Professional Documents
Culture Documents
Resala 1
Resala 1
Resala 1
atik wahDak
مصـــارحة
نحب أن نصارح الناس بغايتنا ،وأن نجلي أمامهم منهجنا ،وأن نوجه إليهم
دعوتنا ،في غير لبس ول غموض ،أضوأ من الشمس وأوضح من فلق
الصبح وأبين من غرة النهار.
بـــراءة
ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – و كل المسلمين قومنا – أن دعوة الخوان
المسلمين دعوة بريئة نزيهة ،قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت
المطامع الشخصية ،واحتقرت المنافع المادية ،وخلفت وراءها الهواء
والغراض ،ومضت قدما في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى
للداعين إليه :
َ سِبيِلي أ َد ْ ُ
ن
حا َ
سب ْ َ
ن ات ّب َعَِني وَ ُ
م ِ عو إ َِلى اللهِ عََلى ب َ ِ
صيَرةٍ أَنا وَ َ >) <bقُ ْ
ل هَذِهِ َ
ن( )يوسف<b/> . (108: م ْ ْ َ
كي َ شرِ ِ ن ال ُ
م َما أَنا ِ
اللهِ وَ َ
فلسنا نسأل الناس شيئا ،و ل نقتضيهم مال ول نطالبهم بأجر ،ول نستزيد
بهم وجاهة ،ول نريد منهم جزاء ول شكورا ،إن أجرنا في ذلك إل على
الذي فطرنا.
عـاطــفة
و نحب أن يعلم قومنا أنهم احب إلينا من أنفسنا ،و أنه حبيب إلى هذه
النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ،و أن تزهق ثمنا
لمجدهم و كرامتهم و دينهم و آمالهم إن كان فيها الغناء ،و ما أوقفنا هذا
الموقف منهم إل هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا و ملكت علينا
مشاعرنا ،فأقضت مضاجعنا ،و أسالت مدامعنا ،و إنه لعزيز علينا جد
عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو
نستكين لليأس ،فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لنفسنا،
فنحن لكم ل لغيركم أيها الحباب ،و لن نكون عليكم في يوم من اليام.
وهل يجدون إل ألما مضنيا من هذا الحال التي وصلنا إليها ؟ و لكن حسبنا
أن الله يعلم ذلك كله ،و هو وحده الكفيل بالتأييد الموفق للتسديد ،بيده
أزمة القلوب و مفاتيحها ،من يهد الله فل مضل له و من يضلل الله فل
هادي له و هو حسبنا و نعم الوكيل .أليس الله بكاف عبده؟
أصناف أربعة
و كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدا من أربعة :
إما شخص آمن بدعوتنا و صدق بقولنا و أعجب بمبادئنا ،و رأى فيها خيرا
اطمأنت إليه نفسه ،و سكن له فؤاده ،فهذا ندعوه أن يبادر بالنضمام
إلينا و العمل معنا حتى يكثر به عدد المجاهدين و يعلوا بصوته صوت
الداعين ،و ل معنى ليمان ل يتبعه عمل ،و ل فائدة في عقيدة ل تدفع
صاحبها إلى تحقيقها و التضحية في سبيلها ،و كذلك كان السابقون
الولون ممن شرح الله صدورهم لهدايته فاتبعوا أنبيائه و آمنوا برسالته و
جاهدوا فيه حق جهاده ،و لهؤلء من الله أجزل الجر و أن يكون لهم مثل
ثواب من اتبعوهم ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
وإما شخص لم يستبين وجه الحق ،و لم يتعرف في قولنا معنى الخلص
و الفائدة ،فهذا نتركه لتردده و نوصيه بأن يتصل بنا عن كثب ،و يقرأ عنا
من قريب أو بعيد ،و يطالع كتاباتنا و يزور أنديتنا و يتعرف إلى إخواننا ،
فسيطمئن بعد ذلك لنا إن شاء الله ،و كذلك كان شأن المترددين من
أتباع الرسل من قبل .
وإما شخص ل يريد أن يبذل معونته إل إذا عرف ما يعود عليه من فائدة و
ما يجره هذا البذل له من مغنم فنقول له :حنانيك ليس عندنا من جزاء إل
ثواب الله إن أخلصت ،و الجنة إن علم فيك خيرا ،أما نحن فمغمورون
جاها فقراء مال ،شأننا التضحية بما معنا و بذل ما في أيدينا ،و رجاؤنا
رضوان الله سبحانه و تعالى و هو نعم المولى و نعم النصير ،فإن كشف
الله الغشاوة عن قلبه و أزاح كابوس الطمع عن فؤاده فسيعلم أن ما عند
الله خير و أبقى ،و سينضم إلى كتيبة الله ليجود بما معه من عرض الحياة
الدنيا لينال ثواب الله في العقبى ،و ما عندكم ينفد و ما عند الله باق ,و
إن كانت الخرى فالله عني عمن ل يرى لله الحق الول في نفسه و ماله
و دنياه و آخرته و موته و حياته ,و كذلك كان شأن قوم من أشباهه حين
أبوا مبايعة رسول الله صلى الله عليه و سلم إل أن يجعل لهم المر من
بعده ,فما كان جوابه صلى الله عليه و سلم إل أن أعلمهم أن الرض لله
يورثها من يشاء من عباده ,و العاقبة للمتقين
و إما شخص أساء فينا ظنه و أحاطت بنا شكوكه ،فهو ل يرانا إل بالمنظار
السود القاتم ،و ل يتحدث عنا إل بلسان المتحرج المتشكك ،و يأبى إل
أن يلج في غروره و يسدر في شكوكه و يظل مع أوهامه ،فهذا ندعو الله
لنا و له أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و الباطل باطل و يرزقنا
اجتنابه ،و أن يلهمنا و إياه الرشد ،ندعوه إن قبل الدعاء و نناديه إن
أجاب النداء و ندعو الله فيه و هو أهل الرجاء ،و لقد أنزل الله على نبيه
الكريم في صنف من الناس :
ك ل تهدي م َ
ن يَ َ
شاُء( )القصص. (56: م ْ
دي َ
ه ي َهْ ِ ت وَل َك ِ ّ
ن الل َ حب َب ْ َ
نأ َْ ْ َْ ِ >) <bإ ِن ّ َ
><b/
وهذا سنظل نحبه و نرجو فيئه إلينا و اقتناعه بدعوتنا ،و إنما شعارنا معه
ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه و سلم من قبل ) :اللهم اغفر
لقومي فإنهم ل يعلمون(.
نحب أن يكون الناس معنا واحدا من هؤلء ،و قد حان الوقت الذي يجب
فيه على المسلم أن يدرك غايته و يحدد وجهته ،و يعمل لهذه الوجهة حتى
يصل إلى غايته المنشودة ،أما تلك الغفلة السادرة و الخطرات اللهية و
القلوب الساهية و النصياع العمى و اتباع كل ناعق فما هو من سبيل
المؤمنين في شيء .
فــنـاء
و نحب أن يعلم قومنا إلى جانب هذا أن هذه الدعوة ل يصلح لها إل من
حاطها من كل جوانبها و وهب لها ما تكلفه إياه من نفسه و ماله و وقته و
صحته ،قال تعالى :
َ َ
شيَرت ُك ُ ْ
م م وَعَ ِ جك ُ ْ م وَأْزَوا ُ وان ُك ُ ْخ َم وَإ ِ ْم وَأب َْناؤُك ُ ْ ن آَباؤُك ُ ْ كا َن َ ل إِ ْ>) <bقُ ْ
َ َ
ب إ ِل َي ْك ُ ْ
م ح ّ ضوْن ََها أ َن ت َْر َُ ساك ِ
م َها وَ َ ساد َ َن كَ َ شوْ َ خ َ جاَرةٌ ت َ ْ ها وَت ِ َ مو َل اقْت ََرفْت ُ ُ وا ٌ
َ موَأ ْ
َ ْ
هل مرِهِ َوالل ُ ه ب ِأ ْي الل ُحّتى ي َأت ِ َ صوا َ سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُجَهادٍ ِفي َ سول ِهِ وَ ِ ن اللهِ وََر ُ م َ ِ
ن( )التوبة<b/> . (24: قي َ س ِ فا ِ ْ
م ال َ قوْ َ ْ
دي ال َ ي َهْ ِ
فهي دعوة ل تقبل الشركة إذ أن طبيعتها الوحدة فمن استعد لذلك فقد
عاش بها و عاشت به ،و من ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب
المجاهدين و يكون مع المخلفين و يقعد مع القاعدين ،و يستبدل الله
ن
ري َ
كافِ ِ ن أَ ِ
عّزةٍ عََلى ال ْ َ مِني َ مؤْ ِ
َ
لدعوته به قوما آخرين >) <bأذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ
نم ْ ك فَ ْ
ض ُ
ل اللهِ ي ُؤِْتيهِ َ ة لئ ِم ٍ ذ َل ِ َ ن ل َوْ َ
م َ خاُفو َ
ل اللهِ َول ي َ َ
سِبي ِ
ن ِفي َ
دو َ
جاهِ ُيُ َ
شاُء( )المائدة<b/> . (54: يَ َ
وضــوح
نحن ندعو الناس إلي )مبدأ( ..مبدأ واضح محدود مسلم به منهم جميعا ً ،
هم جميعا ً يعرفونه ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خلصهم
وإسعادهم وراحتهم ...مبدأ أثبتت التجربة وحكم التاريخ صلحيته للخلود
وأهليته لصلح الوجود .
إيمانان
والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في اليمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان
مخدر نائم في نفوسهم ل يريدون أن ينزلوا علي حكمه ول أن يعملون
بمقتضاه ،علي حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس
الخوان المسلمين .ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في
نفوسنا نحن الشرقيين أن نؤمن بالفكرة إيمانا يخيل للناس حين نتحدث
إليهم عنا أنها ستحملنا علي نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال
المصاعب ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا ،حتى إذا هدأت
ثائرة الكلم وانفض نظام الجمع نسي كل إيمانه وغفل عن فكرته ،فهو ل
يفكر في العمل لها ول بحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها ،
بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان حتى يعمل علي ضدها وهو
يشعر أو ل يشعر ؟ أولست تضحك عجبا ً حين تري رجل ً من رجال الفكر
والعمل والثقافة في ساعتين اثنتين متجاورتين من ساعات النهار ملحدا ً
مع الملحدين وعابدا ً مع العابدين ! .
دعــــوات
وإذن سأعود إلي أول كلمتي فأقول إن دعوة الخوان المسلمين دعوة
مبدأ ،وفي الشرق والغرب اليوم دعوات ومبادئ وفكر ومذاهب وآراء
ومنازع كلها تتقسم عقول الناس وتتنازع ألبابهم ،وكل منها يزينه أهله
ويقوم بالدعاية له أبناؤه وأتباعه وعشاقه ومريدوه ،ويدعون له المزايا
والمحاسن ويبالغون في هذا الدعاء ما يبرزه للناس جميل ً خلبا ً رائعا ً .
دعاة
والدعاة اليوم غيرهم بالمس فهم مثقفون مجهزون مدربون أخصائيون -
ول سيما في البلد الغربية -حيث تختص بكل فكرة كتيبة مدربة توضح
غامضها وتكشف عن محاسنها وتبتكر لها وسائل النشر وطرائق الدعاية ،
وتتلمس لها في نفوس الناس أيسر السبل وأهونها وأقربها إلي القتناع
والتباع .
وســـائـل
و وسائل الدعاية الن غيرها بالمس كذلك ,فقد كانت دعاية المس كلمة
تلقى في خطبة أو اجتماع أو كلمة تكتب في رسالة أو خطاب ,أما الن
فنشرات و مجلت و جرائد و رسالت و مسارح و خيالت و حاك و مذياع ,
و قد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم ,نساء و رجال
في بيوتهم و متاجرهم و مصانعهم و مزارعهم
لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعا حتى يأتي
عملهم بثمرته المطلوبة
و مالي و لهذا الستطراد ؟ سأعود مرة ثانية فأقول إن العالم الن في
حال تخمة بالدعوات ما بين سياسية و قومية و وطنية و اقتصادية و
عسكرية و سلمية ,فأين دعوة الخوان المسلمين من هذا المزيج المركب
كله ؟
إســلمـنا
اسمع يا أخي :دعوتنا دعوة أجمع ما توصف به أنها ) إسلمية ( و لهذه
الكلمة معنى واسع غير ذلك المعنى الضيق الذي يفهمه الناس ،فإنا نعتقد
أن السلم معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعا ،و يفتي في كل شأن
منها و يضع له نظاما محكما دقيقا ،و ل يقف مكتوفا أمام المشكلت
الحيوية و النظم التي ل بد منها لصلح الناس .فهم بعض الناس خطأ أن
السلم مقصور على ضروب من العبادات أو أوضاع من الروحانية ،و
حصروا أنفسهم و أفهامهم في هذه الدوائر الضيقة من دوائر الفهم
المحصور.
و لكنا نفهم السلم على غير هذا الوجه فهما فسيحا واسعا ينتظم شؤون
الدنيا و الخرة ،و لسنا ندعي هذا ادعاء أو نتوسع فيه من أنفسنا ،و إنما
هو ما فهمناه من كتاب الله و سيرة المسلمين الولين ،فإن شاء القارئ
أن يفهم دعوة الخوان بشيء أوسع من كلمة إسلمية فليمسك بمصحفه
و ليجرد نفسه من الهوى و الغاية ثم يتفهم ما عليه القرآن فسيرى في
ذلك دعوة الخوان.
أجل :دعوتنا إسلمية ،بكل ما تحتمل الكلمة من معان ،فافهم فيها ما
شئت بعد ذلك و أنت في فهمك هذا مقيد بكتاب الله و سنة رسوله و
السلم و دعامته و أما سنة نبيه فهي مبينة الكتاب و شارحته و أما سيرة
السلف الصالح فهم رضوان الله عليهم منفذو أوامره و الخذون بتعاليمه و
الوطنية
افتتن كثير من الناس بدعوة الوطنية تارة و القومية تارة أخرى و بخاصة
في الشرق حيث تشعر الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليها إساءة نالت
من عزتها و كرامتها و استقللها و أخذت من مالها و من دمها و حيث تتألم
هذه الشعوب من هذا النير الغربي الذي فرض عليها فرضا ,فهي تحاول
الخلص منه بكل ما في و سعها من قوة و منعة و جهاد و جلد ,فانطلقت
ألسن الزعماء و سالت انهار الصحف ,و كتب الكاتبون و خطب الخطباء و
هتف الهاتفون باسم الوطنية و جلل القومية
حسن ذلك و جميل و لكن من غير الحسن وغير الجميل أنك تحاول إفهام
الشعوب الشرقية و هي مسلمة أن ذلك في السلم بأوفى وأزكى و
أسمى و أنبل مما هو في أفواه الغربيين و كتابات الوروبيين أبوا ذلك
عليك و لجوا في تقليدهم يعمهون ,و زعموا لك أن السلم من ناحية و
هذه الفكرة من ناحية أخرى ،و ظن بعضهم أن ذلك مما يفرق وحدة المة
و يضعف رابطة الشباب
إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الرض ،وألفتها والحنين إليها
والنعطاف حولها ،فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة ،مأمور به
في السلم من جهة أخرى ،وإن بلل الذي ضحى بكل شيء في سبيل
عقيدته ،ودينه هو بلل الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة
في أبيات تسيل رقة وتقطر حلوة:
ولقد سمع رسول ص وصف مكة من أصيل فجرى دمعه حنينا إليها وقال:
)يا أصيل دع القلوب تقر(.
وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير الوطن من
الغاصبين وتوفير استقلله ،وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه،
فنحن معهم في ذلك أيضا وقد شدد السلم في ذلك أبلغ التشديد ،فقال
نل قي َمَنافِ ِ ن ال ْ ُن وَل َك ِ ّمِني َ سول ِهِ وَل ِل ْ ُ
مؤْ ِ تبارك وتعالىَ) <b> :وللهِ ال ْعِّزةُ وَل َِر ُ
ن
ري َ ه ل ِل ْ َ
كافِ ِ ل الل ُ جعَ َ ن يَ ْن( )المنافقون ، <b/> (8:ويقول) <b> :وَل َ ْ مو َ ي َعْل َ ُ
سِبيل ً( )النساء<b/> . (141: ن َ عََلى ال ْ ُ
مؤْ ِ
مِني َ
><bوطنية المجتمع ><b/
وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد،
وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم ،فذلك نوافقهم
فيه أيضا ويراه السلم فريضة لزمة ،فيقول نبيه صلى الله عليه وسلم :
َ
مُنوا نآ َ ذي َ )وكونوا عباد الله إخوانا( ,ويقول القرآن الكريمَ) <b> :يا أي َّها ال ّ ِ
ْ
ت ال ْب َغْ َ
ضاُء م قَد ْ ب َد َ ِما عَن ِت ّ ْدوا َخَبال ً وَ ّ م َ م ل ي َأُلون َك ُ ْدون ِك ُ ْ
ن ُ م ْ ة ِ ذوا ب ِ َ
طان َ ً خ ُ ل ت َت ّ ِ
ُ ُ ُ َ ْ َ م َ
ن( قلو َ م ت َعْ ِن كن ْت ُ ْ ت إِ ْ
م اليا ِ م أكب َُر قَد ْ ب َي ّّنا لك ُ دوُرهُ ْ ص ُفي ُ خ ِ
ما ت ُ ْ
م وَ َ ن أف ْ َ
واهِهِ ْ ِ ْ
)آل عمران<b/> . (118:
><bوطنية الفتح ><b/
وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلد وسيادة الرض فقد فرض ذلك
السلم ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح ،فذلك قوله تعالى:
ه( )البقرة/> .(193:
ن لل ِ
دي ُ
ن ال ّ ة وَي َ ُ
كو َ ن فِت ْن َ ٌ حّتى ل ت َ ُ
كو َ >) <bوََقات ُِلوهُ ْ
م َ
<b
أما وجه الخلف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم
يعتبرونها بالتخوم الرضية والحدود الجغرافية ,فكل بقعة فيها مسلم يقول
) ل إله إل الله محمد رسول الله ( وطن عندنا له حرمته و قداسته و حبه
و الخلص له و الجهاد في سبيل خيره ,و كل المسلمين في هذه القطار
الجغرافية أهلنا و إخواننا نهتم لهم و نشعر بشعورهم و نحس بإحساسهم .
ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك فل يعنيهم إل أمر تلك البقعة المحدودة
الضيقة من رقعة الرض ،ويظهر ذلك الفارق العملي فيما إذا أرادت أمة
من المم أن تقوى نفسها على حساب غيرها فنحن ل نرضى ذلك على
حساب أي قطر إسلمي ،وإنما نطلب القوة لنا جميعا ،ودعاة الوطنية
المجردة ل يرون في ذلك بأسا ،ومن هنا تتفكك الروابط وتضعف القوى
ويضرب العدو بعضهم ببعض .
و أحب أن أنبهك إلى سقوط ذلك الزعم القائل إن الجري عن هذا المبدأ
يمزق وحدة المة التي تتألف من عناصر دينية مختلفة ,فإن السلم و هو
دين الوحدة و المساواة كفل هذه الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين
ن وَل َ ْ
م دي ِ م ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْ
م يُ َن لَ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ ه عَ ِ على الخير ) <b> ,ل ي َن َْهاك ُ ُ
م الل ُ
خرجوك ُم من ديارك ُ َ
ن(
طي َ
س ِ ق ِم ْب ال ْ ُ
ح ّ
ه يُ ِن الل َ م إِ ّ طوا إ ِل َي ْهِ ْ
س ُ ق ِم وَت ُ ْن ت َب َّروهُ ْ
مأ ْ ْ ِ ْ َِ ِ ْ يُ ْ ِ ُ
)الممتحنة ,<b/> (8:فمن أين يأتي التفريق إذا؟ً
أفرأيت بعد كيف أننا متفقون مع أشد الناس غلوا في الوطنية في حب
الخير للبلد و الجهاد في سبيل في سبيل تخليصها و خيرها و ارتقائها ,و
نعمل و نؤيد كل من يسعى في ذلك بإخلص ,بل أحب أن تعلم أن
مهمتهم إن كانت تنتهي بتحرير الوطن و استرداد مجده فإن ذلك عند
الخوان المسلمين بعض الطريق فقط أو مرحلة منه واحدة و يبقى بعد
ذلك أن يعملوا لترفع راية الوطن السلمي على كل بقاع الرض و يخفق
لواء المصحف في كل مكان .
القـومـية
و الن سأتحدث إليك عن موقفنا من مبدأ القومية :
إن كان الذين يعتزون بمبدأ "القومية" يقصدون به أن الخلف يجب أن
ينهجوا نهج السلف في مراقي المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة
وأن تكون لهم بهم في ذلك قدوة حسنة ،وأن عظمة الب مما يعتز به
البن ويجد لها الحماس والريحية بدافع الصلة والوراثة ،فهو مقصد حسن
جميل نشجعه ونأخذ به ،وهل عدتنا في إيقاظ همة الحاضرين إل أن
نحدوهم بأمجاد الماضين؟ ولعل الشارة إلى هذا في قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم) :الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في
السلم إذا فقهوا( ,فها أنت ذا ترى أن السلم ل يمنع من القومية بهذا
المعنى الفاضل النبيل.
وإذا قصد بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره وبره
وأحقهم بإحسانه وجهاده فهو حق كذلك ،ومن ذا الذي ل يرى أولى الناس
بجهوده قومه الذين نشأ فيهم ونما بينهم؟
عليه وإن عالوا به كل مركب لعمري لرهط المرء خير بقية
وإذا قصد بالقومية أننا جميعا مبتلون مطالبون بالعمل والجهاد ،فعلى كل
جماعة أن تحقق الغاية من جهتها حتى تلتقي إن شاء الله في ساحة النصر
فنعم التقسيم هذا ،ومن لنا بمن يحدو المم الشرقية كتائب كل في
ميدانها حتى نلتقي جميعا في بحبوحة الحرية والخلص؟
كل هذا وأشباهه في معنى القومية جميل معجب ل يأباه السلم ،وهو
مقياسنا ،بل ينفسح صدرنا له ونحض عليه.
أما أن يراد بالقومية إحياء عادات جاهلية درست ،وإقامة ذكريات بائدة
خلت وتعفية حضارة نافعة استقرت ،والتحلل من عقدة السلم ورباطه
بدعوى القومية والعتزاز بالجنس ،كما فعلت بعض الدول في المغالة
بتحطيم مظاهر السلم والعروبة ،حتى السماء وحروف الكتابة وألفاظ
اللغة ،وإحياء ما اندرس من عادات جاهلية ،فذلك في القومية معنى ذميم
وخيم العاقبة وسيئ المغبة ،يؤدي بالشرق إلى خسارة فادحة يضيع معها
تراثه وتنحط بها منزلته ويفقد أخص مميزاته وأقدس مظاهر شرقه ونبله،
مل وما ً غَي َْرك ُ ْ
م ثُ ّ ل قَ ْ
ست َب ْدِ ْ ن ت َت َوَل ّ ْ
وا ي َ ْ ول يضر ذلك دين الله شيئا ) <b> :وَإ ِ ْ
َ
م( )محمد<b/> . (38: مَثال َك ُ ْ يَ ُ
كوُنوا أ ْ
وأما أن يراد بالقومية العتزاز بالجنس إلى درجة تؤدي إلى انتقاص
الجناس الخرى والعدوان عليها والتضحية بها في سبيل عزة أمة وبقائها،
كما تنادي بذلك ألمانيا وإيطاليا مثل ،بل كما تدعي كل أمة تنادي بأنها فوق
الجميع.فهذا معنى ذميم كذلك ليس من النسانية في شيء ،ومعناه أن
يتناحر الجنس البشري في سبيل وهم من الوهام ل حقيقة له ول خير
فيه.
><bدعامتان ><b/
ولسنا مع هذا ننكر خواص المم ومميزاتها الخلقية ،فنحن نعلم أن لكل
شعب مميزاته وقسطه من الفضيلة والخلق ،ونعلم أن الشعوب في هذا
تتفاوت وتتفاضل ،ونعتقد أن العروبة لها من ذلك النصيب الوفى والوفر،
ولكن ليس معنى هذا أن تتخذ الشعوب هذه المزايا ذريعة إلى العدوان ،بل
عليها أن تتخذ ذلك وسيلة إلى تحقيق المهمة السابقة التي كلفها كل
شعب ،تلك هي النهوض بالنسانية ،ولعلك لست واجدا في التاريخ من
أدرك هذا المعنى من شعوب الرض كما أدركته تلك الكتيبة العربية من
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا استطراد اقتضاه السير في البحث و ل أحب أن أتابعه حتى ل يشط بنا
القول و لكن أعود إلى ما نحن بسبيله
أما إذ عرفت هذا فاعلم – أيدك الله – أن الخوان المسلمين بالنسبة إليهم
قسمين :
قسم اعتقد ما اعتقدوه من دين الله و كتابه و آمن ببعثه و رسوله و ما
جاء به ،و هؤلء تربطنا بهم أقدس الروابط ،رابطة العقيدة و هي عندنا
أقدس من رابطة الدم و رابطة الرض ,فهؤلء هم قومنا القربون الذين
ن إليهم ونعمل في سبيلهم و نذود عن حماهم و نفتديهم بالنفس و نح ّ
المال ,في أي أرض كانوا و من أية سللة انحدروا .
و قوم ليسوا كذلك و لم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط فهؤلء نسالمهم ما
سالمونا و نحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا ,و نعتقد أن بيننا و بينهم
رابطة هي رابطة الدعوة ,علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه لنه خير
النسانية كلها ,و أن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدد لها الدين نفسه
من سبل و وسائل ,فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به
عنوان المعتدين .
جوك ُ ْ
م خرِ ُ ن وَل َ ْ
م يُ ْ دي ِم ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْم يُ َن لَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ
ه عَ ِ م الل ُ ) <b> – 2ل ي َن َْهاك ُ ُ
من ديارك ُ َ
ما
ن ,إ ِن ّ َطي َ س ِ ق ِم ْ ب ال ْ ُ
ح ّ ه يُ ِن الل َ م إِ ّطوا إ ِل َي ْهِ ْ س ُ ق ِ
م وَت ُ ْ
ن ت َب َّروهُ ْ مأ ْ ْ ِ ْ َِ
ظاهَُروا م وَ َ ن دَِيارِك ُْ م م ُ ك جو رخْ ينهاك ُم ِالله عَن ال ّذين َقاتُلوك ُم في الدين وأ َ
ْ ِ ْ ّ ِ َ َ ُ ْ ِ َ ِ َ ِ ُ ََْ ُ
َ
م( )الممتحنة<b/> . (9-8: عََلى إ ِ ْ َ ِ ْ ْ َ َ ْ ُ ْ
ه وّ ل و ت ن أ م ُ كج راخ
و لعلي أكون بذلك قد كشفت لك عن هذه الناحية من دعوتنا بما ل يدعها
في نفسك ملتبسة أو غامضة ,لعلك بعد ذلك عرفت إلى أي قبيل ينتسب
الخوان المسلمون
ومنها سعة العلم وضيقه ،وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك والخر شأنه كذلك،
وقد قال مالك لبي جعفر :إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
تفرقوا في المصار وعند كل قوم علم ،فإذا حملتهم على رأي واحد تكون
فتنة.
