Professional Documents
Culture Documents
امتداح الخالة
امتداح الخالة
حمو بوشخار
2010-11-07
http://www.scribd.com/doc/41986528
الحكاية بناء بأبواب غير مغلقة أي بالتالي مستعدة دوما لتستقبل الزوار كما الخروج منها؛ ثمة حركة تجري وينفذها
القاطنون لهذه األماكن ،وذلك بعناية أو المباالة ،إال أن الجزاء يعود لصاحبه كمكافأة على انجازه .تسري هذه الخطاطة
على رواية 'امتداح الخالة' لماريو فارغاس يوسا .إنها العماد الذي يشد العمل عينه بفصوله المتعددة.
تجربة النقد
فكرة أن البذرة تحوي دودة العلة داخلها صحيحة بنسبة كبيرة مع عمل يوسا ،نص 'امتداح الخالة' ال ينتظر الناقد كي يفكك
نقطها الغارقة بل يكشفها للقارئ عن طواعية وان يكن ضروريا االحتياط ممن يدعوك الن تشرب من قنينة لم تفتح أمامك
كما يروي سلمان رشدي ،ألن اإليمان لم يعد يقنع أحدا وباتت دعوة الواحد للشك أهون من أن تدعوه إلى أن يصدق ،يبقى
التحديد الذي ستعرضه الرواية مع ذلك في هذه النقطة مقبوال ،ما دامت هنا إمكانية الختباره ،حتى بات االحتراز عمال
منهكا أو مكلفا حسب نيتشه .إن نص 'امتداح الخالة' بدخوله بيت الزوجية وأسرار المتعة التي اغتنت أكثر بفعل توريط عالم
الصغار حتى يضيف للنص الحبكة الضاربة في المروق ،كل ذلك وغيره عمل على توجيهه ألن يصنف كـ 'رواية
ايروتيكية قصيرة' (ص ،)131فهذا الوصف جاء على خلفية تعليق األب ريغوبيرتو عن البحث المدرسي المطلوب انجازه
للفصل ،وعنوان هذا البحث كان هو 'امتداح الخالة' ،الذي سيسمي عمل الروائي في النهاية .الحكاية مع هذا النص تنمو
ذاتيا والنقد الموجه لها يخرج من داخلها ،بمعنى أن النص لن ينتظر أن تأتيه اإلدانة من غيره ،فهو يدله على مكمنها
واألصل الذي عمد إلى خلقها ،وذلك من خالل توجيه سهام النقد للطفل بالقول :كيف أمكن لك أن تخلق هذه القدرات
الفاحشة؟ (ص .)133الحديث يتم بمواربة وبازدواجية قل نظيرها في النصوص الروائية األكثر تداوال ،األمر الذي ال
يمكن حسمه وبالتالي يحكم عليه باالختالف والتنوع ،وعلة ذلك مردها النهائية القراءة كما تقنعنا الرواية بذلك.
بذرة الذاتي
ال يمكن بأي حال إلغاء بعد ذات الروائي من العمل إن نحن سمعناه يروي بعضا من سيرته في برنامج على اثر حصوله
على جائزة نوبل لألدب ،فأن يجعل من هذا الصبي وحيد أبيه لن يخرج عن صورة الطفل الذي كأنه في طفولته بعد أن تم
طالق أبويه ،كذلك أن يقع تصويره كتلميذ يجيد في تحرير إنشائه كفرض مدرسي يعود بنا إلى موهبته كروائي على ما
رواه بشروعه في الكتابة وهو في سن الحادية عشرة تقريبا ،األمر الذي عرضه للعقوبة من طرف أبيه ويبعث به إلى
المدرسة العسكرية حتى يبعدهـ عن اهتمامه األدبي المبكر ،فقط أن الصدفة شاءت أن تكون هذه المرحلة عامال محفزا
للمتابعة بفعل تقديم خدماته لألصدقاء لتحرير رسائلهم الغرامية بخاصة مقابل عدد من السجائر .هكذا حافظ على رغبته
وليس على التي سعى األب أن يوجهه إليها دفعا ،التشديد على اإلشباع لن يقود إلى اللذة (ص )93إال بإضافة بعد الرعب
والعمل على التأليف بينهما ،فقط أن مزية اإلقبال على الحياة إلشباع الرغبة يكون قد حرقها حين أضاف إليها قياس
الرعب ،األمر الذي يقود إلى صنف حياة الجحيم التي كشف أونفراي عن بؤسها وهو بصدد نقدها عند من أسسوا لهذا
الصنف من التقشف ،والذي يتبدى أكثر في فقدان األشياء ألي معنى أو أمل ،فحين يتساءل :أيمكن للعالم أن يكون أفضل
مما هو عليه؟ (ص )93يكون قد قضى على كل أمل في التغيير أو في التوجه إلى المستقبل نتيجة تنامي اإلحباطات.
