق‪ ،‬أو بما يغلب على ظنه أنه الحق‪ -‬إذا كان هذا الشيء الذي‬
‫يدعو إليه مما يسوغ فيه الظن‪ -‬أما أن يدعو بجهل؛ فإنه يهدم أكثر مما يبني‪،‬‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما كبيًرا‪ ،‬يقول الله سبحانه‪ }:‬وََل ت َ ْ‬ ‫مع أنه آثم إث ً‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سُئول]‪]{[36‬سورة السراء[‪ .‬ل‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬‫ك َ‬ ‫ل أولئ ِ َ‬ ‫ؤاد َ ك ُ ّ‬‫ف َ‬‫صَر َوال ُ‬‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫س ْ‬‫ال ّ‬
‫ي‬‫م َرب ّ َ‬‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ل‪ }:‬قُ ْ‬ ‫تتبع شيًئا ل علم لك به؛ لنك مسؤول ويقول عّز وج ّ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شرِكوا ِبالل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ي ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫م َوال ْب َغْ َ‬ ‫ن َواْل ِث ْ َ‬‫ما ب َط َ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬
‫من َْها وَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن]‪]{[33‬سورة‬ ‫مو َ‬ ‫ما َل ت َعْل َ ُ‬ ‫قوُلوا عََلى الل ّهِ َ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫طاًنا وَأ ْ‬ ‫سل ْ َ‬
‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫العراف[‪.‬‬
‫من مفاسد جهل بعض الدعاة‪:‬‬
‫ونحن نسمع عن بعض الدعاة‪ ،‬أنهم يدعون إلى أمر يجانبون فيه الصواب‪ ،‬و‬
‫يغلب على ظننا أنهم لم يدعو إلى هذا الشيء عن علم واختيار منهم له‬
‫ولكنه عن جهل‪ ،‬فيحصل بذلك مفسدتان عظيمتان‪:‬‬
‫المفسدة الولى‪ :‬قبول هذا الباطل الذي دعا إليه هذا الداعية‪ ،‬عن غير علم‪.‬‬
‫المفسدة الثانية‪ :‬رد الحق المبني على العلم‪ ،‬كما نشاهد أو نسمع عن بعض‬
‫الناس في تحريم أشياء ليس لديهم برهان من الله على تحريمها‪ ،‬أو إيجاب‬
‫مة هذا‬ ‫أشياء ليس عندهم فيها برهان من الله على إيجابها‪ ،‬فإذا سمع العا ّ‬
‫الداعية يقول بهذا‪ -‬وهم يحسنون الظن به‪َ -‬رّدوا الحق الذي عند غيره‪ ،‬وقبلوا‬
‫هذا الباطل‪.‬‬
‫والذي أريد أن أؤكد عليه‪ :‬هو أنه يجب على الداعية أن يكون بصيًرا في دين‬
‫ذر من معروف وهو ل يعلم‪،‬‬ ‫الله‪ ،‬حتى ل يدعو إلى منكر وهو ل يعلم‪ ،‬أو يح ّ‬
‫والحمد لله الشيء الذي ل تدعو إليه اليوم وتؤجله إلى الغد بعد أن تتأمل في‬
‫النصوص والدلة خيٌر لك من أن تتعجل وتقول فيما ل تعلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -5‬أن يكون صبوًرا‪ :‬على ما يناله من أذى قولي أو فعلي؛ لن الداعية إلى‬
‫الخير‪ ،‬لبد أن يكون له أضداد‪ ،‬يكرهون ما يدعو إليه‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫صيًرا]‪{[31‬‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬‫ك َ‬‫فى ب َِرب ّ َ‬‫ن وَك َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي عَد ُّوا ِ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬
‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫]سورة الفرقان[‪ .‬فكل نبي له عدو من المجرمين‪ ،‬ل من أجل شخصه‪ ،‬ولكن‬
‫من أجل نبوته‪ ،‬ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسّلم قبل أن يبعث‬
‫ما بعث بشريعة الله؛ صار عندهم‬ ‫ويرسل‪ ،‬كان عند قريش الصادق المين‪ ،‬ول ّ‬
‫ذاب‪ ،‬الساحر‪ ،‬الشاعر‪ ،‬الكاهن‪ ،‬المجنون‪ ،‬إلى آخر ما يلقبونه به من‬ ‫الك ّ‬
‫فى‬ ‫ن وَك َ َ‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ي عَد ُّوا ِ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ألقاب السوء‪ ،‬يقول الله ‪ }:‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫صيًرا]‪]{[31‬سورة الفرقان[‪ .‬لماذا العداوة‪ :‬لشخصه‪ ،‬أو لنبوته؟‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬‫ك َ‬ ‫ب َِرب ّ َ‬
‫لنبوته فكل من أخذ بمنهاج النبي؛ فلبد أن يكون له عدو من المجرمين‪ ،‬وإذا‬
‫كان له عدو‪ ،‬فلبد أن يحرص هذا العدوّ على إيذائه بكل ما يستطيع‪ ،‬من قول‬
‫أو فعل‪ ،‬ولكن على الداعية أن يصبر‪ ،‬ويحتسب‪ ،‬ويؤمل ويرجو نصر الله‬
‫والعاقبة الحميدة‪.‬‬
‫‪ -6‬ل ينبغي أن يكون داعية لشخصه‪ ،‬بل يجب أن يكون داعية إلى الله‪ :‬فل‬
‫يهمه أن ينتصر‪ ،‬أو أن يقبل قوله في حياته‪ ،‬أو بعد مماته‪ ،‬المهم أن ما يدعو‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليه من الحق يكون مقبول ً لدى الناس‪ ،‬سواء في حياته‪ ،‬أو بعد موته‪ ،‬صحيح‬
‫در‬‫أن النسان ُيسر وينشط إذا قبل الحق الذي يدعو إليه في حياته‪ ،‬لكن إذا قُ ّ‬
‫أن الله ابتله بعدم القبول المباشر‪ ،‬أو السريع‪ ،‬فليصبر وليحتسب‪ ،‬وما دام‬
‫يعلم أنه على الحق‪ ،‬فليثبت عليه‪ ،‬وتكون العاقبة له‪ ،‬خلًفا لبعض الدعاة‪،‬‬
‫ل يؤذيهم‪ ،‬نكصوا‪ ،‬أو ترددوا‪ ،‬أو‬ ‫ل فيهم فِعْ ٌ‬ ‫الذين إذا سمعوا قول ً يؤذيهم‪ ،‬أو فُعِ َ‬
‫ن‬‫كوا فيما هم عليه‪ ،‬وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسّلم‪ } :‬فَإ ِ ْ‬ ‫ش ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬ ‫كل َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن الك َِتا َ‬ ‫قَرُءو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫سأ ِ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫ما أن َْزلَنا إ ِلي ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫ن]‪]{[94‬سورة يونس[‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫مت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ك فَل ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ك ال َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫َ‬
‫الداعية إذا لم يجد قبول ً حاضًرا ربما ينكص على عقبيه‪ ،‬أو يتشكك ويتردد‪،‬‬
‫هل هو على حق‪ ،‬أو ليس على حق؟! ولكن الله سبحانه قد بّين الحق‪ ،‬وجعل‬
‫ما‪ ،‬فإذا علمت أنك على حق؛ فاثبت‪ ،‬وإن سمعت ما تكره‪،‬‬ ‫للحق مناًرا معلو ً‬
‫أو رأيت ما تكره‪ ،‬فاصبر فإن العاقبة للمتقين‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن آداب الدعاة التي يجب أن يكونوا عليها‪:‬تعاونهم فيما بينهم‪ :‬ول يكن‬
‫م الداعية أن ُتقبل‬ ‫م الواحد منهم أن يقبل قوله وُيقدم على غيره‪ ،‬بل يكن ه ّ‬ ‫ه ّ‬
‫ت تريد أن تعلو كلمة‬ ‫الدعوة‪ ،‬سواء صدرت منه‪ ،‬أو صدرت من غيره‪ ،‬ما ُدم َ‬
‫ل غيرك‪ ،‬صحيح أن النسان‬ ‫ك‪ ،‬أو من قِب َ ِ‬ ‫الله‪ ،‬فل يهمنك أن تكون من قَِبل ِ‬
‫يحب أن يكون الخير على يده‪ ،‬لكن ل يكره أن يكون الخير على يد غيره‪ ،‬بل‬
‫يجب أن يحب أن تعلو كلمة الله‪ ،‬سواء على يده‪ ،‬أو يد غيره‪ ،‬وإذا بنى اتجاهه‬
‫دم قَُبول الناس‬ ‫على هذا؛ فسوف يعاون غيره في الدعوة إلى الله‪ ،‬وإن تق ّ‬
‫لغيره على قبولهم إياه‪.‬‬
‫تعاون وتشاور ‪..‬ل استئثار‪:‬‬
‫دا واحدة‪ :‬يتعاونون‪ ،‬ويتشاورون فيما بينهم‪،‬‬ ‫الواجب على الدعاة أن يكونوا ي ً‬
‫دا‪ ،‬ويقومون لله مثنى‪ ،‬وثلث‪ ،‬ورباع‪ ،‬وإذا كّنا نرى أن‬ ‫وينطلقون انطلًقا واح ً‬
‫دعاة الشّر والسوء يجتمعون ويتحدون ويخططون‪ ،‬فلماذا ل يعمل الدعاة هذا‬
‫ضا فيما يخطئ فيه الخر من علم‪ ،‬أو وسيلة‬ ‫العمل‪ ،‬حتى يرشد بعضهم بع ً‬
‫دعوة‪ ،‬أو ما أشبهه ذلك؟!‬
‫ن الله تعالى وصف‬ ‫ونحن إذا نظرنا إلى نصوص الكتاب والسنة؛ وجدنا أ ّ‬
‫المؤمنين بأوصاف تدل على أنهم متحدون متعاونون‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫}وال ْمؤْمنون وال ْمؤْمنات بعضه َ‬
‫ن‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫م أوْل َِيآُء ب َعْ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ِ َْ ُ ُ ْ‬
‫ه أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫سول َُ‬ ‫ر‬
‫َ ََ ُ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ن ّ َ َُ ِ ُ َ‬
‫عو‬ ‫طي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫صل َة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م]‪] { [71‬سورة التوبة[‪.‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫رو‬ ‫ع‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫ي‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫كن‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ْ ِ ََ ُ ُ َ ِ َ ْ ُ ِ َََْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ْ ْ ّ ٌ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫فوا ْ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫فّرُقوا ْ َوا ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫نو‬ ‫كو‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫[‬ ‫‪104‬‬ ‫]‬ ‫ن‬‫ُ ُ َ‬‫حو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫من ْك َرِ وَأ ُوْل َئ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫م]‪] {[105‬سورة آل‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَأوْلئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ك لهُ ْ‬ ‫م الب َي َّنا ُ‬ ‫جآَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ِ‬
‫عمران[‪.‬‬
‫آفات خفية‪:‬‬
‫ن الشيطان يلقي في قلب الداعية شيًئا من كراهة داعية مثله إذا نجح في‬ ‫إ ّ‬
‫دعوته‪ ،‬ل يحب أن يكون مثله في نجاح الدعوة‪ ،‬بل يكره أن يتقدم هذا في‬
‫النجاح‪ ،‬وقبول الناس له‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم رحمه الله في تفسير‬
‫ن الحسد أن تكره نعمة الله على غيرك‪ ،‬وإن كان معروًفا عند‬ ‫الحسد‪ :‬إ ّ‬
‫العلماء أن الحسد تمني زوال النعمة عن الغير‪ ،‬بل نقول‪ :‬الحسد كراهة نعمة‬
‫ن‪.‬‬ ‫الله على غيرك‪ ،‬سواء تمنيت زوالها أم لم تتم َ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأنت أيها النسان يجب عليك أن تعاون أخاك الداعية في دعوته‪ ،‬حتى وإن‬
‫تقدم عليك ونجح في دعوته‪ ،‬ما دمت تريد أن تكون كلمة الله هي‬
‫الُعليا‪..‬واعلموا أن ُدعاة الشر يحبون أن يتفرق ُدعاة الخير؛ لنهم يعلمون أن‬
‫اتحادهم وتعاونهم سبب لنجاحهم‪ ،‬وأن تفرقهم سبب لفشلهم‪ ،‬قال الله‬
‫ن]‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬
‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا ْ وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬‫عوا ْ فَت َ ْ‬ ‫تعالى‪}:‬وَل َ ت ََناَز ُ‬
‫‪] {[46‬سورة النفال[‪.‬‬
‫آداب التنبيه على خطأ الغير‪:‬‬
‫ً‬
‫ول ريب أن كل واحدٍ منا معّرض للخطأ‪ ،‬فإذا رأينا من أحدنا خطأ؛ فلنتعاون‬
‫على إزالة هذا الخطأ بالتصال به‪ ،‬وبيان هذا الخطأ‪ ،‬وقد يكون الخطأ خطأ ً‬
‫في ظننا‪ ،‬ولكنه في الواقع ليس بخطأ‪ ،‬فيبين لنا هذا خطأنا في ظننا أنه‬
‫خطأ‪ ،‬أما أن نأخذ من خطئه سبًبا للقدح فيه‪ ،‬والتنفير عنه‪ ،‬فإن هذا ليس من‬
‫سمات المؤمنين‪ ،‬فضل ً عن كونه من سمات الدعاة إلى الله‪.‬‬
‫من أخطاء بعض الدعاة‪:‬‬
‫وبعض الدعاة يعامل إخوانه الدعاة هذه المعاملة‪ :‬يجد أن غيره إذا خالفه‪،‬‬
‫ك أن هذا‬ ‫فهو على باطل‪ ،‬وهو الذي على الحق‪ ،‬كأنما يوحى إليه‪ .‬ول ش ّ‬
‫ن الصواب‬ ‫ج غير سديد‪ ،‬فل يجوز للنسان أن يعتقد خطأ غيره‪ ،‬وأ ّ‬ ‫المنهج منه ٌ‬
‫صب منصب النبوة‬ ‫ّ‬ ‫تن‬ ‫فكأنما‬ ‫ذلك‬ ‫اعتقد‬ ‫إذا‬ ‫لنه‬ ‫الجتهاد؛‬ ‫تقبل‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫أمو‬ ‫معه في‬
‫والرسالة والعصمة‪ ،‬فالخطأ جائز على غيرك‪ ،‬هو جائز عليك‪ ،‬والصواب الذي‬
‫دعيه غيرك‪ ،‬وقد يكون الصواب مع غيرك‪ ،‬والخطأ معك‪ ،‬ومن‬ ‫دعيه لنفسك ي ّ‬ ‫ت ّ‬
‫م صار بعض الشباب الن ينتمي إلى طائفةٍ معّينة‪ ،‬أو إلى عالم ٍ معّين ينتصر‬ ‫ثَ ّ‬
‫له‪ ،‬ويأخذ بقوله‪ ،‬سواء كان صواًبا أم خطأ‪ ،‬وهذا في الواقع مما يشتت المة‪،‬‬ ‫ً‬
‫ل هزء وسخرية‬ ‫ويضعف العزيمة‪ ،‬ويجعل هؤلء الشباب المقبل على الله مح ّ‬
‫لهل الشر والسوء‪.‬‬
‫وحدة الكلمة وأدب الخلف‪:‬‬
‫حدة ً وأناَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ة َوا ِ َ َ َ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫مت ُك ْ‬ ‫ن هَذِهِ أ ّ‬ ‫فالواجب علينا أن نكون كما وصفنا الله‪} :‬وَإ ِ ّ‬
‫ن]‪]{[52‬سورة المؤمنون[‪ .‬وأن تكون كلمتنا واحدة‪ ،‬ولست‬ ‫قو ِ‬ ‫م َفات ّ ُ‬‫َرب ّك ُ ْ‬
‫دا بمعنى أل ّ يقع بيننا خلف فيما يسوغ فيه‬ ‫أقول‪ :‬إنه يجب أن يكون قولنا واح ً‬
‫ف فيما يسوغ‬ ‫الخلف؛ لن هذا أمٌر ل يمكن‪ ،‬لكن أقول‪ :‬إنه إذا وقع بيننا خل ٌ‬
‫فيه الخلف‪ ،‬يجب أل ّ يؤدي هنا إلى اختلف القلوب‪ ،‬بل تكون القلوب واحدة‪،‬‬
‫والموالة بيننا قائمة‪ ،‬والمحبة ثابتة‪ ،‬ولو اختلفنا فيما يسوغ فيه الجتهاد‪.‬‬
‫فالذي أرجوه من إخوتي الدعاة أل ّ يجعلوا هذه المور التي يقع فيها الختلف‬
‫وغه الجتهاد‪ ،‬أل ّ يجعلوها سبًبا للفرقة والتحزب‪ ،‬وتضليل‬ ‫السائغ الذي ُيس ّ‬
‫ضا؛ لن ذلك مما يضعف منصبهم أمام أعدائهم‪ ،‬وأنتم تعلمون أن‬ ‫بعضهم بع ً‬
‫هناك أعداًء يتربصون الدوائر بالدعاة إلى الخير‪ ،‬ولكن من كان الله معه؛ فله‬
‫سل ََنا‬‫صُر ُر ُ‬ ‫العاقبة‪ ،‬وهو المنصور في الدنيا والخرة‪ ،‬كما قال تعالى‪ }:‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫شَهاُد]‪]{[51‬سورة غافر[‪.‬‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أنصار دينه‪ ،‬والدعاة إليه على بصيرة‪ ،‬وأن‬
‫يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب‪.‬‬
‫من محاضرة‪ ':‬تعاون الدعاة وأثره في المجتمع' للشيخ‪ /‬محمد بن صالح‬
‫العثيمين رحمه الله‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعاون الصهيونية مع الشيوعية والمأسونية‬


‫جاء في بروتوكولت حكماء صهيون‪(3):‬ط ‪ ,4‬بيروت ص ‪ 116‬النص التي‪:‬‬
‫) إننا نقصد أن نظهر كما لو كنا المحررين للعمال‪ ،‬جئنا لنحررهم من هذا‬
‫الظلم‪ ،‬حينما ننصحهم بأن يلتحقوا بطبقات جيوشنا من الشتراكيين‪،‬‬
‫والفوضويين والشيوعيين ونحن على الدوام نتبنى الشيوعية ونحتضنها‪،‬‬
‫متظاهرين بأننا نساعد العمال طبقا ً لمبدأ الخوة والمصلحة العامة للنسانية‬
‫وهذا ما تبشر به الماسونية الجتماعية(‪.‬‬
‫الخلفات السائدة بين المسلمين والتي يستغلها اليهود‪:‬‬
‫جاء في البروتوكول )‪ (5‬ص ‪:122‬‬
‫) لقد بذرنا الخلف بين كل واحد وغيره في جميع أغراض الميين الشخصية‬
‫والقومية‪ ،‬بنشر التعصبات الدينية والقبلية خلل عشرين قرنًا‪.‬‬
‫ومن هذا كله تتقرر حقيقة هي أن كل حكومة منفردة لن تجد لها سندا ً من‬
‫جاراتها حين تدعوها إلى مساعدتها ضدنا لن كل واحد منها ستظن أن أي‬
‫عمل ضدنا هو نكبة على كيانها الذاتي(‪.‬‬
‫التحدي الحضاري الغربي والشرقي‬
‫شخصية السلم المتميزة‬
‫لبد من التفريق بين العلوم الذاتية ) وهي التي تنبع من ذات المة وخصائصها‬
‫وعقيدتها‪ (..‬والعلوم النسانية ) وهي التي تعطي ثمرة‪ ،‬ونتيجة لكل قائم بها‬
‫دون تفريق بين مسلم وكافر‪ (..‬مثل الطب‪.‬‬
‫لبد من التفريق بين ما هو نافع من العلوم النسانية والمخترعات والصناعات‬
‫وبين ما هو مرض نتج عن انحراف‪ ،‬ووباء‪ ،‬وتفسخ وامتزاج بالحضارة المادية‬
‫حتى ظنه الغبياء لول وهلة أنه حضارة وهو في الحقيقة احتضار‪.‬‬
‫ـ الحصانة باليمان القوى‪ ،‬والمعرفة المستوعبة الواعية‪ ،‬والفكر الناصع‪ :‬ذلك‬
‫هو الضمان القوي لبعاد الشباب عن النجراف وراء النحراف في حضارة‬
‫الغرب والشرق‪.‬‬
‫فالغرب الذي يسبح في غمرة من التمدن والترف يعاني من القلق والضيعة‬
‫والتمزق النفسي بسبب الحرمان من العقيدة السليمة‪ ،‬وفقدان الثقة‬
‫بالكنيسة والصراع في سبيل المساواة بين الجنسين‪ ،‬وانعدام روابط المجتمع‬
‫والسرة الواحدة‪ ،‬والنطلق في الشهوة بدون حدود‪ ،‬فالمجتمع الغربي ملك‬
‫وسيلة اللذة الجسمية‪ ،‬وفقد مقومات النسان الروحية في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ـ إن السلم وحده‪ ،‬بشخصيته المتميزة هو الذي حفظ المسلمين الهنود أن‬
‫ينصهروا أو يذوبوا في المجتمع الهندي الذي يختلف معه في عقيدته بالرغم‬
‫من أن عدده أضعاف أضعاف المسلمين‪.‬‬
‫ـ والسلم وحده بشخصيته المتميزة هو الذي حمل المسلمين على مقاومة‬
‫الستعمار في الجزائر وليبيا وسوريا والمغرب والعراق وغيرها‪ ،‬فقد كان‬
‫يحس أبناء هذه القطار بخطورة الستعمار على دينه وعقيدته وحضارته‪،‬‬
‫ووجدت المة حينها دعاة إصلح أيقظوا فيها جذوة اليمان‪.‬‬
‫ـ إن السلم اليوم كذلك –وهو دين الله الخالد‪ -‬ما تزال جذوره مكينة‪ ،‬وما‬
‫تزال شجرة اليمان به تؤتي ثمرتها‪ ،‬وسيظل العامل الوحيد في حماية هذه‬
‫المة‪ ،‬من الضعف والخور والذوبان‪ ،‬والقعود عن حماية الحق والدعوة إلى‬
‫الخير‪ ،‬وسيظل شباب هذه المة درعها الواقي ما داموا متمسكين بالعقدية‬
‫الصحيحة‪ ،‬متزودين بالعلم النافع‪ ،‬مستنيرين بالبصيرة النيرة‪ ،‬مدركين لكيد‬
‫العداء ومكرهم وما يراد بهم‪ ،‬وما داموا معتزين بدينهم معتصمين به‪.‬‬
‫ـ إن من أعظم الساليب التي اتخذها أعداء السلم لمواجهة المسلمين‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهزيمتهم ومسخ شخصيتهم وإضعافهم‪ ،‬وجعل عقيدتهم هشة هزيلة‪ ،‬وتفكك‬


‫روابطهم‪:‬‬
‫ً‬
‫هو ما قاموا به من تخطيط ماكر لغزو المسلمين فكريا حيث يتحقق لهم‬
‫بذلك ما يريدون‪ ،‬فقد كفوا أيديهم عن قتال المسلمين واتجهوا إلى هذه‬
‫الساليب البالغة الخطورة وهي التي نشاهدها اليوم في سوق المة المسلمة‬
‫إلى حيث ل تدري‪ ،‬فقد استطاع العدو أن ينفذ بنفسه أو بمن يسير في ركابه‬
‫من المخدوعين والمستغربين والمتنكرين لدينهم وعقيدتهم‪ ،‬استطاعوا أن‬
‫ينفذوا بذلك إلى مصادر التوجيه والتعليم‪ ،‬حتى يتم لهم غرس ما يريدونه من‬
‫أفكار دخيلة‪ ،‬ومبادئ مستوردة وإبعاد عن الدين‪ ،‬وعن فضيلة الخلق‬
‫السلمي‪ ،‬وأن يشغلوه في حيرة الشك والشبهة‪ ،‬وهذه المور نرجوا أن‬
‫يكون الشباب في غاية الوعي والدراك لها وأن يحصن نفسه وعقيدته من‬
‫السقوط في هذه الحمأة‪ ،‬حتى يكون أهل ً لتحقيق ما يراد منه‪ ،‬ول داء رسالته‬
‫كمسلم واع قوي اليمان‪ ،‬وحتى ل يصبح لعبة في أيدي العداء الذين خدعوا‬
‫كثيرا ً من الشباب واستهووهم بزيف شعاراتهم المضللة‪.‬‬
‫إن الشباب المسلم حينما يسأل عن الطريق الصحيح الذي يوصل إلى‬
‫مرضاة الله سبحانه‪ ،‬فإنما ذلك دليل على الرغبة الصادقة في سلوك طريق‬
‫الخير والسعادة عندما يرى كثرة الطرق القائمة اليوم‪ ،‬وتشعب الدعوات‬
‫المتباينة ‪.‬‬
‫ول ريب في أن طريق الحق واحدة‪ ،‬وأن ما عداها طرق ضلل على رأس كل‬
‫منها شيطان كما جاء في الحديث الشريف على صاحبه وآله الصلة والسلم‪،‬‬
‫وطريق السعادة هي الطريق التي تنير بهديها السالك حتى يصل إلى شاطئ‬
‫المان‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ـ ومفتاح الخير أمام شبابنا أن يعرف ما هي مهمته في هذه الحياة؟ ولماذا‬


‫خلق؟ وما هي المانة والمسئولية التي أنيطت به‪ ،‬وما الذي يترتب على‬
‫القيام بالمسئولية أو إهمالها من جزاء في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ـ إن على شبابنا أن يؤمن بأن دين الله عز وجل هو الدين الحق‪ ،‬وأنه طريق‬
‫الهداية للنسان وأن ينطلق في حياته مهتديا ً بهذا الدين‪ ،‬ل بحكم هوى‪ ،‬ول‬
‫يسير وراء دعوة تتناقض في قليل أو كثير مع مبادئ هذا الدين وأن يكون في‬
‫مجتمعه السلمي عضوا ً نافعا ً يشع بالخير لمته‪ ،‬ويسعى جاهدا ً لتحقيق كل‬
‫مصلحة يقدر عليها من أجل إسعاد المسلمين وهدايتهم ودعوتهم إلى الخير‪،‬‬
‫وأن يقيم شخصيته على التوازن الكامل فل يطغى فيه جانب على جانب‪ ،‬أن‬
‫يسعى إلى بناء شخصيته السلمية جسما ً وعلما ً وفكرا ً وعقيدةً وخلقًا‪ ،‬وأن‬
‫يقف عند حدود الله عز وجل ويقيم دينه وشرعه‪.‬‬
‫وأن يحكم شريعة الله في كل قضاياه مع كمال الخضوع والستسلم والرضا‪،‬‬
‫وأن يكون شديد العزوف عن كل ما فيه سخط الله سبحانه وإن كان فيه‬
‫تفويت مصلحة على نفسه وأن يسارع إلى مرضاة الله عز وجل مهما كانت‬
‫مشقة المر وكلفته ففي ذلك سعادة كبيرة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ـ وعلى الشباب أن يكون شديد اليقظة لكل ما هو وافد غريب على عقيدتهم‬
‫ومجتمعهم وتاريخهم وقيمهم وفكرهم‪ ،‬فالمة السلمية لها خصائصها التي‬
‫تتميز بها في دينها وتاريخها وحضارتها وأسلوب حياتها‪ ،‬ولها أسلوبها الخاص‬
‫في معالجة مشكلتها ومن الغباء المنتهي أن نستجلب أساليب أعدائنا في‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حل المشكلت‪ ،‬وقد فشلت في إيجاد الطمأنينة والسكينة في مجتمعاتهم‬


‫لنها من صنع أيديهم القاصرة‪ ،‬ومن تفكير عقولهم التي ل تثبت على رأي؛‬
‫فكيف يمكن أن تكون حل ً لنا نحن المسلمين؟ إن أساليب الغرب وأنماط‬
‫حياته إذا ما نقلت إلى بيئتنا فإنما يراد تقويض بنيانها‪ ،‬وتدمير أمتنا التي تتمثل‬
‫في شبابها‪ ،‬ثم تصبح المة بعد ذلك في حالة خنوع واستسلم لعدوها‪.‬‬
‫إن على الشباب أن يكونوا على معرفة تامة لكل أساليب العداء سواء ما‬
‫كتب منها في‪:‬‬
‫)بروتوكولت حكما صهيون(‪ ،‬أو )الغارة على العالم السلمي( أو‬
‫)الستشراق والمستشرقون( أو )التبشير والستعمار( أو نحوها من أساليب‬
‫الكيد المكثفة‪ ،‬برجالها ومالها‪ ،‬وتفكيرها‪ ،‬وتسخيرها بعض أبناء المسلمين‬
‫ومؤتمراتها وهيئاتها‪ ،‬ومؤسساتها ونواديها‪ ،‬ومناهجها وإعلمها وشعاراتها‪.‬‬
‫ـ أما الفتاة المسلمة فإن عليها مسئولية‪ ،‬فهي تحمل رسالة عظيمة‪ ،‬فالمرأة‬
‫مصدر خير عظيم‪ ،‬أو خطر جسيم‪ ،‬فهي إن أدركت واجبها ومهمتها في هذه‬
‫الحياة المهمة التي تتفق مع بنيتها وطبيعتها وفطرتها‪ ،‬وما أعدت له‪ ،‬وقامت‬
‫بهذا الواجب الذي رسمه لها دينها العظيم‪ ،‬ساهمت مساهمة كبيرة في‬
‫إسعاد المجتمع‪ ،‬والمحافظة على توازنه وترابطه والحفاظ عليه من التمزق‬
‫والنهيار‪ ،‬والتدمير‪ ،‬وإذا ما تعلمت الفتاة المسلمة فإن الفرض في حقها أن‬
‫يزيدها العلم تواضعا ً وحشمة واستقامة‪ ،‬ومعرفة لواجبها الذي ل يمكن أن‬
‫يقوم به غيرها من بناء السرة المسلمة داخل بيتها وإيجاد البيت المسلم‬
‫المثالي‪ ،‬وتربية الرجال باليمان القوي والخلق المتين وذلك أعظم خدمة‬
‫تقدمها المرأة لمجتمعها ودينها وأمتها‪.‬‬
‫أما إذا انحرفت المرأة عن هذا الواجب وتنكبت الطريق‪ ،‬وتنكرت لهدى الله‬
‫عز وجل‪ ،‬وأصبحت لعبة في أيدي السفهاء وكرة في أقدام الشهوانيين‪،‬‬
‫يتخذون منها وسيلة للفتنة‪ ،‬وتعطيل المجتمع من منابع الخير‪ ،‬ويسعون –‬
‫بتضليلهم لها‪ -‬إلى إشقائها وضياعها‪ ،‬وإلى انفراط حبل السرة بتعطيل البيت‬
‫والفرار من القيام بالواجب فيه‪ ،‬فإن المرأة بذلك تصبح أداة هدم وشقاء‪،‬‬
‫ومصدر خطير جسيم على نفسها وعلى الشباب وعلى المجتمع‪ ،‬وعلى‬
‫مستقبل المة من حيث ل تدري‪.‬‬
‫إن على الفتاة المسلمة الحريصة على نفسها وعقيدتها وأمتها أن تختار‬
‫الزوج الصالح وأن تحسن الختيار‪ ،‬وأن ل يكون اختيارها على أساس نزوة‬
‫الشهوة‪ ،‬أو العاطفة‪ ،‬أو النظرة العابرة‪ ،‬بل على الدقة والتمحيص والمشورة‬
‫لهل الخير والصالحين من أهلها‪ ،‬حتى تضمن لنفسها عيشا ً كريما ً في ظل‬
‫رجل صالح يقودها إلى الخير ويحميها من الشرور العادية عليها‪.‬‬
‫مبررات البعث السلمي من جديد‪:‬‬
‫‪ -1‬اللحاد المنظم‪.‬‬
‫‪ -2‬الحزاب الكافرة المنتشرة والبارزة في المجتمعات تحت رعاية‬
‫الحكومات‪.‬‬
‫‪ -3‬التضليل للشعوب من قبل الحكام‪ ،‬ومحاولة طمس الحقائق‪ ،‬وتغيير وجه‬
‫الحق ومحاولة القناع بما هو باطل أنه حق‪.‬‬
‫‪ -4‬الكبت على الشعوب وإبعادها عن ممارسة حقها في الكلمة الصادقة‬
‫والوقوف في وجه الباطل‪ ،‬وإحياء الفضائل‪.‬‬
‫‪ -5‬تعذيب المؤمنين الصادقين من الدعاة إلى الله والمصلحين الذين يحاولون‬
‫أن يأخذوا بأيدي الحاكم والمحكوم إلى الجادة‪ ،‬والذين يحاربون الغزو‬
‫اللحادي والفكري والعسكري والقتصادي‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -6‬رفع الشعارات البراقة لمخادعة المة‪ ،‬ووضع بدائل من الوسائل التي‬


‫تغرق المة في اللهو واللعب‪ :‬الكرة‪ ،‬الغنية‪ ،‬التمثيلية الساقطة‪ ،‬ومحاولة‬
‫نشر وسائل الفساد وتسخير بعض إمكانيات المة في خدمة الحكام عن‬
‫طريق طمس معالم العقيدة والخلق ودعوة المرأة إلى التبرج والخروج من‬
‫منزلها بدون مبرر والختلط المزري‪ ،‬والدعوة كذلك إلى الستغراب بالتنكر‬
‫لتقاليد البيئة السلمية عن طريق الرمي بالرجعية والتخلف والكهنوت وغير‬
‫ذلك‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تعدد الزوجات أم تعدد الخليلت‬


‫مفكرة السلم‪ :‬ما زلنا أمام مشكلة من المشاكل الزوجية السلوكية‪ ,‬أل‬
‫وهي انحراف الزوج‪ ,‬أو الخيانة الزوجية‪ ,‬ونحن نرى أن الرجل إذا طلب‬
‫الزواج بأخرى‪ ,‬أو تطلع إلى غير زوجته التي في بيته؛ فإنه فعل ً يكون في‬
‫حاجة حقيقية للزواج الثاني‪.‬‬
‫فأيهما أكرم بأخلق الرجال‪ :‬الزواج بأخرى أم الوقوع في الفاحشة ؟‬
‫أيهما أفضل لدين الرجل‪ :‬الزواج الثاني أم مصاحبة الثانية ؟‬
‫وقد تتصور المرأة أن التعدد إجحاف في حق ذاتها‪ ,‬وحط من شخصيتها‪,‬‬
‫وإلغاء لستقللها‪ ,‬وأنه يسلبها كثير من الحترام والتملك‪ ,‬وهذا تصور صحيح‬
‫من زاوية المرأة الفرد‪ ,‬ولكنه في ذات الوقت تصور يلقي بعدوانه الصارخ‬
‫حرمن الزوج أو‬ ‫على جنس المرأة عمومًا‪ ,‬حين تفتش بعض النساء اللئي ُ‬
‫فقدنه عن زوج آخر فل يجدن ‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫والسلم حين يشرع‪ ,‬وحين يبيح أمرا ينظر إلى مصلحة العموم ويقدمها على‬
‫مصلحة الذات جلبا ًَ للمنافع العامة ودرءا ً للمفاسد الهالكة‪ ,‬وهو في هذه‬
‫الحالة يتفق والمنطق السليم والعقل الحكيم‪.‬‬
‫وما دليل الباحة ؟‬
‫أباح السلم التعدد بنص قوله تعالى في سورة النساء‪ ' :‬وإن خفتم أل‬
‫تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فإن‬
‫خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أل تعولوا ' ]النساء ‪/‬‬
‫‪.[3‬‬
‫فهذه الباحة هي الحد القصى‪ ,‬فل تجوز الزيادة على الربع‪ ,‬بهذا قال‬
‫المفسرون والفقهاء وأجمعت المة السلم على ذلك‪ .‬وكان من يدخل في‬
‫السلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أكثر من أربع زوجات‪,‬‬
‫يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإبقاء أربع‪ ,‬ومفارقة الباقيات‪.‬‬
‫ومن نافلة القول نقول إن هناك سبع حالت تستدعي التعدد ل محالة وهى‪:‬‬
‫‪ -1‬حالت المطلقة‪.‬‬
‫‪ -2‬الرملة‪.‬‬
‫‪ -3‬العانس‪.‬‬
‫‪-4‬العقيم‪.‬‬
‫‪ -5‬طبيعة الرجل وقدرته الجنسية‪.‬‬
‫‪ -6‬ظروف الحرب وما ينتج عنها من نقص عدد الرجال‪.‬‬
‫‪ -7‬تشير التقارير إلى أن عدد النساء في السنوات القادمة سيكون ضعف‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عدد الرجال ‪.‬‬


‫وما المشكلة ‪ ...‬إذن ؟‬
‫لله الحكمة البالغة في كل قول وفعل‪ ,‬فإباحة تعدد الزوجات ليس استهانة‬
‫بالمرأة‪ ,‬ول حطا ً من شأنها وقدرها‪ ,‬إنما هو لمصلحة المرأة والرجل‬
‫والمجتمع‪.‬‬
‫والمشكلة هنا ليست في شرع الله‪ ,‬وإنما في الخطاء الشخصية والفردية‬
‫التي تقع من الفراد‪ ,‬وبالتالي ل ننسب إلى شرع الله الخطأ والظلم‪ ,‬وإنما ما‬
‫يحدث من مآسي ومشاكل من وراء تعدد الزوجات يرجع إلى فشل الزوج‬
‫في إحداث التوازن بين الطرفين‪ ,‬إن الدين ل يضيره إساءة بعض المسلمين‬
‫في استغلل رخصة التعدد دون عدل‪ ,‬فالسلم يُعلو ول ُيعلى عليه‪ ,‬وهو‬
‫الميزان والضابط‪ ,‬فمن وافقه كان على حق‪ ,‬ومن خالفه فهو المخطأ وعليه‬
‫أن يراجع نفسه‪ ,‬وعلج الظلم الذي يحدث من البعض إذا تزوج بأخرى ل‬
‫يكون بمنع ما أباحه الله عز وجل‪ ,‬إنما يكون بالتعليم والتربية والتفقة في‬
‫أحكام الدين‪.‬‬
‫لقد سمعنا الكثير من القصص العجيبة والمآسي التي تظهر التعدد بصورة‬
‫منفرة‪ ,‬فمن البعض من أساء وتعدى وظلم‪ ,‬ففي الوقت الذي أراد فيه‬
‫الرجل أن يقيم سنة التعدد‪ ,‬ذهب يضيع الفرائض ويضيع نفسه ومن يعول‪.‬‬
‫فمن الناس من اعتدى على حق زوجته التي تزوج عليها‪ ,‬وأضاع أولدها‪,‬‬
‫وحرمهم من الميراث‪ ,‬ومنهم من ضعف عن القيام بالنفقة عليهن‪ ,‬وعجز عن‬
‫تربية الولد والنظر في مصلحهم‪ ,‬ومنهم من سارع بتطليق واحدة من نسائه‬
‫خلصا ً من المشاكل فيصيبها بمضرة وأذى‪ ,‬ومنهم من سلك مسالك الغاظة‬
‫والكيد لحدى نسائه‪ ,‬ومقارنتها بالخرى وغير ذلك من صور الضرار‪.‬‬
‫مباح ولكن بشروط‬
‫ً‬
‫التعدد مع كونه مباحا فله شروط وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الشرط الول‪ :‬العدل ‪.‬‬
‫‪ -2‬الشرط الثاني‪ :‬القدرة على النفاق ‪.‬‬
‫الشرط الول‪:‬‬
‫قال تعالى‪ ' :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أل‬
‫تعولوا ' ] النساء ‪ [ 3 /‬فقد أفادت الية الكريمة أن العدل شرط لباحة‬
‫التعدد‪ ,‬فإذا خاف الرجل عدم العدل بين نسائه؛ كان محظورا ً عليه الزواج‬
‫بأكثر من واحدة‪ ,‬ولزمه القتصار على واحدة‪ ,‬وهذا يتعلق بالعدل الواجب‬
‫سكنى والمبيت‪ ,‬أما ما ل يملكه النسان كالميل القلبي‬ ‫المستطاع كالنفقة وال ُ‬
‫تجاه زوجة من زوجاته فل يدخل في ذلك‪ .‬وهو الذي عناه الله عز وجل‬
‫بقوله‪ ' :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ' ] النساء ‪/‬‬
‫‪. [ 129‬‬
‫الشرط الثاني‪:‬‬
‫القدرة على النفاق‪ :‬قال تعالى‪ ' :‬ذلك أدنى أل تعولوا ' ] النساء ‪ [3 /‬قال‬
‫ابن القيم رحمه الله في كتابه' عدة الصابرين '‪] :‬أي ل تجوروا وتظلموا[‪,‬‬
‫وفسره الشافعي رحمه الله‪] :‬أي تكثر عيالكم[‪ ,‬والقول الول هو الرجح‬
‫ويقول صلى الله عليه وسلم‪ ' :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة‬
‫فليتزوج‪ ,‬فإنه أغض للبصر‪ ,‬وأحفظ للفرج‪ ,‬فمن لم يستطع‪ ,‬فعليه بالصوم‬
‫فإنه له وجاء '‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا لم يستطع مؤونة الزواج لم يجز له‪ ,‬مع أنه زواجه الول فمن باب أولى‬
‫أن ل يجوز له الزواج بالثانية وعنده زوجة‪ ,‬والقدام على الزواج بثانية مع‬
‫علمه بعجزه عن النفاق عليها مع الولى عمل يتسم بعدم المبالة بأداء‬
‫حقوق الغير‪ ,‬بل من أنواع الظلم‪ ,‬والظلم غير جائز‪.‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن السلم أباح التعدد لمصلحة المرأة والرجل والمجتمع‪,‬‬
‫بنظرة واقعية عامة وشاملة‪ ,‬ولنتشال المرأة من براثن النحراف والغواية‪,‬‬
‫أو من حبائل الكآبة والكبت والحرمان‪ ,‬وذلك في ظروف ل يستقيم معها‬
‫سوى التعدد‪ ,‬وفي حالت ل تقبل إل التعدد حل ً ومخرجًا‪ ,‬فضل ً عن شروط‬
‫العدالة والنصاف‪ ,‬والقدرة على النفاق التي فرضها السلم علي الرجل في‬
‫هذه الحالة‪ ,‬فإذا انتفى هذان الشرطان فل تعدد‪ ,‬والمرأة التي يقع عليها‬
‫الضرر من زواج الرجل بثانية‪ ,‬فلها الفسخ وطلب الطلق ' فل ضرر ول ضرار‬
‫'‪.‬‬
‫إن تعدد الزوجات بمثابة الدواء والعلج لمراض كثيرة‪ ,‬وهو أمر مباح وُيسن‬
‫إذا حسنت النوايا وروعيت فيه الضوابط الشرعية‪ ,‬وقد ينقلب حراما ً إذا ما‬
‫خاف النسان الجور وعدم العدل‪ ,‬أو جرى الشتراط اللفظي أو العرفي بمنع‬
‫التعدد عند العقد‪ ,‬وقد يكون حل ً ناجحا ً لمشكلة الخيانة الزوجية التي نحن‬
‫بصددها‬
‫وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه خيرنا وخير السرة المسلمة إن شاء الله‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تعدد الزوجات‪..‬شروط وضوابط‬


‫فتوى )‪ ( 13‬ماذا عن رخصة الزواج من أربع نسوة وسوء استخدامها؟‬
‫كان الناس قبل السلم يتزوجون من شاءوا من النساء بغير قيد ول شرط‪،‬‬
‫حتى جاء السلم فوضع لهذا التعدد حدا ً وشرط له شرطًا‪.‬‬
‫فأما الحد فجعل أقصى العدد أربعا ً ل يزاد عليهن بحال‪" :‬فانكحوا ما طاب‬
‫لكم من النساء مثنى وثلث ورباع" ]النساء‪ ،[3 :‬ولما أسلم رجل من ثقيف‬
‫ومعه عشرة نسوة‪ ،‬أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن‬
‫أربعًا‪ ،‬ويطلق الباقي) (‪.‬‬
‫وأما الشرط‪ ،‬فيتمثل في ثقة الرجل في نفسه بالعدل‪ ،‬وإل حرم عليه الزواج‬
‫بالمرأة الخرى‪" :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة "]النساء‪.[3 :‬‬
‫وهذا إلى جوار توافر الشروط الخرى لي زواج‪ ،‬مثل‪ :‬القدرة على النفاق‪،‬‬
‫والقدرة على الحصان‪.‬‬
‫وإنما أباح السلم ذلك؛ لنه دين واقعي‪ ،‬ل يحّلق في مثاليات حالمة‪ ،‬ويترك‬
‫مشكلت الحياة دون علج مقدور عليه‪ .‬فالزواج الثاني قد يحل مشكلة عند‬
‫الرجل الذي ل تنجب امرأته‪ ،‬أو تطول عندها فترة الحيض‪ ،‬وهو قوي الشهوة‪،‬‬
‫أو يصيبها المرض‪ ،‬ويستمر معها‪ ،‬ول يريد أن يطلقها‪ ،‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫وقد يحل مشكلة عند المرأة الرملة التي يموت زوجها ول تطمع في الزواج‬
‫من شاب ل زوجة له‪ ،‬ومثلها المطلقة وهي شابة‪ ،‬وخصوصا ً لو كان لها طفل‬
‫أو أكثر‪.‬‬
‫وقد يحل مشكلة عند المجتمع كله‪ ،‬عندما يزيد عدد النساء الصالحات للزواج‬
‫عن عدد الرجال القادرين على النكاح‪ ،‬وهذا قائم باستمرار‪ ،‬ويزداد تفاقما ً بعد‬
‫الحروب ونحوها‪.‬‬
‫فماذا نفعل بالعدد الفائض من النساء؟ إنها واحدة من ثلث‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .1‬إما أن يقضين العمر كله محرومات من حياة الزوجية والمومة‪ ،‬وهذا ظلم‬
‫لهن‪.‬‬
‫‪ .2‬وإما أن يشبعن غرائزهن من وراء ظهر الدين والخلق‪ ،‬وهذا ضياع لهن‪.‬‬
‫‪ .3‬وإما أن يقبلن الزواج من رجل متزوج قادر على النفقة والحصان‪ ،‬واثق‬
‫بالعدل‪ ،‬وهذا هو الحل المناسب‪.‬‬
‫أما سوء استعمال هذه الرخصة أو هذا الحق‪ ،‬فكم من حقوق يساء‬
‫استخدامها‪ ،‬ويتعسف في استعمالها‪ ،‬ول يؤدي ذلك إلى إسقاطها وإلغائها‪.‬‬
‫الزواج الول نفسه كم يساء استخدامه‪ ،‬فهل نلغيه؟ الحرية كم يساء‬
‫استخدامها‪ ،‬فهل نلغيها؟ النتخابات يساء استخدامها‪ ،‬فهل نلغيها؟ السلطة‪..‬‬
‫أيا ً كانت يساء استخدامها‪ ،‬فهل نلغيها وندع الحياة فوضى؟‬
‫إن الولى – بدل أن ننادي بإلغاء الحق – أن نضع الضوابط لستخدامه‪،‬‬
‫ونعاقب من يسئ في ذلك‪ ،‬قدر ما نستطيع‪.‬‬
‫]القرار ‪[4 / 4‬‬
‫المجلس الوروبى للفتاء‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعدد الزوجات‪..‬وحقوق النسان )‪(1/2‬‬


‫صالح بن عبدالرحمن الحصّين ‪6/6/1424‬‬
‫‪04/08/2003‬‬
‫قال الله تعالى‪) :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من‬
‫النساء مثنى وثلث ورباع فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة‪] (...‬النساء‪.[3:‬‬
‫هذه الية واحدة من بضع آيات في سورة النساء جاءت لحماية حقوق اليتامى‬
‫ذكورا ً وإناثًا‪.‬‬
‫وفرض قيام المجتمع لهم بالعدل‪ ،‬والتحذير من الخلل بذلك‪ ،‬والهداية إلى‬
‫فل العدل في اليتامى بإيفائهم حقوقهم على المجتمع أو‬ ‫الوسائل التي تك ْ ُ‬
‫على أفراد معينين فيه‪.‬‬
‫ص الكريم مؤلف ـ كما قال المام القرطبي في تفسيره ـ من جزأين؛‬ ‫والن ّ‬
‫شرط هو‪) :‬إن خفتم أن ل تقسطوا في اليتامى( وجوابه‪) :‬فانكحوا ما طاب‬
‫لكم من النساء مثنى وثلث ورباع(‪.‬‬
‫وأّول ما يتبادر إلى ذهن السامع والقارئ لهذا السؤال‪ :‬ما هي العلقة بين‬
‫الشرط والجواب؟‬
‫ا هي العلقة بين القساط في اليتامى ـ أي العدل فيهم بإعطائهم حقوقهم ـ‬
‫وتعدد الزوجات؟‬
‫كيف يكون تشريع تعدد الزوجات مقتضيا ً وموجبا ً للعدل في اليتامى؟‬
‫ن‬
‫في الجابة عن هذا السؤال وعند الرجوع إلى التفسير بالمأثور‪ ،‬نرى أ ّ‬
‫المام ابن جرير رحمه الله أورد في تفسير هذه الية الكريمة وبيان سبب‬
‫نزولها أربعة أقوال للسلف مختلفة‪ ،‬ولكن اختلفها اختلف تنوع ل اختلف‬
‫ن العبرة‬‫تعارض وتضاد‪ ،‬وهي في هذا الختلف محكومة بالقاعدة المعروفة‪ :‬أ ّ‬
‫ن آية معينة نزلت في كذا قد‬ ‫ن القول بأ ّ‬‫بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن هذا الوضع يشمله معنى الية المعينة وحكمها‪ ،‬ول يعني أّنها ل تشمل‬ ‫يعني أ ّ‬
‫وضعا ً آخر‪.‬‬
‫والمقصود بـ)اليتامى( في الية في ثلثة أقوال من القوال الربعة‪ :‬الذكور‬
‫والناث‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي تفسير القرآن ينبغي الحذر من التجاوز عن التفسير بالمأثور أو ما‬


‫اختاره أئمة التفسير المعروفين‪ ،‬ولكن ذلك ل يمنع عند تدبر القرآن من‬
‫استلهام معان يمكن أن يتناولها اللفظ من حيث اللغة ول تتعارض مع أحكام‬
‫الشرع‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق ربما تكون الدللة اللفظية المجّردة للنص الكريم مشيرة‬
‫ن الواقع العملي يثبت وجود‬ ‫كأ ّ‬‫إلى الحكمة من تشريع تعدد الزوجات‪ ،‬ول ش ّ‬
‫علقة قوية وأكيد وظاهرة بين وجود تعدد الزوجات في المجتمع‪ ،‬وضمان‬
‫حقوق اليتامى بوجه عام‪ ،‬توضيح ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫ل يستطيع المجتمع أن يقوم بما فرضه الله عليه من الوفاء بحقوق اليتامى‬
‫بمجّرد إيجاد )دور أيتام( كافية لستيعاب أعدادهم‪:‬‬
‫دور اليتام سلبيات كثيرة ل يبرر التسامح تجاهها إل قيام الضرورة‬ ‫نل ُ‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬ل ّ‬
‫لوجود )ُدور اليتام( وعدم البديل لها‪.‬‬
‫ن لليتيم حاجات تتجاوز حاجة الجسم من الكل واللباس والمأوى؛‬ ‫وثانيًا‪ :‬ل ّ‬
‫ل في أهميتها عن الحاجات الجسمية‪،‬‬ ‫حاجات عاطفية ونفسية وتربوية ل تق ّ‬
‫ن هذه الحاجات في‬ ‫والواقع العملي وأحكام الشرع )السلمي( تظهر أ ّ‬
‫م اليتيم فيكون لليتيم في هذه الحالة أب بديل‬ ‫الغالب ُتلّبى عندما تتزوج أ ّ‬
‫وجوّ أسريّ بديل وإخوة وأخوات من أمه‪ ،‬وتكون علقة زوج الم بربيبه أو‬
‫ربيبته )أولد الم من الزوج السابق( مشابهة في الغالب لعلقته بأولده‬
‫لصلبه‪ ،‬حتى إنه يحّرم عليه شرعا ً الزواج بربيبته‪ ،‬كما يحرم عليه الزواج من‬
‫ابنته‪.‬‬
‫وجد مثل ً تقليد لدى‬‫وقد تنّبهت بعض الشعوب بفطرتها إلى هذا المر‪ ،‬ف ُ‬
‫ً‬
‫القبائل الفغانية يلتزم فيه الفغاني‪ ،‬سواء كان أعزب أو متزوجا‪ ،‬بالزواج من‬
‫أرملة قريبه بعد وفاته؛ حماية للزوجة ولولدها‪ ،‬ولذلك كان مما يلفت النظر‬
‫أثناء الحرب الفغانية الروسية‪ ،‬ومع وجود العداد الهائلة من اليتام‪ ،‬عدم‬
‫قيام الحاجة الظاهرة لنشاء ُدور اليتام‪.‬‬
‫م ُدور اليتام القليلة ـ التي أنشأها المحسنون بحماس ـ أن تتصّيد‬ ‫وصار ه ّ‬
‫اليتام تصّيدا‪ً.‬‬
‫م اليتام في الغالب ل تتزّوج إل في مجتمع يكون فيه‬ ‫نأ ّ‬‫والواقع يظهر أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الطلب على النساء كثيرا والعرض قليل‪ ،‬وهذا الوضع ل يتحقق عادة إل في‬
‫مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات‪.‬‬
‫في مثل هذه المجتمع وحده تتاح فرصة الزواج لكل امرأة مهما كان لديها‬
‫من موانع الرغبة فيها كزوجة؛ مثل أن تكون أرملة مصبية‪ ،‬أي ذات أولد‪.‬‬
‫ن المجتمعات التي ل يشيع فيها تعدد الزوجات‪ ،‬تتحدد فيها فرصة‬ ‫وبالعكس فإ ّ‬
‫ً‬
‫الرامل في الزواج‪ ،‬حتى إّنه مع مرور الوقت يصبح زواج الرملة عيبا أو‬
‫محّرما ً بحكم التقليد‪ ،‬كما هو الحال في القارة الهندية‪.‬‬
‫ن شيوع تعدد الزوجات في مجتمع ما‪ ،‬يجعل الطلب على‬ ‫دم أ ّ‬ ‫معنى ما تق ّ‬
‫ً‬
‫النساء في ذلك المجتمع كبيرا‪ ،‬فحتى الرملة ذات اليتام سوف تجد الرجل‬
‫ل الب البديل على‬ ‫المناسب الذي يرغب في زواجها‪ ،‬فإذا تزّوجت فاء ظ ّ‬
‫أولدها اليتامى ونعموا بالجوّ السري كأيّ أطفال عاديين لم ُيصابوا بفقد‬
‫أبيهم‪ ،‬وبذلك يتحقق في هذا المجتمع الوفاء لليتيم بحقوقه‪ ،‬أو كما جاء في‬
‫الية الكريمة )القساط فيه(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دم يشير إلى معنى أوسع للحكمة من تشريع تعدد الزوجات‪ ،‬فكما‬ ‫وما تق ّ‬
‫ن المجتمع الذي يشيع فيه تعدد الزوجات يعمل فيه قانون العرض‬ ‫شاهدنا‪ ،‬فإ ّ‬
‫والطلب )وهو قانون طبيعي( عمله في أي مجال آخر‪ ،‬فتتاح فيه الفرصة‬
‫للزواج لكل امرأة‪ ،‬فل يبقى فيه عوانس ول مطلقات ول أرامل فقدن المل‬
‫في الزواج بعد فقد أزواجهن‪ .‬وسيعمل هذا القانون الطبيعي ـ ول بد ّ ـ عمله‪،‬‬
‫فيؤثر إيجابيا ً وبصورة ظاهرة على قيمة المرأة في المجتمع‪ ،‬وبالتالي على‬
‫حريتها‪ ،‬واستيفائها حقوقها‪ ،‬وأن تؤتى ما كتب الله لها‪ ،‬وأن تعامل من قبل‬
‫الرجل والمجتمع بالعدل‪.‬‬
‫ل هذا ما تشير له الية الكريمة )ذلك أدنى أن ل تعولوا‪ ،(...‬فتعدد‬ ‫ولع ّ‬
‫الزوجات ـ في النظر المتعمق ـ يحمي المرأة من الظلم وانتقاص الحق‪،‬‬
‫وهذا مشاهد في الواقع العملي‪ ،‬فالمرأة الفريقية )جنوب الصحراء( حيث‬
‫يشيع تعدد الزوجات‪ ،‬تتمتع بمركز اجتماعي‪ ،‬وحرية‪ ،‬وقدرة على التصرف‬
‫ل‪ ،‬حيث تسود عادة وحدة الزوجة‪،‬‬ ‫بقدر ل ُيتاح للمرأة في القارة الهندية مث ً‬
‫ففي هذه المجتمعات الخيرة تولد المرأة ومعها شعور أسرتها بأّنه ولد‬
‫للسرة عبء مالي إضافي يتمّثل في الثمن الباهظ لشراء زوجها عندما تبلغ‬
‫ن الزواج‪ ،‬إذ على الب أن يدفع )الجهيز( وتتحدد قيمة )الجهيز( في الغالب‬ ‫س ّ‬
‫بمدى القدرة المالية للب‪ .‬أعرف أخا ً من جنوب الهند كان موسرًا‪ ،‬ولكنه‬
‫انتهى مفلسا ً بعد أن دفع )الجهيز( لتزويج بناته التسع‪ ،‬والمسلمون الهنود‬
‫وحدهم ـ وبحكم تأثرهم بالعادات الهندوكية السائدة ـ توجد عندهم مشكلة‬
‫تستأثر بقدر كبير من همومهم؛ هي مشكلة تزويج البنات الفقيرات‪.‬‬
‫نماذج غير عربية‬
‫ن المرأة الهندية عندما تنجح في الحصول على الزوج؛ فإّنها‬ ‫ومن الطبيعي أ ّ‬
‫تحت سلطان شبح الخوف من فقده سوف تصبر على ظلمه‪ ،‬وسوف‬
‫تتغاضى عن مطالبتها إياه بحقوقها قبله‪ ،‬ولن تستطيع القوانين البشرية مهما‬
‫كانت كفايتها وفعاليتها مقاومة عمل القوانين الطبيعية‪.‬‬
‫ومن يتابع الصحف اليومية الهندية وأخبار ما تنشره عن مآسي انتحار‬
‫الزوجات أو حرقهن من قبل أزواجهن وأسر أزواجهن بسبب عجز الزوجة عن‬
‫الوفاء بالتزامها بثمن زواجها )الجهيز(‪ ،‬سوف يرى صورة من صور الظلم‬
‫الناشئ عن تدني قيمتها بتأثير القانون الطبيعي للعرض والطلب‪.‬‬
‫ك ـ صلة بمشكلة وأد البنات‪ ،‬وإجهاضهن‬ ‫وهذا الوضع )في الهند( له ـ ول ش ّ‬
‫دث عن ذلك موقع )‪ (bbc.new‬و)بي سي أون لين( في‬ ‫في الهند‪ ،‬كما تح ّ‬
‫ن وأد البنات مشكلة قائمة في الهند لمدة‬ ‫‪7/12/2000‬م‪ ،‬وذكر صراحة أ ّ‬
‫طويلة‪ ،‬حيث تستمد مبررها من العادات المرتبطة بمهور الزواج‪ ،‬التي تجعل‬
‫المرأة ذات بعد اقتصادي‪ ،‬وقد طلبت الهيئات الطبية في الهند المساعدة‬
‫الدولية لمنع مليونين من حالت الجهاض تتم في الهند سنويا ً بسبب اكتشاف‬
‫ن الجنين ُأنثى‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫لقد اكُتشف تناقص نسبة الناث إلى عدد الذكور في الهند منذ مطلع القرن‬
‫العشرين‪ ،‬ولكنه في السنوات الخيرة تنامى النقص في نسبة الناث للذكور‬
‫بصفة دراماتيكية‪.‬‬
‫النموذج الفريقي‬
‫وعلى العكس؛ فالمرأة الفريقية )جنوب الصحراء( عندما تبلغ سن الزواج‬
‫ش الزوجي مشّرعة‪ ،‬وتدخلها مرفوعة الرأس كريمة‪،‬‬ ‫تستقبلها أبواب الع ّ‬
‫ً‬
‫سوف يتردد زوجها كثيرا قبل أن يقدم على ظلمها أو انتقاص حقوقها أو‬
‫صدة‬ ‫حريتها؛ لّنه يعلم أّنه إذا فارقها فلن تكون أبواب الزواج من جديد مو ّ‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن قانون العرض والطلب قد رفع قيمتها وأعطاها القدرة على‬ ‫أمامها‪ ،‬إ ّ‬
‫التصرف والختيار‪ ،‬وسيكون زوجها أمام علة فاعلة وسبب واقعي لمعاشرتها‬
‫بالمعروف‪.‬‬
‫ن من المنطقي توقع أن تنخفض نسبة الطلق في مجتمع‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫سبق؛‬ ‫ح ما‬
‫إذا ص ّ‬
‫يشيع فيه تعدد الزوجات‪ ،‬هناك سبب إضافي لتدني نسبة الطلق في مجتمع‬
‫تعدد الزوجات؛ يرجع إلى الرجل )وهو بحكم الطبيعة وبصرف النظر عن‬
‫جنسه أو ثقافته أو مكانه أو زمانه( يميل غالبا ً إلى )التعدد( لن يجد نفسه‬
‫)في مجتمع التعدد( في ظروف تحمله على الطلق‪ ،‬بسبب رغبته في التعدد‬
‫)كما يحصل في مجتمع عدم التعدد(‪.‬‬
‫ً‬
‫ن تشريعا للتعدد ـ‬ ‫ً‬
‫وإذا كان الرجل كحقيقة واقعة يميل غالبا إلى التعدد؛ فإ ّ‬
‫كالتشريع السلمي بقيوده وضوابطه ـ يضمن البديل العادل للمرأة‪ ،‬ول‬
‫يجعلها ـ كما هو الواقع في المجتمعات التي تنكر التعدد المشروع ـ محرومة‬
‫من الحماية لحقوقها وحقوق ثمرة التعدد‪ ،‬أو محتاجة لتشريع قوانين )غير‬
‫كاملة وغير مضمونة النفاذ والفعالية( لحماية حقوقها وحقوق أولدها‪.‬‬
‫ن لصلة تعدد الزوجات )في الحدود وبالقيود التي يرسمها‬ ‫وبعد هذا؛ فإ ّ‬
‫التشريع السلمي( بالعدل في جانب المرأة بالنسبة لمفاهيم الحضارة‬
‫المعاصرة مجال ً آخر للقول‪ ،‬ملخصه‪:‬‬
‫ن رعاية حقوق النسان وحمايتها أهم ـ أو من أهم ـ القيم الخلقية في‬ ‫إ ّ‬
‫الحضارة المعاصرة )على القل نظريًا‪ ،‬وبصرف النظر عن التطبيق‬
‫الواقعي(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يشهد لذلك أّنه عندما ظهر إخفاق المعيار القتصادي في تصنيف البلدان‬
‫والدول من حيث التقدم والتخلف‪ ،‬جاءت النظرية الحديثة باعتماد معيار مدى‬
‫رعاية الدولة لحقوق النسان؛ لقياس درجتها في سلم التقدم والحضارة‪،‬‬
‫ونتيجة لذلك اعتبرت البلدان السكندنافية متقدمة في هذا السلم عن البلدان‬
‫الوربية الخرى‪.‬‬
‫الغرب وفرنسا كنموذج‬
‫ً‬
‫كانت فرنسا أول دولة أوربية تصدر إعلنا لحقوق النسان عام ‪1789‬م‪ ،‬وفي‬
‫دستورها عام ‪1946‬م أكدت تلك الحقوق‪ ،‬وأضافت إليها حقوقا ً أخرى كح ّ‬
‫ق‬
‫العمل‪ ،‬وحق النضمام إلى التحادات‪ ،‬وحقّ الضراب‪ .‬ولكن للمرأة حقوقا ً‬
‫م لديها من حقّ الضراب‪ ،‬أو النضمام‬ ‫م لديها‪ ،‬أو يجب أن تكون أه ّ‬
‫هي أه ّ‬
‫إلى التحادات أو حتى العمل‪ ،‬وأعني بذلك حقّ المرأة في المومة‪ ،‬وفي‬
‫الزواج‪ ،‬وفي أن يكون لها بيت تكون مليكته الراعية فيه‪ ،‬وتؤدي فيه وظائفها‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫ن علم النفس عندما دخل المعاملت‬ ‫ووجه أهمية المومة للمرأة يتضح من أ ّ‬
‫ن غريزة المومة أقوى‬ ‫والمختبرات على يد علماء النفس السلوكيين‪ ،‬أثبت أ ّ‬
‫لدى النثى من غريزة الجوع ومن غريزة الجنس‪.‬‬
‫ن الهدف الذي رسمه‬ ‫ما بالنسبة لهمية الزواج للمرأة؛ فتظهر عندما نتذكر أ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫القرآن الكريم للزواج أن يسكن الرجل إلى المرأة‪ ،‬والمرأة إلى الرجل‪ ،‬وأن‬
‫يكون بينهما المودة والرحمة‪) ،‬وجعل منها زوجها ليسكن إليها( ]العراف‪:‬‬
‫‪) ،[189‬خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة‬
‫ورحمة( ]الروم‪ [19:‬ولفظ "ليسكن"‪" ،‬لتسكنوا" يحمل معاني واسعة تشمل‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشعور بالراحة والمتعة والمن والسلم‪ ،‬وما يشبه شعور الطفل عندما‬
‫تحضنه أمه‪ ،‬وهذا اللفظ بما يحمل من معان ل مرادف له في العربية‪ ،‬وربما‬
‫ل يوجد له مرادف في اللغات الخرى‪ ،‬وإذا تحقق هذا الهدف للزواج؛ فإنه‬
‫وض بأي أمر آخر اعتاد الناس أن‬ ‫يكون مصدرا ً للسعادة ل يمكن أن يع ّ‬
‫يعتبروه مصدرا ً لها‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لهمية وجود المكان والجو السري الذي تمارس فيه المرأة‬
‫وظائفها التقليدية التي تتناغم مع طبيعتها ومشاعرها ومواهبها وإحساسها‬
‫بالجمال‪ ،‬وهو ما يعطي المرأة قدرا ً كبيرا ً من الشعور بالكتفاء‪ ،‬الذي هو‬
‫ن‬
‫بدوره أمر ضروري للصحة النفسية‪ ،‬أقول‪ :‬بالنسبة لهمية ذلك للمرأة؛ فإ ّ‬
‫ن‬‫المر ل يحتاج إلى تدليل أو إفاضة في اليضاح‪ .‬وفي رأي أحد الخبراء أ ّ‬
‫ظاهرة ظهور بعض أعراض الختلل النفسي لدى المرأة الخليجية‪ ،‬مثل‬
‫حالت الكتئاب والقلق والشعور بعدم الكتفاء راجع إلى تخلي المرأة‬
‫الخليجية عن ممارسة وظائفها التقليدية في البيت بإسنادها إلى الخادمة‪،‬‬
‫ن شيئا ً ـ غير معين ـ ينقصها في حياتها‬ ‫ل الشعور بعدم الكتفاء‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وبذلك يظ ّ‬
‫يلزم مثل هذه المرأة في تفكيرها اللشعوري‪ ،‬ول تدرك في عقلها الواعي‬
‫أن ما ينقصها هو حرمانها من ممارسة الوظائف التقليدية للمرأة‪ ،‬ولو كانت‬
‫هي التي اختارت هذا الحرمان‪.‬‬
‫فإذا كانت حقوق المرأة في المومة‪ ،‬والزواج‪ ،‬وتمتعها بالجو السري الذي‬
‫تمارس فيه الوظائف التقليدية للمرأة‪ ،‬إذا كانت هذه الحقوق بهذه الهمية‬
‫ن أية دولة أو مجتمع يحدد ويضّيق فرصتها في الحصول على هذه‬ ‫للمرأة؛ فإ ّ‬
‫الحقوق ل يمكن أن يدعي العدل في جانب المرأة‪ ،‬ول العمل لصالحها‬
‫وسعادتها‪.‬‬
‫ن معارضة الدولة والمجتمع لتعدد الزوجات )كما هو‬ ‫وقد وضح فيما سبق أ ّ‬
‫ً‬
‫في النظام السلمي( يحدد حتما ويضّيق بصورة جدية الفرصة أمام المرأة‬
‫سر الصورة‬ ‫للحصول على تلك الحقوق‪ ،‬وإذا كان المر كما ذكر‪ ،‬فكيف نف ّ‬
‫السلبية لدى الحضارة المعاصرة لنظام تعدد الزوجات؟‬
‫تعدد الزوجات‪ ..‬وحقوق النسان )‪(2/2‬‬
‫صالح بن عبد الرحمن الحصّين * ‪13/6/1424‬‬
‫‪11/08/2003‬‬
‫سر‬ ‫ّ‬ ‫نف‬ ‫كيف‬ ‫المطروح‪:‬‬ ‫سؤاله‬ ‫عند‬ ‫السابقة‬ ‫الحلقة‬ ‫في‬ ‫مقاله‬ ‫اختتم الكاتب‬
‫الصورة السلبية لدى الحضارة المعاصرة لنظام تعدد الزوجات؟ ونستمر مع‬
‫الحلقة الثانية والخيرة من هذا المقال للجابة على هذا السؤال‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫للجابة عن هذا السؤال نلحظ أمرين‪:‬‬
‫الول‪:‬يتعلق بالمجتمعات والدول الغربية‪ ،‬ومن المناسب ذكر قصة معبرة لها‬
‫دللتها‪ ،‬فحينما أصدر البرلمان النجليزي القانون المشهور بإباحة العلقات‬
‫الجنسية الشاذة كان هذا الحديث موضوع حديث بيني وبين أحد الصدقاء‪،‬‬
‫وقد علق بقوله‪" :‬ولكن ستمضي خمسون سنة قبل أن يصدر البرلمان‬
‫النجليزي قانونا ً بإباحة تعدد الزواج" لم يكن صديقي مبالغًا‪ ،‬فقد مضى حتى‬
‫ن ضمير المجتمع في أوربا‬ ‫الن على تعليقه أكثر من خمس وثلثين سنة!‪ .‬إ ّ‬
‫يسهل عليه أن يقبل وجود علقات جنسية خارج نطاق الزواج حتى لو كانت‬
‫شاذة تحت تأثير قبوله لفكر الحرية الجنسية‪ ،‬أما )تابو( تعدد الزوجات فل‬
‫يزال جزًءا ثابتا ً في الموروث الثقافي الوربي )‪ ، (Cuiture‬وبعبارة أخرى جزًءا‬
‫من المعنى القانوني الغامض لعبارة‪ :‬النظام العام والداب العامة في‬
‫المجتمعات الغربية‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن الديانة المسيحية ـ بشكلها الوربي ـ عنصر هام من عناصر‬ ‫وإذا استحضرنا أ ّ‬


‫الموروث الثقافي الوربي‪ ،‬واستحضرنا نظرة هذه الديانة للزواج بحد ّ ذاته‪،‬‬
‫سهل علينا فهم النظرة السلبية للثقافة الوربية إلى نظام تعدد الزوجات‪.‬‬
‫والموروثات الثقافية ـ كما هو معروف ـ ل تخضع دائما ً للمنطق ول للمحاكمة‬
‫العقلية‪ ،‬ولكن على كل حال فهذه النظرة لها في المجتمعات الغربية ـ كما‬
‫رأينا ـ مبررات مفهومة‪ ،‬وإن كانت غير صحيحة‪.‬‬
‫ما في العالم السلمي حيث صدرت قوانين في العراق وتركيا وتونس تحّرم‬ ‫أ ّ‬
‫وتجرم تعدد الزوجات‪ ،‬فإنه يصعب أن توجد لهذه القوانين مبررات مفهومة‪،‬‬
‫إذ إنه حتى فكرة النظام العام والداب العامة‪ ،‬ل يمكن أن تكون أساسا ً لهذه‬
‫القوانين‪ ،‬والموروث الثقافي في هذه البلدان ‪-‬فضل ً عن أحكام الشريعة‪ -‬ل‬
‫يمكن أن يكون مصدرا ً لهذه القوانين‪ ،‬بل إّنه ضدها‪.‬‬
‫وإذًا‪ ،‬فما هو التفسير لصدور هذه القوانين في العالم السلمي؟‬
‫الجواب‪:‬إذا استثنينا النتهازية السياسية‪ ،‬النزق الطائش في تصور العلمانية‪،‬‬
‫ن الدافع‬ ‫والهوى الجامح في التفلت من أحكام السلم؛ فإّنه يمكن القول بأ ّ‬
‫لصدار تلك القوانين‪ ،‬الخضوع اللواعي لسلطان الثقافة )‪ ،(Cuiture‬والنبهار‬
‫بألفاظ الحرية والمساواة وكرامة النسان‪ ،‬دون أن يوجد تحديد واضح‬
‫لمفاهيمها في الذهن‪.‬‬
‫ود الغرب على إطلق ألفاظ وعبارات لها إيحاءات وظلل‬ ‫وفي المقابل تع ّ‬
‫فكرية مكروهة مثل‪ :‬الحريم‪ ،‬واستعباد الرجل للمرأة وتسخيرها لمتعته‪،‬‬
‫ود ببغاوات الشرق على ترديد هذه اللفاظ‬ ‫والحياة المهينة للمرأة‪ ،‬كما تع ّ‬
‫والعبارات‪.‬‬
‫ل على طغيان سلطان الثقافة الغربية على عقل المسلم في هذا‬ ‫وليس أد ّ‬
‫المجال من أّنه حتى المدافعون عن السلم من الكتاب السلميين لم‬
‫يستطيعوا التخلص من هذا الطغيان‪ ،‬فنجدهم يدافعون عن نظام تعدد‬
‫ن هذا النظام غير مرغوب فيه‪،‬‬ ‫الزوجات بصفة اعتذارية‪ ،‬وكأنهم قد اقتنعوا بأ ّ‬
‫وأّنهم يوّدون أنه لم يوجد في تشريع السلم‪ .‬أما وقد ُوجد؛ فل حيلة لهم إل‬
‫التماس المبررات العتذارية لوجوده‪ ،‬فهم يسلمون من حيث المبدأ بصحة‬
‫النظرة السلبية لهذا النظام كنظام اجتماعي‪ ،‬ثم يبررون وجوده في السلم‬
‫بأّنه نظام استثنائي‪ ،‬وأّنه في طريق النقراض عن حياة المسلمين‪ ،‬وأّنه مبرر‬
‫فقط في ظروف معينة‪ ،‬ثم يحاولون حصر هذه الظروف التي تقوم بها‬
‫الحاجة الفعلية أو الضرورة لن يتزّوج الرجل على زوجته‪.‬‬
‫وفضل ً عن أّنه ل يوجد أساس علمي شرعي لعتبار نظام تعدد الزوجات )كما‬
‫ظم في السلم( نظاما ً استثنائيا ً ل يمكن أن يتسامح السلم تجاهه إل‬ ‫هو من ّ‬
‫ل الظروف وضمن الشروط الواقعية التي تجعله حاجة معتبرة )في‬ ‫في ظ ّ‬
‫تقديرهم(‪ ،‬إذ إنه ل النصوص الثابتة ول تطبيقها من قبل الرعيل الول من‬
‫ح ما أوردته ـ فيما‬ ‫الصحابة والتابعين يشهد لذلك‪ ،‬فضل ً عن ذلك؛ فإّنه إذا ص ّ‬
‫ن نظام تعدد الزوجات في ذاته نظام يحقق‬ ‫سبق ـ من حجج عقلية لثبات أ ّ‬
‫المصلحة العامة للمجتمع‪ ،‬فقد كان ينبغي لهؤلء الكّتاب أن يعتبروه نظاما ً‬
‫اجتماعيا ً صالحا ً حقيقا ً بأن يعتّز به ول يعتذر عنه‪ ،‬وأن يكون همهم تشجيعه‬
‫والدعوة إلى إشاعته‪ ،‬بدل ً من التنفير عنه‪ ،‬على أّنه في الحالت التي ل يكون‬
‫الدافع فيها وراء القوانين المحرمة لتعدد الزوجات في العالم السلمي اتباع‬
‫ن الدافع لها اتباع الظن والخضوع للوهام‪ ،‬بدل ً من البناء‬ ‫ما تهوى النفس‪ ،‬فإ ّ‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الحقائق وإجراء المحاكمة العقلية للمور قبل الحكم عليها‪ ،‬ولو حكم‬
‫المشرعون لتلك القوانين العقل؛ لبصروا التناقض العجيب بين تحريم تعدد‬
‫الزوجات‪ ،‬وإباحة صور من علقات المتزوجين بنساء خارج نطاق الزوجية‪،‬‬
‫علقات تشبه العلقة الزوجية في كل شيء إل في عدم وجود الجراء‬
‫الشكلي لعقد الزواج‪ ،‬والذي كان سيحمي حقوق المرأة وحقوق ثمرة علقتها‬
‫بالرجل من الولد‪.‬‬
‫ويبرز التناقض عندما يقدم الشخص للمحاكمة بتهمة ارتكابه لجريمة تعدد‬
‫الزوجات‪ ،‬فتبرئه المحكمة إذا عجز الدعاء العام عن إثبات وجود عقد زواج‬
‫ن الحالة حالة زواج يمنعه‬‫شرعي في الحالة‪ ،‬بحيث يقوم الدليل على أ ّ‬
‫القانون‪ ،‬وليست حالة زنا يبيحها القانون!‪.‬‬
‫المشّرعون لتلك القوانين يقولون )إّنما نحن مصلحون( غايتنا حماية حقوق‬
‫ن هذه القوانين تهيئ لهم الظروف‬ ‫المرأة وكرامتها وحريتها‪ ،‬ول )يشعرون( أ ّ‬
‫الطبيعية لحرمان المرأة من حقوقها ولتحديد حريتها واستلب كرامتها‪ ،‬وما‬
‫كانت القوانين البشرية أبدا ً قادرة على مغالبة القوانين الطبيعية وإلغاء‬
‫آثارها‪ ،‬ل سيما في مجتمع تتسم فيه الجهزة المسؤولة عن تنفيذ القوانين‬
‫بالعجز والتخلف والفساد‪ ،‬كما هو الحال في أغلب المجتمعات فيما يسمى‬
‫العالم السلمي‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ن نظام تعدد الزوجات نظام اجتماعي سيئ وضد مصلحة‬ ‫ن الوهم السائد بأ ّ‬‫إ ّ‬
‫المجتمع‪ ،‬وقد اخترعه الرجل استجابة لهواه ومتعته‪ ،‬وأّنه مظهر لستعلء‬
‫الرجل على المرأة‪ ،‬منتقص لحقوقها مهين لكرامتها وسبب لشقائها‪ ،‬واللحاح‬
‫على تكرار هذه الحكام على نظام تعدد الزوجات في الندوات والمؤتمرات‬
‫ووسائل العلم‪ ،‬كل ذلك أوجد لدى الكّتاب السلميين المعاصرين الوحشة‬
‫تجاه نظام تعدد الزوجات المحكوم بقيود الشرع وضوابطه‪ ،‬دون محاولة‬
‫منهم للقيام لله‪ ،‬والتفكير والختبار الموضوعي الحيادي لهذه الحكام‬
‫المسبقة على النظام‪ ،‬وتحديد ما إذا كانت هذه الحكام نتيجة الفكار الشائعة‬
‫السائدة في أذهان الناس وعلى ألسنتهم أو نتيجة للمحاكمة الفعلية‪ ،‬والبحث‬
‫عن المصالح في ضوء الواقع وتجارب المم‪ ،‬وعدم النسياق مع الهوى‬
‫والعاطفة والشعارات الخادعة‪.‬‬
‫ن شيوع الفكرة وسيادتها ولو كانت وهمية‪ ،‬يعطيها من إمكانية‬ ‫ومعلوم أ ّ‬
‫اليمان بها واليقين ما ل تحظى به ـ في كثير من الحيان ـ الحقائق‪ ،‬بل‬
‫يجعلها من المسّلمات البديهية التي ل تقبل المراجعة أو التشكيك‪ .‬ونتيجة لما‬
‫سبقت الشارة إليه؛ رأينا الكتابات المعاصرة في الدفاع عن السلم تنساق‬
‫مع الفكار الوهمية الشائعة عن تعدد الزوجات‪ ،‬فتعتبره من حيث المبدأ غير‬
‫مرغوب فيه‪ ،‬وإّنما يكون مشروعا ً على وجه الستثناء‪ ،‬وحيث توجد ظروف‬
‫معينة تجعله استجابة لحاجة حقيقية وفعلية تبرر الستثناء‪ ،‬وأّنه ل ينبغي أن‬
‫يكون الدافع إليه الرغبة الطبيعية للرجل في الستمتاع‪ ،‬وحسب علمي‬
‫القاصر فإّنه ل يوجد من نصوص الشرع ما يسند هذا التجاه‪ ،‬وهدي الخلفاء‬
‫الراشدين والئمة المهديين ـ كما يشهد التاريخ الصادق ـ على خلفه‪.‬‬
‫ن هذا النظام ـ كما رسمه‬ ‫ح ما أطلت الجدال فيه والحتجاج عليه من أ ّ‬ ‫وإذا ص ّ‬
‫ن أي بديل عنه ـ في‬ ‫الشرع الحكيم ـ نظام اجتماعي صالح‪ ،‬ليس فقط ل ّ‬
‫ضوء دراسة الواقع ـ ضار بالمجتمع عامل على فساده؛ بل لّنه يحقق مصلحة‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المرأة مثل ما يحقق مصلحة الرجل أو أكثر‪ ،‬ويضمن للمرأة من العدل‬


