Professional Documents
Culture Documents
Amrad Al Quloob - Ibn Taymiyyah
Amrad Al Quloob - Ibn Taymiyyah
Amrad Al Quloob - Ibn Taymiyyah
أاض اب و
ؤه
ة ا
ر
أاض اب و
ؤه
$ام ا"!
وقال شيخ اإلسالم تقي الدين أحمد ابن تيمية رحمه ﷲ تعالى الحمد ' نستعينه ونستغفره ونعوذ
با' من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يھد ﷲ فال مضل له ومن يضلل فال ھادي له .
وأشھد أن ال إله إال ﷲ وحده ال شريك له وأشھد أن محمدا عبده ورسوله صلى ﷲ عليه وعلى آله
وأصحابه وسلم تسليما
فصل " في مرض القلوب وشفائھا "
قال ﷲ تعالى عن المنافقين } :في قلوبھم مرض فزادھم ﷲ مرضا { وقال تعالى } :ليجعل ما
يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبھم مرض والقاسية قلوبھم { وقال } :لئن لم ينته المنافقون
والذين في قلوبھم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بھم ثم ال يجاورونك فيھا إال قليال {
وقال } :وال يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبھم مرض والكافرون
ماذا أراد ﷲ بھذا مثال { وقال تعالى } :قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور
وھدى ورحمة للمؤمنين { وقال } :وننزل من القرآن ما ھو شفاء ورحمة للمؤمنين وال يزيد
الظالمين إال خسارا { وقال } :ويشف صدور قوم مؤمنين { } ويذھب غيظ قلوبھم { .و "
مرض البدن " خالف صحته وصالحه وھو فساد يكون فيه يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية
فإدراكه إما أن يذھب كالعمى والصمم .وإما أن يدرك األشياء على خالف ما ھي عليه كما يدرك
الحلو مرا وكما يخيل إليه أشياء ال حقيقة لھا في الخارج .وأما فساد حركته الطبيعية فمثل أن
تضعف قوته عن الھضم أو مثل أن يبغض األغذية التي يحتاج إليھا ويحب األشياء التي تضره
ويحصل له من اآلالم بحسب ذلك ؛ ولكن مع ذلك المرض لم يمت ولم يھلك ؛ بل فيه نوع قوة
على إدراك الحركة اإلرادية في الجملة ] فيتولد من ذلك [ ألم يحصل في البدن إما بسبب فساد
الكمية أو الكيفية ) :فاألول أما نقص المادة فيحتاج إلى غذاء وأما بسبب زياداتھا فيحتاج إلى
استفراغ .و ) الثاني كقوة في الحرارة والبرودة خارج عن االعتدال فيداوى .
1
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
تحصل في النفس .وكذلك " الشك والجھل " يؤلم القلب قال النبي صلى ﷲ عليه وسلم } ھال
سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال { .والشاك في الشيء المرتاب فيه يتألم قلبه حتى
يحصل له العلم واليقين ويقال للعالم الذي أجاب بما يبين الحق :قد شفاني بالجواب .والمرض
دون الموت فالقلب يموت بالجھل المطلق ويمرض بنوع من الجھل فله موت ومرض وحياة
وشفاء وحياته وموته ومرضه وشفاؤه أعظم من حياة البدن وموته ومرضه وشفائه فلھذا مرض
القلب إذا ورد عليه شبھة أو شھوة قوت مرضه وإن حصلت له حكمة وموعظة كانت من أسباب
صالحه وشفائه .قال تعالى } :ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبھم مرض { ألن ذلك
أورث شبھة عندھم والقاسية قلوبھم ليبسھا فأولئك قلوبھم ضعيفة بالمرض فصار ما ألقى الشيطان
فتنة لھم وھؤالء كانت قلوبھم قاسية عن اإليمان فصار فتنة لھم .وقال } :لئن لم ينته المنافقون
والذين في قلوبھم مرض والمرجفون في المدينة { كما قال } :وليقول الذين في قلوبھم مرض {
لم تمت قلوبھم كموت الكفار والمنافقين وليست صحيحة صالحة كصالح قلوب المؤمنين بل فيھا
مرض شبھة وشھوات وكذلك } فيطمع الذي في قلبه مرض { وھو مرض الشھوة فإن القلب
الصحيح لو تعرضت له المرأة لم يلتفت إليھا بخالف القلب المريض بالشھوة فإنه لضعفه يميل
إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه فإذا خضعن بالقول طمع الذي في قلبه
مرض .والقرآن شفاء لما في الصدور ومن في قلبه أمراض الشبھات والشھوات ففيه من البينات
ما يزيل الحق من الباطل فيزيل أمراض الشبھة المفسدة للعلم والتصور واإلدراك بحيث يرى
األشياء على ما ھي عليه وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترھيب والقصص التي
فيھا عبرة ما يوجب صالح القلب فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره فيبقى القلب محبا
للرشاد مبغضا للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضا للرشاد .فالقرآن مزيل لألمراض الموجبة
لإلرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليھا كما يعود
البدن إلى الحال الطبيعي ويغتذي القلب من اإليمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن بما
ينميه ويقومه فإن زكاة القلب مثل نماء البدن .و " الزكاة في اللغة " النماء والزيادة في الصالح .
يقال :زكا الشيء إذا نما في الصالح فالقلب يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح كما
يحتاج البدن أن يربى باألغذية المصلحة له وال بد مع ذلك من منع ما يضره فال ينمو البدن إال
بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره كذلك القلب ال يزكو فينمو ويتم صالحه إال بحصول ما ينفعه
ودفع ما يضره وكذلك الزرع ال يزكو إال بھذا .و " الصدقة " لما كانت تطفئ الخطيئة كما يطفئ
الماء النار صار القلب يزكو بھا وزكاته معنى زائد على طھارته من الذنب .قال ﷲ تعالى } :
خذ من أموالھم صدقة تطھرھم وتزكيھم بھا { وكذلك ترك الفواحش يزكو بھا القلب .وكذلك
ترك المعاصي فإنھا بمنزلة األخالط الرديئة في البدن ومثل الدغل في الزرع فإذا استفرغ البدن
من األخالط الرديئة كاستخراج الدم الزائد تخلصت القوة الطبيعية واستراحت فينمو البدن وكذلك
القلب إذا تاب من الذنوب كان استفراغا من تخليطاته حيث خلط عمال صالحا وآخر سيئا فإذا تاب
من الذنوب تخلصت قوة القلب وإراداته لألعمال الصالحة واستراح القلب من تلك الحوادث
الفاسدة التي كانت فيه .فزكاة القلب بحيث ينمو ويكمل .قال تعالى } :ولوال فضل ﷲ عليكم
ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا { وقال تعالى } :وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ھو أزكى لكم
{ وقال } :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارھم ويحفظوا فروجھم ذلك أزكى لھم إن ﷲ خبير بما
يصنعون { وقال تعالى } :قد أفلح من تزكى { } وذكر اسم ربه فصلى { وقال تعالى } :قد
أفلح من زكاھا { } وقد خاب من دساھا { وقال تعالى } :وما يدريك لعله يزكى { وقال تعالى :
} فقل ھل لك إلى أن تزكى { } وأھديك إلى ربك فتخشى { فالتزكية وإن كان أصلھا النماء
والبركة وزيادة الخير فإنما تحصل بإزالة الشر ؛ فلھذا صار التزكي يجمع ھذا وھذا .وقال } :
وويل للمشركين { } الذين ال يؤتون الزكاة { وھي التوحيد واإليمان الذي به يزكو القلب فإنه
يتضمن نفي إلھية ما سوى الحق من القلب وإثبات إلھية الحق في القلب وھو حقيقة ال إله إال ﷲ .
