كمال الحيدري مفاتيح عملية الاجتهاد الفقهي

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 77

‫‪1‬‬

‫المفتاح الول‪24...............................................................................................................................:‬‬
‫ثبات وتغّير موضوع الحكم الشرعي )بلحاظ الزمان والمكان(‪24.....................................................................‬‬
‫تمهيد‪24.......................................................................................................................................‬‬
‫الفصل الول‪26................................................................................................................................:‬‬
‫ويقع البحث في هذا الفصل في عدة مفردات‪26....................................................................................:‬‬
‫المفردة الولى‪ :‬الحكم‪26.................................................................................................................‬‬
‫الستعمال الول‪ :‬الستعمال المنطقي‪26...........................................................................................‬‬
‫)‪ (1‬أحد أجزاء القضية‪27..................................................................................................................‬‬
‫)‪ (2‬التصديق كقسم من أقسام العلم الحصولي‪27..............................................................................‬‬
‫الستعمال الثاني‪ :‬الستعمال الكلمي‪27............................................................................................‬‬
‫الستعمال الخامس‪ :‬حكم القاضي في المخاصمات‪29..............................................................................‬‬
‫المفردة الثانية‪34............................................................................................................................. :‬‬
‫الموضوع‪34......................................................................................................................................‬‬
‫البحث الثاني‪ :‬الفرق بين المتعلق وبين الموضوع بحسب الصطلح‪40..........................................................‬‬
‫والمتعلق على نحوين‪40...............................................................................................................:‬‬
‫البحث الثالث‪47........................................................................................................................... :‬‬
‫أقسام موضوعات الحكام الشرعية‪47.................................................................................................‬‬
‫القسم الول‪ :‬الموضوعات المخترعة‪47.............................................................................................‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الموضوعات المركبة‪47..............................................................................................‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬الموضوعات العرفية‪48..............................................................................................‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬الموضوعات المستحدثة‪50..........................................................................................‬‬
‫البحث الرابع‪55.............................................................................................................................:‬‬
‫أنحاء أخذ الموضوع في الحكم الشرعي‪55............................................................................................‬‬
‫ربما يحمل الموضوع موضوعية للحكم الشرعي فيكون بنفسه موضوعا ً له بحسب الظاهر‪ ،‬لكن التدقيق في حاله‬
‫ـ عن طريق القرائن الزمكانية الداخلية والخارجية ـ في واقع المر يكشف خلف ذلك‪ ،‬ويصّيره عنوانا ً مشيرا ً إلى‬
‫موضوع آخر‪57............................................................................................................................‬‬
‫النحو الثالث‪:‬موضوع الحكم مشروط أم عام؟‪57.................................................................................‬‬
‫النحو الرابع‪ :‬موضوع الحكم مطلق أم مقّيد؟‪59...................................................................................‬‬
‫النظرية الثانية‪ :‬نظرية النراقي في عوائد اليام‪64................................................................................‬‬
‫النظرية الثالثة‪ :‬نظرية السيد كاظم اليزدي في العروة الوثقى‪65.............................................................‬‬
‫الستعمال الثاني‪ :‬الزمان والمكان العلمي‪72.........................................................................................‬‬
‫الستعمال الثالث‪ :‬الزمان والمكان العرفي أو الجتماعي‪73....................................................................‬‬
‫وأخيرا ً فالمراد من الزمان والمكان في المفتاح الول )ثبات وتغّير موضوعات الحكام بلحاظ الزمان والمكان( ليس‬
‫هذه الستعمالت جميعًا‪ ،‬بل المراد منهما استعمال واصطلح رابع سنقف على تحديد معالمه مفصل ً في الفصل‬
‫الثاني إنشاء الله‪74.........................................................................................................................‬‬
‫‪1‬‬

‫توطئة‬
‫إذا ما أردنا استقراء طبيعة الدرس الفقهــي فــي الحــوزة العلميــة‬
‫نجده على أنحاء متعددة‪:‬‬
‫النحو الول‪ :‬مــا هــو متعــارف ومتــداول فــي البحــث الفقهــي مــن‬
‫تصنيف الفقه إلى عدة أبواب تقليديــة أ ّ‬
‫طلــع عليهــا الجميــع فــي‬
‫مراحل دراسية سابقة‪.‬‬
‫النحو الثاني‪ :‬البحاث الفقهية التي تتناول الموضوعات المستحدثة‬
‫في الحياة المعاصرة‪.‬‬
‫النحو الثالث‪ :‬وهو ما نقترحه من خلل محاولة تطبيقيــة فــي هــذه‬
‫الدروس اصطلحنا عليها بـ ‪:‬‬
‫)مفاتيح عملية الجتهاد الفقهي(‪.‬‬
‫نود أن نقف الن على هذا النحو الثالث المقترح ونزيده تفصي ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ن عملية الجتهاد الفقهي عملية مركبـة وليسـت عمليــة بسـيطة‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫بمعنى أنك عندما تدخل إلى العملية الجتهادية بالمعنى العام لها‬
‫تجد أمامك مجموعة مــن الدوات والعلــوم والمعــارف لبــد مــن‬
‫الســتفادة منهــا كــي تســتطيع أن تســتنبط حكــم مســألة فقهيــة‬
‫واحدة‪ .‬فحينما نــدخل إلــى البحــاث الصــولية ــ ونحــن نريــد أن‬
‫نمــارس العمليــة الســتنباطية ـــ نلحــظ الكــثير مــن المســائل‬
‫والمقدمات المرتبطة بهذه البحاث ترجع في جذورها إلى علــوم‬
‫أخرى‪ ،‬نظير‪ :‬علم الرجال‪ ،‬وعلم الحــديث‪ ،‬وعلــم اللغــة وفقههــا‬
‫ل(‪ ،‬وعلم التفسير‪ ،‬وعلم‬ ‫)المعني الحرفي ومسألة الظهورات مث ً‬
‫ل(‪ ،‬وبعــض قواعــد المنطــق‬ ‫الكلم )أبحــاث الحســن والقبــح مث ً‬
‫ل(‪...‬وغيرها‪.‬‬‫الفلسفة )مسألة أقسام الكلي والماهيات مث ً‬
‫ن هناك العشرات من الموضوعات والبواب المعرفية التي يهتــم‬ ‫إ ّ‬
‫الفقيه بمعالجتها تحتاج إلى اختصاصات جديدة لــم نألفهــا داخــل‬
‫حوزاتنا وحواضرنا العلمية كما هو الحــال فــي حاجتنــا إلــى علــم‬
‫الجتماع وعلم النفس وعلم الفلك )والموضوع الخيــر ممــا تعــم‬
‫البلوى فيه هذه اليام بشكل متزايــد(‪ ،‬وإن كــان التقليــد الحــاكم‬
‫لدينا ـ ومع السف الشديد ـ هو غياب هذه العلوم وعدم الهتمام‬
‫بها كما ينبغي‪.‬‬
‫ويمكننا علــى ســبيل المثــال أن نلحــظ تــأثيرات هــذا الغيــاب فــي‬
‫واحدة من أهم الظواهر العملية والعلمية في حياة اليــوم‪ ،‬وهــي‬
‫‪1‬‬

‫عبارة عن ابتعاد الرسائل العملية وانفصالها عن الواقــع العملــي‬


‫والجتمــاعي للنــاس علــى حســاب تضــخم ظــاهرة الســتفتاءات‬
‫وأجوبتها المســتقلة فــي كتــب ومواقــع الكترونيــة مكّرســة لهــذا‬
‫الجانب أو تغطية حاجــات النــاس المتناميــة مــن خلل الســتفتاء‬
‫المباشر من الفقيه‪ .‬على أن نشير بأن هناك بعــض الســتثناءات‬
‫لهــذه الحالــة بطبيعــة الحــال‪ ،‬كمــا هــو المــر بالنســبة لمحاولــة‬
‫)الفتاوى الواضحة(‪ ،‬ولكنها تبقى اسـتثناءات طفيفــة ل تحـد مـن‬
‫وجود الظاهرة العامة والغالبة التي نتحدث عنها ‪.‬‬
‫ك في أن عملية الجتهــاد الفقهــي لســتنباط حكــم‬ ‫ينبغي أن ل ُيش ّ‬
‫موضوع معين من الموضوعات‪] ،‬سواء أكانت تلك الموضــوعات‬
‫عرفيــة أم شــرعية أم مســتنبطة أم مســتحدثة أم غيرهــا مــن‬
‫أقسام الموضوعات الثمانية الـتي سـنتحدث عنهـا لحقـًا[ تفتقـر‬
‫إلى أكثر من )علم أصول الفقه(‪ ،‬فهذا العلم ما هو إل أداة داخل‬
‫عملية الستنباط وليــس هــو الداة الوحيــدة الــتي تحتكــر تمثيــل‬
‫ن الفقيه ما لــم يكــن رجالي ـا ً وعالم ـا ً بعلــوم‬
‫العملية الفقهية؛ إذ إ ّ‬
‫الحديث واللغــة وفقــه اللغــة وهكــذا بقيــة العلــوم‪...‬ل يمكــن لــه‬
‫ممارســة العمليــة الســتنباطية‪ ،‬وبالتــالي ل يســتطيع أن يكــون‬
‫فقيهًا‪ ،‬ونعني بـ )الفقه( هنا الستنباط‪ ،‬أي تلك العمليــة المر ّ‬
‫كبــة‬
‫المعّقدة‪ ،‬وليس )الفقه( في مقابل علــم الصــول حــتى إذا صــار‬
‫الشخص أصوليا ً صار مستنبطًا‪.‬‬
‫ن دراســة‬ ‫قد يتصور البعض ـ ـ جــراء ابتلئه بشــبهة مصــداقية ـ ـ بــأ ّ‬
‫وإتقان مفردات البحث الصــولي كافيــة فــي صــيرورة الشــخص‬
‫فقيهًا‪ ،‬لكن هذا التصـور محـض تـوهم ليـس إل؛ فالجتهـاد ليـس‬
‫مقولة متواطئة‪ ،‬بل مشككة‪ ،‬بمعنى أنه قد يكون هنــاك إنســان‬
‫مجتهد في زمن الشيخ الطوسي ولكن إذا أتيت به إلى مقــاييس‬
‫الجتهاد في زماننا فإنه ل يعد مجتهدا ً بالمرة‪.‬‬
‫وهــذا ينطبــق علــى الفقهــاء المعاصــرين لزمــن الئمــة )عليهــم‬
‫السلم(‪ ،‬الذين يعّبر عنهم الســيد الخــوئي فــي كتــابه )التنقيح‬
‫في شرح العروة الوثقى( بـ )فقهاء الئمة ]عليهم السلم[(‬
‫ـ فـزرارة ليس براوي فقط‪ ،‬بل وفقيه أيضًا‪ ،‬ولكن ليـس بمعنـى‬
‫أنه يستطيع أن يكتب علم الصول كما كتبه الشيخ النصــاري‪ ،‬أو‬
‫أن يكتب فقها ً كما هو في ]جواهر الكلم[ للشــيخ الجــواهري‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫أو في ]مستمسك العروة الوثقى[ للســيد الحكيــم‪ ،‬أو فــي‬


‫]التنقيح في شرح العروة الوثقى[ للسيد الخوئي‪ ،‬إنما هو‬
‫ومــن ســواه مــن فقهــاء ذاك العصــر )فقهــاٌء( بمســتوى عمليــة‬
‫الجتهاد التي تكشف عنها أسئلتهم التي سألوها الئمــة والجوبــة‬
‫التي جاءتهم‪ ،‬وليس أكثر من هذا‪ .‬فقهاء ليــس لــديهم مــن علــم‬
‫الصول والقواعد الجتهادية إل روايــتين أو ثلث أو أربــع روايــات‬
‫في باب التعارض‪ ،‬ورواية أو روايتين في باب الستصحاب‪.‬‬
‫وهذا هو بالتحديد ما عّبر عنه الشيخ الطوسي )رحمــة اللــه تعــالى‬
‫ل‪ :‬إن أكثر الفقهاء حتى زماننا هــذا كــانت‬ ‫عليه( عندما تحدث قائ ً‬
‫مســائلهم العمليــة تكتفــي بطــرح نفــس النصــوص الــواردة فــي‬
‫الروايات وتلتزم بها حرفيًا؛ وهــو مــا دفــع البعــض مــن المتفقهــة‬
‫والمنتســبين إلــى علــم الفــروع مــن مخالفينــا أن يســتنزر فقــه‬
‫مدرسـة أهـل الـبيت وينسـب فقهـاءهم إلـى قلـة الفـروع وقلـة‬
‫المسائل‪ .‬من هذا التهام الجائر سوف ينطلق الشــيخ الطوســي‬
‫في تدوين كتابه الشهير )المبسوط في فقــه الماميــة( ليتخطــى‬
‫المرحلة السابقة عليــه )فقهــاء عصــر الئمــة( وليرتفــع بالعمليــة‬
‫الجتهادية في عصره لهذا المستوى الكبير والرفيع الذي يعرضــه‬
‫لنا كتاب المبسوط)]‪.([1‬‬
‫ولكن لو قسنا المور بمنظار عصرنا فسوف يزداد الفارق اتســاعا ً‬
‫بين العملية الجتهادية ـ كما لدينا اليوم ـ وبين ليس فقــط عصــر‬
‫زرارة وما بعده الذي تحدث عنه الشيخ الطوسي‪ ،‬بل وبين عصر‬
‫الشيخ الطوسي نفسه أيضًا‪.‬‬
‫النتيجة التي نريــد أن نفــرغ إليهــا ــ وهــذا مــا أكــدناه فــي بــدايات‬
‫البحث ـ أن العملية الجتهادية عمليـة مشـككة وليـس متـواطئة‪،‬‬
‫فقد يكون الشخص مجتهدا ً وفق اشتراطات عملية الجتهاد فــي‬
‫عصر ما ولكنه غير مجتهد بحســب اشــتراطات عمليــة اجتهاديــة‬
‫لعصر آخر‪ .‬ول يقتصر المر في التشــكيك علــى هــذا النحــو مــن‬
‫الفواصل؛ أي الفواصل بحسب العصور والحقــب الزمنيــة‪ ،‬وإنمــا‬
‫قد يكون التشكيك ضمن عصر واحد؛ وذلك حين يكــون التفــاوت‬
‫في العملية الجتهادية راجعا ً للمدرسة الفكرية والجتهاديــة الــتي‬
‫ينتمي لها الشخص‪ ،‬فقد يكون مجتهدا ً وفــق مســتوى تتحلــى بــه‬
‫‪1‬‬

‫المدرســة الكذائيــة ولكنــه غيــر مجتهــد بحســب مســتوى آخــر‬


‫لمدرسة أخرى)]‪.([2‬‬
‫ونظيــر التشــكيك فــي التفــاوت الزمنــي والتفــاوت المدرســي‪،‬‬
‫التفـاوت الحاصــل جـّراء تعـددت الصـول‪ ،‬وهــذه القضـية نراهــا‬
‫بشكل واضح وصريح في كلمات صــاحب )الكفايــة(‪ ،‬فهــو يقــول‬
‫في كتابه هذا‪:‬‬
‫»وبالجملة ل محيص لحد في استنباط الحكام الفرعية من أدلتها‬
‫إل الرجوع إلى ما بنى عليــه فــي المســائل الصــولية‪ ،‬وبــدونه ل‬
‫يكاد يتمكن من استنباط واجتهاد‪ ،‬مجتهدا ً كان أو أخباريا ً)]‪ .([3‬نعم‬
‫يختلــف الحتيــاج إليهــا بحســب اختلف المســائل و الزمنــة و‬
‫الشخاص ضرورة خفة مئونة الجتهاد فــي الصــدر الول و عــدم‬
‫حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في الزمنة اللحقــة ممــا ل يكــاد‬
‫يحقق و يختــار عــادة إل بـالرجوع إلــى مــا دون فيــه مــن الكتــب‬
‫الصولية«)]‪.([4‬‬
‫ن العقل الستنباطي كان يتصور منذ سبعين أو‬ ‫وهذا يكشف على أ ّ‬
‫ثمانين ســنة خلــت ــ ويعــد هــذا التصــور مــن القضــايا الواضــحة‬
‫والمســلمة ـــ بــأن الشــخص إذا صــار أصــوليا ً يكــون مجتهــدا ً‬
‫بالضرورة‪ ،‬إل أننا اليــوم نعــرف أن هــذا الشــخص ذاتــه ل يكــون‬
‫مجتهــدا ً بمجــرد كــونه أصــوليًا‪ ،‬وأن الحاجــة للمســائل الصــولية‬
‫تتفاوت بحسب اختلف المسائل والزمنــة والشــخاص؛ ضــرورة‬
‫أن للجتهاد في تلك الفترة من الزمن حــدود وضــوابط ل يمكــن‬
‫لها البقاء على ما هي عليه في فترتنا الحالية والمستقبلية‪.‬‬
‫على كـل حـال‪ ،‬نحـن فـي العمليـة الجتهاديـة نحتـاج ل إلـى علـم‬
‫الصول فحسب‪ ،‬بل إلى مجموعة من المفاتيح التي تمكننــا مــن‬
‫سبر أغوار هذه العملية‪ .‬وهــذه المفاتيــح ليســت مقصــورة علــى‬
‫علم دون علم أو اختصاص دون اختصاص‪ ،‬بل قد يكون المفتــاح‬
‫الذي نحتاج إليه مرتبطا ً بنظرية المعرفة‪ ،‬أو مرتبطا ً بعلم الكلم‪،‬‬
‫أو مرتبطــا ً بالفلســفة‪ ،‬أو مرتبطــا ً بالتفســير‪ ،‬أو مرتبطــا ً بعلــم‬
‫الصــول بــالمعنى الصــطلحي لهــذه الكلمــة‪ ،‬أو مرتبط ـا ً بعلــم‬
‫الرجــال‪ ،‬أو مرتبط ـا ً باللغــة وفقــه اللغــة علــى أبوابهــا الواســعة‬
‫والمتشعبة‪...‬وهكذا بقيــة العلــوم والختصاصــات الــتي تفيــد فــي‬
‫الكشف عن أبعاد هذه العملية )العملية الجتهاديــة( وتســهم فـي‬
‫‪1‬‬

‫تطويرها‪ .‬على هذا الساس‪ ،‬وبهذا المستوى من الفــق الفكــري‬


‫نريد أن نبدأ البحث إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫ومما تقدم يتضح وجود كم كبير مــن المفاتيــح الضــرورية للــدخول‬
‫فــي عمليــة الســتنباط الفقهــي‪ ،‬ينبغــي علينــا الوقــوف عليهــا‬
‫متفحصين حدودها وضوابطها وأصولها‪ ،‬لكن علينــا الوقــوف أول ً‬
‫على أهمها‪ ،‬وهي بنحو مختصر كالتالي‪:‬‬
‫المفتاح الول‪:‬‬
‫ثبات وتغّير موضوع الحكم الشرعي‬
‫الجميع يعرف أن الحكــم الشــرعي يــترتب علــى الموضــوع‪ ،‬وهنــا‬
‫نسأل‪ :‬هل الموضوعات)]‪ ([5‬في الفقــه الســلمي ثابتــة‪ ،‬ل تتغيــر‬
‫مواقعها‪ ،‬أو أنها متغيرة بحسب بعض الحيثيات؟‬
‫وإنما عّبرنا عن الموضوعات في السؤال أعله بـ )الفقهية(؛ لعــدم‬
‫وجــود موضــوعات غيــر فقهيــة‪ ،‬نظــرا ً لعتقادنــا بــأن الشــريعة‬
‫الســلمية تغطــي جميــع تفاصــيل حيــاة النســان‪ ،‬وأنــه مــا مــن‬
‫"واقعة"‪ ،‬أي موضوع‪ ،‬إل وله حكم في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫إن ثمرة تحقيق هذا السؤال هو أنه إذا ثبت أن الموضوعات ثابتة‪،‬‬
‫فسيوجد لكل موضوع حكم واحد ل يتبدل‪ ،‬فإما أن نصــيب حكــم‬
‫ذلك الموضوع فيكون لــدينا حكــم واقعــي‪ ،‬وأمــا أن نخطــأ حكــم‬
‫ذلــك الموضــوع فيصــير الحكــم حكمـا ً ظاهريـًا‪ .‬أمــا إذا قبلنــا أن‬
‫الموضوعات ضمن شرائط وقيود وظروف معينــة تتبــدل وتتغيــر‬
‫من زمان إلى زمان فسيكون للموضوع الواحد ـ ـ واحــد بحســب‬
‫الظاهر ـ أحكام متعددة‪.‬‬
‫وهذه الفكرة تترتب عليها عدة نتائج خطيرة في عملية الستنباط‪،‬‬
‫أحــدها‪ :‬هــو فهــم الختلف والتعــارض الواقــع فــي روايــات أهــل‬
‫البيت)عليهم أفضل الصلة والسلم(‪ ،‬فعندما نجــد المــام البــاقر‬
‫)عليه السلم( مثل ً يصرح في الموضوع الفلنـي بحكـم الوجـوب‬
‫ثم ننتقل إلى المام العسكري )عليــه الســلم( فنجــد أنــه يقــول‬
‫بالحرمة في نفس الموضــوع‪ ،‬ســيكون بوســعنا التســاؤل ــ بنــاء‬
‫على نظرية تغّير الموضــوعات ــ بشــأن هــذا الختلف وهــل هــو‬
‫تعارض فعل ً أم أنه مجرد اختلف ناشيء عن التغّير في الزمــان‪،‬‬
‫وعليه فسيكون كل الحكمين صحيح‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وبخلف ذلك لو رفضنا النظرية وقلنا إن الموضوع ثــابت ل يتغّيــر‪،‬‬


‫فيسكون لدينا تعارض بين النصين‪.‬‬
‫ن الســـائد فـــي العمليـــة الجتهاديـــة لـــدينا اليـــوم هـــو تجريـــد‬
‫إ ّ‬
‫الموضوعات عن زمان حصولها وصدورها‪ ،‬وفصلها عن ظروفهــا‬
‫الزمانية والمكانية‪ ،‬وعن شرائط وقيود وزمــان الصــدور ‪ ..‬وهــذا‬
‫الفصل هو في الواقع أحد أسباب اختلف الفتــوى عنــد الفقهــاء‪،‬‬
‫جح الرواية الكذائية فيقــول بــالوجوب والخــر يختلــف‬ ‫فالبعض ير ّ‬
‫جح الرواية الخرى فيذهب للحرمة ‪ ..‬وهكذا دواليك‪.‬‬ ‫معه فير ّ‬
‫من هنا تنشأ الحاجة إلى هذا البحث الحساس جدًا‪ ،‬والــذي يمكننــا‬
‫تقدير أهميته الهائلة قياسا ً بما درج عليــه البعــض مــن اســتنزاف‬
‫وقته في مسائل من قبيــل‪ :‬أحكــام الــبئر‪ ،‬أو الكــثير مــن أحكــام‬
‫الحج‪ ،‬أو أن المــاء طــاهر ومطهـر‪...‬ونظــائر ذلـك مـن المســائل‬
‫العديمة الجدوى)]‪.([6‬‬
‫المفتاح الثاني‪:‬‬
‫ثبات وتغّير نفس الحكم الشرعي‬
‫كان الحديث في المفتاح السابق عن ثبات وتغي ّــر موضــوع الحكــم‬
‫الشرعي‪ ،‬أما الحديث في هذا المفتاح فهو في ثبات وتغّير نفس‬
‫الحكم الشرعي‪ ،‬فهل هو ثابت منذ أن صدر في بدايات التشريع‬
‫السلمي‪ ،‬أم أنه يتغّير بحكم عدة عوامل؟‬
‫المفتاح الثالث‪:‬‬
‫هل يتحمل الفقيه مسؤولية تشخيص الموضوع؟‬
‫هذا المفتاح على علقة وثيقــة بالمفتــاح الول‪ ،‬ووظيفتــه مناقشــة‬
‫المهمة التي يضطلع الفقيه بها فــي العمليــة الســتنباطية‪ ،‬وهــل‬
‫هــي تقتصــر علــى اكتشــاف الحكــم الشــرعي‪ ،‬أو تتعــداه إلــى‬
‫فضاءات تشخيص )الموضوعات(؟‬
‫كما أننا لم نقّيد ـ أيضا ً ـ )الموضوعات( فـي الســؤال أعله بكونهـا‬
‫)فقهيــة(؛ لن الفــتراض الــذي ننطلــق منــه هــو عــدم وجــود‬
‫)موضــوع( غيــر فقهــي؛ لنــه مــا مــن واقعــة إل ولهــا حكــم فــي‬
‫الشــريعة‪ ،‬واعتقادنــا أن الخطــاب اللهــي جــاء لتنظيــم )جميــع(‬
‫تفاصــيل حيــاة النســان دون أن يشــذ عنــه شــيء حــتى أرش‬
‫الخدش‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن ثمرات هذا المفتاح التحقيق بشأن المقولة الرائجة والسائدة‬


‫على اللسن التي تذهب إلى حصر مهمــة الفقيــه فــي )اســتنبط‬
‫الحكم( فقط‪ ،‬دون أن يتحمــل مســؤولية )تشــخيص الموضــوع(‪.‬‬
‫سســة علــى فكــرة أن الموضــوعات واضــحة‬ ‫هــذه المقولــة المؤ ّ‬
‫عرفًا‪ ،‬ول تحتاج إلى بحث يتساوى فيه الفقيه والمقّلد علــى ح ـد ّ‬
‫سواء‪.‬‬
‫إننا نرفض هذه الفكرة التي تخلو من الدقة؛ لننا نعلــم أن العــم‬
‫الغلب من الموضوعات قد أخضعها الشرع لمــوازينه مــن تقييــد‬
‫أو توســيع‪ ،‬وأضــاف لهــا قيــودا ً وشــروطا ً وموان ـعَ لتنســجم مــع‬
‫الحكام الــتي يضــعها لهــا‪...‬هــذا فــي الموضــوعات الــتي تناولهــا‬
‫الشرع‪.‬‬
‫أما باب الموضوعات المستحدثة التي ل أثر لها في الشريعة‪ ،‬فإنه‬
‫يستحيل استنباط أحكامها دون معرفة الموضوع‪.‬‬
‫إذن يمكننا بناء علــى الســؤال الــذي يضــطلع بــه هــذا المفتــاح أن‬
‫ُندخل في قاموس وظائف الفقيه وظيفة جديدة وأساسية؛ وهي‬
‫عبارة عن وظيفة تشخيص الموضــوعات ورصــد التغي ّــرات الــتي‬
‫تطالها ‪ .‬وقد بحث علمائنا بشكل متناثر وغير واضح أقسام تغّيــر‬
‫الموضوع‪ ،‬ولعهــا تصــل إلــى عشــرة أقســام‪ ،‬منهــا علــى ســبيل‬
‫المثال‪ :‬تغّير )الستحالة( ‪ ،‬واستحالة الشيء إلى شيء آخر‪ ,‬كما‬
‫في باب نجاسة الماء‪ ،‬وسنتعرض لبعــض أقســام هــذه المفــردة‬
‫في القادم من البحث‪.‬‬
‫المفتاح الرابع‪:‬‬
‫إثبات أو نفي الحكام الولئية‬
‫هذا المفتاح ينطلق مــن الســؤال التــالي‪ :‬هــل توجــد لــدينا أحكــام‬
‫ولئية في الدين؟‬
‫علينا التنويه في البداية أن هذا البحث ل علقة له بمــا يتــم تنــاوله‬
‫في مبحث )ولية الفقــه( ومــا يطــرح فيــه مــن تســاؤلت بشــأن‬
‫صــلحيات الفقيــه‪ .‬إنمــا موضــوع هــذا الســؤال هــو بيــان طبيعــة‬
‫الحكام الولئية في الدين وسعة دائرتها بالنسبة إلــى المعصــوم‬
‫حصرًا‪ ،‬والقضية التي يأخذ على عــاتقه فحصــها هــي شــبيهة بمــا‬
‫تحدث عنه السيد الشهيد في منطقة الفراغ في تشريع المذهب‬
‫القتصادي التي أوكل موضــوع تأسيســها إلــى الدولــة الســلمية‬
‫‪1‬‬