‫ل أنظمة تمنع تعدد‬ ‫والحرية والوفاء بحقوقها الطبيعية ما يفوت عليها في ظ ّ‬
‫الزوجات كما ينظمه السلم‪.‬‬
‫ن هذا النظام سوف يحقق آثاره النافعة بصرف النظر عن‬ ‫ح ما ذكر فإ ّ‬‫إذا ص ّ‬
‫دوافع الرجل للزواج‪ ،‬وهذا تماما ً مثل الزواج بحد ّ ذاته‪ ،‬فهو نظام اجتماعي‬
‫صالح‪ ،‬بصرف النظر عن العامل النفسي الذي دفع الرجل للزواج‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫هذا العامل النفسي عامل ً سيئًا‪.‬‬
‫ن نظام تعدد الزوجات ـ كأي نظام اجتماعي صالح ـ له بل شك سلبياته‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫وبعض هذه السلبيات راجع إلى طبيعته‪ ،‬ولكنها حينئذ ٍ ل توجب إلغاءه‪ ،‬إل لو‬
‫كانت ترجح على إيجابياته‪ ،‬وهذا غير واقع‪ ،‬وبعضها راجع إلى إساءة استعمال‬
‫البشر‪ ،‬وهذه أيضا ً ل تعالج بإلغاء النظام‪ ،‬وإّنما بالعمل على حمل النسان‬
‫المسلم على عدم إساءة استعمال النظام‪.‬‬
‫وبناًء على ما تقدم؛ فإّنه ليس من العدل أن ُيترك الناس للوهام والفكار‬
‫الخرافية حول تعدد الزوجات‪ ،‬ويكون الواجب أن يكشف عن أعينهم‬
‫غشاوتها‪ ،‬وأن ُيوعوا بالحقائق عن هذا النظام‪ .‬وإذا كانت وسائل الدعوة‬
‫ن الجهات المسؤولة عن‬ ‫عاجزة عن القيام بدور فاعل في هذا المجال؛ فإ ّ‬
‫التربية والتعليم مسؤولة عن تضمينها مناهج التعليم ما يميز بين الوهام‬
‫والحقائق‪ ،‬في هذا النظام وغيره من النظمة الجتماعية‪.‬‬
‫در بها هذا المقال‪ ،‬وفي ضوء ما سبق؛‬ ‫وعودا ً للكلم على الية الكريمة المص ّ‬
‫فإّنه يمكن إبداء الملحظات التالية‪:‬‬
‫صها على مشروعية تعدد‬ ‫‪ 1‬ـ هذه الية هي الية الوحيدة التي تد ّ‬
‫ل بن ّ‬
‫ص الوارد في الية الخرى )وأن تجمعوا بين الختين(‬ ‫ما الن ّ‬‫الزوجات‪ ،‬أ ّ‬
‫ل بالنص على‬ ‫]النساء‪ [23:‬في سياق تعداد المحّرمات في الزواج؛ فل يد ّ‬
‫التعدد‪ ،‬وإنما بمفهوم المخالفة‪ ،‬وكذلك النص الوارد في الية الخرى‪) :‬ولن‬
‫تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( ]النساء‪ [129:‬فإّنما يدل على‬
‫مشروعية التعدد بالشارة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ورد في التعبير عن العدل بثلثة ألفاظ )أن ل تقسطوا(‪) ،‬أن ل تعدلوا(‪،‬‬
‫)أن ل تعولوا(‪ ،‬والقساط والعدل وعدم العول متقاربة في المعنى‪ ،‬على أّنه‬
‫ينبغي التمييز في المعنى بين العدل في الشخاص‪ ،‬والعدل بين الشخاص؛‬
‫فالعدل في الشخاص يعني إيفاءهم حقوقهم‪ ،‬والعدل بين الشخاص يعني‬
‫التسوية بينهم‪.‬‬
‫ل كلم‬ ‫والعدل المشروط لباحة تعدد الزوجات في الية الكريمة ‪-‬كما يد ّ‬
‫المفسرين‪ -‬يعني المرين‪ :‬وجود العزم على التسوية في المعاملة بين‬
‫ن الغالب بقدرة الزوج على ذلك‪ ،‬ثم وجود العزم على‬ ‫الزوجات‪ ،‬ووجود الظ ّ‬
‫ن الغالب لدى‬ ‫ل من الزوجات من حقوق الزوجية‪ ،‬ووجود الظ ّ‬ ‫الوفاء بما لك ّ‬
‫الزوج بقدرته على ذلك‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ن نظام تعدد الزوجات في السلم صورة مختلفة عن نظام‬ ‫‪ 3‬ـ كما رأينا؛ فإ ّ‬
‫تعدد الزوجات في أي دين آخر‪ ،‬أو ثقافة أخرى‪ ،‬وإذا كان أيّ نظام اجتماعي‬
‫ن النظام السلمي يتفادى ما أمكن تلك السلبيات‪،‬‬ ‫له سلبياته ول بد؛ فإ ّ‬
‫فيشترط فيه العدل في الزوجات‪ ،‬ثم العدل بين الزوجات حين يكون ذلك‬
‫ممكنا ً بحكم الطبيعة البشرية‪ ،‬ثم ل يسمح به حين يؤثر سلبا ً على غاية‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مصلحية يهتم بها السلم وهي صلة الرحم‪ ،‬فيمنع أن يكون بين الزوجات نوع‬
‫معين من القرابة كما بين المرأة وأختها‪ ،‬أو المرأة وخالتها‪ ،‬ثم هو بعد ذلك‬
‫يحدد العدد‪ ،‬فل يجيز التعدد لكثر من أربع‪ ،‬والزيادة عن أربع من خصائص‬
‫نبينا ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وقد كشف التاريخ والواقع العملي عن حكمة‬
‫ن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يبلغ‬ ‫كم هذه الخصيصة‪ ،‬ذلك أ ّ‬ ‫ح َ‬
‫مهمة من ِ‬
‫نبوته‪ ،‬ويهدي بهداية الله عن طريق القول والعمل‪ ،‬فهو مثال ونموذج للمة‪،‬‬
‫)لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة(‪ ،‬وهو شاهد على أمته‪ ،‬وموجب‬
‫هذه الشهادة أن تكون بينة واضحة ودليل ً ظاهرا ً على مشروعية الفعل‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫تطبيق ما أنزل الله من الهدى ممكن‪ ،‬وكيفية هذا التطبيق‪ ،‬ول يتم ذلك على‬
‫كماله إل بأن يكون لدى المة علم تفصيلي بحياته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬وذلك يوجب أن يوجد عدد كاف يضمن به البلغ‪ ،‬ول إشكال‬
‫ما الحياة الخاصة فل يمكن أن يبلغ هديه فيها إل‬ ‫في شؤون الحياة العامة‪ ،‬أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عن طريق الزوجات‪ ،‬وإذا كان النقلة عددا قليل فقد ينسى الناقل أو ل يرى‬
‫ن المر من المور التي يجب نقلها‪ ،‬أو يخطئ في النقل‪ ،‬وهذه العوارض‬ ‫أ ّ‬
‫تعرض لمن ينقل عنه في سلسلة السناد‪ .‬وقد كشف التاريخ أّنه بسبب وجود‬
‫هذا العدد من الزوجات الذي اختاره الله لنبيه أمكن أن تعرف المة كل‬
‫ن المسلم‬ ‫تفاصيل ودقائق حياة النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الخاصة‪ ،‬حتى إ ّ‬
‫العادي بعد أربعة عشر قرنا ً يعرف عن تفاصيل الحياة الخاصة للنبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬أكثر مما يعرف عن الحياة الخاصة لبيه‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ قوله تعالى‪) :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى( قيد غير مراد‪ ،‬فل يعني‬
‫أنه إن لم يخف الفراد أو المجتمع القساط في اليتام فل يجوز لهم تعدد‬
‫ن تعدد الزوجات بديل صالح يوفر‬ ‫الزوجات‪ ،‬وإنما يستفاد منه الشارة إلى أ ّ‬
‫الوقاية من ظلم اليتامى وعدم إيفائهم حقوقهم‪.‬‬
‫ن شيوع تعدد الزوجات في‬ ‫‪ 5‬ـ المنطق الصحيح والواقع العملي يشهدان بأ ّ‬
‫المجتمع يعطي المرأة الفرصة في الزواج مهما كانت الصعوبات والعوائق‬
‫م‬
‫التي تقف في طريقها إلى الزواج‪ ،‬وبذلك تتوفر الحماية الجتماعية ل ّ‬
‫اليتامى وأولدها‪ ،‬ويتأثر مركز المرأة الجتماعي إيجابيًا‪ ،‬فنكون أقدر على‬
‫الحفاظ على حقوقها وحريتها وضمان معاملتها بالعدل‪ ،‬وعموم لفظ الية‬
‫ن نظام تعدد الزوجات عامل فاعل في العدل في اليتامى‪ ،‬وإذا كان‬ ‫من أ ّ‬
‫يتض ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫يعني‬ ‫فذلك‬ ‫سبقه‪،‬‬ ‫ما‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫إلى‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫راجع‬ ‫تعولوا(‬ ‫ل‬ ‫أن‬ ‫أدنى‬ ‫)ذلك‬ ‫الشارة‬ ‫اسم‬
‫هذا النظام عامل فاعل للعدل في النساء من حيث الجملة‪.‬‬
‫ن المجتمع أو القانون الذي‬ ‫‪ 6‬ـ المنطق الصحيح والواقع العملي يشهدان أ ّ‬
‫يعارض تعدد الزوجات‪ ،‬يحدد فرصة المرأة في الزواج‪ ،‬فيحدد بالتالي فرصتها‬
‫في أن تكون أمًا‪ ،‬وأن يكون لها زوج تسكن إليه ويسكن إليها‪ ،‬وتنمو بينهما‬
‫المودة والرحمة‪ ،‬ويكون لها بيت تؤدي فيه وظائفها الطبيعية كامرأة‪ ،‬وك ّ‬
‫ل‬
‫م لديها وفي واقع الحياة من‬ ‫هذه المور حاجات أساسية وحقوق للمرأة أه ّ‬
‫منتها وثيقة حقوق النسان‪.‬‬ ‫عدد من الحقوق التي تض ّ‬
‫فتحديد فرصة المرأة في الحصول على هذه الحاجات الساسية بالحد ّ من‬
‫تعدد الزوجات انتهاك واضح لحقوقها ‪ -‬كإنسان‪.-‬‬
‫ن نظرة‬ ‫ً‬
‫‪ 7‬ـ عند التأمل والحتكام للنظر المنطقي والعقلي‪ ،‬يظهر جليا أ ّ‬
‫الغرب إلى نظام تعدد الزوجات )كما هو في السلم(‪ ،‬أساسها التصورات‬
‫الناتجة عن الموروثات الثقافية‪ ،‬وليس أساسها المنطق والمحاكمة العقلية‪،‬‬
‫أو اعتبارات المصلحة الجتماعية العملية‪ .‬والنظرة السلبية لهذا النظام لدى‬
‫بعض المسلمين المعاصرين ناشئة فقط عن التأثر بالتصورات الغربية‪،‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنخداع بتحقير الغرب لهذا النظام عند المسلمين‪ ،‬وعيبهم به‪.‬‬


‫‪ 8‬ـ بحكم طبائع الشياء‪ ،‬فإن لنظام تعدد الزوجات ـ كأي نظام اجتماعي آخر‬
‫ـ سلبيات‪ ،‬ويحدث أحيانا ً كثيرة أن ُيساء استعماله‪ ،‬ولكن هذا شأن أي نظام‬
‫اجتماعي صالح‪ ،‬والعلج ليس بهدم النظام وإّنما بمعالجة السلبيات والعمل‬
‫على تقليلها‪ ،‬ومكافحة إساءة الستعمال‪.‬‬
‫وبالله التوفيق‪.‬‬
‫تعدد الزوجات‪..‬وحقوق النسان )‪(1/2‬‬
‫صالح بن عبدالرحمن الحصّين ‪6/6/1424‬‬
‫‪04/08/2003‬‬
‫قال الله تعالى‪) :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من‬
‫النساء مثنى وثلث ورباع فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة‪] (...‬النساء‪.[3:‬‬
‫هذه الية واحدة من بضع آيات في سورة النساء جاءت لحماية حقوق اليتامى‬
‫ذكورا ً وإناثًا‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وفرض قيام المجتمع لهم بالعدل‪ ،‬والتحذير من الخلل بذلك‪ ،‬والهداية إلى‬
‫فل العدل في اليتامى بإيفائهم حقوقهم على المجتمع أو‬ ‫الوسائل التي تك ْ ُ‬
‫على أفراد معينين فيه‪.‬‬
‫ص الكريم مؤلف ـ كما قال المام القرطبي في تفسيره ـ من جزأين؛‬ ‫والن ّ‬
‫شرط هو‪) :‬إن خفتم أن ل تقسطوا في اليتامى( وجوابه‪) :‬فانكحوا ما طاب‬
‫لكم من النساء مثنى وثلث ورباع(‪.‬‬
‫وأّول ما يتبادر إلى ذهن السامع والقارئ لهذا السؤال‪ :‬ما هي العلقة بين‬
‫الشرط والجواب؟‬
‫ا هي العلقة بين القساط في اليتامى ـ أي العدل فيهم بإعطائهم حقوقهم ـ‬
‫وتعدد الزوجات؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كيف يكون تشريع تعدد الزوجات مقتضيا وموجبا للعدل في اليتامى؟‬
‫ن‬
‫في الجابة عن هذا السؤال وعند الرجوع إلى التفسير بالمأثور‪ ،‬نرى أ ّ‬
‫المام ابن جرير رحمه الله أورد في تفسير هذه الية الكريمة وبيان سبب‬
‫نزولها أربعة أقوال للسلف مختلفة‪ ،‬ولكن اختلفها اختلف تنوع ل اختلف‬
‫ن العبرة‬‫تعارض وتضاد‪ ،‬وهي في هذا الختلف محكومة بالقاعدة المعروفة‪ :‬أ ّ‬
‫ن آية معينة نزلت في كذا قد‬ ‫ن القول بأ ّ‬‫بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن هذا الوضع يشمله معنى الية المعينة وحكمها‪ ،‬ول يعني أّنها ل تشمل‬ ‫يعني أ ّ‬
‫وضعا ً آخر‪.‬‬
‫والمقصود بـ)اليتامى( في الية في ثلثة أقوال من القوال الربعة‪ :‬الذكور‬
‫والناث‪.‬‬
‫وفي تفسير القرآن ينبغي الحذر من التجاوز عن التفسير بالمأثور أو ما‬
‫اختاره أئمة التفسير المعروفين‪ ،‬ولكن ذلك ل يمنع عند تدبر القرآن من‬
‫استلهام معان يمكن أن يتناولها اللفظ من حيث اللغة ول تتعارض مع أحكام‬
‫الشرع‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق ربما تكون الدللة اللفظية المجّردة للنص الكريم مشيرة‬
‫ن الواقع العملي يثبت وجود‬ ‫كأ ّ‬ ‫إلى الحكمة من تشريع تعدد الزوجات‪ ،‬ول ش ّ‬
‫علقة قوية وأكيد وظاهرة بين وجود تعدد الزوجات في المجتمع‪ ،‬وضمان‬
‫حقوق اليتامى بوجه عام‪ ،‬توضيح ذلك فيما يلي‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل يستطيع المجتمع أن يقوم بما فرضه الله عليه من الوفاء بحقوق اليتامى‬
‫بمجّرد إيجاد )دور أيتام( كافية لستيعاب أعدادهم‪:‬‬
‫دور اليتام سلبيات كثيرة ل يبرر التسامح تجاهها إل قيام الضرورة‬ ‫نل ُ‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬ل ّ‬
‫لوجود )ُدور اليتام( وعدم البديل لها‪.‬‬
‫ن لليتيم حاجات تتجاوز حاجة الجسم من الكل واللباس والمأوى؛‬ ‫وثانيًا‪ :‬ل ّ‬
‫ل في أهميتها عن الحاجات الجسمية‪،‬‬ ‫حاجات عاطفية ونفسية وتربوية ل تق ّ‬
‫ن هذه الحاجات في‬ ‫والواقع العملي وأحكام الشرع )السلمي( تظهر أ ّ‬
‫م اليتيم فيكون لليتيم في هذه الحالة أب بديل‬ ‫الغالب ُتلّبى عندما تتزوج أ ّ‬
‫وجوّ أسريّ بديل وإخوة وأخوات من أمه‪ ،‬وتكون علقة زوج الم بربيبه أو‬
‫ربيبته )أولد الم من الزوج السابق( مشابهة في الغالب لعلقته بأولده‬
‫لصلبه‪ ،‬حتى إنه يحّرم عليه شرعا ً الزواج بربيبته‪ ،‬كما يحرم عليه الزواج من‬
‫ابنته‪.‬‬
‫ً‬
‫وجد مثل تقليد لدى‬ ‫وقد تنّبهت بعض الشعوب بفطرتها إلى هذا المر‪ ،‬ف ُ‬
‫ً‬
‫القبائل الفغانية يلتزم فيه الفغاني‪ ،‬سواء كان أعزب أو متزوجا‪ ،‬بالزواج من‬
‫أرملة قريبه بعد وفاته؛ حماية للزوجة ولولدها‪ ،‬ولذلك كان مما يلفت النظر‬
‫أثناء الحرب الفغانية الروسية‪ ،‬ومع وجود العداد الهائلة من اليتام‪ ،‬عدم‬
‫قيام الحاجة الظاهرة لنشاء ُدور اليتام‪.‬‬
‫م ُدور اليتام القليلة ـ التي أنشأها المحسنون بحماس ـ أن تتصّيد‬ ‫وصار ه ّ‬
‫اليتام تصّيدًا‪.‬‬
‫م اليتام في الغالب ل تتزّوج إل في مجتمع يكون فيه‬ ‫نأ ّ‬‫والواقع يظهر أ ّ‬
‫ل‪ ،‬وهذا الوضع ل يتحقق عادة إل في‬ ‫ً‬
‫الطلب على النساء كثيرا والعرض قلي ً‬
‫مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات‪.‬‬
‫في مثل هذه المجتمع وحده تتاح فرصة الزواج لكل امرأة مهما كان لديها‬
‫من موانع الرغبة فيها كزوجة؛ مثل أن تكون أرملة مصبية‪ ،‬أي ذات أولد‪.‬‬
‫ن المجتمعات التي ل يشيع فيها تعدد الزوجات‪ ،‬تتحدد فيها فرصة‬ ‫وبالعكس فإ ّ‬
‫ً‬
‫الرامل في الزواج‪ ،‬حتى إّنه مع مرور الوقت يصبح زواج الرملة عيبا أو‬
‫محّرما ً بحكم التقليد‪ ،‬كما هو الحال في القارة الهندية‪.‬‬
‫ن شيوع تعدد الزوجات في مجتمع ما‪ ،‬يجعل الطلب على‬ ‫دم أ ّ‬ ‫معنى ما تق ّ‬
‫ً‬
‫النساء في ذلك المجتمع كبيرا‪ ،‬فحتى الرملة ذات اليتام سوف تجد الرجل‬
‫ل الب البديل على‬ ‫المناسب الذي يرغب في زواجها‪ ،‬فإذا تزّوجت فاء ظ ّ‬
‫أولدها اليتامى ونعموا بالجوّ السري كأيّ أطفال عاديين لم ُيصابوا بفقد‬
‫أبيهم‪ ،‬وبذلك يتحقق في هذا المجتمع الوفاء لليتيم بحقوقه‪ ،‬أو كما جاء في‬
‫الية الكريمة )القساط فيه(‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫دم يشير إلى معنى أوسع للحكمة من تشريع تعدد الزوجات‪ ،‬فكما‬ ‫وما تق ّ‬
‫ن المجتمع الذي يشيع فيه تعدد الزوجات يعمل فيه قانون العرض‬ ‫شاهدنا‪ ،‬فإ ّ‬
‫والطلب )وهو قانون طبيعي( عمله في أي مجال آخر‪ ،‬فتتاح فيه الفرصة‬
‫للزواج لكل امرأة‪ ،‬فل يبقى فيه عوانس ول مطلقات ول أرامل فقدن المل‬
‫في الزواج بعد فقد أزواجهن‪ .‬وسيعمل هذا القانون الطبيعي ـ ول بد ّ ـ عمله‪،‬‬
‫فيؤثر إيجابيا ً وبصورة ظاهرة على قيمة المرأة في المجتمع‪ ،‬وبالتالي على‬
‫حريتها‪ ،‬واستيفائها حقوقها‪ ،‬وأن تؤتى ما كتب الله لها‪ ،‬وأن تعامل من قبل‬
‫الرجل والمجتمع بالعدل‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل هذا ما تشير له الية الكريمة )ذلك أدنى أن ل تعولوا‪ ،(...‬فتعدد‬ ‫ولع ّ‬


‫الزوجات ـ في النظر المتعمق ـ يحمي المرأة من الظلم وانتقاص الحق‪،‬‬
‫وهذا مشاهد في الواقع العملي‪ ،‬فالمرأة الفريقية )جنوب الصحراء( حيث‬
‫يشيع تعدد الزوجات‪ ،‬تتمتع بمركز اجتماعي‪ ،‬وحرية‪ ،‬وقدرة على التصرف‬
‫ل‪ ،‬حيث تسود عادة وحدة الزوجة‪،‬‬ ‫بقدر ل ُيتاح للمرأة في القارة الهندية مث ً‬
‫ففي هذه المجتمعات الخيرة تولد المرأة ومعها شعور أسرتها بأّنه ولد‬
‫للسرة عبء مالي إضافي يتمّثل في الثمن الباهظ لشراء زوجها عندما تبلغ‬
‫ن الزواج‪ ،‬إذ على الب أن يدفع )الجهيز( وتتحدد قيمة )الجهيز( في الغالب‬ ‫س ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بمدى القدرة المالية للب‪ .‬أعرف أخا من جنوب الهند كان موسرا‪ ،‬ولكنه‬
‫انتهى مفلسا ً بعد أن دفع )الجهيز( لتزويج بناته التسع‪ ،‬والمسلمون الهنود‬
‫وحدهم ـ وبحكم تأثرهم بالعادات الهندوكية السائدة ـ توجد عندهم مشكلة‬
‫تستأثر بقدر كبير من همومهم؛ هي مشكلة تزويج البنات الفقيرات‪.‬‬
‫نماذج غير عربية‬
‫ن المرأة الهندية عندما تنجح في الحصول على الزوج؛ فإّنها‬ ‫ومن الطبيعي أ ّ‬
‫تحت سلطان شبح الخوف من فقده سوف تصبر على ظلمه‪ ،‬وسوف‬
‫تتغاضى عن مطالبتها إياه بحقوقها قبله‪ ،‬ولن تستطيع القوانين البشرية مهما‬
‫كانت كفايتها وفعاليتها مقاومة عمل القوانين الطبيعية‪.‬‬
‫ومن يتابع الصحف اليومية الهندية وأخبار ما تنشره عن مآسي انتحار‬
‫الزوجات أو حرقهن من قبل أزواجهن وأسر أزواجهن بسبب عجز الزوجة عن‬
‫الوفاء بالتزامها بثمن زواجها )الجهيز(‪ ،‬سوف يرى صورة من صور الظلم‬
‫الناشئ عن تدني قيمتها بتأثير القانون الطبيعي للعرض والطلب‪.‬‬
‫ك ـ صلة بمشكلة وأد البنات‪ ،‬وإجهاضهن‬ ‫وهذا الوضع )في الهند( له ـ ول ش ّ‬
‫دث عن ذلك موقع )‪ (bbc.new‬و)بي سي أون لين( في‬ ‫في الهند‪ ،‬كما تح ّ‬
‫ن وأد البنات مشكلة قائمة في الهند لمدة‬ ‫‪7/12/2000‬م‪ ،‬وذكر صراحة أ ّ‬
‫طويلة‪ ،‬حيث تستمد مبررها من العادات المرتبطة بمهور الزواج‪ ،‬التي تجعل‬
‫المرأة ذات بعد اقتصادي‪ ،‬وقد طلبت الهيئات الطبية في الهند المساعدة‬
‫الدولية لمنع مليونين من حالت الجهاض تتم في الهند سنويا ً بسبب اكتشاف‬
‫ن الجنين ُأنثى‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫لقد اكُتشف تناقص نسبة الناث إلى عدد الذكور في الهند منذ مطلع القرن‬
‫العشرين‪ ،‬ولكنه في السنوات الخيرة تنامى النقص في نسبة الناث للذكور‬
‫بصفة دراماتيكية‪.‬‬
‫النموذج الفريقي‬
‫وعلى العكس؛ فالمرأة الفريقية )جنوب الصحراء( عندما تبلغ سن الزواج‬
‫ش الزوجي مشّرعة‪ ،‬وتدخلها مرفوعة الرأس كريمة‪،‬‬ ‫تستقبلها أبواب الع ّ‬
‫ً‬
‫سوف يتردد زوجها كثيرا قبل أن يقدم على ظلمها أو انتقاص حقوقها أو‬
‫صدة‬ ‫حريتها؛ لّنه يعلم أّنه إذا فارقها فلن تكون أبواب الزواج من جديد مو ّ‬
‫ن قانون العرض والطلب قد رفع قيمتها وأعطاها القدرة على‬ ‫أمامها‪ ،‬إ ّ‬
‫التصرف والختيار‪ ،‬وسيكون زوجها أمام علة فاعلة وسبب واقعي لمعاشرتها‬
‫بالمعروف‪.‬‬
‫ن من المنطقي توقع أن تنخفض نسبة الطلق في مجتمع‬ ‫ح ما سبق؛ فإ ّ‬ ‫إذا ص ّ‬
‫يشيع فيه تعدد الزوجات‪ ،‬هناك سبب إضافي لتدني نسبة الطلق في مجتمع‬
‫تعدد الزوجات؛ يرجع إلى الرجل )وهو بحكم الطبيعة وبصرف النظر عن‬
‫جنسه أو ثقافته أو مكانه أو زمانه( يميل غالبا ً إلى )التعدد( لن يجد نفسه‬
‫)في مجتمع التعدد( في ظروف تحمله على الطلق‪ ،‬بسبب رغبته في التعدد‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)كما يحصل في مجتمع عدم التعدد(‪.‬‬


‫ً‬
‫ن تشريعا للتعدد ـ‬ ‫ً‬
‫وإذا كان الرجل كحقيقة واقعة يميل غالبا إلى التعدد؛ فإ ّ‬
‫كالتشريع السلمي بقيوده وضوابطه ـ يضمن البديل العادل للمرأة‪ ،‬ول‬
‫يجعلها ـ كما هو الواقع في المجتمعات التي تنكر التعدد المشروع ـ محرومة‬
‫من الحماية لحقوقها وحقوق ثمرة التعدد‪ ،‬أو محتاجة لتشريع قوانين )غير‬
‫كاملة وغير مضمونة النفاذ والفعالية( لحماية حقوقها وحقوق أولدها‪.‬‬
‫ن لصلة تعدد الزوجات )في الحدود وبالقيود التي يرسمها‬ ‫وبعد هذا؛ فإ ّ‬
‫التشريع السلمي( بالعدل في جانب المرأة بالنسبة لمفاهيم الحضارة‬
‫المعاصرة مجال ً آخر للقول‪ ،‬ملخصه‪:‬‬
‫ن رعاية حقوق النسان وحمايتها أهم ـ أو من أهم ـ القيم الخلقية في‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫الحضارة المعاصرة )على القل نظريا‪ ،‬وبصرف النظر عن التطبيق‬
‫الواقعي(‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫يشهد لذلك أّنه عندما ظهر إخفاق المعيار القتصادي في تصنيف البلدان‬
‫والدول من حيث التقدم والتخلف‪ ،‬جاءت النظرية الحديثة باعتماد معيار مدى‬
‫رعاية الدولة لحقوق النسان؛ لقياس درجتها في سلم التقدم والحضارة‪،‬‬
‫ونتيجة لذلك اعتبرت البلدان السكندنافية متقدمة في هذا السلم عن البلدان‬
‫الوربية الخرى‪.‬‬
‫الغرب وفرنسا كنموذج‬
‫كانت فرنسا أول دولة أوربية تصدر إعلنا ً لحقوق النسان عام ‪1789‬م‪ ،‬وفي‬
‫دستورها عام ‪1946‬م أكدت تلك الحقوق‪ ،‬وأضافت إليها حقوقا ً أخرى كح ّ‬
‫ق‬
‫العمل‪ ،‬وحق النضمام إلى التحادات‪ ،‬وحقّ الضراب‪ .‬ولكن للمرأة حقوقا ً‬
‫م لديها من حقّ الضراب‪ ،‬أو النضمام‬ ‫م لديها‪ ،‬أو يجب أن تكون أه ّ‬‫هي أه ّ‬
‫إلى التحادات أو حتى العمل‪ ،‬وأعني بذلك حقّ المرأة في المومة‪ ،‬وفي‬
‫الزواج‪ ،‬وفي أن يكون لها بيت تكون مليكته الراعية فيه‪ ،‬وتؤدي فيه وظائفها‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫ن علم النفس عندما دخل المعاملت‬ ‫ووجه أهمية المومة للمرأة يتضح من أ ّ‬
‫ن غريزة المومة أقوى‬ ‫والمختبرات على يد علماء النفس السلوكيين‪ ،‬أثبت أ ّ‬
‫لدى النثى من غريزة الجوع ومن غريزة الجنس‪.‬‬
‫ن الهدف الذي رسمه‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نتذكر‬ ‫ما بالنسبة لهمية الزواج للمرأة؛ فتظهر عندما‬ ‫أ ّ‬
‫القرآن الكريم للزواج أن يسكن الرجل إلى المرأة‪ ،‬والمرأة إلى الرجل‪ ،‬وأن‬
‫يكون بينهما المودة والرحمة‪) ،‬وجعل منها زوجها ليسكن إليها( ]العراف‪:‬‬
‫‪) ،[189‬خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة‬
‫ورحمة( ]الروم‪ [19:‬ولفظ "ليسكن"‪" ،‬لتسكنوا" يحمل معاني واسعة تشمل‬
‫الشعور بالراحة والمتعة والمن والسلم‪ ،‬وما يشبه شعور الطفل عندما‬
‫تحضنه أمه‪ ،‬وهذا اللفظ بما يحمل من معان ل مرادف له في العربية‪ ،‬وربما‬
‫ل يوجد له مرادف في اللغات الخرى‪ ،‬وإذا تحقق هذا الهدف للزواج؛ فإنه‬
‫وض بأي أمر آخر اعتاد الناس أن‬ ‫يكون مصدرا ً للسعادة ل يمكن أن يع ّ‬
‫يعتبروه مصدرا ً لها‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لهمية وجود المكان والجو السري الذي تمارس فيه المرأة‬
‫وظائفها التقليدية التي تتناغم مع طبيعتها ومشاعرها ومواهبها وإحساسها‬
‫بالجمال‪ ،‬وهو ما يعطي المرأة قدرا ً كبيرا ً من الشعور بالكتفاء‪ ،‬الذي هو‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫بدوره أمر ضروري للصحة النفسية‪ ،‬أقول‪ :‬بالنسبة لهمية ذلك للمرأة؛ فإ ّ‬
‫ن‬‫المر ل يحتاج إلى تدليل أو إفاضة في اليضاح‪ .‬وفي رأي أحد الخبراء أ ّ‬
‫ظاهرة ظهور بعض أعراض الختلل النفسي لدى المرأة الخليجية‪ ،‬مثل‬
‫حالت الكتئاب والقلق والشعور بعدم الكتفاء راجع إلى تخلي المرأة‬
‫الخليجية عن ممارسة وظائفها التقليدية في البيت بإسنادها إلى الخادمة‪،‬‬
‫ن شيئا ً ـ غير معين ـ ينقصها في حياتها‬
‫ل الشعور بعدم الكتفاء‪ ،‬وأ ّ‬‫وبذلك يظ ّ‬
‫يلزم مثل هذه المرأة في تفكيرها اللشعوري‪ ،‬ول تدرك في عقلها الواعي‬
‫أن ما ينقصها هو حرمانها من ممارسة الوظائف التقليدية للمرأة‪ ،‬ولو كانت‬
‫هي التي اختارت هذا الحرمان‪.‬‬
‫فإذا كانت حقوق المرأة في المومة‪ ،‬والزواج‪ ،‬وتمتعها بالجو السري الذي‬
‫تمارس فيه الوظائف التقليدية للمرأة‪ ،‬إذا كانت هذه الحقوق بهذه الهمية‬
‫ن أية دولة أو مجتمع يحدد ويضّيق فرصتها في الحصول على هذه‬ ‫للمرأة؛ فإ ّ‬
‫الحقوق ل يمكن أن يدعي العدل في جانب المرأة‪ ،‬ول العمل لصالحها‬
‫وسعادتها‪.‬‬
‫ن معارضة الدولة والمجتمع لتعدد الزوجات )كما هو‬ ‫وقد وضح فيما سبق أ ّ‬
‫ً‬
‫في النظام السلمي( يحدد حتما ويضّيق بصورة جدية الفرصة أمام المرأة‬
‫سر الصورة‬ ‫للحصول على تلك الحقوق‪ ،‬وإذا كان المر كما ذكر‪ ،‬فكيف نف ّ‬
‫السلبية لدى الحضارة المعاصرة لنظام تعدد الزوجات؟‬

‫)‪(9 /‬‬

‫تعدد القراءات القرآنية هل مرده إلى تجرد المصاحف من النقط والشكل ؟‬


‫ذهب فريق من المستشرقين إلى أن اختلف القراءات القرآنية مرجعه إلى‬
‫ضَبط بها الكلمات؛‬ ‫تجرد المصاحف من النقط والحركات التشكيلية التي ت ُ ْ‬
‫يقول المستشرق جولد زيهر‪ " :‬وترجع نشأة قسم كبير من هذه الختلفات‬
‫إلى خصوصية الخط العربي الذي يقدم هيكله المرسوم مقادير صوتية‬
‫مختلفة‪ ،‬تبعا ً لختلف النقاط‪ ،‬واختلف الحركات‪ ،‬وهذا يؤدي بدوره إلى‬
‫اختلف مواقع العراب للكلمة‪ ،‬وإلى اختلف دللتها‪."...‬‬
‫وقد تلقف هذه الشبه بعض المنبهرين بالغرب‪ ،‬والسائرين على دربه‪ ،‬من غير‬
‫أن يكلفوا أنفسهم مشقة الرجوع إلى أصحاب الشأن في هذا العلم‪ ،‬لمعرفة‬
‫حقيقة المر في هذه المسألة‪.‬‬
‫ولبيان زيف هذه الشبهة وتهافتها نقول‪ :‬إن هذه الشبهة قائمة في أساسها‬
‫على مغالطة واضحة‪ ،‬ومخالفة للواقع‪ ،‬وبيان ذلك ما قرره أصحاب‬
‫الختصاص من أن الرواية والتلقي والسماع هي الصل الذي تثبت به‬
‫القراءة‪ ،‬ويثبت به رسمها‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬فالقراءات بإجماع المسلمين لم‬
‫تثبت بالجتهاد والرأي‪ ،‬بل تثبت بالسماع والتلقي‪ ،‬هذا أو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ضا أنه لم يكن للرسم العثماني دور في تعدد وجوه القراءات‬ ‫ثم من المقرر أي ً‬
‫وتنوعها‪ ،‬بل كان الرسم العثماني وسيلة لحفظ القراءات الثابتة‪ ،‬إذ إن تلك‬
‫الوجوه المختلفة لم يكن مرجعها إل إلى سبب واحد‪ ،‬وهو التلقي عن رسول‬
‫الخلق أجمعين‪.‬‬
‫صلوا في ذلك‬ ‫وقد نّبه علماء هذه المة منذ وقت مبكر على هذه الحقيقة‪ ،‬وأ ّ‬
‫أصل ًَ أجمعوا عليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن الصل في القراءات إنما هو التلقي والسماع‬
‫من الخر للول‪.‬‬
‫فهذا ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬يقول‪" :‬سبب تنوع القراءات فيما احتمله خط‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصحف هو تجويز الشارع‪ ،‬وتسويغه ذلك لهم‪ ،‬إذ مرجع ذلك إلى السنة‬
‫والتباع ل إلى الرأي والبتداع "‪.‬‬
‫وهذا ابن الجزري يؤكد على أن " معنى إضافة كل حرف من حروف‬
‫الختلف إلى من أضيف إليه من الصحابة وغيرهم‪ ،‬إنما هو من حيث أنه كان‬
‫أضبط له‪ ،‬وأكثر قراءة وإقراًء به‪ ،‬وملزمة له‪ ،‬وميل ً إليه‪ ،‬ل غير ذلك‪ " ..‬إلى‬
‫أن يقول‪" :‬وهذه الضافة إضافة اختيار ولزوم‪ ،‬ل إضافة اختراع ورأي واجتهاد‬
‫"‪.‬‬
‫ومما يبين بطلن هذه الشبهة وتهافتها‪ ،‬أنه لو كان خلو المصاحف من الشكل‬
‫والنقاط هو السبب في تنوع القراءات واختلفها لكانت كل قراءة يحتملها‬
‫رسم المصحف صحيحة معتبرة قرآًنا‪ ،‬وواقع المر ليس كذلك‪ ،‬إذ إن‬
‫القراءات القرآنية من جهة قبولها تنقسم إلى أقسام؛ فهناك القراءات‬
‫مت قراءات متوقف فيها‪ ،‬على تفصيل‬ ‫مقبولة‪ ،‬وهناك القراءات المردودة‪ ،‬وث ّ‬
‫في ذلك للعلماء؛ وهذا التقسيم الذي اعتمده أرباب هذا العلم يدلل على أن‬
‫أي قراءة ل ُيعتد بها‪ ،‬ول تعتبر قرآًنا إل إذا كانت قائمة على التلقي والسماع‬
‫الثابت والصحيح‪.‬‬
‫على أن مما يؤكد اعتماد القراءات على النقل والسماع ‪ -‬إضافة لما تقدم ‪-‬‬
‫وجود ألفاظ في القرآن ُتقرأ بخلف الرسم القرآني؛ من ذلك مثل ً كلمة‬
‫ة{ حيث جاء رسمها في المصحف )الصلوة( وكذلك }الزكاة{ فقد‬ ‫صل َ‬
‫}ال ّ‬
‫ُرسمت في المصحف )الزكوة( وهذا كثير معلوم لقارئ كتاب الله‪.‬‬
‫ثم إن في القرآن الكريم كلمات تكررت في مواضع متعددة‪ ،‬وُرسمت برسم‬
‫واحد‪ ،‬لكنها في بعض المواضع وردت فيها القراءات التي يحتملها رسمها‪،‬‬
‫فاختلف فيها القراء حسب ما تلقاه كل واحد منهم‪ ،‬وفي بعض المواضع اتفق‬
‫الجميع على قراءتها بوجه واحد‪ ،‬لثبوت ذلك بالنقل والسماع‪ ،‬دون ثبوت‬
‫غيره‪ ،‬وفي هذا دللة على ما ذكرناه من أن المر مرده إلى التلقي والسماع‬
‫ل غير‪.‬‬
‫وأخيًرا‪ ،‬فإن من المغالطات التي وقع فيها أصحاب هذه الشبهة من‬
‫المستشرقين‪ ،‬ومن دار في فلكهم‪ ،‬توهمهم أن المة السلمية اعتمدت في‬
‫نقل كتابها على مثل ما اعتمد عليه غيرها من المم في النقل‪ ،‬وشتان ما‬
‫طا‪ ،‬وخاضعا ً‬ ‫هما‪ ،‬إذ إن نقل المسلمين لكتابهم ودينهم‪ ،‬كان نقل ً موّثقا ً مضبو ً‬
‫سن َن َِها‪،‬‬
‫قها و َ‬‫لمعايير منضبطة وواضحة‪ ،‬يقاس بها صحة الخبر‪ ،‬ويقّيم على وَفْ ِ‬
‫فليس كل نقل عند هذه المة مقبول‪ ،‬وليس كل من قال ‪ -‬خل الله ورسوله ‪-‬‬
‫فقوله ل مرد له‪ ،‬ول معقب لحكمه؛ بل إن المر خاضع لمنهج القبول والرد؛‬
‫ضا؛ ذاك المنهج الذي كان‬ ‫حا‪ ،‬وقبول ً ورف ً‬
‫وموزون بميزان الرجال‪ ،‬تعديل ً وتجري ً‬
‫في الواقع مما امتازت به هذه المة على غيرها من المم‪ ،‬والذي به حفظت‬
‫كتاب ربها‪ ،‬وبه نقلت سنة نبيها‪ ،‬ومن خلله عرفت معالم دينها‪ ،‬بحيث استقام‬
‫لها المر فيما لم يستقم لغيرها من المم‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق وتقدم يظهر لنا تهافت هذه الشبهة وسقوطها‪ ،‬ويتضح لنا‬
‫كذلك حقيقة المر في هذه المسألة‪ ،‬وهو أن القراءات القرآنية الثابتة ل شك‬
‫فيها‪ ،‬وأن سبب الختلف في القراءات والتنوع فيها‪ ،‬مرده إلى اختلف النقل‬
‫والسماع ليس إل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ُأوُتوا‬ ‫دورِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ص ُ‬
‫ت ِفي ُ‬
‫ت ب َي َّنا ٌ‬
‫ل هُوَ آَيا ٌ‬‫ونختم مقالنا بقوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬ب َ ْ‬
‫ن{ )العنكبوت‪ (49 :‬نسأل الله التوفيق‬ ‫مو َ‬ ‫حد ُ ِبآيات َِنا ِإل ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ج َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫م وَ َ‬
‫والعصمة والسداد‪ ،‬والله حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪21/10/2003‬‬
‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫سلم‬ ‫دد الّزوجات في ال ْ‬‫تع ّ‬


‫تقدمة وتمهيد‪:‬‬
‫يحاول أعداء السلم – من ملحدة ومستشرقين – أن يثيروا على النظام‬
‫السلمي اتهاما باطلة ‪ ،‬وشبهات مغرضة ‪،‬وحملت حاقدة ‪ ،‬ليشككوا بصلحية‬
‫هذا النظام ‪ ،‬ومقومات خلوده على مدى الزمان واليام ‪ ،‬وليجدوا من‬
‫المسلمين من يستجيب لرائهم ويؤمن بمعتقداتهم وأفكارهم ‪ ،‬ويقع في‬
‫حبائل شكوكهم واتهاماتهم‪.‬‬
‫فمن هذه التهامات التي يثيرونها ‪ ،‬والحملت المغرضة التي يشنونها‪:‬‬
‫إباحة السلم لنظام تعدد الزوجات‪ ،‬وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين‬
‫تسع زوجات في وقت واحد ويتخذ أولئك العداء من هذا التعدد ذريعة للطعن‬
‫بنظام السلم ‪ ،‬وبالرسول محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بل يتهمون السلم‬
‫بأنه أهدر كرامة المرأة ‪ ،‬وأسقط اعتبارها الذاتيفي الحياة !!‬
‫هذا الكلم المعسول الذييرّوج له أولئك المثيرون قد يستهوي بعض العقول‬
‫القاصرة بادئ ذي بدء ‪ ،‬بل ربما يتأثر البعض – ممن ينتسب إلى السلم –‬
‫بهذه التهامات المغرضة ‪ ،‬فيذهبون إلى ترويجها وإشاعتها ‪ ،‬وهم يحسبون‬
‫أنهم يحسنون صنعًا‪.‬‬
‫وهؤلء المرّوجون لمثل هذه الشبهات والتهامات‪ :‬إما أن يكونوا عالمين‬
‫بالحقائق وحكمة التشريع ‪ ،‬وإما أن يكونوا جاهلين بها‪.‬‬
‫فإن كانوا عالمين ‪ ،‬فإنهم يبرهنون بشكل قاطع ل يقبل الريبة والشك أنهم‬
‫عملء لعداء السلم‪ ،‬بل أداة تنفذ لشاعة كل ما يثيرونه من أراجيف ‪ ،‬وما‬
‫يروجونه من أكاذيب ‪ ،‬وما أكثر أولئك الذين يرتبطون بالعداء ‪ ،‬ويوصمون‬
‫بالعمالة ‪ ،‬وما هم في الحقيقة إل طابور خامس لثارة الفتن ‪ ،‬وتمزيق وحدة‬
‫المه ‪ ،‬وربط البلد بعجلة الدول الجنبية ‪ ،‬والسير بالجيل الناشئ نحو اللحاد‬
‫الشائن ‪ ،‬والضلل الممقوت‪.‬‬
‫وإن كانوا جاهلين ‪ ،‬فإن من الواجب عليهم أن يسألوا ويفهموا ‪ ،‬قبل أن‬
‫يحكموا ويرّوجوا ‪ ،‬حتى تظهر لهم الحقائق ناصعة بأجلى مظاهرها ومعانيها ‪،‬‬
‫وليس عارا ً على النسان أن يبحث ويسأل ويتعلم ‪ ،‬ولكن العار كل العار أن‬
‫يعيش في بيداء الجهل ‪ ،‬ويسير في متاهات الضللة ‪ ،‬يتبع كل ناعق ‪ ،‬ويخطو‬
‫وراؤ كل عميل ‪ ،‬ورحم الله من قال‪:‬‬
‫لتأخذ العلم إل عن جهابذة‬
‫بالعلم نحيا وبالرواح نفديه‬
‫أما ذوو الجهل فارغب عن مجالسهم‬
‫ضل من كانت العميان تهديه‬ ‫قذ ّ‬
‫وقبل أن أشرع في دفع هذه التهامات الباطلة التي يثيرها العداء على نظام‬
‫تعدد الزوجات أريد أن أبّين حقيقة هامة ‪ ،‬لها أكبر الرتباط بالكّتاب‬
‫السلميين الذين يكتبون عن السلم في هذا العصر ‪ ،‬وهي أنهم – في أكثر‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مايكتبون – يظهرون السلم بمظهر المتهم ‪ ،‬ويضيعونه حين يتولون الدفاع‬


‫عنه في موضع الريبة والشك ‪ ،‬بل يصل المر عند البعض يؤولوا النصوص ‪،‬‬
‫ويقلبوا الحقائق ‪ ،‬إبعادا ً للسلم عن التهمة ‪ ،‬وتوفيقا ً بين مبادئ السلم‬
‫وأراجيف العداء‪.‬‬
‫وهذا من الخطأ الفادح الذي وقع فيه كثير من الكّتاب في هذا العصر ‪ ،‬وفي‬
‫تقديري أنهم يسيئون أكثر مما يحسنون ‪ ،‬ويزيدون التهمة تعميقا ً وتثبيتا ً أكثر‬
‫مما يدافعون ‪ ،‬وما كان عليهم لو أنهم وقفوا في ردودهم وكتاباتهم مقف‬
‫الهجوم لكل من ينال من نظام السلم ‪ ،‬أو يمس قدسية الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم؟ فلو أنهم فعلوا مثل هذا لفهموا خصوم السلم‪ :‬أن مبادئ‬
‫الشريعة ةنظم القرآن ‪ ،‬هي الحق الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من‬
‫خلفه ‪ ،‬وماعداه من أنظمة وضعية وقوانين بشرية ‪ ،‬فيها الكثير من القصور‬
‫والنقص والباطل ‪ ..‬ول شك من ذلك ‪ .‬ولو أنهم وقفوا من أعداء السلم‬
‫موقف الهجوم لوضعوا التشريع السلمي موضعه اللئق به من التشريف‬
‫والتكريم ‪ ،‬ليعلم كل ذي عقل وفيهم أن للسلم دوره العظيم ‪ ،‬ومهمته‬
‫الكبرى ‪ ،‬في رد الناس إلى الحق ‪ ،‬وهداية البشرية الحائرة ‪ ..‬وما أجمل‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حك َ‬ ‫تعبير القرآن حين أعلن حكم الله ‪ ،‬وهاجم حكم الجاهلية في قوله ‪} :‬أفَ ُ‬
‫كما ً ل ّ َ‬ ‫ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ‬
‫ن{)‪ ، (1‬أل فليأخذ‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ح ْ‬‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َْ‬
‫كّتاب السلم من القرآن الكريم طريقة الرد ومنهج المناظرة في دفاعهم‬
‫عن نظام السلم ‪ ،‬حتى ليقعوا في الخطأ الذي وقعوا فيه ‪ ،‬وعلى الله قصد‬
‫السبيل‪.‬‬
‫وبعد هذه التقدمة سأشرع في بيان نظام السلم في تعدد الزوجات ‪ ،‬ثم‬
‫عرج على ذكر الحكمة من تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأرى –‬ ‫أ ّ‬
‫إن شاء الله – بعد ذكر هذه الحقائق أن شبابنا وشاباتنا الذي تأثروا بالدعايات‬
‫المغرضة ‪ ،‬والشاعات الكاذبة سيؤوبون إلى الحق ‪ ،‬ويثوبون على الرشد ‪،‬‬
‫ويؤمنون من قرارة نفوسهم‪ :‬أن السلم دين العزة والكرامة ‪ ،‬وتشريع الحق‬
‫والهداية ‪ ،‬ومبدأ العدالة والمساواة ‪ ،‬ومنهج حكم ‪ ،‬ونظام حياة ‪ .‬صدق الله‬
‫قيما ً َفات ّب ُِعوه ُ وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫العظيم القائل في محكم كتابه }وَأ ّ‬
‫ن{)‪(2‬‬ ‫قو َ‬‫م ت َت ّ ُ‬‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫صاك ُ ْ‬‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫عن َ‬ ‫م َ‬‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫ل فَت َ َ‬
‫سب ُ َ‬
‫ال ّ‬
‫)‪ (1‬سورة المائدة الية ‪50‬‬
‫)‪ (2‬سورة النعام الية ‪15‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دد لم يكن السلم أول من شرع نظام تعدد الزوجات ‪،‬‬ ‫لمحة تاريخّية عن التع ّ‬
‫بل كان موجودا ً في المم القديمة كلها تقريبًا‪ :‬عند الثينيين ‪ ،‬الصينيين ‪،‬‬
‫الهنود ‪ ،‬البابليين ‪ ،‬الشوريين ‪ ،‬المصريين ‪ .‬ولم يكن له عند أكثر المم عدد‬
‫محدود ‪ ،‬فقد سمحت شريعة )ليكي( الصينية بتعدد الزوجات إلى مائة وثلثين‬
‫امرأة ‪ ،‬وكان عند أحد أباطرة الصين نحو من ثلثين ألف امرأة‪.‬‬
‫ً‬
‫والديانة اليهودية كانت تبيح التعدد بدون حد ‪ ،‬وأنبياء التوراة جميعا بل استثناء‬
‫كانت لهم زوجات كثيرات)‪ ، (1‬ويقول الستاذ عباس محمود العقاد في كتابه‬
‫)حقائق السلم وأباطيل خصومة()‪ (2‬ما يلي )ول حجر على تعدد الزوجات‬
‫في التوراتة أو في النجيل ‪ ،‬بل هو مباح ومأثور عن النبياء أنفسهم ‪ ،‬من‬
‫عهد إبراهيم الخليل عليه السلم إلى عهد الميلد ‪.(...‬‬
‫أما في الديانة النصرانية فلم يرد في الناجيل نص صريح بمنع التعدد ‪ ،‬بل‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورد في بعض الرسائل )بولس( مايفيد أن التعدد جائز فقد قال )فعلى‬
‫السقف أن يكون منزها ً عن اللوم ‪ ،‬زوج امرأى واحدة()‪ (3‬وقد ثبت تاريخيا ً‬
‫أن بين المسيحيين القدمين من كانوا يتزوجون أكثر من واحدة ‪ ،‬وفي آباء‬
‫الكنيسة القدمين من له كثير من الزوجات ‪ ،‬وقد كان في أقدم العصور‬
‫المسيحية من يرى إباحة تعدد الزوجات في أمكنة مخصوصة وأحوال‬
‫استثنائية ‪ ،‬وإليكم الشواهد على ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬ذكر الستاذ عباس محمود العقاد في كتابة المرأة في القرآن الكريم أن‬
‫)مستر مارك( العالم الثقة في تاريخ الزواج يقول‪) :‬إن تعدد الزوجات‬
‫باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر ‪ ،‬وكان يتكرر كثيرا ً في‬
‫الحالت التي لتحصيها الكنيسة والدولة( ويقول هذا العالم ‪) :‬إن ملوك‬
‫النصارى كانوا يتزوجون أكثر من واحدة ‪ ،‬فهذا )ديار مات( ملك إيرلندة كان‬
‫له زوجتان وسريتان ‪ ،‬وكان )لشارلمان( زوجتان وكثير من السراري ‪ .‬وبعد‬
‫ذلك بزمن كان )فيليب أوفاهيس( و)فريديريك وليام( الثاني البروسي يبرمان‬
‫عقد الزواج مع اثنتين بموافقة القساوسة اللوثريين‪ :‬وكان )لوثر( يتكلم في‬
‫شتى المناسبات عن تعدد الزوجات بغير اعتراضي ‪ ،‬فإنه لم يحرم بأمر من‬
‫الله ‪ ،‬ولم يكن إبراهيم عليه السلم يحجم عنه إذ كان له زوجتان(‪.‬‬
‫ب‪-‬وذكر العقاد في كذلك في كتابة )المرأة في القرآن الكريم( ‪ ) :‬أن‬
‫مجلس الفرنكيين بنورمبرج أصدر قراًر يجيز للرجل أن يجمع بين زوجتيين ‪،‬‬
‫وذلك سنه ‪ 1560‬ميلدية بعد صلح وستفاليا ‪ ،‬وبعد أن تبين النقص في عدد‬
‫السكان من جراء حروب الثلثين(‪ ،‬ويقول‪) :‬بل ذهبت بعض الطوائف‬
‫المسيحية إلى إيجاد تعدد الزوجات ‪ ،‬ففي سنة ‪ 1531‬نادى )اللمعدانيون(‬
‫في مونستر صراحة ‪ :‬بأن المسيحي ينبغي أن تكون له عدة زوجات ‪ ،‬ويعتبر‬
‫)المرمون( كما هو معلوم أن تعدد الزوجات نظام إلهي مقدس(‪.‬‬
‫ج‪ -‬وقال جرجي زيدان)‪ ) : (4‬فالنصرانية ليس فيها نص صريح يمنع أتباعها‬
‫من التزوج بأمرأتين او اكثر ‪ ،‬ولو شاؤوا لكان تعدد الزوجات جائزا ً عندهم ‪،‬‬
‫ولكن رؤساءها القدماء وجدوا الكتفاء بزوجة واحدة أقرب لحفظ نظام‬
‫العائلة واتحادها ‪ ،‬وكان ذلك شائعا ً في الدولة الرومانية ‪ ،‬فلم يعجزهم تأويل‬
‫آيات الزواج حتى صار التزوج بغير امرأة واحدة حراما ً كما هو مشهور(‬
‫د‪ -‬والمسيحية المعاصرة تعترف بالتعدد في افريقيا السوداء للفريقيين‬
‫المسيحيين إلى غير حدود ‪ ،‬فقد ذكر )نورجيه( مؤلف كتاب )السلم‬
‫والنصرانية في أواسط افريقية( هذه الحقيقة في قوله‪ ) :‬فقد كان هؤلء‬
‫المرسلون يقولون‪ :‬إنه ليسمن السياسة أن نتدخل في شئون الوثنيين‬
‫الجتماعية التي وجدناهم عليها ‪ ،‬وليس من الكياسه ان نحرم عليهم التمتع‬
‫بأزواجهم ماداموا نصارى يدينون بدين المسيح ‪ ،‬بل ل ضرر من ذلك مادامت‬
‫التوراة وهي الكتاب الذي يجب على المسيحيين أن يجعلوه أساس دينهم يبيح‬
‫هذا التعدد ‪ ،‬فضل ً عن أن المسيح أقر في ذلك بقوله ‪ ) :‬لتظنوا أني جئت‬
‫لنقض الناموس او النبياء ماجئت لنقض بل لكمل(‪ .‬وأخيرا ً أعلنت الكنيسة‬
‫رسميا ً السماح للفريقيين النصارى بتعدد الزوجات إلى غير حد‪.‬‬
‫هـ‪ -‬والشعوب الغربيةالنصرانية وجدة نفسها تجاه زيادة عدد النساء على‬
‫الرجال –وبخاصة بعد الحربين العالميتين‪ -‬إزاء مشكلة اجتماعية خطيرة ‪،‬‬
‫لتزال تتخبط في إيجاد الحل المناسب؛ وقد كان بين الحلول التي برزت‬
‫إباحة تعدد الزوجات‪.‬‬
‫ففي عام ‪1948‬م عقد مؤمتر للشباب في )ميونخ( بألمانيا ‪ ،‬وبحث مشكلة‬
‫زيادة عدد النساء في ألمانيا أضعافا ً مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب ‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد استعرضت مختلف الحلول لهذه المشكلة ‪ ،‬وكانت النتيجة أن أقرت‬


‫اللجنة توصية المؤتمر بالمطالبة بإباحة تعدد الزوجات لحل المشكلة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي عام ‪1949‬م ‪ ،‬تقدم أهالي )بون( عاصمة ألمانيا التحادية بطلب إلى‬
‫السلطات المختصة ‪ ،‬يطلبون فيه أن ينص في الدستور اللماني على إباحة‬
‫تعدد الزوجات)‪ .(5‬ونشرت الصحف منذ عشر سنوات تقريبا ً أن الحكومة‬
‫اللمانية أرسلت إلى مشيخة الزهر تطلب منها نظام التعدد في السلم ‪،‬‬
‫لنها تفكر في الستفادة منه كحد لمشكلة ازدياد النساء ‪ ،‬ثم اتبع ذلك وصول‬
‫وفد من العلماء اللمان اتصلوا بشيخ الزهر لهذه الغاية)‪(6‬‬
‫)‪ (1‬عن كتاب )المرأة بين الفقة والقانون( للدكتور مصطفى السباعي رحمه‬
‫الله ص ‪71‬‬
‫)‪ (2‬ص ‪ 237‬في بحث السرة‪.‬‬
‫)‪ (3‬رسالة تيموثاوس الولى الصحاح ‪ 3‬العدد ‪2‬‬
‫)‪ (4‬عن كتاب )المرأة بين الفقة والقانون( للسباعي رحمه الله ص ‪74‬‬
‫)‪ (5‬عن كتاب )المرأة بين الفقة والقانون( ص ‪.57‬‬
‫)‪ (6‬عن كتاب )أحكام الحوال الشخصية( د‪.‬محمد يوسف موسى‬
‫دد‬ ‫ثناء المف ّ‬
‫كرين الغربّيين على نظام التع ّ‬
‫تطالعنا الصحف والمجلت والكتب الجتماعية بين الحين والخر بكلمات لكثير‬
‫من الكتاب الجتماعيين والمفكرين الغربيين ‪ ،‬ويحبذون فيها نظام تعدد‬
‫الزوجات ‪ ،‬وينادون به ويشجعون عليه؛ لما له من أثر كبير في إصلح‬
‫المجتمع والخلق ‪ ،‬وإليكم طرفا ً من أقوالهم وكتاباتهم ‪:‬‬
‫أ‪ -‬فقد عرض )جروتيوس( العالم القانوني المشهور لموضوع تعدد الزوجات ‪،‬‬
‫فاستصوب شريعة الباء العبرانيين والنبياء في العهد القديم)‪(1‬‬
‫ب‪ -‬وقال الفيلسوف اللماني المشهور )شوبنهور(‪ :‬في رسالته )كلمة عن‬
‫النساء(‪) :‬إن قوانين الزواج في أوروبا فاسدة المبنى بمساوات المراة‬
‫بالرجل ‪ ،‬فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة فأفقدتنا نصف حقوقنا‬
‫‪،‬وضاعفت علينا واجباتنا ‪ ..‬إلى أن يقول‪ :‬ولتعدم المرأة من المم التي تجيز‬
‫تعدد الزوجات زوجا ً يتكفل بشؤونها ‪ ،‬والمتزوجات عندنا نفر قليل ‪ ،‬وغيره ّ‬
‫ن‬
‫ليحصين عددا ً ‪ ،‬تراهن بغير كفيل‪ :‬بين بكر من الطبقات العليا قد شاخت‬
‫وهي هائمة متحسرة ‪ ،‬ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السفلى ‪ ،‬يتجشمن‬
‫الصعاب ‪ ،‬ويتحملن مشاق العمال ‪ ،‬وربماابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات‬
‫بالخزي والعار ‪ ،‬ففي مدينة )لندن( وحدها ثمانون ألف بنت عمومية)‪، (2‬‬
‫سفك دم شرفهن على مذبح الزواج ‪ ،‬ضحية القتصار على زوجة واحدة ‪،‬‬
‫ونتيجة تعنت السيدة الوربية ‪ ،‬وما تدعية لنفسها من الباطيل ‪ ،‬أما آن لنا أن‬
‫نعد بعد ذلك تعدد الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره()‪(3‬‬
‫جـ‪ -‬ويقول )غوستاف لوبون( في كتابه )حضارة العرب(‪) :‬إن مبدأ نظام تعدد‬
‫الزوجات الشرقي نظام طيب ‪ ،‬يرفع المستوى الخلقي في المم التي تقول‬
‫به ‪ ،‬ويزيد السرة ارتباطا ً ‪ ،‬ويمنح المرأة احتراما ً وسعادة لتراهما في أوربا(‪.‬‬
‫د‪ -‬ذكر العقاد في كتابه )المرأة في القرآن الكريم( طائفة من آراء الفلسفة‬
‫الوربيين في التعدد ‪ ،‬فينقل عن الدكتور )ليبون( قوله )إن القوانين الوربية‬
‫سوف تجيز التعدد( ‪ ،‬ونقل عن الستاذ )أهرنفيل( قوله ‪) :‬إن التعدد ضروري‬
‫للمحافظة على بقاء السللة الرية(‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هـ‪ -‬وقالت )أني بيزانت( زعيمة التصوفية العالمية في كتابها )الديان‬


‫المنتشرة في الهند(‪) :‬ومتى وََزّنا المور بقسطتط العدل المستقيم ‪ ،‬ظهر لنا‬
‫أن تعدد الزوجات السلمي –الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء‪-‬‬
‫أرجح وزنا ً من البغاء الغربي ‪ ،‬الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض‬
‫إشباع شهواته ‪ ،‬ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره(‪.‬‬
‫و‪ -‬وجاء في مجلة )الفتح( القاهرية نقل ً عن جريدة )ديلي ميل( النكليزية‬
‫المشهورة ‪ ،‬التي نشرت مقال ً تدافع فيه عن تعدد الزوجات بسبب الزمة‬
‫التي وقعت في إنجلترا ‪ ،‬وبلد الغال في زيادة عدد النساء على الرجال والتي‬
‫قدرت بمليونين‪ (.‬جاء في هذه المجلة المذكورة‪ ) :‬إن إباحة تعدد الزوجات‬
‫هي الطريقة الوحيدة للعلج الناجح ‪ ،‬وليست مسألة الزوجة الواحد إل مسألة‬
‫اعتقاد واتفاق ‪ ،‬وهي في الحق الواقع نتيجة نسبة عددية ‪ .‬ثم ذكرت أن‬
‫نظرية المرأة الواحدة للرجل الواحد هي نظرية النسب والوفق ‪،‬ولكن‬
‫الستمساك بها ليستحسن إل عند التعادل العددي في الجنس ‪ ،‬أما إذا زاد‬
‫عدد جنس النساء على العدد الخر ‪ ،‬ولم تتخذ التدابيرفي ذلك فل مفر من‬
‫حرب طاحنة تنشب بين الجنسين(‪.‬‬
‫ز‪ -‬وقال الدكتور نظمي لوقا في كتابه )محمد الرسالة والرسول( ما يلي‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫) وما من شك في أن نظام الزوجة الواحدة الدائم نظام مثالي ‪ ...‬ونظرة‬


‫إلى واقع الحياة البشرية في تاريخ مجتمعاتها الغابر والحاضر ‪ ،‬تطلعنا على‬
‫تعدد النساء في حياة الرجل الواحد سواء جهرا ً او سرا ً ‪ ،‬سواء برخصة من‬
‫القانون أو الدين ‪ ،‬أو رغم القانون والعقيدة ‪ .‬وما من عاقل يفضل التعدد‬
‫بغير رخصة على التعدد برخصة ‪ ...‬وعندئذ ل حيلة إل في التعدد ‪ ،‬لنه الحل‬
‫السليم الوحيد لساس الجماعة ‪ ،‬والضرورات تبيح المحضورات ‪ ،‬وماالقول‬
‫في زوجة أقعدها المرض ؟ وماالقول في الزوجة العقيم ؟ وماالقول في‬
‫الزوجة الفاترة؟ وماالقول في الزوجة سقيمة العصاب؟ طلقها أرحم بها أم‬
‫اردافها بزوجة أخرى؟ ل شك أن المر واضح ‪ ،‬هي رخصة إذن تستخدم بحقها‬
‫‪ ،‬ولكنها ليست إلزاما ً ‪.(..‬‬
‫وهذا الذي ذكرناه من ثناء المفكريين الغربيين غير المسلمين عن نظام‬
‫التعدد ‪ ،‬ماهو إل غيض من فيض ‪ ،‬وغرفة من بحر ‪ ،‬ومن أراد أن يتتبع آراء‬
‫الفلسفة وعلماء الجتماع والتربية في هذا المجال ‪ ،‬يجدها أكثر من أن‬
‫تحصى ‪ ،‬وأعظم من أن تستقصى ‪ ،‬ولبد من أن يأتي اليوم الذي تثوب فيه‬
‫البشرية إلى السلم ؛ لكونه دين حق وفطرة ‪ ،‬وتنزيل ً من رب العالمين ‪،‬‬
‫ى‬
‫حت ّ َ‬
‫م َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ي َأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م آَيات َِنا ِفي ال ََفا ِ‬
‫ق وَفِ َ‬ ‫ريهِ ْ‬
‫سن ُ ِ‬‫وصدق الله العظيم القائل‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يتبين ل َه َ‬
‫د{)‪(4‬‬ ‫شِهي ٌ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬
‫ه عَل َ‬ ‫ك أن ّ ُ‬ ‫حقّ أوَل َ ْ‬
‫م ي َك ْ ِ‬
‫ف ب َِرب ّ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫م أن ّ ُ‬
‫َََّ َ ُ ْ‬
‫)‪ (1‬العقاد في كتاب )حقائق السلم( ص ‪.167‬‬
‫)‪ (2‬هذا في عهد شوبنهور ‪ ،‬قد توفي سنة ‪1860‬م‬
‫)‪ (3‬مصطفى الغلييني في كتابة )السلم روح المدينة( ص ‪224‬‬
‫)‪ (4‬سورة فصلت الية ‪53‬‬
‫سلم‬ ‫دد في نظر ال ْ‬ ‫الحكمة من التع ّ‬
‫لشك أن السلم حين شرع التعدد ‪ ،‬كان ذلك لحكمة سامية ‪ ،‬ومصلحة عامة‬
‫‪ ،‬وضرورات اجتماعية وشخصية ‪ ،‬وسبق أن ذكرنا قبل قليل طرفا ً من هذه‬
‫الضرورات والحكم التي جاء ذكرها على ألسنة العلماء والمفكرين ‪ ،‬والتي‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دفعتهم إلى أن يثنوا على نظام التعدد ‪ ،‬وينادوا بأحقيته وضرورته لتخليص‬
‫المجتمعات البشرية من المشكلت الجتماعية ‪ ،‬والمفاسد الخلقية‪.‬‬
‫وتوضيحا ً للبحث نحصر الحكمة من نظام تعدد في المور التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الفائدة الجتماعية‬
‫ب ‪ -‬المصلحة الشخصية‬
‫ت ‪ -‬الحكمة الخلقية‬
‫كر أحد ٌ وقوعها‪:‬‬
‫أما الفائدة الجتماعية فتظهر في حالتين لي ُن ْ ِ‬
‫‪ -1‬عند زيادة النساء على الرجال ‪ ،‬كما هو الشأن في كثير من البلدان‬
‫كشمال أوربا ‪ ،‬فإن النساء حتى في غير اوقات الحروب تفوق الرجال بكثير ‪،‬‬
‫وقد دلت الحصائيات في )فنلندا( أنه من بين كل أربعة أطفال أل ثلثة‬
‫يولدون يكون واحد منهم ذكرا ً ‪ ،‬والباقون إناثا ً ‪ ،‬ففي هذه الحالة يكون التعدد‬
‫أمرا ً واجبًا‪.‬‬
‫‪ -2‬عند قلة الرجال عن النساء قلة بالغة نتيجة الحروب الطاحنة أو الكوارث‬
‫العامة ‪ ،‬وقد دخلت أوربا حربين عالميتين خلل ربع قرن ‪ ،‬فهلك فيها مليين‬
‫الرجال ‪ ،‬وأصبحت جماهير غفيرة من النساء – مابين أبكار وما بين متزوجات‬
‫– فقد فقدن عائلهن وأصبحن بل زواج ‪ ،‬وسبق أن ذكرنا أن قامت بعض بلد‬
‫أوربا – ولسيما ألمانيا‪ -‬جمعيات نسائية واجتماعية تطالب بالسماح بتعدد‬
‫الزوجات ‪ ،‬أو بتعبير آخر أخف واقعا ً في أسماع الغربيين وهو‪) :‬إلزام الرجل‬
‫بأن يتكفل امرأة أخرى غير زوجته(‪.‬‬
‫وضرورات الحرب ونقصان الرجال فيها ‪ ،‬لتدع مجال ً للمكابرة في أن‬
‫الطريق الوحيد لتلفي الخسارة البالغة بالرجال هو السماح بتعدد الزوجات‪.‬‬
‫رد على اعتراض‪ :‬ورب سائل يقول‪ :‬في حالة زيادة الرجال على النساء لماذا‬
‫ل يباح للمرأة تعدد الزواج؟‬
‫أقول في الرد على هذا العتراض‪ :‬إن المساواة بين الرجل والمرأة في أمر‬
‫ة وواقعا ً ‪،‬ذلك لن المرأة في طبيعتها لتحمل إل‬ ‫خلق ً‬
‫ةو ِ‬‫التعدد مستحيلة طبيع ً‬
‫في وقت واحد ‪ ،‬ومرة واحدة في السنة كلها ‪ ،‬أما الرجل فغير ذلك؛ فمن‬
‫الممكن أن يكون للرجل أولد متعددون من نساء متعددات ‪ ،‬ولكن المرأة‬
‫ليمكن أن يكون لها مولود واحد من أكثر من رجل واحد ‪ ،‬وأيضا ً تعدد الزواج‬
‫بالنسبة إلى المرأة يضيع نسبة ولدها إلى شخص معين ‪ ،‬وليس المر كذلك‬
‫بالنسبة غلى الرجل في تعدد زوجاته‪.‬‬
‫وشيء آخر وهو أن للرجل حق رئاسة السرة في جميع شرائع العالم ‪ ،‬فإذا‬
‫أبحنا للزوجة تعدد الزواج فلمن تكون رئاسة السرة ؟ أتخضع لهم جميعا ً ؟‬
‫وهذا غير ممكن لتفاوت رغباتهم ‪ ،‬أم تخص واحدا ً دون الخر ؟ وهذا‬
‫مايسخط الخرين‪.‬‬
‫وهناك أمور تتعلق بنسبة الولد إلى أحد الزواج ‪ ،‬وأمور تتعلق بالتصال‬
‫الجنسي ‪ ،‬لتخفى على من كان عنده أدنى إدراك أو بصيرة ‪ :‬من إرهاق‬
‫للمرأة وإضرار بها ‪ ،‬ومن وقوع في المشاكل العائلية ‪ ،‬والمراض الجسمية‬
‫والنفسية ‪ ...‬إلى غير ذلك من الضرار البالغة ‪ ،‬والعواقب الوخيمة ‪.‬‬
‫إذن فتعدد الزواج بالنسبة للمرأة مستقبح عقل ً ‪ ،‬وحرام شرعا ً ‪ ،‬ومستحيل‬
‫طبيعة وواقعا ً ‪ ،‬فل يقول به إل من كان إباحي النزعة ‪ ،‬مدنس السمعة ‪،‬‬
‫فاسد الخلق ‪ ،‬عديم الغيرة ‪ ،‬ملوث الشرف‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما المصلحة الشخصية ‪ ،‬فإنها تعود إلى مصحلة الشخص بالذات ‪ ،‬وهي‬ ‫أ ّ‬
‫كثيرة نجتزئ منها بأهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون الزوجة عقيمة لتلد ‪ ،‬والزوج يحب انجاب الولد والذرية ‪ ،‬ومثل‬
‫هذا ليس أمامه إل أحد أمرين‪ :‬إما أن يطلق زوجته العقيم ‪ ،‬أو أن يتزوج‬
‫عليها ‪ ،‬ول شك في أن الزواج عليها أكرم للمرأة ‪ ،‬وأصلح لها ‪ ،‬والمرأة‬
‫العاقلة تفضل التعدد على الطلق ‪ ،‬لكون الطلق ضياعا ً وتشردًا‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يصاب الزوجة بمرض مزمن أو معدٍ أو منفر ‪ ،‬بحيث ليستطيع الزوج‬
‫أن يعاضرها معاشرة الزواج ‪ ،‬فالزوج هنا بين حالتين‪ :‬إما أن يطلقها ‪ ،‬وإما‬
‫أن يتزوج عليها ويبقيها في عصمته وتحت رعايته ‪ ،‬وليشك أحد في أن الحالة‬
‫الثانية أكرم وأنبل ‪ ،‬وأضمن لسعادة الزوجة المريضة وزوجها على السواء‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الرجل بحكم عمله كثير السفار ‪ ،‬وتكون إقامته في غير بلدته‬
‫تستغرق في بعض الحيان شهورا ً ‪ ،‬ويتعذر عليه نقل زوجته وأولده كلما‬
‫سافر ‪ ،‬وهنا يجد نفسه كرجل بين حالتين‪ :‬إما أن يشبع ميلة الجنسي عن‬
‫طريق غير مشروع وهذا هو الزنى)‪ ، (1‬وإما أن يتزوج أخرى ‪ ،‬ولشك أن‬
‫الزواج بأخرى هو من مصلحة الدين والخلق والمجتمع‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون عند الرجل من القوة الجنسية ما ليكتفي معها بزوجته ‪ ،‬إما‬
‫لشيخوختها ‪ ،‬أو لضعفها ‪ ،‬أو لكثرة اليام التي لتصلح فيها المعاشرة الجنسية‬
‫– وهي أيام الحيض والحمل والنفاس والمرض وما أشبهها – في هذه الحالة‬
‫إما أن يكون إشباع غريزته بالمعاشرة المحرمة ‪ ،‬وإما أن يكون عن طريق‬
‫الزواج المشروع ‪ ،‬ولشك أن مبادئ الخلق ‪ ،‬وأحكام الشريعة تختار الزواج‬
‫المشروع على المعاشرة المحرمة‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يكون عند الرجل الرغبة الكيدة ‪ ،‬والعزم الصادق في إنجاب الولد ‪،‬‬
‫وتكثير الذرية ‪ ،‬إما ليستعين بهم على أعباء الحياة ‪ ،‬وإما ليعدهم شبابا ً‬
‫مؤمنين ‪ ،‬ودعاة صادقين ‪ ،‬يبلغون رسالت ربهم ‪ ،‬ويخشونه وليخشون أحدا ً‬
‫إل الله ‪ ،‬وإما ليحظى بالجر والمثوبة حين يحسن أدبهم وتربيتهم ‪ ،‬لكي‬
‫تقرعين رسول الله صلى الله عليه وسلم في مباهته المم يوم القيامة بكثرة‬
‫أمته )‪(2‬‬
‫)‪ (1‬ومنه نكاح المتعه‬
‫)‪ (2‬في الحديث الذي رواه أبوداود والنسائي عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم )تناكحوا تكثروا فإني مباه بكم المم يوم القيامة(‪.‬‬
‫ما الحكمة الخلقية‪ :‬فلن المة التي يكون فيها عدد النساء أكثر من عدد‬ ‫أ ّ‬
‫الرجال يكون التعدد واجبا ً أخلقيا ً ‪ ،‬وواجبا ً اجتماهيا ً على السواء ‪ ،‬لن التعدد‬
‫أفضل من تسكع النساء العازبات الزائدات عن الرجال في الطرقات أو‬
‫أماكن الفجور ‪ ،‬ل عائل لهن ‪ ،‬ول بيت يؤويهن ‪ .‬ول يوجد إنسان يحترم كرامة‬
‫المرأة ‪ ،‬ويقدر مصلحة المجتمع يفضل انتشار الدعارة على تعدد الزوجات‪.‬‬
‫ومنذ أوائل هذا القرن تنبه المنصفون الغربيين إلى ماينشأ من منع تعدد‬
‫الزوجات من تشرد النساء ‪ ،‬وانتشار الفحشاء ‪ ،‬وكثرة الولد غير الشرعيين ‪،‬‬
‫وأعلنوا أنه ل علح لذلك إل السماح بتعدد الزوجات‪ .‬فقد نشرت جريدة‬
‫)لغوص ويكلي ركورد( نقل ً عن جريدة )لندن تروث( بقلم إحدى السيدات‬
‫النجليزيات مايلي ‪ ) :‬لقد كثرت الشاردات من بناتنا ‪ ،‬وعم البلء ‪ ،‬وقل‬
‫الباحثون عن أسباب ذلك ‪ ،‬وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات‬
‫وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا ً ‪ ،‬وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني ‪ ،‬وإن‬
‫شاركني فيه الناس جميعا ً ؟ لفائدة إل العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة ‪،‬‬
‫ولله در العالم الفاضل )تومس( فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكامل‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشفاء ‪ ،‬وهو الباحة للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة ‪ ،‬وبهذه الواسطة‬