وھذا أصل ما تزكو به القلوب .والتزكية جعل الشيء زكيا :إما في ذاته وإما في االعتقاد والخبر
2
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
؛ كما يقال عدلته إذا جعلته عدال في نفسه أو في اعتقاد الناس قال تعالى } :فال تزكوا أنفسكم {
أي تخبروا بزكاتھا وھذا غير قوله } :قد أفلح من زكاھا { ولھذا قال } :ھو أعلم بمن اتقى {
وكان اسم زينب برة فقيل تزكي نفسھا فسماھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم زينب .وأما قوله :
} ألم تر إلى الذين يزكون أنفسھم بل ﷲ يزكي من يشاء { أي يجعله زاكيا ويخبر بزكاته كما
يزكي المزكي الشھود فيخبر بعدلھم .و " العدل " ھو االعتدال واالعتدال ھو صالح القلب كما
أن الظلم فساده ولھذا جميع الذنوب يكون الرجل فيھا ظالما لنفسه والظلم خالف العدل فلم يعدل
على نفسه ؛ بل ظلمھا ؛ فصالح القلب في العدل وفساده في الظلم وإذا ظلم العبد نفسه فھو الظالم
وھو المظلوم كذلك إذا عدل فھو العادل والمعدول عليه فمنه العمل وعليه تعود ثمرة العمل من
خير وشر .قال تعالى } :لھا ما كسبت وعليھا ما اكتسبت { .والعمل له أثر في القلب من نفع
وضر وصالح قبل أثره في الخارج فصالحھا عدل لھا وفسادھا ظلم لھا قال تعالى } :من عمل
صالحا فلنفسه ومن أساء فعليھا { وقال تعالى } :إن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم وإن أسأتم فلھا {
قال بعض السلف :إن للحسنة لنورا في القلب وقوة في البدن وضياء في الوجه وسعة في الرزق
ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه ووھنا في البدن ونقصا في
الرزق وبغضا في قلوب الخلق .وقال تعالى } :كل امرئ بما كسب رھين { وقال تعالى } :كل
نفس بما كسبت رھينة { وقال } :وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لھا من دون ﷲ ولي
وال شفيع وإن تعدل كل عدل ال يؤخذ منھا أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا { وتبسل أي ترتھن
وتحبس وتؤسر ؛ كما أن الجسد إذا صح من مرضه قيل قد اعتدل مزاجه والمرض إنما ھو
بإخراج المزاج مع أن االعتدال المحض السالم من األخالط ال سبيل إليه لكن األمثل ؛ فاألمثل ؛
فھكذا صحة القلب وصالحه في العدل ومرضه من الزيغ والظلم واالنحراف .والعدل المحض
في كل شيء متعذر علما وعمال ولكن األمثل فاألمثل ؛ ولھذا يقال :ھذا أمثل ويقال للطريقة
السلفية :الطريقة المثلى .وقال تعالى } :ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم {
وقال تعالى } :وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ال نكلف نفسا إال وسعھا { .وﷲ تعالى بعث
الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط وأعظم القسط عبادة ﷲ وحده ال شريك له ثم العدل على
الناس في حقوقھم ثم العدل على النفس .والظلم " ثالثة أنواع " :والظلم كله من أمراض القلوب
والعدل صحتھا وصالحھا .قال أحمد بن حنبل لبعض الناس :لو صححت لم تخف أحدا أي
خوفك من المخلوق ھو من مرض فيك كمرض الشرك والذنوب .وأصل صالح القلب ھو حياته
واستنارته قال تعالى } :أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في
الظلمات ليس بخارج منھا { .لذلك ذكر ﷲ حياة القلوب ونورھا وموتھا وظلمتھا في غير موضع
.كقوله } :لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين { وقوله تعالى } يا أيھا الذين آمنوا
استجيبوا ' وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم { ثم قال } :واعلموا أن ﷲ يحول بين المرء وقلبه
وأنه إليه تحشرون { وقال تعالى } :يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي { .ومن
أنواعه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن .وفي الحديث الصحيح } مثل البيت
الذي يذكر ﷲ فيه والبيت الذي ال يذكر ﷲ فيه مثل الحي والميت { وفي الصحيح أيضا } :
اجعلوا من صالتكم في بيوتكم وال تتخذوھا قبورا { .وقد قال تعالى } :والذين كذبوا بآياتنا صم
وبكم في الظلمات { وذكر سبحانه آية النور وآية الظلمة فقال } :ﷲ نور السماوات واألرض
مثل نوره كمشكاة فيھا مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنھا كوكب دري يوقد من شجرة
مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية يكاد زيتھا يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور { فھذا
مثل نور اإليمان في قلوب المؤمنين ثم قال } :والذين كفروا أعمالھم كسراب بقيعة يحسبه
الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد ﷲ عنده فوفاه حسابه وﷲ سريع الحساب أو
كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضھا فوق بعض إذا
أخرج يده لم يكد يراھا ومن لم يجعل ﷲ له نورا فما له من نور { ) .فاألول مثل االعتقادات
الفاسدة واألعمال التابعة لھا يحسبھا صاحبھا شيئا ينفعه فإذا جاءھا لم يجدھا شيئا ينفعه فوفاه ﷲ
3
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
حسابه على تلك األعمال .و ) الثاني :مثل للجھل البسيط وعدم اإليمان والعلم فإن صاحبھا في
ظلمات بعضھا فوق بعض ال يبصر شيئا ؛ فإن البصر إنما ھو بنور اإليمان والعلم .قال تعالى :
} إن الذين اتقوا إذا مسھم طائف من الشيطان تذكروا فإذا ھم مبصرون { وقال تعالى } .ولقد
ھمت به وھم بھا لوال أن رأى برھان ربه { وھو برھان اإليمان الذي حصل في قلبه فصرف ﷲ
به ما كان ھم به وكتب له حسنة كاملة ولم يكتب عليه خطيئة إذ فعل خيرا ولم يفعل سيئة .وقال
تعالى } :لتخرج الناس من الظلمات إلى النور { وقال } :ﷲ ولي الذين آمنوا يخرجھم من
الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤھم الطاغوت يخرجونھم من النور إلى الظلمات { وقال :
} يا أيھا الذين آمنوا اتقوا ﷲ وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به
{ .ولھذا ضرب ﷲ لإليمان " مثلين " .مثال بالماء الذي به الحياة وما يقترن به من الزبد ومثال
بالنار التي بھا النور وما يقترن بما يوقد عليه من الزبد .وكذلك ضرب ﷲ للنفاق " مثلين " قال
تعالى } :أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرھا فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه
في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب ﷲ الحق والباطل فأما الزبد فيذھب جفاء
وأما ما ينفع الناس فيمكث في األرض كذلك يضرب ﷲ األمثال { وقال تعالى في المنافقين } :
مثلھم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذھب ﷲ بنورھم وتركھم في ظلمات ال
يبصرون { } صم بكم عمي فھم ال يرجعون { } أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق
يجعلون أصابعھم في آذانھم من الصواعق حذر الموت وﷲ محيط بالكافرين { } يكاد البرق
يخطف أبصارھم كلما أضاء لھم مشوا فيه وإذا أظلم عليھم قاموا ولو شاء ﷲ لذھب بسمعھم
وأبصارھم إن ﷲ على كل شيء قدير { .فضرب لھم مثال كالذي أوقد النار كلما أضاءت أطفأھا
ﷲ والمثل المائي كالمثل النازل من السماء وفيه ظلمات ورعد وبرق يرى .ولبسط الكالم في
ھذه األمثال موضع آخر .وإنما المقصود ھنا ذكر حياة القلوب وإنارتھا وفي الدعاء المأثور }
اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا { .و " الربيع " ھو المطر الذي ينزل من السماء فينبت
به النبات قال النبي صلى ﷲ عليه وسلم } إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم { .والفصل
الذي ينزل فيه أول المطر تسميه العرب الربيع لنزول المطر الذي ينبت الربيع فيه وغيرھم
يسمي الربيع الفصل الذي يلي الشتاء ؛ فإن فيه تخرج األزھار التي تخلق منھا الثمار وتنبت
األوراق على األشجار .والقلب الحي المنور ؛ فإنه لما فيه من النور يسمع ويبصر ويعقل والقلب
الميت فإنه ال يسمع وال يبصر .قال تعالى } :ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ال يسمع إال
دعاء ونداء صم بكم عمي فھم ال يعقلون { وقال تعالى } :ومنھم من يستمعون إليك أفأنت تسمع
الصم ولو كانوا ال يعقلون { } ومنھم من ينظر إليك أفأنت تھدي العمي ولو كانوا ال يبصرون {
وقال تعالى } :ومنھم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبھم أكنة أن يفقھوه وفي آذانھم وقرا وإن
يروا كل آية ال يؤمنوا بھا حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن ھذا إال أساطير األولين
{ اآليات .فأخبر أنھم ال يفقھون بقلوبھم وال يسمعون بآذانھم وال يؤمنون بما رأوه من النار كما
أخبر عنھم حيث قالوا } :قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب
{ .فذكروا الموانع على القلوب ،والسمع واألبصار وأبدانھم حية تسمع األصوات وترى
األشخاص ؛ لكن حياة البدن بدون حياة القلب من جنس حياة البھائم لھا سمع وبصر وھي تأكل
وتشرب وتنكح ولھذا قال تعالى } :ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ال يسمع إال دعاء
ونداء { .فشبھھم بالغنم الذي ينعق بھا الراعي وھي ال تسمع إال نداء .كما قال في اآلية األخرى
} :أم تحسب أن أكثرھم يسمعون أو يعقلون إن ھم إال كاألنعام بل ھم أضل سبيال { وقال تعالى :
} ولقد ذرأنا لجھنم كثيرا من الجن واإلنس لھم قلوب ال يفقھون بھا ولھم أعين ال يبصرون بھا
ولھم آذان ال يسمعون بھا أولئك كاألنعام بل ھم أضل { فطائفة من المفسرين تقول في ھذه اآليات
وما أشبھھا كقوله } :وإذا مس اإلنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره
مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه { وأمثالھا مما ذكر ﷲ في عيوب اإلنسان وذمھا فيقول ھؤالء :
ھذه اآلية في الكفار والمراد باإلنسان ھنا الكافر فيبقى من يسمع ذلك يظن أنه ليس لمن يظھر
4
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
اإلسالم في ھذا الذم والوعيد نصيب ؛ بل يذھب وھمه إلى من كان مظھرا للشرك من العرب أو
إلى من يعرفھم من مظھري الكفر كاليھود والنصارى ومشركي الترك والھند .ونحو ذلك فال
ينتفع بھذه اآليات التي أنزلھا ﷲ ليھتدي بھا عباده .فيقال - :أوال : -المظھرون لإلسالم فيھم
مؤمن ومنافق والمنافقون كثيرون في كل زمان والمنافقون في الدرك األسفل من النار .ويقال :
" ثانيا " اإلنسان قد يكون عنده شعبة من نفاق وكفر وإن كان معه إيمان كما قال النبي صلى ﷲ
عليه وسلم في الحديث المتفق عليه } :أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة
منھن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعھا :إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاھد غدر .
