Professional Documents
Culture Documents
كمال الحيدري مفاتيح عملية الاجتهاد الفقهي
كمال الحيدري مفاتيح عملية الاجتهاد الفقهي
كمال الحيدري مفاتيح عملية الاجتهاد الفقهي
المفتاح الول24...............................................................................................................................:
ثبات وتغّير موضوع الحكم الشرعي )بلحاظ الزمان والمكان(24.....................................................................
تمهيد24.......................................................................................................................................
الفصل الول26................................................................................................................................:
ويقع البحث في هذا الفصل في عدة مفردات26....................................................................................:
المفردة الولى :الحكم26.................................................................................................................
الستعمال الول :الستعمال المنطقي26...........................................................................................
) (1أحد أجزاء القضية27..................................................................................................................
) (2التصديق كقسم من أقسام العلم الحصولي27..............................................................................
الستعمال الثاني :الستعمال الكلمي27............................................................................................
الستعمال الخامس :حكم القاضي في المخاصمات29..............................................................................
المفردة الثانية34............................................................................................................................. :
الموضوع34......................................................................................................................................
البحث الثاني :الفرق بين المتعلق وبين الموضوع بحسب الصطلح40..........................................................
والمتعلق على نحوين40...............................................................................................................:
البحث الثالث47........................................................................................................................... :
أقسام موضوعات الحكام الشرعية47.................................................................................................
القسم الول :الموضوعات المخترعة47.............................................................................................
القسم الثاني :الموضوعات المركبة47..............................................................................................
القسم الثالث :الموضوعات العرفية48..............................................................................................
القسم الرابع :الموضوعات المستحدثة50..........................................................................................
البحث الرابع55.............................................................................................................................:
أنحاء أخذ الموضوع في الحكم الشرعي55............................................................................................
ربما يحمل الموضوع موضوعية للحكم الشرعي فيكون بنفسه موضوعا ً له بحسب الظاهر ،لكن التدقيق في حاله
ـ عن طريق القرائن الزمكانية الداخلية والخارجية ـ في واقع المر يكشف خلف ذلك ،ويصّيره عنوانا ً مشيرا ً إلى
موضوع آخر57............................................................................................................................
النحو الثالث:موضوع الحكم مشروط أم عام؟57.................................................................................
النحو الرابع :موضوع الحكم مطلق أم مقّيد؟59...................................................................................
النظرية الثانية :نظرية النراقي في عوائد اليام64................................................................................
النظرية الثالثة :نظرية السيد كاظم اليزدي في العروة الوثقى65.............................................................
الستعمال الثاني :الزمان والمكان العلمي72.........................................................................................
الستعمال الثالث :الزمان والمكان العرفي أو الجتماعي73....................................................................
وأخيرا ً فالمراد من الزمان والمكان في المفتاح الول )ثبات وتغّير موضوعات الحكام بلحاظ الزمان والمكان( ليس
هذه الستعمالت جميعًا ،بل المراد منهما استعمال واصطلح رابع سنقف على تحديد معالمه مفصل ً في الفصل
الثاني إنشاء الله74.........................................................................................................................
1
توطئة
إذا ما أردنا استقراء طبيعة الدرس الفقهــي فــي الحــوزة العلميــة
نجده على أنحاء متعددة:
النحو الول :مــا هــو متعــارف ومتــداول فــي البحــث الفقهــي مــن
تصنيف الفقه إلى عدة أبواب تقليديــة أ ّ
طلــع عليهــا الجميــع فــي
مراحل دراسية سابقة.
النحو الثاني :البحاث الفقهية التي تتناول الموضوعات المستحدثة
في الحياة المعاصرة.
النحو الثالث :وهو ما نقترحه من خلل محاولة تطبيقيــة فــي هــذه
الدروس اصطلحنا عليها بـ :
)مفاتيح عملية الجتهاد الفقهي(.
نود أن نقف الن على هذا النحو الثالث المقترح ونزيده تفصي ً
ل:
ن عملية الجتهاد الفقهي عملية مركبـة وليسـت عمليــة بسـيطة، إ ّ
بمعنى أنك عندما تدخل إلى العملية الجتهادية بالمعنى العام لها
تجد أمامك مجموعة مــن الدوات والعلــوم والمعــارف لبــد مــن
الســتفادة منهــا كــي تســتطيع أن تســتنبط حكــم مســألة فقهيــة
واحدة .فحينما نــدخل إلــى البحــاث الصــولية ــ ونحــن نريــد أن
نمــارس العمليــة الســتنباطية ـــ نلحــظ الكــثير مــن المســائل
والمقدمات المرتبطة بهذه البحاث ترجع في جذورها إلى علــوم
أخرى ،نظير :علم الرجال ،وعلم الحــديث ،وعلــم اللغــة وفقههــا
ل( ،وعلم التفسير ،وعلم )المعني الحرفي ومسألة الظهورات مث ً
ل( ،وبعــض قواعــد المنطــق الكلم )أبحــاث الحســن والقبــح مث ً
ل(...وغيرها.الفلسفة )مسألة أقسام الكلي والماهيات مث ً
ن هناك العشرات من الموضوعات والبواب المعرفية التي يهتــم إ ّ
الفقيه بمعالجتها تحتاج إلى اختصاصات جديدة لــم نألفهــا داخــل
حوزاتنا وحواضرنا العلمية كما هو الحــال فــي حاجتنــا إلــى علــم
الجتماع وعلم النفس وعلم الفلك )والموضوع الخيــر ممــا تعــم
البلوى فيه هذه اليام بشكل متزايــد( ،وإن كــان التقليــد الحــاكم
لدينا ـ ومع السف الشديد ـ هو غياب هذه العلوم وعدم الهتمام
بها كما ينبغي.