‫يزول البلء لمحالة ‪ ،‬وتصبح بناتنا ربات بيوت ‪ ،‬فالبلء كل البلء في إجبار‬
‫الرجل الوربي على الكتفاء بامرأة واحدة(‪.‬‬
‫)أي ظن يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولد غير شرعيين أصبحوا‬
‫ك َل ّ وعارا ً وعالة على المجتمع؟! فلو كان تعدد الزوجات مباحا ً لما حاق بأولئك‬
‫الولد وأمهاتهم ماهم فيه من العذاب والهون ‪ ،‬ولسلم عرضهن وعرض‬
‫أولدهن ‪ ..‬إن إباحة تعدد الزوجات تجعل كل مرأة ربة بيت ‪ ،‬وأم أولد‬
‫شرعيين()‪(1‬‬
‫وتدلنا الحصائيات التي تنتشر في أوربا وأمريكا عن ازدياد نسبة الولد غير‬
‫الشرعيين زيادة مستمرة ‪ ،‬تقلق الباحثين الجتماعيين وهؤلء ليسوا إل نتيجة‬
‫اقتصار الرجل على امرأة واحدة ‪ ،‬وكثرة النساء اللواتي ليجدن طريقا ً‬
‫مشروعا ً للتصال الجنسي ‪ ،‬وبناء على هذه الحصائيات المؤلمة ‪ ،‬والوضاع‬
‫الجتماعية المزرية ‪ ،‬أباحت ألمانيا أخيرا ً تعدد الزوجات)‪ ، (2‬وتسوية‬
‫للمشكلة ‪ .‬ول يبعد أن تحذوا أوربا وأمريكا حذو ألمانيا في إباحة التعدد ‪ ،‬لن‬
‫تعدد الحلئل خير من تعدد الخلئل)‪ ، (3‬والزواج المشروع خير من التصال‬
‫من الله حكما ً لقوم يوقنون؟‪.‬‬ ‫المحرم ‪ ،‬والفاحشة الممقوتة ‪ ،‬ومن أحسن ِ‬
‫)‪ (1‬مجلة المنار للسيد رشيد رضا المجلد الرابع ص ‪486-485‬‬
‫)‪ (2‬ذكرت الخبر مجلة صوت السلم العدد‪ /90/‬نقل ً عن صحيفة الهرام‬
‫القاهرية‪.‬‬
‫)‪ (3‬على حد تعبير الشيخ محمد أبوزهره رحمة الله‬
‫تعدد الزوجات ‪...‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫مقارنة بين تعدادنا وتعدادهم‬


‫إن نظام التعدد في الشريعة السلمية أخلقي إنساني‪:‬‬
‫أما أنه أخلقي‪ ،‬فلنه ل يسمح للرجل أن يتصل بأية امرأة إل إذا كانت زوجته‬
‫)‪ (1‬بشرط أل يتجاوز عدد الزوجات الربع‪.‬‬
‫وأما إنه إنساني فلنه يخفف من مشكلت المجتمع ‪ ،‬بإيواء امرأة لزوج لها ‪،‬‬
‫ونقلها إلى مصاف الزوجات المصونات المحصنات ؛ ولنه يعترف بالولد‬
‫الذين أنجبتهم ‪ ،‬ويقوم بحقهم ورعايتهم كما يجب؛ ولنه يدفع مقابل هذا‬
‫الزواج مهرا ً وأثاثا ً ونفقات باعتبارها زوجه ولها حقوق‪.‬‬
‫أين هذا التعدد الواقع في حياة الغربيين؟ فإنه واقع من غير شرع ول قانون ‪،‬‬
‫بل واقع تحت سمع القانون وبصره‪ .‬وإنه ليقع باسم الزوجات ‪ ،‬ولكن يقع‬
‫باسم الصديقات والخليلت‪ .‬وإنه ليس مقتصرا ً على أربع فحسب ‪ ،‬بل هو إلى‬
‫مال نهاية له من العدد‪ .‬إنه ل يقع علنا ً تفرح به السرة ‪ ،‬ولكنه سر ليعرف به‬
‫أحد‪.‬‬
‫إنه ليلزم صاحبه بأية مسئولية مالية نحو النساء اللتي يتصل بهن ‪ ،‬بل حسبه‬
‫مل آلم الحمل‬ ‫أن يلوث شرفهن ‪ ،‬ثم يتركهن للخزي والعار والفاقة ‪ ،‬وتح ّ‬
‫والجهاض والولدة غير المشروعة‪ .‬إنه ليلزم صاحبه بالعتراف بما نتج عن‬
‫هذا التصال من أولد ‪ ،‬بل يعتبرون غير شرعيين ‪ ،‬يحملون على جباههم‬
‫خزي السفاح والعار ماعاشوا‪.‬‬
‫إنه تعدد خال من كل تصرف أخلقي أو يقظة وجدانية أو شعور إنساني‪ .‬إنه‬
‫تعدد تبعث عليه الشهوة النانية ‪ ،‬ويفر من تحمل كل مسؤولية‪ .‬فأي‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النظاميين ألصق بالخلق ‪ ،‬وأكبح للشهوة ‪ ،‬وأكرم للمرأة ‪ ،‬وأدل على الرقي‬
‫‪ ،‬وأبر بالنسانية؟‪.‬‬
‫بعد هذا يحق لك أن تتعجب من إثارة الغربيين وأعداء السلم للضجة التي‬
‫يحدثونها على نظام السلم في تعدد الزوجات !!!‬
‫وتتساءل أنت أيها العاقل المنصف‪ :‬أل يشعرون في قرارة نفوسهم بأنهم‬
‫ليسوا على حق في إثاره الضجة ‪ ،‬وافتعال هذا التهام ؟! أل يشعرون بأن‬
‫من يقتصر على أربع خير ممن يجدد كل ليلة امرأة ؟‪.‬‬
‫وأن من يلتزم نحو من يتصل بها مسؤوليات أدبية ومالية ‪ ،‬أنبل ممن يتخلى‬
‫نحوها عن كل مسؤولية ؟!‪ .‬أل يشعرون أن إنجاب نصف مليون ولد ‪ -‬مثل ً ‪-‬‬
‫عن طريق الزواج أكرم وأحسن للنظام الجتماعي من انجابهم عن طريق‬
‫سفاح‪.‬‬‫ال ّ‬
‫في الحقيقة إنهم يشعرون بذلك لو تخلوا عن غرورهم وتعصبهم‪.‬‬
‫أما الغرور‪ :‬فهو اعتقادهم أن كل ماهم عليه حسن وجميل ‪ ،‬وأن ماعلية‬
‫غيرهم من المم والشعوب سئ وقبيح‪.‬‬
‫ً‬
‫أما التعصب‪ :‬فهو هذا الذي يتوارثونه جيل بعد جيل ضد السلم ‪ ،‬ونبي‬
‫السلم ‪ ،‬والقرآن الكريم )‪(2‬‬
‫)‪ (1‬أو أمته في حال وجود الرقيق وهو الن غير موجود‬
‫)‪ (2‬بحث المقارنه بين تعدادنا وتعدادهم اقتبست أكثر فقراته من كتاب‬
‫)المرأة بين الفقه والقانون( للدكتور السباعي ص ‪ 94-93‬مع بعض‬
‫التصرف ‪...‬‬
‫تعدد الزوجات ‪...‬‬
‫سلمية‬ ‫دد في الشريعة ال ْ‬ ‫أحكام التع ّ‬
‫قبل أن نشرع في أحكام التعدد في الشريعة السلمية يحسن بنا أن نبين‬
‫ى ‪(1){ ..‬‬ ‫م َ‬‫طوا ْ ِفي ال ْي ََتا َ‬
‫س ُ‬‫ق ِ‬‫م أ َل ّ ت ُ ْ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫وجه الرتباط بين قوله تعالى }وَإ ِ ْ‬
‫ث وَُرَباعَ {)‪. (1‬‬ ‫َ‬
‫ى وَث ُل َ‬
‫مث ْن َ َ‬
‫سآِء َ‬ ‫ن الن ّ َ‬‫م َ‬ ‫م ّ‬‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫طا َ‬ ‫حوا ْ َ‬‫وقوله ‪َ} :‬فانك ِ ُ‬
‫دة آراء أظهرها رأيان‪:‬‬ ‫ذكر المفسرون في ذلك ع ّ‬
‫الول‪ [ :‬وإن حفتم أل تعدلوا في تزوجكم بيتامى النساء المشمولت بوليتكم‬
‫فتزوجوا غيرهن مما طاب لكم من النساء إثنين إن شئتم ‪ ،‬أو ثلثا ً ‪ ،‬أو أربعا ً ‪،‬‬
‫لن العاقل يترك الذي يترك الزواج الذي يفضي به إلى الظلم إلى الزواج‬
‫الذي لظلم فيه]‪.‬‬
‫وهذا التفسير مروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها ووجه الرتباط واضح‬
‫عليه‪.‬‬
‫الثاني‪ [ :‬وإن خفتم أل تعدلوا في اليتامى ‪ ،‬فكذلك خافوا أل تعدلوا في‬
‫النساء اللتي تتزوجون بهن ‪ ،‬فتزوجوا منهن ما ل تخافون فيه الظلم‪ :‬اثنين ‪،‬‬
‫أو ثلثا ً ‪ ،‬أو أربعا ً ‪ ،‬فإن خفتم أل تعدلوا بين الكثر من واحدة فتزوجوا واحدة‬
‫أو ما ملكت أيمانكم ‪ .‬لن من تحرج من عمل ما ُيفضي إلى الظلم كظلم‬
‫اليتامى عليه أن يتحرج من أن يتحرج من كل عمل ُيفضي إلى ظلم كظلم‬
‫الزوجات ]‪.‬‬
‫هذا التفسير مروي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وقتادة ‪ ..‬ورجحة شيخ‬
‫المفسرين ابن جرير الطبري وقال ) إنه أولى القوال بالقبول(‪.‬‬
‫فالية – على حسب ما رجحة المام الطبري – تحذر الولياء والوصياء من‬
‫سلوك الطريق المفضلة بهم إلى ظلم الزوجات الذي ليقل قبحا ً وشناعة عن‬
‫ظلم اليتامى الذي يخافونه ويتحرون منه‪.‬‬
‫كما أنهم يتحرون من ظلم اليتامى فعليهم أيضا ً أن يتحروا من ظلم الزوجات‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حين يريدون التعدد ‪ ،‬فإن خافوا أل يعدلوا فعندئذ يقتصرون على واحدة‪.‬‬
‫وبعد أن بّينا وجه الرتباط في الية نشرع في تبيان أحكام التعدد والله‬
‫المستعان‪:‬‬
‫سآِء{)‪ (1‬للباحة ل‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ ّ َ ّ َ‬ ‫م‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫حو‬
‫ِ ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫فان‬ ‫}‬ ‫تعالى‬ ‫بقوله‬ ‫‪ -1‬المر‬
‫لليجاب ‪ ،‬وإذا كان للباحة فالمسلم مخير بين أن يقتصر على زوجة واحدة أو‬
‫يعدد ‪ ،‬وعلى ذلك إجماع المجتهدين والفقهاء في مختلف العصور ل نعلم في‬
‫ذلك خلفا ً‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ -2‬ليجوز الجمع بين أكثر من أربع زوجات في وقت واحد لقوله تعالى‬
‫ث وَُرَباع َ ‪ ، { ..‬على ذلك إجماع‬ ‫ى وَث ُل َ َ‬ ‫مث ْن َ َ‬‫سآِء َ‬‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬
‫م ّ‬‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫طا َ‬ ‫حوا ْ َ‬
‫}َفانك ِ ُ‬
‫الصحابة والئمة المجتهدين في جميع العصور ‪ ،‬ول عبرة بمن خالف ذلك من‬
‫أهل الهواء والبدع ‪ ،‬فخلفهم ناشئ من جهلهم ببلغة القرآن الكريم ‪،‬‬
‫وأساليب البيان العربي ‪ ،‬ومن جهلهم بالسنة النبوية كما قال القرطبي‪.‬‬
‫ع{ في الية جاءت‬ ‫ى وَث ُل َ َ‬
‫ث وَُرَبا َ‬ ‫مث ْن َ َ‬‫وإل فمن يقول‪ :‬إن هذه الكلمات } َ‬
‫ً‬
‫لمطلق الجمع ‪ ،‬فيصبح مجموع الزوجات تسع؟ ومن يقول أيضا‪ :‬إن هذه‬
‫الكلمات جاءت لجمع اثنين مع اثنين ‪ ،‬ثلثا ً مع ثلث ‪ ،‬وأربعا ً مع أربع ‪ ،‬فيصبح‬
‫ولت الباطلة تتنافى مع‬ ‫المجموع العام ثماني عشرة زوجة؟ إن هذه التق ّ‬
‫أبسط الذواق في الفهم العربي ‪ ،‬وتتعارض مع فصاحة القرآن الكريم‬
‫وأسلوبه البياني المعجز ‪..‬‬
‫فحين نقول‪ :‬حضر أعضاء المؤتمر مثنى وثلث ورباع ‪..‬فهم العربي صاحب‬
‫الذوق السليم من هذا التعبير أن بعض أعضاء المؤتمر حضروا اثنين اثنين‬
‫وبعضهم حضر ثلثة ثلثة ‪ ،‬وبعضهم حضروا أربعة أربعة وليمكن أن يفهم أحد‬
‫أن جمهلة من حضر تسعة أو ثمانية عشر ‪...‬‬
‫َ‬
‫ى وَث ُل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫وكذلك حين قال الله عز وجل }َفانك ِ ُ‬
‫ث‬ ‫مث ْن َ َ‬
‫سآِء َ‬‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬
‫م ّ‬
‫ب لك ْ‬ ‫ما طا َ‬
‫ل عليها ظاهر لفظها ‪ ،‬وأسلوب بيانها‪:‬‬ ‫وَُرَباع َ ‪ { ..‬فيفهم من هذه الية كما د ّ‬
‫يباح لكم – يامسلمين – أن تنكحوا من النساء زوجتين إن شئتم ‪ ،‬أو ثلث‬
‫زوجات إن أردتم إلى أربع زوجات ‪ ،‬وهذا هو الحد العظم؛ فل يجوز لكم أن‬
‫تزيدوا على الربع بحال من الحوال‪ .‬والسنة النبوية الصحيحة قد أكدت من‬
‫أن المراد من الجمع في الية أربع زوجات‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪... 3‬‬
‫وإليكم ماذكرته السنة الصحيحة‪:‬‬
‫أ‪ -‬أخرج مالك في الموطأ ‪ ،‬وأحمد في مسنده ‪ ،‬وابن ماجه والترمذي في‬
‫سننهما ‪ ،‬والشافعي في الم أن غيلن الثقفي أسلم وفي عصمته عشر نسوة‬
‫ن أربعا ً‬ ‫‪ ،‬فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له‪) :‬اختر منه ّ‬
‫وفارق سائرهن(‪.‬‬
‫ب‪ -‬وروى ابن ماجه وأبوداود في سننهما أن قيس بن الحارث أسلم وعنده‬
‫ثماني نسوة ‪ ،‬فذكر ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فقال له‪) :‬اختر‬
‫ن أربعًا(‪.‬‬ ‫منه ّ‬
‫جـ‪ -‬وقد روت كتب السنة غير هذين الحديثين ‪ ،‬فقد ُروي أن نوفل بن معاوية‬
‫ت وتحتي خمس نسوة ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬ ‫الديلمي قال‪ :‬أسلم ُ‬
‫ت إلى عجوز عاقر معي منذ سنتين‬ ‫وسلم‪) :‬فارق واحدة منهن( قال‪ :‬فعمد ُ‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قتها‪.‬‬ ‫فطل ّ ُ‬
‫فهذه الحاديث متفقة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من أسلم‬
‫وفي عصمته أكثر من أربع زوجات أن يتخّير منهن أربعا ً ‪ ،‬ويفارق سائرهن‪.‬‬
‫ويفهم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا أن السنة جاءت متضافرة‬
‫صرح به القرآن الكريم أل وهو‪ :‬ليجوز الجمع بين أكثر من أربع‬ ‫كدة لما ّ‬ ‫ومؤ ّ‬
‫نسوة في آن واحد ‪ ،‬فأصبح للمنع دليلن‪ :‬دليل القرآن ‪ ،‬ودليل السنة ‪ ،‬عدا‬
‫من دليل الجماع الذي هو حجة تشريعية بعد القرآن والسنة ‪ .‬فبأي حديث‬
‫بعد ذها يؤمنون؟!‪.‬‬
‫وأما ماصح عنه عليه الصلة والسلم أنه جمع بين تسع نسوة في آن واحد ‪..‬‬
‫ل‪ :‬كان هذا الجمع –كما سيأتي‪ -‬خصوصية من خصوصياته ‪ ،‬وثانيا كان‬ ‫فأو ً‬
‫لسباب تشريعية وإنسانية ‪ ،‬وأغراض سياسية واجتماعية ‪ ..‬وسوف يأتي‬
‫دد أزواج النبي صلى‬ ‫الحديث عنها ‪ ،‬والتفصيل فيها في بحث الحكمة من تع ّ‬
‫الله عليه وسلم في القسم الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله‪.‬‬
‫م أ َل ّ‬
‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬‫‪ -3‬إن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات لقوله تعالى }فَإ ِ ْ‬
‫ى أ َل ّ ت َُعوُلوْا{)‪ ، (1‬فمن لم يتأكد‬ ‫حدة ً أ َو ما مل َك َت أ َيمانك ُم ذ َل ِ َ َ‬
‫ك أد ْن َ َ‬ ‫ْ ْ َ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ت َعْدُِلوا ْ فَ َ‬
‫وا ِ َ‬
‫من قدرته على العدل لم يجز له شرعا ً أن يتزوج بأكثر من واحدة ‪ ،‬ولو تزوج‬
‫كان العقد صحيحا ً بالجماع ‪ ،‬ولكنه يكون آثما ً ؛ لما روى أبو داود وابن ماجه‬
‫والترمذي وابن حبان في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال ) من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة أحد شقيه‬
‫مائل(‪.‬‬
‫وروى مسلم وغيره عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬إن المقسطين عند الله على منابر من‬
‫نور عن يمين الرحمن ‪ ،‬وكلتا يديه يمين ‪ ،‬الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم‬
‫وماولوا()‪(2‬‬
‫وقد أجمع العلماء – وأيده تفسير الرسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله –‬
‫أن المراد بالعدل المشروط هو العدل المادي في المسكن واللباس والطعام‬
‫والشرب والمبيت ‪ ،‬وكل مايتعلق بمعاملة الزوجات مما يمكن فيه تحقيق‬
‫العدل ‪ ،‬ومما يدخل في طوق النسان وإرادته‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ -4‬إن العدل في الحب بين الزوجات غير مستطاع ‪ ،‬وليس في طوق البشر‬
‫ميُلوا ْ ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م فَل َ ت َ ِ‬‫صت ُ ْ‬‫حَر ْ‬‫سآِء وَل َوْ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫طيعُوَا ْ أن ت َعْدُِلوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫لقوله تعالى }وََلن ت َ ْ‬
‫حيمًا{)‪ (3‬؛‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫حوا ْ وَت َت ّ ُ‬‫صل ِ ُ‬‫قةِ وَِإن ت ُ ْ‬ ‫معَل ّ َ‬‫كال ْ ُ‬
‫ها َ‬ ‫ل فَت َذ َُرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬
‫فتفيد هذه الية الكريمة أن على الزوج أل يميل عن الزوجة الولى كل‬
‫الميل ‪ ،‬فيذرها كالمعلقة ل هي زوجة يؤديها حقوقها ‪ ،‬ول مطلقة تعرف‬
‫سبيلها ‪ ،‬بل عليه أن يعاملها باللطف والحسنى بما استطاع عسى أن يصلح‬
‫قلبها ‪ ،‬ويكسب مودتها؛ وقد فهم النبي صلى الله عيه وسلم أن المراد من‬
‫َ‬
‫م ‪ { ..‬الحب القلبي لن‬ ‫صت ُ ْ‬‫حَر ْ‬ ‫سآِء وَل َوْ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫طيعُوَا ْ أن ت َعْدُِلوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫آية‪} :‬وََلن ت َ ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫النسان ليستطيع أن يعدل فيه ولو حرص ‪ ،‬ولكنه خارجا ً عن طاقة البشر ‪،‬‬
‫فقد كان حبه للسيد عائشة – رضي الله عنها – أكثر من حبه لباقي زوجاته ‪،‬‬
‫فكان صلى الله عليه وسلم حين يعدل بين زوجاته بالمور المادية يقول‪:‬‬
‫سمي فيما أملك ‪ ،‬فل تؤاخذني فيما ل أملك()‪) (4‬ملحظة‪ :‬هذا‬ ‫)اللهم هذا قَ ْ‬
‫الحديث ضعيف()‪(5‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫سآِء{ وعليه إجماع‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫طيعُوَا ْ أن ت َعْدُِلوا ْ ب َي ْ َ‬‫ست َ ِ‬‫هذا التفسير لية }وََلن ت َ ْ‬
‫المفسرين قديما ً وحديثا ً ‪ ،‬وعليه إجماع الفقهاء والمجتهدين في كل العصور‬
‫طيعُوَا ْ َأن ت َعْدُِلوْا‪ { ..‬على ظاهرها لكان بينها وبين‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ولو أخذنا بآية }وََلن ت َ ْ‬
‫ث وَُرَباع َ ‪ { ..‬تناقض ‪،‬‬ ‫ى وَث ُل َ َ‬ ‫مث ْن َ َ‬
‫سآِء َ‬
‫ن الن ّ َ‬‫م َ‬‫م ّ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫طا َ‬‫ما َ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫آية }َفانك ِ ُ‬
‫والقرآن الكريم منزة عن الخلل والتناقض ‪ ،‬بل هو غاية في البداع والحكام‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫م ْ‬‫حك ِ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ورصانة النظم ‪ ،‬وسمو التشريع ‪ ،‬لقوله تبارك وتعالى }اَلر ك َِتا ٌ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَلوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ر{)‪} ، (6‬أفَل َ ي َت َد َب ُّرو َ‬ ‫خِبي ٍ‬
‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫من ل ّد ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صل َ ْ‬
‫م فُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫آَيات ُ ُ‬
‫لفا ك َِثيرا{)‪ (7‬؛ ويتلخص مما تقدم‪ :‬أن المقصود‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خت ِ َ‬
‫دوا ِفيهِ ا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عند ِ غَي ْرِ اللهِ لوَ َ‬ ‫ِ‬
‫بالعدل في الية هو الحب القلبي ‪ ،‬وهذا ما عليه تفسير الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم للية ‪ ،‬وما عليه إجماع الئمة كما بّينا سابقًا‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪3‬‬
‫)‪ (2‬أي ومادخل تحت وليتهم‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة النساء الية ‪129‬‬
‫)‪ (4‬رواه أصحاب السنن وابن حبان في صحيحه‪.‬‬
‫)‪ (5‬هذه ملحظة من موقع "طريق الحقيقة" ‪ ،‬ضعف هذا الحديث المام‬
‫اللباني رحمة الله في ضعيف سنن أبي داود رقم الحديث ‪2134‬‬
‫)‪ (6‬سورة هود الية ‪1‬‬
‫)‪ (7‬سورة النساء الية ‪82‬‬
‫‪ -‬من العلماء الموثوقين وعلى رأسهم المام الشافعي – رحمة الله – من‬
‫اشترط القدرة على النفاق لمن أراد التعدد ‪ ،‬وهذا الشتراط للمام‬
‫فت َ‬
‫حد َة ً ‪ ...‬ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫وا ِ‬‫م أل ّ ت َعْدُِلوا ْ فَ َ‬ ‫خ ْ ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫الشافعي مبني على فهم خاص للية‪} :‬فَإ ِ ْ‬
‫ى أ َل ّ ت َُعوُلوْا{ ‪ ،‬وهذا الفهم تؤيده قواعد اللغه كما سيأتي‪ .‬قال المام‬ ‫أد ْن َ َ‬
‫َ‬
‫البيهقي في كتابه )أحكام القرآن( الذي جمعه من كلم الشافعي –رحمه الله‪-‬‬
‫في مصنفاته‪) :‬وقوله‪} :‬أ َل ّ ت َُعوُلوْا{ أي ليكثر من تعولون إذا اقتصر المرء‬
‫على واحدة وإن أباح له أكثر منها( ا هـ صحيفة ‪ . 260‬وقد أيد الكسائي وأبو‬
‫دوري وابن العرابي ماذهب إليه الشافعي في تفسير قوله تعالى }أ َل ّ‬ ‫عمر ال ّ‬
‫ت َُعوُلوْا{ أي لتكثر عيالكم ‪ ،‬قال الكسائي – أبوالحسن علي ابن حمزة ‪: -‬‬
‫العرب تقول‪ :‬عال يعول‪ ،‬وأعال ُيعيل أي كثر عياله)‪ . (8‬ومما يؤيد مايذهب‬
‫سر‪ :‬قال أستاذنا أبوالقاسم بن‬ ‫إليه الشافعي لغة حمير ‪ ،‬قال الثعلبي المف ّ‬
‫دوري عن هذا –وكان إماما ً في اللغة غير مدافع‪-‬‬ ‫ت أبا عمر ال ّ‬ ‫حبيب‪ :‬سأل ُ‬
‫فقال‪ :‬هي لغة حمير ‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫عال‬‫ي بلشك وإن أمشي و َ‬ ‫إن الموت يأخذ كل ح ّ‬
‫يعني وإن كثرت ماشيته وعياله)‪(8‬‬
‫وقال أبو حاتم‪) :‬كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا( ‪ ،‬وقرأ طلحة بن‬
‫صرف )أّل ت ُِعيلوا( والمعنى أل تكثر عيالكم وهي حجة الشافعي‪ .‬وهذا الفهم‬ ‫م ّ‬
‫ً‬
‫للمام الشافعي ومن ذهب مذهبه يفيد ضمنا اشتراط القدرة على النفاق‬
‫شرط قضاء‪.‬‬ ‫لمن أراد التعدد إل أنه شرط ديانة)‪ (9‬ل ْ‬
‫***‬
‫وبعد‪ :‬فهذه هي أهم الحكام التي شرعها الله في نظام التعدد ‪ ،‬وهي متفقة‬
‫كل التفاق مع الواقع الجتماعي والحالة المادية ‪ ،‬فالذي يأنس من نفسه أنه‬
‫ليستطيع أن يعدل إن تزوج بأكثر من واحدة ‪ ،‬أو لم يكن عنده النفقة مايسد‬
‫حاجة الزوجتين أو الثلث ‪ :‬من مسكن ‪ ،‬وطعام ‪ ،‬وكسوة ؛ فل يجوز له شرعا ً‬
‫أن يعدد ؛ حتى ليقع في الظلم الذي حرمه السلم ‪ ،‬وبالتالي لتقع الزوجة‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثانية بالمضاّرة التي نهي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله‪:‬‬
‫)لضرر ولضرار()‪ ، (10‬فهو حديث ‪ ،‬وقاعدة أصولية كما هو معلوم‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫هذا وإن التعدد – حين ليتحقق فيه جانب العدل – يوقع الزوج في مشاكل‬
‫عائلية ‪ ،‬تؤدي في الغالب إلى تنافر بغيض ‪ ،‬وعداَوة مستحكمة ؛ مما يجعل‬
‫حياة الزوج جحيما ً ليطاق ‪ ،‬وربما انتقل هذا التنافر والعداء إلى أولد‬
‫الزوجات ‪ ،‬فينشأ الخوة بينهم من البغضاء والشحناء ما يؤول إلى الفرقة‬
‫والهجران ‪ ،‬وعدم استقرار الحياة الزوجية‪.‬‬
‫وفي تقديري أن المشاكل العائلية ناتجة عن سبيين رئيسيين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ناتج عن الرجل لكونه لم يتحقق جانب العدل المادي في جميع‬
‫المجالت‪ :‬العدل في النفقة ‪ ،‬العدل في المعاملة ‪ ،‬العدل في القسمة ‪،‬‬
‫العدل في الحقوق‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ناتج عن المرأة لكونها تنظر إلى الحياة بمنظار النانية وعدم تفهم‬
‫الواقع ‪ ،‬ومصلحة المجتمع ‪ ،‬بل تنساق وراء عواطفها وأهوائها انسياقا ً أعمى‬
‫دون تحكيم لعقل ‪ ،‬أو نظر إلى مصلحة‪.‬‬
‫وإذا قامت الحياة الزوجية على أساس من التربية السلمية ‪ ،‬والتهذيب‬
‫الجتماعي ‪ ،‬والرقابة اللهية ‪ ،‬عاش المجتمع في ظلل الزوجية على أحسن‬
‫مايكون من السعادة الحقة ‪ ،‬والستقرار الكامل ‪ ،‬والعيش الهانيء الرغيد‪.‬‬
‫ومثل هذه التربية تجعل التعدد – حين تقتضية الظروف – قليل المساوئ‬
‫والضرار ‪ ،‬حسن النتائج والثار ‪ ،‬فل زوجات تحركها العواطف والهواء ‪ ،‬ول‬
‫أولد تفرقهم العداوات والخصومات ‪ ،‬بل بيت إسلمي تعمره الفضيلة‬
‫والخلق ‪ ،‬ويملؤه الحب والخلص ‪ ،‬ويشيع في رحابه الهناءة والستقرار‪.‬‬
‫فما أحوجنا أن نعود إلى الدين الحق ‪ ،‬والسلم الصحيح ‪ ،‬والتبرية السلمية‬
‫المثلى ‪ ،‬وما أحوجنا أن نقوي في نفوسنا جانب التقوى والمراقبة والخشية‬
‫من الله ‪ ،‬حتى تكون أعمالنا ومعاملتنا على الوجه الذي يرضي الله ‪ ،‬ويحقق‬
‫الخير لعباده‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪3‬‬
‫)‪ (2‬أي ومادخل تحت وليتهم‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة النساء الية ‪129‬‬
‫)‪ (4‬رواه أصحاب السنن وابن حبان في صحيحه‪.‬‬
‫)‪ (5‬هذه ملحظة من موقع "طريق الحقيقة" ‪ ،‬ضعف هذا الحديث المام‬
‫اللباني رحمة الله في ضعيف سنن أبي داود رقم الحديث ‪2134‬‬
‫)‪ (6‬سورة هود الية ‪1‬‬
‫)‪ (7‬سورة النساء الية ‪82‬‬
‫)‪ (8‬ذكره القرطبي في تفسيره ج‪/5/‬ص ‪.22‬‬
‫)‪ (9‬والمعنى أنه إن كان يعلم أنه ليستطيع النفاق على الزوجة الثانية فل‬
‫يجوز له ديانة أن يعدد‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه ابن ماجه والدارقطني‬
‫دد‬
‫حاولت ِلمنع الّتع ّ‬‫م َ‬
‫ً‬
‫من المؤسف حقا أن نسمع من بعض المسؤولين في الدول التي تنتمي إلى‬
‫السلم ‪ ،‬ومن بعض من ينتمي إلى جمعيات نسائية من النساء الدعوة إلى‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلغاء تعدد الزوجات ‪ ،‬أو تقييده بقيود شديدة ‪،‬تجعل الزواج بأكثر من واحدة‬
‫ضربا ً من المستحيل ‪ ،‬لقد كان لهذه الدعوه صدى سيء بالغ الثر على‬
‫الوساط السلمية ‪ ،‬أما في الوساط التبشيرية والستعمارية فكان لها صدى‬
‫مستحب ‪ ،‬وتأييد مطلق ‪ ،‬حيث ُنعتت هذه المحاولت بأنها خطوة تقدمية في‬
‫سبيل تحرير المرأة‪.‬‬
‫هذا الذي يريد المسؤولون أن يفعلوه في بعض الدول ‪ ،‬وتحاول أن تنتهج‬
‫منهج بعض الدول العربية ‪ ،‬وتسعى لتحقيقه بعض الجمعيات النسائية في‬
‫بلدنا ‪ ،‬ليس إل مجرد استرضاء للغربيين ‪ ،‬أو للدول التي تنادي بدعوة‬
‫التقدمية ‪ ،‬إثباتا ً لنسلخهم من السلم ‪ ،‬وتحررهم من ربقة الدين والخلق ‪،‬‬
‫وهو في الوقت ذاته دليل تهافت الشخصية ‪ ،‬واحتقار الذات ‪ ،‬والترامي على‬
‫اقدام المتعصبين الغربيين ‪ ،‬الماديين الشرقيين ‪ ،‬لستجلب عطفهم ‪،‬‬
‫واسترضاء مبشريهم وملحدتهم على حساب كرامتنا وديننا ومبادئ شريعتنا‪.‬‬
‫ياليت عند هؤلء المفترين المتأثرين بالدعايات الغربية ‪ ،‬والفكار اللحادية ‪،‬‬
‫العقل الناضج ‪ ،‬والتفكير الصحيح ‪ ،‬ليناقشوا القضايا على ضوء الواقع‬
‫والمصلحة ‪ ،‬والظروف الجتماعية !!‪ .‬وياليتهم حين يتكلمون يتجردون عن‬
‫الهوى والعاطفة والتعصب! ‪ ...‬لو فعلوا هذا لما قبلوا الحقائق ‪ ،‬ولما وقفوا‬
‫من نظام التعدد هذا الموقف الملتوى ‪ ،‬ولما أعلنوا تطاولهم على شريعة الله‬
‫‪ ،‬ونظام السلم‪.‬‬
‫ألم يسمعوا أن كثيرا ً من المفكريين ‪ ،‬والمصلحين الجتماعيين في اوربا وفي‬
‫كثير من بلد العالم ‪ ،‬ينادون بنظام التعدد ‪ ،‬وأنه العلج الناجح لحل مشكلة‬
‫الخلق ‪ ،‬وحل أزمة ازدياد عدد النساء؟‬
‫ألم يعلموا أن الله سبحانه حين يشرع لعباده النظمة ‪ ،‬ويقّر لهم المبادئ؛ هو‬
‫العلم بما يصلحهم ‪ ،‬والدرى بما يحقق سعادتهم واستقرارهم؟‪.‬‬
‫ألم يقرأوا في الصحف والمجلت عن ازدياد نسبة الولد غير الشرعيين ‪،‬‬
‫للعلقة الجنسية المحرمة بين الرجال والنساء؟‬
‫ألم يدركوا أن نظام التعدد يخّلص الكثير من النساء من ذل الحاجة ‪ ،‬وغائلة‬
‫الفقر ‪ ،‬ويحفظ لهن كرامتهن وعفافهن ؟ فبأي حديث بعد هذا يؤمنون ؟!‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫حكمة من تعد ّدِ أزواج الن ّّبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ال ِ‬
‫تقديم وتمهيد‬
‫انتشار التعليم‬
‫كسب التأييد‬
‫اكتمال التشريع‬
‫تحقيق التكافل‬
‫توثيق روابط الصحبة‬
‫إعطاء القدوة‬
‫السؤال الول ‪ :‬زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة مع فارق السن؟‬
‫السؤال الثاني ‪ :‬نبذة عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫تقديم وتمهيد‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫يتخذ أعداء السلم من جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين تسع نسوة‬
‫في وقت واحد ‪ ،‬منفذا ً للطعن ‪ ،‬ووسيلة للتهام ‪ ،‬وحين يبحثون عن السباب‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل يجدون تعليل ً لهذا الجمع سوى الشهوة الجنسية والثورة الغريزية ‪ ،‬دون‬
‫أن يحيطوا بالظروف التي صحبت هذا الزواج ‪ ،‬ودون أن يبحثوا عن السباب‬
‫الحقيقية التي أدت إلى هذا الجمع‪.‬‬
‫وأراهم حين يسددون هذه المطاعن ‪ ،‬ويثيرون تلك الشبهات منساقين كل‬
‫النسياق وراء التعصب العمى ‪ ،‬والحقد السود على السلم ورسول السلم‬
‫‪ ،‬بل عداوتهم لهذا الدين قديمة متأصلة توارثوها عن الحروب الصليبية جيل ً‬
‫بعد جيل ‪ ،‬فترسخت حتى خالطت اللحم والعظم ‪ ،‬وتأصلت حتى انطبعت في‬
‫سويداء القلوب ‪ ،‬وماذا تنتظر من اللئيم غير الخبث واللؤم ‪ ،‬ومن الحقود غير‬
‫العقد والظلم ؟‪.‬‬
‫ومع كل هذا لبد أن يوجد من غير المسلمين عقلء منصفون تجردوا من‬
‫مؤثرات العصبية والهوى ‪ ،‬فتكلموا بلسان المنطق والحق ‪ ،‬وكشفوا عن وجه‬
‫الحقيقة في تعداد أزواجه عليه الصلة والسلم ‪ .‬ومن هؤلء )توماس كارليل(‬
‫الذي يقول في هذا المقام ‪ ) :‬ماكان محمد أخا شهوات ‪ ،‬برغم ما اتهم به‬
‫م له إل‬ ‫ظلما ً وعدوانا ً ‪ ،‬وشد ّ مانجور ونخطئ إذا حسبناه رجل ً شهوانيا ً ‪ ،‬ل ه ّ‬
‫مآربه من الملذ ‪ .‬كل! فما أبعد ماكان بينه وبين الملذ أيا ً كانت ‪(1)..‬‬
‫بعد هذه التقدمة سأشرع بعون الله في بيان الحكمة من تعداد أزواجه صلى‬
‫الله عليه وسلم مفصل ً السباب التي دعت إلى التعدد ‪ ،‬ومبينا ً الظروف التي‬
‫أحاطت بهذا الجمع ‪ ،‬ليعلم القارئ الكريم لماذا تزوج النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم تسع نسوة في آن واحد ؟‪.‬‬
‫ولكن قبل أن أسرد الحكمة من هذا الزواج أريد أن يضع في ذهن القارئ‬
‫حقيقتين هامتين ‪:‬‬
‫ً‬
‫الحقيقة الولى ‪ :‬أن الجمع بين عدة زوجات كان شائعا في البيئة النسانية‬
‫والعربية قبل السلم ‪ .‬ومما يدل على هذا أن غيلن بن سلمة الثقفي أسلم‬
‫وتحته عشر نسوة ‪ ،‬وأن الحارث ابن قيس حين أسلم كان عنده ثمان‬
‫نسوة ‪ ،‬وسبق أن ذكرنا في مبحث )أحكام التعدد( أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم أمرهما أي يختارا منهن أربعا ً ويفارقن سائرهن‪.‬‬
‫ولقد كان كثير من العرب يعددون ول يرون في ذلك حرجا ً ول غضاضة ‪ ،‬فلما‬
‫رأى أعداء السلم النبي صلى الله عليه وسلم وحده ‪ ،‬ولم يروا العصر كله ‪،‬‬
‫ولماذا خصوا الرسول عليه الصلة والسلم بالذكر ‪ ،‬ولم ينظروا إلى التعدد‬
‫الذي رافق أبياء التوراة عبر التاريخ؟‪.‬‬
‫يقول الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله – في كتابه )‪ ) :(2‬حين كنت‬
‫في دبلن )ايرندا( عام ‪ / 1956/‬زرت مؤسسة الباء اليسوعيين فيها ‪ ،‬وجرى‬
‫حديث طويل بيني وبين الب المدير لها ‪ ،‬وكان مما قلته له‪ :‬لماذا تحملون‬
‫على السلم ونبيه بخاصة في كتبكم المدرسة بما ل يصلح أن يقال في مثل‬
‫هذا العصر ‪ ،‬الذي تعارفت فيه الشعوب والتقت الثقافات؟!‬
‫فأجابني ‪ :‬نحن الغربيين ل نستطيع أن نحترم رجل ً تزوج تسع نساء ! ‪..‬‬
‫قلت له‪ :‬هل تحترمون نبي الله داود ‪ ،‬ونبيه سليمان ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬نعم! وهما عندنا من أنبياء التوراة !‬
‫قلت ‪ :‬إن النبي داود كانت له مائة زوجة كما هو معلوم ‪ ،‬ونبي الله سليمان‬
‫كانت له – كما جاء في التوراة ‪ -‬سبعمائة زوجة من الحرائر ‪ ،‬وثلثمائة من‬
‫م يستحق احترامكم من تزوج ألف‬ ‫الجواري ‪ ،‬وكن أجمل أهل زمانهن ‪ ،‬فَل ِ َ‬
‫امرأة ‪ ،‬ول يستحق من يتزوج تسعا ً ؟ ثمانية منهن ثيبات وبعضهن عجائز ‪،‬‬
‫والتاسعه هي الفتاة البكر الوحيدة التي تزّوجها طيلة عمره ‪.‬‬
‫فسكت قليل ً وقال‪ :‬لقد أخطأت التعبير ‪ ،‬أنا أقصد أننا نحن الغربيين ل‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نستسيغ الزواج بأكثر من امرأة ‪ ،‬ويبدو لنا أن من يعدد الزوجات غريب‬


‫الطوار ‪ ،‬أو عارم الشهوة !‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فما تقولون في داود وسليمان – عليهما السلم – وبقية أنبياء بني‬
‫إسرائيل الذين كانوا جميعا ً معددين الزوجات بدءا ً من جدهم إبراهيم عليهم‬
‫السلم‪.‬‬
‫حْر جوابا ً ‪. (3)(..‬‬
‫فسكت ولم ي ُ ِ‬
‫ورب سائل يقول‪ :‬لماذا جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين تسع نسوة ‪،‬‬
‫بينما كان التشريع الذي شرعه الله للمة مقيدا ً بأربع زوجات‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬إن جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين تسع نسوة في وقت‬
‫واحد كان خصوصية من خصوصياته عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وهذه خصوصية‬
‫خاصة به ليجوز لحد من المة أن يقتدي بالضافخ إلى خصوصياته الكثيرة‬
‫التي عددتها كتب السنة ‪ ،‬وتكلم عنها الفقهاء والمفسرون ‪.‬‬
‫نذكر منها على سبيل المثال وصاله عليه الصلة والسلم الصوم )معنى‬
‫الوصال‪ :‬وصل صيام اليوم بالذي بعده دون الفطار بينهما‪ ، ( .‬ولما واصل‬
‫الصحابة نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الوصال)‪ ، (4‬ثم‬
‫قال لهم ‪ ) :‬إني لست مثلكم ‪ ،‬إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)‪( .. (5‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ومن خصوصياته أنه ل يحل له أن يتزوج على نسائه التسع أو يطلق واحدة‬
‫منهن ‪ ،‬مكافأة لهن على اختيارهن مرضاة الله ورسوله ‪ ،‬وثواب الدار الخرة‬
‫ل لَ َ‬
‫ك‬ ‫على نعيم الحياة الدنيا وزينتها ‪ ،‬ودليل هذا التحريم قوله تعالى }ل ّ ي َ ِ‬
‫ح ّ‬
‫َ‬ ‫ل بهن م َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪(6) {..‬‬ ‫سن ُهُ ّ‬
‫ح ْ‬‫ك ُ‬ ‫جب َ َ‬‫ن أْزَواٍج وَل َوْ أعْ َ‬‫من ب َعْد ُ وَل َ أن ت َب َد ّ َ ِ ِ ّ ِ ْ‬
‫سآُء ِ‬
‫الن ّ َ‬
‫ومن خصوصياته ‪ :‬أنه ل يحل لحد من المسلمين أن يتزوج بعد وفاته صلى‬
‫الله عليه وسلم واحدة من نسائه؛ لنهن أمهات المؤمنين ‪ ،‬قال تعالى } ‪..‬‬
‫من ب َعْدِهِ أ ََبدا ً ‪(7){ ..‬‬ ‫ه ِ‬‫ج ُ‬
‫َ‬
‫حوَا ْ أْزَوا َ‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ وَل َ أن َتنك ِ ُ‬ ‫م أن تؤُْذوا ْ َر ُ‬
‫سو َ‬ ‫كان ل َك ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من هذه الخصوصيات التي ذكرها العلماء ‪ ،‬وعددها المجتهدون ‪.‬‬
‫ما قريب سيجد القارئ‬ ‫وإذا كان من وراء كل خصوصية حكمة وقصة ‪ ،‬فع ّ‬
‫الحكمة من تعدد أزواجه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وقصته ‪ ،‬عليه السلم مع كل‬
‫زوجة تزوجها ‪.‬‬
‫الحقيقة الثانية ‪ :‬زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر من واحدة كان‬
‫في المدينة وفي سن الكهولة‪ .‬فمن المعلوم تاريخيا ً أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يتزوج بعد وفاة السيدة خديجة – رضي الله عنها – إل سوداء‬
‫دد إل بعد أن وِلدت الدولة‬ ‫بنت زمعه وإلى أن هاجر إلى المدينة ولم يع ّ‬
‫السلمية ‪ ،‬وقامت على أرجلها قوية متينة ‪ ،‬وكان لهذا التعدد أغراض‬
‫إصلحية وتشريعية سنذكرها في حينها ‪.‬‬
‫ومن الثابت تاريخيا ً كذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بالسيدة‬
‫خديجة وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة ‪ ،‬وكانت هي ثيبًا)‪ (8‬بنت اربعين‬
‫سنة ‪ ،‬فعاشت معه خمس عشرة سنة قبل البعثة ‪ ،‬وتوفيت قبل الهجرة‬
‫بثلث سنين ‪ ،‬وكان عمرها يومئذ خمسا ً وستين سنة‪.‬‬
‫فهل من المعقول أن نحكم على إنسان أنه شهواني وقد قضى زهرة شبابه ‪،‬‬
‫وعنفوان رجولته بزواجه من امرأة تزيد على عمره خمسة عشرا ً عاما ً ؟ إذن‬
‫لماذا يسدد أعداء السلم سهام طعنهم لرسول السلم وهم يعلمون الحقيقة‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بأجلى معانيها ‪.‬‬


‫إنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ‪ ،‬ليشفوا حقدهم القديم ‪ ،‬وعداوتهم‬
‫دد بعد أن جاوز الخمسين ‪ ،‬درج في سن الكهولة لحكم‬ ‫اللئيمة !! فإذا ع ّ‬
‫اجتماعيه ‪ ،‬وأغراض تشريعية ‪ ،‬أيكون قد أتي بشئ عظيم ؟‪.‬‬
‫ن عجائز وفقيرات ؟‬ ‫س َ‬
‫ن أيامى وثيبات)‪ (9‬؟ أل ْ‬ ‫س َ‬
‫من اللواتي تزوجهن ‪ ،‬أل ْ‬ ‫م َ‬
‫ث ّ‬
‫م هذا الطعن والتهام ؟‬ ‫إذا كان المر كذلك ؛ فلم هذه الثارة والضجة ؟ وَل ِ َ‬
‫اما يدل هذا على التعصب العمى ‪ ،‬والحقد الدفين ؟‪.‬‬
‫فياليتهم ينكلمون حين يتهمون بلسان الحث والمنطق !‪.‬‬
‫وياليتهم حين يتقوّلون يزنون المور بميزان العقل السليم والمنهج العلمي‬
‫الصحيح !‪.‬‬
‫بعد ذكر هاتين الحقيقتين أشرع في بيان الحكمة من تعدد أزواج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وفي سرد الملبسات التي اقضت الجمع بين تسع نسوة‬
‫في آن واحد ‪ ،‬وأرى أن الحكمة من هذا التعدد ‪ ،‬والملبسة لهذا الجمع ترتكز‬
‫على المور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬انتشار التعليم‪.‬‬
‫‪ -2‬كسب التأييد‪.‬‬
‫‪ -3‬اكتمال التشريع‪.‬‬
‫‪ -4‬تحقيق التكافل‪.‬‬
‫‪ -5‬توثيق روابط الصحبة‪.‬‬
‫‪ -6‬إعطاء القدرة‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬كتاب البطال ص ‪83‬‬
‫)‪ (2‬المرأة بين الفقه والقانون ص ‪96‬‬
‫)‪ (3‬عن كتاب المرأة بين الفقه والقانون بتصرف يسير‬
‫)‪ (4‬معنى الوصال ‪ :‬وصل صيام اليوم بالذي بعده دون الفطار بينهما‪.‬‬
‫)‪ (5‬أي يعينني ويقويني ‪ ،‬والحديث رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (6‬جزء من الية )‪ (52‬سورة الحزاب‬
‫)‪ (7‬جزء من الية )‪ (53‬من سورة الحزاب‬
‫)‪ (8‬والثيب هي التي تزوجت من قبل ‪ ،‬ومن المعروف أن خديجة تزوجت‬
‫مرتين قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪ (9‬من الثابت تاريخيا ً أن جميع النسوة اللتي تزوجهن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم كن متزوجات من قبل ؛ عدا السيدة عائشة رضي الله عنها فإنها‬
‫كانت بكرًا‪.‬‬
‫ن نصف المجتمع نساء وأنهن بحاجة إلى‬ ‫أما انتشار التعليم‪ :‬فيكفي أن نعلم أ ّ‬
‫الثقافة والتعليم كالرجال سواء بسواء ‪ ،‬وإن واحدة أو اثنتين أو ثلثة ليمكن‬
‫أن يقمن بدورهن في إرشاد النساء ‪ ،‬وتعليم البنات في المجتمع السلمي‬
‫الجديد ؛ إذن فالمر يتطلب أن يقوم بعض نسوة في آداء رسالتهن‬
‫كمرشدات ومعلمات ‪ ،‬حتى يتعلم النساء كل ما ينفعنت في امور دينهن ‪ ،‬ول‬
‫سيما في المور التي يستحيين أن يسألن عنها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كأحكام الزوجية ‪ ،‬ومسائل الحيض والنفاس ‪ ،‬وقضايا الحنابة والطهارة‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ومن الشواهد على هذا‪ :‬ماروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها ‪ :‬أن‬
‫غسلها من‬ ‫مرأة من النصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ُ‬
‫المحيض ‪ ،‬فأمرها أن تغتسل ثم قال ) خذي فرصة )‪ (10‬فتطهري بها (‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قالت‪ :‬كيف أتطهر بها ؟ قال‪) :‬تطهري بها ( ‪ ،‬قالت ‪ :‬كيف ؟ قال‪ ) :‬سبحان‬
‫ي ‪ ،‬فقلت ‪ ) :‬تتبعي بها أثر الدم (‪.‬‬
‫الله تطهري ( قالت عائشة ‪ :‬فا جذبُتها إل ّ‬
‫)‪(11 /‬‬

‫فالرسول صلى الله عليه وسلم استحيى بأن يصرح لها بوضع القطنة المطّيبة‬
‫بالمسك في المكان الذي كان يخرج منه الدم إتماما ً لطهارة ‪ ،‬فأخذتها‬
‫عائشة وأفهمتها المراد ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم أن المرأة من النصار اسمها أسماء ‪ ،‬سألت النبي صلى‬
‫سد َْرها)‬ ‫ن ماءها و ِ‬
‫الله عليه وسلم عن غسل المحيض ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬تأخذ إحدك ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طهر فتحسن المطهر ‪ ،‬فتصب على رأسها ‪ ،‬فتدلكه دلكا شديدا حتى‬ ‫‪ (11‬فت ّ‬
‫يبلغ شؤون رأسها ‪ ،‬ثم تصب عليها الماء ‪ ،‬ثم تأخذ فرصة ممسكة فتط ّّهر بها(‬
‫قالت اسماء ‪ :‬وكيف اتطهر بها ؟ قال ‪ ) :‬سبحان الله تطهري بها ! ( سبح‬
‫الله تعجبا ً من عدم فهمها حتى كفته زوجه عائشة ذلك ‪.‬‬
‫والشواهد على ذلك كثيرة ‪ ،‬وليس أمر التعليم منوطا ً في امور الحيض‬
‫والطهارة فقط كما يفهم البعض وإنما كان يشمعل كل مايرفع من مستوى‬
‫المرأة من ناحية العبادة والمعاملة والخلق ‪ ،‬فكان نساء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم خير مبلغ عن رسول الله في حياته ‪ ،‬وخير مرجع في الستفتاء‬
‫ورواية الحديث بعد وفاته‪.‬‬
‫ومن ذا الذي يقول إن زوجا ً واحدة كانت تقوم بهذا العبء والواجب وحدها ؟‬
‫ن ذا الذي ينكر هذه الحقيقة بعد أن ظهر الحق ‪ ،‬وبان الدليل ؟‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (10‬الفرصة ‪ :‬قطعة أو صوفة أو خرقة مطيبة بالمسك ‪.‬‬
‫)‪ (11‬السدر ‪ :‬شجر النبق ‪ ،‬كان يستعمل في الغسل لنه نبات منظف‬
‫كالصابون ‪.‬‬
‫أما كسب التأييد‪ :‬فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نفع الدعوة‬
‫السلمية بزواجه من قبائل قريش ‪ ،‬باعتبار أن قريشا ً سيدة العرب ‪ ،‬وإذا‬
‫أسلمت قريش أسلمت العرب ‪ ،‬وفعل ً قد وجد من هذه القبائل التي صاهرها‬
‫العطف الكامل ‪ ،‬والتأييد المطلق ‪ ،‬بل أصبحوا يدخلون في السلم تباعا ً ‪،‬‬
‫ويعتنقون الدين الجديد طواعية واختيارا ً ‪ ،‬وكان لهذا التعدد للزوجات دون في‬
‫تشجيع الناس على الدخول في السلم وكان له دور في كسب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم هذا العطف والتأييد‪.‬‬
‫سَرت مع قومها في غزوة‬ ‫ُ‬
‫فهذه جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ‪ :‬لما أ ِ‬
‫بني المصطلق ‪ ،‬استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فلما أذن‬
‫لها قالت‪ :‬يا رسول الله أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ‪ ،‬وقد‬
‫أصابني من البلء مالم يخف عليك ‪ ،‬فوقعت في السهم لثابت بن قيس ‪،‬‬
‫فكاتبته )‪ (12‬على نفسي ‪ ،‬فجئتك أستعينك على أمري ‪ :‬فقال لها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬فهل لك في خير من ذلك ؟ ( قالت‪ :‬وما هو يا‬
‫رسول الله ؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أقضي عنك كتابتك وأتزوجك (‬
‫فقالت في فرحمة غامرة ‪ :‬نعم يارسول الله ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬قد فعلت ()‪. (13‬‬
‫فما هي نتائج هذا الزواج ؟ أقبل الناس وبأيديهم أسرى قومها ‪ ،‬فأرسلوهم‬
‫أحرارا ً وهم يقولون ‪ ) :‬أصهار رسول الله ( ! فما كانت إمرأة أعظم على‬
‫قومها بركة منها ‪ ،‬فأعتق المسلمون بزواجها من رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم جميع السرى السبايا ‪ ،‬ودخل الجميع في السلم وهم راضون‬


‫وراغبون ‪ ،‬وكان لهذا الزواج من جويرية أفضل الثار ‪ ،‬وأحسن النتائج ‪.‬‬
‫وروت كتب السيرة أن أباها جاء النبي صلى الله عليه وسلن فقال ‪ :‬يا محمد‬
‫أصبتم ابنتي وهذا فداؤها ‪ ،‬فإن ابنتي ل يسبى مثلها !! ‪ ،‬فأمره النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ان يخيرها ‪ ،‬فسّر أبوها بذلك ‪ ،‬فخّيرها ‪ ،‬فاختارت الله‬
‫ورسوله ‪ ،‬وكانت من أعبد امهات المؤمنين‪.‬‬
‫ً‬
‫وذكر ابن هشام في السيرة أن والدها سمع حديثا من رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عما جاء فيه من فداء ابنته ‪ ،‬فصاح بصوت جهير ‪ ) :‬أشهد أن ل‬
‫إله إل الله وأنك محمد رسول الله ( وأصدقها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أربعمائة درهم‪.‬‬
‫وهذه أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الموى رضي الله عنها ‪ ،‬تزوجها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة ‪ ،‬وكان تزوجه بها تأليفا ً لبي‬
‫سفيان سيد قريش وزعيم مكة ‪ ،‬وترغيبا ً له في الدخول بالسلم ‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخرى كان هذا الزواج جبرا ً لخاطرها ‪ ،‬وجمعا ً لشملها ‪ ،‬وإنهاًء لوحشة الهجرة‬
‫وسوء تصرف زوجها ؛ ولزواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها قصة‬
‫‪،‬تتلخص في أن أم حبيبة أسلمت مع زوجها )عبيد الله بن جحش السدي (‬
‫بمكة ‪ ،‬وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة ‪ ،‬فتنصر زوجها هنالك وفارقها ‪،‬‬
‫فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها له ‪ ،‬وأصدقها عنه‬
‫أربعمائة دينار مع هدايا نفيسة ‪ ،‬ولما عادت إلى المدينة بني بها وتزوجها ‪،‬‬
‫ولما بلغ أبا سفيان الخبر قال ‪ ) :‬هو الفحل ليقدع أنفه ( ويقصد أنه الكفء‬
‫الذي ليماثلة أحد ‪ ،‬وكانت هذه المصاهرة فيما بعد من العوامل الساسية‬
‫التي دفعت أبا سفيان إلى الدخول في السلم في العام التالي عام الفتح ‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وهذه صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها تزوجها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم سنة سبع من الهجرة ‪ ،‬وكانت من يهود بني النضير ‪ ،‬وُأسرت بعد قتل‬
‫زوجها في غزوة خيبر ‪ ،‬فأخذها دحية بن خليفة الكلبي في سهمه ‪ ،‬فقال أهل‬
‫الرأي من الصحابة ‪ :‬يارسول الله إنها سيدة قومها ل تصلح إل لك ‪،‬‬
‫فاستحسن رأيهم أسباب منها ‪ :‬إباؤهه عليه الصلة والسلم أن تذل هذه‬
‫السيدة بالرق عند من تراه دونها في المكانة ‪ ،‬وتشجيعه الناس على إعتاق‬
‫الرقيق ‪ ،‬أما بيت القصيد من هذا الزواج فهو رغبة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في تحريض اليهود على اعتناق السلم ‪ ،‬أو على القل تخفيفهم من‬
‫عداوتهم للسلم ‪ ،‬ومكرهم بالمسلمين وروى المام في مسنده أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم خير صفية بين أن يعتقها وتكون زوجته أو يلحقها بأهلها‬
‫‪ ،‬فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته‪.‬‬
‫فإذا أضفنا إلى هذا الزواج زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت‬
‫عمر وهي من بني عدي ‪ ،‬وزواجه بزينب بنت جحش وهي من بني أسد ‪،‬‬
‫وزوجه من أم سلمة وهي من بني مخزوم ‪ ،‬وزواجه من ميمونة بنت الحارث‬
‫وهي من بني هلل ‪ ،‬وزواجه من سودة بنت زمعة وهي من بني عامر بن‬
‫لؤي ‪ .‬إذا اضفنا كل هذا إلى باقي الزوجات اللتي تحدثنا عنهن قبل قليل ؛‬
‫يتبين لنا بشكل قاطع ليتحمل الشك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بهؤلء النسنوة يستهدف في الدرجة الولى مصاهرة هذه القبائل ‪ ،‬ليكسب‬
‫تأييدها في المهمة التي كلف بها ‪ ،‬وبعث من أجلها ‪ ،‬أل وهي رسالة السلم ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم بالتالي كان يطمع بهدايتهم واعتناقهم هذا الدين الجديد ‪ ،‬ولو اقتصر‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم على زوجة واحدة لما كان هذا التأليف ‪ ،‬ولما‬
‫حظي بهذا التأييد ‪.‬‬
‫‪------------------------------------‬‬
‫)‪ (12‬الكتابة اشتراء الرقيق نفسه من سيدة بمال يؤديه أقساطًا‪.‬‬
‫)‪ (13‬كان زواجه عليه السلم منها سنة خمس من الهجرة‬
‫أما اكتمال التشريع فل شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بعدة‬
‫نسوة في وقت واحد لغراض تشريعية ‪ ،‬نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إبطال عادة التبني التي كانت متبعة في الجاهلية ‪ :‬كان من عادات العرب‬
‫الشائعة في الجاهلية أنهم يتخذون لنفسهم أبناء أدعياء يلصقونهم بأنسابهم ‪،‬‬
‫ويعطونهم جميع حقوق البناء حتى في المواريث ‪ ،‬ومحرمات النكاح ‪ ،‬ولما‬
‫أراد الله أن يبطل عادة التبني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج‬
‫زينب بنت جحش السدية لزيد بن حارثة موله ومتبناه )‪ ، (14‬والله سبحانه‬
‫يعلم أنهما ليتفقان على بقاء هذه الزوجية ؛ بسبب التفاوت في المكانة ‪،‬‬
‫والختلف في النسب ‪ ،‬فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زينب وقال‬
‫لها ‪ ) :‬إني أريد أن أزوجك زيد بن حارثة ‪ ،‬فإني قد رضيته لك ( ‪ ،‬قالت‬
‫يارسول الله ‪ :‬لكني ل أرضاه لنفسي ‪ ،‬وأنا أّيم قومي ‪ ،‬وبنت عمتك فلم أكن‬
‫مرا ً‬ ‫كان ل ِمؤْمن ول َ مؤْمنة إَذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما َ َ َ ُ ِ ٍ َ ُ ِ َ ٍ ِ‬ ‫لفعل ‪ ،‬فنزلت الية }وَ َ‬
‫ضل َل ً‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫من ي َعْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرة ُ ِ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫َأن ي َ ُ‬
‫مِبينًا{)‪ ، (15‬فقالت زينب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الية ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫قد أطعُتك فاصنع ما شئت ‪ ،‬فزوجها زيدا ً ودخل عليها ‪ ،‬فكانت بعد الزواج‬
‫تغلظ له القول ‪ ،‬وتتعاظم عليه بالضرف والمنزلة ‪ ،‬فيذهب إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم شاكيا ً منها ‪ ،‬ويستأذنه في طلقها ‪ ،‬فيقول له صلى الله عليه‬
‫ق الله ( وهو يعلم أنه لبد له من طلقها ‪،‬‬ ‫سك عليك زوجك وات ّ ِ‬ ‫وسلم ‪ ) :‬أم ِ‬
‫ً‬
‫وأن الله سيأمره بالتزوج بها إبطال لبدعة التبّني ‪ ،‬وتجويزا لنكاح أولد‬ ‫ً‬
‫الدعياء‪.‬‬
‫ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر هذا لزيد ‪ ،‬ول لغيره من الناس خشية‬
‫أن يقولوا ‪ :‬إن محمدا ً تزوج امرأة ابنه المتبّنى ‪ ،‬فأنزل الله تعالى في ذلك‬
‫ك عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬
‫ك‬ ‫ك َزوْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأن ْعَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ل ل ِل ّذِيَ أنعَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫قوله ‪} :‬وَإ ِذ ْ ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حقّ أن‬ ‫أ‬
‫ّ َ َ ُ َ‬‫ه‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫دي‬
‫ُ ُ ْ ِ ِ ََ ْ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س‬
‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫خ ِ‬ ‫ه وَت ُ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫َوات ّ ِ‬
‫شاه ُ ‪. (16){..‬‬ ‫خ َ‬‫تَ ْ‬
‫فلما طلقها زيد بمحض اختياره وإرادته ‪ ،‬زّوجه الله إياها بدون عقد ‪ ،‬وفي‬
‫جَناك ََها ‪. (17) { ..‬‬ ‫طرا ً َزوّ ْ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ى َزي ْد ٌ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫هذا نزل قوله تعالى ‪ ..} :‬فَل َ ّ‬
‫ي‬
‫ج فِ َ‬ ‫حَر ٌ‬‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن عَلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫كو َ‬ ‫ي ل َ يَ ُ‬ ‫ثم عللت الية هذا الزواج فقالت ‪} :‬ل ِك َ ْ‬
‫م{‪.‬‬ ‫عَيآئ ِهِ ْ‬ ‫أ َْزَواِج أ َد ْ ِ‬
‫ل الزواج بزوجات‬ ‫وبعد نزول هذه اليات التشريعية بطلت عادة التبّني ‪ ،‬وح ّ‬
‫الدعياء‪.‬‬
‫ويتلخص مما تقدم ‪ :‬أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بزينب السدية‬
‫كان لغرض تشريعي ‪ ،‬وغاية اجتماعية أل وهي إبطال عادة التبّني‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ب ‪ -‬المساهمة الكبرى في رواية السنة ‪ :‬إن السنة النبوية هي المصدر‬


‫الثاني من مصادر التشريع ‪ ،‬وإن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن قد‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ساهمن مساهمة فعالة في رواية كل قول سمعنه ‪ ،‬وفي نقل كل فعل رأينه‬
‫من النبي صلى الله عليه وسلمه ‪ ،‬فوصل بذلك كثير من السنة إلى المة‬
‫السلمية ‪ ،‬عن طريق الرواية من نساء مقطوع بصدقهن ‪ ،‬ومجمع على‬
‫أمانتهن وعدالتهن ‪ ،‬ويكفيهن فخرا ً وشرفا ً أن سماهن القرآن أمهات‬
‫المؤمنين وخطابهن بقوله ‪ } :‬يا نساء النبي ‪ { ...‬إلى غير ذلك من هذه‬
‫اللقاب والصفات ‪.‬‬
‫ولقد ذكر الرواة أن عدد الحاديث التي رواها نساء الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم عنه جاوزت ثلثة آلف حديث ‪ ،‬وأن صاحبة السهم الكبر في رواية‬
‫الحديث السيدة عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬فقد روت عنه ‪ 2210‬حديثا ً ‪ ،‬ويليها‬
‫أم سلمة رضي الله عنها التي روت ‪ 378‬حديثا ً ‪ ،‬وباقي الزوجات كن تتراوح‬
‫أحاديثهن بين ‪ 11‬إلى ‪ 65‬حديثا ً ‪ ،‬وهذا التفاوت في رواية الحديث يرجع‬
‫بسببه إما إلى الذكاء ‪ ،‬أو مدة الحياة الزوجية ‪ ،‬أو امتداد العمر بعد وفاة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد اجتمعت هذه السباب للسيدة عائشة‬
‫رضي الله عنها ‪ ،‬فقد كانت ذكية ‪ ،‬ودخل النبي صلى الله عليه وسلم بها في‬
‫أول الهجرة ‪ ،‬وعاشت بعدة حتى سنة ‪ 58‬هـ‬
‫ً‬
‫أما السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها فكانت آخر نسائة زواجا ‪،‬‬
‫تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع للهجرة ‪ ،‬فروايتها للحديث‬
‫كانت اقل من باقي الزوجات لقصر القامة ‪ ،‬وقس على ذلك صفية وزينب‬
‫السدية رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫ويتلخص مما تقدم عن حكم تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫مساهمتهن الفعالة في رواية الحديث لكتمال التشريع ‪ ،،‬والحفاظ على‬
‫السنة النبوية ‪.‬‬
‫سنة مبدأ العدل والخلص السمحة ‪ :‬باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قدوة ‪ ،‬أقواله وأفعالة تشريع ‪ ،‬وجب على كل من يرغب بالزواج ‪ ،‬أو يجد في‬
‫طلع تام بكل ما صدر عن‬ ‫نفسة حاجة ملحة إلى التعدد ‪ ،‬أن يكون على ا ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال في ملطفة الهل ‪،‬‬
‫والعناية بالزوجات ‪ ،‬وإحقاق الحق لهن ‪ ،‬وتطبيق مبدأ العدل والمساواة بينهن‬
‫؛ حتى ل يحيف مسلم ‪ ،‬ول يتطاول متزوج؛ وسبق أن ذكرنا في بحث )أحكام‬
‫التعدد في الشريعة السلمية ( طائفة من الحكام القرآنية ‪ ،‬فارجع إلى‬
‫البحث تجد مافيه الكفاية‪.‬‬
‫أما فعلة عليه الصلة والسلم في سنة مبدأ العدل بين زوجاته ‪ ،‬وإعطائه‬
‫المثل الكامل في الخلق الرضية والملطفة؛ فإن رواة الحديث مؤرخي‬
‫السيرة قد أفاضوا في معاشرته أزواجه بالمعروف ‪ ،‬والقسمة بينهن بالعدل ‪،‬‬
‫في كل من المبيت والنفقة واللطف والتكريم ‪ .‬وحين يأتي الكلم عن حكمة‬
‫إعطاء القدوة في تعدد أزواجه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬سنفصل القول في‬
‫ملطفة الرسول صلى الله عليه وسلم لزواجه وحسن معاشرته لهن ‪،‬‬
‫وعندئذ يتضح للقارئ الكريم السر من هذا التعداد ‪ ،‬والحكمة من هذا الجمع ‪.‬‬
‫‪------------------------------------------‬‬
‫)‪ (14‬كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبني زيد بن حارثة لختياره البقاء‬
‫في جواره على أبيه وأهله ‪ ،‬فما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك‬
‫أعتقه ‪ ،‬وأخرجه إلى الحجر فقال ‪) :‬اشهدوا أن زيدا ً ابني يرثني وأرثه ( فكان‬
‫يدعي بعد هذا التبني بزيد بن محمد ‪ ،‬حتى جاء الله بالسلم ‪ ،‬وابطل هذه‬
‫العادة ‪.‬‬
‫)‪ (15‬الية )‪ (36‬من سورة الحزاب‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (17) (16‬جزء من الية )‪ (37‬سورة الحزاب‬