وإذا خاصم فجر { فأخبر أنه من كانت فيه خصلة منھن كانت فيه خصلة من النفاق .وقد ثبت في
الحديث الصحيح أنه قال ألبي ذر رضي ﷲ عنه } إنك امرؤ فيك جاھلية { وأبو ذر -رضي ﷲ
عنه -من أصدق الناس إيمانا وقال في الحديث الصحيح } :أربع في أمتي من أمر الجاھلية :
الفخر باألحساب والطعن في األنساب والنياحة واالستسقاء بالنجوم { وقال في الحديث الصحيح
} لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .قالوا :اليھود
والنصارى قال :فمن { وقال أيضا في الحديث الصحيح } :لتأخذن أمتي ما أخذت األمم قبلھا
شبرا بشبر وذراعا بذراع .قالوا :فارس والروم قال :ومن الناس إال ھؤالء { .وقال ابن أبي
مليكة :أدركت ثالثين من أصحاب محمد -صلى ﷲ عليه وسلم -كلھم يخاف النفاق على نفسه
وعن علي -أو حذيفة -رضي ﷲ عنھما ما -قال :القلوب " أربعة " .قلب أجرد فيه سراج
يزھر فذلك قلب المؤمن وقلب أغلف فذاك قلب الكافر وقلب منكوس .فذاك قلب المنافق وقلب فيه
مادتان :مادة تمده اإليمان ومادة تمده النفاق فأولئك قوم خلطوا عمال صالحا وآخر سيئا .وإذا
عرف ھذا علم أن كل عبد ينتفع بما ذكر ﷲ في اإليمان من مدح شعب اإليمان وذم شعب الكفر
وھذا كما يقول بعضھم في قوله } :اھدنا الصراط المستقيم { .فيقولون المؤمن قد ھدي إلى
الصراط المستقيم فأي فائدة في طلب الھدى ثم يجيب بعضھم بأن المراد ثبتنا على الھدى كما
تقول العرب للنائم :نم حتى آتيك أو يقول بعضھم ألزم قلوبنا الھدى فحذف الملزوم ويقول
بعضھم زدني ھدى وإنما يوردون ھذا السؤال لعدم تصورھم الصراط المستقيم الذي يطلب العبد
الھداية إليه ؛ فإن المراد به العمل بما أمر ﷲ به وترك ما نھى ﷲ عنه في جميع األمور .
واإلنسان وإن كان أقر بأن محمدا رسول ﷲ وأن القرآن حق على سبيل اإلجمال فأكثر ما يحتاج
إليه من العلم بما ينفعه ويضره وما أمر به وما نھى عنه في تفاصيل األمور وجزئياتھا لم يعرفه
وما عرفه فكثير منه لم يعمل بعلمه ولو قدر أنه بلغه كل أمر ونھي في القرآن والسنة فالقرآن
والسنة إنما تذكر فيھما األمور العامة الكلية ال يمكن غير ذلك ال تذكر ما يخص به كل عبد ولھذا
أمر اإلنسان في مثل ذلك بسؤال الھدى إلى الصراط المستقيم .والھدى إلى الصراط المستقيم
يتناول ھذا كله يتناول التعريف بما جاء به الرسول مفصال ويتناول التعريف بما يدخل في أوامره
الكليات ويتناول إلھام العمل بعلمه فإن مجرد العلم بالحق ال يحصل به االھتداء إن لم يعمل بعلمه
ولھذا قال لنبيه بعد صلح الحديبية } :إنا فتحنا لك فتحا مبينا { } ليغفر لك ﷲ ما تقدم من ذنبك
وما تأخر ويتم نعمته عليك ويھديك صراطا مستقيما { وقال في حق موسى وھارون } :
وآتيناھما الكتاب المستبين { } وھديناھما الصراط المستقيم { والمسلمون قد تنازعوا فيما شاء ﷲ
من األمور الخبرية والعلمية االعتقادية والعملية مع أنھم كلھم متفقون على أن محمدا حق والقرآن
حق فلو حصل لكل منھم الھدى إلى الصراط المستقيم فيما اختلفوا فيه لم يختلفوا ثم الذين علموا ما
أمر ﷲ به أكثرھم يعصونه و ] ال [ يحتذون حذوه فلو ھدوا إلى الصراط المستقيم في تلك
األعمال لفعلوا ما أمروا به وتركوا ما نھوا عنه والذين ھداھم ﷲ من ھذه األمة حتى صاروا من
أولياء ﷲ المتقين كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤھم ﷲ بھذا الدعاء في كل صالة مع علمھم
بحاجتھم وفاقتھم إلى ﷲ دائما في أن يھديھم الصراط المستقيم .فبدوام ھذا الدعاء واالفتقار
صاروا من أولياء ﷲ المتقين .قال سھل بن عبد ﷲ التستري ليس بين العبد وبين ربه طريق
أقرب إليه من االفتقار وما حصل فيه الھدى في الماضي فھو محتاج إلى حصول الھدى فيه في
5
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
المستقبل وھذا حقيقة قول من يقول :ثبتنا واھدنا لزوم الصراط .وقول من قال :زدنا ھدى
يتناول ما تقدم ؛ لكن ھذا كله ھدى منه في المستقبل إلى الصراط المستقيم ؛ فإن العمل في
المستقبل بالعلم لم يحصل بعد وال يكون مھتديا حتى يعمل في المستقبل بالعلم وقد ال يحصل العلم
في المستقبل بل يزول عن القلب وإن حصل فقد ال يحصل العمل فالناس كلھم مضطرون إلى ھذا
الدعاء ؛ ولھذا فرضه ﷲ عليھم في كل صالة فليسوا إلى شيء من الدعاء أحوج منھم إليه وإذا
حصل الھدى إلى الصراط المستقيم حصل النصر والرزق وسائر ما تطلب النفوس من السعادة
وﷲ أعلم .
واعلم أن حياة القلب وحياة غيره ليست مجرد الحس والحركة اإلرادية أو مجرد العلم والقدرة كما
يظن ذلك طائفة من النظار في علم ﷲ وقدرته كأبي الحسين البصري .قالوا :إن حياته أنه بحيث
يعلم ويقدر بل الحياة صفة قائمة بالموصوف وھي شرط في العلم واإلرادة والقدرة على األفعال
االختيارية وھي أيضا مستلزمة لذلك فكل حي له شعور وإرادة وعمل اختياري بقدرة وكل ما له
علم وإرادة وعمل اختياري فھو حي .والحياء مشتق من الحياة ؛ فإن القلب الحي يكون صاحبه
حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح فإن حياة القلب ھي المانعة من القبائح التي تفسد القلب ولھذا قال
النبي صلى ﷲ عليه وسلم } الحياء من اإليمان { وقال } :الحياء والعي شعبتان من اإليمان .