ويمكننا علــى ســبيل المثــال أن نلحــظ تــأثيرات هــذا الغيــاب فــي
واحدة من أهم الظواهر العملية والعلمية في حياة اليــوم ،وهــي
1
ن )هــذا الفــراغ لــم)ولي المر( واصفا ً علقة النــبي بــه بقــوله :إ ّ
يمله بوصفه نبيا ً مبلغا ً للشريعة اللهيــة ،الثابتــة فــي كــل مكــان
وزمان ،ليكون هذا الملء الخاص من سير النبي لذلك الفــراغ ..
معبرا ً عن صيغ تشريعية ثابتــة ،وإنمــا مله بوصــفه ولــي المــر،
)]
المكلف من قبل الشريعة بملء منطقة الفراغ وفق ـا ً للظــرف(
.([7
الســؤال هــو :هــل دائرة الحكــام الولئيــة تختــص فقــط بمنطقــة
الفراغ أو أنها أعم من ذلك؟ ثم إذا ثبت أنها أعم فما هي نسبتها
وحجمها؟ وهل تعد جزءا ً من الــدين؟ وهــل هــي مختصــة بزمــان
الصدور أو غير مختصة بزمان الصــدور ،أي هــل الحكــم الــولئي
يشمل عصر ما بعد الرسول أو ل يشمله؟ ثم ما هي العلقة بين
تلك الحكام التي وضعت مــن قبــل المشــرع الســلمي بصــورة
منجزة وبصيغة تشريعات ثابتة وبين هــذه الحكـام الولئيــة الـتي
نتحدث عنها؛ بمعنى أنه هل تخضــع هــذه العلقــة لنمــاط الصــيغ
الــتي وضــعها علــم الصــول بشــكله المتــداول عنــدنا اليــوم مــن
التعارض أو النسخ أو غير ذلك؟
هذه جملة من المواضيع التي يهتم بها سؤالنا الساســي فــي هــذا
المفتاح ،ويمكننا ذكر مثال تطبيقي لــه يتمثــل ببحــث )الخمــس(
الذي ذهب جملة مـن العلم إلـى كـونه حكمـا ً ولئيـًا ،والسـؤال
الذي يطرحه هذا المفتاح في هــذا الصــدد هــو :هــل هــذا الحكــم
مختص بزمان المعصومين أم أنه شامل لزمان الغيبة أيضًا؟
المفتاح الخامس:
علقة المشرع السلمي مع الحكم الشرعي
]هل أن جميع حركات المشّرع وسكناته تشريع؟[
ما يطرحه هذا المفتاح على طاولــة البحــث هــو مســألة الصــفة أو
الصفات التي يتحّلى بها المشرع السلمي ،أي النبي وآله )عليه
وعليهــم أفضــل الصــلة والســلم( ،فــي التعــاطي مــع القضــايا
الدينية .وبعبارة أخرى :هل للمشرع السلمي شأن واحد أو عدة
شؤون في علقته مع الحكم الشــرعي؟ هــل هــو مش ـّرع )مبل ّــغ
للحكام العامة الثابتة( فحسب ،أم أن له شــؤون أخــرى أيض ـا ً ؟
ض مـن القضـاة، ً ً
ككونه حاكما ووليا للمسلمين ،أو كونه مجرد قا ٍ
أو كون الحكم يمثل جانبا ً شخصيا ً يعود له فقــط تبع ـا ً لشخصــيته
1
دمت لشــكالية الخــذ بقــول الجابة عنها بنفــس الجابــة الــتي قُـ ّ
اللغوي .وبجواز الستناد إلى أصوله الموضوعية يمكن أن يجــاب
على الصول الموضوعية المأخوذة من العلوم أخرى.
ن تحديد الرؤية تجاه ثبات وتغي ّــر النســان أمــر ضــروري لطبيعــة إ ّ
رؤية البــاحث للســتحقاقات الفقهيــة ،فهــل أن الكــائن البشــري
ثــابت ،أو متغي ّــر ،أو بعضــه ثــابت وبعضــه متغي ّــر؟ وطبيعــة هــذه
الرؤية سوف تحدد طبيعة الرؤية للفقه المختار من قبل الباحث،
فلو اخترنا تغّير بعض حيثيات الكائن النساني ـ كمــا هــو مختــار
العديد من المعاصرين ـ فســوف يلزم ذلــك اختيــار تغي ّــر الفقــه
المرتبط بهذه الحيثية المتغّيرة ،وهذه هــي أحــد نتــائج الشــكالية
السّيالة في اغلــب العلــوم ،وهــي إشــكالية العلقــة بيــن الثــابت
والمتغّير)].([4
ولعل هذه النقطة هي التي حدت بالستاذ الشــهيد إلــى افــتراض
منطقة فراغ في الشريعة السلمية ،منطقة ُيترك المجــال فيهــا
مفتوح ـا ً لــولي المــر لملهــا بمــا يــراه مناســبا ً وفق ـا ً لتقــديراته
وملكاته الفوقانية)].([5
ص.الثانية :البتعاد عن عصر الن ّ
لقــد جــاءت النصــوص الدينيــة فــي ظــروف اجتماعيــة وثقافيــة
واقتصادية وسياسية معينة ،وبالتالي تختلف درجات الوعي الــتي
يمتلكها الفراد في تلك البرهة من الزمن ،وبدهي أن مثــل هــذه
الظروف واختلف درجات الوعي يوجد عقبــات كــبيرة فــي فهــم
النص الديني ،ويعّقد العملية الجتهادية بشكل كبير.