‫أما تحقيق التكافل ‪ :‬فمن المعلوم بداهة أن من السباب التي دعت إلى‬
‫التعدد؛ هي رحمة ببعض نسوة كن ليجدن من يرعاهن ‪ ،‬ويقوم على امرهن‬
‫بعد فقد ازواجهن ‪.‬‬
‫فهذه سودة بنت زمعة رضي الله عنها ‪ ،‬اول إمرأةتزوجها رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة رضي الله عنها ‪ ،‬وكان ّتوفي عنها زوجها‬
‫الذي هو ابن عمها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية ‪ ،‬والحكمة في‬
‫اختيارها أنها لو عادت إلى أهلها في مكة لكرهوها على الشرك بالفتنة‬
‫والعذاب ‪ ،‬فختار النبي صلى الله عليه وسلم كفالتها ‪ ،‬ورغب في زواجها ‪.‬‬
‫وكان الزواج منها قبل عام الذي هاجر فيه إلى المدينة بثلثة أعوام ‪.‬‬
‫وهذه هند أم سلمة المخزومية رضي الله عنها ‪ ،‬كانت هاجرت إلى الحبشة‬
‫مع زوجها عبد الله بن عبد السد المخزومي ‪ ،‬وقد توفي زوجها بعد غزوة أحد‬
‫‪ ،‬وعزاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ‪ ) :‬سلي الله يأجرك في مصيبتك‬
‫‪ ،‬ويخلفك خيرا ً ( ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ومن يكون خيرا ً من أبي سلمة ؟‪ ،‬ولما خطبها‬
‫ت غَْيرة ‪ ،‬فأجابها صلى الله‬‫لنفسة اعتذرت بأنها مسنة وأم أيتام )‪ (18‬وذا ُ‬
‫عليه وسلم بأنه أكبر منها سنا ً ‪ ،‬وبأن الغيرة يذهبها الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وبأن‬
‫اليتام إلى الله ورسوله ‪.‬‬
‫فهذا النص يدل دللة وضحة على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫رعاية اليتام ‪ ،‬وكفالة الرمل ‪ ،‬وتعزية المصابين ‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وهذه أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها كانت أسلمت في مكة‬
‫وهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة ‪ ،‬فتنصر زوجها هنالك‬
‫وفارقها ‪ ،‬فأرسل النبي صلى الله عليه سلم إلى النجاشي فخطبها له ‪،‬‬
‫وأصدقها عنه أربعمائة دينار ‪ ،‬ولما عادت إلى المدينة بني بها ‪ ،‬وكان من‬
‫صر زوجها ‪،‬‬ ‫دوافع هذا الزواج احترامهاوكفالتها وجبر خاطرها بعد مصابها بتن ّ‬
‫وعداوة أبيها ‪.‬‬
‫ويتلخص مما تقدم أن من دوافع هذا الزواج ‪ ،‬أسباب هذا التعدد الرحمة‬
‫بالرامل وكفالة النساء المسّنات اليامى ‪ ،‬فهل يكون التزوج بهؤلء النسوة‬
‫ول البعض ؟‪.‬‬
‫وأمثالهن لغرض الشهوة والستمتاع كما يتق ّ‬
‫‪-----------------------------‬‬
‫)‪ (18‬وكانوا ثلثة‪ :‬سلمة وعمر وزينب‪.‬‬
‫اما توثيق روابط الصحبة‪ :‬فظاهر في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بابنتي احب الناس إليه ‪ ،‬وأعزهم عليه‪ :‬عائشة بنت ابي بكر الصديق ‪،‬‬
‫وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا ً ‪ .‬أما زواجه بعائشة أم‬
‫المؤمنين فقد ؤوى ابن سعد وابن أبي عاصم من طريق عائشة قالت ‪ :‬لما‬
‫توفيت خديجة – رضي الله عنها – قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن‬
‫مظعون للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك‬
‫خّلة لفقد خديجة ‪ ،‬فقال‪ :‬أجل ‪ ،‬كانت أم العيال ‪ ،‬وربة البيت ‪.‬‬ ‫َ‬
‫قالت‪ :‬أفل أخطب عليك ؟ قال‪ :‬بلى ‪ ،‬فإنكن معشر النساء أرفق بذلك ‪،‬‬
‫فخطبت عليه سودة بنت زمعة ‪ ،‬و عائشة بنت أبي بكر ‪ .‬وفي رواية ‪ :‬قالت‬
‫خولة للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أي رسول الله أل تَزّوج؟ قال‪ :‬من ؟‬
‫قالت ‪ :‬إن شئت بكرا ً ‪ ،‬وإن شئت ثّيبا ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن البكر ‪ ،‬قالت ‪ :‬بنت أحب‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن الثيب ؟ قالت ‪ :‬سودة بنت‬
‫ي ‪ ..‬قالت عائشة‪:‬‬ ‫زمعة؛ آمنت بك واتبعتك ‪ ،‬قال‪ :‬فاذهبي فاذكريهما عل ّ‬
‫م رومان ‪ ،‬فقالت خولة ‪ :‬ما أدخل الله‬ ‫فجاءت فدخلت بيت أبي بكر فوجدت أ ّ‬
‫عليكم من الخير والبركة ؟!‪ .‬قالت‪ :‬وماذاك؟ قالت‪ :‬أرسلني رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬وددت ‪ ،‬لو تنتظرين أبا‬
‫بكر ‪ ،‬فجاء أبوبكر فذكرت له ‪ ،‬فقال ‪ :‬وهل تصلح له وهي بنت أخية ؟‬
‫فرجعت فكذرت ذلك لنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬قولي له ‪ :‬أنت‬
‫أخي في السلم وابنتك تحل لي (‪.‬‬
‫ديق أبو بكر من قوله ‪ ) :‬وهل تصلح له‬ ‫وهنا نقف لحظة لنعرف ماذا يقصد ال ّ‬
‫وهي بنت أخيه ؟( يقصد أن الرابطة الخوية الصادقة التي تربطه برسول الله‬
‫وة النسب ‪ ،‬فما‬ ‫صلى الله عليه وسلم بلغت في القوة والمتانة مبلغ رابطة إخ ّ‬
‫كان يتصور رضي الله عنه أن عائشة تحل له ‪ ،‬وماكان يدور في خلده أن‬
‫يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بابنته ؛ ولكن لما علم أبو بكر‬
‫قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي نقلته له خولة ‪) :‬أنت أخي في السلم‬
‫ش لهاذا الزواج وفرح به ‪ ،‬بل كان مفتخرا ً‬ ‫وابنتك تحل لي ( ‪ ،‬لما علم ذلك ه ّ‬
‫بهذه المصاهرة معتزا ً بها على مدى اليام ؛ فإذا اجتمعت فضيلة وإخوة الدين‬
‫‪ ،‬وفضيلة المصاهرة ‪ ،‬وفضيلة الصحبة والسبق إلى السلم في إنسان ‪،‬‬
‫فلتكن في أبي بكر الصديق ‪ ،‬فقد جمع الخير من كل جهاته ‪ ،‬وحاز المجد من‬
‫جميع أطرافه رضي الله عنه وأرضاه ‪.‬‬
‫أما زواجه بحفصة بنت عمر أم المؤمنين ‪ ،‬فقد روى ابن الثير في أسد الغابة‬
‫سهمي ‪ ،‬وكان من المهاجرين‬ ‫حفصة كانت متزوجة بخنيس بن حذافة ال ّ‬
‫الولين إلى أرض الحبشة ‪ ،‬وممن شهدوا بدرا ً ‪ ،‬ومات في المدينة متأثرا ً‬
‫بجراحه بعد موقعة أحد ‪ ،‬فرأى عمر أن يزوجها ‪ ،‬فعرضها على أبي بكر‬
‫فسكت ‪ ،‬وعرضها على عثمان بعد موت زوجه رقية بنت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬ماأريد أن أتزوج اليوم ‪ ،‬وإنما كان يرجوا أن يزوجه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بنته أم كلثوم ‪ ،‬وقد ساء عمر رضي الله عنه‬
‫ماكان من أبي بكر وعثمان ‪ ،‬وهنا الكفئان الكريمان لبنته ‪ ،‬فذكر ذلك للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال ‪ ) :‬يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج‬
‫ي فإن‬ ‫عثمان من هي خير من حفصة (‪ ،‬فلقي أبو بكر عمر فقال ‪ :‬ل َتجد ْ عل ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حفصة فلم أكن لفشي سر رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولو تركها لتزوجتها ‪ ،‬وكان زواج الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بحفصه سنة ثلث من الهجرة على القول الراجح‪.‬‬
‫نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة في السنة الثانية من‬
‫الهجرة ‪ ،‬فكان هذا قّرة عين لوزيره الول ‪ ،‬وصاحبه في الغار ‪ ،‬وتزوج في‬
‫حفصة في السنة الثالثة من الهجرة ليسوي بين عمر وبين أبي بكر في‬
‫شرف المصاهرة ‪ ،‬ومتانة الصحبة ‪ ،‬ولم يكن في المكان أن يكافئهما على‬
‫صدقهما وإخلصهما وجهادهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الزواج ‪،‬‬
‫وأكرم من تلك المصاهرة‪.‬‬
‫لول الذي فعلة الرسول صلى الله عليه وسلم من الزواج بحفصة لكانت‬
‫حسرة في قلب عمر ‪ ،‬ولوعة تعتلج نفسه وصدره ؛ فما أكرم سياسته صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وما أعظم وفاءه للصحاب المخلصين! ‪..‬‬
‫‪---------------------------------------‬‬
‫)‪ (19‬خلة‪ :‬حاجة‪.‬‬
‫)‪ (20‬هي ام عائشة‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وأما إعطاء القدوة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو السوة الحسنة‬
‫والمثل الكامل في حسن معاشرته لزواجه ‪ ،‬وإرادة الخير لهن ‪ ،‬وتحقيق‬
‫العدل بينهن ‪ ،‬ول بأس أن نذكر طرفا ً من هذه المعاملة الطيبة حتى يتأسى‬
‫المتزوجون بها ‪ ،‬ويمشوا على هديها ونهجها ‪ ،‬وبالتالي حتى يعلم كل ذي عقل‬
‫وبصيرة الحكمة من هذا التعدد والسر من هذا الجمع‪.‬‬
‫أ ‪ -‬القسمة بالعدل‪ :‬كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على أن‬
‫يقسم أوقاته بالعدل بين نسائه جميعا ً ‪ ،‬وكان يدور عليهن كل يوم امرأةً‬
‫امرأة ً ‪ ،‬إلى أن يصل إلى التي عندها الدور )فيبيت عندها( ‪ ،‬ولما كبرت سودة‬
‫بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة ‪ ،‬تبغي رضاء رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عنها ‪ ،‬روى أحمد وأصحاب السنن أن سودة بنت زمعة لما أسّنت‬
‫وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قالت يارسول الله‪:‬‬
‫ت يومي لعائشة ‪ ،‬فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منها ‪.‬‬ ‫وهب ُ‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه ‪ ،‬فأيتهن خرج‬
‫سهمها خرج بها ؛ تحقيقا ً لجانب العدل ‪ ،‬ولما حج أخذهن كلهن معه ‪ .‬ولما‬
‫مرض عليه السلم مرضه الخير شقّ عليه أن ينتقل بين بيوت نسائة كل يوم‬
‫كما كان يفعل في حال صحته ‪ ،‬فكان يسأل – كما روى البخاري ‪ : -‬أين أنا‬
‫غدا ً ؟ أين أنا غدا ً ؟ يريد يوم عائشة ‪ ،‬فأذن له أزواجه كلهن أن يكون حيث‬
‫شاء ‪ ،‬فختار بيت عائشة وفيه توفي ‪ ،‬وروى أبو داود أنه بعث في مرضه إلى‬
‫ن أن‬ ‫نسائة فاجمعهن ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬إني ل أستطيع أن أدور بينكن ؛ فإن رأيت ّ‬
‫ن له ‪ ،‬ومن حكمة ذلك أن يدفن في‬ ‫ن لي أن أكون عند عائشة ( فأذ ّ‬ ‫تأذ ّ‬
‫بيتها ‪ ،‬وقد كان صرح من قبل بأنه يدفن حيث يموت‪.‬‬
‫وقس على عدله بالمبيت عدله صلى الله عليه وسلم بالنفقة واللطف‬
‫والبشاشة والتكريم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬احترامه لرائهن‪ :‬كان عليه الصلة والسلم يقبل من نسائه أن يراجعنه‬
‫فيما ل يرضين به ‪ ،‬فل يسخطه ذلك ‪ ،‬حتى أصبح نساء الصحابة يقتدين بهن ‪،‬‬
‫فقد روى الطبري عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال ‪:‬‬
‫كر‬
‫م ُتن ِ‬‫ت على امرأتي فراجعتني ‪ ،‬فأنكرت أن تراجعني ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ول ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ص ْ‬‫) فَ ِ‬
‫جَعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه (‪.‬‬ ‫أن أرا ِ‬
‫ت ‪ -‬مساعدته في خدمة البيت‪ :‬روى الطبري وغيره عن عائشة أنها لما‬
‫سئلت ‪ :‬ماذا كان يصنع الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت قالت‪ ) :‬كما‬
‫يصنع أحدكم ‪ ،‬يشيل هذا ‪ ،‬ويحط هذا ‪ ،‬ويخدم في مهنة أهله ‪ ،‬ويطح لهن‬
‫م البيت ‪ ،‬ويعين الخادم في خدمته ( وفي رواية ‪ ) :‬كان رسول‬ ‫اللحم ‪ ،‬ويق ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ‪ ،‬ويخيط ثوبه ‪ ،‬ويعمل في بيته كما‬
‫يعمل أحدكم في بيته (‪.‬‬
‫ث ‪ -‬استنكاره ضرب النساء‪ :‬روى ابن سعد في طبقاته أن سبعين امرأة‬
‫شكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب رجالهن لهن ‪ ،‬فأغضبه‬
‫ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنه ل يحب أن يرى ذلك أبدا ً ‪ ،‬وقال ‪ :‬عندما شكت له مرأة‬
‫ضرب زوجها ‪ ) :‬يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد ‪ ،‬ثم يظل يعانقها ول‬
‫يستحي ( وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر على الناس ضرب‬
‫نسائهم ‪ ،‬فإن أعطى لصحابه القدوة العملية في الملطفة ‪ ،‬وعدم ضرب‬
‫النساء ‪ ،‬فقد روى ابن سعد عن عائشة أنها قالت ‪ ) :‬ما ضرب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط ‪ ،‬ول خادما ً ‪ ،‬ول ضرب شيئا ً قط ؛ إل‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يجاهد في سبيل الله ( ‪.‬‬


‫ج ‪ -‬وفاؤه لمن مات منهن‪ :‬من المعلوم أن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها‬
‫‪ ،‬كانت أول زوجاته صلى الله عليه وسلم فقد قضى معها زهرة شبابه ‪،‬‬
‫وعنفوان رجولته ‪ ،‬ولما ماتت ظل النبي صلى الله عليه وسلم طول عمره‬
‫يذكرها ‪ ،‬ويكرم صديقاتها ومعارفها‪.‬‬
‫سير أن عجوزا ً زارت النبي صلى الله عليه وسلم في‬ ‫وذكرت كتب التاريخ وال ّ‬
‫بيت عائشة ‪ ،‬فأكرم مثواها ‪ ،‬وبسط لها رداءه فأجلسها عليه ‪ ،‬فلما انصرفت‬
‫سألته عائشه عنها لتعلم سبب إكرامه لها ‪ ،‬فأخبرها أنها كانت تزور خديجة ‪.‬‬
‫وروى ابن عبد البر والد ّْولبي أن عائشة كانت تغار من خديجة كلما ذكرها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقالت له مرة‪ :‬هل كانت إل عجوزا ً أبدلك‬
‫الله خيرا ً منها؟ ‪ -‬تعني نفسها‪ -‬فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال ‪:‬‬
‫) ل والله ماأبدلني خيرا ً منها ‪ ،‬آمنت بي إذ كفر الناس ‪ ،‬وصدقتني إذ كذبني‬
‫الناس ‪ ،‬وواستني بمالها إذ حرمني الناس ‪ ،‬ورزقني الله منها الولد دون‬
‫غيرها من الناس ( قالت عائشة ‪ :‬فقلت في نفسي ل أذكرها بعدها بسيئة‬
‫أبدًا‪.‬‬
‫ت على أحد من نساء النبي‬ ‫وروى الشيخان عن عائشة أنها قالت ‪) :‬ماغر ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة ‪ ،‬وما رأيتها قط ‪ ،‬ولكن كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها ‪ ،‬وربما ذبح الشاة ‪ ،‬ثم يطعها أعضاًء ‪ ،‬ثم‬
‫يبعثها في صدائق خديجة ‪ ،‬وربما قلت له ‪ :‬لم يكن في الدنيا امرأة إل خديجة‬
‫؟! فيقول إنها كانت وكانت ‪ ،‬وكان لي منها ولد ‪ ،‬وإني لحب حبيبها (‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ح ‪ -‬مداعبتهن والبشاشة لهن‪ :‬كان عليه الصلة والسلم يبسم دائما ً في وجه‬
‫نسائه ‪ ،‬ويلين لهن ‪ ،‬ويجاملهن ويؤانسهن ‪ ،‬فقد روى ابن سعد عن عائشة –‬
‫رضي الله عنها – أنها قالت‪ ) :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألين‬
‫ساما ً (‪.‬‬ ‫الناس ‪ ،‬وأكرم الناس ‪ ،‬وكان رجل ً من رجالكم إل أنه كان ي ّ‬
‫أما المداعبة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب نساءه ويمازحهن ‪،‬‬
‫وحينما يجلس معهن ويخلو بهن ‪ ،‬وقد كان لعائشة بنت الصديق رضي الله‬
‫عنهما من قلب رسول لله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن لحد من نسائه‬
‫بعد خديجة رضي الله عنها ‪ ،‬فكانت الحبيبة بنت الحبيب ‪ ،‬وكانت هي أكثرهن‬
‫إدلل ً عليه لصغر سنها ‪ ،‬وفرط ذكائها ‪ ،‬ومنزلة والدها ‪ .‬وفي الصحيحين عن‬
‫م إ ِّني‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ِلي َر ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ه عَن َْها َقال َ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬‫عائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ن ت َعْرِ ُ‬ ‫ن أي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ت فَ ُ‬ ‫ضَبى َقال َ ْ‬‫ي غَ ْ‬ ‫ت عَل َ ّ‬ ‫ة وَإ َِذا ك ُن ْ ِ‬‫ضي َ ً‬
‫ت عَّني َرا ِ‬ ‫م إ َِذا ك ُن ْ ِ‬ ‫َلعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ت عَل َ ّ‬
‫ي‬ ‫مدٍ وَإ َِذا ك ُن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن َل وََر ّ‬ ‫قوِلي َ‬ ‫ك تَ ُ‬ ‫ة فَإ ِن ّ ِ‬‫ضي َ ً‬‫ت عَّني َرا ِ‬ ‫ما إ َِذا ك ُن ْ ِ‬ ‫لأ ّ‬ ‫قا َ‬‫ك فَ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫جُر إ ِلّ‬ ‫ل الل ّه ما أهَْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َواللهِ َيا َر ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫تأ َ‬ ‫ت قُل ُ‬ ‫م َقال ْ‬ ‫هي َ‬‫ب إ ِب َْرا ِ‬‫ت ل وََر ّ‬ ‫ضَبى قُل ِ‬ ‫غَ ْ‬
‫م َ‬
‫ك‬ ‫س َ‬ ‫ا ْ‬
‫وروى المام أحمد في مسنده أن عائشة أم المؤمنين خرجت مع رسول الله‬
‫ن بعد ‪ ،‬فتسابق‬ ‫صلى الله عليه وسلم في أحد أسفاره ‪ ،‬وكانت صغيرة لم تبد ُ ْ‬
‫ت ‪ ،‬وخرجت معه مرة أخرى فتسابقا‬ ‫دن ْ‬ ‫وإياها فسبقته ‪ ،‬فسكت عنها إلى أن ب َ ُ‬
‫‪ ،‬فسبقها ‪ ،‬فجعل يضحك وهو يقول لها )هذه بِتيك( أي واحدة بواحدة‪.‬‬
‫خ ‪ -‬موقفه منهن موقف الصلح‪ :‬المرأة بما جبلت عليه من عاطفة فياضة ‪،‬‬
‫وغيرةٍ متقدمة ‪ ،‬تتأثر دائما ً بأي موقف يثيرها ‪ ،‬وبأية حادثة تحدث لها ‪ ،‬وما‬
‫نساء النبي صلى الله عليه وسلم إل من جملة نساء البشر ؛ لهن عواطف‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تتأثر ‪ ،‬ومشاعر تتحرك ‪ ،‬فمن الطبيعي أين يقع بينهن شئ من الخصومات‬


‫وسوء التفاهم ‪ ،‬ومن الطبيعي كذلك أن يقف الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫منهن موقع المصلح المعلم ‪ ،‬حتى إذا صلح أمرهن ‪ ،‬وتهذبت نفوسهن كن‬
‫لغيرهن من النساء قدوة ‪ ،‬وللزوجات والمهات مثال ‪.‬‬
‫وإليكن طرفا ً من هذا التعليم والصلح ‪:‬‬
‫• روى الترمذي أن صفية بلغها أن عائشة وحفصة قالتا ‪ :‬نحن أكرم على‬
‫رسول الله منها ‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ ) :‬أل قلت‬
‫‪ :‬وكيف تكونان خيرا ً مني ‪ ،‬وزوجي محمد ‪ ،‬وأبي هارون ‪ ،‬وعمي موسى ؟! (‬
‫وقد لقبتها زينب مرة باليهودية ‪ ،‬فهجرها النبي صلى الله عليه وسلم شهرا ً‬
‫كامل ً عقوبة لها‪.‬‬
‫• وروى ابن سعد أن عائشة اختصمت مرة مع زينب – إحدى ضرائرها – أمام‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فنظر الرسول إليهما نظرة المغضب ولم‬
‫يكلمهما ‪ ،‬فانتبهت عائشة لنظرات الرسول صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فاستطاعت بلباقتها أن تضفي على الجو روح اللفة والسرور ‪،‬فبتسم‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وقال ‪ ) :‬إنها بنت أبي بكر !! (‪.‬‬
‫• وروى أبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ ) :‬قل للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬حسبك من صفية كذا وكذا – تعني أنها قصيرة –‬
‫ت كلمة واحدة لو مزجت بماء البحر‬ ‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬لقد قل ِ‬
‫لمزجته ( أي أن كلمتها لو ألقيت في البحر لفسدته‪.‬‬
‫• وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن ل يقربهن‬
‫شهرا ً ‪ ،‬واعتزلهن كلهن زجرا ً وتأديبا ً لتواطئهن والئتمار بينهن ‪ ،‬حتى يك ّ‬
‫ن‬
‫قدوة صالحة لسائر النساء‪.‬‬
‫تلكم أهم المواقف التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم في ملطفته‬
‫لهله ‪ ،‬وحسن معاشرته لزواجه ‪ ،‬أل فليأخذ المتزوجون من هذه المواقف‬
‫دروس القدوة ‪ ،‬وليستلهموا منها مواطن العبرة ‪ ،‬حتى ل يقعوا في الجور ‪،‬‬
‫ول يتعثروا في أوحال النحراف والظلم ‪ .‬ولو كان الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم مقتصرًاعلى زوجة واحدة لما عرف الناس هذه التعاليم العملية ‪ ،‬ولما‬
‫اتضح لهم المنهج السليم في معاشرة الهل ومعاملة الزوجات ‪ ،‬ولما اتضح‬
‫لهم مواطن السوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا‬
‫الجانب ‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫)‪ (21‬المسند ‪.108 : 6‬‬
‫)‪ (22‬أما رواية ابن سعد في طبقاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أراد فراقها فناشدته أن يمسكها فإنها ضعيفة‬
‫)‪ (23‬ابن سعد‪.‬‬
‫)‪ (24‬أي يكنسه‪.‬‬
‫)‪ (25‬ابن سعد ) ‪.( 148 : 8‬‬
‫)‪ (26‬وإذا كان القرآن الكريم أباح للزوج أن يضرب زوجت في حال النشوز‬
‫ضربا ً غير مبرح؛ فينبغي أل يعرب عن البال أن هذا الضرب يأتي بالمرحلة‬
‫الخيرة بعد الوعظ والهجر في المضجع كما نصت عليه الية ‪ ،‬ثم بالتالي إن‬
‫كان ينفع ولم يترتب على الضرب فتنة أشد ول مصيبة أعظم ‪ ،‬وأن ل يضرب‬
‫في أماكن الخطر كالوجه مثل ً ؛ والفضل في حق الزوج أن ل يلجأ إلى‬
‫الضرب اقتداء بالرسول عليه الصلة والسلم لنه لم يضرب امرأة قط كما‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مر‪.‬‬
‫)‪ (27‬لم تبدن ‪ :‬أي لم يصيبها السمن‪,‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫)‪ (28‬قد كان نساء النبي صلى الله عيه وسلم تواطأن على طلب التوسعه‬
‫في النفقة ‪ ،‬وإفشاء السر ‪ ،‬والكيد لبعض النساء من زوجاته ‪ ،‬وارجع إلى‬
‫سآُء ‪(52){...‬‬ ‫ل لَ َ‬
‫ك الن ّ َ‬ ‫القرطبي في تفسيره لسورة التحريم ‪ ،‬وآية ‪} :‬ل ّ ي َ ِ‬
‫ح ّ‬
‫الموجودة في الحزاب تجد ما فيه الكفاية ‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بالجابة عن السؤال الول‪ :‬فنقول‪ :‬إن زواج الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بعائشة كان لسباب أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬زواجه لها كان أمرا ً من الوحي‪ :‬كانت عائشة تفتخر فيما بعد على سائر‬
‫أزواج الرسول ‪ ،‬وتعتز بأن الله سبحانه وتعالى أوصى الرسول بها ‪ ،‬وأتاه‬
‫جبريل عليه السلم بصورتها في خرقة من حرير خضراء قائل ً له ‪ :‬أنها زوجته‬
‫في الدنيا والخرة‪ .‬وكانت عائشة تردد دائما ً أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ُ‬
‫سرٍقة )‪(31‬‬ ‫وسلم قال لها ‪ ) :‬أريتك في المنام مرتين ‪ ،‬أرى رجل ً يحملك في َ‬
‫ت ‪ ،‬فأقول‪ :‬إن‬ ‫من حرير ‪ ،‬فيقول هذه امرأتك ‪ ،‬فأكشف عنها ‪ ،‬فإذا هي أن ِ‬
‫يك هذا من عندالله يمضه ()‪. (32‬‬
‫‪ -2‬زواجه لها كان تكريما ً لصاحبه‪ :‬كلنا يعلم أن أبابكر رضي الله عنه كان أول‬
‫المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال ‪ ،‬ومن كبار الصحابة‬
‫الذين أخلصوا حبهم لله وللرسول والسلم ‪ ،‬وتحملوا في سبيل الدعوة كل‬
‫أذى واضطهاد ‪ ،‬وكان له شرف الصحبة في الهجرة ‪ ،‬والقامه معه في الغار ‪،‬‬
‫ديق ‪ ،‬لمواقفه الصادقة ‪،‬‬ ‫وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالص ّ‬
‫وجهاده المخلص ‪ .‬فإنسان هذا حاله ‪ ،‬وهذا صدقه ‪ ،‬وهذا جهاده أليس يزداد‬
‫فخرا ً وشرفا ً حين يتقدم أحب خلق الله إليه ‪ ،‬وأكرمهم لديه ‪ ،‬ليخطب ابنته ‪،‬‬
‫ويكون صهره ؟ أليس يجد في هذه المصاهره تكريما ً ما بعده تكريم ومنزلة‬
‫لتدانيها منزلة ؟ وقد مر معك ملبسة زواج الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بعائشة في بحث توثيق روابط الصحبة من هذا الكتاب فأرجع إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬زواجه لها كان الثر الكبر من الناحية العلمية‪ :‬أبرز ما برزت فيه عائشة‬
‫رضي الله عنها رواية الحديث ‪ ،‬وقد اعتمد علماء الحديث على كثير مما نقل‬
‫عنها ؛ لنها كانت صادقة فيما تنقل ‪ ،‬عالمه بأحكام الشريعة ‪ ،‬وكان ابن‬
‫الزبير إذا حدث عنها يقول ‪) :‬والله لتكذب عائشة على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أبدًا()‪ ،(33‬كما أن مسروقا ً كان يقول في نقل الحاديث عنها ‪:‬‬
‫) حدثتني الصديقة ابنة الصديق البريئة المبرأة()‪ . (34‬وسبق أن ذكرنا في‬
‫بحث )اكتمال التشريع( من هذا الكتاب أن عدد الحاديث التي روتها عائشة‬
‫بلغت ‪ 2210‬حديثا ً ‪ .‬ولم يكن دور عائشة خاصا ً بالحديث ‪ ،‬وإنما تجاوزت ذلك‬
‫إلى الفقه ‪ ،‬فقد كانت معلوماتها في الحكام الشرعية وافرة ‪ ،‬يقول المام‬
‫الزركشي ‪ ) :‬إن ربع الحكام الشرعية منقول عنها(‪.‬‬
‫ولم تكن عائشة فقيهة فحسب ‪ ،‬بل كانت من أفقه الناس ‪ ،‬وكانت تفتي في‬
‫خلفة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ‪ ،‬وكانوا يسألونها عن أشياء‬
‫كثيرة إلى أن ماتت ‪ ،‬وكان القضاة يجتمعون عندها لحل بعض المشاكل ‪،‬‬
‫فيستأذنون عليها ‪ ،‬فتأذن لهم ‪ ،‬وتكلمهم من وراء حجاب‪.‬‬
‫وكانت السيدة عائشة إلى جانب أنها محدثة وفقيهة فصيحة اللسان ‪ ،‬بليغة‬
‫ضر‬‫الكلم ‪ ،‬قوية الحجة ‪ ،‬فلنستمع إلى كلمها يوم توفي أبوها الصديق ‪ ) :‬ن ّ‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله وجهك ياأبت ‪ ،‬وشكر لك صالح سعيك ‪ ،‬فلقد كنت للدنيا مذل ً بإدبارك‬
‫ل الحوادث بعد رسول الله‬ ‫عنها ‪ ،‬وللخرة معزيا ً بإقبالك عليها ‪ ،‬ولئن كان أج ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم رزؤك ‪ ،‬وأعظم المصائب بعد فقدك ؛ فعليك سلم الله‬
‫تودع غير قاليه لحياتك ‪ ،‬ول زارية على القضاء فيك ()‪ ، (35‬وإلى جانب هذا‬
‫كانت عالمة بالشعر والدب ‪ ،‬وأخبار العرب الماضية ‪ ،‬والنساب ‪ ،‬وعلم‬
‫الفلك والطب‪.‬‬
‫ولقد شهد رجال العلم والمعرفة بعلم عائشة وذكائها‪.‬‬
‫‪ -‬قال عنها عطاء بن أبي رباح ‪ ) :‬كانت عائشة أفقه الناس ‪ ،‬وأعلم الناس ‪،‬‬
‫وأحسن الناس رأيا ً في العامة()‪. (36‬‬
‫‪ -‬قال عروة ‪ ) :‬ما رأيت أحدا ً أعلم بفقه ول بطب ول بشعر من عائشة ()‬
‫‪. (37‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن ‪) :‬ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول أفقه في رأي إذا احتيج إلى رأيه ‪ ،‬ول أعلم بآيه‬
‫فيمن أنزلت ول بفريضة من عائشة ()‪. (38‬‬
‫‪ -‬ويقول العمش ‪) :‬لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين ‪،‬‬
‫وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل ()‪. (39‬‬
‫‪ -‬وروى عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة – وهو ابن أخت عائشة‬
‫– أنه قال ‪ ) :‬لقد صحبت عائشة فما رأيت أحدا ً قط كان أعلم بآية نزلت ‪ ،‬ول‬
‫بفريضة ‪ ،‬ول بسنة ‪ ،‬ولبشعر ‪ ،‬ولأروى له ‪ ،‬ول بيوم من أيام العرب ‪ ،‬ول‬
‫بنسب ‪ ،‬ولبكذا ‪ ،‬ول بكذا ‪ ...‬ول بقضاء ول بطب منها()‪.(40‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫هذه هي أهم السباب التي دعت الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتزوج‬
‫من عائشة في سن مبكرة مع المفارقة في السن ‪ ،‬والتفاوت بالعمر )‪، (41‬‬
‫ن كان‬‫م ْ‬
‫وهي – كما رأيت – أسباب مقنعة ‪ ،‬وحجج دامغة ‪ ،‬ل يجادل فيها إل َ‬
‫في قلبه زيغ ‪ ،‬وعلى عينيه غشاوة ‪ ،‬ويكفي عائشة فخرا ً وخلودا ً أنها زوج‬
‫رسول الله ‪ ،‬وأم المؤمنين ‪ ،‬وراوية الحديث ‪ ،‬وجاءت الشارة بزواجها من‬
‫السماء ‪ ،‬ويكفيها فخرا ً كذلك أن الوحي نزل ببراءتها ‪ ،‬وأن الرسول توفي‬
‫حرها ونحرها )‪ (42‬رضي الله عنها وأرضاها ‪.‬‬ ‫س ْ‬
‫في حجرتها بين َ‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫)‪ (31‬السرقة‪ :‬شقة من حرير‪.‬‬
‫)‪ (32‬مسند أحمد وغيره‪.‬‬
‫)‪ (33‬ابن سعد‬
‫)‪ (34‬ابن عبد البر وابن الثير‪.‬‬
‫)‪ (35‬الزركشي ص ‪.61‬‬
‫)‪ (36‬ابن الثير ‪ ،‬وابن حجر‪.‬‬
‫)‪ (37‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (38‬النساب للبلذري‪.‬‬
‫)‪ (39‬النساب للبلذري وابن حجر‪.‬‬
‫)‪ (40‬النساب للبلذري‪.‬‬
‫)‪ (41‬صحيح أن السلم راعى التكافؤ في السن في مسألة الزواج ‪ ،‬ولكن‬
‫لم يجعل ذلك شرطا ً في صحة العقد ‪ .‬علما ً بأن التفاوت الكبير الذ كان بين‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عائشة ليشكل خطرا ً على هذا الزواج‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬فالسلم قد رغب في تقارب السن ليتفاهم الزوجان ‪ .‬أما بالنسبة لرسول‬


‫الله صلى الله عليه وسلم فهو مرب النسانية ومعلم البشرية ‪ ،‬فكيف‬
‫ليمكنه سياسة فتاة صغيرة وتربيتها وحسن معاشرتها ؟!‪.‬‬
‫)‪ (42‬أي مات وهو مستند إلى صدرها‪.‬‬
‫فإليك – أيها القارئ – نبذة عن عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫حياته ‪ ،‬وعن عددهن بعد مماته ‪ .‬تروي كتب التاريخ والسيرة أن جميع من‬
‫عقد عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث عشرة امرأة ‪ ،‬فاللواتي‬
‫تزوجهن ودخل بهن إحدى عشرة امرأة هن على الترتيب التالي ‪:‬‬
‫‪ -1‬خديجة بنت خويلد ‪.‬‬
‫‪ -2‬سودة بنت زمعة ‪.‬‬
‫‪ -3‬عائشة بنت أبي بكر الصديق‪.‬‬
‫‪ -4‬زينب بنت جحش السدية‪.‬‬
‫‪ -5‬حفصة بنت عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪ -6‬أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان ‪.‬‬
‫‪ -7‬هند أم سلمة بنت أبي أمية ‪.‬‬
‫‪ -8‬جويرية بنت الحارث ‪.‬‬
‫‪ -9‬صفية بنت حيي بن أخطب ‪.‬‬
‫‪ -10‬ميمونة بنت الحارث ‪.‬‬
‫‪ -11‬زينب بنت خزيمة ‪.‬‬
‫واللواتي عقد عليهن وفارقهن ولم يدخل بهن اثنتان ‪ :‬أسماء بنت النعمان‬
‫الك ِْندية ‪ ،‬ولما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل بها وجد بها بياضا ً‬
‫فمّتعها)‪ ، (43‬وردها إلى أهلها ‪ .‬وعمرة بنت زيد الكلبية ‪ ،‬وكانت حديثة عهد‬
‫بكفر ‪ ،‬فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذت منه ‪،‬‬
‫فردها إلى أهلها بعد أن أداها حقها‪.‬‬
‫وأما ملك يمينه فاثنتان ‪ :‬مارية بنت شمعون القبطية ‪ ،‬وريحانة بنت زيد‬
‫القرظّية ‪.‬‬
‫وأما اللتي توفينه قبله فاثنتان ‪ :‬خديجة بنت خويلد ‪ ،‬وزينب بنت خزيمة‬
‫وأما اللتي توفي عنهن فتسع زوجات هن كمايلي‪ :‬عائشة بنت أبي بكر ‪،‬‬
‫وحفصة بنت عمر بن الخطاب ‪ ،‬وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان ‪ ،‬وهند أم‬
‫سليمة بنت أبي أمية ‪ ،‬وسودة بنت زمعة ‪ ،‬وزينب بنت جحش السدية ‪،‬‬
‫وميمونة بنت الحارث ‪ ،‬وجويرية بنت الحارث ‪ ،‬وصفية بنت حيي بن أخطب ‪.‬‬
‫والذي عليه كتب السيرة والمحققون من أهل العلم والحديث أن جمع‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم بين تسع نسوة في وقت واحد هو المعتد به‬
‫والمشهور ‪ ،‬ول عبرة بما ذكره بعض المؤرخين كالطبري من أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم تزوج من خمس عشرة )‪ (44‬امرأة ‪ ،‬وجمع بين إحدى‬
‫عشرة ‪ ،‬ومما يؤيد الجمع بين تسع نسوة في آن واحد ما روى ابن كثير عن‬
‫ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن ‪ :‬أنه لما نزلت آية التخيير وهي‬
‫َ‬
‫ن ال ْ َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها‬ ‫ن ت ُرِد ْ َ‬ ‫ك ِإن ُ‬
‫كنت ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ي ُقل لْزَوا ِ‬ ‫قوله تعالى ‪} :‬ي َأي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫فَتعال َي ُ‬
‫ل{)‪ ، (45‬ولما نزلت كان تحته صلى‬ ‫مي ً‬ ‫سَراحا ً َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن َ‬‫حك ُ ّ‬‫سّر ْ‬ ‫ن وَأ َ‬ ‫مت ّعْك ُ ّ‬
‫نأ َ‬‫ََ ْ َ‬
‫الله عليه وسلم تسع نسوة ‪ ،‬خمس من قريش ‪ :‬عائشة ‪ ،‬حفصة ‪ ،‬ام حبيبة ‪،‬‬
‫وسودة ‪ ،‬وأم سلمة ‪ ،‬وأربع من غير قريش وهن ‪ :‬صفية الخيبرية ‪ ،‬وميمونة‬
‫الهللية ‪ ،‬وزينب السدية ‪ ،‬وجويرية المصطلقية ‪ ،‬وبدأ الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بعائشة ‪ ،‬فلما اختارت الله ورسوله والدار الخرة رؤي الفرح في‬
‫وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتابعن كلهن على ذلك ‪ ،‬فلما خيرهن‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واخترن الله ورسول والدار الخرة شكرهن الله جل شأنه على ذلك إذ قال ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ل بهن م َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ‬‫سن ُهُ ّ‬‫ح ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن أْزَواٍج وَل َوْ أعْ َ‬
‫جب َ َ‬ ‫من ب َعْد ُ وَل َ أن ت َب َد ّ َ ِ ِ ّ ِ ْ‬‫سآُء ِ‬‫ك الن ّ َ‬‫ل لَ َ‬‫ح ّ‬‫}ل ّ ي َ ِ‬
‫يٍء ّرِقيبًا{ )‪. (46‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ َ‬
‫ه عَل َ‬ ‫ك وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫مين ُ َ‬
‫ت يَ ِ‬‫مل َك َ ْ‬‫ما َ‬‫َ‬
‫ويقول ابن كثير في تفسيره ‪) :‬وذكر غير واحد من العلماء عن ابن عباس‬
‫ك‬‫ل لَ َ‬‫ح ّ‬ ‫ومجاهد والضحاك وابن زيد وابن جريج وغيرهم ‪ ..‬أن هذه الية ‪) :‬ل ّ ي َ ِ‬
‫من ب َعْد ُ ‪ ( ..‬نزلت مجازاة لزواج النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ورضاه‬ ‫سآُء ِ‬ ‫الن ّ َ‬
‫عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الخرة لما‬
‫خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الية( )‪. (47‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫فهذه النصوص بجملها تؤكد أن جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين تسع‬
‫نسوة في وقت واحد وأمر مقطوع به ليقبل الشك ‪ ،‬وهذا الجمع يبدأ عهده‬
‫على الرجح من السنة السابعة )‪ (48‬من الهجرة إلى أن نزلت آية )ل ّ ي َ ِ‬
‫ح ّ‬
‫ل‬
‫من ب َعْد ُ ‪ (..‬إلى أن توافاه الله تعالى‪.‬‬‫سآُء ِ‬ ‫لَ َ‬
‫ك الن ّ َ‬
‫ولم تكن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم – كما رأيت – من جنس‬
‫واحد ‪ ،‬ول من دين واحد ‪ .‬ففيهن العربيات وغير العربيات ‪ ،‬وفيهن القرشيات‬
‫وغير القرشيات ‪ ،‬وقد سبق ذكر القرشيات وغير القرشيات ‪ ،‬وأما غير‬
‫العربيات وغير المسلمات من الديانات الخرى فهن ‪ :‬ريحانة بنت زيد‬
‫القرظية فكانت ملك يمينه وهي يهودية ‪ ،‬وصفية بنت حيي وهي يهودية ‪ .‬أما‬
‫مارية فكانت ملك يمينه وهي قبطية نصرانية ‪ ،‬ثم أسلمن عندما بنى بهن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫هؤلء هن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم على اختلف اجناسهن‬
‫وأديانهن ‪ ،‬فقد جمع في عصمته من قومه ومن غير قومه ‪ ،‬كما جمع‬
‫المسلمه والنصرانية واليهودية ‪ ،‬وجمع بين البكر والثيب ‪ ،‬والفقيرة وابنة‬
‫رئيس العشيرة ‪ ..‬وهذا كله من حسن سياسته صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ونظره البعيد في تآلف القوم ‪ ،‬ومحو الفوارق العنصرية ‪.‬‬
‫وإذا أردنا تقسيم حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الزوجية اتخذنا طريقة‬
‫)محمد علي( )‪ (49‬بذلك ‪ ،‬وهي أنه قسمها إلى أربع حلقات )‪: (50‬‬
‫‪ -1‬حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن كان في الخامسة والعشرين‬
‫من عمره ‪ ،‬وكان ليزال عازبا ً يحيا حياة هادئة تمتاز بالطهر والعفاف‪.‬‬
‫‪ -2‬حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من الخامسه والعشرين إلى‬
‫الخمسين ‪ ،‬وكان في هذه الفترة سعيدا ً مع زوجه خديجة بنت خويلد ‪ ،‬ولم‬
‫يفكر في غيرها قط إل بعد وفاتها‪.‬‬
‫‪ -3‬حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من الخمسين إلى الستين حين تزوج‬
‫عدة نساء لسباب اجتماعية وسياسية وإنسانية ‪ ،‬كما مر معك ‪.‬‬
‫‪ -4‬حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من الستين من عمره إلى وفاته ‪ ،‬لم‬
‫يتزوج خللها تنفيذا ً لمر الله ‪ ،‬وتكريما ً لنسائة اللواتي اخترن الله ورسوله‬
‫والدار الخرة ‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫ً‬
‫)‪ (43‬المتعة ‪ :‬كسوة تعطى لمن يطلق زوجته ولم يسم لها مهرا بعد العقد‬
‫وقبل الدخول ‪ ،‬بشرط أل تزيد القيمة على نصف مهر المثل ‪.‬‬
‫)‪ (44‬ويمكن الجمع بين الروايات ‪ ،‬فإذا نظرنا إلى عدد زوجاته اللواتي دخل‬
‫بهن أو فارقهن وعدد إمائه يكون المجموع ‪ ، /15/‬وإذا نظرنا إلى اللواتي‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دخل بهن فقط يكون المجموع ‪ ، 11‬وإذا نظرنا إلى اللواتي نزلت في حقهن‬
‫آية التخيير إلى أن توفي الرسول صلى الله عليه وسلم يكون المجموع ‪9‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (45‬الية ‪ 28‬من سورة الحزاب‬
‫)‪ (46‬الية ‪ 52‬من سورة الحزاب‬
‫)‪ (47‬انظر تفسير ابن كثير الجزء الثالث ص ‪ 501‬تجد البحث وافيًا‪.‬‬
‫)‪ (48‬وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يقارب الستين سنة ‪.‬‬
‫)‪ (49‬عالم مسلم هندي‬
‫)‪ (50‬عن كتاب )عائشة أم المؤمنين( لمؤلفته زاهيه مصطفى قدورة ص‬
‫‪ 103‬مع شئ من التصرف‪.‬‬
‫‪... ... ...‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫تعذيب أسرى الحرب‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬الجهاد ومعاملة الكفار‪/‬مسائل متفرقة في الجهاد‬
‫ومعاملة الكفار‬
‫التاريخ ‪6/10/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫هل يجوز تعذيب أسرى الحرب على أي حال؟ وهل هناك أي مثال على فعل‬
‫الصحابة – رضي الله عنهم‪ -‬لذلك؟‪.‬‬
‫الجواب‬
‫من حكمة تشريع الجهاد في السلم دفع العدوان الواقع على المسلمين‪،‬‬
‫ورفع الظلم المتوّقع من الكفار‪ ،‬والسلم في تشريعه ل يستشرف إزهاق‬
‫الرواح‪ ،‬أو سلب الموال دون مبرر‪ ،‬وللسرى الكفار في السلم أربعة‬
‫أحكام يخير فيها المام )ولي المر(‪.‬‬
‫‪ -1‬السترقاق‪ -2 ... ،‬المن والعفو ‪ -3‬المفاداة بالمال أو بأسير مسلم عند‬
‫حّتى‬ ‫ب َ‬ ‫ب الّرَقا ِ‬ ‫ضْر َ‬ ‫فُروا فَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قيت ُ ُ‬‫الكفار‪ -4 ،‬القتل‪ .‬قال تعالى‪" :‬فَإ َِذا ل َ ِ‬
‫َ‬ ‫إ َِذا أ َث ْ َ‬
‫ها‬‫ب أوَْزاَر َ‬‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫داًء َ‬‫ما فِ َ‬ ‫من ّا ً ب َعْد ُ وَإ ِ ّ‬
‫ما َ‬ ‫دوا ال ْوََثاقَ فَإ ِ ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خن ْت ُ ُ‬
‫م‪] "...‬محمد‪ :‬من الية ‪ ،[4‬والحسان إلى‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫صَر ِ‬ ‫ه لن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ك وَل َوْ ي َ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫السير صدقة يتقرب بها العبد كما يتصدق على أخيه المسلم تماما ً قال‬
‫سيرًا" ]النسان‪ ،[8:‬ول‬ ‫َ‬
‫كينا ً وَي َِتيما ً وَأ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حب ّهِ ِ‬ ‫م عََلى ُ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫مو َ‬ ‫تعالى‪" :‬وَي ُط ْعِ ُ‬
‫يكون أسيرا إل ّ كافرًا‪ ،‬أما المسلم فل يجوز أسره بحال‪ ،‬وتعذيب السير ل‬
‫يجوز بخلف قتله‪ ،‬فإن قتله حد من حدود الله الشرعية ل تقبل الزيادة بحال‪،‬‬
‫بل الحسان إليه حال القتل إن رؤي قتله؛كما جاء في الحديث‪" :‬إذا قتلتم‬
‫فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح‬
‫ذبيحته"‪ ،‬ولما مثل المشركون بحمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه‪ -‬عم‬
‫رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم أحد لم يمثل الرسول – صلى الله‬
‫ن‬
‫عليه وسلم‪ -‬بأحد من زعماء قريش وقتلهم‪ ،‬وهو يعلم قول الله تعالى "وَإ ِ ْ‬
‫ن" ]النحل‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫خي ٌْر ِلل ّ‬ ‫م ل َهُوَ َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ب ِهِ وَل َئ ِ ْ‬ ‫عوقِب ْت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫م فََعاقُِبوا ب ِ ِ‬ ‫عاقَب ْت ُ ْ‬‫َ‬
‫‪ [126‬بل إن الرقيق )العبد( المسلم نهى الشرع عن إيذائه؛ كما في الحديث‬
‫"من قتل عبده قتلناه ومن جدع أنفه جدعناه"‪ ،‬بل جاءت العناية بالرقيق‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومساواته بالحر في القضايا المعاشية من طعام وشراب ولبس‪ ،‬وحسن‬


‫خطاب‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬في الصحيح "إخوانكم‬
‫خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم‬
‫ويلبسه مما يلبس‪ ،‬ول تكلفوهم ما ل يطيقون فإن كلفتموهم فأعينوهم" بل‬
‫وصلت العناية بالرقيق والرق سببه السر في الحرب‪ ،‬أن يتساوى مع مالكه‬
‫بالسيادة والولية فيخاطب بها كما يخاطب بها ذاك‪ ،‬ففي الحديث "ل يقل‬
‫أحدكم أطعم ربك ووضئ ربك وليقل ‪ :‬سيدي ومولي‪ ،‬ول يقل عبدي وأمتي‬
‫وليقل فتاي وفتاتي وغلمي" وإذا كانت معاملة من أسر في الرق بيد مالكه‬
‫كما في هذه النصوص فإن تعذيب أسير الحرب ل يتفق مع دللة هذه‬
‫النصوص‪ ،‬ولم يؤثر عن أحد من السلف جواز ذلك‪ ،‬اللهم إل أن يضرب ضرب‬
‫المتهم ليستخرج ما عنده من أسرار العدو مما ينفع المسلمين وعليه يحمل‬
‫قول النووي في شرح مسلم "ويجوز ضرب الكافر الذي ل عهد له وإن كان‬
‫أسيرًا" انظره في غزوة بدر‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعريف العيد وإطلقاته‬


‫إبراهيم بن محمد الحقيل ‪13/12/1425‬‬
‫‪24/01/2005‬‬
‫العيد‪ :‬كل يوم فيه جمع‪ ،‬واشتق من )عاد( )يعود( كأنهم عادوا إليه‪ ،‬وجمعه‬
‫أعياد‪ .‬وقيل‪ :‬اشتق من العادة؛ لنهم اعتادوه‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن‪.‬‬
‫وقال ابن العرابي‪ :‬سمي عيدا ً لنه يعود كل سنة بفرح مجدد ) انظر مادة‬
‫)عود( في القاموس )‪ (386‬واللسان )‪ (9/461‬وتاج العروس )‪.(8/438‬‬
‫ونقل السفاريني‪ :‬أنه سمي عيدا ً تفاؤل ً ليعود ثانية ) شرح ثلثيات مسند‬
‫المام أحمد ‪.(1/579‬‬
‫والعيد في الصطلح‪ :‬اسم لما يعود من الجتماع العام على وجه معتاد‪ .‬عائد‪:‬‬
‫إما بعود السنة‪ ،‬أو بعود السبوع أو الشهر‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫فالعيد يجمع أمورًا‪:‬‬
‫منها‪ :‬يوم عائد‪ ،‬كيوم الفطر‪ ،‬ويوم الجمعة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اجتماع فيه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أعمال تتبع ذلك من العبادات‪ ،‬والعادات‪ .‬وقد يختص العيد بمكان بعينه‪،‬‬
‫وقد يكون مطلقًا‪ ،‬وكل هذه المور قد تسمى عيدا ً ‪ ).‬انظر‪ :‬اقتضاء الصراط‬
‫المستقيم )‪ ،(1/241‬مجلة المنار )‪19/12/1416 (7/97‬هـ(‪.‬‬
‫وعليه فللعيد إطلقات عدة‪ ،‬فهو يطلق على‪:‬‬
‫أ ‪ .‬الزمان –أي زمان العيد‪ -‬كقول النبي صلى الله عليه وسلم في يوم‬
‫الجمعة‪":‬إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدًا"‪.‬‬
‫ب ‪ .‬المكان كقوله صلى الله عليه وسلم‪":‬ل تتخذوا قبري عيدًا"‪.‬‬
‫ج ‪ .‬الجتماع والعمال كقول ابن عباس –رضي الله عنهما‪":-‬شهدت العيد مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫د ‪ .‬مجموع اليوم والعمل فيه‪ ،‬وهو الغالب كقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪":‬دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيدًا‪ ،‬وإن هذا عيدنا"‪.‬‬
‫ذكر العيد في القرآن والسنة‪:‬‬
‫ما ورد في القرآن والسنة من ذكر العياد يمكن أن يكون على ثلثة أقسام‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الول‪ :‬بيان اختصاص كل أمة بأعيادها‪:‬‬


‫ً‬
‫أ ‪ -‬قال تعالى‪":‬ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله" ]الحج‪ ،[34:‬قال‬
‫ابن عباس والكلبي والفراء‪ :‬عيدًا‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قال تعالى‪":‬لكل أمة جعلنا منسكا ً هم ناسكوه" ]الحج‪ [67:‬قال ابن‬
‫قتيبة‪ :‬هو العيد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ذكر أعياد المسلمين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬عيد الفطر‪ ،‬ففي حديث أنس –رضي الله عنه‪ -‬قال‪":‬قدم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية‬
‫فقال‪":‬إن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرا ً منهما يوم الفطر ويوم النحر"‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عيد الضحى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‪":‬أمرت بيوم الضحى عيدًا‪،‬‬
‫جعله الله لهذه المة"‪.‬‬
‫ويوم الضحى هو يوم العاشر من ذي الحجة‪ ،‬وقبله يوم عرفة‪ ،‬وهو من ذلك‬
‫العيد أيضًا‪ ،‬وبعده أيام التشريق الثلثة وهي أيام عيد أيضًا‪ ،‬فصارت أيام عيد‬
‫الضحى خمسة‪ ،‬كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪":‬يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل‬
‫السلم‪ ،‬وهي أيام أكل وشرب"‪.‬‬
‫ج ‪ -‬عيد الجمعة‪ :‬لقوله صلى الله عليه وسلم‪":‬إن يوم الجمعة يوم عيد‪ ،‬فل‬
‫تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم‪ ،‬إل أن تصوموا قبله أو بعده"‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ذكر أعياد غير المسلمين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قال تعالى‪":‬قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء‬
‫تكون لنا عيدا ً لولنا وآخرنا وآية منك" ]المائدة‪ .[114:‬قال السدي‪ :‬أي نتخذ‬
‫ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا ً نعظمه نحن ومن بعدنا‪ ،‬ورجحه الطبري‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلم‪":‬قال موعدكم يوم الزينة"‬
‫]طه‪ ،[59:‬قال مجاهد‪ :‬هو عيدهم‪ ،‬وقال قتادة والسدي وابن زيد‪ :‬هو يوم‬
‫عيد كان لهم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قال تعالى في وصف عباد الرحمن‪":‬والذين ل يشهدون الزور" ]الفرقان‪:‬‬
‫‪ .[72‬قال ابن عباس‪ :‬أعياد المشركين‪ ،‬وكذا قال أبو العالية وطاووس وابن‬
‫سيرين والضحاك والربيع وغيرهم‪.‬‬
‫قدم العياد في المم‪:‬‬
‫العياد قديمة في الناس‪ ،‬عرفوها منذ عرفوا الجتماعات والتقاليد‬
‫والذكريات‪ ،‬ولقد كانت العياد في المم الجاهلية على مر عصور البشرية‬
‫تتسم باللهو واللعب والفسق والمجون والشعائر الغريبة‪ ،‬والطقوس الوثنية‪،‬‬
‫وحتى المجتمعات البدائية كان لها أعيادها‪ ،‬ولهم فيها عادات متوارثة‪،‬‬
‫وحرمات مرعية كما كان لهل الجاهلية‪ ،‬فتتوقف فيها الحروب‪ ،‬ويأمن الناس؛‬
‫جريا ً على عادات وتقاليد عندهم‪ ،‬من خرج عنها عابوه‪.‬‬
‫لقد اختار النسان منذ القدم أياما ً يسترخي فيها من التعب‪ ،‬ويعطل العمل‬
‫ليجدد نشاطه‪ ،‬ويستعيد حيويته‪ ،‬فنشأت تلك العياد الموسومة بأيام من‬
‫السنة معلومة‪ ،‬تعود العياد كلما عادت تلك اليام‪ ،‬ولكل أمة منها مظاهرها‬
‫وشعائرها في أعيادها الخاصة‪ ،‬ل يشاركها فيها غيرها‪ ،‬ول ترضى أمة من‬
‫المم أن تكون دخيلة على غيرها في أعيادها‪ ،‬ول ينبغي لمة أو طائفة من‬
‫الناس مهما نسيت شخصيتها‪ ،‬وأغفلت ذاتيتها أن تنتحل شخصية غيرها من‬
‫المم‪ ،‬وتندمج فيها باتخاذ ما هو من خصائصها ومقوماتها‪ ،‬ول يفعل ذلك إل‬
‫مهزوم في شخصه‪ ،‬مستخف بأمته‪ ،‬محتقر لما عنده‪ ،‬يلبس ثوبا ً غير ثوبه‪،‬‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويمشي مشية ليست له‪ ،‬ومهما أظهر من تحضر وتقدم فل يزال محتقرا ً‬
‫صغيرا ً في أعين من قلدهم قبل أعين من انسلخ منهم ورفضهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولجل هذا الختصاص بالعياد كثرت في المم وتنوعت‪ ،‬وبسبب الختلط‬


‫والصراعات تداخلت بعض أعياد المم الغالبة في المم المغلوبة‪ ،‬نتيجة‬
‫للتبعية والتقليد والنصهار‪ ،‬ويظهر ذلك من خلل استعراض أعياد جمع من‬
‫المم والطوائف المختلفة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تعريف المباهلة وحكمها‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫مها ‪،‬‬ ‫حك َ‬ ‫أسمع كثيرا عن المباهلة ‪ ،‬و ل أعرف المقصود منها و ل بها ‪ ،‬و ل ُ‬ ‫ً‬
‫فهل توضحون لي ذلك ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬
‫المباهلة في اللغة هي الملعنة ‪ ،‬أي الدعاء بإنزال اللعنة على الكاذب من‬
‫ة الَلعنة ] انظر تحرير ألفاظ التنبيه ‪. [ 1/247 :‬‬ ‫المتلعَنين ‪ ،‬و الَبهل ُ‬
‫و هي مشروعة ‪ ،‬لحقاق الحق و إزهاق الباطل ‪ ،‬و إلزام الحجة من أعرض‬
‫عن الحق بعد قيامها عليه ‪ ،‬و الصل في مشروعيتها آية المباهلة ‪ ،‬و هي‬
‫وا ن َد ْعُ‬ ‫ل ت ََعال َ ْ‬ ‫ق ْ‬‫ن ال ْعِل ْم ِ فَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفيهِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حا ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫قوله تعالى ‪ ) :‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ل ل َعْن َ َ‬‫جعَ ْ‬ ‫ل فَن َ ْ‬‫م ن َب ْت َهِ ْ‬
‫م ثُ ّ‬‫سك ُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫سَنا وَأن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫ساَءك ُ ْ‬
‫ساَءَنا وَن ِ َ‬ ‫أب َْناَءَنا وَأب َْناَءك ُ ْ‬
‫م وَن ِ َ‬
‫ن ( ] آل عمران ‪. [ 61 :‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫عََلى ال ْ َ‬
‫و سبب نزول هذه الية الكريمة هو ما كان من وفد نصارى نجران عند‬
‫ل الله صلى الله عليه و سلم بما يعتقدونه‬ ‫قدومهم المدينة و محاجتهم رسو َ‬
‫من الباطل في المسيح عيسى بن مريم عليه السلم ‪.‬‬
‫روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله ‪ :‬جاء‬
‫العاقب و السيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يريدان‬
‫هما لصاحبه ‪ :‬ل تفعل فو الله لئن كان نبيا ً فلعنا ل‬ ‫أن ُيلعناه ‪ ،‬فقال أحد ُ ُ‬
‫تفلح نحن و ل عقبنا من بعدنا ‪ .‬قال ‪ :‬إنا نعطيك ما سألتنا و ابعث معنا رجل ً‬
‫أمينا ً ‪ ،‬و ل تبعث معنا إل أمينا ً ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬لبعثن معكم رجل ً أمينا ً حق أمين (‬
‫فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬قم يا أبا‬
‫عبيدة بن الجراح ( فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ) :‬هذا‬ ‫ُ‬
‫أمين هذه المة ( ‪.‬‬
‫و قد ذكر الحافظ ابن حجر ] في الفتح ‪ [ 95 / 8:‬بعض ما ُيستفاد من هذا‬
‫الحديث ‪ ،‬و من ذلك قوله ‪ :‬و فيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد‬
‫ظهور الحجة ‪ ،‬و قد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الوزاعي ‪ ،‬و وقع ذلك‬
‫هل و كان مبطل ً ل‬ ‫ف بالتجربة أن من با َ‬ ‫عر َ‬ ‫لجماعة من العلماء ‪ .‬و مما ُ‬
‫تمضي عليه سنة من يوم المباهلة ‪ ،‬و وَقَعَ لي ذلك مع شخص كان يتعصب‬
‫قم بعدها غير شهرين ‪ .‬اهـ ‪.‬‬ ‫لبعض الملحدة ؛ فلم ي ُ‬
‫ت ‪ :‬و ليست مشروعية المباهلة خاصة بالنبي صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬بل‬ ‫قل ُ‬
‫هي له و لمته من بعده ‪ ،‬و مما يدخل في ما أمرنا بالتأسي به فيه من أمور‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدين ‪.‬‬
‫قال المام ابن القيم رحمه الله ‪ ) :‬إن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا‬
‫قامت عليهم حجة الله ‪ ،‬و لم يرجعوا ‪ ،‬بل أصروا على العناد ‪ ،‬أن يدعوهم‬
‫إلى المباهلة ‪ ،‬و قد أمر الله سبحانه ‪ ،‬بذلك رسوله صلى الله عليه و سلم ‪،‬‬
‫ن عمه عبد الله بن‬ ‫قل ‪ :‬إن ذلك ليس لمتك من بعدك ‪ .‬و دعا إليها اب ُ‬ ‫و لم ي ُ‬
‫عباس ‪ ،‬من أنكر عليه بعض مسائل الفروع ‪ ،‬و لم ُينكر عليه الصحابة ‪ ،‬و دعا‬
‫كر عليه ذلك ‪ ،‬و‬ ‫إليه الوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين ‪ ،‬و لم ُين َ‬
‫هذا من تمام الحجة ( ] زاد المعاد ‪. [ 643/ 3 :‬‬
‫و بهذا يتبين أن مباهلة أهل الباطل أمر مشروع ‪ ،‬غير أنه ل ُيصار إليه إل مع‬
‫الجزم بصحة ما عليه المباهل و صدقه فيه ‪ ،‬و ترتب مصلحة شرعية على‬
‫المباهلة كإحقاق الحق ‪ ،‬و إقامة الحجة ‪ ،‬و ليس النتصار للنفس أو الغضب‬
‫لغير الله ‪ ،‬أو لمر من أمور الدنيا ‪.‬‬
‫و نظرا ً لخطورة الدعوة إلى المباهلة أو قبول الدعوة إليها فالولى عدم‬
‫التوسع في هذا الباب ‪ ،‬و الحتراز مما قد يترتب على المباهلة من مفاسد‬
‫كتعلق العوام بأحد المتباهلين ‪ ،‬أو إظهار باطل لم يكن ليظهر لولها ‪ ،‬أو‬
‫إصابة المباهل الصادق بالرياء أو غير ذلك من المفاسد ‪.‬‬
‫جاء في شرح قصيدة ابن القيم ] ‪ ) : [ 1/37‬و أما حكم المباهلة فقد كتب‬
‫بعض العلماء رسالة في شروطها المستنبطة من الكتاب و السنة و الثار و‬
‫كلم الئمة ‪ ،‬و حاصل كلمه فيها أنها ل تجوز إل في أمر مهم شرعا ً وَقع فيه‬
‫اشتباه و عناد ل يتيسر دفعه إل بالمباهلة ‪ ،‬فُيشَترط كونها بعد إقامة الحجة و‬
‫السعي في إزالة الشبه و تقديم النصح و النذار و عدم نفع ذلك و مساس‬
‫الضرورة إليها ( ‪.‬‬
‫هذا و الله المستعان ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعزية المسلم للكافر‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬سعود بن عبد الله الفنيسان‬
‫السؤال‪:‬‬
‫ما حكم تعزية المسلم للكافر)بمناسبة وفاة بابا الفاتيكان(؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫أصل التعزية هي التسلية للمصاب الذي نزلت به مصيبة من موت قريب‬
‫ونحو ذلك‪ -‬لغرض تخفيف ما ألم به أو نزل من مصيبة أو كارثة‪ ،‬وأكثر ما‬
‫تجري التعزية عادة في الوفاة‪ .‬ويجوز للمسلم أن يعزي الكافر ‪-‬سواء كان‬
‫كتابيا ً أو غيره‪ -‬بموت قريب أو عزيز لديه‪ .‬ويدعو لولي الميت أو صديقه‬
‫بدوام الصحة والبقاء وكثرة الولد والمال‪ .‬ول يدعو له بالمغفرة والجر وجبر‬
‫المصيبة لن هذا ل يكون إل للمؤمن‪ ،‬ولو قال‪) :‬أعطاك الله على مصيبتك‬
‫أفضل ما أعطى أحدا ً من أهل دينك( أو نحوه لكان حسنًا‪ ،‬وتعزية المسلم‬
‫للكافر من حسن الخلق‪ ،‬وهي وسيلة من وسائل التآلف والدعوة إلى‬
‫السلم‪ ،‬ل سيما في مثل هذا الظرف‪.‬‬
‫أما إذا كانت تربط المسلم بالكافر رابطة قرابة ‪ -‬من نسب أو صهر أو زمالة‬
‫عمل ونحوه‪ -‬تعين العزاء حينئذ‪ ،‬وعزاء المسلم لهل الكتاب من يهود‬
‫ونصارى المجوس أولى من غيرهم‪.‬‬
‫أما تعزية المسلم لخيه المسلم عند موت قريبه الكافر فهي مشروعة ويدعو‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للحي بعظم الجر وحسن العزاء وجبر المصيبة‪ ،‬ول يدعو لميته الكافر بشيء‬
‫من هذا‪ ،‬وإنما يدعو له بنحو ما سبق من دوام البقاء وكثرة المال والولد‪.‬‬
‫قال المام مالك بن أنس في تعزية المسلم بأبيه الكافر يقول‪) :‬بلغني‬
‫مصابك بأبيك وألحقه الله بكبار أهل دينه وخيار ذوي حلته(‪ ،‬وسئل ابن عبد‬
‫الحكم كيف يعزى المسلم بأمه النصرانية؟ قال يقول‪ :‬الحمد لله على ما‬
‫قضى قد كنا نحب أن تموت على السلم حتى تسر بذلك‪.‬‬
‫أما تعزية المسلمين بعضهم لبعض بموت الكافر‪ -‬إذا لم يكن الميت قريبا ً‬
‫لمسلم فحرام ل تجوز بحال لقول الله ‪ -‬تعالى ‪) :-‬ما كان للنبي والذين آمنوا‬
‫أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا ذوي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم‬
‫أصحاب الجحيم( والتعزية في هذا من الستغفار المنهي عنه في الية جزما ً‬
‫كالصلة عليه في قوله ‪ -‬تعالى ‪) :-‬ول تصل على أحد منهم مات أبدا ول تقم‬
‫على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون(‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪30/02/1426‬هـ‬
‫‪ http://www.islamtoday.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعزية حارة لمن هذا حالهم ! ‪...‬‬


‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫تعزية ‪ ......‬إلى من يصوم !‬
‫تعزية ‪ ......‬إلى من يتصدق !‬
‫تعزية ‪ ......‬إلى من يساعد محتاجا ً !‬
‫تعزية ‪ ......‬إلى من يوقر كبيرا ً !‬
‫تعزية ‪ .......‬إلى من يحسن إلى الجار !‬
‫تعزية ‪ ......‬إلى من ينفق على أهله ويخدمهم !‬
‫تعزية ‪ ......‬إلى من يرحم المسكين !‬
‫تعزية ‪ ......‬إلى كل من يعين على نوائب الخير والمعروف وهو مضيع‬
‫للصلوات ‪.‬‬
‫أقدم له تعزية حارة وأعلم أنها لن تجبر مصابه فله العذر مني فالموقف‬
‫عسير والخطب أدهى والمصاب عظيم ‪.‬‬
‫فأقول يا من حالك كذلك فاعلم هديت ووفقت أن هذه العمال لن تنفعك‬
‫وأنت تارك للصلة ومضيعا ً لها ‪.‬‬
‫فإن قلت لي‪ :‬وما مصيرها ؟‬
‫قلت لك ‪ :‬إن نفعها قاصر على الحياة الدنيا فتجزى بها لن الله ليس بظلم‬
‫للعبيد لكن في الدنيا فقط ‪.‬‬
‫َ‬
‫ة ي ُعْطى ب َِها‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫ً‬
‫منا َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الله ل ي َظل ِ ُ‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬إ ِ ّ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬
‫خَرة ‪ ،‬ل ْ‬ ‫ضى ِإلى ال ِ‬ ‫حّتى إ َِذا أفْ َ‬ ‫خَرة‪َ ،‬‬ ‫جَزى ب َِها في ال ِ‬ ‫في الد ّن َْيا ‪ ،‬وَي ُ ْ‬
‫جَزى ب َِها « رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ة يُ ْ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫فإن قلت وماذا عن مصيرها في الخرة ؟‬
‫قلت لك ‪ :‬هاهو القرآن يجيبك ‪:‬‬
‫ً‬
‫قال الله تعالى )) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباًء منثورا ((‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫ل لل ِ‬ ‫م َ‬‫ما عَ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫كافُِر ‪ ،‬فَي ُط ْعَ ُ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫والحديث السابق يجيبك أيضا ً ))وَأ ّ‬
‫َ‬
‫جَزى ب َِها ((‬ ‫ة يُ ْ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫م ي َك ُ ْ‬‫خَرة ل َ ْ‬‫ضى ِإلى ال ِ‬ ‫حّتى إ َِذا أفْ َ‬
‫تعالى ‪ ،‬في الد ّن َْيا َ‬
‫فهل أدركت أن المصاب عظيم ‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن قلت ‪ :‬الية والحديث السابقين إنما هما في شأن الكافر !‬


‫قلت لك ‪ :‬وهذا عين المراد ‪ ،‬فتارك الصلة كافر مارق من الملة ‪ ،‬وأذكر لك‬
‫طرفا ً من ذلك ‪ ،‬قال الله تعالى )) ما سللكم في سقر ؟ قالوا لم نك من‬
‫المصلين ‪(( ...‬‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم )) العهد الذي بنينا وبينهم الصلة فمن‬
‫تركها فقد كفر (( ‪.‬‬
‫قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو أحد التابعين )) ما كان أصحاب رسول‬
‫الله يرون شيء تركه كفر إل الصلة (( قال أهل العلم هذا إجماع من‬
‫الصحابة على كفر تارك الصلة ‪ ،‬والصحابة أعلم الناس بمقتضى ومدلولت‬
‫القرآن وكلم النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقد قال عمر رضي الله عنه )) ل حظ في السلم لمن ترك الصلة (( لحظ‬
‫أي ل نصيب ‪.‬‬
‫والدلة كثيرة مستفيضة ويكفي ما ذكر إشارة ‪.‬‬
‫فإذا علمنا أن تارك الصلة كافر ‪ ،‬فإن الكافر ل تنفعه أعماله الحسنة لنه‬
‫م‬
‫من َعَهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫فاقد أهم شرط قبول العمل وهو السلم ‪ ،‬فقد قال الله تعالى )) وَ َ‬
‫َ‬ ‫َأن ت ُ ْ‬
‫سول ِهِ ((‬ ‫فُروا ْ ِبالل ّهِ وَب َِر ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫م ِإل أن ّهُ ْ‬ ‫قات ُهُ ْ‬‫ف َ‬
‫م نَ َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬
‫وليس الحل أن ُتجهز على الدنيا وتفسدها بل العلج إصلح ما فسد منها‬
‫والرجوع إلى الله والنابة إليه لُيكفر عنك ما مضى ولتصلح ما بقي من العمر‬
‫وكن عاقل ً ممتثل ً شرع الله تفلح والله ف! ي الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬‫ما ِ‬ ‫مَناِديا ً ي َُناِدي ل ِ ِ‬
‫لي َ‬ ‫معَْنا ُ‬ ‫وكن متمثل ً قول الله تعالى )) ّرب َّنا إ ِن َّنا َ‬
‫س ِ‬
‫معَ الب َْرارِ ((‬ ‫سي َّئات َِنا وَت َوَفَّنا َ‬
‫فْر عَّنا َ‬ ‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َ ّ‬‫مّنا َرب َّنا َفاغْ ِ‬ ‫م َفآ َ‬ ‫ب َِرب ّك ُ ْ‬
‫وفقني الله وإياك سبل الرشاد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعظيم العصيان في شهر رمضان‬


‫د‪ .‬لطف الله بن عبد العظيم خوجه ‪28/8/1426‬‬
‫‪02/10/2005‬‬
‫المسائل في هذا الموضوع‪:‬‬
‫‪ -‬المسألة الولى‪ :‬فضل رمضان‪.‬‬
‫‪ -‬المسألة الثانية ‪ :‬سبب تعظيم الذنب في هذا الشهر‪.‬‬
‫‪ -‬المسألة الثالثة‪ :‬تعريف الذنب‪.‬‬
‫***‬
‫‪ -‬المسألة الولى‪ :‬فضل رمضان‪.‬‬
‫ورد في فضل رمضان آثار معروفة في الصحيح‪ ،‬من ذلك ما رواه البخاري أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬يقول الله تعالى‪ :‬كل عمل ابن آدم له إل‬
‫الصيام فإنه لي وأنا أجزي به‪ ،‬والصيام جنة‪ ،‬فإذا كان يوم صوم أحدكم فل‬
‫يرفث ول يصخب‪ ،‬فإن سابه أحد أو قاتله فليقل‪ :‬إني صائم‪ ،‬إني صائم‪.‬‬
‫والذي نفس محمد بيده‪ ،‬لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك‪،‬‬
‫للصائم فرحتان يفرحهما‪ ،‬إذا أفطر فرح بفطره‪ ،‬وإذا لقي ربه فرح بصومه"‪.‬‬
‫في هذا الحديث أربع بشارات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن الصوم لله تعالى‪ ،‬هو الذي يجزي به‪ ،‬والله تعالى يجزي على جميع‬
‫الطاعات‪ ،‬ل مثيب غيره‪ ،‬غير أن تخصيص الصيام بذكر ثواب الله تعالى له‪،‬‬
‫يدل على زيادة معنى في الثواب على غيره من الطاعات‪ ،‬هذا المعنى‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اختلفوا فيه‪ ،‬فقال سفيان بن عيينة‪) :‬إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز‬
‫وجل عبده‪ ،‬ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله‪ ،‬حتى ل يبقى إل‬
‫الصوم‪ ،‬فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم‪ ،‬ويدخل بالصوم الجنة(‬
‫]الترغيب والترهيب ‪.[1/82‬‬
‫وقيل‪ :‬كل طاعة لها أجر محدود‪ ،‬إل الصوم فغير محدود‪ ،‬ويشهد لهذا القول‬
‫رواية مسلم‪" :‬كل عمل ابن آدم له يضاعف‪ ،‬الحسنة بعشر أمثالها إلى‬
‫سبعمائة ضعف‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬إل الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" ]انظر‪:‬‬
‫صحيح الترغيب والترهيب ‪ ،1/407‬حاشية ‪.[5‬‬
‫الثانية‪ :‬أن الصوم جنة‪ ،‬أي وقاية وستر من النار‪ ،‬ففي الترمذي‪" :‬والصوم‬
‫جنة من النار" ]صحيح الترغيب والترهيب ‪ ،[1/407‬وذلك أن الشيطان يجري‬
‫في عروق ابن آدم‪ ،‬فإذا صام المرء ضاقت العروق لقلة جريان الدم فيها‪،‬‬
‫فتضيق حينذاك المسالك على الشيطان‪ ،‬فتقل وساوسه‪ ،‬ثم إن الشياطين‬
‫تصفد في هذا الشهر‪ ،‬وبهذا يقبل الناس على الطاعة‪ ،‬فيكون الصوم لهم‬
‫جنة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك‪ ،‬وهذه كرامة‬
‫للصائم‪ ،‬قيل في معناه‪ :‬أن الله تعالى يجازيه بطيب الرائحة في الخرة‬
‫فيكون مسكا‪ ،‬كالمكلوم في سبيل الله تعالى يأتي وجرحه يفوح مسكا‪.‬‬
‫]انظر‪ :‬الفتح ‪[4/106‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن الصائم يفرح بفطره‪ ،‬وبلقاء ربه‪ ،‬وعند أحمد ]‪ ،2/232‬صحيح‬
‫الترغيب ‪" :[1/407‬وإذا لقي الله فجزاه فرح"‪.‬‬
‫ومن فضائل شهر الصوم‪ :‬غفران الذنوب فيه‪ ،‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه‪،‬‬
‫ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ]متفق عليه[‪ ،‬أي‬
‫مصدقا بأمر الله تعالى‪ ،‬مخلصا له النية‪ ،‬محتسبا للثواب من الله تعالى‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬وإذا كان أول ليلة من شهر رمضان‬
‫صفدت الشياطين ومردة الجن‪ ،‬وغلقت أبواب النار‪ ،‬فلم يفتح منها باب‪،‬‬
‫وفتحت أبواب الجنة‪ ،‬فلم يغلق منها باب‪ ،‬وينادي مناد‪ :‬يا باغي الخير أقبل‪،‬‬
‫ويا باغي الشر أقصر‪ ،‬ولله عتقاء من النار‪ ،‬وذلك في كل ليلة" ]رواه‬
‫الترمذي صحيح الترغيب ‪.[1/418‬‬
‫وفضله أن فيه ليلة هي خير من ألف شهر‪ ،‬أي خير من ثمانين سنة وزيادة‪،‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن هذا الشهر حضركم‪ ،‬وفيه ليلة‬
‫خير من ألف شهر‪ ،‬من حرمها فقد حرم الخير كله‪ ،‬وليحرم خيرها إل‬
‫محروم" ]رواه ابن ماجة بسند حسن‪ ،‬صحيح الترغيب ‪[1/418‬‬
‫***‬
‫‪ -‬المسألة الثانية‪ :‬سبب تعظيم الذنب في هذا الشهر‪.‬‬
‫الذنوب في هذا الشهر مضاعفة‪ ،‬والسبب‪ :‬أن الصطفاء والختصاص موجب‬
‫لمضاعفة الحسنات‪ ،‬ومضاعفة السيئات‪ ،‬سواء كان الختصاص في‪:‬‬
‫الشخاص‪ ،‬أو المكنة‪ ،‬أو الزمنة‪:‬‬
‫‪ -‬فالله تعالى اصطفى واجتبى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وكان هذا‬
‫الختصاص سببا في مضاعفة حسناته‪ ،‬ونيله أجور من عمل بهديه‪ ،‬ل ينقص‬
‫من أجورهم شيئا‪ ،‬حتى صار أعلى الناس درجة‪ ،‬كذلك أخبره الله تعالى أن‬
‫ما يكون منه من خطأ فعقوبته مضاعفة‪ ،‬وحاشاه ذلك‪ ،‬لكن هذا بيان شرعي‬
‫لحكام أهل الجتباء والختصاص‪ ،‬قال تعالى‪" :‬وإن كادوا ليفتنونك عن الذي‬
‫أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا ً لتخذوك خليل ولول أن ثبتناك لقد كدت‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تركن إليهم شيئا قليل* إذا ً لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ل تجد‬
‫لك علينا نصيرا"‪ ،‬أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات‪.‬‬
‫ومثل هذا ما جاء من خطاب في حق أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬قال تعالى‪" :‬يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة‬
‫يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن‬
‫لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما"‪.‬‬
‫فهن قد اصطفاهن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلهن من الحظ‬
‫والنعمة ما ليس لغيرهن‪ ،‬في اليمان والدرجة والعيش في بيت النبوة‪ ،‬فل‬
‫يليق بهن العصيان‪ ،‬كما ثواب طاعتهن مضاعف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -‬والحكم نفسه ينطبق على المكنة المختصة بالشرف والحرمة مثل مكة‪،‬‬
‫فالعمال فيها أعظم من غيرها‪ ،‬فالصلة في المسجد الحرام بمئة ألف صلة‬
‫فيما سواه‪ ،‬وكذا الذنب هو فيها مضاعف‪ ،‬قال تعالى‪" :‬إن الذين كفروا‬
‫ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف‬
‫فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"‪.‬‬
‫‪ -‬والحكم نفسه يعمل به في الزمنة المشرفة المحرمة‪ ،‬كشهر رمضان‪،‬‬
‫ودليل حرمته النصوص الدالة على عظمته‪ ،‬وبيان عظم الثواب فيه‪ ،‬ورحمة‬
‫الله عباده فيه‪ ،‬وفتح أبواب الجنة‪ ،‬وغلق أبواب النيران‪ ،‬وتصفيد الشياطين‪،‬‬
‫واختصاصه بليلة هي خير ألف شهر‪ ،‬فالحسنات فيه إذن مضاعفة‪ ،‬وإذا ثبتت‬
‫مضاعفة الحسنات فذلك دليل على مضاعفة السيئات أو تعظيمها‪ ،‬لما سبق‬
‫من أن التضعيف في حال الختصاص والجتباء يكون في الحسنات‪ ،‬ويكون‬
‫في السيئات‪.‬‬
‫ثم إنه مع ذلك‪ :‬قد نص الدليل على عظم الذنب في رمضان‪ ،‬فإن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم رأى قوما معلقين بعراقيبهم‪ ،‬مشققة أشداقهم‪ ،‬تسيل‬
‫دماؤهم‪ ،‬فسأل عنهم؟ فقيل له‪) :‬الذين يفطرون قبل تحلة صومهم( ]ابن‬
‫خزيمة‪ ،‬صحيح الترغيب ‪[1/420‬‬
‫وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي وقع على امرأته نهار‬
‫رمضان بأعظم الكفارات‪ ،‬وهي كفارة القتل والظهار‪ :‬عتق رقبة‪ ،‬فإن لم‬
‫يجد‪ ،‬فصيام شهرين متتابعين‪ ،‬فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا‪ ،‬وغلظ‬
‫الكفارة من غلظ الذنب‪ ،‬وقد استوجبها لما واقع حليلته )زوجته( في نهار‬
‫رمضان‪ ،‬في الوقت المحرم‪ ،‬فدل هذا على أن الذنب في رمضان ليس‬
‫كغيره‪ ،‬وإذا كان هذا التشديد والوعيد والعقوبة في حق من انتهك الشهر مع‬
‫حليلته‪ ،‬فكيف بمن انتهكه مع حليلة جاره أو مع أجنبية ل تحل له؟‪.‬‬
‫***‬
‫‪ -‬المسألة الثالثة‪ :‬تعريف الذنب‪.‬‬
‫هناك من يعبث بالشرع فيجعل الذنوب من المباحات‪ ،‬وهذا موجب لبيان ما‬
‫هو الذنب في الشريعة‪:‬‬
‫لكلمة الذنب مترادفات شرعية مثل‪ :‬المعصية‪ ،‬الثم‪ ،‬الخطيئة‪ ،‬السيئة‪،‬‬
‫السوء‪ .‬وكلها تعبر عن حقيقة ما يفعله النسان حين يخالف أمر الله تعالى‪،‬‬
‫وكل هذه اللفاظ وردت في القرآن في سياق الذم والوعيد‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪" -‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم‬
‫ومن يغفر الذنوب إل الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪" -‬ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب‬
‫مهين"‪.‬‬
‫‪" -‬ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا"‪.‬‬
‫‪" -‬بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها‬
‫خالدون"‪.‬‬
‫‪" -‬إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب‬
‫فأولئك يتوب الله عليهم"‪.‬‬
‫فكل هذه المترادفات تدور حول معنى واحد هو‪ :‬مخالفة ما أمر الله تعالى‬
‫به‪ ،‬فعل أو تركا‪.‬‬
‫فالمخالفة تكون بترك واجب‪ ،‬أو بفعل محرم‪ ،‬ول يدخل فيها ترك المندوب‪،‬‬
‫أو فعل المكروه‪ ،‬لن المندوب هو‪ :‬ما يثاب فاعله‪ ،‬ول يعاقب تاركه‪.‬‬
‫والمكروه هو‪ :‬ما يثاب تاركه‪ ،‬ول يعاقب فاعله‪.‬‬
‫فل يدخل هذان النوعان من الحكام في باب المعصية والذنب‪ ،‬ومن باب‬
‫أولى أل يدخل المباح‪.‬‬
‫أما الواجب فيدخل في الذنب من جهة تركه‪ ،‬فمن ترك الواجب أثم‪ ،‬لن‬
‫الواجب هو‪ :‬ما يثاب فاعله‪ ،‬ويستحق العقاب تاركه‪ .‬وكذلك المحرم يدخل‬
‫في الذنب من جهة فعله‪ ،‬لن المحرم هو‪ :‬ما يثاب تاركه‪ ،‬ويستحق العقاب‬
‫فاعله‪.‬‬
‫وعلى ذلك‪ :‬فإذا قيل‪ :‬أذنب فلن‪ .‬فمعناه‪ :‬إما أنه ترك واجبا‪ ،‬أو فعل محرما‪.‬‬
‫وقد اتفقت المة على وجوب القيام بالواجبات‪ ،‬والنتهاء عن المحرمات‪ ،‬وكل‬
‫ما أمر الله تعالى به فهو واجب‪ ،‬ما لم يصرفه صارف إلى الندب‪ ،‬كالصلة‪،‬‬
‫والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬والصدق‪ ،‬والمانة‪ ،‬والحجاب للمرأة‪،‬‬
‫وإيفاء الوعد‪ ،‬وحفظ اللسان‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وكل ما نهى الله تعالى عنه فهو محرم‪ ،‬ما لم يصرفه صارف إلى الكراهية‪،‬‬
‫كالشرك‪ ،‬والسحر‪ ،‬والكهانة‪ ،‬والربا‪ ،‬والزنا‪ ،‬والرشوة‪ ،‬وأكل مال الغير‪ ،‬وتبرج‬
‫المرأة وسفورها واختلطها بالرجال‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬والكذب‪ ،‬والغيبة‪،‬‬
‫والنميمة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫مع ملحظة الفرق في معنى الكراهية بين الئمة المتقدمين والمتأخرين‪،‬‬
‫فالولون كانوا يستعملونه في معنى المحرم‪ ،‬وهو كذلك في القرآن‪ ،‬كما في‬
‫سورة السراء‪ ،‬في آيات الوصايا‪ :‬نهى القتل‪ ،‬والزنا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪،‬‬
‫والبطر والكبر‪ ،‬ثم قال‪" :‬كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها"‪.‬‬
‫أما المتأخرون فإنهم يستعملون المكروه في معنى ما دون المحرم‪ ،‬مما‬
‫يثاب تاركه‪ ،‬ول يعاقب فاعله‪.‬‬
‫فالواجبات معلومة‪ ،‬والمحرمات معلومة‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬الحلل بّين‪ ،‬والحرام بّين(‪ ،‬فل مجال للتبديل والتحريف والتغيير‪،‬‬
‫فالله تعالى تكفل بحفظه دينه‪ ،‬رسما بحفظ القرآن‪ ،‬ومعنى بحفظ الشريعة‬
‫من تبديل معانيها‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فمهما يكن فإن المسلم المستمسك بدينه المعتصم بحبل الله تعالى المتين‬
‫لن يضل في معرفة الحلل والحرام‪ ،‬فثمة من يبين له حكم الله بصدق‪ ،‬فهذا‬
‫شاهد‪ ،‬وشاهد آخر يجده في نفسه‪ ،‬مهما اختلف الناس‪ ،‬مهما كثر‬
‫المتحايلون‪ ،‬وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬والثم ما حاك‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في صدرك‪ ،‬وكرهت أن يطلع عليه الناس(‪ ،‬فالفطرة الصحيحة والقلب‬