والبذاء والبيان شعبتان من النفاق { فإن الحي يدفع ما يؤذيه ؛ بخالف الميت الذي ال حياة فيه ]
فإنه [ يسمى وقحا والوقاحة الصالبة وھو اليبس المخالف لرطوبة الحياة فإذا كان وقحا يابسا
صليب الوجه لم يكن في قلبه حياة توجب حياءه ،وامتناعه من القبح كاألرض اليابسة ال يؤثر
فيھا وطء األقدام بخالف األرض الخضرة .ولھذا كان الحي يظھر عليه التأثر بالقبح وله إرادة
تمنعه عن فعل القبح بخالف الوقح الذي ليس بحي فال حياء معه وال إيمان يزجره عن ذلك .
فالقلب إذا كان حيا فمات اإلنسان بفراق روحه بدنه كان موت النفس فراقھا للبدن ليست ھي في
نفسھا ميتة بمعنى زوال حياتھا عنھا .ولھذا قال تعالى } :وال تقولوا لمن يقتل في سبيل ﷲ
أموات بل أحياء { وقال تعالى } :وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل ﷲ أمواتا بل أحياء { مع أنھم
موتى داخلون في قوله } :كل نفس ذائقة الموت { وفي قوله } :إنك ميت وإنھم ميتون { وقوله
} :وھو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم { فالموت المثبت غير الموت المنفي .المثبت ھو فراق
الروح البدن والمنفي زوال الحياة بالجملة عن الروح والبدن .وھذا كما أن النوم أخو الموت
فيسمى وفاة ويسمى موتا وإن كانت الحياة موجودة فيھما .قال ﷲ تعالى } :ﷲ يتوفى األنفس
حين موتھا والتي لم تمت في منامھا فيمسك التي قضى عليھا الموت ويرسل األخرى إلى أجل
مسمى { .وكان } النبي صلى ﷲ عليه وسلم إذا استيقظ من منامه يقول :الحمد ' الذي أحيانا
بعد ما أماتنا وإليه النشور { وفي حديث آخر } :الحمد ' الذي رد علي روحي وعافاني في
جسدي وأذن لي بذكره وفضلني على كثير ممن خلق تفضيال { وإذا أوى إلى فراشه يقول } :
اللھم أنت خلقت نفسي وأنت توفاھا لك مماتھا ومحياھا إن أمسكتھا فارحمھا وإن أرسلتھا فاحفظھا
بما تحفظ به عبادك الصالحين { ويقول } :باسمك اللھم أموت وأحيا {
فصل ومن أمراض القلوب " الحسد " كما قال بعضھم في حده :إنه أذى يلحق بسبب العلم بحسن
حال األغنياء فال يجوز أن يكون الفاضل حسودا ؛ ألن الفاضل يجري على ما ھو الجميل وقد قال
طائفة من الناس :إنه تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلھا بخالف الغبطة
فإنه تمني مثلھا من غير حب زوالھا عن المغبوط .والتحقيق أن الحسد ھو البغض والكراھة لما
يراه من حسن حال المحسود وھو نوعان ) :أحدھما كراھة للنعمة عليه مطلقا فھذا ھو الحسد
المذموم وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا في قلبه ويلتذ
بزوال النعمة عنه وإن لم يحصل له نفع بزوالھا ؛ لكن نفعه زوال األلم الذي كان في نفسه ولكن
ذلك األلم لم يزل إال بمباشرة منه وھو راحة وأشده كالمريض الذي عولج بما يسكن وجعه
6
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
والمرض باق ؛ فإن بغضه لنعمة ﷲ على عبده مرض فإن تلك النعمة قد تعود على المحسود
وأعظم منھا وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود .والحاسد ليس له غرض في شيء
معين ؛ لكن نفسه تكره ما أنعم به على النوع .ولھذا قال من قال :إنه تمني زوال النعمة فإن من
كره النعمة على غيره تمنى زوالھا بقلبه .و ) النوع الثاني :أن يكره فضل ذلك الشخص عليه
فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فھذا حسد وھو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى ﷲ
عليه وسلم حسدا في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر رضي ﷲ عنھما أنه
قال } :ال حسد إال في اثنتين :رجل آتاه ﷲ الحكمة فھو يقضي بھا ويعلمھا ورجل آتاه ﷲ ماال
وسلطه على ھلكته في الحق { ھذا لفظ ابن مسعود .ولفظ ابن عمر } رجل آتاه ﷲ القرآن فھو
يقوم به آناء الليل والنھار ورجل آتاه ﷲ ماال فھو ينفق منه في الحق آناء الليل والنھار { رواه
البخاري من حديث أبي ھريرة ولفظه } :ال حسد إال في اثنتين رجل آتاه ﷲ القرآن فھو يتلوه
الليل والنھار فسمعه رجل فقال :يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي ھذا فعملت فيه مثل ما يعمل ھذا
ورجل آتاه ﷲ ماال فھو يھلكه في الحق فقال رجل :يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي ھذا فعملت فيه
مثل ما يعمل ھذا { فھذا الحسد الذي نھى عنه النبي صلى ﷲ عليه وسلم إال في موضعين ھو
الذي سماه أولئك الغبطة وھو أن يحب مثل حال الغير ويكره أن يفضل عليه .فإن قيل :إذا لم
سمي حسدا وإنما أحب أن ينعم ﷲ عليه ؟ .قيل مبدأ ھذا الحب ھو نظره إلى إنعامه على الغير
وكراھته أن يتفضل عليه ولوال وجود ذلك الغير لم يحب ذلك فلما كان مبدأ ذلك كراھته أن
يتفضل عليه الغير كان حسدا ؛ ألنه كراھة تتبعھا محبة وأما من أحب أن ينعم ﷲ عليه مع عدم
التفاته إلى أحوال الناس فھذا ليس عنده من الحسد شيء .ولھذا يبتلى غالب الناس بھذا القسم
الثاني وقد تسمى المنافسة فيتنافس االثنان في األمر المحبوب المطلوب كالھما يطلب أن يأخذه
وذلك لكراھية أحدھما أن يتفضل عليه اآلخر كما يكره المستبقان كل منھما أن يسبقه اآلخر
والتنافس ليس مذموما مطلقا بل ھو محمود في الخير .قال تعالى } :إن األبرار لفي نعيم { }
على األرائك ينظرون { } تعرف في وجوھھم نضرة النعيم { } يسقون من رحيق مختوم { }
ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون { فأمر المنافس أن ينافس في ھذا النعيم ال ينافس في
نعيم الدنيا الزائل وھذا موافق لحديث النبي صلى ﷲ عليه وسلم فإنه نھى عن الحسد إال فيمن
أوتي العلم فھو يعمل به ويعلمه ومن أوتي المال فھو ينفقه فأما من أوتي علما ولم يعمل به ولم
يعلمه أو أوتي ماال ولم ينفقه في طاعة ﷲ فھذا ال يحسد وال يتمنى مثل حاله فإنه ليس في خير
يرغب فيه بل ھو معرض للعذاب ومن ولي والية فيأتيھا بعلم وعدل أدى األمانات إلى أھلھا
وحكم بين الناس بالكتاب والسنة فھذا درجته عظيمة ؛ لكن ھذا في جھاد عظيم كذلك المجاھد في
سبيل ﷲ .والنفوس ال تحسد من ھو في تعب عظيم فلھذا لم يذكره وإن كان المجاھد في سبيل ﷲ
أفضل من الذي ينفق المال ؛ بخالف المنفق والمعلم فإن ھذين ليس لھم في العادة عدو من خارج
فإن قدر أنھما لھما عدو يجاھدانه .فذلك أفضل لدرجتھما وكذلك لم يذكر النبي صلى ﷲ عليه
وسلم المصلي والصائم والحاج ؛ ألن ھذه األعمال ال يحصل منھا في العادة من نفع الناس الذي
يعظمون به الشخص ويسودونه ما يحصل بالتعليم واإلنفاق .والحسد في األصل إنما يقع لما
يحصل للغير من السؤدد والرياسة وإال فالعامل ال يحسد في العادة ولو كان تنعمه باألكل والشرب
والنكاح أكثر من غيره بخالف ھذين النوعين فإنھما يحسدان كثيرا ولھذا يوجد بين أھل العلم
الذين لھم أتباع من الحسد ما ال يوجد فيمن ليس كذلك وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله فھذا
ينفع الناس بقوت القلوب وھذا ينفعھم بقوت األبدان والناس كلھم محتاجون إلى ما يصلحھم من
ھذا وھذا .ولھذا ضرب ﷲ سبحانه " مثلين " :مثال بھذا ومثال بھذا فقال } :ضرب ﷲ مثال