ومنها اختلف الطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها ،فبينما نجد هذا
الراوي ثقة عند هذا المام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالخذ به ،تراه
مجروحا عند غيره لما علم عن حاله.
ومنها اختلف تقدير الدللت فهذا يعتبر عمل الناس مقدما على حبر الحاد
مثل ،وذاك ل يقول معه به ،وهكذا..
><bالجماع على أمر فرعي متعذر ><b/
كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد أن الجماع على أمر واحد في فروع الدين
مطلب مستحيل ،بل هو يتنافى مع طبيعة الدين ،وإنما يريد الله لهذا الدين
أن يبقى ويخلد ويساير العصور ،ويماشي الزمان ،وهو لهذا سهل مرن
هين ،لين ،ل جمود فيه ول تشديد.
هؤلء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخالف بعضهم بعضا
في الفتاء فهل أوقع ذلك اختلفا بينهم في القلوب؟ وهل فرق وحدتهم أو
فرق رابطتهم؟ اللهم ل وما حديث صلة العصر في قريظة ببعيد.
وإذا كان هؤلء قد اختلفوا وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة وأعرفهم بقرائن
الحكام ،فما بالنا نتناحر في خلفات تافهة ل خطر لها؟ وإذا كان الئمة
وهم أعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله قد اختلف بعضهم مع بعض
وناظر بعضهم بعضا ،فلم ل يسعنا ما وسعهم؟ وإذا كان الخلف قد وقع
في أشهر المسائل الفرعية وأوضحها كالذان الذي ينادى به خمس مرات
في اليوم الواحد ،ووردت به النصوص والثار ،فما بالك في دقائق المسائل
التي مرجعها إلى الرأي والستنباط؟
وثم أمر آخر جدير بالنظر ،إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى )الخليفة(
وشرطه المامة ،فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلف ،أما الن فأين
الخليفة؟ وإذا كان المر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي،
ثم يعرضوا قضيتهم عليه ،فإن اختلفهم من غير مرجع ل يردهم إل إلى
خلف آخر.
يعلم الخوان المسلمون كل هذه الحيثيات ،فهم لهذا أوسع الناس صدرا
مع مخالفيهم ،ويرون أن مع كل قوم علما ،وفي كل دعوة حقا وباطل،
فهم يتحرون الحق ويأخذون به ،ويحاولون في هوادة ورفق إقناع
المخالفين بوجهة نظرهم .فإن اقتنعوا فذاك ،وإن لم يقتنعوا فإخوان في
الدين ،نسأل الله لنا ولهم الهداية.
ذلك منهاج الخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في
دين الله يمكن أن أجمله لك في أن الخوان يجيزون الخلف ،ويكرهون
التعصب للرأي ،ويحاولون الوصول إلى الحق ،ويحملون الناس على ذلك
بألطف وسائل اللين والحب.
إلـى العـلج
يا أخي :اعلم و تعلم أن مثل المم في قوتها و ضعفها و شبابها و
شيخوختها و صحتها و سقمها مثل الفراد سواء بسواء ,فالفرد بينما تراه
قويا معافى صحيحا سليما ,فإذا بك تراه قد انتابته العلل و أحاطت به
دت بنيته القوية المراض و اللم ,و ل يزال يشكو و يئن حتى السقام و ه ّ
تتداركه رحمة الله تبارك و تعالى بطبيب ماهر و نطاسي بارع يعلم
موطن العلة و يحسن تشخيصها حتى و يتعرف موضع الداء و يخلص في
علجه ,فإذا بك بعد حين ترى هذا المريض و قد عادت إليه قوته و رجعت
إليه صحته ,ربما كان بعد هذا العلج خيرا من قبله .
قل مثل هذا في المم تماما ,تعترضها حوادث الزمن بما يهدد كيانها و
يصدع بنيانها و يسري في مظاهر قوتها سريان الداء ,و ل يزال يلح عليها
و يتشبث بها حتى ينال منها فتبدو هزيلة ضعيفة يطمع فيها الطامعون و
ينال منها الغاصبون فل تقوى على رد غاصب و ل تمنع من مطامح طامح ,
و علجها إنما يكون بأمور ثلثة :معرفة موطن الداء ,و الصبر على آلم
العلج ,و النطاسي الذي يتولى ذلك حتى يحقق اله على يديه الغاية و
يتمم الشفاء و الظفر .
العــراض
و قد علمتنا التجارب و عرفتنا الحوادث أن داء هذه المم الشرقية
متشعب المناحي كثير العراض قد نال من كل مظاهر حياتها ,فهي
مصابه في ناحيتها السياسية بالستعمار من جانب أعدائها ,و الحزبية و
الخصومة و الفرقة و الشتات من جانب أبنائها ,و في ناحيتها القتصادية
بانتشار الربا بين كل طبقاتها و استيلء الشركات الجنبية على مواردها و
خيراتها ,و هي مصابة من الناحية الفكرية بالفوضى و المروق و اللحاد
يهدم عقائدها و يحطم المثل العليا في نفوس أبنائها ,و في ناحيتها
الجتماعية بالباحية في عاداتها و أخلقها و التحلل من عقدة الفضائل
ورثتها عن الغر الميامين من أسلفها و بالتقليد الغربي يسري في مناحي
حياتها سريان لعاب الفاعي فيسمم دمائها و يعكر صفو هنائها و بالقوانين
الوضعية التي ل تزجر مجرما و ل تؤدب معتديا و ل ترد ظالما ,و ل تغني
يوما من اليام غناء القوانين السماوية التي وضعها خالق الخلق و مالك
الملك و رب النفوس و بارئها ,و بفوضى في سياسة التعليم و التربية
تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها و رجال مستقبلها و حملة أمانة النهوض
بها ,و في ناحيتها النفسية بيأس قاتل و خمول مميت و جبن فاضح و ذلة
حقيرة و خنوثة فاشية و شح و أنانية تكف اليدي عن البذل و تقف حجابا
دون التضحية و تخرج المة من صفوف المجاهدين إلى اللهين اللعبين .
وماذا يرجى من أمة اجتمعت على غزوها كل هذه العوامل بأقوى
مظاهرها و أشد أعراضها :الستعمار و الحزبية ,و الربا و الشركات
الجنبية ,و اللحاد و الباحية و فوضى التعليم و التشريع ,و اليأس و الشح
,و الخنوثة و الجبن ,و العجاب بالخصم إعجابا يدعو إلى تقليده في كل
ما صدر عنه و بخاصة في سيئات أعماله .
إن داء واحدا من هذه الدواء يكفي لقتل أمم متظاهرة ,فكيف و قد
تفشت جميعا في كل أمة على حدة ؟ لول مناعة و حصانة و جلدة و شدة
في هذه المم الشرقية التي جاذبها خصومها حبل العداء من بعيد ,و دأبوا
على تلقيحها بجراثيم هذه المراض زمنا طويل حتى باضت و أفرخت ,لول
ذلك لعفت آثارها و لبادت من الوجود ,و لكن يأبى الله ذلك و المؤمنون .
يا أخي :هذا هو التشخيص الذي يلمسه الخوان في أمراض هذه المة ,و
هذا هو الذي يعملون في سبيل أن يبرئها منه و يعيد إليها ما فقدت من
صحة و شباب .
أمل و شعور
أحب أن تعلم يا أخي أننا لسنا يائسين من أنفسنا و أننا نأمل خيرا كثيرا و
نعتقد أنه ل يحول بيننا و بين النجاح إل هذا اليأس ،فإذا قوي المل في
نفوسنا فسنصل إلى خير كثير إن شاء الله تعالى ،لهذا نحن لسنا يائسين و
ل يتطرق إلى قلوبنا و الحمد لله.
و كل ما حولنا يبشر بالمل رغم تشاؤم المتشائمين ،إنك إذا دخلت على
مريض فوجدته تدرج من كلم إلى صمت ومن حركة إلى سكون شعرت
بقرب نهايته و عسر شفائه و استفحال دائه ،فإذا انعكس المر وأخذ
يتدرج من صمت إلى كلم و من همود إلى حركة شعرت بقرب شفائه و
تقدمه في طريق الصحة والعافية .و لقد أتى على هذه المم الشرقية
حين من الدهر جمدت فيه حتى ملها الجمود وسكنت حتى أعياها السكون
و لكنها الن تغلي غليانا بيقظة شاملة في كل مناحي الحياة ،وتضطرم
اضطراما بالمشاعر الحية القوية و الحاسيس العنيفة .و لول ثقل القيود
من جهة والفوضى في التوجيه من جهة أخرى لكان لهذه اليقظة أروع
الثار ،و لن تظل هذه القيود قيودا أبد الدهر فإنما الدهر قلب ،و ما بين
طرفة عين و انتباهتها يغير الله من حال إلى حال ،و لن يظل الحائر حائرا
فإنما بعد الحيرة هدى و بعد الفوضى استقرار ،ولله المر من قبل ومن
بعد .
لهذا لسنا يائسين أبدا ,و آيات الله تبارك و تعالى و أحاديث رسوله صلى
اله عليه و سلم وسنته تعالى في تربية المم وإنهاض الشعوب بعد أن
تشرف على الفناء ,و ما قصه علينا في كتابه ,كل ذلك ينادينا بالمل
الواسع ,و يرشدنا إلى طريق النهوض و لقد علم المسلون – لو يتعلمون -
.
تقرأ هذه الية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته و يعتز بقوته،
و يطمئن إلى جبروته و يغفل عن عين الحق التي ترقبه ،حتى إذا فرح بما
أوتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ،و أبت إرادة الله إل أن تنتصر للمظلومين
و تأخذ بناصر المهضومين المستضعفين فإذا الباطل منهار من أساسه و
إذا الحق قائم البنيان متين الركان وإذا أهله هم الغالبون ،وليس بعد هذه
الية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذر في اليأس والقنوط لمة من
أمم السلم تؤمن بالله ورسوله وكتابه .فمتى يتفقه المسلمون في كتاب
الله ؟
لمثل هذا يا أخي وهو كثير في دين الله لم ييأس الخوان المسلمون من
أن ينزل نصر الله على هذه المم رغم ما يبدوا أمامها من عقبات ،وعلى
ضوء هذا المل يعملون عمل المل المجد و الله المستعان.
أما الوسيلة التي وعدتك الكلم عليها فهي أركان ثلثة تدور عليها فكرة
الخوان:
أولها_ المنهاج الصحيح :وقد وجده الخوان في كتاب الله و سنة رسوله و
أحكام السلم حين يفهمها المسلمون على وجهها غضة نقية بعيدة عن
الدخائل و المفتريات فعكفوا على دراسة السلم على هذا الساس
دراسة سهلة واسعة مستوعبة.
و ثانيها_ العاملون المؤمنون :و لهذا أخذ الخوان أنفسهم بتطبيق ما
فهموه من دين الله تطبيقا ل هوادة فيه و ل لين ،و هم بحمد الله مؤمنون
بفكرتهم مطمئنون لغايتهم واثقون بتأييد الله إياهم ما داموا له يعملون و
على هدي رسوله يسيرون.
رأيت ذلك مرات و لمسته من عدة مواقف ,و اعتقد أن السر فيه ل يعدوا
أحد أمرين :
إما أن الذي يقيس به كل منا و ما يسمع عنه مختلف ,فيختلف تبعا لذلك
الفهم و الدراك ,و إما أن يكون القول في ذاته ملتبسا غامضا و إن
اعتقد قائله أنه واضح مكشوف .
المقياس
و أنا أريد في هذه الكلمة أن أكشف للناس عن دعوة الخوان المسلمين و
غايتها و مقاصدها و أساليبها و وسائلها في صراحة و وضوح و في بيان و
جلء ,و أحب أول أن أحدد المقياس الذي نقيس به هذا التوضيح ,و
سأجتهد في أن يكون القول سهل ميسورا ل يتعذر فهمه على قارئ يحب
أن يستفيد ,و أظن أن أحدا من المة السلمية جميعا ل يخالفني في أن
يكون هذا المقياس هو كتاب الله نستقي من فيضه و نستمد من بحره و
نرجع إلى حكمه .
إن القرآن الكريم كتاب جامع جمع الله فيه أصول العقائد و أسس
المصالح الجتماعية ,و كليات الشرائع الدنيوية ,فيه أوامر وفيه نواه ,
فهل عمل المسلمون بما في القرآن فاعتقدوا و أيقنوا بما ذكر الله من
المعتقدات ,و فهموا ما أوضح لهم من الغايات ؟ و هل طبقوا شرائعه
الجتماعية و الحيوية على تصرفاتهم في شؤون حياتهم ؟ إن انتهينا من
بحثنا أنهم كذلك فقد وصلنا معا إلى الغاية ,و إن تكشف البحث عن
بعدهم عن طريق القرآن و إهمالهم لتعاليمه و أوامره فاعلم أن مهمتنا أن
نعود بأنفسنا و بمن تبعنا إلى هذا السبيل
قنط ََر ِ
ة م َ طيرِ ال ْ ُ ن َوال ْ َ
قَنا ِ ساء َوال ْب َِني َ
ن الن ّ َ
م َ
ت ِ وا ِ ب ال ّ
شه َ َ ح ّ س ُ
ن ِللّنا ِ >ُ) <bزي ّ َ
مَتاعُ ال ْ َ َ
مةِ َوالن َْعام ِ َوال ْ َ
ة
حَيا ِ ك َث ذ َل ِ َ حْر ِ سوّ َ ل ال ْ ُ
م َ خي ْ ِضةِ َوال ْ َ
ف ّب َوال ْ ِ ن الذ ّهَ ِم َِ
ب( )آل عمران<b/> (14: َ ِمآ ْ لا ن س ح ه د عن
َّْ َ ُ ِ َ ُ ُ ْ ُ ه والل يان دال
وبين أن قوما آخرين شأنهم في الحياة إيقاد الفتن و إحياء الشرور ,أولئك
الذين قال الله فيهم:
تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه الله المؤمنين عنها و برأهم
منها و كلفهم مهمة أرقى ,و ألقى على عاتقهم واجبا أسمى ذلك الواجب
هو :هداية الناس إلى الحق ,و إرشاد الناس جميعا إلى الخير ,و إنارة
العالم كله بشمس السلم فذلك قوله تبارك و تعالى :
م َوافْعَُلوا ال ْ َ َ
خي َْر دوا َرب ّك ُ ْ دوا َواعْب ُ ُ ج ُس ُ مُنوا اْرك َُعوا َوا ْ نآ َ ذي َ >َ) <bيا أي َّها ال ّ ِ
ل عَل َي ْك ُ ْ
م جعَ َ ما َ م وَ َ جت ََباك ُ ْ جَهادِهِ هُوَ ا ْ حق ّ ِ دوا ِفي اللهِ َ جاهِ ُ ن ,وَ َ حو َ فل ِ ُم تُ ْل َعَل ّك ُ ْ
في الدين من حرج مل ّ َ َ
ل وَِفي من قَب ْ ُ ن ِ َ سِلمي م ْ م ال ْ ُ
ماك ُ ُ س ّ م هُوَ َ هي َ م إ ِب َْرا ِ ة أِبيك ُ ْ ّ ِ ِ ْ َ َ ٍ ّ ِ
موا قيشهداء عََلى الناس فَأ َ ُ نوا كوُ ت و م ُ ك يَ ل ع دا هي َ
ش ُ
ل سو ر ال ن كوُ يل ذاَ ه
ِ ُ ّ ِ َ َ َ ُ ْ ْ َ ِ ً َ ّ ُ َِ َ
صيُر( ن
َِْ َ ّ ِال م ع نو َ
لى و
َ ْم ْ ل ا م ع ن
ْ ِْ ََ ف مُ ك ول م و
ِ ِ ُ َ َ ْ ه ه بالل موا ص ت ع
ّ َ َ َْ ِ ُوا ة َ
كا ز ال توا وآ
ّ َ َ ُ ة صل ال
)الحج<b/> .(78-77:
و من هنا كان الفاتح المسلم أستاذا يتصف بكل ما يجب أن يتحلى به
الستاذ من نور و هداية و رحمة و رأفة ,وكان الفتح السلمي فتح تمدين
و تحضير و إرشاد و تعليم ,و أين هذا ما يقوم به الستعمار الغربي الن ؟
و خاضوا بحار الجد دعوى فما ابتلوا رضوا بالماني و ابتلوا بحظوظهم
و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :تعس عبد الدينار ,تعس عبد
الدرهم ,تعس عبد القطيفة(
مصادر غايتنا
تلك هي الرسالة التي يريد الخوان المسلمون أن يبلغوها للناس و أن
تفهمها المة السلمية حق الفهم ,و تهب لنفاذها في عزم و في مضاء ,
لم يبتعها الخوان ابتداعا ,و لم يختلقوها من أنفسهم ,و إنما هي الرسالة
التي تتجلى في كل آية من آيات القرآن الكريم ,و تبدوا في غاية الوضوح
في كل حديث من أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه و سلم و تظهر
في كل عمل من أعمال الصدر الول الذين هم المثل العلى لفهم السلم
و إنفاذ تعاليم السلم ,فإن شاء المسلمون في أن يقبلوا هذه الرسالة
كان ذلك دليل اليمان و السلم الصحيح ,و إن رأوا فيها حرجا أو غضاضة
فبيننا و بينهم كتاب الله تبارك و تعالى ,حكم عدل و قول فصل يحكم بيننا
و بين إخواننا و يظهر الحق لنا أو علينا
ْ َ
حين( )العراف: فات ِ ِ
خي ُْر ال َ
ت َ
حقّ وَأن َمَنا ِبال ْ َ
ن قَوْ ِ >َ) <bرب َّنا افْت َ ْ
ح ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ
<b/> .(89
استطراد
يتساءل كثير من إخواننا الذين أحببناهم من كل قلوبنا و وقفنا لخيرهم و
العمل لمصلحتهم الدنيوية و الخروية جهودنا و أموالنا و أرواحنا ،و فنينا
في هذه الغاية ،غاية إسعاد أمتنا و إخواننا ،عن أموالنا و أنفسنا.
و إني أجيب هؤلء بأن الدعوات الدينية عمادها اليمان قبل المال ،و
العقيدة قبل العراض الزائلة ،و إذا وجد المؤمن الصحيح و جدت معه
وسائل النجاح جميعا ،و إن في مال الخوان المسلمين القليل الذي
يقتطعونه من نفقاتهم و يقتصدونه من ضرورياتهم و مطالب بيوتهم و
أولدهم ،و يجودون به طيبة نفوسهم سخية به قلوبهم ،يود أحدهم لو كان
له أضعاف أضعاف فينفقه في سبيل الله ،فإذا لم يجد بعضهم شيئا تولوا
و أعينهم تفيض من الدمع حزنا أل يجدوا ما ينفقون .في هذا المال القليل
و اليمان الكبير و لله الحمد و العزة بلغ لقوم عابدين و نجاح للعاملين
الصادقين ,و إن الله الذي بيده كل شيء ليبارك في القرش الواحد من
صد ََقا ِ
ت( )البقرة: ه الّربا وَي ُْرِبي ال ّ
حقُ الل ُ
م َ
قروش الخوان ,و>) <bي َ ْ
<b/> .(276
ن(
فو َ
ضع ِ ُ م ال ْ ُ
م ْ ه اللهِ فَُأول َئ ِ َ
ك هُ ُ ج َ
ن وَ ْ
دو َ
ري ُ ن َز َ
كاةٍ ت ُ ِ م ْ
م ِ
ما آت َي ْت ُ ْ
>) <bوَ َ
)الروم<b/> . (39:
نحن و السياسة
و يقول قوم آخرون إن الخوان المسلمين قوم سياسيون و دعوتهم
سياسية و لهم من وراء ذلك مآرب أخرى .و ل ندري إلى متى تتقارض
أمتنا التهم و تتبادل الظنون و تتنابز باللقاب ،و تترك يقينا يؤيده الواقع في
سبيل ظن توحيه الشكوك.
يا قومنا :إننا نناديكم و القرآن في يميننا و السنة في شمالنا ،و عمل
السلف الصالحين من أبناء هذه المة قدوتنا ،و ندعوكم إلى السلم و
تعاليم السلم و أحكام السلم ،فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه
سياستنا ،و إن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيا فنحن أعرق
الناس و الحمد لله في السياسة ،و إن شئتم أن تسموا ذلك سياسة
فقولوا ما شئتم فلن تضرنا السماء متى وضحت المسميات و انكشفت
الغايات.
أجل أجل يا أخي :هذا نداء ربك إليك ,فلبيك اللهم لبيك ,و حمدا و شكرا
لك لنحصي ثناء عليك ,أنت ولي المؤمنين و نصير العاملين و المدافع عن
المظلومين الذين حوربوا في بيوتهم و أخرجوا من ديارهم ,عز من لجأ
إليك و انتصر من احتمى بحماك
أجل أجل يا أخي :تعال نستمع معا إلى صوت القرآن الكريم ,و نطرب
بتلوة اليات البينات ,و نسجل جمال هذه العزة في صحائف ذلك الكتاب
المطهر .
ن( )لعراف:
حي َ ب وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ
صال ِ ِ ل ال ْك َِتا َ ه ال ّ ِ
ذي ن َّز َ ي الل ُ
ن وَل ِي ّ َ
) <b>– 4إ ِ ّ
<b/> .(196
ألست ترى في هذه اليات البينات أن الله تبارك و تعالى ينسبك إلى
نفسه و تمنحك فضل وليته و يفيض عليك من فيض عزته ؟
و في الحديث الشريف الذي يرويه المختار صلى الله عليه و سلم عن ربه
فيما معناه ) :يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة :يا بني آدم جعلت نسبا
وجعلتم نسبا فقلتم فلن ابن فلن وقلت " :إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
فاليوم أرفع نسبى وأوضع نسبكم(
لهذا أيها الخ الكريم فضل السلف الصالح أن يرفعوا نسبتهم إلى الله
تبارك و تعالى ,ويجعلوا أساس صلتهم ومحور أعمالهم تحقيق هذه
النسبة الشريفة فينادي أحدهم صاحبه قائل:
وكل شعب فقد هذه الصفات الربعة ،أو على القل فقدها قواده ودعاة
ل،الصلح فيه ،فهو شعب عابث مسكين ،ل يصل إلى خير ،ول يحقق أم ً
ن الظ ّ ّ
ن وحسبه أن يعيش في جو من الحلم والظنون والوهام) <b> :إ ِ ّ
شْيئا ً( )يونس<b/> . (36: ن ال ْ َ
حق ّ َ م َ
ل ي ُغِْني ِ
هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله
تبدي ً
ل:
و هو أيضا القانون الذي عبر عنه النبي في الحديث الشريف الذي رواه أبو
داود :
)يوشك المم أن تداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصعتها فقال قائل:
ومن قِل ّةٍ نحن يومئ ٍ
ذ؟ قال :بل أنتم يومئذٍ كثيٌر ،ولكنكم غثاٌء كغثاء السيل،
ن الّله في قلوبكم
ن الّله من صدور عدوكم المهابة منكم ،وليقذف ّ ولينزع ّ
ب الدنيا وكراهية ّ
الوهن ,فقال قائل :يا رسول الله وما الوهن ؟ قال :ح ّ
الموت(
أولست تراه قد بين أن سبب ضعف المم و ذلة الشعوب وهن نفوسها و
ضعف قلوبها و خلء أفئدتها من الخلق الفاضلة و صفات الرجولة
الصحيحة ,و إن كثر عددها و زادت خيراتها و ثمراتها
بين القوتين
يظن كثير من الناس أن الشرق تعوزه القوة المادية من المال و العتاد و
آلت الحرب و الكفاح لينهض و يسابق المم التي سلبت حقه و هضمت
أهله ,ذلك صحيح و مهم ,و لكن أهم منه و ألزم :القوة الروحية من
الخلق الفاضل و النفس النبيلة و اليمان و معرفتها و الرادة الماضية ,و
التضحية في سبيل الواجب و الوفاء الذي تنبني عليه الثقة و الوحدة ,و
عنهما تكون القوة .
لو آمن الشرق بحقه و غير من نفسه و اعتنى بقوة الروح و عني بتقويم
الخلق ,لتته وسائل القوة المادية من كل جانب و عند صحائف التاريخ
الخبر اليقين
يعتقد الخوان المسلمون هذا تمام العتقاد ,و هم لهذا دائبون في تطهير
أرواحهم و تقوية نفوسهم و تقوية أخلقهم ,و هم لهذا يجاهدون بدعوتهم
و يريدون الناس على مبادئهم و يطالبون المة بإصلح النفوس و تقويم
الخلق .
و لقد كشف القرآن عن هذا المعنى في كثير من آياته ,بل إنه ضرب مثل
تطبيقيا خالدا واضحا كل الوضوح صادقا كل الصدق في قصة بني إسرائيل
,تلك القصة الرائعة التي ترسم لكل أمة يائسة طريق التكوين .
المنهاج واضح
يعتقد الخوان المسلمون أن الله تبارك و تعالى حين أنزل القرآن و أمر
عباده أن يتبعوا محمدا و رضي لهم السلم دينا ,و وضع في هذا الدين
القويم كل الصول اللزمة لحياة المم و نهضتها و إسعادها ,و ذلك
مصداق قول الله تبارك و تعالى :
أرأيت كيف اعتبر السلم تطلع هذا الشخص إلى الثناء و المدح و هما من
طبائع النفوس شركا خفيا يجب أن يتنزه عنه و يسمو بشرف الغاية النبيلة
عنه ؟ و هل هناك أخلص من أن ينسى النسان نفسه في سبيل غايته ؟ و
هل تظن أن رجل يشترط عليه دينه أن يتجرد من نفسه و يكبت عواطفها
و ميولها و أهواءها حتى يكون جهاده خالصا لله وحده ,يفكر بعد هذا في
أن يجاهد لعصبية أو يغزو لجنس أو قومية ؟ ..اللهم ل .
إن ذلك المغلوب الذي شاء له القدر أن يسعد بالسلم و يهتدي به ,ما
ترك بلده و أرضه لجنبي عنه يتحكم فيها و يسخره تسخير العبد الذليل ,و
يستأثر دونه بخيراتها ,و لكنه ترك ما ترك لنه يخلطه بنفسه و يمزجه
بروحه و يناديه بإخلص :لك ما لنا و عليك ما علينا ,وكتاب الله تبارك و
حى في سبيل مبدئه ,و تعالى يفصل بيننا ,فكلهما فني في غايته و ض ّ
ترك ما ترك ليعم النسانية نور الله ,و تسطع عليها شمس القرآن الكريم
,و في ذلك تمام إسعادها و كمال رقيها لو كانوا يعلمون .