‫ن )هــذا الفــراغ لــم‬‫)ولي المر( واصفا ً علقة النــبي بــه بقــوله‪ :‬إ ّ‬
‫يمله بوصفه نبيا ً مبلغا ً للشريعة اللهيــة‪ ،‬الثابتــة فــي كــل مكــان‬
‫وزمان‪ ،‬ليكون هذا الملء الخاص من سير النبي لذلك الفــراغ ‪..‬‬
‫معبرا ً عن صيغ تشريعية ثابتــة ‪ ،‬وإنمــا مله بوصــفه ولــي المــر‪،‬‬
‫)]‬
‫المكلف من قبل الشريعة بملء منطقة الفراغ وفق ـا ً للظــرف(‬
‫‪.([7‬‬
‫الســؤال هــو‪ :‬هــل دائرة الحكــام الولئيــة تختــص فقــط بمنطقــة‬
‫الفراغ أو أنها أعم من ذلك؟ ثم إذا ثبت أنها أعم فما هي نسبتها‬
‫وحجمها؟ وهل تعد جزءا ً من الــدين؟ وهــل هــي مختصــة بزمــان‬
‫الصدور أو غير مختصة بزمان الصــدور‪ ،‬أي هــل الحكــم الــولئي‬
‫يشمل عصر ما بعد الرسول أو ل يشمله؟ ثم ما هي العلقة بين‬
‫تلك الحكام التي وضعت مــن قبــل المشــرع الســلمي بصــورة‬
‫منجزة وبصيغة تشريعات ثابتة وبين هــذه الحكـام الولئيــة الـتي‬
‫نتحدث عنها؛ بمعنى أنه هل تخضــع هــذه العلقــة لنمــاط الصــيغ‬
‫الــتي وضــعها علــم الصــول بشــكله المتــداول عنــدنا اليــوم مــن‬
‫التعارض أو النسخ أو غير ذلك؟‬
‫هذه جملة من المواضيع التي يهتم بها سؤالنا الساســي فــي هــذا‬
‫المفتاح‪ ،‬ويمكننا ذكر مثال تطبيقي لــه يتمثــل ببحــث )الخمــس(‬
‫الذي ذهب جملة مـن العلم إلـى كـونه حكمـا ً ولئيـًا‪ ،‬والسـؤال‬
‫الذي يطرحه هذا المفتاح في هــذا الصــدد هــو‪ :‬هــل هــذا الحكــم‬
‫مختص بزمان المعصومين أم أنه شامل لزمان الغيبة أيضًا؟‬
‫المفتاح الخامس‪:‬‬
‫علقة المشرع السلمي مع الحكم الشرعي‬
‫]هل أن جميع حركات المشّرع وسكناته تشريع؟[‬
‫ما يطرحه هذا المفتاح على طاولــة البحــث هــو مســألة الصــفة أو‬
‫الصفات التي يتحّلى بها المشرع السلمي‪ ،‬أي النبي وآله )عليه‬
‫وعليهــم أفضــل الصــلة والســلم(‪ ،‬فــي التعــاطي مــع القضــايا‬
‫الدينية‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬هل للمشرع السلمي شأن واحد أو عدة‬
‫شؤون في علقته مع الحكم الشــرعي؟ هــل هــو مش ـّرع )مبل ّــغ‬
‫للحكام العامة الثابتة( فحسب‪ ،‬أم أن له شــؤون أخــرى أيض ـا ً ؟‬
‫ض مـن القضـاة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ككونه حاكما ووليا للمسلمين‪ ،‬أو كونه مجرد قا ٍ‬
‫أو كون الحكم يمثل جانبا ً شخصيا ً يعود له فقــط تبع ـا ً لشخصــيته‬
‫‪1‬‬

‫وخصوصياته كإنسان له مــا يمي ّــزه فــي كيفيــة العبــادة أو كيفيــة‬


‫التعامل مع الناس أو كيفية النوم أو كيفية الكل‪...‬وهكــذا‪ .‬وممــا‬
‫يمكــن أن يوضــع كمثــال لهــذا الخيــر )أي كــون الحكــم جــانب‬
‫شخصي للمشّرع فقط( قول النبي)صّلى الله عليه وآله(‪) :‬أنت‬
‫ومالييك لبيييك()]‪ ،([8‬وقــول أميــر المــؤمنين)عليــه الســلم(‪:‬‬
‫هييا‬‫فل َك ِ َ‬‫ت أَ ْ‬
‫حي َ‬ ‫مييا ت َ ْ‬
‫ة بِ َ‬
‫ع َ‬ ‫س يب ْ َ‬‫م َال ّ‬ ‫ت ا َْل َ َ‬
‫قاِلي َ‬ ‫طي ُ‬‫ع ِ‬‫و أُ ْ‬‫ه‪ ،‬ل َ ْ‬ ‫وَالل ّ ِ‬ ‫) َ‬
‫في ن َمل َ َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫مييا‬
‫ة َ‬ ‫عيَر ٍ‬‫شي ِ‬ ‫ب َ‬ ‫جل ْي َ‬‫ها ُ‬ ‫سل ُب ُ َ‬‫ةأ ْ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي َالل ّ َ‬
‫ص َ‬‫ع ِ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫َ‬
‫ه()]‪.([9‬‬ ‫عل ْت ُ ُ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫من هنا فإن هذا المفتاح يدع أبواب النقاش مشــرعة حــول قضــية‬
‫في منتهى الهمية والخطورة‪ ،‬وهــي‪ :‬فلســفة مفهــوم )القــدوة(‬
‫لسوة( بالنسبة للنبي)صّلى الله عليه وآلــه( )والئمــة)عليهــم‬ ‫و)ا ُ‬
‫السلم( أيضا ً حســب عقيــدتنا الماميــة( كمــا يطــرح فــي الفكــر‬
‫الســـلمي ومصـــدريه التشـــريعيين‪ :‬القـــرآن الكريـــم والســـنة‬
‫الشريفة‪.‬‬
‫المفتاح السادس‪:‬‬
‫الطبيعة الجتماعية للتشريع السلمي‬
‫قضية هذا المفتاح الرئيسية هي محاولة فهم الطبيعة الجتماعيــة‬
‫للتشريع كم يزاولهــا المشــرع الســلمي‪ .‬ويمكــن أن نضــع هــذه‬
‫القضية في صيغة السؤال التالي‪ :‬ما هو البعــد الجتمــاعي الــذي‬
‫يحضى باهتمام المشّرع السلمي فــي التشــريعات الــتي س ـّنها‪،‬‬
‫هــل أخــذ البعــد الفــردي أساس ـا ً فــي تشــريعاته وأحكــامه علــى‬
‫حساب ثانويــة البعــد الجتمــاعي المجتمعــي أو أن العكــس هــو‬
‫ن التشــريعات‬ ‫الصحيح‪ ،‬أي جعل مصب اهتمامه وأولويته في ســ ّ‬
‫هو البعد الجتماعي المجتمعي دون البعد الجتماعي الفردي؟‬
‫مــن ثمــار تحقيــق هــذا الســؤال مســألة )الــتزاحم( بيــن الحقــوق‬
‫الشخصية ـ وهو ما نعب ّــر عنــه قاعــدة‪) :‬النــاس مســلطون علــى‬
‫ت احتكــار بضــاعة‬ ‫أمــوالهم( ـ ـ والحقــوق العامــة‪ ، ،‬كمــا لــو أرد ّ‬
‫ن فــي بــاب‬ ‫)ولتكــن غيــر الملــح والتمــر والحنطــة اللتــي ورد ْ‬
‫الحتكار‪ ،‬وإنما هــي بضــاعة جديــدة علــى أزمنــة التشــريع نظيــر‬
‫ل( لتبيعها بسعر أفضل في وقت آخــر يشــتد‬ ‫أجهزة الحاسوب مث ً‬
‫فيه الطلب‪ .‬السؤال هنا هو ‪ :‬هل يقدم فــي نظيــر هــذه القضــايا‬
‫الحق العام‪ ،‬الحق الجتماعي‪ ،‬المصــالح الجتماعيــة‪ ،‬أو الحكــام‬
‫‪1‬‬

‫والمصالح الفردية؟ وأي الحقين يمثل القاعــدة فــي فــض أمثــال‬


‫هذه المنازعات والمتزاحمات؟ ستختلف الجابــة تبعـا ً لمــا نتبنــاه‬
‫ونحــرره مــن خيــارات المســألة مــورد البحــث‪ ،‬وكــل مــن تلــك‬
‫الخيارات التي يفتحهــا النقــاش فــي هــذا المفتــاح ســيفرز نتــائج‬
‫مغايرة‪ ،‬بل وفقها ً مغايرًا‪ ،‬عن الخيار الخر‪ .‬وهذا بحد ّ ذاته ســبب‬
‫للكثير منا لتجنب الخوض في أمثال هذه السئلة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وهناك عشرات المفاتيح الخرى التي يمكن تسجيلها‪.‬‬

‫)]‪ ([1‬لحظ‪ :‬المبسوط‪ ،‬أبو جعفر محمد بن الحســن الطوســي‪،‬‬


‫تحقيق‪ :‬سيد محمد تقي كشفي‪ ،‬المكتبة المرتضوية لحياء الثار‬
‫الجعفرية‪ ،‬إيران ـ طهران‪ ،‬ط ‪ 1387 ،3‬هـ ق‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪1‬ـ ‪.2‬‬
‫)]‪ ([2‬هذه النقطــة الخيــرة كشــفت عنهــا المحــاورة الــتي ذكرهــا‬
‫السيد كاظم الحائري في مقدمة )مباحث الصــول( والــتي كــان‬
‫طرفاها هو )حفظه اللــه( والســيد الســتاذ الشــهيد )رحمــة اللــه‬
‫تعالى عليه(‪ ،‬وهــي حادثــة ليــس فيهــا تعــدد وســائط فــي النقــل‬
‫فتقبل احتمالية الدس والتزوير والخطأ والشتباه كما قــد يحــدث‬
‫أحيانا ً في النقل‪ ،‬بــل هــي حادثــة مباشــرة ناقلهــا فــوق مســتوى‬
‫الوثاقة‪ ،‬قـال السـيد الحـائري‪ :‬ذهبـت إلـى درس السـيد الصـدر‬
‫)رحمة الله تعالى عليه( فقال لي‪ :‬إذا أدمت الحضــور علــى هــذا‬
‫الــدرس خمــس ســنوات تصــير مجتهــدًا‪ .‬فلمــا انتهــت الخمــس‬
‫سنوات ذهبت للسيد الشهيد وقلت‪ :‬سيدنا ها قــد انتهــت خمــس‬
‫سنوات! وأنت كنت وعدتني إذا حضرت خمــس ســنوات عنــدكم‬
‫فسأكون مجتهدًا‪ .‬فقال لي‪ :‬بلى‪ ،‬أنت الن صــرت مجتهــدا ً علــى‬
‫المستوى العام في الحوزة! فــإذا أردت أن تكــون مجتهــدا ً علــى‬
‫مستوى مدرستي فل بد لك أن تحضر خمس سنوات أخرى!‬
‫أنظر‪ :‬مباحث الصول‪ ،‬السيد كــاظم الحــائري‪ ،‬تقريــرا ً لبحــاث‬
‫السيد الشهيد محمد باقر الصــدر‪ ،‬الناشــر‪ :‬المؤلــف‪ ،‬ربيــع الول‬
‫‪1407‬هـ ق‪ ،‬ط ‪ :1‬ج ‪ ،1‬ص ‪46‬ـ ‪.47‬‬
‫‪1‬‬

‫)]‪ ([3‬كان المفترض ـ وفقا ً للتقابل الدللي ـ ـ أن يــذكر الصــولي‬


‫في مقابــل الخبــاري‪ ،‬لكــن وضــع المجتهــد مقابــل الخبــاري لــه‬
‫دللت خاصة‪ ،‬فهو يوحي بعدم قبول اجتهاد الخباري!‬
‫)]‪ ([4‬كفاية الصول‪ ،‬محمد كاظم الخراساني‪ ،‬تحقيــق ونشــر‪:‬‬
‫مؤسســة آل الــبيت عليهــم الســلم لحيــاء الــتراث‪ ،‬ط ‪ ،2‬ربيــع‬
‫الثاني ‪ 1417‬هـ ‪ :‬ص ‪.468‬‬
‫ن الموضوع يقع البحث فيــه عــادة ضــمن عــدة أبحــاث‪،‬‬ ‫)]‪ ([5‬ثم إ ّ‬
‫نظير‪ :‬تعريف الموضوع‪ ،‬وهل هــو المتعلــق أو متعلــق المتعلــق؟‬
‫ونظير‪ :‬نسبة الحكــم إلــى الموضــوع وأنهــا نســبة المعلــول إلــى‬
‫العلــة كمــا أن نســبة الموضــوع إلــى الحكــم نســبة العلــة إلــى‬
‫المعلــول‪ ،‬ونظيــر القضــية القائلــة‪ :‬إن الحكــام تــدور مــدار‬
‫الموضوعات‪ .‬وسنقف على تحديد هذه المفردات في القادم من‬
‫البحث‪.‬‬
‫)]‪ ([6‬حضرت عند بعض العلم جزًء من كتاب الصلة مدة خمس‬
‫سنوات‪ ،‬ثم جاء بعــد كــل تلــك الســنين ليقــول‪ :‬الن انتهينــا مــن‬
‫الثلث الول من كتاب الصلة!! علما ً أنه كان ل يتعرض إل لبحث‬
‫الواجبات والمحرمات دون المستحبات والمكروهات‪ ،‬وهذا يعني‬
‫أن دراســة واجبــات ومحرمــات كتــاب الصــلة تســتغرق خمســة‬
‫عشر سنة!!‬
‫)]‪ ([7‬اقتصادنا‪ ،‬السيد الشهيد محمد باقر الصدر‪ ،‬دفتر تبليغــات‬
‫اسلمى‪ ،‬تحقيق وتصحيح‪ :‬عبد الحكيم ضــياء‪ ،‬علــى اكــبر نــاجى‪،‬‬
‫سيد محمد حسينى‪ ،‬صابر اكبرى‪ ،‬ايران ـ ـ قــم‪ ،‬ط ‪ ،1‬ـ ‪1417‬هـ ـ‬
‫ق‪ :‬ص ‪.380‬‬
‫)]‪ ([8‬الكافي‪ ،‬أبو جعفر محمد بن يعقــوب الكلينــي‪ ،‬دار الكتــب‬
‫السلمية‪ ،‬إيران ـ طهران‪ ،‬ط ‪1407 ،4‬هـ ق‪ :‬ج ‪،5‬ص ‪.136‬‬
‫)]‪ ([9‬رسائل الشريف المرتضى‪ ،‬الشريف المرتضــى‪ ،‬علــي‬
‫محمــد بــن الحســين الموســوي‪ ،‬تحقيــق وتصــحيح‪ :‬ســيد مهــدي‬
‫رجائي‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬ط ‪1405 ،1‬هـ ق‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪.140‬‬
‫‪1‬‬

‫)مفاتيح عملية الستنباط الفقهي )‪2‬ـ ‪3‬‬


‫المصدر‪ :‬مؤسسة المام‬ ‫بواسطة‪ :‬بقلم الشيخ ميثاق طالب‬
‫التاريخ‪:‬‬ ‫الزيارات‪2746 :‬‬ ‫الجواد )ع( للفكر والثق‪...‬‬
‫‪08-04-2010‬‬
‫‪x‬‬
‫ن الــدخول لســتنباط أي حكــم شــرعي‬ ‫ل يخفــى علــى المتــابع بــأ ّ‬
‫فرعــي منــوط بممارســة عمليــة اجتهاديــة اســتنباطية لهــا أبعــاد‬
‫وعة‪ ،‬عبّرنا عن هــذه البعــاد ــ فيمــا ســبق ــ بالمفاتيــح الــتي‬ ‫متن ّ‬
‫كن الداخل من الولوج في العلمية الستنباطية بشكل سليم‪.‬‬ ‫تم ّ‬
‫وقبل أن ندخل في تفاصيل البحث لبد من التعــرض إجمــال ً لعــدة‬
‫مقدمات‪:‬‬
‫المقدمة الولى‪ :‬جواز عملية الفتاء‬
‫وقع الخلف بين العلم الســابقين فــي جــواز ومشــروعية عمليــة‬
‫الفتاء استنادا ً إلى مضمون الروايات الواردة عن الرسول وأهــل‬
‫وغا ً لفتح بحــث فــي العناصــر‬ ‫بيته عليهم السلم )ليكون ذلك مس ّ‬
‫ن أهــل‬ ‫المشــتركة فــي عمليــة اســتنباط الحكــم الشــرعي( أم أ ّ‬
‫البيت عليهم السلم نهــوا عــن ممارســة هــذه العمليــة‪ ،‬ونعتوهــا‬
‫‪1‬‬

‫مـل البحـث فـي تأريـخ العلـوم محاولـة‬ ‫بنعوت سلبية لسباب تح ّ‬


‫الكشف عنها؟‬
‫ســرنا الســتنباط بعمليــة تحديــد الموقــف العملــي تجــاه‬ ‫إذا مــا ف ّ‬
‫الشريعة تحديدا ً استدلليا ً ستكون إجابة سؤالنا المتقــدم بديهيــة؛‬
‫ن النسـان ملـزم بتحديـد مـوقفه تجـاه الشـريعة وأحكامهـا‪،‬‬ ‫إذ إ ّ‬
‫وحيث أن الكثير من الحكام الشرعية غيــر واضــحة وغيــر جليــة‬
‫تحتم تسويغ عملية الستنباط بغية الحصول عليهــا‪ .‬لكــن مفهــوم‬
‫م تــداعيات متنوعــة‪،‬‬ ‫الجتهاد مّر بتطورات دللية عديــدة ومــن ث ـ ّ‬
‫تشكلت على أساسه مواقف مختلفة‪ ،‬فــذهب بعــض المتقــدمين‬
‫إلى جوازه واختار الغلب منهم عدم الجواز‪ .‬وبغــض النظــر عــن‬
‫كل ما تقدم فنحن نبني على النتيجة الحتمية الــتي وصــلت إليهــا‬
‫)]‬
‫أبحاثنا المعاصرة وهي جواز هذه العمليــة دون أي تأمــل وشــك‬
‫‪.([1‬‬
‫المقدميية الثانييية‪ :‬السييتنباط ممارسيية وليييس نظرييية‬
‫فقط‪.‬‬
‫ن العملية الستنباطية لن يكتب لهــا النجــاح دون دخــول صــاحبها‬ ‫إ ّ‬
‫في ميادين العمل الستنباطي ليمارسها ممارســة عمليــة‪ ،‬ودون‬
‫ل‪ ،‬ويبقى حاله‬ ‫هذا الدخول ل يمكن أن يجيد عملية الستنباط أص ً‬
‫كمن تعلم صنعة وحرفة في الكتب فقط‪ ،‬دون أن يمــارس هــذه‬
‫الحرفــة ويتقنهــا بشــكل عملــي‪ .‬فالعمليــة الســتنباطية ليســت‬
‫محض علــوم نظريــة يتلقاهــا الــدارس بشــكل نظــري‪ ،‬بــل هــي‬
‫ممارســة عمليــة لبــد مــن الــدخول عمل ً لتقــان خصوصــياتها‬
‫وقوانينها‪.‬‬
‫وتأسيسا ً على ما تقدم نرى بــأن عمليــة اســتنباط الحكــم الفقهــي‬
‫وم ببعدين‪:‬‬ ‫تتق ّ‬
‫‪1‬ي البعد النظري‬
‫المجال الستخدامي لمجموعة مــن الدوات النظريــة الــتي تــدخل‬
‫في هــذه العمليـة‪ ،‬وهـي بطبيعــة الحــال أوسـع مـدارا ً مـن علــم‬
‫الصــول المتعــارف كمــا أســلفنا‪ ،‬وأكــدنا طبيعــة هــذا الُبعــد فــي‬
‫الماضي من البحاث‪.‬‬
‫‪2‬ي البعد العملي‬
‫‪1‬‬

‫الدخول لممارسة هذه العملية الســتنباطية عمل ً وتطبيقـًا؛ إذ هــي‬


‫ن وصنعة لبد أن يمارسها الممتهن لها كــي يصــح إطلق اســم‬ ‫ف ّ‬
‫المستنبط عليه‪.‬‬
‫أما من يريد الدخول لستنباط حكم شرعي من غير هذين البعدين‬
‫ل يمكن أن ُيكتب له النجاح في مبتغاه‪ ،‬بــل يبقــى ـ ـ مــع طــول‬
‫مدة اشتغاله في الجانب النظري ـ غير قادر على ممارسة هــذه‬
‫العملية‪.‬‬
‫المقدميية الثالثيية‪ :‬السييتنباط الفقهييي بييين الحترازييية‬
‫والتوضيحية؟‬
‫قد يسأل سائل عن السر الذي جعلنــا نقي ّــد هــذه المفاتيــح بكونهــا‬
‫مختصة بعملية الستنباط الفقهي‪ ،‬فهل جاء هذا التقييد للحــتراز‬
‫من دخول الغيار‪ ،‬أم أنه توضيحي ليس إل؟‬
‫ن لكــل علــم مــن‬ ‫وفي مقــام الجابــة عــن هــذا التســاؤل نقــول‪ :‬إ ّ‬
‫العلوم مفاتيحه الخاصة به‪ ،‬فهناك )مفاتيــح فلســفية( و )مفاتيــح‬
‫عرفانيــة( و)مفاتيــح كلميــة( و)مفاتيــح تفســيرية( وهكــذا بقيــة‬
‫العلوم‪...‬وهذا يؤكد احترازية هذا القيد المضــاف؛ حيــث أن هــذه‬
‫المفاتيح هي لستنباط الحكم الشرعي فقط‪.‬‬
‫والمر أعله يكشف عن بطلن ذلك التوهم الحاصــل فــي أذهــان‬
‫وروا بـأن الوقـوف علـى علـم أصـول‬ ‫بعض المتعلمين؛ حيث تصـ ّ‬
‫ف في إتقان مفاتيح جميع العلوم الخرى؛ اســتنادا ً إلــى‬ ‫الفقه كا ٍ‬
‫ن الجتهاد في هذا العلم يؤهل المجتهــد‬ ‫مصادرة باطلة مفادها‪ :‬إ ّ‬
‫فيه إلى الجتهاد في العلوم الخرى‪.‬‬
‫ور غير تام؛ إذ لكل علم من العلوم مفاتيحه الخاصة‬ ‫لكن هذا التص ّ‬
‫بــه‪ ،‬نعــم هنــاك أبــواب مشــتركة فــي الظــاهر بيــن جميــع هــذه‬
‫المفاتيح‪ ،‬إل أن حيثيات استخدامها الواقعية تختلف من علم إلى‬
‫علم آخر)]‪ .([2‬فالحتياج الذي يحوجنا إلى مسألة الظهور في علم‬
‫أصول الفقه إنما هو مــن ناحيــة تنجزيــه وتعــذيره‪ ،‬خلفـا ً لحيثيــة‬
‫الحتياج إلى هذه المسألة في البحث التفســيري‪ ،‬والــتي تقتصــر‬
‫على الكاشفية عن الواقع وعدمها‪ .‬فل مانع من تداخل المســائل‬
‫في العلوم نظرا ً لتعدد حيثياتها‪.‬‬
‫المقدمة الرابعة‪ :‬التطورات البحثيية لمفهييوم الجتهياد‪،‬‬
‫أسبابها ووجوه تفسيرها‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ل يشــك متــابع فــي حصــول تطــورات بحثيــة عميقــة فــي مفهــوم‬


‫الجتهاد؛ حيث أضحت العمليــة الجتهاديــة عمليــة معّقــدة تحتــاج‬
‫كن النسان من الوصول‬ ‫إلى مزيد من العلوم والمعارف كي يتم ّ‬
‫وة منها‪ ،‬خلفـا ً لمفهــوم الجتهــاد فــي الزمنــة‬ ‫إلى النتيجة المرج ّ‬
‫ن من يقــرأ عــدة الشــيخ عليــه الرحمــة ومبســوطه‬ ‫السابقة؛ إذ إ ّ‬
‫ن تأليفات فقهــاء ذلــك العصــر‬ ‫يصبح أصوليا ً وفقيها ً بامتياز‪ ،‬كما إ ّ‬
‫في ميادين معرفية مختلفة تكشــف عــن بســاطة ذلــك المفهــوم‬
‫الذي ل يعدو تتبع مجموعة من العلوم والمسائل البسيطة‪.‬‬
‫أما عصرنا الحاضر فلعل دعوى تعقيد العملية الجتهاديــة وتركيبهــا‬
‫دعــوى ل تحتــاج إلــى مزيــد مؤونــة إذا مــا لــوحظت آثــار العلم‬
‫المعاصرين الفقهية‪ .‬وهــي عمليــة طبيعيــة يمكــن تفســيرها مــن‬
‫مها‪:‬‬
‫جهات نذكر أه ّ‬
‫الولى‪ :‬ازدياد حاجات النسان‪.‬‬
‫ل شك في محورية النسان في عموم البحث الديني؛ حيث جاءت‬
‫ســع‬‫النصوص الدينية لتقــويم مســيرته وترشــيدها‪ ،‬ومــن هنــا فتو ّ‬
‫احتياجات النسان وتطورها يلقي بظلله ـ بطبيعة الحال ـ علــى‬
‫نفس البحث الديني‪ ،‬والذي ُيعنى بإعطاء منطق لحيــاة البشــرية‬
‫بشكل عام‪.‬‬
‫لقد بـدأت حاجـات النســان المعاصـر تفــوق حاجــات نــوعه الـذي‬
‫عاش في القرن المنصرم بعشرات المرات‪ ،‬فض ـل ً عــن تفوقهــا‬
‫على حاجات النسان القــديم الــذي لــم يكــن فــي أفقــه حاجــات‬
‫خارجــــــة عــــــن حيطــــــة وجــــــوده البســــــيط )=بيتــــــه‬
‫‪+‬زوجتــه‪+‬أولده‪+‬مــأكله‪+‬ملبســه(‪ ،‬فعلقــات الفــرد المعاصــر‬
‫)أسرية واجتماعيــة ودوليــة ومــا إلــى ذلــك مــن أنــواع العلقــات‬
‫الخرى‪ (...‬تمتلك أبعادا ً معّقدة وبعيدة الفق‪ ،‬وبحاجة ماسة إلى‬
‫فقه يفلسف مشروعيتها وهدايتها)]‪.([3‬‬
‫وفي سياق محورية النسان في العملية الفقهيــة ل بــأس التــذكير‬
‫بهذه النقطة‪:‬‬
‫ل يســتقيم الــدخول للبحــث الفقهــي إل بعــد التأســيس للرؤيــة‬
‫ما اجتهادا ً وإما تقليدًا‪ ،‬ومن‬‫المختارة في تفسير حقيقة النسان إ ّ‬
‫غير ذلك يبقى البحث غير منضبط برباط معرفي يبرر إشكالياته‪.‬‬
‫ما كيفية حلحلة إشكالية التقليد في العمليــة الجتهاديــة فيمكــن‬ ‫أ ّ‬
‫‪1‬‬

‫دمت لشــكالية الخــذ بقــول‬ ‫الجابة عنها بنفــس الجابــة الــتي قُـ ّ‬
‫اللغوي‪ .‬وبجواز الستناد إلى أصوله الموضوعية يمكن أن يجــاب‬
‫على الصول الموضوعية المأخوذة من العلوم أخرى‪.‬‬
‫ن تحديد الرؤية تجاه ثبات وتغي ّــر النســان أمــر ضــروري لطبيعــة‬ ‫إ ّ‬
‫رؤية البــاحث للســتحقاقات الفقهيــة‪ ،‬فهــل أن الكــائن البشــري‬
‫ثــابت‪ ،‬أو متغي ّــر‪ ،‬أو بعضــه ثــابت وبعضــه متغي ّــر؟ وطبيعــة هــذه‬
‫الرؤية سوف تحدد طبيعة الرؤية للفقه المختار من قبل الباحث‪،‬‬
‫فلو اخترنا تغّير بعض حيثيات الكائن النساني ـ كمــا هــو مختــار‬
‫العديد من المعاصرين ـ فســوف يلزم ذلــك اختيــار تغي ّــر الفقــه‬
‫المرتبط بهذه الحيثية المتغّيرة‪ ،‬وهذه هــي أحــد نتــائج الشــكالية‬
‫السّيالة في اغلــب العلــوم‪ ،‬وهــي إشــكالية العلقــة بيــن الثــابت‬
‫والمتغّير)]‪.([4‬‬
‫ولعل هذه النقطة هي التي حدت بالستاذ الشــهيد إلــى افــتراض‬
‫منطقة فراغ في الشريعة السلمية‪ ،‬منطقة ُيترك المجــال فيهــا‬
‫مفتوح ـا ً لــولي المــر لملهــا بمــا يــراه مناســبا ً وفق ـا ً لتقــديراته‬
‫وملكاته الفوقانية)]‪.([5‬‬
‫ص‪.‬‬‫الثانية‪ :‬البتعاد عن عصر الن ّ‬
‫لقــد جــاءت النصــوص الدينيــة فــي ظــروف اجتماعيــة وثقافيــة‬
‫واقتصادية وسياسية معينة‪ ،‬وبالتالي تختلف درجات الوعي الــتي‬
‫يمتلكها الفراد في تلك البرهة من الزمن‪ ،‬وبدهي أن مثــل هــذه‬
‫الظروف واختلف درجات الوعي يوجد عقبــات كــبيرة فــي فهــم‬
‫النص الديني‪ ،‬ويعّقد العملية الجتهادية بشكل كبير‪.‬‬
‫مــدة‬‫إن ما هو لزم على الفقهاء المعاصرين إيجاده هــو حلــول مع ّ‬
‫وغ الشرعي السليم تعنــى بالجابــة الواضــحة علــى جميــع‬ ‫بالمس ّ‬
‫وقائع الحياة المعاصرة‪ .‬ول توجد هناك مندوحة من القيــام بهــذه‬
‫العملية وفــق الفــق الــذي نــؤمن ونسـّلم بــه وهــو أن الشــريعة‬
‫الخاتمة جاءت لتغطي كل احتياجات النسان مــن هــذه الزاويــة‪،‬‬
‫فحيــث أن العصــر هــو عصــر الغيبــة فلبــد أن تلــبى مثــل هــذه‬
‫الحتياجــات‪ ،‬ودون ذلــك نــواجه إشــكاليات خطيــرة جــدا ً علــى‬
‫المستوى اليماني والعملي تفقد البشرية علــى أساســها إيمانهــا‬
‫بخاتمية هذه الشريعة كمــا بــدا ذلــك واضــحا ً للبعــض فــي الونــة‬
‫الخيرة)]‪.([6‬‬
‫‪1‬‬