عبدا مملوكا ال يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فھو ينفق منه سرا وجھرا ھل يستوون
الحمد ' بل أكثرھم ال يعلمون { } وضرب ﷲ مثال رجلين أحدھما أبكم ال يقدر على شيء وھو
كل على مواله أينما يوجھه ال يأت بخير ھل يستوي ھو ومن يأمر بالعدل وھو على صراط
مستقيم { .و ) المثالن ضربھما ﷲ سبحانه لنفسه المقدسة ولما يعبد من دونه ؛ فإن األوثان ال
7
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
تقدر ال على عمل ينفع وال على كالم ينفع فإذا قدر عبد مملوك ال يقدر على شيء وآخر قد رزقه
ﷲ رزقا حسنا فھو ينفق منه سرا وجھرا ھل يستوي ھذا المملوك العاجز عن اإلحسان وھذا
القادر على اإلحسان المحسن إلى الناس سرا وجھرا وھو سبحانه قادر على اإلحسان إلى عباده
وھو محسن إليھم دائما فكيف يشبه به العاجز المملوك الذي ال يقدر على شيء حتى يشرك به
معه وھذا مثل الذي أعطاه ﷲ ماال فھو ينفق منه آناء الليل والنھار .و ) المثل الثاني إذا قدر
شخصان أحدھما أبكم ال يعقل وال يتكلم وال يقدر على شيء وھو مع ھذا كل على مواله أينما
يوجھه ال يأت بخير فليس فيه من نفع قط بل ھو كل على من يتولى أمره وآخر عالم عادل يأمر
بالعدل ويعمل بالعدل فھو على صراط مستقيم .وھذا نظير الذي أعطاه ﷲ الحكمة فھو يعمل بھا
ويعلمھا الناس .وقد ضرب ذلك مثال لنفسه ؛ فإنه سبحانه عالم عادل قادر يأمر بالعدل وھو قائم
بالقسط على صراط مستقيم .كما قال تعالى } :شھد ﷲ أنه ال إله إال ھو والمالئكة وأولو العلم
قائما بالقسط ال إله إال ھو العزيز الحكيم { وقال ھود } :إن ربي على صراط مستقيم { .ولھذا
كان الناس يعظمون دار العباس كان عبد ﷲ يعلم الناس وأخوه يطعم الناس فكانوا يعظمون على
ذلك .ورأى معاوية الناس يسألون ابن عمر عن المناسك وھو يفتيھم فقال :ھذا وﷲ الشرف أو
نحو ذلك .ھذا وعمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه نافس أبا بكر رضي ﷲ عنه اإلنفاق كما ثبت في
الصحيح عن عمر بن الخطاب -رضي ﷲ عنه -قال } :أمرنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم
أن نتصدق فوافق ذلك ماال عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما .قال :فجئت بنصف
مالي قال :فقال لي رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ما أبقيت ألھلك قلت مثله وأتى أبو بكر رضي
ﷲ عنه بكل ما عنده فقال له رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ما أبقيت ألھلك قال أبقيت لھم ﷲ
ورسوله فقلت ال أسابقك إلى شيء أبدا { .فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة ؛ لكن
حال الصديق رضي ﷲ عنه أفضل منه وھو أنه خال من المنافسة مطلقا ال ينظر إلى حال غيره .
وكذلك } موسى صلى ﷲ عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى ﷲ
عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى ﷲ عليه وسلم فقيل له :ما يبكيك ؟ فقال :أبكي ؛
ألن غالما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلھا من أمتي { أخرجاه في الصحيحين
وروي في بعض األلفاظ المروية غير الصحيح } مررنا على رجل وھو يقول ويرفع صوته :
أكرمته وفضلته قال :فرفعناه إليه فسلمنا عليه فرد السالم فقال :من ھذا معك يا جبريل ؟ قال :
ھذا أحمد قال :مرحبا بالنبي األمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح ألمته قال :ثم اندفعنا فقلت من
ھذا يا جبريل ؟ قال :ھذا موسى بن عمران قلت :ومن يعاتب ؟ قال :يعاتب ربه فيك قلت :
ويرفع صوته على ربه قال إن ﷲ عز وجل قد عرف صدقه { .وعمر رضي ﷲ عنه كان مشبھا
بموسى ونبينا حاله أفضل من حال موسى فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك .وكذلك كان في
الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه كانوا سالمين من جميع ھذه األمور فكانوا أرفع درجة ممن
عنده منافسة وغبطة وإن كان ذلك مباحا ولھذا استحق أبو عبيدة رضي ﷲ عنه أن يكون أمين
ھذه األمة فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه كان أحق باألمانة
ممن يخاف مزاحمته ؛ ولھذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان ويؤتمن على الوالية
الصغرى من يعرف أنه ال يزاحم على الكبرى ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض
في أخذ شيء منه وإذا اؤتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم فال يقدر أن يؤدي
األمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما اؤتمن عليه .وفي الحديث الذي رواه اإلمام أحمد في
مسنده عن } أنس رضي ﷲ عنه قال :كنا يوما جلوسا عند رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فقال :
يطلع عليكم اآلن من ھذا الفج رجل من أھل الجنة قال :فطلع رجل من األنصار تنطف لحيته من
وضوء قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى ﷲ عليه وسلم مثل ذلك
فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى ﷲ عليه وسلم مقالته فطلع
ذلك الرجل على مثل حاله فلما قام النبي صلى ﷲ عليه وسلم اتبعه عبد ﷲ بن عمرو بن العاص
رضي ﷲ عنه فقال :إني الحيت أبي فأقسمت أن ال أدخل عليه ثالثا فإن رأيت أن تؤويني إليك
8
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
حتى تمضي الثالث فعلت قال :نعم قال أنس رضي ﷲ عنه فكان عبد ﷲ يحدث أنه بات عنده
ثالث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا ؛ غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه ذكر ﷲ عز وجل
وكبر حتى يقوم إلى صالة الفجر فقال عبد ﷲ غير أني لم أسمعه يقول إال خيرا فلما فرغنا من
الثالث وكدت أن أحقر عمله قلت :يا عبد ﷲ لم يكن بيني وبين والدي غضب وال ھجرة ولكن
سمعت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يقول ثالث مرات يطلع عليكم رجل من أھل الجنة فطلعت
أنت الثالث مرات فأردت أن آوي إليك ألنظر ما عملك فأقتدي بذلك فلم أرك تعمل كثير عمل فما
الذي بلغ بك ما قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ؟ قال :ما ھو إال ما رأيت غير أنني ال أجد
على أحد من المسلمين في نفسي غشا وال حسدا على خير أعطاه ﷲ إياه قال عبد ﷲ ھذه التي
بلغت بك وھي التي ال نطيق { .فقول عبد ﷲ بن عمرو له ھذه التي بلغت بك وھي التي ال نطيق
يشير إلى خلوه وسالمته من جميع أنواع الحسد .وبھذا أثنى ﷲ تعالى على األنصار فقال } :وال
يجدون في صدورھم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسھم ولو كان بھم خصاصة { أي مما
أوتي إخوانھم المھاجرون قال المفسرون ال يجدون في صدورھم حاجة أي حسدا وغيظا مما
أوتي المھاجرون ثم قال بعضھم من مال الفيء وقيل من الفضل والتقدم فھم ال يجدون حاجة مما
أوتوا من المال وال من الجاه والحسد يقع على ھذا .وكان بين األوس والخزرج منافسة على
الدين فكان ھؤالء إذا فعلوا ما يفضلون به عند ﷲ ورسوله أحب اآلخرون أن يفعلوا نظير ذلك
فھو منافسة فيما يقربھم إلى ﷲ كما قال } :وفي ذلك فليتنافس المتنافسون { .