أفق الوطن السلمي
أما الثمرة الثانية :فإن الخوة السلمية جعلت كل مسلم يعتقد أن كل
شبر من الرض ,فيه أخ يدين بدين القرآن الكريم ،قطعة من الرض
السلمية العامة التي يفرض السلم علي كل أبنائه أن يعملوا لحمايتها
وإسعادها فكان من ذلك أن أتسع أفق الوطن السلمي وسما عن حدود
الوطنية الجغرافية والوطنية الدموية إلى وطنية المبادئ السامية والعقائد
الخالصة الصحيحة ،والحقائق التي جعلها الله للعالم هدى ونورا ً ,والسلم
حين يشعر أبناءه بهذا المعنى ويقرره في نفوسهم يفرض عليهم فريضة
لزمة لحماية أرض السلم من عدوان المعتدين ,وتخليصها من غصب
الغاصبين ،وتحصينها من مطامع المتعدين .
طريق طويلة
أرجو أن تكون هذه الكلمات المتتاليات في بيان دعوة الخوان المسلمين
قد كشفت للقراء عن غايتهم ,و أبانت لهم و لو إلى حد ما عن مناهجهم
في السير إلى هذه الغاية ,و قد تحدثت من قبل إلى إخواننا الغيورين
على السلم و مجده حديثا طويل هو أشبه بهذه الكلمات التي رآها القراء
تحت عنوان ) :إلى أي شيء ندعو الناس (
و لقد أصغى إلى من حدثتهم إصغاء مشكورا ,و كنا نتفهم القول تباعا أول
فأول ,حتى خرجنا من المحادثة مقتنعين تماما بشرف الغاية و نجاح
الوسيلة ,و كم كانت دهشتي عظيمة حين رأيت منهم شبه إجماع على أن
هذه السبيل مع التسليم بنجاحها طويلة ,و أن التيارات الجارفة الهدامة
في البلد قوية ,مما يجعل اليأس يدب إلى القلوب و القنوط يستولي على
النفوس ,و حتى ل يجد القراء الكرام هذا الشعور الذي وجده أولئك
المتحدثون من قبل ,أحببت أن تكون هذه الكلمات مفعمة بالمل ,فياضة
باليقين في النجاح إن شاء الله ,و لله المر من قبل و من بعد ,و
سأحصر الموضوع في نظرتين إيجابيتين :
نظرة اجتماعية
يقول علماء الجتماع إن حقائق اليوم هي أحلم المس ,و أحلم اليوم هي
حقائق الغد ,و تلك نظرة يؤيدها الواقع و يعززها الدليل و البرهان ,بل
هي محور تقدم النسانية و تدرجها مدارج الكمال ,فمن ذا الذي كان
يصدق أن يصل العلماء إلى ما وصلوا إليه من المكتشفات و المخترعات
قبل حدوثها ببضع سنين ,بل إن أساطين العلم أنفسهم أنكروها لول
عهدهم بها ,حتى أثبتها الواقع و أيدها البرهان ,و المثل على ذلك كثيرة ,
و هي من البداهة بحيث يكفينا ذلك عن الطالة بذكرها .
نظرة تاريخية
وإن نهضات المم جميعًا ،إنما بدأت على حال من الضعف يخّيل للناظر
إليها ،أن وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال.
ومع هذا الخيال ،فقد حدثنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة والناة
وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشأة ،القليلة الوسائل ،إلى ذروة ما
دق أن يرجوه القائمون بها ،من توفيق ونجاح ،ومن ذا الذي كان يص ّ
الجزيرة العربية وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة تنبت النور والعرفان،
وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي على أعظم دول العالم؟ ومن ذا
الذي كان يظن أن أبا بكر صاحب القلب الرقيق اللّين ،وقد انتقض الناس
عليه ،وحار أنصاره في أمرهم ،يستطيع أن يخرج في يوم واحد أحد عشر
وم المعوج ،وتؤدب الطاغي وتنتقم من المرتدين، جيشًا ،تقمع العصاة وتق ّ
وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟ .ومن ذا الذي كان يصدق أن
هذه الشيعة الضئيلة المستترة من بني علي و العباس تستطيع أن تقلب
ذلك الملك القوي الواسع الكناف ما بين عشية وضحاها ,و هي ما كانت
في يوم من اليام إل عرضة للقتل و التشريد و النفي و التهديد ؟ .ومن ذا
الذي كان يظن أن صلح الدين اليوبي يقف العوام الطوال ،فيرد ّ ملوك
أوروبا على أعقابهم مدحورين ،مع توافر عددهم وتظاهر جيوشهم ،حتى
اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكا ً من ملوكهم الكابر؟
ذلك في التاريخ القديم ،وفي التاريخ الحديث أروع المثل على ذلك ،فمن
كان يظن أن الملك عبد العزيز آل سعود ،وقد نفيت أسرته وشّرد أهله
ل ،ثم يكون بعد ذلكسلب ملكه ،يسترد هذا الملك ببضعة وعشرين رج ً و ُ
أمل من آمال العالم السلمي في إعادة مجده وإحياء وحدته؟ ومن كان ً
يصدق أن ذلك العامل اللماني) هتلر ( يصل إلى ما وصل إليه من قوة
1النفوذ و نجاح الغاية ؟
هل هناك طريق أخرى؟
و ثم نظرتان سلبيتان تحدثان النتيجة بعينها و توجهان قلب الغيور إلى
العمل توجيها صحيحا .
أولهما :أن هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها في بناء النهضات
بناء صحيحا و قد أثبتت التجربة صحة هذه النظرية .
الواجب أول
و ثانيتهما :أن العامل يعمل لداء الواجب أول ,ثم للجر الخروي ثانيا ,ثم
للفادة ثالثا ,و هو إن عمل فقد أدى الواجب ,و فاز بثواب الله ما في
ذلك من شك ,متى توفرت شروطه ,و بقيت الفادة و أمرها إلى الله ,
فقد تأتي فرصة لم تكن في حسابه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات ,
على حين إنه إذا قعد عن العمل فقد لزمه إثم التقصير ,و ضاع منه أجر
الجهاد و حرم الفادة قطعا ,فأي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا ؟ و قد
أشار القرآن الكريم إلى ذلك في صراحة و وضوح في الية الكريمة :
ظون قَوما الله مهل ِك ُه َ ُ
ذاًبا م عَ َ معَذ ّب ُهُ ْ
م أوْ ُ ُ ُ ْ ُ ْ م ت َعِ ُ َ ْ ً م لِ َ من ْهُ ْ
ة ّ
م ٌتأ ّ>) <bوَ إ ِذ َ َقال َ ْ
َ
ما ذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ أن َ
جي َْنا سوا ْ َ ن ,فَل َ ّ
ما ن َ ُ قو َ م وَل َعَل ّهُ ْ
م ي َت ّ ُ معْذَِرةً إ َِلى َرب ّك ُ ْدا َقاُلوا ْ َ دي ً ش ِ َ
كاُنوا ْ موا ْ ب ِعَ َ َ
ما َ س بِ َب ب َِئي ٍذا ٍ ن ظ َل َ ُ ذي َ خذ َْنا ال ّ ِ سوِء وَأ َ ن ال ّ ن عَ ِ ن ي َن ْهَوْ َ ذي َال ّ ِ
ن( )العراف<b/> .(165-164: قو َ س ُف ُ يَ ْ
قصة أمة تتكون
ضعف
نحن الن أمام جبار متكبر يستعبد عباد الله و يستضعفهم و يتخذهم خدما
و حشما و عبيدا و خول ,و بين شعب من الشعوب الكريمة المجيدة
استعبده ذلك الطاغية الجبار ,ثم أراد الله تبارك تعالى أن يعيد لهذا
الشعب المجيد حريته المسلوبة و كرامته المغصوبة و مجده الضائع و عزه
البائد ,فكان أول شعاع من فجر حرية هذا الشعب إشراق شمس زعيمه
العظيم )موسى ( على الوجود طفل رضيعا :
ن
ن ,إِ ّ مُنو َ قوْم ٍ ي ُؤْ ِ حق ّ ل ِ َ ْ
ن ِبال َ سى وَفِْرعَوْ َ مو َ من ن ّب َإ ِ ُك ِ >) <bن َت ُْلوا عَل َي ْ َ
ف َ َ َ
م ي ُذ َب ّ ُ
ح من ْهُ ْ
ة ّ ف ً
طائ ِ َ ضع ِ ُ ست َ ْ ل أهْل ََها ِ
شي ًَعا ي َ ْ جع َ َ ض وَ َ عل ِفي الْر ِ ن َ فِْرعَوْ َ
َ
ن عَلى َ ْ َ َ
م ّ ريد ُ أن ن ّ ُ ن ,وَن ُ ِ دي َ س ِف ِ م ْ
ن ال ُ م َ
ن ِه كا َ م إ ِن ّ ُساءهُ ْ حِيي ن ِ َ ست َ ْ
م وَي َ ْ أب َْناءهُ ْ
فوا في ال َرض ونجعل َه َ
ن ل َهُ ْ
م مك ّ َ م ال ْ َ
وارِِثين وَن ُ َ جعَل َهُ ُ
ة وَن َ ْ
م ً
م أئ ِ ّ
ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ ِ ضع ِ ُ
ست ُ ْ
نا ْ ال ّ ِ
ذي َ
ض( )القصص<b/> .(5-3: َ
ِفي الْر ِ
زعامة
و نحن بعد هذا أمام هذا الزعيم و قد بلغ أشده و استوى ,و تولته العناية
اللهية ,بعد أن أنفت نفسه الظلم و عافت الضيم ,ففر بنفسه و هرب
بحريته ,حيث اصطنعه الله لنفسه و حمله عبء رسالته ,و أسند إليه
خلص شعبه ,فآب مملوءا باليمان مؤيدا باليقين ,يواجه ذلك الجبار
فيطلب إليه أن يعيد إلى شعبه حريته و يترك له كرامته و يؤمن به و
يتبعه .و ما أروع ذلك التهكم المر اللذع حين يحكي القرآن الكريم قول
الرسول العظيم
َ
ل( )الشعراء/> .(22: سَراِئي َ ت ب َِني إ ِ ْ ن عَّبد ّ يأ ْ من َّها عَل َ ّ ة تَ ُ م ٌك ن ِعْ َ>) <bوَت ِل ْ َ
<b
أيها الجبار المتحكم في عباد الله ل عبادك ,هل من النعمة التي تذكرنا بها
و الجميل الذي تسديه إلي أن تستعبد شعبي و تحقر أمتي و تمتهن قومي
؟ إنها صيحة الحق دوت من فم النبي الكريم فزلزلت عرش الجبار و
هزت ملكه :
َ َ َ ْ ن فَ ُ ْ
معََنا ب َِنيل َ س ْ ن أْر ِ ن,أ ْ مي َ ب الَعال ِ ل َر ّ سو ُ قول إ ِّنا َر ُ >) <bفَأت َِيا فِْرعَوْ َ
ل َ ,قا َ َ
تن ,وَفَعَل ْ َ سِني َ ك ِ مرِ َ ن عُ ُ م ْ
ت ِفيَنا ِ دا وَل َب ِث ْ َك ِفيَنا وَِلي ً م ن َُرب ّ َ ل أل َ ْ سَراِئي َإِ ْ
ّ َ ْ
ل فَعَلت َُها إ ِ ً ن َقا َ َ ْ َ ْ ّ َ َ
ن, ضالي َ ن ال ّ م َ ذا وَأَنا ِ ري َ ن الكافِ ِ م َ ت ِ ت وَأن َ فَعْلت َك الِتي فَعَل َ
ن(سِلي َ مْر َ ْ
ن ال ُ م َجعَلِني ِ َ ما وَ َ ْ
حك ً ب ِلي َرّبي ُ م فَوَهَ َ ُ
فت ُك ْ خ ْ ما ِ م لَ ّمنك ُ ْ ت ِ فَرْر ُ فَ َ
)الشعراء<b/> .(21-16:
صراع
و نحن الن نشهد غضبة القوة على الحق كيف تثور عليه و تنتقم منه و
تعذب أهله و تقهر مناصريه ,ثم كيف يصبر أهل الحق على كل ذلك ,و
كيف يعللهم رؤساؤهم بالمال الحلوة و الماني العزبة حتى ل يجد الخور
إلى نفوسهم سبيل :
َ
دوا ِفيْ س ُف ِ ه ل ِي ُ ْ
م ُ سى وَقَوْ َ مو َ ن أت َذ َُر ُ عو َ من قَوْم ِ فِْر َ مل ُ ِ ل ال ْ َ>) <bوََقا َ
َ ك َوآل ِهَت َ َ ض وَي َذ ََر َ ال َْر
م وَإ ِّنا فَوْقَهُ ْ
م ساءهُ ْ حِيـي ن ِ َ ست َ ْ
م وَن َ ْل أب َْناءهُ ْ قت ّ ُ سن ُ َ
ل َ ك َقا َ ِ
ض للهِ ُيورِث َُها مهِ است َِعيُنوا باللهِ واصبروا ْ إ ّ َ ن َ ,قا َ َقاهُِرو َ
ن الْر َ ِ َ ْ ُِ ِ ْ قوْ ِ سى ل ِ َ مو َ ل ُ
ن( )العراف<b/> . (128-127: قي َ مت ّ ِ ة ل ِل ْ ُ
عَبادِهِ َوال َْعاقِب َ ُ ن ِ م ْشاء ِ من ي َ َ َ
إيمان
و ما أروع أن نشهد ذلك النموذج الخالد من الثبات و الصبر ,و
الستمساك بعروة الحق ,و الستهانة بكل شيء حتى الحياة في سبيل
اليمان و العقيدة من أتباع هذا الزعيم الذين آمنوا بدعوته ,و قد تحدوا
هذا الجبار في استهانة و استماتة :
َ
مّنا ب َِرب َّنا
حَياةَ الد ّن َْيا ,إ ِّنا آ َضي هَذِهِ ال ْ َ ق ِما ت َ ْض إ ِن ّ َ
ٍ ت َقا ما أن َ ض َ >َ) <bفاقْ ِ
َ َ
قى( )طه-72: خي ٌْر وَأب ْ َ ه َحرِ َوالل ُ س ْن ال ّ
م َما أك َْرهْت ََنا عَل َي ْهِ ِ خ َ
طاَياَنا وَ َ فَر ل ََنا َ
ل ِي َغْ ِ
<b/> . (73
انتصار
فإذا رأينا كل ذلك رأينا عاقبته في القسم الخامس و ما أدراك ما هي ؟
فوز و فلح و انتصار و نجاح و بشرى تزف إلى المهضومين ,و أمل يتحقق
للحالمين ,و صيحة الحق المبين تدوي في آفاق الرض :
َ
م( )طه<b/> . (80: ن عَد ُوّك ُ ْ
م ْ جي َْنا ُ
كم ّ ل قَد ْ أن َ
سَراِئي َ
>َ) <bيا ب َِني إ ِ ْ
هل نحن قوم عمليون؟
Bekerja yang Kaum Kita dakahA
حيـم ِ
ن الّر ِ
مــ ِ
ح َ
ســـم ِ اللهِ الّر ْ
ِبـ ْ
قد أجبنا في الرسالة السابقة )إلى أي شئ ندعو الناس(عن سؤال يتردد
كثيرا علي أفواه كثير من الناس ,فهم كانوا يسألون دائما كلما دعاهم داع
إلى تشجيع )جماعة الخوان المسلمون( والي أي شيء تدعو جماعة
الخوان المسلمون؟ وأحسبني أوضحت مبادئ هذه الدعوة بما يجعل
الجواب علي هذا السؤال واضحا ل لبس فيه ول غموض ,وأظنني أجملت
لهؤلء السائلين مبادئ هذه الدعوة في الكلمة الولى ثم فصلتها في
الكلمات التي تلتها فلم يبق عذر للذي يريد أن يتعرف حقيقة دعوة
الخوان إجمال وتفصيل .
مؤسسـات ومشـاريع
يعتقد كثير من إخواننا أن الجماعة العملية هي التي تقوم بعمل
المشروعات العامة النافعة وتترك في مقرها أثرا ً خالدا ً من المؤسسات
المفيدة .وسنجاريهم في هذا المقال ،ونزن "جماعة الخوان المسلمين "
بهذا الميزان ،ولنا في الكلمات التالية إن شاء الله تعالى ميزان آخر ـ نزن
به جماعتنا ونقدر به الجهود العملية ـ قد يكون في باب نهضات المم أصح
تقديرا ً وأدق تعبيرا ً من ميزان اليوم ،وكل ً وعد الله الحسنى .
انتشرت فكرة الخوان المسلمين فيما يزيد علي خمسين بلدا ً من بلدان
القطر المصري وقامت في كل بلد من هذه البلدان تقريبا ً بمشروع نافع أو
مؤسسة مفيدة ،فأنت تراها في السماعيلية قد أسست مسجد الخوان
المسلمين ونادي الخوان المسلمين وأنشأت معهد حراء السلمي لتعليم
البنين ومدرسة أم المؤمنين ..
وفي شبراخيت قد أسست كذلك مسجد الخوان ونادي الخوان ومعهد
حراء ،وأقامت بجوار هذه العمارة الفخمة دارا ً للصناعة يتعلم فيها طلبه
المعهد الذين ل يستطيعون إتمام التعليم وتريد الجمعية أن تهيئ لهم سبيل
الحياة العملية بتخريجهم صناعا ً مثقفين وعمال ً مهذبين ..
وفي محمودية البحيرة قامت بمثل ذلك ،فأنشأت منسجا ً للنسيج والسجاد
إلى جوار معهد تحفيظ القرآن بدار نادي الخوان المسلمين الرحيب ..
وفي المنزلة دقهلية معهد لتحفيظ القرآن ظهرت ثمرته رغم قصر المدة ،
وها هو يقدم لنا حفاظا ً متقنين في هذه الفترة الوجيزة التي أنشئ فيها
..وقل مثل ذلك أو بعضه ـ ول لزوم للتكرار ـ في كل شعبة من شعب
الخوان المسلمين المنتشرة في أنحاء القطر المصري من إدفو إلى
السكندرية ..
ً
وفي كثير من جمعيات الخوان المسلمين تجد لجانا تطوعت للمصالحات
بين الفراد والسر المتخاصمة ,يجري الله علي يديها خيرا ً كثيرا ً ويحل بها
من المشاكل ما شغل القضاء مدة طويلة ..
وفي كثير منها لجان للصدقات تتفقد البائسين والمعوزين في المواسم
والعياد وغيرها ,وتحاول بذلك القيام بواجب رعاية هؤلء من جهة ورد
شرين عنهم من ناحية أخري .. غائلة ذئاب المب ّ
وفي كثير منها لجان للوعظ والتذكير في المجتمعات التي ل يظن أن
تكون مجامع وعظ كالمقاهي والندية العامة وحفلت الفراح والتعزية
ونحوها ..
وفي كثير منها ول سيما في النواحي القروية لجان تطوعت للشراف علي
المرافق العامة في القرية من ترميم المساجد وتنظيف الشوارع وإضاءة
الطرقات والسعي في إيجاد المشافي المتنقلة ،وما إلى ذلك من كل ما
يعود علي القرية بفائدة في دينها ودنياها ..
وفي كثير منها لجان لمحاربة العادات الفاسدة والجهالت المنتشرة في
البيئات البعيدة عن مناهل العلم كالزار ونحوه ،وإلي جانبها لجان لحياء
السنن والفرائض التي نسيها الناس بالعمل ل بالقول :كجمع زكاة الحبوب
في مخزن خاص وتوزيعها بمعرفة الجماعة علي المستحقين بدون محاباة
ول تحيز ،كما فعلت ذلك دائرة الخوان ببرمبال القديمة مث ً
ل..
وفي القاهرة أنشئت "جريدة الخوان المسلمين " السبوعية ،ولم تمض
فترة وجيزة قليلة حتى وجدت إلى جانبها "مطبعة الخوان المسلمين "
وكل ذلك في وقت لم يتجاوز عامًا..
ولقد كان لجماعة الخوان المسلمين في حركة التبشير الخيرة بل في كل
وقت عمل جليل في دفع خطر التبشير عن المستضعفين والفقراء وأبناء
المة ،فبيوت الخوان ليوائهم ،ودور صناعاتهم مستعدة لتعليمهم ،
ومدارسهم ترحب قبولهم ولجانهم تحذر الناس من شرور هؤلء المضللين
الذين يخادعون الناس عن عقائدهم ويستغلون الفقر والمرض في
إضللهم وإذللهم .
تلك بعض آثار جماعة الخوان المسلمين العملية ،ول أذكر لك الدروس
والمحاضرات والخطب والمقالت والوفود والرحلت والمجامع والزيارات ،
فلعل هذه في عرف الناس وسائل قولية ،وقد قلنا حتى مللنا القول
وتكلمنا حتى سئمنا الكلم ولم يبق إل أن نعمل .
ولعلك تعجب حين تعلم أن جماعة الخوان المسلمين التي قامت بهذه
العمال العظيمة لم تأخذ إعانة حكومية مرة من المرات ،ولم تستعن
بمال هيئة من الهيئات اللهم إل خمسمائة جنيه تبرعت بها شركة قناة
السويس للجماعة بمناسبة عمارة المسجد والمدرسة بالسماعيلية .
وإن الناس ليتقولون كثيرا ً ،وليظنون وبعض الظن إثم ،ولينطقون بما
ليس لهم به علم ،وما علينا في ذلك من بأس .وحسبنا أن يعلم الله أن
ذلك بتوفيقه وأنها أموال الخوان الخاصة أنفقت بإخلص فأثمرت وبوركت
وآتت أكلها كل حين بإذن ربها وحسبنا أن نقول لهم في عبارة صريحة
واضحة نتحدى بها كل إنسان وكل هيئة وكل شخص كائنا ً من كان :أن
جماعة الخوان المسلمين لم تستعن في مشروعاتها بغير أعضائها ،وهي
بذلك جد فخورة تجد لذة التضحية ونشوة الفرح بالنفاق في سبيل الله .
ولعلك تعجب كذلك إذا علمت أن الشتراك المالي في جماعة الخوان
المسلمين اختياري
ل إجباري ،وأن العضو الذي يتخلف عن دفع الشتراك ل ينقض ذلك من
وته شيئا ً ،ومع أن هذا نص صريح في القانون الساسي للجماعة حقوق أخ ّ
فان الخوان ـ جزاهم الله خيرا ـ يبادرون إلى التضحية في سبيل الله إذا
دعاهم إليها داعي الواجب ويأتون في ذلك بالعجب العاجب ،وأسمع أحدثك
.
في بناء مسجد السماعيلية ،دعاهم رئيسهم إلى التبرع فقام أحد العضاء
الصناع وتبرع بجنيه ونصف بعد ثلثة أيام ،هو صانع فقير أنى له بهذا
المبلغ ؟ أراد أن يقترض فأبت نفسه وخشي الممالطة ..حاول الحصول
على هذا المبلغ من غير هذا الباب فلم يجد السبيل ميسرة..لم يبق أمامه
إذا إل أن يبيع دراجته التي يركبها من محل عمله ومن محل عمله إلى
منزله وبينهما ستة كيلو مترات ! وفعل ً أنفذ الفكرة وأحضر المبلغ في نهاية
الموعد تماما ً فجمع بين الوفاء بموعده والقيام بتبرعه..
ولحظ رئيس الخوان أنه صار يتأخر عن درس العشاء ول يدركه إل بشق
النفس ،وسأله عن ذلك فلم يجب ،فأجاب عنه صديق عرف سره وأخبر
الرئيس أنه باع عجلته ليفي بتبرعه وأصبح يعود علي رجليه فيتأخر عن
الدرس ،وأكبر الرئيس والخوان هذه الهمة وحيوا فيه هذه الريحية وأقروا
تبرعه كما هو واكتتبوا له في دراجة جديدة خير من دراجته لتكون عنده
ذكرى العجاب بهذا الوفاء .
ت بصلة إلى نفوس السابقين الولين من رجال بمثل هذه النفوس التي تم ّ
السلم الغّر الميامين نهضت فكرة الخوان المسلمين ،ونجحت
مؤسساتهم وتمت مشروعاتهم .
إنهم فقراء ولكنهم كرماء ،إنهم قليلو المال ولكنهم أسخياء النفوس ،
فهم يجودون بالكثير من هذا القليل فيكون كثيرا ً وتباركه نعمة الله فيأتي
بالخير العميم .ولعلي بهذه الناحية قد كشفت ناحية غمضت علي بعض
الذين رأوا جهود الخوان فلم يجدوا يجدوا لنجاحهم سرا ً إل أن يتهموهم
باستجداء الهيئات وخدمة المصالح والغراض ،وهم والحمد لله من ذلك
براء .
وأما بعد ،فهي صفحة من صفحات جهاد الخوان المسلمين العملي نتقدم
زنوا الجماعة بميزان المؤسسات بها إلى الذين يريدون أن ي ِ
والمشروعات .والخوان دائبون في أن تصبح هذه الصفحة صفحات يتألف
منها إن شاء الله تبارك وتعالى كتاب من أعمال الخير البريئة النزيهة
الخالصة لوجه الله تبارك وتعالى .ولعلهم بذلك يفكرون في تشجيع هذه
الجماعة الماضية قدما إلى غايتها تعتمد على ربها وتثق بصدق وعده وهناك
صفحه أخرى سنتحدث عنها إن شاء الله .
إعــداد الرجـال
رأيت في المقال السابق أن "جماعة الخوان المسلمين" كانت في
طليعة الجمعيات المنتجة من حيث المشروعات العامة والمؤسسات
النافعة ..من مساجد ومدارس ،ولجان خير وبر ،ودروس ومحاضرات
وخطب وعظات ،وأندية يتناوبها القول والفعل .
ولكن المم المجاهدة التي تواجه نهضة جديدة وتجتاز دور انتقال خطير ،
وتريد أن تبني حياتها المستقبلة على أساس متين يضمن للجيل الناشئ
الرفاهة والهناءة ،وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب ،في حاجة إلى
بناء آخر غير هذه البنية ...
إنها في مسيس الحادة إلى بناء النفوس وتشييد الخلق وطبع أبنائها
على خلق الرجولة الصحيحة ،حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من
عقبات ويتغلبوا علي ما يعترضهم من مصاعب.
ً
إن الرجل سر حياة المم ومصدر نهضاتها وإن تاريخ المم جميعا إنما هو
تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين القوياء النفوس والرادات .وإن
قوة المم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر
فيهم شرائط الرجولة الصحيحة .وإني اعتقد ـ والتاريخ يؤيدني ـ أن الرجل
الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته ،وفي وسعه أن يهدمها
كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم ل ناحية البناء ..
وإن المم تجتاز أدوار من الحياة كتلك الدوار التي يجتازها الفراد علي
السواء :فقد ينشأ هذا الفرد بين أبوين مترفين آمنين ناعمين فل يجد من
مشاغل الحياة ما يشغل باله ويؤلم نفسه ول يطالب بما يرهقه أو يضنيه ،
وقد ينشأ الفرد الخر في ظروف عصبيه وبين أبوين فقيرين ضعيفين فل
يطلع عليه فجر الحياة حتى تتكدس علي رأسه المطالب وتتقاضاه
الواجبات من كل جانب وسبحان من قسم الحظوظ فل عتاب ول
ملمسة .