‫دعوة هذا البحث تؤكد على ضرورة النهوض بأعباء البحث النقــدي‬
‫فــي داخــل مؤسســاتنا العلميــة‪ ،‬وبــذلك ننفــض ركــام الــتراب‬
‫ول ســمة مواقفنــا‬ ‫المعشعش في داخل أروقتنــا التقليديــة‪ ،‬لتتحـ ّ‬
‫من ردة فعل تنتظــر أفعــال الخريــن لتقــوم بعملهــا‪ ،‬إلــى فعــل‬
‫يوصد الباب أمام جميع الثارت غير المدللة‪.‬‬
‫إن الواقــع الجتمــاعي مســؤول بالدرجــة الولــى بإعطــاء حــوادث‬
‫وعة مــن ميــادين مختلفــة للحقــل الفقهــي الســتنباطي بغيــة‬ ‫متن ّ‬
‫إيجاد شرعنة مدللـة لهــا‪ ،‬وهـي ظـاهرة صـحية تســهم فـي نمــو‬
‫ور‪ ،‬وبالتــالي ُنضــج العمليــة الجتهاديــة‪ ،‬هــذه العمليــة الــتي‬
‫وتطـ ّ‬
‫تفتقر في تطورها ونموها إلى روافد مــن جميــع العلــوم الخــرى‬
‫جرها‪.‬‬‫للحيلولة دون جمودها وتح ّ‬
‫وللشارة إلى ضرورة تفعيل هذا الجانب الرفــدي ـ ـ إن جــاز مثــل‬
‫هذا التعبير ـ فـي تطـوير العمليـة الجتهاديـة نشـير إلـى كلمـات‬
‫بعض العلم المعاصرين‪:‬‬
‫)‪ (1‬السيييد الشييهيد محمييد بيياقر الصييدر فييي معييالم‬
‫الصول‪:‬‬
‫وع الستاذ الشهيد الروافد الساسية للفكر الصــولي‪ ،‬أو مصــادر‬ ‫ن ّ‬
‫إلهام العملية الستنباطية ـ على حد ّ تعبيرناـ إلى عدة روافد‪:‬‬
‫الرافد الول‪ :‬بحوث التطبيق الفقهية‪.‬‬
‫الرافد الثاني‪ :‬بحوث علم الكلم‪.‬‬
‫الرافد الثالث‪ :‬البحوث الفلسفية‪.‬‬
‫كر الصولي‪.‬‬ ‫الرافد الرابع‪ :‬الظرف الموضوعي الذي يعيشه المف ّ‬
‫الرافد الخامس‪ :‬عامل الزمن‪.‬‬
‫الرافد السادس‪ :‬عنصر البداع الذاتي)]‪.([7‬‬
‫)‪ (2‬السيد السيستاني في كتاب الرافد‪.‬‬
‫بعد ما وصف السيد السيستاني ـ في كتاب الرافد ــ الفــترة الــتي‬
‫نعيشــها بأنهــا تمّثــل الصــراع الحــاد بيــن التطرفــات الســلمية‬
‫والتطرفات الخرى جراء عوامل اقتصادية وسياسية معينــة‪ ،‬رأى‬
‫ضرورة القيام بمهمة تطــوير علــم أصــول الفقــه )وهــي مفاتيــح‬
‫عملية الستنباط الفقهي بتعبيرنا(‪ ،‬وبغية انجاز هذا التطوير لبــد‬
‫مــن الســتمداد مــن عــدة حقــول‪ :‬كالحقــل الفلســفي والحقــل‬
‫القانوني والحقل النفسي والحقل الجتماعي وما إلـى ذلـك مــن‬
‫‪1‬‬

‫الحقـــول المتعـــددة الخـــرى‪...‬ودون ذلـــك ل يمكـــن للعمليـــة‬


‫الستنباطية الستمرار والمواكبة مع متطلبــات العصــر الحــديث‪،‬‬
‫بل تبقى أسيرة الحــوادث التراثيــة الســالفة الــتي أثــارت أســئلة‬
‫الرواة في عصرهم)]‪.([8‬‬
‫وإذا كــان المــر كــذلك فل ضــرورة لحصــر مثــل هــذه الحقــول‬
‫المتعددة تحت راية ما يسمى بعلم الصول‪ ،‬بل هي استمدادات‬
‫وعة من علوم مختلفة ل جامع ماهوي بينها‪.‬‬ ‫متن ّ‬
‫أقسام المسائل المساهمة في العملية الستنباطية‬
‫أشرنا فيما تقدم إلى ضرورة الجابة علــى مجموعــة مــن الســئلة‬
‫قبل الدخول في أبحاث هــذه المفاتيــح؛ وذلــك لن البحــث الــذي‬
‫نزمـــع الـــدخول فيـــه ليـــس بحثـــا ً أصـــوليا ً أو فقهيـــا ً بـــالمعنى‬
‫الصطلحي‪ ،‬بل هو ممارســة تطبيقيــة عمليــة لســتنباط الحكــم‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫ن هذا البحــث ل يقتصــر علــى‬ ‫وعلى أساس هذين الركنين يتضح بأ ّ‬
‫المســائل الصــولية والفقهيــة فقــط‪ ،‬بــل يتنــاول أهــم البحــاث‬
‫المرتبطــة بعمليــة الســتنباط‪ ،‬ســواء أكــانت مرتبطــة بـ ـ )علــم‬
‫الصول( أو بـ ـ )علــم الكلم( أو بــ )نظريــة المعرفــة(‪...‬إلــى مــا‬
‫هنالك من العلوم الخرى من تلك الحيثية التي لها ارتباط بعملية‬
‫استنباط الحكم الشرعي‪.‬‬
‫ويمكن أن نقسم المسائل الــتي تــدخل فــي عملية السييتنباط‬
‫إلى أربعة أنواع‪:‬‬
‫طرحــت فــي علــم مــن العلــوم‪،‬‬ ‫النييوع الول‪ :‬المســائل الــتي ُ‬
‫ونّقحت بشكل دقيق ومفصل في محله‪ .‬ودخول العلم في مثل‬
‫هذه المسائل هو دخول تقليدي فــي أغلــب الحيــان؛ لوضــوح أن‬
‫صل في محلها‪ ،‬فلم‬ ‫المسألة قد حررت وبحثت بشكل دقيق ومف ّ‬
‫تعد حاجة لتحريرهــا مــرة ثانيــة‪ ،‬إل أن يكــون الصــولي والفقيــه‬
‫محققا ً في مثل هذه المسائل فيضطر إلى بحثها مرة ثانية)]‪.([9‬‬
‫ولعل أوضح مثال لهذا النوع من المسائل هي البحــاث الفلســفية‬
‫ن أغلــب‬ ‫التي تدخل فــي كــثير مــن المجــالت الصــولية ]رغــم إ ّ‬
‫العلم ل يعيرون الهمية المطلوبة لهذه المسائل[ فالخلف في‬
‫مســألة )أصــالة الوجــود واعتباريــة الماهيــة( يــؤثر علــى طبيعــة‬
‫ن )المــر يتعلــق‬ ‫البحث في المسألة الصولية المعروفة وهــي‪ :‬أ ّ‬
‫‪1‬‬

‫بالطبايع أم بالفراد؟(‪ ،‬فإذا اخترنا كون الوجود هــو الصــيل فهــو‬


‫ما إذا اخترنا كــون الصــيل‬ ‫مستلزم لكون المر متعلق بالفراد‪ ،‬أ ّ‬
‫هو الماهية فسوف يتعلق المر بالطبائع كما قرر ذلك في محله‪.‬‬
‫أو مسألة )اجتماع المر والنهــي( حيــث ربــط جملــة مــن العلم‬
‫هذه المسألة بنتائج مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية)]‪.([10‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬وهي المسائل التي ترتبط بعلم آخر )كعلم الكلم‬
‫ل( ولكن عنونت في أبحاث خارجة عن محلهــا الصــلي؛ لعــدم‬ ‫مث ً‬
‫بحثها هناك‪ ،‬أو أنها بحثت هناك‪ ،‬لكن حيث ل حضور لعلــم الكلم‬
‫في حوزاتنا العلمية فيضطر المســتنبط للحكـم الشــرعي بحثهـا‪،‬‬
‫نظير مسألة قبح العقاب بل بيـان )الــبراءة العقليـة( ‪ ،‬أو مســألة‬
‫حــدود حــق الطاعــة )الشــتغال العقلــي(‪ ،‬فهــل هــو شــامل‬
‫للمقطوعــات فقــط‪ ،‬أم أنــه يشــمل المقطوعــات والمظنونــات‬
‫والمشكوكات والموهومات ما لم يقطــع بالعــدم كمــا هــو مختــار‬
‫السيد الشهيد الصدر عليه الرحمة‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬المســائل الــتي بحثــت فــي محلهــا بشــكل دقيــق‬
‫ف إل أن فيها حيثيات لم تبحث‪ .‬وهذا الصنف مــن المســائل‬ ‫ووا ٍ‬
‫كثير الســتخدام فــي عمليــة الســتنباط الفقهــي‪ ،‬ويــدخل تحــت‬
‫مظلتـــه الكـــثير مـــن البحـــاث اللغويـــة )المعنـــى اللغـــوي‬
‫والمشتق‪...‬الخ( ممــا ل علقــة لهــا بعلــم الصــول‪ ،‬بــل هــي مــن‬
‫مقـدمات البحـث الصـولي‪ ،‬لكـن حيـث أن لمثـل هـذه البحـاث‬
‫حيثيات لم يعرض لها علماء اللغة اضطر الصولي إلى استحداث‬
‫عناوين لها‪ ،‬من قبيل إمكانية جريان الطلق ومقــدمات الحكمــة‬
‫في المعني الحرفي‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬وهي المسائل التي بحثت في محلها ونقحت بكــل‬
‫حيثياتها‪ ،‬لكن هناك مسالك واتجاهات مختلفة فيها تــترتب عليهــا‬
‫عدة نتائج‪ ،‬فيضطر المســتنبط للحكــم الشــرعي إلــى ذكــر هــذه‬
‫التجاهات ليختار اتجاها ً منها‪ .‬من قبيل البحث الفلسفي الكلمي‬
‫المشــهور فــي حقيقــة أحكــام العقــل العملــي‪ ،‬هــل هــي أحكــام‬
‫مشهورة تواضع عليها العقلء حفظا ً لنظامهم وإبقاًء لنــوعهم‪ ،‬أم‬
‫أنها أحكام واقعية نفس أمرية ثابتة في لوح الواقــع الوســع مــن‬
‫لوح الثبوت)]‪.([11‬‬
‫‪1‬‬

‫ومما تقدم يتضح بأن عملية الستنباط الفقهي ل تتوقف على نــوع‬
‫ق مجموع ـةٍ مــن‬ ‫واحد من المسائل فقط‪ ،‬بــل هــي رهيــن تحقي ـ ِ‬
‫المســائل الفلســفية )أصــالة الوجــود أو الماهيــة مث ً‬
‫ل( واللغويــة‬
‫ل( والجتماعيــة ) أبحــاث الســيرة‬ ‫)المعنى الحرفي والمشــتق مث ً‬
‫ل( وغيرها من العلوم الخرى‪.‬‬ ‫العقلئية مث ً‬
‫وتأسيسا ً على مــا تقــدم يتضــح أن ل وجــود لموضــوع جــامع لهــذه‬
‫ن هذه موضوعات‬ ‫المسائل تترتب عليه أعراضه الذاتية؛ وذلك ل ّ‬
‫هذه المسائل خليط بين الحقيقة والعتبــار‪ ،‬فل يمكــن أن نطبــق‬
‫عليها قاعدة أن لكل علم موضوع خاص به‪ ،‬يبحث عن عوارضــه‬
‫الذاتية‪ .‬نعم يمكن أن ُيفرض لهــا جــامع انــتزاعي أو اعتبــاري‪ ،‬إل‬
‫أنه ليس بموضوع حقيقي في نهاية المطاف‪.‬‬
‫وقبل أن نختــم الحــديث فــي هــذه المقــدمات الضــرورية لبــد أن‬
‫نشير إلى أن التمايز الحاصل بين مســائل بحثنــا ]مفاتيــح عمليــة‬
‫الستنباط الفقهي[ هو تمايز غرضي فقط‪.‬‬
‫فعلــم الصــول كمــا أكــدته أبحاثنــا الصــولية ليــس بعلــم بــالمعنى‬
‫الصطلحي ]بمعنى أن له موضوع وعــوارض ذاتيــة[ ولــو ســلمنا‬
‫جدل ً ذلك فتمايزه عن غيره من العلوم ليس بالموضوع‪ ،‬بــل هــو‬
‫تمــايز غرضــي فقــط‪ ،‬وهــذا مــا صـّرحت بــه كلمــات جملــة مــن‬
‫العلم‪ ،‬حيــث فرضــت طريقيــن لطبيعــة التمــايز الحاصــل بيــن‬
‫ما بالموضوعات )إذا كانت حقيقية ولها عــوارض ذاتيــة(‬ ‫العلوم‪ ،‬أ ّ‬
‫وإما بالغراض والثــار المترتبــة عليهــا )كمــا هــو الحــال فــي مــا‬
‫يسمى بعلم الصول( )]‪.([12‬‬

‫)]‪ ([1‬ولعل الخلف في هذه المسألة هو الــذي حــدا بأعلمنــا فــي‬


‫صدر الغيبة القيام بنقل مضامين الروايات الواردة عن أهل بيــت‬
‫النبوة عليهم الســلم فــي كتبهــم الفقهيــة‪ ،‬حــتى وقــع الخلف ــ‬
‫والكلم للشيخ الطوسي ـ في تفسير هـذه النصـوص‪ ،‬فهـل هـي‬
‫نصوص روائية‪ ،‬أم أنها فتاوى شرعية؟‬
‫صــلة‬
‫وللوقوف على التطور الدللي لهذا المفهــوم وتــداعياته المف ّ‬
‫ننصح بالعودة إلى‪ :‬المعالم الجديييدة فييي الصييول‪ ،‬الســيد‬
‫‪1‬‬

‫الشهيد محمد باقر الصدر‪ ،‬المؤتمر العالمي للمــام الشــهيد‪ :‬ص‬


‫‪ 37‬ومــا بعــدها‪ .‬دروس في علييم الصييول‪ ،‬الســيد الشــهيد‬
‫محمد باقر الصدر‪ ،‬دار المنتظر‪1405 ،‬هـ ق‪ :‬الحلقة الولى‪ ،‬ص‬
‫وما بعدها ‪.45‬‬
‫)]‪ ([2‬وهذه النقطة تشير إلى خطأ شائع آخر في أجوائنا العرفيــة‬
‫والحوزويــة أيضــًا‪ ،‬وهــي إشــكالية العلــم؛ فمــا لــم يقّيــد هــذا‬
‫الموضوع بعلم ]العلم في الكلم‪ ،‬العلم فــي التفســير‪ ،‬العلــم‬
‫سع‬ ‫في الفلسفة‪ (...‬ل نرى تسويغا ً مناسبا ً لطرحه؛ فمع هذا التو ّ‬
‫الهائل الذي طال جميع العلوم يصح لنا التشكيك ـ ـ بقــوة ـ ـ فــي‬
‫مثل هذه المقولت‪ .‬بل يمكن لنا إدعاء التعميم في داخل نفــس‬
‫ل‪ ،‬ل يؤكد ذلــك‬ ‫العلم الواحد‪ ،‬فمن كان أعلما ً في باب الصلة مث ً‬
‫ل‪ ،‬ومــن كــان أعلمـا ً فــي بــاب‬‫أعلميتــه فــي بــاب المعــاملت مث ً‬
‫ل‪ ،‬فل يلزم أعلميتــه فــي بــاب الصــوم‪ .‬والمســتقبل‬ ‫القضــاء مث ً‬
‫الحاضر والقريب كفيل في إبراز تدليل واضح على هذا القول‪.‬‬
‫ن هذه الفرضية مبنية على أصل موضوعي يؤمن‬ ‫)]‪ ([3‬ل يخفى بأ ّ‬
‫به البحث وهو‪ :‬أن الفقه السلمي صالح لكل زمان ومكان‪ .‬ومع‬
‫إنكــار أو بطلن مثــل هــذا الصــل الموضــوعي ل مجــال لهــذه‬
‫الفرضية‪.‬‬
‫)]‪ ([4‬أشرنا إلى بعض الملمح الثقافية لهــذه القاعــدة فــي كتــاب‬
‫معالم التجديد الفقهي‪.‬‬
‫دمــة مــن قبــل العلم‬ ‫)]‪ ([5‬ولعل هذا هو أحــد أبــرز الجوبــة المق ّ‬
‫لتبرير عملية تغّير الفتوى‪.‬‬
‫ن افــتراض كــون العمليــة الجتهاديــة مشــككة‬ ‫)]‪ ([6‬ل يقييال‪ :‬إ ّ‬
‫يوحي بعدم قبول اجتهاد السالف من فقهائنا وفقا ً لمقاييس هــذا‬
‫العصر‪ ،‬وهو أمر يصعب تصوره في أجواءنا العلمية‪.‬‬
‫فإنه يقال‪ :‬ل إشكال في أن اجتهاد كل عصــر محكــوم بظــروف‬
‫واستحقاقات ومقاييس عصره‪ ،‬وعليه تنحصر فقاهة واجتهاد كل‬
‫فقيه فـي دائرة العصـر والسـتحقاقات الـتي أفرزتـه‪ ،‬ومـن هنـا‬
‫ور مثل هذه الفرضية أمــر فــي غايــة الســهولة إذا مــا‬ ‫يضحى تص ّ‬
‫سع العملية الجتهادية؛ فتعقيد عمليــة‬ ‫لوحظ ما أشرنا إليه من تو ّ‬
‫الجتهاد ودخول العديد من الختصاصــات البحثيــة فيهــا أّدى إلــى‬
‫صــعوبة القيــام بهــذه العمليــة دون التــترس بقط ّــاع واســع مــن‬
‫‪1‬‬

‫المعلومــات المعاصــرة‪ .‬ولعــل تقريــب هــذه الفكــرة بمثــال مــن‬


‫العلــوم الطبيعيــة يع ـد ّ نافع ـا ً جــدًا‪ ،‬فالختصاصــات الطبي ّــة الــتي‬
‫وعت في مجال الجراحــة وزراعــة العضــاء والجملــة‬ ‫تشّعبت وتن ّ‬
‫العصــبية والختصاصــات الباطنيــة ل يمكــن أن يكــون الطــبيب ــ‬
‫مهما كان حاذقا ً ـ أن يجمع في عمره المتعارف فيهــا‪ ،‬بــل حــتى‬
‫في إطــار ودائرة عمــر أكــبر وأوســع ل يمكــن ــ بــل يســتحيل ــ‬
‫م بمثل هذه التخصصات المتشعّبة‪.‬‬ ‫للنسان أن يل ّ‬
‫)]‪ ([7‬للوقوف مفصل ً على هذه الروافد لحظ‪ :‬المعالم الجديدة‬
‫فييي الصييول‪ ،‬الســيد الشــهيد محمــد بــاقر الصــدر‪ ،‬المــؤتمر‬
‫العالمي للمام الشهيد‪ :‬ص ‪.37‬‬
‫)]‪ ([8‬أنظر‪ :‬الرافد فييي علييم الصييول‪ ،‬محاضــرات آيــة اللــه‬
‫العظمى السّيد علي السيستاني‪ ،‬بقلم‪ :‬السّيد منير السّيد عدنان‬
‫القطيفي‪ ،‬نشر‪ :‬مكتب الســيد السيســتاني‪ ،‬ط ‪ ،1‬ـ ‪1414‬هـ ـ ق‪:‬‬
‫ص ‪ 17‬وما بعدها‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬أشــرنا فيمــا تقــدم إلــى ضــرورة رفــع اليــد عــن القاعــدة‬
‫الرسطية المشهورة في مثل هذه البحاث‪ ،‬تلــك القاعــدة الــتي‬
‫تؤكد على أن النتيجة تتبع أخس المقــدمات؛ إذ مــا مــن ممــارس‬
‫لعمليــة الســتنباط الفقهــي إل وهــو مقل ّــد فــي بعــض مقــدماته‬
‫اللغوية والنحوية والصرفية‪...‬الخ من العلوم الخرى‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬وهنا ل بد لي أن أنعى ما تعورف في حواضرنا العلمية من‬
‫الشارة إلى قــوة فلن فــي الصــول أو قــوته فــي الفقــه؛ إذ أن‬
‫العملية الجتهادية عمليــة واحــدة غيــر قابلــة للتجــزئة والتقطيــع‪،‬‬
‫القوة في أحدهما تؤثر على قــوة الخــر‪ ،‬والضــعف فــي أحــدهما‬
‫تؤثر في ضعف الخر‪ ،‬وهذا يكشف عــن كونهمــا مجــال وميــدان‬
‫واحد‪ .‬أجل؛ دّون هــذان العلمــان ] علــم الصــول وعلــم الفقــه (‬
‫بشــكل منفصــل رعايــة لبعــض الضــوابط التدوينيــة‪ ،‬أمــا عمليــة‬
‫استنباط الحكم الشرعي فهي عملية واحدة غير قابلة للتجزيء‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬أنظــر‪ :‬بحييوث فييي علييم الصييول‪ ،‬الســيد محمــود‬
‫الهاشمي‪ ،‬مبــاحث الــدليل اللفظــي ومبــاحث الحجــج والصــول‬
‫العملية‪ ،‬تقريرات الشهيد السعيد الستاذ آية الله العظمى السيد‬
‫محمد بــاقر الصــدر‪ ،‬مركــز الغــدير للدراســات الســلمية‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫شوال ‪1417‬هـ ـ ‪1997‬م‪ :‬ص ‪ 40‬ـ ‪.45‬‬
‫‪1‬‬

‫)]‪ ([12‬أنظـــر‪ :‬منتهييى الصييول‪ ،‬الســـيد حســـن الموســـوي‬


‫البجنوردي‪ ،‬كتاب فروشي بصيرتي‪ :‬ص ‪6‬ـ ‪.7‬‬

‫)مفاتيح عملية الستنباط الفقهي )‪4‬‬


‫المصدر‪ :‬مؤسسة المام‬ ‫بواسطة‪ :‬بقلم‪ :‬الشيخ ميثاق طالب‬
‫التاريخ‪:‬‬ ‫الزيارات‪988 :‬‬ ‫الجواد )ع( للفكر والثق‪...‬‬
‫‪19-04-2010‬‬
‫‪x‬‬
‫المفتاح الول‪:‬‬
‫ثبات وتغّير موضوع الحكم الشرعي )بلحاظ الزمان‬
‫والمكان(‬
‫تمهيد‬
‫في البــدء نتســاءل عــن تــأثير الزمــان والمكــان فــي ثبــات وتغي ّــر‬
‫موضوعات الحكام الشرعية‪ ،‬والذي نعنيه من الزمــان والمكــان‬
‫هو التأريــخ والجغرافيــا‪ ،‬وليــس المــراد منهمــا الزمــان والمكــان‬
‫الفلسفيان‪ ،‬فالحقبة التاريخية لها خصائصها مــن حيــث العلقــات‬
‫‪1‬‬

‫الدوليــة والعــادات الجتماعيــة والوضــاع القتصــادية وغيرهــا‪،‬‬


‫وكذلك الجغرافيا فكل مكان له عاداته وحضارته وثقافته وغيرها‪.‬‬
‫فهـــل أن الزمـــان والمكـــان )الظـــروف الفكريـــة والسياســـية‬
‫والقتصادية والجتماعية‪...‬الخ( لهما تأثير في العمليــة الجتهاديــة‬
‫أم ليس المر كذلك؟ ل شك بأن القواعــد واللت العلميــة الــتي‬
‫مارسها الفقهاء في عصر الشيخ الطوسي عليه الرحمة ل يمكن‬
‫لفقهــاء هــذا العصــر الســتفادة منهــا دون تطويرهــا وتغييرهــا‬
‫واستبدالها في بعض الحيان‪.‬‬
‫ق ومنه ـٍج‬
‫من هنا افترض السيد الشهيد الصدر ضرورة وجود منط ـ ٍ‬
‫لعملية الستنباط الفقهي لبد من تفحــص أصــوله وقواعــده فـي‬
‫جميع تفاصيل هذه العملية‪.‬‬
‫فالسؤال الساسي الذي ينبغي أن ُيحرر البحث فيه هو التالي‪:‬‬
‫هل للزمان والمكان تأثير على عملية الستنباط الفقهي‪ ،‬وبالتــالي‬
‫تأثيره على موضوعات الحكام الشرعية‪ ،‬أم أن الزمان والمكان‬
‫ل تأثير لهما أص ً‬
‫ل؟‬
‫ويقع بحثنا في هذا المفتاح في فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬المبادئ التصورية للمسألة وتحرير محييل‬
‫النزاع فيها‪.‬‬
‫ونعنــي مــن المبــادئ التصــورية مفــردات وأصــول هــذا المفتــاح‬
‫الساســـية‪ ،‬والـــتي هـــي عبـــارة عـــن‪) :‬الثبـــات( )التغّيـــر(‬
‫)الموضوعات( )الحكام( )الزمان( )المكان(‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أدلة المثبتين للتغّير )ولو بنحو الموجبيية‬
‫الجزئية(‪.‬‬
‫ونعني بالحديث في هذا الفصل ما يمكــن ذكــره مــن أدلــة لثبــات‬
‫مقولة التغّير في موضوعات الحكام‪ ،‬ولو بنحو الموجبة الجزئية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تطبيقات البحث‬
‫‪1‬‬

‫نــذكر فــي هــذا الفصــل بعــض التطبيقــات الهامــة المرتبطــة بهــذا‬


‫البحث‪ ،‬ول نقتصر فيه علــى البحــث النظــري؛ ولجلــه ذكرنــا أن‬
‫البحث ليس أصوليا ً صرفا ً ول فقهيا ً صرفًا‪ ،‬بل هــو مشــترك بيــن‬
‫الصولي والفقيه‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬أدلة النافين للتغّير ) ولو بنحو الموجبيية‬
‫الجزئية(‪.‬‬
‫م اليراد عليها‪.‬‬
‫نستعرض فيه كلمات النافين للتغّير‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫الفصييل الخييامس‪ :‬كلمييات أعلم الفقهيياء فييي هييذه‬
‫المسألة‪.‬‬
‫معرفة مــا إذا كــانت هــذه المســألة موجــودة فــي كلمــات العلم‬
‫السابقين‪ ،‬أم أنها من المسائل الحديثة؟‬
‫الفصل السادس‪ :‬الثار والنتييائج المترتبيية علييى البحييث‬
‫)تغّير الموضوعات وثباتها(‪.‬‬
‫تختلف الفائدة المرجوة من العلوم من فائدة نظرية بحتــة ترتبــط‬
‫بنفس العلــم‪ ،‬كأبحــاث التوحيــد مثل ً ) فل يقــال لمــن تعل ّــم هــذه‬
‫وة مــن علمــك (‪ ،‬إلــى فــائدة عمليــة‬ ‫البحاث مــا الفــائدة المرجـ ّ‬
‫تــدخل فــي صــميم وضــع النســان الفــردي والجتمــاعي‪ ،‬نظيــر‬
‫البحاث الفقهية البتلئية)]‪ .([1‬وفائدة بحثنا من النوع الثاني ل من‬
‫النوع الول‪.‬‬
‫الفصل الول‪:‬‬
‫المبادئ التصورية وتحرير محل النزاع‬
‫ويقع البحث في هذا الفصل في عدة مفردات‪:‬‬
‫المفردة الولى‪ :‬الحكم‬
‫هناك استعمالت متعددة ـ فــي كلمــات العلم ـ ـ لهــذه المفــردة‪،‬‬
‫يمكــن أن يلحظهــا المتــابع فــي أبحــاث المنطــق والنحــو والكلم‬
‫والفقه والصول‪ ،‬وهي بنحو الستقراء عبارة عن‪:‬‬
‫الستعمال الول‪ :‬الستعمال المنطقي‪.‬‬
‫وهو على أنحاء‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (1‬أحد أجزاء القضية‪.‬‬