مــدةإن ما هو لزم على الفقهاء المعاصرين إيجاده هــو حلــول مع ّ
وغ الشرعي السليم تعنــى بالجابــة الواضــحة علــى جميــع بالمس ّ
وقائع الحياة المعاصرة .ول توجد هناك مندوحة من القيــام بهــذه
العملية وفــق الفــق الــذي نــؤمن ونسـّلم بــه وهــو أن الشــريعة
الخاتمة جاءت لتغطي كل احتياجات النسان مــن هــذه الزاويــة،
فحيــث أن العصــر هــو عصــر الغيبــة فلبــد أن تلــبى مثــل هــذه
الحتياجــات ،ودون ذلــك نــواجه إشــكاليات خطيــرة جــدا ً علــى
المستوى اليماني والعملي تفقد البشرية علــى أساســها إيمانهــا
بخاتمية هذه الشريعة كمــا بــدا ذلــك واضــحا ً للبعــض فــي الونــة
الخيرة)].([6
1
دعوة هذا البحث تؤكد على ضرورة النهوض بأعباء البحث النقــدي
فــي داخــل مؤسســاتنا العلميــة ،وبــذلك ننفــض ركــام الــتراب
ول ســمة مواقفنــا المعشعش في داخل أروقتنــا التقليديــة ،لتتحـ ّ
من ردة فعل تنتظــر أفعــال الخريــن لتقــوم بعملهــا ،إلــى فعــل
يوصد الباب أمام جميع الثارت غير المدللة.
إن الواقــع الجتمــاعي مســؤول بالدرجــة الولــى بإعطــاء حــوادث
وعة مــن ميــادين مختلفــة للحقــل الفقهــي الســتنباطي بغيــة متن ّ
إيجاد شرعنة مدللـة لهــا ،وهـي ظـاهرة صـحية تســهم فـي نمــو
ور ،وبالتــالي ُنضــج العمليــة الجتهاديــة ،هــذه العمليــة الــتي
وتطـ ّ
تفتقر في تطورها ونموها إلى روافد مــن جميــع العلــوم الخــرى
جرها.للحيلولة دون جمودها وتح ّ
وللشارة إلى ضرورة تفعيل هذا الجانب الرفــدي ـ ـ إن جــاز مثــل
هذا التعبير ـ فـي تطـوير العمليـة الجتهاديـة نشـير إلـى كلمـات
بعض العلم المعاصرين:
) (1السيييد الشييهيد محمييد بيياقر الصييدر فييي معييالم
الصول:
وع الستاذ الشهيد الروافد الساسية للفكر الصــولي ،أو مصــادر ن ّ
إلهام العملية الستنباطية ـ على حد ّ تعبيرناـ إلى عدة روافد:
الرافد الول :بحوث التطبيق الفقهية.
الرافد الثاني :بحوث علم الكلم.
الرافد الثالث :البحوث الفلسفية.
كر الصولي. الرافد الرابع :الظرف الموضوعي الذي يعيشه المف ّ
الرافد الخامس :عامل الزمن.
الرافد السادس :عنصر البداع الذاتي)].([7
) (2السيد السيستاني في كتاب الرافد.
بعد ما وصف السيد السيستاني ـ في كتاب الرافد ــ الفــترة الــتي
نعيشــها بأنهــا تمّثــل الصــراع الحــاد بيــن التطرفــات الســلمية
والتطرفات الخرى جراء عوامل اقتصادية وسياسية معينــة ،رأى
ضرورة القيام بمهمة تطــوير علــم أصــول الفقــه )وهــي مفاتيــح
عملية الستنباط الفقهي بتعبيرنا( ،وبغية انجاز هذا التطوير لبــد
مــن الســتمداد مــن عــدة حقــول :كالحقــل الفلســفي والحقــل
القانوني والحقل النفسي والحقل الجتماعي وما إلـى ذلـك مــن
1
ومما تقدم يتضح بأن عملية الستنباط الفقهي ل تتوقف على نــوع
ق مجموع ـةٍ مــن واحد من المسائل فقط ،بــل هــي رهيــن تحقي ـ ِ
المســائل الفلســفية )أصــالة الوجــود أو الماهيــة مث ً
ل( واللغويــة
ل( والجتماعيــة ) أبحــاث الســيرة )المعنى الحرفي والمشــتق مث ً
ل( وغيرها من العلوم الخرى. العقلئية مث ً
وتأسيسا ً على مــا تقــدم يتضــح أن ل وجــود لموضــوع جــامع لهــذه
ن هذه موضوعات المسائل تترتب عليه أعراضه الذاتية؛ وذلك ل ّ
هذه المسائل خليط بين الحقيقة والعتبــار ،فل يمكــن أن نطبــق
عليها قاعدة أن لكل علم موضوع خاص به ،يبحث عن عوارضــه
الذاتية .نعم يمكن أن ُيفرض لهــا جــامع انــتزاعي أو اعتبــاري ،إل
أنه ليس بموضوع حقيقي في نهاية المطاف.
وقبل أن نختــم الحــديث فــي هــذه المقــدمات الضــرورية لبــد أن
نشير إلى أن التمايز الحاصل بين مســائل بحثنــا ]مفاتيــح عمليــة
الستنباط الفقهي[ هو تمايز غرضي فقط.