وقد شاءت لنا الظروف أن ننشأ في هذا الجيل الذي تتزاحم المم فيه
بالمناكب وتتنازع البقاء أشد التنازع وتكون الغلبة دائما ً للقوي السابق ..
وشاءت لنا الظروف كذلك أن نواجه نتائج أغاليط الماضي ونتجرع
مرارتها ،وأن يكون رأب الصدع وجبر الكسر ،وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا ،
واسترداد عزتنا ومجدنا ،وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا ..
وشاءت لن الظروف كذلك أن نخوض لجة عهد النتقال الهوج ،حيث
تلعب العواصف الفكرية والتيارات النفسية والهواء الشخصية بالفراد
وبالمم وبالحكومات وبالهيئات وبالعالم كله ،وحيث يتبلل الفكر وتضطرب
النفس ويقف الربان في وسط اللجة يتلمس الطريق ويتحسس السبيل
وقد اشتبهت عليه العلم وانطمست أمامه الصور ووقف علي رأس كل
طريق داع يدعوا إليه في ليل دامس معتكر وظلمات بعضها فوق بعض ،
حتى ل تجد كلمة تعبر بها عن نفسية المم في مثل هذا العهد أفضل من
"الفوضى" ..
كذلك شاءت لنا ظروفنا أن نواجه كل ذلك وأن نعمل على إنقاذ المة من
الخطر المحدق بها من كل ناحية .
وإن المة التي تحيط بها ظروف كظروفنا ،وتنهض لمهمة كمهمتنا ،
وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها ،ل ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو
تتعلل بالمال والماني .وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف
وصراع قوي شديد :بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب
الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والدعياء
المزيفين .وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد ،والجهد هو التعب
والعناء ،وليس مع الجهاد راحه حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح
يحمد القوم السرى .
وليس للمة عدة في هذه السبيل الموحشة إل النفس المؤمنة والعزيمة
مات وبغير ذلكالقوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والقدام عند المل ّ
تغلب علي أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها.
ومع أن ظروفنا هي ما علمت ..فإن نفوسنا ل تزال تلك النفوس الرخوة
اللينة المترفة الناعمة التي تجرح خديها خطرات النسيم ويدمى بنانها
لمس الحرير .وفتياتنا وفتياننا هم عدة المستقبل ومعقد المل ل يزال
حظ أحدهم أو إحداهن مظهرا فاخرا ً أو أكلة طيبة أو حلة أنيقة أو مركبا ً
فارها ً أو وظيفة وجيهة أو لقبا ً أجوف ،وإن اشترى ذلك بحريته وإن أنفق
عليه من كرامته وإن أضاع في سبيله حق أمته .
وهل رأيت أولئك الشبان الذين تنطق وجوههم بسمات الفتوة وتلوح على
محياهم مخايل النشاط ويجرى في قسماتهم ماء الشباب المشرق
الرقراق وهم يتألمون على أبواب رؤساء المصالح والدواوين بأيديهم
طلبات الوظائف ؟ وهل رأيتهم يتوسلون بالصغير والكبير ويرجون الحقير
والمير ويوسطون حتى سعاة المكاتب وحجاب الوزارات في قضايا
المأرب وقبول الطلبات ؟
هل تظن ـ يا عزيزي القارئ ـ أن هذا الشباب إذا أسعفه الحظ وتحقق له
المل التحق بوظيفة من هذه الوظائف الرسمية يفكر يوما ً من اليام في
تركها أو التخلي عنها في سبيل عزة أو كرامة وإن سيم الخسف وسوء
العذاب ؟
نفوسنا الحالية في حاجة إلى عل ج كبير وتقويم شامل وإصلح يتناول
الشعور الخامد والخلق الفاسد والشح المقيم .وإن المال الكبيرة التي
تطوف برؤوس المصلحين من رجالت هذه المة ،والظروف العصيبة التي
نجتازها تطالبنا بإلحاح بتجديد نفوسنا وبناء أرواحنا بناًء غير هذا الذي أبلته
السنون وأخلقته الحوادث وذهبت اليام بما كان فيه من مناعة وقوة ،
وبغير هذه التقوية الروحية والتجديد النفسي ل يمكن أن نخطو إلى المام
خطوة .
إذا علمت هذا وكنت معي أن هذا المقياس أصح وأدق في نهضات المم
والشعوب فاعلم أن الغرض الول الذي ترمى إليه جمعيات الخوان
المسلمين )التربية الصحيحة ( :تربية المة على النفس الفاضلة والخلق
النبيل السامي ،وإيقاظ ذلك الشعور الحي الذي يسوق المم إلى الذود
على كرامتها والجد في استرداد مجدها وتحمل كل عنت ومشقة في
سبيل الوصول إلى الغاية ..
ولعلك تسأل بعد هذا :وما الوسائل التي اتخذها الخوان المسلمين
لتجديد نفوسهم وتقويم أخلقهم ؟ وهل جرب الخوان هذه الوسائل ؟
وإلى أي مدى نجحت تجربتهم ؟
وموعدنا الكلمات التالية ان شاء الله .
تحديد الوسيلة واعتماد المبدأ
قد علمت أيها القارئ الكريم أن الخوان المسلمين يقصدون أول ما
يقصدون إلى تربية النفوس وتجديد الرواح وتقوية الخلق وتنمية الرجولة
الصحيحة في نفوس المة ،وقد يعتقدون أن ذلك هو الساس الول الذي
تبنى عليه نهضات المم والشعوب .
وقد استعرضوا وسائل ذلك وطرائق الوصول إليه فلم يجدوا فيها أقرب
ول أجدى من الفكرة الدينية استمساك بالهداب )الدين( .
الدين الذي يحيى الضمير ويوقظ الشعور وينبه القلوب ،ويترك مع كل
نفس رقيبا ً ل يغفل وحارسا ً ل يسهو وشاهدا ً ل يجامل ول يحابى ول يضل
ول ينسى ،يصاحبها في الغدوة والروحة والمجتمع والخلوة ،ويراقبها في
كل زمان ويلحظها في كل مكان ،ويدفعها إلى الخيرات دفاعا ً ويدعها عن
َ
المآثم دعا ً ،ويجنبها طريق الذلل ويبصرها سبيل الخير والشر ) <b> :أ ْ
م
يحسبو َ
ن( م ي َك ْت ُُبو َ سل َُنا ل َد َي ْهِ ْ م ب ََلى وَُر ُ واهُ ْ ج َ م وَن َ ْ سّرهُ ْ معُ ِ س َ ن أّنا ل ن َ ْ َ ْ َ ُ َ
)الزخرف<b/> . (80:
الدين :الذي يجمع أشتات الفضائل ويلم أطراف المكارم ويجعل لكل
فضلة جزاء ولكل مكرمة كفاًء ويدعو إلى تزكية النفوس والسمو بها
َ
ها( سا َ ن دَ ّ م ْ ب َ خا َ ها ,وَقَد ْ َ كا َن َز ّ م ْ ح َ وتطعير الرواح وتصفيتها )قَد ْ أفْل َ َ
)الشمس<b/> . (10-9:
الدين :الذي يدعو إلى التضحية في سبيل الحق ،والفناء في إرشاد الخلق
،ويضمن لمن فعل ذلك أجزل المثوبة ،ويد لمن سلك هذا النهج أحسن
الجزاء ,ويقدر الحسنة وان صغرت ويزن السيئة وان حقرت ،ويبدل
الفناء في الحق خلودا ً والموت في الجهاد وجودا ً .
َ واتا ً ب َ ْ َ
معن ْد َ َرب ّهِ ْ حَياٌء ِ لأ ْ م َ ل اللهِ أ ْ سِبي ِ ن قُت ُِلوا ِفي َ ذي َ ن ال ّ ِسب َ ّ ح َ >َ) <bول ت َ ْ
ن( )آل عمران<b/> (169: ي ُْرَزُقو َ
ن
كا َ ن َ ً
شْيئا وَإ ِ ْ س َ ف ٌ م نَ ْ َ ْ
مةِ َفل ت ُظل ُ قَيا َ ْ
سط ل ِي َوْم ِ ال ِ َ ق ْ ْ
ن ال ِ واِزي َ م َ ْ
ض ع ُ ال َ >) <bوَن َ َ
ن( )النبياء<b/> . (47: َ
ل أت َي َْنا ب َِها وَك َ َ قا َمث ْ َ
سِبي َ حا ِ فى ب َِنا َ خْرد َ ٍ ن َ م ْ حب ّةٍ ِ ل َ ِ
الدين:الذي يشترى من المرء هذه الغراض الدنيوية وتلك المظاهر
المادية بسعادة تمتلئ بها نفسه ويهنأ بها قلبه من فضل الله ورحمته
ق( )النحل(96: عن ْد َ اللهِ َبا ٍ ما ِ فد ُ وَ َ م ي َن ْ َ عن ْد َك ُ ْ ما ِ ورضوانه ومحبته َ ) <b> .
><b/
الدين :الذي يجمع كل ذلك ،ثم هو بعد يصافح الفطرة ويمازج القلوب
ويخالط النفوس فيتحد بها وتتحد به ،ويتخلل ذرات الرواح ويساير العقول
فل يشذ عنها ول تنبو عنه ..يهش له الفلح في حقله ،ويفرح به الصانع
في معمله ،ويفهمه الصبي في مكتبه ،ويجد ويجد لذته وحلوته العالم في
بحوثه ،ويسمو بفكرته الفيلسوف في تأملته .وهل رأيت على نفوس
البشر سلطانا ً من الدين ؟ وهل رأيت في تاريخ البشرية أعظم تأثيرا ً في
حياة المم والشعوب منه وهل رأيت للفلسفة والعلماء ما كان من التأثير
البليغ للمرسلين والنبياء ؟
ل وأبيك فإنما الدين قبس من روح الله السارية في ذرات هذه النفوس
وفطرها يضئ ظلمها وتشرق بنوره ويأوي إليها فتهش له .فإذا تمكن منها
كان كل شئ له فداء :
َ َ
مشيَرت ُك ُ ْ م وَعَ ِ جك ُ ْ م وَأْزَوا ُ وان ُك ُ ْ خ َ م وَإ ِ ْ م وَأب َْناؤُك ُ ْ ن آَباؤُك ُ ْ كا َ ن َ ل إِ ْ >) <bقُ ْ
َ َ
ب إ ِل َي ْك ُ ْ
م ح ّ ضوْن ََها أ َ ن ت َْر َ ساك ِ ُ م َ ها وَ َ ساد َ َ ن كَ َ شوْ َ خ َ جاَرةٌ ت َ ْ ها وَت ِ َ مو َ ل اقْت ََرفْت ُ ُ وا ٌم َوَأ ْ
َ ْ
هل مرِهِ َوالل ُ ه ب ِأ ْ ي الل ُ حّتى ي َأت ِ َ صوا َ سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ جَهادٍ ِفي َ سول ِهِ وَ ِ ن اللهِ وََر ُ م َِ
ن( )التوبة<b/> . (24: قي َ س ِفا ِ ْ
م ال َ قوْ َ ْ
دي ال َ ي َهْ ِ
الدين :الذي يسمو بقدسيته وجلله فوق كل نفس ،ويعلو علي كل رأس ،
ويجل عن الختلق ،ويتنزه عن التقليد والمحاكاة ،فيوحد بذلك بين
القلوب ويؤلف بين النفوس ،ويقطع مادة النزاع ،ويحسم أصول الخلف ،
ويزيد ذلك ثباتا ً وقوة بتوجيه القلوب إلى الله وحده ،وصرف النفوس عن
الغراض والمطامع والشهوات واللذائذ ،والسمو بالمقاصد والعمال إلى
مراتب المخلصين الصادقين الذين يبتغون بعملهم وجه الله ل يرجون من
صى ب ِهِ ُنوحا ً ما وَ ّ ن َ شَرعَ ل َك ُ ْ ورائه جزاًء ول شكورا ً َ ) <b> ,
َ َ دي ِ
ن ال ّ م َ م ِ
َ
ن
دي َ موا ال ّ ن أِقي ُ سى أ ْ عي َ سى وَ ِ مو َ م وَ ُ هي َ صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِما وَ ّ ك وَ َ حي َْنا إ ِل َي ْ َ ذي أوْ َ َوال ّ ِ
ه( )الشورى<b/> (13: فّرُقوا ِفي ِ َول ت َت َ َ
الدين :الذي يسمو بالوفاء إلى درجة الشهادة ،ويعده فريضة يسأل بين
يدي الله عنها ،وفضيلة يتقرب بها إلى الله بها ،ودليل ً علي الرجولة
دواعاهَ ُ ما َ صد َُقوا َ ل َ جا ٌ ن رِ َ مِني َ مؤْ ِن ال ْ ُ م َالكاملة والعزيمة الصادقة ِ ) <b> ,
ي
جزِ َ ً
ديل ,ل ِي َ ْ ُ
ما ب َد ّلوا ت َب ْ ِ ن ي َن ْت َظ ُِر وَ َ م ْ م َ من ْهُ ْ
ه وَ ِ حب َ ُضى ن َ ْ ن قَ َ م ْم َ من ْهُ ْ ه عَل َي ْهِ فَ ِ الل َ
م( )الحزاب<b/> . (24-23: صد ْقِهِ ْ ن بِ ِ صادِِقي َ ه ال ّ الل ُ
الدين :مجتمع الفكر الصائبة ومعقد المال المتشعبة ورمز الماني الفردية
والجتماعية والقومية والعالمية وذلك تعبير له تعبير َ) <b> ,وللهِ ال ْعِّزةُ
ن( )المنافقون<b/> . (8: مو َ ن ل ي َعْل َ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ
ن وَل َك ِ ّ مِني َ مؤْ ِ سول ِهِ وَل ِل ْ ُ وَل َِر ُ
رأى قوم أن يصلحوا من أخلق المة عن طريق العلم والثقافة ،ورأى
آخرون أن يصلحوه عن طريق الدب والفن ،ورأي غيرهم أن يكون هذا
الصلح عن طريق أساليب السياسة ،وسلك غير هؤلء طريق الرياضة .
وكل أولئك أصابوا في تحديد معاني هذه اللفاظ أو أخطأوا ،وسددوا أو
تباعدوا ،وليس هذا مجال النقد والتحديد ولكن أريد أن أقول أن الخوان
المسلمين رأوا أن أفعل الوسائل في إصلح نفوس المم ) :الدين(.
ورأوا إلى جانب هذا أن الدين السلمي جمع محاسن كل هذه الوسائل
وبعد عن مساوئها فاطمأنت إليه نفوسهم وانشرحت به صدورهم وكان
أول وسائلهم العملية في تطهير النفوس وتجديد الرواح ) :تحديد الوسيلة
واختيار المبدأ( وعلي هذا الساس وضعت )عقيدة الخوان المسلمين(
مستخلصة من كتاب الله وسنة رسوله ل تخرج عنهما قيد شعرة .وفرض
الخوان علي أنفسهم حفاظها والتزام حدودها وتنفيذ نصوصها والقيام
بتعهداتها .وأعتقد أنها وسيلة عملية في تربية النفوس وتقويم الخلق ،
وبهذه المناسبة أذكر كل أخ مسلم بأن من واجبه أن يحفظ عقيدته ويعمل
َ
ه
قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ علي إنفاذ ما تستلزمه من تعهدات َ) <b> ,يا أي َّها ال ّ ِ
ن( )التوبة<b/> .(119: صادِِقي َ معَ ال ّ كوُنوا َ وَ ُ
منزلة الصــلة
قد علمت ـ أعزك الله ـ أن الخوان المسلمين رأوا في السلم أفضل
الوسائل لتهذيب نفوسهم وتجديد أرواحهم وتزكية أخلقهم ،فاقتبسوا من
نوره عقيدتهم واغترفوا من فيضه مشربهم .وأنت جد عليهم بأن منزلة
الصلة من السلم منزلة الرأس من الجسد ,فهي عماده ودعامته وركنه
وشعيرته ومظهره الخالد وآيته الباقية ,وهى مع ذلك قرة العين وراحة
الضمير وأنس النفس وبهجة القلب والصلة بين العبد والرب ,والمرفأة
تصعد برقيها أرواح المحبين إلى أعلى عليين فتنعم بالنس وترتع في
رياض القدس وتجتمع لها أسباب السعادة من عالمي الغيب والشهادة .
وتلك بارقة تسطع في نفس من قدح زنادها ،وحلوة يستشعرها من
تذوق شهدها ،وهل رأيت بربك أعزب وأحلى وأروع وأجلى من مظهر ذلك
الخاشع العابد الراكع الساجد القانت آناء الليل يحذر الخرة ويرجو رحمة
ربه وقد نامت العيون وهدأت الجفون واطمأنت الجنوب في المضاجع وخل
كل حبيب بحبيبه ونادى منادى العارفين من المحبين :
وبكاؤهن لغير فقدك باطل سهر العيون لغير وجهك ضائع
آه يا أخي ،إن موقفا ً واحدا ً من هذه المواقف أنفع للقلب وأفعل في
النفس وأذكى للروح من ألف عظة قولية وألف رواية تمثيلية وألف
محاضرة كلمية ،وجرب تر ،ولمر ما كان ذلك في لسان القرآن آية
مال َ ن الل ّي ْ ِم َ كاُنوا قَِليل ً ِ نَ , سِني َح ِم ْ
ك ُل ذ َل ِ َكاُنوا قَب ْ َ م َ الحسان ) <b> ,إ ِن ّهُ ْ
ن( )الذريات.<b/> . (18-16: فُرو َ ست َغْ ِ َ
م يَ ْ حارِ هُ ْ س َ
ن ,وَِبال ْ جُعو َ
ي َهْ َ
َ ُ َ ً ً
مي لهُ ْ ف َ خ ِ
ما أ ْ س َ ف ٌ م نَ ْولمر ما كان أجر هؤلء سنيا خفيا َ) <b> ,فل ت َعْل ُ
َ
ن( )السجدة ،<b/> (17:ألم يكن مُلو َ ما َ
كاُنوا ي َعْ َ جَزاًء ب ِ َ ن َن قُّرةِ أعْي ُ ٍم ِْ
عملهم خفيا كذلك ،وهل تصلح الخلوات في حضرة الرقباء؟ وهل يلذ ً
لمحب في غير خلوة نجاء ؟ وهل جزاء الحسان إل الحسان ؟ ولقد حدثوا
أن أبا القاسم الجنيد رؤي بعد وفاته فقيل له :ما فعل الله بك ؟ فقال :
طاحت الشارات وفنيت العبارات وغابت العلوم وضاعت الرسوم وما
نفعنا إل ركيعات كنا نركعها في جوف الليل .
ل تستغرب ـ أيها القارئ الكريم ـ فما نفع القلب خير من خلوة يدخل بها
ميدان فكره ،وما تزكت النفس بأفضل من ركعات خاشعات تجلو القلوب
وتقشع صدأ الذنوب وتغسل درن العيوب وتقذف في القلب نور اليمان
وتثلج الصدر ببرد اليقين .
والمسلمون في هذا العصر أمام الصلة طرائق قدد وطوائف بدد :فمنهم
قوم أضاعوها وأهملوها وتركوها وجهلوها ،وإذا ذكرتهم بأمرها أو خضت
ووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ويحسبونه معهم في شأنها ل ّ
هينا ً وهو عند الله عظيم .
داها ويصفه بالرجعية ول أحب أن أقول أن منهم من ينهي عنها ويحقر من أ ّ
والتأخر والجمود والتقهقر ،وانك لتسمع من هؤلء وأشباههم أذى كثيرا ً
ومزاعم غريبة وكلما تعجب منه وتندهش له وكأنهم لم يسمعوا قول الله
ن( )الماعون: هو َ سا ُم َ صلت ِهِ ْن َ م عَ ْن هُ ْ
ذي َ ن ,ال ّ ِ صّلي َ
م َ ل ل ِل ْ ُ تعالى ) <b> :فَوَي ْ ٌ
<b/> .(5-4
وإنه ليزداد عجبك ويتضاعف اندهاشك حين تعلم أن من الذين يعملون
لدعوة السلم ،ويتصدرون كراسي الدفاع في القضية السلمية ،من
يهمل أمر الصلة ويصغر من شأنها كأن النبي لم يصرح بأنها عماد الدين
وفريضة المؤمنين ،وكأنهم لم يسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم )ليس
بين العبد والشرك إل ترك الصلة فإذا تركها فقد أشرك( .
ولسنا نحاول أن نقنع هؤلء بما هو أوضح من الصبح وأجلي من الضوء
وأظهر من الشمس ،ولكنا نسأل الله لنا ولهم كمال الهداية وتمام
التوفيق .
ونحن بعد هؤلء أمام صنفين من المسلمين :
الغالبية العظمي والكثرة الساحقة ،وهؤلء يؤدون صلة آلية ميكانيكية
ورثوها عن آبائهم واعتادوها بمرور اليام وكر العوام ل يتعرفون أسرارها
ول يستشعرون آثارها ،وحسب أحدهم أن يلفظ الكلمات ويأتي بالحركات
ويسرد الهيئات ثم ينصرف معتقدا ً أنه أدي الفريضة وأقام الصلة وخلص
من العقوبة ونال الثواب ..
هذا وهم ل حقيقة له .وليست هذه القوال والفعال من الصلة إل جسما
روحه الفهم وقوامه الخشوع وعماده التأثر ،وقد ورد في الحديث )إنما
الصلة تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه..الخ ( )ورد من رواية الترمذى
والنسائي(.
ولهذا رأيت أكثر الناس ل ينتفعون بصلتهم ول ينتهون بها عن الفحشاء
والمنكر ،مع أنها لو كملت لثمرت تزكية النفس وتطهير القلب ولمنعت
صاحبها اقتراف الثام وغشيان المحارم .
وصنف ثاني من الناس ـ وهو قليل نادر ـ فهم هذه المعاني من أسرار
الصلة فهو جاد في تحقيقها عامل علي استكمالها ،يصلي بخشوع وتدبر
واطمئنان وتفكر ،ويخرج من صلته وقد تذوق حلوة العبادة وتأثر بمشاعر
الطاعة واستنار بنور الله الذي يتجلى به علي من وصلوا نفوسهم بجلل
معرفته .وفي الحديث ) :من صلي صلة لوقتها وأسبغ وضوءها وأتم
ركوعها وسجودها وخشوعها عرجت وهي بيضاء مصفرة تقول حفظك الله
كما حفظتني ومن صلها لغير وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم ركوعها ول
سجودها ول خشوعها عرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما
ضيعتني ،حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق
فيضرب بها وجهه(.
ولهذا تفاوتت درجات الناس واختلفت ثوابهم وإن اتحدت الصلة شكل
ومظهرا ً وقول وفعل ً .
ولهذا كانت عناية السلف الصالحين رضوان الله عليهم عظيمة بإحضار
قلوبهم في صلواتهم وتمام خشوعهم في عباداتهم .ولهذا كان أول وصف
ن( )المؤمنون: شُعو َ
خا ِ م َ
صلت ِهِ ْ
م ِفي َ ن هُ ْ
ذي َوصف به المؤمنون ) <b> :ال ّ ِ
<b/> . (2
علم الخوان المسلمون هذا فأخذوا أنفسهم به وحاولوا أن يدرجوا عليه
وكان أهم مظهر من مظاهرهم العملية :أن يحسنوا الصلة ،وهم
يعتقدون أنهم بهذا يسلكون أقرب السبل إلى تجديد النفوس وتطهير
َ
ع
م َ
ه َن الل َ
صلةِ إ ِ ّ
صب ْرِ َوال ّ
ست َِعيُنوا ِبال ّمُنوا ا ْنآ َ الرواح َ) <b> ,يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ن( )البقرة<b/> . (153: ري َ
صاب ِ ِ
ال ّ
فيا أيها الخ المسلم :تفهم ذلك جيدا ً ،وكن مثال الحسان في صلتك ،
واعتقد أن أول الخطوات العملية فيها بيننا أن نحسن الصلة والزكاة.
هما فريضتان ،جعلهما الله سياج الملة ومظهر الشريعة ,وقرن بينهما في
كثير من آيات كتابه الكريم تنبيها ً علي عظيم فضلهما وإظهارًالجللة
قدرهما :هما الصلة والزكاة ..فبالولي صلح ما بينك وبين الله ،وبالثانية
صلح مابينك وبين الخلق .وهل في الوجود إل خالق ومخلوق ؟ فإذا صلح
شأنه معهما فقد بلغت غاية الصلح ووصلت إلى ذروة السعادة .
الــزكاة
ولئن كانت الصلة مطهرة النفس وتصفية الروح ،فإن الزكاة مطهرة
خذ ْ م َ
م
كيهِ ْ ة ت ُط َهُّرهُ ْ
م وَت َُز ّ صد َقَ ً
م َ
وال ِهِ ْ
م َ
نأ ْالمال وتصفية الكسب ْ ِ ُ ) <b> :
م( )التوبة<b/> (103: ن ل َهُ ْ
سك َ ٌ صلت َ َ
ك َ ن َ ل عَل َي ْهِ ْ
م إِ ّ ص ّ
ب َِها وَ َ
ولقد جعل الله تبارك وتعالى الصلة والزكاة مظهر اليمان ودليل صحة
َ
موان َتاُبوا وَأَقا ُ العقيدة ،وأشار القرآن في الية الكريمة ) <b> :فَإ ِ ْ
ن( )التوبة ,<b/> (11:وهو دي ِم ِفي ال ّ وان ُك ُ ْ
خ َكاةَ فَإ ِ ْوا الّز َ صلةَ َوآت َ ُال ّ
بمفهومه يدل علي أن من قصر في أداء الصلة والزكاة فليس من الخوان
في الدين .
وكان هذا المعني هو الذي فهمه أبو بكر رضي الله عنه حين قاتل مانعي
الزكاة وأقره عليه صحابة رسول الله وأطلق علي كثير ممن منعوا الزكاة
)المرتدون( :روي الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ) :لما توفي
النبي ،وكفر من كفر من العرب ،قال عمر لبي بكر رضي الله عنهما :
كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ) :أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا ل إله إل الله ،فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إل بحقه
وحسابه علي الله تعالى(؟ فقال أبو بكر :والله لقاتلن من فرق بين
الصلة والزكاة ،فإن الزكاة حق المال .والله لو منعوني عقال ًً كانوا
يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم علي منعها .قال عمر :فوالله ما هو إل
أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق( .وفي
رواية عقال ً )والعناق النثي من ولد المعز ،والعقال الحبل الذي تقيد به
الدابة( .
فانظر يا رعاك الله كيف عبر أبو هريرة رضي الله عنه عن مانعي الزكاة
بقوله ) :كفر من كفر( ،وكيف رأي أبو بكر أن منع الزكاة هدم للدين
يستوجب قتال مانعها وأن شهد أن ل إله إل الله ،وكيف أقر عمر رأي أبي
بكر وعرف أنه الحق .