‫وهو بمعنى إسناد أمر إلى أمر آخر إيجابا ً أو سلبًا‪ ،‬وقــد يعب ّــر عنــه‬
‫بإدراك وقوع النسبة‪ ،‬والحكم هنا هو أحــد أجــزاء القضــية؛ حيــث‬
‫تتركب القضــية ــ كمــا هــو المشــهور ــ مــن أجــزاء أربعــة هــي‪:‬‬
‫)الموضوع( )المحمول( )النسبة الحكميــة‪ ،‬نســبة المحمــول إلـى‬
‫الموضوع( ) الحكم( )]‪.([2‬‬
‫قال العلمة الطباطبائي في بيان أجزاء القضية عند المشهور‪:‬‬
‫ن القضية بما أنها تشتمل على إيجــاب أو ســلب مر ّ‬
‫كبـة مــن‬ ‫مإ ّ‬‫»ث ّ‬
‫أجــزاء فــوق الواحــد‪ ،‬والمشــهور‪ :‬أن القضــية الحمليــة الموجبــة‬
‫مؤلفة من الموضوع‪ ،‬والمحمول‪ ،‬والنسبة الحكميــة ــ الــتي هــي‬
‫نسبة المحمول إلى الموضـوع ــ‪ ،‬والحكـم باتحـاد الموضـوع مـع‬
‫المحمول«)]‪.([3‬‬
‫)‪ (2‬التصديق كقسم من أقسام العلم الحصولي‪.‬‬
‫ينقسم العلم الحصولي إلى تصور وتصــديق‪ ،‬والتصــور هــو صــورة‬
‫ذهنية حاصلة من معلوم واحد من غير إيجاب أو سلب‪ .‬وهو إمــا‬
‫ما التصديق‬ ‫)]‪([4‬‬
‫مفرد وإما مركب‪ ،‬والمركب إما ناقص وإما تام ‪ .‬أ ّ‬
‫فهو صورة ذهنية من علوم معها إيجاب أو ســلب‪ ،‬فعنــدما ننظــر‬
‫إلى قضية زيد قائم من حيث أنها تريد حكاية نفس القضــية دون‬
‫ور‪ ،‬وإمــا إذا‬‫لحاظ حكايتها عــن شــيء وعــدم حكايتهــا فهــي تص ـ ّ‬
‫لحظانها بما أنها حاكية عن واقع ما فهي تصديق‪ .‬فالتصديق فــي‬
‫هذا الستعمال أي فهم صدق قضــية مــا‪ ،‬ول يخفــى الفــرق بينــه‬
‫وبيــن التصــديق الكلمــي والــذي ســيأتي الحــديث عنــه فــي‬
‫الستعمال الكلمي لحقًا‪.‬‬
‫)‪ (3‬التصديق بمعنى نفس القضية‬
‫يراد من الحكم في الطلق السابق التصديق الذي يقابل التصــور‪،‬‬
‫أما هنا فيراد منه نفس القضية‪ ،‬والتي هي من مصاديق التصور‪.‬‬
‫الستعمال الثاني‪ :‬الستعمال الكلمي‪.‬‬
‫وهو التصديق الكلمي والذي يصــطلح عليــه فــي عرفنــا باليمــان‪،‬‬
‫والذي يقع في قبال التصديق المنطقي‪ ،‬ويقع مترتبا ً عليه‪ ،‬فبعــد‬
‫‪1‬‬

‫التصــديق والعلــم بثبــوت المحمــول للموضــوع يبقــى للنســان‬


‫الختيار في عقد القلب واليمان بمثل هذه النتيجة أو ل‪ ،‬من هنــا‬
‫عّبروا عن المدِرك للعقد الول بالعقــل‪ ،‬والمــدِرك للعقــد الثــاني‬
‫بالقلب)]‪.([5‬‬
‫الستعمال الثالث‪ :‬الستعمالت الفقهية والصولية‪.‬‬
‫ة لبد أن نمّيز بين البحث الفقهــي والبحــث الصــولي وذلــك‬ ‫مقدم ً‬
‫بالتذكير بما طرحنــا فــي أبحاثنــا الصــولية‪ ،‬فقــد بينــا هنــاك بــأن‬
‫البحث إذا كان في مادة ما )كما لو كان البحث فــي مــادة )بــاع(‬
‫)حج( )صام(‪...‬وهكذا( فهو بحث فقهييي‪ .‬نعــم قــد يكــون هــذا‬
‫البحــث الفقهــي قاعــدة فقهيــة فــي بعــض الحيــان‪ ،‬وقــد يكــون‬
‫مسألة فقهية في أحيان أخرى‪ ،‬لكن هذا التمييز ل يؤثر في كون‬
‫البحث الفقهي بحثا ً في المادة‪.‬‬
‫أما إذا كان البحث فــي المــادة لكــن ل بشــرط مــن حيــث المــادة‬
‫الفقهية فهو بحث أصولي‪ ،‬أي في صلحية هذه المادة الفقهية‬
‫للستخدام في مجالت المادة المتنوعة)]‪ .([6‬من قبيل البحث في‬
‫حجية الظهــور‪ ،‬فــإنه البحــث يقــع فــي كــونه حجــة أو ل‪ ،‬بمعنــى‬
‫ن‬
‫صلحية هذه المسألة للدخول في جميع البواب الفقهية‪ .‬كما أ ّ‬
‫خبر الثقة مادة من المواد‪ ،‬ولكنها مادة إذا قيســت إلــى المــواد‬
‫الفقهية الخرى تكون ل بشرط من حيث المادة الفقهية)]‪.([7‬‬
‫الستعمال الول‪ :‬الحكم الشرعي التكليفي‪.‬‬
‫ويـراد منـه الحكـم الشــرعي التكليفــي فقــط )الوجـوب والحرمـة‬
‫والكراهة والستحباب والباحة(‪.‬‬
‫السيييتعمال الثييياني‪ :‬الحكيييام الشيييرعية العيييم مييين‬
‫التكليفية والوضعية‪.‬‬
‫ويــراد منــه مطلــق الحكــام الشــرعية‪ ،‬ســواء أكــانت تكليفيــة أم‬
‫وضعية‪ ،‬وهو هنا أوسع من الطلق الول‪.‬‬
‫الستعمال الثالث‪ :‬الحكم الواقعي والظاهري‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والحكم الواقعي هو ما لم يفرض الشك في موضوعه‪ ،‬والظاهري‬


‫ما ُفرض الشك في موضوعه‪.‬‬
‫ق‪.‬‬
‫الستعمال الرابع‪ :‬في قبال الح ّ‬
‫هناك خلف كبير في تحديد معنى الحكم والحق في هــذا الطلق‪،‬‬
‫وقد ُ‬
‫كتبت رسائل متعددة فـي هـذا المجـال يمكـن العـودة إليهـا‬
‫بشكل تفصيلي للوقوف على حقيقة البحث)]‪.([8‬‬
‫الستعمال الخامس‪ :‬حكم القاضي في المخاصمات‪.‬‬
‫يطلق الحكم أيضا ً ويراد منه حكم القاضي في المخاصــمات‪ ،‬وهــو‬
‫غير الحكم في الستعمال الول والثاني)]‪.([9‬‬
‫الستعمال السادس‪ :‬في قبال الفتوى‪.‬‬
‫والمراد منه ما هــو أوســع مــن مــوارد الخصــومة‪ ،‬كمــا فــي حكــم‬
‫الحــاكم برؤيــة الهلل فل دعــوى ول خصــومة‪ .‬فحكــم الحــاكم ل‬
‫يختص بموارد النزاع بين المتخاصمين في الدعوة‪ ،‬بل هو أوســع‬
‫من ذلك‪ .‬وهو مختار صاحب الجواهر‪.‬‬
‫قال مشــيرا ً إلــى ذلــك‪» :‬بقــي الكلم فــي الفــرق بينهمــا )الحكــم‬
‫والفتوى(‪ ،‬والظاهر أن المراد بالولى )الفتوى( الخبار عــن اللــه‬
‫تعالى بحكم شرعي متعلق بكلي‪ ،‬كالقول بنجاسة ملقــي البــول‬
‫أو الخمر‪ ،‬و أما قول هذا القدح نجس لذلك )للملقاة( فهو ليس‬
‫فتــوى فــي الحقيقــة )لن تحديــد الجزئيــات النجســة ل يرتبــط‬
‫بالفتوى بــل مرجعــه إلــى تشــخيص موضــوعها(‪ ،‬وإن كــان ربمــا‬
‫يتوسع بإطلقها عليه‪ ،‬و أما الحكم فهو إنشاء إنفاذ من الحاكم ل‬
‫منه تعــالى لحكــم شــرعي أو وضــعي أو موضــوعهما فــي شــيء‬
‫مخصوص‪.‬‬
‫و لكن هل يشترط فيه مقارنته لفصل خصــومة كمــا هــو المــتيقن‬
‫من أدلته‪ ،‬ل أقل مـن الشـك‪ ،‬و الصـل عـدم ترتـب الثـار علـى‬
‫غيره‪ ،‬أو ل يشترط‪ ،‬لظهــور قــوله‪...‬ومــن هنــا لــم يكــن إشــكال‬
‫عنــدهم فــي تعلــق الحكــم بــالهلل و الحــدود الــتي ل مخاصــمة‬
‫فيها‪.([10])«...‬‬
‫‪1‬‬

‫أما المراد من الحكم من هذه الطلقات هو العم من هذه‬


‫الطلقات جميعًا‪ ،‬فقولنا تغّير موضوعات الحكام الشرعية بتغّير‬
‫الزمان والمكان المراد من الحكم العم من التكليفي‬
‫والوضعي‪ ،‬والعم من الواقعي والظاهري‪ ،‬والعم من الفتوى‬
‫وحكم الحاكم‪ .‬وسيتضح ذلك من خلل البحاث القادمة إنشاء‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫وة مــن بعــض‬ ‫)]‪ ([1‬وما يقال في الستفسار عــن الفــائدة المرج ـ ّ‬
‫البحاث العقدية ]كــالبحث عــن أن لــواجب الوجــود ماهيــة أم ل‪،‬‬
‫وأنه متناهي أم ل ‪ ،‬وعن المامة وتفاصيلها( ناتج من الخلط فــي‬
‫معنى الفائدة المتوّقعة من بعض العلوم‪ ،‬حيث يظ ّ‬
‫ن بأن الفــائدة‬
‫هي عملية فقط‪ ،‬مع أن هــذا المــر خلف مــا قــدمناه؛ حيــث أن‬
‫الكثير من العلوم ل تحمل غاية وفائدة عملية تــدخل فــي ســدى‬
‫ولحمة العمل الفردي اليومي‪ ،‬بل ل معنــى للبحــث عــن الفــائدة‬
‫في مثل هذا النوع من العلوم‪ ،‬وإنما تكمن الفائدة في مثل هــذه‬
‫العلوم في أن العلم بها أفضل من الجهل بها‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬ل يخفى عليك وقوع الخلف في عدد أجــزاء القضــية‪ ،‬فهــل‬
‫هي أربعة‪ ،‬أم ثلثة‪ ،‬أم اثنان‪ ،‬وتفصيل الحديث في هذا الموضوع‬
‫شأن الدراسات المختصة‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬نهاية الحكمة‪ ،‬تأليف‪ :‬الستاذ العلمة السيد محمد حسين‬
‫الطباطبائي‪ ،‬بإشراف‪ :‬الشيخ ميــرزا عبــد اللــه نــوري‪ ،‬مؤسســة‬
‫النشر السلمي التابعة لجماعة المدّرسين بـ قم المشــّرفة‪ ،‬لــم‬
‫تذكر الطبعة‪ ،‬جمادي الولى ‪1404‬هـ ق‪ ،‬الموافق لشــهر بهمــن‬
‫‪1362‬هـ ـ ش‪ :‬ص ‪ ،251‬الفصــل الثــامن مــن المرحلــة الحاديــة‬
‫عشر‪.‬‬
‫وللعودة إلى تفاصيل أكــثر‪ :‬الحكمة المتعالييية فييي السييفار‬
‫العقلية الربعة‪ ،‬حاشية السيد محمــد حســين الطباطبــائي‪ :‬ج‬
‫‪1‬‬

‫‪ ،1‬ص ‪ .365‬تعليقة على نهاية الحكمة‪ ،‬الشيخ محمد تقــي‬


‫مصباح اليزدي‪ :‬تعليقة رقم ‪.39‬‬
‫ن القضية من أقسام المركب التام الذي هو‬ ‫)]‪ ([4‬من هنا يتضح بأ ّ‬
‫من أقسام التصور‪ ،‬فل صحة لما ذكره العلمة الطباطبــائي مــن‬
‫مرادفة التصديق والقضية في بداية الحكمة‪ ،‬لكن هذه المرادفــة‬
‫غير تامة‪ ،‬والصحيح هو التباين‪.‬‬
‫)]‪ ([5‬وقد جاء هذان النوعان من التصديق في اليات والروايــات‪،‬‬
‫وعــدم التفريــق الــواعي بينهمــا يــوجب الخلــط فــي كــثير مــن‬
‫المباحث‪.‬‬
‫ن البحث فــي الهيئات بحــث‬ ‫)]‪ ([6‬فهو ليس بحث في الهيئات؛ ل ّ‬
‫منطقي ]البحث في الشكال الول والثاني والثالث والرابع(‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬لم يتعّرض العلم إلى مسألة تقسيم البحاث الصولية إلى‬
‫مسألة وقاعدة‪ ،‬على الرغم من كونها من المور المهمة في كل‬
‫سم الفقه إلى ذلـك‪ ،‬كــذلك فـي الصــول يمكــن‬ ‫بحث‪ ،‬فكما يق ّ‬
‫تقسيم البحاث فيه إلى قواعد أصولية ومسائل أصولية‪ ،‬والمــر‬
‫كذلك في التفســير ]تفســير القــرآن( وعلــم الكلم‪ ،‬حيــث يوجــد‬
‫مســألة تفســيرية وقاعــدة تفســيرية‪ ،‬ومســألة كلميــة وقاعــدة‬
‫كلمية‪ .‬وهذا من أهم أبحاث المنهج‪.‬‬
‫)]‪ ([8‬لمزيــد مــن الطلع لحــظ‪ :‬فقييه العقييود‪ ،‬الســيد كــاظم‬
‫الحسيني الحائري‪ ،‬مجمع الفكر السلمي‪ ،‬ط ‪1423 ،1‬هـ ق‪ :‬ج‬
‫‪ ،1‬ص ‪ .133‬الحكم والحق‪ ،‬رســالة ماجســتير للســيد عــدنان‬
‫البكاء بّين فيها جميع أقسام الحكم والحقوق الشرعية والقانونية‬
‫والجزائية‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬أنظــر‪ :‬القواعييد والفييوائد‪ ،‬محمــد بــن مكــي العــاملي‬
‫]الشهيد الول(‪ ،‬تصــحيح وتحقيــق‪ :‬الســيد عبــد الهــادي الحكيــم‪،‬‬
‫كتاب فروشي أميد‪ ،‬ط ‪ ،1‬إيران ـ ـ قــم‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،320‬القاعــدة‬
‫‪.114‬‬
‫)]‪ ([10‬جواهر الكلم في شييرح شييرائع السييلم‪ ،‬محمــد‬
‫حســن بــن بـاقر النجفــي ]صــاحب الجــواهر(‪ ،‬تصــحيح وتحقيــق‪:‬‬
‫الشيخ عباس القوﭼاني دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط ‪ ،7‬بيروت ـ ـ‬
‫لبنان‪ :‬ج ‪ ،40‬ص ‪.100‬‬
‫‪1‬‬

‫)مفاتيح عملية الستنباط الفقهي )‪5‬‬


‫المصدر‪ :‬مؤسسة المام‬ ‫بواسطة‪ :‬بقلم‪ :‬الشيخ ميثاق طالب‬
‫التاريخ‪:‬‬ ‫الزيارات‪773 :‬‬ ‫الجواد )ع( للفكر والثق‪...‬‬
‫‪23-04-2010‬‬
‫‪1‬‬

‫‪x‬‬
‫عودة إلى تعريف الحكم‬
‫بعد أن اتضح محل النزاع ـ في البحاث السابقة ـ ـ لبــد مــن بيــان‬
‫تعريــف للحكــم الشــرعي‪ ،‬فقــد عّرفــه المشــهور كمــا جــاء فــي‬
‫كلمات الغزالي بأنه خطــاب الشـرع إذا تعّلـق بأفعــال المكلفيــن‬
‫)احـــترازا ً مـــن الخطابـــات الشـــرعية غيـــر المتعلقـــة بأفعـــال‬
‫المكلفين(‪ ،‬وقد جــاء هــذا التعريــف فــي كلمــات مــن بعــده مــن‬
‫العلماء‪.‬‬
‫وعّرفه الخضري بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفيــن طلبــا ً‬
‫)]‬
‫أو وضعًا‪ ،‬وعند الفقهاء هو‪ :‬الصفة التي هي أثــر ذلــك الخطــاب‬
‫‪.([1‬‬
‫كما عّرفه آخرون بتعاريف متعددة نقتصر على ذكر بعض منها‪:‬‬
‫®الطلب)]‪.([2‬‬
‫®الرادة والكراهة المعلنة‪.‬‬
‫®إنشاءات خاصة بدواع مخصوصة‪ ،‬وهي إما إنشاء بــداعي جعــل‬
‫الــداعي فعلً أو ترك ـا ً ـ ـ عــن مصــلحة لزوميــة أو غيرهــا أو عــن‬
‫مفسدة كذلك ـ فهــو إيجــاب وتحريــم واســتحباب وكراهــة‪ ،‬وإمــا‬
‫دية من فعلــه‬ ‫إنشاء بداعي إرخاء العنان و الترخيص‪ ،‬المقابل للب ّ‬
‫و تركه فهو إباحة)]‪.([3‬‬
‫®هو سنخ الفعل الختياري الصادر من الشارع‪ ،‬وليس هــو عبــارة‬
‫عــن الرادة والكراهــة‪ ،‬أو الرضــا والغضــب‪ ،‬فإنهــا مــن مبــادئ‬
‫الحكام‪...‬بل عبارة عن اعتبار نفساني مــن المــولى‪ ،‬و بالنشــاء‬
‫ي‪ ،‬ل أنه يوجد به)]‪.([4‬‬
‫يبرز هذا العتبار النفسان ّ‬
‫®وجــراء المحــاذير الــتي وجـدت فــي تعريــف قـدماء الصــوليين‪،‬‬
‫والتي هي عبارة عن أن الخطاب هو مبرز وكاشف للحكم‪ ،‬ل أنه‬
‫نفس الحكم‪ .‬وأن تقييده بأفعال المكلفين يوجب خروج الحكــام‬
‫الوضعية التي ل توجه إلى المكلفين بشكل مباشر‪ .‬وجــراء ذلــك‬
‫عدل السيد الشهيد الصــدر عــن التعريــف المشــهور عــن قــدماء‬
‫‪1‬‬

‫الصوليين‪ ،‬فعّرف الحكم بأنه التشــريع الصــادر مــن اللــه تعــالى‬


‫لتنظيم حياة البشر)]‪.([5‬‬
‫لقد تحدث السيد الصــدر عــن مرحلــتين للحكــم الشــرعي‪ ،‬أطلــق‬
‫على الولى‪ :‬مرحلــة الثبــوت‪ ،‬والــتي تتكــون مــن عناصــر ثلثــة‪:‬‬
‫الملك‪ ،‬الرادة‪ ،‬العتبار‪.‬‬
‫وأطلق على الثانيــة‪ :‬مرحلــة الثبــات‪ ،‬وهــي‪ :‬مرحلــة إبــراز مقــام‬
‫الثبوت‪ ،‬العم من وصوله وعدم وصوله‪ ،‬فقد يصدر الحكم وُيبرز‬
‫مبرز‪ ،‬لكنه قد يضيع في الطريق‪.‬‬ ‫ب ُ‬
‫هذا تمام الكلم في المفردة الولى )الحكم(‪.‬‬
‫المفردة الثانية‪:‬‬
‫الموضوع‬
‫ويقع الحديث في هذه المفردة في أربعة أبحاث‪:‬‬
‫البحث الول‪ :‬استعمالت الموضوع‪.‬‬
‫)]‬
‫البحث الثاني‪ :‬الفرق بين المتعلق والموضوع بحســب الصــطلح‬
‫‪.([6‬‬
‫البحث الثالث‪ :‬أقسام موضوعات الحكام الشرعية‪.‬‬
‫البحث الرابع‪ :‬أنحاء أخذ الموضوع في الحكم الشرعي‪.‬‬
‫البحث الخامس‪ :‬وظيفة الفقيه إزاء موضوعات الحكام الشرعية‪.‬‬
‫وقبل أن نعرض لمطالب هــذه البحــوث علينــا التنــويه إلــى أهميــة‬
‫البحث في هذه المفردة؛ حيث يعد ّ البحث فيها مــن أهــم محــاور‬
‫هذا المفتاح‪ ،‬أعني مفتاح )ثبات وتغّير موضييوعات الحكييام‬
‫الشرعية بلحاظ الزمان والمكان(‬
‫ول‪ :‬استعمالت الموضوع‬ ‫البحث ال ّ‬
‫هناك استعمالت متعددة للموضوع ]منها فلســفية ومنهــا منطقيــة‬
‫ومنها درائية ومنها أصولية ومنها غير ذلك‪ [...‬سنقتصر على ذكــر‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫)استعمال معرفي( )]‪.([7‬‬


‫ول‪ :‬موضوع العلم‪.‬‬ ‫الستعمال ال ّ‬
‫يمكن أن يعد ّ هذا الستعمال من أهم السـتعمالت المتداولــة فـي‬
‫كلمات العلم‪ ،‬فقد عرضوا لهذا الســتعمال فــي بدايــة الــدخول‬
‫في علم الصول‪ ،‬وطرحوا هناك هذا التساؤل‪:‬‬
‫هل هناك ضرورة لوجود موضوع لكل علم؟‬
‫وجراء ذلك عكفوا على إمكانية هذه الكبرى وعدم إمكانيتهــا )هــل‬
‫لكل علم موضوع(‪ ،‬فأثبتها جملة من العلم ونفاها آخرون‪.‬‬
‫والتحقيـق هـو مـا بينـاه مفصـل ً فـي أبحاثنـا الصـولية والفلسـفية‬
‫فلحظ)]‪.([8‬‬
‫وهذا الستعمال خارج عن محل بحثنا‪.‬‬
‫)اسييتعمال‬
‫الستعمال الثاني‪ :‬ما يقييع فييي قبييال المحمييول‬
‫منطقي(‬

‫ويعنى المناطقة من الموضوع في هــذا الســتعمال أي مــا يشـ ّ‬


‫كل‬
‫أحد أجزاء القضـية الربعـة ــ كمـا هـو المشـهور ــ والـتي تقـدم‬
‫الحديث حولها في الستعمال الول لمفردة الحكم‪.‬‬
‫وهذا الستعمال خارج عن محل بحثنا أيضًا‪.‬‬
‫)استعمال فلسفي(‬
‫الستعمال الثالث‪ :‬ما يقع في قبال المحل‬
‫يمّيز البحث الفلسفي بين الموضوع وبين المحــل‪ ،‬فلــم يشــترطوا‬
‫في الحال في المحل كون المحل محتاجا ً له‪ ،‬أما فــي الموضــوع‬
‫فاشترطوا أن يكون مستغنيا ً عن الحال فيــه‪ ،‬فالبيــاض العــارض‬
‫على الجدار يمكن للجدار الستغناء عنه؛ إذ ماهية الجــدار ماهيــة‬
‫جوهرية لم يؤخذ فيها حيثية الكيفية كــي تحتــاج إلــى اللــون‪ ،‬بــل‬
‫هي مستغنية عن الحال فيها‪ ،‬بخلفه فــي الجســم المرك ّــب مــن‬
‫المــادة الولــى والصــورة الجســمية؛ إذ ل مــادة بــدون صــورة‬
‫جسمية‪ ،‬فتكون المادة محل ً للصورة الجسمية)]‪.([9‬‬
‫وهذا الستعمال خارج عن محل بحثنا أيضًا‪.‬‬
‫)استعمال درائي(‬
‫الستعمال الرابع‪ :‬المكذوب‬
‫‪1‬‬

‫ويعني الموضوع في هذا الستعمال أي )المكذوب(‪.‬‬


‫وهو الستعمال خارج عن محل بحثنا أيضًا‪.‬‬
‫)استعمال أصولي(‬
‫الستعمال الخامس‪ :‬موضوع الستصحاب‬
‫يستعمل الموضوع في البحث الصولي للشــارة إلــى أحــد أركــان‬
‫الستصحاب )=الركن الثالث(‪ ،‬وهو‪ :‬الشارة إلى وحدة القضــية‬
‫دل الموضوع وتغّيره ـ بأي نحــو مــن‬
‫المتيّقنة والمشكوكة‪ ،‬فإن تب ّ‬
‫أنــواع التغي ّــر)]‪ ([10‬ــ يــوجب عــدم تحقــق أركــان الستصــحاب‪،‬‬
‫وبالتالي عدم جريانه‪.‬‬
‫وفي سياق هذا الستعمال أشار الستاذ الشهيد محمد باقر الصدر‬
‫إلى الشكالية التي تواجه صياغة الشيخ العظم قدس سره لهذا‬
‫الركــن الثــالث‪ ،‬تلــك الصــياغة الــتي اشــترطت فــي جريــان‬
‫دل وتغّيــر الموضــوع‬‫الستصحاب إحراز بقاء الموضوع؛ إذا مع تب ّ‬
‫ل يكون الشك شــكا ً فــي البقــاء‪ ،‬فل يمكــن ــ مثل ً ــ استصــحاب‬
‫نجاســة الخشــب بعــد اســتحالته وصــيرورته رمــادًا؛ ل ّ‬
‫ن موضــوع‬
‫النجاسة المتيقنة لم يبق‪ ،‬بل تغّير‪.‬‬
‫وهذه الصياغة ـ والكلم للسيد الصدر ـ سببت الشكال في جريان‬
‫الستصحاب فيما إذا كان المشكوك أصل وجود الشيء بقاء لن‬
‫موضوع الوجود الماهية‪ ،‬ول بقاء للماهية إل بالوجود‪ ،‬فمع الشك‬
‫في وجودها بقاء ل يمكــن إحــراز بقـاء الموضـوع‪ ،‬فكيــف يجـري‬
‫الستصــحاب؟ وكــذلك ســببت الستشــكال أحيانــا فيمــا إذا كــان‬
‫المشكوك من الصفات والمحمولت الثانوية المتأخرة عن وجود‬
‫الشيء كعدالة زيد؛ وذلك لن زيدا ً العادل تــارة يشــك فــي بقــاء‬
‫عدالته مع العلم ببقائه حيـًا‪ ،‬ففـي مثــل ذلـك يجـري استصــحاب‬
‫ن موضوعها ـ وهو حياة زيد ـ معلوم البقاء‪،‬‬ ‫العدالة بل إشكال؛ ل ّ‬
‫وأخرى يشك في بقاء زيد حيًا‪ ،‬ويشك أيضا ً في بقاء عدالته على‬
‫تقدير حياته‪ ،‬وفي مثل ذلك كيف يجري استصحاب بقــاء العدالــة‬
‫مع أن موضوعها غير محرز)]‪.([11‬‬
‫والذي ألجأنا إلى نقل ما تقدم ـ رغم كونه خارجا ً عن محل بحثنــا‪،‬‬
‫بل هو موكول إلى مباحثه الخاصة ـ ـ هــو الشــارة إلــى الحضــور‬
‫‪1‬‬

‫الفلسفي الكبير في البحاث الصولية‪ ،‬وما تقــدم هــو جــزء مــن‬


‫هذا الحضور‪ ،‬الذي يريد البعض من قصــد أو دون قصــد نكرانــه)]‬
‫‪.([12‬‬
‫وسيتضح أن هذا النوع من الستعمال داخــل فــي محــل كلمنــا؛ إذ‬
‫قد يكون لموضوع ما شرائط وقيود خاصة قبــل عشــرة ســنوات‬
‫ل‪ ،‬أما الن فرغم أنــه عينــه بحســب الظــاهر‪ ،‬إل أن شــرائطه‬ ‫مث ً‬
‫وقيــوده قــد تغي ّــرت بطبيعــة الحــال‪ .‬وســنكتفي بالشــارة إلــى‬
‫تطبيقين لهذا الستخدام‪ ،‬حصل فيهما تغّير مــاهوي حقيقــي فــي‬
‫ذات الشيء‪:‬‬
‫التطبيق الول‪ :‬الميتة ل يجوز أكلها فلــو اســتحالت إلــى شــيء‬
‫آخر وكان ذلك الشيء مباحا ً يجوز أكلها باعتبار أن الحكام تابعة‬
‫للموضوعات وما كان حراما ً أصبح شيئا ً آخر غير محرم‪.‬‬
‫التطبيق الثاني‪ :‬انقلب الخمر خ ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وهنا نطرح عدة استيضاحات سُنعنى بالجابة عليها في القادم من‬
‫البحاث‪:‬‬
‫ن‬
‫‪1‬ـ هل يقتصر تغّير الحكم بتغّير ماهية الموضوع وشــرائطه‪ ،‬أم إ ّ‬
‫للزمـــان والمكـــان )=أي الظـــروف الجتماعيـــة والسياســـية‬
‫والقتصادية والثقافية( مدخلية في تغّير الحكام؟‬
‫ن الشارع لحظ الظروف الزمكانية فــي إصــدار أحكــامه‪،‬‬ ‫‪2‬ـ هل إ ّ‬
‫م أصــدر الحكــام‪،‬‬‫أم أنه جّرد الموضوعات من ظروفها‪ ،‬ومــن ث ـ ّ‬
‫كما هو السائد في الفهم الفقهي المعاصر؟‬
‫فــإذا قبلنــا أن الموضــوع ترتــب عليــه الحكــم بلحــاظ شــرائطه‬
‫الزمكانية فلبد ّ للفقيه أن ل يأخذ الموضوع مجردا ً عما يحيط بــه‬
‫ليعطي حكمه الشرعي‪ ،‬بل لبد ّ لــه أن يشــخص الموضــوع فــي‬
‫زمن صدور الحكم الشرعي‪ ،‬ثم يأتي إلى الموضــوع فــي زماننــا‬
‫ليرى أن شرائط الموضوع لم تتغير أم أنها تغّيرت وعلى أســاس‬
‫ذلــك يســتنبط حكــم ذلــك الموضــوع‪ .‬وذلــك مــا نعّبــر عنــه أن‬
‫الموضــوعات الشــرعية ثابتــة أم أنهــا متغيــرة بلحــاظ الزمــان‬
‫والمكان )]‪.([13‬‬
‫‪1‬‬