وأما الحسد المذموم كله فقد قال تعالى في حق اليھود } :ود كثير من أھل الكتاب لو يردونكم من
بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسھم من بعد ما تبين لھم الحق { يودون أي يتمنون ارتدادكم
حسدا فجعل الحسد ھو الموجب لذلك الود من بعد ما تبين لھم الحق ؛ ألنھم لما رأوا أنكم قد
حصل لكم من النعمة ما حصل ؛ بل ما لم يحصل لھم مثله حسدوكم وكذلك في اآلية األخرى } :
أم يحسدون الناس على ما آتاھم ﷲ من فضله فقد آتينا آل إبراھيم الكتاب والحكمة وآتيناھم ملكا
عظيما { } فمنھم من آمن به ومنھم من صد عنه وكفى بجھنم سعيرا { وقال تعالى } :قل أعوذ
برب الفلق { } من شر ما خلق { } ومن شر غاسق إذا وقب { } ومن شر النفاثات في العقد {
} ومن شر حاسد إذا حسد { .وقد ذكر طائفة من المفسرين أنھا ) نزلت بسبب حسد اليھود للنبي
صلى ﷲ عليه وسلم حتى سحروه :سحره لبيد بن األعصم اليھودي فالحاسد المبغض للنعمة على
من أنعم ﷲ عليه بھا ظالم معتد والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منھي عن ذلك إال فيما يقربه إلى
ﷲ فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطي مما يقربه إلى ﷲ فھذا ال بأس به وإعراض قلبه عن ھذا
بحيث ال ينظر إلى حال الغير أفضل .ثم ھذا الحسد إن عمل بموجبه صاحبه كان ظالما معتديا
مستحقا للعقوبة إال أن يتوب وكان المحسود مظلوما مأمورا بالصبر والتقوى فيصبر على أذى
الحاسد ويعفو ويصفح عنه كما قال تعالى } :ود كثير من أھل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم
كفارا حسدا من عند أنفسھم من بعد ما تبين لھم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي ﷲ بأمره { وقد
ابتلي يوسف بحسد إخوته له حيث قالوا } :ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن
أبانا لفي ضالل مبين { فحسدوھما على تفضيل األب لھما ولھذا قال يعقوب ليوسف } :ال
تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان لإلنسان عدو مبين { .ثم إنھم ظلموه
بتكلمھم في قتله وإلقائه في الجب وبيعه رقيقا لمن ذھب به إلى بالد الكفر فصار مملوكا لقوم كفار
ثم إن يوسف ابتلي بعد أن ظلم بمن يدعوه إلى الفاحشة ويراود عليھا ويستعين عليه بمن يعينه
على ذلك فاستعصم واختار السجن على الفاحشة وآثر عذاب الدنيا على سخط ﷲ فكان مظلوما
من جھة من أحبه لھواه وغرضه الفاسد .فھذه المحبة أحبته لھوى محبوبھا شفاؤھا وشفاؤه إن
وافقھا وأولئك المبغضون أبغضوه بغضة أوجبت أن يصير ملقى في الجب ثم أسيرا مملوكا بغير
اختياره فأولئك أخرجوه من إطالق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره وھذه ألجأته إلى
أن اختار أن يكون محبوسا مسجونا باختياره فكانت ھذه أعظم في محنته وكان صبره ھنا صبرا
9
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
اختياريا اقترن به التقوى بخالف صبره على ظلمھم فإن ذلك كان من باب المصائب التي من لم
يصبر عليھا صبر الكرام سال سلو البھائم .والصبر الثاني أفضل الصبرين ؛ ولھذا قال } :إنه
من يتق ويصبر فإن ﷲ ال يضيع أجر المحسنين { .وھكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه وطلب
منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن لم يفعل أوذي وعوقب فاختار األذى والعقوبة على فراق
دينه :إما الحبس وإما الخروج من بلده كما جرى للمھاجرين حيث اختاروا فراق األوطان على
فراق الدين وكانوا يعذبون ويؤذون .وقد أوذي النبي صلى ﷲ عليه وسلم بأنواع من األذى فكان
يصبر عليھا صبرا اختياريا فإنه إنما يؤذى لئال يفعل ما يفعله باختياره وكان ھذا أعظم من صبر
يوسف :ألن يوسف إنما طلب منه الفاحشة وإنما عوقب إذا لم يفعل بالحبس والنبي صلى ﷲ عليه
وسلم وأصحابه طلب منھم الكفر وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتھم بالقتل فما دونه وأھون ما عوقب
به الحبس فإن المشركين حبسوه وبني ھاشم بالشعب مدة ثم لما مات أبو طالب اشتدوا عليه فلما
بايعت األنصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الخروج ويحبسونه ھو وأصحابه عن
ذلك ولم يكن أحد يھاجر إال سرا إال عمر بن الخطاب ونحوه فكانوا قد ألجئوھم إلى الخروج من
ديارھم ومع ھذا منعوا من منعوه منھم عن ذلك وحبسوه .فكان ما حصل للمؤمنين من األذى
والمصائب ھو باختيارھم طاعة ' ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون
اختيار العبد من جنس حبس يوسف ال من جنس التفريق بينه وبين أبيه وھذا أشرف النوعين
وأھلھا أعظم درجة -وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه وتكفر عنه الذنوب
بمصائبه -فإن ھذا أصيب وأوذي باختياره طاعة ' يثاب على نفس المصائب ويكتب له بھا عمل
صالح .قال تعالى } :ذلك بأنھم ال يصيبھم ظمأ وال نصب وال مخمصة في سبيل ﷲ وال يطئون
موطئا يغيظ الكفار وال ينالون من عدو نيال إال كتب لھم به عمل صالح إن ﷲ ال يضيع أجر
المحسنين { .بخالف المصائب التي تجري بال اختيار العبد كالمرض وموت العزيز عليه وأخذ
اللصوص ماله فإن تلك إنما يثاب على الصبر عليھا ال على نفس ما يحدث من المصيبة ؛ لكن
المصيبة يكفر بھا خطاياه فإن الثواب إنما يكون على األعمال االختيارية وما يتولد عنھا .والذين
يؤذون على اإليمان وطاعة ﷲ ورسوله ويحدث لھم بسبب ذلك حرج أو مرض أو حبس أو فراق
وطن وذھاب مال وأھل أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال ھم في ذلك على طريقة األنبياء
وأتباعھم كالمھاجرين األولين فھؤالء يثابون على ما يؤذون به ويكتب لھم به عمل صالح كما
يثاب المجاھد على ما يصيبه من الجوع والعطش والتعب وعلى غيظه الكفار وإن كانت ھذه
اآلثار ليست عمال فعله يقوم به لكنھا متسببة عن فعله االختياري وھي التي يقال لھا متولدة .وقد
اختلف الناس ھل يقال إنھا فعل لفاعل السبب أو ' أو ال فاعل لھا والصحيح أنھا مشتركة بين
فاعل السبب وسائر األسباب ولھذا كتب له بھا عمل صالح .والمقصود أن " الحسد " مرض من
أمراض النفس وھو مرض غالب فال يخلص منه إال قليل من الناس ولھذا يقال :ما خال جسد من
حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه .وقد قيل للحسن البصري :أيحسد المؤمن ؟ فقال ما أنساك
إخوة يوسف ال أبا لك ولكن عمه في صدرك فإنه ال يضرك ما لم تعد به يدا ولسانا .فمن وجد في
نفسه حسدا لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر .فيكره ذلك من نفسه وكثير من الناس
الذين عندھم دين ال يعتدون على المحسود فال يعينون من ظلمه ولكنھم أيضا ال يقومون بما يجب
من حقه بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه وال يذكرون محامده وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا
وھؤالء مدينون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك ؛ ال معتدون عليه وجزاؤھم أنھم
يبخسون حقوقھم فال ينصفون أيضا في مواضع وال ينصرون على من ظلمھم كما لم ينصروا ھذا
المحسود وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب .ومن اتقى ﷲ وصبر فلم يدخل في الظالمين
نفعه ﷲ بتقواه :كما جرى لزينب بنت جحش -رضي ﷲ عنھا -فإنھا كانت ھي التي تسامي
عائشة من أزواج النبي -صلى ﷲ عليه وسلم -وحسد النساء بعضھن لبعض كثير غالب ال سيما
المتزوجات بزوج واحد فإن المرأة تغار على زوجھا لحظھا منه فإنه بسبب المشاركة يفوت
بعض حظھا .وھكذا الحسد يقع كثيرا بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضھم قسطا