ولقد توعد الله ورسوله مانعي الزكاة أشد الوعيد ،فقال تبارك وتعالى :
م
شْرهُ ْل اللهِ فَب َ ّ سِبي ِقون ََها ِفي َ ف ُة َول ي ُن ْ ِ ض َف ّ ب َوال ْ ِ ن الذ ّهَ َ ن ي َك ْن ُِزو َ ذي َ>َ) <bوال ّ ِ
َ
م
جُنوب ُهُ ْم وَ ُجَباهُهُ ْوى ب َِها ِ م فَت ُك ْ َ مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ
جهَن ّ َ ح َم يُ ْب أِليم ٍ ,ي َوْ َ ذا ٍ ب ِعَ َ
ن( )التوبة(35-34: ْ
م ت َكن ُِزو َ ُ
ما كن ْت ُ ْ ذوُقوا َ م فَ ُ سك ُْ ف ِ م لن ْ ُ َ
ما كن َْزت ُ ْ ذا َ م هَ َ ُ
وَظُهوُرهُ ْ
> ،<b/وفي الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ) :من آتاه
الله مال ً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا ً أقرع له زبيبتان يطوقه
يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يقول أنا كنزك ( ,والشجاع القرع هو الثعبان
الخطر واللهزمتان هما الشدقان .
وفي الحديث كذلك ):ويل للغنياء من الفقراء يوم القيامة ،يقولون :ربنا
ظلمونا حقوقنا التي جعلت لنا فيقول الله تبارك وتعالى وعزتي وجللي
لدنينكم ولبعدنهم(.
وإنما كان ذلك كذلك لن الزكاة نظام المشروعات وقوام العمال النافعة
وتقويم الفطرة الشحيحة ..تعود السخاء وتدرب علي القصد وتطبع
القلوب علي الحب وتدعو النفوس إلى اللفة وتنزع الغلل والحقاد ،
وتدعو إلى التعاون والتساند في الخيرات وتجنب أصول الشرور والمفاسد
،وتخمد نار الثورات والفتن ..وكل امرئ يولي الجميل محبب ،ومن وجد
الحسان قيدا تقيدا .
والزكاة مهمة من مهمات الحاكم :عليه القيام بجمعها ،وتنظيم تحصيلها
والشراف علي إنفاقها في مصارفها التي جعل الله لها .ولو أن
الحكومات السلمية عنيت بشأن الزكاة لكانت لها موردا ً حلل ً طيبا يغنيها
ً
عن الضرائب الجائرة والمكوس الظالمة ولحيت بذلك فريضة ضائعة
وركنا ً مهمل من أركان السلم .فأما إذا نسيت الحكومات السلمية
واجبها حيال الزكاة جمعا ً وإعطاًء ،فإن على الفراد أن يقوموا بإحياء هذه
الشعيرة وإعادة هذه الفريضة وإخراج حق الله لعيال الله ،فمن قصر في
ذلك فإثمه على نفسه وجريرته على عنقه وجزاؤه أليم عند ربه .
وها أنت ترى أن أفراد المسلمين تغافلوا عن حق الله في أموالهم ولم
يخروا نصيب الفقراء من إيرادهم ،مما قطع العلئق وأكثر الجرائم ولوث
النفوس وزاد أحقادها وأضغانها .
رأى الخوان المسلمون ذلك فأرادوا أن يكونوا الرعيل الول يضربون
للناس المثل عمليا ً في إحياء هذا الركن ،ويبدءون بأنفسهم فيخرجون
زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم ،فإذا نجحوا في ذلك كانوا حجة على
المقصرين ودليل ً للراغبين ودعاة للقاعدين .
وقد سبقت إلى الخير في هذا الشأن برمبال القديمة من أعمال
مديرية الدقهلية بالقطر المصري ،فجمعت الزكاة وصرفتها في مصارفها
التي جاءت بها الية الكريمة :
ة
ف ِ ّ
مؤَل َ ْ َ
ن عَلي َْها َوال ُمِلي َ ْ
ن َوالَعا ِ ْ ت ل ِل ْ ُصد ََقا ُ
كي ِ
سا ِ
م َ
قَراِء َوال َف َ ما ال ّ >) <bإ ِن ّ َ
ن
م َ
ة ِض ً ري َ ل فَ ِسِبي ِ
ن ال ّ ْ م وَِفي الّرَقا ِ قُُلوب ُهُ ْ
ل اللهِ َواب ْ ِ سِبي ِن وَِفي َ مي َب َوالَغارِ ِ
م( )التوبة<b/> .(60: كي ٌح ِ
م َ ه عَِلي ٌ اللهِ َوالل ُ
ولقد كنت عظيم الشفاق شديد الخوف من انقسام الوحدة وانصداع
الكلمة ،لن في المسلمين الن خصال تحول دون اجتماعهم على مثل
هذا الخير ،ول سيما إذا اتصل بالمادة والمال فما بالك إذا كان المشروع
من أساسه ماليا ً ؟ كنت أخشى على إخوان برمبال شح الغنياء وغلهم
أيديهم عن العطاء ..وتهم الظنيين الذين يخلقون لكل شيء عيبا ً ولو كان
هو الكمال مجسما ً ،فيلمزون المطوعين بالرياء ويلمزون الجامعين
بالمحاباة ..وجشع الخذين الذين يود أحدهم أن لو كان ما جمع له كله
ليس من غيره من منصب ..والعادات المتوارثة التي درجنا عليها والتي
تجعل كل بيت ممن بقيت فيهم بقية من المحافظة على إخراج الزكاة
يفضل أن يشرف بنفسه على صرف زكاة ماله ول يؤثر بذلك غيرة مهما
كان في هذا اليثار من فائدة .
كنت أخشى على إخوان برمبال هذه المعوقات الربعة وهي واضحة
ملموسة في مجتمعاتنا مما يبكي ويؤسف ولكن إخوان برمبال وأهل
برمبال كانوا أرفع من ذلك وأسمي فقرت بهم العين وسعدت بهم النفس
واطمأن بعملهم القلب وأثبتوا للناس أن الطهارة ـ إن خالطت نفوسهم ـ
والثقة ـ إن تبودلت بينهم ـ كفيلتان بتذليل كل عقبة .
لقد كان أغنياء برمبال أرفع من أن يمتنعوا عن أداء حق الله إذ داعي
الزكاة بهم أهابا ..ولقد كان فقراء برمبال أرفع من أن تمتد أعينهم إلى
حقوق إخوانهم فما هو إل أن وصل إلى كل منهم ما قسم له من الزكوات
المجموعة حتى سرت نفسه ولهج لسانه بالدعاء للمزكين وللمنظمين ..
ولقد كان إخوان برمبال أحكم وأحزم بتوفيق الله تعالى من أن يدعو للتهم
مجال وللظنة شبهة .فتكونت منهم لجنة أولي لعمل الكشوف
بالمستحقين أخذ عليها العهد والميثاق أل تحابي ول تجامل ول تفشي سرا
ول تظهر عورة ثم تلتها لجنه أخرى للفحص عن هذه الكشوف ومراجعتها
والتثبت من صحتها ثم لجنه ثالثة لتقدير النصبة المستحقة لكل من تثبت
حاجته واستحقاقه ثم لجنه رابعه لمراجعة هذا التقدير وإقراره ثم لجنه
خامسه للقيام بالتوزيع عمليا .وكان هذا النظام الدقيق الموفق مدعاة
إلى العجاب والفرح من كل من شاهدوه أو علموا به أو رأوا آثاره الرضية
في نفوس برمبال وجيران برمبال ..وكان أهل برمبال بعد ذلك أكبر من
العادات وأسمي من القيود فاتبعوا الرشد وأثاروا التعاون وضربوا في ذلك
أروع المثل في تحقيق أمنية كنا نحلم بها من زمن بعيد .
أفلست ترى أيها القارئ بعد هذا البيان أن الخوان المسلمين قوم عمليون
...وأفل يري الخوان المسلمون في ذلك تحقيقا ً لمالهم فيعملوا علي أن
نسمع في القريب عن هذه الخطوات الموفقة في بقية الشعب
َ
ولك ُ ْ
م م ْ
موا ِباللهِ هُوَ َ
ص ُ صلةَ َوآُتوا الّز َ
كاةَ َواعْت َ ِ موا ال ّالنشيطة>) <bفَأِقي ُ
صيُر( )الحج<b/> .(78: م الن ّ ِ موَْلى وَن ِعْ َ
م ال ْ َ
فَن ِعْ َ
الجهـاد عّزنــا
مر السبوع الفائت ولم أناج القراء الكرام فيه بهذه الخطرات التي تمليها
العاطفة ويفيض بها القلب عن جهود الخوان المسلمين .ول أكتم القراء
الكرام أني وجدت لذلك ألم الحرمان ووخز الضمير ل لننا نحب أن نرائي
الناس بعملنا أو نظهرهم علي جهودنا ,فقد يعلم الله أن الخوان
المسلمين يعملون وهم يبتغون وجه الله ويريدون بذلك رضوانه ول
ينتظرون من أحد جزاء ول شكورا ,ويعتقدون أنهم إنما يقومون ببعض ما
يوجبه السلم علي أبنائه ول يزالون بعد مقصرين .وإنما نحب أن نبلغ
الناس دعوتنا ونحدد لهم وجهتنا ونكشف عن حقيقتنا ،لعلنا نجد منهم
أعوانا على الخير وهداة إلى البر فيتضاعف النفع ويقرب المدى وتدنو
الغاية ويتحقق ما نرجو من إصلح شامل وإنقاذ عاجل .
وإن كل يوم يمضي ل تعمل فيه المة عمل ً للنهوض من كبوتها يؤخرها أمدا ً
طويل ً .وإن في دعوة الخوان لو فقهها الناس لمنقذا ً ،وإن في منهاجهم
لو اتبعته المة لنجاحا ً ,وإن في جهودهم لو أعينوا عليها لمل ً ،وما النصر
إل من عند الله العزيز الحكيم .
وبعد فقد ورد في الصحيح ما معناه أن معاذا ً τكان يسير مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال له ) :إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا المر
وذروة السنام منه .إن رأس هذا المر ل إله إل الله وحده ل شريك له
وأن محمدا ً عبده ورسوله ،وإن قوام هذا المر إقامة الصلة وإيتاء الزكاة
وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله .إنما أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة ويشهدوا أن ل إله إل الله وحده ل شريك
له وأن محمدا ً عبده ورسوله ،فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا
دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم علي الله عز وجل ,والذي نفس
محمد بيده ما شحب وجه ول أغبرت قدم في عمل تبتغي به درجات الجنة
بعد الصلة المفروضة كجهاد في سبيل الله ،ول أثقل ميزان عبد كداّبه
تنفق )أي تموت( في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله(.
ذلك تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للسلم وهو أعرف الناس
بالسلم وإن الخوان المسلمين ل يحملون الناس علي غير السلم
ومبادئ السلم ،ول ينهجون إل مناهج السلم وشعاب السلم .
وقد حدثتك عنهم في الصلة والزكاة وما يريدون من أنفسهم ومن الناس
حيالها ،وهي قوام المر ودعامته .فلتحدث إليك الن عن الخوان
المسلمين المجاهدين ،وماذا يريدون من أنفسهم ومن الناس حيال الجهاد
في سبيل الله وهو من السلم ذروة السنام .
ً
من الجهاد في السلم أيها الحبيب :عاطفة حيه قويه تفيض حنانا إلى عز
السلم ومجده ،وتهفو شوقا ً إلى سلطانه وقوته ،وتبكي حزنا ً علي ما
وصل إليه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من مهانة ،وتشتعل ألما ً
علي هذا الحال الذي ل يرضي الله ول يرضي محمدا ً عليه الصلة والسلم
ول يرضي نفسا ً مسلمة وقلبا ً مؤمنا ً .و)من لم يهتم بأمر المسلمين فليس
منهم( كما ورد في الحديث الصحيح .
إن كان في القلب إسلم وإيمان لمثل هذا يذوب القلب من كمد
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن يحملك هذا الهم الدائم
والجوى اللحق علي التفكير الجدي في طريق النجاح وتلمس سبيل
الخلص وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل
وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لمتك منفذا أو تصادف منقذا ً ،ونية
المرء خير من عمله والله يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور .
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تنزل عن بعض وقتك وبعض
مالك وبعض مطالب نفسك لخير السلم وبني المسلمين ..فإن كنت قائدا ً
ففي مطالب القيادة تنفق ،وإن كنت تابعا ً ففي مساعدة الداعين تفعل ،
ماوفي كل خير ,وكل وعد الله الحسني ,والله تبارك وتعالى يقول>َ ) <b
خل ّ ُ َ َ كا َ َ
ل اللهِ َول سو ِ ن َر ُ فوا عَ ْ ن ي َت َ َ بأ ْ ن العَْرا ِ م ََ م ِ حوْل َهُ ْ ن َ م ْ دين َةِ وَ َ م ِ ل ال ْ َ ن له ْ َ ِ َ
ٌ
ة
ص ٌ م َ خ َ م ْ ب َول َ ص ٌ مأ َول ن َ َ م ظَ َ صيب ُهُ ْ م ل يُ ِ ك ب ِأن ّهُ ْ سهِ ذ َل ِ َ ف ِ ن نَ ْ م عَ ْ سه ِ ْ ف ِ ي َْرغَُبوا ب ِأن ْ ُ
ن عَد ُوّ ن َي ْل ً ِإل ُ ُ ْ ُ ً ُ َ
م ْ ن ِ فاَر َول ي ََنالو َ طئا ي ُِغيظ الك ّ موْ ِ ن َ ل اللهِ َول ي َطأو َ سِبي ِ ِفي َ
ْ َ َ
ة
ق ً ف َ
ن نَ َ قو َ ف ُن َ ,ول ي ُن ْ ِ سِني َ ح ِ م ْ جَر ال ُ ضيعُ أ ْ ه ل يُ ِ ن الل َ ح إِ ّ صال ِ ٌ ل َ م ٌ
م ب ِهِ عَ َ ب لهُ ْ ك ُت ِ َ
َ َ ً َ
مان َ س َ ح َ هأ ْ م الل ُ جزِي َهُ ُ م ل ِي َ ْب لهُ ْ ن َواِديا ِإل ك ُت ِ َ قطُعو َ صِغيَرةً َول ك َِبيَرةً َول ي َ ْ َ
ن( )التوبة<b/> . (121-120: َ لو ُ م
كا ُ َ ْ َ
ع ي نوا َ
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تأمر بالمعروف وأن تنهي عن
المنكر ،وأن تنصح لله ورسوله ولكتابه ولئمة المسلمين وعامتهم ،وأن
تدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وما ترك قوم التناصح ال
ذلوا وما أهملوا التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر ال خذلوا <b> ,
ممْري َ َ ن َ سى اب ْ ِ عي َ داوُد َ وَ ِ ن َ سا ِ ل عََلى ل ِ َ سرائي َ ن ب َِني إ ِ ْ م ْ فُروا ِ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ )ل ُعِ َ
ما
س َ من ْك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ ن ُ ن عَ ْ كاُنوا ل ي َت ََناهَوْ َ نَ , دو َ كاُنوا ي َعْت َ ُ وا وَ َ ص ْ ما عَ َ ك بِ َ ذ َل ِ َ
ن( )المائدة<b/> . (79-78: فعَُلو َ كاُنوا ي َ ْ َ
و من الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب :ان تتنكر لمن تنكر لدينه وان
تقاطع من عادي الله ورسوله فل يكون بينك وبينه صله ول معامله ول
مؤاكله ول مشاربه وفي الحديث ) :إن أول ما دخل النقص علي بني
اسرائيل انة كان الرجل يلقى الرجل فيقول :يا هذا اتق الله ودع ما تصنع
فانه ل يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو علي حاله فل يمنعه ذلك أن يكون
أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلو ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض(.
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تكون جنديا ً لله تقف له
نفسك ومالك ل تبقي علي ذلك من شئ .فإذا هدد مجد السلم وديست
كرامة السلم ودوي نفير النهضه لستعادة مجد السلم كنت أول مجيب
مسهُ ْ ف َ ن أ َن ْ ُ مِني َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ م َ شت ََرى ِ ها ْ ن الل َ للنداء وأول متقدم للجهاد ) <b> ,إ ِ ّ
َ َ
ة( )التوبة , <b/> (111:وفي الحديث) :من مات جن ّ َ م ال ْ َ ن ل َهُ ُ م ب ِأ ّ وال َهُ ْ م َوَأ ْ
ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات علي شعبة من النفاق( رواه مسلم وأبو
داود والنسائي .وبذلك يتحقق ما يريد الله من نشر السلم حتى يعم
الرض جميعا ً .
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تعمل علي إقامة ميزان العدل
وإصلح شئون الخلق وانصاف المظلوم والضرب علي يد الظالم مهما كان
مركزه وسلطانه .
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله
عليه وسلم قال ) :أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر(
رواه أبو داود والبخاري بمعناه ،وعن جابر رضي الله عنه :قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم ) :سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل
قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله( رواه ابن ماجه باسناد صحيح .
ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى ان لم توفق إلى شئ من ذلك
كله :أن تحب المجاهدين من كل قلبك وتنصح لهم بمحض رأيك وقد كتب
الله لك بذلك الجر وأخلك من التبعة .ول تكن غير ذلك فيطبع علي قلبك
ضى َول مْر َ فاِء َول عََلى ال ْ َ ضعَ َس عََلى ال ّ ويؤاخذك أشد المؤاخذة ) <b> :ل َي ْ َ
ما عََلى سول ِهِ َ حوا للهِ وََر ُ ص ُذا ن َ َ ج إِ َ حَر ٌ ن َ قو َ ف ُما ي ُن ْ ِ ن َ دو َ ج ُ ن ل يَ ِ ذي َ عََلى ال ّ ِ
َ
كما أت َوْ َ ذا َ ن إِ َ ذي َم َ ,ول عََلى ال ّ ِ حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ ل َوالل ُ سِبي ٍ ن َ م ْ ن ِ سِني َ ح ِ م ْ ال ْ ُ
حَزنا ً َ َ َ
مِع َ ن الد ّ ْ م َض ِ في ُ م تَ ِ وا وَأعْي ُن ُهُ ْ
ْ م عَل َي ْهِ ت َوَل ّ ْ مل ُك ُ ْ ح ِ ما أ ْ جد ُ َ تلأ ِ م قُل ْ َ مل َهُ ْ ح ِ ل ِت َ ْ
َ َ ّ َ َ
ضوا م أغْن َِياُء َر ُ ست َأذُِنون َك وَهُ ْ ن يَ ْ ذي َل عَلى ال ِ سِبي ُ ما ال ّ ن ,إ ِن ّ َ قو َ ف ُما ي ُن ْ ِ دوا َ ج ُ أل ي َ ِ
َ
ن( )التوبة: مو َ م ل ي َعْل َ ُ م فَهُ ْ ه عََلى قُُلوب ِهِ ْ ف وَط َب َعَ الل ُ وال ِ ِ خ َ معَ ال ْ َ كوُنوا َ ن يَ ُ ب ِأ ْ
<b/> . (93-91
وبعد فهذه بعض مراتب الجهاد في السلم ودرجاته فأين الخوان
المسلمون من هذه الدرجات؟
فأما أنهم محزونون لما وصل اليه المسلمون آلمون ،فعلم الله أن أحدهم
يجد من ذلك ما يذيب لفائف قلبة وينال من أعماق نفسة ويحز في قرارة
فؤادة ويمنعة في كثير من الحايين النس بأهله وإخوانه والمتعة بكل ما
في الوجود من لذة وجمال .
وأما انهم يفكرون في سبيل الخلص ،فعلم الله أنه ما من فكرة تحتل
أفكارهم وما من خطة تستهوى عواطفهم وما من شان يشغل عقولهم
كهذا الشان الذي ملك عليهم رؤوسهم وقلوبهم واستبد منهم بشعورهم
وتفكيرهم.
وأما أنهم يبذلون في هذا السبيل وقتا ومال ،فحسبك أن تزور ناديا من
أنديتهم لترى عيونا أذبلها السهر ووجوها أشحبها الجلد وجسوما أضناها
النصب وأخذ منها العياء على أنها فتّية بإيمانها قوية بعقيدتها ،وشبابا
يقضون ليلهم إلى ما بعد انتصافه مكبين على المكتب أو عاكفين على
المناضد وأترابهم في لهوهم وأنسهم ومتعتهم وسمرهم .ورب عين
ه
ل الل ُ ساهرة لعين نائمة وإنما نحتسب ذلك عند الله ولنمتن به ) <b> ,ب َ ِ
يمن عَل َيك ُ َ
ن( )الحجرات<b/> . (17: صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ن إِ ْ ما ِ لي َ م لِ ِ داك ُ ْ ن هَ َ مأ ْ ْ ْ َ ُ ّ
فإذا سألت عن المال الذي ينفق علي دعوتهم فما هو إل مالهم القليل
يبذلونه في سخاء ورضاء وراحة وطمأنينة .وإنهم ليحمدون الله إذ ترقت
تضحيتهم بالمال من درجة السخاء بكماليات العيش إلى درجة القتصاد
حش ّن ُيوقَ ُ م ْ من ضرورياته وإنفاق ما يقتصد في سبيل الدعوة ) <b> ,وَ َ
ن( )الحشر , <b/> (9:ما أسعدنا أن يقبل الله حو َ فل ِ ُ م ْم ال ْ ُ ك هُ ُ سهِ فَُأول َئ ِ َ ف ِ نَ ْ
منا ذلك وهو منه وإليه .
وأما أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر :فقد بدأوا في ذلك
بأنفسهم ثم بأسرهم وبيوتهم ثم بإخوانهم وأصدقائهم وهم يتذرعون في
ذلك بالصبر والناه والحكمة والموعظة وهل تري جريدتهم هذه إل مظهرا ً
من مظاهر المر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل تري عظاتهم
وأقوالهم إل سبيل ً في هذه السبيل ؟ وأما ما بقي من درجات الجهاد
فواجب الجماعة فعلي الجماعة أن تجيب ,وإن الخوان المسلمين في
ذلك الرعيل الول ل يدخرون وسعا ً ول يحتجزون جهدا ً ،وهم يعلمون
منزلة ذلك من السلم ويعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :من
لقي الله بغير اثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة( رواه الترمذي وابن ماجه .
وهم يسألون الله أن يوفقهم إلى لقائه وليس بهم ثلمات .وقد قال الله
ن( )النساء/> (84: مِني َ مؤْ ِ ض ال ْ ُ
حّر ِ س َ
ك وَ َ ف َ تعالى لنبيه ) <b> :ل ت ُك َل ّ ُ
ف ِإل ن َ ْ
، <bوإنا لنرجوا أن نكون بذلك قد أبلغنا الجماعة ،وأن يكون هذا الصوت
قد وصل إلى نفوسهم فوجد منها خصوبة يزداد بها عدد العاملين وتنتظم
ه سب ُل ََنا وَإ ِ ّ
ن الل َ دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ
م ُ جاهَ ُن َ معها صفوف المجاهدين>َ) <bوال ّ ِ
ذي َ
ن( )العنكبوت<b/> .(69: سِني َ
ح ِ معَ ال ْ ُ
م ْ لَ َ
حــق القرآن
ما رأيت ضائعا ً أشبه بمحتفظ به ول مهمل ً أشبه بمعني بشأنه من القرآن
الكريم في أمتنا هذه :أنزل الله القرآن الكريم كتابا ً محكما ً ونظاما ً شامل ً
ن
م ْ
ن ي َد َي ْهِ َول ِ
ن ب َي ْ ِ
م ْ وقواما ً لمر الدين والدنيا ) <b> ,ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ
ل ِ
ميدٍ( )فصلت<b/> . (42: ح ِ
كيم ٍ َ
ح ِ
ن َ
م ْ زي ٌ
ل ِ خل ْ ِ
فهِ ت َن ْ ِ َ
وأعتقد ان أهم الغراض التي تجب علي المة السلمية حيال القرآن
الكريم ثلثة مقاصد :
أولها :الكثار من تلوته ،والتعبد بقراءته ،والتقرب إلى الله تبارك وتعالى
به ..
وثانيها :جعله مصدرا ً لحكام الدين وشرائعه ،منه تؤخذ وتستنبط وتستقي
وتتعلم ..
وثالثها :جعله أساسا ً لحكام الدنيا منه تستمد وعلي مواده الحكيمة تطبق .
تلك أهم المقاصد والغراض التي أنزل الله لها كتابه وأرسل به نبيه وتركه
فينا من بعده واعظا ً مذكرا ً وحكما ً عدل ً وقسطاسا ً مستقيما ً .ولقد فهم
السلف رضوان الله عليهم هذه المقاصد فقاموا بتحقيقها خير قيام ,فكان
منهم من يقرأ القرآن في ثلث ومنهم من يقرأه في سبع ومنهم من يقرأه
في أقل من ذلك أو أكثر .ولقد كان بعضهم إذا شغل عن ورده من القرآن
نظر في المصحف وقرأ بعض اليات الكريمة وقال :حتى ل أكون ممن
اتخذوا هذا القرآن مهجورا ً .فكان القرآن ربيع قلوبهم وورد عباداتهم
يتلونه آناء الليل وأطراف النهار .ورضي الله عن الخليفة الثالث الذي لم
يسل المصحف والحصار علي بابه والسيف علي عنقه
وأنت إذا رجعت إلى سيرهم لم تجد واحدا منهم هجر كتاب الله أو ترك
تلوته أسبوعا ً واحدا فضل
عن شهر كامل فضل عن السنين والعوام .ول أحب أن أطيل عليك بما
أشرقت به كتب السير واستنارت بضوء سناه صحائف كتب التاريخ .وهم
حينما أرادوا أن يستنبطوا أحكام دين الله كان القرآن أول المصادر ،وما
الول إذن ان لم يكن كتاب الله ؟ وها أنت ترى أن المصطفي صلى الله
عليه وسلم قد أقر معاذا حين سأله بم يحكم ،فقال بكتاب الله وبدأ به ثم
ثنا بالسنة المطهرة .وقد علمت أن عمر رضي الله عنه حظر علي كثير
من الصحابة الكرام أن يحدثوا الناس ـ وهم حديثوا عهد بالسلم ـ
بالحاديث والوقائع حتى يفقهوهم في كتاب الله أول ويقفوهم علي حلله
وحرامه .وقد علمت كذلك أن الئمة من صدور التابعين وتابعيهم بإحسان
أمثال سعيد بن المسيب ما كانوا يسمحون للناس بتدوين فتاويهم حذر
النصراف بأقوالهم عن كتاب الله .ولقد مزق سعيد الصحيفة من يد من
دّون إفتاءه وقال :تأخذ كلمي وتدع كتاب الله ثم تذهب تقول قال سعيد
قال سعيد ! عليك بكتاب الله وسنة رسوله .
أفلست ترى من هذا وغيره أن السلف الصالحين رضوان الله عليهم قد
جعلوا كتاب الله تعالى أصل الصول التي يستنبطون منها دين الله
وأحكامه .
وما كانت أحكام الدنيا عندهم ال وفق ما يأمر به ونزول ً علي حكمه ..
حقوق تؤدى وحدود تقام وأحكام تنفذ وأوامر تسري ل إلغاء ولتعطيل ول
تعليل ول تأويل .