فعلــم الصــول كمــا أكــدته أبحاثنــا الصــولية ليــس بعلــم بــالمعنى
الصطلحي ]بمعنى أن له موضوع وعــوارض ذاتيــة[ ولــو ســلمنا
جدل ً ذلك فتمايزه عن غيره من العلوم ليس بالموضوع ،بــل هــو
تمــايز غرضــي فقــط ،وهــذا مــا صـّرحت بــه كلمــات جملــة مــن
العلم ،حيــث فرضــت طريقيــن لطبيعــة التمــايز الحاصــل بيــن
ما بالموضوعات )إذا كانت حقيقية ولها عــوارض ذاتيــة( العلوم ،أ ّ
وإما بالغراض والثــار المترتبــة عليهــا )كمــا هــو الحــال فــي مــا
يسمى بعلم الصول( )].([12
وة مــن بعــض )] ([1وما يقال في الستفسار عــن الفــائدة المرج ـ ّ
البحاث العقدية ]كــالبحث عــن أن لــواجب الوجــود ماهيــة أم ل،
وأنه متناهي أم ل ،وعن المامة وتفاصيلها( ناتج من الخلط فــي
معنى الفائدة المتوّقعة من بعض العلوم ،حيث يظ ّ
ن بأن الفــائدة
هي عملية فقط ،مع أن هــذا المــر خلف مــا قــدمناه؛ حيــث أن
الكثير من العلوم ل تحمل غاية وفائدة عملية تــدخل فــي ســدى
ولحمة العمل الفردي اليومي ،بل ل معنــى للبحــث عــن الفــائدة
في مثل هذا النوع من العلوم ،وإنما تكمن الفائدة في مثل هــذه
العلوم في أن العلم بها أفضل من الجهل بها.
)] ([2ل يخفى عليك وقوع الخلف في عدد أجــزاء القضــية ،فهــل
هي أربعة ،أم ثلثة ،أم اثنان ،وتفصيل الحديث في هذا الموضوع
شأن الدراسات المختصة.
)] ([3نهاية الحكمة ،تأليف :الستاذ العلمة السيد محمد حسين
الطباطبائي ،بإشراف :الشيخ ميــرزا عبــد اللــه نــوري ،مؤسســة
النشر السلمي التابعة لجماعة المدّرسين بـ قم المشــّرفة ،لــم
تذكر الطبعة ،جمادي الولى 1404هـ ق ،الموافق لشــهر بهمــن
1362هـ ـ ش :ص ،251الفصــل الثــامن مــن المرحلــة الحاديــة
عشر.
وللعودة إلى تفاصيل أكــثر :الحكمة المتعالييية فييي السييفار
العقلية الربعة ،حاشية السيد محمــد حســين الطباطبــائي :ج
1
x
عودة إلى تعريف الحكم
بعد أن اتضح محل النزاع ـ في البحاث السابقة ـ ـ لبــد مــن بيــان
تعريــف للحكــم الشــرعي ،فقــد عّرفــه المشــهور كمــا جــاء فــي
كلمات الغزالي بأنه خطــاب الشـرع إذا تعّلـق بأفعــال المكلفيــن
)احـــترازا ً مـــن الخطابـــات الشـــرعية غيـــر المتعلقـــة بأفعـــال
المكلفين( ،وقد جــاء هــذا التعريــف فــي كلمــات مــن بعــده مــن
العلماء.
وعّرفه الخضري بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفيــن طلبــا ً
)]
أو وضعًا ،وعند الفقهاء هو :الصفة التي هي أثــر ذلــك الخطــاب
.([1
كما عّرفه آخرون بتعاريف متعددة نقتصر على ذكر بعض منها:
®الطلب)].([2
®الرادة والكراهة المعلنة.
®إنشاءات خاصة بدواع مخصوصة ،وهي إما إنشاء بــداعي جعــل
الــداعي فعلً أو ترك ـا ً ـ ـ عــن مصــلحة لزوميــة أو غيرهــا أو عــن
مفسدة كذلك ـ فهــو إيجــاب وتحريــم واســتحباب وكراهــة ،وإمــا
دية من فعلــه إنشاء بداعي إرخاء العنان و الترخيص ،المقابل للب ّ
و تركه فهو إباحة)].([3
®هو سنخ الفعل الختياري الصادر من الشارع ،وليس هــو عبــارة
عــن الرادة والكراهــة ،أو الرضــا والغضــب ،فإنهــا مــن مبــادئ
الحكام...بل عبارة عن اعتبار نفساني مــن المــولى ،و بالنشــاء
ي ،ل أنه يوجد به)].([4
يبرز هذا العتبار النفسان ّ
®وجــراء المحــاذير الــتي وجـدت فــي تعريــف قـدماء الصــوليين،
والتي هي عبارة عن أن الخطاب هو مبرز وكاشف للحكم ،ل أنه
نفس الحكم .وأن تقييده بأفعال المكلفين يوجب خروج الحكــام
الوضعية التي ل توجه إلى المكلفين بشكل مباشر .وجــراء ذلــك
عدل السيد الشهيد الصــدر عــن التعريــف المشــهور عــن قــدماء
1
)اسييتعمال
الستعمال السييادس :موضييوع الحكييم الشييرعي
أصولي(
وجود الموضوع جعل ومجعول متقدما ً على وجود الحكم ،أمــا فــي
المجعول اّلذي هو الحكم الفعلي فلما بيناه مــن إ ّ
ن فعليــة الحكــم
المجعول فرع فعلية الموضوع ،وأما في عالم الجعل فلن الجاعل
يرى في أفق جعلــه إناطــة مجعــوله بتحقــق الموضــوع فهــو يــرى
الحكم متأخرا عن موضوعه«)].([26
وبذلك يتضح إن تغّير الموضوع يوجب تغّير الحكم؛ إذ الحكم )ألــف(
مثل ً مــترتب علــى الموضــوع )ب( ،ومــع تغّيـر )ب( إلــى )ج( مث ً
ل،
ن فعليــة الحكــام تابعــة
فســوف يتغي ّــر حكمــه بطبيعــة الحــال؛ ل ّ
لتحقق موضوعاتها .وأمثلة هذا التغّير والتبـديل كـثيرة جـدًا ،نظيـر
السفر فرارا ً من الصوم ،والهروب من أداء الخمس والزكاة بهبــة
الموال والمواشي قبل حلول الحول...ومــا إلــى ذلــك مــن أمثلــة
فقهية عديدة)].([27
ن المراد من الموضوع الذي نريد بحثه هنــا هــو:
ومما تقدم يتضح بأ ّ
الموضوع بالمعنى العم ،الذي يشمل المتعلــق ومتعلــق المتعلــق
والمكّلف بما له من الشرائط.