‫)اسييتعمال‬
‫الستعمال السييادس‪ :‬موضييوع الحكييم الشييرعي‬
‫أصولي(‬

‫سنقتصر في هذا الستعمال على تعريفين نســتقيهما مــن كلمــات‬


‫علمين من أعلم البحث الصولي‪ ،‬الول هــو‪ :‬المحقــق النــائيني‪،‬‬
‫والثاني هو‪ :‬السيد الشهيد محمد باقر الصدر‪.‬‬
‫)‪ (1‬تعريف الموضوع عند المحقق النييائيني‪ :‬الموضــوع ـــ‬
‫كما يعرفه النائيني ـ هو‪ :‬مــا أخــذ مفــروض الوجــود فــي متعلــق‬
‫الحكــم)]‪ ،([14‬كالعاقــل البــالغ المســتطيع‪ .‬وبعبــارة أخــرى‪ :‬هــو‬
‫المكّلــف اّلــذي طــولب بالفعــل أو الّتــرك بمــا لــه مــن القيــود‬
‫شرائط‪ :‬من العقل والبلوغ وغير ذلك)]‪.([15‬‬ ‫وال ّ‬
‫وبعد أن أشرنا في الماضي من البحاث إلى محورية النسان فــي‬
‫العملية الفقهية يتضح هنا سر جعــل أفعــال العاقــل البــالغ‪...‬هــي‬
‫موضوع الحكم‪ ،‬وحيث أن المــر كــذلك فتغي ّــر شــرائط المكلــف‬
‫لزمه تغّير نفس الحكم بطبيعة الحال)]‪.([16‬‬
‫)‪ (2‬تعريف الموضوع عند السيد الشهيد الصدر)]‪:([17‬‬
‫ليضــاح الموضــوع عنــد الســتاذ الشــهيد لبــد مــن التفريــق بيــن‬
‫المتعلــق وهــو‪ :‬الفعــال الــتي يكــون الحكــم الشــرعي مقتضــيا ً‬
‫ل‪ ،‬و)الشــرب( فــي ل‬ ‫ليجادها أو الزجر عنها‪ ،‬كـ )الصلة( في ص ّ‬
‫تشرب الخمر‪ .‬وبين متعلق المتعلق وهو‪ :‬الشياء الخارجية الــتي‬
‫يتعلق بها المتعلــق الول‪ ،‬كـ ـ )القبلــة( و )الــوقت( فــي الصــلة‪،‬‬
‫و)الخمر( و )الميتة( في ل تشرب الخمر ول تأكل الميتة‪.‬‬
‫فالوجوب والحرمة والســتحباب والكراهــة والباحــة مــن الصــفات‬
‫ذات الضافة‪ ،‬فل يمكن أن يكون وجــوب أو حرمــة أو اســتحباب‬
‫أو كراهة أو إباحة بل متعلق‪ .‬فكــل مــا تعل ّــق بــه الحكــم يســمى‬
‫بحســب الصــطلح )متعلــق(‪ ،‬وكــل مــا يتعلــق بــه هــذا المتعلــق‬
‫يسمى اصطلحا ً بـ )متعل ّــق المتعل ّــق(‪ .‬والموضــوع عنــد الســتاذ‬
‫الشهيد هو‪) :‬متعلق المتعلق()]‪.([18‬‬
‫‪1‬‬

‫وبعد أ ن ذكرنا هذين التعريفين من كلمات هذين العلمين يتبّين لنا‬


‫ن الموضوع عند المحقق النائيني هو‪) :‬المتعلق(‪ ،‬وعند السيد‬ ‫بأ ّ‬
‫الشهيد هو‪) :‬متعلق المتعلق(‪.‬‬
‫لكــن الصــحيح هــو عــدم اختلف تعريــف الموضــوع فــي كلمــاتهم‬
‫بشكل حقيقي‪ ،‬بل أن اختلف زوايا النظر إليه هــي الــتي نتجــت‬
‫هذه النتيجة‪ ،‬ولبيان هذا المطلب نقول‪:‬‬
‫ن مرجــع الموضــوع‬ ‫قرر المحقق النائيني فــي أبحــاثه الصــولية بــأ ّ‬
‫والسبب والشرط فــي التكــاليف والوضــعيات هــو معنــى واحــد؛‬
‫»وهو المر الـذي ُرتـب الحكـم الشـرعي عليـه‪ ،‬فقــد يعب ّــر عنــه‬
‫بالموضــوع وأخــرى يعب ّــر عنــه بالســبب‪ ،‬كمــا أن ّــه قــد يعب ّــر عنــه‬
‫ن العقد الكذائي موضــوع للملكي ّــة أو‬ ‫ح أن يقال‪ :‬إ ّ‬ ‫بالشرط‪ ،‬فيص ّ‬
‫ن الــدلوك ــ مث ً‬
‫لـ ـ‬ ‫ح أن يقــال‪ :‬إ ّ‬ ‫ســبب أو شــرط لهــا‪ ،‬وكــذا يص ـ ّ‬
‫ن مرجع الجميع‬ ‫موضوع لوجوب الصلة أو شرط لها أو سبب؛ فا ّ‬
‫ن الشارع رّتب الملكّية ووجوب الصلة على العقــد ودلــوك‬ ‫إلى أ ّ‬
‫الشمس‪.‬‬
‫إل أن العلم توافقوا على إطلق السبب علــى المــر الــذي رت ّــب‬
‫الحكــم الوضــعي عليــه‪ ،‬فيقولــون‪ :‬إن العقــد ســبب للملكيــة‬
‫والزوجية‪ ،‬وعلى إطلق الموضوع أو الشــرط علــى المــر الــذي‬
‫رت ّـــب الحكـــم التكليفـــي عليـــه‪ ،‬فيقولـــون‪ :‬إن العاقـــل البـــالغ‬
‫المستطيع موضوع لوجوب الحج‪ ،‬أو أن الــدلوك شــرط لوجــوب‬
‫الصــلة‪ ،‬وهــو مجــرد اصــطلح ليــس إل‪ ،‬وإل فمرجــع الكــل إلــى‬
‫شيء واحد«)]‪.([19‬‬
‫ن السيد الشهيد الصدر في بعـض آثـاره عّبـر عـن الموضـوع‬ ‫كما إ ّ‬
‫بكل ما توقف عليــه الحكــم الشــرعي‪ ،‬ومــن الواضــح أن الحكــم‬
‫الشرعي لكــي يكــون فعليـا ً يتوقــف علــى دخــول الـوقت وكـون‬
‫ل‪ ،‬فإذا حصــلت الســتطاعة ولــم يكــن بالغـا ً أو‬
‫النسان بالغا ً عاق ً‬
‫عاقل ً فل تكفي الستطاعة وحدها لفعلية الحكم‪.‬‬
‫ن مقصــود المحقــق النــائيني والســيد‬
‫إذا أتضح هذا يتجلــى لــك بــأ ّ‬
‫الشهيد الصدر واحد‪ ،‬لكن اختلف زوايــا نظرهــم إلــى الموضــوع‬
‫هو الذي سبب اختلف تعابيرهم‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومرادنا من الموضوع في محل بحثنا هو‪ :‬العم من المكلف ومــن‬


‫متعلق المتعلق‪ ،‬أي ما تتوقف عليه فعلية الحكم‪.‬‬
‫البحييث الثيياني‪ :‬الفييرق بييين المتعلييق وبييين الموضييوع‬
‫بحسب الصطلح‬
‫أشرنا فيما تقدم إلى أن الحكــم ســنخ مفهــوم ل يمكــن أن يكــون‬
‫دون متعلق‪ ،‬فل معنى لن يقــال واجــب أو حــرام مــن غيــر ذكــر‬
‫ل‪ .‬وتأسيسا ً على‬ ‫متعلق للوجوب أو الحرمة‪ ،‬كالصلة والكذب مث ً‬
‫هذا نقول‪ :‬أن الذي يتعلق به الحكم مباشرة ول يتصور الحكم إل‬
‫بالرتباط به ُيصطلح عليه أصوليا ً بالمتعلق‪ ،‬سواء وجد الموضــوع‬
‫أم لم يوجد‪.‬‬
‫والمتعلق على نحوين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما ل يحتــاج إلــى متعلــق آخــر‪ ،‬مــن قبيــل وجــوب الصــلة‬
‫وحرمــة الكــذب؛ حيــث يحتــاج إلــى الفــرد البــالغ العاقــل‪...‬‬
‫)=المكلف( فقط‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما يحتاج في تعّلق الحكم به إلى متعلق ثاني‪ ،‬مــن قبيــل‬
‫حرمة شرب الخمر؛ حيث يحتــاج المتعلــق الول )الشــرب( إلــى‬
‫متعلق آخر )الخمر( كي يكون الحكم فعليًا‪.‬‬
‫ما الموضوع فهو ـ بحسب الصــطلح ــ مــا يــترتب عليــه الحكــم‬ ‫أ ّ‬
‫ومتعلقه‪ .‬وقد يعّبر البعض عــن متعلــق المتعلــق بالموضــوع)]‪،([20‬‬
‫وهو خلف الموضوع الصولي الذي ُيعنــى منــه مــا يــترتب عليــه‬
‫الحكم‪ ،‬سواء أكان للمتعلق متعلقا ً أم ل‪.‬‬
‫إذن؛ فالفرق بين المتعّلق والموضوع من زواية الحكــم هــو أن مــا‬
‫يتعلق به الحكم يسمى‪ :‬متعلقًا‪ .‬وما يترتب عليه الحكــم يســمى‪:‬‬
‫موضوعًا‪ ،‬وهذا يؤكد علــى ضــرورة وجــود الموضــوع فــي جميــع‬
‫إنحاء المتعلق لكي يترتب الحكم)]‪.([21‬‬
‫ورغم هذا التفريق إل أن التداخل الستخدامي فــي كلمــات جملــة‬
‫من العلم غير عزيز‪ ،‬فقد ُيطلــق المتعلــق فــي كلمــاتهم ويــراد‬
‫منه الموضوع‪ ،‬وقد ُيطلــق الموضــوع ويــراد منــه المتعلــق‪ ،‬وقــد‬
‫ُيطلق المتعلق ويراد منه متعلق المتعلق‪ .‬إل أن هــذا الســتخدام‬
‫‪1‬‬

‫المتداخل ل يدلل علــى عــدم التفريــق الــواعي بينهمــا‪ ،‬بــل لقــد‬


‫فرقوا بينهما بشكل دقيق‪ ،‬لكنهم لم يعيروا أهمية كــبيرة لضــبط‬
‫محل استخدامها‪ ،‬وأوكلوا هذه المهمة إلى الباحث الّنابه ليتعرف‬
‫على مراداتهم من خلل تجميع وربط القرائن‪.‬‬
‫ومن باب التمثيل لهذا التداخل الستخدامي نقتصر على نموذجين‬
‫من المثلة في كلمات علمين من العلم‪:‬‬
‫‪1‬ي استعمال المتعلق وإرادة الموضوع‪:‬‬
‫ص الشيخ العظم على أن الحاجــة إلــى أقــوال اللغــويين‬‫بعد أن ن ّ‬
‫ضرورة لبد منها رغم معلومية بعــض المعــاني فــي الجملــة مــن‬
‫غير حاجة إلى مراجعة قول اللغوي‪ ،‬مّثل قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫»كما في مثل ألفــاظ الــوطن والمفــازة والتمــر والفاكهــة والكنــز‬
‫والمعدن والغوص وغير ذلك من متعلقات الحكام«)]‪.([22‬‬
‫ن هذه المور هي موضوعات للحكــام الشــرعية ل‬‫ومن الواضح بأ ّ‬
‫أنها متعلقات لها‪.‬‬
‫‪2‬ي استعمال الموضوع وإرادة المتعلق‪:‬‬
‫ن الغناء صوت النسان الذي له رّقــة‬ ‫بعد أن قرر السيد الخميني إ ّ‬
‫وحسن ذاتي ولو في الجملة‪ ،‬وله شأنّية إيجاد الطــرب بتناســبه‬
‫لمتعارف النــاس‪ ،‬نب ّــه علــى الخدشــة الــتي تتــأتى علــى تعريــف‬
‫ن الغنــاء ل‬
‫المشــهور للغنــاء بكــونه الــترجيع المط ـّرب؛ وذلــك ل ّ‬
‫وم بالمــد ول بــالترجيع‪ ،‬ففــي كــثير مــن أقســامه ل مــد ول‬ ‫يتق ـ ّ‬
‫ترجيع‪...‬مع أنه غناء‪ .‬وأشار أخيرا ً ـ أعني السيد الخمينــي ـ ـ إلــى‬
‫ن ما ذكره في المقام هو تحصيل ماهيــة الغنــاء مــن غيــر نظــر‬ ‫أ ّ‬
‫إلى ما كان موضوعا ً للحكم الشــرعي‪ ،‬فلعــل موضــوعه أعــم أو‬
‫أخص‪.([23])...‬‬
‫ن الغنــاء متعل ّــق للحكــم الشــرعي‪ ،‬ل أنــه موضــوع‬ ‫وأنت خــبير بــأ ّ‬
‫للحكم الشرعي)]‪.([24‬‬
‫علقة الحكم الشرعي مع موضوعه ومتعلقه‬
‫‪1‬‬

‫إن طبيعة العلقة التي تحكم الحكم مع موضوعه تختلف عن طبيعة‬


‫العلقـة الـتي تحكمـه مـع متعلقـه؛ فالعلقـة القائمـة بيـن الحكـم‬
‫وموضــوعه ]العــم مــن متعل ّــق المتعل ّــق والمكل ّــف[ هــي علقــة‬
‫السببية والمسببة‪ ،‬فما لم يوجد الموضوع ل وجــود للحكــم‪ ،‬وهــذا‬
‫ن فعليــة الحكــم بفعليــة‬ ‫هو معنى القاعدة المعروفة التي تفيــد بــأ ّ‬
‫موضوعه‪.‬‬
‫أما كيف يكون الموضوع فعليا ً في الحكم الذي يقــرر حرمــة شــرب‬
‫الخمر علــى المكلـف‪ ،‬فـذلك بوجــود المكّلـف الجــامع للشـرائط‪،‬‬
‫وتتحقق إرادة لديه لتناول هذا الخمر الذي أمامه‪ ،‬عند ذلك تتحقق‬
‫ن موضــوعه صــار فعلي ـًا‪ ،‬ودون تحّقــق المكلــف‬ ‫فعلية الحكم؛ إذ إ ّ‬
‫والخمر ل وجود للحكم على مستوى الفعلية‪.‬‬
‫أما كيف يكون الحكم فعليًا؟ فغير خفي على المتابع المراحل الــتي‬
‫يمّر بها الحكم الشــرعي لصــيرورته فعليـًا‪ ،‬فقــد تكّفلــت البحــاث‬
‫صل‪ ،‬إل أن التذكير الجمالي بمــا حققتــه هــذه‬ ‫الصولية بيانها المف ّ‬
‫البحاث قد يكون نافعًا‪:‬‬
‫ن تصــوير الموضــوع فرضــا ً بنحــو القضــية الشــرطية هــي أولــى‬ ‫إ ّ‬
‫ل‪ :‬إذا وجــد فــرد‬ ‫المراحل التي يمّر بها الحكم‪ ،‬فيعّبـر الشــارع قــائ ً‬
‫ن‬ ‫بالغ عاقل مخلى السرب )=المكلف( فيجب عليه الحج‪ ،‬رغــم إ ّ‬
‫الواقع الخارجي قد يكون خاليا ً من فرد ٍ يحمــل هــذه المواصــفات‪.‬‬
‫هذا على مستوى الجعل‪ ،‬لكن إذا أريد لهذا الجعل أن يكون فعلي ـا ً‬
‫فيجب أن يتحقق موضوعه‪ ،‬وهذا هو معنى قــولهم‪ :‬أن الموضــوع‬
‫بمنزلة العلة للحكم‪ ،‬بوجوده يوجد الحكم)]‪.([25‬‬
‫فتحصل مما تقدم أن وجود الموضــوع تــارة يكــون وجــودا ً فرضــيا ً‬
‫شرطيًا‪ ،‬وهو المطلوب في مرحلة الجعــل‪ .‬وتــارة يكــون وجــودا ً‬
‫خارجا ً فعليًا‪ ،‬وهو الذي ُيشترط في مرحلة فعلية الحكم‪.‬‬
‫قال السيد الشهيد‪ » :‬حيث إن الجعــول تكــون علــى غــرار القضــايا‬
‫الحقيقة فالموضوع للحكم المجعول يؤخذ دائما ً مفــروض الوجــود‬
‫ل‪ ،‬وإذا وجــد‬ ‫على نهج القضية الشــرطية‪ ،‬أي إذا وجــد وقــت فص ـ ّ‬
‫عقــد أوف بــه‪ ،‬ونتيجــة ذلــك إن الحكــم فــي فعليتــه تــابع لفعليــة‬
‫موضوعه؛ لن المشــروط عــدم عنــد عــدم شــرطه‪ ،‬وبهــذا يكــون‬
‫‪1‬‬

‫وجود الموضوع جعل ومجعول متقدما ً على وجود الحكم‪ ،‬أمــا فــي‬
‫المجعول اّلذي هو الحكم الفعلي فلما بيناه مــن إ ّ‬
‫ن فعليــة الحكــم‬
‫المجعول فرع فعلية الموضوع‪ ،‬وأما في عالم الجعل فلن الجاعل‬
‫يرى في أفق جعلــه إناطــة مجعــوله بتحقــق الموضــوع فهــو يــرى‬
‫الحكم متأخرا عن موضوعه«)]‪.([26‬‬
‫وبذلك يتضح إن تغّير الموضوع يوجب تغّير الحكم؛ إذ الحكم )ألــف(‬
‫مثل ً مــترتب علــى الموضــوع )ب(‪ ،‬ومــع تغّيـر )ب( إلــى )ج( مث ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ن فعليــة الحكــام تابعــة‬
‫فســوف يتغي ّــر حكمــه بطبيعــة الحــال؛ ل ّ‬
‫لتحقق موضوعاتها‪ .‬وأمثلة هذا التغّير والتبـديل كـثيرة جـدًا‪ ،‬نظيـر‬
‫السفر فرارا ً من الصوم‪ ،‬والهروب من أداء الخمس والزكاة بهبــة‬
‫الموال والمواشي قبل حلول الحول‪...‬ومــا إلــى ذلــك مــن أمثلــة‬
‫فقهية عديدة)]‪.([27‬‬
‫ن المراد من الموضوع الذي نريد بحثه هنــا هــو‪:‬‬
‫ومما تقدم يتضح بأ ّ‬
‫الموضوع بالمعنى العم‪ ،‬الذي يشمل المتعلــق ومتعلــق المتعلــق‬
‫والمكّلف بما له من الشرائط‪.‬‬

‫)]‪ ([1‬المستصفى من علم الصول‪ ،‬تصنيف‪ :‬المام أبو حامد‬


‫محمد بن محمد الغزالــي‪ ،‬دراســة وتحقيــق‪ :‬الــدكتور حمــزة بــن‬
‫زهير حافظ‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .177‬أصول الفقه‪ ،‬تــأليف‪ :‬المرحــوم‬
‫محمد الخضري بك المفتش بــوزارة المعــارف ومــدرس التأريــخ‬
‫الســلمي فــي الجامعــة المصــرية‪ ،‬ط ‪ ،6‬ـ ‪1389‬هـ ـ ـ ـ ‪1969‬م‪،‬‬
‫المكتبــة التجاريــة الكــبرى‪ :‬ص ‪ .20‬ويمكــن الرجــوع إلــى كتــاب‬
‫الصــول العامــة للفقــه المقــارن للطلع علــى تفاصــيل هــذه‬
‫التعاريف‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬كما في زبدة الصول للشيخ البهائي‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬حاشييية كتيياب المكاسييب‪ ،‬تــأليف‪ :‬ســماحة آيــة اللــه‬
‫العظمــى المحقــق الفقيــه الشــيخ محمــد حســين الصــفهاني‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫تحقيق‪ :‬الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفــي‪ ،‬دار المصــطفى‬


‫لحياء التراث‪ ،‬ط ‪1418 ،1‬هـ ق‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪17‬ـ ‪.18‬‬
‫)]‪ ([4‬مصييباح الصييول‪ ،‬تقريـــرا ً لبحـــاث الســـيد الخـــوئي‪،‬‬
‫البهسودي‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪.77‬‬
‫)]‪ ([5‬دروس في علم الصول‪ ،‬الســيد الشــهيد محمــد بــاقر‬
‫الصدر‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.52‬‬
‫)]‪ ([6‬قد يطلق الموضوع ويراد به المتعلق‪ ،‬وقد يطلق المتعلــق‬
‫ويراد به الموضوع‪ ،‬وهذا ما سنحاول الكشف عنــه فــي البحــاث‬
‫القادمة‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬وهو استعمال يتداول في أبحاث فلسفة العلوم‪.‬‬
‫)]‪ ([8‬وقد حاولنا هناك الجابة على السئلة التالية‪:‬‬
‫السؤال الول‪ :‬هل هناك ضرورة لوجود موضوع لكل علم؟‬
‫السؤال الثاني‪ :‬هل أن لكل علم حقيقــي موضــوع‪ ،‬أم العــم منــه‬
‫ومن العتباري؟‬
‫السؤال الثالث‪ :‬ماذا تعني قضية أن كل موضــوع يبحــث فيــه عــن‬
‫عوارضه الذاتية؟‬
‫السؤال الرابع‪ :‬ما هي ضابطة العرض الذاتي؟‬
‫السؤال الخامس‪ :‬ما هي ضابطة تشخيص موضوع العلم؟‬
‫السؤال السادس‪ :‬ما هــو المعيــار فــي تمييــز العلــوم بعضــها عــن‬
‫بعض؟‬
‫ومن الواضح دخول جملــة مــن هــذه الســئلة فيمــا يصــطلح عليــه‬
‫اليوم )فلسفة العلوم(‪.‬‬
‫ولتفاصيل أكثر لحظ‪ :‬كتاب القطع‪ ،‬تقريرا ً لبحاثنا الصولية‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬لحظ في هذا الصدد‪ :‬الفصل الثاني من المرحلة السادســة‬
‫من نهاية الحكمة‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬والتي سيأتي الحديث عنها لحقًا‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬أنظر‪ :‬بحوث في علييم الصييول‪ ،‬مصــدر ســابق‪ :‬ج ‪،6‬‬
‫ص ‪.114‬دروس في علم الصول‪ ،‬مصــدر ســابق‪ :‬ج ‪ 3‬ق ‪،2‬‬
‫ص ‪.170‬‬
‫ن الفلســفة داخلــة فــي أحشــاء‬ ‫)]‪ ([12‬ذكرنا في أبحاث سابقة إ ّ‬
‫أغلب البحاث الصولية‪ ،‬وهو أمر واضح لمن قــام بعمليــة مســح‬
‫ن البحــث الفلســفي محظــور‬ ‫يسيرة لهذه المسائل‪ ،‬ومع هذا فــإ ّ‬
‫‪1‬‬

‫في البحاث الحوزوية‪ ،‬ول ُيعطــى الهميــة الــتي يســتحقها علــى‬


‫الرغم من حضوره الكثيف في جميع الميادين العلمية الحوزوية‪.‬‬
‫)]‪ ([13‬وهــذه المســألة تع ـد ّ مــن أهــم مفاتيــح عمليــة الســتنباط‬
‫الفقهي؛ لكي تكــون قــادرة علــى الســتجابة لمتطلبــات الحيــاة‪،‬‬
‫وجراء عدم القدرة على تجاوز هذه الشكالية تضطر العديد مــن‬
‫الدول السلمية إلى عدم تطبيق مســاحات كــبيرة مــن الحكــام‬
‫الشرعية لكونها ل تستجيب لستحقاقات العصر ومتطلباته‪ .‬وقــد‬
‫وغ البعض ممارسة لون آخر من الحكام )=إمــا ثانويــة وإمــا‬ ‫يس ّ‬
‫ولئية وإما داخلة في عنوان ما اضطروا إليه( لحلحلة إشــكاليات‬
‫العصرنة ومتطلباتها‪ ،‬إل أن هذا إقرار بعدم قدرة أحكام الشــارع‬
‫)=الولية( على معالجة تلك الستحقاقات!!‬
‫)]‪ ([14‬سيتبين فيما بعد الفرق الساسي بين الموضوع والمتعلق‪.‬‬
‫)]‪ ([15‬فوائد الصول‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.145‬‬
‫)]‪ ([16‬من هنا يمكن افتراض التغّير في سن النثى ـ ـ مثل ً ـ ـ مــن‬
‫مكان إلى مكان آخر‪ ،‬وهو أمــر وقــع الختلف فيــه بيــن الفقهــاء‬
‫جــراء اختلف الروايــات فــي ذلــك‪ ،‬مضــافا ً إلــى تأكيــد البحــاث‬
‫البيولوجية المعاصرة على تأخر بلوغ النثى في المناطق الباردة‬
‫وتقدمه في المناطق الحارة‪ .‬وكذا المر في أوقات الصلة ـ مثل ً‬
‫ـ فهي ذات ساعات واضحة متباعدة نوعا ً ما في مناطقنا‪ ،‬إل أنها‬
‫في بعض المنــاطق الســتوائية غيــر واضــحة‪ ،‬فل يمكــن معرفــة‬
‫ل‪ ،‬فكيــف‬ ‫الدلوك والغسق والفجر جراء عدم شروق الشمس مث ً‬
‫يمكن ترتيب أوقات الصلة في تلك المناطق؟!‬
‫)]‪ ([17‬بحوث في علم الصول‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.77‬‬
‫ون من أطــراف ثلثــة‪:‬‬ ‫)]‪ ([18‬فالتكليف عنده ـ رحمه الله ـ يتك ّ‬
‫المتعلق كشرب الخمر والصلة‪ ،‬والموضوع أي متعلــق المتعلــق‬
‫كــالخمر فــي )ل تشــرب الخمــر( والعــالم فــي )أكــرم العــالم(‪،‬‬
‫والقيود المأخوذة في نفس التكليف كالبلوغ والعقــل والقــدرة ـ ـ‬
‫وهي شرائط عامة ــ ودخــول الــوقت والســتطاعة ــ وهــي مــن‬
‫الشرائط الخاصة‪.‬‬
‫)]‪ ([19‬أنظر‪ :‬فوائد الصول‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪.389‬‬
‫)]‪ ([20‬كما جاء في كلمات السيد الشهيد كما أسلفنا‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫)]‪ ([21‬وبهذا يقترب الموضــوع بـالمعنى الصـولي مـن الموضــوع‬