10
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
من ذلك وفات اآلخر ؛ ويكون بين النظراء لكراھة أحدھما أن يفضل اآلخر عليه كحسد إخوة
يوسف كحسد ابني آدم أحدھما ألخيه فإنه حسده لكون أن ﷲ تقبل قربانه ولم يتقبل قربان ھذا ؛
فحسده على ما فضله ﷲ من اإليمان والتقوى -كحسد اليھود للمسلمين -وقتله على ذلك ؛ ولھذا
قيل أول ذنب عصي ﷲ به ثالثة :الحرص والكبر والحسد .فالحرص من آدم والكبر من إبليس
والحسد من قابيل حيث قتل ھابيل .وفي الحديث } ثالث ال ينجو منھن أحد :الحسد والظن
والطيرة .وسأحدثكم بما يخرج من ذلك إذا حسدت فال تبغض وإذا ظننت فال تحقق وإذا تطيرت
فامض { رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي ھريرة .وفي السنن عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم }
دب إليكم داء األمم قبلكم :الحسد والبغضاء وھي الحالقة ال أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين {
فسماه داء كما سمى البخل داء في قوله } :وأي داء أدوأ من البخل { فعلم أن ھذا مرض وقد جاء
في حديث آخر } أعوذ بك من منكرات األخالق واألھواء واألدواء { فعطف األدواء على
األخالق واألھواء .فإن " الخلق " ما صار عادة للنفس وسجية .قال تعالى } :وإنك لعلى خلق
عظيم { قال ابن عباس وابن عيينة وأحمد بن حنبل رضي ﷲ عنھم عنھم :على دين عظيم وفي
لفظ عن ابن عباس :على دين اإلسالم .وكذلك قالت عائشة -رضي ﷲ عنھا : -كان خلقه
القرآن .وكذلك قال الحسن البصري :أدب القرآن ھو الخلق العظيم .وأما " الھوى " فقد يكون
عارضا والداء ھو المرض وھو تألم القلب والفساد فيه وقرن في الحديث األول الحسد بالبغضاء ؛
ألن الحاسد يكره أوال فضل ﷲ على ذلك الغير ؛ ثم ينتقل إلى بغضه ؛ فإن بغض الالزم يقتضي
بغض الملزوم فإن نعمة ﷲ إذا كانت الزمة وھو يحب زوالھا وھي ال تزول إال بزواله أبغضه
وأحب عدمه والحسد يوجب البغي كما أخبر ﷲ تعالى عمن قبلنا :أنھم اختلفوا من بعد ما جاءھم
العلم بغيا بينھم فلم يكن اختالفھم لعدم العلم بل علموا الحق ولكن بغى بعضھم على بعض كما
يبغي الحاسد على المحسود .وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي ﷲ عنه أن النبي صلى ﷲ
عليه وسلم قال } :ال تحاسدوا وال تباغضوا ؛ وال تدابروا وال تقاطعوا وكونوا عباد ﷲ إخوانا
وال يحل لمسلم أن يھجر أخاه فوق ثالث ليال :يلتقيان فيصد ھذا ويصد ھذا وخيرھما الذي يبدأ
بالسالم { وقد قال صلى ﷲ عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من رواية أنس أيضا }
والذي نفسي بيده ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه { .وقد قال تعالى } :وإن منكم
لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم ﷲ علي إذ لم أكن معھم شھيدا { } ولئن أصابكم
فضل من ﷲ ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معھم فأفوز فوزا عظيما { .
فھؤالء المبطئون لم يحبوا إلخوانھم المؤمنين ما يحبون ألنفسھم بل إن أصابتھم مصيبة فرحوا
باختصاصھم وإن أصابتھم نعمة لم يفرحوا لھم بھا بل أحبوا أن يكون لھم منھا حظ فھم ال
يفرحون إال بدنيا تحصل لھم أو شر دنيوي ينصرف عنھم إذا كانوا ال يحبون ﷲ ورسوله والدار
اآلخرة ولو كانوا كذلك ألحبوا إخوانھم وأحبوا ما وصل إليھم من فضله وتألموا بما يصيبھم من
المصيبة ومن لم يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوء المؤمنين فليس منھم .ففي الصحيحين
عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول } :سمعت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم
يقول :مثل المؤمنين في توادھم وتراحمھم وتعاطفھم مثل الجسد الواحد .إذا اشتكى منه شيء
تداعى له سائر الجسد بالحمى والسھر { وفي الصحيحين عن أبي موسى األشعري رضي ﷲ
عنه قال } :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك
بين أصابعه { .والشح مرض والبخل مرض والحسد شر من البخل كما في الحديث الذي رواه
أبو داود عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم أنه قال } :الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار { وذلك أن البخيل يمنع نفسه والحسود يكره نعمة
ﷲ على عباده وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه
بخل بال حسد لغيره والشح أصل ذلك .وقال تعالى } :ومن يوق شح نفسه فأولئك ھم المفلحون
{ وفي الصحيحين عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم أنه قال } :إياكم والشح فإنه أھلك من كان
قبلكم أمرھم بالبخل فبخلوا وأمرھم بالظلم فظلموا وأمرھم بالقطيعة فقطعوا { وكان عبد الرحمن
11
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه يقول :اللھم قني شح نفسي فقال له رجل :ما أكثر ما تدعو
بھذا فقال :إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة .والحسد يوجب الظلم .
فصل فالبخل والحسد مرض يوجب بغض النفس لما ينفعھا بل وحبھا لما يضرھا ولھذا يقرن
الحسد بالحقد والغضب وأما مرض الشھوة والعشق فھو حب النفس لما يضرھا وقد يقترن به
بغضھا لما ينفعھا والعشق مرض نفساني وإذا قوي أثر في البدن فصار مرضا في الجسم إما من
أمراض الدماغ كالماليخوليا ؛ ولھذا قيل فيه ھو مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا وإما من
أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك .والمقصود ھنا " مرض القلب " فإنه أصل محبة
النفس لما يضرھا كالمريض البدن الذي يشتھي ما يضره وإذا لم يطعم ذلك تألم وإن أطعم ذلك
قوي به المرض وزاد .كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاھدة ومالمسة وسماعا بل
ويضره التفكر فيه والتخيل له وھو يشتھي ذلك فإن منع من مشتھاه تألم وتعذب وإن أعطي
مشتھاه قوي مرضه وكان سببا لزيادة األلم .وفي الحديث } :أن ﷲ يحمي عبده المؤمن الدنيا
كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب { وفي مناجاة موسى المأثورة عن وھب التي رواھا
اإلمام أحمد في ) كتاب الزھد " } يقول ﷲ تعالى :إني ألذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائھا كما
يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الھلكة .وإني ألجنبھم سكونھا وعيشھا كما يجنب الراعي
الشفيق إبله عن مبارك الغرة وما ذلك لھوانھم علي ولكن ليستكملوا نصيبھم من كرامتي سالما
موفرا لم تكلمه الدنيا ولم يطفئه الھوى { .وإنما شفاء المريض بزوال مرضه بل بزوال ذلك
الحب المذموم من قلبه .والناس في العشق على قولين :قيل إنه من باب اإلرادات وھذا ھو
المشھور .وقيل :من باب التصورات وأنه فساد في التخييل حيث يتصور المعشوق على ما ھو
به قال ھؤالء :ولھذا ال يوصف ﷲ بالعشق وال أنه يعشق ؛ ألنه منزه عن ذلك وال يحمد من
يتخيل فيه خياال فاسدا .وأما األولون فمنھم من قال :يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة ؛ وﷲ
يحب ويحب وروي في أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال } :ال يزال عبدي يتقرب إلي يعشقني
وأعشقه { وھذا قول بعض الصوفية .والجمھور ال يطلقون ھذا اللفظ في حق ﷲ ؛ ألن العشق
ھو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذي ينبغي وﷲ تعالى محبته ال نھاية لھا فليست تنتھي إلى
حد ال تنبغي مجاوزته .قال ھؤالء :والعشق مذموم مطلقا ال يمدح ال في محبة الخالق وال
المخلوق ألنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحمود و ) أيضا فإن لفظ " العشق " إنما