حي َــى ن يَ ْمد ُ ب ْـ ُح ّم َولعل من مؤيدات هذا التجاه الخير ما روي عن ُ
ن ث َعْل َب َـ َ عَ َ
ن
مـ ْ ن عَ ّ مــو ٍ مي ْ ُن َ ة ب ْـ ِ ل عَ ْ ن فَ ّ
ضا ٍ ن اب ْ ِمد ٍ ع َ ِح ّ
م َن ُ مد َ ب ْ ِ ح َ
نأ ْ ْ
َ
ل أُبو عَب ْدِ الل ّهِ ـ ـ ع ـ ـ َ
مــا س أنه قالَ :قا َ خن َي ْ ٍ ن ُ ه عَن ال ْ ُ ّ
معَلى ب ْ ِ ِ حد ّث َ َُ
ف فيه اث ْنان إّل ول َ َ م َ
لجـ ّ ب الل ّـهِ عَـّز وَ َ ل ِفي ك ِت َــا ِ ص ٌ
هأ ْ خت َل ِ ُ ِ ِ َ ِ ِ َ ُ مرٍ ي َ ْ نأ ْ ِ ْ
جال)].([16 ل الّر َ ه ع ُُقو ُ ن َل ت َب ْل ُغُ ُ وَل َك ِ ْ
لكــن يبقــى الســؤال الساســي الــذي شــغل أذهــان البعــض مــن
المحققين هو:
ما هي المراحل التي يجب على الفقيـه طيهـا لستكشــاف أحكــام
هذه الموضوعات المستحدثة؟
وفي مقام الجابة على هذا التساؤل نشير إلى وجود عدة مراحــل
لبد أن يمّر الفقيه فيهــا لســتنباط أحكــام هــذه المواضــيع ،نم ـّر
عليها إجما ً
ل:
المرحلة الولى :تحديد الموضوع وتشخيصه بدقة عالية.
المرحلة الثانية :محاولة عرض هذا الموضوع علــى موضــوعات
الحكــام الشــرعية )بأقســامها الثلثــة :المخترعــة ،المركبــة،
العرفية(؛ لرؤية ما يشابهه ،وبالتالي معرفة كيفية تعامل الشارع
مع هذا اللون من الموضوعات ،فتتشكل رؤيــة تعب ّــر عــن مــذاق
الشارع المقدس في كيفية التعاطي مع مثل هذه الحكــام ،وهــو
مــا يعب ّــر عنــه بنظريــة الشــباه والنظــائر فــي عــرف الدراســات
الصولية)].([17
المرحلة الثالثة :بعد النتهاء من المرحلة الثانية )التع ـّرف علــى
مذاق الشريعة العام( يبحث الفقيه حينئذ عن أدلة خاصة تقــترب
من دائرة هذا الموضوع)].([18
المرحلة الرابعة :بعـد خلــو يــد الفقيـه مـن أدلـة خاصـة ترتبـط
بموضوعه ،يتحول للبحث عن أدلة شرعية عامة لدراج موضوعه
تحتها)].([19
1
ة
)] ([1وفي سياق هذا القسم استنكر الشــارع المقــدس مجموعـ ً
مــن الســير العقلئيــة الــتي كــانت ســائدة فــي تلــك العصــور،
الســتنكار الــذي بــدا واضــحا ً لمــن راجــع ســّير الرســول وآلــه
1
2ـ العلم بفسق إمام الجماعة بعد افتراض اشــتراط العدالــة فــي
صحة الصلة.
3ـ العلم بنجاسة بدن أو ثوب المصلي.
ومــع عــدم اللتفــات إلــى اشــتراط وإطلق الحكــم تحصــل لــدينا
اختلفات كثيرة على مستوى البحث والفتوى بين الفقهاء.
4ـ العيان النجسة وحرمة المعاملة عليها:
قد يقول قائل بأن مّر الدليل الذي ساقه العلم لحرمــة المعاملــة
على العيان النجسة تكليفا ً ووضعا ً هو مطلق لــم يشــترط فيــه
ؤسســة فيمكــن شيء ،لكن لو أردنا تفحص هذا الــدليل برؤيــة م َ
افــتراض أن هــذا الطلق ليــس بســار فــي جميــع الحــوال ،بــل
الشارع لحظ في تشريعه المزبور وجود المنفعة المحللــة وعــدم
وجودها ،والتحريم أنصب على هذه العيان النجســة جــراء عــدم
وجود المنفعة المحللة فيهــا فــي ذلــك الزمــان .أمــا فــي الــوقت
الحالي فحيث أن هناك العشــرات مــن المنــافع المتصــورة منهــا
دت تجارة الدم من أهم التجارات العالميــة ،فل شــك فــي وقد ع ُ ّ
تزلزل هذه الحرمة.
قد يقال :إن الشــارع المقــدس أطلــق الحكــم ،فكيــف جــاز أن
يخصص هذه الطلق بوجود بعدم وجود المنفعة المتصورة؟
يقال :إن فرضية إطلق الحكم ل نسّلم بها ،بل إن إغفال عنصــر
الزمــان والمكــان هــو الــذي آل إلــى هــذه النتيجــة ،وفــي مثالنــا
الحالي لم يكن نقل الدم من بدن إلى بدن آخر متعارفا ً وبالتالي
لم تكن منفعة محللــة فيــه فأنصــب الحكــم الشــرعي علــى هــذا
الساس .والمر كذلك في المني والكلب وغيرهما...