الرغبة و الرعب
الطفل الذي شكل بؤرة الحكي في عمل ماريو فارغاس يوسا مؤطر بين بعدـ الرغبة وقطب الرعب .مع األولى كانت
االنطالقة بالتلصص على تضاريس جسد الخالة ،ولما ضبط طلب منه عدم معاودة ما ارتكب امتنع الطفل فونتيشتو بالقول
'أنا ال أعد بما ال يمكنني تنفيذه' (ص ،)40أي انه مصر على عدم االستسالم للتهديدـ أو الردع .وعلى الرغم من المسافة
التي فصلته عن المرحلة من خالل اعتماد مراقبته بدوره عن بعد ،ومن غير أن تكون بحاجة إلى لمسه (ص )52ستصل
لحظة التحامهما ذروتها بأن لم تشعر بالندم وال بالخجل (ص )110مما اقترفته معه من حواء /حب؛ وهي المناسبة التي
ألهمته لقراءة لوحة تجريدية طالما مرت بجانبها الخالة من غير أن تفقه في أمر لغزها بحضورها الفاسق ،فبفضل اللقاء
استطاع فك لغز معنى لوحة تجريدية سيتم وصفها على أنها بذيئةـ (ص .)103
لن يقع استنفاد الحقول التي ترشح بالرغبة حتى بمقابلتها بالرعب كما آلت الواقعة إلى طرد الخالة من البيت ككلبة (ص
)147جراء افتضاح أمرها مع ما أتته مع الصغير ،فلوكريثا امرأة فوق -واقعية ألنها أقدمت على ارتكاب ما ال يجبر
كسره ،وخصوصا بعد خروج الواقعة للتداول وخروجها عن مكوثها إثما يهم الذات دون غيرها من األوصياء والرقباء،
وبلغت حدا من الشفافية تبدت معها 'متخلصة من كل نوازعها األخالقية والدينية' (ص )72واالقتصار فقط على عقلها
وجسدها باعتبارهما عبوتين محشوتين بالشهوات ،وبذلك استحقت وصف أنها أوقيانوس بال قرار (ص )31على غرار من
اعتبرها خط فرار .إن الهروب الذي اقترفته باختبارها فتوة فونتيشتو جعلت قرينها يتوسل إليها باالنتباه إلى اكراهات الواقع
'األمور ال تجري على ما يرام إال في السينما وفي الروايات يا امرأة ،كوني عاقلة ...الواقع لم يكن يوما ...مثل الخيال'
(ص ،)114إال أن (الت ّو قع) االلتصاق بالواقع لم يسعفه على رؤية أوضح تقوم على العفو وانتهت به بالتالي إلى االرتماء
في خيمة التدين المرقعة .خوستيتا هي من ستالحظ التحول الذي وقع جراء هذه النكسة ،فكانت تتوجه إلى الصغير معاتبة
'أبوك تحول إلى متدين وبليد لم أعرف له مثيال ،الرجال يتحولون هكذا عندما يشعرون بأنهم سيموتون'(ص ،)147إال أن
للصغير فونتيشتو حسابه الخاص ،وكأنه يطبق كالم كونديرا في فالس الوداع ،كي تنسى امرأة ابحث عن أخرى ،إذ أخذ في
التودد إلى خوستيتا لالنفراد بها (ص ،)151بعد أن صنع حبكة لطرد المرأة التي احتلت مكان أمه على الرغم من نفيه أن
يكون ذلك هو السبب الرئيسي ،بل طموحه لطفولة مرحة
روح االلتزام :التزام يوسا إبداعي ألنه يروم النفاذ إلى غير المعلوم ،فيكون تفادي كل ما هو ضيق ،لذا نجده يختار اللعب
لما له من دور في اإلعفاء من الملل (ص )51وتوجهه لما هو مبهج وحامل لألمل .دون ريغوبيرتو عضو في منظمة
العمل الكاثوليكي بعد أن كان يحلم بتغيير العالم (ص .)57اآلن تصوره عن الكمال 'يهم الفرد المعزول زمكانيا' ،وهي
المسألة التي أهملتها األنظمة الشمولية كي تحكم قبضتها على حرية المواطنين مقابل تحرير االقتصاد ،الشيء الذي
سينعكس على الروائي تاليا حين تخلى عن تضامنه السابق مع الثورة الكوبية بعد أن تحمس لها لفترة قبل أن يتخلى عنها
بسبب ما اعتبره انتهاكات ،سيهاجم بسببها الروائي غارسيا ماركيز الذي حافظ على عالقته بكاسترو ،وهو الهجوم الذي لم
يستسغه وانتفض ضده غونتر غراس.
حضور الدين بفكرته عن تنقية الروح يبدو غامضا ً عند مقارنته بمسألة تنظيف البطن على األقل من زاوية إمكان لمس
الخطايا التي يتم االعتراف بها في المرحاض .إن األمر أقل التباسا (ص )59بالمقارنة مع تلك التي يبحث أن ينتزعها
الكاهن من قاصدة ،لقد قاده هذا الوضع الن تلتهمه الشكوك بخصوص بقاء بعض الدنس عالقا ً بجدران الروح تماما كما يقع
مع ما تحتفظ به األمعاء ولو بعد اإلفراغ الكامل والتام.
نص 'امتداح الخالة' رواية مذهلة بمشاهدها الغنية والتي لن يسلم القارئ عند قراءتها من مالزمتها ربما لفترات أطول.