كذلك كان ،يوم كان السلم غضا ً طريا ً ،وثمر الدين بالغا ً جنيا ً ،ويوم فهم
المسلمون حكمة وجود القرآن بينهم كما علمهم رب القرآن ونبي القرآن ,
َ ُ ب أ َن َْزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ
ص: ك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر أوُلو الل َْبا ِ
ب( ) ّ مَباَر ٌ
ك ُ >) <bك َِتا ٌ
<b/> .(29
ثم دالت تلك الدولة ،وذهب ماكان للقرآن علي عقول الناس وألبابهم من
صولة ،وسرت في ألسنتهم وعقولهم لوثة العجمة ،فإذا هم في ناحية
والقرأن في ناحية أخرى وبين الناحيتين بعد المشرقين :
فأما التعبد بتلوة القرآن وقرائته آناء الليل وأطراف النهار فالنذر اليسير
منا من عني بذلك وعمل عليه ..وأما بقية المتعبدين فلهم فيما وضعوا
لنفسهم ووضع لهم شيوخهم من أوراد وأحزاب ووظائف وصلوات ما
تركوا به كتاب الله وأحلوه محله حفظا ً و اهتماما ً وتعبدا ً وتلوةً وترديدا ً
وتكرارا ً .
وما نحرم تلوة الوراد الصحيحة ،ول نحول بين الناس والدعية والحزاب
التي ل تخالف ظاهر الشريعة .ولكن نقول لهم :كتاب الله أولى أول ً ،
رتبوا على أنفسكم منه أحزابا ً تصل قلوبكم به وتربط أرواحكم بفيضه
وإشراقه ،ثم اذكروا الله بعد ذلك بما شئتم من الصيغ التي تنطبق علي
أحكام الدين .أما أن تهملوا القرآن جملة وتجعلوا عبادتكم كلها مما
وضعتم لنفسكم أو وضع غيركم لكم فترك لكتاب الله ،وإهمال لحقوقه .
وأما استنباط الحكام منه فقد وقع الناس في جهالة بكتاب الله تجعل
بينهم وبين ذلك حجابا ً كثيفا ً وسدا ًُ منيعا ً ،مما اضطرهم إلى القناعة
بالملخصات والرضا بالتعليقات وقصر هممهم عن السمو إلى ما هو أرقي
من ذلك من الغايات .
وأما تطبيق أحكامه الدنيوية فقد استبدلها القوم بغيرها وأحلوا سواها
محلها ،وجعلوا تشريع الجانب وما وضع الفرنسيون والرومان أساسا ً
لتشريعهم ومصدرا ً لحكامهم .وبذلك تعطلت أحكام كتاب الله وأصبحت
بين المسلمين نسيا ً منسيا ً وفيها ـ علم الله ـ لهم كل خير لو كانوا
يسمعون ..واكتفى المسلمون بعد هذا كله من القرآن الكريم بأن جعلوه
تمائم لمراضهم وزينة لمجتمعاتهم وسلوة في حفلهم وأفراحهم
وأحزانهم .وليتهم إذ جعلوه كذلك أعطوه حقه بل تراهم في محله لهين
غافلين لعبين منصرفين إلى اللغو والحديث واللهو العبث ،والله تبارك
َ
صُتوا ل َعَل ّك ُ ْ
م مُعوا ل َ ُ
ه وَأن ْ ِ ذا قُرِئَ القرآن َفا ْ
ست َ ِ وتعالى يقول ) <b> :وَإ ِ َ
ن( )لعراف<b/> . (204: مو َ
ح ُ
ت ُْر َ
كان القرآن فيما مضى زينة الصلوات فأصبح اليوم زينة الحفلت ،وكان
قسطاس العدالة في المحاكم فصار سلوة العابثين في المواسم وكان
واسطة العقد في الخطب والعظات فسار بواسطة العقد في الحلى
والتميمات ,أفلست محقا ً حين قلت :ما رأيت ضائعا ً أشبه لمحتف ٍ
ظ به
من كتاب الله ! تناقض عجيب في هذا الموقف منا أمام القرآن :أننا
نعظمه ،ما في ذلك شك ..ونذوذ عنه ،ما في ذلك شك ..ونقترب إلى
الله به ما في ذلك شك ،ولكن ياقوم :أخطأتم طريق التعظيم وتنكبتم
سبيل الذود عنه وضللتم عن جادة التقرب إلى الله به .
أليس من الضاعة لكتاب الله أن ترى المراكز التي كان القرآن يعفي منها
عددا ً عظيما ً من القرعة العسكرية صارت اليوم خلوا ً ممن يحفظه ويتقدم
للمعافاه به ؟
أوليس من الضاعة لكتاب الله أن ترى الطالب يدخل الزهر الشريف وهو
يحفظه لن ذلك شرط دخوله ،ثم يخرج منه وقد نسيه لن القرآن لم
يشترط في إجازته بنهاية مدة تعليمه .فتراه إن خرج ليكون إماما ً يصلى
بالناس قصر بهم ،وإن كان واعظا ً استند إلى فقهاء الريف الحافظين في
عظاته ودروسه ،وإن كان محاميا ً أو قاضيا ً لجأ إلى المصحف في تصحيح
ة أضعنا كتاب الله وكأنه
اليات التي يستشهد بها من كتاب الله ! إننا حقيق ً
بيننا كتاب أثري ل يسري مفعوله ول ينفذ حكمه ،وهذا في الحقيقه أصل
ما أصابنا من بلء وشر .
ثم جاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين من
نقلوا هذا النموذج الكامل من جزيرة العرب إلى غيرها من بلدان العالم
لتكون كلمة الله هي العليا ,وحتى ل تكون فتنة ويكون الدين لله.
وأنت إذا رجعت بذاكرتك إلى تاريخ الفرق السلمية ،وإلي الدوار التي
سبقت ،وقارنت قيام الدولة العباسية في الشرق ،ثم إلى نهضة الدول
الحديثة الوربية من فرنسا وايطاليا وروسيا وتركيا ـ سواء في الدور الول
وهو دور تكوين الوحدات وتأسيس الحكومات أو في هذا الدور وهو دور
تكوين المبادىء ومناصرة النظريات ـ لرأيت ذلك يخضع إلى مناهج
معروفة الخطوات تؤدى إلى النتيجة الحتمية التي تعمل لها المة .
أعتقد يا عزيزي أن كل انقلب تاريخى وكل نهضة في أمة تسير طبق هذا
القانون ..حتى النهضات الدينية التي يرأسها النبياء والمرسلون صلوات
الله عليهم ،إل أن هذه النهضات يرسم منهاجها الحق تبارك وتعالى ويهدى
الرسول ومن ورائه قومه ويرشدهم إلى خطوات المنهج خطوة خطوة ،
كل خطوة في وقتها المناسب ،ويؤيدهم في كل ذلك بنصره ..فتكون
النهضة موفقه ل محالة ) <b> ,ك َتب الله ل َغْل ِب َ
ه قَوِ ّ
ي ن الل َ
سِلي إ ِ ّ
ن أَنا وَُر ُ
َ ّ ُ َ َ
زيٌز( )المجادلة , <b/> (21:ومن أين يأتي الخطأ إذا كان واضع المنهجعَ ِ
العليم الخبير ومنفذه معصوم من الزلل محفوظ من الخطأ مؤيد بالتوفيق
ة للعالمين ـ ؟
والنصرـ ومن هنا كانت النبوات رحم ً
هذا كلم أعتقد أن القراء فيه قسمان :قسم درس تاريخ المم وأطوار
نهوضها فهو مؤمن به معتقد له ،وقسم لم تتح له هذه الفرصة فإن شاء
ليعلم أني لم أقل إل الحق وإن شاء وثق فما أريد إل الصلح ما
استطعت .
كان ذلك في النهضات الموفقة ،فهل سارت نهضتنا وفق هذا القانون
الكوني والسنة الجتماعية ..؟
ذلك ما أشك فيه كثيرا ً ،فإني ألحظ أن خلق التسرع المركوز في
طباعنا ،وسرعة التأثر وهياج العواطف الذي يبدو فينا واضحا ً ،وغيرهما
من أسباب اجتماعية وغير اجتماعيه ..جعلت نهضتنا فورات عاطفية تشتد
وتقوى بقوة المؤثر الوقتي وشدته ثم تخمد وتزول كأن لم يكن شىء .
ولئن كانت الغاية التي نعمل لها جميعا ً واضحة معروفة للكثيرين فأنا واثق
من أمرين يلزمان هذه المعرفة :
المر الول :أن الوسائل غير معروفة ول محدودة ،وقد تكون متعاكسة
يخبط بعضها بعضا ً ونحن ل نشعر .
والمر الثاني :أن الصلة منقطعة تماما ً بين السابق اللحق ..يصل السابق
إلى نصف الطريق فإذا جاء اللحق لم يتبعه لنقطاع الصلة بينهم ،فيبدأ
طريقا ً جيدا ً قد يصل فيه إلى مقدار ما وصل سابقه وقد يقصر عنه وقد
يسبق قليل ً ،ولكنه على كل حال ل يصل بالمانة إلى النهاية لن أعمار
الفراد قصيرة بالنسبة لعمار النهضات والشعوب .
وأما بعد ،فبهذه الكلمة تنتهي تلك السلسلة المجملة من الحديث عن
الخوان المسلمين العمليين .وأرجو أن يكون لها أثرها المنشود في نفس
قرائنا الكرام ،فيؤازروا أولئك القوم الذين وقفوا كل شيء في سبيل الله
والدعوة ،وينضموا إليهم ليساهموا معهم في هذه النهضة الموفقة ،التي
يكسب العامل فيها كل يوم نصرا ً جديدا ً ،إن لم يؤده إلى الفتح فسيؤدي
إليه من بعده بفضل مجهوده إن شاء الله :
ن إ َِلى
دو َ
ست َُر ّ
ن وَ َ
مُنو َ ه َوال ْ ُ
مؤْ ِ سول ُ ُم وََر ُ مل َك ُ ْه عَ َ
سي ََرى الل ُ مُلوا فَ َ >) <bوَقُ ِ
ل اع ْ َ
ن( )التوبة<b/> . (105: ُ
ملو َ م ت َعْ َ ُ
ما كن ْت ُ ْ
م بِ َ ُ
شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ْ
ب َوال ّ عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ
َ
منذ ألف و ثلثمائة سنة و سبعين عاما نادى محمد بن عبد الله النبي المي
في بطن مكة و على راس الصفا :
مل ْ ُ َ
ك ه ُ ذي ل َ ُميعا ً ال ّ ِج ِ م َ ل اللهِ إ ِل َي ْك ُ ْ سو ُ س إ ِّني َر ُ ل َيا أي َّها الّنا ُ >) <bقُ ْ
َ
ي
سول ِهِ الن ّب ِ ّ مُنوا ِباللهِ وََر ُ ت َفآ ِ مي ُ حِيي وَي ُ ِ ه ِإل هُوَ ي ُ ْ ض ل إ ِل َ َ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ
ال ّ
ُ
ن( )لعراف/> . (158: دو َم ت َهْت َ ُ مات ِهِ َوات ّب ُِعوهُ ل َعَل ّك ُ ْن ِباللهِ وَك َل ِ َ م ُذي ي ُؤْ ِ ي ال ّ ِم ّ ال ّ
<b
فكانت تلك الدعوة الجامعة حدا فاصل في الكون كله ,بين ماض مظلم ,و
مستقبل باهر مشرق ,و حاضر زاخر سعيد ,و إعلنا واضحا مبينا لنظام
جديد شارعه الله العليم الخبير و مبلغه محمد البشير النذير ,و كتابه القرآن
الواضح المنير ,و جنده السابقون الولون من المهاجرين و النصار ,و
الذين اتبعوهم بإحسان ,و ليس من وضع الناس ,و لكنه صبغة الله ,و من
أحسن من الله صبغة :
ن
م ْدي ب ِهِ َ ْ
جعَلَناهُ ُنوًرا ن ّهْ ِ كن َ َ
ن وَل ِ ما ُ لي َب َول ا ِ ْ
ما الك َِتا ُ ت ت َد ِْري َ ما ُ
كن َ >َ ) <b
ما
ه َ َ
ذي ل ُ ّ
ط اللهِ ال ِ صَرا ِ قيم ٍ ِ , ست َ ِ م ْ ط ّ صَرا ٍ دي إ ِلى ِ َ َ
ك لت َهْ ِ عَبادَِنا وَإ ِن ّ َ ن ِ م ْشاء ِ نّ َ
َ َ
موُر( )الشورى. (53-52: صيُر ال ُ ض أل إ َِلى اللهِ ت َ ِ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ ِفي ال ّ
><b/
أ ـ الربانية .
ب ـ التسامي بالنفس النسانية .
ج ـ تقرير عقيدة الجزاء .
د ـ إعلن الخوة بين الناس .
هـ ـ النهوض بالرجل و المرأة جميعا ,و إعلن التكافل و المساواة بينهما ,
و تحديد مهمة كل منهم تحديدا دقيقا .
و ـ تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة و الملك و العمل و الصحة و الحرية و
العلم و المن لكل فرد و تحديد موارد الكسب .
ز ـ ضبط الغريزتين :غريزة حفظ النفس ,و حفظ النوع ,و تنظيم مطالب
الفم و الفرج
ح ـ الشدة في محاربة الجرائم الصلية .
ط ـ تأكيد وحدة المة و القضاء على كل مظاهر الفرقة و أسبابها .
ي ـ إلزام المة الجهاد في سبيل مبادئ الحق التي جاء بها النظام .
ك ـ اعتبار الدولة ممثلة للفكرة و قائمة على حمايتها ,و مسؤولة عن
تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص ,و إبلغها للناس جميعا .
فالمسلم مطالب بأداء هذه الوجبات ,و النهوض بها كما فصلها النظام
القرآني ,و عليه أل يقصر في شيء منها ,و قد ورد ذكرها جميعا في
القرآن ,و بينتها بيانا شافيا أعمال النبي و أصحابه و الذين اتبعوهم بإحسان
في بساطة و وضوح ,كل عمل فيها أو عدة أعمال تقوي و تركز أو عدة
مبادئ من النظريات السابقة التي جاء هذا النظام لتحقيقها و إفادة الناس
بنتائجها و آثارها .
على قواعد هذا النظام الجتماعي القرآني الفاضل قامت الدولة السلمية
الولى تؤمن به إيمانا عميقا و تطبقه تطبيقا دقيقا و تنشره في العالمين ,
حتى كان الخليفة الول رضي الله عنه يقول ) :لو ضاع مني عقال بعير
لوجدته في كتاب الله ( و حتى أنه ليقاتل مانعي الزكاة و يعتبرهم مرتدين
بهدمهم هذا الركن من أركان النظام و يقول ) :والله لو منعوني عقال كانوا
يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم ما استمسك السيف بيدي ( .
و كانت الوحدة بكل معانيها و مظاهرها شمل هذه المة الناشئة ,فالوحدة
الجتماعية شاملة بتعميم نظام القرآن و لغة القرآن ,و الوحدة السياسية
شاملة في ظل أمير المؤمنين و تحت لواء الخلفة في العاصمة ,و لم يحل
دونها أن كانت الفكرة السلمية فكرة ل مركزية في الجيوش ,و في بيوت
المال ,و في تصرفات الولة ,إذ أن الجميع يعملون بعقيدة واحدة و بتوجيه
عام متحد .
و لقد طردت هذه المبادئ القرآنية الوثنية المخرفة في جزيرة العرب و في
بلد الفرس فقضت عليها ,و طاردت اليهودية الماكرة فحصرتها في نطاق
ضيق و قضت على سلطانها الديني و السياسي قضاء تاما ,وصارعت
المسيحية حتى انحصر ظلها في قارتي آسيا و أفريقيا و انحازت إلى أوربا
في ظل الدولة الرومانية الشرقية بالقسطنطينية ,و تركز بذلك السلطان
الروحي والسياسي بالدولة السلمية في القارتين العظيمتين ,و ألحت
بالغزو على القارة الثالثة تهاجم القسطنطينية من الشرق وتحاصرها حتى
يجهدها الحصار ,و تأتيها من الغرب فتقتحم الندلس وتصل جنودها
المظفرة إلى قلب فرنسا و إلى شمال و جنوب إيطاليا ,و تقيم في غرب
أوربا دولة شامخة البنيان مشرقة بالعلم و العرفان ,و يتم لها بعد ذلك فتح
القسطنطينية نفسها وحصر المسيحية و حصر المسيحية في هذا الجزء
المحدود من قلب أوربا ,وتمخر الساطيل السلمية عباب البحرين البيض
و الحمر فيصير كل منهما بحيرة إسلمية ,وتقبض قوات الدولة السلمية
بذلك على مفاتيح البحار في الشرق والغرب وتتم لها السيادة البرية و
البحرية .
د ـ انتقال السلطة والرياسة إلى غير العرب ،من الفرس تارة ،والديلم تارة
أخرى ،والمماليك والتراك وغيرهم ممن لم يتذوقوا طعم السلم الصحيح،
ولم تشرق قلوبهم بأنوار القرآن لصعوبة إدراكهم لمعانيه ,مع أنهم يقرءون
قول الله تبارك و تعالى :
ْ َ
ما
دوا َخَبال ً وَ ّ م َ م ل ي َأُلون َك ُ ْ
دون ِك ُ ْ
ن ُ
م ْة ِ ذوا ب ِ َ
طان َ ً خ ُمُنوا ل ت َت ّ ِنآ َ ذي َ>َ) <bيا أي َّها ال ّ ِ
خفي صدورهُ َ عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ
م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ
م ُ ُ ُ ْ ما ت ُ ْ ِ م وَ َ
واهِهِ ْ ن أفْ َ ِ ْ َ َ ّ ْ ْ َ َ ِ
ن( )آل عمران<b/> .(118: قلو َُ م ت َعْ ِن ك ُن ْت ُ ْ
ت إِ ْ
اليا ِ
> )<bأ ( محاولت القضاء على المة السلمية <b/>:أخذت هذه العوامل
تعمل في كيان الدولة السلمية و المة السلمية عملها ,و ظنت المم
الموتورة أن قد سنحت الفرصة لتأخذ بثأرها و تقضي على هذه الدولة
السلمية التي فتحت بلدها من قبل ,و غيرت معالم أوضاعها في كل
شؤون الحياة ,فانحدر التتار كالسيل الدافق على الدولة السلمية ,و أخذوا
يقطعون أشلءها جزءا جزءا حتى وصلوا إلى بغداد قلب الخلفة العباسية ,
و وطئوها بنعالهم في شخص الخليفة المستعصم ,و بذلك تبدد شمل الدولة
و انتثر عقد الخلفة لول مرة و تفرقت المم إلى دويلت صغيرة ,فكل
قبيلة فيها أمير المؤمنين و منبر ,و تنبهت المسيحية في أوربا و جمعت
جموعها و قذفت الشرق المسلم في آسيا و أفريقيا بكتائبها في تسع
حملت صليبية اشتملت على خير ما فيها من فرسان و ملوك و عتاد ,و
تمكنت هذه القوات الزاحفة من إقامة دولة صليبية في بيت المقدس و
تهديد أمم السلم في الشرق و الغرب و مهاجمة مصر أقوى هذه الدول إذ
ذاك .
> )<bب ( انتصارات متتالية <b/>:و لكن الله تبارك و تعالى لم يأذن بعد
بانتصار الباطل على الحق ,فاستطاعت مصر أن تجمع حولها فلول بعض
هذه الدويلت و تقذف بهم في نحر الصليبيين بقيادة صلح الدين ,فتستعيد
منهم بيت المقدس و تريهم كيف تكون الهزيمة في حطين ,ثم تقف في
وجه التتار بقيادة الظاهر بيبرس و تردهم على أعقابهم خاسئين في عين
جالوت ,ثم تعيد رسم الخلفة من جديد ,و يريد الله بعد ذلك أن تقوم
للسلم دولة وارفة الظلل قوية البأس شديدة المراس ,تجمع كلمة أهله و
تضم تحت لوائها معظم أممه و شعوبه ,و يأبى لها علو الهمة إل أن تغزو
المسيحية في عقر دارها ,فتفتح القسطنطينية و يمتد سلطانها في قلب
أوربا حتى يصل إلى فيينا ,تلك هي دولة التراك العثمانية .
> )<bد ( هجوم جديد <b/>:و امتدت اليدي الوربية بحكم الكشف و
الضرب في الرض و الرحلة إلى أقصى آفاقها البعيدة ,إلى كثير من بلدان
السلم كالهند و بعض الوليات السلمية المجاورة لها ,و أخذت تعمل في
جد للوصول إلى تمزيق دولة السلم القوية الواسعة و أخذت تضع لذلك
المشروعات الكثيرة تعبر عنها أحيانا بالمسألة الشرقية ,و أخرى باقتسام
تركة الرجل المريض ,و اخذت كل دولة تنتهز الفرصة السانحة و تنتحل
السباب الواهية ,و تهاجم الدولة الوادعة اللهية فتنقص بعض أطرافها أو
تهد جانبا من كيانها ,و استمرت هذه المهاجمة أمدا طويل انسلخ فيه عن
الدولة العثمانية كثير من القطار السلمية ,و وقعت تحت السلطان
الوربي كالمغرب القصى و شمال أوربا و استقل فيه كثير من البلد غير
السلمية التي كانت تحت سلطان العثمانيين كاليونان و دول البلقان ,و
كان الدور الختامي في هذا الصراع الحرب العالمية الولى سنة – 1914
1918م الذي انتهى بهزيمة تركيا و حلفائها و بذلك سنحت الرصة كاملة
لقوى شعوب أوربا ) إنجلترا و فرنسا ( و إلى جوارهما ) إيطاليا ( فوضعت
يدها على هذا الميراث الضخم من أمم السلم و شعوبه ,و بسطت
سلطانها عليها بأسماء مختلفة من احتلل و استعمار و وصاية و انتداب و
تقاسمته على هذا النحو :
> )<bهـ ( إلى القوة من جديد <b/>:و لكن هذا العدوان الصارخ و
الستهتار بالعهود و المواثيق أحرج الصدور و أثار النفوس ,فهبت هذه المم
تطالب باستقللها و تجاهد لسترداد حريتها و مجدها ,و اشتعلت فيها
الثورات لهذا المعنى ,فثارت تركيا و ثارت مصر و ثارت العراق و سوريا و
تكررت الثورات في فلسطين و الريف في بلد المغرب ,و عمت اليقظة
في النفوس كل مكان ,و وصلت شعوب السلم بذلك إلى بعض الحقوق ,
فاستقلت تركيا في حدودها الجديدة ,و اعتبرت مصر و العراق دولتين
مستقلتين ,و قامت في الحجاز و نجد دولة السعوديين ,و حافظت اليمن و
إيران و أفغانستان على وضعياتها ,المستقلة ,و قاربت سوريا أن تسلب
العتراف باستقللها ,و لفتت فلسطين أنظار العالم إليها بكفاحها ,و خطا
المسلمون و ل شك خطوات طيبة و أن كانت قليلة و بطيئة نحو الهداف
الكريمة التي قصدوها من استعادة حريتهم و استرداد مجدهم و بناء
دولتهم ,و لئن اتجهت هذه الخطوات إلى المعنى القومي الخاص و طالبت
كل أمة بحقها في الحرية كأمة مستقلة ,و تعمد كثير من العاملين لهذه
النهضة أن يغفل فكرة الوحدة فإن مصير هذه الخطوات سيكون و ل شك
التجمع و عودة المة السلمية كدولة متحدة تضم شتات شعوب العالم
السلمي و ترفع راية السلم و تحمل دعوته ,فليس في الدنيا أمة يجمعها
ما يجمع المسلمون من وحدة اللغة و الشتراك في المصالح المادية و
الروحية و التشابه في اللم و المال .
و امتد أمام الوربيين رواق العلم و انفسح مجال الختراع و الكشف ,و
ضعفت الماكينة النتاج و وجهت الحياة وجهة صناعية ,و سار ذلك جنبا إلى
جنب مع نشأة الدولة القوية و امتداد سلطانها إلى كثير من البلد و
القطار ,فأقبلت الدنيا على هذه المم الوربية و جبيت إليها ثمرات كل
شيء ,و تدفقت عليها الموال من كل مكان ,فكان طبيعيا بعد ذلك أن
تقوم الحياة الوربية و الحضارة الوربية على قاعدة إقصاء الدين عن
مظاهر الحياة الجتماعية و بخاصة الدولة و المحكمة و المدرسة و طغيان
النظرية المادية و جعلها المقياس في كل شيء ...و تبعا لذلك صارت
مظاهر هذه الحضارة مظاهر مادية بحتة تهدم ما جاءت به الديان
السماوية ،وتناقض كل المناقضة تلك الصول التي قررها السلم الحنيف،
وجعلها أساسا ً لحضارته التي جمعت بين الروحانية والمادية جميعها ،ومن
أهم الظواهر التي لزمت المدنية الوروبية:
1ـ اللحاد والشك في الله وإنكار الروح ونسيان الجزاء الخروي والوقوف
ن ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا هرا ً ِ
م َ ن َ
ظا ِ عند حدود الكون المادي المحسوس) <b> :ي َعْل َ ُ
مو َ
غافُِلو َ
ن( )الروم<b/> .(7: م َ
خَرةِ هُ ْ
ن ال ِ
م عَ ِ
وَهُ ْ
2ـ الباحية والتهافت على اللذة والتفنن في الستمتاع وإطلق الغرائز الدنيا
من عقالها ،وإشباع شهوتي البطن والفرج ،وتجهيز المرأة بكل صنوف
المفاتن والمغريات ،والغراق في الموبقات إغراقا يحطم الجسام والعقول
ن كَ َ
فُروا ويقضي على نظام السر ويهدم سعادة البيوتَ) <b> :وال ّ ِ
ذي َ
ن ك َما ت َأ ْك ُ ُ َ ْ
م( )محمد<b/> .(12: مْثوىً ل َهُ ْ
م َوالّناُر َ
ل الن َْعا ُ ن وَي َأك ُُلو َ َ
مت ُّعو َ
ي َت َ َ
3ـ الثرة في الفراد ،فكل إنسان ل يريد إل خير نفسه ،وفي الطبقات،
فكل طبقة تتعالى على من سواها وتود أن تحظى بالمغانم دونها ،وفي
الشعوب ،فكل أمة تتعصب لجنسها وتنتقص غيرها وتحاول أن تلتهم من هي
أضعف منها.
وقد عمل الوروبيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية ،
بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القتالة ،جميع البلد السلمية التي امتدت
إليها أيديهم ،وأوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم ،مع حرصهم الشديد على
أن يحتجزوا دون هذه المم عناصر الصلح والقوة ،من العلوم والمعارف
والصناعات ،والنظم النافعة ،وقد أحكموا خطة هذا الغزو الجتماعي ،
إحكاما ً شديدا ،واستعانوا بدهائهم السياسي ،وسلطانهم العسكري ،حتى
تم لهم ما أرادوا.