وتأسيسا ً على ما تقدم نقرر بأن لحاظ مــا ُأخــذ مــن شــروط فــي
الموضوع سيغير مواقع هذه المواضــيع مــن دائرة الحرمــة إلــى
1
دائرة الجواز أو العكس ،وهو أمر يعود إلى طبيعــة أخــذ الشــارع
لهذا الموضوع .من هنا تحتم علينا القــول بضــرورة الخــروج مــن
العيش في ظل العهود السابقة وظروفها المؤطرة بإطار عرفها
وعاداتها ،وبالتالي لبد من التعــايش مــع واقعنــا المعاصــر لتلبيــة
احتياجاته من خلل متابعــة التطــورات الحاصــلة فيــه فــي جميــع
صــت الصعدة ،وهذا ما أكده المأثور من رواياتنا الشريفة الــتي ن ّ
على أن العالم بزمانه ل تهجم عليه اللوابس)].([5
النحو الرابع :موضوع الحكم مطلق أم مقّيد؟
لبد أن ُيدقق في المراد من الشيء الذي أخذه الشارع موضــوعا ً
للحكم الشرعي ،فقد يكون الموضوع مطلقا ً بحسب الظــاهر إل
أن المراد منه المقّيد ،وقد يكون الموضوع مقّيدا ً بحسب الظاهر
إل أن المراد منه المطلق ،وهذا هو ما يسمى بمناســبات الحكــم
والموضوع.
أما مثال هذا النحو فيمكن أن نلحظــه عنــد قــراءة التعليــل الــوارد
في كلمات المام الصادق )ع( للمــأثور عــن النــبي الكــرم )ص(
ن ظــاهر المــأثور يــدل علــى القــائل :أنــت ومالــك لبيــك؛ إذ إ ّ
الطلق ،فمن حقّ الب أن يتصرف بهمــا كيــف يشــاء ،مــن غيــر
لحــاظ الحاجــة والضــطرار أو أي شــيء آخــر.وهنــا قــرر المــام
الصادق )ع( في إجابة رجل فهم هذا العموم والطلق:
ل الل ّـه هَ ـ َ َ َ »إنما جاَء بأ َ
ذا أب ِــي وَقَ ـد ْ ِ ســو َ ل َيا َر ُ ي ص فََقا َ ِ ّ بّ نال لى إ ِ
ِ ِ ِ هبي ِّ َ َ
ه عَل َي ْـهِ وَعَل َــى َ خبره اْل َ َ َ ظ َل َمِني ميراِثي م ُ
ه قَد ْ أن َْفَق ُب أن ّ ُُ مي ،فَأ ْ َ َ ُ نأ ّ ِ ْ ِ َ َ
ك ِل َِبي ـ َ نْفسه ،فََقا َ َ
يٌء،شـ ْ ل َجـ ِ عن ْـد َ الّر ُن ِ م ي َك ُـ ْ ك ،وَل َـ ْ مال ُ َ ت وَ َ ل :أن ْ َ َ ِ ِ
ب ل ِِلْبن؟!«)].([6 س اْل َ َحب ِ ُ ل الل ّهِ ص ي َ ْ سو ُ ن َر ُ كا َ أ َفَ َ
من هنا لبــد مــن ملحظــة هــذه الواقعــة وظروفهــا فــي اســتنباط
الحكــم ،ول ينبغــي أن يكــون هــذا الحكــم ســيال ً ُيخــرج إطلق
القاعدة العامة التي تقرر عدم جواز تصّرف الوالد في مال ولده
1
إل لضرورة ومن غير سرف كما هــو ثــابت فــي محلــه .إن عــدم
اللتفات إلــى مثــل هــذه القــرائن )العــم مــن اللفظيــة واللبي ّــة(
وعدم أخذها بعين العتبار يوجب الوقوع في نتائج غير دقيقة.
هذا تمام الكلم في البحث الرابع وهو أنحاء أخذ الموضوع في
الحكم الشرعي.
البحث الخامس:
)]([1
وظيفة الفقيه إزاء موضوعات الحكام الشرعية
هل للفقيه مســؤولية إزاء موضــوعات الحكــام الشــرعية ،فيكــون
تقليده فيهــا مجزي ـا ً شــرعًا ،أم ليــس للفقيــه مســؤولية تجاههــا،
فيكون حاله والمقلد واحد ،فيجوز لــه ]أي الفقيــه[ التقليــد حينئذ
فيها؟
وفي إجابة السؤال المتقدم يمكن أن نجد ـ في حــدود المتابعــة ـ ـ
صل)] ،([2سنشير إليهــا وز ومانع ومف ّ
أربع نظريات توزعت بين مج ّ
بشكل موجز:
) صاحب الحدائق(
النظرية الولى :نظرية المحدث البحراني
ذهب المحدث البحراني في كتــاب الــدرر النجفي ّــة إلــى التفصــيل،
وتوضيح هذا التفصيل منوط بالعودة إلى ما قرره في أحدى درر
كتــابه المــذكور ،والــتي حملــت عنــوان) :دّرة نجفي ّــة فــي تقليــد
الفقيه بمسألة مع ثبوت خلفها للمكلف( .فبدأ بتصوير الشكالية
ل ،وانتقل بعد ذلك للجابة عليها.أو ً
قال في الدرر النجفية:
»...موضوع الحكم الشرعي هل يجــب علــى مــن عــدا الفقيــه أن
يقّلده فيه ،كما لو ثبت استحقاق زيد مثل ً للزكاة عند الفقيه ولــم
يثبت عند من عليه الزكاة مع معرفته بشروط الستحقاق؟ وكذا
1
قال في التنقيح:
»ل ينبغــي التوّقــف فــي عــدم جــواز التقليــد فــي الموضــوعات
الصرفة؛ لن تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عــن وظــائف
المجتهــد حــتى يتبــع فيهــا رأيــه ونظــره]...أمــا الموضــوعات
المستنبطة كما[ إذا بنى المجتهد على أن السورة ل تعتــبر فــي
مسمى الصلة وإنها أسم للجزاء والشرائط غير الســورة ،أو أن
الغناء هو الصوت المطرب ،ل ما اشتمل على الــترجيع مــن غيــر
طـــرب ،فهـــل يجـــب علـــى العـــامي أن يقلـــده فيهمـــا ،أو أن
الموضوعات المستنبطة من الشرعية والعرفية وغيرهما خارجــة
عن الحكام الشرعية ول يجرى فيها التقليد بوجه؟
والصــحيح ]فــي رأيــه[ هــو :وجــوب التقليــد فــي الموضــوعات
ن الشــك فيهــا
المستنبطة العم من الشــرعية وغيرهــا؛ وذلــك ل ّ
بعينه الشك في الحكام ،ومن الظاهر أن المرجــع فــي الحكــام
1
أعله ،فقد ذهب المشهور من العلم إلى عدم جواز التقليد في
أصول الدين؛ وذلك لن التقليد هو الستناد إلى قــول الغيــر فــي
مقــام العمــل ،وهــو ل يحصــل فــي المــور الــتي تتطلــب يقين ـا ً
واعتقادا ً كأصول الدين؛ إذ ل عمل فيها حتى يستند فــي طريقتــه
وكيفيته إلى الغير ،بل المطلوب فيها العتقاد واليقين القلبي.