يستعمل في العرف في محبة اإلنسان المرأة أو صبي ال يستعمل في محبة كمحبة األھل والمال
والوطن والجاه ومحبة األنبياء والصالحين وھو مقرون كثيرا بالفعل المحرم :إما بمحبة امرأة
أجنبية أو صبي يقترن به النظر المحرم واللمس المحرم وغير ذلك من األفعال المحرمة .وأما
محبة الرجل المرأته أو سريته ] محبة [ تخرجه عن العدل بحيث يفعل ألجلھا ما ال يحل ويترك
ما يجب كما ھو الواقع كثيرا حتى يظلم ابنه من امرأته العتيقة ؛ لمحبته الجديدة وحتى يفعل من
مطالبھا المذمومة ما يضره في دينه ودنياه مثل أن يخصھا بميراث ال تستحقه أو يعطي أھلھا من
الوالية والمال ما يتعدى به حدود ﷲ أو يسرف في اإلنفاق عليھا أو يملكھا من أمور محرمة
تضره في دينه ودنياه وھذا في عشق من يباح له وطؤھا .فكيف عشق األجنبية والذكران من
العالمين ؟ ففيه من الفساد ما ال يحصيه إال رب العباد وھو من األمراض التي تفسد دين صاحبھا
وعرضه ثم قد تفسد عقله ثم جسمه .قال تعالى } :فال تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه
مرض { .ومن في قلبه مرض الشھوة وإرادة الصورة متى خضع المطلوب طمع المريض
والطمع الذي يقوي اإلرادة والطلب ويقوي المرض بذلك بخالف ما إذا كان آيسا من المطلوب
فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف اإلرادة فيضعف الحب فإن اإلنسان ال يريد أن يطلب ما ھو آيس
منه فال يكون مع اإلرادة عمل أصال بل يكون حديث نفس إال أن يقترن بذلك كالم أو نظر ونحو
ذلك فيأثم بذلك .فأما إذا ابتلي بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقواه ﷲ وقد روي في
الحديث } :أن من عشق فعف وكتم وصبر ثم مات كان شھيدا { وھو معروف من رواية يحيى
12
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
القتات عن مجاھد عن ابن عباس مرفوعا وفيه نظر وال يحتج بھذا .لكن من المعلوم بأدلة الشرع
أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقوال وعمال وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى ال يكون في ذلك كالم
محرم إما شكوى إلى المخلوق وإما إظھار فاحشة وإما نوع طلب للمعشوق وصبر على طاعة ﷲ
وعن معصيته وعلى ما في قلبه من ألم العشق كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة ؛ فإن ھذا
يكون ممن اتقى ﷲ وصبر } إنه من يتق ويصبر فإن ﷲ ال يضيع أجر المحسنين { وھكذا مرض
الحسد وغيره من أمراض النفوس وإذا كانت النفس تطلب ما يبغضه ﷲ فينھاھا خشية من ﷲ كان
ممن دخل في قوله } :وأما من خاف مقام ربه ونھى النفس عن الھوى { } فإن الجنة ھي
المأوى { فالنفس إذا أحبت شيئا سعت في حصوله بما يمكن حتى تسعى في أمور كثيرة تكون
كلھا مقامات لتلك الغاية فمن أحب محبة مذمومة أو أبغض بغضا مذموما وفعل ذلك كان آثما مثل
أن يبغض شخصا لحسده له فيؤذي من له به تعلق إما بمنع حقوقھم ؛ أو بعدوان عليھم .أو لمحبة
له لھواه معه فيفعل ألجله ما ھو محرم أو ما ھو مأمور به ' فيفعله ألجل ھواه ال ' وھذه
أمراض كثيرة في النفوس واإلنسان قد يبغض شيئا فيبغض ألجله أمورا كثيرة بمجرد الوھم
والخيال .وكذلك يحب شيئا فيحب ألجله أمورا كثيرة ؛ ألجل الوھم والخيال كما قال شاعرھم :
أحب لحبھا السودان حتى أحب لحبھا سود الكالب فقد أحب سوداء ؛ فأحب جنس السواد حتى في
الكالب وھذا كله مرض في القلب في تصوره وإرادته .فنسأل ﷲ تعالى أن يعافي قلوبنا من كل
داء ؛ ونعوذ با' من منكرات األخالق واألھواء واألدواء .والقلب إنما خلق ألجل " حب ﷲ
تعالى " وھذه الفطرة التي فطر ﷲ عليھا عباده كما قال النبي صلى ﷲ عليه وسلم } كل مولود
يولد على الفطرة فأبواه يھودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ؛ كما تنتج البھيمة بھيمة جمعاء ھل
تحسون فيھا من جدعاء ثم يقول أبو ھريرة رضي ﷲ عنه اقرءوا إن شئتم } :فطرة ﷲ التي
فطر الناس عليھا ال تبديل لخلق ﷲ { { أخرجه البخاري ومسلم .فا' سبحانه فطر عباده على
محبته وعبادته وحده ؛ فإذا تركت الفطرة بال فساد كان القلب عارفا با' محبا له عابدا له وحده
لكن تفسد فطرته من مرضه كأبويه يھودانه أو ينصرانه أو يمجسانه وھذه كلھا تغير فطرته التي
فطره عليھا وإن كانت بقضاء ﷲ وقدره -كما يغير البدن بالجدع -ثم قد يعود إلى الفطرة إذا يسر
ﷲ تعالى لھا من يسعى في إعادتھا إلى الفطرة .والرسل صلى ﷲ عليھم وسلم بعثوا لتقرير
الفطرة وتكميلھا ال لتغيير الفطرة وتحويلھا وإذا كان القلب محبا ' وحده مخلصا له الدين لم يبتل
بحب غيره ] أصال [ فضال أن يبتلى بالعشق .وحيث ابتلي بالعشق فلنقص محبته ' وحده .
ولھذا لما كان يوسف محبا ' مخلصا له الدين لم يبتل بذلك بل قال تعالى } :كذلك لنصرف عنه
السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين { .وأما امرأة العزيز فكانت مشركة ھي وقومھا فلھذا
ابتليت بالعشق وما يبتلى بالعشق أحد إال لنقص توحيده وإيمانه وإال فالقلب المنيب إلى ﷲ الخائف
منه فيه صارفان يصرفان عن العشق ) :أحدھما إنابته إلى ﷲ ومحبته له فإن ذلك ألذ وأطيب من
كل شيء فال تبقى مع محبة ﷲ محبة مخلوق تزاحمه .و ) الثاني خوفه من ﷲ فإن الخوف
المضاد للعشق يصرفه وكل من أحب شيئا بعشق أو غير عشق فإنه يصرف عن محبته بمحبة ما
ھو أحب إليه منه إذا كان يزاحمه وينصرف عن محبته بخوف حصول ضرر يكون أبغض إليه
من ترك ذاك الحب فإذا كان ﷲ أحب إلى العبد من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء لم
يحصل معه عشق وال مزاحمة إال عند غفلة أو عند ضعف ھذا الحب والخوف بترك بعض
الواجبات وفعل بعض المحرمات فإن اإليمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فكلما فعل العبد
الطاعة محبة ' وخوفا منه وترك المعصية حبا له وخوفا منه قوي حبه له وخوفه منه فيزيل ما
في القلب من محبة غيره ومخافة غيره .وھكذا أمراض األبدان :فإن الصحة تحفظ بالمثل
والمرض يدفع بالضد فصحة القلب باإليمان تحفظ بالمثل وھو ما يورث القلب إيمانا من العلم
النافع والعمل الصالح فتلك أغذية له كما في حديث ابن مسعود مرفوعا وموقوفا } إن كل آدب
يحب أن تؤتى مأدبته وأن مأدبة ﷲ ھي القرآن { واآلدب المضيف فھو ضيافة ﷲ لعباده .مثل
آخر الليل وأوقات األذان واإلقامة وفي سجوده وفي أدبار الصلوات ويضم إلى ذلك االستغفار ؛
13
ر
أاض اب و
ؤه
ة ا
فإنه من استغفر ﷲ ثم تاب إليه متعه متاعا حسنا إلى أجل مسمى .وليتخذ وردا من " األذكار "
في النھار ووقت النوم وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف فإنه ال يلبث أن يؤيده
ﷲ بروح منه ويكتب اإليمان في قلبه .وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس
باطنة وظاھرة فإنھا عمود الدين وليكن ھجيراه ال حول وال قوة إال با' فإنھا بھا تحمل األثقال
وتكابد األھوال وينال رفيع األحوال .وال يسأم من الدعاء والطلب فإن العبد يستجاب له ما لم
يعجل فيقول :قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي وليعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع
الكرب وأن مع العسر يسرا ولم ينل أحد شيئا من ختم الخير نبي فمن دونه إال بالصبر .والحمد
' رب العالمين وله الحمد والمنة على اإلسالم والسنة حمدا يكافئ نعمه الظاھرة والباطنة وكما
ينبغي لكرم وجھه وعز جالله .وصلى ﷲ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمھات
المؤمنين والتابعين لھم بإحسان إلى يوم الدين .وسلم تسليما كثيرا .
14