أغروا كبار المسلمين بالستدانة منهم والتعامل معهم ،وسّهلوا عليهم ذلك
ونوه عليهم ،واستطاعوا بذلك أن يكتسبوا حق التدخل القتصادي ،وأن وه ّ
يغرقوا البلد برؤوس أموالهم ومصارفهم وشركاتهم ،وأن يديروا دولب
العمل القتصادي كما يريدون ،وأن يستأثروا دون الهلين بالرباح الطائلة ،
والثروات العظيمة ،وتمكنوا بعد ذلك من أن يغيروا قواعد الحكم والقضاء
والتعليم ،وأن يصبغوا النظم السياسية والتشريعية والثقافية بصبغتهم
الخالصة في أقوى بلد السلم .
وجلبوا إلى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريات ،وخمورهم ومسارحهم
ومراقصهم وملهيهم ،وقصصهم وجرائدهم ،ورواياتهم وخيالتهم ،وعبثهم
ومجونهم ،وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوه في ديارهم ،وزينوا هذه
الدنيا الصاخبة العابثة ،التي تعج بالثم وتطفح بالفجور ،في أعين البسطاء
الغرار من المسلمين الغنياء ،وذوي الرأي فيهم ،وأهل المكان والسلطان
.
ولم يكفهم هذا حتى أنشأوا المدارس والمعاهد العلمية والثقافية في عقر
ديار السلم ،تقذف في نفوس أبنائه الشك واللحاد وتعلمهم كيف ينتقصون
أنفسهم ،ويحتقرون دينهم ووطنهم ،وينسلخون من تقاليدهم وعقائدهم،
ويقدسون كل ما هو غربي ،ويؤمنون بأن ما يصدر عن الوروبيين وحده هو
المثل العلى في هذه الحياة.
واحتوت هذه المدارس على الطبقة العليا وحدها وصارت وقفا ً عليها ،وأبناء
هذه الطبقة هم العظماء والحكام ،ومن سيكون بيدهم بعد قليل مقاليد
المور في هذه المم والشعوب ،ومن لم يتم نضجه في هذه المعاهد
الموضعية ،فإن في البعثات المتلحقة ما يكفل لهم التمام.
ونجح هذا الغزو الجتماعي المنظم العنيف أعظم النجاح ،فهو غزو محبب
إلى النفوس ،لصق بالقلوب طويل العمر ،قوي الثر ،وهو لهذا أخطر من
الغزو السياسي والعسكري بأضعاف الضعاف .
و تغالت بعض المم السلمية في العجاب بهذه الحضارة الوربية و التبرم
بصبغتها السلمية ,حتى أعلنت تركيا أنها دولة غير إسلمية و تبعت
الوربيين بعنف قاس في كل ما يصنعون ,و حاول ذلك أمان الله خان ملك
الفغان فطاحت تلك المحاولة بعرشه ,و ازدادت في مصر مظاهر هذا
التقليد و استفحلت حتى استطاع رجل من ذوي الرأي فيها أن يجهر بأنه ل
سبيل إل الترقي إل بأن نأخذ بهذه الحضارة خيرها و شرها و حلوها و مرها و
ما يحب منها و ما يكره و ما يحمد منها و ما يعاب ,و أخذت تنتقل في
سرعة و قوة من مصر إلى ما جاورها من البلد حتى وصلت إلى أقصى
المغرب ,و طوفت بالمشاعر المقدسة في ربوع الحجاز .
ونستطيع أن نقسم البلد السلمية بحسب تأثرها بهذه الحضارة المادية و
طغيان مادتها عليها إلى ثلثة أقسام :
- 1بلد بلغ هذا التأثر مبلغا عظيما يصل إلى القلوب و المشاعر ,كما غير
الوضاع و المظاهر ,و من هذه البلد تركيا و مصر ,فقد انحسر ظل
الفكرة السلمية في هذه البلد عن كل الوضاع الجتماعية ,و طوردت
الفكرة السلمية لتقبع في المساجد و الزوايا و الربط و التكايا .
- 2بلد تأثرت بهذه الحضارة في أوضاعها و مظاهرها الرسمية ,و لكنها لم
تتغلب فيها على المشاعر القلبية كإيران و بلد المغرب و شمال أفريقيا .
- 3بلد لم تتأثر بهذه الحضارة فيها إل طبقة خاصة من المثقفين و الحكام
دون العامة و الدهماء كسوريا و العراق و الحجاز و كثير من أجزاء الجزيرة
العربية و بقية ممالك السلم .
و مع هذا فالموجة تمتد بسرعة البرق لتصل إلى ما لم تصل إليه بعد من
النفوس و الطبقات و الوضاع .
ولقد استطاع خصوم السلم أن يخدعوا عقلء المسلمين وأن يضعوا ستارا ً
كثيفا ً أمام أعين الغير منهم ،بتصوير السلم نفسه تصويرا ً قاصرا ً في
ضروب من العقائد والعبادات والخلق ،إلى جانب مجموعة من الطقوس
والخرافات والمظاهر الجوفاء ،وأعانهم على هذه الخديعة :جهل المسلمين
بحقيقة دينهم ،حتى استراح كثير منهم إلى هذا التصوير واطمأنوا إليه
ورضوا به ،وطال عليهم في ذلك المد ،حتى صار من العسير أن نفهم
أحدهم أن السلم نظام اجتماعي كامل يتناول كل شؤون الحياة.
نستطيع بعد ذلك أن نقول :إن الحضارة الغربية بمبادئها المادية ،قد انتصرت
في هذا الصراع الجتماعي على الحضارة السلمية ،بمبادئها القويمة
الجامعة للروح والمادة معا ً في أرض السلم نفسه ،وفي حرب ضروس،
ميدانها نفوس المسلمين ،وأرواحهم وعقائدهم وعقولهم ،كما انتصرت في
الميدان السياسي والعسكري ،و ل عجب في هذا ،فإن مظاهر الحياة ل
تتجزأ ،والقوة قوة فيها جميعًا ،والضعف ضعف فيها جميعا ً كذلك<b> :
)وت ِل ْ َ َ
س( )آل عمران ,<b/> (140:وإن كان مبادئ داوِل َُها ب َي ْ َ
ن الّنا ِ م نُ َ
ك الّيا ُ َ
السلم وتعاليمه ظلت قوية في ذاتها فياضة بالخصب والحياة ،جذابة أخاذة
بروعتها وجمالها ،وستظل كذلك ،لنها الحق ولن تقوم الحياة النسانية كاملة
ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر ح ُبغيرها ،ولنها من صنع الله وفي حياطته) <b> :إ ِّنا ن َ ْ فاضلة
َ ْ
م ُنوَرهُ وَل َ ْ
و ن ي ُت ِ ّه ِإل أ ْ ن( )الحجر) <b> , <b/> (9:وَي َأَبى الل ُ حافِ ُ
ظو َ لَ َ هوَإ ِّنا ل َ ُ
ن( )التوبة.<b/> (32: ك َرِهَ ال ْ َ
كافُِرو َ
> )<bأ ( تركة مثقلة <b/>:وهكذا أيها الخوان أراد الله أن نرث هذه
التركة المثقلة بالتبعات ،وأن يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذه الظلم وأن
يهيئكم الله لعلء كلمته وإظهار شريعته وإقامة دولته من جديد :ولينصرن
الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .
> )<bب ( أهدافنا العامة <b/>:ماذا نريد أيها الخوان ؟ أنريد جمع المال
وهو ظل زائل ؟ أم سعة الجاه وهو عرض حائل ؟ أم نريد الجبروت في
الرض :إن الرض لله يورثها من يشاء من عباده العراف .ونحن نقرأ
ن عُل ُوّا ً
دو َ
ري ُ
ن ل يُ ِ جعَل َُها ل ِل ّ ِ
ذي َ خَرةُ ن َ ْ
داُر ال ِ
ك ال ّ قول الله تبارك وتعالي>) <bت ِل ْ َ
َ
ن( )القصص<b/> .(83: قي َمت ّ ِة ل ِل ْ ُ
سادا ً َوال َْعاقِب َ ُ
ض َول فَ َ
ِفي الْر ِ
شهد الله أننا ل نريد شيئا ً من هذا وما لهذا عملنا ول إليه دعونا ،ولكن
اذكروا دائما أن لكم هدفين أساسيين :
- 1أن يتحرر الوطن السلمي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي
لكل إنسان ،ل ينكره إل ظالم جائر أو مستبد قاهر .
- 2أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلمية حرة تعمل بأحكام السلم
وتطبق نظامه الجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة الناس
،وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعا ً آثمون مسؤولون بين يدي
الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادهم .ومن
العقوق للنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولة تهتف
بالمبادئ الظالمة وتنادي بالدعوات الغاشمة ول يكون في الناس من يعمل
لتقوم دولة الحق والعدالة والسلم .
نريد تحقيق هذين الهدفين في وادي النيل وفي بلد العروبة وفي كل أرض
أسعدها الله بعقيدة السلم :دين وجنسية وعقيدة توحد بين جميع
المسلمين .
> )<bج ( أهدافنا الخاصة <b/>:ولنا بعد هذين الهدفين أهداف خاصة ل
يصير المجتمع إسلميا ً كامل ً إل بتحقيقها .فاذكروا أيها الخوان أن أكثر من
%60من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان ،ول يحصلون علي
القوت إل بشق النفس ،وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة ومعرضة لكثير من
المشكلت القتصادية التي ل يعلم نتيجتها إل الله ،وأن مصر بها أكثر من
230شركة أجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع
أنحاء البلد ،وأن دولب التجارة والصناعة والمنشآت القتصادية كلها في
أيدي الجانب المرابين ،وأن الثروة العقارية تنتقل بسرعة البرق من أيدي
الوطنيين إلى أيدي هؤلء ،وأن مصر أكثر بلد العالم المتمدين أمراضا ً
وأوبئة وعاهات ،وان أكثر من %90من الشعب المصري مهدد بضعف
البنية وفقد الحواس ومختلف العلل و المراض ،وأن مصر ل زالت إلى الن
جاهلة لم يصل عدد المتعلمين فيها إلى الخمس بما في ذلك أكثر من مائة
ألف شخص ل يتجاوز تعليمهم برامج مدارس اللزام ،وأن الجرائم تتضاعف
في مصر وتتكاثر بدرجة هائلة حتى أن السجون لتخرج أكثر مما تخرج
المدارس ،وأن مصر لم تستطع إلى الن أن تجهز فرقة واحدة في الجيش
كاملة المعدات ،وأن هذه المعاني والصور تتراءى في كل بلد من بلدان
العالم السلمي ،فمن أهدافكم أن تعملوا لصلح التعليم ومحاربة الفقر
والجهل والمرض والجريمة وتكوين مجتمع نموذجي أن ينتسب إلى شريعة
السلم.
> )<bد ( وسائلنا العامة <b/>:كيف نصل إلى هذه الهداف ؟ إن الخطب
والموال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء
كل ذلك وحده ل يجدي نفعا ً ول يحقق غاية ول يصل بالداعين إلى هدف من
الهداف ؛ ولكن للدعوات وسائل ل بد من الخذ بها والعمل لها .والوسائل
العامة للدعوات ل تتغير ول تتبدل ول تعدو هذه المور الثلثة :
- 1اليمان العميق .
- 2التكوين الدقيق .
- 3العمل المتواصل .
وتلك هي وسائلكم العامة أيها الخوان فآمنوا بفكرتكم وتجمعوا حولها
واعملوا لها واثبتوا عليها .
> )<bهـ ( وسائل إضافية <b/> :وقد تكون إلى جانب هذه الوسائل العامة
وسائل إضافية ل بد من الخذ بها وسلوك سبيلها ،منها السلبي ومنها
اليجابي ،ومنها ما يتفق مع عرف الناس ومنها ما يخرج علي هذا العرف
ويخالفه ويناقضه ،ومنها ما فيه لين ومنها ما فيه شدة ،ول بد أن نروض
أنفسنا علي تحمل ذلك كله و العداد لهذا كله حتى نضمن النجاح .قد
يطلب إلينا أن نخالف عادات ومألوفات وأن نخرج علي نظم وأوضاع ألفها
الناس وتعارفوا عليها ،وليست الدعوة في حقيقة أمرها إل خروجا ً علي
المألوفات وتغييرا ً للعادات والوضاع ،فهل أنتم مستعدون لذلك أيها الخوان
؟
> )<bو ( تثبيط <b>:وسيقول كثير من الناس :وماذا تعني هذه الوسائل
؟ وما عساها أن تنفع في بناء أمة وترميم مجتمع هذه المشكلت المزمنة
ومع استقرار الحال علي هذه المفاسد المتعددة ؟ وكيف تعالجون القتصاد
علي غير أساس الربا ؟ وكيف تصنعون في قضية المرأة ؟ وكيف تنالون
حقكم بغير قوة ؟ فاعلموا أيها الخوان أن وساوس الشيطان يلقيها في
أمنية كل مصلح فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم
حكيم واذكروا لهؤلء جميعا ً أن التاريخ يقص علينا من نبأ المم الماضية
والحاضرة ما فيه عظة وعبرة .والمة التي تصمم علي الحياة ل يمكن أن
تموت .
> )<bح ( عوامل النجاح <b/>:ومن الحق أيها الخوان أن نذكر أمام هذه
العقبات جميعا ً أننا ندعو بدعوة الله وهي أسمي الدعوات ،وننادي بفكرة
السلم وهي أقوي الفكر ،ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع
ة( )البقرة , (138:وأن العالم كله
صب ْغَ ً ة الله وم َ
ن اللهِ ِ
م َ
ن ِ
س ُ
ح َ
نأ ِْ َ َ ْ صب ْغَ َ
ِ ),
في حاجة إلى هذه الدعوة وكل ما فيه يمهد لها و يهيئ سبيلها ،وأننا بحمد
الله براء من المطامع الشخصية بعيدون عن المنافع الذاتية ،ول نقصد إل
وجه الله وخير الناس ول نعمل إل ابتغاء مرضاته ،وإننا نترقب تأييد الله
َ ونصره الله فل غالب له ) <b> :ذ َل َ َ
نمُنوا وَأ ّ
نآ َ موَْلى ال ّ ِ
ذي َ ه َ
ن الل َ
ك ب ِأ ِّ
م( )محمد .<b/> (11:فقوة دعوتنا وحاجة إليها ونبالة موَْلى ل َهُ ْ
نل َ
ري َ ال ْ َ
كافِ ِ
مقصدنا وتأييد الله إيانا هي عوامل النجاح التي ل تثبت أمامها عقبة ول يقف
غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ
سلن أك ْث ََر الّنا ِ
ْ ِ ِ َ ِ ّ ه َ ٌ في طريقها عائق َ) <b> :والل ُ
ن( )يوسف.<b/> (21: ي َعْل َ ُ
مو َ
10ـ وصـــيـة
واجــبات
وفقنا الله وإياكم لما يحبه و يرضاه ،وسلك بنا وبكم مسالك الخيار
المهتدين ،وأحيانا ً حياة العزاء السعداء وأماتنا موت المجاهدين والشهداء
إنه نعم المولي ونعم النصير .
مقدمــة
حيـم ِ
ن الّر ِ
مـ ِ
ح َ
ســم ِ اللهِ الّر ْ
ِبـ ْ
أيها الخوان :
كنت أود أن نظل دائما نعمل ول نتكلم ,وأن نكل العمال وحدها الحديث
عن الخوان وخطوات الخوان ,وكنت أحب أن تتصل خطواتكم اللحقة
بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون من غير هذا الفاصل الذي نحدد به
جهاد عشر سنوات مضت لنستأنف مرحلة أخرى من مراحل الجهاد
الدائب في سبيل تحقيق فكرتنا السامية .
ولكنكم أردتم هذا ,وأحببتم أن تسعدونا بهذا الجتماع الشامل فشكرا لكم
,و ل بأس أن ننتهز هذه الفرصة الكريمة فنستعرض نتائجنا ,ونراجع
فهرس أعمالنا ,ونستوثق من مراحل طريقنا ونحدد الغاية والوسيلة
فتتضح الفكرة المبهمة ,و تصحح النظرة الخاطئة ,و تعلم الخطوة
المجهولة ,وتتم الحلقة المفقودة ,ويعرف الناس الخوان المسلمين على
حقيقة دعوتهم ,من غير لبس ول غموض .
ل بأس بهذا ,ول بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة و من سمع
أو قرا هذا البيان ,برأيه في غايتنا و وسيلتنا و خطواتنا فنأخذ الصالح من
رأيه ,و ننزل على الحق من مشورته ,فإن الدين النصيحة لله و لرسوله
ولكتابه ولئمة المسلمين وعامتهم .
اعتقدت هذا و اعتقدت إلى جانبه أنه ليست هناك نظم و ل تعاليم تكفل
سعادة هذه النفوس البشرية و تهدي الناس إلى الطرق لهذه السعادة
كتعاليم السلم الحنيف الفطرية الواضحة ,و ليس هنا مجال تفصيل هذه
التعاليم هذه التعاليم ,و ل مجال التدليل على أنها تتضمن هذه النتيجة ,و
تكفل سعادة البشرية جميعا فلذلك مجال آخر ,فضل عن أننا كلنا فيما
أعتقد شركاء في التسليم بصحة هذه النظرية ,على أن كثيرا من غير
المسلمين يقر بها و يعترف بما في السلم من جمال و كمال .
و لهذا وقفت نفسي منذ نشأت على غاية واحدة هي إرشاد الناس إلى
السلم حقيقة و عمل ,و لهذا كانت فكرة الخوان المسلمين إسلمية
بحتة في غايتها و في وسائلها ,ل تتصل بغير السلم ي شيء .
ظلت هذه الخواطر حديثا نفسانيا ومناجاة روحية بها في نفسي لنفسي ,
و قد أفضي بها إلى كثير ممن حولي ,و قد تظهر في شكل دعة فردية أو
خطابة وعظية أو درس في المساجد إذا سنحت فرصة التدريس ,أو حث
لبعض الصدقاء و العلماء على بذل الهمة و مضاعفة المجهود ,في إنقاذ
الناس و إرشادهم إلى ما في السلم من خير .
ثم كانت في مصر و غيرها من بلدان العالم السلمي حوادث عدة ألهبت
نفسي و أهابت كوامن في قلبي ,و لفتت نظري إلى وجوب الجد و العمل
,و سلوك طريق التكوين بعد التنبيه ,و التأسيس بعد التدريس ,و ل
أطيل عليكم بتفصيل حوادث انتهى أمرها و عفت آثارها ,و فاء إلى الرشد
أو بعض الرشد أصحابها .
و في السماعيلية أيها الخوان وضعت أول نواة تكوينية للفكرة ,و ظهرت
أول هيئة متواضعة نعمل و نحمل لوائها نعاهد الله على الجندية التامة في
سبيلها تحت اسم )الخوان المسلمون( و كان ذلك في ذي القعدة سنة
1347هـ .
) ( 3و إلى جانب هذا أيضا يعتقد الخوان المسلمون أن السلم كدين
عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب و المم لكل العصار و
الزمان ,جاء أكمل و أسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة و خصوصا
في المور الدنيوية البحتة ,فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من
هذه الشؤون ,و يرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها و السير
في حدودها .
و لضمان حق الصواب في هذا التطبيق أو تحريهما على القل ,عني
السلم عناية تامة بعلج النفس النسانية و هي مصدر النظم و مادة
التفكير و التصوير و التشكل ,فوصف لها من الدوية الناجعة ما يطهرها
من الهوى و يغسلها من أضرار الغرض و الغاية و يهديها إلى الكمال و
الفضيلة ,و يزجرها عن الجور القصور العدوان ,و إذا استقامت النفس و
صفت فقد أصبحت كل ما يصدر عنها صالحا جميل ,يقولون إن العدل
ليس في نص القانون و لكنه في نفس القاضي ,و قد تأتي بالقانون
الكامل العادل إلى القاضي ذي الهوى و الغاية فيطبقه تطبيقا جائرا ل
عدل معه ,و قد تأتي بالقانون الناقص و الجائر إلى القاضي الفاضل
العادل البعيد عن الهواء و الغايات فيطبقه تطبيقا فاضل عادل فيه كل
الخير و البر و الرحمة و النصاف و من هنا كانت النفس النسانية محل
عناية كبرى في كتاب الله ,و كانت النفوس الولى التي صاغها هذا
السلم مثال الكمال النساني ,و لهذا كله كانت طبيعة السلم تساير
العصور و المم ,و تتسع لكل الغراض و المطالب ,و لهذا أيضا كان
السلم ل يأبى أبدا الستفادة من كل نظام صالح ل يتعارض مع قواعده
الكلية و أصوله العامة .
ل أحب أيها أن استرسل في هذا البيان فذلك باب و اسع و حسبنا هذه
اللمامة الموجزة تلقي ضوءا على هذا المعنى للفكرة السلمية في
نفوس الخوان المسلمين .
كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للسلم عند الخوان المسلمين أن
شملت فكرتهم كل نواحي الصلح في المة ،وتمثلت فيها كل عناصر
غيرها من الفكر الصلحية ،وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته
،والتقت عندها آمال محبي الصلح الذين عرفوها وفهموا مراميها ،
وتستطيع أن تقول ول حرج عليك ،إن الخوان المسلمين :
) ( 1دعوة سلفية :لنهم يدعون إلى العودة بالسلم إلى معينه
الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.
) ( 2وطريقة سنية :لنهم يحملون أنفسهم علي العمل بالسنة
المطهرة في كل شيء ،وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك
سبيل .
) ( 3وحقيقة صوفية :لنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ،
ونقاء القلب ،والمواظبة علي العمل ،و العراض عن الخلق ،والحب في
الله ،والرتباط علي الخير .
) ( 4وهيئة سياسية :لنهم يطالبون بإصلح الحكم في الداخل وتعديل
النظر في صلة المة السلمية بغيرها من المم في الخارج ،وتربية
الشعب علي العزة والكرامة والحرص علي قوميته إلي أبعد حد .
) ( 5وجماعة رياضية :لنهم يعنون بجسومهم ،ويعلمون أن المؤمن
القوي خير من المؤمن الضعيف ،وأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول :
)إن لبدنك عليك حقا ً( و إن تكاليف السلم كلها ل يمكن أن تؤدي كاملة
صحيحة إل بالجسم القوي ،فالصلة والصوم والحج والزكاة ل بد لها من
جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق ،ولنهم تبعا ً
لذلك يعنون بتشكيلتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرا ً
من الندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها .
) ( 6ورابطة علمية ثقافية :لن السلم يجعل طلب العلم فريضة
علي كل مسلم ومسلمة ،ولن أندية الخوان هي في الواقع مدارس
للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح .
) ( 7وشركة اقتصادية :لن السلم يعني بتدبير المال و كسبه من
وجهه وهو الذي يقول نبيه صلي الله عليه وسلم ) :نعم المال الصالح
للرجل الصالح( ويقول ) :من أمسي كال ً من عمل يده أمسي مغفورا ً له( ،
)إن الله يحب المؤمن المحترف(
) ( 8وفكرة اجتماعية :لنهم يعنون بأدواء المجتمع السلمي
ويحاولون الوصول إلي طرق علجها وشفاء المة منها .
وهكذا نري أن شمول معني السلم قد أكسب فكرتنا شمول ً لكل مناحي
الصلح ،ووجه نشاط الخوان إلي كل هذه النواحي ،وهم في الوقت
الذي يتجه فيه غيرهم إلي ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعا ً
ويعلمون أن السلم يطالبهم بها جميعا ً .
ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الخوان يبدو أمام الناس متناقضا ً وما
هو بمتناقض .
فقد يري الناس الخ المسلم في المحراب خاشعا ً متبتل ً يبكي ويتذلل ،
وبعد قليل سكون هو بعينه واعظا ً مدرسا ً يقرع الذان بزواخر الوعظ ،
وبعد قليل تراه نفسه رياضيا ً أنيقا ً يرمي بالكرة أو يدرب علي العدو أو
يمارس السباحة ،وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول
صناعته في أمانة وفي إخلص .هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة ل
يلتئم بعضها ببعض ،ولو علموا أنها جميعا ً يجمعها السلم ويأمر بها السلم
ويحض عليها السلم لتحققوا فيها مظاهر اللتئام ومعاني النسجام ،ومع
هذا الشمول فقد اجتنب الخوان كل ما يؤخذ علي هذه النواحي من
المآخذ ومواطن النقد والتقصير.
كما اجتنبوا التعصب لللقاب إذ جمعهم السلم الجامع حول لقب واحد هو
الخوان المسلمون.
لعل من صنع الله لدعوة الخوان المسلمين أن تنبت بالسماعيلية ,و أن
يكون ذلك على أثر خلف فقهي بين الهلين و انقسام دام سنوات حول
بعض النقاط الفرعية التي أذكى نار الفرقة فيها ذوو المطامع و الغراض ,
و أن تصادف نشأتها عهد الصراع القوي العنيف بين الجنبي المتعصب و
الوطني المجاهد ,فكان من أثر هذه الظروف أن تميزت هذه الدعوة
بخصائص خالفت فيها كثيرا من الدعوات التي عاصرتها .
و من هذه الخصائص :
) ( 1البعد عن مواطن الخلف
) ( 2البعد عن هيمنة العيان و الكبراء
) ( 3البعد عن الحزاب و الهيئات
) ( 4العناية بالتكوين و التدرج في الخطوات
) ( 5إيثار الناحية العملية النتاجية على الدعاية والعلنات
) ( 6وشدة القبال من الشباب
) ( 7و سرعة النتشار في القرى و المدن
و نحن الن وقد اشتد ساعد الدعوة و صلب عودها و أصبحت تستطيع أن
توجه و ل توجه و أن تؤثر و ل تتأثر ,نهيب بالكبراء و العيان و الهيئات و
الحزاب أن ينضموا إلينا ,و أن يسلكوا سبيلنا و أن يعملوا معنا و أن
يتركوا هذه المظاهر الفارغة التي ل غناء فيها ,و يتوحدوا تحت لواء
القرآن العظيم يستظلوا براية النبي الكريم و منهاج السلم القويم ,فإن
أجابوا فهو خيرهم و سعادتهم في الدنيا و الخرة و تستطيع الدعوة بهم أن
تختصر الوقت و الجهود ,و إن أبوا فل بأس علينا أن ننتظر قليل و نلتمس
المعونة من الله و حده حتى يحاط بهم أو يسقط في أيديهم و يضطرون
إلى العمل للدعوة أذنابا و قد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤساء <b> ,
غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ
ن( )يوسف<b/> (21: س ل ي َعْل َ ُ
مو َ ن أك ْث ََر الّنا ِ
ْ ِ ِ َ ِ ّ ه َ ٌ ) َوالل ُ
- 4التدرج في الخطوات
وأما التدرج والعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الخوان
المسلمين ،فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لبد لها من مراحل ثلث:
مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من
طبقات الشعب ،ثم مرحلة التكوين وتخير النصار وإعداد الجنود وتعبئة
الصفوف من بين هؤلء المدعوين ،ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل
والنتاج ،وكثيرا ً ما تسير هذه المراحل الثلث جنبا ً إلى جنب نظرا ً لوحدة
الدعوة وقوة الرتباط بينها جميعًا ،فالداعي يدعو ،وهو في الوقت نفسه
يتخير ويربي ،وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك .
في حدود هذه المراحل سارت دعوتنا ول تزال تسير ،فقد بدأنا بالدعوة
فوجهناها إلى المة في دروس متتالية وفي رحلت متلحقة وفي
مطبوعات كثيرة وفي حفلت عامة وخاصة ،وفي جريدة الخوان
المسلمين الولى ثم في مجلة النذير السبوعية ،ول زلنا ندعو ،وسنظل
كذلك ،حتى ل يكون هناك فرد واحد لم تصله دعوة الخوان المسلمين
على حقيقتها الناصعة ،وعلى وجهها الصحيح ،ويأبى الله إل أن يتم نوره،
وأظن أننا وصلنا في هذه المرحلة إلى درجة نطمئن عليها وعلى اطراد
السير فيها ،وصار من ألزم واجباتنا أن نخطو الخطوة الثانية ،خطوة
الختيار والتكوين والتعبئة .
1ـ الكتائب :ويراد بها تقوية الصف بالتعارف ،وتمازج النفوس والرواح
ومقاومة العادات والمألوفات ،والمران على حسن الصلة بالله تبارك
وتعالى ،واستمداد النصر منه ،وهذا هو معهد التربية الروحية للخوان
المسلمين.
2ـ الفرق للكشافة والجوالة واللعاب الرياضية :ويراد بها تقوية الصف
بتنمية جسوم الخوان ،وتعويدهم الطاعة والنظام والخلق الرياضية
الفاضلة ،وإعدادهم للجندية الصحيحة التي يفرضها السلم على كل
مسلم ،وهذا هو معهد التربية الجسمية للخوان المسلمين.
بعد أن نطمئن على موقفنا من هذه الخطوة نخطو إن شاء الله الخطوة
الثالثة ،وهي الخطوة العملية التي تظهر بعدها الثمار الكاملة لدعوة
الخوان المسلمين .
مصارحة
أيها الخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم :
اسمعوها مني كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا
الجامع :إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده .ولست
مخالفا ً هذه الحدود التي اقتنعت كل القتناع بأنها أسلم طريق للوصول ،
أجل قد تكون طريقا ً طويلة ولكن ليس هناك غيرها .إنما تظهر الرجولة
بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب ،فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة
قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال ،وخير
له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات .ومن صبر معي
حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في
ذلك علي الله ،ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين :إما النصر والسيادة ،
وإما الشهادة والسعادة .
و أستطيع بعد هذا البيان أن أجلي لكم موقفنا من نظام الحكم الدستوري
عامة ,و من الدستور المصري خاصة :
الواقع أيها الخوان :أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري
التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها ,وعلى
الشورى واستمداد السلطة من المة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب
و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال ,وبيان حدود كل سلطة من
السلطات هذه الصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل النطباق على
تعاليم السلم ونظمه وقواعده في شكل الحكم .
و حسبنا أن نشير هنا إلى قانون النتخاب ,و هو وسيلة اختيار النواب
الذين يمثلون المة و يقومون بتنفيذ دستورها و حمايته ,و ما جره هذا
القانون على المة من خصومات و حزازات ,و ما أنتجه يشهد به الواقع
الملموس ,و لبد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الخطاء و
العمل على تعديلها .
لهذا يعمل الخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة في
الدستور المصري ,و تعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلد ,
و أظن أن موقف الخوان قد وضح بهذا البيان ,و ردت المور إلى نصابها
الصحيح .
إن الخ صالح أفندي عشماوي قد أراد أن يعبر في مقاله الول عن وجهة
النقد التي يراها الخوان فاحتد و اشتد ,و لما نبهناه إلى أن هذا ليس
موقفنا في الواقع ,فنحن نسلم بالمبادئ الساسية للحكم الدستوري
باعتبارها متفقة بل مستمدة من نظام السلم ,و إنما ننقد البهام و
طرائق النفاذ ,أراد أن يعبر عن ذلك و يقر المر في وضعه الطبيعي
بالنسبة للخوان فتساهل و لن ,و هو في كل الموقفين مأجور ,فالخير
أراد ,و نية المرء خير من عمله ,و نحن نشكر الذين أخذوا على الخ
صالح أفندي هذا الموقف ,و ل يضره فيما أعتقد أن يستفيد من هذا التنبيه
فيؤثر العتدال في كل حال ,و أعتقد أنه ل مجال لقول بعد هذا البيان ,
أما المثلة التفصيلية و الدلة الوافية و وصف طرائق العلج و الصلح ففي
رسالة خاصة إن شاء الله .
ضا
فمن غير المفهوم ول المعقول أن يكون القانون في أمة إسلمية متناق ً
مع تعاليم دينها وأحكام قرآنها وسنة نبيها ،مصطدما ً كل الصطدام بما جاء
عن الله ورسوله ،وقد حذر الله نبيه ص من ذلك من قبل ،فقال تبارك
َ ما أ َن َْز َ َ
حذ َْرهُ ْ
م م َوا ْ واَءهُ ْ ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ ل الل ُ م بِ َ م ب َي ْن َهُ ْحك ُ ْ نا ْ وتعالى) <b> :وَأ ِ
ك فَإن تول ّوا َفاعْل َم أ َنما يريد الل َ ما أ َن َْز َ َ
ن
هأ ْ ُ ْ ّ َ ُ ِ ُ ه إ ِل َي ْ َ ِ ْ َ َ ْ ل الل ُ ض َ ِ ن ب َعْ
ك عَ ْ فت ُِنو َ ن يَ ْ أ ْ
َ
ة
جاهِل ِي ّ ِم ال ْ َ حك ْ َن ,أفَ ُ قو َ س ُ فا ِ س لَ َ
ن الّنا ِ م َ ن ك َِثيرا ً ِ م وَإ ِ ّ ض ذ ُُنوب ِهِ ْ م ب ِب َعْ َ ِ
صيب َهُ ْيُ ِ
ن( )المائدة, <b/> (50-49: قوْم ٍ ُيوقُِنو َ كما ً ل ِ َ ح ْن اللهِ ُ م َ ن ِ س ُ ح َ نأ ْ م ْ ن وَ َي َب ُْغو َ
ُ
ه فَأول َئ ِ َ َ
مك هُ ُ ل الل ُ ما أن َْز َ م بِ َ حك ُ ْم يَ ْ ن لَ ْ م ْ ذلك بعد قوله تعالى) <b> :وَ َ
ن( )المائدة، <b/> (47 , 45 , 44: قو َ س ُفا ِ ن ـ ال ْ َ مو َ ظال ِ ُن ـ ال ّ كافُِرو َ ال ْ َ
فكيف يكون موقف المسلم الذي يؤمن بالله وكلماته إذا سمع هذه اليات
البينات وغيرها من الحاديث والحكام ،ثم رأى نفسه محكوما ً بقانون
يصطدم معها؟ فإذا طالب بالتعديل قيل له :إن الجانب ل يرضون بهذا ول
يوافقون عليه ،ثم يقال بعد هذا الحجر والتضييق :إن المصريين
مستقلون وهم لم يملكوا بعد أن يتمتعوا بحرية الدين ،وهي أقدس
الحريات .
وإذا كان الله ورسوله قد حرم الزنا وحظر الربا ومنع الخمور وحارب
الميسر وجاء القانون يحمى الزانية و الزاني ويلزم بالربا ويبيح الخمر
وينظم القمار فكيف يكون موقف المسلم بينهما ؟ أيطيع الله ورسوله
ويعصى الحكومة وقانونها والله خير وأبقى ؟ أم يعصى الله ورسوله ويطيع
الحكومة فيشقى في الخرة والولى ؟ نريد الجواب على هذا من رفعة
رئيس الحكومة و معالي وزير العدل و من علمائنا الفضلء الجلء .
أما الخوان المسلمون فهم ل يوافقون على هذا القانون أبدا ول يرضونه
بحال وسيعملون بكل سبيل على أن يحل مكانه التشريع السلمي العادل
الفاضل في نواحي القانون ولسنا هنا في مقام الرد على ما قيل في هذه
الناحية من شبهات أو ما يعترض سبيلها من توهم العقبات ولكننا في مقام
بيان موقفنا الذي عملنا وسنعمل عليه متخطين في سبيله كل عقبة
موضحين كل شبهة حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
و لقد تقدم الخوان المسلمون إلى معالي وزير العدل بمذكرة إضافية في
هذا الموضوع ,و لقد حذروا الحكومة في نهايتها من إحراج الناس هذا
الحراج ,فالعقيدة أثمن ما في الوجود ,و سوف يعاودون الكّرة ,و
َ ْ
م ُنوَرهُ وَل َ ْ
و ن ي ُت ِ ّ
ه ِإل أ ْ
سوف ل يكون ذلك آخر مجهودهم>) <bوَي َأَبى الل ُ
ن( )التوبة<b/> (32: ك َرِهَ ال ْ َ
كافُِرو َ
الخوان والقومية والعروبة والسلم
كثيرا ما تتوزع أفكار الناس في هذه النواحي الثلثة :الوحدة القومية
والوحدة العربية والوحدة السلمية وقد يضيفون إلى ذلك الوحدة الشرقية
ثم تنطلق اللسنة والفكار بالموازنة بينها وإمكان تحققها أو صعوبة ذلك
المكان ،ومبلغ الفائدة أو الضر منها و التشجيع لبعضها دون البعض الخر
.
إن السلم قد فرضها فريضة لزمة ل مناص منها وأن يعمل كل إنسان
لخير بلده وأن يتفانى في خدمته ,و أن يقدم أكثر ما يستطيع من الخير
للمة التي يعيش فيها وأن يقدم في ذلك القرب فالقرب رحما وجوارا
حتى أنه ل يجز أن تنقل الزكوات أبعد من مسافة القصر – إل لضرورة –
إيثارا للقربين بالمعروف فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التي
هي عليها وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه ومن هنا كان المسلم أعمق
الناس وطنية لن ذلك مفروض عليه من رب العالمين وكان الخوان
المسلمون بالتالي أشد الناس حرصا على خير وطنهم وتفانيا في خدمة
قومهم ,وهم يتمنون لهذه البلد العزيزة المجيدة كل عزة ومجد وكل
تقدم ورقى ,وكل فلح ونجاح ,و قد انتهت إليها رياسة المم السلمية
بحكم ظروف كثيرة تضافرت على هذا الوضع الكريم ,و إن حب المدينة
لم يمنع رسول الله أن يحن إلى مكة و أن يقول لصيل ,و قد أخذ يصفها
)يا أصيل دع القلوب تقر( و أن يجهل بلل يهتف في قرارة نفسه :
ومن هنا كانت وحدة العرب أمرا لبد منه لعادة السلم وإقامة دولته
وإعزاز سلطانه ,ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لحياء الوحدة
العربية وتأييدها ومناصرتها ،وهذا موقف مجموعة البحث من الوحدة
العربية .
بقي علينا أن نحدد موقفنا من الوحدة السلمية ,و الحق أن السلم كما
هو عقيدة وأنه قضى على الفوارق النسبية بين الناس فالله تبارك وتعالى
خوَةٌ( )الحجرات , <b/> (10:والنبي صلى ن إِ ْ
مُنو َ ما ال ْ ُ
مؤْ ِ يقول ) <b> :إ ِن ّ َ
الله عليه وسلم قال) :المسلم أخو المسلم( والمسلمون تتكافأ دماؤهم
ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على سواهم .
وكذلك الخوان المسلمون يقدسون هذه الوحدة ويؤمنون بهذه الجامعة ,
ويعملون لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوان السلم وينادون بأن وطنهم
هو كل شبر أرض فيه مسلم يقول )ل إله إل الله محمد رسول الله( وما
أروع ما قال في هذا المعنى شاعر من شعراء الخوان :
يقول بعض الناس :إن ذلك يناقض تيار الفكرة السائدة في العالم فكرة
التعصب للجناس و اللوان ,و العالم الن تجربة موجة القوميات الجنسية
,فكيف تقفون أمام هذا التيار ,و كيف تخرجون على ما اتفق عليه
الناس ؟
و يقول آخرون :إن ذلك غير ممكن و العمل له عبث ل طائل من تحته و
مجهود ل فائدة منه ,و خير للذين يعملون لهذه الجامعة أن يعملوا
لقوامهم يخدموا أوطانهم الخاصة بجهودهم .
و الجواب على هذا أن هذه لغة الضعف و الستكانة ,فقد كانت هذه المم
مفرقة من قبل متخالفة في كل شيء :الدين و اللغة ,و المشاعر و
المال و اللم ,فوحدها السلم و جمع قلوبها على كلمة سواء ,و مازال
السلم كما هو بحدوده و رسومه ,فإذا وجد من أبنائه من ينهض بعبء
الدعوة إليه و تجديده في نفوس المسلمين ,فإنه يجمع هذه المم جميعا
من جديد كما جمعها من قديم ,و العادة أهون من البتداء ,و التجربة
أصدق دليل على المكان .
يهتف بعض الناس بعد هذا بالوحدة الشرقية ,و أظن أنه لم يثر هذه
النعرة في نفوس الهاتفين بها إل تعصب الغربيين لغربهم و سوء عقيدتهم
في الشرق و أبنائه ,و هم في ذلك مخطئون ,و إذا استمر الغربيون على
عقيدتهم هذه فستجر عليهم الوبال و النكال ,و الخوان المسلمون ل
ينظرون إلى هذه الوحدة الشرقية إل من خلل هذه العاطفة فقط ,و
الشرق و الغرب عندهم سيان إذا استوى موقفهما من السلم ,و هم ل
يزنون الناس إل بهذا الميزان .
و الحاديث التي وردت في وجوب نصب المام ,و بيان أحكام المامة و
تفصيل ما يتعلق بها ,ل تدع مجال للشك في أن من واجب المسلمين أن
يهتموا بالتفكير في أمر خلفتهم منذ حورت عن منهاجها ثم ألغيت بتاتا إلى
الن .
لخوان و الشبان
كثيرا ما يتردد سؤال على أذهان الناس :ما الفرق بين جماعة الخوان
المسلمين و جماعة الشبان ؟ و لماذا ل تكونان هيئة واحدة تعملن على
منهاج واحد ؟
و أحب قبل الجواب أن أؤكد للذين يسرهم وحدة الجهود و تعاون العاملين
أن الخوان و الشبان و بخاصة هنا في القاهرة ,ل يشعرون بأنهم في
ميدان مناقشة و لكن في ميدان تعاون قوي وثيق ,و أن كثيرا من القضايا
السلمية العامة يظهر فيها الخوان و الشبان شيئا واحدا و جماعة
واحدة ,إذ أن الغاية العامة مشتركة و هي العمل لما فيه إعزاز السلم
وإسعاد المسلمين ,و إنما تقع فروق يسيرة في أسلوب الدعوة و في
خطة القائمين بها و توجيه جهودهم في كلتا الجماعتين ,و إن الوقت الذي
ستظهر فيه الجماعات السلمية كلها جبهة موحدة غير بعيد على ما
أعتقد ,الزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله .
كما يعتقد الخوان أن هناك فارقا ً بين حرية الرأي والتفكير والبانة
والفصاح والشورى والنصيحة ،وهو يوجبه السلم ،و بين التعصب للرأي
و الخروج على الجماعة والعمل الدائب على توسيع هوة النقسام في
المة وزعزعة سلطان الحكام ،و هو ما تستلزمه الحزبية و يأباه السلم و
يحرمه أشد التحريم ،و السلم في كل تشريعاته إنما يدعو إلى الوحدة و
التعاون .
هذا مجمل نظرة الخوان إلى قضية الحزبية و الحزاب في مصر ,و هم
لهذا قد طلبوا إلى رؤساء الحزاب ,منذ عام تقريبا أن يطرحوا هذه
الخصومة جانبا و ينضم بعضهم إلى بعض ,كما اقترحوا التوسط في هذه
القضية على صاحب السمو المير عمر طوسون ..كما طلبوا من جللة
الملك حل هذه الحزاب القائمة حتى تندمج جميعا في هيئة شعبية واحدة
تعمل لصالح المة على قواعد السلم .
و إذا كانت الظروف لم تساعد في الماضي على تحقيق هذه الفكرة ,
فإننا نعتقد أن هذا العام كان دليل على صدق نظرة الخوان ,و كان مقنعا
لمن كان في شك بأنه ل خير في بقاء هذه الحزاب ,و سيواصل الخوان
جهودهم في هذا السبيل ,و سيصلون إلى ما يريدون بتوفيق الله و فضل
يقظة المة ,و بتوالي فشل رجال الحزاب في ميادينها سيتحقق قطعا
َ َ
ثمك ُ ُس فَي َ ْ
فعُ الّنا َ
ما ي َن ْ َ
ما َ
فاًء وَأ ّ
ج َ
ب ُما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ
ناموس الله ) <b> :فَأ ّ
ض( )الرعد<b/> . (17: َ
ِفي الْر ِ
يظن بعد رجال الحزاب أننا إنما نقصد بهذه التعاليم هدم حزبهم خدمة
لغيره من الحزاب و جريا وراء منفعة خاصة ,و ليس أدل على خطأ هذه
النظرة من أن هذا الوهم قد سرى إلى نفوس الحزاب جميعا ,فكثير من
رجال الوفد من يتهم الخوان المسلمين بأنهم يعملون لمحاربته و بأنه
وحده هو المقصود بهذه النعوت و الوصاف ,و بأن الخوان إنما يحملون
الناس على محاربته و النفضاض عنه ,و بأنهم إنما يقصدون بذلك خدمة
الحكومة و تقوية الحزاب الممثلة فيها ,و في الوقت الذي نسمع فيه هذه
التهمة بعينها من أحزاب الحكومة أيضا ! فهل هناك دليل أصدق من هذا
على أن الخوان يقفون من الجميع موقفا واحدا ,و يصدرون فيه عن
عقيدتهم ,و يعملون فيه بوحي من ضمائرهم و إيمانهم ؟
أحب أن أقول لخواننا من دعاة الحزاب و رجالها :إن اليوم الذي
يستخدم فيه الخوان المسلمون لغير فكرتهم السلمية البحتة لم يجئ و
لن يجئ أبدا ,و إن الخوان ل يضمرون لحزب من الحزاب أيا كان
خصومة خاصة به ,و لكنهم يعتقدون أن من قرارة نفوسهم أن مصر ل
يصلحها و ل ينقذها إل أن تنحل هذه الحزاب كلها ,و تتألف هيئة وطنية
عاملة تقود المة إلى الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم .
و بهذه المناسبة أقول إن الخوان المسلمين يعتقدون عقم فكرة الئتلف
بين الحزاب ,يعتقدون أنها مسكن ل علج ,و سرعان ما ينقض
المؤتلفون بعضهم على بعض ,فتعود الحرب بينهم جذعة على أشد ما
كانت عليه قبل الئتلف ,و العلج الحاسم الناجح أن تزول هذه الحزاب
مشكورة فقد أدت مهمتها وانتهت الظروف التي أوجدتها و لكل زمان دولة
و رجال كما يقولون .
لخوان و مصر الفتاة
بعد هذا البيان عن موقف الخوان المسلمين ,الذي يمليه عليهم السلم ,
في أهم القضايا الداخلية ,يحسن أن أتحدث إلى حضراتكم عن موقفهم
من الدول الوربية :
السلم كما قدمت يعتبر المسلمين أمة واحدة تجمعها العقيدة و يشارك
بعضها بعضا في المال و اللم ,و أي عدوان يقع على واحدة منها أو على
فرد من المسلمين فهو واقع عليهم جميعا .
أضحكني و أبكاني حكم فقهي رأيته عرضا في كتاب )الشرح الصغير على
أقرب المسالك( قال مؤلفه ) :مسألة امرأة مسلمة سبيت بالمشرق
وجب على أهل المغرب تخليصها و افتداؤها و لو أتي ذلك على جميع
أموال المسلمين( ,و رأيت مثله قبل ذلك في كتاب ) البحر في مذهب
الحناف ( ,رأيت هذا فضحكت و بكيت و قلت لنفسي :أين عيون هؤلء
الكاتبين لتنظر المسلمين جميعا في أسر غيرهم من أهل الكفر و
العدوان ؟؟
أريد أن استخلص من هذا أن الوطن السلمي واحد ل يتجزأ ,و أن
العدوان على جزء من أجزائه عدوان عليه كله ,هذه واحدة ,و الثانية أن
السلم فرض على المسلمين أن يكونوا أئمة في ديارهم ,سادة في
أوطانهم ,بل ليس ذلك فحسب ,بل إن عليهم أن يحملوا غيرهم على
الدخول في دعوتهم و الهتداء بأنوار السلم التي اهتدوا بها من قبل .
و من هنا يعتقد الخوان المسلمين أن كل أمة اعتدت و تعتدي على أوطان
السلم دولة ظالمة لبد أن تكف عن عدوانها و لبد من أن يعد المسلمون
أنفسهم و يعملوا متساندين على التخلص من نيرها .
إن إنجلترا ل تزال تضايق مصر رغم محالفتها إياها ,و ل فائدة في أن
نقول إن المعاهدة نافعة أو ضارة أو ينبغي تعديلها أو يجب إنفاذها فهذا
كلم ل طائل تحته و المعاهدة غل في عنق مصر و قيد في يدها ما في
ذلك شك ,و هل تستطيع أن تستطيع أن تتخلص من هذا القيد إل بالعمل
و حسن الستعداد ؟ فلسان القوة هو أبلغ لسان ,فلتعمل على ذلك و
لتكتسب الوقت إن أرادت الحرية و الستقلل .
و إن إنجلترا ل تزال تسئ إلى فلسطين و تحاول أن تنقص من حقوق
أهلها ,و فلسطين وطن لكل مسلم باعتبارها من أرض السلم و باعتبارها
مهد النبياء ,و باعتبارها مقر المسجد القصى الذي بارك الله حوله ,
ففلسطين دين على إنجلترا للمسلمين ل تهدأ ثائرتهم حتى توفيهم فيه
حقهم ,و إنجلترا تعلم ذلك العلم ,ذلك ما حداها إلى دعوة ممثلي البلد
السلمية إلى مؤتمر لندن ,و آنا ننتهز هذه الفرصة فنذكرها بأن حقوق
العرب ل يمكن أن تنقص ,و بأن هذه العمال القاسية التي يدأب ممثلوها
على ارتكابها في فلسطين ليست مما يساعد على حسن ظن المسلمين
بها ,و خير لها أن تكف هذه الحملت العداونية عن البرياء الحرار ,و إنا
لنبعث لسماحة المفتي الكبر من فوق هذا المنبر أخلص تحيات الخوان
المسلمين بها و أطيب تمنياتهم ,و لن يضر سماحته و لن يضير آل
الحسيني أن تفتش دورهم و يسجن أحرارهم ,فذلك مما يزيدهم شرفا
إلى شرفهم و فخارا إلى فخارهم ,و نذكر الوفود السلمية بمكر إنجلترا و
خداعها و بوجوب القيام على حقوق العرب كاملة غير منقوصة .
و بهذه المناسبة أذكر الخوان بأنه قد تألفت لجنة عامة بدار الشبان
المسلمين من الجمعيات السلمية جميعا ,للتعاون على إصدار قرش
موحد يوزع من أول السنة الهجرية إغاثة لفلسطين المجاهدة ,و سيحل
هذا الطابع محل كل الطوابع المختلفة لكل الهيئات ,فالوصية للخوان أن
يبذلوا جهدهم في تشجيع هذه اللجنة بتوزيع طوابعها حين صدورها ,و
بتصفية ما قد يكون موجودا لديهم من حساب الطوابع القديمة و إعادتها
إلى المكتب لعدامها .
و لنا حساب بعد ذلك مع إنجلترا في القاليم السلمية التي تحتلها بغير
حق ,و التي يفرض السلم على أهلها و علينا معهم أن نعمل لنقاذها و
خلصها .
أما فرنسا التي ادعت صداقة السلم حينا من الدهر فلها مع المسلمين
حساب طويل ,و ل ننسى لها هذا الموقف المخجل مع سوريا الشقيقة ,و
ل ننسى لها موقفها في قضية المغرب القصى و الظهير البربري ,و ل
ننسى أن كثيرا من إخواننا العزاء ,شباب المغرب القصى الوطني الحر
المجاهد ,في أعماق السجون و أطراف المنافي ,و سيأتي اليوم الذي
يصفى فيه هذا الحساب ) <b> ,وت ِل ْ َ َ
س( )آل داوِل َُها ب َي ْ َ
ن الّنا ِ م نُ َ
ك الّيا ُ َ
عمران<b/> . (140:
و ليس حسابنا مع إيطاليا بأقل من حسابنا مع فرنسا ,فطرابلس العربية
المسلمة الجارة القريبة العزيزة ,يعمل الدوتشى و رجاله على إفنائها و
إبادة أهلها و استئصالها و محو كل أثر للعروبة و السلم منها ,و كيف
يكون فيها أثر للعروبة و السلم و قد اعتبرت جزءا من إيطاليا ؟ و ل يجد
الدوتشي بعد ذلك مانعا يمنعه من أن يدعي أنه حامي السلم و أن يطلب
بهذا العنوان صداقة المسلمين !!
هذا الكلم يدمي القلوب و يفتت الكباد ! و حسبي هذه الفواجع في هذا
البيان ,فتلك سلسلة ل آخر لها ,و انتم تعرفون هذا ,و لكن عليكم أن
تبينوه للناس ,و أن تعلموهم أن السلم ل يرضى من أبنائه بأقل من
الحرية والستقلل ،فضل ً عن السيادة وإعلن الجهاد ،ولو كلفهم ذلك
الدم والمال فالموت خير من هذه الحياة ,حياة العبودية و الرق و
الستذلل ! و أنتم إن فعلتم ذلك و صدقتم الله العزيمة فلبد من النصر
إن شاء الله :
َ َ
زيٌز( )المجادلة. (21: َ
ه قوِيّ عَ ِ
ن الل َ
سِلي إ ِ ّ
ن أَنا وَ ُر ُ ْ
ه لغل ِب َ ّ >) <bك َت َ َ
ب الل ُ
><b/
خـاتـمـة
أيها الخوان المسلمون :
تقدمت إليكم في هذا البيان بخلصة وافية موجزة عن فكرتكم في
مظهرها الخاص ,و اليوم كنت احب أن استعرض معكم بعض المشاكل
الجتماعية و القتصادية القائمة في المجتمع المصري ,و إن شئتم فقولوا
السلمي فإن الداء يكون واحدا في الجميع ,لول ضيق الوقت ,و لول أن
ينحصر في واحدة هي :ضعف الخلق و فقدان المثل العليا ,و إيثار
المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ,و الجبن عن مواجهة الحقائق ,و
الهروب من تبعات العلج ,و الفرقة قاتلها الله ,هذا هو الداء ,و الدواء
كلمة واحدة أيضا هي ضد هذه الخلق ,هي علج النفوس أيها الخوان و
تقويم أخلق الشعب :
َ
ها( )الشمس/> . (10-9:
سا َ
ن دَ ّ
م ْ
ب َ ها ,وَقَد ْ َ
خا َ ن َز ّ
كا َ م ْ >) <bقَد ْ أفْل َ َ
ح َ
<b