نعم وقع بحث آخر في جواز الستناد إلى قول الغير الموّرث لهــذا
اليقين في مثل هذا البحث ،والصحيح ـ والكلم لستاذنا الخــوئي
ـ هــو الجـواز؛ وذلـك لن المطلــوب فـي العتقاديــات هـو العلــم
واليقين ،بل فرق في ذلك بين أسبابهما و طرقهمــا .بــل حصــول
اليقين من قول الغير يرجع في الحقيقــة إلــى اليقيــن بالبرهــان؛
لنه يتشكل عند المكلف حينئذ صــغرى وكــبرى فيقــول :هــذا مــا
أخــبر بــه أو اعتقــده جماعــة ،ومــا أخــبر بــه جماعــة فهــو حــق،
ونتيجتهمـا أن ذلـك المـر حـق ،فيحصـل فيـه اليقيــن بأخبـارهم.
أنظر :المصدر السابق :ص .411
)] ([7عوائد اليام فييي بيييان قواعييد الحكييام ومهمييات
،المولى أحمد بن محمد مهدي مسائل الحلل و الحرام
النراقي :ص 545ـ .546
وقد وقع البحث فــي كلمــات فـي أن الحكــام فـي بـاب التخاصــم
والتنازع يمكن إسنادها إلى الشارع أم ل؟
)] ([8أنظر في هذا الصدد :جواهر الكلم ،مصــدر ســابق :ج ،7
ص 405ـ .406
ســطها )] ([9كم هي الوسائط التي يوصــف النســان مقلــدا ً إذا و ّ
في أبحاثه ،فهل أن التقليد في علم أصول الفقه والرجال يجعله
مقلدًا ،والتقليد في علم النحو ل يجعله كذلك؛ لن قــول النحــوي
حجــة كمــا يقــررون؟! مــن هنــا لبــد مــن كشــف صــحة وســقم
الضابطة التي آلت إلى هذا القول بعد تحديدها ،وهذا ما سنكّفي
الحديث حوله في مباحث الجتهاد والتقليد إنشاء الله تعالى.
)] ([10العروة الوثقى :مسألة ،67باب الجتهاد والتقليد.
)] ([11مستمسك العروة الوثقى ،الســيد محســن الحكيــم،
مؤسسة دار التفسير ،ط 1416 ،1هـ ق :ج ،1ص .105
)] ([12التنقيح في شرح العروة الوثقى ،مصدر ســابق :ج
،1ص
1
:المفردة الثالثة
الزمان والمكان
تمهيد:
مقدمة لبــد أن نشــير إلــى الهميــة الكــبيرة الــتي يتمتــع بهــا هــذا
البحث ،حيث أن له ارتباط ليس بعلمي الفقه والصول فحسب،
بل بمجمل البحاث العقائدية الكلمية ،وتترتب عليه المزيــد مــن
النتائج والثمرات .ومن الجدير التذكير بما قررناه ســابقا ً مــن أن
البحـــث الحـــالي ليـــس بحثـــا ً )فقهيـــًا( أو )أصـــوليًا( بـــالمعنى
1
ن{ )البقــرة/ دوا ي َْفعَُلو َكا ُ ما َ ها وَ َ حو َ حقّ فَذ َب َ ُ ت ِبال ْ َجئ ْ َ ن ِ َ} -7قاُلوا ال َ
.(71
مدا ً إ ِل َ م الل ّ ُ ه ع َل َ ل الل ّ ل أ َرأ َ
ِ مْ وـَ ي ـى
ـ َ ر
ْ ـ س
َ َ
ل ـْ ي ُ ـ كْ ي ُ ـ َ ـ َ ع ج
َ نْ ِ إ م
ْ ـُ تْ ي } -8قُ ـ ْ َ
ة{ )القصص.(71/ ال ِْقَيا َ
م ِ
ن{ )السجدة]) (5/ دو َما ت َعُ ّ م ّ سن َةٍ ِ ف َ داُره ُ أ َل ْ َ مْق َ ن ِ كا َِ} -9في ي َوْم ٍ َ
.([14
أمــا البحــوث الفقهيــة فهــي مترتبــة علــى الســتعمال الجتمــاعي
العرفــي للزمــان والمكــان ،وهــي كــثيرة جــدا ً نقتصــر مــن بــاب
الشارة على نماذج منها:
1ي ميا يرتبيط بالزميان مين العبيادات :الواجبــات الموســعة
والمضــيقة ،أوقــات الصــلة ،الهلل ،الحــج...وهكــذا العديــد مــن
الموارد الخرى.