‫السليم يدل صاحبه على الحق مهما تنازع الناس‪ ،‬فالحلل بّين‪ ،‬والحرام بّين‪،‬‬
‫والحق أبلج‪ ،‬والباطل يتلجلج‪ ،‬والسنة جلية ل يزيغ بعدها إل هالك‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تعقيب على حوار الدستور مع د‪ .‬الزيات *‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫تعقيب على حوار " الدستور " مع د‪ .‬الزيات? بقلم الدكتور عدنان علي رضا‬
‫النحوي أشكر صحيفة الدستور على نشرها هذا الحوار‪ ،‬وأشكر السيد بسام‬
‫الهلسة الذي أدار الحوار‪ ،‬أشكر السيد منتصر الزيات الذي جرى معه الحوار‪.‬‬
‫در للسيد منتصر الزيات محامي الجماعات السلمّية جهوده في مسؤولية‬ ‫نق ّ‬
‫دى لها‪ .‬عسى أن يتقّبل الله عمله ويضاعف له الجر والثواب‪.‬‬ ‫كبيرة تص ّ‬
‫إل أّني أختلف معه فيما عرضه من أفكار وتصورات حول الديمقراطية‬
‫والسلم‪ ،‬فقد شعرت بوجود تناقض في الفكر الذي يطرحه‪ ،‬والتصورات‬
‫ي‪،‬‬‫ن هنالك خلل ً في واقع العمل السلم ّ‬ ‫التي يدعو إليها‪ .‬ول نختلف أبدا ً في أ ّ‬
‫مة‪ .‬ولكن لبد ّ من " وقفة إيمانّية " لتحديد‬ ‫وخلل ً في واقع المسلمين بعا ّ‬
‫الخلل تحديدا ً دقيقا ً واضحا ً صريحًا‪ ،‬حتى ل تصبح دعوة الخلل شعارًا‪ ،‬مثل‬
‫سائر الشعارات ل بد ّ من تحديد ذلك بدراسات جادة تصحبها دراسات جاّدة‬
‫لوسائل وأساليب المعالجة على أساس من الكتاب والسّنة‪ ،‬وبيان الحجة‬
‫والبّينة‪.‬‬
‫أوجز القضايا التي أود ّ مناقشتها كما يلي ‪:‬‬
‫ص في القرآن يدعو المسلمين إلى إقامة الملك"‪.‬‬ ‫أول ً ‪ :‬قوله ‪ " :‬إنه ل يوجد ن ّ‬
‫أعتقد أن السيد الزيات جانب الحقيقة وتجاهل كثيرا من النصوص المحكمة‬ ‫ً‬
‫الثابتة‪ ،‬وتجاهل الممارسة والتطبيق الذي استمّر قرابة )‪ (1500‬سنة‪،‬‬
‫وتجاهل أقوال العلماء ودعوتهم إلى بناء دولة السلم وحكم السلم‪ ،‬مما ل‬
‫يمكن عرضه هنا‪ .‬ولكنني أذكر بعض النصوص ‪:‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ت وَإ ِلي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه َرّبي عَلي ْهِ ت َوَكل ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ه إ َِلى الل ّهِ ذ َل ِك ُ‬
‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫يٍء فَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫خت َل َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫)وَ َ‬
‫ب(‬ ‫ُ‬
‫أِني ُ‬
‫] الشورى ‪[10 :‬‬
‫مة فكل ما يمكن أن يختلف‬ ‫ّ‬ ‫فهذه ليست محصورة في القضاء‪ ،‬وإّنما هي عا ّ‬
‫فيه فمرجعه إلى ما شرع الله‪ ،‬وإلى حكمه‪ ،‬وكذلك قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫منا ً عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫)وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫جعَل َْنا‬ ‫َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل َ‬ ‫حقّ ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫ُ‬
‫ما‬‫م ِفي َ‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫حد َة ً وَل َك ِ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫من َْهاجا ً وَل َوْ َ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫م ِفي ِ‬ ‫ما ك ُن ْت ُْ‬ ‫ب‬
‫ُ ّ ْ ِ َ‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ميع‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫م‬
‫َ ْ ِ ُ ْ َ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫را‬ ‫َْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تا‬‫َ‬ ‫آ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن * وَأ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ه إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فت ُِنو َ‬
‫م‬‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ريد ُ الل ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫وا َفاعْل ْ‬ ‫ن ت َوَل ْ‬ ‫ك فَإ ِ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫حك َ‬ ‫ن * أفَ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن كِثيرا ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫ب َِب َعْ ِ‬
‫ن(‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ً‬
‫حكما ل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫] المائدة ‪[ 50– 48 :‬‬
‫فمن خلل هذه اليات ارتبطت كلمة " الحكم " " واحكم " بالقضاء‪ ،‬وبكل ما‬
‫م‬‫ل ميادينها‪ .‬ث ّ‬ ‫أنزل الله على رسوله ليكون شرعا ً ومنهاجا ً عاما ً للحياة بك ّ‬
‫ن حكم الله هو‬ ‫تقارن اليات الكريمة بين حكم الله وبين حكم الجاهلّية ليبّين أ ّ‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خير ما يريده الموقنون‪.‬‬


‫دت هذه الصورة مع جميع النبياء والرسل ليقيموا شرع الله في‬ ‫وكذلك امت ّ‬
‫م‬
‫حك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫أقوامهم فجاء قوله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل ‪ … ) :‬وَ َ‬
‫ل‬‫ما أ َن َْز َ‬ ‫ح ْ ِ َ‬
‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ( وكذلك ‪… ) :‬وَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫بِ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ه فَأول َئ ِ َ‬
‫ن(‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫] المائدة ‪[ 45-44‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِفيهِ وَ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫ل النجيل ب ِ َ‬ ‫م أهْ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫وعن النصارى ‪ ) :‬وَلي َ ْ‬
‫ن(‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫أ َن َْز َ‬
‫] المائدة ‪[ 47 :‬‬
‫ل ما أنزل الله‬ ‫فارتبطت كلمة " الحكم " في هذه اليات واليات السابقة بك ّ‬
‫مما يشمل ميادين الحياة وليس القضاء وحده‪.‬‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫حك ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫وكذلك قوله سبحانه وتعالى على لسان يوسف عليه السلم ‪ … ):‬إ ِ ِ‬
‫قيم ول َك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ ّ ُ َ ِ ّ‬ ‫دي ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ ذ َل ِ َ‬ ‫مَر أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ِإل ل ِل ّهِ أ َ‬
‫] يوسف ‪[40 :‬‬
‫ّ‬
‫فارتبطت كلمة الحكم بالعبادة لله وحده في كل أمور الحياة وليس بجزء‬
‫منها‪.‬‬
‫ذي‬ ‫صى ب ِهِ ُنوحا ً َوال ِّ‬ ‫و‬
‫ّ ِ َ َ ّ‬‫ما‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ َ‬‫ر‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫وتعالى‬ ‫سبحانه‬ ‫قوله‬ ‫وكذلك‬
‫ن َول‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫قي‬ ‫عيسى أ َن أ َ‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ّ َ‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫م وَ ُ َ‬
‫مو‬ ‫هي َ‬ ‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫أوْ َ‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جت َِبي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ه يَ ْ‬‫م إ ِل َي ْهِ الل ّ ُ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فّرُقوا ِفيهِ ك َب َُر عََلى ال ْ ُ‬ ‫ت َت َ َ‬
‫ب(‬ ‫ن ي ُِني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫وَي َهْ ِ‬
‫] الشورى ‪[ 13 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالحكم إذن تنفيذ شرع الله في الرض وإقامة الدين كّله دون أن يتفرقوا فيه‬
‫بأن يأخذ فريق جزءا ً من الدين ويأخذ فريق جزءا ً آخر‪ ،‬أو أن ينحرف بعض ما‬
‫أنزل الله فيتفرق الناس‪ ،‬أو أن يتبعوا أهواءهم بدل ً من الخضوع لشرع الله‪.‬‬
‫وهنا ل بد ّ من وقفة عند قوله سبحانه وتعالى ‪ " :‬أن أقيموا الدين ول تتفرقوا‬
‫فيه " فما معنى " الدين " التي تتكرر في الكتاب والسّنة كثيرا ً جد ًّا‪ ،‬ففي‬
‫جميع معاجم اللغة العربية يرد معنى كلمة " الدين "‪ " ،‬الجزاء‪ ،‬والعبادة‬
‫والسلطان‪ ،‬والملك‪ ،‬والحكم " ومعان أخرى كثيرة‪ ،‬ولذلك وردت هذه‬
‫المعاني في منهاج الله " مالك يوم الدين " " لكم دينكم ولي دين "‪ " .‬ذلك‬
‫الدين القّيم‪ " "..‬أن أقيموا الدين …" وآيات كثيرة تتجمع لتبين امتداد " الدين‬
‫م يأتي السؤال ‪ :‬كيف يمكن أن يقام الدين في‬ ‫" إلى جميع ميادين الحياة‪ ،‬ث ّ‬
‫؟!‬‫الرض دون دولة وسلطان وحكم ‍‬
‫ولنتدّبر حديث رسول الله )صلى الله عليه وسلم( الصحيح الذي يرويه عنه‬
‫عرى السلم عُْروة عُْروة فكّلما‬ ‫ن ُ‬‫أبو أمامة رضي الله عنه ‪ ) :‬لتنقض ّ‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫ن نقضا الحكم وآخره ّ‬ ‫انتقضت عُْروة تشّبث الّناس بالتي تليها‪ ،‬فأوله ّ‬
‫الصلة (‬
‫] أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم‪ ،‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ـ ط‪،3 :‬‬
‫‪[4951‬‬
‫فواضح هنا كلمة الحكم ل تنحصر في القضاء أو أي ميدان آخر‪ ،‬إنها كلمة‬
‫تشمل ميادين الحياة إقامة الحدود‪ ،‬بناء السرة المسلمة‪ ،‬الركان الخمسة‪،‬‬
‫نظام التربية والبناء‪ ،‬المنهج السياسي والقتصادي‪ ،‬والنظام الجتماعي‪،‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما ل‬‫والجهاد في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬وكثير غير ذلك م ّ‬
‫وة وسلطان‪.‬‬ ‫يمكن أن يقوم به إل دولة ذات ق ّ‬
‫ن السلم كله دين يبّين أن الله خلق عباده ليؤدوا‬ ‫ّ‬ ‫ويجب أن نشير هنا إلى أ ّ‬
‫ددة في الحياة الدنيا في الرض ولم يخلقهم عبثا ً ‪:‬‬ ‫مة مح ّ‬ ‫مه ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬
‫جُعو َ‬‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬‫م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫)أفَ َ‬
‫] المؤمنون ‪[115 :‬‬
‫خص‬ ‫ن منهاج الله ل ّ‬ ‫مة في كتاب الله وسّنة رسوله ? نجد أ ّ‬ ‫وبتتّبع هذه المه ّ‬
‫مة بأربعة مصطلحات ‪ :‬العبادة‪ ،‬المانة‪ ،‬الخلفة‪ ،‬عمارة الرض‬ ‫هذه المه ّ‬
‫باليمان والتوحيد وشرع الله‪ ،‬ونجد التفصيلت لهذه المصطلحات وافية في‬
‫الكتاب والسّنة‪ .‬وتجتمع كّلها في ممارسة منهاج الله في الرض والدعوة إليه‬
‫سبون‬ ‫ن الّناس محا َ‬ ‫وتعّهد الناس عليه‪ ،‬حتى تكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬وأ ّ‬
‫على ذلك‪ ،‬وأّنهم كّلهم راجعون إلى الله‪ .‬هذه المهام التي أشرنا إلى بعضها ل‬
‫مة هي التي تجعل من‬ ‫يمكن أن تتحقق إل بوجود دولة وسلطان‪ ،‬وهذه المه ّ‬
‫الذي ينهض إليها خليفة في الرض‪.‬‬
‫شرع الله ‪:‬‬
‫كيف يمكن أن يطّبق شرع الله بمنع الزنا وسائر المحّرمات وإقامة الحدود‪،‬‬
‫والجهاد في سبيل الله‪ ،‬وتوفير المن للناس إلى غير ذلك ؟ فهل يتوقع أخي‬
‫ن تطبيق العلمانية والرأسمالّية بديمقراطّيتها شرع الله‬ ‫الكريم السيد الزيات أ ّ‬
‫في الرض‪ ،‬أو في زاوية من الرض‪ ،‬أم أّنها تسعى لزالة شرع الله من‬
‫الرض؟! هل يتوقع السيد منتصر الزيات أن يقيم شرع الله أولئك الذين‬
‫أباحوا الزنا واللواط والعري والجنس المتفّلت‪.‬‬
‫أرجو أن يكون قد أصبح للخ المسلم السيد الزيات محامي الحركات‬
‫ن في الكتاب والسّنة نصوصا ً محكمة كثيرة تدعو‬ ‫السلمية ما يكفي ليقنعه أ ّ‬
‫ن الممارسة في التاريخ‬ ‫إلى وجوب قيام دولة وسلطان لتنفيذ شرع الله‪ ،‬وأ ّ‬
‫قامت على أساس هذه النصوص‪.‬‬
‫ب أن ترى دولة إسلمّية‪ ،‬فهل‬ ‫الدول العلمانّية أعلنت أكثر من مّرة أنها ل تح ّ‬
‫م بعض المسلمين لهذه الرؤية والرغبة ؟!‬ ‫ينض ّ‬
‫مة وأقام دولة ذات‬ ‫ن رسول الله ? بنى أ ّ‬ ‫ولو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أ ّ‬
‫ّ‬
‫ما توفي‬ ‫سلطان وسيادة‪ ،‬وجيش وجهاد‪ ،‬وإقامة الحدود‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬ول ّ‬
‫رسول الله )صلى الله عليه وسلم( أسرع الصحابة رضي الله عنهم باختيار‬
‫أبي بكر خليفة لرسول الله )صلى الله عليه وسلم( فتابع إقامة الحدود‪،‬‬
‫وإقامة الدين كّله‪ ،‬وسّير الجيوش‪ ،‬وتابع المسلمون إقامة الخلفة فيهم‬
‫خمسة عشر قرنا ً حتى سقطت الخلفة وتمّزق المسلمون‪ ،‬وتفّلت الناس من‬
‫شرع الله ومن دينه‪.‬‬
‫ولم يقم الرسول)صلى الله عليه وسلم( أمة السلم ودولته إل بناًء على‬
‫نصوص محكمة من الكتاب والسّنة‪ ،‬ذكرنا بعضها في الصفحات السابقة‪ ،‬ول‬
‫ن الصحابة رضي الله عنهم حين‬ ‫ك أن السيد منتصر الزيات يوافقني أ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫أقاموا دولة السلم وخلفته كانوا يفهمون الكتاب والسّنة أكثر من فهمنا‬
‫وأدقّ وأسلم‪ ،‬وأّنهم كانوا أعلم وأفقه‪ ،‬وأّنهم إن اختلفوا على شيء فلم‬
‫يختلفوا على وجوب قيام الدولة والخلفة‪ ،‬ول وجود إقامة الدين وشرع الله‪،‬‬
‫وة والسلطان‬ ‫ل‪ ،‬وإقامة الحدود‪ ،‬وإعداد الق ّ‬ ‫وحماية المة ديارا ً وأعراضا ً وأموا ً‬
‫لذلك كّله‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وكذلك قوله سبحانه وتعالى ‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫الرسو َ ُ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫يٍء فَُرّدوهُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ل وَأوِلي اْل ْ‬ ‫ّ ُ‬
‫ً‬
‫ن ت َأِويل (‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫خرِ ذل ِك َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ت ُؤ ِ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫] النساء ‪[59 :‬‬
‫السلطان والدولة ‪:‬‬
‫وكيف تكون الطاعة إل لسلطان ودولة‪ ،‬وكيف ترد ّ المور إلى الله ورسوله‬
‫إذا لم يكن هنالك دولة‪ ،‬وقد ربطت الية ذلك كّله باليمان واليوم الخر‪ ،‬وذلك‬
‫كّله خير وأحسن تأويل‪.‬‬
‫النصوص على السمع والطاعة ما أقيم الكتاب والسنة كثيرة‪ ،‬والنصوص التي‬
‫تتطلب وجود الدولة كثيرة‪ ،‬فعسى أن يراجع أخي السيد الزيات فكره ويراجع‬
‫الكتاب والسّنة والسيرة وسيرة الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫وأسوق بعض النصوص الخرى لعّلها تزيد الصورة وضوحا ‪:‬‬
‫ً‬
‫م ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫كان ل ِمؤْمن ول مؤْمنة إَذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫خي ََرةُ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬
‫كو َ‬‫ن يَ ُ‬ ‫مرا ً أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما َ َ َ ُ ِ ٍ َ ُ ِ َ ٍ ِ‬ ‫)وَ َ‬
‫ً‬
‫مِبينا (‬ ‫ً‬
‫ضلل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫هف َ‬ ‫سول ُ‬ ‫َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ص الل َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫] الحزاب ‪[36 :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫)َفل وََرب ّ َ‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫مث ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ما ش َ‬ ‫موك ِفي َ‬ ‫حك ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬
‫سِليما ً (‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫َ‬
‫] النساء ‪[65 :‬‬
‫وفي الحديث الشريف الذي يرويه العرباض بن سارية يأتي قول رسول‬
‫ضوا‬ ‫الله ? ) فعليكم بسّنتي وسّنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ع ّ‬
‫عليها بالنواجذ (‬
‫] رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه [‬
‫فالدولة في السلم يحكمها الخلفاء الراشدون المهديون بعد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الديمقراطية ‪:‬‬
‫فاجأنا السيد الزيات بقوله دفاعا ً عن الديمقراطية ‪ :‬إذا كانت الديمقراطية‬
‫كذا فهو هو السلم‪ ،‬وإذا كانت كذا فهذا هو السلم‪ ،‬وإذا‪ ،‬وإذا‪ ،‬فهذا هو‬
‫السلم‪.‬‬
‫ة‬
‫فأسأل الخ المسلم الزيات‪ ،‬إذا كانت هذه الخصائص التي ذكرتها موجود ٍ‬
‫كّلها في السلم أو هي السلم‪ ،‬فلماذا ل تدعو إلى السلم بدل ً من الدعوة‬
‫إلى الديمقراطية‪ ،‬والديمقراطية لها دول قوية تدعو إليها‪ ،‬والسلم يتلفت‬
‫قونه والذين يبّرونه ويدعون الناس كاّفة إليه‪ ،‬كما‬ ‫يبحث عن أبنائه الذين ل يع ّ‬
‫يأمرهم الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫هل سبب هذا العقوق هو فشل المسلمين في الدعوة إلى السلم‪ ،‬وفشلهم‬
‫في تبليغه إلى الّناس كاّفة‪ ،‬وتعّهدهم عليه‪ ،‬وفشلهم في تطبيق السلم في‬
‫واقعنا اليوم ووضع المناهج التطبيقية في التربية والبناء والعداد وفي‬
‫السياسة والقتصاد وغير ذلك ؟! هل فشلهم في إقامة دولة السلم دعاهم‬
‫إلى التخّلي عن دولة السلم والبحث عن بديل ؟! الديمقراطية مصطلحا ً‬
‫ل يوم‬ ‫ة لم يبتدعها المسلمون ! فل حاجة إلى أن نرى ك ّ‬ ‫ومحتوىً وممارس ً‬
‫تعريفا ً جديدا ً للديمقراطية يسوقه هذا وذاك حسب هواه وأمانيه‪ ،‬بعد أن لم‬
‫تعد أمانيه هي السلم‪.‬‬
‫ً‬
‫ة هي من اليونان أول‪ ،‬ومن‬ ‫الديمقراطية مصطلحا ً ومنبتا ومحتوىً وممارس ً‬ ‫ً‬
‫م انتقلت عبر تاريخ طويل إلى الغرب العلماني الرأسمالي‪،‬‬ ‫الوثنية اليونانية‪ ،‬ث ّ‬
‫فمن هناك أول ً نسأل عن تعريفها‪ ،‬كما يمكن أن نأخذ تعريفها من معاجم‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللغة النجليزية والفرنسية وغيرها‪ ،‬وذلك من ممارستها في تاريخها الطويل‪.‬‬


‫القضية الولى في الديمقراطية ل تعني حقّ الشعب كما زعم السيد الزيات‪،‬‬
‫وإنما تعني جعل سلطة الشعب هي السلطة العليا ل سلطة فوقها أبدا ً ل‬
‫بالتشريع ول بسواه فما يحّله الشعب هو الحلل وما يحرمه هو الحرام‪ .‬في‬
‫السلم القاعدة ‪ " :‬إن الحكم إل لله " بمعنى أن الشرع هو فقط ما شرع‬
‫الله " شرع لكم من الدين …" فالحلل ما أحّله الله والحرام ما حّرمه الله‪،‬‬
‫وفي الديمقراطية " إن الحكم إل للشعب " فعسى أن يكون قد وضح هذا‬
‫الفرق لخي السيد الزيات‪.‬‬
‫والديمقراطية ليست مجّرد أن يختار الشعب ممثليه‪ ،‬ولكّنها كيف يختار وما‬
‫هو السلوب ؟! وفي السلم أسلوب آخر وقواعد أخرى‪ ،‬الختيار أمانة وعلم‬
‫صله الكتاب والسّنة‬ ‫ومعرفة نابعة من خشية الله‪ ،‬أمانة تخضع لميزان محدد ف ّ‬
‫وأوجزه حديث الرسول )صلى الله عليه وسلم( " أنزلوا الّناس منازلهم "‪،‬‬
‫صل منهاج الله ميزان إنزال الّناس منازلهم‪ ،‬مما ل يوجد في‬ ‫بعد أن ف ّ‬
‫الديمقراطية حيث ل يقوم الختيار على أساس الخشية من الله‪ ،‬وليس لديها‬
‫ميزان إل ميزان الدنيا ‪ :‬المال والعصبيات والنفوذ وغير ذلك‪.‬‬
‫الديمقراطية ‪:‬‬
‫م‬‫ّ‬ ‫تت‬ ‫كيف‬ ‫ولكن‬ ‫ممثليها‪،‬‬ ‫ومحاسبة‬ ‫المة‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫رد‬
‫ّ‬ ‫مج‬ ‫ليست‬ ‫والديمقراطية‬
‫سب‬ ‫محاسبتهم وما هي القوانين في ذلك ؟! وفي السلم واجب المة أن تحا ِ‬
‫ممّثليها ولكن على أساس من دين وشرع وحقوق ومسؤوليات كّلها رّبانّية‬
‫إيمانّية‪ ،‬وقس سائر المور على هذا الساس ‪ :‬فالفرق بين السلم‬
‫والديمقراطية ليس في الشعارات وحسب‪ ،‬ولكّنه في النهج والقانون والشرع‬
‫والميزان لذلك كّله‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وإذا خالف المسلمون بعض هذه الحكام الرّبانّية فذلك ليس ذنب السلم‪،‬‬
‫م يعزوها إلى‬‫إّنما ذنب النسان الذي يرى إشراقة السلم وفضائله ث ّ‬
‫وهة‪.‬‬
‫الديمقراطية‪ ،‬ويهوى اتباعها هناك مش ّ‬
‫ما ظهرت‬ ‫ما بال المسلمين اليوم كّلما نعق ناعق فزعوا إليه ليّتبعوه‪ ،‬فل ّ‬
‫ن الشتراكية هي السلم‪،‬‬ ‫ن الشتراكية من السلم‪ ،‬أو أ ّ‬ ‫الشتراكية زعموا أ ّ‬
‫م ل هم طّبقوا الشتراكية ول طّبقوا السلم‪ ،‬وكذلك الديمقراطّية زعموا أّنها‬ ‫ث ّ‬
‫مدا ً )صلى الله عليه‬ ‫مح‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫بعضهم‬ ‫وزعم‬ ‫بذلك‬ ‫ب‬ ‫كت‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ّ‬ ‫ل‬‫من السلم‪ ،‬وأ ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫م تغّنوا بها وتغّزلوا بفضائلها‪ ،‬وأقاموا‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫الديمقراطية‬ ‫إلى‬ ‫وسلم( جاء ليدعو‬
‫البرلمانات واختار الشعب ممثليه‪ ،‬واختار رؤساء الجمهوريات واختاروا‬
‫واختاروا‪ ،‬وبعد ذلك ل هم طّبقوا شعارات الديمقراطية ول طّبقوا السلم‪.‬‬
‫ن الحداثة من السلم أو‬ ‫ب نفٌر من المسلمين ليثبت أ ّ‬ ‫وجاءت الحداثة فه ّ‬
‫ب من يريد أن يخترع حداثة عربّية‪ ،‬أو حداثة إسلمية‪،‬‬ ‫السلم من الحداثة‪ ،‬وه ّ‬
‫ّ‬
‫ل ل يتجّزأ فتؤخذ كلها أو‬ ‫حتى رد ّ عليهم أحد رجال الحداثة يقول ‪ :‬الحداثة ك ّ‬
‫ل ل يتجّزأ فيجب أخذه‬ ‫تترك كّلها‪ ،‬والصح أن يقول المسلمون ‪ :‬إن السلم ك ّ‬
‫كّله بتكامله وترابطه وتناسقه‪.‬‬
‫لقد ًأصبح بعض المسلمين مفلسين بعد أن تخّلوا عن إسلمهم‪ ،‬فلم تسعفهم‬
‫الشتراكّية ول الديمقراطية ول الحداثة‪ ،‬ول … ول … !‬
‫ولننظر إلى الديمقراطية عند أهلها وأربابها وفي ميدان التطبيق‪ ،‬فلننظر إلى‬
‫ممارسة الديمقراطية في الدماء التي ملت شوارع دلهي من المذابح التي‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أجرتها الديمقراطية عند احتلله الهند‪ ،‬أو الديمقراطية التي اعتدت على أرض‬
‫السلم في جنوب شرق آسيا‪ ،‬وشمال أفريقيا‪ ،‬والعالم السلمي كّله‪ ،‬وفي‬
‫دول أمريكا اللتينية‪ ،‬وفي القنابل النووية التي نزلت بكامل ديمقراطيتها على‬
‫هيروشيما وناجازاكي‪ ،‬فطّبقت العدالة والمساواة بأن يموت مئات اللوف‬
‫وهوا بصورة متساوية‪ ،‬أو فلننظر إلى الديمقراطية التي يمارسها‬ ‫جميعا ً أو يش ّ‬
‫الديمقراطيون في فلسطين والضفة وغزة ورفح‪ ،‬وفي العراق وسجن " أبو‬
‫غريب " وفي أفغانستان والقنابل التي تنهال على الناس وهم في أعراسهم‬
‫وأفراحهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫أريد من أخي الكريم أن يبحث في الرض كلها عن الديمقراطية وشعاراتها‬
‫وليقل لي أين طّبقت‪ ،‬فقد بحثت ودرست فلم أجدها إل شعارا ً يتغّنى بها‬
‫جماعة من الّناس دون أيّ رصيد لها في الواقع‪ ،‬تغّنوا بحقوق النسان‬
‫فسحقوها‪ ،‬وتغّنوا بعيد الم بعد أن سحقوا المومة‪ ،‬تغّنوا بالمساواة‪ ،‬فإذا‬
‫دد حياة أكثر من )‪ (850‬مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر‬ ‫الفقر يه ّ‬
‫المدقع حسب ما أعلن مؤتمر الغذاء العالمي دون أن يعلن عن عدد‬
‫المتخمين‪.‬‬
‫النسان ‪:‬‬
‫في مجتمعاتهم النسان يعيش بالتقسيط ‪ :‬بيته بالتقسيط‪ ،‬وسيارته‬
‫بالتقسيط‪ ،‬حياته كّلها بالتقسيط وهذا بالنسبة للشعب الذي باسمه قام‬
‫الثرياء فحكموا وأتخموا‪ ،‬ولكن حياتهم ليست بالتقسيط !‬
‫ن الديمقراطية التي ينادي بها اليوم هي بنت الرأسمالية وابنة العلمانية‬ ‫إ ّ‬
‫ل مفاسد هذه ومفاسد تلك‪.‬‬ ‫تحمل ك ّ‬
‫ً‬
‫أليست دول الديمقراطية هي التي ملت الرض حروبا حتى بلغ عدد ضحاياها‬
‫في القرن العشرين وحده بحدود )‪ (32‬مليون إنسان خلف الجرحى‬
‫وقين ؟!‬ ‫وهين والمع ّ‬ ‫والمش ّ‬
‫أين هي الديمقراطية ؟!‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إذا كان المر أنه ل يحقّ لحد أن يمتلك الحقيقة واحتكار تأويل الن ّ‬
‫ص‬
‫الديني‪ ،‬فهذا يعني أنه ل يوجد حقيقة‪ ،‬وأن الدين عائم ل حقيقة فيه‪ ،‬وأن‬
‫الذين مارسوا الدين وطّبقوه أيام الرسول )صلى الله عليه وسلم( لم يكونوا‬
‫يعرفون الحقيقة ول فهم القرآن الكريم‪ ،‬أين تذهب يا أخي الكريم بقوله‬
‫سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫سرنا القرآن للذكر (‬ ‫) ولقد ي ّ‬
‫] القمر ‪[17 :‬‬
‫م(‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫) وَقُ ِ‬
‫] الكهف ‪[ 29 :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫زيٌز )‪ (41‬ل ي َأِتيهِ الَباط ِ ُ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ه لك َِتا ٌ‬ ‫م وَإ ِن ّ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬‫ما َ‬ ‫فُروا ِبالذ ّك ْرِ ل ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫) إِ ّ‬
‫ميد ٍ (‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫زي ٌ‬‫فهِ ت َن ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫] فصلت ‪[ 42-41 :‬‬
‫َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ن(‬ ‫ّ‬
‫ما ت َذ َكُرو َ‬ ‫ً‬
‫ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء قَِليل َ‬ ‫م ْ‬
‫م َول ت َت ّب ُِعوا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫)ات ّب ُِعوا َ‬
‫] العراف ‪[3:‬‬
‫ق‬ ‫ً‬
‫فكيف يأمرنا الله أن نتبع ما أنزل إلينا من عنده إذا لم يكن جليا فيه الح ّ‬
‫والحقيقة‪.‬‬
‫آيات كثيرة تشير إلى الحقّ والحقيقة تدركها القلوب المؤمنة ‪:‬‬
‫سارا ً‬ ‫خ َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬‫زيد ُ ال ّ‬
‫ن َول ي َ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫فاٌء وََر ْ‬ ‫ش َ‬
‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫)وَن ُن َّز ُ‬
‫(‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] السراء ‪[ 82 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ي قل هُ َ‬ ‫ي وَعََرب ِ ّ‬
‫م ّ‬‫ج ِ‬
‫ه أأعْ َ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬
‫صل ْ‬ ‫ُ‬
‫ول ف ّ‬ ‫قالوا ل ْ‬ ‫مي ّا ل َ‬
‫ج ِ‬‫جعَل َْناه ُ قُْرآنا أعْ َ‬
‫ً‬ ‫)وَل َوْ َ‬
‫ى‬
‫عم ً‬‫م َ‬‫م وَقٌْر وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫فاٌء َوال ّ ِ‬‫ش َ‬ ‫هدىً وَ ِ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ن ب َِعيد ٍ (‬ ‫كا ٍ‬‫م َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ك ي َُناد َوْ َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫] فصلت ‪[44 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫حين ل نجد من يمتلك الحقّ والحقيقة‪ ،‬يكون الذي يسود ويحكم هو الهوى‪،‬‬
‫سر بّين‪ ،‬لكن الناس ضعف إيمانهم وهجروا‬ ‫ق‪ ،‬ومنهاج الله مي ّ‬‫السلم جلي ح ّ‬
‫كتاب الله وجهلوا اللغة العربية‪ ،‬حتى أصبح يقال هذا الذي يقال‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬السلم بين لينين وستالين ‪:‬‬
‫ل أدري ما الذي دفع السيد الزيات أن يمّيع السلم بهذه الصورة التي‬
‫يعرضها‪ ،‬حيث يقول ‪ " :‬كّلنا مسلمون ونشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وكل من قال‬
‫هذه الشهادة فهو مسلم ل ننكر إسلمه‪ ،‬لكننا نجد من ينطق هذه الشهادة‬
‫ويقول أنا مسلم لكني ليبرالي‪ ،‬وأرى مسلما ً يقول الشهادتين‪ ،‬ويقول أنا‬
‫يساري‪ ،‬وأرى مسلما ً يقول أنا لينيني أو ستاليني … الخ‪ ،‬ول أستطيع أن أنكر‬
‫على هذا أو ذاك إسلمه …"‬
‫مهل ً أخي الكريم ‪ :‬السلم ليس كما ذكرت ول اللينينّية ول الستالينية كما‬
‫ذكرت‪ ،‬من نطق بالشهادتين نقبل إسلمه إسلما ً آنيا ً ل نفتش عن قلبه‬
‫ونوكل ذلك إلى الله‪ ،‬ولكننا مأمورون شرعا ً أن نبادر بتعليمه ذلك السلم‬
‫ما نهى‬ ‫وبمطالبته بتنفيذ شعائر السلم وشرائعه‪ ،‬والتزام أوامره والبتعاد ع ّ‬
‫الله عنه‪ ،‬فإن رفض واكتفى بالشهادتين فنطّبق عليه أحكام السلم في دولة‬
‫السلم الضرورية لتنفيذ شرع الله‪ ،‬فَل َِتارك الصلة حكم‪ ،‬ولتارك الشعائر كّلها‬
‫حكم‪ ،‬ل ينفع معها النطق بالشهادتين‪ ،‬ويبقى أمره إلى الله يوم القيامة‪ ،‬أما‬
‫في الدنيا فنحن مأمورون بإقامة الدين وتنفيذ أحكام شرع الله‪ ،‬فشرع الله‬
‫صل‪.‬‬‫ليس متفّلتا ً سائبًا‪ ،‬إنه شرع محكم مف ّ‬
‫أما أن يكون لينيني ّا ً واستالينيا ً ويلتزم فكر هذا وذاك ومبادئهما التي تقوم كّلها‬
‫صا ً وجود الله‪ ،‬وتعتبر‬‫على نظرية المادية الجدلية والمادية التاريخية‪ ،‬وتنكر ن ّ‬
‫الدين كّله أفيون الشعب‪ ،‬فل أدري كيف استطاع الخ المسلم التوفيق بين‬
‫ن أراد أن يجعل السلم‬ ‫م ْ‬‫السلم واللينينية والستالينينية‪ ،‬توفيقا ً حاوله َ‬
‫علمانيا ً واشتراكيا ً وحداثيًا‪ ،‬وهذا اليوم إسلم جديد‪ ،‬إسلم شيوعي لم يسبق‬
‫إليه أحد‪.‬‬
‫السياسة والفكر ليسا محصورين في الليبرالية والشيوعية والشتراكية‬
‫ب السلم يقومان على قواعد‬ ‫ن السياسة والفكر ل ّ‬ ‫والديمقراطية والحداثة‪ ،‬إ ّ‬
‫راسخة صلبة متينة ل تنحرف عنها‪ ،‬السياسة هناك سياسة مصالح وفكر‬
‫مصالح وصراع مصالح ل تقيم للخرة وزنا ً في مناهجها‪ ،‬السياسة في السلم‪،‬‬
‫حين تقوم على قواعد صلبة‪ ،‬فإنها تنبع من خشية الله واليوم الخر‪ ،‬وتدفع‬
‫ل متكامل مترابط‬ ‫النسان للفوز بالجّنة بدل ً من الّنار‪ ،‬السلم دين الله‪ ،‬ك ّ‬
‫متناسق متمّيز من سائر المبادئ والفكار إّنه دين الله‪.‬‬
‫* صحيفة الدستور الردنية ‪ :‬العدد )‪ (13328‬ـ السنة الثامن والثلثون ـ‬
‫الثلثاء ‪15/7/1425‬هـ ‪31/8/2004 /‬م ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعقيب على فتوى رسوم اشتراك على مرتادي المسجد(‬


‫د‪ .‬نايف بن أحمد الحمد ‪8/6/1427‬‬
‫‪04/07/2006‬‬
‫نشر الموقع فتوى بعنوان‪) :‬رسوم اشتراك على مرتادي المسجد (‪ ،‬وقد ورد‬
‫إلى الموقع تعقيبان على الفتوى المذكورة‪ ،‬وبعد إحالتهما إلى الشيخ أجاب‬
‫عنهما بما يلي‪:‬‬
‫التعقيب الول‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫فمما ل شك فيه أن السائل عندما يسأل غيره عن حكم مسألة ما يكون‬
‫جاهل بحكمها‪ ،‬فل بد للمجيب من إجابة السائل أو إحالته إلى غيره إذا لم‬
‫يكن عالما ً بالجواب‪.‬‬
‫وهنا نرى الشيخ ‪-‬أطال الله بقاءه ومن علينا وعليه بالعلم الوافر ‪ -‬لم يجب‬
‫السائل عن سؤاله المحدد‪ ،‬وهو حكم جعل اشتراك على مصلي المسجد‪،‬‬
‫وليس عن حكم التبرع للمسجد‪ ،‬وبين المرين فرق كبير‪ ،‬فمما ل شك فيه أن‬
‫السلم حث على التبرع والتصدق في ذلك وقد أجاد الشيخ في بيانه هذا‪ ،‬أما‬
‫عن سؤال الشخص السائل عن حكم جعل الشتراك على المصلين أي يجعل‬
‫رسما ً شهريا ً على مرتادي المسجد‪ ،‬فمما ل شك فيه أن هذا المر مغاير لما‬
‫بين‪ .‬نرجو المعذرة وإعادة السؤال إلى فضيلة الشيخ مرة أخرى لبيان ذلك‪.‬‬
‫ملحظة‪ :‬ثبت في السنة الستطراد في الجواب لبيان المنفعة كما في هدي‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عندما سأله سائل عن حكم الوضوء بماء البحر‪،‬‬
‫فلم يكتف صلى الله عليه وسلم بيان حكم الوضوء منه بل تعدى إلى بيان‬
‫حكم أكل ميتته‪.‬‬
‫أما هنا فالشيخ استطرد في بيان فضيلة التصدق والتبرع لبناء المساجد‬
‫ً‬
‫وعمارتها‪ ...‬الخ‪ ،‬ولم يتطرق إلى جواب السائل‪ .‬وبارك الله فيكم وعذرا عن‬
‫الطالة‪.‬‬
‫التعقيب الثاني‪:‬‬
‫هل يجوز لمسؤول المساجد فرض اشتراك شهري أو ل؛ وخاصة في الدول‬
‫الغير السلمية حيث ل توجد وزارة أوقاف وهكذا‪.‬‬
‫الجابة ‪:‬‬
‫الحمد لله وحده وبعد‪ :‬فقد اطلعت على ما ذكره الخوان الكريمان من‬
‫ملحظة على ما أجبت به حيال فرض رسم اشتراك على مرتادي المساجد‬
‫حيث أفادا –رعاهما الله تعالى‪ -‬أنه لم يرد فيما ذكرته إجابة على سؤال‬
‫السائل وإنني إذ أشكرهما شكرا مقرونا بالدعاء لهما بالتوفيق والرشاد أقول‪:‬‬
‫بتأمل الجابة جاء فيها ما نصه" والواجب على القادرين خاصة في الدول التي‬
‫ل تتولى وزارات الوقاف فيها عمارة المساجد أن يقدموا ما يستطيعونه‬
‫لجل عمارة المساجد وتنظيفها وتأمين رزق للمام والمؤذن والخادم وتسديد‬
‫الفواتير الخدمية وغير ذلك ليظهر المسجد بالصورة المناسبة" ا‪.‬هـ حيث إن‬
‫بناء المساجد وصيانتها من فروض الكفاية وفرض الكفاية ل يلزم إل القادرين‬
‫عليه لذا يلزم القادرين من المسلمين في تلك البلد أن يتبرعوا للمساجد‬
‫عندهم حتى تتمكن من الستمرار‪ ،‬مع عدم وعد المتبرعين بتقديم أي‬
‫تخفيضات لهم من الخدمات التي يقدمها المسجد بعوض‪ ،‬لما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن التبرع للمسجد عبادة‪ ،‬والعبادة لبد أن تكون خالصة لله وحده‪ ،‬فمن‬ ‫أو ً‬
‫أراد بتبرعه الحصول على تلك التخفيضات لم يكن تبرعه لله‪ ،‬فعن عمر بن‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخطاب رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنما‬
‫العمال بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله‬
‫فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها‬
‫فهجرته إلى ما هاجر إليه رواه البخاري )‪ (6311‬ومسلم )‪ (1907‬وقد بوب‬
‫البخاري لحدى طرق الحديث المذكور بقوله" باب ما جاء أن العمال بالنية‬
‫والحسبة ولكل امرئ ما نوى‪ ،‬فدخل فيه اليمان‪ ،‬والوضوء‪ ،‬والصلة‪ ،‬والزكاة‪،‬‬
‫ه" على‬ ‫شاك ِل َت ِ ِ‬
‫ل عََلى َ‬
‫م ُ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ل ي َعْ َ‬ ‫والحج‪ ،‬والصوم‪ ،‬والحكام وقال الله تعالى "قُ ْ‬
‫نيته" اهـ صحيح البخاري ‪.1/29‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن في هذا العمل من الجهالة والغرر ما يوجب منعه وربما دخله بيع‬
‫النقد بالنقد مؤجل‪ ،‬وقد صدر من المجمع الفقهي السلمي برابطة العالم‬
‫ب‬‫السلمي في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة في ‪10/4/1427‬هـ جوا ٌ‬
‫لسؤال وارد من رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة‬
‫جدة المتضمن رغبة الجمعية إصدار بطاقات من الجمعية تنتجها إحدى‬
‫مؤسسات التسويق وتقوم بتسويقها وبيعها مقابل مبلغ تتقاسمه الجمعية مع‬
‫مؤسسة التسويق بعد التفاق بين الجمعية وعدد من المحلت التجارية على‬
‫منح حامل البطاقة تخفيضا ً في أسعار السلع التي تملكها هذه المحلت‪ .‬وبعد‬
‫الستماع إلى البحاث المقدمة في الموضوع والمناقشات المستفيضة قرر‪:‬‬
‫ل‪ :‬عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة أو شرائها إذا كانت مقابل‬ ‫أو ً‬
‫ثمن مقطوع أو اشتراك سنوي لما في ذلك من الغرر‪ ،‬فإن مشتري البطاقة‬
‫يدفع مال ً ول يعرف ما سيحصل عليه مقابل ذلك‪ ،‬فالغرم فيه متحقق‪ ،‬يقابله‬
‫غنم محتمل وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر كما في‬
‫الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا كانت بطاقات التخفيض تصدر بالمجان من غير مقابل فإن إصدارها‬
‫وقبولها جائز شرعا ً لنه من باب الوعد بالتبرع أو الهبة‪ .‬ا‪.‬هـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويلحظ هنا أن المستفيد من إصدار هذه البطاقة هو الجمعية التي تخدم‬


‫كتاب الله تعالى وحفظته ومع ذلك لم ُيجز المجمع الفقهي لهم ذلك‪ ،‬فالغاية‬
‫الحسنة ل تبرر الوسيلة الممنوعة‪ ،‬وعلى الخوان في المسجد المذكور حث‬
‫المصلين في خطبة الجمعة وغيرها على أهمية التبرع ابتغاء وجه الله تعالى‬
‫وهذا هو ما دل عليه القرآن‪ ،‬وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان‬
‫إذا حث أصحابه على التبرع يبشرهم بالجنة ل بأمر دنيوي يحصلون عليه‪ ،‬قال‬
‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ما ت ُن ْفِ ُ‬ ‫شاُء وَ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َهْ ِ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫داهُ ْ‬
‫ك هُ َ‬ ‫س عَل َي ْ َ‬‫تعالى‪" :‬ل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫فَِل َن ْ ُ‬
‫م‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ف إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫خي ْرٍ ي ُوَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ما ت ُن ْفِ ُ‬‫جهِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن إ ِّل اب ْت َِغاَء وَ ْ‬‫قو َ‬‫ما ت ُن ْفِ ُ‬
‫م وَ َ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي َْر ِفي ك َِثيرٍ ِ‬ ‫ن" ]البقرة‪ [272:‬وقال تعالى‪َ" :‬ل َ‬ ‫مو َ‬ ‫َل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضاةِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مْر َ‬ ‫ك اب ْت َِغاَء َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫س وَ َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫صَلٍح ب َي ْ َ‬ ‫ف أوْ إ ِ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫صد َقَةٍ أوْ َ‬ ‫مَر ب ِ َ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ما" ]النساء‪.[114:‬‬ ‫ظي ً‬‫جًرا عَ ِ‬ ‫ف ن ُؤِْتيهِ أ ْ‬‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬من‬
‫حفر رومة فله الجنة" وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬من جهز‬
‫جيش العسرة فله الجنة" رواهما البخاري )‪ (2626‬و"رومة" بئر معروفة‬
‫بمدينة النبي عليه الصلة والسلم اشتراها عثمان بخمسة وثلثين ألف درهم‬
‫فوقفها‪ .‬عمدة القاري )‪ (12/191‬ولفظ حديث رومة عند أحمد )‪ (1/74‬رقم‬
‫)‪ (555‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستعذب منه إل رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يشتريها‬
‫من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلي المسلمين وله خير منها في الجنة"‬
‫فنلحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دلو مشتريها كدلي‬
‫المسلمين ولم يجعل له ميزة بأن يستقي منها أكثر منهم بل جعله مثل من‬
‫لم يدفع درهما واحدا ً فيها لينال الجنة بذلك‪.‬‬
‫ول مانع عند الحاجة من فرض بعض الرسوم على مرتادي المركز السلمي‬
‫ل المسجد عند الرغبة في الستفادة من خدامته عند الحاجة لذلك‪ ،‬ووقفها‬
‫عند عدم الحاجة والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تعقيب على فتوى شراء البيوت بالقرض الربوي"‬


‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪22/5/1423‬‬
‫‪01/08/2002‬‬
‫كثيرة هي الفتاوى التي تردنا عن موضوع شراء البيوت عن طريق القرض‬
‫الربوي حيث انتشر هذا المر في بعض البلدان ‪ ،‬ولهمية هذا الموضوع فقد‬
‫نشرنا في وقت سابق فتوى بعنوان شراء البيوت بالقرض الربوي لفضيلة‬
‫الشيخ الدكتور سامي السويلم والتي تقضي بتحريم هذا النوع من‬
‫المعاملت‪،،‬‬
‫إل أنه وردنا تعقيب على هذه الفتوى من أحد زوار النافذة ‪ ،‬وقد عرض هذا‬
‫التعقيب على فضيلة الشيخ فتكرم بالتوضيح والبيان‪...‬‬
‫التعقيب‪:‬‬
‫أود أن أبدي بعض الملحظات حول فتوى حرمة القتراض من البنوك لجل‬
‫شراء البيوت ‪ ،‬وهي ملحظات تلجلجت في صدري كثيرا ‪ ،‬وكنت أتساءل‬
‫بداية قائل من المعلوم أن التمر بالتمر يجري فيه الربا ‪ ،‬ول بد له من‬
‫شرطين الول التقابض ‪ ،‬والمثلية ‪ ،‬ومع أن الربا ذنبه عظيم وخطره جسيم ‪،‬‬
‫إل أن نجد في الشريعة إباحة بيع العرايا وحقيقته أنه ربا ‪ ،‬أبيح لحاجة الناس‬
‫إلى التفكه بالرطب ‪ ،‬وهذا حكم معروف لديكم ‪ ،‬فقلت في نفسي متسائل‬
‫النبي صلى الله عليه يبيح الربا لحاجة يمكن أن يقال إنها نوع من الترفيه ‪،‬‬
‫فكيف بنا اليوم نحرم القتراض بفائدة من أجل شراء بيت ومعلوم أن البيت‬
‫بالنسبة للنسان الواجد لمن يؤجره من الحاجات العظيمة ‪ ،‬هذا من جانب‬
‫من جانب آخر وجدت العلماء قد اتفقوا على الضرورات تبيح المحظورات‬
‫وصحيح أن شراء البيوت ليس من الضرورات لكنهم في المقابل أيضا ً قالوا‬
‫إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة ‪ ،‬هذا بعض ما تلجلج في نفسي حيال هذه‬
‫القضية وثمة أمر أود لو استجاب له المفتون وهو التخلي عن الخلط بين‬
‫لغتي الوعظ والفتوى ‪ ،‬حتى تحرر المسألة تحريرا علميا أما أن يقول المفتي‬
‫إن هذه المسألة لتحتاج إلى فتوى ول سيما أنه قد أفتى بها علماء آخرون هو‬
‫نوع من المصادرة التي ل تنبغي وشكرا وجزاكم الله خيرا‪.‬‬
‫*****‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .1‬أما مسألة العرايا فهي أول مقيدة بما دون خمسة أوسق‪ ،‬وثانيا هي‬
‫استثناء من ربا الفضل وليس من ربا النسيئة‪ .‬وبحسب اطلعنا لم ينقل في‬
‫السنة أي استثناء من ربا النسيئة في الموال الربوية‪ ،‬وهي المنصوص عليها‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مسلم)‪ .(1587‬إذا تقرر ذلك‬
‫فربا الفضل حرم لحكم متعددة‪ ،‬منها كونه ذريعة لربا النسيئة‪ ،‬كما ذكر ذلك‬
‫ابن القيم رحمه الله‪ .‬وما حرم سدا ً للذريعة أبيح للحاجة‪ .‬يقول ابن القيم‬
‫رحمه الله‪" :‬وما أبيح سدا ً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة‪ ،‬كما أبيحت العرايا‬
‫من ربا الفضل‪ ،‬وكما أبيحت ذوات السباب من الصلة بعد الفجر والعصر‪،‬‬
‫وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب ‪) "...‬إعلم الموقعين ‪.(2/161‬‬
‫أما ربا النسيئة فهو محرم تحريم المقاصد‪ ،‬ولذلك قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إنما الربا في النسيئة" رواه البخاري)‪،(2179‬مسلم)‪ (1596‬واللفظ له‪ .‬فل‬
‫يصح قياس ما حرم تحريم المقاصد على ما حرم تحريم الوسائل‪ ،‬لنه قياس‬
‫مع الفارق المؤثر‪.‬‬
‫ولو أبيح ربا النسيئة لشراء البيوت‪ ،‬ما الذي يمنع إباحته لشراء السيارات‪،‬‬
‫وهي أيضا ً في حق كثيرين من الناس حاجة تنزل منزلة الضرورة‪ ،‬وما الذي‬
‫يمنع إباحته للزواج ابتداء‪ ،‬وهو أهم من المنزل ومن السيارة؟ وما الذي يمنع‬
‫إباحته لتمويل التنمية وإنشاء المرافق الضرورية كالكهرباء والماء والهاتف‬
‫وبناء المدن‪ ،‬وهي حاجة عامة أولى بأن تنزل منزلة الضرورة من الحاجة‬
‫الخاصة؟ ثم ل تزال الحاجات تتوالى‪ ،‬ول يوجد مرجع للناس يحدد ما هي‬
‫الحاجة المستثناة من غير المستثناة‪ ،‬والنتيجة في نهاية المر هي استفحال‬
‫الربا في القتصاد‪ ،‬وتفاقم الفوائد عليه‪ ،‬حتى تصبح ثروات المجتمع رهنا ً‬
‫للمرابين على حساب الجيال القادمة‪ ،‬وحتى يصبح الصل في الربا الحل‬
‫وليس المنع‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .2‬وأما ما اعتبره الخ الكريم خلطا بين الوعظ والفتوى‪ ،‬فهذه هي طريقة‬
‫القرآن‪ .‬فإذا تتبعت القرآن‪ ،‬وجدت فتاواه تجمع بين بيان الحكم وبين الوعظ‪.‬‬
‫قال تعالى‪" :‬يسألونك عن الهلة‪ .‬قل هي مواقيت للناس والحج‪ .‬وليس البر‬
‫بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها‬
‫واتقوا الله لعلكم تفلحون"]البقرة‪ .[189:‬وقال تعالى‪" :‬يسألونك عن‬
‫المحيض‪ .‬قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض‪ ،‬ول تقربوهن حتى‬
‫يطهرن‪ ،‬فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين‬
‫ويحب المتطهرين‪ .‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا‬
‫لنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملقوه وبشر المؤمنين"]البقرة‪،222:‬‬
‫‪ .[223‬فهذه فتاوى اقترنت بالمر بالتقوى والستعداد للخرة‪ ،‬وهذا من‬
‫الوعظ الذي أمر الله به‪.‬‬
‫وأما في موضوع الربا‪ ،‬فآيات الربا هي التي حذرت من الحرب على الله‬
‫ورسوله لبيان شدة حرمة هذا المر‪ .‬فهي جمعت بين بيان الحكم وبين‬
‫التخويف والتهديد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ .3‬أما اعتراض الخ الكريم على عبارة "ل تحتاج إلى فتوى" وأنها نوع من‬
‫المصادرة لفتاوى علماء آخرين‪ ،‬فل ريب أن حرمة الربا مما ل يحتاج إلى‬
‫فتوى مع النصوص الصريحة الصحيحة الجلية وإجماع المة عليها‪ ،‬إل إذا كان‬
‫المقصود هو بيان معاني هذه النصوص والتأكيد عليها‪ .‬وأما فتوى بعض أهل‬
‫العلم بجواز القتراض بربا لشراء المنازل لمن يقيم في الغرب‪ ،‬فقد أشير‬
‫إلى أن ذلك محمول على حال الضطرار‪ .‬فالفتاوى ليست متعلقة بحكم‬
‫الربا‪ ،‬بل المة مجمعة على حرمته‪ ،‬ومن يقول الربا حلل فقد خالف المعلوم‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الدين بالضرورة‪ ،‬لكنها متعلقة بحالت خاصة قد يرى المفتي أنها من‬
‫الضرورة التي تبيح المحرمات‪ ،‬ويرى غيره خلف ذلك‪ .‬لكن الصل متفق‬
‫عليه بين الجميع‪.‬‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تعقيب على كلمة الستاذ حمدي عبد العزيز شهاب في مجلة الرسالة‬
‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫‪... ...‬‬
‫لقد كثر في السنوات الخيرة الحديث عن ضرورة العتراف " بالخر " وعن‬
‫ضرورة البّر والقسط إليه‪ ،‬إلى درجة يكاد يرفع بعض الكّتاب المسلمين "‬
‫الخر " فوق المسلم‪ ،‬ويحرصون عليه وعلى حقوقه ول يلتفتون إلى المسلم‬
‫وحقوقه‪.‬‬
‫ن " الخر‬ ‫وباستعراض تاريخنا وخاصة في العصر الحديث الذي نعيشه ل أجد أ ّ‬
‫" وجد عدالة وحياة أفضل مما وجدها بين المسلمين‪ .‬لقد عاش النصارى في‬
‫معظم أقطار العالم السلمي حياة مطمئّنة كريمة إل في فترات قليلة من‬
‫ظلموا في المجتمعات السلمية‬ ‫تاريخنا السلمي‪ .‬فالنصارى واليهود لم ي ُ ْ‬
‫قون‬ ‫شف من تعاونهم مع أعداء المة حين يتل ّ‬ ‫ولكن يعاقبون بمقدار ما ي ُك ْ َ‬
‫منهم التوجيه‪ ،‬ويعملون حسب المخطط الذي يرسمونه لهم‪.‬‬
‫صف وُيبّر وُيقسط إليه هو المسلم الذي لم‬ ‫إن الذي يحتاج أن ي ُْعترف به وين َ‬
‫يعد يجرؤ على إعلن صلته أو صيامه في ساحة واسعة من العالم السلمي‪،‬‬
‫ولم يعد يجرؤ على إعلن دعوته إلى الله ورسوله‪ ،‬لم يعد يجد الحرّية ول‬
‫ب أن يساوى " بالخر"‬ ‫العدالة ول المساواة‪ .‬ربما أصبح على المسلم أن ي َط ْل ُ َ‬
‫!‬
‫ن الله سبحانه وتعالى ي ُْعصى‬ ‫َ‬
‫م عينيه أن شرع الله يخالف وأ ّ‬ ‫يرى المسلم بأ ّ‬
‫ة دون أن يستطيع أن ينصح أو يعترض‪ ،‬أو أن ُيطالب بتطبيق‬ ‫جهارا ً وعلني ً‬
‫شرع الله كما جاء في الكتاب والسّنة‪ .‬وإن جرؤ على ذلك فهو متهم بالرجعّية‬
‫أو الرهاب أو أيّ تهمة أخرى !‬
‫أثار في نفسي هذه التساؤلت المقالة التي قرأتها في مجلة الرسالة العدد‬
‫العاشر ‪1425‬هـ ‪2004‬م‪ ،‬بعنوان‪ " :‬معاملة غير المسلمين في الخبرة‬
‫السلمية " بقلم حمدي عبد العزيز شهاب‪ .‬ولقد قرأت ما ورد في هذه‬
‫المقالة في مجلت أخرى لكّتاب مسلمين حتى بدا أن هناك إلحاحا ً على هذه‬
‫الموضوعات والفكار‪ ،‬إلحاحا ً ل أراه يناسب حقيقة الواقع اليوم ول واقع‬
‫ن الصورة مقلوبة رأسا ً على عقب‪ .‬وأود أن ُأناقش بعض ما‬ ‫المس‪ .‬أشعر أ ّ‬
‫ورد في هذه المقالة‪.‬‬
‫فلقد جاء في العنوان كلمات‪…… " :‬في الخبرة السلمية "! ولم أفهم‬
‫المقصود من كلمة " الخبرة "‪ ،‬وكان أحرى أن يقال‪ :‬في السلم ! فهذا هو‬
‫ل صغيرة وكبيرة إلى منهاج الله رد ّا ً أمينًا‪ ،‬كما‬ ‫المهم‪ ،‬لننا يجب أن نرد ّ ك ّ‬
‫ً‬
‫أمرنا الله ورسوله‪ ،‬وقد جعل الله هذا المر شرطا لليمان‪ ،‬ومخالفته مخالفة‬
‫لليمان‪.‬‬
‫ف من الوضوح‬ ‫وجاء في المقالة‪ " :‬ونصوص الصول المنّزلة على قدر كا ٍ‬
‫ة‪ ،‬يفسح مجال ً واسعا ً للتوازن بين حس الوحدة السلمية‪،‬‬ ‫مضمونا ً وصياغ ً‬
‫ددية التي شاءها الله تعالى نفسه منذ بدء الخلق "‪.‬‬ ‫وبين العتراف بالتع ّ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن هذه مغالطة كبيرة‪ .‬فالوحدة السلمية جزء‬ ‫وآسف أن أقول لخي الكريم إ ّ‬
‫ددية التي‬ ‫ُ‬
‫مر المسلمون بالتزامه وتطبيقه‪ ،‬وأما التع ّ‬ ‫من شرع الله الذي أ ِ‬
‫شاءها الله تعالى منذ بدء الخلق هي مشيئة الله وليست أمرا ً منه بالتزامها‪.‬‬
‫إنها سّنة من سنن الله في الحياة تمضي على حكمة لله بالغة ابتلًء منه‬
‫سبحانه وتعالى وليس شرعا ً لعباده‪ .‬وهناك سنن رّبانّية أخرى كثيرة ماضية‬
‫م ذلك‬ ‫بقدر الله وقضائه دون أن نؤمر باتباعها‪ .‬فرجل يقتل رجل ً ظلما ً يت ّ‬
‫ي عنه في شرع الله‪.‬‬ ‫بقضاء الله ومشيئته‪ ،‬ولكنه أمٌر منه ٌ‬
‫فل علقة للتعددية التي يقصدها الكاتب بالسنة الرّبانّية الماضية في الكون‪.‬‬
‫ددية التي نقيمها‬ ‫ددية التي تدرس بعد أن ت َُرد ّ إلى الكتاب والسّنة هي التع ّ‬ ‫التع ّ‬
‫نحن والتي ندرس مطابقتها لشرع الله أو مخالفتها له‪.‬‬
‫ويقول‪ …… " :‬فإن " الحركة السلمية " التي انبثقت من هذا العالم …‬
‫ل متسامحة مع الخر الديني نظرا ليمانها بسّنة الختلف … بل في‬ ‫تظ ّ‬
‫تعددية الشرائع"‪.‬‬
‫فالحركة السلمية‪ ،‬أي الدعوة السلمية‪ ،‬انبثقت بالوحي ومن الوحي‬
‫وة‪ ،‬من الكتاب والسّنة‪ ،‬لتلتزم شرع الله والدعوة إليه حتى تكون كلمة‬ ‫وبالنب ّ‬
‫الله هي العليا‪ .‬وسّنة الختلف التي نراها في الحياة بقدر من الله لحكمة‬
‫بالغة ليست السّنة التي ُأمرنا باتباعها‪ .‬فهناك اختلف أجازه السلم لنه‬
‫داخل في حدود الشريعة ليس فيه خروج عنها‪ .‬وهناك اختلف نهى عنه الله‬
‫ورسوله لنه خارج عن شرع الله‪ .‬وسّنة الله ماضية في الحالتين ابتلًء منه‬
‫سبحانه وتعالى لعباده وتمحيصا ً لهم‪ .‬ولذلك أوضح المر بالقاعدة التالية‪:‬‬
‫" نتعاون فيما أمر الله أن نتعاون فيه ويعذر بعضنا بعضا ً فيما أذن الله لنا‬
‫الختلف فيه "!‬
‫ْ‬
‫وكذلك فإن الواقع ي ُظهر أن الشرائع مختلفة ابتلء منه سبحانه وتعالى‪ ،‬ولكن‬
‫الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى ل يقبل إل دينا ً واحدا ً وشرعا ً واحدا ً جاء به‬
‫ختموا بمحمد صلى الله عليه وسّلم الذي ُأنزل عليه‬ ‫النبياء والمرسلون و ُ‬
‫دقا ً لما بين يديه ومهيمنا عليه‪:‬‬
‫ً‬ ‫الكتاب بالحقّ مص ّ‬
‫ً‬
‫دقا لما بين يديه ومهيمنا عليه فاحكم بينهم‬ ‫ً‬ ‫) وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مص ّ‬
‫بما أنزل الله ول تّتبع أهوائهم … (‬
‫] المائدة‪[ 48 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالشرع عند الله واحد‪ ،‬والشرع الذي أمرنا الله باتباعه واحد‪ .‬وإن الخلط بين‬
‫الرابطة القومية التي أشار إليها أخي الكريم‪ ،‬والنسانية كذلك وبين أخوة‬
‫اليمان التي جعلها الله الرابطة القوى‪ ،‬لتجمع المسلمين أمة واحدة من دون‬
‫صت اليات الكريمة والحاديث الشريفة على ذلك‪ ،‬وهي من‬ ‫الناس‪ ،‬كما ن ّ‬
‫خَتلف في فهمها‪.‬‬‫ة بحيث ل ي ُ ْ‬ ‫ً‬
‫الوضوح مضمونا وصياغ ً‬
‫ضح أول ً نظرة السلم إلى الناس وميزانه في‬ ‫أما مفهوم القلية‪ ،‬فل بد ّ أن نو ّ‬
‫الكتاب والسّنة‪ .‬فالناس في السلم‪ :‬مسلمون‪ ،‬أهل كتاب‪ ،‬وكافرون‬
‫م الناس على هذا الساس وحده‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫ومشركون‪ .‬ويصّنف السل ُ‬
‫ل فئة تدخل تحت حكم‬ ‫الساس يبني السلم نظرية الحقوق والواجبات‪ .‬ك ّ‬
‫السلم‪ .‬بّين السلم حقوقها ومسؤولياتها بوضوح ودّقة حتى ل تختلط المور‬
‫ول تقع مغالطات‪.‬‬
‫وقول الكاتب الكريم‪ " :‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم‪ ،‬لم يحمل هذا التمييز أي‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مضامين تفضيلية " ! هو كلم عجيب ! اليات والحاديث التي تشير إلى‬
‫مضامين التفاضل المبني على السلم والتقوى أكثر من أن يحصرها هذا‬
‫المقال‪:‬‬
‫) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهّنم خالدين فيها‬
‫أولئك هم شّر البرّية‪ .‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير‬
‫البرّية (‬
‫] البّينة‪[ 7-6 :‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫) أفنجعل المسلمين كالمجرمين‪ .‬مالكم كيف تحكمون (‬
‫] القلم‪[ 36-35 :‬‬
‫ّ‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم (‬
‫] صحيح الجامع الصغير وزيادته‪[ 5077 :‬‬
‫فالتقوى أساس المفاضلة في السلم‪ .‬ولذلك جعل الله على المسلمين‬
‫تكاليف ليست على أهل الكتاب‪ ،‬وجعل لهم حقوقا ً ليست لهل الكتاب‪.‬‬
‫المسلمون مكلفون بالجهاد في سبيل الله‪ ،‬وأهل الكتاب غير مكلفين بذلك‪.‬‬
‫المسلمون يدفعون الزكاة‪ ،‬وأهل الكتاب يدفعون الجزية‪ ،‬ولهم حقوقهم‪،‬‬
‫وأماكن عبادتهم‪ ،‬ما داموا خاضعين لحكم السلم ل يتآمرون عليه ول على‬
‫أمته‪ ،‬مصونة‪ ،‬فل يؤذ َْون‪ ،‬وهم والمسلمون أمام القضاء سواء يخضعون‬
‫هد غير دية المسلم‪ ،‬وهناك تفصيلت ليس هذا‬ ‫لشريعة السلم‪ ،‬ودية المعا َ‬
‫ي هو الذي يلتزم‬ ‫مكانها‪ .‬ولكن نعود ونقول إن التقوى أساس المفاضلة‪ ،‬والتق ّ‬
‫قه‪ .‬ولكن‬‫شرع الله على خشية منه‪ ،‬ول يعتدي على ذمي‪ ،‬بل يؤّدي إليه ح ّ‬
‫إثارة هذا الموضوع بهذه الصورة المخالفة للنصوص الواضحة هو الذي يصنع‬
‫المشكلة التي لم تكن موجودة ل في الواقع ول في الشريعة‪ .‬في الحقيقة‬
‫فإن الصورة عند أخي الكريم مقلوبة‪.‬‬
‫أما قوله‪ " :‬أصحاب الديانات السماوية …" ! فهو تعبير درج عليه بعض الناس‬
‫خطًأ‪ .‬ل يوجد إل دين سماوي واحد هو السلم‪ ،‬فهو دين نوح وإبراهيم‬
‫وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وسائر النبياء والمرسلين عليهم السلم‬
‫ص على ذلك اليات الكريمة‬ ‫الذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسّلم‪ ،‬كما تن ّ‬
‫والحاديث الشريفة‪:‬‬
‫) إن الدين عند الله السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما‬
‫جاءهم العلم بغيا ً بينهم … (‬
‫] آل عمران‪[ 19 :‬‬
‫ً‬
‫) ومن ي َب ْت َِغ غيَر السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين (‬
‫] آل عمران‪[85 :‬‬
‫ب واحد ثم يرسل إلى عباده ديانات كلها‬ ‫وهل ُيعقل أن يكون لهذا الكون ر ّ‬
‫توحيدية مختلفة ليتيه الناس ويضلوا‪ .‬إن الله أرحم بعباده من أن يرسل‬
‫للناس ديانات مختلفة من عنده‪ ،‬ولكنها تحريف وانحراف من الناس أنفسهم‪.‬‬
‫إنه دين واحد‪ ،‬ولكن الناس ظلموا أنفسهم وافتروا على الله‪ ،‬أفنأخذ نحن‬
‫المسلمين ذلك ونتبناه ونجعله جزءا ً من فكرنا !‬
‫لماذا أصبح بعض المسلمين ل يجرؤون على إعل ن كلمة السلم ونصوص‬
‫القرآن ؟ ولماذا أصبح بعضهم يلوي اليات والحاديث ؟‬
‫وحديث أخي الكاتب عن " الدولة العربّية "‪ ،‬ولعله يقصد الدولة الموية‪ ،‬ل‬
‫مى خليفة المسلمين وليس‬ ‫أدري من أين أتت هذه التسمية‪ .‬فالحاكم كان يس ّ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خليفة العرب‪ ،‬وكان يحكم شعوبا ً تعدادها أضعاف تعداد العرب‪ .‬أفنجعل‬
‫العصبية الجاهلية معنا حتى اليوم ونلصقها بالفكر والتاريخ ؟!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما حرّية العتقاد فهي على غير ما عرضه أخي الكريم‪ .‬فحرّية العتقاد في‬
‫السلم تعني أن الله سبحانه وتعالى جعل المسؤولّية على النسان نفسه‬
‫ليقّرر أيؤمن أم يكفر‪ ،‬وليكون إيمانه إذا آمن عن قناعة وتبّين وتصديق‪ .‬وفي‬
‫الوقت نفسه بعث الله النبياء والمرسلين ليدعوا الناس إلى اليمان والتوحيد‬
‫ل أن يتركوهم لكفرهم تحت شعارات حرّية العتقاد‪ .‬وفي رسالة محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم الخاتمة للرسالت كلها شرع الله الجهاد لتبليغ الرسالة‪،‬‬
‫وللدعوة إلى الله ورسوله بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬وفرض على‬
‫المسلمين إقامة الدين وإعداد القوة له والمضي بالدعوة حتى تكون كلمة‬
‫قه ويقف عند‬ ‫ل إنسان ح ّ‬ ‫ل الحكم بشريعة الله يأخذ ك ّ‬ ‫الله هي العليا‪ .‬وفي ظ ّ‬
‫صلتها الشريعة‪ .‬هذا في الدنيا‪ ،‬أما في الخرة فمن مات على‬ ‫حدوده‪ ،‬كما ف ّ‬
‫غير دين السلم كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو في النار‪ .‬وهذه‬
‫القضّية الخطر‪ ،‬حين جعل الله من مسؤولية المة المسلمة إنقاذ النسان‬
‫من الكفر وإخراج الناس من الظلمات إلى النور‪ .‬إلى هذه المسؤولّية‬
‫العظيمة يجب أن نلفت أنظار المسلمين ليوفوا بعهدهم مع الله‪.‬‬
‫ن ومن شاء فليكفْر إّنا أعتدنا‬ ‫) وقل الحقّ من رّبكم فمن شاء فليؤم ْ‬
‫مْهل يشوي‬ ‫سرادقها وإن يستغيثوا ُيغاثوا بماٍء كال ُ‬ ‫للظالمين نارا ً أحاط بهم ُ‬
‫مْرَتفقا ً (‬‫ت ُ‬ ‫شراب وساء ْ‬ ‫الوجوه بئس ال ّ‬
‫الكهف‪[ 29 :‬‬
‫خرج الناس من الظلمات إلى الّنور بإذن رّبهم إلى‬ ‫) الر‪ .‬كتاب أنزلناه إليك ل ِت ُ ْ‬
‫صراط العزيز الحميد (‬
‫] إبراهيم‪[2- 1 :‬‬
‫ْ‬
‫قا أن الذين يموتون على غير دين السلم هم أهل النار ي ُلقون‬ ‫ً‬ ‫إذا كّنا نؤمن ح ّ‬
‫سر الله للناس سبيل اليمان‬ ‫في جهّنم‪ ،‬أفنتركهم حتى يهلكوا ؟! لقد ي ّ‬
‫سره الدعوة إلى الله ورسوله بجميع الوسائل التي‬ ‫م ما ي ّ‬ ‫والتوحيد‪ ،‬ومن أه ّ‬
‫بّينها الكتاب والسّنة‪ .‬هذا كما نعتقد حدود حرّية العقيدة‪ ،‬وهو مفهوم يختلف‬
‫ما تدعو إليه الديمقراطية والعلمانية‪ .‬إن‬ ‫ما عرضه أخي الكريم‪ ،‬وع ّ‬ ‫كلية ع ّ‬
‫ور في السلم يربط شؤون الدنيا بالخرة التي لها المنزلة العلى في‬ ‫التص ّ‬
‫السلم‪ ،‬ول يعزل الدنيا عن الخرة والخرة عن الدنيا‪.‬‬
‫لقد بعث الله النبياء والمرسلين وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسّلم ليدعوا‬
‫الناس بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجهاد في سبيل الله لنقاذ الناس‪.‬‬
‫إن التصورات التي يطرحها الخ الكريم في هذه المقالة عزلت الدنيا كّلها عن‬
‫ل أمرها على الدنيا بتصورها الدنيوي‪ .‬وجاء كثير من الفكار‬ ‫الخرة‪ ،‬وصّبت ج ّ‬
‫تحمل مغالطات ل يحسن طرحها‪.‬‬
‫مْرنا أن نحمل رسالة السلم ونلتزمها وندعو الناس كاّفة إلى التزامها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫نحن أ ِ‬
‫مْر بأن نعطي حقوقا ً وواجبات على غير ما شرع السلم‪.‬‬ ‫ولم نؤ َ‬
‫وكذلك البّر والقسط‪ .‬فالمسلم يجب أن يبّر ويقسط مع الناس جميعا ً‬
‫ويوفَّيهم حقوقهم على أساس من شرع الله‪ ،‬إل الذين قاتلوا المسلمين‬
‫وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم‪.‬‬
‫سط معنا‪ ،‬لننا أصبحنا تابعين‪ ،‬ولن شريعة‬ ‫نحن اليوم نطلب أن ن ُب َّر وأن ُيق َ‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت عروة عروة‪ .‬والبّر ليس كما قال أخي الكريم بأنه‪ " :‬أن تتنازل‬ ‫الله ُنقض ْ‬
‫ّ‬
‫عن بعض حقك أو حقك كله " ! عجيب هذا القول ! لقد تنازلنا نحن‬
‫المسلمين حتى لم يبق مجال للتنازل‪ .‬تنازلنا عن ديارنا وثرواتنا وأعراضنا‪،‬‬
‫وبعد هذا كّله‪ ،‬وفي هذه المرحلة التي نمّر بها من الذل والهوان يأتي من‬
‫يقول‪ :‬تنازلوا‪ ،‬تنازلوا !‬
‫قه‪ .‬فهذا هو البّر‬ ‫ل صاحب حقّ ح ّ‬ ‫البّر ليس أن تتنازل‪ .‬البّر هو أن تعطي ك ّ‬
‫وهذا هو القسط‪ ،‬ل أن يتنازل المسلمون عن حقوقهم ! لماذا يتنازلون ؟! ل‬
‫أكاد أفهم هذا المنطق‪ ،‬ولمصلحة من تثار هذه الفكار وتنشر اليوم ؟!‬
‫وهنا سؤال يرد‪ :‬من هم الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا ولم‬
‫يقتلونا؟! أين هم ؟! أكبر نسبة في العالم من اللجئين هي من المسلمين !‬
‫ُأخرجوا من ديارهم‪ ،‬وُقوتلوا !‬
‫وهذا كّله ل يمنع أن نبّر نحن المسلمين من لم يقاتلنا ولم يخرجنا من ديارنا‬
‫ولم يظاهر على إخراجنا !‬
‫ّ‬
‫دده كتاب الله وسّنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول‬ ‫ن معنى البّر يح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫جتها في اللغة ول في الدين‪ .‬وآية البّر لم‬ ‫صة ل تجد ح ّ‬ ‫ورات خا ّ‬ ‫دده تص ّ‬‫ُتح ّ‬
‫تنزل في حقّ القلّيات كما يذكر الخ الكريم لن أخي الكريم قّرر هو نفسه‬
‫أن مصطلح " القلية " لم تعرفه الحضارة السلمية‪ ،‬فكيف تكون الية نزلت‬
‫في حقّ القليات؟! وما علقة هذا كّله بما ذكره الخ الكريم من أن من قتل‬
‫هد هو الذي ُيقتل اليوم ؟! أوليس‬ ‫معاهدا ً لم يرح رائحة الجنة ؟! فهل المعا َ‬
‫درس‬ ‫آلف المسلمين ُيقّتلون ظلما ً ! فهذه هي القضّية التي تستحقّ أن ت ُ ْ‬
‫ويكتب عنها‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هد في السلم هو الذي يكون عهده مطابقا ً للكتاب والسّنة‪ ،‬وحين‬ ‫والمعا َ‬
‫ّ‬
‫يكون السلم هو الذي يحكم وهو الذي ينظم العهد ويقّره‪ ،‬وحين ل يتآمر‬
‫شهم ! فأين هذه الصورة‬ ‫هد على السلم والمسلمين ول يخونهم‪ ،‬ول يغ ّ‬ ‫المعا َ‬
‫مي فحقوقه مصونة في السلم وبين المسلمين‪ ،‬ولكن‬ ‫اليوم ! وأما الذ ّ‬
‫ْ‬
‫المسلم هو الذي ضاعت حقوقه وهو الذي ي ُظلم وهو الذي ُيقتل‪ .‬وهذه هي‬
‫مي في بلد المسلمين‪ ،‬بالضافة‬ ‫مي‪ .‬الذ ّ‬
‫قضّيتنا اليوم‪ ،‬وليست قضّية الذ ّ‬
‫ّ‬
‫لرعاية المسلمين له‪ ،‬فإن دول الرض النصرانية كلها ترعاه وتحنو عليه‪،‬‬
‫والمسلم ل يجد من يرعاه أو يحنو عليه‪ ،‬حتى من المسلمين أنفسهم ! لماذا‬
‫وهم أنهم مظلومون ! ونترك‬ ‫ُ‬
‫نقلب الصورة‪ ،‬ونتولى الدفاع عن حقوق أناس نت ّ‬
‫الدفاع عن المظلومين حقًا‪.‬‬
‫ليس بين المسلمين من يتشدد في معاملة غير المسلمين‪ ،‬ول أحد من‬
‫المتقين العاملين يعتمد اعتمادا ً خاطئا ً على الية الكريمة‪) :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه‬
‫ن الذين ضعف إيمانهم‬ ‫منهم إن الله ل يهدي القوم الظالمين(‪ .‬الية جلّية‪ ،‬ولك ّ‬
‫أو اضطرب علمهم‪ ،‬يوالون اليهود والنصارى والكافرين‪ ،‬على غير ما أمر‬
‫الله‪ .‬فالذي يحّرمه السلم تحريما ً قاطعا ً هو موالة اليهود والنصارى‬
‫والكافرين‪ .‬والولء له معنى محدد في السلم ل يتعلق بما يعرضه الخ‬
‫الكريم‪ .‬الولء أمر خاص بالمؤمنين تنشأ عنه أخوة اليمان‪ ،‬الرابطة الوثيقة‬
‫التي شرعها الله بين المؤمنين‪ .‬نحن اليوم مّزقنا هذه الرابطة فتقطعت‬
‫حبالها‪ ،‬وانصرفنا إلى موالة لم يحّلها الله‪ .‬والولء بين المؤمنين ل يتعارض‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع البّر والقسط مع غير المسلمين‪ .‬ولكن اختلطت المعاني اليوم في أذهان‬
‫ت هذه الية‬‫ح ُ‬ ‫الكثيرين بالرغم من وضوحها في الكتاب والسّنة‪ .‬وقد َ‬
‫شَر ْ‬
‫ن أشد ّ الناس عداوة للذين آمنوا …( في كتابي‬ ‫الكريمة والية الخرى‪) :‬لتجد ّ ّ‬
‫" قبسات من الكتاب والسنة "‪ ،‬وفي كتابي " الولء بين منهاج الله والواقع‬
‫"!‬
‫أما القول‪ " :‬إنه من اللحظة الولى لميلد الدولة السلمية ظل الصل الذي‬
‫يحكم العلقة بين المسلمين وغير المسلمين هو‪ " :‬أن لهم ما لنا وعليهم ما‬
‫لنا " ! من أين أتت هذه القاعدة المخالفة لنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬والمخالفة‬
‫للتطبيق والممارسة‪ .‬إن القاعدة التي قامت منذ اللحظة الولى لقيام الدولة‬
‫السلمية هو تحديد الحقوق والمسؤوليات لكل فئة تدخل تحت الحكم‬
‫ل الدولة المسلمة التي يطّبق فيها شرع الله بتكامله‪.‬‬ ‫السلمي في ظ ّ‬
‫فالمسلم مكّلف بالجهاد في سبيل الله‪ ،‬وغير المسلم غير مكلف به‪ ،‬المسلم‬
‫هد نصف دية المسلم "‬ ‫ي منها‪ ،‬و" دية المعا َ‬ ‫يدفع الزكاة‪ ،‬وغير المسلم معف ّ‬
‫كما في الحديث الذي يرويه ابن عمرو وابن عمر وغيرهما )‪ .(1‬وقضايا أخرى‬
‫صلها ! ومن أهم هذه القواعد أنه ل يجوز العتداء‬ ‫كثيرة‪ ،‬حددها السلم وف ّ‬
‫ّ‬
‫على غير المسلم ول ظلمه‪ ،‬ما دام في ظل الدولة المسلمة ل يخون ول‬
‫يغدر ول يتآمر‪ .‬فإن فعل ذلك سقطت حقوقه وحورب وقوتل‪ .‬والبّر والقسط‬
‫واجب على المسلم مع خلق الله كّلهم‪ ،‬والبّر والقسط غير الولء والموالة‬
‫التي شرعها الله رابطة خاصة بالمؤمنين‪.‬‬
‫ففي الصحيفة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسّلم لما دخل المدينة‬
‫ددت الحقوق والمسؤوليات بصورة دقيقة مفصلة‪ ،‬تقوم كّلها على أنهم‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫جميعا يخضعون لحكم السلم‪ ،‬لحكم الله ورسوله‪ ،‬وأن على غير المسلمين‬ ‫ً‬
‫النفاق ما داموا محاربين‪ ،‬وأن جميع القضايا ُترد ّ إلى الله ورسوله‪ ،‬إلى‬
‫ل فئة على رابطتهم يتعاقلون‪" :‬‬ ‫صت الصحيفة على أن ك ّ‬ ‫الكتاب والسّنة‪ .‬فن ّ‬
‫ن َبغى أو ابتغى دسيعة ظلم ٍ أو‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫…… وأن المؤمنين المتقين أيديهم على ك ّ‬
‫إثما ً …"!‬
‫مة‬‫قُتل مؤمن مؤمنا ً في كافر ول ينصر كافرا ً على مؤمن‪ .‬وأن ذ ّ‬ ‫" … وأنه ل ي َ ْ‬
‫الله واحدة يجير عليهم أدناهم‪ ،‬وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون‬
‫الناس‪ .‬وكذلك‪ :‬وأن سلم المؤمنين واحدة ل يساِلم مؤمن دون مؤمن في‬
‫ل بينهم "‪ .‬وكذلك‪ " :‬وأن المؤمنين‬ ‫ل في سبيل الله إل على سواٍء وعد ٍ‬ ‫قتا ٍ‬
‫ل لمؤمن أقّر بما في هذه‬ ‫المتقين على أحسن هدى وأقومه‪ .‬وأنه ل يح ّ‬
‫الصحيفة وآمن بالله واليوم الخر أن ينصر محدثا ً أو يؤويه‪ ،‬وأن من نصره أو‬
‫آواه فإن الله عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ل يؤخذ منه صرف ول عدل‬
‫…"‬
‫ص‪ " :‬وأنه ل‬
‫م جاء الن ّ‬ ‫م حددت الصحيفة مواقع أهل الكتاب وحقوقهم‪ ،‬ث ّ‬ ‫ث ّ‬
‫يخرج منهم أحد إل بإذن محمد …"‪ ،‬إلى غير ذلك مما ورد في الصحيفة‪ .‬فمن‬
‫ن لهم ما لنا وعليهم ما علينا‪.‬‬ ‫صأ ّ‬ ‫أين أتى الن ّ‬
‫ً‬
‫ضح أمورا كثيرة نوجزها‬ ‫لقد جاءت الصحيفة مع ميلد الدولة المسلمة لتو ّ‬
‫بنقاط‪:‬‬
‫ن المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس‪ ،‬فالولء قضية خاصة‬ ‫‪-1‬أ ّ‬
‫بالمؤمنين‪ ،‬وأنهم برابطة الولء وأخوة اليمان أمة واحدة من دون الناس‪.‬‬
‫‪-2‬أن دين الله يحكم الجميع وإليه ترد ّ القضايا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن المؤمنين على أحسن هدي وأقومه‪ ،‬لنهم على الدين الحقّ الذي يجب‬
‫أن يتبعه الناس جميعًا‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قه‬‫ل ذي حقّ ح ّ‬ ‫‪-4‬تنفي الظلم عن الجميع‪ ،‬وتوجب البّر والقسط بإعطاء ك ّ‬