‫بــالمعنى المنطقــي؛ لن الحكــم الصــولي هــو بمثابــة المحمــول‬
‫كل الموضــوع‬ ‫المنطقــي يــترتب علــى وجــود موضــوعه‪ ،‬فيشــ ّ‬
‫المنطقي والصولي أرضية لنطباق الحكم المنطقــي والصــولي‬
‫عليهما‪.‬‬
‫)]‪ ([22‬فييرائد الصييول‪ ،‬الشــيخ العظــم‪ ،‬مؤسســة النشــر‬
‫السلمي‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.76‬‬
‫)]‪ ([23‬المكاسييب المحرميية‪ ،‬الســيد روح اللــه الموســوي‬
‫الخمينـي‪ ،‬مؤسسـة تنظيــم و نشــر آثـار المــام الخمينــي قـدس‬
‫سره‪ ،‬ط ‪1415 ،1‬هـ ق‪:‬ج ‪ ،1‬ص ‪306‬ـ ‪.307‬‬
‫)]‪ ([24‬هنــاك فــرق بيــن الموضــوع بــالمعنى العــم والموضــوع‬
‫بالمعنى الخص‪ ،‬وسنشير إلى هذا الفرق لحقًا‪.‬‬
‫)]‪ ([25‬ول مسؤولية على المكلف بغية إيجاد مقدمات الوجــوب ــ‬
‫كما يقررون ـ ‪ ،‬بل وجودها هو الذي يوجد الحكم‪ ،‬وعــدمها يعنــي‬
‫عدم الحكم‪ ،‬فالحكم ل يدعو إلى تحقيــق موضــوعه؛ لن وجــوب‬
‫الحــج ــ مثل ً ــ متــأخر علــى وجــود مســتطيع‪ ،‬ومــع عــدم وجــود‬
‫المستطيع فل وجود للحكم أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫)]‪ ([26‬بحوثفيعلمالصول‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.78‬‬
‫ص جملة من العلم على عدم جواز بعض تطبيقات هــذا‬ ‫)]‪ ([27‬ن ّ‬
‫الباب ـ كما في مبــاحث الحيــل الشــرعية ــ لكونهــا تخــالف روح‬
‫وغها‪ ،‬ومن هنا تتفعــل‬ ‫ن مّر الدليل والصناعة يس ّ‬
‫الشريعة‪ ،‬رغم إ ّ‬
‫صل‬‫أبحاث مقاصد الشريعة بشكل واسع ومف ّ‬

‫)مفاتيح عملية الستنباط الفقهي )‪6‬ـ ‪7‬‬


‫‪1‬‬

‫المصدر‪ :‬مؤسسة المام‬ ‫بواسطة‪ :‬بقلم‪ :‬الشيخ ميثاق طالب‬


‫التاريخ‪:‬‬ ‫الزيارات‪685 :‬‬ ‫الجواد عليه السلم للف‪...‬‬
‫‪24-04-2010‬‬
‫‪x‬‬
‫البحث الثالث‪:‬‬
‫أقسام موضوعات الحكام الشرعية‬
‫السؤال الذي نعنى بالجابة عليه في هذا البحث الثالث هو التالي‪:‬‬
‫ن موضوعات الحكام الشرعية جميعا ً على نسق واحــد‪ ،‬كــي‬ ‫هل إ ّ‬
‫ُيتعامل معهــا فــي طريقــة الســتنباط والفهــم والتشــخيص بنحــو‬
‫واحد‪ ،‬أم أنهــا ليســت جميع ـا ً كــذلك‪ ،‬وبالتــالي يكــون تشخيصــها‬
‫لترتيب الحكم عليها ليس بنحو واحد أيضًا؟‬
‫ل شك أن موضوعات الحكام الشرعية ليست علــى نســق واحــد‪،‬‬
‫بل يمكن تقسيمها من هذه الحيثية إلى أقسام أربعة‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬الموضوعات المخترعة‬
‫وهي المواضيع التي اخترعها الشارع واستحدثها ابتداًء‪ ،‬مع إمكانية‬
‫أن يكون لها أصل لغوي‪ ،‬إل إن المرجع فــي تحديــد دائرة صــدق‬
‫مفاهيمها طول ً وعرضا ً هــو الشــارع المقــدس‪ ،‬ســواء أكــان هــذا‬
‫الجعل بنحو الحقيقة الشرعية أو بنحو الحقيقة المتشــرعية‪ ،‬كمــا‬
‫خَبث الذي وضــعه الشــارع لمعنــى خــاص معيــن‪ ،‬رغــم أن‬ ‫في ال َ‬
‫معناه اللغوي قد يكون عامًا‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الموضوعات المركبة‬
‫وهي المواضيع التي استعملها الشارع في معانيها الخاصة بعــد أن‬
‫أضاف لها قيودا ً وشروطا ً وموانع ًًا‪...‬الخ‪ ،‬كالبيع والجارة والنفقــة‬
‫والوطن والسفر‪ ،‬فهي عناوين لم ُتخترع من قبل الشارع‪ ،‬وإنمــا‬
‫استعان بها بعد أن قّيدها بقيوده الخاصة)]‪.([1‬‬
‫وقــد أشــار إلــى هــذا القســم )الموضــوعات المر ّ‬
‫كبــة( جملــة مــن‬
‫العلم نقتصر على نموذجين منهم‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫ص المحقق الحلي القـــائل‪» :‬لو‬ ‫‪1‬ـ بعد أن نقل صاحب الجواهر ن ّ‬


‫وقف على الجيران رجع إلى العرف‪ ،‬وقيل لميين يلييي‬
‫داره إلى أربعين ذراعًا‪ ،‬وهو حسن«)]‪ .([2‬عّلق قائل ً ـ فــي‬
‫مقام المقارنة بين القولين )أعنــي العــودة إلــى العــرف‪ ،‬أو مــن‬
‫ن مرجــع الثــاني قــد يكــون إلــى‬
‫يلي داره إلى أربعين ذراع( ـ‪ :‬بأ ّ‬
‫الول أيضا ً)]‪([3‬؛ ضرورة أنه تحديد للعــرف بــذلك‪ ،‬كمــا هــو ديــدن‬
‫الشارع في مثل ذلك‪ ،‬كــالوجه والمســافة ونحوهمــا ممــا يشــك‬
‫في بعض الفراد منها‪ ،‬بعدم معرفة التحقيــق فــي العــرف علــى‬
‫وجه يعلم الداخل فيه والخــارج عنــه‪ ،‬فيضــبطه الشــارع الــذي ل‬
‫يخفى عليه الشيء بما هو حد ّ له فــي الواقــع‪ .‬وليــس ذلــك منــه‬
‫معنــى جديــد‪ ،‬ول إدخــال لمــا هــو معلــوم الخــروج فــي العــرف‬
‫وبالعكس)]‪.([4‬‬
‫‪ -2‬ما أشار إليــه الســيد الخمينــي فــي مناقشــة القــائل بمجعوليــة‬
‫الزوجية شرعا ً ـ بنحو الصالة أو بنحو آخر ـ من أن الزوجّية من‬
‫المــور العقلئي ّــة ومــن العتبــارات الــتي يكــون أســاس الحيــاة‬
‫الجتماعيــة ونظامهــا متوّقفـا ً عليهــا‪ ،‬ول تكــون مــن المخترعــات‬
‫ن الشرائع قد تصّرفت فيهــا نــوع تصـّرفات فــي‬ ‫الشرعّية‪ .‬أجل إ ّ‬
‫حدودها‪ ،‬ل أّنها اخترعتها‪ ،‬بل اّتخاذ الــزوج وتشــكيل العائلــة مــن‬
‫مرتكزات بعض الحيوانات أيضًا«)]‪.([5‬‬
‫ومــن هــذين النمــوذجين يتضــح بــأن التشــخيص ــ فــي مثــل هــذه‬
‫المواضيع ـ مهمة ل يتكفل الشرع بإيفائها فقــط‪ ،‬بــل هــي مهمــة‬
‫كبة من لغة وشرع وعرف‪ ،‬وهــذه عمليــة أخــرى تضــاف إلــى‬ ‫مر ّ‬
‫عمــل المســتنبط الــذي يريــد أن يستكشــف حكــم موضــوع مــن‬
‫ن‬
‫المواضيع‪ .‬وإلقاء تحديد الموضوع إلى العرف ليــس بســديد؛ ل ّ‬
‫هذا السنخ من المواضيع يتطلب عناية وتأمل تتبعي لتحديده‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬الموضوعات العرفية‬
‫وهي الموضوعات التي تؤخذ حدود مصاديقها من العــرف محضــًا‪،‬‬
‫أما تعريف معاني موضوعاتها فهو أمر لغوي‪.‬‬
‫وقبل أن ننتقل إلـى ذكـر بعـض التطبيقــات الفقهيــة لهــذا القسـم‬
‫علينا مقدمة التمييز بين العــرف وبيــن الســيرة العقلئيــة؛ حيــث‬
‫‪1‬‬

‫خلــط البعــض بينهمــا‪ ،‬وجعلوهمــا أمــرا ً واحــدًا‪ .‬إل أن الســيرة‬


‫العقلئيــة هــي مــا يشــترك فيــه العقلء مــع اختلف ظروفهــم‬
‫وشؤونهم وأديانهم‪ ،‬كما في اعتماد العقلء على العمــل بظــواهر‬
‫ن اليد إمارة الملكية في جميع المجتمعات‪.‬‬ ‫الكلم وأ ّ‬
‫أما العرف فهو‪ :‬ما تعارف عليه مجموعــة مــن النــاس فــي مكــان‬
‫معين‪ ،‬وضمن شروط خاصة على تصرف وعمــل معيــن‪ .‬وهــو ـ ـ‬
‫بطبيعة الحال ـ مختلف من مكان إلــى مكــان‪ ،‬ومــن زمــان إلــى‬
‫زمان‪ ،‬ومن مجتمع إلى مجتمع آخــر‪ ،‬كبعــض الظــواهر الــتي قــد‬
‫تتصف في مجتمع من المجتمعات باليجابيــة‪ ،‬لكنهــا تتصــف فــي‬
‫ة وضــيقا ً الراجــع‬
‫مجتمع آخر عن بالسلبية‪ ،‬أو كتحديد النفقة سع ً‬
‫لعراف المناطق وعاداتها)]‪.([6‬‬
‫وموارد العتماد على العرف في الفقه كثيرة جــدا ً سنقتصــر علــى‬
‫ذكر بعضها‪:‬‬
‫‪1‬ـ قال العاملي في مـدارك الحكـام‪ »:‬ينبغـي أن يكـون المرجـع‬
‫في الدلو إلى العرف العام)]‪ ،([7‬فإنه المح ّ‬
‫كم فيما لــم يثبــت فيــه‬
‫وضع من الشارع‪...‬ول عبرة بما جرت العادة باستعماله في تلــك‬
‫البئر إذا كان مخالفا له«)]‪.([8‬‬
‫‪2‬ـ قال في جواهر الكلم‪» :‬والمرجــع فــي النــاء والنيــة والوانــي‬
‫إلى العرف‪ ،‬كما صرح به غير واحد‪.([9])«...‬‬
‫‪3‬ـ قال في جواهر الكلم أيضًا‪:‬المدار في صــدق المرتيــن العــرف‬
‫كما في غيره من اللفاظ)]‪.([10‬‬
‫‪4‬ـ وقال في مكان آخر‪» :‬وذلك لن أمــر الطلق والضــافة يرجــع‬
‫إلى العرف«)]‪..([11‬‬
‫‪5‬ـــ وقــال أيضــًا‪» :‬ويرجــع فــي مســمى القــروح والجــروح إلــى‬
‫العرف«)]‪.([12‬‬
‫‪6‬ـ وقال أيضًا‪» :‬والمرجع في معنى السكر وفي الفرق بينه وبيــن‬
‫الغماء ونحوه العرف«)]‪.([13‬‬
‫‪7‬ـ وقال أيضًا‪» :‬والمرجع في القيام العرف«)]‪.([14‬‬
‫‪1‬‬

‫ن المرجــع فيهمــا ]الجهــر والخفــات[ إلــى‬


‫‪8‬ـ ـ وقــال كــذلك‪ » :‬إ ّ‬
‫العرف‪ ،‬كما هو الضابط في كل ما لم يرد به تحديد شرع«)]‪.([15‬‬
‫والمثلــة المتقدمــة ل تعنــي ـ ـ عنــدما أوكلــت مهمــة تحديــد هــذه‬
‫ن‬
‫المواضيع إلى العرف ـ عدم مسؤولية الفقيــه عــن ذلــك‪ ،‬بــل إ ّ‬
‫تحديد موضوع الحكم الشرعي تعريفا ً )وهو أمر مختص بالفقيه(‬
‫ومصداقا ً أيضا ً )وهو أمر قد يشترك العرف معــه فيــه أيض ـًا( هــو‬
‫من مهام الفقيه الساسية؛ لوضوح اختلف العــراف مــن مكــان‬
‫إلى مكان آخر‪ ،‬ومن زمـان إلـى زمـان آخـر‪ ،‬وهـو أمـر ل يكـون‬
‫ناجع ـا ً مــن غيــر اللجــوء إلــى متخصصــين فــي شــتى المجــالت‬
‫والحقول المعرفية‪ ،‬وهذا مؤشر آخر على نوهنا إليه فـي مقدمـة‬
‫البحث من تعقيد العملية الجتهادية‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬الموضوعات المستحدثة‬
‫وهي المواضيع التي استحدثت دون أي يكــون لهــا أصــل لغــوي أو‬
‫عرفي أو شرعي‪ ،‬كالمور الحديثة الداخلــة فــي المجــال الطــبي‬
‫والقتصادي والنترنيتي وعقود التأمين وحقوق التأليف‪...‬الخ مــن‬
‫المسائل الخرى‪.‬‬
‫وهناك اتجاهان في كيفية التعاطي مع هذه المواضيع‪ ،‬اتجاه ذهــب‬
‫ن الشارع المقدس بّين أحكام مثل هذه المواضيع ـــ بغــض‬
‫إلى أ ّ‬
‫النظر عن وصول هذا البيان وعـدمه ــ وبالتـالي تكـون مصـاديق‬
‫لمواضيع شرعية وصلت إلينا )مخترعة‪ ،‬مركبة‪ ،‬عرفية(‪ ،‬كما هــو‬
‫الحال في باب العقود المستحدثة‪.‬‬
‫واتجاه آخر مال إلى إدراج هذه المواضــيع ضــمن عنــاوين شــرعية‬
‫عامة يمكن أن تعد ّ أصول ً لها‪ .‬ول ضرورة إلى إرجاعها كمصاديق‬
‫لتلك المواضيع القديمة‪ ،‬فالمواضيع المسـتحدثة تقتضـي أحكامـا ً‬
‫مستحدثة أيضًا‪ .‬ول نعني باســتحداثية الحكــام أنهــا وراء الكتــاب‬
‫والسنة‪ ،‬بل هي مســتقاة مــن أصــول عامــة مــن داخــل الكتــاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫حي َــى‬ ‫ن يَ ْ‬‫مد ُ ب ْـ ُ‬‫ح ّ‬‫م َ‬‫ولعل من مؤيدات هذا التجاه الخير ما روي عن ُ‬
‫ن ث َعْل َب َـ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن‬
‫مـ ْ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫مــو ٍ‬ ‫مي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫ة ب ْـ ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ن فَ ّ‬
‫ضا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬‫مد ٍ ع َ ِ‬‫ح ّ‬
‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫مد َ ب ْ ِ‬ ‫ح َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ل أُبو عَب ْدِ الل ّهِ ـ ـ ع ـ ـ َ‬
‫مــا‬ ‫س أنه قال‪َ :‬قا َ‬ ‫خن َي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه عَن ال ْ ُ ّ‬
‫معَلى ب ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حد ّث َ ُ‬‫َ‬
‫ف فيه اث ْنان إّل ول َ َ‬ ‫م َ‬
‫ل‬‫جـ ّ‬ ‫ب الل ّـهِ عَـّز وَ َ‬ ‫ل ِفي ك ِت َــا ِ‬ ‫ص ٌ‬
‫هأ ْ‬ ‫خت َل ِ ُ ِ ِ َ ِ ِ َ ُ‬ ‫مرٍ ي َ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫جال)]‪.([16‬‬ ‫ل الّر َ‬ ‫ه ع ُُقو ُ‬ ‫ن َل ت َب ْل ُغُ ُ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫لكــن يبقــى الســؤال الساســي الــذي شــغل أذهــان البعــض مــن‬
‫المحققين هو‪:‬‬
‫ما هي المراحل التي يجب على الفقيـه طيهـا لستكشــاف أحكــام‬
‫هذه الموضوعات المستحدثة؟‬
‫وفي مقام الجابة على هذا التساؤل نشير إلى وجود عدة مراحــل‬
‫لبد أن يمّر الفقيه فيهــا لســتنباط أحكــام هــذه المواضــيع‪ ،‬نم ـّر‬
‫عليها إجما ً‬
‫ل‪:‬‬
‫المرحلة الولى‪ :‬تحديد الموضوع وتشخيصه بدقة عالية‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬محاولة عرض هذا الموضوع علــى موضــوعات‬
‫الحكــام الشــرعية )بأقســامها الثلثــة‪ :‬المخترعــة‪ ،‬المركبــة‪،‬‬
‫العرفية(؛ لرؤية ما يشابهه‪ ،‬وبالتالي معرفة كيفية تعامل الشارع‬
‫مع هذا اللون من الموضوعات‪ ،‬فتتشكل رؤيــة تعب ّــر عــن مــذاق‬
‫الشارع المقدس في كيفية التعاطي مع مثل هذه الحكــام‪ ،‬وهــو‬
‫مــا يعب ّــر عنــه بنظريــة الشــباه والنظــائر فــي عــرف الدراســات‬
‫الصولية)]‪.([17‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬بعد النتهاء من المرحلة الثانية )التع ـّرف علــى‬
‫مذاق الشريعة العام( يبحث الفقيه حينئذ عن أدلة خاصة تقــترب‬
‫من دائرة هذا الموضوع)]‪.([18‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬بعـد خلــو يــد الفقيـه مـن أدلـة خاصـة ترتبـط‬
‫بموضوعه‪ ،‬يتحول للبحث عن أدلة شرعية عامة لدراج موضوعه‬
‫تحتها)]‪.([19‬‬
‫‪1‬‬

‫المرحلة الخامسة والخيرة‪ :‬وبعد أن يطوي الفقيــه المراحــل‬


‫ول‬
‫الربع المتقدمة دون أن يجد ما يمكن الركون إليه فيهــا ‪،‬يتحــ ّ‬
‫إلى المرحلة الخيرة وهي مرحلة الصول العملية‪.‬‬
‫نتائج عامة‬
‫ن تشخيص الموضوعات ـ بأقسامها الربعــة ـــ‬ ‫النتيجة الولى‪ :‬إ ّ‬
‫مهمة تقع على عاتق الفقيه بشكل وبآخر‪ ،‬إمــا بنحــو كامــل كمــا‬
‫في الموضوعات المخترعة والمستحدثة‪ ،‬وإما بنحــو جــزئي كمــا‬
‫كبة ـ حيث يشترك العرف والســيرة معــه‬ ‫في الموضوعات المر ّ‬
‫فــي تشخيصــها ــ والموضــوعات العرفيــة ـ ـ الــتي تتوقــف علــى‬
‫م العرفي ـ‪.‬‬
‫التحديد اللغوي ومن ث ّ‬
‫على أن التشخيص الفقهي غير التطــبيق العــائد للمكلــف؛ فــالول‬
‫مهمة الفقيه حصرا ً ـ على التفصيل الذي أشرنا إليه في السطر‬
‫السابقةـ ليحدد من خلله الموضوع‪ ،‬وعند التحديد تتحول المهمة‬
‫خص فقها ً على المورد‬ ‫لرؤية صلحية انطباق هذا الموضوع المش ّ‬
‫الخارجي‪ ،‬وهو شأن المكلف والفقيه بما هو كذلك‪.‬‬
‫النتيجة الثانية‪ :‬حيث أن الموضوعات متعددة كما أسلفنا‪،‬‬
‫وتشخيصها دور الفقيه المستنبط للحكم الشرعي فكما يجب‬
‫عليه الجتهاد في تحديد بعضها‪ ،‬يجوز له الرجوع إلى أهل الخبرة‬
‫والختصاص في بعضها الخر‪ ،‬وسنذكر التنظير المناسب لهذه‬
‫وغة في البحث‬‫المسألة مع ذكر التجاهات المانعة والمس ّ‬
‫الخامس القادم إنشاء الله‪ .‬وبهذا يتم الكلم في البحث الثالث‬
‫من هذه المفردة )الموضوع(‪.‬‬

‫ة‬
‫)]‪ ([1‬وفي سياق هذا القسم استنكر الشــارع المقــدس مجموعـ ً‬
‫مــن الســير العقلئيــة الــتي كــانت ســائدة فــي تلــك العصــور‪،‬‬
‫الســتنكار الــذي بــدا واضــحا ً لمــن راجــع ســّير الرســول وآلــه‬
‫‪1‬‬

‫الطاهرين )عليه وعليهم السلم(‪ ،‬فقــد أوصــى الرســول الكــرم‬


‫)ص( معاذ بن جبل عنـد بعثتـه إيـاه إلـى اليمـن بـأن يميـت أمـر‬
‫الجاهلية إل ما سنه السلم‪ ،‬وأن يظهر أمر السلم كلـه صـغيره‬
‫وكبيره‪ .‬تحف العقول‪ ،‬ابن شعبة الحّراني‪ :‬ص ‪.25‬‬
‫)]‪ ([2‬شييرائع السييلم فييي معرفيية الحلل والحييرام‪،‬‬
‫المحقــق نجــم الــدين جعفــر بــن الحســن الحلــي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد‬
‫الحسين محمد علي بقال‪ ،‬مؤسسة اسماعيليان ط ‪1408 ،2‬هـ‬
‫ق‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.169‬‬
‫ن القول الول يرجع إلى القسم الثالث الــذي‬ ‫)]‪ ([3‬من الواضح بأ ّ‬
‫ستأتي حقيقته لحقًا‪.‬‬
‫)]‪ ([4‬أنظــر‪ :‬جييواهر الكلم فييي شييرح شييرائع السييلم‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ :‬ج‪ ،28‬ص ‪.43‬‬
‫)]‪ ([5‬أنظــر‪ :‬أنييوار الهداييية فييي التعليقيية علييى الكفاييية‪،‬‬
‫السيد الخميني‪ ،‬مؤسسة نشر تــراث المــام الخمينــي‪ :‬ج ‪ ،2‬ص‬
‫‪.208‬‬
‫)]‪ ([6‬ينوء بحثنا الفقهي والصولي بأنواع من الخلط فــي مبــاحث‬
‫كثيرة من هذا القبيل‪ ،‬كــالخلط بيــن الســيرة العقلئيــة والحكــام‬
‫العقلية‪ ،‬وبين أحكام العقل النظري وأحكام العقل العملي‪...‬الخ‬
‫وع العرف إلى عرف خاص وعرف عام‪ ،‬والعــرف الخــاص‬ ‫)]‪ ([7‬ين ّ‬
‫)الشخصي( ليس مدارا ً للحكام الشرعي‪ ،‬ولمزيد من المراجعة‬
‫أنظر‪ :‬الصول العامة في الفقه المقييارن‪ ،‬الســيد محمــد‬
‫تقي الحكيم‪ ،‬ص ‪ .417‬مفتاح الوصول إلى علم الصييول‪،‬‬
‫الشيخ أحمد البهادلي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.187‬‬
‫)]‪ ([8‬مدارك الحكام في شرح عبادات شرائع السييلم‪،‬‬
‫محمد بن علــي الموســوي الســند العــاملي‪ ،‬مؤسســة آل الــبيت‬
‫عليهم السلم لحياء التراث‪1411 ،‬هـ ق‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت ـ ـ لبنــان‪:‬‬
‫ج ‪1‬ص ‪.96‬‬
‫)]‪ ([9‬جواهر الكلم‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.334‬‬
‫فالعرف مختلف في تحديد معنى النيــة اللغــوي‪ ،‬وبالتــالي يختلــف‬
‫حكمها وفقا ً لهذا الختلف‪ ،‬فما صدق عليه آنية يأخذ حكم النية‪،‬‬
‫دل الموضــوع ل‬ ‫وما ل يصــدق عليــه كــذلك ل يأخــذ حكمهــا‪ .‬وبتبـ ّ‬
‫دل حكم الله الواقعي في مثل هذه المواضيع‪ ،‬بل هناك حكــم‬ ‫يتب ّ‬
‫‪1‬‬

‫واقعي لكل موضوع بظروفه الزمكانية كما ستأتي الشــارة إليــه‬


‫لحقًا‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬المصدر نفسه‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.190‬‬
‫)]‪ ([11‬المصدر نفسه ج ‪ ،1‬ص ‪.80‬‬
‫)]‪ ([12‬ج ‪ ،6‬ص ‪.107‬‬
‫)]‪ ([13‬ج ‪ ،6‬ص ‪.13‬‬
‫)]‪ ([14‬ج ‪ ،9‬ص ‪.245‬‬
‫)]‪ ([15‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪.380‬‬
‫وهناك أمثلة عديدة لهذا القسم تركنا الحديث عنها خوف الطالــة‪،‬‬
‫نظير البيض الذي قد يكون موزونا ً في مكــان ومكيل ً فــي مكــان‬
‫آخر‪ ،‬وهو أمر يؤثر بطبيعة الحال على مجال البحــث الربــوي‪ .‬أو‬
‫مؤونة السنة الخمسية التي تختلــف مــن مكــان إلــى آخــر ســعة‬
‫وضــيقًا‪ .‬أو النفقــة فــي بــاب النكــاح‪ ،‬وإحيــاء الراضــي المــوات‪.‬‬
‫وهكذا العديد من الموارد الخرى الــتي يمكــن العــودة إليهــا فــي‬
‫مظانها‪.‬‬
‫)]‪ ([16‬فروع الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.60‬‬
‫ورة بيـن حكـم مسـألة‬ ‫)]‪ ([17‬سنتعرض لحقا ً إلى الفروق المتصـ ّ‬
‫بما هي هي من غير استكشافها مـن خلل مسـألة أخـرى‪ ،‬وبيـن‬
‫حكم المسألة التي تم استكشافها من خلل رؤية مذاق الشريعة‬
‫العام‪.‬‬
‫ل‪ :‬نلحظ أن الروايات التي توجب الزكاة فــي الرز إمــا‬ ‫)]‪ ([18‬مث ً‬
‫أن تكــون معرض ـا ً عنهــا‪ ،‬وإمــا أن تحمــل علــى التقيــة‪ ،‬وســيأتي‬
‫تفصيل الحديث في هذه الروايات في الفصل الثاني لُيشــار مــن‬
‫خلل ذلك إلى كيفية التعامل مع هذا اللــون مــن الروايــات بنحــو‬
‫يسدي في تحقيق مصداق لهذه المرحلة الثالثة‪.‬‬
‫ل‪ :‬إذا كان موضوعه مرتبط بالنظام القتصادي والمالي‬ ‫)]‪ ([19‬مث ً‬
‫لبد له من تفحص الرؤية السلمية العامة في موضــوع الملكيــة‬
‫الفرديــة ــ مثل ً ــ فهــل إن الســلم بنــى أحكــامه علــى إثباتهــا؟‬
‫فينظر حينئذ في موضــوعه؛ لرؤيــة مــا إذا كــان يتنــافى مــع هــذا‬
‫وزه؟‬
‫البناء فيحّرمه‪ ،‬أم أنه يتناغم معه فيج ّ‬
‫‪1‬‬

‫)مفاتيح عملية الستنباط الفقهي )‪8‬‬


‫المصدر‪ :‬مؤسسة المام‬ ‫بواسطة‪ :‬بقلم‪ :‬الشيخ ميثاق طالب‬
‫التاريخ‪:‬‬ ‫الزيارات‪527 :‬‬ ‫الجواد )ع( للفكر والثق‪...‬‬
‫‪29-04-2010‬‬
‫‪x‬‬
‫البحث الرابع‪:‬‬
‫أنحاء أخذ الموضوع في الحكم الشرعي‬
‫لبد للمستنبط أن يلحظ الموضوع الــذي أنصــب الحكــم الشــرعي‬
‫خص زاوية الموضوع التي أنصب الحكم‬ ‫عليه بدقة تامة؛ لكي يش ّ‬
‫عليها‪ ،‬وبذلك يتجنب الوقوع فــي نتــائج ل تتوافــق مــع تشــريعات‬
‫المشّرع ومقاصده‪ .‬من هنا يتجه هذا السؤال‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫ما هي أنحاء أخذ الموضوع في الحكم الشــرعي؟ هــل هــي بنحــو‬


‫واحد‪ ،‬أم أنها أنواع متعددة؟‬
‫لشــك بــأن أنحــاء أخــذ الموضــوع فــي الحكــم شــرعي متعــددة‪،‬‬
‫وسنعرض ليضاح بعض هذه النحاء بشيء من اليجاز‪:‬‬
‫النحييو الول‪ :‬الشيييء بتمييام أجييزاءه موضييوع للحكييم‬
‫الشرعي‪ ،‬أم بجزء منه فقط ولبد ميين انضييمام أجييزاء‬
‫أخرى له؟‬
‫لبــد للمســتنبط أن يتفحــص الشــيء الــذي ُأخــذ موضــوعا ً للحكــم‬
‫كل موضــوعا ً‬ ‫الشرعي ليرى هل أن جميع أجزاء هذا الشيء تش ـ ّ‬
‫للحكم‪ ،‬أم أن الحكم أنصب على جزأين أو عــدة أجــزاء ــ مثل ً ــ‬
‫كل أحــد أجــزاء هــذا الموضــوع قســما ً منهــا‪ ،‬فلبــد مــن‬
‫وقــد شـ ّ‬
‫انضمام الجزء أو الجزاء الخرى كي يصبح الحكــم فعلي ـًا‪ .‬ولعــل‬
‫الشارع ل يرى ضــرورة لبيـان بقيـة الجـزاء بشــكل لفظـي‪ ،‬بـل‬
‫اعتمد الرتكازات العقلئية نظير الوضع العام والظروف والحالــة‬
‫الجتماعية والقتصادية والسياسية‪...‬كبديل عــن هــذا اللــون مــن‬
‫البيان )اللفظي(‪ ،‬وهو ما يعّبر عنه بالقرائن اللبية المتصلة)]‪.([1‬‬
‫وأمثلة هذا النحو كثيرة‪ ،‬ولليجاز نقتصر على أثنين منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ عندما حكم الشارع بحرمة السفر للصيد هل قّيد هذا الموضوع‬
‫ن السفر للصيد حرام مطلقًا؟‬
‫بقصد اللهو واللعب‪ ،‬أم أ ّ‬
‫‪2‬ـ عندما حـّرم الشـارع الشـطرنج هــل لحــظ فيــه عنــوان اللعـب‬
‫واللهو‪ ،‬أم أنه حرام بأي عنوان ت ََعنون؟)]‪.([2‬‬
‫والمهمة في تحديد عنوان الموضوع الذي أخذه الشارع في حكمه‬
‫تنحصر بالمجتهد المســتنبط للحكــم الشــرعي كمــا أســلفنا فيمــا‬
‫تقــدم‪ ،‬ول علقــة للمكلــف بــذلك‪ ،‬ولعــل اختلف تحديــد تعنــون‬
‫الموضوع هو الذي يوجب اختلفا ً بين فتاوى الفقهاء‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫النحو الثاني‪ :‬موضوعية الموضوع أو طريقيته؟‬