2ي ما يرتبط بالمكان من العبادات :الوقــوف فــي عرفــات،
الصلة خلف مقام إبراهيم ،يحرم الصلة في الرض المغصــوبة،
الســتقرار فــي الصــلة ،يســتحب الصــلة فــي المســجد ،يكــره
الصلة في الحمام ،استقبال تحديد القبلة واستقبالها.
وأخيرا ً فالمراد مــن الزمــان والمكــان فــي المفتــاح الول )ثبات
وتغّير موضوعات الحكام بلحاظ الزمان والمكان( ليس
هذه الستعمالت جميعًا ،بل المــراد منهمــا اســتعمال واصــطلح
رابع سنقف على تحديد معالمه مفصل ً في الفصل الثـاني إنشـاء
الله.
المفردة الرابعة:
الثبات والتغّير
للثبات والتغّير استعمالت متعددة في العلوم ،وما يخص بحثنا هــو
ثبات الموضوع وتغّيره ،فهل التغّير يطرأ على أصل الموضوع ،أو
يطرأ على خصائصه الداخلية من غير أن يتبــدل خارج ـًا ،أو علــى
1
)] ([1أنظر :لسان العرب ،أبن منظور :ج ،13ص .365 .199
)] ([2وهذا الستعمال ليس له ارتباط بالبحاث الفقهية والصولية
فحسب ،بل له ارتباط وثيق بالبحاث الكلمية والعقائدية ،وله
نتائج وثمرات خطيرة كما سنشير إليها لحقًا.
)] ([3أدعى الشيخ العظم في الرسائل الجماع على الحدوث
الزماني للعالم ،وهو كما ترى؛ فهذه النتيجة تتمخض من التجاه
المؤمن بظرفية الزمان فقط .مضافا ً إلى إن الجماع الصولي
ل معنى له في مثل هذه البحاث.
)] ([4لعل أهم تطبيق أصولي لهذا المطلب هو بحث استصحاب
الزمانيات ،وهل أن الزمان يستصحب أم ل؟ ومن غير الوقوف
على تحرير محل النزاع بشكل واضح ل يمكن الوصول إلى
نتيجة ناجعة.
قال المحقق النائيني في أجود التقريرات:
»ل فرق في جريان الستصحاب بين أن يكون المتيقن من المــور
القاّرة ،أو من المور التدريجية الغير القارة ،كالزمان والزمانيات
ل ،فيقع الكلم التي ل يجتمع أجزاؤها في زمان واحد كالحركة مث ً
في مقامين :الول في جريان الستصــحاب فــي نفــس الزمــان،
والثاني في جريانه في الزماني .اما المقــام الول :فربمــا يقــال
فيه بعدم جريان الستصحاب نظرا ً إلى أن المقدار المتيقن مــن
الزمان قد انصرم وانقضى يقينًا ،والمقــدار المشــكوك مشــكوك
الحدوث فليس هنــاك مــا يكــون .«...أجــود التقريــرات:ج ،4ص
.102
1
)] ([5وهذا شاهد آخر يضاف إلى بقية الشواهد على تداخل
البحاث في عملية الستنباط الفقهي ،فالعملية الجتهادية عملية
جماعية تتألف من مجموعة من التخصصات ،تجتمع فيما بينها
لتؤدي الغرض المطلوب .ومن غير التنبه لهذا التداخل اليجابي
ل يمكن الوصول إلى نتيجة سليمة.
)] ([6هذه الوجودات قد تكون مجردة أو موجودات أمرية أو غير
ذلك ،وتفصيله يطلب من مظانه.
طو ُ ه أَ ْ
ن
مو َم ل َ ت َعْل َ ُمَهات ِك ُ ْنأ ّ ن بُ ُ ِ م ْم ِجك ُ ْ
خَر َ )] ([7قال تعالىَ :والل ّ ُ
َ َ
ن.شك ُُرو َ م تَ ْ صاَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ معَ َوالب ْ َس ْ م ال ّل ل َك ُ ُ شْيئا ً وَ َ
جعَ َ َ
)النحل.(78/
)] ([8سأل اينشتاين ـ العالم الفيزيائي المشهور ـ ذات مرة :إذا
ذهبنا إلى حافة العالم وألقينا شيء إلى خارج العالم أين يقع هذا
الشيء؟
جد له مكان؛ لن ل :بمجرد أن يرمى هذا الشيء ُيو ْ فأجاب قائ ً
جد بوجودها. المكان ليس بظرف تقع فيه الشياء ،بل يو َ
)] ([9ل بأس أن نشير ـ لهمية المبحث ـ إلى طبيعة الجسم
المحشور يوم القيامة ،فهل هو نفس الجسم المادي بجميع
بخصائصه ،أم أنه سنخ آخر؟
هناك ثلث نظريات في تفسير حقيقة الجسم الذي يحشر يوم
القيامة )=المعاد(:
النظرية الولى :المحشور هو نفس الجسم المادي بما له من
خصائص زمانية ومكانية دون أي تفاوت.
النظرية الثانية :المحشور ل يحمل زمانا ً ومكانا ً فلسفيًا.
م له مكان من غير أن يكون له النظرية الثالثة :المحشور جس ٌ
زمان بالمعنى الفلسفي )=الخروج من القوة إلى الفعل( ،فل
يحمل أحدى خاصيات الجسم المادي التي هي النتقال من
القوة إلى الفعل .ولعل هذا هو مفاد المأثور :اليوم عمل ول
حساب ،وغدا ً حساب ول عمل.
)] ([10للرض حركتان:
الولى :حركتها حول نفسها والتي يتولد منها الليل والنهار ،وهي:
الحركة الوضعية.
1