‫دده السلم‪.‬‬ ‫كما ح ّ‬
‫ن " الخر " هو الذي‬ ‫ومضى ذلك مع تاريخ السلم إل في فترات قليلة‪ .‬ولك ّ‬
‫نكث وقابل البّر بالظلم والحسان بالعدوان‪ ،‬والعدل بالتآمر والغدر‪ .‬ليس‬
‫دده‪ ،‬فإنهم‬ ‫الخر كله‪ ،‬ولكن " الخر "‪ ،‬ومع أن المقالة موضع الحديث لم ُتح ّ‬
‫اليهود والنصارى‪ .‬أما اليهود فكانوا أعداء غادرين خائنين منذ أيام المدينة‪،‬‬
‫دده‬
‫وأما النصارى فمن صدق وأوفى فله حق البّر والقسط حسب ما يح ّ‬
‫منهاج الله‪ ،‬ومنهم من خان وغدر وتآمر مع أعداء المة‪ ،‬وناصرهم‪ ،‬وتولى‬
‫الفساد في الرض بين المسلمين نيابة عنهم‪.‬‬
‫ولكن هذه القضايا كّلها تمضي مع وجود حكم السلم وتطبيق شرع الله‪،‬‬
‫لتكون كلمة الله هي العليا !‬
‫أما اليوم ! فنحن المسلمين نطلب من " الخر " أن يبّر ويقسط ! وأن يرحم‬
‫وة‪.‬‬ ‫ويعدل‪ .‬فالقوة بيده‪ ،‬أو هو تابع لمن بيده الق ّ‬
‫وغ‬‫ليس من الحقّ ول من العدل أن نلوي اليات والحاديث‪ ،‬وأن نجترئها لنس ّ‬
‫واقعا ً نعيشه اليوم‪ ،‬مخالفا ً للسلم‪ ،‬تحت ادعاءات العصرية‪ .‬إن مسايرة‬
‫دم ديننا إلى الناس كاّفة في‬ ‫العصر الحديث وتطوره الصادق يحتاج إلى أن نق ّ‬
‫ل ذلك‬ ‫الرض حتى يقتنعوا أن العدل والبّر والقسط والحرّية والمساواة‪ ،‬ك ّ‬
‫في السلم‪ ،‬في دين الله عندما يحكم ويسود شرعه ل في غيره‪ .‬ول توجد‬
‫هذه المعاني خارج السلم إل بمقدار ما تفرضه المصلحة النية عند من بيده‬
‫القوة‪.‬‬
‫والكرامة النسانية لم توجد ول توجد اليوم خارج السلم‪ .‬إنها شعارات تطيح‬
‫ل أنواعها‪ .‬ويقول الخ الكريم إن خيرية‬ ‫بها أمواج الدماء والشلء والمظالم بك ّ‬
‫المة ترتبط بمقدار احترامها للكرامة النسانية‪ .‬كلم يوحي بأن المسلمين هم‬
‫الذين ل يحترمون الكرامة النسانية‪ .‬كان أولى بالخ الكريم أن يوجه هذا‬
‫الكلم عن احترام النسانية إلى غير المسلمين )الخر( الذين ملؤوا التاريخ‬
‫بدماء المسلمين ومازالوا يفعلون‪ .‬وإن خيرية المة ترتبط بما ربطها الله به‬
‫في محكم التنزيل‪ :‬بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر واليمان بالله …‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت للّناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬ ‫) ك ُْنتم خيَر أ ّ‬
‫مةٍ أخرج ْ‬
‫وتؤمنون بالله …(‬
‫] آل عمران‪[ 110:‬‬
‫حقق المعروف في الواقع‪،‬‬ ‫مر بالمعروف وي ُ َ‬ ‫حترم كرامة النسان حين ي ُؤْ َ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫وي ُْنهى عن المنكر وي ُْرفع المنكر من الواقع ويتحقق اليمان الصادق في‬
‫الصدور‪ ،‬ذلك كّله ل يتحقق إل حين يطّبق شرع الله بتكامله وتماسكه‪.‬‬
‫وحرّية العقيدة يملكها " الخر "‪ .‬ولكن المسلم ل يملك حرّية العقيدة‪ .‬إنه‬
‫محارب في دينه وفي عقيدته‪ ،‬وفي الصرار الجريء على محاولة نزع شرع‬
‫الله من الرض‪ .‬وإذا كانت مشيئة الله اقتضت اختلف العقائد‪ ،‬إل أن الله‬
‫جعل ذلك ابتلء منه لعباده وتمحيصا ً لهم بعد أن بّين لهم أن اختلف العقائد‬
‫ل الله‬‫باطل عند الله‪ ،‬وأن الدين واحد ل يقبل الله من خلقه سواه‪ .‬ولم يح ّ‬
‫لنا القرار بغير ذلك‪ ،‬بل فرض علينا الدعوة والبلغ لتغيير الواقع الظالم‪.‬‬
‫والمساواة ل نجدها في غير السلم‪ .‬والمساواة في النسانية شعار لم‬
‫يحترمه إل المسلمون‪ ،‬وهذا التاريخ القديم والحاضر شاهد على ذلك‪.‬‬
‫ولكن ل يوجد في السلم هذه التعبيرات الجديدة مثل‪ :‬المساواة في‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل إنسان‪ ،‬ل يمنع من‬ ‫النسانية‪ .‬إنه كلم عام‪ .‬فحين يحترم السلم إنسانية ك ّ‬
‫محاربة الكافر ودفع أذى المعتدين‪ ،‬ورد ّ كيد المتآمرين‪ .‬فما هو المقصود من‬
‫هذا التعبير وما هي الحاجة إلى إعلنه وإعادة إعلنه بصورة ملفتة للنظر‪ .‬لقد‬
‫ل هذا التعبير في إسقاط بعض واجبات المسلم‪ ،‬وفي توفير حماية‬ ‫است ُغِ ّ‬
‫للباطل الذي يحمله بعض بني آدم‪ ،‬وفي فتح مجال للمفسدين أن يتسللوا‬
‫ف المؤمنين‪ ،‬فينشرون زخرف فسادهم فيضّلون وُيضّلون‪.‬‬ ‫ويخترقوا ص ّ‬
‫كروا بالمساواة النسانية ؟! هل هذه‬ ‫وهل المسلمون اليوم بحاجة إلى أن يذ ّ‬
‫هي القضّية التي يحتاج المسلمون اليوم أن ُيعالجوها في أنفسهم وواقعهم‬
‫مع الكرامة النسانية وحرّية العقيدة‪ ،‬وهم أكثر خلق الله مراعاة لها واحتراما ً‬
‫لها‪ .‬هل هذه القضّية التي نحتاج إلى معالجتها في قضية فلسطين اليوم‪ ،‬أو‬
‫قضّية العراق وأفغانستان‪ ،‬أم في الحروب الصليبية سابقًا‪ ،‬أم في معاملة‬
‫النصارى للمسلمين في الندلس‪ ،‬أم في تاريخ طويل سحق النصارى فيها ك ّ‬
‫ل‬
‫معالم النسانية وكرامة النسان واحترام العقيدة في البوسنة والهرسك وفي‬
‫الهند وفي أفريقيا وغيرها من دول العالم !‬
‫ظمها السلم أدق تنظيم وأوسع تفصيل‪ ،‬وبّين مساحتها‬ ‫هذه الركائز الثلث ن ّ‬
‫جه الحديث إلى غير‬ ‫ومجال ممارستها‪ .‬وفي الواقع اليوم أحرى أن يو ّ‬
‫المسلمين فهم الذين لم يحترموا الكرامة النسانية ول حرّية العقيدة ول‬
‫ذون هذه الشعارات وأمثالها لُيفتح باب التسلل‬ ‫المساواة‪ .‬وهم الذين أخذوا ُيغ ّ‬
‫سك المسلمين بدينهم‪ ،‬وإلى‬ ‫إلى قلب صف المسلمين‪ ،‬وإلى إضعاف تم ّ‬
‫غرس شعور النقص في المسلمين‪ ،‬وشعور تمّيز غير المسلمين‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ل بمبدأ المساواة "‪،‬‬ ‫وقول الخ الكريم‪ " :‬إن حقّ الغلبية أن تحكم ل ُيخ ّ‬
‫يعطي غشاوة على التصور السلمي للحكم‪ .‬ذلك أن القضّية الرئيسة في‬
‫م يحكم‪ .‬ما هو‬ ‫السلم ليس من يحكم‪ .‬ولو أن هذا مهم وله شأنه‪ ،‬ولكنها ب ِ َ‬
‫الشرع الذي ي ُط َب ّ ُ‬
‫ق‪.‬‬
‫ن السلم ل ُيقّر لحد أن يحكم بغير شرع الله‪ .‬وقد وضع الله المسؤولية‬ ‫إ ّ‬
‫ل مسلم‪ ،‬في عنق المة التي اختارها‬ ‫عنق المة المسلمة‪ ،‬في عنق ك ّ‬ ‫في ُ‬
‫ت للّناس لتحمل رسالة الله وتنشرها في الرض‪،‬‬ ‫ُ‬
‫خرج ْ‬ ‫مةٍ أ ْ‬
‫الله لتكون خير أ ّ‬
‫ب بين يدي الله عن‬ ‫س ٌ‬
‫ن كل من ادعى السلم محا َ‬ ‫ّ‬ ‫حتى يحكم شرع الله‪ .‬وإ ّ‬
‫مة ُأخرجت للناس‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫خير‬ ‫مة‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫تكون‬ ‫فقط‬ ‫وبها‬ ‫هذه القضّية يوم القيامة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت للّناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬ ‫مةٍ أخرج ْ‬ ‫) ك ُْنتم خيَر أ ّ‬
‫وتؤمنون بالله …(‬
‫] آل عمران‪[ 110:‬‬
‫أعتقد أن أخي الكريم الستاذ حمدي عبد العزيز شهاب يعيش في مشكلت‬
‫همها أكثر مما هي مشكلت حقيقية في واقعنا اليوم‪ .‬ولو أنه قلب الصورة‬ ‫تو ّ‬
‫رأسا على عقب لدرك أن أهم مشكلتنا اليوم جهل كثير من المسلمين‬ ‫ً‬
‫بدينهم وانصرافهم عنه‪ ،‬وعدوان الظالمين المجرمين في الرض‪ ،‬عدوان‬
‫فكري واجتماعي وعسكري حتى أورثوا بين المسلمين مع جهلهم فتنا ً لم‬
‫ينطفئ لهيبها حتى الن‪ ،‬وأدخلوا العلمانّية تتسّلل إلى قلوب المسلمين‪ ،‬مع‬
‫وراتها ومفهوماتها مزخرفة بألفاظ عائمة‪ ،‬فيزيدها بعض‬ ‫كثير من تص ّ‬
‫المسلمين زخرفا بطلئها بشيء من السلم وبألفاظ عائمة مستعارة أخرى‪.‬‬ ‫ً‬
‫ن‬
‫ليت أخي الكريم ينظر إلى واقع الديمقراطية والعلمانية في الرض ليرى أ ّ‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي على الرض ويدوسون على رأسه‬ ‫الخر ) الجنود المريكيين ( ُيلقون العراق ّ‬
‫وعنقه بأرجلهم‪ ،‬ويركلون جّثة المّيت بأقدامهم‪ ،‬ويقتحمون البيوت على‬
‫ددون بذلك فظائع‬ ‫النساء والطفال‪ ،‬وينهبون ما يشاؤون من أموال‪ ،‬يج ّ‬
‫القرنين الماضيين في جميع أنحاء العالم السلمي ! هل هذه هي النسانية‬
‫واحترام كرامة النسان وحرّية العقيدة التي نادى بها )الخر ( ؟!‬
‫ليت أخي الكريم ينظر إلى ما يفعل )الخر( في العراق وفي فلسطين وفي‬
‫أفغانستان وغيرها‪ ،‬حيث أصبحوا يجاهرون بحرب السلم‪ .‬وي ُْعلن " بريمر "‬
‫أنه لن يسمح بأن تكون الشريعة السلمية مصدر التشريع في العراق‪ ،‬وحيث‬
‫ل وضوح أنهم لن يسمحوا بقيام دولة إسلمية في العراق !‬ ‫أعلن " بوش " بك ّ‬
‫ن ) الخر ( نشط في الحركات التنصيرية في‬ ‫وليت أخي الكريم يرى كيف أ ّ‬
‫قد َ قبل سنوات مؤتمر تنصيري في أمريكا حضره‬ ‫العالم السلمي‪ .‬ولقد عُ ِ‬
‫كل خبراء التنصير في العالم‪ ،‬وكان من أهم مقرراته العمل على تحويل جميع‬
‫ن الذي ُينفق على‬ ‫المسلمين إلى النصرانّية‪ ،‬فهل بلغوا شيئا ً من ذلك ؟! َ‬
‫م ْ‬
‫الحركات التنصيرية في العالم السلمي‪ ،‬ومن الذي يستقبلها ويفتح لها‬
‫البواب ؟!‬
‫وليت أخي الكريم يرى مدى ارتباط )الخر( في العالم السلمي )بالخر(‬
‫خارج العالم السلمي‪ ،‬إل فئة قليلة !‬
‫طل المدارس والدوائر الحكومية في أعياد‬ ‫وفي بعض البلد السلمية ُتع ّ‬
‫طل مع أعياد المسلمين !‬ ‫اليهود والنصارى فقط ول تع ّ‬
‫إذا لم يكن المسلمون ينصفون بعضهم بعضًا‪ ،‬فهل ينتظرون من غير المسلم‬
‫أن ينصفهم ؟!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما زال المسلمون يتنازلون شيئا فشيئا عن بعض أمور دينهم‪ ،‬يظّنون أّنهم‬
‫ي الّيام لم يزد أولئك‬ ‫بذلك ينجحون أو يكسبون ود ّ غير المسلم‪ ،‬ومع مض ّ‬
‫) غير المسلمين ( إل فتكا ً وتدميرا ً وإذلل ً للمسلمين‪.‬‬
‫)‪ (1‬صحيح الجامع الصغير وزيادته‪ :‬رقم‪.[ 3395 ] :‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫تعقيب على ما جاء في ندوة د‪ .‬الترابي ببور سودان‬


‫الشيخ المين الحاج محمد أحمد*‬
‫{ يتناول هذا المقال ‪:‬السباب التي دفعت د‪ .‬الترابي إلى ذلك والمخالفات‬
‫والشبه التي أثارها د‪ .‬الترابي ودحضها ‪,‬الولى‪ :‬إباحته للردة وإنكار حدها‪,‬أما‬
‫الشبه التي رفعها في إنكار حد الردة‪ ,‬دحض هذه الشبه‪ ,‬الثانية‪ :‬تجويزه‬
‫للمرأة أن تلي المامة الكبرى والصغرى‪,‬الشبه التي رفعها لتولي المرأة‬
‫المامة الكبرى‪,‬دحضها‪ ,‬الشبهة التي رفعها لتجويز إمامة المرأة للرجال في‬
‫الصلة ودحضها‪,‬ثالثًا‪ :‬عيسى عليه السلم نازل في آخر الزمان رغم أنف‬
‫منكري السنة وجاحدي حجيتها‪ ,‬رابعًا‪ :‬زعمه أنه ليس سنيا ً ول شيعيًا‪,‬خامسًا‪:‬‬
‫انتقاصه لقضى القضاة الماوردي رحمه الله‪ ,‬شروط المامة عند أهل‬
‫السنة‪,‬أدلة اشتراط النسب‪ ,‬ما يدل على كذب ما نسبه الترابي للماوردي من‬
‫أن الخليفة هو الذي أملى عليه أن يكتب ما يوافق هواه‪ ,‬سادسًا‪ :‬دعواه أن‬
‫باب الجتها قد قفل}‬
‫الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم‪،‬‬
‫يدعون من ضل إلى الهدى‪ ،‬ويصبرون منهم على الذى‪ ،‬يحيون بكتاب الله‬
‫تعالى الموتى‪ ،‬ويبصرون بنور الله أهل العمى‪ ،‬فكم من قتيل لبليس قد‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحيوه‪ ،‬وكم من ضال تائه قد هدوه‪ ،‬فما أحسن أثرهم على الناس‪ ،‬وما أقبح‬
‫أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم تحريف الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل الجاهلين‪ ،‬الذين يتكلمون‬
‫بالمتشابه من الكلم‪ ،‬ويخدعون جّهال الناس بما يش َّبهون عليهم‪ ،‬فنعوذ بالله‬
‫من فتنة المضلين‪ ،‬وصلى الله وسلم على محمد إمام المتقين‪ ،‬وسيد الغر‬
‫المحجلين‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬والتابعين‪.‬‬
‫وبعد‪..‬‬
‫الطوام العظام‪ ،‬والمخالفات الجسام‪ ،‬التي جاء بها د‪ .‬الترابي في بورسودان‪،‬‬
‫قليل من كثير مما يعتقده‪ ،‬وتفوه به لسانه‪ ،‬وخطه بنانه من قبل‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫ل‪ :‬إجازته للمسلم أن يرتد عن دين السلم أنى شاء‪ ،‬وإلى أي ملة أراد‪ ،‬ول‬ ‫أو ً‬
‫يقال له مجرد مرتد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إنكاره حد الردة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إنكاره للقيامة الجامعة‪ ،‬بحجة أين الرض التي تسع جميع الخلق!!‬
‫رابعًا‪ :‬إنكاره لعصمة النبياء عليهم السلم إل من الناس‪ ،‬والنيل منهم‪ ،‬نحو‬
‫زعمه أن إبراهيم كان مشركا ً قبل البعثة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬تشكيكه في عدالة الصحابة‪ ،‬وانتقاصه لهم‪ ،‬نحو زعمه "أن ابن‬
‫عباس ‪ -‬رضي الله عنه – عندما زروه"‪ ،‬ووصفه لبن عباس رضي الله عنهما‬
‫"بأنه طفل"‪ ،‬كأن الطفل ل يكبر‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬زعمه أن اليهود والنصارى الحاليين ليسوا كفارًا‪ ،‬ردا ً لقوله عز وجل‪:‬‬
‫ن" الية*‪ ،‬ولقوله‪" :‬ل ّ َ‬ ‫فروا م َ‬
‫فَر‬‫قد ْ ك َ َ‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ي َك ُ ِ‬ ‫"ل َ ْ‬
‫ة"*‪ ،‬ونحوهما‪ ،‬ولقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل‬ ‫ث ث َل َث َ ٍ‬‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن َقالوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫يسمع بي أحد من هذه المة‪ ،‬ول يهودي ول نصراني ل يؤمن بي إل كان من‬
‫أهل النار"*‪ ،‬قال أبو موسى‪ :‬ما قال رسول الله إل في كتاب الله‪ ،‬فوجدت‪:‬‬
‫ه"*‪.‬‬ ‫عد ُ ُ‬ ‫ب َفالّناُر َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال َ ْ‬ ‫م َ‬‫فْر ب ِهِ ِ‬ ‫من ي َك ْ ُ‬ ‫"وَ َ‬
‫سابعا‪ :‬دعوى توحيد الديان تحت مظلة الملة البراهيمية‪ ،‬فقد دنس‬ ‫ً‬
‫الخرطوم بعقد عدة مؤتمرات لذلك‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬رده لكثير من الحاديث الصحيحة الصريحة التي تلقتها المة بالقبول‪،‬‬
‫نحو حديث الذباب الذي قال عنه‪ :‬أعمل فيه بقول الطبيب الكافر‪ ،‬ول آخذ‬
‫فيه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول أسأل عنه عالم الدين )!!(‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬إباحته للغناء والموسيقى‪ ،‬بل اعتبار ذلك عبادة من العبادات التي‬
‫توجب دخول الجنة‪ ،‬وهناك فرق بين من يغني ويستمع ويعلم أن ذلك حرام‪،‬‬
‫ل‪ ،‬لنه إنكار‬ ‫فهذه معصية‪ ،‬وبين من ل يتعاطى شيئا ً من ذلك ويرى ذلك حل ً‬
‫لما هو معلوم من دين الله؛ وتحريم ذلك ثابت بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪،‬‬
‫سوى بعض الزلت التي صدرت من ابن حزم‪ ،‬والله يغفر له ويسامحه‪ ،‬فمن‬
‫تتبع رخص العلماء وزلتهم تزندق أوكاد‪ ،‬وتجمع فيه الشر كله‪ ،‬فويل لمن‬
‫أضحى همه البحث والتفتيش عن الزلت والسقطات‪ ،‬ولله در من شبه هذا‬
‫الصنف بالذباب والجعلن في سقوطه على العذرة والنجاسات‪ ،‬وبالمكنسة‬
‫في التقاطها للوساخ‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬إنكاره لجهاد الطلب‪ ،‬بزعمه أن "الجهاد قائم إلى يوم القيامة" هذا‬
‫قول تجاوزه الزمن‪.‬‬
‫لقد رددت ورد غيري على كل الطوام والضللت في عدد من المؤلفات‬
‫المباركات‪ ،‬التي بيضنا بها الصفحات وأزلنا بها الشبهات‪ ،‬التي نرجو ذخرها‬
‫في الحياة وبعد الممات‪ ،‬وقد نالنا من ذلك ما نالنا‪ ،‬ووصفنا بسبب ذلك‬
‫بالعمالة للكفار‪ ،‬وبأني قبضت ثمن ذلك مقدمًا‪ ،‬وذلك عندما كان الجميع‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسبحون بحمده‪ ،‬ويرجون وصله ونفعه‪ ،‬ويخافون قطعه وقلوه‪ ،‬إن رهبا ً‬
‫أورغبًا‪.‬‬
‫ت عن الكتابة‬ ‫ولكن عندما نزع عنه الملك – نزاع الملك ممن يشاء – امتنع ُ‬
‫عنه والرد عليه‪ ،‬بل حبست بعض المطبوع منها‪ ،‬ولول أن الله أخذ العهد على‬
‫العلماء وطلب العلم أن يبينوا الحق‪ ،‬وحذر ونهى عن كتمانه‪ ،‬وعن تأخير‬
‫البيان عن وقت الحاجة لما كتب هذا التعقيب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبل دحض هذه الشبه التي أثارها د‪ .‬الترابي‪ ،‬على الرغم من أنها داحضة‬
‫ومدفوعة من غير دفع وباطلة عن آخرها‪ ،‬أود أن أقول إن الحركة السلمية‬
‫مسؤولة مسؤولية كاملة عن كل ما صدر من هذا الرجل من عقائد باطلة‪،‬‬
‫وأفكار منحرفة‪ ،‬سيما خريجو الجامعات السلمية‪ ،‬والمنتسبون إلى العلم‬
‫الشرعي‪ ،‬الحياء منهم والموات‪ ،‬وذلك للسباب التية‪:‬‬
‫ل‪ :‬لتمكينهم إياه من القيادة طيلة هذه المدة‪.‬‬‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬محاولة تبريرهم لكل ما يصدر منه من عقائد وأفكار منحرفة بحجج‬
‫أوهى من خيط العنكبوت‪ ،‬نحو‪ :‬هذه آراء وأفكار شخصية!‬
‫ثالثًا‪ :‬سكوتهم عن ذلك‪ ،‬مع اعترافهم بأن ما جاء به مخالف لما هو معلوم من‬
‫الدين ضرورة‪ ،‬والساكت عن الحق شيطان أخرس‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬خذلنهم لمن أنكر عليه ذلك‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬العزل‪ ،‬والتضييق‪ ،‬والهجر لكل من حاول العتراض على هذه العقائد‬
‫والفكار‪ ،‬ولو من خلل القنوات الرسمية‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬التشكيك في النوايا‪ ،‬والتهام بالعمالة لكل من رد عليه‪.‬‬
‫?‬
‫السباب التي دفعت د‪ .‬الترابي إلى ذلك‬
‫في اعتقادي أن السباب التي دفعت الترابي لعتقاد هذه العقائد المخالفة‬
‫لما هو معلوم من الدين ضرورة ما يأتي‪:‬‬
‫ل‪ :‬عدم اعتداده بالسنة واحتفائه بها إذا خالفت الهوى بحجج واهية يرفعها‬ ‫أو ً‬
‫أهل الهواء دائمًا‪ ،‬نحو عدم اعتدادهم بأحاديث الحاد الصحيحة التي تلقتها‬
‫المة بالقبول‪ ،‬وبأن هذا الحديث يخالف ظاهر القرآن‪ ،‬ونحو ذلك من الشبه‬
‫التي أملها الشيطان على أوليائه القدامى والمحدثين‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الخذ بالمتشابه من الي‪ ،‬وعدم رده إلى المحكم منها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬شعوره وتوهمه بأنه مجدد ومفكر‪ ،‬فلبد أن يأتي بجديد‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬تقليده وتشبهه بالكفار‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬منافقته ومجاملته للمجتمع‪ ،‬سيما المرأة‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الستخفاف بالتباع‪.‬‬
‫?‬
‫المخالفات والشبه التي أثارها د‪ .‬الترابي ودحضها‬
‫سنشير في هذه العجالة إلى أخطر الشبه والمخالفات التي أثارها د‪ .‬الترابي‬
‫في ندوته السالفة الذكر في إيجاز‪ ،‬لن المجال ل يتسع‪ ،‬ومن أراد المزيد‬
‫فليرجع إلى ذلك في مظانه من مؤلفاتنا وغيرها‪ ،‬وإلى كتب ومؤلفات أئمة‬
‫السنة من قبل‪.‬‬
‫?‬
‫الولى‪ :‬إباحته للردة وإنكار حدها‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشبه التي رفعها د‪ .‬الترابي في إباحته للمسلم أن يرتد عن دين الله الحق‬
‫ن"*‪ ،‬والقول‬ ‫إلى أي دين باطل أنى شاء ظاهر قوله تعالى‪" :‬ل َ إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫الراجح في تأويل هذه الية أنها منسوخة بآيات القتال والسيف‪ ،‬والقول‬
‫الثاني أنها متعلقة بالكافر الكتابي الصلي‪ ،‬فله أن يسلم‪ ،‬وله أن يظل على‬
‫كفره وضلله‪ ،‬ول تتناول بحال من الحوال المسلم الذي ارتد عن الدين‬
‫الحق‪.‬‬
‫?‬
‫أما الشبه التي رفعها في إنكار حد الردة فهي‬
‫‪ .1‬أن المرتد ردة فكرية بحتة ل يقتل‪ ،‬وإنما يقتل الذي يحمل السلح ويحارب‬
‫جماعة المسلمين‪.‬‬
‫دل دين النصرانية بالسلم‪.‬‬ ‫‪ .2‬إذا أخذنا بظاهر هذا الحديث يقتل من ب ّ‬
‫‪ .3‬أن هذا الحديث يعارض ظاهر العديد من اليات‪.‬‬
‫?‬
‫دحض هذه الشبه‬
‫• الدليل على أن المرتد ُيقتل سواء حمل السلح أم لم يحمله قتل أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعدد من الرافضة المخذولين‬
‫لتخاذهم إياه ربا ً وإلهًا‪.‬‬
‫فقد خّرج البخاري في صحيحه كتاب استتابة المرتدين* عن عكرمة قال‪ :‬أتي‬
‫علي بزنادقة‪ ،‬فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس‪ ،‬فقال‪ :‬لو كنت أنا لم أحرقهم‪،‬‬
‫لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تعذبوا بعذاب الله"‪ ،‬ولقتلتهم‬
‫لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه"*‪ ،‬حيث أقر‬
‫ابن عباس عليا ً في قتل المرتدين‪.‬‬
‫"وكان هؤلء الزنادقة سجدوا لعلي وهو خارج من المسجد بالكوفة‪ ،‬فقال‬
‫لهم‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪ :‬أنت خالقنا ورازقنا؛ فقال لهم‪ :‬سبحان الله‪ ،‬إنما أنا بشر‬
‫مثلكم‪ ،‬إن شاء رحمني وإن شاء عذبني؛ فاستتابهم ثلثة أيام‪ ،‬وتهددهم إن لم‬
‫فد‪ ،‬فأمر بحفر الخاديد‪ ،‬وملها بالحطب‪ ،‬وأشعلها‬ ‫يتوبوا بالحراق بالنار‪ ،‬فلم ي ُ ِ‬
‫نارًا‪ ،‬ثم ألقاهم فيها‪ ،‬وقال مرتجزا‪ً:‬‬
‫ت قنبر ًًا"*‬‫ت ناري ودعو ُ‬ ‫ت المر أمرا ً منكرا ً أجج ُ‬ ‫لما رأي ُ‬
‫ن"؟!!‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫دي ِ‬
‫فهل يا ترى أن عليا لم يفهم المراد من قوله تعالى‪" :‬ل إ ِكَراه َ ِفي ال ّ‬
‫دل دينه فاقتلوه"‪ ،‬لقتلنا‬ ‫أما الزعم بأننا لو أخذنا بظاهر هذا الحديث‪" :‬من ب ّ‬
‫دل دين النصرانية بالسلم‪ ،‬فنقول‪ :‬النصرانية‪ ،‬واليهودية‪ ،‬والشيوعية‬ ‫من ب ّ‬
‫ليست أديانًا‪ ،‬وإنما الدين عند الله هو السلم‪ ،‬فما هذا التلبيس والتدليس؟!‬
‫ولو كان المر فيه متسع لذكرنا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وخلفائه الراشدين‪ ،‬والئمة المهديين للمرتدين‪ ،‬القدامى والمحدثين‪ ،‬وفي هذا‬
‫كفاية وغنى لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬
‫?‬
‫الثانية‪ :‬تجويزه للمرأة أن تلي المامة الكبرى والصغرى‬
‫الشبه التي رفعها لتولي المرأة المامة الكبرى‬
‫‪ .1‬أن حديث‪" :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"‪ ،‬حادثة عين‪ ،‬خاص فقط‬
‫ببوران بنت كسرى من النساء‪ ،‬وبالفرس من القوام‪.‬‬
‫‪ .2‬وفي مرة قال‪ :‬الحديث نفى الفلح فقط‪ ،‬وليس فيه منع المرأة من أن‬
‫تكون قيمة على الرجال‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .3‬وبأن بلقيس الكافرة حكمت قومها عُّباد الشمس‪.‬‬


‫‪ .4‬أن المرأة المعاصرة نالت من الشهادات العليا والتعليم ما لم تنله النساء‬
‫في الماضي‪.‬‬
‫?‬
‫دحضها‬
‫• بالنسبة للشبهة الولى‪ ،‬فإن "قوم" و"امرأة" نكرتان تفيدان العموم‪ ،‬وقصر‬
‫هذا على بوران بنت كسرى وعلى الفرس تحكم وحكم بالهوى‪ ،‬فالرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة‪ ،‬ول يمكن أن ُيخصص قوله وحكمه إل‬
‫بدليل صحيح صريح‪.‬‬
‫في الفلح عن القوم فما يبقى لهم سوى‬ ‫• أما عن الشبهة الثانية‪ ،‬فإذا ن ِ‬
‫الخسران؟!‬
‫ً‬
‫• وأما بلقيس فقد كانت كافرة تحكم قوما كافرين‪ ،‬ولو فرضنا أنها مسلمة‪،‬‬
‫فشرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ‪ ،‬وقد نسخت كل الشرائع بشرع خاتم‬
‫النبياء‪.‬‬
‫• أما دعوى أن المرأة المعاصرة نالت من العلم ما لم تنله حتى الصحابيات‪،‬‬
‫فهذا من باب المكابرة ومنافقة النساء ومجاملتهن‪ ،‬وإل فقد كانت عائشة‬
‫سابة‪ ،‬وطبيبة‪ ،‬ومع ذلك لم تحدثها‬ ‫رضي الله عنها فقيهة‪ ،‬ومفسرة‪ ،‬وأديبة‪ ،‬ون ّ‬
‫نفسها بالمامة‪ ،‬كبرى ول صغرى‪.‬‬
‫الحمد لله الذي عافى المة عن مخالفة أمر ربها ورسوله‪ ،‬حيث لم تول‬
‫امرأة قط على رجال في عصورها المختلفة إل في هذا العصر الذي كثرت‬
‫فيه البليا‪ ،‬وعظمت فيه الرزايا‪ ،‬وابتلي فريق منهم بتقليد الكفار والتشبه‬
‫بهم‪ ،‬هذا مع اعتراض الراسخين في العلم على ذلك الصنيع المنكر‪ ،‬وعدم‬
‫رضى عامة المسلمين بذلك‪ ،‬تحقيقا ً لما صح في الثر أن هذه المة لن تجتمع‬
‫على ضللة قط‪.‬‬
‫في عصور النحطاط في عهد المماليك*‪ ،‬عندما تولت "شجرة الدر" وكانت‬
‫زوجا ً لنجم الدين السلطة بعد ولده توران شاه الذي تولى بعد أبيه‪ ،‬حيث‬
‫قتلته "شجرة الدر" واستولت على الحكم ‪648‬ه‪ ،‬لم يكن توليها مقبول ً من‬
‫العلماء ول من ولة الخليفة العباسي‪.‬‬
‫فقد اعترض على توليها وأعلن ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلم‬
‫رحمه الله‪ ،‬وكتب الخليفة العباسي في وقته كتابا ً إلى أهل مصر يعاتبهم على‬
‫ل‪ ،‬لنفراد المماليك بمصر والشام‬ ‫هذا الصنيع‪ ،‬إذ لم يكن سلطانه عليهم كام ً‬
‫ل‪" :‬إن كان ما بقي عندكم رجل تولونه فقولوا لنا نرسل‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬قائ ً‬
‫ل"‪ ،‬وقد وصل خطاب الخليفة هذا إلى المماليك بعد أن مضى على‬ ‫إليكم رج ً‬
‫ً‬
‫تولية "شجرة الدر" ثمانون يوما‪ ،‬اقتنع أمراء المماليك بخطئهم وقالوا‪ :‬ل‬
‫يمكن حفظ البلد والملك لمرأة؛ فأشاروا على "شجرة الدر" أن تتزوج كبير‬
‫المماليك‪ ،‬وهو "التابك أيبك" التركماني‪ ،‬وتتنازل له عن العرش‪ ،‬فقبلت ذلك‬
‫وخلعت نفسها عن السلطة*‪.‬‬
‫وكذلك المر عندما أقام المماليك دولة لهم في دلهي بالهند سنة ‪602‬ه‪،‬‬
‫وكان أول ملوكهم "إيلتش" الذي اعترف به الخليفة في بغداد‪ ،‬وبعد وفاته‬
‫‪ 634‬هـ تولت ابنته السلطة‪ ،‬فاعُترض عليها وقُِتلت*‪.‬‬
‫هذا كله يدل على أن الدافع الرئيس لتجويز ذلك تقليد الكفار ليس إل‪.‬‬
‫?‬
‫الشبهة التي رفعها لتجويز إمامة المرأة للرجال في الصلة ودحضها‬
‫أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لم ورقة رضي الله عنها أن تتخذ‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مؤذنًا‪ ،‬وأن تؤم نساء وصبيان دارها ومن جاورها‪ ،‬فالحديث فيه مقال‪ ،‬وقد‬
‫حسنه اللباني‪ ،‬ولو صح لما دل على الذي رمى إليه د‪ .‬الترابي‪ ،‬حيث ما كان‬
‫رجل بالغ يصلي في بيته ويتخلف عن جماعة المسلمين‪ ،‬وعن الصلة خلف‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إل منافق معلوم النفاق‪ ،‬كما قال ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه؛ وقال ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬كنا إذا افتقدنا‬
‫الرجل في صلة الصبح والعشاء ليوم واحد أسأنا به الظن أن يكون قد نافق؛‬
‫لن صلة الجماعة حكمها الوجوب على الرجال من غير ذوي العذار في‬
‫أرجح قولي العلماء‪.‬‬
‫ولو جاز لمرأة أن تؤم الرجال لجاز لعائشة رضي الله عنها‪ ،‬ولكنها كان يؤمها‬
‫غلمها ذكوان في صلة القيام‪.‬‬
‫قال ابن شاس المالكي في عقد الجواهر*‪) :‬وأما المرأة فل تصح إمامتها‬
‫للرجال ول للنساء‪ ،‬وروى ابن أيمن جوازها(‪ ،‬أي للنساء‪ ،‬كما أجاز إمامتها‬
‫للنساء والطفال الشافعي وأحمد‪ ،‬شريطة أن تقف وسطهن‪ ،‬وتجهر أدنى‬
‫الجهر‪.‬‬
‫وقال صاحب سبيل السعادة المالكي* وهو يعدد شروط المامة‪) :‬أولها‬
‫الذكورية المحققة‪ ،‬فل تصح إمامة المرأة‪ ،‬ول الخنثي المشكل‪ ،‬وتبطل صلة‬
‫المأموم دون النثى التي صلت إمامًا(‪ ،‬هذا إذا لم تنو إمامة الرجال‪ ،‬أما إذا‬
‫نوت إمامة الرجال بطلت صلتها وصلة من أمته منهم‪.‬‬
‫وقال النووي في المجموع*‪) :‬واتفق أصحابنا على أنه ل تجوز صلة رجل بالغ‬
‫ول صبي خلف امرأة‪ ..‬هذا مذهبنا‪ ،‬ومذهب جماهير العلماء من السلف‬
‫والخلف رحمهم الله‪ ،‬وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة‪ ،‬فقهاء المدينة‬
‫التابعين‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬وأبي حنيفة‪ ،‬وسفيان‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وداود‪ ..‬وقال‬
‫الشيخ أبو حامد‪ :‬مذهب الفقهاء كافة أنه ل تصح صلة رجل وراءها إل أبا‬
‫ثور‪ ..‬فإن صلى خلف المرأة ولم يعلم أنها امرأة ثم عِلم لزمه العادة بل‬
‫خلف(‪.‬‬
‫عندما أعلم أحمد رحمه الله بقول أبي ثور هذا قال‪" :‬هذا قول سوء"‪ ،‬إي‬
‫وربي إنه قول سوء‪ ،‬على الرغم من أنه سقطة وزلة‪ ،‬لتلقف أصحاب الهواء‬
‫له‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ليس لما ذهب إليه الترابي من سلف أسوة وقدوة سوى زلة أبي ثور هذه‬
‫وسقطته‪ ،‬والله يغفر له‪ ،‬وإل في‪:‬‬
‫• غزالة الخارجية زوج شبيب الخارجي‪ ،‬وقيل هي أمه‪ ،‬والراجح أنها زوجه‪،‬‬
‫صل*‪ ،‬وكذلك القرطبي في الجامع‬ ‫ف َ‬
‫قال ابن حزم الظاهري رحمه الله في ال ِ‬
‫لحكام القرآن*‪) :‬جميع أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة إل‬
‫فرقة من فرق الخوارج وهي الشبيبية – نسبة إلى شبيب بن يزيد الشيباني(‪.‬‬
‫فَرق*‪) :‬إنه مع أتباعه أجازوا إمامة‬ ‫فْرق بين ال ِ‬
‫قال البغدادي عنهم في ال َ‬
‫المرأة منهم إذا قامت بأمورهم وخرجت على مخالفهم‪ ،‬وزعموا أن غزالة أم‬
‫شبيب كانت المام بعد قتل شبيب إلى أن قتلت(‪.‬‬
‫وروى الذهبي في تاريخ السلم*‪) :‬أنها امرأته‪ ،‬استخلفها بعده‪ ،‬فدخلت‬
‫الكوفة‪ ،‬وقامت خطيبة‪ ،‬وصلت الصبح بهم في الجامع‪ ،‬فقرأت في الركعة‬
‫الولى بالبقرة‪ ،‬وفي الثانية بآل عمران(‪.‬‬
‫ً‬
‫• وفي أمينة ودود‪ ،‬المريكية التي أمت بعضا من الرجال والنساء في صالة‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كنيسة‪.‬‬
‫فهنيئا ً لمن كانت أسوته غزالة وأمينة‪ ،‬وسلفه "الشبيبية"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لقد بلغت منافقة د‪ .‬الترابي للنساء مداها‪ ،‬ويتمثل ذلك في التي‪:‬‬
‫‪ .1‬أجاز لها أن تلي المامة الكبرى والقضاء‪ ،‬وأن تكون وزيرة‪ ،‬ووالية‪،‬‬
‫وضابطة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تؤم الرجال‪.‬‬
‫‪ .3‬أن حواء أول الخلق وليس آدم عليهما السلم‪.‬‬
‫ت‬‫صوَرا ٌ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬‫حوٌر ّ‬ ‫‪ .4‬أنكر أن يكون في الجنة حور عين‪ ،‬ردا ً لقوله عز وجل‪ُ " :‬‬
‫َ‬
‫ن"*‪ ،‬وإنما‬ ‫جا ّ‬ ‫م َول َ‬ ‫س قَب ْل َهُ ْ‬ ‫ن ِإن ٌ‬ ‫مث ْهُ ّ‬ ‫م ي َط ْ ِ‬‫ن‪ .‬ل َ ْ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫م‪ .‬فَب ِأيّ آلء َرب ّك ُ َ‬ ‫خَيا ِ‬ ‫ِفي ال ْ ِ‬
‫نساء الدنيا هن نساء أهل الجنة‪.‬‬
‫‪ .5‬رد كل النتصارات التي حققها الرجال في الدفاع الشعبي إلى النساء دون‬
‫الرجال‪.‬‬
‫ل جديد‬ ‫ت يلدن ك ّ‬ ‫والليالي من الزمان حبالى مثقل ٍ‬
‫وأخطر من هذا كله تصديق بعض النساء لهذه الماني الكاذبة‪.‬‬
‫?‬
‫ثالثا‪ :‬عيسى عليه السلم نازل في آخر الزمان رغم أنف منكري السنة‬ ‫ً‬
‫وجاحدي حجيتها‬
‫من جملة ما أنكره الترابي مما هو معلوم من الدين ضرورة في بورسودان‬
‫ومن قبل‪ ،‬نزول عيسى عليه السلم‪ ،‬وجميع أشراط الساعة‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن نزوله ثابت بـ‪:‬‬
‫• القرآن‪.‬‬
‫• والسنة‪.‬‬
‫• والجماع‪.‬‬
‫ن ب ِهِ قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫موْت ِهِ وَي َوْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫من َ ّ‬ ‫ب إ ِل لي ُؤْ ِ‬‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فمن القرآن قوله تعالى‪" :‬وَِإن ّ‬
‫دا"*‪ ،‬عندما ينزل ويكسر الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير‪،‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫مةِ ي َ ُ‬ ‫قَيا َ‬‫ال ْ ِ‬
‫ويضع الجزية‪.‬‬
‫ح عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ومن السنة ما ص ّ‬
‫وسلم‪" :‬والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم‪ ،‬حكما ً عدل‪ً،‬‬
‫فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير‪ ،‬ويضع الجزية‪ ،‬ويفيض المال حتى ل يقبل‬
‫أحد‪ ،‬حتى تكون السجدة الواحدة خيرا ً من الدنيا وما فيها"‪ ،‬ثم يقول‬
‫أبوهريرة رضي الله عنه‪ :‬واقرأوا إن شئتم‪" :‬وإن م َ‬
‫ن‬ ‫ب إ ِل ّ ل َي ُؤْ ِ‬
‫من َ ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫ن أهْ ِ‬ ‫َِ ّ ْ‬
‫دا"*‪.‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫مةِ ي َ ُ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫موْت ِهِ وَي َوْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ِهِ قَب ْ َ‬
‫وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬فبينما هو كذلك – أي المسيح الدجال – إذ بعث الله المسيح ابن‬
‫مريم عليه السلم‪ ،‬فينزل عند المنارة البيضاء‪ "..‬الحديث*‪.‬‬
‫وأحاديث نزول عيسى عليه السلم في غاية الصحة‪ ،‬فهي في الصحيحين‬
‫وغيرهما‪ ،‬وتلقتها المة بالقبول‪ ،‬ولهذا أجمعت المة على نزوله‪.‬‬
‫وعندما ينزل عيسى ل ينزل بشريعته المنسوخة‪ ،‬ول بشرع جديد‪ ،‬وإنما ينزل‬
‫بشرع محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فل تعارض بين نزوله وبين ختم محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم للنبوة‪.‬‬
‫أما بالنسبة للشبهة التي رفعها الترابي وأنكر من أجلها نزول عيسى عليه‬
‫َ‬
‫م"*‪ ،‬فالوفاة هنا بمعنى النوم‪،‬‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي َ‬ ‫ت أن َ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ت َوَفّي ْت َِني ُ‬ ‫السلم‪" :‬فَل َ ّ‬
‫موْت َِها َوال ِّتي‬ ‫َ‬
‫ه ي َت َوَّفى اْلن ُ‬
‫ن َ‬ ‫حي َ‬‫س ِ‬ ‫ف َ‬ ‫فالقرآن يوضح بعضه بعضًا‪ ،‬قال تعالى‪" :‬الل ُ‬
‫مَها" الية*‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬النوم أخو الموت"‪،‬‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م تَ ُ‬‫لَ ْ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي"*‪ ،‬فالواو ل‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬
‫ك وََرافِعُ َ‬
‫مت َوَّفي َ‬
‫فالله أنامه ثم رفعه إليه‪ ،‬أما قوله‪" :‬إ ِّني ُ‬
‫تفيد الترتيب وإنما تفيد العطف‪.‬‬
‫دقون بنزول عيسى ل يمنعهم ذلك من العمل‬ ‫والمؤمنون الصادقون المص ّ‬
‫والسعي للتغيير ورد المة إلى ما كان عليه رسولها وصحبه الكرام‪ ،‬عن‬
‫طريق الجهاد الذي ينكره د‪ .‬الترابي‪ ،‬وعن طريق رفع راية المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬وعن طريق إحياء السنن التي أميتت‪ ،‬وعن طريق الدعوة‬
‫إلى الله على بصيرة‪ ،‬إذ ل يصلح آخر هذه المة إل بما صلح به أولها‪.‬‬
‫?‬
‫رابعًا‪ :‬زعمه أنه ليس سنيا ً ول شيعيا ً‬
‫الشيء الواحد الذي أوافق فيه د‪ .‬الترابي وأصدقه فيه أنه ليس سنيًا‪ ،‬إذ‬
‫عداوته للسنة ولتباعها ل تدانيها عداوة إل عداوة الرافضة‪ ،‬والتبرؤ من السنة‬
‫بأي معنى من معانيها تبرؤ من السلم ورسوله ومما جاء به‪ ،‬بحكم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ومن رغب عن سنتي فليس مني" الحديث‪،‬‬
‫فالسنة هي الشريعة‪ ،‬هي السلم‪ ،‬هي الدين‪ ،‬نسأل الله أن يحيينا ويميتنا‬
‫عليها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قدوته في ذلك الخميني عندما جاء إلى الحكم‪ ،‬وأراد أن يضلل السذج من‬
‫المسلمين‪ ،‬ويخدعهم في إيران وخارجها‪ ،‬فقال‪" :‬أنا لست سنيا ً ول شيعيًا"‪.‬‬
‫أما زعمه أنه ليس شيعيا ً فهذا من باب الخداع‪ ،‬فمحبته للخميني‪ ،‬وإعجابه به‪،‬‬
‫وفتحه المجال للرافضة في السودان عندما كان المر الناهي‪ ،‬تدل على عدم‬
‫صحة هذا الزعم‪.‬‬
‫?‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬انتقاصه لقضى القضاة الماوردي رحمه الله‬
‫إعجاب د‪ .‬الترابي بالديمقراطية الغربية‪ ،‬وتقليده للكفار في ذلك‪ ،‬جعله ينقم‬
‫صلوا للنظام الشوري السلمي الذي ما قام النظام‬ ‫ويحقد على الذين أ ّ‬
‫الديمقراطي إل على أنقاضه‪ ،‬إذ وصف هذا المام العظيم والفقيه الكبير‬
‫بأوصاف يندي لها الجبين‪ ،‬وسيقتص له منه الجبار يوم الدين‪ ،‬يوم يقوم‬
‫الناس ليوم ل ريب فيه للحساب والقصاص‪.‬‬
‫فقد وصفه مرة بأنه "ساذج"‪.‬‬
‫وفي هذه المرة بأنه "مسكين"‪.‬‬
‫وبأنه دمية في أيدي السلطين يؤصل لهم ما يبغون‪.‬‬
‫ووصف شروط المامة التي أجمعت عليها المة ولم يشذ فيها الماوردي بأنها‬
‫"شروط منحطة" و"سخيفة"‪.‬‬
‫وسبب غيظ الترابي وحنقه على فقهاء السلم أمثال الماوردي وغيره من‬
‫الئمة العلم الذين أصلوا لنظام الحكم في السلم ووضعوا تلك الشروط‬
‫العظام من أجل أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬
‫• شرط السلم‪ ،‬إذ لم يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيل‪ ،‬والترابي‬
‫ومن واله يريدون أن يجعلوا لهم سبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫• قصرهم اختيار الحاكم أوالخليفة على العلماء أهل الحل والعقد دون العامة‬
‫والدهماء‪ ،‬كما هو الحال عند الكفار في النظام الديمقراطي‪.‬‬
‫• اشتراط الذكورية في ولية المسلمين‪.‬‬
‫أما شرط النسب وما أثاره حوله من شبه ساذجة فالغرض بذلك التهويش‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والثارة‪ ،‬وإل فما من عاقل يقول إنه يجب على الدولة إن لم يوجد فيها‬
‫قرشي أن تستورد قرشيا ً من مكة أوغيرها‪.‬‬
‫?‬
‫شروط المامة عند أهل السنة* هي‬
‫‪ .1‬السلم‪.‬‬
‫‪ .2‬التكليف‪ ،‬أي البلوغ والعقل‪.‬‬
‫‪ .3‬الذكورية‪.‬‬
‫‪ .4‬الحرية‪.‬‬
‫‪ .5‬العلم‪.‬‬
‫‪ .6‬سلمة الحواس‪ ،‬كالسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬واللسان‪.‬‬
‫‪ .7‬سلمة العضاء‪.‬‬
‫‪ .8‬الشجاعة والحزم‪.‬‬
‫‪ .9‬الرأي السديد‪.‬‬
‫‪ .10‬النسب‪.‬‬
‫هذه الشروط قد تتوفر كلها في الحاكم أوجلها‪ ،‬منها ما هو شرط صحة‬
‫كالسلم والذكورية‪ ،‬ومنها ما هو شرط كمال‪ ،‬ولهذا أجاز أهل السنة إمامة‬
‫المفضول مع وجود الفاضل‪.‬‬
‫وُيلتزم بها إذا تم اختار الحاكم بالطريقة الشرعية المثلى‪ ،‬أن يختاره أهل‬
‫الحل والعقد‪ ،‬أما إذا تغلب الحاكم على الحكم أواختير بطريقة الكفار التي‬
‫يتساوى فيها المسلم والكافر‪ ،‬والعالم والجاهل‪ ،‬والذكر والنثى‪ ،‬فل مجال‬
‫لتطبيقها‪ ،‬كما هو الحال الن‪.‬‬
‫?‬
‫أدلة اشتراط النسب‬
‫استدل أهل السنة على هذا الشرط بالتي‪:‬‬
‫‪" .1‬إن هذا المر في قريش‪ ،‬ل يعاديهم أحد إل كّبه الله في النار على وجهه‬
‫ما أقاموا الدين" الحديث‪ ،‬رواه البخاري في الحكام باب المراء من قريش‪.‬‬
‫‪" .2‬ل يزال هذا المر في قريش ما بقي منهم اثنان"‪ ،‬رواه البخاري في‬
‫الحكام‪ ،‬وليس المراد حقيقة العدد‪.‬‬
‫‪" .3‬الناس تبع لقريش في هذا الشأن"‪ ،‬رواه البخاري في المناقب‪ ،‬ومسلم‬
‫في المارة‪.‬‬
‫‪" .4‬الئمة من قريش"‪ ،‬رواه أحمد وصححه اللباني‪.‬‬
‫ولهذا أجمعت المة على هذا الشرط‪ ،‬ولم ينكره إل أهل الهواء قديما ً‬
‫وحديثًا‪.‬‬
‫قال المام النووي‪) :‬هذه الحاديث وأشباهها دليل ظاهر على أن الخلفة‬
‫مختصة بقريش‪ ،‬ل يجوز عقدها لحد من غيرهم‪ ،‬وعلى هذا انعقد الجماع في‬
‫زمن الصحابة والتابعين فمن بعدهم(*‪.‬‬
‫وبهذا قال الئمة الربعة‪ ،‬وخالف في ذلك من ل يؤبه باتفاقهم‪ ،‬كالخوارج‬
‫والمعتزلة ومن قلدهم‪.‬‬
‫هذا إذا وجد قرشي توفرت فيه شروط المامة الخرى‪ ،‬ولهذا قال شيخ‬
‫السلم ابن تيمية‪) :‬الخير في الشراف أكثر منه في الطراف(*‪.‬‬
‫طأ به عمله لم يسرع به نسبه‪،‬‬ ‫أما إذا لم تتوفر الشروط في القرشي‪ ،‬فمن ب ّ‬
‫كما أخبر الصادق المصدوق‪.‬‬
‫?‬
‫نبذة عن هذا المام الجليل*‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• هو أبو الحسين علي بن محمد بن حبيب الماوردي‪ ،‬نسبة إلى عمل الماورد‬
‫ض أجداده‪.‬‬
‫وبيعه الذي كان يشتغل به بع ُ‬
‫• ولد بالبصرة ‪364‬ه‪ ،‬وتوفي ‪450‬هـ عن ست وثمانين سنة‪.‬‬
‫• مصنفاته‪:‬‬
‫• الحاوي الكبير – مطبوع في عشرين مجلدًا‪ ،‬وقد وزع على عشرة طلب‬
‫لتحقيقه في درجة الدكتوراة‪.‬‬
‫• الحكام السلطانية‪.‬‬
‫• أدب الوزير‪.‬‬
‫• القناع‪.‬‬
‫• كتاب البيوع‪.‬‬
‫• الكافي في شرح مختصر المزني‪.‬‬
‫• النكت والعيون‪.‬‬
‫• المثال والحكم‪.‬‬
‫• كتاب في النحو‪.‬‬
‫• أدب الدنيا والدين‪.‬‬
‫• المقترن‪.‬‬
‫• نصيحة الملوك‪.‬‬
‫• المرتبة في طلب الحسبة‪.‬‬
‫• ثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫• قال ابن خيرون‪ :‬كان رجل ً عظيم القدر‪ ،‬أحد الئمة‪ ،‬له التصانيف الحسان‬
‫في كل فن‪.‬‬
‫• وقال الخطيب البغدادي‪ :‬كان ثقة من وجوه الفقهاء والشافعيين‪.‬‬
‫• وقال ياقوت في معجم الدباء‪ :‬كان عالما ً بارعا ً متفننًا‪.‬‬
‫?‬
‫ما يدل على كذب ما نسبه الترابي للماوردي من أن الخليفة هو الذي أملى‬
‫عليه أن يكتب ما يوافق هواه‬
‫آخذا ً ذلك من قول الماوردي رحمه الله‪) :‬أفردت لها كتابا امتثلت فيه أمر من‬
‫ً‬
‫لزمت طاعته(‪ ،‬كما جاء في مقدمة الحكام السلطانية‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫)وذلك عندما طلب الخليفة أن ُيزاد في ألقاب جلل الدولة ابن ب ُوَْيه‪:‬‬
‫خطب له‬ ‫"شاهنشاه العظم ملك الملوك"‪ ،‬وكان ذلك في سنة ‪ 429‬هـ‪ ،‬و ُ‬
‫بذلك‪ ،‬فأفتى بعض الفقهاء بالمنع‪ ،‬وأنه ل يقال "ملك الملوك" إل لله‪ ،‬وتبعهم‬
‫جّر‪.‬‬
‫العوام‪ ،‬ورموا الخطباء بال ُ‬
‫مري الحنفي‪ :‬إن هذه السماء يعتبر‬ ‫صي ْ َ‬
‫وكتب إلى الفقهاء في ذلك‪ ،‬فكتب ال ّ‬
‫فيها القصد والنية؛ وكتب القاضي أبو الطيب الطبري‪ :‬بأن إطلق ملك‬
‫الملوك جائز‪ ،‬ومعناه ملك ملوك الرض؛ قال‪ :‬وإذا جاز أن يقال "قاضي‬
‫القضاة"‪ ،‬جاز أن يقال "ملك الملوك"؛ ووافقه التميمي من الحنابلة‪.‬‬
‫دد في ذلك‪ ،‬وكان الماوردي من خواص جلل‬ ‫وأفتى الماوردي بالمنع‪ ،‬وش ّ‬
‫الدولة‪ ،‬فلما أفتى بالمنع انقطع عنه‪ ،‬فطلبه جلل الدولة‪ ،‬فمضى إليه‪ ،‬فلما‬
‫دخل قال له‪ :‬أنا متحقق أنك لو حابيت أحدا ً لحابيتني‪ ،‬لما بيني وبينك‪ ،‬وما‬
‫حملك إل الدين‪ ،‬فزاد بذلك محلك عندي(*‪.‬‬
‫?‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سادسًا‪ :‬دعواه أن باب الجتهاد قد قفل‬


‫يتباكى د‪ .‬الترابي على قفل باب الجتهاد‪ ،‬وفي الحقيقة فإن باب الجتهاد‬
‫مفتوح على مصراعيه إلى قيام الساعة‪ ،‬بنوعيه المطلق والمقيد‪ ،‬لمن‬
‫توفرت فيهم شروطه‪ ،‬وامتلكوا أدواته‪.‬‬
‫وقفل باب الجتهاد ل يملكه أحد من الخلق طالما بقي من عمر الدنيا شيء‪،‬‬
‫فالجتهاد في المور المستجدات والتي ليس فيها نص من الوحي‪ ،‬أما ما فيه‬
‫نص‪ ،‬أوانعقد إجماع المة عليه‪ ،‬خاصة في عهود المة الفاضلة‪ ،‬فل مجال‬
‫للجتهاد فيه؛ وهذا القسم المحظور هو هدف أدعياء التجديد‪ ،‬وبغيتهم من رفع‬
‫تلك الراية‪ ،‬حتى يتمكنوا من مجاراة أعداء الدين ويأمنوا مخالفتهم‪.‬‬
‫ومشكلتنا اليوم ليست في فتح باب الجتهاد أوقفله‪ ،‬ول في عدم وجود‬
‫مجتهدين‪ ،‬ولكن المشكلة في الجسارة والجرأة‪ ،‬واقتحام بل وكسر باب‬
‫الجتهاد من أدعياء ل يملكون من أدوات الجتهاد شيئًا‪ ،‬ولم يتوفر فيهم شرط‬
‫واحد من شروطه الكثيرة التي بينها أهل العلم المختصون بذلك‪.‬‬
‫والشرط العمدة في المجتهد هو أن يكون من أهل السنة والجماعة‪ ،‬أي أن‬
‫يكون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة‪،‬‬
‫والتصور‪ ،‬والمنهج‪ ،‬والسلوك؛ فأهل الهواء ليسوا أهل ً للجتهاد‪ ،‬وليسوا‬
‫مؤتمنين على دين الله أن يفتوا فيه أوي ُد َّرسوه‪ ،‬دعك من أن يجتهدوا فيه‪.‬‬
‫فالجتهاد‪ ،‬وهو بذل المجهود في طلب المقصود من جهة الستدلل‪ ،‬مصدر‬
‫من مصادر التشريع الخمسة‪ ،‬وهي الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪ ،‬والقياس‪،‬‬
‫والجتهاد‪ ،‬فلبد من وضع ضوابط له حتى ل يتلعب به المتلعبون‪ ،‬ويدعيه‬
‫المفترون‪ ،‬ويسطو عليه المتطفلون‪.‬‬
‫والذين قالوا بقفل باب الجتهاد من أهل العلم كان مرامهم قفل باب الجتهاد‬
‫في وجه هؤلء‪ ،‬وفي المور المسلمات‪ ،‬وما فيه نص صحيح صريح‪ ،‬أوانعقد‬
‫عليه الجماع؛ أما المستجدات فل سبيل للحكم عليها إل عن طريق القياس‬
‫والجتهاد‪ ،‬ول أدل على ذلك من شروع بعضهم في بعض الفتراضات التي لم‬
‫تقع بعد‪ ،‬وقد كره ذلك الئمة أمثال مالك وغيره‪.‬‬
‫من علمات الساعة تطاول الواخر على الوائل‪ ،‬ولعن آخر هذه المة‬
‫وانتقاصها لولها‪.‬‬
‫لم يعلن الله حربه على أحد إل على ثلثة أصناف من البشر‪:‬‬
‫‪ .1‬المرابين التعساء‪ ،‬عبدة الدراهم والدنانير‪.‬‬
‫‪ .2‬وقطاع الطرق المفسدين في الرض‪.‬‬
‫‪ .3‬والذين يعادون أولياء الله من العلماء‪ ،‬أتباع الرسل‪ ،‬بحكم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬من عادى لي وليا ً فقد آذنته في الحرب" الحديث‬
‫القدسي‪.‬‬
‫ولهذا قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله ناصحا ً لخوانه المسلمين‪ ،‬ومحذرا ً‬
‫من الطعن والتشكيك في العلماء العاملين‪ ،‬والئمة المهتدين‪) :‬اعلم يا أخي‬
‫وفقني الله وإياك لمرضاته‪ ،‬وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته‪ ،‬أن لحوم‬
‫العلماء مسمومة‪ ،‬وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة‪ ،‬وأن من‬
‫حذ َِر‬‫أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتله الله قبل موته بموت القلب‪" ،‬فَل ْي َ ْ‬
‫َ‬ ‫فون عَن أ َمره َأن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫م"*‪.‬‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬ ‫ْ ْ ِ ِ‬ ‫خال ِ ُ َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫اللهم أحينا مسلمين‪ ،‬وتوفنا مسلمين‪ ،‬واحشرنا في زمرة المتقين‪ ،‬ووفقنا‬
‫لتباع سبيل المؤمنين‪ ،‬وجنبنا سبيل المشاقين لله‪ ،‬ورسوله‪ ،‬والمؤمنين‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف‬
‫النبياء والمرسلين‪ ،‬ول عدوان إل على الظالمين‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫تعقيب فتوى هل مس الزوجة ينقض وضوؤها"‬