‫ربما يحمل الموضوع موضوعية للحكم الشرعي فيكون بنفسه‬
‫موضوعا ً له بحسب الظاهر‪ ،‬لكن التدقيق في حاله ـ عن طريق‬
‫القرائن الزمكانية الداخلية والخارجية ـ في واقع المر يكشف‬
‫خلف ذلك‪ ،‬ويصّيره عنوانا ً مشيرا ً إلى موضوع آخر‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال لهذا النحــو مــن الخــذ نشــير إلــى أمــر النــبي‬
‫الكرم صلى الله عليه وآله أصــحابه بالخضــاب فــي تلــك الفــترة‬
‫من الزمن‪ ،‬وقد علل المير علي عليه السلم هـذا الحكـم قـائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫َ‬
‫مــا اْل َ‬
‫ن وَقَ ـدِ‬ ‫ل‪ ،‬فَأ ّ‬‫ن قُ ـ ّ‬
‫دي ُ‬‫ك َوال ّ‬‫ل صلى الله عليه واله ذ َل ِ َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫»إ ِن ّ َ‬
‫خَتار«)]‪.([3‬‬‫ما ا ْ‬‫مُرؤ ٌ وَ َ‬ ‫جَران ِهِ َفا ْ‬
‫ب بِ ِ‬
‫ضَر َ‬ ‫طاقُ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫سعَ ن ِ َ‬‫ات ّ َ‬
‫ولو قصــرنا النظــر علــى النــص المــر بالخضــاب فهــو يشــير إلــى‬
‫موضوعية الخضاب دون لحاظ شيء آخــر‪ ،‬لكــن لــو نظرنــا إلــى‬
‫تعليل المير )ع( أعله نلحظ إشارة الخضــاب إلــى عنــوان آخــر‬
‫هو‪ :‬الخوف على عدم إبانة ضعف المسلمين‪ ،‬وهــو أمــر يقتضــي‬
‫إبرازهــم كشــباب يحملــون قــوة وصــلبة كــبيرة لرهــاب الكفــار‬
‫والمشركين‪ .‬أمــا الن ــ كمــا هــو مضــمون حــديث الميــر )ع( ــ‬
‫فالسلم قد قوي بشـكل كـبير جـدًا‪ ،‬وضـرب فـي آفـاق الرض‪،‬‬
‫وبالتالي فالمر عائد للفرد واختياره)]‪.([4‬‬
‫النحو الثالث‪:‬موضوع الحكم مشروط أم عام؟‬
‫لبد للمستنبط أيضا ً أن يلحظ الشيء الذي أخذه الشارع موضوعا ً‬
‫للحكــم الشــرعي هــل هــو مشــروط بشــيء‪ ،‬أم أنــه مطلــق ل‬
‫اشتراط فيه؟ وهذا الشتراط وعدمه سيغّير الحكام بكل تأكييد‪.‬‬
‫وأمثلة هذا النحو كثيرة أيضًا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ هل يشترط العلم ـ بالموضوع والحكم ـ في الزنا بذات البعــل‬
‫ن هــذا الحكــم يــترتب‬
‫أو ذات العدة لنشــر الحرمــة البديــة‪ ،‬أم إ ّ‬
‫على هذا الفعل من غير لحاظ العلم بهما؟‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬ـ العلم بفسق إمام الجماعة بعد افتراض اشــتراط العدالــة فــي‬
‫صحة الصلة‪.‬‬
‫‪3‬ـ العلم بنجاسة بدن أو ثوب المصلي‪.‬‬
‫ومــع عــدم اللتفــات إلــى اشــتراط وإطلق الحكــم تحصــل لــدينا‬
‫اختلفات كثيرة على مستوى البحث والفتوى بين الفقهاء‪.‬‬
‫‪4‬ـ العيان النجسة وحرمة المعاملة عليها‪:‬‬
‫قد يقول قائل بأن مّر الدليل الذي ساقه العلم لحرمــة المعاملــة‬
‫على العيان النجسة تكليفا ً ووضعا ً هو مطلق لــم يشــترط فيــه‬
‫ؤسســة فيمكــن‬ ‫شيء‪ ،‬لكن لو أردنا تفحص هذا الــدليل برؤيــة م َ‬
‫افــتراض أن هــذا الطلق ليــس بســار فــي جميــع الحــوال‪ ،‬بــل‬
‫الشارع لحظ في تشريعه المزبور وجود المنفعة المحللــة وعــدم‬
‫وجودها‪ ،‬والتحريم أنصب على هذه العيان النجســة جــراء عــدم‬
‫وجود المنفعة المحللة فيهــا فــي ذلــك الزمــان‪ .‬أمــا فــي الــوقت‬
‫الحالي فحيث أن هناك العشــرات مــن المنــافع المتصــورة منهــا‬
‫دت تجارة الدم من أهم التجارات العالميــة‪ ،‬فل شــك فــي‬ ‫وقد ع ُ ّ‬
‫تزلزل هذه الحرمة‪.‬‬
‫قد يقال‪ :‬إن الشــارع المقــدس أطلــق الحكــم‪ ،‬فكيــف جــاز أن‬
‫يخصص هذه الطلق بوجود بعدم وجود المنفعة المتصورة؟‬
‫يقال‪ :‬إن فرضية إطلق الحكم ل نسّلم بها‪ ،‬بل إن إغفال عنصــر‬
‫الزمــان والمكــان هــو الــذي آل إلــى هــذه النتيجــة‪ ،‬وفــي مثالنــا‬
‫الحالي لم يكن نقل الدم من بدن إلى بدن آخر متعارفا ً وبالتالي‬
‫لم تكن منفعة محللــة فيــه فأنصــب الحكــم الشــرعي علــى هــذا‬
‫الساس‪ .‬والمر كذلك في المني والكلب وغيرهما‪...‬‬
‫وتأسيسا ً على ما تقدم نقرر بأن لحاظ مــا ُأخــذ مــن شــروط فــي‬
‫الموضوع سيغير مواقع هذه المواضــيع مــن دائرة الحرمــة إلــى‬
‫‪1‬‬

‫دائرة الجواز أو العكس‪ ،‬وهو أمر يعود إلى طبيعــة أخــذ الشــارع‬
‫لهذا الموضوع‪ .‬من هنا تحتم علينا القــول بضــرورة الخــروج مــن‬
‫العيش في ظل العهود السابقة وظروفها المؤطرة بإطار عرفها‬
‫وعاداتها‪ ،‬وبالتالي لبد من التعــايش مــع واقعنــا المعاصــر لتلبيــة‬
‫احتياجاته من خلل متابعــة التطــورات الحاصــلة فيــه فــي جميــع‬
‫صــت‬ ‫الصعدة‪ ،‬وهذا ما أكده المأثور من رواياتنا الشريفة الــتي ن ّ‬
‫على أن العالم بزمانه ل تهجم عليه اللوابس)]‪.([5‬‬
‫النحو الرابع‪ :‬موضوع الحكم مطلق أم مقّيد؟‬
‫لبد أن ُيدقق في المراد من الشيء الذي أخذه الشارع موضــوعا ً‬
‫للحكم الشرعي‪ ،‬فقد يكون الموضوع مطلقا ً بحسب الظــاهر إل‬
‫أن المراد منه المقّيد‪ ،‬وقد يكون الموضوع مقّيدا ً بحسب الظاهر‬
‫إل أن المراد منه المطلق‪ ،‬وهذا هو ما يسمى بمناســبات الحكــم‬
‫والموضوع‪.‬‬
‫أما مثال هذا النحو فيمكن أن نلحظــه عنــد قــراءة التعليــل الــوارد‬
‫في كلمات المام الصادق )ع( للمــأثور عــن النــبي الكــرم )ص(‬
‫ن ظــاهر المــأثور يــدل علــى‬ ‫القــائل‪ :‬أنــت ومالــك لبيــك؛ إذ إ ّ‬
‫الطلق‪ ،‬فمن حقّ الب أن يتصرف بهمــا كيــف يشــاء‪ ،‬مــن غيــر‬
‫لحــاظ الحاجــة والضــطرار أو أي شــيء آخــر‪.‬وهنــا قــرر المــام‬
‫الصادق )ع( في إجابة رجل فهم هذا العموم والطلق‪:‬‬
‫ل الل ّـه هَ ـ َ َ‬ ‫َ‬ ‫»إنما جاَء بأ َ‬
‫ذا أب ِــي وَقَ ـد ْ‬ ‫ِ‬ ‫ســو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫ي ص فََقا َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫إ‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ه‬‫بي‬ ‫ِّ َ َ‬
‫ه عَل َي ْـهِ وَعَل َــى‬ ‫َ‬ ‫خبره اْل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ظ َل َمِني ميراِثي م ُ‬
‫ه قَد ْ أن َْفَق ُ‬‫ب أن ّ ُ‬‫ُ‬ ‫مي‪ ،‬فَأ ْ َ َ ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك ِل َِبي ـ َ‬ ‫نْفسه‪ ،‬فََقا َ َ‬
‫يٌء‪،‬‬‫شـ ْ‬ ‫ل َ‬‫جـ ِ‬ ‫عن ْـد َ الّر ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ي َك ُـ ْ‬ ‫ك‪ ،‬وَل َـ ْ‬ ‫مال ُ َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ل‪ :‬أن ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫ب ل ِِلْبن؟!«)]‪.([6‬‬ ‫س اْل َ َ‬‫حب ِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ص ي َ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫أ َفَ َ‬

‫من هنا لبــد مــن ملحظــة هــذه الواقعــة وظروفهــا فــي اســتنباط‬
‫الحكــم‪ ،‬ول ينبغــي أن يكــون هــذا الحكــم ســيال ً ُيخــرج إطلق‬
‫القاعدة العامة التي تقرر عدم جواز تصّرف الوالد في مال ولده‬
‫‪1‬‬

‫إل لضرورة ومن غير سرف كما هــو ثــابت فــي محلــه‪ .‬إن عــدم‬
‫اللتفات إلــى مثــل هــذه القــرائن )العــم مــن اللفظيــة واللبي ّــة(‬
‫وعدم أخذها بعين العتبار يوجب الوقوع في نتائج غير دقيقة‪.‬‬
‫هذا تمام الكلم في البحث الرابع وهو أنحاء أخذ الموضوع في‬
‫الحكم الشرعي‪.‬‬

‫)]‪ ([1‬ربما يكون السائد في بعض البحاث هو لحاظ الموضوع من‬


‫ل دليل على‬ ‫غير هذه الرؤية التي تحدثنا عنها آنفًا‪ ،‬إل إذا د ّ‬
‫الخلف‪.‬‬
‫ن التحريم انصب‬ ‫)]‪ ([2‬من هنا ذهب السيد الخميني إلى تحليله ل ّ‬
‫على عنوان اللهو واللعب‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬نهج البلغة‪ :‬ص ‪ ،471‬الحكمة رقم ‪.17‬‬
‫)]‪ ([4‬علينا الشارة إلى أن البحث الحالي بحث نظري تحليلي‬
‫ليس إل‪ .‬أما مقام الفتاء فله حديث وخصوصيات أخرى ل سبيل‬
‫للخوض فيها‪ .‬وهو أمر ليس بعزيز في كلمات العلم؛ إذ أحصى‬
‫بعضهم موارد اختلف النتائج بين البحث النظري الفني وبين‬
‫مقام الفتوى حتى وصل إلى ‪ 300‬مورد‪.‬‬
‫)]‪ ([5‬الكافي‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.27‬‬
‫خذ ُ‬ ‫ْ‬
‫ل ي َأ ُ‬
‫ج ِ‬
‫ب الّر ُ‬‫)]‪ ([6‬الكافي‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،5‬ص ‪َ .136‬با ُ‬
‫ل أ َِبيه‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ما ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ل وَل َد ِهِ َوال ْوَل َد ِ ي َأ ُ‬
‫خذ ُ ِ‬ ‫ما ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬

‫)مفاتیح عملية الستنباط الفقهي )‪9‬‬


‫‪1‬‬

‫المصدر‪ :‬مؤسسة المام‬ ‫بواسطة‪ :‬بقلم‪ :‬الشيخ ميثاق طالب‬


‫التاريخ‪:‬‬ ‫الزيارات‪426 :‬‬ ‫الجواد )ع( للفكر والثق‪...‬‬
‫‪03-05-2010‬‬
‫‪x‬‬

‫البحث الخامس‪:‬‬
‫)]‪([1‬‬
‫وظيفة الفقيه إزاء موضوعات الحكام الشرعية‬
‫هل للفقيه مســؤولية إزاء موضــوعات الحكــام الشــرعية‪ ،‬فيكــون‬
‫تقليده فيهــا مجزي ـا ً شــرعًا‪ ،‬أم ليــس للفقيــه مســؤولية تجاههــا‪،‬‬
‫فيكون حاله والمقلد واحد‪ ،‬فيجوز لــه ]أي الفقيــه[ التقليــد حينئذ‬
‫فيها؟‬
‫وفي إجابة السؤال المتقدم يمكن أن نجد ـ في حــدود المتابعــة ـ ـ‬
‫صل)]‪ ،([2‬سنشير إليهــا‬ ‫وز ومانع ومف ّ‬
‫أربع نظريات توزعت بين مج ّ‬
‫بشكل موجز‪:‬‬
‫) صاحب الحدائق(‬
‫النظرية الولى‪ :‬نظرية المحدث البحراني‬
‫ذهب المحدث البحراني في كتــاب الــدرر النجفي ّــة إلــى التفصــيل‪،‬‬
‫وتوضيح هذا التفصيل منوط بالعودة إلى ما قرره في أحدى درر‬
‫كتــابه المــذكور‪ ،‬والــتي حملــت عنــوان‪) :‬دّرة نجفي ّــة فــي تقليــد‬
‫الفقيه بمسألة مع ثبوت خلفها للمكلف(‪ .‬فبدأ بتصوير الشكالية‬
‫ل‪ ،‬وانتقل بعد ذلك للجابة عليها‪.‬‬‫أو ً‬
‫قال في الدرر النجفية‪:‬‬
‫»‪...‬موضوع الحكم الشرعي هل يجــب علــى مــن عــدا الفقيــه أن‬
‫يقّلده فيه‪ ،‬كما لو ثبت استحقاق زيد مثل ً للزكاة عند الفقيه ولــم‬
‫يثبت عند من عليه الزكاة مع معرفته بشروط الستحقاق؟ وكذا‬
‫‪1‬‬

‫هلل الشهر أخذا ً في الصوم أو في الفطار؟ و كذا جهـة القبلـة‪،‬‬


‫أو هما في ذلك سواء؟«)]‪.([3‬‬
‫وبعد بيان الشــكالية أشــار إلــى مــا هــو ظــاهر كلمــات الصــحاب‬
‫وبعض أفاضل متأخري المتأخرين في هــذه المســألة‪ ،‬وأكــد فــي‬
‫نهاية هذا الستظهار قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫»الظهر بالنسبة إلى موضوع المسألة‪ ،‬هــو التفصــيل فــي المقــام‬
‫بأن يقال‪:‬‬
‫ما يتوقــف ثبــوته وحصــوله علــى الثبــات‬
‫إنه إما أن يكون الحكم م ّ‬
‫الشرعي ولو في الجملة أو ل‪ .‬والول‪ :‬إمــا أن يكــون مــن قبيــل‬
‫الحقوق التي يقع فيها التنازع بين الخصوم‪ ،‬أو الحقوق الـتي لّلـه‬
‫سبحانه أو ل‪.‬‬
‫ما ل خلف في اختصاصه بالفقيه‪ .‬والثاني من‬ ‫والّول من الثاني‪ :‬م ّ‬
‫الثاني‪ :‬هو موضوع المسألة ومحل البحــث‪ ،‬وهــي الحكــام الــتي‬
‫تتعّلق بالمكّلف نفسه مــع حصــولها بالثبــات الشــرعي ولــو فــي‬
‫ما نحن فيه في شــيء‪ ،‬وذلــك‬ ‫الجملة‪ .‬والثاني من الّول‪ :‬ليس م ّ‬
‫ل؛ فــإن المــدار فيــه علــى‬‫مثل‪...‬الــدفع إلــى مســتحق الزكــاة مث ً‬
‫اّتصاف المستحق بالفقر‪ ،‬وقوله مقبول فيه اتفاقا ً مــا لــم يظهــر‬
‫خلفه‪ ،‬سواء كــان الــدافع إليــه الفقيــه أو مــن عليــه الزكــاة‪ ،‬فل‬
‫مدخل لهذه المعدودات و ل لمثالها فيما نحن فيه‪.‬‬
‫و إنما الكلم في مثل رؤية الهلل لصوم أو فطــر‪ ،‬الــتي هــي أحــد‬
‫أسبابها الشهادة على الرؤية‪ ،‬والحكم بنجاســة المــاء مث ً‬
‫ل‪ ،‬الــذي‬
‫أحد أسبابه الشهادة أيضًا‪ ،‬والحكم بعدالة شخص أو فسقه الــذي‬
‫ما هو من هذا القبيل‪.‬‬ ‫هو كذلك أيضا‪ .‬وأمثال ذلك أيضا ً م ّ‬
‫لو ثبت شيء من هذه المور عنــد الحــاكم الشــرعي‪ ،‬فهــل يجــب‬
‫على المكلف العمل به أم ل‪ ،‬بل لبد ّ من سماعه هو نفســه مــن‬
‫الشاهدين؟«)]‪.([4‬‬
‫‪1‬‬

‫ويخلص في نهاية النقض والبرام إلى القول‪:‬‬


‫»لم أقف في المقام على كلم لحد من علمائنا العلم سـوى مـا‬
‫في مسألة الرؤيــة‪...‬وبالجملــة‪ ،‬فالمســألة عنــدي موضــع توقــف‬
‫وإشكال؛ لعدم الدليل الواضح فــي وجــوب الخــذ بحكــم الحــاكم‬
‫بحيث يشمل موضع النزاع«)]‪.([5‬‬
‫وخلصة هذه النظرية هو التفصيل بين الحكــام الــتي تتوقــف فــي‬
‫حصــولها علــى إثبــات شــرعي ولــو فــي الجملــة فهــي مختصــة‬
‫بالفقيه‪ ،‬وبالتالي يجوز تقليده فيها‪ ،‬وبين الحكام التي ل تتوقــف‬
‫في حصولها على إثبات شرعي فل يجوز التقليد فيها؛ لن الفقيه‬
‫والمقلد على حد سواء‪.‬‬
‫ويمكن أن يكون رأي الستاذ الخوئي منسجما ً مع ســياق النظريــة‬
‫صــل رحمــه اللــه بيــن الموضــوعات الصــرفة‬
‫المتقدمــة‪ ،‬فقــد ف ّ‬
‫كم بوجوبه في الثانية‪.‬‬ ‫والمستنبطة‪ ،‬فمنع التقليد في الولى‪ ،‬وح ّ‬

‫قال في التنقيح‪:‬‬
‫»ل ينبغــي التوّقــف فــي عــدم جــواز التقليــد فــي الموضــوعات‬
‫الصرفة؛ لن تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عــن وظــائف‬
‫المجتهــد حــتى يتبــع فيهــا رأيــه ونظــره‪]...‬أمــا الموضــوعات‬
‫المستنبطة كما[ إذا بنى المجتهد على أن السورة ل تعتــبر فــي‬
‫مسمى الصلة وإنها أسم للجزاء والشرائط غير الســورة‪ ،‬أو أن‬
‫الغناء هو الصوت المطرب‪ ،‬ل ما اشتمل على الــترجيع مــن غيــر‬
‫طـــرب‪ ،‬فهـــل يجـــب علـــى العـــامي أن يقلـــده فيهمـــا‪ ،‬أو أن‬
‫الموضوعات المستنبطة من الشرعية والعرفية وغيرهما خارجــة‬
‫عن الحكام الشرعية ول يجرى فيها التقليد بوجه؟‬
‫والصــحيح ]فــي رأيــه[ هــو‪ :‬وجــوب التقليــد فــي الموضــوعات‬
‫ن الشــك فيهــا‬
‫المستنبطة العم من الشــرعية وغيرهــا؛ وذلــك ل ّ‬
‫بعينه الشك في الحكام‪ ،‬ومن الظاهر أن المرجــع فــي الحكــام‬
‫‪1‬‬

‫الشــرعية المترتبــة علــى تلــك الموضــوعات المســتنبطة هــو‬


‫المجتهد‪ ،‬فالرجوع فيها إليه عبارة أخــرى عــن الرجــوع إليــه فـي‬
‫الحكام المترتبة عليها«)]‪.([6‬‬
‫النظرية الثانية‪ :‬نظرية النراقي في عوائد اليام‪.‬‬
‫يذهب النراقي إلى تلزم مسألة ثبوت وليــة الفتــاء للفقيــه وبيــن‬
‫مســألة وجــوب التقليــد علــى العــامي‪ ،‬فــالولى متضــمنة لحكــم‬
‫الفقيه فيجب عليه الجتهاد فيها‪ ،‬وحيث أن الثانية ترتبط بالعامي‬
‫فل يجوز له التقليد فيها للزوم الدور‪ ،‬فيجب عليه الجتهاد أيضًا‪.‬‬
‫أما الضابط الذي تركن إليه هذه النظرية في جواز التقليــد وعــدم‬
‫ن المــر إذا ُأســند إلــى الشــارع فهــو مــن وظيفــة‬
‫جــوازه هــو‪ :‬إ ّ‬
‫الفقيه‪ ،‬وإن لم ُيسند إلى الشارع فل يكون مــن وظيفــة الفقيــه‪،‬‬
‫فل يجوز تقليده فيه‪.‬‬
‫قال في بيان ذلك‪:‬‬
‫»مورد وجوب الفتاء والتقليد هــو الــذي يفهمــه الفقيــه مــن قــول‬
‫الشارع وينسبه إليه‪ ،‬ويستنبط إرادته من المور المتعلقة بالــدين‬
‫الفرعي‪ ،‬ســواء كــان حكم ـا ً شــرعيًا‪ ،‬أو وضــعيًا‪ ،‬أو موضــوعًا‪ ،‬أو‬
‫ل‪ ،‬أو متعلقا ً له‪ ،‬استنباطيا ً أو غير استنباطي‪ ،‬من حيث هــو‬ ‫محمو ً‬
‫موضـــــوع أو محمـــــول أو متعّلـــــق للحكـــــم الـــــديني‪ ،‬ل‬
‫مطلقًا‪...‬وبالجملة‪ :‬الثابت من الدلة هو وجــوب الفتــاء والتقليــد‬
‫في جميع ما يحكيه عن الشارع وينسبه إليه من المور الشرعية‬
‫الفرعية من حيث هو هو‪ .‬وأما غيــر ذلــك فل يجــب علــى الفقيــه‬
‫فيه الفتاء ول على المقّلد القبول ما لــم يكــن حكمـا ً فــي مقــام‬
‫التخاصم والتنازع‪.([7])«...‬‬
‫ولعل بعض نصوص جواهر الكلم تؤيد هذه النظرية)]‪.([8‬‬
‫‪1‬‬

‫النظرية الثالثة‪ :‬نظرية السيد كاظم اليزدي في العروة‬


‫الوثقى‪.‬‬
‫التقليد ـ كما يرى الســيد اليــزدي ــ مختــص بــ )الحكــام الفرعي ّــة‬
‫العملّية(‪ ،‬فل يجري في )ُأصول الدين(‪ ،‬ول فــي مســائل )ُأصــول‬
‫)]‬
‫الفقه(‪ ،‬ول في )مبادئ الستنباط( من النحو والصرف ونحوهما‬
‫‪ ،([9‬ول في الموضوعات المســتنبطة )العرفي ّــة( أو )اللغوي ّــة(‪ ،‬ول‬
‫في الموضوعات )الصرفة(‪ ،‬فلو شك المقّلد في مائع أن ّــه خمــر‬
‫ل مثًل‪ ،‬وقال المجتهد‪ :‬إّنه خمـر‪ ،‬ل يجـوز لـه تقليـده‪ ،‬لعـدم‬ ‫أو خ ّ‬
‫مسؤولية الفقيه عن تحديد هذه الموضوعات‬
‫مــا الموضــوعات المســتنبطة )الشــرعّية( كالصــلة والصــوم‬ ‫وأ ّ‬
‫ونحوهما فيجري التقليد فيها كالحكام العملّية«)]‪.([10‬‬
‫فهذه النظرية تمّيز بين الموضــوعات المســتنبطة الشــرعية الــتي‬
‫يجوز التقليد فيها لكونها من وظائف الفقيه‪ ،‬وبين غيرهــا الــتي ل‬
‫يجوز التقليد فيها لعدم كونها كذلك‪.‬‬
‫النظرييية الرابعيية‪ :‬نظرييية السيييد محسيين الحكيييم فييي‬
‫المستمسك‪.‬‬
‫تفترض هذه النظرية الوضوح ملكا ً في جواز التقليد وعدمه‪ ،‬فــإذا‬
‫كــان الموضــوع مــن الواضــحات فل مســؤولية للفقيــه تجــاهه‪،‬‬
‫وبالتالي ل يجوز تقليده فيه‪ ،‬وإذا لم يكن من الواضــحات ـ ـ أعــم‬
‫من أن يكون عرفيا ً أو لغويا ً أو شرعيا ً فتكون مسؤولية تشخيصه‬
‫في عهدة المكلف‪ ،‬ويجوز التقليد فيه‪.‬‬
‫قال في المستمسك‪:‬‬
‫»موضوعات الحكام الشرعية قسمان‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما يكون مفهومه شرعيا ً مخترعا ً للشارع القــدس‪ ،‬ســواء‬
‫قلنا بالحقيقة الشرعية أم ل كالصلة و الصيام و نحوهما‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الثاني‪ :‬ما ل يكون كذلك بأن كان عرفيا ً أو لغويًا‪.‬‬


‫وكل منهما إما أن يكون المفهوم بــذاته وحــدوده واضــحا ً ل يحتــاج‬
‫إلى نظر واجتهاد‪ ،‬وإما أن يكون محتاجا ً إلــى ذلــك‪ .‬فــالول مــن‬
‫كل منهما ل يحتاج إلى تقليد لوضوحه لدى العامي كالمجتهد‪ ،‬فل‬
‫معنى لحجية رأي المجتهد فيه‪ ،‬والثاني من كل منهما محتاج إلى‬
‫التقليد؛ لعموم أدلته‪ ،‬كالصلة والصيام‪ ،‬والصعيد‪ ،‬والغناء والناء‪،‬‬
‫والجذع والثني‪ ،‬ونحوها‪.([11])«...‬‬
‫النظريات المتقدمة في معرض النقد‬
‫يمكــن أن تســجل ملحظــات متعــددة علــى عمــوم النظريــات‬
‫المتقدمة نقتصر على أهمها‪:‬‬
‫‪1‬ي عدم جامعية القسييام‪ :‬ذكرنــا فــي البحــاث الســابقة بــأن‬
‫أصناف الموضوعات التي يمكن للشارع أن يأخذها فــي أحكــامه‬
‫هي أربعة‪ ،‬والنظريات المتقدمة لم تذكر سوى حكم ثلثة منها‪.‬‬
‫‪2‬ي الخلط بين تحديد الموضوع وبييين تطييبيقه‪ :‬لــم ُتفــّرق‬
‫النظريات المتقدمة بين )التطبيق( والــذي هــو وظيفــة المكل ّــف‪،‬‬
‫وبين )التشخيص والتحديد( الذي هو من وظائف الفقيه‪ .‬من هنــا‬
‫كان لزاما ً علينا الشارة إلى بعض مؤشرات الخلط في مثل هذا‬
‫التفريــق الهــام‪ ،‬وكنمــوذج للرتكــاز الخــاطئ نشــير إلــى تعليــل‬
‫الستاذ الخوئي لعدم جواز التقليــد فــي )الموضــوعات الصــرفة(‬
‫ن تطــبيق الكبريــات علــى‬ ‫وذلـك ــ والكلم للســتاذ الخــوئي ــ ل ّ‬
‫صغرياتها خارج عن وظائف المجتهد حتى يتبع فيها رأيه ونظــره؛‬
‫ن التطبيقات أمور حسية‪ ،‬والمجتهد والمقلــد فيهــا ســواء‪ ،‬بــل‬ ‫فإ ّ‬
‫قد يكون العامي أعرف فــي التطبيقــات مــن المجتهــد فل يجــب‬
‫على المقلد أن يتابع المجتهد في مثلها«)]‪.([12‬‬
‫وقد عرفت بأن كلمنا في التحديد ل التطــبيق الــذي ل يشــك أحــد‬
‫في كونه من وظائف المكلف والفقيه بما هو كذلك‪ .‬وهذا نموذج‬
‫‪1‬‬