‫د‪ .‬أحمد بن محمد الخضيري ‪4/3/1423‬‬
‫‪16/05/2002‬‬
‫ورد إلى بريد الموقع تعقيب حول فتوى بعنوان هل مس الزوجة ينقض‬
‫وضوؤها؟‬
‫لفضيلة الشيخ أحمد الخضيري والتي تفيد بأن طهارة المرأة ل تنتقض بمجرد‬
‫مس زوجها لفرجها‪ ،‬وقد عرضنا هذا التعقيب على فضيلته فتكرم بالتوضيح‬
‫والبيان‪...‬‬
‫التعقيب‪:‬‬
‫أفتى أحد الفقهاء –يرحمه الله‪ -‬في موقعكم بأن الزوج إذا مس فرج امرأته‬
‫فل وضوء عليها! واحتج بالحديث المرفوع بأن اللمس هو الذي عليه الوضوء‬
‫وقاسه على لمس فرج نفسه‪،‬‬
‫والحق أن العلة في وجوب الوضوء من لمس فرج نفسه هو التأثر‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك وليس مجرد اللمس وقد اشترطه مالك‪ ،‬وعلى ذلك فالعلة موجودة في‬
‫تلك الزوجة أكثر منها في الزوج اللمس‪ ،‬فكان من الواجب تقييد الحكم بأن‬
‫تكون لم تتأثر بهذا اللمس على القل‪ ،‬أو يحكم بنقض وضوئها عموما ً دون‬
‫قيد تخريجا ً على الغلب وهو التأثر في تلك الحالة‪ ،‬كما أفتى فقيه آخر –‬
‫جزاهم الله خيرا ً جميعًا‪ -‬أن الودي من المرأة ل ينقض الوضوء وليس بنجس‪،‬‬
‫وقد أجمع العلماء بأن كل ما يخرج من السبيلين ناقض للوضوء‪ ،‬ثم اختلفوا‬
‫في هل هو نجس أم ل؟ وكذلك اختلفوا فيما ل يخرج من السبيلين من قيء‬
‫ونحوه‪ ،‬وقياسا ً على المذي هو ناقض للوضوء‪ ،‬ولكن ليس فيه إل رش الماء‬
‫على الثوب‪ ،‬وإن ك َُثر يقاس على سلس البول ول يقال‪ :‬إن المرأة تجد‬
‫إفرازات من فرجها فل تذهب لتعيد الوضوء وتصلي! فأرجو إعادة النظر في‬
‫تلك الفتاوى‪.‬‬
‫*****‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫ما ذكرته الخت السائلة من الملحظة على الفتوى ورأيها بأن الحكم بعدم‬
‫انتقاض طهارة المرأة ينبغي أن يقيد بما إذا لم تتأثر المرأة بهذا المس‪ ،‬أو‬
‫يحكم بنقض وضوئها مطلقًا؛ لن الغالب وجود التأثر من المرأة في هذه‬
‫الحالة‪.‬‬
‫س‪ ،‬فقيدت الجابة بهذا المفهوم‪،‬‬ ‫يجاب عنه‪ :‬بأن السؤال جاء عن مطلق الم ّ‬
‫ونص الجابة‪" :‬ل تنتقض طهارة المرأة بمجرد مس زوجها لفرجها"‪ ،‬فكلمة‬
‫س شيء آخر‬ ‫س وحده‪ ،‬أما لو كان مع الم ّ‬ ‫)مجرد( تقصر الحكم على الم ّ‬
‫كخروج شيء من الفرج فإنه ل يدخل هذا في الحكم‪ ،‬وعلى المرأة حينئذ أن‬
‫س‪ ،‬بل لما خرج منها‪ ،‬وأما التجاه‬‫تتوضأ‪ ،‬وقد انتقضت طهارتها ل لمجرد الم ّ‬
‫إلى القول بانتقاض الطهارة مطلقًا؛ لن الغالب وجود التأثر من المرأة في‬
‫هذه الحالة فل يظهر لي رجحانه؛ لن ذلك ليس بلزم‪ ،‬ومجرد وجود الشهوة‬
‫ل ينقض الطهارة أيضا ً ما لم يخرج من النسان شيء على الصحيح‪ ،‬بل قد‬
‫ذهب عدد من محققي أهل العلم‪ ،‬ومنهم شيخ السلم‪ /‬ابن تيمية‪ ،‬إلى عدم‬
‫س‪ ،‬وحملوا قول النبي‬ ‫س للفرج بمجرد الم ّ‬ ‫انتقاض طهارة الذي وقع منه الم ّ‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪" :-‬من مس فرجه فليتوضأ")النسائي)‪،(444‬ابن‬
‫ماجه)‪،(481‬أحمد)‪ ،(21689‬على الستحباب‪ ،‬ولهذا ربما تلحظين أننا في‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجابة عن السؤال لم ننص على انتقاض طهارة الزوج‪ ،‬بل قلنا‪" :‬وإنما الذي‬
‫يتوضأ هو الزوج؛ لنه الذي وقع منه المس"‪ ،‬ولم نصّرح بالوجوب‪ ،‬والله أعلم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعليق اليات القرآنية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬القرآن الكريم وعلومه‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪4/1/1423 ...‬‬
‫السؤال‬
‫ما حكم تعليق اليات القرآنية على شكل لوح أو سجاد في البيت ؟‬
‫الجواب‬
‫القرآن الكريم أنزله الله للعمل به والتعبد به كما أمر الله وأمر رسوله محمد‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ولم ينزله لمجرد التلوة والتبرك به‪ ،‬مع أنه كنز‬
‫البركة‪ ،‬وفي تلوته الجر والثواب‪ ،‬وإنما أنزله الله للعمل به وتحكيمه في كل‬
‫أمر وشأن من شؤون الحياة‪ ،‬لقوله –تعالى‪" :-‬وأن احكم بينهم بما أنزل الله‬
‫ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عما أنزل الله إليك"]المائدة‪،[49:‬‬
‫وقوله‪" :‬ما فرطنا في الكتاب من شيء"]النعام‪ [38:‬ول شك أن تعظيم‬
‫آيات الله حقا ً هو بتطبيق أحكامها والتحاكم إليها‪ .‬أما مجرد كتابتها وتعليقها‬
‫للتبرك دون العمل والعتبار‪ ،‬أو كتابتها لغرض طرد الشياطين من المنزل أو‬
‫وضع المصحف في السيارة لدفع العين عن صاحبها‪ ،‬أو ليقال إن صاحب هذا‬
‫المنزل أو السيارة متدين إلخ‪ ...‬فكل ذلك من البتداع المنهي في الشرع‬
‫ومدخل للرياء والسمعة ‪ .‬وكل ذلك مما لم يأذن به الله ول رسوله‪ ،‬ولم ينقل‬
‫عن أحد من الصحابة أو التابعين ومن بعدهم من سلف المة‪ ،‬وهو نوع من‬
‫أنواع البتذال والمتهان ليات الله ‪.‬‬
‫أما إذا كان الغرض من كتابة آيات القرآن على لوح أو زجاج أو سجاد وعلقت‬
‫في مكان محترم كأن توضع في صدر المجلس في البيت ليتذكر الداخل‬
‫والخارج والجالس معاني تلك اليات‪ ،‬أو تكون مجال بحث في تفسيرها‪،‬‬
‫حينئذ فل أرى مانعا ً شرعيًا‪ ،‬إذ رفُعها وكتابتها على هذه الهيئة وبهذا الغرض‬
‫من تعظيمها‪ .‬وقد نص العلماء على جواز زخرفة المصحف وتزويقه وتجليده‬
‫تجليدا ً فاخرًا‪ ،‬حتى لو طلي بشيء من الذهب أو الفضة لجاز ‪.‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬إن كتابة آيات القرآن وتعليقها في البيت بقصد التعظيم لها‬
‫والتذكر والتدبر في معانيها فإن هذا جائز‪ .‬وما عدا هذا الغرض فحرام‪ .‬والله‬
‫أعلم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫) تعليم البنات إلى أين ؟ (‬


‫قراءة في ضوء السياسة الشرعية‬
‫أ‪.‬د عبد الله بن إبراهيم الطريقي ‪1/2/1423‬‬
‫‪14/04/2002‬‬
‫" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها‬
‫وبث منهما رجال كثيرا ً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام إن الله‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان عليكم رقيبا ً "] سورة النساء‪. [1:‬‬


‫إن هذه الية الكريمة خير ما نستفتح به هذه المقالة ‪ ،‬باعتبارها ترسم في‬
‫الذهان صورة بدء الخلق الول للنسان ‪ ،‬والنفس الواحدة هي آدم ‪ ،‬والزوج‬
‫حواء ‪ ،‬فإن حواء خلقت من آدم‪ ،‬من ضلعه ‪.‬‬
‫فالمرأة فرع الرجل منذ أصل التكوين ‪.‬‬
‫لكن هذه الفرعية ل يلزم منها – بالضرورة ‪ -‬التطابق بين الصل والفرع ‪.‬‬
‫لن مبدأ ) الزوجية ( يقتضي وجود اختلف ما قد يصل الى التضاد أو التقابل ‪.‬‬
‫قال الحق سبحانه ‪ " :‬ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون "‬
‫]الذاريات‪.[ 49 :‬‬
‫يقول "الخازن" في تفسير ه عند هذه الية ‪ " :‬ومن كل شيء خلقنا زوجين‬
‫أي صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والرض ‪ ،‬والشمس والقمر والليل‬
‫والنهار ‪ ،‬والبر والبحر ‪ ،‬والسهل والجبل ‪ ،‬والصيف والشتاء والجن والنس ‪،‬‬
‫والذكر والنثى ‪ ،‬والنور والظلم ‪ ،‬واليمان والكفر ‪ ،‬والسعادة والشقاوة ‪،‬‬
‫والحق والباطل ‪ ،‬والحلو والحامض ‪ ،‬لعلكم تذكرون أي فتعلمون أن خالق‬
‫الزواج فرد ل نظير له ول شريك معه " أ ‪ .‬هـ‬
‫وقد جاءت الشارة القرآنية إلى عدم التساوي بين الذكر والنثى‪ .‬قال‬
‫سبحانه في سياق الحديث عن امرأة عمران "وليس الذكر كالنثى"] آل‬
‫عمران ‪. [36 :‬‬
‫يقول الشيخ "محمد الطاهر بن عاشور" عند تفسير الية " ونفي المشابهة‬
‫بين الذكر والنثى يقصد به معنى التفصيل في مثل هذا المقام وذلك في قول‬
‫العرب ‪ :‬ليس سواء كذا وكذا ‪ ،‬وليس كذا وكذا مثل كذا‪ ،‬ول هو مثل كذا‬
‫كقوله تعالى ‪ " :‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون " … وقول‬
‫"السموءل"‪:‬‬
‫فليس سواء عالم وجهول " التحرير والتنوير‪"234 / 3 :‬‬
‫ولعل في هذه التوطئة ما يثير الفرضيات التالية مما له صلة بموضوعنا ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن لكل من الرجل والمرأة خصائص ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ثم لكل عمله اللئق به ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن العلم وهو شرط العمل ‪ ،‬يشرع منه ما هو نافع ومفيد للنسان في‬
‫حياته العملية ) العاجلة ( ‪ ،‬وحياته الخروية ‪.‬‬
‫وقبل الستدلل لتلكم الفرضيات لعله يكون من المستحسن عرض بعض‬
‫المسلمات كمدخل إلى لب القضية ‪.‬‬
‫وأظن أن من المسلمات هنا ‪ :‬أن المجتمع المسلم ينهض على مقومات‬
‫شديدة الرسوخ ‪ ،‬ل غنى للمجتمع عنها وهي مقومات ذات أنواع ‪ ،‬ونشير هنا‬
‫إلى ما له صلة بالموضوع في مجالي الجتماع والتعليم على وجه اليجاز ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬المقومات الجتماعية ‪:‬‬
‫تقوم فلسفة الجتماع على عدد من القضايا المهمة وفي مقدمتها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الفطرة في كل متعلقاتها ) القلبية ‪ ،‬والنفسية ‪ ،‬والعقلية ‪ ،‬والجسمية ( ‪.‬‬
‫" فطرة الله التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق الله " ]الروم‪. [30 :‬‬
‫ول بد من إتاحة الفرص المناسبة لكل من الجنسين في ضوء هذه الفطرة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الكرامة النسانية الشاملة للجنسين ‪ " .‬ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم‬
‫في البر والبحر " ] السراء ‪. [70:‬‬
‫‪ 3‬ـ المساواة بين الجنسين في المسؤولية والجزاء ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ القيم الخلقية ) كالعفة ‪ ،‬والحياء‪ ،‬والنصح ‪ ،‬والخوة ‪ ،‬والتعاون ( ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬المقومات الثقافية ) العلمية ( ‪:‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 1‬ـ العلم النافع "وقل رب زدني علما ً " ]طه ‪ . [114:‬وفي الحديث ) اللهم‬
‫إني أسألك علما ً نافعا ً ( ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التربية الشاملة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مراعاة الفروق الجسمية ‪ ،‬والعقلية والنفسية ‪ ،‬لكل من الجنسين ‪.‬‬
‫ول أعتقد أنه يوجد اختلف على أهمية تلك المقومات ‪ ،‬فليعذرني القارئ‬
‫الكريم إذا اكتفيت بتلك الشارات ‪ ،‬نظرا ً لضيق المساحة ‪.‬‬
‫ولكي تتحقق المقومات هذه فإنه ل بد أن تكون الوسائل والليات نحو‬
‫تحقيقها متناسبة معها إذ "الوسائل لها أحكام الغايات" كما يقول علماء أصول‬
‫الفقه ‪.‬‬
‫فإذا ما أردنا السعي نحو تكوين مجتمع فاضل قائم على تلك السس‬
‫وأشباهها ‪ ،‬فهل يمكننا تحقيق ذلك عن طريق الوسائل العبثية كالخرافة مثل ً‬
‫أو مصادمة الفطرة والحس ‪ ،‬أو تجاهل الغرائز النسانية ؟‬
‫أو هل يمكننا ذلك عن طريق التغريب أو التقليد للجنبي ؟ أو بتجاهل الحقائق‬
‫الشرعية والعرفية ؟‬
‫والجواب معروف لدينا ولدى العقلء ‪ ،‬إنه ل يمكن ذلك ‪.‬‬
‫إذا تقرر ذلك فلنعد إلى الفرضيات السابقة ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ أن لكل من الرجل والمرأة خصائصه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ولكل عمله اللئق به أو اختصاصه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إن العلم المشروع هو النافع الذي يستفيد منه النسان في حياته ‪.‬‬
‫الفرضية الولى ‪ :‬اختصاص كل من الرجل والمرأة بخصائص ‪ ،‬ولهذه الدعوى‬
‫من الشواهد والبراهين الشرعية والطبية والنفسية ما يؤكد صحتها ‪.‬‬
‫ما وشامل ً للذكور‬
‫أما في الشرع فعلى رغم أن الخطاب التكليفي يأتي عا ً‬
‫والناث في معظم النصوص ‪ ،‬إل أنه توجد أحكام خاصة بالمرأة في مجالت‬
‫متعددة في الطهارة والصلة والصيام والحج والميراث ‪ ،‬والشهادة والنكاح‬
‫وغيرها ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن أراد التفصيلت فليراجع كتب الفقهاء ‪ .‬وقد ألف بعضهم "كالسيد صديق‬
‫حسن خان" كتابا ً خاصا ً بالنساء أسماه ‪" :‬حسن السوة بما ثبت عن الله‬
‫ورسوله في النسوة" ‪.‬‬
‫وكثير مما ذكره صاحب هذا الكتاب هو من خصائص المرأة ‪.‬‬
‫وأما الطب فقد أكد كثير من أطباء التشريح القديم والحديث أن للمرأة‬
‫خصائص ل يشاركها فيها الرجل ‪ ،‬ومثلهم علماء الحياء إذ ْ أثبتوا ببحوثهم أن‬
‫المرأة تختلف عن الرجل في كل شيء من الصورة والسمت والعضاء‬
‫الخارجية الى ذرات الجسم والجواهر )الهيولينية(‪.‬‬
‫هؤلء ‪ ،‬فضل ً عن علماء النفس الذين يؤكدون تميز المرأة بكثير من‬
‫النفعالت والعواطف ‪ ،‬كالتأثر باليحاء وسرعة الستجابة للدوافع ‪ ،‬والعتماد‬
‫على الرجل ‪.‬‬
‫) وللمزيد من الستفادة يراجع كتاب ‪ :‬من إعجاز القرآن وليس الذكر كالنثى‬
‫‪ .‬للستاذ محمد الخشت ‪ ،‬وكتاب الحجاب للمودودي ( ‪.‬‬
‫الفرضية الثانية ‪ :‬لكل من الجنسين عمله اللئق به وهذه الفرضية تنسجم مع‬
‫ل منهما خصائصه ‪ ،‬فإنه يكون من الطبيعي أن‬ ‫الفرضية السابقة ‪ ،‬فما دام لك ّ‬
‫لكل منهما اختصاصه ‪ .‬نعم يشتركان في كثير من شؤون الحياة ‪ ،‬لكن لكل‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهما اختصاصات ‪ ،‬بحيث يكمل أحدهما الخر ‪.‬‬


‫ولعل ذلك مما تشير إليه النصوص التية ‪ :‬كقوله تعالى ‪ " :‬ولهن مثل الذي‬
‫عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة " ]البقرة ‪. [228:‬‬
‫وقوله ‪ " :‬الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما‬
‫أنفقوا من أموالهم "] النساء ‪. [34 :‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬كلكم راٍع وكلكم مسؤول عن رعيته ‪،‬‬
‫فالمام راٍع ومسؤول عن رعيته ‪ ،‬والرجل راٍع على أهله وهو مسؤول ‪،‬‬
‫والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة( رواه البخاري في صحيحه كتاب‬
‫النكاح الباب ‪81‬‬
‫الفرضية الثالثة ‪ :‬أن العلم المشروع هو ما يفيد النسان الذكر و النثى في‬
‫حياته العاجلة والجلة " وكل علم ل يفيد عمل ً فليس في الشرع ما يدل على‬
‫استحسانه " الموافقات للشاطبي‪. "1/61 :‬‬
‫ً‬
‫فكثير من العلوم ‪ ،‬أو التخصصات العلمية ل تفيد المرأة شيئا كعلوم الفلسفة‬
‫والفنون ‪.‬‬
‫وقد ل تكون لئقة بها كبعض التخصصات العلمية والسياسية ‪ ،‬والرياضية ‪،‬‬
‫وربما ل تطيقها كالعلوم الصناعية ‪ ،‬والمهنية الثقيلة ‪ ،‬والعسكرية ‪.‬‬
‫أما ما يتناسب مع أنوثتها وشخصيتها من العلوم فهو جائز وقد يكون مطلوبا ً‬
‫بحسب حاجتها أو حاجة المجتمع إليه ‪.‬‬
‫وهذا ما شددت عليه سياسة التعليم في المملكة ‪ ،‬فقد جاء في الفقرة‬
‫التاسعة " تقرير حق الفتاة في التعليم بما يلئم فطرتها ويعدها لمهمتها في‬
‫الحياة على أن يتم ذلك بحشمة ووقار‪ ،‬وفي ضوء شريعة السلم‪ ،‬فإن‬
‫النساء شقائق الرجال " ‪.‬‬
‫آليات التعليم ‪:‬‬
‫إذا تقررت تلك الفرضيات وما استندت إليه من المقومات والتأسيسات‬
‫المتقدمة فإنه يكون قد حان السؤال التالي ‪ :‬كيف يمكن ترجمة تلك‬
‫الفرضيات ومقوماتها إلى واقع عملي ؟‬
‫وبصيغة أخرى ‪ :‬ما آليات تطبيق تلك الفرضيات ومقوماتها ؟‬
‫والحق أنه سؤال عريض ومسطح يتعذر علينا في هذه العجالة ضبطه‬
‫وتحديده ‪.‬‬
‫لكنني سأجتهد في تحديد مرادي منه محاولة في الوصول إلى شيء من‬
‫النتائج المفيدة ‪.‬‬
‫فلعله يكون من المفيد وضع محاور للنطلق ‪ ،‬تساعد على ترتيب الفكار‪.‬‬
‫وأظن أن أهم محاور العملية التعليمية‪:‬‬
‫أ ـ الطالب‪.‬‬
‫ب ـ المعلم‪.‬‬
‫ج ـ المدرسة‪.‬‬
‫د ـ المنهج‪.‬‬
‫ه ـ الدارة والشراف‪.‬‬
‫* أما فيما يتعلق بالطالب والمعلم فإن أهم آلية يجب اتخاذها ـ وفقا ً‬
‫للمقومات السابقة ـ الفصل بين الذكور والناث ‪ ،‬سواء بين الطلب‬
‫والطالبات ‪ ،‬أو بين المعلمين والمعلمات ‪ ،‬أو بين المعلمين والطالبات ‪ ،‬أو‬
‫بين المعلمات والطلب في كل المراحل التعليمية‪.‬‬
‫وهذه قضية واضحة ل نزاع عليها في هذا البلد الكريم ‪ ،‬لرتكازها على‬
‫النصوص الشرعية الواضحة‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولذا فلن أتوقف عندها طويل ً ‪ ،‬وأكتفي بإيراد هذا النص من سياسة التعليم ‪،‬‬
‫ففي الفقرة الخامسة والخمسين بعد المائة جاء ما يأتي ‪" :‬يمنع الختلط بين‬
‫البنين والبنات في جميع مراحل التعليم ‪ ،‬إل دور الحضانة ورياض الطفال " ‪.‬‬
‫وقد أثبتت هذه التجربة نجاحا ً منقطع النظير‪.‬‬
‫* وأما فيما يتعلق بالمدرسة ‪ ،‬فإن مقتضى المقومات السابقة أيضا ً أن يكون‬
‫لكل من الجنسين مدارس خاصة بهم ‪ ،‬ل تسمح بالختلط مطلقا ً ‪ ،‬سواء في‬
‫أوقات الدراسة ‪ ،‬أو في أوقات الفسح أو بعد الخروج من المدرسة‪.‬‬
‫وهذه آلية مكملة لللية السابقة ‪ ،‬ول نزاع عليها بحمد الله ‪ ،‬وواقع التعليم ـ‬
‫بفرعيه الذكوري والناثي ‪ ،‬خير شاهد‪.‬‬
‫* وأما ما يتعلق بالمنهج ـ وهو محور أساس في العملية التعليمية ـ فإن ما‬
‫تقرر من مقومات ومن فرضيات صحيحة يقتضي أن لكل من الجنسين منهجا ً‬
‫مميزا ً يراعي خصائص كل منهما وقدراته واستعداداته الفطرية )ينظر‪ :‬قولي‬
‫في المرأة للشيخ مصطفى صبري ص ‪.(81‬‬
‫وبنظرة سريعة على واقع مناهج التعليم عندنا تظهر الفروقات الكثيرة بين‬
‫مناهج الذكور ومناهج الناث ‪ ،‬وهذا من باب اختلف التنوع ‪ ،‬ل اختلف‬
‫التضاد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فإن قال قائل‪ :‬إن الخطاب الشرعي )قرآنا ً وسنة( جاء عاما ً وشامل ً للرجل‬
‫والمرأة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬هذا قول صحيح ‪ ،‬لكنه ليس على إطلقه ‪ ،‬بل ثمة نصوص ثم أحكام‬
‫كثيرة تخص جنسا ً دون جنس ‪ .‬وهذا معروف لدى الفقهاء والصوليين ‪.‬‬
‫ولعل فيما تقدم في الفرضية الولى ما يغني عن التكرار‪.‬‬
‫المر الذي يؤكد اختلف منهج البنين عن البنات ‪ ،‬في جملة المواد ‪ ،‬ول سيما‬
‫مواد التربية السلمية ‪ .‬وكذلك التخصصات إذ ْ ليست كلها لئقة بالمرأة ‪ ،‬وقد‬
‫سبقت الشارة إلى ذلك ‪.‬‬
‫* وأما فيما يتعلق بالدارة والشراف العام على التعليم ‪ ،‬فهذه المسألة هي‬
‫بيت القصيد ‪.‬‬
‫فهل من المناسب أن يكون لتعليم البنين إدارة مستقلة ‪ ،‬وإشراف مستقل ؟‬
‫أو أنه يمكن وضع إدارة واحدة "رجالية" تديرهما؟‬
‫لقد كان تعليم البنات منفصل ً في إدارته عن تعليم البنين منذ إنشائه قبل أكثر‬
‫من أربعين عاما ً حتى صدر المر بالدمج مؤخرًا‪.‬‬
‫وهذا الجراء يستدعي طرح التساؤلت التالية‪:‬‬
‫)‪ (1‬هل الفصل بين الدارتين ) الرئاسة والوزارة (كان من منطلق شرعي أم‬
‫من منطلق عرفي ؟ وإذا كان الول فما مستنده الشرعي؟‬
‫)‪ (2‬ما مبررات الدمج ؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)‪ (3‬هل كان الفصل بينهما يمثل حرجا معنويا على المجتمع والدولة ؟ أو‬
‫حرجا ً )عبئًا( ماديا ً ؟‬
‫)‪ (4‬ما الثار السلبية المتوقعة من الدمج ؟‬
‫ولنأخذ هذه التساؤلت متسلسلة ‪.‬‬
‫التساؤل الول ‪ :‬هل كان الفصل بين الدارتين من منطلق شرعي أو من‬
‫منطلق عرفي؟‬
‫والحق أنه سؤال في غاية الوجاهة ؟‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا تقرر لدينا عدم جواز الختلط بكل صوره وتقرر وجود التميز في تعليم‬
‫المرأة في كثير من أشكاله ومضامينه ‪ ،‬حسبما مر معنا ‪ ،‬فهل يمكن بعد هذا‬
‫أن يقال مثل ذلك في الدارة والشراف ؟‬
‫إن الحديث عن الدارة والشراف على تعليم البنات له جانبان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬من حيث التأنيث والتذكير‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬من حيث الستقلل‪.‬‬
‫فمن جهة التأنيث أو التذكير ‪ ،‬فالمر فيه سعة من وجهة نظري ‪ ،‬فمن‬
‫الممكن أن يقوم عليها الرجال ‪ ،‬كما يمكن أن يقوم عليها النساء ‪.‬‬
‫فمسألة تأنيث الجهاز الداري لتعليم البنات أمر اعتباري ينظر فيه إلى‬
‫مصلحة التعليم ‪ ،‬إذا ما استثنينا قمة الهرم الداري ‪ ,‬التي تتطلب مواصفات‬
‫القاضي ‪ ،‬والوزير ‪.‬‬
‫ومن جهة الستقلل فإنها مسألة فيها نظر ‪.‬‬
‫فهل يمكن اعتبارها قضية شرعية أو عرفية؟‬
‫الحق أنها قضية شرعية وعرفية في آن واحد ‪ ،‬أما من حيث الشرع ‪:‬‬
‫أ ـ فقد بان لنا أن تعليم المرأة قد امتاز عن تعليم الرجل بميزات واختص‬
‫بخصائص ‪ ،‬فرضت عليهما النفصال دون الختلط ‪ ،‬المر الذي يؤكد أن لكل‬
‫منهما استقلليته الواضحة ‪ ،‬ودمجهما يلغي هذه الستقللية ‪.‬‬
‫ب ـ وهو )الستقلل( شرعي بالنظر إلى المقاصد الشرعية ‪.‬‬
‫" وقد ثبت بالستقراء وتتبع الحكام المختلفة في الشريعة أن القصد الصلي‬
‫لها هو تحقيق مصالح العباد وحفظ هذه المصالح ودفع الضرر عنهم ‪ ،‬على أن‬
‫هذه المصالح ليست هي ما يراه النسان مصلحة له ونفعا ً حسب هواه‪ ،‬وإنما‬
‫المصلحة ما كانت مصلحة في ميزان الشرع ل في ميزان الهواء والشهوات‬
‫" الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ص ‪."378‬‬
‫ومعروف أن المصالح تشمل‪:‬الدين والدنيا ‪.‬‬
‫ووجه كون الستقلل فيه مصلحة ظاهرة ‪:‬‬
‫مت الدولة‬ ‫مت المجتمع القائم على الفضيلة ‪ ،‬وعن س ْ‬ ‫‪1‬ـ أنه يعبر عن س ْ‬
‫المسلمة )رعاها الله ( ‪.‬‬
‫‪2‬ـ وهو يمنح تعليم البنات شخصية اعتبارية ذات قوة ل تتوافر مع الدمج‪.‬‬
‫‪3‬ـ وهو يضفي على هذا التعليم صبغة إسلمية تبرزه أمام العالم ‪ ،‬وبخاصة‬
‫العالم السلمي ‪ ،‬الذي يتطلع إلى وجود نماذج تحتذى يستفيد منها‪ .‬والدمج‬
‫يفوت تلك المقاصد أو المصالح ‪.‬‬
‫عا"‪ ،‬فإذا كان الشيء يؤول إلى‬ ‫‪4‬ـ ولن "النظر في مآلت الشياء "معتبر شر ً‬
‫عا كتعليم الفتاة بشكل عام ‪.‬‬ ‫مصلحة كان مطلوًبا شر ً‬
‫ً‬
‫قا أو غلبة ظن ـ فيكون ممنوعا ‪ ،‬مثل‬ ‫وإذا كان يؤول إلى مفسدة ـ تحقي ً‬
‫تجاور مدارس البنين والبنات ‪.‬‬
‫فإنه يترتب عليه الختلط من بعض الوجوه مما ل تدعو إليه الحاجة ‪.‬‬
‫ومثل اختلط الطلب والطالبات في المراحل ) السنوات ( الولى البتدائية ؛‬
‫فإنه وسيلة إلى الختلط في بقية المراحل التالية ‪.‬‬
‫عا من باب سد الذرائع ‪.‬‬ ‫فيكون ذلك وأشباهه ممنو ً‬
‫) ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها‪ ،‬فمتى كان الفعل السالم عن‬
‫المفسدة وسيلة للمفسدة منع من ذلك الفعل في كثير من الصور ( الفروق‬
‫للقرافي‪ :‬الفرق الثامن والخمسون ‪.‬‬
‫وقضية دمج إدارة تعليم البنات بإدارة تعليم البنين ‪ ،‬ربما يؤول إلى ما هو‬
‫أشد خطورة ‪ ،‬فربما قال قائل بعد فترة‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما دامت الدارة واحدة فلماذا ل تتحد المناهج ‪ ،‬ولماذا ل يخلط الطلب‬
‫والطالبات ‪ ،‬ولماذا و لماذا ؟؟‬
‫ومن هنا كان المؤسسون لتعليم البنات ـ وفي مقدمتهم الملك فيصل والشيخ‬
‫محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمهما الله ـ على وعي بهذه المور ‪ ،‬ولذلك‬
‫اتخذت التدابير الحترازية السليمة ‪.‬‬
‫ذلك من حيث الشرع ‪ ،‬أما من حيث العرف والعادة فإن الفصل بين الدارتين‬
‫ملئم ذلك تماما ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عا (( كما يقول الشاطبي‬ ‫)) والعوائد الجارية ضرورية العتبار شر ً‬


‫) الموافقات‪. ( 2/286 :‬‬
‫وتقاليد هذا البلد كثير منها عربي أصيل ‪ ،‬قد توارثته الجيال ‪ ،‬وهي ل تقبل‬
‫قا ‪.‬‬
‫الختلط بين الجنسين مطل ً‬
‫التساؤل الثاني ‪ :‬ما مبررات الدمج ؟‬
‫الحقيقة أنني لم أجد مبررات رسمية يعتمد عليها ‪ ،‬وإنما هي وجهات نظر‬
‫تعبر عن أصحابها وردت في بعض الصحف ‪ ،‬وربما يكون من أبرزها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تصحيح الخطاء الدارية المنسوبة إلى رئاسة تعليم البنات ‪ 2 .‬ـ نزع ما‬
‫يسمى "بالعباءة الدينية" التي تتوشح بها الرئاسة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ترشيد النفاق ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تحاشي الزدواجية المتمثلة بوجود جهازين مسؤولين عن التعليم العام‬
‫في بلد واحد ‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة هذه المبررات بالتي ‪:‬‬
‫* أما من حيث تصحيح الخطاء الدارية المنسوبة للرئاسة فمعروف أن كل‬
‫مؤسسة أو جهاز عامل لبد أن يعتريه الخطأ ‪ ،‬ولكن بنسب متفاوتة ‪.‬‬
‫فهل يقال ‪ :‬أي مؤسسة أو جهاز يخطئ فيجب إلغاؤه أو دمجه مع مؤسسة‬
‫أخرى ‪ ،‬إذن فيجب إلغاء جميع المؤسسات الجتماعية لنها تخطئ ل محالة ‪.‬‬
‫أما العلج الصحيح فهو محاسبة المخطئ ومجازاته بقدر خطئه وبهذا وحده‬
‫تستقيم الحياة ‪.‬‬
‫* وأما من حيث نزع "العباءة الدينية" عن الرئاسة فهذا بقدر ما يحمل من‬
‫تهويل للمر ‪ ،‬فإنه يعاكس التيار الجتماعي ‪ ،‬إذ المجتمع متدين بطبعه في‬
‫الجملة ‪ ،‬وهو إذ يعتز بذلك يرى أنه خيار ل بديل عنه ‪.‬‬
‫ولذلك أصبحت الدولة بكل أجهزتها دولة مسلمة وقد جاء نظام الحكم ليؤكد‬
‫هذه الحقيقة ‪.‬‬
‫وحسبنا ما جاء في المادة الولى ‪ )) :‬المملكة العربية السعودية دولة عربية‬
‫إسلمية ذات سيادة تامة ‪ ،‬دينها السلم ودستورها كتاب الله وسنة رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ولغتها هي اللغة العربية (( ا‪.‬ه‬
‫ثم جاءت المادة السابعة لمزيد التوكيد )) يستمد الحكم في المملكة العربية‬
‫السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬وهما الحاكمان على هذا‬
‫النظام وجميع أنظمة الدولة (( ا‪.‬ه‬
‫أليس ذلك يضفي الصبغة الشرعية أو الدينية على كل أجهزة الدولة‬
‫ومؤسساتها ؟‬
‫ً‬
‫أو لسنا جميعا ـ أفراًدا ومؤسسات ـ نرفض العلمانية ـ فصل الدين عن الحياة‬
‫ـ ونعتز بديننا وعروبتنا ؟‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنه ما دام المر كذلك فلماذا نتجاهل هذه الحقائق ونتنكر لها ؟؟‬
‫* وأما من حيث ترشيد النفاق ‪ ،‬فل أدري كيف يحقق الدمج هذا المطلب ‪،‬‬
‫أهو بدمج الطلب والطالبات معا ً ؟ أم بالستغناء عن بعض المعلمين أو‬
‫المعلمات ؟ أم بالستغناء عن موظفي جهاز الرئاسة ؟‬
‫وعلى أي احتمال كان فإنه لن يحقق شيئا يذكر بقدر ما ينتج من سلبيات‬
‫البطالة والفوضوية ‪.‬‬
‫وإذا قيل بأن الترشيد يتحقق في النفاق على الكتب الدراسية بحيث إذا‬
‫دمجت قّلت التكلفة المادية فهذا غير واقع ؛ لن كل طالب وطالبة بحاجة إلى‬
‫كتاب في كل مقرر ‪ ،‬سواء كانت متفقة أو مختلفة ‪.‬‬
‫على أن حجم النفاق على التعليم في أي دولة يعكس مدى اهتمامها فيه ‪.‬‬
‫) ينظر ‪ :‬النساء المسلمات والتعليم العالي للستاذ أنيس أحمد ص ‪. 83‬‬
‫إصدار مكتب التربية العربي لدول الخليج ( ‪.‬‬
‫* وأما من حيث تحاشي الزدواجية ‪ ،‬فإنها مسألة محل نظر ‪.‬‬
‫فإن الزدواجية المذمومة ـ فيما أعتقد ـ وجود شيئين أو أكثر يضاد أحدهما‬
‫الخر أو يعوقه ‪.‬‬
‫فأما إذا كانا يسيران في خطين متوازيين نحو هدف مشترك فهذا تنافس‬
‫محمود ‪ ،‬وليس ازدواجية ‪.‬‬
‫كما هو ملحوظ في واقع كثير من المؤسسات ‪ ،‬كالجامعات والمستشفيات‬
‫وغيرها ‪ ،‬في كل دول العالم ‪.‬‬
‫التساؤل الثالث ‪ :‬هل كان الفصل بين إدارة تعليم البنين ) وزارة المعارف (‬
‫جا على المجتمع أو الدولة ؟‬ ‫وإدارة تعليم البنات ) الرئاسة ( يشكل حر ً‬
‫ن الجواب عند من يهمه المر ‪.‬‬ ‫فقد يقال ‪ :‬إ ّ‬
‫وبقدر ما يحمل هذا الجواب المختزل من واقعية ‪ ،‬إل أنني أرى أنه ل مانع من‬
‫إبداء الرأي فليسمح لي القارئ بذلك ‪.‬‬
‫إن ما كنت ألحظه أن أسلوب تعليم المرأة كان مثار إعجاب الكثير من‬
‫العقلء ‪ ،‬بل إن منهم ‪ -‬وبخاصة من نساء الغرب ‪-‬من كان ول يزال ينادي‬
‫بالتعليم غير المختلط ‪ ،‬بل بالوضع العام للمرأة في السلم ‪.‬‬
‫ولول ضيق المقام لذكرت شيًئا من ذلك ‪.‬‬
‫ولمن يريد التأكد من ذلك يمكنه مراجعة ‪:‬‬
‫ـ المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي ص ‪ 157‬فما بعدها ‪.‬‬
‫ـ يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة ‪" .‬جيمس باترسون" وآخر ‪.‬‬
‫ثم لو نظرنا إلى المسألة من وجه آخر ‪ ،‬لظهرت لنا حقيقة أكبر هي أن من‬
‫جهل شيئا أو أنكره عاداه وحاربه ‪ ،‬وهذا هو واقعنا مع الغرب ومقّلديه‪ ،‬فإنهم‬
‫ما زالوا ينقمون منا التزامنا بديننا وتطبيقنا له ‪ ،‬سواء في أمور العتقاد ‪ ،‬أو‬
‫العبادة والسلوك ‪ ،‬أو المعاملت أو الحدود وغيرها ‪.‬‬
‫فهل نصيخ لهم ونستجيب ؟‬
‫" يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا‬
‫خاسرين بل الله مولكم وهو خير الناصرين " ] آل عمران‪ 149 :‬ـ ‪[150‬‬
‫هذا إذا كان الحرج معنويا ً ‪ ،‬أما إن كان مادًيا فسبق الجواب عنه في التساؤل‬
‫الثاني ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التساؤل الرابع والخير ‪ :‬ما الثار السلبية المتوقعة من الدمج ؟‬


‫ً‬
‫وهو سؤال مهم ‪ ،‬وقد تختلف وجهات الناس في اعتبار الشيء ضارا أو‬
‫نافعا ً ‪ ،‬إذا ما كانت المعايير خاضعة للمزاج وأهواء النفس ‪ ،‬أو قائمة على‬
‫التفكير المجرد عن معايير الشرع ‪.‬‬
‫فلنحاول وضع الصابع على أماكن اللم ‪ ،‬كالطبيب في حرصه ورفقه ‪،‬‬
‫متجاوزين المراض المتوهمة إلى المراض الحقيقية أو الظاهرة ‪.‬‬
‫أزعم أن من الثار السلبية ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن مثل هذا الجراء يطبع في أذهان كثير من الناس أن الثوابت يمكن‬
‫تحويلها إلى متغيرات ‪ ،‬وأنها إذا كانت ثابتة بالمس فيمكن اعتبارها متغيرة‬
‫اليوم ‪.‬‬
‫مما يوحي بالتعلق بنظرية ) نسبية القيم والخلق ( مع أنها نظرية تحمل‬
‫الفساد في نفسها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 2‬ـ والدمج يعطي انطباعا عاما بأن المرأة ل تستطيع الستقلل بنفسها‬
‫وإدارة شؤونها ‪ ,‬بل لبد من سيطرة الرجل عليها ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ والدمج يصهر إبداعات المرأة في إبداعات الرجل ‪ ،‬مهما يحاول‬
‫المحامون عن المرأة إبراز أعمالها وآثارها ‪ ,‬والتشدق بعبقريتها ‪ ،‬بل ستبقى‬
‫ظل ً للرجل شاءت أم أبت ‪.‬‬
‫بخلف ما إذا كانت تعمل في محيط جنسها فإنها تبدع وتكتسب مهارات‬
‫مختلفة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ثم أليس هذا الجراء يتضمن تراجعا ً وتنازل ً عن تجربة نادرة في هذا‬
‫العصر ‪ ،‬أثبتت نجاحها وآتت ثمارها ؟‬
‫كما أنها تطبع في أذهان الكثيرين ـ من مواطنين وغير مواطنين ‪ ,‬ومن‬
‫مسلمين وغير مسلمين ـ بأن تجربة استقلل إدارة تعليم البنات قد أثبتت‬
‫فشلها ‪.‬‬
‫وقد تتسع دائرة هذا النطباع أو التصور فيقوم الشك لدى أولئك في صحة‬
‫مبدأ الفصل بين الطلب والطالبات‪ ،‬وأنها تجربة قد تفشل في يوم ما ‪.‬‬
‫وبالتالي ل يبقى لدى الناس ثقة بصحة تجاربنا ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وربما اعتقد بعضهم بنظرية ) التغير الحتمي ( التي تقول بأن التغير آت ل‬
‫محالة سواء في أمور الجتماع أو السياسة أو الثقافة أو غيرها ‪ ,‬وأن هذا‬
‫التغير ذو طابع مدني ‪ ،‬يتخفف من أعباء الدين وتكاليفه شيئا ً فشيئا ً حتى ل‬
‫يبقى منه إل مجرد المعرفة ‪.‬‬
‫والزمن كفيل بتطوير الناس وإن أبو ا كما يقولون ‪.‬‬
‫فاللهم غفرانك ‪.‬‬
‫خاتمه ‪:‬‬
‫وبعد ‪ ..‬فقد يتصور البعض بأن مسألة ) توحيد إدارتي تعليم البنين والبنات (‬
‫عادية أو صغيرة ل تستحق هذا الجهد أو الركض ‪.‬‬
‫ولكنني أرى أن لها أهمية فوق ما يتصور أولئك ؛ لن لها من الذيول والتبعات‬
‫ما ل نهاية له ‪.‬‬
‫وأخشى أن تكون نهاياتها تكرار تجارب غيرنا المأساوية التي انتهت إلى‬
‫الباحية والفوضوية ‪.‬‬
‫والسعيد من وعظ بغيره ‪.‬‬
‫وأخيرا ً فهذه رؤى استمددتها من نصوص شرعية ومقاصد وقواعد عامة ‪،‬‬
‫تقبل التقويم والمناقشة ‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تعليمنا والعلم المفقود‬


‫إن المتأمل في التعليم السائد اليوم سواًء كان على مقاعد الدراسة‪ ،‬أو حتى‬
‫في حلق العلم ودروس المساجد يرى أن هناك إهمال ً عند الكثير في العناية‬
‫بتعليم الرقائق والدب والسلوك‪ ،‬وأنهم شغلوا كثيرا ً بتعلم المسائل‬
‫والخلفيات وآراء الرجال‪ ،‬وصار الحديث في هذه القضايا من اختصاص‬
‫الوعاظ القصاصين وحدهم‪ ،‬لذا غلبت علينا قسوة القلب‪ ،‬وفعلت الهواء بنا‬
‫ما فعلت إل من رحم ربك‪ ،‬وهذه إشارات عاجلة تؤكد أهمية العناية بهذا‬
‫الجانب من العلم‪ ،‬وضرورة تقريره ضمن مناهج التعليم إن كنا نريد أن تخرج‬
‫لنا هذه البرامج علماء ربانيين‪.‬‬
‫إن هذا المطلب الملح تدفع إليه الحقائق التية‪-:‬‬
‫ل‪ :‬طالب العلم داعية ومعلم بفعله قبل قوله‬ ‫أو ً‬
‫إن طالب العلم وهو يسعى لنشر الخير والعلم لدى الناس‪ ،‬ليقف دوره على‬
‫مجرد تيلبغ المسائل بقوله‪ ،‬بل يجب أن يرى الناس ذلك من خلل سلوكه‬
‫وسمته‪.‬‬
‫لهذا قال أبو العالية ‪":‬كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلته‪ ،‬فإن‬
‫أحسن الصلة أخذنا عنه‪ ،‬وإن أساء لم نأخذ عنه" )]‪([1‬‬
‫بل كان السلف يعدون تعلم هدي العالم وسمته مطلبا ً أعلى من تعلم‬
‫المسائل‪ ،‬قال إبراهيم‪":‬كنا نأتي مسروقا ً فنتعلم من هديه ودله" )]‪([2‬‬
‫وقال ابن سيرين‪":‬كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم" )]‪([3‬‬
‫وروى ابن المبارك عن مخلد بن الحسن ‪":‬نحن إلى كثير من الدب أحوج منا‬
‫إلى كثير من حديث" )]‪([4‬‬
‫وأوصى حبيب الشهيد وهو من الفقهاء ابنه فقال‪":‬يابني اصحب الفقهاء‪،‬‬
‫وتعلم منهم‪ ،‬وخذ من أدبهم؛ فإنه احب إلي من كثير من الحديث" )]‪([5‬‬
‫فكم يترك أثرا ً على تلمذته‪ ،‬وعلى عامة الناس من خلل هديه وسمته‪،‬‬
‫وسلوكه وعمله‪ ،‬بل وكم يمحو الخلل في سلوكه الكثير الكثير مما يدعو‬
‫الناس إليه بقوله‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عوائق في وجه طالب العلم‬
‫يتعرض طالب العلم لمزالق خطيرة وعوائق تعرض له كما تعرض لسائر‬
‫الناس‪ ،‬بل هي ربما كانت في حقه أخطر ومنها‪-:‬‬
‫‪ - 1‬العجاب بالنفس‪ ،‬وهذا عافنا الله عنوان الضللة وبداية الشطط‬
‫والنحراف‪ ،‬وليس أدل على ذلك من أن الشيطان إنما طرد من رحمة الله‬
‫وكتبت عليه اللعنة إلى يوم الدين بسب العجب والغرور الذي قاده للستكبار‬
‫عن أمر الله‪.‬‬
‫قال الغزالي‪":‬والقلب بيت هو منزل الملئكة ومهبط أثرهم‪ ،‬ومحل‬
‫استقرارهم‪ ،‬والصفات الرديئة مثل‪ :‬الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر‬
‫والعجب وأخواتها‪ ،‬كلب نابحة‪ ،‬فأنى تدخله الملئكة وهو مشحون بالكلب" )]‬
‫‪([6‬‬
‫‪ -2‬الحسد‪ ،‬وهو خصلة ذميمة وصفة قبيحة يسعى الشيطان إلى إهلك‬
‫الصالحين بأن يقذفها في قلوبهم‪.‬‬
‫ً‬
‫ل‪ ،‬والباطل حقا‪ ،‬والمعروف‬ ‫‪ - 3‬الهوى‪ ،‬وحين يستحكم بصاحبه يريه الحق باط ً‬
‫منكرا ً والمنكر معروفًا‪.‬‬
‫‪ - 4‬لبس الحق بالباطل وكتمان الحق ولهذا أخذ الله المواثيق على الذي‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آتاهم العلم ))وإذ أخذ الله ميثاق الذين آتوا الكتاب لتبننه للناس ول تكتمونه((‬
‫وتوعد الذين يكتمون العلم فقال ))إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات‬
‫والهدى من بعد مابيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم‬
‫اللعنون(( ولم يقبل تبارك وتعالى توبة هؤلء إل بشرط البيان فقال ))إل‬
‫الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم((‬
‫‪ - 5‬التوصل بالعلم للغراض والمكاسب الشخصية‪ ،‬ولهذا توعد الله تبارك‬
‫وتعالى أمثال هؤلء الذين يشترون بآيات الله ثمنا ً قليل ً ))إن الذين يكتمون ما‬
‫أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا ً قليل ً أولئك ما يأكلون في بطونهم إل‬
‫النار وليكلمهم الله يوم القيامة وليزكيهم ولهم عذاب أليم‪.‬أولئك الذين‬
‫اشتروا الضللة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما اصبرهم على النار(( ولله در‬
‫الجرجاني رحمه الله حين قال ‪-:‬‬
‫ً‬
‫يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجل عن موقف الذل أحجما‬
‫أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما‬
‫ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمع صيرته لي سلما ً‬
‫إذا قيل هذا مورد قلت قد أرى ولكن نفس الحر تحتمل الضما‬
‫ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي لخدم من لقيت لكن لخدما‬
‫أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة إذا ً فاتباع الجهل قد كان أحزما‬
‫ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما‬
‫ولكن أهانوه فهان ودنسوا محياه بالطماع حتى تجهما‬
‫وليس المقصود هنا تعداد الفات التي يمكن أن يقع فيها طالب العلم‪ ،‬فهذه‬
‫أمثلة تدل على ما سواها‪ ،‬ونماذج تذكر بأخواتها‪ ،‬فما السبيل لتجاوز هذه‬
‫الفات؟ وما الطريق لجتنابها؟ وهل نحن نعلم طالب العلم مايكون له وسيلة‬
‫لتجاوزها؟ أما أننا نعنى بإعطائه الداة ونهمل بناء النفس التي تحمله؟‬
‫ثالثا‪ :‬صفات أهل العلم في القرآن‬
‫إن التعلم يهدف للرقي بالمرء إلى منازل أهل العلم‪ ،‬فما صفاتهم في كتاب‬
‫الله عز وجل؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أ‪ -‬فهم يسجدون لله ويخشعون ويبكون حين يسمعون آياته ))قل آمنوا به أو‬
‫لتؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليه يخرون للذقان سجدا ً‬
‫ل‪ .‬ويخرون للذقان يبكون‬ ‫ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعو ً‬
‫ويزيدهم خشوعًا(( إنه ليس هديا ً خاصا ً بهذه المة؛ بل هو سنة في من كان‬
‫قبلنا‪.‬‬
‫وقال عبدالعلى التيمي ‪":‬من أوتي من العلم ماليبكيه لخليق أن ليكون‬
‫أوتي علما ً ينفعه‪ ،‬لن الله تعالى نعت العلماء‪ ،‬ثم قرأ القرآن ))إن الذين أوتوا‬
‫العلم‪ ...‬إلى قوله ‪ ...‬يبكون(( )]‪([7‬‬
‫ه من‬
‫ب ‪ -‬والعلماء هم أهل الخشية لله سبحانه وتعالى ))إنما يخشى الل َ‬
‫عباده العلماُء إن الله غفور رحيم((‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ج ‪ -‬والذين يعلمون يقنتون لله سجدا وقياما‪ ،‬يحذرون عذابه ويرجون رحمته‬
‫))أم من هو قانت آناء الليل ساجدا ً وقائما ً يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه قل‬
‫هل يستوي الذين يعلمون والذين ليعلمون إنما يتذكر أولو اللباب((‬
‫أليس من واجب طالب العلم أن يتصف بهذه الصفات‪ ،‬وأن يتطلع إلى هذه‬
‫المنازل؟ فهل في تعليمنا ما يحققها لديه ويغرسها في نفسه؟ ونعوذ بالله إن‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان فيه ما يمحو بقية أثرها ويزيله فهذا عنوان البوار والهلك‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬العناية به في عصر النبوة‬
‫ويصور لنا ذلك أحد شبان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم‪ ،‬وأنهم كانوا‬
‫يعنون بتعلمه‪ ،‬فعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى‬
‫الله عليه و سلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا اليمان قبل أن نتعلم القرآن ثم‬
‫تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا )]‪([8‬‬
‫فهو يذكر لنا رضي الله عنه جانبا ً هاما من جوانب التعلم والتي قد غفل عنها‬
‫ً‬
‫كثير من طلبة العلم اليوم‪ ،‬فأهملوا تعلم اليمان ومسائله‪ ،‬وشعروا أن العلم‬
‫إنما يتمثل في تعلم مسائل الحكام وحدها‪ ،‬والعناية بجمع آراء الرجال‬
‫واختلفهم حول مثل هذه المسائل‪ ،‬ونسي أولئك أصل الصول وأساس‬
‫السس‪ ،‬لذا فل نعجب حين ندرك هذا الخلل أن نرى عدم التوافق بين ما‬
‫يحمله بعض الناس من العلم وبين سلوكه وسمته‪.‬‬
‫وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم فشخص ببصره إلى السماء‪ ،‬ثم قال‪":‬هذا أوان يختلس العلم من‬
‫الناس‪ ،‬حتى ليقدروا منه على شيء" فقال زياد بن لبيد النصاري‪ :‬يارسول‬
‫الله‪ ،‬وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه ولنقرئه نساءنا‬
‫وأبناءنا‪ .‬فقال‪":‬ثكلتك أمك يازياد‪ ،‬إن كنت لعدك من فقهاء أهل المدينة‪،‬‬
‫هذه التوراة والنجيل عند اليهود والنصارى فما ذا يغني عنهم؟" قال جبير‪:‬‬
‫فلقيت عبادة بن الصامت‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أل تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء‪،‬‬
‫فأخبرته بالذي قال‪ ،‬قال‪ :‬صدق أبو الدرداء‪ ،‬إن شئت أخبرتك بأول علم يرفع‬
‫من الناس‪ :‬الخشوع‪ ،‬يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فل ترى فيه رجل ً‬
‫خاشعا ً )]‪([9‬‬
‫وانظر رحمك الله كيف عد عبادة بن الصامت رضي الله عنه الخشوع علمًا‪،‬‬
‫وأنه أول علم يرفع‪.‬‬
‫ويحكي لنا حنظلة رضي الله عنه صورة من مجالسهم مع النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم في هذا الحديث إذ يقول‪ ":‬لقيني أبو بكر فقال‪ :‬كيف أنت يا‬
‫حنظلة؟ قال قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬قال‪ :‬سبحان الله ما تقول؟ قال قلت‪ :‬نكون‬
‫عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي‬
‫عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم عافسنا الزواج‬
‫والولد والضيعات فنسينا كثيرًا‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فوالله إنا لنلقى مثل هذا‪،‬‬
‫فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫قلت‪ :‬نافق حنظلة يا رسول الله‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪":‬وما ذاك؟" قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى‬
‫كأنا رأي عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عندك عافسنا الزواج والولد والضيعات نسينا‬
‫كثيرًا‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪":‬والذي نفسي بيده إن لو‬
‫تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم‬
‫وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلث مرات )]‪([10‬‬
‫والشاهد من الحديث أن تلك المجالس التي كانوا يجلسون فيها مع النبي‬
‫صلى الله عليه و سلم كانت تبلغ بهم إلى هذه الحال‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬عناية السلف به‬
‫ولقد كان السلف رضوان الله عليهم يعنون بذلك فهاهو ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه يقول‪":‬ليس العلم بكثرة الروية‪ ،‬إنما العلم خشية الله" )]‪([11‬‬
‫ومالك رحمه الله يقول‪":‬العلم والحكمة نور يهدي به الله من يشاء‪ ،‬وليس‬
‫بكثرة المسائل")]‪([12‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال أيضًا‪":‬إن حقا ً على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية‪،‬‬
‫وأن يكون متبعا ً لثر من مضى قبله" )]‪([13‬‬
‫وقيل لسعد بن إبراهيم‪ :‬من أفقه أهل المدينة؟ قال‪ :‬أتقاهم لربه )]‪([14‬‬
‫ولعل من صور عناية السلف به أنك لتكاد تجد كتاب حديث يخلو من أبواب‬
‫الزهد والدب والرقاق‪ ،‬بل وصنفوا مصنفات خاصة في ذلك )كالجامع لخلق‬
‫الراوي وآداب السامع للخطيب ‪ ،‬والمحدث الفاصل للرامهرمزي‪ ،‬وجامع بيان‬
‫العلم وفضله لبن عبدالبر‪ ،‬وأخلق العلماء‪ ،‬وأخلق أهل القرآن كلهما‬
‫للجري(‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فهل نعيد العتبار لهذا العلم المفقود؟‬


‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل )‪(409‬‬
‫)]‪ ([2‬جامع بيان العلم وفضله )‪(1/127‬‬
‫)]‪([3‬جامع بيان العلم وفضله )‪(1/127‬‬
‫)]‪([4‬جامع بيان العلم وفضله )‪(1/127‬‬
‫)]‪([5‬جامع بيان العلم وفضله )‪(1/127‬‬
‫)]‪ ([6‬إحياء علوم الدين )‪(1/49‬‬
‫)]‪ ([7‬أخرجه الدارمي )‪(296‬‬
‫)]‪ ([8‬رواه ابن ماجه )‪(61‬‬
‫)]‪ ([9‬رواه الدارمي )‪(293‬‬
‫)]‪ ([10‬رواه مسلم)‪(2750‬‬
‫)]‪ ([11‬جامع بيان العلم وفضله )‪(2/52‬‬
‫)]‪([12‬جامع بيان العلم وفضله )‪(2/52‬‬
‫)]‪ ([13‬الجامع لخلق الراوي وآداب السامع )‪ (1/156‬وانظر آداب طالب‬
‫العلم لمحمد رسلن‬
‫)]‪ ([14‬أخرجه الدارمي )‪(300‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تعّين الجهاد و مشروعّية عملّيات الستشهاد )‪(1‬‬


‫الخطبة الولى‬
‫مة السلم !‬ ‫أ ّ‬
‫يوما ً بعد يوم ُتمتهن كرامة المة ‪ ،‬و تهون دماء أبنائها و ديارهم و أعراضهم و‬
‫ل حدب و صوب ‪،‬‬ ‫مقدساتهم على العداء ‪ ،‬و تتداعى عليهم المم من ك ّ‬
‫وب سهامها إلى نحورهم ‪ ،‬و تِلغ في دمائهم ‪ ،‬و نحن حيارى بل خيار ‪ ،‬و‬ ‫تص ّ‬
‫سكارى بل قرار ‪.‬‬
‫يستصرخنا القدس و أهله ‪ ،‬تتحشرج في نفوسهم الحسرة ‪ ،‬و تعتلج في‬
‫حناجرهم الكلمات ‪ ،‬فيغصون بالدموع ‪ ،‬و يبكون المس و اليوم و الغد‬
‫المجهول ‪.‬‬
‫ف؟‬ ‫ق ُ‬
‫ك الس ُ‬‫شف من دما ِ‬ ‫م َير ُ‬
‫ف *** و إل َ‬ ‫ك َينز ُ‬ ‫حّتام يا ُقدساه جر ُ‬
‫ح ِ‬
‫ف‬
‫ف *** و الُعرب صرعى و المدافع تقص ُ‬ ‫خمسون عاما ً قد مضي َ‬
‫ن و ني ّ ُ‬
‫أّيها المسلمون !‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة قائمة على التعيين‬ ‫مة ‪ ،‬و جعله فريض ً‬ ‫ن الله تعالى كتب الجهاد على هذه ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ة إلى يوم القيامة مع كل بّر و فاجر لتكون كلمة الله هي‬ ‫ّ‬ ‫أو الكفاية ‪ ،‬ماضي ً‬
‫العليا و كلمة الذين كفروا السفلى ‪.‬‬
‫مة في عصرنا الحاضر ‪ ،‬غياب فريضتين جليلتين‬ ‫و من أعظم ما ابتليت به ال ّ‬
‫مة بفقدها في د ََركات الذل و الهوان ‪ ،‬و تداعت عليها المم كما‬ ‫ترّدت ال ّ‬
‫تداعى الكلة على قصعتها ‪ ،‬و هما تنصيب المام العادل خليفة المسلمين ‪ ،‬و‬
‫النفرة للجهاد في سبيل الله تعالى ‪ ،‬لفتح البلد و قُلوب العباد ‪ ،‬و الثخان في‬
‫أهل الكفر و اللحاد و العناد ‪.‬‬
‫ب المسلمون لنصرة أهلها ‪،‬‬ ‫و تعّين الجهاد في عدد من المصار السلمّية فه ّ‬
‫و نفروا خفافا ً و ثقال ً ‪ ،‬يدفعون عن إخوانهم صولة العدوّ ‪ ،‬و يشاركونهم‬
‫حُرمات المسلمين ‪ ،‬و الثخان في العتاة المجرمين ‪ ،‬فمنهم‬ ‫شرف الذود عن ُ‬ ‫َ‬
‫من قضى نحَبه و منهم من ينتظر مرابطا على الثغور في أفغانستان و‬ ‫ً‬
‫الشيشان و الفلبين و الصومال و البوسنة و غيرها ‪.‬‬
‫خض عنه الجهاد من خيرات ُرغم قّلة النصير ‪ ،‬و كثرة النكير ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن‬ ‫و مع ما تم ّ‬
‫ي و غربه ‪ ،‬و ل‬ ‫َ‬ ‫جراحات المسلمين ل تزال نازفة في شرق العالم السلم ّ‬
‫ب باعوا‬ ‫ده شبا ٌ‬ ‫ح حتى ُيثَلم ثغر جديد هنا أو هناك ‪ ،‬فيهب لس ّ‬ ‫جر ٌ‬ ‫يكاد يلتئم ُ‬
‫نفوسهم لله ‪ ،‬و ذاقوا حلوة التضحية و الجهاد ‪ ،‬فغّبروا أقدامهم في سبيله ‪،‬‬
‫فروا جباههم بتراب الرباط في ميادينه و على ثغوره ‪ ،‬غير آبهين أو‬ ‫وع ّ‬
‫صَلف الطغاة ‪ ،‬و ملحقة البغاة ‪ ،‬و تخويل بعض الدعاة ‪.‬‬ ‫مبالين ب َ‬
‫بل تراهم رهبانا ً في الليل ‪ ،‬فرسانا ً في النهار ‪ ،‬يقارعون الباطل ‪ ،‬و يصرخون‬
‫م َأن‬ ‫ص ب ِك ُ ْ‬ ‫ن ن َت ََرب ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَن َ ْ‬ ‫سن َي َي ْ ِ‬‫ح ْ‬ ‫دى ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب َِنا إ ِل ّ إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫في وجه أهله ) قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ( ]من‬ ‫صو َ‬ ‫مت ََرب ّ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫معَ ُ‬ ‫صوا إ ِّنا َ‬ ‫ديَنا فَت ََرب ّ ُ‬ ‫عندِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ه ب ِعَ َ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫صيب َك ُ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫سورة التوبة الية ‪. [52‬‬
‫و إذا لهث القاعدون حول حطام الدنيا ‪ ،‬و تزاحموا بالكتاف و القدام على‬
‫أبواب الرزق و أسبابه رأيت أهل الثغور أكثر اطمئنانا ً و إيمانا ً و تسليما ً ‪،‬‬
‫حلون مرارة الرباط ‪ ،‬و يحتملون شظف العيش ‪ ،‬و ل يلتمسون من الدنيا‬ ‫يست ْ‬
‫و حطامها إل ما يلقون تحت ظلل الرماح ‪ ،‬يحدو ركبهم خير البشر ‪ ،‬و أمير‬
‫ن عبد‬ ‫ّ ً‬
‫الظفر ‪ ،‬الذي قال فيما رواه البخاري معلقا و أحمد بإسناد صحيح عَ ِ‬
‫ت ظِ ّ‬
‫ل‬ ‫ح َ‬ ‫ل رِْزِقى ت َ ْ‬ ‫جعِ َ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم ‪ُ » :‬‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫مَر عَ ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫الله اب ْ ِ‬
‫رى « ‪ .‬فطوبى لمن بايعه‬ ‫م‬ ‫ف أَ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫غا‬ ‫ص‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫حى َ ُ ِ‬
‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫م ِ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ َ ّ َ ُ َ‬ ‫ُر ْ‬
‫على ذلك أو بايع من بايع عليه ‪ .‬ثبت في الصحيحين و سنن النسائي و‬
‫ن ال َك ْوَِع‬ ‫الترمذي و مسند المام أحمد أن يزيد ب َ‬
‫ة بْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ن أِبى عُب َي ْد ٍ سأل َ‬ ‫َ ِ َ ْ ِ‬
‫م‬ ‫و‬
‫َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫سو‬ ‫م َر ُ‬ ‫شيٍء َباي َعْت ُ ْ‬ ‫رضي الله عنه ‪ :‬عََلى أ َيّ َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ل ‪ :‬عََلى ال ْ َ‬ ‫حد َي ْب ِي َةِ ؟ َقا َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من ارتضوها يمني‬ ‫ميتة ‪ ،‬ترى الواحد م ّ‬ ‫طيَبها من ِ‬ ‫حسَنها من َبيعةٍ ‪ ،‬و يا ِ‬ ‫فيا ُ‬
‫ً‬
‫مل صاحبه في النصر و التمكين ‪ ،‬و يشد ّ على يديه مبايعا على‬ ‫نفسه و يؤ ّ‬
‫مصاب ‪ ،‬و ل يسوؤهم الوصف بالعنف و‬ ‫جلل ال ُ‬ ‫الصبر و الثبات ‪ ،‬فل يهولهم َ‬
‫ضدهم ‪ ،‬سفك الدماء و تطاير‬ ‫الرهاب ‪ ،‬و ل يزعزع عزائمهم ‪ ،‬أو يفت في ع ُ‬
‫مرضاته ‪ ،‬و َرجاء ِرضاه ‪.‬‬ ‫الشلء ‪ ،‬ما دام ذلك في سبيل الله ‪ ،‬ابتغاَء َ‬
‫و لست ُأبالي حي ُ‬
‫مصَرعي‬ ‫ب كان في الله َ‬ ‫مسلما ً *** على أيّ جن ٍ‬ ‫ن أقَْتل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مّزِع‬ ‫م َ‬ ‫شلوٍ ُ‬ ‫و ذلك في ذات الله و إن يشأ *** يبارك على أجزاء ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫م‬‫ن لهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شت ََرى ِ‬ ‫و إذا كان الحقّ تعالى قد ) ا ْ‬
‫ن( فل فرق عند من باع نفسه‬ ‫قت َلو َ‬‫ُ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫قت ُلو َ‬ ‫ل الل ّهِ في َ ْ‬
‫َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن في َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل غير مدبر ‪ ،‬أو حزام ينسف به‬ ‫لرّبه ‪ ،‬بين رصاصة يستقبلها في صدرِ مقب ٍ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العداء و إن قطع النياط و مّزق الشلء ‪ ،‬ما دام طعم الشهادة واحدا ً ‪.‬‬
‫خرا‬
‫ف َ‬
‫م ْ‬
‫ت أبغي َ‬ ‫ب المو ِ‬ ‫ت َدر َ‬ ‫إني بذلت الروح دون كرامتي *** و سلك ُ‬
‫ت فأزهرا‬ ‫َ‬
‫ت بالدم ما غَرس ُ‬ ‫مهجتي *** و َروَي ْ ُ‬ ‫ف المنّية ُ‬ ‫و غََرس ُ‬
‫ت في ك ّ‬
‫مه ِقرى‬ ‫ل أقد ّ ُ‬
‫ب كابو ٍ‬ ‫فدا *** و لُتر ِ‬‫هذا فداء القدس أن ُيجدي ال ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬‫روى النسائي و ابن ماجة و أحمد و الدارمي و الترمذي بإسناد ٍ صحيح عَ ْ‬


‫شِهيد ُ‬ ‫جد ُ ال ّ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ‪َ » :‬‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫أ َِبى هَُري َْرة َ َقا َ‬
‫س ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫صةِ « ‪.‬‬ ‫قْر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬‫جد ُ أ َ‬ ‫ل إ ِل ّ ك َ َ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫خلفوه عليه ‪ ،‬يعّز عليهم فراقه‬ ‫ن من بايعوا الشهيد على هذه الطريق و َ‬ ‫غير أ ّ‬
‫‪ ،‬فيبكيه رفاقه ‪ ،‬و يسوؤهم أن ل ُتوارى بين ظهرانيهم ُرفاته ‪ ،‬و يسوؤنا أكَثر‬
‫مله ‪ ،‬و يصد ّ الناس عن بلوغ هدفه ‪،‬‬ ‫سماع من يشكك في مشروعّية عَ َ‬
‫بدعوى أن فعلته انتحارّية ‪ ،‬و أن ميتته جاهلّية ‪.‬‬
‫مة من من قام بها‬ ‫و كيف تكون كذلك و قد عرف مثلها عن السلف فأكبروا ه ّ‬
‫مل عدد ٌ منهم قوله تعالى ‪ ) :‬و من الناس من‬ ‫‪ ،‬و أوسعوه مدحا ً و ثناًء ‪ ،‬و ح َ‬
‫يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤف بالعباد ( على من حمل على‬
‫العدو الكثير لوحده وغّرر بنفسه في ذلك ‪ ،‬كما قال عمر بن الخطاب و أبو‬
‫أيوب لنصاري و أبو هريرة رضي الله عنهم كما رواه أبو داود و الترمذي و‬
‫ابن حبان و صححه و الحاكم ‪.‬‬
‫ن العمال بالنّية ‪ ،‬لما رواه البخاري في‬ ‫استقّرت القاعدة الفقهّية ‪ ،‬على أ ّ‬
‫مَر‬ ‫الصحيح و مسلم في المقدمة و أبو داوود و ابن ماجة في سننهما عن عُ َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب ‪ -‬رضى الله عنه ‪َ -‬قا َ‬ ‫طا ِ‬‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫بْ َ‬
‫وى « ‪ ،‬و من‬ ‫ما ل ِك ُ ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬
‫ما ن َ َ‬‫ئ َ‬ ‫مرِ ٍ‬‫لا ْ‬ ‫ت ‪ ،‬وَإ ِن ّ َ‬ ‫ل ِبالن ّّيا ِ‬ ‫ما العْ َ‬ ‫ل ‪ » :‬إ ِن ّ َ‬ ‫وسلم ي َ ُ‬
‫التجّني و مجاوزة الحق ؛ أن نحكم بالنتحار على من يريد الشهادة و يبذل‬
‫كما ً في نّيته ‪ ،‬و حكما ً على ما في قلبه بغير علم ‪،‬‬ ‫نفسه في سبيل الله ‪ ،‬تح ّ‬
‫مع علمنا أّنه لو أراد النتحار لسلك إليه طرقا ً أخرى و ما أكثرها و أيسرها ‪.‬‬
‫جر في الفتح ]‪ 8/185‬و ما بعدها [ ‪ :‬أما مسألة حمل‬ ‫ح َ‬ ‫قال الحافظ ابن َ‬
‫الواحد على العدد الكثير من العدو ‪ ،‬فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط‬
‫شجاعته ‪ ،‬و ظنه أنه يرهب العدو بذلك ‪ ،‬أو يجرئ المسلمين عليهم ‪ ،‬أو نحو‬
‫ور فممنوع ‪ ،‬ول‬ ‫ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ‪ ،‬ومتى كان مجرد ته ّ‬
‫سيما إن ترّتب على ذلك وهن في المسلمين ‪ ،‬والّله أعلم ‪.‬‬
‫عليها ‪،‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬
‫ن العبد مؤت َ َ‬ ‫ك لبارئها و خالقها ‪ ،‬و أ ّ‬ ‫مل ٌ‬ ‫و إذا كانت النفس البشرّية ُ‬
‫دى عليها فيؤذيها أو يزهقها بغير حقّ ‪ ،‬فإن أداء المانة في‬ ‫ليس له أن يتع ّ‬
‫ة في‬ ‫ورها ‪ ،‬يكون ب َِبذِلها لصاحبها و مالكها ‪ ،‬فمن جاد بنفسه طواعي ً‬ ‫ص َ‬
‫أسمى ُ‬
‫سبيل الله فقد أّدى ما عليه و أمره إلى الله ‪.‬‬
‫عباد الله !‬
‫معظم أهل العلم المتقدمين بأسا في القتحام و لو أدى إلى مهلكة ‪ ،‬و‬ ‫ً‬ ‫لم ي ََر ُ‬
‫ً‬
‫من انتصر لذلك المام الشافعي رحمه الله حيث قال ) ل أرى ضيقا على‬ ‫م ّ‬
‫الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا ‪ ،‬أو يبادر الرجل و إن كان الغلب أنه‬ ‫ً‬
‫مقتول (‬
‫و في كلم الشافعي إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه و أحمد في‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مسنده عَن أ َنس بن مال ِ َ‬
‫حد ٍ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم أفْرِد َ ي َوْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ْ َ ِ ْ ِ َ ٍ‬
‫م عَّنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َُرد ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قوه ُ قال ‪َ » :‬‬ ‫ما َره ِ ُ‬ ‫ش فل ّ‬ ‫ن قَري ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫صارِ وََر ُ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سب ْعَةٍ ِ‬ ‫في َ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ول َه ال ْجن ُ َ‬
‫حّتى‬ ‫ل َ‬ ‫صارِ فَ َ‬
‫قات َ َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬‫قد ّ َ‬ ‫جن ّةِ « ‪ .‬فَت َ َ‬ ‫ة أوْ هُوَ رفيقي في ال ْ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ة أوْ هُوَ رفيقي في‬ ‫جن ّ ُ‬‫ه ال َ‬ ‫م عَّنا وَل ُ‬ ‫ن ي َُرد ّهُ ْ‬
‫م ْ‬
‫قال ‪َ » :‬‬ ‫َ‬ ‫قوه ُ أْيضا ف َ‬ ‫م َره ِ ُ‬ ‫قُت ِل ث ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حّتى قُت ِ َ‬
‫ل‬ ‫ك َ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬‫م ي ََز ْ‬ ‫ل فَل َ ْ‬ ‫حّتى قُت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫صارِ فَ َ‬
‫قات َ َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جن ّةِ « ‪ .‬فَت َ َ‬
‫قد ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة فطوبى لهم مرافقة نبّيهم في الجّنة ‪.‬‬ ‫سب ْعَ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫قال المام الغّزالي ) ل خلف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف‬
‫الكفار و يقاتل ‪ ،‬و إن علم أنه يقتل ‪ ....‬و إنما جاز له القدام إذا علم أنه ل‬
‫قتل ‪ ،‬أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جرأته ‪،‬‬ ‫قتل حتى ي َ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالة ‪ ،‬وحبهم للشهادة في سبيل‬
‫الّله ‪ ،‬فتكسر بذلك شوكتهم ( ‪.‬‬
‫وض‬ ‫ن الحرص على الشهادة يع ّ‬ ‫و من منظار المصالح و المفاسد أيضأ ‪ ،‬نرى أ ّ‬
‫نقص العدة و العدد ‪ ,‬و يؤثر في العدو أبلغ الثر المادي و المعنوي ‪ ،‬و من‬
‫أمثلة ذلك ما نشهده في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس ‪ ،‬و ما شهدناه‬
‫ب المسلم‬ ‫نح ّ‬ ‫في جنوب السودان من عمليات الدبابين التي ترجمت واقعيا ً أ ّ‬
‫سك الكافر بالحياة ‪.‬‬ ‫للشهادة يفوق تم ّ‬
‫ل سلمة ابن الكوع و الخرم السدي و أبو قتادة‬ ‫صة حم ِ‬ ‫و في الصحيحين ق ّ‬
‫لوحدهم على عيينة بن حصن و من معه ‪ ،‬و ثناء الرسول صلى الله عليه و‬
‫ة‬
‫م ُ‬‫سل َ َ‬
‫جال َت َِنا َ‬‫خي َْر َر ّ‬ ‫م أ َُبو قََتاد َة َ وَ َ‬ ‫سان َِنا ال ْي َوْ َ‬ ‫خي َْر فُْر َ‬ ‫ن َ‬‫كا َ‬‫سلم عليهم بقوله ‪َ » :‬‬
‫«‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل عََلى‬ ‫و روى أحمد في المسند عَ َ‬


‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫ل يَ ْ‬‫ج ُ‬ ‫ت ل ِل ْب ََراِء الّر ُ‬
‫ل قُل ْ ُ‬
‫حاقَ َقا َ‬ ‫س َ‬
‫ن أِبى إ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫ث‬‫ل ب َعَ َ‬ ‫ج ّ‬‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل لَلَ ّ‬
‫ن الل َّ‬ ‫قى ب ِي َدِهِ إ َِلى الت ّهْل ُك َةِ َقا َ‬‫ن أ َل ْ َ‬‫م ْ‬ ‫م ّ‬
‫شركي َ‬
‫م ْ ِ ِ َ‬
‫ن أهُوَ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫س َ‬
‫ك‬ ‫ف إ ِل ّ ن َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ل الل ّهِ ل َ ت ُك َل ّ ُ‬‫سِبي ِ‬‫ل ِفى َ‬ ‫قات ِ ْ‬‫ل ) فَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫َر ُ‬
‫قةِ ‪.‬‬ ‫ف َ‬
‫ك في الن ّ َ‬ ‫ما َذا َ‬ ‫( إ ِن ّ َ‬
‫و نقل ابن النحاس ] في مشارع الشواق ‪ [ 588 / 1 :‬عن المهلب قوله ‪ :‬قد‬
‫أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد ‪ ،‬و نقل عن الغزالي في الحياء‬
‫قوله ‪ :‬ول خلف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل‬
‫وإن علم أنه يقتل ‪.‬‬
‫و نقل المام النووي رحمه الله ] في شرح مسلم ‪ [ 187 / 12 :‬التفاق على‬
‫التغرير بالنفس في الجهاد ‪.‬‬
‫و قال المام القرطبي ‪ ) :‬و الصحيح عندي جواز القتحام على العساكر لمن‬
‫ن فيه أربعة وجوه ‪:‬‬ ‫ل طاقة له بهم ‪ ,‬ل ّ‬
‫الول‪ :‬طلب الشهادة ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وجود النكاية ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬تجرئة المسلمين عليهم ‪.‬‬
‫ن هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع ( ‪.‬‬ ‫الرابع ‪ :‬ضعف نفوسهم ليروا أ ّ‬
‫دن الصحابة الكرام فمن بعدهم رضي الله‬ ‫و في سير السلف الصالح من ل ُ‬
‫ة ساطعة على العمل‬ ‫عنهم أجمعين صوٌر رائعة ‪ ،‬و نماذج فريدة ‪ ،‬و أدل ٌ‬
‫الستشهاديّ و مشروعّيته ‪ ،‬و من ذلك ‪:‬‬
‫صة تحصن بني حنيفة يوم اليمامة في بستان لمسيلمة كان‬ ‫ما جاء في ق ّ‬
‫ما استعصى على المسلمين فتحه ‪ ،‬قال البراء بن‬ ‫ُيعرف بحديقة الموت ‪ ,‬فل ّ‬
‫من إذا أقسم على الله أب َّره ‪ ،‬كما في سنن الترمذي بإسناد‬ ‫مالك ) و هو م ّ‬
‫صحيح ( لصحابه ‪ :‬ضعوني في الجحفة وألقوني إليهم فألقوه عليهم فقاتلهم‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى فتح الباب للمسلمين ]رواه البيهقي في سننه الكبرى‪ ، 9/44 :‬و‬
‫القرطبي في تفسيره ‪. [ 364 / 2 :‬‬
‫و هذا الفعل ليس له في لغة العلم المعاصر تسمية يعرف بها إل أن يكون‬
‫عملّية استشهادية يسميها العلمانيون فدائّية أو انتحارّية ‪.‬‬
‫فإذا سّلمنا بهذا فل ننسى الوقوف إلى جانب إخواننا في بيت المقدس و‬
‫أكنافه في الظروف العصيبة التي يمرون بها اليوم ‪ ،‬حيث تراق الدماء و‬
‫دسات ‪ ،‬و لو بالدعاء أو العطاء ‪.‬‬ ‫تنتهك الحرمات و تدّنس المق ّ‬
‫أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم فاستغفروه و توبوا إليه إنه هو‬
‫الغفور الرحيم‬
‫الخطبة الثانية‬
‫مة السلم !‬ ‫أ ّ‬
‫ف عن تحديث نفسه بالجهاد ‪ ،‬و تهيئة نفسه‬ ‫إن الصل في المسلم أن ل يك ّ‬
‫له إعدادا ً و استعدادا ً ‪ ،‬و التطّلع إلى الشهادة في سبيل الله ‪ ،‬فقد روى أبو‬
‫ل‪»:‬‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم َقا َ‬ ‫َ‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫داوود بإسناد صحيح عن أِبى هَُري َْرةَ عَ ِ‬
‫ق«‪.‬‬ ‫فا ٍ‬ ‫ن نِ َ‬
‫م ْ‬ ‫شعْب َةٍ ِ‬ ‫ت عََلى ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه ِبال ْغَْزوِ َ‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫ث نَ ْ‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫م يُ َ‬‫م ي َغُْز وَل َ ْ‬ ‫ت وَل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ي وراها‬ ‫ث يا أخ ّ‬ ‫م َنله ُ‬ ‫مناها *** فإل َ‬ ‫س َتبغي في الحياةِ ُ‬ ‫الَنف ُ‬
‫مناها‬ ‫ُ‬ ‫الحياة‬ ‫في‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫ت‬
‫ُ َْ ُ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫لس‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫***‬ ‫نت‬ ‫ْ َ‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ي‬‫فأ‬ ‫الخلود‬ ‫ر‬ ‫من ّي ُْتها َ‬
‫دا‬ ‫َ‬
‫ضحاها‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ّ ٍ‬ ‫ي‬ ‫عش‬ ‫بين‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫في‬ ‫***‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫هام‬ ‫ق‬
‫ِ ُ‬ ‫ل‬ ‫تف‬ ‫بالسيف‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ضرب‬ ‫يا‬
‫علها‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫دو‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫خي‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫عليا‬ ‫َ‬ ‫***‬ ‫ة‬‫م‬
‫ّ ٍ‬ ‫ه‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫صاح‬ ‫نات‬ ‫ّ‬ ‫الج‬ ‫إلى‬ ‫ُترقي‬
‫دخر وسعا ً في السعي إلى نيل مناه ‪ ،‬و رّبما‬ ‫و من واظب على ذلك ‪ ،‬فلن ي ّ‬
‫ب الشهادة و التطّلع إليها ‪ ،‬إلى أن يجود بنفسه في عملّية يغلب على‬ ‫َدفعه ح ّ‬
‫ً‬
‫قله إلى مراتب الشهادة في سبيل الله ‪ ،‬ليلقى رّبه محبا للقائه ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ظّنه أن ت ُ ِ‬
‫ى‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ت عَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن عُ ََباد َة َ ب ْ ِ‬ ‫روى الشيخان و الترمذي و النسائي و أحمد عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ل‪»:‬م َ‬
‫َ‬
‫ن كرِهَ‬ ‫م ْ‬ ‫قاَءه ُ ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫قاَء الل ّهِ أ َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم َقا َ‬
‫قاَءه ُ « ‪ ،‬و حاشاه تعالى أن ُيخلف وعده ‪ ،‬أو يكره لقاء‬ ‫قاَء الل ّهِ ك َرِهَ الل ّ ُ‬
‫ه لِ َ‬ ‫لِ َ‬
‫عبد ٍ جاد بنفسه في سبيله تعالى ‪.‬‬
‫ً‬
‫و ل أزعم – يا عباد الله ‪ -‬في هذه العجالة إجماعا على مشروعية القتحام و‬
‫التغرير بالنفس للنكاء بالعدو و ما يقاس عليها من عمليات الستشهاديين ‪،‬‬
‫دم عرض المام القرطبي لقول المخالف فيها ‪ ،‬و‬ ‫بل المسألة خلفّية ‪ ،‬و تق ّ‬
‫ذهابه مذهب الجمهور في القول بمشروعيتها و جواز القدام عليها‪.‬‬
‫مة نجد الشيخ‬ ‫و من أهل العلم المعاصرين من له في المسألة قولن كعل ّ‬
‫ّّ‬
‫محمد الصالح العثيمين رحمه الله ‪ ،‬و ما أحد قوليه بأولى من الخر إذ إ ّنه‬
‫سئل ] في اللقاء الشهري‬ ‫يبني حكمه على مراعاة المصالح و المفاسد ‪ ،‬فقد ُ‬
‫عشرات‬ ‫جر نفسه في فلسطين فقتل و أصاب َ‬ ‫ب مجاهد ف ّ‬ ‫العشرين [ عن شا ّ‬
‫ً‬
‫اليهود ‪ ،‬هل هذا الفعل يعتبر منه انتحارا أم جهادا ؟ فأجاب بقوله ‪ ) :‬هذا‬ ‫ً‬
‫الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل ‪ ،‬أول من يقتل نفسه ‪ ،‬فل‬
‫شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه ‪ ،‬و ل تجوز مثل هذه الحال إل إذا كان‬
‫في ذلك مصلحة كبيرة للسلم ‪ ،‬فلو كانت هناك مصلحة كبيرة ونفع عظيم‬
‫للسلم ‪ ،‬كان ذلك جائزا ً ( ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫حكمه ‪ ،‬و بنى على تحقيق‬ ‫فانظر ‪ -‬رحمك الله ‪ -‬كيف راعى المصالح في ُ‬
‫ً‬
‫مصلحة كبيرةٍ و نفع عظيم للسلم قوله ) كان ذلك جائزا ( ‪ ،‬و اضبط بهذا‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الضابط سائر كلمه و فتاواه و إن كان ظاهرها التعارض ‪ ،‬فإن الجواب‬


‫وره ‪.‬‬ ‫بحسب السؤال ‪ ،‬و الحكم على الشيء فرع ٌ عن تص ّ‬
‫مةِ اللباني‬ ‫ث الديار الشامّية العل ّ‬ ‫و مثل هذا الكلم يقال عن موقف محد ّ ِ‬
‫رحمه الله ‪ ،‬و قد تعّرض رحمه الله إلى تطاول السفهاء و المتعالمين فنسبوا‬
‫إليه زورا ً و بهتانا ً أّنه حكم على من ُيقتل في عملّية تفجير استشهادّية يقوم‬
‫بها في صفوف العدو بالنتحار ‪ ،‬و الشيخ بريء من ذلك ‪ ،‬و من فتاواه النّيرة‬
‫في هذا الباب ما هو مثبت بصوته ] في الشريط الرابع و الثلثين بعد المائة‬
‫سئل رحمه الله سؤال ً قال صاحبه ‪ :‬هناك‬ ‫من سلسلة لهدى والنور [ حيث ُ‬
‫قوات تسمى بالكوماندوز ‪ ،‬فيكون فيها قوات للعدو تضايق المسلمين ‪،‬‬
‫فيضعون – أي المسلمون ‪ -‬فرقة انتحارية تضع القنابل و يدخلون على دبابات‬
‫العدو‪ ،‬و يكون هناك قتل‪ ...‬فهل يعد هذا انتحارا ً ؟‬
‫ن النتحار هو‪ :‬أن يقتل المسلم نفسه‬ ‫فأجاب بقوله ‪ ) :‬ل يعد هذا انتحارا ً ؛ ل ّ‬
‫خلصا ً من هذه الحياة التعيسة ‪ ...‬أما هذه الصورة التي أنت تسأل عنها ‪...‬‬
‫بل هذا جهاد في سبيل الّله‪ ...‬إل أن هناك ملحظة يجب النتباه لها ‪ ،‬وهي أن‬
‫هذا العمل ل ينبغي أن يكون فرديا ً شخصيا ً ‪ ،‬إنما هذا يكون بأمر قائد‬
‫الجيش ‪ ...‬فإذا كان قائد الجيش يستغني عن هذا الفدائي ‪ ،‬ويرى أن في‬
‫خسارته ربح كبير من جهة أخرى ‪ ،‬وهو إفناء عدد كبير من المشركين و‬
‫الكفار‪ ،‬فالرأي رأيه ويجب طاعته‪ ،‬حتى ولو لم يرض هذا النسان فعليه‬
‫الطاعة‪. ( ...‬‬
‫ن ما‬ ‫إلى أن قال رحمه الله ‪ :‬النتحار من أكبر المحرمات في السلم ؛ ل ّ‬
‫يفعله إل غضبان على ربه ولم يرض بقضاء الّله ‪ ...‬أما هذا فليس انتحارا ‪،‬‬
‫ً‬
‫كما كان يفعله الصحابة يهجم الرجل على جماعة من الكفار بسيفه ‪ ،‬و يعمل‬
‫فيهم بالسيف حتى يأتيه الموت و هو صابر ‪ ،‬لنه يعلم أن مآله إلى الجنة ‪...‬‬
‫فشتان بين من يقتل نفسه بهذه الطريقة الجهادية و بين من يتخلص من‬
‫حياته بالنتحار‪ ،‬أو يركب رأسه ويجتهد بنفسه ‪ ،‬فهذا يدخل في باب إلقاء‬
‫النفس في التهلكة ( ‪.‬‬
‫ن واحدة ‪ ،‬من همجّية الرد ‪ ،‬و‬ ‫من و ل يمنع من ذلك ما يراه الناظر بعي ٍ‬
‫ن هذه سّنة الله في عباده ‪ ،‬و لنا العزاء في قوله تعالى ‪) :‬‬ ‫عنجهّية العدو ‪ ،‬فإ ّ‬
‫س(‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِلَها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬‫ه و ت ِلك الّيا ُ‬ ‫مثل ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م قْر ٌ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫س ال َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫حف َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِإن ي َ ْ‬
‫د‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫س‬
‫ُ ُ ّ ُ ِ ّ ّ َ ْ‬‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫سبحانه‬ ‫قوله‬ ‫و‬ ‫[‬ ‫‪140‬‬ ‫‪:‬‬ ‫عمران‬ ‫] آل‬
‫ل ( ] آل‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬
‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫ح ْ‬‫مانا ً وََقاُلوا ْ َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬‫م َفا ْ‬ ‫مُعوا ْ ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫َ‬
‫ل شأنه ‪ ) :‬إن تكونوا تألمون فإّنهم يألمون كما‬ ‫عمران ‪ ، [ 173 :‬و قوله ج ّ‬
‫تألمون و ترجون من الله ما ل يرجون ( ‪.‬‬
‫عباد الله !‬
‫ل اللهِّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫خال ِدٍ الجهني ‪ -‬رضى الله عنه ‪ -‬أ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫روى السّتة و أحمد عن َزي ْد ُ ب ْ ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫قد ْ غََزا ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫غاِزيا ِفى َ‬ ‫ً‬ ‫جهَّز َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل» َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم َقا َ‬
‫شرف الرباط فل‬ ‫قد ْ غََزا « ‪ ،‬فإن فاتكم َ‬ ‫خي ْرٍ فَ َ‬ ‫ل الل ّهِ ب ِ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫غاِزيا ً ِفى َ‬ ‫ف َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫يفوتّنكم شرف المداد ‪ ،‬و لنكن متعاونين على الخير ‪ ،‬متسابقين إليه ‪ ،‬فـ‬
‫قص ما ٌ‬
‫ل‬ ‫ن ( كما قال تعالى ‪ ،‬و ) ما ن َ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫م ّ‬‫قوا ِ‬ ‫حّتى ت ُن ْفِ ُ‬ ‫ن ت ََناُلوا ال ْب ِّر َ‬ ‫) لَ ْ‬
‫من صدقة ( كما قال نبيكم المين في ما رواه مالك و أحمد و الترمذي ‪ ،‬و‬
‫قال حديث حسن صحيح عن أبي كبشة النماري رضي الله عنه ‪.‬‬
‫مل ‪ ،‬و عضمنا من الضللة و الزلل‬ ‫وّفقني الله و إّياكم لخيَريْ القول و الع َ‬
‫ّ‬
‫مد و آله و صحبه أجمعين‬ ‫و صّلى الله و سّلم و بارك على نبّّيه مح ّ‬
‫‪---------‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ ) (1‬خطبة الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب في مسجد َدبِلن بإيرلندا في‬
‫التاسع و العشرين من شهر الله المحّرم عام ‪ 1423‬للهجرة ‪ ،‬الموافق‬
‫شر من نيسان ‪ 20 02‬للميلد (‬ ‫للثاني عَ َ‬
‫كتبه‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫‪Dr.Ahmad Najeeb‬‬
‫‪alhaisam@msn.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫تغيير الجنس جراحيا ً‬
‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬الفتاوى الطبية‪/‬مسائل طبية معاصرة‬
‫التاريخ ‪21/07/1427 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫شخص عمل عملية تغيير جنس فتحول من رجل إلى أنثى‪ .‬وفي ذلك الوقت‬
‫كان غير مسلم والن دخل في دين السلم‪.‬‬
‫ومعلوم أن جميع الذنوب التي قبل السلم تمحى وتهدم وهذا الشخص يرغب‬
‫في الجلوس مع النساء لكن احدى قريباته وبعض النساء يعارضن ذلك لكونه‬
‫ما زال رجل أمام الله‪.‬‬
‫فكيف نعالج هذه المشكلة ؟ هل نعتبر هذا الرجل امرأة الن بعد العملية‬
‫الجراحية أم ل؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن كان تغيير الرجل لجنسه وقت كفره فضوليا ً حيث ل يجد في نفسه داعيا ً‬
‫لذلك غير الفضول وحب الشهرة وعلمات الرجولة عليه أكثر وأمكن للجراحة‬
‫الطبية إعادته إلى حالته الطبيعية الولى )قبل أن يتحول إلى أنثى( فيتعين‬
‫عليه حينئذ العمل على العودة إلى ما سبق؛ لن فعله تغيير لخلق الله‪ ،‬وبقاؤه‬
‫على هذه المعصية بعد السلم ل يجوز؛ لن الصرار على هذه المعصية كبيرة‬
‫من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫أما إذا كان تحوله من رجل إلى امرأة تحول حقيقيا ً ‪-‬ل فضوليًا‪ -‬حين ظهرت‬
‫عليه علمات النوثة أكثر من علمات الرجولة فل حرج عليه في هذا‪ ،‬ول‬
‫ينبغي حينئذ لقريباته من النساء وغيرهن النفور منه أو معارضته في ذلك إذا‬
‫ظهرت عليه علمات النوثة؛ من بروز الثديين واختفاء الخصيتين والذكر‪،‬‬
‫وظهر له فرج كفرج المرأة محلهما‪ .‬وهذا هو المعروف في الشرع بوصف‬
‫)الخنثى المشكل( وقد تبينت حاله حينئذ فصار أنثى فيعامل معاملة المرأة‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تغيير المناهج ماله وما عليه‬


‫الحلقة الولى‬
‫شبكة الفرسان السلمية‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رغم حضارتنا السلمية العظيمة‪ ,‬إل أن المجتمعات السلمية تعاني بصفة‬


‫عامة من التخلف في كافة المستويات السياسية والقتصادية والصناعية‬
‫والعلمية‪ ,‬بل نحن نعترف بالقصور في تطبيق الشريعة الغراء‪ ,‬ومما يزيد‬
‫تخلفنا سوءا ً تعرض بعض بلداننا للحتلل الصهيوني والصليبي‪ ,‬كما أن البعض‬
‫الخر واقع تحت التهديد المباشر والصريح من قبل الهيمنة المريكية ومن‬
‫حالفها‪ ,‬أضف الى التهديد غير المباشر والمبطن للبعض الخر‪ ,‬ففي ظل هذه‬
‫الزمات والظروف العصيبة التي ل نحسد عليها‪ ,‬تأتي قضية تغيير مناهج‬
‫التعليم‪ ,‬ومع هذه القضية نطرح السئلة التية‪:‬‬
‫‪ -1‬ما هو المقصود فعل بتغيير مناهج التعليم في البلد السلمية؟‬
‫‪ -2‬وهل هذا التغيير ناتج من هيمنة الغرب أم انه قرار ذاتي يفرضه التطلع‬
‫نحو مستقبل أفضل؟‬
‫‪ -3‬وهل هذا التغيير سيكون حل جذريا لمشاكلنا بحيث ينقلنا الى وضع أفضل‬
‫أم انه إجراء تلفيقي يؤخر أكثر مما يقدم؟‬
‫‪ -4‬هل نحن على استعداد لتغيير المناهج بما يحقق مصالحنا أم أنه محاولة‬
‫لسترضاء الغرب‪ ,‬وبالتالي هل نحن عاجزون عن تحقيق مصالحنا؟‬
‫‪ -5‬ما هي المصالح المستهدفة فعل من المطالبة بتغيير مناهج التعليم؟‬
‫‪ -6‬ما هي سلبيات مناهجنا الحالية وما هي إيجابياتها؟ وماذا إستفدنا منها‬
‫وبماذا أضرتنا؟ والسئلة كثيرة ولكن فيما سألناه كفاية لتسليط الضوء على‬
‫هذا الموضوع الحساس‪ ,‬ونسأل الله التوفيق في تحري الصدق والحق فإن‬
‫أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن عند أنفسنا‪ ,‬وعلى أهل الختصاص‬
‫مشكورين أن يتكرموا علينا بتصحيح أخطائنا وأجرهم على الله تعالى‪.‬‬
‫المسلمون أمة مميزة عن غيرها بإعتبارها صاحبة الرسالة الخاتمة والخالدة‬
‫والشاملة‪ ,‬فكل حياة المسلم فردا ً كان أو جماعات مربوطة ربطا وثيقا‬
‫بتعاليم السلم من كلمة ل اله ال الله محمد رسول الله إلى إماطة الذى‬
‫عن الطريق فمراقبة رضى الله وسخطه فيما نقول أو نفعل أو نترك أمر‬
‫ليمكن لمسلم أن يتغافل عنه لرتباطه بمصيره في الخرة يوم الحساب‬
‫ولرتباطه بحياته الدنيا قبل الممات‪.‬فمن أعرض عن تعاليم السلم فإن له‬
‫معيشة ضنكا في الدنيا ويحشر يوم القيامة أعمى‪ .‬فهذا المبدأ هو بمثابة‬
‫مقدمة ضرورية قبل الخوض في أمر ذي بال يتعلق بحياة المسلم أو تعليمه‬
‫أو تربيته‪ .‬ولكي نكون مسلمين جديرين بالحترام والتقدير سواء احترامنا‬
‫لنفسنا أو احترام غيرنا لنا فعلينا ان نكون أول ً ذوي شخصية اسلمية تحترم‬
‫اسلمها وتتعلمه وتعمل به حسب وسعها وإمكاناتها وهدفها الكبر عبادة الله‬
‫وطاعته وطلب مرضاته لنه خالقنا وولي أمرنا وهو وحده بيده النفع والضر‪.‬‬
‫فإذا وجدت هذه الشخصية المسلمة فإنها وبوازع من دينها ستسعى الى‬
‫الخير والفلح والتقدم مستمدة العون من الله وعينها تنظر الى مرضاة الله‪.‬‬
‫وهذا قد أثبت التاريخ حدوثه مع أسلفنا فكتب الله لهم التمكين في الرض‬
‫ونصرهم وصاروا أرباب العلم والتقدم والحضارة‪.‬‬
‫فإذا ابتغى المسلمون عزا بغير مرضاة الله ذلوا‪ ,‬ولو كانوا أكثر عددا ومال‪ً.‬‬
‫فنحن المسلمون علينا أن نوازن بين العلم والتقوى‪ ,‬والدنيا والخرة‪ ,‬والقتال‬
‫والسلم‪ ,‬لننا أمة وسطا‪ .‬إذن نحن في حاجة الى تعليم المسلم ما يجعله‬
‫صاحب شخصية اسلمية وعقلية اسلمية‪ ,‬العلم في عقله واليمان في قلبه‪,‬‬
‫فهل حققت مناهجنا التعليمية هذه المهمة؟ وهل فعل نحن نسعى ليجاد‬
‫الشخصية المسلمة عبر تعليمنا أم أن المر ضاع بين الفراط في المناهج‬
‫وتفريطها؟‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا سؤال يحتاج إلى شجاعة وصراحة‪ ,‬فكم جنينا على الدين بإسم الدين‪,‬‬
‫وكم علمنا الجهل بإسم العلم فكان الخريج من ذلك المنهج العقيم مسخا‬
‫غريبا ً فهذا خريج ل يعرف ول يعترف إل بصواب مذهبه‪ ,‬وذاك خريج علماني ل‬
‫يهمه أمر الدين في كثير ول قليل‪ ,‬وذاك خريج يتبع هوى السياسة وليعرف‬
‫سوى الخضوع للحكومة أصابت أم أخطأت‪ ,‬وغيره خريج عميل تعلم وتتلمذ‬
‫على أعداء السلم والمسلمين وصار معول هدم وخراب بيننا‪ ,‬أليست هذه‬
‫مشكلة نابعة من داخل البيت؟ وقد تم السكوت عليها لنها تصب في مصالح‬
‫من سكتوا وعملوا على إيجادها‪ ,‬وليزالون يتبجحون أنهم فتحوا المدارس‬
‫وخرجوا عدد كذا وفعلوا كذا‪ ,‬وكل ذلك طنطنة دعائية جوفاء‪..‬أين المناهج‬
‫التي تعلمنا أن ندافع عن أنفسنا بما نستطيع عند التعرض للعدوان؟ علما بأن‬
‫العدوان ليتوقف على المسلمين‪.‬أين المناهج التي تعلمنا أن نحترم كل من‬
‫قال ل اله ال الله؟ أين المناهج التي تعلمنا أن نحترم العلم وأهله وإن كان‬
‫رأيه مخالفا طالما أنه يحتمل الصواب؟ أين المناهج التي تكشف عن أخطائنا‬
‫وعيوبنا لنعالجها بدل من أن كل دولة مسلمة تتبجح بأنها فعلت وفعلت‬
‫وتقدمت وتطورت‪...‬أين المنهج الذي يتخرج منه الدارس وقد تعلم مراقبة‬
‫الله في أفعاله الظاهرة والباطنة؟ أين النقاط اليجابية في مناهجنا؟ وأين‬
‫الدراسات التي تتابع ذلك لمعرفة نسبة النجاح من الفشل؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فنحن في غالب أمرنا مازلنا نتخبط ولنصارح ولسنا جادين في معرفة‬


‫المشاكل وحلها فوراء كل مشكلة مستفيدون ‪ ,‬والخلصة‪ :‬لبد من ترتيب‬
‫البيت من الداخل فما فيه الصلح بقي وماعداه فل حاجة لنا به‪ .‬وليكن هدفنا‬
‫الساسي تربية المسلم بالتربية والتعليم ليكون مؤمنا متعلما‪ ,‬يعبد ويعمل‪,‬‬
‫ويوازن بين المادة والروح والدنيا والخرة وأن يكون عقله متفتحا ل منغلقا‪.‬‬
‫وسنزيد المر إيضاحا في ورقة أخرى بإذن الله فإلى اللقاء‪.‬‬
‫الحلقة الثانية‬
‫شبكة الفرسان السلمية‬
‫إيجاد الشخصية المسلمة هي الهدف الساسي من العملية التعليمية في بلد‬
‫المسلمين حفاظا على دينها وإمتثال لشريعتها الغراء‪ .‬وعندما نقول هدفا‬
‫أساسيا فهذا يفتح المجال لهداف أخرى كأن يتعلم المسلم بعد ذلك أو مع‬
‫ذلك ما شاء من العلوم النافعة والتي نراها فروض كفاية لكي يكون العلم‬
‫الدنيوي مبنيا على علم ديني يعرف تقوى الله ومرضاته‪.‬‬
‫ماذا يستفيد المجتمع من طبيب أو مهندس أو محام أو فنان أو صحفي‬
‫ليعرف تقوى الله؟ فإذا كان أساس التعليم يزرع الشخصية المسلمة تفادينا‬
‫الكثير من المشاكل لمصالحنا جميعًا‪.‬‬
‫نحن نريد من التعليم أن يؤكد إسلمنا وهويتنا وأصالتنا وأخلقنا الكريمة‪ ,‬فإذا‬
‫نال الطالب الجرعة المناسبة لذلك صار مؤهل لنيل بقية العلوم فمثل على‬
‫العربي أن يتعلم لغته العربية حتى يجيدها وبعد ذلك يتعلم ما شاء من اللغات‬
‫الجنبية‪ ,‬فالولى لتأكيد الشخصية والهوية والثانية لضرورات الحياة وتلقي‬
‫العلوم ومعرفة مخاطبة الغير‪.‬‬
‫عند تعلم اللغات الجنبية لبد من دراسة مادة يتعلم فيها الطالب‬
‫المصطلحات الدينية وكيف يتحاورفي بعض المسائل الدينية فنحن كما ذكرنا‬
‫أصحاب رسالة وعلينا أن نستفيد من كل ما نستطيع من أجل الحفاظ عليها‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتبليغها‪ ,‬ولكننا نرى الكليات التي تعلم اللغة الجنبية تتناول مسرحية‬
‫شكسبير وغيره ول يتعلم منها الطالب المسلم شيئا عن المصطلحات الدينية‬
‫فضل عن المحاورة‪ .‬فلماذا هذا القصور؟ فنحن ل نعير إهتماما بالشخصية‬
‫المسلمة‪ .‬وأخطر من ذلك أن يتلقى الطفال لغات الجانب قبل تعلم لغتهم‬
‫العربية لن اللغة جزء هام في تكوين الشخصية والعقلية‪ ,‬وهم يحتجون على‬
‫ذلك بكون الطفال يسهل تعليمهم قبل كبر سنهم‪ ,‬ونحن لنعارض تعلم‬
‫اللغات ولكننا نرى تأجيله ريثما تتكون الشخصية المسلمة في الطفل ثم‬
‫أمامه من العمر ما يكفي لتعلم ما يريد‪.‬‬
‫وفي جانب آخر نرى أن الدولة مهتمة بتعليم مذهبها الديني وهذا قاسم‬
‫مشترك‪ ,‬فكل دولة لها مذهب ومدرسة تعمل على تعليمها وأحيانا نشرها‬
‫للخارج فماذا نلحظ على ذلك؟‬
‫ً‬
‫ما هي المسائل التي يتفق عليها المسلمون جميعا؟ كنقاط رئيسية بعبارة‬
‫أخرى ما هي الصول التي يتفق عليها أهل السنة فيما بينهم؟ وما هي‬
‫الصول التي يتفق عليها أهل الشيعة فيما بينهم‪ .‬وأين التفاق أو الختلف‬
‫بينهما؟ وما سبب الختلف؟ وماذا سيؤدي إليه هذا الختلف هل هو مجرد‬
‫إختلف في المفهوم أم ل؟‬
‫فالمسلمون منقسمون الى مذاهب ومدارس وهذا ل ينكره إل مكابر‪ ,‬فلماذا‬
‫ليعرف المسلم في ماذا نتفق؟ وعلى ماذا نختلف؟ وما سبب خلفنا؟ وما‬
‫نتائجه في اسلوب علمي مبسط بعيد عن الطعن واللمز؟‬
‫ففي مسائل الخلف بين المسلمين ل يوجد حق وباطل بل يوجد غلب على‬
‫ظني الصواب في هذا القول او غلب على ظني الخطأ‪ .‬طالما أن القولين‬
‫يستندان الى الكتاب والسنة فنحن نعلم أبنائنا مبدأ الحق والباطل في مجال‬
‫ليزال فيه الدليل الشرعي ظني وليس قطعيا مما ينتج عنه التعصب ورفض‬
‫الرأي الخر‪.‬‬
‫أليس لشيعة مزايا طيبة؟ أليس للسلفيين مزايا طيبة؟ أليس للتصوف مزايا‬
‫طيبة؟ ثم أليس في كل ما ذكرنا شيئا من السلبيات أو العيوب؟ لماذا‬
‫لتحتوي دراستنا هذه المور؟ ولماذا لنزال نصر على أن الطرف الخر كافر‬
‫مشرك مبتدع بالجملة؟ أليس في المسلمين من خلط عمل صالحا وأخر‬
‫سيئا؟ لماذا نشهر بأخطاء غيرنا ولنذكر محاسنه؟ هل هذا أدب العلم عند‬
‫المسلمين؟ ولماذا نخفي عيوبنا ونضخم محاسننا؟ هل هذا من المانة العلمية‬
‫في شيء؟‬
‫ثم ماذا يستفيد المجتمع من وراء تعليم متعصب؟ فالشيعة لن تتخلى عن‬
‫تشعيها ول الصوفي عن تصوفه ول السلفي عن سلفيته فلماذا نزيد الجدران‬
‫الفاصلة بينهم علوا وإرتفاعا ً ؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأما في جوانب العلوم الخرى كالتطبيقية فماذا نريد أن نتعلم منها ولماذا‬
‫نتعلمه؟ إن العلم في تطور مستمر‪ ,‬فماذا نحذف من مناهجنا في هذا الجانب‬
‫وماذا نضيف؟‪ ,‬وهل نحن نريد فعل تعلم التقنية ومستجدات العلوم؟ وأين‬
‫الخبرات العربية ومساهمتها؟ وأين الستعداد المادي والمعنوي للبحاث‬
‫والدراسات العلمية والتجريبية؟ ومن هو الطالب الملئم ثقافيا ودينيا ً للسفر‬
‫الى الخارج لجل التعلم من الغرب؟ فكم من موفد للدراسة الى الخارج فعاد‬
‫إلينا مسخا مشوها ً وكم من ذاهب للدراسة في الخارج لم يعد بعد ذلك‪,‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالعلم كالطريق إذا كان هناك حاجة للطريق تم تعبيدها وإنشاؤها وإل فما‬
‫نفع طريق ل يسلكه أحد‪ ,‬وهل نحن لدينا من الدراسات والحصائيات ما نحدد‬
‫به الكم والنقص في ميدان العلم النافع ومن ثم توضع الخطط اللزمة‬
‫لنتحصل على الخريج بالصورة المطلوبة التي تعود علينا بالنفع‪ .‬فنحن نتطلع‬
‫الى مستقبل أفضل على مستوى تكوين الشخصية المسلمة الجديرة‬
‫بالحترام فهو يعرف ربه ويتقن عمله على أساس من العلم والتقوى ولسنا‬
‫في حاجة الى علم بل ورع ول أخلق فإنه ل يزيد حالتنا إل سوءًا‪ .‬فهل نحن‬
‫صادقون وراغبون فعل في ذلك؟ ام أن المر ليتعدى طور الحلم والتمنى‬
‫وأحيانا التمويه والدعاء والتصنع‪ .‬وإلى ورقة أخرى بإذن الله‪.‬‬
‫الحلقة الثالثة‬
‫شبكة الفرسان السلمية‬
‫نحن في حاجة إلى تعليم تربوي ينتج لنا الفرد بشخصية وعقلية مسلمة ثم‬
‫يتم تأهيله بما يتناسب وقدراته بالعلم الدنيوي النافع الذي يعود على الفرد‬
‫والمجتمع بالنفع والصلح تحت مظلة الشريعة الغراء‪.‬‬
‫ولكي ينعم المسلم مجتمعه بخيري الدنيا والخرة ويحتفظ في هذا العالم‬
‫بشخصيته المميزة وهذا المطلب ليحتمل الخبط العشوائي بل يتطلب الكثير‬
‫من التفكير والتخطيط والمكانات‪ .‬فالتعليم الجيد والنافع والمناسب هو‬
‫أفضل طريق نسلكه نحو مستقبل أفضل في الدنيا والخرة‪ ,‬كما أنه أفضل‬
‫ميدان للستثمار البشري والمادي‪ ,‬فالتعليم الناجح يدر من الرباح المادية‬
‫والمعنوية أضعاف ما أنفق عليه‪ .‬إن هذا التعليم الزاهر الذي نطمح إليه يحتاج‬
‫الى مصداقية المجتمع ككل من حكومة ومؤسسات وأفراد‪ ,‬فمثل ليجوز أن‬
‫يقدم العلم مواد اعلمية مخالفة للمنهج التعليمي الرامي إلى إثبات‬
‫الشخصية السلمية‪ ,‬إذ كيف نعلم التلميذ في المدرسة دروس العفة‬
‫والشرف وتلفازنا مليء بالفحش؟ وكيف نعلمه سيرة عظمائنا والعلم يفتخر‬
‫بعرض عظمة الغرب؟ فينبغي إزالة التناقض بين هدف التعليم وهدف العلم‪,‬‬
‫وكذلك لبد من المحافظة على الداب الشرعية العامة في شوارعنا وحياتنا‬
‫اليومية حتى لتمحو مخالفاتنا الثر الحسن الذي يسعى التعليم لثباته في‬
‫مشاعر التلميذ‪ ,‬وأيضا على السرة أن تكون مصدقة لبرنامج التعليم ل‬
‫مكذبة له بسوء تصرفنا وسلوكها المشين والمتضارب فليس التعليم الجيد‬
‫عبارة عن مواد دراسية فقط لننا نسعى ونطمح لتكوين الشخصية والعقلية‬
‫المسلمة وهذه مسئولية الجميع‪ .‬في المدرسة والبيت والشارع‪.‬‬
‫فالغرب الذي اختار العلمانية مبدأ له‪ ,‬تقيد بذلك في تعليمه وبيوته وشوارعه‬
‫فصار الجميع يسيرون على مبدأ واحد رغم قصور وخطأ المبدأ الذي يسيرون‬
‫عليه‪ ,‬ونحن لدينا المبدأ السليم ولكن لدينا من المخالفات ما يجعل المبدأ‬
‫السلمي ل يعطي أثره في حياتنا بصورة مرضية ثم نأتي الى منهج التعليم‬
‫ونطالبه وحده بأن يحل هذه المشكلة فهذا تصرف من يلقي اللوم على غيره‬
‫و ليتحمل مسئولية قصوره وعجزه وكسله‪ .‬وفي هذا الصدد تحضرني قصة‬
‫واقعية أسردها بإختصار لنتحسس مدى خطورة المر‪ :‬في بريطانيا تم‬
‫تسكين طالب عربي ذهب الى هناك ليتعلم اللغة النجليزية وكان من‬
‫برنامجهم أن يسكن هذا الطالب مع أسرة بريطانية فيحتك بها ويتعلم منها‬
‫اللغة وآدابها وكان لهذه السرة طفل صغير‪ ,‬فقال له تعالى لعطيك‬
‫شوكولته‪ ,‬فجاء إليه الطفل‪ ,‬وكان هدف الطالب أن يلعب الطفل فقط ولم‬
‫يكن قصده أن يعطيه الشوكولته‪ ,‬فذهب الطفل إلى أمه وقال لها ان‬
‫الطالب قال لي تعال لعطيك شوكولته ولم يعطني فما كان من الم إل أن‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذهبت الى الدارة المختصة وطالبتهم بإلغاء إقامة ذلك الطالب عندها قائلة‪:‬‬
‫إن هذا الطالب يشكل خطرا على سلوك طفلي‪ ,‬فأنا اعلمه الصدق وهو‬
‫بتصرفه ذاك يعلمه الكذب وأنا لست مستعدة أن يتعلم طفلي الكذب مقابل‬
‫الجرة التي تدفعونها لي فأرجوكم أن تستبدلوه بغيره شريطة أن يكون‬
‫صادقا‪.‬‬
‫ودعونا الن نتسائل ماذا تريد أمريكا من تغيير مناهجنا ولماذا تطالب بذلك؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫في البداية نقول إن هذا الطلب سابقة خطيرة تدل على عدم احترام أمريكا‬
‫لستقللنا فهي تحشر أنفها في كل كبيرة وصغيرة من شئوننا‪ ,‬فهي ترى أن‬
‫عالمنا العربي والسلمي تابع لها وخاضع لسيطرتها وهو رهن إشارتها‪ ,‬فهذا‬
‫الطلب يمس السيادة الوطنية بكل المقاييس فهؤلء اليهود يعلمون أبنائهم ما‬
‫شاءوا من تطرف وعداوة للغير‪ ,‬وكل دولة لها منهجها في أن التعليم دون أن‬
‫يتدخل أحد فيه ‪ ,‬وهي وحدها تتحمل نتائج مناهجها سلبا أو إيجابا‪ ,‬ولكننا‬
‫وحدنا فقط من يتدخل الغير في مناهجنا من بين دول العالم‪.‬‬
‫نحن كمسلمين نريد النهوض نحتاج الى منهج تعليمي لتكوين الشخصية‬
‫والعقلية المسلمة والمؤهلة لطلب العلم النافع والمناسب للفرد والمجتمع ما‬
‫يحقق مصالحنا ويعزز وجودنا‪.‬فتعليمنا إذا ذو شقين شق اسلمي وشق‬
‫دنيوي‪ ,‬وأمريكا طبعا ل تقصد الشق الدنيوي وإنما تزعم أن التعليم الديني‬
‫خاصة هو الذي يفرخ ويساعد على تفريخ الرهاب‪ ,‬ويقصدون بالرهاب كل‬
‫عمل مسلح ضد مصالح امريكا وحلفائها‪) ,‬فلو كان العمل المسلح يصب في‬
‫مصالح امريكا فهو ليس ارهابًا‪ ,‬فهي قد دعمت جهاد الفغان ضد الروس‪,‬‬
‫وساعدت حكومة صدام حسين في حربه ضد إيران ولم يكن ذاك من‬
‫الرهاب في شيء حسب حساباتها( ان امريكا تطالب بإلحاح أن يخلو تعليمنا‬
‫الديني من معاداتها والتحريض على جهادها هي وحلفائها‪ ,‬وعلى تعليمنا أن‬
‫يجنح للسلم والتسامح‪ ,‬وعلينا أن نتعلم أنه إذا انتهكت حقوقنا ومقدساتنا فإن‬
‫طاولة المفاوضات هي السلوب الصحيح لفض المنازعات بعد اغتصاب‬
‫الرض والعرض‪ ,‬وبما ان الطرف الخر يمتلك القوة العسكرية والسياسية‬
‫فإنه يسهل عليه وبأقل مجهود أن يتحصل على كل ما يريد عبر تلك‬
‫المفاوضات فعلى مناهجنا أن تعلمنا بان عصر الغرب الذي لمع نجمه وعلينا‬
‫بالدوران في فلكه كما يفعل الكويكب‪ .‬وكم هو غريب أن نتحدث عن مناهج‬
‫تعلمنا السلم والتسامح مع طرف احتل ارضك وانتهك عرضك وداس‬
‫مقدساتك وخرب بيتك وجرف مزرعتك‪ ,‬اننا بهذا نقول للمريض استسلم‬
‫للحرص ودع الجراثيم تفتك بك ول تعالج حالتك‪ ,‬بينما الصواب أن يلتمس‬
‫المريض العلج ولو كان مسكنا حتى يقضي الله أمرا كان مفعول‪ ,‬ومن هنا‬
‫فالعقلء يشعرون بتعدي الغرب علينا وتطاولهم على حقوقنا‪ ,‬ويرفضون تغيير‬
‫المناهج وفق إرادة الغرب لنه ليزيدنا إل خبال ومذلة‪.‬‬
‫فتغيير المناهج عندنا يجب أن يحقق مصالحنا في كافة الجوانب ولو بالتدريج‬
‫ل أن نغيره لتحقيق مصالح الغرب واعداء السلم والمسلمين‪ .‬إن حق الدفاع‬
‫المشروع لكل الناس حرام علينا بينما يحل لهم فعل كل شيء للحفاظ على‬
‫مصالحهم‪ .‬وعلينا أن نقوم نحن بتعليم هذا الدرس لجيالنا‪.‬‬
‫نعم للسلم ولكن مع من يسالمنا ونحن لنعتدي إل من اعتدى علينا‪ ,‬هكذا‬
‫حكم السلم على اختلف مذاهب المسلمين فهل يجوز لمريكا نسخ هذا‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحكم؟‬
‫وفي ورقة قادمة مزيد من التوضيح والى اللقاء‪.‬‬
‫الحلقة الرابعة‬
‫شبكة الفرسان السلمية‬
‫تريد أمريكا منا تغيير مناهجنا الدينية فتكون متسامحة وخالية من نبرة الجهاد‬
‫والمقاومة المشروعة في وقت بات فيه الغرب أسياد العالم بقوتهم ونحن‬
‫ضعفاء أمامهم حسب الموازين المادية‪ .‬وإنما يطالبوننا بتعليم التسامح وهم‬
‫المعتدون المغتصبون فياله من طلب‪.‬‬
‫فطلب أمريكا ليس له ما يبرره سوى غطرستها وقوتها المادية والعسكرية‬
‫والسياسية وليصب في صالح المسلمين‪ ,‬بل ليزيدهم إل تنازل وتخاذل‬
‫وخبال‪.‬‬
‫لقد سعى الغرب واوروبا خصوصا لمحو الثقافة السلمية والشخصية‬
‫السلمية عبر الغزو الثقافي وتعليم المسلمين كيف يبتعدون عن اسلمهم‬
‫ولكن هذا الطلب ليس له مثيل ول سابقة‪ ,‬نعم نحن نقولها وبصراحة إن‬
‫مناهجنا التعليمية الدينية وغيرها في حاجة الى التعديل ولكن ليس على نوايا‬
‫الغير وإنما بما يحقق صالح السلم والمسلمين‪.‬ولست أدري في أي قاموس‬
‫يكون المجتمع تحت الحتلل والتهديد ونقول له أمامك أولويات أهم من‬
‫الدفاع عن كيانك وديانتك وعرضك ومقدراتك‪..‬هل نحن في وهن وتخاذل إلى‬
‫هذا الحد العجيب؟‬
‫أمريكا دولة قوية ومتغطرسة ولتؤمن إل بمصالحها وليس في صالحها وجود‬
‫حركات أو تنظيمات أو حكومات تشن عليها مقاومة مسلحة ترفض الهوان‬
‫والمذلة وتجاهر بالكراهية لها وتدعوا الى مقاطعتها وتتعاطف مع من يقاومها‬
‫فأغلبنا يحنق على أمريكا نظرا لسوء تصرفها معنا ودعمها للصهاينة‬
‫واحتقارها للعرب‪ ,‬ونحن في معظمنا يتطلع لليوم الذي تحظى فيه أمريكا‬
‫بضربة قاسمة تعيد إليها رشدها وصوابها‪ ,‬فهذا التفكير ونحوه لتريده أمريكا‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن أمريكا ل تبالي بالشعوب العربية وهي تغض الطرف عن الطغاة‬


‫والمستبدين من حكامنا طالما أنهم متعاونون وخاضعون لتعليماتها‪ ,‬فإن كان‬
‫هناك حاكم يرفض أفعال إدارة أمريكا وتطاولها‪ ,‬فهنا تثور ضده كل حملت‬
‫التشويه والتهامات الصحيحة وغير الصحيحة فمن عمل بطاعة أمريكا وداهن‬
‫طفلها المدلل )إسرائيل( فهو حاكم جيد وإن كان طاغوتا ومن لم يكن خاضعا‬
‫لها فهو هدف حملتها السياسية والعسكرية والعلمية‪ .‬فهل فهمنا ماذا تريد‬
‫أمريكا من مناهجنا؟ ودعونا نتحدث عن الشق الخر للتعليم وهو التعليم‬
‫الدنيوي‪ ,‬ان العلوم التطبيقية من طب وهندسة ونحوها‪..‬اننا نلحظ أن الغرب‬
‫ل يعطينا في هذا المجال إل النذر اليسير ول يعطونا من العلم والتقنية‬
‫والمعدات وان منحونا من العلم المتقدم شيئا فبشروط تحدد استعماله‬
‫وكيفية ذلك‪ ,‬وإذا وجدوا من طلبنا الدارسين عندهم نبوغا وتفوقا راودوه عن‬
‫التجنس بجنسيتهم ليستفيدوا من مواهبه وقدراته‪.‬‬
‫إنهم يعطوننا بالقدر الذي يبقينا خاضعين لهم ومستهلكين لما ينتجونه فهم‬
‫يريدون سوقا مستهلكا ل منتجا وإل فكيف يستفيدون إذا نافسناهم‪.‬‬
‫نعم قد يعطوننا من العلم ما يفتح بيننا وبينهم تعاونا يحقق مصلحة مشتركة‬
‫لنا ولهم ولكن ذلك ليكون ال مجالت محدودة‪ ,‬فنحن معهم كاليتام على‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مائدة اللئام ل نتحصل ال على الفتات مع المن والذى‪.‬‬


‫ان الغرب واوروبا يحتفظن باسرار العلم والتقنية ويحتكرون حق المتياز في‬
‫كل ما يصنعون لن مصالحهم تتطلب ذلك ومصالحهم فوق كل اعتبار ومن‬
‫مصالحهم أن يسيطروا على مصادر الطاقة والمواد الخام اللزمة لصناعاتهم‬
‫وال تكون شركاتهم ومصانعهم رهينة بيد أصحاب المواد الخام والذين هم في‬
‫الغالب من الدول المتخلفة او النامية هم يريدون بيئة صالحة لستثماراتهم‬
‫ول يريدون ما يعكر عليهم صفو هدوء الستثمار أو الستعمار وليسمحون‬
‫بوجود قلقل وحروب إل إذا كانت مصلحتهم تقتضي ذلك كأن يبيعوا مخزون‬
‫أسلحتهم القديمة خلل تلك الحروب او ليكسبوا من وراء الحورب موطئ‬
‫قدم بطريقة أو بأخرى كما حدث في حرب الخليج الثانية حيث دفع العرب‬
‫ثمن مساعدتهم العسكرية لنا‪.‬‬
‫فالسلم يريدونه لمصلحتهم إذا أراد ذلك أكثر نفعا لمصالحهم‪ ,‬وكذلك يريدون‬
‫اشعال الحروب أحيانا وأحيانا يخوضونها طالما أنها تصب أيضا في مصالحهم‬
‫وبناء عليه هم ليريدون تعليما عندنا يزعجهم في نيل مآربهم‪ ,‬ونظرا لن‬
‫التعليم الديني السلمي ليسهل القضاء عليه نهائيا فهم يطالبون بشيء من‬
‫السماحة وغض الطرف بما يحقق لهم الصفو المطلوب لتحرير مصالحهم‬
‫ونحن ساكتون ان لم نكن راضون ولبد أن يستعينوا في هذا الطلب بمن‬
‫يخضع لوامرهم من حكام أو عملء أو مفكرين وغيرهم من أبناء جلدتنا الذين‬
‫يحرصون على ابقاء مصالحهم الشخصية فوق وقبل مصالح المجتمع والمة‬
‫ويعتذرون على ذلك بأننا لسنا قادرين على دفع سطوة الغرب وبأننا نحن في‬
‫حاجة ماسة للتعاون معهم لجل رغيف الخبز ولجل البقاء‪ ,‬فوضعنا الحالي‬
‫بكل تراكمات الماضي والحاضر ل يؤهلنا ال لتقبيل يد الغرب صاغرين‪ ,‬ونحن‬
‫على اتم استعداد لعطائهم الجزية التي يريدونها‪ ,‬فقط دعونا نعيش بسلم‬
‫فيما تبقى لنا من ارض ومقدرات‪ .‬وإذا سألناهم هل من خطة استراتيجية‬
‫للنهوض وللتخلص من هذا العار؟ قالوا‪ :‬لعاصم اليوم من امريكا ولقد مللنا‬
‫من الحروب الخاسرة والشعارات العاطفية ونحن مازلنا متفرقون ضعفاء ول‬
‫يسعنا ال الركوع والسجود بإتجاه القبلة الجديدة )البيت البيض( فإن لم نفعل‬
‫ذلك طوعا فسنفعله كرها وبناء عليه فهم ليفكرون ال في تنفيذ التعليمات‬
‫المريكية بطريقة لبقة وتحت مسميات مختلفة تؤدي الى قبول المر الواقع‬
‫وكأنه قدر لمهرب منه‪ .‬والى ورقة اخرى بإذن الله‪) .‬الحلقة الخيرة من‬
‫الدراسة(‬
‫الحلقة الخامسة )الخيرة(‬
‫شبكة الفرسان السلمية‬
‫هل نحن في عصر النفاق حتى على مستوى التعليم؟ حيث يتخذ البعض من‬
‫ضعفنا وتخلفنا أمام الغرب ستارا للخضوع للهيمنة المريكية علينا‪.‬‬
‫إن العدو يكتسب قوته بسبب ضعفنا وتخاذلنا‪ ,‬فنحن عندما نتصارع مع‬
‫أعدائنا‪ ,‬فمن أجل قضايا وحقوق نؤمن بها ول نتخلى عنها وعلينا أن نسترخص‬
‫التضحيات والكفاح فإما نصر وإما شهادة وعلى القل أن نعد أنفسنا للنصر أو‬
‫الشهادة لكن تغييرالمناهج يراد بها به عدم إعداد أنفسنا ل للنصر ول للشهادة‬
‫بل قبول المر الذي يفرضه الخرون‪.‬وعلى كل حال كلنا يعلم ما يريد الغرب‬
‫وحلفاؤه‪...‬ولكننا ل نعلم ماذا نريد نحن بالظبط والتحديد‪..‬إن واقعنا يشير إلى‬
‫أننا أخذنا طريقا بين العلمانية والدين فل هو إسلميا ً صرفا ول علمانيا صرفا‪.‬‬
‫وإنما نتستر بالدين عند الحاجة‪ ,‬فسبحان الله كيف صار القتال في أفغانستان‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضد الروس جهادا إسلميا ثوابه الجنة وكيف صار القتال في أفغانستان ضد‬
‫المريكان جريمة نكراء فل الروس أرادوا خيرا ول المريكان‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫لقد إفتخر العرب بقتالهم ضد الروس وتنصلوا من مواطنيهم الذين قاتلوا‬


‫المريكان وكلهما على أرض أفغانستان المسلمة‪..‬فما هذا المنهج الغريب‬
‫فهل من حق أمريكا تدمير أفغانستان واحتللها بسبب أحداث ‪ 11‬سبتمبر ولم‬
‫تتضح أدلتها إل مؤخرا؟‬
‫فأي منهج تعليمي نريد؟ وماذا نريد من أهداف؟ انه الدوران في فلك القوي‬
‫المسيطر وهو أمريكا الن‪ .‬وليخفى على أحد أم من شروط السلم والتطبيع‬
‫مع الصهاينة هو عدم التحريض على قتالهم ول محاربتهم ول مقاطعتهم‪ .‬فهذا‬
‫هو المطلوب أمريكيا ً من تغيير المناهج ونحن ستكون حكوماتنا في موقف‬
‫محرج بين هذا الطلب ومعارضة المساس بثوابت السلم والتي فيها صراحة‬
‫عدم قبول الضيم ومقاومته وجهاده باليد واللسان والقلب‪..‬فإن كان تعديل‬
‫المناهج أثال لشريعتنا وتحقيقا لمصالحنا ونابعا من ذاتنا أفرادا ً أوجماعات و‬
‫مؤسسات وحكومات فهذا والله فيه كل الخير ولكننا وبصراحة نتناول هذا‬
‫الموضوع في ظروف ل تخفى على أحد‪ ,‬والمشكلة الن هي كيف يتم‬
‫التوفيق بين مطالب أمريكا ومطالب الشريعة الغراء‪ .‬وضمير الشعوب‬
‫المسلمة المتطلعة نحو مستقبل أفضل دينيا ً ودنيويًا‪ .‬إن الصراع سيستمر‪,‬‬
‫والدفع بيننا وبين ظالمينا متواصل )) وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم‬
‫ليكونوا أمثالكم(( لبد من تعليم السلم كما أمر الله تعالى )) ان أيموا الدين‬
‫لله ول تتفرقوا فيه(( ول يجدينا نفعا ً كل الحلول التلفيقية كما ينفعنا أن‬
‫نجامل أعدائنا على حساب الحق لبد أن نتمسك بثوابت الدين ول نتشدد في‬
‫فروعه ولنحول الهتمام بالجزئيات على حساب الكليات لبد من دراسة‬
‫المزايا والعيوب ولبد من المصارحة واستماع الرأي الخر ولو كان في نظرنا‬
‫غير صواب‪ ,‬لد أن نميز بين الشريعة والفقه وبين المتفق عليه والمختلف‬
‫فيه‪ ,‬لبد من دراسة تحدد ماذا نحتاج من علوم الدنيا ولبد من تكاثف الجميع‬
‫لنجاح برامج التعليم ولبد من الحتفاظ بهويتنا السلمية والعتزاز بها‪ ,‬لبد‬
‫من تصليح أخطائنا فالمتطبات كثيرة وميدان العمل فسيح وليست القضية‬
‫عبارة عن إستبدال كتاب مدرسي بغيره فنظام التعليم عندنا نظام فيه الكثير‬
‫من العيوب والشروخ‪ ,‬تشدنا للخلف ول ندفع للمام‪ ,‬لبد من تعليم الحترام‬
‫وتبادل الثقة بين الراعي والرغبة ولبد من احترام سيادة الشريعة على‬
‫المسلمين‪ ,‬لبد من التضحية بالمصالح الشخصية لجل المصالح العامة‪ ,‬لبد‬
‫من تحديد الهم والهتمام به قبل المهم وقبل هذا وذاك لبد من إخلص النية‬
‫في العمل لتحقيق مصالح السلم والمسلمين فإن كان الطريق طويل فإن‬
‫مواصلة السير كفيلة بعبوره ولو طال الزمن‪ ,‬لقد نشأت دولة السلم في‬
‫ظروف صعبة للغاية أعداء من الخارج )الكفار( وأعداء من الداخل‬
‫)المنافقون واليهود( وكانت الظروف سيئة من حيث توفر المال والطعام‬
‫وكان الفقر والحاجة سمة غالبة حتى أن الرسول كان يمر عليه أكثر من‬
‫شهر ول يوقد في بيته نار وكان الشهيد أحيانا ليجدون له كفناا يستر كامل‬
‫جسده الطاهر فإن غطوا رأسه انكشفت ساقاه‪ ,‬ولكن السلم تعامل مع‬
‫قضية المن والتعليم وتوفير الطعام والمأوى بأساليب عجيبة هي ما نحن في‬
‫حاجة الى تعلمه خصوصا وأن مقوماتنا الن تساعدنا على تطبيق ذلك بصورة‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متطورة فالعزة في العتزاز بالسلم والمطلوب هو بذل الجهد في التمسك‬


‫به وتعلمه وتعليمه وعلينا أن ندفع الضريبة لن البأساء والضراء لبد أن تمسنا‬
‫ما دمنا مسلمين انها قضية اخلص نوايا وبذل الجهد حسب الوسع مع‬
‫استعمال العلم والحكمة وليس الحل في التفكير بعقلية التخاذل أمام‬
‫الغطرسة الغربية فهم يريدون أن نكون مثلهم ونحن لسنا مثلهم ما دمنا‬
‫مسلمين‪ .‬والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫ملحظة‪ :‬أي تعليق أو تعقيب أو ملحظة على هذه السلسلة يمكنكم مراسلة‬
‫إدارة الموقع‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫تغيير المنكر باليد‬


‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ْ‬ ‫خي َْر أ ّ‬
‫م َ‬‫الحمد لله القائل‪ ? :‬كنت ُ ْ‬
‫ن ِبالل ّهِ ? ]آل عمران‪ ، [110:‬فجعل خيرية هذه المة‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫عَ ِ‬
‫ً‬
‫وتميزها بل وقوامها‪ ،‬وكيانها‪ ،‬وخلودها‪ ،‬واستمراريتها منوطا بقيامها بالحق ‪،‬‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬والدفاع عنه‪ ،‬والنشر له‪.‬‬
‫فلم يرض الله لهذه المة‪ -‬وهي أمة الرسالة الخاتمة‪ -‬أن تكون صالحة في‬
‫نفسها فقط‪ ،‬بل ل بد أن تكون صالحة بذاتها‪ ،‬مصلحة لغيرها‪ ،‬والخاتمية تعني‬
‫توقف النبوات ‪ ،‬وهذا يعني ‪ :‬توقف التصويب من السماء لي منكر‪ ،‬وخروج‬
‫وانحراف‪ ،‬لذلك لبد من أن يكون التصويب والقوامة على الحق مستمرا ً لن‬
‫الشر من لوازم الخير‪ ،‬والمنكر من لوازم المعروف‪،‬والتدافع بين الخير‬
‫والشر والمعروف والمنكر من سنن الله الجتماعية في الخلق‪ ،‬قال‬
‫ت‬
‫وا ٌ‬ ‫صل َ‬‫َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬
‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل ّهُد ّ َ‬ ‫تعالى ‪ ? :‬وَل َوَْل د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬
‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬ ‫س ب َعْ َ‬
‫ي‬
‫قو ِ ّ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫صَر ّ‬‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل ََين ُ‬‫س ُ‬‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫زيز? ] الحج‪[40:‬‬ ‫عَ ِ‬
‫فل معني لخلود الرسالة الذي يعني استمرار الحق وحراسته والقيام به إذا لم‬
‫يستمر التصويب وإنتاج النماذج التي تجسده في كل زمان ومكان ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد الخدري‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول الله – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يقول‪ ":‬من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪،‬‬
‫فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذالك أضعف أليمان")‪. (1‬‬
‫يقول المام النووي‪):‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية‪ ،‬إذا‬
‫قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين‪ ،‬وإذا تركه الجميع أثم كل من‬
‫تمكن منه بل عذر ول خوف ‪ ،‬ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع ل يعلم‬
‫به إل هو‪ ،‬وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلمه على منكر وتقصير في‬
‫المعروف()‪(2‬‬
‫وفي تفسير الحديث يقول القاضي عياض‪-‬رحمه الله‪ ) : -‬الحديث أصل في‬
‫كيفية التغيير‪ ،‬فيجب على المغير أن يغير بكل وجه أمكنه زواله به ‪ ،‬فالتغيير‬
‫باليد‪ :‬أن يكسر آلت الباطل‪ ،‬ويريق الخمر‪،‬وينزع الغصب‪،‬أو يأمر بذلك‪ ،‬فإن‬
‫خاف‪ ،‬من التغيير باليد مفسدة أشد غير بالقول ()‪(3‬‬
‫وأقول ‪ :‬في هذا الحديث النبوي الشريف‪ ،‬يبين لنا النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬درجات‬
‫تغيير المنكر فيبدأ بما هو أشد تكليفا‪ ،‬وهو المنع باليد‪ ،‬ثم إن حدث العجز‬ ‫ً‬
‫عنه‪ ،‬كان باللسان‬
‫فإن عجز‪ ،‬كان بالقلب‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسأقتصر في البحث –بعون منه سبحانه‪ -‬في جزئية من هذا الحديث النبوي‬
‫الشريف‪ ،‬وهي ]تغيير المنكر باليد[‬
‫ً‬
‫يقول الدكتور"محمود توفيق")‪ :(4‬هذا التغيير ليس مقصورا على طائفة من‬
‫الناس يكون لها أوعليها دون غيرها‪ ،‬بل هو عام يختلف مناطه ودرجته‬
‫باختلف أمور عدة أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬علقة من يقوم بالتغيير بمن يقع منه المنكر‪.‬‬
‫‪ -‬نوع المنكر المراد تغييره ومناخات وقوعه‪.‬‬
‫وبيان هذا‪ :‬أن علقة المغير بمن وقع منه المنكر‪ ،‬تكون على واحد من خمسة‬
‫أحوال‪:‬‬
‫‪/1‬أن يكون للمغير ولية خاصة على ذي المنكر‪ ،‬كولية الوالد على ولده‪،‬‬
‫والزوج على زوجته ‪.‬‬
‫‪/2‬أن يكون للمغير ولية عامة على ذي المنكر‪ ،‬كولية السلطان على رعيته‬
‫وأمته‪.‬‬
‫‪/3‬أن ل يكون لي من المغير وذي المنكر ولية عامة أو خاصة‪ ،‬كما بين أفراد‬
‫الرعية‪.‬‬
‫‪ /4‬أن يكون لذي المنكر ولية عامة على المغير‪ ،‬كولية السلطان الواقع في‬
‫المنكر على‬
‫رعيته التي تريد أن تغير منكره‪.‬‬
‫هذه خمسة أحوال يختلف حكم التغيير باليد باختلفها‪ ،‬وباختلف المنكر نفسه‬
‫وظروفه ‪ ،‬على أن التغيير باليد غير محصور في القوة التي هي استخدام‬
‫السيف‪ ،‬وما شاكله‪ ،‬أو الضرب وما ضارعه‪ ،‬فإن التغيير باليد ذو صور‬
‫ومراحل عديدة‪ ،‬من ذلك استخدام اليد في إفساد آلت المنكر‪ ،‬أو إذهاب‬
‫عين المنكر كتحطيم أدوات شرب الخمر أو إراقتها‪،‬وتهديم حاناتها إذا لم تكن‬
‫تصلح إل لذلك‪ ،‬أو غلق الطرق المؤدية إليها‪،‬أو قطع المياه وأدوات ألنارة‬
‫عنها‪ ،‬وكذلك إفساد آلت الغناء الماجن‪ ،‬وأدوات تصوير المنكر أو طبعه أو‬
‫نشره في الناس‪ ،‬وإفساد أماكن بيعه وتوزيعه إذا لم تكن تلك الماكن صالحة‬
‫إل لذلك‪.....‬الخ‬
‫كل هذا وكثير مثله يدخل في التغيير باليد‪ ،‬وهو ليس من استخدام السيف‬
‫المؤدي إلى إراقة دم أو إزهاق روح‪.‬‬
‫فالحالة الولى‪:‬‬
‫وهي أن يكون لمغير ولية خاصة على ذي المنكر‪ ،‬مثل ولية الزوج على‬
‫زوجته‪ ،‬أو الوالد على ولده‪ ،‬أساس الحكم في هذا قوله – صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ " :-‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬ألمام راع ومسؤول عن‬
‫رعيته‪ ،‬والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت‬
‫زوجها ومسؤولة عن رعيتها‪ ،‬والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن‬
‫رعيته")‪(5‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فعلى الوالد والزوج وما ضارعهما تغيير المنكر الواقع ممن هو تحت وليتهما‬
‫بيده ‪ ،‬وفقا ً لما يتناسب مع هذا المنكر من صور التغيير باليد‪ ،‬فقد يكفي في‬
‫تغييره إفساد آلته دون اللجوء إلى ما هو فوق ذلك‪ ،‬فكل صورة من صور‬
‫التغيير تقوم بحق التغيير ل ينتقل إلى ما فوقها‪ ،‬والوالد والزوج وما ضارعهما‬
‫له حق التغيير بكل صور التغيير باليد‪ ،‬دون الحدود أو ما فيه إزهاق روح أو‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إراقة دم‪ ،‬فذلك للمام بحقه الذي شرعه الله عز وجل‪.‬‬


‫الحالة الثانية‪:‬‬
‫أن يكون للمغير ولية عامة على ذي المنكر‪ ،‬كولية السلطان على رعيته فإن‬
‫لهذا المغير أو عليه‪ ،‬تغيير منكر رعيته باليد – بكل صور التغيير باليد‪ -‬تغييرا ً ل‬
‫سر آلت المنكر‪ ،‬أو يزيل عينه‪ ،‬أو ما يقوم به ويتخذ كل‬ ‫يبقي منه ول يذر‪ ،‬فيك ِ‬
‫ما يحقق له القيام بهذا الغرض قياما ً تاما ً خالصا ً لله وليس انتصارا ً لسلطانه‪،‬‬
‫فإن قاومه ذو المنكر وأعوانه أخذ على أيديهم بما يناسب مع مقاومتهم ‪ ،‬ولو‬
‫د‪ ،‬والعجز عن تغيير المنكر‬ ‫أدى إلى قتل من يقاوم‪ ،‬إن لم يكن من القتل ب ٌ‬
‫باليد إذا كان لبد منه ل يتأتى مع حال ولي ألمر‪ ،‬إن كان صادقا مع الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ويأخذ هذا الحكم من ينيبه الولي العلى من المراء والولة‪ ،‬كل في حدود‬
‫ماوله وأذن له فيه‪ ،‬ول يدخل في هذا التغيير باليد العلماء الذين لم تكن لهم‬
‫نيابة من الولي‪ ،‬إذا كان الوالي مقيما ً شرع الله تعالي ‪ ،‬فولية العالم في‬
‫رعاية الوالي المسلم إنما هي ولية تعليم‪ ،‬ونصح وفتوى‪ ،‬وليست ولية‬
‫تنفيذ ‪ ،‬أما إن كان الوالي ألعلى ل يقيم شرع الله في حكمه ‪ ،‬ويأبى تغيير‬
‫المنكر أو يقر أهله عليه ‪،‬أو يزعم أن ذلك من الحقوق الشخصية المكفولة‬
‫لهم ‪،‬بما شرعه هو أو بطانته ‪،‬أو بما نص عليه ما يسمى ب"حقوق النسان‬
‫العالمية"‪ ،‬أو كان ل يعترف بأن هذا منكر يجب تغييره‪ ،‬من بعد أن بينه له‬
‫العلماء بيانا ً شافيا ً ل يتوقف معه من كان غير ذي هوى ‪ ،‬فإن للعلماء بل‬
‫عليهم فريضة أن يتحدوا وأن يغيروا المنكر بأيديهم‪ ،‬دون البلوغ به حد إزهاق‬
‫روح‪ ،‬أو إراقة دم‪ ،‬فإن خافوا فتنة بهذا‪ ،‬أضر بالمة من هذا المنكر فإنهم أهل‬
‫الحكمة‪.‬‬
‫يقدرون المور بمقاديرها‪،‬ويقدمون الهم على غيره‪.‬‬
‫والنكار على الولة والسلطين باليد ل يلزم منه أن يخرج عليهم ويقاتلهم‬
‫بالسيف‪ ،‬يقول ابن رجب‪ ):‬التغيير باليد ل يستلزم القتال‪ ،‬وقد نص على ذلك‬
‫أحمد أيضا ً في رواية صالح‪ ،‬فقال‪ :‬التغيير باليد ليس بالسيف والسلح‪ ،‬وحينئذٍ‬
‫فجهاد المراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات مثل‪ :‬أن يريق‬
‫خمورهم أو يكسر آلت الملهي التي لهم ونحو ذلك‪ ،‬أو يبطل بيده ما أمروا‬
‫به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك‪ ،‬وكل هذا جائز وليس هو من باب‬
‫قتالهم ول من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه‪ ،‬خشية حدوث الفتن التي‬
‫تؤدي إلى سفك الدماء ()‪.(6‬‬
‫وقد كان ابن تيمية يغير المنكر هو وأعوانه بيديه ‪،‬فقد كسر آنية الخمر في‬
‫الحانات ‪ ،‬ومزق أوعيتها وأراقها وعزر أهلها‪ ،‬وفرح الناس بذلك‪ ،‬ولول أن‬
‫السلطان في عصره لم يكن يقيم الشرع‪ ،‬ويغير المنكر‪ ،‬ما كان لبن تيمية‬
‫الفقيه أن يتعدى على حقه‪ ،‬وهو العالم بذلك الحق‪.‬‬
‫فلمام العلماء في مثل هذا أن يقيم تغيير المنكر حين يتخلى الوالي عن حقه‬
‫ويهدر حق الشرع‪ ،‬وليس للعامة أن تفعل ذلك إل بمعونة العلماء وفتواهم‬
‫وتحت إرادتهم الراشدة الحكيمة‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ‪:‬‬
‫أل يكون لي من المغير وذي المنكر ولية عامة أو خاصة على الخر‪ ،‬كما بين‬
‫أفراد الرعية ‪ ،‬وهذه الحالة ذات شقين ‪:‬‬
‫‪-‬أن يكون ولي المر العلى يقيم شرع الله‪ ،‬وينكر المنكر ويغيره حتى يعلم‬
‫به‪.‬‬
‫‪ -‬أل َ يكون كذلك ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن كان يقيم الشرع ويغير المنكر‪ ،‬فليس للعامة أن تغير المنكر الواقع ممن‬
‫ليس لهم عليه ولية ‪-‬تغييرا ً باليد‪ -‬بل عليهم إبلغ ولي المر أو نوابه ومن‬
‫أقامهم لذلك‪ ،‬وهم يتولون ذلك‪ ،‬فإن طلبوا معاونة العامة ‪،‬فقد وجب عليهم‬
‫تقديم العون لهم وفق مطلوبهم وتحت إمارتهم‪ ،‬وإما أن كان الوالي ل يقيم‬
‫شرع الله ول يغير المنكر‪ ،‬بل يجعله من الحقوق المكفولة بما شرعه هو أو‬
‫بطانته من قوانين‪ ،‬فعلى العامة اللجوء إلى أئمة العلماء ‪،‬ورفع ألمر إليهم‬
‫للتصدي للسلطان‪ ،‬وحمله على تغيير المنكر‪ ،‬وإل قاموا هم به‪ ،‬وعلى العامة‬
‫حينذاك مناصرة العلماء وتأييدهم وحمايتهم‪ ،‬فإن العلماء إذا ما وجدوا أعوانا ً‬
‫من العامة قاموا في وجه السلطان الذي ل يقيم شرع الله تعالى‪ ،‬بما يحمله‬
‫على العدل والسلطان إذا علم أن المة من خلف علمائها خضع للحق الذي‬
‫يدعوا إليه العلماء وتريده العامة‪ ،‬فإن السلطان الطاغية ل يشتهي شيئا ً كمثل‬
‫إهانة العلماء وإذللهم وتحطيم منزلتهم في قلوب العامة‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أن يكون لذي المنكر ولية خاصة على من يقوم بتغيير منكره‪ ،‬كأن يكون ذو‬
‫المنكر والد المغِير أو زوجها‪ ،‬فإن كان كذلك فتغيير المنكر باليد حينئذ يرجع‬
‫إلى نوع المنكر ودرجته فثم منكر يغير باليد دون أن يلحق صاحب المنكر‬
‫إيذاء في نفسه ‪ ،‬فللولد والزوجة في مثل هذا تغيير المنكر باليد إذا لم يترتب‬
‫على ذلك ما هو أشد ضررا ً ‪،‬وللولد أن يمنع أباه والزوجة زوجها من القدام‬
‫على ما يتعلق به حق الخرين‪ ،‬كمثل قتل أو إحراق مال‪ ،...‬فذلك مما ل‬
‫يحتمل تأخيرا ً في تغييره بالصد عنه‪ ،‬فإن كان المنكر كفرا ً بواحا ً فليرفعه إلى‬
‫السلطان المقيم شرع الله تعالى لغيره بما يستحق‪ ،‬فتغيير المنكر باليد ممن‬
‫هو تحت ولية ذي المنكر‪ ،‬إنما يجب عليه حين ل يكون غيره أهل ً للقيام به‪ ،‬أو‬
‫كانت الملبسات ل تسمح باللجوء إلى آخرين للقيام بذلك‪ ،‬فإن كان فيمن‬
‫حولهم من يكون أهل ً للقيام بذلك حق قيامه فالولى أن يلجأ الولد إليهم‬
‫لتغيير منكر والده بما يستحق وكذلك الزوجة‪.‬‬
‫ولقد ذهب المام الغزالي‪-‬رحمه الله‪ -‬إلى أن للولد مع والده الواقع في‬
‫المنكر أن يغيره بالمنع‪،‬وبالقهر‪ ،‬بطريق المباشرة بأن يكسر مثل ً عوده‪،‬‬
‫ملك‬ ‫ويريق خمره‪ ،‬ويحل الخيوط من ثيابه المنسوجة من الحرير‪ ،‬ويرد إلى ال ُ‬
‫ما يجده في بيته من المال الحرام الذي غصبه أو سرقه‪ ،‬أو أخذه عن إدرار‬
‫رزق من ضريبة المسلمين‪ ،‬إذا كان صاحبه معينًا‪ ،‬ويبطل الصور المنقوشة‬
‫على حيطانه ‪،‬والمنقورة في خشب بيته ‪ ،‬ويكسر أواني الذهب والفضة‪ ،‬فإن‬
‫ِفعله في هذه ألمور ليس يتعلق بذات الب‪ ،‬بخلف الضرب والسب ‪،‬ولكن‬
‫الوالد يتأذى به ويسخط بسببه‪ ،‬إل أن فعل الولد حق‪ ،‬وسخط الب منشؤه‬
‫حبه للباطل والحرام‪ ،‬والظهر في القياس أنه يثبت ذلك للولد بل يلزمه أن‬
‫يفعل ذلك()‪(7‬‬
‫وما نقوله إنما هو في حال ارتكاب المنكر‪ ،‬أو العداد له ‪،‬أما إذا كان المنكر‬
‫قد وقع‪ ،‬فإن أمر صاحبه يرفع إلى السلطان‪ ،‬ليقضي فيه بالحق‪ ،‬وهذا أصل‬
‫في جميع ألحوال‪ ،‬فإن المنع حق عام ولكن العقوبة حق السلطان‪.‬‬
‫الحالة الخامسة‪:‬‬
‫أن يكون ذو المنكر هو السلطان وولي المر العلى‪ ،‬إن كان منكره منكرا ً‬
‫خاصًا‪ ،‬ل يتعلق بحق الرعية‪ ،‬فإن كان يفعله سرا ً فلمن يراه أن يغيره بما‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستطيع إذا لم يترتب على تغييره منكرا ً أشد منه وأشنع‪ ،‬وليس له العتداء‬
‫على السلطان بدفع ‪ ،‬أو إيثاق‪ ،‬أو حبس أو ضرب‪ ،‬وليس له إفشاء السر في‬
‫الناس‪ ،‬حتى ل يبقى للسلطان في قلوب العامة هيبة مادام مسلمًا‪.‬‬
‫مه‪ ،‬ليكف ما دام‬ ‫فه وتعلي ُ‬
‫وإن كان منكره مما يجهر به‪ ،‬فعلى علماء المة تعري ُ‬
‫مسلما ً يقيم الصلة‪ ،‬ثم منُعه منه‪ ،‬وعلى العامة مناصرةُ العلماء دون إحداث‬
‫فتنة أشنع من منكره‪ ،‬الذي يجاهر به‪ ،‬ما دام هذا المنكر ليس كفرا ً بواحًا‪.‬‬
‫وإن كان منكر السلطان متعلقا ً بحق رعيته‪ ،‬كفرض مكوس وضرائب ظالمة‬
‫تنفق فيما ل ينفع المسلمين والرعية‪ ،‬أو كإشاعة الفسق‪ ،‬أو مناصرة الطغاة‬
‫من رعيته‪ ،‬واحتجاجه عن المظلومين من رعيته‪ ،‬فعلى العلماء أول ً القيام‬
‫بتعريفه الحق ونصحه‪ ،‬فإن لم يفعل‪ ،‬ومكث على ذلك سعى العلماء إلى‬
‫منعه من ذلك باتحادهم‪ ،‬والتصدي له‪ ،‬وحشد العامة حولهم‪ ،‬حتى يرتدع خوفا ً‬
‫على سلطانه وليس لهم الخروج عليه بالسيف‪ ،‬مادام يعلن إسلمه ويقيم‬
‫الصلة‪ ،‬فإنه وإن كان ظالما ً فاسقًا‪ ،‬فإنه مسلم‪ ،‬وفي الخروج عليه بالسيف‬
‫فتنة أشد وأنكى من منكره‪ ،‬لن في الخروج عليه بالسيف تهديما ً لهيبة المة‪،‬‬
‫في عيون وقلوب أعدائها من الكافرين‪ ،‬وعلى العلماء السعي إلى عزله‪،‬‬
‫بطريقة غير طريق السيف‪.‬‬
‫وإذا كان المنكر الواقع من السلطان متعلقا ً بإقامة شرع الله تعالى‪ ،‬والحكم‬
‫بما أنزل الله فإما أن يعلن أن شرع الله هو الحق المطلق‪ ،‬الكفيل بتحقيق‬
‫العدالة في المة‪ ،‬وأن السلم كتابا ً وسنة‪ .‬في هديه حل لكل ما تعانيه المة ‪،‬‬
‫إل أنه بالرغم من ذلك يأخذ من غيره لسباب ظاهرة أو باطنه‪ ،‬كأن يكون في‬
‫تركه شرع الله تعالى تحقيق مصالحه الخاصة الدنيوية‪ ،‬أو يكون ضعيفا ً خوارا ً‬
‫أمام قوة داخلية أو خارجية‪ ،‬سعت إلى تنصيبه واليًا‪ ،‬فل يستطيع مخالفة‬
‫أمرها لقدرتها على التخلص منه بطرق عديدة‪ ،‬فإن مثل هذا السلطان ظالم‪،‬‬
‫فاسق كفره ل يخرج من السلم)‪ ،(8‬ومن ثم ل يجوز الخروج عليه بالسيف‬
‫بل يسعى العلماء إلى مناصحته‪ ،‬ومكاشفته‪ ،‬وتبيان الحق له‪ ،‬بما ل يدع‬
‫شبهة‪ ،‬فإن أناب وأصلح‪ ،‬نوصر وعّزر‪ ،‬وإل سعى العلماء الصالحون إلى قيادة‬
‫المة لعزله بالحسنى التي ل تزهق فيها روح أو يراق دم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪207‬‬

You might also like