‫آخر مــن الخلــط الســاري فــي بعــض الكلمــات بيــن )التشــخيص‬


‫والتحديد( وبين )التطبيق(‪.‬‬
‫ن‬ ‫وفي نهايـة هـذه الملحظـات نؤكـد علـى مـا بينـاه سـابقا ً مـن أ ّ‬
‫الفقيه مسؤول عن تشخيص وتحديد جميع أقســام الموضــوعات‬
‫على التفصيل المتقدم‪ ،‬وعليه فيجوز التقليد فيها‪ .‬ويمكن أن تعد ّ‬
‫هذه الرؤية نظرية خامسة تمثل اتجاهنا في هذا الموضــوع‪ .‬هــذا‬
‫تمام الكلم في بحث مفردة الموضوع‪.‬‬

‫)]‪ ([1‬عرضنا لموقفنا من هذا البحث فــي الماضــي مــن البحــاث‪،‬‬


‫وبقي علينا الشارة لنظريات العلم في ذلك‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬قد يصار إلى إرجاع هذه النظريات واحدة إلى الخرى‪ ،‬لكن‬
‫المهم تنبيه الدارس على مواطن هذه الكلمات ليتحمل بعد ذلك‬
‫البحث والنقد والملحظات عليها‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬الدرر النجفية من الملتقطات اليوسييفية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪،‬‬
‫‪.197‬‬
‫)]‪ ([4‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪198‬ـ ‪.199‬‬
‫)]‪ ([5‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪ .199‬قال في الحدائق الناظرة بعد‬
‫عــرض القــوال‪» :‬وبالجملــة فــإن غايــة مــا يســتفاد مــن الخبــار‬
‫بالنسبة إلى الحاكم الشرعي هو اختصاص الفتــوى فــي الحكــام‬
‫الشرعية والقضــاء بيــن الخصــوم بــه‪ ،‬وكــذا مــا يتعلــق بــالحقوق‬
‫اللهية«‪ .‬الحدائق الناظرة في أحكييام العييترة الطيياهرة‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ :‬ج ‪ ،13‬ص ‪.259‬‬
‫)]‪ ([6‬التنقيح في شييرح العييروة الييوثقى‪ ،‬تقريــرا ً لبحــاث‬
‫الستاذ الخوئي‪:‬ج‪ ،1‬ص ‪ .412‬بتصرف‪.‬‬
‫ل بأس أن نشير ـ من باب الفائدة ـ إلى مسألة التقليد في أصول‬
‫الدين كما أشار لهذه المسألة الســتاذ الخــوئي فــي ذيــل النــص‬
‫‪1‬‬

‫أعله‪ ،‬فقد ذهب المشهور من العلم إلى عدم جواز التقليد في‬
‫أصول الدين؛ وذلك لن التقليد هو الستناد إلى قــول الغيــر فــي‬
‫مقــام العمــل‪ ،‬وهــو ل يحصــل فــي المــور الــتي تتطلــب يقين ـا ً‬
‫واعتقادا ً كأصول الدين؛ إذ ل عمل فيها حتى يستند فــي طريقتــه‬
‫وكيفيته إلى الغير‪ ،‬بل المطلوب فيها العتقاد واليقين القلبي‪.‬‬
‫نعم وقع بحث آخر في جواز الستناد إلى قول الغير الموّرث لهــذا‬
‫اليقين في مثل هذا البحث‪ ،‬والصحيح ـ والكلم لستاذنا الخــوئي‬
‫ـ هــو الجـواز؛ وذلـك لن المطلــوب فـي العتقاديــات هـو العلــم‬
‫واليقين‪ ،‬بل فرق في ذلك بين أسبابهما و طرقهمــا‪ .‬بــل حصــول‬
‫اليقين من قول الغير يرجع في الحقيقــة إلــى اليقيــن بالبرهــان؛‬
‫لنه يتشكل عند المكلف حينئذ صــغرى وكــبرى فيقــول‪ :‬هــذا مــا‬
‫أخــبر بــه أو اعتقــده جماعــة‪ ،‬ومــا أخــبر بــه جماعــة فهــو حــق‪،‬‬
‫ونتيجتهمـا أن ذلـك المـر حـق‪ ،‬فيحصـل فيـه اليقيــن بأخبـارهم‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪.411‬‬
‫)]‪ ([7‬عوائد اليام فييي بيييان قواعييد الحكييام ومهمييات‬
‫‪ ،‬المولى أحمد بن محمد مهدي‬ ‫مسائل الحلل و الحرام‬
‫النراقي‪ :‬ص ‪ 545‬ـ ‪.546‬‬
‫وقد وقع البحث فــي كلمــات فـي أن الحكــام فـي بـاب التخاصــم‬
‫والتنازع يمكن إسنادها إلى الشارع أم ل؟‬
‫)]‪ ([8‬أنظر في هذا الصدد‪ :‬جواهر الكلم‪ ،‬مصــدر ســابق‪ :‬ج ‪،7‬‬
‫ص ‪405‬ـ ‪.406‬‬
‫ســطها‬ ‫)]‪ ([9‬كم هي الوسائط التي يوصــف النســان مقلــدا ً إذا و ّ‬
‫في أبحاثه‪ ،‬فهل أن التقليد في علم أصول الفقه والرجال يجعله‬
‫مقلدًا‪ ،‬والتقليد في علم النحو ل يجعله كذلك؛ لن قــول النحــوي‬
‫حجــة كمــا يقــررون؟! مــن هنــا لبــد مــن كشــف صــحة وســقم‬
‫الضابطة التي آلت إلى هذا القول بعد تحديدها‪ ،‬وهذا ما سنكّفي‬
‫الحديث حوله في مباحث الجتهاد والتقليد إنشاء الله تعالى‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬العروة الوثقى‪ :‬مسألة ‪ ،67‬باب الجتهاد والتقليد‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬الســيد محســن الحكيــم‪،‬‬
‫مؤسسة دار التفسير‪ ،‬ط ‪1416 ،1‬هـ ق‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.105‬‬
‫)]‪ ([12‬التنقيح في شرح العروة الوثقى‪ ،‬مصدر ســابق‪ :‬ج‬
‫‪ ،1‬ص‬
‫‪1‬‬

‫)مفاتيح عملية الستنباط الفقهي )‪10‬‬


‫المصدر‪ :‬مؤسسة المام‬ ‫بواسطة‪ :‬بقلم‪ :‬الشيخ ميثاق طالب‬
‫التاريخ‪:‬‬ ‫الزيارات‪28 :‬‬ ‫الجواد )ع( للفكر والثق‪...‬‬
‫) ) اليـوم‬
‫‪x‬‬

‫‪:‬المفردة الثالثة‬
‫الزمان والمكان‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫مقدمة لبــد أن نشــير إلــى الهميــة الكــبيرة الــتي يتمتــع بهــا هــذا‬
‫البحث‪ ،‬حيث أن له ارتباط ليس بعلمي الفقه والصول فحسب‪،‬‬
‫بل بمجمل البحاث العقائدية الكلمية‪ ،‬وتترتب عليه المزيــد مــن‬
‫النتائج والثمرات‪ .‬ومن الجدير التذكير بما قررناه ســابقا ً مــن أن‬
‫البحـــث الحـــالي ليـــس بحثـــا ً )فقهيـــًا( أو )أصـــوليًا( بـــالمعنى‬
‫‪1‬‬

‫الصــطلحي كــي ُيستفســر عــن ســر التع ـّرض لبعــض البحــاث‬


‫الفلسفية والكلمية والجتماعية والقتصادية‪...‬وإنما هو بحث في‬
‫عملية استنباط الحكم الشرعي‪ ،‬ومن الواضح بأن هــذه العمليــة‬
‫ترتبـط بعلـوم عديـدة تسـاهم بشـكل وبـآخر فـي اسـتنباط هـذا‬
‫الحكــم‪ ،‬ســواء أكــانت هــذه المدخليــة بواســطة أو بوســائط‬
‫متعددة‪.‬وسيتضــح وجــه هــذا الــترابط الوثيــق فــي ثنايــا البحــوث‬
‫القادمة‪.‬‬
‫استعمالت الزمان والمكان‬
‫والسؤال الذي نطمح للجابــة عليــه مــن خلل عــرض اســتعمالت‬
‫الزمان والمكان هو‪:‬‬
‫مــا هــو المقصــود مــن الزمــان والمكــان فــي هــذا المفتــاح الول‪:‬‬
‫)ثبييات وتغّييير موضييوعات الحكييام الشييرعية بلحيياظ‬
‫الزمان والمكان(؟‬
‫وللجابة على هذا التساؤل علينا بداية تحديد المعنى اللغوي لهذين‬
‫المفردتين لننتقل بعــد ذلــك لســتعراض الســتعمالت المتداولــة‬
‫لهما‪.‬‬
‫ن الشيُء‪ :‬طال عليه‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫الزمان لغة‪ :‬أسم لقليل الوقت وكثيره‪ ،‬وأْز َ‬
‫ن بالمكان‪َ :‬أقــام‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫مَنة‪ ،‬وأْز َ‬ ‫ن والّز ْ‬‫م ُ‬
‫الّزمان‪ ،‬و السم من ذلك الّز َ‬
‫به َزمانًا‪.‬‬
‫كن)]‪.([1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كنة وأما ِ‬ ‫م ِ‬
‫أما المكان فهو‪ :‬الموضع‪ ،‬و الجمع أ ْ‬
‫الستعمال الول‪ :‬الزمان والمكان الفلسفي)]‪.([2‬‬
‫هناك اتجاهان في تفسير حقيقة الزمان والمكان فلسفيًا‪:‬‬
‫التجــاه الول‪ :‬الزمــان والمكــان = وعــاءان وظرفــان تقــع فيهمــا‬
‫الشياء الخارجية‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫يذهب هــذا التجــاه إلــى كــون الزمــان والمكــان ظرفيــن للشــياء‬


‫الخارجية‪ ،‬وبوجود الشياء تمل هذه الظروف‪.‬‬
‫بيان ذلك‪:‬‬
‫المتبادر للذهن عند قولنا وجود ذهني ووجود خارجي هــو أن هنــاك‬
‫وجودا ً وقع في ظرف الذهن أوجب إطلق الوجود الذهني عليــه‪،‬‬
‫وإن هناك وجودا ً وقع فــي ظــرف الخــارج أوجــب إطلق الوجــود‬
‫الخارجي عليه‪ ،‬فكأن الذهن والخارج وعاءان والوجودات الذهنية‬
‫والخارجية تملن هذين الوعاءين‪.‬‬
‫واليمان بهذا الفرض في الزمان والمكان‪ ،‬وأنهما وعاءان للشــياء‬
‫يقتضي وجود حقيقة لهما‪ .‬وهنــا نســأل‪ :‬مــا هــي حقيقــة الزمــان‬
‫والمكان‪ ،‬وهل هما أمران حقيقيان أم وهميان أم متوهمان؟‬
‫وقد جاءت نظريات متعددة لتفســير هــذه الحقيقــة يمكــن العــودة‬
‫إليها في محلها‪ .‬لكن الشكالية العويصة التي تواجه أصحاب هذا‬
‫ن فرضــية‬‫التجــاه هــي‪ :‬إشــكالية الحــدوث الزمــاني للعــالم؛ إذ إ ّ‬
‫)ظرفية الزمان( تعني كونه متحققا ً قبــل تحقــق )العــالم(‪ ،‬وبعــد‬
‫جد باليجاد وجــد )العــالم( فــي مقطــع مــن‬ ‫أن تعلقت إرادة المو ِ‬
‫مقاطع هذا الظــرف )=الزمــان(‪ .‬وهــذا التجــاه هــو الــذي أفــرز‬
‫الشكالية المعروفة بين الفلسفة والمتكلمين‪ ،‬وأن العالم حادث‬
‫زمانا ً أو قديم)]‪.([3‬‬
‫والبحاث الصولية والفقهية في العم الغلــب تؤســس علــى هــذا‬
‫التجاه )]‪ ،([4‬فصحة الصلة في المكــان الكــذائي‪ ،‬وبطلنهــا فــي‬
‫المكان الكذائي‪ ،‬وقبولها في الزمان )ألف(‪ ،‬وبطلنها في الزمان‬
‫)ب( يرتبــط بفهــم الزمــان علــى أنــه ظــرف وأن مــا يقــع فيــه‬
‫مظروف)]‪.([5‬‬
‫التجاه الثاني‪ :‬الزمان والمكان يوجدان بوجود الشياء‬
‫‪1‬‬

‫ليس للزمان والمكان وجود قبــل تحقــق الموجــودات‪ ،‬بــل بوجــود‬


‫الموجودات يتحقق الزمان والمكان‪ .‬وليضاح هــذا التجــاه علينــا‬
‫التفريق بين نوعين من الموجودات‪:‬‬
‫)العم من التامة والناقصة(‬
‫النوع الول‪ :‬الموجودات المجردة‬
‫ولهذه الموجودات خصوصيتان‪:‬‬
‫‪1‬ي كونها ل تشغل حيزا ً ول فضاًء ول مكانًا‪ ،‬وبالتــالي فل طــول ول‬
‫عرض ول عمق لها‪.‬‬
‫‪2‬ي ل حركة تكاملية فيها للخروج من القوة إلى الفعـل‪ ،‬بـل بـدؤها‬
‫دل فيه )]‪.([6‬‬
‫وحشرها على حد ّ واحد ل تغّير ول تب ّ‬
‫النوع الثاني‪ :‬الموجودات المادية‬
‫ولها خصوصيتان أيضًا‪:‬‬
‫‪1‬ي بوجود هذه الموجدات يوجد المكان‪ ،‬فل تحقق له قبل تحققها‪،‬‬
‫من غير أن يوجد فارق عزلي بينهما‪ ،‬بل ســنخ هــذه الموجــودات‬
‫مكاني‪.‬‬
‫‪2‬ي لهذه الموجــودات حركــة تكامليــة تخــرج فيهــا مــن القــوة إلــى‬
‫الفعل‪ ،‬ويكون بدؤها وحشرها مختلف عن الخر)]‪.([7‬‬
‫فل وجود للذهن ول للخارج قبل تحقق الشياء الذهنية والخارجيــة‪،‬‬
‫بل بوجودهما يتحقق الذهن والخارج)]‪.([8‬‬
‫فالزمان ـ وفقا ً لهذا الستعمال ـ هو مقدار الحركة)]‪.([9‬‬
‫الستعمال الثاني‪ :‬الزمان والمكان العلمي‪.‬‬
‫وُيعنــي مــن الزمــان بهــذا الصــطلح‪ :‬مقــدار الحركــة الوضــعية أو‬
‫النتقالية للكــرة الرضــية)]‪ ،([10‬وعلــى أساســها تتعيــن الســاعة‬
‫العالمية)]‪.([11‬‬
‫‪1‬‬

‫خصــة علــى أســاس خطــوط‬ ‫والمكان هو‪ :‬النقطة الجغرافية المش ّ‬


‫الطول والعرض‪ ،‬كتعيين موقع أحد الكـواكب أو البلـدان بحسـب‬
‫خطوط العرض والطول المعروفة)]‪.([12‬‬
‫الستعمال الثالث‪ :‬الزمان والمكان العرفي أو الجتماعي‬
‫ويتفّرع هذا الســتعمال علــى الســتعمال العلمــي المتقــدم‪ ،‬حيــث‬
‫يراد منه هنا‪ :‬تعيين زمان ومكان لنقطة جغرافيــة محــددة‪ ،‬ومــن‬
‫هنا تختلف الساعات والليالي والشهور من منطقــة إلــى أخــرى‪،‬‬
‫وتتوالد الثواني والدقائق والســاعات والشــهور والســنين واليــام‬
‫والليل والقرون والعصور جراء ذلك )=وحدات الزمن(‪.‬‬
‫وأخيرا ً فهناك استعمالت لغوية متعددة للفاظ الزمان كـ ‪ :‬زمــان‪،‬‬
‫دهر‪ ،‬آن‪ ،‬مدة‪ ،‬وقت‪ ،‬حين‪ ،‬أبد‪ ،‬أزل‪ ،‬وجميعها ترتبط بالستعمال‬
‫الثاني والثالث )الزمان العلمي والعرفي أو الجتماعي( من غيــر‬
‫أن يكــون لهــا أي علقــة وارتبــاط بالزمــان بالســتعمال الول‬
‫)الزمان الفلسفي( )]‪.([13‬‬
‫ما اليات القرآنية الــتي اســتعملت الزمــان بــالمعنى )العلمــي( و‬ ‫أ ّ‬
‫)العرفي أو الجتماعي( فعديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ن َرب َّها{ )سورة إبراهيم‪.(25/‬‬ ‫ن ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫حي ٍ‬‫ل ِ‬ ‫‪} -1‬ت ُؤِْتي أ ُك ُل ََها ك ُ ّ‬
‫ن{ )البقرة‪.(36/‬‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫لى‬ ‫مَتاعٌ إ ِ َ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫‪} -2‬ول َك ُم ِفي ال َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬
‫ن{‬‫قيـ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ن الل ّـ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫م إِ ّ‬
‫مـد ّت ِهِ ْ‬‫م إ ِل َــى ُ‬ ‫م ع َهْـد َهُ ْ‬ ‫موا إ ِل َي ْهِـ ْ‬ ‫‪} -3‬فَأت ِ ّ‬
‫)التوبة‪.(4/‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪} -4‬ول ِك ُ ّ ُ‬
‫م{ )العراف‪.(34/‬‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫جاَء أ َ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫معْل ُــوم ِ{‬‫ت ال ْ َ‬‫ريــن * إ ِل َــى ي َـوْم ِ ال ْـوَقْ ِ‬ ‫من ْظ َ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫مـ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل فَإ ِن ّـ َ‬‫‪} -5‬قَــا َ‬
‫)الحجر‪.(38 -37/‬‬
‫ر{ )العصر‪.(2-1 /‬‬
‫س ٍ‬ ‫ن ل َِفي ُ‬
‫خ ْ‬ ‫سا َ‬
‫لن َ‬
‫نا ِ‬ ‫‪َ} -6‬وال ْعَ ْ‬
‫صرِ * إ ِ ّ‬
‫‪1‬‬

‫ن{ )البقــرة‪/‬‬ ‫دوا ي َْفعَُلو َ‬‫كا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫حقّ فَذ َب َ ُ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬‫جئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫‪َ} -7‬قاُلوا ال َ‬
‫‪.(71‬‬
‫مدا ً إ ِل َ‬ ‫م الل ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه ع َل َ‬ ‫ل الل ّ‬ ‫ل أ َرأ َ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫و‬‫ـ‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ـ‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ـ‬‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫‪} -8‬قُ ـ ْ َ‬
‫ة{ )القصص‪.(71/‬‬ ‫ال ِْقَيا َ‬
‫م ِ‬
‫ن{ )السجدة‪]) (5/‬‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫سن َةٍ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫داُره ُ أ َل ْ َ‬ ‫مْق َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫‪ِ} -9‬في ي َوْم ٍ َ‬
‫‪.([14‬‬
‫أمــا البحــوث الفقهيــة فهــي مترتبــة علــى الســتعمال الجتمــاعي‬
‫العرفــي للزمــان والمكــان‪ ،‬وهــي كــثيرة جــدا ً نقتصــر مــن بــاب‬
‫الشارة على نماذج منها‪:‬‬
‫‪1‬ي ميا يرتبيط بالزميان مين العبيادات‪ :‬الواجبــات الموســعة‬
‫والمضــيقة‪ ،‬أوقــات الصــلة‪ ،‬الهلل‪ ،‬الحــج‪...‬وهكــذا العديــد مــن‬
‫الموارد الخرى‪.‬‬
‫‪2‬ي ما يرتبط بالمكان من العبادات‪ :‬الوقــوف فــي عرفــات‪،‬‬
‫الصلة خلف مقام إبراهيم‪ ،‬يحرم الصلة في الرض المغصــوبة‪،‬‬
‫الســتقرار فــي الصــلة‪ ،‬يســتحب الصــلة فــي المســجد‪ ،‬يكــره‬
‫الصلة في الحمام‪ ،‬استقبال تحديد القبلة واستقبالها‪.‬‬
‫وأخيرا ً فالمراد مــن الزمــان والمكــان فــي المفتــاح الول )ثبات‬
‫وتغّير موضوعات الحكام بلحاظ الزمان والمكان( ليس‬
‫هذه الستعمالت جميعًا‪ ،‬بل المــراد منهمــا اســتعمال واصــطلح‬
‫رابع سنقف على تحديد معالمه مفصل ً في الفصل الثـاني إنشـاء‬
‫الله‪.‬‬
‫المفردة الرابعة‪:‬‬
‫الثبات والتغّير‬
‫للثبات والتغّير استعمالت متعددة في العلوم‪ ،‬وما يخص بحثنا هــو‬
‫ثبات الموضوع وتغّيره‪ ،‬فهل التغّير يطرأ على أصل الموضوع‪ ،‬أو‬
‫يطرأ على خصائصه الداخلية من غير أن يتبــدل خارج ـًا‪ ،‬أو علــى‬
‫‪1‬‬

‫نفــس الموضــوع الخــارجي‪ .‬ونظــرا ً لتوقــف إيضــاح بعــض هــذه‬


‫المعــاني علــى مــا ســيأتي مــن البحــوث‪ ،‬ســنؤجل الحــديث عــن‬
‫استعمالت هذه المفردة والمراد منها‪ ،‬ونترك تحديد ذلك للقادم‬
‫من البحاث‪.‬‬

‫)]‪ ([1‬أنظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬أبن منظور‪ :‬ج‪ ،13‬ص ‪.365 .199‬‬
‫)]‪ ([2‬وهذا الستعمال ليس له ارتباط بالبحاث الفقهية والصولية‬
‫فحسب‪ ،‬بل له ارتباط وثيق بالبحاث الكلمية والعقائدية‪ ،‬وله‬
‫نتائج وثمرات خطيرة كما سنشير إليها لحقًا‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬أدعى الشيخ العظم في الرسائل الجماع على الحدوث‬
‫الزماني للعالم‪ ،‬وهو كما ترى؛ فهذه النتيجة تتمخض من التجاه‬
‫المؤمن بظرفية الزمان فقط‪ .‬مضافا ً إلى إن الجماع الصولي‬
‫ل معنى له في مثل هذه البحاث‪.‬‬
‫)]‪ ([4‬لعل أهم تطبيق أصولي لهذا المطلب هو بحث استصحاب‬
‫الزمانيات‪ ،‬وهل أن الزمان يستصحب أم ل؟ ومن غير الوقوف‬
‫على تحرير محل النزاع بشكل واضح ل يمكن الوصول إلى‬
‫نتيجة ناجعة‪.‬‬
‫قال المحقق النائيني في أجود التقريرات‪:‬‬
‫»ل فرق في جريان الستصحاب بين أن يكون المتيقن من المــور‬
‫القاّرة‪ ،‬أو من المور التدريجية الغير القارة‪ ،‬كالزمان والزمانيات‬
‫ل‪ ،‬فيقع الكلم‬ ‫التي ل يجتمع أجزاؤها في زمان واحد كالحركة مث ً‬
‫في مقامين‪ :‬الول في جريان الستصــحاب فــي نفــس الزمــان‪،‬‬
‫والثاني في جريانه في الزماني‪ .‬اما المقــام الول‪ :‬فربمــا يقــال‬
‫فيه بعدم جريان الستصحاب نظرا ً إلى أن المقدار المتيقن مــن‬
‫الزمان قد انصرم وانقضى يقينًا‪ ،‬والمقــدار المشــكوك مشــكوك‬
‫الحدوث فليس هنــاك مــا يكــون‪ .«...‬أجــود التقريــرات‪:‬ج ‪ ،4‬ص‬
‫‪.102‬‬
‫‪1‬‬

‫)]‪ ([5‬وهذا شاهد آخر يضاف إلى بقية الشواهد على تداخل‬
‫البحاث في عملية الستنباط الفقهي‪ ،‬فالعملية الجتهادية عملية‬
‫جماعية تتألف من مجموعة من التخصصات‪ ،‬تجتمع فيما بينها‬
‫لتؤدي الغرض المطلوب‪ .‬ومن غير التنبه لهذا التداخل اليجابي‬
‫ل يمكن الوصول إلى نتيجة سليمة‪.‬‬
‫)]‪ ([6‬هذه الوجودات قد تكون مجردة أو موجودات أمرية أو غير‬
‫ذلك‪ ،‬وتفصيله يطلب من مظانه‪.‬‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ن‬
‫مو َ‬‫م ل َ ت َعْل َ ُ‬‫مَهات ِك ُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫جك ُ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫)]‪ ([7‬قال تعالى‪َ :‬والل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صاَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫)النحل‪.(78/‬‬
‫)]‪ ([8‬سأل اينشتاين ـ العالم الفيزيائي المشهور ـ ذات مرة‪ :‬إذا‬
‫ذهبنا إلى حافة العالم وألقينا شيء إلى خارج العالم أين يقع هذا‬
‫الشيء؟‬
‫جد له مكان؛ لن‬ ‫ل‪ :‬بمجرد أن يرمى هذا الشيء ُيو ْ‬ ‫فأجاب قائ ً‬
‫جد بوجودها‪.‬‬ ‫المكان ليس بظرف تقع فيه الشياء‪ ،‬بل يو َ‬
‫)]‪ ([9‬ل بأس أن نشير ـ لهمية المبحث ـ إلى طبيعة الجسم‬
‫المحشور يوم القيامة‪ ،‬فهل هو نفس الجسم المادي بجميع‬
‫بخصائصه‪ ،‬أم أنه سنخ آخر؟‬
‫هناك ثلث نظريات في تفسير حقيقة الجسم الذي يحشر يوم‬
‫القيامة )=المعاد(‪:‬‬
‫النظرية الولى‪ :‬المحشور هو نفس الجسم المادي بما له من‬
‫خصائص زمانية ومكانية دون أي تفاوت‪.‬‬
‫النظرية الثانية‪ :‬المحشور ل يحمل زمانا ً ومكانا ً فلسفيًا‪.‬‬
‫م له مكان من غير أن يكون له‬ ‫النظرية الثالثة‪ :‬المحشور جس ٌ‬
‫زمان بالمعنى الفلسفي )=الخروج من القوة إلى الفعل(‪ ،‬فل‬
‫يحمل أحدى خاصيات الجسم المادي التي هي النتقال من‬
‫القوة إلى الفعل‪ .‬ولعل هذا هو مفاد المأثور‪ :‬اليوم عمل ول‬
‫حساب‪ ،‬وغدا ً حساب ول عمل‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬للرض حركتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬حركتها حول نفسها والتي يتولد منها الليل والنهار‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الحركة الوضعية‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الثانية‪ :‬حركتها حول الشمس والتي يتولد منها الفصول الربعة‪،‬‬


‫وهي‪ :‬الحركة النتقالية‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬ساعة بكبن في انجلترا‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬للوقوف على تفاصيل أكثر بخصوص هذا الستعمال‬
‫لحظ‪ :‬الزمان الوجودي‪ ،‬عبد الرحمن بدوي‪:‬ص ‪ 130‬وما بعدها‪.‬‬
‫الزمان أبعاده وبنيته‪ ،‬د‪.‬عبد اللطيف الصديقي‪ :‬ص ‪ 73‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫)]‪ ([13‬قد يخّيل للبعض أن قولنا ل زمان في الخرة أي ل مدة‬
‫فيها‪ ،‬وهو باطل؛ لن إنكار ذلك بهذا المعنى يتنافي مع طبيعة‬
‫الخلود الذي تحدثت عنه النصوص المأثورة‪ .‬بل المراد من‬
‫الزمان المنفي عن الخرة هو الزمان الفلسفي كما أسلفنا‪.‬‬
‫ومن هنا لبد من تفسير النصوص التي تحمل ظاهر هذا المعنى‬
‫بنحو ل يتنافى مع طبيعة الوعد والوعيد بالخلود البدي‪.‬‬
‫)]‪ ([14‬للوقوف على حقيقة الزمان واستعمالته القرآنية لحظ‪:‬‬
‫الزمان في الفكر السلمي‪ ،‬لبراهيم العاتي‬

You might also like